العناية شرح الهداية

البابرتي

[خطبة الكتاب]

[خِطْبَة الْكتاب] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا فِي الْبِدَايَةِ لِمَعْرِفَةِ الْهِدَايَةِ، وَرَعَانَا بِعَيْنِ الْعِنَايَةِ فِي النِّهَايَةِ عَنْ الْجَهْلِ وَالْغَوَايَةِ، وَجَعَلْنَا مِمَّنْ آمَنَ بِمَا أَنْزَلَ وَاتَّبَعَ الرُّسُلَ وَوُفِّقَ لِلدِّرَايَةِ، وَخَصَّنَا بِأَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْأُمَمِ بِفَضْلٍ مِنْهُ وَكَمَالِ الرِّعَايَةِ. أَحْمَدُهُ عَلَى إفَاضَةِ حُكْمِهِ، وَأَشْكُرُهُ عَلَى سَوَابِغِ نِعَمِهِ، وَأُصَلِّي عَلَى مَنْ اصْطَفَاهُ اللَّهُ لِلرِّسَالَةِ، فَكَانَ خَازِنًا عَلَى وَحْيِهِ حَامِيًا أَمِينًا، وَحَبَاهُ بِمَعْرِفَةِ أُمِّ الْكِتَابِ مَعْدِنِ الْأَنْوَارِ وَالْأَسْرَارِ فَكَانَ إمَامًا حَاوِيًا مُبِينًا، مُحَمَّدٍ الْمَبْعُوثِ إلَى الْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ بِالْكِتَابِ الْعَرَبِيِّ الْمُعْجِزِ الْمُنَوِّرِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْقَائِمِينَ بِنُصْرَةِ الدِّينِ الْقَوِيمِ الْأَزْهَرِ، وَالصَّفْوَةِ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ أُمَّتِهِ الْوَارِثِينَ لِعِلْمِهِ الْعَزِيزِ الْأَنْوَرِ. يَقُولُ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ إلَى رَحْمَةِ رَبِّهِ الْحَفِيِّ، مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَنَفِيُّ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ وَعَامَلَهُمْ بِلُطْفِهِ الْخَفِيِّ: [أَمَّا بَعْدُ] فَإِنَّ كِتَابَ الْهِدَايَةِ لِمَئِنَّةِ الْهِدَايَةِ، لِاحْتِوَائِهِ عَلَى أُصُولِ الدِّرَايَةِ وَانْطِوَائِهِ عَلَى مُتُونِ الرِّوَايَةِ،

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعْلَى مَعَالِمَ الْعِلْمِ وَأَعْلَامَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQخَلَصَتْ مَعَادِنُ أَلْفَاظِهِ مِنْ خُبْثِ الْإِسْهَابِ، وَخَلَتْ نَقُودُ مَعَانِيهِ عَنْ زَيْفِ الْإِيجَازِ وَبَهْرَجِ الْإِطْنَابِ، فَبَرَزَ بُرُوزَ الْإِبْرِيزِ مُرَكَّبًا مِنْ مَعْنًى وَجِيزٍ، تَمَشَّتْ فِي الْمَفَاصِلِ عُذُوبَتُهُ، وَفِي الْأَفْكَارِ رِقَّتُهُ، وَفِي الْعُقُولِ حِدَّتُهُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَرُبَّمَا خَفِيَتْ جَوَاهِرُهُ فِي مَعَادِنِهَا، وَاسْتَتَرَتْ لَطَائِفُهُ فِي مَكَامِنِهَا. فَلِذَلِكَ تَصَدَّى الشَّيْخُ الْإِمَامُ وَالْقَرْمُ الْهُمَامُ، جَامِعُ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ مُقَرِّرُ مَبَانِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ، حُسَامُ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ السِّغْنَاقِيُّ سَقَى اللَّهُ ثَرَاهُ وَجَعَلَ الْجَنَّةَ مَثْوَاهُ؛ لِإِبْرَازِ ذَلِكَ وَالتَّنْقِيرِ عَمَّا هُنَالِكَ، فَشَرَحَهُ شَرْحًا وَافِيًا وَبَيَّنَ مَا أَشْكَلَ مِنْهُ بَيَانًا شَافِيًا، وَسَمَّاهُ النِّهَايَةَ لِوُقُوعِهِ فِي نِهَايَةِ التَّحْقِيقِ، وَاشْتِمَالِهِ عَلَى مَا هُوَ الْغَايَةُ فِي التَّدْقِيقِ، لَكِنْ وَقَعَ فِيهِ بَعْضُ إطْنَابٍ، لَا بِحَيْثُ أَنْ يُهْجَرَ لِأَجْلِهِ الْكِتَابُ، وَلَكِنْ يَعْسُرُ اسْتِحْضَارُهُ وَقْتَ إلْقَاءِ الدَّرْسِ عَلَى الطُّلَّابِ، وَكَانُوا يَقْتَرِحُونَ عِنْدَ الْمُذَاكَرَةِ أَنْ أَخْتَصِرَهُ عَلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ حَلُّ أَلْفَاظِ الْهِدَايَةِ وَبَيَانُ مَبَانِيهِ، وَيَحْصُلُ بِهِ تَطْبِيقُ الْأَدِلَّةِ عَلَى تَقْرِيرِ أَحْكَامِهِ وَمَعَانِيهِ. وَكُنْت أَمْتَنِعُ عَنْ ذَلِكَ غَايَةَ الِامْتِنَاعِ وَأُسَوِّفُهُمْ مِنْ الْأَعْوَامِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ، وَكَانَ امْتِنَاعِي يَزِيدُهُمْ غَرَامًا وَتَسْوِيفِي يُفِيدُهُمْ هُيَامًا، فَلَمْ نَزَلْ عَلَى هَذَا الْمِنْهَاجِ حَتَّى أَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ بِالْحِجَاجِ، فَاسْتَخَرْت اللَّهَ تَعَالَى وَأَقْدَمْت عَلَى هَذَا الْخَطْبِ الْخَطِيرِ، وَتَضَرَّعْت بِضَرَاعَةِ الطَّلَبِ إلَى الْعَالِمِ الْخَبِيرِ فِي اسْتِنْزَالِ كِلَاءَتِهِ عَنْ الزَّلَلِ فِي التَّحْرِيرِ وَالتَّقْرِيرِ، وَجَمَعْت مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوحِ مَا ظَنَنْت أَنَّهُ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَيَكُونُ الِاعْتِمَادُ وَقْتَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ، وَأَشَرْت إلَى مَا يَتِمُّ بِهِ مُقَدَّمَاتُ الدَّلِيلِ وَتَرْتِيبُهُ، وَلَمْ آلُ جَهْدًا فِي تَنْقِيحِهِ وَتَهْذِيبِهِ، وَأَوْرَدْت مَبَاحِثَ لَمْ أَظْفَرْ عَلَيْهَا فِي كِتَابٍ، وَلَمْ تَصِلْ إلَيَّ عَنْ أَحَدٍ لَا بِرِسَالَةٍ وَلَا خِطَابٍ، بَلْ كَانَ خَاطِرِي أَبَا عُذْرِهِ وَمُقْتَضِبَ حُلْوِهِ وَمُرِّهِ. وَسَمَّيْته (الْعِنَايَةَ) لِحُصُولِهِ بِعَوْنِ اللَّهِ وَالْعِنَايَةِ، وَسَأَلْت اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَ بِهِ كَمَا نَفَعَ بِأَصْلِهِ، إنَّهُ أَكْرَمُ مَسْئُولٍ وَأَعَزُّ مَأْمُولٍ. ثُمَّ إنِّي أَرْوِي كِتَابَ الْهِدَايَةِ عَنْ شَيْخِي الْعَلَّامَةِ إمَامِ الْهُدَى مَعْدِنِ التَّقِيِّ، فَرِيدِ عَصْرِهِ وَوَحِيدِ دَهْرِهِ، قُدْوَةِ الْعُلَمَاءِ عُمْدَةِ الْفُضَلَاءِ، قِوَامِ الْحَقِّ وَالْمِلَّةِ وَالدِّينِ الْكَاكِيِّ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ وَنَوَّرَ ضَرِيحَهُ، وَهُوَ يَرْوِيهِ عَنْ شَيْخَيْهِ الْعَلَّامَتَيْنِ الْإِمَامَيْنِ الْهُمَامَيْنِ الْمُجْتَهِدَيْنِ مَوْلَانَا عَلَاءِ الدِّينِ عَبْدِ الْعَزِيزِ صَاحِبِ الْكَشْفِ وَمَوْلَانَا حُسَامِ الدِّينِ حُسَيْنٍ السِّغْنَاقِيِّ صَاحِبِ النِّهَايَةِ، بَرَّدَ اللَّهُ مَضْجَعَهُمَا وَنَوَّرَ بِفَضْلِهِ وَكَرَمِهِ مَهْجَعَهُمَا. وَهُمَا يَرْوِيَانِهِ عَنْ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ السَّالِكِ النَّاسِكِ الْبَارِعِ الْوَرِعِ التَّقِيِّ النَّقِيِّ أُسْتَاذِ الْعُلَمَاءِ مَوْلَانَا حَافِظِ الدِّينِ الْكَبِيرِ، وَعَنْ قُطْبِ الْمُجْتَهِدِينَ وَقُدْوَةِ الْمُحَقِّقِينَ وَأُسْوَةِ الْمُتَّقِينَ مَوْلَانَا فَخْرِ الدِّينِ الْمَايَمُرْغِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ رَحْمَةً وَاسِعَةً، وَهُمَا يَرْوِيَانِهِ عَنْ أُسْتَاذِ أَئِمَّةِ الدُّنْيَا مُظْهِرِ كَلِمَةِ اللَّهِ الْعُلْيَا شَمْسِ الْأَئِمَّةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السِّتَارِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكَرْدَرِيِّ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ وَرِضْوَانِهِ، وَهُوَ يَرْوِيهِ عَنْ شَيْخِهِ شَيْخِ شُيُوخِ الْإِسْلَامِ حُجَّةِ اللَّهِ عَلَى الْأَنَامِ، مُرْشِدِ عُلَمَاءِ الدَّهْرِ مَا تَكَرَّرَتْ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامُ، وَالْمَخْصُوصِ بِالْعِنَايَةِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُمْ وَلِوَالِدَيْهِمْ وَلَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَأَثَابَنَا الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ وَخَتَمَ لَنَا بِخَيْرٍ فِي عَافِيَةٍ أَجْمَعِينَ، إنَّهُ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعْلَى مَعَالِمَ الْعِلْمِ وَأَعْلَامَهُ) اللَّامُ فِي الْحَمْدِ لِلْجِنْسِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ

وَأَظْهَرَ شَعَائِرَ الشَّرْعِ وَأَحْكَامَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ، وَجَعْلُهُ لِلِاسْتِغْرَاقِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَلِلْعَهْدِ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِبَادَ خَالِقُونَ لِأَفْعَالِهِمْ فَيَسْتَحِقُّونَ مِنْ الْحَمْدِ مَا يُقَابِلُهَا فَلَا يَكُونُ الِاسْتِغْرَاقُ صَحِيحًا لَيْسَ بِوَاضِحٍ؛ لِأَنَّ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ مَنْ جَعَلَهُ لِلْعَهْدِ: أَعْنِي الذِّهْنِيَّ، وَصَاحِبُ الْكَشَّافِ جَعَلَهُ لِلْجِنْسِ. وَالْحَمْدُ هُوَ الْوَصْفُ بِالْجَمِيلِ عَلَى جِهَةِ التَّفْضِيلِ، فَقَوْلُنَا هُوَ الْوَصْفُ كَالْجِنْسِ، وَقَوْلُنَا بِالْجَمِيلِ أَخْرَجَ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَقَوْلُنَا عَلَى جِهَةِ التَّفْضِيلِ أَخْرَجَ مَا يَكُونُ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِهْزَاءِ وَالتَّهَكُّمِ، وَالْكَلَامُ فِي اسْمِ الْجَلَالَةِ مِنْ كَوْنِهِ مَنْقُولًا أَوْ مُرْتَجَلًا مُشْتَقًّا أَوْ غَيْرِهِ عَلَمًا أَوْ غَيْرِهِ لَيْسَ مِمَّا يَهُمُّنَا

وَبَعَثَ رُسُلًا وَأَنْبِيَاءَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -. إلَى سُبُلِ الْحَقِّ هَادِينَ، وَأَخْلَفَهُمْ عُلَمَاءَ إلَى سُنَنِ سُنَنِهِمْ دَاعِينَ، يَسْلُكُونَ فِيمَا لَمْ يُؤْثَرْ عَنْهُمْ مَسْلَكَ الِاجْتِهَادِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْآنَ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ الْمَعْنَى الَّذِي يُطْلَقُ عَلَيْهِ هَذَا اللَّفْظُ أَوْ جَمِيعُ أَفْرَادِ ذَلِكَ ثَابِتٌ لِلَّهِ تَعَالَى بِالِاخْتِصَاصِ، وَهُوَ كَمَا تَرَى يُفِيدُ كَوْنَ اللَّهِ تَعَالَى مَحْمُودًا صَدَرَ الْحَمْدُ مِنْ حَامِدٍ أَوْ لَا. وَالْمَعَالِمُ جَمْعُ مَعْلَمٍ وَأَرَادَ بِهِ أُصُولَ الشَّرْعِ لِكَوْنِهَا مَدَارَك الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ، وَالْأَعْلَامُ عُلَمَاؤُهُ، وَالشَّعَائِرُ جَمْعُ شَعِيرَةٍ، قِيلَ وَالْمُرَادُ بِهَا مَا يُؤَدَّى مِنْ الْعِبَادَاتِ عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِهَارِ كَالْأَذَانِ وَالْجُمُعَةِ وَصَلَاةِ الْعِيدِ وَالْأُضْحِيَّةِ، وَالشَّرْعُ بِمَعْنَى الْمَشْرُوعِ أَوْ بِمَعْنَى الشَّارِعِ، وَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ إقَامَةِ الْمُظْهَرِ مَقَامَ الضَّمِيرِ أَوْ بِمَعْنَى الشَّرِيعَةِ، يُقَالُ شَرْعُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا يُقَالُ شَرِيعَةُ مُحَمَّدٍ. وَأَحْكَامُ الشَّرْعِ هِيَ الْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ وَالصِّحَّةُ وَالْفَسَادُ وَغَيْرُهَا، وَحَمْلُ الشَّعَائِرِ عَلَى الْأَسْبَابِ وَالْعِلَلِ وَالشُّرُوطِ وَالْعَلَامَاتِ أَنْسَبُ لِلْأَحْكَامِ، وَيَكُونُ إشَارَةً إلَى بَرَاعَةِ الِاسْتِهْلَالِ، فَإِنَّ كِتَابَهُ هَذَا مُشْتَمِلٌ عَلَى الْأَحْكَامِ مُبَيَّنَةٌ بِذَلِكَ. قَالَ (وَبَعَثَ رُسُلًا وَأَنْبِيَاءً - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -) قِيلَ: الرَّسُولُ هُوَ النَّبِيُّ الَّذِي مَعَهُ كِتَابٌ مُوسَى وَعِيسَى - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَالنَّبِيُّ هُوَ الَّذِي يُنْبِئُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ كِتَابٌ كَيُوشَعَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَقَوْلُهُ (هَادِينَ) أَيْ مُبَيِّنِينَ طُرُقَ الْحَقِّ وَالصَّوَابِ، وَاعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّهُ تَرَكَ ذِكْرَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ كَوْنِهِ الْأَصْلَ الْمُحْتَاجَ إلَى ذِكْرِهِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ مُحَمَّدٌ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَكِنْ جَمَعَهُ تَعْظِيمًا لَهُ وَإِجْلَالًا لِقَدْرِهِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ. وَقَوْلُهُ (دَاعِينَ) كَقَوْلِهِ هَادِينَ فِي كَوْنِهِ صِفَةً مَادِحَةً، وَقَوْلُهُ (يَسْلُكُونَ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِعُلَمَاء وَأَنْ يَكُونَ حَالًا لِاتِّصَافِهِ أَوَّلًا بِدَاعِينَ، وَالنَّكِرَةُ الْمَوْصُوفَةُ جَازَ أَنْ يَقَعَ عَنْهَا الْحَالُ مُتَأَخِّرًا، وَأَنْ يَكُونَ اسْتِئْنَافًا كَأَنَّ قَائِلًا قَالَ: كَيْفَ دَعَوْتُهُمْ إلَى سُنَنِ سُنَنِهِمْ؟ فَقَالَ: يَسْلُكُونَ فِيمَا لَمْ يُؤْثَرْ عَنْهُمْ: أَيْ لَمْ يُوجَدْ عَنْهُمْ مَأْثُورًا: أَيْ مَرْوِيًّا مَسْلَكَ الِاجْتِهَادِ، وَفِيهِ بَيَانُ أَنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ عَنْ الْمَأْثُورِ مِنْهُمْ إذَا وَجَدُوهُ، وَأَنَّهُمْ مُتَّبِعُوهُمْ عَلَى الدَّوَامِ لِأَنَّهُمْ إنْ وَجَدُوا مَأْثُورًا عَنْهُمْ عَمِلُوا بِهِ وَاتَّبَعُوهُمْ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدُوا تَبِعُوهُمْ فِي طَرِيقِهِمْ وَإِذَا لَمْ يُوحَ إلَيْهِمْ، وَهُوَ الِاجْتِهَادُ وَهُوَ اسْتِفْرَاغُ الْفَقِيهِ الْوُسْعَ لِتَحْصِيلِ

مُسْتَرْشِدِينَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ وَلِيُّ الْإِرْشَادِ، وَخَصَّ أَوَائِلَ الْمُسْتَنْبِطِينَ بِالتَّوْفِيقِ حَتَّى وَضَعُوا مَسَائِلَ مِنْ كُلِّ جَلِيٍّ وَدَقِيقٍ غَيْرَ أَنَّ الْحَوَادِثَ مُتَعَاقِبَةُ الْوُقُوعِ، وَالنَّوَازِلُ يَضِيقُ عَنْهَا نِطَاقُ الْمَوْضُوعِ، وَاقْتِنَاصُ الشَّوَارِدِ بِالِاقْتِبَاسِ مِنْ الْمَوَارِدِ، وَالِاعْتِبَارُ بِالْأَمْثَالِ مِنْ صَنْعَةِ الرِّجَالِ، وَبِالْوُقُوفِ عَلَى الْمَآخِذِ يُعَضُّ عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ. وَقَدْ جَرَى عَلَى الْوَعْدِ فِي مَبْدَإِ بِدَايَةِ الْمُبْتَدِي أَنْ أَشْرَحَهَا بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى شَرْحًا أَرْسُمُهُ بِكِفَايَةِ الْمُنْتَهِي، فَشَرَعْت فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالظَّنِّ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ، وَقَدْ قَرَّرْنَا شُرُوطَهُ وَحُكْمَهُ فِي التَّقْرِيرِ. وَقَوْلُهُ (مُسْتَرْشِدِينَ) حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ يَسْلُكُونَ. وَأَرَادَ بِأَوَائِلِ الْمُسْتَنْبِطِينَ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - بِدَلِيلِ قَوْلِهِ حَتَّى وَضَعُوا مَسَائِلَ مِنْ كُلِّ جَلِيٍّ وَدَقِيقٍ، فَإِنَّهُمْ الَّذِينَ تَوَلَّوْا تَمْهِيدًا قَوَاعِدَ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَتَبْيِينَهَا، وَالْمُرَادُ بِالْجَلِيِّ الْمَسَائِلُ الْقِيَاسِيَّةُ لِظُهُورِ إدْرَاكِهَا غَالِبًا، وَبِالدَّقِيقِ الْمَسَائِلُ الِاسْتِحْسَانِيّة لِخَفَاءِ إدْرَاكِهَا، قِيلَ مَا وَضَعَهُ أَصْحَابُنَا مِنْ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ هُوَ أَلْفُ أَلْفٍ وَمِائَةُ أَلْفٍ وَسَبْعُونَ أَلْفًا وَنَيِّفُ مَسْأَلَةٍ. وَقَوْلُهُ (غَيْرَ أَنَّ الْحَوَادِثَ) مَنْصُوبٌ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ قَوْلِهِ حَتَّى وَضَعُوا، وَهُوَ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إذَا كَانَ أَوَائِلُ الْمُسْتَنْبِطِينَ وَضَعُوا مَسَائِلَ مِنْ كُلِّ جَلِيٍّ وَدَقِيقٍ فَأَيُّ حَاجَةٍ تَدْعُو إلَى الِاسْتِنْبَاطِ وَالتَّصْنِيفِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُمْ وَإِنْ وَضَعُوا ذَلِكَ إلَّا أَنَّ الْحَوَادِثَ (مُتَعَاقِبَةُ الْوُقُوعِ، وَالنَّوَازِلَ) أَيْ الْوَاقِعَاتِ (يَضِيقُ عَنْهَا نِطَاقُ الْمَوْضُوعِ) وَالنِّطَاقُ هُوَ الْمِنْطَقَةُ اُسْتُعِيرَ هُنَا لِلْأَجْوِبَةِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ السَّلَفِ فِي الْفَتَاوَى، وَالِاقْتِنَاصُ الِاصْطِيَادُ، وَالشَّوَارِدُ جَمْعُ شَارِدَةٍ وَهِيَ الْآبِدَةُ، الْقَبَسُ شُعْلَةٌ مِنْ نَارٍ، يُقَالُ اقْتَبَسْت مِنْهُ نَارًا وَاقْتَبَسْت مِنْهُ عِلْمًا: أَيْ اسْتَفَدْته، وَالْمَوَارِدُ جَمْعُ الْمَوْرِدِ، اسْتَعَارَ الشَّوَارِدَ لِلْأَحْكَامِ الْمُسْتَخْرَجَةِ مِنْ الْأُصُولِ بِالِاسْتِنْبَاطِ بِجَامِعِ عُسْرِ الْوُصُولِ إلَى الْمَقْصُودِ، وَاسْتَعَارَ الْمَوَارِدَ لِلْأُصُولِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا مَحَلُّ الْوُصُولِ: يَعْنِي كَمَا أَنَّ اصْطِيَادَ الصُّيُودِ النَّافِرَةِ مِنْ مَوَارِدِهَا وَمَنَاهِلِهَا فَكَذَا اصْطِيَادُ الْحَوَادِثِ الْفِقْهِيَّةِ مِنْ الْأُصُولِ: أَيْ الْكِتَابِ وَالسَّنَةِ وَالْإِجْمَاعِ بِالِاعْتِبَارِ، وَبَيَّنَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ لَيْسَ صَنْعَةَ كُلِّ أَحَدٍ بَلْ مِنْ صَنْعَةِ الرِّجَالِ الْكَامِلِينَ فِي الرُّجُولِيَّةِ. وَقَوْلُهُ (بِالْوُقُوفِ عَلَى الْمَآخِذِ) خَبَرٌ ثَانٍ لِقَوْلِهِ وَالِاعْتِبَارُ بِالْأَمْثَالِ. وَقَوْلُهُ (يَعَضُّ عَلَيْهَا) حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي الْخَبَرِ وَمَعْنَاهُ: وَقِيَاسُ الْأَحْكَامِ عَلَى نَظَائِرِهَا إنَّمَا هُوَ مِنْ صَنْعَةِ الْكُمَّلِ مِنْ الرِّجَالِ وَهُوَ بِالْوُقُوفِ عَلَى الْمَآخِذِ حَالَ كَوْنِهَا يَعَضُّ عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ: يَعْنِي إذَا كَانَ الْوُقُوفُ بِإِحْكَامٍ وَإِتْقَانٍ، ثُمَّ قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ الْحَوَادِثَ إلَخْ اعْتِذَارٌ عَنْ الشُّرُوعِ فِي التَّصْنِيفِ. وَقَوْلُهُ (وَالِاعْتِبَارُ بِالْأَمْثَالِ) إنْ كَانَ ذِكْرُهُ هَضْمًا لِنَفْسِهِ عَنْ مَرْتَبَةِ التَّصْنِيفِ كَانَ مَعْنَاهُ وَالِاعْتِبَارُ بِالْأَمْثَالِ مِنْ صَنْعَةِ الرِّجَالِ وَبِالْوُقُوفِ الْمُحْكَمِ الْمُتْقَنِ عَلَى الْمَآخِذِ وَلَسْت مِنْهُمْ وَلَا حَصَلَ لِي وَلَكِنْ كَانَ قَدْ جَرَى عَلَيَّ الْوَعْدُ فِي مَبْدَإِ بِدَايَةِ الْمُبْتَدِي أَنْ أَشْرَحَهَا شَرْحًا أَرْسُمُهُ بِكِفَايَةِ الْمُنْتَهَى فَشَرَعْت فِيهِ حَالَ كَوْنِ الْوَعْدِ يَسُوغُ بَعْضَ الْمَسَاغِ لِئَلَّا أَكُونَ مِمَّنْ إذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِنَّمَا قَالَ بَعْضَ الْمَسَاغِ لِأَنَّ الْوَعْدَ بِالتَّبَرُّعِ غَيْرُ مُوجِبٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مُجَوِّزٌ حِينًا، وَإِلَى

وَالْوَعْدُ يَسُوغُ بَعْضَ الْمَسَاغِ، وَحِينَ أَكَادُ أَتَّكِئُ عَنْهُ اتِّكَاءَ الْفَرَاغِ، تَبَيَّنْتُ فِيهِ نُبَذًا مِنْ الْإِطْنَابِ وَخَشِيتُ أَنْ يُهْجَرَ لِأَجْلِهِ الْكِتَابُ، فَصَرَفْتُ الْعِنَانَ وَالْعِنَايَةَ إلَى شَرْحٍ آخَرَ مَوْسُومٍ بِالْهِدَايَةِ، أَجْمَعُ فِيهِ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى بَيْنَ عُيُونِ الرِّوَايَةِ وَمُتُونِ الدِّرَايَةِ، تَارِكًا لِلزَّوَائِدِ فِي كُلِّ بَابٍ، مُعْرِضًا عَنْ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْإِسْهَابِ، مَعَ مَا أَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى أُصُولٍ يَنْسَحِبُ عَلَيْهَا فُصُولٌ، وَأَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُوَفِّقَنِي لِإِتْمَامِهَا، وَيَخْتِمَ لِي بِالسَّعَادَةِ بَعْدَ اخْتِتَامِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا الْمَعْنَى: أَعْنِي كَوْنَهُ هَضْمًا لِنَفْسِهِ ذَهَبَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَتَاجِ الشَّرِيعَةِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَإِنْ كَانَ ذَكَرَهُ لِبَيَانِ صَلَاحِيَتِهِ لِذَلِكَ كَانَ مَعْنَاهُ وَأَنَا مِنْهُمْ هُمْ رِجَالٌ وَنَحْنُ رِجَالٌ، وَحَصَلَ الْوُقُوفُ لَنَا عَلَى الْمَآخِذِ بِالْإِتْقَانِ كَمَا حَصَلَ لَهُمْ فَجَازَ لَنَا الِاعْتِبَارُ، وَالْحَالُ أَنَّهُ قَدْ جَرَى عَلَيَّ الْوَعْدُ، وَهُوَ مِمَّا يَسُوغُ بَعْضَ الْمَسَاغِ: يَعْنِي مُنْفَرِدًا عَنْ صَلَاحِيَةِ الْوَاعِدِ لِلْإِتْيَانِ بِالْمَوْعِدِ فَكَيْفَ مَعَ الصَّلَاحِيَةِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ لَكِنْ لَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْته مِنْ الْعِبَارَةِ. وَقَوْلُهُ (وَحِينَ أَكَادُ أَتَّكِئُ عَنْهُ اتِّكَاءَ الْفَرَاغِ) قِيلَ عَدَّى الِاتِّكَاءَ بِعَنْ وَإِنْ كَانَتْ تَعْدِيَتُهُ بِعَلَى لِتَضْمِينِ مَعْنَى الْفَرَاغِ، وَرُدَّ بِأَنَّ مَعْنَاهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ وَحِينَ أَكَادُ أَفْرَغُ عَنْهُ فَرَاغَ الْفَرَاغِ وَهُوَ تَرْكِيبٌ فَاسِدٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ عَنْهُ صِلَةُ الْفَرَاغِ قُدِّمَ عَلَيْهِ رِعَايَةً لِلسَّجْعِ. وَقَوْلُهُ (تَبَيَّنْت) أَيْ عَلِمْت، وَالنَّبْذُ الشَّيْءُ الْقَلِيلُ، وَقَوْلُهُ (فَصَرَفْت الْعَنَانَ وَالْعِنَايَةَ) يَعْنِي عَنَانَ الْخَاطِرِ وَعِنَايَةَ الْقَلْبِ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْعَنَانِ الظَّاهِرُ وَبِالْعِنَايَةِ الْبَاطِنُ. وَقَوْلُهُ (أَجْمَعَ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ صَرَفْت وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةَ شَرْحٍ، وَعُيُونُ الرِّوَايَةِ هِيَ الَّتِي اخْتَارَهَا الْعُلَمَاءُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، فَإِذًا عَيْنُ الشَّيْءِ خِيَارُهُ وَمُتُونُ الدِّرَايَةِ الْمَعَانِي الْمُؤَثِّرَةُ وَالنِّكَاتُ الْمَتِينَةُ. وَقَوْلُهُ فِي كُلِّ بَابٍ: يَعْنِي مِنْ الرِّوَايَةِ وَالدِّرَايَةِ، وَقَوْلُهُ (عَنْ هَذَا النَّوْعِ) إشَارَةٌ إلَى الَّذِي وَقَعَ فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى وَخَافَ أَنْ يَهْجُرَ لِأَجْلِهِ الْكِتَابَ، وَالْإِسْهَابُ هُوَ الْإِطْنَابُ، وَهُوَ التَّكَلُّمُ بِأَزْيَدَ مِنْ مُتَعَارَفِ الْأَوْسَاطِ. وَقَوْلُهُ (مَعَ مَا أَنَّهُ) دَفْعٌ لِمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ مُوجَزًا خَلَا عَنْ الْأُصُولِ وَالْفُصُولِ فَكَانَ أَوْلَى بِالْهَجْرِ مِنْ الْأَوَّلِ فَقَالَ لَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مَعَ كَوْنِهِ خَالِيًا عَنْ الْإِطْنَابِ مُشْتَمِلٌ عَلَى أُصُولٍ يَنْسَحِبُ عَلَيْهَا فُصُولٌ، وَهُوَ كَمَا قَالَ جَزَاهُ اللَّهُ عَنْ الطَّلَبَةِ خَيْرًا يَطَّلِعُ عَلَى ذَلِكَ مَنْ خَدَمَ كِتَابَهُ حَقَّ خِدْمَتِهِ، فَمَا ظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي فَسَادِ الْبَيْعِ بِالشَّرْطِ بِكُلِّ شَرْطٍ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَفِيهِ نَفْعٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ يَفْسُدُ الْبَيْعُ، فَإِنَّ فِي كُلِّ قَيْدٍ مِنْهُ احْتِرَازًا عَمَّا يُضَادُّهُ وَجَمْعًا لَمَا يُوَافِقُهُ. وَقَوْلُهُ (لِإِتْمَامِهَا وَاخْتِتَامِهَا) الضَّمِيرُ لِلْهِدَايَةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ فِيهِمَا

حَتَّى إنَّ مَنْ سَمَتْ هِمَّتُهُ إلَى مَزِيدِ الْوُقُوفِ يَرْغَبُ فِي الْأَطْوَلِ وَالْأَكْبَرِ، وَمَنْ أَعْجَلَهُ الْوَقْتُ عَنْهُ يَقْتَصِرْ عَلَى الْأَقْصَرِ وَالْأَصْغَرِ. وَلِلنَّاسِ فِيمَا يَعْشَقُونَ مَذَاهِبُ وَالْفَنُّ خَيْرٌ كُلُّهُ. ثُمَّ سَأَلَنِي بَعْضُ إخْوَانِي أَنْ أُمْلِيَ عَلَيْهِمْ الْمَجْمُوعَ الثَّانِي، فَافْتَتَحْتُهُ مُسْتَعِينًا بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي تَحْرِيرِ مَا أُقَاوِلُهُ مُتَضَرِّعًا إلَيْهِ فِي التَّيْسِيرِ لِمَا أُحَاوِلُهُ، إنَّهُ الْمُيَسِّرُ لِكُلِّ عَسِيرٍ وَهُوَ عَلَى مَا يَشَاءُ قَدِيرٌ وَبِالْإِجَابَةِ جَدِيرٌ، وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالضَّمِيرُ لِلشَّرْحَيْنِ. وَقَوْلُهُ (حَتَّى إنَّ مَنْ سَمَتْ) مُتَّصِلٌ بِتَارِكًا لِلزَّوَائِدِ أَوْ بِصُرِفَتْ، وَسَمَتْ بِمَعْنَى عَلَتْ، وَالْمَزِيدُ مَصْدَرٌ كَالزِّيَادَةِ (وَمَنْ أَعْجَلَهُ الْوَقْتُ) بِمَعْنَى عَجَّلَهُ: أَيْ اسْتَحَثَّهُ، وَإِسْنَادُهُ إلَى الْوَقْتِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ كَصِيَامِ النَّهَارِ وَالشِّعْرِ لِأَبِي فِرَاسٍ، وَقَبْلَهُ: عَلَيَّ لِرَبْعِ الْعَامِرِيَّةِ وَقْفَةٌ ... لِيُمْلِيَ عَلَيَّ الشَّوْقُ وَالدَّمْعُ كَاتِبُ وَمِنْ عَادَتِي حُبُّ الدِّيَارِ لِأَهْلِهَا ... وَلِلنَّاسِ فِيمَا يَعْشَقُونَ مَذَاهِبُ (وَالْفَنُّ خَيْرٌ كُلُّهُ) أَيْ هَذَا الْفَنُّ وَهُوَ عِلْمُ الْفِقْهِ كُلُّهُ خَيْرٌ، فَإِنْ شِئْت فَارْغَبْ فِي الْأَقْصَرِ وَالْأَخْصَرِ حِفْظًا وَتَحْصِيلًا وَإِنْ شِئْت فِي الْأَطْوَلِ وَالْأَكْبَرِ كَشْفًا وَتَأْصِيلًا. وَقِيلَ مَعْنَاهُ جِنْسُ الْعِلْمِ حَسَنٌ فَارْغَبْ فِي أَيِّ نَوْعٍ شِئْت، وَهُوَ كَلَامٌ صَحِيحٌ لَكِنْ لَا تَقْرِيبَ لَهُ هُنَا، وَالْمُرَادُ بِالْمَجْمُوعِ الثَّانِي هُوَ الْهِدَايَةُ، وَكَأَنَّهُ بَعْدَ صَرْفِ الْعَنَانِ وَالْعِنَايَةِ لَمْ يَشْرَعْ فِيهِ حَتَّى سَأَلَهُ إخْوَانُهُ الْإِمْلَاءَ عَلَيْهِمْ فَافْتَتَحَ مُسْتَعِينًا بِاَللَّهِ فِي تَحْرِيرِ: أَيْ تَقْوِيمِ مَا يُقَاوِلُهُ وَتَلْخِيصِهِ. وَفِي لَفْظِ الْمُفَاعِلَةِ مَزِيدُ مُزَاوَلَةٍ وَمُقَاسَاةٍ لَيْسَ فِي الْقَوْلِ. وَحَاوَلْت الشَّيْءَ أَرَدْته، وَيُقَالُ فُلَانٌ جَدِيرٌ بِكَذَا: أَيْ خَلِيقٌ بِهِ. رُوِيَ أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ بَقِيَ فِي تَصْنِيفِ الْكِتَابِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَكَانَ صَائِمًا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ لَا يُفْطِرُ أَصْلًا، وَكَانَ يَجْتَهِدُ أَلَّا يَطَّلِعَ عَلَى صَوْمِهِ أَحَدٌ، فَإِذَا أَتَى خَادِمٌ بِطَعَامٍ يَقُولُ خَلِّهِ وَرُحْ، فَإِذَا رَاحَ كَانَ يُطْعِمُهُ أَحَدَ الطَّلَبَةِ أَوْ غَيْرَهُمْ، فَكَانَ بِبَرَكَةِ زُهْدِهِ وَوَرَعِهِ كِتَابُهُ مُبَارَكًا مَقْبُولًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ.

[كتاب الطهارات]

كِتَابُ الطِّهَارَاتِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الطَّهَارَاتِ] الْكِتَابُ وَالْكِتَابَةُ فِي اللُّغَةِ: جَمْعُ الْحُرُوفِ، وَالْكِتَابُ قَدْ يُعْرَفُ بِأَنَّهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ اُعْتُبِرَتْ مُسْتَقِلَّةً شَمَلَتْ أَنْوَاعًا أَوْ لَمْ تَشْمَلْ، فَقَوْلُهُ طَائِفَةٌ كَالْجِنْسِ، وَقَوْلُهُ مِنْ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ احْتِرَازٌ عَنْ غَيْرِهَا، وَقَوْلُهُ اُعْتُبِرَتْ مُسْتَقِلَّةً: أَيْ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ تَبَعِيَّتِهَا لِلْغَيْرِ أَوْ تَبَعِيَّةِ غَيْرِهَا لَهَا لِيَدْخُلَ فِيهِ هَذَا الْكِتَابُ فَإِنَّهُ تَابِعٌ لِلصَّلَاةِ، وَيَدْخُلُ كِتَابُ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ مُسْتَتْبِعٌ لِلطَّهَارَةِ، وَقَدْ اُعْتُبِرَا مُسْتَقِلَّيْنِ، أَمَّا كِتَابُ الطَّهَارَةِ فَلِكَوْنِهِ الْمِفْتَاحَ، وَأَمَّا كِتَابُ الصَّلَاةِ فَلِكَوْنِهِ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ، فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ اعْتِبَارَ الِاسْتِقْلَالِ قَدْ يَكُونُ لِانْقِطَاعِهِ عَنْ غَيْرِهِ ذَاتًا كَكِتَابِ اللُّقَطَةِ عَنْ كِتَابِ الْآبِقِ وَكِتَابِ الْمَفْقُودِ وَانْقِطَاعِهِمَا عَنْ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، وَقَدْ يَكُونُ لِمَعْنًى يُورِثُ ذَلِكَ كَانْقِطَاعِ الصَّرْفِ عَنْ الْبُيُوعِ وَالرَّضَاعِ عَنْ النِّكَاحِ وَالطَّهَارَةِ عَنْ الصَّلَاةِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَقَوْلُهُ شَمَلَتْ أَنْوَاعًا أَوْ لَمْ تَشْمَلْ لِدَفْعِ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ الْكِتَابُ اسْمٌ لِجِنْسٍ يَدْخُلُ تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ مِنْ الْحِكَمِ وَكُلُّ نَوْعٍ يُسَمَّى بِالْبَابِ، وَالْبَابُ اسْمٌ لِنَوْعٍ يَشْتَمِلُ عَلَى أَشْخَاصٍ تُسَمَّى فُصُولًا، فَإِنَّ الْكِتَابَ قَدْ يَكُونُ كَذَلِكَ وَقَدْ لَا يَكُونُ، فَإِنَّ مِنْ الْكُتُبِ مَا لَا يُذْكَرُ فِيهِ بَابٌ وَلَا فَصْلٌ كَكِتَابِ اللُّقَطَةِ وَاللَّقِيطِ وَالْآبِقِ وَغَيْرِهَا عَلَى مَا يَأْتِي، فَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ لَرُبَّمَا تُوُهِّمَ ذَلِكَ فَذَكَرَهُ دَفْعًا لِذَلِكَ. وَالطَّهَارَةُ فِي اللُّغَةِ ظَاهِرَةٌ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ عِبَارَةٌ عَنْ صِفَةٍ تَحْصُلُ لِمُزِيلِ الْحَدَثِ أَوْ الْخُبْثِ عَمَّا تَتَعَلَّقُ بِهِ الصَّلَاةُ، وَالْمُرَادُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ طَبْعًا أَوْ شَرْعًا، وَكَلِمَةُ أَوْ لَيْسَتْ بِمَانِعَةِ الْجَمْعِ فَلَا يَفْسُدُ بِهَا الْحَدُّ، وَقَوْلُهُ عَمَّا تَتَعَلَّقُ بِهِ الصَّلَاةُ لِيَتَنَاوَلَ الْمَكَانَ فَإِنَّ طَهَارَتَهُ شَرْطٌ عَلَى مَا يَأْتِي، وَرُكْنُهَا اسْتِعْمَال الْمُزِيلِ، وَشَرْطُ وُجُوبِهَا الْحَدَثُ أَوْ الْخُبْثُ، وَسَبَبُهَا وُجُوبُ الصَّلَاةِ: لَا وُجُودُهَا، لِأَنَّ وُجُودَهَا مَشْرُوطٌ بِهَا فَكَانَ مُتَأَخِّرًا عَنْهَا، وَالْمُتَأَخِّرُ لَا يَكُونُ سَبَبًا

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] الْآيَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْمُتَقَدِّمِ. وَحُكْمُهَا إبَاحَةُ الصَّلَاةِ أَوْ مَا يُضَاهِيهَا لِمَنْ قَامَتْ بِهِ. وَإِنَّمَا جَمَعَ الطِّهَارَاتِ نَظَرًا إلَى أَنْوَاعِهَا، وَلَا يُشْكِلُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ لِأَنَّ الْإِتْيَانَ بِالْجَمْعِ فِي مِثْلِهِ أَحَدُ الْجَائِزَيْنِ فَلَا يَرِدُ تَرْكُهُ نَقْضًا. وَوَجْهُ تَخْصِيصِ الطَّهَارَةِ بِذَلِكَ أَنَّ أَنْوَاعَهَا أَحْسَنُ بِالتَّنْبِيهِ عَلَيْهَا لِتَفَاوُتِهَا مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ وَالْحُكْمُ وَالْخِفَّةُ وَالْغِلَظُ، بِخِلَافِ أَنْوَاعِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، وَلَا يُشْكِلُ بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ لِأَنَّهَا دُعَاءٌ، وَإِنَّمَا ابْتَدَأَ بِكِتَابِ الطَّهَارَةِ لِأَنَّهَا مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ عِمَادُ الدِّينِ الْوَاجِبُ تَقْدِيمُهَا بَعْدَ الْإِيمَانِ عَلَى كُلِّ عِبَادَةٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] تَبَرَّكَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِتَقْدِيمِ الْآيَةِ الدَّالَّةِ عَلَى فَرْضِيَّةِ الْوُضُوءِ عَلَى حُكْمِهَا وَإِنْ كَانَتْ الْقَاعِدَةُ فِي الدَّعَاوَى تَقْدِيمَ الْمُدَّعَى، وَمَعْنَى قَوْلِهِ {إِذَا قُمْتُمْ} [المائدة: 6] إذَا أَرَدْتُمْ الْقِيَامَ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْمُسَبَّبِ وَإِرَادَةِ السَّبَبِ الْخَاصِّ، فَإِنَّ الْفِعْلَ الِاخْتِيَارِيَّ لَا يُوجَدُ بِدُونِ الْإِرَادَةِ، وَذَلِكَ مَجَازٌ شَائِعٌ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْتِفَاتٌ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ، وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْوُضُوءِ عَلَى كُلِّ قَائِمٍ إلَى الصَّلَاةِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الظَّاهِرِ مُحْدِثًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ قَالُوا: مَعْنَاهُ إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ وَأَنْتُمْ مُحْدِثُونَ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَفْوِيتُ الْمَقْصُودِ الْأَصْلِيِّ بِالِاشْتِغَالِ بِمُقَدِّمَاتِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرُوا كَانَ كُلُّ مَنْ جَلَسَ مُتَوَضِّئًا لَزِمَهُ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ وُضُوءٌ آخَرُ، وَفِي ذَلِكَ تَفْوِيتُ الصَّلَاةِ بِالِاشْتِغَالِ بِالْوُضُوءِ، وَلِأَنَّ الْحَدَثَ شَرْطُ وُجُوبِ الْوُضُوءِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ فَإِنَّهُ ذَكَرَ التَّيَمُّمَ فِي قَوْلِهِ {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [المائدة: 6] إلَى قَوْلِهِ

(فَفَرْضُ الطَّهَارَةِ: غَسْلُ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَمَسْحُ الرَّأْسِ) بِهَذَا النَّصِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] مَقْرُونًا بِذِكْرِ الْحَدَثِ وَهُوَ بَدَلٌ عَنْ الْوُضُوءِ. وَالنَّصُّ فِي الْبَدَلِ نَصٌّ فِي الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا أُضْمِرَ قَوْلُهُ وَأَنْتُمْ مُحْدِثُونَ كَرَاهَةَ أَنْ يَفْتَتِحَ آيَةَ الطَّهَارَةِ بِذِكْرِ الْحَدَثِ كَمَا قَالَ {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] وَلَمْ يَقُلْ هُدًى لِلضَّالِّينَ الصَّائِرِينَ إلَى التَّقْوَى بَعْدَ الضَّلَالِ كَرَاهَةَ أَنْ يَفْتَتِحَ أُولَى الزَّهْرَاوَيْنِ بِذِكْرِ الضَّلَالَةِ. وَاعْتُرِضَ عَلَى الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْجُلُوسَ فِي الْوُضُوءِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَلَا يَتِمُّ مَا ذَكَرْتُمْ، وَعَلَى الثَّانِي بِأَنَّ الْآيَةَ بِعِبَارَتِهَا تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْوُضُوءِ عَلَى كُلِّ قَائِمٍ، وَآيَةُ التَّيَمُّمِ تَدُلُّ بِدَلَالَتِهَا عَلَى وُجُوبِهِ عَلَى الْمُحْدِثِينَ، وَالْعِبَارَةُ قَاضِيَةٌ عَلَى الدَّلَالَةِ كَمَا عُرِفَ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ: سَلَّمْنَا أَنَّ الْجُلُوسَ فِي الْوُضُوءِ غَيْرُ وَاجِبٍ لَكِنْ خِلَافُ مَا ذَكَرْنَا يُفْضِي إلَى وُجُوبِ الْقِيَامِ لِلْوُضُوءِ دَائِمًا لِأَنَّ أَدَاءَ الصَّلَاةِ لَا يَتَحَقَّقُ إذْ ذَاكَ إلَّا إذَا تَوَضَّأَ قَائِمًا، وَذَلِكَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَمَا يُفْضِي إلَى الْبَاطِلِ بَاطِلٌ. وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا ظَهَرَ أَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ غَيْرُ مُرَادٍ فَلَا تَقْتَضِي عِبَارَتُهُ الْوُضُوءَ عَلَى كُلِّ قَائِمٍ فَتَسْلَمُ الدَّلَالَةُ عَنْ الْمُعَارِضِ وَيَسْقُطُ السُّؤَالُ الثَّانِي. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالدَّلَالَةِ فَاسِدٌ هَاهُنَا لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ وُجُوبِ التَّيَمُّمِ بِوُجُوبِ الْحَدَثِ وَالتَّيَمُّمُ بَدَلٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يُخَالِفَ الْبَدَلُ الْأَصْلَ فِي الشَّرْطِ فَإِنَّهُ خَالَفَهُ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ وَهِيَ شَرْطٌ لَا مَحَالَةَ. وَالْجَوَابُ أَنَّ كَلَامَنَا فِي مُخَالَفَةِ الْبَدَلِ الْأَصْلُ فِي شَرْطِ السَّبَبِ، فَإِنَّ إرَادَةَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ بِشَرْطِ الْحَدَثِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ التَّيَمُّمِ، وَالْبَدَلُ لَا يُخَالِفُ الْأَصْلَ فِي سَبَبِهِ، وَمَا ذَكَرْتُمْ لَيْسَ بِشَرْطِ السَّبَبِ، فَإِنَّ إرَادَةَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ بِشَرْطِ نِيَّةِ التَّيَمُّمِ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ لَهُ، وَإِنَّمَا النِّيَّةُ شَرْطُ صِحَّةِ التَّيَمُّمِ لَا شَرْطُ سَبَبِهِ. قَالَ (فَفَرَضَ الطَّهَارَةَ) الْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ دَخَلَتْ عَلَى الْحُكْمِ بَعْدَ ذِكْرِ الدَّلِيلِ، وَالْفَرْضُ بِمَعْنَى الْمَفْرُوضِ، وَالْمُرَادُ بِالطَّهَارَةِ الْوُضُوءُ، وَالْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ، وَإِنَّمَا فَسَّرَ الْغُسْلَ وَالْمَسْحَ مَعَ ظُهُورِ مَعْنَاهُمَا إشَارَةً إلَى دَفْعِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ تَكْرَارِ مَسْحِ الرَّأْسِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ، وَإِلَى أَنَّ الْبَلَلَ بِالْمَاءِ فِي الْمَغْسُولَاتِ لَا يُسْقِطُ الْفَرْضَ كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقُصَاصُ الشَّعْرِ مُنْتَهَاهُ وَغَايَتُهُ فِي الرَّأْسِ. وَفِي الْقَافِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ وَالضَّمُّ أَعْلَاهَا. وَقَوْلُهُ

وَالْغَسْلُ هُوَ الْإِسَالَةُ وَالْمَسْحُ هُوَ الْإِصَابَةُ. وَحَدُّ الْوَجْهِ مِنْ قِصَاصِ الشَّعْرِ إلَى أَسْفَلِ الذَّقَنِ وَإِلَى شَحْمَتَيْ الْأُذُنِ؛ لِأَنَّ الْمُوَاجَهَةَ تَقَعُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْهَا (وَالْمِرْفَقَانِ وَالْكَعْبَانِ يَدْخُلَانِ فِي الْغَسْلِ) عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْهَا) اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الثُّلَاثِيَّ لَا يَكُونُ مُشْتَقًّا مِنْ الْمُنْشَعِبَةِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الِاشْتِقَاقِ الصَّغِيرِ، وَأَمَّا فِي الِاشْتِقَاقِ الْكَبِيرِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ كَلِمَتَيْنِ تَنَاسُبٌ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى فَهُوَ جَائِزٌ، وَالْمِرْفَقَانِ وَالْكَعْبَانِ يَدْخُلَانِ فِي الْغُسْلِ عِنْدَنَا. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَدْخُلَانِ لِأَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلَ تَحْتَ الْمُغَيَّا كَاللَّيْلِ فِي الصَّوْمِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لِزُفَرَ يُخَالِفُ مَا ذُكِرَ لَهُ فِي نُسَخِ الْأُصُولِ، فَإِنَّ الْمَذْكُورَ لَهُ فِيهَا تَعَارُضُ الْأَشْبَاهِ وَهُوَ أَنَّ مِنْ الْغَايَاتِ مَا يَدْخُلُ كَقَوْلِهِ قَرَأْت الْقُرْآنَ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ، وَمِنْهَا مَا لَا يَدْخُلُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] وَقَوْلُهُ {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] وَهَذِهِ الْغَايَةُ: أَعْنِي الْمَرَافِقَ تُشْبِهُ كُلًّا مِنْهُمَا فَلَا تَدْخُلُ بِالشَّكِّ، وَتَأْوِيلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ هَذِهِ الْغَايَةَ: أَعْنِي الْمَرَافِقَ لَا تَدْخُلُ بِتَعَارُضِ الْأَشْبَاهِ كَمَا لَمْ تَدْخُلْ فِي قَوْلِهِ {إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] وَلَنَا أَنَّ هَذِهِ الْغَايَةَ لِإِسْقَاطِ مَا وَرَاءَهَا: يَعْنِي أَنَّ الْغَايَةَ عَلَى نَوْعَيْنِ: نَوْعٌ يَكُونُ لِمَدِّ الْحُكْمِ إلَيْهَا، وَنَوْعٌ يَكُونُ لِإِسْقَاطِ مَا وَرَاءَهَا. وَالْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا حَالُ صَدْرِ الْكَلَامِ، فَإِنْ كَانَ مُتَنَاوِلًا لِمَا وَرَاءَهَا كَانَتْ لِلثَّانِي وَإِلَّا فَلِلْأَوَّلِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الثَّانِي لِأَنَّ ذِكْرَ الْيَدِ يَتَنَاوَلُ الْآبَاطَ بِدَلِيلِ أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَهْم أَهْلُ اللِّسَانِ

هُوَ يَقُولُ: الْغَايَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْمُغَيَّا كَاللَّيْلِ فِي بَابِ الصَّوْمِ. وَلَنَا أَنَّ هَذِهِ الْغَايَةَ لِإِسْقَاطِ مَا وَرَاءَهَا إذْ لَوْلَاهَا لَاسْتَوْعَبَتْ الْوَظِيفَةُ الْكُلَّ، وَفِي بَابِ الصَّوْمِ لِمَدِّ الْحُكْمِ إلَيْهَا إذْ الِاسْمُ يُطْلَقُ عَلَى الْإِمْسَاكِ سَاعَةً، ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَالْكَعْبُ هُوَ الْعَظْمُ النَّاتِئُ هُوَ الصَّحِيحُ وَمِنْهُ الْكَاعِبُ. قَالَ (وَالْمَفْرُوضُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ مِقْدَارُ النَّاصِيَةِ وَهُوَ رُبْعُ الرَّأْسِ) لِمَا رَوَى الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ وَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى نَاصِيَتِهِ وَخُفَّيْهِ» وَالْكِتَابُ مُجْمَلٌ فَالْتَحَقَ بَيَانًا بِهِ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي التَّقْدِيرِ بِثَلَاثِ شَعَرَاتٍ، وَعَلَى مَالِكٍ فِي اشْتِرَاطِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَهِمُوا ذَلِكَ مِنْ آيَةِ التَّيَمُّمِ فَتَبْقَى الْمَرْفِقُ دَاخِلَةً، بِخِلَافِ ذِكْرِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْإِمْسَاكَ سَاعَةً فَكَانَتْ لِمَدِّ الْحُكْمِ إلَيْهَا فَيَبْقَى اللَّيْلُ خَارِجًا (وَالْكَعْبُ هُوَ الْعَظْمُ النَّاتِئُ) النَّتْءُ وَالنُّتُوءُ الِارْتِفَاعُ. وَقَوْلُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا رَوَاهُ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ هُوَ الْمَفْصِلُ الَّذِي فِي وَسَطِ الْقَدَمِ عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ، قَالَ: لِأَنَّ الْكَعْبَ اسْمٌ لِلْمَفْصِلِ وَمِنْهُ كُعُوبُ الرُّمْحِ، وَاَلَّذِي فِي وَسَطِ الْقَدَمِ مَفْصِلٌ وَهُوَ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ، وَهَذَا صَحِيحٌ فِي الْمُحْرِمِ إذَا لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ خُفَّيْهِ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ، فَأَمَّا فِي الطَّهَارَةِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ الْعَظْمُ النَّاتِئُ الْمُتَّصِلُ بِعَظْمِ السَّاقِ، وَمِنْهُ الْكَاعِبُ وَهِيَ الْجَارِيَةُ الَّتِي يَبْدُو ثَدْيُهَا لِلنُّهُودِ (قَوْلُهُ وَالْمَفْرُوضُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ) أَيْ الْمُقَدَّرِ عَلَى جِهَةِ الْفَرْضِيَّةِ (مِقْدَارُ النَّاصِيَةِ وَهُوَ رُبْعُ الرَّأْسِ) وَهُوَ كَمَا تَرَى يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ مِنْ أَيِّ جَانِبٍ كَانَ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ لِمَا رَوَى الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ وَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى نَاصِيَتِهِ وَخُفَّيْهِ» وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى إيرَادِ الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ وَمَسَحَ عَلَى نَاصِيَتِهِ مَعَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ، لِأَنَّ نَقْلَ الْحَدِيثِ بِمَا يَتْلُوهُ مِنْ الْحِكَايَةِ يُوجِبُ صِحَّتَهُ وَوَكَادَتَهُ. قِيلَ هُوَ حَدِيثٌ وَاحِدٌ، وَقِيلَ حَدِيثَانِ جَمَعَ الْقُدُورِيُّ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي ذُكِرَ فِيهِ السُّبَاطَةِ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ الْمَسْحُ عَلَى النَّاصِيَةِ وَاَلَّذِي ذُكِرَ فِيهِ الْمَسْحُ عَلَيْهَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ السُّبَاطَةُ، وَالسُّبَاطَةُ الْكُنَاسَةُ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْحَالِّ وَإِرَادَةِ الْمَحَلِّ. وَقَوْلُهُ (وَالْكِتَابُ مُجْمَلٌ فَالْتَحَقَ بَيَانًا بِهِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ خَبَرٌ وَاحِدٌ لَا يُزَادُ بِهِ عَلَى الْكِتَابِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْكِتَابِ بَلْ الْكِتَابُ مُجْمَلٌ فَالْتَحَقَ الْخَبَرُ بَيَانًا بِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَقَعَ خَبَرُ الْوَاحِدِ بَيَانًا لِمُجْمَلِ الْكِتَابِ، وَفِيهِ بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْكِتَابَ مُجْمَلٌ لِأَنَّ الْمُجْمَلَ مَا لَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهِ إلَّا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِبَيَانٍ مِنْ الْمُجْمِلِ، وَالْعَمَلُ بِهَذَا النَّصِّ مُمْكِنٌ بِحَمْلِهِ عَلَى الْأَقَلِّ لِتَيَقُّنِهِ سَلَّمْنَا أَنَّهُ مُجْمَلٌ وَالْخَبَرُ بَيَانٌ لَهُ، وَلَكِنَّ الدَّلِيلَ أَخَصُّ مِنْ الْمَدْلُولِ، فَإِنَّ الْمَدْلُولَ مِقْدَارُ النَّاصِيَةِ وَهُوَ رُبْعُ الرَّأْسِ، وَالدَّلِيلُ يَدُلُّ عَلَى تَعَيُّنِ النَّاصِيَةِ، وَمِثْلُهُ لَا يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ. سَلَّمْنَاهُ وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مِقْدَارَ النَّاصِيَةِ فَرْضٌ لِأَنَّ الْفَرْضَ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ، وَخَبَرُ الْوَاحِدِ لَا يُفِيدُ الْقَطْعَ، سَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ لَازِمَهُ وَهُوَ تَكْفِيرُ الْجَاحِدِ مُنْتَفٍ فَيَنْتَفِي الْمَلْزُومُ. وَالْجَوَابُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَمَلَ بِهِ قَبْلَ الْبَيَانِ مُمْكِنٌ قَوْلُهُ يَحْمِلُهُ عَلَى الْأَقَلِّ، قُلْنَا: لَا أَقَلَّ مِنْ شَعْرَةٍ وَالْمَسْحُ عَلَيْهَا لَا يُمْكِنُ إلَّا بِزِيَادَةٍ عَلَيْهَا، وَمَا لَا يُمْكِنُ الْفَرْضُ إلَّا بِهِ فَهُوَ فَرْضٌ، وَالزِّيَادَةُ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ فَتَحَقَّقَ الْإِجْمَالُ فِي الْمِقْدَارِ، وَالْبَيَانُ إنَّمَا يَكُونُ لِمَا فِيهِ الْإِجْمَالُ، فَكَأَنَّ النَّاصِيَةَ بَيَانٌ لِلْمِقْدَارِ لَا لِلْمَحَلِّ الْمُسَمَّى نَاصِيَةً، إذْ لَا إجْمَالَ فِي الْمَحَلِّ فَكَانَ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْخَاصِّ وَإِرَادَةِ الْعَامِّ، وَهُوَ مَجَازٌ شَائِعٌ فَكَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْعُمُومِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ إذَا لَحِقَ بَيَانًا لِلْمُجْمَلِ كَانَ الْحُكْمُ بَعْدَهُ مُضَافًا إلَى

الِاسْتِيعَابِ. وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: قَدَّرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِثَلَاثِ أَصَابِعَ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدِ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ مَا هُوَ الْأَصْلُ فِي آلَةِ الْمَسْحِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُجْمَلِ دُونَ الْبَيَانِ وَالْمُجْمَلُ مِنْ الْكِتَابِ، وَالْكِتَابُ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ، وَلَا نُسَلِّمُ انْتِفَاءَ اللَّازِمِ لِأَنَّ الْجَاحِدَ مَنْ لَا يَكُونُ مُؤَوِّلًا، وَمُوجِبُ الْأَقَلِّ أَوْ الِاسْتِيعَابُ مُؤَوِّلٌ يَعْتَمِدُ شُبْهَةً قَوِيَّةً، وَقُوَّةُ الشُّبْهَةِ تَمْنَعُ التَّكْفِيرَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، أَلَا تَرَى أَنَّ أَهْلَ الْبِدَعِ لَمْ يَكْفُرُوا بِمَا مَنَعُوا مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ الْقَطْعِيُّ فِي نَظَرِ أَهْلِ السُّنَّةِ لِتَأْوِيلِهِمْ. وَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا كَانَ حُجَّةً عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي التَّقْدِيرِ بِثَلَاثِ شَعَرَاتٍ، وَعَلَى مَالِكٍ فِي اشْتِرَاطِهِ الِاسْتِيعَابَ (قَوْلُهُ: وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ قَدَّرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِثَلَاثِ أَصَابِعَ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ مَا هُوَ الْأَصْلُ فِي آلَةِ الْمَسْحِ) وَهِيَ الْأَصَابِعُ، قِيلَ هِيَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِكَوْنِهَا الْمَذْكُورَةَ فِي الْأَصْلِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَوْ وَضَعَ الْأَصَابِعَ وَلَمْ يَمُدَّهَا جَازَ، بِخِلَافِ الْأُولَى. .

قَالَ (وَسُنَنُ الطَّهَارَةِ غَسْلُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا الْإِنَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَسُنَنُ الطَّهَارَةِ غَسْلُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا الْإِنَاءَ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ بَيَّنَ سُنَنَهُ، وَالسَّنَةُ هِيَ الطَّرِيقَةُ الْمَسْلُوكَةُ فِي الدِّينِ، وَحُكْمُهَا أَنْ يُثَابَ عَلَى الْفِعْلِ وَيَسْتَحِقَّ الْمَلَامَةَ بِالتَّرْكِ لَا غَيْرُ. وَسُنَنُ الطَّهَارَةِ: أَيْ الْوُضُوءِ وَالْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ، وَإِنَّمَا جَمَعَ دُونَ الْفَرْضِ لِأَنَّ الْفَرْضَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ فَرُوعِيَ ذَلِكَ وَاسْتَغْنَى عَنْ الْجَمْعِ بِخِلَافِ السُّنَّةِ، وَذِكْرُ الْإِنَاءِ وَقَعَ عَلَى عَادَتِهِمْ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ مِنْ الْأَتْوَارِ. وَطَرِيقُ غَسْلِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا الْإِنَاءَ أَنْ يَأْخُذَ الْإِنَاءَ بِشِمَالِهِ إنْ كَانَ صَغِيرًا وَيَصُبَّ عَلَى يَمِينِهِ فَيَغْسِلَهَا ثَلَاثًا، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا لَا يُمْكِنُهُ

إذَا اسْتَيْقَظَ الْمُتَوَضِّئُ مِنْ نَوْمِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلَا يَغْمِسَنَّ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» وَلِأَنَّ الْيَدَ آلَةُ التَّطْهِيرِ فَتُسَنُّ الْبُدَاءَةُ بِتَنْظِيفِهَا، وَهَذَا الْغَسْلُ إلَى الرُّسْغِ لِوُقُوعِ الْكِفَايَةِ بِهِ فِي التَّنْظِيفِ. قَالَ (وَتَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا وُضُوءَ ـــــــــــــــــــــــــــــQرَفْعُهُ يَأْخُذُ عَنْهُ الْمَاءَ بِإِنَاءٍ آخَرَ صَغِيرٍ إنْ كَانَ مَعَهُ فَيَصُبُّهُ بِشِمَالِهِ عَلَى يَمِينِهِ، وَإِلَّا يُدْخِلْ أَصَابِعَ يَدِهِ الْيُسْرَى مَضْمُومَةً دُونَ الْكَفِّ، وَيَصُبَّ عَلَى يَمِينِهِ فَيَغْسِلَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ يُدْخِلُ الْيَمِينَ. وَقَوْلُهُ: (إذَا اسْتَيْقَظَ الْمُتَوَضِّئُ) نُقِلَ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْكَرْدَرِيِّ أَنَّهُ شَرْطٌ حَتَّى إذَا لَمْ يَسْتَيْقِظْ لَا يُسَنُّ غَسْلُهُمَا وَقِيلَ هُوَ شَرْطٌ اتِّفَاقِيٌّ، خَصَّ الْمُصَنِّفُ غَسْلَهُمَا بِالْمُسْتَيْقِظِ تَبَرُّكًا بِلَفْظِ الْحَدِيثِ. وَالسَّنَةُ تَشْمَلُ الْمُسْتَيْقِظَ وَغَيْرَهُ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ. وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ بِالْحَدِيثِ أَنَّ الْوُضُوءَ وَاجِبٌ، وَقَدْ لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِالْغَمْسِ، وَالْغَمْسُ حَرَامٌ حَتَّى يَغْسِلَ الْيَدَ ثَلَاثًا فَيَكُونَ الْغَمْسُ وَالْغَسْلُ وَاجِبَيْنِ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، لَكِنْ تَرَكْنَا الْوُجُوبَ إلَى السُّنَّةِ فِي الْغَسْلِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّلَ بِتَوَهُّمِ النَّجَاسَةِ، وَتَوَهُّمُهَا لَا يُوجِبُ التَّنَجُّسَ الْمُوجِبَ لِلْغَسْلِ فَكَانَ دَلِيلًا عَلَى التَّوَرُّعِ وَالِاحْتِيَاطِ. وَقَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ الْيَدَ آلَةُ التَّطْهِيرِ) مَبْنَاهُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، لَكِنَّهُ تُرِكَ لِأَنَّ طَهَارَةَ الْعُضْوِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ، وَالرُّسْغُ مُنْتَهَى الْكَفِّ عِنْدَ الْمَفْصِلِ. . وَقَوْلُهُ: (وَتَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ) قَالَ الطَّحَاوِيُّ: هُوَ أَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ السَّلَفِ، وَقِيلَ إنَّهُ مَرْفُوعٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يُسَمِّ اللَّهَ» وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنْ لَا لِنَفْيِ الْجِنْسِ فَبِحَقِيقَتِهِ يَقْتَضِي أَلَّا يَكُونَ وُضُوءٌ إلَّا بِتَسْمِيَةٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَصْحَابُ الظَّوَاهِرِ وَأَحْمَدُ وَجَعَلُوا التَّسْمِيَةَ مِنْ شُرُوطِ الْوُضُوءِ، لَكِنَّا قُلْنَا الْمُرَادُ بِهِ نَفْيُ الْفَضِيلَةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ نَسْخُ آيَةِ الْوُضُوءِ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ فَحِينَئِذٍ كَانَ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَهُوَ أَفَادَ الْوُجُوبَ. أُجِيبَ بِأَنَّ خَبَرَ الْفَاتِحَةِ مَشْهُورٌ دُونَهُ وَالْحُكْمُ يَثْبُتُ بِقَدْرِ دَلِيلِهِ

لِمَنْ لَمْ يُسَمِّ اللَّهَ» وَالْمُرَادُ بِهِ نَفْيُ الْفَضِيلَةِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ وَإِنْ سَمَّاهَا فِي الْكِتَابِ سُنَّةً، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَجَازَ بِهِ الزِّيَادَةُ عَلَى الْكِتَابِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَبِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاظَبَ عَلَى الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ دُونَ التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّهُ رَوَى «أَنَّ مُهَاجِرَ بْنَ قُنْفُذٍ سَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ وُضُوئِهِ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْك إلَّا أَنِّي كَرِهْت أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ إلَّا عَلَى طَهَارَةٍ» وَرُبَّمَا تَمَسَّكَ بِهِ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَنْكَرَ التَّسْمِيَةَ فِي أَوَّلِ الْوُضُوءِ فَقَالَ: أَتُرِيدُ أَنْ تَذْبَحَ، إشَارَةً إلَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ فِي الذَّبْحِ دُونَ الْوُضُوءِ، وَذَلِكَ كَمَا تَرَى يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ قَبْلَ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ، وَكَوْنُهَا سُنَّةً مُخْتَارُ الطَّحَاوِيِّ وَالْقُدُورِيِّ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ التَّسْمِيَةَ مُسْتَحَبَّةٌ وَإِنْ سَمَّاهَا فِي الْكِتَابِ يَعْنِي الْقُدُورِيَّ سُنَّةً لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهَا. رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQحَكَيَا وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمَا التَّسْمِيَةُ. وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمَّى فَهُوَ

وَيُسَمِّي قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ وَبَعْدَهُ هُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ (وَالسِّوَاكُ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُوَاظِبُ عَلَيْهِ وَعِنْدَ فَقْدِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ بَابِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَمْ يُبْدَأْ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ فَهُوَ أَبْتَرُ» (وَيُسَمِّي قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ وَبَعْدَهُ هُوَ الصَّحِيحُ) دُونَ مَا قِيلَ يُسَمِّي قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ لِمَا أَنَّهُ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ فَيُسَمِّي قَبْلَهُ لِيَقَعَ جَمِيعُ أَفْعَالِ الْوُضُوءِ فَرْضُهَا وَسُنَنُهَا بِالتَّسْمِيَةِ، وَمَا قِيلَ يُسَمِّي بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ؛ لِأَنَّ قَبْلَهُ حَالُ كَشْفِ الْعَوْرَةِ وَذِكْرُ اللَّهِ حَالَ كَشْفِ الْعَوْرَةِ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ هُوَ الصَّحِيحَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَمْ يُبْدَأُ فِيهِ بِذِكْرِ اللَّهِ» يَسْتَدْعِي التَّسْمِيَةَ فِي ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ، وَالِاسْتِنْجَاءُ لَمَّا كَانَ مُلْحَقًا بِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ طَهَارَةٌ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُبْدَأَ بِهَا. وَقَوْلُهُ: (وَالسِّوَاكُ) أَيْ اسْتِعْمَالُهُ حُذِفَ الْمُضَافُ لِأَمْنِ الْإِلْبَاسِ. وَالسِّوَاكُ اسْمٌ لِخَشَبَةٍ مُعَيَّنَةٍ لِلِاسْتِيَاكِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ الْأَشْجَارِ الْمُرَّةِ؛ لِأَنَّهُ يُطَيِّبُ النَّكْهَةَ وَيَشُدُّ الْأَسْنَانَ وَيُقَوِّي الْمَعِدَةَ، وَيَكُونُ فِي غِلَظِ الْخِنْصَرِ وَطُولِ الشِّبْرِ، وَيَسْتَاكُ عَرْضًا لَا طُولًا عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ (؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُوَاظِبُ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ فَقْدِهِ) كَانَ

يُعَالِجُ بِالْأُصْبُعِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ كَذَلِكَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُسْتَحَبُّ. قَالَ (وَالْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَهُمَا عَلَى الْمُوَاظَبَةِ. وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يُمَضْمِضَ ثَلَاثًا يَأْخُذُ لِكُلِّ مَرَّةٍ مَاءً جَدِيدًا ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ كَذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُعَالِجُ بِالْأُصْبُعِ) وَالْمُوَاظَبَةُ مَعَ التَّرْكِ دَلِيلُ السُّنِّيَّةِ وَبِدُونِهِ دَلِيلُ الْوُجُوبِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى تَرْكِهِ حَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ فِيهِ تَعْلِيمُ السِّوَاكِ، فَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَعَلَّمَهُ، وَيُسْتَدَلُّ بِتَرْكِ التَّعْلِيمِ عَلَى تَرْكِهِ دَفْعًا لِلتَّعَارُضِ، فَإِنَّ عَدَمَ التَّرْكِ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ وَتَرْكُ التَّعْلِيمِ عَلَى عَدَمِهِ فَكَانَ تَدَافُعٌ. . وَقَوْلُهُ: (وَالْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُمَا عَلَى الْمُوَاظَبَةِ) يَعْنِي مَعَ التَّرْكِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى التَّرْكِ حَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. وَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا حَكَتْ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ تَذْكُرْ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ، وَإِنَّمَا تَعَرَّضَ لِكَيْفِيَّتِهِمَا نَفْيًا لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ عِنْدَهُ الْأَفْضَلَ أَنْ يَتَمَضْمَضَ وَيَسْتَنْشِقَ بِكَفٍّ بِمَاءٍ وَاحِدٍ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ كَذَلِكَ، وَلَنَا أَنَّ الْفَمَ وَالْأَنْفَ عُضْوَانِ مُنْفَرِدَانِ فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِمَاءٍ وَاحِدٍ كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ، وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْتَعِنْ بِالْيَدَيْنِ كَمَا فِي غَسْلِ الْوَجْهِ بَلْ اسْتَعْمَلَ الْكَفَّ الْوَاحِدَ. .

هُوَ الْمَحْكِيُّ مِنْ وُضُوءٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ) وَهُوَ سُنَّةٌ بِمَاءِ الرَّأْسِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: (وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ وَهُوَ سُنَّةٌ بِمَاءِ الرَّأْسِ) أَيْ لَا بِمَاءٍ جَدِيدٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ يَقُولُ: هُوَ سُنَّةٌ بِمَاءٍ جَدِيدٍ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: انْتِصَابُ خِلَافًا جَازَ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ بِإِضْمَارِ فِعْلِهِ أَيْ قَوْلُنَا هَذَا يُخَالِفُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، أَوْ هَذَا الْمَذْكُورُ فِي مَعْنًى يُخَالِفُ فَكَانَ مَصْدَرًا مُؤَكَّدًا لِمَضْمُونِ الْجُمْلَةِ كَقَوْلِهِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ اعْتِرَافًا، اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِمَا رَوَى أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ لِأُذُنَيْهِ مَاءً جَدِيدًا» . وَلَنَا مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ بِمَاءٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ» . وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ أَنَّ الْمُرَادَ

وَالْمُرَادُ بَيَانُ الْحُكْمِ دُونَ الْخِلْقَةِ. قَالَ (وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِقَوْلِهِ «الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ» : إمَّا أَنْ يَكُونَ لِبَيَانِ الْحَقِيقَةِ وَهُوَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - غَيْرُ مَبْعُوثٍ لِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مُشَاهَدٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ، أَوْ بَيَانِ أَنَّهُمَا مَمْسُوحَانِ كَالرَّأْسِ لَا بِمَاءِ الرَّأْسِ وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ فِي أَمْرٍ لَا يُوجِبُ كَوْنَ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ كَالرِّجْلِ مِنْ الْوَجْهِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْغَسْلِ وَالْخُفِّ مِنْ الرَّأْسِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَسْحِ. وَإِمَّا لِبَيَانِ أَنَّهُمَا مَمْسُوحَانِ بِمَاءِ الرَّأْسِ، وَذَلِكَ يُنَاسِبُ الذِّكْرَ عِنْدَ مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ بِمَاءٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ أَبْعَاضِ الرَّأْسِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا جَازَ أَنْ يُمْسَحَ بِمَاءٍ وَاحِدٍ فَكَذَا إذَا حَكَمَ الشَّرْعُ بِذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْزِئَ مَسْحُهُمَا عَنْ مَسْحِ الرَّأْسِ. أُجِيبَ بِأَنَّ كَوْنَ الْأُذُنِ مِنْ الرَّأْسِ ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَلَا يَقَعُ عَمَّا ثَبَتَ بِالْكِتَابِ، كَمَا أَنَّ التَّوَجُّهَ إلَى الْحَطِيمِ لَا يُجْزِئُ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مِنْ الْبَيْتِ ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَالتَّوَجُّهُ إلَى الْبَيْتِ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ فَلَا يُجْزِئُ عَنْهُ مَا ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لِئَلَّا يَلْزَمَ نَسْخُ الْكِتَابِ بِهِ. وَقَوْلُهُ: (وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ) قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَزَلَ عَلَيَّ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَمَرَنِي أَنْ أُخَلِّلَ لِحْيَتِي إذَا تَوَضَّأْت» وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ أَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ، إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ لِئَلَّا يُعَارِضَ الْكِتَابَ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَزِمَ ذَلِكَ أَنْ لَوْ أَفَادَ

وَقِيلَ هُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، لِأَنَّ السُّنَّةَ إكْمَالُ الْفَرْضِ فِي مَحَلِّهِ وَالدَّاخِلُ لَيْسَ بِمَحَلِّ الْفَرْضِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَرْضِيَّةَ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَأَمَّا إذَا أَفَادَ الْوُجُوبَ فَلَا مَانِعَ عَنْهُ كَخَبَرِ الْفَاتِحَةِ. وَالْحَقُّ أَنَّ الْوُجُوبَ يَثْبُتُ بِالْمُوَاظَبَةِ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: مَا رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ خَلَّلَ بِهِ لِحْيَتَهُ وَقَالَ بِهَذَا أَمَرَنِي رَبِّي» ، لَمْ يَثْبُتْ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً. وَعَنْ هَذَا نَقَلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: مَسْحُ اللِّحْيَةِ جَائِزٌ لَيْسَ بِسُنَّةٍ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ جَائِزٌ أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يُنْسَبُ إلَى الْبِدْعَةِ، وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَقَوْلُهُ: (؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ) يَعْنِي فِي الْوُضُوءِ (إكْمَالُ الْفَرْضِ فِي مَحَلِّهِ وَالدَّاخِلُ) أَيْ دَاخِلِ اللِّحْيَةِ (لَيْسَ بِمَحَلِّ الْفَرْضِ) لِعَدَمِ وُجُوبِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ سُنَّتَانِ، وَدَاخِلُ الْفَمِ وَالْأَنْفِ لَيْسَ مَحَلَّ الْفَرْضِ فِي الْوُضُوءِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْفَمَ وَالْأَنْفَ مِنْ الْوَجْهِ مِنْ وَجْهٍ؛ إذْ لَهُمَا حُكْمُ الْخَارِجِ مِنْ وَجْهٍ، وَالْوَجْهُ

قَالَ (وَتَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خَلِّلُوا أَصَابِعَكُمْ كَيْ لَا تَتَخَلَّلُهَا نَارُ جَهَنَّمَ» وَلِأَنَّهُ إكْمَالُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَحَلُّ الْفَرْضِ. . وَقَوْلُهُ: (خَلِّلُوا) لَمْ يُفِدْ الْوُجُوبَ وَإِنْ كَانَ مَقْرُونًا بِالْوَعِيدِ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ الْأَعْرَابِيِّ وَالْأَخْبَارَ الَّتِي حُكِيَ فِيهَا وُضُوءُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ التَّخْلِيلِ فِيهَا يَصْرِفُهُ عَنْ إفَادَةِ الْوُجُوبِ. وَالْوَعِيدُ مَصْرُوفٌ

الْفَرْضِ فِي مَحَلِّهِ. قَالَ (وَتَكْرَارُ الْغَسْلِ إلَى الثَّلَاثِ) «لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَقَالَ: هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ تَعَالَى الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ، وَتَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَقَالَ: هَذَا وُضُوءُ مَنْ يُضَاعِفُ اللَّهُ لَهُ الْأَجْرَ مَرَّتَيْنِ، وَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَقَالَ: هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ تَعَدَّى وَظَلَمَ» . وَالْوَعِيدُ لِعَدَمِ رُؤْيَتِهِ سُنَّةٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَا إذَا لَمْ يَصِلْ الْمَاءُ بَيْنَ الْأَصَابِعِ. . وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً» ) أَيْ غَسَلَ كُلَّ عُضْوٍ مَرَّةً، وَالْمُرَادُ بِالْقَبُولِ الْجَوَازُ، وَرَتَّبَ عَلَى الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَعِيدًا وَلَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلٍ وَهُوَ مَنْ زَادَ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أَوْ نَقَصَ عَنْهَا أَوْ زَادَ عَلَى الْحَدِّ الْمَحْدُودِ أَوْ نَقَصَ عَنْهُ أَوْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ مُعْتَقِدٌ أَنَّ كَمَالَ السُّنَّةِ لَا يَحْصُلُ بِالثَّلَاثِ فَهُوَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. وَقَوْلُهُ: (فَقَدْ تَعَدَّى) يَرْجِعُ إلَى الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ مُجَاوَزَةٌ عَنْ الْحَدِّ. وَقَوْلُهُ: (وَظَلَمَ) يَرْجِعُ إلَى النُّقْصَانِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا} [الكهف: 33] أَيْ لَمْ تُنْقِصْ. وَقَوْلُهُ: (وَالْوَعِيدُ لِعَدَمِ رُؤْيَتِهِ سُنَّةٌ) إشَارَةٌ إلَى اخْتِيَارِهِ. التَّأْوِيلُ الثَّالِثُ: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا أَرَادَ لِطُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ عِنْدَ الشَّكِّ أَوْ بِنِيَّةِ وُضُوءٍ

قَالَ (وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُتَوَضِّئِ أَنْ يَنْوِيَ الطَّهَارَةَ) فَالنِّيَّةُ فِي الْوُضُوءِ سُنَّةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَرْضٌ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ فَلَا تَصِحُّ بِدُونِ النِّيَّةِ كَالتَّيَمُّمِ. وَلَنَا أَنَّهُ لَا يَقَعُ قُرْبَةً إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَلَكِنَّهُ يَقَعُ مِفْتَاحًا لِلصَّلَاةِ لِوُقُوعِهِ طَهَارَةً بِاسْتِعْمَالِ الْمُطَهِّرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQآخَرَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، فَإِنَّ الْوُضُوءَ عَلَى الْوُضُوءِ نُورٌ عَلَى نُورٍ، وَقَدْ أَمَرَ بِتَرْكِ مَا يَرِيبُهُ إلَى مَا لَا يَرِيبُهُ. قَالَ (وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُتَوَضِّئِ أَنْ يَنْوِيَ الطَّهَارَةَ) قِيلَ الْمُسْتَحَبُّ مَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ وَلَا يُلَامُ عَلَى تَرْكِهِ. وَقَوْلُهُ: (فَالنِّيَّةُ فِي الْوُضُوءِ سُنَّةٌ عِنْدَنَا) يُنَافِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ مَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ وَيُلَامُ عَلَى تَرْكِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَوَّلَ اخْتِيَارُ الْقُدُورِيِّ. وَالثَّانِي اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ، وَتَفْسِيرُ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ هُوَ أَنْ يَنْوِيَ إزَالَةَ الْحَدَثِ أَوْ إبَاحَةَ الصَّلَاةِ، وَهِيَ فَرْضٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ قَالَ:؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ، إذْ الْعِبَادَةُ فِعْلٌ يَأْتِي بِهِ الْمُكَلَّفُ عَلَى خِلَافِ هَوَى نَفْسِهِ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ رَبِّهِ، وَالْوُضُوءُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ، وَكُلُّ مَا هُوَ عِبَادَةٌ لَا يَصِحُّ بِدُونِ النِّيَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] وَالْإِخْلَاصُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَقَدْ جَعَلَهُ حَالًا لِلْعَابِدَيْنِ، وَالْأَحْوَالُ شُرُوطٌ، فَتَكُونُ كُلُّ عِبَادَةٍ مَشْرُوطَةً بِالنِّيَّةِ، وَقَاسَهُ عَلَى التَّيَمُّمِ فِي كَوْنِهِمَا طَهَارَتَيْنِ لِلصَّلَاةِ. وَلَنَا الْقَوْلُ بِمُوجِبِ الْعِلَّةِ: يَعْنِي سَلَّمْنَا أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَقَعُ عِبَادَةً إلَّا بِالنِّيَّةِ، لَكِنْ لَيْسَ كَلَامُنَا فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْمَاءِ الْمُطَهِّرِ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ هَلْ يُوجِبُ الطَّهَارَةَ بِدُونِ النِّيَّةِ حَتَّى يَكُونَ مِفْتَاحًا لِلصَّلَاةِ أَوْ لَا، وَلَا مَدْخَلَ لِكَوْنِهِ عِبَادَةً فِي ذَلِكَ، وَيُفِيدُ ذَلِكَ بِدُونِهَا؛ لِأَنَّ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ مَحْكُومٌ بِنَجَاسَتِهَا فِي حَقِّ الصَّلَاةِ ضَرُورَةَ الْأَمْرِ بِتَطْهِيرِهَا، وَالْمَاءُ طَهُورٌ بِطَبْعِهِ فَإِذَا لَاقَى النَّجِسَ طَهَّرَهُ قَصَدَ الْمُسْتَعْمِلُ ذَلِكَ

بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ لِأَنَّ التُّرَابَ غَيْرُ مُطَهِّرٍ إلَّا فِي حَالِ إرَادَةِ الصَّلَاةِ، أَوْ هُوَ يُنْبِئُ عَنْ الْقَصْدِ (وَيَسْتَوْعِبُ رَأْسَهُ بِالْمَسْحِ) وَهُوَ سُنَّةٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: السُّنَّةُ التَّثْلِيثُ بِمِيَاهٍ مُخْتَلِفَةٍ اعْتِبَارًا بِالْمَغْسُولِ. وَلَنَا أَنَّ أَنَسًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَاحِدَةً وَقَالَ: هَذَا وُضُوءُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ لَا كَالثَّوْبِ النَّجِسِ وَكَمَا فِي حَقِّ الْإِرْوَاءِ، بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ فَإِنَّ التُّرَابَ لَمْ يُعْقَلُ مُطَهِّرًا طَبْعًا فَلَمْ يَبْقَ فِيهِ إلَّا مَعْنَى التَّعَبُّدِ وَلَا تَعَبُّدَ بِدُونِ النِّيَّةِ. فَإِنْ قِيلَ فِي الْوُضُوءِ مَسْحٌ وَالْمَسْحُ لَمْ يُعْقَلْ مُطَهِّرًا طَبْعًا فَيُحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ مُلْحَقٌ بِالْغَسْلِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ وَانْتِقَالِهِ إلَيْهِ بِضَرْبٍ مِنْ الْخُرْجِ. وَقَوْلُهُ: (أَوْ هُوَ يُنْبِئُ عَنْ الْقَصْدِ) فَلَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِهِ قِيلَ يَعْنِي أَنَّ التَّيَمُّمَ يُنْبِئُ عَنْ الْقَصْدِ وَالنِّيَّةُ هِيَ الْقَصْدُ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّيَمُّمُ بِدُونِ الْقَصْدِ أَيْ النِّيَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ الْقَصْدِ لُغَةً، وَالْقَصْدُ الَّذِي هُوَ النِّيَّةُ إنَّمَا هُوَ قَصْدٌ خَاصٌّ، وَهُوَ قَصْدُ إبَاحَةِ الصَّلَاةِ، وَالْأَعَمُّ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الْأَخَصِّ؛ وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ، وَالثَّانِي فِعْلُ الْقَلْبِ وَلَا دَلَالَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ (قَوْلُهُ: وَيَسْتَوْعِبُ رَأْسَهُ بِالْمَسْحِ) أَيْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَوْعِبَ رَأْسَهُ بِالْمَسْحِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْقُدُورِيُّ، وَقَوْلُهُ: (وَهُوَ سُنَّةٌ) يَعْنِي عَلَى اخْتِيَارِهِ، وَصِفَةُ الِاسْتِيعَابِ أَنْ يَبُلَّ يَدَيْهِ وَيَضَعَ بُطُونَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مِنْ كُلِّ كَفٍّ عَلَى مُقَدَّمِ الرَّأْسِ، وَيَعْزِلُ السَّبَّابَتَيْنِ وَالْإِبْهَامَيْنِ وَيُجَافِي الْكَفَّيْنِ وَيَجُرَّهُمَا إلَى مُؤَخِّرِ الرَّأْسِ، ثُمَّ يَمْسَحُ الْفَوْدَيْنِ بِالْكَفَّيْنِ وَيَجُرُّهُمَا إلَى مُقَدَّمِ الرَّأْسِ، وَيَمْسَحُ ظَاهِرَ الْأُذُنَيْنِ بِبَاطِنِ الْإِبْهَامَيْنِ وَبَاطِنَ الْأُذُنَيْنِ بِبَاطِنِ السَّبَّابَتَيْنِ، وَيَمْسَحُ رَقَبَتَهُ بِظَاهِرِ الْيَدَيْنِ حَتَّى يَصِيرَ مَاسِحًا بِبَلَلٍ لَمْ يَصِرْ مُسْتَعْمَلًا، هَكَذَا رَوَتْ عَائِشَةُ مَسْحَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: السُّنَّةُ التَّثْلِيثُ بِمِيَاهٍ مُخْتَلِفَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ رُكْنٌ فِي الْوُضُوءِ، فَكَانَ التَّثْلِيثُ فِيهِ سُنَّةً كَغَسْلِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ (وَلَنَا أَنَّ «أَنَسًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَمَسَحَ رَأْسَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَقَالَ: هَذَا وُضُوءُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ) وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَمُعَاذٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالْبَرَاءِ وَأَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَالْعَمَلُ

وَاَلَّذِي يُرْوَى مِنْ التَّثْلِيثِ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ بِمَاءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مَشْرُوعٌ عَلَى مَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلِأَنَّ الْمَفْرُوضَ هُوَ الْمَسْحُ وَبِالتَّكْرَارِ يَصِيرُ غُسْلًا، وَلَا يَكُونُ مَسْنُونًا فَصَارَ كَمَسْحِ الْخُفِّ، بِخِلَافِ الْغُسْلِ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ التَّكْرَارُ. قَالَ (وَيُرَتِّبُ الْوُضُوءَ فَيَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى بِذَكَرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ بَعْدَهُمْ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ «عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ أَنَّهُمَا حَكَيَا وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَغَسَلَا ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَمَسَحَا ثَلَاثًا» ، قُلْنَا: الْمَشْهُورُ عَنْهُمَا مَا رَوَيْنَاهُ أَوَّلًا (قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَاَلَّذِي يُرْوَى فِيهِ مِنْ التَّثْلِيثِ) يُرِيدُ بِهِ ذَلِكَ: يَعْنِي عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ (مَحْمُولٌ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى التَّثْلِيثِ (بِمَاءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مَشْرُوعٌ عَلَى مَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ) ذَكَرَ الْحَسَنُ فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا مَسَحَ ثَلَاثًا بِمَاءٍ وَاحِدٍ كَانَ مَسْنُونًا. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَارَ الْبَلَلُ مُسْتَعْمَلًا بِالْمَرَّةِ الْأُولَى فَكَيْفَ يُسَنُّ إمْرَارُهُ ثَانِيًا وَثَالِثًا؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ يَأْخُذُ حُكْمَ الِاسْتِعْمَالِ لِإِقَامَةِ فَرْضٍ آخَرَ لَا لِإِقَامَةِ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْفَرْضِ، أَلَا يُرَى أَنَّ الِاسْتِيعَابَ يُسَنُّ بِمَاءٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْمَفْرُوضَ هُوَ الْمَسْحُ) دَلِيلٌ آخَرُ وَتَقْرِيرُهُ الْمَفْرُوضُ هُوَ الْمَسْحُ وَالْمَسْحُ يَصِيرُ بِالتَّكْرَارِ غَسْلًا، فَالْمَفْرُوضُ هُوَ الْغَسْلُ وَهُوَ خِلَافُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، فَلَا يَكُونُ التَّكْرَارُ مَسْنُونًا؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي الْوُضُوءِ إكْمَالُ الْفَرْضِ فِي مَحَلِّهِ لَا نَقْلُهُ مِنْ كَوْنِهِ مَسْحًا إلَى كَوْنِهِ غَسْلًا. وَقَوْلُهُ: (فَصَارَ كَمَسْحِ الْخُفِّ) تَقْرِيرُهُ مَسْحُ الرَّأْسِ مَسْحٌ فِي الْوُضُوءِ، وَكُلُّ مَا هُوَ مَسْحٌ فِي الْوُضُوءِ لَا يُسَنُّ تَثْلِيثُهُ كَمَسْحِ الْخُفِّ. وَقَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْغَسْلِ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ وَبِالتَّكْرَارِ يَصِيرُ غَسْلًا، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمَسْحَ يُفْسِدُهُ التَّكْرَارُ، بِخِلَافِ الْغَسْلِ فَإِنَّهُ لَا يُفْسِدُهُ، فَكَانَ قِيَاسُ الشَّافِعِيِّ الْمَمْسُوحَ عَلَى الْمَغْسُولِ فَاسِدًا. . قَالَ (وَيُرَتِّبُ الْوُضُوءَ فَيَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى بِذِكْرِهِ) وَيُرَتِّبُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَيَسْتَوْعِبُ، وَالْكَلَامُ فِي كَوْنِهِ مُسْتَحَبًّا أَوْ سُنَّةً كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (فَيَبْدَأُ بَيَانُ التَّرْتِيبِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: التَّرْتِيبُ فِي الْوُضُوءِ فَرْضٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] الْآيَةَ. وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ وَالتَّعْقِيبُ يَدُلُّ عَلَى

وَبِالْمَيَامِنِ) فَالتَّرْتِيبُ فِي الْوُضُوءِ سُنَّةٌ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فَرْضٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] الْآيَةَ، وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ. وَلَنَا أَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهَا حَرْفُ الْوَاوِ وَهِيَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ فَتَقْتَضِي إعْقَابَ غَسْلِ جُمْلَةِ الْأَعْضَاءِ وَالْبُدَاءَةُ بِالْمَيَامِنِ فَضِيلَةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّه تَعَالَى يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى التَّنَعُّلِ وَالتَّرَجُّلِ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّرْتِيبِ فَيُفِيدُ تَرْتِيبَ غَسْلِ الْوَجْهِ عَلَى الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ، وَإِذَا ثَبَتَ التَّرْتِيبُ فِيهِ ثَبَتَ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُرَتَّبِ وَالْمَعْطُوفُ عَلَى الْمُرَتَّبِ مُرَتَّبٌ أَوْ لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ. وَلَنَا أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ حَرْفُ الْوَاوِ يَعْنِي بَعْدَ الْفَاءِ، وَالْوَاوُ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَالْفَاءُ دَخَلَتْ عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ الَّتِي لَا تَرْتِيبَ فِيهَا فَتَقْتَضِي إعْقَابَ غَسْلِ جُمْلَةِ الْأَعْضَاءِ مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ وَتَحْقِيقِهِ. سَلَّمْنَا أَنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ تُفِيدُ تَعْقِيبَ مَا بَعْدَهَا لِمَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا غَسْلُ جُمْلَةٍ غَيْرِ مُرَتَّبَةٍ فَيُفِيدُ تَعْقِيبَهَا لِلْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي تَرْتِيبِ الْأَعْضَاءِ، وَالدَّاخِلُ فِيهَا الْوَاوُ وَهِيَ لَا تُفِيدُ التَّرْتِيبَ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ ادَّعَى الْمُصَنِّفُ إجْمَاعَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ يُفِيدُ التَّرْتِيبَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ يُفِيدُ الْقِرَانَ، أُجِيبَ بِأَنَّ أَبَا عَلِيٍّ الْفَارِسِيَّ ذَكَرَ أَنَّ النُّحَاةَ أَجْمَعُوا أَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ، ذَكَرَهُ سِيبَوَيْهِ فِي سَبْعَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا فِي كِتَابِهِ فَاعْتَمَدَ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذَلِكَ وَبِأَنَّ خِلَافَ الْقَلِيلِ لَا يَمْنَعُ الْإِجْمَاعَ اللُّغَوِيَّ وَقَوْلُهُ: (وَالْبُدَاءَةُ بِالْمَيَامِنِ فَضِيلَةٌ) أَيْ مُسْتَحَبَّةٌ، وَالْمَيَامِنُ جَمْعُ مَيْمَنَةٍ خِلَافُ الْمَيْسَرَةِ، وَذَكَرَ فِي الْمُغْرِبِ أَنَّ الْبِدَايَةَ بِالْيَاءِ عَامِّيَّةٌ وَالصَّوَابُ بُدَاءَةٌ. وَقَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى التَّنَعُّلِ وَالتَّرَجُّلِ» التَّنَعُّلُ: لُبْسُ النَّعْلَيْنِ، وَالتَّرَجُّلُ: تَسْرِيحُ شَعْرِ الرَّأْسِ. .

[فصل في نواقض الوضوء]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ] وَيُعْرَفُ الْفَصْلُ بِأَنَّهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ تَغَيَّرَتْ أَحْكَامُهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا قَبْلَهَا غَيْرُ مُتَرْجَمَةٍ بِالْكِتَابِ وَالْبَابِ. لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْوُضُوءِ فَرْضِهِ وَسُنَّتِهِ وَمُسْتَحَبِّهِ بَدَأَ بِمَا يُنَافِيهِ مِنْ الْعَوَارِضِ، إذْ الْعَارِضُ إنَّمَا يَكُونُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْمَعْرُوضِ: وَالنَّوَاقِضُ جَمْعُ نَاقِضَةٍ، وَالنَّقْضُ مَتَى أُضِيفَ إلَى الْأَجْسَامِ يُرَادُ بِهِ إبْطَالُ تَأْلِيفِهَا، وَمَتَى أُضِيفَ

(فَصْلٌ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ) (الْمَعَانِي النَّاقِضَةُ لِلْوُضُوءِ كُلُّ مَا يَخْرُجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [المائدة: 6] «وَقِيلَ لِرَسُولِ اللَّهَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا الْحَدَثُ؟ قَالَ: مَا يَخْرُجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ» وَكَلِمَةُ مَا عَامَّةٌ فَتَتَنَاوَلُ الْمُعْتَادَ وَغَيْرَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى الْمَعَانِي يُرَادُ بِهِ إخْرَاجُهُ عَمَّا هُوَ الْمَطْلُوبُ بِهِ، وَالْمَطْلُوبُ هُنَا مِنْ الْوُضُوءِ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ (وَالْمَعَانِي النَّاقِضَةُ) أَيْ الْعِلَلُ الْمُؤَثِّرَةُ فِي إخْرَاجِ الْوُضُوءِ عَمَّا هُوَ الْمَطْلُوبُ بِهِ (كُلُّ مَا يَخْرُجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ) أَيْ خُرُوجُ كُلِّ مَا يَخْرُجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ: يَعْنِي الْقُبُلَ وَالدُّبُرَ وَالذَّكَرَ، وَإِنَّمَا قَدَّرْنَا الْمُضَافَ تَصْحِيحًا لِلْحَمْلِ، فَإِنَّ حَمْلَ الذَّاتِ عَلَى الْمَعْنَى غَيْرُ صَحِيحٍ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْ الْعِلَلِ بِالْمَعَانِي اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى مَعَانٍ ثَلَاثٍ» وَاحْتِرَازًا عَنْ عِبَارَةِ الْفَلَاسِفَةِ فَإِنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ اسْتَنْكَفُوا عَنْ ذَلِكَ إلَى أَنْ نَشَأَ الطَّحَاوِيُّ فَاسْتَعْمَلَهَا فَتَبِعَهُ مَنْ بَعْدَهُ. فَإِنْ قِيلَ: الْكُلِّيَّةُ مُنْتَقِضَةٌ بِالرِّيحِ الْخَارِجِ مِنْ الذَّكَرِ وَالْقُبُلِ فَإِنَّ الْوُضُوءَ لَا يَنْتَقِضُ بِهِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ: أُجِيبَ بِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ مِنْ الْعُمُومِ؛ لِأَنَّ الرِّيحَ لَا تَنْبَعِثُ مِنْ الذَّكَرِ، وَإِنَّمَا هُوَ اخْتِلَاجٌ. وَالْقُبُلُ مَحَلُّ الْوَطْءِ لَيْسَ فِيهِ نَجَاسَةٌ تُنَجِّسُ الرِّيحَ بِالْمُرُورِ عَلَيْهَا وَهُوَ فِي نَفْسِهِ طَاهِرٌ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ. وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [المائدة: 6] وَالْغَائِطُ: هُوَ الْمَكَانُ الْمُطْمَئِنُّ مِنْ الْأَرْضِ يَنْتَهِي إلَيْهِ الْإِنْسَانُ عِنْدَ إرَادَةِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ تَسَتُّرًا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَتَّبَ وُجُوبَ التَّيَمُّمِ عَلَى الْمَجِيءِ مِنْ الْغَائِطِ حَالَ عَدَمِ الْمَاءِ، وَهُوَ لَازِمٌ لِخُرُوجِ النَّجِسِ. فَكَانَ كِنَايَةً عَنْ الْحَدَثِ لِكَوْنِهِ ذَكَرَ اللَّازِمَ، وَأَرَادَ الْمَلْزُومَ، وَالتَّرْتِيبُ يَدُلُّ عَلَى الْعِلِّيَّةِ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي التَّيَمُّمِ ثَبَتَ فِي الْوُضُوءِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْبَدَلَ لَا يُخَالِفُ الْأَصْلَ فِي السَّبَبِ. لَا يُقَالُ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَدَثَ شَرْطٌ لِلْوُضُوءِ فَكَيْفَ يَكُونُ عِلَّةً لِنَقْضِهِ؛ لِأَنَّهُ عِلَّةٌ لِنَقْضِ مَا كَانَ وَشَرْطٌ لِوُجُوبِ مَا سَيَكُونُ، وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا. وَقَوْلُهُ: (وَكَلِمَةُ مَا عَامَّةٌ فَتَتَنَاوَلُ الْمُعْتَادَ وَغَيْرَهُ) نَفْيٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَا وُضُوءَ لَمَا يَخْرُجُ نَادِرًا كَالْحَصَاةِ وَالدُّودَةِ وَدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ، مُسْتَدِلًّا

(وَالدَّمُ وَالْقَيْحُ إذَا خَرَجَا مِنْ الْبَدَنِ فَتَجَاوَزَا إلَى مَوْضِعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَنَّى بِالْغَائِطِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ قَضَاءِ الْحَاجَةِ الْمُعْتَادَةِ فَلَا يَكُونُ غَيْرُهَا نَاقِضًا. قُلْنَا: تَقْيِيدٌ بِلَا دَلِيلٍ فِي مُقَابَلَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ وَهُوَ عُمُومُ كَلِمَةِ مَا. قَالَ (وَالدَّمُ وَالْقَيْحُ إذَا خَرَجَا مِنْ الْبَدَنِ) خُرُوجُ النَّجَسِ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ الْحَيِّ، يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ كَيْفَمَا كَانَ عِنْدَنَا، وَهُوَ مَذْهَبُ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرَةِ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَصُدُورِ التَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَقَيَّدَ بِالْخُرُوجِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ النَّجَاسَةِ غَيْرُ نَاقِضَةٍ مَا لَمْ تُوصَفْ بِالْخُرُوجِ وَإِلَّا لَمَا حَصَلَتْ الطَّهَارَةُ لِشَخْصٍ مَا، وَالْمُرَادُ بِالْبَدَنِ بَدَنُ الْحَيِّ كَمَا ذَكَرْنَا، فَإِنَّهَا

يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ، وَالْقَيْءُ مِلْءَ الْفَمِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْخَارِجُ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَاءَ فَلَمْ يَتَوَضَّأْ» وَلِأَنَّ غَسْلَ غَيْرِ مَوْضِعِ الْإِصَابَةِ أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإنْ خَرَجَتْ مِنْ بَدَنِ الْمَيِّتِ بَعْدَ غُسْلِهِ لَا تُوجِبُ إعَادَةَ غُسْلِهِ بَلْ تُوجِبُ غَسْلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَشَرْطُ التَّجَاوُزِ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ احْتِرَازًا عَمَّا يَبْدُو وَلَمْ يَخْرُجْ وَلَمْ يَتَجَاوَزْ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى خَارِجًا، فَكَانَ تَفْسِيرًا لِلْخُرُوجِ وَرَدًّا لِمَا ظَنَّ زُفَرُ أَنَّ الْبَادِيَ خَارِجٌ حَتَّى أَوْرَدَ مَا لَمْ يَسِلْ نَقْضًا عَلَى قَوْلِنَا الْخَارِجُ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ وَقَوْلُهُ: (يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ) أَيْ يَلْحَقُهُ حُكْمٌ هُوَ التَّطْهِيرُ، وَالْمُرَادُ أَنْ يَجِبَ تَطْهِيرُهُ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا فِي الْجَنَابَةِ حَتَّى لَوْ سَالَ الدَّمُ مِنْ الرَّأْسِ إلَى قَصَبَةِ الْأَنْفِ انْتَقَضَ الْوُضُوءُ، بِخِلَافِ الْبَوْلِ إذَا نَزَلَ إلَى قَصَبَةِ الذَّكَرِ وَلَمْ يَظْهَرْ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ هُنَاكَ لَمْ تَصِلْ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ، وَفِي الْأَنْفِ وَصَلَتْ إلَى ذَلِكَ إذْ الِاسْتِنْشَاقُ فِي الْجَنَابَةِ فَرْضٌ. (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْخَارِجُ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلِمَا رُوِيَ عَنْ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَاءَ فَلَمْ يَتَوَضَّأْ» ؛ وَلِأَنَّ غَسْلَ غَيْرِ مَوْضِعِ الْإِصَابَةِ أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ) أَيْ أَمْرٌ تُعُبِّدْنَا بِهِ: أَيْ كَلَّفَنَا اللَّهُ بِهِ مِنْ غَيْرِ مَعْنًى يُعْقَلُ؛ إذْ الْعَقْلُ إنَّمَا يَقْتَضِي وُجُوبَ غَسْلِ مَوْضِعٍ أَصَابَتْهُ النَّجَاسَةُ (فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ

وَهُوَ الْمَخْرَجُ الْمُعْتَادُ، وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوُضُوءُ مِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ» ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ الْمَخْرَجُ الْمُعْتَادُ) وَالْيَاءُ فِي تَعَبُّدِيٌّ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلنِّسْبَةِ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلْمُبَالَغَةِ كَأَحْمَرَيَّ فِي أَحْمَرَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي وُجُوبَ غَسْلِ كُلِّ الْأَعْضَاءِ كَمَا فِي الْمَنِيِّ، بَلْ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْغَائِطَ أَنْجَسُ مِنْ الْمَنِيِّ لِاخْتِلَافٍ فِي نَجَاسَتِهِ دُونَ الْغَائِطِ، فَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ (وَلَنَا قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْوُضُوءُ مِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ» أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّرْكِيبِ يُفْهَمُ مِنْهُ الْوُجُوبُ كَمَا فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ» وَلَا خِلَافَ فِي فَرْضِيَّتِهِ،

وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ وَلِيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ» ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ بِسَبَبِ خُرُوجِ الْمَنِيِّ، فَكَانَ مَعْنَاهُ تَوَضَّئُوا مِنْ كُلِّ دَمٍ سَالَ مِنْ الْبَدَنِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْخَبَرِ لِكَوْنِهِ آكَدُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْوُجُوبِ كَأَنَّهُ أَمَرَ فَامْتُثِلَ أَمْرُهُ فَأَخْبَرَ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ آيَةُ كَوْنِهِ وَاجِبًا، فَإِنَّ الْآمِرَ إذَا كَانَ مِمَّنْ لَا يَكْذِبُ فِي كَلَامِهِ يُعَبِّرُ عَنْ مَطْلُوبِهِ بِلَفْظِ الْخَبَرِ تَأْكِيدًا لِلطَّلَبِ؛ لِأَنَّ فِي تَرْكِهِ تَكْذِيبًا لَهُ وَهُوَ مِمَّنْ لَا يَكْذِبُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. فَإِنْ قِيلَ سَلَّمْنَاهُ لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الْوُضُوءَ اللُّغَوِيَّ. قُلْنَا: ذَاكَ مَجَازٌ شَرْعِيٌّ، وَلَا تُتْرَكُ الْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ بِلَا دَلِيلٍ (وَقَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ» ) رَوَاهُ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ذَكَرَهُ الرَّازِيّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. يُقَالُ رَعَفَ: إذَا سَالَ رُعَافُهُ. قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ: وَفَتْحُ الْعَيْنِ هُوَ الْفَصِيحُ، وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ مِنْ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا الْأَمْرُ بِالِانْصِرَافِ

وَلِأَنَّ خُرُوجَ النَّجَاسَةِ مُؤَثِّرٌ فِي زَوَالِ الطَّهَارَةِ، وَهَذَا الْقَدْرُ فِي الْأَصْلِ مَعْقُولٌ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ غَيْرُ مَعْقُولٍ لَكِنَّهُ يَتَعَدَّى ضَرُورَةَ تَعَدِّي الْأَوَّلِ، غَيْرَ أَنَّ الْخُرُوجَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالسَّيَلَانِ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ، وَبِمِلْءِ الْفَمِ فِي الْقَيْءِ لِأَنَّ بِزَوَالِ الْقِشْرَةِ تَظْهَرُ النَّجَاسَةُ فِي مَحَلِّهَا فَتَكُونُ بَادِيَةً لَا خَارِجَةً، بِخِلَافِ السَّبِيلَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ إبْطَالُ الْعَمَلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ الْمُفْضِي إلَى التَّنَاقُضِ الْمُسْتَحِيلِ عَلَى الشَّرْعِ. فَإِنْ قِيلَ جَازَ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِالِانْصِرَافِ لِإِزَالَةِ نَجَاسَةٍ أَصَابَتْ ثَوْبَهُ أَوْ بَدَنَهُ مِنْ الرُّعَافِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْبِنَاءِ يَأْبَاهُ، فَإِنَّ الْبِنَاءَ إذْ ذَاكَ غَيْرُ جَائِزٍ بِالِاتِّفَاقِ. وَالثَّانِي الْأَمْرُ بِالْوُضُوءِ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَإِرَادَةُ الْوُضُوءِ اللُّغَوِيُّ مَدْفُوعَةٌ بِمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ. لَا يُقَالُ: وَقَعَ فِي الشَّرْعِ ذَلِكَ «إذْ غَسَلَ فَمَه بَعْدَ الْقَيْءِ فَقِيلَ لَهُ أَلَا تَتَوَضَّأُ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَكَذَا الْوُضُوءُ مِنْ الْقَيْءِ» ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِقَرِينَةٍ قَائِمَةٍ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْمُشَاكَلَةِ لِقَوْلِ السَّائِلِ أَلَا تَتَوَضَّأُ وُضُوءَك لِلصَّلَاةِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ أَمَرَ بِالْبِنَاءِ وَأَدْنَاهُ الْإِبَاحَةُ، وَلَا إبَاحَةَ لِلْبِنَاءِ بَعْدَ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ إلَّا بَعْدَ انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ بِالِاتِّفَاقِ. لَا يُقَالُ: الْبِنَاءُ الْمَعْطُوفُ عَلَى الِانْصِرَافِ غَيْرُ وَاجِبٍ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا مَا عُطِفَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقِرَانَ فِي النَّظْمِ لَا يُوجِبُ الْقِرَانَ فِي الْحُكْمِ، أَلَا يُرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ} [سبأ: 15] فَإِنَّ الْأَمْرَ الْأَوَّلَ لِلْإِبَاحَةِ وَالثَّانِي لِلْوُجُوبِ، وَإذَا جَازَ ذَلِكَ فَعَكْسُهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ اتِّبَاعُ الضَّعِيفِ لِلْقَوِيِّ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ خُرُوجَ النَّجَاسَةِ) إثْبَاتُ صِفَةِ النَّجَاسَةِ لِمَا يَخْرُجُ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ، وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظَهَرَ عَنْ حِذْقٍ عَظِيمٍ مَعَ وَجَازَةِ اللَّفْظِ وَبَيَانُهُ عَلَى وَجْهٍ وَاضِحٍ يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَشُرُوطِ الْقِيَاسِ. فَلَا عَلَيْنَا أَنْ نَذْكُرَ ذَلِكَ إجْمَالًا فَنَقُولُ: الْقِيَاسُ إبَانَةُ مِثْلِ حُكْمِ أَحَدِ الْمَذْكُورِينَ بِمِثْلِ عِلَّتِهِ فِي الْآخَرِ فَالْمَذْكُورُ الْأَوَّلُ هُوَ الْأَصْلُ وَالثَّانِي هُوَ الْفَرْعُ. وَشُرُوطُهُ أَلَّا يَكُونَ الْأَصْلُ مَخْصُوصًا بِحُكْمِهِ بِنَصٍّ آخَرَ كَشَهَادَةِ خُزَيْمَةَ، وَأَلَّا يَكُونَ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ كَبَقَاءِ الصَّوْمِ مَعَ الْأَكْلِ نَاسِيًا، وَأَنْ يَتَعَدَّى الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ الثَّابِتَ بِالنَّصِّ بِعَيْنِهِ إلَى فَرْعٍ هُوَ نَظِيرُهُ وَلَا نَصَّ فِيهِ. وَأَمَّا مَعْرِفَةُ تَفَاصِيلِ ذَلِكَ وَمَا يُحْتَرَزُ عَنْهُ بِكُلِّ قَيْدٍ مِنْ الْقُيُودِ فَمَوْضِعُهُ أُصُولُ الْفِقْهِ إذَا عُرِفَ هَذَا فَنَقُولُ: فَأَمَّا الْأَصْلُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَهُوَ الْخَارِجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ. أَعْنِي الْغَائِطَ، وَهُوَ يَشْتَمِلُ عَلَى مَعْنًى مَعْقُولٍ، وَهُوَ أَنَّ لِخُرُوجِ النَّجَاسَةِ أَثَرًا فِي زَوَالِ الطَّهَارَةِ عَنْ الْمَخْرَجِ لِاتِّصَافِهِ بِضِدِّ الطَّهَارَةِ وَهُوَ التَّلَوُّثُ بِالنَّجَاسَةِ، وَعَنْ سَائِرِ الْبَدَنِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الِاتِّصَافَ بِالْحَدَثِ لَا يَقْبَلُ التَّجَزُّؤَ، وَعَلَى مَعْنًى غَيْرِ مَعْقُولٍ، وَهُوَ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ. وَأَمَّا الْفَرْعُ فِيهِ فَهُوَ الْخَارِجُ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ عُلَمَاءَنَا اعْتَبَرُوا فَاسْتَنْبَطُوا أَنَّ الْخَارِجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ كَانَ حَدَثًا لِكَوْنِهِ نَجَسًا خَارِجًا مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [المائدة: 6] الْآيَةَ، وَهُوَ نَصٌّ مَعْلُولٌ بِذَلِكَ الْوَصْفِ لِظُهُورِ أَثَرِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ الْمُعَلَّلِ بِهِ وَهُوَ انْتِقَاضُ الطَّهَارَةِ بِخُرُوجِ دَمِ الْحَيْضِ

لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَضْعَ لَيْسَ بِمَوْضِعِ النَّجَاسَةِ فَيُسْتَدَلُّ بِالظُّهُورِ عَلَى الِانْتِقَالِ وَالْخُرُوجِ، وَمِلْءُ الْفَمِ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ إلَّا بِتَكَلُّفٍ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ ظَاهِرًا فَاعْتُبِرَ خَارِجًا. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَلِيلُ الْقَيْءِ وَكَثِيرُهُ سَوَاءٌ، وَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالنِّفَاسِ، وَوَجَدُوا مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ فَعَدُوًّا الْحُكْمَ الْأَوَّلَ إلَيْهِ، وَتَعَدِّي الْحُكْمِ الثَّانِي وَهُوَ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ أَيْضًا ضَرُورَةُ تَعَدِّي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَعَدَّ إلَيْهِ تَغَيَّرَ حُكْمُ النَّصِّ بِالتَّعْلِيلِ وَذَلِكَ يُفْسِدُ الْقِيَاسَ. فَإِنْ قِيلَ التَّغَيُّرُ وَاقِعٌ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْخُرُوجِ مُؤَثِّرٌ فِي الْأَصْلِ وَاعْتَبَرْتُمْ فِي الْفَرْعِ السَّيَلَانَ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ فَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ غَيْرَ أَنَّ الْخُرُوجَ يَتَحَقَّقُ بِالسَّيَلَانِ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ وَبِمِلْءِ الْفَمِ إلَخْ. فَإِنْ قِيلَ قَدْ ذَكَرْتُمْ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْقِيَاسِ أَلَّا يَكُونَ الْأَصْلُ مَخْصُوصًا بِحُكْمِهِ بِنَصٍّ آخَرَ، وَلَا نُسَلِّمُ وُجُودَهُ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاءَ فَلَمْ يَتَوَضَّأْ» ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [المائدة: 6] مَخْصُوصٌ بِحُكْمِهِ وَهُوَ نَقْضُ الطَّهَارَةِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى الْقَلِيلِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ. وَيُجَابُ عَمَّا لَوْ قِيلَ وَمِنْ شَرْطِهِ أَلَّا يَكُونَ الْفَرْعُ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ وَقَدْ رَوَيْتُمْ فِيهِ حَدِيثَيْنِ بِأَنَّ ذَلِكَ الشَّرْطَ لَيْسَ بِمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ خِلَافَهُ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: قَدْ ذَكَرْتُمْ أَنَّ الْأَصْلَ يَشْتَمِلُ عَلَى مَعْنًى مَعْقُولٍ وَمَعْنًى غَيْرِ مَعْقُولٍ، وَعَدَّيْتُمْ غَيْرَ الْمَعْقُولِ تَبَعًا لِلْمَعْقُولِ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّغَيُّرُ الْمُفْسِدُ لِتَعْدِيَةِ الْمَعْقُولِ، فَهَلَّا تَرَكْتُمْ تَعْدِيَةَ غَيْرِ الْمَعْقُولِ وَجَعَلْتُمْ الْمَعْقُولَ تَبَعًا لَهُ فِي ذَلِكَ؟ وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْأَوَّلَ مَعْقُولٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَمَشْرُوعٌ لِاعْتِبَارِهِ فِي الشَّرْعِ حَدَثًا، وَالثَّانِي مَشْرُوعٌ فَقَطْ فَجَعْلُهُ تَابِعًا لِلْأَوَّلِ أَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ لَا مَحَالَةَ. وَالثَّانِي أَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا اعْتَبَرَ الْأَوَّلَ حَدَثًا اسْتَلْزَمَ الطَّهَارَةَ عِنْدَ تَكَرُّرِهِ، وَفِي غَسْلِ جَمِيعِ الْبَدَنِ كُلَّمَا وُجِدَ حَرَجٌ بَيِّنٌ فَاقْتَصَرَ عَلَى الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ الظَّاهِرِ تَيْسِيرًا عَلَيْنَا، فَكَانَ الثَّانِي مِنْ ضَرُورَاتِ الْأَوَّلِ فَكَانَ تَابِعًا لَهُ، وَعَرَّفَ مِلْءَ الْفَمِ بِمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ. وَقِيلَ إنْ مَنَعَ مِنْ الْكَلَامِ فَهُوَ مِلْؤُهُ وَإِلَّا فَلَا. وَفَرَّقَ بَيْنَ الْمِلْءِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْفَمَ تَجَاذَبَ فِيهِ دَلِيلَانِ: أَحَدُهُمَا يَقْتَضِي كَوْنَهُ ظَاهِرًا، وَالْآخَرُ يَقْتَضِي كَوْنَهُ بَاطِنًا حَقِيقَةً وَحُكْمًا. أَمَّا الْحَقِيقَةُ فَلِأَنَّهُ إذَا فَتَحَ فَاهُ يَظْهَرُ، وَإِذَا ضَمَّهُ يُبْطِنُ. وَأَمَّا الْحُكْمُ فَلِأَنَّ الصَّائِمَ إذَا أَخَذَ الْمَاءَ بِفِيهِ ثُمَّ مَجَّهُ لَمْ يُفْسِدْ صَوْمَهُ كَمَا إذَا سَالَ الْمَاءُ عَلَى ظَاهِرِ جِلْدِهِ فَكَانَ ظَاهِرًا. وَإِذَا ابْتَلَعَ رِيقَهُ لَا يُفْسِدُ صَوْمَهُ أَيْضًا كَمَا إذَا انْتَقَلَ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ بَطْنِهِ إلَى أُخْرَى فَكَانَ بَاطِنًا، فَوَفَّرْنَا عَلَى الدَّلِيلَيْنِ حُكْمَهُمَا فَقُلْنَا إذَا كَثُرَ يَنْقُضُ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ غَالِبًا بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ الْإِنْسَانُ عَلَى ضَبْطِهِ إلَّا بِكُلْفَةٍ فَاعْتُبِرَ خَارِجًا، وَإِذَا قَلَّ لَا يَنْقُضُ فَيَصِيرُ تَبَعًا لِلرِّيقِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ ظَاهِرًا فَاعْتُبِرَ خَارِجًا. فَإِنْ قِيلَ: عَرَّفَ الْمُصَنِّفُ مِلْءَ الْفَمِ ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ وَالتَّعْرِيفَاتُ لَا يُسْتَدَلُّ عَلَيْهَا. فَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ ظَاهِرًا لَيْسَ دَلِيلًا لِقَوْلِهِ وَمِلْءُ الْفَمِ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ إلَخْ، بَلْ هُوَ دَلِيلٌ لِقَوْلِهِ وَبِمِلْءِ الْفَمِ فِي الْقَيْءِ. قَالَ (وَقَالَ زُفَرُ: قَلِيلُ الْقَيْءِ وَكَثِيرُهُ سَوَاءٌ) قَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَمَّا كَانَ الْخَارِجُ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ حَدَثًا بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنْ الدَّلِيلِ وَجَبَ.

السَّيَلَانُ عِنْدَهُ اعْتِبَارًا بِالْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ، وَلِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْقَلْسُ حَدَثٌ» . وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ فِي الْقَطْرَةِ وَالْقَطْرَتَيْنِ مِنْ الدَّمِ وُضُوءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَائِلًا» وَقَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ عَدَّ الْأَحْدَاثَ جُمْلَةً: أَوْ دَسْعَةً تَمْلَأُ الْفَمَ. وَإِذَا تَعَارَضَتْ الْأَخْبَارُ يُحْمَلُ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى الْقَلِيلِ، وَمَا رَوَاهُ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى الْكَثِيرِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْلَكَيْنِ قَدْ بَيَّنَّاهُ. وَلَوْ قَاءَ مُتَفَرِّقًا بِحَيْثُ لَوْ جُمِعَ يَمْلَأُ الْفَمَ، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُعْتَبَرُ اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَسْتَوِيَ فِيهِ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ كَالْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ، وَهُوَ قِيَاسٌ ظَاهِرٌ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْقَلْسُ حَدَثٌ» رَوَاهُ سَوَّارُ بْنُ مُصْعَبٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ بَعْضِ آبَائِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ. وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مَا ذُكِرَ عَنْ الْخَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ: الْقَلْسُ مَا خَرَجَ مِنْ الْفَمِ مِلْءَ الْفَمِ أَوْ دُونَهُ. وَإِنَّمَا قَدَّمَ الِاسْتِدْلَالَ بِالْقِيَاسِ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ مُقِرٌّ بِصِحَّةِ الْقِيَاسِ لَا نِزَاعَ لَهُ فِيهَا فَكَانَ أَقْطَعَ فِي الْإِلْزَامِ. وَلَنَا قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ فِي الْقَطْرَةِ وَالْقَطْرَتَيْنِ مِنْ الدَّمِ وُضُوءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَائِلًا» أَيْ لَيْسَ فِي الْقَطْرَةِ وَالْقَطْرَتَيْنِ بِالْقُوَّةِ مِنْ الدَّمِ وُضُوءٌ، لَكِنْ إذَا سَالَ الدَّمُ فَفِيهِ الْوُضُوءُ. وَحَاصِلُ مَعْنَاهُ: لَا وُضُوءَ فِي الدَّمِ الْقَلِيلِ، لَكِنْ فِي الْكَثِيرِ وُضُوءٌ وَهُوَ السَّائِلُ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ لَيْسَتْ بِمُرَادَةٍ لِحُصُولِهَا بَعْدَ السَّيَلَانِ، وَالْمَجَازُ وَهُوَ الْقَلِيلُ لَا يَتَنَاوَلُ السَّائِلَ فَلَا يَكُونُ مُتَّصِلًا. فَإِنْ قِيلَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحَقِيقَةَ لَيْسَتْ بِمُرَادَةٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ قَطْرَ الدَّمِ مِنْ رَأْسِ الْجُرْحِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسِيلَ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الْمَنْعَ لَا يَضُرُّنَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ كَوْنِهِ مُنْقَطِعًا وَهُوَ ظَاهِرُهُ (قَوْلُهُ: وَقَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ عَدَّ الْأَحْدَاثَ جُمْلَةً: أَوْ دَسْعَةً) أَيْ دَفْعَةً مِنْ الْقَيْءِ اسْتِدْلَالٌ بِالْأَثَرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَالَ سَمَاعًا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَارَ قَوْلُهُ: كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَقَوْلُهُ: (وَإِذَا تَعَارَضَتْ الْأَخْبَارُ) يَعْنِي أَنَّ الْأَصْلَ فِي الدَّلِيلَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ أَنْ يُعْمَلَ بِهِمَا إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا فَيُرَجَّحُ أَحَدُهُمَا إنْ أَمْكَنَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ يَتَهَاتَرَانِ فَيُصَارُ إلَى الْقِيَاسِ، فَإِنْ تَعَارَضَ الْقِيَاسَانِ يَعْمَلُ الْمُجْتَهِدُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ تَعَارَضَ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ قَوْلِهِ «قَاءَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَمْ يَتَوَضَّأْ» وَمَا رَوَاهُ زُفَرُ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْقَلْسُ حَدَثٌ» وَالْعَمَلُ بِهِمَا مُمْكِنٌ بِحَمْلِ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى الْقَلِيلِ، وَمَا رَوَاهُ زُفَرُ عَنْ الْكَثِيرِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَيْءَ مِلْءَ الْفَمِ مِنْ كَثْرَةِ الْأَكْلِ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ عَنْ ذَلِكَ بِمَعْزِلٍ (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْلَكَيْنِ) أَيْ الْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ وَغَيْرِهِ جَوَابٌ لِزُفَرَ عَنْ اعْتِبَارِ غَيْرِ الْمُعْتَادِ بِالْمُعْتَادِ، وَقَدْ بَيَّنَّا عِنْدَ قَوْلِهِ غَيْرَ أَنَّ الْخُرُوجَ إلَخْ فَلَا نُعِيدُهُ (وَلَوْ قَاءَ مُتَفَرِّقًا بِحَيْثُ لَوْ جُمِعَ يَمْلَأُ الْفَمَ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُعْتَبَرُ اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ) ؛ لِأَنَّ لَهُ أَثَرًا فِي جَمْعِ الْمُتَفَرِّقَاتِ وَلِهَذَا تَتَّحِدُ الْأَقْوَالُ الْمُتَفَرِّقَةُ فِي النِّكَاحِ

وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُعْتَبَرُ اتِّحَادُ السَّبَبِ وَهُوَ الْغَثَيَانُ، ثُمَّ مَا لَا يَكُونُ حَدَثًا لَا يَكُونُ نَجَسًا، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجَسٍ حُكْمًا حَيْثُ لَمْ تَنْتَقِضْ بِهِ الطَّهَارَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْبَيْعِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ بِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ، وَكَذَا التِّلَاوَاتُ الْمُتَعَدِّدَةُ لِآيَةِ السَّجْدَةِ تَتَّحِدُ بِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ. (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُعْتَبَرُ اتِّحَادُ السَّبَبِ وَهُوَ الْغَثَيَانُ) ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ عَلَى حَسَبِ ثُبُوتِ السَّبَبِ مِنْ الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فَيَتَّحِدُ بِاتِّحَادِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا جُرِحَ جِرَاحَاتٍ وَمَاتَ مِنْهَا قَبْلَ الْبُرْءِ يَتَّحِدُ الْمُوجِبُ وَإِنْ تَخَلَّلَ الْبُرْءُ اخْتَلَفَ، وَتَفْسِيرُ الِاتِّحَادِ فِي الْغَثَيَانِ أَنْ يَقِيءَ ثَانِيًا قَبْلَ سُكُونِ النَّفْسِ عَنْ الْغَثَيَانِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ سَكَنَتْ ثُمَّ قَاءَ فَهُوَ حَدَثٌ جَدِيدٌ. (ثُمَّ مَا لَا يَكُونُ حَدَثًا لَا يَكُونُ نَجِسًا يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ذَكَرَهُ فِي جَامِعِ الْكَرْدَرِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عَنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ نَجِسٌ عِنْدَهُ، وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ احْتِيَاطًا. وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا أَخَذَهُ بِقُطْنَةٍ فَأَلْقَاهُ فِي الْمَاءِ لَا يَنْجُسُ الْمَاءُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَرْفَقُ خُصُوصًا فِي حَقِّ أَصْحَابِ الْقُرُوحِ، وَوَجْهُ الصِّحَّةِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ إنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسٍ حُكْمًا حَيْثُ لَمْ تُنْتَقَضْ بِهِ الطَّهَارَةُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْخَارِجَ النَّجِسَ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ الْحَيِّ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ حَدَثًا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ حَدَثًا فَقَدْ انْتَفَى اللَّازِمُ وَانْتِفَاؤُهُ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْمَلْزُومِ وَفِي كَلَامِهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى مَا لَا يَكُونُ حَدَثًا، وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ تُنْتَقَضْ بِهِ الطَّهَارَةُ لَيْسَ بِحَدَثٍ، فَكَانَ مَعْنَى كَلَامِهِ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَكُونُ حَدَثًا لَيْسَ بِنَجِسٍ حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ وَهُوَ مُصَادَرَةٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ مَرَّتَيْنِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يُسْتَدَلُّ بِعَدَمِ نَقْضِ الطَّهَارَةِ عَلَى عَدَمِ النَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ النَّقْضِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِكَوْنِهِ غَيْرَ خَارِجٍ لَا لِكَوْنِهِ غَيْرَ نَجِسٍ، فَإِنَّ عِلَّةَ النَّاقِضِ ذَاتُ وَصْفَيْنِ: وَصْفِ الْخُرُوجِ، وَوَصْفِ النَّجَاسَةِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ انْتِفَاؤُهُ لِكَوْنِهِ غَيْرَ خَارِجٍ دُونَ انْتِفَاءِ الْوَصْفِ الْآخَرِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ تَقْرِيرَ كَلَامِهِ هَكَذَا مَا لَا يَكُونُ حَدَثًا لَا يَكُونُ نَجِسًا،؛ لِأَنَّ مَا لَا يَكُونُ حَدَثًا لَيْسَ بِنَجَسٍ حُكْمًا. وَقَوْلُهُ: حُكْمًا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ النَّجَسَ هُوَ مَا يَحْكُمُ الشَّرْعُ بِنَجَاسَتِهِ، وَالشَّرْعُ لَمْ يَحْكُمُ بِنَجَاسَتِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ بِالنَّجَاسَةِ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ حَدَثًا وَلَيْسَ بِحَدَثٍ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنْ الدَّلِيلِ فَلَا يَكُونُ نَجَسًا. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ غَيْرَ الْخَارِجِ لَا يُعْطَى لَهُ حُكْمَ النَّجَاسَةِ لِكَوْنِهِ فِي مَحَلِّهِ، فَإِنَّ مَنْ صَلَّى وَهُوَ حَامِلٌ سَخْلَةً أَوْ بَيْضَةً حَالَ مَجِّهَا دَمًا جَازَتْ صَلَاتُهُ، فَكَانَ انْتِفَاءُ الْخُرُوجِ مُسْتَلْزِمًا لِانْتِفَاءِ النَّجَاسَةِ، وَنُوقِضَ بِدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ وَالْجُرْحِ

(وَهَذَا إذَا قَاءَ مُرَّةً أَوْ طَعَامًا أَوْ مَاءً، فَإِنْ قَاءَ بَلْغَمًا فَغَيْرُ نَاقِضٍ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَاقِضٌ إذَا كَانَ مِلْءَ الْفَمِ، وَالْخِلَافُ فِي الْمُرْتَقِي مِنْ الْجَوْفِ. أَمَّا النَّازِلُ مِنْ الرَّأْسِ فَغَيْرُ نَاقِضٍ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الرَّأْسَ لَيْسَ بِمَوْضِعِ النَّجَاسَةِ. لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ نَجِسٌ بِالْمُجَاوَرَةِ، وَلَهُمَا أَنَّهُ لَزِجٌ لَا تَتَخَلَّلُهُ النَّجَاسَةُ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ قَلِيلٌ وَالْقَلِيلُ فِي الْقَيْءِ غَيْرُ نَاقِضٍ (وَلَوْ قَاءَ دَمًا وَهُوَ عَلَقٌ يُعْتَبَرُ فِيهِ مِلْءُ الْفَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّائِلُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ وَهُوَ نَجَسٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ بَلْ هُوَ حَدَثٌ لَكِنْ لَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ بِمِلْءِ الْفَمِ (إذَا قَاءَ مَرَّةً أَوْ طَعَامًا أَوْ مَاءً، فَإِنْ قَاءَ بَلْغَمًا) يَعْنِي صِرْفًا لَا يَشُوبُهُ طَعَامٌ، فَإِمَّا أَنْ يَنْزِلَ مِنْ الرَّأْسِ أَوْ يَرْتَقِيَ مِنْ الْجَوْفِ، وَالْأَوَّلُ غَيْرُ نَاقِضٍ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الرَّأْسَ لَيْسَ بِمَوْضِعِ النَّجَاسَةِ. وَكَذَا الثَّانِي عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. لَهُ أَنَّهُ نَجَسٌ بِمُجَاوَرَةِ مَا فِي الْمَعِدَةِ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَقَدْ خَرَجَ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ فَيَكُونُ نَاقِضًا كَالطَّعَامِ وَالصَّفْرَاءِ، وَلَهُمَا أَنَّ الْبَلْغَمَ لَزِجٌ لَا تَتَخَلَّلُهُ النَّجَاسَةُ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ قَلِيلٌ وَالْقَلِيلُ فِي الْقَيْءِ غَيْرُ نَاقِضٍ. فَإِنْ قِيلَ يُنْقَضُ بِبَلْغَمٍ يَقَعُ فِي النَّجَاسَةِ ثُمَّ يُرْفَعُ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا رِوَايَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَلَئِنْ سُلِّمَ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْبَلْغَمَ مَا دَامَ فِي الْبَاطِنِ تَزْدَادُ ثَخَانَتُهُ فَتَزْدَادُ لُزُوجَتُهُ، فَإِذَا انْفَصَلَ عَنْ الْبَاطِنِ تَقِلُّ ثَخَانَتُهُ فَتَقِلُّ لُزُوجَتُهُ. وَإِذَا قَلَّتْ لُزُوجَتُهُ ازْدَادَتْ رِقَّتُهُ فَجَازَ أَنْ يَقْبَلَ النَّجَاسَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا اخْتَلَطَ الْبَلْغَمُ بِالطَّعَامِ، قَالُوا: يُعْتَبَرُ فِيهِ الْغَلَبَةُ، فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ غَالِبًا نَقَضَ كَالدَّمِ وَإِلَّا فَلَا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَاءَ دَمًا) فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَجَمِّدًا وَهُوَ الْعَلَقُ أَوْ مَائِعًا. فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ يُعْتَبَرُ فِيهِ مِلْءُ الْفَمِ؛ لِأَنَّهُ سَوْدَاءُ مُحْتَرِقَةٌ وَهِيَ تَخْرُجُ مِنْ الْمَعِدَةِ وَالْخَارِجُ مِنْهَا حَدَثٌ إذَا كَانَ مِلْءَ الْفَمِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ أَنْوَاعِهِ. قِيلَ وَهِيَ خَمْسَةٌ: الطَّعَامُ، وَالْمَاءُ وَالْمُرَّةُ، وَالسَّوْدَاءُ، وَالصَّفْرَاءُ. وَعِنْدَهُمَا إنْ سَالَ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ نَقَضَ، وَإِنْ قَلَّ؛ لِأَنَّ الْمَعِدَةَ لَيْسَتْ مَحَلًّا لِلدَّمِ فَيَكُونُ مِنْ قُرْحَةٍ فِي الْجَوْفِ ظَاهِرًا فَيُعْتَبَرُ بِالْخَارِجِ مِنْ الْقُرْحَةِ الظَّاهِرَةِ وَالْمُعْتَبَرُ هُنَاكَ السَّيَلَانُ. فَكَذَلِكَ هَاهُنَا ذُكِرَ فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهُ أَنَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُضْطَرِبٌ،

لِأَنَّهُ سَوْدَاءُ مُحْتَرِقَةٌ) وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْتِبَارًا بِسَائِرِ أَنْوَاعِهِ، وَعِنْدَهُمَا إنْ سَالَ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لِأَنَّ الْمَعِدَةَ لَيْسَتْ بِمَحَلِّ الدَّمِ فَيَكُونُ مِنْ قُرْحَةٍ فِي الْجَوْفِ (وَلَوْ) (نَزَلَ) مِنْ الرَّأْسِ (إلَى مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ) (نَقَضَ بِالِاتِّفَاقِ) لِوُصُولِهِ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ فَيَتَحَقَّقُ الْخُرُوجُ (وَالنَّوْمُ مُضْطَجِعًا أَوْ مُتَّكِئًا أَوْ مُسْتَنِدًا إلَى شَيْءٍ لَوْ أُزِيلَ عَنْهُ لَسَقَطَ) لِأَنَّ الِاضْطِجَاعَ سَبَبٌ لِاسْتِرْخَاءِ الْمَفَاصِلِ فَلَا يَعْرَى عَنْ خُرُوجِ شَيْءٍ عَادَةً، وَالثَّابِتُ عَادَةً كَالْمُتَيَقَّنِ بِهِ، وَالِاتِّكَاءُ يُزِيلُ مَسْكَةَ الْيَقَظَةِ لِزَوَالِ الْمَقْعَدِ عَنْ الْأَرْضِ، وَيَبْلُغُ الِاسْتِرْخَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. . (قَوْلُهُ: وَلَوْ نَزَلَ إلَى مَا لَانَ) أَيْ الَّذِي لَانَ مِنْ الْأَنْفِ: يَعْنِي الْمَارِنَ. فَإِنْ قِيلَ حُكْمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ وَالدَّمُ وَالْقَيْحُ إذَا خَرَجَا مِنْ الْبَدَنِ فَتَجَاوَزَ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ فَكَانَ ذِكْرُهُ تَكَرُّرًا. أُجِيبَ بِأَنَّ ذِكْرَهُ هَاهُنَا لَيْسَ لِبَيَانِ حُكْمِهِ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا مِنْ ذَلِكَ إذَا وَصَلَ الدَّمُ إلَى قَصَبَةِ الْأَنْفِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ هَاهُنَا بَيَانًا لِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّ عِنْدَ زُفَرَ لَا يَنْقُضُ بِوُصُولِهِ إلَى قَصَبَةِ الْأَنْفِ، وَإِنَّمَا يَنْقُضُ إذَا وَصَلَ إلَى مَا لَانَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ بِالِاتِّفَاقِ. وَقَوْلُهُ: لِوُصُولِهِ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ: يَعْنِي بِالِاتِّفَاقِ لِعَدَمِ الظُّهُورِ قَبْلَ ذَلِكَ عِنْدَ زُفَرَ (قَوْلُهُ: وَالنَّوْمُ مُضْطَجِعًا) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ نَقْضِ الْوُضُوءِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَدَنِ حَقِيقَةً ذَكَرَ نَقْضَهُ بِمَا يُوجِبُ ذَلِكَ حُكْمًا (قَوْلُهُ: وَالنَّوْمُ مُضْطَجِعًا) وَهُوَ أَنْ يَضَعَ النَّائِمُ جَنْبَهُ عَلَى الْأَرْضِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ؛ لِأَنَّ الِاضْطِجَاعَ سَبَبٌ لِاسْتِرْخَاءِ الْمَفَاصِلِ فَلَا يَخْلُو عَنْ خُرُوجِ رِيحٍ عَادَةً، وَالثَّابِتُ عَادَةً كَالْمُتَيَقَّنِ بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ دَخَلَ الْمُسْتَرَاحَ ثُمَّ شَكَّ فِي وُضُوئِهِ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِنَقْضِ وُضُوئِهِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ عِنْدَ الدُّخُولِ فِي الْخَلَاءِ بِالتَّبَرُّزِ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَكَّ بِدُونِ الدُّخُولِ، وَكَذَلِكَ النَّوْمُ مُتَّكِئًا عَلَى أَحَدِ وَرِكَيْهِ، وَالِاتِّكَاءُ افْتِعَالٌ مِنْ وَكَأَ مُعْتَلِّ الْفَاءِ مَهْمُوزِ اللَّامِ مُقَدَّرٍ لَا مُسْتَعْمَلٍ، فَأَبْدَلَ التَّاءَ فِي اتِّكَاءٍ مِنْ الْوَاوِ إذْ الْأَصْلُ أَوْ اتَّكَأَ، فَإِنَّ التَّاءَ تُبْدَلُ مِنْ الْوَاوِ فِي افْتَعَلَ وَغَيْرِهِ (وَلِأَنَّ الِاتِّكَاءَ يُزِيلُ مَسْكَةَ الْيَقِظَةِ) أَيْ التَّمَاسُكَ

غَايَتَهُ بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الِاسْتِنَادِ، غَيْرَ أَنَّ السَّنَدَ يَمْنَعُهُ مِنْ السُّقُوطِ، بِخِلَافِ النَّوْمِ حَالَةَ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا هُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ بَعْضَ الِاسْتِمْسَاكِ بَاقٍ، إذْ لَوْ زَالَ لَسَقَطَ فَلَمْ يَتِمَّ الِاسْتِرْخَاءُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّذِي يَكُونُ لِلْيَقْظَانِ، وَكَذَلِكَ الِاسْتِنَادُ إلَى شَيْءٍ كَجِدَارٍ أَوْ حَائِطٍ بِحَيْثُ إذَا أُزِيلَ سَقَطَ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَصْلِ رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ وَإِنَّمَا هُوَ مِمَّا اخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ؛ لِأَنَّ الِاسْتِرْخَاءَ يَبْلُغُ غَايَتَهُ بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الِاسْتِنَادِ، غَيْرَ أَنَّ السَّنَدَ يَمْنَعُهُ مِنْ السُّقُوطِ، وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ وُضُوءُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ مَقْعَدَهُ مُسْتَقِرٌّ عَلَى الْأَرْضِ فَيَأْمَنُ مِنْ خُرُوجِ شَيْءٍ مِنْهُ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ النَّوْمِ حَالَةَ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي الصَّلَاةِ) يَعْنِي إذَا كَانَ عَلَى هَيْئَةِ سُجُودِ الصَّلَاةِ مِنْ تَجَافِي الْبَطْنِ عَنْ الْفَخِذَيْنِ وَعَدَمِ افْتِرَاشِ الذِّرَاعَيْنِ، أَمَّا إذَا كَانَ بِخِلَافِهِ فَيُنْقَضُ. وَقَوْلُهُ: وَغَيْرُهَا هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَمَّا ذَكَرَ ابْنُ شُجَاعٍ أَنَّهُ لَا يَكُونُ حَدَثًا فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ إذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ، أَمَّا إذَا كَانَ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَهُوَ حَدَثٌ وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ (؛ لِأَنَّ بَعْضَ الِاسْتِمْسَاكِ بَاقٍ، إذْ لَوْ زَالَ لَسَقَطَ فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِرْخَاءُ) وَإِذَا لَمْ يَتِمَّ لَمْ يَكُنْ النَّوْمُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ سَبَبًا لِخُرُوجِ شَيْءٍ عَادَةً فَلَا يُقَامُ مَقَامَهُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ إنَّمَا يُقَامُ مَقَامَ الْمُسَبَّبِ إذَا كَانَ غَالِبَ الْوُجُودِ بِذَلِكَ السَّبَبِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَغْلِبْ فَلَا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَقَعُ الشَّكُّ فِي وُجُودِ الْحَدَثِ

وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا وُضُوءَ عَلَى مَنْ نَامَ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا أَوْ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، إنَّمَا الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا، فَإِنَّهُ إذَا نَامَ مُضْطَجِعًا اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ» ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْوُضُوءُ كَانَ ثَابِتًا بِيَقِينٍ فَلَا يُزَالُ بِالشَّكِّ. (وَالْأَصْلُ فِيهِ) أَيْ فِي كَوْنِ النَّوْمِ غَيْرَ نَاقِضٍ لِلْوُضُوءِ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ (قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا وُضُوءَ عَلَى مَنْ نَامَ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا أَوْ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، إنَّمَا الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا فَإِنَّهُ إذَا نَامَ مُضْطَجِعًا اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ» ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مُسْنَدًا إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَإِنْ قِيلَ هَذَا الْحَدِيثُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى أَبِي الْعَالِيَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْد النَّقَلَةِ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ قَالَ: حَدِّثْ عَمَّنْ شِئْت إلَّا عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ فَإِنَّهُ لَا يُبَالِي عَمَّنْ أَخَذَ: أَيْ لَا يُبَالِي أَنْ يَرْوِيَ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ.

(وَالْغَلَبَةُ عَلَى الْعَقْلِ بِالْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونُ) لِأَنَّهُ فَوْقَ النَّوْمِ مُضْطَجِعًا فِي الِاسْتِرْخَاءِ، وَالْإِغْمَاءِ حَدَثٌ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا، وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي النَّوْمِ إلَّا أَنَّا عَرَفْنَاهُ بِالْأَثَرِ، وَالْإِغْمَاءُ فَوْقَهُ فَلَا يُقَاسَ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأُجِيبَ بِأَنَّ أَبَا الْعَالِيَةِ ثِقَةٌ نَقَلَ عَنْهُ الثِّقَاتُ كَالْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيِّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وَكَوْنُهُ لَا يُبَالِي عَمَّنْ أَخَذَ يُؤَثِّرُ فِي مَرَاسِيلِهِ دُونَ مَسَانِيدِهِ، وَقَدْ أَسْنَدَ هَذَا الْحَدِيثَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ نَفْيُ الْوُضُوءِ عَمَّنْ نَامَ قَائِمًا أَوْ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا. وَالثَّانِي: إثْبَاتُهُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا مُؤَكَّدًا بِإِنَّمَا. فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا لِلْحَصْرِ وَلَا حَصْرَ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ لَمْ يَنْحَصِرْ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا بَلْ هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْمُسْتَنِدِ وَالْمُتَّكِئِ كَمَا مَرَّ وَأُجِيبَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لِلْحَصْرِ بَلْ هُوَ لِتَأْكِيدِ الْإِثْبَاتِ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَصِيغَتُهُ أَفَادَتْ الْحَصْرَ فِي الْمُضْطَجِعِ وَالْمُتَّكِئِ، وَالْمُسْتَنِدُ يَلْحَقُ بِهِ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ. وَالثَّالِثُ التَّعْلِيلُ وَهُوَ قَوْلُهُ: «فَإِنَّهُ إذَا نَامَ مُضْطَجِعًا اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ» فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْوُضُوءِ عَلَى مَنْ نَامَ قَائِمًا أَوْ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا لِعَدَمِ الِاسْتِرْخَاءِ، وَعَلَى وُجُوبِهِ عَلَى الْمُضْطَجِعِ وَمَنْ هُوَ بِمَعْنَاهُ لِوُجُودِهِ فِيهِ. قِيلَ وَمَعْنَى قَوْلِهِ «اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ» : بَلَغَ الِاسْتِرْخَاءُ غَايَتَهُ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الِاسْتِرْخَاءِ يُوجَدُ فِيمَنْ نَامَ قَائِمًا، فَحِينَئِذٍ يَتَنَاقَضُ أَوَّلُ الْحَدِيثِ وَآخِرُهُ. وَرُبَّمَا يُشِيرُ إلَى هَذَا قَوْلُهُ: مَنْ قِيلَ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الِاسْتِمْسَاكِ بَاقٍ، وَقَوْلُهُ: فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِرْخَاءُ. . قَالَ (وَالْغَلَبَةُ عَلَى الْعَقْلِ بِالْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونُ) وَالْجُنُونُ مَرْفُوعٌ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ وَالْغَلَبَةُ، وَالْجَرُّ خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ فِي الْإِغْمَاءِ مَغْلُوبٌ وَفِي الْجُنُونِ مَسْلُوبٌ، وَلِهَذَا جَازَ الْإِغْمَاءُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ دُونَ الْجُنُونِ، وَالْإِغْمَاءُ ضَرْبُ مَرَضٍ يُضْعِفُ الْقُوَى وَلَا يُزِيلُ الْحِجَا، وَسَبَبُهُ امْتِلَاءُ بُطُونِ الدِّمَاغِ مِنْ بَلْغَمٍ غَلِيظٍ بَارِدٍ. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ (فَوْقَ النَّوْمِ مُضْطَجِعًا فِي الِاسْتِرْخَاءِ) ؛ لِأَنَّ النَّائِمَ يَتَنَبَّهُ بِالتَّنَبُّهِ دُونَهُمَا (وَالْإِغْمَاءُ حَدَثٌ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا) يَعْنِي حَالَ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِوُجُودِ الِاسْتِرْخَاءِ، وَهُوَ

(وَالْقَهْقَهَةُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ ذَاتِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ) وَالْقِيَاسُ أَنَّهَا لَا تَنْقُضُ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ نَجَسٍ، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ حَدَثًا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَخَارِجِ الصَّلَاةِ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَا مَنْ ضَحِكَ مِنْكُمْ قَهْقَهَةً فَلْيُعِدْ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ جَمِيعًا» وَبِمِثْلِهِ يُتْرَكُ الْقِيَاسُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقِيَاسُ فِي النَّوْمِ لِزَوَالِ الْمَقْعَدَةِ عَنْ الْأَرْضِ وَوُجُودِ أَصْلِ الِاسْتِرْخَاءِ، لَكِنْ تَرَكْنَا هَذَا الْقِيَاسَ فِي النَّوْمِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا وُضُوءَ عَلَى مَنْ نَامَ قَائِمًا» الْحَدِيثَ، وَالْإِغْمَاءُ فَوْقَهُ كَمَا مَرَّ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ وَلَا يَلْحَقُ بِهِ دَلَالَةً؛ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ أَلَّا يَكُونَ أَدْنَى الْغَفْلَةِ نَاقِضًا أَلَّا يَكُونَ أَعْلَاهَا نَاقِضًا. وَالسُّكْرُ إذَا حَصَلَ بِهِ تَمَايُلٌ فِي الْمِشْيَةِ كَالْإِغْمَاءِ قِيلَ لَمْ يُعَلِّلْ الْمُصَنِّفُ لِلْجُنُونِ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ عَلَّلَهُ بِغَلَبَةِ الِاسْتِرْخَاءِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْمَجْنُونَ قَدْ يَكُونُ أَقْوَى مِنْ الصَّحِيحِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنَّهُ نَاقِضٌ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ مُبَالَاتِهِ وَتَمْيِيزِ الْحَدَثِ عَنْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَالْقَهْقَهَةُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ ذَاتِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ) احْتِرَازٌ عَنْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ (وَلَنَا قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَا مَنْ ضَحِكَ مِنْكُمْ قَهْقَهَةً» ) الْحَدِيثَ، رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي وَأَصْحَابُهُ خَلْفَهُ فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ وَفِي بَصَرِهِ سُوءٌ: أَيْ ضَعْفٌ، فَوَقَعَ فِي رَكِيَّةٍ فَضَحِكَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ: أَلَا مَنْ ضَحِكَ مِنْكُمْ» الْحَدِيثَ، وَرَوَاهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ وَرَوَاهُ أَبُو الْعَالِيَةِ مُرْسَلًا وَمُسْنَدًا إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ (وَبِمِثْلِهِ) أَيْ بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي عَمِلَ بِهِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ، وَكَانَ رَاوِيهِ مَعْرُوفًا بِالْفِقْهِ وَالتَّقَدُّمِ فِي الِاجْتِهَادِ كَأَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (يُتْرَكُ الْقِيَاسُ) قِيلَ التَّعَلُّقُ

وَالْأَثَرُ وَرَدَ فِي صَلَاةِ مُطْلَقَةٍ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهَا. وَالْقَهْقَهَةُ مَا يَكُونُ مَسْمُوعًا لَهُ وَلِجِيرَانِهِ، وَالضَّحِكُ مَا يَكُونُ مَسْمُوعًا لَهُ دُونَ جِيرَانِهِ وَهُوَ عَلَى مَا قِيلَ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ دُونَ الْوُضُوءِ. (وَالدَّابَّةُ تَخْرُجُ مِنْ الدُّبُرِ نَاقِضَةٌ، فَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ رَأْسِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكِيَّةٌ فَكَانَ مَوْضُوعًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي خَبَرِ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ رَكِيَّةٌ. وَرَاوِي الْمَسْجِدِ كَأَبِي مُوسَى وَأُسَامَةَ ثِقَةٌ وَهُوَ مُثْبِتٌ فَهُوَ أَوْلَى. وَقِيلَ لَا يَصِحُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الضَّحِكُ فِي الصَّلَاةِ قَهْقَهَةً، وَاَلَّذِينَ كَانُوا خَلْفَهُ أَصْحَابُهُ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي خَلْفَهُ الصَّحَابَةُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَالْأَعْرَابِ الْجُهَّالِ، وَهَذَا مِنْ بَابِ حُسْنِ الظَّنِّ بِهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَإِلَّا فَلَيْسَ الضَّحِكُ كَبِيرَةً، وَهْم لَيْسُوا مِنْ الصَّغَائِرِ بِمَعْصُومِينَ وَلَا مِنْ الْكَبَائِرِ بِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ كَبِيرَةً. (قَوْلُهُ: وَالْأَثَرُ وَرَدَ فِي صَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ) أَيْ كَامِلَةٍ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهَا فَلَا يَتَعَدَّى إلَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَصَلَاةِ الصَّبِيِّ وَصَلَاةِ الْبَانِي بَعْدَ الْوُضُوءِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَصَلَاةِ النَّائِمِ فَإِنَّ الْوُضُوءَ لَا يَفْسُدُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، وَفَرْقٌ بَيْنَ الْقَهْقَهَةِ وَالضَّحِكِ وَهُوَ وَاضِحٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ التَّبَسُّمَ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُفْسِدٍ لِلصَّلَاةِ وَلَا لِلْوُضُوءِ فَلَيْسَ لَهُ هَاهُنَا مَدْخَلٌ. «قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا تَبَسَّمَ وَلَوْ فِي الصَّلَاةِ» . : قَالَ: (وَالدَّابَّةُ تَخْرُجُ مِنْ الدُّبُرِ تَنْقُضُ الْوُضُوءِ) الدَّابَّةُ: أَيْ الدُّودَةُ الَّتِي تَنْشَأُ فِي الْبَطْنِ إذَا خَرَجَتْ مِنْ الدُّبُرِ نَقَضَتْ الْوُضُوءَ، وَاَلَّتِي تَنْشَأُ فِي الْجُرْحِ إذَا خَرَجَتْ مِنْهُ أَوْ لَحْمٌ سَقَطَ مِنْهُ لَمْ يَنْقُضْ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الدُّودَةِ لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ، وَلِهَذَا لَوْ غُسِلَتْ جَازَتْ الصَّلَاةُ مَعَهَا فَلَمْ يَبْقَ مِنْ النَّجَسِ إلَّا مَا عَلَيْهَا وَذَلِكَ قَلِيلٌ وَهُوَ حَدَثٌ فِي السَّبِيلَيْنِ دُونَ غَيْرِهِمَا، فَأَشْبَهَ الْخَارِجُ مِنْ الْجُرْحِ الْجُشَاءَ فِي عَدَمِ النَّقْضِ، وَالْخَارِجُ مِنْ الدُّبُرِ الْفُسَاءَ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ. قِيلَ إنَّمَا فَسَّرَ الدَّابَّةَ بِالدُّودَةِ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ مَا يَدِبُّ عَلَى

الْجُرْحِ أَوْ سَقَطَ اللَّحْمُ لَا تَنْقُضُ) وَالْمُرَادُ بِالدَّابَّةِ الدُّودَةُ وَهَذَا لِأَنَّ النَّجَسَ مَا عَلَيْهَا وَذَلِكَ قَلِيلٌ وَهُوَ حَدَثٌ فِي السَّبِيلَيْنِ دُونَ غَيْرِهِمَا، فَأَشْبَهَ الْجُشَاءَ وَالْفُسَاءَ، بِخِلَافِ الرِّيحِ الْخَارِجَةِ مِنْ قُبُلِ الْمَرْأَةِ وَذَكَرِ الرَّجُلِ لِأَنَّهَا لَا تَنْبَعِثُ عَنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ مُفْضَاةً يُسْتَحَبُّ لَهَا الْوُضُوءُ لِاحْتِمَالِ خُرُوجِهَا مِنْ الدُّبُرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَرْضِ، فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا مَا يَدْخُلُ الْجُرْحَ كَالذُّبَابِ فَيَخْرُجُ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ فَفَسَّرَهُ بَيَانًا لِذَلِكَ. وَقِيلَ قَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَا لَا يَكُونُ حَدَثًا لَا يَكُونُ نَجَسًا هُوَ الصَّحِيحُ، وَقَالَ هَاهُنَا:؛ لِأَنَّ النَّجَسَ مَا عَلَيْهَا وَذَلِكَ تَنَاقُضٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ كَانَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، أَوْ أَطْلَقَ النَّجَسَ بِطَرِيقِ الْفَرْضِ: يَعْنِي لَوْ كَانَ ثَمَّةَ نَجَسٌ فَهُوَ مَا عَلَيْهَا، وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الشَّرْطِيَّةِ إنْ كَانَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَكِنْ ثَمَّةَ نَجَسٌ فَيَكُونُ مَا عَلَيْهَا لَمْ يَسْتَقِمْ فِي الْجُرْحِ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَكُونُ حَدَثًا لَا يَكُونُ نَجَسًا وَهُوَ لَيْسَ بِحَدَثٍ فِي الْجُرْحِ فَلَا يَكُونُ نَجَسًا، وَإِنْ كَانَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَكِنْ لَمْ يَكُنْ نَجَسٌ مَا عَلَيْهَا فَلَا يَكُونُ نَجَسًا لَمْ يَسْتَقِمْ فِي الدُّبُرِ؛ لِأَنَّهُ نَجَسٌ وَحَدَثٌ وَالْأَوَّلُ صَوَابٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: أَطْلَقَ النَّجَسَ عَلَى مَا يَخْرُجُ مِنْ الْجُرْحِ بِطَرِيقِ الْمُشَاكَلَةِ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الدُّبُرِ نَجَسًا ذُكِرَ فِي الْجُرْحِ بِلَفْظِ النَّجَسِ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الرِّيحِ الْخَارِجَةِ مِنْ قُبُلِ الْمَرْأَةِ) مُتَّصِلٌ بِالْفُسَاءِ: يَعْنِي أَنَّهُ نَاقِضٌ، بِخِلَافِ الرِّيحِ الْخَارِجَةِ مِنْ قُبُلِ الْمَرْأَةِ (وَذَكَرِ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْبَعِثُ عَنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ مُفْضَاةً) وَهِيَ الَّتِي صَارَ سَبِيلَاهَا وَاحِدًا (يُسْتَحَبُّ لَهَا الْوُضُوءُ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فُسَاءً. وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّ عَيْنَ الرِّيحِ نَجَسٌ أَوْ مُتَنَجِّسٌ بِمُرُورِهَا عَلَى النَّجَاسَةِ وَثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ خَرَجَ مِنْهُ الرِّيحُ وَعَلَيْهِ سَرَاوِيلُ مُبْتَلَّةٌ، فَمَنْ قَالَ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهَا قَالَ بِتَنَجُّسِ السَّرَاوِيلِ، وَمَنْ قَالَ بِطَهَارَةِ عَيْنِهَا لَمْ يَقُلْ بِهِ، كَمَا لَوْ مَرَّتْ الرِّيحُ بِنَجَاسَةٍ ثُمَّ مَرَّتْ بِثَوْبِ مُبْتَلٍّ فَإِنَّهُ لَا يَتَنَجَّسُ بِهَا. قِيلَ إذَا كَانَ الْخُرُوجُ مِنْ الدُّبُرِ مُحْتَمَلًا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوُضُوءُ وَاجِبًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ كَوْنَهَا مُتَوَضِّئَةً ثَابِتٌ بِيَقِينٍ، وَالْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالْمُحْتَمَلِ كَالشَّاكِّ فِي الْحَدَثِ. وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ: يَجِبُ عَلَيْهَا الْوُضُوءُ

(فَإِنْ قُشِرَتْ نَفْطَةٌ فَسَالَ مِنْهَا مَاءٌ أَوْ صَدِيدٌ أَوْ غَيْرُهُ إنْ سَالَ عَنْ رَأْسِ الْجُرْحِ نَقَضَ، وَإِنْ لَمْ يَسِلْ لَا يَنْقُضُ) وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَنْقُضُ فِي الْوَجْهَيْنِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَنْقُضُ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ نَجِسَةٌ لِأَنَّ الدَّمَ يَنْضَجُ فَيَصِيرُ قَيْحًا ثُمَّ يَزْدَادُ نُضْجًا فَيَصِيرُ صَدِيدًا ثُمَّ يَصِيرُ مَاءً، هَذَا إذَا قَشَرَهَا فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ، أَمَّا إذَا عَصَرَهَا فَخَرَجَ بِعَصْرِهِ لَا يَنْقُضُ لِأَنَّهُ مُخْرَجٌ وَلَيْسَ بِخَارِجٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ رِوَايَةُ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ. وَقِيلَ إذَا كَانَتْ مُنْتِنَةً يَجِبُ وَإِلَّا فَلَا. وَقَوْلُهُ: (قُشِّرَتْ نَفِطَةٌ) فِي نُونِهَا الْحَرَكَاتُ الثَّلَاثُ وَهُوَ بَثْرٌ يَخْرُجُ بِالْيَدِ مَلْآنُ مَاءً، مِنْ قَوْلِهِمْ انْتَفَطَ فُلَانٌ: أَيْ امْتَلَأَ غَضَبًا، إذَا قُشِّرَتْ فَإِمَّا أَنْ يَسِيلَ الْمَاءُ عَنْ رَأْسِ الْجُرْحِ أَوْ لَا، وَسَمَّاهُ جُرْحًا؛ لِأَنَّ قِشْرَهَا جُرْحٌ لَهَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ نُقِضَ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي لَمْ يُنْقَضْ، وَإِنَّمَا أَعَادَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَإِنْ كَانَتْ تُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ لِيُعْلَمَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْخَارِجِ وَالْمَخْرَجِ، أَوْ لِيُعْلَمَ أَنَّ حُكْمَ الْمَاءِ حُكْمُ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَمْ يَذْكُرْهُ مِنْ قَبْلُ، فَرُبَّمَا كَانَ يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْمَاءَ لَيْسَ كَغَيْرِهِ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ: أَعْنِي قَوْلَهُ مَاءٌ أَوْ صَدِيدٌ أَوْ غَيْرَهُمَا، وَقَوْلُهُ: هَذَا: أَيْ الَّذِي ذُكِرَ أَنَّهُ إذَا سَالَ نُقِضَ إنَّمَا هُوَ إذَا قَشَّرَهَا فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ، أَمَّا إذَا عَصَرَهَا فَخَرَجَ بِعَصْرِهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ لَمْ يَعْصِرْهَا لَمْ يَخْرُجْ لَمْ يُنْقَضْ؛ لِأَنَّهُ مُخْرَجٌ وَلَيْسَ بِخَارِجٍ، وَهُوَ مُخْتَارُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ: يُنْقَضُ. قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ: وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدِي؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ لَازِمُ الْإِخْرَاجِ، وَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ اللَّازِمِ عِنْدَ وُجُودِ الْمَلْزُومِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ يَسْتَلْزِمُهُ، فَكَانَ ثُبُوتُهُ غَيْرَ قَصْدِيٍّ وَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ.

[فصل في الغسل]

(فَصْلٌ فِي الْغُسْلِ) (وَفَرْضُ الْغُسْلِ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَغَسْلُ سَائِرِ الْبَدَنِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُمَا سُنَّتَانِ فِيهِ لِقَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الْغُسْلِ] مَعْنَى الْفَصْلِ فِي اللُّغَةِ ظَاهِرٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَعْرِيفُهُ بِأَنَّهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ تَغَيَّرَتْ أَحْكَامُهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا قَبْلَهَا غَيْرُ مُتَرْجَمَةٍ بِالْكِتَابِ وَالْبَابِ، فَإِنْ وُصِلَ بِمَا بَعْدَهُ نُوِّنَ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ فَصْلَ الْغُسْلِ بَعْدَ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْوُضُوءِ أَكْثَرُ، وَلِأَنَّ مَحَلَّ الْوُضُوءِ جُزْءُ الْبَدَنِ وَمَحَلُّ الْغُسْلِ كُلُّهُ وَالْجُزْءُ قَبْلَ الْكُلِّ، أَوْ اقْتِدَاءً بِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّهُ وَقَعَ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ، وَالْفَرْضُ بِمَعْنَى الْمَفْرُوضِ، وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ (وَفَرْضُ الْغُسْلِ) إمَّا لِلِاسْتِئْنَافِ وَإِمَّا وَاوُ الْمُخْتَصِّ لِلْعَطْفِ عَلَى قَوْلِهِ فَفَرْضُ الْوُضُوءِ، وَالْغُسْلُ اسْمٌ مِنْ الِاغْتِسَالِ وَهُوَ غَسْلُ تَمَامِ الْجَسَدِ قَوْلُهُ: (وَغَسْلُ سَائِرِ الْبَدَنِ) أَيْ الْبَاقِي. وَقَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَشْرٌ مِنْ الْفِطْرَةِ» أَيْ السُّنَّةِ، قِيلَ خَمْسٌ مِنْهَا فِي الرَّأْسِ وَخَمْسٌ

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَشْرٌ مِنْ الْفِطْرَةِ» أَيْ مِنْ السُّنَّةِ وَذَكَرَ مِنْهَا الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ وَلِهَذَا كَانَا سُنَّتَيْنِ فِي الْوُضُوءِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] وَهُوَ أَمْرٌ بِتَطْهِيرِ جَمِيعِ الْبَدَنِ، إلَّا أَنَّ مَا يَتَعَذَّرُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ خَارِجٌ عَنْ النَّصِّ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ غَسْلُ الْوَجْهِ وَالْمُوَاجِهَةُ فِيهِمَا مُنْعَدِمَةٌ، وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ حَالَةَ الْحَدَثِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّهُمَا فَرْضَانِ فِي الْجَنَابَةِ سُنَّتَانِ فِي الْوُضُوءِ» . قَالَ (وَسُنَّتُهُ أَنْ يَبْدَأَ الْمُغْتَسِلُ فَيَغْسِلَ يَدَيْهِ وَفَرْجَهُ وَيُزِيلَ نَجَاسَةً إنْ كَانَتْ عَلَى بَدَنِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْجَسَدِ، فَاَلَّتِي فِي الرَّأْسِ: الْفَرْقُ، وَالسِّوَاكُ، وَالْمَضْمَضَةُ، وَالِاسْتِنْشَاقُ، وَقَصُّ الشَّارِبِ. وَاَلَّتِي فِي الْجَسَدِ: الْخِتَانُ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَالِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ. (وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] وَالْجُنُبُ يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ جَرَى مَجْرَى الْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ الْإِجْنَابُ وَقَوْلُهُ: {فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] أَيْ اغْسِلُوا أَبْدَانَكُمْ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ، وَهُوَ أَمْرٌ بِتَطْهِيرِ جَمِيعِ الْبَدَنِ إلَّا أَنَّ مَا يَتَعَذَّرُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ خَارِجٌ عَنْ الْإِرَادَةِ كَدَاخِلِ الْعَيْنَيْنِ لِمَا فِي غَسْلِهِمَا مِنْ الضَّرَرِ وَالْأَذَى، وَلِهَذَا سَقَطَ غَسْلُهُمَا عَنْ حَقِيقَةِ النَّجَاسَةِ بِأَنْ كَحَّلَ عَيْنَيْهِ بِكُحْلٍ نَجِسٍ، وَالْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ لَا تَعَذُّرَ فِيهِمَا، وَلِهَذَا افْتَرَضَ غَسْلَهُمَا عَنْ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ فَيُفْتَرَضُ أَيْضًا فِي الْجَنَابَةِ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْوُضُوءِ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْغُسْلَ بِالْوُضُوءِ (؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ غَسْلُ الْوَجْهِ لَا جَمِيعِ الْبَدَنِ وَالْمُوَاجَهَةُ فِيهِمَا) أَيْ فِي مَحَلَّيْ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ مَعْدُومَةٌ. وَقَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ) جَوَابٌ عَنْ حَدِيثِ الشَّافِعِيِّ يَحْمِلُهُ عَلَى الْوُضُوءِ بِدَلِيلِ مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرٌ أَنَّهُمَا فَرْضَانِ فِي الْجَنَابَةِ سُنَّتَانِ فِي الْوُضُوءِ. قَالَ (وَسُنَّتُهُ أَنْ يَبْدَأَ الْمُغْتَسِلُ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ وَفَرْجَهُ وَيُزِيلُ نَجَاسَةً إنْ كَانَتْ عَلَى بَدَنِهِ)

ثُمَّ يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ إلَّا رِجْلَيْهِ، ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ وَسَائِرِ جَسَدِهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ يَنْتَحِي عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ فَيَغْسِلَ رِجْلَيْهِ) هَكَذَا حَكَتْ مَيْمُونَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - اغْتِسَالَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنَّمَا يُؤَخِّرُ غَسْلَ رِجْلَيْهِ لِأَنَّهُمَا فِي مُسْتَنْقَعِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فَلَا يُفِيدُ الْغَسْلُ حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَى لَوْحٍ لَا يُؤَخِّرُ، وَإِنَّمَا يَبْدَأُ بِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ كَيْ لَا تَزْدَادَ بِإِصَابَةِ الْمَاءِ (وَلَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَنْقُضَ ضَفَائِرَهَا فِي الْغُسْلِ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ أُصُولَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ الْإِمَامِ حُمَيْدِ الدِّينِ الضَّرِيرِ، وَأَنَّهُ أَصَحُّ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: النَّجَاسَةُ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ لَامَ التَّعْرِيفِ إمَّا أَنْ تَكُونَ لِلْعَهْدِ أَوْ لِلْجِنْسِ، لَا وَجْهَ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ الشَّكِّ تَأْبَاهُ، فَإِنَّ الْعَهْدَ يَقْتَضِي التَّقَرُّرَ إمَّا ذِكْرًا وَإِمَّا ذِهْنًا، وَلَا وَجْهَ لِلثَّانِي؛ لِأَنَّ كَوْنَ النَّجَاسَاتِ كُلِّهَا فِي بَدَنِهِ مُحَالٌ، وَأَقَلُّهَا وَهُوَ الْجُزْءُ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ غَيْرُ مُرَادٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ عَلَّلَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ كَيْ لَا تَزْدَادَ بِإِصَابَةِ الْمَاءِ، وَهَذَا الْقَلِيلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لَا يَزْدَادُ بِإِصَابَةِ الْمَاءِ، ثُمَّ قَالَ: إلَّا أَنَّ الرِّوَايَةَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ قَدْ ثَبَتَتْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، فَوَجْهُهُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى تَحْسِينِ النَّظْمِ. وَقَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ: إنَّمَا يَتَعَيَّنُ التَّنْكِيرُ إذَا انْحَصَرَ اللَّامُ فِي التَّعْرِيفَيْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ لِتَعْرِيفِ الْمَاهِيَّةِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمَاهِيَّةَ مِنْ حَيْثُ هِيَ لَا تُوجَدُ فِي الْخَارِجِ فَإِمَّا أَنْ تُوجَدَ فِي الْأَقَلِّ أَوْ غَيْرَهُ وَذَلِكَ فَاسِدٌ لِمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ إلَّا رِجْلَيْهِ) احْتِرَازٌ عَمَّا رَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْجُنُبَ يَتَوَضَّأُ وَلَا يَمْسَحُ رَأْسَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ لِوُجُودِ إسَالَةِ الْمَاءِ مِنْ بَعْدِهِ وَذَلِكَ يَعْدَمُ مَعْنَى الْمَسْحِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ؛ لِأَنَّ التَّسْيِيلَ هُوَ الْمَوْجُودُ فَلَمْ يَكُنْ التَّسْيِيلُ مِنْ بَعْدُ مُعْدِمًا لَهُ. وَقِيلَ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُضُوءِ غَسْلُ الْيَدَيْنِ إلَى الرُّسْغَيْنِ فَإِنَّهُ قَدْ يُسَمَّى وُضُوءًا. وَقَوْلُهُ: (وَيَبْدَأُ بِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ) تَكْرَارٌ، وَأَعَادَهُ لِبَيَانِ التَّعْلِيلِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهَا النَّجَاسَةَ الْمَعْهُودَةَ فِي ذَلِكَ الْحَالِ وَهُوَ الْمَنِيُّ الرَّطْبُ، فَإِنَّ مَيْمُونَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ غَيْرَ رِجْلَيْهِ، وَغَسَلَ فَرْجَهُ وَمَا أَصَابَهُ مِنْ الْأَذَى» قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ) هَاهُنَا أَمْرَانِ نَقْضُ الضَّفَائِرِ، وَبَلُّهَا. أَمَّا نَقْضُهَا فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ

الشَّعْرِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَمَا يَكْفِيك إذَا بَلَغَ الْمَاءُ أُصُولَ شَعْرِك» وَلَيْسَ عَلَيْهَا بَلُّ ذَوَائِبِهَا هُوَ الصَّحِيحُ، بِخِلَافِ اللِّحْيَةِ لِأَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي إيصَالِ الْمَاءِ إلَى أَثْنَائِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّعْرَ بِالِاتِّفَاقِ؛ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِأُمِّ سَلَمَةَ حِينَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي أَفَأَنْقُضُهَا إذَا اغْتَسَلْت؟ فَقَالَ لَهَا: أَمَا يَكْفِيك إذَا بَلَغَ الْمَاءُ أُصُولَ شَعْرِك» لَا يُقَالُ خَبَرُ وَاحِدٍ فَلَا تَجُوزُ بِهِ الزِّيَادَةُ عَلَى قَوْله تَعَالَى {فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] ؛ لِأَنَّ الشَّعْرَ لَيْسَ بِبَدَنٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالْأَمْرُ بِالتَّطَهُّرِ لَهُ، أَوْ؛ لِأَنَّ مَوَاضِعَ الضَّرُورَةِ مُسْتَثْنَاةٌ كَدَاخِلِ الْعَيْنَيْنِ، وَأَمَّا بَلُّهَا فَكَذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَرَجِ؛ وَقَوْلُهُ: (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا

قَالَ (وَالْمَعَانِي الْمُوجِبَةُ لِلْغُسْلِ إنْزَالُ الْمَنِيِّ عَلَى وَجْهِ الدَّفْقِ وَالشَّهْوَةِ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ حَالَةَ النَّوْمِ وَالْيَقِظَةِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خُرُوجُ الْمَنِيِّ كَيْفَمَا كَانَ يُوجِبُ الْغُسْلَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» أَيْ الْغُسْلُ مِنْ الْمَنِيِّ، وَلَنَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّطْهِيرِ يَتَنَاوَلُ الْجُنُبَ، وَالْجَنَابَةُ فِي اللُّغَةِ خُرُوجُ الْمَنِيِّ عَلَى وَجْهِ الشَّهْوَةِ، يُقَالُ أَجْنَبَ الرَّجُلُ إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا تَبُلُّ ذَوَائِبَهَا ثَلَاثًا مَعَ كُلِّ بَلَّةٍ عَصْرَةٌ لِيَبْلُغَ الْمَاءُ شُعَبَ قُرُونِهَا، بِخِلَافِ اللِّحْيَةِ فَإِنَّهُ لَا حَرَجَ فِي إيصَالِ الْمَاءِ إلَى أَثْنَائِهَا. وَفِي تَخْصِيصِ الْمَرْأَةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ حُكْمَ الرَّجُلِ بِخِلَافِهَا. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: الرَّجُلُ إذَا ضَفَّرَ شَعْرَهُ كَمَا يَفْعَلُهُ الْعَلَوِيُّونَ وَالْأَتْرَاكُ هَلْ يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى أَثْنَاءِ الشَّعْرِ؟ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ، وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّهُ يَجِبُ. قَالَ (وَالْمَعَانِي الْمُوجِبَةُ لِلْغُسْلِ) أَيْ الْعِلَلُ الْمُوجِبَةُ، وَاخْتَارَ لَفْظَ الْمَعَانِي لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هَذِهِ مَعَانٍ مُوجِبَةٌ لِلْجَنَابَةِ لَا لِلْغُسْلِ، فَإِنَّهَا تَنْقُضُهُ فَكَيْفَ تُوجِبُهُ. وَذَكَرَ فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ سَبَبَ وُجُوبِ الِاغْتِسَالِ إرَادَةَ مَا لَا يَحِلُّ فِعْلُهُ بِسَبَبِ الْجَنَابَةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْغُسْلَ يَجِبُ إذْ وُجِدَ أَحَدُ الْمَعَانِي الْمَذْكُورَةِ سَوَاءٌ وُجِدَتْ الْإِرَادَةُ أَمْ لَمْ تُوجَدْ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ: السَّبَبُ الْجَنَابَةُ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ الْحَيْضَ وَالنِّفَاسَ، وَلَوْ زِيدَ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا لَانْدَفَعَ، وَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْمَعَانِي الْمُوجِبَةُ عِلَّةَ الْعِلَّةِ. وَقَوْلُهُ: (إنْزَالُ الْمَنِيِّ عَلَى وَجْهِ الدَّفْقِ وَالشَّهْوَةِ) قِيلَ هَذَا اللَّفْظُ بِإِطْلَاقِهِ يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِاشْتِرَاطِهِ الدَّفْقَ وَالشَّهْوَةَ حَالَ الْخُرُوجِ، وَلَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا مَا اشْتَرَطَا الدَّفْقَ عِنْدَ الْخُرُوجِ حَتَّى قَالَا يَجِبُ الْغُسْلُ إذَا زَالَ الْمَنِيُّ عَنْ مَكَانِهِ بِشَهْوَةٍ وَإِنْ خَرَجَ بِغَيْرِ دَفْقٍ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ مُسْتَقِيمٌ عَلَى قَوْلِهِمْ فَإِنَّ خُرُوجَ الْمَنِيِّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ

قَضَى شَهْوَتَهُ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى خُرُوجِ الْمَنِيِّ عَنْ شَهْوَةٍ، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ انْفِصَالُهُ عَنْ مَكَانِهِ عَلَى وَجْهِ الشَّهْوَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظُهُورُهُ أَيْضًا اعْتِبَارًا لِلْخُرُوجِ بِالْمُزَايَلَةِ إذْ الْغُسْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُوجِبٌ لِلْغُسْلِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِمَّا أَنْ يَجِبَ الْغُسْلُ إذَا زَايَلَ الْمَنِيَّ عَنْ مَكَانِهِ عَنْ شَهْوَةٍ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ غَيْرِ دَفْقٍ فَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يُنَافِيهِ وَلَا يَحْصُرُهُ عَلَى الْأَوَّلِ وَهَذَا جَيِّدٌ، لَكِنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ يُوهِمُ تَرْكَ بَعْضِ مُوجِبَاتِهِ عِنْدَهُمَا فِي مَوْضِعِ بَيَانِهَا، وَرُبَّمَا يُبَيِّنُ قَوْلَهُ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ إلَخْ بَعْضَ بَيَانٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: خُرُوجُ الْمَنِيِّ كَيْفَمَا كَانَ يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ بِشَهْوَةٍ أَوْ بِحَمْلِ ثَقِيلٍ أَوْ سَقْطَةٍ مِنْ مَكَان مُرْتَفِعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ يُوجِبُ الْغُسْلَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» أَيْ الْغُسْلُ مِنْ الْمَنِيِّ، وَلَنَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّطْهِيرِ يَتَنَاوَلُ الْجُنُبَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] وَالْجُنُبُ فِي اللُّغَةِ مَنْ خَرَجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ عَلَى وَجْهِ الشَّهْوَةِ، يُقَالُ أَجْنَبَ الرَّجُلُ: إذَا قَضَى شَهْوَتَهُ مِنْ الْمَرْأَةِ، فَالْأَمْرُ بِالتَّطْهِيرِ يَتَنَاوَلُ مَنْ خَرَجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ عَلَى وَجْهِ الشَّهْوَةِ، وَغَيْرُهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ وَلَا يَلْحَقُ بِهِ. وَقَوْلُهُ: مِنْ الْمَرْأَةِ قِيلَ إنَّمَا ذَكَرَهُ لِيَخْرُجَ قَضَاءُ شَهْوَةِ الْبَطْنِ فَإِنَّ قَاضِيَهَا لَا يُسَمَّى جُنُبًا. وَقِيلَ ذَكَرَهُ اتِّفَاقًا لِوُجُوبِهِ عَلَى الْمُحْتَلِمِ. وَقِيلَ الْجَنَابَةُ فِي اللُّغَةِ مَوْضُوعَةٌ لِذَلِكَ، وَالْمُحْتَلِمُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهَا «أَنَّهَا لَمَّا سَأَلْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمَرْأَةِ تَرَى فِي مَنَامِهَا مِثْلَ مَا يَرَى الرَّجُلُ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَتَجِدُ لِذَلِكَ لَذَّةً؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: فَلْتَغْتَسِلْ» وَالْحَدِيثُ يَعْنِي قَوْلَهُ «الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» مَحْمُولٌ عَلَى خُرُوجِ الْمَنِيِّ عَنْ شَهْوَةٍ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ مِنْ الْمَاءِ يَتَنَاوَلُ الْمَذْيَ وَالْوَدْيَ وَلَيْسَ ثَمَّةَ غُسْلٌ بِالْإِجْمَاعِ فَيُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ، وَيُحْمَلُ عَلَى حَالَةِ الشَّهْوَةِ بِدَلِيلِ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ. وَقَوْلُهُ: (ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ) ظَاهِرٌ، وَثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ فِيمَنْ أَمْسَكَ ذَكَرَهُ بَعْدَ الِانْفِصَالِ بِشَهْوَةٍ عَنْ مَكَانِهِ حَتَّى سَكَنَتْ الشَّهْوَةُ ثُمَّ تَرَكَ حَتَّى خَرَجَ الْمَنِيُّ مِنْ إحْلِيلِهِ بِلَا

يَتَعَلَّقُ بِهِمَا وَلَهُمَا أَنَّهُ مَتَى وَجَبَ مِنْ وَجْهٍ فَالِاحْتِيَاطُ فِي الْإِيجَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQشَهْوَةٍ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، هُوَ قَاسَ الْخُرُوجَ بِالْمُزَايَلَةِ بِجَامِعِ تَعَلُّقِ الْغُسْلِ بِهِمَا (وَلَهُمَا أَنَّهُ مَتَى وَجَبَ مِنْ وَجْهٍ) مَعْنَاهُ أَنَّا ذَكَرْنَا أَنَّ لِلشَّهْوَةِ مَدْخَلًا فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ، وَقَدْ وُجِدَتْ فِي حَالَةٍ وَهُوَ الِانْفِصَالُ دُونَ الْأُخْرَى وَهُوَ الْخُرُوجُ، فَبِالنَّظَرِ إلَى الْأَوَّلِ يَجِبُ، وَبِالنَّظَرِ إلَى الثَّانِي لَا يَجِبُ، وَالْبَابُ بَابُ الْعِبَادَاتِ فَنُوجِبُهُ احْتِيَاطًا وَقَدْ وَقَعَ فِي النِّهَايَةِ فِي بَيَانِ ذَلِكَ أَنَّ الْخُرُوجَ عَلَى وَجْهِ الشَّهْوَةِ قَدْ وُجِدَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَهْوٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَارْتَفَعَ النِّزَاعُ. فَإِنْ قِيلَ دَارَ الْغُسْلُ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَعَدَمِهِ فَلَا يَجِبُ كَمَا إذَا خَرَجَ الرِّيحُ مِنْ الْمُفْضَاةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ جِهَةَ الْوُجُوبِ هُنَا رَاجِحَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ أَصْلٌ، إذْ الْخُرُوجُ بِنَاءٌ عَلَى الْمُزَايَلَةِ بِالشَّهْوَةِ وَعَدَمُ الْخُرُوجِ بِالشَّهْوَةِ بَعْدَ الْمُزَايَلَةِ

(وَالْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَتَوَارَتْ الْحَشَفَةُ وَجَبَ الْغُسْلُ، أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ» وَلِأَنَّهُ سَبَبُ الْإِنْزَالِ وَنَفْسُهُ يَتَغَيَّبُ عَنْ بَصَرِهِ وَقَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ لِقِلَّتِهِ فَيُقَامُ مَقَامَهُ، وَكَذَا الْإِيلَاجُ فِي الدُّبُرِ لِكَمَالِ السَّبَبِيَّةِ، وَيَجِبُ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ احْتِيَاطًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْعَوَارِضِ النَّادِرَةِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ، قِيلَ وَقَوْلُهُ: قِيَاسٌ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ وَالْخَائِفُ مِنْ الرِّيبَةِ يَأْخُذُ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. وَقَوْلُهُ: (وَالْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ) الْخِتَانُ مَوْضِعُ الْقَطْعِ مِنْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَمِنْ عَادَتِهِمْ خِتَانُ الْأُنْثَى. وَقَوْلُهُ: (مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ) لَيْسَ بِشَرْطٍ لِوُجُوبِ الْغُسْلِ، فَإِنَّهُ لَوْ أَنْزَلَ وَجَبَ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ نَفْيًا لِقَوْلِ الْأَنْصَارِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَإِنَّهُمْ قَالُوا لَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِالْإِكْسَالِ، وَاسْتَدَلُّوا بِظَاهِرِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» وَلَنَا قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَتَوَارَتْ الْحَشَفَةُ وَجَبَ الْغُسْلُ، أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ» وَهَذَا مُفَسَّرٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ فَنَعْمَلُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَنَقُولُ الْجَنَابَةُ تَثْبُتُ بِانْفِصَالِ الْمَنِيِّ عَنْ شَهْوَةٍ بِقَوْلِهِ «الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَأْوِيلِهِ، وَبِالْإِيلَاجِ فِي الْآدَمِيِّ بِقَوْلِهِ «إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ» الْحَدِيثَ، وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فِي التَّقْرِيرِ بِتَأْيِيدِ اللَّهِ. وَفِي قَوْلِهِ (وَتَوَارَتْ الْحَشَفَةُ إشَارَةٌ) إلَى أَنَّ مُجَرَّدَ التَّلَاقِي لَا يُوجِبُهُ، وَلَكِنْ يُوجِبُ الْوُضُوءَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. وَالْحَشَفَةُ مَا فَوْقَ الْخِتَانِ مِنْ رَأْسِ الذَّكَرِ. وَقَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهُ سَبَبُ الْإِنْزَالِ) بَيَانُهُ أَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ إذَا كَانَ خَفِيًّا وَلَهُ سَبَبٌ ظَاهِرٌ، يُقَامُ ذَلِكَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ مَقَامَ ذَلِكَ الْأَمْرِ

بِخِلَافِ الْبَهِيمَةِ وَمَا دُونَ الْفَرْجِ لِأَنَّ السَّبَبِيَّةَ نَاقِصَةٌ. قَالَ (وَالْحَيْضُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] بِالتَّشْدِيدِ (وَ) كَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخَفِيِّ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ، وَهَاهُنَا الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ سَبَبُ الْإِنْزَالِ، وَنَفْسُ الْإِنْزَالِ الَّذِي تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ يَتَغَيَّبُ عَنْ بَصَرِ الْمُنْزِلِ، وَقَدْ يَخْفَى الْإِنْزَالُ لِقِلَّةِ الْمَنِيِّ فَيُقَامُ الِالْتِقَاءُ مَقَامَ الْإِنْزَالِ كَمَا فِي السَّفَرِ مَعَ الْمَشَقَّةِ الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْقَصْرُ فِي السَّفَرِ. وَالِالْتِقَاءُ مَجَازٌ لِلْإِيلَاجِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ، وَكَذَا الْإِيلَاجُ فِي الدُّبُرِ لِكَمَالِ السَّبَبِيَّةِ حَتَّى إنَّ بَعْضَ الْفَسَقَةِ يُرَجِّحُونَ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ فِي الدُّبُرِ عَلَى قَضَاءِ الشَّهْوَةِ فِي الْقُبُلِ لِمَا يَدَّعُونَ فِيهِ مِنْ اللِّينِ وَالْحَرَارَةِ وَالضِّيقِ، وَعَنْ هَذَا ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ مُحَاذَاةَ الْأَمْرَدِ فِي الصَّلَاةِ تُفْسِدُ صَلَاةَ غَيْرِهِ كَالْمَرْأَةِ، وَيَجِبُ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ احْتِيَاطًا أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَلِأَنَّهُمَا يُوجِبَانِ الْحَدَّ الَّذِي فِيهِ لِلِاحْتِيَاطِ فِي تَرْكِهِ فَلَأَنْ يُوجِبَا الْغُسْلَ الَّذِي الِاحْتِيَاطُ فِي وُجُوبِهِ أَوْلَى، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلِأَنَّهُ يُحْتَاطُ فِي الْحَدِّ فَيَتْرُكُهُ وَيُحْتَاطُ فِي الْغُسْلِ فَيُوجِبُهُ، وَالِاحْتِيَاطُ فِي كُلِّ بَابٍ بِمَا يُنَاسِبُهُ. وَقَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْبَهِيمَةِ وَمَا دُونَ الْفَرْجِ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ فَيُقَامُ مَقَامَهُ: أَيْ يُقَامُ سَبَبُ الْإِنْزَالِ مَقَامَهُ فِي السَّبِيلَيْنِ فِي الْآدَمِيِّ، بِخِلَافِ الْبَهِيمَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهَا الْغُسْلُ بِمُجَرَّدِ الْإِيلَاجِ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ، وَبِخِلَافِ مَا دُونَ الْفَرْجِ وَهُوَ التَّفْخِيذُ وَالتَّبْطِينُ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهِ الْغُسْلُ أَيْضًا لِنُقْصَانِ السَّبَبِيَّةِ إذَا لَمْ يُنْزِلْ. قَالَ (وَالْحَيْضُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] اخْتَلَفَ الشَّارِحُونَ فِي تَفْسِيرِ كَلَامِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَقَالَ: نَفْسُ الْحَيْضِ يُوجِبُ الْغُسْلَ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْجَنَابَةِ مِنْ حَيْثُ الْمَنْعُ عَنْ الصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ انْقِطَاعُ الْحَيْضِ يُوجِبُ الْغُسْلَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا عِنْدَ انْقِطَاعِهِ وَقَالَ:؛ لِأَنَّهُ يُلَازِمُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ

(النِّفَاسُ) لِلْإِجْمَاعِ. قَالَ «وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْغُسْلَ لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَعَرَفَةَ وَالْإِحْرَامِ» نَصَّ عَلَى السُّنِّيَّةِ، وَقِيلَ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ مُسْتَحَبَّةٌ، وَسَمَّى مُحَمَّدٌ الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَسَنًا فِي الْأَصْلِ. وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخُرُوجَ عَنْ الْحَيْضِ يُوجِبُ الْغُسْلَ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ مَا دَامَ بَاقِيًا لَا يَجِبُ الْغُسْلُ، وَالْخُرُوجُ عَنْ الْحَيْضِ مُسْتَلْزِمٌ لَهُ فَوُجِدَ الِاتِّصَالُ فَصَحَّتْ الِاسْتِعَارَةُ، وَعُزِيَ هَذَا إلَى الْإِمَامِ حُمَيْدِ الدِّينِ، وَفِي الْكُلِّ نَظَرٌ. أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ الْحَيْضَ اسْمٌ لِلدَّمِ مَخْصُوصٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْجَوْهَرَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلْمَعْنَى، وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّ الِانْقِطَاعَ طُهْرٌ وَالطُّهْرُ لَا يُوجِبُ الْإِطْهَارَ، وَلَا مُلَازَمَةَ بَيْنَهُمَا لِوُجُودِ الْحَيْضِ قَبْلَ الِانْقِطَاعِ وَوُجُودِ الِانْقِطَاعِ بَعْدَهُ فَكَانَ أَحَدُهُمَا مُنْفَكًّا عَنْ الْآخَرِ فَلَا مُلَازَمَةَ بَيْنَهُمَا، عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ لَا يَجِبُ إلَّا عِنْدَ انْقِطَاعِهِ يُفِيدُ الشَّرْطِيَّةَ لَا الْعِلِّيَّةَ، وَكَذَا الْخُرُوجُ عَنْ الْحَيْضِ عِبَارَةٌ عَنْ انْقِطَاعِهِ فَيَرِدُ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا وَرَدَ عَلَى ذَلِكَ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: مَعْنَاهُ خُرُوجُ الْحَيْضِ وَهُوَ الدَّمُ الْمَخْصُوصُ يُوجِبُ الْغُسْلَ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ خُرُوجَ النَّجَسِ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ يُوجِبُ تَطْهِيرَ جَمِيعِ الْبَدَنِ، وَاكْتَفَى بِالْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ فِيمَا كَثُرَ وُقُوعُهُ دَفْعًا لِلْحَرَجِ، وَوُقُوعُ الْحَيْضِ لَيْسَ بِكَثِيرٍ فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ كَخُرُوجِ الْمَنِيِّ فَكَانَ مَجَازًا بِالْحَذْفِ مِنْ بَابِ {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] إذْ لَا يَلْتَبِسُ أَنَّ نَفْسَ الدَّمِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا. وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] بِالتَّشْدِيدِ عَلَى وُجُوبِ الِاغْتِسَالِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقُرْبَانِ فَلِأَنَّهُ تَعَالَى غَيًّا حُرْمَةَ الْقُرْبَانِ الَّذِي كَانَ حَلَالًا إلَى الِاغْتِسَالِ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَنْتَهِيَ الْحُرْمَةُ بِهِ وَيَكُونُ مَأْمُورًا بِهِ، وَإِلَّا لَكَانَتْ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً، وَفِي ذَلِكَ نَقْضٌ لِمَا شَرَعَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222] وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّلَاةِ فَلِأَنَّ الِاغْتِسَالَ لَمَّا صَارَ شَرْطًا لِحِلِّ الْقُرْبَانِ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَعَ أَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِحِلِّ الْقُرْبَانِ عَمَّا سِوَى الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فِي صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ فَلَأَنْ يُشْتَرَطَ الِاغْتِسَالُ لِحِلِّ الصَّلَاةِ وَالْحَالُ أَنَّهَا شَرْطٌ لَهَا عَنْ جَمِيعِ النَّجَاسَاتِ الْحَقِيقِيَّةِ وَالْحُكْمِيَّةِ دَائِمًا أَوْلَى. وَأَمَّا النِّفَاسُ فَإِنَّمَا وَجَبَ الِاغْتِسَالُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ. قَوْلُهُ: (وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) بَيَانٌ لِلْغُسْلِ الْمَسْنُونِ (نَصَّ) يَعْنِي الْقُدُورِيَّ (عَلَى السُّنِّيَّةِ) يَعْنِي فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ وَقَدْ قِيلَ هَذِهِ

وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» . وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنْ اغْتَسَلَ فَهُوَ أَفْضَلُ» وَبِهَذَا يُحْمَلُ مَا رَوَاهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ أَوْ عَلَى النَّسْخِ، ثُمَّ هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَرْبَعَةُ مُسْتَحَبَّةٌ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَسْمِيَةُ مُحَمَّدٍ الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْأَصْلِ حَسَنًا وَهُوَ أَقْوَاهُمْ حَيْثُ ذَهَبَ إلَى وُجُوبِهِ مَالِكٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَتَى مِنْكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ. وَلَنَا قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنْ اغْتَسَلَ فَهُوَ أَفْضَلُ» رَوَاهُ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ، وَقَوْلُهُ: فَبِهَا وَنِعْمَتْ أَيْ بِالسُّنَّةِ أَخَذَ وَنِعْمَتْ الْخَصْلَةُ هَذِهِ أَيْ الْأَخْذُ بِالسُّنَّةِ (وَبِهَذَا) أَيْ بِهَذَا الْحَدِيثِ (يُحْمَلُ مَا رَوَاهُ) مَالِكٌ (عَلَى الِاسْتِحْبَابِ) تَوْفِيقًا بَيْنَهُمَا (أَوْ عَلَى النُّسَخِ) بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُمَا قَالَا: كَانَ النَّاسُ عُمَّالَ أَنْفُسِهِمْ وَكَانُوا يَلْبَسُونَ الصُّوفَ وَيَعْرَقُونَ فِيهِ وَالْمَسْجِدُ قَرِيبُ السَّمْكِ فَكَانَ يَتَأَذَّى بَعْضُهُمْ بِرَائِحَةِ بَعْضٍ فَأُمِرُوا بِالِاغْتِسَالِ ثُمَّ انْتَسَخَ

الْغُسْلُ لِلصَّلَاةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ الصَّحِيحُ لِزِيَادَةِ فَضِيلَتِهَا عَلَى الْوَقْتِ وَاخْتِصَاصِ الطَّهَارَةِ بِهَا، وَفِيهِ خِلَافُ الْحَسَنِ، وَالْعِيدَانِ بِمَنْزِلَةِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ فِيهِمَا الِاجْتِمَاعُ فَيُسْتَحَبُّ الِاغْتِسَالُ دَفْعًا لِلتَّأَذِّي بِالرَّائِحَةِ. وَأَمَّا فِي عَرَفَةَ وَالْإِحْرَامِ فَسَنُبَيِّنُهُ فِي الْمَنَاسِكِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ (وَلَيْسَ فِي الْمَذْيِ وَالْوَدْيِ غُسْلٌ وَفِيهِمَا الْوُضُوءُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQحِينَ لَبِسُوا غَيْرَ الصُّوفِ وَتَرَكُوا الْعَمَلَ بِأَنْفُسِهِمْ. وَقَوْلُهُ: (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْحَسَنِ فَإِنَّهُ يَقُولُ غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِلْيَوْمِ إظْهَارًا لِفَضِيلَتِهِ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «سَيِّدُ الْأَيَّامِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ» . وَمَعْنَى قَوْلِهِ (لِزِيَادَةِ فَضِيلَتِهَا) ؛ لِأَنَّهَا تُؤَدَّى بِجَمْعٍ عَظِيمٍ فَلَهَا مِنْ الْفَضِيلَةِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهَا، وَسِيَادَةُ الْيَوْمِ بِاعْتِبَارِ وُقُوعِ هَذِهِ الصَّلَاةِ فِيهِ. وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ أَحْدَثَ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى الْجُمُعَةَ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُقِيمٍ لِلسُّنَّةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِلْحَسَنِ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ ذِكْرُ مُحَمَّدٍ فِي مَوْضِعِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ (وَالْعِيدَانِ بِمَنْزِلَةِ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِمَا الِاجْتِمَاعَ فَيُسْتَحَبُّ الِاغْتِسَالُ دَفْعًا لِلتَّأَذِّي بِالرَّائِحَةِ، وَأَمَّا فِي عَرَفَةَ وَالْإِحْرَامِ فَسَنُبَيِّنُهُ فِي الْمَنَاسِكِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) ،. وَلَيْسَ فِي الْمَذْيِ وَالْوَدْيِ غُسْلٌ وَفِيهِمَا الْوُضُوءُ

[باب الماء الذي يجوز به الوضوء وما لا يجوز]

لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ فَحْلٍ يُمْذِي وَفِيهِ الْوُضُوءُ» وَالْوَدْيُ: الْغَلِيظُ مِنْ الْبَوْلِ يَتَعَقَّبُ الرَّقِيقَ مِنْهُ خُرُوجًا فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِهِ، وَالْمَنِيُّ: خَاثِرٌ أَبْيَضُ يَنْكَسِرُ مِنْهُ الذَّكَرُ، وَالْمَذْيُ: رَقِيقٌ يَضْرِبُ إلَى الْبَيَاضِ يَخْرُجُ عِنْدَ مُلَاعَبَةِ الرَّجُلِ أَهْلَهُ. وَالتَّفْسِيرُ مَأْثُورٌ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -. . بَابُ الْمَاءِ الَّذِي يَجُوزُ بِهِ الْوُضُوءُ وَمَا لَا يَجُوزُ: (الطَّهَارَةُ مِنْ الْأَحْدَاثِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ فَحْلٍ يُمْذِي وَفِيهِ الْوُضُوءُ» ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَ الْوَاجِبُ الْوُضُوءَ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَذْكُرَهُمَا فِي فَصْلِ الْوُضُوءِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُمَا يُشَابِهَانِ الْمَنِيَّ فَذَكَرَهُمَا فِي فَصْلِ الْغُسْلِ، وَالْأَوْجُهُ أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا ذَكَرَهُمَا هُنَا؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ بِوُجُوبِ الْغُسْلِ فِي رِوَايَةٍ، فَذَكَرَهُمَا هُنَا نَفْيًا لِمَا يَقُولُهُ. فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَ حُكْمُهُ الْوُضُوءَ كَانَ ذِكْرُهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ كُلُّ مَا خَرَجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذِكْرَهُ لِلتَّأْكِيدِ، وَقِيلَ ذَكَرَهُ تَصْرِيحًا بِالنَّفْيِ لِقَوْلِ مَالِكٍ فَإِنَّهُ لَا يَقُولُ بِوُجُوبِ الْوُضُوءِ بِهِمَا. فَإِنْ قِيلَ نَقْضُ الْوُضُوءِ بِالْوَدْيِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ عَلَى التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَخْرُجُ عَلَى أَثَرِ الْبَوْلِ وَقَدْ وَجَبَ الْوُضُوءُ بِالْبَوْلِ قَبْلَهُ فَلَا يَجِبُ بِالْوَدْيِ بَعْدَهُ. أُجِيبَ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا أَنَّهُ إذَا بَالَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ أَوْدَى فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ، وَمِنْهَا أَنَّ مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ إذَا تَوَضَّأَ لِلْبَوْلِ ثُمَّ أَوْدَى حَالَةَ بَقَاءِ الْوَقْتِ تَنْتَقِضُ طَهَارَتُهُ، وَمِنْهَا أَنَّ الْوُضُوءَ يَجِبُ فِي الْوَدْيِ لَوْ تُصُوِّرَ الِانْتِقَاضُ بِهِ، وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَالتَّفْسِيرُ مَأْثُورٌ عَنْ عَائِشَةَ، وَإِنَّمَا مُرَادُهَا مَنِيُّ الرَّجُلِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ لَيْسَ خَاثِرًا وَلَا أَبْيَضَ وَإِنَّمَا هُوَ رَقِيقٌ أَصْفَرُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، وَلَيْسَ يَنْكَسِرُ مِنْهُ الذَّكَرُ، وَالتَّعْرِيفُ الْجَامِعُ لِمَنِيِّ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَنْ يُقَالَ: مَاءٌ دَافِقٌ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ صُلْبِ الرَّجُلِ وَتَرَائِبِ الْمَرْأَةِ. [بَابُ الْمَاءِ الَّذِي يَجُوزُ بِهِ الْوُضُوءُ وَمَا لَا يَجُوزُ] مَعْنَى الْبَابِ فِي اللُّغَةِ النَّوْعُ، وَقَدْ يُعَرَّفُ بِأَنَّهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا كِتَابٌ وَلُقِّبَتْ بِبَابِ كَذَا. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الطَّهَارَتَيْنِ ذَكَرَ مَا تَحْصُلُ بِهِ الطَّهَارَةُ وَهُوَ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ الطَّهَارَةُ مِنْ الْأَحْدَاثِ غَلِيظًا كَانَ

جَائِزَةٌ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَالْأَوْدِيَةِ وَالْعُيُونِ وَالْآبَارِ وَالْبِحَارِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَالْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْبَحْرِ «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ وَالْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَمُطْلَقُ الِاسْمِ يَنْطَلِقُ عَلَى هَذِهِ الْمِيَاهِ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ بِمَا اُعْتُصِرَ مِنْ الشَّجَرِ وَالثَّمَرِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ وَالْحُكْمُ عِنْدَ فَقْدِهِ مَنْقُولٌ إلَى التَّيَمُّمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَدَثُ أَوْ خَفِيفًا (جَائِزَةٌ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَالْأَوْدِيَةِ وَالْعُيُونِ وَالْآبَارِ وَالْبِحَارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] وَقَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» الْحَدِيثَ. وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الْمَاءَ فِي الْآيَةِ مُطْلَقًا، وَالْمُطْلَقُ مَا يَتَعَرَّضُ لِلذَّاتِ دُونَ الصِّفَاتِ وَمُطْلَقُ الِاسْمِ يَنْطَلِقُ عَلَى هَذِهِ الْمِيَاهِ. لَا يُقَالُ: الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُنَزَّلَ مِنْ السَّمَاءِ طَهُورٌ وَلَيْسَ غَيْرُ الْمَطَرِ مُنَزَّلًا مِنْ السَّمَاءِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ} [الزمر: 21] وَقَالَ {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} [الرعد: 17] وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْحَدِيثِ، وَذِكْرُ الْأَحْدَاثِ لَيْسَ لِلتَّخْصِيصِ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ مِنْ الْخَبَثِ أَيْضًا تَحْصُلُ بِهَذِهِ الْمِيَاهِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ التَّبْوِيبُ لِمَاءٍ يَحْصُلُ بِهِ الْوُضُوءُ ذَكَرَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ بِمَا اُعْتُصِرَ) بِالْقَصْرِ عَلَى أَنَّهَا مَوْصُولَةٌ هَكَذَا الْمَسْمُوعُ وَقَوْلُهُ: (؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ) ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ إطْلَاقِ الْمَاءِ لَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ، وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ أَنَّا لَوْ فَرَضْنَا فِي بَيْتِ إنْسَانٍ مَاءُ بِئْرٍ أَوْ بَحْرٍ أَوْ عَيْنٍ أَوْ مَاءٌ اُعْتُصِرَ مِنْ شَجَرٍ أَوْ ثَمَرٍ فَقِيلَ لَهُ هَاتِ مَاءً لَا يَسْبِقُ إلَى ذِهْنِ الْمُخَاطَبِ إلَّا الْأَوَّلُ، وَلَا نَعْنِي بِالْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ إلَّا هَذَا (وَالْحُكْمُ) وَهُوَ الطَّهَارَةُ (عِنْدَ فَقْدِهِ) أَيْ فَقْدِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ (مَنْقُولٌ إلَى التَّيَمُّمِ) قَالَ

وَالْوَظِيفَةُ فِي هَذِهِ الْأَعْضَاءِ تَعَبُّدِيَّةٌ فَلَا تَتَعَدَّى إلَى غَيْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْمَاءُ الَّذِي يَقْطُرُ مِنْ الْكَرْمِ فَيَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ لِأَنَّهُ مَاءٌ يَخْرُجُ مِنْ غَيْرِ عِلَاجٍ، ذَكَرَهُ فِي جَوَامِعِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6] وَقَوْلُهُ: (وَالْوَظِيفَةُ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْمَاءُ الْمُعْتَصَرُ مِنْ الشَّجَرِ أَوْ الثَّمَرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَاءً مُطْلَقًا لَكِنَّهُ فِي مَعْنَاهُ فِي الْإِزَالَةِ فَيَلْحَقُ بِالْمُطْلَقِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْوَظِيفَةَ فِي هَذِهِ الْأَعْضَاءِ تَعَبُّدِيَّةٌ فَلَا تَتَعَدَّى إلَى غَيْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ شَرْطَ الْقِيَاسِ أَلَّا يَكُونَ حُكْمُ الْأَصْلِ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ، وَلَيْسَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ، بِخِلَافِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ فَإِنَّهَا مَعْقُولَةُ الْمَعْنَى لِوُجُودِهَا حِسًّا فَجَازَ فِيهَا الْإِلْحَاقُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَبْ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّعْدِيَةُ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ فَلْيَلْحَقْ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ فَإِنَّ كَوْنَهُ مَعْقُولًا لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهَا. وَالْجَوَابُ أَنَّ سَائِرَ الْمَائِعَاتِ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْمَاءِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مَبْذُولٌ عَادَةً لَا يُبَالَى بِحَبْسِهِ وَسَائِرُ الْمَائِعَاتِ لَيْسَ كَذَلِكَ. فَإِنْ قُلْت: فَكَيْفَ أَلْحَقْته بِهِ فِي النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ؟ قُلْت: قِيَاسًا لَا دَلَالَةً؛ لِأَنَّهُ مَعْقُولُ الْمَعْنَى. فَإِنْ قُلْت: مِنْ شَرْطِ الدَّلَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُلْحَقُ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ فِي الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ مَنَاطُ الْحُكْمِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَا غَيْرُ، وَالْوَصْفُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ هُوَ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ، وَالْمَاءُ وَالْمَائِعُ سِيَّانِ فِي ذَلِكَ، وَكَوْنُ الْمَاءِ مَبْذُولًا لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي ذَلِكَ. قُلْت: إنَّهُمَا سِيَّانِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ أَوْ مُطْلَقًا، وَالْأَوَّلُ

وَفِي الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَيْهِ حَيْثُ شَرَطَ الِاعْتِصَارَ. قَالَ (وَلَا) يَجُوزُ (بِمَاءٍ غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَأَخْرَجَهُ عَنْ طَبْعِ الْمَاءِ كَالْأَشْرِبَةِ وَالْخَلِّ وَمَاءِ الْبَاقِلَّا وَالْمَرَقِ وَمَاءِ الْوَرْدِ وَمَاءِ الزَّرْدَجِ) لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مَاءً مُطْلَقًا، وَالْمُرَادُ بِمَاءِ الْبَاقِلَّا وَغَيْرِهِ مَا تَغَيَّرَ بِالطَّبْخِ، فَإِنْ تَغَيَّرَ بِدُونِ الطَّبْخِ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ. قَالَ (وَتَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِمَاءٍ خَالَطَهُ شَيْءٌ طَاهِرٌ فَغَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ، كَمَاءِ الْمَدِّ وَالْمَاءِ الَّذِي اخْتَلَطَ بِهِ اللَّبَنُ أَوْ الزَّعْفَرَانُ أَوْ الصَّابُونُ أَوْ الْأُشْنَانُ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ: أَجْرَى فِي الْمُخْتَصَرِ مَاءَ الزَّرْدَجِ مَجْرَى الْمَرَقِ، وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَاءِ الزَّعْفَرَانِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، كَذَا اخْتَارَهُ النَّاطِفِيُّ وَالْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQمُسَلَّمٌ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ وَالثَّانِي مَمْنُوعٌ. وَقَوْلُهُ: (وَفِي الْكِتَابِ) يَعْنِي مُخْتَصَرَ الْقُدُورِيِّ. وَقَوْلُهُ: (فَأَخْرَجَهُ عَنْ طَبْعِ الْمَاءِ) كَالتَّفْسِيرِ لِقَوْلِهِ غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ. وَقَوْلُهُ: (كَالْأَشْرِبَةِ إلَخْ) إنْ أَرَادَ بِهَا الْأَشْرِبَةَ الْمُتَّخَذَةَ مِنْ الشَّجَرِ كَشَرَابِ الرُّمَّانِ وَالْحُمَاضِ، وَبِالْخَلِّ الْخَلَّ الْخَالِصَ كَانَا مِنْ نَظِيرِ الْمُعْتَصَرِ مِنْ الشَّجَرِ وَالثَّمَرِ، وَكَانَ مَاءُ الْبَاقِلَّا وَالْمَرَقِ نَظِيرَ الْمَاءِ الَّذِي غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَكَانَ فِيهِ صَنْعَةُ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ، وَإِنْ أَرَادَ بِالْأَشْرِبَةِ الْحُلْوَ الْمَخْلُوطَ بِالْمَاءِ كَالدِّبْسِ وَالشَّهْدِ الْمَخْلُوطِ بِهِ وَمِنْ الْخَلِّ الْخَلَّ الْمَخْلُوطَ بِالْمَاءِ كَانَتْ الْأَرْبَعَةُ كُلُّهَا نَظِيرَ الْمَاءِ الَّذِي غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ. وَالْبَاقِلَّا إذَا شُدِّدَتْ اللَّامُ فَهُوَ مَقْصُورٌ وَإِذَا خُفِّفَتْ فَمَمْدُودٌ. وَمَاءُ الزَّرْدَجِ هُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْعُصْفُرِ الْمَنْقُوعِ. وَقَوْلُهُ: (مَا تَغَيَّرَ بِالطَّبْخِ) قِيلَ الْمُرَادُ بِالتَّغَيُّرِ الثُّخُونَةُ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مَرَقًا. قَوْلُهُ: (فَغَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ) الَّتِي هِيَ الطَّعْمُ وَاللَّوْنُ، وَالرِّيحُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا غَيَّرَ الْوَصْفَيْنِ لَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: لَكِنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ الْأَسَاتِذَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ حَتَّى إنَّ أَوْرَاقَ الْأَشْجَارِ وَقْتَ الْخَرِيفِ تَقَعُ فِي الْحِيَاضِ فَيَتَغَيَّرُ مَاؤُهَا مِنْ حَيْثُ اللَّوْنُ وَالطَّعْمُ وَالرَّائِحَةُ ثُمَّ إنَّهُمْ يَتَوَضَّئُونَ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَكَذَا أَشَارَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إلَيْهِ وَلَكِنَّ شَرْطَهُ أَنْ يَكُونَ بَاقِيًا عَلَى رِقَّتِهِ، أَمَّا إذَا غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَصَارَ بِهِ ثَخِينًا فَلَا يَجُوزُ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إلَّا مَا غُيِّرَ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ» وَذَلِكَ يَقْتَضِي عَدَمَ جَوَازِ التَّوَضُّؤِ عِنْدَ تَغَيُّرِ أَحَدِ الْأَوْصَافِ. أُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» أَيْ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ نَجِسٌ وَكَلَامُنَا فِي الْمُخْتَلَطِ الطَّاهِرِ. وَقَوْلُهُ: (أَجْرَى فِي الْمُخْتَصَرِ مَاءَ الزَّرْدَجِ مَجْرَى الْمَرَقِ) أَيْ فِي عَدَمِ جَوَازِ التَّوَضُّؤِ بِهِمَا (وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَاءِ الزَّعْفَرَانِ) وَسَنَذْكُرُ حُكْمَهُ وَقَوْلُهُ: (وَهُوَ الصَّحِيحُ) ؛ لِأَنَّهُ خَالَطَهُ طَاهِرٌ فَغَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ كَمَاءِ الزَّعْفَرَانِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْمُخْتَصَرِ إنْ كَانَ عَلَى إطْلَاقِهِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ ظَاهِرِ لَفْظِهِ كَانَ بَيْنَ رِوَايَةِ الْمُخْتَصَرِ وَالْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ خِلَافٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ مَا إذَا كَانَ الْمَاءُ مَغْلُوبًا بِأَجْزَاءِ الزَّرْدَجِ فَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا، وَالْإِمَامُ النَّاطِفِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ اخْتَارَ الْمَرْوِيَّ عَنْ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِمَاءِ الزَّعْفَرَانِ وَأَشْبَاهِهِ مِمَّا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ مَاءٌ مُقَيَّدٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ مَاءُ الزَّعْفَرَانِ بِخِلَافِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَخْلُو عَنْهَا عَادَةً وَلَنَا أَنَّ اسْمَ الْمَاءِ بَاقٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَلَّا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يَتَجَدَّدْ لَهُ اسْمٌ عَلَى حِدَةٍ وَإِضَافَتُهُ إلَى الزَّعْفَرَانِ كَإِضَافَتِهِ إلَى الْبِئْرِ وَالْعَيْنِ، وَلِأَنَّ الْخَلْطَ الْقَلِيلَ لَا مُعْتَبَرَ بِهِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ كَمَا فِي أَجْزَاءِ الْأَرْضِ فَيُعْتَبَرُ الْغَالِبُ، وَالْغَلَبَةُ بِالْأَجْزَاءِ لَا بِتَغَيُّرِ اللَّوْنِ هُوَ الصَّحِيحُ، فَإِنْ تَغَيَّرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبِي يُوسُفَ. وَقَوْلُهُ: (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) ظَاهِرٌ، وَقَوْلُهُ: (وَإِضَافَتُهُ إلَى الزَّعْفَرَانِ كَإِضَافَتِهِ إلَى الْبِئْرِ) يَعْنِي أَنَّهَا لِلتَّعْرِيفِ لَا لِلتَّقْيِيدِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُضَافَ إذَا لَمْ يَكُنْ خَارِجًا مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ بِالْعِلَاجِ فَالْإِضَافَةُ لِلتَّعْرِيفِ، وَمَاءُ الزَّعْفَرَانِ وَمَاءُ الْبِئْرِ وَمَاءُ الْعَيْنِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، وَإِنْ كَانَ خَارِجًا مِنْهُ فَهِيَ التَّقْيِيدُ كَمَاءِ الْوَرْدِ وَغَيْرِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ، فَبَقِيَ الِاعْتِبَارُ لِلْخَلْطِ، وَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْغَلَبَةُ بِالْأَجْزَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ أَجْزَاءُ الْمَاءِ غَالِبَةً وَيُعْلَمُ ذَلِكَ بِبَقَائِهِ عَلَى رِقَّتِهِ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ، وَإِنْ كَانَتْ أَجْزَاءُ الْمَخْلُوطِ غَالِبَةً بِأَنْ صَارَ ثَخِينًا زَالَ عَنْهُ رِقَّتُهُ الْأَصْلِيَّةُ لَمْ يَجُزْ. وَقَوْلُهُ: (هُوَ الصَّحِيحُ) نَفْيٌ لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ يَعْتَبِرُ الْغَلَبَةَ بِتَغَيُّرِ اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ مَا قِيلَ الطَّاهِرُ الْمَخْلُوطُ بِالْمَاءِ إمَّا أَنْ يَكُونَ لَوْنُهُ كَلَوْنِ الْمَاءِ أَوْ لَا

بِالطَّبْخِ بَعْدَمَا خُلِطَ بِهِ غَيْرُهُ لَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي مَعْنَى الْمُنَزَّلِ مِنْ السَّمَاءِ إذْ النَّارُ غَيَّرَتْهُ إلَّا إذَا طُبِخَ فِيهِ مَا يُقْصَدُ بِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي النَّظَافَةِ كَالْأُشْنَانِ وَنَحْوِهِ، لِأَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ يُغْسَلُ بِالْمَاءِ الَّذِي أُغْلِيَ بِالسِّدْرِ، بِذَلِكَ وَرَدَتْ السُّنَّةُ، إلَّا أَنْ يَغْلِبَ ذَلِكَ عَلَى الْمَاءِ فَيَصِيرَ كَالسَّوِيقِ الْمَخْلُوطِ لِزَوَالِ اسْمِ الْمَاءِ عَنْهُ. (وَكُلُّ مَاءٍ وَقَعَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ قَلِيلًا كَانَتْ النَّجَاسَةُ أَوْ كَثِيرًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ كَانَ الثَّانِي كَاللَّبَنِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالْعُصْفُرِ فَالْعِبْرَةُ لِلَّوْنِ، فَإِنْ غَلَبَ لَوْنُ الْمَاءِ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ لَمْ يَجُزْ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ كَمَاءِ الْبِطِّيخِ وَالْأَشْجَارِ فَالْعِبْرَةُ لِلطَّعْمِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ طَعْمٌ فَالْعِبْرَةُ لِكَثْرَةِ الْأَجْزَاءِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْأَوَّلُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ الْغَلَبَةَ بِالْأَجْزَاءِ غَلَبَةٌ حَقِيقِيَّةٌ، إذْ وُجُودُ الشَّيْءِ الْمُرَكَّبِ بِأَجْزَائِهِ فَكَانَ اعْتِبَارُهَا أَوْلَى. وَقَوْلُهُ: (بَعْدَمَا خُلِطَ بِهِ غَيْرُهُ) إنَّمَا قُيِّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ إذَا طُبِخَ وَحْدَهُ وَتَغَيَّرَ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ. وَقَوْلُهُ: (إلَّا إذَا طُبِخَ فِيهِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ، وَإِنَّمَا جَازَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ وَرَدَتْ بِهِ فِي غُسْلِ الْمَوْتَى بِالْمَاءِ الَّذِي أُغْلِيَ بِالسِّدْرِ إلَّا إذَا صَارَ غَلِيظًا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ تَسْيِيلُهُ عَلَى الْعُضْوِ لِزَوَالِ اسْمِ الْمَاءِ عَنْهُ. قَالَ (وَكُلُّ مَاءٍ وَقَعَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ) أَرَادَ بِالْمَاءِ مَا لَا يَكُونُ جَارِيًا وَلَا فِي حُكْمِهِ وَهُوَ الْغَدِيرُ الْعَظِيمُ لِذِكْرِهِ هَذَا بَعْدَ هَذَا، وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ: قَلِيلًا كَانَتْ النَّجَاسَةُ أَوْ كَثِيرًا، وَفِي بَعْضِهَا قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، وَهُوَ لَفْظُ الْمُخْتَصَرِ. وَتَوْجِيهُ الْأُولَى أَنْ يُقَالَ شَبَّهَ فَعِيلًا بِمَعْنَى فَاعِلٍ بِفَعِيلٍ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ فِي حَذْفِ عَلَامَةِ التَّأْنِيثِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56] وَفِي قَوْلِهِ (قَلِيلًا) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مَالِكٍ فَإِنَّهُ لَا يَتَنَجَّسُ الْمَاءُ عِنْدَهُ إذْ لَمْ يُرَ لَهَا أَثَرٌ. وَقَوْلُهُ: (كَثِيرًا) مُسْتَدْرَكٌ؛ لِأَنَّ قَلِيلَ النَّجَاسَةِ إذَا كَانَ مَانِعًا فَالْكَثِيرُ أَوْلَى. وَتَوْجِيهُ الثَّانِيَةِ الْمَاءُ الرَّاكِدُ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَالْقَلِيلُ مَا يَكْفِي الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ كَذَا قِيلَ. وَقَوْلُهُ: قَلِيلًا احْتِزَازٌ عَنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَقَوْلُهُ: كَثِيرًا احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّ مَالِكًا يُجَوِّزُ الْوُضُوءَ بِالْقَلِيلِ وَإِنْ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ أَحَدُ أَوْصَافِهِ، وَيَسْتَدِلُّ بِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ، إلَّا مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ أَوْ طَعْمَهُ» الْحَدِيثَ. وَالشَّافِعِيُّ يُجَوِّزُهُ إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا» وَاضْطَرَبَتْ أَقْوَالُهُمْ فِي مِقْدَارِ الْقُلَّتَيْنِ، فَقِيلَ الْقُلَّتَانِ خَمْسُ قِرَبٍ كُلُّ قِرْبَةٍ خَمْسُونَ مَنًّا، وَقِيلَ ثَلَثُمِائَةِ مَنٍّ تَقْرِيبًا

وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجُوزُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ أَحَدُ أَوْصَافِهِ لِمَا رَوَيْنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجُوزُ إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا» وَلَنَا حَدِيثُ الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ مَنَامِهِ، وَقَوْلُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا تَحْدِيدًا، وَقِيلَ الْقُلَّةُ جَرَّةٌ تُحْمَلُ مِنْ الْيَمِينِ تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا. وَلَنَا حَدِيثُ الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ مَنَامَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامَةِ فَلَا يَغْمِسُ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا» وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ أَنَّهُ لَمَّا وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ الْغَمْسِ لِأَجْلِ احْتِمَالِ النَّجَاسَةِ، فَحَقِيقَةُ النَّجَاسَةِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ نَجِسًا. وَقَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَلَا يَغْتَسِلَنَّ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ» رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ، أَمَّا عَلَى مَالِكٍ فَإِنَّهُ نَهَى عَنْ الِاغْتِسَالِ فِيهِ وَأَنَّهُ لَا يُغَيَّرُ أَحَدُ أَوْصَافِ الْمَاءِ بِيَقِينٍ، وَأَمَّا عَلَى الشَّافِعِيِّ فَلِأَنَّهُ نَهَى عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ، وَمُطْلَقُ النَّهْيِ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، لَا سِيَّمَا عَلَى مَذْهَبِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُنَجَّسًا كَانَ كَسَكْبِ الْمَاءِ فِيهِ وَهُوَ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ. وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ دَائِمٍ وَدَائِمٍ فَكَانَ الْقُلَّتَانِ وَغَيْرُهُمَا سَوَاءً. لَا يُقَالُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ لِلتَّنْزِيَةِ؛ لِأَنَّ تَأْكِيدَهُ وَتَقْيِيدَهُ بِالدَّائِمِ يُنَافِيهِ، فَإِنَّ الْمَاءَ الْجَارِي يُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى، فَإِنَّ الْبَوْلَ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِأَدَبٍ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ فَكَذَلِكَ فِي الْجَارِي فَلَا يَكُونُ لِلتَّقْيِيدِ فَائِدَةٌ، وَكَلَامُ الشَّارِعِ مَصُونٌ عَنْ ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ الِاسْتِدْلَال بِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ؛ لِأَنَّ الْغَدِيرَ الْعَظِيمَ مَاءٌ دَائِمٌ فَيَدْخُلُ تَحْتَ إطْلَاقِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْجَارِي بِالْإِجْمَاعِ فِي عَدَمِ اخْتِلَاطِ

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَلَا يَغْتَسِلَنَّ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَاَلَّذِي رَوَاهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَدَ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ وَمَاؤُهَا كَانَ جَارِيًا فِي الْبَسَاتِينِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْضِهِ بِبَعْضٍ. (قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي رَوَاهُ مَالِكٌ جَوَابٌ عَنْ حَدِيثِ مَالِكٍ بِأَنَّهُ وَرَدَ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ) وَهِيَ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا: بِئْرٌ قَدِيمَةٌ بِالْمَدِينَةِ تُلْقَى فِيهَا الْجِيَفُ وَمَحَايِضُ النِّسَاءِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ تَوَضَّأَ مِنْهَا فَقَالَ «الْمَاءُ طَهُورٌ» الْحَدِيثَ، وَقَدْ كَانَ مَاؤُهَا جَارِيًا فِي الْبَسَاتِينِ يُسْقَى مِنْهُ خَمْسُ بَسَاتِينَ، وَالْمَاءُ الْجَارِي لَا يَنْجَسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ عِنْدَنَا. فَإِنْ قِيلَ الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ دُونَ خُصُوصِ السَّبَبِ فَكَيْفَ اخْتَصَّ بِئْرُ بُضَاعَةَ مَعَ وُجُودِ دَلِيلِ الْعُمُومِ فِيهِ وَهُوَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْخُصُوصِ فِي شَيْءٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْحَمْلِ لِلتَّوْفِيقِ، فَإِنَّ الْحَدِيثَيْنِ إذَا تَعَارَضَا وَجُهِلَ تَارِيخُهُمَا جُعِلَا كَأَنَّهُمَا وَرَدَا مَعًا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِمَا يُحْمَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَحْمَلٍ إنْ أَمْكَنَ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ يُطْلَبُ التَّرْجِيحُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ يَتَهَاتَرَانِ، وَهَاهُنَا أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِأَنْ يُحْمَلَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى بِئْرِ بُضَاعَةَ وَحَدِيثُ الْمُسْتَيْقِظِ، وَقَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ» الْحَدِيثَ عَلَى غَيْرِهَا فَعَمِلْنَا كَذَلِكَ دَفْعًا لِلتَّنَاقُضِ. فَإِنْ قِيلَ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ أَوَّلَ الْبَابِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى طَهُورِيَّةِ الْمِيَاهِ الْمَذْكُورَةِ هُنَاكَ وَحَمَلَهُ هَاهُنَا عَلَى بِئْرِ بُضَاعَةَ، فَإِنْ كَانَتْ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ الْمَاءُ لِلْجِنْسِ صَحَّ الِاسْتِدْلَال وَبَطَلَ الْحَمْلُ، وَإِنْ كَانَتْ لِلْعَهْدِ صَحَّ الْحَمْلُ وَبَطَلَ الِاسْتِدْلَال. أَجَابَ الْعَلَّامَةُ عَلَاءُ الدِّينِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بِمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ لِلْجِنْسِ وَالِاسْتِدْلَالُ صَحِيحٌ، وَالْحَمْلُ لَيْسَ بِبَاطِلٍ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ مُشْتَمِلٌ عَلَى قَضِيَّتَيْنِ: إحْدَاهُمَا الْمَاءُ طَهُورٌ، وَالثَّانِيَةُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ، وَالِاسْتِدْلَالُ بِالْأُولَى؛ لِأَنَّهَا تُفِيدُ الْمَقْصُودَ مِنْ غَيْرِ افْتِقَارٍ إلَى الثَّانِيَةِ وَالْحَمْلُ لِلثَّانِيَةِ. وَرُدَّ بِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ رَاجِعٌ إلَى مَا دَخَلَ عَلَيْهِ اللَّامُ فَكَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْجِنْسَ، فَكَيْفَ يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى مُعَيَّنٍ. وَأَجَابَ بِأَنَّ اللَّفْظَ إذَا احْتَمَلَ مَعْنَيَيْنِ وَأُرِيدَ بِهِ أَحَدُهُمَا ثُمَّ أُرِيدَ بِضَمِيرِهِ الْآخَرُ جَازَ، وَيُسَمَّى ذَلِكَ اسْتِخْدَامًا كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ: إذَا نَزَلَ السَّمَاءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ ... رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانُوا غِضَابًا وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ وَالْحِلُّ مَيْتَتُهُ» فِي كَوْنِهِ جَوَابًا زَائِدًا عَلَى مِقْدَارِ الْحَاجَةِ، فَإِنَّ الْحَاجَةَ كَانَتْ فِي دَفْعِ النَّجَاسَةِ عَنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ، وَكَانَ ذَلِكَ يَحْصُلُ بِقَوْلِهِ «لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» إلَّا أَنَّهُ زَادَ قَوْلَهُ «الْمَاءُ طَهُورٌ» وَقَدْ يَكُونُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ هَذِهِ الْحَقِيقَةُ مِنْ شَأْنِهَا التَّطْهِيرُ، وَمَاءُ بِئْرِ بُضَاعَةَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَيَّرَ إلَى آخِرِهِ لِكَوْنِهِ جَارِيًا، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ الْبَالِغُ قُلَّتَيْنِ طَاهِرًا إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ لِوُجُودِ الدَّلِيلِ.

وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُد، وَهُوَ يَضْعُفُ عَنْ احْتِمَالِ النَّجَاسَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى نَجَاسَتِهِ وَهُوَ حَدِيثُ الْمُسْتَيْقِظِ، وَقَوْلُهُ: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ» الْحَدِيثَ. وَقَوْلُهُ: (وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ) يُرِيدُ بِهِ حَدِيثَ الْقُلَّتَيْنِ ضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُد مَعْنَاهُ لَا يَصِحُّ التَّعَلُّقُ بِهَذَا الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ فِي إسْنَادِهِ ضَعْفًا ضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُد سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ السِّجِسْتَانِيُّ قَالَ حَدِيثُ الْقُلَّتَيْنِ مِمَّا لَا يَثْبُتُ، وَهَكَذَا قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ أُسْتَاذُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَعِيلَ الْبُخَارِيِّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِهِ بَلَغَنِي بِإِسْنَادٍ لَا يَحْضُرُنِي مَنْ ذَكَرَهُ وَمِثْلُ هَذَا دُونَ الْمُرْسَلِ وَفِي مَتْنِهِ اضْطِرَابٌ فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَعْضِ

(وَالْمَاءُ الْجَارِي إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ جَازَ الْوُضُوءُ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالرِّوَايَاتِ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، وَفِي بَعْضِهَا أَرْبَعِينَ قُلَّةً هَكَذَا رَوَاهُ جَابِرٌ وَأَخَذَ بِهِ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَالْقُلَّةُ فِي نَفْسِهَا مَجْهُولَةٌ؛ لِأَنَّهَا تُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهَا قَامَةُ الرَّجُلِ، وَتُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهَا رَأْسُ الْجَبَلِ، وَتُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهَا الْجَرَّةُ، وَالتَّعْيِينُ بِقِلَالِ هَجْرٍ لَا يَثْبُتُ بِقَوْلِ جُرَيْجٍ؛ لِأَنَّ جُرَيْجًا مِمَّنْ لَا يُقَلَّدُ فَيَبْقَى مُحْتَمَلًا، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: لَا يَحْتَمِلُ خُبْثًا يُحْتَمَلُ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ: أَيْ لَا يَقْبَلُ النَّجَاسَةَ وَيَدْفَعُهَا، وَيَحْتَمِلُ إذَا قَلَّ الْمَاءُ حَتَّى انْتَهَى إلَى الْقُلَّتَيْنِ فَإِنَّهُ يَضْعُفُ عَنْ احْتِمَالِ الْخُبْثِ فَيَنْجَسُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ التَّمَسُّكُ بِهِ صَحِيحًا. (قَوْلُهُ: وَالْمَاءُ الْجَارِي إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ) اخْتَلَفَ

إذَا لَمْ يُرَ لَهَا أَثَرٌ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَقِرُّ مَعَ جَرَيَانِ الْمَاءِ) وَالْأَثَرُ هُوَ الرَّائِحَةُ أَوْ الطَّعْمُ أَوْ اللَّوْنُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّاسُ فِي تَعْرِيفِ الْمَاءِ الْجَارِي، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ مَا لَا يَتَكَرَّرُ اسْتِعْمَالُهُ، وَذَلِكَ بِأَنَّهُ إذَا غَسَلَ يَدَهُ وَسَالَ الْمَاءُ مِنْهَا إلَى النَّهْرِ فَإِذَا أَخَذَهُ ثَانِيًا لَا يَكُونُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَاءِ الْأَوَّلِ. وَقِيلَ مَا يَذْهَبُ بِتَبِنَةٍ. وَقِيلَ هُوَ مَا إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَوْ وَضَعَ رَجُلٌ يَدَهُ فِي الْمَاءِ عَرَضًا لَمْ يَنْقَطِعْ جَرَيَانُهُ. قِيلَ وَالْأَصَحُّ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ جَارِيًا، وَحُكْمُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (إذَا لَمْ يُرَ لَهَا أَثَرٌ) أَيْ لَمْ يُبْصَرْ لَهَا أَثَرٌ، إشَارَةٌ إلَى أَنَّ النَّجَاسَةَ إذَا كَانَتْ مَرْئِيَّةً لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ جَانِبِ الْوُقُوعِ. قَالَ فِي الْمُحِيطِ: إذَا وَقَعَتْ النَّجَاسَةُ فِي الْمَاءِ الْجَارِي، فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَرْئِيَّةٍ كَالْبَوْلِ لَا يَنْجُسُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ، وَإِنْ كَانَتْ مَرْئِيَّةً كَالْجِيفَةِ وَالْعَذِرَةِ، فَإِنْ كَانَ النَّهْرُ كَبِيرًا لَا يُتَوَضَّأُ مِنْ أَسْفَلِ الْجَانِبِ الَّذِي فِيهِ الْجِيفَةُ وَيُتَوَضَّأُ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَإِنْ لَاقَاهَا أَكْثَرُ الْمَاءِ فَهُوَ نَجِسٌ،

وَالْجَارِي مَا لَا يَتَكَرَّرُ اسْتِعْمَالُهُ، وَقِيلَ مَا يَذْهَبُ بِتِبْنَةٍ. قَالَ (وَالْغَدِيرُ الْعَظِيمُ الَّذِي لَا يَتَحَرَّكُ أَحَدُ طَرَفَيْهِ بِتَحْرِيكِ الطَّرَفِ الْآخَرِ إذَا وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ فِي أَحَدِ جَانِبَيْهِ جَازَ الْوُضُوءُ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَصِلُ إلَيْهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ كَانَ أَقَلَّهُ فَهُوَ طَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ النِّصْفَ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ فِي الْحُكْمِ، وَالْأَحْوَطُ أَلَّا يُتَوَضَّأَ. (قَوْلُهُ: وَالْغَدِيرُ الْعَظِيمُ) الْغَدِيرُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِنْ غَدَرَ: أَيْ تَرَكَ، وَهُوَ الَّذِي تَرَكَهُ مَاءُ السَّيْلِ، وَقِيلَ بِمَعْنَى مُفَاعِلٍ أَيْ مُغَادِرٍ

إذْ أَثَرُ التَّحْرِيكِ فِي السِّرَايَةِ فَوْقَ أَثَرِ النَّجَاسَةِ. ثُمَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَعْتَبِرُ التَّحْرِيكَ بِالِاغْتِسَالِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَنْهُ التَّحْرِيكُ بِالْيَدِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالتَّوَضُّؤِ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الِاغْتِسَالِ فِي الْحِيَاضِ أَشَدُّ مِنْهَا إلَى التَّوَضُّؤِ، وَبَعْضُهُمْ قَدَّرُوا بِالْمِسَاحَةِ عَشْرًا فِي عَشْرٍ بِذِرَاعِ الْكِرْبَاسِ تَوْسِعَةً لِلْأَمْرِ عَلَى النَّاسِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقِيلَ بِمَعْنَى فَاعِلٍ؛ لِأَنَّهُ يَغْدِرُ بِأَهْلِهِ لِانْقِطَاعِهِ عِنْدَ شِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ أَصْحَابَنَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَاءَ إذَا خَلَصَ بَعْضُهُ: أَيْ وَصَلَ إلَى بَعْضٍ كَانَ قَلِيلًا، وَإِذَا لَمْ يَخْلُصُ كَانَ كَثِيرًا لَا يَنْجَسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، إلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ كَالْمَاءِ الْجَارِي. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَا يُعْرَفُ بِهِ الْخُلُوصُ، فَذَهَبَ الْمُتَقَدِّمُونَ إلَى أَنَّهُ يُعْرَفُ بِالتَّحْرِيكِ: فَإِذَا حُرِّكَ طَرَفٌ مِنْهُ وَلَمْ يَتَحَرَّكْ الْجَانِبُ الْآخَرُ فَهُوَ مِمَّا لَا يَخْلُصُ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ، وَالْمُرَادُ بِالتَّحَرُّكِ هُوَ التَّحَرُّكُ بِالِارْتِفَاعِ وَالِانْخِفَاضِ سَاعَةَ تَحْرِيكِهِ لَا بَعْدَ الْمُكْثِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْحَبَابِ، فَإِنَّ الْمَاءَ وَإِنْ كَثُرَ يَعْلُوهُ وَيَتَحَرَّكُ. ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِي سَبَبِ التَّحْرِيكِ، فَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ التَّحْرِيكُ بِالِاغْتِسَالِ، وَهُوَ أَنْ يَغْتَسِلَ إنْسَانٌ فِي جَانِبٍ مِنْهُ اغْتِسَالًا وَسَطًا وَلَمْ يَتَحَرَّكْ الْجَانِبُ الْآخَرُ، وَبِهِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ. وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ أَيْضًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ التَّحْرِيكُ بِالْيَدِ لَا غَيْرُ. وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ التَّحْرِيكُ بِالتَّوَضُّؤِ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الِاغْتِسَالِ فِي الْحِيَاضِ أَشَدُّ مِنْ الْحَاجَةِ إلَى التَّوَضُّؤِ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ يَكُونُ فِي الْبُيُوتِ عَادَةً. وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ التَّحْرِيكَ يَكُونُ بِالِاغْتِسَالِ وَبِالتَّوَضُّؤِ وَبِغَسْلِ الْيَدِ، إلَّا أَنَّ التَّحْرِيكَ بِغَسْلِ الْيَدِ يَكُونُ أَخَفَّ فَكَانَ الِاعْتِبَارُ بِهِ أَوْلَى تَوْسِعَةً عَلَى النَّاسِ. وَوَجْهُ الثَّالِثِ أَنَّ مَبْنَى الْمَاءِ فِي حُكْمِ النَّجَاسَةِ عَلَى الْخِفَّةِ، فَإِنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يَنْجَسَ وَإِنْ كَثُرَ الْمَاءُ، إلَّا أَنَّهُ أَسْقَطَ حُكْمَ النَّجَاسَةِ عَنْ بَعْضِ الْمِيَاهِ تَخْفِيفًا فَاعْتُبِرَ التَّحْرِيكُ الْوَسَطُ وَهُوَ التَّحْرِيكُ بِالْوُضُوءِ. وَذَهَبَ الْمُتَأَخِّرُونَ إلَى أَنَّهُ يُعْرَفُ بِشَيْءٍ آخَرَ غَيْرِ التَّحْرِيكِ، فَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ بِالْكُدْرَةِ فَقَالَ إذَا اُغْتُسِلَ فِيهِ وَتَكَدَّرَ الْمَاءُ فَإِنْ وَصَلَتْ الْكُدَارَةُ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ فَهُوَ مِمَّا يَخْلُصُ وَإِلَّا فَلَا. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ بِالصَّبْغِ فَقَالَ: يُلْقَى زَعْفَرَانٌ فِي جَانِبٍ مِنْهُ، فَإِنْ أَثَّرَ الزَّعْفَرَانُ

وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْعُمْقِ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ لَا يَنْحَسِرُ بِالِاغْتِرَافِ هُوَ الصَّحِيحُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْجَانِبِ الْآخَرِ كَانَ مِمَّا يَخْلُصُ وَإِلَّا فَلَا. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ الْجُوزَجَانِيِّ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ بِالْمِسَاحَةِ إنْ كَانَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ فَهُوَ مِمَّا لَا يَخْلُصُ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَقَالَ: إنْ كَانَ مِثْلَ مَسْجِدِي هَذَا فَهُوَ مَا لَا يَخْلُصُ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ، فَلَمَّا قَامَ مُسِحَ مَسْجِدُهُ فَكَانَ ثَمَانِيًا فِي ثَمَانٍ، وَفِي رِوَايَةٍ وَعَشْرًا فِي عَشْرٍ فِي رِوَايَةٍ، وَبِقَوْلِ أَبِي سُلَيْمَانَ الْجُوزَجَانِيِّ أَخَذَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ، ثُمَّ أَلْفَاظُ الْكُتُبِ قَدْ اخْتَلَفَتْ فِي تَعْيِينِ الذِّرَاعِ فَجُعِلَ الصَّحِيحُ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ ذِرَاعُ الْمِسَاحَةِ وَهِيَ سَبْعُ مُشِتَّاتٍ فَوْقَ كُلِّ مُشِتَّةٍ إصْبَعٌ قَائِمَةٌ، وَالْمُصَنِّفُ اخْتَارَ لِلْفَتْوَى ذِرَاعَ الْكِرْبَاسِ وَهِيَ سَبْعُ مُشِتَّاتٍ لَيْسَ فَوْقَ كُلِّ مُشِتَّةٍ إصْبَعٌ قَائِمَةٌ تَوْسِعَةً لِلْأُمُورِ عَلَى النَّاسِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْعُمْقِ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ لَا يَنْحَسِرُ بِالِاغْتِرَافِ. وَقَوْلُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ إنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ

وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ وَجَازَ الْوُضُوءُ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ، إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَنْجُسُ مَوْضِعُ الْوُقُوعِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ إلَّا بِظُهُورِ أَثَرِ النَّجَاسَةِ فِيهِ كَالْمَاءِ الْجَارِي. قَالَ (وَمَوْتُ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ فِي الْمَاءِ لَا يُنَجِّسُهُ كَالْبَقِّ وَالذُّبَابِ وَالزَّنَابِيرِ وَالْعَقْرَبِ وَنَحْوِهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُفْسِدُهُ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَا بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ آيَةُ النَّجَاسَةِ، بِخِلَافِ دُودِ الْخَلِّ وَسُوسِ الثِّمَارِ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِ «هَذَا هُوَ الْحَلَالُ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ وَالْوُضُوءُ مِنْهُ» وَلِأَنَّ الْمُنَجَّسَ هُوَ اخْتِلَاطُ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ بِأَجْزَائِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQذِرَاعًا، وَقَالَ آخَرُونَ أَنْ يَكُونَ قَدْرَ شِبْرٍ. وَقَوْلُهُ: (فِي الْكِتَابِ) يَعْنِي مُخْتَصَرَ الْقُدُورِيِّ. وَقَوْلُهُ: (إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يَنْجَسُ مَوْضِعُ الْوُقُوعِ) لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ كَوْنِهَا مَرْئِيَّةً وَغَيْرَ مَرْئِيَّةٍ وَهُوَ الْمَحْكِيُّ عَنْ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ وَمَشَايِخِ بُخَارَى وَبَلْخِي، فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا فَقَالُوا فِي غَيْرِ الْمَرْئِيَّةِ يُتَوَضَّأُ مِنْ الْجَانِبِ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ بِخِلَافِ الْمَرْئِيَّةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَنْجَسُ إلَّا إذَا ظَهَرَ أَثَرُهَا فِيهِ: أَيْ فِي مَوْضِعِ الْوُقُوعِ كَالْمَاءِ الْجَارِي، وَعَلَى هَذَا إذَا غَسَلَ وَجْهَهُ فِي حَوْضٍ كَبِيرٍ فَسَقَطَ غُسَالَةُ وَجْهِهِ فِي الْمَاءِ فَرَفَعَ الْمَاءَ مِنْ مَوْضِعِ الْوُقُوعِ قَبْلَ التَّحْرِيكِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ، وَجَوَّزَهُ مَشَايِخُ بُخَارَى وَبَلْخِي تَوْسِعَةً عَلَى النَّاسِ لِعُمُومِ الْبَلْوَى فِيهِ. قَالَ (وَمَوْتُ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ) إذَا مَاتَ مَا لَيْسَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ كَالْبَقِّ وَالذُّبَابِ وَالزَّنَابِيرِ وَالْعَقْرَبِ وَنَحْوِهَا (فِي الْمَاءِ) لَا يُنَجِّسُهُ وَإِنَّمَا جَمَعَ الزَّنَابِيرَ دُونَ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهَا أَنْوَاعٌ شَتَّى، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُفْسِدُهُ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] وَالتَّحْرِيمُ لَا بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ آيَةُ النَّجَاسَةِ. وَقَوْلُهُ: (لَا بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ) احْتِرَازٌ عَنْ الْآدَمِيِّ. فَإِنْ قِيلَ دُودُ الْخَلِّ وَسُوسُ الثِّمَارِ إذَا مَاتَتْ فِيهَا مَعَ أَنَّهَا

حَتَّى حَلَّ الْمُذَكَّى لِانْعِدَامِ الدَّمِ فِيهِ وَلَا دَمَ فِيهَا، وَالْحُرْمَةُ لَيْسَتْ مِنْ ضَرُورَتِهَا النَّجَاسَةُ كَالطِّينِ. قَالَ (وَمَوْتُ مَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ فِيهِ لَا يُفْسِدُهُ كَالسَّمَكِ وَالضُّفْدَعِ وَالسَّرَطَانِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَيْتَةُ لَا يُنَجِّسُ الْخَلَّ وَالثِّمَارَ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ:؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً. وَلَنَا مَا رَوَى أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ بِإِسْنَادِهِ إلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «عَنْ سَلْمَانَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِيهِ: أَيْ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَادِثَةِ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سُئِلَ عَنْ إنَاءٍ فِيهِ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ يَمُوتُ فِيهِ مَا لَيْسَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ فَقَالَ: هُوَ الْحَلَالُ أَكْلُهُ وَشَرَابُهُ وَالْوُضُوءُ مِنْهُ» وَلِأَنَّ الْمُنَجِّسَ هُوَ اخْتِلَاطُ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ بِأَجْزَائِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ حَتَّى حَلَّ الْمُذَكَّى لِانْعِدَامِ الدَّمِ فِيهِ، وَلَا دَمَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إذْ الْفَرْضُ كَذَلِكَ فَلَا يَنْجَسُ هَاهُنَا. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُنَجِّسَ هُوَ اخْتِلَاطُ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ، فَإِنَّ ذَبِيحَةَ الْمَجُوسِيِّ وَالْوَثَنِيِّ وَتَارِكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا لَيْسَ فِيهَا دَمٌ مَسْفُوحٌ وَهِيَ نَجِسَةٌ، وَذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ إذَا لَمْ يَسِلْ مِنْهَا دَمٌ يُعَارَضُ بِأَنْ أَكَلَتْ وَرَقَ الْعُنَّابِ حَلَالٌ مَعَ أَنَّ الدَّمَ لَمْ يَسِلْ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْقِيَاسَ فِي ذَبِيحَةِ الْمَجُوسِيِّ وَالْوَثَنِيِّ الطَّهَارَةُ كَذَبِيحَةِ الْمُسْلِمِ، إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ أَخْرَجَهُ عَنْ أَهْلِيَّةِ الذَّبْحِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ غَيْرَ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ وَلَا آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ» فَجَعَلَ الشَّرْعُ ذَبْحَهُ كَلَا ذَبْحٍ، وَكَمَا جَعَلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ جَعَلَ ذَبِيحَةَ الْمُسْلِمِ إذَا لَمْ يَسِلْ مِنْهَا الدَّمُ كَذَبِيحَتِهِ إذَا سَالَ إقَامَةً لِأَهْلِيَّةِ الذَّابِحِ وَاسْتِعْمَالِ آلَةِ الذَّبْحِ مَقَامَ الْإِسَالَةِ لِإِتْيَانِهِ بِمَا هُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ الدَّاخِلُ تَحْتَ قُدْرَتِهِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْعَوَارِضِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْقَوَاعِدِ الْأَصْلِيَّةِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ حَيًّا لَا يَنْجَسُ، وَلِهَذَا قُلْنَا: الْمُصَلِّي إذَا اسْتَصْحَبَ فَأْرَةً أَوْ عُصْفُورَةً حَيَّةً لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ وَلَوْ كَانَتْ نَجِسَةً لَفَسَدَتْ، وَلَوْ مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا وَاسْتَصْحَبَهَا فَسَدَتْ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الدَّمَ الَّذِي فِي الْحَيِّ فِي مَعْدِنِهِ وَبِالْمَوْتِ يَنْصَبُّ عَنْ مَجَارِيهِ فَيَتَنَجَّسُ اللَّحْمُ بِتَشَرُّبِهِ إيَّاهُ، وَلِهَذَا لَوْ قُطِعَتْ الْعُرُوقُ بَعْدَهُ لَمْ يَسِلْ مِنْهَا دَمٌ (قَوْلُهُ: وَالْحُرْمَةُ لَيْسَتْ مِنْ ضَرُورَتِهَا النَّجَاسَةُ) جَوَابٌ عَنْ اسْتِدْلَالِ الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّ الطِّينَ حَرَامٌ لَا لِكَرَامَتِهِ وَلَيْسَ بِنَجِسٍ. قَالَ (وَمَوْتُ مَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ فِيهِ لَا يُفْسِدُهُ) مَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ: يَعْنِي مَا يَكُونُ مَوْلِدُهُ وَمَثْوَاهُ فِيهِ إذَا مَاتَ فِي الْمَاءِ لَا يُفْسِدُهُ كَالسَّمَكِ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُفْسِدُهُ إلَّا السَّمَكُ لِمَا مَرَّ. وَلَنَا أَنَّهُ مَاتَ فِي مَعْدِنِهِ فَلَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ النَّجَاسَةِ كَبَيْضَةٍ حَالَ مُحُّهَا دَمًا، وَلِأَنَّهُ لَا دَمَ فِيهَا، إذْ الدَّمَوِيُّ لَا يَسْكُنُ الْمَاءَ وَالدَّمُ هُوَ الْمُنَجِّسُ، وَفِي غَيْرِ الْمَاءِ قِيلَ غَيْرُ السَّمَكِ يُفْسِدُهُ لِانْعِدَامِ الْمَعْدِنِ. وَقِيلَ لَا يُفْسِدُهُ لِعَدَمِ الدَّمِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالضُّفْدَعُ وَالسَّرَطَانُ. قِيلَ إنَّمَا قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَا يُنَجِّسُهُ وَفِي هَذِهِ لَا يُفْسِدُهُ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فِي غَيْرِ مَعْدِنِهِ فَيُتَوَهَّمُ التَّنْجِيسُ فَيُنَاسَبُ نَفْيَهُ، وَفِي الثَّانِيَةِ فِي مَعْدِنِهِ فَلَا يُتَوَهَّمُ تَنْجِيسُهُ بِوَاسِطَةِ الضَّرُورَةِ، لَكِنْ اُحْتُمِلَ تَغَيُّرُ صِفَةِ الْمَاءِ فَنَفَاهُ بِقَوْلِهِ لَا يُفْسِدُهُ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُفْسِدُهُ إلَّا السَّمَكَ لِمَا مَرَّ) يَعْنِي مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَا بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ آيَةُ النَّجَاسَةِ. قِيلَ فِي هَذَا التَّعْلِيلِ إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّ الضُّفْدَعَ وَالسَّرَطَانَ يَجُوزُ أَكْلُهُمَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ فِي كِتَابِ الذَّبَائِحِ عَلَى مَا سَيَأْتِي. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ الْمَذْكُورُ فِي كِتَابِ الذَّبَائِحِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ أَطْلَقَ ذَلِكَ كُلَّهُ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ رِوَايَةً أُخْرَى عَنْهُ فَيَكُونُ الْإِلْزَامُ عَلَيْهَا (وَلَنَا أَنَّهُ مَاتَ فِي مَعْدِنِهِ) وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَكُلُّ مَا مَاتَ فِي مَعْدِنِهِ كَانَ نَجِسًا فِي مَعْدِنِهِ، وَكُلُّ مَا كَانَ نَجِسًا فِي مَعْدِنِهِ لَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ النَّجَاسَةِ كَبَيْضَةٍ حَالَ مَجِّهَا دَمًا: أَيْ تَغَيَّرَتْ صُفْرَتُهَا دَمًا، حَتَّى لَوْ صَلَّى وَفِي كُمِّهِ تِلْكَ الْبَيْضَةُ تَجُوزُ الصَّلَاةُ مَعَهَا؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ فِي مَعْدِنِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا صَلَّى وَفِي كُمِّهِ قَارُورَةٌ فِيهَا دَمٌ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ لَيْسَتْ فِي مَعْدِنِهَا. قِيلَ هَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَلَّا يُعْطَى لِلْوُحُوشِ وَالطُّيُورِ حُكْمُ النَّجَاسَةِ إذَا مَاتَتْ فِي الْبَرِّ؛ لِأَنَّهُ مَعْدِنُهَا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُمْ يَعْنُونَ بِالْمَعْدِنِ مَا يَكُونُ مُحِيطًا فَإِنَّهُمْ يُمَثِّلُونَ بِالدَّمِ فِي الْعُرُوقِ وَالْمُخَّ فِي الْبَيْضَةِ وَأَشْبَاهَهُمَا وَلَيْسَ الْبَرُّ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهُ لَا دَمَ فِيهَا) أَيْ فِي هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ إذْ الدَّمَوِيُّ لَا يَسْكُنُ الْمَاءَ وَالدَّمُ هُوَ الْمُنَجِّسُ كَمَا تَقَدَّمَ (وَ) إذَا مَاتَ (فِي غَيْرِ الْمَاءِ) كَالْخَلِّ وَالْعَصِيرِ وَالْحَلِيبِ وَنَحْوِهَا (قِيلَ غَيْرُ السَّمَكِ يُفْسِدُهُ لِانْعِدَامِ الْمَعْدِنِ) وَهُوَ قَوْلُ نُصَيْرِ بْنِ يَحْيَى وَمُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (وَقِيلَ لَا يُفْسِدُهُ) وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ (لِعَدَمِ الدَّمِ وَهُوَ الْأَصَحُّ) لِاطِّرَادِهِ، قِيلَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ التَّعْلِيلَيْنِ نَظَرٌ، أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْعَدَمِ عَلَى وُجُودِ الشَّيْءِ لَا يَجُوزُ، وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّ انْتِفَاءَ الْعِلَّةِ لَا يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْمَعْلُولِ لِجَوَازِ أَنْ يَثْبُتَ بِعِلَّةٍ أُخْرَى، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَيْسَ بِتَعْلِيلٍ بَلْ هُوَ بَيَانُ انْتِفَاءِ الْمَانِعِ، فَإِنَّا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تُعْطَى

وَالضُّفْدَعُ الْبَحْرِيُّ وَالْبَرِّيُّ فِيهِ سَوَاءٌ. وَقِيلَ الْبَرِّيُّ مُفْسِدٌ لِوُجُودِ الدَّمِ وَعَدَمِ الْمَعْدِنِ، وَمَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ مَا يَكُونُ تَوَلُّدُهُ وَمَثْوَاهُ فِي الْمَاءِ، وَمَائِيُّ الْمَعَاشِ دُونَ مَائِيِّ الْمَوْلِدِ مُفْسِدٌ. قَالَ (وَالْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي طَهَارَةِ الْأَحْدَاثِ) خِلَافًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQحُكْمَ النَّجَاسَةِ فِي مَعْدِنِهَا فَكَانَ الْمَعْدِنُ مَانِعًا عَنْ تَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَيْهَا. وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الْعِلَّةَ الشَّخْصِيَّةَ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاؤُهَا انْتِفَاءَ الْحُكْمِ، وَهَاهُنَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ دَمًا مَسْفُوحًا هُوَ الْمُنَجِّسُ لَا غَيْرُ (وَالضُّفْدَعُ الْبَرِّيُّ وَالْبَحْرِيُّ فِيهِ سَوَاءٌ) وَإِنَّمَا يُعْرَفُ الْبَرِّيُّ مِنْ الْبَحْرِيِّ بِأَنَّ الْبَحْرِيَّ مَا يَكُونُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ سُتْرَةٌ، وَقِيلَ الْبَرِّيُّ مُفْسِدٌ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ وَهُوَ الدَّمُ وَانْتِفَاءُ الْمَانِعِ وَهُوَ الْمَعْدِنُ. وَقَوْلُهُ: (وَمَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ) بَيَانٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ مَا كَانَ تَوَالُدُهُ وَمَثْوَاهُ فِيهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْبَحْثِ (وَمَائِيُّ الْمَعَاشِ دُونَ مَائِيِّ الْمَوْلِدِ) كَالْبَطِّ وَالْإِوَزِّ وَنَحْوِهِمَا (مُفْسِدٌ) . قَوْلُهُ: (وَالْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي طَهَارَةِ الْأَحْدَاثِ) قَدَّمَ الْكَلَامَ فِي حُكْمِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي طَهَارَةِ الْأَحْدَاثِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي طَهَارَةِ الْأَنْجَاسِ فِيمَا رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَذْهَبِهِ، فَإِنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ الْعَيْنِيَّةِ بِسَائِرِ الْمَائِعَاتِ تَجُوزُ عِنْدَهُ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ) لِلشَّافِعِيِّ فِي الْمَاءِ

هُمَا يَقُولَانِ إنَّ الطَّهُورَ مَا يُطَهِّرُ غَيْرَهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كَالْقَطُوعِ. وَقَالَ زُفَرُ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُسْتَعْمَلِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَظْهَرُهَا كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَفِي قَوْلٍ طَاهِرٌ وَطَهُورٌ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَفِي آخَرَ إنْ كَانَ الْمُسْتَعْمِلُ مُحْدِثًا فَهُوَ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ، وَإِنْ كَانَ مُتَوَضِّئًا فَهُوَ طَاهِرٌ وَطَهُورٌ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ (هُمَا) أَيْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ (يَقُولَانِ: إنَّ الطَّهُورَ مَاءٌ يُطَهِّرُ غَيْرَهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كَالْقَطُوعِ) وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ إلَّا إذَا لَمْ يَتَنَجَّسْ بِالِاسْتِعْمَالِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ الْمَحْكِيُّ عَنْ ثَعْلَبٍ، وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ هَذَا إنْ كَانَ لِزِيَادَةِ بَيَانٍ لِنِهَايَتِهِ فِي الطَّهَارَةِ كَانَ سَدِيدًا، وَيُعَضِّدُهُ قَوْله تَعَالَى {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] وَإِلَّا فَلَيْسَ فَعُولٌ مِنْ التَّفْعِيلِ فِي شَيْءٍ، وَإِذَا كَانَ بَيَانًا لِنِهَايَتِهِ فِيهَا لَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى تَطْهِيرِ الْغَيْرِ فَضْلًا عَنْ التَّكْرَارِ فِيهِ. وَقَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّ الْأَعْضَاءَ طَاهِرَةٌ حَقِيقَةً مَعْنَاهُ أَنَّ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ طَاهِرَةٌ حَقِيقَةً نَجِسَةٌ حُكْمًا، فَالْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فِيهَا بِالنَّظَرِ إلَى الْأَوَّلِ طَاهِرٌ، وَبِالنَّظَرِ إلَى الثَّانِي نَجِسٌ، وَالْحُكْمُ عَلَيْهِ بِأَحَدِهِمَا إبْطَالٌ لِلْآخَرِ، وَإِعْمَالُهُمَا وَلَوْ بِوَجْهٍ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِ أَحَدِهِمَا، فَقُلْنَا بِانْتِفَاءِ الطَّهُورِيَّةِ وَبَقَاءِ الطَّهَارَةِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ. وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ أَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى لِعُمُومِ

إنْ كَانَ الْمُسْتَعْمِلُ مُتَوَضِّئًا فَهُوَ طَهُورٌ، وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا فَهُوَ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ لِأَنَّ الْعُضْوَ طَاهِرٌ حَقِيقَةً، وَبِاعْتِبَارِهِ يَكُونُ الْمَاءُ طَاهِرًا لَكِنَّهُ نَجِسٌ حُكْمًا، وَبِاعْتِبَارِهِ يَكُونُ الْمَاءُ نَجِسًا فَقُلْنَا بِانْتِفَاءِ الطَّهُورِيَّةِ وَبَقَاءِ الطَّهَارَةِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ، لِأَنَّ مُلَاقَاةَ الطَّاهِرِ لِلطَّاهِرِ لَا تُوجِبُ التَّنَجُّسَ، إلَّا أَنَّهُ أُقِيمَتْ بِهِ قُرْبَةٌ فَتَغَيَّرَتْ بِهِ صِفَتُهُ كَمَالِ الصَّدَقَةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَلْوَى. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ مُلَاقَاةَ الطَّاهِرِ) وَهُوَ الْمَاءُ (لِلطَّاهِرِ) وَهُوَ الْعُضْوُ الْمَغْسُولُ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ حَقِيقَةً لَا يُوجِبُ التَّنَجُّسَ كَمَا لَوْ غُسِلَ بِهِ ثَوْبٌ طَاهِرٌ (إلَّا أَنَّهُ أُقِيمَتْ بِهِ قُرْبَةٌ) وَلِإِقَامَتِهَا تَأْثِيرٌ فِي تَغْيِيرِ مَا أُقِيمَتْ بِهِ (فَتَغَيَّرَتْ بِهِ) أَيْ بِالِاسْتِعْمَالِ (صِفَةُ الْمَاءِ كَمَالُ الصَّدَقَةِ) الَّذِي أُقِيمَتْ بِهِ قُرْبَةٌ وَقَدْ تَغَيَّرَتْ صِفَتُهُ فَلَمْ يَبْقَ طَيِّبًا، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَادَرُوا إلَى وُضُوئِهِ فَمَسَحُوا بِهِ وُجُوهَهُمْ» ، فَلَوْ كَانَ نَجِسًا لِمَنْعِهِمْ كَمَا مَنَعَ

: هُوَ نَجِسٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ» الْحَدِيثَ، وَلِأَنَّهُ مَاءٌ أُزِيلَتْ بِهِ النَّجَاسَةُ الْحُكْمِيَّةُ فَيُعْتَبَرُ بِمَاءٍ أُزِيلَتْ بِهِ النَّجَاسَةُ الْحَقِيقِيَّةُ، ثُمَّ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ نَجِسٌ نَجَاسَةً غَلِيظَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبَا طَيْبَةَ الْحَجَّامَ عَنْ شُرْبِ دَمِهِ. وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ» الْحَدِيثَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا نَهَى عَنْ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ وَهُوَ الْبَوْلُ فَكَذَلِكَ نَهَى عَنْ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَهُوَ الِاغْتِسَالُ فِيهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الِاغْتِسَالَ فِيهِ كَالْبَوْلِ فِيهِ. وَقَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهُ مَاءٌ) أَيْ وَلِأَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ مَا أُزِيلَ بِهِ أَحَدُ الْمَانِعَيْنِ مِنْ جَوَازِ الصَّلَاةِ وَهُوَ النَّجَسُ الْحُكْمِيُّ فَيَتَنَجَّسُ قِيَاسًا عَلَى مَا أُزِيلَ بِهِ الْمَانِعُ الْآخَرُ مِنْهُ وَهُوَ النَّجَسُ الْحَقِيقِيُّ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْمُتَوَضِّئُ قَبْلَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ مَوْصُوفٌ بِكَوْنِهِ مُحْدِثًا، فَإِذَا اسْتَعْمَلَهُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَتَحَوَّلَ هَذِهِ الصِّفَةُ مِنْهُ إلَى الْمَاءِ أَوْ لَا، وَلَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْأَعْرَاضَ لَا تَقْبَلُ الِانْتِقَالَ مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي، وَحِينَئِذٍ لَا وَجْهَ لِلْحُكْمِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ كَلَامَنَا لَيْسَ فِي الْمُتَوَضِّئِ وَصِفَتِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي أَنَّ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ مُتَّصِفَةٌ بِالنَّجَاسَةِ حُكْمًا وَقَدْ زَالَتْ شَرْعًا بِالْوُضُوءِ الَّذِي أُقِيمَتْ بِهِ قُرْبَةٌ، وَقَدْ أَقَمْنَا الدَّلِيلَ آنِفًا عَلَى أَنَّ لِإِقَامَتِهَا تَأْثِيرًا فِي تَغَيُّرِ مَا أُقِيمَتْ بِهِ فَصَارَ الْمَاءُ بِهِ خَبِيثًا شَرْعًا كَمَالِ الصَّدَقَةِ وَلَا نَعْنِي بِصَيْرُورَةِ الْمَاءِ نَجَسًا إلَّا اتِّصَافُهُ بِالْخُبْثِ شَرْعًا، وَالِانْتِقَالُ عَلَى الْأَعْرَاضِ الْحَقِيقِيَّةِ لَا يَجُوزُ، وَأَمَّا الْأُمُورُ الِاعْتِبَارِيَّةُ الْحُكْمِيَّةُ فَيَجُوزُ أَنْ تُعْتَبَرَ قَائِمَةً بِمَحَلٍّ بَعْدَ قَطْعِ الِاعْتِبَارِ عَنْ قِيَامِهَا بِمَحَلٍّ آخَرَ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْمِلْكَ لِلْبَائِعِ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ حُكْمِيٌّ، وَبَعْدَ أَنْ قَالَ بِعْت وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي انْتَقَلَ الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ إلَيْهِ، وَبَعْدَمَا ثَبَتَتْ نَجَاسَتُهُ اخْتَلَفَتْ

اعْتِبَارًا بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي النَّجَاسَةِ الْحَقِيقَةِ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ عَنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ قَوْلُهُ إنَّهُ نَجِسٌ نَجَاسَةً خَفِيفَةً لِمَكَانِ الِاخْتِلَافِ. قَالَ (وَالْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ هُوَ مَا أُزِيلَ بِهِ حَدَثٌ أَوْ اُسْتُعْمِلَ فِي الْبَدَنِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إلَّا بِإِقَامَةِ الْقُرْبَةِ لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ بِانْتِقَالِ نَجَاسَةِ الْآثَامِ إلَيْهِ وَإِنَّهَا تُزَالُ بِالْقُرَبِ، وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: إسْقَاطُ الْفَرْضِ مُؤَثِّرٌ أَيْضًا فَيَثْبُتُ الْفَسَادُ بِالْأَمْرَيْنِ، وَمَتَى يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالرِّوَايَاتُ فِي غِلَظِهَا وَخِفَّتِهَا، فَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ نَجَسٌ نَجَاسَةً غَلِيظَةً اعْتِبَارًا بِالْمُسْتَعْمَلِ فِي النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ فَتُقَدَّرُ بِالدِّرْهَمِ، وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: (إنَّهُ نَجَسٌ نَجَاسَةً خَفِيفَةً لِمَكَانِ الِاخْتِلَافِ) فَإِنَّ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ يُورِثُ التَّخْفِيفَ كَمَا سَيَجِيءُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَوْلُهُ: (وَالْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ) بَيَانُ الْحَقِيقَةِ وَكَانَ حَقُّهُ التَّقْدِيمَ، وَلَكِنْ قَدَّمَ الْحُكْمَ لِمَا ذُكِرَ آنِفًا؛ وَلِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ بَيَانَ السَّبَبِ فَصَارَ مِنْ الْوَسَائِلِ فَلَمْ يَجِبْ تَقْدِيمُهُ، ثُمَّ سَبَبُ كَوْنِ الْمَاءِ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ هُوَ إزَالَةُ الْحَدَثِ أَوْ قَصْدُ الْقُرْبَةِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ قَصْدُ الْقُرْبَةِ فَقَطْ، وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ إزَالَةُ الْحَدَثِ لَا غَيْرُ، فَلَوْ تَوَضَّأَ مُحْدِثٌ بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا بِالْإِجْمَاعِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ زُفَرَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ لِعَدَمِ قَصْدِ الْقُرْبَةِ، وَكَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِعَدَمِ إزَالَةِ الْحَدَثِ عِنْدَهُ بِلَا نِيَّةٍ، وَلَوْ تَوَضَّأَ الْمُتَوَضِّئُ بِقَصْدِ الْقُرْبَةِ صَارَ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَ الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَالشَّافِعِيُّ اسْتَدَلَّ لِمُحَمَّدٍ بِقَوْلِهِ (؛ لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ بِانْتِقَالِ نَجَاسَةِ الْآثَامِ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ، وَانْتِقَالُهَا بِإِزَالَتِهَا عَنْ مَحَلِّهَا وَإِزَالَتُهَا بِالْقُرَبِ كَمَا فِي مَالِ الصَّدَقَةِ، وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ إسْقَاطُ الْفَرْضِ مُؤَثِّرٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ عِنْدَهُمَا إنَّمَا يَكُونُ بِزَوَالِ نَجَاسَةٍ حُكْمِيَّةٍ عَنْ الْمَحَلِّ وَانْتِقَالُهَا إلَى الْمَاءِ، وَقَدْ انْتَقَلَتْ إلَى الْمَاءِ فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ اعْتِبَارِهَا بِالنَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ فَيَثْبُتُ فَسَادُ الْمَاءِ بِالْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا. وَقَوْلُهُ: (وَمَتَى يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا) بَيَانٌ لِوَقْتِ أَخْذِهِ حُكْمَ الِاسْتِعْمَالِ. وَقَدْ اتَّفَقَ عُلَمَاؤُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - عَلَى أَنَّ الْمَاءَ مَا دَامَ مُتَرَدِّدًا فِي الْعُضْوِ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ، فَإِذَا زَايَلَ الْعُضْوَ وَلَمْ يَسْتَقِرَّ

الصَّحِيحُ أَنَّهُ كَمَا زَايَلَ الْعُضْوَ صَارَ مُسْتَعْمَلًا، لِأَنَّ سُقُوطَ حُكْمِ الِاسْتِعْمَالِ قَبْلَ الِانْفِصَالِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ بَعْدَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي مَكَان أَوْ إنَاءٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَبَعْضُ مَشَايِخِ بَلْخِي وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّحَاوِيِّ إنَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا. وَذَهَبَ أَصْحَابُنَا إلَى أَنَّهُ كَمَا زَايَلَ الْعُضْوَ صَارَ مُسْتَعْمَلًا حَتَّى لَوْ أَصَابَ ثَوْبَهُ تَنَجَّسَ وَقَالُوا: إنَّ مَنْ نَسِيَ مَسْحَ رَأْسِهِ فَأَخَذَ مِنْ لِحْيَتِهِ مَاءً وَمَسَحَ بِهِ رَأْسَهُ لَا يَجُوزُ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ (الصَّحِيحُ أَنَّهُ كَمَا زَايَلَ الْعُضْوَ) وَالْكَافُ هَذِهِ تُسَمَّى كَافُ الْمُفَاجَأَةِ كَمَا تَقُولُ كُلَّمَا خَرَجْت مِنْ الْبَيْتِ رَأَيْت زَيْدًا: أَيْ فَاجَأَتْ رُؤْيَةَ زَيْدٍ، وَمَعْنَاهُ يَصِيرُ الْمَاءُ مُفَاجِئًا وَقْتَ زَوَالِهِ عَنْ الْعُضْوِ وَقْتَ الِاسْتِعْمَالِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ إلَى وَقْتِ الِاسْتِقْرَارِ فِي مَكَان وَهُوَ إسْنَادُ الْفِعْلِ إلَى الزَّمَانِ فَيَكُونُ مَجَازًا عَقْلِيًّا. وَقَوْلُهُ: (؛ لِأَنَّ سُقُوطَ حُكْمِ الِاسْتِعْمَالِ) ظَاهِرٌ. وَأَوْرَدَ بِأَنَّ فِيهِ حَرَجًا فَكَانَ ضَرُورَةً، وَقِيلَ فِي جَوَابِهِ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ سَقَطَ فِي الْمِنْدِيلِ وَالثِّيَابِ لِلْحَرَجِ وَهُوَ مُنَاقِضٌ لِأَصْلِ الْمَذْهَبِ وَلَعَلَّ الْمُخَلِّصَ أَنْ يُقَالَ بِثُبُوتِ حُكْمِ الِاسْتِعْمَالِ عِنْدَ الْمُزَايَلَةِ عَنْ الْعُضْوِ فِي الْجَمِيعِ، وَلَا حَرَجَ فِيهِ إذْ الْمُخْتَارُ مِنْ

وَالْجُنُبُ إذَا انْغَمَسَ فِي الْبِئْرِ لِطَلَبِ الدَّلْوِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الرَّجُلُ بِحَالِهِ لِعَدَمِ الصَّبِّ وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَهُ لِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ وَالْمَاءُ بِحَالِهِ لِعَدَمِ الْأَمْرَيْنِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كِلَاهُمَا طَاهِرَانِ: الرَّجُلُ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الصَّبِّ، وَالْمَاءُ لِعَدَمِ نِيَّةِ الْقُرْبَةِ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كِلَاهُمَا نَجِسَانِ: الْمَاءُ لِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ عَنْ الْبَعْضِ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ وَالرَّجُلُ لِبَقَاءِ الْحَدَثِ فِي بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَقْوَالِ لِلْفَتْوَى أَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ. قَالَ (وَالْجُنُبُ إذَا انْغَمَسَ فِي الْبِئْرِ) جُنُبٌ لَيْسَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ انْغَمَسَ لِطَلَبِ الدَّلْوِ لَمْ يَطْهُرْ وَلَمْ يَنْجَسْ الْمَاءُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَطَهُرَ الرَّجُلُ وَلَمْ يَنْجَسْ الْمَاءُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَلَمْ يَطْهُرْ وَنَجِسَ الْمَاءُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ (لِطَلَبِ الدَّلْوِ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْغَمَسَ فِي الْبِئْرِ لِلِاغْتِسَالِ لِلصَّلَاةِ فَسَدَ الْمَاءُ عِنْدَ الْكُلِّ. لِأَبِي يُوسُفَ فِي بَقَاءِ الرَّجُلِ نَجِسًا أَنَّ الصَّبَّ عِنْدَهُ شَرْطٌ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي التَّطْهِيرَ بِالْغُسْلِ لِتَنَجُّسِ الْمَاءِ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ، وَإِنَّمَا حَصَلَ ضَرُورَةَ خُرُوجِ الْمُكَلَّفِ عَنْ الْأَمْرِ بِالتَّطْهِيرِ، وَالْمَاءُ الْجَارِي أَقْرَبُ إلَى ذَلِكَ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِهِ وَالصَّبُّ بِمَنْزِلَتِهِ فَيُشْتَرَطُ تَحْصِيلًا لِلْمَأْمُورِ بِهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَهَذَا الشَّرْطُ لَمْ يُوجَدْ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، وَانْتِفَاؤُهُ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْمَشْرُوطِ، وَفِي بَقَاءِ الْمَاءِ طَاهِرًا أَنَّ سَبَبَ اسْتِعْمَالِهِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ إسْقَاطُ الْفَرْضِ، وَنِيَّةُ الْقُرْبَةِ كَمَا تَقَدَّمَ لَا سَبَبَ لَهُ غَيْرُهُمَا، وَقَدْ انْتَفَيَا جَمِيعًا فَيَنْتَفِي الْحُكْمُ. فَإِنْ قِيلَ انْتِفَاءُ إسْقَاطِ الْفَرْضِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عِنْدَهُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَقَدْ سَقَطَ فَيَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا لِكَوْنِهِ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ أُجِيبَ بِأَنَّهُ تَرَكَ أَصْلَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ضَرُورَةَ الْحَاجَةِ إلَى طَلَبِ الدَّلْوِ، فَلَوْ سَقَطَ الْفَرْضُ تَنَجَّسَ الْمَاءُ وَفَسَدَ الْبِئْرُ وَفِيهِ ضَرَرٌ لَا يَخْفَى. وَلِمُحَمَّدٍ فِي طَهَارَةِ الرَّجُلِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الصَّبِّ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ شَرْطًا لَا يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاؤُهُ انْتِفَاءَ الْحُكْمِ، وَفِي طَهَارَةِ الْمَاءِ عَدَمُ نِيَّةِ التَّقَرُّبِ، فَإِنَّ السَّبَبَ عِنْدَهُ لَيْسَ إلَّا إقَامَةَ الْقُرْبَةِ بِالنِّيَّةِ وَلَمْ تُوجَدْ، وَكَانَ هَذَا السَّبَبُ مُتَعَيِّنًا كَالسَّبَبِ فِي وَلَدِ الْغَصْبِ فَيَنْتَفِي الْحُكْمُ بِانْتِفَائِهِ.

وَقِيلَ عِنْدَهُ نَجَاسَةُ الرَّجُلِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ. وَعَنْهُ أَنَّ الرَّجُلَ طَاهِرٌ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ قَبْلَ الِانْفِصَالِ، وَهُوَ أَوْفَقُ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ. قَالَ (وَكُلُّ إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ وَجَازَتْ الصَّلَاةُ فِيهِ وَالْوُضُوءُ مِنْهُ إلَّا جِلْدَ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» وَهُوَ بِعُمُومِهِ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي جِلْدِ الْمَيْتَةِ، وَلَا يُعَارَضُ بِالنَّهْيِ الْوَارِدِ عَنْ الِانْتِفَاعِ مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِغَيْرِ الْمَدْبُوغِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِأَبِي حَنِيفَةَ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ إسْقَاطُ الْفَرْضِ عَنْ الْبَعْضِ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ، فَإِنَّ الْمَاءَ يَصِيرُ بِهِ مُسْتَعْمَلًا وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ النِّيَّةُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِسُقُوطِ الْفَرْضِ وَفِي بَقَاءِ الرَّجُلِ نَجِسًا لِبَقَاءِ الْحَدَثِ فِي بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ (وَقِيلَ عِنْدَهُ نَجَاسَةُ الرَّجُلِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ) ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَمَّا لَمْ تُشْتَرَطْ لِسُقُوطِ الْفَرْضِ عِنْدَهُ سَقَطَ الْفَرْضُ بِالِانْغِمَاسِ وَصَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا وَالرَّجُلُ مُتَلَبِّسٌ بِهِ فَيَتَنَجَّسُ بِنَجَاسَتِهِ (وَعَنْهُ أَنَّ الرَّجُلَ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ قَبْلَ الِانْفِصَالِ وَهُوَ أَوْفَقُ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ) لِكَوْنِهِ أَكْثَرَ مُنَاسَبَةً لِأَصْلِهِ، فَعَلَى أَوَّلِ أَقْوَالِهِ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ وَلَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، وَعَلَى الثَّانِي تَجُوزُ لَهُ الْقِرَاءَةُ دُونَ الصَّلَاةِ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَعَلَى الثَّالِثِ يَجُوزُ كِلَاهُمَا، وَإِنَّمَا قُدِّمَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَلَمْ يُوَسِّطْهُ كَمَا هُوَ حَقُّهُ لِزِيَادَةِ احْتِيَاجِهِ إلَى الْبَيَانِ بِسَبَبِ تَرْكِهِ أَصْلَهُ كَمَا بَيَّنَّا. قَالَ (وَكُلُّ إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ) يَتَعَلَّقُ بِدِبَاغِ الْإِهَابِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: طَهَارَتُهُ، وَهِيَ تَتَعَلَّقُ بِكِتَابِ الصَّيْدِ وَالصَّلَاةِ فِيهِ وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِكِتَابِ الصَّلَاةِ: وَالْوُضُوءُ مِنْهُ بِأَنْ يُجْعَلَ قُرْبَةً وَبِهِ يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْبَابِ، وَإِنَّمَا قَالَ وَالصَّلَاةُ فِيهِ بِأَنْ يُجْعَلَ ثَوْبًا وَلَمْ يَقُلْ عَلَيْهِ بِأَنْ يَجْعَلَ مُصَلَّى وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ. فِيهِمَا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الْبَيَانَ فِي الثَّوْبِ بَيَانٌ فِي الْمُصَلَّى لِزِيَادَةِ الِاشْتِمَالِ؛ وَلِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] وَطَهَارَةُ الْمَكَانِ مُلْحَقَةٌ بِهِ بِالدَّلَالَةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْحُكْمَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ وَإِنْ كَانَ يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ الْأَوَّلِ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ مَالِكٍ فَإِنَّهُ يَقُولُ: يَطْهُرُ ظَاهِرُهُ دُونَ بَاطِنِهِ فَيُصَلَّى عَلَيْهِ لَا فِيهِ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْخِنْزِيرَ عَلَى الْآدَمِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ إهَانَةٍ لِكَوْنِهِ فِي بَيَانِ النَّجَاسَةِ وَتَأْخِيرِ الْآدَمِيِّ فِي ذَلِكَ أَوْلَى، وَاسْتَدَلَّ عَلَى الطَّهَارَةِ دُونَ الْآخَرَيْنِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَهُمَا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» (وَهُوَ بِعُمُومِهِ) لِكَوْنِهِ نَكِرَةً اتَّصَفَتْ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ (حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ فِي جِلْدِ الْمَيْتَةِ) فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَا يَطْهُرُ لَكِنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ فِي الْجَامِدِ مِنْ الْأَشْيَاءِ دُونَ الْمَانِعِ فَيُعْمَلُ جِرَابًا

وَحُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي جِلْدِ الْكَلْبِ وَلَيْسَ الْكَلْبُ بِنَجِسِ الْعَيْنِ، أَلَا يَرَى أَنَّهُ يُنْتَفَعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْحُبُوبِ دُونَ السَّمْنِ وَالْخَلِّ وَغَيْرِهِمَا. فَإِنْ قِيلَ: جِلْدُ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ خَارِجٌ عَنْ عُمُومِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ مِنْهُ جِلْدُ الْمَيْتَةِ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ أَوْ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ» أُجِيبَ بِأَنَّهُ قِيَاسٌ فِيهِ إبْطَالُ النَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ» الْحَدِيثَ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْجِلْدَ الطَّاهِرَ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ، وَجِلْدُ الْآدَمِيِّ وَالْخِنْزِيرِ خَارِجَانِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ، وَلَوْ خَرَجَ جِلْدُ الْمَيْتَةِ أَيْضًا لَزِمَ إبْطَالُ النَّصِّ بِالْقِيَاسِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ وَالنَّهْيُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِالْإِهَابِ وَهُوَ اسْمٌ لِجِلْدٍ غَيْرِ مَدْبُوغٍ كَذَا قَالَ الْخَلِيلُ وَالْأَصْمَعِيُّ، وَلَيْسَ ذَلِكَ دَاخِلًا فِي عُمُومِ قَوْلِهِ «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ» لِيَجُوزَ تَخْصِيصُهُ فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا لِاخْتِلَافِ الْمَحَلِّ. قَوْلُهُ: (وَحُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ بِعَدَمِ طَهَارَةِ جِلْدِ الْكَلْبِ بِالدِّبَاغِ، وَتَخْصِيصُ الْكَلْبِ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَ فِي الْأَسْرَارِ، وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ لَا يَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ قِيَاسًا عَلَى جِلْدِ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ، وَعَلَى هَذَا لَا فَائِدَةَ فِي تَخْصِيصِهِ. وَقَوْلُهُ: (وَلَيْسَ الْكَلْبُ بِنَجِسِ الْعَيْنِ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ الشَّافِعِيِّ الْكَلْبَ عَلَى الْخِنْزِيرِ وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْكِتَابِ. وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي كَوْنِ الْكَلْبِ نَجِسَ الْعَيْنِ، فَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي مَبْسُوطِهِ: وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ عِنْدَنَا أَنَّ عَيْنَ الْكَلْبِ نَجِسٌ، إلَيْهِ يُشِيرُ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ فِي قَوْلِهِ: وَلَيْسَ الْمَيِّتُ بِأَنْجَسَ مِنْ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ. قِيلَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ حِرَاسَةً وَاصْطِيَادًا وَلَيْسَ نَجِسَ الْعَيْنِ كَذَلِكَ، وَلَا يُشْكِلُ بِالسِّرْقِينِ فَإِنَّهُ نَجِسٌ لَا مَحَالَةَ وَيُنْتَفَعُ بِهِ إيفَادًا وَغَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِالْإِهْلَاكِ، وَهُوَ جَائِزٌ كَالدُّنُوِّ مِنْ الْخَمْرِ لِلْإِرَاقَةِ، وَهُوَ مُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ.

بِهِ حِرَاسَةً وَاصْطِيَادًا، بِخِلَافِ الْخِنْزِيرِ لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ، إذْ الْهَاءُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] مُنْصَرِفٌ إلَيْهِ لِقُرْبِهِ وَحُرْمَةُ الِانْتِفَاعِ بِأَجْزَاءِ الْآدَمِيِّ لِكَرَامَتِهِ فَخَرَجَا عَمَّا رَوَيْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْخِنْزِيرِ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ إلَّا جِلْدَ الْخِنْزِيرِ (؛ لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ، إذْ الْهَاءُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] عَائِدٌ إلَيْهِ لِقُرْبِهِ) فَإِنْ قِيلَ الْمَقْصُودُ بِالذِّكْرِ فِي الْكَلَامِ هُوَ الْمُضَافُ فَيَجِبُ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ الضَّمِيرُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُضَافَ إلَيْهِ قَدْ يَكُونُ مَقْصُودًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ مَثَلًا رَأَيْت ابْنَ زَيْدٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ وَحَرَّضْته عَلَى الِاشْتِغَالِ فَيَكُونُ الضَّمِيرُ رَاجِعًا إلَى الْمُضَافِ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فَأَخْبَرْته بِأَنَّ ابْنَك هَذَا فَاضِلٌ فَيَكُونُ رَاجِعًا إلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} [الرعد: 25] فَإِنَّ الضَّمِيرَ يَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى كُلٍّ مِنْ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ وَرُجُوعُهُ إلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ أَوْلَى لِكَوْنِهِ أَشْمَلَ لِلْإِجْزَاءِ وَأَحْوَطَ فِي الْعَمَلِ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ إنْ رَجَعَ إلَى اللَّحْمِ لَمْ يَحْرُمْ غَيْرُهُ، وَإِنْ رَجَعَ إلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ حَرُمَ، فَغَيْرُ اللَّحْمِ دَائِرٌ بَيْنَ أَنْ يَحْرُمَ وَأَلَّا يَحْرُمَ فَيَحْرُمُ احْتِيَاطًا وَذَلِكَ بِرُجُوعِ الضَّمِيرِ إلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: (وَحُرْمَةُ الِانْتِفَاعِ بِأَجْزَاءِ الْآدَمِيِّ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَالْآدَمِيُّ، وَمَعْنَى كَلَامِهِ بِخِلَافِ جِلْدِ الْخِنْزِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالدَّبْغِ لِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ وَجِلْدُ الْآدَمِيِّ (لِكَرَامَتِهِ) لِئَلَّا يَتَجَاسَرَ النَّاسُ عَلَى مَنْ كَرَّمَهُ اللَّهُ بِابْتِذَالِ أَجْزَائِهِ. (فَخَرَجَا عَمَّا رَوَيْنَا) يَعْنِي مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ» الْحَدِيثَ، فَإِنْ قُلْت: مَا وَجْهُ خُرُوجِهِمَا عَنْ الْمَرْوِيِّ، هَلْ هُوَ تَخْصِيصٌ فَيَحْتَاجُ إلَى مُخَصِّصٍ مُقَارِنٍ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْهَبُ، أَمْ نَسْخٌ فَيَحْتَاجُ إلَى نَاسِخٍ مُتَأَخِّرٍ؟ قُلْت: عَدَمُ طَهَارَتِهِمَا ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ، فَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْحَدِيثِ فَهُوَ نَاسِخٌ لَا مَحَالَةَ، وَإِنْ كَانَ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ مَنَعَ التَّنَاوُلَ لِتَقَرُّرِهِ فِي الشَّرْعِ، وَخَبَرُ الْوَاحِدِ لَا يُعَارِضُهُ فَضْلًا أَنْ يَنْسَخَهُ، وَإِنْ كَانَ مُقَارِنًا

ثُمَّ مَا يَمْنَعُ النَّتْنَ وَالْفَسَادَ فَهُوَ دِبَاغٌ وَإِنْ كَانَ تَشْمِيسًا أَوْ تَتْرِيبًا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِهِ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ غَيْرِهِ ، ثُمَّ مَا يَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالدَّبَّاغِ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ لِأَنَّهَا تَعْمَلُ عَمَلَ الدَّبَّاغِ فِي إزَالَةِ الرُّطُوبَةِ النَّجِسَةِ، وَكَذَلِكَ يَطْهُرُ لَحْمُهُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْكُولًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQصَارَ مُتَخَصِّصًا، وَالْخُرُوجُ عَنْ حُكْمِ الْحَدِيثِ ثَابِتٌ فِي الْجَمِيعِ فَعَبَّرَ بِقَوْلِهِ فَخَرَجَا. وَقَوْلُهُ: (ثُمَّ مَا يَمْنَعُ النَّتْنَ وَالْفَسَادَ) بَيَانٌ لِمَا يُدْبَغُ بِهِ ذَكَرَهُ اسْتِطْرَادًا بَعْدَ ذِكْرِ الدِّبَاغَةِ. قَالَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْآثَارِ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ يَمْنَعُ الْجِلْدَ مِنْ الْفَسَادِ (فَهُوَ دِبَاغٌ) فَيَتَنَاوَلُ التَّشْمِيسَ وَالتَّتْرِيبَ (لِأَنَّ الْمَقْصُودَ) وَهُوَ مَنْعُ الْفَسَادِ بِإِزَالَةِ الرُّطُوبَاتِ النَّجِسَةِ (يَحْصُلُ بِذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ غَيْرِهِ) مِنْ قَرَظٍ أَوْ عَفْصٍ أَوْ شَثٍّ أَوْ نَحْوِهَا كَمَا شَرَطَهُ الشَّافِعِيُّ. (ثُمَّ مَا يَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغِ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ) يَعْنِي الذَّكَاةَ الْحَاصِلَةَ مِنْ الْأَهْلِ بِالتَّسْمِيَةِ، فَإِنَّ ذَكَاةَ الْمَجُوسِيِّ لَيْسَتْ مُطَهِّرَةً، وَذَكَرَ الضَّمِيرَ فِي (لِأَنَّهُ) لِأَنَّ الذَّكَاةَ بِمَعْنَى الذَّبْحِ، وَإِنَّمَا (تَعْمَلُ عَمَلَ الدِّبَاغِ فِي إزَالَةِ الرُّطُوبَاتِ النَّجِسَةِ) ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ اتِّصَالِهَا بِهِ، وَالدِّبَاغُ مُزِيلٌ بَعْدَ الِاتِّصَالِ، وَلَمَّا كَانَ الدِّبَاغُ بَعْدَ الِاتِّصَالِ مُزِيلًا وَمُطَهِّرًا كَانَتْ الذَّكَاةُ الْمَانِعَةُ مِنْ الِاتِّصَالِ أَوْلَى أَنْ تَكُونَ مُطَهِّرَةً. وَقَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ يَطْهُرُ لَحْمُهُ) أَيْ لَحْمُ مَا ذُبِحَ حَتَّى إذَا صَلَّى وَمَعَهُ مِنْ لَحْمِ الثَّعْلَبِ الْمَذْبُوحِ أَوْ نَحْوِهِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ جَازَتْ صَلَاتُهُ. وَقَوْلُهُ: (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا قَالَ فِي الْأَسْرَارِ وَغَيْرِهِ إنَّهُ نَجَسٌ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ فِيمَا يَصْلُحُ لِلْأَكْلِ لَا لِكَرَامَتِهِ دَلِيلُ النَّجَاسَةِ وَلَزِمَهُمْ طَهَارَةُ الْجِلْدِ مَعَ اتِّصَالِ اللَّحْمِ بِهِ. وَأَجَابُوا بِأَنَّ بَيْنَ اللَّحْمِ وَالْجِلْدِ جِلْدَةٌ رَقِيقَةٌ تَمْنَعُ مُمَاسَّةَ اللَّحْمِ الْجَلْدَ الْغَلِيظَ فَلَا يَنْجُسُ، وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَحَّحَهُ هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ الْكَرْخِيِّ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ التُّحْفَةِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجِلْدَ يَطْهُرُ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا وَاللَّحْمُ مُتَّصِلٌ بِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ نَجِسًا، وَمُلَاقَاةُ النَّجِسِ الطَّاهِرَ مُنَجِّسَةٌ فَكَيْفَ بِالِاتِّصَالِ الَّذِي لَا يَزُولُ

قَالَ (وَشَعْرُ الْمَيْتَةِ وَعَظْمُهَا طَاهِرٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نَجِسٌ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَيْتَةِ، وَلَنَا أَنَّهُ لَا حَيَاةَ فِيهِمَا وَلِهَذَا لَا يَتَأَلَّمُ بِقَطْعِهِمَا فَلَا يَحُلُّهُمَا الْمَوْتُ، إذْ الْمَوْتُ زَوَالُ الْحَيَاةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا بِالسِّكِّينِ، وَمَا قِيلَ مِنْ الْجِلْدَةِ الرَّقِيقَةِ مُتَوَهَّمٌ، وَعَلَى تَقْدِيرِ تَحَقُّقِهِ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ طَاهِرَةً أَوْ نَجِسَةً، وَلَا يُحَسُّ عِنْدَ السَّلْخِ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ أَمْرٌ ثَالِثٌ لَا مَحَالَةَ، فَهِيَ إمَّا مُتَّصِلَةٌ بِاللَّحْمِ أَوْ الْجِلْدِ، فَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِاللَّحْمِ فَلَيْسَ يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ طَاهِرَةً، وَاللَّحْمُ نَجِسٌ فَتَكُونُ نَجِسَةً، وَالْجِلْدُ الْغَلِيظُ مُتَّصِلٌ بِهِ أَيْضًا فَلَا يَكُونُ طَاهِرًا لَكِنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ طَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِالْجِلْدِ فَلَيْسَ يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ نَجِسَةً وَالْجِلْدُ طَاهِرٌ فَتَكُونُ طَاهِرَةً، وَاللَّحْمُ مُتَّصِلٌ بِهِ أَيْضًا فَكَيْفَ تَكُونُ نَجِسًا، وَذَلِكَ وَاضِحٌ لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي حَمَلَ الْمُصَنِّفَ عَلَى تَصْحِيحِ رِوَايَةِ طَهَارَةِ اللَّحْمِ. وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ إنَّ الْحُرْمَةَ فِيمَا يَصْلُحُ لِلْأَكْلِ لَا لِلْكَرَامَةِ دَلِيلُ النَّجَاسَةِ أَنَّهُ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنَّ عِلَّةَ النَّجَاسَةِ هُوَ اخْتِلَاطُ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ بِأَجْزَائِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهِيَ عِلَّةٌ مُتَعَيِّنَةٌ قَدْ انْتَفَتْ هَاهُنَا بِالذَّبْحِ فَتَنْتَفِي النَّجَاسَةُ كَمَا قُلْنَا فِي وَلَدِ الْمَغْصُوبِ. وَقَوْلُهُ: (وَشَعْرُ الْمَيْتَةِ وَعَظْمُهَا) وَعَصَبُهَا (طَاهِرٌ) ذَكَرَهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ هَلْ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ أَوْ لَا؟ عِنْدَنَا يَجُوزُ بِهِ الْوُضُوءُ لِكَوْنِهَا طَاهِرَةً. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ نَجِسٌ (؛ لِأَنَّهُ) أَيْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (مِنْ أَجْزَاءِ الْمَيِّتِ) وَالْمَيِّتُ نَجِسٌ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ. قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَيِّتِ نَجِسٌ، بَلْ النَّجِسُ مِنْهُ مَا كَانَ فِيهِ حَيَاةٌ زَالَتْ بِالْمَوْتِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَا حَيَاةَ فِيهَا حَتَّى لَا يَتَأَلَّمَ بِقَطْعِهَا الْحَيَوَانُ، فَإِنَّ قَطْعَ قَرْنِ الْبَقَرَةِ لَا يُؤْلِمُهَا وَجَزُّ صُوفِ الْغَنَمِ كَذَلِكَ فَلَا يُحِلُّهَا الْمَوْتُ إذْ الْمَوْتُ زَوَالُ الْحَيَاةِ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ بَيْنَ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ تَقَابُلُ الْعَدَمِ وَالْمَلَكَةِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ: هُمَا صِفَتَانِ وُجُودِيَّتَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} [الملك: 2]

(وَشَعْرُ الْإِنْسَانِ وَعَظْمُهُ طَاهِرٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: نَجِسٌ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَلَنَا أَنَّ عَدَمَ الِانْتِفَاعِ وَالْبَيْعِ لِكَرَامَتِهِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمَخْلُوقُ لَا يَكُونُ عَدَمًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَلْقِ التَّقْدِيرُ وَالْعَدَمُ مُقَدَّرٌ. لَا يُقَالُ: مَا ذُكِرَ تَمَّ مِنْ الدَّلِيلِ اسْتِدْلَالٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس: 78] وَلَا خَفَاءَ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى أَنَّ فِي الْعَظْمِ حَيَاةً؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَنْ يُحْيِي صَاحِبَ الْعِظَامِ. (وَشَعْرُ الْإِنْسَانِ وَعَظْمُهُ طَاهِرٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نَجِسٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ) مَعَ إمْكَانِ الِانْتِفَاعِ بِهِ فَكَانَ نَجِسًا (وَلَنَا أَنَّ حُرْمَةَ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَالْبَيْعِ لِكَرَامَتِهِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهِ) وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَقَ شَعْرَهُ وَقَسَّمَهُ بَيْنَ أَصْحَابِهِ» وَذَلِكَ دَلِيلُ طَهَارَتِهِ. .

[فصل في البئر]

(فَصْلٌ فِي الْبِئْرِ) (وَإِذَا وَقَعَتْ فِي الْبِئْرِ نَجَاسَةٌ نُزِحَتْ وَكَانَ نَزْحُ مَا فِيهَا مِنْ الْمَاءِ طَهَارَةً لَهَا) بِإِجْمَاعِ السَّلَفِ، وَمَسَائِلُ الْآبَارِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى اتِّبَاعِ الْآثَارِ دُونَ الْقِيَاسِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الْبِئْرِ] لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ الْمَاءِ الْقَلِيلِ بِأَنَّهُ يَتَنَجَّسُ كُلُّهُ عِنْدَ وُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ حَتَّى يُرَاقَ كُلُّهُ وَرَدَ عَلَيْهِ مَاءُ الْبِئْرِ نَقْضًا فِي أَنَّهُ لَا يُنْزَحُ كُلُّهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَذَكَرَ مَاءَ الْبِئْرِ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ بَيَانًا لِوَجْهِ الْمُخَالَفَةِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا وَقَعَتْ فِي الْبِئْرِ نَجَاسَةٌ نُزِحَتْ) قِيلَ نُزِحَتْ الْبِئْرُ: أَيْ مَاؤُهَا بِحَذْفِ الْمُضَافِ لِعَدَمِ الْإِلْبَاسِ لِمَا أَنَّ نَزْحَ عَيْنِ الْبِئْرِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَبِنَزْحِ النَّجَاسَةِ لَا يَتِمُّ جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ فَتَعَيَّنَ مَا قُلْنَاهُ، وَالتَّأْنِيثُ بِاعْتِبَارِ الْإِسْنَادِ الظَّاهِرِيِّ؛ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ (وَكَانَ نَزْحُ مَا فِيهَا مِنْ الْمَاءِ طَهَارَةً لَهَا) دَلِيلٌ عَلَى مَا قُلْنَا، فَكَانَ هَذَا مِنْ قَبِيلِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ كَقَوْلِهِمْ جَرَى النَّهْرُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ لِإِخْرَاجِ النَّجَاسَةِ ذِكْرٌ وَلَا تَطْهُرُ الْبِئْرُ إلَّا بِإِخْرَاجِهَا، وَعَنْ هَذَا ذَهَبَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ إلَى أَنَّ ضَمِيرَ نُزِحَتْ لِلنَّجَاسَةِ، وَجَوَابُ " إذَا " هُوَ الْمَجْمُوعُ مِنْ قَوْلِهِ نُزِحَتْ إلَى قَوْلِهِ طَهَارَةً لَهَا، وَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ نُزِحَتْ النَّجَاسَةُ، وَكَانَ نَزْحُ مَا فِيهَا مِنْ الْمَاءِ طَهَارَةً لَهَا. وَأَقُولُ: التَّرْكِيبُ الْجَزْلُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَنْ يُقَالَ نُزِحَتْ النَّجَاسَةُ وَالْمَاءُ وَكَانَ نَزْحُ مَا فِيهَا إلَخْ، وَلَوْ جَعَلْنَا نُزِحَتْ فِي الْحَقِيقَةِ مُسْنَدٌ إلَى مَا حَتَّى يَعُودَ الْمَعْنَى نُزِحَتْ مَا فِي الْبِئْرِ لِيَتَنَاوَلَ النَّجَاسَةَ وَالْمَاءَ جَمِيعًا، وَكَانَ مِنْ بَابِ جَرَى النَّهْرُ انْدَفَعَ ذَلِكَ كُلُّهُ. وَقَوْلُهُ: وَكَانَ نَزْحُ مَا فِيهَا مِنْ الْمَاءِ طَهَارَةً لَهَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَطْهُرُ بِمُجَرَّدِ النَّزْحِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى غَسْلِ الْأَحْجَارِ وَنَقْلِ الْأَوْحَالِ، وَالْمُرَادُ بِالسَّلَفِ الصَّحَابَةُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ (وَمَسَائِلُ الْآبَارِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى اتِّبَاعِ الْآثَارِ دُونَ الْقِيَاسِ) ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ

(فَإِنْ وَقَعَتْ فِيهَا بَعْرَةٌ أَوْ بَعْرَتَانِ مِنْ بَعْرِ الْإِبِلِ أَوْ الْغَنَمِ لَمْ تُفْسِدْ الْمَاءَ) اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ تُفْسِدَهُ لِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ آبَارَ الْفَلَوَاتِ لَيْسَتْ لَهَا رُءُوسٌ حَاجِزَةٌ وَالْمَوَاشِي تَبْعَرُ حَوْلَهَا فَتُلْقِيهَا الرِّيحُ فِيهَا فَجَعَلَ الْقَلِيلَ عَفْوًا لِلضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْكَثِيرِ، وَهُوَ مَا يَسْتَكْثِرُهُ النَّاظِرُ إلَيْهِ فِي الْمُرَوِّي عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ وَالصَّحِيحِ وَالْمُنْكَسِرِ وَالرَّوْثِ وَالْخِثْيِ وَالْبَعْرِ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQتُطَمَّ الْبِئْرُ كُلُّهَا طَمًّا لِتَنَجُّسِ الْأَوْحَالِ وَالْجُدْرَانِ، وَإِمَّا أَلَّا تَنْجُسَ أَبَدًا إذْ الْمَاءُ يَنْبُعُ مِنْ أَسْفَلِهِ فَكَانَ كَالْمَاءِ الْجَارِي. قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اتَّفَقَ رَأْيِي وَرَأْيِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَاءَ الْبِئْرِ فِي حُكْمِ الْمَاءِ الْجَارِي، إلَّا أَنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ وَاتَّبَعْنَا الْآثَارَ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ وَقَعَتْ) إشَارَةٌ إلَى مَا يَجِبُ نَزْحُهُ مِنْ الْمَاءِ بِحَسَبِ مَا يَقَعُ فِيهَا مِنْ النَّجَاسَةِ. وَقَوْلُهُ: (وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ) هُوَ أَحَدُ وَجْهَيْ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ الضَّرُورَةُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ، وَلَا فَرْقَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بَيْنَ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ وَالصَّحِيحِ وَالْمُنْكَسِرِ وَرَوْثِ الْفَرَسِ وَالْحِمَارِ وَالْفَلَوَاتِ، فَإِنَّ آبَارَ الْأَمْصَارِ وَخَثَى الْبَقَرِ وَالْجَامُوسِ وَبَعْرَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ لِشُمُولِهَا الضَّرُورَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْكِتَابِ، لَكِنْ يُفَرَّقُ بَيْنَ آبَارِ الْأَمْصَارِ وَالْفَلَوَاتِ فَإِنَّ آبَارَ الْأَمْصَارِ لَهَا رُءُوسٌ حَاجِزَةٌ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنَّ الْبَعْرَةَ شَيْءٌ صُلْبٌ وَعَلَى ظَاهِرِهَا رُطُوبَةُ الْأَمْعَاءِ لَا يَتَدَاخَلُ الْمَاءُ فِي أَجْزَائِهَا، وَعَلَى هَذَا لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ آبَارِ الْأَمْصَارِ وَالْفَلَوَاتِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْمُنْكَسِرِ، فَإِنَّ الْمُنْكَسِرَ تَتَدَاخَلُهُ أَجْزَاءُ النَّجَاسَةِ فَتُفْسِدُهُ، وَكَذَا الْبَعْرُ وَالرَّوْثُ وَالْخَثَى؛ لِأَنَّ الرَّوْثَ وَالْخَثَى لَا صَلَابَةَ لَهُمَا فَيَتَدَاخَلُ الْمَاءُ فِي أَجْزَائِهِمَا فَيَنْجَسُ الْمَاءُ. وَإِذَا عَرَفَتْ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ اخْتِلَافَ أَقْوَالِ الْمَشَايِخِ فِي جَعْلِ الْكُلِّ غَيْرَ مُفْسِدٍ وَجَعْلِ بَعْضِهِ مُفْسِدًا دُونَ بَعْضٍ مَرْجِعُهُ إلَى وَجْهَيْ الِاسْتِحْسَانِ. وَقَوْلُهُ: (وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْكَثِيرِ) هُوَ أَيْضًا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي فَيَقْتَضِي عَدَمَ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ؛ لِأَنَّ الصَّلَابَةَ وَالْإِمْسَاكَ فِي الْجَمِيعِ مَوْجُودٌ. وَقَوْلُهُ: (وَهُوَ مَا يَسْتَكْثِرُهُ النَّاظِرُ) إشَارَةٌ إلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَهُ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ، فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْكَثِيرُ هُوَ أَنْ يُغَطَّى وَجْهُ رُبْعِ الْمَاءِ، وَقِيلَ وَجْهُ أَكْثَرِهِ، وَقِيلَ أَلَّا يَخْلُوَ دَلْوٌ مِنْ بَعْرَةٍ. وَقَالَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ: ذَكَرَ الْبَعْرَتَيْنِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الثَّلَاثَ كَثِيرَةٌ، وَإِنَّمَا قَالَ (وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ) ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُقَدِّرُ شَيْئًا بِالرَّأْيِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الَّتِي

تَشْمَلُ الْكُلَّ وَفِي الشَّاةِ تَبْعَرُ فِي الْمِحْلَبِ بَعْرَةً أَوْ بَعْرَتَيْنِ قَالُوا تُرْمَى الْبَعْرَةُ وَيُشْرَبُ اللَّبَنُ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ، وَلَا يُعْفَى الْقَلِيلُ فِي الْإِنَاءِ عَلَى مَا قِيلَ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّهُ كَالْبِئْرِ فِي حَقِّ الْبَعْرَةِ وَالْبَعْرَتَيْنِ (فَإِنْ وَقَعَ فِيهَا خَرْءُ الْحَمَامِ أَوْ الْعُصْفُورِ لَا يُفْسِدُهُ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. لَهُ أَنَّهُ اسْتَحَالَ إلَى نَتَنٍ وَفَسَادٍ فَأَشْبَهَ خَرْءَ الدَّجَاجِ. وَلَنَا إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى اقْتِنَاءِ الْحَمَامَاتِ فِي الْمَسَاجِدِ مَعَ وُرُودِ الْأَمْرِ بِتَطْهِيرِهَا وَاسْتِحَالَتِهِ لَا إلَى نَتْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَحْتَاجُ إلَى التَّقْدِيرِ فَكَانَ هَذَا مُوَافِقًا لِمَذْهَبِهِ فَلِهَذَا قَالَ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ. وَقَوْلُهُ: (تُرْمَى الْبَعْرَةُ وَيُشْرَبُ اللَّبَنُ) مَعْنَاهُ لَا يَنْجَسُ إذَا رُمِيَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ: لَا تَنْجُسُ إذَا رُمِيَتْ مِنْ سَاعَتِهَا وَلَمْ يَبْقَ لَهَا لَوْنٌ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ مِنْ عَادَتِهَا أَنَّهَا تَبْعَرُ عِنْدَ الْحَلْبِ، وَلِلضَّرُورَةِ أَثَرٌ فِي إسْقَاطِ حُكْمِ النَّجَاسَةِ. وَقَوْلُهُ: (وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ) أَيْ الْإِنَاءَ بِمَنْزِلَةِ الْبِئْرِ فِي عَدَمِ تَنَجُّسِ الْإِنَاءِ بِالْبَعْرَةِ وَالْبَعْرَتَيْنِ. . قَالَ (فَإِنْ وَقَعَ فِيهَا خَرْءُ الْحَمَامِ أَوْ الْعُصْفُورِ) خَرْءُ الْحَمَامِ أَوْ الْعُصْفُورِ طَاهِرٌ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّهُ نَجِسٌ، وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ غِذَاءٌ اسْتَحَالَ إلَى نَتْنٍ وَفَسَادٍ، فَإِنَّ مَا يُحِيلُهُ الطَّبْعُ مِنْ الْغِذَاءِ عَلَى نَوْعَيْنِ: نَوْعٌ يُحِيلُهُ إلَى نَتْنٍ وَفَسَادٍ كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَهُوَ نَجِسٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَنَوْعٌ يُحِيلُهُ إلَى صَلَاحٍ كَالْبَيْضِ وَاللَّبَنِ وَالْعَسَلِ. وَهَذَا مِنْ نَوْعِ الْأَوَّلِ فَأَشْبَهَ خَرْءَ الدَّجَاجِ وَهُوَ نَجِسٌ بِالِاتِّفَاقِ. وَاسْتَحْسَنَ عُلَمَاؤُنَا طَهَارَتَهُ بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ، فَإِنَّ الصَّدْرَ الْأَوَّلَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى اقْتِنَاءِ الْحَمَامَاتِ فِي الْمَسَاجِدِ حَتَّى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مَعَ وُرُودِ الْأَمْرِ بِتَطْهِيرِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ} [البقرة: 125] الْآيَةَ، وَقَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ» وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى عَدَمِ نَجَاسَتِهِ، وَأَصْلُهُ حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَكَرَ الْحَمَامَةَ وَقَالَ إنَّهَا أَوْكَرَتْ عَلَى بَابِ الْغَارِ حَتَّى سَلِمْت فَجَازَاهَا اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ جَعَلَ الْمَسَاجِدَ مَأْوَاهَا» وَقَوْلُهُ: (وَاسْتِحَالَتُهُ لَا إلَى نَتْنٍ) جَوَابُ الشَّافِعِيِّ. وَوَجْهُهُ أَنَّ مُوجِبَ التَّنَجُّسِ النَّتْنُ وَالْفَسَادُ وَالنَّتْنُ هُنَا غَيْرُ مَوْجُودٍ وَانْتِفَاءُ الْجُزْءِ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْكُلِّ. فَإِنْ قَالَ الْفَسَادُ وَحْدَهُ مِمَّا يُوجِبُهُ. قُلْنَا

رَائِحَةٍ فَأَشْبَهَ الْحَمْأَةَ (فَإِنْ بَالَتْ فِيهَا شَاةٌ نُزِحَ الْمَاءُ كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُنْزَحُ إلَّا إذَا غَلَبَ عَلَى الْمَاءِ فَيَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ طَهُورًا) وَأَصْلُهُ أَنَّ بَوْلَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ عِنْدَهُ نَجِسٌ عِنْدَهُمَا. لَهُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ الْعُرَنِيِّينَ بِشُرْبِ أَبْوَالِ الْإِبِلِ وَأَلْبَانِهَا» وَلَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اسْتَنْزِهُوا مِنْ الْبَوْلِ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَلِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ إلَى نَتَنٍ وَفَسَادٍ فَصَارَ كَبَوْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنْقُوضٌ بِالْمَنِيِّ فَإِنَّهُ قَدْ فَسَدَ وَهُوَ طَاهِرٌ، وَسَائِرُ الْأَطْعِمَةِ تَفْسُدُ بِطُولِ الْمُكْثِ وَلَا تَنْجُسُ، عَلَى أَنَّهُ إنْ تَنَجَّسَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ سَقَطَ لِلضَّرُورَةِ. وَقَوْلُهُ: (فَأَشْبَهَ الْحَمْأَةَ) يَعْنِي فِي النَّتْنِ دُونَ الْفَسَادِ. وَقَوْلُهُ: (فَإِنْ بَالَتْ فِيهَا) أَيْ فِي الْبِئْرِ (شَاةٌ) أَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ بَوْلَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ لَا يُنَجِّسُهُ وَيَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الْمَاءِ فَيَخْرُجُ عَنْ طَهُورِيَّتِهِ نَجِسَ. عِنْدَهُمَا إنْ وَقَعَ مِنْهُ قَطْرَةٌ فِي الْمَاءِ أَفْسَدَتْهُ، وَالْكَثِيرُ الْفَاحِشُ مِنْهُ يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ. لِمُحَمَّدٍ حَدِيثُ الْعُرَنِيِّينَ، وَقِصَّتُهُ مَا رُوِيَ «أَنَّ قَوْمًا مِنْ عُرَيْنَةَ تَصْغِيرِ عُرَنَةَ وَادٍ بِحِذَاءِ عَرَفَاتٍ سُمِّيَتْ بِهَا قَبِيلَةٌ يُنْسَبُ إلَيْهَا الْعُرَنِيُّونَ بِحَذْفِ يَاءِ فَعِيلَةٍ كَقَوْلِهِمْ الْجُهَنِيُّونَ أَتَوْا الْمَدِينَةَ فَاجْتَوَوْهَا: أَيْ لَمْ تُوَافِقْهُمْ فَاصْفَرَّتْ أَلْوَانُهُمْ وَانْتَفَخَتْ بُطُونُهُمْ فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يَخْرُجُوا إلَى إبِلِ الصَّدَقَةِ وَيَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا فَخَرَجُوا وَشَرِبُوا فَصَحُّوا ثُمَّ ارْتَدُّوا وَقَتَلُوا الرُّعَاةَ وَاسْتَاقُوا الْإِبِلَ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَثَرِهِمْ قَوْمًا فَأُخِذُوا، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ وَتَرَكَهُمْ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ حَتَّى مَاتُوا» . وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَهُمْ بِشُرْبِ أَبْوَالِ الْإِبِلِ وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَا أَمَرَ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ حَرَامًا، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ» وَلَهُمَا قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْتَنْزِهُوا مِنْ الْبَوْلِ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ» وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِاسْتِنْزَاهِ الْبَوْلِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيَّعَ جِنَازَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَكَانَ يَمْشِي عَلَى رُءُوسِ أَصَابِعِهِ مِنْ زِحَامِ الْمَلَائِكَةِ الَّتِي حَضَرَتْ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا وُضِعَ فِي الْقَبْر ضَغَطَتْهُ الْأَرْضُ ضَغْطَةً كَادَتْ تَخْتَلِفُ أَضْلَاعُهُ، فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ سَبَبِهِ فَقَالَ: إنَّهُ كَانَ لَا يَسْتَنْزِهُ مِنْ الْبَوْلِ» وَلَمْ يُرِدْ بِهِ بَوْلَ نَفْسِهِ، فَإِنَّ مَنْ لَا يَسْتَنْزِهْهُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بَوْلَ الْإِبِلِ عِنْدَ مُعَالَجَتِهَا. وَقَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ إلَى نَتْنٍ) دَلِيلٌ مَعْقُولٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَمَا رَوَاهُ مُحَمَّدٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ فَقَدْ ذَكَرَ قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ رَخَّصَ لَهُمْ فِي شُرْبِ أَلْبَانِ الْإِبِلِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَبْوَالَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِي حَدِيثِ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ فَقَدْ دَارَ

مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ. وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَرَفَ شِفَاءَهُمْ فِيهِ وَحْيًا، ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَحِلُّ شُرْبُهُ لِلتَّدَاوِي وَلَا لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَا يُتَيَقَّنُ بِالشِّفَاءِ فِيهِ فَلَا يَعْرِضُ عَنْ الْحُرْمَةِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَحِلُّ لِلتَّدَاوِي لِلْقِصَّةِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحِلُّ لِلتَّدَاوِي وَغَيْرِهِ لِطَهَارَتِهِ عِنْدَهُ. قَالَ (وَإِنْ مَاتَتْ فِيهَا فَأْرَةٌ أَوْ عُصْفُورَةٌ أَوْ صَعْوَةٌ أَوْ سُودَانِيَّةٌ أَوْ سَامٌّ أَبْرَصُ نُزِحَ مِنْهَا مَا بَيْنَ عِشْرِينَ دَلْوًا إلَى ثَلَاثِينَ بِحَسَبِ كِبَرِ الدَّلْوِ وَصِغَرِهَا) يَعْنِي بَعْدَ إخْرَاجِ الْفَأْرَةِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ قَالَ فِي الْفَأْرَةِ إذَا مَاتَتْ فِي الْبِئْرِ وَأُخْرِجَتْ مِنْ سَاعَتِهَا نُزِحَ مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْوًا» ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْنَ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً وَأَلَّا يَكُونَ فَسَقَطَ الِاسْتِدْلَال بِهِ. وَقِيلَ إنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْحَدِيثَيْنِ فِي التَّقْرِيرِ وَشَرْحِ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فَلْيُطْلَبْ ثَمَّةَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَفَ شِفَاءَهُمْ فِيهِ وَحْيًا) وَلَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي زَمَانِنَا فَلَا يَحِلُّ شُرْبُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَيَقَّنُ الشِّفَاءُ فِيهِ (فَلَا يَعْرِضُ عَنْ الْحُرْمَةِ) وَأَبُو يُوسُفَ نَظَرَ إلَى الْقِصَّةِ فَقَالَ: يَحِلُّ لِلتَّدَاوِي لَا لِغَيْرِهِ. وَمُحَمَّدٌ لَمَّا طَهَّرَهُ لَمْ يَبْقَ فَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّبَنِ فَيَحِلُّ شُرْبُهُ لِلتَّدَاوِي وَغَيْرِهِ. قَالَ (وَإِنْ مَاتَتْ فِيهَا فَأْرَةٌ أَوْ عُصْفُورَةٌ) حَاصِلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْحَيَوَانَ الْوَاقِعَ فِي الْبِئْرِ لَا يَخْلُو مِنْ أَوْجُهٍ سَبْعَةٍ: إمَّا أَنْ يَكُونَ فَأْرَةً أَوْ نَحْوَهَا، أَوْ دَجَاجَةً أَوْ نَحْوَهَا أَوْ شَاةً وَنَحْوَهَا، وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا أَنْ يَخْرُجَ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا، وَالْمَيِّتُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُنْتَفِخًا أَوْ لَا، فَمَا أُخْرِجَ حَيًّا لَا يُنَجِّسُ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا إلَّا الْخِنْزِيرُ لِكَوْنِهِ نَجِسَ الْعَيْنِ وَالْكَلْبُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمَا أُخْرِجَ مَيِّتًا فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ فِيهَا فَأْرَةً أَوْ عُصْفُورَةً أَوْ صَعْوَةً. قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ: الصَّعْوُ: صِغَارُ الْعَصَافِيرِ الْوَاحِدَةُ صَعْوَةٌ، وَالسَّوَادِيَّةُ: طُوَيْرَةٌ طَوِيلَةُ الذَّنَبِ تَأْكُلُ الْعِنَبَ وَالْجَرَادَ. وَسَامٌ أَبْرَصُ: الْكَبِيرُ مِنْ الْوَزَغِ وَلَمْ يَنْتَفِخْ (نُزِحَ مِنْهَا مَا بَيْنَ عِشْرِينَ دَلْوًا إلَى ثَلَاثِينَ بِحَسَبِ كِبَرِ الدَّلْوِ وَصِغَرِهَا) قِيلَ الصَّاعُ كَبِيرٌ وَمَا دُونَهُ صَغِيرٌ: يَعْنِي يَنْقُصُ عَنْ الْعِشْرِينَ فِي الْكَبِيرِ وَيُزَادُ عَلَيْهِ فِي الصَّغِيرِ. وَقَوْلُهُ: (يَعْنِي بَعْدَ إخْرَاجِ الْفَأْرَةِ) يَعْنِي أَنَّ النَّزْحَ إنَّمَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا إذَا كَانَ بَعْدَ إخْرَاجِ الْفَأْرَةِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ نَجَاسَةِ الْبِئْرِ حُصُولُ الْفَأْرَةِ الْمَيِّتَةِ فِيهَا فَلَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ بِالطَّهَارَةِ مَعَ بَقَاءِ السَّبَبِ

وَالْعُصْفُورَةُ وَنَحْوُهَا تُعَادِلُ الْفَأْرَةَ فِي الْجُثَّةِ فَأَخَذَتْ حُكْمَهَا، وَالْعِشْرُونَ بِطَرِيقِ الْإِيجَابِ وَالثَّلَاثُونَ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ. قَالَ (فَإِنْ مَاتَتْ فِيهَا حَمَامَةٌ أَوْ نَحْوُهَا كَالدَّجَاجَةِ وَالسِّنَّوْرِ نُزِحَ مِنْهَا مَا بَيْنَ أَرْبَعِينَ دَلْوًا إلَى سِتِّينَ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَرْبَعُونَ أَوْ خَمْسُونَ) وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ قَالَ فِي الدَّجَاجَةِ: إذَا مَاتَتْ فِي الْبِئْرِ نُزِحَ مِنْهَا أَرْبَعُونَ دَلْوًا» وَهَذَا لِبَيَانِ الْإِيجَابِ، وَالْخَمْسُونَ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي كُلِّ بِئْرٍ دَلْوُهَا الَّذِي يُسْتَقَى بِهِ مِنْهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُوجِبِ لِلنَّجَاسَةِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْفَأْرَةِ مَاتَتْ فِي الْبِئْرِ وَأُخْرِجَتْ مِنْ سَاعَتِهَا " يُنْزَحُ مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْوًا " وَالْعُصْفُورَةُ حُكْمُهَا حُكْمُ الْفَأْرَةِ، وَكَذَا حُكْمُ الْفَأْرَتَيْنِ حُكْمُ الْوَاحِدَةِ إلَى الْأَرْبَعِ، وَفِي الْخَمْسِ أَرْبَعُونَ إلَى الْعُصْفُورِ، وَفِي الْعَشْرِ يُنْزَحُ مَاءُ الْبِئْرِ كُلُّهُ فِيمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَقَوْلُهُ: (وَالْعِشْرُونَ بِطَرِيقِ الْإِيجَابِ وَالثَّلَاثُونَ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ) إنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ اخْتَلَفَتْ فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَوَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ يُنْزَحُ مِنْهَا دِلَاءٌ، وَفِي رِوَايَةٍ عِشْرُونَ، وَفِي رِوَايَةٍ ثَلَاثُونَ، وَفِي رِوَايَةٍ أَرْبَعُونَ، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ أَوْجَبَ عِشْرِينَ وَبَعْضَهُمْ أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ وَبَعْضَهُمْ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ، فَأَخَذَ عُلَمَاؤُنَا بِالْعِشْرِينِ؛ لِأَنَّهُ الْوَسَطُ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَكَانَ وَاجِبًا لِتَعَيُّنِهِ، وَمَا زَادَ اسْتِحْبَابًا، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي ثَلَاثِينَ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ عِشْرُونَ لِلْوُجُوبِ، وَالْأَوْلَى مَا قِيلَ إنَّ السُّنَّةَ جَاءَتْ فِي رِوَايَةِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَالَ فِي الْفَأْرَةِ إذَا وَقَعَتْ فِي الْبِئْرِ فَمَاتَتْ فِيهَا أَنَّهُ يُنْزَحُ مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْوًا أَوْ ثَلَاثُونَ» هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو عَلِيٍّ الْحَافِظُ السَّمَرْقَنْدِيُّ بِإِسْنَادِهِ وَأَوْ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ فَكَانَ الْأَقَلُّ ثَابِتًا بِيَقِينٍ وَهُوَ مَعْنَى الْوُجُوبِ وَالْأَكْثَرُ يُؤْتَى بِهِ لِئَلَّا يُتْرَكَ اللَّفْظُ الْمَرْوِيُّ وَإِنْ كَانَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ فِي الْعَمَلِ وَهُوَ مَعْنَى الِاسْتِحْبَابِ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ مَا يَكُونُ الْمَيِّتُ فِيهَا حَمَامَةً أَوْ نَحْوَهَا كَالدَّجَاجَةِ وَالسِّنَّوْرِ يُنْزَحُ مِنْهَا مَا بَيْنَ أَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (وَهُوَ الْأَظْهَرُ) قِيلَ؛ لِأَنَّ الْجَامِعَ الصَّغِيرَ آخِرُ الْمُصَنَّفَاتِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ الْمَذْكُورُ فِيهِ هُوَ الْمَرْجُوعَ إلَيْهِ. وَفِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ وَهُوَ مَا يَكُونُ الْمَيِّتُ فِيهَا شَاةً أَوْ آدَمِيًّا أَوْ كَلْبًا يُنْزَحُ جَمِيعُ مَا فِيهَا وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ) تَفْسِيرٌ لِلدَّلْوِ فَإِنَّهُ ذَكَرَهَا مُبْهَمَةً فَاحْتَاجَ إلَى تَفْسِيرِهَا

وَقِيلَ دَلْوٌ يَسَعُ فِيهَا صَاعًا، وَلَوْ نُزِحَ مِنْهَا بِدَلْوٍ عَظِيمٍ مَرَّةً مِقْدَارُ عِشْرِينَ دَلْوًا جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ. قَالَ (وَإِنْ مَاتَتْ فِيهَا شَاةٌ أَوْ كَلْبٌ أَوْ آدَمِيٌّ نُزِحَ جَمِيعُ مَا فِيهَا مِنْ الْمَاءِ) لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَفْتَيَا بِنَزْحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقِيلَ دَلْوٌ يَسَعُ فِيهَا صَاعٌ) وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ نُزِحَ مِنْهَا بِدَلْوٍ عَظِيمٍ مَرَّةً مِقْدَارَ عِشْرِينَ دَلْوًا جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ) وَهُوَ نَزْحُ الْمِقْدَارِ الَّذِي قَدَّرَهُ الشَّرْعُ. قَالَ فِي الْأَصْلِ إذَا وَقَعَ فِي الْبِئْرِ فَأْرَةٌ فَجَاءُوا بِدَلْوٍ عَظِيمٍ يَسَعُ عِشْرِينَ دَلْوًا فَاسْتَقَوْا بِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً أَجْزَأَهُمْ، وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ؛ لِأَنَّ الْقَطْرَ الَّذِي يَعُودُ مِنْهُ إلَى الْبِئْرِ أَقَلُّ. وَعَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ بِتَوَاتُرِ الدِّلَاءِ يَصِيرُ الْمَاءُ فِي مَعْنَى الْجَارِي. وَقُلْنَا لَمَّا قَدَّرَ الشَّرْعُ الدِّلَاءَ بِقَدْرٍ خَاصٍّ عَرَفْنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْقَدْرُ الْمَنْزُوحُ وَأَنَّ مَعْنَى الْجَرَيَانِ سَاقِطٌ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالدَّلْوِ الْعَظِيمِ، هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَنْتَفِخْ الْحَيَوَانُ وَلَمْ يَنْفَسِخْ،. فَإِنْ انْتَفَخَ أَوْ تَفَسَّخَ فِيهَا نُزِحَ جَمِيعُ مَا فِيهَا صَغُرَ الْحَيَوَانُ أَوْ كَبُرَ لِانْتِشَارِ الْبِلَّةِ فِي أَجْزَاءِ الْمَاءِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ عِنْدَ الِانْتِفَاخِ وَالتَّفَسُّخِ يَنْفَصِلُ مِنْهُ بِلَّةٌ نَجِسَةٌ فَكَانَ كَالْقَطْرَةِ مِنْ الدَّمِ أَوْ الْخَمْرِ يَنْتَشِرُ فِي الْمَاءِ، وَلِهَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي ذَنَبِ الْفَأْرَةِ وَقَعَتْ فِي الْبِئْرِ: يُنْزَحُ جَمِيعُ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْقَطْعِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ نَجَاسَةٍ مَائِعَةٍ بِخِلَافِ

الْمَاءِ كُلِّهِ حِينَ مَاتَ زِنْجِيٌّ فِي بِئْرِ زَمْزَمَ (فَإِنْ انْتَفَخَ الْحَيَوَانُ فِيهَا أَوْ تَفَسَّخَ نُزِحَ جَمِيعُ مَا فِيهَا صَغَرَ الْحَيَوَانُ أَوْ كَبُرَ) لِانْتِشَارِ الْبِلَّةِ فِي أَجْزَاءِ الْمَاءِ. قَالَ (وَإِنْ كَانَتْ الْبِئْرُ مَعِينًا لَا يُمْكِنُ نَزْحُهَا أَخْرَجُوا مِقْدَارَ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ الْمَاءِ) وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ أَنْ تُحْفَرَ حُفْرَةٌ مِثْلُ مَوْضِعِ الْمَاءِ مِنْ الْبِئْرِ وَيُصَبُّ فِيهَا مَا يُنْزَحُ مِنْهَا إلَى أَنْ تَمْتَلِئَ أَوْ تُرْسَلَ فِيهَا قَصَبَةٌ وَيُجْعَلَ لِمَبْلَغِ الْمَاءِ عَلَامَةٌ ثُمَّ يُنْزَحُ مِنْهَا عَشْرُ دِلَاءٍ مَثَلًا، ثُمَّ تُعَادُ الْقَصَبَةُ فَيُنْظَرُ كَمْ اُنْتُقِصَ فَيُنْزَحُ لِكُلِّ قَدْرٍ مِنْهَا عَشْرُ دِلَاءٍ، وَهَذَانِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَزْحُ مِائَتَا دَلْوٍ إلَى ثَلَثِمِائَةٍ فَكَأَنَّهُ بَنَى قَوْلَهُ عَلَى مَا شَاهَدَ فِي بَلَدِهِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي مِثْلِهِ مَا يُنْزَحُ حَتَّى يَغْلِبَهُمْ الْمَاءُ وَلَمْ يُقَدِّرْ الْغَلَبَةَ بِشَيْءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَأْرَةِ الصَّحِيحَةِ الْجَسَدِ. وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَتْ الْبِئْرُ مَعِينًا) يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمِيمُ زَائِدَةً مِنْ عَنَتْ: أَيْ بَلَغَتْ الْعُيُونَ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ أَصْلِيَّةً مِنْ مَعَنَتْ الْأَرْضُ: أَيْ رُوِيَتْ، وَمَاءٌ مَعِينٌ: أَيْ جَارٍ وَأَنْ يَكُونَ فَعِيلًا فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ مَعِينَةٌ؛ لِأَنَّ الْبِئْرَ مُؤَنَّثَةٌ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا حَمْلًا عَلَى اللَّفْظِ أَوْ تَوَهُّمِ أَنَّهُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، وَقَوْلُهُ: (لَا يُمْكِنُ نَزْحُهَا) صِفَةٌ. وَقَوْلُهُ: (أَخْرَجُوا) جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ. وَقَوْلُهُ: (مِقْدَارُ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ الْمَاءِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْمَاءِ الَّذِي كَانَ زَمَنَ وُقُوعِ النَّجَاسَةِ. وَقَوْلُهُ: (فَيُنْزَحُ لِكُلِّ قَدْرٍ مِنْهَا عَشْرُ دِلَاءٍ) حَتَّى إذَا كَانَ طُولُ الْمَاءِ عَشْرَ قَبَضَاتٍ فَانْتَقَصَ لِعَشْرِ دِلَاءٍ قَبْضَةً وَاحِدَةً يُعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الْمَاءِ مِائَةُ دَلْوٍ فَيُنْزَحُ تِسْعُونَ دَلْوًا أُخْرَى. وَقَوْلُهُ: (بَنَى جَوَابَهُ عَلَى مَا شَاهَدَ فِي بَلَدِهِ) ؛ لِأَنَّ بَلَدَهُ بَغْدَادُ وَغَالِبُ مِيَاهِ آبَارِ بَغْدَادَ لَا تَزِيدُ عَلَى ثَلَثِمِائَةِ دَلْوٍ. وَقَوْلُهُ: (وَلَمْ يُقَدِّرْ الْغَلَبَةَ بِشَيْءٍ) ؛ لِأَنَّهَا

كَمَا هُوَ دَأْبُهُ. وَقِيلَ يُؤْخَذُ بِقَوْلِ رَجُلَيْنِ لَهُمَا بَصَارَةٌ فِي أَمْرِ الْمَاءِ، وَهَذَا أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ. قَالَ (وَإِنْ وَجَدُوا فِي الْبِئْرِ فَأْرَةً أَوْ غَيْرَهَا وَلَا يُدْرَى مَتَى وَقَعَتْ وَلَمْ تَنْتَفِخْ وَلَمْ تَنْفَسِخْ أَعَادُوا صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إذَا كَانُوا تَوَضَّئُوا مِنْهَا وَغَسَلُوا كُلَّ شَيْءٍ أَصَابَهُ مَاؤُهَا، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ انْتَفَخَتْ أَوْ تَفَسَّخَتْ أَعَادُوا صَلَاةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَا: لَيْسَ عَلَيْهِمْ إعَادَةُ شَيْءٍ حَتَّى يَتَحَقَّقُوا مَتَى وَقَعَتْ) لِأَنَّ الْيَقِينَ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ، وَصَارَ كَمَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُتَفَاوِتَةٌ وَالنَّزْحُ إلَى أَنْ يَظْهَرَ الْعَجْزُ أَمْرٌ صَحِيحٌ فِي الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ الطَّاعَةَ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ. وَقَوْلُهُ: (كَمَا هُوَ دَأْبُهُ) أَيْ عَادَتُهُ، فَإِنَّ عَادَتَهُ أَنْ يُفَوِّضَ مِثْلَ هَذَا إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ هُوَ مَا يَسْتَكْثِرُهُ النَّاظِرُ وَكَمَا فِي حَبْسِ الْغَرِيمِ وَحَدِّ التَّقَادُمِ. وَقَوْلُهُ: (وَهَذَا أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ) أَيْ بِالْمَعْنَى الْمُسْتَنْبَطِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِقَوْلِ الْغَيْرِ هُوَ الْمَرْجِعُ فِيمَا لَمْ يَشْتَهِرْ مِنْ الشَّرْعِ فِيهِ تَقْدِيرٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] كَمَا فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ حَيْثُ قَالَ {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] وَالشَّهَادَةُ حَيْثُ قَالَ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَشَرْطُ الْبِصَارَةِ لَهُمَا فِي أَمْرِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ إنَّمَا تُسْتَفَادُ مِمَّنْ لَهُ عِلْمٌ بِهَا لِيَدْخُلَا تَحْتَ أَهْلِ الذِّكْرِ، وَهَذَا الْقَوْلُ: أَيْ الْأَخْذُ بِقَوْلِ رَجُلَيْنِ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي نَصْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ. قَالَ: (وَإِنْ وَجَدُوا فِي الْبِئْرِ فَأْرَةً أَوْ غَيْرَهَا) كَلَامُهُ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْيَقِينَ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ) بَيَانُهُ أَنَّ الْمَاءَ كَانَ طَاهِرًا بِيَقِينٍ وَوَقَعَ الشَّكُّ فِي نَجَاسَتِهِ فِيمَا مَضَى، وَالْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ فَلَا يُحْكَمُ بِالنَّجَاسَةِ إلَّا زَمَانَ التَّيَقُّنِ بِوُقُوعِ النَّجِسِ؛ لِأَنَّ الْيَقِينَ يَزُولُ بِيَقِينٍ مِثْلِهِ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ، كَمَنْ رَأَى

[فصل في الأسآر وغيرها]

رَأَى فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً وَلَا يَدْرِي مَتَى أَصَابَتْهُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ لِلْمَوْتِ سَبَبًا ظَاهِرًا وَهُوَ الْوُقُوعُ فِي الْمَاءِ فَيُحَالُ عَلَيْهِ، إلَّا أَنَّ الِانْتِفَاخَ وَالتَّفَسُّخَ دَلِيلُ التَّقَادُمِ فَيُقَدَّرُ بِالثَّلَاثِ، وَعَدَمُ الِانْتِفَاخِ وَالتَّفَسُّخِ دَلِيلُ قُرْبِ الْعَهْدِ فَقَدَّرْنَاهُ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ سَاعَاتٌ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهَا، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ النَّجَاسَةِ فَقَدْ قَالَ الْمُعَلَّى: هِيَ عَلَى الْخِلَافِ، فَيُقَدَّرُ بِالثَّلَاثِ فِي الْبَالِي وَبِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي الطَّرِيِّ وَلَوْ سُلِّمَ فَالثَّوْبُ بِمَرْأَى عَيْنِهِ وَالْبِئْرُ غَائِبَةٌ عَنْ بَصَرٍ فَيَفْتَرِقَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً لَا يَدْرِي مَتَى أَصَابَتْهُ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لِمَوْتِ الْحَيَوَانِ فِي الْبِئْرِ سَبَبًا ظَاهِرًا وَهُوَ الْوُقُوعُ فِي الْمَاءِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَكُلُّ مَا لَهُ سَبَبٌ ظَاهِرٌ يُحَالُ عَلَيْهِ كَمَنْ جَرَحَ إنْسَانًا فَلَمْ يَزَلْ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ يُحَالُ بِمَوْتِهِ عَلَى الْجِرَاحَةِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ، وَكَمَيِّتٍ الْتَوَتْ فِي عُنُقِهِ حَيَّةٌ فَإِنَّهُ يُحَالُ بِمَوْتِهِ عَلَى نَهْشِهَا، وَإِنْ اُحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْتُ بِغَيْرِ الْجَرْحِ وَالنَّهْشِ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُومَ فِي مُقَابَلَةِ الْمُحَقَّقِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، إلَّا أَنَّ الِانْتِفَاخَ دَلِيلُ تَقَادُمِ الْعَهْدِ، وَأَدْنَى حَدِّ التَّقَادُمِ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، أَلَا يُرَى أَنَّ مَنْ دُفِنَ بِلَا صَلَاةٍ يُصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَسِخُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ فَيُقَدَّرُ بِالثَّلَاثِ، وَعَدَمُ الِانْتِفَاخِ وَالتَّفَسُّخِ دَلِيلُ قُرْبِ الْعَهْدِ فَقَدَّرْنَاهُ بِيَوْمٍ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الْمَقَادِيرِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، فَإِنَّ مَا دُونَهُ سَاعَاتٌ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهَا (وَأَمَّا مَسْأَلَةُ النَّجَاسَةِ فَقَدْ قَالَ الْمُعَلَّى إلَخْ) ظَاهِرٌ [فَصْلٌ فِي الْأَسْآرِ وَغَيْرِهَا] لَمَا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ فَسَادِ الْمَاءِ وَعَدَمِهِ بِاعْتِبَارِ وُقُوعِ نَفْسِ الْحَيَوَانَاتِ فِيهِ ذِكْرُهُمَا بِاعْتِبَارِ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهَا وَهُوَ السُّؤْرُ وَهُوَ بَقِيَّةُ الْمَاءِ الَّتِي يُبْقِيهَا الشَّارِبُ فِي الْإِنَاءِ ثُمَّ عَمَّ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ وَفِي الطَّعَامِ. وَالْجَمْعُ الْأَسْآرُ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ عِنْدَنَا: طَاهِرٌ كَسُؤْرِ الْآدَمِيِّ وَمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَمَكْرُوهٌ كَسُؤْرِ الْهِرَّةِ، وَنَجِسٌ كَسُؤْرِ الْخِنْزِيرِ وَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ

(وَعَرَقُ كُلِّ شَيْءٍ مُعْتَبَرٌ بِسُؤْرِهِ) لِأَنَّهُمَا يَتَوَلَّدَانِ مِنْ لَحْمِهِ فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا حُكْمَ صَاحِبِهِ. قَالَ (وَسُؤْرُ الْآدَمِيِّ وَمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ) لِأَنَّ الْمُخْتَلِطَ بِهِ اللُّعَابُ وَقَدْ تَوَلَّدَ مِنْ لَحْمٍ طَاهِرٍ فَيَكُونُ طَاهِرًا، وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْجَوَابِ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ وَالْكَافِرُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَشْكُوكٌ فِيهِ كَسُؤْرِ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ. قَالَ (وَعَرَقُ كُلِّ شَيْءٍ مُعْتَبَرٌ بِسُؤْرِهِ) قِيلَ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَقُولَ وَسُؤْرُ كُلِّ شَيْءٍ مُعْتَبَرٌ بِعَرَقِهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي السُّؤْرِ لَا فِي الْعَرَقِ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ فِي ضِمْنِ الْأَسْآرِ الْعَرَقَ، فَلَوْ قَالَ وَسُؤْرُ كُلِّ شَيْءٍ مُعْتَبَرٌ بِعَرَقِهِ لَوَجَبَ أَنْ يَقُولَ بَعْدَهُ عَرَقُ الْآدَمِيِّ كَذَا وَعَرَقُ الْكَلْبِ كَذَا وَعَرَقُ الْخِنْزِيرِ كَذَا، وَكَانَ الْفَصْلُ إذْ ذَاكَ لِلْعَرَقِ لَا لِلسُّؤْرِ، وَلَا يُنْتَقَضُ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ فَإِنَّهُ مَشْكُوكٌ، وَعَرَقُهُ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ فِي طَهُورِيَّتِهِ لَا فِي طَهَارَتِهِ. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّهُمَا) أَيْ اللُّعَابَ وَالْعَرَقَ أُضْمِرَ عَلَى اللُّعَابِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ؛ لِأَنَّ السُّؤْرَ هُوَ مَا خَالَطَهُ اللُّعَابُ فَكَانَ ذِكْرُ السُّؤْرِ ذِكْرًا لَهُ. وَقَوْلُهُ: (وَسُؤْرُ الْآدَمِيِّ وَمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ) كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَنَحْوِهَا (طَاهِرٌ) قِيلَ يَعْنِي بِغَيْرِ كَرَاهَةٍ لِئَلَّا يَدْخُلَ فِيهِ سُؤْرُ الدَّجَاجَةِ الْمُخَلَّاةِ فَإِنَّهُ مَأْكُولُ اللَّحْمِ وَسُؤْرُهُ مَكْرُوهٌ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ مَأْكُولَ اللَّحْمِ طَاهِرُ السُّؤْرِ فَلَا مَانِعَ مِنْ الدُّخُولِ فِيهِ. وَقَوْلُهُ: (؛ لِأَنَّ الْمُخْتَلِطَ بِهِ اللُّعَابُ) وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ: (وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْجَوَابِ الْجُنُبُ) لِكَوْنِهِ آدَمِيًّا وَالْجَنَابَةُ لَا أَثَرَ لَهَا فِي ذَلِكَ لَمَا رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقِيَ حُذَيْفَةَ فَمَدّ يَدَهُ لِيُصَافِحَهُ فَقَبَضَ يَدَهُ وَقَالَ إنِّي جُنُبٌ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْمُؤْمِنُ لَا يَنْجُسُ» وَبِهَذَا يَسْقُطُ مَا قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سُؤْرُ الْجُنُبِ نَجِسًا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِوُجُودِ سُقُوطِ الْفَرْضِ عَنْ فَمِهِ بِشُرْبِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ عَلَى أَنَّهُ فِي مَكَانِ الضَّرُورَةِ فَيَسْقُطُ حُكْمُ النَّجَاسَةِ كَسُقُوطِهِ عِنْدَ إدْخَالِ الْيَدِ الْإِنَاءَ وَالْحَائِضِ؛ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - شَرِبَتْ مِنْ إنَاءٍ فِي حَالِ حَيْضِهَا فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَهُ عَلَى مَوْضِعِ فَمِهَا وَشَرِبَ» ، وَالْكَافِرِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْزَلَ وَفْدَ ثَقِيفٍ فِي الْمَسْجِدِ وَكَانُوا مُشْرِكِينَ» ، وَلَوْ كَانَ عَيْنُ الْمُشْرِكِ نَجِسًا لَمَا فَعَلَ ذَلِكَ، وَلَا يُعَارَضُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28]

(وَسُؤْرُ الْكَلْبِ نَجِسٌ) وَيُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْ وُلُوغِهِ ثَلَاثًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ ثَلَاثًا» وَلِسَانُهُ يُلَاقِي الْمَاءَ دُونَ الْإِنَاءِ، فَلَمَّا تَنَجَّسَ الْإِنَاءُ فَالْمَاءُ أَوْلَى، وَهَذَا يُفِيدُ النَّجَاسَةَ وَالْعَدَدَ فِي الْغَسْلِ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي اشْتِرَاطِ السَّبْعِ، وَلِأَنَّ مَا يُصِيبُهُ بَوْلُهُ يَطْهُرُ بِالثَّلَاثِ، فَمَا يُصِيبُهُ سُؤْرُهُ وَهُوَ دُونَهُ أَوْلَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ النَّجَسُ فِي الِاعْتِقَادِ. وَقَوْلُهُ: (وَسُؤْرُ الْكَلْبِ نَجِسٌ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (فَإِذَا تَنَجَّسَ الْإِنَاءُ فَالْمَاءُ أَوْلَى) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ ثَابِتٌ بِالدَّلَالَةِ، فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ لَمَّا انْعَقَدَ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ الْإِنَاءِ بِوُلُوغِهِ وَلِسَانُهُ لَمْ يُلَاقِهِ وَإِنَّمَا لَاقَى الْمَاءَ كَانَ دَلِيلًا عَلَى تَنَجُّسِ مَا يُلَاقِيهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى قِيلَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِوُلُوغِ الْكَلْبِ فِي الْإِنَاءِ لَحْسَهُ فَيَكُونُ لِسَانُهُ مُلَاقِيًا لِلْإِنَاءِ فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال بِالْأَوْلَوِيَّةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوُلُوغَ حَقِيقَةٌ فِي شُرْبِ الْكَلْبِ وَأَشْبَاهِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ بِطَرَفِ لِسَانِهِ، وَالْكَلَامُ لِلْحَقِيقَةِ إذَا لَمْ يَصْرِفْهُ عَنْهَا قَرِينَةٌ (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ هَذَا الْحَدِيثُ (يُفِيدُ النَّجَاسَةَ) نَفْيٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ، وَالْعَدَدُ نَفْيٌ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي اشْتِرَاطِ السَّبْعِ. وَقَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ مَا يُصِيبُهُ بَوْلُهُ يَطْهُرُ بِالثَّلَاثِ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ. وَقَوْلُهُ: (فَمَا يُصِيبُهُ سُؤْرُهُ وَهُوَ دُونَهُ) ؛ لِأَنَّ مَالِكًا يَقُولُ بِطَهَارَةِ سُؤْرِهِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِطَهَارَةِ بَوْلِهِ فَإِذَا طَهُرَ بَوْلُهُ بِالثَّلَاثِ فَلَأَنْ يَطْهُرَ سُؤْرُهُ (أَوْلَى) قِيلَ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بَوْلَهُ وَدَمَهُ وَسَائِرَ مَا هُوَ مِنْهُ نَجِسٌ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ سَبْعًا ذَكَرَهُ فِي التَّهْذِيبِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثَمَّ عَنْهُ رِوَايَةٌ اطَّلَعَ عَلَيْهَا أَصْحَابُنَا فَيَكُونُ الْإِلْزَامُ عَلَيْهَا.

وَالْأَمْرُ الْوَارِدُ بِالسَّبْعِ مَحْمُولٌ عَلَى ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ. (وَسُؤْرُ الْخِنْزِيرِ نَجِسٌ) لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ عَلَى مَا مَرَّ (وَسُؤْرُ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ نَجِسٌ) خِلَافًا لَلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا سِوَى الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ لِأَنَّ لَحْمَهَا نَجِسٌ وَمِنْهُ يَتَوَلَّدُ اللُّعَابُ وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: (وَالْأَمْرُ الْوَارِدُ بِالسَّبْعِ) جَوَابٌ عَمَّا يَسْتَدِلُّ بِهِ الشَّافِعِيُّ مِمَّا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَائِكُمْ فَاغْسِلُوهُ سَبْعًا وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ» بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ مَنْعًا لَهُمْ مِنْ الِاقْتِنَاءِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا لَا لِمَاشِيَةٍ أَوْ صَيْدٍ نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ» وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ «وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ» وَالتَّعْفِيرُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ بِالِاتِّفَاقِ. فَإِنْ قِيلَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِغَسْلِ الْإِنَاءِ التَّعَبُّدَ لَا إزَالَةَ النَّجَاسَةِ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَوَجَبَ غَسْلُ غَيْرِ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ، وَالْوَاجِبُ هَاهُنَا غَسْلُ مَوْضِعِ الْإِصَابَةِ بِالْإِجْمَاعِ، فَكَانَ الْغَسْلُ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ لَا لِلتَّعَبُّدِ. (وَسُؤْرُ الْخِنْزِيرِ نَجِسٌ؛ لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ) فَكَانَ لَحْمُهُ نَجِسًا وَاللُّعَابُ يَتَوَلَّدُ مِنْهُ (وَسُؤْرُ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ نَجِسٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِيمَا سِوَى الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ) لِمَا مَرَّ فِي سُؤْرِ الْخِنْزِيرِ، وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ فَقِيلَ: أَنَتَوَضَّأُ بِمَا أَفَضَلَتْ الْحُمُرُ؟ فَقَالَ نَعَمْ، وَبِمَا أَفَضَلَتْ السِّبَاعُ كُلُّهَا» وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ لَا يَصِحُّ لَهُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ؛ لِأَنَّ رِوَايَةَ دَاوُد بْنِ حُصَيْنٍ عَنْ جَابِرٍ وَدَاوُد بْنُ حُصَيْنٍ لَمْ يَلْقَ جَابِرًا كَذَا قَالَهُ الْجَصَّاصُ، وَلَئِنْ صَحَّ فَتَأْوِيلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْحُمُرُ الْوَحْشِيَّةُ وَسِبَاعُ الطَّيْرِ أَوْ الْمُرَادُ بِهِ الْمَاءُ الْكَثِيرُ أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قِيلَ تَحْرِيمُهَا تَوْفِيقًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ نَجَاسَةٌ غَلِيظَةٌ أَوْ خَفِيفَةٌ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ نَجَاسَةٌ غَلِيظَةٌ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي سُؤْرِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ السِّبَاعِ كَمَا اخْتَلَفُوا فِي بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، فَأَوْجَبَ اخْتِلَافُهُمْ

الْمُعْتَبَرُ فِي الْبَابِ. (وَسُؤْرُ الْهِرَّةِ طَاهِرٌ مَكْرُوهٌ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصْغِي لَهَا الْإِنَاءَ فَتَشْرَبُ مِنْهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ بِهِ» . وَلَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْهِرَّةُ سَبُعٌ» وَالْمُرَادُ بَيَانُ الْحُكْمِ دُونَ الْخِلْقَةِ وَالصُّورَةِ، إلَّا أَنَّهُ سَقَطَتْ النَّجَاسَةُ لِعِلَّةِ الطَّوْفِ فَبَقِيَتْ الْكَرَاهَةُ. وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ التَّحْرِيمِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQتَخْفِيفًا هَاهُنَا كَمَا أَوْجَبَ هُنَاكَ. (وَسُؤْرُ الْهِرَّةِ طَاهِرٌ مَكْرُوهٌ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ، وَرُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصْغِي لِلْهِرَّةِ الْإِنَاءَ فَتَشْرَبُ مِنْهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ بِهِ» وَقَالَ: كَيْفَ أَكْرَهُ مَعَ هَذَا الْحَدِيثِ (وَلَهُمَا قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْهِرَّةُ سَبُعٌ» وَالْمُرَادُ بِهِ بَيَانُ الْفِقْهِ دُونَ الْخِلْقَةِ وَالصُّورَةِ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُعِثَ لِبَيَانِ الشَّرَائِعِ. فَإِنْ قِيلَ فَكَانَ الْوَاجِبُ الْقَوْلَ بِنَجَاسَتِهِ. أَجَابَ (بِقَوْلِهِ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَتْ النَّجَاسَةُ لِعِلَّةِ الطَّوْفِ فَبَقِيَتْ الْكَرَاهَةُ) وَقَوْلُهُ: لِعِلَّةِ الطَّوْفِ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ إشَارَةً إلَى الضَّرُورَةِ، فَإِنَّ حُكْمَ النَّجَاسَةِ يَسْقُطُ بِهَا كَمَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إشَارَةً إلَى مَا رُوِيَ عَنْ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي وَفِي بَيْتِهَا قَصْعَةٌ مِنْ هَرِيسَةٍ فَجَاءَتْ هِرَّةٌ وَأَكَلَتْ مِنْهَا، فَلَمَّا فَرَغَتْ مِنْ صَلَاتِهَا دَعَتْ جَارَاتٍ لَهَا فَكُنَّ يَتَحَامَيْنَ مِنْ مَوْضِعِ فَمِهَا فَمَدَّتْ يَدَهَا وَأَخَذَتْ مَوْضِعَ فَمِهَا وَأَكَلَتْ وَقَالَتْ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ الْهِرَّةُ لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ إنَّمَا هِيَ مِنْ الطَّوَّافِينَ وَالطَّوَّافَاتِ عَلَيْكُمْ فَمَالُكُنَّ لَا تَأْكُلْنَ» فَإِنْ قِيلَ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَدُلُّ عَلَى النَّجَاسَةِ فَهُوَ مُحَرَّمٌ فَهَلَّا تُرَجِّحَ؟

ثُمَّ قِيلَ كَرَاهَتُهُ لِحُرْمَةِ اللَّحْمِ، وَقُبِلَ لِعَدَمِ تَحَامِيهَا النَّجَاسَةِ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى التَّنَزُّهِ وَالْأَوَّلُ إلَى الْقُرْبِ مِنْ التَّحْرِيمِ. وَلَوْ أَكَلْت فَأْرَةً ثُمَّ شَرِبَتْ عَلَى فَوْرِهِ الْمَاءَ تَنَجَّسَ إلَّا إذَا مَكَثَتْ سَاعَةً لَغُسْلِهَا فَمَهَا بِلُعَابِهَا وَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ الصَّبِّ لِلضَّرُورَةِ. (وَسُؤْرُ الدَّجَاجَةِ الْمُخَلَّاةِ) مَكْرُوهٌ لِأَنَّهَا تُخَالِطُ النَّجَاسَةَ وَلَوْ كَانَتْ مَحْبُوسَةً بِحَيْثُ لَا يَصِلُ مِنْقَارُهَا إلَى مَا تَحْتَ قَدَمَيْهَا لَا يُكْرَهُ لِوُقُوعِ الْأَمْنِ عَنْ الْمُخَالَطَةِ (وَ) كَذَا سُؤْرُ (سِبَاعِ الطَّيْرِ) لِأَنَّهَا تَأْكُلُ الْمَيْتَاتِ فَأَشْبَهَ الْمُخَلَّاةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالْجَوَابُ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مُؤَوَّلٌ دُونَ حَدِيثِ عَائِشَةَ فَيَقْوَى حَدِيثُ عَائِشَةَ بِقُوَّةِ حَالِهَا وَقُوَّةُ دَلَالَتِهِ تُعَارِضُ الْمُحَرَّمَ، وَحُمِلَ مَا رَوَاهُ أَبُو يُوسُفَ مِنْ إصْغَاءِ الْإِنَاءِ لَهَا عَلَى مَا قَبْلَ التَّحْرِيمِ. وَقَوْلُهُ: (ثُمَّ قِيلَ كَرَاهَتُهُ لِحُرْمَةِ اللَّحْمِ) هُوَ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إلَى التَّحْرِيمِ أَقْرَبُ (وَقِيلَ لِعَدَمِ تَحَامِيهَا النَّجَاسَةَ) ؛ لِأَنَّهَا تَتَنَاوَلُ الْجِيَفَ وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَرَاهَتَهُ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ قِيلَ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَالْأَقْرَبُ إلَى مُوَافَقَةِ الْأَثَرِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ أَكَلَتْ) يَعْنِي الْهِرَّةَ ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ: (وَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) يَعْنِي قَوْلَهُ إلَّا إذَا مَكَثَتْ سَاعَةً لِغَسْلِ فَمِهَا بِلُعَابِهَا؛ لِأَنَّهُمَا يُجَوِّزَانِ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ بِالْمَائِعَاتِ الطَّاهِرَةِ، وَلَكِنَّ الصَّبَّ شَرْطٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِلتَّطْهِيرِ فِي الْعُضْوِ وَسَقَطَ هَاهُنَا لِلضَّرُورَةِ. قَالَ (وَسُؤْرُ الدَّجَاجَةِ الْمُخَلَّاةِ مَكْرُوهٌ) الْمُخَلَّاةُ هِيَ الْجَائِلَةُ فِي عَذِرَاتِ النَّاسِ وَالْمَحْبُوسَةُ عَلَى خِلَافِهَا، وَالْمَحْبُوسَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ مَحْبُوسَةً فِي بَيْتِ نَفْسِهَا، وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ مَحْبُوسَةً لِلتَّسْمِينِ وَيَكُونُ رَأْسُهَا وَأَكْلُهَا وَشُرْبُهَا خَارِجَ الْبَيْتِ، وَالْأُولَى تَجُولُ فِي عَذِرَاتِ نَفْسِهَا دُونَ الثَّانِيَةِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ (بِحَيْثُ لَا يَصِلُ مِنْقَارُهَا إلَى مَا تَحْتَ قَدَمَيْهَا) إشَارَةٌ إلَى الْوَجْهِ الثَّانِي، فَإِنَّهَا إذَا كَانَتْ كَذَلِكَ وَقَعَ الْأَمْنُ عَنْ مُخَالَطَةِ النَّجَاسَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا. وَقَوْلُهُ: (وَكَذَا سُؤْرُ سِبَاعِ الطَّيْرِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَسُؤْرُ الدَّجَاجَةِ الْمُخَلَّاةِ لِيَكُونَ دَاخِلًا فِي حُكْمِ الْكَرَاهَةِ، وَفِي الْقِيَاسِ نَجِسٌ اعْتِبَارًا بِسِبَاعِ الْوَحْشِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا تَشْرَبُ بِمِنْقَارِهَا وَهُوَ

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مَحْبُوسَةً وَيَعْلَمُ صَاحِبُهَا أَنَّهُ لَا قَذَرَ عَلَى مِنْقَارِهَا لَا يُكْرَهُ، وَاسْتَحْسَنَ الْمَشَايِخُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ (وَ) سُؤْرُ (مَا يَسْكُنُ الْبُيُوتَ كَالْحَيَّةِ وَالْفَأْرَةِ) (مَكْرُوهٌ) لِأَنَّ حُرْمَةَ اللَّحْمِ أَوْجَبَتْ نَجَاسَةَ السُّؤْرِ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَتْ النَّجَاسَةُ لِعِلَّةِ الطَّوْفِ فَبَقِيَتْ الْكَرَاهَةُ وَالتَّنْبِيهُ عَلَى الْعِلَّةِ فِي الْهِرَّةِ. قَالَ (وَسُؤْرُ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ مَشْكُوكٌ فِيهِ) قِيلَ الشَّكُّ فِي طَهَارَتِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ طَاهِرًا لَكَانَ طَهُورًا مَا لَمْ يَغْلِبْ اللُّعَابُ عَلَى الْمَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَظْمٌ جَافٌّ، بِخِلَافِ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ فَإِنَّهَا تَشْرَبُ بِلِسَانِهَا وَهُوَ رَطْبٌ بِلُعَابِهَا، وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى كَرَاهَتِهِ بِمَا تُشْبِهُ بِهِ الْمُخَلَّاةَ وَهُوَ أَكْلُ الْمَيْتَاتِ إلْحَاقًا لَهَا بِهَا (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا) أَيْ سِبَاعَ الطَّيْرِ (إذَا كَانَتْ مَحْبُوسَةً وَيَعْلَمُ صَاحِبُهَا أَنَّهُ لَا قَذَرَ عَلَى مِنْقَارِهَا لَا يُكْرَهُ، وَاسْتَحْسَنَ الْمَشَايِخُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: رَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ: إنْ كَانَ هَذَا الطَّيْرُ لَا يَتَنَاوَلُ الْمَيْتَةَ كَالْبَازِي الْأَهْلِيِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يُكْرَهُ الْوُضُوءُ مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَسُؤْرُ مَا يَسْكُنُ الْبُيُوتَ) طَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (وَالتَّنْبِيهُ عَلَى الْعِلَّةِ فِي الْهِرَّةِ) قِيلَ مَعْنَاهُ: وَبَقِيَ التَّنْبِيهُ عَلَى الْعِلَّةِ الَّتِي كَانَتْ فِي الْهِرَّةِ، وَقِيلَ هُوَ جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ مَاذَا الَّذِي دَلَّكُمْ عَلَى كَوْنِ الطَّوْفِ عِلَّةً لِسُقُوطِ النَّجَاسَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّلَ لِسُقُوطِ النَّجَاسَةِ عَنْ سُؤْرِ الْهِرَّةِ بِعِلَّةِ الطَّوْفِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ» دَفْعًا لِلْحَرَجِ، وَقَدْ وُجِدَ الطَّوْفُ فِي سَوَاكِنِ الْبُيُوتِ أَزْيَدَ مِنْهُ فِي الْهِرَّةِ، فَإِنَّ ثُلْمَةَ الْبَيْتِ إذَا سُدَّتْ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَدْخُلَ الْهِرَّةُ فِيهِ، وَأَمَّا سَوَاكِنُ الْبُيُوتِ كَالْحَيَّةِ وَالْفَأْرَةِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ مَنْعُهَا عَنْ الطَّوْفِ، فَكَانَ تَنْبِيهًا عَلَى سُقُوطِ النَّجَاسَةِ فِيهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَكَانَ الْعَلَّامَةُ الْكَرْدَرِيُّ يَقُولُ: اللَّهُ تَعَالَى عَلَّلَ لِسُقُوطِ وُجُوبِ الِاسْتِئْذَانِ بِعِلَّةِ الطَّوْفِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النور: 58] وَاسْتَدَلَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سُؤْرِ الْهِرَّةِ بِتَعْلِيلِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ عَلَى سُقُوطِ النَّجَاسَةِ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِتَعْلِيلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سُؤْرِ الْهِرَّةِ عَلَى سُقُوطِ نَجَاسَةِ سُؤْرِ سَوَاكِنِ الْبُيُوتِ لِعِلَّةِ الطَّوَافِ. قَوْلُهُ: (وَسُؤْرُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ مَشْكُوكٌ فِيهِ) هَذِهِ عِبَارَةُ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ، وَأَبُو طَاهِرٍ الدَّبَّاسُ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ مَشْكُوكًا فِيهِ. وَقَالَ: سُؤْرُ الْحِمَارِ طَاهِرٌ لَوْ غُمِسَ فِيهِ ثَوْبٌ جَازَتْ الصَّلَاةُ مَعَهُ، إلَّا أَنَّهُ يُحْتَاطُ فِيهِ فَأَمَرَ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّيَمُّمِ، وَالْمَشَايِخُ قَالُوا: الْمُرَادُ بِالشَّكِّ التَّوَقُّفُ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ، وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجْعَلُهُ طَاهِرًا وَطَهُورًا؛ لِأَنَّ كُلَّ حَيَوَانٍ يُنْتَفَعُ بِجِلْدِهِ فَسُؤْرُهُ طَهُورٌ عِنْدَهُ. وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّ الشَّكَّ فِي طَهَارَتِهِ أَوْ فِي طَهُورِيَّتِهِ، فَقِيلَ فِي طَهَارَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ طَاهِرًا لَكَانَ طَهُورًا مَا لَمْ يَغْلِبْ اللُّعَابُ عَلَى الْمَاءِ؛ لِأَنَّ اخْتِلَاطَ الطَّاهِرِ

وَقِيلَ الشَّكُّ فِي طَهُورِيَّتِهِ لِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ رَأْسِهِ، وَكَذَا لَبَنُهُ طَاهِرٌ وَعَرَقُهُ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ وَإِنْ فَحُشْ، فَكَذَا سُؤْرُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَيُرْوَى نَصَّ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى طَهَارَتِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْمَاءِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الطَّهُورِيَّةِ مَا لَمْ يَغْلِبْ كَمَا إذَا اخْتَلَطَ مَاءُ الْوَرْدِ بِالْمَاءِ (وَقِيلَ الشَّكُّ فِي طَهُورِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَدَ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ) لَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ رَأْسِهِ: يَعْنِي بَعْدَ مَا مَسَحَ رَأْسَهُ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ، وَلَوْ كَانَ الشَّكُّ فِي طَهَارَتِهِ لَوَجَبَ، وَإِنَّمَا عَيَّنَ الرَّأْسَ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ مِنْ الْأَعْضَاءِ يَطْهُرُ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: (وَكَذَا لَبَنُهُ طَاهِرٌ) وَلَا يُؤْكَلُ قِيلَ هَذَا لَيْسَ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنَّمَا هُوَ فِيهِ نَجِسٌ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ إنَّمَا هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ. وَقَوْلُهُ: (وَعَرَقُهُ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ وَإِنْ فَحُشَ) هُوَ إحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي رِوَايَةٍ: هُوَ نَجِسٌ نَجَاسَةً خَفِيفَةً، وَفِي رِوَايَةٍ: نَجِسٌ نَجَاسَةً غَلِيظَةً، وَالْمَشْهُورُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ. قَالَ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عَرَقُ الْحِمَارِ طَاهِرٌ فِي الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ. وَقَوْلُهُ: (فَكَذَا سُؤْرُهُ) يَعْنِي أَنَّ اللَّبَنَ وَالْعَرَقَ وَالسُّؤْرَ تَتَوَلَّدُ كُلُّهَا مِنْهُ، فَإِذَا كَانَا طَاهِرَيْنِ كَانَ السُّؤْرُ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: (وَهُوَ الْأَصَحُّ) أَيْ الْقَوْلُ بِأَنَّ الشَّكَّ فِي طَهُورِيَّتِهِ أَصَحُّ. وَقَوْلُهُ: (نَصَّ مُحَمَّدٌ عَلَى طَهَارَتِهِ) هُوَ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ: أَرْبَعٌ لَوْ غُمِسَ فِيهَا الثَّوْبُ لَمْ يَنْجَسْ، وَهِيَ سُؤْرُ الْحِمَارِ، وَالْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ، وَلَبَنُ

وَسَبَبُ الشَّكِّ تَعَارُضُ الْأَدِلَّةِ فِي إبَاحَتِهِ وَحُرْمَتِهِ، أَوْ اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي نَجَاسَتِهِ وَطَهَارَتِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَتَانِ وَبَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ. وَقَوْلُهُ: (وَسَبَبُ الشَّكِّ تَعَارُضُ الْأَدِلَّةِ) اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي سَبَبِ الشَّكِّ فِي سُؤْرِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ تَعَارُضُ الْأَدِلَّةِ (فِي إبَاحَتِهِ وَحُرْمَتِهِ) فَإِنَّهُ رُوِيَ «أَنَّ غَالِبَ بْنَ أَبْجَرَ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: لَمْ يَبْقَ لِي قَالَ إلَّا حُمَيْرَاتٍ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: كُلْ مِنْ سَمِينِ مَالِكَ» وَرُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّمَ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ» . قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: هَذَا لَا يَقْوَى؛ لِأَنَّ لَحْمَهُ حَرَامٌ بِلَا إشْكَالٍ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ الْمُحَرِّمُ وَالْمُبِيحُ فَغَلَبَ الْمُحَرِّمُ عَلَى الْمُبِيحِ. كَمَا لَوْ أَخْبَرَ عَدْلٌ بِأَنَّ هَذَا اللَّحْمَ ذَبِيحَةُ مَجُوسِيٍّ وَآخَرُ أَنَّهُ ذَبِيحَةُ مُسْلِمٍ: فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ لِغَلَبَةِ الْحُرْمَةِ فَكَانَ لَحْمُهُ حَرَامًا بِلَا إشْكَالٍ وَلُعَابُهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْهُ فَيَكُونُ نَجِسًا بِلَا إشْكَالٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ نَجَاسَةَ لَبَنِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ طَاهِرٌ وَالْجَوَابُ بِالِالْتِزَامِ فَإِنَّهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ نَجِسٌ كَمَا تَقَدَّمَ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي طَهَارَتِهِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ التَّوَضُّؤَ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ بِالتَّوَضُّؤِ بِهِ وَلَمْ يَتَرَجَّحْ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فَأَوْجَبَ شَكًّا. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَلَكِنْ هَذَا لَا يَقْوَى؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي طَهَارَةِ الْمَاءِ وَنَجَاسَتِهِ لَا يُوجِبُ الْإِشْكَالَ كَمَا فِي إنَاءٍ أَخْبَرَ عَدْلٌ أَنَّهُ طَاهِرٌ وَأَخْبَرَ آخَرُ أَنَّهُ نَجِسٌ فَإِنَّ الْمَاءَ لَا يَصِيرُ مُشْكِلًا، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي طَهَارَةِ الْمَاءِ وَنَجَاسَتِهِ وَقَدْ اسْتَوَى الْخَبَرَانِ فَكَذَا هَذَا، ثُمَّ قَالَ وَالْأَصَحُّ أَنَّ دَلِيلَ الشَّكِّ هُوَ التَّرَدُّدُ فِي الضَّرُورَةِ، فَإِنَّ الْحِمَارَ يُرْبَطُ فِي الدُّورِ وَالْأَفْنِيَةِ فَكَانَ فِيهِ الضَّرُورَةُ إلَّا أَنَّهَا دُونَ ضَرُورَةِ الْهِرَّةِ وَالْفَأْرَةِ لِدُخُولِهِمَا الْمَضَايِقَ دُونَ الْحِمَارِ، فَلَوْ لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةٌ أَصْلًا كَانَ كَالسِّبَاعِ فِي الْحُكْمِ بِالنَّجَاسَةِ بِلَا إشْكَالٍ، وَلَوْ كَانَتْ الضَّرُورَةُ كَضَرُورَتِهِمَا كَانَ مِثْلَهُمَا فِي سُقُوطِ النَّجَاسَةِ، وَحَيْثُ ثَبَتَتْ الضَّرُورَةُ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَاسْتَوَى مَا يُوجِبُ الطَّهَارَةَ وَالنَّجَاسَةَ تَسَاقَطَا لِلتَّعَارُضِ وَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى الْأَصْلِ. وَالْأَصْلُ شَيْئَانِ: الطَّهَارَةُ فِي جَانِبِ الْمَاءِ، وَالنَّجَاسَةُ فِي جَانِبِ اللُّعَابِ؛ لِأَنَّ لُعَابَهُ نَجِسٌ كَمَا بَيَّنَّا وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، فَبَقِيَ الْأَمْرُ مُشْكِلًا نَجِسًا مِنْ وَجْهٍ طَاهِرًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَكَانَ إشْكَالُ سُؤْرِهِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا بِهَذَا الطَّرِيقِ لَا لِإِشْكَالِ لَحْمِهِ وَلَا لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي سُؤْرِهِ، هَذَا حَاصِلُ مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ. وَهَاهُنَا نُكْتَةٌ لَا بَأْسَ بِالتَّنْبِيهِ عَلَيْهَا، وَهِيَ أَنَّ طَهَارَةَ اللُّعَابِ وَنَجَاسَتَهُ دَائِرَتَانِ عَلَى طَهَارَةِ اللَّحْمِ وَنَجَاسَتِهِ، وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْبَابِ، فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالنَّجَاسَةِ النَّجَاسَةَ قَبْلَ الذَّبْحِ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ كَانَتْ الشَّاةُ مُسَاوِيَةً لِلْكَلْبِ فِي أَنَّ لَحْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَجِسٌ بِالْمُجَاوَرَةِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَكَذَلِكَ فِي أَنَّ لَحْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَاهِرٌ بَعْدَ الذَّبْحِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ نَجِسٌ تَرْجِيحًا لِلْحُرْمَةِ وَالنَّجَاسَةِ، وَالْبَغْلُ مِنْ نَسْلِ الْحِمَارِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَتِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQشُمُولَ الطَّهَارَةِ أَوْ النَّجَاسَةِ، وَحَلُّهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّحْمِ الطَّاهِرُ الْمُتَوَلِّدُ مِنْهُ اللُّعَابُ فِي غَيْرِ الْآدَمِيِّ مَا يَحِلُّ أَكْلُهُ بَعْدَ الذَّبْحِ وَبِالنَّجِسِ مَا يُقَابِلُهُ، وَطَهَارَةُ سُؤْرِ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ فِي رِوَايَةٍ وَالْهِرَّةِ لِلضَّرُورَةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي النَّجَاسَةِ الْمُجَاوِرَةِ لِلدَّمِ الْمَسْفُوحِ قَبْلَ الذَّبْحِ، فَإِنَّ الشَّاةَ لَا تُؤْكَلُ إذَا مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا، وَاشْتَرَكَا فِي الطَّهَارَةِ بَعْدَهُ لِزَوَالِ الْمُنَجِّسِ وَهُوَ الدَّمُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنَّ الشَّاةَ تُؤْكَلُ بَعْدَ الذَّبْحِ بِخِلَافِ الْكَلْبِ وَقَدْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى طَهَارَةِ سُؤْرِ الشَّاةِ دُونَ الْكَلْبِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا أَيْضًا فِي الظَّاهِرِ إلَّا اخْتِلَاطُ اللُّعَابِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْ اللَّحْمِ، فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ اللُّعَابَ الْمُتَوَلِّدَ مِنْ اللَّحْمِ الْمَأْكُولِ بَعْدَ الذَّبْحِ طَاهِرٌ بِلَا كَرَاهَةٍ دُونَ غَيْرِهِ إضَافَةً لِلْحَكَمِ إلَى الْفَارِقِ صِيَانَةً لِحُكْمِ الشَّرْعِ عَنْ الْمُنَاقَضَةِ ظَاهِرًا، هَذَا مَا سَنَحَ لِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. قَوْلُهُ: (وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ) أَيْ سُؤْرَ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ (نَجِسٌ) وَقَوْلُهُ: (تَرْجِيحًا لِلْحُرْمَةِ وَلِلنَّجَاسَةِ) يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْحُرْمَةُ مُتَعَلِّقَةً بِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ وَالنَّجَاسَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ تَرْجِيحًا لِلْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرِّمَ مُرَجِّحُ النَّجَاسَةِ،؛ لِأَنَّهُ إذَا تَرَجَّحَ الْمُحَرِّمُ تَتَرَجَّحُ النَّجَاسَةُ أَيْضًا لِامْتِنَاعِ الطَّهَارَةِ مَعَ الْحُرْمَةِ. وَاسْتُشْكِلَ بِمَا إذَا أَخْبَرَ عَدْلٌ بِحِلِّ طَعَامٍ وَآخَرُ بِحُرْمَتِهِ فَإِنَّهُ يُرَجَّحُ خَبَرُ الْحِلِّ، وَبِمَا إذَا أَخْبَرَ عَدْلٌ بِطَهَارَةِ الْمَاءِ وَآخَرُ بِنَجَاسَتِهِ تُرَجَّحُ الطَّهَارَةُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ تَعَارُضَ الْخَبَرَيْنِ فِي الطَّعَامِ يُوجِبُ التَّهَاتُرَ وَالْعَمَلَ بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْحِلُّ، وَلَا يَجُوزُ تَرْجِيحُ الْحُرْمَةِ بِالِاحْتِيَاطِ لِاسْتِلْزَامِهِ تَكْذِيبَ الْمُخْبِرِ بِالْحِلِّ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، فَأَمَّا أَدِلَّةُ الشَّرْعِ فِي حِلِّ الطَّعَامِ وَحُرْمَتِهِ فَتُوجِبُ التَّرْجِيحَ بِدَلِيلٍ، وَهُوَ تَقْلِيلُ النَّسْخِ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَالْعَمَلُ بِالِاحْتِيَاطِ وَاجِبٌ عِنْدَ عَدَمِ الْمَانِعِ، وَكَذَا تَعَارُضُ الْخَبَرَيْنِ فِي الْمَاءِ يُوجِبُ التَّهَاتُرَ وَالْعَمَلَ بِالْأَصْلِ لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي اخْتِلَاطِ النَّجَاسَةِ بِهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَبَقِيَ الْمَاءُ عَلَى أَصْلِهِ وَهُوَ الطَّهَارَةُ فَأَمَّا هَاهُنَا فَقَدْ اخْتَلَطَ اللُّعَابُ الْمُتَوَلِّدُ مِنْ اللَّحْمِ بِالْمَاءِ بِيَقِينٍ وَقَدْ تَرَجَّحَ جِهَةُ الْحُرْمَةُ فِيهِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى النَّجَاسَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيَجِبُ تَرْجِيحُ النَّجَاسَةِ بِهَذَا الدَّلِيلِ. وَقَوْلُهُ: (وَالْبَغْلُ مِنْ نَسْلِ الْحِمَارِ)

(فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُمَا يَتَوَضَّأُ وَيَتَيَمَّمُ وَيَجُوزُ أَيُّهُمَا قَدَّمَ) وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُقَدِّمَ الْوُضُوءَ لِأَنَّهُ مَاءٌ وَاجِبُ الِاسْتِعْمَالِ فَأَشْبَهَ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ. وَلَنَا أَنَّ الْمُطَهِّرَ أَحَدُهُمَا فَيُفِيدُ الْجَمْعُ دُونَ التَّرْتِيبِ. (وَسُؤْرُ الْفَرَسِ طَاهِرٌ عِنْدَهُمَا) لِأَنَّ لَحْمَهُ مَأْكُولٌ (وَكَذَا عِنْدَهُ فِي الصَّحِيحِ) لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِإِظْهَارِ شَرَفِهِ. (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا نَبِيذَ التَّمْرِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُمَا) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (وَلَنَا أَنَّ الْمُطَهِّرَ أَحَدُهُمَا) يَعْنِي أَنَّ الْمُطَهِّرَ فِي الْوَاقِعِ إمَّا السُّؤْرُ أَوْ التُّرَابُ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَا فَائِدَةَ فِي اسْتِعْمَالِ الثَّانِي تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَلَا يَضُرُّ التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ فَوَجَبَ الضَّمُّ دُونَ التَّرْتِيبِ، وَالضَّمِيرُ فِي يُفِيدُ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ يَتَوَضَّأُ بِهِمَا وَيَتَيَمَّمُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ. وَقَوْلُهُ: (وَسُؤْرُ الْفَرَسِ طَاهِرٌ عِنْدَهُمَا) مَعْنَاهُ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (فِي الصَّحِيحِ) احْتِرَازٌ عَنْ الرِّوَايَاتِ الْبَاقِيَةِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ فِي سُؤْرِ الْفَرَسِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَرْبَعَ رِوَايَاتٍ: قَالَ فِي رِوَايَةٍ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِغَيْرِهِ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْبَلْخِيّ عَنْهُ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ: أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَلَحْمِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ: هُوَ مَشْكُوكٌ كَسُؤْرِ الْحِمَارِ، وَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الصَّلَاةِ: هُوَ طَاهِرٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا نَبِيذَ التَّمْرِ) إنَّمَا ذَكَرَ نَبِيذَ التَّمْرِ فِي فَصْلِ الْأَسْآرِ؛ لِأَنَّ لَهُ شَبَهًا خَاصًّا بِسُؤْرِ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ يَقُولُ يُضَمُّ التَّيَمُّمُ إلَى الْوُضُوءِ بِهِ احْتِيَاطًا كَمَا

- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَتَوَضَّأُ بِهِ وَلَا يَتَيَمَّمُ) لِحَدِيثِ لَيْلَةِ الْجِنِّ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَوَضَّأَ بِهِ حِينَ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَتَيَمَّمُ وَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَمَلًا بِآيَةِ التَّيَمُّمِ لِأَنَّهَا أَقْوَى، أَوْ هُوَ مَنْسُوخٌ بِهَا لِأَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ، وَلَيْلَةُ الْجِنِّ كَانَتْ مَكِّيَّةً. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَتَوَضَّأُ ـــــــــــــــــــــــــــــQسَنَذْكُرُهُ. وَالْكَلَامُ فِيهِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: فِي وَقْتِ الْجَوَازِ، وَفِي جَوَازِ الْوُضُوءِ بِهِ، وَفِي نَفْسِهِ. فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ التَّيَمُّمُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا نَبِيذَ التَّمْرِ: يَعْنِي إذَا عَدِمَ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ. وَأَمَّا الثَّانِي فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالزِّيَادَاتِ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَلَا يَتَيَمَّمُ، وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ. أَنَّهُ إنْ تَوَضَّأَ بِهِ وَتَيَمَّمَ أَحَبُّ إلَيَّ، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ تَوَضَّأَ بِهِ وَلَمْ يَتَيَمَّمْ جَازَ، وَلَوْ عَكَسَ لَمْ يَجُزْ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُسْتَحَبٌّ. وَالثَّالِثَةُ مَا رَوَى نُوحٌ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ، وَبِهِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ. أَمَّا وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى فَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ مِنْ قَوْلِهِ لِحَدِيثِ لَيْلَةِ الْجِنِّ وَهُوَ مَا رَوَى أَبُو رَافِعٍ وَابْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ ذَاتَ لَيْلَةٍ ثُمَّ قَالَ: لِيَقُمْ مَعِي مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، فَقَامَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَحَمَلَهُ: أَيْ أَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ نَفْسِهِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: خَرَجْنَا مِنْ مَكَّةَ وَخَطَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَوْلِي خَطًّا وَقَالَ: لَا تَخْرُجْ عَنْ هَذَا الْخَطِّ فَإِنَّك إنْ خَرَجَتْ عَنْهُ لَمْ تَلْقَنِي إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ ذَهَبَ يَدْعُو الْجِنَّ إلَى الْإِيمَانِ وَيَقْرَأُ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَقَالَ لِي: هَلْ بَقِيَ مَعَك مَاءٌ أَتَوَضَّأُ بِهِ؟ فَقُلْت لَا إلَّا نَبِيذُ التَّمْرِ فِي إدَاوَةٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: تَمْرَةٌ طَيْبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ، وَأَخَذَهُ وَتَوَضَّأَ بِهِ وَصَلَّى الْفَجْرَ» وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ الْعَمَلُ بِآيَةِ التَّيَمُّمِ فَإِنَّهَا تَنْقُلُ التَّطْهِيرَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ إلَى التُّرَابِ وَنَبِيذُ التَّمْرِ مَاءٌ مِنْ وَجْهٍ فَيَكُونُ الْحَدِيثُ مَرْدُودًا بِهَا لِكَوْنِهَا أَقْوَى مِنْ الْحَدِيثِ أَوْ هُوَ مَنْسُوخٌ بِهَا، أَيْ بِآيَةِ التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ وَلَيْلَةَ الْجِنِّ كَانَتْ بِمَكَّةَ. فَإِنْ قِيلَ نَسْخُ السُّنَّةِ بِالْكِتَابِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ قَوْلُهُ: أَوْ هُوَ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ التَّيَمُّمِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ جَوَابُ أَبِي يُوسُفَ خَاصَّةً، وَالْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا هُوَ قَوْلُهُ: عَمَلًا بِآيَةِ التَّيَمُّمِ

بِهِ وَيَتَيَمَّمُ لِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ اضْطِرَابًا وَفِي التَّارِيخِ جَهَالَةً فَوَجَبَ الْجَمْعُ احْتِيَاطًا. قُلْنَا لَيْلَةَ الْجِنِّ كَانَتْ غَيْرَ وَاحِدَةٍ فَلَا يَصِحُّ دَعْوَى النَّسْخِ، وَالْحَدِيثُ مَشْهُورٌ عَمِلَتْ بِهِ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَبِمِثْلِهِ يُزَادُ عَلَى الْكِتَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَتَيَمَّمُ؛ لِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ اضْطِرَابًا؛ لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى أَبِي زَيْدٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْحُرَيْثِ رَوَى عَنْهُ أَبُو فَزَارَةَ وَكَانَ نَبَّاذًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ لِيُهَوِّنَ عَلَى النَّاسِ أَمْرَ النَّبِيذِ، وَأَبُو زَيْدٍ كَانَ مَجْهُولًا عِنْدَ النَّقَلَةِ؛ وَلِأَنَّهُ رَوَى عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: هَلْ كَانَ أَبُوك مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْجِنِّ؟ فَقَالَ: وَلَوَدِدْت أَنْ لَوْ كَانَ أَبِي صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَوْ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكَانَ فَخْرًا عَظِيمًا وَمَنْقَبَةً لَهُ وَلِعَقِبِهِ بَعْدَهُ، فَأَنْكَرَ كَوْنَ أَبِيهِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَوْ كَانَ لَمَا خَفِيَ عَلَى ابْنِهِ، وَفِي التَّارِيخِ جَهَالَةٌ، فَإِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي انْتِسَاخِ هَذَا الْحَدِيثِ لِجَهَالَةِ التَّارِيخِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نُسِخَ ذَلِكَ بِآيَةِ التَّيَمُّمِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يُنْسَخْ؛ لِأَنَّ آيَةَ التَّيَمُّمِ نَزَلَتْ فِي شَأْنِ الْأَسْفَارِ، وَالنَّبِيذُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْعَادَاتِ فِيمَا قَرُبَ مِنْ الْأَمْصَارِ فَيَجِبُ الْجَمْعُ احْتِيَاطًا، قُلْنَا لَيْلَةُ الْجِنِّ كَانَتْ غَيْرَ وَاحِدَةٍ: يَعْنِي أَنَّهَا تَكَرَّرَتْ. قَالَ فِي التَّيْسِيرِ: «إنَّ الْجِنَّ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَفْعَتَيْنِ» ، فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الدَّفْعَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْمَدِينَةِ بَعْدَ آيَةِ التَّيَمُّمِ فَلَا يَصِحُّ دَعْوَى النَّسْخِ، وَالْحَدِيثُ مَشْهُورٌ ثَبَتَ بِطُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ وَعَمِلَتْ بِهِ الصَّحَابَةُ كَعَلِيٍّ رَوَى عَنْهُ الْحَارِثُ أَنَّهُ قَالَ: الْوُضُوءُ بِنَبِيذِ التَّمْرِ وُضُوءُ مَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ. وَرَوَى عَنْهُ مِنْ طُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِالْوُضُوءِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ. رَوَى عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: تَوَضَّئُوا بِنَبِيذِ التَّمْرِ وَلَا تَتَوَضَّئُوا بِاللَّبَنِ. وَرَوَى عَنْهُ مِنْ طُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ أَنَّهُ كَانَ يُجَوِّزُ الْوُضُوءَ بِنَبِيذِ التَّمْرِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يُجَوِّزُ الْوُضُوءَ بِنَبِيذِ التَّمْرِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، وَهْم كِبَارُ الصَّحَابَةِ أَئِمَّةُ الْفَتْوَى فَيَكُونُ قَوْلُهُمْ مَعْمُولًا بِهِ (وَبِمِثْلِهِ) أَيْ بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ (يُزَادُ عَلَى الْكِتَابِ) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ اشْتَبَهَ كَوْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْجِنِّ

وَأَمَّا الِاغْتِسَالُ بِهِ فَقَدْ قِيلَ يَجُوزُ عِنْدَهُ اعْتِبَارًا بِالْوُضُوءِ، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ فَوْقَهُ، وَالنَّبِيذُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ حُلْوًا رَقِيقًا يَسِيلُ عَلَى الْأَعْضَاءِ كَالْمَاءِ، وَمَا اشْتَدَّ مِنْهَا صَارَ حَرَامًا لَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ، وَإِنْ غَيَّرَتْهُ النَّارُ فَمَا دَامَ حُلْوًا رَقِيقًا فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ، وَإِنْ اشْتَدَّ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ لِأَنَّهُ يَحِلُّ شُرْبُهُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَتَوَضَّأُ بِهِ لِحُرْمَةِ شُرْبِهِ عِنْدَهُ، وَلَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِمَا سِوَاهُ مِنْ الْأَنْبِذَةِ جَرْيًا عَلَى قَضِيَّةِ الْقِيَاسِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقُلْنَا فِي الْبَابِ مَا يَكْفِي الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ وَهُوَ رِوَايَةُ هَؤُلَاءِ الْكِبَارِ مِنْ الصَّحَابَةِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الِاغْتِسَالُ بِهِ) أَيْ بِنَبِيذِ التَّمْرِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ اعْتِبَارًا بِالْوُضُوءِ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَهُوَ وُجُودُ الْحَدَثِ وَعَدَمُ الْمَاءِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُجَوِّزْهُ؛ لِأَنَّ الْأَثَرَ جَاءَ فِي الْوُضُوءِ خَاصَّةً وَالْغُسْلُ فَوْقَهُ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ. وَقَوْلُهُ: (وَالنَّبِيذُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ) بَيَانُ الْمَوْضِعِ الثَّالِثِ، ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي النَّوَادِرِ هُوَ أَنْ يُلْقِيَ تُمَيْرَاتٍ فِي مَاءٍ حَتَّى صَارَ الْمَاءُ حُلْوًا رَقِيقًا وَلَا يَكُونُ مُشْتَدًّا وَمُسْكِرًا، وَمَا اشْتَدَّ مِنْهَا وَصَارَ مُرًّا لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْكِرًا حَرَامًا، وَإِنْ غَيَّرَتْهُ النَّارُ، فَمَا دَامَ حُلْوًا رَقِيقًا يَسِيلُ عَلَى الْأَعْضَاءِ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَإِنْ اشْتَدَّ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِحِلِّ شُرْبِهِ عِنْدَهُ، وَلَمْ يَجُزْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِحُرْمَتِهِ عِنْدَهُ، وَلَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِمَا سِوَاهُ مِنْ الْأَنْبِذَةِ كَنَبِيذِ الزَّبِيبِ وَالتِّينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ نَبِيذَ التَّمْرِ خُصَّ بِالْأَثَرِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيَبْقَى الْبَاقِي عَلَى مُوجِبِ الْقِيَاسِ، وَلِأَنَّهُ عَلَّلَ بِعِلَّةٍ قَاصِرَةٍ وَهِيَ كَوْنُهَا تَمْرَةً طَيْبَةً عَلَّلَ بِاسْمٍ وَصِفَةٍ وَهُوَ لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ. اعْلَمْ أَنَّ الْقُدُورِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ فِي شَرْحِهِ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِنَبِيذِ التَّمْرِ إلَّا بِالنِّيَّةِ كَالتَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْمَاءِ كَالتَّيَمُّمِ، حَتَّى لَا يَجُوزَ التَّوَضُّؤُ بِهِ حَالَ وُجُودِ الْمَاءِ، وَلَوْ تَوَضَّأَ بِالنَّبِيذِ ثُمَّ وَجَدَ مَاءً مُطْلَقًا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ كَمَا يُنْتَقَضُ التَّيَمُّمُ بِوُجُودِ الْمَاءِ.

[باب التيمم]

بَابُ التَّيَمُّمِ (وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَهُوَ مُسَافِرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ التَّيَمُّمِ] لَمَّا فَرَغَ عَنْ ذِكْرِ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ ذَكَرَ التَّيَمُّمَ لِمَا أَنَّ حَقَّ الْخَلَفِ أَنْ يَعْقُبَ الْأَصْلَ، أَوْ نَقُولُ ابْتَدَأَ بِالْوُضُوءِ ثُمَّ ثَنَّى بِالْغُسْلِ ثُمَّ ثَلَّثَ بِالتَّيَمُّمِ تَأَسِّيًا بِكِتَابِ اللَّهِ الْعَزِيزِ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ تَرَكَ التَّأَسِّي بِكِتَابِ اللَّهِ فِي تَقْدِيمِ الْمُسَافِرِ وَخَارِجَ الْمِصْرِ عَلَى الْمَرِيضِ مَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّمَ الْمَرِيضَ عَلَى الْمُسَافِرِ فِي قَوْلِهِ {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [النساء: 43] أُجِيبَ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ مُرَتَّبٌ عَلَى عَدَمِ الْمَاءِ وَهُوَ فِيهِمَا حَقِيقِيٌّ وَفِي الْمَرِيضِ حُكْمِيٌّ، وَالتَّيَمُّمُ فِي اللُّغَةِ الْقَصْدُ وَفِي الشَّرِيعَةِ هُوَ الْقَصْدُ إلَى الصَّعِيدِ الطَّاهِرِ لِلتَّطَهُّرِ، فَالِاسْمُ الشَّرْعِيُّ فِيهِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ، وَثُبُوتُهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ: تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] «وَكَانَ نُزُولُهَا فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ حِينَ عَرَّسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةً فَسَقَطَتْ مِنْ عَائِشَةَ قِلَادَةٌ لِأَسْمَاءِ، فَلَمَّا ارْتَحَلُوا ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَبَعَثَ رَجُلَيْنِ فِي طَلَبِهَا فَنَزَلُوا يَنْتَظِرُونَهُمَا فَأَصْبَحُوا وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَأَغْلَظَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَقَالَ: حَبَسْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمِينَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَنَزَلَتْ، فَلَمَّا صَلَّوْا بِالتَّيَمُّمِ جَاءَ أُسَيْدَ بْنُ حُضَيْرٍ إلَى مِضْرَبِ عَائِشَةَ فَجَعَلَ يَقُولُ: مَا أَكْثَرَ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «يَرْحَمُك اللَّهُ يَا عَائِشَةَ مَا نَزَلَ بِك أَمْرٌ تَكْرَهِينَهُ إلَّا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ فَرَجًا» . وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ عَنْ «رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا أَيْنَمَا أَدْرَكَتْنِي الصَّلَاةُ تَيَمَّمْت وَصَلَّيْت» وَقَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «التُّرَابُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ وَلَوْ إلَى عَشْرِ حِجَجٍ مَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ» وَالْمُرَادُ بِالْمَاءِ مَا يَكْفِي لِرَفْعِ الْحَدَثِ الَّذِي بِهِ تَحِلُّ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ يَسْتَوِي وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ، إذْ لَا يَثْبُتُ بِهِ اسْتِبَاحَةُ الصَّلَاةِ فَكَانَ كَالْمَعْدُومِ. لَا يُقَالُ: مَاءٌ فِي قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [المائدة: 6] نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَيَتَنَاوَلُ مَا يُسَمَّى بِهِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَلَّا يَجُوزَ إلَّا بَعْدَ اسْتِعْمَالِ مَا مَعَهُ مِنْ الْمَاءِ وَإِنْ كَانَ لَا يَكْفِي لِلْوُضُوءِ كَمَا فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُرَادُ بِهِ مَا تَحِلُّ بِهِ الصَّلَاةُ، أَلَا تَرَى أَنَّ وُجُودَ الْمَاءِ النَّجِسِ لَا يَمْنَعُهُ وَإِنْ تَنَاوَلَتْهُ النَّكِرَةُ الْمَذْكُورَةُ وَالْحِلُّ مَوْقُوفٌ عَلَى مَا يَكْفِي

أَوْ خَارِجَ الْمِصْرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِصْرِ نَحْوُ مِيلٍ أَوْ أَكْثَرَ يَتَيَمَّمُ بِالصَّعِيدِ) قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «التُّرَابُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ وَلَوْ إلَى عَشْرِ حِجَجٍ مَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ» وَالْمِيلُ هُوَ الْمُخْتَارُ فِي الْمِقْدَارِ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الْحَرَجُ بِدُخُولِ الْمِصْرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالِاتِّفَاقِ. (قَوْلُهُ: أَوْ خَارِجَ الْمِصْرِ) مَنْصُوبٌ لِكَوْنِهِ حَالًا مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ وَهُوَ مُسَافِرٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا} [النساء: 43] وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا فِيهِ، وَهُوَ رَدٌّ لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إلَّا لِلْمُسَافِرِ، وَمَعْنَاهُ وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِمَنْ هُوَ خَارِجَ الْمِصْرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسَافِرًا إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِصْرِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بَيْنَ الْمَاءِ وَهُوَ أَوْلَى (نَحْوُ الْمِيلِ أَوْ أَكْثَرَ) وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى نَفْيِ جَوَازِ التَّيَمُّمِ فِي الْأَمْصَارِ إلَّا فِي الْمَوَاضِعِ الْمُسْتَثْنَاةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي. وَذَكَرَ فِي الْأَسْرَارِ: لَوْ عَدِمَ الْمَاءَ فِي الْأَمْصَارِ جَازَ فِيهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ عَدَمُهُ، فَأَيْنَمَا تَحَقَّقَ بَعْدَ وُجُودِ الْمُقْتَضِي جَازَ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ: أَوْ خَارِجَ الْمِصْرِ اتِّفَاقِيًّا بِحَسَبِ الْعَادَةِ لِمَا أَنَّ عَدَمَ الْمَاءِ فِي الْأَمْصَارِ نَادِرٌ عَادَةً. قِيلَ قَوْلُهُ: أَوْ أَكْثَرَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ تَأْكِيدٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّأْكِيدِ هُوَ أَنْ يُسْتَفَادَ مِنْ الثَّانِي مَا اُسْتُفِيدَ مِنْ الْأَوَّلِ، وَهَذَا كَذَلِكَ، وَرُدَّ بِأَنَّ تَخَلُّلَ الْعَاطِفِ يَأْبَاهُ. وَقِيلَ ذَكَرَهُ نَفْيًا لِرِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَاءَ إنْ كَانَ قُدَّامَهُ فَالْمَسَافَةُ مِيلَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَمِيلٌ، وَغَيْرُهَا مِنْ الرِّوَايَاتِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ وَهُوَ غَيْرُ حَسَنٍ. وَقِيلَ مِقْدَارُ الْبُعْدِ إنَّمَا يُعْلَمُ حَزْرًا وَظَنًّا، فَإِنْ كَانَ ظَنُّهُ أَنَّ الْمَاءَ مِنْ حَيْثُ هُوَ فِيهِ مِيلٌ أَوْ أَكْثَرُ تَيَمَّمَ، وَإِنْ كَانَ ظَنُّهُ أَنَّهُ مِيلٌ أَوْ أَقَلُّ لَمْ يَتَيَمَّمْ حَتَّى إذَا تَحَقَّقَ أَنَّهُ مِيلٌ جَازَ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ بَنَى كَلَامَهُ عَلَى أَنَّهُ يُعْلَمُ حَزْرًا وَظَنًّا، فَمِنْ أَيْنَ يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ مِنْ عَدَمِ الْوِجْدَانِ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ. وَقَوْلُهُ: " إلَى عَشْرِ حِجَجٍ " لِلْكَثْرَةِ لَا لِلْغَايَةِ لِجَوَازِ التَّيَمُّمِ فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ. وَقَوْلُهُ: (وَالْمِيلُ هُوَ الْمُخْتَارُ فِي الْمِقْدَارِ) احْتِرَازٌ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَقْوَالِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إذَا كَانَ الْمَاءُ عَلَى قَدْرِ مِيلَيْنِ، وَعَنْ الْكَرْخِيِّ إنْ كَانَ فِي مَرَضٍ يَسْمَعُ صَوْتَ أَهْلِ الْمَاءِ فَهُوَ قَرِيبٌ وَإِلَّا فَهُوَ بَعِيدٌ، وَبِهِ

وَالْمَاءُ مَعْدُومٌ حَقِيقَةً وَالْمُعْتَبَرُ الْمَسَافَةُ دُونَ خَوْفِ الْفَوْتِ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ يَأْتِي مِنْ قِبَلِهِ (وَلَوْ كَانَ يَجِدُ الْمَاءَ إلَّا أَنَّهُ مَرِيضٌ يَخَافُ إنْ اسْتَعْمَلَ الْمَاءَ اشْتَدَّ مَرَضُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَخَذَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا رِوَايَةَ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَرُوِيَ عَنْ زُفَرَ: إنْ كَانَ بِحَيْثُ يَصِلُ إلَى الْمَاءِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَا يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ، وَإِلَّا فَيُجْزِئُهُ وَإِنْ قَرُبَ الْمَاءُ مِنْهُ، وَالْمِيلُ ثُلُثُ فَرْسَخٍ وَالْفَرْسَخُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ خُطْوَةٍ، وَفَسَّرَ ابْنُ شُجَاعٍ الْمِيلَ بِثَلَاثَةِ آلَافِ ذِرَاعٍ وَخَمْسِمِائَةِ ذِرَاعٍ إلَى أَرْبَعَةِ آلَافِ ذِرَاعٍ. وَجْهُ الْمُخْتَارِ أَنْ يَلْحَقَهُ الْحَرَجُ بِدُخُولِ الْمِصْرِ وَبِالْوُصُولِ إلَى الْمَاءِ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ مِنْ الْمَسَافَةِ وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ. وَقَوْلُهُ: (وَالْمَاءُ مَعْدُومٌ حَقِيقَةً) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَلْوِيحًا إلَى مَا يُقَالُ النَّصُّ مُطْلَقٌ عَنْ ذِكْرِ الْمَسَافَةِ فَتَقْيِيدُهُ بِالْمِيلِ تَقْيِيدٌ لِمُطْلَقِ الْكِتَابِ بِالرَّأْيِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ كَوْنُ الْمَاءِ مَعْدُومًا، وَهَاهُنَا مَعْدُومٌ حَقِيقَةً لَكِنْ نَعْلَمُ بِيَقِينٍ أَنَّ عَدَمَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بِلَا حَرَجٍ لَيْسَ بِمُجَوِّزٍ لِلتَّيَمُّمِ، وَإِلَّا لَجَازَ لِمَنْ سَكَنَ بِشَاطِئِ الْبَحْرِ وَقَدْ عَدِمَ الْمَاءَ مِنْ بَيْتِهِ فَجَعَلْنَا الْحَدَّ الْفَاصِلَ بَيْنَ الْبُعْدِ وَالْقُرْبِ لُحُوقَ الْحَرَجِ؛ لِأَنَّ الطَّاعَةَ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وَقَوْلُهُ: (وَالْمُعْتَبَرُ الْمَسَافَةُ دُونَ خَوْفِ الْفَوْتِ) احْتِرَازٌ عَمَّا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ زُفَرَ آنِفًا قَالَ: التَّيَمُّمُ شُرِعَ لِضَرُورَةِ الْحَاجَةِ إلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ وَقَدْ تَحَقَّقَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ. وَقُلْنَا التَّفْرِيطُ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ بِتَأْخِيرِ

يَتَيَمَّمُ) لِمَا تَلَوْنَا، وَلِأَنَّ الضَّرَرَ فِي زِيَادَةِ الْمَرَضِ فَوْقَ الضَّرَرِ فِي زِيَادَةِ ثَمَنِ الْمَاءِ، وَذَلِكَ يُبِيحُ التَّيَمُّمَ فَهَذَا أَوْلَى. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَشْتَدَّ مَرَضُهُ بِالتَّحَرُّكِ أَوْ بِالِاسْتِعْمَالِ. وَاعْتَبَرَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خَوْفَ التَّلَفِ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِظَاهِرِ النَّصِّ. (وَلَوْ خَافَ الْجُنُبُ إنْ اغْتَسَلَ أَنْ يَقْتُلَهُ الْبَرْدُ أَوْ يُمْرِضَهُ يَتَيَمَّمُ بِالصَّعِيدِ) وَهَذَا إذَا كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ كَانَ فِي الْمِصْرِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافًا لَهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّلَاةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ إذَا كَانَ الْمَاءُ قَرِيبًا مِنْهُ. وَقَوْلُهُ: (يَتَيَمَّمُ لِمَا تَلَوْنَا) يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} [النساء: 43] وَقَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ الضَّرَرَ فِي زِيَادَةِ الْمَرَضِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ الْمَاءِ مَالٌ، وَالْمَالُ خُلِقَ وِقَايَةً لِلنَّفْسِ وَكَانَ تَبَعًا، وَلَمَّا كَانَ الْحَرَجُ مَدْفُوعًا عَنْ الْوِقَايَةِ الَّتِي هِيَ تَبَعٌ فَلَأَنْ يَكُونَ مَدْفُوعًا عَنْ الْمُوقَى الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ أَوْلَى. وَقَوْلُهُ: (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَشْتَدَّ مَرَضُهُ بِالتَّحَرُّكِ) كَالْمَبْطُونِ (أَوْ بِالِاسْتِعْمَالِ) كَالْجُدَرِيِّ وَالْحَصْبَةِ. وَقَوْلُهُ: (وَاعْتَبَرَ الشَّافِعِيُّ خَوْفَ التَّلَفِ) أَيْ تَلَفِ نَفْسِهِ أَوْ عُضْوِهِ (وَهُوَ) أَيْ اعْتِبَارُ الشَّافِعِيِّ (مَرْدُودٌ بِظَاهِرِ النَّصِّ) ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} [النساء: 43] بِإِطْلَاقِهِ يُبِيحُ التَّيَمُّمَ لِكُلِّ مَرِيضٍ، إلَّا أَنَّهُ خَرَجَ مَنْ لَا يَشْتَدُّ مَرَضُهُ بِسِيَاقِ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} [المائدة: 6] فَإِنَّ الْحَرَجَ إنَّمَا يَلْحَقُ مَنْ يَشْتَدُّ مَرَضُهُ بِهِ فَيَبْقَى الْبَاقِي عَلَى ظَاهِرِهَا. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ إطْلَاقَ النَّصِّ لِتَقَيُّدِهِ بِالْعَدَمِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْعَدَمَ شَرْطٌ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ دُونَ الْمَرِيضِ. وَقَوْلُهُ: (وَلَوْ خَافَ الْجُنُبُ إلَخْ) ظَاهِرٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُحْدِثَ إذَا خَافَ الْهَلَاكَ مِنْ الْوُضُوءِ فِي الْمِصْرِ. وَقَالَ فِي الْأَسْرَارِ: هُمَا سَوَاءٌ، وَذَكَرَ فِي

هُمَا يَقُولَانِ إنَّ تَحَقُّقَ هَذِهِ الْحَالَةِ نَادِرٌ فِي الْمِصْرِ فَلَا يُعْتَبَرُ. وَلَهُ أَنَّ الْعَجْزَ ثَابِتٌ حَقِيقَةً فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ. (وَالتَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ يَمْسَحُ بِإِحْدَاهُمَا وَجْهَهُ وَبِالْأُخْرَى يَدَيْهِ إلَى الْمَرْفِقَيْنِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ، ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ» وَيَنْفُضُ يَدَيْهِ بِقَدْرِ مَا يَتَنَاثَرُ التُّرَابُ كَيْ لَا يَصِيرَ مُثْلَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُحِيطِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ فِيهِ فَجَوَّزَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَلَمْ يُجَوِّزْهُ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ. قَالَ (وَالتَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ) قِيلَ فِي قَوْلِهِ ضَرْبَتَانِ إشَارَةٌ إلَى نَفْسِ الضَّرْبِ دَاخِلٌ فِي التَّيَمُّمِ، فَمَنْ ضَرَبَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ لِلتَّيَمُّمِ وَأَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ ثُمَّ مَسَحَهُمَا بِهِمَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ أَحْدَثَ بَعْدَ مَا أَتَى بِبَعْضِ التَّيَمُّمِ فَكَانَ كَمَنْ أَحْدَثَ فِي خِلَالِ الْوُضُوءِ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ جَوَازَهُ كَمَنْ مَلَأَ كَفَّيْهِ مَاءً لِلْوُضُوءِ ثُمَّ أَحْدَثَ ثُمَّ اسْتَعْمَلَهُ وَاخْتَارَ لَفْظَ الضَّرْبِ، وَإِنْ جَازَ الْوَضْعُ أَيْضًا لِلْمُبَالَغَةِ فِي إيصَالِ التُّرَابِ إلَى أَثْنَاءِ الْأَصَابِعِ (وَقَوْلُهُ: وَبِالْأُخْرَى يَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ) نَفْيٌ لِقَوْلِ الزُّهْرِيِّ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ إلَى الْآبَاطِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلِرِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إلَى الرُّسْغِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَوْلُهُ: (وَيَنْفُضُ) النَّفْضُ تَحْرِيكُ الشَّيْءِ لِيَسْقُطَ مَا عَلَيْهِ مِنْ غُبَارٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ: (بِقَدْرِ مَا يَتَنَاثَرُ التُّرَابُ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُقَدَّرُ بِمَرَّةٍ كَمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ، بَلْ إنْ احْتَاجَ إلَى الثَّانِي فَعَلَ وَلَا بِمَرَّتَيْنِ كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، بَلْ إذَا تَنَاثَرَ بِمَرَّةٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ أَلَّا يَصِيرَ مُثْلَةً، وَهُوَ يَحْصُلُ بِالنَّفْضِ سَوَاءٌ كَانَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَالْمُثْلَةُ مَا يُمَثَّلُ بِهِ مِنْ تَبْدِيلِ خِلْقَتِهِ وَتَغْيِيرِ هَيْئَتِهِ سَوَاءٌ كَانَ بِقَطْعِ عُضْوٍ أَوْ تَسْوِيدِ وَجْهٍ أَوْ تَغْيِيرِهِ. وَقَدْ حَكَى ابْنُ عُمَرَ وَجَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - «تَيَمُّمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَيْفِيَّتُهُ: أَنْ يَضْرِبَ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَنْفُضَهُمَا حَتَّى يَتَنَاثَرَ التُّرَابُ فَيَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ، ثُمَّ يَضْرِبَ بِهِمَا أُخْرَى فَيَنْفُضَهُمَا وَيَمْسَحَ

وَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِيعَابِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْوُضُوءِ، وَلِهَذَا قَالُوا: يُخَلِّلُ الْأَصَابِعَ وَيَنْزِعُ الْخَاتَمَ لِيُتِمَّ الْمَسْحَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِبَاطِنِ أَرْبَعِ أَصَابِعِ يَدِهِ الْيُسْرَى ظَاهِرِ يَدَهُ الْيُمْنَى مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى الْمِرْفَقِ، ثُمَّ يَمْسَحُ بِبَاطِنِ كَفِّهِ الْيُسْرَى بَاطِنَ ذِرَاعِهِ الْيُمْنَى إلَى الرُّسْغِ، وَيُمِرُّ بَاطِنَ إبْهَامِ يَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى ظَاهِرِ إبْهَامِ يَدِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يَفْعَلُ بِيَدِهِ الْيُسْرَى كَذَلِكَ» . وَقَوْلُهُ: (وَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِيعَابِ) يَعْنِي أَنَّ الِاسْتِيعَابَ شَرْطٌ فِي التَّيَمُّمِ حَتَّى إذَا تَرَكَ شَيْئًا لَمْ يَجُزْ كَمَا فِي الْوُضُوءِ. وَقَوْلُهُ: (فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: الْأَكْثَرُ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ فِي الْمَمْسُوحَاتِ الِاسْتِيعَابَ لَيْسَ بِشَرْطٍ كَمَا فِي مَسْحِ الْخُفِّ وَالرَّأْسِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ التَّيَمُّمَ قَائِمٌ مَقَامَ الْوُضُوءِ وَلِهَذَا قَالُوا: يُخَلِّلُ الْأَصَابِعَ وَيَنْزِعُ الْخَاتَمَ لِيُتِمَّ الْمَسْحَ، وَالِاسْتِيعَابُ فِي الْوُضُوءِ شَرْطٌ فَكَذَا فِيمَا قَامَ مَقَامَهُ، وَلَوْلَا الْخَلْفِيَّةُ لَكَانَ الْمَسْحُ إلَى الْمَنَاكِبِ وَاجِبًا عَمَلًا بِالْمُقْتَضِي وَهُوَ ذِكْرُ الْأَيْدِي فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَا يَلْزَمُ آيَةُ السَّرِقَةِ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَّنَ مَحَلَّ الْقَطْعِ وَهُوَ الزَّنْدُ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ» ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ حَقِيقَةَ الْيَدِ لَيْسَتْ بِمُرَادَةٍ فَإِنَّ الْبَاءَ إذَا دَخَلَ عَلَى الْمَحَلِّ تَعَدَّى الْفِعْلُ إلَى الْآلَةِ فَلَا يَقْتَضِي اسْتِيعَابَ الْمَحَلِّ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْبَاءَ صِلَةٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] فَلَا يَقْتَضِي تَبْعِيضَ الْمَحَلِّ، وَفِيهِ بَحْثٌ ذَكَرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ وَالْأَنْوَارِ.

(وَالْحَدَثُ وَالْجَنَابَةُ فِيهِ سَوَاءٌ) وَكَذَا الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ، لِمَا رُوِيَ «أَنَّ قَوْمًا جَاءُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالُوا: إنَّا قَوْمٌ نَسْكُنُ هَذِهِ الرِّمَالَ وَلَا نَجِدُ الْمَاءَ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ وَفِينَا الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: عَلَيْكُمْ بِأَرْضِكُمْ» . (وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ كَالتُّرَابِ وَالرَّمَلِ وَالْحَجَرِ وَالْجِصِّ وَالنُّورَةِ وَالْكُحْلِ وَالزِّرْنِيخِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَجُوزُ إلَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: (وَالْحَدَثُ وَالْجَنَابَةُ فِيهِ) أَيْ فِي التَّيَمُّمِ مِنْ حَيْثُ الْجَوَازُ وَالْكَيْفِيَّةُ وَالْآلَةُ سَوَاءٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَعَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَا يَتَيَمَّمُ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ، وَمَنْشَأُ الِاخْتِلَافِ فِيمَا بَيْنَهُمْ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [المائدة: 6] مَحْمُولٌ عَلَى الْمَسِّ بِالْيَدِ أَوْ عَلَى الْجِمَاعِ، فَذَهَبَ الْأَوَّلُونَ إلَى الثَّانِي وَالْآخِرُونَ إلَى الْأَوَّلِ وَقَالُوا: الْقِيَاسُ أَلَّا يَكُونَ التَّيَمُّمُ طَهُورًا، وَإِنَّمَا أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُحْدِثِ فَلَا يُبَاحُ لِلْجُنُبِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْقُولِ الْمَعْنَى حَتَّى يَصِحَّ الْقِيَاسُ، وَلَيْسَتْ فِي مَعْنَاهُ لِتَلْحَقَ بِهِ بَلْ هِيَ فَوْقَهُ. وَقَالَ الْأَوَّلُونَ الْمُلَامَسَةُ أُرِيدَ بِهَا الْجِمَاعُ مَجَازًا لِسِيَاقِ الْآيَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَيَّنَ حُكْمَ الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ فِي آيَةِ الْوُضُوءِ ثُمَّ نَقَلَ الْحُكْمُ إلَى التُّرَابِ حَالَ عَدَمِ الْمَاءِ، وَذَكَرَ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ بِقَوْلِهِ {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [المائدة: 6] فَيُحْمَلُ لَامَسْتُمْ عَلَى الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ لِتَصِيرَ الطَّهَارَتَانِ وَالْحَدَثَانِ مَذْكُورَيْنِ فِي آيَةِ التَّيَمُّمِ كَمَا فِي ذِكْرِ آيَةِ الْوُضُوءِ؛ وَلِئَلَّا يَلْزَمَ التَّكْرَارُ؛ لِأَنَّ الْأَصْغَرَ مَذْكُورٌ فِي قَوْله تَعَالَى {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [المائدة: 6] فِي حَقِّ التَّيَمُّمِ، فَحَمْلُ لَامَسْتُمْ عَلَيْهِ تَكْرَارٌ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ تَعَالَى شَرَعَ التَّيَمُّمَ لِلْمُحْدِثِ فَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرَعَهُ لِلْجُنُبِ أَيْضًا لِمَا رُوِيَ «أَنَّ قَوْمًا جَاءُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالُوا إنَّا قَوْمٌ نَسْكُنُ هَذِهِ الرِّمَالَ وَلَمْ نَجِدْ الْمَاءَ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ وَفِينَا الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: عَلَيْكُمْ بِأَرْضِكُمْ» وَفِي الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ كَثْرَةٌ. حَدَّثَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بِإِسْنَادِهِ إلَى عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا مُعْتَزِلًا لَمْ يُصَلِّ فِي الْقَوْمِ فَقَالَ: يَا فُلَانُ مَا مَنَعَك أَنْ تُصَلِّيَ فِي الْقَوْمِ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عَلَيْك بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيك» . وَقَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ) بَيَانٌ لِمَا يَجُوزُ بِهِ التَّيَمُّمُ. وَقَوْلُهُ: (بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ)

بِالتُّرَابِ وَالرَّمَلِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ إلَّا بِالتُّرَابِ الْمُنْبِتِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] أَيْ تُرَابًا مُنْبِتًا، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، غَيْرَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ زَادَ عَلَيْهِ الرَّمَلَ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ. وَلَهُمَا أَنَّ الصَّعِيدَ اسْمٌ لِوَجْهِ الْأَرْضِ سُمِّيَ بِهِ لِصُعُودِهِ، وَالطَّيِّبُ يَحْتَمِلُ الطَّاهِرَ فَحَمَلَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِمَوْضِعِ الطَّهَارَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقِيلَ كُلُّ مَا يَحْتَرِقُ بِالنَّارِ فَيَصِيرُ رَمَادًا كَالشَّجَرِ، أَوْ يَنْطَبِعُ أَوْ يَلِينُ كَالْحَدِيدِ فَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ. وَهَاهُنَا لَطِيفَةٌ وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ دُرَّةً وَنَظَرَ إلَيْهَا فَصَارَتْ مَاءً، ثُمَّ تَكَاثَفَ مِنْهُ فَصَارَ تُرَابًا، وَتَلَطَّفَ مِنْهُ فَصَارَ هَوَاءً وَتَلَطَّفَ مِنْهُ فَصَارَ نَارًا فَكَانَ الْمَاءُ أَصْلًا. ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ التَّوْرَاةِ، فَإِذَا تَعَذَّرَتْ الطَّهَارَةُ بِالْأَصْلِ انْتَقَلَ إلَى التَّبَعِ وَأُقِيمَ مَقَامَهُ، وَالنَّبَاتُ كَالشَّجَرِ وَنَحْوِهِ، وَالْمَعْدِنِيُّ كَالْحَدِيدِ وَشَبَهِهِ لَيْسَ بِتَبَعٍ لِلْمَاءِ وَحْدَهُ حَتَّى يَقُومَ مَقَامَهُ وَلَا لِلتُّرَابِ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ الْعَنَاصِرِ الْأَرْبَعَةِ فَلَيْسَ لَهُ اخْتِصَاصٌ بِشَيْءٍ مِنْهَا حَتَّى تَقُومَ مَقَامَهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَجُوزُ إلَّا بِالتُّرَابِ وَالرَّمَلِ خَاصَّةً ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالتُّرَابِ الْخَالِصِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] أَيْ تُرَابًا مُنْبِتًا، هَكَذَا فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَهَذَا يَقْتَضِي الْقَصْرَ عَلَيْهِ، غَيْرَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ زَادَ عَلَيْهِ الرَّمَلَ فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ بِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَلَيْكُمْ بِأَرْضِكُمْ» وَلَهُمَا أَنَّ الصَّعِيدَ اسْمٌ لِوَجْهِ الْأَرْضِ كَذَا رُوِيَ عَنْ الْخَلِيلِ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ عَنْ الزَّجَّاجِ أَنَّ الصَّعِيدَ اسْمٌ لِوَجْهِ الْأَرْضِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ لَا أَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ خِلَافًا فِي أَنَّ الصَّعِيدَ وَجْهُ الْأَرْضِ. وَفِي الصِّحَاحِ عَنْ ثَعْلَبٍ أَنَّ الصَّعِيدَ وَجْهُ الْأَرْضِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (سُمِّيَ بِهِ لِصُعُودِهِ) وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَتَقْيِيدُهُ بِالتُّرَابِ الْمُنْبِتِ تَقْيِيدٌ لِلْمُطْلَقِ بِلَا دَلِيلٍ (وَالطَّيِّبُ يَحْتَمِلُ الطَّاهِرَ) كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى حَلَالًا طَيِّبًا (فَحُمِلَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِمَوْضِعِ الطَّهَارَةِ) أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ التُّرَابُ الْمُنْبِتُ نَجِسًا لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهِ إجْمَاعًا، فَعُلِمَ أَنَّ الْإِنْبَاتَ لَيْسَ لَهُ أَثَرٌ فِي هَذَا الْبَابِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَقَوْلُهُ:

أَوْ هُوَ مُرَادُ الْإِجْمَاعِ (ثُمَّ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ غُبَارٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) لِإِطْلَاقِ مَا تَلَوْنَا (وَكَذَا يَجُوزُ بِالْغُبَارِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الصَّعِيدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ) لِأَنَّهُ تُرَابٌ رَقِيقٌ. (وَالنِّيَّةُ فَرْضٌ فِي التَّيَمُّمِ) وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَيْسَتْ بِفَرْضٍ لِأَنَّهُ خَلَفٌ عَنْ الْوُضُوءِ فَلَا يُخَالِفُهُ فِي وَصْفِهِ. وَلَنَا أَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ الْقَصْدِ فَلَا يَتَحَقَّقُ دُونَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ هُوَ مُرَادٌ بِالْإِجْمَاعِ) دَلِيلٌ آخَرُ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الطَّيِّبَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الطَّاهِرِ وَالْمُنْبِتِ، وَالطَّاهِرُ مُرَادٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا مَرَّ آنِفًا فَلَا يَكُونُ الْمُنْبِتُ مُرَادًا؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ لَا عُمُومَ لَهُ (ثُمَّ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الصَّعِيدِ (غُبَارٌ) يَلْتَزِقُ بِالْيَدِ فَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالْكُحْلِ وَالْآجُرُّ وَالْمَرْدَاسِنْجُ وَالْيَاقُوتُ وَالْفَيْرُوزَجُ وَالْمَرْجَانُ وَالزُّمُرُّدُ وَالزَّبَرْجَدُ وَإِنْ كَانَتْ مُلْسًا لَا غُبَارَ عَلَيْهَا (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَمُحَمَّدٍ عَنْهُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (لِإِطْلَاقِ مَا تَلَوْنَا) مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَأَحْمَدَ: لَا يَجُوزُ بِدُونِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] أَيْ مِنْ التُّرَابِ، وَهُوَ كَمَا تَرَى يُوجِبُ الْمَسْحَ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَرْضِ لِكَوْنِ كَلِمَةِ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الضَّمِيرَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ لِلْمُحْدِثِ أَوْ يُحْمَلَ مِنْ عَلَى ابْتِدَاءِ الْغَايَةِ (وَكَذَلِكَ يَجُوزُ بِالْغُبَارِ) بِأَنْ يَنْقُضَ ثَوْبَهُ أَوْ لِبَدَهُ (مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الصَّعِيدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ) وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يُجَوِّزْهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الصَّعِيدِ؛ لِأَنَّ الْغُبَارَ لَيْسَ بِتُرَابٍ خَالِصٍ، وَلَكِنَّهُ مِنْ التُّرَابِ مِنْ وَجْهٍ وَالْمَأْمُورُ بِهِ التَّيَمُّمُ بِالصَّعِيدِ، فَعِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ، وَأَمَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ فَيَجُوزُ كَالْإِيمَاءِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. وَدَلِيلُهُمَا قَوْلُهُ: (؛ لِأَنَّهُ تُرَابٌ رَقِيقٌ) فَإِنَّ مَنْ نَفَّضَ ثَوْبَهُ يَتَأَذَّى جَارُهُ مِنْ التُّرَابِ، وَكَمَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالْخَشِنِ مِنْهُ فَكَذَا بِالرَّقِيقِ، وَالشَّرْطُ فِي التَّيَمُّمِ بِالْغُبَارِ الْمَسْحُ بِيَدِهِ لَا مُجَرَّدُ إصَابَةِ الْغُبَارِ مَعَ النِّيَّةِ، فَلَوْ أَصَابَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ غُبَارٌ وَنَوَى التَّيَمُّمَ وَلَمْ يَمْسَحْ بِهِ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ لَمْ يَكُنْ مُتَيَمِّمًا. (وَالنِّيَّةُ فَرْضٌ فِي التَّيَمُّمِ) خِلَافًا لِزُفَرَ. هُوَ يَقُولُ التَّيَمُّمُ خَلَفٌ عَنْ الْوُضُوءِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْخَلَفَ هُوَ مَا لَا يَجُوزُ الْإِتْيَانُ بِهِ إلَّا عِنْدَ عُذْرٍ وُجِدَ فِي الْأَصْلِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، وَالْخَلَفُ لَا يُخَالِفُ الْأَصْلَ فِي وَصْفِهِ: أَيْ فِي وَصْفِهِ الَّذِي هُوَ الصِّحَّةُ، فَإِنَّ الْوُضُوءَ بِدُونِ النِّيَّةِ صَحِيحٌ، فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ التَّيَمُّمُ بِدُونِهَا كَانَ الْخَلَفُ مُخَالِفًا لِلْأَصْلِ فِي وَصْفِهِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْخَلَفِيَّةِ إذْ ذَاكَ (وَلَنَا أَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ الْقَصْدِ فَلَا يَتَحَقَّقُ دُونَهُ) وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ، وَقَدْ قِيلَ أَيْضًا فِي تَقْرِيرِهِ التَّيَمُّمَ يَدُلُّ عَلَى

أَوْ جَعَلَ طَهُورًا فِي حَالَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَالْمَاءُ طَهُورٌ بِنَفْسِهِ عَلَى مَا مَرَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَصْدِ وَالْقَصْدُ هُوَ النِّيَّةُ، وَأُمِرْنَا بِالتَّيَمُّمِ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَيُشْتَرَطُ النِّيَّةُ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ فَإِنَّ الْأَمْرَ ثَمَّةَ وَرَدَ بِالْغَسْلِ وَالْمَسْحِ وَلَا دَلَالَةَ لَهُمَا عَلَى النِّيَّةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ الْمَأْمُورَ بِهِ هُوَ قَصْدُ اسْتِعْمَالِ التُّرَابِ. وَتَفْسِيرُ النِّيَّةِ فِي التَّيَمُّمِ أَنْ يَنْوِيَ الطَّهَارَةَ أَوْ رَفْعَ الْحَدَثِ أَوْ الْجَنَابَةِ أَوْ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ وَهَذَا غَيْرُ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ أَحَدِهِمَا مَأْمُورًا بِهِ أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ شَرْطًا. وَقَوْلُهُ: (أَوْ جَعَلَ طَهُورًا) دَلِيلٌ آخَرُ. وَتَقْرِيرُهُ جَعْلُ التُّرَابِ طَهُورًا بِشَرْطَيْنِ: بِشَرْطِ عَدَمِ الْمَاءِ، وَبِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ التَّيَمُّمُ لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6] بِنَاءٌ عَلَى قَوْله تَعَالَى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] وَالْمُرَادُ بِهِ فَاغْسِلُوا لِلصَّلَاةِ، فَكَذَا قَوْله تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6] لِلصَّلَاةِ، فَكَمَا لَا يُفِيدُ الطَّهَارَةَ حَالَ وُجُودِ الْمَاءِ فَكَذَا لَا يُفِيدُهَا حَالَ عَدَمِ النِّيَّةِ. وَقَوْلُهُ: (وَالْمَاءُ طَهُورٌ بِنَفْسِهِ) جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ

(ثُمَّ إذَا نَوَى الطَّهَارَةَ أَوْ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ أَجْزَأَهُ وَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ التَّيَمُّمِ لِلْحَدَثِ أَوْ لِلْجَنَابَةِ) هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. (فَإِنْ تَيَمَّمَ نَصْرَانِيٌّ يُرِيدُ بِهِ الْإِسْلَامَ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَكُنْ مُتَيَمِّمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هُوَ مُتَيَمِّمٌ) لِأَنَّهُ نَوَى قُرْبَةً مَقْصُودَةً، بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ. وَلَهُمَا أَنَّ التُّرَابَ مَا جُعِلَ طَهُورًا إلَّا فِي حَالِ إرَادَةِ قُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ لَا تَصِحُّ بِدُونِ الطَّهَارَةِ، وَالْإِسْلَامُ قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ تَصِحُّ بِدُونِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQتَقْدِيرُهُ أَنَّ الْمَاءَ أَيْضًا فِي الْآيَةِ جُعِلَ طَهُورًا فِي حَالَةٍ مَخْصُوصَةٍ كَمَا ذَكَرَ ثَمَّ، فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ شَرْطًا فِيهِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ بِنَفْسِهِ: أَيْ عَامِلٌ بِطَبْعِهِ كَمَا مَرَّ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ كَمَا فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْعَيْنِيَّةِ. وَقَوْلُهُ: (ثُمَّ إذَا نَوَى الطَّهَارَةَ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ) احْتِرَازٌ عَمَّا قَالَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ التَّيَمُّمِ لِلْحَدَثِ أَوْ لِلْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَهُمَا بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَا يَتَمَيَّزُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ إلَّا بِالنِّيَّةِ كَصَلَاةِ الْفَرْضِ عَنْ النَّافِلَةِ، وَوَجْهُ مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةٌ فَلَا يَلْزَمُ نِيَّةُ أَسْبَابِهَا كَمَا فِي الْوُضُوءِ. قَالَ (فَإِنْ تَيَمَّمَ نَصْرَانِيٌّ يُرِيدُ بِهِ الْإِسْلَامَ) نَصْرَانِيٌّ تَيَمَّمَ يُرِيدُ بِهِ الْإِسْلَامَ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَكُنْ مُتَيَمِّمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هُوَ مُتَيَمِّمٌ؛ لِأَنَّهُ نَوَى قُرْبَةً مَقْصُودَةً أَمَّا الْقُرْبَةُ فَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ أَعْظَمُ الْقُرَبِ، وَأَمَّا أَنَّهَا مَقْصُودَةٌ فَلِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هَاهُنَا مَا لَا يَكُونُ فِي ضِمْنِ شَيْءٍ آخَرَ كَالْمَشْرُوطِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ صَحَّ تَيَمُّمُهُ كَالْمُسْلِمِ تَيَمَّمَ لِلصَّلَاةِ (بِخِلَافِ مَا إذَا تَيَمَّمَ الْمُسْلِمُ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ) فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَيَمِّمًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ لِحُصُولِهِ فِي ضِمْنِ شَيْءٍ آخَرَ (وَلَهُمَا أَنَّ التُّرَابَ مَا جُعِلَ طَهُورًا إلَّا فِي حَالِ إرَادَةِ قُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ لَا تَصِحُّ بِدُونِ الطَّهَارَةِ) وَالْإِسْلَامُ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ بِدُونِهَا،

بِخِلَافِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ لَا تَصِحُّ بِدُونِ الطَّهَارَةِ (وَإِنْ تَوَضَّأَ لَا يُرِيدُ بِهِ الْإِسْلَامَ ثُمَّ أَسْلَمَ فَهُوَ مُتَوَضِّئٌ) خِلَافًا لَلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ. (فَإِنْ تَيَمَّمَ مُسْلِمٌ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَهُوَ عَلَى تَيَمُّمِهِ) وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بَطَلَ تَيَمُّمُهُ لِأَنَّ الْكُفْرَ يُنَافِيه فَيَسْتَوِي فِيهِ الِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ كَالْمَحْرَمِيَّةِ فِي النِّكَاحِ. وَلَنَا أَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ صِفَةُ كَوْنِهِ طَاهِرًا فَاعْتِرَاضُ الْكُفْرِ عَلَيْهِ لَا يُنَافِيه كَمَا لَوْ اعْتَرَضَ عَلَى الْوُضُوءِ، وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِخِلَافِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ) عَلَى التَّفْسِيرِ الَّذِي ذَكَرْنَا (وَلَا تَصِحُّ بِدُونِ الطَّهَارَةِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: فِي هَذَا اللَّفْظِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَوْ نَوَى قُرْبَةَ التَّيَمُّمِ لَا تَصِحُّ تِلْكَ الْقُرْبَةُ بِدُونِ الطَّهَارَةِ وَكَانَ مُتَيَمِّمًا، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْكَافِرَ إذَا تَيَمَّمَ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ أَسْلَمَ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ نَصَّ عَلَى هَذَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ، بَلْ الصَّوَابُ فِي التَّعْلِيلِ أَنْ يُقَالَ: الْكَافِرُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلنِّيَّةِ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ، وَالتَّيَمُّمُ لَا يَصِحُّ بِدُونِ النِّيَّةِ فَلِذَلِكَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ التَّيَمُّمُ وَعَنْ هَذَا فَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَ نِيَّتِهِ الْإِسْلَامَ وَنِيَّتِهِ الصَّلَاةَ فَقَالَ يَكُونُ مُتَيَمِّمًا فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي. وَقَالَ:؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَصِحُّ مِنْهُ فَتَصِحُّ نِيَّةُ التَّيَمُّمِ مِنْهُ لِلْإِسْلَامِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَيَمَّمَ بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ قُرْبَةٌ لَا تَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الصَّلَاةِ فَيُجْعَلُ وُجُودُ هَذِهِ النِّيَّةِ وَعَدَمِهَا بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَبْقَى التَّيَمُّمُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ فَلَا يَصِحُّ (وَإِنْ تَوَضَّأَ النَّصْرَانِيُّ لَا يُرِيدُ بِهِ الْإِسْلَامَ ثُمَّ أَسْلَمَ فَهُوَ مُتَوَضِّئٌ) عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ فِيهِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا، فَعَدَمُ أَهْلِيَّتِهِ لَا يَضُرُّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ بِمُتَوَضِّئٍ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، فَقَوْلُهُ: (بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ) دَلِيلُ الشَّافِعِيِّ وَيُفْهَمُ مِنْهُ دَلِيلُنَا. (فَإِنْ تَيَمَّمَ مُسْلِمٌ ثُمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَهُوَ عَلَى تَيَمُّمِهِ. وَقَالَ زُفَرُ: يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ يُنَافِي التَّيَمُّمَ) ابْتِدَاءً فَكَذَا بَقَاءً كَالْمَحْرَمِيَّةِ فِي النِّكَاحِ بِأَنْ كَانَا رَضِيعَيْنِ وَقَدْ زُوِّجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ أَبَوَاهُمَا ثُمَّ أَرْضَعَتْهُمَا امْرَأَةٌ فَإِنَّهُ يَرْتَفِعُ النِّكَاحُ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْكُفْرَ يُنَافِي التَّيَمُّمَ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ عِبَادَةً، وَكَوْنُهُ عِبَادَةً إنَّمَا هُوَ بِالنِّيَّةِ وَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ عِنْدَ زُفَرُ فَيَكُونُ اعْتِرَاضُ الْكُفْرِ عَلَى التَّيَمُّمِ كَاعْتِرَاضِهِ عَلَى الْوُضُوءِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ رَوَى عَنْ زُفَرَ رِوَايَةً أُخْرَى اشْتَرَطَ فِيهَا النِّيَّةَ لِلتَّيَمُّمِ، وَقِيلَ الْمُنَافَاةُ بَيْنَهُمَا بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلصَّلَاةِ وَالْكَافِرُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لَهَا فَكَانَ فِعْلُهُ كَفِعْلِ الْبَهِيمَةِ فَيَكُونُ تَيَمُّمُهُ بَاطِلًا نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ لِمَا مَرَّ (وَلَنَا أَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ صِفَةُ كَوْنِهِ طَاهِرًا) وَمَعْنَاهُ أَنَّ التَّيَمُّمَ عَدَمٌ كَمَا وُجِدَ لِكَوْنِهِ فِعْلًا فَعِنْدَ الْكُفْرِ

مِنْ الْكَافِرِ ابْتِدَاءٌ لِعَدَمِ النِّيَّةِ مِنْهُ. (وَيَنْقُضُ التَّيَمُّمَ كُلُّ شَيْءٍ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ) لِأَنَّهُ خَلَفٌ عَنْهُ فَأَخَذَ حُكْمَهُ (وَيَنْقُضُهُ أَيْضًا رُؤْيَةُ الْمَاءِ إذَا قَدَرَ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ) لِأَنَّ الْقُدْرَةَ هِيَ الْمُرَادُ بِالْوُجُودِ الَّذِي هُوَ غَايَةٌ لِطَهُورِيَّةِ التُّرَابِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَكُونُ التَّيَمُّمُ مَوْجُودًا حَتَّى يَبْطُلَ لِوُجُودِ مُنَافِيهِ بَلْ الْبَاقِي صِفَةُ كَوْنِهِ طَاهِرًا وَالْكُفْرُ لَا يُنَافِيهِ، فَاعْتِرَاضُهُ عَلَيْهِ كَالِاعْتِرَاضِ عَلَى الْوُضُوءِ، وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ ابْتِدَاءً لِعَدَمِ النِّيَّةِ مِنْهُ، وَلَيْسَ الْبَقَاءُ كَذَلِكَ لِوُجُودِهَا. فَإِنْ قِيلَ: الرِّدَّةُ تُحْبِطُ الْعَمَلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] وقَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} [المائدة: 5] وَوُضُوءُهُ وَتَيَمُّمُهُ مِنْ عَمَلِهِ فَكَيْفَ يَبْقَيَانِ بَعْدَ الرِّدَّةِ أُجِيبَ بِأَنَّ الرِّدَّةَ تُحْبِطُ ثَوَابَ الْعَمَلِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ زَوَالَ الْحَدَثِ كَمَنْ تَوَضَّأَ رِيَاءً فَإِنَّ الْحَدَثَ يَزُولُ بِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُثَابُ عَلَى وُضُوئِهِ. قَالَ (وَيَنْقُضُ التَّيَمُّمَ كُلُّ شَيْءٍ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ التَّيَمُّمَ خَلَفٌ عَنْ الْوُضُوءِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَصْلَ أَقْوَى مِنْ الْخَلَفِ، فَمَا كَانَ نَاقِضًا لِلْأَقْوَى كَانَ نَاقِضًا لِلْأَضْعَفِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، فَكُلُّ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ يَنْقُضُ التَّيَمُّمَ (وَيَنْقُضُهُ أَيْضًا رُؤْيَةُ الْمَاءِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ) وَإِسْنَادُ النَّقْضِ إلَى رُؤْيَةِ الْمَاءِ إسْنَادٌ مَجَازِيٌّ؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْمَاءِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ شَرْطٌ لِعَمَلِ الْحَدَثِ السَّابِقِ عَمَلُهُ عِنْدَنَا، وَالنَّاقِضُ حَقِيقَةٌ هُوَ الْحَدَثُ السَّابِقُ بِخُرُوجِ النَّجِسِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْقُدْرَةَ هِيَ الْمُرَادُ) قَدْ ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ. وَقَوْلُهُ: (هُوَ غَايَةٌ لِطَهُورِيَّةِ التُّرَابِ) سَمَّاهُ غَايَةً مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى إذْ لَيْسَ فِي لَفْظِ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ» وَكَلِمَةُ مَا لِلْمُدَّةِ: أَيْ مَا دَامَ أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِدٍ لِلْمَاءِ، وَلَكِنَّ مَعْنَاهُمَا يَلْتَقِيَانِ فِي أَنَّ الْحُكْمَ بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ يُخَالِفُ مَا قَبْلَهُ فَسُمِّيَ بِاسْمِ الْغَايَةِ. قِيلَ لَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِهَاءِ طَهُورِيَّةِ التُّرَابِ انْتِهَاءُ الطَّهَارَةِ الْحَاصِلَةِ بِهِ كَالْمَاءِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ نَجِسًا بِالِاسْتِعْمَالِ وَتَنْتَهِي طَهُورِيَّتُهُ وَتَبْقَى الطَّهَارَةُ الْحَاصِلَةُ بِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الطَّهَارَةَ الْحَاصِلَةَ بِهِ صِفَةٌ رَاجِعَةٌ إلَى الْمَحَلِّ، وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ فَالِابْتِدَاءُ

وَخَائِفُ السَّبُعِ وَالْعَدُوِّ وَالْعَطَشِ عَاجِزٌ حُكْمًا وَالنَّائِمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَادِرٌ تَقْدِيرًا، حَتَّى لَوْ مَرَّ النَّائِمُ الْمُتَيَمِّمُ عَلَى الْمَاءِ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ عِنْدَهُ، وَالْمُرَادُ مَاءٌ يَكْفِي لِلْوُضُوءِ لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِمَا دُونَهُ ابْتِدَاءً فَكَذَا انْتِهَاءً ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْبَقَاءُ فِيهِ سَوَاءٌ (وَخَائِفُ الْعَدُوِّ) سَوَاءٌ كَانَ خَائِفًا عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى مَالِهِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ (وَالسَّبُعِ وَالْعَطَشِ عَاجِزٌ حُكْمًا) ؛ لِأَنَّ صِيَانَةَ النَّفْسِ أَوْجَبُ مِنْ صِيَانَةِ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ فَإِنَّ لَهَا بَدَلًا وَلَا بَدَلَ لِلنَّفْسِ. (وَالنَّائِمُ) يَعْنِي مَنْ لَمْ يَكُنْ مُضْطَجِعًا وَلَا مُسْتَنِدًا فِي الْمَحْمَلِ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ يُنْتَقَضُ تَيَمُّمُهُ بِالنَّوْمِ فَلَا تَتَأَتَّى هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ (قَادِرٌ تَقْدِيرًا) أَيْ حُكْمًا (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) فَيُنْتَقَضُ بِهِ تَيَمُّمُهُ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الِاسْتِعْمَالِ بِعُذْرٍ جَاءَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ مَعْذُورًا. وَقِيلَ يَنْبَغِي أَلَّا يَتَنَاقَضَ عِنْدَ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ وَبِقُرْبِهِ مَاءٌ لَا يَعْلَمُ بِهِ يَجُوزُ تَيَمُّمُهُ عِنْدَ الْكُلِّ. وَقَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ: وَفِي زِيَادَاتِ الْحَلْوَانِيِّ فِي انْتِقَاضِ تَيَمُّمِ النَّائِمِ الْمَارِّ بِالْمَاءِ رِوَايَتَانِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ. وَقَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ مَاءٌ يَكْفِي لِلْوُضُوءِ) يَعْنِي الْمَاءَ الَّذِي يَمُرُّ عَلَيْهِ النَّائِمُ وَقَدْ مَرَّ لَنَا مِنْ قَبْلُ.

(وَلَا يُتَيَمَّمُ إلَّا بِصَعِيدٍ طَاهِرٍ) لِأَنَّ الطَّيِّبَ أُرِيدَ بِهِ الطَّاهِرَ فِي النَّصِّ وَلِأَنَّهُ آلَةُ التَّطْهِيرِ فَلَا بُدَّ مِنْ طَهَارَتِهِ فِي نَفْسِهِ كَالْمَاءِ. (وَيُسْتَحَبُّ لِعَادِمِ الْمَاءِ وَهُوَ يَرْجُوهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ إلَى آخَرِ الْوَقْتِ، فَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ تَوَضَّأَ وَإِلَّا تَيَمَّمَ وَصَلَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: (؛ لِأَنَّ الطَّيِّبَ) يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] (أُرِيدَ بِهِ الطَّاهِرُ) بِالْإِجْمَاعِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَوْلُهُ: (وَيُسْتَحَبُّ لِعَادِمِ الْمَاءِ) ظَاهِرٌ، قِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَفْضَلُ عِنْدَنَا أَيْضًا إلَّا إذَا تَضَمَّنَ التَّأْخِيرُ فَضِيلَةً لَا تَحْصُلُ بِدُونِهِ كَتَكْثِيرِ الْجَمَاعَةِ وَالصَّلَاةِ بِأَكْمَلِ الطَّهَارَتَيْنِ. وَرُدَّ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مَذْهَبًا لِأَصْحَابِنَا أَلَا تَرَى إلَى مَا صَرَّحَ

لِيَقَعَ الْأَدَاءُ بِأَكْمَلِ الطَّهَارَتَيْنِ فَصَارَ كَالطَّامِعِ فِي الْجَمَاعَةِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّ التَّأْخِيرَ حَتْمٌ لِأَنَّ غَالِبَ الرَّأْيِ كَالْمُتَحَقِّقِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْعَجْزَ ثَابِتٌ حَقِيقَةً فَلَا يَزُولُ حُكْمُهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي كُتُبِهِمْ بِقَوْلِهِمْ وَيُسْتَحَبُّ الْإِسْفَارُ بِالْفَجْرِ وَالْإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ فِي الصَّيْفِ وَتَأْخِيرُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ الشَّمْسُ وَتَقْدِيمُ الْمَغْرِبِ وَتَأْخِيرُ الْعِشَاءِ إلَى مَا قَبْلَ ثُلُثِ اللَّيْلِ عَلَى مَا سَيَأْتِي. وَقَوْلُهُ: لِعَادِمِ الْمَاءِ لَيْسَ احْتِرَازٌ عَنْ غَيْرِ عَادِمِهِ بَلْ هُوَ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ عِنْدَهُ أَنَّ عَادِمَ الْمَاءِ وَإِنْ رَجَا أَنْ يَجِدَهُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ يُقَدِّمُ الصَّلَاةَ، وَكَذَا قَوْلُهُ: كَالطَّامِعِ فِي الْجَمَاعَةِ لَيْسَ بِاحْتِرَازٍ عَنْ غَيْرِ الطَّامِعِ بَلْ هُوَ إلْزَامٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ التَّأْخِيرَ مُسْتَحَبٌّ إذَا كَانَ طَامِعًا فِي الْجَمَاعَةِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُ الْأَصْحَابِ فِي مُوجِبَاتِ الْغُسْلِ وَالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ احْتِرَازًا عَنْ الْإِنْزَالِ لِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِنْزَالِ وَعَدَمِهِ فِي الْمُوجَبِيَّةِ لَا مَحَالَةَ، وَإِنَّمَا هُوَ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْأَنْصَارِيِّ، وَقَوْلُهُ: (فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ) رِوَايَةُ الْأُصُولِ رِوَايَةُ الْجَامِعَيْنِ وَالزِّيَادَاتِ وَالْمَبْسُوطِ وَرِوَايَةِ غَيْرِ الْأُصُولِ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ وَالْأَمَالِي وَالرُّقَيَّاتِ والكيسانيات والهارونيات. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّ غَالِبَ الرَّأْيِ كَالْمُتَحَقِّقِ) أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى غَالِبَ الرَّأْيِ عِلْمًا، قَالَ تَعَالَى {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: 10] الْآيَةَ، وَجَبَ الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسُ كَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْعَزِيزِ: هَذَا التَّعْلِيلُ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَجِبَ التَّأْخِيرُ عِنْدَ التَّحَقُّقِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ مَعَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ لِيَصِحَّ مَقِيسًا عَلَيْهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ أَنَّ مَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ مِيلٌ أَوْ أَكْثَرُ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَعَامَّةِ النُّسَخِ: الْمُسَافِرُ إذَا كَانَ عَلَى تَيَقُّنٍ مِنْ وُجُودِ الْمَاءِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ أَوْ غَالِبُ ظَنِّهِ ذَلِكَ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ مِيلٌ أَوْ أَكْثَرُ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ خَافَ فَوْتَ الصَّلَاةِ فَلَوْ حُمِلَ هَذَا: يَعْنِي التَّعْلِيلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَجُوزُ فِي الْمُتَحَقِّقِ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ فَأُلْحِقَ بِهِ غَالِبُ الظَّنِّ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَمْ يَسْتَقِمْ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ عَلَّلَ وَجْهَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بِأَنَّ الْعَجْزَ ثَابِتٌ حَقِيقَةً فَلَا يَزُولُ حُكْمُهُ إلَّا بِيَقِينٍ مِثْلِهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ حُكْمَ الْعَجْزِ وَهُوَ جَوَازُ التَّيَمُّمِ يَزُولُ عِنْدَ التَّيَقُّنِ بِوُجُودِ الْمَاءِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّا. وَلَوْ حُمِلَ عَلَى أَنَّ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَقَلُّ مِنْ مِيلٍ لَمْ يَسْتَقِمْ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي تَعْلِيلِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ غَلَبَةِ الظَّنِّ وَالْيَقِينِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمَسَافَةُ أَقَلَّ مِنْ مِيلٍ فِي عَدَمِ جَوَازِ التَّيَمُّمِ، كَمَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمَسَافَةُ أَكْثَرَ مِنْ مِيلٍ فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ. وَقَدْ صَرَّحَ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ بِقُرْبِهِ مَاءً لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ كَمَا لَوْ تَيَقَّنَ بِذَلِكَ فَعُلِمَ أَنَّهُ مُشْكِلٌ. بَقِيَ وَجْهٌ آخَرُ

إلَّا بِيَقِينٍ مِثْلِهِ. ، (وَيُصَلِّي بِتَيَمُّمِهِ مَا شَاءَ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ فَرْضٍ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ. وَلَنَا أَنَّهُ طَهُورٌ حَالَ عَدَمِ الْمَاءِ فَيَعْمَلُ عَمَلَهُ مَا بَقِيَ شَرْطُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ أَنْ يُحْمَلَ هَذَا عَلَى مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْمَسَافَةَ قَرِيبَةٌ أَوْ بَعِيدَةٌ، فَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ تَيَقَّنَ بِوُجُودِ الْمَاءِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَقَدْ أَمِنَ مِنْ الْفَوَاتِ، وَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ بُعْدُ الْمَسَافَةِ لِلتَّشْكِيكِ فِيهِ لَمْ يَثْبُتْ جَوَازُ التَّيَمُّمِ فَيَجِبُ التَّأْخِيرُ، أَمَّا لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ كَالْمُتَحَقِّقِ. وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَجِبُ التَّأْخِيرُ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ ثَابِتٌ لِعَدَمِ الْمَاءِ حَقِيقَةً. وَحُكْمُ هَذَا الْعَجْزِ وَهُوَ جَوَازُ التَّيَمُّمِ لَا يَزُولُ إلَّا بِيَقِينٍ مِثْلِهِ، وَهُوَ التَّيَقُّنُ بِوُجُودِ الْمَاءِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يَجِبُ التَّأْخِيرُ، وَلَكِنَّ هَذَا الْوَجْهَ لَا يَخْلُو عَنْ تَمَحُّلٍ، وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ فَرَّقَ هَاهُنَا بَيْنَ غَلَبَةِ الظَّنِّ وَالْيَقِينِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا فِيمَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ بِقُرْبِهِ مَاءً فِي عَدَمِ جَوَازِ التَّيَمُّمِ وَلَا فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمَسَافَةُ بَعِيدَةً فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ كَمَا بَيَّنَّا، قَالَ: فَالْأَظْهَرُ بَقَاءُ الْإِشْكَالِ. (وَيُصَلِّي بِتَيَمُّمِهِ) أَيْ بِالتَّيَمُّمِ الْوَاحِدِ (مَا شَاءَ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ) فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَأَوْقَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ مَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ أَوْ يُحْدِثْ (وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ فَرْضٍ؛ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ) إذْ التُّرَابُ مُلَوَّثٌ فِي نَفْسِهِ، وَلِهَذَا يَعُودُ حُكْمُ الْحَدَثِ السَّابِقِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ فَلَمْ يَرْتَفِعْ الْحَدَثُ، إذْ لَوْ ارْتَفَعَ الْحَدَثُ لَمْ يَعُدْ إلَّا بِحَدَثٍ جَدِيدٍ، وَلَكِنْ أُبِيحَتْ الصَّلَاةُ لِلضَّرُورَةِ فَإِذَا صَلَّى الْفَرْضَ فَقَدْ انْتَفَتْ الضَّرُورَةُ وَلَا تَعُودُ إلَّا بِمَجِيءِ وَقْتٍ آخَرَ وَهِيَ فِي حَقِّ النَّوَافِلِ دَائِمَةٌ لِدَوَامِ شَرْعِيَّتِهَا فَتَبْقَى بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا (وَلَنَا أَنَّهُ) أَيْ التُّرَابَ (طَهُورٌ بِشَرْطِ عَدَمِ الْمَاءِ) بِالنَّصِّ، وَكُلُّ مَا هُوَ طَهُورٌ بِشَرْطٍ يَعْمَلُ عَمَلَهُ مَا بَقِيَ

(وَيَتَيَمَّمُ الصَّحِيحُ فِي الْمِصْرِ إذَا حَضَرَتْ جِنَازَةٌ وَالْوَلِيُّ غَيْرُهُ فَخَافَ إنْ اشْتَغَلَ بِالطَّهَارَةِ أَنْ تَفُوتَهُ الصَّلَاةُ) لِأَنَّهَا لَا تُقْضَى فَيَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ (وَكَذَا مَنْ حَضَرَ الْعِيدَ فَخَافَ إنْ اشْتَغَلَ بِالطَّهَارَةِ أَنْ يَفُوتَهُ الْعِيدُ يَتَيَمَّمُ) لِأَنَّهَا لَا تُعَادُ. وَقَوْلُهُ وَالْوَلِيُّ غَيْرُهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ لِلْوَلِيِّ حَقُّ الْإِعَادَةِ فَلَا فَوَاتَ فِي حَقِّهِ (وَإِنْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ أَوْ الْمُقْتَدِي فِي صَلَاةِ الْعِيدِ تَيَمَّمَ وَبَنَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا: لَا يَتَيَمَّمُ) لِأَنَّ اللَّاحِقَ يُصَلِّي بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ فَلَا يَخَافُ الْفَوْتَ. وَلَهُ أَنَّ الْخَوْفَ بَاقٍ لِأَنَّهُ يَوْمُ زَحْمَةٍ فَيَعْتَرِيه ـــــــــــــــــــــــــــــQشَرْطُهُ، كَالْمَاءِ فَإِنَّهُ طَهُورٌ بِشَرْطِ كَوْنِهِ طَاهِرًا وَيَعْمَلُ عَمَلَهُ مَا دَامَ شَرْطُهُ مَوْجُودًا. فَإِنْ قُلْت: هَذِهِ الْعِبَارَةُ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ وُجُودُ الشَّرْطِ مُسْتَلْزِمًا لِوُجُودِ الْمَشْرُوطِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لَا مَحَالَةَ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الشَّرْطَ إذَا كَانَ مُسَاوِيًا لِلْمَشْرُوطِ اسْتَلْزَمَهُ، وَهَاهُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ عَدَمِ الْمَاءِ وَجَوَازِ التَّيَمُّمِ مُسَاوٍ لِلْآخَرِ لَا مَحَالَةَ فَجَازَ أَنْ يَسْتَلْزِمَهُ. قَالَ (وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلصَّحِيحِ فِي الْمِصْرِ) الْأَصْلُ هَاهُنَا أَنَّ كُلَّ مَا يَفُوتُ لَا إلَى بَدَلٍ جَازَ أَدَاؤُهُ بِالتَّيَمُّمِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ، وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ عِنْدَنَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَا تُعَادُ عِنْدَنَا، وَكَذَلِكَ صَلَاةُ الْعِيدِ تَفُوتُ لَا إلَى بَدَلٍ. وَقَوْلُهُ: لِلصَّحِيحِ احْتِرَازٌ عَنْ الْمَرِيضِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ فِي الْمِصْرِ وَغَيْرِهِ وَلِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ خَافَ الْفَوْتَ أَوْ لَمْ يَخَفْ. وَقَوْلُهُ: فِي الْمِصْرِ احْتِرَازٌ عَنْ الْمَفَازَةِ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ فِيهَا جَائِزٌ وَلِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ لِعَدَمِ الْمَاءِ فِيهَا غَالِبًا. وَقَوْلُهُ: (إذَا حَضَرَتْ جِنَازَةٌ) ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ إنَّمَا هُوَ بِحُضُورِهَا. وَقَوْلُهُ: (وَالْوَلِيُّ غَيْرُهُ) ؛ لِأَنَّ الْمُتَيَمِّمَ إذَا كَانَ وَلِيًّا لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخَافُ الْفَوْتَ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْإِعَادَةِ. وَقَوْلُهُ: (فَخَافَ أَنْ تَفُوتَهُ الصَّلَاةُ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَخَفْ الْفَوْتَ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ. وَقَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ جَوَازِ التَّيَمُّمِ لِلْوَلِيِّ (رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ) وَقَوْلُهُ: (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، فَإِنَّ الْجَوَابَ فِيهِ جَوَازُ التَّيَمُّمِ لِلْوَلِيِّ لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: إذَا فَجَأَتْك جِنَازَةٌ وَأَنْتَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَتَيَمَّمْ وَصَلِّ عَلَيْهَا وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْوَلِيِّ وَغَيْرِهِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي صَلَاةِ الْعِيدِ مِثْلُهُ (وَإِنْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ أَوْ الْمُقْتَدِي فِي صَلَاةِ الْعِيدِ) وَكَانَ شُرُوعُهُ بِالْوُضُوءِ (تَيَمَّمَ وَبَنَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: لَا يَتَيَمَّمُ لِلْبِنَاءِ؛ لِأَنَّ اللَّاحِقَ يُصَلِّي بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ) وَذَلِكَ فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ (فَلَا يَخَافُ الْفَوْتَ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْخَوْفَ بَاقٍ؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ ازْدِحَامٍ) فَلَا يُؤْمَنُ اعْتِرَاضُ عَارِضٍ يَعْتَرِيهِ مِثْلُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ أَحَدٌ

عَارِضٌ يُفْسِدُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ، وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا شَرَعَ بِالْوُضُوءِ، وَلَوْ شَرَعَ بِالتَّيَمُّمِ تَيَمَّمَ وَبَنَى بِالِاتِّفَاقِ، لِأَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا الْوُضُوءَ يَكُونُ وَاجِدًا لِلْمَاءِ فِي صَلَاتِهِ فَيَفْسُدُ. (وَلَا يَتَيَمَّمُ لِلْجُمُعَةِ وَإِنْ خَافَ الْفَوْتَ لَوْ تَوَضَّأَ، فَإِنْ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ صَلَّاهَا وَإِلَّا صَلَّى الظُّهْرَ أَرْبَعًا) لِأَنَّهَا تَفُوتُ إلَى خَلَفٍ وَهُوَ الظُّهْرُ بِخِلَافِ الْعِيدِ (وَكَذَا إذَا خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ لَوْ تَوَضَّأَ لَمْ يَتَيَمَّمْ وَيَتَوَضَّأُ وَيَقْضِي مَا فَاتَهُ) لِأَنَّ الْفَوَاتَ إلَى خَلَفٍ وَهُوَ الْقَضَاءُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَرُدُّ السَّلَامَ أَوْ يُهَنِّئُهُ بِالْعِيدِ فَيُجِيبُهُ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَيُفْسِدُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ وَهِيَ لَا تُقْضَى؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَشْرَعْ إلَّا بِجَمَاعَةٍ فَكَانَ خَوْفُ الْفَوْتِ بَاقِيًا، وَإِنْ كَانَ شُرُوعُهُ بِالتَّيَمُّمِ تَيَمَّمَ وَبَنَى بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْوُضُوءَ كَانَ وَاجِدًا لِلْمَاءِ فِي صَلَاتِهِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَمُتَيَمِّمٍ وَجَدَ الْمَاءَ فِي خِلَالِ صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُهَا. قِيلَ هَذَا اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْمَاءِ وَالْأَدَاءِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ اللَّاحِقَ يُصَلِّي إلَخْ، وَفَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مُتَيَمِّمٍ يَجِدُ الْمَاءَ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ يُنْتَقَضُ هُنَاكَ بِصِفَةِ الِاسْتِنَادِ إلَى ابْتِدَاءِ وُجُودِ الْحَدَثِ عِنْدَ إصَابَةِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُحْدِثًا بِالْحَدَثِ السَّابِقِ إذْ الْإِصَابَةُ لَيْسَتْ بِحَدَثٍ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ يُنْتَقَضْ التَّيَمُّمُ عِنْدَ إصَابَةِ الْمَاءِ بِصِفَةِ الِاسْتِنَادِ بَلْ بِالْحَدَثِ الطَّارِئِ عَلَى التَّيَمُّمِ. (وَلَا يَتَيَمَّمُ لِلْجُمُعَةِ وَإِنْ خَافَ الْفَوْتَ لَوْ تَوَضَّأَ فَإِنْ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ صَلَّاهَا وَإِلَّا صَلَّى الظُّهْرَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ صَلَّى الظُّهْرَ أَرْبَعًا، قِيلَ هُوَ تَأْكِيدٌ وَقَطْعٌ لِإِرَادَةِ الْجُمُعَةِ بِالظُّهْرِ مَجَازًا لِكَوْنِهَا خَلَفَهُ. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا) أَيْ الْجُمُعَةَ (تَفُوتُ إلَى خَلَفٍ وَهُوَ الظُّهْرُ) جَعَلَ الظُّهْرَ خَلَفًا عَنْ الْجُمُعَةِ وَإِنْ كَانَ فَرْضُ الْوَقْتِ هُوَ الظُّهْرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَالْجُمُعَةُ خَلَفٌ عَنْهُ. قِيلَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ هُوَ الْمُخْتَارُ، وَقِيلَ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَوَّرٌ بِصُورَةِ الْخَلَفِ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ إذَا فَاتَتْ يُصَلِّي الظُّهْرَ. وَقَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْعِيدِ) يَعْنِي بِخِلَافِ صَلَاةِ الْعِيدِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ لَهَا إذَا خَافَ الْفَوْتَ؛ لِأَنَّهَا تَفُوتُ لَا إلَى خَلَفٍ حَيْثُ لَا تُقْضَى. وَقَوْلُهُ: (وَكَذَا إذَا خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ لَوْ تَوَضَّأَ) يَعْنِي لَا يَتَيَمَّمُ لِسَائِرِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ إذَا خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهَا تُقْضَى. لَا يُقَالُ: هَذَا قَدْ وَقَعَ تَكْرَارًا لِمَا أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ عُرِفَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ مِنْ قَوْلِهِ: وَالْمُعْتَبَرُ الْمَسَافَةُ دُونَ خَوْفِ الْفَوْتِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَوْلَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَهَذَا قَوْلُ الْقُدُورِيِّ، وَقِيلَ؛ لِأَنَّهُ عَلَّلَ بِتَعْلِيلٍ غَيْرِ التَّعْلِيلِ السَّابِقِ وَفِيهِ نَظَرٌ.

(وَالْمُسَافِرُ إذَا نَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ ذَكَرَ الْمَاءَ لَمْ يُعِدْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُعِيدُهَا) وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا وَضَعَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ وَضَعَهُ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ، وَذَكَرَهُ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ سَوَاءً لَهُ أَنَّهُ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ فِي رَحْلِهِ ثَوْبٌ فَنَسِيَهُ، وَلِأَنَّ رَحْلَ الْمُسَافِرِ مُعَدٌّ لِلْمَاءِ عَادَةً فَيُفْتَرَضُ الطَّلَبُ عَلَيْهِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا قُدْرَةَ بِدُونِ الْعِلْمِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْوُجُودِ، وَمَاءُ الرَّحْلِ مُعَدٌّ لِلشُّرْبِ لَا لِلِاسْتِعْمَالِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَالْمُسَافِرُ إذَا نَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ) إذَا صَلَّى الْمُسَافِرُ بِالتَّيَمُّمِ وَالْمَاءُ فِي رَحْلِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِهِ بِأَنْ وَضَعَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ وَضَعَهُ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ بِأَنْ وَضَعَهُ غَيْرُهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الْمَرْءَ لَا يُخَاطَبُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ الْمَاءَ قَدْ فُقِدَ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ، وَإِنْ كَانَ نِسْيَانًا مِنْهُ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ سَوَاءٌ تَذَكَّرَ فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لِعَادِمِ الْمَاءِ وَهَذَا لَيْسَ بِعَادِمٍ لَهُ بَلْ هُوَ وَاجِدٌ لَهُ عَادَةً؛ لِأَنَّ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ وَرَحْلُهُ فِي يَدِهِ وَالنِّسْيَانُ لَا يُضَادُّ الْوُجُودَ بَلْ يُضَادُّ الذِّكْرَ فَلَا يَنْتَفِي بِهِ الْوِجْدَانُ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ فِي رَحْلِهِ ثَوْبٌ فَنَسِيَهُ وَصَلَّى عَارِيًّا وَلِأَنَّ رَحْلَ الْمُسَافِرِ مَعْدِنُ الْمَاءِ عَادَةً وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَكُلُّ مَا هُوَ مَعْدِنٌ لِلْمَاءِ عَادَةً يُفْتَرَضُ عَلَى الْمُتَيَمِّمِ طَلَبُ الْمَاءِ فِيهِ كَمَنْ كَانَ فِي الْعُمْرَانِ فَإِنَّهُ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ طَلَبُ الْمَاءِ لِكَوْنِهِ فِي مَعْدِنِهِ، حَتَّى لَوْ جَاءَ قَوْمًا وَلَمْ يَرَ عِنْدَهُمْ مَاءً فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى قَبْلَ طَلَبِهِ مِنْهُمْ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمْ مَاءٌ فَلَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ. وَلَهُمَا أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ وَاجِدٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُودِ الْقُدْرَةُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَا قُدْرَةَ إلَّا بِالْعِلْمِ. وَقَوْلُهُ: (وَمَاءُ الرَّحْلِ) جَوَابٌ عَنْ النُّكْتَةِ الثَّانِيَةِ

وَمَسْأَلَةُ الثَّوْبِ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الِاتِّفَاقِ فَفَرَضَ السِّتْرَ يَفُوتُ لَا إلَى خَلَفٍ، وَالطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ تَفُوتُ إلَى خَلَفٍ، وَهُوَ التَّيَمُّمُ. (وَلَيْسَ عَلَى الْمُتَيَمِّمِ طَلَبُ الْمَاءِ إذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنَّهُ أَنَّ بِقُرْبِهِ مَاءٌ) لِأَنَّ الْغَالِبَ عَدَمُ الْمَاءِ فِي الْفَلَوَاتِ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى الْوُجُودِ فَلَمْ يَكُنْ وَاجِدًا لِلْمَاءِ (وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ هُنَاكَ مَاءً لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ حَتَّى يَطْلُبَهُ) لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ نَظَرًا إلَى الدَّلِيلِ، ثُمَّ يَطْلُبُ مِقْدَارَ الْغَلْوَةِ وَلَا يَبْلُغُ مِيلًا كَيْ لَا يَنْقَطِعَ عَنْ رُفْقَتِهِ (وَإِنْ كَانَ مَعَ رَفِيقِهِ مَاءٌ طَلَبَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَتَيَمَّمَ) لِعَدَمِ الْمَنْعِ غَالِبًا، فَإِنْ مَنَعَهُ مِنْهُ تَيَمَّمَ لَتَحَقُّقِ الْعَجْزِ (وَلَوْ تَيَمَّمَ قَبْلَ الطَّلَبِ أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ مِنْ مِلْكِ الْغَيْرِ، وَقَالَا لَا يُجْزِيه لِأَنَّ الْمَاءَ مَبْذُولٌ عَادَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَقْرِيرُهُ أَنَّ رَحْلَ الْمُسَافِرِ مَعْدِنُ الْمَاءِ عَادَةً مُعَدٌّ لِلشُّرْبِ أَوْ الِاسْتِعْمَالِ، وَالْأَوَّلُ مُسَلَّمٌ غَيْرُ مُفِيدٍ وَالثَّانِي مَمْنُوعٌ. وَقَوْلُهُ: (وَمَسْأَلَةُ الثَّوْبِ عَلَى الِاخْتِلَافِ) جَوَابٌ عَنْ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ عِنْدَنَا كَالْمَاءِ فَلَا يَنْتَهِضُ حُجَّةً، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ عَلَى الِاتِّفَاقِ فَفَرْضُ السَّتْرِ يَفُوتُ لَا إلَى خَلَفٍ، بِخِلَافِ صُورَةِ النِّزَاعِ وَهَذَا بِطَرِيقِ الْمُفَارَقَةِ: يَعْنِي أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا مَوْجُودٌ فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مُضَافًا إلَى الْفَارِقِ دُونَ الْمُشْتَرَكِ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ مُمَانَعَةً: أَيْ شَرْطُ الْقِيَاسِ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ، وَلَا نُسَلِّمُ وُجُودَهَا فِي صُورَةِ النِّزَاعِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ السَّتْرِ يَفُوتُ لَا إلَى خَلَفٍ إلَى آخِرِهِ. (وَلَيْسَ عَلَى الْمُتَيَمِّمِ طَلَبُ الْمَاءِ إذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ بِقُرْبِهِ مَاءً) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الطَّلَبُ شَرْطٌ يَمْنَةً وَيَسَرَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6] وَعَدَمُ الْوِجْدَانِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بَعْدَ الطَّلَبِ. وَلَنَا أَنَّ {فَلَمْ تَجِدُوا} [المائدة: 6] يَقْتَضِي عَدَمَ الْوِجْدَانِ مُطْلَقًا عَنْ قَيْدِ الطَّلَبِ فَيَعْمَلُ بِإِطْلَاقِهِ، وَهَذَا عَادِمٌ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَدَمُ الْمَاءِ فِي الْفَلَوَاتِ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى الْوُجُودِ لِيُجْعَلَ وَاجِدًا حُكْمًا فَإِنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ، حَتَّى لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ بِقُرْبِهِ مَاءً لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّيَمُّمُ حَتَّى يَطْلُبَهُ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ وَاجِدًا نَظَرًا إلَى الدَّلِيلِ وَهُوَ غَلَبَةُ الظَّنِّ؛ لِأَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ الْعِلْمِ فِي الْعِبَادَاتِ. وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ بِقُرْبِهِ مَاءً لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّيَمُّمُ فَكَذَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ. وَالْغَلْوَةُ مِقْدَارُ رَمْيَةِ سَهْمٍ، وَقِيلَ ثَلَثُمِائَةِ ذِرَاعٍ إلَى أَرْبَعِمِائَةِ ذِرَاعٍ. وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ مَعَ رَفِيقِهِ مَاءٌ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (وَلَوْ تَيَمَّمَ قَبْلَ الطَّلَبِ أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِي الْإِيضَاحِ وَالتَّقْرِيبِ وَشَرْحِ الْأَقْطَعِ

(وَلَوْ أَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ إلَّا بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَعِنْدَهُ ثَمَنُهُ لَا يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ) لَتَحَقُّقِ الْقُدْرَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ تَحَمُّلُ الْغَبَنِ الْفَاحِشِ لِأَنَّ الضَّرَرَ مُسْقِطٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ. وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَإِنْ كَانَ مَعَ رَفِيقِهِ مَاءٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَهُ إلَّا عَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ السُّؤَالُ ذُلٌّ وَفِيهِ بَعْضُ الْحَرَجِ، وَمَا شُرِعَ التَّيَمُّمُ إلَّا لِدَفْعِ الْحَرَجِ. وَقَوْلُهُ: (وَلَوْ أَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ إلَّا بِثَمَنِ الْمِثْلِ) هَذِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ. إمَّا أَنَّ أَعْطَاهُ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ فِي أَقْرَبِ مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَعِزُّ فِيهَا الْمَاءُ، أَوْ بِالْغَبَنِ الْيَسِيرِ، أَوْ بِالْغَبَنِ الْفَاحِشِ. فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي لَا يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ لِتَحَقُّقِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ: فَإِنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْبَذْلِ قُدْرَةٌ عَلَى الْمَاءِ فَيَمْتَنِعُ جَوَازُ التَّيَمُّمِ، كَمَا أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى ثَمَنِ الرَّقَبَةِ تَمْنَعُ التَّكْفِيرَ بِالصَّوْمِ. وَفِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ لِوُجُودِ الضَّرَرِ، فَإِنَّ حُرْمَةَ مَالِ الْمُسْلِمِ كَحُرْمَةِ نَفْسِهِ، وَالضَّرَرُ فِي النَّفْسِ مُسْقِطٌ فَكَذَا فِي الْمَالِ. وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الْغَبَنِ الْفَاحِشِ، فَفِي النَّوَادِرِ جَعَلَهُ فِي تَضْعِيفِ الثَّمَنِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ. وَقَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: يَلْزَمُهُ الشِّرَاءُ بِجَمِيعِ مَالِهِ إفْرَاطٌ، كَمَا أَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ الزِّيَادَةُ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الشِّرَاءِ قَلِيلَةً كَانَتْ أَوْ كَثِيرَةً تَقْرِيطٌ نَظَرًا إلَى اعْتِبَارِهِ خَوْفَ التَّلَفِ فِي النَّفْسِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْغَبَنِ الْيَسِيرِ وَالْفَاحِشِ مُقَرَّرٌ فِي الشَّرْعِ فَالْمَصِيرُ إلَيْهِ أَوْلَى.

[باب المسح على الخفين]

بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ (الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ جَائِزٌ بِالسُّنَّةِ) وَالْأَخْبَارُ فِيهِ مُسْتَفِيضَةٌ حَتَّى قِيلَ إنَّ مَنْ لَمْ يَرَهُ كَانَ مُبْتَدِعًا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ] إنَّمَا أَعْقَبَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ التَّيَمُّمَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَهَارَةُ مَسْحٍ، أَوْ؛ لِأَنَّهُمَا بَدَلَانِ عَنْ الْغُسْلِ، أَوْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمَا رُخْصَةٌ مُؤَقَّتَةٌ إلَى غَايَةٍ، وَكَانَ التَّيَمُّمُ بَدَلَ الْكُلِّ وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ بَدَلُ الْبَعْضِ (وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ جَائِزٌ بِالسُّنَّةِ) أَيْ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِعْلِهِ (وَالْأَخْبَارُ فِيهِ مُسْتَفِيضَةٌ) أَيْ كَثِيرَةٌ شَائِعَةٌ جِدًّا قَوْلًا وَفِعْلًا. أَمَّا الْفِعْلُ فَقَدْ رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَالْعَبَادِلَةُ وَجَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ» . وَأَمَّا الْقَوْلُ فَقَدْ رَوَى عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا» وَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ وَكُنْت أَصُبُّ الْمَاءَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَامِيَّةٌ ضَيِّقَةُ الْكُمَّيْنِ، فَأَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنْ تَحْتِ ذَيْلِهِ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، فَقُلْت: أَنَسِيت غَسْلَ الْقَدَمَيْنِ؟ فَقَالَ بِهَذَا أَمَرَنِي رَبِّي» وَعَنْ صَفْوَانِ بْنِ عَسَّالٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا سَفْرًا: أَيْ مُسَافِرِينَ أَلَّا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ، لَا عَنْ جَنَابَةٍ وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ.» وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: أَدْرَكْت سَبْعِينَ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّهُمْ يَرَوْنَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ. وَلِكَثْرَةِ الْأَخْبَارِ فِيهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَا قُلْت

لَكِنَّ مَنْ رَآهُ ثُمَّ لَمْ يَمْسَحْ آخِذًا بِالْعَزِيمَةِ كَانَ مَأْجُورًا، وَيَجُوزُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْمَسْحِ حَتَّى جَاءَنِي مِثْلُ ضَوْءِ النَّهَارِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: خَبَرُ الْمَسْحِ يَجُوزُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِهِ لِشُهْرَتِهِ، وَعَنْ هَذَا قِيلَ: مَنْ لَمْ يَرَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ: أَيْ لَمْ يَعْتَقِدْ جَوَازَهُ كَانَ مُبْتَدِعًا. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: أَخَافُ عَلَيْهِ الْكُفْرَ؛ لِأَنَّ الْآثَارَ فِيهِ جَاءَتْ فِي حَيِّزِ التَّوَاتُرِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدِعٌ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَقَالَ: هُوَ أَنْ يُفَضِّلَ الشَّيْخَيْنِ: يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ عَلَى سَائِرِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَأَنْ يُحِبَّ الْخَتَنَيْنِ: يَعْنِي عُثْمَانَ وَعَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَأَنْ يَرَى الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ. فَإِنْ قُلْت: فَمَا الْجَوَابُ عَمَّا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ أَنْكَرُوا الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ " فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَأَنْ أَمْسَحَ عَلَى ظَهْرِ عِيرٍ فِي الْفَلَاةِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: لَأَنْ تُقْطَعَ قَدَمَايَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ. قُلْت: قَدْ صَحَّ رُجُوعُهُمْ إلَى جَوَازِهِ. أَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَدْ رَوَى تِلْمِيذُهُ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ، وَأَمَّا عَائِشَةُ فَقَدْ صَحَّ أَنَّهَا قَالَتْ «مَا زَالَ يَمْسَحُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْخُفَّيْنِ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ» وَرَوَى رُجُوعَهَا أَيْضًا شُرَيْحُ بْنُ هَانِئٍ (قَوْلُهُ: لَكِنَّ مَنْ رَآهُ) اسْتِدْرَاكٌ مِنْ قَوْلِهِ إنَّ مَنْ لَمْ يَرَهُ كَانَ مُبْتَدِعًا. وَقَوْلُهُ: (كَانَ مَأْجُورًا) قِيلَ هَذِهِ رِوَايَةُ خَالَفْت رِوَايَةَ أُصُولِ الْفِقْهِ، فَإِنَّ فِيهَا أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ رُخْصَةُ إسْقَاطٍ كَالصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ وَالْعَزِيمَةُ لَمْ تَبْقَ مَشْرُوعَةً فِيهَا فَكَيْفَ يُؤْجَرُ عَلَى غَيْرِ الْمَشْرُوعِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ مَا دَامَ الْمُكَلَّفُ مُتَخَفِّفًا، فَأَمَّا إذَا نَزَعَ خُفَّيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا وَلَهُ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ لَحِقَهُ فَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ حِينَئِذٍ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ فَصَارَ ذَلِكَ كَمَنْ أَبْطَلَ سَفَرَهُ فَإِنَّهُ سَقَطَ عَنْهُ بِسَبَبِ رُخْصَتِهِ سُقُوطَ شَطْرِ الصَّلَاةِ، وَهَذَا اللَّفْظُ: أَعْنِي قَوْلَهُ

(مِنْ كُلِّ حَدَثٍ مُوجِبٍ لِلْوُضُوءِ إذَا لَبِسَهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ ثُمَّ أَحْدَثَ) خَصَّهُ بِحَدَثٍ مُوجِبٍ لِلْوُضُوءِ لِأَنَّهُ لَا مَسْح مِنْ الْجَنَابَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَبِحَدَثٍ مُتَأَخِّرٍ لِأَنَّ الْخُفَّ عُهِدَ مَانِعًا، وَلَوْ جَوَّزْنَاهُ بِحَدَثٍ سَابِقٍ كَالْمُسْتَحَاضَةِ إذَا لَبِسَتْ عَلَى السَّيَلَانِ ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ مَأْجُورًا أَتَى بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ فَتَابَعَهُ الْمُصَنِّفُ وَنِعْمَ الْمَتْبُوعُ. فَإِنْ قُلْت: ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ الرُّسْتُغْفَنِيَّ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَرَى الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ إلَّا أَنَّهُ يَحْتَاطُ وَيَنْزِعُ خُفَّيْهِ عِنْدَ الْوُضُوءِ وَلَا يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا، فَقَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، إمَّا لِنَفْيِ التُّهْمَةِ عَنْ نَفْسِهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ الرَّوَافِضِ، وَإِمَّا؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] قُرِئَ بِالْخَفْضِ وَالنَّصْبِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُغْسَلَ حَالَ عَدَمِ اللُّبْسِ وَيُمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ حَالَ اللُّبْسِ لِيَصِيرَ عَامِلًا بِالْقِرَاءَتَيْنِ، فَمَنْ الْمُحِقُّ مِنْهُمَا؟ قُلْت: إنْ حَمَلْت قَوْلَ أَبِي الْحَسَنِ عَلَى أَنْ يَمْسَحَ أَحْيَانًا وَلَا يَتْرُكُهُ بِالْكُلِّيَّةِ تَوَافُقًا. فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ أَنْ لَا يَمْسَحَ آخِذًا بِالْعَزِيمَةِ عَلَى الدَّوَامِ وَنَفْيُ التُّهْمَةِ يَحْصُلُ بِالْمَسْحِ أَحْيَانًا فَيُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ دَفْعًا لِلتَّدَافُعِ. قَالَ: وَيَجُوزُ الْمَسْحُ (مِنْ كُلِّ حَدَثٍ مُوجِبٍ لِلْوُضُوءِ) خَصَّ الْقُدُورِيُّ الْمَسْحَ بِحَدَثٍ مُوجِبٍ لِلْوُضُوءِ احْتِرَازًا عَنْ الْجَنَابَةِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ وَجَعَلَ الْحَدَثَ مُوجِبًا مَجَازًا فَإِنَّهُ نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا لَكِنَّهُ شَرْطٌ لِوُجُوبِهِ فَجَازَ أَنْ يُضَافَ الْإِيجَابُ إلَيْهِ كَمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ. (قَوْلُهُ: وَبِحَدَثٍ مُتَأَخِّرٍ) أَيْ وَخَصَّهُ بِحَدَثٍ مُتَأَخِّرٍ عَنْ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ الْخُفَّ عُهِدَ مَانِعًا لِسِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ لَا رَافِعًا لِلْحَدَثِ؛؛ لِأَنَّ الرَّافِعَ هُوَ الْمُطَهِّرُ وَالْخُفُّ لَيْسَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَلَوْ جَوَّزْنَاهُ بِحَدَثٍ سَابِقٍ كَالْمُسْتَحَاضَةِ إذَا لَبِسَتْ وَالدَّمُ يَسِيلُ ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ) وَتَوَضَّأَتْ فَإِنَّهَا لَا تَمْسَحُ؛ لِأَنَّ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ ظَهَرَ الْحَدَثُ السَّابِقُ، وَكَذَلِكَ الْمُتَيَمِّمُ إذَا لَبِسَ ثُمَّ رَأَى الْمَاءَ وَتَوَضَّأَ لَا يَمْسَحُ؛ لِأَنَّ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ ظَهَرَ حُكْمُ الْحَدَثِ السَّابِقِ، فَلَوْ جَوَّزْنَا الْمَسْحَ كَانَ الْخُفُّ رَافِعًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ لَهَا أَنْ تَمْسَحَ مَا دَامَ الْوَقْتُ بَاقِيًا، وَلَيْسَ هَذَا الْحُكْمُ مُنْحَصِرًا فِيمَا ذَكَرَهُ وَهُوَ اللُّبْسُ عَلَى السَّيَلَانِ، بَلْ لَوْ كَانَ الدَّمُ سَائِلًا عِنْدَ الْوُضُوءِ دُونَ اللُّبْسِ أَوْ عِنْدَهُمَا جَمِيعًا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ. وَأَمَّا إذَا كَانَ مُنْقَطِعًا وَقْتَ الْوُضُوءِ وَاللُّبْسِ جَمِيعًا فَإِنَّهَا وَالصَّحِيحَةَ سَوَاءٌ. وَقَوْلُ الْقُدُورِيِّ: إذَا لَبِسَهُمَا

وَالْمُتَيَمِّمُ إذَا لَبِسَ ثُمَّ رَأَى الْمَاءَ كَانَ رَافِعًا. وَقَوْلُهُ إذَا لَبِسَهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ لَا يُفِيدُ اشْتِرَاطَ الْكَمَالِ وَقْتَ اللِّبْسِ بَلْ وَقْتَ الْحَدَثِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا، حَتَّى لَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ أَكْمَلَ الطَّهَارَةَ ثُمَّ أَحْدَثَ يُجْزِئُهُ الْمَسْحُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْخُفَّ مَانِعٌ حُلُولَ الْحَدَثِ بِالْقَدَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ لَا يُفِيدُ اشْتِرَاطَ كَمَالِهَا وَقْتَ اللُّبْسِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ مِنْ الْمَذْهَبِ عِنْدَنَا خِلَافُ ذَلِكَ وَهُوَ اشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ الْكَامِلَةِ وَقْتَ الْحَدَثِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ مِنْ قَوْلِهِ لَا يُفِيدُ اشْتِرَاطَ الْكَمَالِ إنْ كَانَ هَذَا التَّقْدِيرَ فَفِي كَلَامِ الْقُدُورِيِّ تَسَامُحٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَيَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ يُفِيدُ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ. وَقَوْلُهُ: (حَتَّى لَوْ غَسَلَ رَجُلَيْهِ) قِيلَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَتِيجَةِ مَا ذَكَرَ مِنْ اشْتِرَاطِ اللُّبْسِ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ، فَإِنَّ عَدَمَ جَوَازِ الْمَسْحِ هُنَا بِاعْتِبَارِ تَرْكِ التَّرْتِيبِ فِي الْوُضُوءِ لَا بِاعْتِبَارِ اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ الْكَامِلَةِ وَقْتَ اللُّبْسِ، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ فِيمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ مَا قَالَ وَلَوْ تَوَضَّأَ وَغَسَلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ وَلَبِسَ الْخُفَّ ثُمَّ غَسَلَ الرِّجْلَ الْأُخْرَى وَلَبِسَ الْخُفَّ ثُمَّ أَحْدَثَ جَازَ لَهُ الْمَسْحُ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ لَمْ يَنْزِعْ الْخُفَّ الْأَوَّلَ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ، فَإِنْ نَزَعَهُ ثُمَّ لَبِسَهُ جَازَ لَهُ الْمَسْحُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَكُونَ لُبْسُهُ بَعْدَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَمَّا أَثْبَتَ الْمُصَنِّفُ بِالدَّلِيلِ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ التَّرْتِيبَ فِي الْوُضُوءِ لَيْسَ بِشَرْطٍ صَحَّ أَنْ يَبْنِيَ هَذَا الْفَرْعَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْهَبُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْخُفَّ مَانِعُ حُلُولِ الْحَدَثِ بِالْقَدَمِ وَهُوَ ظَاهِرٌ مِمَّا مَرَّ، وَكُلُّ مَا هُوَ مَانِعٌ حُلُولَ الْحَدَثِ بِالْقَدَمِ يُرَاعَى كَمَالُ الطَّهَارَةِ فِيهِ وَقْتَ الْمَنْعِ عَنْ حُلُولِ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ نَاقِصَةً عِنْدَ ذَلِكَ كَانَ الْخُفُّ رَافِعًا حَدَثًا كَانَ

فَيُرَاعَى كَمَالُ الطَّهَارَةِ وَقْتَ الْمَنْعِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ نَاقِصَةً عِنْدَ ذَلِكَ كَانَ الْخُفُّ رَافِعًا (وَيَجُوزُ لِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا» قَالَ (وَابْتِدَاؤُهَا عَقِيبَ الْحَدَثِ) لِأَنَّ الْخُفَّ مَانِعٌ سِرَايَةَ الْحَدَثِ فَتُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْمَنْعِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالرِّجْلَيْنِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ وَهُوَ شُرِعَ مَانِعًا لَا رَافِعًا. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ أَنْ يَكُونَ رَافِعًا بَلْ يَكُونُ مَانِعًا حُلُولَ الْحَدَثِ بِالْقَدَمَيْنِ الطَّاهِرَتَيْنِ بِالْغَسْلِ، فَإِذَا انْضَمَّ إلَيْهِ غَسْلُ بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ ارْتَفَعَ الْحَدَثُ بِمَجْمُوعِ الْغُسْلَيْنِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي عَنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَكَانَ مَانِعًا لَا رَافِعًا. وَالْجَوَابُ أَنَّا قَدْ اتَّفَقْنَا أَنَّ الْمَسْحَ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ وَإِنْ اخْتَلَفْنَا فِي وَقْتِهَا، فَلَوْ كَانَتْ الطَّهَارَةُ نَاقِصَةً عِنْدَ حُلُولِ الْحَدَثِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْخُفُّ رَافِعًا لِلْحَدَثِ الْحُكْمِيِّ الْحَالِّ بِالْقَدَمِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ زَالَ بِالْمَاءِ حَقِيقَةً لَكِنَّهُ بَاقٍ حُكْمًا لِعَدَمِ التَّجَزُّؤِ، وَعَنْ بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ أَيْضًا لِيَرِدَ الْمَسْحُ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ وَكَانَ رَافِعًا لَا مَانِعًا وَلَزِمَ الْخَلَفُ، فَإِنْ قُلْت: هَذَا يَقْتَضِي وُجُودَ الطَّهَارَةِ الْكَامِلَةِ وَقْتَ الْحَدَثِ وَنَحْنُ لَا نَمْنَعُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا نَقُولُ إنَّهَا لَا تَكْفِي بَلْ يَحْتَاجُ إلَى وُجُودِهَا وَقْتَ اللُّبْسِ أَيْضًا وَمَا ذَكَرْتُمْ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ. قُلْت: هَذَا نَاهِضٌ وَلَا دَافِعَ لَهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَدَافِعُهُ أَنَّ وُجُودَهَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ عِنْدَ طَرَيَانِ مُزِيلِهَا وَهُوَ الْحَدَثُ تَحْقِيقًا لِلْإِزَالَةِ. وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَهِيَ مُسْتَغْنًى عَنْهَا فَلَا فَائِدَةَ فِي اشْتِرَاطِهَا. قَالَ (وَيَجُوزُ لِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً) يَجُوزُ الْمَسْحُ لِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً (وَلِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيُهَا) وَقَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: الْمُقِيمُ لَا يَمْسَحُ أَصْلًا وَالْمُسَافِرُ مَسْحُهُ مُؤَبَّدٌ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، إنَّ الْمُقِيمَ كَالْمُسَافِرِ. وَاحْتَجَّ لِلْأُولَى فِي الْمُقِيمِ بِأَنَّ الْمَسْحَ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْمُقِيمِ، وَفِي الْمُسَافِرِ بِحَدِيثِ «عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَأَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ يَوْمًا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقُلْت يَوْمَيْنِ؟ فَقَالَ نَعَمْ حَتَّى انْتَهَيْت إلَى سَبْعَةِ أَيَّامٍ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: إذَا كُنْت فِي سَفَرٍ فَامْسَحْ مَا بَدَا لَك» وَلِلثَّانِيَةِ بِمَا رَوَى سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِيِّ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُمْ رَوَوْا الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ غَيْرَ مُؤَقَّتٍ. ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ. وَلَنَا الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ وَهُوَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا» رَوَاهُ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَجَابِرٌ وَخُزَيْمَةَ وَصَفْوَانُ وَعَوْفُ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالْمَشْهُورُ لَا يُتْرَكُ بِالشَّاذِّ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: رِجَالُهُ لَا يُعْرَفُونَ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: قَدْ اُخْتُلِفَ فِي إسْنَادِهِ، وَلَيْسَ بِقَوِيٍّ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إسْنَادُهُ لَا يَثْبُتُ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: إسْنَادُهُ مُضْطَرِبٌ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدِيثٌ مَجْهُولٌ، عَلَى أَنَّ تَأْوِيلَهُ أَنَّ مُرَادَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَانُ أَنَّ الْمَسْحَ مُؤَبَّدٌ غَيْرُ مَنْسُوخٍ لَا أَلَّا يَنْزِعَ خُفَّيْهِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَعَدَمُ الضَّرُورَةِ فِي الْمُقِيمِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ يَلْبَسُ الْخُفَّ حِينَ يُصْبِحُ وَيَخْرُجُ لِحَاجَتِهِ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ النَّزْعُ قَبْلَ أَنْ يَعُودَ إلَى بَيْتِهِ لَيْلًا (وَابْتِدَاؤُهَا) أَيْ ابْتِدَاءُ مُدَّةِ الْمَسْحِ (عَقِيبَ الْحَدَثِ) لَا مِنْ وَقْتِ اللُّبْسِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيِّ مُسْتَدِلًّا بِأَنَّ جَوَازَهُ بِسَبَبِهِ فَتُعْتَبَرُ مِنْ

(وَالْمَسْحُ عَلَى ظَاهِرِهِمَا خُطُوطًا بِالْأَصَابِعِ، يَبْدَأُ مِنْ قِبَلِ الْأَصَابِعِ إلَى السَّاقِ) لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى خُفَّيْهِ وَمَدَّهُمَا مِنْ الْأَصَابِعِ إلَى أَعْلَاهُمَا مَسْحَةً وَاحِدَةً، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى أَثَرِ الْمَسْحِ عَلَى خُفِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُطُوطًا بِالْأَصَابِعِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقْتِهِ وَلَا مِنْ حِينِ الْمَسْحِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ مُحْتَجِّينَ بِأَنَّ التَّقْدِيرَ لِأَجَلِهِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِهِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَنْ تَوَضَّأَ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَلَبِسَ الْخُفَّ ثُمَّ أَحْدَثَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَعَلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ يَمْسَحُ الْمُقِيمُ إلَى وَقْتِ الْحَدَثِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي وَهُوَ مَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي إلَى وَقْتِ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي، وَهُوَ وَقْتُ اللُّبْسِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ إلَى مَا بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي وَهُوَ وَقْتُ الْمَسْحِ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّ الْخُفَّ مَانِعُ سِرَايَةِ الْحَدَثِ: أَيْ وُصُولِهِ إلَى الرِّجْلِ وَالْمَانِعُ عَنْ الشَّيْءِ إنَّمَا يَكُونُ مَانِعًا حَقِيقَةً عِنْدَ طَرَيَانِ الْمَمْنُوعِ وَالْحَقِيقَةُ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ فَتُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ مِنْ عِنْدِهِ. (وَالْمَسْحُ عَلَى ظَاهِرِهِمَا خُطُوطًا بِالْأَصَابِعِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ: السُّنَّةُ مَسْحُ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ لِمَا رُوِيَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ» . وَقَوْلُهُ: خُطُوطًا بِالْأَصَابِعِ وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ بِمَعْنَى مُخَطَّطٍ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ عَطَاءٍ فَإِنَّهُ يَقُولُ بِتَثْلِيثِ الْمَسْحِ اعْتِبَارًا بِالْغَسْلِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْخُطُوطَ إنَّمَا تَبْقَى إذَا مَسَحَ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَكَيْفِيَّةُ ذَلِكَ أَنْ يَبْدَأَ فَيَضَعَ أَصَابِعَ يَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى مُقَدَّمِ خُفِّهِ الْأَيْمَنِ، وَأَصَابِعِ يَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى مُقَدَّمِ خُفِّهِ الْأَيْسَرِ، وَيَمُدُّهُمَا إلَى السَّاقِ فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ، وَيُفَرِّجُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، وَلَوْ وَضَعَ الْكَفَّ مَعَ الْأَصَابِعِ قِيلَ كَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ الدَّالَّ عَلَى الْمَسْحِ عَلَى ظَاهِرِهِمَا وَهُوَ حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى خُفَّيْهِ وَمَدَّهُمَا مِنْ الْأَصَابِعِ إلَى أَعْلَاهُمَا» ، الْحَدِيثُ يُشِيرُ إلَى ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ وَضَعَ يَدَهُ وَلَمْ يَقُلْ وَضَعَ أَصَابِعَهُ وَمَا رُوِيَ مِنْ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَسَحَ عَلَى أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ» فَقَدْ طَعَنَ فِيهِ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ مِثْلُ أَبِي دَاوُد

ثُمَّ الْمَسْحُ عَلَى الظَّاهِرِ حَتْمٌ حَتَّى لَا يَجُوزَ عَلَى بَاطِنِ الْخُفِّ وَعَقِبِهِ وَسَاقِهِ لِأَنَّهُ مَعْدُولٌ بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ فَيُرَاعَى فِيهِ جَمِيعُ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ، وَالْبُدَاءَةُ مِنْ الْأَصَابِعِ اسْتِحْبَابٌ اعْتِبَارًا بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْغَسْلُ (وَفَرْضُ ذَلِكَ مِقْدَارُ ثَلَاثِ أَصَابِعِ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدِ) وَقَالَ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: مِنْ أَصَابِعِ الرِّجْلِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اعْتِبَارًا لِآلَةِ الْمَسْحِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَإِنْ صَحَّ فَمَعْنَاهُ مَا يَلِي السَّاقَ وَمَا يَلِي الْأَصَابِعَ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ (ثُمَّ الْمَسْحُ عَلَى الظَّاهِرِ حَتْمٌ) أَيْ وَاجِبٌ (حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ عَلَى بَاطِنِ الْخُفِّ وَعَقِبِهِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ. وَقَوْلُهُ: (؛ لِأَنَّهُ مَعْدُولٌ بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ) إذْ الْقِيَاسُ أَلَّا يَقُومَ الْمَسْحُ الَّذِي لَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ مَقَامَ الْغَسْلِ الَّذِي يُزِيلُهَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِقَوْلِهِ: لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ بَاطِنُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ ظَاهِرِهِ، وَلَكِنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ الْخُفَّيْنِ دُونَ بَاطِنِهِمَا. وَإِنَّمَا كَانَ الرَّأْيُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْخُفَّ يُلَاقِي الْأَرْضَ بِمَا عَلَيْهَا مِنْ طِينٍ وَتُرَابٍ وَقَذَرٍ بِبَاطِنِهِ لَا بِظَاهِرِهِ، وَإِذَا كَانَ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ يُرَاعَى جَمِيعُ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ (وَالْبُدَاءَةُ مِنْ الْأَصَابِعِ اسْتِحْبَابٌ) حَتَّى لَوْ بَدَأَ مِنْ السَّاقِ جَازَ أَيْضًا. وَوَجْهُ الِاسْتِحْبَابِ الِاعْتِبَارُ بِالْغَسْلِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْكَعْبَ غَايَةً. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الشَّرْعُ وَرَدَ بِمَدِّ الْيَدَيْنِ مِنْ الْأَصَابِعِ إلَى أَعْلَاهُمَا فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ تَكُونَ الْبُدَاءَةُ بِالْأَصَابِعِ حَتْمًا لَا مُسْتَحَبًّا كَالْمَسْحِ عَلَى ظَاهِرِهِمَا، فَالِاعْتِبَارُ بِالْأَصْلِ تَرْكٌ لِمَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ، وَكَذَلِكَ التَّقْدِيرُ بِثَلَاثَةِ أَصَابِعَ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ تَرْكٌ لَهُ «فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَدَّ مِنْ الْأَصَابِعِ إلَى السَّاقِ» . وَالْجَوَابُ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ» مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ مَدَّ إلَى السَّاقِ فَجُعِلَ الْمَفْرُوضُ فِي أَصْلِ الْمَسْحِ مِقْدَارَ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ

(وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى خُفٍّ فِيهِ خَرْقٌ كَبِيرٌ يُبَيِّنُ مِنْهُ قَدْرَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مِنْ أَصَابِعِ الرِّجْلِ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ جَازَ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ قَلَّ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ غَسْلُ الْبَادِي وَجَبَ غَسْلُ الْبَاقِي. وَلَنَا أَنَّ الْخِفَافَ لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيلِ خَرْقٍ عَادَةً فَيَلْحَقُهُمْ الْحَرَجُ فِي النَّزْعِ وَتَخْلُو عَنْ الْكَبِيرِ فَلَا حَرَجَ، وَالْكَبِيرُ أَنْ يَنْكَشِفَ قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَصَابِعِ مِنْ أَصَابِعِ الرِّجْلِ أَصْغَرُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْبُدَاءَةُ سُنَّةٌ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ. وَأَمَّا التَّقْدِيرُ بِثَلَاثَةِ أَصَابِعَ فَبِإِشَارَةِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (خُطُوطًا بِالْأَصَابِعِ) ، فَإِنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ. وَاخْتُلِفَ فِي الْأَصَابِعِ فَذَهَبَ عَامَّةُ عُلَمَائِنَا إلَى أَنَّهَا أَصَابِعُ الْيَدِ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: أَصَابِعُ الرِّجْلِ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ يَقَعُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَكْثَرُ الْمَمْسُوحِ فَيَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ كَمَا فِي الْخِرَقِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اعْتِبَارًا لِآلَةِ الْمَسْحِ فَإِنَّ الْمَسْحَ فِعْلٌ يُضَافُ إلَى الْفَاعِلِ لَا إلَى الْمَحَلِّ فَتُعْتَبَرُ الْآلَةُ كَمَا فِي الرَّأْسِ. وَذَكَرَ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا وَضَعَ ثَلَاثَةَ أَصَابِعَ وَضْعًا أَجْزَأَهُ. وَقَالَ الْقُدُورِيُّ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِأَصَابِعِ الْيَدِ، وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي التُّحْفَةِ: سَوَاءٌ كَانَ الْمَسْحُ طُولًا أَوْ عَرْضًا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَوْ وَضَعَ ثَلَاثَةَ أَصَابِعَ وَضْعًا لَا يُقَيَّدُ بِشَيْءٍ مِنْ الطُّولِ وَالْعَرْضِ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى خُفٍّ فِيهِ خَرْقٌ كَبِيرٌ) رُوِيَ كَثِيرٌ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ مِنْ فَوْقُ وَكَبِيرٌ بِالْبَاءِ الْمَنْقُوطَةِ مِنْ تَحْتُ، وَالْأَوَّلُ يُقَابِلُهُ الْقَلِيلُ وَالثَّانِي يُقَابِلُهُ الصَّغِيرُ. وَقَوْلُهُ: مِنْ بَعْدُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ يُرَجَّحُ الْأَوَّلُ، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ شُمُولُ الْمَنْعِ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَهُوَ مَذْهَبُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ. وَالثَّانِي شُمُولُ الْجَوَازِ فِيهِمَا وَهُوَ مَذْهَبُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ. وَالثَّالِثُ الْفَصْلُ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَهُوَ قَوْلُ عُلَمَائِنَا وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ. وَالرَّابِعُ الْقَوْلُ بِغَسْلِ مَا ظَهَرَ مِنْ الْقَدَمِ وَمَسْحُ مَا لَمْ يَظْهَرْ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ. وَجْهُ الْأَوَّلِ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْكَثِيرَ لَمَّا كَانَ مَانِعًا كَانَ الْيَسِيرُ كَذَلِكَ كَالْحَدَثِ. وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْخُفَّ يَمْنَعُ سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ، فَمَا دَامَ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْخُفِّ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ. وَوَجْهُ قَوْلِنَا وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ الْخِفَافَ لَا تَخْلُو عَنْ الْخَرْقِ الْقَلِيلِ عَادَةً،

هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْقَدَمِ هُوَ الْأَصَابِعُ وَالثَّلَاثُ أَكْثَرُهَا فَيُقَامُ مَقَامَ الْكُلِّ، وَاعْتِبَارُ الْأَصْغَرِ لِلِاحْتِيَاطِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِدُخُولِ الْأَنَامِلِ إذَا كَانَ لَا يَنْفَرِجُ عِنْدَ الْمَشْيِ، وَيُعْتَبَرُ هَذَا الْمِقْدَارُ فِي كُلِّ خُفٍّ عَلَى حِدَةٍ فَيُجْمَعُ الْخَرْقُ فِي خُفٍّ وَاحِدٍ وَلَا يُجْمَعُ فِي خُفَّيْنِ لِأَنَّ الْخَرْقَ فِي أَحَدِهِمَا لَا يَمْنَعُ قَطْعَ السَّفَرِ بِالْآخِرِ، بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ لِأَنَّهُ حَامِلٌ لِلْكُلِّ وَانْكِشَافُ الْعَوْرَةِ نَظِيرُ النَّجَاسَةِ. (وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ الْخُفَّ وَإِنْ كَانَ جَدِيدًا فَآثَارُ الدُّرُوزِ وَالْأَشَافِي خَرْقٌ فِيهِ وَلِهَذَا يَدْخُلُهُ التُّرَابُ فَيَلْحَقُهُمْ الْحَرَجُ فِي النَّزْعِ فَجُعِلَ عَفْوًا وَتَخْلُو عَنْ الْكَثِيرِ فَلَا حَرَجَ، وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ اعْتِبَارِ أَصَابِعِ الرِّجْلِ هُوَ رِوَايَةُ الزِّيَادَاتِ؛ لِأَنَّ الْخَرْقَ إذَا كَانَ مِقْدَارَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مَنَعَ قَطْعَ السَّفَرِ، وَقَطْعُ السَّفَرِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالرِّجْلِ فَيُعْتَبَرُ أَصَابِعُهَا. وَقَوْلُهُ: (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ شَيْئَيْنِ عَنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ ثَلَاثُ أَصَابِعَ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدِ؛ لِأَنَّهُ آلَةُ الْمَسْحِ، وَعَمَّا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: الْمُعْتَبَرُ فِي الْخَرْقِ أَكْبَرُ الْأَصَابِعِ إنْ كَانَ الْخَرْقُ عِنْدَ أَكْبَرِهَا، وَأَصْغَرُهَا إنْ كَانَ عِنْدَ أَصْغَرِهَا. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْأَصْلَ) دَلِيلٌ عَلَى الْمِقْدَارِ وَالصِّغَرِ. وَقَوْلُهُ: (وَلَا مُعْتَبَرَ بِدُخُولِ الْأَنَامِلِ) ظَاهِرٌ وَلَمْ يَذْكُرْ إذَا كَانَ يَبْدُو قَدْرُ ثَلَاثِ أَنَامِلَ مِنْ أَصَابِعِ الرِّجْلِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: يُمْنَعُ الْمَسْحُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُمْنَعُ. وَالشَّرْطُ أَنْ يَبْدُوَ قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ بِكَمَالِهَا، وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَقَوْلُهُ: (وَيُعْتَبَرُ هَذَا الْمِقْدَارُ فِي كُلِّ خُفٍّ عَلَى حِدَةٍ فَيُجْمَعُ الْخَرْقُ فِي خُفٍّ وَاحِدٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ قَطْعَ السَّفَرِ بِهِ (وَلَا يُجْمَعُ فِي خُفَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْخَرْقَ فِي أَحَدِهِمَا لَا يَمْنَعُ قَطْعَ السَّفَرِ بِالْآخَرِ) وَاضِحٌ. قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يُجْمَعَ فِي الْخُفَّيْنِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الرِّجْلَيْنِ صَارَتَا كَعُضْوٍ وَاحِدٍ لِدُخُولِهِمَا تَحْتَ خِطَابٍ وَاحِدٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمَا صَارَتَا كَعُضْوِ وَاحِدٍ فِي حَقِّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ، وَالْخَرْقُ أَمْرٌ حِسِّيٌّ فَلَا يَكُونَانِ فِيهِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي قَطْعِ الْمَسَافَةِ، وَلِهَذَا لَوْ مَدَّ الْمَاءَ مِنْ الْأَصَابِعِ إلَى الْعَقِبِ جَازَ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ؛ لِأَنَّهُ عُضْوٌ وَاحِدٌ، وَلَوْ مَدَّ الْمَاءَ مِنْ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ إلَى الْأُخْرَى لَمْ يَجُزْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِلرِّجْلَيْنِ شَبَهًا بِعُضْوٍ وَاحِدٍ مِنْ حَيْثُ دُخُولُهُمَا تَحْتَ خِطَابٍ وَاحِدٍ، وَبِعُضْوَيْنِ مِنْ حَيْثُ قَطْعُ الْمَسَافَةِ فَعَمِلْنَا بِالشَّبَهَيْنِ، وَقُلْنَا بِعَدَمِ الْجَمْعِ نَظَرًا إلَى الشَّبَهِ الثَّانِي، وَبِعَدَمِ غَسْلِ مَا فِيهِ الْخَرْقُ دُونَ الْآخَرِ نَظَرًا إلَى الشَّبَهِ الْأَوَّلِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ فِيمَا هُوَ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ. وَقَوْلُهُ: (بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ) يَعْنِي إذَا كَانَ فِي أَحَدِ الْخُفَّيْنِ نَجَاسَةٌ قَلِيلَةٌ وَفِي الْآخَرِ كَذَلِكَ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَانْكِشَافُ الْعَوْرَةِ نَظِيرُ النَّجَاسَةِ فِي أَنَّ الْمَانِعَ انْكِشَافُ عَيْنِ الْعَوْرَةِ وَقَدْ وُجِدَ كَمَا أَنَّ الْمَانِعَ حَمْلُ النَّجَاسَةِ وَقَدْ وُجِدَ، وَوَجْهُ الرَّابِعِ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغَسْلُ) قِيلَ صُورَتُهُ رَجُلٌ تَوَضَّأَ وَلَبِسَ الْخُفَّ ثُمَّ أَجْنَبَ ثُمَّ وَجَدَ

لِحَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا سَفَرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا إلَّا عَنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ أَوْ نَوْمٍ» وَلِأَنَّ الْجَنَابَةَ لَا تُكَرَّرُ عَادَةً فَلَا حَرَجَ فِي النَّزْعِ، بِخِلَافِ الْحَدَثِ لِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ. (وَيَنْقُضُ الْمَسْحَ كُلُّ شَيْءٍ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ) لِأَنَّهُ بَعْضُ الْوُضُوءِ (وَيَنْقُضُهُ أَيْضًا نَزْعُ الْخُفِّ) لِسِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ حَيْثُ زَالَ الْمَانِعُ، وَكَذَا نَزْعُ أَحَدِهِمَا لِتَعْذِرْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ فِي وَظِيفَةٍ وَاحِدَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَاءً يَكْفِي لِلْوُضُوءِ وَلَا يَكْفِي لِلِاغْتِسَالِ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ وَلَا يَمْسَحُ وَيَتَيَمَّمُ لِلْجَنَابَةِ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: الْجَنَابَةُ أَلْزَمَتْهُ غَسْلَ جَمِيعِ الْبَدَنِ، وَمَعَ الْخُفِّ لَا يَتَأَتَّى، بِخِلَافِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ فَإِنَّهُ أَوْجَبَ غَسْلَ أَعْضَاءٍ يُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْحِ الْخُفِّ. وَعَسَّالٌ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ: بَيَّاعُ الْعَسَلِ، وَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ ظَاهِرٌ لَكِنْ يَقْتَضِي التَّصْوِيرَ، فَإِنَّ السَّلْبَ يَقْتَضِي تَصَوُّرَ الْإِيجَابِ. وَقَالَ مَوْلَانَا حُمَيْدُ الدِّينِ: الْمَوْضِعُ مَوْضِعُ النَّفْيِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّصَوُّرِ. وَقَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ الْجَنَابَةَ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ شَرْعِيَّةَ الْمَسْحِ لِدَفْعِ الْحَرَجِ وَالْحَرَجُ فِيمَا يَتَكَرَّرُ وَهُوَ الْحَدَثُ دُونَ الْجَنَابَةِ. قَالَ (وَيَنْقُضُ الْمَسْحَ كُلُّ شَيْءٍ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ) كُلُّ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ يَنْقُضُ الْمَسْحَ؛ لِأَنَّهُ بَعْضُ الْوُضُوءِ، فَلَوْ لَمْ يَنْتَقِضْ بِهِ لَكَانَ مَا فَرَضْنَاهُ نَاقِضًا لِلْوُضُوءِ لَمْ يَكُنْ نَاقِضًا لَهُ بَلْ نَاقِضًا لِبَعْضِهِ هَذَا خَلَفٌ، وَكَذَا يَنْقُضُهُ نَزْعُ الْخُفِّ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ السَّابِقَ بِخُرُوجِ النَّجَاسَةِ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ كَانَ مُمْتَنِعَ الْعَمَلِ بِوُجُودِ الْمَانِعِ وَهُوَ الْخُفُّ، وَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ سَرَى الْحَدَثُ إلَى الْقَدَمِ وَعَمِلَ عَمَلَهُ، وَهَذَا كَمَا تَرَى عَلَى طَرِيقَةِ تَخْصِيصِ الْعِلَلِ وَالْمُخَلِّصُ مَعْلُومٌ، وَكَذَا نَزْعُ أَحَدِهِمَا يَنْقُضُ الْمَسْحَ يُوجِبُ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ فِي وَظِيفَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ،

(وَكَذَا مُضِيُّ الْمُدَّةِ) لِمَا رَوَيْنَا (وَإِذَا تَمُتْ الْمُدَّةُ نَزَعَ خُفَّيْهِ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ وَصَلَّى وَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةُ بَقِيَّةِ الْوُضُوءِ) وَكَذَا إذَا نَزَعَ قَبْلَ الْمُدَّةِ لِأَنَّ عِنْدَ النَّزْعِ يَسْرِي الْحَدَثُ السَّابِقُ إلَى الْقَدَمَيْنِ كَأَنَّهُ لَمْ يَغْسِلْهُمَا، وَحُكْمُ النَّزْعِ يَثْبُتُ بِخُرُوجِ الْقَدَمِ إلَى السَّاقِ لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَيَّدَ بِالْوَاحِدَةِ؛ لِأَنَّهُمَا فِي غَيْرِهَا يَجْتَمِعَانِ كَغَسْلِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَمَسْحِ الرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ (وَكَذَا مُضِيُّ الْمُدَّةِ لِمَا رَوَيْنَا) مِنْ رِوَايَةِ صَفْوَانَ: أَلَّا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ قَائِمٌ مَقَامَ غَسْلِ الْقَدَمَيْنِ، وَلَوْ غَسَلَ قَدَمَيْهِ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ نَزَعَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ فَكَذَا هَذَا. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْغَسْلِ شَرْعًا فِي وَقْتٍ مُقَدَّرٍ، فَإِذَا مَضَى لَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَطَهَارَةِ الْمُتَيَمِّمِ. وَقَوْلُهُ: (وَإِذَا تَمَّتْ الْمُدَّةُ) قِيلَ هُوَ تَكْرَارٌ؛ لِأَنَّهُ عُلِمَ حُكْمُهُ مِنْ قَوْلِهِ وَكَذَا مُضِيُّ الْمُدَّةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ ذَكَرَهُ تَمْهِيدًا لِمَا رُتِّبَ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ نَزَعَ خُفَّيْهِ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ إلَى آخِرِهِ. وَقَوْلُهُ: (وَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةُ بَقِيَّةِ الْوُضُوءِ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ يَقُولُ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ؛ لِأَنَّ طَهَارَةَ الرِّجْلَيْنِ قَدْ انْتَقَضَتْ بِمُضِيِّ مُدَّةِ الْمَسْحِ وَانْتِقَاضُ الطَّهَارَةِ مِمَّا لَا يَتَجَزَّأُ فَصَارَ كَالْمُنْتَقِضِ بِالْحَدَثِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْحَدَثَ اسْمٌ لِخَارِجٍ نَجِسٍ وَالْمُضِيُّ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا سَرَى حَدَثٌ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ لِلرِّجْلَيْنِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ غَسْلَ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ قَدْ وُجِدَ عَنْ ذَلِكَ سِوَاهُمَا فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُمَا ثَانِيًا مَا لَمْ يُوجَدْ الْحَدَثُ فِي حَقِّهِمَا، فَكَانَ هَذَا كَمَنْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَغْسِلْ رِجْلَيْهِ يَجِبُ غَسْلُهُمَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ فِي غَزْوَةٍ فَنَزَعَ خُفَّيْهِ وَغَسَلَ قَدَمَيْهِ وَلَمْ يُعِدْ الْوُضُوءَ. وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَوْلُهُ: (وَكَذَا إذَا نَزَعَ قَبْلَ الْمُدَّةِ) مَعْنَاهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةُ بَقِيَّةِ الْوُضُوءِ. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّ عِنْدَ النَّزْعِ) دَلِيلُ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَالنَّزْعُ قَبْلَ الْمُدَّةِ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ آنِفًا فِي نَزْعِ الْخُفِّ، وَجَوَابُ الشَّافِعِيِّ، وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا مَسَحَ الرَّأْسَ ثُمَّ حَلَقَ الشَّعْرَ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الْمَسْحِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الشَّعْرَ مِنْ الرَّأْسِ خِلْقَةٌ فَمَسْحُهُ مَسْحُ الرَّأْسِ، بِخِلَافِ الْخُفِّ فَإِنَّهُ مَانِعُ سِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَى مَا تَحْتَهُ شَرْعًا، فَإِذَا زَالَ سَرَى الْحَدَثُ إلَيْهِ (وَحُكْمُ النَّزْعِ) وَهُوَ النَّقْضُ (يَثْبُتُ بِخُرُوجِ الْقَدَمِ إلَى السَّاقِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الشَّأْنَ أَوْ السَّاقَ

لَا مُعْتَبَرَ بِهِ فِي حَقِّ الْمَسْحِ، وَكَذَا بِأَكْثَرِ الْقَدَمِ هُوَ الصَّحِيحُ. (وَمَنْ ابْتَدَأَ الْمَسْحَ وَهُوَ مُقِيمٌ فَسَافَرَ قَبْلَ تَمَامِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى تَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ (لَا مُعْتَبَرَ بِهِ فِي حَقِّ الْمَسْحِ) ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لَهُ، وَمَا لَا مُعْتَبَرَ بِهِ فِي حَقِّهِ فَالْخُرُوجُ إلَيْهِ نَاقِضٌ كَخُرُوجِهَا مِنْ الْخُفِّ. وَقَوْلُهُ: (وَكَذَا بِأَكْثَرِ الْقَدَمِ) أَيْ يَثْبُتُ حُكْمُ النَّزْعِ بِخُرُوجِ أَكْثَرِ الْقَدَمِ إلَى سَاقِ الْخُفِّ (هُوَ الصَّحِيحُ) هَذَا هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ خُرُوجِ الْقَلِيلِ مُتَعَذِّرٌ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَحْصُلُ دُونَ الْقَصْدِ كَمَا إذَا كَانَ الْخُفُّ وَاسِعًا إذَا رَفَعَ الْقَدَمَ يَخْرُجُ الْعَقِبُ، وَإِذَا وَضَعَهَا عَادَتْ الْعَقِبُ إلَى مَكَانِهَا، فَلَوْ قُلْنَا بِنَقْضِ الْمَسْحِ فِي مِثْلِهِ وَقَعَ النَّاسُ فِي الْحَرَجِ، بِخِلَافِ الْكَثِيرِ فَإِنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْهُ لَيْسَ بِمُتَعَذِّرٍ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ أَكْثَرُ الْعَقِبِ مِنْ مَوْضِعِهِ إلَى السَّاقِ بَطَلَ مَسْحُهُ: يَعْنِي بِهِ أَنَّهُ إذَا بَدَا لَهُ نَزْعُ الْخُفِّ فَحَرَّكَهُ لِلنَّزْعِ حَتَّى زَالَ عَقِبُهُ. وَأَمَّا إذَا زَالَ بِاعْتِبَارِ سَعَةِ الْخُفِّ لَمْ يَبْطُلْ إجْمَاعًا دَفْعًا لِلْحَرَجِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ. وَوَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الْمَسْحَ إنَّمَا يَبْقَى بِبَقَاءِ مَحَلِّ الْغَسْلِ فِي الْخُفِّ وَلَمْ يَبْقَ بِزَوَالِ الْعَقِبِ أَوْ أَكْثَرِهَا إلَى السَّاقِ فَلَا يَبْقَى الْمَسْحُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنْ بَقِيَ فِي الْخُفِّ مِنْ الْقَدَمِ قَدْرُ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْمَسْحُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا: يَعْنِي إذَا قَصَدَ النَّزْعَ كَمَا ذَكَرْنَا اُعْتُبِرَ فِي ذَلِكَ بَقَاءُ مِقْدَارِ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْمَسْحُ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ مَا سِوَاهُ كَلَا خُرُوجٍ. قَالَ (وَمَنْ ابْتَدَأَ الْمَسْحَ وَهُوَ مُقِيمٌ فَسَافَرَ) هَذِهِ عَلَى أَوْجُهٍ ثَلَاثَةٍ: فِي وَجْهٍ تَتَحَوَّلُ مُدَّتُهُ إلَى مُدَّةِ السَّفَرِ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ مَا إذَا سَافَرَ قَبْلَ أَنْ تَنْتَقِضَ الطَّهَارَةُ الَّتِي لَبِسَ عَلَيْهَا الْخُفَّيْنِ وَانْتَقَضَتْ الطَّهَارَةُ وَهُوَ مُسَافِرٌ فَإِنَّهُ تَتَحَوَّلُ مُدَّتُهُ إلَى مُدَّةِ السَّفَرِ بِالِاتِّفَاقِ. وَفِي وَجْهٍ لَا تَتَحَوَّلُ مُدَّتُهُ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ مَا إذَا سَافَرَ بَعْدَمَا أَحْدَثَ وَبَعْدَمَا اسْتَكْمَلَ مُدَّةَ الْمُقِيمِ. وَفِي وَجْهٍ وَهُوَ مَا إذَا سَافَرَ

مَسَحَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا) عَمَلًا بِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ، وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْوَقْتِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ آخِرَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَكْمَلَ الْمُدَّةَ لِلْإِقَامَةِ ثُمَّ سَافَرَ لِأَنَّ الْحَدَثَ قَدْ سَرَى إلَى الْقَدَمِ وَالْخُفُّ لَيْسَ بِرَافِعٍ (وَلَوْ أَقَامَ وَهُوَ مُسَافِرٌ إنْ اسْتَكْمَلَ مُدَّةَ الْإِقَامَةِ نَزَعَ) لِأَنَّ رُخْصَةَ السَّفَرِ لَا تَبْقَى بِدُونِهِ (وَإِنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْ أَتَمَّهَا) لِأَنَّ هَذِهِ مُدَّةُ الْإِقَامَةِ وَهُوَ مُقِيمٌ. قَالَ (وَمَنْ لَبِسَ الْجُرْمُوقَ فَوْقَ الْخُفِّ مَسَحَ عَلَيْهِ) خِلَافًا لَلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ يَقُولُ: الْبَدَلُ لَا يَكُونُ لَهُ بَدَلٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْدَمَا أَحْدَثَ قَبْلَ اسْتِكْمَالِ مُدَّةِ الْمُقِيمِ تَتَحَوَّلُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ قَالَ: الْمَسْحُ عِبَادَةٌ شَرَعَ فِيهَا عَلَى حُكْمِ الْإِقَامَةِ، وَكُلُّ عِبَادَةٍ شَرَعَ فِيهَا عَلَى حُكْمِ الْإِقَامَةِ لَا تَتَغَيَّرُ بِالسَّفَرِ كَمَا إذَا شَرَعَ فِي الصَّوْمِ وَهُوَ مُقِيمٌ ثُمَّ سَافَرَ، وَكَمَا إذَا شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ فِي سَفِينَةٍ فِي الْمِصْرِ ثُمَّ تَسِيرُ السَّفِينَةُ فَلَا يَصِيرُ مُسَافِرًا فِي صَلَاتِهِ فَإِنَّهَا لَا تَتَغَيَّرُ؛ لِأَنَّ حَالَ الْإِقَامَةِ حَالُ الْعَزِيمَةِ وَحَالُ السَّفَرِ حَالُ رُخْصَةٍ، فَإِذَا اجْتَمَعَا فِي عِبَادَةٍ غَلَبَتْ الْعَزِيمَةُ عَلَى الرُّخْصَةِ. وَلَنَا إطْلَاقُ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مُسَافِرٍ وَمُسَافِرٍ فَيَمْسَحُ كَسَائِرِ الْمُسَافِرِينَ؛ وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْوَقْتِ وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ يُعْتَبَرُ فِيهِ آخِرُ الْوَقْتِ كَالْحَائِضِ إذَا طَهُرَتْ فِيهِ تَجِبُ عَلَيْهَا الصَّلَاةُ. وَالطَّاهِرَةُ إذَا حَاضَتْ فِيهِ سَقَطَتْ عَنْهَا، وَالْمُسَافِرُ إذَا أَقَامَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ أَتَمَّ، وَالْمُقِيمُ إذَا سَافَرَ فِيهِ قَصَرَ وَلَيْسَ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَجَزَّآنِ، فَبِاعْتِبَارِ الْإِقَامَةِ فِي أَوَّلِ الصَّوْمِ لَا يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ، وَبِاعْتِبَارِ السَّفَرِ فِي آخِرِهِ يُبَاحُ فَيَتَرَجَّحُ جَانِبُ الْحُرْمَةِ، وَكَذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ يَتَرَجَّحُ جَانِبُ الْإِقَامَةِ لِلِاحْتِيَاطِ. وَأَمَّا الْوَقْتُ فَمَا يَتَجَزَّأُ فَلَمْ يَجْتَمِعْ الْإِقَامَةُ وَالسَّفَرُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَكَانَ الِاعْتِبَارُ لِلْمَوْجُودِ وَهُوَ السَّفَرُ. وَقَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَكْمَلَ إلَخْ) ظَاهِرٌ. قَالَ (وَمَنْ لَبِسَ الْجُرْمُوقَ) يَعْنِي قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ (مَسَحَ عَلَيْهِ) وَالْجُرْمُوقُ: مَا يُلْبَسُ فَوْقَ الْخُفِّ وَسَاقُهُ أَقْصَرُ مِنْ الْخُفِّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُمْسَحُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْخُفَّ بَدَلُ الرِّجْلِ وَالْبَدَلُ لَا يَكُونُ لَهُ بَدَلٌ: يَعْنِي بِالرَّأْيِ، فَإِنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ بَدَلًا عَنْ الرِّجْلَيْنِ لَا غَيْرُ، فَتَجْوِيزُ الْمَسْحِ عَلَى

وَلَنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَسَحَ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ» وَلِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْخُفِّ اسْتِعْمَالًا وَغَرَضًا فَصَارَا كَخُفٍّ ذِي طَاقَيْنِ وَهُوَ بَدَلٌ عَنْ الرِّجْلِ لَا عَنْ الْخُفِّ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَبِسَ الْجُرْمُوقَ بَعْدَمَا أَحْدَثَ لِأَنَّ الْحَدَثَ حَلَّ بِالْخُفِّ فَلَا يَتَحَوَّلُ إلَى غَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ الْجُرْمُوقُ مِنْ كِرْبَاسَ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ بَدَلًا عَنْ الرِّجْلِ إلَّا أَنْ تَنْفُذَ الْبَلَّةُ إلَى الْخُفِّ. (وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَّا أَنْ يَكُونَا مُجَلَّدَيْنِ أَوْ مُنَعَّلَيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجُرْمُوقِ إقَامَةُ بَدَلٍ عَنْهُ بِالرَّأْيِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ. وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ «عُمَرَ قَالَ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ» وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْآثَارِ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ؛ وَلِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْخُفِّ اسْتِعْمَالًا وَغَرَضًا، أَمَّا الِاسْتِعْمَالُ فَإِنَّهُ يَدُورُ مَعَ الْخُفِّ مَشْيًا وَقِيَامًا وَقُعُودًا وَارْتِفَاعًا وَانْخِفَاضًا، وَأَمَّا الْغَرَضُ فَإِنَّهُ وِقَايَةٌ لِلْخُفِّ كَمَا أَنَّ الْخُفَّ وِقَايَةٌ لِلرِّجْلِ فَصَارَ كَخُفٍّ ذِي طَاقَيْنِ. قِيلَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَّا وَجَبَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ عِنْدَ نَزْعِ الْجُرْمُوقَيْنِ كَمَا لَوْ مَسَحَ عَلَى خُفٍّ ذِي طَاقَيْنِ ثُمَّ نَزَعَ أَحَدَ طَاقَيْهِ أَوْ كَانَ الْخُفُّ مُشْعِرًا فَمَسَحَ عَلَيْهِ ثُمَّ حَلَقَ الشَّعْرَ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْمَسْحِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجُرْمُوقِ لَيْسَ بِتَبَعٍ مِنْ حَيْثُ الْأَصْلُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَبِسَهُ مُنْفَرِدًا جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ وَتَبِعَ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِعْمَالُ وَالْغَرَضُ كَمَا ذَكَرْنَا فَإِذَا لَبِسَهُ عَلَى الْخُفِّ صَارَ تَابِعًا وَكَانَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ، وَإِذَا زَالَ بِالنَّزْعِ زَالَتْ التَّبَعِيَّةُ وَحَلَّ الْحَدَثُ مَا تَحْتَهُ فَيَجِبُ إعَادَةُ الْمَسْحِ. وَأَمَّا طَاقَاتُ الْخُفِّ فَلِشِدَّةِ اتِّصَالِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ كَانَا كَالشَّعْرِ مَعَ الْبَشَرَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا مَسَحَ عَلَى الرَّأْسِ ثُمَّ حَلَقَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ. وَقَوْلُهُ: (وَهُوَ بَدَلٌ عَنْ الرِّجْلِ لَا عَنْ الْخُفِّ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الْخَصْمِ الْبَدَلُ لَا يَكُونُ لَهُ بَدَلٌ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ بَدَلُ الْخُفِّ وَإِنَّمَا هُوَ بَدَلٌ عَنْ الرِّجْلِ كَالْخُفِّ؛ لِأَنَّ الْخُفَّ لَمْ يَنْعَقِدْ فِيهِ حُكْمُ الْمَسْحِ بَعْدُ، قِيلَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَوَجَبَ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ عِنْدَ نَزْعِهِمَا كَمَا فِي نَزْعِ الْخُفَّيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَكَانَ بَدَلَ الْخُفِّ وَلَزِمَ بَدَلُ الْبَدَلِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ بَدَلُ الرِّجْلِ مَا لَمْ يَحِلَّ الْحَدَثُ بِالْخُفِّ، فَإِذَا نُزِعَ زَالَتْ الْبَدَلِيَّةُ مِنْهُ وَحَلَّ الْحَدَثُ بِالْخُفِّ فَكَانَ الْخُفُّ بَدَلًا عَنْ الرِّجْلِ إذْ ذَاكَ وَلَزِمَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ الْجُرْمُوقُ مِنْ كِرْبَاسَ) ظَاهِرٌ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: فِي وَجْهٍ يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَا ثَخِينَيْنِ مُنَعَّلَيْنِ، وَفِي وَجْهٍ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ أَلَّا يَكُونَا ثَخِينَيْنِ وَلَا مُنَعَّلَيْنِ، وَفِي وَجْهٍ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِصَاحِبَيْهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَا ثَخِينَيْنِ غَيْرَ مُنَعَّلَيْنِ.

وَقَالَا: يَجُوزُ إذَا كَانَا ثَخِينَيْنِ لَا يَشِفَّانِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْهِ» ، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ فِيهِ إذَا كَانَ ثَخِينًا، وَهُوَ أَنْ يَسْتَمْسِكَ عَلَى السَّاقِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرْبَطَ بِشَيْءٍ فَأَشْبَهَ الْخُفَّ. وَلَهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْخُفِّ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مُوَاظَبَةُ الْمَشْيِ فِيهِ إلَّا إذَا كَانَ مُنَعَّلًا وَهُوَ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْبُرْقُعِ وَالْقُفَّازَيْنِ) لِأَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي نَزْعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَالرُّخْصَةُ لَدَفْعِ الْحَرَجِ. (وَيَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبَائِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُقَالُ جَوْرَبٌ مُنَعَّلٌ وَمُنْعَلٌ إذَا وُضِعَ عَلَى أَسْفَلِهِ جِلْدَةٌ كَالنَّعْلِ لِلْقَدَمِ وَالْمُجَلَّدُ هُوَ الَّذِي وُضِعَ الْجِلْدُ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلَهُ. وَقَوْلُهُ: (لَا يَشِفَّانِ) تَأْكِيدٌ لِلثَّخَانَةِ، مِنْ شَفَّ الثَّوْبُ: إذَا رَقَّ حَتَّى رَأَيْت مَا وَرَاءَهُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ. لَهُمَا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ» ؛ وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ فِيهِ إذَا كَانَ ثَخِينًا بِحَيْثُ يَسْتَمْسِكُ عَلَى السَّاقِ مِنْ غَيْرِ الرَّبْطِ فَأَشْبَهَ الْخُفَّ فَيَلْحَقُ بِهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِلْحَاقَ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْخُفَّ يُمْكِنُ مُوَاظَبَةُ الْمَشْيِ فِيهِ دُونَ الْجَوْرَبِ إلَّا إذَا كَانَ مُنَعَّلًا وَهُوَ مَحْمَلُ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى، عَلَى أَنَّ أَبَا دَاوُد طَعَنَ فِيهِ وَقَالَ: لَيْسَ بِالْمُتَّصِلِ وَلَا بِالْقَوِيِّ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْهِ فِي مَرَضِهِ ثُمَّ قَالَ لِعُوَّادِهِ: فَعَلْت مَا كُنْت أَمْنَعُ النَّاسَ عَنْهُ. فَاسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى رُجُوعِهِ إلَى قَوْلِهِمَا، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ إلَخْ) فِيهِ نَفْيُ قَوْلِ مَنْ يُجَوِّزُ الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ كَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَهْلِ الظَّاهِرِ قَالُوا صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ عَلَى عِمَامَتِهِ وَخُفَّيْهِ. وَقُلْنَا الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ ثَبَتَ رُخْصَةً لِدَفْعِ الْحَرَجِ وَلَا حَرَجَ فِي نَزْعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَالتَّمَسُّكُ بِالْحَدِيثِ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] يَقْتَضِي عَدَمَ جَوَازِ مَسْحِ غَيْرِ الرَّأْسِ، وَالْعَمَلُ بِالْحَدِيثِ يَكُونُ زِيَادَةً عَلَيْهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَهُوَ نَسْخٌ فَلَا يَجُوزُ أَوْ هُوَ مَنْسُوخٌ. قَالَ مُحَمَّدٌ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، قَالَ حَدَّثَنَا نَافِعٌ، قَالَ رَأَيْت صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ تَتَوَضَّأُ وَتَنْزِعُ خِمَارَهَا ثُمَّ تَمْسَحُ بِرَأْسِهَا، قَالَ نَافِعٌ: وَأَنَا يَوْمَئِذٍ صَغِيرٌ، قَالَ مُحَمَّدٌ: بِهَذَا نَأْخُذُ لَا نَمْسَحُ عَلَى خِمَارٍ وَلَا عَلَى عِمَامَةٍ، بَلَغَنَا أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ كَانَ فَتُرِكَ. وَالْقُفَّازُ بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ شَيْءٌ يُعْمَلُ لِلْيَدَيْنِ يُحْشَى بِالْقُطْنِ وَيَكُونُ لَهُ أَزْرَارٌ تَزِرُّ عَلَى السَّاعِدَيْنِ مِنْ الْبَرْدِ تَلْبَسُهُ الْمَرْأَةُ فِي يَدَيْهَا، كَذَا فِي الصِّحَاحِ. وَقَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبَائِرِ) قَالَ قَاضِي خَانْ: هَذَا إذَا كَانَ يَضُرُّهُ الْمَسْحُ عَلَى الْجِرَاحَةِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَضُرَّهُ فَلَا يَمْسَحُ عَلَى الْجَبَائِرِ،

وَإِنْ شَدَّهَا عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَهُ وَأَمَرَ عَلِيًّا بِهِ، وَلِأَنَّ الْحَرَجَ فِيهِ فَوْقَ الْحَرَجِ فِي نَزْعِ الْخُفِّ فَكَانَ أَوْلَى بِشَرْعِ الْمَسْحِ، وَيَكْتَفِي بِالْمَسْحِ عَلَى أَكْثَرِهَا ذَكَرَهُ الْحَسَنُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْجَبَائِرُ جَمْعُ جَبِيرَةٍ وَهِيَ الْعِيدَانُ الَّتِي تُجْبَرُ بِهَا الْعِظَامُ، وَإِنَّمَا قَالَ (وَإِنْ شَدَّهَا عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ) ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُرْبَطُ حَالَةَ الضَّرُورَةِ، وَاشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ يُفْضِي إلَى الْحَرَجِ فَلَا يُعْتَبَرُ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ وَأَمَرَ عَلِيًّا بِهِ حِينَ كُسِرَ زَنْدُهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَقِيلَ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَإِنَّهُ كَانَ حَامِلَ رَايَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكُسِرَ زَنْدُهُ وَسَقَطَ اللِّوَاءُ مِنْ يَدِهِ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اجْعَلُوهَا فِي يَسَارِهِ فَإِنَّهُ صَاحِبُ لِوَائِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَقَالَ مَا أَصْنَعُ بِالْجَبَائِرِ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: امْسَحْ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْغَاسِلِ وَغَيْرِهِ» . وَ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْحَرَجَ فِيهِ ظَاهِرٌ) وَأَرَى أَنَّ فِي قَوْلِهِ وَيَجُوزُ الْمَسْحُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَسْحَ الْجَبَائِرِ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَلَا وَاجِبٍ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ قَدْ اخْتَلَفَتْ. فَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالتَّجْرِيدِ: الْمَسْحُ عَلَى الْجَبَائِرِ لَيْسَ بِفَرْضٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّهُ بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ، وَفِي الْمُحِيطِ وَاجِبٌ عِنْدَهُ وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ خِلَافًا لَهُمَا، قَالَا أَمَرَ عَلِيًّا بِهِ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، وَقَالَ: الْمَسْحُ يَقُومُ مَقَامَ غَسْلِ مَا تَحْتَهَا وَغَسْلُ مَا تَحْتَهَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا، فَكَذَا الْمَسْحُ، وَهَذَا يُرْشِدُ إلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلِاسْتِحْبَابِ. وَقَوْلُهُ: (وَيَكْتَفِي بِالْمَسْحِ عَلَى أَكْثَرِهَا) لَمْ يَذْكُرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ إذَا مَسَحَ عَلَى بَعْضِ الْجَبَائِرِ دُونَ بَعْضٍ هَلْ يُجْزِيهِ أَوْ لَا. وَذَكَرَ فِي أَمَالِي الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ إذَا مَسَحَ عَلَى الْأَكْثَرِ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ مَسَحَ عَلَى النِّصْفِ لَا يُجْزِيهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مِسْحِ الرَّأْسِ وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا الْأَكْثَرُ أَنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ شُرِعَ بِالْكِتَابِ وَالْبَاءُ دَخَلَتْ الْمَحَلَّ فَأَوْجَبَتْ تَبْعِيضَهُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ إنْ كَانَ بِالْكِتَابِ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بِالسُّنَّةِ فَهِيَ أَوْجَبَتْ مَسْحَ الْبَعْضِ، فَأَمَّا الْمَسْحُ عَلَى

وَلَا يَتَوَقَّتُ لِعَدَمِ التَّوْقِيتِ بِالتَّوْقِيتِ (وَإِنْ سَقَطَتْ الْجَبِيرَةُ عَنْ غَيْرِ بُرْءٍ لَا يَبْطُلُ الْمَسْحُ) لِأَنَّ الْعُذْرَ قَائِمٌ وَالْمَسْحُ عَلَيْهَا كَالْغَسْلِ لِمَا تَحْتَهَا مَا دَامَ الْعُذْرُ بَاقِيًا (وَإِنْ سَقَطَتْ عَنْ بُرْءٍ بَطَلَ) لِزَوَالِ الْعُذْرِ، وَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ اسْتَقْبَلَ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجَبَائِرِ فَإِنَّمَا ثَبَتَ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُنْبِئُ عَنْ الْبَعْضِ، إلَّا أَنَّ الْقَلِيلَ سَقَطَ اعْتِبَارُهُ دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَأُقِيمَ الْأَكْثَرُ مَقَامَهُ. وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَتَوَقَّتُ) بَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَ مَسْحِ الْخُفِّ وَمَسْحِ الْجَبِيرَةِ وَذَلِكَ بِأُمُورٍ: مِنْهَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ شَدَّهَا عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَإِنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفِّ مِنْ غَيْرِ طَهَارَةٍ لَا يَجُوزُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّتُ بِوَقْتٍ مُقَدَّرٍ لِعَدَمِ التَّوْقِيفِ بِالتَّوْقِيتِ حَيْثُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ أَثَرٌ وَلَا خَبَرٌ، وَالْمَقَادِيرُ لَا تُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا فَيُمْسَحُ إلَى وَقْتِ الْبُرْءِ، وَمِنْهَا أَنَّ الْجَبِيرَةَ إنْ سَقَطَتْ عَنْ غَيْرِ بُرْءٍ لَمْ يَبْطُلُ الْمَسْحُ، بِخِلَافِ الْخُفِّ فَإِنَّهُ إذَا نُزِعَ بَطَلَ الْمَسْحُ؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ قَائِمٌ وَالْمَسْحُ عَلَيْهَا كَالْغَسْلِ لِمَا تَحْتَهَا مَا دَامَ الْعُذْرُ بَاقِيًا حَتَّى لَوْ مَسَحَ عَلَى جَبِيرَةِ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى خُفِّ الرِّجْلِ الْأُخْرَى لِئَلَّا يَكُونَ جَامِعًا بَيْنَ الْغَسْلِ حُكْمًا وَبَيْنَ الْمَسْحِ، وَإِنْ سَقَطَتْ عَنْ بُرْءٍ بَطَلَ لِزَوَالِ الْعُذْرِ، وَإِنْ كَانَ سُقُوطُهَا فِي الصَّلَاةِ اسْتَقْبَلَ؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ فَصَارَ كَالْمُتَيَمِّمِ يَجِدُ الْمَاءَ

[باب الحيض والاستحاضة]

(أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا، وَمَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي خِلَالِ صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُهَا كَذَلِكَ. قِيلَ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا إذَا صَلَّى رَكْعَةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ بِالتَّحَرِّي ثُمَّ تَبَيَّنَتْ جِهَةُ الْكَعْبَةِ فَإِنَّهُ يَبْنِي وَلَا يَسْتَقْبِلُ مَعَ أَنَّ جِهَةَ التَّحَرِّي بَدَلٌ عَنْ جِهَةِ الْكَعْبَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ بِطَرِيقِ النَّسْخِ لِمَا قَبْلَهُ لِمَا أَنَّ أَصْلَهُ كَانَ بِطَرِيقِ النَّسْخِ فَيَبْقَى فِي حَقِّ الْمُتَحَرِّي كَذَلِكَ وَالنَّسْخُ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْقَائِمِ لَا فِي حَقِّ الْفَائِتِ فَلِذَلِكَ يَبْنِي وَلَا يَسْتَقْبِلُ [بَابُ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ] اخْتَلَفَ الشَّارِحُونَ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ بِأَنَّهُمَا مِنْ الْأَحْدَاثِ أَوْ الْأَنْجَاسِ، فَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى الثَّانِي، وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَنْسَبُ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ يَقُولُ بَعْدَ هَذَا بَابُ الْأَنْجَاسِ وَتَطْهِيرِهَا. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْأَحْدَاثِ الَّتِي يَكْثُرُ وُقُوعُهَا ذَكَرَ مَا هُوَ أَقَلُّ وُقُوعًا مِنْهُ وَلَقَّبَ الْبَابَ بِالْحَيْضِ دُونَ النِّفَاسِ لِكَثْرَتِهِ أَوْ لِكَوْنِهِ حَالَةً مَعْهُودَةً فِي بَنَاتِ آدَمَ دُونَ النِّفَاسِ. وَالْحَيْضُ لُغَةً، هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ، وَمِنْهُ حَاضَتْ الْأَرْنَبُ، وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ: هُوَ دَمٌ يَنْفُضُهُ رَحِمُ الْمَرْأَةِ السَّلِيمَةِ عَنْ الدَّاءِ وَالصِّغَرِ. قَوْلُهُ: السَّلِيمَةُ عَنْ الدَّاءِ احْتِرَازٌ عَنْ النِّفَاسِ، وَقَوْلُهُ: وَالصِّغَرِ احْتِرَازٌ عَمَّا تَرَاهُ الصَّغِيرَةُ، وَشَرْطُهُ تَقَدُّمُ نِصَابِ الطُّهْرِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَفَرَاغُ الرَّحِمِ عَنْ الْحَبَلِ (أَقَلُّ الْحَيْضِ) أَيْ أَقَلُّ مُدَّتِهِ (ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا وَمَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ) عِنْدَنَا، وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يَوْمَانِ وَأَكْثَرُ الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَقَالَ مَالِكٌ: مَا يُوجَدُ وَلَوْ بِسَاعَةٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ. وَلَنَا مَا رَوَى أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ

لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَقَلُّ الْحَيْضِ لِلْجَارِيَةِ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ» وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي التَّقْدِيرِ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَوْمَانِ وَالْأَكْثَرُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ إقَامَةٌ لِلْأَكْثَرِ مَقَامَ الْكُلِّ. قُلْنَا هَذَا نَقْصٌ عَنْ تَقْدِيرِ الشَّرْعِ (وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا وَالزَّائِدُ اسْتِحَاضَةٌ) لِمَا رَوَيْنَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَائِشَةُ وَوَائِلَةُ وَأَنَسٌ وَابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَقَلُّ الْحَيْضِ لِلْجَارِيَةِ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ» وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَالْمَرْوِيُّ عَنْهُمْ كَالْمَرْوِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ لَا تُعْرَفُ قِيَاسًا. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الدَّمَ لَا يَسِيلُ عَلَى الدَّوَامِ بَلْ يَسِيلُ تَارَةً وَيَنْقَطِعُ أُخْرَى فَيُقَامُ الْأَكْثَرُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَهُوَ سَبْعٌ وَسِتُّونَ سَاعَةً عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي النَّوَادِرِ مَقَامَ الْكَمَالِ. وَلِمَالِكٍ أَنَّ هَذَا نَوْعُ حَدَثٍ فَلَا يُقَدَّرُ أَقَلُّهُ شَيْءٌ كَسَائِرِ الْأَحْدَاثِ. وَلِلشَّافِعِيِّ أَنَّ السَّيَلَانَ لَمَّا اسْتَوْعَبَ جَمِيعَ السَّاعَاتِ عَرَفْنَا أَنَّ الدَّمَ مِنْ الرَّحِمِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِظْهَارِ بِشَيْءٍ آخَرَ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ نَقَصَ عَنْ تَقْدِيرِ الشَّرْعِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ (وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا، وَالزَّائِدُ عَلَيْهَا اسْتِحَاضَةٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي نُقْصَانِ دِينِ الْمَرْأَةِ «تَقْعُدُ إحْدَاهُنَّ شَطْرَ عُمُرِهَا لَا تَصُومُ وَلَا تُصَلِّي» وَالْمُرَادُ بِهِ زَمَنُ الْحَيْضِ، وَالشَّطْرُ هُوَ النِّصْفُ. وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ

وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي التَّقْدِيرِ بِخَمْسَةَ عَشْرَ يَوْمًا ثُمَّ الزَّائِدُ وَالنَّاقِصُ اسْتِحَاضَةٌ، لِأَنَّ تَقْدِيرَ الشَّرْعِ يَمْنَعُ إلْحَاقُ غَيْرِهِ بِهِ (وَمَا تَرَاهُ الْمَرْأَةُ مِنْ الْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ) حَتَّى تَرَى الْبَيَاضَ خَالِصًا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيَّامٍ» وَلِأَنَّ تَقْدِيرَ الشَّرْعِ يَمْنَعُ إلْحَاقَ غَيْرِهِ بِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالشَّطْرِ حَقِيقَتَهُ؛ لِأَنَّ فِي عُمُرِهَا زَمَانَ الصِّغَرِ وَمُدَّةَ الْحَبَلِ وَزَمَانَ الْإِيَاسِ وَهِيَ لَا تَحِيضُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الزَّمَانِ، فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يُقَارِبُ الشَّطْرَ حَيْضًا، وَإِذَا قَدَّرْنَا بِالْعَشَرَةِ بِهَذِهِ الْآثَارِ كَانَ مُقَارِبًا بِالشَّطْرِ وَحَصَلَ التَّوْفِيقُ. وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ الْتَزَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّطْرِ حَقِيقَتُهُ وَهُوَ النِّصْفُ وَقَالَ هُوَ حَاصِلٌ فِيمَا قُلْنَا، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إذَا بَلَغَتْ لِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً ثُمَّ حَاضَتْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ مَاتَتْ بَعْدَ سِتِّينَ سَنَةً كَانَتْ تَارِكَةً لِلصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ شَطْرَ عُمُرِهَا. (قَوْلُهُ: وَمَا تَرَاهُ الْمَرْأَةُ) بَيَانُ أَلْوَانِهِ وَهِيَ سِتَّةٌ: السَّوَادُ وَالْحُمْرَةُ وَالصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ وَالْخُضْرَةُ وَالتُّرْبِيَّةُ، وَلَمْ يَذْكُرْ السَّوَادَ؛ لِأَنَّهُ لَا إشْكَالَ فِي كَوْنِهِ حَيْضًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَمُ الْحَيْضِ أَسْوَدُ عَبِيطٌ مُحْتَدِمٌ» أَيْ طَرِيٌّ شَدِيدُ الْحُمْرَةِ يَضْرِبُ إلَى السَّوَادِ، وَأَمَّا الْحُمْرَةُ فَهِيَ اللَّوْنُ الْأَصْلِيُّ لِلدَّمِ، إلَّا أَنَّهُ عِنْدَ غَلَبَةِ السَّوْدَاءِ يَضْرِبُ إلَى السَّوَادِ، وَعِنْدَ غَلَبَةِ الصَّفْرَاءِ يَرِقُّ فَيَضْرِبُ لِلصُّفْرَةِ، وَيَتَبَيَّنُ ذَلِكَ لِمَنْ افْتَصَدَ، فَالصُّفْرَةُ أَيْضًا مِنْ أَلْوَانِ الدَّمِ إذَا رَقَّ، وَقِيلَ هِيَ كَصُفْرَةِ التِّبْنِ أَوْ كَصُفْرَةِ الْقَزِّ. وَأَمَّا الْكُدْرَةُ فَلَوْنُهَا

(وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تَكُونُ الْكُدْرَةُ حَيْضًا إلَّا بَعْدَ الدَّمِ) لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ الرَّحِمِ لَتَأَخَّرَ خُرُوجُ الْكَدِرِ عَنْ الصَّافِي. وَلَهُمَا مَا رَوَى أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - جَعَلَتْ مَا سِوَى الْبَيَاضِ الْخَالِصِ حَيْضًا وَهَذَا لَا يُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا ـــــــــــــــــــــــــــــQكَلَوْنِ الْمَاءِ الْمُكَدَّرِ وَهِيَ حَيْضٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ حَتَّى تَرَى الْبَيَاضَ خَالِصًا سَوَاءٌ رَأَتْ فِي أَوَّلِ أَيَّامِ الْحَيْضِ أَوْ فِي آخِرِهَا (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا تَكُونُ الْكُدْرَةُ حَيْضًا إلَّا بَعْدَ الدَّمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ الرَّحِمِ لَتَأَخَّرَ خُرُوجُ الْكَدِرِ عَنْ الصَّافِي) ؛ لِأَنَّ الْكُدْرَةَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ تَتَّبِعُ صَافِيَهُ فَلَوْ جَعَلْنَاهَا حَيْضًا وَلَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهَا دَمٌ كَانَتْ مَقْصُودَهُ لَا تَبَعًا. (وَلَهُمَا مَا رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - جَعَلَتْ مَا سِوَى الْبَيَاضِ الْخَالِصِ حَيْضًا) حَدَّثَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ مَوْلَاةِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ النِّسَاءُ يَبْعَثْنَ إلَى عَائِشَةَ بِالدَّرَجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ يَسْأَلْنَهَا عَنْ الصَّلَاةِ فَتَقُولُ لَهُنَّ: لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ. وَالْقَصَّةَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الصَّادِ: شَيْءٌ يَخْرُجُ مِنْ أَقْبَالِ النِّسَاءِ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ شِبْهَ الْخَيْطِ الْأَبْيَضِ، وَقِيلَ هِيَ الْجِصُّ شُبِّهَتْ الرُّطُوبَةُ الصَّافِيَةُ بَعْدَ الْحَيْضِ بِالْجِصِّ: يَعْنِي تَخْرُجُ الْخِرْقَةُ الَّتِي تَحْشِي بِهَا كَالْجِصِّ الْأَبْيَضِ، قِيلَ وَيُعْتَبَرُ اللَّوْنُ حِينَ تَرْفَعُ الْخِرْقَةَ وَهِيَ طَرِيَّةٌ لَا بَعْدَ الْجَفَافِ؛ لِأَنَّ اللَّوْنَ يَتَغَيَّرُ بِالْأَسْبَابِ، وَهَذَا يَعْنِي مَا فَعَلَتْ عَائِشَةُ لَا يُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهَا سَمِعْت ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَمُ الْحَيْضِ أَسْوَدُ عَبِيطٌ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَيْسَتْ بِحَيْضٍ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ فِعْلِ عَائِشَةَ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ بِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ مِنْ

وَفَمُ الرَّحِمِ مَنْكُوسٌ فَيَخْرُجُ الْكَدْرُ أَوَّلًا كَالْجَرَّةِ إذَا ثُقِبَ أَسْفَلُهَا، وَأَمَّا الْخُضْرَةُ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ تَكُونُ حَيْضًا وَيُحْمَلُ عَلَى فَسَادِ الْغِذَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً لَا تَرَى غَيْرَ الْخُضْرَةِ تُحْمَلُ عَلَى فَسَادِ الْمَنْبَتِ فَلَا تَكُونُ حَيْضًا (وَالْحَيْضُ يُسْقِطُ عَنْ الْحَائِضِ الصَّلَاةَ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهَا الصَّوْمَ وَتَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبَابِ تَخْصِيصِ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ وَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَاهُ. وَقَوْلُهُ: (وَفَمُ الرَّحِمِ مَنْكُوسٌ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِتَأَخُّرِ خُرُوجِ الْكَدِرِ عَنْ الصَّافِي وَكَأَنَّهُ قَوْلٌ بِالْمُوجِبِ: أَيْ نَعَمْ هُوَ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَخْرَجُ مِنْ أَسْفَلَ. أَمَّا إذَا كَانَ كَالْجَرَّةِ ثُقِبَ أَسْفَلُهَا فَإِنَّ الْكُدْرَةَ تَخْرُجُ أَوَّلًا، وَأَمَّا الْخُضْرَةُ فَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وُجُودَهَا. وَقَالَ مُسْتَبْعِدًا كَأَنَّهَا أَكَلَتْ فَصِيلًا. وَذَكَرَ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ أَنَّ الْخُضْرَةَ نَوْعٌ مِنْ الْكُدْرَةِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ (إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ كَانَتْ حَيْضًا، وَيُحْمَلُ عَلَى فَسَادِ الْغِذَاءِ كَأَنَّهَا أَكَلَتْ غِذَاءً فَاسِدًا) أَفْسَدَ صُورَةَ دَمِهَا (وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً) أَيْ آيِسَةً وَهِيَ أَنْ تَكُونَ فِي خَمْسٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ، وَقِيلَ فِي خَمْسِينَ، وَقِيلَ فِي سَبْعِينَ لَا يَكُونُ حَيْضًا وَيُحْمَلُ عَلَى فَسَادِ الْمَنْبَتِ فَإِنَّ الدَّمَ فِي الْأَصْلِ لَا يَكُونُ أَخْضَرَ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ التُّرْبِيَّةَ وَهِيَ مَا يَكُونُ لَوْنُهُ كَلَوْنِ التُّرَابِ وَهِيَ نِسْبَةٌ إلَى التُّرَابِ؛ لِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنْ الْكُدْرَةِ فَهِيَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ. وَرُوِيَ التَّبْرِئَةُ بِوَزْنِ التَّرْبِعَةِ وَالتُّرْبِيَّةُ بِوَزْنِ التَّرْعِيَّةِ، وَهِيَ لَوْنٌ خَفِيٌّ يَسِيرٌ أَقَلُّ مِنْ صُفْرَةٍ وَكُدْرَةٍ، وَقِيلَ هِيَ مِنْ التُّرْبَةِ؛ لِأَنَّهَا عَلَى لَوْنِهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ أَوَانَ الْحَيْضِ. وَاخْتَلَفُوا فِي أَدْنَى مُدَّةٍ يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا إذَا رَأَتْ الدَّمَ فِيهَا. قَالَ أَبُو نَصْرٍ بْنُ سَلَّامٍ: بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ إذَا رَأَتْ الدَّمَ وَتَمَادَى بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَبَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ بِسَبْعِ سِنِينَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَدَّرَهُ بِتِسْعِ سِنِينَ، وَأَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ قَدَّرَهُ بِثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى مَا قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ. قَالَ (وَالْحَيْضُ يُسْقِطُ عَنْ الْحَائِضِ الصَّلَاةَ) هَذَا بَيَانُ أَحْكَامِ الْحَيْضِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا: إنَّهَا اثْنَا عَشَرَ: ثَمَانِيَةٌ يَشْتَرِكُ فِيهَا الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ وَأَرْبَعَةٌ مُخْتَصَّةٌ بِالْحَيْضِ دُونَ النِّفَاسِ، فَأَمَّا الثَّمَانِيَةُ: فَتَرْكُ الصَّلَاةِ لَا إلَى قَضَاءٍ، وَتَرْكُ الصَّوْمِ إلَى قَضَاءٍ، وَحُرْمَةُ الدُّخُولِ فِي الْمَسْجِدِ، وَحُرْمَةُ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، وَحُرْمَةُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَحُرْمَةُ مَسِّ الْمُصْحَفِ بِدُونِ الْغِلَافِ، وَحُرْمَةُ جِمَاعِهَا، وَالثَّامِنُ وُجُوبُ الْغُسْلِ عِنْدَ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ. وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ: الْمَخْصُوصَةُ بِالْحَيْضِ، فَانْقِضَاءُ الْعِدَّةِ، وَالِاسْتِبْرَاءُ، وَالْحُكْمُ بِبُلُوغِهَا، وَالْفَصْلُ بَيْنَ طَلَاقَيْ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ. فَالسَّبْعَةُ الْأُولَى تَتَعَلَّقُ بِبُرُوزِ الدَّمِ عِنْدَهُمَا بِمُجَاوَزَتِهِ مَوْضِعَ الْبَكَارَةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْإِحْسَاسِ بِالْبُرُوزِ، فَلَوْ تَوَضَّأَتْ وَوَضَعَتْ الْكُرْسُفَ ثُمَّ أَحَسَّتْ بِنُزُولِ الدَّمِ مِنْ الرَّحِمِ إلَى الْكُرْسُفِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ ثُمَّ رَفَعَتْ الْكُرْسُفَ بَعْدَ غُرُوبِهَا فَالصَّوْمُ تَامٌّ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهَا تَقْضِيهِ. وَالثَّامِنُ يَتَعَلَّقُ بِنِصَابِ الْحَيْضِ وَيَسْتَنِدُ إلَى ابْتِدَائِهِ، وَالْأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ تَتَعَلَّقُ بِانْقِضَائِهِ. قَوْلُهُ: (يَسْقُطُ) عَلَى مَذْهَبِ الْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ عَلَى حَقِيقَتِهِ؛ لِأَنَّ

لِقَوْلِ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: كَانَتْ إحْدَانَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا طَهُرَتْ مِنْ حَيْضِهَا تَقْضِي الصِّيَامَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ» ، وَلِأَنَّ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ حَرَجًا لِتَضَاعُفِهَا وَلَا حَرَجَ فِي قَضَاءِ الصَّوْمِ (وَلَا تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ) وَكَذَا الْجُنُبُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ» وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي إبَاحَةِ الدُّخُولِ عَلَى وَجْهِ الْعُبُورِ وَالْمُرُورِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَهُ نَفْسَ الْوُجُوبِ ثَابِتٌ عَلَيْهَا كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِقِيَامِ الذِّمَّةِ الصَّالِحَةِ لِلْإِيجَابِ لَكِنْ يَسْقُطُ بِالْعُذْرِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ فَيَكُونُ يَسْقُطُ مَجَازًا لِلْمَنْعِ، وَإِنَّمَا قَالَ يَحْرُمُ عَلَيْهَا الصَّوْمُ وَلَمْ يَقُلْ يَسْقُطُ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يُقْضَى، قِيلَ الْمُبْتَدِئَةُ إذَا رَأَتْ دَمًا تَرَكَتْ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ عِنْدَ أَكْثَرِ مَشَايِخِ بُخَارَى، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَتْرُكُ حَتَّى يَسْتَمِرَّ الدَّمُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَتَقْضِي الصِّيَامَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ لِقَوْلِ عَائِشَةَ فِيمَا رُوِيَ «أَنَّ امْرَأَةً سَأَلْت قَالَتْ: مَا بَالُ إحْدَانَا تَقْضِي صِيَامَ أَيَّامِ الْحَيْضِ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ كَانَتْ إحْدَانَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا طَهُرَتْ تَقْضِي الصِّيَامَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ» . فَإِنْ قِيلَ وُجُوبُ الْقَضَاءِ يَبْتَنِي عَلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ فِي الْأَحْكَامِ فَكَيْفَ تَخَلَّفَ هَذَا الْحُكْمُ هَاهُنَا؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَصْلَ ذَلِكَ لَكِنَّ هَذَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ. قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ حَرَجًا) ظَاهِرٌ، وَعَدَمُ وُجُوبِ قَضَاءِ الصَّلَاةِ لَيْسَ بِمُحْتَاجٍ إلَى دَلِيلٍ؛ لِأَنَّهُ عَلَى الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا الْمُحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ قَضَاءُ الصِّيَامِ، وَقَدْ انْضَافَ إلَى النَّصِّ عَدَمُ اشْتِمَالِهِ عَلَى الْحَرَجِ فَوَجَبَ. قَوْلُهُ: (وَلَا تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ وَكَذَا الْجُنُبُ) لِمَا ذُكِرَ فِي السُّنَنِ مُسْنَدًا إلَى عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «وُجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ إلَى الْمَسْجِدِ فَإِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ» (وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي إبَاحَتِهِ الدُّخُولَ عَلَى وَجْهِ الْعُبُورِ وَالْمُرُورِ) فَإِنَّهُ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الدُّخُولِ لِلْمُرُورِ وَبَيْنَهُ لِلْمُقَامِ فِيهِ وَلَا تَمَسُّكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى

(وَلَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ) لِأَنَّ الطَّوَافَ فِي الْمَسْجِدِ (وَلَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] ـــــــــــــــــــــــــــــQ {وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43] ؛ لِأَنَّ أَهْلَ التَّفْسِيرِ قَالُوا إلَّا هَاهُنَا بِمَعْنَى وَلَا أَوْ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّلَاةِ حَقِيقَتُهَا إذْ الْكَلَامُ لِلْحَقِيقَةِ. وَقَوْلُهُ: {إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43] أَيْ إلَّا مُسَافِرِينَ، وَالْمُسَافِرُ يُسَمَّى عَابِرًا فَيَكُونُ مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَّا مُسَافِرِينَ فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُمْ الصَّلَاةُ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ بِالتَّيَمُّمِ، وَصُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: مُسَافِرٌ مَرَّ بِمَسْجِدٍ فِيهِ عَيْنُ مَاءٍ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يَجِدُ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: جَازَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ مُجْتَازًا. قَوْلُهُ: (وَلَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ) ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ فِي الْمَسْجِدِ قِيلَ فَإِذَا كَانَ الطَّوَافُ فِي الْمَسْجِدِ كَانَ الْحُكْمُ مَعْلُومًا مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ صَرَّحَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ قَدْ يَكُونُ عِنْدَ الطَّهَارَةِ فَيُوهَمُ جَوَازَ الطَّوَافِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ حَتَّى لَوْ طَافَتْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لَمْ يَجُزْ وَجَازَ لِلطَّاهِرَةِ، وَلَوْ عَلَّلَ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ كَانَ أَشْمَلَ لِتَنَاوُلِهِ حِينَئِذٍ الطَّوَافَ فِي الْمَسْجِدِ وَخَارِجَهُ وَأَدْفَعَ لِلسُّؤَالِ. وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا) أَيْ لَا يَطَؤُهَا ظَاهِرٌ. قَالَ

(وَلَيْسَ لِلْحَائِضِ وَالْجُنُبِ وَالنُّفَسَاءِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَلَا الْجُنُبُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ» وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْحَائِضِ، وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُ مَا دُونَ الْآيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَيْسَ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ الْجُنُبِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَلَا الْجُنُبُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ» وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ) فَإِنَّهُ يُجَوِّزُهَا لِلْحَائِضِ لِكَوْنِهَا مَعْذُورَةً مُحْتَاجَةً إلَى الْقِرَاءَةِ عَاجِزَةً عَنْ تَحْصِيلِ الطَّهَارَةِ، بِخِلَافِ الْجُنُبِ فَإِنَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ بِالْغُسْلِ أَوْ التَّيَمُّمِ (وَهُوَ) أَيْ الْحَدِيثُ (بِإِطْلَاقِهِ) أَيْ بِعُمُومِهِ؛ لِأَنَّ شَيْئًا نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ (يَتَنَاوَلُ مَا دُونَ الْآيَةِ) فَتُمْنَعُ عَنْ قِرَاءَتِهِ كَالْآيَةِ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى الطَّحَاوِيِّ فِي إبَاحَةِ قِرَاءَةِ مَا دُونَ الْآيَةِ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْجُنُبِ مُسْتَدِلًّا بِأَنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِالْقُرْآنِ حُكْمَانِ: جَوَازُ الصَّلَاةِ، وَمَنْعُ الْحَائِضِ عَنْ الْقِرَاءَةِ، ثُمَّ فِي أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ يُفْصَلُ بَيْنَ الْآيَةِ وَمَا دُونَهَا فَكَذَلِكَ فِي الْحُكْمِ الْآخَرِ. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: يَمْنَعُ عَنْ قِرَاءَةِ مَا دُونَ الْآيَةِ أَيْضًا عَلَى قَصْدِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، كَمَا يَمْنَعُ عَنْ قِرَاءَةِ الْآيَةِ التَّامَّةِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ قُرْآنٌ، فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْقِرَاءَةَ نَحْوُ أَنْ يَقْرَأَ الْحَمْدُ لِلَّهِ

فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى الطَّحَاوِيِّ فِي إبَاحَتِهِ (وَلَيْسَ لَهُمْ مَسُّ الْمُصْحَفِ إلَّا بِغِلَافِهِ، وَلَا أَخْذُ دِرْهَمٍ فِيهِ سُورَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ إلَّا بِصُرَّتِهِ وَكَذَا الْمُحْدِثُ لَا يَمَسُّ الْمُصْحَفَ إلَّا بِغِلَافِهِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ» ثُمَّ الْحَدَثُ وَالْجَنَابَةُ حَلَّا الْيَدَ فَيَسْتَوِيَانِ فِي حُكْمِ الْمَسِّ وَالْجَنَابَةُ حَلَّتْ الْفَمُ دُونَ الْحَدَثِ فَيَفْتَرِقَانِ فِي حُكْمِ الْقِرَاءَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQشُكْرًا لِلنِّعْمَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ. وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا بَأْسَ لِلْجُنُبِ أَنْ يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ عَلَى وَجْهِ الدُّعَاءِ. قَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ: لَا أُفْتِي بِهَذَا وَإِنْ رُوِيَ عَنْهُ، وَقِيلَ الْمُخْتَارُ الْجَوَازُ. (وَلَيْسَ لَهُمْ) أَيْ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْجُنُبِ (مَسُّ الْمُصْحَفِ إلَخْ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ. فَإِنْ قُلْت: مَا بَالُ الْمُصَنِّفِ لَمْ يَسْتَدِلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} [الواقعة: 77] {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} [الواقعة: 78] {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي النَّهْيِ عَنْ مَسِّ الْمُصْحَفِ لِغَيْرِ الطَّاهِرِ. قُلْت: لِأَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ حَمَلَهُ عَلَى الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ فَكَانَ مُحْتَمِلًا فَتُرِكَ الِاسْتِدْلَال بِهِ. وَقَوْلُهُ: (ثُمَّ الْحَدَثُ وَالْجَنَابَةُ حَلَّا الْيَدَ إلَخْ) لِبَيَانِ مُشَارَكَتِهِمَا فِي حُرْمَةِ الْمَسِّ وَافْتِرَاقِهِمَا فِي حُكْمِ الْقِرَاءَةِ. وَتَقْرِيرُهُ لَمَّا ثَبَتَ حُكْمُ الْحَدَثَيْنِ فِي الْيَدِ لَمْ يَجُزْ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِالْيَدِ لَهُمَا جَمِيعًا، وَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُ الْحَدَثِ فِي الْفَمِ حَيْثُ لَمْ يَجِبْ غَسْلُهُ وَثَبَتَ حُكْمُ الْجَنَابَةِ فِيهِ حَيْثُ وَجَبَ غَسْلُهُ جَازَتْ قِرَاءَةُ الْمُحْدِثِ دُونَ الْجُنُبِ. قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: فَإِنْ غَسَلَ الْجُنُبُ فَمَه لِيَقْرَأَ أَوْ يَدَهُ لِيَمَسَّ أَوْ غَسَلَ الْمُحْدِثُ يَدَهُ لِيَمَسَّ لَمْ يُطْلَقْ

وَغِلَافُهُ مَا يَكُونُ مُتَجَافِيًا عَنْهُ دُونَ مَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِهِ كَالْجِلْدِ الْمُشْرَزِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَيُكْرَهُ مَسُّهُ بِالْكُمِّ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهُ بِخِلَافِ كُتُبِ الشَّرِيعَةِ لِأَهْلِهَا حَيْثُ يُرَخَّصُ فِي مَسِّهَا بِالْكُمِّ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةٌ، وَلَا بَأْسَ بِدَفْعِ الْمُصْحَفِ إلَى الصِّبْيَانِ لِأَنَّ فِي الْمَنْعِ تَضْيِيعَ حِفْظِ الْقُرْآنِ وَفِي الْأَمْرِ بِالتَّطْهِيرِ حَرَجًا بِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقِرَاءَةُ وَلَا الْمَسُّ لِلْجُنُبِ، وَلَا الْمَسُّ لِلْمُحْدِثِ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَجَزَّأُ وُجُودًا وَلَا زَوَالًا (وَغِلَافُهُ مَا كَانَ مُتَجَافِيًا عَنْهُ) أَيْ مُتَبَاعِدًا بِأَنْ يَكُونَ شَيْئًا ثَالِثًا بَيْنَ الْمَاسِّ وَالْمَمْسُوسِ، وَلَا يَكُونُ مُتَّصِلًا بِهِ كَالْجِلْدِ الْمُشْرِزِ فَيَنْبَغِي أَلَّا يَكُونَ تَابِعًا لِلْمَاسِّ كَالْكُمِّ وَلَا لِلْمَمْسُوسِ كَالْجِلْدِ الْمُشْرِزِ. قَالَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ: اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الْغِلَافِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ الْجِلْدُ الَّذِي عَلَيْهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ الْكُمُّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ الْخَرِيطَةُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْجِلْدَ تَبَعٌ لِلْمُصْحَفِ وَالْكُمُّ تَبَعٌ لِلْحَامِلِ وَالْخَرِيطَةُ لَيْسَتْ بِتَبَعٍ لِأَحَدِهِمَا، فَقَوْلُهُ: هُوَ الصَّحِيحُ الْأَوَّلُ رَدٌّ لِلْأَوَّلِ، وَقَوْلُهُ: هُوَ الصَّحِيحُ الثَّانِي رَدَّ الثَّانِي. وَقَوْلُهُ: (بِخِلَافِ كُتُبِ الشَّرِيعَةِ) يَعْنِي كُتُبَ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ (حَيْثُ يُرَخَّصُ لِأَهْلِهَا فِي مَسِّهَا بِالْكُمِّ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً) وَفِيهِ إشَارَةٌ أَنَّ مَسَّهَا بِلَا طَهَارَةٍ مَكْرُوهٌ. وَقَوْلُهُ: (وَلَا بَأْسَ بِدَفْعِ الْمُصْحَفِ إلَى الصِّبْيَانِ) مَعْنَاهُ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يَدْفَعَ الطَّاهِرُونَ الْمُصْحَفَ إلَى الصِّبْيَانِ الْمُحْدِثِينَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَإِمَّا أَنْ يُمْنَعَ عَنْهُمْ الْمُصْحَفُ وَفِيهِ تَضْيِيعُ حِفْظِ الْقُرْآنِ، وَيُؤْمَرُ بِالتَّطْهِيرِ وَفِيهِ حَرَجٌ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُكَلَّفُوا بِذَلِكَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَفِي الْأَمْرِ بِالتَّطْهِيرِ وَفِي أَمْرِ الْأَوْلِيَاءِ بِتَطْهِيرِ الصِّبْيَانِ كَنَهْيِهِمْ عَنْ إلْبَاسِ الذُّكُورِ مِنْهُمْ

وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ (وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُ الْحَيْضِ لِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ لَمْ يَحِلَّ وَطْؤُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ) لِأَنَّ الدَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَرِيرَ حَرَجٌ بِالْأَوْلِيَاءِ أَوْ الْمُعَلِّمِينَ الدَّافِعِينَ. وَقَوْلُهُ: (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِنَا أَنَّ دَفْعَ الْمُصْحَفِ أَوْ اللَّوْحِ الَّذِي كُتِبَ فِيهِ الْقُرْآنُ إلَيْهِمْ مَكْرُوهٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدَّافِعَ مُكَلَّفٌ بِعَدَمِ الدَّفْعِ. قَالَ (وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُ الْحَيْضِ) إذَا انْقَطَعَ دَمُ الْحَيْضِ لِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عِنْدَ تَمَامِ عَادَتِهَا لَمْ يَحِلَّ وَطْؤُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ؛ لِأَنَّ الدَّمَ

يَدِرُّ تَارَةً وَيَنْقَطِعُ أُخْرَى، فَلَا بُدَّ مِنْ الِاغْتِسَالِ لِيَتَرَجَّحَ جَانِبُ الِانْقِطَاعِ (وَلَوْ لَمْ تَغْتَسِلْ وَمَضَى عَلَيْهَا أَدْنَى وَقْتِ الصَّلَاةِ بِقَدْرِ أَنْ تَقْدِرَ عَلَى الِاغْتِسَالِ وَالتَّحْرِيمَةُ حَلَّ وَطْؤُهَا) لِأَنَّ الصَّلَاةَ صَارَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا فَطَهُرَتْ حُكْمًا. (وَلَوْ كَانَ انْقَطَعَ الدَّمُ دُونَ عَادَتِهَا فَوْقَ الثَّلَاثِ لَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى تَمْضِيَ عَادَتُهَا وَإِنْ اغْتَسَلَتْ) لِأَنَّ الْعَوْدَ فِي الْعَادَةِ غَالِبٌ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الِاجْتِنَابِ (وَإِنْ انْقَطَعَ الدَّمُ لِعَشَرَةِ أَيَّامٍ حَلَّ وَطْؤُهَا قَبْلَ الْغُسْلِ) لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا مَزِيدَ لَهُ عَلَى الْعَشَرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَدِرُّ، بِكَسْرِ الدَّالِ وَضَمِّهَا: أَيْ يَسِيلُ تَارَةً وَيَنْقَطِعُ أُخْرَى فَلَا بُدَّ مِنْ الِاغْتِسَالِ لِيَتَرَجَّحَ جَانِبُ الِانْقِطَاعِ بِوُجُودِ مَا زَادَ عَلَى زَمَنِ عَادَتِهَا مِنْ مُدَّةِ الِاغْتِسَالِ فَيَحِلُّ وَطْؤُهَا لِصَيْرُورَتِهَا مِنْ الطَّاهِرَاتِ حَقِيقَةً. (وَلَوْ لَمْ تَغْتَسِلْ وَمَضَى عَلَيْهَا أَدْنَى وَقْتِ الصَّلَاةِ بِقَدْرِ أَنْ تَقْدِرَ عَلَى الِاغْتِسَالِ وَالتَّحْرِيمَةِ حَلَّ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ صَارَتْ دَيْنًا) عَلَيْهَا فَصَارَتْ مِنْ الطَّاهِرَاتِ حُكْمًا؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ إذَا حَكَمَ عَلَيْهَا بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَلَا تَصِحُّ حَالَ كَوْنِهَا حَائِضًا دَلَّ أَنَّهُ حُكْمٌ بِطَهَارَتِهَا. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَوْ يَمْضِي عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ كَامِلٌ، وَقِيلَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ كَامِلٌ صِفَةً لِلْوَقْتِ كَانَ مَرْفُوعًا وَلَيْسَ بِمَرْوِيٍّ، وَإِنْ كَانَ صِفَةً لِلصَّلَاةِ كَانَ الْوَاجِبُ كَامِلَةً. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ صِفَةٌ لِلْوَقْتِ، وَالْجَرُّ لِلْجِوَارِ كَمَا فِي جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ، وَمَعْنَاهُ الْكَمَالُ فِي السَّبَبِيَّةِ، فَإِنَّهُ إذَا انْقَطَعَ الدَّمُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ تَغْتَسِلَ وَتَتَحَرَّمَ لِلصَّلَاةِ كَانَ ذَلِكَ الْمِقْدَارُ كَامِلًا فِي إيجَابِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا، كَمَا أَنَّ مُضِيَّ كَمَالِ الْوَقْتِ عَلَيْهَا وَهِيَ مُنْقَطِعَةُ الْحَيْضِ كَامِلٌ فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ مُضِيَّ كَمَالِ الْوَقْتِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ انْقَطَعَ دَمُهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَدَامَ الِانْقِطَاعُ حَتَّى مَضَى الْوَقْتُ شَرْطٌ فِي كَوْنِهَا مِنْ الطَّاهِرَاتِ فِي حِلِّ الْقُرْبَانِ وَوُجُوبِ الصَّلَاةِ، وَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى إلَّا أَنَّ الْأُولَى أَوْضَحُ فِي تَأْدِيَتِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ انْقَطَعَ الدَّمُ دُونَ عَادَتِهَا) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (فَوْقَ الثَّلَاثِ) مُسْتَغْنًى عَنْهُ خَارِجٌ مَخْرَجَ الْغَالِبِ (وَإِنْ انْقَطَعَ الدَّمُ لِعَشَرَةِ أَيَّامٍ حَلَّ وَطْؤُهَا قَبْلَ الْغُسْلِ) وَحِلُّ

إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ لِلنَّهْيِ فِي الْقِرَاءَةِ بِالتَّشْدِيدِ قَالَ (وَالطُّهْرُ إذَا تَخَلَّلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ فَهُوَ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: وَهَذِهِ إحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَوَجْهُهُ أَنَّ اسْتِيعَابَ الدَّمِ مُدَّةَ الْحَيْضِ لَيْسَ بِشَرْطٍ بِالْإِجْمَاعِ فَيُعْتَبَرُ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ كَالنِّصَابِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ رِوَايَتُهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقِيلَ هُوَ آخِرُ أَقْوَالِهِ أَنَّ الطُّهْرَ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا يُفْصَلُ، وَهُوَ كُلُّهُ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي لِأَنَّهُ طُهْرٌ فَاسِدٌ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الدَّمِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَطْءِ لَيْسَ بِمُتَوَقِّفٍ عَلَى انْقِطَاعِ الدَّمِ لَكِنْ ذَكَرَهُ بِمُقَابَلَةِ قَوْلِهِ أَوَّلًا وَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ، وَذَلِكَ لِمَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا مَزِيدَ لِلْحَيْضِ عَلَى الْعَشَرَةِ، وَتَجِبُ عَلَيْهَا الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِمُجَرَّدِ انْقِطَاعِ الدَّمِ بِخُرُوجِهَا مِنْ الْحَيْضِ، فَإِذَا أَدْرَكَتْ جُزْءًا مِنْ الْوَقْتِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا كَانَ عَلَيْهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ أَيَّامُهَا دُونَ الْعَشَرَةِ فَإِنَّ فِيهِ مُدَّةَ الِاغْتِسَالِ مِنْ جُمْلَةِ حَيْضِهَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَبْقَى مِنْ الْوَقْتِ مِقْدَارُ مَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَغْتَسِلَ فِيهِ وَتَتَحَرَّمَ لِلصَّلَاةِ لِتَصِيرَ مُدْرِكَةً لِجُزْءِ مِنْ الْوَقْتِ بَعْدَ الطَّهَارَةِ لِيَجِبَ عَلَيْهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ. وَقَوْلُهُ: (إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ حَلَّ وَطْؤُهَا: يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ وَطْؤُهَا (قَبْلَ الِاغْتِسَالِ لِلنَّهْيِ فِي الْقِرَاءَةِ بِالتَّشْدِيدِ) فَإِنَّ ظَاهِرَ النَّهْيِ فِيهَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْقُرْبَانِ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ فِي الْحَالَيْنِ بِإِطْلَاقِهِ كَمَا قَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ. قَالَ (وَالطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ بَيْنَ الدَّمَيْنِ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ) إذَا أَحَاطَ الدَّمُ بِطَرَفَيْ مُدَّةِ الْحَيْضِ كَانَ (كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي) فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَوَجْهُهُ (مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ) أَنَّ اسْتِيعَابَ الدَّمِ مُدَّةَ الْحَيْضِ لَيْسَ بِشَرْطٍ (فَيُعْتَبَرُ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ) وَالطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ بَيْنَهُمَا تَبَعٌ لَهُمَا (كَالنِّصَابِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ) فَإِنَّ شَرْطَ وُجُوبِهَا كَمَالُ النِّصَابِ فِي طَرَفَيْ الْحَوْلِ، وَالنُّقْصَانُ فِي خِلَالِهِ لَا يَضُرُّ، مِثَالُهُ: مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَمَانِيَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالْعَشَرَةُ كُلُّهَا كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي لِإِحَاطَةِ الدَّمِ بِطَرَفَيْ الْعَشَرَةِ، وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَتِسْعَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهُ حَيْضًا (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَتُهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقِيلَ هُوَ آخِرُ أَقْوَالِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الطُّهْرَ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا يُفْصَلُ) بَيْنَ الدَّمَيْنِ (وَهُوَ كُلُّهُ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي؛ لِأَنَّهُ طُهْرٌ فَاسِدٌ)

وَالْأَخْذُ بِهَذَا الْقَوْلِ أَيْسَرُ، وَتَمَامُهُ يُعْرَفُ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَصْلُحُ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الطُّهْرِ الصَّحِيحِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَكَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامُ الصَّحِيحِ شَرْعًا فَكَانَ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي. مِثَالُهُ مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا، فَالْعَشَرَةُ مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ عِنْدَهُ حَيْضٌ يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا بِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَتِسْعَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا (قَوْلُهُ: وَالْأَخْذُ بِهَذَا الْقَوْلِ) أَيْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ (أَيْسَرُ) يَعْنِي لِلْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي؛ لِأَنَّ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ تَفَاصِيلُ يَشُقُّ ضَبْطُهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ إحَاطَةَ الدَّمِ لِلطَّرَفَيْنِ شَرْطٌ بِالِاتِّفَاقِ، لَكِنْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِطَرَفَيْ مُدَّةِ الْحَيْضِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ بُدَاءَةُ الْحَيْضِ وَلَا خَتْمُهُ بِالطُّهْرِ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ ضِدُّ الْحَيْضِ وَالشَّيْءُ لَا يُبْدَأُ بِضِدِّهِ وَلَا يُخْتَمُ بِهِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِطَرَفَيْ الطُّهْرِ الْمُتَخَلِّلِ، وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ بُدَاءَةُ الْحَيْضِ بِالطُّهْرِ وَخَتْمُهُ بِهِ أَيْضًا، وَيَجُوزُ بُدَاءَتُهُ بِهِ إذَا كَانَ قَبْلَهُ فَقَطْ وَلَا يُخْتَمُ بِهِ حِينَئِذٍ، وَيَجُوزُ خَتْمُهُ بِهِ إذَا كَانَ بَعْدَهُ دَمٌ لَا قَبْلَهُ، مِثَالُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ مِنْ الْمَسَائِلِ امْرَأَةٌ عَادَتُهَا فِي أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةَ أَيَّامٍ، فَرَأَتْ قَبْلَ أَيَّامِهَا بِيَوْمٍ يَوْمًا دَمًا ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَتَهَا ثُمَّ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا فَعِنْدَهُ خَمْسَتُهَا حَيْضٌ إذَا جَاوَزَ الْمَرْئِيَّ عَشَرَةً لِإِحَاطَةِ الدَّمَيْنِ بِزَمَانِ عَادَتِهَا وَإِنْ لَمْ تَرَ فِيهِ شَيْئًا، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُجَاوِزْ فَيَكُونُ جَمِيعُ ذَلِكَ حَيْضًا، وَكَذَلِكَ لَوْ رَأَتْ قَبْلَ خَمْسَتِهَا يَوْمًا دَمًا ثُمَّ طَهُرَتْ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ خَمْسَتِهَا ثُمَّ رَأَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ دَمًا ثُمَّ طَهُرَتْ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ خَمْسَتِهَا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَحَيْضَتُهَا خَمْسَتُهَا عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ ابْتِدَاءُ الْخَمْسَةِ وَخَتْمُهَا بِالطُّهْرِ لِوُجُودِ الدَّمِ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ، وَإِنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ إذَا كَانَ الدَّمُ دُونَ الثَّلَاثَةِ لَا يَكُونُ فَاصِلًا بِالِاتِّفَاقِ، وَمَا دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا مَرَّ آنِفًا. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا بَلَغَ ثَلَاثَةً فَصَاعِدًا، فَإِنْ اسْتَوَى الدَّمُ وَالطُّهْرُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ. أَوْ غَلَبَ الدَّمُ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ غَلَبَ الطُّهْرُ صَارَ فَاصِلًا وَحِينَئِذٍ إنْ لَمْ يُمْكِنْ جَعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ حَيْضًا لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْهُ حَيْضًا، وَإِنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ جُعِلَ حَيْضًا سَوَاءٌ كَانَ الْمُتَقَدِّمَ أَوْ الْمُتَأَخِّرَ، وَإِنْ أَمْكَنَ جَعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا

(وَأَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشْرَ يَوْمًا) هَكَذَا نُقِلَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا تَوْقِيفًا (وَلَا غَايَةَ لِأَكْثَرِهِ) لِأَنَّهُ يَمْتَدُّ إلَى سَنَةٍ وَسَنَتَيْنِ فَلَا يَتَقَدَّرُ بِتَقْدِيرٍ إلَّا إذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَاحْتِيجَ إلَى نَصْبِ الْعَادَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQجُعِلَ أَسْرَعُهُمَا إمْكَانًا حَيْضًا فَقَطْ إذْ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا طُهْرٌ تَامٌّ. مِثَالُهُ: مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمَيْنِ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالْأَرْبَعَةُ حَيْضٌ، وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهَا حَيْضًا لِغَلَبَةِ الطُّهْرِ، وَإِنْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمَيْنِ دَمًا فَالسِّتَّةُ كُلُّهَا حَيْضٌ لِاسْتِوَائِهِمَا فَغَلَبَ الدَّمُ لِمَا أَنَّ اعْتِبَارَ الدَّمِ يُوجِبُ حُرْمَةَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَاعْتِبَارُ الطُّهْرِ يُوجِبُ حِلَّ ذَلِكَ، وَإِذَا اسْتَوَى الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ يَغْلِبُ الْحَرَامُ كَمَا فِي التَّحَرِّي فِي الْأَوَانِي، فَإِنَّ الْغَلَبَةَ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ أَوْ كَانَا سَوَاءً لَا يَجُوزُ التَّحَرِّي، فَهَذَا مِثْلُهُ، وَإِنْ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَخَمْسَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَحَيْضُهَا الثَّلَاثَةُ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ غَالِبٌ فَصَارَ فَاصِلًا، وَالْمُتَقَدِّمُ بِانْفِرَادِهِ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا فَجَعَلْنَاهُ حَيْضًا، وَإِنْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَخَمْسَةً طُهْرًا وَثَلَاثَةً دَمًا فَحَيْضُهَا الثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَسِتَّةً طُهْرًا وَثَلَاثَةً دَمًا فَحَيْضُهَا الثَّلَاثَةُ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ أَسْرَعُهُمَا إمْكَانًا: فَإِنْ قِيلَ: قَدْ اسْتَوَى الدَّمُ بِالطُّهْرِ فَلِمَ لَمْ يُجْعَلْ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي. أُجِيبَ بِأَنَّ اسْتِوَاءَهُمَا إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ وَأَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَيْضِ عَشَرَةٌ، وَالْمَرْئِيُّ فِي الْعَشَرَةِ ثَلَاثَةٌ دَمٌ وَسِتَّةٌ طُهْرٌ وَيَوْمٌ دَمٌ، فَكَانَ الطُّهْرُ غَالِبًا فَلِهَذَا صَارَ فَاصِلًا. قَالَ (وَأَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) أَقَلُّ الطُّهْرِ الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا (هَكَذَا رَوَى عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَنْقُولٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ مِقْدَارٌ، وَالْمَقَادِيرُ فِي الشَّرْعِ لَا تُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا. وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَقَامَ الشَّهْرَ فِي حَقِّ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ مَقَامَ الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ، وَمَا أُضِيفَ إلَى شَيْئَيْنِ يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ نِصْفُ الشَّهْرِ حَيْضًا وَنِصْفُهُ طُهْرًا، إلَّا أَنَّهُ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى نُقْصَانِ الْحَيْضِ عَنْ النِّصْفِ فَيَبْقَى الطُّهْرُ عَلَى ظَاهِرِ الْقِسْمَةِ، وَهَذَا الِاسْتِدْلَال مَنْقُولٌ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ لَا تُعْرَفُ إلَّا تَوْقِيفًا، وَكَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ مُدَّةَ الطُّهْرِ نَظِيرُ مُدَّةِ الْإِقَامَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُعِيدُ مَا كَانَ سَقَطَ مِنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَقَدْ ثَبَتَ بِالْأَخْبَارِ أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْإِقَامَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَكَذَلِكَ أَقَلُّ مُدَّةِ الطُّهْرِ، وَلِهَذَا قَدَّرْنَا أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَيْضِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ اعْتِبَارًا بِأَقَلِّ مُدَّةِ السَّفَرِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُؤَثِّرُ فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، لَكِنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَنِدَ إلَى السَّمَاعِ بِجَعْلِ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي مُدَّةِ الْإِقَامَةِ وَارِدَةً فِيهِ لِتَسَاوِيهِمَا فِيمَا ذَكَرْنَا فَكَانَ مِنْ بَابِ الدَّلَالَةِ وَفِيهِ بُعْدٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا غَايَةَ لِأَكْثَرِهِ) أَيْ لِأَكْثَرِ الطُّهْرِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا تُصَلِّي وَتَصُومُ مَا دَامَتْ تَرَى الطُّهْرَ وَإِنْ اسْتَغْرَقَ عُمُرَهَا. وَقَوْلُهُ: (؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الطُّهْرَ (يَمْتَدُّ إلَى سَنَةٍ وَسَنَتَيْنِ فَلَا يَتَقَدَّرُ بِتَقْدِيرٍ إلَّا إذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَاحْتِيجَ إلَى نَصْبِ الْعَادَةِ) فَإِنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ لِأَكْثَرِهِ

وَيُعْرَفُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQغَايَةً عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، خِلَافًا لِأَبِي عِصْمَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ الْمَرْوَزِيُّ وَالْقَاضِي أَبِي حَازِمٍ فَإِنَّهُ لَا غَايَةَ لِأَكْثَرِهِ عِنْدَهُمَا عَلَى الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّ نَصْبَ الْمَقَادِيرِ بِالسَّمَاعِ وَلَا سَمَاعَ هَاهُنَا، وَعَلَى هَذَا إذَا بَلَغَتْ امْرَأَةٌ فَرَأَتْ عَشَرَةً دَمًا وَسَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَعِنْدَهُمَا طُهْرُهَا مَا رَأَتْ وَحَيْضُهَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ تَدَعُ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ مِنْ أَوَّلِ زَمَانِ الِاسْتِمْرَارِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَتُصَلِّي سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ، فَإِنْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِثَلَاثِ سِنِينَ أَوْ سِتِّ سِنِينَ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا. وَأَمَّا الْعَامَّةُ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي التَّقْدِيرِ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ: طُهْرُهَا تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ فِي كُلِّ شَهْرٍ عَشَرَةٌ وَالْبَاقِي طُهْرٌ وَتِسْعَةَ عَشَرَ بِيَقِينٍ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ بْنُ سَلَمَةَ: طُهْرُهَا سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا فَمَا دُونَهَا حَيْضٌ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَيُرْفَعُ عَنْ كُلِّ شَهْرٍ فَيَبْقَى سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمَيْدَانِيُّ: طُهْرُهَا سِتَّةُ أَشْهُرٌ إلَّا سَاعَةً، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الْمُدَّةِ الَّتِي تَرْتَفِعُ الْحَيْضُ فِيهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَهُوَ أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ، إلَّا أَنَّ مَا عَلَيْهِ الْأَصْلُ أَنَّ مُدَّةَ الطُّهْرِ أَقَلُّ مِنْ مُدَّةِ الْحَبَلِ فَنَقَصْنَا مِنْهُ شَيْئًا يَسِيرًا وَهُوَ سَاعَةً فَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِتِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا إلَّا ثَلَاثَ سَاعَاتٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ فَتَحْتَاجُ إلَى ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ كُلُّ طُهْرٍ سِتَّةُ أَشْهُرٍ إلَّا سَاعَةً وَكُلُّ حَيْضٍ عَشَرَةُ أَيَّامٍ. وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ: طُهْرُهَا شَهْرَانِ وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمُعَاوَدَةِ وَالْحَيْضُ وَالطُّهْرُ مِمَّا يَتَكَرَّرُ فِي الشَّهْرَيْنِ عَادَةً، إذْ الْغَالِبُ أَنَّ النِّسَاءَ يَحِضْنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً فَإِذَا طَهُرَتْ شَهْرَيْنِ فَقَدْ طَهُرَتْ فِي أَيَّامِ عَادَتِهَا، وَالْعَادَةُ تَنْتَقِلُ بِمَرَّتَيْنِ فَصَارَ ذَلِكَ الطُّهْرُ عَادَةً لَهَا، فَوَجَبَ التَّقْدِيرُ بِهِ. قِيلَ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ عَلَى الْمُفْتِي وَالنِّسَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الدَّقَّاقِ، وَفِيهِ أَقْوَالٌ أُخْرَى تَرَكْتهَا مَخَافَةَ الْإِطْنَابِ. وَلَمَّا كَانَ فِي الْأَقْوَالِ فِيهِ كَثْرَةٌ أَعْرَضَ الْمُصَنِّفُ عَنْهَا، وَقَالَ (وَيُعْرَفُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ) .

(وَدَمُ الِاسْتِحَاضَةِ) كَالرُّعَافِ الدَّائِمِ لَا يَمْنَعُ الصَّوْمَ وَلَا الصَّلَاةَ وَلَا الْوَطْءَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَوَضَّئِي وَصَلِّي وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ» وَإِذَا عُرِفَ حُكْمُ الصَّلَاةِ ثَبَتَ حُكْمُ الصَّوْمِ وَالْوَطْءُ بِنَتِيجَةِ الْإِجْمَاعِ (وَلَوْ زَادَ الدَّمُ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ) وَلَهَا عَادَةٌ مَعْرُوفَةٌ دُونَهَا رَدَّتْ إلَى أَيَّامِ عَادَتِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَدَمُ الِاسْتِحَاضَةِ كَالرُّعَافِ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ: (بِنَتِيجَةِ الْإِجْمَاعِ) قِيلَ: أَيْ بِدَلَالَتِهِ، وَتَقْرِيرُهُ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ وَهُوَ يُوجِبُ وُجُوبَ الصَّوْمِ وَحِلَّ الْوَطْءِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الدَّمَ عَدَمًا فِي حَقِّ الصَّلَاةِ مَعَ الْمُنَافَاةِ الثَّابِتَةِ بَيْنَهُمَا لِكَوْنِهِ مُنَافِيًا لِشَرْطِهَا فَلَأَنْ يُجْعَلَ عَدَمًا فِي حَقِّ الصَّوْمِ وَالْوَطْءِ اللَّذَيْنِ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا أَوْلَى. قَالَ فِي الْكَافِي: تَفْسِيرُ نَتِيجَةِ الْإِجْمَاعِ بِدَلَالَتِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ لَفْظًا وَلَا مَعْنًى، وَالتَّفْسِيرُ بِالْحُكْمِ أَشَدُّ طِبَاقًا. قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْعَزِيزِ: قَدْ يَجُوزُ أَنْ تُسَمَّى نَتِيجَتُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ دَلَالَةَ النَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ لَا تَكُونُ إلَّا بِهِ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ تَثْبُتَ قَبْلَهُ فَكَأَنَّهَا نَتِيجَتُهُ، وَالنَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ أَصْلٌ، وَلَوْ فَسَّرَ بِالْحُكْمِ لَأَوْهَمَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَيْهِ قَصْدًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلِذَلِكَ فُسِّرَتْ بِالدَّلَالَةِ. وَقَوْلُهُ: (وَلَوْ زَادَ الدَّمُ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ) تَعَرُّضٌ مِنْهُ لِمَا هُوَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الدَّمَ إذَا زَادَ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَلَهَا عَادَةٌ مَعْرُوفَةٌ دُونَ الْعَشَرَةِ (رُدَّتْ إلَى أَيَّامِ عَادَتِهَا) بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا. وَأَمَّا إذَا زَادَ عَلَى عَادَتِهَا الْمَعْرُوفَةِ دُونَ الْعَشَرَةِ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ فَذَهَبَ أَئِمَّةُ بَلْخِي إلَى أَنَّهَا تُؤْمَرُ بِالِاغْتِسَالِ وَالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ حَالَ الزِّيَادَةِ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ؛ لِأَنَّهُ إنْ انْقَطَعَ الدَّمُ قَبْلَ الْعَشَرَةِ كَانَ حَيْضًا، وَإِنْ جَاوَزَ الْعَشَرَةَ كَانَ اسْتِحَاضَةً فَلَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ مَعَ التَّرَدُّدِ. وَقَالَ مَشَايِخُ بُخَارَى: لَا تُؤْمَرُ بِالِاغْتِسَالِ وَالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّا عَرَفْنَاهَا حَائِضًا بِيَقِينٍ،

وَاَلَّذِي زَادَ اسْتِحَاضَةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَدَلِيلُ بَقَاءِ الْحَيْضِ هُوَ رُؤْيَةُ الدَّمِ قَائِمٌ وَلَا يَكُونُ اسْتِحَاضَةً حَتَّى تَسْتَمِرَّ فَيُجَاوِزُ الْعَشَرَةَ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ، فَلَا تُؤْمَرُ بِالِاغْتِسَالِ وَالصَّلَاةِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهَا، فَإِنْ جَاوَزَ الْعَشَرَةَ أُمِرَتْ بِقَضَاءِ مَا تَرَكَتْ مِنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ أَيَّامِ عَادَتِهَا. قَالَ فِي الْمُجْتَبَى: وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَقَوْلُهُ: (وَاَلَّذِي زَادَ) يَعْنِي عَلَى الْعَادَةِ الْمَعْرُوفَةِ (اسْتِحَاضَةٌ لِقَوْلِهِ

«الْمُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا» وَلِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْعَادَةِ يُجَانِسُ مَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ فَيُلْحَقُ بِهِ، وَإِنْ ابْتَدَأَتْ مَعَ الْبُلُوغِ مُسْتَحَاضَةً فَحَيْضُهَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَالْبَاقِي اسْتِحَاضَةٌ لِأَنَّا عَرَفْنَاهُ حَيْضًا فَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ بِالشَّكِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا» وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ مَنْ زَادَ دَمُهَا عَلَى عَشَرَةٍ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ، وَالْمُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، وَأَيَّامُ أَقْرَائِهَا أَيَّامُ عَادَتِهَا الْمَعْرُوفَةِ، فَمَا زَادَ عَلَيْهَا لَا تَدَعُهَا فِيهِ وَإِلَّا لَمْ يَبْقَ لِلْإِضَافَةِ فَائِدَةٌ. وَقَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ الزَّائِدَ) دَلِيلٌ آخَرُ، وَتَقْرِيرُهُ: الزَّائِدُ (عَلَى الْعَادَةِ يُجَانِسُ الزَّائِدَ عَلَى الْعَشَرَةِ) وَكُلُّ مَا يُجَانِسُ الزَّائِدَ عَلَى الْعَشَرَةِ يَلْحَقُ بِهِ، فَالزَّائِدُ عَلَى الْعَادَةِ يَلْحَقُ بِالزَّائِدِ عَلَى الْعَشَرَةِ، وَأَمَّا أَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْعَادَةِ يُجَانِسُ الزَّائِدَ عَلَى الْعَشَرَةِ فَمِنْ حَيْثُ النُّدْرَةُ وَكَوْنُهُمَا زَائِدَيْنِ عَلَى الْعَادَةِ الْمَعْرُوفَةِ. وَعُورِضَ بِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْعَادَةِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا بِخِلَافِ الزَّائِدِ عَلَى الْعَشَرَةِ فَأَنَّى يَتَجَانَسَانِ؟ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْعَادَةِ يُجَانِسُ الْعَادَةَ فِي كَوْنِهِمَا فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ فَتَعَارَضَ التَّجَانُسُ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُمَا لَوْ اتَّحَدَا فِي إمْكَانِ الْحَيْضِ أَوْ عَدَمِهِ كَانَا مُتَمَاثِلَيْنِ وَلَمْ نَدَعْ ذَلِكَ، وَإِنَّ التَّجَانُسَ بَيْنَ الزَّائِدَيْنِ مِنْ وَجْهَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَبَيْنَ الزَّائِدِ وَالْعَادَةِ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ كَمَا ذَكَرْتُمْ، فَكَانَ مَا ذَكَرْنَا رَاجِحًا: وَأَمَّا أَنَّ كُلَّ مَا يُجَانِسُ الزَّائِدَ عَلَى الْعَشَرَةِ يَلْحَقُ بِهِ فَلِأَنَّ الْجِنْسِيَّةَ عِلَّةُ الضَّمِّ. وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ ابْتَدَأَتْ مَعَ الْبُلُوغِ مُسْتَحَاضَةً) رُوِيَ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ وَمَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَجَعَلَ الْمُسْتَحَاضَةَ مِنْ بَابِ جُنَّ وَأُغْمِيَ؛ لِأَنَّهُ لَا اخْتِيَارَ لَهَا، وَجَعْلُ مُسْتَحَاضَةٍ نَصَبًا عَلَى الْحَالِ الْمُقَدَّرَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر: 73] ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ حَالَ ابْتِدَاءِ رُؤْيَتِهَا الدَّمَ لَمْ يَثْبُتْ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْعَشَرَةِ أَنَّهَا كَانَتْ مُقَدَّرَةَ الِاسْتِحَاضَةِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ رُؤْيَتِهَا الدَّمَ. وَقَوْلُهُ: (؛ لِأَنَّا عَرَّفْنَا حَيْضًا) أَيْ عَرَفْنَا الدَّمَ الْمَرْئِيَّ فِي الْعَشَرَةِ حَيْضًا (فَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ حَيْضًا بِالشَّكِّ) وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمَرْئِيَّ فِي الْعَشَرَةِ حَالَ وُجُودِهِ حَكَمْنَا بِكَوْنِهِ حَيْضًا وَلِهَذَا لَوْ انْقَطَعَ الدَّمُ عَلَى الْعَشَرَةِ حَكَمْنَا بِكَوْنِهِ كُلِّهِ حَيْضًا، فَإِذَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ وَقَعَ الشَّكُّ فِي كَوْنِ الزَّائِدِ عَلَى الثَّلَاثَةِ حَيْضًا أَوْ لَا فَلَا يَزُولُ ذَلِكَ الْيَقِينُ بِهَذَا الشَّكِّ الَّذِي حَدَثَ الْآنَ.

[فصل في الاستحاضة]

(وَالْمُسْتَحَاضَةُ وَمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ وَالرُّعَافُ الدَّائِمُ وَالْجُرْحُ الَّذِي لَا يَرْقَأُ يَتَوَضَّئُونَ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ فَيُصَلُّونَ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ فِي الْوَقْتِ مَا شَاءُوا مِنْ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَتَوَضَّأُ الْمُسْتَحَاضَةُ لِكُلِّ مَكْتُوبَةٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ» وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ طَهَارَتِهَا ضَرُورَةُ أَدَاءِ الْمَكْتُوبَةِ فَلَا تَبْقَى ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الِاسْتِحَاضَة] فَصْلُ الِاسْتِحَاضَةِ) لَمَّا كَانَ الْحَيْضُ أَكْثَرَ وُقُوعًا قَدَّمَهُ ثُمَّ أَعْقَبَهُ الِاسْتِحَاضَةَ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ وُقُوعًا مِنْ النِّفَاسِ بِاعْتِبَارِ كَثْرَةِ أَسْبَابِهَا فَإِنَّهَا تَكُونُ مُسْتَحَاضَةً بِمَا إذَا رَأَتْ الدَّمَ حَالَةَ الْحَبَلِ، أَوْ زَادَ الدَّمُ عَلَى الْعَشَرَةِ، أَوْ زَادَ عَلَى مَعْرُوفِهَا وَجَاوَزَ الْعَشَرَةَ أَوْ رَأَتْ مَا دُونَ الثَّلَاثِ، أَوْ رَأَتْ قَبْلَ تَمَامِ الطُّهْرِ، أَوْ رَأَتْ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ تِسْعَ سِنِينَ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْعَامَّةُ، بِخِلَافِ النِّفَاسِ فَإِنَّ سَبَبَهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَقَدَّمَ حُكْمَ الْمُسْتَحَاضَةِ وَمَنْ بِمَعْنَاهَا عَلَى تَعْرِيفِهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بَيَانُ الْحُكْمِ. (وَمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ) وَهُوَ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى إمْسَاكِهِ (وَالرُّعَافُ) الدَّمُ الْخَارِجُ مِنْ الْأَنْفِ (وَالْجُرْحُ الَّذِي لَا يَرْقَأُ) أَيْ الَّذِي لَا يَسْكُنُ دَمُهُ مِنْ رَقَأَ الدَّمُ سَكَنَ. وَقَوْلُهُ: (يَتَوَضَّئُونَ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ) هُوَ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ (فَيُصَلُّونَ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ فِي الْوَقْتِ مَا شَاءُوا مِنْ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ) وَالْوَاجِبَاتِ وَالنُّذُورِ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَتَوَضَّئُونَ لِكُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ» وَبِأَنَّ اعْتِبَارَ طَهَارَتِهَا ضَرُورَةُ أَدَاءِ الْمَكْتُوبَةِ وَلَا ضَرُورَةَ بَعْدَ أَدَائِهَا فَلَا اعْتِبَارَ بِهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا. فَإِنْ قِيلَ: كُلُّ صَلَاةٍ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا مَكْتُوبَةً أَوْ غَيْرَهَا فَالتَّقْيِيدُ بِالْمَكْتُوبَةِ تَحَكُّمٌ، وَكَمَا أَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ بَعْدَ أَدَاءِ الْمَكْتُوبَةِ لَا ضَرُورَةَ فِي النَّوَافِلِ إذْ لَا حَرَجَ فِي تَرْكِهَا فَاعْتِبَارُ عَدَمِهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَكْتُوبَةِ دُونَهَا أَيْضًا تَحَكُّمٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ مُطْلَقٌ، وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَالْكَامِلُ هُوَ الْمَكْتُوبَةُ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهَا، وَبِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهَا فِي حَقِّ النَّوَافِلِ لَمْ تَرْتَفِعْ؛ لِأَنَّهَا خَيْرُ مَوْضُوعٍ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَفِي إلْزَامِ الطَّهَارَةِ حَرَجٌ بَيِّنٌ. وَرُدَّ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الصَّلَاةَ هَاهُنَا مُطْلَقٌ بَلْ عَامٌّ بِدَلِيلِ دُخُولِ كَلِمَةِ كُلٍّ فَلَا يَتَمَشَّى

بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ» وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ لِأَنَّ اللَّامَ تُسْتَعَارُ لِلْوَقْتِ، يُقَالُ آتِيك لِصَلَاةِ الظُّهْرِ: أَيْ وَقْتِهَا، وَلِأَنَّ الْوَقْتَ أُقِيمَ مَقَامَ الْأَدَاءِ تَيْسِيرًا فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ (وَإِذَا خَرَجَ الْوَقْتُ بَطَلَ وَضْؤُهُمْ وَاسْتَأْنَفُوا الْوُضُوءَ لِصَلَاةٍ أُخْرَى) وَهَذَا عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا ذَكَرْتُمْ؛ وَبِأَنَّ طَهَارَتَهَا بَعْدَ أَدَاءِ الْمَكْتُوبَةِ إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً تَسَاوَتْ الْفَرَائِضُ وَالنَّوَافِلُ فِي جَوَازِ الْأَدَاءِ بِهَا، وَإِنْ لَمْ تَبْقَ تَسَاوَيَا فِي عَدَمِ جَوَازِهِ بِهَا، وَفِيهِ نَظَرٌ (وَلَنَا قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ» وَهُوَ) أَيْ الْوَقْتُ (الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ) أَيْ بِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ (لِأَنَّ اللَّامَ تُسْتَعَارُ لِلْوَقْتِ يُقَالُ آتِيك لِصَلَاةِ الظُّهْرِ) أَيْ وَقْتِهَا، فَكَانَ مَا رَوَاهُ نَصًّا مُحْتَمِلًا لِلتَّأْوِيلِ، وَمَا رَوَيْنَاهُ مُفْسِدٌ لَا يَحْتَمِلُهُ فَيَتَرَجَّحُ عَلَيْهِ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ عَلَى أَنَّ الْحُفَّاظَ اتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِ حَدِيثِهِ حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ الْوَقْتَ أُقِيمَ مَقَامَ الْأَدَاءِ) دَلِيلٌ مَعْقُولٌ، وَالشَّارِحُونَ قَالُوا مَعْنَاهُ مَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ثُمَّ فِي تَقْدِيرِ طَهَارَتِهَا بِالصَّلَاةِ بَعْضُ الْجَهَالَةِ وَالْحَرَجِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ مُتَفَاوِتُونَ فِي أَدَاءِ الصَّلَاةِ، فَمِنْهُمْ مُطَوِّلٌ لَهَا وَمِنْهُمْ غَيْرُ مُطَوِّلٍ، فَلَمْ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ فَقَدَّرْنَا طَهَارَتَهَا بِالْوَقْتِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّا إذَا قَدَّرْنَا طَهَارَةَ كُلِّ شَخْصٍ بِأَدَائِهِ ارْتَفَعَتْ الْجَهَالَةُ وَالْحَرَجُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ ارْتِفَاعَ الْحَرَجِ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّا إذَا قَدَّرْنَا طَهَارَةَ كُلِّ شَخْصٍ بِأَدَائِهِ وَفَرَضْنَا الْفَرَاغَ عَنْهُ وَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ وُضُوءًا آخَرَ لِكُلِّ مَا يُصَلَّى مِنْ قَضَاءٍ أَوْ وَاجِبٍ أَوْ نَذْرٍ فِي وَقْتِهِ أَوْ مَكْتُوبَةٍ أُخْرَى فِي وَقْتٍ آخَرَ تَحَقَّقَ الْحَرَجُ فِي مَوْضِعِ التَّخْفِيفِ، فَإِنَّ اعْتِبَارَ طَهَارَتِهَا لَيْسَ إلَّا رُخْصَةً وَتَخْفِيفًا وَذَلِكَ خَلَفٌ بَاطِلٌ، وَإِذَا قَامَ الْوَقْتُ مَقَامَ الْأَدَاءِ يُدَارُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا قَامَ مَقَامَ شَيْءٍ آخَرَ كَانَ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ ذَلِكَ الشَّيْءَ وَقَدْ عُرِفَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ (وَإِذَا خَرَجَ الْوَقْتُ بَطَلَ وُضُوءُهُمْ وَاسْتَأْنَفُوا الْوُضُوءَ لِصَلَاةٍ أُخْرَى عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ) قِيلَ قَوْلُهُ: وَاسْتَأْنَفُوا الْوُضُوءَ لِصَلَاةٍ أُخْرَى مُسْتَدْرَكٌ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَ الْوُضُوءِ يَسْتَلْزِمُهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ لَا يَسْتَلْزِمُهُ كَالْمُتَيَمِّمِ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ فِي الْمِصْرِ فَإِنَّهُ إذَا صَلَّى عَلَيْهَا بَطَلَ تَيَمُّمُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَبَقِيَتْ فِي حَقِّ جِنَازَةٍ أُخْرَى حَضَرَتْ وَتَفُوتُهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا إذَا اشْتَغَلَ بِالْوُضُوءِ وَفِيهِ تَحَمُّلٌ كَمَا تَرَى، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَأْكِيدًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ لِبَيَانِ الْمَذْهَبِ

وَقَالَ زُفَرُ: اسْتَأْنَفُوا إذَا دَخَلَ الْوَقْتُ (فَإِنْ تَوَضَّئُوا حِينَ تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَجْزَأَهُمْ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُ الظُّهْرِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ أَجْزَأَهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الظُّهْرِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ طَهَارَةَ الْمَعْذُورِ تُنْتَقَضُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ: أَيْ عِنْدَهُ بِالْحَدَثِ السَّابِقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَبِدُخُولِهِ فَقَطْ عِنْدَ زُفَرَ، وَبِأَيِّهِمَا كَانَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالثَّانِي لِنَفْيِ قَوْلِ زُفَرَ فَإِنَّهُ يَقُولُ (اسْتَأْنَفُوا إذَا دَخَلَ الْوَقْتُ) وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَالتَّفْسِيرِ لِلْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَمَّا قَالَ بَطَلَ وُضُوءُهُمْ رُبَّمَا يَقُولُ مُتَعَنِّتٌ: إنَّ الْوُضُوءَ كَانَ بَاطِلًا بِالْحَدَثِ السَّابِقِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِبُطْلَانِ الْوُضُوءِ وُجُوبُ اسْتِئْنَافِ وُضُوءٍ آخَرَ لَا الْبُطْلَانُ الْمَعْهُودُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَوَضَّئُوا حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ أَجْزَأَهُمْ حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُ الظُّهْرِ) بَيَانُ مَوْضِعِ الْخِلَافِ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ مَا ذُكِرَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الظُّهْرِ، وَلَمَّا كَانَ ذِكْرُ أَبِي يُوسُفَ مَعَ زُفَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَالْمُنَاقِضِ لِمَا ذُكِرَ مِنْ قَوْلِهِ فَإِذَا خَرَجَ الْوَقْتُ بَطَلَ وُضُوءُهُمْ وَاسْتَأْنَفُوا الْوُضُوءَ لِصَلَاةٍ أُخْرَى عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ احْتَاجَ إلَى بَيَانِ الْأَصْلِ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ فَقَالَ (وَحَاصِلُهُ) أَيْ حَاصِلُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (أَنَّ طَهَارَةَ الْمَعْذُورِ تَنْتَقِضُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ: أَيْ عِنْدَ الْخُرُوجِ بِالْحَدَثِ السَّابِقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَبِدُخُولِهِ فَقَطْ عِنْدَ زُفَرَ، وَبِأَيِّهِمَا كَانَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَإِنَّمَا قَالَ: أَيْ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ الْوَقْتِ لَيْسَ مِنْ صِفَاتِ الْإِنْسَانِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ حَدَثًا فَكَانَ الِانْتِقَاضُ بِالْحَدَثِ السَّابِقِ لَكِنَّ الْوَقْتَ مَانِعٌ، فَإِذَا زَالَ ظَهَرَ أَثَرُ الْحَدَثِ فَكَانَتْ النِّسْبَةُ إلَى الْخُرُوجِ مَجَازًا. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الِانْتِقَاضَ لَوْ اسْتَنَدَ إلَى الْحَدَثِ السَّابِقِ لَمَا وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى مَنْ شَرَعَ فِي التَّطَوُّعِ، ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ شَرَعَ فِيهَا بِلَا طَهَارَةٍ. وَالْجَوَابُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَقْتَ أُقِيمَ مَقَامَ الْأَدَاءِ تَيْسِيرًا فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ الْحُكْمُ دَائِرًا عَلَيْهِ كَانَ الِانْتِقَاضُ مُقْتَصِرًا مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ فَكَانَ طَهُورًا مِنْ وَجْهٍ وَاقْتِصَارًا مِنْ وَجْهٍ فَعَمِلْنَا بِالْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، فَجَعَلْنَاهُ اقْتِصَارًا فِي الْقَضَاءِ وَظُهُورًا

وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ لَا تَظْهَرُ إلَّا فِيمَنْ تَوَضَّأَ قَبْلَ الزَّوَالِ كَمَا ذَكَرْنَا أَوْ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ. لِزُفَرَ أَنَّ اعْتِبَارَ الطَّهَارَةِ مَعَ الْمُنَافِي لِلْحَاجَةِ إلَى الْأَدَاءِ وَلَا حَاجَةَ قَبْلَ الْوَقْتِ فَلَا تُعْتَبَرُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي حَقِّ الْمَسْحِ حَتَّى إنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ لَا تَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهَا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ إذَا كَانَ الدَّمُ سَائِلًا وَقْتَ الْوُضُوءِ وَاللُّبْسِ، أَوْ عِنْدَ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ طَهَارَتَهَا إذَا انْتَقَضَتْ اسْتَنَدَ إلَى الْحَدَثِ السَّابِقِ، وَلَمْ يَعْكِسْ الِاقْتِصَارَ وَالظُّهُورَ عَمَلًا بِالِاحْتِيَاطِ فَإِنَّ الِاحْتِيَاطَ فِيهِ دُونَ عَكْسِهِ. وَقَوْلُهُ: (وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ لَا تَظْهَرُ إلَّا فِيمَنْ تَوَضَّأَ قَبْلَ الزَّوَالِ كَمَا ذَكَرْنَا أَوْ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) إنَّمَا انْحَصَرَتْ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ فِي الْأُولَى دُخُولًا بِلَا خُرُوجٍ فَلَا تَنْتَقِضُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُ الظُّهْرِ، وَتَنْتَقِضُ عِنْدَهُمَا، وَفِي الثَّانِيَةِ خُرُوجًا بِلَا دُخُولٍ فَيَنْتَقِضُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَلَا يَنْتَقِضُ عِنْدَ زُفَرَ هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَمَا تَرَى وَقَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ طَهَارَتُهَا لَا تَنْتَقِضُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِدُخُولٍ بِلَا خُرُوجٍ وَتَنْتَقِضُ بِخُرُوجٍ بِلَا دُخُولٍ كَمَا هُوَ قَوْلُهُمَا. وَقَالَ فِيمَا إذَا تَوَضَّأَتْ قَبْلَ الزَّوَالِ وَدَخَلَ وَقْتُ الظُّهْرِ: إنَّمَا تَحْتَاجُ لِلطَّهَارَةِ لِأَجْلِ الظُّهْرِ عِنْدَهُ، لَا لِأَنَّ طَهَارَتَهَا انْتَقَضَتْ بِدُخُولِ الْوَقْتِ عِنْدَهُ، بَلْ؛ لِأَنَّ طَهَارَتَهَا ضَرُورِيَّةٌ وَلَا ضَرُورَةَ فِي تَقْدِيمِهَا عَلَى الْوَقْتِ. وَقَالَ فِي طَرَفِ زُفَرَ: الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ: يَعْنِي الْخُرُوجَ وَالدُّخُولَ لَيْسَ بِحَدَثٍ، وَإِنَّمَا لَمْ تَنْتَقِضُ الطَّهَارَةُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّ قِيَامَ الْوَقْتِ جُعِلَ عُذْرًا، وَقَدْ بَقِيَتْ شُبْهَتُهُ حَتَّى لَوْ قَضَى صَلَاةَ الْفَجْرِ قَضَاهَا مَعَ سُنَّتِهَا، فَكَانَ كَمَالُ الْخُرُوجِ بِدُخُولِ وَقْتٍ آخَرَ وَلَمْ يُوجَدْ، فَبَقِيَتْ شُبْهَتُهُ فَصَلَحَتْ لِبَقَاءِ حُكْمِ الْعُذْرِ تَحْقِيقًا: قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يُعْلَمُ أَنَّ الْعُلَمَاءَ الْأَرْبَعَةَ كُلَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْحَدَثَ السَّابِقَ إنَّمَا يَعْمَلُ عِنْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَا غَيْرُ، إلَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَقْدِيمَ الطَّهَارَةِ عَلَى الْوَقْتِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لِعَدَمِهَا الْحَاجَةَ فَيَجِبُ عَلَيْهَا الْوُضُوءُ ثَانِيًا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، وَعِنْدَ زُفَرَ لَمْ يُوجَدْ الْخُرُوجُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مَا لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ مَكْتُوبَةٍ أُخْرَى، فَلِذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهَا الْوُضُوءُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ عِنْدَهُ أَيْضًا. وَأَقُولُ: لَمْ يَظْهَرْ لِذَلِكَ فَائِدَةٌ فِي الْمَسَائِلِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَظْهَرُ إلَّا فِي الصُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فَإِنْ اعْتَبَرْت مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ صَحَّ، وَإِنْ اعْتَبَرْت مَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ صَحَّ فَلَمْ يَكُنْ اخْتِلَافٌ بَيْنَهُمَا إلَّا فِي التَّخْرِيجِ وَالتَّعْوِيلِ عَلَى تَصْحِيحِ النَّقْلِ (لِزُفَرَ أَنَّ اعْتِبَارَ الطَّهَارَةِ مَعَ الْمُنَافِي لِلطَّهَارَةِ لِلْحَاجَةِ إلَى الْأَدَاءِ وَلَا حَاجَةَ قَبْلَ الْوَقْتِ فَلَا تُعْتَبَرُ) فَإِنْ قِيلَ فَغَيْرُ الْمُعْتَبَرِ كَيْفَ يُوصَفُ بِالِانْتِقَاضِ

وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْحَاجَةَ مَقْصُورَةٌ عَلَى الْوَقْتِ فَلَا تُعْتَبَرُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ. وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الطَّهَارَةِ عَلَى الْوَقْتِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْأَدَاءِ كَمَا دَخَلَ الْوَقْتُ، وَخُرُوجُ الْوَقْتِ دَلِيلُ زَوَالِ الْحَاجَةِ، فَظَهَرَ اعْتِبَارُ الْحَدَثِ عِنْدَهُ، وَالْمُرَادُ بِالْوَقْتِ وَقْتُ الْمَفْرُوضَةِ حَتَّى لَوْ تَوَضَّأَ الْمَعْذُورُ لِصَلَاةِ الْعِيدِ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ بِهِ عِنْدَهُمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ صَلَاةِ الضُّحَى، وَلَوْ تَوَضَّأَ مَرَّةً لِلظُّهْرِ فِي وَقْتِهِ وَأُخْرَى فِيهِ لِلْعَصْرِ فَعِنْدَ هُمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ بِهِ لِانْتِقَاضِهِ بِخُرُوجِ وَقْتِ الْمَفْرُوضَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ عَدَمَ الِاعْتِبَارِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَقْتِيَّةِ لَا مُطْلَقًا فَإِنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ فِي حَقِّ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ وَالنَّوَافِلِ فَكَانَ نَقْضُهَا بِاعْتِبَارِهَا (وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْحَاجَةَ مَقْصُورَةٌ عَلَى الْوَقْتِ) لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْأَدَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ (فَلَا تُعْتَبَرُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الطَّهَارَةِ عَلَى الْوَقْتِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْأَدَاءِ كَمَا دَخَلَ الْوَقْتُ) وَلَيْسَ الْكَافُ لِلتَّشْبِيهِ بَلْ لِلْمُفَاجَأَةِ: أَيْ لِيُفَاجِئَ تَمَكُّنَ الْأَدَاءِ دُخُولُ الْوَقْتِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَدَاءِ كَمَا مَرَّ، وَتَقْدِيمُهَا عَلَى الْأَدَاءِ وَاجِبٌ، فَكَانَ تَقْدِيمُهَا عَلَى خَلَفِهِ جَائِزًا حَطًّا لِرُتْبَتِهِ عَنْ رُتْبَةِ الْأَصْلِ. فَإِنْ قُلْت: فَفِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الطَّهَارَةِ وَذَلِكَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْوُجُوبِ لَا مَحَالَةَ وَلَيْسَ التَّقْدِيمُ وَاجِبًا. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُضَافَ مَحْذُوفٌ: أَيْ لَا بُدَّ مِنْ جَوَازِ تَقْدِيمِ الطَّهَارَةِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ الدُّخُولُ صَالِحًا لِظُهُورِ الْحَدَثِ عِنْدَهُ لِكَوْنِهِ مُحَقِّقًا لِلْحَاجَةِ، وَأَمَّا خُرُوجُ الْوَقْتِ فَدَلِيلُ زَوَالِ الْحَاجَةِ فَظَهَرَ اعْتِبَارُ الْحَدَثِ عِنْدَهُ. وَقَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ بِالْوَقْتِ وَقْتُ الْمَفْرُوضَةِ) أَيْ الْمُرَادُ بِالْوَقْتِ الَّذِي اُعْتُبِرَ دُخُولُهُ وَخُرُوجُهُ وَقْتُ الْمَفْرُوضَةِ. وَقَوْلُهُ: (عِنْدَهُمَا) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَوْلُهُ: (وَهُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا قَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ وَقْتُ صَلَاةٍ وَاجِبَةٍ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ وَاجِبَةٌ. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا) يَعْنِي صَلَاةَ الْعِيدِ (بِمَنْزِلَةِ الضُّحَى) مِنْ حَيْثُ إنَّهَا لَيْسَتْ بِمَفْرُوضَةٍ حَتَّى قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إنَّهَا صَلَاةُ الضُّحَى أُدِّيَتْ بِجَمَاعَةٍ. وَقَوْلُهُ: (فَعِنْدَهُمَا) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَإِنَّمَا خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ عِنْدَ الْجَمِيعِ كَذَلِكَ لِمَا أَنَّ الشُّبْهَةَ تَأْتِي عَلَى قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ الطَّهَارَةَ عَلَى الْوَقْتِ وَلَا يَنْتَقِضُ بِالدُّخُولِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ بِهَذِهِ الطَّهَارَةِ لِمَا أَنَّ هَذَا دُخُولٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى خُرُوجٍ، فَهِيَ إنْ لَمْ تَنْتَقِضْ بِالدُّخُولِ تَنْتَقِضُ بِالْخُرُوجِ. قِيلَ وَإِنَّمَا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الظُّهْرِ لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ وَقْتِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَقْتٌ مُهْمَلٌ، وَمَا رَوَى أَسَدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ ظِلَّ كُلِّ شَيْءٍ إذَا صَارَ مِثْلَهُ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَلَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ الْعَصْرِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ.

وَالْمُسْتَحَاضَةُ هِيَ الَّتِي لَا يَمْضِي عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ إلَّا وَالْحَدَثُ الَّذِي اُبْتُلِيَتْ بِهِ يُوجَدُ فِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ: (وَالْمُسْتَحَاضَةُ هِيَ الَّتِي لَا يَمْضِي عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْمُسْتَحَاضَةِ عَرَّفَهَا بِقَوْلِهِ هِيَ الَّتِي لَا يَمْضِي عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ (إلَّا وَالْحَدَثُ الَّذِي اُبْتُلِيَتْ بِهِ يُوجَدُ فِيهِ) قَالَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ والمرغيناني وَالْإِمَامُ حُمَيْدُ الدِّينِ الضَّرِيرُ وَغَيْرُهُمْ إنَّ هَذَا تَعْرِيفُ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ، وَأَمَّا فِي حَالَةِ الثُّبُوتِ فَيُشْتَرَطُ دَوَامُ السَّيَلَانِ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ إلَى آخِرِهِ اعْتِبَارًا بِالسُّقُوطِ فَإِنَّهُ لَا يَتِمُّ حَتَّى يَنْقَطِعَ فِي الْوَقْتِ كُلِّهِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ تَعْرِيفًا لَهَا فِي الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ يَنْتَقِضُ بِالْحَائِضِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَمْضِي عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ إلَّا وَالْحَدَثُ الَّذِي اُبْتُلِيَتْ بِهِ يُوجَدُ فِيهِ، وَبِمَا إذَا رَأَتْ الدَّمَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ثُمَّ انْقَطَعَ فَتَوَضَّأَتْ وَدَامَ الِانْقِطَاعُ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ فَإِنَّ التَّعْرِيفَ صَادِقٌ عَلَيْهَا وَلَيْسَتْ بِمُسْتَحَاضَةٍ بِدَلِيلِ عَدَمِ انْتِقَاضِ طَهَارَتِهَا بِخُرُوجِ الْوَقْتِ، وَالْمُسْتَحَاضَةُ تَنْتَقِضُ طَهَارَتُهَا بِذَلِكَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ انْتِقَاضِ طَهَارَتِهَا مَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا تَوَضَّأَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ وَالدَّمُ مُنْقَطِعٌ وَصَلَّتْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ دَخَلَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ ثُمَّ سَالَ الدَّمُ فَعَلَيْهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ وَتَبْنِيَ عَلَى صَلَاتِهَا؛ لِأَنَّ انْتِقَاضَ الطَّهَارَةِ كَانَ بِالْحَدَثِ لَا بِخُرُوجِ الْوَقْتِ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهَا أَدَاءُ شَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْحَدَثِ فَجَازَ لَهَا أَنْ تَبْنِيَ وَإِنْ كَانَ تَعْرِيفًا فِي الِانْتِهَاءِ فَقَطْ كَمَا قَالُوا فَكَذَلِكَ، وَيَلْزَمُ اخْتِلَافُ حَقِيقَةِ الشَّيْءِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَالَتَيْنِ وَالْحَقَائِقُ لَا تَخْتَلِفُ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ أَنْ يُقَالَ فِي تَعْرِيفِهَا: الْمُسْتَحَاضَةُ مَنْ ثَبَتَ عُذْرُهَا بِاسْتِمْرَارِ الدَّمِ مِنْ فَرْجِهَا وَقْتَ صَلَاةٍ كَامِلًا لَيْسَ مِنْ أَوْقَاتِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ ثُمَّ لَا تَخْلُو عَنْهُ مُنْذُ تَوَضَّأَتْ فِيهِ إنْ دَامَ، فَقَوْلُهُ: مَنْ ثَبَتَ عُذْرُهَا بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ وَقَوْلُهُ: بِاسْتِمْرَارِ الدَّمِ احْتِرَازٌ عَمَّنْ هُوَ بِمَعْنَاهَا مِمَّنْ بِهِ انْفِلَاتُ رِيحٍ وَانْطِلَاقُ بَطْنٍ وَغَيْرُهُمَا، وَقَوْلُهُ: مِنْ فَرْجِهَا احْتِرَازٌ كَمَا إذَا ثَبَتَ عُذْرُهَا بِاسْتِمْرَارِ

وَكَذَا كُلُّ مَنْ هُوَ فِي مَعْنَاهَا وَهُوَ مَنْ ذَكَرْنَاهُ وَمَنْ بِهِ اسْتِطْلَاقُ بَطْنٍ وَانْفِلَاتُ رِيحٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالدَّمِ مِنْ أَنْفِهَا أَوْ جُرْحٍ بِهَا فَإِنَّهَا بِمَعْنَاهَا، وَقَوْلُهُ: وَقْتَ صَلَاةٍ كَامِلَةٍ لِبَيَانِ ثُبُوتِ عُذْرِهَا ابْتِدَاءً، وَقَوْلُهُ: لَيْسَ: أَيْ ذَلِكَ الْوَقْتُ مِنْ أَوْقَاتِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ احْتِرَازٌ عَمَّا وَرَدَ عَلَى التَّعْرِيفِ الْأَوَّلِ مِنْ النَّقْضِ بِصُورَةِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ كَالْحَائِضِ فِي الْوُرُودِ، وَقَوْلُهُ: ثُمَّ لَا تَخْلُو: أَيْ الْمُسْتَحَاضَةُ عَنْهُ: أَيْ عَنْ الدَّمِ مُنْذُ تَوَضَّأَتْ فِيهِ: أَيْ فِي الْوَقْتِ لِبَيَانِ أَنَّ الِاسْتِمْرَارَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْبَقَاءِ وَلِإِخْرَاجِ مَا وَرَدَ مِنْ النَّقْضِ بِقَوْلِهِ وَبِمَا إذَا رَأَتْ الدَّمَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ثُمَّ انْقَطَعَ وَإِنَّ الدَّمَ كَانَ فِيهِ قَبْلَ الْوُضُوءِ، وَالْمُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَهُ أَوْ عِنْدَهُ، وَقَوْلُهُ: إنْ دَامَ: يَعْنِي الْحَدَثَ لِبَيَانِ أَنَّ ثُبُوتَ كَوْنِهَا مُسْتَحَاضَةً لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَوْلِهِ ثُمَّ لَا تَخْلُو عَنْهُ إلَخْ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِلْبَقَاءِ وَبِاسْتِمْرَارِ الدَّمِ فِي وَقْتٍ كَامِلٍ يَثْبُتُ ذَلِكَ وَإِنْ انْقَطَعَ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي بِالْكُلِّيَّةِ. وَقَوْلُهُ: (وَكَذَا كُلُّ مَنْ هُوَ فِي مَعْنَاهَا) أَيْ فِي مَعْنَى الْمُسْتَحَاضَةِ: أَيْ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَهَا. وَقَوْلُهُ: (وَهُوَ مَنْ ذَكَرْنَاهُ) يَعْنِي قَوْلَهُ وَمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ وَالرُّعَافُ الدَّائِمُ وَالْجُرْحُ الَّذِي لَا يَرْقَأُ. وَقَوْلَهُ (وَمَنْ بِهِ اسْتِطْلَاقُ بَطْنٍ أَوْ انْفِلَاتُ رِيحٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ مَنْ ذَكَرْنَاهُ، وَاسْتِطْلَاقُ الْبَطْنِ مَشْيُهُ

[فصل في النفاس]

لِأَنَّ الضَّرُورَةَ بِهَذَا تَتَحَقَّقُ وَهِيَ تَعُمُّ الْكُلَّ (النِّفَاسُ هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ) لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ تَنَفُّسِ الرَّحِمِ بِالدَّمِ أَوْ مِنْ خُرُوجِ النَّفْسِ بِمَعْنَى الْوَلَدِ أَوْ بِمَعْنَى الدَّمِ (وَالدَّمُ الَّذِي تَرَاهُ الْحَامِلُ ابْتِدَاءً أَوْ حَالَ وِلَادَتِهَا قَبْلَ خُرُوجِ الْوَلَدِ اسْتِحَاضَةٌ) وَإِنْ كَانَ مُمْتَدًّا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حَيْضٌ اعْتِبَارًا بِالنِّفَاسِ إذْ هُمَا جَمِيعًا مِنْ الرَّحِمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالِانْفِلَاتُ خُرُوجُ الشَّيْءِ فَلْتَةً: أَيْ بَغْتَةً (؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ بِهَذَا) أَيْ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْدَاثِ (تَتَحَقَّقُ وَهِيَ) أَيْ الضَّرُورَةُ (تَعُمُّ الْكُلَّ) فَيَكُونُ حُكْمُ الْكُلِّ حُكْمَ الْمُسْتَحَاضَةِ، وَلَوْ أُرِيدَ تَعْرِيفُ الْمَعْذُورِ، قِيلَ هُوَ مَنْ حَصَلَ بِهِ الْعُذْرُ بِدَوَامِ الْحَدَثِ وَقْتَ صَلَاةٍ كَامِلًا ثُمَّ لَا يَخْلُو عَنْهُ مُنْذُ تَوَضَّأَ فِيهِ إنْ دَامَ وَالْقُيُودُ تُعْرَفُ مِمَّا تَقَدَّمَ. [فَصْلٌ فِي النِّفَاسِ] الدِّمَاءُ الْمُخْتَصَّةُ بِالْمَرْأَةِ حَيْضٌ وَاسْتِحَاضَةٌ وَنِفَاسٌ وَالنِّفَاسُ آخِرُهَا تَرْتِيبًا لِمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَرْتِيبِ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ، وَالنِّفَاسُ مَصْدَرُ نُفِسَتْ الْمَرْأَةُ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا إذَا وَلَدَتْ فَهِيَ نُفَسَاءُ وَهُنَّ نِفَاسٌ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ (النِّفَاسُ هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ) وَقَوْلُهُ: عَقِيبَ الْوِلَادَةِ صِفَةٌ لِلدَّمِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ مُعَيَّنٌ فَهُوَ فِي مَعْنَى النَّكِرَةِ. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ) فِيهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيلٌ فِي مَوْضِعِ التَّعْرِيفِ وَيُتَدَارَكُ بِأَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ بَابِ التَّسْمِيَةِ كَأَنَّهُ قَالَ: سُمِّيَ الدَّمُ الْخَارِجُ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ بِالنِّفَاسِ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ (مِنْ تَنَفَّسَ الرَّحِمُ بِالدَّمِ أَوْ مِنْ خُرُوجِ النَّفْسِ) بِسُكُونِ الْفَاءِ (بِمَعْنَى الْوَلَدِ أَوْ بِمَعْنَى الدَّمِ) مِنْ قَوْلِهِمْ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ. قَالَ صَاحِبُ الْمُغْرِبِ: وَأَمَّا اشْتِقَاقُهُ مِنْ تَنَفَّسَ الرَّحِمُ أَوْ خُرُوجُ النَّفْسِ بِمَعْنَى الْوَلَدِ فَلَيْسَ بِذَاكَ، وَذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى أَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ تَنَفَّسَ الرَّحِمُ أَوْ النَّفْسِ أَوْ الْوِلَادَةِ عَلَى مَا قَالَ شَاعِرُهُمْ: إذَا نَفِسَ الْمَوْلُودُ مِنْ آلِ خَالِدٍ ... بَدَا كَرَمٌ لِلنَّاظِرِينَ قَرِيبُ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ كُلُّهُ. قَالَ (وَالدَّمُ الَّذِي تَرَاهُ الْحَامِلُ ابْتِدَاءً) أَيْ حَالَ الْحَبَلِ (أَوْ حَالَ وِلَادَتِهَا قَبْلَ خُرُوجِ الْوَلَدِ اسْتِحَاضَةٌ وَإِنْ كَانَ مُمْتَدًّا) أَيْ بَالِغًا نِصَابَ الْحَيْضِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ حَيْضٌ اعْتِبَارًا بِالنِّفَاسِ) يَعْنِي إذَا وَلَدَتْ

وَلَنَا أَنَّ بِالْحَبَلِ يَنْسَدُّ فَمُ الرَّحِمِ كَذَا الْعَادَةُ، وَالنِّفَاسُ بَعْدَ انْفِتَاحِهِ بِخُرُوجِ الْوَلَدِ، وَلِهَذَا كَانَ نِفَاسًا بَعْدَ خُرُوجِ بَعْضِ الْوَلَدِ فِيمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِأَنَّهُ يَنْفَتِحُ فَيَتَنَفَّسُ بِهِ (وَالسَّقْطُ الَّذِي اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ وَلَدٌ) حَتَّى تَصِيرَ الْمَرْأَةُ بِهِ نُفَسَاءَ وَتَصِيرُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ بِهِ وَكَذَا الْعِدَّةُ تَنْقَضِي بِهِ (وَأَقَلُّ النِّفَاسِ لَا حَدَّ لَهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ فَرَأَتْ الدَّمَ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَلَدِ الثَّانِي فَإِنَّهَا حَامِلٌ فِي حَقِّ الْوَلَدِ الثَّانِي، وَذَلِكَ نِفَاسٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَالْجَامِعُ كَوْنُهُمَا جَمِيعًا مِنْ الرَّحِمِ. وَلَنَا أَنَّ الْحَيْضَ دَمُ الرَّحِمِ وَدَمُ الرَّحِمِ لَا يُوجَدُ مِنْ الْحَامِلِ؛ لِأَنَّ بِالْحَبَلِ يَنْسَدُّ فَمُ الرَّحِمِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى عَادَتَهُ بِذَلِكَ لِئَلَّا يَنْزِلَ مَا فِيهِ لِكَوْنِ الثُّقْبِ مِنْ أَسْفَلَ، وَاعْتِبَارُهُ بِالنِّفَاسِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ انْفِتَاحِهِ بِخُرُوجِ الْوَلَدِ، وَلِهَذَا كَانَ نِفَاسًا بَعْدَ خُرُوجِ بَعْضِ الْوَلَدِ فِيمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ فَمَ الرَّحِمِ يَنْفَتِحُ فَيَتَنَفَّسُ بِالدَّمِ، هَذَا إذَا خَرَجَ أَكْثَرُ الْوَلَدِ، فَأَمَّا إذَا خَرَجَ أَقَلُّهُ فَلَا تَصِيرُ نُفَسَاءَ وَإِنْ خَرَجَ الدَّمُ؛ لِأَنَّ النِّفَاسَ مَا يَعْقُبُ الْوَلَدَ وَلَمْ يُوجَدْ الْوَلَدُ لَا حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَقَلِّ حُكْمُ الْكُلِّ. وَإِنَّمَا أَبْهَمَ الْبَعْضَ لِاخْتِلَافٍ وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ. رَوَى خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الدَّمَ الَّذِي تَرَاهُ الْمَرْأَةُ بَعْدَ خُرُوجِ أَكْثَرِ الْوَلَدِ نِفَاسٌ. وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ بَعْدَ خُرُوجِ بَعْضِ الْوَلَدِ. وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ بَعْدَ خُرُوجِ الرَّأْسِ وَنِصْفِ الْبَدَنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ وَأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْبَدَنِ. وَعَنْهُ أَنَّهَا لَا تَصِيرُ نُفَسَاءَ حَتَّى يَخْرُجَ جَمِيعُ وَلَدِهَا. وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي خُرُوجِ الْأَكْثَرِ وَهُوَ مُصَحَّحٌ عَلَى مَا رَوَى خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ، وَأَمَّا مُحَمَّدٌ فَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَيْسَ عَلَى قِيَاسِ مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ النِّفَاسَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِوَضْعِ الْحَمْلِ كُلِّهِ فَمَا لَمْ يُوجَدْ وَضْعُ الْحَمْلِ كُلِّهِ لَا يَثْبُتُ النِّفَاسُ فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ اطَّلَعَ عَلَى رِوَايَةٍ فَنَقَلَهَا. وَقَوْلُهُ: (وَالسِّقْطُ الَّذِي اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ) كَأُصْبُعٍ مَثَلًا (وَلَدٌ تَصِيرُ بِهِ الْمَرْأَةُ نُفَسَاءَ وَتَصِيرُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ بِهِ) إنْ ادَّعَاهُ الْمَوْلَى (وَالْعِدَّةُ تَنْقَضِي بِهِ) وَاَلَّذِي لَمْ يَسْتَبِنْ مِنْ خَلْقِهِ شَيْءٌ فَلَا نِفَاسَ لَهَا، وَلَكِنْ إنْ أَمْكَنَ جَعْلُ الْمَرْئِيِّ مِنْ الدَّمِ حَيْضًا بِأَنْ يَدُومَ إلَى أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَيْضِ وَتَقَدَّمَهُ طُهْرٌ تَامٌّ يُجْعَلُ حَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ كَانَ اسْتِحَاضَةً. قَالَ (وَأَقَلُّ النِّفَاسِ لَا حَدَّ لَهُ) لَا حَدَّ لِأَقَلِّ النِّفَاسِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ: اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ أَقَلَّ النِّفَاسِ مَا يُوجَدُ فَإِنَّهَا كَمَا وَلَدَتْ إذَا رَأَتْ الدَّمَ سَاعَةً ثُمَّ انْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ فَإِنَّهَا تَصُومُ وَتُصَلِّي وَكَانَ مَا رَأَتْ نِفَاسًا لَا خِلَافَ فِي هَذَا بَيْنَ أَصْحَابِنَا إنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا وَجَبَ اعْتِبَارُ أَقَلِّ النِّفَاسِ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِأَنْ قَالَ لَهَا إذَا وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ انْقَضَتْ عِدَّتِي أَيُّ مِقْدَارٍ يُعْتَبَرُ لِأَقَلِّ النِّفَاسِ مَعَ ثَلَاثِ حِيَضٍ؟ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُعْتَبَرُ أَقَلُّهُ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ

لِأَنَّ تَقَدُّمَ الْوَلَدِ عُلِمَ الْخُرُوجُ مِنْ الرَّحِمِ فَأَغْنَى عَنْ امْتِدَادٍ جُعِلَ عِلْمًا عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْحَيْضِ (وَأَكْثَرُهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَالزَّائِدُ عَلَيْهِ اسْتِحَاضَةٌ) لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَّتَ لِلنُّفَسَاءِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا» ، ـــــــــــــــــــــــــــــQيَوْمًا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِأَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِسَاعَةٍ، وَهَذَا كَمَا تَرَى يَقْتَضِي وُجُودَ الدَّمِ، فَإِنْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا فَهِيَ نُفَسَاءُ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ وَقَالَ: هِيَ طَاهِرَةٌ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ، فَأَمَّا الْوُضُوءُ فَوَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ أَخَذُوا بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَبَعْضُهُمْ أَخَذَ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ النِّفَاسَ هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا نِفَاسٌ كَيْفَ تَكُونُ نُفَسَاءَ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَحْوَطُ (وَإِنَّمَا لَمْ يُقَدِّرُوا أَقَلَّهُ بِحَدٍّ؛ لِأَنَّ تَقَدُّمَ الْوَلَدِ عُلِمَ الْخُرُوجُ مِنْ الرَّحِمِ فَأَغْنَى عَنْ امْتِدَادٍ جُعِلَ عَلَمًا عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْحَيْضِ) فَإِنَّهُ اُشْتُرِطَ فِيهِ امْتِدَادُ الدَّمِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِيُعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ الدَّمَ مِنْ الرَّحِمِ أَوْ لَا إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى كَوْنِهِ مِنْ الرَّحِمِ، وَفِي النِّفَاسِ قَدْ عُلِمَ ذَلِكَ بِانْفِتَاحِ فَمِ الرَّحِمِ بِخُرُوجِ الْوَلَدِ. وَقَوْلُهُ: (وَأَكْثَرُهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا) ظَاهِرٌ، وَمَذْهَبُنَا مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَأُمِّ حَبِيبَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَمِثْلُهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْمَعْقُولِ؛ لِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ مُدَّةِ النِّفَاسِ أَرْبَعَةُ أَمْثَالِ أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَيْضِ،

وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي اعْتِبَارِ السِّتِّينَ (وَإِنْ جَاوَزَ الدَّمُ الْأَرْبَعِينَ وَكَانَتْ وَلَدَتْ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَهَا عَادَةٌ فِي النِّفَاسِ رَدَّتْ إلَى أَيَّامِ عَادَتِهَا) لِمَا بَيَّنَّا فِي الْحَيْضِ (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهَا عَادَةٌ فَابْتِدَاءُ نِفَاسِهَا أَرْبَعُونَ يَوْمًا) لِأَنَّهُ أَمْكَنَ جَعْلُهُ نِفَاسًا (فَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ فَنِفَاسُهَا مِنْ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مِنْ الْوَلَدِ الْأَخِيرِ) وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهَا حَامِلٌ بَعْدَ وَضْعِ الْأَوَّلِ فَلَا تَصِيرُ نُفَسَاءَ، كَمَا أَنَّهَا لَا تَحِيضُ، وَلِهَذَا تَنْقَضِي الْعِدَّةَ بِالْوَلَدِ الْأَخِيرِ بِالْإِجْمَاعِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْحَامِلَ إنَّمَا لَا تَحِيضُ لِانْسِدَادِ فَمِ الرَّحِمِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَقَدْ انْفَتَحَ بِخُرُوجِ الْأَوَّلِ وَتَنَفَّسَ بِالدَّمِ فَكَانَ نِفَاسًا، وَالْعِدَّةُ تَعَلَّقَتْ بِوَضْعِ حَمْلٍ مُضَافٍ إلَيْهَا فَيَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدْ ثَبَتَ فِي بَابِ الْحَيْضِ أَنَّ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَيْضِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا فَكَانَ أَكْثَرُ مُدَّةِ النِّفَاسِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَإِنَّمَا كَانَ أَكْثَرُ مُدَّةِ النِّفَاسِ أَرْبَعَةَ أَمْثَالِ أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ الرُّوحَ لَا تَدْخُلُ فِي الْوَلَدِ قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَتُجْمَعُ الدِّمَاءُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَإِذَا دَخَلَتْ الرُّوحُ صَارَ الدَّمُ غِذَاءً لِلْوَلَدِ، فَإِذَا خَرَجَ الْوَلَدُ خَرَجَ مَا كَانَ مُحْتَبِسًا مِنْ الدَّمِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ عَشَرَةَ أَيَّامٍ. وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ جَاوَزَ الدَّمُ الْأَرْبَعِينَ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (فَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ) يَعْنِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا) احْتِرَازٌ عَمَّا قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ فِيمَا إذَا كَانَ بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا أَنَّ النِّفَاسَ فِيهِ يَكُونُ مِنْ الْوَلَدِ الثَّانِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مُدَّةِ النِّفَاسِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَقَدْ مَضَتْ فَلَا يَجِبُ النِّفَاسُ بَعْدَهَا، وَدَلِيلُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ: (وَالْعِدَّةُ تَعَلَّقَتْ بِوَضْعِ حَمْلٍ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ مُحَمَّدٍ النِّفَاسَ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِوَضْعِ حَمْلٍ مُضَافٍ إلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]

[باب الأنجاس وتطهيرها]

(تَطْهِيرُ النَّجَاسَةِ وَاجِبٌ مِنْ بَدَنِ الْمُصَلِّي وَثَوْبِهِ وَالْمَكَانِ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْحَمْلُ اسْمٌ لِكُلِّ مَا فِي الْبَطْنِ، وَمَا بَقِيَ الْوَلَدُ فِي بَطْنِهَا مَوْجُودًا كَانَتْ حَامِلًا فَلَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ حَتَّى تَضَعَ الْجَمِيعَ [بَابُ الْأَنْجَاسِ وَتَطْهِيرِهَا] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَتَطْهِيرِهَا شَرَعَ فِي بَيَانِ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ وَتَطْهِيرِهَا؛ لِأَنَّ الْأُولَى أَقْوَى لِكَوْنِ قَلِيلِهَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ بِالِاتِّفَاقِ فَكَانَ بِالتَّقَدُّمِ أَوْلَى، وَتَقْدِيرُ كَلَامِهِ بَابُ بَيَانِ الْأَنْجَاسِ. وَالْأَنْجَاسُ جَمْعُ نَجَسٍ بِفَتْحَتَيْنِ: وَهُوَ كُلُّ مُسْتَقْذَرٍ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ اسْمًا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] وَكَمَا أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْحَقِيقِيِّ يُطْلَقُ عَلَى الْحُكْمِيِّ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا تَقَدَّمَ بَيَانُ الْحُكْمِيِّ أَمِنَ اللَّبْسَ فَأَطْلَقَهُ. وَقَوْلُهُ: وَتَطْهِيرِهَا: أَيْ تَطْهِيرِ مَحَلِّهَا مِنْ الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَالْمَكَانِ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا أَضَافَهُ إلَى ضَمِيرِ الْأَنْجَاسِ أَنَّثَهُ، وَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْبَابِ فِي مَوَاضِعَ فِي الدَّلِيلِ الْمُوجِبِ لِلتَّطْهِيرِ، وَفِي آلَةِ التَّطْهِيرِ، وَفِي بَيَانِ أَنْوَاعِ النَّجَاسَةِ، وَفِي كَيْفِيَّةِ التَّطْهِيرِ، وَفِي الْقَدْرِ الَّذِي يَصِيرُ بِهِ الْمَحَلُّ نَجِسًا، وَفِيمَا يَتَعَذَّرُ التَّطْهِيرُ بِهِ. قَوْلُهُ: (تَطْهِيرُ النَّجَاسَةِ) أَيْ تَطْهِيرُ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ بِإِثْبَاتِ الطَّهَارَةِ فِيهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَقِيلَ تَطْهِيرُ النَّجَاسَةِ: أَيْ إزَالَتُهَا (وَاجِبٌ مِنْ بَدَنِ الْمُصَلِّي وَثَوْبِهِ وَالْمَكَانِ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] أَمْرٌ بِتَطْهِيرِ الثِّيَابِ مُطْلَقًا وَهُوَ لِلْوُجُوبِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ مَعْنَاهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَصِّرْ فَلَا يَتِمُّ دَلِيلًا عَلَى إزَالَةِ النَّجَاسَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ مَجَازٌ، وَالْأَصْلُ هُوَ الْحَقِيقَةُ، عَلَى أَنَّ تَقْصِيرَ الثِّيَابِ يَسْتَلْزِمُ التَّطْهِيرَ عَادَةً فَيَكُونُ أَمْرًا بِتَطْهِيرِ الثِّيَابِ اقْتِضَاءً، وَإِذَا كَانَ تَطْهِيرُ الثَّوْبِ وَاجِبًا لِتَحْسِينِ حَالِ الْمُنَاجِي رَبَّهُ

وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حُتِّيهِ ثُمَّ اُقْرُصِيهِ ثُمَّ اغْسِلِيهِ بِالْمَاءِ وَلَا يَضُرُّك أَثَرُهُ» وَإِذَا وَجَبَ التَّطْهِيرُ بِمَا ذَكَرْنَا فِي الثَّوْبِ وَجَبَ فِي الْبَدَنِ وَالْمَكَانِ فَإِنَّ الِاسْتِعْمَالَ فِي حَالَةِ الصَّلَاةِ يَشْمَلُ الْكُلَّ (وَيَجُوزُ تَطْهِيرُهَا بِالْمَاءِ وَبِكُلِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ يُمْكِنُ إزَالَتُهَا بِهِ كَالْخَلِّ وَمَاءِ الْوَرْدِ وَنَحْوِهِ مِمَّا إذَا عُصِرَ انْعَصَرَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ تَطْهِيرُ الْمَكَانِ وَالْبَدَنِ كَذَلِكَ لِمُسَاوَاةِ الْأَوَّلِ لِلْمَنْصُوصِ وَأَوْلَوِيَّةِ الثَّانِي. وَقَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حُتِّيهِ ثُمَّ اُقْرُصِيهِ ثُمَّ اغْسِلِيهِ بِالْمَاءِ» الْحَتُّ: الْقَشْرُ بِالْيَدِ أَوْ الْعُودِ، وَالْقَرْضُ بِأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ. لَا يُقَالُ: الْحَدِيثُ وَرَدَ فِي أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ حِينَ سَأَلَتْهُ عَنْ دَمِ الْحَيْضِ يُصِيبُ الثَّوْبَ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُوجِبُ لِوُجُوبِ تَطْهِيرِهِ كَوْنِهِ نَجِسًا وَلَا خُصُوصِيَّةَ لَهُ بِذَلِكَ فَيَلْحَقُ بِهِ كُلُّ مَا كَانَ نَجِسًا، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي طَهَارَةِ الْمَكَانِ مَا تَحْتَ قَدَمِ الْمُصَلِّي فَإِنْ كَانَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَالصَّلَاةُ فَاسِدَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ فِي مَوْضِعِ السُّجُودِ فَكَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ عَنْهُ جَائِزَةٌ. وَقَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ تَطْهِيرُهَا بِالْمَاءِ وَبِكُلِّ مَائِعٍ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (طَاهِرٌ) احْتِرَازٌ عَنْ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ التَّطْهِيرَ لَا يَحْصُلُ بِهِ، وَقِيلَ يَحْصُلُ حَتَّى لَوْ غُسِلَ دَمٌ بِذَلِكَ رَخَّصْنَا فِيهِ مَا لَمْ يَفْحُشْ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: وَالْأَصَحُّ أَنَّ التَّطْهِيرَ بِالنَّجِسِ لَا يَكُونُ لِتَضَادٍّ بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ. وَقَوْلُهُ (يُمْكِنُ إزَالَتُهَا بِهِ) احْتِرَازٌ عَنْ الدُّهْنِ وَالسَّمْنِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛؛ لِأَنَّ الْإِزَالَةَ إنَّمَا

وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْمَاءِ لِأَنَّهُ يَتَنَجَّسُ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ، وَالنَّجِسُ لَا يُفِيدُ الطَّهَارَةَ إلَّا أَنَّ هَذَا الْقِيَاسَ تُرِكَ فِي الْمَاءِ لِلضَّرُورَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَكُونُ بِإِخْرَاجِ أَجْزَاءِ النَّجَاسَةِ مَعَ الْمُزِيلِ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَذَلِكَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا يَنْعَصِرُ بِالْعَصْرِ، وَإِنَّمَا ذِكْرُهُ الْمَاءَ وَإِنْ كَانَ جَوَازُ التَّطْهِيرِ بِهِ ثَابِتًا بِالْإِجْمَاعِ لِيُعْلِمَ أَنَّ الْإِزَالَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ بِهِ بَلْ تَجُوزُ بِهِ وَبِغَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يَنْجَسُ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ) يَعْنِي لِاخْتِلَاطِهِ بِالنَّجَاسَةِ (وَالنَّجَسُ لَا يُفِيدُ الطَّهَارَةَ) ظَاهِرٌ، وَبِهِ يَتَقَوَّى مَا ذَكَرْنَا مِنْ رِوَايَةِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ فِي بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَقَوْلُهُ: (إلَّا أَنَّ هَذَا الْقِيَاسَ تُرِكَ فِي الْمَاءِ لِلضَّرُورَةِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ فَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ

وَلَهُمَا أَنَّ الْمَائِعَ قَالِعٌ، وَالطَّهُورِيَّةَ بِعِلَّةِ الْقَلْعِ وَالْإِزَالَةُ وَالنَّجَاسَةُ لِلْمُجَاوَرَةِ، فَإِذَا انْتَهَتْ أَجْزَاءُ النَّجَاسَةِ يَبْقَى طَاهِرًا، وَجَوَابُ الْكِتَابِ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْمَاءِ أَيْضًا فَيَلْزَمُهُ شُمُولُ الْجَوَازِ أَوْ عَدَمُهُ. وَقَوْلُهُ: (وَلَهُمَا أَنَّ الْمَائِعَ قَالِعٌ) ظَاهِرٌ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي الْعِلَّةِ يُوجِبُهُ فِي الْمَعْلُولِ وَالْمَاءُ مُطَهِّرٌ بِعِلَّةِ الْقَلْعِ وَالْإِزَالَةِ، وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي الْخَلِّ وَأَشْبَاهِهِ فَتَكُونُ مُطَهِّرَةً كَالْمَاءِ. وَقَوْلُهُ: (وَالنَّجَاسَةُ لِلْمُجَاوَرَةِ) جَوَابٌ عَنْ اسْتِدْلَالِهِمْ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ قَوْلُ الْمُوجِبِ: أَيْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ تَنَجَّسَ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ لَكِنَّ الْمَحَلَّ لَمْ يَكُنْ نَجِسًا لِعَيْنِهِ بَلْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ لِلْمُجَاوَرَةِ، فَإِذَا انْتَهَتْ أَجْزَاءُ النَّجَاسَةِ بِالْعَصْرِ بَقِيَ الْمَحَلُّ طَاهِرًا. لَا يُقَالُ: التَّعْلِيلُ بِالْقَلْعِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ النَّصَّ يَقْتَضِي الْغَسْلَ بِالْمَاءِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اغْسِلِيهِ بِالْمَاءِ» ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْغَسْلُ بِالْمَاءِ إمَّا أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا لِعَيْنِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَالْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا قَطَعَ مَوْضِعَ النَّجَاسَةِ وَصَلَّى بِذَلِكَ الثَّوْبِ جَازَتْ الصَّلَاةُ فِيهِ بِخِلَافٍ، وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ لِلتَّطْهِيرِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِاسْتِعْمَالِ الْمَائِعِ حُصُولَهُ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ. قَوْلُهُ: (وَجَوَابُ الْكِتَابِ) أَيْ الْقُدُورِيِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ تَطْهِيرُهَا بِالْمَاءِ وَبِكُلِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ إلَخْ مُطْلَقٌ عَنْ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا. وَقَوْلُهُ: (وَعَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةِ

أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَلَمْ يُجَوِّزْ فِي الْبَدَنِ بِغَيْرِ الْمَاءِ. (وَإِذَا أَصَابَ الْخُفَّ نَجَاسَةٌ لَهَا جِرْمٌ كَالرَّوْثِ وَالْعَذِرَةِ وَالدَّمِ وَالْمَنِيِّ فَجَفَّتْ فَدَلَّكَهُ بِالْأَرْضِ جَازَ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ) وَهُوَ الْقِيَاسُ (إلَّا فِي الْمَنِيِّ خَاصَّةً) لِأَنَّ الْمُتَدَاخِلَ فِي الْخُفِّ لَا يُزِيلُهُ الْجَفَافُ وَالدَّلْكُ، بِخِلَافِ الْمَنِيِّ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ. وَلَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِنْ كَانَ بِهِمَا أَذًى فَلْيَمْسَحْهُمَا بِالْأَرْضِ فَإِنَّ الْأَرْضَ لَهُمَا طَهُورٌ» وَلِأَنَّ الْجِلْدَ لِصَلَابَتِهِ لَا تَتَدَاخَلُهُ أَجْزَاءُ النَّجَاسَةِ إلَّا قَلِيلًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَسَنِ بْنِ أَبِي مَالِكٍ عَنْهُ (أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا) وَقَالَ (لَا يَجُوزُ فِي الْبَدَنِ إلَّا بِالْمَاءِ) ؛ لِأَنَّ غَسْلَ الْبَدَنِ طَرِيقُهُ الْعِبَادَةُ فَاخْتَصَّ بِالْمَاءِ كَالْوُضُوءِ وَغَسْلِ الثَّوْبِ طَرِيقُهُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ فَلَمْ يَخْتَصَّ بِالْمَاءِ كَالْحَتِّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا كَانَتْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ قَائِمَةً بِالْبَدَنِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ إزَالَتِهَا مِنْهُ وَإِزَالَتِهَا مِنْ الثَّوْبِ. قَالَ (وَإِذَا أَصَابَ الْخُفَّ نَجَاسَةٌ) النَّجَاسَةُ إذَا أَصَابَتْ الْخُفَّ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ (لَهَا جِرْمٌ كَالرَّوْثِ وَالْعَذِرَةِ وَالدَّمِ وَالْمَنِيِّ) أَوْ لَا يَكُونُ كَالْبَوْلِ وَالْخَمْرِ وَنَحْوِهِمَا. وَالْأَوَّلُ إمَّا أَنْ حَصَلَ لَهُ جَفَافٌ أَوْ لَا، فَإِنْ حَصَلَ لَهُ جَفَافٌ (فَدَلَكَهُ بِالْأَرْضِ جَازَ) أَيْ طَهُرَ فِي حَقِّ جَوَازِ الصَّلَاةِ اسْتِحْسَانًا. وَأَمَّا إذَا أَصَابَهُ الْمَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ هَلْ يَعُودُ نَجِسًا كَمَا كَانَ؟ فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ) الصَّلَاةُ بِهِ (وَهُوَ الْقِيَاسُ) أَيْ عَلَى الثَّوْبِ وَالْبِسَاطِ بِجَامِعِ أَنَّ النَّجَاسَةَ تَدَاخَلَتْ فِي الْخُفِّ تَدَاخُلَهَا فِيهِمَا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمُتَدَاخِلَ فِي الْخُفِّ إلَخْ (إلَّا فِي الْمَنِيِّ) فَإِنَّهُ يَطْهُرُ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ، وَقَيَّدَ بِالدَّلْكِ بِالْأَرْضِ رِوَايَةَ الْأَصْلِ، وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ إنْ حَكَّهُ أَوْ حَتَّهُ بَعْدَمَا يَبِسَ طَهُرَ وَهُمَا اسْتَحْسَنَا بِالْأَثَرِ، وَهُوَ مَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ فِي حَدِيثِ خَلْعِ النِّعَالِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى يَوْمًا فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ فَخَلَعَ الْقَوْمُ نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا فَرَغَ سَأَلَهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَقَالُوا رَأَيْنَاك خَلَعْت نَعْلَيْك، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَتَانِي جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَخْبَرَنِي أَنَّ بِهِمَا أَذًى فَخَلَعْتهمَا، ثُمَّ قَالَ: إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَقْلِبْ نَعْلَيْهِ فَإِنْ كَانَ بِهِمَا أَذًى فَلْيَمْسَحْهُمَا بِالْأَرْضِ فَإِنَّ الْأَرْضَ لَهُمَا طَهُورٌ» وَالْأَذَى هُوَ مَا يَسْتَعْذِرُ كَأَنَّهُ يُؤْذِي مَنْ يُقِرُّ بِهِ نُفْرَةً وَكَرَاهَةً جَعَلَ الْمَسْحَ بِالْأَرْضِ طَهُورًا وَهُوَ مُفَسَّرٌ لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ. لَا يُقَالُ: الْحَدِيثُ سَاقِطُ الْعِبْرَةِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَسْتَقْبِلْ الصَّلَاةَ لِجَوَازِ أَنَّ الْحَظْرَ مَعَ النَّجَاسَةِ نَزَلَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ. قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ الْجِلْدَ لِصَلَابَتِهِ)

ثُمَّ يَجْتَذِبُهُ الْجِرْمُ إذَا جَفَّ، فَإِذَا زَالَ زَالَ مَا قَامَ بِهِ (وَفِي الرَّطْبِ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَغْسِلَهُ) لِأَنَّ الْمَسْحَ بِالْأَرْضِ يُكْثِرُهُ وَلَا يُطَهِّرُهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا مَسَحَهُ بِالْأَرْضِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ أَثَرُ النَّجَاسَةِ يَطْهُرُ لِعُمُومِ الْبَلْوَى، وَإِطْلَاقِ مَا يُرْوَى وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَصَابَهُ بَوْلٌ فَيَبِسَ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَغْسِلَهُ) وَكَذَا كُلُّ مَا لَا جِرْمَ لَهُ كَالْخَمْرِ لِأَنَّ الْأَجْزَاءَ تَتَشَرَّبُ فِيهِ وَلَا جَاذِبَ يَجْذِبُهَا. وَقِيلَ مَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ الرَّمْلِ وَالرَّمَادِ جِرْمٌ لَهُ وَالثَّوْبُ لَا يُجْزِي فِيهِ إلَّا الْغَسْلُ وَإِنْ يَبِسَ لِأَنَّ الثَّوْبَ لِتَخَلْخُلِهِ يَتَدَاخَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ أَجْزَاءِ النَّجَاسَةِ فَلَا يُخْرِجُهَا إلَّا الْغَسْلُ. وَالْمَنِيُّ نَجِسٌ يَجِبُ غَسْلُهُ إنْ كَانَ رَطْبًا (فَإِذَا جَفَّ عَلَى الثَّوْبِ أَجْزَأَ فِيهِ الْفَرْكُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَائِشَةَ «فَاغْسِلِيهِ إنْ كَانَ رَطْبًا وَافْرُكِيهِ إنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتِدْلَالٌ بِالْمَعْقُولِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهَا جَفَافٌ لَا يَطْهُرُ حَتَّى يَغْسِلَهُ لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ (وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: إذَا مَشَى عَلَى الرَّوْثِ ثُمَّ مَسَحَ خُفَّهُ عَلَى الْأَرْضِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِيهِ أَثَرُ النَّجَاسَةِ وَلَا رَائِحَتُهَا يَطْهُرُ لِعُمُومِ الْبَلْوَى وَإِطْلَاقِ مَا يُرْوَى) يَعْنِي قَوْلَهُ فَلْيَمْسَحْهُمَا بِالْأَرْضِ الْحَدِيثَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: وَهُوَ صَحِيحٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِلضَّرُورَةِ. فَإِنْ قِيلَ: الْحَدِيثُ كَمَا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَا لَهُ جِرْمٌ وَمَا لَيْسَ لَهُ جِرْمٌ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي الْحُكْمِ، أُجِيبَ بِأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَأَخْرَجَ الَّتِي لَا جِرْمَ لَهَا بِالتَّعْلِيلِ وَهُوَ «قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنَّ الْأَرْضَ لَهُمَا طَهُورٌ» أَيْ مُزِيلٌ نَجَاسَتَهُمَا، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الْخُفَّ إذَا تَشَرَّبَ الْبَوْلَ أَوْ الْخَمْرَ لَا يُزِيلُهُ الْمَسْحُ وَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ أَجْزَاءِ الْجِلْدِ فَكَانَ إطْلَاقُهُ مَصْرُوفًا إلَى الْقَدْرِ الَّذِي يَقْبَلُ الْإِزَالَةَ بِالْمَسْحِ وَهُوَ مَا لَهُ جِرْمٌ. وَالثَّانِي: أَعْنِي الَّذِي لَا جِرْمَ لَهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ؛ لِأَنَّ الْأَجْزَاءَ تَتَشَرَّبُ مَا فِيهِ وَلَا جَاذِبَ يَجْذِبُهَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ الرَّمْلِ وَالرَّمَادِ جِرْمٌ لَهُ، فَإِذَا جَفَّ فَدَلَكَهُ بِالْأَرْضِ طَهُرَ كَاَلَّتِي لَهَا جِرْمٌ، وَإِذَا أَصَابَتْ الثَّوْبَ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ لِتَخَلْخُلِهِ: أَيْ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُكْتَنِزٍ يَتَدَاخَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ أَجْزَاءِ النَّجَاسَةِ فَلَا يُخْرِجُهَا إلَّا الْغَسْلُ. وَأَمَّا الْمَنِيُّ إذَا أَصَابَ الثَّوْبَ، فَإِنْ

كَانَ يَابِسًا» وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْمَنِيُّ طَاهِرٌ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَاهُ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ رَطْبًا فَهُوَ نَجِسٌ وَيَجِبُ غَسْلُهُ، وَإِنْ جَفَّ عَلَى الثَّوْبِ أَجْزَأَ فِيهِ الْفَرْكُ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَلَّا يَطْهُرَ بِالْفَرْكِ؛ لِأَنَّهُ دَمٌ إلَّا أَنَّهُ نُضْجٌ ثَخِينٌ فَهُوَ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الدَّمِ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ «فَاغْسِلِيهِ إنْ كَانَ رَطْبًا وَافْرُكِيهِ إنْ كَانَ يَابِسًا» وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي جَعْلِهِ طَاهِرًا مُسْتَدِلًّا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «الْمَنِيُّ كَالْمُخَاطِ فَأَمِطْهُ عَنْك وَلَوْ بِإِذْخِرَةٍ» فَإِنْ قِيلَ إذَا اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِحَدِيثٍ وَنَحْنُ بِحَدِيثٍ فَمَا وَجْهُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَاهُ؟ . فَالْجَوَابُ أَنَّ وَجْهَ ذَلِكَ أَنَّ حَدِيثَهُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ كَالْمُخَاطِ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ التَّشْبِيهُ فِي اللُّزُوجَةِ وَقِلَّةِ التَّدَاخُلِ وَطَهَارَتِهِ بِالْفَرْكِ، وَالْأَمْرُ بِالْإِمَاطَةِ مَعَ كَوْنِهِ لِلْوُجُوبِ وَيَسْتَدْعِي أَنْ يَكُونَ نَجِسًا؛ لِأَنَّ إزَالَةَ مَا لَيْسَ بِنَجِسٍ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عَلَى أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ بِهِ الِاحْتِجَاجُ. وَقَوْلُهُ: (وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى نَجَاسَتِهِ، رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَهُوَ يَغْسِلُ ثَوْبَهُ مِنْ النُّخَامَةِ فَقَالَ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: مَا نُخَامَتُك وَدُمُوعُ عَيْنَيْك وَالْمَاءُ الَّذِي فِي رَكْوَتِك إلَّا سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ خَمْسٍ: مِنْ الْبَوْلِ، وَالْغَائِطِ، وَالدَّمِ، وَالْمَنِيِّ، وَالْقَيْءِ» وَفِي رِوَايَةِ الْأَسْرَارِ: الْخَمْرُ مَكَانَ الْقَيْءِ. لَا يُقَالُ: الِاسْتِدْلَال بِهِ يَقْتَضِي غَسْلَهُ رَطْبًا وَيَابِسًا وَلَسْتُمْ قَائِلِينَ بِهِ فَكَانَ مَتْرُوكًا؛ لِأَنَّ

يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ خَمْسٍ، وَذَكَرَ مِنْهَا الْمَنِيَّ» وَلَوْ أَصَابَ الْبَدَنَ. قَالَ مَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ لِأَنَّ الْبَلْوَى فِيهِ أَشَدُّ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ لِأَنَّ حَرَارَةَ الْبَدَنِ جَاذِبَةٌ فَلَا يَعُودُ إلَى الْجِرْمِ وَالْبَدَنُ لَا يُمْكِنُ فَرْكُهُ. (وَالنَّجَاسَةُ إذَا أَصَابَتْ الْمِرْآةَ أَوْ السَّيْفَ اكْتَفَى بِمَسْحِهِمَا) لِأَنَّهُ لَا تَتَدَاخَلُهُ النَّجَاسَةُ وَمَا عَلَى ظَاهِرِهِ يَزُولُ بِالْمَسْحِ. (وَإِنْ أَصَابَتْ الْأَرْضَ نَجَاسَةٌ فَجَفَّتْ بِالشَّمْسِ وَذَهَبَ أَثَرُهَا جَازَتْ الصَّلَاةُ عَلَى مَكَانِهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQحَدِيثَ عَائِشَةَ مُفَسَّرٌ فِي جَوَازِ فَرْكِ الْيَابِسِ، وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الرَّطْبَ فَحُمِلَ عَلَيْهِ تَوْفِيقًا بَيْنَهُمَا (وَلَوْ أَصَابَ) الْمَنِيُّ (الْبَدَنَ، قَالَ مَشَايِخُنَا) قِيلَ يُرِيدُ مَشَايِخَ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ (يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ؛ لِأَنَّ الْبَلْوَى فِيهِ أَشَدُّ) لِانْفِصَالِ الثَّوْبِ عَنْ الْمَنِيِّ دُونَ الْبَدَنِ (وَ) رُوِيَ (عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ؛ لِأَنَّ حَرَارَةَ الْبَدَنِ جَاذِبَةٌ فَلَا يَعُودُ) مَا تَشَرَّبَ مِنْهُ الْبَدَنُ (إلَى الْجِرْمِ) وَلَئِنْ عَادَ فَإِنَّمَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ أَيْضًا وَالْبَدَنُ لَا يُمْكِنُ فَرْكُهُ. قَالَ (وَالنَّجَاسَةُ إذَا أَصَابَتْ الْمِرْآةَ) إذَا أَصَابَتْ النَّجَاسَةُ جِسْمًا مُكْتَنِزَ الْأَجْزَاءِ صَقِيلًا كَالْمِرْآةِ وَالسَّيْفِ وَالسِّكِّينِ وَنَحْوِهَا (اُكْتُفِيَ بِمَسْحِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَتَدَاخَلُهُ النَّجَاسَةُ) فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِخْرَاجِ مِنْ الدَّاخِلِ (وَمَا عَلَى ظَاهِرِهِ يَزُولُ بِالْمَسْحِ) وَلَا فَصْلَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ وَالْعَذِرَةِ وَالْبَوْلِ. وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْبَوْلَ وَالدَّمَ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ، وَالْعَذِرَةُ الرَّطْبَةُ كَذَلِكَ، وَالْيَابِسَةُ تَطْهُرُ بِالْحَتِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ، وَالْمُصَنِّفُ كَأَنَّهُ اخْتَارَ مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَقْتُلُونَ الْكُفَّارَ بِسُيُوفِهِمْ ثُمَّ يَمْسَحُونَهَا وَيُصَلُّونَ مَعَهَا. (وَإِذَا أَصَابَتْ الْأَرْضَ نَجَاسَةٌ فَجَفَّتْ بِالشَّمْسِ وَذَهَبَ أَثَرُهَا) وَهُوَ اللَّوْنُ وَالرَّائِحَةُ بِالْجَفَافِ جَازَتْ

وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا تَجُوزُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْمُزِيلُ (وَ) لِهَذَا (لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ) وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ذَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا» وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ لِأَنَّ طَهَارَةَ الصَّعِيدِ ثَبَتَتْ شَرْطًا بِنَصِّ الْكِتَابِ فَلَا تَتَأَدَّى بِمَا ثَبَتَ بِالْحَدِيثِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّلَاةُ عَلَى مَكَانِهَا. وَقَوْلُهُ: بِالشَّمْسِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي طَهَارَتِهَا وَإِنَّمَا وَقَعَ اتِّفَاقًا، فَإِنَّ الْأَرْضَ فِي الْعَادَةِ تَجِفُّ بِالشَّمْسِ (وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا تَجُوزُ) ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ حَصَلَتْ فِي الْمَكَانِ وَالْمُزِيلُ لَمْ يُوجَدْ (وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهِ وَلَنَا قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ذَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا» ) أَيْ طَهَارَتُهَا جَفَافُهَا إطْلَاقًا لِاسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ،؛ لِأَنَّ الذَّكَاةَ وَهِيَ الذَّبْحُ سَبَبُ الطَّهَارَةِ فِي الذَّبِيحَةِ، وَجَعَلَ صَاحِبُ الْأَسْرَارِ هَذَا الْحَدِيثَ مَوْقُوفًا عَلَى عَائِشَةَ وَقَالَ: وَأَمَّا الَّذِي رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا فَقَوْلُهُ: «أَيُّمَا أَرْضٍ جَفَّتْ فَقَدْ ذَكَتْ» وَصَاحِبُ الْمُغْرِبِ جَعَلَهُ قَوْلَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَقْلًا بِالْمَعْنَى فَيَكُونُ مَرْفُوعًا قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ (؛ لِأَنَّ طَهَارَةَ الصَّعِيدِ شَرْطٌ بِنَصِّ الْكِتَابِ)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] فَلَا تَأَدِّيَ بِمَا ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْقَطْعَ فَلَا تَكُونُ الطَّهَارَةُ قَطْعِيَّةً بِجَفَافِ الْأَرْضِ وَالْكِتَابُ يَقْتَضِي ذَلِكَ. فَإِنْ قُلْت: أَلَيْسَ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ طَهَارَةَ الْمَكَانِ ثَبَتَتْ بِدَلَالَةِ قَوْله تَعَالَى {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] وَالثَّابِتُ بِالدَّلَالَةِ كَالثَّابِتِ بِالْعِبَارَةِ فِي كَوْنِهِ قَطْعِيًّا حَتَّى ثَبَتَتْ الْحُدُودُ وَالْكَفَّارَاتُ بِدَلَالَةِ النُّصُوصِ فَوَجَبَ أَلَّا تَجُوزَ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا كَمَا لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهَا؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْآيَةَ هُنَا ظَنِّيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْمُفَسِّرِينَ اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهَا، فَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ تَطْهِيرُ الثَّوْبِ، وَقِيلَ تَقْصِيرُهُ لِلْمَنْعِ عَنْ التَّكَبُّرِ وَالْخُيَلَاءِ. فَإِنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَجُرُّونَ أَذْيَالَهُمْ تَكَبُّرًا، وَقِيلَ الْمُرَادُ تَطْهِيرُ النَّفْسِ عَنْ الْمَعَايِبِ وَالْأَخْلَاقِ الرَّدِيئَةِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ ظَنِّيَّ الدَّلَالَةِ وَلِهَذَا لَمْ يَكْفُرْ مَنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْكَرَ اشْتِرَاطَ طَهَارَةِ الثَّوْبِ وَهُوَ عَطَاءٌ فَتَكُونُ الدَّلَالَةُ كَذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: فَالطَّيِّبُ أَيْضًا يَحْتَمِلُ الطَّاهِرَ وَالْمُنْبِتَ، وَعَلَى الثَّانِي حَمَلَهُ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا مُرَادَيْنِ لِعَدَمِ عُمُومِ الْمُشْتَرَكِ فَيَكُونُ مُؤَوَّلًا وَهُوَ مِنْ الْحُجَجِ الظَّنِّيَّةِ كَالْعَامِّ فَيَجِبُ أَنْ يَجُوزَ التَّيَمُّمُ أُجِيبَ. بِأَنَّ الِاحْتِمَالَ فِي الطَّيِّبِ مُسَلَّمٌ لَكِنَّ الطَّاهِرَ مُرَادٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا تَقَدَّمَ،

(وَقَدْرُ الدِّرْهَمِ وَمَا دُونَهُ مِنْ النَّجِسِ الْمُغَلَّظِ كَالدَّمِ وَالْبَوْلِ وَالْخَمْرِ وَخُرْءِ الدَّجَاجِ وَبَوْلِ الْحِمَارِ جَازَتْ الصَّلَاةُ مَعَهُ وَإِنْ زَادَ لَمْ تَجُزْ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: قَلِيلُ النَّجَاسَةِ وَكَثِيرُهَا سَوَاءٌ لِأَنَّ النَّصَّ الْمُوجِبَ لِلتَّطْهِيرِ لَمْ يُفَصِّلْ. وَلَنَا أَنَّ الْقَلِيلَ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَيُجْعَلُ عَفْوًا، وَقَدَّرْنَاهُ بِقَدْرِ الدِّرْهَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي اشْتِرَاطِ الْإِنْبَاتِ فَيَكُونُ اشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ قَطْعِيًّا فَلَا يَتَأَدَّى بِطَهَارَةٍ تَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ. قَالَ (وَقَدْرُ الدِّرْهَمِ وَمَا دُونَهُ مِنْ النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ) النَّجَاسَةُ إمَّا أَنْ تَكُونَ غَلِيظَةً أَوْ خَفِيفَةً، فَإِنْ كَانَتْ غَلِيظَةً وَهِيَ مَا ثَبَتَتْ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ (كَالدَّمِ وَالْبَوْلِ وَالْخَمْرِ وَخَرْءِ الدَّجَاجِ وَبَوْلِ الْحِمَارِ) إذَا كَانَتْ قَدْرَ الدِّرْهَمِ (جَازَتْ الصَّلَاةُ مَعَهُ) وَقَوْلُهُ: وَمَا دُونَهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ (وَإِنْ زَادَ لَمْ تَجُزْ. وَقَالَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيُّ: قَلِيلُ النَّجَاسَةِ وَكَثِيرُهَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ النَّصَّ الْمُوجِبَ لِلتَّطْهِيرِ) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] (لَمْ يَفْصِلْ) بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ (وَلَنَا الْقَلِيلُ مِنْهَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ) فَإِنَّ الذِّبَّانَ يَقَعْنَ عَلَى النَّجَسِ ثُمَّ عَلَى الْإِنْسَانِ، وَكَذَلِكَ دَمُ الْبَرَاغِيثِ غَيْرُ مُمْكِنٍ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَكَانَ فِي الْقَلِيلِ ضَرُورَةً وَمَوَاضِعُ الضَّرُورَةِ مُسْتَثْنَاةٌ فِي دَلَائِلِ الشَّرْعِ (فَيُجْعَلُ عَفْوًا، وَقَدَّرْنَاهُ) أَيْ الْقَلِيلَ (بِقَدْرِ الدِّرْهَمِ) يَعْنِي ذَلِكَ لَا يُمْنَعُ، فَإِذَا زَادَ عَلَيْهِ مُنِعَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ أَخَذْنَا بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَوْسَعُ، وَكَانَ النَّخَعِيُّ يَقُولُ:

أَخْذًا عَنْ مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ. ثُمَّ يُرْوَى اعْتِبَارُ الدِّرْهَمِ مِنْ حَيْثُ الْمِسَاحَةُ وَهُوَ قَدْرُ عَرْضِ الْكَفِّ فِي الصَّحِيحِ، وَيُرْوَى مِنْ حَيْثُ الْوَزْنُ وَهُوَ الدِّرْهَمُ الْكَبِيرُ الْمِثْقَالِ وَهُوَ مَا يَبْلُغُ وَزْنُهُ مِثْقَالًا. وَقِيلَ فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَهُمَا إنَّ الْأُولَى فِي الرَّقِيقِ وَالثَّانِيَةَ فِي الْكَثِيفِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ نَجَاسَةُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُغَلَّظَةً لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا بَلَغَتْ مِقْدَارَ الدِّرْهَمِ مَنَعَتْ. وَقَوْلُهُ: (أَخْذًا) مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ مِنْ قَدَّرْنَاهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْأَخْذِ فَالْمُرَادُ بِقَدْرِ الدِّرْهَمِ مَوْضِعُ خُرُوجِ الْحَدَثِ قَالَ النَّخَعِيُّ اسْتَقْبَحُوا ذِكْرَ الْمَقَاعِدِ فِي مَجَالِسِهِمْ فَكَنَّوْا عَنْهُ بِالدِّرْهَمِ. وَوَجْهُ الْأَخْذِ مَا قَالَ صَاحِبُ الْأَسْرَارِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ» وَالِاسْتِجْمَارُ هُوَ الِاسْتِنْجَاءُ فَيَثْبُتُ أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ غَيْرُ وَاجِبٍ بِالْحِجَارَةِ وَلَا حَرَجَ فِي ذَلِكَ فَعُلِمَ أَنَّهُ سَقَطَ حُكْمُهُ لِقِلَّةِ النَّجَاسَةِ وَأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ عَفْوٌ، وَمَا ثَبَتَ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَكْتَفُونَ بِالْأَحْجَارِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ وَذَلِكَ لَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ حَتَّى لَوْ جَلَسَ الْمُسْتَنْجِي بِهِ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ نَجَّسَهُ فَاكْتِفَاؤُهُمْ بِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ النَّجَاسَةِ عَفْوٌ (ثُمَّ يُرْوَى) عَنْ مُحَمَّدٍ (اعْتِبَارُ الدِّرْهَمِ مِنْ حَيْثُ الْمِسَاحَةُ) حَيْثُ قَالَ فِي النَّوَادِرِ: الدِّرْهَمُ الْكَبِيرُ هُوَ مَا يَكُونُ مِثْلَ عَرْضِ الْكَفِّ (وَيُرْوَى مِنْ حَيْثُ الْوَزْنُ وَهُوَ الدِّرْهَمُ الْكَبِيرُ الْمِثْقَالُ وَهُوَ مَا يَبْلُغُ وَزْنُهُ مِثْقَالًا) وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ. قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: نُوَفِّقُ بَيْنَ أَلْفَاظِ مُحَمَّدٍ فَنَقُولُ: إنَّ الْأُولَى: يَعْنِي رِوَايَةَ الْمِسَاحَةِ فِي الرَّقِيقِ مِنْهَا، وَالثَّانِيَةُ: يَعْنِي رِوَايَةَ الْوَزْنِ فِي الْكَثِيفِ قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا كَانَتْ نَجَاسَةُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ) يَعْنِي الْمَذْكُورَةَ فِي أَوَّلِ الْبَحْثِ مُغَلَّظَةً (لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ) قِيلَ بِالْإِجْمَاعِ، وَقِيلَ التَّغْلِيظُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَثْبُتُ بِنَصٍّ لَا مُعَارِضَ لَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَثْبُتُ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الْكِتَابِ

(وَإِنْ كَانَتْ مُخَفَّفَةً كَبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ جَازَتْ الصَّلَاةُ مَعَهُ حَتَّى يَبْلُغَ رُبُعَ الثَّوْبِ) يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ التَّقْدِيرَ فِيهِ بِالْكَثِيرِ الْفَاحِشِ، وَالرُّبُعُ مُلْحَقٌ بِالْكُلِّ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ، وَعَنْهُ رُبُعُ أَدْنَى ثَوْبٍ تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ كَالْمِئْزَرِ، وَقِيلَ رُبُعُ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَصَابَهُ كَالذَّيْلِ وَالدِّخْرِيصِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - شِبْرٌ فِي شِبْرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQإشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ أَنْ يَكُونَ سَالِمًا مِنْ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّخْفِيفِ مِنْ تَعَارُضِ النَّصَّيْنِ وَتَجَاذُبِ الِاجْتِهَادِ وَالضَّرُورَاتِ الْمُخَفَّفَةِ (وَإِنْ كَانَتْ مُخَفَّفَةً) وَهِيَ مَا تَثْبُتُ بِخَبَرٍ غَيْرِ مَقْطُوعٍ بِهِ (كَبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ جَازَتْ الصَّلَاةُ مَعَهُ حَتَّى يَبْلُغَ رُبْعَ الثَّوْبِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ) وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَيْضًا (؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ فِيهِ بِالْكَثِيرِ الْفَاحِشِ) وَالْكَثِيرُ الْفَاحِشُ مَا يَسْتَكْثِرُهُ النَّاسُ وَيَسْتَفْحِشُونَهُ (وَالرُّبْعُ مُلْحَقٌ بِالْكُلِّ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ) كَمَسْحِ الرَّأْسِ وَانْكِشَافِ الْعَوْرَةِ وَغَيْرِهِمَا فَيَلْحَقُ بِهِ هَاهُنَا وَبِالْكُلِّ يَحْصُلُ الِاسْتِفْحَاشُ فَكَذَا بِمَا قَامَ مَقَامَهُ، ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الثَّوْبِ فَقِيلَ أَدْنَى ثَوْبٍ تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ كَالْمِئْزَرِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَقْرَبُهُ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ يُعْتَبَرُ السَّرَاوِيلُ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ الثِّيَابِ (وَقِيلَ رُبْعُ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَصَابَهُ) النَّجَاسَةُ (كَالذَّيْلِ) وَهُوَ مَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الرَّجُلِ فُلَانٌ شَمَّرَ الذَّيْلَ وَالْكُمَّ (وَالدِّخْرِيصِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ شِبْرٌ فِي شِبْرٍ) أَيْ شِبْرٌ طُولًا وَشِبْرٌ عَرْضًا أَخْذًا مِنْ بَاطِنِ الْخُفَّيْنِ: يَعْنِي مَا يَلِي الْأَرْضَ مِنْ الْخُفِّ، فَإِنَّ بَاطِنَهُمَا يَبْلُغُ شِبْرًا فِي شِبْرٍ

وَإِنَّمَا كَانَتْ مُخَفَّفَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِمَكَانِ الِاخْتِلَافِ فِي نَجَاسَتِهِ أَوْ لِتَعَارُضِ النَّصَّيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ (وَإِذَا أَصَابَ الثَّوْبَ مِنْ الرَّوْثِ أَوْ أَخْثَاءِ الْبَقَرِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) لِأَنَّ النَّصَّ الْوَارِدَ فِي نَجَاسَتِهِ وَهُوَ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَمَى بِالرَّوْثَةِ وَقَالَ: هَذَا رِجْسٌ أَوْ رِكْسٌ» لَمْ يُعَارِضْهُ غَيْرُهُ، وَبِهَذَا يَثْبُتُ التَّغْلِيظُ عِنْدَهُ وَالتَّخْفِيفُ بِالتَّعَارُضِ (وَقَالَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يَفْحُشَ) لِأَنَّ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغًا، وَلِهَذَا يَثْبُتُ التَّخْفِيفُ عِنْدَهُمَا، وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً لِامْتِلَاءِ الطُّرُقِ بِهَا وَهِيَ مُؤَثِّرَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَجُوزُ تَقْدِيرُ الْكَثِيرِ الْفَاحِشِ بِهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ النَّجَاسَةِ الَّتِي لَهَا جِرْمٌ سَاقِطُ الْعِبْرَةِ فِي الْخِفَافِ لِطَهَارَتِهِ بِالْمَسْحِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ: وَبِالْمَسْحِ إنْ زَالَتْ الْعَيْنُ فَلَا يُشَكُّ فِي بَقَاءِ الْأَثَرِ، وَحَيْثُ لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ قُدِّرَ بِهِ الْكَثِيرُ الْفَاحِشُ كَمَا قُدِّرَ الدِّرْهَمُ بِمَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ حَتَّى سَقَطَ اعْتِبَارُ مَا عَلَى السَّبِيلِ مِنْ النَّجَاسَةِ (وَإِنَّمَا كَانَ) يَعْنِي بَوْلَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ (مُخَفَّفًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِمَكَانِ الِاخْتِلَافِ فِي نَجَاسَتِهِ) عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَإِنَّ تَخْفِيفَهَا عِنْدَهُ إنَّمَا ثَبَتَ مِنْ سَوْغِ الِاجْتِهَادِ. (أَوْ لِتَعَارُضِ النَّصَّيْنِ) عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَإِنَّ تَخْفِيفَهَا عِنْدَهُ إنَّمَا يَنْشَأُ مِنْ تَعَارُضِ النَّصَّيْنِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ (عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ إنَّمَا أَخَّرَ أَصْلَ أَبِي حَنِيفَةَ رِعَايَةً لِفَوَاصِلِ الْأَلْفَاظِ فَإِنَّهَا مِمَّا يُرَاعَى، وَأَرَى أَنَّ تَقْدِيمَهُ مَا كَانَ يُنَافِي ذَلِكَ وَلَعَلَّهُ مِنْ بَابِ التَّرَقِّي، وَثَمَرَةُ ذَلِكَ تَظْهَرُ فِي الْأَرْوَاثِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْأَصْلُ الْأَوَّلَ بِأَبِي يُوسُفَ وَإِنْ كَانَ أَصْلَ مُحَمَّدٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَلَيْسَ هُوَ بِنَجِسٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَهُوَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خَاصَّةً أَصْلُ أَبِي يُوسُفَ وَحْدَهُ فَخَصَّصَهُ وَبِهَذَا سَقَطَ مَا أَوْرَدَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ (وَإِنْ أَصَابَ الثَّوْبَ مِنْ الرَّوْثِ أَوْ أَخْثَاءِ الْبَقَرِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغًا) ؛ لِأَنَّ مَالِكًا يَقُولُ: إنَّ الْبَعْرَ وَالرَّوْثَ وَخَثْيَ الْبَقَرِ طَاهِرٌ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: السِّرْقِينُ لَيْسَ بِشَيْءٍ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ لَا يُمْنَعُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وُقُودُ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ وَلَوْ كَانَ نَجِسًا مَا اسْتَعْمَلُوهُ كَالْعَذِرَةِ. وَقَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً) بَيَانُ أَنَّ التَّخْفِيفَ عِنْدَهُمَا يَثْبُتُ بِشَيْءٍ آخَرَ وَهُوَ الْبَلْوَى وَالضَّرُورَةُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ لَا يُخْرِجُ

فِي التَّخْفِيفِ، بِخِلَافِ بَوْلِ الْحِمَارِ لِأَنَّ الْأَرْضَ تُنَشِّفُهُ. قُلْنَا: الضَّرُورَةُ فِي النِّعَالِ قَدْ أَثَّرَتْ فِي التَّخْفِيفِ مَرَّةً حَتَّى تَطْهُرَ بِالْمَسْحِ فَتَكْفِي مُؤْنَتُهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ، وَزُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَوَافَقَ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي غَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَوَافَقَهُمَا فِي الْمَأْكُولِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ الرَّيَّ وَرَأَى الْبَلْوَى أَفْتَى بِأَنَّ الْكَثِيرَ الْفَاحِشَ لَا يَمْنَعُ أَيْضًا وَقَاسُوا عَلَيْهِ طِينَ بُخَارَى، وَعِنْدَ ذَلِكَ رُجُوعُهُ فِي الْخُفِّ يُرْوَى. (وَإِنْ أَصَابَهُ بَوْلُ الْفَرَسِ لَمْ يُفْسِدْهُ حَتَّى يَفْحُشَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَمْنَعُ وَإِنْ فَحُشَ) لِأَنَّ بَوْلَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ عِنْدَهُ مُخَفَّفٌ نَجَاسَتُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَحْمُهُ مَأْكُولٌ عِنْدَهُمَا، وَأَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّجَاسَةَ عَنْ كَوْنِهَا مُغَلَّظَةً؛ لِأَنَّهَا لَمَّا لَمْ يَرِدْ نَصٌّ بِخِلَافِهِ كَانَ اخْتِلَافُهُمْ بِنَاءً عَلَى الرَّأْيِ وَهُوَ لَا يُعَارِضُ النَّصَّ، وَكَذَلِكَ الْبَلْوَى لَا تُعْتَبَرُ فِي مَوْضِعِ النَّصِّ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَلْوَى فِي بَوْلِ الْحِمَارِ أَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ يَتَرَشَّشُ فَيُصِيبُ الثِّيَابَ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُعْفَى أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَكَذَلِكَ بَوْلُ الْآدَمِيِّ، وَرُدَّ بِأَنَّ الضَّرُورَةَ لَوْ لَمْ تُعْتَبَرْ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ بِالنَّجَاسَةِ لَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِخِفَّةِ نَجَاسَةِ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ؛ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْتَنْزِهُوا الْبَوْلَ» الْحَدِيثَ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ لِلضَّرَرِ وَالْبَلْوَى بَلْ لِلتَّعَارُضِ بِحَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ. وَقَوْلُهُ: (بِخِلَافِ بَوْلِ الْحِمَارِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الضَّرُورَةُ فِي بَوْلِ الْحِمَارِ كَالضَّرُورَةِ فِي رَوْثِهِ وَقَدْ قُلْتُمْ بِتَغْلِيظِهِ، وَوَجْهُهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ (لِأَنَّ الْأَرْضَ تُنَشِّفُهُ) فَلَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْهُ شَيْءٌ يُبْتَلَى بِهِ الْمَارُّ بِخِلَافِ الرَّوْثِ. وَالْجَوَابُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الضَّرُورَةَ إنَّمَا هِيَ فِي النِّعَالِ، وَقَدْ أَثَّرَتْ فِي التَّخْفِيفِ مَرَّةً حَتَّى تَطْهُرَ بِالْمَسْحِ فَتَكْفِي مُؤْنَتُهَا بِذَلِكَ التَّخْفِيفِ فَلَا يُخَفَّفُ فِي نَجَاسَتِهَا ثَانِيًا إلْحَاقًا لِلرَّوْثِ بِالْعَذِرَةِ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهَا كَذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ) عِنْدَ الْعُلَمَاءِ الثَّلَاثَةِ (وَزُفَرُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَوَافَقَ أَبَا حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ الْمَأْكُولِ وَوَافَقَهُمَا فِي الْمَأْكُولِ) فَإِنَّهُ قَاسَ الْخَارِجَ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ بِالْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلِ الْآخَرِ وَالْخَارِجُ مِنْ السَّبِيلِ الْآخَرِ وَهُوَ الْبَوْلُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ كَوْنِهِ مَأْكُولَ اللَّحْمِ وَغَيْرَهُ فَكَذَا الْخَارِجُ مِنْ هَذَا السَّبِيلِ. وَقَوْلُهُ: (وَعَنْ مُحَمَّدٍ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (قَاسُوا عَلَيْهِ طِينَ بُخَارَى) يَعْنِي قَالَ الْمَشَايِخُ لَا يَكُونُ الْكَثِيرُ الْفَاحِشُ مِنْهُ مَانِعًا وَإِنْ كَانَ مُخْتَلِطًا بِالْعَذِرَاتِ. (وَعِنْدَ ذَلِكَ) أَيْ عِنْدَ دُخُولِهِ فِي الرَّيِّ (رُجُوعُهُ) عَنْ الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْهُ (فِي الْخُفِّ) أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالدَّلْكِ بِالْأَرْضِ (يُرْوَى) . قَالَ (وَإِنْ أَصَابَهُ بَوْلُ الْفَرَسِ لَمْ يُفْسِدْهُ حَتَّى يَفْحُشَ) كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مَرَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَصْلِهِ فِي بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَإِنَّ الْفَرَسَ مَأْكُولٌ عِنْدَهُمَا وَبَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ نَجِسٌ نَجَاسَةً مُخَفَّفَةً عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَمْنَعُ حَتَّى يَفْحُشَ. (وَ) طَاهِرٌ (عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَمْنَعُ وَإِنْ فَحُشَ) وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ حَرَّمَ أَكْلَهُ وَجَعَلَ بَوْلَهُ نَجِسًا مُخَفَّفًا لِتَعَارُضِ الْآثَارِ وَهُوَ حَدِيثُ الْعُرَنِيِّينَ وَقَدْ مَرَّ وَقَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اسْتَنْزِهُوا الْبَوْلَ» الْحَدِيثَ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ التَّعَارُضَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا جُهِلَ التَّارِيخُ، وَفِي حَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ

عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - التَّخْفِيفُ لِتَعَارُضِ الْآثَارِ. (وَإِنْ أَصَابَهُ خُرْءُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الطُّيُورِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ جَازَتْ الصَّلَاةُ فِيهِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا تَجُوزُ) فَقَدْ قِيلَ إنَّ الِاخْتِلَافَ فِي النَّجَاسَةِ، وَقَدْ قِيلَ فِي الْمِقْدَارِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQدَلَالَةُ التَّقَدُّمِ؛ لِأَنَّ فِيهِ الْمُثْلَةَ فَيَكُونُ مَنْسُوخًا وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ. سَلَّمْنَا أَنَّ فِيهِمَا تَعَارُضًا، وَلَكِنَّهُ فِي بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَالْفَرَسُ غَيْرُ مَأْكُولٍ عِنْدَهُ وَالْكَرَاهَةُ فِيهِ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ فَيَكُونُ بَوْلُهُ نَجِسًا مُغَلَّظًا. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الدَّلَالَةَ دُونَ الْعِبَارَةِ، وَفِي عِبَارَتِهِ تَعَارُضٌ فَتَرَجَّحَ جَانِبُ الْعِبَارَةِ وَتَحَقَّقَ التَّعَارُضُ، وَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ اشْتِمَالَ الْقِصَّةِ عَلَى الْمُثْلَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِبَارَةَ مَنْسُوخَةٌ فَلَا تَعَارُضَ، وَبِأَنَّ انْتِسَاخَ الْمُثْلَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى انْتِسَاخِ طَهَارَةِ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ؛ لِأَنَّهُمَا حُكْمَانِ مُخْتَلِفَانِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِسَاخِ أَحَدِهِمَا انْتِسَاخُ الْآخَرِ، وَهُوَ أَيْضًا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ الْعُرَنِيِّينَ الدَّالَّ عَلَى طَهَارَةِ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ انْتَفَى التَّعَارُضُ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ لَمْ تَثْبُتْ نَجَاسَةُ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اسْتَنْزِهُوا الْبَوْلَ» عِنْدَهُ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ حُرْمَةَ لَحْمِ الْفَرَسِ عِنْدَهُ لَمْ تَكُنْ لِنَجَاسَتِهِ بَلْ تَحَرُّزًا عَنْ تَقْلِيلِ مَادَّةِ الِاجْتِهَادِ فَكَانَ لَحْمُهُ طَاهِرًا عِنْدَهُ، وَلِهَذَا قَالَ بِطَهَارَةِ سُؤْرِهِ وَهَذَا يَلْزَمُ مِنْهُ الِانْقِطَاعُ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ الْكَلَامِ كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ بَوْلَ غَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ عِنْدَهُ نَجِسٌ غَلِيظٌ، فَإِذَا وَرَدَ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ قَيَّدَهُ بِكَوْنِ الْحُرْمَةِ النَّجَاسَةَ، وَقَدْ عُرِفَ بُطْلَانُ ذَلِكَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ. وَلِصُعُوبَةِ التَّقَصِّي عَنْ عُهْدَةِ هَذَا الْمَقَامِ ذَهَبَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِتَعَارُضِ الْآثَارِ التَّعَارُضُ فِي لَحْمِهِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ لُحُومِ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ» . وَرُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ» وَهَذَا يُوجِبُ التَّخْفِيفَ فِي بَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْكُولٌ فِي وَجْهٍ فَلَا يَكُونُ كَبَوْلِ الْكَلْبِ وَالْحِمَارِ، الْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِيمَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْمُبِيحَ مَنْسُوخٌ كَمَا فِي الْحِمَارِ. (وَإِنْ أَصَابَهُ خَرْءُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الطُّيُورِ) كَالصَّقْرِ وَالْبَازِي وَالْحِدَأَةِ (جَازَتْ الصَّلَاةُ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تَجُوزُ فَقَدْ قِيلَ إنَّ الِاخْتِلَافَ فِي النَّجَاسَةِ) يَعْنِي أَنَّهُ طَاهِرٌ عِنْدَهُمَا وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ الْكَرْخِيِّ وَنَجِسٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَالنَّجْوِ (وَقَدْ قِيلَ فِي الْمِقْدَارِ) يَعْنِي أَنَّهُ نَجِسٌ بِالِاتِّفَاقِ، لَكِنَّهُ خَفِيفٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ غَلِيظٌ عِنْدَهُمَا، وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيِّ،

هُوَ يَقُولُ إنَّ التَّخْفِيفَ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ لِعَدَمِ الْمُخَالَطَةِ فَلَا يُخَفَّفُ. وَلَهُمَا أَنَّهَا تَذَرَّقَ مِنْ الْهَوَاءِ وَالْتِحَامِي عَنْهُ مُتَعَذِّرٌ فَتَحَقَّقَتْ الضَّرُورَةُ، وَلَوْ وَقَعَ فِي الْإِنَاءِ قِيلَ يُفْسِدُهُ، وَقِيلَ لَا يُفْسِدُهُ لِتَعَذُّرِ صَوْنِ الْأَوَانِي عَنْهُ " (وَإِنْ أَصَابَهُ مِنْ دَمِ السَّمَكِ أَوْ لُعَابِ الْبَغْلِ أَوْ الْحِمَارِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرُ الدِّرْهَمِ أَجْزَأَتْ الصَّلَاةُ فِيهِ) أَمَّا دَمُ السَّمَكِ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَمٍ عَلَى التَّحْقِيقِ فَلَا يَكُونُ نَجِسًا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ اعْتَبَرَ فِيهِ الْكَثِيرَ الْفَاحِشَ فَاعْتَبَرَهُ نَجِسًا. وَأَمَّا لُعَابُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ فَلِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يَتَنَجَّسُ بِهِ الطَّاهِرُ (فَإِنْ انْتَضَحَ عَلَيْهِ الْبَوْلُ مِثْلَ رُءُوسِ الْإِبَرِ فَذَلِكَ لَيْسَ بِشَيْءٍ) لِأَنَّهُ لَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيُفْهَمُ مِنْ لَفْظِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الْمَنْظُومَةِ وَالْمُخْتَلَفِ فَإِنَّ فِيهِمَا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ وَمَعَ مُحَمَّدٍ عَلَى رِوَايَةِ الْهِنْدُوَانِيِّ. وَقَوْلُهُ: (هُوَ يَقُولُ التَّخْفِيفُ لِلضَّرُورَةِ) عَلَى طَرِيقَةِ الْهِدَايَةِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَلَوْ وَقَعَ فِي الْإِنَاءِ قِيلَ يُفْسِدُهُ) لِإِمْكَانِ صَوْنِ الْأَوَانِي عَنْهُ، وَبِهِ أَخَذَ أَبُو بَكْرٍ الْأَعْمَشُ (وَقِيلَ لَا يُفْسِدُهُ لِتَعَذُّرِ صَوْنِ الْأَوَانِي عَنْهُ) وَبِهِ أَخَذَ الْكَرْخِيُّ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَصَابَهُ مِنْ دَمِ السَّمَكِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (لَيْسَ بِدَمٍ عَلَى التَّحْقِيقِ) ؛ لِأَنَّ الدَّمَ عَلَى التَّحْقِيقِ يَسْوَدُّ إذَا شُمِّسَ وَدَمُ السَّمَكِ يَبْيَضُّ، وَلِهَذَا يَحِلُّ تَنَاوُلُهُ مِنْ غَيْرِ ذَكَاةٍ. وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اعْتَبَرَ الْكَثِيرَ لِلْفَاحِشِ (فَإِنْ انْتَضَحَ عَلَيْهِ الْبَوْلُ مِثْلُ رُءُوسِ الْإِبَرِ فَذَلِكَ لَيْسَ بِشَيْءٍ) أَيْ بِشَيْءٍ يُوجِبُ الْغَسْلَ عَلَى الْمُصَلِّي؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ لَا سِيَّمَا فِي مَهَبِّ الرِّيحِ. وَقَدْ سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ:

قَالَ (وَالنَّجَاسَةُ ضَرْبَانِ: مَرْئِيَّةٌ، وَغَيْرُ مَرْئِيَّةٍ فَمَا كَانَ مِنْهَا مَرْئِيًّا فَطَهَارَتُهُ زَوَالُ عَيْنِهَا) لِأَنَّ النَّجَاسَةَ حَلَّتْ الْمَحَلَّ بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ فَتَزُولُ بِزَوَالِهَا (إلَّا أَنْ يَبْقَى مِنْ أَثَرِهَا مَا تَشُقُّ إزَالَتُهُ) لِأَنَّ الْحَرَجَ مَدْفُوعٌ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْغَسْلُ بَعْدَ زَوَالِ الْعَيْنِ وَإِنْ زَالَ بِالْغَسْلِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَفِيهِ كَلَامٌ (وَمَا لَيْسَ بِمَرْئِيٍّ فَطَهَارَتُهُ أَنْ يُغْسَلَ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّ الْغَاسِلِ أَنَّهُ قَدْ طَهُرَ) لِأَنَّ التَّكْرَارَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِلِاسْتِخْرَاجِ، وَلَا يُقْطَعُ بِزَوَالِهِ فَاعْتُبِرَ غَالِبُ الظَّنِّ كَمَا فِي أَمْرِ الْقِبْلَةِ وَإِنَّمَا قَدَّرُوا بِالثَّلَاثِ لِأَنَّ غَالِبَ الظَّنِّ يَحْصُلُ عِنْدَهُ، فَأُقِيمَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ مَقَامَهُ تَيْسِيرًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَا أَرْجُو مِنْ عَفْوِ اللَّهِ أَوْسَعَ مِنْ هَذَا. وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيِّ، أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مِثْلُ رُءُوسِ الْإِبَرِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجَانِبَ الْآخَرَ مِنْ الْإِبَرِ مُعْتَبَرٌ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَشَايِخِ قَالُوا بَلْ لَا يُعْتَبَرُ الْجَانِبَانِ جَمِيعًا لِدَفْعِ الْحَرَجِ. قَالَ (وَالنَّجَاسَةُ ضَرْبَانِ: مَرْئِيَّةٌ، وَغَيْرُ مَرْئِيَّةٍ) الْحَصْرُ ضَرُورِيٌّ لِدَوَرَانِهِ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ بَعْدَ الْجَفَافِ إمَّا أَنْ تَكُونَ مُتَجَسِّدَةً كَالْغَائِطِ وَالدَّمِ أَوْ غَيْرَهُمَا كَالْبَوْلِ وَنَحْوِهِ، فَطَهَارَةُ الْأُولَى زَوَالُ عَيْنِهَا مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ عَدَدٍ فِيهِ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ حَلَّتْ الْمَحَلَّ بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ فَتَزُولُ بِزَوَالِهَا (وَقَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَبْقَى مِنْ أَثَرِهِ) كَلَوْنِهِ وَرَائِحَتِهِ (مَا تَشُقُّ إزَالَتُهُ) بِالِاحْتِيَاجِ فِي الْإِزَالَةِ إلَى غَيْرِ الْمَاءِ وَالصَّابُونِ وَالْأُشْنَانِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ، وَهُوَ اسْتِثْنَاءُ الْعَرْضِ مِنْ الْعَيْنِ وَهُوَ الْعَيْنُ فَيَكُونُ مُنْقَطِعًا، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ إزَالَةَ مِثْلِ ذَلِكَ حَرَجٌ وَهُوَ مَوْضُوعٌ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ عَيْنَهَا إذَا زَالَتْ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى غَسْلٍ بَعْدَهُ. وَقَوْلُهُ: (فِيهِ كَلَامٌ) أَيْ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ

وَيَتَأَيَّدُ ذَلِكَ بِحَدِيثِ الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ مَنَامِهِ، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ الْعَصْرِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقُولُ بَعْدَ زَوَالِ عَيْنِ النَّجَاسَةِ: تُغْسَلُ مَرَّتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِغَيْرِ مَرْئِيَّةٍ غُسِلَ مَرَّةً فَيُغْسَلُ مَرَّتَيْنِ، وَطَهَارَةُ الثَّانِيَةِ أَنْ يُغْسَلَ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّ الْغَاسِلِ أَنَّهُ قَدْ طَهُرَ وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (وَيَتَأَيَّدُ ذَلِكَ بِحَدِيثِ الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ مَنَامِهِ) فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَقَوْلُهُ: (فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) احْتِرَازٌ عَمَّا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ

لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَخْرَجُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا غَسَلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَعَصَرَ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ يَطْهُرُ، وَفِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَيْضًا أَنَّهُ يُكْتَفَى بِالْغَسْلِ مَرَّةً، وَهَذَا فِيمَا يَنْعَصِرُ بِالْعَصْرِ، أَمَّا فِي غَيْرِهِ كَالْحَصِيرِ مَثَلًا فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ: يُغْسَلُ ثَلَاثًا وَيُجَفَّفُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ فَيَطْهُرُ؛ لِأَنَّ لِلتَّجْفِيفِ أَثَرًا فِي اسْتِخْرَاجِ النَّجَاسَةِ فَيَقُومُ مَقَامَ الْعَصْرِ إذْ لَا طَرِيقَ سِوَاهُ وَالْحَرَجُ مَوْضُوعٌ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: لَا يَطْهُرُ أَبَدًا؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ بِالْعَصْرِ وَهُوَ مِمَّا لَا يَنْعَصِرُ.

[فصل في الاستنجاء]

(فَصْلٌ فِي الِاسْتِنْجَاءِ) : (الِاسْتِنْجَاءُ سُنَّةٌ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاظَبَ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الِاسْتِنْجَاءِ] ِ) قِيلَ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ الِاسْتِنْجَاءَ عِنْدَ ذِكْرِ سُنَنِ الْوُضُوءِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَقْوَى سُنَنِهِ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهَذَا الْوُضُوءِ الْوُضُوءَ عَنْ النَّوْمِ لَا عَنْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، وَالِاسْتِنْجَاءُ لِهَذَا الْوُضُوءِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَدَأَ بِالْوُضُوءِ عَنْ النَّوْمِ، هَكَذَا جَاءَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُمْ مِنْ مَضَاجِعِكُمْ إلَى الصَّلَاةِ وَأَقُولُ إنَّمَا ذَكَرَهُ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْعَيْنِيَّةِ فَذِكْرُهُ هَاهُنَا أَنْسَبُ، وَفِي الْمُغْرِبِ نَجَا وَأَنْجَى إذَا أَحْدَثَ، وَأَصْلُهُ مِنْ النَّجْوِ وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَتِرُ بِهَا لِوَقْتِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ، ثُمَّ قَالُوا اسْتَنْجَى: إذَا مَسَحَ مَوْضِعَ النَّجْوِ وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَطْنِ أَوْ غَسَلَهُ وَهُوَ (سُنَّةٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاظَبَ عَلَيْهِ)

(وَيَجُوزُ فِيهِ الْحَجَرُ وَمَا قَامَ مَقَامَهُ يَمْسَحُهُ حَتَّى يُنْقِيَهُ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْإِنْقَاءُ فَيُعْتَبَرُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ (وَلَيْسَ فِيهِ عَدَدٌ مَسْنُونٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا بُدَّ مِنْ الثَّلَاثِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ " وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، فَمَنْ فَعَلَ فَحَسَنٌ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ " ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُوَاظَبَةُ مَعَ التَّرْكِ دَلِيلُ السُّنِّيَّةِ. (وَيَجُوزُ بِالْحَجَرِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُ) مِنْ الْمَدَرِ وَاللِّبَدِ وَالْقُطْنِ وَغَيْرِهَا فِي التَّنْقِيَةِ، وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ (يَمْسَحَ الْمَوْضِعَ حَتَّى يُنَقِّيَهُ) ؛ لِأَنَّ الْإِنْقَاءَ هُوَ الْمَقْصُودُ فَيُعْتَبَرُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ (وَلَيْسَ فِيهِ عَدَدٌ مَسْنُونٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا بُدَّ مِنْ التَّثْلِيثِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ «وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ» ) أَمْرٌ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، فَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِ بِكَمِيَّةٍ مَعْلُومَةٍ (وَلَنَا مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، فَمَنْ فَعَلَ فَحَسَنٌ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ» ) وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْوُجُوبِ وَالْعَدَدِ

وَالْإِيتَارُ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ، وَمَا رَوَاهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ فَإِنَّهُ لَوْ اسْتَنْجَى بِحَجَرٍ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ. (وَغَسْلُهُ بِالْمَاءِ أَفْضَلُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة: 108] نَزَلَتْ فِي أَقْوَامٍ كَانُوا يُتْبِعُونَ الْحِجَارَةَ الْمَاءَ، ثُمَّ هُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ قَالَ فَلْيُوتِرْ (وَالْإِيتَارُ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ) وَقَالَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ، نَفْيُ الْحَرَجِ عَمَّنْ تَرَكَ الِاسْتِنْجَاءَ أَصْلًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُفْتَرَضُ (وَمَا رَوَاهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ فَإِنَّهُ لَوْ اسْتَنْجَى بِحَجَرٍ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ) فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ أَوْ يُحْمَلُ الْأَمْرُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ. (وَغَسْلُهُ بِالْمَاءِ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة: 108] نَزَلَتْ فِي أَقْوَامٍ كَانُوا يُتْبِعُونَ الْحِجَارَةَ الْمَاءَ) يَعْنِي أَهْلَ قُبَاءَ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ هُوَ) أَيْ غَسْلُهُ بِالْمَاءِ

أَدَبٌ. وَقِيلَ هُوَ سُنَّةٌ فِي زَمَانِنَا، وَيَسْتَعْمِلُ الْمَاءَ إلَى أَنْ يَقَعَ فِي غَالِبِ ظَنِّهِ أَنَّهُ قَدْ طَهُرَ، وَلَا يُقَدَّرُ بِالْمَرَّاتِ إلَّا إذَا كَانَ مُوَسْوِسًا فَيُقَدَّرُ بِالثَّلَاثِ فِي حَقِّهِ، وَقِيلَ بِالسَّبْعِ (وَلَوْ جَاوَزَتْ النَّجَاسَةُ مَخْرَجَهَا لَمْ يَجُزْ فِيهِ إلَّا الْمَاءُ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: إلَّا الْمَائِعُ، وَهَذَا يُحَقِّقُ اخْتِلَافَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي تَطْهِيرِ الْعُضْوِ لِغَيْرِ الْمَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَسْحَ غَيْرُ مُزِيلٍ إلَّا أَنَّهُ اكْتَفَى بِهِ فِي مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ فَلَا يَتَعَدَّاهُ، ثُمَّ يُعْتَبَرُ الْمِقْدَارُ الْمَائِعُ وَرَاءَ مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِسُقُوطِ اعْتِبَارِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعَ مَوْضِعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَدَبٌ) «؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ مَرَّةً وَيَتْرُكُهُ أُخْرَى» ، وَهَذَا حَدُّ الْأَدَبِ (وَقِيلَ هُوَ سُنَّةٌ فِي زَمَانِنَا) ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الزَّمَانِ الْأَوَّلِ كَانُوا يَبْعَرُونَ بَعْرًا وَأَهْلُ زَمَانِنَا يَثْلِطُونَ ثَلْطًا، هَكَذَا يُرْوَى عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ. وَقَوْلُهُ: (إلَّا إذَا كَانَ مُوَسْوِسًا) بِالْكَسْرِ، وَالْوَسْوَسَةُ حَدِيثُ النَّفْسِ، وَإِنَّمَا قِيلَ مُوَسْوِسٌ؛ لِأَنَّهُ يُحَدِّثُ بِمَا فِي ضَمِيرِهِ (فَيُقَدَّرُ بِالثَّلَاثِ فِي حَقِّهِ) كَمَا فِي غَيْرِ الْمَرْئِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْبَوْلَ غَيْرُ مَرْئِيٍّ، وَالْغَائِطُ وَإِنْ كَانَ مَرْئِيًّا لَكِنَّ الْمُسْتَنْجِيَ لَا يَرَاهُ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْبَوْلِ (وَقِيلَ بِالسَّبْعِ) اعْتِبَارًا بِالْحَدِيثِ الَّذِي وَرَدَ فِي وُلُوغِ الْكَلْبِ. وَقَوْلُهُ: (وَلَوْ جَاوَزَتْ النَّجَاسَةُ مَخْرَجَهَا) قِيلَ بِأَنْ يَتَلَطَّخَ نَفْسُهُ وَمَا حَوْلَهُ مِنْ مَوْضِعِ الشَّرَجِ (لَمْ يَجُزْ إلَّا الْمَاءُ) وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ: إلَّا الْمَائِعَ. وَقَوْلُهُ: (وَهَذَا) يَعْنِي قَوْلَهُ إلَّا الْمَاءَ وَإِلَّا الْمَائِعَ (يُحَقِّقُ اخْتِلَافَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي تَطْهِيرِ الْعُضْوِ بِغَيْرِ الْمَاءِ) يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُ إلَّا الْمَاءَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إزَالَةَ النَّجَسِ الْحَقِيقِيِّ عَنْ الْبَدَنِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْمَاءِ. وَقَوْلُهُ: إلَّا الْمَائِعَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إزَالَتَهُ تَجُوزُ بِالْمَائِعِ الَّذِي يُمْكِنُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِهِ. وَقَوْلُهُ: (عَلَى مَا بَيَّنَّا) أَيْ فِي أَوَّلِ بَابِ الْأَنْجَاسِ. وَقَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ الَّذِي قُلْنَا مِنْ اشْتِرَاطِ الْمَائِعِ (إذَا جَاوَزَتْ النَّجَاسَةُ مَخْرَجَهَا) لِمَا أَنَّ الْمَسْحَ غَيْرُ مُزِيلٍ إلَّا أَنَّهُ اكْتَفَى بِهِ فِي مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالضَّرُورَةِ، وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا فَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهَا فَلَا يَجُوزُ إلَّا الْمَاءُ أَوْ الْمَائِعُ. وَقَوْلُهُ: (ثُمَّ يُعْتَبَرُ الْمِقْدَارُ الْمَانِعُ) ظَاهِرٌ.

الِاسْتِنْجَاءِ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْمَوَاضِعِ (وَلَا يُسْتَنْجَى بِعَظْمٍ وَلَا بِرَوْثٍ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ ذَلِكَ، وَلَوْ فَعَلَ يُجْزِيهِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَمَعْنَى النَّهْيِ فِي الرَّوْثِ لِلنَّجَاسَةِ، وَفِي الْعَظْمِ كَوْنُهُ زَادَ الْجِنِّ. (وَلَا) يُسْتَنْجَى (بِطَعَامٍ) لِأَنَّهُ إضَاعَةٌ وَإِسْرَافٌ. (وَلَا بِيَمِينِهِ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: (اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْمَوَاضِعِ) يَعْنِي أَنَّ فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ قَدْرَ الدِّرْهَمِ عَفْوٌ، فَإِذَا زَادَ عَلَيْهِ يَكُونُ مَانِعًا فَكَذَا فِي مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ إلَخْ كِتَابُ الصَّلَاةِ: قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَجْهُ تَقْدِيمِ الصَّلَاةِ عَلَى سَائِرِ الْمَشْرُوعَاتِ بَعْدَ الْإِيمَانِ، وَهِيَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الدُّعَاءِ، وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَرْكَانِ الْمَعْهُودَةِ وَالْأَفْعَالِ الْمَخْصُوصَةِ، وَسُمِّيَتْ بِالصَّلَاةِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فَهِيَ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، وَسَبَبُ وُجُوبِهَا أَوْقَاتُهَا، وَالْأَمْرُ طَلَبُ أَدَاءِ مَا وَجَبَ فِي الذِّمَّةِ بِسَبَبِ الْوَقْتِ وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ ذَلِكَ فِي التَّقْرِيرِ. وَشَرَائِطُهَا الطَّهَارَةُ، وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ، وَالْوَقْتُ وَالنِّيَّةُ، وَتَكْبِيرَةُ

[كتاب الصلاة]

[كِتَابُ الصَّلَاةِ] [بَابُ الْمَوَاقِيتِ] بَابُ الْمَوَاقِيتِ (أَوَّلُ وَقْتِ الْفَجْرِ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ الثَّانِي وَهُوَ الْبَيَاضُ الْمُعْتَرِضُ فِي الْأُفُقِ، وَآخِرُ وَقْتِهَا مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ) لِحَدِيثِ «إمَامَةِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَإِنَّهُ أَمَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالِافْتِتَاحِ. فَإِنْ قُلْت: جَعَلْت الْوَقْتَ سَبَبًا فَكَيْفَ يَكُونُ شَرْطًا؟ قُلْت: هُوَ سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ وَشَرْطٌ لِلْأَدَاءِ. وَأَرْكَانُهَا: الْقِيَامُ، وَالْقِرَاءَةُ، وَالرُّكُوعُ، وَالسُّجُودُ، وَالْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ. وَحُكْمُهَا سُقُوطُ الْوَاجِبِ عَنْهُ بِالْأَدَاءِ فِي الدُّنْيَا وَنَيْلُ الثَّوَابِ الْمَوْعُودِ فِي الْآخِرَةِ، وَهِيَ فَرِيضَةٌ قَائِمَةٌ، وَشَرِيعَةٌ ثَابِتَةٌ عُرِفَتْ فَرْضِيَّتُهَا بِالْكِتَابِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: 43] وقَوْله تَعَالَى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى فَرْضِيَّتِهَا وَعَلَى كَوْنِهَا خَمْسًا؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِحِفْظِ جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ وَعَطَفَ عَلَيْهَا الصَّلَاةَ الْوُسْطَى، وَأَقَلُّ جَمْعٍ يُتَصَوَّرُ مَعَهُ وُسْطَى هُوَ الْأَرْبَعُ، وَبِالسُّنَّةِ وَهُوَ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَمْسَ صَلَوَاتٍ» وَهُوَ مِنْ الْمَشَاهِيرِ، وَبِالْإِجْمَاعِ فَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا عَلَى فَرْضِيَّتِهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرِ مُنْكِرٍ وَلَا رَدِّ رَادٍّ، فَمَنْ أَنْكَرَ شَرْعِيَّتَهَا كَفَرَ بِلَا خِلَافٍ. بَابُ الْمَوَاقِيتِ: الْمَوَاقِيتُ جَمْعُ مِيقَاتٍ، وَالْمِيقَاتُ مَا وُقِّتَ بِهِ: أَيْ حُدِّدَ مِنْ زَمَانٍ كَمَوَاقِيتِ الصَّلَوَاتِ أَوْ مَكَان كَمَوَاقِيتِ الْإِحْرَامِ، وَإِنَّمَا ابْتَدَأَ بِبَيَانِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ وَشَرْطٌ لِلْأَدَاءِ فَكَانَ لَهُ جِهَتَانِ فِي التَّقْدِيمِ، وَقُدِّمَ مِنْ بَيْنِهَا وَقْتُ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ. وَلِأَنَّ صَلَاةَ الْفَجْرِ أَوَّلُ مَنْ صَلَّاهَا آدَم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِينَ أُهْبِطَ مِنْ الْجَنَّةِ وَأَظْلَمَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا وَجَنَّ اللَّيْلُ وَلَمْ يَكُنْ يَرَى قَبْلَ ذَلِكَ فَخَافَ خَوْفًا شَدِيدًا، فَلَمَّا انْشَقَّ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى: الرَّكْعَةُ الْأُولَى لِلنَّجَاةِ مِنْ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ، وَالثَّانِيَةُ شُكْرًا لِرُجُوعِ ضَوْءِ النَّهَارِ، فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبُ كَوْنِهَا رَكْعَتَيْنِ وَفُرِضَتْ عَلَيْنَا، فَلَمَّا كَانَتْ أَوَّلَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا الْإِنْسِيُّ قَدَّمَهَا فِي الذِّكْرِ، وَأَوَّلُ وَقْتِهَا إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ الثَّانِي: أَيْ الْفَجْرُ الصَّادِقُ وَهُوَ الْبَيَاضُ الْمُعْتَرِضُ فِي الْأُفُقِ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْفَجْرِ الْكَاذِبِ وَهُوَ الْبَيَاضُ الَّذِي يَبْدُو فِي السَّمَاءِ، وَيَعْقُبُهُ ظَلَامٌ وَتُسَمِّيهِ الْعَرَبُ ذَنَبُ السِّرْحَانِ (وَآخِرُ وَقْتِهَا مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ)

وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ أَسْفَرَ جِدًّا وَكَادَتْ الشَّمْسُ تَطْلُعُ» ، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ وَقْتٌ لَك ـــــــــــــــــــــــــــــQقِيلَ هَذَا مِنْ قَبِيلِ إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ " مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ " يَتَنَاوَلُ مِنْ وَقْتِ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ بَلْ الْمُرَادُ جُزْءٌ قُبَيْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ جَمِيعِ الْوَقْتِ، وَحَدِيثُ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هُوَ مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَمَّنِي جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ وَصَلَّى بِي الظُّهْرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ وَصَارَ الْفَيْءُ مِثْلَ الشِّرَاكِ، وَصَلَّى بِي الْعَصْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ وَصَلَّى بِي الْمَغْرِبَ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ وَصَلَّى بِي الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، وَصَلَّى بِي الْفَجْرَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، وَصَلَّى بِي الظُّهْرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ وَصَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، وَصَلَّى بِي الْعَصْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، وَصَلَّى بِي الْمَغْرِبَ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ لِوَقْتِهِ بِالْأَمْسِ، وَصَلَّى بِي الْعِشَاءَ حِينَ مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ أَوْ قَالَ نِصْفُ اللَّيْلِ، وَصَلَّى بِي الْفَجْرَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ وَأَسْفَرَ وَكَادَتْ الشَّمْسُ أَنْ تَطْلُعَ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ هَذَا وَقْتُك وَوَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِك، وَالْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ» وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ قَوْلَهُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ يَقْتَضِي أَلَّا يَكُونَ الْأَوَّلُ وَالْآخَرُ وَقْتًا وَذَلِكَ خِلَافُ الْمَطْلُوبِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْ اقْتَضَى ذَلِكَ كَانَتْ الصَّلَاةُ فِيهِمَا وَاقِعَةً فِي غَيْرِ الْوَقْتِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَعْلِيمًا لِلْوَقْتِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ لَيْسَ الْوَقْتُ مُنْحَصِرًا فِيهِمَا بَلْ مَا فَعَلْنَاهُ بَيَانٌ لِلْحَاضِرَيْنِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَقْتٌ أَيْضًا فَكَانَ الْفِعْلُ

وَلِأُمَّتِك. وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْفَجْرِ الْكَاذِبِ وَهُوَ الْبَيَاضُ الَّذِي يَبْدُو طُولًا ثُمَّ يَعْقُبُهُ الظَّلَامُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَغُرَّنَّكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ وَلَا الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيلُ، وَإِنَّمَا الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيرُ فِي الْأُفُقِ» أَيْ الْمُنْتَشِرُ فِيهِ. (وَأَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ) لِإِمَامَةِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ (وَآخِرُ وَقْتِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ سِوَى فَيْءِ الزَّوَالِ وَقَالَا: إذَا صَارَ الظِّلُّ مِثْلَهُ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفَيْءُ الزَّوَالِ هُوَ الْفَيْءُ الَّذِي يَكُونُ لِلْأَشْيَاءِ وَقْتَ الزَّوَالِ. لَهُمَا إمَامَةُ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيَانًا لِلطَّرَفَيْنِ، وَالْقَوْلُ لِمَا بَيْنَهُمَا. وَقَوْلُهُ: (وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْفَجْرِ الْكَاذِبِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ) قِيلَ أَصَحُّ مَا قِيلَ فِي مَعْرِفَةِ الزَّوَالِ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ شُجَاعٍ أَنَّهُ يُغْرَزُ خَشَبَةٌ فِي مَكَان مُسْتَوٍ وَيُجْعَلُ عَلَى مَبْلَغِ الظِّلِّ مِنْهُ عَلَامَةٌ فَمَا دَامَ الظِّلُّ يَنْقُصُ مِنْ الْخَطِّ فَهُوَ قَبْلَ الزَّوَالِ، فَإِذَا وَقَفَ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ فَهُوَ سَاعَةُ الزَّوَالِ الَّتِي هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ فَيْءِ الزَّوَالِ، فَإِذَا أَخَذَ الظِّلُّ فِي الزِّيَادَةِ فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ زَالَتْ: كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَفِي الْمُحِيطِ، وَإِذَا أَخَذَ الظِّلُّ فِي الزِّيَادَةِ فَالشَّمْسُ قَدْ زَالَتْ فَخَطٌّ عَلَى رَأْسِ مَوْضِعِ الزِّيَادَةِ فَيَكُونُ مِنْ رَأْسِ الْخَطِّ إلَى الْعُودِ فَيْءُ الزَّوَالِ فَإِذَا صَارَ ظِلُّ الْعُودِ مِثْلَيْهِ مِنْ رَأْسِ الْخَطِّ لَا مِنْ الْعُودِ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، ثُمَّ هُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ وَالْأَوْقَاتِ حَتَّى قِيلَ إنَّهُ فِي أَطْوَلِ أَيَّامِ السَّنَةِ لَا يَبْقَى بِمَكَّةَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ظِلٌّ عَلَى الْأَرْضِ، وَكَذَا بِالْمَدِينَةِ تَأْخُذُ الشَّمْسُ الْحِيطَانَ الْأَرْبَعَةَ، وَذَلِكَ الْفَيْءُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي التَّقْدِيرِ بِالظِّلِّ بَلْ الْمُعْتَبَرُ مَا سِوَاهُ. وَقَوْلُهُ: (وَآخِرُ وَقْتِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ) اعْلَمْ أَنَّ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اخْتَلَفَتْ فِي آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ، رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْهُ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ سِوَى فَيْءِ الزَّوَالِ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَدَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْهُ: إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ سِوَى فَيْءِ الزَّوَالِ خَرَجَ وَقْتُ الطُّهْرِ وَدَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ، وَبِهِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَرَوَى أَسَدُ بْنُ عَمْرٍو وَعَلِيُّ بْنُ جَعْدٍ عَنْهُ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ سَوَاءٌ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَلَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ الْعَصْرِ حَتَّى يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَقْتٌ مُهْمَلٌ كَمَا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْفَجْرِ. قَالَ الْكَرْخِيُّ: وَهَذِهِ أَعْجَبُ الرِّوَايَاتِ إلَيَّ لِمُوَافَقَتِهَا لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ. وَقَوْلُهُ: آخِرُ الْوَقْتِ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ فِيهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ آخِرَ الشَّيْءِ مِنْهُ، وَإِذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ عِنْدَهُ، وَكَذَا إذَا صَارَ مِثْلَهُ عِنْدَهُمَا، أَلَا تَرَى إلَى مَا فِي الْمَنْظُومَةِ: فَالْعَصْرُ حِينَ الْمَرْءُ يَلْقَى ظِلَّهُ ... قَدْ صَارَ مِثْلَيْهِ وَقَالَا مِثْلَهُ وَتَأْوِيلُهُ آخِرَ الْوَقْتِ الَّذِي يَتَحَقَّقُ عِنْدَهُ خُرُوجُ الظُّهْرِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِيمَا بَعْدُ بِخُطُوطٍ: وَآخِرُ وَقْتِ الْمَغْرِبِ حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ بِغَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ يَتَحَقَّقُ الْخُرُوجُ. وَقَوْلُهُ: (لَهُمَا إمَامَةُ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) اخْتَلَفَ نُسَخُ

فِي هَذَا الْوَقْتِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» وَأَشَدُّ الْحَرِّ فِي دِيَارِهِمْ فِي هَذَا الْوَقْتِ، وَإِذَا تَعَارَضَتْ الْآثَارُ لَا يَنْقَضِي الْوَقْتُ بِالشَّكِّ. (وَأَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ إذَا خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَآخِرُ وَقْتِهَا مَا لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْهِدَايَةِ فِيهِ، فَفِي بَعْضِهَا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ: أَيْ إمَامَتُهُ لِلْعَصْرِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فِي هَذَا الْوَقْتِ، وَفِي بَعْضِهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي: أَيْ إمَامَتُهُ لِلظُّهْرِ، وَفِي بَعْضِهَا إمَامَتُهُ لِلْعَصْرِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فِي هَذَا الْوَقْتِ: أَيْ الْوَقْتِ الَّذِي جَعَلَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَقْتَ الظُّهْرِ وَهُوَ مَا إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: (وَلَهُ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) أَيْ مَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ «أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» أَيْ اُدْخُلُوا الصَّلَاةَ فِي الْبَرْدِ: يَعْنِي صَلُّوهَا إذَا سَكَنَتْ شِدَّةُ الْحَرِّ. وَقَوْلُهُ: (مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ) أَيْ شِدَّةِ حَرِّهَا (وَأَشَدُّ الْحَرِّ فِي دِيَارِهِمْ) كَانَ (فِي هَذَا الْوَقْتِ) يَعْنِي إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، وَهَذَا مُعَارَضٌ بِحَدِيثِ إمَامَةِ جِبْرِيلَ؛ لِأَنَّ إمَامَتَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّل فِيمَا إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ دَلَّتْ عَلَى خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ، وَالْأَمْرُ بِالْإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ دَلَّ عَلَى عَدَمِ خُرُوجِهِ؛ لِأَنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ فِي دِيَارِهِمْ كَانَ فِي هَذَا الْوَقْتِ (وَإِذَا تَعَارَضَتْ الْآثَارُ لَا يَنْقَضِي الْوَقْتُ) الثَّابِتُ بِيَقِينٍ (بِالشَّكِّ) قِيلَ أَوَّلُ مَنْ صَلَّى بَعْدَ الزَّوَالِ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِينَ أُمِرَ بِذَبْحِ الْوَلَدِ صَلَّى أَرْبَعًا الْأُولَى شُكْرًا لِذَهَابِ غَمِّ الْوَلَدِ، وَالثَّانِيَةَ شُكْرًا لِنُزُولِ الْفِدَاءِ، وَالثَّالِثَةَ لِرِضَا اللَّهِ تَعَالَى حِينَ نُودِيَ {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات: 105] وَالرَّابِعَةَ لِصَبْرِ وَلَدِهِ عَلَى مَضَرَّةِ الذَّبْحِ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ تَطَوُّعًا وَقَدْ فُرِضَ عَلَيْنَا. وَقَوْلُهُ: (وَأَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ إذَا خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ) أَيْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْهُ وَقَوْلِ صَاحِبَيْهِ، فَعِنْدَهُ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ سِوَى فَيْءِ الزَّوَالِ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ، وَعِنْدَهُمَا إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ. (وَآخِرُ وَقْتِهَا وَقْتُ غُرُوبِ الشَّمْسِ لِقَوْلِهِ

لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَهَا» . (وَأَوَّلُ وَقْتِ الْمَغْرِبِ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَآخِرُ وَقْتِهَا مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مِقْدَارُ مَا يُصَلَّى فِيهِ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ لِأَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَّ فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَوَّلُ وَقْتِ الْمَغْرِبِ حِينَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ وَآخِرُ وَقْتِهَا حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ» وَمَا رَوَاهُ كَانَ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الْكَرَاهَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَهَا» ) ذَكَرَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، قِيلَ وَأَوَّلُ مَنْ صَلَّى الْعَصْرَ يُونُسُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِينَ أَنْجَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَرْبَعِ ظُلُمَاتٍ وَقْتَ الْعَصْرِ: ظُلْمَةِ الزَّلَّةِ، وَظُلْمَةِ اللَّيْلِ. وَظُلْمَةِ الْمَاءِ. وَظُلْمَةِ بَطْنِ الْحُوتِ، فَصَلَّاهَا شُكْرًا تَطَوُّعًا وَأُمِرْنَا بِهَا. (وَأَوَّلُ وَقْتِ الْمَغْرِبِ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَآخِرُ وَقْتِهَا مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقْتُ الْمَغْرِبِ مِقْدَارُ مَا يُصَلَّى فِيهِ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ) وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْهِ: قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَمْتَدُّ إلَى غُرُوبِ الشَّفَقِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالثَّانِي إذَا مَضَى بَعْدَ الْغُرُوبِ وَقْتُ وُضُوءٍ وَأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَقَدْرِ خَمْسِ رَكَعَاتٍ فَقَدْ انْقَضَى الْوَقْتُ وَقَالَ فِي الْحِلْيَةِ: قَدْرُ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ. وَعَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ جِهَتِهِ لَيْسَ بِكَافٍ، وَاسْتَدَلَّ بِإِمَامَةِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ لَوْ كَانَ مُمْتَدًّا لَمْ يَؤُمَّ جِبْرِيلُ فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَآخِرَهُ (وَلَنَا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَوَّلُ الْمَغْرِبِ حِينَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ وَآخِرُهُ حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ» وَمَا رَوَاهُ) مِنْ إمَامَةِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ (كَانَ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الْكَرَاهَةِ) ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ

(ثُمَّ) الشَّفَقُ هُوَ الْبَيَاضُ الَّذِي فِي الْأُفُقِ بَعْدَ الْحُمْرَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: هُوَ الْحُمْرَةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ» وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَآخِرُ وَقْتِ الْمَغْرِبِ إذَا اسْوَدَّ الْأُفُقُ» وَمَا رَوَاهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ذَكَرَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمُوَطَّأِ، وَفِيهِ اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ. (وَأَوَّلُ وَقْتِ الْعِشَاءِ إذَا غَابَ الشَّفَقُ، وَآخِرُ وَقْتِهَا مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ الثَّانِي) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَآخِرُ وَقْتِ الْعِشَاءِ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَغْرِبِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ مَكْرُوهٌ (ثُمَّ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي (الشَّفَقِ) فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ (هُوَ الْبَيَاضُ فِي الْأُفُقِ بَعْدَ الْحُمْرَةِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَمُعَاذٍ وَأَنَسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ (وَقَالَا: هُوَ الْحُمْرَةُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ) رَوَاهُ عَنْهُ أَسَدُ بْنُ عَمْرٍو وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَشَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشَّفَقُ هُوَ الْحُمْرَةُ» (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ) مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «وَآخِرُ وَقْتِ الْمَغْرِبِ إذَا اسْوَدَّ الْأُفُقُ» ) وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ زَوَالِ الْبَيَاضِ (وَمَا رَوَاهُ) يَعْنِي قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشَّفَقُ هُوَ الْحُمْرَةُ» (مَوْقُوفٌ) عَلَى ابْنِ عُمَرَ ذَكَرَهُ فِي الْمُوَطَّإِ وَالْمَوْقُوفُ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً (وَفِيهِ) أَيْ فِي الشَّفَقِ (اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ) كَمَا ذَكَرْنَاهُ، قِيلَ مَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّ التَّمَسُّكَ بِالْحَدِيثِ فِيمَا اخْتَلَفَ فِيهِ الصَّحَابَةُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ عَدَمَ التَّمَسُّكِ بِهِ أَوْ عَدَمَ الْقَبُولِ دَلِيلُ انْقِطَاعِهِ فَكَيْفَ يَجُوزُ التَّمَسُّكُ فِي ذَلِكَ بِالْمَوْقُوفِ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ. قِيلَ وَأَوَّلُ مَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ شُكْرًا تَطَوُّعًا عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِينَ خَاطَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي} [المائدة: 116] الْآيَةَ، وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَالْأُولَى لِنَفْيِ الْأُلُوهِيَّةِ عَنْ نَفْسِهِ، وَالثَّانِيَةُ لِنَفْيِهَا عَنْ وَالِدَتِهِ، وَالثَّالِثَةُ لِإِثْبَاتِهَا لِلَّهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ. (وَأَوَّلُ وَقْتِ الْعِشَاءِ إذَا غَابَ الشَّفَقُ وَآخِرُ وَقْتِهَا مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ) لِمَا

وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَقْدِيرِهِ بِذَهَابِ ثُلُثِ اللَّيْلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَآخِرُ وَقْتِ الْعِشَاءِ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ» قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي تَقْدِيرِهِ بِذَهَابِ ثُلُثِ اللَّيْلِ) . وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى قِيَامِ الْوَقْتِ إلَى الْفَجْرِ، وَحَدِيثُ إمَامَةِ جِبْرِيلَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ آخِرَ الْوَقْتِ هُوَ ثُلُثُ اللَّيْلِ فَتَعَارَضَا، وَإِذَا تَعَارَضَتْ الْآثَارُ لَا يَنْقَضِي الْوَقْتُ الثَّابِتُ يَقِينًا بِالشَّكِّ كَمَا تَقَدَّمَ، أَوْ نَقُولُ إمَامَةُ جِبْرِيلَ لَمْ تَكُنْ لِنَفْيِ مَا وَرَاءَ وَقْتِ الْإِمَامَةِ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ، بَلْ لِإِثْبَاتِ مَا كَانَ فِيهِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَّ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ أَسْفَرَ وَالْوَقْتُ يَبْقَى بَعْدَهُ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ لِلنَّفْيِ بَقِيَ مَا رَوَيْنَا سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ فَيَكُونُ حُجَّةً. قِيلَ وَأَوَّلُ مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِينَ خَرَجَ مِنْ مَدْيَنَ وَضَلَّ الطَّرِيقَ، وَكَانَ فِي غَمِّ الْمَرْأَةِ وَغَمِّ أَخِيهِ هَارُونَ وَغَمِّ عَدُوِّهِ فِرْعَوْنَ وَغَمِّ أَوْلَادِهِ، فَلَمَّا نَجَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَنُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي صَلِّ أَرْبَعًا تَطَوُّعًا وَأُمِرْنَا بِذَلِكَ. وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الَّتِي ذَكَرْتهَا عَقِيبَ كُلِّ صَلَاةٍ وَجَدْتهَا فِي شَرْحِ شَيْخِي الْعَلَّامَةِ قِوَامِ الدِّينِ الْكَاكِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنْقُولَةً عَنْ أَبِي الْفَضْلِ مَعَ زِيَادَاتٍ فَنَقَلْتهَا

(وَأَوَّلُ وَقْتِ الْوَتْرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَآخِرُهُ مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْوَتْرِ «فَصَلُّوهَا مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ» قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَذَا عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقْتُهُ وَقْتُ الْعِشَاءِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّذَكُّرِ لِلتَّرْتِيبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمُخْتَصَرَةً. (وَأَوَّلُ وَقْتِ الْوِتْرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَآخِرُهُ مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ عِنْدَهُمَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَصَلُّوهَا مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ» وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقْتُهُ وَقْتُ الْعِشَاءِ) ؛ لِأَنَّ الْوِتْرَ عِنْدَهُ فَرْضٌ عَمَلًا، وَالْوَقْتُ إذَا جَمَعَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ وَاجِبَتَيْنِ كَانَ وَقْتًا لَهُمَا جَمِيعًا كَالْفَائِتَةِ وَالْوَقْتِيَّةِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ وَقْتُ الْوِتْرِ وَقْتَ الْعِشَاءِ لَجَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْعِشَاءِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (إلَّا أَنَّهُ لَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّذَكُّرِ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ نَاسِيًا (لِلتَّرْتِيبِ) وَعَلَى هَذَا إذَا أَوْتَرَ قَبْلَ الْعِشَاءِ مُتَعَمِّدًا أَعَادَ الْوِتْرَ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ أَوْتَرَ نَاسِيًا لِلْعِشَاءِ ثُمَّ تَذَكَّرَ لَا يُعِيدُهُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ النِّسْيَانَ يُسْقِطُ التَّرْتِيبَ وَيُعِيدُهُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ سُنَّةُ الْعِشَاءِ كَرَكْعَتَيْ الْعِشَاءِ، فَلَوْ قَدَّمَ الرَّكْعَتَيْنِ عَلَى الْعِشَاءِ لَمْ يَجُزْ عَامِدًا كَانَ أَوْ نَاسِيًا فَكَذَلِكَ الْوِتْرُ.

[فصل يستحب الإسفار بالفجر]

(فَصْلٌ) (وَيُسْتَحَبُّ الْإِسْفَارُ بِالْفَجْرِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ» وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُسْتَحَبُّ التَّعْجِيلُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ الْإِسْفَارُ بِالْفَجْرِ] فَصْلٌ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ مُطْلَقِ الْأَوْقَاتِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْكَامِلِ مِنْهَا وَالنَّاقِصِ، وَجَعَلَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَصْلًا عَلَى حِدَةٍ، وَقَدَّمَ الْأَوْقَاتَ الْمُسْتَحَبَّةَ عَلَى الْمَكْرُوهَةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ: (وَيُسْتَحَبُّ الْإِسْفَارُ بِالْفَجْرِ) أَسْفَرَ الصُّبْحُ إذَا أَضَاءَ وَمِنْهُ أَسْفَرَ بِالصَّلَاةِ إذَا صَلَّاهَا بِالْإِسْفَارِ، وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ. وَقَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ الْإِسْفَارُ بِإِطْلَاقِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبُدَاءَةَ وَالْخَتْمَ بِالْإِسْفَارِ هُوَ الْمُسْتَحَبُّ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: يُبْدَأُ بِالتَّغْلِيسِ وَيُخْتَمُ بِالْإِسْفَارِ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِتَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ. وَوَجْهُ الظَّاهِرِ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ» وَحَدُّ الْإِسْفَارِ أَنْ يُبْدَأَ بِالصَّلَاةِ بَعْدَ انْتِشَارِ الْبَيَاضِ بِقِرَاءَةٍ مَسْنُونَةٍ، فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ حَاجَةٌ إلَى الْوُضُوءِ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَمْكَنَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ أَوْ يُصَلِّيَ الْفَجْرَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُسْتَحَبُّ التَّعْجِيلُ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْأَدَاءُ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ (فِي كُلِّ صَلَاةٍ) وَاسْتَدَلَّ بِمَا قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَتْ النِّسَاءُ يَنْصَرِفْنَ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُنَّ مُتَلَفِّعَاتٌ بِمُرُوطِهِنَّ مَا يُعْرَفْنَ مِنْ شِدَّةِ الْغَلَسِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَاهُ) يَعْنِي مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ

وَمَا نَرْوِيهِ. قَالَ (وَالْإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ فِي الصَّيْفِ وَتَقْدِيمُهُ فِي الشِّتَاءِ) لِمَا رَوَيْنَا وَلِرِوَايَةِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا كَانَ فِي الشِّتَاءِ بَكَّرَ بِالظُّهْرِ، وَإِذَا كَانَ فِي الصَّيْفِ أَبْرَدَ بِهَا» (وَتَأْخِيرُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ الشَّمْسُ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْثِيرِ النَّوَافِلِ لِكَرَاهَتِهَا بَعْدَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَهُوَ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ» الْحَدِيثَ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِذَلِكَ وَأَقَلُّهُ النَّدْبُ وَمَا رَوَاهُ حِكَايَةُ فِعْلٍ لَا تُعَادِلُ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَوْلُهُ: (وَمَا نَرْوِيهِ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ «وَإِذَا كَانَ فِي الصَّيْفِ أَبْرَدَ بِهَا» وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي التَّعْجِيلَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ، فَإِذَا ثَبَتَ التَّأْخِيرُ فِي الْبَعْضِ كَانَ حُجَّةً عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: (وَالْإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ الْإِسْفَارُ بِالْفَجْرِ. وَقَوْلُهُ: (لِمَا رَوَيْنَا) يَعْنِي مَا رَوَى قَبْلَ هَذَا الْفَصْلِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ» الْحَدِيثَ. وَقَوْلُهُ: لِمَا رَوَيْنَا مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَالْإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ. وَقَوْلُهُ: (وَلِرِوَايَةِ أَنَسٍ قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا كَانَ فِي الشِّتَاءِ بَكَّرَ بِالظُّهْرِ، وَإِذَا كَانَ فِي الصَّيْفِ أَبْرَدَ بِهَا» ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا (وَتَأْخِيرُ الْعَصْرِ فِي الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ مَا لَمْ تَتَغَيَّرُ الشَّمْسُ لِمَا فِي التَّأْخِيرِ مِنْ تَكْثِيرِ النَّوَافِلِ لِكَرَاهَتِهَا بَعْدَ الْعَصْرِ)

وَالْمُعْتَبَرُ تَغَيُّرُ الْقُرْصِ وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ بِحَالٍ لَا تَحَارُ فِيهِ الْأَعْيُنُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَالتَّأْخِيرُ إلَيْهِ مَكْرُوهٌ. (وَ) يُسْتَحَبُّ (تَعْجِيلُ الْمَغْرِبِ) لِأَنَّ تَأْخِيرَهَا مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْيَهُودِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِهَذَا كَانَ تَعْجِيلُ الْمَغْرِبِ أَفْضَلَ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ النَّافِلَةِ قَبْلَهَا مَكْرُوهٌ، وَتَكْثِيرُ النَّوَافِلِ أَفْضَلُ مِنْ الْمُبَادَرَةِ إلَى الْأَدَاءِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ (وَالْمُعْتَبَرُ تَغَيُّرُ الْقُرْصِ وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ بِحَالٍ لَا تَحَارُ فِيهِ الْأَعْيَنُ) أَيْ يَذْهَبُ الضَّوْءُ فَلَا يَحْصُلُ لِلْبَصَرِ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ حَيْرَةٌ. وَقَوْلُهُ: (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ سُفْيَانَ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ إنَّ الْمُعْتَبَرَ تَغَيُّرُ الضَّوْءِ الَّذِي يَقَعُ عَلَى الْجُدْرَانِ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: أَخَذْنَا بِقَوْلِ الشَّعْبِيِّ وَهُوَ تَغَيُّرُ الْقُرْصِ؛ لِأَنَّ تَغَيُّرَ الضَّوْءِ يَحْصُلُ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَعَمَّا فَسَّرَ تَغَيُّرَ الْقُرْصِ بِهِ وَهُوَ مَا قِيلَ إذَا قَامَتْ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ قَدْرَ رُمْحٍ لَمْ تَتَغَيَّرْ، وَإِذَا كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ تَغَيَّرَتْ، وَمَا قِيلَ يُوضَعُ طَشْتُ مَاءٍ فِي الصَّحْرَاءِ وَيُنْظَرُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْقُرْصُ يَبْدُو لِلنَّاظِرِ فَقَدْ تَغَيَّرَتْ، وَكَانَ قَوْلُهُ: هُوَ الصَّحِيحُ لِبَيَانِ أَنَّ تَغَيُّرَ الْقُرْصِ بِهَذَا التَّفْسِيرِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَتَغَيُّرَ الضَّوْءِ وَتَغَيُّرَ الْقُرْصِ بِالتَّفْسِيرَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ (وَالتَّأْخِيرُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى هَذَا الْوَقْتِ (مَكْرُوهٌ) قَالُوا: وَأَمَّا الْفِعْلُ فَغَيْرُ مَكْرُوهٍ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْفِعْلِ وَلَا يَسْتَقِيمُ إثْبَاتُ الْكَرَاهَةِ لِلشَّيْءِ مَعَ الْأَمْرِ بِهِ. (وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ الْمَغْرِبِ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَهَا مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْيَهُودِ) وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا يَكُونُ تَأْخِيرُهَا مَكْرُوهًا لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ تَعْجِيلُهَا مُسْتَحَبًّا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا، أَلَا تَرَى أَنَّ تَأْخِيرَ الْعِشَاءِ إلَى النِّصْفِ الْأَخِيرِ مَكْرُوهٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِهِ الِاسْتِحْبَابُ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ

وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْمَغْرِبَ وَأَخَّرُوا الْعِشَاءَ» . قَالَ (وَتَأْخِيرُ الْعِشَاءِ إلَى مَا قَبْلَ ثُلُثِ اللَّيْلِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمُبَاحٌ عَلَى مَا سَيَجِيءُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّأْخِيرَ مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْيَهُودِ وَمَا فِيهِ التَّشَبُّهُ بِالْيَهُودِ فَتَرْكُهُ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ فِيهِ قَدْ تُفْضِي إلَى الْمُسَامَحَةِ، وَمَا ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهِ فِي جَوَابِ هَذَا السُّؤَالِ مَبْنِيًّا عَلَى أَمْرِ الضِّدَّيْنِ أَوْ النَّقِيضَيْنِ لَا يَتَمَشَّى فَلْيُتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْمَغْرِبَ وَأَخَّرُوا الْعِشَاءَ» ) دَلِيلٌ مَنْقُولٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَعْجِيلِ الْمَغْرِبِ، وَمَعْنَاهُ لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مُدَّةَ تَعْجِيلِهِمْ الْمَغْرِبَ. وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ أَنَّ الشَّرْعَ رَتَّبَ اسْتِمْرَارَ الْخَيْرِ عَلَى تَعْجِيلِ الْمَغْرِبِ، وَالْمُبَاحُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى فِعْلِهِ خَيْرٌ شَرْعِيٌّ. وَاعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي تَأْخِيرِ الْحَدِيثِ عَنْ الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ فَكُرِهَ الْفَصْلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدْلُولِ بِدَلِيلٍ عَقْلِيٍّ وَلَيْسَ بِطَائِلٍ. فَإِنْ قُلْت: رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ سُورَةَ الْأَعْرَافِ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّأْخِيرَ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّ كَلَامَنَا فِيمَا إذَا أَخَّرَ إلَى وَقْتِ الْكَرَاهَةِ ثُمَّ شَرَعَ، وَاَلَّذِي فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مِنْ بَابِ الْمَدِّ، وَالْمَدُّ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ إلَى آخِرِهِ مَعْفُوٌّ، وَبِهِ بَطَلَ اسْتِدْلَالُ عِيسَى بْنِ أَبَانَ عَلَى جَوَازِ التَّأْخِيرِ. (وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الْعِشَاءِ إلَى مَا قَبْلَ ثُلُثِ اللَّيْلِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَخَّرْت الْعِشَاءَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ» وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ

لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَخَّرْت الْعِشَاءَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ» وَلِأَنَّ فِيهِ قَطْعَ السَّمَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بَعْدَهُ، وَقِيلَ فِي الصَّيْفِ تُعَجَّلُ كَيْ لَا تَتَقَلَّلَ الْجَمَاعَةُ، وَالتَّأْخِيرُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ مُبَاحٌ لِأَنَّ دَلِيلَ الْكَرَاهَةِ وَهُوَ تَقْلِيلُ الْجَمَاعَةِ عَارَضَهُ دَلِيلُ النَّدْبِ وَهُوَ قَطْعُ السَّمَرِ بِوَاحِدَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتهمْ بِالسِّوَاكِ» فَإِنَّهُمَا عَلَى نَهْجٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ أَثْبَتَ السُّنَّةَ وَهَذَا أَثْبَتَ الِاسْتِحْبَابَ. وَأُجِيبَ بِأَنَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُمَا عَلَى نَهْجٍ وَاحِدٍ، بَلْ فِي حَدِيثِ السِّوَاكِ يَنْتَفِي الْأَمْرُ بِمَانِعِ الْمَشَقَّةِ، فَإِذَا انْتَفَى الْأَمْرُ بِهِ وَكَانَ مُقْتَضَاهُ الْوُجُوبُ ثَبَتَ مَا دُونَ الْوُجُوبِ وَهُوَ السُّنَّةُ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ الْمُنْتَفِي لِلْمَانِعِ هُوَ التَّأْخِيرُ، وَنَفْسُ التَّأْخِيرِ لَمْ يَكُنْ لِلْوُجُوبِ بَلْ لِلنَّدَبِ وَالِاسْتِحْبَابِ (وَلِأَنَّ فِيهِ) أَيْ فِي التَّأْخِيرِ (قَطْعَ السَّمَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بَعْدَهُ) وَالسَّمَرُ حَدِيثٌ لِأَجْلِ الْمُؤَانَسَةِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا سَمَرَ بَعْدَ الْعِشَاءِ» وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنْ يَكُونَ اخْتِتَامُ الصَّحِيفَةِ بِالْعِبَادَةِ كَمَا جُعِلَ ابْتِدَاءُ الصَّحِيفَةِ بِهَا لِيُمْحَى مَا حَصَلَ بَيْنَهُمَا مِنْ الزَّلَّاتِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] . قَوْلُهُ: (وَقِيلَ فِي الصَّيْفِ تُعَجَّلُ) يَعْنِي يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الْعِشَاءِ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ شِتَاءً وَصَيْفًا. وَقِيلَ فِي الصَّيْفِ تُعَجَّلُ (كَيْ لَا تَتَقَلَّلَ الْجَمَاعَةُ وَالتَّأْخِيرُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ مُبَاحٌ) يَعْنِي فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: فِي الشِّتَاءِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ فِي الصَّيْفِ مَكْرُوهًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الْإِبَاحَةِ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الْكَرَاهَةِ وَهُوَ تَقْلِيلُ الْجَمَاعَةِ عَارَضَهُ دَلِيلُ النَّدْبِ وَهُوَ قَطْعُ السَّمَرِ بِوَاحِدَةٍ: أَيْ بِالْكُلِّيَّةِ هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَتَثْبُتُ الْإِبَاحَةُ فِيهِمَا، وَإِلَى النِّصْفِ الْأَخِيرِ مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْلِيلِ الْجَمَاعَةِ وَقَدْ انْقَطَعَ السَّمَرُ قَبْلَهُ: أَيْ قَبْلَ النِّصْفِ الْأَخِيرِ: يَعْنِي أَنَّ الْإِبَاحَةَ فِي آخِرِ النِّصْفِ الْأَوَّلِ إنَّمَا تَثْبُتُ لِمُعَارَضَةِ دَلِيلِ النَّدْبِ وَهُوَ قَطْعُ السَّمَرِ دَلِيلَ الْكَرَاهَةِ وَهُوَ تَقْلِيلُ الْجَمَاعَةِ، وَفِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ لَمْ يُوجَدْ دَلِيلُ

فَتَثْبُتُ الْإِبَاحَةُ وَإِلَى النِّصْفِ الْأَخِيرِ مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْلِيلِ الْجَمَاعَةِ وَقَدْ انْقَطَعَ السَّمَرُ قَبْلَهُ. (وَيُسْتَحَبُّ فِي الْوَتْرِ لِمَنْ يَأْلَفُ صَلَاةَ اللَّيْلِ أَنْ يُؤَخِّرَهُ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ، فَإِنْ لَمْ يَثِقْ بِالِانْتِبَاهِ أَوْتَرَ قَبْلَ النَّوْمِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ آخِرَ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَ اللَّيْلِ، وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ» (فَإِذَا كَانَ يَوْمُ غَيْمٍ فَالْمُسْتَحَبُّ فِي الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ تَأْخِيرُهَا، وَفِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ تَعْجِيلُهُمَا) لِأَنَّ فِي تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ تَقْلِيلَ الْجَمَاعَةِ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَطَرِ، وَفِي تَأْخِيرِ الْعَصْرِ تَوَهُّمَ الْوُقُوعِ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ، وَلَا تَوَهُّمَ فِي الْفَجْرِ لِأَنَّ تِلْكَ الْمُدَّةَ مَدِيدَةٌ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ التَّأْخِيرُ فِي الْكُلِّ لِلِاحْتِيَاطِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْأَدَاءُ بَعْدَ الْوَقْتِ لَا قَبْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّدْبِ أَصْلًا لِانْقِطَاعِ السَّمَرِ مِنْ قَبْلُ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَلَّا يَكُونَ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ سَمَرٌ فَتَثْبُتُ الْكَرَاهَةُ لِبَقَاءِ دَلِيلِهَا سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ. وَاعْتُرِضَ بِتَعْجِيلِ الْفَجْرِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ مُبَاحٌ، وَدَلِيلُ الْكَرَاهَةِ وَهُوَ تَقْلِيلُ الْجَمَاعَةِ سَالِمٌ عَنْ مُعَارَضَةِ دَلِيلِ النَّدْبِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُعَارِضَ هَاهُنَا مَوْجُودٌ أَيْضًا وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] فَإِنَّ الْمُسَارَعَةَ إلَى الْعِبَادَةِ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي التَّأْخِيرِ مَعْنَى تَكْثِيرِ الْجَمَاعَةِ فَكَانَ فِيهِ تَعَارُضُ دَلِيلِ النَّدْبِ وَهُوَ الْمُسَارَعَةُ إلَى الْعِبَادَةِ مَعَ دَلِيلِ الْكَرَاهَةِ وَهُوَ تَقْلِيلُ الْجَمَاعَةِ فَثَبَتَتْ الْإِبَاحَةُ كَذَلِكَ، بِخِلَافِ تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ إلَى النِّصْفِ الْأَخِيرِ فَإِنَّ دَلِيلَ كَرَاهَتِهِ سَالِمٌ عَنْ مُعَارَضَةِ دَلِيلِ النَّدْبِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ الْمُسَارَعَةُ إلَى الْعِبَادَةِ وَلَا تَكْثِيرُ الْجَمَاعَةِ، وَلَا قَطْعُ السَّمَرِ لِانْقِطَاعِهِ قَبْلَهُ. وَيُسْتَحَبُّ فِي الْوِتْرِ لِمَنْ يَأْلَفُ الصَّلَاةَ آخِرَ اللَّيْلِ. رُوِيَ آخِرَ اللَّيْلِ بِالنَّصْبِ، وَتَقْدِيرُهُ أَنْ يُوتِرَ آخِرَ اللَّيْلِ فَيَكُونُ ظَرْفًا. وَرُوِيَ مَرْفُوعًا وَهُوَ مَفْعُولٌ أُقِيمَ مَقَامَ فَاعِلِ يُسْتَحَبُّ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ. (وَيُسْتَحَبُّ فِي الْوِتْرِ لِمَنْ يَأْلَفُ صَلَاةَ اللَّيْلِ تَأْخِيرُهَا إلَى آخِرِ اللَّيْلِ، فَإِنْ لَمْ يَثِقْ بِالِانْتِبَاهِ أَوْتَرَ قَبْلَ النَّوْمِ) وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (فَإِذَا كَانَ يَوْمُ غَيْمٍ) يَعْنِي هَذَا الَّذِي قُلْنَا مِنْ بَيَانِ الِاسْتِحْبَابِ فِيمَا إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُتَغَيِّمَةً فَالضَّابِطُ الْعَيْنُ مَعَ الْعَيْنِ: يَعْنِي كُلَّ مَا فِيهِ عَيْنٌ يُعَجَّلُ كَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ، وَمَا عَدَاهُمَا كَالْفَجْرِ وَالظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ يُؤَخَّرُ. أَمَّا وَجْهُ تَعْجِيلِ الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ فَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَكَذَلِكَ وَجْهُ تَأْخِيرِ الْفَجْرِ. وَقَوْلُهُ: (؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْمُدَّةَ مَدِيدَةٌ) يَعْنِي أَنَّ مَا بَيْنَ التَّنْوِيرِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ مُدَّةٌ مَدِيدَةٌ فَيُؤْمَنُ أَنْ يَقَعَ الْأَدَاءُ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَأَمَّا تَأْخِيرُ الظُّهْرِ فَلِأَنَّهُ لَوْ عُجِّلَ فِي يَوْمِ الْغَيْمِ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَقَعَ الْأَدَاءُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَكَذَلِكَ تَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - التَّأْخِيرَ عَنْهُ فِي الْكُلِّ لِمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ.

[فصل في الأوقات التي تكره فيها الصلاة]

(فَصْلٌ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ) : (لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا عِنْدَ قِيَامِهَا فِي الظَّهِيرَةِ وَلَا عِنْدَ غُرُوبِهَا) لِحَدِيثِ «عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: ثَلَاثَةُ أَوْقَاتٍ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُصَلِّيَ فِيهَا وَأَنْ نَقْبُرَ فِيهَا مَوْتَانَا: عِنْدَ طُلُوعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحَدِ قِسْمَيْ الْوَقْتِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْقِسْمِ الْآخَرِ، وَلَقَّبَ الْفَصْلَ بِمَا يُكْرَهُ مَعَ أَنَّ فِيهِ ذِكْرَ مَا لَا تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ. قَوْلُهُ: (لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ) اعْلَمْ أَنَّ الْفَرَائِضَ لَا تَجُوزُ عِنْدَنَا فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، وَكَذَا النَّوَافِلُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ الْفَرْضُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ، وَتَجُوزُ النَّوَافِلُ عِنْدَهُ فِيهَا بِمَكَّةَ، فَقَوْلُهُ: لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ إنْ أَرَادَ بِهَا الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ جَمِيعًا يُجْعَلُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْجِنْسِ لَزِمَهُ أَلَّا يُجَوِّزَ النَّفَلَ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ فَإِنْ شَرَعَ فِيهِ وَأَفْسَدَهُ يَنْبَغِي أَلَّا يَجِبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ، لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ، ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي أُصُولِهِ بِلَا ذِكْرِ خِلَافٍ وَالتُّمُرْتَاشِيّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَإِنْ أَرَادَ بِهَا الْفَرْضَ وَحْدَهُ

الشَّمْسِ حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَعِنْدَ زَوَالِهَا حَتَّى تَزُولَ، وَحِينَ تَضَيَّفُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ» وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَأَنْ نَقْبُرَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَنَّ النَّفَلَ جَائِزٌ مَكْرُوهٌ لَمْ يَسْتَقِمْ جَعْلُ الْحَدِيثِ حُجَّةً عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي تَجْوِيزِهِ النَّوَافِلَ، وَصَاحِبُ النِّهَايَةِ جَعَلَ أَنَّ لِلْجِنْسِ مُتَنَاوِلًا لِلْفَرْضِ وَالنَّفَلِ. وَأَجَابَ عَنْ وُرُودِ النَّفْلِ وَوُجُوبِ قَضَائِهِ بِالشُّرُوعِ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ شَرْعًا لَزِمَهُ وَأَمَّا لَوْ شَرَعَ لَزِمَهُ كَمَا تَقُولُ لَا تَجُوزُ مُبَاشَرَةُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَمَّا لَوْ بَاشَرَ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ ثَبَتَ الْمِلْكُ وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ الْجَوَازِ فِي الْفَرَائِضِ بِمَعْنًى وَفِي النَّوَافِلِ بِمَعْنًى آخَرَ، فَإِنَّهُ يَجْعَلُهُ فِيهَا مِنْ قَبِيلِ نَهْيٍ يَقْتَضِي الْقُبْحَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ يُجَاوِرُهُ جَمْعًا وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ كَمَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَغَيْرُهُ جَعَلَ اللَّامَ لِنَوْعٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ الْفَرْضُ، وَقَالَ حَتَّى لَوْ صَلَّى النَّفَلَ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ جَازَ وَيُكْرَهُ، وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ الْكَرْخِيِّ والإسبيجابي، وَيَلْزَمُهُ أَلَّا يَكُونَ جَعْلُ الْحَدِيثِ حُجَّةً عَلَى الشَّافِعِيِّ مُسْتَقِيمًا كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا لَا يُقَالُ: الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ الْفَرْضُ، وَالْحُجَّةُ عَلَى الشَّافِعِيِّ الْحَدِيثُ فَإِنَّهُ قَالَ: " نَهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ " وَالْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ الْفَرْضُ وَالنَّفَلُ جَمِيعًا، وَالدَّلِيلُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَعَمَّ مِنْ الْمَدْلُولِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالنَّهْيِ عَدَمَ الْجَوَازِ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ جَمِيعًا لَزِمَ عَلَيْهِ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْكَرْخِيِّ والإسبيجابي، وَإِنْ كَانَ الْجَوَازُ مَعَ الْكَرَاهَةِ فِيهِمَا لَمْ يَكُنْ الْحَدِيثُ حُجَّةً لَنَا عَلَى الشَّافِعِيِّ إلَّا إذَا ثَبَتَ أَنَّ أَصْحَابَنَا

صَلَاةُ الْجِنَازَةِ لِأَنَّ الدَّفْنَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ، وَالْحَدِيثُ بِإِطْلَاقِهِ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَخْصِيصِ الْفَرَائِضِ، وَبِمَكَّةَ فِي حَقِّ النَّوَافِلِ، وَحُجَّةٌ عَلَى أَبِي يُوسُفَ فِي إبَاحَةِ النَّفْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقْتَ الزَّوَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقُولُونَ بِالْجَوَازِ مَعَ الْكَرَاهَةِ فِيهِمَا وَهُوَ يَقُولُ بِالْجَوَازِ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَلَمْ أَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ فِيمَا وَجَدْته مِنْ النُّسَخِ، وَإِنْ كَانَ عَدَمُ الْجَوَازِ فِي الْفَرْضِ وَالْجَوَازِ مَعَ الْكَرَاهَةِ فِي النَّفْلِ لَزِمَ اخْتِلَافُ مَعْنَى اللَّفْظِ الْوَاحِدِ مُرَادَيْنِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْكِنَايَةِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ. وَأَرَى أَنَّ الْمُرَادَ عَدَمُ الْجَوَازِ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ عَلَى بَعْضِ الرِّوَايَاتِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَلَا يَلْزَمُهُ مَا نُقِلَ عَنْ الْكَرْخِيِّ والإسبيجابي؛ لِأَنَّهُ اخْتَارَ خِلَافَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِذَا ظَهَرَ لَك مَا قَرَّرْنَا تَبَيَّنَ أَنَّ النُّسْخَةَ الصَّحِيحَةَ هُوَ أَنْ يُقَالَ (حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي تَخْصِيصِ الْفَرَائِضِ وَبِمَكَّةَ) ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُفِيدُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ مَذْهَبِهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ إغْلَاقٌ دُونَ مَا عَدَاهَا وَهُوَ مَا وَقَعَ فِي بَعْضِهَا مِنْ قَوْلِهِ فِي تَخْصِيصِ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ بِمَكَّةَ وَفِي بَعْضِهَا فِي التَّخْصِيصِ بِمَكَّةَ وَفِي بَعْضِهَا لَمْ يَذْكُرْ النَّوَافِلَ، وَحُجَّةُ الشَّافِعِيِّ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتُهَا» وَهُوَ مُطْلَقٌ، وَفِي تَخْصِيصِ مَكَّةَ مَا رَوَى أَبُو ذَرٍّ النَّهْيَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ مَقْرُونًا بِقَوْلِهِ إلَّا بِمَكَّةَ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُبِيحَ وَالْحَاظِرَ إذَا تَعَارَضَا جُعِلَ الْحَاظِرُ مُتَأَخِّرًا وَقَدْ عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَمْ تَثْبُتْ؛ لِأَنَّهَا شَاذَّةٌ أَوْ أَنَّ مَعْنَاهُ وَلَا بِمَكَّةَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِلا خَطَأً} [النساء: 92] أَيْ وَلَا خَطَأً ثُمَّ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءُ فِي الِارْتِفَاعِ الَّذِي تَحِلُّ الصَّلَاةُ عِنْدَهُ، قَالَ فِي الْأَصْلِ: إذَا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ قَدْرَ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ. وَقَالَ الْفُضَيْلِيُّ: مَا دَامَ الْإِنْسَانُ يَقْدِرُ عَلَى النَّظَرِ إلَى قُرْصِ الشَّمْسِ فَالشَّمْسُ فِي الطُّلُوعِ فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فَإِذَا عَجَزَ عَنْ النَّظَرِ حَلَّتْ. وَقَوْلُهُ: حِينَ تَضَيَّفُ لِلْغُرُوبِ بِمَعْنَى تَمِيلُ، قِيلَ التَّخْصِيصُ بِالثَّلَاثَةِ يُفِيدُ الِانْحِصَارَ، وَقَدْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ غَيْرَهَا مِنْ الْأَوْقَاتِ مَا يُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ إبْطَالَ الْعَدَدِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ شَرْعًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ غَيْرَهَا لَيْسَ بِمَعْنَاهَا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ فِيهَا قَضَاءُ الْفَوَائِتِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فِيهَا، بِخِلَافِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِيهَا، وَإِذَا كَانَ الْمَعْنَى مُخْتَلِفًا لَا يَلْزَمُ الْإِبْطَالُ بَلْ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَابِتًا بِدَلِيلٍ عَلَى حِدَةٍ، فَأَمَّا الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ فَبِدَلِيلِ حَدِيثِ عُقْبَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلِمَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَلَا بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ» وَكَذَلِكَ غَيْرُهُمَا. وَقَوْلُهُ: (وَحُجَّةٌ عَلَى أَبِي يُوسُفَ فِي إبَاحَةِ النَّفْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ وَقْتَ الزَّوَالِ

قَالَ (وَلَا صَلَاةُ جِنَازَةٍ) لِمَا رَوَيْنَا (وَلَا سَجْدَةُ تِلَاوَةٍ) لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الصَّلَاةِ (إلَّا عَصْرَ يَوْمِهِ عِنْدَ الْغُرُوبِ) لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْجُزْءُ الْقَائِمُ مِنْ الْوَقْتِ، لِأَنَّهُ لَوْ تَعَلَّقَ بِالْكُلِّ لَوَجَبَ الْأَدَاءُ بَعْدَهُ، وَلَوْ تَعَلَّقَ بِالْجُزْءِ الْمَاضِي ـــــــــــــــــــــــــــــQيَوْمَ الْجُمُعَةِ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ فِي نِصْفِ النَّهَارِ إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ» وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ أَوْ مَعْنَاهُ: وَلَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي جَوَابِ الشَّافِعِيِّ. وَقَوْلُهُ: (وَلَا صَلَاةِ جِنَازَةٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى أَوَّلِ الْكَلَامِ. وَقَوْلُهُ: (لِمَا رَوَيْنَا) يَعْنِي قَوْلَهُ «وَأَنْ نَقْبُرَ مَوْتَانَا» وَقَوْلُهُ: (وَلَا سَجْدَةِ تِلَاوَةٍ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الصَّلَاةِ) فِي أَنَّهَا يُشْتَرَطُ لَهَا مَا يُشْتَرَطُ لِلصَّلَاةِ، يَعْنِي لَمَّا كَانَتْ فِي مَعْنَى الصَّلَاةِ كَانَتْ دَاخِلَةً تَحْتَ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي قَوْلِهِ: ثَلَاثَةُ أَوْقَاتٍ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُصَلِّيَ فِيهَا. فَإِنْ قِيلَ: مَا بَالُهَا لَمْ تَلْحَقْ بِهَا فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَا مَنْ ضَحِكَ مِنْكُمْ قَهْقَهَةً فَلْيُعِدْ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ جَمِيعًا» فَيَنْتَقِضُ وُضُوءُ الضَّاحِكِ فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ فَلْيُعِدْ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ لِلْعَهْدِ الَّتِي وُجِدَتْ فِيهَا الْقَهْقَهَةُ لَا لِلْجِنْسِ، وَالْمَعْهُودُ صَلَاةٌ ذَاتُ تَحْرِيمَةٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ، وَالسُّجُودُ الْمُجَرَّدُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ. وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ فَلِئَلَّا يَلْزَمَ التَّشَبُّهُ بِالصَّلَاةِ بِعَبَدَةِ الشَّمْسِ، وَالسُّجُودُ الْمُجَرَّدُ يَحْصُلُ بِهِ ذَلِكَ فَكَانَ فِي مَعْنَاهُ فَأُلْحِقَ بِهِ كَذَا فِي الشُّرُوحِ، وَلَوْ قِيلَ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الصَّلَاةِ مِنْ حَيْثُ وُقُوعُ التَّشَبُّهِ بِهِ بِعَبَدَةِ الشَّمْسِ وُقُوعَهُ بِالصَّلَاةِ فَدَخَلَتْ تَحْتَ نَهْيٍ وَرَدَ عَنْ الصَّلَاةِ كَذَلِكَ كَانَ أَخْصَرَ وَأَحْكَمَ. وَقَوْلُهُ: (إلَّا عَصْرَ يَوْمِهِ عِنْدَ الْغُرُوبِ) مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ وَلَا عِنْدَ غُرُوبِهَا. وَقَوْلُهُ: (؛ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْجُزْءُ الْقَائِمُ مِنْ الْوَقْتِ) وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ سَبَبَ الصَّلَاةِ أَوْقَاتُهَا لَكِنْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ الْوَقْتِ سَبَبًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كُلُّهُ سَبَبًا لَوَقَعَ الْأَدَاءُ بَعْدَهُ لِوُجُوبِ تَقَدُّمِ السَّبَبِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ عَلَى الْمُسَبَّبِ فَلَا يَكُونُ أَدَاءً، وَلَيْسَ دَلِيلٌ يَدُلُّ عَلَى قَدْرٍ مُعَيَّنٍ مِنْهُ كَالرُّبْعِ وَالْخُمُسِ أَوْ غَيْرِهِمَا فَوَجَبَ أَنْ يُجْعَلَ بَعْضٌ مِنْهُ سَبَبًا، وَأَقَلُّ مَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ الْجُزْءِ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ وَالْجُزْءُ السَّابِقُ لِعَدَمِ مَا يُزَاحِمُهُ أَوْلَى، فَإِنْ اتَّصَلَ بِهِ الْأَدَاءُ تَعَيَّنَ الْحُصُولُ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الْأَدَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ يَنْتَقِلُ إلَى الْجُزْءِ الَّذِي يَلِيهِ ثَمَّ وَثَمَّ إلَى أَنْ يَضِيقَ الْوَقْتُ وَلَمْ يَتَقَرَّرْ عَلَى الْجُزْءِ الْمَاضِي،؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَقَرَّرَ كَانَتْ الصَّلَاةُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ قَضَاءً وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا سَنَذْكُرُ، فَكَانَ

فَالْمُؤَدِّي فِي آخِرِ الْوَقْتِ قَاضٍ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ أَدَّاهَا كَمَا وَجَبَتْ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ كَامِلَةً فَلَا تَتَأَدَّى بِالنَّاقِصِ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَالْمُرَادُ بِالنَّفْيِ الْمَذْكُورِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجُزْءُ الَّذِي يَلِي الْأَدَاءَ هُوَ السَّبَبَ أَوْ الْجُزْءُ الْمُضَيَّقُ أَوْ كُلُّ الْوَقْتِ إنْ لَمْ يَقَعْ الْأَدَاءُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ الْكُلِّ إلَى الْجُزْءِ كَانَ لِضَرُورَةِ وُقُوعِ الْأَدَاءِ خَارِجَ الْوَقْتِ عَلَى تَقْدِيرِ سَبَبِيَّةِ الْكُلِّ وَقَدْ زَالَتْ فَيَعُودُ كُلُّ الْوَقْتِ سَبَبًا، ثُمَّ الْجُزْءُ الَّذِي يَتَعَيَّنُ سَبَبًا تُعْتَبَرُ صِفَتُهُ مِنْ الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ، فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا بِأَلَّا يَكُونَ مَوْصُوفًا بِالْكَرَاهَةِ وَلَا مَنْسُوبًا إلَى الشَّيْطَانِ كَالظُّهْرِ وَجَبَ الْمُسَبَّبُ كَامِلًا فَلَا يَتَأَدَّى نَاقِصًا وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا: أَيْ نَاقِصًا بِأَنْ يَكُونَ مَنْسُوبًا إلَى الشَّيْطَانِ كَالْعَصْرِ يُسْتَأْنَفُ وَقْتَ الِاحْمِرَارِ وَجَبَ الْفَرْضُ فِيهِ نَاقِصًا فَيَجُوزُ أَنْ يَتَأَدَّى نَاقِصًا؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ كَمَا وَجَبَ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ الْوَاجِبَةِ بِأَسْبَابٍ كَامِلَةٍ فَإِنَّهَا لَا تُقْضَى فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ كَامِلًا لَا يَتَأَدَّى نَاقِصًا، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي الْأَنْوَارِ وَالتَّقْرِيرِ مُسْتَوْفًى بِعَوْنِ اللَّهِ وَتَأْيِيدِهِ، وَإِذَا عَرَفْت ذَلِكَ فَقَوْلُهُ: لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْجُزْءُ الْقَائِمُ مِنْ الْوَقْتِ فِيهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ إمَّا أَوَّلُ جُزْءٍ أَوْ الَّذِي يَلِي الْأَدَاءَ، أَوْ الْجُزْءُ الْمُضَيَّقُ، أَوْ كُلُّ الْوَقْتِ عِنْدَ خُرُوجِهِ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: (فَالْمُؤَدِّي فِي آخِرِ الْوَقْتِ قَاضٍ) فَقَالَ صَاحِبُ الْكَافِي إنَّهُ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَاضٍ بَلْ مُؤَدٍّ بِاعْتِبَارِ بَقَاءِ الْوَقْتِ، وَأَيْضًا يَلْزَمُهُ عَلَى تَقْرِيرِهِ جَوَازُ قَضَاءِ الْعَصْرِ فِي هَذَا الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ الْقَائِمَ مِنْ الْوَقْتِ نَاقِصٌ فَيَجِبُ بِهِ الْعَصْرُ نَاقِصًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ كَعَصْرِ يَوْمِهِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ كَلَامَهُ فِيمَنْ أَخَّرَ الْعَصْرَ إلَى الْغُرُوبِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ السَّبَبَ فِي حَقِّهِ هُوَ الْجُزْءُ الْقَائِمُ مِنْ الْوَقْتِ وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْجُزْءِ الْمُضَيَّقِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْجُزْءَ إذَا تَعَيَّنَ لِلسَّبَبِيَّةِ بِحَيْثُ لَا يَنْتَقِلُ إلَى غَيْرِهِ كَانَ التَّأْخِيرُ عَنْهُ تَفْوِيتًا لِلْوَاجِبِ بِالِاسْتِقْرَاءِ فِي قَوَانِينِ الشَّرْعِ كَالْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْ الْوَقْتِ فِي الصَّلَاةِ وَالْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ الْيَوْمِ فِي الصَّوْمِ، هَكَذَا أَجَابَ شَيْخُ شَيْخِي الْعَلَّامَةُ الْعَزِيزُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْفَوَاتَ بِالتَّفْوِيتِ عَنْ الْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْ الْوَقْتِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَا بِاعْتِبَارِ تَعَيُّنِهِ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَكَذَلِكَ عَنْ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ الْيَوْمِ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الصَّوْمِ كُلُّ النَّهَارِ فَإِذَا فَاتَ الْبَعْضُ فَاتَ الْكُلُّ. وَأَقُولُ فِي الْجَوَابِ عَنْ السُّؤَالِ: إنَّ كُلَّ مَا كَانَ سَبَبًا لِلْوُجُوبِ فَهُوَ شَرْطٌ لِلْوَاجِبِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ الْوَقْتِ شَرْطًا وَإِلَّا لَكَانَ فِي الْأَدَاءِ فِي الْوَقْتِ تَقْدِيمُ الْمَشْرُوطِ عَلَى الشَّرْطِ وَهُوَ بَاطِلٌ كَتَقْدِيمِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ الْجُزْءُ الْقَائِمُ إذْ لَوْ كَانَ الْجُزْءُ الْمَاضِي كَانَ الْمُصَلِّي فِي آخِرِ الْوَقْتِ قَاضِيًا لِفَوَاتِ شَرْطِ الْأَدَاءِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ قَوْلَهُ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ يَتَنَاوَلُ الْعَصْرَ الْفَائِتَةَ؛ لِأَنَّ الْعَصْرَ الْفَائِتَةَ غَيْرُ عَصْرِ يَوْمِهِ لَا مَحَالَةَ، وَقَدْ قَالَ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ كَامِلَةً، وَكُلُّ مَا وَجَبَ كَامِلًا لَا يَتَأَدَّى نَاقِصًا، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ وَجْهَ وُجُوبِهَا كَامِلَةً وَوَجْهَ مَا ذَكَرْنَاهُ. قَالَ (وَالْمُرَادُ بِالنَّفْيِ الْمَذْكُورِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ) يَعْنِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْيِ الْمَذْكُورِ

الْكَرَاهَةُ، حَتَّى لَوْ صَلَّاهَا فِيهِ أَوْ تَلَا سَجْدَةً فِيهِ فَسَجَدَهَا جَازَ لِأَنَّهَا أُدِّيَتْ نَاقِصَةً كَمَا وَجَبَتْ إذْ الْوُجُوبُ بِحُضُورِ الْجِنَازَةِ وَالتِّلَاوَةِ. (وَيُكْرَهُ أَنْ يَنْتَفِلَ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ ذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ بِقَوْلِهِ وَلَا صَلَاةِ جِنَازَةٍ وَلَا سَجْدَةِ تِلَاوَةٍ هُوَ الْكَرَاهِيَةُ. يَعْنِي بِهِ نَفْيَ عَدَمِ الْجَوَازِ، بِخِلَافِ الْفَرَائِضِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ سِوَى عَصْرِ يَوْمِهِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى آخِرِهِ مُجْرًى عَلَى حَقِيقَةِ عَدَمِ الْجَوَازِ. فَإِنْ قُلْت: فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ مُسْتَعْمَلًا فِي عَدَمِ الْجَوَازِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفَرَائِضِ وَفِي الْكَرَاهِيَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ. قُلْت: يُقَدَّرُ الْفِعْلُ فِي الْمَعْطُوفِ بِمَعْنَى الْكَرَاهَةِ حَتَّى يَكُونَا مُرَادَيْنِ بِلَفْظَيْنِ وَلَا مَحْذُورَ فِيهِ، فَإِنْ قُلْت: فَمَاذَا تَفْعَلُ فِي الدَّلِيلِ وَهُوَ قَوْلُ عُقْبَةَ: نَهَانَا فَإِنَّهُ بِمَعْنَى عَدَمِ الْجَوَازِ وَبِمَعْنَى الْكَرَاهَةِ حِينَئِذٍ؟ قُلْت: حِكَايَةُ فِعْلٍ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ مُكَرَّرًا فِي مَعْنَى عَدَمِ الْجَوَازِ مَرَّةً وَفِي مَعْنَى الْكَرَاهَةِ أُخْرَى، وَأَمَّا قَوْلُهُ: لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ مُتَنَاوِلًا لِلْفَرْضِ وَالنَّفَلِ جَمِيعًا فَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ أَنَّ النَّفَلَ أَيْضًا لَا يَجُوزُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا شَرَعَ فِي التَّطَوُّعِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَلَوْ مَضَى عَلَيْهِ خَرَجَ عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ بِالشُّرُوعِ ذَكَرَهُ فِي نَوَادِرِ الْمَبْسُوطِ، وَكَذَا لَوْ قَطَعَهَا وَأَدَّاهَا فِي وَقْتٍ آخَرَ مَكْرُوهٌ مِثْلُهُ جَازَ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ. قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ ذَلِكَ) وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُ غَيًّا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكَرَاهَةَ إلَى الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ، وَحُكْمُ مَا بَعْدَ الْغَايَةِ يُخَالِفُ مَا قَبْلَهَا، وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا ثَابِتَةٌ بَعْدَ الطُّلُوعِ إلَى ارْتِفَاعِهَا، وَبَعْدَ الْغُرُوبِ إلَى أَدَاءِ الْمَغْرِبِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ تَثْبُتُ بِمَفْهُومِ الْغَايَةِ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ، عَلَى أَنَّ الْمُخَالَفَةَ ثَابِتَةٌ إذْ الْكَرَاهَةُ بَعْدَ الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ بِمَعْنًى آخَرَ. وَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ: مَعْنَاهُ حَتَّى يَقْرُبَ طُلُوعُ الشَّمْسِ وَحَتَّى تَتَغَيَّرَ لِلْغُرُوبِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى حَقِيقَتِهِ كَانَتْ الْكَرَاهَةُ لِمَعْنًى فِي الْوَقْتِ وَهُوَ خِلَافُ مُرَادِهِ. وَقَوْلُهُ:

(وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُصَلِّيَ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ الْفَوَائِتَ وَيَسْجُدَ لِلتِّلَاوَةِ وَيُصَلِّيَ عَلَى الْجِنَازَةِ) لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ كَانَتْ لِحَقِّ الْفَرْضِ لِيَصِيرَ الْوَقْتُ كَالْمَشْغُولِ بِهِ لَا لِمَعْنًى فِي الْوَقْتِ فَلَمْ تَظْهَرْ فِي حَقِّ الْفَرَائِضِ، وَفِيمَا وَجَبَ لِعَيْنِهِ كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ، وَظَهَرَتْ فِي حَقِّ الْمَنْذُورِ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ وُجُوبُهُ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ، وَفِي حَقِّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، وَفِي الَّذِي شَرَعَ فِيهِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ لِأَنَّ الْوُجُوبَ لِغَيْرِهِ وَهُوَ خَتْمُ الطَّوَافِ وَصِيَانَةُ الْمُؤَدَّى عَنْ الْبُطْلَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُصَلِّيَ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ) يَعْنِي بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ (الْفَوَائِتَ وَيَسْجُدَ لِلتِّلَاوَةِ وَيُصَلِّيَ عَلَى الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِحَقِّ الْفَرْضِ لِيَصِيرَ الْوَقْتُ كَالْمَشْغُولِ بِهِ) وَمَا كَانَ لِحَقِّ الْفَرْضِ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ حَقِيقَةِ الْفَرْضِ، فَإِنَّ شَغْلَ الْوَقْتِ بِحَقِيقَةِ الْفَرْضِ أَوْلَى مِنْ الشَّغْلِ بِحَقِّهِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْفَرَائِضِ، وَمَا هُوَ بِمَعْنَاهَا فِي الْوُجُوبِ لِعَيْنِهِ كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فَإِنَّهَا تَجِبُ لِعَيْنِهَا لِكَوْنِ وُجُوبِهَا غَيْرَ مَوْقُوفٍ عَلَى فِعْلِ الْعَبْدِ بِدَلِيلِ وُجُوبِهَا بِالسَّمَاعِ فَصَارَتْ كَالْفَرَائِضِ، وَكَذَلِكَ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ لِكَوْنِ وُجُوبِهَا غَيْرَ مَوْقُوفٍ عَلَى فِعْلِ الْعَبْدِ وَظَهَرَتْ فِي حَقِّ الْمَنْذُورِ وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَفِي الَّذِي شَرَعَ فِيهِ، ثُمَّ أَفْسَدَهُ لِتَعَلُّقِ وُجُوبِ الْمَنْذُورِ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ: أَيْ جِهَةِ النَّاذِرِ بِدَلَالَةِ الْمَنْذُورِ عَلَيْهِ لَا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَكَانَ كَالصَّلَاةِ الَّتِي شَرَعَ فِيهَا تَطَوُّعًا، وَلِأَنَّ الْوُجُوبَ لِغَيْرِهِ وَهُوَ خَتْمُ الطَّوَافِ الْحَاصِلِ بِفِعْلِهِ فَكَانَ كَالنَّفْلِ وَلِصِيَانَةِ الْمُؤَدَّى لِئَلَّا يَلْزَمَ إبْطَالُ الْعَمَلِ، وَإِذَا ظَهَرَتْ فِي حَقِّ الْمَنْذُورِ الْوَاجِبِ وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَالْفَاسِدِ بَعْدَ الشُّرُوعِ الْوَاجِبَيْنِ فَلَأَنْ تَظْهَرَ فِي حَقِّ النَّوَافِلِ أَوْلَى. وَقَوْلُهُ: (لَا لِمَعْنًى فِي الْوَقْتِ) تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ لِحَقِّ الْفَرْضِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ النَّهْيِ الْوَارِدِ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ وَالْوَارِدُ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ بِأَنَّ ذَلِكَ لِمَعْنًى فِي الْوَقْتِ وَهُوَ كَوْنُهُ مَنْسُوبًا إلَى الشَّيْطَانِ فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ وَغَيْرِهِمَا، وَهَذَا لِمَعْنَى شَغْلِ الْفَرْضِ، وَشَغْلُهُ بِالْفَرْضِ التَّقْدِيرِيِّ أَوْلَى مِنْ النَّفْلِ دُونَ الْفَرْضِ الْحَقِيقِيِّ فَظَهَرَ فِي حَقِّ النَّوَافِلِ دُونَ الْفَرْضِ الْحَقِيقِيِّ. فَإِنْ قِيلَ: رَكْعَتَا الطَّوَافِ وَاجِبٌ عِنْدَنَا عَلَى مَا يَجِيءُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ فَوُجُوبُهُ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ بَعْدَ الطَّوَافِ كَوُجُوبِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ بَعْدَ التِّلَاوَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُؤْتَى بِهِمَا كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ، وَعُذْرُهُ بِأَنَّ الْوُجُوبَ لِخَتْمِ الطَّوَافِ بِالصَّلَاةِ يَنْتَقِضُ بِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ، فَإِنَّ وُجُوبَهَا لِلتِّلَاوَةِ وَهِيَ فِعْلُهُ أَيْضًا، وَالْجَوَابُ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ أَنَّ السَّجْدَةَ قَدْ تَجِبُ بِتِلَاوَةِ

(وَيُكْرَهُ أَنْ يُتَنَفَّلَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِمَا مَعَ حِرْصِهِ عَلَى الصَّلَاةِ (وَلَا يُتَنَفَّلُ بَعْدَ الْغُرُوبِ قَبْلَ الْفَرْضِ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ (وَلَا إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ لِلْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَى أَنْ يَفْرُغَ) مِنْ خُطْبَتِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاشْتِغَالِ عَنْ اسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرِهِ إذَا سَمْعِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، وَلَا كَذَلِكَ رَكْعَتَا الطَّوَافِ. وَقَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (مَعَ حِرْصِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (عَلَى الصَّلَاةِ) يَعْنِي أَنَّ التَّرْكَ مَعَ الْحِرْصِ عَلَى إحْرَازِ فَضِيلَةِ النَّفْلِ دَلِيلُ الْكَرَاهَةِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: (وَلَا يَتَنَفَّلُ بَعْدَ الْغُرُوبِ) ظَاهِرٌ، وَالْمَعْنَى فِي النَّهْيِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ كَالنَّهْيِ بَعْدَ الْفَجْرِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِمَعْنًى فِي الْوَقْتِ بَلْ لِحَقِّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لِيَصِيرَ الْوَقْتُ كَالْمَشْغُولِ بِهِ وَلِلْمُبَادَرَةِ إلَى أَدَاءِ الْمَغْرِبِ فَإِنَّهَا فِيهِ مُسْتَحَبَّةٌ وَلِنَفْيِ التَّشَاغُلِ بَعْدَ اسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْفَرَائِضِ فَكَانَ الْحَاصِلُ أَنَّ مَا كَانَ النَّهْيُ فِيهِ لِمَعْنًى فِي الْوَقْتِ أَثَّرَ فِي الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ جَمِيعًا، وَمَا كَانَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ أَثَّرَ فِي النَّوَافِلِ دُونَ الْفَرَائِضِ وَمَا هُوَ بِمَعْنَاهَا

[باب الأذان]

(الْأَذَانُ سُنَّةٌ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالْجُمُعَةِ دُونَ مَا سِوَاهَا) لِلنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ. (وَصِفَةُ الْأَذَانِ مَعْرُوفَةٌ) وَهُوَ كَمَا أَذَّنَ الْمَلَكُ النَّازِلُ مِنْ السَّمَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْأَذَانِ] لَمَّا كَانَ الْأَذَانُ إعْلَامًا بِدُخُولِ سَبَبِ الصَّلَاةِ نَاسَبَ أَنْ يُذْكَرَ عَقِبَيْهِ وَالْأَذَانُ فِي اللُّغَةِ الْإِعْلَامُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 3] أَيْ إعْلَامٌ وَفِي الشَّرِيعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ إعْلَامٌ مَخْصُوصٌ فِي أَوْقَاتٍ مَخْصُوصَةٍ وَسَبَبُ مَشْرُوعِيَّتِهِ ابْتِدَاءً رُؤْيَا جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنُزُولُ الْمَلَكِ مِنْ السَّمَاءِ وَتَعْلِيمُ الْأَلْفَاظِ الْمَخْصُوصَةِ وَبَقَاءُ دُخُولِ الْوَقْتِ لِلصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَصِفَتُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ (سُنَّةٌ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالْجُمُعَةِ) وَذَكَرَ الْجُمُعَةَ لِدَفْعِ وَهْمِ مَنْ يُتَوَهَّمُ أَنْ لَا أَذَانَ لَهَا كَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ بِجَامِعِ أَنَّهُمَا يَتَعَلَّقَانِ بِالْإِمَامِ وَالْمِصْرِ الْجَامِعِ وَإِلَّا فَهِيَ دَاخِلَةٌ تَحْتَ الْخَمْسِ. وَقَوْلُهُ: (لِلنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ) يَعْنِي ثَبَتَ مُتَوَاتِرًا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذَّنَ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالْجُمُعَةِ دُونَ مَا سِوَاهَا مِنْ الْوِتْرِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالسُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ» . وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إنَّهُ وَاجِبٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ أَهْلَ بَلْدَةٍ فِي الْإِسْلَامِ إذَا تَرَكُوا الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ قُوتِلُوا، وَالْقِتَالُ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ دُونَ السُّنَّةِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ سُنَّةً إلَّا أَنَّ تَرْكَهُ بِالْإِصْرَارِ اسْتِخْفَافٌ بِالدِّينِ فَلَزِمَ الْقِتَالُ. (وَصْفَةُ الْأَذَانِ) أَيْ كَيْفِيَّتُهُ (مَعْرُوفَةٌ وَهُوَ كَمَا أَذَّنَ الْمَلَكُ النَّازِلُ مِنْ السَّمَاءِ) وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ الْمَلَكِ، فَقِيلَ نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَقِيلَ

(وَلَا تَرْجِيعَ فِيهِ) وَهُوَ أَنْ يَرْجِعَ فَيَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ بَعْدَ مَا خَفَضَ بِهِمَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فِيهِ ذَلِكَ لِحَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِالتَّرْجِيعِ» . وَلَنَا أَنَّهُ لَا تَرْجِيعَ فِي الْمَشَاهِيرِ وَكَانَ مَا رَوَاهُ تَعْلِيمًا فَظَنَّهُ تَرْجِيعًا. (وَيَزِيدُ فِي أَذَانِ الْفَجْرِ بَعْدَ الْفَلَاحِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ غَيْرَهُ. وَقَوْلُهُ: (وَلَا تَرْجِيعَ فِيهِ وَهُوَ) أَيْ التَّرْجِيعُ (أَنْ يُرَجِّعَ) وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِيهِ ذَلِكَ) أَيْ فِي الْأَذَانِ التَّرْجِيعُ. (وَقَوْلُهُ: لِحَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ) ظَاهِرٌ إلَى قَوْلِهِ فَظَنَّهُ تَرْجِيعًا. ذَكَرَ فِي الْأَسْرَارِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ بِذَلِكَ لِحِكْمَةٍ رَوَيْت فِي قِصَّتِهِ، وَهِيَ «أَنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ كَانَ يُبْغِضُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

«لِأَنَّ بِلَالًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ حِينَ وَجَدَ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَاقِدًا، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: مَا أَحْسَنَ هَذَا يَا بِلَالُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبْلَ الْإِسْلَامِ بُغْضًا شَدِيدًا، فَلَمَّا أَسْلَمَ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْأَذَانِ، فَلَمَّا بَلَغَ كَلِمَاتِ الشَّهَادَةِ خَفَضَ صَوْتَهُ حَيَاءً مِنْ قَوْمِهِ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَرَكَ أُذُنَهُ وَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ وَامْدُدْ بِهَا صَوْتَك» إمَّا لِيُعْلِمَهُ أَنَّهُ لَا حَيَاءَ فِي الْحَقِّ أَوْ لِيَزِيدَهُ مَحَبَّةً لِلرَّسُولِ بِتَكْرِيرِ كَلِمَاتِ الشَّهَادَةِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ بِلَالًا) رُوِيَ «أَنَّ بِلَالًا أَذَّنَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ ثُمَّ جَاءَ إلَى بَابِ حُجْرَةِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَقَالَ: الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: الرَّسُولُ نَائِمٌ، فَقَالَ بِلَالٌ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، فَلَمَّا انْتَبَهَ أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ فَاسْتَحْسَنَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

اجْعَلْهُ فِي أَذَانِك» وَخُصَّ الْفَجْرُ بِهِ لِأَنَّهُ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ. (وَالْإِقَامَةُ مِثْلُ الْأَذَانِ إلَّا أَنَّهُ يَزِيدُ فِيهَا بَعْدَ الْفَلَاحِ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ مَرَّتَيْنِ) هَكَذَا فَعَلَ الْمَلَكُ النَّازِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ ثُمَّ هُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ إنَّهَا فُرَادَى فُرَادَى إلَّا قَوْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ: اجْعَلْهُ فِي أَذَانِك» وَقَوْلُهُ: (وَخُصَّ الْفَجْرُ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (ثُمَّ هُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ إنَّهَا فُرَادَى) فَإِنَّهُ يَقُولُ يَشْفَعُ الْأَذَانَ وَيُوتِرُ الْإِقَامَةَ لِحَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِلَالًا بِذَلِكَ: قُلْنَا: الْمُعْتَمَدُ عَلَى مَا فَعَلَ الْمَلَكُ النَّازِلُ، وَالْمَشْهُورُ فِيهِ التَّكْرَارُ، وَمَعْنَى حَدِيثِ أَنَسٍ أَنْ يُؤَذِّنَ بِصَوْتَيْنِ وَيُقِيمَ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ بِدَلِيلِ أَنَّ فِي الْإِقَامَةِ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ وَهُوَ مَشْفُوعُ كَلِمَةِ مُوتِرٌ صَوْتًا. وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرَّ

قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ. (وَيَتَرَسَّلُ فِي الْأَذَانِ وَيَحْدُرُ فِي الْإِقَامَةِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِبِلَالٍ «إذَا أَذَّنْت فَتَرَسَّلْ، وَإِذَا أَقَمْت فَاحْدُرْ» وَهَذَا بَيَانُ الِاسْتِحْبَابِ (وَيَسْتَقْبِلُ بِهِمَا الْقِبْلَةَ) لِأَنَّ الْمَلَكَ النَّازِلَ مِنْ السَّمَاءِ أَذَّنَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَلَوْ تَرَكَ الِاسْتِقْبَالَ جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَيُكْرَهُ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ (وَيُحَوِّلُ وَجْهَهُ بِالصَّلَاةِ وَالْفَلَاحِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً) لِأَنَّهُ خِطَابٌ لِلْقَوْمِ فَيُوَاجِهُهُمْ بِهِ (وَإِنْ اسْتَدَارَ فِي صَوْمَعَتِهِ فَحَسَنٌ) مُرَادُهُ إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ تَحْوِيلَ الْوَجْهِ يَمِينًا وَشِمَالًا (مَعَ ثَبَاتِ قَدَمَيْهِ) مَكَانَهُمَا كَمَا هُوَ السُّنَّةُ بِأَنْ كَانَتْ الصَّوْمَعَةُ مُتَّسَعَةً، فَأَمَّا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَا. (وَالْأَفْضَلُ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمُؤَذِّنٍ يُوتِرُ الْإِقَامَةَ فَقَالَ اشْفَعْهَا لَا أُمَّ لَك. وَقَوْلُهُ: (وَيَتَرَسَّلُ فِي الْأَذَانِ) بَيَانُ السُّنَنِ الَّتِي فِيهِ وَهِيَ نَوْعَانِ: مَا يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الْأَذَانِ، وَمَا يَرْجِعُ إلَى صِفَاتِ الْمُؤَذِّنِ، فَالْأَوَّلُ هُوَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ رَافِعًا صَوْتَهُ وَيَفْصِلُ بَيْنَ كَلِمَتَيْ الْأَذَانِ بِسَكْتَةٍ مُطَوِّلًا غَيْرَ مُطْرِبٍ وَهُوَ التَّرَسُّلُ مَنْ تَرَسَّلَ فِي قِرَاءَتِهِ إذَا تَمَهَّلَ فِيهَا وَتَوَقَّفَ، وَلَا يَفْصِلُ بَيْنَ كَلِمَتَيْ الْإِقَامَةِ بَلْ يَجْعَلُهُمَا كَلَامًا وَاحِدًا وَهُوَ الْحَدْرُ، وَيَكُونُ صَوْتُهُ أَخْفَضَ مِنْ صَوْتِ الْأَذَانِ، وَيُرَتِّبُ بَيْنَ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ كَمَا شُرِعَ، فَإِنْ قَدَّمَ بَعْضًا وَأَخَّرَ بَعْضًا فَالْأَفْضَلُ الْإِعَادَةُ مُرَاعَاةً لِلتَّرْتِيبِ، وَأَنْ يُوَالِيَ بَيْنَ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ حَتَّى لَوْ تَرَكَ الْمُوَالَاةَ فَالسَّنَةُ أَنْ يُعِيدَ الْأَذَانَ وَيَسْتَقْبِلَ بِهِمَا الْقِبْلَةَ إلَّا فِي الصَّلَاةِ وَالْفَلَاحِ. وَالثَّانِي وَهُوَ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا عَاقِلًا صَالِحًا عَالِمًا بِالسُّنَّةِ وَبِأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ، فَأَذَانُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ صَحِيحٌ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَأَذَانُ الْبَالِغِ أَفْضَلُ، وَأَذَانُ غَيْرِ الْعَاقِلِ وَالسَّكْرَانِ يُعَادُ، وَكَذَلِكَ أَذَانُ الْمَرْأَةِ. وَقَوْلُهُ: (وَيَسْتَقْبِلُ بِهِمَا) أَيْ بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ (الْقِبْلَةَ) لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (وَيُحَوِّلُ وَجْهَهُ لِلصَّلَاةِ وَالْفَلَاحِ) يَعْنِي عِنْدَ قَوْلَهُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ (يَمْنَةً وَيَسْرَةً) ؛ لِأَنَّهُ خِطَابٌ لِلْقَوْمِ فَيُوَاجِهُهُمْ بِهِ. قِيلَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَحَوَّلَ وَرَاءَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْقَوْمَ كَمَا يَكُونُونَ فِيهَا كَذَلِكَ يَكُونُونَ فِي الْخَلْفِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يُحَوِّلْ وَرَاءَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ فِيهِ اسْتِدْبَارَ الْقِبْلَةِ فِيمَا هُوَ دُعَاءٌ إلَى التَّوَجُّهِ إلَيْهَا فَاكْتَفَى فِيهِ بِمَا يَحْصُلُ لَهُمْ مِنْ بُلُوغِ الصَّوْتِ عِنْدَ تَحْوِيلِ الْوَجْهِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً (وَإِنْ اسْتَدَارَ فِي صَوْمَعَتِهِ فَحَسَنٌ) ظَاهِرٌ.

يَجْعَلَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ) بِذَلِكَ أَمَرَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِلَالًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِأَنَّهُ أَبْلُغُ فِي الْإِعْلَامِ (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَحَسَنٌ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ أَصْلِيَّةٍ (وَالتَّثْوِيبُ فِي الْفَجْرِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ مَرَّتَيْنِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ حَسَنٌ) لِأَنَّهُ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ (وَكُرِهَ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ) وَمَعْنَاهُ الْعَوْدُ إلَى الْإِعْلَامِ بَعْدَ الْإِعْلَامِ وَهُوَ عَلَى حَسَبِ مَا تَعَارَفُوهُ، وَهَذَا التَّثْوِيبُ أَحْدَثَهُ عُلَمَاءُ الْكُوفَةِ بَعْدَ عَهْدِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لِتَغَيُّرِ أَحْوَالِ النَّاسِ، وَخَصُّوا الْفَجْرَ بِهِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَالْمُتَأَخِّرُونَ اسْتَحْسَنُوهُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا لِظُهُورِ التَّوَانِي فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَحَسَنٌ) أَيْ فَالْأَذَانُ حَسَنٌ لَا تَرْكُ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ السُّنَنِ الْأَصْلِيَّةِ حَيْثُ لَمْ يُذْكَرْ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ الْأَصْلُ فِي بَابِ الْأَذَانِ لَكِنَّهُ فِعْلٌ أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَالًا فَلَا يَلِيقُ أَنْ يُوصَفَ تَرْكُهُ بِالْحَسَنِ وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي زَوَالِ الْحُسْنِ الْمُتَمَكِّنِ فِي نَفْسِ الْأَذَانِ الَّذِي هُوَ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى فَكَانَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَذَانَ بِذَلِكَ الْفِعْلِ أَحْسَنُ وَبِتَرْكِهِ حَسَنٌ. وَقَوْلُهُ: (وَالتَّثْوِيبُ فِي الْفَجْرِ) مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ: (حَسَنٌ) خَبَرُهُ. وَقَوْلُهُ: (وَكُرِهَ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَأَى مُؤَذِّنًا يُثَوِّبُ فِي الْعِشَاءِ فَقَالَ: أَخْرِجُوا هَذَا الْمُبْتَدِعَ مِنْ الْمَسْجِدِ. وَرَوَى مُجَاهِدٌ قَالَ: دَخَلْت مَعَ ابْنِ عُمَرَ مَسْجِدًا يُصَلَّى فِيهِ الظُّهْرُ فَسَمِعَ مُؤَذِّنًا يُثَوِّبُ فَغَضِبَ وَقَالَ: قُمْ حَتَّى نَخْرُجَ مِنْ عِنْدِ هَذَا الْمُبْتَدِعِ، فَمَا كَانَ التَّثْوِيبُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ. وَقَوْلُهُ: (وَمَعْنَاهُ) أَيْ مَعْنَى التَّثْوِيبِ فِي الِاصْطِلَاحِ (الْعَوْدُ إلَى الْإِعْلَامِ بَعْدَ الْإِعْلَامِ) وَهُوَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الرُّجُوعِ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الثَّوَابُ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ عَمَلِهِ تَعُودُ إلَيْهِ (وَهُوَ) أَيْ التَّثْوِيبُ (عَلَى حَسَبِ مَا تَعَارَفَهُ أَهْلُ كُلِّ بَلْدَةٍ) مِنْ التَّنَحْنُحِ أَوْ قَوْلُهُ: الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ أَوْ قَوْلُهُ: قَامَتْ قَامَتْ؛ لِأَنَّهُ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْإِعْلَامِ إنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِمَا تَعَارَفُوهُ. وَقَوْلُهُ: (وَهَذَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ مَرَّتَيْنِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ (التَّثْوِيبُ أَحْدَثَهُ عُلَمَاءُ الْكُوفَةِ بَعْدَ عَهْدِ الصَّحَابَةِ لِتَغَيُّرِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَخَصُّوا الْفَجْرَ بِهِ لِمَا ذَكَرْنَا) أَنَّهُ وَقْتُ غَفْلَةٍ وَلَمْ يُذْكَرْ التَّثْوِيبُ الْقَدِيمُ هَاهُنَا، وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ التَّثْوِيبَ الْأَوَّلَ كَانَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ بَعْدَ الْأَذَانِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ فَأَحْدَثَ النَّاسُ هَذَا التَّثْوِيبَ: يَعْنِي بِهِ قَوْلَهُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ مَرَّتَيْنِ (وَالْمُتَأَخِّرُونَ اسْتَحْسَنُوهُ) أَيْ التَّثْوِيبَ الْمُحْدَثَ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا لِظُهُورِ التَّوَانِي فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ، وَلَكِنْ

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يَقُولَ الْمُؤَذِّنُ لِلْأَمِيرِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا الْأَمِيرُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، الصَّلَاةَ يَرْحَمُك اللَّهُ، وَاسْتَبْعَدَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ النَّاسَ سَوَاسِيَةٌ فِي أَمْرِ الْجَمَاعَةِ، وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خَصَّهُمْ بِذَلِكَ لِزِيَادَةِ اشْتِغَالِهِمْ بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ كَيْ لَا تَفُوتَهُمْ الْجَمَاعَةُ، وَعَلَى هَذَا الْقَاضِي وَالْمُفْتِي. (وَيَجْلِسُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ إلَّا فِي الْمَغْرِبِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا: يَجْلِسُ فِي الْمَغْرِبِ أَيْضًا جَلْسَةً خَفِيفَةً) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْفَصْلِ إذْ الْوَصْلُ مَكْرُوهٌ، وَلَا يَقَعُ الْفَصْلُ بِالسَّكْتَةِ لِوُجُودِهِمَا بَيْنَ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ فَيَفْصِلُ بِالْجَلْسَةِ كَمَا بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ التَّأْخِيرَ مَكْرُوهٌ فَيُكْتَفَى بِأَدْنَى الْفَصْلِ احْتِرَازًا عَنْهُ وَالْمَكَانُ فِي مَسْأَلَتِنَا مُخْتَلَفٌ، وَكَذَا النَّغْمَةُ فَيَقَعُ الْفَصْلُ بِالسَّكْتَةِ وَلَا كَذَلِكَ الْخُطْبَةُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَفْصِلُ بِرَكْعَتَيْنِ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَالْفَرْقُ قَدْ ذَكَرْنَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَشْتَرِطُوا عَيْنَ ذَلِكَ اللَّفْظِ الَّذِي هُوَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ بَلْ ذَكَرُوا مَا تَعَارَفُوهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا، وَيَكُونُ هَذَا إحْدَاثًا بَعْدَ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّ التَّثْوِيبَ الْأَصْلِيَّ كَانَ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ لَا غَيْرُ فِي أَذَانِ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَ أَذَانِ الْفَجْرِ، فَأَحْدَثَ عُلَمَاءُ الْكُوفَةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فِي الْفَجْرِ خَاصَّةً مَعَ إبْقَاءِ الْأَوَّلِ، وَأَحْدَثَ الْمُتَأَخِّرُونَ التَّثْوِيبَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ عَلَى حَسَبِ مَا تَعَارَفُوهُ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ سِوَى الْمَغْرِبِ مَعَ إبْقَاءِ الْأَوَّلِ، وَمَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ. وَقَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ) كَلَامٌ يَتَعَلَّقُ بِالتَّثْوِيبِ الْمُحْدَثِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ بِزِيَادَةِ اخْتِصَاصٍ بِمَنْ يَكُونُ مُشْتَغِلًا بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ ظَاهِرٌ. قَالَ (وَيَجْلِسُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ إلَّا فِي الْمَغْرِبِ) لَا خِلَافَ أَنَّ وَصْلَ الْأَذَانِ بِالْإِقَامَةِ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْأَذَانِ إعْلَامُ النَّاسِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ لِيَتَأَهَّبُوا لِلصَّلَاةِ بِالطَّهَارَةِ فَيَحْضُرُوا الْمَسْجِدَ لِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَبِالْوَصْلِ يَنْتَفِي هَذَا الْمَقْصُودُ، فَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ مِمَّا يُتَطَوَّعُ قَبْلَهَا مَسْنُونًا كَانَ أَوْ كَانَتْ مُسْتَحَبًّا يُفْصَلُ بَيْنَهُمَا بِالصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ قَالَهُ ثَلَاثًا، وَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ لِمَنْ شَاءَ» فَإِنْ لَمْ يُصَلِّ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجِلْسَةٍ خَفِيفَةٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي الْمَغْرِبِ فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْفَصْلَ لَا بُدَّ مِنْهُ فِيهِ أَيْضًا لَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِهِ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِسَكْتَةٍ قَائِمًا مِقْدَارَ مَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ قِرَاءَةِ ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: مِقْدَارَ مَا يَخْطُوا ثَلَاثَ خُطُوَاتٍ ثُمَّ يُقِيمُ عِنْدَهُمَا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجِلْسَةٍ خَفِيفَةٍ مِقْدَارَ الْجِلْسَةِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ، وَالْوَجْهُ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ: (وَالْفَرْقُ قَدْ ذَكَرْنَاهُ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ إنَّ التَّأْخِيرَ مَكْرُوهٌ، بِخِلَافِ سَائِرِ

(قَالَ يَعْقُوبُ: رَأَيْت أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُؤَذِّنُ فِي الْمَغْرِبِ وَيُقِيمُ وَلَا يَجْلِسُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ) وَهَذَا يُفِيدُ مَا قُلْنَا، وَأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ كَوْنُ الْمُؤَذِّنِ عَالِمًا بِالسُّنَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّلَوَاتِ فَإِنَّ التَّأْخِيرَ فِيهَا لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ، وَالِاشْتِغَالُ بِالرَّكْعَتَيْنِ يُؤَدِّي إلَى التَّأْخِيرِ فَلِذَلِكَ لَا يُفْصَلُ بَيْنَهُمَا، وَالْمَذْكُورُ هُنَا مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ مُنَافٍ لِمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْمَوَاقِيتِ مِنْ وَقْتِ الْمَغْرِبِ وَهُوَ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ (قَالَ يَعْقُوبُ: رَأَيْت أَبَا حَنِيفَةَ يُؤَذِّنُ فِي الْمَغْرِبِ وَيُقِيمُ وَلَا يَجْلِسُ، وَهَذَا يُفِيدُ مَا قُلْنَا) أَنْ لَا جُلُوسَ عِنْدَهُ فِي أَذَانِ الْمَغْرِبِ، وَإِنَّمَا أَوْرَدَهُ لِيُؤَكِّدَ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ بِفِعْلِهِ: " قِيلَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَبَا يُوسُفَ بِاسْمِهِ دُونَ كُنْيَتِهِ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ التَّسْوِيَةِ فِي التَّعْظِيمِ بَيْنَ الشَّيْخَيْنِ، وَكَانَ مُحَمَّدٌ مَأْمُورًا مِنْ جِهَةِ أَبِي يُوسُفَ أَنْ يَذْكُرَهُ بِاسْمِهِ حَيْثُ ذَكَرَ أَبَا حَنِيفَةَ. قَوْلُهُ: (وَإِنَّ الْمُسْتَحَبَّ) مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قُلْنَا يَعْنِي يُفِيدُ مَا قُلْنَا، وَيُفِيدُ اسْتِحْبَابَ (كَوْنُ الْمُؤَذِّنِ عَالِمًا بِالسُّنَّةِ) أَيْ بِأَحْكَامِ الشَّرْعِ

لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَيُؤَذِّنُ لَكُمْ خِيَارُكُمْ» . (وَيُؤَذِّنُ لِلْفَائِتَةِ وَيُقِيمُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَيُؤَذِّنُ لَكُمْ خِيَارُكُمْ» ) وَخِيَارُهُمْ مَنْ كَانَ عَالِمًا بِأَحْكَامِ الشَّرْعِ، وَهَذَا يَرُدُّ عَلَى مَنْ قَالَ: الْأَحْسَنُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُفَوِّضَ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ إلَى غَيْرِهِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا كَانَ يُبَاشِرُ الْأَذَانَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْإِقَامَةَ بِنَفْسِهِ وَكَانَ إمَامًا لَهُمْ فِي الصَّلَوَاتِ. قُلْنَا: أَذَّنَ وَأَقَامَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْيَانًا. رَوَى عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ «كُنْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ فَلَمَّا زَالَتْ الشَّمْسُ أَذَّنَ وَأَقَامَ وَصَلَّى الظُّهْرَ» .

«لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَى الْفَجْرَ غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ» ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: (غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ) التَّعْرِيسُ النُّزُولُ فِي آخِرِ اللَّيْلِ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بِإِسْنَادِهِ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةً فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: لَوْ عَرَّسْت بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَخَافُ أَنْ تَنَامُوا عَنْ الصَّلَاةِ، قَالَ بِلَالٌ: أَنَا أُوقِظُكُمْ، فَاضْطَجَعُوا وَأَسْنَدَ بِلَالٌ ظَهْرَهُ إلَى رَاحِلَتِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَنَامَ، فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَقَالَ: يَا بِلَالُ أَيْنَ مَا قُلْت؟ قَالَ: مَا أُلْقِيَتْ عَلَيَّ نَوْمَةٌ مِثْلُهَا قَطُّ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ وَرَدَّهَا عَلَيْكُمْ

وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي اكْتِفَائِهِ بِالْإِقَامَةِ (فَإِنْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ أَذَّنَ لِلْأُولَى وَأَقَامَ) لَمَا رَوَيْنَا (وَكَانَ مُخَيَّرًا فِي الْبَاقِي، إنْ شَاءَ أَذَّنَ وَأَقَامَ) لِيَكُونَ الْقَضَاءُ عَلَى حَسَبِ الْأَدَاءِ (وَإِنْ شَاءَ اقْتَصَرَ عَلَى الْإِقَامَةِ) لِأَنَّ الْأَذَانَ لِلِاسْتِحْضَارِ وَهُمْ حُضُورٌ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُقِيمُ لِمَا بَعْدَهَا وَلَا يُؤَذِّنُ، قَالُوا: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا. (وَيَنْبَغِي أَنْ يُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ عَلَى طُهْرٍ، فَإِنْ أَذَّنَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ جَازَ) لِأَنَّهُ ذِكْرٌ وَلَيْسَ بِصَلَاةٍ فَكَانَ الْوُضُوءُ فِيهِ اسْتِحْبَابًا كَمَا فِي الْقِرَاءَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQحِينَ شَاءَ، يَا بِلَالُ قُمْ فَأَذِّنْ النَّاسَ بِالصَّلَاةِ فَتَوَضَّأْ، فَلَمَّا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ وَابْيَضَّتْ قَامَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ جَمَاعَةً» (وَهُوَ) أَيْ قَضَاءُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ (حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي اكْتِفَائِهِ بِالْإِقَامَةِ) لَا يُقَالُ: قَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ بِدُونِ ذِكْرِ الْأَذَانِ؛ لِأَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ، فَالْعَمَلُ بِالزِّيَادَةِ أَوْلَى، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ رَاوِيهِمَا وَاحِدًا وَلَمْ يَثْبُتْ هَاهُنَا ذَلِكَ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الرَّاوِيَ إذَا كَانَ مُتَعَدِّدًا إنَّمَا يُعْمَلُ بِالْخَبَرَيْنِ إذَا أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِمَا، وَهَاهُنَا لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ (فَإِنْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ أَذَّنَ لِلْأُولَى وَأَقَامَ لِمَا رَوَيْنَا) مِنْ حَدِيثِ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ (وَكَانَ مُخَيَّرًا فِي الْبَاقِي إنْ شَاءَ أَذَّنَ وَأَقَامَ) لِيَكُونَ الْقَضَاءُ عَلَى حَسَبِ الْأَدَاءِ (وَإِنْ شَاءَ اقْتَصَرَ عَلَى الْإِقَامَةِ) ؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ لِلِاسْتِحْضَارِ وَهُمْ حُضُورٌ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ الرِّفْقُ مُتَعَيِّنًا فِي أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فَلَا تَخْيِيرَ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي قَصْرِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ وَهَاهُنَا الرِّفْقُ مُتَعَيِّنٌ فِي الْإِقَامَةِ فَمَا وَجْهُ التَّخْيِيرِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ الْوَاجِبَيْنِ لَا فِي السُّنَنِ وَالتَّطَوُّعَاتِ. قَالَ (وَعَنْ مُحَمَّدٍ) رُوِيَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ عَنْ مُحَمَّدٍ: إذَا فَاتَتْ صَلَوَاتٌ تُقْضَى الْأُولَى بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، وَالْبَوَاقِي بِالْإِقَامَةِ دُونَ الْأَذَانِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ (يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلَهُمْ جَمِيعًا) وَالْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ مَحْمُولٌ عَلَى الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ فَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ بَيْنَ أَصْحَابِنَا. قَالَ (وَيَنْبَغِي أَنْ يُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ عَلَى طُهْرٍ) ؛ لِأَنَّ لَهُمَا شَبَهًا بِالصَّلَاةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي، فَإِنْ أَذَّنَ بِغَيْرِ وُضُوءٍ جَازَ بِلَا

(وَيُكْرَهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْفَصْلِ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ، وَيُرْوَى أَنَّهُ لَا تُكْرَهُ الْإِقَامَةُ أَيْضًا لِأَنَّهَا أَحَدُ الْأَذَانَيْنِ، وَيُرْوَى أَنَّهُ يُكْرَهُ الْأَذَانُ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَصِيرُ دَاعِيًا إلَى مَا لَا يُجِيبُ بِنَفْسِهِ (وَيُكْرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ وَهُوَ جُنُبٌ) رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّ لِلْأَذَانِ شَبَهًا بِالصَّلَاةِ فَتَشْتَرِطُ الطَّهَارَةُ عَنْ أَغْلَظِ الْحَدَثَيْنِ دُونَ أَخَفِّهِمَا عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إذَا أَذَّنَ وَأَقَامَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ لَا يُعِيدُ وَالْجُنُبُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ (وَلَوْ لَمْ يُعِدْ أَجْزَأَهُ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِخِفَّةِ الْحَدَثِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَفِي الْإِعَادَةِ بِسَبَبِ الْجَنَابَةِ رِوَايَتَانِ، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يُعَادَ الْأَذَانُ دُونَ الْإِقَامَةِ لِأَنَّ تَكْرَارَ الْأَذَانِ مَشْرُوعٌ دُونَ الْإِقَامَةِ. وَقَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يُعِدْ أَجْزَأَهُ: يَعْنِي الصَّلَاةَ لِأَنَّهَا جَائِزَةٌ بِدُونِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ. قَالَ (وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ تُؤَذِّنُ) مَعْنَاهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُعَادَ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَرَاهَةٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ فَكَانَ الْوُضُوءُ فِيهِ مُسْتَحَبًّا كَالْقِرَاءَةِ (وَيُكْرَهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْفَصْلِ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ بِالِاشْتِغَالِ بِأَعْمَالِ الْوُضُوءِ، وَالْإِقَامَةُ شُرِعَتْ مُتَّصِلَةً بِالشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ (وَيُرْوَى أَنَّهُ) أَيْ الشَّأْنَ (لَا تُكْرَهُ الْإِقَامَةُ أَيْضًا) ؛ لِأَنَّهَا أَحَدُ الْأَذَانَيْنِ، وَالْآخَرُ وَهُوَ الْأَذَانُ لَا يُكْرَهُ بِلَا وُضُوءٍ فَكَذَا الْإِقَامَةُ (وَيُرْوَى يُكْرَهُ الْأَذَانُ أَيْضًا) وَهُوَ رِوَايَةُ الْكَرْخِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ دَاعِيًا إلَى مَا لَا يُجِيبُ بِنَفْسِهِ. (وَيُكْرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ وَهُوَ جُنُبٌ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) أَيْ بَيْنَ أَذَانِ الْجُنُبِ وَالْمُحْدِثِ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي لَا يُكْرَهُ أَذَانُهُ (أَنَّ لِلْأَذَانِ شَبَهًا بِالصَّلَاةِ) فِي أَنَّهُمَا يُفْتَتَحَانِ بِالتَّكْبِيرِ وَيُؤَدَّيَانِ مَعَ الِاسْتِقْبَالِ وَيُرَتِّبُ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ كَأَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَيَخْتَصَّانِ بِالْوَقْتِ وَلَا يَتَكَلَّمُ فِيهِمَا إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِصَلَاةٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَلَوْ كَانَ صَلَاةً عَلَى الْحَقِيقَةِ لَمْ يَجُزْ مَعَ الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ فَإِذَا كَانَ مُشَبَّهًا بِهَا كُرِهَ مَعَ الْجَنَابَةِ اعْتِبَارًا لِلشَّبَهِ وَلَمْ يُكْرَهْ مَعَ الْحَدَثِ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ وَلَمْ يُعْكَسْ؛ لِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا فِي الْحَدَثِ جَانِبَ الشَّبَهِ لَزِمَنَا اعْتِبَارُهُ فِي الْجَنَابَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ الْحَدَثَيْنِ فَكَانَ يَتَعَطَّلُ جَانِبُ الْحَقِيقَةِ. وَذَكَرَ رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْإِعَادَةِ وَعَدَمِهَا. وَقَوْلُهُ: (أَمَّا الْأَوَّلُ) يَعْنِي عَدَمَ إعَادَةِ أَذَانِ الْمُحْدِثِ وَإِقَامَتِهِ. وَقَوْلُهُ: (وَأَمَّا الثَّانِي) يَعْنِي اسْتِحْبَابَ الْإِعَادَةِ بِسَبَبِ الْجَنَابَةِ. وَقَوْلُهُ: (رِوَايَتَانِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُسْتَحَبُّ، وَفِي رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ يَجِبُ وَالْأَشْبَهُ إعَادَةُ الْأَذَانِ فَقَطْ) ؛ لِأَنَّ تَكْرَارَ الْأَذَانِ مَشْرُوعٌ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ بِخِلَافِ الْإِقَامَةِ. وَقَوْلُهُ: (يَعْنِي الصَّلَاةَ) إنَّمَا فَسَّرَهُ بِهَذَا؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْإِيضَاحِ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ الْجَوَازِ أَصْلَ الْأَذَانِ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ زَائِدٌ فِي الْبَابِ. وَقَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ تُؤَذِّنُ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ، وَالْجُنُبُ

لِيَقَعَ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ (وَلَا يُؤَذِّنُ لِصَلَاةٍ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا وَيُعَادُ فِي الْوَقْتِ) لِأَنَّ الْأَذَانَ لِلْإِعْلَامِ وَقَبْلَ الْوَقْتِ تَجْهِيلٌ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَجُوزُ لِلْفَجْرِ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ اللَّيْلِ) لِتَوَارُثِ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ. وَالْحُجَّةُ عَلَى الْكُلِّ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِبِلَالٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «لَا تُؤَذِّنْ حَتَّى يَسْتَبِينَ لَك الْفَجْرُ هَكَذَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQأُحِبُّ أَنْ يُعِيدَ. وَقَوْلُهُ: (لِيَقَعَ) أَيْ الْأَذَانُ (عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ) فَإِنَّ أَذَانَ الْمَرْأَةِ لَا يَكُونُ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ بَلْ عَلَى وَجْهِ الْبِدْعَةِ؛ لِأَنَّهَا إنْ رَفَعَتْ صَوْتَهَا فِي أَعْلَى مَوْضِعٍ ارْتَكَبَتْ بِدْعَةً وَإِلَّا لَمْ تُؤَذِّنْ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ وَتَرْكُ وَجْهِ هَذِهِ السُّنَّةِ بِدْعَةٌ، وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا سُنَّتَا الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ وَجَمَاعَتُهُنَّ مَنْسُوخَةٌ وَإِنْ صَلَّيْنَ بِجَمَاعَةٍ صَلَّيْنَ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ لِحَدِيثِ رَائِطَةَ قَالَتْ: كُنَّا جَمَاعَةً مِنْ النِّسَاءِ أَمَّتْنَا عَائِشَةُ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ وَقَوْلُهُ: (وَلَا يُؤَذَّنُ لِصَلَاةٍ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (وَالْحُجَّةُ عَلَى الْكُلِّ) أَيْ عَلَى أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَهْلِ الْحَرَمَيْنِ: يَعْنِي أَنَّ الْحَدِيثَ حُجَّةٌ عَلَى الْآخِذِ وَالْمَأْخُوذِ مِنْهُ، فَإِنْ قِيلَ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «لَا يَغُرَّنَّكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ» وَيُعْلَمُ بِهِ أَنَّهُ كَانَ يُؤَذِّنُ قَبْلَ الْوَقْتِ

وَمَدَّ يَدَهُ عَرْضًا» . (وَالْمُسَافِرُ يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِابْنَيْ أَبِي مُلَيْكَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «إذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا» ـــــــــــــــــــــــــــــQأُجِيبَ بِأَنَّهُ حُجَّةٌ لَنَا حَيْثُ لَمْ يَعْتَبِرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذَانَهُ وَنَهَاهُمْ عَنْ الِاغْتِرَارِ بِهِ وَاعْتِبَارِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ «أَنَّ أَذَانَ بِلَالٍ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ عَلَى نَفْسِهِ أَلَا إنَّ الْعَبْدَ قَدْ نَامَ» : يَعْنِي نَفْسَهُ، أَيْ أَنَّهُ أَذَّنَ فِي حَالِ النَّوْمِ وَالْغَفْلَةِ وَكَانَ يَبْكِي وَيَطُوفُ حَوْلَ الْمَدِينَةِ وَيَقُولُ: لَيْتَ بِلَالًا لَمْ تَلِدْهُ أُمُّهُ وَابْتَلَّ مِنْ نَضْحِ دَمِ جَنِينِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ مُعَاتَبَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاهُ. وَقَوْلُهُ: (لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِابْنَيْ أَبِي مُلَيْكَةَ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْمَبْسُوطِ بِخِطَابِ غَيْرِهِمَا. وَقَالَ: رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَابْنِ عَمٍّ لَهُ إذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْثَرُكُمَا قُرْآنًا» وَرَوَى فَخْرُ الْإِسْلَامِ "

[باب شروط الصلاة التي تتقدمها]

(فَإِنْ تَرَكَهُمَا جَمِيعًا يُكْرَهُ) وَلَوْ اكْتَفَى بِالْإِقَامَةِ جَازَ لِأَنَّ الْأَذَانَ لِاسْتِحْضَارِ الْغَائِبِينَ وَالرُّفْقَةُ حَاضِرُونَ وَالْإِقَامَةُ لِإِعْلَامِ الِافْتِتَاحِ وَهُمْ إلَيْهِ مُحْتَاجُونَ (فَإِنْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ فِي الْمِصْرِ يُصَلِّي بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ) لِيَكُونَ الْأَدَاءُ عَلَى هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ (وَإِنْ تَرَكَهُمَا جَازَ) لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَذَانُ الْحَيِّ يَكْفِينَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQ «وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا سِنًّا» وَقَوْلُهُ: (فَإِنَّ تَرْكَهُمَا جَمِيعًا يُكْرَهُ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ) رُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَلَّى بِعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ بِلَا أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، فَقِيلَ لَهُ أَلَا تُؤَذِّنُ وَتُقِيمُ؟ فَقَالَ (أَذَانُ الْحَيِّ يَكْفِينَا) وَذَلِكَ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ نَائِبٌ عَنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِنَصْبِهِمْ إيَّاهُ لِذَلِكَ، فَكَانَ الْمُصَلِّي فِي الْحَيِّ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ حَقِيقَةً مُصَلِّيًا بِهِمَا حُكْمًا فَلَا يُكْرَهُ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ إذَا صَلَّى وَحْدَهُ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لِكَوْنِهِ تَارِكًا لَهُمَا حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَهُوَ تَارِكٌ لِلْجَمَاعَةِ حَقِيقَةً وَتَشَبُّهًا، وَتَرْكُ الصَّلَاةِ بِجَمَاعَةٍ مَكْرُوهٌ، فَكَذَا تَرْكُ التَّشَبُّهِ كَمَا إذَا عَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ وَقَدَرَ عَلَى التَّشَبُّهِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ تَرْكُهُ. [بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ الَّتِي تَتَقَدَّمُهَا]

بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ الَّتِي تَتَقَدَّمُهَا: (يَجِبُ عَلَى الْمُصَلِّي أَنْ يُقَدِّمَ الطَّهَارَةَ مِنْ الْأَحْدَاثِ وَالْأَنْجَاسِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] . (وَيَسْتُرُ عَوْرَتَهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ السَّبَبِ وَهُوَ الْوَقْتُ وَمَا هُوَ عَلَامَةٌ عَلَيْهِ ذَكَرَ بَقِيَّةَ الشُّرُوطِ، وَالشُّرُوطُ جَمْعُ شَرْطٍ وَهُوَ الْعَلَامَةُ. وَفِي الِاصْطِلَاحِ: مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ الشَّيْءِ وَلَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِيهِ. وَقَوْلُهُ: (الَّتِي تَتَقَدَّمُهَا) صِفَةٌ مُؤَكِّدَةٌ لَا مُمَيِّزَةٌ إذْ لَيْسَ مِنْ الشُّرُوطِ مَا لَا يَكُونُ مُتَقَدِّمًا حَتَّى يَكُونَ احْتِرَازًا عَنْهُ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ أُسْلُوبِ قَوْله تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} [المائدة: 44] وَقَوْلُهُ: (يَجِبُ عَلَى الْمُصَلِّي أَنْ يُقَدِّمَ الطَّهَارَةَ) إنَّمَا أَعَادَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ كَوْنُهَا شَرْطًا لِلصَّلَاةِ لِيَكُونَ الْبَابُ مُشْتَمِلًا عَلَى جُمْلَةِ الشُّرُوطِ قَوْلُهُ: أَيْ مَا يُوَارِي عَوْرَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ: يَعْنِي لِأَجْلِ الصَّلَاةِ لَا لِأَجْلِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ فِي الْأَسْوَاقِ أَكْثَرُ مِنْهُمْ فِي الْمَسَاجِدِ، فَلَوْ كَانَ لِأَجْلِهِمْ لَقَالَ عِنْدَ دُخُولِ الْأَسْوَاقِ، فَكَانَ مَعْنَاهُ: خُذُوا مَا يُوَارِي عَوْرَتَكُمْ مِنْ الثَّوْبِ الَّذِي تَحْصُلُ بِهِ الزِّينَةُ وَهِيَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الزِّينَةِ نَفْسِهَا وَهِيَ مَصْدَرٌ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِهَذَا الطَّرِيقِ فَكَانَ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ اسْمِ الْحَالِّ عَلَى الْمَحَلِّ. وَفِي قَوْلِهِ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ إطْلَاقُ اسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ. فَإِنْ قِيلَ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي شَأْنِ الطَّوَافِ لَا فِي حَقِّ الصَّلَاةِ فَلَا تَكُونُ حُجَّةً فِي وُجُوبِ السَّتْرِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ

أَيْ مَا يُوَارِي عَوْرَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ لِحَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» أَيْ لِبَالِغَةٍ (وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ مَا تَحْتَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَوْرَةُ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ» وَيُرْوَى «مَا دُونَ سُرَّتِهِ حَتَّى تُجَاوِزَ رُكْبَتَهُ» وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ السُّرَّةَ لَيْسَتْ مِنْ الْعَوْرَةِ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالرُّكْبَةُ مِنْ الْعَوْرَةِ) خِلَافًا لَهُ أَيْضًا، وَكَلِمَةُ إلَى نَحْمِلُهَا عَلَى كَلِمَةِ مَعَ عَمَلًا بِكَلِمَةِ حَتَّى أَوْ عَمَلًا بِقَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّبَبِ. وَقَوْلُهُ: (عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) عَامٌّ فَلَا يَخْتَصُّ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَقَوْلُهُ: (وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ لِحَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» ) أَيْ لِبَالِغَةٍ؛ لِأَنَّ الْحَائِضَ لَا صَلَاةَ لَهَا لَا بِخِمَارٍ وَلَا بِغَيْرِهِ، فَكَانَ مَجَازًا عَنْ الْبَالِغَةِ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ يَسْتَلْزِمُ الْبُلُوغَ. وَفِي دَلَالَةِ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ عَلَى فَرْضِيَّةِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ نَظَرٌ أَمَّا الْآيَةُ فَإِنَّهَا تُفِيدُ الْوُجُوبَ فِي حَقِّ الطَّوَافِ وَلِهَذَا كَانَ طَوَافُ الْعَارِي مُعْتَدًّا بِهِ، فَلَوْ أَفَادَتْ الْفَرْضِيَّةَ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ لَكَانَ لَفْظُ خُذُوا مُسْتَعْمَلًا فِي الْوُجُوبِ وَالِافْتِرَاضِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَلِأَنَّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ فَلَا يُفِيدُ الْفَرْضِيَّةَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْآيَةَ قَطْعِيُّ الثُّبُوتِ دُونَ الدَّلَالَةِ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ، وَالْحَدِيثُ قَطْعِيُّ الدَّلَالَةِ لِأَدَاةِ الْحَصْرِ ظَنِّيُّ الثُّبُوتِ لِكَوْنِهِ خَبَرَ الْوَاحِدِ، فَبِمَجْمُوعِهِمَا تَحْصُلُ الدَّلَالَةُ عَلَى الِافْتِرَاضِ فَتَأَمَّلْ. وَقَوْلُهُ: (وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ السُّرَّةَ لَيْسَتْ مِنْ الْعَوْرَةِ) ؛ لِأَنَّهُ قَالَ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ، وَقَالَ مَا دُونَ سُرَّتِهِ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ ذَلِكَ أَلَّا تَكُونَ السُّرَّةُ عَوْرَةً. وَقَوْلُهُ: (وَالرُّكْبَةُ) مَعْطُوفٌ عَلَى السُّرَّةِ

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الرُّكْبَةُ مِنْ الْعَوْرَةِ» . (وَبَدَنُ الْحُرَّةِ كُلِّهَا عَوْرَةٌ إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ مَسْتُورَةٌ» ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِيهِمَا خِلَافُ الشَّافِعِيِّ. فَإِنْ قِيلَ كَلِمَةُ إلَى لِلْغَايَةِ وَهِيَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِمَدِّ الْحُكْمِ إلَيْهَا فَلَا تَدْخُلُ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ وَكَلِمَةُ إلَى تَحْمِلُهَا عَلَى كَلِمَةِ مَعَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: 2] عَمَلًا بِكَلِمَةِ حَتَّى فِي قَوْلِهِ حَتَّى يُجَاوِزَ رُكْبَتَهُ أَوْ عَمَلًا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الرُّكْبَةُ مِنْ الْعَوْرَةِ» وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ حَتَّى إذَا دَخَلَ الْفِعْلُ كَانَ بِمَعْنَى إلَى فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَعَمَلًا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْوَاوِ؛ لِأَنَّ الْمُعَارَضَةَ قَائِمَةٌ بِكُلٍّ مِنْهُمَا. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ بِمَعْنَى إلَى لَكِنْ مَعَ دُخُولِ الْغَايَةِ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ كَلِمَةَ أَوْ لِمَنْعِ الْخُلُوِّ لَا لِمَنْعِ الْجَمْعِ فَلَا يَكُونُ مُنَافِيًا. ثُمَّ إنَّ الْمَشَايِخَ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الرُّكْبَةَ مَعَ الْفَخِذِ عُضْوٌ وَاحِدٌ أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا عُضْوٌ عَلَى حِدَةٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ: ثُمَّ الرُّكْبَةُ إلَى آخِرِ الْفَخِذِ عُضْوٌ وَاحِدٌ حَتَّى لَوْ صَلَّى وَالرُّكْبَتَانِ مَكْشُوفَتَانِ وَالْفَخِذُ مُغَطًّى جَازَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الرُّكْبَةِ مِنْ الْفَخِذِ أَقَلُّ مِنْ الرُّبْعِ. قَالَ وَقَدْ قِيلَ بِأَنَّهَا بِانْفِرَادِهَا عُضْوٌ وَاحِدٌ، وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعُضْوٍ عَلَى حِدَةٍ فِي الْحَقِيقَةِ بَلْ هِيَ مُلْتَقَى عَظْمِ الْفَخِذِ وَالسَّاقِ وَإِنَّمَا حَرُمَ النَّظَرُ إلَيْهَا مِنْ الرِّجَالِ لِتَعَذُّرِ التَّمْيِيزِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ مِنْ تَبْعِيضِيَّةٌ وَعَلَى الثَّانِي بَيَانِيَّةٌ. . قَالَ (وَبَدَنُ الْحُرَّةِ كُلُّهَا عَوْرَةٌ) كُلُّهَا تَأْكِيدُ الْبَدَنِ وَتَأْنِيثُهُ لِتَأْنِيثِ الْمُضَافِ إلَيْهِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ ذَهَبَتْ بَعْضُ أَصَابِعِهِ. وَقَوْلُهُ: (وَكَفَّيْهَا) يُشِيرُ إلَى أَنَّ ظَهْرَ الْكَفِّ عَوْرَةٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّ عُرْفًا لَا يَتَنَاوَلُ ظَهْرَهُ، وَفِي مُخْتَلِفَاتِ قَاضِي خَانْ ظَاهِرُ الْكَفِّ وَبَاطِنُهُ لَيْسَا بِعَوْرَتَيْنِ. وَقَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ مَسْتُورَةٌ» خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ.

وَاسْتِثْنَاءُ الْعُضْوَيْنِ لِلِابْتِدَاءِ بِإِبْدَائِهِمَا. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ الْقَدَمَ عَوْرَةٌ. وَيُرْوَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ (فَإِنْ صَلَّتْ وَرُبْعُ سَاقِهَا أَوْ ثُلُثُهُ مَكْشُوفٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمِثْلُهُ يُفِيدُ التَّأْكِيدَ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: مِنْ حَقِّهَا أَنْ تَسْتُرَ. وَقَوْلُهُ: (وَاسْتِثْنَاءُ الْعُضْوَيْنِ) يَعْنِي الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ (لِلِابْتِلَاءِ بِإِبْدَائِهِمَا) ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَجِدُ بُدًّا مِنْ مُزَاوَلَةِ الْأَشْيَاءِ بِيَدَيْهَا وَمِنْ كَشْفِ وَجْهِهَا لَا سِيَّمَا فِي الشَّهَادَةِ وَالْمُحَاكَمَةِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ: وَبَدَنُ الْحُرَّةِ كُلُّهُ عَوْرَةٌ إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا (تَنْصِيصٌ) مِنْهُ (عَلَى أَنَّ الْقَدَمَ عَوْرَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِهَا. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ، وَبِهِ قَالَ الْكَرْخِيِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهُوَ الْأَصَحُّ) ؛ لِأَنَّهَا تُبْتَلَى بِإِبْدَاءِ الْقَدَمِ إذَا مَشَتْ حَافِيَةً أَوْ مُتَنَعِّلَةً فَرُبَّمَا لَا تَجِدُ الْخُفَّ، عَلَى أَنَّ الِاشْتِهَاءَ لَا يَحْصُلُ بِالنَّظَرِ إلَى الْقَدَمِ كَمَا يَحْصُلُ بِالنَّظَرِ إلَى الْوَجْهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْوَجْهُ عَوْرَةً مَعَ كَثْرَةِ الِاشْتِهَاءِ فَالْقَدَمُ أَوْلَى، وَلَمَّا كَانَتْ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَدَمَ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ رَتَّبَهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا بِالْفَاءِ فَقَالَ (فَإِنْ صَلَّتْ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ جَوَّزَ الصَّلَاةَ مَعَ كَشْفِ مَا دُونَ رُبْعِ السَّاقِ فَكَانَتْ الْقَدَمُ مَكْشُوفَةً لَا مَحَالَةَ. فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ مَسْتُورَةٌ» عَامٌّ فِي جَمِيعِ بَدَنِهَا وَلَيْسَ فِي لَفْظِهِ اسْتِثْنَاءٌ فَاسْتِثْنَاءُ الْعُضْوَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ بِالِابْتِلَاءِ تَخْصِيصٌ بِلَا لَفْظٍ ابْتِدَاءً وَهُوَ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] الْآيَةَ إمَّا أَنْ يَكُونَ وَرَدَ قَبْلَ الْحَدِيثِ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ نُسِخَ عُمُومُ الْحَدِيثِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَالْحَدِيثُ لِكَوْنِهِ خَبَرَ الْوَاحِدِ لَا يُبْطِلُ شَيْئًا مِمَّا تَنَاوَلَهُ. وَقَوْلُهُ: (وَثُلُثُ سَاقِهَا أَوْ رُبْعُ سَاقِهَا مَكْشُوفٌ) قِيلَ مَا وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الثُّلُثِ وَالرُّبْعِ وَذِكْرُ الرُّبْعِ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ الثُّلُثِ. وَأُجِيبَ بِأَوْجُهٍ بِأَنَّهُ سَهْوٌ مِنْ الْكَاتِبِ وَلِهَذَا لَمْ يَكْتُبْهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، وَبِأَنَّهُ شَكٌّ وَقَعَ مِنْ الرَّاوِي عَنْ مُحَمَّدٍ، وَبِأَنَّهُ إذَا ذُكِرَ الرُّبْعُ عُلِمَ مَانِعِيَّةِ الثُّلُثِ بِالدَّلَالَةِ وَالتَّنْصِيصِ

تُعِيدُ الصَّلَاةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الرُّبْعِ لَا تُعِيدُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تُعِيدُ إنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ) لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يُوصَفُ بِالْكَثْرَةِ إذَا كَانَ مَا يُقَابِلُهُ أَقَلَّ مِنْهُ إذْ هُمَا مِنْ أَسْمَاءِ الْمُقَابَلَةِ (وَفِي النِّصْفِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ) فَاعْتَبَرَ الْخُرُوجَ عَنْ حَدِّ الْقِبْلَةِ أَوْ عَدَمَ الدُّخُولِ فِي ضِدِّهِ وَلَهُمَا أَنَّ الرُّبْعَ يَحْكِي حِكَايَةَ الْكَمَالِ كَمَا فِي مَسْحِ الرَّأْسِ وَالْحَلْقِ فِي الْإِحْرَامِ، وَمَنْ رَأَى وَجْهَ غَيْرِهِ يُخْبِرُ عَنْ رُؤْيَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَرَ إلَّا أَحَدَ جَوَانِبِهِ الْأَرْبَعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى مَا يَثْبُتُ دَلَالَةً بِالتَّصْرِيحِ غَيْرُ قَبِيحٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ} [المدثر: 9] {عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} [المدثر: 10] وَبِأَنَّ الرُّبْعَ مَانِعٌ قِيَاسًا وَالثُّلُثُ اسْتِحْسَانًا، فَأَوْرَدَهُ عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ وَبِأَنَّ الرُّبْعَ مَانِعٌ مَعَ الْقَدَمِ وَالثُّلُثَ مَانِعٌ بِدُونِهَا، وَبِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ سَأَلَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَأَوْرَدَهُ مُحَمَّدٌ كَذَلِكَ. اعْلَمْ أَنَّ أَصْحَابَنَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ قَلِيلَ الِانْكِشَافِ مَعْفُوٌّ وَكَثِيرَهُ لَيْسَ بِمَعْفُوٍّ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَدِّ الْفَاصِلِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: الرُّبْعُ كَثِيرٌ وَمَا دُونَهُ قَلِيلٌ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: مَا دُونَ النِّصْفِ قَلِيلٌ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يُوصَفُ بِالْكَثْرَةِ إلَّا إذَا كَانَ مَا يُقَابِلُهُ أَقَلَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ مِنْ أَسْمَاءِ الْمُقَابَلَةِ يُرِيدُ بِهِ تَقَابُلَ التَّضَايُفِ، وَالْإِضَافَةُ هَيْئَةٌ تَكُونُ مَاهِيَّتُهَا مَعْقُولَةً بِالْقِيَاسِ إلَى هَيْئَةٍ أُخْرَى تَكُونُ مَاهِيَّتُهَا مَعْقُولَةً بِالْقِيَاسِ إلَى الْهَيْئَةِ الْأُولَى كَالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ، وَاَلَّذِي فِي الشُّرُوحِ أَنَّ التَّقَابُلَ بَيْنَهُمَا تَقَابُلُ الضِّدَّيْنِ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِاجْتِمَاعِهِمَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، فَإِنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَلِيلًا بِالنِّسْبَةِ إلَى شَيْءٍ وَكَثِيرًا بِالنِّسْبَةِ إلَى شَيْءٍ آخَرَ. وَعَلَى هَذَا وَرَدَ فِي النِّصْفِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ. وَقَوْلُهُ: (فَاعْتُبِرَ الْخُرُوجُ عَنْ حَدِّ الْقِلَّةِ أَوْ عَدَمُ الدُّخُولِ فِي ضِدِّهِ) دَلِيلُ الرِّوَايَتَيْنِ، يَعْنِي أَنَّ النِّصْفَ لَمَّا خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْقِلَّةِ؛ لِأَنَّ مُقَابِلَهُ لَيْسَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ كَانَ دَاخِلًا تَحْتَ حَدِّ الْكَثْرَةِ، وَأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَدْخُلْ فِي ضِدِّهِ أَيْ ضِدِّ الْقَلِيلِ وَهُوَ الْكَثِيرُ فَإِنَّ مُقَابِلَهُ وَهُوَ النِّصْفُ الْآخَرُ لَيْسَ بِأَقَلَّ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا تَحْتَ حَدِّ الْكَثْرَةِ وَكَانَ قَلِيلًا لَا تَجِبُ بِهِ الْإِعَادَةُ. وَقَوْلُهُ: فِي ضِدِّهِ: أَيْ فِي مُقَابِلِهِ وَكَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي حَلَّ الشَّارِحِينَ عَلَى تَفْسِيرِ الْمُقَابَلَةِ بِالتَّضَادِّ. وَقَوْلُهُ: (إنَّ الرُّبْعَ يَحْكِي حِكَايَةَ الْكَمَالِ) يَعْنِي أَنَّ رُبْعَ الشَّيْءِ أُقِيمَ مَقَامَ الْكُلِّ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَاسْتِعْمَالُ الْكَلَامِ كَمَسْحِ الرَّأْسِ وَالْحَلْقِ فِي الْإِحْرَامِ. وَيُقَالُ رَأَيْت فُلَانًا وَإِنْ لَمْ يَرَ مِنْهُ إلَّا وَجْهَهُ أَحَدَ الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعَةِ، فَكَذَا هَاهُنَا احْتِيَاطًا فِي بَابِ الْعِبَادَةِ، وَاعْتُرِضَ

(وَالشَّعْرُ وَالْبَطْنُ وَالْفَخِذُ كَذَلِكَ) يَعْنِي عَلَى هَذَا الْخِلَافِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ عُضْوٌ عَلَى حِدَةٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ النَّازِلُ مِنْ الرَّأْسِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنَّمَا وَضَعَ غَسْلَهُ فِي الْجَنَابَةِ لِمَكَانِ الْحَرَجِ وَالْعَوْرَةُ الْغَلِيظَةُ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ، وَالذَّكَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَنَّ اعْتِبَارَ هَذَا بِمَسْحِ الرَّأْسِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّ مَسْحَ كُلِّ الرَّأْسِ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا حَتَّى يَقُومَ الرُّبْعُ مَقَامَهُ، بَلْ الْوَاجِبُ مِنْهُ بَعْضُ الرَّأْسِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الرَّأْسِ غَسْلُ كُلِّهِ كَمَا فِي غَسْلِ الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ التَّطْهِيرَ الْمَقْصُودَ بِالْوُضُوءِ يَحْصُلُ بِهِ إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ اكْتَفَى بِالْمَسْحِ عَنْ الْغَسْلِ، ثُمَّ اكْتَفَى بِالْبَعْضِ عَنْ الْكُلِّ دَفْعًا لِلضَّرُورَةِ فَكَانَ الرُّبْعُ قَائِمًا مَقَامَ الْكُلِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقِيلَ هَذَا تَشْبِيهُ الْقَدْرِ بِالْقَدْرِ لَا تَشْبِيهُ الْوَاجِبِ بِالْوَاجِبِ كَمَا فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ» الْحَدِيثَ، فَإِنَّ فِيهِ تَشْبِيهَ الرُّؤْيَةِ بِالرُّؤْيَةِ لَا تَشْبِيهَ الْمَرْئِيِّ بِالْمَرْئِيِّ. (وَالشَّعْرُ وَالْبَطْنُ وَالْفَخِذُ كَذَلِكَ: يَعْنِي عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ) أَيْ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ أَنَّ الرُّبْعَ مَانِعٌ أَوْ النِّصْفَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ عُضْوٌ عَلَى حِدَةٍ، قِيلَ وَجَعَلَ الشَّعْرَ مِنْ الْأَعْضَاءِ لِلتَّغْلِيبِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْآدَمِيِّ حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُهُ (وَالْمُرَادُ بِهِ النَّازِلُ مِنْ الرَّأْسِ) أَيْ الْمُسْتَرْسِلُ. وَقَوْلُهُ: (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ اخْتِيَارِ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ، وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الشَّعْرِ مَا عَلَى الرَّأْسِ، وَأَمَّا الْمُسْتَرْسِلُ وَهُوَ مَا نَزَلَ إلَى أَسْفَلَ مِنْ الْأُذُنَيْنِ فَفِي كَوْنِهِ عَوْرَةً رِوَايَتَانِ، وَاخْتَارَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ كَوْنَهُ عَوْرَةً احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ تِلْكَ الرِّوَايَةَ تَقْتَضِي أَنْ يَجُوزَ النَّظَرُ إلَى صُدْغِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَطَرَفِ نَاصِيَتِهَا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ الْبَلْخِيُّ، وَهُوَ أَمْرٌ يُؤَدِّي إلَى الْفِتْنَةِ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الْأَخْذِ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَقَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا وَضْعُ غَسْلِهِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: وَلَوْ كَانَ الشَّعْرُ النَّازِلُ مِنْ الرَّأْسِ عَوْرَةً لَكَانَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِنْ بَدَنِهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ غَسْلَهُ فِي الْجَنَابَةِ مَوْضُوعٌ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ بَدَنِهَا كَذَلِكَ. وَوَجْهُهُ أَنَّ سُقُوطَ غَسْلِهِ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَدَنِهَا بَلْ هُوَ مِنْ بَدَنِهَا خِلْقَةً لِاتِّصَالِهِ بِهِ، وَلَكِنْ سَقَطَ غَسْلُهُ (لِمَكَانِ الْحَرَجِ وَالْعَوْرَةُ الْغَلِيظَةُ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ) يَعْنِي الَّذِي تَقَدَّمَ مِنْ

يُعْتَبَرُ بِانْفِرَادِهِ وَكَذَا الْأُنْثَيَانِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ دُونَ الضَّمِّ. (وَمَا كَانَ عَوْرَةً مِنْ الرَّجُلِ فَهُوَ عَوْرَةٌ مِنْ الْأَمَةِ، وَبَطْنُهَا وَظَهْرُهَا عَوْرَةٌ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ بَدَنِهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ) لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَلْقِي عَنْك الْخِمَارَ يَا دَفَارُ أَتَتَشَبَّهِينَ بِالْحَرَائِرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQانْكِشَافِ الرُّبْعِ أَوْ النِّصْفِ، وَالْعَوْرَةُ الْغَلِيظَةُ هِيَ الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ وَهَذَا التَّقْسِيمُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى اخْتِيَارِ الْكَرْخِيِّ حَيْثُ ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي السَّوْأَتَيْنِ قَدْرُ الدِّرْهَمِ وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ الرُّبْعُ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَوْرَةَ نَوْعَانِ غَلِيظَةٌ وَخَفِيفَةٌ كَالنَّجَاسَةِ، ثُمَّ فِي النَّجَاسَةِ الْغَلِيظَةِ يُعْتَبَرُ الدِّرْهَمُ، وَفِي الْخَفِيفَةِ الرُّبْعُ، فَكَذَا فِي الْعَوْرَةِ، وَأَمَّا عَلَى اخْتِيَارِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ فَلَا فَائِدَةَ فِي تَقْسِيمِهَا إذْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا يُعْتَبَرُ انْكِشَافُ الرُّبْعِ مَانِعًا عِنْدَهُمَا، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ عُضْوًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا، وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْكَرْخِيُّ وَهْمٌ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ التَّغْلِيظَ فِي الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ خُفِّفَ؛ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ فِي الدُّبُرِ قَدْرَ الدِّرْهَمِ وَهُوَ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَهَذَا يَقْتَضِي جَوَازَ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ جَمِيعُ الدُّبُرِ مَكْشُوفًا وَهُوَ تَنَاقُضٌ، وَالذَّكَرُ يُعْتَبَرُ بِانْفِرَادِهِ عُضْوًا يَمْنَعُ انْكِشَافَ رُبْعِهِ جَوَازَ الصَّلَاةِ، وَكَذَا الْأُنْثَيَانِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ دُونَ الضَّمِّ كَمَا فِي الدِّيَةِ احْتِيَاطًا، وَهُوَ احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ إنَّ الْخُصْيَتَيْنِ مَعَ الذَّكَرِ عُضْوًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُمَا تَبَعٌ لِلذَّكَرِ فَيُعْتَبَرُ رُبْعُ الْمَجْمُوعِ عِنْدَهُمَا. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا، وَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ سَوَاءٌ فِي الْمَنْعِ عَنْ جَوَازِ الصَّلَاةِ فَكَانَ الْخِلَافُ فِي هَذَا كَالْخِلَافِ فِي قَلِيلِ النَّجَاسَةِ. قَالَ (وَمَا كَانَ عَوْرَةً مِنْ الرَّجُلِ فَهُوَ عَوْرَةٌ مِنْ الْأَمَةِ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: وَمَنْ كَانَ فِي رَقَبَتِهَا شَيْءٌ مِنْ الرِّقِّ فَهِيَ فِي مَعْنَى الْأَمَةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَوْرَةِ فِي الْإِنَاثِ أَغْلَظُ، فَإِذَا كَانَ الشَّيْءُ مِنْ الرَّجُلِ عَوْرَةً فَمِنْ الْأُنْثَى أَوْلَى (وَظَهْرُهَا وَبَطْنُهَا عَوْرَةٌ) ؛ لِأَنَّهُمَا مَحَلًّا لِلشَّهْوَةِ (وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ بَدَنِهَا فَلَيْسَ بِعَوْرَةٍ لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَلْقِي عَنْك الْخِمَارَ يَا دَفَارِ أَتَتَشَبَّهِينَ بِالْحَرَائِرِ) حِينَ رَأَى جَارِيَةً مُتَقَنِّعَةً فَعَلَاهَا: أَيْ ضَرَبَهَا بِالدِّرَّةِ. وَقَوْلُهُ: (يَا دَفَارِ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ: أَيْ يَا مُنْتِنَةَ. وَرُوِيَ أَنَّ جَوَارِيَهُ كَانَتْ تَخْدُمُ الضِّيفَانَ مَكْشُوفَاتِ الرُّءُوسِ مُضْطَرِبَاتِ الثَّدْيَيْنِ. وَالْمَهْنَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ

وَلِأَنَّهَا تَخْرُجُ لِحَاجَةِ مَوْلَاهَا فِي ثِيَابِ مِهْنَتِهَا عَادَةً فَاعْتُبِرَ حَالُهَا بِذَوَاتِ الْمَحَارِمِ فِي حَقِّ جَمِيعِ الرِّجَالِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ. قَالَ (وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَا يُزِيلُ بِهِ النَّجَاسَةَ صَلَّى مَعَهَا وَلَمْ يَعُدْ) وَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ رُبْعُ الثَّوْبِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهُ طَاهِرًا يُصَلِّي فِيهِ وَلَوْ صَلَّى عُرْيَانًا لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ رُبْعَ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَ كُلِّهِ، وَإِنْ كَانَ الطَّاهِرُ أَقَلَّ مِنْ الرُّبْعِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ تَرْكَ فَرْضٍ وَاحِدٍ. وَفِي الصَّلَاةِ عُرْيَانًا تَرْكَ الْفُرُوضِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ عُرْيَانًا وَبَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ، وَهُوَ الْأَفْضَلُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَانِعُ جَوَازِ الصَّلَاةِ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ، وَيَسْتَوِيَانِ فِي حَقِّ الْمِقْدَارِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَسْرِهَا الْخِدْمَةُ وَالِابْتِذَالُ مِنْ مَهَنَ الْقَوْمُ خَدَمَهُمْ، وَأَنْكَرَ الْأَصْمَعِيُّ الْكَسْرَ وَقَوْلُهُ: (فِي حَقِّ جَمِيعِ الرِّجَالِ) أَيْ سِوَى مَوْلَاهَا. وَقَوْلُهُ: (وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَا يُزِيلُ بِهِ النَّجَاسَةَ) بِالْقَصْرِ لِيَتَنَاوَلَ الْمَائِعَاتِ وَمَعْنَاهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (؛ لِأَنَّ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ) أَيْ فِي الثَّوْبِ الَّذِي يَكُونُ الطَّاهِرُ مِنْهُ أَقَلَّ مِنْ الرُّبْعِ (تَرْكَ فَرْضٍ وَاحِدٍ) وَهُوَ الطَّهَارَةُ (وَفِي الصَّلَاةِ عَارِيًّا تَرْكُ الْفُرُوضِ) كَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. وَقَوْلُهُ: (؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الِانْكِشَافِ وَالنَّجَاسَةِ (مَانِعٌ جَوَازَ الصَّلَاةِ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ وَيَسْتَوِيَانِ) أَيْ وَهُمَا يَسْتَوِيَانِ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ لِيَكُونَ عَطْفُ جُمْلَةٍ اسْمِيَّةٍ عَلَى اسْمِيَّةٍ وَقَوْلُهُ: (فِي حَقِّ الْمِقْدَارِ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ غَيْرُ مَانِعٍ، وَالْكَثِيرَ مَانِعٌ، وَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ ثَبَتَتْ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا فِي الْمَانِعِيَّةِ مِنْ غَيْرِ رُجْحَانٍ

وَتَرْكُ الشَّيْءِ إلَى خَلَفٍ لَا يَكُونُ تَرْكًا وَالْأَفْضَلِيَّةُ لِعَدَمِ اخْتِصَاصِ السَّتْرِ بِالصَّلَاةِ وَاخْتِصَاصِ الطَّهَارَةِ بِهَا. (وَمَنْ لَمْ يَجِدْ ثَوْبًا صَلَّى عُرْيَانًا قَاعِدًا يُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) هَكَذَا فَعَلَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَإِنْ صَلَّى قَائِمًا أَجْزَأَهُ) لِأَنَّ فِي الْقُعُودِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ، وَفِي الْقِيَامِ أَدَاءُ هَذِهِ الْأَرْكَانِ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ (إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَفْضَلُ) لِأَنَّ السَّتْرَ وَجَبَ لِحَقِّ الصَّلَاةِ وَحَقِّ النَّاسِ، وَلِأَنَّهُ لَا خَلَفَ لَهُ وَالْإِيمَاءُ خَلَفٌ عَنْ الْأَرْكَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَيَخْتَارُ أَيَّهُمَا شَاءَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ فِي مِقْدَارِ الرُّبْعِ فَإِنَّ الْمَانِعَ فِي النَّجَاسَةِ الْخَفِيفَةِ مِقْدَارُ الرُّبْعِ، وَكَذَا الْمَانِعُ فِي الْعَوْرَةِ الرُّبْعُ، فَلَمَّا اسْتَوَيَا فِي الْمَانِعِيَّةِ وَفِي الْمِقْدَارِ اسْتَوَى اخْتِيَارُ الْمُصَلِّي أَيْضًا فِي أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ أَوْ يُصَلِّيَ عُرْيَانًا. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فِي الْمَنْعِ وَفِي الْمِقْدَارِ فَيَجِبُ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي حَقِّ الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ: أَيْ فِي حَقِّ إثْبَاتِ الِاخْتِيَارِ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ: (وَتَرْكُ الشَّيْءِ إلَى خَلَفٍ لَا يَكُونُ تَرْكًا) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَفِي الصَّلَاةِ عُرْيَانًا تَرْكُ الْفُرُوضِ. لَكِنَّ قَوْلَهُ تَرْكُ الْفُرُوضِ وَجَوَابُهُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا يَسْتَقِيمَانِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَارِي قَاعِدًا، وَأَمَّا إذَا صَلَّى قَائِمًا فَإِنَّمَا يَكُونُ تَارِكًا لِفَرْضٍ وَاحِدٍ وَهُوَ السَّتْرُ وَإِذَا تَرَكَ فَرْضًا وَاحِدًا فَقَدْ أَقَامَ فَرْضًا بِإِزَائِهِ وَهُوَ تَرْكُ اسْتِعْمَالِ النَّجَاسَةِ فَكَانَ تَارِكَ فَرْضٍ بِإِزَاءِ الْإِتْيَانِ بِفَرْضٍ آخَرَ فَيَتَخَيَّرُ، وَكَأَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَنَى كَلَامَهُ عَلَى مَا هُوَ الْأَفْضَلُ وَهُوَ الصَّلَاةُ قَاعِدًا حَمْلًا لِحَالِ الْمُسْلِمِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلَحُ. فَإِنْ قِيلَ: سَلَّمْنَا أَنَّهُ أَتَى بِفَرْضٍ وَتَرَكَ فَرْضًا وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ فَرْضِيَّةَ السَّتْرِ أَقْوَى مِنْ فَرْضِيَّةِ تَرْكِ اسْتِعْمَالِ النَّجَاسَةِ لِمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ لِعَدَمِ اخْتِصَاصِ السَّتْرِ بِالصَّلَاةِ وَاخْتِصَاصِ الطَّهَارَةِ بِهَا. فَالْجَوَابُ أَلَّا نُسَلِّمَ أَنَّ فَرْضِيَّةَ السَّتْرِ أَقْوَى: فَإِنَّ خِطَابَ السَّتْرِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ إنَّمَا هُوَ فِي السَّتْرِ بِالطَّاهِرِ لَا بِالنَّجِسِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ تَسَاوَيَا؛ وَلَأَنْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ لَكِنَّهُ إذَا صَلَّى قَاعِدًا فَقَدْ أَتَى بِبَعْضِ السَّتْرِ وَمَا قَامَ مَقَامَ الْأَرْكَانِ وَتَرَكَ اسْتِعْمَالَ النَّجَاسَةِ وَإِذَا صَلَّى بِالثَّوْبِ قَائِمًا فَقَدْ اسْتَعْمَلَ النَّجَاسَةَ وَأَتَى بِالْأَرْكَانِ فَيَسْتَوِيَانِ فَيَتَخَيَّرُ. (وَمَنْ لَمْ يَجِدْ ثَوْبًا صَلَّى عُرْيَانًا قَاعِدًا يُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، هَكَذَا فَعَلَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكِبُوا فِي سَفِينَةٍ فَانْكَسَرَتْ بِهِمْ السَّفِينَةُ فَخَرَجُوا مِنْ الْبَحْرِ عُرَاةً فَصَلَّوْا قُعُودًا. وَهَذَا قَوْلٌ رُوِيَ عَنْهُمْ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَقْرَانِهِمْ خِلَافُ ذَلِكَ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ. وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ صَلَّى قَائِمًا أَجْزَأَهُ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ) يَعْنِي الصَّلَاةَ قَاعِدًا (أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ السَّتْرَ وَجَبَ لِحَقِّ الصَّلَاةِ وَحَقِّ النَّاسِ) وَمَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ آكَدَ؛ وَلِأَنَّ الْإِيمَاءَ خَلَفٌ عَنْ الْأَرْكَانِ فَتَرْكُهُ كَلَا تَرْكٍ، بِخِلَافِ السَّتْرِ فَإِنَّهُ لَا خَلَفَ لَهُ: قِيلَ: هَذَانِ الْمَعْنَيَانِ يَقْتَضِيَانِ انْحِصَارَ الْجَوَازِ فِي الْقُعُودِ فَلَا وَجْهَ لِلْجَوَازِ قَائِمًا. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ وَجْهَ الْجَوَازِ قَائِمًا مَوْجُودٌ وَهُوَ الْإِتْيَانُ بِالْأَرْكَانِ نَفْسِهَا، وَالْإِتْيَانُ بِهَا خَيْرٌ مِنْ الْإِتْيَانِ بِخَلَفِهَا، وَالسَّتْرُ وَإِنْ كَانَ أَعَمَّ وُجُوبًا وَنَفْعًا لَكِنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ بِجَمِيعِهِ، وَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ بِجَمِيعِهِ لَمْ يُعْتَبَرْ فِي مُقَابَلَةِ تَرْكِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ الَّذِي هُوَ الرُّكْنُ الْأَصْلِيُّ

قَالَ (وَيَنْوِي الصَّلَاةَ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا بِنِيَّةٍ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ التَّحْرِيمَةِ بِعَمَلٍ) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَلِأَنَّ ابْتِدَاءَ الصَّلَاةِ بِالْقِيَامِ وَهُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْعَادَةِ وَالْعِبَادَةِ وَلَا يَقَعُ التَّمْيِيزُ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَالْمُتَقَدِّمُ عَلَى التَّكْبِيرِ كَالْقَائِمِ عِنْدَهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ مَا يَقْطَعُهُ وَهُوَ عَمَلٌ لَا يَلِيقُ بِالصَّلَاةِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْمُتَأَخِّرَةِ مِنْهَا عَنْهُ لِأَنَّ مَا مَضَى لَا يَقَعُ عِبَادَةً لِعَدَمِ النِّيَّةِ، وَفِي الصَّوْمِ جُوِّزَتْ لِلضَّرُورَةِ، وَالنِّيَّةُ هِيَ الْإِرَادَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الصَّلَاةِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَلَّا يَجُوزَ قَاعِدًا فَتَسَاوَيَا فَيَمِيلُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ، وَلَكِنَّ الْقُعُودَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلُوا ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْ السَّتْرِ يَصِحُّ لِتَرْجِيحِ جَانِبِ الْقُعُودِ؛ وَلِأَنَّ السَّتْرَ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْأَرْكَانِ لِقِيَامِ الْخَلَفِ مَقَامَهَا. قَالَ (وَيَنْوِي الصَّلَاةَ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا بِنِيَّةٍ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ التَّحْرِيمَةِ بِعَمَلٍ) الْكَلَامُ هَاهُنَا فِي مَوَاضِعَ فِي نَفْسِ النِّيَّةِ، وَفِي الْأَصْلِ الَّذِي وَجَبَتْ بِهِ وَفِي وَقْتِهَا وَكَيْفِيَّتِهَا، وَالْمُصَنِّفُ بَدَأَ بِبَيَانِ الْأَصْلِ الثَّابِتَةِ هِيَ بِهِ فَقَالَ (وَالْأَصْلُ فِيهِ) أَيْ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ (قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ) أَيْ حُكْمُ الْأَعْمَالِ أَوْ ثَوَابُهَا مُلْصَقٌ بِهَا، وَقِيلَ تَقْرِيرُهُ الصَّلَاةَ عَمَلٌ وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ فَالصَّلَاةُ بِالنِّيَّةِ، فَمَا لَا يَكُونُ بِالنِّيَّةِ لَا يَكُونُ صَلَاةً، وَفِيهِ نَظَرٌ (وَلِأَنَّ ابْتِدَاءَ الصَّلَاةِ بِالْقِيَامِ) وَهَذَا ظَاهِرٌ (وَهُوَ) أَيْ الْقِيَامُ (مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْعَادَةِ وَالْعِبَادَةِ) فَابْتِدَاؤُهَا مُتَرَدِّدٌ بَيْنَهُمَا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّمْيِيزِ بَيْنَهُمَا (وَلَا يَقَعُ إلَّا بِالنِّيَّةِ) لِمَا ذُكِرَ ثُمَّ ذَكَرَ وَقْتَهُ بِقَوْلِهِ (وَالْمُتَقَدِّمُ عَلَى التَّكْبِيرِ كَالْقَائِمِ عِنْدَهُ) إذَا لَمْ يُوجَدْ مَا يَقْطَعُهُ، وَهُوَ عَمَلٌ لَا يَلِيقُ بِالصَّلَاةِ، وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ الْجَوَازِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَوْ نَوَى عِنْدَ الْوُضُوءِ أَنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ مَعَ الْإِمَامِ وَلَمْ يَشْتَغِلْ بَعْدَ النِّيَّةِ بِمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا انْتَهَى إلَى مَكَانِ الصَّلَاةِ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ جَازَتْ صَلَاتُهُ بِتِلْكَ النِّيَّةِ، وَأَمَّا الْأَفْضَلُ فَأَنْ تَكُونَ مُقَارِنَةً لِلشُّرُوعِ وَلَا يَكُونُ شَارِعًا بِنِيَّةٍ مُتَأَخِّرَةٍ. وَقَوْلُهُ: (وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْمُتَأَخِّرَةِ مِنْهَا عَنْهُ) أَيْ مِنْ النِّيَّةِ عَنْ التَّكْبِيرِ رُدَّ لِقَوْلِ الْكَرْخِيِّ فَإِنَّهُ يُجَوِّزُهَا بِنِيَّةٍ مُتَأَخِّرَةٍ عَنْ التَّحْرِيمَةِ. وَاخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِهِ فَقِيلَ إلَى انْتِهَاءِ الثَّنَاءِ، وَقِيلَ إلَى التَّعَوُّذِ، وَقِيلَ إلَى الرُّكُوعِ، وَقِيلَ إلَى أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّ مَا مَضَى) يَعْنِي مِنْ الْأَجْزَاءِ (لَا يَقَعُ عِبَادَةً لِعَدَمِ النِّيَّةِ) وَالْأَجْزَاءُ الْبَاقِيَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهِ فَلَمْ يَجُزْ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّ النِّيَّةَ فِيهِ جُوِّزَتْ

وَالشَّرْطُ أَنْ يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ أَيَّ صَلَاةٍ يُصَلِّي. أَمَّا الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ، وَيَحْسُنُ ذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ عَزِيمَتِهِ. ثُمَّ إنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ نَفْلًا يَكْفِيهِ مُطْلَقُ النِّيَّةِ، وَكَذَا إنْ كَانَتْ سُنَّةً ـــــــــــــــــــــــــــــQمُتَأَخِّرَةً عَنْ أَوَّلِ جُزْئِهِ لِلضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ، فَلَوْ شُرِطَتْ النِّيَّةُ وَقْتَ الشُّرُوعِ وَهُوَ وَقْتُ انْفِجَارِ الصُّبْحِ لَضَاقَ الْأَمْرُ عَلَى النَّاسِ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَإِنَّهَا يُبْدَأُ بِهَا فِي وَقْتِ انْتِبَاهٍ وَيَقِظَةٍ فَلَا ضِيقَ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ عِنْدَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ نَفْسَ النِّيَّةِ بِأَنَّهَا هِيَ الْإِرَادَةُ: أَيْ الْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ الْقَاطِعَةُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ فِي اللُّغَةِ الْعَزْمُ وَالْعَزْمُ هُوَ الْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ الْقَاطِعَةُ، وَالْإِرَادَةُ صِفَةٌ تُوجِبُ تَخْصِيصَ الْمَفْعُولِ بِوَقْتٍ وَحَالٍ دُونَ غَيْرِهِمَا، فَالنِّيَّةُ هُوَ أَنْ يَجْزِمَ بِتَخْصِيصِ الصَّلَاةِ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا وَيُمَيِّزَهَا عَنْ فِعْلِ الْعَادَةِ إنْ كَانَتْ نَفْلًا، وَعَمَّا يُشَارِكُهَا فِي أَخَصِّ أَوْصَافِهَا وَهُوَ الْفَرْضِيَّةُ إنْ كَانَتْ فَرْضًا. وَقَوْلُهُ: (وَالشَّرْطُ أَنْ يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ أَيَّ صَلَاةٍ يُصَلِّي) قِيلَ: وَأَمَارَةُ عِلْمِهِ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ أَمْكَنَهُ أَنْ يُجِيبَ عَلَى الْبَدِيهَةِ، فَإِنْ تَوَقَّفَ فِي الْجَوَابِ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ. وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ هَذَا يَنْزِعُ إلَى تَفْسِيرِ النِّيَّةِ بِالْعِلْمِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْعِلْمِ بِالشَّيْءِ نِيَّتُهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ عَلِمَ الْكُفْرَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَمَنْ نَوَى الْكُفْرَ كَفَرَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ وَالشَّرْطَ قَصْدُ الْفِعْلِ بَعْدَ أَنْ يَعْلَمَ وَهُوَ بَعِيدٌ إذْ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يُشِيرُ إلَيْهِ وَلَا يَلُوحُ. وَأَقُولُ: أَرَى أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ مَا ذَكَرْت آنِفًا وَهُوَ أَنْ يَجْزِمَ بِتَخْصِيصِ الصَّلَاةِ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا وَيُمَيِّزُهَا إلَخْ،؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ وَالتَّمْيِيزَ بِدُونِ الْعِلْمِ لَا يُتَصَوَّرُ. وَقَوْلُهُ: (وَأَمَّا الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ) أَيْ فِي حَقِّ الْجَوَازِ لَكِنَّهُ حَسَنٌ لِاجْتِمَاعِ عَزِيمَتِهِ. وَقَوْلُهُ: (ثُمَّ إنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ نَفْلًا) بَيَانُ كَيْفِيَّةِ النِّيَّةِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي

فِي الصَّحِيحِ، وَإِنْ كَانَتْ فَرْضًا فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْفَرْضِ كَالظُّهْرِ مَثَلًا لِاخْتِلَافِ الْفُرُوضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَدْخُلُ فِيهَا إمَّا أَنْ تَكُونَ فَرْضًا أَوْ غَيْرَهُ. وَالثَّانِي يَكْفِي فِيهِ مُطْلَقُ النِّيَّةِ نَفْلًا كَانَتْ أَوْ سُنَّةً فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ فِي النَّفْلِ لِلتَّمْيِيزِ عَنْ الْعَادَةِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ. وَقَوْلُهُ: (فِي الصَّحِيحِ) احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ إنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَنْوِيَ سُنَّةَ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -؛ لِأَنَّ فِيهَا صِفَةً زَائِدَةً عَلَى النَّفْلِ الْمُطْلَقِ كَالْفَرْضِ، وَالْأَوَّلُ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُصَلِّي فِيهِ مُنْفَرِدًا أَوْ مُقْتَدِيًا بِالْإِمَامِ، وَالْمُنْفَرِدُ يَلْزَمُهُ تَعْيِينُ الْفَرْضِ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ كَالظُّهْرِ مَثَلًا، وَلَا يَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ: نَوَيْت الْفَرْضَ لِاخْتِلَافِ الْفُرُوضِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّمْيِيزِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إذَا نَوَى الظُّهْرَ أَوْ الْفَجْرَ مَثَلًا وَلَمْ يَنْوِ ظُهْرَ الْيَوْمِ أَوْ الْوَقْتِ، إنْ كَانَ يُصَلِّي فِي الْوَقْتِ لَا يُجْزِئُهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ ظُهْرُ صَلَاةٍ فَائِتَةٍ فَلَا يَتَعَيَّنُ الْمَقْصُودُ، وَالْأَوَّلُ

(وَإِنْ كَانَ مُقْتَدِيًا بِغَيْرِهِ نَوَى الصَّلَاةَ وَمُتَابَعَتَهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَظْهَرُ؛ لِأَنَّ ظُهْرَ الْوَقْتِ مَشْرُوعٌ فِي الْوَقْتِ وَالْفَائِتَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، بَلْ إنَّمَا يُوجَدُ بِعَارِضٍ فَمُطْلَقُهُ يَنْصَرِفُ إلَى ظُهْرِ الْوَقْتِ. وَأَقُولُ: الشَّرْطُ الْمُتَقَدِّمُ وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ بِغَلَبَةِ أَيِّ صَلَاةٍ يُصَلِّي يَحْسِمُ مَادَّةَ هَذِهِ الْمَقَالَاتِ وَغَيْرِهَا، فَإِنَّ الْعُمْدَةَ عَلَيْهِ لِحُصُولِ التَّمْيِيزِ بِهِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ، وَالْمُقْتَدِي بِغَيْرِهِ يَنْوِي الصَّلَاةَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَمُتَابَعَتَهُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ فَسَادُ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي مِنْ جِهَةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ وَهُوَ الْإِمَامُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْتِزَامِ الِاقْتِدَاءِ، حَتَّى لَوْ ظَهَرَ ضَرَرُ الْفَسَادِ كَانَ ضَرَرًا مُلْتَزَمًا، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْإِمَامَ وَإِنْ اشْتَرَطَ لَهُ إمَامَةَ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ حُضُورَهُنَّ الْجَمَاعَةَ مَكْرُوهٌ نَادِرُ الْوُقُوعِ فِي عَامَّةِ

لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ فَسَادُ الصَّلَاةِ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْتِزَامِهِ قَالَ. قَالَ (وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] ثُمَّ مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَفَرْضُهُ إصَابَةُ عَيْنِهَا، وَمَنْ كَانَ غَائِبًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَمْصَارِ. . قَالَ (وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ) اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ أَيْضًا مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ (لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] أَيْ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [البقرة: 144] ثُمَّ أُمِرَ بِالتَّوَجُّهِ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، ثُمَّ الْمُصَلِّي إمَّا أَنْ يَكُونَ بِمَكَّةَ أَوْ غَائِبًا عَنْهَا، فَالْأَوَّلُ فَرْضُهُ إصَابَةُ عَيْنِهَا «؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مُتَوَجِّهًا إلَى الْكَعْبَةِ» ، وَمَضَى عَلَى ذَلِكَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ فَكَانَ إجْمَاعًا عَلَى ذَلِكَ. وَالثَّانِي فَرْضُهُ إصَابَةُ جِهَتِهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالْمُؤْمِنِينَ بِالتَّوَجُّهِ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهْم بِالْمَدِينَةِ دُونَ

فَفَرْضُهُ إصَابَةُ جِهَتِهَا هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِحَسَبِ الْوُسْعِ. (وَمَنْ كَانَ خَائِفًا يُصَلِّي إلَى أَيِّ جِهَةٍ قَدَرَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكَعْبَةِ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ إصَابَةَ عَيْنِهَا لِلْغَائِبِ غَيْرُ لَازِمَةٍ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِحَسَبِ الْوُسْعِ. وَقَوْلُهُ: (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الشَّيْخِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيِّ إنَّ فَرْضَهُ أَيْضًا إصَابَةُ عَيْنِهَا يُرِيدُ بِذَلِكَ اشْتِرَاطَ نِيَّةِ عَيْنِ الْكَعْبَةِ؛ لِأَنَّ إصَابَةَ عَيْنِهَا وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا غَيْبٌ لَا يُطَّلَعُ، فَكَانَ التَّكْلِيفُ بِهَا تَكْلِيفًا بِمَا لَيْسَ بِمَقْدُورٍ فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهَا، وَأَمَّا مَنْ كَانَ عِنْدَهُ اشْتِرَاطُ الْجِهَةِ فَلَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ إلَى النِّيَّةِ، وَأَمَّا نِيَّةُ الْكَعْبَةِ بَعْدَ التَّوَجُّهِ إلَيْهَا فَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ يَشْتَرِطُهُ وَالشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَامِدٍ لَا يَشْتَرِطُهُ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ: وَنِيَّةُ الْكَعْبَةِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْجَوَابِ؛ لِأَنَّ اسْتِقْبَالَ الْبَيْتِ شَرْطٌ مِنْ الشُّرُوطِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةِ كَالْوُضُوءِ. وَقَوْلُهُ: (وَمَنْ كَانَ خَائِفًا يُصَلِّي إلَى أَيِّ جِهَةٍ قَدَرَ) بَيَانُ أَنَّ التَّوَجُّهَ إلَى الْقِبْلَةِ يَسْقُطُ بِعُذْرِ الْخَوْفِ لِأَسْبَابٍ مِثْلُ مَنْ اخْتَفَى مِنْ عَدُوٍّ أَوْ غَيْرِهِ وَيَخَافُ أَنَّهُ لَوْ تَحَرَّكَ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ يَشْعُرُ بِهِ الْعَدُوُّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا بِالْإِيمَاءِ، أَوْ مُضْطَجِعًا حَيْثُمَا

لِتَحَقُّقِ الْعُذْرِ فَأَشْبَهَ حَالَةَ الِاشْتِبَاهِ (فَإِنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَسْأَلُهُ عَنْهَا اجْتَهَدَ وَصَلَّى) «لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - تَحَرَّوْا وَصَلَّوْا وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -» ، وَلِأَنَّ الْعَمَلَ بِالدَّلِيلِ الظَّاهِرِ وَاجِبٌ عِنْدَ انْعِدَامِ دَلِيلٍ فَوْقَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ وَجْهُهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَرِيضًا لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّحَوُّلِ إلَى الْقِبْلَةِ وَلَيْسَ لَهُ مَنْ يُحَوِّلُهُ، وَكَذَا إذَا انْكَسَرَتْ السَّفِينَةُ وَبَقِيَ عَلَى لَوْحٍ وَخَافَ أَنَّهُ لَوْ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ سَقَطَ فِي الْمَاءِ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ (لِتَحَقُّقِ الْعُذْرِ) فَأَشْبَهَ حَالَ الِاشْتِبَاهِ (فَإِنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مَنْ يَسْأَلُهُ اجْتَهَدَ وَصَلَّى) قَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ لَمْ يَصِحَّ لَهُ الِاجْتِهَادُ فِي أَمْرِ الْقِبْلَةِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ السُّؤَالُ وَقَالَ اجْتَهَدَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِلَا اجْتِهَادٍ (لِأَنَّ الصَّحَابَةَ) اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِمْ الْقِبْلَةُ فَ (تَحَرَّوْا وَصَلَّوْا) ثُمَّ ذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَلَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِمْ) وَقَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ الْعَمَلَ بِالدَّلِيلِ الظَّاهِرِ وَاجِبٌ) ظَاهِرٌ.

وَالِاسْتِخْبَارُ فَوْقَ التَّحَرِّي (فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَخْطَأَ بَعْدَمَا صَلَّى لَا يُعِيدُهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُعِيدُهَا إذَا اسْتَدْبَرَ لِتَيَقُّنِهِ بِالْخَطَأِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: لَيْسَ فِي وُسْعِهِ التَّوَجُّهُ إلَى جِهَةِ التَّحَرِّي ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: (لَيْسَ فِي وُسْعِهِ التَّوَجُّهُ إلَى جِهَةِ التَّحَرِّي إلَخْ) قِيلَ هَذَا لَا يَصِحُّ جَوَابًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ: سَلَّمْنَا أَنَّ التَّكْلِيفَ مُقَيَّدٌ بِالْوُسْعِ لَكِنْ حَالَ الْعَمَلِ بِأَنْ يَأْتِيَ بِمَا فِي وُسْعِهِ مِمَّا أُمِرَ بِهِ وَلَا يَأْثَمُ بِهِ عِنْدَ ظُهُورِ الْخَطَإِ، وَلَيْسَ كَلَامُنَا فِيهِ وَإِنَّمَا كَلَامُنَا فِيمَا إذَا ظَهَرَ خَطَؤُهُ بِيَقِينٍ أَيَكُونُ فِعْلُهُ كَلَا فِعْلٍ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ أَمْ لَا، وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرْتُمْ مَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ. وَلَنَا مَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِهِ مِنْ الِاسْتِقْرَاءِ كَمَا إذَا صَلَّى فِي ثَوْبٍ بِاجْتِهَادِهِ عَلَى أَنَّهُ طَاهِرٌ فَإِذَا هُوَ نَجِسٌ، وَكَمَا إذَا تَوَضَّأَ بِالتَّحَرِّي بِمَاءٍ فِي الْأَوَانِي عَلَى أَنَّهُ طَاهِرٌ فَكَانَ بِخِلَافِهِ، وَكَمَا إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِاجْتِهَادِهِ فِي حُكْمٍ ثُمَّ وَجَدَ نَصًّا بِخِلَافِهِ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْإِعَادَةَ فِيهَا كُلِّهَا لِظُهُورِ الْخَطَأِ بِيَقِينٍ مَعَ جَوَازِ الْعَمَلِ بِمَا فِي وُسْعِهِ عِنْدَ تَوَجُّهِ الْخِطَابِ بِالْعَمَلِ بِهِ فَكَذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ. وَأُجِيبَ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ النَّجَاسَةَ وَأَمْثَالَهَا مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الِانْتِقَالَ مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْعَمَلُ إلَّا بِظَاهِرِ مَا أَدَّى إلَيْهِ تَحَرِّيهِ، فَإِذَا ظَهَرَ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ أَبْطَلَهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَابِلٍ لِلِانْتِقَالِ حَتَّى يُقَالُ إنَّهُ كَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ طَاهِرًا ثُمَّ تَنَجَّسَ بَعْدَهُ بِيَقِينٍ، بَلْ هُوَ حِينَ صَلَّى كَانَ ذَلِكَ الثَّوْبُ مَوْصُوفًا بِالنَّجَاسَةِ، وَكَذَا فِي حُكْمِ الْقَاضِي بِالِاجْتِهَادِ فِيمَا فِيهِ نَصٌّ بِخِلَافِهِ. وَأَمَّا الْقِبْلَةُ فَهِيَ مِنْ قَبِيلِ مَا يَحْتَمِلُ الِانْتِقَالَ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا انْتَقَلَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إلَى الْكَعْبَةِ، وَمَنْ عَيَّنَ الْكَعْبَةَ إلَى الْجِهَةِ إذَا بَعُدَ مِنْ مَكَّةَ. وَمِنْ جِهَةِ الْكَعْبَةِ إلَى سَائِرِ الْجِهَاتِ إذَا كَانَ رَاكِبًا فَإِنَّهُ يُصَلِّي حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ إلَيْهِ رَاحِلَتُهُ، فَبَعْدَمَا صَلَّى إلَى جِهَةٍ بِالتَّحَرِّي إذَا تَحَوَّلَ رَأْيُهُ يَنْتَقِلُ

وَالتَّكْلِيفُ مُقَيَّدٌ بِالْوُسْعِ (وَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ اسْتَدَارَ إلَى الْقِبْلَةِ وَبَنَى عَلَيْهِ) لِأَنَّ أَهْلَ قَبَاءِ لَمَّا سَمِعُوا بِتَحَوُّلِ الْقِبْلَةِ اسْتَدَارُوا كَهَيْئَتِهِمْ فِي الصَّلَاةِ، وَاسْتَحْسَنَهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَكَذَا إذَا تَحَوَّلَ رَأْيُهُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى تَوَجَّهَ إلَيْهَا لِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالِاجْتِهَادِ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ مِنْ غَيْرِ نَقْضِ الْمُؤَدَّى قَبْلَهُ. قَالَ (وَمَنْ أَمَّ قَوْمًا فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَتَحَرَّى الْقِبْلَةَ وَصَلَّى إلَى الْمَشْرِقِ وَتَحَرَّى مَنْ خَلْفَهُ فَصَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَى جِهَةٍ وَكُلُّهُمْ خَلْفَهُ وَلَا يَعْلَمُونَ مَا صَنَعَ الْإِمَامُ أَجْزَأَهُمْ) لِوُجُودِ التَّوَجُّهِ إلَى جِهَةِ التَّحَرِّي، وَهَذِهِ الْمُخَالَفَةُ غَيْرُ مَانِعَةٍ كَمَا فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ (وَمَنْ عَلِمَ مِنْهُمْ بِحَالِ إمَامِهِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ) لِأَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّ إمَامَهُ عَلَى الْخَطَإِ (وَكَذَا لَوْ كَانَ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ) لِتَرْكِهِ فَرْضِ الْمَقَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَرْضُ التَّوَجُّهِ إلَى تِلْكَ الْجِهَةِ فَكَانَ تَبَدُّلُ الرَّأْيِ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ النَّسْخِ فَيُعْمَلُ بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَا يَظْهَرُ بِهِ بُطْلَانُ مَا مَضَى كَمَا فِي النَّسْخِ الْحَقِيقِيِّ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَكُونَ مُبْتَلَى بِالتَّوَجُّهِ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ فِي الْأَمْرِ بِالتَّوَجُّهِ إلَى الْكَعْبَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا جِهَةَ لَهُ حَتَّى يُتَوَجَّهَ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ هَذَا إذَا صَلَّى إلَى الْجِهَةِ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا تَحَرِّيهِ. وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ) ظَاهِرٌ، وَقُبَاءُ بِالضَّمِّ وَالْمَدِّ مِنْ قُرَى الْمَدِينَةِ يُنَوَّنُ وَلَا يُنَوَّنُ. وَقَوْلُهُ: (مِنْ غَيْرِ نَقْضِ الْمُؤَدَّى قَبْلَهُ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ دَلِيلَ الِاجْتِهَادِ بِمَنْزِلَةِ دَلِيلِ النَّسْخِ، وَأَثَرُ النَّسْخِ يَظْهَرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا فِي الْمَاضِي. وَقَوْلُهُ: (وَمَنْ أَمَّ قَوْمًا فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ) ظَاهِرٌ، وَقَوْلُهُ: (وَمَنْ عَلِمَ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ الْقَوْمِ الْمُقْتَدِينَ (بِحَالِ الْإِمَامِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَهَذَا الْقَيْدُ وَهُوَ عِلْمُ الْمُقْتَدِينَ حَالَ كَوْنِهِمْ مَأْمُومِينَ لَيْسَ بِلَازِمٍ فِي حَقِّ فَسَادِ صَلَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ لَوْ عَلِمَ حَالَ الْإِمَامِ قَبْلَ الِاقْتِدَاءِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي وَقْتِ الِاقْتِدَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَمَنْ عَلِمَ مِنْهُمْ: أَيْ مِنْ الْقَوْمِ الْمُقْتَدِينَ حَالَ إمَامِهِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ قَبْلَ الِاقْتِدَاءِ بِهِ أَوْ بَعْدَهُ، وَأَمَّا أَنَّ الْعِلْمَ قَبْلَ الِاقْتِدَاءِ كَالْعِلْمِ بَعْدَهُ فَلِمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ: رَجُلٌ تَحَرَّى الْقِبْلَةَ فَأَخْطَأَ فَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ثُمَّ عَلِمَ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إلَى الْقِبْلَةِ ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ فِي صَلَاتِهِ وَقَدْ عَلِمَ الْأَوَّلَ لَا تَجُوزُ صَلَاةُ الدَّاخِلِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي صَلَاتِهِ وَعَلِمَ أَنَّ الْإِمَامَ كَانَ عَلَى الْخَطَأِ فِي أَوَّلِ صَلَاتِهِ، وَلَوْ عَلِمَ مِنْ أَوَّلِ صَلَاتِهِ أَنَّ الْإِمَامَ عَلَى خَطَأٍ وَدَخَلَ فِي صَلَاتِهِ لَمْ يَجُزْ، فَكَذَا هَذَا. وَقَدْ اُسْتُشْكِلَتْ صُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهُ وَضَعَهَا فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ وَالصَّلَاةُ فِيهَا جَهْرِيَّةٌ يَعْلَمُونَ حَالَ

[باب صفة الصلاة]

(فَرَائِضُ الصَّلَاةِ سِتَّةٌ: التَّحْرِيمَةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3] وَالْمُرَادُ تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِمَامِ بِصَوْتِهِ. وَأُجِيبَ بِكَوْنِ الصَّلَاةِ قَضَاءً وَبِكَوْنِ الْإِمَامِ تَرَكَ الْجَهْرَ نِسْيَانًا؛ وَبِأَنَّهُمْ عَرَفُوا إمَامَهُمْ بِصَوْتِهِ أَنَّهُ قُدَّامَهُمْ لَكِنْ لَمْ يُمَيِّزُوا مِنْ صَوْتِهِ أَنَّهُ إلَى أَيِّ جِهَةٍ تُوجَدُ؛ وَقَدْ ذَكَرْنَا غَيْرَ ذَلِكَ فِي التَّقْرِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الْوَسَائِلِ شَرَعَ فِي ذِكْرِ الْمَقْصُودِ، وَالْوَصْفُ وَالصِّفَةُ مُتَرَادِفَانِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَالْهَاءُ عِوَضٌ عَنْ الْوَاوِ كَالْوَعْدِ وَالْعِدَةِ، وَعِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْوَصْفَ هُوَ كَلَامُ الْوَاصِفِ، وَالصِّفَةُ هِيَ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِذَاتِ الْمَوْصُوفِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصِّفَةِ هَاهُنَا الْهَيْئَةُ الْحَاصِلَةُ لِلصَّلَاةِ بِأَرْكَانِهَا وَعَوَارِضِهَا. وَقَوْلُهُ: (فَرَائِضُ الصَّلَاةِ سِتَّةٌ) الْقِيَاسُ أَنْ يُقَالَ سِتٌّ؛ لِأَنَّ الْفَرَائِضَ جَمْعُ فَرِيضَةٍ، لَكِنَّ قَوْلَهُ عَلَى تَأْوِيلِ الْفُرُوضِ الَّذِي هُوَ جَمْعُ فَرْضٍ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ سِتٌّ، وَإِنَّمَا قَالَ فَرَائِضُ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَقُلْ أَرْكَانُهَا؛ لِأَنَّ الْفَرَائِضُ أَعَمُّ تَتَنَاوَلُ الْأَرْكَانَ وَغَيْرَهَا، وَمِنْ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ (التَّحْرِيمَةُ) وَهِيَ فَرْضٌ وَلَيْسَتْ بِرُكْنٍ وَالتَّحْرِيمُ جَعْلُ الشَّيْءِ مُحَرَّمًا وَالْهَاءُ لِتَحْقِيقِ الِاسْمِيَّةِ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّتْ التَّكْبِيرَةُ الْأُولَى بِهَذِهِ التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّهَا تُحَرِّمُ الْأَشْيَاءَ الْمُبَاحَةَ قَبْلَهَا بِخِلَافِ سَائِرِ التَّكْبِيرَاتِ، وَهِيَ فَرْضٌ (لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3] أَيْ وَخُصَّ رَبَّك بِالتَّكْبِيرِ وَهُوَ الْوَصْفُ بِالْكِبْرِيَاءِ، وَأَنْ يُقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ

(وَالْقِيَامُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] . (وَالْقِرَاءَةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] (وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] (وَالْقَعْدَةُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ إذَا قُلْت هَذَا أَوْ فَعَلْت هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك» ـــــــــــــــــــــــــــــQرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهُ أَكْبَرُ، فَكَبَّرَتْ خَدِيجَةُ وَفَرِحَتْ وَأَيْقَنَتْ أَنَّهُ الْوَحْيُ» فَإِنَّ سُورَةَ الْمُدَّثِّرِ أَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ، وَدَخَلَتْ الْفَاءُ لِمَعْنَى الشَّرْطِ كَأَنَّهُ قِيلَ: أَيُّ شَيْءٍ كَانَ فَلَا تَدَعُ تَكْبِيرَةً وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ؛ وَلِأَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ وَغَيْرُهَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ بِالْإِجْمَاعِ فَتَعَيَّنَتْ لَهُ ضَرُورَةً. (وَ) كَذَلِكَ (الْقِيَامُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] أَيْ مُطِيعِينَ، وَقِيلَ خَاشِعِينَ، وَقِيلَ سَاكِتِينَ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ الْقُنُوتَ طُولُ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ. وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مَا مَرَّ أَنَّهُ أَمَرَ بِالْقِيَامِ وَهُوَ لِلْوُجُوبِ وَلَيْسَ الْقِيَامُ وَاجِبًا خَارِجَ الصَّلَاةِ فَكَانَ وَاجِبًا فِيهَا ضَرُورَةً (وَالْقِرَاءَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مَا مَرَّ، وَسَنَذْكُرُ فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ مِقْدَارَهَا وَقَوْلَ مُخَالِفِنَا فِي الْوُجُوبِ (وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] عَلَى مَا مَرَّ مِنْ وَجْهِ الِاسْتِدْلَالِ، قِيلَ كَانَ النَّاسُ مِنْ أَوَّلِ مَا أَسْلَمُوا يَسْجُدُونَ بِلَا رُكُوعٍ وَيَرْكَعُونَ بِلَا سُجُودٍ فَأُمِرُوا أَنْ يُصَلُّوا بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ (وَالْقَعْدَةُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِابْنِ مَسْعُودٍ حِينَ عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ: إذَا قُلْت هَذَا أَوْ فَعَلْت هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك» ) وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (عَلَّقَ التَّمَامَ) أَيْ تَمَّامَ الصَّلَاةِ (بِالْفِعْلِ قَرَأَ أَوْ لَمْ يَقْرَأْ) ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ وَالْقُعُودِ وَأَحَدِهِمَا وَهُوَ الْقِرَاءَةُ لَمْ تُشْرَعْ بِدُونِ آخَرَ حَيْثُ لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا فِيهِ، وَانْعَقَدَ عَلَى ذَلِكَ الْإِجْمَاعُ فَكَانَ الْفِعْلُ مَوْجُودًا عَلَى تَقْدِيرِ الْقِرَاءَةِ أَلْبَتَّةَ فَكَانَ هُوَ الْمُعَلَّقَ بِهِ فِي الْحَقِيقَةِ لِاسْتِلْزَامِهِ الْآخَرَ، وَكُلُّ مَا عُلِّقَ بِشَيْءٍ لَا يُوجَدُ دُونَهُ فَتَمَامُ الصَّلَاةِ لَا يُوجَدُ بِدُونِ الْفِعْلِ وَتَمَامُ الصَّلَاةِ وَاجِبٌ،

عَلَّقَ التَّمَامَ بِالْفِعْلِ قَرَأَ أَوْ لَمْ يَقْرَأْ. قَالَ (وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ سُنَّةٌ) أَطْلَقَ اسْمَ السُّنَّةِ، وَفِيهَا وَاجِبَاتٌ كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، فَالْقَعْدَةُ وَاجِبٌ: أَيْ فَرْضٌ. فَإِنْ قِيلَ هَذَا خَبَرُ وَاحِدٍ وَهُوَ بِصَرَاحَتِهِ لَا يُفِيدُ الْفَرْضِيَّةَ فَكَيْفَ مَعَ هَذَا التَّكَلُّفِ الْعَظِيمِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: 43] مُجْمَلٌ، وَخَبَرُ الْوَاحِدِ لَحِقَ بَيَانًا بِهِ، وَالْمُجْمَلُ مِنْ الْكِتَابِ إذَا لَحِقَهُ الْبَيَانُ الظَّنِّيُّ كَانَ الْحُكْمُ بَعْدَهُ مُضَافًا إلَى الْكِتَابِ لَا إلَى الْبَيَانِ فِي الصَّحِيحِ، وَقَدْ قَرَّرْنَا ذَلِكَ فِي التَّقْرِيرِ. لَا يُقَالُ: فَلْيَكُنْ الْأَمْرُ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ كَذَلِكَ فَتَكُونُ وَاجِبَةً؛ لِأَنَّ نَصَّ الْقِرَاءَةِ لَيْسَ بِمُجْمَلٍ بَلْ هُوَ خَاصٌّ، فَتَكُونُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ نَسْخًا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ إنْ كَانَ مُتَلَقًّى بِالْقَبُولِ جَازَ إثْبَاتُ الرُّكْنِيَّةِ بِهِ فَأَوْلَى أَنْ يَجُوزَ إثْبَاتُ الْفَرْضِيَّةِ؛ لِأَنَّ دَرَجَةَ الرُّكْنِيَّةِ أَعْلَى، وَقَدْ ثَبَتَتْ رُكْنِيَّةُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْحَجُّ عَرَفَةَ» وَالْوُقُوفُ مُعْظَمُ أَرْكَانِ الْحَجِّ لَا مَحَالَةَ، وَالْمُصَنِّفُ جَعَلَ الْقَعْدَةَ الْأَخِيرَةَ مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ حَيْثُ ذَكَرَهَا فِيهَا فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ بِخَبَرٍ تَلَقَّى بِالْقَبُولِ. قَالَ (وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ سُنَّةٌ) أَيْ مَا سِوَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْفَرَائِضِ فَهُوَ سُنَّةٌ (أَطْلَقَ) يَعْنِي الْقُدُورِيَّ (اسْمَ السُّنَّةِ وَفِيهَا وَاجِبَاتٌ كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ إلَخْ) فَلَا يَكُونُ إطْلَاقًا صَحِيحًا، وَالْعُذْرُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَتَسْمِيَتُهَا سُنَّةٌ فِي الْكِتَابِ: أَيْ الْقُدُورِيِّ لِمَا أَنَّهُ ثَبَتَ وُجُوبُهَا بِالسُّنَّةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَاجِبِ هُنَا مَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ وَيَجِبُ بِتَرْكِهِ سَاهِيًا سَجْدَتَا السَّهْوِ، وَبِالسُّنَّةِ مَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِطَرِيقِ الْمُوَاظَبَةِ وَلَمْ يَتْرُكْهَا إلَّا لِعُذْرٍ كَالثَّنَاءِ وَالتَّعَوُّذِ وَتَكْبِيرَاتِ الرُّكُوعِ

وَضَمِّ السُّورَةِ إلَيْهَا وَمُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ فِيمَا شُرِعَ مُكَرَّرًا مِنْ الْأَفْعَالِ، وَالْقَعْدَةِ الْأُولَى وَقِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ وَالْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ وَالْجَهْرِ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ وَالْمُخَافَتَةِ فِيمَا يُخَافَتُ فِيهِ، وَلِهَذَا تَجِبُ عَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالسُّجُودِ، وَلِلصَّلَاةِ آدَابٌ وَالْأَدَبُ فِيهَا مَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَلَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ كَزِيَادَةِ التَّسْبِيحَاتِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَالزِّيَادَةِ عَلَى الْقِرَاءَةِ الْمَسْنُونَةِ. قَوْلُهُ: (وَمُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ فِيمَا شُرِعَ مُكَرَّرًا) يَعْنِي فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ كَالسَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى، فَإِنَّ مَنْ تَرَكَهَا سَاهِيًا وَقَامَ وَأَتَمَّ صَلَاتَهُ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ السَّجْدَةَ الْمَتْرُوكَةَ، وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ لِتَرْكِ التَّرْتِيبِ. وَقَوْلُهُ: فِيمَا شُرِعَ مُكَرَّرًا احْتِرَازٌ عَمَّا شُرِعَ غَيْرَ

بِتَرْكِهَا، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَتَسْمِيَتُهَا سُنَّةً فِي الْكِتَابِ لِمَا أَنَّهُ ثَبَتَ وُجُوبُهَا بِالسُّنَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمُكَرَّرٍ فِيهَا كَالرُّكُوعِ فَإِنَّهُ بَعْدَ السُّجُودِ لَا يَقَعُ مُعْتَدًّا بِهِ بِالْإِجْمَاعِ. وَقَوْلُهُ: (هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ جَوَابِ الْقِيَاسِ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ وَقُنُوتِ الْوِتْرِ، فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ تَرَكَهَا سَاهِيًا؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ، فَبِتَرْكِهَا لَا يَتَمَكَّنُ تَكْثِيرُ نُقْصَانٍ فِي الصَّلَاةِ، كَمَا إذَا تَرَكَ الثَّنَاءَ وَالتَّعَوُّذَ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الصَّلَاةِ عَلَى الْأَفْعَالِ دُونَ الْأَذْكَارِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ هَذِهِ السُّنَّةَ تُضَافُ إلَى جَمِيعِ الصَّلَاةِ يُقَالُ تَكْبِيرَاتُ الْعِيدِ وَقُنُوتُ الْوِتْرِ، فَأَمَّا تَكْبِيرَاتُ الرُّكُوعِ وَثَنَاءُ الِافْتِتَاحِ فَغَيْرُ مُضَافٍ إلَى جَمِيعِهَا فَبِتَرْكِهَا لَا يَتَمَكَّنُ النُّقْصَانُ فِيهَا، كَذَا فِي الشُّرُوحِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: الْمُرَادُ بِالْوَاجِبِ هَاهُنَا مَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ، وَتَجِبُ سَجْدَةُ السَّهْوِ بِتَرْكِهِ سَاهِيًا، وَهَذِهِ الْأَذْكَارُ مِمَّا تَجِبُ السَّجْدَةُ بِتَرْكِهَا سَاهِيًا، وَلِلصَّلَاةِ بِدُونِهَا جَوَازٌ فَتَكُونُ وَاجِبَةً وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْقِيَاسِ، وَيُعْرَفُ مِنْ هَذَا أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ وَاجِبٌ تَجِبُ سَجْدَةُ السَّهْوِ بِتَرْكِهِ سَاهِيًا، وَبِالْعَكْسِ عَلَى وَجْهِ الْقِيَاسِ. وَأَمَّا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ فَلَا يَنْعَكِسُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا تَجِبُ السَّجْدَةُ بِتَرْكِهِ وَاجِبًا فَإِنَّهَا تَجِبُ بِتَرْكِ سُنَّةٍ تُضَافُ إلَى جُمْلَةِ الصَّلَاةِ كَمَا ذَكَرْنَا. فَإِنْ قِيلَ: قِرَاءَةُ التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَاجِبَةٌ ذَكَرَهُ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَلَمْ يَذْكُرْهَا هُنَا، وَكَذَلِكَ تَعْدِيلُ الْأَرْكَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ مَقْصُودَهُ هُنَا لَمْ يَكُنْ ذِكْرَ جَمِيعِ الْوَاجِبَاتِ بَلْ بَيَانَ أَنَّ مَا سِوَى الْمَذْكُورِ لَيْسَ بِمُنْحَصِرٍ فِي السُّنَّةِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِإِرَادَةِ صُورَةٍ وَاحِدَةٍ. وَقِيلَ قَوْلُهُ: (وَتَسْمِيَتُهَا سُنَّةً فِي الْكِتَابِ لِمَا أَنَّهُ ثَبَتَ وُجُوبُهَا بِالسُّنَّةِ) لَيْسَ بِجَيِّدٍ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ السُّنَّةَ

قَالَ (وَإِذَا شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ) لِمَا تَلَوْنَا، وَقَالَ. - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ» وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، حَتَّى أَنَّ مَنْ تَحَرَّمَ لِلْفَرْضِ كَانَ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ بِهَا التَّطَوُّعَ عِنْدَنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْوَاجِبَ أَيْضًا لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ جَائِزٌ إذَا كَانَا فِي مَحَلَّيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ عَلَى مَذْهَبِ بَعْضِ الْعِرَاقِيِّينَ، وَالشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِرَاقِيٌّ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فَقَدْ تَبِعَهُ فِي ذَلِكَ وَخَلَلُهُ ظَاهِرٌ. وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بَلْ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَهُوَ سُنَّةٌ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ وَالْوَاجِبَاتُ، وَالسُّنَنُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا الْبَابِ دَاخِلَةٌ تَحْتَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ. وَقَوْلُهُ: (وَإِذَا شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ) أَيْ إذَا أَرَادَ الشُّرُوعَ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ لَيْسَتْ بَعْدَ الشُّرُوعِ بَلْ الشُّرُوعُ يَتَحَقَّقُ بِهَا. قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْمَبْسُوطِ: إذَا أَرَادَ الرَّجُلُ الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ. وَقَوْلُهُ: (لِمَا تَلَوْنَا) أَرَادَ بِهِ قَوْله تَعَالَى {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3] وَقَوْلُهُ: (وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِمَا تَلَوْنَا مَعْنًى، وَالتَّحْرِيمُ مَصْدَرُ حَرَّمَ وَهُوَ مُضَافٌ إلَى فَاعِلِهِ وَهُوَ الصَّلَاةُ، وَلَا يُقَدَّرُ مَفْعُولٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ التَّحْرِيمِ لَهَا لَا إيقَاعُهُ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ. وَقَوْلُهُ: (التَّكْبِيرُ) لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى تَحْرِيمِهَا وَلَا يَصْلُحُ الْعَكْسُ أَيْضًا عَلَى ظَاهِرِ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الصَّلَاةِ غَيْرُ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُصَلِّي لَيْسَ عَيْنَ التَّكْبِيرِ وَلَا عَكْسَهُ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ تَحْرِيمُ الصَّلَاةِ بِالتَّكْبِيرِ، وَلَكِنْ جَعْلُ التَّكْبِيرِ عَيْنَ التَّحْرِيمِ مُبَالَغَةٌ (وَهُوَ) أَيْ التَّكْبِيرُ (شَرْطٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) وَقَوْلُهُ: (حَتَّى أَنَّ مَنْ تَحَرَّمَ) بَيَانُ فَائِدَةِ الِاخْتِلَافِ. فَعِنْدَنَا لَمَّا كَانَتْ التَّحْرِيمَةُ شَرْطًا جَازَ أَدَاءُ النَّفْلِ بِتَحْرِيمَةِ الْفَرْضِ. وَعِنْدَهُ لَمَّا كَانَتْ رُكْنًا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، فَإِنَّ أَدَاءَ الصَّلَوَاتِ بِشَرْطٍ وَاحِدٍ يَجُوزُ وَبِرُكْنٍ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ. فَإِنْ قِيلَ: الْأَقْسَامُ الْعَقْلِيَّةُ هَاهُنَا أَرْبَعَةٌ: بِنَاءُ الْفَرْضِ عَلَى الْفَرْضِ، وَبِنَاءُ النَّفْلِ عَلَى النَّفْلِ، وَبِنَاءُ الْفَرْضِ عَلَى النَّفْلِ، وَبِنَاءُ النَّفْلِ عَلَى الْفَرْضِ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ، فَهَلْ يَجُوزُ غَيْرُهُ مِنْ الْأَقْسَامِ الْبَاقِيَةِ أَوْ لَا؟ فَالْجَوَابُ بِنَاءُ الْفَرْضِ عَلَى الْفَرْضِ جَوَّزَهُ أَبُو الْيُسْرِ قَالَ فِي مَبْسُوطِهِ: لَوْ شَرَعَ فِي الظُّهْرِ وَأَتَمَّهَا وَلَمْ يُسَلِّمْ وَبَنَى عَلَيْهَا عَصْرًا فَاتَ عَنْهُ أَجْزَأَهُ، وَنَفَاهُ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ فِي الْأَسْرَارِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي أَوَّلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَبِنَاءُ النَّفْلِ عَلَى النَّفْلِ يَجُوزُ، وَأَمَّا بِنَاءُ الْفَرْضِ عَلَى النَّفْلِ فَقِيلَ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ رِوَايَةٌ، وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ بِنَاءَ الْمِثْلِ

وَهُوَ يَقُولُ: وَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ لَهَا مَا يُشْتَرَطُ لِسَائِرِ الْأَرْكَانِ وَهَذَا آيَةُ الرُّكْنِيَّةِ. وَلَنَا أَنَّهُ عَطَفَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15] وَمُقْتَضَاهُ الْمُغَايَرَةُ، وَلِهَذَا لَا يَتَكَرَّرُ كَتَكَرُّرِ الْأَرْكَانِ، وَمُرَاعَاةِ الشَّرَائِطِ لِمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ الْقِيَامِ (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ التَّكْبِيرِ وَهُوَ سُنَّةٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْمِثْلِ وَالْأَضْعَفِ عَلَى الْأَقْوَى مَعْقُولٌ وَمُوَافِقٌ لِلْأُصُولِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَتْبِعَ مِثْلَهُ أَوْ مَا هُوَ دُونَهُ، وَأَمَّا أَنْ يَسْتَتْبِعَ مَا هُوَ فَوْقَهُ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِيهِ جَعْلَ الْأَقْوَى تَابِعًا لِلْأَدْنَى. فَإِنْ قُلْت: قَوْلُهُمْ الشَّرْطُ يُعْتَبَرُ وُجُودُهُ مُطْلَقًا لَا وُجُودُهُ قَصْدًا يَقْتَضِي جَوَازَ هَذِهِ الصُّورَةِ كَالصُّوَرِ الْبَاقِيَةِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ وُجُودَ الشَّرْطِ لَا يُوجِبُ الْمَشْرُوطَ وَالْمَانِعُ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ اتِّبَاعِ الْقَوِيِّ الضَّعِيفَ مَوْجُودٌ فَكَانَ مُمْتَنِعًا (وَهُوَ) أَيْ الشَّافِعِيُّ (يَقُولُ يُشْتَرَطُ لَهَا مَا يُشْتَرَطُ لِسَائِرِ الْأَرْكَانِ) مِنْ الطَّهَارَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَالنِّيَّةِ وَالْوَقْتِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَكُلُّ مَا يُشْتَرَطُ لَهُ مَا يُشْتَرَطُ لِسَائِرِ الْأَرْكَانِ رُكْنٌ قِيَاسًا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْكَانِ (وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15] عَطَفَ الصَّلَاةَ عَلَى الذِّكْرِ، وَلَوْ كَانَ رُكْنًا لَمَا جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَطْفُ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ، وَفِيهِ عَطْفُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ لِاشْتِمَالِ الْكُلِّ عَلَى جُزْئِهِ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ (وَلَا تَتَكَرَّرُ كَتَكَرُّرِ الْأَرْكَانِ) فِي كُلِّ صَلَاةٍ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. وَقَوْلُهُ: (وَمُرَاعَاةُ الشَّرَائِطِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ يُشْتَرَطُ لَهَا مَا يُشْتَرَطُ لِسَائِرِ الْأَرْكَانِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ اشْتِرَاطَ ذَلِكَ لَيْسَ لِلتَّحْرِيمَةِ نَفْسِهَا، وَإِنَّمَا هُوَ لِمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ الْقِيَامِ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَدَاءَ لَمَّا انْفَصَلَ عَنْ الْإِحْرَامِ فِي بَابِ الْحَجِّ لَمْ يَشْتَرِطْ لِلْإِحْرَامِ سَائِرَ شَرَائِطِ الْأَرْكَانِ، فَإِنَّ الْوَقْتَ شَرْطٌ لِأَدَاءِ سَائِرِ الْأَرْكَانِ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِلْإِحْرَامِ عِنْدَنَا، وَالِاخْتِلَافُ فِيهِمَا عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ. قَالَ (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ التَّكْبِيرِ وَهُوَ سُنَّةٌ) رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ سُنَّةٌ بِلَا خِلَافٍ

«لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاظَبَ عَلَيْهِ» ، وَهَذَا اللَّفْظُ يُشِيرُ إلَى اشْتِرَاطِ الْمُقَارَنَةِ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْمَحْكِيُّ عَنْ الطَّحَاوِيِّ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ أَوَّلًا ثُمَّ يُكَبِّرُ لِأَنَّ فِعْلَهُ نَفْيُ الْكِبْرِيَاءِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ وَالنَّفْيُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِثْبَاتِ (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِإِبْهَامَيْهِ شَحْمَتَيْ أُذُنَيْهِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَرْفَعُ إلَى مَنْكِبَيْهِ، وَعَلَى هَذَا تَكْبِيرَةُ الْقُنُوتِ وَالْأَعْيَادِ وَالْجِنَازَةِ لَهُ حَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " قَالَ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ إلَى مَنْكِبَيْهِ» وَلَنَا رِوَايَةُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ وَالْبَرَاءِ وَأَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاظَبَ عَلَيْهِ مَعَ التَّرْكِ» وَهُوَ عَلَامَةُ السُّنِّيَّةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِلَا تَرْكٍ فَإِنَّ ذَلِكَ دَلِيلُ الْوُجُوبِ عَلَى مَا سَيَأْتِي. وَاخْتَلَفُوا فِي أَفْضَلِيَّةِ وَقْتِ الرَّفْعِ فَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَقَاضِي خَانْ مُقَارِنًا لِلتَّكْبِيرِ: وَلَفْظُ الْكِتَابِ يُشِيرُ إلَيْهِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْمَحْكِيُّ عَنْ الطَّحَاوِيِّ، وَالْمَرْوِيُّ عِبَارَةٌ عَنْ الْقَوْلِ وَالْمَحْكِيُّ عِبَارَةٌ عَنْ الْفِعْلِ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا أَنَّهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ أَوَّلًا، فَإِذَا اسْتَقَرَّ فِي مَوْضِعِ الْمُحَاذَاةِ كَبَّرَ، وَجَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ أَصَحَّ؛ لِأَنَّ فِي فِعْلِهِ وَقَوْلِهِ مَعْنَى النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ؛ لِأَنَّهُ يَنْفِي بِفِعْلِهِ الْكِبْرِيَاءَ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ وَيُثْبِتُ بِقَوْلِهِ لِلَّهِ تَعَالَى، فَيَكُونُ النَّفْيُ مُقَدَّمًا عَلَى الْإِثْبَاتِ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ، وَلَا يَتَكَلَّفُ لِلتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْأَصَابِعِ عِنْدَ رَفْعِ الْيَدَيْنِ بَلْ يَتْرُكُهَا عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ الضَّمِّ وَالتَّفْرِيقِ، وَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَبَّرَ نَاشِرًا أَصَابِعَهُ» مَعْنَاهُ نَاشِرًا عَنْ طَيِّهَا. وَقَوْلُهُ: (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِإِبْهَامَيْهِ شَحْمَتَيْ أُذُنَيْهِ) ظَاهِرٌ، وَمَذْهَبُنَا قَوْلُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ

كَانَ إذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ» وَلِأَنَّ رَفْعَ الْيَدِ لِإِعْلَامِ الْأَصَمِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ. وَقَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ رَفْعَ الْيَدِ لِإِعْلَامِ الْأَصَمِّ)

وَهُوَ بِمَا قُلْنَاهُ، وَمَا رَوَاهُ يُحْمَلُ عَلَى حَالَةِ الْعُذْرِ (وَالْمَرْأَةُ تَرْفَعُ يَدَيْهَا حِذَاءَ مَنْكِبَيْهَا) وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا (فَإِنْ قَالَ بَدَلَ التَّكْبِيرِ اللَّهُ أَجَلُّ أَوْ أَعْظَمُ، أَوْ الرَّحْمَنُ أَكْبَرُ أَوْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى) أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ كَانَ يُحْسِنُ التَّكْبِيرَ لَمْ يُجْزِئْهُ إلَّا قَوْلُهُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَوْ اللَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ فِي النِّهَايَةِ: كَانَ يَجِبُ أَنْ يَقُولَ: وَرَفْعُ الْيَدِ لِإِعْلَامِ الْأَصَمِّ أَيْضًا، بِزِيَادَةِ قَوْلِهِ أَيْضًا لِدَفْعِ التَّنَاقُضِ صُورَةً؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّ مَعْنَى رَفْعِ الْيَدَيْنِ نَفْيُ الْكِبْرِيَاءِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ فَلَا تَكُونُ لِغَيْرِهِ، وَكَأَنَّهُ يَحُومُ حَوْلَ أَنَّ الْمَعْلُولَ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ لَهُ عِلَّتَانِ مُسْتَقِلَّتَانِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ عِلَّةٌ مُرَكَّبَةٌ، فَإِذَا قَالَ أَيْضًا كَانَ نَفْيُ الْكِبْرِيَاءِ وَإِعْلَامُ الْأَصَمِّ عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ مُرَكَّبَةٌ لِرَفْعِ الْيَدَيْنِ، ثُمَّ اعْتَذَرَ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ تَابَعَ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ وَقَدْ ذَكَرَهُ كَذَلِكَ فَإِنَّ دَأْبَهُمْ تَرْكُ التَّكَلُّفِ وَتَفْهِيمُ الْمَعْنَى. وَقِيلَ: لَوْ كَانَ لِإِعْلَامِ الْأَصَمِّ لَمَا أَتَى بِهِ الْمُنْفَرِدُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْأَدَاءُ بِالْجَمَاعَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43] فَيَكُونُ الِانْفِرَادُ نَادِرًا، عَلَى أَنَّ حَكَمَةَ الْحُكْمِ لَا تُرَاعَى فِي كُلِّ فَرْدٍ: فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَلَّا يَأْتِيَ بِهِ الْمُقْتَدِي. أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَصَمَّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي آخِرِ الصُّفُوفِ. وَقَوْلُهُ: (وَهُوَ بِمَا قُلْنَاهُ) أَيْ إعْلَامُ الْأَصَمِّ بِمَا قُلْنَاهُ مِنْ رَفْعِهَا حَتَّى يُحَاذِيَ بِإِبْهَامَيْهِ شَحْمَتَيْ أُذُنَيْهِ. وَقَوْلُهُ: (وَمَا رَوَاهُ) يَعْنِي مِنْ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ (يُحْمَلُ عَلَى حَالَةِ الْعُذْرِ) رُوِيَ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ أَنَّهُ قَالَ: قَدِمْت الْمَدِينَةَ فَوَجَدْتهمْ يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ إلَى الْأُذُنَيْنِ ثُمَّ قَدِمْت عَلَيْهِمْ مِنْ قَابِلٍ وَعَلَيْهِمْ الْأَكْسِيَةُ وَالْبَرَانِسُ مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ فَوَجَدْتهمْ يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ إلَى الْمَنَاكِبِ. وَقَوْلُهُ: (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهَا تَرْفَعُ يَدَيْهَا حِذَاءَ أُذُنَيْهَا كَالرَّجُلِ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ إنَّمَا يَكُونُ بِكَفَّيْهَا وَكَفَّاهَا لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ فَتَكُونُ هِيَ وَالرَّجُلُ سَوَاءً فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ. وَوَجْهُ الصَّحِيحِ مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا. . وَقَوْلُهُ: (فَإِنْ قَالَ بَدَلَ التَّكْبِيرِ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ هُوَ التَّكْبِيرُ. اعْلَمْ أَنَّ الشَّارِعَ فِي الصَّلَاةِ إذَا قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ كَانَ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ بِلَا خِلَافٍ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ اللَّهُ الْأَكْبَرُ خِلَافًا لِمَالِكٍ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ اللَّهُ الْكَبِيرُ خِلَافًا لَهُ وَلِلشَّافِعِيِّ، أَمَّا إذَا قَالَ اللَّهُ أَجَلُّ أَوْ أَعْظَمُ أَوْ الرَّحْمَنُ أَكْبَرُ أَوْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَوْ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ لَا إلَهَ غَيْرُهُ، فَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ أَجْزَأَهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ يُحْسِنُ التَّكْبِيرَ)

الْأَكْبَرُ أَوْ اللَّهُ الْكَبِيرُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْأَوَّلَيْنِ. وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْأَوَّلِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَنْقُولُ وَالْأَصْلُ فِيهِ التَّوْقِيفُ. وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: إدْخَالُ الْأَلِفِ وَاللَّامِ فِيهِ أَبْلَغُ فِي الثَّنَاءِ فَقَامَ مَقَامَهُ. وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: إنَّ أَفْعَلَ وَفَعِيلًا فِي صِفَاتِهِ تَعَالَى سَوَاءٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَا يُحْسِنُ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَى الْمَعْنَى. وَلَهُمَا أَنَّ التَّكْبِيرَ هُوَ التَّعْظِيمُ لُغَةً وَهُوَ حَاصِلٌ (فَإِنْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ قَرَأَ فِيهَا بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ ذَبَحَ وَسَمَّى بِالْفَارِسِيَّةِ وَهُوَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَا: لَا يُجْزِئُهُ إلَّا فِي الذَّبِيحَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ أَكْبَرُ أَوْ اللَّهُ أَكْبَرُ أَوْ اللَّهُ الْكَبِيرُ (لَا يَجُوزُ) وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ جَازَ، وَمَالِكٌ يَقُولُ الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ التَّوْقِيفُ وَالْمَنْقُولُ فِيهِ هُوَ الْأَوَّلُ فَلَا يَجُوزُ غَيْرُهُ (وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ إدْخَالُ الْأَلِفِ وَاللَّامِ فِيهِ) أَيْ فِي الْخَبَرِ وَهُوَ أَكْبَرُ (أَبْلَغُ فِي الثَّنَاءِ) ؛ لِأَنَّ تَعْرِيفَ الْخَبَرِ يَقْتَضِي حَصْرَهُ فِي الْمُبْتَدَإِ كَمَا فِي قَوْلِك زَيْدٌ الْعَالَمُ، وَقَدْ عُرِفَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ فَيَكُونُ مَا زَادَ فِيهِ مِنْ الْمُبَالَغَةِ فِي مُقَابَلَةِ مَا فَاتَهُ مِنْ كَوْنِهِ مَنْقُولًا فَانْجَبَرَ الْفَائِتُ بِمَا زَادَ (فَقَامَ مَقَامَهُ، وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: إنَّ أَفْعَلَ وَفَعِيلًا فِي صِفَاتِهِ تَعَالَى سَوَاءٌ) ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ الزِّيَادَةِ لَيْسَ بِمُرَادٍ فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لِعَدَمِ مُسَاوَاةِ أَحَدٍ إيَّاهُ فِي أَصْلِ الْكِبْرِيَاءِ حَتَّى يَكُونَ أَفْعَلُ الزِّيَادَةَ كَمَا يَكُونُ فِي أَوْصَافِ الْعِبَادِ فَكَانَ أَفْعَلُ وَفَعِيلُ سَوَاءً (وَلَهُمَا أَنَّ التَّكْبِيرَ هُوَ التَّعْظِيمُ لُغَةً) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} [يوسف: 31] أَيْ عَظَّمْنَهُ (وَهُوَ حَاصِلٌ) بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَلْفَاظِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ عَمَلُ اللِّسَانِ وَالتَّكْبِيرُ آلَتُهُ فَيَجُوزُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ غَيْرُهُ إذَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ، وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ اللَّهُ يَصِيرُ شَارِعًا؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى التَّعْظِيمِ لِكَوْنِهِ مُشْتَقًّا مِنْ التَّأَلُّهِ وَهُوَ التَّحَيُّرُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَصِيرُ شَارِعًا؛ لِأَنَّ تَمَامَ التَّعْظِيمِ إنَّمَا يَكُونُ بِذِكْرِ الِاسْمِ وَالصِّفَةِ جَمِيعًا. وَالْجَوَابُ أَنَّ مَنَاطَ الْحُكْمِ حُصُولُ التَّعْظِيمِ لِإِتْمَامِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ إذَا شَرَعَ بِتِلْكَ الْأَلْفَاظِ هَلْ يُكْرَهُ أَوْ لَا، قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُكْرَهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُكْرَهُ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. قَالَ (فَإِنْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِالْفَارِسِيَّةِ) اعْلَمْ أَنَّ الِافْتِتَاحَ بِالْفَارِسِيَّةِ وَالْقِرَاءَةَ بِهَا فِي الصَّلَاةِ وَالتَّسْمِيَةَ بِهَا عَلَى الذَّبِيحَةِ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْعَرَبِيَّةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إنْ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا فِي الذَّبِيحَةِ، وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْهَا أَجْزَأَ فِي الْجَمِيعِ، وَمُحَمَّدٌ مَعَ

وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ الْعَرَبِيَّةَ أَجْزَأَهُ) أَمَّا الْكَلَامُ فِي الِافْتِتَاحِ فَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَمَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْفَارِسِيَّةِ لِأَنَّ لُغَةَ الْعَرَبِ لَهَا مِنْ الْمَزِيَّةِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهَا. وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي الْقِرَاءَةِ فَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْقُرْآنَ اسْمٌ لِمَنْظُومٍ عَرَبِيٍّ كَمَا نَطَقَ بِهِ النَّصُّ، إلَّا أَنَّ عِنْدَ الْعَجْزِ يُكْتَفَى بِالْمَعْنَى كَالْإِيمَاءِ، بِخِلَافِ التَّسْمِيَةِ لِأَنَّ الذِّكْرَ يَحْصُلُ بِكُلِّ لِسَانٍ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْله تَعَالَى {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ} [الشعراء: 196] وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا بِهَذِهِ اللُّغَةِ، وَلِهَذَا يَجُوزُ عِنْدَ الْعَجْزِ إلَّا أَنَّهُ يَصِيرُ مُسِيئًا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبِي حَنِيفَةَ فِي الِافْتِتَاحِ بِالْعَرَبِيَّةِ، فَإِنَّهُ جَوَّزَهُ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَمَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْفَارِسِيَّةِ حَيْثُ لَمْ يُجَوِّزْهُ بِالْفَارِسِيَّةِ. قَالَ (؛ لِأَنَّ لُغَةَ الْعَرَبِ لَهَا مِنْ الْمَزِيَّةِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهَا) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَعْرِضِ تَفْضِيلِ لِسَانِ الْعَرَبِ عَلَى غَيْرِهِ «أَنَا عَرَبِيٌّ وَالْقُرْآنُ عَرَبِيٌّ وَلِسَانُ أَهْلِ الْجَنَّةِ عَرَبِيٌّ» (وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي الْقِرَاءَةِ فَوَجْهُ قَوْلِهِمَا إنَّ الْقُرْآنَ اسْمٌ لِمَنْظُومٍ عَرَبِيٍّ كَمَا نَطَقَ بِهِ النَّصُّ) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2] وَالْقُرْآنُ هُوَ الْمَأْمُورُ بِقِرَاءَتِهِ فِي الصَّلَاةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] عَلَى مَا سَيَجِيءُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَلَّا نَتْرُكَ حَالَةَ الْعَجْزِ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ يُكْتَفَى عِنْدَ الْعَجْزِ بِالْمَعْنَى لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّكْلِيفُ بِمَا لَيْسَ فِي الْوُسْعِ فَصَارَ كَمَنْ عَجَزَ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فَإِنَّهُ جَازَ لَهُ الْإِيمَاءُ (بِخِلَافِ التَّسْمِيَةِ) فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا الذِّكْرُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] وَهُوَ يَحْصُلُ بِكُلِّ لِسَانٍ سَوَاءٌ كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ أَوْ لَمْ يُحْسِنْ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ عِنْدَ الْحُكَّامِ وَاللِّعَانُ وَالْعُقُودُ تَصِحُّ بِإِجْمَاعٍ، وَرُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي الْقِرَاءَةِ كَقَوْلِهِمَا، وَرُوِيَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَكِنَّهُ إنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ فَهُوَ أُمِّيٌّ يُصَلِّي بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ، وَلَوْ قَرَأَ بِالْفَارِسِيَّةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ كَلَامِ النَّاسِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ} [الشعراء: 196] وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ فِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ لَمْ يَكُنْ الْقُرْآنُ بِنَظْمِهِ فِيهَا لَا مَحَالَةَ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَاهُ فِيهَا، وَالْمَقْرُوءُ بِالْفَارِسِيَّةِ عَلَى سَبِيلِ التَّرْجَمَةِ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَعْنَاهُ فَيَكُونُ جَائِزًا إلْحَاقًا بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: قَوْله تَعَالَى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2] مُحْكَمٌ لَا يُقْبَلُ التَّأْوِيلُ وقَوْله تَعَالَى {لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ} [الشعراء: 196] مُحْتَمَلٌ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْمُفَسِّرِينَ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الضَّمِيرَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ يُتْرَكُ الْمُحْكَمُ بِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ يُفْضِي إلَى التَّعْقِيدِ اللَّفْظِيِّ بِتَفْكِيكِ الضَّمَائِرِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 192] إلَى آخِرِهِ، وَالْكَلَامُ الْمُعْجِزُ مَصُونٌ عَنْ ذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ: سَلَّمْنَا تَسَاوِيهِمَا فِي الْأَحْكَامِ لَكِنْ يَكُونَانِ مُتَعَارِضَيْنِ فَمِنْ أَيْنَ تَقُومُ الْحُجَّةُ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ إعْمَالَ الدَّلِيلَيْنِ وَلَوْ بِوَجْهٍ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِ أَحَدِهِمَا، فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ} [الشعراء: 196] عَلَى حَالَةِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا حَالُ الْمُنَاجَاةِ وَالِاشْتِغَالِ بِنَظْمٍ خَاصٍّ يَذْهَبُ بِالرِّقَّةِ، وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2] عَلَى غَيْرِ حَالَةِ الصَّلَاةِ، وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَقَوْلُهُ: (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ الْقِرَاءَةِ لَمْ تَكُنْ فِي الزُّبُرِ بِهَذَا النَّظْمِ (جَازَتْ الْقِرَاءَةُ بِالْفَارِسِيَّةِ عِنْدَ الْعَجْزِ) وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَجْزَ لَا يَجْعَلُ غَيْرَ الْقُرْآنِ قُرْآنًا. وَقَوْلُهُ: (إلَّا أَنَّهُ يَصِيرُ مُسِيئًا) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ

لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ الْمُتَوَارَثَةَ، وَيَجُوزُ بِأَيِّ لِسَانٍ كَانَ سِوَى الْفَارِسِيَّةِ هُوَ الصَّحِيحُ لِمَا تَلَوْنَا، وَالْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ اللُّغَاتِ وَالْخِلَافُ فِي الِاعْتِدَادِ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا فَسَادَ، وَيُرْوَى رُجُوعُهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ إلَى قَوْلِهِمَا وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، وَالْخُطْبَةُ وَالتَّشَهُّدُ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ، وَفِي الْأَذَانِ يُعْتَبَرُ التَّعَارُفُ (وَلَوْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِاللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلِهِ أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةِ الْمُتَوَارَثَةِ) وَهِيَ الْقِرَاءَةُ بِالْعَرَبِيَّةِ. وَقَوْلُهُ: (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ الْبَرْدَعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّمَا جَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ الْقِرَاءَةَ بِالْفَارِسِيَّةِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الْأَلْسِنَةِ لِقُرْبِ الْفَارِسِيَّةِ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ قَالَ الْكَرْخِيُّ: وَالصَّحِيحُ النَّقْلُ إلَى أَيِّ لُغَةٍ كَانَتْ. وَقَوْلُهُ: (لِمَا تَلَوْنَا) يَعْنِي مِنْ قَوْلِهِ {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ} [الشعراء: 196] فَإِنَّهُ كَمَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا بِلُغَةِ الْعَرَبِ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا بِالْفَارِسِيَّةِ؛ وَلِأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى الْمَعْنَى عِنْدَ النَّقْلِ وَالْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ اللُّغَاتِ. وَقَوْلُهُ: (وَالْخِلَافُ فِي الِاعْتِدَادِ) أَيْ فِي أَنَّهُ إذَا قَرَأَ بِالْفَارِسِيَّةِ هَلْ يَكُونُ مَحْسُوبًا عَنْ فَرْضِ الْقِرَاءَةِ أَوْ لَا، وَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الْفَسَادِ. وَقَوْلُهُ: (وَيُرْوَى رُجُوعُهُ) رَوَى أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا (وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ) لِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ الْإِجْمَاعِ (وَالْخُطْبَةُ وَالتَّشَهُّدُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ) أَيْ تَجُوزُ قِرَاءَتُهُمَا بِالْفَارِسِيَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا. وَقَوْلُهُ: (وَفِي الْأَذَانِ يُعْتَبَرُ التَّعَارُفُ) قِيلَ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ لِكَوْنِهَا رُكْنًا أَعْظَمُ خَطَرًا مِنْ الْأَذَانِ لِكَوْنِهِ سُنَّةً، وَالْأَذَانُ لَا يَجُوزُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيِّ فَكَيْفَ جَازَتْ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ؟ وَوَجْهُهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ جَوَازِ الْأَذَانِ مُطْلَقًا بَلْ يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّعَارُفُ، فَإِنَّ الْحَسَنَ رَوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَوْ أُذِّنَ بِالْفَارِسِيَّةِ وَالنَّاسُ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَذَانٌ جَازَ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَعْلَمُونَ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْإِعْلَامُ، كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْأَسْرَارِ. . وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِاَللَّهُمِ اغْفِرْ لِي) بَيَانٌ أَنَّ الشُّرُوعَ بِغَيْرِ اللَّفْظِ الْمَنْقُولِ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ ثَنَاءً

لَا يَجُوزُ) لِأَنَّهُ مَشُوبٌ بِحَاجَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ تَعْظِيمًا خَالِصًا، وَلَوْ افْتَتَحَ بِقَوْلِهِ اللَّهُمَّ فَقَدْ قِيلَ يُجْزِئُهُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ يَا اللَّهُ، قِيلَ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ يَا اللَّهُ أُمَّنَا بِخَيْرٍ فَكَانَ سُؤَالًا. قَالَ (وَيَعْتَمِدُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى تَحْتَ السُّرَّةِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ مِنْ السُّنَّةِ وَضْعَ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ تَحْتَ السُّرَّةِ» وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْإِرْسَالِ، وَعَلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْوَضْعِ عَلَى الصَّدْرِ، وَلِأَنَّ الْوَضْعَ تَحْتَ السُّرَّةِ أَقْرَبُ إلَى التَّعْظِيمِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ، ثُمَّ الِاعْتِمَادُ سُنَّةُ الْقِيَامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ حَتَّى لَا يُرْسِلَ حَالَةَ الثَّنَاءِ. وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ قِيَامٍ فِيهِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ يَعْتَمِدُ فِيهِ وَمَا لَا فَلَا هُوَ الصَّحِيحُ، فَيَعْتَمِدُ فِي حَالَةِ الْقُنُوتِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَيُرْسِلُ فِي الْقَوْمَةِ وَبَيْنَ تَكْبِيرَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQخَالِصًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَشُوبًا بِحَاجَتِهِ فَلَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ، فَفِي قَوْلِهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي لَا يَكُونُ شَارِعًا؛ لِأَنَّهُ مَشُوبٌ بِحَاجَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ تَعْظِيمًا خَالِصًا، وَإِنْ قَالَ اللَّهُمَّ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ، قِيلَ يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ: يَا أَللَّهُ فَتَمَحَّضَ ذِكْرًا هُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَقِيلَ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ: يَا اللَّهُ آمِنًا بِخَيْرٍ: أَيْ اقْصِدْنَا بِخَيْرٍ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَلَمْ يَكُنْ تَعْظِيمًا خَالِصًا. قِيلَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ} [الأنفال: 32] وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ قَصَدْنَا بِخَيْرٍ فَسَدَ الْمَعْنَى. قَالَ (وَيَعْتَمِدُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى) الِاعْتِمَادُ الِاتِّكَاءُ، وَتَفْسِيرُ الِاعْتِمَادِ أَنْ يَضَعَ وَسَطَ كَفِّهِ الْيُمْنَى عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى. وَقَوْلُهُ: وَيَعْتَمِدُ إلَخْ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الِاعْتِمَادَ هُوَ الْوَضْعُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَفِيهِ خِلَافُ مَالِكٍ فَإِنَّهُ يَقُولُ بِالْإِرْسَالِ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ جَعَلَ الْإِرْسَالَ عَزِيمَةً وَالِاعْتِمَادَ رُخْصَةً وَإِلَى مَوْضِعِ الْوَضْعِ وَهُوَ تَحْتَ السُّرَّةِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْأَفْضَلُ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الصَّدْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] فَإِنَّ أَهْلَ التَّفْسِيرِ قَالُوا الْمُرَادُ بِهِ وَضْعُ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ عَلَى الصَّدْرِ. وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ «إنَّ مِنْ السُّنَّةِ وَضْعَ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ تَحْتَ السُّرَّةِ» وَهُوَ كَمَا تَرَى حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ فِي الْإِرْسَالِ وَعَلَى الشَّافِعِيِّ فِي الْوَضْعِ عَلَى الصَّدْرِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] نَحْرُ الْأُضْحِيَّةِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ؛ وَلِأَنَّ الْوَضْعَ تَحْتَ السُّرَّةِ أَقْرَبُ إلَى التَّعْظِيمِ وَأَبْعَدُ مِنْ التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ، وَهُوَ أَيْ التَّعْظِيمُ هُوَ الْمَقْصُودُ، ثُمَّ الِاعْتِمَادُ سُنَّةُ الْقِيَامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ، وَثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ فِي الْمُصَلِّي بَعْدَ التَّكْبِيرِ. فَعِنْدَهُمَا لَا يُرْسِلُ حَالَةَ الثَّنَاءِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُرْسِلُ، فَإِذَا أَخَذَ فِي الْقِرَاءَةِ اعْتَمَدَ. وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ قِيَامٍ فِيهِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ يَعْتَمِدُ فِيهِ وَمَا لَا فَلَا. وَقَوْلُهُ: (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْفَضْلِيِّ وَأَصْحَابِهِ، قَالَ

الْأَعْيَادِ (ثُمَّ يَقُولُ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك إلَى آخِرِهِ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَضُمُّ إلَيْهِ قَوْلَهُ: «إنِّي وَجَّهْت وَجْهِي» إلَى آخِرِهِ، لِرِوَايَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَضْلِيُّ: إنَّ السُّنَّةَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ وَالْقَوْمَةِ الَّتِي بَيْنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ هُوَ الْإِرْسَالُ، وَقَالَ أَصْحَابُهُ: السُّنَّةُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الِاعْتِمَادُ، وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْكِتَابِ أَنَّ كُلَّ قِيَامٍ فِيهِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ، فَالسُّنَّةُ فِيهِ الِاعْتِمَادُ كَمَا فِي حَالَةِ الثَّنَاءِ وَالْقُنُوتِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَكُلُّ قِيَامٍ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ فَالسُّنَّةُ فِيهِ الْإِرْسَالُ فَيُرْسِلُ فِي الْقَوْمَةِ عَنْ الرُّكُوعِ وَبَيْنَ تَكْبِيرَاتِ الْأَعْيَادِ، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَبُرْهَانُ الْأَئِمَّةِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ. وَذُكِرَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: وَكُلَّمَا فَرَغَ مِنْ التَّكْبِيرِ يَضَعُ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى تَحْتَ السُّرَّةِ، وَكَذَا فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ وَتَكْبِيرَاتِ الْجِنَازَةِ وَالْقُنُوتِ وَيُرْسِلُ فِي الْقَوْمَةِ. وَقَوْلُهُ: (ثُمَّ يَقُولُ) أَيْ الْمُصَلِّي (سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وَتَبَارَكَ اسْمُك وَتَعَالَى جَدُّك وَلَا إلَهَ غَيْرُك) وَمَعْنَاهُ: سَبَّحْتُك يَا أَللَّهُ بِجَمِيعِ آلَائِك وَبِحَمْدِك سَبَّحْت، وَتَعَاظَمَ اسْمُك عَنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ وَتَعَالَى عَظَمَتُك، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا، وَعَنْهُ أَنَّهُ يَضُمُّ إلَيْهِ قَوْله تَعَالَى وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ. إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَلَوْ قَالَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ: فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ كَذَبَ فِي صَلَاتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ لَا الْإِنْبَاءَ عَنْ نَفْسِهِ. وَقَوْلُهُ: (يَضُمُّ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إنْ شَاءَ قَدَّمَ عَلَى الثَّنَاءِ وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَ عَنْهُ، الضَّمُّ صَادِقٌ عَلَيْهِمَا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَعَنْهُ أَنَّ الْبُدَاءَةَ بِالتَّسْبِيحِ أَوْلَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} [الطور: 48] وَوَجْهُ قَوْلِهِ مَا رُوِيَ

وَلَهُمَا رِوَايَةُ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ كَبَّرَ وَقَرَأَ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك إلَى آخِرِهِ» وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا، وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ عَلِيٍّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ» ، فَإِذَا وَرَدَ الْإِخْبَارُ بِهِمَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا عَمَلًا بِالْإِخْبَارِ. وَيُوَجِّهُ قَوْلَهُمَا مَا رَوَى أَنَسٌ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ كَبَّرَ وَقَرَأَ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ» إلَخْ. وَلَا يَزِيدُ عَلَى هَذَا فَيَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلِ مَا رَوَاهُ وَهُوَ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّهَجُّدِ، فَإِنَّ الْأَمْرَ فِيهِ وَاسِعٌ. وَأَمَّا فِي الْفَرَائِضِ فَلَا يَزِيدُ عَلَى

عَلَى التَّهَجُّدِ. وَقَوْلُهُ وَجَلَّ ثَنَاؤُك لَمْ يُذْكَرْ فِي الْمَشَاهِيرِ فَلَا يَأْتِي بِهِ فِي الْفَرَائِضِ. وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَأْتِيَ بِالتَّوَجُّهِ قَبْلَ التَّكْبِيرِ لِتَتَّصِلَ بِهِ النِّيَّةُ هُوَ الصَّحِيحُ (وَيَسْتَعِيذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] مَعْنَاهُ: إذَا أَرَدْت قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَسْتَعِيذُ بِاَللَّهِ لِيُوَافِقَ الْقُرْآنَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا اشْتَهَرَ فِيهِ الْأَثَرُ، وَلِهَذَا لَا يَأْتِي بِقَوْلِهِ وَجَلَّ ثَنَاؤُك فِي الْفَرَائِضِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْمَشَاهِيرِ. وَقَوْلُهُ: (وَالْأَوْلَى أَلَّا يَأْتِيَ بِالتَّوَجُّهِ) أَيْ بِقَوْلِهِ وَجَّهْتُ وَجْهِي بَعْدَ النِّيَّةِ (قَبْلَ التَّكْبِيرِ لِتَتَّصِلَ النِّيَّةُ بِهِ) أَيْ بِالتَّكْبِيرِ. وَقَوْلُهُ: (وَهُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ إنَّهُ يَقُولُهَا قَبْلَ التَّكْبِيرِ مِنْهُمْ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْعَزِيمَةِ وَلِيَكُونَ عَمَلًا بِمَا رُوِيَ فِي الْأَخْبَارِ. وَوَجْهُ الصَّحِيحِ أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَطْوِيلِ مُكْثِهِ فِي الْمِحْرَابِ قَائِمًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَلَا يُصَلِّي، وَهُوَ مَذْمُومٌ شَرْعًا فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «مَالِي أَرَاكُمْ سَامِدِينَ» . قَوْلُهُ: (وَيَسْتَعِيذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) خِلَافًا لِمَالِكٍ فَإِنَّهُ لَا يَرَى بِذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عَنْ «أَنَسٍ قَالَ صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَكَانُوا يَفْتَتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» ". وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل: 98] الْآيَةَ وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ فَرْضًا كَمَا قَالَ بِهِ عَطَاءٌ، إلَّا أَنَّ السَّلَفَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَإِنَّمَا قَالَ مَعْنَاهُ إذَا أَرَدْت قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ نَفْيًا لِقَوْلِ بَعْضِ أَصْحَابِ الظَّاهِرِ أَنَّهُ يَتَعَوَّذُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ عَمَلًا بِحَرْفِ الْفَاءِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَتَعَوَّذُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ» ، وَقِيلَ الْفَاءُ هَاهُنَا لِلْحَالِ كَمَا يُقَالُ: إذَا دَخَلْت عَلَى الْأَمِيرِ فَتَأَدَّبْ: أَيْ إذَا أَرَدْت الدُّخُولَ وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ. وَقَوْلُهُ: (وَالْأَوْلَى) بَيَانُ لَفْظٍ يَتَعَوَّذُ بِهِ فَإِنَّ فِيهِ لِلْقُرَّاءِ اخْتِلَافًا، وَاخْتَارَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ (أَنْ يَقُولَ: أَسْتَعِيذُ بِاَللَّهِ لِيُوَافِقَ الْقُرْآنَ)

وَيَقْرُبُ مِنْهُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ، ثُمَّ التَّعَوُّذُ تَبَعٌ لِلْقِرَاءَةِ دُونَ الثَّنَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِمَا تَلَوْنَا حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ الْمَسْبُوقُ دُونَ الْمُقْتَدِي وَيُؤَخَّرَ عَنْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ (وَيَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) هَكَذَا نُقِلَ فِي الْمَشَاهِيرِ (وَيُسِرُّ بِهِمَا) لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَوْله تَعَالَى: أَرْبَعٌ يُخْفِيهِنَّ الْإِمَامُ، وَذَكَرَ مِنْهَا التَّعَوُّذَ وَالتَّسْمِيَةَ وَآمِينَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجْهَرُ بِالتَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَهَرَ فِي صَلَاتِهِ بِالتَّسْمِيَةِ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ الدَّلِيلَ الدَّالَّ عَلَى التَّعَوُّذِ مِنْ الْقُرْآنِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل: 98] فَإِنَّهُ أَمَرَ بِالِاسْتِعَاذَةِ (وَيَقْرُبُ مِنْهُ أَعُوذُ) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْحُرُوفِ الْأُصُولِ، وَكَأَنَّهُ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَهُوَ رِوَايَةُ حَفْصٍ مِنْ طَرِيقِ هُبَيْرَةَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ إنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَنَاءٌ، وَبَعْدَ التَّعَوُّذِ مَحَلُّ الْقِرَاءَةِ لَا مَحَلُّ الثَّنَاءِ (ثُمَّ التَّعَوُّذُ تَبَعٌ لِلْقِرَاءَةِ دُونَ الثَّنَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِمَا تَلَوْنَا) مِنْ قَوْلِهِ {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} [النحل: 98] الْآيَةَ، فَيَأْتِي فِي الْمَسْبُوقِ دُونَ الْمُقْتَدِي وَيُؤَخَّرُ عَنْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ هُوَ تَبَعٌ لِلثَّنَاءِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ بَعْدَ الثَّنَاءِ وَأَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ كَالْأَوَّلِ وَتَبَعُ الشَّيْءِ مَا كَانَ بَعْدَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ بِهِ الْمُقْتَدِي. وَقَوْلُهُ: (وَيَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَيَسْتَعِيذُ. وَقَوْلُهُ: (وَهَكَذَا نُقِلَ فِي الْمَشَاهِيرِ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَمَا احْتَجَّ بِهِ فَإِنَّهُ يَقُولُ لَا يَأْتِي الْمُصَلِّي بِالتَّسْمِيَةِ لَا سِرًّا وَلَا جَهْرًا لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ. وَقَوْلُهُ: (وَيُسِرُّ بِهِمَا) أَيْ بِالتَّعَوُّذِ وَالتَّسْمِيَةِ (لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَرْبَعٌ يُخْفِيهِنَّ الْإِمَامُ، وَذَكَرَ مِنْهَا التَّعَوُّذَ وَالتَّسْمِيَةَ وَآمِينَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجْهَرُ بِالتَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ؛ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَهَرَ فِي صَلَاتِهِ بِالتَّسْمِيَةِ» ) رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

قُلْنَا: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّعْلِيمِ لِأَنَّ أَنَسًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَخْبَرَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ لَا يَجْهَرُ بِهَا» . ثُمَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهَا فِي أَوَّلِ كُلِّ رَكْعَةٍ كَالتَّعَوُّذِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قُلْنَا هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّعْلِيمِ) كَمَا شُرِعَ الْجَهْرُ بِالتَّكْبِيرِ لِلْإِعْلَامِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ جَهَرَ بِالثَّنَاءِ بَعْدَ التَّكْبِيرِ لِلتَّعْلِيمِ؛ لِأَنَّ «أَنَسًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَجْهَرُ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» وَإِذَا تَعَارَضَتْ الْآثَارُ وَجَبَ التَّأْوِيلُ، وَهُوَ كَمَا قُلْنَا مِنْ الْحَمْلِ عَلَى التَّعْلِيمِ. وَقِيلَ كَانَ الْجَهْرُ فِي الِابْتِدَاءِ قَبْلَ نُزُولِ قَوْله تَعَالَى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَجْهَرُونَ بِالثَّنَاءِ وَالْقِرَاءَةِ أَيْضًا حَتَّى نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ} [الإسراء: 110] فَإِنْ قِيلَ خَبَرُ الْإِخْفَاءِ بِالتَّسْمِيَةِ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى كَحَدِيثِ مَسِّ الذَّكَرِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي يُجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ ثَلَاثٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَلَوْ كَانَ هَذَا الْخَبَرُ ثَابِتًا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ لَاشْتُهِرَ، وَلَوْ اُشْتُهِرَ لَمَا بَقِيَ الِاخْتِلَافُ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَلَمَّا بَقِيَ الِاخْتِلَافُ فِيهِ مَعَ عُمُومِ الْبَلْوَى دَلَّ عَلَى زِيَافَتِهِ كَمَا فِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْجَهْرِ وَتُوجِبُ الِاخْتِلَافَ قَدْ ذَكَرْنَا تَأْوِيلَهَا، وَالتَّأْوِيلُ يَرْفَعُ الِاخْتِلَافَ، فَلَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ اخْتِلَافٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ رَفْعَ التَّأْوِيلِ اللَّاحِقِ لِلِاخْتِلَافِ السَّابِقِ مَمْنُوعٌ، وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: هَذَا الِاعْتِرَاضُ سَاقِطٌ بِالْمُعَارَضَةِ، فَإِنَّ لَنَا أَنْ نَقُولَ خَبَرُ الْجَهْرِ بِالتَّسْمِيَةِ أَيْضًا مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى. وَقَوْلُهُ: وَيُسِرُّ بِهِمَا الْبَاءُ زَائِدَةٌ وَقَعَ سَهْوًا؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ أَسَرَّ الْحَدِيثَ بِلَا بَاءٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ} [الرعد: 10] (ثُمَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهَا فِي أَوَّلِ كُلِّ رَكْعَةٍ كَالتَّعَوُّذِ) وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِآيَةٍ مِنْ أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ وَإِنَّمَا يُقْرَأُ لِافْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، وَالصَّلَاةُ

وَعَنْهُ أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا احْتِيَاطًا وَهُوَ قَوْلُهُمَا، وَلَا يَأْتِي بِهَا بَيْنَ السُّورَةِ وَالْفَاتِحَةِ إلَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَا فِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ (ثُمَّ يَقْرَأُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً أَوْ ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْ أَيِّ سُورَةٍ شَاءَ) فَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ لَا تَتَعَيَّنُ رُكْنًا عِنْدَنَا، وَكَذَا ضَمُّ السُّورَةِ إلَيْهَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَاتِحَةِ وَلِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِمَا. لَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ مَعَهَا» ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَاحِدَةُ كَالْفِعْلِ الْوَاحِدِ، وَلِهَذَا يُؤَثِّرُ الْفَسَادُ الْوَاقِعُ فِي أَوَّلِهَا فِي آخِرِهَا فَيَكْتَفِي بِهَا مَرَّةً وَاحِدَةً. (وَعَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ (إنَّهُ يَأْتِي بِهَا احْتِيَاطًا) ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي التَّسْمِيَةِ أَنَّهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ أَمْ لَا، وَعَلَيْهِ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَكَانَ عَلَيْهِ قِرَاءَتُهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لِيَكُونَ أَبْعَدَ عَنْ الِاخْتِلَافِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَلَا يَأْتِي بِهَا بَيْنَ السُّورَةِ وَالْفَاتِحَةِ إلَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَا فِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ) ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى مُتَابَعَةِ الْمُصْحَفِ، وَلَا يَأْتِي بِهَا فِيمَا يَجْهَرُ لِئَلَّا يَخْتَلِفَ نَظْمُ الْقِرَاءَةِ. قَالَ (ثُمَّ يَقْرَأُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا هُوَ الرُّكْنُ مِنْ الْقِرَاءَةِ، فَذَهَبَ عُلَمَاؤُنَا إلَى رُكْنِيَّةِ قِرَاءَةِ آيَةٍ، وَالشَّافِعِيُّ إلَى رُكْنِيَّةِ الْفَاتِحَةِ، وَمَالِكٌ إلَى رُكْنِيَّةِ الْفَاتِحَةِ وَضَمِّ سُورَةٍ مَعَهَا (لَهُ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ مَعَهَا» ) وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ ظَاهِرٌ،

وَلِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» . وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَا يَجُوزُ لَكِنَّهُ يُوجِبُ الْعَمَلَ فَقُلْنَا بِوُجُوبِهِمَا (وَإِذَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا الضَّالِّينَ قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْجَوَابُ أَنَّ الرُّكْنَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ، وَخَبَرُ الْوَاحِدِ لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ لَكِنَّهُ يُوجِبُ الْعَمَلَ بِهِ فَقُلْنَا بِهِ (وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» ) وَهُوَ كَالْأَوَّلِ (وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ الْقُرْآنِ مُطْلَقٌ يَنْطَلِقُ عَلَى مَا يُسَمَّى قُرْآنًا فَيَكُونُ أَدْنَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فَرْضًا لِكَوْنِهِ مَأْمُورًا بِهِ، فَإِنَّ قِرَاءَتَهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ فِي الصَّلَاةِ، وَفِي الْآيَةِ كَلَامٌ سُؤَالًا وَجَوَابًا ذَكَرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ. وَقَوْلُهُ: (وَالزِّيَادَةُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ) جَوَابٌ لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ كَمَا ذَكَرْنَا. فَإِنْ قِيلَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ خَبَرُ وَاحِدٍ بَلْ هُوَ مَشْهُورٌ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ فَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِهِ. أُجِيبَ بِالْمَنْعِ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ مَا تَلَقَّاهُ التَّابِعُونَ بِالْقَبُولِ. وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبِأَنَّهُ مُؤَوَّلٌ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مَذْكُورًا لِنَفْيِ الْجِنْسِ أَوْ لِنَفْيِ الْفَضِيلَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» فَكَانَ ظَنِّيَّ الدَّلَالَةِ فَلَا تَجُوزُ بِهِ الزِّيَادَةُ (وَإِذَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا الضَّالِّينَ قَالَ) أَيْ الْإِمَامُ

آمِينَ وَيَقُولُهَا الْمُؤْتَمُّ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا» وَلَا مُتَمَسَّكَ لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ» مِنْ حَيْثُ الْقِسْمَةُ لِأَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقُولُهَا قَالَ (وَيُخْفُونَهَا) لِمَا رَوَيْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ فَيَكُونُ مَبْنَاهُ عَلَى الْإِخْفَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQآمِينْ) وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ نَفْيًا لِشُبْهَةِ الْقِسْمَةِ الَّتِي يَقْتَضِيهَا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ» كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ فِي آخِرِهِ «فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقُولُهَا» أَيْ كَلِمَةَ آمِينَ (وَيُخْفُونَهَا) أَيْ الْإِمَامُ وَالْمُقْتَدُونَ (لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ) يُرِيدُ بِهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَرْبَعٌ يُخْفِيهِنَّ الْإِمَامُ، وَذَكَرَ مِنْهَا التَّعَوُّذَ وَالتَّسْمِيَةَ وَآمِينَ (وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ فَيَكُونُ مَبْنَاهُ عَلَى الْإِخْفَاءِ) كَمَا فِي خَارِجِ الصَّلَاةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] قِيلَ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَقُولُهَا أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ دَاعٍ وَالدَّاعِي لَا يُؤَمِّنُ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ الْقَوْلُ بِإِخْفَائِهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ عَرَفَ أَنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ لَا يَأْخُذُونَ بِقَوْلِهِ لِحُرْمَةِ قَوْلِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ فَفَرَّعَ الْجَوَابَ عَلَى قَوْلِهِمَا كَمَا فِي بَابِ الْمُزَارَعَةِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ وَالْحَقُّ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَأَمَّا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ فَإِنَّهُ يَقُولُهُمَا وَيُخْفِيهَا وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: تَرَكَ النَّاسُ الْجَهْرَ بِالتَّأْمِينِ وَمَا تَرَكَهَا إلَّا لِعِلْمِهِمْ بِالنَّسْخِ، وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ الدَّاعِي لَا يُؤَمِّنُ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ التَّأْمِينَ دُعَاءٌ بِإِجَابَةِ الدُّعَاءِ الْأَوَّلِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الدَّاعِي

وَالْمَدُّ وَالْقَصْرُ فِيهِ وَجْهَانِ، وَالتَّشْدِيدُ فِيهِ خَطَأٌ فَاحِشٌ. قَالَ (ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَرْكَعُ) وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَيُكَبِّرُ مَعَ الِانْحِطَاطِ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ» (وَيَحْذِفُ التَّكْبِيرَ حَذْفًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ غَيْرِهِ، وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ عَلَى سُنِّيَّةِ الْجَهْرِ بِالتَّأْمِينِ فِي الْجَهْرِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا» فَإِنَّهُ عَلَّقَ تَأْمِينَ الْقَوْمِ بِتَأْمِينِهِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ تَأْمِينِهِ مَسْمُوعًا لَيْسَ بِقَوِيٍّ؛ لِأَنَّ تَأْمِينَهُ يُعْرَفُ إذَا فَرَغَ مِنْ قَوْلِهِ {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ تَأْمِينُهُ مَسْمُوعًا (وَالْمَدُّ وَالْقَصْرُ فِيهِ وَجْهَانِ، وَالتَّشْدِيدُ فِيهِ خَطَأٌ فَاحِشٌ) قَالَ فِي التَّجْنِيسِ: تَفْسُدُ بِهِ صَلَاتُهُ، وَقِيلَ عِنْدَهُمَا لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} [المائدة: 2] . قَالَ (ثُمَّ يُكَبِّرُ) الْمُصَلِّي (وَيَرْكَعُ) بَعْدَ مَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ يُكَبِّرُ وَيَرْكَعُ، وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْقُدُورِيِّ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ التَّكْبِيرُ فِي مَحْضِ الْقِيَامِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا. وَمِنْ دَأْبِ الْمُصَنِّفِ فِي هَذَا الْكِتَابِ أَنْ يُصَرِّحَ بِلَفْظِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا وَقَعَ نَوْعُ مُخَالَفَةٍ بَيْنَ رِوَايَتِهِ وَرِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ، فَذَكَرَ قَوْلَهُ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يُكَبِّرُ مَعَ الِانْحِطَاطِ) فَإِنَّهُ يَقْتَضِي مُقَارَنَةَ التَّكْبِيرِ بِالرُّكُوعِ؛ لِأَنَّ مَعَ مُحْكَمٌ فِي الْمُقَارَنَةِ وَبِهِ قَالَ بَعْضٌ آخَرُ. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ» دَلِيلُ قَوْلِهِ ثُمَّ يُكَبِّرُ، وَالْمُرَادُ بِالْخَفْضِ وَالرَّفْعِ ابْتِدَاءُ كُلِّ رُكْنٍ وَانْتِهَاؤُهُ، وَمَعْنَاهُ: اللَّهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُؤَدَّى حَقُّهُ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْعِبَادَةِ. لَا يُقَالُ: هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا يُفْعَلُ عِنْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ تَسْمِيعِ الْإِمَامِ وَتَحْمِيدِ الْمُقْتَدِي لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ هَذَا حِكَايَةُ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ الرَّاوِي، فَلَا يُعَارِضُ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ» فَيُحْمَلُ قَوْلُهُمْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ وَرَفَعَ بَعْضَهُ لِاحْتِمَالِهِ وَلِأَنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ لَمْ تُبَاشِرْهُ فَإِنْ قِيلَ: فَمَاذَا تَفْعَلُ بِمَا رَوَى بَنُو أُمَيَّةَ وَعَمِلُوا بِهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا كَبَّرَ حَالَ الرُّكُوعِ وَإِنَّمَا كَبَّرَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْهُ» . أُجِيبَ بِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ رَجَّحْنَا مَا رَوَيْنَا؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتُ مَتْنًا وَأَتْقَنُ رِوَايَةً؛ لِأَنَّ رُوَاتَهُ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَمَا رَوَاهُ فَرِوَايَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزَى، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَبَّرَ إلَّا أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَمْ يَسْمَعْ وَسَمِعَ غَيْرُهُ وَهُوَ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ: وَحْدَهُ فِيهِ حُجَّةً. وَقَوْلُهُ: (وَيُحْذَفُ التَّكْبِيرُ حَذْفًا)

لِأَنَّ الْمَدَّ فِي أَوَّلِهِ خَطَأٌ مِنْ حَيْثُ الدِّينُ لِكَوْنِهِ اسْتِفْهَامًا، وَفِي آخِرِهِ لَحْنٌ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ (وَيَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَيُفَرِّجُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «إذَا رَكَعْت فَضَعْ يَدَيْك عَلَى رُكْبَتَيْك وَفَرِّجْ بَيْنَ أَصَابِعِك» وَلَا يُنْدَبُ إلَى التَّفْرِيجِ إلَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِيَكُونَ أَمْكَنَ مِنْ الْأَخْذِ، وَلَا إلَى الضَّمِّ إلَّا فِي حَالَةِ السُّجُودِ وَفِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ يُتْرَكُ عَلَى الْعَادَةِ (وَيَبْسُطُ ظَهْرَهُ) لِأَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ إذَا رَكَعَ بَسَطَ ظَهْرَهُ» ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ لَا يَمُدُّ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْمَدِّ (؛ لِأَنَّ الْمَدَّ فِي أَوَّلِهِ خَطَأٌ مِنْ حَيْثُ الدِّينُ لِكَوْنِهِ اسْتِفْهَامًا) فَيَكُونُ شَاكًّا فِي كِبْرِيَاءِ اللَّهِ وَهُوَ كُفْرٌ إذَا تَعَمَّدَ (وَفِي آخِرِهِ لَحْنٌ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ) أَيْ عُدُولٌ عَنْ سُنَنِ الصَّوَابِ فِي اللُّغَةِ؛ لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ لَا يَحْتَمِلُ الْمَدَّ لُغَةً، فَإِنْ فَعَلَ لَا يَكُونُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا، وَهُوَ قَوْلُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ: وَتَفْصِيلُ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ أَنَّ اللَّهُ أَكْبَرُ مُرَكَّبٌ مِنْ لَفْظَيْنِ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَوَّلٌ وَآخِرُ وَمَدُّ الْأَوَّلِ مِنْ الْأَوَّلِ عَمْدًا كُفْرٌ لِشَكِّهِ فِي كِبْرِيَائِهِ وَغَيْرِ عَمْدٍ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْهَمْزَةَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّقْرِيرِ فَلَا يَكُونُ هُنَاكَ لَا كُفْرٌ وَلَا فَسَادٌ، وَمَدُّ الْآخِرِ مِنْهُ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ إشْبَاعٌ وَالْحَذْفُ أَوْلَى، وَمَدُّ الْأَوَّلِ مِنْ الْآخَرِ عَمْدًا كَمَدِّ الْأَوَّلِ مِنْ الْأَوَّلِ. وَمَدُّ الْآخِرِ مِنْهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: تَفْسُدُ الصَّلَاةُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَفْسُدُ وَيُجْزَمُ الرَّاءُ مِنْ التَّكْبِيرِ لِمَا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَمَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الْأَذَانُ جَزْمٌ وَالْإِقَامَةُ جَزْمٌ وَالتَّكْبِيرُ جَزْمٌ» وَقَوْلُهُ: (وَيُعْتَمَدُ بِيَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (إلَّا فِي حَالَةِ السُّجُودِ) يَعْنِي أَنَّهُ يُضَمُّ فِيهَا لِتَقَعَ رُءُوسُ الْأَصَابِعِ مُوَاجِهَةً لِلْقِبْلَةِ. وَقَوْلُهُ: (وَفِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ) أَيْ فِيمَا وَرَاءَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَهُوَ حَالَةُ الِافْتِتَاحِ وَالتَّشَهُّدِ (يُتْرَكُ عَلَى الْعَادَةِ) أَيْ لَا يُضَمُّ كُلَّ الضَّمِّ وَلَا يُفَرَّجُ كُلَّ التَّفْرِيجِ. وَقَوْلُهُ: «لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ إذَا رَكَعَ بَسَطَ ظَهْرَهُ» رَوَتْ «عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهُ كَانَ يَعْتَدِلُ بِحَيْثُ لَوْ وُضِعَ عَلَى ظَهْرِهِ قَدَحٌ مِنْ مَاءٍ لَاسْتَقَرَّ»

(وَلَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَلَا يُنَكِّسُهُ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ إذَا رَكَعَ لَا يُصَوِّبُ رَأْسَهُ وَلَا يُقَنِّعُهُ (وَيَقُولُ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا وَذَلِكَ أَدْنَاهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا وَذَلِكَ أَدْنَاهُ» أَيْ أَدْنَى كَمَالِ الْجَمْعِ (ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَيَقُولُ الْمُؤْتَمُّ: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، وَلَا يَقُولُهَا الْإِمَامُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا يَقُولُهَا فِي نَفْسِهِ) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: (وَلَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَلَا يُنَكِّسُهُ) مَعْنَاهُ يُسَوِّي رَأْسَهُ بِعَجُزِهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالِاعْتِدَالِ وَذَلِكَ بِتَسَاوِيهِمَا. وَقَوْلُهُ: (لَا يُصَوِّبُ رَأْسَهُ) أَيْ لَا يَخْفِضُهُ (وَلَا يُقْنِعُهُ) أَيْ لَا يَرْفَعُهُ، وَإِنَّمَا فُسِّرَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ بِقَوْلِهِ (أَدْنَى كَمَالِ الْجَمْعِ) جَمْعًا بَيْنَ لَفْظِ الْمَبْسُوطَيْنِ، فَإِنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ قَالَ فِي مَبْسُوطِهِ: لَمْ يُرِدْ بِهَذَا اللَّفْظِ أَدْنَى الْجَوَازِ إنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ أَدْنَى الْكَمَالِ، فَإِنَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ يَجُوزُ بِدُونِ هَذَا الذِّكْرِ إلَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي مُطِيعٍ. يَعْنِي تِلْمِيذَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ قَالَ فِي مَبْسُوطِهِ: يُرِيدُ بِهِ أَدْنَى مِنْ حَيْثُ جَمْعُ الْعَدَدِ فَإِنَّ أَقَلَّ جَمْعِ الْعَدَدِ ثَلَاثَةٌ، وَالْمُصَنِّفُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: أَدْنَى كَمَالِ الْجَمْعِ. فَإِنْ قِيلَ: الْمَشْهُورُ فِي مِثْلِهِ أَدْنَى الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ فَمَا مَعْنَى كَمَالِ الْجَمْعِ؟ فَالْجَوَابُ إنَّ أَدْنَى الْجَمْعِ لُغَةً يُتَصَوَّرُ فِي الِاثْنَيْنِ؛ لِأَنَّ فِيهِ جَمْعَ وَاحِدٍ مَعَ وَاحِدٍ، وَأَمَّا كَمَالُهُ فَهُوَ الَّذِي يَكُونُ ثَلَاثَةً؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْجَمْعِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا وَشَرْعًا. فَإِنْ قِيلَ: كَمَالُ الْجَمْعِ لَيْسَ بِمَذْكُورٍ وَلَا فِي حُكْمِهِ فَيَرْجِعُ الضَّمِيرُ إلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ سَبَقَ ذِكْرُهُ دَلَالَةً بِذِكْرِ الثَّلَاثِ، فَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ فَهُوَ أَفْضَلُ، لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ لَا يَمَلُّ الْقَوْمُ إنْ كَانَ إمَامًا لِئَلَّا يَصِيرَ سَبَبًا لِلتَّنْفِيرِ الْمَكْرُوهِ، وَإِنْ نَقَصَ جَازَ وَيُكْرَهُ فِيمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو مُطِيعٍ: فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ رُكْنٌ مَشْرُوعٌ فَوَجَبَ أَنْ يَحِلَّهُ ذِكْرٌ مَفْرُوضٌ كَمَا فِي الْقِيَامِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَلْزَمُ الزِّيَادَةُ عَلَى قَوْله تَعَالَى {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] بِالْقِيَاسِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ. (ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) أَيْ قَبِلَ اللَّهُ حَمْدَ مَنْ حَمِدَهُ، فَإِنَّ السَّمَاعَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْقَبُولِ، يُقَالُ سَمِعَ الْأَمِيرُ كَلَامَ فُلَانٍ إذَا قَبِلَهُ. وَالْهَاءُ فِي حَمِدَهُ، قِيلَ لِلسَّكْتَةِ وَالِاسْتِرَاحَةِ، وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ الثِّقَاتِ، وَقِيلَ كِنَايَةٌ (وَيَقُولُ الْمُؤْتَمُّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ وَهُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَاتِ) وَرُوِيَ: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ. وَرُوِيَ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ (وَلَا يَقُولُهَا الْإِمَامُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا يَقُولُهَا فِي نَفْسِهِ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ

«أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ» وَلِأَنَّهُ حَرَّضَ غَيْرَهُ فَلَا يَنْسَى نَفْسَهُ. وَلَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ» هَذِهِ قِسْمَةٌ وَأَنَّهَا تُنَافِي الشَّرِكَةَ، لِهَذَا لَا يَأْتِي الْمُؤْتَمُّ بِالتَّسْمِيعِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلِأَنَّهُ يَقَعُ تَحْمِيدُهُ بَعْدَ تَحْمِيدِ الْمُقْتَدِي، وَهُوَ خِلَافُ مَوْضِعِ الْإِمَامَةِ، وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الِانْفِرَادِ (وَالْمُنْفَرِدُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي الْأَصَحِّ) وَإِنْ كَانَ يُرْوَى الِاكْتِفَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ» وَكَانَ أَغْلَبُ أَحْوَالِهِ الْإِمَامَةَ. وَقَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهُ) أَيْ الْإِمَامَ (حَرَّضَ غَيْرَهُ فَلَا يَنْسَى نَفْسَهُ. وَلَهُ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ» ) وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مَا قَالَ (هَذِهِ قِسْمَةٌ وَإِنَّهَا تُنَافِي الشَّرِكَةَ) فَإِنْ قِيلَ: هَذَا الْحَدِيثُ يُعَارِضُ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَرْبَعٌ يُخْفِيهِنَّ الْإِمَامُ، وَعَدَّ مِنْهَا التَّحْمِيدَ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ قَالَ فِي الْأَسْرَارِ: إنَّهُ غَرِيبٌ، أَوْ بِأَنَّ الرُّجْحَانَ لِحَدِيثِ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهُ مَرْفُوعٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرِوَايَةِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ غَرِيبًا أَوْ مَرْجُوحًا لَمْ يَكُنْ حُجَّةً، وَقَدْ تَمَسَّكْنَا بِهِ فِي إخْفَاءِ التَّأْمِينِ فِيمَا تَقَدَّمَ. وَقَوْلُهُ: (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِأَنَّ الْقِسْمَةَ تُنَافِي الشَّرِكَةَ (لَا يَأْتِي الْمُؤْتَمُّ بِالتَّسْمِيعِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ وَلِأَنَّهُ يَقَعُ تَحْمِيدُهُ) أَيْ تَحْمِيدُ الْإِمَامِ (بَعْدَ تَحْمِيدِ الْمُقْتَدِي) ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ يَأْتِي بِالتَّحْمِيدِ حِينَ يَقُولُ الْإِمَامُ التَّسْمِيعُ فَلَا جَرَمَ يَقَعُ تَحْمِيدُهُ بَعْدَ تَحْمِيدِ الْمُقْتَدِي (وَهُوَ خِلَافُ مَوْضُوعِ الْإِمَامَةِ) وَقَوْلُهُ: (وَاَلَّذِي رَوَاهُ) يَعْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ» فَهُوَ (مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الِانْفِرَادِ، وَالْمُنْفَرِدُ يَجْمَعُ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ فِي الْأَصَحِّ) وَقَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ احْتِرَازٌ عَنْ الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ بَعْدَهُ: أَحَدُهُمَا الِاكْتِفَاءُ بِالتَّسْمِيعِ، وَالْآخَرُ الِاكْتِفَاءُ بِالتَّحْمِيدِ. وَجْهُ الِاكْتِفَاءِ بِالتَّسْمِيعِ، وَهُوَ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ أَنَّ الْإِمَامَ يَأْتِي بِالتَّسْمِيعِ وَالْمُنْفَرِدُ إمَامُ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةَ كَمَا عَلَى الْإِمَامِ. وَوَجْهُ الِاكْتِفَاءِ بِالتَّحْمِيدِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ يُفْضِي إلَى وُقُوعِ الثَّانِي فِي حَالَةِ الِاعْتِدَالِ وَلَمْ يُشْرَعْ لِاعْتِدَالِ الِانْتِقَالِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ كَمَا فِي الْقَعْدَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ. قَالَ يَعْقُوبُ: سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ الرَّجُلِ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فِي الْفَرِيضَةِ أَيَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي؟ قَالَ: يَقُولُ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ وَيَسْكُتُ، وَكَذَلِكَ بَيْنَ

بِالتَّسْمِيعِ وَيُرْوَى بِالتَّحْمِيدِ، وَالْإِمَامُ بِالدَّلَالَةِ عَلَيْهِ آتٍ بِهِ مَعْنًى . قَالَ (ثُمَّ إذَا اسْتَوَى قَائِمًا كَبَّرَ وَسَجَدَ) أَمَّا التَّكْبِيرُ وَالسُّجُودُ فَلِمَا بَيَّنَّا، وَأَمَّا الِاسْتِوَاءُ قَائِمًا فَلَيْسَ بِفَرْضٍ، وَكَذَا الْجِلْسَةُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَالطُّمَأْنِينَةُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُفْتَرَضُ ذَلِكَ كُلُّهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قُمْ فَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ» قَالَهُ لِأَعْرَابِيٍّ حِينَ أَخَفَّ الصَّلَاةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّجْدَتَيْنِ يَسْكُتُ. وَوَجْهُ الْأَصَحِّ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ إنَّ الْحَدِيثَ صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَحَمَلْنَاهُ عَلَى حَالَةِ الِانْفِرَادِ؛ لِأَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَأْتِي بِالتَّسْمِيعِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ إمَامٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَهُوَ حَثٌّ عَلَى الْحَمْدِ، وَحَيْثُ لَا مُجِيبَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُجِيبَ. وَقَوْلُهُ: (وَالْإِمَامُ بِالدَّلَالَةِ عَلَيْهِ آتٍ بِهِ مَعْنًى) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ حَرَّضَ غَيْرَهُ إلَخْ، مَعْنَاهُ أَنَّ الدَّالَّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ. قَالَ (ثُمَّ إذَا اسْتَوَى قَائِمًا كَبَّرَ وَسَجَدَ) إذَا اسْتَوَى الْمُصَلِّي مِنْ رُكُوعِهِ كَبَّرَ وَسَجَدَ (أَمَّا التَّكْبِيرُ وَالسُّجُودُ فَلِمَا بَيَّنَّا) يَعْنِي مَا ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا مِنْ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ» ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ مِنْ قَوْلِهِ {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] اعْلَمْ أَنَّ تَعْدِيلَ الْأَرْكَانِ وَهُوَ الِاسْتِوَاءُ قَائِمًا بَعْدَ الرُّكُوعِ وَيُسَمَّى قَوْمَةً (وَالْجِلْسَةُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَالطُّمَأْنِينَةُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) أَيْ الْقَرَارُ فِيهِمَا لَيْسَ بِفَرْضٍ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُفْتَرَضُ ذَلِكَ كُلُّهُ) وَمِقْدَارُ الطُّمَأْنِينَةِ بِمِقْدَارِ تَسْبِيحَةٍ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي حَقِّ جَوَازِ الصَّلَاةِ بِدُونِهِ. فَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ، وَلَمْ يُذْكَرْ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْمُعَلَّى فِي نَوَادِرِهِ وَاسْتَدَلَّ أَبُو يُوسُفَ بِحَدِيثِ «الْأَعْرَابِيِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ رَآهُ نَقَرَ نَقْرَ الدِّيكِ: قُمْ فَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ» نَفَى كَوْنَهُ صَلَاةً بِتَرْكِ التَّعْدِيلِ فَكَانَ رُكْنًا؛ لِأَنَّ انْتِفَاءَ غَيْرِهِ لَا يَنْفِيهَا. وَلَهُمَا قَوْله تَعَالَى {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] وَالرُّكُوعُ هُوَ الِانْحِنَاءُ، يُقَالُ رَكَعَتْ النَّخْلَةُ إذَا مَالَتْ، وَالسُّجُودُ هُوَ الِانْخِفَاضُ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِدُونِ الطُّمَأْنِينَةِ فَتَتَعَلَّقُ الرُّكْنِيَّةُ بِالْأَدْنَى فِيهِمَا، وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ بِطَرِيقِ الْفَرْضِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ نَسْخٌ وَمَوْضِعُهُ أُصُولُ الْفِقْهِ،

وَلَهُمَا أَنَّ الرُّكُوعَ هُوَ الِانْحِنَاءُ وَالسُّجُودَ هُوَ الِانْخِفَاضُ لُغَةً، فَتَتَعَلَّق الرُّكْنِيَّةُ بِالْأَدْنَى فِيهِمَا، وَكَذَا فِي الِانْتِقَالِ إذْ هُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ. وَفِي آخِرِ مَا رُوِيَ تَسْمِيَتُهُ إيَّاهُ صَلَاةً حَيْثُ قَالَ: وَمَا نَقَصْت مِنْ هَذَا شَيْئًا فَقَدْ نَقَصْت مِنْ صَلَاتِك، ثُمَّ الْقَوْمَةُ وَالْجِلْسَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. وَأَمَّا الْقَوْمَةُ وَالْجِلْسَةُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِمَا بِقَوْلِهِ وَكَذَا فِي الِانْتِقَالِ إذْ هُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ بَلْ الْمَقْصُودُ هُوَ أَدَاءُ الرُّكْنِ. وَقَوْلُهُ: (وَفِي آخِرِ مَا رُوِيَ) جَوَابٌ عَنْ حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ. وَتَقْرِيرُهُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمَّى مَا صَنَعَهُ الْأَعْرَابِيُّ صَلَاةً حَيْثُ قَالَ وَمَا نَقَصْتَ مِنْ هَذَا شَيْئًا فَقَدْ نَقَصْتَ مِنْ صَلَاتِك» فَلَوْ كَانَ تَرْكُ التَّعْدِيلِ مُفْسِدًا لَمَا سَمَّاهُ صَلَاةً كَمَا لَوْ تَرَكَ الرُّكُوعَ أَوْ السُّجُودَ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَاسِدًا كَانَ الِاشْتِغَالُ بِهِ عَبَثًا فَكَانَ تَرْكُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى الْفَرَاغِ مِنْهُ حَرَامًا فَكَانَ الْحَدِيثُ مُشْتَرَكَ الْإِلْزَامِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ، ثُمَّ إذَا لَمْ يَكُنْ التَّعْدِيلُ عِنْدَهُمَا فَرْضًا فَهَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ سُنَّةٌ؟ فَأَمَّا الطُّمَأْنِينَةُ فِي الِانْتِقَالِ وَهِيَ الْقَوْمَةُ وَالْجِلْسَةُ فَهِيَ

سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا، وَكَذَا الطُّمَأْنِينَةُ فِي تَخْرِيجِ الْجُرْجَانِيِّ. وَفِي تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ وَاجِبَةٌ حَتَّى تَجِبَ سَجْدَتَا السَّهْوِ بِتَرْكِهَا سَاهِيًا عِنْدَهُ (وَيَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ) لِأَنَّ وَائِلَ بْنَ حُجْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَصَفَ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَسَجَدَ وَادَّعَمَ عَلَى رَاحَتَيْهِ وَرَفَعَ عَجِيزَتَهُ» قَالَ (وَوَضَعَ وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ وَيَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ) لِمَا رُوِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQسُنَّةٌ عِنْدَهُمَا (وَأَمَّا الطُّمَأْنِينَةُ) فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ (فَفِي تَخْرِيجِ الْجُرْجَانِيِّ سُنَّةٌ وَفِي تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ وَاجِبَةٌ حَتَّى تَجِبَ سَجْدَتَا السَّهْوِ بِتَرْكِهَا عِنْدَهُ) وَجْهُ الْجُرْجَانِيِّ أَنَّ هَذِهِ طُمَأْنِينَةٌ مَشْرُوعَةٌ لِإِكْمَالِ رُكْنٍ وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ سُنَّةٌ كَالطُّمَأْنِينَةِ فِي الِانْتِقَالِ. وَوَجْهُ الْكَرْخِيِّ أَنَّ هَذِهِ الطُّمَأْنِينَةَ مَشْرُوعَةٌ لِإِكْمَالِ رُكْنٍ مَقْصُودٍ بِنَفْسِهِ، وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ وَاجِبٌ كَالْقِرَاءَةِ، بِخِلَافِ الِانْتِقَالِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ كَمَا تَقَدَّمَ. ثُمَّ قِيلَ فِي كَيْفِيَّةِ السُّجُودِ وَالْقِيَامِ مِنْهُ أَنْ يَضَعَ أَوَّلًا مَا كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْأَرْضِ عِنْدَ السُّجُودِ، وَأَنْ يَرْفَعَ أَوَّلًا مَا كَانَ إلَى السَّمَاءِ أَقْرَبَ فَيَضَعُ أَوَّلًا رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ وَوَجْهَهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَضَعُ أَنْفَهُ ثُمَّ جَبْهَتَهُ وَيَرْفَعُ أَوَّلًا وَجْهَهُ ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ رُكْبَتَيْهِ. وَقَوْلُهُ: (وَيَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ) ظَاهِرٌ. وَمَعْنَى ادَّعَمَ عَلَى رَاحَتَيْهِ اتَّكَأَ، وَهُوَ افْتِعَالٌ مَنْ دَعَمْت الشَّيْءَ: أَيْ جَعَلْته دِعَامَةً. وَقَوْلُهُ:

أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ كَذَلِكَ. قَالَ (وَسَجَدَ عَلَى أَنْفِهِ وَجَبْهَتِهِ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاظَبَ عَلَيْهِ (فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَا: لَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَنْفِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ، وَعَدَّ مِنْهَا الْجَبْهَةَ» وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَسَجَدَ عَلَى أَنْفِهِ وَجَبْهَتِهِ) تَقْدِيمُ الْأَنْفِ عَلَى الْجَبْهَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْأَنْفَ أَقْرَبُ إلَى الْأَرْضِ فَيَضَعُهُ أَوَّلًا لِمَا مَرَّ. وَقَوْلُهُ: (فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا) يَعْنِي أَنَّ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ الْجَبْهَةَ جَازَ بِاتِّفَاقِ عُلَمَائِنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَإِنْ كَانَ الْأَنْفَ (جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَيُكْرَهُ، وَلَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمَا إلَّا مِنْ عُذْرٍ، وَهُوَ رِوَايَةُ أَسَدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ، وَعَدَّ مِنْهَا الْجَبْهَةَ» : أَيْ عَلَى الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ وَالْجَبْهَةِ. قِيلَ كَيْفَ يَسْتَقِيمُ الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ لَوْ تَرَكَ وَضْعَ الرُّكْبَتَيْنِ وَالْيَدَيْنِ جَازَتْ سَجْدَتُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ مِنْ تِلْكَ السَّبْعَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهَذَا الْحَدِيثِ إنَّمَا هُوَ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ السَّجْدَةِ هَذِهِ الْأَعْضَاءُ لَا عَلَى أَنَّ وَضْعَهَا لَازِمٌ لَا مَحَالَةَ، وَالْأَنْفُ غَيْرُ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ الْمَذْكُورَةِ فَلَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلسَّجْدَةِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ السُّجُودَ يَتَحَقَّقُ بِوَضْعِ بَعْضِ الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ وَضْعَ جَمِيعِهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ؛ لِأَنَّ الْأَنْفَ وَالْجَبْهَةَ عَظْمَاتُ نَاتِئَانِ يَمْنَعَانِ وَضْعَ

أَنَّ السُّجُودَ يَتَحَقَّقُ بِوَضْعِ بَعْضِ الْوَجْهِ، وَهُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ إلَّا أَنَّ الْخَدَّ وَالذَّقَنَ خَارِجٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْمَذْكُورُ فِيمَا رُوِيَ الْوَجْهُ فِي الْمَشْهُورِ، وَوَضْعُ الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ سُنَّةٌ عِنْدَنَا لِتَحَقُّقِ السُّجُودِ بِدُونِهِمَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQجَمِيعِ الْوَجْهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَإِذَا تَعَذَّرَ وَضْعُ الْكُلِّ كَانَ الْمَأْمُورُ بِهِ وَضْعَ الْبَعْضِ، إلَّا أَنَّ الْخَدَّ وَالذَّقَنَ خَرَجَا بِالْإِجْمَاعِ إذْ التَّعْظِيمُ لَمْ يُشْرَعْ بِوَضْعِهِمَا فَبَقِيَ الْأَنْفُ وَالْجَبْهَةُ، وَالْجَبْهَةُ تَصْلُحُ مَحَلًّا لِلسُّجُودِ فَكَذَلِكَ الْأَنْفُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْأَنْفَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِلْفَرْضِ أَوَّلًا، لَا سَبِيلَ إلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ عِنْدَ الْعُذْرِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لَمْ يَنْتَقِلْ كَالذَّقَنِ بَلْ يَنْتَقِلُ الْفَرْضُ إلَى الْإِيمَاءِ كَمَا لَوْ كَانَ بِهِمَا عُذْرٌ فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ وَيَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ كَالْجَبْهَةِ، وَالْمَذْكُورُ فِيمَا رُوِيَ مِنْ الْخَبَرِ هُوَ الْوَجْهُ فِي الْمَشْهُورِ فَيَكُونُ الْأَنْفُ وَالْجَبْهَةُ دَاخِلَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ، وَلَوْ اكْتَفَى بِالْجَبْهَةِ جَازَ فَكَذَا لَوْ اكْتَفَى بِالْأَنْفِ (وَوَضْعُ الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ سُنَّةٌ عِنْدَنَا لِتَحَقُّقِ السُّجُودِ بِدُونِهِمَا) ؛ لِأَنَّ

وَأَمَّا وَضْعُ الْقَدَمَيْنِ فَقَدْ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ فَرِيضَةٌ فِي السُّجُودِ. قَالَ (فَإِنْ سَجَدَ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ أَوْ فَاضِلِ ثَوْبِهِ جَازَ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ، وَيُرْوَى " أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّاجِدَ اسْمٌ لِمَنْ وَضَعَ الْوَجْهَ عَلَى الْأَرْضِ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَثَلُ الَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ عَاقِصٌ شَعْرَهُ كَمَثَلِ الَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ مَكْتُوفٌ» فَالتَّمْثِيلُ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْكَمَالِ دُونَ الْجَوَازِ. وَقَوْلُهُ: عِنْدَنَا احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ زُفَرَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمُخْتَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ أَنَّهُ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ» وَالْجَوَابُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى مَحَلِّ السَّجْدَةِ لَا عَلَى أَنَّ وَضْعَ الْجَمِيعِ لَازِمٌ (وَأَمَّا وَضْعُ الْقَدَمَيْنِ فَقَدْ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ فَرْضٌ فِي السُّجُودِ) فَإِذَا سَجَدَ وَرَفَعَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ عَنْ الْأَرْضِ لَا يَجُوزُ، كَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ وَالْجَصَّاصُ، وَلَوْ وَضَعَ إحْدَاهُمَا جَازَ. قَالَ قَاضِي خَانْ: وَيُكْرَهُ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّ الْيَدَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ سَوَاءٌ فِي عَدَمِ الْفَرْضِيَّةِ، وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ وَهُوَ الْحَقُّ. وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ سَجَدَ عَلَى كُورِ عِمَامَتِهِ) ظَاهِرٌ، وُكُورُ الْعِمَامَةِ دَوْرُهَا وَكُلُّ دَوْرٍ كُورٌ، وَالضَّبُعُ بِالسُّكُونِ لَا غَيْرُ: الْعَضُدُ

فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ يَتَّقِي بِفُضُولِهِ حَرَّ الْأَرْضِ وَبَرْدَهَا (وَيُبْدِي ضَبْعَيْهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " وَأَبْدِ ضَبْعَيْك " وَيُرْوَى " وَأَبِّدْ " مِنْ الْإِبْدَادِ: وَهُوَ الْمَدُّ، وَالْأَوَّلُ مِنْ الْإِبْدَاءِ وَهُوَ الْإِظْهَارُ (وَيُجَافَى بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ) «لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيُجَافَى بَطْنَهُ) أَيْ يُبَاعِدُ، وَالْبَهْمَةُ: وَلَدُ الشَّاةِ بَعْدَ السَّخْلَةِ، فَإِنَّ أَوَّلَ مَا تَضَعُهُ سَخْلَةٌ ثُمَّ يَصِيرُ بَهْمَةً. وَقَوْلُهُ:

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ إذَا سَجَدَ جَافَى حَتَّى أَنَّ بَهْمَةً لَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ لَمَرَّتْ» . وَقِيلَ إذَا كَانَ فِي الصَّفِّ لَا يُجَافِي كَيْ لَا يُؤْذِيَ جَارَهُ (وَيُوَجِّهُ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا سَجَدَ الْمُؤْمِنُ سَجَدَ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ، فَلْيُوَجِّهْ مِنْ أَعْضَائِهِ الْقِبْلَةَ مَا اسْتَطَاعَ» (وَيَقُولُ فِي سُجُودِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا وَذَلِكَ أَدْنَاهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَإِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ فِي سُجُودِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا وَذَلِكَ أَدْنَاهُ» أَيْ أَدْنَى كَمَالِ الْجَمْعِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الثَّلَاثِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بَعْدَ أَنْ يَخْتِمَ بِالْوِتْرِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يَخْتِمُ بِالْوِتْرِ» ، وَإِنْ كَانَ إمَامًا لَا يَزِيدُ عَلَى وَجْهٍ يُمِلُّ الْقَوْمَ حَتَّى لَا يُؤَدِّيَ إلَى التَّنْفِير ثُمَّ تَسْبِيحَاتُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ سُنَّةٌ لِأَنَّ النَّصَّ تَنَاوَلَهُمَا دُونَ تَسْبِيحَاتِهِمَا فَلَا يَزِيدُ عَلَى النَّصِّ (وَالْمَرْأَةُ تَنْخَفِضُ فِي سُجُودِهَا وَتَلْزَقُ بَطْنَهَا بِفَخِذَيْهَا) لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْتَرُ لَهَا. قَالَ (ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيُكَبِّرُ) لِمَا رَوَيْنَا (فَإِذَا اطْمَأَنَّ جَالِسًا كَبَّرَ وَسَجَدَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ «ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَك حَتَّى تَسْتَوِيَ جَالِسًا» وَلَوْ لَمْ يَسْتَوِ جَالِسًا وَسَجَدَ أُخْرَى أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَتَكَلَّمُوا فِي مِقْدَارِ الرَّفْعِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا كَانَ إلَى السُّجُودِ أَقْرَبَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يُعَدُّ سَاجِدًا، وَإِنْ كَانَ إلَى الْجُلُوسِ أَقْرَبَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ) بِالْوَاوِ مَعْطُوفٌ عَلَى إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ؛ لِأَنَّهُمَا فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ. وَقَوْلُهُ: (ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيُكَبِّرُ) الرَّفْعُ فَرِيضَةٌ كَمَا أَنَّ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ فَرْضٌ فَلَا بُدَّ مِنْ رَفْعِ الرَّأْسِ لِيَتَحَقَّقَ الِانْتِقَالُ إلَيْهَا وَالتَّكْبِيرُ سُنَّةٌ. وَقَوْلُهُ: (لِمَا رَوَيْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ "؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ» وَقَوْلُهُ: (وَتَكَلَّمُوا) أَيْ الْمَشَايِخُ (فِي مِقْدَارِ الرَّفْعِ) فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا زَايَلَ جَبْهَتَهُ عَنْ الْأَرْضِ ثُمَّ أَعَادَهَا جَازَ ذَلِكَ عَنْ السَّجْدَتَيْنِ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الْأَرْضِ بِقَدْرِ مَا تَجْرِي فِيهِ الرِّيحُ جَازَ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ وَقَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ لَا يَكُونُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَرْفَعْ جَبْهَتَهُ مِقْدَارَ مَا يَقَعُ عِنْدَ النَّاظِرِ أَنَّهُ رَفَعَ رَأْسَهُ لِيَسْجُدَ أُخْرَى، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ جَازَ عَنْ السَّجْدَتَيْنِ وَإِلَّا يَكُونُ عَنْ سَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ. وَفِي الْقُدُورِيِّ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِأَدْنَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الرَّفْعِ. وَجَعَلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ هَذَا أَصَحَّ وَقَالَ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الرَّفْعُ، فَإِذَا وُجِدَ أَدْنَى مَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الرَّفْعِ بِأَنْ رَفَعَ جَبْهَتَهُ كَانَ مُؤَدِّيًا لِهَذَا الرُّكْنِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا كَانَ إلَى السُّجُودِ أَقْرَبَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ سَاجِدًا، وَإِنْ كَانَ إلَى الْجُلُوسِ أَقْرَبَ

جَازَ لِأَنَّهُ يُعَدُّ جَالِسًا فَتَتَحَقَّقُ الثَّانِيَةُ. قَالَ (فَإِذَا اطْمَأَنَّ سَاجِدًا كَبَّرَ) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ (وَيَسْتَوِي قَائِمًا عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ وَلَا يَقْعُدُ وَلَا يَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجْلِسُ جِلْسَةً خَفِيفَةً ثُمَّ يَنْهَضُ مُعْتَمِدًا عَلَى الْأَرْضِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ ذَلِكَ. وَلَنَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يَنْهَضُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ» ، وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْكِبَرِ، وَلِأَنَّ هَذِهِ قَعْدَةُ اسْتِرَاحَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQجَازَ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ جَالِسًا فَتَتَحَقَّقُ السَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ) يَعْنِي بَعْدَ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ مِنْ الرَّفْعِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَتَكَلَّمَ مَشَايِخُنَا فِي الرُّكُوعِ فِي كَوْنِ الرُّكُوعِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مَرَّةً وَالسُّجُودِ مَرَّتَيْنِ فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إلَى أَنَّهُ تَوْقِيفِيٌّ وَاتِّبَاعٌ لِلشَّرْعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْقَلَ لَهُ مَعْنًى وَقَدْ تَعَبَّدَنَا الشَّرْعُ بِمَا لَا نَعْقِلُ لَهُ مَعْنًى تَحْقِيقًا لِلِابْتِلَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَ لِذَلِكَ حِكْمَةً فَقَالَ: إنَّمَا كَانَ السُّجُودُ مَثْنَى تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ، فَإِنَّهُ أُمِرَ بِسَجْدَةٍ فَلَمْ يَفْعَلْ فَنَحْنُ نَسْجُدُ مَرَّتَيْنِ تَرْغِيمًا لَهُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سُجُودِ السَّهْوِ فَقَالَ «هُمَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ» وَقِيلَ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ الْأَرْضِ، وَفِي الثَّانِيَةِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يُعَادُ إلَيْهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه: 55] . وَقَوْلُهُ: (وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ) قِيلَ أَرَادَ بِهِ قَوْلَهُ " كَانَ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ " وَالْمُنَاسِبُ لِذَلِكَ أَنْ يَقُولَ مَا رَوَيْنَا، وَلَعَلَّهُ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِمَا رَوَيْنَا. وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَقْعُدُ) أَيْ لَا يَجْلِسُ جِلْسَةً خَفِيفَةً (وَلَا يَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ) بَلْ عَلَى رُكْبَتَيْهِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجْلِسُ جِلْسَةً خَفِيفَةً ثُمَّ يَنْهَضُ مُعْتَمِدًا عَلَى الْأَرْضِ) لَهُ مَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ قَعَدَ ثُمَّ نَهَضَ» (وَلَنَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَانَ يَنْهَضُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ» وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى فِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَالِ الْكِبَرِ) يَعْنِي فَعَلَ ذَلِكَ حِينَ مَا كَبِرَ وَأَسَنَّ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَقُولُ «لَا تُبَادِرُونِي بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَإِنِّي قَدْ بَدَّنْتُ» وَمَا رَوَيْنَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالِ الْقُدْرَةِ فَيُوَفَّقُ بَيْنَ الْأَخْبَارِ مِنْ هَذَا

وَالصَّلَاةُ مَا وُضِعَتْ لَهَا. (وَيَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الْأُولَى) لِأَنَّهُ تَكْرَارُ الْأَرْكَانِ (إلَّا أَنَّهُ لَا يَسْتَفْتِحُ وَلَا يَتَعَوَّذُ) لِأَنَّهُمَا لَمْ يُشْرَعَا إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً (وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ: تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ، وَتَكْبِيرَةُ الْقُنُوتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَجْهِ أَوْ تُتْرَكُ الْأَخْبَارُ كُلُّهَا لِلتَّعَارُضِ وَيُعْمَلُ بِالْقِيَاسِ وَهُوَ قَوْلُهُ: فِي الْكِتَابِ؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ قَعْدَةُ اسْتِرَاحَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهَا لِلْفَصْلِ، فَإِنَّ الْفَصْلَ بِالْقَعْدَةِ إنَّمَا شُرِعَ إمَّا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ أَوْ بَيْنَ الشَّفْعَيْنِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالصَّلَاةُ مَا وُضِعَتْ لَهَا. قَالَ (وَيَفْعَلُ فِي الثَّانِيَةِ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الْأُولَى) يَفْعَلُ الْمُصَلِّي فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى (؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، وَذَكَرَ الضَّمِيرَ بِاعْتِبَارِ الْخَبَرِ (تَكْرَارُ الْأَرْكَانِ) وَالتَّكْرَارُ يَقْتَضِي إعَادَةَ الْأَوَّلِ (إلَّا أَنَّهُ لَا يَسْتَفْتِحُ) قِيلَ: أَيْ لَا يَقُولُ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ إلَخْ، وَيُسَمَّى هَذَا دُعَاءُ الِاسْتِفْتَاحِ (وَلَا يَتَعَوَّذُ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُشْرَعَا إلَّا مَرَّةً) ؛ لِأَنَّ رُوَاةَ صَلَاةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا رَوَوْهُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً (وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَرْفَعُهُمَا عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْهُ لِمَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ كَذَلِكَ. وَلَنَا مَا رَوَى الطَّحَاوِيُّ بِإِسْنَادِهِ إلَى ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ» فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، وَفِي التَّكْبِيرِ لِلْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ، وَفِي الْعِيدَيْنِ وَعِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ، وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَبِجَمْعٍ وَعَرَفَاتٍ، وَعِنْدَ الْمَقَامَيْنِ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ: أَرَادَ بِهِمَا الْأُولَى وَالْوُسْطَى دُونَ الْعَقَبَةِ، وَالْمُتَنَازَعُ فِيهِ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ: أَيْ أَنَّهُ كَانَ ثُمَّ نُسِخَ كَذَا

وَتَكْبِيرَاتُ الْعِيدَيْنِ، وَذَكَرَ الْأَرْبَعَ فِي الْحَجِّ» وَاَلَّذِي يُرْوَى مِنْ الرَّفْعِ مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ، كَذَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQنُقِلَ عَنْ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْهُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ لَهُ: لَا تَفْعَلْ فَإِنَّ هَذَا شَيْءٌ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ تَرَكَهُ» ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ حِكَايَةٌ. رُوِيَ أَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ لَقِيَ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَالَ: مَا بَالُ أَهْلِ الْعِرَاقِ لَا يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْهُ وَقَدْ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ هُمَا، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: حَدَّثَنِي حَمَّادٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ ثُمَّ لَا يَعُودُ» فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَجَبًا مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ أُحَدِّثُهُ بِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ وَهُوَ يُحَدِّثُنِي بِحَدِيثِ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، فَرَجَّحَ حَدِيثَهُ بِعُلُوِّ إسْنَادِهِ. فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَمَّا حَمَّادٌ فَكَانَ أَفْقَهَ مِنْ الزُّهْرِيِّ، وَإِبْرَاهِيمُ كَانَ أَفْقَهَ مِنْ سَالِمٍ، وَلَوْلَا سَبْقُ ابْنِ عُمَرَ لَقُلْت بِأَنَّ عَلْقَمَةَ أَفْقَهُ مِنْهُ، وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ فَعَبْدُ اللَّهِ، فَرَجَّحَ حَدِيثَهُ بِفِقْهِ الرُّوَاةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ فَإِنَّ التَّرْجِيحَ بِفِقْهِ الرُّوَاةِ لَا بِعُلُوِّ الْإِسْنَادِ، وَالْكَلَامُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَثِيرٌ وَهَذَا الْمُخْتَصَرُ لَا يَحْتَمِلُهُ، خَلَا أَنَّ الْمُحْتَمَلَ عَلَى الرُّوَاةِ وَرُوَاةُ أَخْبَارِنَا الْبَدْرِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِينَ كَانُوا يَلُونَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ، وَرُوَاتُهُ ابْنُ عُمَرَ وَوَائِلُ بْنُ حُجْرٍ كَانُوا يَقُومُونَ بِبُعْدٍ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَالْأَخْذُ بِقَوْلِ الْأَقْرَبِ أَوْلَى. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ: إنَّ الْعَشَرَةَ الَّذِينَ شَهِدَ لَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْجَنَّةِ لَمْ يَكُونُوا يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ إلَّا عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ.

(وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ افْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فَجَلَسَ عَلَيْهَا وَنَصَبَ الْيُمْنَى نَصْبًا وَوَجَّهَ أَصَابِعَهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ) هَكَذَا وَصَفَتْ عَائِشَةُ قُعُودَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ (وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَبَسَطَ أَصَابِعَهُ وَتَشَهَّدَ) يُرْوَى ذَلِكَ فِي حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلِأَنَّ فِيهِ تَوْجِيهَ أَصَابِعِ يَدَيْهِ إلَى الْقِبْلَةِ (فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً جَلَسَتْ عَلَى أَلْيَتِهَا الْيُسْرَى وَأَخْرَجَتْ رِجْلَيْهَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ) لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا. (وَالتَّشَهُّدُ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ إلَخْ) وَهَذَا تَشَهُّدُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: (وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (وَبَسَطَ أَصَابِعَهُ وَتَشَهَّدَ) وَهَلْ يُشِيرُ بِالْمُسَبِّحَةِ إذَا انْتَهَى إلَى الشَّهَادَةِ أَوْ لَا؟ لَمْ يَذْكُرْهُ، فَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّهُ لَا يُشِيرُ؛ لِأَنَّ فِي الْإِشَارَةِ زِيَادَةَ رَفْعٍ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا فَالتَّرْكُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَبْنَى الصَّلَاةِ عَلَى السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ يُشِيرُ بِهَا، وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَلَى هَذَا فِي كِتَابِ الْمُسَبِّحَةِ، حَدَّثَنَا عَنْ «رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ: أَيْ يُشِيرُ، ثُمَّ قَالَ: نَصْنَعُ بِصَنِيعِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَأْخُذُ بِفِعْلِهِ» . وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَوْلُنَا ثُمَّ كَيْفَ يُشِيرُ؟ قَالَ: يَقْبِضُ أُصْبُعَهُ الْخِنْصَرَ وَاَلَّتِي تَلِيَهَا وَيُحَلِّقُ الْوُسْطَى مَعَ الْإِبْهَامِ وَيُشِيرُ بِسَبَّابَتِهِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ فِيهِ تَوْجِيهَ أَصَابِعِ يَدَيْهِ إلَى الْقِبْلَةِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يُحَلِّقُ شَيْئًا مِنْ الْأَصَابِعِ. قَالَ (وَالتَّشَهُّدُ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَشَهُّدًا وَلِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَشَهُّدًا وَلِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - تَشَهُّدًا وَلِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَشَهُّدًا وَلِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تَشَهُّدًا وَلِجَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَشَهُّدًا وَلِغَيْرِهِمْ أَيْضًا تَشَهُّدًا، وَعُلَمَاؤُنَا أَخَذُوا بِتَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالشَّافِعِيُّ بِتَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ: التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ،

فَإِنَّهُ قَالَ «أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدَيَّ وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ كَمَا كَانَ يُعَلِّمُنِي سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ وَقَالَ: قُلْ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ» إلَخْ، وَالْأَخْذُ بِهَذَا أَوْلَى مِنْ الْأَخْذِ بِتَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَهُوَ قَوْلُهُ " التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ، سَلَامٌ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، سَلَامٌ عَلَيْنَا " إلَخْ، ـــــــــــــــــــــــــــــQسَلَامٌ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، سَلَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: وَالْأَخْذُ بِمَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوْلَى لِوُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ: أَحَدُهَا أَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ كَلِمَةٍ وَهِيَ الْمُبَارَكَاتُ. وَالثَّانِي أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْقُرْآنِ عَلَى مَا قَالَ تَعَالَى {تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور: 61] وَالثَّالِثُ أَنَّهُ ذَكَرَ السَّلَامَ بِغَيْرِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ، وَأَكْثَرُ تَسْلِيمَاتِ الْقُرْآنِ مَذْكُورٌ بِغَيْرِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ} [الزمر: 73] . {قَالُوا سَلامًا} [هود: 69] . {قَالَ سَلامٌ} [الذاريات: 25] . {وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ} [مريم: 15] وَأَشْرَفُ الْكَلَامِ مَا وَافَقَ الْقُرْآنَ. وَالرَّابِعُ أَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ خَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ صَغِيرَ السِّنِّ فَكَانَ يَنْقُلُ مَا تَأَخَّرَ مِنْ الشَّرْعِ، وَأَصْحَابُنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالُوا: «الْأَخْذُ بِتَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَوْلَى بِوُجُوهٍ، ذَكَرَ بَعْضَهَا فِي الْكِتَابِ فَإِنَّهُ قَالَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِي وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ كَمَا كَانَ يَعْلَمُنِي سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ وَقَالَ قُلْ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ» إلَخْ فَقَوْلُهُ: قُلْ أَمْرٌ وَأَقَلُّ مَرْتَبَتِهِ الِاسْتِحْبَابُ. وَقَوْلُهُ: السَّلَامُ عَلَيْك بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يُفِيدُ الِاسْتِغْرَاقَ. وَقَوْلُهُ: وَالصَّلَوَاتُ بِالْوَاوِ يُفِيدُ تَجْدِيدَ الْكَلَامِ كَمَا فِي الْقَسَمِ. وَقَوْلُهُ: أَخَذَ بِيَدِي وَعَلَّمَنِي يُفِيدُ زِيَادَةَ تَأْكِيدٍ وَقُوَّةٍ فَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ. وَقَدْ ذُكِرَ وُجُوهٌ أُخْرَى: مِنْهَا أَنَّ قَوْلَهُ التَّحِيَّاتُ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ كُلَّ قُرْبَةٍ الصَّلَاةَ وَغَيْرَهَا، فَإِذَا قَالَ الصَّلَوَاتُ بِغَيْرِ الْوَاوِ صَارَ تَخْصِيصًا وَبَيَانًا أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الصَّلَوَاتِ لَا غَيْرُ وَمَتَى قَالَ بِالْوَاوِ يَبْقَى الْأَوَّلُ عَامًّا فَيَكُونُ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ فَكَانَ أَوْلَى. وَمِنْهَا تَقْدِيمُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ إذَا قُدِّمَ عَلِمَ الْمَمْدُوحُ فِي ابْتِدَاءِ الْكَلَامِ وَمَتَى أُخِّرَ كَانَ مُحْتَمَلًا، وَإِزَالَةُ الِاحْتِمَالِ بِأَوَّلِ الْكَلَامِ أَوْلَى. وَمِنْهَا أَنَّهُ عَلَّقَ بِهِ تَمَامَ الصَّلَاةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّمَامَ لَا يُوجَدُ بِدُونِهِ. وَمِنْهَا أَنَّ تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ أَحْسَنُهَا إسْنَادًا هَكَذَا قَالَهُ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ. وَمِنْهَا أَنَّ عَامَّةَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَخَذُوا بِتَشَهُّدِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَإِنَّهُ رَوَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَّمَ النَّاسَ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّشَهُّدَ مِثْلَ مَا قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، هَكَذَا رَوَى سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ وَابْنُ جَابِرٍ وَمُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَمِنْهَا اشْتِمَالُ تَشَهُّدِهِ عَلَى لَفْظِ الْعَبْدِ الَّذِي تَدُلُّ عَلَى مَا يَدُلُّ مِنْ كَمَالِ الْحَالِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء: 1]

لِأَنَّ فِيهِ الْأَمْرَ، وَأَقَلُّهُ الِاسْتِحْبَابُ، وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ وَهُمَا لِلِاسْتِغْرَاقِ، وَزِيَادَةُ الْوَاوِ وَهِيَ لِتَجْدِيدِ الْكَلَامِ كَمَا فِي الْقَسَمِ وَتَأْكِيدِ التَّعْلِيمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْعَبْدِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ بَيَانُ أَعْلَى مَرَاتِبِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَمِنْهَا حُسْنُ ضَبْطِهِ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: أَخَذَ حَمَّادٌ بِيَدِي، وَقَالَ حَمَّادٌ أَخَذَ إبْرَاهِيمُ بِيَدِي، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ: أَخَذَ عَلْقَمَةُ بِيَدِي، وَقَالَ عَلْقَمَةُ أَخَذَ ابْنُ مَسْعُودٍ بِيَدِي، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِي وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ. وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ فِيهِ زِيَادَةُ كَلِمَةٍ أَنَّ الزِّيَادَةَ لَوْ كَانَتْ مُرَجِّحَةً كَانَ تَشَهُّدُ جَابِرٍ أَوْلَى؛ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةً بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَفِي خَبَرِنَا زِيَادَةُ الْوَاوِ أَوْ الْأَلِفِ وَاللَّامِ، وَقَوْلُهُ: عَبْدُهُ فَكَانَ أَوْلَى. وَعَنْ قَوْلِهِ يُوَافِقُ الْقُرْآنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُرَجِّحٍ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فِي الْقَعْدَةِ مَكْرُوهَةٌ فَكَيْفَ يُسْتَحَبُّ مَا يُوَافِقُهُ. وَعَنْ قَوْلِهِ أَكْثَرُ التَّسْلِيمَاتِ بِغَيْرِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الْمُوَافَقَةَ وَقَدْ قُلْنَا إنَّهَا مَكْرُوهَةٌ عَلَى أَنَّ السَّلَامَ فِي الْقُرْآنِ جَاءَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ أَيْضًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ} [مريم: 33] . {وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى} [طه: 47] وَعَنْ قَوْلِهِ إنَّ خَبَرَ ابْنِ عَبَّاسٍ مُتَأَخِّرٌ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ. رَوَى الْكَرْخِيُّ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنَّا نَقُولُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ: التَّحِيَّاتُ الطَّاهِرَاتُ الْمُبَارَكَاتُ الزَّاكِيَاتُ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ خَبَرَهُ مُتَأَخِّرٌ عَمَّا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَرْوِي آخِرَ السُّنَنِ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يُرَجِّحْ رِوَايَةَ أَصَاغِرِ الصَّحَابَةِ عَلَى أَكَابِرِهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ وَإِنْ تَقَدَّمَتْ هِجْرَتُهُ فَقَدْ دَامَتْ صُحْبَتُهُ إلَى أَنْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِ التَّحِيَّاتِ: التَّحِيَّاتُ أَيْ الْعِبَادَاتُ الْقَوْلِيَّةُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ: أَيْ الْعِبَادَاتُ الْبَدَنِيَّةُ لِلَّهِ، وَالطَّيِّبَاتُ: أَيْ الْعِبَادَاتُ الْمَالِيَّةُ لِلَّهِ، وَقَوْلُهُ: السَّلَامُ عَلَيْك: حِكَايَةُ السَّلَامِ الَّذِي رَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ لَمَّا أَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي مُقَابِلِهَا

(وَلَا يَزِيدُ عَلَى هَذَا فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى) «لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّشَهُّدَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ وَآخِرِهَا، فَإِذَا كَانَ وَسَطُ الصَّلَاةِ نَهَضَ إذَا فَرَغَ مِنْ التَّشَهُّدِ وَإِذَا كَانَ آخِرَ الصَّلَاةِ دَعَا لِنَفْسِهِ بِمَا شَاءَ» . (وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَحْدَهَا) لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَهَذَا بَيَانُ الْأَفْضَلِ هُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فَرْضٌ فِي الرَّكْعَتَيْنِ عَلَى مَا يَأْتِيك مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ: السَّلَامُ بِمُقَابَلَةِ التَّحِيَّاتِ، وَالرَّحْمَةَ بِمُقَابَلِهِ الصَّلَوَاتِ، وَالْبَرَكَةَ بِمُقَابَلَةِ الطَّيِّبَاتِ. وَالْبَرَكَةُ: هِيَ النَّمَاءُ وَالزِّيَادَةُ. وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَزِيدُ عَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى مِقْدَارِ التَّشَهُّدِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ: تُسَنُّ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ (فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى) لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ «فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ تَشَهُّدٌ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ» وَلَنَا قَوْلُ «ابْنِ مَسْعُودٍ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّشَهُّدَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ وَآخِرِهَا، فَإِذَا كَانَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ نَهَضَ إذَا فَرَغَ مِنْ التَّشَهُّدِ، وَإِذَا كَانَ آخِرَ الصَّلَاةِ دَعَا لِنَفْسِهِ بِمَا شَاءَ» ، وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّطَوُّعِ، فَإِنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْ التَّطَوُّعِ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ أَوْ مُرَادُهُ سَلَامُ التَّشَهُّدِ. قَالَ (وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَحْدَهَا لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ) وَهُوَ مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بِإِسْنَادِهِ إلَى أَبِي قَتَادَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ» وَهَذَا بَيَانٌ لِلْأَفْضَلِ. قَوْلُهُ: (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَاجِبَةٌ حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا سَاهِيًا لَزِمَهُ سُجُودُ السَّهْوِ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ

تَعَالَى (وَجَلَسَ فِي الْأَخِيرَةِ كَمَا جَلَسَ فِي الْأُولَى) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَلِأَنَّهَا أَشَقُّ عَلَى الْبَدَنِ، فَكَانَ أَوْلَى مِنْ التَّوَرُّكِ الَّذِي يَمِيلُ إلَيْهِ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَاَلَّذِي يَرْوِيهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَعَدَ مُتَوَرِّكًا» ضَعَّفَهُ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى حَالَةِ الْكِبَرِ (وَتَشَهَّدَ وَهُوَ وَاجِبٌ عِنْدَنَا وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَهُوَ لَيْسَ بِفَرِيضَةٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِمَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قُلْت هَذَا أَوْ فَعَلْت ـــــــــــــــــــــــــــــQمَقْصُودٌ فَيُكْرَهُ إخْلَاؤُهُ عَنْ الذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ جَمِيعًا كَمَا فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. وَوَجْهُ الصَّحِيحِ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ فَرْضٌ فِي الرَّكْعَتَيْنِ عَلَى مَا يَأْتِيك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدُ. وَقَوْلُهُ: (وَجَلَسَ فِي الْأَخِيرَةِ كَمَا جَلَسَ فِي الْأُولَى) قِيلَ إنَّمَا قَالَ فِي الْأَخِيرَةِ لِيَتَنَاوَلَ قَعْدَةَ الْعَجْزِ وَقَعْدَةَ الْمُسَافِرِ، وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ كَمَا جَلَسَ فِي الْأُولَى يَنْبُو عَنْ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: (لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ) بْنِ حُجْرٍ يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ يُرْوَى ذَلِكَ فِي حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ. وَقَوْلُهُ: (وَعَائِشَةَ) أَيْ حَدِيثِ عَائِشَةَ. وَقَوْلُهُ: هَكَذَا وَصَفَتْ عَائِشَةُ قُعُودَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهَا) أَيْ الْجِلْسَةَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ (أَشَقُّ عَلَى الْبَدَنِ) مِنْ التَّوَرُّكِ الَّذِي يَمِيلُ إلَيْهِ مَالِكٌ، قَالَ مَالِكٌ: الْمَسْنُونُ فِي الْقَعْدَةِ أَنْ يَقْعُدَ مُتَوَرِّكًا بِأَنْ يُخْرِجَ رِجْلَيْهِ مِنْ جَانِبٍ وَيُفْضِي بِأَلْيَتَيْهِ إلَى الْأَرْضِ فِي الْقَعْدَتَيْنِ جَمِيعًا مَا كَانَ أَشَقَّ فَهُوَ أَفْضَلُ، وَاَلَّذِي يَرْوِيهِ مَالِكٌ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَعَدَ مُتَوَرِّكًا» ضَعَّفَهُ الطَّحَاوِيُّ، قَالَ: هَذَا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ نَقَلَةِ الْحَدِيثِ، وَلَئِنْ صَحَّ كَانَ مَحْمُولًا عَلَى الْكِبَرِ. قَوْلُهُ: (وَتَشَهَّدَ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ جَلَسَ (وَهُوَ وَاجِبٌ عِنْدَنَا، وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ لَيْسَ بِفَرْضٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِيهِمَا) أَيْ فِي قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ فَإِنَّهُمَا فَرْضَانِ عِنْدَهُ. أَمَّا التَّشَهُّدُ فَلِمَا رَوَاهُ «ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كُنَّا نَقُولُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، إلَى أَنْ قَالَ فِي آخِرِهِ: إذَا قُلْتَ هَذَا أَوْ فَعَلْتَ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك» أَطْلَقَ اسْمَ الْفَرْضِ عَلَى التَّشَهُّدِ وَقَالَ لَهُ قُلْ، وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، وَعَلَّقَ التَّمَامَ بِهِ فَلَا يَتِمُّ بِدُونِهِ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: 56] وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، وَلَا وُجُوبَ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَكَانَ فِيهَا. وَلَنَا عَلَى عَدَمِ فَرْضِيَّةِ التَّشَهُّدِ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَإِنَّهُ عَلَّقَ عَلَى التَّمَامِ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، وَأَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ التَّمَامَ مُعَلَّقٌ بِالْقَعْدَةِ فَإِنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا لَمْ تُجْزِهِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِالثَّانِي لِيَتَحَقَّقَ التَّخْيِيرُ، فَإِنَّ مُوجِبَ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ الْإِتْيَانُ بِأَحَدِهِمَا،

فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك، إنْ شِئْت أَنْ تَقُومَ فَقُمْ، وَإِنْ شِئْت أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ» وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَارِجَ الصَّلَاةِ وَاجِبَةٌ، إمَّا مَرَّةً وَاحِدَةً كَمَا قَالَهُ الْكَرْخِيُّ، أَوْ كُلَّمَا ذُكِرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا اخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ فَكُفِينَا مُؤْنَةَ الْأَمْرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَذَلِكَ عَلَى عَدَمِ فَرْضِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ بِأَحَدِهِمَا، فَمَنْ عَلَّقَ بِثَالِثٍ غَيْرِهِمَا وَهُوَ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقَدْ خَالَفَ النَّصَّ. وَالْجَوَابُ عَنْ اسْتِدْلَالِهِ بِالْحَدِيثِ أَنَّ مَعْنَى الْفَرْضِ التَّقْدِيرُ: أَيْ قَبْلَ أَنْ يُقَدَّرَ التَّشَهُّدُ، وَالْأَمْرُ صَدَرَ عَلَى سَبِيلِ التَّعْلِيمِ فَلَا يُفِيدُ الْفَرْضِيَّةَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَعُدَّهَا فِي بَعْضِ الْكَلِمَاتِ. فَإِنَّ الْفَرْضَ عِنْدَهُمْ خَمْسُ كَلِمَاتٍ، وَقَدْ أَجَبْنَا عَنْ قَوْلِهِ عَلَّقَ التَّمَامَ بِهِ آنِفًا، وَعَنْ الْآيَةِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا وُجُوبَ لَهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ فِيهِ، إمَّا مَرَّةً وَاحِدَةً كَمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ، أَوْ كُلَّمَا ذَكَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا اخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ، فَكُفِينَا مُؤْنَةَ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْأَمْرُ قَدْ حَصَلَ، فَإِنَّهُ لَا تَدُلُّ الْآيَةُ عَلَى كَوْنِهَا فِي الصَّلَاةِ أَلْبَتَّةَ وَهُوَ مُخْتَارُ صَاحِبِ التُّحْفَةِ وَقَوْلُ الْكَرْخِيِّ مُخْتَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَكَيْفِيَّةُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ. كَذَا نَقَلَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ

وَالْفَرْضُ الْمَرْوِيُّ فِي التَّشَهُّدِ هُوَ التَّقْدِيرُ. قَالَ (وَدَعَا بِمَا شَاءَ مِمَّا يُشْبِهُ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ وَالْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ «ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ثُمَّ اخْتَرْ مِنْ الدُّعَاءِ أَطْيَبَهُ وَأَعْجَبَهُ إلَيْك» ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَعَنْ «عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ أَنَّهُمْ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عَرَفْنَا السَّلَامَ عَلَيْك، فَكَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْك؟ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَارْحَمْ مُحَمَّدًا وَآلَ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْت وَبَارَكْت وَتَرَحَّمْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ» وَحُكِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: نَحْنُ أُمِرْنَا بِتَعْظِيمِ الْأَنْبِيَاءِ وَتَوْقِيرِهِمْ. وَفِي قَوْلِهِ وَارْحَمْ مُحَمَّدًا نَوْعُ ظَنٍّ بِالتَّقْصِيرِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فَتَرَك ذَلِكَ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ إنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَثَرَ وَرَدَ بِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَا عَتْبَ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْأَثَرَ؛ وَلِأَنَّ أَحَدًا لَا يَسْتَغْنِي عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ. وَقَوْلُهُ: (وَالْفَرْضُ الْمَرْوِيُّ) إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْجَوَابِ عَنْ اسْتِدْلَالِهِ. قَالَ (وَدَعَا بِمَا يُشْبِهُ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ وَالْأَدْعِيَةُ الْمَأْثُورَةُ) هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمَا يُشْبِهُ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ، وَمِثْلُ قَوْلِهِ وَاغْفِرْ لِأَبِي، وَالْأَدْعِيَةُ الْمَأْثُورَةُ تَجُوزُ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى أَلْفَاظٍ وَبِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْقُرْآنِ، وَالْمَأْثُورَةُ هِيَ الْمَرْوِيَّةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مِنْهَا مَا رُوِيَ عَنْ «أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عَلِّمْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي، فَقَالَ: قُلْ اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْت نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِك إنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» " وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَدْعُو بِكَلِمَاتٍ مِنْهُنَّ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك مِنْ الْخَيْرِ كُلِّهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِك مِنْ الشَّرِّ كُلِّهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ. وَقَوْلُهُ: (لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ) يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ وَإِذَا كَانَ آخِرَ الصَّلَاةِ دَعَا لِنَفْسِهِ بِمَا شَاءَ. وَقَوْلُهُ: (وَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) يَعْنِي حِينَ قَالَ لَهُ إذَا قُلْت هَذَا إلَخْ قَالَ لَهُ «ثُمَّ اخْتَرْ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ وَأَطْيَبَهُ إلَيْك» بِتَذْكِيرِ الضَّمِيرِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا وَرَدَ فِي السُّنَنِ. وَفِي

وَيَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَكُونَ أَقْرَبَ إلَى الْإِجَابَةِ (وَلَا يَدْعُو بِمَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ) تَحَرُّزًا عَنْ الْفَسَادِ، وَلِهَذَا يَأْتِي بِالْمَأْثُورِ الْمَحْفُوظِ، وَمَا لَا يَسْتَحِيلُ سُؤَالُهُ مِنْ الْعِبَادِ كَقَوْلِهِ اللَّهُمَّ زَوِّجْنِي فُلَانَةَ يُشْبِهُ كَلَامَهُمْ وَمَا يَسْتَحِيلُ كَقَوْلِهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي لَيْسَ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَقَوْلُهُ اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي مِنْ قَبِيلِ الْأَوَّلِ هُوَ الصَّحِيحُ لِاسْتِعْمَالِهَا فِيمَا بَيْنَ الْعِبَادِ، يُقَالُ رَزَقَ الْأَمِيرُ الْجَيْشَ (ثُمَّ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ فَيَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ) لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ أَعْجَبَهَا وَأَطْيَبَهَا قَالُوا وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلَئِنْ صَحَّ بِالتَّأْنِيثِ فَعَلَى تَأْوِيلِ الدَّعَوَاتِ بِحُصُولِ الِاسْتِغْرَاقِ فِي الدُّعَاءِ بِدُخُولِ اللَّامِ، وَقِيلَ عَلَى تَأْوِيلِ الْكَلِمَاتِ. وَقَوْلُهُ: «لِيَكُونَ أَقْرَبَ إلَى الْإِجَابَةِ» وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا يَحْسُنُ مِنْ الْكَرِيمِ أَنْ يَسْتَجِيبَ بَعْضَ الدُّعَاءِ دُونَ بَعْضٍ آخَرَ فَيَسْتَجِيبُ الْجَمِيعَ (وَلَا يَدْعُو بِمَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ) تَحَرُّزًا عَنْ إفْسَادِ الْجُزْءِ الْمُلَاقِي لِكَلَامِ النَّاسِ لَا جَمِيعِ الصَّلَاةِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ كَلَامِ النَّاسِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ فَكَيْفَ مَا يُشْبِهُهُ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا ظَاهِرٌ، وَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ كَلَامَ النَّاسِ صُنِعَ مِنْ الْمُصَلِّي فَتَتِمُّ بِهِ صَلَاتُهُ فَكَانَ بِالدُّعَاءِ الَّذِي يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ خَارِجًا عَنْ الصَّلَاةِ لَا مُفْسِدًا لَهَا، ثُمَّ فَسَّرَ مَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ وَمَا لَا يُشْبِهُهُ فَقَالَ (وَمَا لَا يَسْتَحِيلُ سُؤَالُهُ مِنْ الْعِبَادِ كَقَوْلِهِ اللَّهُمَّ زَوِّجْنِي فُلَانَةَ يُشْبِهُ كَلَامَهُمْ وَمَا يَسْتَحِيلُ كَقَوْلِهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي لَيْسَ مِنْ كَلَامِهِمْ) وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: بَيْنَ هَذَا التَّفْسِيرِ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ بِمَا يُشْبِهُ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ مُنَافَاةٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَخِي يَنْبَغِي أَلَّا يَجُوزَ نَظَرًا لِلْأَوَّلِ، وَقَدْ نُقِلَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، وَأَنْ يَجُوزَ بِهِ نَظَرًا إلَى الثَّانِي، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ اخْتِيَارَ الْمُصَنِّفِ إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ أَلْفَاظُ الدُّعَاءِ غَيْرَ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ فَلَا يَمْتَنِعُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَخِي؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَسْتَحِيلُ سُؤَالُهُ مِنْ النَّاسِ. وَاخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ الرَّازِقَ هُوَ اللَّهُ لَيْسَ إلَّا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ تَفْسُدُ بِهِ الصَّلَاةُ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ (هُوَ الصَّحِيحُ) لِاسْتِعْمَالِهَا فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ يُقَالُ رَزَقَ الْأَمِيرُ الْجَيْشَ. وَقَوْلُهُ: (ثُمَّ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ فَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ) التَّسْلِيمُ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَكِبَارِ الصَّحَابَةِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ. وَرَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ، وَعَنْ يَسَارِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْسَرِ» وَالْأَخْذُ بِقَوْلِ كِبَارِ

وَعَنْ يَسَارِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْسَرِ» (وَيَنْوِي بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْحَفَظَةِ وَكَذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ) لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ، وَلَا يَنْوِي النِّسَاءَ فِي زَمَانِنَا وَلَا مَنْ لَا شَرِكَةَ لَهُ فِي صَلَاتِهِ، هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْخِطَابَ حَظُّ الْحَاضِرِينَ (وَلَا بُدَّ لِلْمُقْتَدِي مِنْ نِيَّةِ إمَامِهِ، فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ نَوَاهُ فِيهِمْ) وَإِنْ كَانَ بِحِذَائِهِ نَوَاهُ فِي الْأُولَى عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَرْجِيحًا لِلْجَانِبِ الْأَيْمَنِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ نَوَاهُ فِيهِمَا لِأَنَّهُ ذُو حَظٍّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ (وَالْمُنْفَرِدُ يَنْوِي الْحَفَظَةَ لَا غَيْرُ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ سِوَاهُمْ (وَالْإِمَامُ يَنْوِي بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ) هُوَ الصَّحِيحُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّحَابَةِ أَوْلَى مِمَّا قَالَ بِهِ مَالِكٌ إنَّهُ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ كِبَارَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يَرَوْنَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَعَائِشَةُ كَانَتْ فِي صَفِّ النِّسَاءِ، وَسَهْلٌ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الصِّبْيَانِ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا لَمْ يَسْمَعَا التَّسْلِيمَةَ الثَّانِيَةَ عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُسَلِّمُ الثَّانِيَةَ أَخَفَضَ مِنْ الْأُولَى (وَيَنْوِي بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْحَفَظَةِ) وَهَذَا وَضْعُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَفِي وَضْعِ الْأَصْلِ قُدِّمَتْ الْحَفَظَةُ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ بَنِي آدَمَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَلَا عَكْسُهُ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ، وَإِنَّمَا يَنْوِي عِنْدَ التَّسْلِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ إقَامَةُ سُنَّةٍ فَلْيَكُنْ بِالنِّيَّةِ كَمَا فِي سَائِرِ السُّنَنِ، وَهَكَذَا قَالُوا فِي التَّسْلِيمِ خَارِجَ الصَّلَاةِ يَنْوِي السُّنَّةَ (وَكَذَا فِي الثَّانِيَةِ) أَيْ يَنْوِي فِيهَا مَا نَوَى فِي الْأُولَى، وَقَالَ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ أَبَيْتُمْ اشْتِرَاطَ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَكَيْفَ اسْتَدَلَّ بِهِ هَاهُنَا؟ فَالْجَوَابُ إنَّا أَبَيْنَا اشْتِرَاطَهَا فِيهِ لِاسْتِلْزَامِهِ الزِّيَادَةَ عَلَى الْكِتَابِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهَاهُنَا مَا جَعَلْنَاهَا شَرْطًا، وَإِنَّمَا اسْتَدْلَلْنَا بِظَاهِرِ لَفْظِهِ عَلَى سُنِّيَّةِ مَا لَا يُخَالِفُهُ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ حَتَّى يَسْتَلْزِمَ الزِّيَادَةَ. قَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ: هَذَا شَيْءٌ تَرَكَهُ النَّاسُ؛ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يَنْوِي أَحَدٌ شَيْئًا (وَلَا يَنْوِي النِّسَاءُ فِي زَمَانِنَا) يَعْنِي أَنَّ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ نِيَّةِ النِّسَاءِ كَانَ فِي زَمَنِهِمْ، وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا يَنْوِي النِّسَاءُ؛ لِأَنَّ حُضُورَهُنَّ الْجَمَاعَاتِ مَتْرُوكٌ بِإِجْمَاعِ الْمُتَأَخِّرِينَ (وَلَا مَنْ لَا شَرِكَةَ لَهُ فِي صَلَاتِهِ) مِنْ الْمُؤْمِنِينَ الْغُيَّبِ. وَقَوْلُهُ: (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا قَالَ. قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ: إنَّهُ يَنْوِي جَمِيعَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مَنْ يُشَارِكُهُ وَمَنْ لَا يُشَارِكُهُ لِيَكُونَ عَلَى وَفْقِ سَلَامِ التَّشَهُّدِ: يَعْنِي قَوْلَهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ. وَوَجْهُ الصَّحِيحِ أَنَّ سَلَامَ التَّحْلِيلِ خِطَابٌ وَالْخِطَابُ حَظُّ الْحَاضِرِينَ، بِخِلَافِ سَلَامِ التَّشَهُّدِ؛ لِأَنَّهُ تَحِيَّةٌ عَامَّةٌ لِلْحُضُورِ وَالْغُيَّبِ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِهِ عَلَى مَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قَالَ الْمُصَلِّي السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَصَابَ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» قَالَ (وَلَا بُدَّ لِلْمُقْتَدِي مِنْ نِيَّةِ إمَامِهِ) قِيلَ تَخْصِيصُ الْإِمَامِ بِالذِّكْرِ يُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ يَنْوِي مَنْ يُشَارِكُهُ فِي الصَّلَاةِ دُونَ غَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّ الْإِمَامَ يَنْوِي بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى لَا غَيْرُ، كَذَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ تَرْجِيحًا لِلْجَانِبِ الْأَيْمَنِ، وَالْأَصَحُّ الْجَمْعُ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ عِنْدَ التَّعَارُضِ مُمْكِنٌ فَلَا يُصَارُ إلَى التَّرْجِيحِ، وَعَمَّا قِيلَ الْإِمَامُ

وَلَا يَنْوِي فِي الْمَلَائِكَةِ عَدَدًا مَحْصُورًا لِأَنَّ الْأَخْبَارَ فِي عَدَدِهِمْ قَدْ اخْتَلَفَتْ فَأَشْبَهَ الْإِيمَانَ بِالْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -، ثُمَّ إصَابَةُ لَفْظِ السَّلَامِ وَاجِبَةٌ عِنْدَنَا وَلَيْسَتْ بِفَرْضٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. هُوَ يَتَمَسَّكُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» . وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَالتَّخْيِيرُ يُنَافِي الْفَرْضِيَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَجِبُ أَنْ لَا يَنْوِيَ؛ لِأَنَّهُ يَجْهَرُ بِالسَّلَامِ وَيُشِيرُ إلَيْهِمْ وَهُوَ فَوْقُ النِّيَّةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى النِّيَّةِ. وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَنْوِيَ فِي الْمَلَائِكَةِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَفَظَةِ لَيْسَ الْكِرَامَ الْكَاتِبِينَ فَقَطْ كَمَا زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَنْوِي بِهِ ذَلِكَ، وَهْم اثْنَانِ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِهِ يَكْتُبُ الْحَسَنَاتِ وَآخَرُ عَنْ يَسَارِهِ يَكْتُبُ السَّيِّئَاتِ، بَلْ الْمُرَادُ بِهَا مَنْ مَعَهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، وَلَا يَحْصُرُ فِي ذَلِكَ عَدَدًا مَعْلُومًا؛ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ فِي عَدَدِهِمْ قَدْ اخْتَلَفَتْ. رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ " مَعَ كُلِّ مُؤْمِنٍ خَمْسَةٌ مِنْ الْحَفَظَةِ: وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِهِ يَكْتُبُ الْحَسَنَاتِ، وَآخَرُ عَنْ يَسَارِهِ يَكْتُبُ السَّيِّئَاتِ، وَآخَرُ أَمَامَهُ يُلَقِّنُهُ الْخَيْرَاتِ، وَآخَرُ وَرَاءَهُ يَدْفَعُ عَنْهُ الْمَكَارِهَ، وَآخَرُ عِنْدَ نَاصِيَتِهِ يَكْتُبُ مَا يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُبَلِّغُهُ إلَى الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ". وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ: مَعَ كُلِّ مُؤْمِنٍ سِتُّونَ مَلَكًا، وَفِي بَعْضِهَا مِائَةٌ وَسِتُّونَ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَنْوِيهِمْ بِدُونِ حَصْرٍ فِي عَدَدٍ فَأَشْبَهَ الْإِيمَانَ بِالْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - نُؤْمِنُ بِكُلِّهِمْ وَلَا نَحْصُرُهُمْ فِي عَدَدٍ لِئَلَّا يُخْرِجَ مِنْهُمْ مَنْ هُوَ مِنْهُمْ وَلَا يُدْخِلَ فِيهِمْ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ. وَقَوْلُهُ: (هُوَ يَتَمَسَّكُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» ) وَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لَيْسَ لِلْعَهْدِ لِعَدَمِ مَعْهُودٍ فَكَانَ لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ فَقَدْ جَعَلَ جِنْسَ التَّحَلُّلِ فِي الصَّلَاةِ بِالسَّلَامِ، فَمَنْ أَثْبَتَ بِغَيْرِهِ فَقَدْ خَالَفَ النَّصَّ؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِي ذَلِكَ كَالتَّحْرِيمَةِ. (وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ «ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ قَالَ لَهُ: إذَا قُلْت هَذَا أَوْ فَعَلْت هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك، فَإِنْ شِئْت أَنْ تَقُومَ فَقُمْ وَإِنْ شِئْت أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ» . وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَكَمَ بِتَمَامِ

[فصل في القراءة]

وَالْوُجُوبَ، إلَّا أَنَّا أَثْبَتْنَا الْوُجُوبَ بِمَا رَوَاهُ احْتِيَاطًا، وَبِمِثْلِهِ لَا تَثْبُتُ الْفَرْضِيَّةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّلَاةِ قَبْلَ السَّلَامِ وَخَيَّرَهُ بَيْنَ الْقُعُودِ وَالْقِيَامِ، وَهَذَا يُنَافِي فَرْضِيَّةَ أَمْرٍ آخَرَ وَوُجُوبَهُ، إلَّا أَنَّا أَثْبَتْنَا الْوُجُوبَ بِمَا رَوَاهُ احْتِيَاطًا دُونَ الْفَرْضِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرُ وَاحِدٍ، وَبِمِثْلِهِ لَا تَثْبُتُ الْفَرْضِيَّةُ [فَصْلٌ فِي الْقِرَاءَةِ] (فَصْلٌ فِي الْقِرَاءَةِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَكَيْفِيَّتِهَا وَبَيَانِ أَرْكَانِهَا وَفَرَائِضِهَا وَوَاجِبَاتِهَا وَسُنَنِهَا ذَكَرَ أَحْكَامَ الْقِرَاءَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ لِزِيَادَةِ أَحْكَامٍ تَعَلَّقَتْ بِهَا دُونَ سَائِرِ الْأَرْكَانِ، وَابْتَدَأَ بِذِكْرِ الْجَهْرِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْإِخْفَاءِ دُونَ ذِكْرِ الْقَدْرِ، وَإِنْ كَانَ الْعَكْسُ مُتَعَيِّنًا؛ لِأَنَّ الْقَدْرَ مَعْنًى رَاجِعٌ إلَى الذَّاتِ، وَالْجَهْرَ وَالْإِخْفَاءَ رَاجِعٌ إلَى الصِّفَةِ وَالذَّاتِ قَبْلَ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ الْجَهْرَ مِنْ صِفَاتِ الْأَدَاءِ الْكَامِلِ وَالْقَدْرُ يَعُمُّهُ وَالْقَاصِرُ أَيْضًا، فَكَانَ الِابْتِدَاءُ

قَالَ (وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْفَجْرِ وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ إنْ كَانَ إمَامًا) وَيَخْفِي فِي الْأُخْرَيَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِذِكْرِ صِفَةٍ تَخْتَصُّ بِالْأَدَاءِ الْكَامِلِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ فِي شَرْعِيَّةِ الصَّلَاةِ أَوْلَى (ثُمَّ الْمُصَلِّي إنْ كَانَ إمَامًا يَجْهَرُ فِي الْفَجْرِ وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ) وَيُخْفَى فِي الْأُخْرَيَيْنِ

هَذَا هُوَ الْمَأْثُورُ الْمُتَوَارَثُ (وَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ جَهَرَ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ) لِأَنَّهُ إمَامٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ (وَإِنْ شَاءَ خَافَتَ) لِأَنَّهُ لَيْسَ خَلْفَهُ مَنْ يَسْمَعُهُ، وَالْأَفْضَلُ هُوَ الْجَهْرُ لِيَكُونَ الْأَدَاءُ عَلَى هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا هُوَ الْمَأْثُورُ الْمُتَوَارَثُ) أَيْ الْمَنْقُولُ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، ثُمَّ الْجَهْرُ فِيمَا يُجْهَرُ وَالْمُخَافَتَةُ فِيمَا يُخَافَتُ وَاجِبٌ بِالسُّنَّةِ، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: فِي كُلِّ صَلَاةٍ يُقْرَأُ فَمَا أَسْمَعَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْمَعْنَاكُمْ، وَمَا أَخْفَى عَلَيْنَا أَخْفَيْنَا عَلَيْكُمْ. وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ فَإِنَّ الْأُمَّةَ اجْتَمَعَتْ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا عَلَى الْجَهْرِ فِيمَا يَجْهَرُ وَعَلَى الْمُخَافَتَةِ فِيمَا يُخَافِتُ. وَبِالْمَعْنَى الْفِقْهِيِّ فَإِنَّهَا رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَيَجِبُ إظْهَارُهُمَا فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا كَسَائِرِ الْأَرْكَانِ وَلِهَذَا «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا فِي الِابْتِدَاءِ إلَّا أَنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا لَغَوْا عِنْدَ الْقِرَاءَةِ وَغَلَّطُوهُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ تَرَكَ الْجَهْرَ فِيهِمَا بِهَذَا الْعُذْرِ» وَالْعُذْرُ وَإِنْ زَالَ بِكَثْرَةِ الْمُسْلِمِينَ بَقِيَتْ الْمُخَافَتَةُ كَالرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ. وَأَمَّا «فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ فَالْكُفَّارُ كَانُوا مُتَفَرِّقِينَ وَنِيَامًا فَجَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقِرَاءَةِ فِي هَذِهِ الصَّلَوَاتِ» عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ (وَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ جَهَرَ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ) ؛ لِأَنَّهُ إمَامٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ (وَإِنْ شَاءَ خَافَتْ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ مَنْ يَسْمَعُهُ فَلَمَّا تَجَاذَبَ مُوجِبُ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ ثَبَتَ التَّخْيِيرُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ قَوْلَهُ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ دَفْعًا لِمَا يُقَالُ فَائِدَةُ الْجَهْرِ الْإِسْمَاعُ وَلَا إسْمَاعَ هَاهُنَا إذْ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ يَسْمَعُهُ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْفَائِدَةَ لَمْ تَنْحَصِرْ فِي إسْمَاعِ الْغَيْرِ بَلْ مِنْ فَائِدَتِهِ إسْمَاعُ نَفْسِهِ

(وَيُخْفِيهَا الْإِمَامُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَإِنْ كَانَ بِعَرَفَةَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ» أَيْ لَيْسَتْ فِيهَا قِرَاءَةٌ مَسْمُوعَةٌ، وَفِي عَرَفَةَ خِلَافُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَاهُ (وَيَجْهَرُ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ) لِوُرُودِ النَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَجْهَرُ لِذَلِكَ، أَوْ بَيَانٌ لِلْحَكَمِ وَهُوَ أَلَّا يَجْهَرَ هَاهُنَا كُلَّ الْجَهْرِ إذْ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ يَسْمَعُهُ بَلْ يَأْتِي بِأَدْنَى الْجَهْرِ، فَكَانَ مَعْنَاهُ إنْ شَاءَ جَهَرَ، وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ وَلَا يُسْمِعُ غَيْرَهُ، وَالْجَهْرُ أَفْضَلُ لِيَكُونَ الْأَدَاءُ عَلَى هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ. (وَيُخْفِي الْإِمَامُ الْقِرَاءَةَ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَإِنْ كَانَ بِعَرَفَةَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ» أَيْ لَيْسَتْ فِيهَا قِرَاءَةٌ مَسْمُوعَةٌ) إنَّمَا فَسَّرَهُ بِهَذَا احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَتَفْسِيرِهِ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَا قِرَاءَةَ فِي هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ» " أَيْ لَيْسَ فِيهَا قِرَاءَةٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ تَفْسِيرِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ قِيلَ لِخَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " بِمَ عَرَفْتُمْ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؟ قَالَ: بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ ". وَبِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسْمِعُنَا الْآيَةَ وَالْآيَتَيْنِ فِي الظُّهْرِ أَحْيَانًا» . وَقَالَ مَالِكٌ: يَجْهَرُ الْإِمَامُ فِيهِمَا فِي عَرَفَةَ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ هُنَاكَ تُقَامُ بِجَمْعٍ عَظِيمٍ فَيُجْهَرُ فِيهَا كَمَا فِي الْجُمُعَةِ (وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَاهُ) وَأُورِدَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَدِيثٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ذَكَرَهُ فِي الْغَرِيبَيْنِ وَالْفَائِقِ لِلزَّمَخْشَرِيِّ. وَلَئِنْ سُلِّمَ فَهُوَ عَامٌّ مَخْصُوصٌ خَصَّ مِنْهُ الْجُمُعَةَ وَالْعِيدَيْنِ فَيَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْجُمُعَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ أَصْحَابَنَا مَلَئُوا كُتُبَهُمْ بِهِ، وَنَقَلُوا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يُفَسِّرُهُ بِعَدَمِ الْقِرَاءَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ، وَلَوْلَا أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ إسْنَادُهُ لَمَا فَعَلُوا ذَلِكَ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْجُمُعَةَ وَالْعِيدَيْنِ لَيْسَتْ بِمَخْصُوصَةٍ؛ لِأَنَّ «الْجُمُعَةَ فُرِضَتْ بِالْمَدِينَةِ وَكَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَجَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا» فَكَانَ نَسْخًا لَا تَخْصِيصًا، وَالنَّسْخُ بِالْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا فِي الْأَعْيَادِ وَمِنْهُ عُرِفَ حُكْمُ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ. (وَالنَّقْلُ الْمُسْتَفِيضُ) أَيْ الشَّائِعُ الْمُنْتَشِرُ مَا رَوَى أَبُو حَنِيفَةَ فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادِهِ إلَى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

بِالْجَهْرِ، وَفِي التَّطَوُّعِ بِالنَّهَارِ يُخَافِتُ وَفِي اللَّيْلِ يَتَخَيَّرُ اعْتِبَارًا بِالْفَرْضِ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ مُكَمِّلٌ لَهُ فَيَكُونُ تَبَعًا (مَنْ فَاتَتْهُ الْعِشَاءُ فَصَلَّاهَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إنْ أَمَّ فِيهَا جَهَرَ) كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ قَضَى الْفَجْرَ غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ بِجَمَاعَةٍ (وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ خَافَتَ حَتْمًا وَلَا يَتَخَيَّرُ هُوَ الصَّحِيحُ) لِأَنَّ الْجَهْرَ يَخْتَصُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] وَ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1] » وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَجْهَرُ حَتَّى تُسْمَعَ قِرَاءَتُهُ (وَفِي التَّطَوُّعِ بِالنَّهَارِ يُخَافِتُ وَفِي اللَّيْلِ يَتَخَيَّرُ اعْتِبَارًا بِالْفَرْضِ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ) وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَهْرَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ كَذَلِكَ. وَرَوَتْ عَائِشَةُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي تَهَجُّدِهِ يُؤْنِسُ الْيَقْظَانَ وَلَا يُوقِظُ الْوَسْنَانَ» . وَلَا يُظَنُّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَفْعَلُ إلَّا الْأَفْضَلَ. وَلَيْسَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَوْلُهُ: (وَمَنْ فَاتَتْهُ الْعِشَاءُ، إلَى قَوْلِهِ: مَنْ قَرَأَ فِي الْعِشَاءِ) وَالصَّوَابُ ذِكْرُهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَصْلِ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَيْثُ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَسْأَلَةُ هَذَا الْكِتَابِ، وَالْمُصَنِّفُ الْتَزَمَ ذِكْرَ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ خَافَتْ حَتْمًا هُوَ الصَّحِيحُ) مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَقَاضِي خَانْ وَالتُّمُرْتَاشِيُّ وَالْمَحْبُوبِيُّ فِي شُرُوحِهِمْ لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا الْجَهْرُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَكُونُ

إمَّا بِالْجَمَاعَةِ حَتْمًا أَوْ بِالْوَقْتِ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ وَلَمْ يُوجَدْ أَحَدُهُمَا (وَمَنْ قَرَأَ فِي الْعِشَاءِ فِي الْأُولَيَيْنِ السُّورَةَ وَلَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ لَمْ يُعِدْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ، وَإِنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ وَجَهَرَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَقْضِي وَاحِدَةً مِنْهُمَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ إذَا فَاتَ عَنْ وَقْتِهِ لَا يُقْضَى إلَّا بِدَلِيلٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى وَفْقِ الْأَدَاءِ، وَفِي الدَّاءِ الْمُنْفَرِدِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ وَالْجَهْرُ أَفْضَلُ كَذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ، وَأَمَّا تَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ فَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْجَهْرَ إمَّا أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا أَوْ جَائِزًا، وَسَبَبُ الْأَوَّلِ الْجِمَاعُ وَالْفَرْضُ هَاهُنَا عَدَمُهُ، وَسَبَبُ الثَّانِي الْوَقْتُ وَالْفَرْضُ عَدَمُهُ فَتَعَيَّنَ الْإِخْفَاءُ، وَمُنِعَ بِأَنَّ السَّبَبَ لَيْسَ بِمُنْحَصِرٍ فِي ذَلِكَ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُوَافَقَةُ الْقَضَاءِ الْأَدَاءَ سَبَبًا لِلْجَوَازِ أَيْضًا فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ سَبَبَيْ الْجَهْرِ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ انْتَفَى كُلُّ مِنْهُمَا فَيَنْتَفِي الْحُكْمُ، وَأَمَّا مُوَافَقَةُ الْقَضَاءِ الْأَدَاءَ فَلَيْسَ عَلَى سَبَبِيَّتِهَا إجْمَاعٌ وَلَا نَصٌّ يَدُلُّ عَلَيْهَا فَجَعْلُهَا سَبَبًا يَكُونُ إثْبَاتَ سَبَبٍ بِالرَّأْيِ ابْتِدَاءً، وَهُوَ يَنْزِعُ إلَى الشَّرِكَةِ فِي وَضْعِ الشَّرْعِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ، وَلَعَلَّ هَذَا حَمْلُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْحُكْمِ بِكَوْنِهِ حَتْمًا هُوَ الصَّحِيحُ، فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ هُوَ الصَّحِيحُ هُوَ الصَّحِيحُ دِرَايَةً لَا رِوَايَةً، فَإِنَّ أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ عَلَى الْجَوَازِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا. (وَمَنْ قَرَأَ فِي الْعِشَاءِ فِي الْأُولَيَيْنِ السُّورَةَ وَلَمْ يَقْرَأْ الْفَاتِحَةَ لَمْ يُعِدْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَإِنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ وَجَهَرَ) يَعْنِي بِهِمَا عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا نَذْكُرُهُ (وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَقْضِي وَاحِدَةً مِنْهُمَا) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاجِبٌ، وَلِهَذَا لَوْ تَرَكَ إحْدَاهُمَا سَاهِيًا وَجَبَ عَلَيْهِ سَجْدَةُ السَّهْوِ وَقَضَاهَا فِي الشَّفْعِ الثَّانِي أَوْ لَمْ يَقْضِ، وَالْوَاجِبُ إذَا فَاتَ عَنْ وَقْتِهِ لَا يُقْضَى إلَّا بِدَلِيلٍ، وَهُوَ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ هُوَ أَنْ يَكُونَ مَا لَهُ مَشْرُوعًا لِيُصْرَفَ إلَى مَا عَلَيْهِ، وَالسُّورَةُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ

وَلَهُمَا وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ شُرِعَتْ عَلَى وَجْهٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا السُّورَةُ، فَلَوْ قَضَاهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ تَتَرَتَّبُ الْفَاتِحَةُ عَلَى السُّورَةِ، وَهَذَا خِلَافُ الْمَوْضُوعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَكَ السُّورَةَ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ قَضَاؤُهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ، ثُمَّ ذَكَرَ هَاهُنَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ، وَفِي الْأَصْلِ بِلَفْظَةِ الِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ مُؤَخَّرَةً فَغَيْرُ مَوْصُولَةٍ بِالْفَاتِحَةِ فَلَمْ يُمْكِنْ مُرَاعَاةُ مَوْضُوعِهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرُ مَشْرُوعَةٍ (وَلَهُمَا) وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ (أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ شُرِعَتْ عَلَى وَجْهٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا السُّورَةُ، فَلَوْ قَضَاهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ تَتَرَتَّبُ الْفَاتِحَةُ عَلَى السُّورَةِ) إذْ التَّقْدِيرُ أَنَّهُ قَرَأَ السُّورَةَ ثُمَّ يَقْضِي الْفَاتِحَةَ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي، وَاَلَّذِي وَقَعَ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي بَعْدَ الَّذِي وَقَعَ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَتَكُونُ الْفَاتِحَةُ بَعْدَ السُّورَةِ (وَهُوَ خِلَافُ الْمَوْضُوعِ) وَنُوقِضَ بِتَرَتُّبِ الْفَاتِحَةِ الَّتِي فِي الشَّفْعِ الثَّانِي عَلَى السُّورَةِ الَّتِي فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يُرَتِّبُ الْفَاتِحَةَ عَلَى السُّورَةِ وَهُوَ مَشْرُوعٌ لَا مَحَالَةَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الدُّعَاءِ. وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ عَلَى وَجْهِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْفَاتِحَةُ الْوَاقِعَةُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي تَجْعَلُهَا كَالْوَاقِعَةِ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَلْنُقَدِّرْ أَنَّهَا وَقَعَتْ قَبْلَ السُّورَةِ حُكْمًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَحَلُّهَا فَتَكُونُ السُّورَةُ مُتَرَتِّبَةً عَلَى الْفَاتِحَةِ دُونَ الْعَكْسِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ تَقْدِيرَهَا كَالْوَاقِعَةِ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ لِضَرُورَةِ تَدَارُكِ الْفَارِطِ إنْ أَمْكَنَ، وَلَيْسَ بِمُمْكِنٍ لِاسْتِلْزَامِهِ تَغَيُّرَ الْمَحْسُوسِ، وَالضَّرُورِيُّ ضَعِيفٌ لَا يَثْبُتُ بِهِ تَغَيُّرُ الْمَحْسُوسِ (بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَكَ السُّورَةَ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ قَضَاؤُهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ) وَهُوَ تَرَتُّبُ السُّورَةِ عَلَى الْفَاتِحَةِ. وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ السُّورَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إنَّ السُّورَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مَشْرُوعَةٌ نَفْلًا، وَلِهَذَا لَوْ قَرَأَ فِيهِمَا لَا يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ. وَقَوْلُهُ: (ثُمَّ ذَكَرَ هَاهُنَا) أَيْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ) ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: قَرَأَ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْأَمْرِ بَلْ آكَدُ، وَفِي الْأَصْلِ بِلَفْظِ الِاسْتِحْبَابِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: إذَا تَرَكَ السُّورَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْضِيَهَا. أَمَّا وَجْهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَقَدْ بَيَّنَّاهُ، وَأَمَّا وَجْهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ فَمَا قَالَ فِي الْكِتَابِ (؛ لِأَنَّهَا) أَيْ السُّورَةَ (إنْ كَانَتْ مُؤَخَّرَةً عَنْ الْفَاتِحَةِ فَغَيْرُ مَوْصُولَةٍ بِالْفَاتِحَةِ الْأُولَى) لِوُقُوعِ الْفَصْلِ بِالْفَاتِحَةِ الثَّانِيَةِ (فَلَمْ يُمْكِنْ مُرَاعَاةُ مَوْضُوعِهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ) وَلَمْ يَذْكُرْ الشِّقَّ الْآخَرَ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ السُّورَةُ مُتَقَدِّمَةً عَلَى الْفَاتِحَةِ لِبُعْدِهِ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى

(وَيَجْهَرُ بِهِمَا) هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ شَنِيعٌ، وَتَغْيِيرُ النَّفْلِ وَهُوَ الْفَاتِحَةُ أَوْلَى، ثُمَّ الْمُخَافَتَةُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَالْجَهْرُ أَنْ يُسْمِعَ غَيْرَهُ، وَهَذَا عِنْدَ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ مُجَرَّدَ حَرَكَةِ اللِّسَانِ لَا يُسَمَّى قِرَاءَةً بِدُونِ الصَّوْتِ. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: أَدْنَى الْجَهْرِ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ، وَأَدْنَى الْمُخَافَتَةِ تَصْحِيحُ الْحُرُوفِ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِعْلُ اللِّسَانِ دُونَ الصِّمَاخِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرِ مَشْرُوعٍ آخَرَ وَهُوَ تَقْدِيمُ السُّورَةِ عَلَى الْفَاتِحَةِ وَإِنْ ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ. وَقَوْلُهُ: (وَيَجْهَرُ بِهِمَا هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجْهَرُ بِالسُّورَةِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ فِي الْفَاتِحَةِ مُؤَدٍّ فَيُرَاعَى صِفَةُ أَدَائِهَا، وَفِي السُّورَةِ قَاضٍ فَيَجْهَرُ بِهَا كَمَا كَانَ يَجْهَرُ فِي الْأَدَاءِ، وَلَا يَكُونُ جَمْعًا بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ تَقْدِيرًا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَلْتَحِقُ بِمَحَلِّ الْأَدَاءِ. وَعَمَّا رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَجْهَرُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْهَرُ بِالْفَاتِحَةِ لِمَا قُلْنَا، فَلَوْ جَهَرَ بِالسُّورَةِ كَانَ جَمْعًا بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ صُورَةً وَحَقِيقَةً، وَذَلِكَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ. وَوَجْهُ الصَّحِيحِ مَا ذُكِرَ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ شَنِيعٌ، فَإِمَّا أَنْ يُخْفِيَهُمَا كَمَا رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ وَفِي ذَلِكَ تَغْيِيرُ صِفَةِ الْوَاجِبِ وَهُوَ السُّورَةُ لِأَجْلِ مُرَاعَاةِ صِفَةِ سُنَّةٍ وَهُوَ الْفَاتِحَةُ وَهُوَ اتِّبَاعُ الْأَقْوَى لِلْأَدْنَى، وَإِمَّا أَنْ يَجْهَرَ بِهِمَا وَفِيهِ تَغْيِيرُ صِفَةِ النَّفْلِ لِأَجْلِ صِفَةِ الْوَاجِبِ فَهُوَ أَوْلَى. قَالَ (ثُمَّ الْمُخَافَتَةُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ) اعْلَمْ أَنَّ أَجْزَاءَ الْكَلِمَاتِ الْمُسْتَعْمَلَةِ عَلَى اللِّسَانِ عَلَى نَوْعَيْنِ: كَلَامٌ، وَقِرَاءَةٌ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ إفَادَةُ النِّسْبَةِ لِلْمُخَاطَبِ أَوْ لَا: فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَهُوَ الْكَلَامُ، وَإِلَّا فَهُوَ الْقِرَاءَةُ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى نَوْعَيْنِ: جَهْرٍ، وَمُخَافَتَةٍ. وَقَدْ اخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِي الْحَدِّ الْفَاصِلِ بَيْنَهُمَا، فَذَهَبَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ إلَى أَنَّ الْمُخَافَتَةَ هُوَ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ، وَمَا دُونَ ذَلِكَ مَجْمَجَةٌ وَدَنْدَنَةٌ لَيْسَ بِكَلَامٍ وَلَا قِرَاءَةٍ (وَالْجَهْرُ هُوَ أَنْ يُسْمِعَ غَيْرَهُ) فَهُوَ كَمَا تَرَى جَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنَوْعَيْهِ مِنْ الْكَيْفِيَّاتِ الْمَسْمُوعَةِ وَقَالَ (؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ حَرَكَةِ اللِّسَانِ بِدُونِ الصَّوْتِ لَا تُسَمَّى قِرَاءَةً) يَعْنِي لَا لُغَةً وَلَا عُرْفًا وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ مَنْ رَأَى الْمُصَلِّي الْأُطْرُوشَ مِنْ بَعِيدٍ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ يُخْبِرُ عَنْهُ أَنَّهُ يَقْرَأُ وَإِنْ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ شَيْءٌ. (وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: أَدْنَى الْجَهْرِ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَأَدْنَى الْمُخَافَتَةِ تَصْحِيحُ الْحُرُوفِ) وَقَالَ (لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِعْلُ اللِّسَانِ دُونَ الصِّمَاخِ) فَإِنَّ الْأُطْرُوشَ يَتَكَلَّمُ وَلَا يَسْمَعُ، وَهُوَ كَمَا تَرَى جَعَلَ الْمُخَافَتَةَ مِنْ الْكَيْفِيَّاتِ الْمُبْصَرَةِ وَالْجَهْرَ مِنْ الْكَيْفِيَّاتِ الْمَسْمُوعَةِ.

وَفِي لَفْظِ الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَى هَذَا. وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ كُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالنُّطْقِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالِاسْتِثْنَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (وَأَدْنَى مَا يُجْزِئُ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ آيَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْكِتَابَةَ يُوجَدُ بِهَا تَصْحِيحُ الْحُرُوفِ وَلَا تُسَمَّى قِرَاءَةٌ لِعَدَمِ الصَّوْتِ وَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ تَصْحِيحُ الْحُرُوفِ مُطْلَقًا قِرَاءَةً بَلْ تَصْحِيحُ الْحُرُوفِ بِاللِّسَانِ قِرَاءَةٌ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِعْلُ اللِّسَانِ. قَوْلُهُ: (وَفِي لَفْظِ الْكِتَابِ) قِيلَ يَعْنِي فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ بِقَوْلِهِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ جَهَرَ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ وَإِنْ شَاءَ خَافَتْ، وَقِيلَ فِي الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ وَكَانَتْ صَلَاتُهُ يَجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ قَرَأَ فِي نَفْسِهِ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ جَهَرَ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ، وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ أَوَّلَ هَذَا الْكَلَامَ نُصْرَةً لِأَبِي جَعْفَرٍ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَقَرَأَ فِي نَفْسِهِ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ لَا غَيْرَهُ، وَبِقَوْلِهِ وَإِنْ شَاءَ جَهَرَ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَغَيْرَهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ الْمُنْفَرِدُ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَسْمَعَ نَفْسَهُ لَا غَيْرُ وَإِنْ شَاءَ أَسْمَعَ نَفْسَهُ وَغَيْرَهُ، وَهَذَا كَمَا تَرَى تَأْوِيلٌ غَيْرُ مُحْتَمَلٍ إذْ لَيْسَ فِي كَلَامِ مُحَمَّدٍ مَا يَحْتَمِلُهُ. وَقَوْلُهُ: (وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ كُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالنُّطْقِ) يَعْنِي إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ حُرٌّ وَلَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ خِلَافًا لِلْهِنْدُوَانِيِّ، وَكَذَا إذَا جَهَرَ بِهِمَا وَخَافَتْ بِالِاسْتِثْنَاءِ أَوْ الشَّرْطِ بِحَيْثُ إنَّهُ لَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ لَمْ يَقَعَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ أَصْلًا وَتَأَخَّرَا إلَى وُجُودِ الشَّرْطِ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ، وَعِنْدَ الْهِنْدُوَانِيِّ يَقَعَانِ فِي الْحَالِ، وَعَلَى هَذَا التَّسْمِيَةُ عَلَى الذَّبِيحَةِ وَوُجُوبُ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ. قَالَ (وَأَدْنَى مَا يُجْزِئُ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ) الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ إمَّا أَنْ تَكُونَ فِي الْحَضَرِ أَوْ فِي السَّفَرِ، فَإِنْ كَانَتْ فِي الْحَضَرِ فَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْجَوَازُ، وَقِسْمٌ يَخْرُجُ بِهِ عَنْ حَدِّ الْكَرَاهَةِ، وَقِسْمٌ يَدْخُلُ بِهِ فِي حَدِّ الِاسْتِحْبَابِ. وَإِنْ كَانَتْ فِي السَّفَرِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُصَلِّي فِي عَجَلَةٍ مِنْ السَّيْرِ أَوْ أَمَنَةٍ وَقَرَارٍ، وَالْحُكْمُ مَا ذَكَرْنَا خَلَا أَنَّ لِلْعَجَلَةِ تَأْثِيرًا فِي التَّخْفِيفِ (وَأَدْنَى مَا يُجْزِئُ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ) سَوَاءٌ كَانَتْ فِي الْحَضَرِ أَوْ فِي السَّفَرِ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ آيَةٌ) وَاحِدَةٌ إنْ كَانَتْ

وَقَالَا: ثَلَاثُ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٌ طَوِيلَةٌ) لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى قَارِئًا بِدُونِهِ فَأَشْبَة قِرَاءَةَ مَا دُونَ الْآيَةِ. وَلَهُ قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَلِمَتَيْنِ فَصَاعِدًا فَبِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْمَشَايِخِ، وَإِنْ كَانَتْ كَلِمَةً وَاحِدَةً كَمُدْهَامَّتَانِ أَوْ حَرْفًا وَاحِدًا كص ون وق، فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ (وَقَالَا ثَلَاثُ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٌ طَوِيلَةٌ) كَآيَةِ الْكُرْسِيِّ وَآيَةِ الْمُدَايَنَةِ (لِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يُسَمَّى قَارِئًا بِدُونِهِ) أَيْ بِدُونِ الْمَذْكُورِ مِنْ ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ (فَأَشْبَهَ) قِرَاءَتَهُ (قِرَاءَةَ مَا دُونَ الْآيَةِ) وَقِرَاءَةُ مَا دُونَ الْآيَةِ غَيْرُ مُجْزِئَةٍ فَكَذَلِكَ قِرَاءَةُ الْآيَةِ، وَحَقِيقَةُ كَلَامِهِمَا أَنَّ الْآيَةَ الْوَاحِدَةَ وَإِنْ كَانَتْ قُرْآنًا حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهُ فِي الْعُرْفِ يَنْطَلِقُ عَلَى ثَلَاثِ آيَاتٍ أَوْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ فَيُصَارُ إلَيْهِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ) بَيْنَ آيَةٍ فَمَا فَوْقَهَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْآيَةَ الْوَاحِدَةَ قُرْآنٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، أَمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا حُكْمًا

إلَّا أَنَّ مَا دُونَ الْآيَةِ خَارِجٌ وَالْآيَةُ لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهُ (وَفِي السَّفَرِ يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) وَأَيِّ سُورَةٍ شَاءَ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي سَفَرِهِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ» وَلِأَنَّ السَّفَرَ أَثَّرَ فِي إسْقَاطِ شَطْرِ الصَّلَاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلِأَنَّهَا تَحْرُمُ قِرَاءَتُهَا عَلَى الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ فَتَدْخُلُ فِي إطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَقَوْلُهُ: (إلَّا أَنَّ مَا دُونَ الْآيَةِ خَارِجٌ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] مُطْلَقَهُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ لَجَازَ بِمَا دُونَ الْآيَةِ كَمَا جَازَ بِالْآيَةِ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَتَنَاوَلُهُمَا تَنَاوُلًا وَاحِدًا، وَلَكِنْ لَمْ يَجُزْ بِمَا دُونَ الْآيَةِ فَكَذَلِكَ بِالْآيَةِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ مَا دُونَ الْآيَةِ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْإِطْلَاقِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ، وَالْكَامِلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ قُرْآنٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَمَا دُونَ الْآيَةِ وَإِنْ كَانَ قُرْآنًا حَقِيقَةً لَكِنَّهُ لَيْسَ بِقُرْآنٍ حُكْمًا حَيْثُ جَازَ قِرَاءَتُهُ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ فَلَا يَنْصَرِفُ الْمُطْلَقُ إلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ يَكُونُ قَوْلُهُ: خَارِجٌ، بِمَعْنَى لَمْ يَدْخُلْ؛ لِأَنَّهُ أَبْرَزَ الْكَلَامِ مُبْرَزَ الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ لَا الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ، وَلِهَذَا قَالَ فِيمَا تَقَدَّمَ وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَا يَجُوزُ وَلِأَنَّ التَّخْصِيصَ عِنْدَنَا لَيْسَ بِطَرِيقِ الْإِخْرَاجِ بَلْ بِطَرِيقِ أَنَّ الْمَخْصُوصَ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْجُمْلَةِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَلَهُ زِيَادَةُ تَقْرِيرٍ قَرَّرْنَاهَا فِي التَّقْرِيرِ. وَقَوْلُهُ: (وَالْآيَةُ لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهُ) أَيْ فِي مَعْنَى مَا دُونَ الْآيَةِ مُسْتَغْنًى عَنْهُ، إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَهُ لِدَفْعِ مَنْ عَسَى أَنْ يَتَوَهَّمَ أَنَّ مَا دُونَ الْآيَةِ إذَا لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْإِطْلَاقِ فَتَلْحَقُ الْآيَةُ بِهِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ الْآيَةُ لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهُ حَتَّى تَلْحَقَ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَفِي السَّفَرِ) إنَّمَا قَدَّمَ الْكَلَامَ فِي السَّفَرِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ الْعَوَارِضِ، وَهُوَ أَلْيَقُ بِالتَّأْخِيرِ، إمَّا؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ

فَلَأَنْ يُؤَثِّرَ فِي تَخْفِيفِ الْقِرَاءَةِ أَوْلَى، وَهَذَا إذَا كَانَ عَلَى عَجَلَةٍ مِنْ السَّيْرِ، وَإِنْ كَانَ فِي أَمَنَةٍ وَقَرَارٍ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ نَحْوَ سُورَةِ الْبُرُوجِ وَانْشَقَّتْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ مُرَاعَاةُ السُّنَّةِ مَعَ التَّخْفِيفِ (وَيَقْرَأُ فِي الْحَضَرِ فِي الْفَجْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِأَرْبَعِينَ آيَةً أَوْ خَمْسِينَ آيَةً سِوَى فَاتِحَةِ الْكِتَابِ) وَيُرْوَى مِنْ أَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ وَمِنْ سِتِّينَ إلَى مِائَةٍ، وَبِكُلِّ ذَلِكَ وَرَدَ الْأَثَرُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقِلَّةِ الْقِرَاءَةِ فَكَانَ أَنْسَبَ لِذِكْرِ قِرَاءَةِ الْآيَةِ الْوَاحِدَةِ، وَإِمَّا؛ لِأَنَّ شُعَبَ بَحْثِ الْحَضَرِ كَثِيرَةٌ فَأَرَادَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ بَحْثِ السَّفَرِ لِيَدْخُلَ فِي بَحْثِ الْحَضَرِ عَلَى فَرَاغٍ، وَكَلَامُ فِي السَّفَرِ ظَاهِرٌ. وَالْأَمَنَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ: هُوَ الْأَمْنُ. وَلَمَّا كَانَ السَّفَرُ مَظِنَّةَ التَّخْفِيفِ أُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ وَخُفِّفَ فِي الْقِرَاءَةِ وَإِنْ كَانَ الْمُسَافِرُ فِي حَالِ الْأَمْنِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَثَّرَ فِي إسْقَاطِ شَطْرِ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ عَلَى أَمَنَةٍ وَقَرَارٍ فَلَأَنْ يُؤَثِّرَ فِي تَخْفِيفِ الْقِرَاءَةِ أَوْلَى. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا التَّعْلِيلُ مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ فِي طَرَفِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَسْأَلَةِ الْأَرْوَاثِ فِي بَابِ الْأَنْجَاسِ حَيْثُ اسْتَدَلَّ هَاهُنَا بِوُجُودِ التَّخْفِيفِ مَرَّةً عَلَى التَّخْفِيفِ ثَانِيًا وَأَبَى ذَلِكَ هُنَاكَ. أُجِيبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ بِأَنَّ الْعَمَلَ بِتَخْفِيفِ الْقِرَاءَةِ عَمَلٌ بِالدَّلَالَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ ظَهَرَ تَأْثِيرُهُ فِي الْأَصْلِ كَانَ ظُهُورُ تَأْثِيرِهِ فِي الْوَصْفِ أَوْلَى لِكَوْنِهِ تَابِعًا لِلْأَصْلِ، بِخِلَافِ الْأَرْوَاثِ فَإِنَّ الضَّرُورَةَ عَمِلَتْ فِي صِفَةِ التَّخْفِيفِ مَرَّةٌ فَكَفَتْ مُؤْنَتُهَا بِهَا فَلَا تَعْمَلُ ثَانِيَةً. (وَيَقْرَأُ فِي الْحَضَرِ فِي الْفَجْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِأَرْبَعِينَ آيَةً أَوْ خَمْسِينَ سِوَى الْفَاتِحَةِ) وَيُرْوَى مِنْ أَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ، وَيُرْوَى مِنْ سِتِّينَ إلَى مِائَةٍ، وَبِكُلِّ ذَلِكَ وَرَدَتْ الْآثَارُ. قَالَ «مُوَرِّقٌ الْعِجْلِيُّ: تَلَقَّنْت سُورَةَ ق وَاقْتَرَبَتْ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكَثْرَةِ قِرَاءَتِهِ لَهُمَا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ» وَقِ خَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ آيَةً، وَاقْتَرَبَتْ خَمْسٌ وَخَمْسُونَ أَوْ سِتٌّ وَخَمْسُونَ آيَةً. وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ فِي الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةَ، وَهَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ، وَالْأُولَى ثَلَاثُونَ وَالثَّانِيَةُ إحْدَى وَثَلَاثُونَ» فَلَمَّا اخْتَلَفَتْ مَقَادِيرُ قِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اخْتَلَفَتْ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ فِيهَا، وَفِي لَفْظِ الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَقَادِيرَ أَيُّهَا كَانَتْ إنَّمَا تَكُونُ فِي رَكْعَتَيْنِ لَا فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى تَكُونَ عَلَى رِوَايَةِ الْأَرْبَعِينَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عِشْرُونَ.

وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ أَنَّهُ يَقْرَأُ بِالرَّاغِبِينَ مِائَةً وَبِالْكَسَالَى أَرْبَعِينَ وَبِالْأَوْسَاطِ مَا بَيْنَ خَمْسِينَ إلَى سِتِّينَ، وَقِيلَ يَنْظُرُ إلَى طُولِ اللَّيَالِي وَقِصَرِهَا وَإِلَى كَثْرَةِ الْأَشْغَالِ وَقِلَّتِهَا. قَالَ (وَفِي الظُّهْرِ مِثْلَ ذَلِكَ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي سَعَةِ الْوَقْتِ، وَقَالَ فِي الْأَصْلِ أَوْ دُونَهُ لِأَنَّهُ وَقْتُ الِاشْتِغَالِ فَيَنْقُصُ عَنْهُ تَحَرُّزًا عَنْ الْمَلَالِ (وَالْعَصْرُ وَالْعِشَاءُ سَوَاءٌ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الْمَغْرِبِ دُونَ ذَلِكَ يَقْرَأُ فِيهَا بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ كِتَابُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنْ اقْرَأْ فِي الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: (وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ) يَعْنِي بَيْنَ الرِّوَايَاتِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (وَفِي الظُّهْرِ مِثْلُ ذَلِكَ) أَيْ مِثْلُ مَا قَرَأَ فِي الْفَجْرِ (لِاسْتِوَائِهِمَا فِي سَعَةِ الْوَقْتِ) وَرُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ الم السَّجْدَةَ» . قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: «سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الظُّهْرِ فَظَنَنَّا أَنَّهُ قَرَأَ الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةَ» ، وَقَدْ رَوَيْنَا أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ {الم - تَنْزِيلُ} [السجدة: 1 - 2] السَّجْدَةَ وَفِي الثَّانِيَةِ {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ} [الإنسان: 1] فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَرَأَ فِي الظُّهْرِ مَا قَرَأَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ (وَقَالَ فِي الْأَصْلِ أَوْ دُونَهُ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الِاشْتِغَالِ فَيَنْقُصُ عَنْهُ تَحَرُّزًا عَنْ الْمَلَالِ) وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً وَهُوَ نَحْوُ سُورَةِ الْمُلْكِ» . وَقَوْلُهُ: (وَالْعَصْرُ وَالْعِشَاءُ سَوَاءٌ) يَعْنِي فِي سَعَةِ الْوَقْتِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ (يَقْرَأُ فِيهِمَا بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ) لِمَا رَوَى جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ» وَلِحَدِيثِ «مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ قَوْمَهُ شَكَوْا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَطْوِيلَ قِرَاءَتِهِ فِي الْعِشَاءِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟ أَيْنَ أَنْتَ مِنْ سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا» (وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَطِوَالِ الْمُفَصَّلِ فِي سُورَةِ الْحُجُرَاتِ إلَى سُورَةِ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ، وَالْأَوْسَاطِ مِنْهَا إلَى لَمْ يَكُنْ، وَالْقِصَارِ مِنْهَا إلَى الْآخِرِ» وَقِيلَ طِوَالُهُ مِنْ الْحُجُرَاتِ إلَى عَبَسَ،

وَلِأَنَّ مَبْنَى الْمَغْرِبِ عَلَى الْعَجَلَةِ وَالتَّخْفِيفُ أَلْيَقُ بِهَا. وَالْعَصْرُ وَالْعِشَاءُ يُسْتَحَبُّ فِيهِمَا التَّأْخِيرُ، وَقَدْ يَقَعَانِ بِالتَّطْوِيلِ فِي وَقْتٍ غَيْرِ مُسْتَحَبٍّ فَيُوَقِّتُ فِيهِمَا بِالْأَوْسَاطِ (وَيُطِيلُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى مِنْ الْفَجْرِ عَلَى الثَّانِيَةِ) إعَانَةً لِلنَّاسِ عَلَى إدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ. قَالَ (وَرَكْعَتَا الظُّهْرِ سَوَاءٌ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُطِيلَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى عَلَى غَيْرِهَا فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُطِيلُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى عَلَى غَيْرِهَا فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا» وَلَهُمَا أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ اسْتَوَيَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْقِرَاءَةِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الْمِقْدَارِ، بِخِلَافِ الْفَجْرِ لِأَنَّهُ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِطَالَةِ مِنْ حَيْثُ الثَّنَاءُ وَالتَّعَوُّذُ وَالتَّسْمِيَةُ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالزِّيَادَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَوْسَاطُهُ مِنْ كُوِّرَتْ إلَى وَالضُّحَى، وَالْقِصَارُ مِنْهُ إلَى الْآخِرِ. وَقَوْلُهُ: (وَيُطِيلُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى مِنْ الْفَجْرِ) بِهِ جَرَى التَّوَارُثُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا، وَفِيهِ إعَانَةٌ لِلنَّاسِ عَلَى إدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ وَلَا يُطِيلُ فِي غَيْرِهَا عِنْدَهُمَا. (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُطِيلَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا؛ لِمَا رَوَى) أَبُو قَتَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُطِيلُ الْقِرَاءَةَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا» . وَلَهُمَا أَنَّ رَكْعَتَيْ الصَّلَاةِ اسْتَوَيَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْقِرَاءَةِ) لِكَوْنِهَا رُكْنًا فِي الْجَمِيعِ، وَكُلُّ مَا كَانَا كَذَلِكَ يَسْتَوِيَانِ فِي الْمِقْدَارِ إلَّا بِعَارِضٍ غَيْرِ اخْتِيَارِيٍّ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْحُدُوثِ مُتَّحِدٌ وَسَبَبُ التَّفَاوُتِ غَيْرُ مَوْجُودٍ. وَقُلْنَا بِعَارِضٍ غَيْرِ اخْتِيَارِيٍّ لِيُخْرِجَ صَلَاةَ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّ تَطْوِيلَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِيهَا، وَلِئَلَّا يَرُدَّ مَا يُقَالُ فِي جَانِبِ مُحَمَّدٍ: إنَّ مَعْنَى تَطْوِيلِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ مَوْجُودٌ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، إلَّا أَنَّ الْغَفْلَةَ فِي الْفَجْرِ بِسَبَبِ النَّوْمِ وَفِي غَيْرِهِ بِاشْتِغَالِ النَّاسِ بِالْكَسْبِ؛ لِأَنَّ غَفْلَتَهُمْ تِلْكَ بِاخْتِيَارِهِمْ، بِخِلَافِ النَّوْمِ، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي التَّطْوِيلِ بِالْآيَاتِ إنْ كَانَتْ مُتَسَاوِيَةً أَوْ مُتَقَارِبَةً مِنْ حَيْثُ الْكَلِمَاتُ وَالْحُرُوفُ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُتَفَاوِتَةً مِنْ حَيْثُ ذَلِكَ فَالْمُعْتَبَرُ بِالْكَلِمَاتِ وَالْحُرُوفِ فِي مِقْدَارِ زِيَادَةِ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، فَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ الثُّلُثَ وَالثُّلُثَيْنِ بِأَنْ يَكُونَ الثُّلُثَانِ فِي الْأُولَى

وَالنُّقْصَانِ بِمَا دُونَ ثَلَاثِ آيَاتٍ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ (وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ قِرَاءَةُ سُورَةٍ بِعَيْنِهَا) بِحَيْثُ لَا تَجُوزُ بِغَيْرِهَا لِإِطْلَاقِ مَا تَلَوْنَا (وَيُكْرَهُ أَنْ يُوَقِّتَ بِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ لِشَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ) لِمَا فِيهِ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالثُّلُثُ فِي الثَّانِيَةِ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى بِثَلَاثِينَ آيَةً وَفِي الثَّانِيَةِ بِعَشْرِ آيَاتٍ أَوْ عِشْرِينَ، وَهَذَا بَيَانُ الْأَوْلَوِيَّةِ. وَأَمَّا بَيَانُ الْحُكْمِ فَالْجَوَازُ وَإِنْ كَانَ التَّفَاوُتُ فَاحِشًا بِأَنْ قَرَأَ فِي الْأُولَى بِأَرْبَعِينَ وَفِي الثَّانِيَةِ بِثَلَاثِ آيَاتٍ. وَأَمَّا إطَالَةُ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى فَمَكْرُوهٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ بِمَا دُونَ ثَلَاثِ آيَاتٍ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَالثَّانِيَةُ أَطْوَلُ بِآيَةٍ» ، وَلَمَّا قَالَ فِي الْكِتَابِ مِنْ قَوْلِهِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ وَهَذَا فِي الْفَرَائِضِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهَا فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ زِيَادَةَ إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى مَكْرُوهَةٌ، وَقِيلَ لَيْسَتْ بِمَكْرُوهَةٍ؛ لِأَنَّ أَمْرَ النَّوَافِلِ أَسْهَلُ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا جَازَتْ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ. وَقَوْلُهُ: (وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ قِرَاءَةُ سُورَةٍ بِعَيْنِهَا) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا يَتَرَاءَى أَنَّهُمَا فِي إفَادَةِ الْحُكْمِ وَاحِدٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُمَا مُتَغَايِرَانِ وَضْعًا وَبَيَانًا. أَمَّا الْوَضْعُ فَلِأَنَّ الْأُولَى مِنْ مَسَائِلِ الْقُدُورِيِّ، وَالثَّانِيَةُ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَقَدْ الْتَزَمَ الْإِتْيَانَ بِهِمَا إذَا اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَتَانِ. وَأَمَّا الْبَيَانُ فَلِأَنَّ مَعْنَى الْأُولَى لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ مُطْلَقًا تَعْيِينُ قِرَاءَةِ سُورَةٍ بِعَيْنِهَا لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِغَيْرِهَا، وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهُ عَيَّنَ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ لِجَوَازِ الصَّلَاةِ كُلِّهَا، وَقَالَ: لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِغَيْرِهَا مِنْ السُّوَرِ. قُلْنَا إنَّهُ بَاطِلٌ (لِإِطْلَاقِ مَا تَلَوْنَا) مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] لَا يُقَالُ: فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ التَّكْرَارُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ لَا تَتَعَيَّنُ رُكْنًا عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ كَانَ مِنْ لَفْظِ الْهِدَايَةِ، وَهَاهُنَا ذَكَرَ أَنَّهُ مِنْ لَفْظِ الْقُدُورِيِّ، وَمَعْنَى الثَّانِيَةِ يُكْرَهُ أَنْ يُعَيِّنَ الْمُصَلِّي شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ مِثْلَ الم السَّجْدَةَ وَ {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ} [الإنسان: 1] لِشَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ كَالْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِغَيْرِهَا، وَهُوَ أَيْضًا احْتِرَازٌ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ: يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَؤُهُمَا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ» فَكَيْفَ يَكُونُ مَكْرُوهًا، وَقُلْنَا إنَّ فِي ذَلِكَ هَجْرَ الْبَاقِي وَإِيهَامَ التَّفْضِيلِ بِلَا دَلِيلٍ، وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان: 30] شَكَا الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْمَهُ قُرَيْشًا إلَى رَبِّهِ بِاِتِّخَاذِهِمْ الْقُرْآنَ مَهْجُورًا وَهُوَ يُوجِبُ الْحُرْمَةَ لَوْلَا رِوَايَةُ الْجَوَازِ بِغَيْرِهَا فَمَعَهَا يَكُونُ مَكْرُوهًا. لَا يُقَالُ: لَيْسَ فِي ذَلِكَ هَجْرٌ، وَإِنَّمَا هُوَ تَفْضِيلٌ بِدَلِيلٍ، وَهُوَ مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ لِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِمَا رَوَى جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ

هَجْرِ الْبَاقِي وَإِيهَامِ التَّفْضِيلِ (وَلَا يَقْرَأُ الْمُؤْتَمُّ خَلْفَ الْإِمَامِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَاتِحَةِ. لَهُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ مِنْ الْأَرْكَانِ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ» ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ ق» وَبِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَقَامَ بِتَبُوكَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ الْفَاتِحَةَ، وَإِذَا زُلْزِلَتْ» فَعُلِمَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا وَاظَبَ عَلَى ذَلِكَ، فَفِي اسْتِحْبَابِ الْمُوَاظَبَةِ مُخَالَفَةٌ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَحَمْلٌ لِصَلَاتِهِ عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَحَبِّ، وَلَا كَرَاهَةَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ. نِعْمَ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ أَحْيَانًا كَمَا فَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قُلْنَا بِاسْتِحْبَابِهِ لِتَبَرُّكِهِ بِقِرَاءَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَلَا يَقْرَأُ الْمُؤْتَمُّ خَلْفَ الْإِمَامِ) سَوَاءٌ كَانَ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ

وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ غَيْرِهَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي الْفَاتِحَةِ فَإِنَّهُ يَقُولُ: يَجِبُ عَلَيْهِ قِرَاءَتُهَا فِي الصَّلَاةِ السِّرِّيَّةِ وَفِي الرَّكَعَاتِ الَّتِي لَا جَهْرَ فِيهَا، وَكَذَا فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِهِ: قَالَ أَصْحَابُهُ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنْ يَسْكُتَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ الْمُقْتَدِي الْفَاتِحَةَ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ مِنْ الْأَرْكَانِ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَرْكَانِ. وَلَنَا قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ» حَدَّثَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ مُوسَى ابْنِ عَائِشَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. لَا يُقَالُ: هَذَا الْحَدِيثُ مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ» فَيَسْلَمُ اسْتِدْلَالُهُ بِالْقِيَاسِ سَالِمًا.؛ لِأَنَّا نَقُولُ. بِالْمُوجِبِ: أَيْ سَلَّمْنَا أَنْ لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ، وَلَكِنْ لَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ قِرَاءَةٌ لَهُ أَوْ لَا، وَحَدِيثُهُمْ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ، وَحَدِيثُنَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِهِ فَعَمِلْنَا بِهِ حَذَرًا عَنْ الْإِلْغَاءِ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَهُمْ فِي الِاسْتِدْلَالِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي ذِكْرِهِ. وَقَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ) قِيلَ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إجْمَاعُ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ ثَمَانِينَ نَفَرًا مِنْ كِبَارِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّحَابَة مَنْعَ الْمُقْتَدِي عَنْ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: أَدْرَكْت سَبْعِينَ بَدْرِيًّا كُلُّهُمْ يَمْنَعُونَ الْمُقْتَدِي عَنْ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمِقْدَارَ لَيْسَ أَكْثَرَ الصَّحَابَةِ، وَأَيْضًا الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّ خِلَافَ الْوَاحِدِ كَخِلَافِ الْأَكْثَرِ. وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ إجْمَاعُ مُجْتَهِدِي الصَّحَابَةِ وَكِبَارِهِمْ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ عَشَرَةٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَوْنَ عَنْ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ أَشَدَّ النَّهْيِ: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَعَبْدُ اللَّهُ بْنُ عُمَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رُجُوعُ الْمُخَالِفِ ثَابِتًا فَيَتِمُّ الْإِجْمَاعُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَوْ ثَبَتَ نَهْيُ الْعَشَرَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلَمْ يَثْبُتْ رَدُّ أَحَدٍ عَلَيْهِمْ عِنْدَ تَوَفُّرِ

وَهُوَ رُكْنٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، لَكِنَّ حَظَّ الْمُقْتَدِي الْإِنْصَاتُ وَالِاسْتِمَاعُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَإِذَا قَرَأَ الْإِمَامُ فَأَنْصِتُوا» وَيُسْتَحْسَنُ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ فِيمَا يُرْوَى عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَيُكْرَهُ عِنْدَهُمَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّحَابَةِ كَانَ إجْمَاعًا سُكُوتِيًّا. وَقَوْلُهُ: (وَهُوَ رُكْنٌ مُشْتَرَكٌ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ الْقِرَاءَةُ رُكْنٌ. وَتَقْرِيرُهُ: سَلَّمْنَا أَنَّهُ رُكْنٌ مُشْتَرَكٌ (بَيْنَهُمَا) لَكِنْ حَظُّ الْمُقْتَدِي (مِنْهُمَا الِاسْتِمَاعُ وَالْإِنْصَاتُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْعَبَّاسِ «أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَءُوا خَلْفَهُ فَخَلَطُوا عَلَيْهِ الْقِرَاءَةَ فَنَزَلَتْ» . وَلِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا» الْحَدِيثَ. وَقَوْلُهُ: (وَيُسْتَحْسَنُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ فِيمَا يُرْوَى عَنْ مُحَمَّدٍ) لِمَا رَوَى مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ (وَيُكْرَهُ عِنْدَهُمَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ) وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «مَنْ قَرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ فَفِي فِيهِ جَمْرَةٌ» وَقَالَ: وَقَدْ أَخْطَأَ السُّنَّةَ. وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ مَا رُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ قَرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ. وَمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لَيْتَ فِي فَمِ الَّذِي يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ حَجَرًا وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَلَا

(وَيَسْتَمِعُ وَيُنْصِتُ وَإِنْ قَرَأَ الْإِمَامُ آيَةَ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ) لِأَنَّ الِاسْتِمَاعَ وَالْإِنْصَاتَ فَرْضٌ بِالنَّصِّ، وَالْقِرَاءَةُ وَسُؤَالُ الْجَنَّةِ وَالتَّعَوُّذُ مِنْ النَّارِ كُلُّ ذَلِكَ مُخِلٌّ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُنَافَاةَ فِي ذَلِكَ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْكُلُّ مُرَادًا. وَقَوْلُهُ: (وَيَسْتَمِعُ وَيُنْصِتُ وَإِنْ قَرَأَ الْإِمَامُ آيَةَ التَّرْغِيبِ) أَيْ إلَى الْجَنَّةِ (وَالتَّرْهِيبِ) أَيْ مِنْ النَّارِ، وَدَلِيلُهُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ ظَاهِرٌ، وَهَلْ يَسْأَلُ وَيَتَعَوَّذُ الْإِمَامُ أَوْ الْمُنْفَرِدُ أَوْ لَا؟ لَمْ يَذْكُرْهُ هَاهُنَا، فَأَمَّا الْإِمَامُ فَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ لَا فِي الْفَرْضِ وَلَا فِي النَّفْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ؛ وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَطْوِيلِ الصَّلَاةِ عَلَى الْقَوْمِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَكَذَلِكَ الْمُنْفَرِدُ إذَا كَانَ فِي الْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْمَنْقُولِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي التَّطَوُّعِ فَهُوَ حَسَنٌ لِحَدِيثِ «حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ اللَّيْلِ فَمَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ إلَّا وَقَفَ وَسَأَلَ اللَّهَ

وَكَذَلِكَ فِي الْخُطْبَةِ، (وَكَذَلِكَ إنْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) لِفَرْضِيَّةِ الِاسْتِمَاعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجَنَّةَ، وَمَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ النَّارِ إلَّا وَقَفَ وَتَعَوَّذَ بِاَللَّهِ مِنْ النَّارِ» (وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْخَطِيبُ فِي الْخُطْبَةِ) يَسْتَمِعُ الْقَوْمُ وَيُنْصِتُوا؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ أَنْصِتْ فَقَدْ لَغَا، وَمَنْ لَغَا فَلَا صَلَاةَ لَهُ» وَكَذَلِكَ إنْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَمِعُونَ وَيُنْصِتُونَ. سَأَلَ أَبُو يُوسُفَ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ هَلْ يَذْكُرُونَ وَيُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَسْتَمِعُوا وَيُنْصِتُوا، وَلَمْ يَقُلْ لَا يَذْكُرُونَ وَلَا يُصَلُّونَ فَقَدْ أَحْسَنَ فِي الْعِبَارَةِ وَاحْتَشَمَ مِنْ أَنْ يَقُولَ لَا يَذْكُرُونَ لَا يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنَّمَا كَانَ الِاسْتِمَاعُ وَالْإِنْصَاتُ أَحَبَّ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ وَالصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ

[باب الإمامة]

إلَّا أَنْ يَقْرَأَ الْخَطِيبُ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: 56] الْآيَةَ، فَيُصَلِّي السَّامِعُ فِي نَفْسِهِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الثَّانِي عَنْ الْمِنْبَرِ، وَالْأَحْوَطُ هُوَ السُّكُوتُ إقَامَةً لِفَرْضِ الْإِنْصَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَيْسَ بِفَرْضٍ، وَاسْتِمَاعُ الْخُطْبَةِ فَرْضٌ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْفَرْضِ لِإِقَامَةِ مَا لَيْسَ بِفَرْضٍ. وَقَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَقْرَأَ الْخَطِيبُ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَكَذَلِكَ إنْ صَلَّى: يَعْنِي إذَا قَرَأَ الْخَطِيبُ (قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] يُصَلِّي السَّامِعُ فِي نَفْسِهِ) ؛ لِأَنَّ الْخَطِيبَ حَكَى عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ يُصَلِّي وَعَنْ الْمَلَائِكَةِ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ، وَحَكَى أَمْرَ اللَّهِ بِذَلِكَ وَهُوَ قَدْ اشْتَغَلَ بِذَلِكَ فَكَانَ عَلَى الْقَوْمِ أَنْ يَشْتَغِلُوا بِالصَّلَاةِ تَحْقِيقًا لِمَا طُلِبَ مِنْهُمْ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهَذَا إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْمِنْبَرِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ نَائِيًا عَنْهُ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ أَوْلَى أَمْ الْإِنْصَاتُ. رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّهُ قَالَ: الْإِنْصَاتُ أَوْلَى وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ، وَقَدْ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ شَيْئَانِ: الِاسْتِمَاعُ، وَالْإِنْصَاتُ، فَإِذَا تَهَيَّأَ لَهُ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا عَمِلَ امْتِثَالًا لِلْأَمْرِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَوْلَى، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَضْلِيِّ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِنْصَاتِ إنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ الِاسْتِمَاعِ لِلتَّدَبُّرِ، وَحَيْثُ فَاتَ ذَلِكَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ إحْرَازًا لِثَوَابِهِ. [بَابُ الْإِمَامَةِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ أَفْعَالِ الْإِمَامِ مِنْ بَيَانِ وُجُوبِ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ وَمِنْ تَقْدِيرِ الْقِرَاءَةِ بِمَا هُوَ سُنَّةُ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ وَذَكَرَ أَفْعَالَ الْمُقْتَدِي مِنْ وُجُوبِ الِاسْتِمَاعِ وَالْإِنْصَاتِ أَتْبَعَهُ ذِكْرَ صِفَةِ شَرْعِيَّةِ الْإِمَامَةِ بِأَنَّهَا عَلَى أَيِّ صِفَةٍ هِيَ مِنْ الْمَشْرُوعَاتِ فَذَكَرَ مَنْ يَصْلُحُ لَهَا وَمَا يَتْلُوهَا مِنْ خَوَاصِّ الْإِمَامَةِ فَقَالَ (الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) أَيْ قَوِيَّةٌ تُشْبِهُ

«الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ» ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَاجِبَ فِي الْقُوَّةِ حَتَّى اسْتَدَلَّ بِمُعَاهَدَتِهَا عَلَى وُجُودِ الْإِيمَانِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَشْرُوعَاتِ وَهِيَ الَّتِي يُسَمِّيهَا الْفُقَهَاءُ سُنَّةَ الْهُدَى: أَيْ أَخْذُهَا هُدًى وَتَرْكُهَا ضَلَالَةٌ، وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْجَمَاعَةُ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ» وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمُنَافِقِ الْمُنَافِقُ الْمُصْطَلَحُ وَهُوَ الَّذِي يُبْطِنُ الْكُفْرَ وَيُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَإِلَّا لَكَانَتْ الْجَمَاعَةُ فَرِيضَةً؛ لِأَنَّ الْمُنَافِقَ كَافِرٌ وَلَا يَثْبُتُ الْكُفْرُ بِتَرْكِ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ، وَكَانَ آخِرُ الْكَلَامِ مُنَاقِضًا لِأَوَّلِهِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ الْعَاصِيَ، وَالْجَمَاعَةُ مِنْ خَصَائِصِ الدِّينِ فَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ مَشْرُوعَةً فِي دِينٍ مِنْ الْأَدْيَانِ، وَلَا صِحَّةَ لِقَوْلِ مَنْ يَجْعَلُهَا فَرْضَ عَيْنٍ كَأَحْمَدَ وَبَعْضٍ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَيَقُولُ لَوْ صَلَّى وَحْدَهُ لَمْ يَجُزْ، وَلَا لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّمَا فَرْضُ كِفَايَةٍ كَأَكْثَرِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَالْكَرْخِيِّ وَالطَّحَاوِيِّ؛ لِأَنَّهُمْ يَسْتَدِلُّونَ بِآيَةٍ مُؤَوَّلَةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43]

(وَأَوْلَى النَّاسِ بِالْإِمَامَةِ أَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَقْرَؤُهُمْ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ لَا بُدَّ مِنْهَا، وَالْحَاجَةُ إلَى الْعِلْمِ إذَا نَابَتْ نَائِبَةٌ، وَنَحْنُ نَقُولُ الْقِرَاءَةُ مُفْتَقَرٌ إلَيْهَا لِرُكْنٍ وَاحِدٍ وَالْعِلْمُ لِسَائِرِ الْأَرْكَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ بِخَبَرِ وَاحِدٍ وَذَلِكَ لَا يُفِيدُ الْفَرْضِيَّةَ. (قَوْلُهُ: وَأَوْلَى النَّاسِ بِالْإِمَامَةِ أَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ) أَيْ بِالْفِقْهِ وَالشَّرِيعَةِ إذَا كَانَ يُحْسِنُ مِنْ الْقِرَاءَةِ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ) أَنَّ أُولَاهُمْ بِهَا (أَقْرَؤُهُمْ) لِكِتَابِ اللَّهِ: أَيْ أَعْلَمُهُمْ بِالْقِرَاءَةِ وَكَيْفِيَّةِ أَدَاءِ حُرُوفِهَا وَوُقُوفِهَا (؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ) رُكْنٌ فِي الصَّلَاةِ (لَا بُدَّ مِنْهَا وَالْحَاجَةُ إلَى الْعِلْمِ) إنَّمَا تَكُونُ (إذَا نَابَتْ نَائِبَةٌ) أَيْ عَرَضَ عَارِضٌ مُفْسِدٌ لِيُمْكِنَهُ إصْلَاحُ صَلَاتِهِ وَقَدْ يَعْرِضُ وَقَدْ لَا يَعْرِضُ (وَنَحْنُ نَقُولُ الْقِرَاءَةُ مُفْتَقَرٌ إلَيْهَا لِرُكْنٍ وَاحِدٍ وَالْعِلْمُ) مُحْتَاجٌ إلَيْهِ (لِسَائِرِ الْأَرْكَانِ) وَالْخَطَأُ الْمُفْسِدُ لِلصَّلَاةِ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْعِلْمِ وَالْمُصْلِحُ لَهَا كَذَلِكَ

(فَإِنْ تَسَاوَوْا فَأَقْرَؤُهُمْ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. فَإِنْ كَانُوا سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَإِنْ تَسَاوَوْا) يَعْنِي فِي الْعِلْمِ بِالسُّنَّةِ (فَأَقْرَؤُهُمْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ» ) وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ ظَاهِرٌ. وَاعْتُرِضَ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَؤُمُّ الْقَوْمَ» بِمَعْنَى الْأَمْرِ، وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، فَيَكُونُ التَّرْتِيبُ الْوَاقِعُ فِي الْحَدِيثِ وَاجِبَ الرِّعَايَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُرَادُ مَا وَقَعَ فِي ظَاهِرِهِ مِنْ تَقْدِيمِ الْأَقْرَإِ، أَوْ مَا وَقَعَ فِي الْكِتَابِ مِنْ تَقْدِيمِ الْأَعْلَمِ بِالسُّنَّةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ التَّرْتِيبَ الْمَذْكُورَ لِلْأَفْضَلِيَّةِ دُونَ الْجَوَازِ. وَالثَّانِي أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ عَلَى خِلَافِ الْمُدَّعَى، فَإِنَّ الْمُدَّعَى تَقْدِيمُ الْأَعْلَمِ بِالسُّنَّةِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَقْرَإِ لِكِتَابِ اللَّهِ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْنَى الْأَمْرِ بَلْ هُوَ صِيغَةُ إخْبَارٍ لِبَيَانِ الْمَشْرُوعِيَّةِ، وَهُوَ

وَأَقْرَؤُهُمْ كَانَ أَعْلَمَهُمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَلَقَّوْنَهُ بِأَحْكَامِهِ فَقُدِّمَ فِي الْحَدِيثِ، وَلَا كَذَلِكَ فِي زَمَانِنَا فَقَدَّمْنَا الْأَعْلَمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَقِيقَةٌ فَلَا يُصَارُ إلَى الْمَجَازِ مَعَ إمْكَانِ الْعَمَلِ بِهَا، سَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّهُ لِلِاسْتِحْبَابِ بِالْإِجْمَاعِ (وَ) عَنْ الثَّانِي بِأَنَّ (أَقْرَأَهُمْ كَانَ أَعْلَمَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَلَقَّوْنَهُ بِأَحْكَامٍ) عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ حَفِظَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فِي ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً (فَقُدِّمَ فِي الْحَدِيثِ وَلَا كَذَلِكَ فِي زَمَانِنَا) لَا يُقَالُ: هَذَا يُفْضِي إلَى التَّكْرَارِ إذْ يَئُولُ مَعْنَى الْحَدِيثِ إلَى يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَعْلَمُهُمْ، فَإِنْ تَسَاوَوْا فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ؛؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَقْرَؤُهُمْ: أَيْ أَعْلَمُهُمْ بِأَحْكَامِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى دُونَ السُّنَّةِ. وَقَوْلُهُ: أَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ: أَيْ أَعْلَمُهُمْ بِأَحْكَامِ كِتَابِ اللَّهِ وَالسُّنَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: فَإِنْ تَسَاوَوْا فِي الْعِلْمِ بِأَحْكَامِ كِتَابِ اللَّهِ فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ أَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ هُوَ أَعْلَمُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَالسُّنَّةِ، فَكَانَ الْأَعْلَمُ الثَّانِي غَيْرَ الْأَعْلَمِ الْأَوَّلِ. وَقَوْلُهُ:

(فَإِنْ تَسَاوَوْا فَأَوْرَعُهُمْ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَلَّى خَلْفَ عَالَمٍ تَقِيٍّ فَكَأَنَّمَا صَلَّى خَلْفَ نَبِيٍّ» فَإِنْ تَسَاوَوْا فَأَسَنُّهُمْ " لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِابْنَيْ أَبِي مُلَيْكَةَ «وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا سِنًّا» وَلِأَنَّ فِي تَقْدِيمِهِ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ تَسَاوَوْا: فَأَوْرَعُهُمْ) لَيْسَ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ فِي تَرْتِيبِ الْإِمَامَةِ إنَّمَا فِي الْحَدِيثِ بَعْدَ ذِكْرِ الْأَعْلَمِ ذِكْرُ أَقْدَمِهِمْ هِجْرَةً لَكِنَّ أَصْحَابَنَا جَعَلُوا مَكَانَ الْهِجْرَةِ الْوَرَعَ وَالصَّلَاحَ؛ لِأَنَّ الْهِجْرَةَ كَانَتْ مُنْقَطِعَةً فِي زَمَانِهِمْ، فَجَعَلُوا الْهِجْرَةَ عَنْ الْمَعَاصِي مَكَانَ تِلْكَ الْهِجْرَةِ، وَالْوَرَعُ: الِاجْتِنَابُ عَنْ الشُّبُهَاتِ، وَالتَّقْوَى: الِاجْتِنَابُ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ (فَإِنْ تَسَاوَوْا فَأَسَنُّهُمْ) ظَاهِرٌ، وَلَمْ يَذْكُر وَإِنْ تَسَاوَوْا فِي السِّنِّ وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَحْسَنَهُمْ خُلُقًا ثُمَّ أَصْبَحَهُمْ وَجْهًا، وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ فِي التَّقْدِيمِ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ الْقَوْمِ قِرَاءَةً وَعِلْمًا وَصَلَاحًا وَنَسَبًا وَخُلُقًا وَخَلْقًا اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ

(وَيُكْرَهُ تَقْدِيمُ الْعَبْدِ) لِأَنَّهُ لَا يَتَفَرَّغُ لِلتَّعَلُّمِ (وَالْأَعْرَابِيِّ) لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِمْ الْجَهْلُ (وَالْفَاسِقِ) لِأَنَّهُ لَا يُتَّهَمُ لِأَمْرِ دِينِهِ (وَالْأَعْمَى) لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّى النَّجَاسَةَ (وَوَلَدِ الزِّنَا) لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ هُوَ الْإِمَامَ فِي حَيَاتِهِ لِسَبْقِهِ سَائِرَ الْبَشَرِ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ ثُمَّ أَمَّهُمْ الْأَفْضَلُ فَالْأَفْضَلُ. قَالَ (وَيُكْرَهُ تَقْدِيمُ الْعَبْدِ) الْعَبْدُ لَا يَتَفَرَّغُ لِتَعَلُّمِ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ فَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَتَرَجَّحُ الْحُرُّ عَلَيْهِ إذَا تَسَاوَيَا فِي الْقِرَاءَةِ وَالْعِلْمِ وَالْوَرَعِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَلَوْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ أَجْدَعُ» وَالْجَوَابُ أَنَّ تَقْدِيمَهُ يُؤَدِّي إلَى تَقْلِيلِ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَسْتَنْكِفُونَ عَنْ مُتَابَعَتِهِ وَمَا يُؤَدِّي إلَيْهِ مَكْرُوهٌ، وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الْإِمَارَةُ (وَ) يُكْرَهُ تَقْدِيمُ (الْأَعْرَابِيِّ لِغَلَبَةِ الْجَهْلِ فِيهِمْ وَالْفَاسِقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَهْتَمُّ بِأَمْرِ دِينِهِ) وَقَالَ مَالِكٌ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ مِنْهُ الْخِيَانَةُ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ لَا يُؤْتَمَنُ فِي أَهَمِّ الْأُمُورِ. وَقُلْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ صَلَّوْا خَلْفَ الْحَجَّاجِ وَكَانَ أَفْسَقَ أَهْلِ زَمَانِهِ (وَالْأَعْمَى) لِمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ (وَوَلَدِ الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ

لَيْسَ لَهُ أَبٌ يُثَقِّفُهُ فَيَغْلِبَ عَلَيْهِ الْجَهْلُ، وَلِأَنَّ فِي تَقْدِيمِ هَؤُلَاءِ تَنْفِيرَ الْجَمَاعَةِ فَيُكْرَهَ (وَإِنْ تَقَدَّمُوا جَازَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَّوْا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ» . (وَلَا يُطَوِّلُ الْإِمَامُ بِهِمْ الصَّلَاةَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَمَّ قَوْمًا فَلِيُصَلِّ بِهِمْ صَلَاةَ أَضْعَفِهِمْ، فَإِنَّ فِيهِمْ الْمَرِيضَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْسَ لَهُ أَبٌ يُثَقِّفُهُ) أَيْ يُؤَدِّبُهُ وَيُعَلِّمُهُ (وَإِنْ تَقَدَّمُوا) وَصَلَّوْا (جَازَتْ) الصَّلَاةُ (لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ» ) وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مَنْ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ إمَّا أَنْ يَكُونَ بَرًّا أَوْ فَاجِرًا، فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ. (وَلَا يُطَوِّلُ الْإِمَامُ بِهِمْ) أَيْ بِالْقَوْمِ (الصَّلَاةَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَمَّ قَوْمًا» ) الْحَدِيثَ، وَحَدِيثُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ شَكَا قَوْمُهُ تَطْوِيلَ قِرَاءَتِهِ مَعْرُوفٌ، وَصَحَّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَرَأَ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمًا، فَلَمَّا فَرَغَ قَالُوا أَوْجَزْت، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: سَمِعْت بُكَاءَ صَبِيٍّ

(وَيُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ وَحْدَهُنَّ الْجَمَاعَةُ) لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ ارْتِكَابِ مُحَرَّمٍ، وَهُوَ قِيَامُ الْإِمَامِ وَسَطَ الصَّفِّ فَيُكْرَهَ كَالْعُرَاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَخَشِيتُ عَلَى أُمِّهِ أَنْ تُفْتَتَنَ» وَذَلِكَ أَوْضَحُ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُرَاعِيَ حَالَ قَوْمِهِ. (وَيُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ أَنْ يُصَلِّينَ جَمَاعَةً؛ لِأَنَّهُنَّ فِي ذَلِكَ لَا يَخْلُونَ عَنْ ارْتِكَابِ مُحَرَّمٍ) أَيْ مَكْرُوهٍ؛ لِأَنَّ إمَامَتَهُنَّ إمَّا أَنْ تَتَقَدَّمَ عَلَى الْقَوْمِ أَوْ تَقِفُ وَسَطَهُنَّ، وَفِي الْأَوَّلِ زِيَادَةُ الْكَشْفِ وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ، وَفِي الثَّانِي تَرْكُ الْإِمَامِ مَقَامَهُ وَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَالْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ وَتَرْكُ مَا هُوَ سُنَّةٌ أَوْلَى مِنْ ارْتِكَابِ مَكْرُوهٍ، وَصَارَ حَالُهُنَّ كَحَالِ الْعُرَاةِ فِي أَنَّهُمْ إذَا أَرَادُوا الصَّلَاةَ بِجَمَاعَةٍ وَقَفَ الْإِمَامُ وَسَطَهُمْ لِئَلَّا يَقَعَ بَصَرُهُمْ عَلَى عَوْرَتِهِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ تُتْرَكُ السُّنَّةُ لِأَجْلِهِ، وَفِي أَنَّ الْأَفْضَلَ لِكُلٍّ مِنْ النِّسَاءِ وَالْعُرَاةِ أَنْ يُصَلِّيَ وَحْدَهُ،

(فَإِنْ فَعَلْنَ قَامَتْ الْإِمَامُ وَسَطَهُنَّ) لِأَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَعَلَتْ كَذَلِكَ، وَحُمِلَ فِعْلُهَا الْجَمَاعَةَ عَلَى ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQخَلَا أَنَّ الْعُرَاةَ يُصَلِّي كُلٌّ مِنْهُمْ مُنْفَرِدًا قَاعِدًا بِإِيمَاءٍ دُونَ النِّسَاءِ. وَقَوْلُهُ: (فَإِنْ فَعَلْنَ) أَيْ صَلَّيْنَ بِجَمَاعَةٍ (قَامَتْ الْإِمَامُ وَسَطَهُنَّ) لِمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ الْأَثَرِ وَالْمَعْقُولِ. فَإِنْ قِيلَ: تَعَارَضْت هَاهُنَا حُرْمَتَانِ زِيَادَةُ الْكَشْفِ فِي التَّقَدُّمِ وَتَرْكُ مَقَامِ الْإِمَامِ بِالتَّوَسُّطِ فَلِمَ رَجَّحْت رِعَايَةُ جَانِبِ الْكَشْفِ عَلَى جَانِبِ تَرْكِ الْمَقَامِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْكَشْفِ فَرْضٌ، وَالِاحْتِرَازُ عَنْ تَرْكِ مَقَامِ الْإِمَامِ سُنَّةٌ، وَالْفَرْضُ مُرَجَّحٌ لَا مَحَالَةَ. وَقَوْلُهُ: (وَحُمِلَ فِعْلُهَا الْجَمَاعَةَ عَلَى ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إذَا كَانَتْ إمَامَتُهُنَّ مَكْرُوهَةً فَكَيْفَ فَعَلَتْ عَائِشَةُ. وَوَجْهُهُ أَنَّهَا فَعَلَتْ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ وَكَانَتْ جَائِزَةً سُنَّةً تَقِفُ الْإِمَامُ وَسَطَهُنَّ فَنُسِخَتْ سُنِّيَّتُهَا دُونَ الْجَوَازِ، فَإِنَّهُنَّ لَوْ صَلَّيْنَ جَمَاعَةً جَازَتْ بِالْإِجْمَاعِ تَقَدَّمَتْ الْإِمَامُ أَوْ تَوَسَّطَتْ لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ الْجَوَازِ، وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ التَّوَسُّطُ لِرُجْحَانِ جَانِبِ السَّتْرِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَهَاهُنَا بَحْثٌ مِنْ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَامَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً ثُمَّ تَزَوَّجَ عَائِشَةَ بِالْمَدِينَةِ فَبِكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُ: حُمِلَ فِعْلُهَا الْجَمَاعَةَ عَلَى ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ. الثَّانِي أَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَنَا أَنَّ انْتِفَاءَ صِفَةِ الْوُجُوبِ تَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ صِفَةِ الْجَوَازِ كَمَا عُرِفَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالسُّنَّةِ فِي ذَلِكَ لِوُجُودِ الْمُوجِبِ فِيهَا كَوُجُودِهِ فِيهِ وَهُوَ وَاضِحٌ لِلْمُزَاوِلَيْنِ فِي عِلْمٍ آخَرَ، وَقَدْ قَرَّرْنَا طَرِيقَ ذَلِكَ فِي التَّقْرِيرِ، فَإِذَا نُسِخَتْ السُّنِّيَّةُ نُسِخَ الْجَوَازُ وَالِاسْتِدْلَالُ بِالْمَنْسُوخِ غَيْرُ صَحِيحٍ. وَالثَّالِثُ أَنَّ إمَامَتَهُنَّ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ، وَارْتِكَابُ أَحَدِ الْمُحَرَّمَيْنِ فِيهَا مَوْجُودٌ. وَالرَّابِعُ أَنَّ التَّعْلِيلَ بِزِيَادَةِ الْكَشْفِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِبَقَاءِ الْحُكْمِ بِدُونِهَا، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ لَبِسَتْ ثَوْبًا حَشْوًا مِنْ قَرْنِهَا إلَى قَدَمِهَا وَأَمَّتْ النِّسَاءَ خَاصَّةً وَلَا رَجُلَ ثَمَّةَ فَإِنَّهُ لَا كَشْفَ هُنَاكَ: أَصْلًا فَضْلًا عَنْ الزِّيَادَةِ،

وَلِأَنَّ فِي التَّقَدُّمِ زِيَادَةَ الْكَشْفِ. (وَمَنْ صَلَّى مَعَ وَاحِدٍ أَقَامَهُ عَنْ يَمِينِهِ) لِحَدِيثِ «ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، فَإِنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَقَدُّمُهَا مَكْرُوهٌ وَبَقَاءُ الْحُكْمِ بِدُونِ الْعِلَّةِ غَيْرُ صَحِيحٍ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ مَا قَبْلَ النَّسْخِ، فَإِنَّهُ ابْتِدَاءٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا بَعْدَهُ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْجَوَازَ الْبَاقِيَ جَوَازٌ فِي ضِمْنِ الْكَرَاهَةِ، وَاَلَّذِي كَانَ فِي ضِمْنِ السُّنَّةِ نُسِخَ مَعَهَا، وَالِاسْتِدْلَالُ بِفِعْلِهَا لِبَيَانِ أَنَّهَا كَانَتْ سُنَّةً وَنُسِخَتْ، وَإِنَّمَا جُوِّزَتْ فِي زَمَانِنَا بِمُقْتَضَى الْجَوَازِ الَّذِي كَانَ مِنْ اسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِهِ وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهِ مَعَ مَا يُوجِبُ كَرَاهَتَهُ مِنْ ارْتِكَابِهِ الْمُحَرَّمَ. وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّ تَرْكَهُنَّ الْجَمَاعَةَ إنَّمَا كَانَ لِاجْتِمَاعِ السُّنَّةِ مَعَ الْكَرَاهَةِ فَتُرِكَتْ السُّنَّةُ لِأَجْلِ الْكَرَاهَةِ، وَفِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ اجْتِمَاعُ الْفَرْضِ مَعَ الْكَرَاهَةِ فَقَدْ اُبْتُلِينَ بِتَرْكِ الْفَرْضِ تَحَرُّزًا عَنْ ارْتِكَابِ الْمَكْرُوهِ أَوْ إقَامَتِهِ مَعَ ارْتِكَابِهِ، وَإِقَامَتِهِ مَعَ ارْتِكَابِهِ أَوْلَى وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُنَّ إنْ صَلَّيْنَ جَمَاعَةً وَقَامَتْ الْإِمَامَةُ وَسَطَهُنَّ أَقَمْنَ فَرْضًا لِكَوْنِ الصَّلَاةِ فَرْضًا عَلَى الْكُلِّ وَارْتَكَبْنَ مَكْرُوهًا: وَإِنْ صَلَّيْنَ فُرَادَى تَرَكْنَ الْمَكْرُوهَ لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ يُؤَدِّي إلَى فَوَاتِ الصَّلَاةِ عَنْ بَعْضِهِنَّ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ يَسْقُطُ بِأَدَاءِ الْوَاحِدَةِ، وَقَدْ يَتَّفِقُ فَرَاغُ وَاحِدَةٍ قَبْلَ الْبَاقِيَاتِ فَتَكُونُ الصَّلَاةُ مِنْ الْبَاقِيَاتِ نَفْلًا وَالتَّنَفُّلُ بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ. وَعَنْ الرَّابِعِ بِأَنَّ ذَلِكَ نَادِرٌ وَلَا حُكْمَ لَهُ عَلَى أَنَّ تَرْكَ التَّقَدُّمِ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ وَالتَّعْلِيلُ لِإِيضَاحِهَا. قَالَ (وَمَنْ صَلَّى مَعَ وَاحِدٍ أَقَامَهُ عَنْ يَمِينِهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ) وَهُوَ مَا قَالَ «بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ لِأُرَاقِبَ صَلَاةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى بِهِ وَأَقَامَهُ عَنْ يَمِينِهِ» وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْ الْإِمَامِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَضَعُ أَصَابِعَهُ عِنْدَ عَقِبِ الْإِمَامِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ، فَإِنْ صَلَّى خَلْفَهُ أَوْ فِي يَسَارِهِ جَازَ وَهُوَ مُسِيءٌ لِأَنَّهُ خَالَفَ السُّنَّةَ (وَإِنْ أَمَّ اثْنَيْنِ تَقَدَّمَ عَلَيْهِمَا) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَتَوَسَّطُهُمَا، وَنَقَلَ ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQبِاللَّيْلِ، فَانْتَبَهَ فَقَالَ: نَامَتْ الْعُيُونُ وَغَارَتْ النُّجُومُ وَبَقِيَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، ثُمَّ قَرَأَ آخِرَ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [آل عمران: 190] إلَى آخِرِهَا، ثُمَّ قَامَ إلَى شَنٍّ مُعَلَّقٍ فَتَوَضَّأَ وَافْتَتَحَ، فَقُمْت وَتَوَضَّأْت وَوَقَفْت عَلَى يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِأُذُنِي وَأَدَارَنِي خَلْفَهُ حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ» وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ «فَقُمْت خَلْفَهُ فَأَخَذَ ذُؤَابَتِي وَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَعُدْت إلَى مَكَانِي فَأَعَادَنِي ثَانِيًا وَثَالِثًا، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: مَا مَنَعَك يَا غُلَامُ أَنْ تَثْبُتَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَوْقَفْتُك؟ فَقُلْت: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُسَاوِيَك فِي الْمَوْقِفِ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ» فَإِعَادَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْمُخْتَارُ إذَا كَانَ مَعَ الْإِمَامِ رَجُلٌ وَاحِدٌ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْجَمَاعَةَ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ بِدْعَةٌ وَصَلَاةُ اللَّيْلِ كَانَتْ نَافِلَةً. وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّهَجُّدَ كَانَ فَرْضًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ اقْتِدَاءُ مُتَنَفِّلٍ بِمُفْتَرِضٍ، وَلَا يَتَأَخَّرُ الْمُقْتَدِي الْوَاحِدُ عَنْ الْإِمَامِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَضَعُ أَصَابِعَهُ عِنْدَ عَقِبِ الْإِمَامِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِطُولِ الْمُقْتَدِي الَّذِي بِحَيْثُ يَقَعُ سُجُودُهُ قَبْلَ الْإِمَامِ بَلْ الْعِبْرَةُ لِلْمَوْقِفِ. قَوْلُهُ: (؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ السُّنَّةَ) يَعْنِي مَا ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إذَا وَقَفَ خَلْفَ الْإِمَامِ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ وَقَالَ: لَا يَكُونُ مُسِيئًا إذَا كَانَ خَلْفَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ فَعَلَ ذَلِكَ، وَقَدْ دَعَا لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا، بِخِلَافِ مَا إذَا قَامَ عَنْ يَسَارِهِ فَإِنَّ حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَعَلَ ذَلِكَ وَرَدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَوْلُهُ: (وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ) رُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ صَلَّى بِعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ فَقَامَ وَسَطَهُمَا

وَلَنَا «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَقَدَّمَ عَلَى أَنَسٍ وَالْيَتِيمِ حِينَ صَلَّى بِهِمَا» ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَنَا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَقَدَّمَ عَلَى أَنَسٍ وَالْيَتِيمِ حِينَ صَلَّى بِهِمَا» عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ: قُومُوا فَأُصَلِّي لَكُمْ، قَالَ أَنَسٌ: فَقُمْت إلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لَبِسَ فَنَضَحْته بِمَاءٍ، فَقَامَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَفَفْت أَنَا وَالْيَتِيمُ

فَهَذَا لِلْأَفْضَلِيَّةِ وَالْأَثَرُ دَلِيلُ الْإِبَاحَةِ. (وَلَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ أَنْ يَقْتَدُوا بِامْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ) أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا» وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَلِأَنَّهُ مُتَنَفِّلٌ فَلَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِهِ. وَفِي التَّرَاوِيحِ وَالسُّنَنِ الْمُطْلَقَةِ جَوَّزَهُ مَشَايِخُ بَلْخِي، وَلَمْ يُجَوِّزْهُ مَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّقَ الْخِلَافَ فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَرَاءَهُ وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ» (فَهَذَا) أَيْ تَقَدُّمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (دَلِيلُ الْأَفْضَلِيَّةِ وَالْأَثَرُ دَلِيلُ الْإِبَاحَةِ) وَلَمْ يُعْكَسْ لِيَكُونَ مِنْ بَابِ تَعْلِيمِ الْجَوَازِ وَالْإِبَاحَةِ كَمَا هُوَ زَعْمُ أَبِي يُوسُفَ حَمْلًا لِفِعْلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى الْأَفْضَلِيَّةِ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ كَانَ لِضِيقِ الْمَكَانِ، فَإِذًا لَا يَكُونُ ثَبْتًا، وَقِيلَ الْيَتِيمُ أَخُو أَنَسٍ لِأَبِيهِ اسْمُهُ عُمَيْرٌ، وَفِي كُتُبِ الْحَدِيثِ أَنَّ اسْمَهُ ضَمِيرَةُ بْنُ سَعْدٍ الْحِمْيَرِيُّ الْمَدَنِيُّ. وَالْيَتِيمُ عَلَمٌ غَالِبٌ لَهُ كَالنَّجْمِ لِلثُّرَيَّا. وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ مَا قَالَ أَبُو زَيْدٍ فِي الْأَسْرَارِ حَيْثُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَكَانِ وَلَا مَكَانَ يَجِبُ تَأْخِيرُهُنَّ فِيهِ إلَّا مَكَانَ الصَّلَاةِ، وَقِيلَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلتَّعْلِيلِ: يَعْنِي كَمَا أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ فِي الشَّهَادَاتِ وَالْإِرْثِ وَالسَّلْطَنَةِ وَسَائِرِ الْوِلَايَاتِ. وَقَوْلُهُ: (وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَلِأَنَّهُ مُتَنَفِّلٌ) وَاضِحٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ. وَقَوْلُهُ: (فَلَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِهِ) سَيَجِيءُ بَيَانُهُ. وَقَوْلُهُ: (وَالسُّنَنُ الْمُطْلَقَةُ) يَعْنِي بِهِ السُّنَنَ الرَّوَاتِبَ الْمَشْرُوعَةَ قَبْلَ الْفَرَائِضِ وَبَعْدَهَا وَصَلَاةَ الْعِيدِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَالْوِتْرَ عِنْدَهُمَا وَصَلَاةَ الْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ عِنْدَهُمَا. وَقَوْلُهُ: (جَوَّزَهُ مَشَايِخُ بَلْخِي) ؛ لِأَنَّهُمْ قَاسُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِمَسْأَلَةِ الْمَظْنُونِ بِعِلَّةِ أَنَّ النَّفَلَ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ غَيْرُ مَضْمُونٍ فَصَارَ كَنَفْلِ الْبَالِغِ إذَا كَانَ غَيْرَ مَضْمُونٍ وَهِيَ فِي مَسْأَلَةِ الْمَظْنُونِ؛ لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي هَذَا الْوَصْفِ (وَلَمْ يُجَوِّزْهُ مَشَايِخُنَا) يَعْنِي مَشَايِخَ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ بُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ (وَمِنْهُمْ) أَيْ مِنْ الْمَشَايِخِ (مَنْ حَقَّقَ الْخِلَافَ فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ) فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْبَالِغِ بِالصَّبِيِّ

وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا لِأَنَّ نَفْلَ الصَّبِيِّ دُونَ نَفْلِ الْبَالِغِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِالْإِفْسَادِ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا يَبْنِي الْقَوِيُّ عَلَى الضَّعِيفِ، بِخِلَافِ الْمَظْنُونِ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ فَاعْتُبِرَ الْعَارِض عَدَمًا. وَبِخِلَافِ اقْتِدَاءِ الصَّبِيِّ بِالصَّبِيِّ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مُتَّحِدَةٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ أَيْضًا وَمُحَمَّدٌ جَوَّزَهُ (وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا) وَهَذَا اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِمَذْهَبِ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ (؛ لِأَنَّ نَفْلَ الصَّبِيِّ دُونَ نَفْلِ الْبَالِغِ) حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِالْإِفْسَادِ بِالْإِجْمَاعِ. وَقَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْمَظْنُونِ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ مَشَايِخِ بَلْخِي عَلَى الْمَظْنُونِ، وَتَقْرِيرُهُ قِيَاسَ اقْتِدَاءِ الْبَالِغِ بِالصَّبِيِّ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِالظَّانِّ فَاسِدٌ (؛ لِأَنَّ الْمَظْنُونَ مُجْتَهَدٌ فِيهِ) ؛ لِأَنَّ عِنْدَ زُفَرَ الْقَضَاءَ وَاجِبٌ عَلَى الظَّانِّ وَكُلُّ مُجْتَهَدٍ فِيهِ يُحْتَمَلُ صِحَّةُ طَرَفَيْهِ عَلَى الْبَدَلِ، فَالْمَظْنُونُ يَحْتَمِلُ وُجُوبَ الْقَضَاءِ بِالنَّظَرِ إلَى اجْتِهَادِ زُفَرَ، وَالْمَانِعُ عَنْ الْقَوْلِ وُجُوبُهُ مُطْلَقًا إنَّمَا هُوَ الْعَارِضُ، وَهُوَ ظَنُّ الْإِمَامِ، وَهُوَ عَارِضٌ غَيْرُ مُمْتَدٍّ عَرَضَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فَجَازَ اعْتِبَارُ عَدَمِهِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَظْنُونُ وَاجِبَ الْقَضَاءِ مُطْلَقًا وَكَانَ اقْتِدَاءُ ضَامِنٍ بِضَامِنٍ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ فَإِنَّ عَدَمَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ لَا يُحْتَمَلُ كَوْنُهُ مَضْمُونًا، وَالصِّبَا أَيْضًا عَارِضٌ مُمْتَدٌّ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ عَدَمِهِ فَكَانَ اقْتِدَاءُ ضَامِنٍ بِغَيْرِ ضَامِنٍ وَهُوَ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ (وَبِخِلَافِ اقْتِدَاءِ الصَّبِيِّ بِالصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مُتَّحِدَةٌ) لِعَدَمِ الضَّمَانِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَكَانَ بِنَاءُ الضَّعِيفِ عَلَى الضَّعِيفِ.

(وَيَصُفُّ الرِّجَالَ ثُمَّ الصِّبْيَانَ ثُمَّ النِّسَاءَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى» ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَيَصُفُّ الرِّجَالَ ثُمَّ الصِّبْيَانَ) هَذَا بَيَانُ تَرْتِيبِ الْقِيَامِ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَلِيَلِنِي أَمْرٌ مِنْ الْوَلْيِ وَهُوَ الْقُرْبُ. وَالْأَحْلَامُ جَمْعُ الْحُلُمِ بِالضَّمِّ وَهُوَ مَا يَرَاهُ النَّائِمُ، وَغَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا يَرَاهُ النَّائِمُ مِنْ دَلَالَةِ الْبُلُوغِ، وَالْمُرَادُ لِيَلِنِي الْبَالِغُونَ مِنْكُمْ. وَالنُّهَى جَمْعُ نُهْيَةٍ وَهِيَ الْعَقْلُ، فَإِنْ قِيلَ هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى تَقْدِيمِ الرِّجَالِ عَلَى الصِّبْيَانِ، وَأَمَّا تَقْدِيمُ الصِّبْيَانِ عَلَى النِّسَاءِ فَلَا دَلَالَةَ عَلَيْهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الصِّبْيَانَ تَابِعَةٌ لِلرِّجَالِ لِاحْتِمَالِ رُجُولِيَّتِهِمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ تَقْدِيمُهُمْ عَلَيْهِنَّ ثَابِتٌ بِفِعْلِ النَّبِيِّ

وَلِأَنَّ الْمُحَاذَاةَ مُفْسِدَةٌ فَيُؤَخَّرْنَ (وَإِنْ حَاذَتْهُ امْرَأَةٌ وَهُمَا مُشْتَرَكَانِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ إنْ نَوَى الْإِمَامُ إمَامَتَهَا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَفْسُدَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْتِبَارًا بِصَلَاتِهَا حَيْثُ لَا تَفْسُدُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا رَوَيْنَاهُ وَأَنَّهُ مِنْ الْمَشَاهِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ أَقَامَ الْعَجُوزَ وَرَاءَ الْيَتِيمِ وَلَكِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ. قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ الْمُحَاذَاةَ) دَلِيلٌ مَعْقُولٌ وَتَمْهِيدٌ لِذِكْرِ مَسْأَلَةِ الْمُحَاذَاةِ. وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ حَاذَتْهُ امْرَأَةٌ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُحَاذَاةَ الْمُفْسِدَةَ هِيَ أَنْ يُحَاذِيَ قَدَمُ الْمَرْأَةِ عُضْوًا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الرَّجُلِ فِي الصَّلَاةِ شَرَائِطُهَا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مُشْتَهَاةً حَالًا أَوْ مَاضِيًا مَنْوِيَّةً إمَامَتُهَا، وَأَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ مُطْلَقَةً مُشْتَرَكَةً تَحْرِيمَةً وَأَدَاءً، وَأَلَّا يَكُونَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ، وَذَكَرَ الْمَرْأَةَ مُطْلَقَةً لِيَتَنَاوَلَ الْمَحَارِمَ وَالْحَلِيلَةَ وَالْأَجْنَبِيَّةَ، وَذَكَرَ الْحَالَ لِيَتَنَاوَلَ الصَّغِيرَةَ الْمُشْتَهَاةَ. وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّ الشَّهْوَةِ فَقَدَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِسَبْعِ سِنِينَ وَبَعْضُهُمْ بِتِسْعِ سِنِينَ، وَالْأَصَحُّ أَنْ لَا مُعْتَبَرَ بِالسِّنِّ، فَإِنْ كَانَتْ عَبْلَةً ضَخْمَةً كَانَتْ مُشْتَهَاةً وَإِلَّا فَلَا. وَذَكَرَ الْمَاضِي لِيَتَنَاوَلَ الْعَجُوزَ الَّتِي تَنْفِرُ مِنْهَا الرِّجَالُ لِمَا أَنَّهَا كَانَتْ مُشْتَهَاةُ، وَشَرْطُ نِيَّةِ إمَامَتِهَا؛ لِأَنَّ اقْتِدَاءَهَا لَا يَصِحُّ بِدُونِهَا فَلَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الرِّجَالِ، وَوَصَفَ الصَّلَاةَ بِكَوْنِهَا مُطْلَقَةً احْتِرَازًا عَنْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَإِنَّ الْمُحَاذَاةَ لَا تُفْسِدُهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا هِيَ دُعَاءٌ لِلْمَيِّتِ، وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ فِيهَا لِشَبَهِهَا بِالصَّلَاةِ الْمُطْلَقَةِ فِي اشْتِمَالِهَا عَلَى التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ وَشَرْطُ الِاشْتِرَاكِ وَهُوَ يَتَحَقَّقُ بِاتِّحَادِ الْفَرْضَيْنِ وَبِاقْتِدَاءِ الْمُتَطَوِّعَةِ بِالْمُتَطَوِّعِ وَبِالْمُفْتَرِضِ، وَأَنْ يَكُونَ الِاشْتِرَاكُ تَحْرِيمَةً وَأَدَاءً حَتَّى لَا تَكُونَ الْمُحَاذَاةُ فِي أَدَاءِ مَا سُبِقَا بِهِ مُفْسِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَسْبُوقَ فِي أَدَاءِ مَا سُبِقَ مُنْفَرِدٌ بِدَلِيلِ وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ وَسَجْدَةِ السَّهْوِ فَلَمْ يَكُونَا مُشْتَرَكَيْنِ أَدَاءً بِخِلَافِ اللَّاحِقِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي مَعَ الْإِمَامِ تَقْدِيرًا. فَإِنْ قِيلَ: إذَا اقْتَدَتْ نَاوِيَةً لِلْعَصْرِ بِرَجُلٍ يُصَلِّي الظُّهْرَ لَمْ يَصِحَّ اقْتِدَاؤُهَا فَرْضًا، وَإِنَّمَا يَصِحُّ نَفْلًا فَقَدْ وُجِدَتْ الشُّرُوطُ وَلَمْ تَفْسُدْ الصَّلَاةُ. أُجِيبَ بِالْمَنْعِ وَشَرْطُ عَدَمِ الْحَائِلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ لَا تَفْسُدُ، وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا فَاتَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِهَا لَا تَفْسُدُ لِمَا قَالَ إنَّهَا عُرِفَتْ مُفْسِدَةً بِالنَّصِّ، وَهُوَ مَا رَوَى أَنَسٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ صَنَعَتْ طَعَامًا إلَى آخِرِ مَا رَوَيْنَا، بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُرَاعَى جَمِيعُ مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ، وَأَمَّا إذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ كُلُّهَا فَإِنَّهَا تُفْسِدُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَهُوَ الْقِيَاسُ اعْتِبَارًا بِصَلَاتِهَا فَإِنَّهَا لَا تُفْسِدُ. وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمُحَاذَاةَ لَمَّا لَمْ تُوجِبْ فَسَادَ صَلَاةِ الْمَرْأَةِ لَمْ تُوجِبْ فَسَادَ صَلَاةِ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّ الْمُحَاذَاةَ فِعْلٌ يَتَحَقَّقُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ عُلَمَاؤُنَا أَنَّ هَذَا تَرَكَ فَرْضَ مَقَامِ الْإِمَامِ، وَمَنْ تَرَكَ فَرْضَ الْمَقَامِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، أَمَّا أَنَّهُ تَرَكَ فَرْضَ الْمَقَامِ فَلِأَنَّ تَأْخِيرَ الْمَرْأَةِ فَرْضٌ عَلَى الرَّجُلِ فِي صَلَاةٍ يَشْتَرِكَانِ فِيهَا لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

وَهُوَ الْمُخَاطَبُ بِهِ دُونَهَا فَيَكُونُ هُوَ التَّارِكُ لِفَرْضِ الْمَقَامِ فَتَفْسُدَ صَلَاتُهُ دُونَ صَلَاتِهَا، كَالْمَأْمُومِ إذَا تَقَدَّمَ عَلَى الْإِمَامِ (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ إمَامَتَهَا لَمْ تَضُرَّهُ وَلَا تَجُوزُ صَلَاتُهَا) لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ لَا يَثْبُتُ دُونَهَا عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أَلَا تَرَى أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ» أَمَرَ الرِّجَالَ بِالتَّأْخِيرِ فِي الْمَكَانِ وَلَا مَكَانَ يَجِبُ تَأْخِيرُهُنَّ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَتَعَيَّنَ التَّأْخِيرُ فِيهَا. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا خَبَرُ وَاحِدٍ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْفَرْضِيَّةُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ مِنْ الْمَشَاهِيرِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَإِنَّهُ مِنْ الْمَشَاهِيرِ؛ وَلِأَنَّ تَأْخِيرَهَا فِي الصَّلَاةِ الْمُشْتَرَكَةِ فَرْضٌ بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى عَدَمِ جَوَازِ اقْتِدَاءِ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ مَعَ اتِّحَادِ فَرْضِهِمَا، وَهُوَ إمَّا أَنْ يَكُونَ لِنُقْصَانِ حَالِهَا فِي ذَلِكَ الصَّبِيِّ، أَوْ لِعَدَمِ صَلَاحِيَتِهَا كَالْأُمِّيِّ، أَوْ لِفَوَاتِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ كَالْعَارِي، أَوْ لِفَوَاتِ تَرْتِيبِ الْمَقَامِ كَمَا فِي إمَامَةِ الْمُتَأَخِّرِ وَبِالِاسْتِقْرَاءِ لِعَدَمِ مُجَاوَزَةِ انْتِفَاءِ جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ عَنْهَا شَرْعًا، وَلَيْسَ لِلنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ مُطْلَقًا لِجَوَازِ إمَامَةِ الْفَاسِقِ وَالْعَبْدِ وَالْأَعْمَى مَعَ نُقْصَانِ أَحْوَالِهِمْ، بَلْ إنَّمَا يُمْنَعُ إذَا لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ مَحْظُورٌ كَإِمَامَةِ الصَّبِيِّ فَإِنَّهَا تَسْتَلْزِمُ بِنَاءَ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ، وَلَا لِعَدَمِ الصَّلَاحِيَةِ لِجَوَازِ إمَامَتِهَا لِلنِّسَاءِ مُتَقَدِّمَةً وَمُتَوَسِّطَةً، وَلَا لِانْتِفَاءِ شَرْطٍ مِنْ الشُّرُوطِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ عَدَمُهُ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إلَّا بِاعْتِبَارِ تَرْكِ فَرْضِ مَقَامِ الثَّابِتِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " أَخِّرُوهُنَّ " الْحَدِيثَ. فَلَمَّا أَجْمَعْنَا هَاهُنَا لِانْعِدَامِ التَّأْخِيرِ يَثْبُتُ الْفَسَادُ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ أَيْضًا لِانْعِدَامِ التَّأْخِيرِ، وَأَمَّا أَنَّ مَنْ تَرَكَ فَرْضَ الْمَقَامِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ فَكَالْمُقْتَدِي إذَا تَقَدَّمَ عَلَى إمَامِهِ. وَقَوْلُهُ: (وَهُوَ الْمُخَاطَبُ بِهِ) جَوَابٌ عَنْ وَجْهِ الْقِيَاسِ وَتَقْدِيرُهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ فَسَادِ صَلَاتِهَا عَدَمُ فَسَادِ صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُخَاطَبُ بِهِ أَيْ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " أَخِّرُوهُنَّ " دُونَهَا فَيَكُونُ هُوَ التَّارِكُ لِفَرْضِ الْمَقَامِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ دُونَ صَلَاتِهَا، كَالْمَأْمُومِ إذَا تَقَدَّمَ عَلَى الْإِمَامِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَأْمُورًا بِالتَّأْخِيرِ كَانَتْ مَأْمُورَةً بِالتَّأَخُّرِ ضَرُورَةً. وَأُجِيبَ بِالْمَنْعِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ تَأْخِيرُ الرَّجُلِ إيَّاهَا بِأَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهَا خُطْوَةً أَوْ خُطْوَتَيْنِ وَلَا تَأَخُّرَ مِنْهَا سَلَّمْنَا ذَلِكَ لَكِنَّهُ ضِمْنِيٌّ فَلَا يُسَاوِي الْقَصْدِيَّ. وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ إمَامَتَهَا) بَيَانٌ لِتَأْثِيرِ النِّيَّةِ. وَقَوْلُهُ: (لَمْ تَضُرَّهُ) أَيْ لَمْ تَضُرَّ الْمُحَاذَاةُ الْمُصَلِّيَ. وَقَوْلُهُ: (؛ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ لَا يَثْبُتُ دُونَهَا) أَيْ دُونَ النِّيَّةِ (عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ) فَإِنَّ عِنْدَهُ نِيَّةَ إمَامَتِهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِفَسَادِ صَلَاةِ الرَّجُلِ بَعْدَمَا دَخَلَتْ فِي صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ صَالِحٌ لِإِمَامَةِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، ثُمَّ اقْتِدَاءُ الرَّجُلِ بِهِ صَحِيحٌ بِلَا نِيَّةِ إمَامَتِهِ فَكَذَلِكَ اقْتِدَاءُ الْمَرْأَةِ وَقَوْلُهُ: (أَلَا تَرَى) تَوْضِيحٌ لِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ لَا يَثْبُتُ دُونَهُمَا، وَتَقْرِيرُهُ الْإِمَامَ يَلْزَمُهُ التَّرْتِيبُ فِي الْمَقَامِ

يَلْزَمُهُ التَّرْتِيبُ فِي الْمَقَامِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْتِزَامِهِ كَالِاقْتِدَاءِ، إنَّمَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ إذَا ائْتَمَّتْ مُحَاذِيَةً. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِجَنْبِهَا رَجُلٌ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالْفَرْقُ عَلَى إحْدَاهُمَا أَنَّ الْفَسَادَ فِي الْأَوَّلِ لَازِمٌ، وَفِي الثَّانِي مُحْتَمَلٌ (وَمِنْ شَرَائِطِ الْمُحَاذَاةِ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ مُشْتَرَكَةً، وَأَنْ تَكُونَ مُطْلَقَةً، وَأَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِ الشَّهْوَةِ. وَأَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالنَّصِّ، وَكُلُّ مَنْ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْتِزَامِهِ كَالِاقْتِدَاءِ. فَإِنَّ لُزُومَ فَسَادِ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي لَمَّا كَانَ مِنْ جَانِبِ الْإِمَامِ مُحْتَمَلًا لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ إلَّا بِالِالْتِزَامِ، وَلَا الْتِزَامَ إنَّمَا يَكُونُ بِالنِّيَّةِ. فَكَمَا أَنَّ الِاقْتِدَاءَ لَا يَصِحُّ بِدُونِ النِّيَّةِ لِيَكُونَ الضَّرَرُ اللَّازِمُ مِنْ جَانِبِ الْإِمَامِ ضَرَرًا مَرْضِيًّا، كَذَلِكَ لَا تَصِحُّ إمَامَةُ النِّسَاءِ بِدُونِ النِّيَّةِ لِلنِّسَاءِ لِيَكُونَ الضَّرَرُ اللَّازِمُ لِلْإِمَامِ مِنْ جَانِبِهِنَّ ضَرَرًا مَرْضِيًّا، وَهَذَا وَاضِحٌ جِدًّا، وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ كُلَّ هَذَا مَوْقُوفٌ عَلَى اشْتِرَاطِ ثُبُوتِ الِاشْتِرَاكِ، وَثُبُوتُهُ مَمْنُوعٍ؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْمُحَاذَاةُ فِي صَلَاةٍ مُشْتَرَكَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَالثَّانِي أَنَّهُ مَنْقُوضٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِاقْتِدَاءِ الْقَارِئِ بِالْأُمِّيِّ. فَإِنَّ صَلَاةَ الْأُمِّيِّ تَفْسُدُ بِسَبَبِ اقْتِدَاءِ الْقَارِئِ بِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ لِلْأُمِّيِّ نِيَّةُ إمَامَةِ الْقَارِئِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ تَشْكِيكٌ فِي الْمُسَلَّمَاتِ، فَإِنَّ كُلَّ مَنْ يَقُولُ بِمَسْأَلَةِ الْمُحَاذَاةِ يَشْتَرِطُ الِاشْتِرَاكَ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ زُفَرَ أَنَّهُ يَقُولُ: الِاشْتِرَاكُ يَثْبُتُ بِدُخُولِهَا فِي صَلَاتِهِ نَوَى إمَامَتَهَا أَوْ لَمْ يَنْوِ، وَنَحْنُ نَقُولُ لَا يَثْبُتُ الِاشْتِرَاكُ بِدُونِهَا كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا، وَالتَّشْكِيكُ فِي الْمُسَلَّمَاتِ غَيْرُ مَسْمُوعٍ عَلَى أَنَّ النَّصَّ يَدُلُّ عَلَى تَرْتِيبِ الْمَقَامِ، وَالْمَقَامُ وَتَرْتِيبُهُ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي صَلَاةٍ أُدِّيَتْ بِجَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ تَقَدَّمَ عَلَى الْمَأْمُومِ بِالرُّتْبَةِ، وَالصَّلَاةُ بِالْجَمَاعَةِ تَسْتَلْزِمُ الِاشْتِرَاكَ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُ بِدُونِ النِّيَّةِ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَنَقُولُ كَلَامُنَا فِي فَسَادٍ يَحْصُلُ بِسَبَبِ الِاقْتِدَاءِ كَاَلَّذِي فِي اقْتِدَاءِ الْمُحَاذِيَةِ فَإِنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ إنَّمَا تَفْسُدُ بِسَبَبِهِ، وَصُورَةُ النَّقْضِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَارِئَ لَوْ صَلَّى وَحْدَهُ وَالْأُمِّيُّ وَحْدَهُ وَأَمْكَنَ الْأُمِّيَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فَسَدَتْ أَيْضًا فَلَمْ يَكُنْ الْفَسَادُ بِسَبَبِ اقْتِدَاءٍ حَتَّى يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ بِتَرْكِ النِّيَّةِ. وَقَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْإِمَامِ إذَا ائْتَمَّتْ مُحَاذِيَةً) أَيْ إذَا اقْتَدَتْ بِالْإِمَامِ مُحَاذِيَةً لَهُ يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْإِمَامِ لِفَسَادِ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا إذَا وَقَفَتْ خَلْفَهُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِجَنْبِهَا رَجُلٌ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ فَالصَّوَابُ أَنَّ اقْتِدَاءَهَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِالنِّيَّةِ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْفَسَادُ عَلَى مَنْ بِجَنْبِهَا، وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي لِنِيَّةِ مَنْ بِجَنْبِهَا عَلَى أَصْلِ الْمَارِّ إلَّا أَنَّهُ مُوَلًّى عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ إمَامِهِ فَيَتَوَقَّفُ مَا يَلْزَمُهُ عَلَى الْتِزَامِ إمَامِهِ وَالْتِزَامُ الْإِمَامِ إلْزَامُهُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِجَنْبِهَا رَجُلٌ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ) فِي رِوَايَةٍ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهَا لِاحْتِمَالِ الْفَسَادِ مِنْ جِهَتِهَا بِالْمَشْيِ وَالْمُحَاذَاةِ فَتَحْتَاجُ إلَى الِالْتِزَامِ، وَفِي رِوَايَةٍ يَصِحُّ (وَ) عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يُحْتَاجُ إلَى (الْفَرْقُ) وَهُوَ (أَنَّ الْفَسَادَ الْأَوَّلَ) وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ مُحَاذِيَةً (لَازِمٌ) أَيْ وَاقِعٌ فِي الْحَالِ (وَالثَّانِيَ) وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ خَلْفَهُ وَلَيْسَ بِجَنْبِهَا رَجُلٌ (مُحْتَمَلٌ) لِاحْتِمَالِ أَنْ تَمْشِيَ فَتُحَاذِيَ، وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ ذَلِكَ، فَلَمْ تُشْتَرَطْ نِيَّةُ

حَائِلٌ) لِأَنَّهَا عُرِفَتْ مُفْسِدَةً بِالنَّصِّ، بِخِلَافِ الْقِيَاسِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِمَامِ هَذَا فِي صَلَاةٍ يَشْتَرِكَانِ فِيهَا، وَأَمَّا فِي صَلَاةٍ لَا يَشْتَرِكَانِ فِيهَا فَالتَّقَدُّمُ عَلَيْهِ وَمُحَاذَاتُهَا إيَّاهُ يُورِثُ الْكَرَاهَةَ.

فَيُرَاعَى جَمِيعُ مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ. (وَيُكْرَهُ لَهُنَّ حُضُورُ الْجَمَاعَاتِ) يَعْنِي الشَّوَابَّ مِنْهُنَّ لِمَا فِيهِ مِنْ خَوْفِ الْفِتْنَةِ (وَلَا بَأْسَ لِلْعَجُوزِ أَنْ تَخْرُجَ فِي الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَالَا يَخْرُجْنَ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا) لِأَنَّهُ لَا فِتْنَةَ لِقِلَّةِ الرَّغْبَةِ إلَيْهَا فَلَا يُكْرَهُ كَمَا فِي الْعِيدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ لَهُنَّ حُضُورُ الْجَمَاعَاتِ) كَانَتْ النِّسَاءُ يُبَاحُ لَهُنَّ الْخُرُوجُ إلَى الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ لَمَّا صَارَ سَبَبًا لِلْوُقُوعِ فِي الْفِتْنَةِ مُنِعْنَ عَنْ ذَلِكَ، جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} [الحجر: 24] نَزَلَتْ فِي شَأْنِ النِّسْوَةِ حَيْثُ كَانَ الْمُنَافِقُونَ يَتَأَخَّرُونَ لِلِاطِّلَاعِ عَلَى عَوْرَاتِهِنَّ، وَلَقَدْ نَهَى عُمَرُ النِّسَاءَ عَنْ الْخُرُوجِ إلَى الْمَسَاجِدِ فَشَكَوْنَ إلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَقَالَتْ: لَوْ عَلِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا عَلِمَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا أَذِنَ لَكُنَّ فِي الْخُرُوجِ، فَاحْتَجَّ بِهِ عُلَمَاؤُنَا وَمَنَعُوا الشَّوَابَّ عَنْ الْخُرُوجِ مُطْلَقًا. وَأَمَّا الْعَجَائِزُ وَهِيَ جَمْعُ عَجُوزٍ وَالْعَامَّةُ تَقُولُ عَجُوزَةٌ فَمَنَعَهُنَّ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الْخُرُوجِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ دُونَ الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَأَجَازَ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا لِانْتِفَاءِ الْفِتْنَةِ بِقِلَّةِ الرَّغْبَةِ فِي الْعَجَائِزِ، كَمَا أُجِيزَ لَهُنَّ ذَلِكَ فِي الْعِيدِ بِالِاتِّفَاقِ. إمَّا لِلصَّلَاةِ كَمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُنَّ يَخْرُجْنَ لِلصَّلَاةِ وَيَقُمْنَ فِي آخِرِ الصُّفُوفِ فَيُصَلِّينَ مَعَ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّهُنَّ مِنْ أَهْلِ الْجَمَاعَةِ تَبَعًا لِلرِّجَالِ، أَوْ لِتَكْثِيرِ السَّوَادِ كَمَا رَوَى الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ خُرُوجَهُنَّ لِتَكْثِيرِ السَّوَادِ وَيَقُمْنَ فِي نَاحِيَةٍ وَلَا يُصَلِّينَ؛ لِأَنَّهُ صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِذَلِكَ الْحُيَّضَ وَلَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ

وَلَهُ أَنَّ فَرْطَ الشَّبَقِ حَامِلٌ فَتَقَعُ الْفِتْنَةُ، غَيْرَ أَنَّ الْفُسَّاقَ انْتِشَارُهُمْ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْجُمُعَةِ، أَمَّا فِي الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ فَهُمْ نَائِمُونَ، وَفِي الْمَغْرِبِ بِالطَّعَامِ مَشْغُولُونَ، وَالْجَبَّانَةُ مُتَّسِعَةٌ فَيُمْكِنُهَا الِاعْتِزَالُ عَنْ الرِّجَالِ فَلَا يُكْرَهُ. قَالَ (وَلَا يُصَلِّي الطَّاهِرُ خَلْفَ مَنْ هُوَ فِي مَعْنَى الْمُسْتَحَاضَةِ، وَلَا الطَّاهِرَةُ خَلْفَ الْمُسْتَحَاضَةِ) لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَقْوَى حَالًا مِنْ الْمَعْذُورِ، وَالشَّيْءُ لَا يَتَضَمَّنُ مَا هُوَ فَوْقَهُ، وَالْإِمَامُ ضَامِنٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ تَضْمَنُ صَلَاتُهُ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي (وَلَا) يُصَلِّي (الْقَارِئُ خَلْفَ الْأُمِّيِّ وَلَا الْمُكْتَسِي خَلْفَ الْعَارِي) لِقُوَّةِ حَالِهِمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَهُ أَنَّ فَرْطَ الشَّبَقِ حَامِلٌ) عَلَى الْوِقَاعِ فَتَقَعُ الْفِتْنَةُ، وَالْفَرْطُ بِسُكُونِ الرَّاءِ: مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ، وَالشَّبَقُ بِفَتْحَتَيْنِ: شِدَّةُ شَهْوَةِ الضِّرَابِ (غَيْرَ أَنَّ الْفُسَّاقَ انْتِشَارُهُمْ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْجُمُعَةِ، أَمَّا فِي الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ فَهُمْ نَائِمُونَ، وَفِي الْمَغْرِبِ بِالطَّعَامِ مَشْغُولُونَ) جَعَلَ الْمُصَنِّفُ الْجُمُعَةَ مِنْ قَبِيلِ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ حَتَّى لَا يُبَاحَ لَهُنَّ الْخُرُوجُ إلَيْهَا، وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ جَعَلَهَا مِنْ قَبِيلِ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ حَتَّى يُبَاحَ لَهُنَّ الْخُرُوجُ، وَالْمَغْرِبُ جَعَلَهَا الْمُصَنِّفُ مِنْ قَبِيلِ الْعِشَاءِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ أَيْضًا فِيهِمَا وَجَعَلَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مِنْ قَبِيلِ الظُّهْرِ. قَوْلُهُ: (وَالْجَبَّانَةُ مُتَّسِعَةٌ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِهِمَا عَلَى صَلَاةِ الْعِيدِ، وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى كَرَاهَةِ حُضُورِهِنَّ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا لِظُهُورِ الْفَسَادِ. قَالَ (وَلَا يُصَلِّي الطَّاهِرُ) الْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْإِمَامُ ضَامِنٌ» بِمَعْنَى تَضْمَنُ صَلَاتُهُ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي؛ لِأَنَّا نَعْلَمُ بِيَقِينٍ أَنَّ مَعْنَاهُ لَيْسَ الضَّمَانُ فِي الذِّمَّةِ، فَإِنَّ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي لَيْسَتْ فِي ذِمَّةِ الْإِمَامِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ صَلَاةَ الْإِمَامِ تَتَضَمَّنُ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي، وَصَلَاةُ الْمُقْتَدِي إذَا كَانَتْ أَقْوَى حَالًا مِنْ الْإِمَامِ فَوْقَ صَلَاتِهِ، وَالشَّيْءُ إنَّمَا يَتَضَمَّنُ مَا هُوَ دُونَهُ أَوْ مِثْلَهُ لَا مَا هُوَ فَوْقَهُ، وَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الطَّاهِرِ بِمَنْ هُوَ فِي مَعْنَى الْمُسْتَحَاضَةِ، وَمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ وَانْطِلَاقُ الْبَطْنِ وَانْفِلَاتُ الرِّيحِ وَالرُّعَافُ الدَّائِمُ وَالْجُرْحُ الَّذِي لَا يَرْقَأُ (وَلَا الطَّاهِرَةُ خَلْفَ الْمُسْتَحَاضَةِ) لِنُقْصَانِ حَالِ هَؤُلَاءِ عَنْ حَالِ الْمُقْتَدِي (وَلَا الْمُكْتَسِي بِالْعَارِي) وَلَا الْأُمِّيُّ

(وَيَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ الْمُتَيَمِّمُ الْمُتَوَضِّئِينَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ وَالطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ أَصْلِيَّةٌ. وَلَهُمَا أَنَّهُ طَهَارَةٌ مُطْلَقَةٌ وَلِهَذَا لَا يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْأَخْرَسِ لِقُوَّةِ حَالِهِمَا إذْ الْمُرَادُ بِقُوَّةِ الْحَالِ الِاشْتِمَالُ عَلَى مَا لَمْ تَشْتَمِلْ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْإِمَامِ مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ، وَالْأُمِّيُّ يَقْدِرُ عَلَى الِافْتِتَاحِ دُونَ الْأَخْرَسِ. وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ اقْتِدَاءِ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ، فَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمَنَعَهُ مُحَمَّدٌ قَالَ:؛ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ وَالطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ طَهَارَةٌ أَصْلِيَّةٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّ حَالَ مَنْ اشْتَمَلَ عَلَى الطَّهَارَةِ الْأَصْلِيَّةِ أَقْوَى مِنْ حَالِ مَنْ اشْتَمَلَ عَلَى الطَّهَارَةِ الضَّرُورِيَّةِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ طَهَارَةٌ مُطْلَقَةٌ: أَيْ غَيْرُ مُؤَقَّتَةٍ بِوَقْتٍ كَطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَلِهَذَا لَا يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ فَكَانَ الْمُتَيَمِّمُ كَالْمُتَوَضِّئِ. وَاعْلَمْ أَنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ بِاتِّفَاقِ عُلَمَائِنَا؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ تَلْوِيثٌ، وَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، وَمُطْلَقَةٌ بِاتِّفَاقِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُؤَقَّتًا بِوَقْتٍ، وَيَثْبُتُ بِهِ مَا يَثْبُتُ بِالطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ مِنْ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ، وَإِنَّمَا الشَّأْنُ فِي التَّعْلِيلِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا فِيمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً فِيهِ. وَاخْتَارَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ جِهَةَ الْإِطْلَاقِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَعْطَاهُ حُكْمَ الطَّهَارَةِ الْمُطْلَقَةِ، وَافْتَتَحَ بِنَفْيِ الْحَرَجِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: 6] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَتَوْقِيتٍ. وَفِي نَفْيِ جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ مُخَالَفَةٌ لِإِطْلَاقِهِ وَقَوْدٌ إلَى نَوْعٍ مِنْ الْحَرَجِ وَاخْتَارَ جِهَةَ الضَّرُورَةِ فِي حَقِّ انْقِطَاعِ الرَّجْعَةِ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فِيمَا دُونَ الْعَشَرَة وَقَالَا: لَمْ تَنْقَطِعْ الرَّجْعَةُ بِمُجَرَّدِ التَّيَمُّمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُصَلِّيَ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَذْكُرْ كَوْنَهُ طَهَارَةً فِي بَابِ الرَّجْعَةِ فَكَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ طَهَارَتِهِ أَدَاءَ الصَّلَاةِ، فَمَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ طَهَارَةً بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ. وَأَمَّا مُحَمَّدٌ فَقَدْ عَمِلَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَابَيْنِ بِالِاحْتِيَاطِ، وَالِاحْتِيَاطُ فِي بَابِ الصَّلَاةِ الْقَوْلُ بِعَدَمِ جَوَازِ اقْتِدَاءِ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ لَا بُدَّ لَهُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِالْمُتَوَضِّئِ، أَوْ يُصَلِّيَ مُنْفَرِدًا حَتَّى تَكُونَ صَلَاتُهُ بِالْوُضُوءِ فَيَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ، وَفِي بَابِ الرَّجْعَةِ الْقَوْلُ بِالِانْقِطَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا وَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا،

(وَيَؤُمُّ الْمَاسِحُ الْغَاسِلِينَ) لِأَنَّ الْخُفَّ مَانِعٌ سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ، وَمَا حَلَّ بِالْخُفِّ يُزِيلُهُ الْمَسْحُ، بِخِلَافِ الْمُسْتَحَاضَةِ لِأَنَّ الْحَدَثَ لَمْ يُعْتَبَرْ شَرْعًا مَعَ قِيَامِهِ حَقِيقَةً (وَيُصَلِّي الْقَائِمُ خَلْفَ الْقَاعِدِ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ لِقُوَّةِ حَالِ الْقَائِمِ وَنَحْنُ تَرَكْنَاهُ بِالنَّصِّ، وَهُوَ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى آخِرَ صَلَاتِهِ قَاعِدًا وَالْقَوْمُ خَلْفَهُ قِيَامٌ» ـــــــــــــــــــــــــــــQوَانْقِطَاعُ الرَّجْعَةِ مِمَّا يُؤْخَذُ فِيهِ بِالِاحْتِيَاطِ إجْمَاعًا: أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ اغْتَسَلَتْ وَبَقِيَ عَلَى بَدَنِهَا لُمْعَةٌ انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ عَنْهَا احْتِيَاطًا، وَإِذَا تُصُوِّرَ التَّيَمُّمُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ انْدَفَعَ مَا يَتَرَاءَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ تَرَكَ أَصْلَهُ وَنَاقَضَ كَلَامَهُ. قَالَ (وَيَؤُمُّ الْمَاسِحُ الْغَاسِلِينَ) ؛ لِأَنَّهُ غَسَلَ قَدَمَهُ فَلَبِسَ الْخُفَّ، وَالْخُفُّ مَانِعٌ سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى كَوْنِهِ غَاسِلًا. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى كَوْنِهِ غَاسِلًا؛ لِأَنَّ الْخُفَّ قَامَ مَقَامَ بَشَرَةِ الْقَدَمِ، وَالْحَدَثُ قَدْ حَلَّهُ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَمَا حَلَّ بِالْخُفِّ يُزِيلُهُ الْمَسْحُ) فَكَانَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ كَغَسْلِ الرِّجْلِ. وَقَوْلُهُ: (وَيُصَلِّي الْقَائِمُ خَلْف الْقَاعِدِ) ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ: «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى آخِرَ صَلَاتِهِ قَاعِدًا وَالْقَوْمُ خَلْفَهُ قِيَامٌ» وَهُوَ مَا رُوِيَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا ضَعُفَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ قَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ لِحَفْصَةَ: قَوْلِي لَهُ إنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ إذَا وَقَفَ فِي مَكَانِك لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ فَلَوْ أَمَرْت غَيْرَهُ، فَقَالَتْ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَنْتُنَّ صَوَاحِبَاتُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَلَمَّا افْتَتَحَ أَبُو بَكْرٍ الصَّلَاةَ وَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ الْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ وَرِجْلَاهُ تَخُطَّانِ الْأَرْضَ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَسَمِعَ أَبُو بَكْرٍ حِسَّ مَجِيءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَأَخَّرَ وَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَلَسَ يُصَلِّي وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاتِهِ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ: يَعْنِي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَسْمَعُ تَكْبِيرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُكَبِّرُ وَالنَّاسُ يُكَبِّرُونَ بِتَكْبِيرِ أَبِي بَكْرٍ» وَهَذَا آخِرُ صَلَاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَكَانَ نَاسِخًا لِمَا قَبْلَهُ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ قِيلَ: هَذَا الْحَدِيثُ مُضْطَرِبٌ فَإِنَّ بَعْضَ الرِّوَايَاتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ كَانَ أَبَا بَكْرٍ وَبَعْضُهَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِمَامَ الْخَطَّابِيَّ فِي شَرْحِ الصَّحِيحِ رَجَّحَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الَّتِي أَخَذَ بِهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ، وَهِيَ رِوَايَةُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ لِفِقْهِهِ وَإِتْقَانِهِ وَمُوَافَقَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَإِنَّهُ قَالَ: «دَخَلْت عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَقُلْت: أَعْرِضُ عَلَيْك مَا حَدَّثَتْنِي بِهِ عَائِشَةُ عَنْ مَرَضِ

(وَيُصَلِّي الْمُومِئُ خَلْفَ مِثْلِهِ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحَالِ إلَّا أَنْ يُومِئَ الْمُؤْتَمُّ قَاعِدًا وَالْإِمَامُ مُضْطَجِعًا، لِأَنَّ الْقُعُودَ مُعْتَبَرٌ فَتَثْبُتَ بِهِ الْقُوَّةُ (وَلَا يُصَلِّي الَّذِي يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ خَلْفَ الْمُومِئِ) لِأَنَّ حَالَ الْمُقْتَدِي أَقْوَى، وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (وَلَا يُصَلِّي الْمُفْتَرِضُ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ) لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِنَاءٌ، وَوَصْفُ الْفَرْضِيَّةِ مَعْدُومٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْبِنَاءُ عَلَى الْمَعْدُومِ. قَالَ (وَلَا مَنْ يُصَلِّي فَرْضًا خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي فَرْضًا آخَرَ) لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ شَرِكَةٌ وَمُوَافَقَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاتِّحَادِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصِحُّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَ هَاتِ، فَعَرَضْت عَلَيْهِ حَدِيثَهَا فَمَا أَنْكَرَ مِنْهُ شَيْئًا» . وَقَوْلُهُ: (وَيُصَلِّي الْمُومِئُ خَلْفَ مِثْلِهِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (؛ لِأَنَّ الْقُعُودَ مُعْتَبَرٌ فَتَثْبُتُ بِهِ الْقُوَّةُ) دَلِيلُهُ أَنَّ صَلَاةَ التَّطَوُّعِ مُسْتَلْقِيًا بِالْإِيمَاءِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقُعُودِ لَا تَجُوزُ. قَالَ (وَلَا يُصَلِّي الَّذِي يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ خَلْفَ الْمُومِئِ) قَالَ زُفَرُ: تَصِحُّ إمَامَةُ الْمُومِئِ بِمَنْ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ سَقَطَ إلَى بَدَلٍ، وَالْمُتَأَدَّى بِالْبَدَلِ كَالْمُتَأَدَّى بِالْأَصْلِ، وَلِهَذَا قُلْنَا: إنَّ الْمُتَيَمِّمَ يَؤُمُّ الْمُتَوَضِّئِينَ. وَلَنَا أَنَّ حَالَ الْمُقْتَدِي أَقْوَى بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَصْلِ فَيَمْتَنِعُ الِاقْتِدَاءُ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِيمَاءَ بَدَلٌ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُ أَوْ بَعْضَ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ بَدَلًا عَنْهُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْضَ الْأَصْلِ لَوْ جَازَ الِاقْتِدَاءُ لَكَانَ مُقْتَدِيًا فِي بَعْضِ الصَّلَاةِ دُونَ الْبَعْضِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُصَلِّي الْمُفْتَرِضُ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ) هَذِهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ وَعَكْسُهُ، وَاقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُفْتَرِضِ مُخْتَلِفَيْنِ: فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِنَاءُ أَمْرٍ وُجُودِيٍّ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ مُتَابَعَةِ شَخْصٍ لِآخَرَ فِي أَفْعَالِهِ بِصِفَاتِهَا وَهُوَ مَفْهُومٌ وُجُودِيٌّ لَا سَلَبَ فِيهِ، وَبِنَاءُ الْأَمْرِ الْوُجُودِيِّ عَلَى الْمَعْدُومِ بِصِفَاتِهِ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ، وَوَصْفُ الْفَرْضِيَّةِ مَعْدُومٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ شَرِكَةٌ: يَعْنِي فِي التَّحْرِيمَةِ وَمُوَافَقَةٌ يَعْنِي فِي الْأَفْعَالِ وَلَا شَرِكَةَ وَلَا مُوَافَقَةَ إلَّا عِنْدَ اتِّحَادِ مَا تُحَرَّمَا لَهُ وَفَعَلَاهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ شَرِكَةً فِي التَّحْرِيمَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُوَافَقَةً فِيهَا عَلَى قَوْلِهِمَا، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَقْتَضِي الْمَعِيَّةَ فِي الِاشْتِرَاكِ، وَالْبِنَاءُ يَقْتَضِي التَّعَاقُبَ فَيَكُونُ بَيْنَ الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي

لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ عِنْدَمَا أَدَّاهُ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَافَقَةِ، وَعِنْدَنَا مَعْنَى التَّضَمُّنِ مُرَاعًى (وَيُصَلِّي الْمُتَنَفِّلُ خَلْفَ الْمُفْتَرِضِ) لِأَنَّ الْحَاجَةَ فِي حَقِّهِ إلَى أَصْلِ الصَّلَاةِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ فَيَتَحَقَّقَ الْبِنَاءُ. (وَمَنْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ إمَامَهُ مُحْدِثٌ أَعَادَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنَافٍ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الِاشْتِرَاكَ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّحْرِيمَةِ وَالْبِنَاءُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَفْعَالِ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا، وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَوَّزَ الِاقْتِدَاءَ فِي الصُّورَتَيْنِ جَمِيعًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ (؛ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ عِنْدَهُ أَدَاءٌ عَلَى سَبِيلِ الْمُرَافَقَةِ) يَعْنِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُصَلِّي بِذَاتِهِ إلَّا أَنَّهُ يُوَافِقُ الْإِمَامَ فِي الْأَرْكَانِ وَالِانْتِقَالُ مِنْ حَيْثُ الْوَقْتُ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِالْمُوَافَقَةِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ، وَاسْتَدَلَّ بِهَا أَيْضًا الشَّافِعِيُّ عَلَى جَوَازِهِ وَذَلِكَ ظَاهِرُ الْفَسَادِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُوَافَقَةِ فِي دَلِيلِنَا مُوَافَقَةٌ تَبَعِيَّةٌ، وَفِي دَلِيلِهِ مُوَافَقَةٌ فِي تَطْبِيقِ أَفْعَالِهِ الصَّادِرَةِ مِنْهُ عَلَى الزَّمَانِ الَّذِي طَابَقَهُ أَفْعَالُ الْإِمَامِ لَيْسَ إلَّا وَهَذَا غَيْرُ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ. وَقَوْلُهُ: (وَعِنْدَنَا مَعْنَى التَّضَمُّنِ مُرَاعًى) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْإِمَامُ ضَامِنٌ» عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَعْنَاهُ وَكَوْنُ الشَّيْءِ لَا يَتَضَمَّنُ مَا فَوْقَهُ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَحَّ أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَرْجِعُ فَيُصَلِّيهَا بِقَوْمِهِ فِي بَنِي سَلَمَةَ فَكَانَ صَلَاةُ قَوْمِهِ فَرْضًا وَصَلَاتُهُ نَفْلًا. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ؛ لِأَنَّ مُعَاذًا جَازَ أَنْ يَنْوِيَ مَعَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَفْلًا وَيُصَلِّيَ مَعَ قَوْمِهِ الْفَرْضَ (وَيَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ) وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي (لِأَنَّ الْحَاجَةَ فِي حَقِّهِ) أَيْ فِي حَقِّ الْمُتَنَفِّلِ إلَى أَصْلِ الصَّلَاةِ (وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ فَيَتَحَقَّقُ الْبِنَاءُ) وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ مُطْلَقَ النِّيَّةِ كَافٍ فِي صِحَّةِ النَّفْلِ وَالْفَرْضُ يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ فَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِخِلَافِ الْعَكْسِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّرِكَةَ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ، وَأَمَارَتُهَا جَوَازُ بِنَاءِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ لِلْمُنْفَرِدِ فِي الْمُخْتَلِفَيْنِ، وَالْمُنْفَرِدُ لَا يَصِحُّ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ فَرْضًا عَلَى فَرْضٍ آخَرَ فَلَا يَقْتَدِي بِغَيْرِهِ كَذَلِكَ، وَكَذَا لَا يَصِحُّ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ الْفَرْضَ عَلَى النَّفْلِ، وَأَمَّا بِنَاءُ النَّفْلِ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْفَرْضِ فَقَدْ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا فَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِغَيْرِهِ. (وَمَنْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ إمَامَهُ مُحْدِثٌ أَعَادَ) وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْعِلْمِ بَعْدَ الِاقْتِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ بِذَلِكَ قَبْلَهُ لَمْ يَجُزْ الِاقْتِدَاءُ بِهِ إجْمَاعًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ عِنْدَهُ أَدَاءٌ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَافَقَةِ مِنْ غَيْرِ مَعْنَى التَّضَمُّنِ. وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِأَصْحَابِهِ، ثُمَّ تَذَكَّرَ جَنَابَةً فَأَعَادَهَا وَقَالَ: مَنْ أَمَّ قَوْمًا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا أَعَادَ صَلَاتَهُ وَأَعَادُوا» وَعُورِضَ بِمَا رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ

لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَمَّ قَوْمًا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا أَعَادَ صَلَاتَهُ وَأَعَادُوا» وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَنَحْنُ نَعْتَبِرُ مَعْنَى التَّضَمُّنِ وَذَلِكَ فِي الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ فِي صَلَاتِهِ فَكَبَّرَ وَكَبَّرْنَا مَعَهُ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْقَوْمِ أَنْ اُمْكُثُوا كَمَا أَنْتُمْ، فَلَمْ نَزَلْ قِيَامًا حَتَّى أَتَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ اغْتَسَلَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً فَصَلَّى بِهِمْ» وَلَوْ لَمْ تَكُنْ صَلَاتُهُمْ مُنْعَقِدَةً لَمْ يُكَلِّفْهُمْ اسْتِدَامَةَ الْقِيَامِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ عَدَمَ طَهَارَةِ الْإِمَامِ لَا تَمْنَعُ انْعِقَادَ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِحَالِ الْإِمَامِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمُكْثِ لَا يَدُلُّ عَلَى الِانْعِقَادِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَنْعًا لَهُمْ عَنْ التَّفَرُّقِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ ذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ، وَذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْمَأَ إلَيْهِمْ أَنْ اُقْعُدُوا وَلَوْ انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُمْ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِذَلِكَ، عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ تَعَلُّقِ صَلَاةِ الْقَوْمِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ، عَلَى أَنَّ ذَلِكَ حِكَايَةُ فِعْلٍ لَا تُعَارِضُ الْقَوْلَ. وَقَوْلُهُ: (وَنَحْنُ نَعْتَبِرُ مَعْنَى التَّضَمُّنِ) مَعْنَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «الْإِمَامُ ضَامِنٌ» وَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ ضَامِنٌ لِصَلَاةِ نَفْسِهِ وَلَا فَائِدَةَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ كَذَلِكَ، أَوْ ضَامِنٌ لِصَلَاةِ الْقَوْمِ وَهُوَ صَحِيحٌ، ثُمَّ إنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ ضَامِنًا لِصَلَاتِهِمْ وُجُوبًا وَأَدَاءً أَوْ صِحَّةً وَفَسَادًا، وَالْأَوَّلَانِ غَيْرُ مُرَادَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ فَتَعَيَّنَ الْآخَرَانِ عَلَى

(وَإِذَا صَلَّى أُمِّيٌّ بِقَوْمٍ يَقْرَءُونَ وَبِقَوْمٍ أُمِّيِّينَ فَصَلَاتُهُمْ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَقَالَا: صَلَاةُ الْإِمَامِ وَمَنْ لَا يَقْرَأُ تَامَّةٌ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ أَمَّ قَوْمًا مَعْذُورِينَ وَغَيْرَ مَعْذُورِينَ فَصَارَ كَمَا إذَا أَمَّ الْعَارِي عُرَاةً وَلَابِسِينَ. وَلَهُ أَنَّ الْإِمَامَ تَرَكَ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا فَتَفْسُدَ صَلَاتُهُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَدَى بِالْقَارِئِ تَكُونُ قِرَاءَتُهُ قِرَاءَةً لَهُ بِخِلَافِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَأَمْثَالِهَا لِأَنَّ الْمَوْجُودَ فِي حَقِّ الْإِمَامِ لَا يَكُونُ مَوْجُودًا فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي (وَلَوْ كَانَ يُصَلِّي الْأُمِّيُّ وَحْدَهُ وَالْقَارِئُ وَحْدَهُ جَازَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعْنَى أَنَّهُ يَتَحَمَّلُ السَّهْوَ وَالْقِرَاءَةَ عَنْ الْمُقْتَدِي وَتَفْسُدُ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي بِفَسَادِ صَلَاةِ الْإِمَامِ. وَقَوْلُهُ: (وَإِذَا صَلَّى أُمِّيٌّ) الْأُمِّيُّ مَنْسُوبٌ إلَى الْأُمِّ: أَيْ هُوَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ. وَالْمُرَادُ بِهِ حَيْثُ مَا وَرَدَ فِي الْكِتَابِ وَالْحَدِيثِ وَلِسَانِ الْعَرَبِ: مَنْ لَا يُحْسِنُ الْخَطَّ وَلَا يَقْرَأُ شَيْئًا، وَمَنْ أَحْسَنَ قِرَاءَةَ آيَةٍ مِنْ التَّنْزِيلِ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ أُمِّيًّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَثَلَاثِ آيَاتٍ أَوْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ عِنْدَهُمَا، فَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ مَنْ يَحْفَظُ التَّنْزِيلَ بِهِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ يَتِمُّ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمِقْدَارِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (وَهَذَا) إشَارَةٌ إلَى تَرْكِ فَرْضِ الْقِرَاءَةِ. وَقَوْلُهُ: (تَكُونُ قِرَاءَتُهُ قِرَاءَةً لَهُ) يَعْنِي لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ قِرَاءَةٌ لَهُ» ) وَقَوْلُهُ: (بِخِلَافِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ) يُرِيدُ مَا اسْتَشْهَدَا بِهِ مِنْ الْعَارِي إذَا أَمَّ عُرَاةً وَلَابِسِينَ (وَأَمْثَالِهَا) يُرِيدُ بِهِ الْأَخْرَسَ أَمَّ قَوْمًا قَارِئِينَ وَخُرْسًا، وَصَاحِبُ الْجُرْحِ وَالْمُومِئُ إذَا أَمَّا لِمَنْ هُوَ بِمِثْلِ حَالِهِمَا وَلِمَنْ هُوَ أَعْلَى حَالًا مِنْهُمَا، وَالْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ أَحَدُ طَرِيقَيْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالطَّرِيقُ الْآخَرُ مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ أَنَّ افْتِتَاحَ الْكُلِّ قَدْ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ أَوَانُ التَّكْبِيرِ، وَالْأُمِّيُّ قَادِرٌ عَلَيْهِ كَالْقَارِئِ، فَبِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ صَارَ الْأُمِّيُّ مُتَحَمِّلًا فَرْضَ الْقِرَاءَةِ عَنْ الْقَارِئِ ثُمَّ جَاءَ أَوَانُ الْقِرَاءَةِ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ الْوَفَاءِ بِمَا تَحَمَّلَ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَبِفَسَادِ صَلَاتِهِ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْقَوْمِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَعْذَارِ فَإِنَّهَا قَائِمَةٌ عِنْدَ الِافْتِتَاحِ، وَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ مَنْ لَا عُذْرَ بِهِ بِصَاحِبِ الْعُذْرِ. وَقَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ يُصَلِّي الْأُمِّيُّ) فِيهِ شَائِبَةُ الْجَوَابِ عَمَّا يُقَالُ لَوْ كَانَ النَّظَرُ إلَى الْقُدْرَةِ عَلَى جَعْلِ الصَّلَاةِ بِقِرَاءَةٍ بِالِاقْتِدَاءِ بِالْقَارِئِ مُعْتَبَرًا لَمَا جَازَ صَلَاةُ الْأُمِّيِّ وَحْدَهُ وَالْقَارِئُ وَحْدَهُ لِاقْتِدَارِهِ أَنْ يَجْعَلَ صَلَاتَهُ بِقِرَاءَةٍ بِالِاقْتِدَاءِ بِالْقَارِئِ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُمَا رَغْبَةٌ فِي الْجَمَاعَةِ، وَالشَّرْعُ إنَّمَا

هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُمَا رَغْبَةٌ فِي الْجَمَاعَةِ (فَإِنْ قَرَأَ الْإِمَامُ فِي الْأُولَيَيْنِ ثُمَّ قَدَّمَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ أُمِّيًّا فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ) وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تَفْسُدُ لِتَأَدِّي فَرْضِ الْقِرَاءَةِ. وَلَنَا أَنَّ كُلَّ رَكْعَةٍ صَلَاةٌ فَلَا تَخْلُو عَنْ الْقِرَاءَةِ إمَّا تَحْقِيقًا ـــــــــــــــــــــــــــــQجَعَلَ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ قِرَاءَةَ الْمُقْتَدِي إذَا اقْتَدَى، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ كَلَامَنَا فِي الِاقْتِدَاءِ. وَقَوْلُهُ: (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا ذَكَرَ أَبُو حَاتِمٍ أَنَّ قِيَاسَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَلَّا تَجُوزَ صَلَاتُهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَقَوْلُهُ: (وَقَدَّمَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ أُمِّيًّا) أَيْ أَحْدَثَ (فَاسْتَخْلَفَ أُمِّيًّا فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ) وَقَالَ زُفَرُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي غَيْرِ الْأُصُولِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ قَدْ تَأَدَّى فَكَانَ اسْتِخْلَافُ الْقَارِئِ وَالْأُمِّيِّ سَوَاءً. وَلَنَا أَنَّ كُلَّ رَكْعَةٍ صَلَاةٌ فَلَا تَخْلُو عَنْ الْقِرَاءَةِ بِالدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِهَا، إمَّا تَحْقِيقًا كَمَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ، وَإِمَّا تَقْدِيرًا كَمَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ، فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ قِرَاءَةٌ فِي الْأُخْرَيَيْنِ بِالْحَدِيثِ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُمَا بِمُجَرَّدٍ فِي حَقِّ

[باب الحدث في الصلاة]

أَوْ تَقْدِيرًا وَلَا تَقْدِيرَ فِي حَقِّ الْأُمِّيِّ لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ، وَكَذَا عَلَى هَذَا لَوْ قَدَّمَهُ فِي التَّشَهُّدِ. (بَابُ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ) (وَمَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي الصَّلَاةِ انْصَرَفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأُمِّيِّ، أَمَّا تَحْقِيقًا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا تَقْدِيرًا فَلِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ، وَالشَّيْءُ إنَّمَا يُقَدَّرُ إذَا أَمْكَنَ تَحْقِيقُهُ. وَقَوْلُهُ: (وَكَذَا عَلَى هَذَا لَوْ قَدَّمَهُ) أَيْ الْأُمِّيَّ (فِي التَّشَهُّدِ) يَعْنِي قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ (لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ عِنْدَ زُفَرَ وَفَسَدَتْ عِنْدَنَا) وَأَمَّا إذَا قَدَّمَهُ بَعْدَ مَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَهِيَ مِنْ الِاثْنَا عَشْرِيَّةِ، وَقِيلَ لَا تَفْسُدُ عِنْدَ الْكُلِّ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِوُجُودِ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ بِصُنْعِهِ وَهُوَ الِاسْتِخْلَافُ كَمَا لَوْ قَهْقَهَ أَوْ تَكَلَّمَ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ فِعْلِهِ وَهُوَ مُنَافٍ فَانْقَطَعَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِيمَا لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ مِثْلُ طُلُوعِ الشَّمْسِ، قِيلَ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ] لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ السَّلَامَةِ عَنْ الْعَوَارِضِ فِي الصَّلَاةِ انْفِرَادًا وَجَمَاعَةً؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْأَصْلُ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ مَا يَعْرِضُ لَهُ مِنْ الْعَوَارِضِ وَيَمْنَعُهُ مِنْ الْمُضِيِّ، وَالْأَصْلُ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ (وَمَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي الصَّلَاةِ انْصَرَفَ عَلَى الْفَوْرِ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَكَثَ سَاعَةً صَارَ جُزْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ مُؤَدًّى مَعَ الْحَدَثِ. وَأَدَاؤُهَا مَعَهُ لَا يَجُوزُ فَفَسَدَ مَا أَدَّى فَفَسَدَ الْبَاقِي ضَرُورَةَ

فَإِنْ كَانَ إمَامًا اسْتَخْلَفَ وَتَوَضَّأَ وَبَنَى) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْحَدَثَ يُنَافِيهَا وَالْمَشْيَ وَالِانْحِرَافَ يُفْسِدَانِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَتَجَزَّأُ صِحَّةً وَفَسَادًا (فَإِنْ كَانَ إمَامًا اسْتَخْلَفَ) وَتَفْسِيرُ الِاسْتِخْلَافِ أَنْ يَأْخُذَ بِثَوْبِهِ وَيَجُرَّهُ إلَى الْمِحْرَابِ (وَتَوَضَّأَ وَبَنَى) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ يُنَافِي الصَّلَاةَ) ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَلْزِمُ الطَّهَارَةَ وَالْحَدَثُ يُنَافِي الطَّهَارَةَ، وَمُنَافِي اللَّازِمِ مُنَافٍ لِلْمَلْزُومِ وَالشَّيْءُ لَا يُنْفَى مَعَ الْمُنَافِي (وَلِأَنَّ الْمَشْيَ وَالِانْحِرَافَ) عَنْ الْقِبْلَةِ (يُفْسِدَانِ الصَّلَاةَ) وَكُلُّ مَا يُفْسِدُهَا لَا تَبْقَى مَعَهُ كَالْحَدَثِ الْعَمْدِ فَالصَّلَاةُ لَا تَبْقَى مَعَ الْمَشْيِ وَالِانْحِرَافِ

فَأَشْبَهَ الْحَدَثُ الْعَمْدَ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ أَوْ أَمَذَى فِي صَلَاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ وَلِيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَقَاءَ أَوْ رَعَفَ فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فَمِهِ وَلْيُقَدِّمْ مَنْ لَمْ يُسْبَقْ بِشَيْءٍ» ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: (فَأَشْبَهَ الْحَدَثَ الْعَمْدَ) يَخْدُمُ فِي الدَّلِيلَيْنِ (وَلَنَا قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ أَوْ أَمَذَى فِي صَلَاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ» وَقَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَقَاءَ أَوْ رَعَفَ فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فَمِهِ وَلْيُقَدِّمْ مَنْ لَمْ يُسْبَقْ بِشَيْءٍ» وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ قَالَ «وَلْيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ» ، وَأَدْنَى مَرْتَبَةِ

وَالْبَلْوَى فِيمَا يُسْبَقُ دُونَ مَا يَتَعَمَّدُ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ (وَالِاسْتِئْنَافُ أَفْضَلُ) تَحَرُّزًا عَنْ شُبْهَةِ الْخِلَافِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَمْرِ الْإِبَاحَةُ فَيَكُونُ الْبِنَاءُ مُبَاحًا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، فَإِنْ قِيلَ: الْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ لِلْوُجُوبِ فَيَكُونُ فِي قَوْلِهِ وَلْيَبْنِ كَذَلِكَ وَلَمْ يَقُولُوا بِهِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْقِرَانَ فِي النَّظْمِ لَا يُوجِبُ الْقِرَانَ فِي الْحُكْمِ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَفُقَهَاءُ الصَّحَابَةِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى مَا قُلْنَا، وَبِمِثْلِهِ مِنْ الْإِجْمَاعِ يُتْرَكُ الْقِيَاسُ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ نَصٌّ فَكَيْفَ إذَا كَانَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْحَدِيثَ الثَّانِيَ؛ لِأَنَّ فِيهِ بَيَانَ الِاسْتِخْلَافِ وَقَالَ: مَنْ لَمْ يُسْبَقْ بِشَيْءٍ بَيَانًا لِلْأَفْضَلِ؛ لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى إتْمَامِ الصَّلَاةِ مِنْ الْمَسْبُوقِ فَتَقْلِيدُهُ يَكُونُ خِيَانَةً. وَقَوْلُهُ: (وَالْبَلْوَى فِيمَا يُسْبَقُ دُونَ مَا يَتَعَمَّدُهُ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ) قِيلَ هُوَ جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ الشَّافِعِيِّ الْحَدَثَ السَّابِقَ بِالْحَدَثِ الْعَمْدِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ قِيَاسَ الْحَدَثِ السَّابِقِ عَلَى الْحَدَثِ الْعَمْدِ فَاسِدٌ لِوُجُودِ الْفَارِقِ؛ لِأَنَّ السَّابِقَ فِيهِ الْبَلْوَى لِحُصُولِهِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ فَجَازَ أَنْ يُجْعَلَ مَعْذُورًا بِخِلَافِ الْعَمْدِ فَلَا يَجُوزُ إلْحَاقُ السَّابِقِ بِهِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَالْقِيَاسُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ، وَذَلِكَ اعْتِرَافٌ بِصِحَّةِ الْقِيَاسِ، إلَّا أَنَّهُ تُرِكَ بِالنَّصِّ. وَفِي الِاشْتِغَالِ بِبَيَانِ فَسَادِهِ تَنَاقُضٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ تَرْكُ إلْحَاقِ الْعَمْدِ بِالسَّابِقِ، فَإِنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ السَّابِقُ وَالْعَمْدُ فِي كَوْنِهِمَا مُنَافِيَيْنِ لِلصَّلَاةِ سَوَاءٌ، فَإِذَا بَنَى فِي السَّابِقِ بِمَا ذَكَرَ ثُمَّ مِنْ الدَّلِيلِ فَلْيَبْنِ فِي الْعَمْدِ إلْحَاقًا بِهِ، فَقَالَ فِي السَّابِقِ: بَلْوَى دُونَ الْعَمْدِ، وَالشَّيْءُ إنَّمَا يَلْحَقُ بِغَيْرِهِ إذَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ (وَالِاسْتِئْنَافُ أَفْضَلُ تَحَرُّزًا عَنْ شُبْهَةِ الْخِلَافِ) وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْبِنَاءَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْأَحْدَاثِ الْخَارِجَةِ مِنْ بَدَنِهِ الْمُوجِبَةِ لِلْوُضُوءِ لَا الْغُسْلِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ مِنْهُ

وَقِيلَ إنَّ الْمُنْفَرِدَ يَسْتَقْبِلُ وَالْإِمَامَ وَالْمُقْتَدِيَ يَبْنِي صِيَانَةً لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ (وَالْمُنْفَرِدَ إنْ شَاءَ أَتَمَّ فِي مَنْزِلِهِ، وَإِنْ شَاءَ عَادَ إلَى مَكَانِهِ) ، وَالْمُقْتَدِيَ يَعُودُ إلَى مَكَانِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامُهُ قَدْ فَرَغَ أَوْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْحَدَثِ أَوْ لِسَبَبِهِ، وَلَا مِنْ غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَأْتِ بَعْدَهُ بِمَا يُنَافِي الصَّلَاةَ مِنْ تَوَقُّفٍ فِي مَوْضِعِ الصَّلَاةِ وَكَلَامٍ أَوْ حَدَثٍ أَوْ كَشْفِ عَوْرَةٍ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، فَلَا يَبْنِي إذَا انْصَرَفَ لِغَسْلِ نَجَاسَةٍ فِي ثَوْبِهِ، أَوْ لِلْوُضُوءِ مِنْ الْإِغْمَاءِ وَنَحْوِهِ، أَوْ لِلْغُسْلِ مِنْ الِاحْتِلَامِ، أَوْ تَعَمَّدَ الْحَدَثَ أَوْ عَصَرَ جِرَاحَةً فَسَالَ مِنْهَا دَمٌ نَجِسٌ، أَوْ رَمَاهُ إنْسَانٌ بِحَجَرٍ أَوْ سَقَطَ مِنْ السَّقْفِ فَأَدْمَاهُ، أَوْ مَكَثَ سَاعَةً فِي مَوْضِعِ الصَّلَاةِ بَعْدَ سَبْقِ الْحَدَثِ كَمَا مَرَّ، أَوْ تَكَلَّمَ أَوْ بَالَ أَوْ تَغَوَّطَ أَوْ كَشَفَ الْعَوْرَةَ عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ، أَوْ الْوُضُوءِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ (وَقِيلَ إنَّ الْمُنْفَرِدَ يَسْتَقْبِلُ) أَيْ الْأَفْضَلُ لَهُ ذَلِكَ (وَالْإِمَامُ وَالْمُقْتَدِي يَبْنِي) كَذَلِكَ (وَالْمُنْفَرِدُ إنْ شَاءَ أَتَمَّ فِي مَنْزِلِهِ) الَّذِي تَوَضَّأَ فِيهِ بَعْدَ الِانْصِرَافِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْلِيلِ الْمَشْيِ، وَإِنْ شَاءَ عَادَ إلَى مَكَانِهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ لِيَكُونَ جَمِيعُ الصَّلَاةِ مُؤَدًّى فِي مَكَان وَاحِدٍ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ فِي الْعَوْدِ إلَى مَكَانِهِ مَشْيًا فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إذْ الْأَدَاءُ فِي الْمَنْزِلِ صَحِيحٌ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَشْيَ غَيْرُ مَوْجُودٍ حُكْمًا؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الصَّلَاةِ تَجْعَلُ الْأَمَاكِنَ الْمُخْتَلِفَةَ كَالْمَكَانِ الْوَاحِدِ، وَلِهَذَا صَحَّ التَّنَفُّلُ عَلَى الدَّابَّةِ. وَقَوْلُهُ: (وَالْمُقْتَدِي يَعُودُ إلَى مَكَانِهِ) يَعْنِي حَتْمًا، حَتَّى لَوْ أَتَمَّ بَقِيَّةَ صَلَاتِهِ فِي مَوْضِعِ وُضُوئِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إمَامِهِ مَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ مِنْ طَرِيقٍ أَوْ نَهْرٍ أَوْ حَائِطٍ، وَلِهَذَا إذَا فَرَغَ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ جَازَ أَنْ يَبْنِيَ فِي مَنْزِلِهِ، فَإِنْ أَدْرَكَ إمَامَهُ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَقْضِيَ مَا سَبَقَهُ الْإِمَامُ فِي حَالِ اشْتِغَالِهِ بِالْوُضُوءِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ ثُمَّ يَقْضِيَ آخِرَ صَلَاتِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يُتَابِعَ الْإِمَامَ ثُمَّ يَقْضِيَ مَا سَبَقَهُ الْإِمَامُ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ؛ لِأَنَّ تَرْتِيبَ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ خِلَافًا لِزُفَرَ، كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.

(وَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ أَحْدَثَ فَخَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ اسْتَقْبَلَ الصَّلَاةَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ يُصَلِّي مَا بَقِيَ) وَالْقِيَاسُ فِيهِمَا الِاسْتِقْبَالُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِوُجُودِ الِانْصِرَافِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ انْصَرَفَ عَلَى قَصْدِ الْإِصْلَاحِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ مَا تَوَهَّمَهُ بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ فَأَلْحَقَ قَصْدَ الْإِصْلَاحِ بِحَقِيقَتِهِ مَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَكَانُ بِالْخُرُوجِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ أَحْدَثَ) الْمُصَلِّي إذَا انْصَرَفَ عَنْ مَكَانِ صَلَاتِهِ عَلَى ظَنِّ انْتِفَاءِ شَرْطِ جَوَازِ صَلَاتِهِ ثُمَّ عَلِمَ وُجُودَهُ: فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ انْصِرَافُهُ عَلَى قَصْدِ إصْلَاحِ الصَّلَاةِ أَوْ عَلَى قَصْدِ رَفْضِهَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ لَا، فَإِنْ خَرَجَ اسْتَقْبَلَ الصَّلَاةَ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ أَتَمَّهَا وَالْقِيَاسُ فِيهِمَا الِاسْتِقْبَالُ لِوُجُودِ الِانْصِرَافِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَمَا إذَا كَانَ عَلَى قَصْدِ الْإِعْرَاضِ عَلَى مَا يَأْتِي (وَهُوَ) أَيْ الِاسْتِقْبَالُ فِيهِمَا (رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَخِلَافُ مُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا كَانَ بَابُ الْمَسْجِدِ عَلَى غَيْرِ حَائِطِ الْقِبْلَةِ لِيَتَحَقَّقَ الِانْصِرَافُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ يَمْشِي فِي الْمَسْجِدِ وَوَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ بِأَنْ كَانَ بَابُ الْمَسْجِدِ عَلَى حَائِطِ الْقِبْلَةِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِالِاتِّفَاقِ. (وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ انْصَرَفَ عَلَى قَصْدِ الْإِصْلَاحِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ مَا تَوَهَّمَهُ بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ) وَقَصْدُ الْإِصْلَاحِ مُلْحَقٌ بِحَقِيقَةِ الْإِصْلَاحِ شَرْعًا كَمَا إذَا تَتَرَّسَ الْكُفَّارُ بِأُسَارَى الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ يُبَاحُ الرَّمْيُ إلَيْهِمْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ قَصْدُهُمْ الرَّمْيَ إلَى الْكُفَّارِ فَيُجْعَلَ كَأَنَّهُمْ رَمَوْا إلَى الْكُفَّارِ، ثُمَّ لَوْ تَحَقَّقَ مَا تَوَهَّمَهُ مِنْ الْحَدَثِ مَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ بِالِانْصِرَافِ لِإِصْلَاحِهَا، فَكَذَا إذَا انْصَرَفَ عَلَى قَصْدِهِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ قَصْدَ الْإِصْلَاحِ لَوْ أُلْحِقَ بِحَقِيقَتِهِ لَمَا شُرِطَ عَدَمُ الْخُرُوجِ عَنْ الْمَسْجِدِ، فَإِنَّ حَقِيقَتَهُ لَمْ تُشْتَرَطْ بِذَلِكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ بِقَدْرِ دَلِيلِهِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ وُجِدَ الْقَصْدُ وَقَامَ الْعُذْرُ وَلَيْسَ

وَإِنْ كَانَ اسْتَخْلَفَ فَسَدَتْ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا ظَنَّ أَنَّهُ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَانْصَرَفَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ عَلَى وُضُوءٍ حَيْثُ تَفْسُدُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ لِأَنَّ الِانْصِرَافَ عَلَى سَبِيلِ الرَّفْضِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ مَا تَوَهَّمَهُ يَسْتَقْبِلُهُ فَهَذَا هُوَ الْحَرْفُ، وَمَكَانُ الصُّفُوفِ فِي الصَّحْرَاءِ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ، وَلَوْ تَقَدَّمَ قُدَّامَهُ فَالْحَدُّ هُوَ السُّتْرَةُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَمِقْدَارُ الصُّفُوفِ خَلْفَهُ، وَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَمَوْضِعُ سُجُودِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (وَإِنَّ جُنَّ أَوْ نَامَ فَاحْتَلَمَ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ اسْتَقْبَلَ) لِأَنَّهُ يَنْدُرُ وُجُودُ هَذِهِ الْعَوَارِضِ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي قَصْدِهِ قِيَامَ الْعُذْرِ فَانْحَطَّ عَنْ دَرَجَتِهَا (وَإِنْ كَانَ) قَدْ (اسْتَخْلَفَ) فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ (فَسَدَتْ) صَلَاتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ لِوُجُودِ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَحَقَّقَ مَا تَوَهَّمَهُ فَإِنَّ الْعَمَلَ غَيْرُ مُفْسِدٍ لِقِيَامِ الْعُذْرِ فَكَانَ الِاسْتِخْلَافُ كَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ يَحْتَاجُ لِصِحَّتِهِ إلَى قَصْدِ الْإِصْلَاحِ وَقِيَامِ الْعُذْرِ. وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَسَدَتْ حَيْثُ انْصَرَفَ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ؛ لِأَنَّ الِانْصِرَافَ عَلَى سَبِيلِ الرَّفْضِ مُلْحَقٌ بِحَقِيقَتِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ مَا تَوَهَّمَهُ يَسْتَقْبِلُهُ (فَهَذَا) أَيْ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّ الِانْصِرَافَ إذَا كَانَ عَلَى قَصْدِ الْإِصْلَاحِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ مَا لَمْ يَخْرُجْ أَوْ يَسْتَخْلِفْ، وَإِذَا كَانَ عَلَى قَصْدِ الْإِعْرَاضِ وَالرَّفْضِ فَسَدَتْ (وَهُوَ الْحَرْفُ) أَيْ الْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، فَمَنْ انْصَرَفَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ لَمْ يَمْسَحْ أَوْ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الَّتِي قَبْلَهَا أَوْ عَلَى ظَنِّ أَنَّ مُدَّةَ الْمَسْحِ قَدْ انْقَضَتْ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ اسْتَقْبَلَ؛ لِأَنَّهُ انْصَرَفَ عَلَى قَصْدِ الرَّفْضِ. وَقَوْلُهُ: (وَمَكَانُ الصُّفُوفِ) لِبَيَانِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْجِدِ مَاذَا يَكُونُ حُكْمُهُ وَهُوَ وَاضِحٌ (وَإِنْ جُنَّ أَوْ نَامَ فَاحْتَلَمَ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ اسْتَقْبَلَ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهُ يَنْدُرُ وُجُودُ هَذِهِ الْعَوَارِضِ) فِي الصَّلَاةِ (فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ) وَهُوَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ

وَكَذَلِكَ إذَا قَهْقَهَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ وَهُوَ قَاطِعٌ. (وَإِنْ حُصِرَ الْإِمَامُ عَنْ الْقِرَاءَةِ فَقَدَّمَ غَيْرَهُ أَجْزَأَهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا لَا يُجْزِئُهُمْ) لِأَنَّهُ يَنْدُرُ وُجُودُهُ فَأَشْبَهَ الْجَنَابَةَ فِي الصَّلَاةِ. وَلَهُ أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ لِعِلَّةِ الْعَجْزِ وَهُوَ هَاهُنَا أَلْزَمُ، وَالْعَجْزُ عَنْ الْقِرَاءَةِ غَيْرُ نَادِرٍ فَلَا يَلْحَقُ بِالْجَنَابَةِ. وَلَوْ قَرَأَ مِقْدَارَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي صَلَاتِهِ» الْحَدِيثَ (وَكَذَلِكَ إذَا قَهْقَهَ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ فَعَلَ الْقَهْقَهَةَ (بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ) فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَنْقُلُ الْمَعْنَى مِنْ ضَمِيرِهِ إلَى فَهْمِ السَّامِعِ (وَهُوَ) أَيْ الْكَلَامُ (قَاطِعٌ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ» وَهَذَا إذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الْعَوَارِضُ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ، فَأَمَّا إذَا وُجِدَتْ بَعْدَهُ فَلَا اسْتِقْبَالَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَرْكَانِ. فَإِنْ قِيلَ: سَلَّمْنَاهُ وَلَكِنْ لَا بُدَّ لِلْخُرُوجِ مِنْ فِعْلِ الْمُصَلِّي عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَمْ يُوجَدْ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَخْلُو الْمَوْصُوفُ بِهَا عَنْ اضْطِرَابٍ أَوْ مُكْثٍ، وَكَيْفَمَا كَانَ فَالصُّنْعُ مِنْهُ مَوْجُودٌ، أَمَّا فِي الِاضْطِرَابِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي الْمُكْثِ فَلِأَنَّهُ يَصِيرُ بِهِ مُؤَدِّيًا جُزْءًا مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ وَالْأَدَاءُ صُنْعٌ مِنْهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا هُوَ مِنْ شُرُوطِ الْبِنَاءِ قُبَيْلَ هَذَا بِأَكْثَرَ مِمَّا ذَكَرَهُ فَلْيَكُنْ عَلَى ذِكْرٍ مِنْك. قِيلَ وَإِنَّمَا قَالَ أَوْ نَامَ فَاحْتَلَمَ؛ لِأَنَّ النَّوْمَ بِانْفِرَادِهِ لَيْسَ بِمُفْسِدٍ، وَكَذَا الِاحْتِلَامُ الْمُنْفَرِدُ عَنْ النَّوْمِ وَهُوَ الْبُلُوغُ بِالسِّنِّ، فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بَيَانًا لِلْمُرَادِ. قَالَ (وَإِنْ حُصِرَ الْإِمَامُ عَنْ الْقِرَاءَةِ) كُلُّ مَنْ امْتَنَعَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَقَدْ حُصِرَ عَنْهُ، فَإِنْ عَجَزَ الْإِمَامُ عَنْ الْقِرَاءَةِ بِنِسْيَانِهِ جَمِيعَ مَا كَانَ يَحْفَظُ (فَاسْتَخْلَفَ غَيْرَهُ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا يُجْزِئُهُمْ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: بَلْ يُتِمُّهَا بِدُونِ الْقِرَاءَةِ كَالْأُمِّيِّ إذَا أَمَّ قَوْمًا أُمِّيِّينَ، وَنَسَبَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ إلَى السَّهْوِ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَهُمَا أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَقَوْلُهُ: (؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْحَصْرُ عَنْ الْقِرَاءَةِ (نَادِرُ الْوُجُودِ كَالْجَنَابَةِ فِي الصَّلَاةِ) فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ مِنْ الْحَدَثِ الَّذِي تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ فِي بَابِ الْحَدَثِ جَازَ لِلْعَجْزِ عَنْ الْمُضِيِّ وَالْعَجْزُ هَاهُنَا أَلْزَمُ) ؛ لِأَنَّ الْمُحْدِثَ قَدْ يَجِدُ فِي الْمَسْجِدِ مَاءً فَيُمْكِنُهُ إتْمَامُ صَلَاتِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِخْلَافٍ. أَمَّا الَّذِي نَسِيَ جَمِيعَ مَا يَحْفَظُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِتْمَامِ إلَّا بِالتَّذْكِيرِ وَالتَّعْلِيمِ، كَذَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ. وَذَكَرَ أَبُو الْيُسْرِ: إنَّمَا يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ إذَا كَانَ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ إلَّا أَنَّهُ لَحِقَهُ خَوْفٌ أَوْ خَجَلٌ فَامْتَنَعَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ، وَأَمَّا إذَا نَسِيَ فَصَارَ أُمِّيًّا لَمْ يَجُزْ الِاسْتِخْلَافُ. وَقَوْلُهُ: (وَالْعَجْزُ عَنْ الْقِرَاءَةِ غَيْرُ نَادِرٍ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ يَنْدُرُ وُجُودُهُ. وَقَوْلُهُ: (وَلَوْ قَرَأَ مِقْدَارَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ)

لَا يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (وَإِنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ تَوَضَّأَ وَسَلَّمَ) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ وَاجِبٌ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوَضُّؤِ لِيَأْتِيَ بِهِ (وَإِنْ تَعَمَّدَ الْحَدَثَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْ تَكَلَّمَ أَوْ عَمِلَ عَمَلًا يُنَافِي الصَّلَاةَ تَمَّتْ صَلَاتُهُ) لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الْبِنَاءُ لِوُجُودِ الْقَاطِعِ، لَكِنْ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَرْكَانِ. (فَإِنَّ رَأَى الْمُتَيَمِّمُ الْمَاءَ فِي صَلَاتِهِ بَطَلَتْ) وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ (وَإِنْ رَآهُ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أَوْ كَانَ مَاسِحًا فَانْقَضَتْ مُدَّةُ مَسْحِهِ أَوْ خَلَعَ خُفَّيْهِ بِعَمَلٍ يَسِيرٍ أَوْ كَانَ أُمِّيًّا فَتَعَلَّمَ سُورَةً أَوْ عُرْيَانًا فَوَجَدَ ثَوْبًا، أَوْ مُومِيًا فَقَدَر عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQظَاهِرٌ. وَكَذَا قَوْلُهُ: (وَإِنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ) وَقَوْلُهُ: (فِي هَذِهِ الْحَالَةِ) يَعْنِي بَعْدَ التَّشَهُّدِ. وَقَوْلُهُ: (وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ) يَعْنِي فِي بَابِ التَّيَمُّمِ حَيْثُ قَالَ: وَيَنْقُضُهُ أَيْضًا رُؤْيَةُ الْمَاءِ إذَا قَدَرَ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ. وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ رَآهُ بَعْدَ مَا قَعَدَ) بَيَانُ مَسَائِلَ تُسَمَّى بِاثْنَيْ عَشْرِيَّةٍ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ. وَقَوْلُهُ: (بِعَمَلٍ يَسِيرٍ) يَعْنِي بِأَنْ كَانَ الْخُفُّ وَاسِعَ السَّاقِ لَا يَحْتَاجُ فِي نَزْعِهِ إلَى الْمُعَالَجَةِ. وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ ضَيِّقًا فَعَالَجَ بِالنَّزْعِ تَمَّتْ صَلَاتُهُ بِالِاتِّفَاقِ. وَقَوْلُهُ: (فَتَعَلَّمَ سُورَةً) قِيلَ تَذَكَّرَ بَعْدَ النِّسْيَانِ؛ لِأَنَّ التَّعَلُّمَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ التَّعْلِيمِ، وَذَلِكَ فِعْلٌ يُنَافِي الصَّلَاةَ فَتَتِمُّ صَلَاتُهُ بِالِاتِّفَاقِ. وَقِيلَ سَمِعَهَا بِلَا

أَوْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً عَلَيْهِ قَبْلَ هَذِهِ أَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ الْقَارِئُ فَاسْتَخْلَفَ أُمِّيًّا أَوْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فِي الْفَجْرِ أَوْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ فِي الْجُمُعَةِ، أَوْ كَانَ مَاسِحًا عَلَى الْجَبِيرَةِ فَسَقَطَتْ عَنْ بُرْءٍ، أَوْ كَانَ صَاحِبَ عُذْرٍ فَانْقَطَعَ عُذْرُهُ كَالْمُسْتَحَاضَةِ وَمَنْ بِمَعْنَاهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا تَمَّتْ صَلَاتُهُ) وَقِيلَ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْخُرُوجَ عَنْ الصَّلَاةِ بِصُنْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQاخْتِيَارٍ وَحَفِظَهَا بِلَا صُنْعٍ. وَقَوْلُهُ: (أَوْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً قَبْلَ هَذِهِ) يَعْنِي إذَا كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ. وَقَوْلُهُ: (أَوْ أَحْدَثَ فَاسْتَخْلَفَ أُمِّيًّا) قِيلَ هُوَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَأَمَّا عَلَى اخْتِيَارِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فَلَا فَسَادَ فِي الِاسْتِخْلَافِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ بِلَا خِلَافٍ. وَقَوْلُهُ: (أَوْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ فِي الْجُمُعَةِ) قِيلَ كَيْفَ يَتَحَقَّقُ هَذَا الْخِلَافُ وَدُخُولُ الْعَصْرِ عِنْدَهُ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، وَعِنْدَهُمَا إذَا صَارَ مِثْلَهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا عَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَقْتًا مُهْمَلًا، فَإِذَا صَارَ ظِلُّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ تَحَقَّقَ الْخُرُوجُ عِنْدَهُمْ وَتَمَّتْ الصَّلَاةُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ بَاطِلَةٌ وَهَذَا يُخَالِفُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ أَوْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ فِي الْجُمُعَةِ. وَقِيلَ يُمْكِنُ أَنْ يَقْعُدَ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ إلَى أَنْ يَصِيرَ الظِّلُّ مِثْلَيْهِ، فَحِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ الْخِلَافُ وَهُوَ بَعِيدٌ كَمَا تَرَى. وَلَكِنْ يُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ عَلَى الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْخُرُوجَ وَالدُّخُولَ يَكُونُ ظِلُّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُمَا فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ الْخِلَافُ. وَاعْلَمْ أَنَّ نِسْبَةَ الْوَقْتِ الْمُهْمَلِ إلَى الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ إنَّمَا هِيَ عَلَى مَا نُقِلَ فِي مَبْسُوطِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ. وَأَمَّا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ فَهِيَ مَنْسُوبَةٌ إلَى رِوَايَةِ أَسَدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْمَنْسُوبُ إلَى الْحَسَنِ رِوَايَةُ الْمُوَافَقَةِ فِي الْمَذْهَبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَقَوْلُهُ: (كَالْمُسْتَحَاضَةِ وَمَنْ بِمَعْنَاهَا) يَعْنِي إذَا اسْتَوْعَبَ الِانْقِطَاعُ وَقْتًا كَامِلًا، فَلَوْ انْقَطَعَ الدَّمُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ سَالَ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ أُخْرَى فَالصَّلَاةُ الْأُولَى جَائِزَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ لَمْ يَسِلْ فَهِيَ بَاطِلَةٌ لِتَحَقُّقِ الِانْقِطَاعِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَهُوَ كَالِانْقِطَاعِ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ، وَعِنْدَهُمَا جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّهُ كَالِانْقِطَاعِ بَعْدَ تَمَامِ الصَّلَاةِ قِيلَ قَوْلُهُ: (وَقِيلَ الْأَصْلُ فِيهِ) هُوَ قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْبَرْدَعِيِّ وَعَلَيْهِ الْعَامَّةُ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ

الْمُصَلِّي فَرْضٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَيْسَ بِفَرْضٍ عِنْدَهُمَا، فَاعْتِرَاضُ هَذِهِ الْعَوَارِضِ عِنْدَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَاعْتِرَاضِهَا فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ وَعِنْدَهُمَا كَاعْتِرَاضِهَا بَعْدَ التَّسْلِيمِ. لَهُمَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَلَهُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَدَاءُ صَلَاةٍ أُخْرَى إلَّا بِالْخُرُوجِ مِنْ هَذِهِ. وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْفَرْضِ إلَّا بِهِ يَكُونُ فَرْضًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرُهُ وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ، فَإِنَّ فَسَادَهَا بِالْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ لِذَلِكَ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ قَدْ يُوجَدُ مَعْصِيَةً بِأَنْ قَهْقَهَ أَوْ كَذَبَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمَعْصِيَةُ فَرْضًا بَلْ الْخُرُوجُ بِفِعْلِ الْمُصَلِّي لَيْسَ بِفَرْضٍ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنَّمَا عِنْدَهُ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مُغَيِّرَةٌ لِلصَّلَاةِ، وَوُجُودُ الْمُغَيِّرِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ كَوُجُودِهِ قَبْلَهُ لِمَا أَنَّهُ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ، وَلِهَذَا إذَا نَوَى الْمُسَافِرُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْإِقَامَةَ أَتَمَّ، وَالْمَعْنَى بِالْمُغَيِّرِ مَا تَجِبُ الصَّلَاةُ بَعْدَ وُجُودِهِ عَلَى غَيْرِ الصِّفَةِ الْوَاجِبَةِ هِيَ عَلَيْهَا قَبْلَهُ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ تَجِبُ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ وَانْقِضَاءِ مُدَّةِ الْمَسْحِ وَوِجْدَانِ الثَّوْبِ وَتَعَلُّمِ السُّورَةِ بِالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَاللُّبْسِ وَالْقِرَاءَةِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ وَاجِبَةً بِطَهَارَةِ التَّيَمُّمِ وَالْمَسْحِ وَالْعُرْيِ وَعَدَمِ الْقِرَاءَةِ. وَقِيلَ الْمَعْنِيُّ بِهِ كَوْنُ الصَّلَاةِ جَائِزَةً لِلِاجْتِمَاعِ بِهِ وَبِضِدِّهِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ بِالتَّيَمُّمِ وَالْمَسْحِ وَالْإِيمَاءِ وَأَضْدَادِهَا. وَقَوْلُهُ: (لَهُمَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ) يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قُلْت هَذَا أَوْ فَعَلْت هَذَا» الْحَدِيثَ، عَلَّقَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّمَامَ بِأَحَدِهِمَا، فَمَنْ عَلَّقَ بِثَالِثٍ فَقَدْ خَالَفَ النَّصَّ (وَلَهُ أَنَّ أَدَاءَ صَلَاةٍ أُخْرَى فِي وَقْتِهَا وَاجِبٌ لَا مَحَالَةَ، وَهُوَ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِالْخُرُوجِ مِنْ هَذِهِ) فَكَانَ الْخُرُوجُ مِنْهَا وَسِيلَةً إلَى الْفَرْضِ بِاقْتِضَاءِ قَوْله تَعَالَى {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: 72] (وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى أَدَاءِ الْفَرْضِ إلَّا بِهِ كَانَ فَرْضًا) وَهَذِهِ النُّكْتَةُ مَنْقُولَةٌ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ. وَاعْتُرِضَ بِوَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ حَاذَتْ رَجُلًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَمَّتْ صَلَاتُهُ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا صُنْعَ مِنْهُ. وَالثَّانِي أَنَّهُ عَلَى مَا قَرَّرْتُمْ يَكُونُ فَرْضًا لِغَيْرِهِ كَالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ فَيَجِبُ أَنْ تَتِمَّ صَلَاتُهُ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ الصُّنْعِ وَهُوَ الْخُرُوجُ مِنْ الْأُولَى، كَمَا لَوْ دَخَلَ الْجَامِعَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمُحَاذَاةَ مُفَاعَلَةٌ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا مِنْ فَاعِلَيْنِ فَكَانَ مِنْهُ صُنْعٌ أَدْنَاهُ اللُّبْثُ فِي مَكَانِهِ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْخُرُوجَ عَنْ الْأُولَى يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهٍ تَبْقَى صَحِيحَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَلِأَنَّ التَّرْتِيبَ فَرْضٌ وَلَمْ تَبْقَ بِهَذَا الْخُرُوجِ صَحِيحَةً. لَا يُقَالُ: إنَّمَا لَمْ

وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَمَّتْ قَارَبَتْ التَّمَامَ، وَالِاسْتِخْلَافُ لَيْسَ بِمُفْسِدٍ حَتَّى يَجُوزَ فِي حَقِّ الْقَارِئِ، وَإِنَّمَا الْفَسَادُ ضَرُورَةُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ عَدَمُ صَلَاحِيَّةِ الْإِمَامَةِ. (وَمَنْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ بَعْدَ مَا صَلَّى رَكْعَةً فَأَحْدَثَ الْإِمَامُ فَقَدَّمَهُ أَجْزَأَهُ) لِوُجُودِ الْمُشَارَكَةِ فِي التَّحْرِيمَةِ، وَالْأَوْلَى لِلْإِمَامِ أَنْ يُقَدِّمَ مُدْرِكًا لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى إتْمَامِ صَلَاتِهِ، وَيَنْبَغِي لِهَذَا الْمَسْبُوقِ أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَبْقَ صَحِيحَةً؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ لَمْ يَكُنْ بِصُنْعِ الْمُصَلِّي فَكَانَ بَقَاؤُهَا صَحِيحَةً مَوْقُوفًا عَلَى الْخُرُوجِ بِصُنْعِ الْمُصَلِّي، فَلَوْ تَوَقَّفَ الْخُرُوجُ عَلَى بَقَائِهَا صَحِيحَةً دَارَ.؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْخُرُوجُ بِصُنْعِ الْمُصَلِّي مَوْقُوفٌ عَلَى مَا اعْتَبَرَهُ الشَّارِعُ رَافِعًا التَّحْرِيمَةَ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَيَلْزَمُ مِنْهُ بَقَاؤُهَا صَحِيحَةً وَلَا مُعْتَبَرَ بِالضِّمْنِيَّاتِ. وَقَوْلُهُ: (وَمَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) جَوَابٌ عَنْ اسْتِدْلَالِهِمَا بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» أَيْ قَارَبَ التَّمَامَ، سَمَّاهُ تَمَامًا بِمَا يَئُولُ إلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: (وَالِاسْتِخْلَافُ غَيْرُ مُفْسِدٍ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ اسْتِخْلَافُ الْأُمِّيِّ صُنْعُ الْمُصَلِّي فَكَانَ الْوَاجِبُ أَلَّا تَفْسُدَ بِهِ عِنْدَهُ أَيْضًا، وَتَقْرِيرُهُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّارِحُونَ قَالُوا: سَلَّمْنَا أَنَّهُ صُنْعٌ مِنْهُ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمُفْسِدٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اسْتَخْلَفَ قَارِئًا فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ لَمْ يَضُرَّهُ، وَالْمُعْتَبَرُ مِنْ الصُّنْعِ مَا كَانَ مُفْسِدًا لِيَكُونَ عَمَلًا مُنَافِيًا لِلصَّلَاةِ رَافِعًا لِلتَّحْرِيمَةِ. وَرُدَّ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ لَيْسَ بِمُفْسِدٍ فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ فِيمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ أَحْدَثَ فَاسْتَخْلَفَ أَنَّهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ. وَالْحَقُّ مَا قَالَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّ صَلَاتَهُ تَامَّةٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِكَوْنِهِ عَمَلًا مُنَافِيًا لِلصَّلَاةِ. وَالثَّانِي أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْفَسَادَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَهُ لَيْسَ لِلِاسْتِخْلَافِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُفْسِدٍ، إنَّمَا الْفَسَادُ ضَرُورَةُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ عَدَمُ صَلَاحِيَةِ الْأُمِّيِّ لِلْإِمَامَةِ، وَالرَّدُّ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: هُنَاكَ عَمَلٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَهَاهُنَا فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَ بِعُذْرٍ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ مُفْسِدًا إذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرُ كَوْنِهِ مُفْسِدًا عِنْدَ الْعُذْرِ، وَكَذَلِكَ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي مَطْلَعِ الْبَحْثِ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الشَّارِحِينَ إنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ: وَقِيلَ الْأَصْلُ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مُخْتَارَهُ غَيْرَهُ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ تَرْكَ ذِكْرِ الْمُخْتَارِ وَذِكْرَ غَيْرِهِ وَالِاحْتِجَاجَ عَلَيْهِ غَيْرُ مُتَوَقَّعٍ مِنْ مِثْلِهِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ) إذَا اقْتَدَى الرَّجُلُ بِمَنْ صَلَّى رَكْعَةً فَأَحْدَثَ الْإِمَامُ فَقَدَّمَهُ صَحَّ الِاسْتِخْلَافُ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهُ بِالْمُشَارَكَةِ فِي التَّحْرِيمَةِ وَقَدْ وُجِدَتْ (وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتَخْلِفَ مُدْرِكًا؛ لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى إتْمَامِهَا) لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ إلَى اسْتِخْلَافِ

لِعَجْزِهِ عَنْ التَّسْلِيمِ (فَلَوْ تَقَدَّمَ يَبْتَدِئُ مِنْ حَيْثُ انْتَهَى إلَيْهِ الْإِمَامُ) لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ (وَإِذَا انْتَهَى إلَى السَّلَامِ يُقَدِّمُ مُدْرِكًا يُسَلِّمُ بِهِمْ، فَلَوْ أَنَّهُ حِينَ أَتَمَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ قَهْقَهَ أَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا أَوْ تَكَلَّمَ أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ تَامَّةٌ) لِأَنَّ الْمُفْسِدَ فِي حَقِّهِ وُجِدَ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ وَفِي حَقِّهِمْ بَعْدَ تَمَامِ أَرْكَانِهَا وَالْإِمَامُ الْأَوَّلُ إنْ كَانَ فَرَغَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَفْرُغْ تَفْسُدُ وَهُوَ الْأَصَحُّ (فَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ الْإِمَامُ الْأَوَّلُ وَقَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ قَهْقَهَ أَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا فَسَدَتْ صَلَاةُ الَّذِي لَمْ يُدْرِكْ أَوَّلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَا: لَا تَفْسُدُ، وَإِنْ تَكَلَّمَ أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ لَمْ تَفْسُدْ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) لَهُمَا أَنَّ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي بِنَاءً عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ جَوَازًا وَفَسَادًا وَلَمْ تَفْسُدْ صَلَاةُ الْإِمَامِ فَكَذَا صَلَاتُهُ وَصَارَ كَالسَّلَامِ وَالْكَلَامِ. وَلَهُ أَنَّ الْقَهْقَهَةَ مُفْسِدَةٌ لِلْجُزْءِ الَّذِي يُلَاقِيهِ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَيَفْسُدَ مِثْلُهُ مِنْ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي، غَيْرَ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْبِنَاءِ وَالْمَسْبُوقَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَالْبِنَاءُ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ بِخِلَافِ ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرِهِ لِلتَّسْلِيمِ، وَالْأَقْدَرُ أَوْلَى لَا مَحَالَةَ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْأَصَحُّ) احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ أَنَّ صَلَاتَهُ أَيْضًا تَامَّةٌ؛ لِأَنَّهُ مُدْرِكٌ أَوَّلَ صَلَاتِهِ فَيَكُونُ كَالْفَارِغِ بِقَعْدَةِ الْإِمَامِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ. وَوَجْهُ الْأَصَحِّ أَنَّهُ قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ الْبِنَاءُ، وَضَحِكُ الْإِمَامِ فِي حَقِّهِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْبِنَاءِ كَضَحِكِهِ، وَلَوْ ضَحِكَ هُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، فَكَذَا إذَا ضَحِكَ الْإِمَامُ الْمُسْتَخْلَفُ. وَقَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ الْإِمَامُ الْأَوَّلُ وَقَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ) إنَّمَا قَيَّدَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَهْقَهَةَ وَالْحَدَثَ بِالْعَمْدِ إذَا وُجِدَا قَبْلَهُ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ بِالِاتِّفَاقِ، وَقَيَّدَ بِفَسَادِ صَلَاةِ الْمَسْبُوقِ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْمُدْرِكِ لَا تَفْسُدُ بِالِاتِّفَاقِ. وَفِي صَلَاةِ اللَّاحِقِ رِوَايَتَانِ. قَوْلُهُ: (وَلَهُ أَنَّ الْقَهْقَهَةَ مُفْسِدَةٌ) ؛ لِأَنَّهَا كَالْحَدَثِ فِي إزَالَةِ شَرْطِ الصَّلَاةِ وَهُوَ الطَّهَارَةُ فَتَكُونُ

السَّلَامِ لِأَنَّهُ مِنْهُ وَالْكَلَامَ فِي مَعْنَاهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمُفْسِدَةً لِلْجُزْءِ الَّذِي يُلَاقِيهِ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَيَفْسُدُ مِثْلُهُ مِنْ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي لِابْتِنَائِهَا عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: (؛ لِأَنَّهُ مِنْهُ) الْمَنْهِيُّ مَا اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ رَافِعًا لِلتَّحْرِيمَةِ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ كَالتَّسْلِيمِ وَالْخُرُوجِ بِفِعْلِ الْمُصَلِّي، فَإِنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَهُمَا كَذَلِكَ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} [الجمعة: 10] وَقَوْلُهُ: (وَالْكَلَامُ فِي مَعْنَاهُ) يَعْنِي مِنْ حَيْثُ إنَّ السَّلَامَ كَلَامٌ مَعَ الْقَوْمِ يَمْنَةً وَيَسَرَةً لِوُجُودِ كَافِ الْخِطَابِ

وَيَنْتَقِضُ وُضُوءُ الْإِمَامِ لِوُجُودِ الْقَهْقَهَةِ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ. (وَمَنْ أَحْدَثَ فِي رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ تَوَضَّأَ وَبَنَى، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: (وَيَنْتَقِضُ وُضُوءُ الْإِمَامِ) يَعْنِي عِنْدَ الْعُلَمَاءِ الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ، فَإِنَّ عِنْدَهُ أَنَّ كُلَّ قَهْقَهَةٍ تُوجِبُ إعَادَةَ الصَّلَاةِ تُوجِبُ الْوُضُوءَ وَمَا لَا فَلَا؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَلَهُمْ أَنَّهَا وُجِدَتْ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَهَا فِي هَذِهِ

وَلَا يَعْتَدُّ بِاَلَّتِي أَحْدَثَ فِيهَا) ، لِأَنَّ إتْمَامَ الرُّكْنِ بِالِانْتِقَالِ وَمَعَ الْحَدَثِ لَا يَتَحَقَّقُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِعَادَةِ، وَلَوْ كَانَ إمَامًا فَقَدَّمَ غَيْرَهُ دَامَ الْمُقَدَّمُ عَلَى الرُّكُوعِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْإِتْمَامُ بِالِاسْتِدَامَةِ. (وَلَوْ تَذَكَّرَ وَهُوَ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَالَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُهُ فَتَكُونُ مُفْسِدَةً لِلْوُضُوءِ وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَعْتَدُّ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يُعِيدُ، وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الِاعْتِدَادِ يَسْتَلْزِمُ الْإِعَادَةَ (؛ لِأَنَّ إتْمَامَ الرُّكْنِ بِالِانْتِقَالِ، وَالِانْتِقَالُ مَعَ الْحَدَثِ لَا يَتَحَقَّقُ) ؛ لِأَنَّ الْمُنْتَقَلَ إلَيْهِ جُزْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ، وَأَدَاءُ جُزْءٍ مِنْهَا بَعْدَ سَبْقِ الْحَدَثِ مُفْسِدٌ (فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِعَادَةِ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَنْتَقِضَ بِالْحَدَثِ جَمِيعُ مَا أَدَّى لَكِنْ تَرَكْنَاهُ بِالْأَثَرِ الْوَارِدِ فِي الْبِنَاءِ فَبَقِيَ انْتِقَاضُ الرُّكْنِ الَّذِي سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِيهِ عَلَى الْقِيَاسِ وَلَزِمَ إعَادَةُ مَا كَانَ الْحَدَثُ فِيهِ بِالْقِيَاسِ. وَقَوْلُهُ: (دَامَ الْمُقَدَّمُ عَلَى رُكُوعِهِ) أَيْ مَكَثَ رَاكِعًا قَدْرَ رُكُوعِهِ (؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْإِتْمَامُ بِالِاسْتِدَامَةِ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِدَامَةَ فِيمَا يُسْتَدَامُ كَالْإِنْشَاءِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إنْشَاءِ الرُّكُوعِ، وَأَصْلُهُ قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68] . وَمَنْ ذَكَرَ فِي رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَةً فَانْحَطَّ مِنْ رُكُوعِهِ أَوْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ سُجُودِهِ فَسَجَدَ الَّتِي

أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَةً فَانْحَطَّ مِنْ رُكُوعِهِ أَوْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ سُجُودِهِ فَسَجَدَهَا يُعِيدُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ) وَهَذَا بَيَانُ الْأَوْلَى لِتَقَعَ أَفْعَالُ الصَّلَاةِ مُرَتَّبَةً بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ مَعَ الطَّهَارَةِ شَرْطٌ وَقَدْ وُجِدَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ تَلْزَمُهُ إعَادَةُ الرُّكُوعِ لِأَنَّ الْقَوْمَةَ فَرْضٌ عِنْدَهُ. قَالَ (وَمَنْ أَمَّ رَجُلًا وَاحِدًا فَأَحْدَثَ وَخَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَالْمَأْمُومُ ـــــــــــــــــــــــــــــQذَكَرَهَا صُلْبِيَّةً كَانَتْ أَوْ تِلَاوَةً أَعَادَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ لِتَقَعَ الْأَفْعَالُ مُرَتَّبَةً بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَهَذَا بَيَانُ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ لَيْسَتْ بِرُكْنٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَسْبُوقَ يَبْدَأُ بِمَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ، وَلَوْ كَانَ التَّرْتِيبُ رُكْنًا لَمَا جَازَ لَهُ تَرْكُهُ بِعُذْرِ الْجَمَاعَةِ كَالتَّرْتِيبِ بَيْنَ الصَّلَوَاتِ، فَلَوْ تَرَكَ الْإِعَادَةَ جَازَ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ السَّجْدَةِ لَا يَنْقُضُ الرُّكُوعَ فَيَصِحُّ الِاعْتِدَادُ بِهِ، بِخِلَافِ سَبْقِ الْحَدَثِ فَإِنَّهُ يَنْقُضُهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ مَعَ الطَّهَارَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الرُّكُوعِ (لِأَنَّ الْقَوْمَةَ عِنْدَهُ فَرْضٌ) ، فَحَيْثُ انْحَطَّ مِنْ الرُّكُوعِ وَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ فَقَدْ تَرَكَ الْفَرْضَ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا عَادَ إلَى السَّجْدَةِ الصُّلْبِيَّةِ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ تَرْتَفِضُ الْقَعْدَةُ، وَكَذَا لَوْ تَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ الْقُرْآنَ فَعَادَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ارْتَفَضَ الرُّكُوعُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقَعْدَةَ إنَّمَا تَرْتَفِضُ بِالْإِتْيَانِ بِالسَّجْدَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّقَ تَمَامَ الصَّلَاةِ بِالْقَعْدَةِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا قُلْت هَذَا أَوْ فَعَلْت هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك» فَلَوْ قُلْنَا بِجَوَازِ تَأْخِيرِ غَيْرِهَا عَنْهَا كَانَ تَمَامُ الصَّلَاةِ بِذَلِكَ الْغَيْرِ وَهُوَ خِلَافُ النَّصِّ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْقِيَامِ أَوْ الرُّكُوعُ عَنْ السُّجُودِ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ وَسِيلَةٌ إلَى الرُّكُوعِ، وَالرُّكُوعُ وَسِيلَةٌ إلَى السُّجُودِ، حَتَّى إنَّ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ، وَالْوَسَائِلُ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى الْمَقَاصِدِ، وَالْقِرَاءَةُ زِينَةُ الْقِيَامِ فَكَانَتْ تَابِعَةً لَهُ. (وَمَنْ أَمَّ رَجُلًا وَاحِدًا فَأَحْدَثَ وَخَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَالْمَأْمُومُ

إمَامٌ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ) لِمَا فِيهِ مِنْ صِيَانَةِ الصَّلَاةِ، وَتَعْيِينُ الْأَوَّلِ لِقَطْعِ الْمُزَاحَمَةِ وَلَا مُزَاحَمَةَ هَاهُنَا، وَيُتِمُّ الْأَوَّلُ صَلَاتَهُ مُقْتَدِيًا بِالثَّانِي كَمَا إذَا اسْتَخْلَفَهُ حَقِيقَةً (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ خَلْفَهُ إلَّا صَبِيٌّ أَوْ امْرَأَةٌ قِيلَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ) لِاسْتِخْلَافِ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ، وَقِيلَ لَا تَفْسُدُ لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQإمَامٌ نَوَى) الْإِمَامُ ذَلِكَ (أَوْ لَمْ يَنْوِ) (لِمَا فِيهِ) أَيْ فِي تَعْيِينِهِ إمَامًا (صِيَانَةُ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعَيِّنْ إمَامًا خَلَا مَكَانُ الْإِمَامَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَهُوَ يُوجِبُ فَسَادَ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي. فَإِنْ قِيلَ التَّعَيُّنُ لَا يَتَحَقَّقُ بِلَا تَعْيِينٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَتَعْيِينُ الْأَوَّلِ لِقَطْعِ الْمُزَاحَمَةِ) وَلَا مُزَاحِمَ فَكَانَ التَّعْيِينُ مَوْجُودًا حُكْمًا، وَإِذَا تَعَيَّنَ لِذَلِكَ كَانَ كَالْمُسْتَخْلِفِ حَقِيقَةً فَتَتِمُّ صَلَاتُهُ مُقْتَدِيًا بِهِ (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ خَلْفَهُ إلَّا صَبِيٌّ أَوْ امْرَأَةٌ) اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، فَقِيلَ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْإِمَامِ فَقَطْ (لِاسْتِخْلَافِ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ) حُكْمًا فَإِنَّهُ لَمَّا تَعَيَّنَ لِلْإِمَامَةِ كَانَ الْإِمَامُ مُقْتَدِيًا بِهِ، وَمَنْ اقْتَدَى بِمَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ (وَقِيلَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِخْلَافَ إنَّمَا يَكُونُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَلَا شَيْءَ مِنْهُمَا بِمَوْجُودٍ. أَمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ عَدَمُهُ، وَأَمَّا حُكْمًا فَلِأَنَّهُ يَقْتَضِي صَلَاحِيَتَهُ لِلْإِمَامَةِ، وَالْفَرْضُ

[باب ما يفسد الصلاة وما يكره فيها]

لَمْ يُوجَدْ الِاسْتِخْلَافُ قَصْدًا وَهُوَ لَا يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا) (وَمَنْ تَكَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ، وَمَفْزَعُهُ الْحَدِيثُ الْمَعْرُوفُ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَدَمُهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَيَّنَ صَارَ كَأَنَّهُ اسْتَخْلَفَهُ فَتَفْسُدُ صَلَاةُ الْكُلِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي خَاصَّةً وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَصِرْ مُسْتَخْلِفًا لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا لِمَا ذَكَرْنَا بَقِيَ الْإِمَامُ مُنْفَرِدًا فَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَتَفْسُدُ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي لِخُلُوِّ مَكَانِ إمَامِهِ عَنْ الْإِمَامَةِ [بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا] هَذَا الْبَابُ لِبَيَانِ الْعَوَارِضِ الَّتِي تَعْرِضُ فِي الصَّلَاةِ بِاخْتِيَارِ الْمُصَلِّي فَكَانَتْ مُكْتَسَبَةً، وَأَخَّرَهُ عَمَّا تَقَدَّمَ لِكَوْنِهَا سَمَاوِيَّةً (وَمَنْ تَكَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَفْسُدُ فِي الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ إلَّا إذَا طَالَ الْكَلَامُ) وَلَمْ يُفَرِّقْ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ لِعَدَمِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا فِي حُكْمِ الشَّرْعِ، وَالسَّهْوُ مَا يَتَنَبَّهُ صَاحِبُهُ بِأَدْنَى تَنْبِيهٍ، وَالْخَطَأُ مَا لَا يَنْتَبِهُ بِالتَّنْبِيهِ أَوْ يَتَنَبَّهُ بَعْدَ إتْعَابٍ، وَالنِّسْيَانُ هُوَ أَنْ يَخْرُجَ الْمُدْرِكُ مِنْ الْخَيَالِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ (وَمَفْزَعُهُ) أَيْ مَلْجَؤُهُ (الْحَدِيثُ الْمَعْرُوفُ) وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» الْحَدِيثَ. وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ حَقِيقَتَهُمَا غَيْرُ مَرْفُوعَةٍ لِوُجُودِهِمَا بَيْنَ النَّاسِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ وَهُوَ الْإِفْسَادُ مَرْفُوعًا (وَلَنَا) حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ «صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَطَسَ بَعْضُ الْقَوْمِ فَقُلْت يَرْحَمُك اللَّهُ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ فَقُلْت: وَاثُكْلَ أُمَّاهُ مَالِي أَرَاكُمْ تَنْظُرُونَ إلَيَّ شَزْرًا؟ فَضَرَبُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ فَعَلِمْت أَنَّهُمْ يُسْكِتُونَنِي، فَلَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ دَعَانِي، فَوَاَللَّهِ مَا رَأَيْت مُعَلِّمًا أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ مَا كَهَرَنِي وَلَا زَجَرَنِي وَلَكِنْ قَالَ إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ» الْحَدِيثَ. جَعَلَ

وَإِنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى رَفْعِ الْإِثْمِ. بِخِلَافِ السَّلَامِ سَاهِيًا لِأَنَّهُ مِنْ الْأَذْكَارِ فَيُعْتَبَرُ ذِكْرًا فِي حَالَةِ النِّسْيَانِ وَكَلَامًا فِي حَالَةِ التَّعَمُّدِ لِمَا فِيهِ مِنْ كَافِ الْخِطَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَدَمَ الْكَلَامِ فِيهَا مِنْ حَقِّهَا كَمَا جَعَلَ وُجُودَ الطَّهَارَةِ فِيهَا مِنْ حَقِّهَا، فَكَمَا لَا يَجُوزُ مَعَ عَدَمِ الطَّهَارَةِ لَا يَجُوزُ مَعَ وُجُودِ الْكَلَامِ وَهُوَ وَاضِحٌ جِدًّا. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ مُفْسِدًا لَأَمَرَ بِالْإِعَادَةِ وَلَمْ يَثْبُتْ. قُلْنَا: هَذَا اسْتِدْلَالٌ بِالنَّفْيِ وَهُوَ بَاطِلٌ، سَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ الْعِلْمَ بِالنَّسْخِ شَرْطٌ وَلَمْ يَكُنْ فَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ كَمُسْلِمٍ لَمْ يُهَاجِرْ. وَقَوْلُهُ: (وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى رَفْعِ الْإِثْمِ) جَوَابٌ عَنْ اسْتِدْلَالِهِ بِالْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ حُكْمَ الْآخِرَةِ وَهُوَ الْإِثْمُ مُرَادٌ بِالْإِجْمَاعِ، فَلَا يَكُونُ حُكْمُ الدُّنْيَا مُرَادًا وَإِلَّا لَزِمَ عُمُومُ الْمُشْتَرَكِ أَوْ الْمُقْتَضِي. وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَقَوْلُهُ: (بِخِلَافِ السَّلَامِ سَاهِيًا) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ السَّلَامُ كَالْكَلَامِ فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَاطِعٌ. وَفِي السَّلَامِ يُفْصَلُ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالنِّسْيَانِ فَكَذَلِكَ الْكَلَامُ. وَوَجْهُهُ أَنَّ السَّلَامَ لَيْسَ كَالْكَلَامِ (لِأَنَّهُ مِنْ الْأَذْكَارِ) إذْ الْمُتَشَهِّدُ يُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا أَخَذَ حُكْمَ الْكَلَامِ بِكَافِ الْخِطَابِ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْخِطَابِ فِيهِ عِنْدَ الْقَصْدِ، فَإِذَا كَانَ نَاسِيًا أَلْحَقْنَاهُ بِالْأَذْكَارِ، وَإِذَا كَانَ عَامِدًا أَلْحَقْنَاهُ بِالْكَلَامِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ، بِخِلَافِ الْكَلَامِ فَإِنَّهُ يُنَافِي الصَّلَاةَ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَكَانَ مُبْطِلًا لَهَا كَذَلِكَ، وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَفْعَالٍ تُنَافِي الصَّلَاةَ فَإِنَّ الْقَلِيلَ مِنْهَا غَيْرُ مُفْسِدٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ قَلِيلِهَا غَيْرُ مُمْكِنٍ، إذْ فِي الْحَيِّ حَرَكَاتٌ طَبِيعِيَّةٌ لَيْسَتْ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَا تُفْسِدُ حَتَّى تَدْخُلَ فِي حَيِّزِ مَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَهُوَ الْكَثِيرُ، وَلَيْسَ فِي الْحَيِّ كَلَامٌ طَبِيعِيٌّ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ

(فَإِنْ أَنَّ فِيهَا أَوْ تَأَوَّهَ أَوْ بَكَى فَارْتَفَعَ بُكَاؤُهُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ ذِكْرِ الْجَنَّةِ أَوْ النَّارِ لَمْ يَقْطَعْهَا) لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْخُشُوعِ (وَإِنْ كَانَ مِنْ وَجَعٍ أَوْ مُصِيبَةٍ قَطَعَهَا) لِأَنَّ فِيهِ إظْهَارُ الْجَزَعِ وَالتَّأَسُّفِ فَكَانَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ قَوْلَهُ آهٍ لَا يُفْسِدُ فِي الْحَالَيْنِ وَأُوهِ يُفْسِدُ. وَقِيلَ الْأَصْلُ عِنْدَهُ أَنَّ الْكَلِمَةَ إذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى حَرْفَيْنِ وَهُمَا زَائِدَتَانِ أَوْ إحْدَاهُمَا لَا تَفْسُدُ، وَإِنْ كَانَتَا أَصْلِيَّتَيْنِ تَفْسُدُ. وَحُرُوفُ الزَّوَائِدِ جَمَعُوهَا فِي قَوْلِهِمْ الْيَوْمَ تَنْسَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْهُ فَاسْتَوَى الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَنَّ فِيهَا أَوْ تَأَوَّهَ) الْأَنِينُ: صَوْتُ الْمُتَوَجِّعِ، وَقِيلَ هُوَ أَنْ يَقُولَ آهٍ، وَالتَّأَوُّهُ أَنْ يَقُولَ أَوْهٌ، وَارْتِفَاعُ الْبُكَاءِ هُوَ أَنْ يَحْصُلَ بِهِ حُرُوفٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ ذِكْرِ الْجَنَّةِ أَوْ النَّارِ، أَوْ مِنْ وَجَعٍ أَوْ مُصِيبَةٍ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَمْ يَقْطَعْهَا؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْخُشُوعِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ قَطَعَهَا؛ لِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَ الْجَزَعِ وَالْمُصِيبَةِ، فَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا دَلِيلًا عَلَى أَمْرٍ، وَالدَّلَالَةُ تَعْمَلُ عَمَلَ الصَّرِيحِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ صَرِيحٌ يُخَالِفُهَا، وَلَوْ صَرَّحَ بِذِكْرِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسَالِكُ الْجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِك مِنْ النَّارِ لَمْ يَضُرَّهُ، وَلَوْ صَرَّحَ بِإِظْهَارِ الْوَجَعِ فَقَالَ إنِّي مُصَابٌ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، فَكَذَلِكَ بِالدَّلَالَةِ إذْ لَيْسَ ثَمَّةَ صَرِيحٌ يُخَالِفُهَا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا قَالَ آهٍ لَمْ تَفْسُدْ فِي الْحَالَيْنِ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ ذِكْرِ الْجَنَّةِ أَوْ النَّارِ، أَوْ مِنْ وَجَعٍ وَمُصِيبَةٍ وَأَوْهٌ تُفْسِدُ. وَقِيلَ الْأَصْلُ عِنْدَهُ أَنَّ الْكَلِمَةَ إذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى حَرْفَيْنِ وَهُمَا زَائِدَتَانِ أَوْ إحْدَاهُمَا لَا تُفْسِدُ، وَإِنْ كَانَتَا أَصْلِيَّتَيْنِ تُفْسِدُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ أَصْلَ كَلَامِ الْعَرَبِ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى حَرْفٍ يُبْتَدَأُ بِهِ وَحَرْفٌ يُوقَفُ عَلَيْهِ وَحَرْفٌ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا، فَالْحَرْفُ الْوَاحِدُ أَقَلُّ الْجُمْلَةِ فَلَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْكَلَامِ، وَالْحَرْفَانِ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ الزَّوَائِدِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نَظَرَ إلَى

وَهَذَا لَا يَقْوَى لِأَنَّ كَلَامَ النَّاسِ فِي مُتَفَاهَمِ الْعُرْفِ يَتْبَعُ وُجُودَ حُرُوفِ الْهِجَاءِ وَإِفْهَامَ الْمَعْنَى، وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي حُرُوفٍ كُلُّهَا زَوَائِدُ (وَإِنْ تَنَحْنَحَ بِغَيْرِ عُذْرٍ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَدْفُوعًا إلَيْهِ (وَحَصَلَ بِهِ الْحُرُوفُ يَنْبَغِي أَنْ يُفْسِدَ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ كَانَ بِعُذْرٍ فَهُوَ عَفْوٌ كَالْعُطَاسِ) وَالْجُشَاءِ إذَا حَصَلَ بِهِ حُرُوفٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَصْلِ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَتَا أَصْلِيَّتَيْنِ فَقَدْ وُجِدَ الْأَكْثَرُ، وَهُوَ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ، وَالْحُرُوفُ الزَّوَائِدُ عَلَى مَعْنَى أَنَّ كُلُّ زَائِدٍ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مِنْهَا لَا عَكْسَهُ جَمَعُوهَا فِي قَوْلِهِمْ الْيَوْمَ تَنْسَاهُ، وَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ: آهٍ لَا تُفْسِدُ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ الزَّوَائِدِ، وَأَوْهٌ تُفْسِدُ؛ لِأَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى حَرْفَيْنِ فَإِنَّهُ فِي الزَّوَائِدِ عَلَى حَرْفَيْنِ لَا يُنْظَرُ إلَى الْأَصَالَةِ وَالزِّيَادَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا لَا يَقْوَى؛ لِأَنَّ كَلَامَ النَّاسِ هُوَ الْمُفْسِدُ، وَكَلَامُ النَّاسِ فِي مُتَفَاهِمِ الْعُرْفِ يَتَّبِعُ وُجُودَ الْهِجَاءِ وَإِفْهَامَ الْمَعْنَى وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي حُرُوفٍ كُلِّهَا زَوَائِدَ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: فَإِنَّك إذَا قُلْت أَنْتُمْ الْيَوْمَ سَأَلْتُمُونِيهَا فَإِنَّ هَذَا مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ وَفِعْلٌ وَفَاعِلٌ وَمَفْعُولٌ بِهِ وَمَفْعُولٌ فِيهِ وَكُلُّهَا مِنْ حُرُوفِ الزَّوَائِدِ، وَهُوَ مُفْسِدٌ بِالِاتِّفَاقِ. قُلْت: هَذَا لَا يَرِدُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الْحَرْفَيْنِ لَا فِي الزَّائِدِ عَلَيْهِمَا، فَإِنَّ فِي الزَّائِدِ عَلَيْهِمَا قَوْلَهُ كَقَوْلِهِمَا وَتَابَعَهُ الشَّارِحُونَ، وَأَقُولُ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي حُرُوفٍ كُلِّهَا زَوَائِدَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْجَمْعِ فِيهِ التَّثْنِيَةَ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ مَعْنَى كَلَامِهِ كَلَامَ النَّاسِ فِي الْعُرْفِ عِبَارَةً عَنْ وُجُودِ الْهِجَاءِ وَإِفْهَامِ الْمَعْنَى، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ فِي الْكَلَامِ الَّذِي فِيهِ حَرْفَانِ مِنْ حُرُوفِ الزِّيَادَةِ فَيَكُونُ كَغَيْرِهِ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ فَيَكُونُ مُفْسِدًا. (وَإِنْ تَنَحْنَحَ) وَحَصَلَ بِهِ حُرُوفٌ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِعُذْرٍ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي وَهُوَ إنْ لَمْ يَكُنْ مَدْفُوعًا إلَيْهِ: أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيعُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ يَنْبَغِي أَنْ

(وَمَنْ عَطَسَ فَقَالَ لَهُ آخَرُ يَرْحَمُك اللَّهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ) لِأَنَّهُ يَجْرِي فِي مُخَاطَبَاتِ النَّاسِ فَكَانَ مِنْ كَلَامِهِمْ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ الْعَاطِسُ أَوْ السَّامِعُ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا قَالُوا لِأَنَّهُ لَمْ يُتَعَارَفْ جَوَابًا (وَإِنْ اسْتَفْتَحَ فَفَتْحَ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتُفْسِدُ عِنْدَهُمَا. قِيلَ إنَّمَا قَالَ يَنْبَغِي؛ لِأَنَّ الْمَشَايِخَ اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا كَانَ التَّنَحْنُحُ لِإِصْلَاحِ الصَّوْتِ لِلْقِرَاءَةِ، فَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: لَا تُفْسِدُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِمَعْنَى الْقِرَاءَةِ مَعْنًى، كَالْمَشْيِ لِلْبِنَاءِ فَإِنَّهُ لِكَوْنِهِ لِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ صَارَ مِنْ الصَّلَاةِ، وَكَذَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ. وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَدْفُوعًا إلَيْهِ فِي التَّنَحْنُحِ إلَّا أَنَّهُ فَعَلَ لِإِصْلَاحِ الْحَلْقِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْقِرَاءَةِ إنْ ظَهَرَ لَهُ حُرُوفٌ كَقَوْلِهِ " أُحْ أُحْ " وَتَكَلَّفَ لِذَلِكَ كَانَ الْفَقِيهُ إسْمَاعِيلُ الزَّاهِدُ يَقُولُ: يَقْطَعُ الصَّلَاةَ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهَا حُرُوفُ هِجَاءٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ لَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ، وَلَا وَقَعَ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ اخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: عِنْدَهُمَا أَيْضًا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَحَصَلَ بِهِ حُرُوفٌ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَمَذْهَبُهُ حِينَئِذٍ كَمَذْهَبِهِمَا كَمَا مَرَّ فَلَا وَجْهَ لِإِفْرَادِهِمَا بِالذِّكْرِ، فَإِنْ حُمِلَ الْجَمْعُ هَاهُنَا أَيْضًا عَلَى التَّنْبِيهِ انْدَفَعَ النَّظَرُ الثَّانِي، وَيُقَالُ فِي دَفْعِ الْأَوَّلِ: إنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ نَقْلٌ عَنْ الْأَئِمَّةِ، وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مُفْسِدًا فَقَالَ يَنْبَغِي وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَهُوَ عَفْوٌ: أَيْ مَعْفُوٌّ كَالْعُطَاسِ وَالْجُشَاءُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَإِنْ حَصَلَ بِهِ حُرُوفُ هِجَاءٍ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ عَطَسَ فَقَالَ لَهُ آخَرُ يَرْحَمُك اللَّهُ وَهُوَ) أَيْ الْقَائِلُ (فِي الصَّلَاةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَجْرِي فِي مُخَاطَبَاتِ النَّاسِ فَكَانَ مِنْ كَلَامِهِمْ) وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ آخَرُ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَهُ الْعَاطِسُ بِنَفْسِهِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ يَرْحَمُنِي اللَّهُ وَبِهِ لَا تَفْسُدُ، كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ (بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ الْعَاطِسُ أَوْ السَّامِعُ الْحَمْدُ لِلَّهِ) فَإِنَّهُ لَا يُفْسِدُ (عَلَى مَا قَالُوا) وَفِي هَذَا اللَّفْظِ إشَارَةٌ إلَى خِلَافِ الْبَعْضِ. وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَاطِسَ يَحْمَدُ فِي نَفْسِهِ وَلَا يُحَرِّكُ لِسَانَهُ، فَإِنْ حَرَّكَهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَجْهُ الْأَوَّلِ مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ لَمْ يُتَعَارَفْ جَوَابًا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ اسْتَفْتَحَ فَفَتَحَ عَلَيْهِ) الِاسْتِفْتَاحُ طَلَبُ الْفَتْحِ وَالِاسْتِنْصَارُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ} [البقرة: 89] أَيْ يَسْتَنْصِرُونَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَاهُنَا مُرَادًا وَالِاسْتِفْتَاحُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ بِحَسَبِ الْقِسْمَةِ الْعَقْلِيَّةِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَفْتِحَ وَالْفَاتِحَ إمَّا أَنْ يَكُونَا فِي الصَّلَاةِ وَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، أَوْ يَكُونَا فِيهَا، أَوْ يَكُونُ الْمُسْتَفْتِحُ فِيهَا دُونَ الْفَاتِحِ أَوْ بِالْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَا فِي الصَّلَاةِ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ مُتَّحِدَةً بِأَنْ يَكُونَ الْمُسْتَفْتِحُ إمَامًا وَالْفَاتِحُ مَأْمُومًا أَوْ لَا يَكُونُ،

فِي صَلَاتِهِ تَفْسُدُ) وَمَعْنَاهُ أَنْ يَفْتَحَ الْمُصَلِّي عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ لِأَنَّهُ تَعْلِيمٌ وَتَعَلُّمٌ فَكَانَ مِنْ جِنْسِ كَلَامِ النَّاسِ، ثُمَّ شَرَطَ التَّكْرَارَ فِي الْأَصْلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ فَيُعْفَى الْقَلِيلُ مِنْهُ، وَلَمْ يُشْرَطْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِأَنَّ الْكَلَامَ بِنَفْسِهِ قَاطِعٌ وَإِنْ قَلَّ (وَإِنْ فَتَحَ عَلَى إمَامِهِ لَمْ يَكُنْ كَلَامًا مُفْسِدًا) اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى إصْلَاحِ صَلَاتِهِ فَكَانَ هَذَا مِنْ أَعْمَالِ صَلَاتِهِ مَعْنًى (وَيَنْوِي الْفَتْحَ عَلَى إمَامِهِ دُونَ الْقِرَاءَةِ) هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ مُرَخَّصٌ فِيهِ، وَقِرَاءَتُهُ مَمْنُوعٌ عَنْهَا (وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ انْتَقَلَ إلَى آيَةٍ أُخْرَى تَفْسُدُ صَلَاةُ الْفَاتِحِ وَتَفْسُدُ صَلَاةُ الْإِمَامِ) لَوْ أَخَذَ بِقَوْلِهِ لِوُجُودِ التَّلْقِينِ وَالتَّلَقُّنِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَيَنْبَغِي لِلْمُقْتَدِي أَنْ لَا يُعَجِّلَ بِالْفَتْحِ، وَلِلْإِمَامِ أَنْ لَا يُلْجِئَهُمْ إلَيْهِ بَلْ يَرْكَعَ إذَا جَاءَ أَوَانُهُ أَوْ يَنْتَقِلَ إلَى آيَةٍ أُخْرَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَفِي الثَّانِيَةِ فَسَدَتْ صَلَاةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيمٌ وَتَعَلُّمٌ فَكَانَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ) قَالَ فِي الْأَصْلِ: إذَا فَتَحَ غَيْرُ مَرَّةً فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَكَرَّرْ لَا تَفْسُدُ. قَالَ (؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ فَيُعْفَى الْقَلِيلُ مِنْهُ وَلَمْ يَشْرِطْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ) التَّكْرَارَ (لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي نَفْسِهِ قَاطِعٌ وَإِنْ قَلَّ) قِيلَ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَفِي الْأَوَّلِ لَا يَكُونُ كَلَامًا اسْتِحْسَانًا، إمَّا بِالْأَثَرِ وَهُوَ مَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ سُورَةَ الْمُؤْمِنِينَ فَتَرَكَ مِنْهَا كَلِمَةً فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَلَمْ يَكُنْ فِيكُمْ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ؟ فَقَالَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلَّا فَتَحْتَ عَلَيَّ، فَقَالَ: ظَنَنْت أَنَّهَا نُسِخَتْ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: لَوْ نُسِخَتْ لَأَنْبَأْتُكُمْ» وَإِمَّا بِمَا قَالَ فِي الْكِتَابِ مِنْ أَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى إصْلَاحِ صَلَاتِهِ فَكَانَ هَذَا مِنْ أَعْمَالِ صَلَاتِهِ مَعْنَى. ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ بِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ يَنْوِي الْفَتْحَ عَلَى إمَامِهِ أَوْ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَنْوِي بِالْفَتْحِ التِّلَاوَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَنْوِي الْفَتْحَ دُونَ التِّلَاوَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (هُوَ الصَّحِيحُ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأَوَّلَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ رُخِّصَ لَهُ فِي الْفَتْحِ عَلَى إمَامِهِ وَمُنِعَ عَنْ الْقِرَاءَةِ فَلَا يَدَعُ مَا رُخِّصَ لَهُ إلَى مَا نُهِيَ عَنْهُ، وَإِنَّمَا هَذَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَفْتَحَ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ فَإِنَّهُ يَنْوِي الْقِرَاءَةَ دُونَ التَّعْلِيمِ عَلَى مَا يُذْكَرُ، وَلَمْ يُفَرِّقْ فِي الْكِتَابِ بَيْنَ مَا إذَا قَرَأَ الْإِمَامُ مِقْدَارَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ وَبَيْنَ مَا إذَا لَمْ يَقْرَأْ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِيهِ اخْتِيَارًا مِنْهُ لِلصَّحِيحِ، فَإِنَّهُ إذَا فَتَحَ بَعْدَمَا قَرَأَ ذَلِكَ صَحَّ وَلَا تَفْسُدُ صَلَاةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (وَإِنْ فَتَحَ عَلَى إمَامِهِ لَمْ يَكُنْ كَلَامًا اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى إصْلَاحِ صَلَاتِهِ فَكَانَ هَذَا مِنْ أَعْمَالِ صَلَاتِهِ مَعْنًى، وَيَنْوِي الْفَتْحَ عَلَى إمَامِهِ دُونَ الْقِرَاءَةِ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ مُرَخَّصٌ فِيهِ وَقِرَاءَتُهُ مَمْنُوعٌ عَنْهَا، وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ انْتَقَلَ إلَى آيَةٍ أُخْرَى تَفْسُدُ صَلَاةُ الْفَاتِحِ وَصَلَاةُ الْإِمَامِ أَيْضًا إنْ أَخَذَ بِقَوْلِهِ لِوُجُودِ التَّلْقِينِ وَالتَّلَقُّنِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ) وَهَذَا أَيْضًا قَوْلُ الْمَشَايِخِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لَا تَفْسُدُ (وَيَنْبَغِي لِلْمُقْتَدِي أَلَّا يَعْجَلَ بِالْفَتْحِ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَلَّا يُلْجِئَهُمْ إلَيْهِ) بِأَنْ يُرَدِّدَ الْآيَةَ أَوْ يَقِفَ سَاكِتًا (بَلْ يَرْكَعُ إذَا جَاءَ أَوَانُهُ أَوْ يَنْتَقِلُ إلَى آيَةٍ أُخْرَى)

(وَلَوْ أَجَابَ رَجُلًا فِي الصَّلَاةِ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَهَذَا كَلَامٌ مُفْسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَكُونُ مُفْسِدًا) وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَرَادَ بِهِ جَوَابَهُ. لَهُ أَنَّهُ ثَنَاءٌ بِصِيغَتِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِعَزِيمَتِهِ، وَلَهُمَا أَنَّهُ أَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الْجَوَابِ وَهُوَ يَحْتَمِلُهُ فَيُجْعَلُ جَوَابًا كَالتَّشْمِيتِ وَالِاسْتِرْجَاعِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ (وَإِنْ أَرَادَ إعْلَامَهُ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تَفْسُدْ بِالْإِجْمَاعِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا نَابَتْ أَحَدَكُمْ نَائِبَةٌ فِي الصَّلَاةِ فَلْيُسَبِّحْ» ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنَّمَا أَطْلَقَ الْأَوَانَ لِاخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ الِاسْتِحْبَابَ فَقَالَ: يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ إذَا أُرْتِجَ أَنْ يَتَجَاوَزَ إلَى سُورَةٍ أُخْرَى أَوْ يَرْكَعَ إذَا كَانَ قَرَأَ الْمُسْتَحَبَّ صِيَانَةً لِلصَّلَاةِ عَنْ الزَّوَائِدِ، وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ الْفَرْضَ فَقَالَ: يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَرَدَّدَ فَيُلْجِئَ الْقَوْمَ أَنْ يَفْتَتِحُوا عَلَيْهِ إذَا كَانَ قَرَأَهُ مِقْدَارَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْجَوَازُ، وَإِذَا كَانَ الْمُسْتَفْتِحُ وَحْدَهُ فِي الصَّلَاةِ وَفَتَحَ عَلَيْهِ الْخَارِجُ وَأَخَذَ مِنْهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِوُجُودِ التَّلْقِينِ وَالتَّلَقُّنِ وَإِنْ كَانَ بِالْعَكْسِ، فَإِنْ نَوَى تَعْلِيمَهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ نَوَى قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ لَمْ تَفْسُدْ، وَاشْتِرَاطُ التَّكْرَارِ وَعَدَمِهِ قَدْ مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَجَابَ رَجُلًا فِي الصَّلَاةِ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ) إذَا قِيلَ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ فَقَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَلَا يَخْلُو، إمَّا أَنَّهُ أَرَادَ جَوَابَهُ أَوْ إعْلَامَهُ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ ثَنَاءٌ بِصِيغَتِهِ: أَيْ بِمَا وُضِعَ لَهُ صِيغَتُهُ، وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ لَا يَتَغَيَّرُ بِعَزِيمَةِ الْمُتَكَلِّمِ كَمَا إذَا أَرَادَ بِهِ إعْلَامَهُ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ كَلَامٌ يَحْتَمِلُ الثَّنَاءَ وَالْجَوَابَ فَكَانَ كَالْمُشْتَرَكِ، وَالْمُشْتَرَكُ يَجُوزُ تَعْيِينُ أَحَدِ مَدْلُولَيْهِ بِالْقَصْدِ وَالْعَزِيمَةِ كَالتَّشْمِيتِ فَإِنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّهُ ذِكْرٌ بِصِيغَتِهِ وَيَحْتَمِلُ الْخِطَابَ، وَقَدْ أَلْحَقَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَلَامِ النَّاسِ حِينَ قَصَدَ بِهِ خِطَابَ الْعَاطِسِ. فَإِنْ قِيلَ: رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي جَوَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ حِينَ اسْتَأْذَنَ عَلَى الدُّخُولِ وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} [الحجر: 46] أَرَادَ جَوَابَهُ وَلَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ. قِيلَ أَجَابَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ انْتَهَى بِالْقِرَاءَةِ إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ وَقِيَاسُهُ عَلَى إرَادَةِ الْإِعْلَامِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى مَا نَذْكُرُ، وَإِذَا قِيلَ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاتَ فُلَانٌ فَقَالَ إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ، وَهَذَا الْقَائِلُ لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ فَارِقٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ عَلَى الْوِفَاقِ: يَعْنِي أَنَّ أَبَا يُوسُفَ وَافَقَهُمَا فِي أَنَّ الِاسْتِرْجَاعَ مُفْسِدٌ، وَالْفَرْقُ لَهُ أَنَّ

(وَمَنْ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ الظُّهْرِ ثُمَّ افْتَتَحَ الْعَصْرَ أَوْ التَّطَوُّعَ فَقَدْ نَقَضَ الظُّهْرَ) لِأَنَّهُ صَحَّ شُرُوعُهُ فِي غَيْرِهِ فَيَخْرُجُ عَنْهُ (وَلَوْ افْتَتَحَ الظُّهْرَ بَعْدَمَا صَلَّى مِنْهَا رَكْعَةً فَهِيَ هِيَ وَيَتَجَزَّأُ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ) لِأَنَّهُ نَوَى الشُّرُوعَ فِي عَيْنِ مَا هُوَ فِيهِ فَلَغَتْ نِيَّتُهُ وَبَقِيَ الْمَنْوِيُّ عَلَى حَالِهِ (وَإِذَا قَرَأَ الْإِمَامُ مِنْ الْمُصْحَفِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا هِيَ تَامَّةٌ) لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ انْضَافَتْ إلَى عِبَادَةٍ أُخْرَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاسْتِرْجَاعَ لِإِظْهَارِ الْمُصِيبَةِ وَمَا شُرِعَتْ الصَّلَاةُ لِأَجْلِهِ وَالتَّهْلِيلُ لِلتَّعْظِيمِ وَالتَّوْحِيدِ وَالصَّلَاةُ شُرِعَتْ لَهُ. وَإِنْ كَانَ الثَّانِي لَمْ يَفْسُدْ بِالْإِجْمَاعِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا نَابَتْ أَحَدَكُمْ نَائِبَةٌ فِي الصَّلَاةِ فَلْيُسَبِّحْ فَإِنَّ التَّسْبِيحَ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقَ لِلنِّسَاءِ» . قَوْلُهُ: (وَمَنْ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ الظُّهْرِ) يَعْنِي إذَا صَلَّى رَجُلٌ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةٍ ثُمَّ افْتَتَحَ افْتِتَاحًا ثَانِيًا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ عَيْنَ الْأُولَى أَوْ غَيْرَهَا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَقَدْ نَقَضَ الْأُولَى وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْكِتَابِ أَوَّلًا؛ لِأَنَّهُ صَحَّ شُرُوعُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ الْخُرُوجُ عَنْ الْأُولَى فَتَبْطُلُ، وَإِنْ كَانَتَا فَرْضَيْنِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُصَلِّي صَاحِبَ تَرْتِيبٍ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ وَقَعَتْ الثَّانِيَةُ نَفْلًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَقَعَتْ فَرْضًا، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي الْكِتَابِ ثَانِيًا فَقَدْ لَغَتْ نِيَّتُهُ وَبَقِيَ الْمَنْوِيُّ الْأَوَّلُ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ وَيَكُونُ مَا صَلَّى مِنْ الْأُولَى مَحْسُوبًا حَتَّى لَوْ صَلَّى بَعْدَهَا ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ خَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ، وَلَوْ صَلَّى أَرْبَعًا عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْأُولَى انْتَقَضَتْ وَلَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّالِثَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْقَعْدَةَ الْأَخِيرَةَ. وَذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ هَذَا إذَا نَوَى بِقَلْبِهِ، أَمَّا إذَا نَوَى بِلِسَانِهِ وَقَالَ نَوَيْت أَنْ أُصَلِّيَ الظُّهْرَ انْتَقَضَ مَا صَلَّى وَلَا يُجْتَزَأُ بِهِ. وَقَوْلُهُ: (وَإِذَا قَرَأَ الْإِمَامُ مِنْ الْمُصْحَفِ) قَيْدُ الْإِمَامِ اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُنْفَرِدِ كَذَلِكَ. قِيلَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَيَّدَهُ بِالْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ الْمُحْتَاجُ إلَى تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ، فَرُبَّمَا يَحْتَاجُ إلَى النَّظَرِ فِي الْمُصْحَفِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مِقْدَارَ مَا يَقْرَأُ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إذَا قَرَأَ مِقْدَارَ آيَةٍ تَامَّةٍ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ قِرَاءَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إذَا قَرَأَ مِقْدَارَ الْفَاتِحَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ عِنْدَهُ فِي الْإِفْسَادِ سَوَاءٌ، وَعِنْدَهُمَا فِي عَدَمِهِ سَوَاءٌ فَلِهَذَا أَطْلَقَهُ فِي الْكِتَابِ (لَهُمَا أَنَّهَا) أَيْ الْقِرَاءَةَ (عِبَادَةٌ) وَهُوَ وَاضِحٌ (انْضَافَتْ) أَيْ انْضَمَّتْ (إلَى عِبَادَةٍ) وَهُوَ النَّظَرُ فِي الْمُصْحَفِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْطُوا

(إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ) لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِصَنِيعِ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ حَمْلَ الْمُصْحَفِ وَالنَّظَرَ فِيهِ وَتَقْلِيبَ الْأَوْرَاقِ عَمَلٌ كَثِيرٌ، وَلِأَنَّهُ تَلَقُّنٌ مِنْ الْمُصْحَفِ فَصَارَ كَمَا إذَا تَلَقَّنَ مِنْ غَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَوْضُوعِ وَالْمَحْمُولِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَفْتَرِقَانِ، وَلَوْ نَظَرَ إلَى مَكْتُوبٍ وَفَهِمَهُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَقْرَأُ كِتَابَ فُلَانٍ حَيْثُ يَحْنَثُ بِالْفَهْمِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَالِكَ الْفَهْمُ، أَمَّا فَسَادُ الصَّلَاةِ فَبِالْعَمَلِ الْكَثِيرِ وَلَمْ يُوجَدْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَعْيُنَكُمْ مِنْ الْعِبَادَةِ حَظَّهَا قِيلَ وَمَا حَظُّهَا مِنْ الْعِبَادَةِ؟ قَالَ: النَّظَرُ فِي الْمُصْحَفِ» ، وَالْعِبَادَةُ الْوَاحِدَةُ غَيْرُ مُفْسِدَةٍ فَكَيْفَ إذَا انْضَمَّتْ إلَى أُخْرَى (إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِصَنِيعِ أَهْلِ الْكِتَابِ) وَنَحْنُ نُهِينَا عَنْ التَّشَبُّهِ بِهَا فِيمَا لَنَا مِنْهُ بُدٌّ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ حَمْلَ الْمُصْحَفِ وَالنَّظَرَ فِيهِ وَتَمْيِيزَ حَرْفٍ عَنْ حَرْفٍ وَتَقْلِيبَ الْأَوْرَاقِ عَمَلٌ كَثِيرٌ وَهُوَ مُفْسِدٌ لَا مَحَالَةَ؛ وَلِأَنَّهُ تَلَقُّنٌ مِنْ الْمُصْحَفِ وَهُوَ كَالتَّلَقُّنِ مِنْ غَيْرِهِ فِي تَحْصِيلِ مَا لَيْسَ بِحَاصِلٍ عِنْدَهُ، وَالتَّلَقُّنُ مِنْ الْغَيْرِ مُفْسِدٌ لَا مَحَالَةَ فَكَذَا مِنْ الْمُصْحَفِ (وَعَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي (لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَوْضُوعِ فِي مَكَان وَالْمَحْمُولِ) ؛ لِأَنَّهُمَا فِي التَّلَقُّنِ سَوَاءٌ (وَعَلَى الْأَوَّلِ يَفْتَرِقَانِ) ؛ لِأَنَّهُ أَحْدَثَ فِيهِ الْحَمْلُ، فَإِذَا فَاتَ بِالْوَضْعِ فَاتَ بَعْضُ الدَّلِيلِ، وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ جَعَلَ التَّعْلِيلَ بِالتَّلَقُّنِ أَصَحَّ. وَقَوْلُهُ: (وَلَوْ نَظَرَ إلَى مَكْتُوبٍ) يَعْنِي إذَا نَظَرَ إلَى مَكْتُوبٍ سِوَى الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ قُرْآنًا لَا خِلَافَ لِأَحَدٍ فِي جَوَازِهِ، فَأَمَّا غَيْرُ الْقُرْآنِ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: لَا تَفْسُدُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَتَفْسُدُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ كِتَابَ فُلَانٍ فَنَظَرَ فِيهِ حَتَّى فَهِمَهُ، وَلَمْ يَقْرَأْ بِلِسَانِهِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الْقِرَاءَةِ بِاللِّسَانِ الْفَهْمُ فَكَانَ الْفَهْمُ كَالْقِرَاءَةِ (وَلِأَبِي يُوسُفَ إنَّ الْقِرَاءَةَ إنَّمَا تَكُونُ بِاللِّسَانِ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْكَلَامِ قَالَ الْمُصَنِّفُ (فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِالْإِجْمَاعِ) وَلَيْسَ هَذِهِ كَمَسْأَلَةِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَاكَ الْفَهْمُ (أَمَّا فَسَادُ الصَّلَاةِ فَبِالْعَمَلِ الْكَثِيرِ وَلَمْ يُوجَدْ)

(وَإِنْ مَرَّتْ امْرَأَةٌ بَيْن يَدَيْ الْمُصَلِّي لَمْ تَقْطَعْ صَلَاتَهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ مُرُورُ شَيْءٍ إلَّا أَنَّ الْمَارَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ: (وَإِنْ مَرَّتْ امْرَأَةٌ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي) إنَّمَا ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَإِنْ لَمْ يَصْدُرْ مِنْ الْمُصَلِّي شَيْءٌ يُوجِبُ فَسَادَ صَلَاتِهِ رَدًّا لِقَوْلِ أَصْحَابِ الظَّاهِرِ أَنَّ مُرُورَ الْمَرْأَةِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي يُفْسِدُ صَلَاتَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَقْطَعُ الْمَرْأَةُ الصَّلَاةَ وَالْكَلْبُ وَالْحِمَارُ» قُلْنَا: أَنْكَرَتْهُ عَائِشَةُ حِينَ بَلَغَهَا فَقَالَتْ: يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ وَالشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ قَرَنْتُمُونَا بِالْحُمُرِ وَالْكِلَابِ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ اعْتِرَاضَ الْجِنَازَةِ، فَإِذَا سَجَدَ خَنَسْت رِجْلِي، وَإِذَا قَامَ مَدَدْتهَا وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي لَا فِي الِاعْتِرَاضِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الِاعْتِرَاضَ بِدَوَامِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُفْسِدًا

آثِمٌ» لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَوْ عَلِمَ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ مِنْ الْوِزْرِ لَوَقَفَ أَرْبَعِينَ» وَإِنَّمَا يَأْثَمُ إذَا مَرَّ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ عَلَى مَا قِيلَ وَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالْمُرُورُ أَوْلَى، ثُمَّ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي مَوَاضِعَ: أَوَّلُهَا هَذَا، وَهُوَ أَنَّ مُرُورَ شَيْءٍ لَا يَقْطَعُهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ مُرُورُ شَيْءٍ» . وَالثَّانِي أَنَّ الْمَارَّ آثِمٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَوْ عَلِمَ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ مِنْ الْوِزْرِ لَوَقَفَ أَرْبَعِينَ» . قَالَ الرَّاوِي: لَا أَدْرِي قَالَ أَرْبَعِينَ عَامًا أَوْ شَهْرًا أَوْ يَوْمًا، وَقِيلَ صَحَّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ الْمُرَادَ أَرْبَعِينَ سَنَةً. وَالثَّالِثُ أَنَّ مِقْدَارَ مَوْضِعٍ يُكْرَهُ الْمُرُورُ فِيهِ هُوَ مَوْضِعُ السُّجُودِ عَلَى مَا قِيلَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ وَقَاضِي خَانْ، وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: إذَا صَلَّى رَامِيًا بِبَصَرِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ فَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ بَصَرُهُ لَا يُكْرَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّرَهُ بِمِقْدَارِ صَفَّيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّرَهُ بِثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّرَهُ بِخَمْسَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّرَهُ بِأَرْبَعِينَ، هَذَا إذَا كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَقِيلَ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ، وَقِيلَ يَمُرُّ مَا وَرَاءَ خَمْسِينَ ذِرَاعًا. وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْمُصَلِّي وَالْمَارِّ (حَائِلٌ) كَأُسْطُوَانَةٍ أَوْ جِدَارٍ، أَمَّا إذَا كَانَ فَلَا يَأْثَمُ وَتُحَاذِي أَعْضَاءُ الْمَارِّ أَعْضَاءَهُ

وَتُحَاذِي أَعْضَاءُ الْمَارِّ أَعْضَاءَهُ لَوْ كَانَ يُصَلِّي عَلَى الدُّكَّانِ (وَيَنْبَغِي لِمَنْ يُصَلِّي فِي الصَّحْرَاءِ أَنْ يَتَّخِذَ أَمَامَهُ سُتْرَةً) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فِي الصَّحْرَاءِ فَلْيَجْعَلْ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةً» (وَمِقْدَارُهَا ذِرَاعٌ فَصَاعِدًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَوْ كَانَ يُصَلِّي عَلَى الدُّكَّانِ حَتَّى لَوْ كَانَ الدُّكَّانُ بِقَدْرِ قَامَةِ الرَّجُلِ كَانَ سُتْرَةً فَلَمْ يَأْثَمْ، وَبَيْنَ هَذَيْنِ الْقَيْدَيْنِ: أَعْنِي قَيْدَ عَدَمِ الْحَائِلِ وَقَيْدَ الْمُحَاذَاةِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ إذَا مَرَّ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ مُنَافَاةً؛ لِأَنَّ الْجِدَارَ وَالْأُسْطُوَانَةَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْضِعِ سُجُودِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا صَلَّى عَلَى الدُّكَّانِ لَا يُتَصَوَّرُ الْمُرُورُ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ، وَلَعَلَّ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ فِي مَوْضِعٍ قَرِيبٍ مِنْ مَوْضِعِ سُجُودِهِ فَيُؤَوِّلُ إلَى مَا اخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ إذَا صَلَّى رَامِيًا بِبَصَرِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ فَلَمْ يَقَعْ بِبَصَرِهِ عَلَيْهِ لَا يُكْرَهُ، وَهَذَا لَا مُنَافَاةَ فِيهِ، فَلِهَذَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: إنَّهُ حَسَنٌ

لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ إذَا صَلَّى فِي الصَّحْرَاءِ أَنْ يَكُونَ أَمَامَهُ مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ» (وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ فِي غِلَظِ الْأُصْبُعِ) لِأَنَّ مَا دُونَهُ لَا يَبْدُو لِلنَّاظِرِ مِنْ بَعِيدٍ فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ (وَيَقْرُبُ مِنْ السُّتْرَةِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَلَّى إلَى سُتْرَةٍ فَلْيَدْنُ مِنْهَا» (وَيَجْعَلُ السُّتْرَةَ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَنِ أَوْ عَلَى الْأَيْسَرِ) بِهِ وَرَدَ الْأَثَرُ وَلَا بَأْسَ بِتَرْكِ السُّتْرَةِ إذَا أَمِنَ الْمُرُورَ وَلَمْ يُوَاجِهْ الطَّرِيقَ (وَسُتْرَةُ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِلْقَوْمِ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى بِبَطْحَاءَ مَكَّةَ إلَى عَنَزَةٍ وَلَمْ يَكُنْ لِلْقَوْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِكَوْنِهِ مُطَّرِدًا فَإِنَّهُ مَا اخْتَارَ شَيْئًا إلَّا وَهُوَ مُطَّرِدٌ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا، وَهُوَ الْإِمَامُ الَّذِي حَازَ قَصَبَاتِ السَّبْقِ فِي مَيْدَانِ التَّحْقِيقِ جَزَاهُ اللَّهُ عَنْ الْمُحَصِّلِينَ خَيْرًا. وَالرَّابِعُ أَنْ يَأْخُذَ سُتْرَةً إذَا صَلَّى فِي الصَّحْرَاءِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فِي الصَّحْرَاءِ فَلْيَجْعَلْ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةً» وَالْخَامِسُ فِي مِقْدَارِهَا وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ ذِرَاعًا فَصَاعِدًا (لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ إذَا صَلَّى فِي الصَّحْرَاءِ أَنْ يَكُونَ أَمَامَهُ مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ» بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْخَاءِ لُغَةً فِي أَخَّرْته وَهِيَ الْخَشَبَةُ الْعَرِيضَةُ الَّتِي تُحَاذِي رَأْسَ الرَّاكِبِ، وَتَشْدِيدُ الْخَاءِ خَطَأٌ، وَهِيَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِقْدَارَ ذِرَاعٍ وَسَنَذْكُرُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى إلَى عَنَزَةٍ وَهِيَ مِقْدَارُ ذِرَاعٍ. وَقَوْلُهُ: (يَنْبَغِي) بَيَانُ غِلَظِهِ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: يُجْزِئُ مِنْ السُّتْرَةِ السَّهْمُ. وَالسَّادِسُ أَنْ يَقْرُبَ مِنْ السُّتْرَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَلَّى إلَى سُتْرَةٍ فَلْيَدْنُ مِنْهَا» وَالسَّابِعُ أَنْ يَجْعَلَ السُّتْرَةَ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ؛ لِأَنَّ الْأَثَرَ وَرَدَ بِهِ، رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا صَلَّى إلَى شَجَرَةٍ وَلَا إلَى عُودٍ وَلَا إلَى عَمُودٍ إلَّا جَعَلَهُ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَنِ وَلَمْ يَصْمُدْهُ صَمْدًا» أَيْ لَمْ يَقْصِدْهُ قَصْدًا إلَى الْمُوَاجَهَةِ. وَالثَّامِنُ أَنَّ سُتْرَةَ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِلْقَوْمِ «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِبَطْحَاءَ مَكَّةَ إلَى عَنَزَةٍ وَلَمْ يَكُنْ لِلْقَوْمِ سُتْرَةٌ» أَيْ عَصًا ذَاتُ زَجٍّ. وَالزَّجُّ الْحَدِيدَةُ فِي أَسْفَلِ الرُّمْحِ، وَهُوَ بِالتَّنْوِينِ؛ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ نَكِرَةٌ. وَقَالَ فِي الْكَافِي: إنْ أُرِيدَ بِهَا عَنَزَةُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ غَيْرَ مُنْصَرِفٍ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ فَيَكُونُ مَنْصُوبًا. وَالتَّاسِعُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ

سُتْرَةٌ (وَيُعْتَبَرُ الْغَرْزُ دُونَ الْإِلْقَاءِ وَالْخَطِّ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِهِ (وَيَدْرَأُ الْمَارَّ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ أَوْ مَرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّتْرَةِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ» (وَيَدْرَأُ بِالْإِشَارَةِ) كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَلَدَيْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - (أَوْ يَدْفَعُ بِالتَّسْبِيحِ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ (وَيُكْرَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّ بِأَحَدِهِمَا كِفَايَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــQهُوَ الْغَرْزُ دُونَ الْإِلْقَاءِ وَالْخَطِّ. قِيلَ هَذَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ رَخْوَةً، أَمَّا إذَا كَانَتْ صُلْبَةً لَا يُمْكِنُهُ الْغَرْزُ فَإِنَّهُ يَضَعُهَا طُولًا لِتَكُونَ عَلَى هَيْئَةِ الْغَرْزِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعَهُ خَشَبَةٌ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ: يَخُطُّ خَطًّا طَوِيلًا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَلَمْ يَعْتَبِرْهُ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ الْحَيْلُولَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَارِّ لَا يَحْصُلُ بِهِ فَيَكُونُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَانَ يَطْرَحُ سَوْطَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَيُصَلِّي. فَإِنْ قِيلَ: الْخَطُّ وَالْوَضْعُ قَدْ رُوِيَا كَالْغَرْزِ فَمَا وَجْهُ الْمَنْعِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّ تَرْكَ السُّتْرَةِ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا أُمِنَ الْمُرُورُ لِمَا أَنَّ اتِّخَاذَ السُّتْرَةِ لِلْحِجَابِ عَنْ الْمَارِّ وَلَا حَاجَةَ بِهَا عِنْدَ عَدَمِ الْمَارِّ. وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ تَرَكَهُ فِي طَرِيقِ الْحِجَازِ غَيْرَ مَرَّةٍ. وَالْعَاشِرُ الدَّرْءُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ أَوْ مَرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّتْرَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ» (وَيَدْرَأُ) أَيْ يَدْفَعُ (بِالْإِشَارَةِ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِوَلَدَيْ أُمِّ سَلَمَةَ) «حَيْثُ كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهَا فَقَامَ وَلَدُهَا عُمَرُ لِيَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَشَارَ إلَيْهِ أَنْ قِفْ، فَوَقَفَ، ثُمَّ قَامَتْ بِنْتُهَا زَيْنَبُ لِتَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَشَارَ إلَيْهَا أَنْ قِفِي فَأَبَتْ فَمَرَّتْ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ: نَاقِصَاتُ الْعَقْلِ نَاقِصَاتُ الدِّينِ صَوَاحِبُ يُوسُفَ صَوَاحِبُ كُرْسُفٍ يَغْلِبْنَ الْكِرَامَ وَيَغْلِبُهُنَّ اللِّئَامُ» (أَوْ يَدْفَعُ بِالتَّسْبِيحِ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ) وَهُوَ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا نَابَتْ أَحَدَكُمْ نَائِبَةٌ فِي الصَّلَاةِ فَلْيُسَبِّحْ» وَهَذِهِ نَائِبَةٌ فِي الصَّلَاةِ فَلْيُسَبِّحْ (وَيُكْرَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْإِشَارَةِ وَالتَّسْبِيحِ (؛ لِأَنَّ بِأَحَدِهِمَا كِفَايَةً) وَهَذَا فِي حَقِّ الرِّجَالِ،

[فصل يكره للمصلي أن يعبث بثوبه أو بجسده]

(فَصْلٌ) (وَيُكْرَهُ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَعْبَثَ بِثَوْبِهِ أَوْ بِجَسَدِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا، وَذَكَرَ مِنْهَا الْعَبَثَ فِي الصَّلَاةِ» وَلِأَنَّ الْعَبَثَ خَارِجَ الصَّلَاةِ حَرَامٌ فَمَا ظَنُّك فِي الصَّلَاةِ (وَلَا يُقَلِّبُ الْحَصَى) لِأَنَّهُ نَوْعُ عَبَثٍ (إلَّا أَنْ لَا يُمَكِّنَهُ مِنْ السُّجُودِ فَيُسَوِّيَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَرَّةً يَا أَبَا ذَرٍّ وَإِلَّا فَذَرْ» وَلِأَنَّ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمَّا النِّسَاءُ فَيُصَفِّقْنَ يَضْرِبْنَ بِظُهُورِ أَصَابِعِ الْيَدِ الْيُمْنَى عَلَى صَفْحَةِ الْكَفِّ الْيُسْرَى لِمَا مَرَّ أَنَّ لَهُنَّ التَّصْفِيقَ؛ لِأَنَّ فِي صَوْتِهِنَّ فِتْنَةً فَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ التَّسْبِيحُ. [فَصْلٌ يُكْرَهُ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَعْبَثَ بِثَوْبِهِ أَوْ بِجَسَدِهِ] فَصْلٌ مَا يُكْرَهُ لِلْمُصَلِّي عَمَّا يُفْسِدُ صَلَاتَهُ وَأَخَّرَهُ ذِكْرًا لِقُوَّةِ الْمُفْسِدِ (وَيُكْرَهُ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَعْبَثَ بِثَوْبِهِ) قَالَ بَدْرُ الدِّينِ الْكَرْدَرِيُّ: الْعَبَثُ الْفِعْلُ الَّذِي فِيهِ غَرَضٌ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِشَرْعِيٍّ، وَالسَّفَهُ مَا لَا غَرَضَ فِيهِ أَصْلًا. وَقَالَ حُمَيْدُ الدِّينِ: الْعَبَثُ كُلُّ عَمَلٍ لَيْسَ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ وَلَا نِزَاعَ فِي الِاصْطِلَاحِ، وَلَمَّا كَانَ الْعَبَثُ بِالثَّوْبِ أَوْ الْجَسَدِ أَكْثَرَ وُقُوعًا قَدَّمَهُ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِمَا قِيلَ إنَّمَا قَدَّمَهُ؛ لِأَنَّهُ كُلِّيٌّ يَشْمَلُ مَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْعَبَثَ بِالثَّوْبِ لَا يَشْمَلُ مَا بَعْدَهُ مِنْ تَقْلِيبِ الْحَصَى وَغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا» وَذَكَرَ مِنْهَا الْعَبَثَ فِي الصَّلَاةِ، وَالْبَاقِيَانِ هُوَ الرَّفَثُ فِي الصَّوْمِ وَالضَّحِكُ فِي الْمَقَابِرِ. وَقَوْلُهُ: (؛ لِأَنَّ الْعَبَثَ خَارِجَ الصَّلَاةِ حَرَامٌ فَمَا ظَنُّك فِي الصَّلَاةِ) قِيلَ فَعَلَى هَذَا كَانَ كَالْقَهْقَهَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُفْسِدَ الصَّلَاةَ، وَهُوَ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّ إفْسَادَ الْقَهْقَهَةِ لِفَسَادِ الضَّوْءِ بِهَا وَلَيْسَ فِي الْعَبَثِ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: (وَلَا يُقَلِّبُ الْحَصَى) ظَاهِرٌ قِيلَ وَحَاصِلُهُ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ يُفِيدُ الْمُصَلِّيَ لَا بَأْسَ بِهِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرِقَ فِي صَلَاتِهِ لَيْلَةً فَسَلَتَ الْعَرَقَ عَنْ جَبِينِهِ» : أَيْ مَسَحَهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُؤْذِيهِ فَكَانَ مُفِيدًا، وَإِذَا قَامَ مِنْ سُجُودِهِ فِي الصَّفِّ

إصْلَاحَ صَلَاتِهِ (وَلَا يُفَرْقِعُ أَصَابِعَهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُفَرْقِعُ أَصَابِعَكَ وَأَنْتَ تُصَلِّي» (وَلَا يَتَخَصَّرُ) وَهُوَ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْخَاصِرَةِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ الِاخْتِصَارِ فِي الصَّلَاةِ، وَلِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ الْوَضْعِ الْمَسْنُونِ. (وَلَا يَلْتَفِتُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " لَوْ عَلِمَ الْمُصَلِّي مَنْ يُنَاجِي مَا الْتَفَتَ " (وَلَوْ نَظَرَ بِمُؤْخِرِ عَيْنِهِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْوِيَ عُنُقَهُ لَا يُكْرَهُ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُلَاحِظُ أَصْحَابَهُ فِي صَلَاتِهِ بِمُوقِ عَيْنَيْهِ (وَلَا يُقْعِي وَلَا يَفْتَرِشُ ذِرَاعَيْهِ) «لِقَوْلِ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: نَهَانِي خَلِيلِي عَنْ ثَلَاثٍ: أَنْ أَنْقُرَ نَقْرَ الدِّيكِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQنَفَضَ ثَوْبَهُ يَمْنَةً وَيَسْرَةً كَيْ لَا تَبْقَى صُورَةٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُفَرْقِعُ أَصَابِعَهُ) الْفَرْقَعَةُ تَنْفِيضُ الْأَصَابِعِ بِالْغَمْزِ أَوْ الْمُدِّ حَتَّى تُصَوِّتَ وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ الِاخْتِصَارِ فِي الصَّلَاةِ) رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الِاخْتِصَارِ فِي الصَّلَاةِ وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَلْتَفِتُ) ظَاهِرٌ.

وَأَنْ أُقْعِيَ إقْعَاءَ الْكَلْبِ، وَأَنْ أَفْتَرِشَ افْتِرَاشَ الثَّعْلَبِ» . وَالْإِقْعَاءُ: أَنْ يَضَعَ أَلْيَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَيَنْصِبَ رُكْبَتَيْهِ نَصْبًا هُوَ الصَّحِيحُ. (وَلَا يَرُدُّ السَّلَامَ بِلِسَانِهِ) لِأَنَّهُ كَلَامٌ (وَلَا بِيَدِهِ) لِأَنَّهُ سَلَامٌ مَعْنًى حَتَّى لَوْ صَافَحَ بِنِيَّةِ التَّسْلِيمِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ (وَلَا يَتَرَبَّعُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ) لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ سُنَّةِ الْقُعُودِ (وَلَا يَعْقِصُ شَعْرَهُ) وَهُوَ أَنْ يَجْمَعَ شَعْرَهُ عَلَى هَامَتِهِ وَيَشُدَّهُ بِخَيْطٍ أَوْ بِصَمْغٍ لِيَتَلَبَّدَ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ وَهُوَ مَعْقُوصٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ التَّفْسِيرِ الْآخَرِ لِلْإِقْعَاءِ، وَهُوَ أَنْ يَنْصِبَ قَدَمَيْهِ كَمَا يَفْعَلُ فِي السُّجُودِ وَيَضَعُ أَلْيَتَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ؛ لِأَنَّ الْكَلْبَ لَا يُقْعِي كَذَلِكَ وَإِنَّمَا يُقْعِي مِثْلَ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ إلَّا أَنَّهُ يَنْصِبُ يَدَيْهِ وَالْآدَمِيُّ يَنْصِبُ رُكْبَتَيْهِ إلَى صَدْرِهِ وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَرُدُّ السَّلَامَ) ظَاهِرٌ

(وَلَا يَكُفُّ ثَوْبَهُ) لِأَنَّهُ نَوْعُ تَجَبُّرٍ (وَلَا يُسْدِلُ ثَوْبَهُ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ السَّدْلِ، وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِهِ وَكَتِفَيْهِ ثُمَّ يُرْسِلَ أَطْرَافَهُ مِنْ جَوَانِبِهِ (وَلَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ (فَإِنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ) لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ وَحَالَةُ الصَّلَاةِ مُذَكِّرَةٌ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَكُونَ مَقَامُ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ وَسُجُودُهُ فِي الطَّاقِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُومَ فِي الطَّاقِ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُ صَنِيعَ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ حَيْثُ تَخْصِيصِ الْإِمَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: (فَإِنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ) فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ شَرِبَ وَعَنْ طَاوُسٍ يَجُوزُ شُرْبُهُ فِي النَّفْلِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ (عَمَلٌ كَثِيرٌ) لَا مَحَالَةَ وَهُوَ مُفْسِدٌ وَقَوْلُهُ: (وَحَالَةُ الصَّلَاةِ مُذَكِّرَةٌ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النِّسْيَانُ عَفْوًا كَمَا فِي الصَّوْمِ. وَوَجْهُهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ كَالصَّوْمِ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الصَّلَاةِ مُذَكِّرَةٌ بِخِلَافِ حَالَةِ الصِّيَامِ، فَإِنْ أَكَلَ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إذَا كَانَ مَا دُونَ مِلْءِ الْفَمِ لَا تَفْسُدُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إنْ كَانَ قَلِيلًا فَمَا دُونَ الْحِمَّصَةِ لَا تَفْسُدُ كَمَا فِي الصَّوْمِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَسَدَتْ. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَكُونَ مَقَامُ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ) شُرِعَ مِنْ هُنَا فِي بَيَانِ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالطَّاقُ هُوَ الْمِحْرَابُ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ فِي وَجْهِ الْكَرَاهَةِ أَحَدُ الطَّرِيقِينَ، وَالطَّرِيقُ الْآخَرُ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّ يَشْتَبِهُ عَلَى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ، وَعَلَى هَذَا إنْ كَانَ بِجَنْبَيْ

بِالْمَكَانِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ سُجُودُهُ فِي الطَّاقِ (وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ وَحْدَهُ عَلَى الدُّكَّانِ) لِمَا قُلْنَا (وَكَذَا عَلَى الْقَلْبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) لِأَنَّهُ ازْدِرَاءٌ بِالْإِمَامِ (وَلَا بَاسَ بِأَنْ يُصَلِّيَ إلَى ظَهْرِ رَجُلٍ قَاعِدٍ يَتَحَدَّثُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالطَّاقِ عَمُودَانِ وَوَرَاءَ ذَلِكَ فُرْجَةٌ يَطَّلِعُ فِيهَا مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ عَلَى حَالِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَقَامِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ مَكَانُ الْأَقْدَامِ، فَإِذَا كَانَتْ قَدَمَاهُ خَارِجَتَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنَّمَا اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّهُ مُطَّرِدٌ، بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّهُ إذَا أَمْكَنَ الِاطِّلَاعُ عَلَى حَالِهِ بِالْفُرْجَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ لَمْ يَطَّرِدْ فِيهِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ قَوْلَهُ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ بِقَوْلِهِ وَحْدَهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ لَمْ يُكْرَهْ، وَإِنَّمَا قَالَ عَلَى الْقَلْبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ احْتِرَازًا عَمَّا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِزَوَالِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَهُوَ التَّشَبُّهُ بِصَنِيعِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مِقْدَارَ ارْتِفَاعِ الدُّكَّانِ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِقَامَةِ الرَّجُلِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَقِيلَ مُقَدَّرٌ بِمِقْدَارِ مَا يَقَعُ بِهِ الِامْتِيَازُ، وَقِيلَ بِذِرَاعٍ اعْتِبَارُهُ بِالسُّتْرَةِ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ. وَأَمَّا إذَا كَانَ كَمَا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ يَقُومُ النَّاسُ عَلَى الرُّفُوفِ وَالْإِمَامُ فِي الْجَامِعِ عَلَى الْأَرْضِ لِضِيقِ الْمَكَانِ فَلَا يُكْرَهُ. وَقَوْلُهُ: (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُصَلِّيَ إلَى ظَهْرِ رَجُلٍ قَاعِدٍ يَتَحَدَّثُ) ظَاهِرٌ، إنَّمَا الْمَكْرُوهُ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى وَجْهِ غَيْرِهِ،

لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - رُبَّمَا كَانَ يَسْتَتِرُ بِنَافِعٍ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُصَلِّيَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ مُصْحَفٌ مُعَلَّقٌ أَوْ سَيْفٌ مُعَلَّقٌ) لِأَنَّهُمَا لَا يُعْبَدَانِ، وَبِاعْتِبَارِهِ تَثْبُتُ الْكَرَاهَةُ (وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى بِسَاطٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ) لِأَنَّ فِيهِ اسْتِهَانَةً بِالصُّوَرِ (وَلَا يَسْجُدُ عَلَى التَّصَاوِيرِ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُ عِبَادَةَ الصُّورَةِ، وَأَطْلَقَ الْكَرَاهَةَ فِي الْأَصْلِ لِأَنَّ الْمُصَلَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي إلَى وَجْهِ غَيْرِهِ فَعَلَا هُمَا الدِّرَّةَ وَقَالَ لِلْمُصَلِّي: تَسْتَقْبِلُ الصُّورَةَ فِي صَلَاتِك، وَقَالَ لِلْقَاعِدِ أَتَسْتَقْبِلُ الْمُصَلِّيَ بِوَجْهِك. فَعُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ إلَى ظَهْرِ رَجُلٍ يَتَحَدَّثُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُصَلِّيَ وَبِقُرْبِهِ قَوْمٌ يَتَحَدَّثُونَ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ وَعِنْدَهُ قَوْمٌ يَتَحَدَّثُونَ أَوْ نَائِمُونَ» وَتَأْوِيلُهُ عِنْدَنَا إذَا رَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ عَلَى وَجْهٍ يُخَافُ مِنْهُ وُقُوعُ الْغَلَطِ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ يُخَافُ أَنْ يَظْهَرَ صَوْتٌ مِنْ النَّائِمِينَ فَيَضْحَكُ فِي صَلَاتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ عِنْدَ الْأَمْنِ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يُصَلُّونَ وَبَعْضُهُمْ كَانُوا يَقْرَءُونَ وَبَعْضُهُمْ كَانُوا يَتَعَلَّمُونَ الْفِقْهَ وَبَعْضُهُمْ كَانُوا يَذْكُرُونَ الْمَوَاعِظَ وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ عَنْ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُهُ: (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُصَلِّيَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ مُصْحَفٌ مُعَلَّقٌ أَوْ سَيْفٌ مُعَلَّقٌ) إنَّمَا أَوْرَدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ؛ لِأَنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ فَقَالَ السَّيْفُ آلَةُ الْحَرْبِ، وَفِي الْحَدِيدِ بَأْسٌ شَدِيدٌ، فَلَا يَلِيقُ تَقْدِيمُهُ فِي مَقَامِ التَّضَرُّعِ. وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَفِي اسْتِقْبَالِ الْمُصْحَفِ تَشَبُّهٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِكُتُبِهِمْ، وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ مِنْ الدَّلِيلِ ظَاهِرٌ. (وَقَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُصَلِّيَ عَلَى بِسَاطٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ) التَّصَاوِيرُ مَا يُصَوَّرُ مُشَبَّهًا بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ ذَوَاتِ الرُّوحِ أَوْ لَا. وَقَوْلُهُ: (وَأَطْلَقَ الْكَرَاهَةَ فِي الْأَصْلِ) أَيْ لَمْ يَفْصِلْ فِي الْمَبْسُوطِ فِي حَقِّ الْكَرَاهَةِ بَيْنَ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى الصُّورَةِ أَوْ لَا يَسْجُدَ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ

مُعَظَّمٌ (وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ فَوْقَ رَأْسِهِ فِي السَّقْفِ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ بِحِذَائِهِ تَصَاوِيرُ أَوْ صُورَةٌ مُعَلَّقَةٌ) «لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ: إنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ أَوْ صُورَةٌ» ، وَلَوْ كَانَتْ الصُّورَةُ صَغِيرَةً بِحَيْثُ لَا تَبْدُو لِلنَّاظِرِ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّ الصِّغَارَ جِدًّا لَا تُعْبَدُ ـــــــــــــــــــــــــــــQإنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْظِيمِ لَهُ، وَإِذَا كَانَ فِي مَوْضِعِ جُلُوسِهِ وَقِيَامِهِ لَا يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِهَانَةِ. وَجْهُ مَا فِي الْأَصْلِ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ الْمُصَلَّى إلَيْهِ مُعَظَّمٌ بِلَفْظِ الْمَفْعُولِ فِيهِمَا، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْبِسَاطَ الَّذِي أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ مُعَظَّمٌ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْبُسُطِ، فَإِذَا كَانَ فِيهِ صُورَةٌ كَانَ نَوْعَ تَعْظِيمٍ لَهَا وَنَحْنُ أُمِرْنَا بِإِهَانَتِهَا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْمُصَلَّى مُطْلَقًا سَجَدَ عَلَيْهَا أَوْ لَمْ يَسْجُدْ. وَقَوْلُهُ: (لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ) رُوِيَ «أَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اسْتَأْذَنَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ لَهُ اُدْخُلْ، فَقَالَ: كَيْفَ أَدْخُلُ بَيْتًا عَلَيْهِ سِتْرٌ فِيهِ تَمَاثِيلُ حَيَوَانٍ أَوْ رِجَالٍ، إمَّا أَنْ تُقْطَعَ رُءُوسُهَا أَوْ تُجْعَلَ بِسَاطًا يُوطَأُ إنَّا مَعَاشِرَ الْمَلَائِكَةِ لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ أَوْ صُورَةٌ» وَقَوْلُهُ: (؛ لِأَنَّ الصِّغَارَ جِدًّا لَا تُعْبَدُ) رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى خَاتَمِ أَبِي مُوسَى ذُبَابَتَانِ، وَكَانَ لِابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانُونٌ

(وَإِذَا كَانَ التِّمْثَالُ مَقْطُوعَ الرَّأْسِ) أَيْ مَمْحُوَّ الرَّأْسِ (فَلَيْسَ بِتِمْثَالٍ) لِأَنَّهُ لَا يُعْبَدُ بِدُونِ الرَّأْسِ وَصَارَ كَمَا إذَا صَلَّى إلَى شَمْعٍ أَوْ سِرَاجٍ عَلَى مَا قَالُوا (وَلَوْ كَانَتْ الصُّورَةُ عَلَى وِسَادَةٍ مُلْقَاةٍ أَوْ عَلَى بِسَاطٍ مَفْرُوشٍ لَا يُكْرَهُ) لِأَنَّهَا تُدَاسُ وَتُوطَأُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْوِسَادَةُ مَنْصُوبَةً أَوْ كَانَتْ عَلَى السُّتْرَةِ لِأَنَّهُ تَعْظِيمٌ لَهَا، وَأَشَدُّهَا كَرَاهَةً أَنْ تَكُونَ أَمَامَ الْمُصَلِّي ثُمَّ مِنْ فَوْقِ رَأْسِهِ ثُمَّ عَلَى يَمِينِهِ ثُمَّ عَلَى شِمَالِهِ ثُمَّ خَلْفَهُ (وَلَوْ لَبِسَ ثَوْبًا فِيهِ تَصَاوِيرُ يُكْرَهُ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُ حَامِلَ الصَّنَمِ، وَالصَّلَاةُ جَائِزَةٌ فِي جَمِيع ذَلِكَ لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِهَا، وَتُعَادُ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مَكْرُوهٍ، وَهَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ (وَلَا يُكْرَهُ تِمْثَالٌ غَيْرُ ذِي الرُّوحِ) لِأَنَّهُ لَا يُعْبَدُ (وَلَا بَأْسَ بِقَتْلِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ فِي الصَّلَاةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَحْفُوفٌ بِصُوَرٍ صِغَارٍ. وَقَوْلُهُ: (وَإِذَا كَانَ التِّمْثَالُ مَقْطُوعَ الرَّأْسِ: أَيْ مَمْحُوَّهُ) إنَّمَا فَسَّرَهُ بِهَذَا إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَوْ قُطِعَ رَأْسُهُ بِخَيْطٍ مِنْ الْحُلْقُومِ كَانَتْ الْكَرَاهَةُ بَاقِيَةً؛ لِأَنَّ مِنْ الطَّيْرِ مَا هُوَ مُطَوَّقٌ، أَمَّا مَا حَمَى رَأْسَهُ بِحَيْثُ لَا يُرَى لَا يُكْرَهُ لِمَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا يُعْبَدُ بِلَا رَأْسٍ فَكَانَ كَالْجَمَادَاتِ (فَصَارَ كَالصَّلَاةِ إلَى شَمْعٍ أَوْ سِرَاجٍ) فِي أَنَّهُمَا لَا يُعْبَدَانِ وَإِنَّمَا قَالَ (عَلَى مَا قَالُوا) إشَارَةً إلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ يُكْرَهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ كَانُونٌ فِيهِ جَمْرٌ أَوْ نَارٌ مُوقَدَةٌ، وَالصَّحِيحُ مَا قَالُوا لِمَا ذَكَرَ أَنَّهُمَا لَا يُعْبَدَانِ. وَقَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَتْ الصُّورَةُ عَلَى وِسَادَةٍ) ظَاهِرٌ. وَيُحْكَى عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمَا دَخَلَا بَيْتًا فِيهِ بِسَاطٌ عَلَيْهِ تَصَاوِيرُ فَوَقَفَ عَطَاءٌ وَجَلَسَ الْحَسَنُ وَقَالَ: تَعْظِيمُ الصُّورَةِ فِي تَرْكِ الْجُلُوسِ عَلَيْهَا. وَقَوْلُهُ: (وَأَشَدُّهَا) أَيْ أَشَدُّ الصُّوَرِ (كَرَاهَةً) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ مَقُولٌ بِالتَّشْكِيكِ تَخْتَلِفُ آحَادُهَا بِالشِّدَّةِ وَالضَّعْفِ، وَقِيلَ إذَا كَانَتْ خَلْفَ الْمُصَلِّي لَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ، وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ كَوْنُهُمَا فِي الْبَيْتِ؛ لِأَنَّ تَنْزِيهَ مَكَانِ الصَّلَاةِ عَمَّا يَمْنَعُ دُخُولَ الْمَلَائِكَةِ مُسْتَحَبٌّ. وَقَوْلُهُ: (وَتُعَادُ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مَكْرُوهٍ) أَيْ تُعَادُ الصَّلَاةُ لِلِاحْتِيَاطِ عَلَى وَجْهٍ لَيْسَ فِيهِ كَرَاهَةٌ (وَهَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ) كَمَا إذَا تَرَكَ وَاجِبًا مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ وَقَوْلُهُ: (وَلَا يُكْرَهُ تِمْثَالُ غَيْرِ ذِي الرُّوحِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ نَهَى مُصَوِّرًا عَنْ التَّصْوِيرِ فَقَالَ: كَيْفَ أَصْنَعُ وَهُوَ كَسْبِي؟ قَالَ: إنْ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ فَعَلَيْك بِتِمْثَالِ الْأَشْجَارِ. وَفِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التِّمْثَالَ وَالصُّورَةَ وَاحِدٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ التِّمْثَالُ مَا تُصَوِّرُهُ عَلَى الْجِدَارِ، وَالصُّورَةُ مَا تُصَوَّرُ عَلَى الثَّوْبِ وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ. وَقَوْلُهُ: (وَلَا بَأْسَ بِقَتْلِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ فِي الصَّلَاةِ) لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَا إذَا أَمْكَنَهُ الْقَتْلُ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَبَيْنَ

لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اُقْتُلُوا الْأَسْوَدَيْنِ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي الصَّلَاةِ» وَلِأَنَّ فِيهِ إزَالَةُ الشَّغْلِ فَأَشْبَهَ دَرْءَ الْمَارِّ وَيَسْتَوِي جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْحَيَّاتِ هُوَ الصَّحِيحُ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا (وَيُكْرَهُ عَدُّ الْآيِ وَالتَّسْبِيحَاتِ بِالْيَدِ فِي الصَّلَاةِ) وَكَذَلِكَ عَدُّ السُّوَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا إذَا احْتَاجَ إلَى ضَرَبَاتٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اُقْتُلُوا الْأَسْوَدَيْنِ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي الصَّلَاةِ» لَمْ يَفْصِلْ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنْ أَمْكَنَهُ الْقَتْلُ بِضَرْبَةٍ فَعَلَ، وَإِنْ ضَرَبَ ضَرَبَاتٍ اسْتَقْبَلَ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ رُخِّصَ فِيهِ لِلْمُصَلِّي فَهُوَ كَالْمَشْيِ بَعْدَ الْحَدَثِ وَالِاسْتِقَاءِ مِنْ الْبِئْرِ وَالتَّوَضُّؤِ، وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يَنْبُو عَنْ هَذَا؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَلِأَنَّ فِيهِ إزَالَةَ الشُّغْلِ فَأَشْبَهَ دَرْءَ الْمَارِّ فَإِنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ كَالْمَشْيِ بَعْدَ الْحَدَثِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ دُونَ هَذَا. قَوْلُهُ: (وَيَسْتَوِي جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْحَيَّاتِ) يَعْنِي الَّتِي تُسَمَّى جِنِّيَّةً وَغَيْرُهَا. وَقَوْلُهُ: (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ: إنَّ الْحَيَّاتِ مِنْهَا مَا يَكُونُ مِنْ سَوَاكِنِ الْبُيُوتِ وَهِيَ جِنِّيَّةٌ، وَمِنْهَا مَا لَا يَكُونُ مِنْهَا، وَالْأُولَى هِيَ الَّتِي تَكُونُ صُورَتُهَا بَيْضَاءَ لَهَا ضَفِيرَتَانِ تَمْشِي مُسْتَوِيَةً وَقَتْلُهَا لَا يُبَاحُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إيَّاكُمْ وَالْحَيَّةَ الْبَيْضَاءَ فَإِنَّهَا مِنْ الْجِنِّ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا فَلَا تُقْتَلُ فِي غَيْرِهَا أَيْضًا إلَّا بَعْدَ الْإِنْذَارِ، وَالْإِنْذَارُ بِأَنْ يُقَالَ خَلِّ طَرِيقَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ أَبِي قُتِلَ، وَالثَّانِيَةُ هِيَ الَّتِي يَضْرِبُ لَوْنُهَا إلَى السَّوَادِ وَفِي مَشْيِهَا الْتِوَاءٌ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَخَذَ عَلَى الْجِنِّ الْعُهُودَ وَالْمَوَاثِيقَ بِأَلَّا يَظْهَرُوا لِأُمَّتِهِ فِي صُورَةِ الْحَيَّةِ وَلَا يَدْخُلُوا بُيُوتَهُمْ، فَإِذَا نَقَضُوا الْعَهْدَ يُبَاحُ قَتْلُهَا، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَالْمُصَنِّفِ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا. وَقَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ عَدُّ الْآيِ وَالتَّسْبِيحَاتِ فِي الصَّلَاةِ) أَطْلَقَ الصَّلَاةَ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْعَدَّ مَكْرُوهٌ فِي الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ جَمِيعًا (وَكَذَا عَدُّ السُّوَرِ)

لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ فِي الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ جَمِيعًا مُرَاعَاةً لِسُنَّةِ الْقِرَاءَةِ وَالْعَمَلِ بِمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ. قُلْنَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَعُدَّ ذَلِكَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فَيَسْتَغْنِيَ عَنْ الْعَدِّ بَعْدَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ) فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (أَنَّ الْعَدَّ بِالْيَدِ لَا بَأْسَ بِهِ) وَقَيَّدَ بِالْيَدِ؛ لِأَنَّ الْغَمْزَ بِرُءُوسِ الْأَصَابِعِ أَوْ الْحِفْظَ بِالْقَلْبِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ بِالِاتِّفَاقِ. وَاحْتَرَزَ عَنْ الْعَدِّ بِاللِّسَانِ فَإِنَّهُ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ، وَقَيَّدَ بِالصَّلَاةِ احْتِرَازًا عَنْ خَارِجِ الصَّلَاةِ لِمَا ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّ عَدَّ التَّسْبِيحِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ بِدْعَةٌ، وَكَانَ السَّلَفُ يَقُولُونَ نُذْنِبُ وَلَا نُحْصِي وَنُسَبِّحُ وَنُحْصِي. وَقَيَّدَ بِالتَّسْبِيحِ وَالْآيِ احْتِرَازًا عَنْ عَدِّ النَّاسِ وَغَيْرِهِمْ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ بِلَا خِلَافٍ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَهُمْ (فِي الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ جَمِيعًا) وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي الْمَكْتُوبَةِ، وَأَمَّا النَّوَافِلُ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي النَّوَافِلِ وَلَا خِلَافَ فِي الْمَكْتُوبَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ. لَهُمَا أَنَّ الْمُصَلِّيَ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ عَمَلًا بِمَا هُوَ السُّنَّةُ وَهِيَ أَرْبَعُونَ آيَةً أَوْ سِتُّونَ آيَةً فِي الْفَرَائِضِ. وَعَمَلًا بِمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ فِي تَسْبِيحَاتِهَا عَشْرًا عَشْرًا فَلَا بَأْسَ بِالْعَدِّ حِينَئِذٍ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ، وَأَمَّا فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ فَلَا ضَرُورَةَ أَيْضًا إلَى الْعَدِّ بِالْيَدِ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِغَمْزِ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ فَيَسْتَغْنِي عَنْ الْعَدِّ بِالْيَدِ.

[فصل استقبال القبلة بالفرج في الخلاء]

فَصْلٌ وَيُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِالْفَرْجِ فِي الْخَلَاءِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ ذَلِكَ. وَالِاسْتِدْبَارُ يُكْرَهُ فِي رِوَايَةٍ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ التَّعْظِيمِ، وَلَا يُكْرَهُ فِي رِوَايَةٍ لِأَنَّ الْمُسْتَدْبَرَ فَرْجُهُ غَيْرُ مُوَازٍ لِلْقِبْلَةِ. وَمَا يَنْحَطُّ مِنْهُ يَنْحَطُّ إلَى الْأَرْضِ، بِخِلَافِ الْمُسْتَقْبِلِ لِأَنَّ فَرْجَهُ مُوَازٍ لَهَا وَمَا يَنْحَطُّ مِنْهُ يَنْحَطُّ إلَيْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصَلِّ اسْتِقْبَال الْقِبْلَة بِالْفَرْجِ فِي الْخَلَاء] فَصْلٌ) : لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْكَرَاهَةِ فِي الصَّلَاةِ شَرَعَ فِي بَيَانِهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ وَالْخَلَاءِ بِالْمَدِّ بَيْتُ التَّغَوُّطِ، وَالْمَقْصُورُ النَّبْتُ (وَيُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِالْفَرْجِ فِي الْخَلَاءِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ ذَلِكَ) رَوَاهُ سَلْمَانُ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْخَلَاءِ وَإِنْ كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ كَذَلِكَ لِمَا فِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: إنَّمَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ فِي الْفَضَاءِ، وَأَمَّا فِي الْأَمْكِنَةِ فَلَا. وَفِي الِاسْتِدْبَارِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ: فَعَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فَرَّقَ بَيْنَ الِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ بِمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ قَوْلِهِ (؛ لِأَنَّ الْمُسْتَدْبِرَ فَرْجُهُ غَيْرُ مُوَازٍ لِلْقِبْلَةِ وَمَا يَنْحَطُّ مِنْهُ يَنْحَطُّ إلَى الْأَرْضِ، بِخِلَافِ الْمُسْتَقْبِلِ؛ لِأَنَّ فَرْجَهُ مُوَازٍ لَهَا وَمَا يَنْحَطُّ مِنْهُ يَنْحَطُّ إلَيْهَا) فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُعَارِضُ هَذَا مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا، وَلَكِنْ

(وَتَكْرَهُ الْمُجَامَعَةُ فَوْقَ الْمَسْجِدِ وَالْبَوْلُ وَالتَّخَلِّي) لِأَنَّ سَطْحَ الْمَسْجِدِ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ مِنْهُ بِمَنْ تَحْتَهُ، وَلَا يَبْطُلُ الِاعْتِكَافُ بِالصُّعُودِ إلَيْهِ، وَلَا يَحِلُّ لِلْجُنُبِ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ (وَلَا بَأْسَ بِالْبَوْلِ فَوْقَ بَيْتٍ فِيهِ مَسْجِدٌ) وَالْمُرَادُ مَا أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQشَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» أُجِيبَ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا اسْتَدْبَرُوا صَارُوا مُتَوَجِّهِينَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَكَانَ مَكْرُوهًا تَعْظِيمًا لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ رَافِعًا ذَيْلَهُ عِنْدَ التَّغَوُّطِ. وَقَوْلُهُ: (وَتُكْرَهُ الْمُجَامَعَةُ فَوْقَ الْمَسْجِدِ)

لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ حُكْمَ الْمَسْجِدِ وَإِنْ نَدَبْنَا إلَيْهِ (وَيُكْرَهُ أَنْ يُغْلَقَ بَابُ الْمَسْجِدِ) : لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمَنْعَ مِنْ الصَّلَاةِ، وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا خِيفَ عَلَى مَتَاعِ الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ أَوَانِ الصَّلَاةِ (وَلَا بَأْسَ أَنْ يُنْقَشَ الْمَسْجِدُ بِالْجِصِّ وَالسَّاجِ وَمَاءِ الذَّهَبِ) وَقَوْلُهُ لَا بَأْسَ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِهِ، وَقِيلَ هُوَ قُرْبَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ حُكْمَ الْمَسْجِدِ) يَعْنِي لِعَدَمِ الْخُلُوصِ حَتَّى يُبَاعَ، وَيُورَثُ (وَإِنْ نَدَبْنَا إلَيْهِ) أَيْ إلَى اتِّخَاذِ الْمَسْجِدِ فِي الْبَيْتِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ إنْسَانٍ أَنْ يَتَّخِذَ فِي بَيْتِهِ مَكَانًا لِلصَّلَاةِ يُصَلِّي فِيهِ النَّوَافِلَ وَالسُّنَنَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} [يونس: 87] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَتَّخِذُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا» وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَرْكِ الصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ الْغَلْقَ (يُشْبِهُ الْمَنْعَ عَنْ الصَّلَاةِ) وَهُوَ حَرَامٌ، قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [البقرة: 114] (وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ) أَيْ يُغْلَقُ بَابُ الْمَسْجِدِ (إذَا خِيفَ عَلَى مَتَاعِهِ) فِي غَيْرِ أَوَانِ الصَّلَاةِ لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الزَّمَانِ، أَلَا تَرَى أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَحْضُرْنَ الْجَمَاعَاتِ ثُمَّ مُنِعْنَ مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ الْمَنْعُ صَوَابًا، فَكَذَلِكَ إغْلَاقُ بَابِ الْمَسْجِدِ فِي زَمَانِنَا وَالتَّدْبِيرُ فِيهِ إلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَإِنَّهُمْ إذَا اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ وَجَعَلُوهُ مُتَوَلِّيًا بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي يَكُونُ مُتَوَلِّيًا. وَقَوْلُهُ: (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُنْقَشَ الْمَسْجِدُ بِالْجِصِّ) إنَّمَا ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِيهَا، فَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا قَالَ حِينَ مَرَّ بِمَسْجِدٍ مُزَخْرَفٍ: لِمَنْ هَذِهِ الْبِيعَةُ؟ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِكَرَاهَتِهِ هَذَا الصَّنِيعِ فِي الْمَسَاجِدِ وَعِنْدَنَا لَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ عُمَرَ زَادَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَزَيَّنَهُ فِي خِلَافَتِهِ؛ وَلِأَنَّ فِي تَزْيِينِهِ تَرْغِيبَ النَّاسِ فِي الِاعْتِكَافِ وَالْجُلُوسِ فِي الْمَسَاجِدِ لِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ لَا مَحَالَةَ حَسَنٌ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي قَوْلِهِ وَلَا بَأْسَ: إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ وَلَا يَأْثَمُ بِهِ. وَقِيلَ هُوَ قُرْبَةٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَثَّنَا عَلَى عُمَارَةِ الْمَسَاجِدِ بِقَوْلِهِ {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة: 18]

وَهَذَا إذَا فَعَلَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، أَمَّا الْمُتَوَلِّي فَيَفْعَلُ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ مَا يَرْجِعُ إلَى إحْكَامِ الْبِنَاءِ دُونَ مَا يَرْجِعُ إلَى النَّقْشِ حَتَّى لَوْ فَعَلَ يَضْمَنُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْكَعْبَةُ مُزَخْرَفَةٌ بِمَاءِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَسْتُورَةٌ بِالدِّيبَاجِ وَالْحَرِيرِ. وَقَوْلُهُ: (وَهَذَا) إشَارَةٌ إلَى لَا بَأْسَ: يَعْنِي إنَّمَا يَكُونُ لَا بَأْسَ بِهِ (إذَا فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، أَمَّا الْمُتَوَلِّي فَيَفْعَلُ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ مَا يَرْجِعُ إلَى إحْكَامِ الْبِنَاءِ) كَالتَّجْصِيصِ (دُونَ مَا يَرْجِعُ إلَى إحْكَامِ النَّقْشِ حَتَّى لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ ضَمِنَ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[باب صلاة الوتر]

بَابُ صَلَاةِ الْوِتْرِ (الْوِتْرُ وَاجِبٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا سُنَّةٌ) لِظُهُورِ آثَارِ السُّنَنِ فِيهِ حَيْثُ لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ وَلَا يُؤَذَّنُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ صَلَاةِ الْوِتْرِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْمَفْرُوضَاتِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ بَيَانِ أَوْقَاتِهَا وَكَيْفِيَّةِ أَدَائِهَا وَالْأَدَاءِ الْكَامِلِ وَالْقَاصِرِ شَرَعَ فِي بَيَانِ صَلَاةٍ هِيَ دُونَ الْفَرْضِ وَفَوْقَ النَّفْلِ وَهِيَ صَلَاةُ الْوِتْرِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ هَذِهِ الْمُنَاسَبَةَ إيرَادُ النَّوَافِلِ بَعْدَهَا لِيَكُونَ الْوَاجِبُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ كَمَا هُوَ حَقُّهُ (الْوِتْرُ وَاجِبٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) قِيلَ لَيْسَ فِي الْوِتْرِ رِوَايَةٌ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِي الظَّاهِرِ، وَلَكِنْ رَوَى يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ السَّمْتِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِهِ وَرَوَى نُوحُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْهُ أَنَّهَا سُنَّةٌ، وَبِهِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ

لَهُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَادَكُمْ صَلَاةً أَلَا وَهِيَ الْوِتْرُ، فَصَلُّوهَا مَا بَيْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْهُ أَنَّهَا فَرِيضَةٌ وَبِهِ أَخَذَ زُفَرُ، قَالُوا: أَظْهَرُ آثَارِ السُّنَنِ فِيهَا حَيْثُ لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ وَلَا يُؤَذَّنُ لَهُ فَيَكُونُ سُنَّةً، وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ، فَإِنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ ظَهَرَ آثَارُ الْوَاجِبَاتِ فِيهِ حَيْثُ لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ وَلَا يُؤَذَّنُ لَهُ فَيَكُونُ وَاجِبًا كَصَلَاةِ الْعِيدِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ وَاجِبَةٌ سَلَّمْنَا لَكِنَّ الْمَجْمُوعَ مِنْ آثَارِ السُّنَنِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ لَيْسَ لَهَا أَذَانٌ بَلْ قَوْلُهُمْ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ أَذَانٌ لَهَا، وَفِيهِ نَظَرٌ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَادَكُمْ صَلَاةً أَلَا وَهِيَ الْوِتْرُ» رَوَاهُ أَبُو نَضْرَةَ الْغِفَارِيُّ. وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مِنْ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ أَضَافَ الزِّيَادَةَ إلَى اللَّهِ، وَالسُّنَنُ إنَّمَا تُضَافُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالثَّانِي أَنَّهُ قَالَ زَادَكُمْ وَالزِّيَادَةُ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ فِي الْوَاجِبَاتِ؛ لِأَنَّهَا مَحْصُورَةٌ بَعْدَ لَا فِي النَّوَافِلِ؛ لِأَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لَهَا. وَالثَّالِثُ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الشَّيْءِ

الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ» أَمْرٌ وَهُوَ لِلْوُجُوبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّمَا تَتَحَقَّقُ إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسِ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ، لَا يُقَالُ: زَادَ فِي ثَمَنِهِ إذَا وَهَبَ هِبَةً مُبْتَدَأَةً، وَلَا يُقَالُ: زَادَ عَلَى الْهِبَةِ إذَا بَاعَ وَالْمَزِيدُ عَلَيْهِ فَرْضٌ فَكَذَا الزَّائِدُ إلَّا أَنَّ الدَّلِيلَ غَيْرُ قَطْعِيٍّ فَصَارَ وَاجِبًا. وَالرَّابِعُ الْأَمْرُ فَإِنَّهُ لِلْوُجُوبِ

وَلِهَذَا وَجَبَ الْقَضَاءُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكْفُرُ جَاحِدُهُ لِأَنَّ وُجُوبَهُ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ وَهُوَ الْمَعْنِيُّ بِمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَهُوَ يُؤَدَّى فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ فَاكْتَفَى بِأَذَانِهِ وَإِقَامَتِهِ. قَالَ (الْوِتْرُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ لَا يُفْصَلُ بَيْنهنَّ بِسَلَامٍ) لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ» ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ الْوِتْرِ وَاجِبًا (وَجَبَ الْقَضَاءُ بِالْإِجْمَاعِ) فَإِنَّ السُّنَنَ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا بِالْإِجْمَاعِ: قِيلَ الْمُرَادُ بِالْإِجْمَاعِ إجْمَاعُ أَصْحَابِنَا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، فَإِنَّهُ نُقِلَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُقْضَى خَارِجَ الْوَقْتِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُقْضَى. وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْإِجْمَاعِ إجْمَاعُ السَّلَفِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِطَرِيقِ الْآحَادِ. وَقَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا لَمْ يَكْفُرْ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا حَيْثُ لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْجَاحِدَ إنَّمَا يَكْفُرُ إذَا كَانَ الدَّلِيلُ قَطْعِيًّا وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ (لِأَنَّ وُجُوبَهُ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ) يَعْنِي غَيْرَ الْمُتَوَاتِرِ وَالْمَشْهُورِ، وَكَلَامُهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ وُجُوبَهُ لَوْ ثَبَتَ بِغَيْرِ السُّنَّةِ كَفَرَ جَاحِدُهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ فَرْضًا لَا وَاجِبًا. وَفِي الْجُمْلَةِ كَلَامُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَا يَخْلُو عَنْ تَسَامُحٍ وَلِكُلِّ جَوَادٍ كَبْوَةٌ. وَقَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ كَوْنُ وُجُوبِهِ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ هُوَ (الْمَعْنِيُّ بِمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ سُنَّةٌ) وَقَوْلُهُ: (وَهُوَ يُؤَدَّى فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ فَاكْتَفَى بِأَذَانِهِ) أَيْ أَذَانِ الْعِشَاءِ (وَإِقَامَتِهِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا وَلَا يُؤَذَّنُ لَهُ وَقَدْ عَلِمْت مَا وَرَدَ عَلَيْهِ. قَالَ (الْوِتْرُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ) الْوِتْرُ عِنْدَنَا ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ (لَا يُفْصَلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي قَوْلٍ يُوتِرُ بِتَسْلِيمَتَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ» وَلَنَا مَا رَوَتْ عَائِشَةُ

وَحَكَى الْحَسَنُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الثَّلَاثِ، هَذَا أَحَدُ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَفِي قَوْلٍ يُوتِرُ بِتَسْلِيمَتَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ» وَحَكَى الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ (إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الثَّلَاثِ) وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَالْعَبَادِلَةِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَأَى سَعِيدًا يُوتِرُ بِرَكْعَةٍ فَقَالَ: مَا هَذِهِ الْبُتَيْرَاءُ لَتَشْفَعَنَّهَا أَوْ لَأُؤَدِّبَنَّك. إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَثَرَ اُشْتُهِرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْبُتَيْرَاءِ. قِيلَ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيمَا رُوِيَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وِتْرٌ لَا مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ. فَإِنْ قِيلَ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا مَا رَوَيْنَاهُ (وَيَقْنُتُ فِي الثَّالِثَةِ قَبْلَ الرُّكُوعِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَنَتَ فِي آخَرِ الْوِتْرِ وَهُوَ بَعْدَ الرُّكُوعِ. وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِخَمْسٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ فَلْيَفْعَلْ» وَرُوِيَ أَنَّهُ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ وَبِتِسْعٍ وَإِحْدَى عَشْرَةَ فَمَا وَجْهُ ذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الْوِتْرِ أَوْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ يَتَنَفَّلُ بِالرَّكْعَتَيْنِ وَيُوتِرُ بِالثَّلَاثِ وَكَذَا غَيْرُهُ. (وَيَقْنُتُ فِي الثَّالِثَةِ قَبْلَ الرُّكُوعِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) فِي قَوْلِهِ الَّذِي يُوَافِقُنَا فِيهِ عَلَى الثَّلَاثِ يَقْنُتُ فِيهَا (بَعْدَ الرُّكُوعِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَنَتَ فِي آخِرِ الْوِتْرِ وَهُوَ بَعْدَ الرُّكُوعِ) وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ

وَمَا زَادَ عَلَى نِصْفِ الشَّيْءِ آخِرُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنُ مَسْعُودٍ بَعَثَ أَمَةً لِتُرَاقِبَ وِتْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرْت لَهُ أَنَّهُ أَوْتَرَ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ، قَرَأَ فِي الْأُولَى بِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] وَفِي الثَّانِيَةِ بِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وَفِي الثَّالِثَةِ بِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] وَقَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ

وَيَقْنُتُ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَالْجَوَابُ عَمَّا رُوِيَ أَنَّهُ قَنَتَ فِي آخِرِ الْوِتْرِ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى نِصْفِ الشَّيْءِ فَهُوَ آخِرُهُ. (وَيَقْنُتُ فِي جَمِيعِ السُّنَّةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) فَإِنَّهُ يَقُولُ: يَقْنُتُ

فِي غَيْرِ النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ لَا غَيْرُ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ أَمَرَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ بِالْإِمَامَةِ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ،

لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ عَلَّمَهُ دُعَاءَ الْقُنُوتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَرَ بِالْقُنُوتِ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْهُ. وَلَنَا قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

اجْعَلْ هَذَا فِي وِتْرِك» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ (وَيَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) مِنْ الْوِتْرِ (فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً) لِقَوْلِهِ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْحَسَنِ حِينَ عَلَّمَهُ دُعَاءَ الْقُنُوتِ (اجْعَلْ هَذَا فِي وِتْرِك مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ) وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُنُوتِ طُولُ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْقُنُوتُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ فَذَلِكَ أَثَرُ الصَّحَابِيِّ. وَالشَّافِعِيُّ لَا يَرَى الِاحْتِجَاجَ بِهِ. لَا يُقَالُ: إنَّمَا احْتَجَّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إجْمَاعٌ مَعْنًى، فَإِنَّ أُبَيًّا كَانَ يَوْمًا بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ خِلَافَ ابْنِ عُمَرَ قَدْ ثَبَتَ حَيْثُ قَالَ: لَا أَعْرِفُ الْقُنُوتَ إلَّا طُولَ الْقِيَامِ، وَمَعَ خِلَافِهِ لَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ (وَيَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ الْوِتْرِ) بِالْإِجْمَاعِ، أَمَّا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّهُ سُنَّةٌ فَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ وَاجِبَةٌ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ النَّفْلِ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّ وُجُوبَهُ لَمَّا كَانَ بِالسُّنَّةِ وَجَبَ الْقِرَاءَةُ فِي الْجَمِيعِ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّهَا لَا تُفِيدُ الْقَطْعَ. وَاسْتِدْلَالُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] إنَّمَا هُوَ عَلَى وُجُوبِ مُطْلَقِ الْقِرَاءَةِ، وَأَمَّا عَلَى تَعْيِينِ الْفَاتِحَةِ وَضَمِّ سُورَةٍ إلَيْهَا فَلَا دَلَالَةَ لِلْآيَةِ عَلَى ذَلِكَ نَعَمْ مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ، وَأَمَّا إنَّهُ لَا يُعَيِّنُ سُورَةً بِعَيْنِهَا يَقْرَؤُهَا عَلَى الدَّوَامِ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ، وَلَوْ أَرَادَ التَّبَرُّكَ بِمَا وَرَدَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي بَعْضِ

{فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] (وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَقْنُتَ كَبَّرَ) لِأَنَّ الْحَالَةَ قَدْ اخْتَلَفَتْ (وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَنَتَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ» وَذَكَرَ مِنْهَا الْقُنُوتَ (وَلَا يَقْنُتُ فِي صَلَاةٍ غَيْرِهَا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَجْرِ لَمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ «- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَنَتَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ شَهْرًا» ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَوْقَاتِ كَانَ حَسَنًا (وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَقْنُتَ كَبَّرَ؛ لِأَنَّ الْحَالَةَ قَدْ اخْتَلَفَتْ) مِنْ حَقِيقَةِ الْقِرَاءَةِ إلَى شَبِيهَتِهَا، وَالتَّكْبِيرَاتُ شُرِعَتْ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْحَالَاتِ كَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ، وَالسُّجُودُ قَبْلَ التَّكْبِيرِ مَشْرُوعٌ عِنْدَ اخْتِلَافِهَا أَفْعَالًا كَالْخَفْضِ وَالرَّفْعِ لَا أَقْوَالًا، أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ عِنْدَ الِانْتِقَالِ مِنْ الِاسْتِفْتَاحِ إلَى الْقِرَاءَةِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْحَالَةُ مِنْ الثَّنَاءِ إلَى الْقِرَاءَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ ثَبَتَ رَفْعُ الْيَدِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ» وَرَفْعُهُمَا بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فِي الصَّلَاةِ كَمَا فِي تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ فَكَانَ التَّكْبِيرُ ثَابِتًا بِهِ، وَهُوَ مِنْ بَابِ الِاسْتِحْسَانِ بِالْأَثَرِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي خِلَافَهُ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الصَّلَاةِ عَلَى السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا الْمَوَاطِنَ السَّبْعَةَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا قَالَ فِي سَبْعٍ وَإِنْ كَانَ الْمَوَاطِنُ مُذَكَّرًا عَلَى تَأْوِيلِ الْبِقَاعِ، وَالْمُرَادُ بِنَفْيِ رَفْعَ الْأَيْدِي عَلَى سَبِيلِ الْحَصْرِ أَلَّا تُرْفَعَ عَلَى وَجْهِ سُنَّةِ الْهُدَى إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ لَا نَفِيهِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ رَفْعَهَا عِنْدَ الدُّعَاءِ مُسْتَحَبٌّ وَعَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فِي عَامَّةِ الْبُلْدَانِ، وَلَيْسَ فِي الْقُنُوتِ دُعَاءٌ مُعَيَّنٌ سِوَى قَوْلِهِ: اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ اتَّفَقُوا عَلَى هَذَا فِي الْقُنُوتِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَأْتِيَ بَعْدَهُ بِمَا عَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ فِي قُنُوتِهِ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْت إلَخْ، وَلَا يَقْنُتُ فِي صَلَاةٍ غَيْرِهَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. قَالَ أَبُو نَصْرٍ الْبَغْدَادِيُّ: الْقُنُوتُ فِي الْفَجْرِ سُنَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَفِي غَيْرِهَا إنْ حَدَثَتْ حَادِثَةٌ، فَإِنْ لَمْ تَحْدُثْ فَلَهُ قَوْلَانِ، وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ أَنَسٍ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ إلَى أَنْ فَارَقَ الدُّنْيَا» وَلَنَا مَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَنَتَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ» وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ

ثُمَّ تَرَكَهُ (فَإِنْ قَنَتَ الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ يَسْكُتُ مَنْ خَلْفَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُتَابِعُهُ) لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِإِمَامِهِ، وَالْقُنُوتُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَلَا مُتَابَعَةَ فِيهِ، ثُمَّ قِيلَ يَقِفُ قَائِمًا لِيُتَابِعَهُ فِيمَا تَجِبُ مُتَابَعَتُهُ، وَقِيلَ يَقْعُدُ تَحْقِيقًا لِلْمُخَالَفَةِ لِأَنَّ السَّاكِتَ شَرِيكُ الدَّاعِي وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ «قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ شَهْرًا» أَوْ قَالَ «أَرْبَعِينَ يَوْمًا يَدْعُو عَلَى رَعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ حِينَ قَتَلُوا الْقُرَّاءَ وَهْم سَبْعُونَ رَجُلًا أَوْ ثَمَانُونَ» وَقِيلَ فَلَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [آل عمران: 128] تَرَكَ ذَلِكَ (فَإِنْ قَنَتَ الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ يَسْكُتُ مَنْ خَلْفَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُتَابِعُهُ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْمُتَابَعَةُ (وَالْقُنُوتُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ) فَلَا يُتْرَكُ الْأَصْلُ بِالشَّكِّ (وَلَهُمَا أَنَّهُ مَنْسُوخٌ) لِمَا رَوَيْنَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَنَتَ شَهْرًا ثُمَّ تَرَكَ (وَلَا مُتَابَعَةَ فِي الْمَنْسُوخِ) وَإِذَا لَمْ يُتَابِعْهُ مَاذَا يَفْعَلُ (قَالَ بَعْضُهُمْ: يَقِفُ قَائِمًا لِيُتَابِعَهُ فِيمَا تَجِبُ مُتَابَعَتُهُ، وَقِيلَ يَقْعُدُ تَحْقِيقًا لِلْمُخَالَفَةِ؛ لِأَنَّ السَّاكِتَ شَرِيكُ الدَّاعِي) أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُقْتَدِيَ لَا يَأْتِي بِالْقِرَاءَةِ وَهُوَ شَرِيكُ الْإِمَامِ. لَا يُقَالُ: كَيْفَ يَقْعُدُ تَحْقِيقًا لِلْمُخَالَفَةِ وَهِيَ مُفْسِدَةٌ لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِيمَا هُوَ مِنْ الْأَرْكَانِ أَوْ الشَّرَائِطِ مُفْسِدَةٌ لَا فِي غَيْرِهَا. وَلَا يُقَالُ: السَّاكِتُ إذَا كَانَ شَرِيكَ الدَّاعِي يَنْبَغِي أَلَّا يَقْعُدَ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ مَوْجُودٌ فِي الْقُعُودِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ إنَّمَا يَكُونُ دَلِيلَ الشَّرِكَةِ. إذَا لَمْ تُوجَدْ الْمُخَالَفَةُ، وَقَدْ وُجِدَتْ؛ لِأَنَّهُ قَاعِدٌ وَإِمَامُهُ قَائِمٌ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ) ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْإِمَامِ يَشْتَمِلُ عَلَى مَشْرُوعٍ وَغَيْرِهِ، فَمَا كَانَ مَشْرُوعًا يَتْبَعُهُ فِيهِ، وَمَا كَانَ غَيْرَ مَشْرُوعٍ لَا يَتْبَعُهُ فِيهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُسَلِّمُ قَبْلَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ اشْتَغَلَ بِالْبِدْعَةِ

وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ بِالشَّفْعَوِيَّةِ وَعَلَى الْمُتَابَعَةِ فِي قِرَاءَةِ الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا مَعْنَى لِانْتِظَارِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّهُ مُخَالَفَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلْإِمَامِ فِيمَا هُوَ مَشْرُوعٌ وَهُوَ السَّلَامُ. (وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ بِالشَّفْعَوِيَّةِ) يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَدُلُّ عَلَى شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ اقْتِدَاءَ حَنَفِيِّ الْمَذْهَبِ بِشَافِعِيِّ الْمَذْهَبِ جَائِزٌ. وَالثَّانِي أَنَّ الْمُقْتَدِيَ يُتَابِعُ إمَامَهُ فِي قِرَاءَةِ الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي الْمُتَابَعَةِ فِي قُنُوتِ الْفَجْرِ مَعَ أَنَّهُ اتِّبَاعٌ فِي الْخَطَإِ إجْمَاعٌ عَلَى الْمُتَابَعَةِ فِي الدُّعَاءِ الْمَسْنُونِ؛ لِأَنَّ الْقُنُوتَ فِي الْوِتْرِ صَوَابٌ بِيَقِينٍ. وَقَالَ أَبُو الْيُسْرِ: الِاقْتِدَاءُ بِشَافِعِيِّ الْمَذْهَبِ غَيْرُ جَائِزٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْعَنَ فِي دِينِهِمْ؛ لِمَا رَوَى مَكْحُولٌ النَّسَفِيُّ فِي كِتَابٍ سَمَّاهُ الشُّعَاعُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَنْ رَفَعَ يَدَيْهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَجَعَلَ ذَلِكَ عَمَلًا كَثِيرًا، فَصَلَاتُهُمْ

وَإِذَا عَلِمَ الْمُقْتَدِي مِنْهُ مَا يَزْعُمُ بِهِ فَسَادَ صَلَاتِهِ كَالْفَصْدِ وَغَيْرِهِ لَا يُجْزِئُهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَاسِدَةٌ عِنْدَنَا فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الصَّلَاةِ عِنْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ فِي الِابْتِدَاءِ لِجَوَازِ صَلَاةِ الْإِمَامِ إذْ ذَاكَ، ثُمَّ قَوْلُهُ: بِالشَّفْعَوِيَّةِ خَطَأٌ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ؛ لِأَنَّ النِّسْبَةَ إلَى الشَّافِعِيِّ شَافِعِيٌّ بِحَذْفِ يَاءِ النِّسْبَةِ مِنْ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا عَلِمَ الْمُقْتَدِي مَا يَزْعُمُ بِهِ فَسَادَ صَلَاتِهِ) يَعْنِي أَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِهِ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا تَحَامَى مَوَاضِعَ الْخِلَافِ بِأَنْ يَتَوَضَّأَ فِي الْخَارِجِ النَّجِسِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ، وَبِأَلَّا يَنْحَرِفَ عَنْ الْقِبْلَةِ

[باب النوافل]

وَالْمُخْتَارُ فِي الْقُنُوتِ الْإِخْفَاءُ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ النَّوَافِلِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQانْحِرَافًا فَاحِشًا، وَلَا يَكُونُ شَاكًّا فِي إيمَانِهِ، وَأَلَّا يَتَوَضَّأَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ الْقَلِيلِ، وَأَنْ يَغْسِلَ ثَوْبَهُ مِنْ الْمَنِيِّ إنْ كَانَ رَطْبًا أَوْ يَفْرُكَ الْيَابِسَ مِنْهُ، وَأَلَّا يَقْطَعَ الْوِتْرَ، وَيُرَاعِيَ التَّرْتِيبَ فِي الْفَوَائِتِ وَأَنْ يَمْسَحَ رُبْعَ رَأْسِهِ، فَإِنْ عَلِمَ مِنْهُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ جَازَ وَيُكْرَهُ. هَذَا حُكْمُ الْفَسَادِ الرَّاجِعِ إلَى زَعْمِ الْمُقْتَدِي، وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الْفَسَادِ الرَّاجِعِ إلَى زَعْمِ الْإِمَامِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ وَجَمَاعَةٌ إنَّ الْمُقْتَدِيَ إنْ رَأَى إمَامَهُ مَسَّ امْرَأَةً وَلَمْ يَتَوَضَّأْ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ. وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّ أَكْثَرَ مَشَايِخِنَا جَوَّزُوهُ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَقَوْلُ الْهِنْدُوَانِيِّ أَقْيَسُ لِمَا أَنَّ زَعْمَ الْإِمَامِ أَنَّ صَلَاتَهُ لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ فَكَانَ الِاقْتِدَاءُ حِينَئِذٍ بِنَاءُ الْمَوْجُودِ عَلَى الْمَعْدُومِ فِي زَعْمِ الْإِمَامِ وَهُوَ الْأَصْلُ فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ (وَالْمُخْتَارُ فِي الْقُنُوتِ الْإِخْفَاءِ) مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الْقَانِتُ إمَامًا أَوْ مُقْتَدِيًا أَوْ مُنْفَرِدًا (لِأَنَّهُ دُعَاءٌ) وَخَيْرُ الدُّعَاءِ الْخَفِيُّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ يَجْهَرُ بِالْقُنُوتِ؛ لِأَنَّ لَهُ شُبْهَةَ الْقُرْآنِ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ اخْتَلَفُوا فِي اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك أَنَّهُ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ لَا. [بَابُ النَّوَافِلِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ، شَرَعَ فِي بَيَانِ السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ، وَتَرْجَمَ الْبَابَ بِالنَّوَافِلِ لِكَوْنِهَا أَعَمَّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَشْمَلَ وَقَدَّمَ السُّنَنَ عَلَى النَّوَافِلِ وَهُوَ فِي مَحَزِّهِ، وَابْتَدَأَ بِذِكْرِ سُنَّةِ الْفَجْرِ لِكَوْنِهَا أَقْوَى، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلُّوهَا وَلَوْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ» أَوْ لِيُنَاسِبَ ذِكْرَ الْمَوَاقِيتِ فَإِنَّهُ قَدَّمَ ذِكْرَ وَقْتِ الْفَجْرِ عَلَى غَيْرِهِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ قَدَّمَ ذِكْرَ سُنَّةِ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ تَبَعٌ لِلْفَرْضِ، وَأَوَّلُ صَلَاةٍ فُرِضَتْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةُ الظُّهْرِ. ثُمَّ اُخْتُلِفَ بَعْدَ سُنَّةِ الْفَجْرِ فِي الْأَقْوَى، فَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: سُنَّةُ الْمَغْرِبِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَدَعْهَا فِي سَفَرٍ وَلَا حَضَرٍ، ثُمَّ الَّتِي بَعْدَ الظُّهْرِ لِكَوْنِهَا مُتَّفَقًا عَلَيْهَا وَاَلَّتِي قَبْلَهَا مُخْتَلَفٌ فِيهَا، ثُمَّ الَّتِي بَعْدَ الْعِشَاءِ، ثُمَّ الَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ، ثُمَّ الَّتِي قَبْلَ الْعَصْرِ، ثُمَّ الَّتِي قَبْلَ الْعِشَاءِ. وَقِيلَ الَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ آكَدُ مِنْ غَيْرِهَا بَعْدَ سُنَّةِ الْفَجْرِ، قِيلَ وَهُوَ الْأَصَحُّ

(السُّنَّةُ رَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ) (وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَبَعْدَهَا رَكْعَتَانِ، وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ، وَإِنْ شَاءَ رَكْعَتَيْنِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعِشَاءِ، وَأَرْبَعٌ بَعْدَهَا، وَإِنْ شَاءَ رَكْعَتَيْنِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ ثَابَرَ عَلَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» وَفَسَّرَ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ؛ لِأَنَّ فِيهَا وَعِيدًا مَعْرُوفًا، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَرَكَ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ لَمْ تَنَلْهُ شَفَاعَتِي» وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: الْأَفْضَلُ فِي السُّنَنِ أَدَاؤُهَا فِي الْمَنْزِلِ إلَّا التَّرَاوِيحَ؛ لِأَنَّ فِيهَا إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ. وَقِيلَ الصَّحِيحُ أَنَّ الْكُلَّ سَوَاءٌ، وَلَا تَخْتَصُّ الْفَضِيلَةُ بِوَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ مَا يَكُونُ أَبْعَدَ مِنْ الرِّيَاءِ وَأَجْمَعَ لِلْإِخْلَاصِ، ثُمَّ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ ثَابَرَ) وَالْمُثَابَرَةُ الْمُوَاظَبَةُ فَإِنَّ السُّنَّةَ مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ تَرْكٍ (وَفَسَّرَ) أَيْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (عَلَى مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ)

غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْأَرْبَعَ قَبْلَ الْعَصْرِ فَلِهَذَا سَمَّاهُ فِي الْأَصْلِ حَسَنًا وَخَيَّرَ لِاخْتِلَافِ الْآثَارِ، وَالْأَفْضَلُ هُوَ الْأَرْبَعُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَرْبَعَ قَبْلَ الْعِشَاءِ فَلِهَذَا كَانَ مُسْتَحَبًّا لِعَدَمِ الْمُوَاظَبَةِ، وَذَكَرَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَفِي غَيْرِهِ ذَكَرَ الْأَرْبَعَ فَلِهَذَا خُيِّرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي الْمَبْسُوطَ أَوْ مُخْتَصَرَ الْقُدُورِيِّ. قَوْلُهُ: (غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْأَرْبَعَ قَبْلَ الْعَصْرِ) بَيَانُ مَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ الْمُثَابَرَةِ، فَإِنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْكِتَابِ زَائِدٌ عَلَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ. وَقَوْلُهُ: (فَلِذَلِكَ سَمَّاهُ) أَيْ الْأَرْبَعَ قَبْلَ الْعَصْرِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْأَصْلِ (حَسَنًا وَخَيَّرَ) بِقَوْلِهِ وَإِنْ شَاءَ رَكْعَتَيْنِ (لِاخْتِلَافِ الْآثَارِ) ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا» وَعَلِيًّا قَالَ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ» قَوْلُهُ: (وَالْأَفْضَلُ هُوَ الْأَرْبَعُ) ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ عَدَدًا وَأَدْوَمُ تَحْرِيمَةً فَكَانَ أَكْثَرَ ثَوَابًا. وَقَوْلُهُ: (وَلَمْ يَذْكُرْ) أَيْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (الْأَرْبَعَ قَبْلَ الْعِشَاءِ فَلِهَذَا كَانَ مُسْتَحَبًّا لِعَدَمِ الْمُوَاظَبَةِ) وَفِي كَلَامِهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ وَلِهَذَا: أَيْ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ: أَيْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَرْبَعَ قَبْلَ الْعِشَاءِ كَانَ مُسْتَحَبًّا " فَقَوْلُهُ: لِعَدَمِ الْمُوَاظَبَةِ عِلَّةٌ أُخْرَى لِكَوْنِهِ مُسْتَحَبًّا وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ فِي حَدِيثِ الْمُثَابَرَةِ لِعَدَمِ الْمُوَاظَبَةِ (وَذَكَرَ فِيهِ) أَيْ فِي حَدِيثِ الْمُثَابَرَةِ (رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَفِي غَيْرِهِ) أَيْ فِي غَيْرِ حَدِيثِ الْمُثَابَرَةِ، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَمَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْعِشَاءِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ كُنَّ كَمِثْلِهِنَّ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ» (ذَكَرَ الْأَرْبَعَ فَلِهَذَا) أَنْ فَلِلِاخْتِلَافِ فِي أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ بَيْنَ الْأَرْبَعِ وَالرَّكْعَتَيْنِ (خَيَّرَ)

إلَّا أَنَّ الْأَرْبَعَ أَفْضَلُ خُصُوصًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِ، وَالْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أَوْ الْقُدُورِيُّ بِقَوْلِهِ وَأَرْبَعٌ بَعْدَهَا وَإِنْ شَاءَ رَكْعَتَيْنِ. وَقَوْلُهُ: (إلَّا أَنَّ الْأَرْبَعَ أَفْضَلُ خُصُوصًا إلَخْ) إشَارَةً إلَى مَا قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ أَنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا، وَجَعَلَ هَذِهِ فَرْعًا لِمَسْأَلَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ

عِنْدَنَا، كَذَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَثْنَى مَثْنَى أَفْضَلُ أَوْ أَرْبَعٌ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَهُ الْأَرْبَعُ أَفْضَلُ وَعِنْدَهُمَا مَثْنَى مَثْنَى، وَهِيَ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا جَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَلَمْ يَعُدَّهُ مِنْ السُّنَنِ الْمُؤَقَّتَةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: إنْ فَعَلَ فَحَسَنٌ، وَالْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَنَا (كَذَا قَالَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) رَوَى أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الزَّوَالِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَقُلْت: مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ الَّتِي تُدَاوِمُ عَلَيْهَا، فَقَالَ: هَذِهِ سَاعَةٌ تُفْتَحُ فِيهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَأُحِبُّ

قَالَ (وَنَوَافِلُ النَّهَارِ إنْ شَاءَ صَلَّى بِتَسْلِيمَةٍ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ شَاءَ أَرْبَعًا) وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَصْعَدَ لِي فِيهَا عَمَلٌ صَالِحٌ، فَقُلْت: أَفِي كُلِّهِنَّ قِرَاءَةٌ؟ قَالَ نَعَمْ، فَقُلْت: أَبِتَسْلِيمَةٍ أَمْ بِتَسْلِيمَتَيْنِ، فَقَالَ: بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ» وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُؤَدِّيهَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ وَهُوَ أَفْضَلُ، وَاحْتَجَّ بِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّيهِنَّ بِتَسْلِيمَتَيْنِ» . وَرُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ بِتَسْلِيمَتَيْنِ: أَيْ بِتَشَهُّدَيْنِ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْحَالِ وَإِرَادَةِ الْمَحَلِّ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا التَّأْوِيلُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى وَالنَّهَارِ غَرِيبٌ، وَلَئِنْ ثَبَتَ فَمَعْنَاهُ شَفْعٌ لَا وَاحِدَةٌ نَفْيًا لِلْبُتَيْرَاءِ. قَالَ (وَنَوَافِلُ النَّهَارِ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَمِّيَّةِ التَّنَفُّلِ لَيْلًا وَنَهَارًا بِحَسَبِ الْإِبَاحَةِ وَالْأَفْضَلِيَّةِ، فَأَمَّا الْإِبَاحَةُ

وَأَمَّا نَافِلَةُ اللَّيْلِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ صَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةِ جَازَ، وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي النَّهَارِ فَهِيَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ بِتَسْلِيمَةٍ أَوْ أَرْبَعًا، وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ. وَأَمَّا فِي اللَّيْلِ فَأَنْ يُصَلِّيَ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: لَا فَائِدَةَ فِي تَخْصِيصِهِ أَبَا حَنِيفَةَ بِهَذَا الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ كِلَا الْحُكْمَيْنِ الْجَوَازُ فِي نَافِلَةِ اللَّيْلِ إلَى الثَّمَانِ بِغَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَالْكَرَاهَةُ فِيمَا وَرَاءَهَا اتِّفَاقٌ فِي عَامَّةِ رِوَايَةِ الْكُتُبِ. وَقُلْت: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ أَبِي حَنِيفَةَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ يَقُولُ لَا يَزِيدُ عَلَى أَرْبَعٍ، وَلَوْ زَادَ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ.

وَقَالَا: لَا يَزِيدُ فِي اللَّيْلِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ بِتَسْلِيمَةٍ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَمْ يَذْكُرْ الثَّمَانِيَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَدَلِيلُ الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْلَا الْكَرَاهَةُ لَزَادَ تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ، وَالْأَفْضَلُ فِي اللَّيْلِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: (وَقَالَا لَا يَزِيدُ فِي اللَّيْلِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ بِتَسْلِيمَةٍ) يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْإِبَاحَةُ الْأَصْلِيَّةُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِمَا مِنْ حَيْثُ الْأَفْضَلِيَّةُ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِمَا لَيْسَتْ بِمَكْرُوهَةٍ بِالِاتِّفَاقِ فِي اللَّيْلِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَمْ يَذْكُرْ الثَّمَانِيَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ السِّتَّ. وَدَلِيلُ الْكَرَاهَةِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْلَا الْكَرَاهَةُ لَزَادَ تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقُدُورِيِّ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: الْأَصَحُّ

رَحِمَهُمَا اللَّهُ مَثْنَى مَثْنَى، وَفِي النَّهَارِ أَرْبَعٌ أَرْبَعٌ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِمَا مَثْنَى مَثْنَى، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ لَا تُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ؛ لِأَنَّهُ رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً» فَتَكُونُ ثَمَانٍ صَلَاةَ اللَّيْلِ وَثَلَاثٌ وِتْرًا وَرَكْعَتَانِ سُنَّةَ الْفَجْرِ، وَكَانَ يُصَلِّي هَذَا كُلُّهُ فِي الِابْتِدَاءِ، ثُمَّ فَضَّلَ الْبَعْضَ عَلَى الْبَعْضَ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا يُكْرَهُ تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا ذُكِرَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. وَأَمَّا الْأَفْضَلِيَّةُ فَمَا ذُكِرَ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي اللَّيْلِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مَثْنَى مَثْنَى، وَالتَّكْرَارُ لِلتَّأْكِيدِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى مَثْنَى اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، وَفِي

أَرْبَعٌ أَرْبَعٌ. لِلشَّافِعِيِّ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» وَلَهُمَا الِاعْتِبَارُ بِالتَّرَاوِيحِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّهَارِ أَرْبَعٌ أَرْبَعٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَثْنَى مَثْنَى فِيهِمَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَرْبَعٌ أَرْبَعٌ فِيهِمَا، لِلشَّافِعِيِّ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

- رَحِمَهُ اللَّهُ - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعِشَاءِ أَرْبَعًا أَرْبَعًا» رَوَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُوَاظِبُ عَلَى الْأَرْبَعِ فِي الضُّحَى، وَلِأَنَّهُ أَدْوَمُ تَحْرِيمَةً فَيَكُونُ أَكْثَرَ مَشَقَّةً وَأَزْيَدَ فَضِيلَةً لِهَذَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ بِتَسْلِيمَتَيْنِ، وَعَلَى الْقَلْبِ يَخْرُجُ وَالتَّرَاوِيحُ تُؤَدَّى بِجَمَاعَةٍ فَيُرَاعَى فِيهَا جِهَةُ التَّيْسِيرِ، وَمَعْنَى مَا رَوَاهُ شَفْعًا لَا وِتْرًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (وَالتَّرَاوِيحُ تُؤَدَّى بِجَمَاعَةٍ) جَوَابٌ عَنْ اعْتِبَارِهِمَا بِالتَّرَاوِيحِ فَيُرَاعَى فِيهَا جِهَةُ التَّيْسِيرِ بِالْقَطْعِ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ أَدْوَمَ تَحْرِيمَةً كَانَ أَشَقَّ عَلَى النَّاسِ. وَقَوْلُهُ: (وَمَعْنَى مَا رَوَاهُ شَفْعًا) جَوَابٌ عَنْ حَدِيثِ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ.

[فصل في القراءة]

فَصْلٌ) فِي الْقِرَاءَةِ (الْقِرَاءَةُ فِي الْفَرْضِ وَاجِبَةٌ فِي الرَّكْعَتَيْنِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الرَّكَعَاتِ كُلِّهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ، وَكُلُّ رَكْعَةٍ صَلَاةٌ " وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ إقَامَةً لِلْأَكْثَرِ مَقَامَ الْكُلِّ تَيْسِيرًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الْقِرَاءَةِ] فَصْلٌ) : لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ وَالْوَاجِبَاتِ وَالنَّوْفَلِ عَلَى التَّرْتِيبِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْقِرَاءَةِ الَّتِي يَخْتَلِفُ وُجُوبُهَا بِحَسَبِ اخْتِلَافِ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْقِرَاءَةِ فِي الْفَرَائِضِ الرَّبَاعِيَةِ مُخَمَّسَةٌ، فَعِنْدَنَا هِيَ فَرْضٌ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي الرَّكَعَاتِ كُلِّهَا، وَقَالَ مَالِكٌ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَصَمُّ: الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ سُنَّةٌ كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ، وَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ سَائِرَ الْأَذْكَارِ حِينَ شُرِعَ شُرِعَ سُنَّةً وَجَبَتْ الْمُخَافَتَةُ بِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَهَاهُنَا وَجَبَ الْجَهْرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي أَكْثَرِ الصَّلَوَاتِ بَلْ فِي كُلِّهَا مِنْ حَيْثُ الْأَصْلُ، فَلَوْ كَانَتْ سُنَّةً لَكَانَتْ مُخَافَتَةً؛ لِأَنَّ مَبْنَى التَّطَوُّعَاتِ عَلَى الْخُفْيَةِ وَالْكِتْمَانِ، عَلَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ النَّصِّ وَخَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ. وَوَجْهُ قَوْلِ الْحَسَنِ قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَهُوَ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ، وَلَا يَلْزَمُ ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا فَإِنَّ التَّكْرَارَ فَرْضٌ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ ذَلِكَ بِفِعْلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَالْجَوَابُ عَنْهُ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ، وَهُوَ أَنَّا نُسَلِّمُ ذَلِكَ لَكِنَّهُ لَا يُنَافِيهِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ بِدَلِيلٍ آخَرَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ. وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْقِرَاءَةَ

وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَالْأَمْرُ بِالْفِعْلِ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ، وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا فِي الثَّانِيَةِ اسْتِدْلَالًا بِالْأُولَى لِأَنَّهُمَا يَتَشَاكَلَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQتَجِبُ أَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً فِي جَمِيعِ الرَّكَعَاتِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ» لَكِنَّا أَقَمْنَا الْأَكْثَرَ مَقَامَ الْكُلِّ تَيْسِيرًا. وَوَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ الْحَدِيثُ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلَّ رَكْعَةٍ صَلَاةٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي فَصَلَّى رَكْعَةً حَنِثَ. وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَالْأَمْرُ بِالْفِعْلِ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَمَا ذَكَرْتُمْ خَبَرُ وَاحِدٍ فَلَا يُعَارِضُهُ وَلَا يُزَادُ بِهِ عَلَيْهِ (وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا فِي الثَّانِيَةِ اسْتِدْلَالًا بِالْأُولَى) إلْحَاقًا بِهَا بِالدَّلَالَةِ (؛ لِأَنَّهُمَا) أَيْ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ (يَتَشَاكَلَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ) فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ مِنْ

فَأَمَّا الْأُخْرَيَانِ فَيُفَارِقَانِهِمَا فِي حَقِّ السُّقُوطِ بِالسَّفَرِ، وَصِفَةِ الْقِرَاءَةِ وَقَدْرِهَا فَلَا يَلْحَقَانِ بِهِمَا، وَالصَّلَاةُ فِيمَا رُوِيَ مَذْكُورَةٌ تَصْرِيحًا فَتَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلَةِ وَهِيَ الرَّكْعَتَانِ عُرْفًا كَمَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي صَلَاةً بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُصَلِّي (وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْأُخْرَيَيْنِ) مَعْنَاهُ إنْ شَاءَ سَكَتَ وَإِنْ شَاءَ قَرَأَ وَإِنْ شَاءَ سَبَّحَ، كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إلَّا أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَقْرَأَ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَاوَمَ عَلَى ذَلِكَ، وَلِهَذَا لَا يَجِبُ السَّهْوُ بِتَرْكِهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQحَيْثُ الثَّنَاءُ وَالتَّعَوُّذُ وَالْبَسْمَلَةُ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ زَائِدٌ وَالِاعْتِبَارُ بِالْأَرْكَانِ (فَأَمَّا الْأُخْرَيَانِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: الْأُخْرَوَانِ، وَهُوَ لَحْنٌ؛ لِأَنَّ الْأَلِفَ إذَا كَانَتْ ثَالِثَةً رُدَّتْ إلَى أَصْلِهَا فِي التَّثْنِيَةِ كَعَصَوَانِ وَرَحَيَانِ، وَإِذَا كَانَتْ رَابِعَةً فَصَاعِدًا لَمْ تُقْلَبْ إلَّا يَاءً نَحْوُ أَعْشَيَانِ صِفَةٌ وَحُبْلَيَانِ وَالْأَوْلَيَانِ (فَيُفَارِقَانِهِمَا) أَيْ الْأُولَيَيْنِ فِي حَقِّ السُّقُوطِ بِالسَّفَرِ. وَقَوْلُهُ: (وَصِفَةُ الْقِرَاءَةِ وَقَدْرُهَا) فَإِنَّهُ لَا يَضُمُّ السُّورَةَ إلَى الْفَاتِحَةِ فِيهِمَا (فَلَا يَلْحَقَانِ بِهِمَا) وَقَوْلُهُ: (وَالصَّلَاةُ) جَوَابٌ عَمَّا رَوَوْهُ مِنْ الْحَدِيثِ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ قَوْلَهُ لَا صَلَاةَ مَصْدَرٌ مَذْكُورٌ صَرِيحًا، فَكَانَ كَمَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي صَلَاةً لَا كَمَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي، وَذَلِكَ يَنْصَرِفُ إلَى الرَّكْعَتَيْنِ عُرْفًا فَكَذَا هَذَا. فَإِنْ قِيلَ: لَا صَلَاةَ نَكِرَةً فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ كُلَّ فَرْدٍ. قُلْنَا تَعُمُّ كُلَّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهَا لُغَةً أَوْ شَرِيعَةً لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهَا لُغَةً الدُّعَاءُ، وَلَيْسَتْ الْقِرَاءَةُ شَرْطًا فِي فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الدُّعَاءِ وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ لَكِنَّ الرَّكْعَةَ الْوَاحِدَةَ لَيْسَتْ مِنْ الْإِفْرَادِ شَرْعًا لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الْبُتَيْرَاءِ. وَلَنَا أَنْ نَقُولَ أَيْضًا بِمُوجِبِ الْعِلَّةِ: أَيْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ، لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ هَلْ هِيَ قِرَاءَةٌ فِي الْأُخْرَيَيْنِ أَوْ لَا، وَمَا ذَكَرْتُمْ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ وَلَنَا دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْقِرَاءَةُ فِي الْأُولَيَيْنِ قِرَاءَةٌ فِي الْأُخْرَيَيْنِ» (وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مَعْنَاهُ إنْ شَاءَ قَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ) قِيلَ عَلَى جِهَةِ الثَّنَاءِ لَا عَلَى جِهَةِ الْقِرَاءَةِ وَبِهِ أَخَذَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا (وَإِنْ شَاءَ سَكَتَ) مِقْدَارَ تَسْبِيحَةٍ (وَإِنْ شَاءَ سَبَّحَ) ثَلَاثَ تَسْبِيحَاتٍ (كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ) فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا يُسَبِّحَانِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ. وَسَأَلَ رَجُلٌ عَائِشَةَ عَنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَقَالَتْ اقْرَأْ وَلْتَكُنْ عَلَى جِهَةِ الثَّنَاءِ (إلَّا أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَقْرَأَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَاوَمَ عَلَى ذَلِكَ) يَعْنِي بِتَرْكٍ، وَإِلَّا لَكَانَ وَاجِبًا (فَلِهَذَا) أَيْ فَلِكَوْنِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ عَلَى وَجْهِ الْأَفْضَلِيَّةِ (لَا يَجِبُ) سَجْدَةُ (السَّهْوِ بِتَرْكِهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَقْرَأْ وَلَمْ يُسَبِّحْ عَمْدًا كَانَ مُسِيئًا، وَإِنْ سَهَا عَنْ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ سَجْدَةُ السَّهْوِ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مَقْصُودٌ فَيُكْرَهُ إخْلَاؤُهُ عَنْ الْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ جَمِيعًا، وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْقِيَامِ الْقِرَاءَةُ، فَإِذَا سَقَطَتْ بَقِيَ الْقِيَامُ الْمُطْلَقِ فَكَانَ كَقِيَامِ الْمُقْتَدِي. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ: الْقِرَاءَةُ وَاجِبَةٌ فِي

(وَالْقِرَاءَةُ وَاجِبَةٌ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ النَّفْلِ وَفِي جَمِيعِ الْوِتْرِ) أَمَّا النَّفَلُ فَلِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْهُ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ، وَالْقِيَامُ إلَى الثَّالِثَةِ كَتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ، وَلِهَذَا لَا يَجِبُ بِالتَّحْرِيمَةِ الْأُولَى إلَّا رَكْعَتَانِ فِي الْمَشْهُورِ عَنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وَلِهَذَا قَالُوا يُسْتَفْتَحُ فِي الثَّالِثَةِ، وَأَمَّا الْوِتْرُ فَلِلِاحْتِيَاطِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَقُلْ فِي الْأُولَيَيْنِ؛ لِأَنَّهَا فَرْضٌ فِي رَكْعَتَيْنِ لَا بِأَعْيَانِهِمْ إنْ شَاءَ قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ وَإِنْ شَاءَ قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَإِنْ شَاءَ قَرَأَ فِي الْأُولَى وَالرَّابِعَةِ وَإِنْ شَاءَ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ. وَقَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَاجِبَاتُ الصَّلَاةِ عَشْرٌ وَذَكَرَ مِنْهَا تَعْيِينَ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ. وَقَوْلُهُ: (وَالْقِرَاءَةُ وَاجِبَةٌ جَمِيعَ رَكَعَاتِ النَّفْلِ وَفِي جَمِيعِ الْوِتْرِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ كُلِّ شَفْعٍ مِنْهُ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ (لَا يَجِبُ بِالتَّحْرِيمَةِ الْأُولَى إلَّا رَكْعَتَانِ) وَإِنْ نَوَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ (فِي الْمَشْهُورِ عَنْ أَصْحَابِنَا) وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْمَشْهُورِ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا عَلَى مَا سَيَأْتِي. وَقَوْلُهُ: (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِأَنَّ الْقِيَامَ إلَى الثَّالِثَةِ بِمَنْزِلَةِ تَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ (قَالُوا يَسْتَفْتِحُ فِي الثَّالِثَةِ) أَيْ يَقْرَأُ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك كَمَا فِي الِابْتِدَاءِ، وَاسْتُشْكِلَ هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُمَا يُجَوِّزَانِ تَرْكَ الْقَعْدَةِ الْأُولَى مِنْ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ فِي التَّطَوُّعَاتِ؛ فَلَوْ كَانَ كُلُّ شَفْعٍ مِنْهَا صَلَاةً عَلَى حِدَةٍ لَمَا جَازَتْ تِلْكَ الصَّلَاةُ لِتَرْكِ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ الَّتِي هِيَ فَرْضٌ. وَالْجَوَابُ أَنَّ وَجْهَ الْقِيَاسِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَرِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ هُوَ الْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ، وَإِذَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِالْإِجْمَاعِ أَشْبَهَ صَلَاتُهُ هَذِهِ صَلَاةَ الْفَجْرِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْهَا صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ وَصَلَاةُ الظُّهْرِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَرْبَعَ مَشْرُوعَةٌ كَالرَّكْعَتَيْنِ وَقَدْ دَخَلَ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي فَبِالنَّظَرِ إلَى الشَّبَهِ الْأَوَّلِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْقَعْدَةَ الْأَخِيرَةَ وَهِيَ فَرْضٌ، وَبِالنَّظَرِ إلَى الثَّانِي لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّ الْقَعْدَةَ الْمَتْرُوكَةَ لَيْسَتْ الْأَخِيرَةَ فَلَا تَفْسُدُ بِالشَّكِّ، وَيُؤْمَرُ بِالْعَوْدِ إلَى الْقَعْدَةِ مَا لَمْ يَسْجُدْ نَظَرًا إلَى الشَّبَهِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِهِ

قَالَ (وَمَنْ شَرَعَ فِي نَافِلَةٍ ثُمَّ أَفْسَدَهَا قَضَاهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فِيهِ وَلَا لُزُومَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ. وَلَنَا أَنَّ الْمُؤَدَّى وَقَعَ قُرْبَةً فَيَلْزَمُ الْإِتْمَامُ ضَرُورَةَ صِيَانَتِهِ عَنْ الْبُطْلَانِ (وَإِنْ صَلَّى أَرْبَعًا وَقَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ وَقَعَدَ ثُمَّ أَفْسَدَ الْأُخْرَيَيْنِ قَضَى رَكْعَتَيْنِ) لِأَنَّ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ قَدْ تَمَّ، وَالْقِيَامُ إلَى الثَّالِثَةِ بِمَنْزِلَةِ تَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ فَيَكُونُ مُلْزِمًا، هَذَا إذَا أَفْسَدَ الْأُخْرَيَيْنِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِمَا، وَلَوْ أَفْسَدَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْدَ السُّجُودِ لِتَأَكُّدِ الشَّبَهِ الثَّانِي بِهِ، وَأَوْجَبْنَا الْقِرَاءَةَ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهَا رُكْنٌ مَقْصُودٌ لِعَيْنِهَا. وَأَمَّا الْقَعْدَةُ فَإِنَّمَا شُرِعَتْ لِلتَّحَلُّلِ أَوْ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الشَّفْعَيْنِ فَاعْتُبِرَ فِيهَا رِعَايَةُ الشَّبَهَيْنِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا وُجُوبُ الْقِرَاءَةِ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ الْوِتْرِ، فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الصَّلَاةِ رُكْنٌ مَقْصُودٌ لِعَيْنِهَا، وَكَوْنُهُ فَرْضًا ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ فَفِيهِ احْتِمَالُ النَّفْلِيَّةِ فَتَجِبُ الْقِرَاءَةُ فِي الْجَمِيعِ احْتِيَاطًا. قَالَ (وَمَنْ شَرَعَ فِي نَافِلَةٍ ثُمَّ أَفْسَدَهَا قَضَاهَا) هَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي أَنَّ الشُّرُوعَ فِي النَّفْلِ صَلَاةً كَانَ أَوْ صَوْمًا مُلْزِمٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَالْعُلَمَاءُ أَوْرَدُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ الْآثَارَ الَّتِي يُحْتَجُّ بِهَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ إنَّمَا وَرَدَتْ فِيهِ، لَكِنْ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْقُدُورِيُّ لَمَّا رَأَى حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ فِيهِمَا وَاحِدًا أَوْرَدَهَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَتَابَعَهُ الْمُصَنِّفُ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْمُتَنَفِّلُ مُتَبَرِّعٌ فِيهِ) أَيْ فِي فِعْلِهِ وَهُوَ وَاضِحٌ (وَلَا لُزُومَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] كَمَنْ شَرَعَ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ نَاوِيًا أَرْبَعًا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَ مُخَيَّرًا فِي الشَّفْعِ الثَّانِي. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا لُزُومَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ قَبْلَ شُرُوعِهِ أَوْ بَعْدَهُ، وَالْأَوَّلُ مُسَلَّمٌ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ، وَالثَّانِي عَيْنُ النِّزَاعِ وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْأَوَّلِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْ النَّفْلِ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ فَلَمْ يُوجَدْ الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي حَتَّى لَا يَكُونَ مُلْزَمًا وَلَنَا أَنَّ الْمُؤَدَّى وَقَعَ قُرْبَةً بِتَسْلِيمَةٍ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَكُلُّ مَا وَقَعَ قُرْبَةً لَزِمَ إتْمَامُهُ ضَرُورَةَ صِيَانَةِ بُطْلَانِ حَقِّ الْغَيْرِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] فَإِنْ قِيلَ: الْمُؤَدَّى لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ عِبَادَةً أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَا حَاجَةَ إلَى إلْزَامِ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوعَ فِيهِ عِبَادَةٌ وَصَلَتْ إلَى مُسْتَحِقِّهَا، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَا وَجْهَ لِلتَّسْلِيمِ إلَيْهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ عِبَادَةٌ حَتَّى إنَّهُ لَوْ مَاتَ أُثِيبَ عَلَيْهِ؛ وَلِئَلَّا يَلْزَمَ تَرَكُّبُ الشَّيْءِ مِنْ مُنَافِيهِ وَإِلْزَامُ الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ عِبَادَةً صَوْمًا أَوْ صَلَاةً مَثَلًا، وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ إلَّا بِالْتِزَامِ الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ غَيْرُ مُتَجَزِّئٍ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ صَلَّى أَرْبَعًا) أَيْ شَرَعَ فِي صَلَاةٍ نَاوِيًا أَرْبَعًا (وَقَرَأَ فِي الْأُولَيَانِ وَقَعَدَ ثُمَّ أَفْسَدَ الْأُخْرَيَيْنِ قَضَى رَكْعَتَيْنِ) يَعْنِي الشَّفْعَ الثَّانِيَ (؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ تَمَّ وَالْقِيَامُ إلَى الثَّالِثَةِ كَتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ فَيَكُونُ مُلْزَمًا إذَا كَانَ الْإِفْسَادُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهَا) بِالْقِيَامِ إلَى الثَّالِثَةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقِيَامِ إلَى الثَّالِثَةِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ شَيْءٍ

لَا يَقْضِي الْأُخْرَيَيْنِ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَقْضِي اعْتِبَارًا لِلشُّرُوعِ بِالنَّذْرِ. وَلَهُمَا أَنَّ الشُّرُوعَ يَلْزَمُ مَا شُرِعَ فِيهِ وَمَا لَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بِهِ، وَصِحَّةُ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ لَا تَتَعَلَّقُ بِالثَّانِي، بِخِلَافِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، وَعَلَى هَذَا سُنَّةُ الظُّهْرِ لِأَنَّهَا نَافِلَةٌ وَقِيلَ يَقْضِي أَرْبَعًا احْتِيَاطًا لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ. (وَإِنْ صَلَّى أَرْبَعًا وَلَمْ يَقْرَأْ فِيهِنَّ شَيْئًا أَعَادَ رَكْعَتَيْنِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقْضِي أَرْبَعًا، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَوْجُهٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــQ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَقْضِي اعْتِبَارًا بِالنَّذْرِ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْأَرْبَعِ قَارَنَتْ سَبَبَ الْوُجُوبِ وَهُوَ الشُّرُوعُ فَيَلْزَمُ الْقَضَاءُ كَمَا إذَا نَذَرَ، فَإِنَّ نِيَّةَ الْأَرْبَعِ قَارَنَتْ سَبَبَ الْوُجُوبِ وَهُوَ النَّذْرُ. وَلَهُمَا أَنَّ الشُّرُوعَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ مَا شَرَعَ فِيهِ وَهُوَ الرَّكْعَةُ الْأُولَى، وَلِوُجُوبِ مَا لَا يَصِحُّ مَا شَرَعَ فِيهِ إلَّا بِهِ وَهُوَ الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ؛ لِأَنَّ الْبُتَيْرَاءَ مُنْهًى عَنْهَا، وَالشَّفْعُ الثَّانِي لَيْسَ مَا شَرَعَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْرُوضَ وَلَا مَا يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ مَا شَرَعَ فِيهِ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ وَاجِبًا بِالشُّرُوعِ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ، وَمَا لَا يَكُونُ وَاجِبًا لَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ، وَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ النِّيَّةَ لَمْ تُقَارِنْ سَبَبَ الْوُجُوبِ وَهُوَ الشُّرُوعُ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ، بِخِلَافِ النَّذْرِ فَإِنَّ نِيَّةَ الْأَرْبَعِ قَارَنَتْ سَبَبَ الْوُجُوبِ فَيَلْزَمُ الْقَضَاءُ بِالْإِفْسَادِ (وَعَلَى هَذَا سُنَّةُ الظُّهْرِ) فَإِنْ أَفْسَدَ الْأُخْرَيَيْنِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا يَقْضِيهِمَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَقْضِي (وَقِيلَ يَقْضِي أَرْبَعًا احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ) حَتَّى إنَّ الزَّوْجَ إذَا خَيَّرَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ، أَوْ أَخْبَرَتْ بِشُفْعَةٍ لَهَا فَأَتَمَّتْ أَرْبَعًا لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا وَلَا شُفْعَتُهَا، بِخِلَافِ سَائِرِ التَّطَوُّعَاتِ. قَالَ (وَإِنْ صَلَّى أَرْبَعًا وَلَمْ يَقْرَأْ فِيهِنَّ شَيْئًا) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُلَقَّبُ بِمَسْأَلَةِ الثَّمَانِيَةِ، وَالْوُجُوهُ الْآتِيَةُ فِيهَا سِتَّةَ عَشَرَ وَهِيَ أَنَّهُ قَرَأَ فِي الْجَمِيعِ، تَرَكَ فِي الْجَمِيعِ، تَرَكَ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ، تَرَكَ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي، تَرَكَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، تَرَكَ فِي الثَّانِيَةِ، تَرَكَ فِي الثَّالِثَةِ، تَرَكَ فِي الرَّابِعَةِ، تَرَكَ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ وَالرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ، تَرَكَ فِي الْأَوَّلِ وَالرَّابِعَةِ، تَرَكَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَالشَّفْعِ الثَّانِي، تَرَكَ فِي الثَّانِيَةِ وَالشَّفْعِ الثَّانِي، تَرَكَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ، تَرَكَ فِي الْأُولَى وَالرَّابِعَةِ، تَرَكَ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ، تَرَكَ فِي الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ، فَهَذِهِ سِتَّةَ عَشَرَ وَجْهًا. وَالْمُصَنِّفُ تَرَكَ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أَقْسَامِ الْفَسَادِ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ وَاَلَّتِي يَقْرَأُ فِي جَمِيعِهَا لَيْسَتْ مِنْهَا، وَتَدَاخَلَتْ مِنْهَا سَبْعَةُ أَوْجُهٍ فِي الْبَاقِيَةِ لِاتِّحَادِ الْحُكْمِ فَعَادَتْ ثَمَانِيَةً، فَعَلَيْك بِتَمْيِيزِ

وَالْأَصْلُ فِيهَا أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَرْكَ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ أَوْ فِي إحْدَاهُمَا يُوجِبُ بُطْلَانَ التَّحْرِيمَةِ لِأَنَّهَا تُعْقَدُ لِلْأَفْعَالِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَرْكُ الْقِرَاءَةِ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ التَّحْرِيمَةِ، وَإِنَّمَا يُوجِبُ فَسَادَ الْأَدَاءِ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ زَائِدٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّلَاةَ وُجُودًا بِدُونِهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا صِحَّةَ لِلْأَدَاءِ إلَّا بِهَا، وَفَسَادُ الْأَدَاءِ لَا يَزِيدُ عَلَى تَرْكِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُتَدَاخِلَةِ بِالتَّفْتِيشِ فِي الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ. (وَالْأَصْلُ فِيهَا) مَا ذَكَرَهُ (أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ تَرْكَ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ أَوْ فِي إحْدَاهُمَا يُوجِبُ بُطْلَانَ التَّحْرِيمَةِ؛ لِأَنَّهَا تُعْقَدُ لِلْأَفْعَالِ) لِكَوْنِهَا وَسِيلَةً إلَيْهَا، وَالْأَفْعَالُ قَدْ فَسَدَتْ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ بِالْإِجْمَاعِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ التَّحْرِيمَةِ) ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ فَسَادَ الْأَدَاءِ لَا بُطْلَانَهُ، وَفَسَادُ الْأَدَاءِ لَا يَزِيدُ عَلَى تَرْكِ الْأَدَاءِ بَعْدَ التَّحْرِيمَةِ بِأَنْ لَمْ يَأْتِ بِالْأَرْكَانِ حَالَ كَوْنِهِ مُنْفَرِدًا أَوْ خَلْفَ الْإِمَامِ أَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَذَهَبَ لِيَتَوَضَّأَ، وَتَرْكُ الْأَدَاءِ لَا يُبْطِلُ التَّحْرِيمَةَ فَكَذَلِكَ فَسَادُهُ (وَإِنَّمَا) قُلْنَا: إنَّ تَرْكَ الْقِرَاءَةِ (يُوجِبُ فَسَادَ الْأَدَاءِ) لَا بُطْلَانَهُ (؛ لِأَنَّهَا رُكْنٌ زَائِدٌ بِدَلِيلِ أَنَّ لِلصَّلَاةِ وُجُودًا بِدُونِهَا) مِنْ الْمُقْتَدِي وَالْأُمِّيِّ وَالْأَخْرَسِ، وَالرُّكْنُ الْأَصْلِيُّ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ رُكْنًا زَائِدًا لَا يُؤَثِّرُ فِي إزَالَةِ أَصْلِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَصِيرَ بَاطِلَةً، وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي إزَالَةِ صِفَتِهَا وَهِيَ صِحَّةُ الْأَدَاءِ عَمَلًا بِقَدْرِ الدَّلِيلِ فَصَارَ فَاسِدًا. فَإِنْ قِيلَ: سَلَّمْنَا أَنَّهُ أَوْجَبَ الْفَسَادَ، وَأَنَّ الْفَسَادَ لَا يَزِيدُ عَلَى تَرْكِهِ، وَأَنَّ التَّرْكَ لَا يُبْطِلُ التَّحْرِيمَةَ وَلَكِنْ مَا ذَكَرْتُمْ تَأْخِيرٌ لَا تَرْكٌ فَلَا يَكُونُ مُفِيدًا. أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا تَرْكٌ قَبْلَ اشْتِغَالِهِ بِالْأَدَاءِ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ كَوْنُهُ تَأْخِيرًا إذَا اشْتَغَلَ بِالْأَدَاءِ فَقَبْلَ اشْتِغَالِهِ بِهِ يَصِحُّ إطْلَاقُ اسْمِ التَّرْكِ عَلَيْهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ لِلْخَصْمِ حِينَئِذٍ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْفَسَادَ لَا يَزِيدُ عَلَى مِثْلِ هَذَا التَّرْكِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْكَلَامِ وَالْحَدَثِ الْعَمْدِ وَبَيْنَهُ حَيْثُ يُبْطِلَانِ التَّحْرِيمَةَ دُونَهُ؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُمَا مِنْ مَحْظُورَاتِ التَّحْرِيمَةِ، وَارْتِكَابُهَا يَقْطَعُ التَّحْرِيمَةَ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ انْعِقَادَهَا فِي الِابْتِدَاءِ فَيَجُوزُ أَنْ يَقْطَعَهَا بَعْدَ الصِّحَّةِ، بِخِلَافِ تَرْكِ الْقِرَاءَةِ فَإِنْ قُلْت: سَلَّمْنَا ذَلِكَ لَكِنَّ اتِّصَافَ الرُّكْنِ وَهُوَ مَا يَقُومُ بِهِ الشَّيْءُ بِالزِّيَادَةِ لَيْسَ بِكَلَامٍ مُحَصَّلٌ. فَالْجَوَابُ مَا قَرَّرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ تَقْرِيرًا لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهِ فَعَلَيْك بِتَحْصِيلِهِ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ خُصُومِ أَصْحَابِنَا وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ أَيْضًا أَنْكَرُوا عَلَيَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ

فَلَا يُبْطِلُ التَّحْرِيمَةَ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَرْكُ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ يُوجِبُ بُطْلَانَ التَّحْرِيمَةِ، وَفِي إحْدَاهُمَا لَا يُوجِبُ لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْ التَّطَوُّعِ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ وَفَسَادُهَا بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَقَضَيْنَا بِالْفَسَادِ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَحَكَمْنَا بِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ فِي حَقِّ لُزُومِ الشَّفْعِ الثَّانِي احْتِيَاطًا، إذَا ثَبَتَ هَذَا نَقُولُ: إذَا لَمْ يَقْرَأْ فِي الْكُلِّ قَضَى رَكْعَتَيْنِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ قَدْ بَطَلَتْ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ عِنْدَهُمَا فَلَمْ يَصِحَّ الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي وَبَقِيَتْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَصَحَّ الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي ثُمَّ إذَا فَسَدَ الْكُلُّ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِيهِ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأَرْبَعِ عِنْدَهُ. (وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ لَا غَيْرُ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُخْرَيَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ) لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ لَمْ تَبْطُلْ فَصَحَّ الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي ثُمَّ فَسَادُهُ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ (وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لَا غَيْرُ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُولَيَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ) لِأَنَّ عِنْدَهُمَا لَمْ يَصِحُّ الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ صَحَّ فَقَدْ أَدَّاهَا (وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَيَانِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُخْرَيَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُولَيَيْنِ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُولَيَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَضَاءُ الْأَرْبَعِ، وَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ بَاقِيَةٌ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُولَيَيْنِ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ قَدْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ تَرْكَ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ يُوجِبُ بُطْلَانَ التَّحْرِيمَةِ، وَفِي إحْدَاهُمَا لَا يُوجِبُ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْ التَّطَوُّعِ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ فَكَانَ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ فِيهِ إخْلَاءٌ لِلصَّلَاةِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فَتَكُونُ فَاسِدَةً يَجِبُ قَضَاؤُهَا وَبَطَلَ تَحْرِيمَتُهَا، وَأَمَّا الثَّانِي فَكَانَ الْقِيَاسُ فِيهِ مِثْلَ الْأَوَّلِ كَمَا لَوْ تَرَكَهَا فِي إحْدَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، لَكِنْ فَسَادُ الصَّلَاةِ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ مُتَمَسِّكًا بِمَا هُوَ دَلِيلٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، فَقَضَيْنَا بِالْفَسَادِ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ كَمَا فِي الْفَجْرِ، وَحَكَمْنَا بِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ فِي حَقِّ لُزُومِ الشَّفْعِ الثَّانِي احْتِيَاطًا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْحُكْمَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: فَسَادُ الصَّلَاةِ بِتَرْكِهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ أَيْضًا مُجْتَهَدٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ الْأَصَمَّ لَا يَقُولُ بِفَسَادِهَا. أُجِيبَ أَنَّ ذَلِكَ خِلَافٌ لَا اخْتِلَافٌ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] (قَوْلُهُ: وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا) يَعْنِي الْأَصْلَ الْمَذْكُورَ ظَاهِرٌ سِوَى أَشْيَاءَ نُشِيرُ إلَيْهَا وَهُوَ قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُخْرَيَيْنِ لَا غَيْرُ: يَعْنِي إذَا قَعَدَ بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْعُدْ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ أَرْبَعًا لِمَا أَنَّ الْفَسَادَ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي يَسْرِي إلَى الْأَوَّلِ إذَا لَمْ يَقْعُدْ بَيْنَهُمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَقَوْلُهُ: (وَلَمْ يَصِحَّ الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَكُونُ صَلَاةً فِي قَوْلِهِمَا حَتَّى لَوْ اقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي لَمْ يَصِحَّ اقْتِدَاؤُهُ، وَلَوْ قَهْقَهَ لَمْ تَنْتَقِضْ طَهَارَتُهُ. وَقَوْلُهُ: (وَلَوْ قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقْضِي أَرْبَعًا) وَإِنَّمَا قَالَ (وَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ

ارْتَفَعَتْ عِنْدَهُ. وَقَدْ أَنْكَرَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْهُ وَقَالَ: رَوِيت لَك عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ، وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَرْجِعْ عَنْ رِوَايَتِهِ عَنْهُ. (وَلَوْ قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ لَا غَيْرُ قَضَى أَرْبَعًا عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَضَى رَكْعَتَيْنِ، وَلَوْ قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ لَا غَيْرُ قَضَى أَرْبَعًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا رَكْعَتَيْنِ) قَالَ (وَتَفْسِيرُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُصَلَّى بَعْدَ صَلَاةٍ مِثْلُهَا» يَعْنِي رَكْعَتَيْنِ بِقِرَاءَةٍ وَرَكْعَتَيْنِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ فَيَكُونُ بَيَانُ فَرْضِيَّةِ الْقِرَاءَةِ فِي رَكَعَاتِ النَّفْلِ كُلِّهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِاتِّفَاقٍ بَيْنَهُمَا بَلْ إنَّمَا هُوَ قَوْلُهُ: عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ فَصْلٌ أَصَابَ مَحَزَّهُ كَمَا تَرَى. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ التَّحْرِيمَةَ قَدْ بَطَلَتْ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ، وَأَبُو يُوسُفَ أَيْضًا مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ التَّحْرِيمَةَ بَاقِيَةٌ فَصَحَّ الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَقَدْ جَرَتْ مُحَاوَرَةٌ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي مَذْهَبِهِ حِينَ عَرَضَ عَلَيْهِ الْجَامِعَ الصَّغِيرَ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، رَوَيْت لَك عَنْهُ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: بَلْ رَوَيْت لِي عَنْهُ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ، وَالْأَصْلُ الْمَذْكُورُ يُسَاعِدُ مُحَمَّدًا، وَاعْتَذَرَ لِأَبِي يُوسُفَ بِأَنَّ مَا حَفِظَهُ هُوَ قِيَاسُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ ضَعُفَتْ بِالْفَسَادِ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَةٍ فَلَا يَلْزَمُهُ الشَّفْعُ الثَّانِي بِالشُّرُوعِ فِيهِ. وَقَوْلُهُ: (قَالَ) يَعْنِي مُحَمَّدًا (وَتَفْسِيرُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُصَلِّي بَعْدَ صَلَاةٍ مِثْلَهَا» أَوْرَدَ بَعْدَ ذِكْرِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ وَاجِبَةٌ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ النَّفْلِ، وَمَا تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الثَّمَانِيَةِ دَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ بِمَا أَوَّلَهُ إلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ (يَعْنِي رَكْعَتَيْنِ بِقِرَاءَةٍ وَرَكْعَتَيْنِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ) وَإِنَّمَا حُمِلَ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ خُصُوصُهُ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ يُصَلِّي

(وَيُصَلِّي النَّافِلَةَ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ» وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ خَيْرُ مَوْضُوعٍ وَرُبَّمَا يَشُقُّ عَلَيْهِ الْقِيَامُ فَيَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُ كَيْ لَا يَنْقَطِعَ عَنْهُ. وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْقُعُودِ وَالْمُخْتَارُ أَنْ يَقْعُدَ كَمَا يَقْعُدُ فِي حَالَةِ التَّشَهُّدِ لِأَنَّهُ عُهِدَ مَشْرُوعًا فِي الصَّلَاةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ثُمَّ الْفَرْضَ وَيُصَلِّي أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ ثُمَّ الْفَرْضَ بَعْدَهُ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُؤَوَّلَ عَلَى وَجْهٍ مُسْتَقِيمٍ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ الْمُرَادُ بِهِ الزَّجْرُ عَنْ تَكْرَارِ الْجَمَاعَاتِ فِي الْمَسَاجِدِ وَهُوَ حَسَنٌ، وَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى الشَّافِعِيِّ، وَاسْتُشْكِلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَيَكُونُ بَيَانُ فَرْضِيَّةِ الْقِرَاءَةِ فِي رَكَعَاتِ النَّفْلِ كُلِّهَا بِأَنَّهُ خَبَرُ الْوَاحِدِ فَكَيْفَ يُفِيدُ الْفَرْضِيَّةَ، وَلَئِنْ كَانَ مَشْهُورًا فَهُوَ مُؤَوَّلٌ كَمَا ذَكَرْنَا، وَلَئِنْ قِيلَ إنَّهُ بَيَانٌ لِمُجْمَلِ الْكِتَابِ فَصَارَ كَخَبَرِ الْمَسْحِ فَلَا يَسْتَقِيمُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ نَصَّ الْقِرَاءَةِ لَيْسَ بِمُجْمَلٍ، إذْ لَوْ كَانَ مُجْمَلًا كَانَ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فَرْضًا وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَالَ بَيَانُ الْفَرْضِيَّةِ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْفَرْضِيَّةُ ثَابِتَةً بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَالْحَدِيثُ لِبَيَانِ أَنَّهَا فَرْضٌ فِي التَّطَوُّعِ رَكْعَةً فَرَكْعَةً. قَالَ (وَيُصَلِّي النَّافِلَةَ قَاعِدًا) يَجُوزُ لِلْقَادِرِ عَلَى الْقِيَامِ أَنْ يُصَلِّيَ النَّافِلَةَ قَاعِدًا (لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ» سَمَّاهُ صَلَاةً، وَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَا كَانَ بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَصَلَاةُ الْقَائِمِ سِيَّانِ فِي الثَّوَابِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَا الْفَرْضَ أَوْ التَّطَوُّعَ لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ بِالْإِجْمَاعِ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي (وَلِأَنَّهُ خَبَرٌ مَوْضُوعٌ) أَيْ مَشْرُوعٌ لَك الْخَيْرُ لَا يَكُونُ خَيْرًا، وَمَرْفُوعٌ عَنْك لِكَوْنِهَا غَيْرَ وَاجِبَةٍ وَمَا كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مَا قَدْ يُفْضِي إلَى تَرْكِهِ؛ لِأَنَّ مَا يُفْضِي إلَى تَرْكِ الْخَيْرِ لَا يَكُونُ خَيْرًا، وَالْقِيَامُ قَدْ يُفْضِي إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَشُقُّ عَلَى الْمُصَلِّي فَلَا يُشْتَرَطُ لِئَلَّا يَنْقَطِعَ بِهِ، أَيْ بِسَبَبِهِ عَنْ الْخَيْرِ. (وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْقُعُودِ) رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ

(وَإِنْ افْتَتَحَهَا قَائِمًا ثُمَّ قَعَدَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجْزِيهِ، وَهُوَ قِيَاسٌ لِأَنَّ الشُّرُوعَ مُعْتَبَرٌ بِالنَّذْرِ. لَهُ أَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ الْقِيَامَ فِيمَا بَقِيَ وَلَمَّا بَاشَرَ صَحَّ بِدُونِهِ، بِخِلَافِ النَّذْرِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ نَصًّا حَتَّى لَوْ لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْقِيَامِ لَا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقْعُدُ كَيْفَ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ لَهُ تَرْكُ أَصْلِ الْقِيَامِ فَتَرْكُ صِفَةِ الْقُعُودِ أَوْلَى. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَحْتَبِي؛ لِأَنَّ عَامَّةَ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي آخِرِ عُمْرِهِ كَانَ مُحْتَبِيًا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَتَرَبَّعُ؛ لِأَنَّهُ أَعْدَلُ. وَعَنْ زُفَرَ أَنَّهُ يَقْعُدُ كَمَا يَقْعُدُ فِي حَالَةِ التَّشَهُّدِ، وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَالْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّهُ عُهِدَ مَشْرُوعًا فِي الصَّلَاةِ. (وَإِنْ افْتَتَحَهَا قَائِمًا ثُمَّ قَعَدَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَهُوَ قِيَاسٌ؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ عِنْدَنَا مُعْتَبَرٌ بِالنَّذْرِ) فِي الْإِلْزَامِ، وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا، فَكَذَا إذَا شَرَعَ قَائِمًا، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الشُّرُوعَ يُلْزِمُ مَا شَرَعَ فِيهِ، وَمَا لَا صِحَّةَ لِمَا شَرَعَ فِيهِ إلَّا بِهِ كَالرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، وَهَاهُنَا لِمَا شَرَعَ فِيهِ وَهُوَ الرَّكْعَةُ الْأُولَى قَائِمًا صَحَّتْ بِدُونِ الْقِيَامِ فِي الثَّانِيَةِ بِدَلِيلِ حَالَةِ الْعُذْرِ، فَلَا يَكُونُ الشُّرُوعُ فِي الْأُولَى قَائِمًا مُوجِبًا لِلْقِيَامِ فِي الثَّانِيَةِ، بِخِلَافِ النَّذْرِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْقِيَامَ نَصًّا بِتَسْمِيَتِهِ فَيَلْزَمُهُ حَتَّى لَوْ لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْقِيَامِ فِي نَذْرِهِ يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ. قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ: لَا رِوَايَةَ فِيمَا إذَا نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةً وَلَمْ يَقُلْ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا مَاذَا يَجِبُ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا. ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ، قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: لَمْ يَلْزَمْهُ الْقِيَامُ؛ لِأَنَّهُ فِي النَّفْلِ وَصْفٌ زَائِدٌ فَلَا يَلْزَمُ إلَّا بِالشَّرْطِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَلْزَمُهُ قَائِمًا؛ لِأَنَّ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَيْنَمَا أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَهَا قَائِمًا. وَفِي قَوْلِهِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَنُصَّ إلَخْ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَخْذًا بِقَوْلِ بَعْضِ مَنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ بِأَزْمِنَةٍ كَثِيرَةٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ الدَّلِيلَ الْمَذْكُورَ فِي الْكِتَابِ يُفِيدُ أَنَّهُ

(وَمَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ يَتَنَفَّلُ عَلَى دَابَّتِهِ إلَى أَيِّ جِهَةٍ تَوَجَّهَتْ يُومِئُ إيمَاءً) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى خَيْبَرَ يُومِئُ إيمَاءً» ـــــــــــــــــــــــــــــQلَوْ قَعَدَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بَعْدَ افْتِتَاحِهَا قَائِمًا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ يُلْزِمُ مَا بَاشَرَهُ وَمَا بَاشَرَهُ إلَّا قَائِمًا، وَذَكَرَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةَ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ حَيْثُ قَالَ: الْمُتَطَوِّعُ فِي الِابْتِدَاءِ كَانَتْ لَهُ الْخِيَرَةُ بَيْنَ الِافْتِتَاحِ قَائِمًا وَبَيْنَ الِافْتِتَاحِ قَاعِدًا، فَكَذَلِكَ فِي الِانْتِهَاءِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ حُكْمَ الِاسْتِدَامَةِ أَخَفُّ بِدَلِيلِ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَجُوزُ لَهُ إنْشَاءُ الْجُمُعَةِ بِلَا جَمْعٍ وَيَجُوزُ الْبِنَاءُ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْبَقَاءِ أَسْهَلَ مِنْ الِابْتِدَاءِ مِنْ الْمُسَلَّمَاتِ لَا نِزَاعَ فِيهِ، لَكِنْ عَارَضَهُ أَصْلٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الشُّرُوعَ فِيمَا بَاشَرَهُ يَلْزَمُهُ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ يَتَنَفَّلُ عَلَى دَابَّتِهِ) يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِهِ، تَوَجَّهَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ إلَى الْقِبْلَةِ أَوْ لَمْ يَتَوَجَّهْ لِإِطْلَاقِ الْمَرْوِيِّ، وَكَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَلَى دَابَّتِهِ فِي مَوْضِعِ جُلُوسِهِ أَوْ فِي رِكَابِهِ نَجَاسَةٌ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ إذَا سَقَطَا مَعَ كَوْنِهِمَا رُكْنَيْنِ فَلَأَنْ يَسْقُطَ طَهَارَةُ الْمَكَانِ وَهُوَ شَرْطٌ أَوْلَى، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ جَوَازَهُ بِلَا وُضُوءٍ وَهُوَ بَاطِلٌ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ سُقُوطِ الشَّيْءِ إلَى خَلَفٍ سُقُوطُ مَا لَا خَلَفَ لَهُ، فَكَانَ مَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ وَأَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ: إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي مَوْضِعِ الْجُلُوسِ أَوْ الرِّكَابَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ اعْتِبَارًا لِلصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْأَرْضِ،

وَلِأَنَّ النَّوَافِلَ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِوَقْتٍ فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ النُّزُولَ وَالِاسْتِقْبَالَ تَنْقَطِعُ عَنْهُ النَّافِلَةُ أَوْ يَنْقَطِعُ هُوَ عَنْ الْقَافِلَةِ، أَمَّا الْفَرَائِضُ فَمُخْتَصَّةٌ بِوَقْتٍ، وَالسُّنَنُ الرَّوَاتِبُ نَوَافِلُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَنْزِلُ لِسُنَّةِ الْفَجْرِ لِأَنَّهَا آكَدُ مِنْ سَائِرِهَا، وَالتَّقْيِيدُ بِخَارِجِ الْمِصْرِ يَنْفِي اشْتِرَاطَ السَّفَرِ وَالْجَوَازِ فِي الْمِصْرِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْمِصْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ كَانَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى الْجَوَازِ لِلضَّرُورَةِ، وَمَا فِي الْكِتَابِ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (أَمَّا الْفَرَائِضُ فَمُخْتَصَّةٌ بِوَقْتٍ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْفَرِيضَةَ لَا تَجُوزُ عَلَى الدَّابَّةِ فَلَا يُصَلِّي الْمُسَافِرُ الْمَكْتُوبَةَ عَلَى الدَّابَّةِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ كَخَوْفِ اللِّصِّ وَالسَّبُعِ وَطِينِ الْمَكَانِ وَكَوْنِ الدَّابَّةِ جَمُوحًا وَكَوْنِ الْمُسَافِرِ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَجِدُ مَنْ يُرْكِبُهُ. وَقَوْلُهُ: (يَنْزِلُ لِسُنَّةِ الْفَجْرِ) قَالَ ابْنُ شُجَاعٍ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا لِبَيَانِ الْأَوْلَى. يَعْنِي أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَنْزِلَ لِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ. وَقَوْلُهُ: (يَنْفِي اشْتِرَاطَ السَّفَرِ) إشَارَةٌ إلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ جَوَازَ التَّطَوُّعِ عَلَى الدَّابَّةِ لِلْمُسَافِرِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ بِالْإِيمَاءِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْحَضَرِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُسَافِرَ وَغَيْرَهُ سَوَاءٌ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ خَارِجَ الْمِصْرِ. وَاخْتُلِفَ فِي مِقْدَارِ الْبُعْدِ عَنْ الْمِصْرِ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ مِقْدَارُ الْفَرْسَخَيْنِ، وَقَدَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِالْمِيلِ، وَمَنَعَ مِنْ الْجَوَازِ فِي أَقَلَّ مِنْهُ. وَقَوْلُهُ: (وَالْجَوَازَ) بِالنَّصْبِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ اشْتِرَاطَ. فَإِنْ قِيلَ: التَّخْصِيصُ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى النَّفْيِ قُلْنَا: ذَلِكَ فِي النُّصُوصِ دُونَ الرِّوَايَاتِ، وَذَكَرَ فِي الْهَارُونِيَّاتِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ التَّطَوُّعُ عَلَى الدَّابَّةِ فِي الْمِصْرِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ خَارِجَ الْمِصْرِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَالْمِصْرُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ السَّيْرَ عَلَى الدَّابَّةِ فِيهِ لَا يَكُونُ مَدِيدَ إعَادَةٍ فَرَجَعْنَا فِيهِ إلَى الْقِيَاسِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَا بَأْسَ بِهِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكِبَ الْحِمَارَ فِي الْمَدِينَةِ يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ وَهُوَ يُصَلِّي عَلَيْهِ» ، وَحُكِيَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ احْتَجَّ بِهِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ قِيلَ إنَّمَا لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ رُجُوعًا مِنْهُ إلَى الْحَدِيثِ، وَقِيلَ بَلْ هَذَا حَدِيثٌ شَاذٌّ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فَلَا يَكُونُ

أَيْضًا. وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ خَارِجَ الْمِصْرِ وَالْحَاجَةُ إلَى الرُّكُوبِ فِيهِ أَغْلَبُ. (فَإِنْ افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ رَاكِبًا ثُمَّ نَزَلَ يَبْنِي، وَإِنْ صَلَّى رَكْعَةً نَازِلًا ثُمَّ رَكِبَ اسْتَقْبَلَ) لِأَنَّ إحْرَامَ الرَّاكِبِ انْعَقَدَ مُجَوِّزًا لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى النُّزُولِ، فَإِنْ أَتَى بِهِمَا صَحَّ، وَإِحْرَامُ النَّازِلِ انْعَقَدَ لِوُجُوبِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَرْكِ مَا لَزِمَهُ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQحُجَّةً، وَمُحَمَّدٌ جَوَّزَهُ بِالْحَدِيثِ لَكِنَّهُ كَرِهَ؛ لِأَنَّ اللَّغَطَ يَكْثُرُ فِي الْمِصْرِ فَلَا يُؤْمَنُ مِنْ الْغَلَطِ فِي الْقِرَاءَةِ. (وَمَنْ افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ رَاكِبًا ثُمَّ نَزَلَ يَبْنِي وَإِنْ صَلَّى رَكْعَةً نَازِلًا ثُمَّ رَكِبَ اسْتَقْبَلَ) وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ صَلَّى رَكْعَةً بِطَرِيقِ الِاتِّفَاقِ، فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يُصَلِّ رَكْعَةً فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ وَتَقْرِيرُ دَلِيلِهِ يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيمِ مُقَدِّمَةٍ فِي أَنَّ بِنَاءَ بَعْضِ الصَّلَاةَ عَلَى بَعْضٍ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَا مُتَنَاوِلَ تَحْرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُونَا كَذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ، وَإِذَا ظَهَرَ هَذَا فَإِحْرَامُ الرَّاكِبِ انْعَقَدَ مُجَوِّزًا لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى النُّزُولِ بِلَا مُبْطِلٍ، فَكَانَ مَا صَلَّى بِإِيمَاءٍ وَهُوَ رَاكِبٌ وَمَا يُصَلِّي بَعْدَ النُّزُولِ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مُوجِبَيْ تَحْرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ فَجَازَ بِنَاءُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، فَإِذَا أَتَى بِهِمَا: أَيْ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ صَحَّ، وَإِحْرَامُ النَّازِلِ لَمْ يَنْعَقِدْ لَا مُوجِبًا لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الرُّكُوبِ بِلَا مُبْطِلٍ لِكَوْنِهِ عَمَلًا كَثِيرًا فَلَا يَكُونُ

غَيْرِ عُذْرِهِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ إذَا نَزَلَ أَيْضًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا صَلَّى نَازِلًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَمَا صَلَّى بَعْدَ الرُّكُوبِ بِإِيمَاءٍ مُوجِبَيْ تَحْرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يَجُوزُ بِنَاؤُهُ عَلَيْهِ. لَا يُقَالُ: الْقُدْرَةُ عَلَى الرُّكُوبِ بَعْدَ الِافْتِتَاحِ مِنْ غَيْرِ مُبْطِلٍ يُمْكِنُ بِأَنْ يَرْفَعَهُ شَخْصٌ وَيَضَعُهُ فِي السَّرْجِ وَضْعًا؛ لِأَنَّ الِاقْتِدَارَ عَلَى الشَّيْءِ فِي التَّكْلِيفِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ بِقُدْرَةِ الْمُكَلَّفِ لَا بِقُدْرَةِ غَيْرِهِ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ إذَا نَزَلَ أَيْضًا) ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ كَالْمَرِيضِ إذَا قَدَرَ فِي خِلَالِ صَلَاتِهِ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَإِنَّهُ

[فصل في قيام شهر رمضان]

وَكَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا نَزَلَ بَعْدَ مَا صَلَّى رَكْعَةً، وَالْأَصَحُّ هُوَ الْأَوَّلُ وَهُوَ الظَّاهِرُ. فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ (يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بَعْدَ الْعِشَاءِ فَيُصَلِّيَ بِهِمْ إمَامُهُمْ خَمْسَ تَرْوِيحَاتٍ، كُلُّ تَرْوِيحَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَسْتَقْبِلُ لِئَلَّا يَلْزَمَ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ. وَالْجَوَابُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمُقَدِّمَةِ، فَإِنَّ إحْرَامَ الْمَرِيضِ الْعَاجِزِ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَمْ يَتَنَاوَلْهُمَا لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمَا فَصَارَ كَإِحْرَامِ النَّازِلِ، فَلَا يَجُوزُ بِنَاءُ مَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ إحْرَامُهُ عَلَى مَا تَنَاوَلَهُ، بِخِلَافِ الرَّاكِبِ إذَا نَزَلَ فَكَانَ هَذَا مِنْ بَابِ تَخْصِيصِ الْعِلَلِ، فَمَنْ جَوَّزَهُ فَلَا كَلَامَ، وَمَنْ لَمْ يُجَوِّزْهُ يَلْتَجِئُ إلَى الْمُخَلِّصِ الْمَعْلُومِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ (وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا نَزَلَ بَعْدَمَا صَلَّى رَكْعَةً يَسْتَقْبِلُ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ صَلَاةً فَلَا يَنْبَنِي فِيهَا الْقَوِيُّ عَلَى الضَّعِيفِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُصَلِّهَا فَهُوَ مُجَرَّدُ تَحْرِيمَةٍ وَهِيَ شَرْطٌ، وَالشَّرْطُ الْمُنْعَقِدُ لِلضَّعِيفِ شَرْطٌ لِلْقَوِيِّ أَيْضًا كَالطَّهَارَةِ لِلنَّافِلَةِ طَهَارَةٌ لِلْفَرِيضَةِ فَلَيْسَ فِيهَا بِنَاءُ قَوِيٍّ عَلَى ضَعِيفِ الْأَوَّلِ. (وَالْأَصَحُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ) وَهُوَ أَنَّ الرَّاكِبَ إذَا نَزَلَ بَنَى، وَالنَّازِلُ إذَا رَكِبَ اسْتَقْبَلَ لِمَا ذَكَرْنَا. [فَصْلٌ فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ] ذَكَرَ التَّرَاوِيحَ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ لِاخْتِصَاصِهَا بِمَا لَيْسَ لِمُطْلَقِ النَّوَافِلِ مِنْ الْجَمَاعَةِ وَتَقْدِيرِ الرَّكَعَاتِ وَسُنَّةِ الْخَتْمِ، وَتَرْجَمَ بِقِيَامِ رَمَضَانَ اتِّبَاعًا لِلَفْظِ الْحَدِيثِ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ وَسَنَنْتُ لَكُمْ قِيَامَهُ» وَالتَّرْوِيحَةُ اسْمٌ لِكُلِّ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ، فَإِنَّهَا فِي الْأَصْلِ إيصَالُ الرَّاحَةِ وَهِيَ الْجِلْسَةُ، ثُمَّ سُمِّيَتْ

بِتَسْلِيمَتَيْنِ، وَيَجْلِسَ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ مِقْدَارَ تَرْوِيحَةٍ، ثُمَّ يُوتِرَ بِهِمْ) ذَكَرَ لَفْظَ الِاسْتِحْبَابِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا سُنَّةٌ، كَذَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ وَاظَبَ عَلَيْهَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَيَّنَ الْعُذْرَ فِي تَرْكِهِ الْمُوَاظَبَةَ وَهُوَ خَشْيَةَ أَنْ تَكْتُبَ عَلَيْنَا (وَالسُّنَّةُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ) لَكِنْ عَلَى وَجْهِ الْكِفَايَةِ، حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فِي آخِرِهَا التَّرْوِيحَةُ. قَوْلُهُ: (ذَكَرَ لَفْظَ الِاسْتِحْبَابِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا سُنَّةٌ) يَعْنِي فِي حَقِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اجْتِمَاعَ النَّاسِ مُسْتَحَبٌّ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ التَّرَاوِيحَ مُسْتَحَبَّةٌ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: التَّرَاوِيحُ سُنَّةٌ وَالِاجْتِمَاعُ مُسْتَحَبٌّ. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ وَاظَبَ عَلَيْهَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ) إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى سُنِّيَّتِهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي» فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَتْ سُنَّةً لَوَاظَبَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُوَاظِبْ. وَالْجَوَابُ بِأَنَّهُ بَيَّنَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْعُذْرَ فِي تَرْكِهِ الْمُوَاظَبَةَ، وَهُوَ خَشْيَةَ أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْنَا. رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ لَيْلَةً مِنْ لَيَالِي

أَهْلُ الْمَسْجِدِ عَنْ إقَامَتِهَا كَانُوا مُسِيئِينَ، وَلَوْ أَقَامَهَا الْبَعْضُ فَالْمُتَخَلِّفُ عَنْ الْجَمَاعَةِ تَارِكٌ لِلْفَضِيلَةِ لِأَنَّ أَفْرَادَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - رُوِيَ عَنْهُمْ التَّخَلُّفُ وَالْمُسْتَحَبُّ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ التَّرْوِيحَتَيْنِ مِقْدَارُ التَّرْوِيحَةِ، وَكَذَا بَيْنَ الْخَامِسَةِ وَبَيْنَ الْوِتْرِ لِعَادَةِ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQرَمَضَانَ وَصَلَّى عِشْرِينَ رَكْعَةً، فَلَمَّا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ اجْتَمَعَ النَّاسُ فَخَرَجَ وَصَلَّى بِهِمْ عِشْرِينَ رَكْعَةً، فَلَمَّا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الثَّالِثَةُ كَثُرَ النَّاسُ فَلَمْ يَخْرُجْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَالَ: عَرَفْت اجْتِمَاعَكُمْ لَكِنِّي خَشِيت أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْكُمْ» فَكَانَ النَّاسُ يُصَلُّونَهَا فُرَادَى إلَى زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَقَالَ عُمَرُ: إنِّي أَرَى أَنْ أَجْمَعَ النَّاسَ عَلَى إمَامٍ وَاحِدٍ، فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَصَلَّى بِهِمْ خَمْسَ تَرْوِيحَاتٍ عِشْرِينَ رَكْعَةً. وَقَوْلُهُ: (وَالْمُسْتَحَبُّ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ التَّرْوِيحَتَيْنِ مِقْدَارُ التَّرْوِيحَةِ) كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَقُولَ: وَالْمُسْتَحَبُّ فِي الِانْتِظَارِ بَيْنَ التَّرْوِيحَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِعَادَةِ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ عَلَى ذَلِكَ، وَأَهْلُ الْحَرَمَيْنِ لَا يَجْلِسُونَ، فَإِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يَطُوفُونَ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ أُسْبُوعًا، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ يُصَلُّونَ بَدَلَ ذَلِكَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَأَهْلُ كُلِّ بَلْدَةٍ بِالْخِيَارِ يُسَبِّحُونَ أَوْ يُهَلِّلُونَ أَوْ يَنْتَظِرُونَ سُكُوتًا، وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ الِانْتِظَارُ

وَاسْتَحْسَنَ الْبَعْضُ الِاسْتِرَاحَةَ عَلَى خَمْسِ تَسْلِيمَاتٍ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ. وَقَوْلُهُ ثُمَّ يُوتِرُ بِهِمْ يُشِيرُ إلَى أَنَّ وَقْتَهَا بَعْدَ الْعِشَاءِ قَبْلَ الْوِتْرِ، وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ وَقْتَهَا بَعْدَ الْعِشَاءِ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ قَبْلَ الْوِتْرِ وَبَعْدَهُ لِأَنَّهَا نَوَافِلُ سُنَّتْ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَدْرَ الْقِرَاءَةِ فِيهَا، وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ فِيهَا الْخَتْمُ مَرَّةً فَلَا يُتْرَكُ لِكَسَلِ الْقَوْمِ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ التَّشَهُّدِ مِنْ الدَّعَوَاتِ حَيْثُ يَتْرُكُهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ (وَلَا يُصَلَّى الْوِتْرُ بِجَمَاعَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ؛ لِأَنَّ التَّرَاوِيحَ مَأْخُوذٌ مِنْ الرَّاحَةِ فَيُفْعَلُ مَا قُلْنَا تَحْقِيقًا لِلْمُسَمَّى (وَاسْتَحْسَنَ الْبَعْضُ الِاسْتِرَاحَةَ عَلَى خَمْسِ تَسْلِيمَاتٍ وَهُوَ نِصْفُ التَّرَاوِيحِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ) أَيْ مُسْتَحَبٍّ. وَقَوْلُهُ: (وَبِهِ) أَيْ وَبِأَنَّ وَقْتَهَا بَعْدَ الْعِشَاءِ قَبْلَ الْوِتْرِ (قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ: فَإِنْ صَلَّاهَا قَبْلَ الْعِشَاءِ أَوْ بَعْدَ الْوِتْرِ لَا تَكُونُ تَرَاوِيحَ) ؛ لِأَنَّهَا عُرِفَتْ بِفِعْلِ الصَّحَابَةِ فَكَانَ وَقْتُهَا مَا صَلَّوْا فِيهَا وَهُمْ صَلَّوْا بَعْدَ الْعِشَاءِ قَبْلَ الْوِتْرِ، وَذَهَبَ مُتَأَخِّرُو مَشَايِخِ بَلْخِي إلَى أَنَّ جَمِيعَ اللَّيْلِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَبَعْدَهُ وَقْتُهَا؛ لِأَنَّهَا سُمِّيَتْ قِيَامَ اللَّيْلِ فَكَانَ وَقْتُهَا اللَّيْلَ. (وَالْأَصَحُّ أَنَّ وَقْتَهَا بَعْدَ الْعِشَاءِ قَبْلَ الْوِتْرِ وَبَعْدَهُ؛ لِأَنَّهَا نَوَافِلُ سُنَّتْ بَعْدَ الْعِشَاءِ) وَلَوْ صَلَّى قَبْلَ الْعِشَاءِ لَا تَكُونُ تَرَاوِيحَ، وَلَوْ صَلَّى بَعْدَ الْوِتْرِ جَازَ. وَقَوْلُهُ: (وَلَمْ يُذْكَرْ قَدْرُ الْقِرَاءَةِ) ظَاهِرٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَقْرَأُ فِي كُلِّ شَفْعٍ مِقْدَارَ مَا يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ؛ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ أَخَفُّ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ فَيُعْتَبَرُ بِأَخَفِّ الْمَكْتُوبَاتِ قِرَاءَةً. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَقْرَأُ مِقْدَارَ مَا يَقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لَهَا. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَشْرَ آيَاتٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَخْفِيفًا عَلَى النَّاسِ وَتَحْصُلُ بِهِ السُّنَّةُ؛ لِأَنَّ عَدَدَ الرَّكَعَاتِ فِي ثَلَاثِينَ لَيْلَةً سِتُّمِائَةٍ وَآيَاتُ الْقُرْآنِ سِتَّةُ آلَافٍ وَشَيْءٌ، وَإِذَا قَرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَشْرُ آيَاتٍ يَحْصُلُ بِهِ الْخَتْمُ. وَقَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا بَعْدَ التَّشَهُّدِ مِنْ الدَّعَوَاتِ) يَعْنِي إذَا عَلِمَ أَنَّ قِرَاءَتَهَا تَثْقُلُ عَلَى الْقَوْمِ يَتْرُكُهَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ بِالصَّلَوَاتِ لِكَوْنِهَا فَرْضًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَيُحْتَاطُ فِي الْإِتْيَانِ. وَقَوْلُهُ: (وَلَا يُصَلَّى الْوِتْرُ بِجَمَاعَةٍ) ظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْوِتْرُ بِجَمَاعَةٍ فِي رَمَضَانَ فَهُوَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ عُمَرَ كَانَ يَؤُمُّهُمْ فِي الْوِتْرِ، وَذَكَرَ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ أَنَّ عُلَمَاءَنَا اخْتَارُوا أَنْ يُوتِرَ

[باب إدراك الفريضة]

فِي غَيْرِ شَهْرِ رَمَضَانَ) عَلَيْهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ) (وَمَنْ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ الظُّهْرِ ثُمَّ أُقِيمَتْ يُصَلِّي أُخْرَى) صِيَانَةً لِلْمُؤَدَّى عَنْ الْبُطْلَانِ (ثُمَّ يَدْخُلُ مَعَ الْقَوْمِ) إحْرَازًا لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي رَمَضَانَ فِي مَنْزِلِهِ وَلَا يُوتِرَ بِجَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَمْ يَجْتَمِعُوا عَلَى الْوِتْرِ بِجَمَاعَةٍ فِي رَمَضَانَ كَاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى التَّرَاوِيحِ، فَإِنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا كَانَ يَؤُمُّهُمْ فِيهَا. وَتَصِحُّ التَّرَاوِيحُ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَنِيَّةُ التَّرَاوِيحِ أَوْ سُنَّةُ الْوَقْتِ أَفْضَلُ. [بَابُ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ وَالنَّوَافِلِ عَلَى التَّرْتِيبِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْأَدَاءِ الْكَامِلِ وَهُوَ الْأَدَاءُ بِالْجَمَاعَةِ (وَمَنْ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ الظُّهْرِ ثُمَّ أُقِيمَتْ) أَيْ شَرَعَ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ (يُصَلِّي أُخْرَى صِيَانَةً لِلْمُؤَدَّى عَنْ الْبُطْلَانِ) ؛ لِأَنَّ الْبُتَيْرَاءَ مُنْهًى عَنْهَا (ثُمَّ يَدْخُلُ مَعَ الْقَوْمِ إحْرَازًا لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ) كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي الظُّهْرِ ثُمَّ أُقِيمَتْ

(وَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْ الْأُولَى بِالسَّجْدَةِ يَقْطَعُ وَيَشْرَعُ مَعَ الْإِمَامِ هُوَ الصَّحِيحُ) لِأَنَّهُ بِمَحَلِّ الرَّفْضِ، وَهَذَا الْقَطْعُ لِلْإِكْمَالِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي النَّفْلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِكْمَالِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجُمُعَةُ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَجُوزُ إبْطَالُ صِفَةِ الْفَرْضِيَّةِ لِإِقَامَةِ السُّنَّةِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ النَّقْضَ لَيْسَ لِإِقَامَةِ السُّنَّةِ بَلْ لِإِقَامَةِ الْفَرْضِ عَلَى وَجْهٍ أَكْمَلَ، فَإِنَّ النَّقْضَ لِلْإِكْمَالِ إكْمَالٌ كَهَدْمِ الْمَسْجِدِ لِلْبِنَاءِ، وَلِلصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ فَضْلٌ عَلَى الْمُنْفَرِدِ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً فَيَجُوزُ النَّقْضُ لِإِدْرَاكِ ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَسْتَقِيمُ هَذَا عَلَى مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ، فَإِنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُ أَنَّ صِفَةَ الْفَرْضِ إذَا بَطَلَتْ بَطَلَ أَصْلُ الصَّلَاةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي فَلَا يَكُونُ الْمُؤَدَّى مَصُونًا عَنْ الْبُطْلَانِ؟ أُجِيبَ: بِأَنَّ ذَلِكَ مَذْهَبُهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إخْرَاجِ نَفْسِهِ عَنْ عُهْدَةِ مَا عَلَيْهِ بِالْمُضِيِّ فِيهَا، كَمَا إذَا قَيَّدَ الْخَامِسَةَ بِالسَّجْدَةِ، وَهُوَ لَمْ يَقْعُدْ فِي الرَّابِعَةِ وَهَاهُنَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ. وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ إبْطَالَ صِفَةِ الْفَرْضِيَّةِ لِإِحْرَازِ الْجَمَاعَةِ بِإِطْلَاقٍ مِنْ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ جَازَ قَطْعُهَا لِحُطَامِ الدُّنْيَا، حَتَّى قِيلَ لِأَجْلِ دِرْهَمٍ فَلَأَنْ يَجُوزَ لِإِحْرَازِ الْفَضِيلَةِ أَوْلَى، بِخِلَافِ إبْطَالِهَا فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِإِطْلَاقٍ مِنْ الشَّرْعِ (وَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْ الْأُولَى بِالسَّجْدَةِ يَقْطَعُ وَيَشْرَعُ مَعَ الْإِمَامِ هُوَ الصَّحِيحُ) وَإِلَيْهِ مَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ (؛ لِأَنَّهُ بِمَحَلِّ الرَّفْضِ) يَعْنِي لَهُ وِلَايَةُ الرَّفْضِ فِي الْجُمْلَةِ مَا لَمْ يُقَيِّدْ بِالسَّجْدَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ وَلَمْ يَقْعُدْ عَلَى الرَّابِعَةِ يَرْفُضُ الْخَامِسَةَ مَا لَمْ يُقَيِّدْهَا بِالسَّجْدَةِ (وَالْقَطْعُ لِلْإِكْمَالِ) وَهُوَ إكْمَالٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَقْطَعُ، وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ؛ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ صَلَاةً فَهُوَ قُرْبَةً سُلِّمَتْ

وَلَوْ كَانَ فِي السُّنَّةِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَالْجُمُعَةِ فَأُقِيمَ أَوْ خَطَبَ يَقْطَعُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَدْ قِيلَ يُتِمُّهَا (وَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّى ثَلَاثًا مِنْ الظُّهْرِ يُتِمُّهَا) لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ فَلَا يُحْتَمَلُ النَّقْضُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ بَعْدُ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِالسَّجْدَةِ حَيْثُ يَقْطَعُهَا لِأَنَّهُ مَحَلُّ الرَّفْضِ وَيَتَخَيَّرُ، إنْ شَاءَ عَادَ وَقَعَدَ وَسَلَّمَ، وَإِنْ شَاءَ كَبَّرَ قَائِمًا يَنْوِي الدُّخُولَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ (وَإِذَا أَتَمَّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى مُسْتَحِقِّهَا فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِي التَّطَوُّعِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الظُّهْرُ لَمْ يَقْطَعْ التَّطَوُّعَ فَالْفَرْضُ أَوْلَى. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْقَطْعَ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ لِلْإِكْمَالِ دُونَ مَا ذَكَرْتُمْ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَالْقَطْعُ لِلْإِكْمَالِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي النَّفْلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِكْمَالِ. (وَلَوْ كَانَ فِي السُّنَّةِ قَبْلَ الظُّهْرِ أَوْ السُّنَّةِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ فَأُقِيمَ لِلظُّهْرِ أَوْ خَطَبَ) الْإِمَامُ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُسْتَقِيمٌ (يَقْطَعُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ) إحْرَازًا لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ (يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) وَرَوَى فِي الْجُمُعَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي النَّوَادِرِ (وَقِيلَ يُتِمُّهَا) ؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعَ قَبْلَ الظُّهْرِ بِمَنْزِلَةِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّى ثَلَاثًا مِنْ الظُّهْرِ يُتِمُّهَا؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ) فَيَثْبُتُ بِهِ شُبْهَةُ الْفَرَاغِ، وَلَوْ ثَبَتَ حَقِيقَتُهُ لَمْ يَحْتَمِلْ النَّقْضَ، فَكَذَا إذَا ثَبَتَ شُبْهَتُهُ (بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُقَيِّدْ الثَّالِثَةَ بِالسَّجْدَةِ) ؛ لِأَنَّهُ بِمَحَلِّ الرَّفْضِ كَمَا مَرَّ فَيَقْطَعُهَا، وَإِذَا أَرَادَ الْقَطْعَ (فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ عَادَ وَقَعَدَ وَسَلَّمَ) لِيَكُونَ خَتَمَ صَلَاتَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَلْ يَتَشَهَّدُ ثَانِيًا أَوْ لَا، فَقِيلَ يَتَشَهَّدُ؛ لِأَنَّ الْقَعْدَةَ الْأُولَى لَمْ تَكُنْ قَعْدَةَ خَتْمٍ وَقَدْ صَارَتْ فَيَتَشَهَّدُ، وَقِيلَ يَكْفِيهِ التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ بِالْعَوْدِ إلَى الْقَعْدَةِ ارْتَفَضَ الْقِيَامُ وَجُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ أَصْلًا فَكَانَتْ هَذِهِ الْقَعْدَةُ قَعْدَةَ خَتْمٍ وَقَدْ تَشَهَّدَ فِيهَا وَيُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ؛ لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ فِي التَّحَلُّلِ، وَقِيلَ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَةَ الثَّانِيَةَ بِالتَّحَلُّلِ، وَهَذَا قَطْعٌ مِنْ وَجْهٍ (وَإِنْ شَاءَ كَبَّرَ قَائِمًا يَنْوِي الدُّخُولَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ) ؛ لِأَنَّهُ مُسَارَعَةٌ إلَى إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: لَوْ لَمْ يَعُدْ إلَى الْقَعْدَةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي النَّوَادِرِ، وَاخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ؛ لِأَنَّ الْقَعْدَةَ الْمُؤَدَّاةَ لَمْ تَقَعْ فَرْضًا وَرَكْعَتَاهُ لَمَّا انْقَلَبَتَا نَفْلًا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بُدٌّ مِنْ الْقَعْدَةِ الْمَفْرُوضَةِ. وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُكَبِّرُ قَائِمًا؛ لِأَنَّهُ يَخْتِمُ صَلَاتَهُ، فَإِذَا كَبَّرَ قَائِمًا يَنْوِي الشُّرُوعَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ تَنْقَطِعُ الْأُولَى فِي ضِمْنِ شُرُوعِهِ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ، ثُمَّ هُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَرْفَعْ. وَقَوْلُهُ: (وَإِذَا أَتَمَّهَا) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ يُتِمُّهَا.

يَدْخُلُ مَعَ الْقَوْمِ وَاَلَّذِي يُصَلِّي مَعَهُمْ نَافِلَةً) لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَكَرَّرُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ (فَإِنْ صَلَّى مِنْ الْفَجْرِ رَكْعَةً ثُمَّ أُقِيمَتْ يَقْطَعُ وَيَدْخُلُ مَعَهُمْ) لِأَنَّهُ لَوْ أَضَافَ إلَيْهَا أُخْرَى تَفُوتُهُ الْجَمَاعَةُ، وَكَذَا إذَا قَامَ إلَى الثَّانِيَةِ قَبْلَ أَنْ يُقَيِّدَهَا بِالسَّجْدَةِ، وَبَعْدَ الْإِتْمَامِ لَا يَشْرَعُ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ لِكَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ بَعْدَ الْفَجْرِ، وَكَذَا بَعْدَ الْعَصْرِ لِمَا قُلْنَا، وَكَذَا بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بِالثَّلَاثِ مَكْرُوهٌ، وَفِي جَعْلِهَا أَرْبَعًا مُخَالَفَةٌ لِإِمَامِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: (وَيَدْخُلُ مَعَ الْقَوْمِ) الدُّخُولُ لَيْسَ بِحَتْمٍ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُصَلِّي مَعَهُمْ نَافِلَةً وَلَا إلْزَامَ فِيهَا، وَالْأَفْضَلُ الدُّخُولُ؛ لِأَنَّهُ فِي وَقْتٍ مَشْرُوعٍ وَيَنْدَفِعُ عَنْهُ تُهْمَةُ أَنَّهُ مِمَّنْ لَا يَرَى الْجَمَاعَةَ. فَإِنْ قِيلَ: يَلْزَمُ أَدَاءُ النَّفْلِ مَعَ الْجَمَاعَةِ خَارِجَ رَمَضَانَ وَهُوَ مَكْرُوهٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ إذَا كَانَ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ مُتَنَفِّلِينَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْإِمَامُ مُفْتَرِضًا فَلَا كَرَاهَةَ رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَغَ مِنْ الظُّهْرِ فَرَأَى رَجُلَيْنِ فِي أُخْرَيَاتِ الصُّفُوفِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ، فَقَالَ: عَلَيَّ بِهِمَا فَأُتِيَ بِهِمَا وَفَرَائِصُهُمَا تَرْتَعِدُ، فَقَالَ: عَلَى رِسْلِكُمَا فَإِنِّي ابْنُ امْرَأَةٍ كَانَتْ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ، ثُمَّ قَالَ: مَا لَكُمَا لَمْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؟ فَقَالَا: كُنَّا صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: إذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا صَلَاةَ قَوْمٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ وَاجْعَلَا صَلَاتَكُمَا مَعَهُمْ سُبْحَةً» أَيْ نَافِلَةً. قَالَ (فَإِنْ صَلَّى مِنْ الْفَجْرِ رَكْعَةً) كَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ: (فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) احْتِرَازٌ عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُصَلِّي أَرْبَعًا: ثَلَاثًا مَعَ الْإِمَامِ وَرَكْعَةً بَعْدَ مَا يَفْرُغُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّ مُخَالَفَةَ

(وَمَنْ دَخَلَ مَسْجِدًا قَدْ أُذِنَّ فِيهِ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ حَتَّى يُصَلِّيَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ النِّدَاءِ إلَّا مُنَافِقٌ أَوْ رَجُلٌ يَخْرُجُ لِحَاجَةٍ يُرِيدُ الرُّجُوعَ» قَالَ (إلَّا إذَا كَانَ مِمَّنْ يَنْتَظِمُ بِهِ أَمْرُ جَمَاعَةٍ) لِأَنَّهُ تَرْكُ صُورَةِ تَكْمِيلِ مَعْنًى (وَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّى وَكَانَتْ الظُّهْرُ أَوْ الْعِشَاءُ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجَ) لِأَنَّهُ أَجَابَ دَاعِيَ اللَّهِ مَرَّةً (إلَّا إذَا أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ) لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِمُخَالَفَةِ الْجَمَاعَةِ عِيَانًا (وَإِنْ كَانَتْ الْعَصْرَ أَوْ الْمَغْرِبَ أَوْ الْفَجْرَ خَرَجَ وَإِنْ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِيهَا) لِكَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ بَعْدَهَا. (وَمَنْ انْتَهَى إلَى الْإِمَامِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَهُوَ لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِمَامِ بَعْدَ فَرَاغِهِ لَا تَمْنَعُ الِاقْتِدَاءَ، كَالْمُقِيمِ إذَا اقْتَدَى بِالْمُسَافِرِ وَكَالْمَسْبُوقِ فَإِنَّهُمَا يَقُومَانِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ. وَالْجَوَابُ عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّهُمَا يَفْعَلَانِ ذَلِكَ لِأَدَاءِ مَا عَلَيْهِمَا، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ يَفْعَلُهُ لِمَا لَهُ، وَالْأَوَّلُ أَقْوَى، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الْمُخَالَفَةِ لِأَمْرٍ قَوِيٍّ جَوَازُهَا لِأَمْرٍ ضَعِيفٍ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ دَخَلَ مَسْجِدًا قَدْ أُذِّنَ فِيهِ) فِيهِ تَفْصِيلٌ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ دَخَلَ مَسْجِدًا قَدْ أُذِّنَ فِيهِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ صَلَّى أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يُصَلِّ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَسْجِدَ حَيِّهِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ كُرِهَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ قَبْلَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ دَعَاهُ لِيُصَلِّيَ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ صَلَّى فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِالدُّخُولِ فِيهِ مِنْ أَهْلِهِ وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ فِيهِ وَهُوَ يَخْرُجُ لَأَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ (وَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّى وَكَانَتْ الظُّهْرَ أَوْ الْعِشَاءَ فَلَا بَأْسَ بِالْخُرُوجِ) إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ.

إنْ خَشَى أَنْ تَفُوتَهُ رَكْعَةٌ وَيُدْرِكَ الْأُخْرَى يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ يَدْخُلُ) لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْفَضِيلَتَيْنِ (وَإِنْ خَشَى فَوْتَهُمَا دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ) لِأَنَّ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ أَعْظَمُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: (يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ) أَمَّا إنَّهُ يُصَلِّي وَإِنْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ قَامَتْ؛ لِأَنَّ سُنَّةَ الْفَجْرِ مِنْ أَقْوَى السُّنَنِ وَأَفْضَلِهَا، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلُّوهُمَا وَإِنْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» وَإِدْرَاكُ رَكْعَةٍ مِنْ الْفَجْرِ كَإِدْرَاكِ الْكُلِّ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» فَكَانَ جَمْعًا بَيْنَ الْفَضِيلَتَيْنِ. وَأَمَّا أَنَّهُ يُصَلِّي عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ فَلِأَنَّهُ لَوْ صَلَّاهُمَا فِي الْمَسْجِدِ كَانَ مُتَنَفِّلًا فِيهِ عِنْدَ اشْتِغَالِ الْإِمَامِ بِالْفَرِيضَةِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ مَوْضِعٌ لِلصَّلَاةِ يُصَلِّيهِمَا فِي الْمَسْجِدِ خَلْفَ سَارِيَةٍ مِنْ سِوَارِي الْمَسْجِدِ، وَأَشَدُّهَا كَرَاهَةً أَنْ يُصَلِّيَهُمَا مُخَالِطًا لِلصَّفِّ وَمُخَالِفًا لِلْإِمَامِ وَالْجَمَاعَةِ، وَاَلَّذِي يَلِي ذَلِكَ خَلْفَ الصَّفِّ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّفِّ. وَالْوَقْتُ الْمُسْتَحَبُّ لَهَا قِيلَ كَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ لِوُجُودِ السَّبَبِ، وَقِيلَ بِقُرْبٍ مِنْ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لَهُ. وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ خُشِيَ فَوْتُهُمَا) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ إنْ كَانَ يَرْجُو إدْرَاكَ الْقَعْدَةِ لَا يَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ. وَحُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّ إدْرَاكَ التَّشَهُّدِ عِنْدَهُمَا كَإِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ أَصْلُهُ مَسْأَلَةُ الْجُمُعَةِ، وَالْفَقِيهُ إسْمَاعِيلُ الزَّاهِدُ كَانَ يَقُولُ: يَشْرَعُ فِي السُّنَّةِ فَيَقْطَعُهَا وَيَدْخُلُ مَعَ الْقَوْمِ حَتَّى تَلْزَمَهُ بِالشُّرُوعِ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ الْقَضَاءِ بَعْدَ الْفَجْرِ، وَزَيَّفَهُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ بِأَنَّ مَا وَجَبَ بِهِ الشُّرُوعُ لَيْسَ بِأَقْوَى مِمَّا وَجَبَ بِالنَّذْرِ، وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ أَنَّ الْمَنْذُورَ لَا يُؤَدَّى بَعْدَ الْفَجْرِ قَبْلَ الطُّلُوعِ، وَبِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ بِالِافْتِتَاحِ عَلَى قَصْدِ أَنْ يَقْطَعَهَا وَهَذَا غَيْرُ مُسْتَحْسَنٍ شَرْعًا. وَأَقُولُ: إنْ أَرَادَ الْفَقِيهُ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَالتَّزْيِيفُ مُوَجَّهٌ، وَإِنْ أَرَادَ بَعْدَهُ فَلَا، وَالْقَصْدُ لِلْقَطْعِ نَقْضٌ لِلْإِكْمَالِ فَلَا بَأْسَ بِهِ. قَوْلُهُ: (؛ لِأَنَّ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ أَعْظَمُ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ

وَالْوَعِيدَ بِالتَّرْكِ أَلْزَمُ، بِخِلَافِ سُنَّةِ الظُّهْرِ حَيْثُ يَتْرُكُهَا فِي الْحَالَتَيْنِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَدَاؤُهَا فِي الْوَقْتِ بَعْدَ الْفَرْضِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي تَقْدِيمِهَا عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ وَتَأْخِيرِهَا عَنْهُمَا، وَلَا كَذَلِكَ سُنَّةُ الْفَجْرِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» قَوْلُهُ: (وَالْوَعِيدُ بِالتَّرْكِ أَلْزَمُ) يُرِيدُ بِهِ مَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَسْتَخْلِفَ مَنْ يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَأَنْظُرَ إلَى مَنْ لَمْ يَحْضُرْ الْجَمَاعَةَ فَآمُرُ بَعْضَ فِتْيَانٍ بِأَنْ يُحَرِّقُوا بُيُوتَهُمْ» وَقَوْلُهُ: (فِي الْحَالَتَيْنِ) يُرِيدُ بِهِمَا حَالَةَ خَوْفِ فَوْتِ كُلِّ الْفَرْضِ وَحَالَةَ خَوْفِ فَوْتِ الْبَعْضِ. وَقَوْلُهُ: (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ إنَّهُ لَا يَقْضِيهَا، وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَاتَتْهُ الْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ فَقَضَاهَا بَعْدَهُ رَوَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. وَقَوْلُهُ: (وَلَا كَذَلِكَ سُنَّةُ الْفَجْرِ) يَعْنِي لَا يُمْكِنُ أَدَاؤُهَا بَعْدَ الْفَرْضِ فَحَصَلَ الْفَرْقُ.

وَالتَّقْيِيدُ بِالْأَدَاءِ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ فِي الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ. وَالْأَفْضَلُ فِي عَامَّةِ السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ الْمَنْزِلُ هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. قَالَ (وَإِذَا فَاتَتْهُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ لَا يَقْضِيهِمَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: (هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) «نَوِّرُوا بُيُوتَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَلَا تَجْعَلُوهَا قُبُورًا» وَمَا رُوِيَ أَنَّ جَمِيعَ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوِتْرَهُ كَانَ فِي بَيْتِهِ. قَالَ (وَمَنْ فَاتَتْهُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ لَا يَقْضِيهِمَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ

لِأَنَّهُ يَبْقَى نَفْلًا مُطْلَقًا وَهُوَ مَكْرُوهٌ بَعْدَ الصُّبْحِ (وَلَا بَعْدَ ارْتِفَاعِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْضِيَهُمَا إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَاهُمَا بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي السُّنَّةِ أَنْ لَا تُقْضَى لِاخْتِصَاصِ الْقَضَاءِ بِالْوَاجِبِ، وَالْحَدِيثُ وَرَدَ فِي قَضَائِهَا تَبَعًا لِلْفَرْضِ فَبَقِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى نَفْلًا مُطْلَقًا) إذْ السُّنَّةُ مَا أَدَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ أَدَّاهُمَا فِي غَيْرِ الْوَقْتِ عَلَى الِانْفِرَادِ، وَإِنَّمَا قَضَاهُمَا تَبَعًا لِلْفَرْضِ غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ (وَهُوَ) أَيْ النَّفَلُ الْمُطْلَقُ (مَكْرُوهٌ بَعْدَ الصُّبْحِ) وَقَوْلُهُ: (وَكَذَا بَعْدَ ارْتِفَاعِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْضِيَهُمَا) قِيلَ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُمَا يَقُولَانِ لَيْسَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَإِنْ فَعَلَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْضِيَ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّقَ الْخِلَافَ وَقَالَ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ لَوْ قَضَى كَانَ نَفْلًا مُبْتَدَأً أَوْ سُنَّةً. وَقَوْلُهُ: (لِاخْتِصَاصِ الْقَضَاءِ بِالْوَاجِبِ) ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ تَسْلِيمُ مِثْلِ مَا وَجَبَ بِالْأَمْرِ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ.

مَا رَوَاهُ عَلَى الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا تُقْضَى تَبَعًا لَهُ، وَهُوَ يُصَلِّي بِالْجَمَاعَةِ أَوْ وَحْدَهُ إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ، وَفِيمَا بَعْدَهُ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وَأَمَّا سَائِرُ السُّنَنِ سِوَاهَا فَلَا تُقْضَى بَعْدَ الْوَقْتِ وَحْدَهُ، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي قَضَائِهَا تَبَعًا لِلْفَرْضِ (وَمَنْ أَدْرَكَ مِنْ الظُّهْرِ رَكْعَةً وَلَمْ يُدْرِكْ الثَّلَاثَ فَإِنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ بِجَمَاعَةٍ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: قَدْ أَدْرَكَ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ) لِأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ آخِرَ الشَّيْءِ فَقَدْ أَدْرَكَهُ فَصَارَ مُحْرِزًا ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ لَكِنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا بِالْجَمَاعَةِ حَقِيقَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: (وَفِيمَا بَعْدَهُ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ) أَيْ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: يَقْضِيهِمَا تَبَعًا وَلَا يَقْضِيهِمَا مَقْصُودَةً. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَقْضِيهِمَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي الْوَقْتِ الْمُهْمَلِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ وَقْتُ فَرْضٍ آخَرَ قِيلَ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَقَوْلُهُ: (وَأَمَّا سَائِرُ السُّنَنِ سِوَاهَا) أَيْ سِوَى سُنَّةِ الْفَجْرِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ سِوَاهُمَا: أَيْ سِوَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ (فَلَا تُقْضَى بَعْدَ الْوَقْتِ وَحْدَهَا وَفِي قَضَائِهَا تَبَعًا لِلْفَرْضِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ) قَالَ بَعْضُهُمْ: يَقْضِيهَا؛ لِأَنَّهُ كَمْ مِنْ شَيْءٍ ثَبَتَ ضِمْنًا وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ قَصْدًا، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا يُسَمَّى تَبَعًا لَا ضِمْنًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَقْضِيهَا لِاخْتِصَاصِ الْقَضَاءِ بِالْوَاجِبِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَقَوْلُهُ: (وَمَنْ أَدْرَكَ مِنْ الظُّهْرِ رَكْعَةً) يَعْنِي مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ الرُّبَاعِيَّةِ وَلَمْ يُدْرِكْ الثَّلَاثَ (لَمْ يُصَلِّ تِلْكَ الصَّلَاةَ بِجَمَاعَةٍ) بِاتِّفَاقٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا (وَأَدْرَكَ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ)

وَلِهَذَا يَحْنَثُ بِهِ فِي يَمِينِهِ لَا يُدْرِكُ الْجَمَاعَةَ، وَلَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْجَمَاعَةِ (وَمَنْ أَتَى مَسْجِدًا قَدْ صَلَّى فِيهِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَطَوَّعَ قَبْلَ الْمَكْتُوبَةِ مَا بَدَا لَهُ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ) وَمُرَادُهُ إذَا كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ وَإِنْ كَانَ فِيهِ ضِيقٌ تَرَكَهُ. قِيلَ هَذَا فِي غَيْرِ سُنَّةِ الظُّهْرِ وَالْفَجْرِ لِأَنَّ لَهُمَا زِيَادَةُ مَزِيَّةٍ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ «صَلُّوهُمَا وَلَوْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ» وَقَالَ فِي الْأُخْرَى «مَنْ تَرَكَ الْأَرْبَعَ قَبْلَ الظُّهْرِ لَمْ تَنَلْهُ شَفَاعَتِي» ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ صَارَ مُحْرِزًا لِثَوَابِ صَلَاةٍ صُلِّيَتْ بِالْجَمَاعَةِ بِالِاتِّفَاقِ أَيْضًا بَيْنَهُمْ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ تَخْصِيصُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِإِدْرَاكِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ غَيْرَ مُفِيدٍ. وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ إنَّمَا خَصَّهُ لِدَفْعِ مَا عَسَى أَنْ يُتَوَهَّمَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْجُمُعَةِ إنَّ مُدْرِكَ الْإِمَامِ فِي التَّشَهُّدِ لَيْسَ بِمُدْرِكٍ لِلْجُمُعَةِ فَيُتِمُّهَا أَرْبَعًا أَلَّا يُدْرِكَ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهُ مُدْرِكٌ لِلْأَقَلِّ فَكَمَا أَنَّ إدْرَاكَ الْأَقَلِّ حَرَمَهُ إدْرَاكَ الْجُمُعَةِ يَحْرِمُهُ إدْرَاكَ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ فَدَفَعَ هَذَا الْوَهْمَ بِتَخْصِيصِهِ بِالذِّكْرِ. (وَقَوْلُهُ: وَلِهَذَا) تَفْرِيعٌ عَلَى ذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ. قَالَ فِي الْجَامِعِ: إذَا قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ صَلَّى الظُّهْرَ بِالْجَمَاعَةِ فَسَبَقَ بِبَعْضِهَا لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الْكُلَّ بِهِمْ لِانْفِرَادِهِ بِالْبَعْضِ. وَلَوْ قَالَ: إنْ أَدْرَكَ الصَّغِيرُ الظُّهْرَ حَنِثَ وَإِنْ أَدْرَكَهُمْ فِي التَّشَهُّدِ؛ لِأَنَّ الْمُدْرِكَ لِآخِرِ الشَّيْءِ مُدْرِكٌ لِذَلِكَ الشَّيْءِ فَلَمَّا كَانَ مُدْرِكًا لِلْجَمَاعَةِ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ كَانَ مُدْرِكًا لِثَوَابِهَا. قَالَ (وَمَنْ أَتَى مَسْجِدًا قَدْ صُلِّيَ فِيهِ) إذَا فَاتَتْ الْجَمَاعَةُ رَجُلًا وَدَخَلَ مَسْجِدًا قَدْ صُلِّيَ فِيهِ أَوْ أَرَادَ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهِ (فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَطَوَّعَ قَبْلَ الْمَكْتُوبَةِ مَا بَدَا لَهُ) مِنْ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ وَغَيْرِهَا (مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ) أَيْ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ يَبْدَأُ بِالْمَكْتُوبَةِ لِئَلَّا يَفُوتَهُ الْفَرْضُ عَنْ وَقْتِهِ (قِيلَ هَذَا) أَيْ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَطَوَّعَ، إنَّمَا هُوَ (فِي غَيْرِ سُنَّةِ الظُّهْرِ وَالْفَجْرِ) ؛ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ قَبْلَ الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَالنَّاسُ فِي خِيَرَةٍ بَيْنَ إتْيَانِهِ وَتَرْكِهِ فَإِذًا لَا بَأْسَ بِالتَّطَوُّعِ قَبْلَهُمَا. وَأَمَّا التَّطَوُّعُ قَبْلَ الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ فَآكَدُ مِنْ ذَلِكَ (؛ لِأَنَّ لَهُمَا زِيَادَةَ مَزِيَّةٍ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلُّوهُمَا وَلَوْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ» وَالْأَمْرُ لِلنَّدْبِ بِدَلِيلِ التَّأْكِيدِ بِقَوْلِهِ «وَإِنْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ» (وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَرَكَ الْأَرْبَعَ قَبْلَ الظُّهْرِ لَمْ تَنَلْهُ شَفَاعَتِي» وَهُوَ وَعِيدٌ عَظِيمٌ، وَدَلَالَتُهُ عَلَى وَكَادَةِ

وَقِيلَ هَذَا فِي الْجَمِيعِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاظَبَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَدَاءِ الْمَكْتُوبَاتِ بِجَمَاعَةٍ، وَلَا سُنَّةَ دُونَ الْمُوَاظَبَةِ، وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَتْرُكَهَا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا لِكَوْنِهَا مُكَمِّلَاتٍ لِلْفَرَائِضِ إلَّا إذَا خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَرْبَعِ أَقْوَى مِنْ الْأَوَّلِ، وَهَذَا قَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَصَاحِبِ الْمُحِيطِ وَقَاضِي خَانْ وَالتُّمُرْتَاشِيِّ وَالْحَلْوَانِيِّ (وَقِيلَ هَذَا) أَيْ قَوْلُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَطَوَّعَ (فِي الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا وَاظَبَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَدَاءِ الْمَكْتُوبَاتِ بِجَمَاعَةٍ، وَلَا سُنَّةَ دُونَ الْمُوَاظَبَةِ) فَإِنْ صَلَّى لَا تَكُونُ سُنَّةً وَإِنَّمَا تَكُونُ تَطَوُّعًا، وَهُوَ قَوْلُ صَدْرِ الْإِسْلَامِ، وَمِثْلُهُ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَالْكَرْخِيِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْأَوْلَى أَلَّا يَتْرُكَهَا) أَيْ السُّنَنَ الرَّوَاتِبَ (فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا) يَعْنِي سَوَاءٌ صَلَّى بِالْجَمَاعَةِ أَوْ مُنْفَرِدًا أَوْ مُقِيمًا أَوْ مُسَافِرًا، هَكَذَا فَعَلَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَكِبَارُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ؛ وَلِأَنَّ الْمُنْفَرِدَ أَحْوَجُ إلَيْهَا لِافْتِقَارِهِ إلَى تَكْمِيلِ الثَّوَابِ، وَيُؤَدَّى الْكَامِلُ إلَّا إذَا خَافَ

(وَمَنْ انْتَهَى إلَى الْإِمَامِ فِي رُكُوعِهِ فَكَبَّرَ وَوَقَفَ حَتَّى رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ لَا يَصِيرُ مُدْرِكًا لِتِلْكَ الرَّكْعَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ) هُوَ يَقُولُ: أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِيمَا لَهُ حُكْمُ الْقِيَامِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَدْرَكَهُ فِي حَقِيقَةِ الْقِيَامِ. وَلَنَا أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْمُشَارَكَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَوْتَ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ بِسَبِيلٍ مِنْ تَرْكِهَا. قَوْلُهُ: (وَمَنْ انْتَهَى إلَى الْإِمَامِ) إنْ أَدْرَكَهُ (فِي رُكُوعِهِ فَكَبَّرَ) يَعْنِي تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ، وَقَيَّدَ بِالرُّكُوعِ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْتَهَى إلَيْهِ وَهُوَ قَائِمٌ يُكَبِّرُ وَلَمْ يَرْكَعْ مَعَهُ (حَتَّى رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ) مِنْ الرُّكُوعِ ثُمَّ رَكَعَ أَنَّهُ مُدْرِكٌ لِتِلْكَ الرَّكْعَةِ بِالْإِجْمَاعِ. أَمَّا إذَا انْتَهَى إلَى الْقَوْمَةِ بَعْدَ الرُّكُوعِ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِتِلْكَ الرَّكْعَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا إذَا انْتَهَى إلَيْهِ وَهُوَ رَاكِعٌ فَكَبَّرَ وَلَمْ يَرْكَعْ مَعَهُ سَوَاءٌ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الرُّكُوعِ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَهُوَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ (لَا يَصِيرُ مُدْرِكًا لَهَا) عِنْدَ الْعُلَمَاءِ (خِلَافًا لِزُفَرَ) وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، قَالُوا: أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِيمَا لَهُ حُكْمُ الْقِيَامِ؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ يُشْبِهُ الْقِيَامَ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْقَائِمَ يُفَارِقُ الْقَاعِدَ فِي انْتِصَابِ الشِّقِّ الْأَسْفَلِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الرُّكُوعِ وَحُكْمًا؛ لِأَنَّهُ يَأْتِي فِيهِ بِتَكْبِيرَاتِ الَّتِي يُؤْتَى بِهَا فِي حَقِيقَةِ الْقِيَامِ، وَهَذَا الدَّلِيلُ إنَّمَا

فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يُوجَدْ لَا فِي الْقِيَامِ وَلَا فِي الرُّكُوعِ (وَلَوْ رَكَعَ الْمُقْتَدِي قَبْلَ إمَامِهِ فَأَدْرَكَهُ الْإِمَامُ فِيهِ جَازَ) وَقَالَ زَفَرُ: لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ قَبْلَ الْإِمَامِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ هَكَذَا مَا يَبْنِيهِ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَتِمُّ إذَا ثَبَتَ أَنَّ إدْرَاكَهُ فِيمَا لَهُ حُكْمُ الْقِيَامِ كَإِدْرَاكِهِ فِي حَقِيقَةِ الْقِيَامِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ. وَلَنَا مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ شَرِكَةٌ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْقِيَامِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا فِي الرُّكُوعِ، وَكَوْنُ الرُّكُوعِ يُشْبِهُ الْقِيَامَ حُكْمًا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ هُنَا لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «إذَا أَدْرَكْت الْإِمَامَ رَاكِعًا فَرَكَعْت قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ فَقَدْ أَدْرَكْت تِلْكَ الرَّكْعَةَ، وَإِنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ تَرْكَعَ فَاتَتْك تِلْكَ الرَّكْعَةُ» (وَلَوْ رَكَعَ الْمُقْتَدِي قَبْلَ إمَامِهِ فَأَدْرَكَهُ الْإِمَامُ فِيهِ جَازَ) فِعْلُهُ ذَلِكَ وَلَا تَفْسُدُ بِهِ صَلَاتُهُ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْ الرُّكُوعَ (وَقَالَ زُفَرُ: لَا تَجُوزُ) أَيْ الصَّلَاةُ إنْ لَمْ يُعِدْ الرُّكُوعَ (؛ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ قَبْلَ الْإِمَامِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ) لِكَوْنِهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ» (فَكَذَا مَا يَبْنِيهِ عَلَيْهِ)

وَلَنَا أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْمُشَارَكَةُ فِي جُزْءٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي الطَّرَفِ الْأَوَّلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ هَذَا الرُّكُوعِ قَبْلَ رُكُوعِ الْإِمَامِ. (وَلَنَا أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْمُشَارَكَةُ فِي جُزْءٍ وَاحِدٍ) وَقَدْ وُجِدَ فَيُجْعَلُ مُبْتَدِئًا لَا بَانِيًا عَلَيْهِ فَصَارَ (كَمَا فِي الطَّرَفِ الْأَوَّلِ) وَهُوَ أَنْ يَرْكَعَ مَعَهُ وَيَرْفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ لِلرُّكُوعِ طَرَفَيْنِ وَالشَّرِكَةُ فِي أَحَدِهِمَا كَافِيَةٌ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ هَذَا الرُّكُوعِ قَبْلَ رُكُوعِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ الْمُشَارَكَةُ فِي شَيْءٍ مِنْ الطَّرَفَيْنِ

[باب قضاء الفوائت]

(بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ) (وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ قَضَاهَا إذَا ذَكَرَهَا وَقَدَّمَهَا عَلَى فَرْضِ الْوَقْتِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الْفَوَائِتِ وَفَرْضِ الْوَقْتِ عِنْدَنَا مُسْتَحَقٌّ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مُسْتَحَبٌّ، لِأَنَّ كُلَّ فَرْضٍ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ شَرْطًا لِغَيْرِهِ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْأَدَاءِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَهُوَ الْأَصْلُ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْقَضَاءِ وَهُوَ الْخَلَفُ عَنْهُ (وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ) أَوْ فَوَّتَهَا عَمْدًا (وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا إذَا ذَكَرَهَا وَقَدَّمَهَا عَلَى فَرْضِ الْوَقْتِ. وَالْأَصْلُ أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الْفَوَائِتِ وَفَرْضِ الْوَقْتِ مُسْتَحَقٌّ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ مُسْتَحَبٌّ) فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ الْفَائِتَةِ عَلَى الْوَقْتِيَّةِ (؛ لِأَنَّ كُلَّ فَرْضٍ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ شَرْطًا لِغَيْرِهِ) ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ تَبَعٌ فَكَانَ بَيْنَ أَصَالَتِهِ وَتَبَعِيَّتِهِ مُنَافَاةٌ. وَنُوقِضَ بِالْإِيمَانِ فَإِنَّهُ أَصْلُ الْفُرُوضِ وَهُوَ شَرْطٌ لِسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَالصَّوْمِ فَإِنَّهُ فَرْضٌ مُسْتَقِلٌّ، وَهُوَ شَرْطٌ لِلِاعْتِكَافِ الْوَاجِبُ بِالِاتِّفَاقِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الشَّيْءَ إذَا كَانَ مَقْصُودًا بِنَفْسِهِ لَا يَكُونُ شَرْطًا لِغَيْرِهِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمُنَافَاةِ، إلَّا إذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى كَوْنِهِ شَرْطًا لِغَيْرِهِ فَيُجْعَلُ شَرْطًا لَهُ مَعَ بَقَائِهِ مَقْصُودًا، وَمَا ذَكَرْتُمْ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [الأنبياء: 94] فَإِنَّ الْأَحْوَالَ شُرُوطٌ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِالصَّوْمِ» فَكَانَا شَرْطَيْنِ بِهَذَيْنِ النَّصَّيْنِ، وَتُدْفَعُ الْمُنَافَاةُ بِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ فَقُلْنَا وَمِنْ ذَلِكَ مَحَلُّ النِّزَاعِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلَمْ يَذْكُرْهَا إلَّا وَهُوَ مَعَ الْإِمَامِ فَلْيُصَلِّ الَّتِي هُوَ فِيهَا ثُمَّ لِيُصَلِّ الَّتِي ذَكَرَهَا ثُمَّ لِيُعِدْ الَّتِي صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ» وَدَلَالَتُهُ عَلَى وُجُوبِ التَّرْتِيبِ ظَاهِرَةٌ حَيْثُ أُمِرَ بِإِعَادَةِ مَا هُوَ فِيهَا عِنْدَ التَّذَكُّرِ. وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى النَّائِمِ وَالنَّاسِي لَا غَيْرُ، وَالْوُجُوبُ ثَابِتٌ عَلَى مَنْ فَوَّتَ الصَّلَاةَ عَمْدًا أَيْضًا بِالْإِجْمَاعِ، وَمَتْرُوكُ الظَّاهِرِ لَا يَكُونُ حُجَّةً لَا سِيَّمَا فِي إفَادَةِ الْفَرْضِيَّةِ. لَا يُقَالُ: يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ بِدَلَالَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ عَلَى الْمَعْذُورِ فَعَلَى غَيْرِهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ أَنْ لَوْ كَانَ قَضَاءُ الْفَائِتَةِ عُقُوبَةً وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ رَحْمَةٌ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْمَعْذُورِ ذَلِكَ اسْتِحْقَاقُ غَيْرِهِ وَهُوَ الْعَاصِي. الثَّانِي أَنَّهُ خَبَرُ وَاحِدٍ لَا يُعَارِضُ الْمَشْهُورَ، فَإِنَّ الْجَوَازَ ثَبَتَ بِهِ كَمَا زَالَتْ الشَّمْسُ مَثَلًا، فَلَوْ كَانَ التَّرْتِيبُ فَرْضًا بِمَا رَوَيْتُمْ بَطَلَ مَا ثَبَتَ بِالْمَشْهُورِ. الثَّالِثُ أَنَّكُمْ عَمِلْتُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَمْ تَعْمَلُوا بِخَبَرِ الْفَاتِحَةِ وَهُمَا خَبَرُ وَاحِدٍ فَكَانَ تَنَاقُضًا. الرَّابِعُ أَنَّ التَّرْتِيبَ يَسْقُطُ بِالنِّسْيَانِ وَضِيقِ الْوَقْتِ وَكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ، وَشَرَائِطُ الصَّلَاةِ لَا تَسْقُطُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَالطَّهَارَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ.

«مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلَمْ يَذْكُرْهَا إلَّا وَهُوَ مَعَ الْإِمَامِ فَلْيُصَلِّ الَّتِي هُوَ فِيهَا ثُمَّ لِيُصَلِّ الَّتِي ذَكَرَهَا ثُمَّ لِيُعِدْ الَّتِي صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ قَضَاءَ الصَّلَاةِ رَحْمَةٌ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَوْصُوفٌ بِالرَّأْفَةِ بِالْمُؤْمِنِينَ، وَمِنْ رَأْفَتِهِ أَنْ يُوجِبَ عَلَى الْمُفَرِّطِ مَا يَتَدَارَكُ بِهِ تَفْرِيطَهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّا مَا أَبْطَلْنَا بِهِ الْعَمَلَ بِالْمَشْهُورِ بَلْ أَخَّرْنَاهُ عَمَلًا بِالْحَدِيثِ الْآخَرِ احْتِيَاطًا، وَكَانَ ذَلِكَ أَهْوَنَ مِنْ إهْمَالِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ أَصْلًا، عَلَى أَنَّهُمْ قَالُوا إنَّهُ لَيْسَ خَبَرَ وَاحِدٍ بَلْ هُوَ مَشْهُورٌ تَلَقَّتْهُ الْأَئِمَّةُ بِالْقَبُولِ، فَإِنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ الثَّابِتِ بِهِ. وَعَنْ الثَّالِثِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَنَّ الْعَمَلَ بِخَبَرِ الْفَاتِحَةِ عَلَى وَجْهٍ يَلْزَمُ فَسَادُ الصَّلَاةِ بِتَرْكِهَا يُوجِبُ نَسْخَ قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ كَمَا تَقَدَّمَ، بِخِلَافِ صُورَةِ النِّزَاعِ فَإِنَّ فِيهَا الْعَمَلَ بِالْكِتَابِ وَالْخَبَرِ جَمِيعًا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْوَقْتَ وَقْتُ الظُّهْرِ، وَلَا يَتَعَرَّضُ لِتَقْدِيمِ الْفَائِتَةِ عَلَيْهِ لَا بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ، وَخَبَرُ التَّرْتِيبِ يَدُلُّ عَلَى التَّقْدِيمِ فَعَمِلْنَا بِهِمَا. وَعَنْ الرَّابِعِ بِأَنَّ وَقْتَ النِّسْيَانِ لَيْسَ بِوَقْتٍ لِلْفَائِتَةِ؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا وَقْتُ التَّذَكُّرِ وَهُوَ نَاسٍ، وَأَمَّا ضِيقُ الْوَقْتِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَنَاوِلَ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ جَعْلَ قَضَاءِ الْفَائِتَةِ شَرْطُ جَوَازِ أَدَاءِ الْوَقْتِيَّةِ إنَّمَا هُوَ

(وَلَوْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ يُقَدِّمُ الْوَقْتِيَّةَ ثُمَّ يَقْضِيهَا) لِأَنَّ التَّرْتِيبَ يَسْقُطُ بِضِيقِ الْوَقْتِ، وَكَذَا بِالنِّسْيَانِ وَكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَفْوِيتِ الْوَقْتِيَّةِ، وَلَوْ قَدَّمَ الْفَائِتَةَ جَازَ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ تَقْدِيمِهَا لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ وَقَدَّمَ الْوَقْتِيَّةَ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا قَبْلَ وَقْتِهَا الثَّابِتِ بِالْحَدِيثِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِتَدَارُكِ الْفَائِتَةِ وَلَيْسَ مِنْ الْحِكْمَةِ تَدَارُكُهَا بِتَفْوِيتِ مِثْلِهَا فَلَمْ يَكُنْ شَرْطًا عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ، وَأَمَّا كَثْرَةُ الْفَوَائِتِ فَإِنَّهَا فِي مَعْنَى ضِيقِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِهَا مَعَ كَثْرَتِهَا يُفْضِي إلَى تَفْوِيتِ الْوَقْتِيَّةِ الثَّابِتَةِ بِالْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَقَدْ ظَهَرَ مِمَّا ذَكَرْنَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ يُقَدِّمُ الْوَقْتِيَّةَ) وَقَوْلُهُ: (وَلَوْ قَدَّمَ الْفَائِتَةَ جَازَ) أَيْ جَازَ فِعْلُهُ (هَذَا) وَهُوَ تَقْدِيمُ الْفَائِتَةِ (؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ تَقْدِيمِهَا لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا) أَرَادَ النَّهْيَ الَّذِي يُسْتَفَادُ مِنْ الْأَمْرِ، وَأَوْضَحَ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْمَبْسُوطِ فَقَالَ: لَوْ بَدَأَ بِالْفَائِتَةِ أَجْزَأَ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ هُنَاكَ هُوَ مَأْمُورٌ بِالْبُدَاءَةِ بِالْفَائِتَةِ، وَلَوْ بَدَأَ بِفَرْضِ الْوَقْتِ لَمْ يُجْزِهِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْبُدَاءَةِ بِفَرْضِ الْوَقْتِ هُنَاكَ لِمَعْنًى فِي عَيْنِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالتَّطَوُّعِ لِانْعِدَامِ الْمُوجِبِ لِلنَّهْيِ فَمُنِعَ الْجَوَازُ لِهَذَا، وَهَاهُنَا النَّهْيُ عَنْ الْبُدَاءَةِ بِالْفَائِتَةِ لَيْسَ لِمَعْنًى فِي عَيْنِهَا بَلْ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ فَرْضِ الْوَقْتِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُنْهَى عَنْ الِاشْتِغَالِ بِالتَّطَوُّعِ أَيْضًا لِوُجُودِ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لِلنَّهْيِ، وَالنَّهْيُ مَتَى مَا لَمْ يَكُنْ

(وَلَوْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ رَتَّبَهَا فِي الْقَضَاءِ كَمَا وَجَبَتْ فِي الْأَصْلِ) «لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - شُغِلَ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَقَضَاهُنَّ مُرَتِّبًا، ثُمَّ قَالَ: صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَعْنًى فِي عَيْنِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَا يَمْنَعُ جَوَازَهُ. قَالَ (وَلَوْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ رَتَّبَهَا فِي الْقَضَاءِ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لِبَيَانِ أَنَّ التَّرْتِيبَ كَمَا أَنَّهُ فَرْضٌ بَيْنَ الْوَقْتِيَّةِ وَالْفَائِتَةِ فَكَذَا بَيْنَ الْفَوَائِتِ نَفْسِهَا، فَإِذَا فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ رَتَّبَهَا فِي الْقَضَاءِ كَمَا وَجَبَتْ فِي الْأَصْلِ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شُغِلَ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَيْ يَوْمَ حَفْرِهِ فَقَضَاهُنَّ مُرَتِّبًا ثُمَّ قَالَ: صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» أَمْرٌ بِالتَّشْبِيهِ مُطْلَقًا، وَالْكَامِلُ مِنْهُ مَا يَقَعُ عَلَى كَمِّهِ وَكَيْفِهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَدَاءَ

(إلَّا أَنْ تَزِيدَ الْفَوَائِتُ عَلَى سِتِّ صَلَوَاتٍ) لِأَنَّ الْفَوَائِتَ قَدْ كَثُرَتْ (فَيَسْقُطُ التَّرْتِيبُ فِيمَا بَيْنَ الْفَوَائِتِ) نَفْسِهَا كَمَا سَقَطَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَقْتِيَّةِ، وَحْدُ الْكَثْرَةِ أَنْ تَصِيرَ الْفَوَائِتُ سِتًّا لِخُرُوجِ وَقْتِ الصَّلَاةِ السَّادِسَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْمَذْكُورِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِوَصْفِ التَّرْتِيبِ شَرْطٌ وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ كَمَا صَلَّيْت لِسِرٍّ. وَقَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ تَزِيدَ الْفَوَائِتُ عَلَى سِتِّ صَلَوَاتٍ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ رَتَّبَهَا فِي الْقَضَاءِ، وَمَعْنَاهُ إلَّا أَنْ تَصِيرَ الْفَوَائِتُ سِتًّا. وَاخْتَلَفَ الشَّارِحُونَ فِي تَأْوِيلِ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ لَا يُفِيدُ هَذَا الْمَعْنَى لِاسْتِدْعَائِهِ أَنْ تَكُونَ الْفَوَائِتُ سَبْعًا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْفَوَائِتَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَالزَّائِدُ غَيْرُ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ، وَالْمَزِيدُ عَلَيْهِ سِتٌّ فَيَصِيرُ الْمَجْمُوعُ سَبْعًا. فَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: الْمُرَادُ مِنْ الصَّلَوَاتِ أَوْقَاتُهَا، فَإِنَّ فَوْتَ الصَّلَاةِ السَّابِعَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ بِالْإِجْمَاعِ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ تَزِيدَ الْفَوَائِتُ عَلَى سِتَّةِ أَوْقَاتٍ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِفَوْتِ السَّابِعَةِ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ. وَقِيلَ أَرَادَ أَوْقَاتَ الْفَوَائِتِ بِحَذْفِ الْمُضَافِ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ يَسْتَدْعِي زِيَادَةَ الْأَوْقَاتِ عَلَى سِتِّ صَلَوَاتٍ،

فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَهُوَ قَوْلُهُ " (وَإِنْ فَاتَتْهُ أَكْثَرُ مِنْ صَلَاةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَجْزَأَتْهُ الَّتِي بَدَأَ بِهَا) لِأَنَّهُ إذَا زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ تَصِيرُ سِتًّا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ اعْتَبَرَ دُخُولَ وَقْتِ السَّادِسَةِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ بِالدُّخُولِ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ وَذَلِكَ فِي الْأَوَّلِ، وَلَوْ اجْتَمَعَتْ الْفَوَائِتُ الْقَدِيمَةُ وَالْحَدِيثَةُ، قِيلَ تَجُوزُ الْوَقْتِيَّةُ مَعَ تَذَكُّرِ الْحَدِيثَةِ لِكَثْرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِفَوْتِ وَقْتِ السَّابِعَةِ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ. وَقِيلَ أَرَادَ بِالْفَوَائِتِ الْأَوْقَاتَ، وَمَعْنَاهُ إلَّا أَنْ تَزِيدَ الْأَوْقَاتُ عَلَى سِتِّ صَلَوَاتٍ. وَرَدَّ بِرَدٍّ يَشْمَلُهُ وَمَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ أَنَّ الزِّيَادَةَ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مِنْ جِنْسِ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ مَعْدُومٌ فِي هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ كُلِّهَا كَمَا تَرَى. وَالْحَقُّ أَنْ يُقَدَّرَ مُضَافَانِ وَتَقْدِيرُهُ: إلَّا أَنْ تَزِيدَ أَوْقَاتُ الْفَوَائِتِ عَلَى أَوْقَاتِ سِتِّ صَلَوَاتٍ بِحَسَبِ دُخُولِ الْأَوْقَاتِ دُونَ خُرُوجِهَا، وَإِنَّمَا سَقَطَ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْفَوَائِتِ بِكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ؛ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ لَمَّا أَفَادَتْ سُقُوطَهُ فِي اعْتِبَارِهَا فَلَأَنْ تُفِيدَهُ فِي نَفْسِهَا أَوْلَى، وَقِيلَ لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ. قَوْلُهُ: (وَحَدُّ الْكَثْرَةِ) ظَاهِرٌ مِمَّا ذَكَرْنَا إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ (؛ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ بِالدُّخُولِ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ) فِيهِ كَلَامٌ وَهُوَ أَنَّ الْكَثْرَةَ أَمْرٌ إضَافِيٌّ جَازَ إطْلَاقُهَا عَلَى مَا هُوَ أَزْيَدُ مِمَّا دُونَهُ، فَمَا وَجْهُ الدُّخُولِ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: أَصْلُ ذَلِكَ الْقَضَاءُ بِالْإِغْمَاءِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَقَضَى الصَّلَوَاتِ. وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ أُغْمِيَ عَلَيْهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَقَضَاهُنَّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَلَمْ يَقْضِهِنَّ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّكْرَارَ مُعْتَبَرٌ. وَقَوْلُهُ: (وَلَوْ اجْتَمَعَتْ الْفَوَائِتُ الْقَدِيمَةُ وَالْحَدِيثَةُ) صُورَتُهُ: رَجُلٌ تَرَكَ صَلَاةَ شَهْرٍ سَفَهًا وَمَجَانَةً ثُمَّ نَدِمَ عَلَى مَا صَنَعَ

الْفَوَائِتِ، وَقِيلَ لَا تَجُوزُ وَيُجْعَلُ الْمَاضِي كَأَنْ لَمْ يَكُنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاشْتَغَلَ بِأَدَاءِ الصَّلَوَاتِ فِي مَوَاقِيتِهَا فَقَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ تِلْكَ الْفَوَائِتَ تَرَكَ صَلَوَاتٍ دُونَ سِتٍّ وَصَلَّى صَلَاةً أُخْرَى وَهُوَ ذَاكِرٌ لِهَذِهِ الْمَتْرُوكَةِ الْحَدِيثَةِ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا: تَجُوزُ هَذِهِ الصَّلَوَاتُ لِكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ، وَالِاشْتِغَالُ بِالْحَدِيثِ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ الِاشْتِغَالِ بِتِلْكَ، وَالِاشْتِغَالُ بِالْكُلِّ يُفَوِّتُ الْوَقْتِيَّةَ عَنْ وَقْتِهَا. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ وَيُجْعَلُ الْمَاضِي كَأَنْ لَمْ يَكُنْ

زَجْرًا لَهُ عَنْ التَّهَاوُنِ وَلَوْ قَضَى بَعْضَ الْفَوَائِتِ حَتَّى قَلَّ مَا بَقِيَ عَادَ التَّرْتِيبَ عِنْدَ الْبَعْضِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ تَرَكَ صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَجَعَلَ يَقْضِي مِنْ الْغَدِ مَعَ كُلِّ وَقْتِيَّةٍ فَائِتَةً فَالْفَوَائِتُ جَائِزَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَالْوَقْتِيَّاتُ فَاسِدَةٌ إنْ قَدَّمَهَا لِدُخُولِ الْفَوَائِتِ فِي حَدِّ الْقِلَّةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQزَجْرًا لَهُ عَنْ التَّهَاوُنِ) وَأَنْ لَا تَصِيرَ الْمَعْصِيَةُ وَسِيلَةً إلَى الْيُسْرِ وَالتَّخْفِيفِ. وَقَوْلُهُ: (وَلَوْ قَضَى بَعْضَ الْفَوَائِتِ) صُورَتُهُ أَنْ يَتْرُكَ الرَّجُلُ صَلَاةَ شَهْرٍ ثُمَّ يَقْضِيَهَا إلَّا صَلَاةً أَوْ صَلَاتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى صَلَاةً دَخَلَ وَقْتُهَا وَهُوَ ذَاكِرٌ لِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ هَلْ تَجُوزُ الْوَقْتِيَّةُ أَوْ لَمْ تَجُزْ؟ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَمَالَ إلَى عَدَمِ الْجَوَازِ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ وَالْمُصَنِّفُ، وَمَالَ إلَى الْجَوَازِ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ، وَاخْتَارَهُ مِنْ الْمَشَايِخِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَصَاحِبُ الْمُحِيطِ وَقَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَوَجْهُهُ أَنَّ التَّرْتِيبَ قَدْ سَقَطَ بِكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ وَالسَّاقِطُ لَا يَعُودُ كَمَاءٍ نَجِسٍ قَلِيلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ الْمَاءُ الْجَارِي حَتَّى كَثُرَ وَسَالَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْقِلَّةِ لَا يَصِيرُ نَجِسًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْأَوَّلِ (وَهُوَ الْأَظْهَرُ) يَعْنِي دِرَايَةً وَرِوَايَةً. أَمَّا دِرَايَةً فَلِأَنَّ عِلَّةَ السُّقُوطِ الْكَثْرَةُ الْمُفْضِيَةُ إلَى الْحَرَجِ وَلَمْ يَبْقَ بِالْعَوْدِ إلَى الْقِلَّةِ وَالْحُكْمُ يَنْتَهِي بِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ فَكَانَ كَحَقِّ الْحَضَانَةِ إذَا سَقَطَ بِالتَّزَوُّجِ ثُمَّ ارْتَفَعَتْ الزَّوْجِيَّةُ فَإِنَّ الْحَقَّ يَعُودُ، وَأَمَّا رِوَايَةً فَلِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ تَرَكَ صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَجَعَلَ: أَيْ شَرَعَ يَقْضِي مِنْ الْغَدِ مَعَ كُلِّ وَقْتِيَّةٍ فَائِتَةً فَالْفَوَائِتُ جَائِزَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ: يَعْنِي سَوَاءٌ قَدَّمَهَا

وَإِنْ أَخَّرَهَا فَكَذَلِكَ إلَّا الْعِشَاءَ الْأَخِيرَةَ لِأَنَّهُ لَا فَائِتَةَ عَلَيْهِ فِي ظَنِّهِ حَالَ أَدَائِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْوَقْتِيَّاتِ أَوْ أَخَّرَهَا عَنْهَا. وَالْوَقْتِيَّاتُ فَاسِدَةٌ قَدَّمَهَا لِدُخُولِ الْفَوَائِتِ فِي حَدِّ الْقِلَّةِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى أَدَّى صَلَاةً مِنْ الْوَقْتِيَّاتِ صَارَتْ هِيَ سَادِسَةَ الْمَتْرُوكَاتِ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا قَضَى مَتْرُوكَةً بَعْدَهَا عَادَتْ الْمَتْرُوكَاتُ خَمْسًا، ثُمَّ لَا يَزَالُ هَكَذَا فَلَا يَعُودُ إلَى الْجَوَازِ (وَإِنْ أَخَّرَهَا) أَيْ الْوَقْتِيَّاتِ عَنْ الْفَوَائِتِ (فَكَذَلِكَ) أَيْ لَا تَجُوزُ الْوَقْتِيَّاتُ (إلَّا الْعِشَاءَ الْأَخِيرَةَ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ) أَمَّا فَسَادُ مَا وَرَاءَ الْعِشَاءِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الْوَقْتِيَّاتِ فَلِأَنَّهُ كُلَّمَا صَلَّى فَائِتَةً عَادَتْ الْفَوَائِتُ أَرْبَعًا فَفَسَدَتْ الْوَقْتِيَّةُ ضَرُورَةً، وَأَمَّا جَوَازُ الْعِشَاءِ الْأَخِيرَةِ فَلِمَا ذَكَرَ (أَنَّهُ لَا فَائِتَةَ عَلَيْهِ فِي ظَنِّهِ حَالَ أَدَائِهَا) وَالظَّنُّ مَتَى لَاقَى فَصْلًا مُجْتَهَدًا فِيهِ وَقَعَ مُعْتَبَرًا، وَإِنْ كَانَ خَطَأً، وَالتَّرْتِيبُ لَا يُوجِبُهُ الشَّافِعِيُّ فَكَانَ ظَنُّهُ مُوَافِقًا لِرَأْيِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا عَفَا أَحَدُ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ وَظَنَّ صَاحِبُهُ أَنَّ عَفْوَ صَاحِبِهِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي حَقِّهِ فَقَتَلَ ذَلِكَ الْقَاتِلَ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا قَتْلٌ بِغَيْرِ حَقٍّ لَكِنْ لَمَّا كَانَ مُتَأَوَّلًا وَمُجْتَهِدًا فِيهِ صَارَ ذَلِكَ الظَّنُّ مَانِعًا وُجُوبَ الْقِصَاصِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. وَنُوقِضَ بِمَا إذَا صَلَّى الظُّهْرَ بِغَيْرِ وُضُوءٍ نَاسِيًا ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ عَلَى وُضُوءٍ ذَاكِرًا لِلظُّهْرِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَهُمَا جَمِيعًا، وَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرَ هُنَا أَنَّهُ لَا فَائِتَةَ عَلَيْهِ فِي ظَنِّهِ حَالَ أَدَائِهَا كَانَ يَنْبَغِي أَلَّا يَجِبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْعَصْرِ ثَانِيًا لِمَا أَنَّهُ لَمَّا قَضَى الظُّهْرَ قَدْ وَقَعَ فِي ظَنِّهِ أَنَّهُ قَضَى جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْفَائِتَةِ، وَالتَّرْتِيبُ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَكَانَ ظَنُّهُ هَاهُنَا مُوَافِقًا لِمَذْهَبِهِ كَمَا ذَكَرْتُمْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ فَسَادَ الصَّلَاةِ بِتَرْكِ الطَّهَارَةِ فَسَادٌ قَوِيٌّ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَظَهَرَ أَثَرُهُ فِيمَا يُؤَدَّى بَعْدَهُ، وَأَمَّا فَسَادُهَا بِسَبَبِ تَرْكِ التَّرْتِيبِ فَضَعِيفٌ

(وَمَنْ صَلَّى الْعَصْرَ وَهُوَ ذَاكِرٌ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ فَهِيَ فَاسِدَةٌ إلَّا إذَا كَانَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ) وَهِيَ مَسْأَلَةُ التَّرْتِيبِ (وَإِذَا فَسَدَتْ الْفَرْضِيَّةُ لَا يَبْطُلُ أَصْلُ الصَّلَاةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَبْطُلُ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ عُقِدَتْ لِلْفَرْضِ) ، فَإِذَا بَطَلَتْ الْفَرْضِيَّةُ بَطَلَتْ. وَلَهُمَا أَنَّهَا عُقِدَتْ لِأَصْلِ الصَّلَاةِ بِوَصْفِ الْفَرْضِيَّةِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ ضَرُورَةِ بُطْلَانِ الْوَصْفِ بُطْلَانُ الْأَصْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُخْتَلَفٌ فِيهِ فَلَا يَتَعَدَّى حُكْمُهُ إلَى صَلَاةٍ أُخْرَى. قَوْلُهُ: (وَمَنْ صَلَّى الْعَصْرَ) مَسْأَلَةُ التَّرْتِيبِ وَلَكِنْ ذَكَرَهَا تَمْهِيدًا لِلِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ بَعْدَهَا، وَفِي ضِيقِ الْوَقْتِ كَلَامٌ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ فِيمَا مَضَى فَلْنَتَكَلَّمْ بِهِ هَاهُنَا، وَهُوَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي ضِيقِ الْوَقْتِ لِأَصْلِ الْوَقْتِ أَوْ لِلْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ. حُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيِّ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الِاعْتِبَارُ بِأَصْلِ الْوَقْتِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِالْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ، وَعَلَى هَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْمَسْأَلَةِ إنْ أَمْكَنَهُ أَدَاءُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ قَبْلَ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ فَعَلَيْهِ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ أَدَاءُ الصَّلَاتَيْنِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ وَعَلَيْهِ أَدَاءُ الْعَصْرِ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَدَاءُ الظُّهْرِ قَبْلَ تَغَيُّرِهَا وَتَقَعُ الْعَصْرُ أَوْ بَعْضُهَا بَعْدَ تَغَيُّرِهَا فَعَلَيْهِ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْكَرَاهَةِ يُسْقِطُ التَّرْتِيبَ كَخَوْفِ فَوْتِ أَصْلِ الْوَقْتِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَدَاءُ الظُّهْرِ قَبْلَ تَغَيُّرِهَا يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ شَيْءٍ مِنْ الظُّهْرِ بَعْدَ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ وَقْتُ عَصْرِ الْيَوْمِ لَيْسَ إلَّا. وَقَوْلُهُ: (وَإِذَا فَسَدَتْ الْفَرْضِيَّةُ لَا يَبْطُلُ أَصْلُ الصَّلَاةِ) يَعْنِي يَنْقَلِبُ نَفْلًا (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَبْطُلُ) وَالْفَائِدَةُ أَيْضًا تَظْهَرُ فِيمَا إذَا قَهْقَهَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ طَهَارَتَهُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ عُقِدَتْ لِلْفَرْضِ وَهُوَ وَاضِحٌ، وَكُلُّ مَا عُقِدَ لِأَجْلِهِ التَّحْرِيمَةُ إذَا بَطَلَ بَطَلَتْ التَّحْرِيمَةُ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ وَسِيلَةٌ إلَى تَحْصِيلِهِ، وَإِذَا بَطَلَ الْمَقْصُودُ بَطَلَتْ الْوَسِيلَةُ (وَلَهُمَا أَنَّ التَّحْرِيمَةَ عُقِدَتْ لِأَصْلِ الصَّلَاةِ مَوْصُوفًا بِصِفَةِ الْفَرْضِيَّةِ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ بُطْلَانِ الْوَصْفِ بُطْلَانُ الْأَصْلِ) وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّ الْوَصْفَ

(ثُمَّ الْعَصْرُ يَفْسُدُ فَسَادًا مَوْقُوفًا، حَتَّى لَوْ صَلَّى سِتَّ صَلَوَاتٍ وَلَمْ يُعِدْ الظُّهْرَ انْقَلَبَ الْكُلُّ جَائِزًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعِنْدَهُمَا يَفْسُدُ فَسَادًا بَاتًّا لَا جَوَازَ لَهُ بِحَالٍ) وَقَدْ عُرِفَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُحَصِّلًا لِأَصْلِهِ فَكَانَ كَالْفَصْلِ الْمُنَوَّعِ فَيَبْطُلُ الْأَصْلُ بِبُطْلَانِهِ. وَالثَّانِي أَنَّ وَصْفَ الْفَرْضِيَّةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَدْخَلٌ فِيمَا انْعَقَدَتْ التَّحْرِيمَةُ لِأَجْلِهِ أَوْ لَا؟ لَا سَبِيلَ إلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ وَقْتَ الصَّلَاةِ ظَرْفٌ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّمْيِيزِ بِوَصْفٍ يَحْصُلُ بِهِ تَعَيُّنُ مَا أَحْرَمَ لَهُ. فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَدْخَلٌ فِي ذَلِكَ لَجَازَ الْإِحْرَامُ بِدُونِ التَّعْيِينِ فَلَا يَثْبُتُ تَفْرِيغُ الذِّمَّةِ فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ فَكَانَ جُزْءًا وَالْكُلُّ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ جُزْئِهِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْوَصْفَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُحَصَّلًا؛ لِأَنَّ الْمُحَصَّلَ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ وَالْوَصْفُ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الْمَوْصُوفِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ لِلْمَوْصُوفِ مَدْخَلًا لِمَا انْعَقَدَتْ بِهِ التَّحْرِيمَةُ لَا مِنْ حَيْثُ تَحْصِيلُهُ حَتَّى يَكُونَ جُزْءًا بَلْ مِنْ حَيْثُ نَفْيُ غَيْرِهِ مِمَّا يُزَاحِمُهُ فِي الْوَقْتِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جُزْءًا لَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَائِهِ انْتِفَاءُ الْكُلِّ (ثُمَّ) إذَا فَسَدَ (الْعَصْرُ يَفْسُدُ فَسَادًا مَوْقُوفًا) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (حَتَّى لَوْ صَلَّى سِتَّ صَلَوَاتٍ وَلَمْ يُعِدْ الظُّهْرَ انْقَلَبَ الْكُلُّ جَائِزًا وَقَالَا فَسَادًا بَاتًّا لَا جَوَازَ لَهُ بِحَالٍ) ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ التَّرْتِيبِ حُكْمُ الْكَثْرَةِ، وَكُلُّ مَا هُوَ حُكْمٌ لِعِلَّةٍ يَتَأَخَّرُ عَنْ عِلَّتِهِ، فَسُقُوطُ التَّرْتِيبِ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَقَعُ مِنْ الصَّلَوَاتِ بَعْدَ الْكَثْرَةِ لَا فِيمَا قَبْلَهَا وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْكَثْرَةَ عِلَّةٌ لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ وَقَدْ حَصَلَتْ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا السُّقُوطُ، وَهِيَ كَمَا جَازَ أَنْ تَكُونَ عِلَّةً لِمَا سَيَأْتِي مِنْ الصَّلَوَاتِ جَازَ أَنْ تَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ آحَادِهَا. لَا يُقَالُ: كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ آحَادِهَا جُزْؤُهَا مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهَا فَكَيْفَ يَكُونُ مَعْلُولًا لَهَا؛ لِأَنَّهَا جُزْؤُهَا مِنْ حَيْثُ الْوُجُودُ، وَلَا كَلَامَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ مِنْ حَيْثُ الْجَوَازُ، وَذَلِكَ مُتَأَخِّرٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا قَبْلَ الْكَثْرَةِ. وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَهُوَ مَعْنًى مَعْقُولٌ. وَثُبُوتُ جَوَازِ الصَّلَاةِ وَفَسَادِهَا بِطَرِيقِ التَّبْيِينِ غَيْرُ عَزِيزٍ فِي الشَّرْعِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ بِعَرَفَاتٍ يَتَوَقَّفُ، فَإِنْ أَفَاضَ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ تَنْقَلِبُ صَلَاتُهُ نَفْلًا وَيَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا مَعَ الْعِشَاءِ فِي الْمُزْدَلِفَةِ، وَإِنْ لَمْ يُفِضْ إلَيْهَا بَلْ تَوَجَّهَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ إلَى مَكَّةَ صَحَّتْ، وَكَذَلِكَ مَنْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَإِنْ سَعَى إلَيْهَا قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ انْقَلَبَتْ الظُّهْرُ نَفْلًا وَإِلَّا بَقِيَتْ فَرْضًا، وَكَذَلِكَ الْمُعْتَادَةُ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا دُونَ عَادَتِهَا وَصَلَّتْ ثُمَّ عَاوَدَهَا الدَّمُ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ صَحِيحَةً، وَإِنْ لَمْ يُعَاوِدْهَا كَانَتْ صَحِيحَةً. وَقَوْلُهُ: (وَقَدْ عُرِفَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ) يَعْنِي فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ.

(وَلَوْ صَلَّى الْفَجْرَ وَهُوَ ذَاكِرٌ أَنَّهُ لَمْ يُوتِرْ فَهِيَ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) خِلَافًا لَهُمَا، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ وَاجِبَةٌ عِنْدَهُ سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا، وَلَا تَرْتِيبَ فِيمَا بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ، وَعَلَى هَذَا إذَا صَلَّى الْعِشَاءَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَصَلَّى السُّنَّةَ وَالْوِتْرَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَلَّى الْعِشَاءَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ فَعِنْدَهُ يُعِيدُ الْعِشَاءَ وَالسُّنَنَ دُونَ الْوِتْرِ، لِأَنَّ الْوِتْرَ فَرْضٌ عَلَى حِدَةٍ عِنْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا يُعِيدُ الْوِتْرَ أَيْضًا لِكَوْنِهِ تَبَعًا لِلْعِشَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: (وَلَوْ صَلَّى الْفَجْرَ وَهُوَ ذَاكِرٌ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (وَلَا تَرْتِيبَ فِيمَا بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ) يَعْنِي أَنَّ التَّرْتِيبَ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ مَا يَكُونُ بَيْنَ الْفَرَائِضِ لَا غَيْرُ. وَقَوْلُهُ: (وَعَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ وَهُوَ أَنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ عِنْدَهُ سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا. وَقَوْلُهُ: (فَعِنْدَهُ يُعِيدُ الْعِشَاءَ وَالسُّنَّةَ دُونَ الْوِتْرِ) ؛ لِأَنَّ الْوِتْرَ إذَا كَانَ وَاجِبًا عِنْدَهُ صَارَ كَأَنَّهُ صَلَّى فَرْضًا بِنِسْيَانِ فَرْضٍ آخَرَ، وَعِنْدَهُمَا يُعِيدُ الْوِتْرَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ دُخُولَ وَقْتِهِ بَعْدَ أَدَاءِ الْعِشَاءِ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ وَلَمْ يُوجَدْ فَكَانَ مُصَلِّيًا قَبْلَ وَقْتِهِ

[باب سجود السهو]

(يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ السَّلَامِ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ ثُمَّ يُسَلِّمُ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَجَدَ لِلسَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ» وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَكُونُ جَابِرًا لِنُقْصَانٍ يَقَعُ فِيهِمَا، وَهَذِهِ الْإِضَافَةُ إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَى السَّبَبِ وَهِيَ الْأَصْلُ فِي الْإِضَافَاتِ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلِاخْتِصَاصِ، وَأَقْوَى وُجُوهِ الِاخْتِصَاصِ اخْتِصَاصُ الْمُسَبَّبِ بِالسَّبَبِ. قَوْلُهُ: (يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ) ظَاهِرٌ.

السَّلَامِ» وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ» فَتَعَارَضَتْ رِوَايَتَا فِعْلِهِ فَبَقِيَ التَّمَسُّكُ بِقَوْلِهِ سَالِمًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: (فَتَعَارَضَتْ رِوَايَتَا فِعْلِهِ فَبَقِيَ التَّمَسُّكُ بِقَوْلِهِ) اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ فِي الْمُعَارَضَةِ بَيْنَ الْحُجَّتَيْنِ الْمَصِيرَ إلَى مَا بَعْدَهُمَا وَهَاهُنَا صَيَّرَ إلَى مَا قَبْلَهُمَا وَهُوَ الْقَوْلُ؛ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ دُونَ الْفِعْلِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ يَلْزَمُ التَّرْجِيحُ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا لَمْ تَكُنْ حُجَّةٌ فَوْقَهُمَا. وَأَمَّا إذَا كَانَ فَقَدْ يُصَارُ إلَيْهِ وَهُوَ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْأُصُولِ كُلُّهُمْ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّا لَمْ نَجْعَلْ الْقَوْلَ مُرَجِّحًا لِلْفِعْلِ حَتَّى لَزِمَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا جَعَلْنَاهُ بَعْدَ تَعَارُضِ الْفِعْلَيْنِ وَتَهَاتُرِهِمَا وَقَالَ مَالِكٌ: إهْمَالُ الْفِعْلَيْنِ جَمِيعًا لَا يَكَادُ يَصِحُّ فَيُحْمَلُ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى مَا إذَا كَانَ السَّهْوُ بِنُقْصَانٍ، وَمَا رَوَاهُ أَصْحَابُنَا عَلَى مَا إذَا كَانَ بِالزِّيَادَةِ، وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ لَا يُفَصِّلُ. رَوَى ثَوْبَانِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ السَّلَامِ» . وَقَوْلُهُ:

وَلِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ مِمَّا لَا يَتَكَرَّرُ فَيُؤَخَّرُ عَنْ السَّلَامِ حَتَّى لَوْ سَهَا عَنْ السَّلَامِ يَنْجَبِرُ بِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ مِمَّا لَا يَتَكَرَّرُ) دَلِيلٌ مَعْقُولٌ عَلَى أَوْلَوِيَّةِ التَّأْخِيرِ، وَبَيَانُهُ أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ كَانَ يَنْبَغِي أَلَّا يَتَأَخَّرَ عَنْ زَمَانِ وُجُودِ الْعِلَّةِ وَهِيَ السَّهْوُ إلَّا أَنَّهُ تَأَخَّرَ لِضَرُورَةِ أَلَّا يَتَكَرَّرَ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَجَدَ زَمَانَ سَهْوِهِ وَأَمْكَنَ أَنْ يَسْهُوَ بَعْدَهُ فَإِنْ سَهَا فَإِمَّا أَنْ يَسْجُدَ ثَانِيًا أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ بَقِيَ نَقْصٌ لَازِمٌ لَا جَبْرَ لَهُ، وَإِنْ سَجَدَ تَتَكَرَّرُ السَّجْدَةُ وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بِالْإِجْمَاعِ فَلَزِمَ التَّأْخِيرُ. وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي اقْتَضَى التَّأْخِيرَ عَنْ زَمَانِ الْعِلَّةِ اقْتَضَى التَّأْخِيرَ عَنْ السَّلَامِ حَتَّى لَوْ سَهَا عَنْ السَّلَامِ بِالْقِيَامِ إلَى الْخَامِسَةِ لَزِمَهُ السَّجْدَةُ لِتَأْخِيرِ السَّلَامِ فَيُؤَخَّرُ عَنْهُ

وَهَذَا خِلَافٌ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ، وَيَأْتِي بِتَسْلِيمَتَيْنِ هُوَ الصَّحِيحُ صَرْفًا لِلسَّلَامِ الْمَذْكُورِ إلَى مَا هُوَ الْمَعْهُودُ. وَيَأْتِي بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالدُّعَاءِ فِي قَعْدَةِ السَّهْوِ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الدُّعَاءَ مَوْضِعُهُ آخِرُ الصَّلَاةِ. قَالَ (وَيَلْزَمُهُ السَّهْوُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِيَنْجَبِرَ النُّقْصَانَ بِهِ (وَهَذَا الْخِلَافُ) بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ (فِي الْأَوْلَوِيَّةِ) أَمَّا لَوْ أَتَى بِهَا قَبْلَ السَّلَامِ جَازَ عِنْدَنَا أَيْضًا فِي رِوَايَةِ الْأُصُولِ. وَرُوِيَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ قَبْلَ وَقْتِهِ. وَجْهُ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ نُجْزِهِ لَأَمَرْنَا بِالْإِعَادَةِ وَتَكَرَّرَ السُّجُودُ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، فَلَأَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ عَلَى وَجْهٍ قَالَ بِهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ. وَقَوْلُهُ: (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا اخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبُ الْإِيضَاحِ، وَهُوَ أَنْ يُسَلِّمَ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ عِنْدَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيفَ لِمَعْنَى التَّحِيَّةِ لَا التَّحْلِيلِ: يَعْنِي أَنَّ لِلسَّلَامِ حُكْمَيْنِ: التَّحِيَّةَ لِلْقَوْمِ، وَالتَّحْلِيلَ، وَالْأَوَّلُ لَيْسَ بِمُرَادٍ فِي هَذَا السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ قَاطِعٌ لِلْإِحْرَامِ، وَالتَّحْلِيلُ لَا يَتَكَرَّرُ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَكْرَارِ السَّلَامِ، وَإِذَا بَطَلَ مَعْنَى التَّحِيَّةِ لَا يَنْحَرِفُ. وَجْهُ الصَّحِيحِ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ صَرْفًا لِلسَّلَامِ الْمَذْكُورِ: يَعْنِي فِي الْحَدِيثِ إلَى مَا هُوَ الْمَعْهُودُ فِي الصَّلَاةِ، وَنَسَبَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ قَائِلَ التَّسْلِيمَةِ الْوَاحِدَةِ إلَى الْبِدْعَةِ. وَقَوْلُهُ: (وَيَأْتِي بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) اخْتَلَفُوا فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالدَّعَوَاتِ أَنَّهَا فِي قَعْدَةِ الصَّلَاةِ أَوْ فِي قَعْدَةِ السَّهْوِ، فَقَالَ الطَّحَاوِيُّ يَأْتِي بِهَا فِيهِمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ قَعْدَةٍ فِي آخِرِهَا سَلَامٌ فَفِيهَا صَلَاةٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ فِي قَعْدَةِ السَّهْوِ: وَاخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالْمُصَنِّفُ وَقَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الدُّعَاءَ مَوْضِعُهُ آخِرُ الصَّلَاةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي الْأَخِيرَةِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ، وَهُوَ أَنَّ سَلَامَ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ يُخْرِجُهُ مِنْ الصَّلَاةِ عِنْدَهُمَا فَكَانَتْ الْقَعْدَةُ الْأُولَى قَعْدَةَ الْخَتْمِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَى خِلَافِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْمَذْكُورَ مُتَقَرِّرٌ، فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةً عَلَى ذَلِكَ لَكَانَ الصَّحِيحُ مَذْهَبَهُمَا. قَالَ (وَيَلْزَمُهُ السَّهْوُ) هَذَا بَيَانُ مَا ذَكَرَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ بِقَوْلِهِ يَسْجُدُ

إذَا زَادَ فِي صَلَاتِهِ فِعْلًا مِنْ جِنْسِهَا لَيْسَ مِنْهَا) وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَجْدَةَ السَّهْوِ وَاجِبَةٌ هُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّهَا تَجِبُ لِجَبْرِ نَقْصٍ تَمَكَّنَ فِي الْعِبَادَةِ فَتَكُونُ وَاجِبَةً كَالدِّمَاءِ فِي الْحَجِّ، وَإِذَا كَانَ وَاجِبًا لَا يَجِبُ إلَّا بِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ تَأْخِيرِهِ أَوْ تَأْخِيرِ رُكْنٍ سَاهِيًا هَذَا هُوَ الْأَصْلُ، وَإِنَّمَا وَجَبَ بِالزِّيَادَةِ لِأَنَّهَا لَا تَعْرَى عَنْ تَأْخِيرِ رُكْنٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ. قَالَ (وَيَلْزَمُهُ إذَا تَرَكَ فِعْلًا مَسْنُونًا) كَأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ فِعْلًا وَاجِبًا إلَّا أَنَّهُ أَرَادَ بِتَسْمِيَتِهِ سُنَّةً أَنَّ وُجُوبَهَا ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ. قَالَ (أَوْ تَرَكَ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ) لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلسَّهْوِ وَلِلزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فَإِنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ أَيُّ زِيَادَةٍ وَنُقْصَانٍ يُوجِبُهُ فَفَسَّرَ هَاهُنَا بِأَنَّ الْمُرَادَ زِيَادَةُ فِعْلٍ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ لَيْسَ مِنْهَا كَمَا إذَا أَتَى بِرُكُوعَيْنِ أَوْ بِثَلَاثِ سَجَدَاتٍ (وَهَذَا) أَيْ قَوْلُهُ: يَلْزَمُهُ السَّهْوُ (يَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَجْدَةَ السَّهْوِ وَاجِبَةٌ) وَقَوْلُهُ: (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّهُ سُنَّةٌ (وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهَا تَجِبُ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا وَجَبَ بِالزِّيَادَةِ) جَوَابٌ عَمَّا يَرِدُ عَلَى قَوْلِهِ وَإِذَا كَانَ وَاجِبًا لَا يَجِبُ إلَّا بِتَرْكِ الْوَاجِبِ أَوْ تَأْخِيرِهِ، فَإِنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: يَجِبُ بِالزِّيَادَةِ أَيْضًا وَلَا تَرْكَ هُنَا وَلَا تَأْخِيرَ، فَقَالَ: الزِّيَادَةُ لَا تَعْرَى عَنْ تَأْخِيرِ رُكْنٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ. وَقَوْلُهُ: (وَيَلْزَمُهُ إذَا تَرَكَ فِعْلًا مَسْنُونًا) بَيَانٌ لِلنُّقْصَانِ الْمُوجِبِ لِلسَّجْدَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ الْمُضَافَةِ إلَى جَمِيعِ الصَّلَاةِ كَالتَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى. وَقَوْلُهُ (أَوْ تَرَكَ قِرَاءَةَ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ) بَيَانُ أَنَّهَا كَمَا تَجِبُ لِتَرْكِ الْأَفْعَالِ تَجِبُ لِتَرْكِ الْأَذْكَارِ. اعْلَمْ أَنَّ سَجْدَةَ السَّهْوِ عُرِفَتْ بِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَا نُقِلَ ذَلِكَ

(أَوْ الْقُنُوتَ أَوْ التَّشَهُّدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْهُ إلَّا فِي الْأَفْعَالِ فَكَانَ الْقِيَاسُ أَلَّا تَجِبَ فِي الْأَذْكَارِ، لَكِنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا فِيهَا؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ جَبْرًا لِلنُّقْصَانِ، وَيَثْبُتُ النُّقْصَانُ بِتَرْكِهَا أَيْضًا فَلَا بُدَّ مِنْ الْجَبْرِ مِنْ السَّجْدَةِ، وَعَلَى هَذَا إذَا تَرَكَ الْفَاتِحَةَ (أَوْ الْقُنُوتَ) فِي الْوِتْرِ (أَوْ التَّشَهُّدَ)

أَوْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ) لِأَنَّهَا وَاجِبَاتٌ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاظَبَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ تَرْكِهَا مَرَّةً وَهِيَ أَمَارَةُ الْوُجُوبِ وَلِأَنَّهَا تُضَافُ إلَى جَمِيعِ الصَّلَاةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا مِنْ خَصَائِصِهَا وَذَلِكَ بِالْوُجُوبِ ثُمَّ ذِكْرُ التَّشَهُّدِ يَحْتَمِلُ الْقَعْدَةَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ وَالْقِرَاءَةَ فِيهِمَا وَكُلُّ ذَلِكَ وَاجِبٌ، وَفِيهَا سَجْدَةٌ هُوَ الصَّحِيحُ. (وَلَوْ جَهَرَ الْإِمَامُ فِيمَا يُخَافِتُ أَوْ خَافَتْ فِيمَا يَجْهَرُ تَلْزَمُهُ سَجْدَتَا السَّهْوِ) لِأَنَّ الْجَهْرَ فِي مَوْضِعِهِ وَالْمُخَافَتَةَ فِي مَوْضِعِهَا مِنْ الْوَاجِبَاتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ (أَوْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ) تَجِبُ السَّجْدَةُ (لِأَنَّهَا وَاجِبَاتٌ لِمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ وَهِيَ مِنْ أَمَارَاتِ الْوُجُوبِ) وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهَا تَجِبُ لِتَرْكِ وَاجِبٍ (وَلِأَنَّهَا تُضَافُ إلَى جَمِيعِ الصَّلَاةِ) يُقَالُ: تَكْبِيرَاتُ صَلَاةِ الْعِيدِ وَقُنُوتُ الْوِتْرِ وَتَشَهُّدُ الصَّلَاةِ (فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا مِنْ خَصَائِصِ الصَّلَاةِ) ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ دَلِيلُ الِاخْتِصَاصِ، وَالِاخْتِصَاصُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ اخْتِصَاصَ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ يَقْتَضِي وُجُودَهُ مَعَهُ، وَالْوُجُوبُ طَرِيقٌ لِلْوُجُودِ، وَالْخَصَائِصُ جَمْعُ خِصِّيصَةٍ بِمَعْنَى الْمُخَاصِّ كَالشَّرِيكِ بِمَعْنَى الْمُشَارِكِ. وَقَوْلُهُ: (وَكُلُّ ذَلِكَ) أَيْ كُلُّ الْمَذْكُورِ مِنْ الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَالْقِرَاءَةِ فِيهِمَا (وَاجِبٌ فِيهَا سَجْدَةٌ) وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ إطْلَاقَ الْوَاجِبِ عَلَى الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ سَهْوٌ؛ لِأَنَّهَا فَرِيضَةٌ تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِتَرْكِهَا تَأْخِيرُهَا بِالْقِيَامِ إلَى الْخَامِسَةِ، فَإِنَّ فِي التَّأْخِيرِ نَوْعَ تَرْكٍ، وَتَأْخِيرُ الرُّكْنِ يُوجِبُ السَّجْدَةَ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَشَّى بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْوَاجِبِ الْفَرْضَ وَالْوَاجِبُ وَبِالتَّرْكِ التَّأْخِيرُ وَالتَّرْكُ، وَفِي ذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي مَوْضِعَيْنِ. وَقِيلَ يُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ: تَجُوزُ صَلَاتُهُ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ، أَيْ تَتِمُّ صَلَاتُهُ بِدُونِ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ. وَقِيلَ الْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ وَاجِبَةٌ بِحَسَبِ الْكَيْفِيَّةِ: أَيْ عَدَمُ تَأْخِيرِهَا وَاجِبٌ، فَإِذَا أُخِّرَتْ فَقَدْ تَرَكَ هَذَا الْوَاجِبَ وَفِيهِ تَمَحُّلٌ كَمَا تَرَى. وَقَوْلُهُ: (وَهُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ قِرَاءَةُ التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى سُنَّةٌ وَهُوَ وَجْهُ الْقِيَاسِ، وَوَجْهُ الصِّحَّةِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمُوَاظَبَةِ بِلَا تَرْكٍ. وَقَوْلُهُ: (؛ لِأَنَّ الْجَهْرَ فِي مَوْضِعِهِ وَالْمُخَافَتَةَ فِي مَوْضِعِهَا مِنْ الْوَاجِبَاتِ) ؛ لِأَنَّ الْجَهْرَ فِيمَا يُجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ عَلَى الْإِمَامِ وَاجِبٌ لِيَسْتَمِعَ الْقَوْمُ لِقِرَاءَتِهِ لِكَوْنِهَا أُقِيمَتْ مَقَامَ قِرَاءَتِهِمْ لِوُجُودِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الِاسْتِمَاعُ، وَلَمَّا قَامَتْ مَقَامَهَا وَجَبَ أَنْ تَكُونَ فَرْضًا لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ انْحِطَاطِ مَرْتَبَةِ الْفَرْعِ عَنْ مَرْتَبَةِ

وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْمِقْدَارِ، وَالْأَصَحُّ قَدْرُ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ فِي الْفَصْلَيْنِ لِأَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَعَنْ كَثِيرٍ مُمْكِنٌ، وَمَا يَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ كَثِيرٌ غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ آيَةٌ وَاحِدَةٌ وَعِنْدَهُمَا ثَلَاثُ آيَاتٍ، وَهَذَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ دُونَ الْمُنْفَرِدِ لِأَنَّ الْجَهْرَ وَالْمُخَافَتَةَ مِنْ خَصَائِصِ الْجَمَاعَةِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَصْلِ فَكَانَ وَاجِبًا: وَالْمُخَافَتَةُ إنَّمَا كَانَتْ صِيَانَةً لِلْقُرْآنِ عَنْ لَغْوِ الْكُفَّارِ وَلَغَطِهِمْ، وَصِيَانَتُهُ عَنْ ذَلِكَ وَاجِبَةٌ، وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْوَاجِبِ إلَّا بِهِ يَكُونُ وَاجِبًا. فَإِنْ قِيلَ: رَوَى أَبُو قَتَادَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَأَنَّهُ يُسْمِعُنَا الْآيَةَ وَالْآيَتَيْنِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِخْفَاءَ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا، وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِبَيَانِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ مَشْرُوعَةٌ فِيهِمَا، وَعِنْدَنَا لَا تَجِبُ السَّجْدَةُ إذَا تَعَمَّدَ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: (وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْمِقْدَارِ) أَيْ فِي مِقْدَارِ مَا يُوجِبُ جَهْرَهُ وَإِخْفَاءَهُ السَّجْدَةَ، فَفِي الظَّاهِرِ الرِّوَايَةُ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ فِي الْفَصْلَيْنِ سَوَاءٌ فِي وُجُوبِ السَّجْدَةِ ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَقَاضِي خَانْ. وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا جَهَرَ بِأَكْثَرِ الْفَاتِحَةِ سَجَدَ؛ لِأَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ غَيْرُ مُمْكِنِ الِاحْتِرَازِ فَاعْتُبِرَ أَكْثَرُ الْفَاتِحَةِ. ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: إنْ جَهَرَ مِقْدَارَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ يَجِبُ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْأَصَحُّ قَدْرَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ فِي الْفَصْلَيْنِ) اخْتِيَارًا لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَوَجْهُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ. (وَهَذَا) أَيْ وُجُوبُ السَّجْدَةِ فِي الْفَصْلَيْنِ إنَّمَا هُوَ (فِي حَقِّ الْإِمَامِ دُونَ الْمُنْفَرِدِ؛ لِأَنَّ الْجَهْرَ وَالْمُخَافَتَةَ) أَيْ وُجُوبَهُمَا (مِنْ خَصَائِصِ الْجَمَاعَةِ) قِيلَ أَمَّا أَنَّ وُجُوبَ الْجَهْرِ مِنْ خَصَائِصِ الْجَمَاعَةِ فَمُسَلَّمٌ؛ لِأَنَّ الْمُنْفَرِدَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ، وَأَمَّا كَوْنُ وُجُوبِ

قَالَ (وَسَهْوُ الْإِمَامِ يُوجِبُ عَلَى الْمُؤْتَمِّ السُّجُودَ) لِتَقَرُّرِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ فِي حَقِّ الْأَصْلِ وَلِهَذَا يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْإِقَامَةِ بِنِيَّةِ الْإِمَامِ (فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ لَمْ يَسْجُدْ الْمُؤْتَمُّ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُخَالِفًا لِإِمَامِهِ، وَمَا الْتَزَمَ الْأَدَاءَ إلَّا مُتَابِعًا. (فَإِنْ سَهَا الْمُؤْتَمُّ لَمْ يَلْزَمْ الْإِمَامَ وَلَا الْمُؤْتَمَّ السُّجُودُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُخَافَتَةِ مِنْ خَصَائِصِهَا فَمَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمُخَافَتَةُ فَيَجِبُ السَّهْوُ بِتَرْكِهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ وَجْهُ رِوَايَةِ النَّوَادِرِ. رَوَى أَبُو مَالِكٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُنْفَرِدِ إذَا جَهَرَ فِيمَا يُخَافَتُ أَنَّ عَلَيْهِ السَّهْوَ لِمَا ذَكَرْنَا، وَأَمَّا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُخَافَتَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ لِنَفْيِ الْمُغَالَطَةِ، وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ فِي صَلَاةٍ تُؤَدِّي إلَى سَبِيلِ الشُّهْرَةِ، وَالْمُنْفَرِدُ لَمْ يُؤَدِّ كَذَلِكَ فَلَمْ تَكُنْ الْمُخَافَتَةُ وَاجِبَةً عَلَيْهِ. قَالَ (وَسَهْوُ الْإِمَامِ يُوجِبُ عَلَى الْمُؤْتَمِّ السُّجُودَ) إذَا سَهَا الْإِمَامُ وَجَبَ السُّجُودُ لِلْمُؤْتَمِّ لِوُجُوبِهِ عَلَى الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلسُّجُودِ فِي حَقِّ الْأَصْلِ وَهُوَ الْإِمَامُ تَقَرَّرَ فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ أَيْضًا بِالْتِزَامِهِ الْمُتَابَعَةَ، فَإِنَّ الصِّحَّةَ وَالْفَسَادَ وَالْإِقَامَةَ لَمَّا تَعَدَّتْ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ إلَى صَلَاتِهِ حَتَّى لَوْ نَوَى الْإِمَامُ الْإِقَامَةَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ صَارَتْ صَلَاتُهُمْ أَرْبَعًا بِالْتِزَامِ الْمُتَابَعَةِ، فَكَذَلِكَ النُّقْصَانُ وَمَا يَجْبُرُهُ (فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ لَمْ يَسْجُدْ الْمُؤْتَمُّ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُخَالِفًا لِإِمَامِهِ، وَمَا الْتَزَمَ الْأَدَاءَ إلَّا مُتَابَعًا) وَبَيْنَ الْمُخَالَفَةِ وَالْمُتَابَعَةِ مُنَافَاةٌ، فَإِذَا تَحَقَّقَ أَحَدُ الْمُتَنَافِيَيْنِ انْتَفَى الْآخَرُ. وَاعْتُرِضَ عَلَى التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ بِمُخَالَفَاتٍ يَجُوزُ وُقُوعُهَا مِنْ الْمُؤْتَمِّ، كَمَا إذَا لَمْ يَرْفَعْ الْإِمَامُ يَدَهُ عِنْدَ الِافْتِتَاحِ فَإِنَّ الْقَوْمَ تَرْفَعُ، وَإِذَا لَمْ يُثَنِّ الْإِمَامُ يُثَنِّي الْمَأْمُومُ، وَإِذَا تَرَكَ الْإِمَامُ تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ وَتَسْبِيحَهُ وَتَسْمِيعَهُ وَتَكْبِيرَةَ الِانْحِطَاطِ وَقِرَاءَةَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمَ وَتَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ فَإِنَّ الْمَأْمُومَ يَفْعَلُ ذَلِكَ كُلَّهُ. وَبِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ لَيْسَتْ بِقَادِحَةٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَسْبُوقَ يَقْضِي مَا فَاتَهُ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَالْمُقِيمُ إذَا اقْتَدَى بِالْمُسَافِرِ يُتِمُّ رَكْعَتَيْنِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا لَزِمَ بِشَيْءٍ بَاشَرَهُ الْإِمَامُ وَتَعَدَّى إلَى الْمُؤْتَمِّ، وَمَا ذَكَرْتُمْ لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ إنَّهَا ثَبَتَتْ عَلَى الْمُقْتَدِي ابْتِدَاءً كَمَا ثَبَتَتْ عَلَى الْإِمَامِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ هَذِهِ الْمُخَالَفَةَ جَوَّزَتْ ضَرُورَةَ إتْمَامِ الْفَرْضِ فَلَا تَتَعَدَّى إلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ. (فَإِنْ سَهَا الْمُؤْتَمُّ لَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ وَلَا الْمُؤْتَمِّ السُّجُودُ) ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ لَيْسَتْ بِمَبْنِيَّةٍ عَلَى صَلَاةِ الْمَأْمُومِ فَسَادًا وَلَا نُقْصَانًا، فَلَا يَجِبُ نُقْصَانُ صَلَاتِهِ بِنُقْصَانِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ. وَإِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَى الْإِمَامِ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمَأْمُومِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ فَإِمَّا أَنْ يَسْجُدَ وَحْدَهُ وَفِيهِ مُخَالَفَةُ إمَامِهِ فِيمَا لَيْسَ مِنْ إتْمَامِ الْفَرْضِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ، وَإِمَّا أَنْ يَسْجُدَ مَعَهُ إمَامُهُ وَفِيهِ قَلْبُ الْمَوْضِعِ. فَإِنْ قُلْت:

لِأَنَّهُ لَوْ سَجَدَ وَحْدَهُ كَانَ مُخَالِفًا لِإِمَامِهِ، وَلَوْ تَابَعَهُ الْإِمَامُ يَنْقَلِبُ الْأَصْلُ تَبَعًا. (وَمَنْ سَهَا عَنْ الْقَعْدَةِ الْأُولَى ثُمَّ تَذَكَّرَ وَهُوَ إلَى حَالَةِ الْقُعُودِ أَقْرَبُ عَادَ وَقَعَدَ وَتَشَهَّدَ) لِأَنَّ مَا يَقْرُبُ مِنْ الشَّيْءِ يَأْخُذُ حُكْمَهُ، ثُمَّ قِيلَ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمَّا مَا ذَكَرْت آنِفًا أَنَّ الْمُحَالَفَةَ إنَّمَا لَا تَجُوزُ فِيمَا لَزِمَ بِشَيْءٍ بَاشَرَهُ الْإِمَامُ وَتَعَدَّى إلَى الْمُؤْتَمِّ وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الْمُخَالَفَةُ إنْ كَانَتْ لِأَمْرٍ بَاشَرَهُ الْمُؤْتَمُّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ. فَالْجَوَابُ إنَّا قُلْنَا إنَّ الْمُخَالَفَةَ فِيمَا لَزِمَ بِشَيْءٍ بَاشَرَهُ الْإِمَامُ لَمْ تَجُزْ، وَلَمْ نَقُلْ إنَّ فِيمَا بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ جَازَتْ الْمُخَالَفَةُ. وَاَلَّذِي يَحْسِمُ هَذِهِ الْمَادَّةَ أَنَّ الْمُخَالَفَةَ إنْ كَانَتْ لِإِتْمَامِ الْفَرْضِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ جَازَتْ بِالنَّصِّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ» وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَتْ فِيمَا ثَبَتَ ابْتِدَاءً كَالْمَسَائِلِ التِّسْعِ الْمُتَقَدِّمَةِ جَازَتْ؛ لِأَنَّهَا كَلَا مُخَالَفَةَ حَيْثُ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِالِاقْتِدَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ فِيمَا لَزِمَ عَمَّا بَاشَرَهُ أَحَدُهُمَا كَاَلَّتِي نَحْنُ فِيهَا لَمْ تَجُزْ لِأَدَائِهَا إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ الْمُنَافِي لِوَضْعِ الْإِمَامَةِ. قَالَ (وَمَنْ سَهَا عَنْ الْقَعْدَةِ الْأُولَى) أَيْ وَمَنْ سَهَا عَنْ الْقَعْدَةِ الْأُولَى فِي الْفَرَائِضِ الرُّبَاعِيَّةِ أَوْ الثُّلَاثِيَّةِ (ثُمَّ تَذَكَّرَ) فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ بِأَنْ لَمْ يَرْفَعْ رُكْبَتَيْهِ، أَوْ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ بِأَنْ رَفَعَهُمَا (فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ عَادَ وَقَعَدَ وَتَشَهَّدَ لِأَنَّ مَا يَقْرُبُ مِنْ الشَّيْءِ يَأْخُذُ حُكْمَهُ) كَفِنَاءِ الْمِصْرِ لَهُ حُكْمُ الْمِصْرِ فِي حَقِّ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ. وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ السَّجْدَةِ، فَقِيلَ يَسْجُدُ؛ لِأَنَّهُ أَخَّرَ وَاجِبًا بِقَدْرِ مَا اشْتَغَلَ بِالْقِيَامِ، وَقِيلَ لَا يَسْجُدُ وَهُوَ الْأَصَحُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا قَرُبَ مِنْ الشَّيْءِ يَأْخُذُ حُكْمَهُ فَصَارَ كَمَا إذَا لَمْ يَقُمْ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي لَمْ يَعُدْ؛ لِأَنَّهُ

لِلتَّأْخِيرِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ كَمَا إذَا لَمْ يَقُمْ (وَلَوْ كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ لَمْ يَعُدْ) لِأَنَّهُ كَالْقَائِمِ مَعْنًى (يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ) لِأَنَّهُ تَرَكَ الْوَاجِبَ. (وَإِنْ سَهَا عَنْ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ حَتَّى قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ رَجَعَ إلَى الْقَعْدَةِ مَا لَمْ يَسْجُدْ) لِأَنَّ فِيهِ إصْلَاحَ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالْقَائِمِ مَعْنًى لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَصْلِ، وَلَوْ قَامَ مَا جَازَ لَهُ الْعَوْدُ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَرْكُ الْفَرْضِ وَهُوَ الْقِيَامُ لِأَجْلِ الْوَاجِبِ وَهُوَ الْقُعُودُ الْأَوَّلُ. وَلَا يَلْزَمُ سَجْدَتَا التِّلَاوَةِ فَإِنَّهُ يَتْرُكُ الْفَرْضَ لِأَجْلِهَا، وَهُنَّ وَاجِبَةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةَ كَانُوا يَسْجُدُونَ وَيَتْرُكُونَ الْقِيَامَ لِأَجْلِهَا وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْوَاجِبَ. وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ فَسَبَّحُوا لَهُ، فَعَادَ الْمَرْوِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَعُدْ وَسَبَّحَ لَهُمْ فَقَامُوا» . وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ أَنَّهُ عَادَ حِينَ لَمْ يَتِمَّ قَائِمًا وَلَمْ يَعُدْ بَعْدَ مَا تَمَّ قَائِمًا. (وَإِنْ سَهَا عَنْ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ حَتَّى قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ) فِي الرُّبَاعِيَّةِ وَالرَّابِعَةِ فِي الثُّلَاثِيَّةِ وَالثَّالِثَةِ فِي الثُّنَائِيَّةِ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ مَا قَعَدَ عَلَى الرَّابِعَةِ أَوْ لَا يَكُونُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُقَيِّدَ الْخَامِسَةَ بِالسَّجْدَةِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي (رَجَعَ إلَى الْقَعْدَةِ) ؛ لِأَنَّ إصْلَاحَ الصَّلَاةِ بِهِ مُمْكِنٌ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ عَمَلُهُ احْتِرَازًا عَنْ الْبُطْلَانِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّهُ

صَلَاتِهِ وَأَمْكَنَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ بِمَحَلِّ الرَّفْضِ. قَالَ (وَأَلْغَى الْخَامِسَةَ) لِأَنَّهُ رَجَعَ إلَى شَيْءٍ مَحَلُّهُ قَبْلَهَا فَتَرْتَفِضُ (وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ) لِأَنَّهُ أَخَّرَ وَاجِبًا. (وَإِنْ قَيَّدَ الْخَامِسَةَ بِسَجْدَةٍ بَطَلَ فَرْضُهُ) عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ اسْتَحْكَمَ شُرُوعَهُ فِي النَّافِلَةِ قَبْلَ إكْمَالِ أَرْكَانِ الْمَكْتُوبَةِ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ خُرُوجُهُ عَنْ الْفَرْضِ وَهَذَا لِأَنَّ الرَّكْعَةَ بِسَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ صَلَاةٌ حَقِيقَةً حَتَّى يَحْنَثَ بِهَا فِي يَمِينِهِ لَا يُصَلِّي (وَتَحَوَّلَتْ صَلَاتُهُ نَفْلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) خِلَافًا ـــــــــــــــــــــــــــــQمُمْكِنٌ (؛ لِأَنَّ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ بِمَحَلِّ الرَّفْضِ) لِكَوْنِهِ لَيْسَ بِصَلَاةٍ وَلَا لَهُ حُكْمُهَا، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي لَا يَحْنَثُ بِمَا دُونَ الرَّكْعَةِ (وَأَلْغَى الْخَامِسَةَ؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ إلَى شَيْءٍ مَحَلُّهُ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ مَا فَعَلَ وَهُوَ الْخَامِسَةُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ قَبْلَهَا وَهُوَ وَاضِحٌ، وَكُلُّ مَنْ رَجَعَ مِنْ فِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ إلَى شَيْءٍ مَحَلُّهُ قَبْلَهُ يَرْتَفِضُ ذَلِكَ الْفِعْلُ الْمَرْجُوعُ عَنْهُ كَمَا إذَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ تَذَكَّرَ السَّجْدَةَ الصُّلْبِيَّةَ أَوْ التِّلَاوَةَ فَسَجَدَ لَهُمَا ارْتَفَضَتْ الْقَعْدَةُ لِمَا أَنَّ مَحَلَّهَا قَبْلَ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ (وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ أَخَّرَ وَاجِبًا) وَهُوَ إصَابَةُ لَفْظِ السَّلَامِ. وَقِيلَ وَاجِبًا قَطْعِيًّا وَهُوَ الْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ بَطَلَ فَرْضُهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ رَوَى «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا» وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ قَعَدَ فِي الرَّابِعَةِ، وَلَا أَنَّهُ أَعَادَ صَلَاتَهُ. وَلَنَا أَنَّهُ اسْتَحْكَمَ شُرُوعَهُ فِي النَّافِلَةِ قَبْلَ إكْمَالِ أَرْكَانِ الْمَكْتُوبَةِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا هُوَ صَلَاةٌ أُخْرَى حَقِيقَةً لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْأَرْكَانِ، وَحُكْمًا؛ لِأَنَّهُ حَكَمَ الشَّرْعُ وُجُودَهَا، وَأَوْجَبَ الْحِنْثَ عَلَى مَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي فَصَلَّى رَكْعَةً، وَكُلُّ مَنْ اسْتَحْكَمَ شُرُوعَهُ فِي النَّافِلَةِ قَبْلَ إكْمَالِ أَرْكَانِ الْمَكْتُوبَةِ خَرَجَ عَنْ الْفَرْضِ لِلْمُنَافَاةِ بَيْنَ الْفَرْضِ

لِمُحَمَّدٍ عَلَى مَا مَرَّ (فَيَضُمُّ إلَيْهَا رَكْعَةً سَادِسَةً وَلَوْ لَمْ يَضُمَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ مَظْنُونٌ، ثُمَّ إنَّمَا يَبْطُلُ فَرْضُهُ بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ سُجُودٌ كَامِلٌ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِرَفْعِهِ لِأَنَّ تَمَامَ الشَّيْءِ بِآخِرِهِ وَهُوَ الرَّفْعُ وَلَمْ يَصِحَّ مَعَ الْحَدَثِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالنَّفَلِ، وَقَدْ تَحَقَّقَ أَحَدُ الْمُتَنَافِيَيْنِ فَيَنْتَفِي الْآخَرُ ضَرُورَةً. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ بِوُجُودِ الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ بَعْدَ أَرْبَعٍ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ اسْتَحْكَمَ الشُّرُوعَ فِي النَّفْلِ لِمَ لَا يَمْنَعُ مَا سَبَقَ مِنْ رَكَعَاتِ الْمَكْتُوبَةِ عَنْ الِاسْتِحْكَامِ سَلَّمْنَاهُ، لَكِنْ مَا سَبَقَ مِنْ رَكَعَاتِ الْمَكْتُوبَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ أَشَدَّ اسْتِحْكَامًا لِكَوْنِهِ كَثِيرًا وَفَرْضًا فَلَا أَقَلَّ مِنْ الْمُسَاوَاةِ، وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ بُطْلَانُ الْفَرْضِ أَوْلَى مِنْ بُطْلَانِ النَّفْلِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الِاسْتِحْكَامَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْوُجُودِ فِي الْخَارِجِ وَقَدْ تَحَقَّقَ وُجُودُهُ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ مَا ذَكَرْتُمْ مَانِعًا لَمَا تَحَقَّقَ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْمُرَادَ بِبُطْلَانِ الْفَرْضِ بُطْلَانُ وَصْفِ الْفَرْضِيَّةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ بُطْلَانَ وَصْفِ الْفَرْضِيَّةِ وَتَحَوُّلَهُ نَفْلًا أَوْلَى مِنْ بُطْلَانِ أَصْلِ الصَّلَاةِ وَوَصْفِهَا وَفِي إبْطَالِ النَّفْلِ ذَلِكَ فَكَانَ الْأَوَّلُ أَوْلَى. وَتَأْوِيلُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فِي الرَّابِعَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الرَّاوِي «صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا» وَالظُّهْرُ اسْمٌ لِجَمِيعِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَمِنْهَا الْقَعْدَةُ، وَإِنَّمَا قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا الثَّالِثَةُ حَمْلًا لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى مَا هُوَ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ. وَقَوْلُهُ: (عَلَى مَا مَرَّ) إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرَ فِي بَابِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ مِنْ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمْ. وَقَوْلُهُ: (فَيَضُمُّ إلَيْهَا رَكْعَةً سَادِسَةً) يَعْنِي عِنْدَهُمَا، وَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ سَجْدَةُ السَّهْوِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ. وَاخْتَلَفُوا فِيهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ بِالْفَسَادِ لَا يُجْبَرُ بِالسَّجْدَةِ (وَلَوْ لَمْ يَضُمَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَظْنُونٌ) وَالْمَظْنُونُ غَيْرُ مَضْمُونٍ (ثُمَّ إنَّمَا يَبْطُلُ فَرْضُهُ بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ سُجُودٌ كَامِلٌ) ؛ لِأَنَّ السُّجُودَ حَقِيقَةٌ فِي وَضْعِ الْجَبْهَةِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِرَفْعِهِ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الشَّيْءِ بِآخِرِهِ وَهُوَ الرَّفْعُ وَلَمْ يَصِحَّ الرَّفْعُ مَعَ الْحَدَثِ)

وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي السُّجُودِ بَنَى عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. (وَلَوْ قَعَدَ فِي الرَّابِعَةِ ثُمَّ قَامَ وَلَمْ يُسَلِّمْ عَادَ إلَى الْقَعْدَةِ مَا لَمْ يَسْجُدْ لِلْخَامِسَةِ وَسَلَّمَ) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِي حَالَةِ الْقِيَامِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَأَمْكَنَهُ الْإِقَامَةُ عَلَى وَجْهِهِ بِالْقُعُودِ لِأَنَّ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ بِمَحَلِّ الرَّفْضِ. (وَإِنْ قَيَّدَ الْخَامِسَةَ بِالسَّجْدَةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ ضَمَّ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى وَتَمَّ فَرْضُهُ) لِأَنَّ الْبَاقِيَ إصَابَةُ لَفْظَةِ السَّلَامِ وَهِيَ وَاجِبَةٌ، وَإِنَّمَا يَضُمُّ إلَيْهَا أُخْرَى لِتَصِيرَ الرَّكْعَتَانِ نَفْلًا لِأَنَّ الرَّكْعَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تُجْزِئُهُ «لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الْبَتْرَاءِ» ، ثُمَّ لَا تَنُوبَانِ عَنْ سُنَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَمْ يَتِمَّ السُّجُودُ (وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي هَذَا السُّجُودِ) فَذَهَبَ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ لَمْ يَقْعُدْ فِي الرَّابِعَةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَوَضَّأُ وَيَعُودُ إلَى الْقَعْدَةِ وَيَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ بِإِتْمَامِهَا بِالتَّشَهُّدِ وَالسَّلَامِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَبْنِي؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ فَسَدَتْ بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ وَلَا بِنَاءَ عَلَى الْفَاسِدِ. قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ أَرْفَقُ وَأَقْيَسُ؛ لِأَنَّ السُّجُودَ لَوْ تَمَّ قَبْلَ الرَّفْعِ وَجَعَلَ دَوَامَهُ كَتَكْرَارِهِ لَمْ يَنْقُضْهُ الْحَدَثُ: يَعْنِي بِالِاتِّفَاقِ أَنَّ الْحَدَثَ يَنْقُضُ كُلَّ رُكْنٍ وُجِدَ هُوَ فِيهِ، حَتَّى لَوْ تَوَضَّأَ وَبَنَى عَلَى صَلَاتِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ إعَادَةُ ذَلِكَ الرُّكْنِ الَّذِي وُجِدَ فِيهِ الْحَدَثُ، وَلَوْ تَمَّ السُّجُودُ بِالْوَضْعِ لَمَا اُحْتِيجَ إلَى إعَادَتِهِ كَمَا لَوْ وَجَدَ الْحَدَثَ بَعْدَ الرَّفْعِ. (وَإِنْ كَانَ قَعَدَ فِي الرَّابِعَةِ) فَلَا يَخْلُوَ إمَّا أَنْ يُقَيِّدَ الْخَامِسَةَ بِالسَّجْدَةِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَحُكْمُهُ كَحُكْمِهِ فِيمَا إذَا لَمْ يَقْعُدْ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ ثُمَّ تَذَكَّرَ ضَمَّ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى وَتَمَّ فَرْضُهُ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ إصَابَةُ لَفْظِ السَّلَامِ، وَبِتَرْكِهَا لَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ. وَقَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا يَضُمُّ إلَيْهَا أُخْرَى) ظَاهِرٌ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ الضَّمَّ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ أَوْ جَائِزٌ، وَلَفْظُ الْأَصْلِ يَدُلُّ عَلَى

الظُّهْرِ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْمُوَاظَبَةَ عَلَيْهَا بِتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ (وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ اسْتِحْسَانًا) لِتَمَكُّنِ النُّقْصَانِ فِي الْفَرْضِ بِالْخُرُوجِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ. وَفِي النَّفْلِ بِالدُّخُولِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ، وَلَوْ قَطَعَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ مَظْنُونٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِيجَابِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: عَلَيْهِ أَنْ يُضِيفَ وَكَلِمَةُ عَلَى لِلْإِيجَابِ. وَقَوْلُهُ: (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ إنَّهُمَا يَنُوبَانِ عَنْ سُنَّةِ الظُّهْرِ، وَجْهُ الصَّحِيحِ أَنَّ السُّنَّةَ عِبَارَةٌ عَنْ طَرِيقَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ كَانَ يَتَطَوَّعُ فِي الظُّهْرِ بِتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ قَصْدًا. وَقَوْلُهُ: (وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ اسْتِحْسَانًا) يَعْنِي أَنَّ الْقِيَاسَ أَلَّا يَسْجُدَ؛ لِأَنَّ هَذَا سَهْوٌ وَقَعَ فِي الْفَرْضِ وَقَدْ انْتَقَلَ مِنْهُ إلَى النَّفْلِ، وَمَنْ سَهَا فِي صَلَاةٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ النُّقْصَانَ قَدْ تَمَكَّنَ فِي الْفَرْضِ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ لَا عَلَى وَجْهِ الْمَسْنُونِ وَهُوَ الْخُرُوجُ بِإِصَابَةِ لَفْظَةِ السَّلَامِ، وَهَذَا مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ، وَفِي النَّفْلِ بِالدُّخُولِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ وَهُوَ الْمَشْرُوعُ فِيهِ بِتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُوجِبُ السَّجْدَةَ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى؛ لِأَنَّ مَنْ قَامَ مِنْ الْفَرْضِ إلَى النَّفْلِ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ وَلَا تَكْبِيرٍ عَمْدًا لَمْ يُعَدُّ ذَلِكَ نَقْصًا فِي النَّقْلِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ وَجْهَيْ الشُّرُوعِ فِي النَّفْلِ، وَإِنَّمَا هُوَ نَقْصٌ فِي الْفَرْضِ، وَلَمَّا كَانَ النَّفَلُ بِنَاءً عَلَى التَّحْرِيمَةِ الْأُولَى جُعِلَ فِي حَقِّ وُجُوبِ سَجْدَةِ السَّهْوِ كَأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ، كَمَنْ تَنَفَّلَ بِسِتِّ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَسَهَا فِي الْأُولَى فَإِنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ كُلُّ شَفْعٍ مِنْهَا صَلَاةً عَلَى حِدَةٍ لَكِنَّ التَّحْرِيمَةَ وَاحِدَةٌ. (وَلَوْ قَطَعَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ مَظْنُونٌ) خِلَافًا لِزُفَرَ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى عِنْدَهُ فِي نَفْلٍ لَازِمٍ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ. قُلْنَا: شَرَعَ عَلَى أَنَّهُ مُسْقِطٌ

وَلَوْ اقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ فِيهِمَا يُصَلِّي سِتًّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ الْمُؤَدَّى بِهَذِهِ التَّحْرِيمَةِ، وَعِنْدَهُمَا رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهُ اسْتَحْكَمَ خُرُوجُهُ عَنْ الْفَرْضِ وَلَوْ أَفْسَدَهُ الْمُقْتَدِي فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ اعْتِبَارًا بِالْإِمَامِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّ السُّقُوطَ بِعَارِضٍ يَخُصُّ الْإِمَامَ. قَالَ (وَمَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا مُلْزِمٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فَسَقَطَ أَصْلًا لِئَلَّا يَلْزَمَ إلْزَامُ مَا لَا يَلْزَمُ. (وَلَوْ اقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ فِيهِمَا لَزِمَهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ سِتُّ رَكَعَاتٍ) إنْ اقْتَدَى بِهِ فِي الْخَامِسَةِ يَأْتِي بَعْدَ الْإِمَامِ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ، وَإِنْ اقْتَدَى بِهِ فِي السَّادِسَةِ يَأْتِي بَعْدَهُ بِخَمْسِ رَكَعَاتٍ، يُصَلِّي رَكْعَةً وَيَقْعُدُ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَيَقْعُدُ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَيَقْعُدُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا شَرَعَ فِي تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ لَزِمَهُ مَا أَدَّى بِهَا الْإِمَامُ وَقَدْ أَدَّى الْإِمَامُ سِتًّا (وَعِنْدَهُمَا لَزِمَهُ رَكْعَتَانِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحْكَمَ خُرُوجُهُ مِنْ الْفَرْضِ) فَلَا يَلْزَمُ غَيْرُ هَذَا الشَّفْعِ (وَلَوْ أَفْسَدَهُ الْمُقْتَدِي لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ اعْتِبَارًا بِمَا إذَا أَفْسَدَهُ الْإِمَامُ) فَإِنَّ حَالَ الْمَأْمُومِ لَا يَكُونُ أَقْوَى حَالًا مِنْ الْإِمَامِ وَإِلَّا لَزِمَ زِيَادَةُ الْفَرْعِ عَلَى الْأَصْلِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ السُّقُوطَ بِعَارِضٍ يَخُصُّ الْإِمَامَ) تَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِلْوُجُوبِ وَهُوَ الشُّرُوعُ مِنْ الْمُخَاطَبِ بِالنَّهْيِ عَنْ الْإِبْطَالِ قَامَ فِي حَقِّ الْإِمَامِ، فَكَذَا فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ لِبِنَاءِ صَلَاتِهِ عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا عَمَلًا بِالْمُقْتَضِي إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ عَنْ الْإِمَامِ بِعَارِضٍ يَخُصُّهُ وَهُوَ شُرُوعُهُ فِي النَّفْلِ لَا عَلَى قَصْدِ النَّفْلِ، وَمَا خُصَّ بِهِ لَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ أَيْضًا قَوِيٌّ بِالنَّظَرِ إلَى وُجُودِ الْمُقْتَضِي، وَفَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَا إذَا لَمْ يَقْعُدْ عَلَى الرَّابِعَةِ بِأَنَّ هُنَاكَ بَطَلَ فَرْضُهُ وَكَانَ الْإِحْرَامُ فِي الِابْتِدَاءِ مُنْعَقِدًا لِسِتٍّ، فَإِذَا اقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ لَزِمَهُ مُوجِبُ تِلْكَ التَّحْرِيمَةِ، وَأَمَّا هَاهُنَا فَقَدْ تَمَّ فَرْضُهُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَشَرَعَ فِي النَّفْلِ وَالْمُقْتَدِي اقْتَدَى بِهِ فِي النَّفْلِ فَلَا يَلْزَمُ غَيْرُ رَكْعَتَيْنِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ هُنَاكَ صَلَاةً وَاحِدَةً فَيَلْزَمُ الْجَمِيعُ، وَهَاهُنَا صَلَاتَيْنِ فَيَلْزَمُ الْأَخِيرَةُ. قِيلَ كَانَ مِنْ حَقِّ الْكَلَامِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ بِدَلِيلِ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَعِنْدَهُمَا يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ وَبِدَلِيلِ مَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ، وَعِنْدَهُمَا يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ الِاخْتِلَافَ عَلَى مَا وَقَعَ فِي الْكِتَابِ، فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ وَقَفَ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ فَنَقَلَهُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِمَا مُتَّفِقِينَ عَلَيْهِمَا فِي مَسْأَلَةِ اتِّفَاقِهِمَا فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى فَإِنَّهُمَا مَسْأَلَتَانِ. قَالَ (وَمَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا) الْأَصْلُ أَنَّ وُقُوعَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ بَيْنَ شَفْعَيْ الصَّلَاةِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، ثُمَّ إمَّا أَنْ يَكُونَ الشَّفْعَانِ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ أَوْ

فَسَهَا فِيهِمَا وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ أُخْرَيَيْنِ لَمْ يَبْنِ) لِأَنَّ السُّجُودَ يَبْطُلُ لِوُقُوعِهِ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ إذَا سَجَدَ السَّهْوَ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ حَيْثُ يَبْنِي لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبْنِ يُبْطِلُ جَمِيعَ الصَّلَاةِ، وَمَعَ هَذَا لَوْ أَدَّى صَحَّ لِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ. (وَمَنْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ فَدَخَلَ رَجُلٌ فِي صَلَاتِهِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ، فَإِنْ سَجَدَ الْإِمَامُ كَانَ دَاخِلًا وَإِلَّا فَلَا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ دَاخِلٌ سَجَدَ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَسْجُدْ، لِأَنَّ عِنْدَهُ سَلَامُ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الصَّلَاةِ أَصْلًا لِأَنَّهَا وَجَبَتْ جَبْرًا لِلنُّقْصَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي إحْرَامِ الصَّلَاةِ وَعِنْدَهُمَا يُخْرِجُهُ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَرْضِ. فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ كَمَا إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا (فَسَهَا فِيهِمَا وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ أُخْرَيَيْنِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أُخْرَاوَيْنِ وَلَيْسَ بِصَوَابٍ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ السَّجْدَةَ بِلَا ضَرُورَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَدَّى صَحَّتْ بِدُونِ مَا يَبْنِي فَلَا ضَرُورَةَ فِي الْبِنَاءِ بَلْ فِيهِ إحْرَازُ فَضِيلَةِ الدَّوَامِ، وَفِيهِ نَقْضُ الْوَاجِبِ وَالِاحْتِرَازُ عَنْ نَقْضِ الْوَاجِبِ أَوْلَى وَمَعَ هَذَا لَوْ بَنَى صَحَّ لِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَإِنْ بَنَى عَلَى ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُعِيدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَنَى حَصَلَتْ السَّجْدَتَانِ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِمَا وَكَانَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ. وَإِنْ كَانَ الثَّانِي كَمَا إذَا سَجَدَ الْمُسَافِرُ لِلسَّهْوِ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبْنِ وَقَدْ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَفِي الْبِنَاءِ نَقْضُ الْوَاجِبِ وَنَقْضُ الْوَاجِبِ أَدْنَى فَيُحْتَمَلُ دَفْعًا لِلْأَعْلَى. وَقَوْلُهُ: (وَمَنْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ) أَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَخَوَاتِهَا أَنَّ سَلَامَ مَنْ عَلَيْهِ سَجْدَةُ السَّهْوِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لَا خُرُوجًا مَوْقُوفًا وَلَا بَاتًّا، وَعِنْدَهُمَا يُخْرِجُهُ خُرُوجًا مَوْقُوفًا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ إنْ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ حَكَمْنَا بِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ وَإِلَّا فَلَا. لِمُحَمَّدٍ أَنَّ السَّجْدَةَ وَجَبَتْ جَبْرًا لِنُقْصَانٍ تَمَكَّنَ فِي الْمُؤَدَّى بِالِاتِّفَاقِ. وَالْجَبْرُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا كَانَ الْمَجْبُورُ قَائِمًا، وَقِيَامُهُ بِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ فَيُحْكَمُ بِبَقَائِهَا تَحْصِيلًا لِلْغَرَضِ الْمَطْلُوبِ. وَلَهُمَا أَنَّ السَّلَامَ مُحَلِّلٌ فِي نَفْسِهِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا لَا يَعْمَلُ ضَرُورَةَ الْحَاجَةِ إلَى أَدَاءِ السَّجْدَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ إذَا لَمْ يَعُدْ فَيَعْمَلُ عَمَلَهُ لِتَحَقُّقِ الْمُقْتَضِي وَزَوَالِ الْمَانِعِ وَهَذَا يَجُرُّ إلَى تَخْلِيصِ الْعِلَّةِ كَمَا تَرَى وَالْمُخَلِّصُ مَعْلُومٌ. لَا يُقَالُ: إذَا كَانَ بَقَاءُ التَّحْرِيمَةِ ضَرُورَةَ أَدَاءِ السَّجْدَةِ يَنْبَغِي أَلَّا يَتَعَدَّى إلَى جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ تَشْكِيكٌ فِي الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ مَسْمُوعًا، وَإِذَا عُرِفَ هَذَا الْأَصْلُ تَجْرِي عَلَيْهِ الْفُرُوعُ، مِنْهَا مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ

سَبِيلِ التَّوَقُّفِ لِأَنَّهُ مُحَلِّلٌ فِي نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا لَا يَعْمَلُ لِحَاجَتِهِ إلَى أَدَاءِ السَّجْدَةِ فَلَا يَظْهَرُ دُونَهَا، وَلَا حَاجَةَ عَلَى اعْتِبَارِ عَدَمِ الْعَوْدِ، وَيَظْهَرُ الِاخْتِلَافُ فِي هَذَا وَفِي انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ بِالْقَهْقَهَةِ وَتَغَيُّرِ الْفَرْضِ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ الِاقْتِدَاءَ صَحِيحٌ عَلَى سَبِيلِ الْبَتَاتِ، وَعِنْدَهُمَا عَلَى سَبِيلِ التَّوَقُّفِ. وَمِنْهَا انْتِقَاضُ الطَّهَارَةِ بِالْقَهْقَهَةِ عِنْدَهُ تَنْتَقِضُ لِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ خِلَافًا لَهُمَا، وَمِنْهَا تَغَيُّرُ الْفَرْضِ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عِنْدَهُ يَتَغَيَّرُ لِكَوْنِهَا فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ كَمَا لَوْ نَوَى قَبْلَ السَّلَامِ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَغَيَّرُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ الْخُرُوجُ مَوْقُوفًا كَانَ خَارِجًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ عِنْدَهُمَا كَحُكْمِهَا عِنْدَهُ احْتِيَاطًا. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ مَعْنَاهُ الْخُرُوجَ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، بَلْ مَعْنَاهُ الْخُرُوجُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَكِنْ بِعُرْضَةِ الْعَوْدِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ.

وَ (مَنْ سَلَّمَ يُرِيدُ بِهِ قَطْعَ الصَّلَاةِ وَعَلَيْهِ سَهْوٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ) لِأَنَّ هَذَا السَّلَامَ غَيْرُ قَاطِعٍ وَنِيَّتُهُ تَغْيِيرُ الْمَشْرُوعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: (وَمَنْ سَلَّمَ يُرِيدُ بِهِ قَطْعَ الصَّلَاةِ) يَعْنِي فِي عَزْمِهِ أَلَّا يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ (فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ) فِي مَجْلِسِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ أَوْ يَتَكَلَّمَ وَفِي رِوَايَةٍ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ أَوْ يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَهَذِهِ تُفِيدُ أَنَّ الِانْحِرَافَ عَنْ الْقِبْلَةِ فِي الْمَسْجِدِ غَيْرُ مَانِعٍ عَنْ السُّجُودِ. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّ هَذَا السَّلَامَ) أَيْ سَلَامَ مَنْ عَلَيْهِ سَجْدَةُ السَّهْوِ (غَيْرُ قَاطِعٌ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ، أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ مُحَلِّلًا، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُحَلِّلًا فَهُوَ مُحَلِّلٌ عَلَى سَبِيلِ التَّوَقُّفِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْبَتَاتِ، وَكُلُّ مَا لَمْ يُشْرَعْ قَاطِعًا لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقَطْعَ لَا يَحْصُلُ بِالسَّلَامِ فَبَقِيَتْ نِيَّتُهُ، وَهِيَ لَا تَصْلُحُ لِلْقَطْعِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ أَنَّ السَّلَامَ غَيْرُ قَاطِعٍ شَرْعًا فَجَعْلُهُ قَاطِعًا بِالنِّيَّةِ تَغْيِيرُ الْمَشْرُوعِ وَهُوَ لَا يَتَغَيَّرُ بِالْقَصْدِ وَالْعَزَائِمِ وَاعْتُرِضَ بِوَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّ السَّلَامَ وَحْدَهُ مُخْرِجٌ عَنْ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ عِنْدَهُمَا فَكَيْفَ لَا يَكُونُ مُخْرِجًا مَعَ نِيَّةِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَطْعِ، وَهَلْ هَذَا إلَّا تَنَاقُضٌ، فَإِنَّ غَايَةَ مَا فِي الْبَابِ أَلَّا تَكُونَ النِّيَّةُ مُعْتَبَرَةً، وَأَمَّا السَّلَامُ وَحْدَهُ فَمَوْجُودٌ فَكَأَنَّهُمَا قَالَا السَّلَامُ مُخْرِجٌ السَّلَامُ غَيْرُ مُخْرِجٍ. وَالثَّانِي أَنَّ نِيَّةَ الِاشْتِرَاكِ تُغَيِّرُ أَفْضَلَ الْمَشْرُوعَاتِ، وَمَعَ ذَلِكَ إذَا نَوَاهُ غَيَّرَ الْإِيمَانَ فِي الْحَالِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ سَلَامَ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ مُخْرِجٌ عَنْ إحْرَامِ الصَّلَاةِ لَكِنْ عَلَى عَرْضِيَّةِ الْعَوْدِ إلَيْهِ بِالسُّجُودِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِقَةٍ بَيْنَ أَنْ يَنْوِيَ الْعَوْدَ أَوْ يَنْوِيَ عَدَمَ الْعَوْدِ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَإِنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ لِنِيَّتِهِ. وَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى كَانَتْ لِبَيَانِ الْإِطْلَاقِ وَهَذِهِ لِبَيَانِ التَّقْيِيدِ وَلَا تَنَاقُضَ فِي ذَلِكَ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ كَلَامَنَا أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ سَلَامَ السَّاهِي

فَلَغَتْ. (وَمَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَثْلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا وَذَلِكَ أَوَّلُ مَا عَرَضَ لَهُ اسْتَأْنَفَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ أَنَّهُ كَمْ صَلَّى فَلْيَسْتَقْبِلْ الصَّلَاةَ» (وَإِنْ كَانَ يَعْرِضُ لَهُ كَثِيرًا بَنَى عَلَى أَكْبَرِ رَأْيِهِ) لِقَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرَ قَاطِعٍ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَجْعَلَهُ قَاطِعًا بِقَصْدِهِ وَعَزِيمَتِهِ. وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ لِلْمَشْرُوعِ، وَلَيْسَ مِنْ قَصْدِ مَنْ يَنْوِي الِاشْتِرَاكَ أَنْ يَجْعَلَ الْإِيمَانَ الْمَشْرُوعَ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِقَصْدِهِ وَعَزِيمَتِهِ فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ فَتَأَمَّلْهُ يُغْنِكَ عَمَّا طُوِّلَ فِي الْكُتُبِ. قَالَ (وَمَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ) وَمَنْ شَكَّ فِي كَمِّيَّةِ مَا صَلَّى فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ مَا عَرَضَ الشَّكُّ لَهُ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ اسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ. وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ أَوَّلَ مَا عَرَضَ لَهُ، قَالَ صَاحِبُ الْأَجْنَاسِ مَعْنَاهُ أَوَّلُ مَا سَهَا فِي عُمُرِهِ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ مَعْنَاهُ: أَنَّ السَّهْوَ لَيْسَ بِعَادَةٍ لَهُ لَا أَنَّهُ لَمْ يَسْهُ قَطُّ، وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: يَعْنِي فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ وَهُمَا قَرِيبَانِ. وَإِنْ كَانَ الثَّانِي، وَهُوَ أَنْ يَعْرِضَ لَهُ الشَّكُّ كَثِيرًا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ رَأْيٌ أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ بَنِي عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَنَى عَلَى الْأَقَلِّ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ» (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَثْلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا بَنَى عَلَى الْأَقَلِّ» وَالِاسْتِقْبَالُ بِالسَّلَامِ أَوْلَى، لِأَنَّهُ عُرِفَ مُحَلِّلًا دُونَ الْكَلَامِ، وَمُجَرَّدُ النِّيَّةِ يَلْغُو، وَعِنْدَ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَقَلِّ يَقْعُدُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَتَوَهَّمُ آخِرَ صَلَاتِهِ كَيْ لَا يَصِيرَ تَارِكًا فَرْضَ الْقِعْدَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ «إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ أَنَّهُ كَمْ صَلَّى فَلْيَسْتَقْبِلْ الصَّلَاةَ» وَرُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ» وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَثْلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا بَنَى عَلَى الْأَقَلِّ» وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّوْفِيقَ لَا بُدَّ مِنْهُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ مَهْمَا أَمْكَنَ، وَقَدْ أَمْكَنَ بِحَمْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ فَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ عَلَى الصُّورَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ فِيهِ الْأَمْرَ بِالِاسْتِقْبَالِ وَذَلِكَ يُنَاسِبُ الصُّورَةَ الْأُولَى لِعَدَمِ التَّكْرَارِ الْمُفْضِي إلَى الْحَرَجِ بِتَرْكِ الِاسْتِقْبَالِ، وَيُحْمَلُ الثَّانِي عَلَى الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ الْأَمْرَ بِالتَّحَرِّي الَّذِي هُوَ طَلَبُ الْأَحْرَى، وَالْأَحْرَى هُوَ مَا يَكُونُ أَكْثَرُ رَأْيِهِ عَلَيْهِ، وَتَعَيُّنُ الثَّالِثِ لِلثَّالِثَةِ يَقْتَضِي الشَّكَّ وَالْأَمْرَ بِالْبِنَاءِ عَلَى الْأَقَلِّ. وَقَوْلُهُ: (وَالِاسْتِقْبَالُ بِالسَّلَامِ أَوْلَى) يَتَعَلَّقُ بِأَوْلَى الصُّوَرِ: يَعْنِي إذَا اسْتَأْنَفَ، وَالِاسْتِئْنَافُ بِالسَّلَامِ أَوْلَى لَا بِالْكَلَامِ أَوْ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ (لِأَنَّهُ) أَيْ السَّلَامَ (عُرِفَ مُحَلِّلًا دُونَ الْكَلَامِ وَمُجَرَّدُ النِّيَّةِ لَغْوٌ) مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِالْعَمَلِ الْقَاطِعِ. وَقَوْلُهُ: (وَعِنْدَ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَقَلِّ) يَتَعَلَّقُ بِأُخْرَاهَا، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الشَّكَّ إذَا وَقَعَ فِي ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ أَنَّهَا الْأُولَى أَوْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّانِيَةُ عَمِلَ بِالتَّحَرِّي، فَإِنْ لَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ بَنَى عَلَى الْأَقَلِّ فَيَجْعَلُهَا أُولَى ثُمَّ يَقْعُدُ لِجَوَازِ أَنَّهَا ثَانِيَتُهَا، وَالْقَعْدَةُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهَا وَاجِبَةٌ، ثُمَّ يَقُومُ وَيُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى وَيَقْعُدُ؛ لِأَنَّا جَعَلْنَاهَا فِي الْحُكْمِ ثَانِيَةً، ثُمَّ يَقُومُ وَيُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى وَيَقْعُدُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِجَوَازِ أَنَّهَا رَابِعَتُهَا، ثُمَّ يَقُومُ وَيُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى وَيَقْعُدُ؛ لِأَنَّا جَعَلْنَا رَابِعَتَهَا فِي الْحُكْمِ وَالْقَعْدَةُ فِيهَا فَرْضٌ، وَذَوَاتُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّلَاثِ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ، وَإِنْ وَقَعَ الشَّكُّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ التَّشَهُّدِ أَوْ بَعْدَ السَّلَامِ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ أَتَمَّ الصَّلَاةَ حَمْلًا لِأَمْرِهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الصَّلَاحِ وَهُوَ الْخُرُوجُ مِنْهَا عَلَى وَجْهِ التَّمَامِ.

[باب صلاة المريض]

(إذَا عَجَزَ الْمَرِيضُ عَنْ الْقِيَامِ صَلَّى قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى الْجَنْبِ تُومِئُ إيمَاءً» ؛ وَلِأَنَّ الطَّاعَةَ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ. قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ] ذَكَرَ صَلَاةَ الْمَرِيضِ عَقِبَ سُجُودِ السَّهْوِ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْعَوَارِضِ السَّمَاوِيَّةِ، وَالْأَوَّلُ أَعَمُّ مَوْقِعًا لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ صَلَاةَ الْمَرِيضِ وَالصَّحِيحِ فَكَانَتْ الْحَاجَةُ إلَى بَيَانِهِ أَمَسَّ فَقَدَّمَهُ (إذَا عَجَزَ الْمَرِيضُ) بِأَنْ يُلْحِقَهُ بِالْقِيَامِ ضَرَرٌ صَلَّى قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى الْجَنْبِ تُومِئُ إيمَاءً» وَإِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى بَعْضِ الْقِيَامِ وَلَوْ قَدْرَ آيَةٍ أَوْ تَكْبِيرَةٍ دُونَ تَمَامِهِ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ: يُؤْمَرُ بِأَنْ يَقُومَ مِقْدَارَ مَا يَقْدِرُ، فَإِذَا عَجَزَ قَعَدَ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ خَشِيت أَنْ تَفْسُدَ صَلَاتُهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَلَا يُرْوَى عَنْ أَصْحَابِنَا خِلَافُهُ لِأَنَّ الطَّاعَةَ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ مُتَّكِئًا، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُصَلِّي قَائِمًا مُتَّكِئًا، وَلَا يُجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إذَا قَدَرَ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى عَصًا أَوْ كَانَ لَهُ خَادِمٌ لَوْ

(فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ أَوْمَأَ إيمَاءً) يَعْنِي قَاعِدًا؛ لِأَنَّهُ وُسْعُ مِثْلِهِ (وَجَعَلَ سُجُودَهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ) ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُمَا فَأَخَذَ حُكْمَهُمَا (وَلَا يَرْفَعُ إلَى وَجْهِهِ شَيْئًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنْ قَدَرْت أَنْ تَسْجُدَ عَلَى الْأَرْضِ فَاسْجُدْ وَإِلَّا فَأَوْمِئْ بِرَأْسِك» فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَهُوَ يَخْفِضُ رَأْسَهُ أَجْزَأَهُ؛ لِوُجُودِ الْإِيمَاءِ، فَإِنَّ وَضْعَ ذَلِكَ عَلَى جَبْهَتِهِ لَا يُجْزِئُهُ لِانْعِدَامِهِ (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْقُعُود اسْتَلْقَى عَلَى ظَهْرِهِ وَجَعَلَ رِجْلَيْهِ إلَى الْقِبْلَةِ وَأَوْمَأَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يُصَلِّي الْمَرِيضُ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَى قَفَاهُ يُومِئُ إيمَاءً، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَحَقُّ بِقَبُولِ الْعُذْرِ مِنْهُ» قَالَ (وَإِنْ اسْتَلْقَى عَلَى جَنْبِهِ وَوَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ فَأَوْمَأَ [] جَازَ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQاتَّكَأَ عَلَيْهِ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ. (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ أَوْمَأَ إيمَاءً) يَعْنِي قَاعِدًا لِأَنَّهُ وَسِعَ مِثْلَهُ (وَجَعَلَ سُجُودَهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ لِأَنَّهُ) أَيْ الْإِيمَاءَ (قَائِمٌ مَقَامَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) فَأَخَذَ حُكْمَهُمَا (وَلَا يَرْفَعُ إلَى وَجْهِهِ شَيْئًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنْ قَدَرْت أَنْ تَسْجُدَ عَلَى الْأَرْضِ فَاسْجُدْ، وَإِلَّا فَأُومِ بِرَأْسِك» فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَإِمَّا أَنْ يَخْفِضَ رَأْسَهُ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَوْ لَا، فَإِنْ خَفَضَ جَازَ لِوُجُودِ الْإِيمَاءِ، وَإِلَّا فَلَا لِعَدَمِهِ. (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْقُعُودَ اسْتَلْقَى عَلَى ظَهْرِهِ وَجَعَلَ وِسَادَةً تَحْتَ رَأْسِهِ) حَتَّى يَكُونَ شِبْهَ الْقَاعِدِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْإِيمَاءِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إذْ حَقِيقَةُ الِاسْتِلْقَاءِ يَمْنَعُ الْأَصِحَّاءَ عَنْ الْإِيمَاءِ. فَكَيْفَ بِالْمَرْضَى لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُصَلِّي الْمَرِيضُ» الْحَدِيثَ. وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَاَللَّهُ تَعَالَى أَحَقُّ بِقَبُولِ الْعُذْرِ مِنْهُ» فَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِسُقُوطِ الْقَضَاءِ عَنْهُ عِنْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِيمَاءِ قَالَ أَحَقُّ بِقَبُولِ عُذْرِ التَّأْخِيرِ دُونَ الْإِسْقَاطِ، وَمَنْ قَالَ بِسُقُوطِهِ عِنْدَ ذَلِكَ قَالَ أَحَقُّ بِقَبُولِ عُذْرِ الْإِسْقَاطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَقَوْلُهُ (لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ) أَيْ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ

إلَّا أَنَّ الْأُولَى هِيَ الْأَوْلَى عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ إشَارَةَ الْمُسْتَلْقِي تَقَعُ إلَى هَوَاءِ الْكَعْبَةِ، وَإِشَارَةَ الْمُضْطَجِعِ عَلَى جَنْبِهِ إلَى جَانِبِ قَدَمَيْهِ، وَبِهِ تَتَأَدَّى الصَّلَاةُ. (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْإِيمَاءَ بِرَأْسِهِ أُخِّرَتْ الصَّلَاةُ عَنْهُ، وَلَا يُومِئُ بِعَيْنِهِ وَلَا بِقَلْبِهِ وَلَا بِحَاجِبَيْهِ) خِلَافًا لَزُفَرَ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ، وَلِأَنَّ نَصْبَ الْإِبْدَالِ بِالرَّأْيِ مُمْتَنِعٌ، وَلَا قِيَاسَ عَلَى الرَّأْسِ؛ لِأَنَّهُ يَتَأَدَّى بِهِ رُكْنُ الصَّلَاةِ دُونَ الْعَيْنِ وَأُخْتَيْهَا. وَقَوْلُهُ أُخِّرَتْ عَنْهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ الصَّلَاةُ وَإِنْ كَانَ الْعَجْزُ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إذَا كَانَ مُفِيقًا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ يُفْهِمُ مَضْمُونَ الْخِطَابِ بِخِلَافِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا أَنَّ الْأُولَى) أَيْ الرِّوَايَةَ الْأُولَى أَوْ الْهَيْئَةَ أَوْ الْفِعْلَةَ الْأُولَى (هِيَ الْأَوْلَى عِنْدَنَا) لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَارَضَ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَالْحَالَةُ حَالَةُ عُذْرٍ جَازَ الْعَمَلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، إلَّا أَنَّ مَا ذَكَرْنَا أَوْلَى (لِأَنَّ) الْمَعْقُولَ مَعَنَا، فَإِنَّ (إشَارَةَ الْمُسْتَلْقِي تَقَعُ إلَى هَوَاءِ الْكَعْبَةِ، وَإِشَارَةَ الْمُضْطَجِعِ عَلَى جَنْبِهِ إلَى جَانِبِ قَدَمَيْهِ وَبِهِ) أَيْ بِوُقُوعِ الْإِشَارَةِ إلَى هَوَاءِ الْكَعْبَةِ (تَتَأَدَّى الصَّلَاةُ) . فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْإِيمَاءِ بِرَأْسِهِ أُخِّرَتْ عَنْهُ وَقَوْلُهُ (لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ إشَارَةٌ) إلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنْ قَدَرْت أَنْ تَسْجُدَ عَلَى الْأَرْضِ فَاسْجُدْ، وَإِلَّا فَأُومِ بِرَأْسِك» اقْتَصَرَ عَلَى الرَّأْسِ فِي مَوْضِعِ الْبَيَانِ، وَلَوْ جَازَ غَيْرُهُ لَبَيَّنَهُ. وَقَوْلُهُ (وَلَا قِيَاسَ عَلَى الرَّأْسِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ نَصْبِ الْأَبْدَانِ بِالرَّأْيِ بَلْ بِالْقِيَاسِ عَلَى الرَّأْسِ. وَقَوْلُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ تَسْقُطُ عَنْهُ الصَّلَاةُ إذَا كَانَ الْعَجْزُ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ

قَالَ (وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقِيَامُ وَيُصَلِّي قَاعِدًا يُومِئُ إيمَاءً) ؛ لِأَنَّ رُكْنِيَّةَ الْقِيَامِ لِلتَّوَسُّلِ بِهِ إلَى السَّجْدَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ نِهَايَةِ التَّعْظِيمِ، فَإِذَا كَانَ لَا يَتَعَقَّبُهُ السُّجُودُ لَا يَكُونُ رُكْنًا فَيَتَخَيَّرُ، وَالْأَفْضَلُ هُوَ الْإِيمَاءُ قَاعِدًا؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالسُّجُودِ. (وَإِنْ صَلَّى الصَّحِيحُ بَعْضَ صَلَاتِهِ قَائِمًا ثُمَّ حَدَثَ بِهِ مَرَضٌ يُتِمُّهَا قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ أَوْ يُومِئُ إنْ لَمْ يَقْدِرْ أَوْ مُسْتَلْقِيًا إنْ لَمْ يَقْدِرْ) ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءُ الْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى فَصَارَ كَالِاقْتِدَاءِ. (وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ لِمَرَضٍ ثُمَّ صَحَّ بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ قَائِمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اسْتَقْبَلَ) بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الِاقْتِدَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ (وَإِنْ صَلَّى بَعْضَ صَلَاتِهِ بِإِيمَاءٍ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الرُّكُوعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْعَقْلِ لَا يَكْفِي لِتَوَجُّهِ الْخِطَابِ. قَالَ (وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) قَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: إذَا قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ دُونَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْقِيَامُ لِأَنَّ الْقِيَامَ رُكْنٌ فَلَا يَسْقُطُ بِالْعَجْزِ عَنْ إدْرَاكِ رُكْنٍ آخَرَ. وَلَنَا أَنَّ رُكْنِيَّةَ الْقِيَامِ لِلتَّوَسُّلِ بِهِ إلَى السَّجْدَةِ فَإِنَّهُ بِدُونِهَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ عِبَادَةً، بِخِلَافِ الْعَكْسِ فَإِذَا كَانَ لَا يَتَعَقَّبُهُ السُّجُودُ لَا يَكُونُ رُكْنًا فَيَتَخَيَّرُ (وَالْأَفْضَلُ هُوَ الْإِيمَاءُ قَاعِدًا؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالسُّجُودِ) فَإِنَّ عِنْدَ الْإِيمَاءِ قَاعِدًا يَصِيرُ رَأْسُهُ أَقْرَبَ إلَى الْأَرْضِ مِنْ الْإِيمَاءِ قَائِمًا. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا تَعْلِيلٌ عَلَى مُخَالَفَةِ النَّصِّ لِأَنَّ حَدِيثَ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَصِيرَ إلَى الْقُعُودِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْقِيَامِ وَالْمَفْرُوضُ خِلَافُهُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ حَالَةَ الْقِيَامِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ ذَكَرَ الْإِيمَاءَ فِي حَالِ مَا يُصَلِّي عَلَى الْجَنْبِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِحَالَةِ الْقِيَامِ الْقُدْرَةُ عَلَى الْأَرْكَانِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ صَلَّى بَعْضَ صَلَاتِهِ قَائِمًا) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الِاقْتِدَاءِ) يَعْنِي أَنَّ كُلَّ فَصْلٍ جُوِّزَ الِاقْتِدَاءُ فِيهِ جُوِّزَ

وَالسُّجُودِ اسْتَأْنَفَ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الرَّاكِعِ بِالْمُومِئِ، فَكَذَا الْبِنَاءُ (وَمَنْ افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ قَائِمًا ثُمَّ أَعْيَا لَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَوَكَّأَ عَلَى عَصًا أَوْ حَائِطٍ أَوْ يَقْعُدَ) ؛ لِأَنَّ هَذَا عُذْرٌ، وَإِنْ كَانَ الِاتِّكَاءُ بِغَيْرِ عُذْرٍ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ إسَاءَةٌ فِي الْأَدَبِ. وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَعَدَ عِنْدَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ يَجُوزُ، فَكَذَا لَا يُكْرَهُ الِاتِّكَاءُ. وَعِنْدَهُمَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقُعُودُ عِنْدَهُمَا فَيُكْرَهُ الِاتِّكَاءُ (وَإِنْ قَعَدَ بِغَيْرِ عُذْرٍ يُكْرَهُ بِالِاتِّفَاقِ) وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ عِنْدَهُ وَلَا تَجُوزُ عِنْدَهُمَا، وَقَدْ مَرَّ فِي بَابِ النَّوَافِلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِنَاءُ آخِرِ الصَّلَاةِ عَلَى أَوَّلِهَا هَاهُنَا وَمَا لَا فَلَا. ثُمَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ: لَا يَقْتَدِي الْقَائِمُ بِالْقَاعِدِ فَكَذَا لَا يَبْنِي فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَعِنْدَهُمَا الْقَائِمُ يَقْتَدِي بِالْقَاعِدِ فَكَذَا يَبْنِي فِي حَقِّ نَفْسِهِ. وَنُوقِضَ بِمَا إذَا افْتَتَحَ الصَّحِيحُ التَّطَوُّعَ قَاعِدًا وَأَدَّى بَعْضَ صَلَاتِهِ قَاعِدًا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَقُومَ فَقَامَ وَصَلَّى الْبَاقِيَ قَائِمًا أَجْزَأَهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَهَذَا الْأَصْلُ الْمَذْكُورُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَجُوزُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ تَحْرِيمَةَ الْمَرِيضِ لَمْ تَنْعَقِدْ لِلْقِيَامِ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَقْتَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ يَبْنِ عَلَى مَا انْعَقَدَتْ لَهُ تَحْرِيمَتُهُ، وَأَمَّا تَحْرِيمَةُ الْمُتَطَوِّعِ فَقَدْ انْعَقَدَتْ لِلْقِيَامِ أَيْضًا لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ عِنْدَهُ فَجَازَ بِنَاؤُهُ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِمَا مُتَنَاوِلِي تَحْرِيمَتِهِ وَقَوْلُهُ (اسْتَأْنَفَ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا) يَعْنِي الْعُلَمَاءَ الثَّلَاثَةَ فَإِنَّ لِزُفَرَ فِيهِ خِلَافًا عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَصْلِهِ جَوَازُ اقْتِدَاءِ الرَّاكِعِ بِالْمُومِئِ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ قَائِمًا ثُمَّ أَعْيَا) أَيْ تَعِبَ (لَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَوَكَّأَ) أَيْ يَتَّكِئَ: يَعْنِي أَنَّ مَنْ شَرَعَ فِي النَّفْلِ ثُمَّ اتَّكَأَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ بِعُذْرٍ كَالْإِعْيَاءِ لَا بَأْسَ بِهِ (وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ) فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، فَقِيلَ (يُكْرَهُ لِأَنَّهُ إسَاءَةٌ فِي الْأَدَبِ) أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يُخَيَّرْ الْمُتَطَوِّعُ فِي الِابْتِدَاءِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِيَامِ كَمَا خُيِّرَ بَيْنَ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ (وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ لَوْ قَعَدَ جَازَ عِنْدَهُ) وَيُكْرَهُ مَعَ كَوْنِ الْقُعُودِ مُنَافِيًا لِلْقِيَامِ، فَالِاتِّكَاءُ الَّذِي لَا يُنَافِيهِ يَجُوزُ وَلَا يُكْرَهُ (وَيُكْرَهُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الْقُعُودَ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا) فَيَكُونُ الِاتِّكَاءُ الَّذِي هُوَ فَوْقَهُ جَائِزًا مَكْرُوهًا. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ قَعَدَ) بَعْدَمَا افْتَتَحَ قَائِمًا (بِغَيْرِ عُذْرٍ يُكْرَهُ بِالِاتِّفَاقِ، وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا لَا تَجُوزُ) وَفِي كَلَامِهِ تَسَامُحٌ لِأَنَّ مَا لَا يَجُوزُ لَا يُوصَفُ بِالْكَرَاهَةِ وَقَدْ قَالَ يُكْرَهُ بِالِاتِّفَاقِ. وَأَجَابَ الْإِمَامُ حُمَيْدُ الدِّينِ الضَّرِيرُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ صَلَّى رَكْعَةً قَائِمًا ثُمَّ قَعَدَ فِي الثَّانِيَةِ لِيَقْرَأَ لِإِعْيَائِهِ ثُمَّ قَامَ وَأَتَمَّ

(وَمَنْ صَلَّى فِي السَّفِينَةِ قَاعِدًا مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْقِيَامُ أَفْضَلُ. وَقَالَا: لَا يُجْزِئُهُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ) ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ فَلَا يُتْرَكُ إلَّا لِعِلَّةٍ. وَلَهُ أَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا دَوَرَانُ الرَّأْسِ وَهُوَ كَالْمُتَحَقِّقِ، إلَّا أَنَّ الْقِيَامَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ شُبْهَةِ الْخِلَافِ، وَالْخُرُوجُ أَفْضَلُ إنْ أَمْكَنَهُ؛ لِأَنَّهُ أَسْكَنُ لِقَلْبِهِ، وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ الْمَرْبُوطَةِ وَالْمَرْبُوطَةُ كَالشَّطِّ هُوَ الصَّحِيحُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّانِيَةَ قَائِمًا فَإِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ جَائِزَةٌ مَعَ صِفَةِ الْكَرَاهَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قُعُودَهُ إذَا كَانَ لِإِعْيَائِهِ فَذَلِكَ قُعُودٌ بِعُذْرٍ، وَالْكَلَامُ لَيْصَ فِيهِ بَلْ يَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ مَكْرُوهًا، وَكَذَا إنْ تَرَكَ ذِكْرَ الْإِعْيَاءِ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا كَمَا قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَثْبُتَ بِالنَّقْلِ أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ بِالِاتِّفَاقِ، لَا يَجُوزُ بِإِطْلَاقِهِ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ فَهُوَ أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ بِالِاتِّفَاقِ يُخَالِفُ قَوْلَهُ قُبَيْلَ هَذَا لَوْ قَعَدَ يَجُوزُ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرِ كَرَاهَةٍ، وَكَذَا يُخَالِفُ إطْلَاقَ مَا ذُكِرَ فِي بَابِ النَّوَافِلِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ ذَكَرَ فِي مَبْسُوطِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَجَامِعِ أَبِي الْمُعِينِ أَنَّهُ لَوْ قَعَدَ فِي النَّفْلِ لَا يُكْرَهُ عِنْدَهُ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الِابْتِدَاءَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَشْرُوعٌ بِلَا كَرَاهَةٍ، فَالْبَقَاءُ أَوْلَى لِأَنَّ حُكْمَ الْبَقَاءِ أَسْهَلُ مِنْ حُكْمِ الِابْتِدَاءِ. فَقَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ثَمَّةَ غَيْرَ صَحِيحٍ، فَالْإِطْلَاقُ هَاهُنَا وَفِي بَابِ النَّوَافِلِ يَكُونُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقَوْلُهُ وَيُكْرَهُ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى غَيْرِ الصَّحِيحِ، وَلَعَلَّ قَوْلَهُ بِالِاتِّفَاقِ وَقَعَ سَهْوًا مِنْ الْكَاتِبِ. قَالَ (وَمَنْ صَلَّى فِي السَّفِينَةِ قَاعِدًا) الْمُصَلِّي فِي السَّفِينَةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَاجِزًا عَنْ الْقِيَامِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ عَاجِزًا جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ: فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ السَّفِينَةُ رَأْسِيَّةً أَوْ سَائِرَةً، فَإِنْ كَانَتْ رَأْسِيَّةً لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ قَاعِدًا بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَتْ سَائِرَةً جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَالْقِيَامُ أَفْضَلُ، وَقَالَا: لَا يَجُوزُ) وَهُوَ الْقِيَاسُ (لِأَنَّ الْقِيَامَ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ) وَالْمَقْدُورُ عَلَيْهِ لَا يُتْرَكُ (وَلَهُ) وَهُوَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ (أَنَّ الْغَالِبَ) مِنْ حَالِ رَاكِبِ السَّفِينَةِ (دَوَرَانُ الرَّأْسِ) عِنْدَ الْقِيَامِ وَالْغَالِبِ كَالْمُتَحَقِّقِ، أَلَا تَرَى أَنَّ نَوْمَ الْمُضْطَجِعِ جُعِلَ حَدَثًا لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ حَالِهِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ شَيْءٌ لِزَوَالِ الِاسْتِمْسَاكِ (إلَّا أَنَّ الْقِيَامَ أَفْضَلُ لِبُعْدِهِ عَنْ شُبْهَةِ الْخِلَافِ) وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ كَيْفَمَا دَارَتْ السَّفِينَةُ سَوَاءٌ كَانَتْ عِنْدَ الِافْتِتَاحِ أَوْ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ التَّوَجُّهَ فَرْضٌ عِنْدَ الْقُدْرَةِ. وَهَذَا قَادِرٌ وَالْخُرُوجُ أَفْضَلُ إنْ أَمْكَنَهُ لِأَنَّهُ أَسْكَنُ لِقَلْبِهِ، وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ الْمَرْبُوطَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا آنِفًا أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ رَأْسِيَّةً لَمْ يُجْزِهِ الْقُعُودُ بِالِاتِّفَاقِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (وَالْمَرْبُوطَةُ كَالشَّطِّ) وَقَوْلُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ فَإِنَّهُ أَيْضًا عَلَى الْخِلَافِ،

(وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ أَوْ دُونَهَا قَضَى، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَقْضِ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ إذَا اسْتَوْعَبَ الْإِغْمَاءُ وَقْتَ صَلَاةٍ كَامِلًا لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ فَأَشْبَهَ الْجُنُونَ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُدَّةَ إذَا طَالَتْ كَثُرَتْ الْفَوَائِتُ فَيَتَحَرَّجُ فِي الْأَدَاءِ، وَإِذَا قَصُرَتْ قَلَّتْ فَلَا حَرَجَ، وَالْكَثِيرُ أَنْ تَزِيدَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ، وَالْجُنُونُ كَالْإِغْمَاءِ: كَذَا ذَكَرَهُ أَبُو سُلَيْمَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، بِخِلَافِ النَّوْمِ؛ لِأَنَّ امْتِدَادَهُ نَادِرٌ فَيَلْحَقُ بِالْقَاصِرِ، ثُمَّ الزِّيَادَةُ تُعْتَبَرُ. مِنْ حَيْثُ الْأَوْقَاتُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمَوْثُوقَةُ بِاللَّنْجَرِ: أَيْ الْمِرْسَاةُ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ وَهِيَ تَضْطَرِبُ، قِيلَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الرِّيحَ إنْ كَانَتْ تُحَرِّكُهَا تَحْرِيكًا شَدِيدًا فَهِيَ كَالسَّائِرَةِ وَإِلَّا فَهِيَ كَالرَّاسِيَةِ. (وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ أَوْ دُونَهَا قَضَى، وَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَقْضِ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إذَا اسْتَوْعَبَ الْإِغْمَاءُ وَقْتَ صَلَاةٍ كَامِلَةٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ فَأَشْبَهَ الْجُنُونَ (وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ) مَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ فَقَضَاهُنَّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَمْ يَقْضِ شَيْئًا، وَالْفِقْهُ فِيهِ (أَنَّ الْمُدَّةَ إذَا طَالَتْ كَثُرَتْ الْفَوَائِتُ فَيَتَحَرَّجُ فِي الْأَدَاءِ، وَإِذَا قَصُرَتْ قُلْت فَلَا حَرَجَ، وَالْكَثِيرُ أَنْ تَزِيدَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ) وَقَوْلُهُ (وَالْجُنُونُ كَالْإِغْمَاءِ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ الْإِغْمَاءِ عَلَى الْجُنُونِ عَلَى زَعْمِ أَنَّ الْجُنُونَ إذَا اسْتَغْرَقَ وَقْتًا كَامِلًا أَسْقَطَ الْقَضَاءَ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْجُنُونَ كَالْإِغْمَاءِ إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ سَقَطَ الْقَضَاءُ وَإِلَّا فَلَا (كَذَا ذَكَرَهُ أَبُو سُلَيْمَانَ) وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي نَوَادِرِ الصَّلَاةِ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ النَّوْمِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَقْضِ: يَعْنِي أَنَّ النَّوْمَ وَإِنْ زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا يَسْقُطُ الْقَضَاءُ (لِأَنَّ امْتِدَادَهُ) إلَى هَذَا الْحَدِّ (نَادِرٌ) لَا عِبْرَةَ بِهِ (فَالْحَقُّ) الْمُمْتَدُّ مِنْهُ (بِالْقَاصِرِ) وَقَوْلُهُ (ثُمَّ الزِّيَادَةُ تُعْتَبَرُ مِنْ حَيْثُ الْأَوْقَاتُ) قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: الزِّيَادَةُ

عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ التَّكْرَارَ يَتَحَقَّقُ بِهِ، وَعِنْدَهُمَا مِنْ حَيْثُ السَّاعَاتُ هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQتُعْتَبَرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مِنْ حَيْثُ السَّاعَاتُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تُعْتَبَرُ مِنْ حَيْثُ الصَّلَوَاتُ مَا لَمْ تَصِرْ الْفَوَائِتُ سِتًّا لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْقَضَاءُ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَيْثُ السَّاعَاتُ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ عِنْدَ الصَّحْوَةِ ثُمَّ أَفَاقَ مِنْ الْغَدِ قَبْلَ الزَّوَالِ بِسَاعَةٍ فَهَذَا أَكْثَرُ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْ حَيْثُ السَّاعَاتُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِأَنَّ الصَّلَوَاتِ لَمْ تَزِدْ عَلَى خَمْسٍ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ مِنْ كَوْنِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَمَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ (لِمُحَمَّدٍ أَنَّ التَّكْرَارَ يَتَحَقَّقُ بِهِ) أَيْ بِفَوَاتِ سِتِّ صَلَوَاتٍ وَهُوَ الْمُفْضِي إلَى الْحَرَجِ الْمُسْقِطِ لِلْقَضَاءِ فَيَكُونُ الِاعْتِبَارُ بِهِ. وَقَوْلُهُ (هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ) أَيْ الِاعْتِبَارُ مِنْ حَيْثُ السَّاعَاتُ هُوَ الْمَأْثُورُ.

[باب سجود التلاوة]

قَالَ (سُجُودُ التِّلَاوَةِ فِي الْقُرْآنِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً: فِي آخِرِ الْأَعْرَافِ، وَفِي الرَّعْدِ وَالنَّحْلِ، وَبَنِي إسْرَائِيلَ، وَمَرْيَمَ وَالْأُولَى فِي الْحَجِّ، وَالْفُرْقَانِ وَالنَّمْلِ، والم تَنْزِيلٌ وَصِّ، وَحُمَّ السَّجْدَةِ، وَالنَّجْمِ، {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ] كَانَ مِنْ حَقِّ هَذَا الْبَابِ أَنْ يَقْتَرِنَ بِسُجُودِ السَّهْوِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سَجْدَةٌ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ صَلَاةُ الْمَرِيضِ بِعَارِضٍ سَمَاوِيٍّ كَالسَّهْوِ أَلْحَقَتْهَا الْمُنَاسَبَةُ بِهَا فَتَأَخَّرَ سُجُودُ التِّلَاوَةِ ضَرُورَةً، وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى سَبَبِهِ. فَإِنْ قِيلَ: كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَقُولَ سُجُودُ التِّلَاوَةِ وَالسَّمَاعِ لِأَنَّ السَّمَاعَ سَبَبٌ كَالتِّلَاوَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ التِّلَاوَةَ لَمَّا كَانَتْ سَبَبًا لِلسَّمَاعِ أَيْضًا كَانَ ذِكْرُهَا مُشْتَمِلًا عَلَى السَّمَاعِ مِنْ وَجْهٍ فَاكْتُفِيَ بِهِ، وَشَرْطُهَا الطَّهَارَةُ مِنْ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَرُكْنُهَا وَضْعُ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ، وَصِفَتُهَا الْوُجُوبُ عِنْدَنَا، وَمَوَاضِعُهَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ: فِي آخِرِ الْأَعْرَافِ، وَالرَّعْدِ، وَالنَّحْلِ، وَبَنِي إسْرَائِيلَ، وَمَرْيَمَ، وَالْأُولَى فِي الْحَجِّ، وَالْفُرْقَانِ، وَالنَّمْلِ وَالَمْ تَنْزِيلُ، وَصِّ، وَحُمَّ السَّجْدَةُ، وَالنَّجْمُ، وَالِانْشِقَاقُ، وَالْعَلَقُ. هَكَذَا كُتِبَ فِي مُصْحَفِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَالشَّافِعِيُّ يُوَافِقُنَا فِي الْعَدَدِ إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ: فِي الْحَجِّ سَجْدَتَانِ وَلَيْسَ فِي ص سَجْدَةٌ. وَمَوْضِعُ السَّجْدَةِ فِي حم السَّجْدَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37] وَالْمُصَنِّفُ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ وَالسَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْحَجِّ فِي الصَّلَاةِ

وَاقْرَأْ. كَذَا كُتِبَ فِي مُصْحَفِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَالسَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْحَجِّ لِلصَّلَاةِ عِنْدَنَا، وَمَوْضِعُ السَّجْدَةِ فِي حم السَّجْدَةُ عِنْدَ قَوْلِهِ {لا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38] فِي قَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَهُوَ الْمَأْخُوذُ لِلِاحْتِيَاطِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَنَا وَبِقَوْلِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ {وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38] وَيَذْكُرُ ص عَنْ مَذْهَبِهِ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى أَنَّ فِي الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ بِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «فُضِّلَتْ الْحَجُّ بِسَجْدَتَيْنِ مَنْ لَمْ يَسْجُدْهُمَا لَمْ يَقْرَأْهُمَا» وَمَذْهَبُنَا مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ قَالَا: سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ فِي الْحَجِّ هِيَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ سَجْدَةُ الصَّلَاةِ، وَيُعَضِّدُهُ قِرَانُهَا بِالرُّكُوعِ فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فُضِّلَتْ بِسَجْدَتَيْنِ إحْدَاهُمَا سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَالثَّانِيَةُ سَجْدَةُ الصَّلَاةِ» وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ السَّجْدَةَ فِي ص سَجْدَةُ شُكْرٍ بِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَلَا فِي خُطْبَتِهِ سُورَةَ ص فَتَشَزَّنَ النَّاسُ: أَيْ تَهَيَّأَ النَّاسُ لِلسُّجُودِ، فَقَالَ: عَلَامَ تَشَزَّنْتُمْ إنَّهَا تَوْبَةُ نَبِيٍّ» وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَجَدَهَا دَاوُد تَوْبَةً وَنَحْنُ نَسْجُدُهَا شُكْرًا» قُلْنَا هَذَا لَا يَنْفِي كَوْنَهَا سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ، إذْ مَا مِنْ عِبَادَةٍ يَأْتِي بِهَا الْعَبْدُ إلَّا وَفِيهَا مَعْنَى الشُّكْرِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَهَا فِي خُطْبَتِهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا سَجْدَةُ تِلَاوَةٍ حَيْثُ قَطَعَ الْخُطْبَةَ لَهَا، وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ فِي خُطْبَتِهِ فَذَلِكَ كَانَ تَعْلِيمًا لِجَوَازِ تَأْخِيرِهَا. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ «رَجُلًا مِنْ الصَّحَابَةِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْت فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنِّي أَكْتُبُ سُورَةَ ص، فَلَمَّا انْتَهَيْت إلَى مَوْضِعِ السَّجْدَةِ سَجَدَ الدَّوَاةُ وَالْقَلَمُ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَحْنُ أَحَقُّ بِهَا مِنْ الدَّوَاةِ وَالْقَلَمِ، فَأَمَرَ حَتَّى تُلِيَتْ فِي مَجْلِسِهِ وَسَجَدَهَا مَعَ أَصْحَابِهِ» وَقَوْلُهُ (هُوَ الْمَأْخُوذُ لِلِاحْتِيَاطِ) لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ عِنْدَ الْآيَةِ

وَالسَّجْدَةُ وَاجِبَةٌ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ عَلَى التَّالِي وَالسَّامِعِ) سَوَاءٌ قَصَدَ سَمَاعَ الْقُرْآنِ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا وَعَلَى مَنْ تَلَاهَا» ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّانِيَةُ لَمْ يَجُزْ تَعْجِيلُهَا، وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَ الْأُولَى جَازَ تَأْخِيرُهَا إلَى الْآيَةِ الثَّانِيَةِ فَكَانَ فِيمَا قُلْنَا خُرُوجٌ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ. قَالَ (وَالسَّجْدَةُ وَاجِبَةٌ) هَذَا بَيَانُ صِفَتِهَا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّ السَّجْدَةَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ سُنَّةٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَرَأَ سُورَةَ النَّجْمِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَسْجُدْ لَهَا وَلَا سَجَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا» فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً. وَقُلْنَا: هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى التَّالِي وَالسَّامِعِ، قَصَدَ سَمَاعَ الْقُرْآنِ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهَذَا لِأَنَّ فِي بَعْضِ لَفْظِ الْآثَارِ السَّجْدَةَ عَلَى مَنْ جَلَسَ لَهَا، وَفِيهِ إيهَامٌ أَنَّ مَنْ لَمْ يَجْلِسْ لَهَا فَلَيْسَتْ عَلَيْهِ سَجْدَةٌ فَقَيَّدَ بِذَلِكَ دَفْعًا لِذَلِكَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا وَعَلَى مَنْ تَلَاهَا» وَ " عَلَى " كَلِمَةُ

وَهِيَ كَلِمَةُ إيجَابٍ وَهُوَ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالْقَصْدِ (وَإِذَا تَلَا الْإِمَامُ آيَةَ السَّجْدَةِ سَجَدَهَا وَسَجَدَهَا الْمَأْمُومُ مَعَهُ) لِالْتِزَامِهِ مُتَابَعَتَهُ (وَإِذَا تَلَا الْمَأْمُومُ لَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ وَلَا الْمَأْمُومُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا بَعْدَ الْفَرَاغِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَسْجُدُونَهَا إذَا فَرَغُوا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَقَرَّرَ، وَلَا مَانِعَ بِخِلَافِ حَالَةِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى خِلَافِ وَضْعِ الْإِمَامَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإيجَابٍ (وَهُوَ) أَيْ الْحَدِيثُ (غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالْقَصْدِ) وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَمَا أُدِّيَتْ فِي سُجُودِ الصَّلَاةِ وَرُكُوعِهَا وَلَمَا تَدَاخَلَتْ وَلَمَا أُدِّيَتْ بِالْإِيمَاءِ مِنْ رَاكِبٍ يَقْدِرُ عَلَى النُّزُولِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ أَدَاءَهَا فِي ضِمْنِ شَيْءٍ لَا يُنَافِي وُجُوبَهَا فِي نَفْسِهَا كَالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ يَتَأَدَّى بِالسَّعْيِ إلَى التِّجَارَةِ، وَإِنَّمَا جَازَ التَّدَاخُلُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا إظْهَارُ الْخُضُوعِ وَالْخُشُوعِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَجَوَازُ أَدَائِهَا بِالْإِيمَاءِ حِينَ قَرَأَهَا رَاكِبًا لِأَنَّهُ أَدَّاهَا كَمَا وَجَبَتْ، فَإِنَّ تِلَاوَتَهُ عَلَى الدَّابَّةِ مَشْرُوعَةٌ فِيمَا تَجِبُ بِهِ السَّجْدَةُ فَكَانَ كَالشُّرُوعِ عَلَى الدَّابَّةِ فِي التَّطَوُّعِ. وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ زَيْدٍ أَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِهِ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْجُدْ تِلْكَ السَّجْدَةَ حَتَّى خَرَجَ مِنْ الدُّنْيَا فَإِذَا لَمْ نَقُلْ بِوُجُوبِهَا عَلَى الْفَوْرِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَجَدَهَا فِي وَقْتٍ آخَرَ. وَاعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ النِّهَايَةِ قَالَ: جُعِلَ هَذَا اللَّفْظُ: يَعْنِي قَوْلَهُ «السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا» الْحَدِيثَ فِي سَائِرِ النُّسَخِ مِنْ الْمَبْسُوطِينَ وَالْأَسْرَارِ وَالْمُحِيطِ وَشَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ أَلْفَاظِ الصَّحَابَةِ لَا مِنْ الْحَدِيثِ. وَأَقُولُ: لَمْ يَكُنْ الْمُصَنِّفُ مِمَّنْ لَمْ يُطَالِعْ الْكُتُبَ الْمَذْكُورَةَ، فَلَوْلَا أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْده كَوْنُهُ حَدِيثًا لَمَا نَقَلَهُ حَدِيثًا، فَإِنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَعْظَمُ دِيَانَةً مِنْ أَنْ يُتَوَهَّمَ بِهِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَإِذَا تَلَا الْإِمَامُ السَّجْدَةَ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَقَرَّرَ وَلَا مَانِعَ) وَكُلُّ مَا تَقَرَّرَ مُقْتَضِيهِ وَانْتَفَى مَانِعُهُ تَحَقَّقَ لَا مَحَالَةَ (بِخِلَافِ حَالَةِ الصَّلَاةِ) فَإِنَّ الْمَانِعَ مَوْجُودٌ (لَأَنْ يُؤَدِّيَ إلَى خِلَافِ مَوْضِعِ الْإِمَامَةِ) إنْ سَجَدَ التَّالِي أَوَّلًا وَتَابَعَهُ الْإِمَامُ

أَوْ التِّلَاوَةِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْمُقْتَدِيَ مَحْجُورٌ عَنْ الْقِرَاءَةِ لِنَفَاذِ تَصَرُّفِ الْإِمَامِ عَلَيْهِ، وَتَصَرُّفُ الْمَحْجُورِ لَا حُكْمَ لَهُ، بِخِلَافِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ؛ لِأَنَّهُمَا عَنْ الْقِرَاءَةِ مَنْهِيَّانِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْحَائِضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِانْقِلَابِ الْمَتْبُوعِ تَابِعًا وَالتَّابِعِ مَتْبُوعًا (أَوْ التِّلَاوَةِ) إنْ سَجَدَ الْإِمَامُ أَوَّلًا وَتَابَعَهُ التَّالِي فَإِنَّ التَّالِيَ إمَامُ السَّامِعِ فَيَجِبُ أَنْ يَتَقَدَّمَ سُجُودُ التَّالِي. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِلتَّالِي: كُنْت إمَامَنَا لَوْ سَجَدْت لَسَجَدْنَا» فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ لَيْسَتْ بِقِسْمَةٍ حَاضِرَةٍ لِجَوَازِ أَنْ يَسْجُدَ التَّالِي دُونَ الْإِمَامِ أَوْ بِالْعَكْسِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ فِي ذَلِكَ مُخَالَفَةً لِلْإِمَامِ وَهِيَ مَفْسَدَةً فَلَمْ يَذْكُرْهَا لِكَوْنِ ذَلِكَ مَفْرُوغًا عَنْهُ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ (وَلَهُمَا أَنَّ الْمُقْتَدِيَ مَحْجُورٌ عَنْ الْقِرَاءَةِ) لِأَنَّ الْمَحْجُورَ هُوَ الْمَمْنُوعُ عَنْ التَّصَرُّفِ عَلَى وَجْهٍ يَظْهَرُ نَفَاذُ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةٍ غَيْرِهِ وَالْمُقْتَدِي بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ الْقِرَاءَةِ وَالْقِرَاءَةُ تَنْفُذُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ إمَامِهِ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ» وَكُلُّ مَنْ هُوَ مَحْجُورٌ لَا حُكْمٌ لِتَصَرُّفِهِ، وَوُجُوبِ السَّجْدَةِ حُكْمُ تَصَرُّفِهِ الَّذِي هُوَ الْقِرَاءَةُ فَلَا يَثْبُتُ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْمُقْتَدِي فِي كَوْنِهِ مَمْنُوعًا عَنْ الْقِرَاءَةِ لِحَائِضٍ وَالْجُنُبِ، وَالسَّجْدَةُ تَجِبُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا، فَكَذَا عَلَى مَنْ سَمِعَ الْمُقْتَدِيَ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُمَا مَنْهِيَّانِ عَنْ الْقِرَاءَةِ، وَالتَّصَرُّفَاتُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا تَنْعَقِدُ لِحُكْمِهَا لِمَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْأَفْعَالِ الشَّرْعِيَّةِ لَا بِعَدَمِ الْمَشْرُوعِيَّةِ، فَإِنْ اخْتَلَجَ فِي ذِهْنِك أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِعْلٌ حِسِّيٍّ فَالنَّهْيُ عَنْهُ بِعَدَمِ الْمَشْرُوعِيَّةِ فَعَلَيْك بِتَقْرِيرِنَا تَجِدْ مَا لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَوَجَبَتْ عَلَى الْحَائِضِ بِتِلَاوَتِهَا وَسَمَاعِهَا لَكِنَّهَا لَا تَجِبُ، أَجَابَ بِمَا مَعْنَاهُ: إنَّمَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهَا لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّةِ الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ السَّجْدَةَ

بِتِلَاوَتِهَا كَمَا لَا يَجِبُ بِسَمَاعِهَا؛ لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّةِ الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ الْجُنُبِ. (وَلَوْ سَمِعَهَا رَجُلٌ خَارِجَ الصَّلَاةِ سَجَدَهَا) هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ ثَبَتَ فِي حَقِّهِمْ فَلَا يَعْدُوهُمْ (وَإِنْ سَمِعُوا وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ سَجْدَةً مِنْ رَجُلٍ لَيْسَ مَعَهُمْ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَسْجُدُوهَا فِي الصَّلَاةِ) ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاتِيَّةٍ؛ لِأَنَّ سَمَاعَهُمْ هَذِهِ السَّجْدَةَ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ (وَسَجَدُوهَا بَعْدَهَا) لِتَحَقُّقِ سَبَبِهَا (وَلَوْ سَجَدُوهَا فِي الصَّلَاةِ لَمْ يُجْزِهِمْ) ؛ لِأَنَّهُ نَاقِصٌ لِمَكَانِ النَّهْيِ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الْكَامِلُ. قَالَ (وَأَعَادُوهَا) لِتَقَرُّرِ سَبَبِهَا (وَلَمْ يُعِيدُوا الصَّلَاةَ) ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ السَّجْدَةِ لَا يُنَافِي إحْرَامَ الصَّلَاةِ. وَفِي النَّوَادِرِ أَنَّهَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُمْ زَادُوا فِيهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQرُكْنٌ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْحَائِضُ لَا يَلْزَمُهَا الصَّلَاةُ مَعَ تَقَرُّرِ السَّبَبِ فَلَا تَلْزَمُهَا السَّجْدَةُ أَيْضًا بِخِلَافِ الْجُنُبِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ تَلْزَمُهُ وَكَذَلِكَ السَّجْدَةُ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ سَمِعَهَا رَجُلٌ خَارِجَ الصَّلَاةِ سَجَدَهَا) يَعْنِي بِالِاتِّفَاقِ. وَقَوْلُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ: إنَّهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ لَا يَسْجُدُهَا عِنْدَهُمَا وَيَسْجُدُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. وَجْهُ الصَّحِيحِ مَا ذُكِرَ أَنَّ الْحَجْرَ ثَبَتَ فِي حَقِّهِمْ لِأَنَّ عِلَّةَ الْحَجْرِ هِيَ الِاقْتِدَاءُ وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِهَا فَلَا يَعْدُوهَا. وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَحْجُورًا أَوْ لَا، وَالْأَوَّلُ يَسْتَلْزِمُ شُمُولَ الْعَدَمِ، وَالثَّانِي شُمُولَ الْوُجُوبِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مَحْجُورٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ وُجِدَ فِي حَقِّهِ عِلَّةُ الْحَجْرِ، وَغَيْرُ مَحْجُورٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ لَمْ يُوجَدْ وَهُوَ الْخَارِجُ. (وَإِنْ سَمِعُوا وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ مِنْ رَجُلٍ لَيْسَ مَعَهُمْ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَسْجُدُوهَا فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاتِيَّةٍ، لِأَنَّ سَمَاعَهُمْ هَذِهِ السَّجْدَةَ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ) لِأَنَّ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ إمَّا أَنْ تَكُونَ فَرْضًا أَوْ وَاجِبًا أَوْ سُنَّةً، وَهَذَا السَّمَاعُ لَيْسَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ فِيهَا، لَكِنَّهُمْ يَسْجُدُونَهَا بَعْدَهَا لِتَحَقُّقِ سَبَبِهَا وَهُوَ السَّمَاعُ مِمَّنْ لَيْسَ بِمَحْجُورٍ (وَلَوْ سَجَدُوهَا فِي الصَّلَاةِ لَمْ تُجْزِهِمْ) وَلَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُمْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، أَمَّا عَدَمُ الْجَوَازِ فَلِأَنَّهُ: أَيْ هَذَا السُّجُودَ نَاقِصٌ لِمَكَانِ النَّهْيِ وَهُوَ مَنْعُ الشَّرْعِ عَنْ إدْخَالِ مَا لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ فِيهَا فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الْكَامِلُ وَهِيَ السَّجْدَةُ الْوَاجِبَةُ بِالسَّمَاعِ مِمَّنْ لَيْسَ بِمَحْجُورٍ، فَإِنَّ مَا وَجَبَ كَامِلًا لَا يَتَأَدَّى نَاقِصًا. وَرُدَّ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا وَجَبَتْ كَامِلَةً. فَإِنَّهَا وَجَبَتْ فِي وَقْتٍ كَانَ خَلْطُ غَيْرِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ بِأَفْعَالِهَا حَرَامًا فَكَانَتْ كَالْعَصْرِ وَقْتَ الِاصْفِرَارِ وَجَبَتْ نَاقِصَةً فَتَتَأَدَّى نَاقِصَةً. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْوَقْتَ لَوْ كَانَ سَبَبًا لَهَا كَانَ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرْت، لَكِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ سَبَبُهُ مَا ذَكَرْنَا وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْوَقْتِ (وَأَعَادُوهَا لِتَقَرُّرِ سَبَبِهَا) وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا، وَأَمَّا عَدَمُ فَسَادِ الصَّلَاةِ فَلِأَنَّ الْفَسَادَ إنَّمَا يَكُونُ بِتَرْكِهَا أَوْ بِإِتْيَانِ مَا يَنْقُضُهَا وَلَمْ يَتْرُكُوهَا وَمَا أَتَوْا بِمَا يَنْقُضُهَا (لِأَنَّ مُجَرَّدَ السَّجْدَةِ لَا يُنَافِي إحْرَامَ الصَّلَاةِ) لِأَنَّهَا فِي ذَاتِهَا مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ (وَ) ذَكَرَ (فِي النَّوَادِرِ أَنَّهَا تَفْسُدُ لِأَنَّهُمْ زَادُوا فِيهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا،

وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ قَرَأَهَا الْإِمَامُ وَسَمِعَهَا رَجُلٌ لَيْسَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ فَدَخَلَ مَعَهُ بَعْدَمَا سَجَدَهَا الْإِمَامُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَهَا) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُدْرِكًا لَهَا بِإِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ (وَإِنْ دَخَلَ مَعَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَهَا سَجَدَهَا مَعَهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْمَعْهَا سَجَدَهَا مَعَهُ فَهَاهُنَا أَوْلَى (وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُ سَجَدَهَا وَحْدَهُ) لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقِيلَ) مَا ذُكِرَ فِي النَّوَادِرِ (هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ) وَهُوَ جَوَابُ الْقِيَاسِ، وَمَا ذُكِرَ هَاهُنَا قَوْلُهُمَا وَهُوَ جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ زِيَادَةَ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ لَا يُفْسِدُهَا عِنْدَهُمَا، وَعَلَى قَوْلِهِ زِيَادَةُ السَّجْدَةِ تُفْسِدُهَا، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي سَجْدَةِ الشُّكْرِ، فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ، وَلِهَذَا حَكَمَ بِأَنَّ سَجْدَةَ الشُّكْرِ مَسْنُونَةٌ فَتَفْسُدُ بِشُرُوعِهِ فِي وَاجِبٍ قَبْلَ إكْمَالِ فَرْضِهِ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا غَيْرُ مَسْنُونَةٍ وَالسَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ بِمَنْزِلَةِ الرَّكْعَةِ فِي كَوْنِهَا رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ غَيْرَ مُسْتَقِلَّةٍ عِبَادَةً. (فَإِنْ قَرَأَهَا الْإِمَامُ وَسَمِعَهَا رَجُلٌ لَيْسَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ فَدَخَلَ مَعَهُ) فَإِمَّا أَنْ دَخَلَ (بَعْدَمَا سَجَدَهَا الْإِمَامُ) أَوْ قَبْلَهُ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ (لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَهَا لِأَنَّهُ صَارَ مُدْرِكًا لَهَا) أَيْ لِلسَّجْدَةِ (بِإِدْرَاكِ تِلْكَ الرَّكْعَةِ) وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى لَمْ يَصِرْ مُدْرِكًا لِلسَّجْدَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدَهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُدْرِكْ الرَّكْعَةَ لَمْ يَكُنْ مُدْرِكًا لِلْقِرَاءَةِ وَلَا لِمَا تَعَلَّقَ بِهَا مِنْ السَّجْدَةِ قَالَ الْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ: وَأَشَارَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ إلَى أَنَّهَا تَسْقُطُ عَنْهُ لِأَنَّهَا صَارَتْ صَلَاتِيَّةً. وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامُ فِي رُكُوعِ صَلَاتَيْ الْعِيدَيْنِ فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِالتَّكْبِيرَاتِ وَلَمْ يَصِرْ مُدْرِكًا لَهُمَا بِإِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ فِي الرُّكُوعِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْإِدْرَاكَ الْحَقِيقِيَّ مُمْكِنٌ لِأَنَّ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِهَا وَهُوَ تَكْبِيرُ الرُّكُوعِ يُؤْتَى بِهِ حَالَةَ الرُّكُوعِ فَأُلْحِقَ بِهِ تَكْبِيرَاتُ الْعِيدِ، وَإِذَا كَانَ الْإِدْرَاكُ الْحَقِيقِيُّ مُمْكِنًا لَا يُصَارُ إلَى الْإِدْرَاكِ الْحُكْمِيِّ، بِخِلَافِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا فَلَا يُؤْتَى بِهِ فِي حَالَةِ الرُّكُوعِ لِتَكُونَ حَقِيقَةُ الْإِدْرَاكِ مُمْكِنَةً فَيَصِيرُ إلَى الْحُكْمِيِّ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي سَجَدَهَا مَعَهُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْمَعْهَا بِأَنْ أَخْفَاهَا الْإِمَامُ سَجَدَهَا مَعَهُ فَهُنَا أَوْلَى (وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُ سَجَدَهَا لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ)

(وَكُلُّ سَجْدَةٍ وَجَبَتْ فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ يَسْجُدْهَا فِيهَا لَمْ تُقْضَ خَارِجَ الصَّلَاةِ) ؛ لِأَنَّهَا صَلَاتِيَّةٌ وَلَهَا مَزِيَّةُ الصَّلَاةِ، فَلَا تَتَأَدَّى بِالنَّاقِصِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ التِّلَاوَةُ مِمَّنْ لَيْسَ بِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ أَوْ السَّمَاعِ مِنْ تِلَاوَةٍ صَحِيحَةٍ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ، قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْجُدَ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ التِّلَاوَةَ هِيَ السَّبَبُ فِي حَقِّ السَّامِعِ أَيْضًا وَكَانَتْ فِي الصَّلَاةِ. فَكَانَتْ السَّجْدَةُ صَلَاتِيَّةً فَلَا تُقْضَى خَارِجَهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمْ لَمَّا اخْتَلَفُوا فِي كَوْنِ التِّلَاوَةِ سَبَبًا فِي حَقِّهِ أَوْ السَّمَاعِ وَجَبَتْ السَّجْدَةُ احْتِيَاطًا لِأَنَّا إنْ نَظَرْنَا إلَى التِّلَاوَةِ لَا يَلْزَمُهُ السَّجْدَةُ، وَإِنْ نَظَرْنَا إلَى السَّمَاعِ تَلْزَمُهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَأُمِرْنَا بِهَا خَارِجَهَا احْتِيَاطًا. وَقَوْلُهُ (وَكُلُّ سَجْدَةٍ وَجَبَتْ فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ يَسْجُدْهَا فِيهَا لَمْ تُقْضَ خَارِجَ الصَّلَاةِ) ضَابِطٌ كُلِّيٌّ يَنْسَحِبُ عَلَى الْفُرُوعِ الدَّاخِلِ تَحْتَهُ،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهَا صَلَاتِيَّةٌ، وَمَعْنَى الصَّلَاتِيَّةِ أَنْ تَكُونَ التِّلَاوَةُ الْمُوجِبَةُ لَهَا مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَلَهَا مَزِيَّةُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّلَاةِ فَكَانَ وُجُوبُهَا كَامِلًا وَمَا وَجَبَ كَامِلًا لَا يَتَأَدَّى نَاقِصًا: وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ مَا قِيلَ هَذَا الْكُلِّيُّ

(وَمَنْ تَلَا سَجْدَةً فَلَمْ يَسْجُدْهَا حَتَّى دَخَلَ فِي صَلَاةٍ فَأَعَادَهَا وَسَجَدَ أَجْزَأَتْهُ السَّجْدَةُ عَنْ التِّلَاوَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ أَقْوَى لِكَوْنِهَا صَلَاتِيَّةً فَاسْتُتْبِعَتْ الْأُولَى. وَفِي النَّوَادِرِ يَسْجُدُ أُخْرَى بَعْدَ الْفَرَاغِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنْقُوضٌ بِمَا إذَا سَمِعُوا وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ مِمَّنْ لَيْسَ مَعَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا سَجْدَةٌ وَجَبَتْ فِي الصَّلَاةِ وَيَسْجُدُونَهَا بَعْدَهَا كَمَا تَقَدَّمَ. وَالثَّانِي مَا قِيلَ إنَّ قَوْلَهُ فَلَمْ يَسْجُدُوهَا فِيهَا غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ لِأَنَّهَا تُؤَدَّى بِسَجْدَةِ الصَّلَاةِ وَإِنْ لَمْ تُنْوَ. وَالثَّالِثُ مَا قِيلَ تَاءُ التَّأْنِيثِ تُحْذَفُ فِي النَّسَبِ فَالصَّوَابُ صَلَوِيَّةٌ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ تَقْدِيرَهُ وَكُلُّ سَجْدَةٍ صَلَاتِيَّةٍ وَاجِبَةٌ فِي الصَّلَاةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَجَبَتْ فِي الصَّلَاةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ صِفَةً مُوَضِّحَةً وَمَا ثَمَّةَ مَا يُمَيِّزُهُ عَنْهَا لِأَنَّ كُلَّ سَجْدَةٍ صَلَاتِيَّةٍ وَاجِبَةٌ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ صِفَةٌ كَاشِفَةٌ وَعَادَ السُّؤَالُ أَوْ غَيْرُهُمَا مِنْ التَّأْكِيدِ وَالْمَدْحِ وَالذَّمِّ وَالْمَقَامُ لَا يَقْتَضِيهِ، فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ تَقْدِيرُهُ: وَكُلُّ سَجْدَةٍ عَنْ تِلَاوَةٍ وَجَبَتْ فِي الصَّلَاةِ: أَيْ ثَبَتَتْ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ إنَّمَا تَتَأَدَّى بِسَجْدَةِ الصَّلَاةِ إذَا قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ فَسَجَدَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَسْجُدْ عَلَى الْفَوْرِ حَتَّى قَرَأَ مِقْدَارَ ثَلَاثِ آيَاتٍ وَرَكَعَ أَوْ سَجَدَ لِلصَّلَاةِ يَنْوِي بِهَا سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهَا صَارَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ بِفَوَاتِ وَقْتِهَا فَلَا تَتَأَدَّى فِي ضِمْنِ الْغَيْرِ. وَرُدَّ بِأَنَّ وَقْتَهَا مُوَسَّعٌ، فَمَتَى سَجَدَ كَانَ أَدَاءً لَا قَضَاءً. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ وُجُوبَهَا عَلَى الْفَوْرِ لَا التَّرَاخِي فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُصَنِّفُ اخْتَارَ ذَلِكَ؛ وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّهُ خَطَأٌ مُسْتَعْمَلٌ وَهُوَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ خَيْرٌ مِنْ صَوَابٍ نَادِرٍ. قَالَ (وَمَنْ تَلَا سَجْدَةً فَلَمْ يَسْجُدْهَا) هَذَا لِبَيَانِ التَّدَاخُلِ فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ أَيْ وَمَنْ تَلَا آيَةَ سَجْدَةٍ خَارِجَ الصَّلَاةِ (حَتَّى دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فَأَعَادَهَا) أَيْ تِلَاوَةَ تِلْكَ الْآيَةِ وَلَمْ يَتَبَدَّلْ مَجْلِسُ الصَّلَاةِ عَنْ مَجْلِسِ التِّلَاوَةِ (وَسَجَدَ) فِي الصَّلَاةِ (أَجْزَأَتْهُ السَّجْدَةُ) الَّتِي سَجَدَهَا (عَنْ التِّلَاوَتَيْنِ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ لِكَوْنِهَا صَلَاتِيَّةً أَقْوَى فَاسْتَتْبَعَتْ الْأُولَى وَفِي النَّوَادِرِ يَسْجُدُ) سَجْدَةً (أُخْرَى بَعْدَ الْفَرَاغِ)

لِأَنَّ لِلْأُولَى قُوَّةَ السَّبْقِ فَاسْتَوَيَا. قُلْنَا: لِلثَّانِيَةِ قُوَّةُ اتِّصَالِ الْمَقْصُودِ فَتَرَجَّحَتْ بِهَا (وَإِنْ تَلَاهَا فَسَجَدَ ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فَتَلَاهَا سَجَدَ لَهَا) ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ هِيَ الْمُسْتَتْبِعَةُ وَلَا وَجْهَ إلَى إلْحَاقِهَا بِالْأُولَى؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى سَبْقِ الْحُكْمِ عَلَى السَّبَبِ (وَمَنْ كَرَّرَ تِلَاوَةَ سَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَتْهُ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِنْ قَرَأَهَا فِي مَجْلِسِهِ فَسَجَدَهَا ثُمَّ ذَهَبَ وَرَجَعَ فَقَرَأَهَا سَجَدَهَا ثَانِيَةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَجَدَ لِلْأُولَى فَعَلَيْهِ السَّجْدَتَانِ) فَالْأَصْلُ أَنَّ مَبْنَى السَّجْدَةِ عَلَى التَّدَاخُلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الصَّلَاتِيَّةَ إنْ كَانَتْ أَقْوَى فَلِلْأُولَى أَيْضًا قُوَّةُ السَّبْقِ فَاسْتَوَيَا فَلَا تَكُونُ إحْدَاهُمَا أَوْلَى بِالِاسْتِتْبَاعِ وَجَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ لِلثَّانِيَةِ بَعْدَ التَّسَاوِي قُوَّةً أُخْرَى وَهُوَ الِاتِّصَالُ بِالْمَقْصُودِ: أَيْ اتِّصَالُ التِّلَاوَةِ بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ: أَيْ الْحُكْمِ وَهُوَ السُّجُودُ فَتَرَجَّحَتْ بِهَا وَاسْتَتْبَعَتْ. وَعُورِضَ بِأَنَّ إلْحَاقَ الْأُولَى بِالثَّانِيَةِ خِلَافُ مَوْضُوعِ التَّدَاخُلِ لِأَنَّ السَّابِقَ قَدْ مَضَى وَاضْمَحَلَّ فَكَيْفَ يَكُونُ مُلْحَقًا بِاللَّاحِقِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ السَّابِقَ قَدْ يَكُونُ تَبَعًا إذَا كَانَ اللَّاحِقُ أَقْوَى كَالسُّنَّةِ قَبْلَ الْفَرِيضَةِ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ تَلَاهَا) يَعْنِي خَارِجَ الصَّلَاةِ (فَسَجَدَ ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فَتَلَاهَا) أَيْ تِلْكَ الْآيَةَ وَجَبَ عَلَيْهِ (أَنْ يَسْجُدَ لَهَا لِأَنَّ الثَّانِيَةَ هِيَ الْمُسْتَتْبَعَةُ) لِمَا قُلْنَا إنَّهَا لِكَوْنِهَا صَلَاتِيَّةً أَقْوَى (وَ) إذَا كَانَتْ مُسْتَتْبَعَةً (لَا وَجْهَ لِإِلْحَاقِهَا) أَيْ السَّجْدَةِ الْمَفْعُولَةِ (بِالْأُولَى) أَيْ التِّلَاوَةِ الْأُولَى لِأَنَّهَا إنْ أُلْحِقَتْ بِهَا وَهِيَ تَابِعَةٌ لِلثَّانِيَةِ كَانَتْ السَّجْدَةُ مُلْحَقَةً بِالتِّلَاوَةِ الثَّانِيَةِ (وَذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى سَبْقِ الْحُكْمِ قَبْلَ السَّبَبِ) فَتَبَيَّنَ أَنَّ التَّدَاخُلَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُتَعَذِّرٌ فَيَجِبُ سَجْدَةٌ ثَانِيَةٌ لِلتِّلَاوَةِ الثَّانِيَةِ وَإِيَّاكَ أَنْ تَرُدَّ ضَمِيرَ إلْحَاقِهَا إلَى التِّلَاوَةِ الثَّانِيَةِ كَمَا فَعَلَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ. وَاعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ فَاسِدٌ فَتَأَمَّلْ، وَفِيهِ بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّ الصَّلَاتِيَّةَ إنَّمَا تَرَجَّحَتْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بِاتِّصَالِ الْمَقْصُودِ، وَهَاهُنَا مَعَ الْأُولَى السَّبْقُ وَالِاتِّصَال بِالْمَقْصُودِ، وَمَعَ الثَّانِيَةِ كَوْنُهَا صَلَاتِيَّةً فَقَطْ فَأَنَّى تَسْتَتْبِعُهَا. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى الِاتِّصَالِ إنَّمَا كَانَ عَلَى وَجْه التَّنَزُّلِ مِنْ الْمُصَنِّفِ، وَإِلَّا فَكَوْنُهَا صَلَاتِيَّةً أَقْوَى مِنْ السَّبْقِ فَلَا يُسَاوِيهِ السَّبْقُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قَهْقَهَ فِيهَا اُنْتُقِضَ الْوُضُوءُ دُونَ غَيْرِهَا وَبِالنَّظَرِ إلَى ذَلِكَ يَتِمُّ الدَّلِيلُ. قَالَ (وَمَنْ كَرَّرَ تِلَاوَةَ سَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ) ذَكَرَ مَسْأَلَةً وَبَيَّنَ التَّدَاخُلَ وَقَالَ (الْأَصْلُ أَنَّ مَبْنَى السَّجْدَةِ عَلَى التَّدَاخُلِ)

دَفْعًا لِلْحَرَجِ، وَهُوَ تَدَاخُلٌ فِي السَّبَبِ دُونَ الْحُكْمِ، وَهَذَا أَلْيَقُ بِالْعِبَادَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي فِي الِاسْتِحْسَانِ، وَالْقِيَاسِ أَنْ يَجِبَ لِكُلِّ تِلَاوَةِ سَجْدَةٍ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَوْ لَمْ تَكُنْ، لِأَنَّ السَّجْدَةَ حُكْمُ التِّلَاوَةِ وَالْحُكْمُ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ سَبَبِهِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (دَفْعًا لِلْحَرْبِ)

وَالثَّانِي بِالْعُقُوبَاتِ وَإِمْكَانُ التَّدَاخُلِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ لِكَوْنِهِ جَامِعًا، لِلْمُتَفَرِّقَاتِ فَإِذَا اخْتَلَفَ عَادَ الْحُكْمُ إلَى الْأَصْلِ، وَلَا يَخْتَلِفُ بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ بِخِلَافِ الْمُخَيَّرَةِ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ وَهُوَ الْمُبْطِلُ هُنَالِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَحْتَاجُونَ إلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَتَعَلُّمِهِ، وَذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى التَّكْرَارِ غَالِبًا، فَإِلْزَامُ التَّكْرَارِ فِي السَّجْدَةِ يُفْضِي إلَى الْحَرَجِ لَا مَحَالَةَ، وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ. وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ جِبْرِيلَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه كَانَ يُنْزِلُ آيَةَ السَّجْدَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُكَرِّرُ عَلَيْهِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْجُدُ لَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً تَعْلِيمًا لِجَوَازِ التَّدَاخُلِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ» . ثُمَّ التَّدَاخُلُ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي السَّبَبِ أَوْ فِي الْحُكْمِ وَالْأَلْيَقُ بِالْعِبَادَاتِ الْأَوَّلُ وَبِالْعُقُوبَاتِ الثَّانِي، وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّدَاخُلَ إذَا كَانَ فِي الْحُكْمِ دُونَ السَّبَبِ كَانَتْ الْأَسْبَابُ بَاقِيَةً عَلَى تَعَدُّدِهَا فَيَلْزَمُ وُجُودُ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْعِبَادَةِ بِدُونِ الْعِبَادَةِ، وَفِي ذَلِكَ تَرْكُ الِاحْتِيَاطِ فِيمَا يَجِبُ فِيهِ الِاحْتِيَاطُ فَقُلْنَا بِتَدَاخُلِ الْأَسْبَابِ فِيهَا لِيَكُونَ جَمِيعُهَا بِمَنْزِلَةِ سَبَبٍ وَاحِدٍ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمُهُ إذَا وُجِدَ دَلِيلُ الْجَمْعِ وَهُوَ اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ. وَأَمَّا الْعُقُوبَاتُ فَلَيْسَ مِمَّا يُحْتَاطُ فِيهَا بَلْ فِي دَرْئِهَا احْتِيَاطٌ فَيُجْعَلُ التَّدَاخُلُ فِي الْحُكْمِ لِيَكُونَ عَدَمُ الْحُكْمِ مَعَ وُجُودِ الْمُوجِبِ مُضَافًا إلَى عَفْوِ اللَّهِ وَكَرَمِهِ فَإِنَّهُ هُوَ الْمَوْصُوفُ بِسُبُوغِ الْعَفْوِ وَكَمَالِ الْكَرَمِ، وَثَمَرَةُ ذَلِكَ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ تَلَا آيَةَ سَجْدَةٍ فِي مَكَان فَسَجَدَهَا ثُمَّ تَلَاهَا فِيهِ مَرَّاتٍ فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ تِلْكَ السَّجْدَةُ الْمَفْعُولَةُ أَوْ لَا، إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ التَّدَاخُلُ فِي السَّبَبِ لَكَانَتْ التِّلَاوَةُ الَّتِي بَعْدَ السَّجْدَةِ سَبَبًا وَحُكْمُهُ قَدْ تَقَدَّمَ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ. وَقَوْلُهُ (وَإِمْكَانُ التَّدَاخُلِ) أَيْ الْإِمْكَانُ الشَّرْعِيُّ بَيَانُ الدَّلِيلِ الْجَمْعِ وَهُوَ اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ لِكَوْنِهِ جَامِعًا لِلْمُتَفَرِّقَاتِ، أَلَا تَرَى إلَى شَطْرَيْ الْعَقْدِ يَجْمَعُهُمَا الْمَجْلِسُ وَإِنْ تَفَرَّقَا بِالْأَقْوَالِ، فَإِذَا اخْتَلَفَ عَادَ الْحُكْمُ إلَى أَصْلِهِ وَهُوَ وُجُوبُ التَّكْرَارِ لِعَدَمِ الْجَامِعِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا بَالُ الْجَامِعِ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ الْآيَاتِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ كَمَا جَمَعَ بَيْنَ الْمَرَّاتِ فِيهِ؟ قُلْنَا لِعَدَمِ الْحَرَجِ، فَإِنَّ آيَاتِ السَّجْدَةِ مَحْصُورَةٌ، وَالْغَالِبُ عَدَمُ تِلَاوَةِ الْجَمْعِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، بِخِلَافِ التَّكْرَارِ لِلتَّعْلِيمِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَحْصُورٍ وَيَتَّفِقُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اخْتِلَافُ الْمَجْلِسِ إنَّمَا يَكُونُ بِالذَّهَابِ عَنْهُ بَعِيدًا. قَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ كَانَ مَشَى نَحْوًا مِنْ عَرْضِ الْمَسْجِدِ وَطُولِهِ فَهُوَ قَرِيبٌ، وَقِيلَ إنْ مَشَى خُطْوَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَهُوَ قَرِيبٌ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ بَعِيدٌ، وَلَا يَخْتَلِفُ بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحْسَنٌ فِي الْإِتْيَانِ بِالسَّجْدَةِ لِأَنَّ الْخُرُورَ الْوَارِدَ فِي الْقُرْآنِ سُقُوطٌ مِنْ الْقِيَامِ، بِخِلَافِ الْمُخَيَّرَةِ فَإِنَّ خِيَارَهَا يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ لِكَوْنِهِ دَلِيلَ الْإِعْرَاضِ، فَإِنَّ مَنْ حَزَبَهُ أَمْرٌ وَهُوَ قَائِمٌ يَقْعُدُ لِكَوْنِ الْقُعُودِ أَجْمَعَ لِلرَّأْيِ، فَإِذَا قَامَتْ دَلَّ عَلَى الْإِعْرَاضِ، وَالْخِيَارُ يَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ صَرِيحًا وَدَلَالَةً

وَفِي تَسْدِيَةِ الثَّوْبِ يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ، وَفِي الْمُنْتَقِلِ مِنْ غُصْنٍ إلَى غُصْنٍ كَذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ، وَكَذَا فِي الدِّيَاسَةِ لِلِاحْتِيَاطِ (وَلَوْ تَبَدَّلَ مَجْلِسُ السَّامِعِ دُونَ التَّالِي يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ) ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ فِي حَقِّهِ السَّمَاعُ (وَكَذَا إذَا تَبَدَّلَ مَجْلِسُ التَّالِي دُونَ السَّامِعِ) عَلَى مَا قِيلَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ عَلَى السَّامِعِ لِمَا قُلْنَا. (وَمَنْ أَرَادَ السُّجُود كَبَّرَ وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ وَسَجَدَ ثُمَّ كَبَّرَ وَرَفَعَ رَأْسَهُ) اعْتِبَارًا بِسَجْدَةِ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي تَسْدِيَةِ الثَّوْبِ يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ) وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَهَذَا اللَّفْظُ يَعْنِي قَوْلَهُ (وَفِي الْمُنْتَقِلِ مِنْ غُصْنٍ إلَى غُصْنٍ كَذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ وَكَذَلِكَ فِي الدِّيَاسَةِ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ فِي الْمُنْتَقِلِ مِنْ غُصْنٍ إلَى غُصْنٍ وَفِي الدِّيَاسَةِ لَا فِي تَسْدِيَةِ الثَّوْبِ لِأَنَّهُ قَطَعَهَا بِالْجَوَابِ مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ ثُمَّ شَبَّهَ جَوَابَ الثَّانِي بِذِكْرِ الْأَصَحِّ، وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ مُتَعَلِّقًا بِالْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا، وَقَوْلُهُ لِلِاحْتِيَاطِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَجْهَ الْأَصَحِّ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الْمَذْكُورَةِ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ بِالنَّظَرِ إلَى اتِّحَادِ الْعَمَلِ وَاتِّحَادِ اسْمِ الْمَجْلِسِ لَا يَتَبَدَّلُ الْمَجْلِسُ فَلَا يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ، وَبِالنَّظَرِ إلَى اخْتِلَافِ حَقِيقَةِ الْمَكَانِ يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ فَقُلْنَا بِالتَّكْرَارِ لِلِاحْتِيَاطِ. وَقَوْلُهُ (إذَا تَبَدَّلَ مَجْلِسُ التَّالِي) وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا قِيلَ) يَعْنِي بِهِ قَوْلَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّ مَجْلِسَ التَّالِي إذَا تَكَرَّرَ دُونَ مَجْلِسِ السَّامِعِ بِتَكَرُّرِ الْوُجُوبِ عَلَى السَّامِعِ لِأَنَّ الْحُكْمَ مُضَافٌ إلَى سَبَبِهِ، وَكَأَنَّهُ اخْتَارَ أَنَّ السَّبَبَ هُوَ التِّلَاوَةُ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ عَلَى السَّامِعِ لِمَا قُلْنَا) يَعْنِي أَنَّ السَّبَبَ فِي حَقِّهِ السَّمَاعُ وَكَانَ مَجْلِسِهِ مُتَّحِدًا وَهُوَ قَوْلُ الْإِسْبِيجَابِيِّ، قِيلَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. (وَمَنْ أَرَادَ السُّجُودَ كَبَّرَ وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ وَسَجَدَ ثُمَّ كَبَّرَ وَرَفَعَ رَأْسَهُ اعْتِبَارًا بِسَجْدَةِ الصَّلَاةِ) وَفِي قَوْلِهِ اعْتِبَارًا بِسَجْدَةِ الصَّلَاةِ

(وَلَا تَشَهُّدَ عَلَيْهِ وَلَا سَلَامَ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِلتَّحَلُّلِ وَهُوَ يَسْتَدْعِي سَبْقَ التَّحْرِيمَةِ وَهِيَ مُنْعَدِمَةٌ. قَالَ (وَيُكْرَهُ أَنْ يَقْرَأَ السُّورَةَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا وَيَدَعَ آيَةَ السَّجْدَةِ) ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الِاسْتِنْكَافَ عَنْهَا (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَقْرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ وَيَدَعَ مَا سِوَاهَا) ؛ لِأَنَّهُ مُبَادَرَةٌ إلَيْهَا. قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْرَأَ قَبْلَهَا آيَةً أَوْ آيَتَيْنِ دَفْعًا لِوَهْمِ التَّفْضِيلِ وَاسْتَحْسَنُوا إخْفَاءَهَا شَفَقَةً عَلَى السَّامِعِينَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّكْبِيرَ فِيهَا سُنَّةٌ كَمَا فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ، وَقَوْلُهُ وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ صِفَتَهَا عِنْدَهُ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ نَاوِيًا ثُمَّ يُكَبِّرَ لِلسُّجُودِ وَلَا يَرْفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ يُكَبِّرَ لِلرَّفْعِ وَيُسَلِّمَ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَاذَا يَقُولُ فِي سُجُودِهِ، فَقِيلَ: يَقْرَأُ فِيهَا {سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا} [الإسراء: 108] وَالْأَصَحُّ أَنْ يَقُولَ فِيهَا مَا يَقُولُ فِي سَجْدَةِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا لَمْ يَضُرَّهُ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ أَقْوَى مِنْ سَجْدَةِ الصَّلَاةِ، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا شَيْئًا جَازَ فَكَذَلِكَ هَذِهِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا تَشَهُّدَ عَلَيْهِ وَلَا سَلَامَ) نَفْيٌ لِقَوْلِ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ الَّذِينَ لَمْ يَأْخُذُوا بِقَوْلِهِ وَقَالُوا إنَّ فِيهَا تَشَهُّدًا وَسَلَامًا. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ التَّشَهُّدَ وَالسَّلَامَ (لِلتَّحَلُّلِ وَهُوَ يَسْتَدْعِي سَبْقَ التَّحْرِيمَةِ وَهِيَ مَعْدُومَةٌ) فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا مَعْدُومَةٌ لِأَنَّهُ قَالَ وَكَبَّرَ وَالتَّكْبِيرُ لِلتَّحْرِيمَةِ بِالنَّصِّ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ تَكْبِيرٍ لِلتَّحْرِيمَةِ، أَلَا تَرَى تَكْبِيرَ السُّجُودِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلتَّحْرِيمَةِ وَهَذِهِ السَّجْدَةُ لَمَّا شُبِّهَتْ بِسَجْدَةِ الصَّلَاةِ سُنَّ فِيهَا التَّكْبِيرُ لِلْمُشَابَهَةِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الِاسْتِنْكَافَ) يَعْنِي أَنَّ الِاسْتِنْكَافَ حَرَامٌ لِأَنَّهُ كُفْرٌ فَيَكُونُ مَا يُشْبِهُهُ مَكْرُوهًا. وَقَوْلُهُ (شَفَقَةً عَلَى السَّامِعِينَ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ: إنْ كَانَ

[باب صلاة السفر]

بَابُ صَلَاةِ السَّفَرِ السَّفَرُ الَّذِي يَتَغَيَّرُ بِهِ الْأَحْكَامُ أَنْ يَقْصِدَ الْإِنْسَانُ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّالِي وَحْدَهُ يَقْرَأُ كَيْفَ شَاءَ مِنْ جَهْرٍ وَإِخْفَاءٍ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ. قَالَ مَشَايِخُنَا: إنْ كَانَ الْقَوْمُ مُتَأَهِّبِينَ لِلسُّجُودِ وَيَقَعُ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَدَاءُ السَّجْدَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَهَا جَهْرًا حَتَّى يَسْجُدَ الْقَوْمُ مَعَهُ، لِأَنَّ فِي هَذَا حَثًّا لَهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ، وَإِنْ كَانُوا مُحْدِثِينَ أَوْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَدَاءُ السَّجْدَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَهَا فِي نَفْسِهِ وَلَا يَجْهَرَ تَحَرُّزًا عَنْ تَأْثِيمِ الْمُسْلِمِ وَذَلِكَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ صَلَاةِ السَّفَرِ] (بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ) لَمَّا كَانَ السَّفَرُ مِنْ الْعَوَارِضِ الْمُكْتَسَبَةِ نَاسَبَ أَنْ يُذْكَرَ مَعَ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ، لِأَنَّ التِّلَاوَةَ أَيْضًا كَذَلِكَ، وَيُؤَخِّرُ عَنْهَا لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ دُونَهُ. وَالسَّفَرُ فِي اللُّغَةِ: قَطْعُ الْمَسَافَةِ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ هُنَا، بَلْ الْمُرَادُ قَطْعٌ خَاصٌّ وَهُوَ أَنْ يَتَغَيَّرَ بِهِ الْأَحْكَامُ فَقَيَّدَهُ بِذَلِكَ. وَذَكَرَ الْقَصْدَ وَهُوَ الْإِرَادَةُ الْحَادِثَةُ الْمُقَارِنَةُ لِمَا عَزَمَ لِأَنَّهُ لَوْ طَافَ جَمِيعَ الْعَالَمِ بِلَا قَصْدِ سَيْرِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يَصِيرُ مُسَافِرًا، وَلَوْ قَصَدَ وَلَمْ يُظْهِرْ ذَلِكَ بِالْفِعْلِ فَكَذَلِكَ، وَكَانَ الْمُعْتَبَرُ فِي حَقِّ تَغْيِيرِ الْأَحْكَامِ اجْتِمَاعُهُمَا

سَيْرَ الْإِبِلِ وَمَشْيَ الْأَقْدَامِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَمْسَحُ الْمُقِيمُ كَمَالَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا» عَمَّ بِالرُّخْصَةِ الْجِنْسَ. وَمِنْ ضَرُورَتِهِ عُمُومُ التَّقْدِيرِ وَقَدَّرَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِيَوْمَيْنِ وَأَكْثَرِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ قِيلَ: الْإِقَامَةُ تَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ فَمَا بَالُ السَّفَرِ وَهُوَ ضِدُّهُ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ السَّفَرَ فِعْلٌ، وَمُجَرَّدُ الْقَصْدِ لَا يَكْفِي فِيهِ، وَالْإِقَامَةُ تَرْكٌ وَهُوَ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِهَا، وَسَيَجِيءُ نَظِيرُهُ فِي بَابِ الزَّكَاةِ فِي الْعَبْدِ لِلْخِدْمَةِ يَنْوِي أَنْ يَكُونَ لِلتِّجَارَةِ وَعَكْسِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْأَحْكَامُ الَّتِي تَتَغَيَّرُ بِالسَّفَرِ هِيَ قَصْرُ الصَّلَاةِ وَإِبَاحَةُ الْفِطْرِ وَامْتِدَادُ مُدَّةِ الْمَسْحِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَسُقُوطُ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَحُرْمَةُ الْخُرُوجِ عَلَى الْحُرَّةِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ فَإِنْ قِيلَ: فَكَمَا أَنَّ الْقَصْدَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِلتَّغْيِيرِ فَكَذَلِكَ مُجَاوَزَةُ بُيُوتِ الْمِصْرِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ بِصَدَدِ بَيَانِ تَعْرِيفِ السَّفَرِ وَمَا ذَكَرْتُمْ مِنْ شُرُوطِ تَغْيِيرِهِ وَسَنَذْكُرُهُ. وَقَوْلُهُ (سَيْرَ الْإِبِلِ) بِالنَّصْبِ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَقَوْلُهُ (عَمَّ الرُّخْصَةُ الْجِنْسَ) وَمِنْ ضَرُورَتِهِ عُمُومُ التَّقْدِيرِ مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِي قَوْلِهِ وَالْمُسَافِرُ لِلْجِنْسِ لِعَدَمِ مَعْهُودٍ فَتَكُونُ الرُّخْصَةُ وَهُوَ الْمَسْحُ عَامًّا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا مَنْ هُوَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَيْضًا عَامًّا بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ، وَإِلَّا لَكَانَ نَقِيضُهُ صَادِقًا وَهُوَ بَعْضُ مَنْ هُوَ مُسَافِرٌ لَا يَمْسَحُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا، وَيَلْزَمُ الْكَذِبُ الْمُحَالُ عَلَى الشَّارِعِ إنْ كَانَتْ الْجُمْلَةُ خَبَرِيَّةً مَعْنًى أَيْضًا، أَوْ عَدَمُ الِامْتِثَالِ لِأَمْرِهِ إنْ كَانَتْ طَلَبِيَّةً مَعْنًى وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ.

وَالشَّافِعِيُّ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي قَوْلٍ، وَكَفَى بِالسُّنَّةِ حُجَّةً عَلَيْهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاعْتُرِضَ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لَوْ كَانَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ظَرْفًا لِيَمْسَح وَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِقَوْلِهِ وَالْمُسَافِرُ حَتَّى يَكُونَ مَعْنَاهُ وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا يَمْسَحُ، وَتَخْصِيصُ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَاهُ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُسَافِرُ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ أَقَلَّ يَمْسَحُ بِدَلِيلٍ آخَرَ، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ يَا أَهْلَ مَكَّةَ لَا تَقْصُرُوا فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ مِنْ مَكَّةَ إلَى عُسْفَانَ» وَالثَّانِي أَنَّهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي اسْتِيفَاءَ مُدَّةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا، وَذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ بِالِاتِّفَاقِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ رَاوِيَ الْحَدِيثِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُجَاهِدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ النَّقَلَةِ جِدًّا حَتَّى كَانَ سُفْيَانُ يُزْرِيهِ بِالْكَذِبِ، فَبَقِيَ الْقَوْلُ بِالْمَسْحِ لِلْمُسَافِرِ يَوْمًا وَلَيْلَةً قَوْلًا بِلَا دَلِيلٍ، سَلَّمْنَا لَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ظَرْفًا لِلْمُسَافِرِ وَإِلَّا لَكَانَ فِي قَوْلِهِ يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً كَذَلِكَ، فَكَانَ حُكْمُ الْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ فِي مُدَّةِ الْمَسْحِ وَاحِدًا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، وَفِي ذَلِكَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ حُكْمِ الرَّاحَةِ وَالْمَشَقَّةِ وَهُوَ خِلَافُ مَوْضُوعِ الشَّرْعِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ النُّزُولَ لِأَجْلِ الِاسْتِرَاحَةِ مُلْحَقٌ بِالسَّيْرِ فِي حَقِّ تَكْمِيلِ مُدَّةِ السَّفَرِ تَيْسِيرًا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَةُ الْمُعَلَّى عَنْهُ بِيَوْمَيْنِ وَأَكْثَرِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يُسَافِرُ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَتَعَجَّلُ السَّيْرَ فَيَبْلُغُ قَبْلَ الْوَقْتِ بِسَاعَةٍ وَلَا يُعْتَدُّ بِذَلِكَ (وَالشَّافِعِيُّ قَدَّرَهُ فِي قَوْلٍ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ) وَرُبَّمَا يُسْتَدَلُّ عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ عَبْدِ الْوَهَّابِ (وَكَفَى بِالسُّنَّةِ) يَعْنِي مَا رَوَيْنَا (حُجَّةً عَلَيْهِمَا)

(وَالسَّيْرُ الْمَذْكُورُ هُوَ الْوَسَطُ) وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - التَّقْدِيرُ بِالْمَرَاحِلِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْفَرَاسِخِ هُوَ الصَّحِيحُ (وَلَا يُعْتَبَرُ السَّيْرُ فِي الْمَاءِ) مَعْنَاهُ لَا يُعْتَبَرُ بِهِ السَّيْرُ فِي الْبَرِّ، فَأَمَّا الْمُعْتَبَرُ فِي الْبَحْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ) أَيْ التَّقْدِيرُ بِثَلَاثِ مَرَاحِلَ قَرِيبٌ إلَى التَّقْدِيرِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، لِأَنَّ الْمُعْتَادَ فِي السَّيْرِ فِي ذَلِكَ كُلَّ يَوْمٍ مَرْحَلَةٌ خُصُوصًا فِي أَقْصَرِ أَيَّامِ السَّنَةِ وَقَوْلُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ فَإِنَّهُمْ قَدَّرُوهَا بِالْفَرَاسِخِ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ فَرْسَخًا، وَقَالَ آخَرُونَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَآخَرُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يُعْتَبَرُ السَّيْرُ فِي الْمَاءِ) يَعْنِي إذَا كَانَ لِمَوْضِعٍ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا فِي الْمَاءِ يُقْطَعُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا إذَا كَانَتْ الرِّيحُ هَادِيَةً: أَيْ مُتَوَسِّطَةً، وَالثَّانِي فِي الْبَرِّ يُقْطَعُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لَا يُعْتَبَرُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، فَإِنْ ذَهَبَ إلَى طَرِيقِ الْمَاءِ قَصَرَ، وَإِنْ ذَهَبَ إلَى طَرِيقِ الْبَرِّ أَتَمَّ، وَلَوْ انْعَكَسَ انْعَكَسَ الْحُكْمُ (وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ فِي الْبَحْرِ

فَمَا يَلِيقُ بِحَالِهِ كَمَا فِي الْجَبَلِ. قَالَ (وَفَرْضُ الْمُسَافِرِ فِي الرُّبَاعِيَّةِ رَكْعَتَانِ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِمَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَرْضُهُ الْأَرْبَعُ وَالْقَصْرُ رُخْصَةٌ اعْتِبَارًا بِالصَّوْمِ. وَلَنَا أَنَّ الشَّفْعَ الثَّانِيَ لَا يُقْضَى وَلَا يُؤْثَمُ عَلَى تَرْكِهِ، وَهَذَا آيَةُ النَّافِلَةِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ يُقْضَى ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا يَلِيقُ بِحَالِهِ) يُعْتَبَرُ السَّيْرُ فِيهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ الرِّيحُ مُسْتَوِيَةً لَا سَاكِنَةً وَلَا عَالِيَةً كَمَا فِي الْجَبَلِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا فِي السَّيْرِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْمَسَافَةُ فِي السَّهْلِ تُقْطَعُ بِمَا دُونَهَا. قَالَ (وَفَرْضُ الْمُسَافِرِ فِي الرُّبَاعِيَّةِ رَكْعَتَانِ) الْقَصْرُ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ رُخْصَةُ إسْقَاطٍ عِنْدَنَا، وَرُبَّمَا عَبَّرَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ عَنْهُ بِالْعَزِيمَةِ وَرُخْصَةٌ حَقِيقِيَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَيْ رُخْصَةُ تَرْفِيهٍ وَفَرْضُهُ عِنْدَنَا رَكْعَتَانِ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِمَا (وَعِنْدَهُ فَرْضُهُ الْأَرْبَعُ) وَاعْتَبَرَهُ بِالصَّوْمِ قَالَ: هَذِهِ رُخْصَةٌ شُرِعَتْ لِلْمُسَافِرِ فَيَتَخَيَّرُ فِيهَا كَمَا فِي الصَّوْمِ (وَلَنَا أَنَّ الشَّفْعَ الثَّانِيَ لَا يُقْضَى وَلَا يُؤْثَمُ عَلَى تَرْكِهِ وَهَذَا آيَةُ النَّافِلَةِ) وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الصَّوْمِ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ الْخَصْمِ بِأَنَّ الصَّوْمَ يُقْضَى: يَعْنِي أَنَّ تَرْكَ الشَّيْءِ بِلَا بَدَلٍ وَلَا إثْمٍ عَلَامَةُ كَوْنِهِ نَافِلَةً، وَمَا ذَكَرْتُمْ تُرِكَ بِبَدَلٍ وَهُوَ الْقَضَاءُ فَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا، وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذَا قِيَاسٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء: 101] وَلَفْظُ لَا جُنَاحَ يُذْكَرُ لِلْإِبَاحَةِ دُونَ الْوُجُوبِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمَّاهُ صَدَقَةً وَالْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ فِي الْقَبُولِ وَعَدَمِهِ. وَالثَّانِي أَنَّ الْفَقِيرَ لَوْ لَمْ يَحُجَّ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَلَا إثْمٌ، وَإِذَا حَجَّ كَانَ فَرْضًا فَلَمْ يَكُنْ مَا ذَكَرْتُمْ آيَةَ النَّافِلَةِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ النَّصَّ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ أَمَّا الْآيَةُ فَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: 101] عَلَّقَ الْقَصْرَ بِالْخَوْفِ، وَهُوَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِقَصْرِ ذَاتِ الصَّلَاةِ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَا بُدَّ مِنْ إعْمَالِهِ فَكَانَ مُتَعَلِّقًا بِقَصْرِ الْأَوْصَافِ مِنْ تَرْكِ الْقِيَامِ إلَى الْقُعُودِ، أَوْ تَرْكِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إلَى الْإِيمَاءِ لِخَوْفٍ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ غَيْرِهِ،

(وَإِنْ صَلَّى أَرْبَعًا وَقَعَدَ فِي الثَّانِيَةِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أَجْزَأَتْهُ الْأُولَيَانِ عَنْ الْفَرْضِ وَالْأُخْرَيَاتُ لَهُ نَافِلَةٌ) اعْتِبَارًا بِالْفَجْرِ، وَيَصِيرُ مُسِيئًا لِتَأْخِيرِ السَّلَامِ (وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّانِيَةِ قَدْرَهَا بَطَلَتْ) ؛ لِاخْتِلَاطِ النَّافِلَةِ بِهَا قَبْلَ إكْمَالِ أَرْكَانِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعِنْدَنَا قَصْرُ الْأَوْصَافِ عِنْدَ الْخَوْفِ مُبَاحٌ لَا وَاجِبٌ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَلِأَنَّ التَّصَدُّقَ بِمَا لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ مِنْ غَيْرِ مُفْتَرَضِ الطَّاعَةِ كَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ وَالْقِصَاصِ إسْقَاطٌ مَحْضٌ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ فَلَأَنْ يَكُونَ مِنْ مُفْتَرَضِ الطَّاعَةِ أَوْلَى وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ لَمَّا أَتَى مَكَّةَ صَارَ مُسْتَطِيعًا فَيُفْتَرَضُ عَلَيْهِ وَيَأْثَمُ بِتَرْكِهِ كَالْأَغْنِيَاءِ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ صَلَّى أَرْبَعًا) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ قَدْرَهَا) أَيْ قَدْرَ قَعْدَةٍ التَّشَهُّدِ (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ (لِاخْتِلَاطِ النَّافِلَةِ بِهَا قَبْلَ إكْمَالِ أَرْكَانِهَا) لِأَنَّ الْقَعْدَةَ الْأَخِيرَةَ رُكْنٌ وَقَدْ تَرَكَهَا قَبْلَ احْتِيَاجِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ إلَى الْقِرَاءَةِ كَاحْتِيَاجِهَا إلَى الْقَعْدَةِ، فَإِذَا لَمْ يَقْرَأْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَقَامَ إلَى الثَّالِثَةِ وَنَوَى الْإِقَامَةَ وَقَرَأَ الْأُخْرَيَيْنِ جَازَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فَكَيْفَ تَبْطُلُ بِتَرْكِ الْقَعْدَةِ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا إذَا لَمْ يَقْعُدْ فِي الْأُولَى وَأَتَمَّ أَرْبَعًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ فَيَكُونُ فِيهِ اخْتِلَاطُ النَّافِلَةِ بِالْفَرْضِ قَبْلَ إكْمَالِهِ، وَفِيمَا ذَكَرْتُمْ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ صَارَ فَرْضُهُ أَرْبَعًا وَصَارَتْ قِرَاءَتُهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ قِرَاءَةً

(وَإِذَا فَارَقَ الْمُسَافِرُ بُيُوتَ الْمِصْرِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ تَتَعَلَّقُ بِدُخُولِهَا فَيَتَعَلَّقُ السَّفَرُ بِالْخُرُوجِ عَنْهَا. وَفِيهِ الْأَثَرُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، لَوْ جَاوَزْنَا هَذَا الْخُصَّ لَقَصَرْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْأُولَيَيْنِ وَالْقَعْدَةُ الْأُولَى لَمْ تَبْقَ فَرْضًا وَإِنَّمَا يَسِيرُ مُسَافِرًا بِقَصْرِ الصَّلَاةِ إذَا فَارَقَ بُيُوتَ الْمِصْرِ مِنْ الْجَانِبِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْجَوَانِبِ بُيُوتٌ، لِأَنَّ السَّفَرَ ضِدُّ الْإِقَامَةِ وَالشَّيْءُ إذَا تَعَلَّقَ بِشَيْءٍ تَعَلَّقَ ضِدُّهُ بِضِدِّهِ وَحُكْمُهُ الْإِقَامَةُ وَهُوَ الْإِتْمَامُ لَمَّا تَعَلَّقَ بِهَذَا الْمَوْضِعِ تَعَلَّقَ حُكْمُ السَّفَرِ بِالْمُجَاوَزَةِ عَنْهُ. (وَفِيهِ الْأَثَرُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) رُوِيَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْمِصْرِ يُرِيدُ السَّفَرَ فَحَانَ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَأَتَمَّهَا، ثُمَّ نَظَرَ إلَى خُصٍّ أَمَامَهُ وَقَالَ (لَوْ جَاوَزْنَا هَذَا الْخُصَّ لَقَصَرْنَا) وَالْخُصُّ: بَيْتٌ مِنْ قَصَبٍ. وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِ الِانْفِصَالِ مِنْ الْمِصْرِ

(وَلَا يَزَالُ عَلَى حُكْمِ السَّفَرِ حَتَّى يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ فِي بَلْدَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ، وَإِنْ نَوَى أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ قَصَرَ) ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ مُدَّةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَالَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ: الْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ قَدْرَ غَلْوَةٍ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ يَجُوزُ إقَامَتُهَا فِي هَذَا الْمِقْدَارِ مِنْ الْمِصْرِ وَهِيَ لَا تُقَامُ إلَّا فِي الْمِصْرِ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الْمَوْضِعُ مِنْ الْمِصْرِ فَكَيْفَ جَازَ الْقَصْرُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ كَيْفَ جَازَتْ هَذِهِ الصَّلَاةُ بِهِ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِنَاءَ الْمِصْرِ إنَّمَا يُلْحَقُ فِيمَا كَانَ مِنْ حَوَائِجِ أَهْلِهِ وَقَصْرُ الصَّلَاةِ لَيْسَ مِنْهَا (وَلَا يَزَالُ عَلَى حُكْمِ السَّفَرِ حَتَّى يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ فِي بَلْدَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) وَقَوْلُهُ (أَوْ أَكْثَرَ) زَائِدٌ (وَإِنْ نَوَى أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ قَصَرَ) عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ: إذْ نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ صَارَ مُقِيمًا، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ صَارَ

لِأَنَّ السَّفَرَ يُجَامِعُهُ اللُّبْثُ فَقَدَّرْنَاهَا بِمُدَّةِ الطُّهْرِ؛ لِأَنَّهُمَا مُدَّتَانِ مُوجِبَتَانِ، وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَالْأَثَرُ فِي مِثْلِهِ كَالْخَبَرِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْبَلْدَةِ وَالْقَرْيَةِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا تَصِحُّ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ فِي الْمَفَازَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُقِيمًا وَإِنْ لَمْ يَنْوِ. وَاحْتَجَّ لِلْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء: 101] عَلَّقَ الْقَصْرَ بِالضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ، وَمَنْ نَوَى الْإِقَامَةَ فَقَدْ تَرَكَ الضَّرْبَ، وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ مَعْدُومٌ عِنْدَ عَدَمِهِ، إلَّا أَنَّا تَرَكْنَا مَا دُونَ ذَلِكَ بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ، وَلِلثَّانِي بِقَوْلِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَنْ أَقَامَ أَرْبَعًا أَتَمَّ وَلَمْ يَذْكُرْ النِّيَّةَ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ تَرْكَ الضَّرْبِ يَحْصُلُ بِنِيَّةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَيْضًا. وَالْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهَا فِي الْأَرْبَعَةِ كَالْإِجْمَاعِ عَلَى مَا دُونَهَا، ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ خِلَافُ ذَلِكَ أَيْضًا فَلَا يَكُونُ حُجَّةً. وَلَنَا مَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ مُدَّةٍ لِأَنَّ السَّفَرَ يُجَامِعُهُ اللُّبْثُ فَقَدَّرْنَاهَا بِمُدَّةِ الطُّهْرِ لِأَنَّهُمَا مُدَّتَانِ مُوجِبَتَانِ، فَإِنَّ مُدَّةَ الطُّهْرِ تُوجِبُ إعَادَةَ مَا سَقَطَ بِالْحَيْضِ، وَالْإِقَامَةُ تُوجِبُ إعَادَةَ مَا سَقَطَ بِالسَّفَرِ، فَكَمَا قُدِّرَ أَدْنَى مُدَّةِ الطُّهْرِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَكَذَلِكَ يُقَدَّرُ أَدْنَى مُدَّةِ الْإِقَامَةِ، وَلِهَذَا قَدَّرْنَا أَدْنَى مُدَّةِ الْحَيْضِ وَالسَّفَرِ بِثَلَاثِ أَيَّامٍ لِكَوْنِهِمَا مُسْقِطَتَيْنِ (وَهُوَ) أَيْ التَّقْدِيرُ بِمُدَّةِ الطُّهْرِ (مَأْثُورٌ) رَوَى مُجَاهِدٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا قَالَا: إذَا دَخَلْت بَلْدَةً وَأَنْتَ مُسَافِرٌ وَفِي عَزْمِك أَنْ تُقِيمَ بِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَكْمِلْ الصَّلَاةَ، وَإِنْ كُنْت لَا تَدْرِي مَتَى تَظْعَنُ فَاقْصُرْ. وَالْأَثَرُ فِي مِثْلِهِ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ الشَّرْعِيَّةِ كَالْخَبَرِ الْمَرْوِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ الْعَقْلَ لَا يَهْتَدِي إلَى ذَلِكَ، وَحَاشَاهُمْ عَنْ انْحِرَافٍ فَكَانَ قَوْلُهُمْ مُعْتَمِدًا عَلَى السَّمَاعِ ضَرُورَةً. لَا يُقَالُ كَلَامُهُ مُتَنَاقِضٌ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَهَا أَوَّلًا بِمُدَّةِ الطُّهْرِ وَهُوَ رَأْيٌ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ (وَالْأَثَرُ فِي مِثْلِهِ) يَعْنِي مَا لَا يُعْقَلُ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ (كَالْخَبَرِ) لِأَنَّ ذَلِكَ إظْهَارُ مَعْنًى بَعْدَ ثُبُوتِ أَصْلِهِ بِالْأَثَرِ لَا أَنْ يَثْبُتَ ذَلِكَ بِالرَّأْيِ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِيهِ. وَقَوْلُهُ (وَهُوَ الظَّاهِرُ) أَيْ الظَّاهِرُ مِنْ الرِّوَايَةِ احْتِرَازٌ عَمَّا رُوِيَ عَنْ

(وَلَوْ دَخَلَ مِصْرًا عَلَى عَزْمِ أَنْ يَخْرُجَ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ وَلَمْ يَنْوِ مُدَّةَ الْإِقَامَةِ حَتَّى بَقِيَ عَلَى ذَلِكَ سِنِينَ قَصَرَ) ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَقَامَ بِأَذْرَبِيجَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَكَانَ يَقْصُرُ. وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِثْلُ ذَلِكَ. (وَإِذَا دَخَلَ الْعَسْكَرُ أَرْضَ الْحَرْبِ فَنَوَوْا الْإِقَامَةَ بِهَا قَصَرُوا وَكَذَا إذَا حَاصَرُوا فِيهَا مَدِينَةً أَوْ حِصْنًا) ؛ لِأَنَّ الدَّاخِلَ بَيْنَ أَنْ يُهْزَمَ فَيَقِرَّ وَبَيْنَ أَنْ يَنْهَزِمَ فَيَفِرَّ فَلَمْ تَكُنْ دَارَ إقَامَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الرُّعَاةَ إذَا نَزَلُوا مَوْضِعًا كَثِيرَ الْكَلَإِ وَالْمَاءِ وَنَوَوْا الْإِقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَالْكَلَأُ وَالْمَاءُ يَكْفِيهِمْ لِتِلْكَ الْمُدَّةِ صَارُوا مُقِيمِينَ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْأَخْبِيَةِ، وَقَالُوا: نِيَّةُ الْإِقَامَةِ فِي الْمَفَازَةِ إنَّمَا لَا تَصِحُّ إذَا سَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِنِيَّةِ السَّفَرِ، فَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَتَصِحُّ لِأَنَّ السَّفَرَ لَمَّا لَمْ يَتِمَّ عِلَّةً كَانَتْ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ نَقْضًا لِلْعَارِضِ لَا ابْتِدَاءَ عِلَّةٍ، وَإِذَا سَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ نَوَى كَانَتْ ابْتِدَاءَ إيجَابٍ فَلَا تَصِحُّ إلَّا فِي مَكَان ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي أُصُولِهِ فِي الْعَوَارِضِ الْمُكْتَسَبَةِ. دَخَلَ مِصْرًا عَلَى عَزْمِ أَنْ يَخْرُجَ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ وَلَمْ يَنْوِ مُدَّةَ الْإِقَامَةِ حَتَّى بَقِيَ عَلَى ذَلِكَ سِنِينَ وَقَوْلُهُ (وَلَوْ دَخَلَ مِصْرًا) وَاضِحٌ وَأَذْرَبِيجَانَ صُحِّحَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ. وَقَوْلُهُ (وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِثْلُ ذَلِكَ) رُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ أَقَامَ بِقَرْيَةٍ مِنْ قُرَى نَيْسَابُورَ شَهْرَيْنِ وَكَانَ يَقْصُرُ، وَكَذَلِكَ عَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ أَقَامَ بِخُوَارِزْمَ سَنَتَيْنِ كَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. لَا يُقَالُ: هَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ} [النساء: 101] عَلَى مَا مَرَّ مِنْ التَّقْرِيرِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ قَصْرُ الصِّفَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا دَخَلَ الْعَسْكَرُ أَرْضَ الْحَرْبِ) حَاصِلُ مَعْنَاهُ أَنَّ نِيَّتَهُمْ لَمْ تُصَادِفْ مَحَلَّهَا لِأَنَّ مَحَلَّهَا هُوَ مَا يَكُونُ

(وَكَذَا إذَا حَاصَرُوا أَهْلَ الْبَغْيِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي غَيْرِ مِصْرٍ أَوْ حَاصَرُوهُمْ فِي الْبَحْرِ) ؛ لِأَنَّ حَالَهُمْ مُبْطِلٌ عَزِيمَتَهُمْ، وَعِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَصِحُّ فِي الْوَجْهَيْنِ إذَا كَانَ الشَّوْكَةُ لَهُمْ لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الْقَرَارِ ظَاهِرًا. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصِحُّ إذَا كَانُوا فِي بُيُوتِ الْمَدَرِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ إقَامَةٍ. (وَنِيَّةُ الْإِقَامَةِ مِنْ أَهْلِ الْكَلَأِ وَهُمْ أَهْلُ الْأَخْبِيَةِ، قِيلَ لَا تَصِحُّ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ مُقِيمُونَ) يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ أَصْلٌ فَلَا تَبْطُلُ بِالِانْتِقَالِ مِنْ مَرْعًى إلَى مَرْعًى ـــــــــــــــــــــــــــــQمَحَلَّ قَرَارٍ لَيْسَ إلَّا، وَهَذَا دَائِرٌ بَيْنَ الْقَرَارِ وَالْفِرَارِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ فَلَمْ تَكُنْ دَارَ إقَامَةٍ، وَيُعَضِّدُ مَا رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَامَ بِتَبُوكَ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ» . وَقَوْلُهُ (وَكَذَا إذَا حَاصَرُوا أَهْلَ الْبَغْيِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) إنَّمَا ذَكَرُوهُ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ حُكْمَهُ مِنْ حُكْمِ أَهْلِ الْحَرْبِ لِدَفْعِ مَا عَسَى يُتَوَهَّمُ أَنَّ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ إنَّمَا لَمْ تَصِحَّ لِأَنَّهَا مُنْقَطِعَةٌ عَنْ دَارِ الْإِسْلَامِ فَكَانَتْ كَالْمَفَازَةِ، بِخِلَافِ مَدِينَةِ أَهْلِ الْبَغْيِ فَإِنَّهَا فِي يَدِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ النِّيَّةُ (وَكَذَا إذَا حَاصَرُوهُمْ فِي الْبَحْرِ) وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ حَالَهُمْ مُبْطِلٌ عَزِيمَتَهُمْ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْمَحَلَّ وَإِنْ كَانَ صَالِحًا لِلنِّيَّةِ لَكِنْ ثَمَّةَ مَانِعٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُمْ إنَّمَا يُقِيمُونَ لِغَرَضٍ، فَإِذَا حَصَلَ انْزَعَجُوا فَلَا تَكُونُ نِيَّتُهُمْ مُسْتَقِرَّةً، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي غَيْرِ مِصْرٍ، وَقَوْلَهُ فِي الْبَحْرِ لَيْسَ بِقَيْدٍ حَتَّى لَوْ نَزَلُوا مَدِينَةَ أَهْلِ الْبَغْيِ وَحَاصَرُوهُمْ فِي الْحِصْنِ لَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُمْ أَيْضًا لِأَنَّ مَدِينَتَهُمْ كَالْمَفَازَةِ عِنْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ لَا يُقِيمُونَ فِيهَا. وَقَوْلُهُ (فِي الْوَجْهَيْنِ) أَيْ فِي مُحَاصَرَةِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَأَهْلِ الْحَرْبِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ مَوْضِعُ إقَامَةٍ) أَيْ بُيُوتَ الْمَدَرِ، وَذَكَّرَ الضَّمِيرَ لِأَنَّ الْخَبَرَ مُذَكَّرٌ، وَفَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ بَيْنَ الْأَبْنِيَةِ وَالْأَخْبِيَةِ بِأَنَّ مَوْضِعَ الْإِقَامَةِ وَالْقَرَارِ هُوَ الْأَبْنِيَةُ دُونَ الْأَخْبِيَةِ. (وَنِيَّةُ الْإِقَامَةِ مِنْ أَهْلِ الْكَلَإِ وَهُمْ أَهْلُ الْأَخْبِيَةِ) مُخْتَلَفٌ فِيهَا؛ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ (لَا تَصِحُّ) أَبَدًا لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا فِي مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ مُقِيمُونَ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ) لِلْمَرْءِ (أَصْلٌ) وَالسَّفَرَ عَارِضٌ يَحْصُلُ عِنْدَ قَصْدِ الِانْتِقَالِ إلَى مَكَان بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مُدَّةُ السَّفَرِ وَهُمْ لَا يَقْصِدُونَ ذَلِكَ،

(وَإِنْ اقْتَدَى الْمُسَافِرُ بِالْمُقِيمِ فِي الْوَقْتِ أَتَمَّ أَرْبَعًا) ؛ لِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ إلَى أَرْبَعٍ لِلتَّبَعِيَّةِ كَمَا يَتَغَيَّرُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ لِاتِّصَالِ الْمُغَيَّرِ بِالسَّبَبِ وَهُوَ الْوَقْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنَّمَا يَنْتَقِلُونَ مِنْ مَاءٍ إلَى مَاءٍ وَمِنْ مَرْعًى إلَى مَرْعًى فَكَانُوا مُقِيمِينَ أَبَدًا. قَالَ (وَإِنْ اقْتَدَى الْمُسَافِرُ بِالْمُقِيمِ) بَيَّنَ هَاهُنَا حُكْمَ اقْتِدَاءِ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ وَعَكْسِهِ، وَالْأَوَّلُ يَجُوزُ إذَا كَانَ فِي الْوَقْتِ وَلَا يَجُوزُ بَعْدَ خُرُوجِهِ، وَالثَّانِي يَجُوزُ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَ خُرُوجِهِ، وَعَلَى هَذَا إذَا اقْتَدَى مُسَافِرٌ بِمُقِيمٍ فِي الْوَقْتِ (أَتَمَّ) صَلَاتَهُ (أَرْبَعًا لِأَنَّهُ) الْتَزَمَ الْمُتَابَعَةَ لِمَنْ فَرْضُهُ الْأَرْبَعُ، وَمَنْ الْتَزَمَ الْمُتَابَعَةَ لِمَنْ فَرْضُهُ أَرْبَعٌ (يَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ إلَى أَرْبَعٍ لِلتَّبَعِيَّةِ كَمَا يَتَغَيَّرُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ) فَإِنْ قِيلَ: عَلَّلَ تَغَيُّرَ فَرْضِهِ بِالتَّبَعِيَّةِ بِقَوْلِهِ لِلتَّبَعِيَّةِ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ تَعْلِيلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (الِاتِّصَالُ الْمُغَيِّرُ بِالسَّبَبِ وَهُوَ الْوَقْتُ) قُلْت: ذَلِكَ تَعْلِيلٌ لِلْمَقِيسِ عَلَيْهِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْجَامِعَ مَوْجُودٌ وَهُوَ اتِّصَالُ الْمُغَيِّرِ بِالسَّبَبِ، فَإِنَّ الْمُغَيِّرَ فِي الْأَوَّلِ هُوَ الِاقْتِدَاءُ، وَقَدْ اتَّصَلَ بِالسَّبَبِ وَهُوَ الْوَقْتُ كَمَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الثَّانِي هُوَ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ وَقَدْ اتَّصَلَ بِالسَّبَبِ، وَإِنْ اقْتَدَى

(وَإِنْ دَخَلَ مَعَهُ فِي فَائِتَةٍ لَمْ تُجْزِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَ الْوَقْتِ لِانْقِضَاءِ السَّبَبِ، كَمَا لَا يَتَغَيَّرُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فَيَكُونُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ فِي حَقِّ الْقَعَدَةِ أَوْ الْقِرَاءَةِ. (وَإِنْ صَلَّى الْمُسَافِرُ بِالْمُقِيمِينَ رَكْعَتَيْنِ سَلَّمَ وَأَتَمَّ الْمُقِيمُونَ صَلَاتَهُمْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِ فِي غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ لِعَدَمِ اتِّصَالِ الْمُغَيِّرِ كَمَا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَ الْوَقْتِ. وَإِنَّمَا قَالَ (وَإِنْ دَخَلَ مَعَهُ فِي فَائِتَةٍ) وَلَمْ يَقُلْ وَإِنْ اقْتَدَى بِهِ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ لِئَلَّا يَرِدَ عَلَيْهِ مَا إذَا دَخَلَ مُسَافِرٌ فِي صَلَاةِ الْمُقِيمِ فِي الْوَقْتِ ثُمَّ ذَهَبَ الْوَقْتُ فَإِنَّهَا لَمْ تَفْسُدْ، وَقَدْ وُجِدَ الِاقْتِدَاءُ بَعْدَهُ لِأَنَّ الْإِتْمَامَ لَزِمَهُ بِالشُّرُوعِ مَعَ الْإِمَامِ فِي الْوَقْتِ فَالْتُحِقَ بِغَيْرِهِ مِنْ الْمُقِيمِينَ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ لَوْ اسْتَلْزَمَتْ الْإِتْمَامَ لَوَجَبَ عَلَى مُسَافِرٍ اقْتَدَى بِهِ مُقِيمٌ فَأَحْدَثَ الْمُسَافِرُ وَاسْتَخْلَفَ الْمُقِيمَ أَنْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ أَرْبَعًا لِأَنَّهُ صَارَ مُتَابِعًا لِلْمُقِيمِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ فَرْضَهُ لَا يَتَغَيَّرُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي ذَلِكَ لِلِاقْتِدَاءِ وَالْمُسَافِرُ كَانَ فِيهِ مَتْبُوعًا لَا تَابِعًا. وَقَوْلُهُ (فَيَكُونُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ) نَتِيجَةُ مَا قَبْلَهُ وَتَقْرِيرُهُ لِأَنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَ الْوَقْتِ، وَإِذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ كَانَ اقْتِدَاؤُهُ عَقْدًا لَا يُفِيدُ مُوجِبُهُ لِاسْتِلْزَامِهِ أَحَدَ الْمَحْذُورَيْنِ لِأَنَّهُ إنْ سَلَّمَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ كَانَ مُخَالِفًا لِإِمَامِهِ وَهُوَ مُفْسِدٌ، وَإِنْ أَتَمَّ أَرْبَعًا خَلَطَ النَّفَلَ بِالْمَكْتُوبَةِ قَصْدًا، وَالْقَعْدَةُ الْأُولَى فَرْضٌ فِي حَقِّهِ نَفْلٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ، وَكَذَلِكَ الْقِرَاءَةُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ (فَيَكُونُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ فِي حَقِّ الْقَعْدَةِ) إنْ اقْتَدَى بِهِ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ (أَوْ الْقِرَاءَةِ) إنْ اقْتَدَى بِهِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي، وَكَلِمَةُ أَوْ لِعِنَادِ الْخُلُوِّ دُونَ مَانِعَةِ الْجَمْعِ لِجَوَازِ اجْتِمَاعِهِمَا، وَذَلِكَ أَيْضًا مُفْسِدٌ. وَاعْتُرِضَ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ نَسِيَ الْقِرَاءَةَ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ وَقَضَاهَا فِي الشَّفْعِ الثَّانِي يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ اقْتِدَاءُ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، لِكَوْنِ الْقَعْدَةِ وَالْقِرَاءَةِ فَرْضَيْنِ عَلَى الْإِمَامِ أَيْضًا كَالْمُقْتَدِي وَالثَّانِي أَنَّ اقْتِدَاءَ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ فِي الشَّفِيعِ الثَّانِي جَائِزٌ مَعَ أَنَّ الْقِرَاءَةَ عَلَى الْمُفْتَرِضِ نَفْلٌ، وَعَلَى الْمُتَنَفِّلِ فَرْضٌ فَكَانَ اقْتِدَاءَ الْمُفْتَرِض بِالْمُتَنَفِّلِ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْقَضَاءَ يُلْتَحَقُ بِمَحَلِّ الْأَدَاءِ فَيَبْقَى الشَّفْعُ الثَّانِي خَالِيًا عَنْ الْقِرَاءَةِ فَكَانَ بِنَاءَ الْمَوْجُودِ عَلَى الْمَعْدُومِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ صَلَاةَ الْمُتَنَفِّلِ أَخَذَتْ حُكْمَ الْفَرْضِ تَبَعًا لِصَلَاةِ الْإِمَامِ، وَلِهَذَا لَوْ أَفْسَدَ الْمُتَنَفِّلُ صَلَاتَهُ بَعْدَ الِاقْتِدَاءِ وَجَبَ قَضَاؤُهَا أَرْبَعًا، وَإِنْ اقْتَدَى الْمُقِيمُونَ بِمُسَافِرٍ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ وَسَلَّمَ وَأَتَمَّ الْمُقِيمُونَ صَلَاتَهُمْ لِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ الْتَزَمَ الْمُوَافَقَةَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، وَقَدْ أَدَّى مَا الْتَزَمَ وَلَمْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ فَيَنْفَرِدُ فِي الْبَاقِي كَالْمَسْبُوقِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ فِي الْأَصَحِّ. وَقَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ احْتِرَازٌ عَمَّا قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ مِنْ

لِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ الْتَزَمَ الْمُوَافَقَةَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَيَنْفَرِدُ فِي الْبَاقِي كَالْمَسْبُوقِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَدٍ تَحْرِيمَةً لَا فِعْلًا وَالْفَرْضُ صَارَ مُؤَدًّى فَيَتْرُكُهَا احْتِيَاطًا، بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ قِرَاءَةً نَافِلَةً فَلَمْ يَتَأَدَّ الْفَرْضُ فَكَانَ الْإِتْيَانُ أَوْلَى، قَالَ: (وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ إذْ سَلَّمَ أَنْ يَقُولَ: أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَهُ حِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوُجُوبِ الْقِرَاءَةِ فِيمَا يُتِمُّونَ لِأَنَّهُمْ مُنْفَرِدُونَ فِيهِ وَلِهَذَا يَلْزَمُهُمْ سُجُودُ السَّهْوِ إذَا سَهَوْا فِيهِ فَأَشْبَهُوا الْمَسْبُوقِينَ. وَوَجْهُ الْأَصَحِّ مَا ذُكِرَ فِي كِتَابٍ أَنَّهُ مُقْتَدٍ تَحْرِيمَةُ لَا فِعْلًا. يَعْنِي فِي الشَّفْعِ الثَّانِي، أَمَّا أَنَّهُ مُقْتَدٍ تَحْرِيمَهُ فَلِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْأَدَاءَ مَعَهُ فِي أَوَّلِ التَّحْرِيمَةِ، وَأَمَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِمُقْتَدٍ فِعْلًا فَلِأَنَّ فِعْلَ الْإِمَامِ قَدْ فَرَغَ بِالسَّلَامِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ لَاحِقٌ، وَلَا قِرَاءَةَ عَلَى اللَّاحِقِ لِأَنَّهُ بِالنَّظَرِ إلَى كَوْنِهِ مُقْتَدِيًا تَحْرِيمَهُ حَرُمَ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ. وَبِالنَّظَرِ إلَى كَوْنِهِ غَيْرَ مُقْتَدٍ فِعْلًا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْقِرَاءَةُ لِأَنَّ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ صَارَ مُؤَدِّيًا فَدَارَتْ قِرَاءَتُهُ بَيْنَ كَوْنِهِ حَرَامًا وَمُسْتَحَبًّا فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي التَّرْكِ تَرْجِيحًا لِلْمُحْرِمِ بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ قِرَاءَةَ نَافِلَةٍ، يَعْنِي فِي الْأُخْرَيَيْنِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ، فَبِالنَّظَرِ إلَى كَوْنِهِ مُقْتَدِيًا كَانَتْ بِدْعَةً، وَبِالنَّظَرِ إلَى كَوْنِهِ مُنْفَرِدًا كَانَتْ فَرْضًا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَأَدَّ فَرْضُ الْقِرَاءَةِ فَكَانَتْ عَلَيْهِ وَاجِبَةً. فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَتْ وَاجِبَةً كَيْفَ قَالَ فَكَانَ الْإِتْيَانُ أَوْلَى؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَوْلَوِيَّةَ لَا تُنَافِي الْوُجُوبَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوْلَوِيَّةِ تَرْجِيحُ جَانِبِ الْوُجُودِ عَلَى التُّرْكِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْوُجُوبِ وَزِيَادَةٌ وَفِيهِ مَا فِيهِ. وَقِيلَ ذَكَرَهُ بِمُقَابَلَةِ مَا ذُكِرَ مِنْ قِرَاءَةِ الْمُقِيمِينَ بَعْدَ فَرَاغِ إمَامِهِمْ الْمُسَافِرِ لَا بِالنَّظَرِ فِي نَفْسِهِ، وَقِيلَ ذَكَرَهُ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِ فَيَتْرُكُهَا احْتِيَاطًا وَمُرَادُهُ أَنَّ جَعْلَهُ مُنْفَرِدًا لِتَجِبَ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ لَوْ تَرَكَهَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ مُقْتَدِيًا وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَجِبُ جَعْلُهُ مُنْفَرِدًا. (وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ إذَا سَلَّمَ أَنْ يَقُولَ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ) أَيْ مُسَافِرُونَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ بِحَالِ الْإِمَامِ بِكَوْنِهِ مُقِيمًا أَوْ مُسَافِرًا لَيْسَ بِشَرْطٍ لِأَنَّهُمْ إنْ عَلِمُوا أَنَّهُ مُسَافِرٌ فَقَوْلُهُ هَذَا عَبَثٌ، وَإِنْ عَلِمُوا أَنَّهُ مُقِيمٌ كَانَ كَاذِبًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إذَا لَمْ يَعْلَمُوا، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ أَنَّ مَنْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ لَا يَدْرِي أَنَّهُ مُقِيمٌ أَوْ مُسَافِرٌ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ. وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا مَا قِيلَ إنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا بَنَوْا أَمْرَ الْإِمَامِ عَلَى ظَاهِرِ حَالِ الْإِقَامَةِ، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُقِيمٍ وَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ وَتَفَرَّقُوا عَلَى ذَلِكَ لِاعْتِقَادِهِمْ فَسَادَ

صَلَّى بِأَهْلِ مَكَّةَ وَهُوَ مُسَافِرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQصَلَاةِ الْإِمَامِ. وَأَمَّا إذَا عَلِمُوا بَعْدَ الصَّلَاةِ بِحَالِ الْإِمَامِ جَازَتْ صَلَاتُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا بِحَالِهِ وَقْتَ الِاقْتِدَاءِ، وَبِهَذَا الْقَوْلِ يُعْلَمُ حَالُهُ فِي الْآخِرَةِ بِقَوْلِهِ فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَوْلُ وَاجِبًا عَلَى الْإِمَامِ لِأَنَّ إصْلَاحَ صَلَاةِ الْقَوْمِ يَحْصُلُ بِهِ، وَمَا يَحْصُلُ بِهِ ذَلِكَ فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ فَكَيْفَ قَالَ وَيُسْتَحَبُّ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ إصْلَاحَ صَلَاتِهِمْ لَيْسَ بِمُتَوَقِّفٍ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَلْبَتَّةَ بَلْ إذَا سَلَّمَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ وَعَلِمَ عَدَمَ سَهْوِهِ فَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ

(وَإِذَا دَخَلَ الْمُسَافِرُ فِي مِصْرِهِ أَتَمَّ الصَّلَاةَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْمُقَامَ فِيهِ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَصْحَابَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا يُسَافِرُونَ وَيَعُودُونَ إلَى أَوْطَانِهِمْ مُقِيمِينَ مِنْ غَيْرِ عَزْمٍ جَدِيدٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمُسَافِرٌ حَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الصَّلَاحِ فَكَانَ قَوْلُهُ هَذَا بَعْدَ ذَلِكَ زِيَادَةَ إعْلَامٍ بِأَنَّهُ مُسَافِرٌ وَإِزَالَةً لِلتُّهْمَةِ عَنْ نَفْسِهِ وَاقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ قَالَهُ حِينَ صَلَّى بِأَهْلِ مَكَّةَ وَهُوَ مُسَافِرٌ فَكَانَ أَمْرًا مُسْتَحَبًّا لَا وَاجِبًا. قَالَ (وَإِذَا دَخَلَ الْمُسَافِرُ مِصْرَهُ أَتَمَّ الصَّلَاةَ) مَعْنَاهُ: إذَا اسْتَكْمَلَ الْمُسَافِرُ بِسَيْرِهِ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ دَخَلَ وَطَنَهُ الْأَصْلِيَّ أَتَمَّ الصَّلَاةَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ فِيهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يُسَافِرُونَ ثُمَّ يَعُودُونَ إلَى أَوْطَانِهِمْ مُقِيمِينَ مِنْ غَيْرِ عَزْمٍ جَدِيدٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْعَزْمَ فِعْلُ الْقَلْبِ وَهُوَ أَمْرٌ بَاطِنٌ، وَلَيْسَ لَهُ سَبَبٌ ظَاهِرٌ يَقُومُ مَقَامَهُ، بَلْ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسَافِرِ الْعَائِدِ إلَى وَطَنِهِ أَنْ يَكُونَ فِي عَزْمِهِ الْمَقَامُ فِيهِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ عَزْمٌ جَدِيدٌ لِمُدَّةِ الْإِقَامَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُهُ، وَالِاسْتِدْلَالُ بِالْمَعْقُولِ أَظْهَرُ وَهُوَ أَنَّ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ لِصَيْرُورَةِ الْمُسَافِرِ مُقِيمًا فِي مِصْرِ

(وَمَنْ كَانَ لَهُ وَطَنٌ فَانْتَقَلَ عَنْهُ وَاسْتَوْطَنَ غَيْرَهُ ثُمَّ سَافَرَ وَدَخَلَ وَطَنَهُ الْأَوَّلَ قَصَرَ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ وَطَنًا لَهُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَعْدَ الْهِجْرَةِ عَدَّ نَفْسَهُ بِمَكَّةَ مِنْ الْمُسَافِرِينَ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْوَطَنَ الْأَصْلِيَّ يَبْطُلُ بِمِثْلِهِ دُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرِهِ لِأَنَّ مُكْثَهُ فِي حَيِّزِ التَّرَدُّدِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِلسَّيْرِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِلْإِقَامَةِ فَاحْتِيجَ إلَى النِّيَّةِ، فَأَمَّا فِي مِصْرِهِ فَهُوَ مُتَعَيِّنٌ لِلْإِقَامَةِ كَمَا كَانَ قَبْلَ السَّيْرِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَسْتَكْمِلْ الْمُسَافِرُ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَهُوَ بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ عَلَى الدُّخُولِ فِي مِصْرِهِ يَصِيرُ مُقِيمًا وَتَتِمُّ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ أَنَّهُ رَفْضُ الْإِيجَابِ لَا ابْتِدَاؤُهُ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ كَانَ لَهُ وَطَنٌ فَانْتَقَلَ مِنْهُ) اعْلَمْ أَنَّ عَامَّةَ الْمَشَايِخِ قَسَمُوا الْأَوْطَانَ عَلَى ثَلَاثَةٍ: وَطَنٍ أَصْلِيٍّ وَهُوَ مَوْلِدُ الرَّجُلِ أَوْ الْبَلَدُ الَّذِي تَأَهَّلَ فِيهِ. وَوَطَنِ إقَامَةٍ وَهُوَ الْبَلَدُ الَّذِي يَنْوِي الْمُسَافِرُ فِيهِ الْإِقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَيُسَمَّى وَطَنَ سَفَرٍ أَيْضًا. وَوَطَنِ السُّكْنَى وَهُوَ الْبَلَدُ الَّذِي يَنْوِي الْمُسَافِرُ فِيهِ الْإِقَامَةَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْهُمْ قَسَمُوا الْوَطَنَ إلَى الْأَصْلِيِّ وَوَطَنِ الْإِقَامَةِ، وَلَمْ يَعْتَبِرُوا وَطَنَ السُّكْنَى وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَمْ تَثْبُتْ فِيهِ الْإِقَامَةُ بَلْ حُكْمُ السَّفَرِ فِيهِ بَاقٍ، وَالْأَصْلُ

السَّفَرِ، وَوَطَنُ الْإِقَامَةِ يَبْطُلُ بِمِثْلِهِ وَبِالسَّفَرِ وَبِالْأَصْلِيِّ. (وَإِذَا نَوَى الْمُسَافِرُ أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ وَمِنًى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَمْ يُتِمَّ الصَّلَاةَ) ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ النِّيَّةِ فِي مَوْضِعَيْنِ يَقْتَضِي اعْتِبَارَهَا فِي مَوَاضِعَ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ لَا يُعَرَّى عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الْوَطَنَ الْأَصْلِيَّ يَبْطُلُ بِالْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ دُونَ وَطَنِ الْإِقَامَةِ، وَإِنْشَاءُ السَّفَرِ وَهُوَ أَنْ يَخْرُجَ قَاصِدًا مَكَانًا يَصِلُ إلَيْهِ فِي مُدَّةِ السَّفَرِ لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يَبْطُلُ بِمَا فَوْقَهُ أَوْ مَا يُسَاوِيهِ وَلَيْسَ فَوْقَهُ شَيْءٌ فَيَبْطُلُ بِمَا يُسَاوِيهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الْهِجْرَةِ عَدَّ نَفْسَهُ بِمَكَّةَ مِنْ الْمُسَافِرِينَ وَقَالَ «أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ» وَأَمَّا وَطَنُ الْإِقَامَةِ فَلَهُ مَا يُسَاوِيهِ وَمَا هُوَ فَوْقَهُ فَيَبْطُلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَبِإِنْشَاءِ السَّفَرِ أَيْضًا لِأَنَّهُ ضِدُّهُ. فَإِنْ قِيلَ: فَهُوَ ضِدٌّ لِلْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ أَيْضًا فَلَمْ لَمْ يُبْطِلْهُ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ لَمْ يُبْطِلْهُ بِالْأَثَرِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى الْغَزَوَاتِ وَلَمْ يُنْتَقَضْ وَطَنُهُ بِالْمَدِينَةِ» حَيْثُ لَمْ يُجَدِّدْ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ بَعْدَ الرُّجُوعِ. نَوَى الْمُسَافِرُ أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ وَمِنًى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ اعْتِبَارَ النِّيَّةِ فِي مَوْضِعَيْنِ يَقْتَضِي اعْتِبَارَهَا فِي مَوَاضِعَ) يَعْنِي إلَى عَشْرَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ دَفْعًا لِلتَّحَكُّمِ (وَهُوَ) أَيْ اعْتِبَارُهَا فِي مَوَاضِعَ (مُمْتَنِعٌ)

إلَّا إذَا نَوَى الْمُسَافِرُ أَنْ يُقِيمَ بِاللَّيْلِ فِي أَحَدِهِمَا فَيَصِيرَ مُقِيمًا بِدُخُولِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْمَرْءِ مُضَافَةٌ إلَى مَبِيتِهِ. (وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فِي السَّفَرِ قَضَاهَا فِي الْحَضَرِ رَكْعَتَيْنِ، وَمَنْ فَاتَتْهُ فِي الْحَضَرِ قَضَاهَا فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا) ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِحَسَبِ الْأَدَاءِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ آخِرُ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ فِي السَّبَبِيَّةِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَدَاءِ فِي الْوَقْتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ إقَامَتَهُ حِينَئِذٍ إنَّمَا تَكُونُ بِنُزُولِهِ وَتَرْوِيحِ دَابَّتِهِ، وَالسَّفَرُ لَا يَعْرَى عَنْ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ فَيَكُونُ كُلُّ مُسَافِرٍ مُقِيمًا إنْ نَوَى، وَهُوَ فَاسِدٌ لِاخْتِلَافِ اللَّوَازِمِ الدَّالَّةِ عَلَى عَدَمِ الِاجْتِمَاعِ. وَقَوْلُهُ (إلَّا إذَا نَوَى) مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ لَمْ يُتِمَّ الصَّلَاةَ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ إقَامَةَ الْمَرْءِ مُضَافَةٌ إلَى مَبِيتِهِ) ظَاهِرٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ السُّوقِيَّ إذَا قِيلَ لَهُ أَيْنَ تَسْكُنُ يَقُولُ فِي مَحَلَّةِ كَذَا وَنَهَارُهُ كُلُّهُ فِي السُّوقِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ فِي السَّبَبِيَّةِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَدَاءِ) يَعْنِي عِنْدَ عَدَمِ الْأَدَاءِ قَبْلَ آخِرِ الْوَقْتِ لِمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ؛ فَفِي آخِرِ الْوَقْتِ إنْ كَانَ مُسَافِرًا وَفَاتَتْهُ الصَّلَاةُ قَضَى رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ مُقِيمًا، وَإِنْ كَانَ مُقِيمًا فِيهِ وَفَاتَتْهُ الصَّلَاةُ قَضَى أَرْبَعًا وَإِنْ كَانَ فِي أَوَّلِهِ مُسَافِرًا. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ كَلَامَنَا فِي الْقَضَاءِ

(وَالْعَاصِي وَالْمُطِيعُ فِي سَفَرِهِمَا فِي الرُّخْصَةِ سَوَاءٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ لَا يُفِيدُ الرُّخْصَةَ؛ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِذَا فَاتَتْ الصَّلَاةُ عَنْ وَقْتِهَا كَانَ كُلُّ الْوَقْتِ سَبَبًا لِمَا عُرِفَ لَا الْجُزْءُ الْأَخِيرُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ يُقَرِّرُونَ السَّبَبِيَّةَ عَلَى الْجُزْءِ الْأَخِيرِ وَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْمُصَنِّفُ قَدْ اخْتَارَ ذَلِكَ. وَأَقُولُ: الِاعْتِرَاضُ لَيْسَ بِوَارِدٍ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ الْقَضَاءُ بِحَسَبِ الْأَدَاءِ: يَعْنِي أَنَّ كُلَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَدَاءُ أَرْبَعٍ قَضَى أَرْبَعًا، وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَدَاءُ رَكْعَتَيْنِ قَضَى رَكْعَتَيْنِ وَهَذَا لَا نِزَاعَ فِيهِ. ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي السَّبَبِيَّةِ لِلْأَدَاءِ هُوَ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ مِنْ الْوَقْتِ، وَهَذَا أَيْضًا لَا نِزَاعَ فِيهِ وَبِهِ يَتِمُّ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ. وَأَمَّا أَنَّ السَّبَبِيَّةَ تَنْتَقِلُ بَعْدَ الْفَوْتِ إلَى كُلِّ الْوَقْتِ لِيَظْهَرَ أَثَرُهُ فِي عَدَمِ جَوَازِ قَضَاءِ الْعَصْرِ الْفَائِتِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَقْتَ الِاحْمِرَارِ فَذَلِكَ شَيْءٌ آخَرُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي مُرَادِ الْمُصَنِّفِ، وَهَذَا وَاضِحٌ فَتَأَمَّلْهُ يُغْنِيك عَنْ التَّطْوِيلِ. وَنُوقِضَ قَوْلُهُمْ الْقَضَاءُ بِحَسَبِ الْأَدَاءِ بِمَا إذَا دَخَلَ الْمُسَافِرُ فِي صَلَاةِ الْمُقِيمِ ثُمَّ ذَهَبَ الْوَقْتُ ثُمَّ أَفْسَدَ الْإِمَامُ أَوْ الْمُقْتَدِي صَلَاتَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ صَلَاةَ السَّفَرِ وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَدَاءُ الصَّلَاةِ أَرْبَعًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَزِمَهُ الْأَرْبَعُ لِمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِالْإِفْسَادِ فَعَادَ إلَى أَصْلِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَفْسَدَ الِاقْتِدَاءَ فِي الْوَقْتِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ السَّفَرِ فَكَذَا هَاهُنَا. وَقَوْلُهُ (وَالْعَاصِي وَالْمُطِيعُ فِي سَفَرِهِمَا فِي الرُّخْصَةِ سَوَاءٌ) السَّفَرُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: سَفَرُ طَاعَةٍ كَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ، وَسَفَرٌ مُبَاحٌ كَالتِّجَارَةِ، وَسَفَرُ مَعْصِيَةٍ كَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَالْإِبَاقِ عَنْ الْمَوْلَى وَحَجِّ الْمَرْأَةِ بِلَا مَحْرَمٍ. وَالْأَوَّلَانِ سَبَبَانِ لِلرُّخْصَةِ بِلَا خِلَافٍ، وَأَمَّا الْأَخِيرُ فَكَذَلِكَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. قَالَ: لِأَنَّ الرُّخْصَةَ تَثْبُتُ تَخْفِيفًا، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَا يُوجِبُ التَّغْلِيظَ لِأَنَّ

تَخْفِيفًا فَلَا تَتَعَلَّقُ بِمَا يُوجِبُ التَّغْلِيظَ، وَلَنَا إطْلَاقُ النُّصُوصِ، وَلِأَنَّ نَفْسَ السَّفَرِ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، وَإِنَّمَا الْمَعْصِيَةُ مَا يَكُونُ بَعْدَهُ أَوْ يُجَاوِرُهُ فَصَلُحَ مُتَعَلَّقُ الرُّخْصَةِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQإضَافَةَ الْحُكْمِ إلَى وَصْفٍ يَقْتَضِي خِلَافَهُ فَسَادٌ فِي الْوَضْعِ (وَلَنَا إطْلَاقُ النُّصُوصِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَرْضُ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَانِ» وَقَالَ «يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا» وَالْكُلُّ كَمَا تَرَى مُطْلَقٌ، فَزِيَادَةُ قَيْدِ أَنْ لَا يَكُونَ عَاصِيًا نُسِخَ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ (وَلِأَنَّ نَفْسَ السَّفَرِ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ) إذْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ خُرُوجِ مَدِيدٍ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْمَعْنَى شَيْءٌ مِنْ الْمَعْصِيَةِ (وَإِنَّمَا الْمَعْصِيَةُ مَا يَكُونُ بَعْدَهُ) كَمَا فِي السَّرِقَةِ (أَوْ مُجَاوِرِهِ) كَمَا فِي الْإِبَاقِ (فَصُلْحٌ) مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ (مُتَعَلِّقُ الرُّخْصَةِ)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِإِمْكَانِ الِانْفِكَاكِ عَمَّا يُجَاوِرُهُ كَمَا إذَا غَصَبَ خُفًّا وَلَبِسَهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُوجِبَ سَتْرُ قَدَمَيْهِ، وَلَا مَحْظُورَ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي مُجَاوِرِهِ وَهُوَ صِفَةُ كَوْنِهِ مَغْصُوبًا، وَمَوْضِعُهُ أُصُولُ الْفِقْهِ.

[باب صلاة الجمعة]

(بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ] تَنَاسُبُ هَذَا الْبَابِ لِمَا قَبْلَهُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُنَصَّفُ بِوَاسِطَةٍ الْأَوَّلُ بِوَاسِطَةِ السَّفَرِ، وَالثَّانِي بِوَاسِطَةِ الْخُطْبَةِ، إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ شَامِلٌ فِي كُلِّ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ، وَالثَّانِي خَاصٌّ فِي الظُّهْرِ، وَالْخَاصُّ بَعْدَ الْعَامِّ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ بَعْدَ الْعُمُومِ، وَالْجُمُعَةُ مِنْ الِاجْتِمَاعِ كَالْفُرْقَةِ مِنْ الِافْتِرَاقِ، وَالْمِيمُ سَاكِنٌ عِنْدَ أَهْلِ اللِّسَانِ وَالْقُرَّاءُ تَضُمُّهَا. وَهِيَ فَرِيضَةٌ بِالْكِتَابِ

(لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ، أَوْ فِي مُصَلَّى الْمِصْرِ، وَلَا تَجُوزُ فِي الْقُرَى) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَالْمَعْقُولِ. أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] أَمَرَ بِالسَّعْيِ إلَى ذِكْرِ اللَّهِ، وَهِيَ الْخُطْبَةُ الَّتِي هِيَ شَرْطُ جَوَازِ الْجُمُعَةِ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، وَإِذَا كَانَ السَّعْيُ وَاجِبًا إلَيْهَا فَإِلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الْجُمُعَةُ أَوْلَى، وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِتَحْرِيمِ الْمُبَاحِ، وَلَا يَكُونُ إلَّا لِأَمْرٍ وَاجِبٍ مُقْتَضِي الْحِكْمَةِ. وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَتَبَ عَلَيْكُمْ الْجُمُعَةَ فِي يَوْمِي هَذَا فِي شَهْرِي هَذَا فِي مَقَامِي هَذَا، فَمَنْ تَرَكَهَا تَهَاوُنًا بِهَا وَاسْتِخْفَافًا بِحَقِّهَا وَلَهُ إمَامٌ جَائِرٌ أَوْ عَادِلٌ أَلَا فَلَا جَمَعَ اللَّهُ شَمْلَهُ أَلَا فَلَا صَلَاةَ لَهُ، أَلَا فَلَا زَكَاةَ لَهُ، أَلَا فَلَا صَوْمَ لَهُ، إلَّا أَنْ يَتُوبَ، فَمَنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ» وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَلِأَنَّ الْأُمَّةَ قَدْ اجْتَمَعَتْ عَلَى فَرْضِيَّتِهَا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي أَصْلِ الْفَرْضِ فِي هَذَا الْوَقْتِ عَلَى مَا يَجِيءُ، وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَلِأَنَّا أُمِرْنَا بِتَرْكِ الظُّهْرِ لِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ، وَالظُّهْرُ فَرِيضَةٌ لَا مَحَالَةَ، وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْفَرِيضَةِ إلَّا لِفَرْضٍ هُوَ آكَدُ مِنْهُ. وَلَهَا شُرُوطٌ زَائِدَةٌ عَلَى شُرُوطِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، فَمِنْهَا مَا هُوَ فِي الْمُصَلِّي كَالْحُرِّيَّةِ وَالذُّكُورَةِ وَالْإِقَامَةِ وَالصِّحَّةِ وَسَلَامَةِ الرِّجْلَيْنِ وَالْبَصَرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمِنْهَا مَا هُوَ فِي غَيْرِهِ كَالْمِصْرِ الْجَامِعِ وَالسُّلْطَانِ وَالْجَمَاعَةِ وَالْخُطْبَةِ وَالْوَقْتِ وَالْإِظْهَارِ، حَتَّى إنَّ الْوَالِيَ لَوْ أَغْلَقَ بَابَ الْمِصْرِ وَجَمَعَ فِيهِ بِحَشَمِهِ وَخَدَمِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ لَمْ يُجْزِهِ وَقَاضٍ يُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ. قَالَ (وَلَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ) هَذَا بَيَانُ شُرُوطٍ لَيْسَتْ فِي نَفْسِ الْمُصَلِّي وَهُوَ

لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ وَلَا فِطْرَ وَلَا أَضْحَى إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ» وَالْمِصْرُ الْجَامِعُ: كُلُّ مَوْضِعٍ لَهُ أَمِيرٌ وَقَاضٍ يُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQظَاهِرٌ، وَعَرَّفَ الْمِصْرَ الْجَامِعَ بِقَوْلِهِ (كُلُّ مَوْضِعٍ لَهُ أَمِيرٌ وَقَاضٍ يُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ

وَيُقِيمُ الْحُدُودَ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَنْهُ أَنَّهُمْ إذَا اجْتَمَعُوا فِي أَكْبَرِ مَسَاجِدِهِمْ لَمْ يَسَعْهُمْ، وَالْأَوَّلُ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَالثَّانِي اخْتِيَارُ الثَّلْجِيِّ، وَالْحُكْمُ غَيْرُ مَقْصُورٍ عَلَى الْمُصَلِّي بَلْ تَجُوزُ فِي جَمِيعِ أَفْنِيَةِ الْمِصْرِ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَتِهِ فِي حَوَائِجِ أَهْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيُقِيمُ الْحُدُودَ) وَالْمُرَادُ بِالْأَمِيرِ وَالٍ يَقْدِرُ عَلَى إنْصَافِ الْمَظْلُومِ مِنْ الظَّالِمِ، وَإِنَّمَا قَالَ وَيُقِيمُ الْحُدُودَ بَعْدَ قَوْلِهِ يُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ لِأَنَّ تَنْفِيذَ الْأَحْكَامِ لَا يَسْتَلْزِمُ إقَامَةَ الْحُدُودِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ قَاضِيَةً تُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ وَلَيْسَ لَهَا إقَامَةُ الْحُدُودِ وَكَذَاك الْمُحَكَّمُ، وَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْحُدُودِ عَنْ الْقِصَاصِ لِأَنَّهُمَا لَا يَفْتَرِقَانِ فِي عَامَّةِ الْأَحْكَامِ، فَكَانَ ذِكْرُ أَحَدِهِمَا مُغْنِيًا عَنْ ذِكْرِ الْآخَرِ (وَعَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (أَنَّهُمْ إذَا اجْتَمَعُوا) أَيْ اجْتَمَعَ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ لَا كُلُّ مَنْ يَسْكُنُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِنْ الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ لِأَنَّ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِمْ مُجْتَمِعُونَ فِيهِ عَادَةً. قَالَ ابْنُ شُجَاعٍ: أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ إذَا كَانَ أَهْلُهَا بِحَيْثُ لَوْ اجْتَمَعُوا فِي أَكْبَرِ مَسَاجِدِهِمْ لَمْ يَسَعْهُمْ ذَلِكَ حَتَّى احْتَاجُوا إلَى بِنَاءِ مَسْجِدٍ آخَرَ لِلْجُمُعَةِ وَهَذَا الِاحْتِيَاجُ غَالِبٌ عِنْدَ اجْتِمَاعِ مَنْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ، وَالْأَوَّلُ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَالثَّانِي اخْتِيَارُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الثَّلْجِيِّ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَةٌ أُخْرَى غَيْرُ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ وَهُوَ كُلُّ مَوْضِعٍ يَسْكُنُهُ عَشْرَةُ آلَافِ نَفَرٍ فَكَانَ عَنْهُ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ. وَقَوْلُهُ (وَالْحُكْمُ غَيْرُ مَقْصُورٍ) يَعْنِي جَوَازَ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ لَيْسَ بِمَحْصُورٍ فِي الْمُصَلَّى (بَلْ تَجُوزُ فِي جَمِيعِ أَفْنِيَةِ الْمِصْرِ لِأَنَّهَا) أَيْ الْأَفْنِيَةَ (بِمَنْزِلَةِ الْمِصْرِ فِي حَوَائِجِ أَهْلِهِ) وَيُعْرَفُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ تَعْرِيفُ الْفِنَاءِ، وَهُوَ مَا أُعِدَّ لِحَوَائِجِ أَهْلِ الْمِصْرِ، وَفِنَاءُ الدَّارِ وَفِنَاءُ كُلِّ شَيْءٍ كَذَلِكَ. وَقَدَّرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِنَاءَ الْمِصْرِ بِالْغَلْوَةِ اعْتِبَارًا بِمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي النَّوَادِرِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْمِصْرُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَا فِنَاؤُهُ، بَلْ كُلُّ قَرْيَةٍ يَسْكُنُهَا أَرْبَعُونَ مِنْ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ لَا يَظْعَنُونَ عَنْهَا شِتَاءً وَلَا صَيْفًا تُقَامُ فِيهَا الْجُمُعَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ أَوَّلَ جُمُعَةٍ جُمِعَتْ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْمَدِينَةِ مَا جُمِعَتْ بِجُوَاثَا، وَهِيَ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى عَامِرِ بْنِ الْقَيْسِ بِالْبَحْرَيْنِ، وَكَتَبَ أَبُو هُرَيْرَةَ إلَى عُمَرَ يَسْأَلُهُ عَنْ الْجُمُعَةِ بِجُوَاثَا فَكَتَبَ إلَيْهِ أَنْ جَمِّعْ بِهَا وَحَيْثُمَا كُنْت وَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ» يَنْفِي إقَامَتَهَا فِي الْقُرَى، وَالصَّحَابَةُ

(وَتَجُوزُ بِمِنًى إذَا كَانَ الْأَمِيرُ أَمِيرَ الْحِجَازِ، أَوْ كَانَ مُسَافِرًا عِنْدَهُمَا. وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا جُمُعَةَ بِمِنًى) ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْقُرَى ـــــــــــــــــــــــــــــQحِينَ فَتَحُوا الْأَمْصَارَ وَالْقُرَى مَا اشْتَغَلُوا بِنَصْبِ الْمَنَابِرِ وَبِنَاءِ الْجَوَامِعِ إلَّا فِي الْأَمْصَارِ وَالْمُدُنِ، وَذَلِكَ اتِّفَاقٌ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ الْمِصْرَ مِنْ شَرَائِطِ الْجُمُعَةِ، وَالْآيَةُ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ لَهُ لِأَنَّ الْمَكَانَ مُضْمَرٌ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى لَا تَجُوزَ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِي الْبَوَادِي بِالْإِجْمَاعِ، فَنَحْنُ نُضْمِرُ الْمِصْرَ وَهُوَ يُضْمِرُ الْقَرْيَةَ، وَجُوَاثَا مِصْرٌ بِالْبَحْرَيْنِ، وَتَسْمِيَةُ الرَّاوِي قَرْيَةً لَا يَنْفِي مَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ اسْمَ الْقَرْيَةِ يُطْلَقُ عَلَى الْبَلْدَةِ وَقَوْلُهُ (وَتَجُوزُ) يَعْنِي إقَامَةَ الْجُمُعَةِ (بِمِنًى إنْ كَانَ الْإِمَامُ أَمِيرَ الْحِجَازِ أَوْ كَانَ الْخَلِيفَةُ مُسَافِرًا) وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِكَوْنِهِ مُسَافِرًا لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ مُقِيمًا كَانَ بِالْجَوَازِ أَوْلَى. وَإِمَّا لِنَفْيِ تَوَهُّمِ أَنَّ الْخَلِيفَةَ كَانَ مُسَافِرًا لَا يُقِيمُ الْجُمُعَةَ، كَمَا إذَا كَانَ أَمِيرُ الْمَوْسِمِ مُسَافِرًا. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْخَلِيفَةَ أَوْ السُّلْطَانَ إذَا طَافَ فِي وِلَايَتِهِ كَانَ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ فِي كُلِّ مِصْرٍ يَكُونُ فِيهِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ إمَامَةَ غَيْرِهِ إنَّمَا تَجُوزُ بِأَمْرِهِ، فَإِمَامَتُهُ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا، وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهَا) يَعْنِي مِنًى عَلَى تَأْوِيلِ الْقَرْيَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّأْنِيثُ بِاعْتِبَارِ الْخَبَرِ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ لِأَنَّهَا قَرْيَةٌ (مِنْ الْقُرَى) يَعْنِي أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمِصْرٍ وَلَا مِنْ فِنَائِهِ لِزِيَادَتِهِ عَلَى الْغَلْوَةِ

حَتَّى لَا يُعِيدَ بِهَا. وَلَهُمَا أَنَّهَا تَتَمَصَّرُ فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ وَعَدَمُ التَّعْيِيدِ لِلتَّخْفِيفِ، وَلَا جُمُعَةَ بِعَرَفَاتٍ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهَا قَضَاءٌ وَبِمِنًى أَبْنِيَةٌ. وَالتَّقْيِيدُ بِالْخَلِيفَةِ وَأَمِيرِ الْحِجَازِ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَهُمَا، أَمَّا أَمِيرُ الْمَوْسِمِ فَيَلِي أُمُورَ الْحَجِّ لَا غَيْرُ. (وَلَا يَجُوزُ إقَامَتُهَا إلَّا لِلسُّلْطَانِ أَوْ لِمَنْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِهَذَا لَا يُعِيدُ بِهَا) فَلَا تُقَامُ فِيهَا الْجُمُعَةُ (وَلَهُمَا أَنَّهَا تَتَمَصَّرُ فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ) لِاجْتِمَاعِ شَرَائِطِ الْمِصْرِ مِنْ السُّلْطَانِ وَالْقَاضِي وَالْأَبْنِيَةِ وَالْأَسْوَاقِ (وَعَدَمِ التَّعْيِيدِ) أَيْ عَدَمُ إقَامَةِ صَلَاةِ الْعِيدِ لِلتَّخْفِيفِ لِاشْتِغَالِ الْحَاجِّ بِأَعْمَالِ الْمَنَاسِكِ مِنْ الرَّمْيِ وَالذَّبْحِ وَالْحَلْقِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَا لِعَدَمِ الْمِصْرِيَّةِ (وَلَا جُمُعَةَ بِعَرَفَاتٍ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) وَالْفَرْقُ أَنَّ عَرَفَاتٍ فَضَاءٌ وَمِنًى فِيهِ أَبْنِيَةٌ. وَقَوْلُهُ (أَمَّا أَمِيرُ الْمَوْسِمِ فَيَلِي أُمُورَ الْحَاجِّ لَا غَيْرُ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ إنْ اسْتَعْمَلَ عَلَى مَكَّةَ يُقِيمُ الْجُمُعَةَ بِمِنًى لِأَنَّ لَهُ الْوِلَايَةَ حِينَئِذٍ. وَقِيلَ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يُقِيمُهَا وَإِنْ اسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَوْسِمِ خَاصَّةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهَا لَا يُقِيمُ عِنْدَهُمَا أَيْضًا. وَقَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ إقَامَتُهَا إلَّا لِلسُّلْطَانِ) أَيْ لِلْوَالِي الَّذِي لَا وَالِيَ فَوْقَهُ وَكَانَ ذَلِكَ الْخَلِيفَةَ (أَوْ لِمَنْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ) وَهُوَ الْأَمِيرُ أَوْ الْقَاضِي أَوْ الْخُطَبَاءُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ ذَلِكَ بِشَرْطٍ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

لِأَنَّهَا تُقَامُ بِجَمْعٍ عَظِيمٍ، وَقَدْ تَقَعُ الْمُنَازَعَةُ فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّقْدِيمِ، وَقَدْ تَقَعُ فِي غَيْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ تَتْمِيمًا لِأَمْرِهِ. (وَمِنْ شَرَائِطِهَا الْوَقْتُ فَتَصِحُّ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَلَا تَصِحُّ بَعْدَهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQحِينَ كَانَ مَحْصُورًا بِالْمَدِينَةِ صَلَّى عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالنَّاسِ الْجُمُعَةَ، وَلَمْ يُرْوَ أَنَّهُ صَلَّى بِأَمْرِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانَ الْأَمَدُ بِيَدِهِ (وَلَنَا أَنَّ الْجُمُعَةَ تُقَامُ بِجَمْعٍ عَظِيمٍ) لِكَوْنِهَا جَامِعَ الْجَمَاعَاتِ (وَقَدْ تَقَعُ الْمُنَازَعَةُ فِي التَّقَدُّمِ) بِأَنْ يَقُولَ شَخْصٌ أَنَا أَتَقَدَّمُ وَغَيْرُهُ يَقُولُ أَنَا أَتَقَدَّمُ (وَ) فِي (التَّقْدِيمِ) بِأَنْ يُقَدِّمَ طَائِفَةٌ شَخْصًا وَأُخْرَى آخَرَ (وَقَدْ يَقَعُ فِي غَيْرِهِ) أَيْ فِي غَيْرِ أَمْرِ التَّقَدُّمِ وَالتَّقْدِيمُ مِنْ أَدَاءِ مَنْ يَسْبِقُ إلَى الْجَامِعِ وَالْأَدَاءُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَآخِرِهِ (فَلَا بُدَّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ السُّلْطَانِ أَوْ مِنْ أَمْرِهِ (تَتْمِيمًا لِأَمْرِهِ) وَأَثَرُ عَلِيٍّ لَيْسَ بِحُجَّةِ الْجَوَازِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِأَمْرِ عُثْمَانَ. سَلَّمْنَاهُ وَلَكِنْ إنَّمَا فَعَلَ لِأَنَّ النَّاسَ اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَجُوزُ لِأَنَّ النَّاسَ احْتَاجُوا إلَى إقَامَةِ الْفَرْضِ فَاعْتُبِرَ اجْتِمَاعُهُمْ. قَالَ (وَمِنْ شَرَائِطِهَا) أَيْ مِنْ شَرَائِطِ الْجُمُعَةِ (الْوَقْتُ) وَهُوَ وَقْتُ الظُّهْرِ (فَتَصِحُّ فِيهِ وَلَا تَصِحُّ بَعْدَهُ) لِمَا رُوِيَ

لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا مَالَتْ الشَّمْسُ فَصَلِّ بِالنَّاسِ الْجُمُعَةَ» (وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُوَ فِيهَا اسْتَقْبَلَ الظُّهْرَ وَلَا يَبْنِيه عَلَيْهَا) لِاخْتِلَافِهِمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا بَعَثَ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ إلَى الْمَدِينَةِ قَبْلَ هِجْرَتِهِ قَالَ لَهُ: إذَا مَالَتْ الشَّمْسُ فَصَلِّ بِالنَّاسِ الْجُمُعَةَ» (وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُوَ فِيهَا) أَيْ الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ (اسْتَقْبَلَ الظُّهْرَ وَلَا يَبْنِيهِ عَلَيْهَا لِاخْتِلَافِهِمَا) أَيْ لِاخْتِلَافِ الظُّهْرِ وَالْجُمُعَةِ بِدَلِيلِ تَخْيِيرِ الْعَبْدِ إذَا أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ فِي الْجُمُعَةِ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ أَوْ الْجُمُعَةَ مَعَ تَعَيُّنِ الرِّفْقِ فِي الْجُمُعَةِ بِالْقِلَّةِ، وَلَوْ لَمْ يَكُونَا مُخْتَلِفَيْنِ لَمَا خُيِّرَ كَمَا فِي جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ بِحَيْثُ يَجِبُ الْأَقَلُّ عَلَى مَوْلَاهُ مِنْ الْأَرْشِ أَوْ الْقِيمَةِ بِلَا خِيَارٍ لِاتِّحَادِهِمَا فِي الْمَالِيَّةِ، وَبِنَاءُ فَرْضٍ عَلَى تَحْرِيمَةِ فَرْضٌ آخَرُ لَا يَصِحُّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ.

(وَمِنْهَا الْخُطْبَةُ) ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا صَلَّاهَا بِدُونِ الْخُطْبَةِ فِي عُمُرِهِ (وَهِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَمِنْهَا) مِنْ شَرَائِطِ الْجُمُعَةِ (الْخُطْبَةُ) وَهِيَ اسْمٌ لِمَا يُخْطَبُ بِهِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ شَرْطًا «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا صَلَّاهَا فِي عُمُرِهِ بِدُونِ الْخُطْبَةِ» وَفِيهِ بَحْثٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَأَنْ يُقَالَ: الْخُطْبَةُ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ رُكْنًا وَلَا تَكُونُ شَرْطًا لِأَنَّهَا أُقِيمَتْ مَقَامَ رَكْعَتَيْ الظُّهْرِ وَذَلِكَ رُكْنٌ، فَكَذَلِكَ مَا قَامَ مَقَامَهُ فَلَا يَتَأَدَّى بِلَا طَهَارَةٍ وَلِأَنَّهَا لَمْ يُشْتَرَطْ قِيَامُهَا حَالَةَ الْأَدَاءِ، وَلَوْ كَانَتْ شَرْطًا لَكَانَ يُرَاعَى قِيَامُهَا حَالَةَ الْأَدَاءِ كَمَا اُشْتُرِطَ قِيَامُ الطَّهَارَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ شَرْطًا كَانَتْ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ شَرْطَ الشَّيْءِ لَازِمٌ لَهُ، وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى دَوَامِ وُجُودِهِ، وَالدَّوَامُ لَا يَسْتَلْزِمُ الضَّرُورَةَ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُصَلِّ صَلَاةً بِدُونِ سُنَنِهَا كَرَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ كُلِّ تَحْرِيمَةٍ وَالتَّكْبِيرِ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ وَغَيْرِهِمَا، وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ شَرْطًا لِلصَّلَاةِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِرُكْنٍ لِأَنَّ رُكْنَ الشَّيْءِ مَا يَقُومُ بِهِ ذَلِكَ الشَّيْءُ، وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ لَا تَقُومُ بِالْخُطْبَةِ وَإِنَّمَا تَقُومُ بِأَرْكَانِهَا فَكَانَتْ شَرْطًا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالسَّعْيِ إلَيْهَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَاسْعَوْا} [الجمعة: 9] فَتَكُونُ وَاجِبَةً وَلَيْسَتْ بِمَقْصُودَةٍ لِذَاتِهَا لِأَنَّ النِّدَاءَ لَمْ يَقَعْ لَهَا بَلْ لِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ حَيْثُ قَالَ {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] وَلَوْ كَانَتْ مَقْصُودَةً لَكَانَ النِّدَاءُ لَهَا أَوْ لَهُمَا إنْ كَانَتَا مَقْصُودَتَيْنِ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً لِذَاتِهَا وَهِيَ فَرْضٌ كَانَتْ شَرْطًا لِغَيْرِهَا. وَقَوْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ شَرْطًا لَكَانَ يُرَاعَى قِرَاءَةُ الْخُطْبَةِ حَالَ الْأَدَاءِ. قُلْنَا: الشَّرْطُ وُجُودُهَا لَا وُجُودُهَا حَالَ الْأَدَاءِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الدَّوَامَ قَدْ يَسْتَلْزِمُ الضَّرُورَةَ إذَا دَلَّ الدَّلِيلُ الْخَارِجِيُّ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ هَاهُنَا عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّا نَعْلَمُ بِيَقِينٍ أَنَّ شَطْرَ الظُّهْرِ تَرْكٌ لِلْخُطْبَةِ وَالْفَرْضُ لَا يُتْرَكُ لِغَيْرِ الْفَرْضِ فَكَانَتْ فَرْضًا، فَأَمَّا أَنْ تَكُونَ فَرْضًا لِذَاتِهَا أَوْ لِغَيْرِهَا لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ لِمَا ذَكَرْنَا فَتَعَيَّنَ الثَّانِي، وَكَانَ لَازِمًا مِنْ لَوَازِمِهِ فَكَانَ شَرْطًا (وَهِيَ)

قَبْلَ الصَّلَاةِ بَعْدَ الزَّوَالِ) بِهِ وَرَدَتْ السُّنَّةُ (وَيُخْطَبُ خُطْبَتَيْنِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِقَعْدَةٍ) بِهِ جَرَى التَّوَارُثُ (وَيَخْطُبُ قَائِمًا عَلَى طَهَارَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ فِيهِمَا مُتَوَارَثٌ، ثُمَّ هِيَ شَرْطُ الصَّلَاةِ فَيُسْتَحَبُّ فِيهَا الطَّهَارَةُ كَالْأَذَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ الْخُطْبَةُ (قَبْلَ الصَّلَاةِ بِهِ وَرَدَتْ السُّنَّةُ) وَشَرْطِيَّتُهَا أَيْضًا تَقْتَضِي ذَلِكَ (وَيَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِقَعْدَةٍ) مِقْدَارَ ثَلَاثِ آيَاتٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: مِقْدَارُ مَا يَمَسُّ مَوْضِعَ جُلُوسِهِ مِنْ الْمِنْبَرِ (بِهِ جَرَى التَّوَارُثُ) وَلَفْظُ التَّوَارُثِ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي أَمْرٍ خَطِيرٍ ذِي شَرَفٍ، وَقِيلَ هُوَ حِكَايَةُ الْعَدْلِ عَنْ الْعَدْلِ، وَهَذِهِ الْقَعْدَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا إنَّمَا هِيَ لِلِاسْتِرَاحَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّهَا شَرْطٌ حَتَّى لَا يُكْتَفَى عِنْدَهُ بِالْخُطْبَةِ الْوَاحِدَةِ وَإِنْ طَالَتْ لِلتَّوَارُثِ وَلَنَا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا خُطْبَةً وَاحِدَةً، فَلَمَّا أَسَنَّ جَعَلَهَا خُطْبَتَيْنِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا جَلْسَةً» وَفِيهِ كَمَا تَرَى دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الِاكْتِفَاءِ بِخُطْبَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيَكُونَ أَرْوَحَ عَلَيْهِ لَا لِأَنَّهُ شَرْطٌ (وَيَخْطُبُ قَائِمًا عَلَى طَهَارَةٍ لِأَنَّ الْقِيَامَ فِيهَا مُتَوَارَثٌ) رُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ لَمَّا سُئِلَ عَنْ هَذَا، قَالَ: أَلَسْت تَتْلُو قَوْله تَعَالَى {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11] كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ قَائِمًا حِينَ انْفَضَّ عَنْهُ النَّاسُ بِدُخُولِ الْعِيرِ الْمَدِينَةَ. وَاَلَّذِي رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ قَاعِدًا إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِمَرَضٍ أَوْ كِبَرٍ فِي آخِرِ عُمُرِهِ. وَقَوْلُهُ (فَيُسْتَحَبُّ فِيهَا الطَّهَارَةُ) يَعْنِي عَنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَدَثِ جَمِيعًا كَالْأَذَانِ. وَوَجْهُ الشَّبَهِ بِهِ أَنَّ الْخُطْبَةَ ذُكِرَ لَهَا شَبَهٌ بِالصَّلَاةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا أُقِيمَتْ مَقَامَ شَطْرِ الصَّلَاةِ وَتُقَامُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، كَمَا أَنَّ الْأَذَانَ أَيْضًا ذُكِرَ لَهُ شَبَهٌ بِالصَّلَاةِ مِنْ

(وَلَوْ خَطَبَ قَاعِدًا أَوْ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ جَازَ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمُخَالَفَتِهِ التَّوَارُثَ وَلِلْفَصْلِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ (فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَا: لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرٍ طَوِيلٍ يُسَمَّى خُطْبَةً) ؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ هِيَ الْوَاجِبَةُ، وَالتَّسْبِيحَةُ أَوْ التَّحْمِيدَةُ لَا تُسَمَّى خُطْبَةً. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَجُوزُ حَتَّى يَخْطُبَ خُطْبَتَيْنِ اعْتِبَارًا لِلْمُتَعَارَفِ. وَلَهُ قَوْله تَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ. وَعَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQحَيْثُ إنَّهُ دُعَاءٌ لَهَا وَتُقَامُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ. قِيلَ فِي عِبَارَتِهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَذَانَ شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَهُوَ غَلَطٌ، لِأَنَّ قَوْلَهُ كَالْأَذَانِ يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ فَيُسْتَحَبُّ فِيهَا الطَّهَارَةُ لَا بِقَوْلِهِ وَهِيَ شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ (وَلَوْ خَطَبَ قَاعِدًا أَوْ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ) وَهُوَ الذِّكْرُ وَالْوَعْظُ. وَخَالَفَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ فِيمَا إذَا خَطَبَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ. وَالشَّافِعِيُّ وَحْدَهُ إذَا خَطَبَ قَاعِدًا. لَهُمَا فِي الْأَوَّلِ أَنَّ الْخُطْبَةَ بِمَنْزِلَةِ شَطْرِ الصَّلَاةِ لِمَا فِي الْأَثَرِ، وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَعَائِشَةَ قَالَا: إنَّمَا قُصِرَتْ الْجُمُعَةُ لِمَكَانِ الْخُطْبَةِ، فَكَمَا تُشْتَرَطُ الطَّهَارَةُ فِي الصَّلَاةِ تُشْتَرَطُ فِيهَا. وَلِلشَّافِعِيِّ فِي الثَّانِي أَنَّ الْخُطْبَةَ قَائِمَةٌ مَقَامَ رَكْعَتَيْنِ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا مَا يُشْتَرَطُ فِي الصَّلَاةِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهَا ذِكْرٌ وَالْمُحْدِثُ وَالْجُنُبُ لَا يُمْنَعَانِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ مَا خَلَا الْقُرْآنَ فِي حَقِّ الْجُنُبِ، وَتَأْوِيلُ الْأَثَرِ أَنَّهَا فِي حُكْمِ الثَّوَابِ كَشَرْطِ الصَّلَاةِ لَا فِي شَرَائِطِهَا. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ جَازَ. وَقَوْلُهُ (لِمُخَالَفَتِهِ التَّوَارُثَ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ خَطَبَ قَاعِدًا. وَقَوْلُهُ (لِلْفَصْلِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ) يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ أَوْ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ يُعِيدُهَا إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ. وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ تُعَادَ اسْتِحْبَابًا كَإِعَادَةِ أَذَانِهِ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ جَازَ) يَعْنِي إذَا ذَكَرَ اللَّهَ عَلَى قَصْدِ الْخُطْبَةِ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَمَّا إذَا قَالَ ذَلِكَ لِعُطَاسٍ أَوْ تَعَجُّبٍ فَلَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ (وَقَالَا: لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرٍ طَوِيلٍ يُسَمَّى خُطْبَةً) وَهُوَ مِقْدَارُ ثَلَاثِ آيَاتٍ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ، وَقِيلَ مِقْدَارُ التَّشَهُّدِ مِنْ قَوْلِهِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ إلَى قَوْلِهِ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ (لِأَنَّ الْخُطْبَةَ هِيَ الْوَاجِبَةُ) يَعْنِي بِالْإِجْمَاعِ (وَالتَّسْبِيحَةُ أَوْ التَّحْمِيدَةُ أَوْ التَّهْلِيلَةُ لَا تُسَمَّى خُطْبَةً. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ حَتَّى يَخْطُبَ خُطْبَتَيْنِ) تَشْتَمِلُ الْأُولَى عَلَى التَّحْمِيدَةِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْوَصِيَّةِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَقِرَاءَةِ آيَةٍ، وَكَذَلِكَ الثَّانِيَةُ إلَّا أَنَّ فِيهَا بَدَلَ الْآيَةِ الدُّعَاءَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ (اعْتِبَارًا لِلتَّوَارُثِ) فَإِنَّهُ جَرَى هَكَذَا مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] وَالْمُرَادُ بِهِ الْخُطْبَةُ بِاتِّفَاقِ الْمُفَسِّرِينَ، وَقَدْ أُطْلِقَ

الْحَمْدُ لِلَّهِ فَارْتِجَ عَلَيْهِ فَنَزَلَ وَصَلَّى. (وَمِنْ شَرَائِطِهَا الْجَمَاعَةُ) ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنْهَا (وَأَقَلُّهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثَةٌ سِوَى الْإِمَامِ، وَقَالَا: اثْنَانِ سِوَاهُ) قَالَ: وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَحْدَهُ. لَهُ أَنَّ فِي الْمُثَنَّى مَعْنَى الِاجْتِمَاعِ هِيَ مُنْبِئَةٌ عَنْهُ. وَلَهُمَا أَنَّ الْجَمْعَ الصَّحِيحَ إنَّمَا هُوَ الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّهُ جَمْعُ تَسْمِيَةٍ وَمَعْنًى، وَالْجَمَاعَةُ شَرْطٌ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهَا الذِّكْرُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ، فَالزِّيَادَةُ عَلَيْهَا نَسْخٌ. وَمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَمَّا صَعِدَ الْمِنْبَرَ أَوَّلَ جُمُعَةٍ وَلِيَ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَأُرْتِجَ عَلَيْهِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ: أَيْ أُغْلِقَ فَنَزَلَ وَصَلَّى وَكَانَ بِمَحْضَرٍ مِنْ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْمِقْدَارَ كَافٍ. قَالَ (وَمِنْ شَرَائِطِهَا الْجَمَاعَةُ) الْجَمَاعَةُ شَرْطُ الْجُمُعَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَالِاخْتِلَافُ فِي الْعَدَدِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَقَلُّهُمْ ثَلَاثَةٌ سِوَى الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا اثْنَانِ سِوَاهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَحْدَهُ. لَهُ أَنَّ فِي الْمُثَنَّى مَعْنَى الِاجْتِمَاعِ) لِأَنَّ فِيهِ اجْتِمَاعَ وَاحِدٍ بِآخَرَ وَالْجُمُعَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَعْنَى الِاجْتِمَاعِ لِمَا ذُكِرَ أَنَّ الْجُمُعَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْجَمَاعَةِ، وَفِي الْجَمَاعَةِ اجْتِمَاعٌ لَا مَحَالَةَ (وَلَهُمَا) أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ (أَنَّ الْجَمْعَ الصَّحِيحَ إنَّمَا هُوَ الثَّلَاثُ) يَعْنِي سَلَّمْنَا أَنَّ الْجُمُعَةَ تُنْبِئُ عَنْ الِاجْتِمَاعِ، لَكِنَّ

حِدَةٍ، وَكَذَا الْإِمَامُ فَلَا يُعْتَبَرُ مِنْهُمْ. (وَإِنْ نَفَرَ النَّاسُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ الْإِمَامُ وَيَسْجُدَ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ اسْتَقْبَلَ الظُّهْرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: إذَا نَفَرُوا عَنْهُ بَعْدَمَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ صَلَّى الْجُمُعَةَ، فَإِنْ نَفَرُوا عَنْهُ بَعْدَمَا رَكَعَ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَةً بَنَى عَلَى الْجُمُعَةِ) خِلَافًا لِزُفَرَ. وَهُوَ يَقُولُ: إنَّهَا شَرْطٌ فَلَا بُدَّ مِنْ دَوَامِهَا كَالْوَقْتِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ فَلَا يُشْتَرَطُ دَوَامُهَا كَالْخُطْبَةِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الِانْعِقَادَ بِالشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا بِتَمَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخِطَابَ وَرَدَ لِلْجَمْعِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] وَالْجَمْعُ الصَّحِيحُ هُوَ الثَّلَاثُ (قَوْلُهُ جَمْعًا تَسْمِيَةً وَمَعْنًى) فَإِنْ قِيلَ: فَفِيمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ مَعَ الْإِمَامِ ثَلَاثَةً؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ: وَالْجَمَاعَةُ شَرْطٌ عَلَى حِدَةٍ، وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ، فَلَا يُعْتَبَرُ الْإِمَامُ مِنْ الْجَمَاعَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَاسْعَوْا} [الجمعة: 9] يَقْتَضِي ثَلَاثَةً، وَقَوْلُهُ {إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] يَقْتَضِي ذَاكِرًا فَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ. وَيَجِبُ أَنْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ مِمَّنْ يَصْلُحُ إمَامًا، حَتَّى إذَا كَانَ أَحَدُهُمْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْعَبِيدِ وَالْمُسَافِرِينَ فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ تَتِمُّ بِهِمْ لِصَلَاحِيَّتِهِمْ لِلْإِمَامَةِ، وَكَمَا نَفَى الْآيَةُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ نَفَى اشْتِرَاطَ الْأَرْبَعِينَ لِعَدَمِ دَلَالَتِهِ عَلَيْهِ بِيَقِينٍ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ نَفَرَ النَّاسُ) اعْلَمْ أَنَّ النَّاسَ إذَا نَفَرُوا قَبْلَ شُرُوعِهِمْ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ مَعَ الْإِمَامِ لَا يُصَلِّي الْجُمُعَةَ بِلَا خِلَافٍ وَيُصَلِّي الظُّهْرَ، وَإِنْ نَفَرُوا بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ تَقْيِيدِ الرَّكْعَةِ بِالسَّجْدَةِ اسْتَقْبَلَ الظُّهْرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَنَى عَلَى الْجُمُعَةِ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ بَنَى عَلَيْهَا عِنْدَهُمْ خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنَّهُ يَقُولُ: إنَّهَا شَرْطُ الْأَدَاءِ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ مِنْهُمْ مُقَارِنًا لِتَحْرِيمِ الْإِمَامِ لَيْسَ بِشَرْطٍ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَوْ كَانَتْ شَرْطًا لِلِانْعِقَادِ لِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ فَكَانَتْ كَالْوَقْتِ، وَدَوَامُهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ، فَكَذَا دَوَامُهَا، وَلَمْ يُوجَدْ إذَا نَفَرُوا بَعْدَ السُّجُودِ. وَلَهُمَا أَنَّهَا شَرْطُ الِانْعِقَادِ لِأَنَّ الْأَدَاءَ قَدْ يَنْفَكُّ عَنْهَا كَمَا فِي الْمَسْبُوقِ وَاللَّاحِقِ، وَمَا هُوَ كَذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ دَوَامُهَا كَالْخُطْبَةِ، فَإِنَّ دَوَامَهَا إلَى تَقْيِيدِ الرَّكْعَةِ بِالسَّجْدَةِ غَيْرُ شَرْطٍ بِالِاتِّفَاقِ. وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ نَعَمْ هُوَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ كَمَا ذَكَرْتُمْ، وَالِانْعِقَادُ إنَّمَا هُوَ بِالشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ، وَالصَّلَاةُ لَا تَتِمُّ إلَّا بِتَمَامِ الرَّكْعَةِ لِأَنَّ مَا دُونَهَا لَيْسَ بِصَلَاةٍ لِكَوْنِهِ فِي مَحَلِّ الرَّفْضِ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا بُدَّ مِنْ دَوَامِهَا إلَيْهَا: أَيْ مِنْ دَوَامِ الْجَمَاعَةِ إلَى الرَّكْعَةِ بِحَذْفِ الْمُضَافِ: أَيْ إلَى تَمَّامِ الرَّكْعَةِ.

الرَّكْعَةِ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهَا لَيْسَ بِصَلَاةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ دَوَامِهَا إلَيْهَا بِخِلَافِ الْخُطْبَةِ فَإِنَّهَا تُنَافِي الصَّلَاةَ فَلَا يُشْتَرَطُ دَوَامُهَا، وَلَا مُعْتَبَرَ بِبَقَاءِ النِّسْوَانِ، وَكَذَا الصِّبْيَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ فَلَا تَتِمُّ بِهِمْ الْجَمَاعَةُ. (وَلَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى مُسَافِرٍ وَلَا امْرَأَةٍ وَلَا مَرِيضٍ وَلَا عَبْدٍ وَلَا أَعْمَى) ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ يَخْرُجُ فِي الْحُضُورِ، وَكَذَا الْمَرِيضُ وَالْأَعْمَى، وَالْعَبْدُ مَشْغُولٌ بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى، وَالْمَرْأَةُ بِخِدْمَةِ الزَّوْجِ فَعُذِرُوا دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالضَّرَرِ (فَإِنْ حَضَرُوا وَصَلَّوْا مَعَ النَّاسِ أَجْزَأَهُمْ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ) ؛ لِأَنَّهُمْ تَحَمَّلُوهُ فَصَارُوا كَالْمُسَافِرِ إذَا صَامَ. (وَيَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ وَالْعَبْدِ وَالْمَرِيضِ أَنْ يَؤُمَّ فِي الْجُمُعَةِ) وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْضَ عَلَيْهِ فَأَشْبَهَ الصَّبِيَّ وَالْمَرْأَةَ. وَلَنَا أَنَّ هَذِهِ رُخْصَةٌ، فَإِذَا حَضَرُوا يَقَعُ فَرْضًا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْخُطْبَةِ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِهِمَا الْجَمَاعَةَ بِهَا. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْخُطْبَةَ تُنَافِي الصَّلَاةَ، فَإِنَّ الْإِمَامَ هُوَ الَّذِي يَخْطُبُ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَخْطُبَ فِي صَلَاةٍ فَلَا يُشْتَرَطُ دَوَامُهَا. وَقَوْلُهُ (وَلَا مُعْتَبَرَ بِبَقَاءِ النِّسْوَانِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَلَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى مُسَافِرٍ) وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُمْ تَحَمَّلُوهُ) يَعْنِي الْحَرَجَ، مَعْنَاهُ أَنَّ السُّقُوطَ فَرْضُ السَّعْيِ عَنْهُمْ لَمْ يَكُنْ لِمَعْنًى فِي الصَّلَاةِ بَلْ لِلْحَرَجِ وَالضَّرَرِ، فَإِذَا تَحَمَّلُوا اُلْتُحِقُوا فِي الْأَدَاءِ بِغَيْرِهِمْ وَصَارُوا كَمُسَافِرٍ صَامَ وَقَوْلُهُ (وَيَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ) وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (فَأَشْبَهَ الصَّبِيَّ) يَعْنِي فِي أَنَّ الْجُمُعَةَ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ أَمَّ الصَّبِيُّ فِيهَا لَمْ يُجْزِهِ، فَكَذَا مَنْ أَشْبَهَهُ (وَلَنَا أَنَّ هَذِهِ) أَيْ سُقُوطَ الْجُمُعَةِ عَنْهُمْ، وَأَنَّثَ الْإِشَارَةَ بِاعْتِبَارِ الْخَبَرِ وَهُوَ (رُخْصَةٌ) لِأَنَّ الْخِطَابَ عَامٌّ فَيَتَنَاوَلُهُمْ، إلَّا أَنَّهُمْ عُذِرُوا دَفْعًا لِلْحَرَجِ عَنْهُمْ (فَإِذَا حَضَرُوا يَقَعُ فَرْضًا عَلَى مَا بَيَّنَّا) يَعْنِي قَوْلَهُ

أَمَّا الصَّبِيُّ فَمَسْلُوبُ الْأَهْلِيَّةِ، وَالْمَرْأَةُ لَا تَصْلُحُ لِإِمَامَةِ الرِّجَالِ، وَتَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ؛ لِأَنَّهُمْ صَلَحُوا لِلْإِمَامَةِ فَيَصْلُحُونَ لِلِاقْتِدَاءِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. (وَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَلَا عُذْرَ لَهُ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَجَازَتْ صَلَاتُهُ) وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْجُمُعَةَ هِيَ الْفَرِيضَةُ أَصَالَةً. وَالظُّهْرُ كَالْبَدَلِ عَنْهَا، وَلَا مَصِيرَ إلَى الْبَدَلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ. وَلَنَا أَنَّ أَصْلَ الْفَرْضِ هُوَ الظُّهْرُ فِي حَقِّ الْكَافَّةِ، هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ إلَّا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِسْقَاطِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُمْ تَحَمَّلُوهُ، وَإِذَا تَحَمَّلُوهُ يَقَعُ فَرْضًا عَنْهُمْ لِأَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَقَعْ فَرْضًا عَنْهُمْ لَكَانَ مَا فَرَضْنَاهُ لِدَفْعِ الْحَرَجِ حَرَجًا وَذَلِكَ خَلَفٌ بَاطِلٌ، أَمَّا الصَّبِيُّ فَمَسْلُوبُ الْأَهْلِيَّةِ فَلَنْ يَتَنَاوَلَهُ الْخِطَابُ، وَالْمَرْأَةُ لَا تَصْلُحُ لِإِمَامَةِ الرِّجَالِ. وَقَوْلُهُ (وَتَنْعَقِدُ بِهِمْ) أَيْ بِالْمُسَافِرِ وَالْعَبْدِ وَالْمَرِيضِ (الْجُمُعَةُ) إشَارَةً إلَى رَدِّ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إنَّ هَؤُلَاءِ تَصِحُّ إمَامَتُهُمْ، لَكِنْ لَا يُعْتَدُّ بِهِمْ فِي الْعَدَدِ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَمَّا صَلَحُوا لِلْإِمَامَةِ، فَلَأَنْ يَصْلُحُوا لِلِاقْتِدَاءِ أَوْلَى. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ عِنْدَهُ الْجُمُعَةَ هِيَ الْفَرِيضَةُ أَصَالَةً) لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالسَّعْيِ إلَيْهَا مَنْهِيٌّ عَنْ الِاشْتِغَالِ عَنْهَا بِالظُّهْرِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ فَوْتُ الْجُمُعَةِ، وَهَذَا صُورَةُ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ، وَلَا مَصِيرَ إلَى الْبَدَلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ، وَهِيَ ثَابِتَةٌ لِأَنَّ فَوَاتَهَا إنَّمَا يَكُونُ بِفَرَاغِ الْإِمَامِ عَنْ الصَّلَاةِ وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَ ذَلِكَ (وَلَنَا أَنَّ أَصْلَ الْفَرْضُ هُوَ الظُّهْرُ فِي حَقِّ النَّاسِ كَافَّةً) لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِحَسَبِ الْقُدْرَةِ. وَالْمُكَلَّفُ بِالصَّلَاةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ مُتَمَكِّنٌ بِنَفْسِهِ مِنْ أَدَاءِ الظُّهْرِ دُونَ الْجُمُعَةِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى شَرَائِطَ لَا تَتِمُّ بِهِ وَحْدَهُ فَكَانَ التَّكْلِيفُ بِالْجُمُعَةِ تَكْلِيفًا بِمَا لَيْسَ فِي الْوُسْعِ إلَّا أَنَّهُ أَمَرَ بِإِسْقَاطِ الظُّهْرِ بِأَدَاءِ الْجُمُعَةِ عِنْدَ اسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِهَا فَكَانَ الْعُدُولُ عَنْهَا مَعَ الْقُدْرَةِ مَكْرُوهًا. وَقَوْلُهُ (هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ) تَلْوِيحٌ مِنْهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ نَقَلَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ الْجُمُعَةُ وَلَهُ إسْقَاطُهَا بِالظُّهْرِ

بِأَدَاءِ الْجُمُعَةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ أَدَاءِ الظُّهْرِ بِنَفْسِهِ دُونَ الْجُمُعَةِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى شَرَائِطَ لَا تَتِمُّ بِهِ وَحْدَهُ، وَعَلَى التَّمَكُّنِ يَدُورُ التَّكْلِيفُ. (فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَحْضُرَهَا فَتَوَجَّهَ إلَيْهَا وَالْإِمَامُ فِيهَا بَطَلَ ظُهْرُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِالسَّعْيِ، وَقَالَ: لَا يَبْطُلُ حَتَّى يَدْخُلَ مَعَ الْإِمَامِ) ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ دُونَ الظُّهْرِ فَلَا يَنْقُصُهُ بَعْدَ تَمَامِهِ، وَالْجُمُعَةُ فَوْقَهَا فَيُنْقِصُهَا وَصَارَ كَمَا إذَا تَوَجَّهَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ. وَلَهُ أَنَّ السَّعْيَ إلَى الْجُمُعَةِ مِنْ خَصَائِصِ الْجُمُعَةِ فَيَنْزِلُ مَنْزِلَتَهَا فِي حَقِّ ارْتِفَاعِ الظُّهْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا أَدْرِي مَا أَصْلُ فَرْضِ الْوَقْتِ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَلَكِنَّهُ سَقَطَ عَنْهُ الْفَرْضُ بِأَدَاءِ الظُّهْرِ أَوْ الْجُمُعَةِ، يُرِيدُ بِهِ أَنَّ أَصْلَ الْفَرْضِ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ وَيَتَعَيَّنُ بِفِعْلِهِ، وَلَكِنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَنْ الْعُلَمَاءِ الثَّلَاثَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ بَدَا لَهُ) أَيْ بَدَا لِمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ مَعْذُورًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (أَنْ يَحْضُرَهَا فَتَوَجَّهَ وَالْإِمَامُ فِيهَا) فَإِمَّا أَنْ يُدْرِكَ الْجُمُعَةَ مَعَ الْإِمَامِ أَوْ لَا، فَإِنْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ اُنْتُقِضَ ظُهْرُهُ وَانْقَلَبَ نَفْلًا، وَهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْهُ (بَطَلَ ظُهْرُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِالسَّعْيِ، وَقَالَ: لَا يَبْطُلُ حَتَّى يَدْخُلَ مَعَ الْقَوْمِ) وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ إشَارَةِ هَذَا الْقِسْمِ لِأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْإِتْمَامَ مَعَ الْإِمَامِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِنَقْضِ الظُّهْرِ عِنْدَهُمَا بَلْ الدُّخُولُ كَافٍ، وَإِذَا كَانَ بِالدُّخُولِ يُنْتَقَضُ فَبِالْإِتْمَامِ أَوْلَى (لِأَنَّ السَّعْيَ دُونَ الظُّهْرِ) إذْ هُوَ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ بِنَفْسِهِ بَلْ هُوَ وَسِيلَةٌ إلَى أَدَاءِ الْجُمُعَةِ، وَالظُّهْرُ فَرْضٌ مَقْصُودٌ وَمَا هُوَ دُونَ الشَّيْءِ (لَا يَنْقُضُهُ بَعْدَ تَمَامِهِ وَالْجُمُعَةُ فَوْقَهُ) لِأَنَّا أُمِرْنَا بِإِسْقَاطِهِ بِهَا فَجَازَ أَنْ تَنْقُضَهُ، وَإِنَّمَا أَنَّثَ الظُّهْرَ فِي الْكِتَابِ بِتَأْوِيلِ الصَّلَاةِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ التَّوَجُّهُ نَاقِصًا لِضَعْفِهِ كَانَ كَمَا إذَا تَوَجَّهَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ السَّعْيَ) وَهُوَ الْمَشْيُ لَا مُسْرِعًا (إلَى الْجُمُعَةِ مِنْ خَصَائِصِهَا) لِكَوْنِهَا صَلَاةً مَخْصُوصَةً بِمَكَانٍ لَا تُمْكِنُ الْإِقَامَةُ إلَّا بِالسَّعْيِ إلَيْهَا فَكَانَ السَّعْيُ مَخْصُوصًا بِهَا، بِخِلَافِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ لِأَنَّ أَدَاءَهَا صَحِيحٌ فِي كُلِّ مَكَان، وَإِذَا كَانَ مِنْ خَصَائِصِهَا كَانَ الِاشْتِغَالُ بِهِ كَالِاشْتِغَالِ بِرُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِهَا بِجَامِعِ الِاخْتِصَاصِ فَيُؤَثِّرُ فِي ارْتِفَاضِ الظُّهْرِ احْتِيَاطًا، إذْ الْأَقْوَى يُحْتَاطُ لِإِثْبَاتِهِ مَا لَا يُحْتَاطُ

احْتِيَاطًا بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَعْيٍ إلَيْهَا. (وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَعْذُورُونَ الظُّهْرَ بِجَمَاعَةٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْمِصْرِ، وَكَذَا أَهْلُ السِّجْنِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِخْلَالِ بِالْجُمُعَةِ إذْ هِيَ جَامِعَةٌ لِلْجَمَاعَاتِ، وَالْمَعْذُورُ قَدْ يَقْتَدِي بِهِ غَيْرُهُ بِخِلَافِ أَهْلِ السَّوَادِ؛ لِأَنَّهُ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ (وَلَوْ صَلَّى قَوْمٌ أَجْزَأَهُمْ) لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِهِ. (وَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَلَّى مَعَهُ مَا أَدْرَكَهُ) وَبَنَى عَلَيْهِ الْجُمُعَةَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِإِثْبَاتِ الْأَضْعَفِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ السَّعْيَ الْمُوصِلَ إلَى الْجُمُعَةِ مَأْمُورٌ بِهِ، وَهَذَا السَّعْيُ لَيْسَ بِمُوصِلٍ. سَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ فَلَا يَرْفُضُ الْقَوِيَّ. سَلَّمْنَاهُ، لَكِنَّ الظُّهْرَ إنَّمَا يَبْطُلُ فِي ضِمْنِ أَدَاءِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ نَقْضَ الْعِبَادَةِ قَصْدُ إحْرَامٍ فَإِذَا لَمْ يُؤَدِّ لَمْ يُنْتَقَضْ. سَلَّمْنَاهُ، لَكِنَّهُ يُنْتَقَضُ بِمَسْأَلَةِ الْقَارِنِ إذَا وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لِعُمْرَتِهِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ رَافِضًا لَهَا، وَلَوْ سَعَى إلَى عَرَفَاتٍ لَا يَصِيرُ بِهِ رَافِضًا لِعُمْرَتِهِ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْحُكْمَ دَارَ مَعَ الْإِمْكَانِ لِكَوْنِ الْإِمَامِ فِي الْجُمُعَةِ وَالْإِدْرَاكُ مُمْكِنٌ بِإِقْدَارِ اللَّهِ تَعَالَى. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ لَمَّا نُزِّلَ مَنْزِلَتَهَا صَارَ قَوِيًّا وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ الثَّالِثِ لِأَنَّهُ صَارَ الْإِبْطَالُ فِي ضِمْنِهِ كَالْإِبْطَالِ فِي ضِمْنِهَا، وَعَنْ الرَّابِعِ بِأَنَّهُ لَا نَقْضَ عَلَى وَجْهِ الْقِيَاسِ لِأَنَّهُمَا: أَيْ الْعُمْرَةَ وَالْجُمُعَةَ سَوَاءٌ فِي الِارْتِفَاضِ فِيهِ، وَأَمَّا فِي الِاسْتِحْسَانِ فَإِنَّهُ إنَّمَا لَا تُرْتَفَضُ الْعُمْرَةُ لِكَوْنِ السَّعْيِ فِيهَا مَنْهِيًّا عَنْهُ قَبْلَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ فَضَعُفَ فِي نَفْسِهِ، وَالسَّعْيُ إلَى الْجُمُعَةِ مَأْمُورٌ بِهِ فَكَانَ فِي نَفْسِهِ قَوِيًّا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إبْطَالِ الْقَوِيِّ إبْطَالُ الضَّعِيفِ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِهِمَا وَهُوَ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَعْذُورُ الظُّهْرَ بِجَمَاعَةٍ إلَخْ) ظَاهِرٌ قَالَ (وَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ رَاكِعًا

فَاقْضُوا» (وَإِنْ كَانَ أَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ أَوْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ بَنَى عَلَيْهَا الْجُمُعَةَ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ أَدْرَكَ مَعَهُ أَكْثَرَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بَنَى عَلَيْهَا الْجُمُعَةَ، وَإِنْ أَدْرَكَ أَقَلَّهَا بَنَى عَلَيْهَا الظُّهْرَ) ؛ لِأَنَّهُ جُمُعَةٌ مِنْ وَجْهٍ ظُهْرٌ مِنْ وَجْهٍ لِفَوَاتِ بَعْضِ الشَّرَائِطِ فِي حَقِّهِ، فَيُصَلِّي أَرْبَعًا اعْتِبَارًا لِلظُّهْرِ وَيَقْعُدُ لَا مَحَالَةَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ اعْتِبَارًا لِلْجُمُعَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَهُوَ مُدْرِكٌ لَهَا بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ أَدْرَكَهُ بَعْدَمَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَبَنَى عَلَيْهَا الْجُمُعَةَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» إذْ لَا شَكَّ أَنَّ مُرَادَهُ مَا فَاتَكُمْ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ «مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا» فَإِنَّ مَعْنَاهُ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ، وَاَلَّذِي فَاتَ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ هُوَ الْجُمُعَةُ فَيُصَلِّي الْمَأْمُومُ الْجُمُعَةَ (وَكَذَا إنْ أَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ أَوْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ أَكْثَرَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بَنَى عَلَيْهَا الْجُمُعَةَ، وَإِنْ أَدْرَكَ أَقَلَّهَا بَنَى عَلَيْهَا الظُّهْرَ لِأَنَّهُ جُمُعَةٌ مِنْ وَجْهٍ) وَلِهَذَا لَا يَتَأَدَّى إلَّا بِنِيَّةِ الْجُمُعَةِ (ظُهْرٌ مِنْ وَجْهٍ لِفَوَاتِ بَعْضِ شَرَائِطِ الْجُمُعَةِ) وَهُوَ الْجَمَاعَةُ فَبِالنَّظَرِ إلَى كَوْنِهِ ظُهْرًا يُصَلِّي أَرْبَعًا وَيَقْعُدُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ، وَبِالنَّظَرِ إلَى كَوْنِهِ جُمُعَةً يُقْرَأُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لِاحْتِمَالِ النُّفَايَةِ فَكَانَ فِي ذَلِكَ إعْمَالُ الدَّلِيلَيْنِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إعْمَالِ أَحَدِهِمَا. وَلَهُمَا أَنَّهُ مُدْرِكٌ لِلْجُمُعَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نِيَّةِ الْجُمُعَةِ، حَتَّى لَوْ نَوَى غَيْرَهَا لَمْ يُصْبِحْ اقْتِدَاؤُهُ، وَمُدْرِكُ الْجُمُعَةِ لَا يَبْنِي إلَّا عَلَى الْجُمُعَةِ، وَلَا وَجْهَ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ إعْمَالِ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُمَا صَلَاتَانِ

وَيَقْرَأُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لِاحْتِمَالِ النَّفْلِيَّةِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ مُدْرِكٌ لِلْجُمُعَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَتَّى يَشْتَرِطَ نِيَّةَ الْجُمُعَةِ، وَهِيَ رَكْعَتَانِ، وَلَا وَجْهَ لِمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ فَلَا يَبْنِي أَحَدَهُمَا عَلَى تَحْرِيمَةِ الْآخَرِ. (وَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ تَرَكَ النَّاسُ الصَّلَاةَ وَالْكَلَامَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: لَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ وَإِذَا نَزَلَ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِلْإِخْلَالِ بِفَرْضِ الِاسْتِمَاعِ وَلَا اسْتِمَاعَ هُنَا، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَمْتَدُّ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ فَلَا صَلَاةَ وَلَا كَلَامَ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَلِأَنَّ الْكَلَامَ قَدْ يَمْتَدُّ طَبْعًا فَأَشْبَهَ الصَّلَاةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمُخْتَلِفَانِ فَكَيْفَ يُصْبِحُ بِنَاءُ إحْدَاهُمَا عَلَى تَحْرِيمَةِ الْأُخْرَى. وَعُورِضَ بِأَنَّ فِيمَا ذَكَرْتُمْ تَجْوِيزَ الْجُمُعَةِ مَعَ عَدَمِ شَرْطِهَا، وَذَلِكَ فَاسِدٌ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَنْتَفِي عِنْدَ انْتِفَاءِ شَرْطِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ وُجُودَهُ فِي حَقِّ الْإِمَامِ جُعِلَ وُجُودًا فِي حَقِّ الْمَسْبُوقِ كَمَا فِي الْقِرَاءَةِ، فَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ بِتَحْرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ فَمَا لَا يُوجَدُ بِحَالٍ، وَالْقَوْلُ بِمَا يُوجَدُ بِحَالٍ أَوْلَى مِنْهُ بِمَا لَا يُوجَدُ بِحَالٍ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ اسْتَدَلَّ لَهُمَا فِي أَوَّلِ الْبَحْثِ بِالْحَدِيثِ وَهُوَ أَقْوَى فَمَا وَجْهُ قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَهُمَا إلَخْ؟ قُلْت: لَا تَنَافِي فِي ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يُسْتَدَلَّ عَلَى مَطْلُوبٍ وَاحِدٍ بِالْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ، أَوْ كَانَ الْأَوَّلُ اسْتِدْلَالًا عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُدْرِكُ أَكْثَرَ، وَذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَلَيْسَ الِاسْتِدْلَال لَهُمَا فَقَطْ بَلْ لَهُمْ جَمِيعًا، وَكَوْنُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى الْمَطْلُوبِ الثَّانِي لَهُمَا أَيْضًا لَا يُنَافِيهِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رَوَى الزُّهْرِيُّ بِإِسْنَادِهِ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ فَقَدْ أَدْرَكَهَا وَلِيُضِفْ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى، وَإِنْ أَدْرَكَهُمْ جُلُوسًا صَلَّى أَرْبَعًا» وَهَذَا كَمَا تَرَى نَصَّ عَلَى مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ، فَمَا وَجْهُ تَرْكِ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ لِمُحَمَّدٍ؟ قُلْت: ضَعَّفَهُ فَإِنَّهُ مَا رَوَاهُ إلَّا ضُعَفَاءُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ، وَأَمَّا الثِّقَاتُ مِنْهُمْ كَعُمَرَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكٍ فَقَدْ رَوَوْا عَنْهُ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَقَدْ أَدْرَكَهَا» وَأَمَّا إذَا أَدْرَكَ مَا دُونَهَا فَحُكْمُهُ مَسْكُوتٌ عَنْهُ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. وَمَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا» الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى مُدَّعَاهُمَا فَأَخَذَا بِهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ فَتَأْوِيلُهُ أَدْرَكَهُمْ جُلُوسًا قَدْ سَلَّمُوا. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) يَعْنِي لِأَجْلِ الْخُطْبَةِ (تَرَكَ النَّاسُ الصَّلَاةَ وَالْكَلَامَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ) يُرِيدُ بِهِ مَا سِوَى التَّسْبِيحِ وَنَحْوِهِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُلَّ كَلَامٍ (وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: لَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ) قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَبَعْدَهَا قَبْلَ التَّكْبِيرِ، لِأَنَّ حُرْمَةَ الْكَلَامِ إنَّمَا هِيَ بِاعْتِبَارِ الْإِخْلَالِ بِفَرْضِ الِاسْتِمَاعِ لِكَوْنِهِ فِي نَفْسِهِ مُبَاحًا وَلَا اسْتِمَاعَ فَلَا إخْلَالَ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا قَدْ تَمْتَدُّ فَتُفْضِي

(وَإِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ الْأَذَانَ الْأَوَّلَ تَرَكَ النَّاسُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَتَوَجَّهُوا إلَى الْجُمُعَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] . ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى الْإِخْلَالِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا رَوَيَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ فَلَا صَلَاةَ وَلَا كَلَامَ» وَالْمَصِيرُ إلَيْهِ وَاجِبٌ. فَإِنْ قِيلَ: الْمَصِيرُ إلَيْهِ وَاجِبٌ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مُعَارِضٌ، وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا نَزَلَ عَنْ الْمِنْبَرِ سَأَلَ النَّاسَ عَنْ حَوَائِجِهِمْ وَعَنْ أَسْعَارِ السُّوقِ ثُمَّ صَلَّى» أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ حِينَ كَانَ الْكَلَامُ مُبَاحًا فِي الصَّلَاةِ وَكَانَ يُبَاحُ فِي الْخُطْبَةِ أَيْضًا ثُمَّ نُهِيَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ الْكَلَامِ فِيهِمَا. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ) ذَكَرَ الْمُؤَذِّنِينَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ إخْرَاجًا لِلْكَلَامِ مَخْرَجَ الْعَادَةِ فَإِنَّ الْمُتَوَارَثَ فِي أَذَانِ الْجُمُعَةِ اجْتِمَاعُ الْمُؤَذِّنِينَ لِتَبْلُغَ أَصْوَاتُهُمْ إلَى أَطْرَافِ الْمِصْرِ الْجَامِعِ، وَالْأَذَانُ الْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي

(وَإِذَا صَعِدَ الْإِمَامُ الْمِنْبَرَ جَلَسَ وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ بَيْنَ يَدِي الْمِنْبَرِ) بِذَلِكَ جَرَى التَّوَارُثُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا هَذَا الْأَذَانُ، وَلِهَذَا قِيلَ: هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ السَّعْيِ وَحُرْمَةِ الْبَيْعِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْأَوَّلُ إذَا كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ لِحُصُولِ الْإِعْلَامِ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQحَدَثَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الزَّوْرَاءِ، وَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ يَقُولُ: الْمُعْتَبَرُ هُوَ الْأَذَانُ عَلَى الْمَنَارَةِ لِأَنَّهُ لَوْ انْتَظَرَ الْأَذَانَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ يَفُوتُهُ أَدَاءُ السُّنَّةِ وَسَمَاعُ الْخُطْبَةِ، وَرُبَّمَا تَفُوتُهُ الْجُمُعَةُ إذَا كَانَ بَيْتُهُ بَعِيدًا مِنْ الْجَامِعِ، وَكَانَ الطَّحَاوِيُّ يَقُولُ: الْمُعْتَبَرُ هُوَ الْأَذَانُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي كَانَ لِلْجُمُعَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَذَلِكَ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي وُجُوبِ السَّعْيِ وَكَرَاهَةِ الْبَيْعِ هُوَ الْأَذَانُ الْأَوَّلُ إذَا كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ لِحُصُولِ الْإِعْلَامِ بِهِ مَعَ مَا ذَكَرْنَا فِي قَوْلِ الْحَسَنِ آنِفًا وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ

[باب صلاة العيدين]

[بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ] (بَابُ الْعِيدَيْنِ) قَالَ (وَتَجِبُ صَلَاةُ الْعِيدِ عَلَى كُلِّ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ) وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: عِيدَانِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ: أَيْ بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ حُذِفَ الْمُضَافُ لِلْعِلْمِ بِهِ وَسُمِّيَ يَوْمُ الْعِيدِ بِالْعِيدِ لِأَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى فِيهِ عَوَائِدَ الْإِحْسَانِ إلَى عِبَادِهِ، وَمُنَاسَبَتُهَا لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صَلَاةٌ نَهَارِيَّةٌ تُؤَدَّى بِجَمْعٍ عَظِيمٍ يُجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا وَيُشْتَرَطُ لِإِحْدَاهُمَا مَا يُشْتَرَطُ لِلْأُخْرَى سِوَى الْخُطْبَةِ، وَيَشْتَرِكَانِ أَيْضًا فِي حَقِّ التَّكْلِيفِ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ، وَقَدَّمَ الْجُمُعَةَ لِقُوَّتِهَا لِكَوْنِهَا فَرِيضَةً أَوْ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا. قَالَ (وَتَجِبُ صَلَاةُ الْعِيدِ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ) لَا تَجِبُ صَلَاةُ الْعِيدِ عَلَى الْمُسَافِرِ وَالْعَبْدِ وَالْمَرِيضِ كَالْجُمُعَةِ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ. فَإِنْ قِيلَ: حَالُ الْعَبْدِ هُنَا لَيْسَتْ كَهِيَ فِي الْجُمُعَةِ إذَا أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى لِأَنَّ لِلْجُمُعَةِ خَلَفًا وَهُوَ الظُّهْرُ فَلَمْ تَجِبْ الْجُمُعَةُ، وَهَاهُنَا لَا خَلَفَ فَكَانَ الْوَاجِبُ الْوُجُوبَ إذَا أَسْقَطَ الْمَوْلَى حَقَّهُ بِالْإِذْنِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَصِيرُ مَمْلُوكَةً لَهُ بِالْإِذْنِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَثْنَاةٍ عَلَى الْمَوْلَى، فَبَقِيَ الْحَالُ بَعْدَ الْأَذَانِ كَهِيَ قَبْلَهُ كَمَا فِي الْحَجِّ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ حَجَّ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ، وَأَعَادَ لَفْظَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِمُخَالَفَةِ رِوَايَتِهِ لِرِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْقُدُورِيِّ بِلَفْظِ الْوَاجِبِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِلَفْظِ السُّنَّةِ، وَالْمُرَادُ مِنْ اجْتِمَاعِ الْعِيدَيْنِ كَوْنُ يَوْمِ الْفِطْرِ أَوْ الْأَضْحَى يَوْمَ الْجُمُعَةِ،

وَاحِدٍ، فَالْأَوَّلُ سُنَّةٌ، وَالثَّانِي فَرِيضَةٌ، وَلَا يُتْرَكُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى السُّنَّةِ، وَالْأَوَّلُ عَلَى الْوُجُوبِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَجْهُ الْأَوَّلِ مُوَاظَبَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا، وَوَجْهُ الثَّانِي قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ عَقِيبَ سُؤَالِهِ " قَالَ: «هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ؟ فَقَالَ: لَا إلَّا إنْ تَطَوَّعَ» وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَتَسْمِيَتُهُ سُنَّةً لِوُجُوبِهِ بِالسُّنَّةِ. (وَيُسْتَحَبُّ فِي يَوْمِ الْفِطْرِ أَنْ يَطْعَمَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْمُصَلَّى وَيَغْتَسِلَ وَيَسْتَاكَ وَيَتَطَيَّبَ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَطْعَمُ فِي يَوْمِ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْمُصَلَّى، وَكَانَ يَغْتَسِلُ فِي الْعِيدَيْنِ» وَلِأَنَّهُ يَوْمُ اجْتِمَاعٍ فَيُسَنُّ فِيهِ الْغُسْلُ وَالطِّيبُ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ (وَيَلْبَسُ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ) ؛ لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَغَلَبَ لَفْظُ الْعِيدِ لِخِفَّتِهِ كَمَا فِي الْعُمَرَيْنِ أَوْ لِذُكُورَتِهِ كَمَا فِي الْقَمَرَيْنِ (وَلَا يُتْرَكُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا) أَمَّا الْجُمُعَةُ فَلِأَنَّهَا فَرِيضَةٌ، وَأَمَّا الْعِيدُ فَلِأَنَّ تَرْكَهَا بِدْعَةٌ وَضَلَالٌ. قَوْلُهُ (وَجْهُ الْأَوَّلِ مُوَاظَبَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَقَعَ بِلَفْظِ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ، وَهُوَ لَا يَحْتَاجُ إلَى عِنَايَةٍ، وَفِي بَعْضِهَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُقَالَ مَعْنَاهُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا تَرَكَهُ اعْتِمَادًا عَلَى مَا ذَكَرَ فِي آخِرِ بَابِ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ، لَا سُنَّةَ دُونَ الْمُوَاظَبَةِ إنَّمَا تَكُونُ دَلِيلَ الْوُجُوبِ إذَا كَانَتْ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ. وَقَوْلُهُ (وَجْهُ الثَّانِي) ظَاهِرٌ.

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَتْ لَهُ جُبَّةُ فَنْكٍ أَوْ صُوفٍ يَلْبَسُهَا فِي الْأَعْيَادِ (وَيُؤَدِّي صَدَقَةَ الْفِطْرِ) إغْنَاءً لِلْفَقِيرِ لِيَتَفَرَّغَ قَلْبُهُ لِلصَّلَاةِ (وَيَتَوَجَّهُ إلَى الْمُصَلَّى، وَلَا يُكَبِّرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي طَرِيقِ الْمُصَلَّى، وَعِنْدَهُمَا يُكَبِّرُ) اعْتِبَارًا بِالْأَضْحَى. وَلَهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الثَّنَاءِ الْإِخْفَاءُ، وَالشَّرْعُ وَرَدَ بِهِ فِي الْأَضْحَى؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ تَكْبِيرٍ، وَلَا كَذَلِكَ يَوْمَ الْفِطْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلَا يُكَبِّرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي طَرِيقِ الْمُصَلَّى) يَعْنِي جَهْرًا فِي الطَّرِيقِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ إلَى عِيدِ الْفِطْرِ وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْمُعَلَّى عَنْهُ. وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أُسْتَاذِهِ ابْنِ عُمَرَ الْبَغْدَادِيِّ عَنْهُ أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِي طَرِيقِ الْمُصَلَّى فِي عِيدِ الْفِطْرِ جَهْرًا وَبِهِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ اعْتِبَارًا بِالْأَضْحَى. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الثَّنَاءِ الْإِخْفَاءُ، وَالشَّرْعُ وَرَدَ بِهِ فِي الْأَضْحَى لِأَنَّهُ يَوْمُ تَكْبِيرٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّكْبِيرُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ (وَلَا كَذَلِكَ يَوْمُ الْفِطْرِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ، وَلَيْسَ فِي مَعْنَاهُ أَيْضًا لِأَنَّ عِيدَ الْأَضْحَى اُخْتُصَّ بِرُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ، وَالتَّكْبِيرُ شُرِعَ عَلَمًا عَلَى وَقْتِ أَفْعَالِ الْحَجِّ وَلَيْسَ فِي شَوَّالٍ ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185]

(وَلَا يَتَنَفَّلُ فِي الْمُصَلَّى قَبْلَ الْعِيدِ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مَعَ حِرْصِهِ عَلَى الصَّلَاةِ، ثُمَّ قِيلَ الْكَرَاهَةُ فِي الْمُصَلَّى خَاصَّةً، وَقِيلَ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ عَامَّةً؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَفْعَلْهُ. (وَإِذَا حَلَّتْ الصَّلَاةُ بِارْتِفَاعِ الشَّمْسِ دَخَلَ وَقْتُهَا إلَى الزَّوَالِ، فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ خَرَجَ وَقْتُهَا) «؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي الْعِيدَ وَالشَّمْسُ عَلَى قَيْدِ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ، وَلَمَّا شَهِدُوا بِالْهِلَالِ بَعْدَ الزَّوَالِ أَمَرَ بِالْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى مِنْ الْغَدِ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَخْبَرَ بِالتَّكْبِيرِ بَعْدَ إكْمَالِ عِدَّةِ أَيَّامِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَرَوَى نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الْأَضْحَى رَافِعًا صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ» وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبَابِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَا فِي الْآيَةِ التَّكْبِيرُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ، وَالْمَعْنَى صَلُّوا صَلَاةَ الْعِيدِ وَكَبِّرُوا اللَّهَ فِيهَا، وَمَدَارُ الْحَدِيثِ عَلَى الْوَلِيدِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَالْوَلِيدُ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ. قَالَ (وَلَا يَتَنَفَّلُ فِي الْمُصَلَّى قَبْلَ الْعِيدِ) التَّنَفُّلُ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ فِي الْمُصَلًّى وَغَيْرِهِ لِلْإِمَامِ، وَغَيْرُهُ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي الْكِتَابِ، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ وَالْإِنْكَارُ فِي ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ كَثِيرًا. رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ " أَنَّهُمَا قَامَا فَنَهَيَا النَّاسَ عَنْ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْإِمَامِ يَوْمَ الْفِطْرِ. وَرُوِيَ " أَنَّ عَلِيًّا خَرَجَ إلَى الْمُصَلَّى فَرَأَى قَوْمًا يُصَلُّونَ فَقَالَ: مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ الَّتِي لَمْ نَكُنْ نَعْرِفُهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقِيلَ لَهُ: أَلَا تَنْهَاهُمْ؟ فَقَالَ: أَكْرَهُ أَنْ أَكُونَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إذَا صَلَّى " وَقَوْلُهُ (خَاصَّةً وَعَامَّةً) نُصِبَ عَلَى الْحَالِ مِنْ الضَّمِيرِ الَّذِي فِي الْمُسْتَقَرِّ فِي الظَّرْفِ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا حَلَّتْ الصَّلَاةُ) عَبَّرَ بِالْحُلُولِ عَنْ جَوَازِهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ حَرَامًا قَبْلَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ لِمَا مَرَّ فِي الْحَدِيثِ وَقَوْلُهُ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي الْعِيدَ وَالشَّمْسُ عَلَى قَيْدِ رُمْحٍ» أَيْ قَدْرِ رُمْحٍ (أَوْ رُمْحَيْنِ) دَلِيلُ دُخُولِ الْوَقْتِ. وَقَوْلُهُ (وَلَمَّا شَهِدُوا بِالْهِلَالِ) دَلِيلُ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَذَلِكَ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِالْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى مِنْ الْغَدِ» لِأَجْلِ الصَّلَاةِ، وَكَانَ ذَلِكَ تَأْخِيرًا بِلَا عُذْرٍ سَمَاوِيٍّ، وَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ الْوَقْتُ لَمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي وَقْتِهَا أَوْلَى، وَفِعْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

(وَيُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ، يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى لِلِافْتِتَاحِ وَثَلَاثًا بَعْدَهَا، ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً، وَيُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً يَرْكَعُ بِهَا. ثُمَّ يَبْتَدِئُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِالْقِرَاءَةِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ ثَلَاثًا بَعْدَهَا، وَيُكَبِّرُ رَابِعَةً يَرْكَعُ بِهَا) وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ قَوْلُنَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى لِلِافْتِتَاحِ وَخَمْسًا بَعْدَهَا وَفِي الثَّانِيَةِ يُكَبِّرُ خَمْسًا ثُمَّ يَقْرَأُ. وَفِي رِوَايَةٍ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا، وَظَهَرَ عَمَلُ الْعَامَّةِ الْيَوْمَ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِأَمْرِ بَنِيهِ الْخُلَفَاءِ. فَأَمَّا الْمَذْهَبُ فَالْقَوْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُحْمَلُ إلَّا عَلَى الْأَوْلَى مَهْمَا أَمْكَنَ. وَقَوْلُهُ (وَيُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ) ظَاهِرٌ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الزَّوَائِدَ عِنْدَنَا ثَلَاثٌ، وَالْمُوَالَاةُ فِي الْقِرَاءَةِ خِلَافًا لَهُ. وَقَوْلُهُ (وَظَهَرَ عَمَلُ الْعَامَّةِ) أَيْ عَمَلُ النَّاسِ كَافَّةً (بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِأَمْرِ بَنِيهِ الْخُلَفَاءِ) فَإِنَّ الْوِلَايَةَ لَمَّا انْتَقَلَتْ إلَيْهِمْ أَمَرُوا النَّاسَ بِالْعَمَلِ فِي التَّكْبِيرَاتِ بِقَوْلِ جَدِّهِمْ وَكَتَبُوا فِي مَنَاشِيرِهِمْ ذَلِكَ. وَعَنْ هَذَا صَلَّى أَبُو يُوسُفَ بِالنَّاسِ حِينَ قَدِمَ بَغْدَادَ صَلَاةَ الْعِيدِ وَكَبَّرَ تَكْبِيرَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنَّهُ صَلَّى خَلْفَهُ هَارُونُ الرَّشِيدُ وَأَمَرَهُ بِذَلِكَ، كَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَا مَذْهَبًا وَاعْتِقَادًا، فَإِنَّ الْمَذْهَبَ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ

الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ وَرَفْعَ الْأَيْدِي خِلَافُ الْمَعْهُودِ فَكَانَ الْأَخْذُ بِالْأَقَلِّ أَوْلَى ثُمَّ بِالتَّكْبِيرَاتِ مِنْ أَعْلَامِ الدِّينِ حَتَّى يَجْهَرَ بِهِ فَكَانَ الْأَصْلُ فِيهِ الْجَمْعُ وَفِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى يَجِبُ إلْحَاقُهَا بِتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ لِقُوَّتِهَا مِنْ حَيْثُ الْفَرِيضَةِ وَالسَّبْقِ، وَفِي ـــــــــــــــــــــــــــــQمَذْهَبُ عُمَرَ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَحُذَيْفَةَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، فَكَانَ أَوْلَى بِالْأَخْذِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ: حَدَّثَ الطَّحَاوِيُّ مُسْنِدًا إلَى «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ صَلَّى يَوْمَ الْعِيدِ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا، ثُمَّ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ حِينَ انْصَرَفَ فَقَالَ: أَرْبَعٌ لَا تَسْهُو كَتَكْبِيرِ الْجَنَائِزِ، وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ وَقَبَضَ إبْهَامَهُ» فَفِيهِ قَوْلٌ وَفِعْلٌ وَإِشَارَةٌ إلَى أَصْلٍ وَتَأْكِيدٌ فَلَا جَرَمَ كَانَ الْأَخْذُ بِهِ أَوْلَى. وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ أَرْبَعًا: أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ، وَلِأَنَّ التَّكْبِيرَ وَرَفْعَ الْأَيْدِي مِنْ حَيْثُ الْمَجْمُوعُ خِلَافُ الْمَعْهُودِ فِي الصَّلَوَاتِ، فَكَانَ الْأَخْذُ بِالْقَلِيلِ أَوْلَى، ثُمَّ التَّكْبِيرُ مِنْ أَعْلَامِ الدِّينِ حَتَّى يُجْهَرَ بِهِ كَتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ، وَكَانَ الْأَصْلُ فِيهِ الْجَمْعُ لِأَنَّ الْجِنْسِيَّةَ عِلَّةُ الضَّمِّ؛ فَفِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى يَجِبُ

الثَّانِيَةِ لَمْ يُوجَدْ إلَّا تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ فَوَجَبَ الضَّمُّ إلَيْهَا، وَالشَّافِعِيُّ أَخَذَ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، إلَّا أَنَّهُ حَمَلَ الْمَرْوِيَّ كُلَّهُ عَلَى الزَّوَائِدِ فَصَارَتْ التَّكْبِيرَاتُ عِنْدَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ أَوْ سِتَّ عَشْرَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإلْحَاقُهَا بِتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ لِقُوَّتِهَا مِنْ حَيْثُ الْفَرِيضَةُ وَالسَّبْقُ، وَفِي الثَّانِيَةِ لَمْ يُوجَدْ إلَّا تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ فَوَجَبَ الضَّمُّ إلَيْهَا. وَقَوْلُهُ (وَالشَّافِعِيُّ أَخَذَ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ إلَّا أَنَّهُ حَمَلَ الْمَرْوِيَّ عَلَى الزَّوَائِدِ فَصَارَتْ التَّكْبِيرَاتُ عِنْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَوْ سِتَّةَ عَشَرَ) فِيهِ اشْتِبَاهٌ، لِأَنَّ قَوْلَهُ حَمَلَ الْمَرْوِيَّ إمَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمَرْوِيَّ فِي هَذَا الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ أَوْ لَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى لِلِافْتِتَاحِ وَخَمْسًا بَعْدَهَا، وَفِي الثَّانِيَةِ يُكَبِّرُ خَمْسًا ثُمَّ يَقْرَأُ. وَفِي رِوَايَةٍ: يُكَبِّرُ أَرْبَعًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ كَانَ فِي الْكَلَامِ تَعْقِيدٌ يَعْلُو قَدْرُ الْمُصَنِّفِ عَنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَمْ تَرْتَقِ التَّكْبِيرَاتُ إلَى ذَلِكَ الْمِقْدَارِ لِأَنَّ الزَّوَائِدَ فِيهِ تِسْعٌ أَوْ عَشْرٌ، وَبِالْأَصْلِيَّاتِ تَكُونُ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أَوْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ. وَأَيْضًا قَالَ: وَظَهَرَ عَمَلُ الْعَامَّةِ الْيَوْمَ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ثُمَّ قَالَ: وَالشَّافِعِيُّ أَخَذَ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ عَمَلُ الْعَامَّةِ الْيَوْمَ عَلَى

قَالَ (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ) يُرِيدُ بِهِ مَا سِوَى تَكْبِيرَتَيْ الرُّكُوعِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ» وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهَا تَكْبِيرَاتِ الْأَعْيَادِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQخَمْسَةَ عَشَرَ تَكْبِيرَةً أَوْ سِتَّةَ عَشَرَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَإِزَالَةُ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً، وَالْأُخْرَى أَنَّهُ يُكَبِّرُ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً، فَفَسَّرَ عُلَمَاؤُنَا رِوَايَتَهُ بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ بِإِضَافَةِ الْأَصْلِيَّاتِ لِأَنَّ الْأَصْلِيَّاتِ ثَلَاثٌ: تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ، وَتَكْبِيرَتَا الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، فَإِذَا أُضِيفَتْ إلَى خَمْسَةٍ وَخَمْسَةٍ كَانَتْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَإِذَا أُضِيفَتْ إلَى خَمْسَةٍ وَأَرْبَعَةٍ صَارَتْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، وَعَلَى هَذَا عَمَلُ الْعَامَّةِ الْيَوْمَ (وَحَمَلَ الشَّافِعِيُّ الْمَرْوِيَّ عَلَى الزَّوَائِدِ) فَإِذَا أُضِيفَتْ إلَيْهَا الْأَصْلِيَّاتُ صَارَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ أَوْ سِتَّةَ عَشَرَ، فَكَانَ مُرَادُهُ بِالْمَرْوِيِّ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَا تَعْقِيدَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ التَّفْسِيرَ الْمَذْكُورَ فِي الْكِتَابِ يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَظَهَرَ عَمَلُ الْعَامَّةِ الْيَوْمَ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى تَفْسِيرِ عُلَمَائِنَا لَا عَلَى مَا حَمَلَ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَلْبَتَّةَ أَنْ مَا عَلَيْهِ عَمَلُ أَصْحَابِنَا إنَّمَا هُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. قَالَ فِي الْمُحِيطِ: ثُمَّ عَمِلُوا بِرِوَايَةِ الزِّيَادَةِ فِي عِيدِ الْفِطْرِ وَبِرِوَايَةِ النُّقْصَانِ فِي عِيدِ الْأَضْحَى عَمَلًا بِالرِّوَايَتَيْنِ، وَخَصُّوا الْأَضْحَى بِالنُّقْصَانِ لِاسْتِعْجَالِ النَّاسِ بِالْقَرَابِينِ. وَقَوْلُهُ (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ) ظَاهِرٌ وَلَيْسَ بَيْنَ التَّكْبِيرَاتِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَسْكُتُ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ بِقَدْرِ ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ لِأَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ تُقَامُ بِجَمْعٍ عَظِيمٍ، فَلَوْ وَالَى بَيْنَ التَّكْبِيرَاتِ لَاشْتَبَهَ عَلَى مَنْ كَانَ نَائِيًا عَنْ الْإِمَامِ، وَالِاشْتِبَاهُ يَزُولُ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْمُكْثِ. وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: لَيْسَ هَذَا الْقَدْرُ بِلَازِمٍ، بَلْ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِكَثْرَةِ الزِّحَامِ وَقِلَّتِهِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إزَالَةُ الِاشْتِبَاهِ عَنْ الْقَوْمِ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ كَثْرَةِ الْقَوْمِ وَقِلَّتِهِمْ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ) يَدَيْهِ لِأَنَّ الرَّفْعَ سُنَّةُ الِافْتِتَاحِ، وَلَا افْتِتَاحَ فِي الزَّوَائِدِ فَلَا رَفْعَ كَمَا فِي تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ (وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا) لِأَنَّ مَا قَالَهُ قِيَاسٌ تُرِكَ بِالْأَثَرِ، وَيَأْتِي بِالثَّنَاءِ عَقِبَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ قَبْلَ الزَّوَائِدِ، وَكَذَلِكَ التَّعَوُّذُ

قَالَ (ثُمَّ يَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلَاةِ خُطْبَتَيْنِ) بِذَلِكَ وَرَدَ النَّقْلُ الْمُسْتَفِيضُ (يُعَلِّمُ النَّاسَ فِيهَا صَدَقَةَ الْفِطْرِ وَأَحْكَامَهَا) ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِأَجْلِهِ. (وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعِيدِ مَعَ الْإِمَامِ لَمْ يَقْضِهَا) ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَمْ تُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا بِشَرَائِطَ لَا تَتِمُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَسْتَعِيذُ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ قَالَ (ثُمَّ يَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلَاةِ خُطْبَتَيْنِ) الْخُطْبَةُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ تُخَالِفُ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَجُوزُ بِلَا خُطْبَةٍ بِخِلَافِ الْعِيدِ. الثَّانِي أَنَّهَا فِي الْجُمُعَةِ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْعِيدِ، وَلَوْ قَدَّمَهَا فِي الْعِيدِ أَيْضًا جَازَ وَلَا تُعَادُ الْخُطْبَةُ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَمَا فِي الْكِتَابِ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعِيدِ مَعَ الْإِمَامِ) أَيْ أَدَّى الْإِمَامُ صَلَاةَ الْعِيدِ وَلَمْ يُؤَدِّهَا هُوَ (لَمْ يَقْضِهَا) عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ: يُصَلِّي وَحْدَهُ كَمَا يُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ وَالسُّلْطَانُ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَهُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَحْدَهُ. وَعِنْدَنَا هِيَ صَلَاةٌ لَا تَجُوزُ إقَامَتُهَا إلَّا بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ مِنْ الْجَمَاعَةِ وَالسُّلْطَانِ، فَإِذَا فَاتَتْ عَجَزَ عَنْ

بِالْمُنْفَرِدِ. (فَإِنْ غُمَّ الْهِلَالُ وَشَهِدُوا عِنْدَ الْإِمَامِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ بَعْدَ الزَّوَالِ صَلَّى الْعِيدَ مِنْ الْغَدِ) ؛ لِأَنَّ هَذَا تَأْخِيرٌ بِعُذْرٍ وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ الْحَدِيثُ (فَإِنْ حَدَثَ عُذْرٌ يَمْنَعُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لَمْ يُصَلِّهَا بَعْدَهُ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا أَنْ لَا تُقْضَى كَالْجُمُعَةِ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ بِالْحَدِيثِ، وَقَدْ وَرَدَ بِالتَّأْخِيرِ إلَى الْيَوْمِ الثَّانِي عِنْدَ الْعُذْرِ. (وَيُسْتَحَبُّ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى أَنْ يَغْتَسِلَ وَيَتَطَيَّبَ) لِمَا ذَكَرْنَاهُ (وَيُؤَخِّرَ الْأَكْلَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ لَا يَطْعَمُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ حَتَّى يَرْجِعَ فَيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ وَيَتَوَجَّهَ إلَى الْمُصَلَّى» (وَهُوَ يُكَبِّرُ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُكَبِّرُ فِي الطَّرِيقِ (وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ كَالْفِطْرِ) كَذَلِكَ نُقِلَ (وَيَخْطُبُ بَعْدَهَا خُطْبَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَذَلِكَ فَعَلَ (وَيُعَلِّمُ النَّاسَ فِيهَا الْأُضْحِيَّةَ وَتَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ) ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعُ الْوَقْتِ، وَالْخُطْبَةُ مَا شُرِعَتْ إلَّا لِتَعْلِيمِهِ. (فَإِنْ كَانَ عُذْرٌ يَمْنَعُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى صَلَّاهَا مِنْ الْغَدِ وَبَعْدَ الْغَدِ وَلَا يُصَلِّيهَا بَعْدَ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مُؤَقَّتَةٌ بِوَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ فَتَتَقَيَّدُ بِأَيَّامِهَا لَكِنَّهُ مُسِيءٌ فِي التَّأْخِيرِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لِمُخَالَفَةِ الْمَنْقُولِ. (وَالتَّعْرِيفُ الَّذِي يَصْنَعُهُ النَّاسُ لَيْسَ بِشَيْءٍ) وَهُوَ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ تَشْبِيهًا بِالْوَاقِفِينَ بِعَرَفَةَ؛ لِأَنَّ الْوُقُوفَ عُرْفُ عِبَادَةٍ مُخْتَصَّةٍ بِمَكَانٍ مَخْصُوصٍ فَلَا يَكُونُ عِبَادَةُ دُونِهِ كَسَائِرِ الْمَنَاسِكِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَضَائِهَا. فَإِنْ قِيلَ: هِيَ قَائِمَةٌ مَقَامَ صَلَاةِ الضُّحَى وَلِهَذَا تُكْرَهُ صَلَاةُ الضُّحَى قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ فَإِذَا عَجَزَ عَنْهَا يَصِيرُ إلَى الْأَصْلِ كَالْجُمُعَةِ إذَا فَاتَتْ فَإِنَّهُ يَصِيرُ إلَى الظُّهْرِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّا إنْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ لَا يَضُرُّنَا لِأَنَّهُ إذَا عَجَزَ عَادَ الْأَمْرُ إلَى أَصْلٍ هُوَ صَلَاةُ الضُّحَى وَهِيَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ فَيَتَخَيَّرُ، وَفِي الْجُمُعَةِ إذَا عَجَزَ عَادَ إلَى أَصْلٍ هُوَ فَرْضٌ فَيَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ الْحَدِيثُ) أَيْ الْمَعْهُودُ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ قَبْلَ هَذَا بِقَوْلِهِ: «وَلَمَّا شَهِدُوا بِالْهِلَالِ بَعْدَ الزَّوَالِ أَمَرَ بِالْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى مِنْ الْغَدِ» وَمَا بَعْدَهُ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَالتَّعْرِيفُ الَّذِي يَصْنَعُهُ النَّاسُ) إنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ يَصْنَعُهُ النَّاسُ لِأَنَّهُ يَجِيءُ لِمَعَانٍ: لِلْإِعْلَامِ وَالتَّطَيُّبِ مِنْ الْعُرْفِ وَهُوَ الرِّيحُ وَإِنْشَادِ الضَّالَّة وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَالتَّشْبِيهِ بِأَهْلِ عَرَفَةَ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا. وَقَوْلُهُ (لَيْسَ بِشَيْءٍ) أَيْ لَيْسَ بِشَيْءٍ مُعْتَبَرٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الثَّوَابُ لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِالْبَصْرَةِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ لِلدُّعَاءِ لَا تَشْبِيهًا بِأَهْلِ عَرَفَةَ.

[فصل في تكبيرات التشريق]

(فَصْلٌ فِي تَكْبِيرَاتِ التَّشْرِيقِ) (وَيَبْدَأُ بِتَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَيَخْتِمُ عَقِيبَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ) عِنْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي تَكْبِيرَاتِ التَّشْرِيقِ] ِ تَكْبِيرُ التَّشْرِيقِ لَمَّا كَانَ ذِكْرًا مُخْتَصًّا بِالْأَضْحَى نَاسَبَ ذِكْرُهُ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ، ثُمَّ قِيلَ تَرْجَمَةُ الْفَصْلِ بِتَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ وَقَعَ عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّ شَيْئًا مِنْ التَّكْبِيرِ لَا يَقَعُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ بِاعْتِبَارِ الْقُرْبِ أَخَذَ اسْمَهُ، وَقَوْلُهُ (وَيَبْدَأُ بِتَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ) اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي ابْتِدَاءِ التَّشْرِيقِ وَانْتِهَائِهِ، فَأَمَّا ابْتِدَاؤُهُ فَكِبَارُ الصَّحَابَةِ كَعَمْرٍو وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ قَالُوا: يَبْدَأُ بِالتَّكْبِيرِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاؤُنَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَصِغَارُهُمْ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالُوا: يَبْدَأُ بِالتَّكْبِيرِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، وَإِلَيْهِ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ. وَأَمَّا انْتِهَاؤُهُ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: صَلَاةُ الْعَصْرِ مِنْ أَوَّلِ أَيَّامِ النَّحْرِ فَعِنْدَهُ ثَمَانِ صَلَوَاتٍ يُكَبِّرُ فِيهَا، وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ: انْتِهَاؤُهُ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَيَكُونُ ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ صَلَاةً وَبِهِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ

أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: يَخْتِمُ عَقِيبَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، فَأَخْذَا بِقَوْلِ عَلِيٍّ أَخْذًا بِالْأَكْثَرِ، إذْ هُوَ الِاحْتِيَاطُ فِي الْعِبَادَاتِ، وَأَخَذَ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَخْذًا بِالْأَقَلِّ؛ لِأَنَّ الْجَهْرَ بِالتَّكْبِيرِ بِدْعَةٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمُحَمَّدٌ. وَوَجْهُ كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ. وَذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ أَيَّامَ النَّحْرِ ثَلَاثَةٌ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ ثَلَاثَةٌ وَيَمْضِي ذَلِكَ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، فَإِنَّ الْعَاشِرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ نَحْرٌ خَاصٌّ، وَالثَّالِثَ عَشَرَ تَشْرِيقٌ خَاصٌّ، وَالْيَوْمَانِ فِيمَا بَيْنَهُمَا لِلنَّحْرِ وَالتَّشْرِيقِ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ الْخَلِيلِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قِيلَ أَصْلُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ «أَنَّ جِبْرِيلَ لَمَّا جَاءَ بِالْقُرْبَانِ خَافَ الْعَجَلَةَ عَلَى إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، فَلَمَّا رَآهُ إبْرَاهِيمُ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، فَلَمَّا عَلِمَ إسْمَاعِيلُ بِالْفِدَاءِ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ» ، فَبَقِيَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ إمَّا سُنَّةً أَوْ وَاجِبًا عَلَى مَا يُذْكَرُ. وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَفْضَلُ مَا قُلْت وَقَالَتْ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلِي يَوْمَ عَرَفَةَ:

وَالتَّكْبِيرُ أَنْ يَقُولَ مَرَّةً وَاحِدَةً: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. هَذَا هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ الْخَلِيلِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه. (وَهُوَ عَقِيبَ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ عَلَى الْمُقِيمِينَ فِي الْأَمْصَارِ فِي الْجَمَاعَاتِ الْمُسْتَحَبَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَيْسَ عَلَى جَمَاعَاتِ النِّسَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُنَّ رَجُلٌ، وَلَا عَلَى جَمَاعَةِ الْمُسَافِرِينَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ مُقِيمٌ. وَقَالَا: هُوَ عَلَى كُلِّ مَنْ صَلَّى الْمَكْتُوبَةَ) ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْمَكْتُوبَةِ، وَلَهُ مَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ. وَالتَّشْرِيقُ هُوَ التَّكْبِيرُ كَذَا نُقِلَ عَنْ الْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ، وَلِأَنَّ الْجَهْرَ بِالتَّكْبِيرِ خِلَافُ السُّنَّةِ، وَالشَّرْعُ وَرَدَ بِهِ عِنْدَ اسْتِجْمَاعِ هَذِهِ الشَّرَائِطِ، إلَّا أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ» قَوْلُهُ (مَرَّةً وَاحِدَةً) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ يَذْكُرُ التَّكْبِيرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَلَهُ فِي ذِكْرِ التَّهْلِيلِ بَعْدَهُ قَوْلَانِ. قَوْلُهُ (وَهُوَ عَقِيبَ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ عَلَى الْمُقِيمِينَ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ اخْتَارَ كَوْنَهُ وَاجِبًا وَهُوَ اخْتِيَارُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَصَدْرِ الْإِسْلَامِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] فَإِنَّهُ جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ فَيَكُونُ وَاجِبًا عَمَلًا بِالْأَمْرِ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ. قَالَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ تَكْبِيرُ التَّشْرِيقِ سُنَّةٌ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ، وَفِي قَوْلِهِ عَقِيبَ الصَّلَوَاتِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَلِّلَ مَا يَقْطَعُ بِهِ حُرْمَةَ الصَّلَاةِ؛ حَتَّى لَوْ قَامَ وَخَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ تَكَلَّمَ لَمْ يُكَبِّرْ؛ فَفِي قَوْلِهِ الْمَفْرُوضَاتِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ بَعْدَ الْوِتْرِ وَصَلَاةِ الْعِيدِ وَالنَّافِلَةِ. وَقَيَّدَ بِالْإِقَامَةِ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ لَا يُكَبِّرُ إلَّا إذَا اقْتَدَى بِمُقِيمٍ، وَقَيَّدَ بِالْأَمْصَارِ لِأَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ فِي الْقُرَى، وَقَيَّدَ بِالْجَمَاعَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَكْبِيرَ عَلَى الْمُنْفَرِدِ، وَقَيَّدَ بِالْمُسْتَحَبَّةِ احْتِرَازًا عَنْ جَمَاعَةِ النِّسَاءِ فَإِنَّهُ لَا تَكْبِيرَ عَلَيْهِنَّ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُنَّ رَجُلٌ، وَقَالَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ صَلَّى الْمَكْتُوبَةَ لِأَنَّهُ تَبِعَ لَهَا (وَلَهُ مَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ) يُرِيدُ بِهِ مَا ذَكَرَ فِي أَوَّلِ بَابِ الْجُمُعَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ وَلَا فِطْرَ وَلَا أَضْحَى إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ» فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ التَّكْبِيرَاتُ شُرِعَتْ تَبَعًا لِلْمَكْتُوبِ فَكَيْفَ يُشْتَرَطُ لَهَا مَا لَمْ يُشْتَرَطْ لِلْمَتْبُوعِ؟ قُلْنَا بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي اشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ عَلَى قَوْلِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ اشْتَرَطَهَا قِيَاسًا عَلَى الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَشْتَرِطُهَا قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ. وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا أَمَّ الْعَبْدُ

يَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ إذَا اقْتَدَيْنَ بِالرِّجَالِ، وَعَلَى الْمُسَافِرِينَ عِنْدَ اقْتِدَائِهِمْ بِالْمُقِيمِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ. قَالَ يَعْقُوبُ: صَلَّيْت بِهِمْ الْمَغْرِبَ يَوْمَ عَرَفَةَ فَسَهَوْت أَنْ أُكَبِّرَ فَكَبَّرَ أَبُو حَنِيفَةَ. دَلَّ أَنَّ الْإِمَامَ وَإِنْ تَرَكَ التَّكْبِيرَ لَا يَتْرُكُهُ الْمُقْتَدِي، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ فَلِمَ لَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ فِيهِ حَتْمًا وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، فَمَنْ شَرَطَهَا لَمْ يُوجِبْ التَّكْبِيرَ، وَمَنْ لَمْ يَشْرِطْهَا أَوْجَبَهُ (قَالَ يَعْقُوبُ: صَلَّيْت بِهِمْ الْمَغْرِبَ فَسَهَوْت أَنْ أُكَبِّرَ فَكَبَّرَ أَبُو حَنِيفَةَ، دَلَّ) أَيْ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ عَلَى (أَنَّ الْإِمَامَ إنْ تَرَكَ التَّكْبِيرَ لَا يَتْرُكُهُ الْمُقْتَدِي) لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ، بِخِلَافِ سُجُودِ السَّهْوِ فَإِنَّهُ إذَا تَرَكَهُ الْإِمَامُ لَا يَسْجُدُ الْمُقْتَدِي لِأَنَّهُ يُؤْتَى بِهِ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ التَّكْبِيرِ، وَلَكِنْ إنَّمَا يُكَبِّرُ الْقَوْمُ قَبْلَ الْإِمَامِ إذَا وَقَعَ الْيَأْسُ مِنْ تَكْبِيرِ الْإِمَامِ بِأَنْ قَامَ. قِيلَ فِي ذِكْرِ هَذِهِ الْحِكَايَةِ فَوَائِدُ: مِنْهَا بَيَانُ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَ أُسْتَاذِهِ حَيْثُ قَدَّمَهُ وَاقْتَدَى بِهِ. وَمِنْهَا بَيَانُ حُرْمَةِ أُسْتَاذِهِ فِي قَلْبِهِ، فَإِنَّهُ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ الْمُقْتَدَى بِهِ أُسْتَاذَهُ سَهَا عَمَّا لَا يَسْهُو الْمَرْءُ عَنْهُ عَادَةً وَهُوَ التَّكْبِيرُ. وَمِنْهَا مُبَادَرَةُ أُسْتَاذِهِ إلَى السَّتْرِ عَلَيْهِ حَيْثُ كَبَّرَ لِيَتَذَكَّرَ هُوَ فَكَبَّرَ، وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْمُعَامَلَةُ بَيْنَ كُلِّ أُسْتَاذٍ وَتِلْمِيذِهِ: يَعْنِي أَنَّ التِّلْمِيذَ يُعَظِّمُ الْأُسْتَاذَ وَالْأُسْتَاذَ يَسْتُرُ عَلَيْهِ عُيُوبَهُ. .

[باب صلاة الكسوف]

(بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ) قَالَ (إذَا انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ صَلَّى الْإِمَامُ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ كَهَيْئَةِ النَّافِلَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعٌ وَاحِدٌ) وَقَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ] قَرَنَ صَلَاةَ الْكُسُوفِ بِصَلَاةِ الْعِيدِ لِأَنَّهُمَا يُؤَدَّيَانِ بِالْجَمَاعَةِ فِي النَّهَارِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، وَأَخَّرَهَا عَنْ الْعِيدِ لِأَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ وَاجِبَةً فِي الْأَصَحِّ عَلَى مَا مَرَّ، يُقَالُ: كَسَفَتْ الشَّمْسُ تَكْسِفُ كُسُوفًا، وَكَسَفَهَا اللَّهُ كَسْفًا يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى. قَالَ جَرِيرٌ يَرْثِي بِهِ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ: الشَّمْسُ طَالِعَةٌ لَيْسَتْ بِكَاسِفَةٍ ... تَبْكِي عَلَيْك نُجُومَ اللَّيْلِ وَالْقَمَرَا قِيلَ مَعْنَاهُ: لَيْسَتْ تَكْسِفُ ضَوْءَ النُّجُومِ مَعَ طُلُوعِهَا، وَلَكِنْ لِقِلَّةِ ضَوْئِهَا وَبُكَائِهَا عَلَيْك لَمْ يَظْهَرْ لَهَا نُورٌ. وَقِيلَ مَعْنَاهُ: تَغْلِبُ النُّجُومُ فِي الْبُكَاءِ، يُقَالُ بَاكَيْتُهُ فَبَكَّيْته: أَيْ غَلَبْته فِي الْبُكَاءِ. وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ اجْتَمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى

الشَّافِعِيُّ: رُكُوعَانِ. لَهُ مَا رَوَتْ عَائِشَةُ، وَلَنَا رِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ، وَالْحَالُ أَكْشَفُ عَلَى الرِّجَالِ لِقُرْبِهِمْ فَكَانَ التَّرْجِيحُ ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ، وَسَبَبُ شَرْعِيَّتِهَا الْكُسُوفُ، وَلِهَذَا تُضَافُ إلَيْهِ. وَشُرُوطُهَا شُرُوطُ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَهِيَ سُنَّةٌ «؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّاهَا» . وَكَيْفِيَّةُ أَدَائِهَا أَنْ يُصَلِّيَ إمَامُ الْجُمُعَةِ فِي الْجَامِعِ أَوْ فِي الْمُصَلَّى فِي الْأَوْقَاتِ الْمُسْتَحَبَّةِ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ كَهَيْئَةِ النَّافِلَةِ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ بِرُكُوعٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا كَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ أَوْ غَيْرِهِ نُودِيَ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ وَصَلَّى الْإِمَامُ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةِ الْبَقَرَةِ إنْ حَفِظَهَا وَإِلَّا فَمَا يَعْدِلُهَا مِنْ غَيْرِهَا، ثُمَّ يَرْكَعُ وَيَمْكُثُ فِي رُكُوعِهِ قَدْرَ مَا مَكَثَ فِي قِيَامِهِ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَقُومُ وَيَقْرَأُ سُورَةَ آلِ عِمْرَانَ إنْ حَفِظَهَا وَإِلَّا فَمَا يَعْدِلُهَا مِنْ غَيْرِهَا، ثُمَّ يَرْكَعُ ثَانِيًا وَيَمْكُثُ فِي رُكُوعِهِ مِثْلَمَا مَكَثَ فِي قِيَامِهِ هَذَا، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَقُومُ وَيَمْكُثُ فِي قِيَامِهِ وَيَقْرَأُ فِيهِ مِقْدَارَ مَا قَرَأَ فِي الْقِيَامِ الثَّانِي مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى ثُمَّ يَرْكَعُ وَيَمْكُثُ فِي رُكُوعِهِ مِثْلَ مُكْثِهِ فِي هَذَا الْقِيَامِ، ثُمَّ يَقُومُ وَيَمْكُثُ فِي قِيَامِهِ مِثْلَمَا مَكَثَ فِي الرُّكُوعِ ثُمَّ يَرْكَعُ وَيَمْكُثُ فِيهِ مِثْلَمَا مَكَثَ فِي قِيَامِهِ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَقُومُ مِثْلَ ثُلُثَيْ قِيَامِهِ فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ الرَّكْعَةِ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ وَيُتِمُّ الصَّلَاةَ. وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى صَلَاةَ الْكُسُوفِ رَكْعَتَيْنِ بِأَرْبَعِ رُكُوعَاتٍ وَأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ» وَلَنَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَأَبِي بَكْرَةَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلَفٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ رَكْعَتَيْنِ كَأَطْوَلِ صَلَاةٍ كَانَ يُصَلِّيهَا فَانْجَلَتْ الشَّمْسُ مَعَ فَرَاغِهِ مِنْهَا» وَإِذَا تَعَارَضَتْ الرِّوَايَتَانِ كَانَ التَّرْجِيحُ لِرِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ، وَالْحَالُ أَكْشَفُ عَنْ الرِّجَالِ لِقُرْبِهِمْ وَتَأْوِيلُ مَا رَوَاهُ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي صَلَاةِ الْأَثَرِ قَالَ: يُحْتَمَلُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَطَالَ الرُّكُوعَ زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ رُكُوعِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، فَرَفَعَ أَهْلُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ رُءُوسَهُمْ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، فَمَنْ خَلْفَهُمْ رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ، فَلَمَّا رَأَى أَهْلُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاكِعًا رَكَعُوا، فَمَنْ خَلْفَهُمْ رَكَعُوا، فَلَمَّا رَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَ الْقَوْمُ

لِرِوَايَتِهِ (وَيُطَوِّلُ الْقِرَاءَةَ فِيهِمَا وَيُخْفِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يَجْهَرُ) وَعَنْ مُحَمَّدٍ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQرُءُوسَهُمْ وَمَنْ كَانُوا خَلْفَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ ظَنُّوا أَنَّهُ رَكَعَ رُكُوعَيْنِ فَرَوَوْا عَلَى حَسَبِ مَا وَقَعَ عِنْدَهُمْ، وَمِثْلُ هَذَا الِاشْتِبَاهِ قَدْ يَقَعُ لِمَنْ كَانَ فِي آخِرِ الصُّفُوفِ وَعَائِشَةُ كَانَتْ فِي صَفِّ النِّسَاءِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رَوَى حَدِيثَهَا مِنْ الرِّجَالِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَدْ كَانَ فِي صَفِّهِمْ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ كَانَ فِي صَفِّ الصِّبْيَانِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَقَوْلُهُ (وَيُطَوِّلُ الْقِرَاءَةَ فِيهِمَا)

أَمَّا التَّطْوِيلُ فِي الْقِرَاءَةِ فَبَيَانُ الْأَفْضَلِ، وَيُخَفِّفُ إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّ الْمَسْنُونَ اسْتِيعَابُ الْوَقْتِ بِالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ، فَإِذَا خَفَّفَ أَحَدُهُمَا طَوَّلَ الْآخَرُ. وَأَمَّا الْإِخْفَاءُ وَالْجَهْرُ فَلَهُمَا رِوَايَةُ عَائِشَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَهَرَ فِيهَا» ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ. وَقَوْلُهُ (فَبَيَانُ الْأَفْضَلِ) لِأَنَّ فِيهِ مُتَابَعَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ صَحَّ «أَنَّ قِيَامَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِقَدْرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِقَدْرِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ» . وَقَوْلُهُ (فَلَهُمَا رِوَايَةُ عَائِشَةَ)

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَمُرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَالتَّرْجِيحُ قَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ، كَيْفَ وَإِنَّهَا صَلَاةُ النَّهَارِ وَهِيَ عَجْمَاءُ. (وَيَدْعُو بَعْدَهَا حَتَّى تَنْجَلِيَ الشَّمْسُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا رَأَيْتُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَفْزَاعِ شَيْئًا فَارْغَبُوا إلَى اللَّهِ بِالدُّعَاءِ» ، وَالسُّنَّةُ فِي الْأَدْعِيَةِ تَأْخِيرُهَا عَنْ الصَّلَاةِ (وَيُصَلِّي بِهِمْ الْإِمَامَ الَّذِي يُصَلِّي بِهِمْ الْجُمُعَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّهَا رَوَتْ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً فَجَهَرَ بِهَا: يَعْنِي فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ» (وَلَهُ رِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ) وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ قِرَاءَتِهِ فِيهَا حَرْفًا (وَالتَّرْجِيحُ قَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ) يَعْنِي قَوْلَهُ وَالْحَالُ أَكْشَفُ عَلَى الرِّجَالِ لِقُرْبِهِمْ. فَإِنْ قِيلَ: ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَوَى حَدِيثَهَا، فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَمَا جَوَابُهُ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْجَوَابَ بِالرُّجُوعِ إلَى الْأَصْلِ فَإِنَّهَا صَلَاةٌ نَهَارِيَّةٌ وَالْأَصْلُ فِيهَا الْإِخْفَاءُ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ» وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَيَدْعُو بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ صَلَاةِ الْكُسُوفِ إنْ شَاءَ جَالِسًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَإِنْ شَاءَ قَائِمًا وَإِنْ شَاءَ يَسْتَقْبِلُ الْقَوْمَ بِوَجْهِهِ وَالْقَوْمُ تُؤَمِّنُ. وَقَوْلُهُ (مِنْ هَذِهِ الْأَفْزَاعِ) الْفَزَعُ

فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ صَلَّى النَّاسُ فُرَادَى) تَحَرُّزًا عَنْ الْفِتْنَةِ. (وَلَيْسَ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ جَمَاعَةٌ) لِتَعَذُّرِ الِاجْتِمَاعِ فِي اللَّيْلِ (أَوْ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ) ، وَإِنَّمَا يُصَلِّي كُلُّ وَاحِدٍ بِنَفْسِهِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَهْوَالِ فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ» (وَلَيْسَ فِي الْكُسُوفِ خُطْبَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخَوْفُ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ) يَعْنِي الْإِمَامَ (صَلَّى النَّاسُ فُرَادَى إنْ شَاءُوا رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ شَاءُوا أَرْبَعًا) لِأَنَّ هَذَا تَطَوُّعٌ وَالْأَصْلُ فِي التَّطَوُّعَاتِ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (تَحَرُّزًا عَنْ الْفِتْنَةِ) أَيْ فِتْنَةِ التَّقْدِيمِ وَالتَّقَدُّمِ وَالْمُنَازَعَةِ فِيهِمَا. وَقَوْلُهُ (وَلَيْسَ فِي كُسُوفِ الْقَمَرِ جَمَاعَةٌ) عَابَ أَهْلُ الْأَدَبِ مُحَمَّدًا فِي هَذَا اللَّفْظِ وَقَالُوا: إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْقَمَرِ لَفْظُ الْخُسُوفِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ} [القيامة: 7] {وَخَسَفَ الْقَمَرُ} [القيامة: 8] وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ: يُقَالُ كَسَفَتْ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ جَمِيعًا، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ» الْحَدِيثَ. رَوَى أَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ «انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ مَاتَ إبْرَاهِيمُ وَلَدُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ النَّاسُ: إنَّمَا انْكَسَفَتْ لِمَوْتِهِ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَهْوَالِ فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ» أَيْ الْتَجِئُوا إلَيْهَا. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا أَمْرٌ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ الْكُسُوفِ وَاجِبَةً. قُلْنَا: قَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْأَسْرَارِ وَالْعَامَّةُ ذَهَبَتْ إلَى كَوْنِهَا سُنَّةً لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهَا تُوجَدُ بِعَارِضٍ لَكِنْ صَلَّاهَا النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَكَانَتْ سُنَّةً وَالْأَمْرُ لِلنَّدْبِ. وَقَوْلُهُ (وَلَيْسَ فِي الْكُسُوفِ) أَيْ كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ (خُطْبَةٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ: يَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلَاةِ خُطْبَتَيْنِ كَمَا فِي الْعِيدَيْنِ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «خَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ» وَلَنَا أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُفْعَلْ، وَإِنْ صَحَّ فَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَطَبَ لِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَقُولُونَ إنَّهَا كَسَفَتْ لِمَوْتِ إبْرَاهِيمَ فَأَرَادَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ.

[باب الاستسقاء]

(بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ) (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ صَلَاةٌ مَسْنُونَةٌ فِي جَمَاعَةٍ، فَإِنْ صَلَّى النَّاسُ وُحْدَانًا جَازَ، وَإِنَّمَا الِاسْتِسْقَاءُ الدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَارُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10] الْآيَةَ، «وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَسْقَى وَلَمْ تُرْوَ عَنْهُ الصَّلَاةُ» ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ] أَخَّرَ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ عَنْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ لِأَنَّ صَلَاةَ الْكُسُوفِ سُنَّةٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ صَلَاةٌ مَسْنُونَةٌ فِي جَمَاعَةٍ، فَإِنْ صَلَّى النَّاسُ وُحْدَانًا جَازَ وَإِنَّمَا الِاسْتِسْقَاءُ الدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَارُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10] {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: 11] وَرُوِيَ أَنَّ قَوْمَ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا كَذَّبُوهُ بَعْدَ طُولِ تَكْرِيرِهِ الدَّعْوَةَ حَبَسَ اللَّهُ عَنْهُمْ الْقَطْرَ وَأَعْقَمَ أَرْحَامَ نِسَائِهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَقِيلَ سَبْعِينَ سَنَةً، فَوَعَدَهُمْ أَنَّهُمْ إنْ آمَنُوا رَزَقَهُمْ اللَّهُ الْخِصْبَ وَرَفَعَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا عَلَيْهِ. وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّ شَرَائِعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرَائِعُ لَنَا إذَا قَصَّ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ وَهَذَا كَذَلِكَ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَسْقَى وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ الصَّلَاةُ، وَإِنَّمَا الْمَرْوِيُّ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي ذَلِكَ الدُّعَاءُ. رَوَى أَنَسٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّاسَ قَدْ قَحَطُوا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

(وَقَالَا: يُصَلِّي الْإِمَامُ رَكْعَتَيْنِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ الْعِيدِ» رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. قُلْنَا: فَعَلَهُ مَرَّةً وَتَرَكَهُ أُخْرَى فَلَمْ يَكُنْ سُنَّةً، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَحْدَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَدَخَلَ رَجُلٌ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْمَوَاشِي وَخَشِينَا الْهَلَاكَ عَلَى أَنْفُسِنَا فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَسْقِيَنَا، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا هَنِيئًا مَرِيئًا غَدَقًا مُغْدِقًا عَاجِلًا غَيْرَ رَائِثٍ، قَالَ الرَّاوِي: مَا كَانَ فِي السَّمَاءِ قَزَعَةٌ، فَارْتَفَعَتْ السَّحَابُ مِنْ هَاهُنَا وَمِنْ هَاهُنَا حَتَّى صَارَتْ رُكَامًا، ثُمَّ مَطَرَتْ سَبْعًا مِنْ الْجُمُعَةِ إلَى الْجُمُعَةِ، ثُمَّ دَخَلَ ذَلِكَ الرَّجُلُ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ وَالسَّمَاءُ تَسْكُبُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَهَدَّمَ الْبُنْيَانُ وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُمْسِكَهُ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَلَالَةِ ابْنِ آدَمَ. قَالَ الرَّاوِي: وَاَللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ خَضِرًا، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ، فَانْجَابَتْ السَّحَابَةُ عَنْ الْمَدِينَةِ حَتَّى صَارَتْ حَوْلَهَا كَالْإِكْلِيلِ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ الدُّعَاءِ» (وَقَالَا: يُصَلِّي الْإِمَامُ رَكْعَتَيْنِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِيهَا رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ الْعِيدِ) فِي الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ، وَالصَّلَاةِ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. (قُلْنَا) إنْ ثَبَتَ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى الْجَوَازِ وَنَحْنُ لَا نَمْنَعُهُ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّهَا سُنَّةٌ أَوْ لَا، وَالسُّنَّةُ مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهَاهُنَا (فَعَلَهُ مَرَّةً وَتَرَكَهُ أُخْرَى فَلَمْ يَكُنْ) فِعْلُهُ أَكْثَرَ مِنْ تَرْكِهِ حَتَّى يَكُونَ مُوَاظَبَةً فَلَا يَكُونُ (سُنَّةً) فَإِنْ قِيلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ حِينَئِذٍ مُتَنَاقِضٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ أَوَّلًا وَلَمْ تُرْوَ عَنْهُ الصَّلَاةُ ثُمَّ قَالَ لِمَا رُوِيَ عَنْهُ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَرْوِيَّ لَمَّا كَانَ شَاذًّا فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى جَعَلَهُ كَأَنَّهُ غَيْرُ مَرْوِيٍّ. قَوْلُهُ (وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَحْدَهُ) يَعْنِي أَنَّ أَبَا يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ،

(وَيَجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ) اعْتِبَارًا بِصَلَاةِ الْعِيدِ (ثُمَّ يَخْطُبُ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ» ثُمَّ هِيَ كَخُطْبَةِ الْعِيدِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَذَكَرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ قَوْلَهُ مَعَ مُحَمَّدٍ كَمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (وَيُجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ) اتَّفَقَا عَلَى الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ اعْتِبَارًا بِصَلَاةِ الْعَبْدِ. وَاخْتَلَفَا فِي الْخُطْبَةِ فَقَالَ مُحَمَّدٌ: هِيَ كَخُطْبَةِ الْعِيدِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: خُطْبَةٌ

(وَلَا خُطْبَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْجَمَاعَةِ وَلَا جَمَاعَةَ عِنْدَهُ (وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ بِالدُّعَاءِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ» (وَيَقْلِبُ رِدَاءَهُ) لِمَا رَوَيْنَا. قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَقْلِبُ رِدَاءَهُ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ فَيُعْتَبَرُ بِسَائِرِ الْأَدْعِيَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاحِدَةٌ وَبِكُلِّ ذَلِكَ وَرَدَ الْحَدِيثُ (وَلَا خُطْبَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهَا تَبَعُ الْجَمَاعَةِ وَلَا جَمَاعَةَ عِنْدَهُ) وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُبْتَذِلًا مُتَوَاضِعًا مُتَضَرِّعًا حَتَّى أَتَى الْمُصَلَّى فَرَقَى الْمِنْبَرَ، فَلَمْ يَخْطُبْ خُطْبَتَكُمْ هَذِهِ وَلَكِنْ لَمْ يَزَلْ فِي الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالتَّكْبِيرِ» (وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ ذَلِكَ) رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: إنْ شَاءَ رَفَعَ يَدَيْهِ بِالدُّعَاءِ، وَإِنْ شَاءَ أَشَارَ بِأَصَابِعِهِ (وَيَقْلِبُ رِدَاءَهُ) وَصِفَةُ الْقَلْبِ إنْ كَانَ الرِّدَاءُ مُرَبَّعًا أَنْ يَجْعَلَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ وَأَسْفَلَهُ أَعْلَاهُ. وَإِنْ كَانَ مُدَوَّرًا بِأَنْ كَانَ جُبَّةً أَنْ يَجْعَلَ الْأَيْمَنَ أَيْسَرَ وَالْأَيْسَرَ أَيْمَنَ. (وَقَوْلُهُ لِمَا رَوَيْنَا) يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ» قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَقْلِبُ) وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ مُضْطَرِبٌ، ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْكَرْخِيُّ مَعَ مُحَمَّدٍ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ) أَيْ الِاسْتِسْقَاءَ (دُعَاءٌ) وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَدْعِيَةِ قَلْبُ رِدَاءٍ

وَمَا رَوَاهُ كَانَ تَفَاؤُلًا (وَلَا يَقْلِبُ الْقَوْمُ أَرْدِيَتَهُمْ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَكَذَا هَذَا. وَقَوْلُهُ (وَمَا رَوَاهُ كَانَ تَفَاؤُلًا) جَوَابٌ عَنْ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالْحَدِيثِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَفَاءَلَ بِتَغَيُّرِ الْهَيْئَةِ لِتَغَيُّرِ الْهَوَاءِ: يَعْنِي غَيَّرْنَا مَا كُنَّا عَلَيْهِ فَغَيِّرْ اللَّهُمَّ الْحَالَ. وَفِي كَلَامِهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ وَهُوَ بَاطِلٌ. وَالثَّانِي هَبْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَفَاءَلَ بِذَلِكَ فَلْيَتَفَاءَلْ كُلُّ مَنْ يُبْتَلَى بِذَلِكَ تَأَسِّيًا بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَيْسَ تَعْلِيلًا فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ بَلْ مِنْ بَابِ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ بَعْدَ تَعَارُضِ النَّصَّيْنِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا رَوَاهُ مُحَمَّدٌ يَدُلُّ عَلَى الْقَلْبِ، وَمَا رَوَى أَنَسٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا تَحْوِيلَ فِيهِ فَتَعَارَضَا فَصِيرَ إلَى مَا بَعْدَهُمَا مِنْ الْحُجَّةِ وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذِكْرِهِ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ بِالْوَحْيِ أَنَّ الْحَالَ يَنْقَلِبُ إلَى الْخَصْبِ مَتَى قَلَبَ الرِّدَاءَ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَتَأَتَّى مِنْ غَيْرِهِ فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّأَسِّي ظَاهِرًا فِيمَا يَنْفِيهِ الْقِيَاسُ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يُقَلِّبُ الْقَوْمُ أَرْدِيَتَهُمْ) قِيلَ هُوَ بِالتَّشْدِيدِ لِأَنَّ فِيهِ تَكْثِيرًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بِالنَّفْيِ وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ احْتِجَاجٌ بِلَا دَلِيلٍ، وَمِثْلُ هَذَا صَنَعَ فِي آخِرِ بَابِ الْكُسُوفِ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ. وَالْجَوَابُ: أَنَّ التَّعْلِيلَ بِالنَّفْيِ لَا يَصِحُّ إذَا لَمْ تَكُنْ الْعِلَّةُ مُتَعَيِّنَةً، أَمَّا إذَا كَانَتْ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْعِلَّةِ الشَّخْصِيَّةِ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْحُكْمِ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي وَلَدِ الْمَغْصُوبِ إنَّهُ لَا يُضْمَنُ الْغَصْبُ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ وَمَوْضِعُهُ أُصُولُ الْفِقْهِ

[باب صلاة الخوف]

(وَلَا يَحْضُرُ أَهْلُ الذِّمَّةِ الِاسْتِسْقَاءَ) ؛ لِأَنَّهُ لِاسْتِنْزَالِ الرَّحْمَةِ، وَإِنَّمَا تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ اللَّعْنَةُ. (بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ) (إذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ جَعَلَ الْإِمَامُ النَّاسَ طَائِفَتَيْنِ: طَائِفَةٌ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَطَائِفَةٌ خَلْفَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ قِيلَ: قَدْ رُوِيَ أَنَّ الْقَوْمَ قَلَبُوا أَرْدِيَتَهُمْ حِينَ رَأَوْا قَلْبَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ. أُجِيبَ بِأَنَّ قَلْبَهُمْ هَذَا كَخَلْعِهِمْ النِّعَالَ حِينَ رَأَوْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَلْعَ نَعْلَيْهِ فِي صَلَاةِ الْجَنَائِزِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حُجَّةً فَكَذَا هَذَا، وَإِنَّمَا لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي كَوْنِهِ سُنَّةً وَقَوْلُهُ (وَلَا يَحْضُرُ أَهْلُ الذِّمَّةِ الِاسْتِسْقَاءَ) ظَاهِرٌ، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ الْمُسْلِمُونَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَمْ يُنْقَلْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. قِيلَ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَمَا أَطَاقُوا مِنْ الصَّدَقَةِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ وَالتَّوْبَةِ مِنْ الْمَعَاصِي، ثُمَّ يَخْرُجُ بِهِمْ الْيَوْمَ الرَّابِعَ وَبِالْعَجَائِزِ وَالصِّبْيَانِ مُتَنَظِّفِينَ فِي ثِيَابِ بِذْلَةٍ مُتَوَاضِعِينَ لِلَّهِ، وَيُسْتَحَبُّ إخْرَاجُ الدَّوَابِّ [بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ] وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَّ شَرْعِيَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا لِعَارِضِ خَوْفٍ، وَقَدَّمَ الِاسْتِسْقَاءَ لِأَنَّ الْعَارِضَ ثَمَّةَ انْقِطَاعُ الْمَطَرِ وَهُوَ سَمَاوِيٌّ وَهَاهُنَا اخْتِيَارِيٌّ وَهُوَ الْجِهَادُ الَّذِي سَبَبُهُ كُفْرُ الْكَافِرِ، وَصُورَةُ صَلَاةِ الْخَوْفِ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَقَوْلُهُ (إذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ) لَيْسَ اشْتِدَادُ الْخَوْفِ شَرْطًا عِنْدَ عَامَّةِ مَشَايِخِنَا. قَالَ فِي التُّحْفَةِ: سَبَبُ جَوَازِ صَلَاةِ

فَيُصَلِّي بِهَذِهِ الطَّائِفَةِ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ مَضَتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَجَاءَتْ تِلْكَ الطَّائِفَةُ، فَيُصَلِّي بِهِمْ الْإِمَامُ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُسَلِّمُوا، وَذَهَبُوا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُولَى فَصَلُّوا رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ وُحْدَانًا بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ) ؛ لِأَنَّهُمْ لَاحِقُونَ (وَتَشَهَّدُوا وَسَلَّمُوا وَمَضَوْا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى، وَصَلَّوْا رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ بِقِرَاءَةٍ) ؛ لِأَنَّهُمْ مَسْبُوقُونَ (وَتَشَهَّدُوا وَسَلَّمُوا) وَالْأَصْلُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي قُلْنَا» . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخَوْفِ نَفْسُ قُرْبِ الْعَدُوِّ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْخَوْفِ وَالِاشْتِدَادِ. وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ: الْمُرَادُ بِالْخَوْفِ عِنْدَ الْبَعْضِ حَضْرَةُ الْعَدُوِّ لَا حَقِيقَةُ الْخَوْفِ، لِأَنَّ حَضْرَةَ الْعَدُوِّ أُقِيمَ مَقَامَ الْخَوْفِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا فِي تَعْلِيقِ الرُّخْصَةِ بِنَفْسِ السَّفَرِ لَا حَقِيقَةِ الْمَشَقَّةِ لِأَنَّ السَّفَرَ سَبَبُ الْمَشَقَّةِ فَأُقِيمَ مَقَامَهَا، فَكَذَا حَضْرَةُ الْعَدُوِّ هَاهُنَا سَبَبُ الْخَوْفِ أُقِيمَ مَقَامَ حَقِيقَةِ الْخَوْفِ. قِيلَ صَلَاةُ الْخَوْفِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا إذَا تَنَازَعَ الْقَوْمُ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَقَالَ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ نَحْنُ نُصَلِّي مَعَك، وَأَمَّا إذَا تَنَازَعُوا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ بِطَائِفَةٍ تَمَّامَ الصَّلَاةِ وَيُرْسِلَهُمْ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَيَأْمُرَ رَجُلًا مِنْ الطَّائِفَةِ الَّتِي كَانَتْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ تَمَامَ صَلَاتِهِمْ أَيْضًا وَتَقُومَ الَّتِي

وَأَبُو يُوسُفَ وَإِنْ أَنْكَرَ شَرْعِيَّتَهَا فِي زَمَانِنَا فَهُوَ مَحْجُوجٌ عَلَيْهِ بِمَا رَوَيْنَا. قَالَ (وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ مُقِيمًا صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَتَيْنِ وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَتَيْنِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQصَلَّتْ مَعَ الْإِمَامِ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ. وَقَوْلُهُ (وَأَبُو يُوسُفَ وَإِنْ أَنْكَرَ شَرْعِيَّتَهَا) أَيْ كَوْنَهَا مَشْرُوعَةً، وَكَانَ يَقُولُ أَوَّلًا مِثْلَمَا قَالَا ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: كَانَتْ مَشْرُوعَةً فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ} [النساء: 102] الْآيَةَ، لِيَنَالَ كُلُّ طَائِفَةٍ فَضِيلَةَ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَقَدْ ارْتَفَعَ ذَلِكَ بَعْدَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَكُلُّ طَائِفَةٍ تَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الصَّلَاةِ بِإِمَامٍ عَلَى حِدَةٍ، فَلَا يَجُوزُ أَدَاؤُهَا بِصِفَةِ الذَّهَابِ وَالْمَجِيءِ. وَقَوْلُهُ (بِمَا رَوَيْنَا) يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ. وَالْأَصْلُ فِيهِ رِوَايَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي قُلْنَا. قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ: هَذَا فِي غَايَةِ الْبُعْدِ عَنْ التَّحْقِيقِ، لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ لَمْ يُنْكِرْ شَرْعِيَّتَهَا فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فَكَيْفَ تَكُونُ صَلَاتُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حُجَّةً عَلَى أَبِي يُوسُفَ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ حُجَّةٌ عَلَى أَبِي يُوسُفَ مِنْ حَيْثُ الدَّلَالَةُ لَا مِنْ حَيْثُ الْعِبَارَةُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْخَوْفُ، وَهُوَ يَتَحَقَّقُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا كَانَ فِي حَيَاتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِنَيْلِ فَضِيلَةِ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَنَّ تَرْكَ الْمَشْيِ وَالِاسْتِدْبَارِ فِي الصَّلَاةِ فَرِيضَةٌ وَالصَّلَاةَ خَلْفَهُ فَضِيلَةٌ، وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْفَرْضِ لِإِحْرَازِ الْفَضِيلَةِ، وَالْخِطَابُ لِلرَّسُولِ قَدْ لَا يَخْتَصُّ بِهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ لَا يُوجِبُ عَدَمَ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِهِ عِنْدَنَا عَلَى مَا عُرِفَ بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ إلَى قِيَامِ الدَّلِيلِ وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى وُجُودِهِ وَهُوَ فِعْلُ الصَّحَابَةِ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَقَامُوا صَلَاةَ

لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى الظُّهْرَ بِالطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ» (وَيُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى مِنْ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ، وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً وَاحِدَةً) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخَوْفِ بِأَصْفَهَانَ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ حَارَبَ الْمَجُوسَ بِطَبَرِسْتَانَ وَمَعَهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَصَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الْخَوْفِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ وَقَوْلُهُ (وَيُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى مِنْ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ) مَذْهَبُنَا، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ بِالْعَكْسِ لِأَنَّ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ

لِأَنَّ تَنْصِيفَ الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، فَجَعَلَهَا فِي الْأُولَى أَوْلَى بِحُكْمِ السَّبْقِ. (وَلَا يُقَاتِلُونَ فِي حَالِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ فَعَلُوا بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - شُغِلَ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأُولَيَيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ طَائِفَةٍ فِي ذَلِكَ حَظٌّ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ تَنْصِيفَ الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ غَيْرُ مُمْكِنٍ) مَعْنَاهُ: أَنَّهُ يُصَلِّي بِكُلِّ طَائِفَةٍ شَطْرَ الصَّلَاةِ وَشَطْرُ الْمَغْرِبِ رَكْعَةٌ وَنِصْفٌ فَيَكُونُ حَقُّ الطَّائِفَةِ الْأُولَى نِصْفَ رَكْعَةٍ وَالرَّكْعَةُ الْوَاحِدَةُ لَا تَتَجَزَّأُ فَثَبَتَ فِي كُلِّهَا بِحُكْمِ السَّبْقِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ شَاءَ صَلَّى مِثْلَ مَذْهَبِنَا وَإِنْ شَاءَ صَلَّى مِثْلَ مَذْهَبِ الثَّوْرِيِّ (وَلَا يُقَاتِلُونَ فِي حَالِ الصَّلَاةِ فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ) وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تَفْسُدُ، وَهُوَ قَوْلُ

وَلَوْ جَازَ الْأَدَاءُ مَعَ الْقِتَالِ لَمَا تَرَكَهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: 102] وَالْأَمْرُ بِأَخْذِ السِّلَاحِ فِي الصَّلَاةِ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْقِتَالِ بِهِ، وَلَنَا مَا ذَكَرَهُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شُغِلَ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْأَحْزَابِ» فَلَوْ جَازَ الْأَدَاءُ مَعَ الْقِتَالِ لَمَا تَرَكَهَا، وَالْأَمْرُ بِأَخْذِ الْأَسْلِحَةِ لِكَيْ لَا يَطْمَعَ الْعَدُوُّ فِيهِمْ إذَا رَآهُمْ غَيْرَ مُسْتَعِدِّينَ أَوْ لِيُقَاتِلُوا بِهَا إذَا احْتَاجُوا

(فَإِنْ اشْتَدَّ الْخَوْفُ صَلَّوْا رُكْبَانًا فُرَادَى يُومِئُونَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إلَى أَيِّ جِهَةٍ شَاءُوا إذَا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى التَّوَجُّهِ إلَى الْقِبْلَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] وَسَقَطَ التَّوَجُّهُ لِلضَّرُورَةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمْ الْمُصَلُّونَ بِجَمَاعَةٍ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِانْعِدَامِ الِاتِّحَادِ فِي الْمَكَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ يَسْتَقْبِلُوا الصَّلَاةَ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ اشْتَدَّ الْخَوْفُ) بِأَنْ لَا يَدَعَهُمْ الْعَدُوُّ أَنْ يُصَلُّوا نَازِلِينَ بَلْ يَهْجُمُونَهُمْ بِالْمُحَارَبَةِ (صَلَّوْا رُكْبَانًا إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ اشْتِدَادَ الْخَوْفِ شَرْطُ جَوَازِ الصَّلَاةِ رُكْبَانًا وَفُرَادَى مُومِئِينَ لَا شَرْطُ جَوَازِ صَلَاةِ الْخَوْفِ حَتَّى لَوْ رَكِبَ فِي غَيْرِ حَالَةِ الِاشْتِدَادِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ، بِخِلَافِ الْمَشْيِ وَالذَّهَابِ فَإِنَّهُ وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ لِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ وَإِنْ كَانَ عَمَلًا كَثِيرًا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ جَمَاعَةً اُسْتُحْسِنَ ذَلِكَ لِنَيْلِ فَضِيلَةِ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ اتِّحَادَ الْمَكَانِ شَرْطُ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَلَمْ يُوجَدْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مَعَ الْإِمَامِ عَلَى دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ فَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ، وَالْخَوْفُ مِنْ سَبُعٍ يُعَايِنُونَهُ كَالْخَوْفِ مِنْ الْعَدُوِّ وَلِأَنَّ الرُّخْصَةَ لِدَفْعِ سَبَبِ الْخَوْفِ عَنْهُمْ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ السَّبُعِ وَالْعَدُوِّ.

[باب الجنائز]

(بَابُ الْجَنَائِزِ) (إذَا اُحْتُضِرَ الرَّجُلُ وُجِّهَ إلَى الْقِبْلَةِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ) اعْتِبَارًا بِحَالِ الْوَضْعِ فِي الْقَبْرِ؛ لِأَنَّهُ أَشْرَفَ عَلَيْهِ، وَالْمُخْتَارُ فِي بِلَادِنَا الِاسْتِلْقَاءُ؛ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ لِخُرُوجِ الرُّوحِ وَالْأَوَّلُ هُوَ السُّنَّةُ (وَلُقِّنَ الشَّهَادَتَيْنِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْجَنَائِزِ] (بَابُ الْجَنَائِزِ) الْجَنَائِزُ جَمْعُ جِنَازَةٍ، وَالْجِنَازَةُ بِالْكَسْرِ السَّرِيرُ، وَبِالْفَتْحِ الْمَيِّتُ. وَقِيلَ هُمَا لُغَتَانِ. وَعَنْ الْأَصْمَعِيِّ لَا يُقَالُ بِالْفَتْحِ. وَلَمَّا كَانَ الْمَوْتُ آخِرَ الْعَوَارِضِ ذَكَرَ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ آخِرًا لِلْمُنَاسَبَةِ، إلَّا أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَذْكُرَ الصَّلَاةَ فِي الْكَعْبَةِ قَبْلَهَا، وَلَكِنْ أَخَّرَهَا لِيَكُونَ خَتْمُ كِتَابِ الصَّلَاةِ بِمَا يُتَبَرَّكُ بِهَا حَالًا وَمَكَانًا (إذَا اُحْتُضِرَ الرَّجُلُ) أَيْ قَرُبَ مِنْ الْمَوْتِ، وَقَدْ يُقَالُ اُحْتُضِرَ إذَا مَاتَ لِأَنَّ الْوَفَاةَ حَضَرَتْهُ أَوْ مَلَائِكَةُ الْمَوْتِ. وَقَوْلُهُ (عَلَى شِقِّهِ) أَيْ جَنْبِهِ (الْأَيْمَنِ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْوَضْعِ فِي الْقَبْرِ) فَإِنَّهُ يُوضَعُ فِيهِ كَذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ (لِأَنَّهُ أَشْرَفَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوَضْعِ فِي الْقَبْرِ، وَالشَّيْءُ إذَا قَرُبَ مِنْ الشَّيْءِ يَأْخُذُ حُكْمَهُ. وَقَوْلُهُ (وَلُقِّنَ الشَّهَادَةَ) تَلْقِينُهَا أَنْ يُقَالَ عِنْدَهُ وَهُوَ يَسْمَعُ، وَلَا

«لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» وَالْمُرَادُ الَّذِي قَرُبَ مِنْ الْمَوْتِ (فَإِذَا مَاتَ شُدَّ لَحْيَاهُ وَغُمِّضَ عَيْنَاهُ) بِذَلِكَ جَرَى التَّوَارُثُ، ثُمَّ فِيهِ تَحْسِينُهُ فَيُسْتَحْسَنُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيُقَالُ لَهُ قُلْ لِأَنَّ الْحَالَ صَعْبٌ عَلَيْهِ فَرُبَّمَا يَمْتَنِعُ عَنْ ذَلِكَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ. وَقَوْلُهُ (وَالْمُرَادُ الَّذِي قَرُبَ مِنْ الْمَوْتِ) دَفْعٌ لِوَهْمِ مَنْ يَتَوَهَّمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ قِرَاءَةُ التَّلْقِينِ عَلَى الْقَبْرِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضٌ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ {إِنَّكَ مَيِّتٌ} [الزمر: 30] وَ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» وَقَوْلُهُ (ثُمَّ فِيهِ تَحْسِينُهُ) لِأَنَّهُ إذَا تُرِكَ مَفْتُوحَ الْعَيْنِ يَصِيرُ كَرِيهَ الْمَنْظَرِ وَيَقْبُحُ فِي أَعْيُنِ النَّاسِ.

[فصل في ذكر أحوال الميت في فصول]

فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أَحْوَالِ الْمَيِّتِ فِي فُصُولٍ (فَصْلٌ فِي الْغُسْلِ) (وَإِذَا أَرَادُوا غُسْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أَحْوَالِ الْمَيِّتِ فِي فُصُولٍ] فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أَحْوَالِ الْمَيِّتِ: فِي فُصُولٍ وَقَدَّمَ الْغُسْلَ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَا يُصْنَعُ بِهِ، وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْأَحْيَاءِ بِالْإِجْمَاعِ. وَاخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ وُجُوبِ الْغُسْلِ، فَقِيلَ إنَّمَا وَجَبَ لِحَدَثٍ يَحُلُّ بِاسْتِرْخَاءِ الْمَفَاصِلِ لَا لِنَجَاسَةٍ تَحُلُّ بِهِ، فَإِنَّ الْآدَمِيَّ لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ كَرَامَةً، إذْ لَوْ تَنَجَّسَ لَمَا طَهُرَ بِالْغُسْلِ كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ، وَكَانَ الْوَاجِبُ الِاقْتِصَارَ فِي الْغُسْلِ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ، لَكِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ نَفْيًا لِلْحَرَجِ فِيمَا يَتَكَرَّرُ كُلَّ يَوْمٍ، وَالْحَدَثُ بِسَبَبِ الْمَوْتِ لَا يَتَكَرَّرُ فَكَانَ كَالْجَنَابَةِ لَا يُكْتَفَى فِيهَا بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ بَلْ يَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ وُجُوبُ غَسْلِ جَمِيعِ الْبَدَنِ لِعَدَمِ الْحَرَجِ فَكَذَا هَذَا. وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ: وَجَبَ غُسْلُهُ لِنَجَاسَةِ الْمَوْتِ لَا بِسَبَبِ الْحَدَثِ، لِأَنَّ لِلْآدَمِيِّ دَمًا سَائِلًا كَالْحَيَوَانَاتِ الْبَاقِيَةِ فَيَتَنَجَّسُ بِالْمَوْتِ قِيَاسًا عَلَى غَيْرِهِ مِنْهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا مَاتَ فِي الْبِئْرِ نَجَّسَهَا، وَلَوْ حَمَلَهُ الْمُصَلِّي لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ نَجِسًا لَجَازَتْ كَمَا لَوْ حَمَلَ مُحْدِثًا، وَيَجُوزُ أَنْ تَزُولَ نَجَاسَتُهُ بِالْغُسْلِ كَرَامَةً. قَوْلُهُ (وَإِذَا أَرَادُوا غَسْلَهُ

وَضَعُوهُ عَلَى سَرِيرٍ) لِيَنْصَبَّ الْمَاءُ عَنْهُ (وَجَعَلُوا عَلَى عَوْرَتِهِ خِرْقَةً) إقَامَةً لِوَاجِبِ السَّتْرِ، وَيَكْتَفِي بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَضَعُوهُ عَلَى سَرِيرٍ لِيَنْصَبَّ الْمَاءُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْمَيِّتِ. قَوْلُهُ لِيَنْصَبَّ عِلَّةُ الْوَضْعِ عَلَى السَّرِيرِ، فَإِنَّهُ لَوْ وُضِعَ عَلَى الْأَرْضِ تَلَطَّخَ بِالطِّينِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ كَيْفِيَّةَ وَضْعِ التَّخْتِ إلَى الْقِبْلَةِ طُولًا وَعَرْضًا وَلَا كَيْفِيَّةَ وَضْعِ الْمَيِّتِ عَلَى التَّخْتِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ اخْتَارَ الْوَضْعَ طُولًا كَمَا كَانَ يَفْعَلُ فِي مَرَضِهِ إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ بِالْإِيمَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ اخْتَارَهُ عَرْضًا كَمَا يُوضَعُ فِي الْقَبْرِ. قَالَ: شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُوضَعُ كَيْفَ اُتُّفِقَ فَإِنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ وَالْمَوَاضِعِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلَيْسَ فِيهِ رِوَايَةٌ، إلَّا أَنَّ الْعُرْفَ فِيهِ أَنْ يُوضَعَ مُسْتَلْقِيًا عَلَى قَفَاهُ (وَجَعَلُوا عَلَى عَوْرَتِهِ خِرْقَةً إقَامَةً لِوَاجِبِ السَّتْرِ) فَإِنَّ الْآدَمِيَّ مُحْتَرَمٌ حَيًّا وَمَيِّتًا فَتُسْتَرُ عَوْرَتُهُ كَذَلِكَ (وَيُكْتَفَى بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ)

هُوَ الصَّحِيحُ تَيْسِيرًا (وَنَزَعُوا ثِيَابَهُ) لِيُمْكِنَهُمْ التَّنْظِيفُ. (وَوُضُوءُهُ مِنْ غَيْرِ مَضْمَضَةٍ وَلَا اسْتِنْشَاقٍ) ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ سُنَّةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَنْ تُسْتَرَ السَّوْأَةُ وَيُتْرَكَ فَخِذَاهُ مَكْشُوفَتَيْنِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ تَيْسِيرًا لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ غَسْلُ مَا تَحْتَ الْإِزَارِ. وَقَوْلُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةِ النَّوَادِرِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا: وَيُوضَعُ عَلَى عَوْرَتِهِ خِرْقَةٌ مِنْ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ (وَنَزَعُوا ثِيَابَهُ لِيُمْكِنَهُمْ التَّنْظِيفُ) وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْغُسْلِ هُوَ التَّطْهِيرُ، وَالتَّطْهِيرُ لَا يَحْصُلُ إذَا غُسِلَ مَعَ ثِيَابِهِ، لِأَنَّ الثَّوْبَ مَتَى تَنَجَّسَ بِالْغُسَالَةِ تَنَجَّسَ بِهِ بَدَنُهُ ثَانِيًا بِنَجَاسَةِ الثَّوْبِ فَلَا يُفِيدُ الْغُسْلُ فَيَجِبُ التَّجْرِيدُ. وَفِيهِ نَفْيٌ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ: إنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُغْسَلَ فِي قَمِيصٍ وَاسِعِ الْكُمَّيْنِ حَتَّى يُدْخِلَ الْغَاسِلُ يَدَهُ فِي الْكُمَّيْنِ وَيَغْسِلَ بَدَنَهُ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا خَرَقَ الْكُمَّيْنِ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا تُوُفِّيَ غُسِّلَ فِي قَمِيصِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ» ، وَمَا كَانَ سُنَّةً فِي حَقِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ سُنَّةً فِي حَقِّ أُمَّتِهِ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلُ التَّخْصِيصِ. وَقُلْنَا قَدْ قَامَ دَلِيلُ التَّخْصِيصِ، رَوَتْ عَائِشَةُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا تُوُفِّيَ اجْتَمَعَتْ الصَّحَابَةُ لِغُسْلِهِ، فَقَالُوا لَا نَدْرِي كَيْفَ نَغْسِلُهُ، نَغْسِلُهُ كَمَا نَغْسِلُ مَوْتَانَا أَوْ نَغْسِلُهُ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ؟ فَأَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ النَّوْمَ فَمَا مِنْهُمْ أَحَدٌ إلَّا نَامَ وَذَقَنُهُ عَلَى صَدْرِهِ إذْ نَادَاهُمْ مُنَادٍ: أَنْ غَسِّلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ» فَقَدْ أَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ أَنَّ السُّنَّةَ فِي سَائِرِ الْمَوْتَى التَّجْرِيدُ، وَقَدْ خُصَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِخِلَافِ ذَلِكَ بِالنَّصِّ لِعِظَمِ حُرْمَتِهِ (وَوُضُوءُهُ مِنْ غَيْرِ مَضْمَضَةٍ وَلَا اسْتِنْشَاقٍ) أَمَّا الْوُضُوءُ فَلِأَنَّهُ سُنَّةُ الِاغْتِسَالِ، وَأَمَّا تَرْكُهُمَا فَلِأَنَّ إخْرَاجَ الْمَاءِ مِنْ فَمِهِ مُتَعَذِّرٌ فَيَكُونُ سَقْيًا لَا مَضْمَضَةً، وَلَوْ كَبُّوهُ عَلَى وَجْهِهِ لَرُبَّمَا خَرَجَ مِنْ جَوْفِهِ مَا هُوَ شَرٌّ مِنْهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُمَضْمَضُ وَيُسْتَنْشَقُ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْحَيَاةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ اعْتِبَارٌ فَاسِدٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْمَيِّتُ يُوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ وَلَا يُمَضْمَضُ وَلَا يُسْتَنْشَقُ» وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ يُسْتَنْجَى أَوَّلًا. وَذَكَرَ فِي صَلَاةِ الْأَثَرِ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ يُسْتَنْجَى، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يُسْتَنْجَى لِأَنَّ الْمَسْكَةَ تَزُولُ بِالْمَوْتِ وَالْمَفَاصِلُ تَسْتَرْخِي، فَرُبَّمَا يُزَادُ الِاسْتِرْخَاءُ بِالِاسْتِنْجَاءِ فَتَخْرُجُ نَجَاسَةٌ مِنْ بَاطِنِهِ فَلَا يُفِيدُ الِاسْتِنْجَاءُ فَائِدَتَهُ. وَلَهُمَا أَنَّ مَوْضِعَ اسْتِنْجَاءِ الْمَيِّتِ قَلَّمَا يَخْلُو عَنْ نَجَاسَةٍ حَقِيقِيَّةً فَيَجِبُ إزَالَتُهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْبَدَنِ، ثُمَّ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ يَدُلُّ

الِاغْتِسَالِ، غَيْرَ أَنَّ إخْرَاجَ الْمَاءِ مِنْهُ مُتَعَذِّرٌ فَيُتْرَكَانِ (ثُمَّ يُفِيضُونَ الْمَاءَ عَلَيْهِ) اعْتِبَارًا بِحَالِ الْحَيَاةِ. (وَيُجَمَّرُ سَرِيرُهُ وِتْرًا) لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ الْمَيِّتِ، وَإِنَّمَا يُوتَرُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ» . (وَيَغْلِي الْمَاءَ بِالسِّدْرِ أَوْ بِالْحَرِضِ) مُبَالَغَةً فِي التَّنْظِيفِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْمَاءُ الْقَرَاحُ) لِحُصُولِ أَصْلِ الْمَقْصُودِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى أَنَّ بَقِيَّةَ الْأَفْعَالِ مِنْ تَقْدِيمِ غَسْلِ الْيَدَيْنِ إلَى الرُّسْغِ وَالْمَسْحِ عَلَى الرَّأْسِ كَمَا كَانَتْ فِي حَيَاتِهِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَفِي صَلَاةِ الْأَثَرِ لَا يَبْدَأُ بِغَسْلِ الْيَدَيْنِ بَلْ يَغْسِلُ الْوَجْهَ وَلَا يَمْسَحُ عَلَى الرَّأْسِ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ يُفِيضُونَ الْمَاءَ عَلَيْهِ) يَعْنِي ثَلَاثًا، وَإِنْ زَادُوا عَلَى ذَلِكَ جَازَ كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ. وَقَوْلُهُ (وَيُجَمَّرُ سَرِيرُهُ) أَيْ يُبَخَّرُ. يَعْنِي يُدَارُ الْمُجْمِرُ وَهُوَ الَّذِي يُوقَدُ فِيهِ الْعُودُ حَوَالَيْ السَّرِيرِ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا، أَمَّا التَّجْمِيرُ فَلِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيمَ الْمَيِّتِ، وَأَمَّا الْإِيتَارُ فَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ» قَوْلُهُ (وَيُغْلَى الْمَاءُ) مِنْ الْإِغْلَاءِ لَا مِنْ الْغَلْيِ، لِأَنَّ الْغَلْيَ وَالْغَلَيَانَ لَازِمٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْغُسْلُ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ أَفْضَلُ حَذَرًا عَنْ زِيَادَةِ الِاسْتِرْخَاءِ الْمُوجِبِ لِخُرُوجِ النَّجَاسَةِ الْمُوجِبَةِ لِتَنَجُّسِ الْكَفَنِ. وَقُلْنَا: غَسْلُ الْمَيِّتِ شُرِعَ لِلتَّنْظِيفِ وَالْمَاءُ الْحَارُّ أَبْلَغُ فِي التَّنْظِيفِ فَيَكُونُ أَفْضَلَ، وَزِيَادَةُ الِاسْتِرْخَاءِ قَدْ تُعِينُ عَلَى الْمَقْصُودِ وَهُوَ التَّنْظِيفُ لِأَنَّهُ يُخْرَجُ جَمِيعَ مَا هُوَ مُعَدٌّ لِلْخُرُوجِ فَلَا يَتَنَجَّسُ الْكَفَنُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْغُسْلِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ فَإِنْ فَلَمْ يُوجَدْ الْمَاءُ الْمَغْلِيُّ بِالسِّدْرِ أَوْ بِالْحَرَضِ وَهُوَ الْأُشْنَانُ (يُغَسَّلُ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ) أَيْ الْخَالِصِ، وَأَمَّا إذَا وُجِدَ ذَلِكَ فَالتَّرْتِيبُ مَا ذُكِرَ فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَالْمُحِيطِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ يَبْدَأُ أَوَّلًا بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ حَتَّى يَبْتَلَّ مَا عَلَى الْبَدَنِ مِنْ الدَّرَنِ وَالنَّجَاسَةِ، ثُمَّ بِمَاءِ السِّدْرِ أَوْ الْحَرَضِ لِيَزُولَ مَا عَلَى الْبَدَنِ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّنْظِيفِ، ثُمَّ بِمَاءِ الْكَافُورِ إنْ وُجِدَ تَطْيِيبًا لِبَدَنِ الْمَيِّتِ، كَذَا فَعَلَتْ الْمَلَائِكَةُ بِآدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِينَ غَسَّلُوهُ

(وَيُغْسَلُ رَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ بِالْخِطْمِيِّ) لِيَكُونَ أَنْظَفَ لَهُ. (ثُمَّ يُضْجَعُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ فَيُغْسَلُ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ حَتَّى يُرَى أَنَّ الْمَاءَ قَدْ وَصَلَ إلَى مَا يَلِي التَّخْتَ مِنْهُ، ثُمَّ يُضْجَعُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَيُغْسَلُ حَتَّى يُرَى أَنَّ الْمَاءَ قَدْ وَصَلَ إلَى مَا يَلِي التَّخْتَ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ هُوَ الْبُدَاءَةُ بِالْمَيَامِنِ (ثُمَّ يُجْلِسُهُ وَيُسْنِدُهُ إلَيْهِ وَيَمْسَحُ بَطْنَهُ مَسْحًا رَقِيقًا) تَحَرُّزًا عَنْ تَلْوِيثِ الْكَفَنِ. (فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ غَسَلَهُ وَلَا يُعِيدُ غُسْلَهُ وَلَا وُضُوءَهُ) ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ وَقَدْ حَصَلَ مَرَّةً ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيُغَسَّلُ رَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ بِالْخِطْمِيِّ لِيَكُونَ أَنْظَفَ لَهُ) لِأَنَّهُ مِثْلُ الصَّابُونِ فِي التَّنْظِيفِ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ يُضْجَعُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرَ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ السُّنَّةَ هِيَ الْبُدَاءَةُ بِالْمَيَامِنِ) رُوِيَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلنِّسَاءِ فِي غُسْلِ ابْنَتِهِ: ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا» (ثُمَّ يُجْلِسُهُ وَيُسْنِدُهُ إلَيْهِ وَيَمْسَحُ. بَطْنَهُ. مَسْحًا رَقِيقًا) يَعْنِي بِلَا عُنْفٍ حَتَّى إنْ بَقِيَ عِنْدَ الْمَخْرَجِ شَيْءٌ يَسِيلُ تَحَرُّزًا مِنْ تَلْوِيثِ الْكَفَنِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ «أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا غَسَّلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ بَطْنَهُ بِيَدِهِ رَقِيقًا طَلَبَ مِنْهُ مَا يُطْلَبُ مِنْ الْمَيِّتِ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا فَقَالَ: طِبْت حَيًّا وَمَيِّتًا» وَقَوْلُهُ (فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ غَسَلَهُ) قِيلَ بَعْدَ أَنْ يَمْسَحَهُ لِأَنَّ الْغُسْلَ قَبْلَ الْمَسْحِ رُبَّمَا يُعَدِّيهَا عَنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ (وَلَا يُعِيدُ غُسْلَهُ) رُوِيَ بِضَمِّ الْغَيْنِ وَفَتْحِهَا (وَلَا وُضُوءَهُ لِأَنَّ الْغُسْلَ قَدْ عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ) وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتَّةُ حُقُوقٍ، وَذَكَرَ مِنْهَا الْغُسْلَ بَعْدَ الْمَوْتِ» وَقَدْ حَصَلَ مَرَّةً وَسَقَطَ الْوَاجِبُ فَلَا يُعِيدُهُ، وَأَمَّا الْوُضُوءُ فَلِأَنَّ الْخَارِجَ إنْ كَانَ حَدَثًا فَالْمَوْتُ أَيْضًا حَدَثٌ وَهُوَ لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ فَكَذَا هَذَا الْحَدَثُ، وَالْمَذْكُورُ

(ثُمَّ يُنَشِّفُهُ بِثَوْبٍ) كَيْ لَا تَبْتَلَّ أَكْفَانُهُ (وَيَجْعَلُهُ) أَيْ الْمَيِّتَ (فِي أَكْفَانِهِ وَيَجْعَلُ الْحَنُوطَ عَلَى رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ وَالْكَافُورَ عَلَى مَسَاجِدِهِ) ؛ لِأَنَّ التَّطَيُّبَ سُنَّةٌ وَالْمَسَاجِدُ أَوْلَى بِزِيَادَةِ الْكَرَامَةِ. (وَلَا يُسَرَّحُ شَعْرُ الْمَيِّتِ وَلَا لِحْيَتُهُ وَلَا يُقَصُّ ظُفُرُهُ وَلَا شَعْرُهُ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: عَلَامَ تَنْصُونَ مَيِّتَكُمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْكِتَابِ مِنْ مَسْحِ الْبَطْنِ بَعْدَ الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْغُسْلِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ قَالَ: يُقْعِدُهُ أَوَّلًا وَيَمْسَحُ بَطْنَهُ ثُمَّ يَغْسِلُهُ، لِأَنَّ الْمَسْحَ قَبْلَ الْغُسْلِ أَوْلَى حَتَّى يُخْرِجَ مَا فِي بَطْنِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ فَيَقَعُ الْغُسْلُ ثَلَاثًا بَعْدَ خُرُوجِ النَّجَاسَةِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ النَّجَاسَةَ قَدْ تَكُونُ مُنْعَقِدَةً لَا تَخْرُجُ إلَّا بَعْدَ الْغُسْلِ مَرَّتَيْنِ بِمَاءٍ حَارٍّ، فَكَانَ الْمَسْحُ بَعْدَ الْمَرَّتَيْنِ أَقْدَرَ عَلَى إخْرَاجِ مَا بِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ فَيَكُونُ أَوْلَى. وَاعْلَمْ أَنَّ التَّثْلِيثَ فِي غُسْلِهِ سُنَّةٌ لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ «اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا» وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ: يُغَسَّلُ أَوَّلًا وَهُوَ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ يُغَسَّلُ وَهُوَ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ يُغَسَّلُ وَهُوَ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ لِيَحْصُلَ الْغُسْلُ ثَلَاثًا. وَقَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ: تَرَكَ الْمُصَنِّفُ ذِكْرَ الثَّالِثِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الثَّالِثُ هُوَ قَوْلُهُ ثُمَّ يُفِيضُونَ الْمَاءَ عَلَيْهِ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَيُغَسَّلُ رَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ بِالْخِطْمِيِّ، وَغَسْلُ الرَّأْسِ بَعْدَ الْوُضُوءِ قَبْلَ الْغُسْلِ بِالْإِجْمَاعِ فَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ ثَلَاثًا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْغُسْلَ إجْمَالًا وَمَا بَعْدَهُ تَفْصِيلُهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ مِنْ الْغُسْلِ مَرَّتَيْنِ مُخْتَارَ الْمُصَنِّفِ، وَالتَّثْلِيثُ فِي الصَّبِّ سُنَّةٌ عِنْدَ كُلِّ إضْجَاعٍ وَهَذَا أَنْسَبُ. قِيلَ النِّيَّةُ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ حَتَّى لَوْ أُخْرِجَ الْغَرِيقُ وَجَبَ غُسْلُهُ إلَّا إذَا حُرِّكَ عِنْدَ الْإِخْرَاجِ بِنِيَّةِ الْغُسْلِ، لِأَنَّ الْخِطَابَ بِالْغُسْلِ تَوَجَّهَ عَلَى بَنِي آدَمَ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ شَيْءٌ عِنْدَ عَدَمِ التَّحْرِيكِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمَاءَ مُزِيلٌ بِطَبْعِهِ، فَكَمَا لَا تَجِبُ النِّيَّةُ فِي غُسْلِ الْحَيِّ فَكَذَا لَا تَجِبُ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: مَيِّتٌ غَسَّلَهُ أَهْلُهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْغُسْلِ أَجْزَأَهُمْ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ يُنَشِّفُهُ) ظَاهِرٌ، وَالْحَنُوطُ عِطْرٌ مُرَكَّبٌ مِنْ أَشْيَاءَ طَيِّبَةٍ. وَالْمُرَادُ بِالْمَسَاجِدِ الْجَبْهَةُ وَالْأَنْفُ وَالْيَدَانِ وَالرُّكْبَتَانِ وَالْقَدَمَانِ لِأَنَّهُ كَانَ يَسْجُدُ بِهَذِهِ الْأَعْضَاءِ فَخُصَّ بِزِيَادَةِ الْكَرَامَةِ (قَوْلُهُ وَلَا يُسَرَّحُ شَعْرُ الْمَيِّتِ) تَسْرِيحُ الشَّعْرِ تَخْلِيصُ بَعْضِهِ عَنْ بَعْضٍ، وَقِيلَ تَخْلِيلُهُ بِالْمُشْطِ، وَقِيلَ مَشْطُهُ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يُقَصُّ ظُفْرُهُ) رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الظُّفُرَ إذَا كَانَ مُنْكَسِرًا فَلَا بَأْسَ بِأَخْذِهِ. وَقَوْلُهُ (عَلَامَ) أَصْلُهُ " عَلَى مَا " دَخَلَ حَرْفُ الْجَرِّ عَلَى مَا الِاسْتِفْهَامِيَّة فَأَسْقَطَ أَلِفَهَا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} [النبأ: 1] وَيُقَالُ نَصَوْت الرَّجُلَ نَصْوًا أَخَذْت نَاصِيَتَهُ وَمَدَدْتهَا. رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - سُئِلَتْ عَنْ تَسْرِيحِ شَعْرِ الْمَيِّتِ فَقَالَتْ: عَلَامَ تَنُصُّونَ مَيِّتَكُمْ؟ كَأَنَّهَا

وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لِلزِّينَةِ وَقَدْ اسْتَغْنَى الْمَيِّتُ عَنْهَا، وَفِي الْحَيِّ كَانَ تَنْظِيفًا لِاجْتِمَاعِ الْوَسَخِ تَحْتَهُ وَصَارَ كَالْخِتَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَرِهَتْ تَسْرِيحَ رَأْسِ الْمَيِّتِ فَجَعَلَتْهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَخْذِ بِالنَّاصِيَةِ فِي كَوْنِهِ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ. قَالَ: وَفِي النِّهَايَةِ: قَوْلُهُ فِي الْحَيِّ كَانَ تَنْظِيفًا جَوَابُ إشْكَالٍ: أَيْ لَا يُشْكِلُ عَلَيْنَا الْحَيُّ حَيْثُ يُسَرَّحُ شَعْرُهُ وَيُقَصُّ ظُفُرُهُ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى الزِّينَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ زَوَالُ الْجُزْءِ، بِخِلَافِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ لَا يُسَنُّ فِيهِ إزَالَةُ الْجُزْءِ كَمَا فِي الْخِتَانِ حَيْثُ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ فِيهِ. بِأَنْ يُخْتَنَ الْحَيُّ وَلَا يُخْتَنَ الْمَيِّتُ بِالِاتِّفَاقِ، فَكَذَا فِي كُلِّ زِينَةٍ تَتَضَمَّنُ إبَانَةَ الْجُزْءِ يَجِبُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ أَجِدْ لَهُ رَبْطًا بِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَصْلًا وَلَكِنِّي أَقُولُ قَوْلَهُ (وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لِلزِّينَةِ) أَيْ لِزِينَةِ الْمَيِّتِ (وَقَدْ اسْتَغْنَى الْمَيِّتُ عَنْهَا) أَيْ عَنْ الزِّينَةِ فَاسْتَغْنَى عَنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لِزِينَةِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهَا تُفْعَلُ بِالْحَيِّ أَيْضًا. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَفِي الْحَيِّ كَانَ تَنْظِيفًا) يَعْنِي مَا كَانَتْ تُعْمَلُ بِالْحَيِّ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا زِينَةٌ بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَنْظِيفٌ (لِاجْتِمَاعِ الْوَسَخِ تَحْتَهُ) وَذِكْرُ الضَّمِيرِ فِي تَحْتِهِ بِتَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ. بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: هَبْ أَنَّهُ كَانَ فِي الْحَيِّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْظِيفًا لَكِنَّ الْمَيِّتَ أَيْضًا مُحْتَاجٌ إلَى التَّنْظِيفِ وَلِهَذَا قَالَ وَيُغْلَى الْمَاءُ بِالسِّدْرِ أَوْ بِالْحَرَضِ مُبَالَغَةً فِي التَّنْظِيفِ وَيُغَسَّلُ رَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ بِالْخِطْمِيِّ لِيَكُونَ أَنْظَفَ فَلْيُعْمَلْ بِهِ مِنْ حَيْثُ التَّنْظِيفُ. يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ تَنْظِيفٌ بِإِبَانَةِ جُزْءٍ وَذَلِكَ فِي الْمَيِّتِ غَيْرُ مَسْنُونٍ كَمَا فِي الْخِتَانِ، هَذَا مَا سَنَحَ لِي فِي حَلِّ هَذَا الْمَقَامِ.

[فصل صفة التكفين]

فَصْلٌ فِي تَكْفِينِهِ: (السُّنَّةُ أَنْ يُكَفَّنَ الرَّجُلُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ إزَارٍ وَقَمِيصٍ وَلِفَافَةٍ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كُفِّنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ صفة التَّكْفِين] فَصْلٌ فِي التَّكْفِينِ) رَتَّبَ هَذِهِ الْفُصُولَ عَلَى حَسَبِ تَرْتِيبِ مَا فِيهَا مِنْ الْأَفْعَالِ. تَكْفِينُ الْمَيِّتِ: لَفُّهُ بِالْكَفَنِ، وَهُوَ وَاجِبٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ تَقْدِيمُهُ عَلَى الدَّيْنِ وَالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ وَلِذَلِكَ قَالُوا: مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَكَفَنُهُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ كَمَا تَلْزَمُهُ كِسْوَتُهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ. وَقَوْلُهُ (السُّنَّةُ أَنْ يُكَفَّنَ) يَعْنِي تَكْفِينُهُ (فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ) سُنَّةٌ، وَذَلِكَ لَا يُنَافِي كَوْنَ أَصْلِ التَّكْفِينِ وَاجِبًا؛ ثُمَّ التَّكْفِينُ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ كُفِّنَ بِمَا وُجِدَ، لِمَا رُوِيَ «أَنَّ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ صَاحِبَ رَايَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ نَمِرَةً وَهِيَ كِسَاءٌ فِيهِ خُطُوطٌ بِيضٌ وَسُودٌ فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ فَأَمَرَ بِأَنْ يُكَفَّنَ فِيهَا» وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَهُوَ عَلَى نَوْعَيْنِ: كَفَنُ سُنَّةٍ وَهُوَ فِي حَقِّ الرِّجَالِ ثَلَاثَةُ (أَثْوَابٍ: إزَارٌ، وَقَمِيصٌ، وَلِفَافَةٌ) لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ. وَالسَّحُولِيَّةُ

فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ» وَلِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا يَلْبَسُهُ عَادَةً فِي حَيَاتِهِ فَكَذَا بَعْدَ مَمَاتِهِ (فَإِنْ اقْتَصَرُوا عَلَى ثَوْبَيْنِ جَازَ، وَالثَّوْبَانِ إزَارٌ وَلِفَافَةٌ) وَهَذَا كَفَنُ الْكِفَايَةِ لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ: اغْسِلُوا ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ وَكَفِّنُونِي فِيهِمَا، وَلِأَنَّهُ أَدْنَى لِبَاسِ ـــــــــــــــــــــــــــــQنِسْبَةٌ إلَى سُحُولٍ بِفَتْحِ السِّينِ. وَعَنْ الْأَزْهَرِيِّ بِالضَّمِّ: وَهِيَ قَرْيَةٌ بِالْيَمَنِ. وَفِي حَقِّ النِّسَاءِ خَمْسَةُ أَثْوَابٍ: إزَارٌ، وَدِرْعٌ،

الْأَحْيَاءِ، وَالْإِزَارُ مِنْ الْقَرْنِ إلَى الْقَدَمِ، وَاللِّفَافَةُ كَذَلِكَ، وَالْقَمِيصُ مِنْ أَصْلِ الْعُنُقِ إلَى الْقَدَمِ (فَإِذَا أَرَادُوا لَفَّ الْكَفَنِ ابْتَدَءُوا بِجَانِبِهِ الْأَيْسَرِ فَلَفُّوهُ عَلَيْهِ ثُمَّ بِالْأَيْمَنِ) كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ، وَبَسْطُهُ أَنْ تُبْسَطَ اللِّفَافَةُ أَوَّلًا ثُمَّ يُبْسَطَ عَلَيْهَا الْإِزَارُ ثُمَّ يُقَمَّصَ الْمَيِّتُ وَيُوضَعَ عَلَى الْإِزَارِ ثُمَّ يُعْطَفَ الْإِزَارُ مِنْ قِبَلِ الْيَسَارِ ثُمَّ مِنْ قِبَلِ الْيَمِينِ، ثُمَّ اللِّفَافَةُ كَذَلِكَ (وَإِنْ خَافُوا أَنْ يَنْتَشِرَ الْكَفَنُ عَنْهُ عَقَدُوهُ بِخِرْقَةٍ) صِيَانَةً عَنْ الْكَشْفِ. (وَتُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ دِرْعٍ وَإِزَارٍ وَخِمَارٍ وَلِفَافَةٍ وَخِرْقَةٍ تُرْبَطُ فَوْقَ ثَدْيَيْهَا) لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى اللَّوَاتِي غَسَّلْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَخِمَارٌ وَلِفَافَةٌ، وَخِرْقَةٌ تُرْبَطُ فَوْقَ ثَدْيَيْهَا. وَكَفَنُ كِفَايَةٍ. وَهُوَ فِي حَقِّ الرَّجُلِ ثَوْبَانِ: إزَارٌ، وَلِفَافَةٌ. وَفِي حَقِّ الْمَرْأَةِ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ: قَمِيصٌ، وَإِزَارٌ، وَخِمَارٌ. وَمَا فِي الْكِتَابِ وَاضِحٌ.

[فصل في الصلاة على الميت]

ابْنَتَهُ خَمْسَةَ أَثْوَابٍ» وَلِأَنَّهَا تَخْرُجُ فِيهَا حَالَةَ الْحَيَاةِ فَكَذَا بَعْدَ الْمَمَاتِ. (ثُمَّ هَذَا بَيَانُ كَفَنِ السُّنَّةِ، وَإِنْ اقْتَصَرُوا عَلَى ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ جَازَ) وَهِيَ ثَوْبَانِ وَخِمَارٌ (وَهُوَ كَفَنُ الْكِفَايَةِ، وَيُكْرَهُ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ. وَفِي الرَّجُلِ يُكْرَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى ثَوْبٍ وَاحِدٍ إلَّا فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ) لِأَنَّ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ اُسْتُشْهِدَ كُفِّنَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَهَذَا كَفَنُ الضَّرُورَةِ (وَتَلْبَسُ الْمَرْأَةُ الدِّرْعَ أَوَّلًا ثُمَّ يُجْعَلُ شَعْرُهَا ضَفِيرَتَيْنِ عَلَى صَدْرِهَا فَوْقَ الدِّرْعِ، ثُمَّ الْخِمَارُ فَوْقَ ذَلِكَ تَحْتَ الْإِزَارِ، ثُمَّ الْإِزَارُ ثُمَّ اللِّفَافَةُ. قَالَ: وَتُجْمَرُ الْأَكْفَانُ قَبْلَ أَنْ يُدْرَجَ فِيهَا وِتْرًا) «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِإِجْمَارِ أَكْفَانِ ابْنَتِهِ وِتْرًا» ، وَالْإِجْمَارُ هُوَ التَّطْيِيبُ، فَإِذَا فَرَغُوا مِنْهُ صَلَّوْا عَلَيْهِ لِأَنَّهَا فَرِيضَةٌ. [فَصْلٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ] ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ) الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ فَرْضُ كِفَايَةٍ، أَمَّا فَرْضِيَّتُهُ فَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ " {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] وَالْأَمْرُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْوُجُوبِ وَعَلَى ذَلِكَ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ، وَأَمَّا أَنَّهَا عَلَى الْكِفَايَةِ فَلِأَنَّ فِي الْإِيجَابِ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ اسْتِحَالَةً أَوْ حَرَجًا

(وَأَوْلَى النَّاسِ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ السُّلْطَانُ إنْ حَضَرَ) لِأَنَّ فِي التَّقَدُّمِ عَلَيْهِ ازْدِرَاءٌ بِهِ (فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ فَالْقَاضِي) لِأَنَّهُ صَاحِبُ وِلَايَةٍ (فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ فَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ إمَامِ الْحَيِّ) لِأَنَّهُ رَضِيَهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ. قَالَ (ثُمَّ الْوَلِيُّ وَالْأَوْلِيَاءُ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ فِي النِّكَاحِ) ،. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَاكْتُفِيَ بِالْبَعْضِ كَمَا فِي الْجِهَادِ. رَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ وَهُوَ الْخَلِيفَةُ أَوْلَى إنْ حَضَرَ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ فَإِمَامُ الْمِصْرِ أَوْلَى إنْ حَضَرَ، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ فَالْقَاضِي أَوْلَى، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ فَصَاحِبُ الشُّرْطَةِ أَوْلَى. فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ فَإِمَامُ الْحَيِّ، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ فَالْأَقْرَبُ مِنْ ذَوِي قَرَابَتِهِ. وَبِهَذِهِ الرِّوَايَةِ أَخَذَ كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا. وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ السُّلْطَانِ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ إنْ حَضَرَ، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ فَإِمَامُ الْمِصْرِ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ الْوَلِيُّ) إنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَالْوَلِيُّ أَوْلَى بِالصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأحزاب: 6] وَلَهُمَا أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَمَّا مَاتَ خَرَجَ الْحُسَيْنُ وَالنَّاسُ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ، فَقَدَّمَ الْحُسَيْنُ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ، وَكَانَ سَعِيدٌ يَوْمَئِذٍ وَالِيًا بِالْمَدِينَةِ فَأَبَى أَنْ يَتَقَدَّمَ، فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ: تَقَدَّمْ، وَلَوْلَا السُّنَّةُ مَا قَدَّمْتُك ". وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْمَوَارِيثِ وَعَلَى وِلَايَةِ الْمُنَاكَحَةِ. وَقَوْلُهُ (وَالْأَوْلِيَاءُ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ فِي النِّكَاحِ) يَقْتَضِي أَنْ يَتَقَدَّمَ الِابْنُ عَلَى الْأَبِ. وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّ الْأَبَ

(فَإِنْ صَلَّى غَيْرُ الْوَلِيِّ أَوْ السُّلْطَانِ أَعَادَ الْوَلِيُّ) يَعْنِي إنْ شَاءَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْحَقَّ لِلْأَوْلِيَاءِ (وَإِنْ صَلَّى الْوَلِيُّ لَمْ يَجُزْ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْلَى، فَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَالِابْنُ أَوْلَى، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْوِلَايَةُ لَهُمَا إلَّا أَنَّهُ يُقَدَّمُ الْأَبُ احْتِرَامًا لَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا بَلْ مَا ذَكَرَهُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَنَّ الْأَبَ أَوْلَى قَوْلُ الْكُلِّ لِأَنَّ لِلْأَبِ زِيَادَةَ فَضِيلَةٍ وَسِنٍّ لَيْسَتْ لِلِابْنِ، وَلِلْفَضِيلَةِ أَثَرٌ فِي اسْتِحْقَاقِ الْإِمَامَةِ فَيُرَجَّحُ الْأَبُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَعَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ. قَوْلُهُ (وَالْأَوْلِيَاءُ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ فِي النِّكَاحِ) مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْأَبِ وَالِابْنِ فَبَنُو الْأَعْيَانِ يَحْجُبُونَ بَنِي الْعِلَّاتِ وَالْأَكْبَرُ سِنًّا يَحْجُبُ الْأَصْغَرَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِتَقْدِيمِ الْأَسَنِّ» فَإِنْ أَرَادَ الْأَكْبَرُ مِنْ الْأَعْيَانِ أَنْ يُقَدِّمَ إنْسَانًا آخَرَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَا الْآخَرِ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقَرَابَةِ، وَإِنْ أَرَادَ بَنُو الْأَعْيَانِ تَقْدِيمَ إنْسَانٍ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ بَنِي الْعِلَّاتِ مَنْعُهُ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ مَعَ وُجُودِهِمْ، وَابْنُ عَمِّ الْمَرْأَةِ أَحَقُّ مِنْ زَوْجِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهَا ابْنٌ لِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ بِمَوْتِهَا وَالْتِحَاقِهِ بِالْأَجَانِبِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ فَهُوَ أَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ لِلِابْنِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، ثُمَّ الِابْنُ يُقَدِّمُ أَبَاهُ احْتِرَامًا لَهُ فَيَثْبُتُ لِلزَّوْجِ حَقُّ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. قَالَ الْقُدُورِيُّ: وَسَائِرُ الْقَرَابَاتِ أَوْلَى مِنْ الزَّوْجِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الزَّوْجُ أَوْلَى لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ صَلَّى عَلَى امْرَأَتِهِ وَقَالَ: أَنَا أَحَقُّ بِهَا ". وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ لَمَّا مَاتَتْ امْرَأَتُهُ قَالَ لِأَوْلِيَائِهَا: كُنَّا أَحَقَّ بِهَا حِينَ كَانَتْ حَيَّةً، فَإِذَا مَاتَتْ فَأَنْتُمْ أَحَقُّ بِهَا ". وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ إمَامَ حَيٍّ (فَإِنْ صَلَّى غَيْرُ الْوَلِيِّ أَوْ السُّلْطَانِ أَعَادَ الْوَلِيُّ) وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِذِكْرِ السُّلْطَانِ، لِأَنَّهُ لَوْ صَلَّى السُّلْطَانُ فَلَا إعَادَةَ لِأَحَدٍ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُقَدَّمُ عَلَى الْوَلِيِّ، ثُمَّ هُوَ لَيْسَ بِمُنْحَصِرٍ عَلَى السُّلْطَانِ، بَلْ كُلُّ مَنْ كَانَ مُقَدَّمًا عَلَى الْوَلِيِّ فِي تَرْتِيبِ الْإِمَامَةِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَصَلَّى هُوَ لَا يُعِيدُ الْوَلِيُّ ثَانِيًا قَالَ الْإِمَامُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ: رَجُلٌ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ وَالْوَلِيُّ

لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهُ) لِأَنَّ الْفَرْضَ يَتَأَدَّى بِالْأَوْلَى وَالتَّنَفُّلَ بِهَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَلِهَذَا رَأَيْنَا النَّاسَ تَرَكُوا عَنْ آخِرِهِمْ الصَّلَاةَ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ الْيَوْمَ كَمَا وُضِعَ. (وَإِنْ دُفِنَ الْمَيِّتُ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQخَلْفَهُ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ، إنْ تَابَعَهُ وَصَلَّى مَعَهُ لَا يُعِيدُ لِأَنَّهُ صَلَّى مَرَّةً، وَإِنْ لَمْ يُتَابِعْهُ فَإِنْ كَانَ الْمُصَلِّي السُّلْطَانَ أَوْ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ فِي الْبَلْدَةِ أَوْ الْقَاضِيَ أَوْ الْوَالِيَ. عَلَى الْبَلْدَةِ. أَوْ إمَامَ حَيٍّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيدَ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ هُمْ الْأَوْلَوْنَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُمْ. فَلَهُ الْإِعَادَةُ. وَكَذَا ذَكَرَ فِي التَّجْنِيسِ وَالْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ إعَادَةَ الْوَلِيِّ إذَا لَمْ يُصَلِّهَا وَلَمْ يَذْكُرْ إعَادَةَ السُّلْطَانِ إذَا لَمْ يُصَلِّهَا، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ فِي وِلَايَةِ الْإِعَادَةِ كَحُكْمِ الْوَلِيِّ لِمَا أَنَّهُ مُقَدَّمٌ فِي حَقِّ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ عَلَى الْوَلِيِّ، فَلَمَّا ثَبَتَ حَقُّ الْإِعَادَةِ لِلْأَدْوَنِ فَلَأَنْ يَثْبُتَ لِلْأَعْلَى مِنْهُ أَوْلَى، وَقَالَ: قَدْ وَجَدْت رِوَايَةً فِي نَوَادِرِ الصَّلَاةِ تَشْهَدُ بِمَا ذُكِرَ، وَقَالَ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ صَلَّى الْوَلِيُّ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهُ تَخْصِيصُ الْوَلِيِّ لَيْسَ بِقَيْدٍ لِمَا أَنَّهُ لَوْ صَلَّى السُّلْطَانُ أَوْ غَيْرُهُ مِمَّنْ هُوَ أَوْلَى. مِنْ الْوَلِيِّ. فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ مِمَّنْ ذَكَرْنَا لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهُ أَيْضًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ رِوَايَةِ الْوَلْوَالِجِيِّ وَالتَّجْنِيسِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهُ مَذْهَبُنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُعَادُ الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِقَبْرٍ جَدِيدٍ فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقِيلَ قَبْرُ فُلَانَةَ، فَقَالَ: هَلَّا آذَنْتُمُونِي بِالصَّلَاةِ؟ فَقِيلَ إنَّهَا دُفِنَتْ لَيْلًا فَخَشِينَا عَلَيْك هَوَامَّ الْأَرْضِ فَقَامَ وَصَلَّى عَلَى قَبْرِهَا» «وَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. صَلَّى عَلَيْهِ. أَصْحَابُهُ فَوْجًا بَعْدَ فَوْجٍ» . وَلَنَا مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَقَوْلُهُ (وَهُوَ الْيَوْمَ كَمَا وُضِعَ) لِأَنَّ لُحُومَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَرَامٌ عَلَى الْأَرْضِ بِهِ وَرَدَ الْأَثَرُ

صُلِّيَ عَلَى قَبْرِهِ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى عَلَى قَبْرِ امْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ (وَيُصَلَّى عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَسَّخَ) وَالْمُعْتَبَرُ فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَكْبَرُ الرَّأْيِ هُوَ الصَّحِيحُ لِاخْتِلَافِ الْحَالِ وَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ. (وَالصَّلَاةُ أَنْ يُكَبِّرَ تَكْبِيرَةً يَحْمَدُ اللَّهَ عَقِيبَهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنَّمَا صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ الْحَقَّ كَانَ لَهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ وِلَايَةُ الْإِسْقَاطِ، وَهَكَذَا تَأْوِيلُ فِعْلِ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ مَشْغُولًا بِتَسْوِيَةِ الْأُمُورِ وَتَسْكِينِ الْفِتْنَةِ فَكَانُوا يُصَلُّونَ عَلَيْهِ قَبْلَ حُضُورِهِ، وَكَانَ الْحَقُّ لَهُ لِأَنَّهُ هُوَ الْخَلِيفَةُ، فَلَمَّا فَرَغَ صَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ أَحَدٌ بَعْدَهُ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. وَقَوْلُهُ (صَلَّى عَلَى قَبْرِهِ) يَعْنِي إذَا وُضِعَ اللَّبِنُ عَلَى اللَّحْدِ وَأُهِيلَ التُّرَابُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُوضَعْ اللَّبِنُ عَلَى اللَّحْدِ أَوْ وُضِعَ وَلَكِنْ لَمْ يُهَلْ التُّرَابُ عَلَيْهِ يُخْرَجُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّ التَّسْنِيمَ لَمْ يَتِمَّ بَعْدُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ (وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي عَدَمِ التَّفَسُّخِ. وَقَوْلُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَى الْمَيِّتِ فِي الْقَبْرِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ وَبَعْدَهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ رُسْتُمَ فِي نَوَادِرِهِ، عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِتَقْدِيرٍ لَازِمٍ، لِأَنَّ تَفَرُّقَ الْأَجْزَاءِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْمَيِّتِ مِنْ السِّمَنِ وَالْهُزَالِ، وَبِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَبِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ مِنْ الصَّلَابَةِ وَالرَّخَاوَةِ، وَاَلَّذِي رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ بَعْدَ ثَمَانِ سِنِينَ» مَعْنَاهُ دَعَا لَهُمْ وَهُوَ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ. وَقِيلَ: إنَّهُمْ كَانُوا كَمَا دُفِنُوا لَمْ تَتَفَرَّقْ أَعْضَاؤُهُمْ، وَإِذَا كَانَ أَكْثَرُ الرَّأْيِ هُوَ الْمُعْتَبَرَ، فَإِنْ كَانَ فِي أَكْثَرِ رَأْيِهِمْ أَنَّ أَجْزَاءَ الْمَيِّتِ تَفَرَّقَتْ قَبْلَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يُصَلُّونَ عَلَيْهِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ أَنَّهَا لَمْ تَتَفَرَّقْ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يُصَلَّى عَلَيْهِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. قَالَ (وَالصَّلَاةُ أَنْ يُكَبِّرَ تَكْبِيرَةً) الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ (يَحْمَدُ اللَّهَ عَقِبَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى) وَلَمْ يُعَيِّنْ نَوْعًا مِنْ الثَّنَاءِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّهُ يَقُولُ فِيهَا: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ إلَخْ كَمَا مَرَّ

ثُمَّ يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً يُصَلِّي فِيهَا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً يَدْعُو فِيهَا لِنَفْسِهِ وَلِلْمَيِّتِ وَلِلْمُسْلِمِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي هَذَا بَعْدَ التَّحْرِيمِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَحْمَدُ اللَّهَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَقُولُ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك إلَخْ كَمَا فِي الصَّلَاةِ الْمَعْهُودَةِ. وَأَرَى أَنَّهُ مُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَالْبُدَاءَةُ بِالثَّنَاءِ، فَإِنَّ الْمَعْهُودَ مِنْ الثَّنَاءِ ذَلِكَ وَلَا يَرْفَعُ يَدَهُ فِي التَّكْبِيرَاتِ إلَّا عِنْدَ الِافْتِتَاحِ (ثُمَّ يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً ثَانِيَةً يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لِأَنَّ الثَّنَاءَ عَلَى اللَّهِ يَعْقُبُهُ الصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي التَّشَهُّدِ وَعَلَى ذَلِكَ وُضِعَتْ الْخُطَبُ (ثُمَّ يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً ثَالِثَةً يَدْعُو فِيهَا لِنَفْسِهِ وَلِلْمَيِّتِ وَلِلْمُسْلِمِينَ) يَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا إنْ كَانَ يُحْسِنُ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَيَأْتِي بِأَيِّ دُعَاءٍ شَاءَ لِأَنَّ الثَّنَاءَ عَلَى اللَّهِ وَالصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْقُبُهُمَا الدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَارُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَدْعُوَ فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَلْيُصَلِّ

ثُمَّ يُكَبِّرُ الرَّابِعَةَ وَيُسَلِّمُ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَبَّرَ أَرْبَعًا فِي آخِرِ صَلَاةٍ صَلَّاهَا فَنَسَخَتْ مَا قَبْلَهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى النَّبِيِّ ثُمَّ يَدْعُو» (ثُمَّ يُكَبِّرُ الرَّابِعَةَ وَيُسَلِّمُ، «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَبَّرَ أَرْبَعًا فِي آخِرِ صَلَاةٍ صَلَّاهَا» فَنَسَخَتْ مَا قَبْلَهَا) فَكَانَ مَا بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ أَوْ أَنَّ التَّحَلُّلَ وَذَلِكَ بِالسَّلَامِ، وَلَيْسَ بَعْدَهَا دُعَاءٌ إلَّا السَّلَامُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَاخْتَارَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنْ يُقَالَ: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا بِرَحْمَتِك عَذَابَ الْقَبْرِ وَعَذَابَ النَّارِ

(وَلَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ خَمْسًا لَمْ يُتَابِعْهُ الْمُؤْتَمُّ) خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ لِمَا رَوَيْنَا، وَيَنْتَظِرُ تَسْلِيمَةَ الْإِمَامِ فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ الْمُخْتَارُ. وَالْإِتْيَانُ بِالدَّعَوَاتِ اسْتِغْفَارٌ لِلْمَيِّتِ وَالْبُدَاءَةُ بِالثَّنَاءِ ثُمَّ بِالصَّلَاةِ سُنَّةِ الدُّعَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبَعْضُهُمْ أَنْ يَقُولَ: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران: 8] الْآيَةَ. (وَلَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ خَمْسًا لَمْ يُتَابِعْهُ الْمُقْتَدِي) فِي الْخَامِسَةِ لِكَوْنِهَا مَنْسُوخَةً بِمَا رَوَيْنَا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَبَّرَ أَرْبَعًا فِي آخِرِ صَلَاةٍ صَلَّاهَا» . وَقَالَ زُفَرُ: يُتَابِعُهُ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَبَّرَ خَمْسًا فَتَابَعَهُ الْمُقْتَدِي كَمَا فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ. قُلْنَا: ثَبَتَ أَنَّ الصَّحَابَةَ تَشَاوَرُوا وَرَجَعُوا إلَى آخِرِ صَلَاةٍ صَلَّاهَا فَصَارَ ذَلِكَ مَنْسُوخًا بِإِجْمَاعِهِمْ، وَمُتَابَعَةُ الْمَنْسُوخِ خَطَأٌ، وَإِذَا لَمْ يُتَابِعْهُ مَاذَا يَصْنَعُ؟ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يُسَلِّمُ لِلْحَالِ تَحْقِيقًا لِلْمُخَالَفَةِ، وَفِي أُخْرَى: يَنْتَظِرُ تَسْلِيمَ الْإِمَامِ لِيَصِيرَ مُتَابَعًا فِيمَا تَجِبُ الْمُتَابَعَةُ فِيهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهُوَ الْمُخْتَارُ) . وَقَوْلُهُ (وَالْإِتْيَانُ بِالدَّعَوَاتِ) يَعْنِي بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الثَّالِثَةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الدُّعَاءُ (وَالْبُدَاءَةُ بِالثَّنَاءِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُنَّةُ الدُّعَاءِ) تَحْصِيلًا لِلْإِجَابَةِ،

وَلَا يَسْتَغْفِرُ لِلصَّبِيِّ وَلَكِنْ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا فَرْطًا، وَاجْعَلْهُ لَنَا أَجْرًا وَذُخْرًا، وَاجْعَلْهُ لَنَا شَافِعًا مُشَفَّعًا. (وَلَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ تَكْبِيرَةً أَوْ تَكْبِيرَتَيْنِ لَا يُكَبِّرُ الْآتِي حَتَّى يُكَبِّرَ أُخْرَى بَعْدَ حُضُورِهِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُكَبِّرُ حِينَ يَحْضُرُ لِأَنَّ الْأُولَى لِلِافْتِتَاحِ، وَالْمَسْبُوقُ يَأْتِي بِهِ. وَلَهُمَا أَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ قَائِمَةٌ مَقَامَ رَكْعَةٍ، وَالْمَسْبُوقُ لَا يَبْتَدِئُ بِمَا فَاتَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّهُ رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا فَعَلَ هَكَذَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اُدْعُ فَقَدْ اُسْتُجِيبَ لَك» (وَ) عَلَى هَذَا (لَا يُسْتَغْفَرُ لِلصَّبِيِّ) لِأَنَّهُ لَا ذَنْبَ لَهُ (وَلَكِنْ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا فَرَطًا) أَيْ أَجْرًا يَتَقَدَّمُنَا، وَأَصْلُ الْفَرَطِ فِيمَنْ يَتَقَدَّمُ الْوَارِدَةَ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ» أَيْ مُتَقَدِّمُكُمْ (وَاجْعَلْهُ لَنَا ذُخْرًا) أَيْ خَيْرًا بَاقِيًا (وَاجْعَلْهُ لَنَا شَافِعًا مُشَفَّعًا) أَيْ مَقْبُولَ الشَّفَاعَةِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ تَكْبِيرَةً أَوْ تَكْبِيرَتَيْنِ) ظَاهِرٌ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحَاضِرَ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَالْمَسْبُوقِ، وَالْمَسْبُوقُ يَأْتِي بِتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ إذَا انْتَهَى إلَى الْإِمَامِ فَكَذَا هَذَا، وَعِنْدَهُمَا وَإِنْ كَانَ كَالْمَسْبُوقِ لَكِنْ لِكُلِّ تَكْبِيرَةٍ بِمَنْزِلَةِ رَكْعَةٍ مِنْ الصَّلَاةِ وَلِهَذَا قِيلَ أَرْبَعٌ كَأَرْبَعِ الظُّهْرِ (وَالْمَسْبُوقُ لَا يَبْتَدِئُ بِمَا فَاتَهُ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ) فَيَنْتَظِرُ حَتَّى يُكَبِّرَ الْإِمَامُ فَيُكَبِّرُ مَعَهُ فَتَكُونُ هَذِهِ التَّكْبِيرَةُ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ فِي حَقِّ هَذَا الرَّجُلِ فَيَصِيرُ مَسْبُوقًا بِمَا فَاتَهُ مِنْ تَكْبِيرَةٍ أَوْ تَكْبِيرَتَيْنِ يَأْتِي. بِهِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ،

إذْ هُوَ مَنْسُوخٌ، وَلَوْ كَانَ حَاضِرًا فَلَمْ يُكَبِّرْ مَعَ الْإِمَامِ لَا يَنْتَظِرُ الثَّانِيَةَ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُدْرِكِ. قَالَ (وَيَقُومُ الَّذِي يُصَلِّي عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِحِذَاءِ الصَّدْرِ) لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْقَلْبِ وَفِيهِ نُورُ الْإِيمَانِ فَيَكُونُ الْقِيَامُ عِنْدَهُ إشَارَةً إلَى الشَّفَاعَةِ لِإِيمَانِهِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَقُومُ مِنْ الرَّجُلِ بِحِذَاءِ رَأْسِهِ وَمِنْ الْمَرْأَةِ بِحِذَاءِ وَسَطِهَا لِأَنَّ أَنَسًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَعَلَ كَذَلِكَ وَقَالَ: هُوَ السُّنَّةُ. قُلْنَا تَأْوِيلُهُ أَنَّ جِنَازَتَهَا لَمْ تَكُنْ مَنْعُوشَةً فَحَالَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمْ. (فَإِنْ صَلَّوْا عَلَى جِنَازَةٍ رُكْبَانًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَوْلُهُ (إذْ هُوَ) أَيْ الِابْتِدَاءُ بِمَا فَاتَهُ قَبْلَ أَدَاءِ مَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ (مَنْسُوخٌ) وَقَوْلُهُ (وَلَوْ كَانَ حَاضِرًا) أَيْ الَّذِي فَاتَتْهُ التَّكْبِيرَةُ (لَا يَنْتَظِرُ الثَّانِيَةَ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُدْرِكِ) لِتِلْكَ التَّكْبِيرَةِ ضَرُورَةَ الْعَجْزِ عَنْ الْمُقَارَنَةِ. وَشَرْطُ قَضَاءِ التَّكْبِيرِ الْفَائِتِ أَنْ لَا تُرْفَعَ الْجِنَازَةُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَجُوزُ بَعْدَ رَفْعِهَا. وَفَائِدَةُ هَذَا الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ، فَإِنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ يُكَبِّرُ الْمَسْبُوقُ قَبْلَ أَنْ تُرْفَعَ الْجِنَازَةُ لِأَنَّهُ صَارَ مَسْبُوقًا بِهَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُسَلِّمُ مَعَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مَسْبُوقًا بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ كَبَّرَ عِنْدَ الدُّخُولِ، وَلَوْ كَانَ مَسْبُوقًا بِأَرْبَعِ تَكْبِيرَاتٍ وَجَاءَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ الْإِمَامُ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلصَّلَاةِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ لَوْ كَبَّرَ صَارَ مُشْتَغِلًا بِقَضَاءِ مَا سَبَقَ بِهِ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ، وَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ فَاتَتْهُ الْجِنَازَةُ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُكَبِّرُ وَيَشْرَعُ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ ثُمَّ يَأْتِي بِالتَّكْبِيرَاتِ بَعْدَمَا سَلَّمَ قَبْلَ أَنْ تُرْفَعَ الْجِنَازَةُ. قَالَ (وَيَقُومُ الَّذِي يُصَلِّي عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِحِذَاءِ الصَّدْرِ)

أَجْزَأَهُمْ) فِي الْقِيَاسِ لِأَنَّهَا دُعَاءٌ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: لَا تُجْزِئُهُمْ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مِنْ وَجْهٍ لِوُجُودِ التَّحْرِيمَةِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ احْتِيَاطًا (وَلَا بَأْسَ بِالْإِذْنِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ) لِأَنَّ التَّقَدُّمَ حَقُّ الْوَلِيِّ فَيَمْلِكُ إبْطَالَهُ بِتَقْدِيمِ غَيْرِهِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: لَا بَأْسَ بِالْأَذَانِ: أَيْ الْإِعْلَامِ، وَهُوَ أَنْ يُعْلِمَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لِيَقْضُوا حَقَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَالْوَسْطُ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: بِسُكُونِ السِّينِ لِأَنَّهُ اسْمٌ مُبْهَمٌ لِدَاخِلِ الشَّيْءِ وَلِذَا كَانَ ظَرْفًا، يُقَالُ: جَلَسْت وَسْطَ الدَّارِ بِالسُّكُونِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، بِخِلَافِ الْمُتَحَرِّكِ لِأَنَّهُ اسْمٌ لَعَيْنِ مَا بَيْنَ طَرَفَيْ الشَّيْءِ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ، وَالنَّعْشُ شَبَهُ الْمِحَفَّةِ مُشْتَبِكٌ مُطْبِقٌ عَلَى الْمَرْأَةِ إذَا وُضِعَتْ عَلَى الْجِنَازَةِ وَالرُّكْبَانُ جَمْعُ رَاكِبٍ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهَا دُعَاءٌ) يَعْنِي فِي الْحَقِيقَةِ، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا قِرَاءَةٌ وَلَا رُكُوعٌ وَلَا سُجُودٌ فَيَسْقُطُ الْقِيَامُ كَسَائِرِ الْأَرْكَانِ (وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يُجْزِيهِمْ) يَعْنِي تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْإِعَادَةُ لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا بَأْسَ بِالْإِذْنِ) أَيْ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ لِغَيْرِهِ بِالْإِمَامَةِ إذَا حَسُنَ ظَنُّهُ بِشَخْصٍ أَنَّ فِي تَقْدِيمِهِ مَزِيدَ خَيْرٍ وَثَوَابٍ، وَشَفَاعَتَهُ أَرْجَى لَهُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ حَقُّهُ فَجَازَ أَنْ يَأْذَنَ لِغَيْرِهِ. وَقِيلَ مَعْنَاهُ: لَا بَأْسَ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ لِلنَّاسِ بِالِانْصِرَافِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، إذْ لَا يَسَعُهُمْ الِانْصِرَافُ عَنْهَا قَبْلَ الدَّفْنِ إلَّا بِإِذْنِ الْوَلِيِّ. وَقَوْلُهُ (وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ) أَيْ نُسَخِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (بِالْأَذَانِ) أَيْ إعْلَامِ الْأَقَارِبِ وَالْجِيرَانِ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ فَآذِنُونِي بِالصَّلَاةِ» أَيْ أَعْلِمُونِي، وَقَدْ اسْتَحْسَنَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ النِّدَاءَ

(وَلَا يُصَلَّى عَلَى مَيِّتٍ فِي مَسْجِدٍ جَمَاعَةً) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا أَجْرَ لَهُ» ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْأَسْوَاقِ لِلْجِنَازَةِ الَّتِي يَرْغَبُ النَّاسُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهَا كَالزُّهَّادِ وَالْعُلَمَاءِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يُصَلَّى عَلَى مَيِّتٍ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ) إذَا كَانَتْ الْجِنَازَةُ فِي الْمَسْجِدِ، فَالصَّلَاةُ عَلَيْهَا مَكْرُوهَةٌ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَازَةُ وَالْإِمَامُ وَبَعْضُ الْقَوْمِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْبَاقِي فِيهِ لَمْ تُكْرَهْ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَازَةُ وَحْدَهَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُكْرَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِمَا رُوِيَ " أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ أَمَرَتْ عَائِشَةُ بِإِدْخَالِ جِنَازَتِهِ الْمَسْجِدَ حَتَّى صَلَّتْ عَلَيْهَا أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ قَالَتْ لِبَعْضِ مَنْ حَوْلَهَا: هَلْ عَابَ النَّاسُ عَلَيْنَا مَا فَعَلْنَا؟ قَالَ نَعَمْ، فَقَالَتْ: مَا أَسْرَعَ مَا نَسُوا، «مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جِنَازَةِ سُهَيْلِ بْنِ الْبَيْضَاءِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» وَلَنَا مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا أَجْرَ لَهُ»

وَلِأَنَّهُ بُنِيَ لِأَدَاءِ الْمَكْتُوبَاتِ، وَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ، وَفِيمَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَحَدِيثُ عَائِشَةَ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ لِأَنَّ النَّاسَ فِي زَمَانِهَا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ قَدْ عَابُوا عَلَيْهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كَرَاهَةَ ذَلِكَ كَانَتْ مَعْرُوفَةً فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَتَأْوِيلُ صَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جِنَازَةِ سُهَيْلٍ فِي الْمَسْجِدِ أَنَّهُ كَانَ مُعْتَكِفًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَمْ يُمْكِنْهُ الْخُرُوجُ فَأَمَرَ بِالْجِنَازَةِ فَوُضِعَتْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ. وَعِنْدَنَا إذَا كَانَتْ الْجِنَازَةُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لَمْ يُكْرَهْ أَنْ يُصَلِّيَ النَّاسُ عَلَيْهَا فِي الْمَسْجِدِ لِمَا نَذْكُرُهُ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ بُنِيَ لِأَدَاءِ الْمَكْتُوبَاتِ) دَلِيلَانِ مَعْقُولَانِ

(وَمَنْ اسْتَهَلَّ بَعْدَ الْوِلَادَةِ سُمِّيَ وَغُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ صُلِّيَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ» وَلِأَنَّ الِاسْتِهْلَالَ دَلَالَةُ الْحَيَاةِ فَتَحَقَّقَ فِي حَقِّهِ سُنَّةُ الْمَوْتَى (وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ أُدْرِجَ فِي خِرْقَةٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى ذَلِكَ وَقَعَ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْجِنَازَةُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ نَظَرًا إلَيْهِمَا؛ فَمَنْ نَظَرَ إلَى الْأَوَّلِ قَالَ بِالْكَرَاهَةِ وَإِنْ كَانَتْ خَارِجَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ التَّنَفُّلُ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْمَكْتُوبَةِ، وَمَنْ نَظَرَ إلَى الثَّانِي حَكَمَ بِعَدَمِهَا لِأَنَّ الْعِلَّةَ وَهِيَ التَّلْوِيثُ لَمْ تُوجَدْ. فَإِنْ قِيلَ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مُطْلَقٌ فَالتَّعْلِيلُ بِالتَّلْوِيثِ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ وَهُوَ بَاطِلٌ. فَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " فِي الْمَسْجِدِ " يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِلصَّلَاةِ فَكَانَ دَلِيلًا لِلْأَوَّلَيْنِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِلْجِنَازَةِ فَلَا يَكُونُ مُنَافِيًا لِتَعْلِيلِ الْآخَرِينَ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ اسْتَهَلَّ) عَلَى بِنَاءِ الْفَاعِلِ، وَاسْتِهْلَالُ الصَّبِيِّ: أَنْ

كَرَامَةً لِبَنِي آدَمَ (وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ) لِمَا رَوَيْنَا، وَيُغَسَّلُ فِي غَيْرِ الظَّاهِرِ مِنْ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ نَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ. (وَإِذَا سُبِيَ صَبِيٌّ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ وَمَاتَ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُمَا (إلَّا أَنْ يُقِرَّ بِالْإِسْلَامِ وَهُوَ يَعْقِلُ) لِأَنَّهُ صَحَّ إسْلَامُهُ اسْتِحْسَانًا (أَوْ يُسْلِمَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ) لِأَنَّهُ يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا (وَإِنْ لَمْ يُسْبَ مَعَهُ أَحَدُ أَبَوَيْهِ صُلِّيَ عَلَيْهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالْبُكَاءِ عِنْدَ الْوِلَادَةِ. وَذَكَرَ فِي الْإِيضَاحِ: هُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى حَيَاتِهِ مِنْ بُكَاءٍ أَوْ تَحْرِيكِ عُضْوٍ أَوْ طَرْفِ عَيْنٍ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ نَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ) دَلِيلُ غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُ فِي حُكْمِ الْجُزْءِ مِنْ وَجْهٍ وَفِي حُكْمِ النَّفْسِ مِنْ وَجْهٍ فَيُعْطَى حَظًّا مِنْ الشَّبَهَيْنِ، فَلِاعْتِبَارِهِ بِالنُّفُوسِ يُغَسَّلُ وَلِاعْتِبَارِهِ بِالْأَجْزَاءِ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا سُبِيَ صَبِيٌّ) يَعْنِي إذَا سُبِيَ صَبِيٌّ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ (مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ) أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ (فَمَاتَ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ كَافِرٌ تَبَعًا لِلْأَبَوَيْنِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَدُ يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا» فَإِنَّ فِيهِ دَلَالَةً ظَاهِرَةً عَلَى مُتَابَعَةِ الْوَلَدِ لِلْأَبَوَيْنِ (إلَّا أَنْ يُقِرَّ بِالْإِسْلَامِ وَهُوَ يَعْقِلُ) صِفَةُ الْإِسْلَامِ الْمَذْكُورَةِ فِي «حَدِيثِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ مِنْ اللَّهِ» وَقِيلَ مَعْنَاهُ: يَعْقِلُ الْمَنَافِعَ وَالْمَضَارَّ، وَإِنَّ الْإِسْلَامَ هُدًى وَاتِّبَاعَهُ خَيْرٌ، وَالْكُفْرَ ضَلَالَةٌ وَاتِّبَاعَهُ شَرٌّ (لِأَنَّهُ صَحَّ إسْلَامُهُ اسْتِحْسَانًا) وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ قِيَاسًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ. وَقَوْلُهُ (أَوْ يُسَلِّمُ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ؛ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِالْإِسْلَامِ وَهُوَ يَعْقِلُ أَوْ يُسْلِمُ (أَحَدُ أَبَوَيْهِ) صَحَّ إسْلَامُهُ لِمَا رَوَيْنَا، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي صَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ ظَهَرَتْ تَبَعِيَّةُ الدَّارِ فَحُكِمَ بِإِسْلَامِهِ كَمَا فِي اللَّقِيطِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ. فَإِنْ قِيلَ:

لِأَنَّهُ ظَهَرَتْ تَبَعِيَّةُ الدَّارِ فَحُكِمَ بِالْإِسْلَامِ كَمَا فِي اللَّقِيطِ. (وَإِذَا مَاتَ الْكَافِرُ وَلَهُ وَلِيٌّ مُسْلِمٌ فَإِنَّهُ يُغَسِّلُهُ وَيُكَفِّنُهُ وَيَدْفِنُهُ) بِذَلِكَ أُمِرَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي حَقِّ أَبِيهِ أَبِي طَالِبٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا كَانَتْ الدَّارُ مِمَّا يُتْبَعُ فَلْيُتْبَعْ وَإِنْ سُبِيَ مَعَهُ أَحَدُ أَبَوَيْهِ تَرْجِيحًا لِلْإِسْلَامِ كَالْأَبَوَيْنِ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا. أُجِيبَ بِأَنَّ تَأْثِيرَ الدَّارِ فِي الِاسْتِتْبَاعِ دُونَ تَأْثِيرِ الْوِلَادَةِ، «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ بِاسْتِتْبَاعِ الْأَبَوَيْنِ دُونَ الدَّارِ مَعَ قِيَامِ الدَّارِ» ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لِمَا حُكِمَ بِكُفْرِ صَبِيٍّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَصْلًا، وَكَانَ مَا تَرَكَ أَبَوَاهُ لِبَيْتِ الْمَالِ لِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ تَبَعِيَّةَ الْيَدِ بَعْدَ تَبَعِيَّةِ الدَّارِ، فَإِنَّهُ لَوْ وَقَعَ مِنْ الْغَنِيمَةِ صَبِيٌّ فِي سَهْمِ رَجُلٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَمَاتَ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُجْعَلُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِصَاحِبِ الْيَدِ؛ وَصَاحِبُ الْمُحِيطِ قَدَّمَ تَبَعِيَّةَ الْيَدِ عَلَى تَبَعِيَّةِ الدَّارِ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا مَاتَ الْكَافِرُ وَلَهُ وَلِيٌّ مُسْلِمٌ) أَيْ قَرِيبٌ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْوِلَايَةِ مَنْفِيَّةٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ} [المائدة: 51] وَأُطْلِقَ لِيَتَنَاوَلَ كُلَّ قَرِيبٍ لَهُ مِنْ ذَوِي الْفُرُوضِ وَالْعَصَبَاتِ وَذَوِي الْأَرْحَامِ، وَهَذَا الْإِطْلَاقُ لَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ: كَافِرٌ مَاتَ وَلَهُ ابْنٌ مُسْلِمٌ يُغَسِّلُهُ وَيُكَفِّنُهُ وَيَدْفِنُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مِنْ أَقْرِبَائِهِ الْكُفَّارِ مَنْ يَتَوَلَّى أَمْرَهُ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّةَ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَالْأَوْلَى أَنْ يُخَلِّيَ الْمُسْلِمُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ يَصْنَعُونَ بِهِ مَا يَصْنَعُونَ بِمَوْتَاهُمْ (بِذَلِكَ أَمَرَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) رُوِيَ «أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ أَبُو طَالِبٍ جَاءَ عَلِيٌّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ عَمَّك الضَّالَّ وَفِي رِوَايَةٍ إنَّ الشَّيْخَ الضَّالَّ قَدْ مَاتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

[فصل في حمل الجنازة]

لَكِنْ يُغَسَّلُ غُسْلَ الثَّوْبِ النَّجِسِ وَيُلَفُّ فِي خِرْقَةٍ وَتُحْفَرُ حُفَيْرَةٌ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ سُنَّةِ التَّكْفِينِ وَاللَّحْدِ، وَلَا يُوضَعُ فِيهَا بَلْ يُلْقَى. (وَإِذَا حَمَلُوا الْمَيِّتَ عَلَى سَرِيرِهِ أَخَذُوا بِقَوَائِمِهِ الْأَرْبَعِ) بِذَلِكَ وَرَدَتْ السُّنَّةُ، وَفِيهِ تَكْثِيرُ الْجَمَاعَةِ وَزِيَادَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQاغْسِلْهُ وَكَفِّنْهُ وَوَارِهِ وَكَفِّنْهُ وَلَا تُحْدِثْ بِهِ حَدَثًا حَتَّى تَلْقَانِي» أَيْ لَا تُصَلِّ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (لَكِنْ يُغَسَّلُ غَسْلَ الثَّوْبِ النَّجَسِ) يَعْنِي لَا يُغَسَّلُ كَغُسْلِ الْمُسْلِمِ مِنْ الْبُدَاءَةِ بِالْوُضُوءِ وَبِالْمَيَامِنِ، وَلَكِنْ يُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ كَمَا يُصَبُّ فِي غُسْلِ النَّجَاسَةِ وَلَا يَكُونُ الْغُسْلُ طَهَارَةً لَهُ؛ حَتَّى لَوْ حَمَلَهُ إنْسَانٌ وَصَلَّى لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ، بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ فَإِنَّهُ لَوْ حَمَلَهُ الْمُصَلِّي بَعْدَمَا غُسِّلَ جَازَتْ صَلَاتُهُ (وَيُلَفُّ فِي خِرْقَةٍ) يَعْنِي بِلَا اعْتِبَارِ عَدَدٍ وَلَا حَنُوطٍ وَلَا كَافُورٍ. [فَصْلٌ فِي حَمْلِ الْجِنَازَةِ] (إذَا حَمَلُوا الْمَيِّتَ عَلَى سَرِيرِهِ أَخَذُوا بِقَوَائِمِهِ الْأَرْبَعَةِ بِذَلِكَ وَرَدَتْ السُّنَّةُ) وَهِيَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تُحْمَلَ الْجِنَازَةُ مِنْ جَوَانِبِهَا الْأَرْبَعِ (وَفِيهِ تَكْثِيرُ الْجَمَاعَةِ) حَتَّى لَوْ لَمْ يَتْبَعْهُ أَحَدٌ كَانَ هَؤُلَاءِ جَمَاعَةً، وَفِيهِ

الْإِكْرَامِ وَالصِّيَانَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: السُّنَّةُ أَنْ يَحْمِلَهَا رَجُلَانِ: يَضَعُهَا السَّابِقُ عَلَى أَصْلِ عُنُقِهِ، وَالثَّانِي عَلَى أَعْلَى صَدْرِهِ، لِأَنَّ جِنَازَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَكَذَا حُمِلَتْ. قُلْنَا: كَانَ ذَلِكَ لِازْدِحَامِ الْمَلَائِكَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQزِيَادَةُ الْإِكْرَامِ حَيْثُ لَمْ يُحْمَلْ كَمَا تُحْمَلُ الْأَحْمَالُ، وَفِيهِ صِيَانَةٌ عَنْ سُقُوطِ الْمَيِّتِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: السُّنَّةُ أَنْ يَحْمِلَهَا رَجُلَانِ) كَمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ «بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَمَلَ جِنَازَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ» (قُلْنَا: كَانَ ذَلِكَ لِازْدِحَامِ الْمَلَائِكَةِ) وَكَانَ الطَّرِيقُ ضَيِّقًا حَتَّى رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

(وَيَمْشُونَ بِهِ مُسْرِعِينَ دُونَ الْخَبَبِ) " لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ سُئِلَ عَنْهُ قَالَ: مَا دُونَ الْخَبَبِ " (وَإِذَا بَلَغُوا إلَى قَبْرِهِ يُكْرَهُ أَنْ يَجْلِسُوا قَبْلَ أَنْ يُوضَعَ عَنْ أَعْنَاقِ الرِّجَالِ) لِأَنَّهُ قَدْ تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى التَّعَاوُنِ وَالْقِيَامُ أَمْكَنُ مِنْهُ قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ يَمْشِي عَلَى رُءُوسِ أَصَابِعِهِ وَصُدُورِ قَدَمَيْهِ» وَكَانَ حَالَةَ ضَرُورَةٍ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ. وَقَوْلُهُ (وَيَمْشُونَ بِهِ مُسْرِعِينَ دُونَ الْخَبَبِ) الْخَبَبُ ضَرْبٌ مِنْ الْعَدْوِ دُونَ الْعَنَقِ لِأَنَّ الْعَنَقَ خَطْوٌ فَسِيحٌ وَاسِعٌ " لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الْمَشْيِ فِي الْجِنَازَةِ فَقَالَ: «مَا دُونَ الْخَبَبِ، فَإِنْ يَكُنْ خَيْرًا عَجَّلْتُمُوهُ إلَيْهِ، وَإِنْ يَكُنْ شَرًّا وَضَعْتُمُوهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» أَوْ قَالَ «فَبُعْدًا لِأَهْلِ النَّارِ» وَالْخَبَبُ مَكْرُوهٌ لِأَنَّ فِيهِ ازْدِرَاءً بِالْمَيِّتِ وَإِضْرَارًا بِالْمُتَّبِعِينَ. وَالْمَشْيُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ أَفْضَلُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: قُدَّامَهَا أَفْضَلُ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانَا يَمْشِيَانِ أَمَامَ الْجِنَازَةِ. وَلَنَا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَشْي خَلْفَ جِنَازَةِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ» وَعَلِيٌّ كَانَ يَمْشِي خَلْفَ الْجِنَازَةِ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: فَضْلُ الْمَشْيِ خَلْفَ الْجِنَازَةِ عَلَى الْمَشْيِ أَمَامَهَا كَفَضْلِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَى النَّافِلَةِ. وَفِعْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّيْسِيرِ عَلَى النَّاسِ لِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَحْتَرِزُونَ عَنْ الْمَشْيِ أَمَامَهَا، فَلَوْ اخْتَارَ الْمَشْيَ خَلْفَهَا لَضَاقَ الطَّرِيقُ عَلَى مَنْ يُشَيِّعُهَا، وَهَكَذَا أَجَابَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ قِيلَ لَهُ: إنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانَا يَمْشِيَانِ أَمَامَ الْجِنَازَةِ قَالَ: يَرْحَمُهُمَا اللَّهُ إنَّهُمَا قَدْ عَرَفَا أَنَّ الْمَشْيَ خَلْفَهَا أَفْضَلُ وَلَكِنَّهُمَا أَرَادَا تَيْسِيرَ الْأَمْرِ عَلَى النَّاسِ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا بَلَغُوا إلَى قَبْرِهِ)

وَكَيْفِيَّةُ الْحَمْلِ أَنْ تَضَعَ مُقَدَّمَ الْجِنَازَةِ عَلَى يَمِينِك ثُمَّ مُؤَخَّرَهَا عَلَى يَمِينِك ثُمَّ مُقَدَّمَهَا عَلَى يَسَارِك ثُمَّ مُؤَخَّرَهَا عَلَى يَسَارِك إيثَارًا لِلتَّيَامُنِ، وَهَذَا فِي حَالَةِ التَّنَاوُبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQظَاهِرٌ، فَإِذَا وُضِعَتْ عَلَى أَعْنَاقِ الرِّجَالِ جَلَسُوا وَكُرِهَ الْقِيَامُ. وَقَوْلُهُ (وَكَيْفِيَّةُ الْحَمْلِ أَنْ تَضَعَ الْجِنَازَةَ) هَذَا لَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِلَفْظِ الْخِطَابِ خَاطَبَ أَبُو حَنِيفَةَ أَبَا يُوسُفَ. قَالَ يَعْقُوبُ: رَأَيْت أَبَا حَنِيفَةَ يَصْنَعُ هَكَذَا، قَالَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ: وَهَذَا دَلِيلُ تَوَاضُعِهِ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَقَدْ حَمَلَ الْجِنَازَةَ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ، بَلْ أَفْضَلُ جَمِيعِ الْخَلَائِقِ وَهُوَ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّهُ حَمَلَ جِنَازَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ كَمَا ذَكَرْنَا لِمَا أَنَّ حَمْلَ الْجِنَازَةِ عِبَادَةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَبَادَرَ إلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ. وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إنَّمَا أَرَادَ بِالْيَمِينِ الْمُقَدَّمِ يَمِينَ الْمَيِّتِ، ثُمَّ قَالَ: فَإِذَا حَمَلْت جَانِبَ السَّرِيرِ الْأَيْسَرِ فَذَلِكَ يَمِينُ الْمَيِّتِ لِأَنَّ يَمِينَ الْمَيِّتِ عَلَى يَسَارِ الْجِنَازَةِ، لِأَنَّ الْمَيِّتَ وُضِعَ فِيهَا عَلَى قَفَاهُ وَكَانَ يَمِينُ الْمَيِّتِ يَسَارَهَا وَيَسَارُهُ يَمِينَهَا، ثُمَّ الْمَعْنَى فِي الْحَمْلِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، أَمَّا الْبُدَاءَةُ بِالْأَيْمَنِ الْمُقَدَّمِ وَذَلِكَ يَمِينُ الْمَيِّتِ وَيَمِينُ الْحَامِلِ فَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَالْمُقَدَّمُ أَيْضًا أَوَّلَ الْجِنَازَةِ، وَالْبُدَاءَةُ بِالْمَشْيِ إنَّمَا تَكُونُ مِنْ أَوَّلِهِ ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إلَى الْأَيْمَنِ الْمُؤَخَّرِ، لِأَنَّهُ لَوْ تَحَوَّلَ إلَى الْأَيْسَرِ الْمُقَدَّمِ احْتَاجَ إلَى الْمَشْيِ أَمَامَهَا، وَالْمَشْيُ خَلْفَهَا أَفْضَلُ، فَلَمَّا مَشَى خَلْفَهَا وَبَلَغَ الْأَيْمَنَ الْمُؤَخَّرَ حَمَلَهُ لِأَنَّ فِيهِ رُجْحَانَ التَّيَامُنِ أَيْضًا فَبَقِيَ جَانِبَاهُ الْأَيْسَرُ الْمُقَدَّمُ وَالْأَيْسَرُ الْمُؤَخَّرُ، فَيَخْتَارُ تَقْدِيمَ الْأَيْسَرِ الْمُقَدَّمِ عَلَى الْأَيْسَرِ الْمُؤَخَّرِ لِأَنَّ فِيهِ الْخَتْمَ بِالْأَيْسَرِ الْمُؤَخَّرِ، وَالْخَتْمُ بِذَلِكَ أَوْلَى لِيَبْقَى بَعْدَ الْفَرَاغِ خَلْفَ الْجِنَازَةِ فَإِنَّ الْمَشْيَ خَلْفَهَا أَفْضَلُ كَمَا مَرَّ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا) أَيْ حَمْلُهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ (فِي حَالَةِ التَّنَاوُبِ) يَعْنِي عِنْدَ وُفُورِ الْحَامِلِينَ لِيَدْفَعَ الْجَنْبَ الَّذِي حَمَلَهُ إلَى غَيْرِهِ وَيَنْتَقِلَ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ.

[فصل في الدفن]

(وَيُحْفَرُ الْقَبْرُ وَيُلْحَدُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَاللَّحْدُ لَنَا وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا» (وَيُدْخَلُ الْمَيِّتُ) مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، فَإِنَّ عِنْدَهُ يُسَلُّ سَلًّا لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سُلَّ سَلًّا» . وَلَنَا أَنَّ جَانِبَ الْقِبْلَةِ مُعَظَّمٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الدَّفْنِ] أَصْلُ هَذِهِ الْأَفْعَالِ: " أَعْنِي الْغُسْلَ وَالتَّكْفِينَ وَالدَّفْنَ فِي بَنِي آدَمَ عُرِفَ بِفِعْلِ الْمَلَائِكَةِ فِي حَقِّ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَمَّا تُوُفِّيَ آدَم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَكَفَّنُوهُ وَدَفَنُوهُ ثُمَّ قَالُوا لِوَلَدِهِ هَذِهِ سُنَّةُ مَوْتَاكُمْ» . لَحَدَ الْمَيِّتَ وَأَلْحَدَهُ: جَعَلَهُ فِي اللَّحْدِ وَهُوَ الشِّقُّ الْمَائِلُ فِي جَانِبِ الْقَبْرِ، وَيُلْحَدُ الْمَيِّتُ وَلَا يُشَقُّ لَهُ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ يَقُولُ بِالْعَكْسِ لِتَوَارُثِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الشَّقَّ دُونَ اللَّحْدِ. وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّحْدُ لَنَا وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا» وَإِنَّمَا فَعَلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ الشَّقَّ لِضَعْفِ أَرَاضِيهِمْ بِالْبَقِيعِ. وَصِفَةُ اللَّحْدِ أَنْ يَحْفِرَ الْقَبْرَ بِتَمَامِهِ ثُمَّ يَحْفِرَ فِي جَانِبِ الْقِبْلَةِ مِنْهُ حُفَيْرَةً يُوضَعُ فِيهَا الْمَيِّتُ وَيُجْعَلُ كَذَلِكَ كَالْبَيْتِ الْمُسْقَفِ. وَصِفَةُ الشَّقِّ أَنْ يَحْفِرَ حُفَيْرَةً فِي وَسَطِ الْقَبْرِ يُوضَعُ فِيهَا الْمَيِّتُ. وَقَوْلُهُ (وَيُدْخَلُ الْمَيِّتُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ) يَعْنِي تُوضَعُ الْجِنَازَةُ فِي جَانِبِ الْقِبْلَةِ

فَيُسْتَحَبُّ الْإِدْخَالُ مِنْهُ، وَاضْطَرَبَتْ الرِّوَايَاتُ فِي إدْخَالِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (فَإِذَا وُضِعَ فِي لَحْدِهِ يَقُولُ وَاضِعُهُ: بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ) كَذَا قَالَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ وَضَعَ أَبَا دُجَانَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْقَبْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْقَبْرِ وَيُحْمَلُ مِنْهُ الْمَيِّتُ فَيُوضَعُ فِي اللَّحْدِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: السُّنَّةُ أَنْ يُسَلَّ إلَى قَبْرِهِ، وَصِفَةُ ذَلِكَ أَنْ تُوضَعَ الْجِنَازَةُ فِي مُؤَخَّرِ الْقَبْرِ حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الْمَيِّتِ بِإِزَاءِ مَوْضِعِ قَدَمَيْهِ مِنْ الْقَبْرِ، ثُمَّ يُدْخِلَ الرَّجُلُ الْآخِذُ فِي الْقَبْرِ فَيَأْخُذَ بِرَأْسِ الْمَيِّتِ وَيُدْخِلَهُ فِي الْقَبْرِ أَوَّلًا وَيُسَلُّ كَذَلِكَ. وَقِيلَ صُورَتُهُ أَنْ تُوضَعَ الْجِنَازَةُ فِي مُقَدَّمِ الْقَبْرِ حَتَّى تَكُونَ رِجْلَا الْمَيِّتِ بِإِزَاءِ مَوْضِعِ رَأْسِهِ مِنْ الْقَبْرِ ثُمَّ يُدْخِلَ الرَّجُلُ الْآخِذُ فِي الْقَبْرِ فَيَأْخُذَ بِرِجْلَيْ الْمَيِّتِ وَيُدْخِلَهُمَا الْقَبْرَ أَوَّلًا وَيُسَلُّ كَذَلِكَ. وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُلَّ إلَى قَبْرِهِ» وَلَنَا أَنَّ جَانِبَ الْقِبْلَةِ مُعَظَّمٌ فَيُسْتَحَبُّ الْإِدْخَالُ مِنْهُ لَا يُقَالُ: هَذَا تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ وَهُوَ بَاطِلٌ، لِأَنَّ الرِّوَايَةَ فِي إدْخَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَبْرِهِ مُضْطَرِبَةٌ. رَوَى إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُدْخِلَ فِي قَبْرِهِ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ» وَرَوَاهُ بِخِلَافِهِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ مَذْهَبِهِ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا مِثْلُ مَذْهَبِنَا، وَالْمُضْطَرِبُ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً. (فَإِذَا وُضِعَ فِي لَحْدِهِ يَقُولُ وَاضِعُهُ بِاسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ) أَيْ بِاسْمِ اللَّهِ وَضَعْنَاك وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَلَّمْنَاك، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (كَذَا «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ وَضَعَ أَبَا دُجَانَةَ فِي الْقَبْرِ» قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ وَضَعَ ذَا الْبِجَادَيْنِ لِأَنَّ أَبَا دُجَانَةَ مَاتَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

(وَيُوَجَّهُ إلَى الْقِبْلَةِ) بِذَلِكَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَتُحَلُّ الْعُقْدَةُ) لِوُقُوعِ الْأَمْنِ مِنْ الِانْتِشَارِ (وَيُسَوَّى اللَّبِنُ عَلَى اللَّحْدِ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جُعِلَ عَلَى قَبْرِهِ اللَّبِنُ (وَيُسَجَّى قَبْرُ الْمَرْأَةِ بِثَوْبٍ حَتَّى يُجْعَلَ اللَّبِنُ عَلَى اللَّحْدِ وَلَا يُسَجَّى قَبْرُ الرَّجُلِ) لِأَنَّ مَبْنَى حَالِهِنَّ عَلَى السِّتْرِ وَمَبْنَى حَالِ الرِّجَالِ عَلَى الِانْكِشَافِ (وَيُكْرَهُ الْآجُرُّ وَالْخَشَبُ) لِأَنَّهُمَا لِإِحْكَامِ الْبِنَاءِ وَالْقَبْرُ مَوْضِعُ الْبِلَى، ثُمَّ بِالْآجُرِّ يَكُونُ أَثَرُ النَّارِ فَيُكْرَهُ تَفَاؤُلًا (وَلَا بَأْسَ بِالْقَصَبِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، هَكَذَا ذُكِرَ فِي التَّوَارِيخِ. وَقَوْلُهُ (وَيُوَجَّهُ إلَى الْقِبْلَةِ بِذَلِكَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «مَاتَ الرَّجُلُ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا عَلِيُّ اسْتَقْبِلْ بِهِ الْقِبْلَةَ اسْتِقْبَالًا» وَقَوْلُهُ (وَتُحَلُّ الْعُقْدَةُ) يَعْنِي عُقْدَةَ الْكَفَنِ مَخَافَةَ الِانْتِشَارِ لِوُقُوعِ الْأَمْنِ مِنْهُ (وَيُسَوَّى اللَّبِنُ عَلَيْهِ) «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جُعِلَ عَلَى قَبْرِهِ اللَّبِنُ» . وَقَوْلُهُ (وَيُسَجَّى قَبْرُ الْمَرْأَةِ) التَّسْجِيَةُ التَّغْطِيَةُ يُسَجَّى قَبْرُ الْمَرْأَةِ (بِثَوْبٍ حَتَّى يُجْعَلَ اللَّبِنُ عَلَى اللَّحْدِ) لِمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ، وَقَدْ صَحَّ " أَنَّ قَبْرَ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - سُجِّيَ بِثَوْبٍ " (وَلَا يُسَجَّى قَبْرُ الرَّجُلِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُسَجَّى " لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَّى قَبْرَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ» وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ " أَنَّهُ مَرَّ بِمَيِّتٍ قَدْ سُجِّيَ قَبْرُهُ فَنَزَعَهُ وَقَالَ: إنَّهُ رَجُلٌ " يَعْنِي أَنَّهُ مَبْنِيٌّ حَالَ الرِّجَالِ عَلَى الِانْكِشَافِ كَمَا قَالَ فِي الْكِتَابِ. وَتَأْوِيلُ قَبْرِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ أَنَّ كَفَنَهُ مَا كَانَ يَغْمُرُ بَدَنَهُ فَسُجِّيَ قَبْرُهُ حَتَّى لَا يَقَعَ الِاطِّلَاعُ لِأَحَدٍ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَعْضَائِهِ. وَقَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ الْآجُرُّ وَالْخَشَبُ) هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُمَا) أَيْ الْآجُرَّ وَالْخَشَبَ (لِإِحْكَامِ الْبِنَاءِ وَالْقَبْرُ مَوْضِعُ الْبِلَى) وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَكَرِهَ الْآجُرَّ مِنْ حَيْثُ التَّفَاؤُلُ بِهِ لِمِسَاسَتِهِ النَّارَ دُونَ الْخَشَبِ لِعَدَمِهِ فِيهِ، وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ إلَى. ذَلِكَ. بِقَوْلِهِ ثُمَّ بِالْآجُرِّ أَثَرُ النَّارِ فَيُكْرَهُ تَفَاؤُلًا. وَرُدَّ بِأَنَّ مِسَاسَ النَّارِ لَا يَصْلُحُ عِلَّةَ الْكَرَاهَةِ، فَإِنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُغْسَلَ الْمَيِّتُ بِالْمَاءِ الْحَارِّ وَقَدْ مَسَّتْهُ النَّارُ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ: يَعْنِي التَّعْلِيلَ بِإِحْكَامِ الْبِنَاءِ لِأَنَّهُ جَمَعَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ بَيْنَ اسْتِعْمَالِ

وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَيُسْتَحَبُّ اللَّبِنُ وَالْقَصَبُ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جُعِلَ عَلَى قَبْرِهِ طُنٌّ مِنْ قَصَبٍ (ثُمَّ يُهَالُ التُّرَابُ وَيُسَنَّمُ الْقَبْرُ وَلَا يُسَطَّحُ) أَيْ لَا يُرَبَّعُ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ تَرْبِيعِ الْقُبُورِ» وَمَنْ شَاهَدَ قَبْرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَخْبَرَ أَنَّهُ مُسَنَّمٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْآجُرِّ وَرُفُوفِ الْخَشَبِ وَهِيَ أَلْوَاحُهُ وَلَا يُوجَدُ مَعْنَى النَّارِ فِيهَا. وَقَوْلُهُ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يُسْتَحَبُّ اللَّبِنُ وَالْقَصَبُ) إنَّمَا صَرَّحَ. بِلَفْظِ. الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِمُخَالَفَةِ رِوَايَتِهِ لِرِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ، لِأَنَّ رِوَايَةَ الْقُدُورِيِّ لَا تَدُلُّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ بَلْ عَلَى نَفْيِ الشِّدَّةِ لَا غَيْرُ، وَرِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ تَدُلُّ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ رِوَايَةَ الْقُدُورِيِّ لَا تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَرِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ تَدُلُّ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جُعِلَ عَلَى قَبْرِهِ طُنٌّ» : أَيْ حُزْمَةٌ مِنْ الْقَصَبِ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ يُهَالُ التُّرَابُ عَلَيْهِ) يُقَالُ هِلْت الدَّقِيقَ فِي الْجِرَابِ: صَبَبْته مِنْ غَيْرِ كَيْلٍ، وَكُلُّ شَيْءٍ أَرْسَلْته إرْسَالًا مِنْ رَمْلٍ أَوْ تُرَابٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ نَحْوِهِ قُلْت هِلْته أَهِيلُهُ هَيْلًا فَانْهَالَ: أَيْ جَرَى فَانْصَبَّ، وَمِنْهُ يُهَالُ التُّرَابُ: أَيْ يُصَبُّ. وَقَوْلُهُ (وَيُسَنَّمُ الْقَبْرُ) الْمُرَادُ مِنْ تَسْنِيمِ الْقَبْرِ رَفْعُهُ مِنْ الْأَرْضِ مِقْدَارَ شِبْرٍ أَوْ أَكْثَرَ قَلِيلًا. وَقَوْلُهُ (وَلَا يُسَطَّحُ أَيْ لَا يُرَبَّعُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُرَبَّعُ وَلَا يُسَنَّمُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا تُوُفِّيَ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْرَهُ مُسَطَّحًا» وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ تَرْبِيعِ الْقُبُورِ» . وَعَنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَبْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مُسَنَّمَةً عَلَيْهَا فَلَقٌ مِنْ مَدَرٍ بِيضٍ. الْفَلَقُ جَمْعُ فِلْقَةٍ: وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنْ الْمَدَرِ، عَمَّمَ الرَّائِي وَلَمْ يُعَيِّنْهُ لِأَنَّهُ كَانَ فِي الرَّائِينَ كَثْرَةٌ وَتَأْوِيلُ تَسْنِيمِ قَبْرِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ سَطَّحَ قَبْرَهُ أَوَّلًا ثُمَّ سَنَّمَ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ.

[باب الشهيد]

(الشَّهِيدُ مَنْ قَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ، أَوْ وُجِدَ فِي الْمَعْرَكَةِ وَبِهِ أَثَرٌ، أَوْ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ ظُلْمًا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الشَّهِيدِ] الْمَقْتُولُ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَإِنَّمَا بَوَّبَ لِلشَّهِيدِ بِحِيَالِهِ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْفَضِيلَةِ فَكَانَ إخْرَاجُهُ مِنْ بَابِ صَلَاةِ الْمَيِّتِ بِبَابٍ عَلَى حِدَةٍ كَإِخْرَاجِ جِبْرِيلَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، وَسُمِّيَ الشَّهِيدُ شَهِيدًا لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَشْهَدُونَ مَوْتَهُ إكْرَامًا لَهُ فَكَانَ مَشْهُودًا فَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، وَقِيلَ لِأَنَّهُ مَشْهُودٌ لَهُ بِالْجَنَّةِ، وَقِيلَ لِأَنَّهُ حَيٌّ عِنْدَ اللَّهِ حَاضِرٌ. وَهُوَ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ (مَنْ قَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ أَوْ وُجِدَ فِي الْمَعْرَكَةِ وَبِهِ أَثَرٌ أَوْ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ ظُلْمًا وَلَمْ يَجِبْ بِقَتْلِهِ دِيَةٌ) فَقَوْلُهُ مَنْ قَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ، يَعْنِي بِأَيَّةِ آلَةٍ كَانَتْ، وَفِي مَعْنَاهُمْ أَهْلُ الْبَغْيِ وَقُطَّاعُ الطَّرِيقِ لِلْخُرُوجِ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ. وَقَوْلُهُ (وَبِهِ أَثَرٌ) أَيْ جِرَاحَةٌ ظَاهِرَةٌ أَوْ بَاطِنَةٌ كَخُرُوجِ الدَّمِ مِنْ الْعَيْنِ أَوْ نَحْوِهَا وَقَوْلِهِ (أَوْ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ ظُلْمًا)

وَلَمْ يَجِبْ بِقَتْلِهِ دِيَةٌ فَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يُغَسَّلُ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِمْ «زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ وَلَا تُغَسِّلُوهُمْ» فَكُلُّ مَنْ قُتِلَ بِالْحَدِيدَةِ ظُلْمًا وَهُوَ طَاهِرٌ بَالِغٌ وَلَمْ يَجِبْ بِهِ عِوَضٌ مَالِيٌّ فَهُوَ فِي مَعْنَاهُمْ فَيَلْحَقُ بِهِمْ، وَالْمُرَادُ بِالْأَثَرِ الْجِرَاحَةُ لِأَنَّهَا دَلَالَةُ الْقَتْلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQاحْتِرَازٌ عَمَّا قَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ رَجْمًا أَوْ قِصَاصًا. وَقَوْلُهُ (وَلَمْ يَجِبْ بِقَتْلِهِ دِيَةٌ) احْتِرَازٌ عَنْ شَبَهِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يُكَفَّنُ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يُغَسَّلُ إذَا كَانَ فِي مَعْنَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ بِالِاتِّفَاقِ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. أَمَّا التَّكْفِينُ فَهُوَ سُنَّةٌ فِي مَوْتَى بَنِي آدَمَ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ ثِيَابٌ لَمْ تُنْزَعْ عَنْهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ» وَفِي رِوَايَةٍ " بِثِيَابِهِمْ " وَيُنْزَعُ الْفَرْوُ وَالْحَشْوُ وَالْقَلَنْسُوَةُ وَالْخُفُّ وَالسِّلَاحُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْكَفَنِ، وَيَزِيدُونَ وَيَنْقُصُونَ إتْمَامًا لِلْكَفَنِ عَلَى مَا ذُكِرَ. وَأَمَّا عَدَمُ الْغُسْلِ فَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِمْ «زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ وَلَا تُغَسِّلُوهُمْ» (فَكُلُّ مَنْ قُتِلَ ظُلْمًا بِالْحَدِيدَةِ وَهُوَ طَاهِرٌ بَالِغٌ وَلَمْ يَجِبْ بِقَتْلِهِ عِوَضٌ مَالِيٌّ فَهُوَ فِي مَعْنَاهُمْ فَيُلْحَقُ بِهِمْ) وَالْقَيْدُ بِالْحَدِيدَةِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ الْقَتْلُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا

وَكَذَا خُرُوجُ الدَّمِ مِنْ مَوْضِعٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ كَالْعَيْنِ وَنَحْوِهَا، وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِي الصَّلَاةِ وَيَقُولُ السَّيْفُ مَحَّاءٌ لِلذُّنُوبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَالْبَغْيِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ كَمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ شُهَدَاءَ أُحُدٍ مَا كَانَ كُلُّهُمْ قَتِيلَ السَّيْفِ وَالسِّلَاحِ، وَشَرْطُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا لِأَنَّهُ إذَا كَانَ جُنُبًا يُغَسَّلُ عَلَى مَا يُذْكَرُ فِي الْكِتَابِ. وَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَكُونَ مُرْتَثًّا عَلَى مَا يَذْكُرُهُ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَيْهِ فَقَدْ خَالَفْنَا الشَّافِعِيَّ وَقَالَ: السَّيْفُ مَحَّاءٌ لِلذُّنُوبِ فَأَغْنَى عَنْ الشَّفَاعَةِ. وَقُلْنَا الصَّلَاةُ

فَأَغْنَى عَنْ الشَّفَاعَةِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ لِإِظْهَارِ كَرَامَتِهِ، وَالشَّهِيدُ أَوْلَى بِهَا، وَالطَّاهِرُ عَنْ الذُّنُوبِ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ الدُّعَاءِ كَالنَّبِيِّ وَالصَّبِيِّ (وَمَنْ قَتَلَهُ أَهْلُ الْحَرْبِ أَوْ أَهْلُ الْبَغْيِ أَوْ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ فَبِأَيِّ شَيْءٍ قَتَلُوهُ لَمْ يُغَسَّلْ) لِأَنَّ شُهَدَاءَ أُحُدٍ مَا كَانَ كُلُّهُمْ قَتِيلَ السَّيْفِ وَالسِّلَاحِ (وَإِذَا اُسْتُشْهِدَ الْجُنُبُ غُسِّلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْمَيِّتِ لِإِظْهَارِ كَرَامَتِهِ، وَالشَّهِيدُ أَوْلَى بِالْكَرَامَةِ. وَقَوْلُهُ (وَالطَّاهِرُ عَنْ الذُّنُوبِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ السَّيْفُ مَحَّاءٌ لِلذُّنُوبِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ قَتَلَهُ أَهْلُ الْحَرْبِ) ظَاهِرٌ مِمَّا ذَكَرْنَا، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ مَنْ قَتَلَهُ أَهْلُ الْحَرْبِ فَهُوَ فِي مَعْنَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ (فَبِأَيِّ شَيْءٍ قَتَلُوهُ لَمْ يُغَسَّلْ) وَأَمَّا أَهْلُ الْبَغْيِ وَقُطَّاعُ الطَّرِيقِ فَمِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَلَمْ يَكُنْ قَتِيلُهُمْ بِمَعْنَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ فَيُشْتَرَطُ الْحَدِيدَةُ أَوْ الْآلَةُ الَّتِي لَا تَلْبَثُ فِي ثُبُوتِ الشَّهَادَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْفَرِيقَيْنِ لَمَّا أُمِرْنَا بِقِتَالِهِمْ أُلْحِقَ بِقِتَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَهْلِ الْبَغْيِ {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [الحجرات: 9] الْآيَةَ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وَقَالَا: لَا يُغَسَّلُ، لِأَنَّ مَا وَجَبَ بِالْجَنَابَةِ سَقَطَ بِالْمَوْتِ وَالثَّانِي لَمْ يَجِبْ لِلشَّهَادَةِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشَّهَادَةَ عُرِفَتْ مَانِعَةً غَيْرَ رَافِعَةٍ فَلَا تَرْفَعُ الْجَنَابَةَ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ حَنْظَلَةَ لَمَّا اُسْتُشْهِدَ جُنُبًا غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْحَائِضُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ «قَاتِلْ دُونَ مَالِكَ» وَقَالَ «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» وَإِذَا كَانَ قِتَالُهُمَا مَأْمُورًا بِهِ صَارَ كَقِتَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَفِي قِتَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ الْحُكْمُ تَعْمِيمُ الْآلَةِ فَكَذَا فِي قِتَالِهِمَا. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ مَا وَجَبَ بِالْجَنَابَةِ سَقَطَ بِالْمَوْتِ) لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مُكَلَّفًا بِالْغُسْلِ عَنْ الْجَنَابَةِ (وَالثَّانِي) أَيْ الْغُسْلُ بِسَبَبِ الْمَوْتِ (لَمْ يَجِبْ) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَمْنَعُهُ فَإِنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ» لَا يَفْصِلُ بَيْنَ الشَّهِيدِ الْجُنُبِ وَغَيْرِهِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشَّهَادَةَ عُرِفَتْ مَانِعَةً غَيْرَ رَافِعَةٍ فَلَا تَرْفَعُ الْجَنَابَةَ) أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي ثَوْبِ الشَّهِيدِ نَجَاسَةٌ تُغْسَلُ تِلْكَ النَّجَاسَةُ وَلَا يُغَسَّلُ عَنْهُ الدَّمُ. قِيلَ: لَوْ لَمْ يَكُنْ رَافِعًا لَوُضِّئَ الْمُحْدِثُ إذَا اُسْتُشْهِدَ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَكَذَا الْمَلْزُومُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَافِعًا لِلْأَعْلَى أَنْ لَا يَكُونَ رَافِعًا لِلْأَدْنَى، وَبِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالنَّصِّ (فَقَدْ صَحَّ «أَنَّ حَنْظَلَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا اُسْتُشْهِدَ جُنُبًا غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ فَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَهُ عَنْ حَالِهِ، فَقَالَتْ زَوْجَتُهُ: إنَّهُ أَصَابَ مِنِّي فَسَمِعَ الْهَيْعَةَ فَأَعْجَلَتْهُ عَنْ الِاغْتِسَالِ فَاسْتُشْهِدَ وَهُوَ جُنُبٌ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

وَالنُّفَسَاءُ إذَا طَهُرَتَا وَكَذَا قَبْلَ الِانْقِطَاعِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الرِّوَايَةِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الصَّبِيّ لَهُمَا أَنَّ الصَّبِيَّ أَحَقُّ بِهَذِهِ الْكَرَامَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQهُوَ ذَاكَ» وَالْهَيْعَةُ: الصَّوْتُ الَّذِي يُفْزَعُ مِنْهُ. فَإِنْ قِيلَ الْوَاجِبُ غُسْلُ بَنِي آدَمَ دُونَ الْمَلَائِكَةِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا لَأَمَرَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِإِعَادَةِ غُسْلِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْغُسْلُ، وَأَمَّا الْغَاسِلُ فَيَجُوزُ كَائِنًا مَنْ كَانَ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَمَّا غَسَّلُوا آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَأَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ وَلَمْ يُعِدْ أَوْلَادُهُ غُسْلَهُ. وَقَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ إذَا طَهُرَتَا) يَعْنِي عِنْدَهُمَا لَا يُغَسَّلَانِ لِأَنَّ الْغُسْلَ الْأَوَّلَ سَقَطَ بِالْمَوْتِ وَالثَّانِيَ لَمْ يَجِبْ بِالشَّهَادَةِ، وَعِنْدَهُ يُغَسَّلَانِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عُرِفَتْ مَانِعَةً غَيْرَ رَافِعَةٍ (وَكَذَا قَبْلَ الِانْقِطَاعِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الرِّوَايَةِ) فَإِنَّهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ لَا يُغَسَّلَانِ لِأَنَّ الِاغْتِسَالَ مَا كَانَ وَاجِبًا. عَلَيْهِمَا. قَبْلَ الِانْقِطَاعِ. وَفِي رِوَايَةٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ يُغَسَّلَانِ لِأَنَّ الِانْقِطَاعَ حَصَلَ بِالْمَوْتِ، وَالدَّمُ السَّائِلُ يُوجِبُ الِاغْتِسَالَ عِنْدَ الِانْقِطَاعِ. وَقَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الصَّبِيُّ) عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَقَوْلُهُ (بِهَذِهِ الْكَرَامَةِ) أَيْ بِسُقُوطِ الْغُسْلِ فَإِنَّ سُقُوطَ الْغُسْلِ عَنْ الشَّهِيدِ

وَلَهُ أَنَّ السَّيْفَ كَفَى عَنْ الْغُسْلِ فِي حَقِّ شُهَدَاءِ أُحُدٍ بِوَصْفِ كَوْنِهِ طُهْرَةً، وَلَا ذَنْبَ عَلَى الصَّبِيِّ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَاهُمْ (وَلَا يُغْسَلُ عَنْ الشَّهِيدِ دَمُهُ، وَلَا يُنْزَعُ عَنْهُ ثِيَابُهُ) لِمَا رَوَيْنَا (وَيُنْزَعُ عَنْهُ الْفَرْوُ وَالْحَشْوُ وَالْقَلَنْسُوَةُ وَالسِّلَاحُ وَالْخُفُّ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْكَفَنِ (وَيَزِيدُونَ وَيُنْقِصُونَ مَا شَاءُوا) إتْمَامًا لِلْكَفَنِ قَالَ (وَمَنْ اُرْتُثَّ غُسِّلَ) وَهُوَ مَنْ صَارَ خَلْفًا فِي حُكْمِ الشَّهَادَةِ لِنَيْلِ مَرَافِقِ الْحَيَاةِ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَخِفُّ أَثَرُ الظُّلْمِ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ (وَالِارْتِثَاثُ: أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ أَوْ يَنَامَ أَوْ يُدَاوَى أَوْ يُنْقَلَ مِنْ الْمَعْرَكَةِ حَيًّا) لِأَنَّهُ نَالَ بَعْضَ مَرَافِقِ الْحَيَاةِ. وَشُهَدَاءُ أُحُدٍ مَاتُوا عَطَاشَى وَالْكَأْسُ تُدَارُ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَقْبَلُوا خَوْفًا مِنْ نُقْصَانِ الشَّهَادَةِ، إلَّا إذَا حُمِلَ مِنْ مَصْرَعِهِ كَيْ لَا تَطَأَهُ الْخُيُولُ، لِأَنَّهُ مَا نَالَ شَيْئًا مِنْ الرَّاحَةِ، وَلَوْ آوَاهُ فُسْطَاطٌ أَوْ خَيْمَةٌ كَانَ مُرْتَثًّا لِمَا بَيَّنَّا (وَلَوْ بَقِيَ حَيًّا حَتَّى مَضَى وَقْتُ صَلَاةٍ وَهُوَ يَعْقِلُ فَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا بَقَاءَ أَثَرِ مَظْلُومِيَّتِهِ فِي الْقَتْلِ فَكَانَ إكْرَامًا لَهُ، والمظلومية فِي حَقِّ الصَّبِيِّ أَشَدُّ فَكَانَ أَوْلَى بِهَذِهِ الْكَرَامَةِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ السَّيْفَ كَفَى عَنْ الْغُسْلِ فِي حَقِّ شُهَدَاءِ أُحُدٍ بِوَصْفِ كَوْنِهِ طَهَّرَهُ) عَنْ الذَّنْبِ (وَلَا ذَنْبَ لِلصَّبِيِّ فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَاهُمْ) وَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَاهُمْ غُسِّلَ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يُغَسَّلُ عَنْ الشَّهِيدِ دَمُهُ) ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ (وَيُنْزَعُ عَنْهُ الْفَرْوُ إلَخْ) مَذْهَبُنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُنْزَعُ عَنْهُ شَيْءٌ وَاحْتَجَّ بِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " زَمِّلُوهُمْ " مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا فِي السُّنَنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلَى أُحُدٍ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُمْ الْحَدِيدُ وَالْجُلُودُ وَأَنْ يُدْفَنُوا بِدِمَائِهِمْ وَثِيَابِهِمْ» وَإِذَا تَعَارَضَا صِرْنَا إلَى الْقِيَاسِ وَهُوَ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ (قَوْلُهُ وَيَزِيدُونَ وَيَنْقُصُونَ مَا شَاءُوا) أَيْ يَزِيدُونَ مَا شَاءُوا إذَا كَانَ نَاقِصًا عَنْ الْعَدَدِ الْمَسْنُونِ وَيَنْقُصُونَ مَا شَاءُوا يَعْنِي إذَا كَانَ زَائِدًا عَلَى الْعَدَدِ الْمَسْنُونِ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ اُرْتُثَّ) هُوَ مِنْ قَوْلِك ثَوْبٌ رَثٌّ أَيْ خَلَقٌ وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ

مُرْتَثٌّ) لِأَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ صَارَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَهُوَ مِنْ أَحْكَامِ الْأَحْيَاءِ. قَالَ: وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ أَوْصَى بِشَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ كَانَ ارْتِثَاثًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ ارْتِفَاقٌ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَكُونُ لِأَنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ الْأَمْوَاتِ (وَمَنْ وُجِدَ قَتِيلًا فِي الْمِصْرِ غُسِّلَ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ فَخَفَّ أَثَرُ الظُّلْمِ (إلَّا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ قُتِلَ بِحَدِيدَةٍ ظُلْمًا) لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقِصَاصُ وَهُوَ عُقُوبَةٌ وَالْقَاتِلُ لَا يَتَخَلَّصُ عَنْهَا ظَاهِرًا، إمَّا فِي الدُّنْيَا أَوْ الْعُقْبَى. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: مَا لَا يَلْبَثُ بِمَنْزِلَةِ السَّيْفِ وَيُعْرَفُ فِي الْجِنَايَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلَوْ أَوْصَى بِشَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ) إنَّمَا قَيَّدَ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ لِأَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِشَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا يُغَسَّلُ بِالِاتِّفَاقِ. وَقَوْلُهُ (إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ قُتِلَ بِحَدِيدَةٍ ظُلْمًا) أَيْ حِينَئِذٍ لَا يُغَسَّلُ قِيلَ هَذَا إذَا عُلِمَ قَاتِلُهُ عَيْنًا. وَأَمَّا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ قُتِلَ بِحَدِيدَةٍ ظُلْمًا وَلَكِنْ لَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ يُغَسَّلُ لِمَا أَنَّ الْوَاجِبَ هُنَاكَ الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ، وَلَفْظُ الْكِتَابِ يُشِيرُ إلَى هَذَا لِأَنَّهُ قَالَ (لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقِصَاصُ) لَا قِصَاصَ يَجِبُ إلَّا عَلَى الْقَاتِلِ الْمَعْلُومِ (وَهُوَ) أَيْ الْقِصَاصُ (عُقُوبَةٌ وَالْقَاتِلُ لَا يَتَخَلَّصُ عَنْ الْعُقُوبَةِ ظَاهِرًا) أَمَّا فِي الدُّنْيَا إنْ وَقَعَ الِاسْتِيفَاءُ أَوْ فِي الْعُقْبَى إنْ لَمْ يُسْتَوْفَ، فَلَوْ كَانَ وُجُوبُ الْقِصَاصِ مَانِعًا عَنْ الشَّهَادَةِ لَا نَسُدُّ بَابَهَا وَهُوَ بَاطِلٌ، فَإِنْ قِيلَ مَنْ وَجَبَ بِقَتْلِهِ الْقِصَاصُ لَيْسَ فِي مَعْنَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ إذْ لَمْ يَجِبْ بِقَتْلِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُمْ يُغَسَّلُ. أُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَةَ الْقِصَاصِ تَرْجِعُ إلَى وَلِيِّ الْقَتِيلِ وَسَائِرِ النَّاسِ دُونَ الْقَتِيلِ فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ بِالْقَتْلِ شَيْءٌ كَمَا لَمْ يَحْصُلْ لِشُهَدَاءِ أُحُدٍ، بِخِلَافِ الدِّيَةِ فَإِنَّ نَفْعَهَا يَعُودُ إلَى الْمَيِّتِ حَتَّى تُقْضَى دُيُونُهُ وَتَنْفُذَ وَصَايَاهُ. وَقَوْلُهُ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مَا لَا يَلْبَثُ بِمَنْزِلَةِ السَّيْفِ) يَعْنِي لَا يُشْتَرَطُ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ فِي الْمِصْرِ أَنْ يُقْتَلَ بِحَدِيدَةٍ عِنْدَهُمَا، بَلْ الْمُثْقَلُ مِنْ الْحَجَرِ وَالْخَشَبِ مِثْلُ السَّيْفِ عِنْدَهُمَا حَتَّى لَا يُغَسَّلُ الْقَتِيلُ ظُلْمًا فِي الْمِصْرِ إذْ عُرِفَ قَاتِلُهُ وَعُلِمَ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِالْمُثْقَلِ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ

[باب الصلاة في الكعبة]

(وَمَنْ قُتِلَ فِي حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ بَاذِلٌ نَفْسَهُ لِإِيفَاءِ حَقٍّ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ، وَشُهَدَاءُ أُحُدٍ بَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ لِابْتِغَاءِ مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَلْحَقُ بِهِمْ (وَمَنْ قُتِلَ مِنْ الْبُغَاةِ أَوْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ) لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُصَلِّ عَلَى الْبُغَاةِ. (الصَّلَاةُ فِي الْكَعْبَةِ جَائِزَةٌ فَرْضُهَا وَنَفْلُهَا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِيهِمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ وَيُعْرَفُ فِي الْجِنَايَاتِ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ قُتِلَ فِي حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ غُسِّلَ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ مَاعِزًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا رُجِمَ جَاءَ عَمُّهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: قُتِلَ مَاعِزٌ كَمَا تُقْتَلُ الْكِلَابُ فَمَاذَا تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ بِهِ؟ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: لَا تَقُلْ هَذَا فَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ تَوْبَتُهُ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ لَوَسِعَتْهُمْ، اذْهَبْ فَغَسِّلْهُ وَكَفِّنْهُ وَصَلِّ عَلَيْهِ» وَلِأَنَّهُ بَاذِلٌ نَفْسَهُ لِإِيفَاءِ حَقٍّ مُسْتَحَقٍّ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ لِأَنَّهُمْ بَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَلَا يُلْحَقُ بِهِمْ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ قُتِلَ مِنْ الْبُغَاةِ أَوْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ، إلَّا أَنَّهُ مَقْتُولٌ بِحَقٍّ فَهُوَ كَالْمَقْتُولِ فِي رَجْمٍ أَوْ قِصَاصٍ. وَلَنَا أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُصَلِّ عَلَى الْبُغَاةِ وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ فَقِيلَ لَهُ: أَهُمْ كُفَّارٌ؟ فَقَالَ: لَا، وَلَكِنَّهُمْ إخْوَانُنَا بَغَوْا عَلَيْنَا أَشَارَ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ الْغُسْلَ وَالصَّلَاةَ عَلَيْهِمْ عُقُوبَةً لَهُمْ وَزَجْرًا لِغَيْرِهِمْ، وَهُوَ نَظِيرُ الْمَصْلُوبِ يُتْرَكُ عَلَى خَشَبَةٍ عُقُوبَةً لَهُ وَزَجْرًا لِغَيْرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ] قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ بَابِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَجْهُ تَأْخِيرِ هَذَا الْبَابِ فَلَا نُعِيدُهُ (الصَّلَاةُ فِي الْكَعْبَةِ جَائِزَةٌ فَرْضُهَا وَنَفْلُهَا) عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: كَأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ وَقَعَ سَهْوًا مِنْ الْكَاتِبِ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ يَرَى جَوَازَ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ فَرْضِهَا وَنَفْلِهَا؛ وَكَذَا أَوْرَدَهُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِي كُتُبِهِمْ، وَلَمْ يُورِدْ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَائِنَا أَيْضًا هَذَا الْخِلَافَ فِيمَا عِنْدِي مِنْ الْكُتُبِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَهُ مَا إذَا تَوَجَّهَ إلَى الْبَابِ وَهُوَ مَفْتُوحٌ، وَلَيْسَتْ الْعَتَبَةُ مُرْتَفِعَةً قَدْرَ

وَلِمَالِكٍ فِي الْفَرْضِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ اُسْتُجْمِعَتْ شَرَائِطُهَا لِوُجُودِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ لِأَنَّ اسْتِيعَابَهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ (فَإِنْ صَلَّى الْإِمَامُ بِجَمَاعَةٍ فِيهَا فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ ظَهْرَهُ إلَى ظَهْرِ الْإِمَامِ جَازَ) لِأَنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إلَى الْقِبْلَةِ، وَلَا يَعْتَقِدُ إمَامَهُ عَلَى الْخَطَأِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ، وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ الْحَمْلِ عَلَى السَّهْوِ إلَّا أَنَّ إطْلَاقَ الْكَلَامِ يُنَافِيهِ. قَوْلُهُ (وَلِمَالِكٍ فِي الْفَرْضِ) يَعْنِي أَنَّهُ يُجَوِّزُ النَّفَلَ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ وَلَا يُجَوِّزُ الْفَرْضَ، وَيَقُولُ الصَّلَاةُ فِيهَا جَائِزَةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ اسْتَقْبَلَ بَعْضًا، وَفَاسِدَةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ اسْتَدْبَرَ آخَرَ، وَالتَّرْجِيحُ لِجَانِبِ الْفَسَادِ احْتِيَاطًا فِي أَمْرِ الْعِبَادَةِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي النَّفْلِ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ تُرِكَ لِوُرُودِ الْأَثَرِ فِيهِ، وَمَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ، وَالْفَرْضُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ لِيُلْحَقَ بِهِ وَلَنَا «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ الْفَرْضَ يَوْمَ الْفَتْحِ» رَوَاهُ بِلَالٌ وَلَئِنْ كَانَ نَفْلًا فَالْفَرْضُ فِي مَعْنَاهُ فِيمَا هُوَ مِنْ شَرَائِطِ الْجَوَازِ دُونَ الْأَرْكَانِ، وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ اسْتَجْمَعَتْ شَرَائِطَهَا لِوُجُودِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ لِأَنَّ اسْتِيعَابَهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ كَمَا لَوْ صَلَّى خَارِجَهَا، وَالِاسْتِدْبَارُ إنَّمَا يُوجِبُ الْفَسَادَ إذَا لَمْ يُسْتَقْبَلْ بَعْضُهَا لِانْتِفَاءِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَهُوَ اسْتِقْبَالُ شَطْرٍ مِنْهَا، وَأَمَّا إذَا اسْتَقْبَلَ فَمَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ صَلَّى الْإِمَامُ بِجَمَاعَةٍ فِيهَا) الصَّلَاةُ بِالْجَمَاعَةِ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ لَا يَخْلُو عَنْ وُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ: إمَّا أَنْ يَكُونَ وَجْهُهُ إلَى ظَهْرِ الْإِمَامِ، أَوْ إلَى وَجْهِ الْإِمَامِ أَوْ يَكُونَ ظَهْرُهُ إلَى ظَهْرِ الْإِمَامِ، أَوْ إلَى وَجْهِ الْإِمَامِ. وَالْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ جَائِزٌ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَالثَّانِي بِكَرَاهَةٍ وَالرَّابِعُ لَا يَجُوزُ. أَمَّا جَوَازُ الْأَوَّلِ فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا جَوَازُ الثَّانِي فَلِوُجُودِ الْمُتَابَعَةِ وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ وَهُوَ التَّقَدُّمُ عَلَى الْإِمَامِ. وَأَمَّا كَرَاهَتُهُ فَلِشَبَهِهِ بِعَابِدِ الصُّورَةِ بِالْمُقَابَلَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ سُتْرَةً تَحَرُّزًا عَنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا جَوَازُ الثَّالِثِ فَلِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إلَى الْقِبْلَةِ وَلَا يَعْتَقِدُ إمَامُهُ عَلَى الْخَطَأِ. قِيلَ وَهَذَا لَيْسَ بِكَافٍ لِأَنَّ مَنْ جَعَلَ ظَهْرَهُ إلَى وَجْهِ الْإِمَامِ وَهُوَ الْوَجْهُ الرَّابِعُ مُتَوَجِّهٌ إلَى الْقِبْلَةِ وَلَا يَعْتَقِدُ إمَامَهُ عَلَى الْخَطَأِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ، وَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَقُولَ وَهُوَ غَيْرُ مُتَقَدِّمٍ عَلَيْهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمَّا عَلَّلَ عَدَمَ الْجَوَازِ فِي الْوَجْهِ الرَّابِعِ بِالتَّقَدُّمِ عَلَى الْإِمَامِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ

بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ التَّحَرِّي (وَمَنْ جَعَلَ مِنْهُمْ ظَهْرَهُ إلَى وَجْهِ الْإِمَامِ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ) لِتَقَدُّمِهِ عَلَى إمَامِهِ (وَإِذَا صَلَّى الْإِمَامُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَتَحَلَّقَ النَّاسُ حَوْلَ الْكَعْبَةِ وَصَلَّوْا بِصَلَاةِ الْإِمَامِ، فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَقْرَبَ إلَى الْكَعْبَةِ مِنْ الْإِمَامِ جَازَتْ صَلَاتُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي جَانِبِ الْإِمَامِ) لِأَنَّ التَّقَدُّمَ وَالتَّأَخُّرَ إنَّمَا يَظْهَرُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجَانِبِ (وَمَنْ صَلَّى عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ جَازَتْ صَلَاتُهُ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْكَعْبَةَ هِيَ الْعَرْصَةُ، وَالْهَوَاءُ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ عِنْدَنَا دُونَ الْبِنَاءِ لِأَنَّهُ يُنْقَلُ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ صَلَّى عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ جَازَ وَلَا بِنَاءَ بَيْنَ يَدَيْهِ، إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ التَّعْظِيمِ، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَانِعٌ فَاقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِهِ فِي الْأَوَّلِ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ الثَّانِي. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ التَّحَرِّي) يَعْنِي إذَا صَلَّوْا فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ ظَهْرَهُ إلَى ظَهْرِ الْإِمَامِ وَهُوَ يَعْلَمُ، فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّ إمَامَهُ عَلَى الْخَطَإِ، وَقَدْ مَرَّ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ، وَقَدْ ظَهَرَ وَجْهُ عَدَمِ جَوَازِ الْوَجْهِ الرَّابِعِ مِنْ هَذَا. وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى يَمِينِ الْإِمَامِ أَوْ يَسَارِهِ فَهُوَ أَيْضًا جَائِزٌ. وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (فَإِذَا صَلَّى الْإِمَامُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَتَحَلَّقَ النَّاسُ حَوْلَ الْكَعْبَةِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَتَحَلَّقَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ صَلَّى. وَقَوْلُهُ (فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَقْرَبَ) جَزَاهُ إذَا صَلَّى الْإِمَامُ وَأَمَّا قَوْلُهُ (تَحَلَّقَ) بِلَا فَاءٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَالٌ بِتَقْدِيرِ قَدْ وَقَوْلُهُ فَمَنْ كَانَ جَزَاءُ الشَّرْطِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ جُزْءُ الشَّرْطِ وَقَوْلُهُ فَمَنْ كَانَ جُمْلَةٌ أُخْرَى شَرْطِيَّةٌ عُطِفَتْ عَلَى الْأُولَى. وَقَوْلُهُ (إذَا لَمْ يَكُنْ فِي جَانِبِ الْإِمَامِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي جَانِبِهِ لَمْ يَجُزْ لِوُجُودِ التَّقَدُّمِ لِأَنَّ التَّقَدُّمَ وَالتَّأَخُّرَ إنَّمَا يَظْهَرُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجَانِبِ. قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ: لِأَنَّ التَّقَدُّمَ وَالتَّأَخُّرَ فِي الْأَسْمَاءِ الْإِضَافِيَّةِ فَلَا يَظْهَرُ إلَّا عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِهَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْأَسْمَاءِ الْإِضَافِيَّةِ وَلَيْسَ لِلْإِضَافَةِ تَقْيِيدٌ بِجِهَةٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِأَنَّهُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِهَةِ كَانَ فِي مَعْنَى مَنْ جَعَلَ ظَهْرَهُ إلَى وَجْهِ الْإِمَامِ وَهُوَ جَيِّدٌ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ صَلَّى عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ) أَيْ عَلَى سَطْحِهَا، وَلَعَلَّهُ اخْتَارَ لَفْظَ الظُّهْرِ لِوُرُودِ لَفْظِ الْحَدِيثِ بِهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَرَادَ أَنَّ مَنْ صَلَّى عَلَى سَطْحِ الْكَعْبَةِ (جَازَتْ صَلَاتُهُ) عِنْدَنَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي جَوَازِ التَّوَجُّهِ إلَيْهَا لِلصَّلَاةِ الْبِنَاءُ. وَعِنْدَنَا أَنَّ الْقِبْلَةَ هِيَ الْكَعْبَةُ وَالْكَعْبَةُ هِيَ الْعَرْصَةُ وَالْهَوَاءُ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْبِنَاءِ لِأَنَّهُ يُنْقَلُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ صَلَّى عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَلَا شَيْءَ مِنْ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِالْبِنَاءِ. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ جَازَتْ صَلَاتُهُ، وَتَذْكِيرُ الضَّمِيرِ بِتَأْوِيلِ فِعْلِ الصَّلَاةِ وَأَدَائِهَا (لِمَا فِيهِ) أَيْ فِي التَّعَلِّي عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ (وَمَنْ تَرَكَ التَّعْظِيمَ وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ) قِيلَ أَيْ عَنْ تَرْكِ التَّعْظِيمِ، وَقِيلَ عَنْ

[كتاب الزكاة]

(الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْحُرِّ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ الْمُسْلِمِ إذَا مَلَكَ نِصَابًا مِلْكًا تَامًّا وَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ) أَمَّا الْوُجُوبُ فَلِقَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَدَاءِ الصَّلَاةِ عَلَى ظَهْرِهَا. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّلَاةِ فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ الْمَجْزَرَةِ، وَالْمَزْبَلَةِ، وَالْمَقْبَرَةِ، وَالْحَمَّامِ، وَقَوَارِعِ الطُّرُقِ، وَمَعَاطِنِ الْإِبِلِ، وَفَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ» . [كِتَابُ الزَّكَاةِ] قَرَنَ الزَّكَاةَ بِالصَّلَاةِ اقْتِدَاءً بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ حَسَنَةٌ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهَا بِدُونِ الْوَاسِطَةِ، وَالزَّكَاةَ مُلْحَقَةٌ بِهَا وَمَوْضِعُهُ أُصُولُ الْفِقْهِ. وَالزَّكَاةُ فِي اللُّغَةِ: عِبَارَةٌ عَنْ النَّمَاءِ، يُقَالُ زَكَا الزَّرْعُ إذَا نَمَا، وَفِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ: اسْمٌ لِفِعْلِ أَدَاءِ حَقٍّ يَجِبُ لِلْمَالِ يُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِهِ الْحَوْلُ وَالنِّصَابُ لِأَنَّهَا تُوصَفُ بِالْوُجُوبِ، وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ دُونَ الْأَعْيَانِ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْمَالِ الْمُؤَدَّى لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وَلَا يَصِحُّ الْإِيتَاءُ إلَّا فِي الْعَيْنِ، وَسَبَبُهَا مِلْكُ النِّصَابِ النَّامِي، وَشَرْطُهَا الْحُرِّيَّةُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْإِسْلَامُ وَالْخُلُوُّ عَنْ الدَّيْنِ وَكَمَالُ نِصَابٍ حَوْلِيٍّ، وَصِفَتُهَا الْفَرْضِيَّةُ، وَحُكْمُهَا الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَةِ التَّكْلِيفِ فِي الدُّنْيَا وَالنَّجَاةُ مِنْ الْعِقَابِ وَالْوُصُولُ إلَى الثَّوَابِ فِي الْعُقْبَى. قَالَ (الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْحُرِّ) أَيْ فَرِيضَةٌ لَازِمَةٌ بِالْكِتَابِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وَالسُّنَّةِ الْمَعْرُوفَةِ وَهِيَ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» الْحَدِيثَ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ

تَعَالَى {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ» وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ. وَالْمُرَادُ بِالْوَاجِبِ الْفَرْضُ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ فِيهِ، وَاشْتِرَاطُ الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّ كَمَالَ الْمِلْكِ بِهَا، وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ لِمَا نَذْكُرُهُ، وَالْإِسْلَامُ لِأَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ وَلَا تَتَحَقَّقُ مِنْ الْكَافِرِ، وَلَا بُدَّ مِنْ مِلْكِ مِقْدَارِ النِّصَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يُنْكِرْهَا أَحَدٌ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا، وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْ لَفْظِ الْفَرْضِ إلَى الْوَاجِبِ إمَّا لِأَنَّ بَعْضَ مَقَادِيرِهَا وَكَيْفِيَّاتِهَا ثَابِتَةٌ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ، أَوْ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ أَحَدِهِمَا فِي مَوْضِعِ الْآخَرِ جَائِزٌ مَجَازًا، وَإِنَّمَا قَالَ مِلْكًا تَامًّا احْتِرَازًا عَنْ مَالِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ مِلْكُ الْمَوْلَى، وَإِنَّمَا لِلْمُكَاتَبِ فِيهِ مِلْكُ الْيَدِ، وَعَنْ مَالِ الْمَدْيُونِ فَإِنَّ

لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدَّرَ السَّبَبَ بِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْحَوْلِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُدَّةٍ يَتَحَقَّقُ فِيهَا النَّمَاءُ، وَقَدَّرَهَا الشَّرْعُ بِالْحَوْلِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» وَلِأَنَّهُ الْمُتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْفُصُولِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَالْغَالِبُ تَفَاوُتُ الْأَسْعَارِ فِيهَا فَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ. ثُمَّ قِيلَ: هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى مُطْلَقِ الْأَمْرِ، وَقِيلَ عَلَى التَّرَاخِي لِأَنَّ جَمِيعَ الْعُمْرِ وَقْتُ الْأَدَاءِ، وَلِهَذَا لَا تُضْمَنُ بِهَلَاكِ ـــــــــــــــــــــــــــــQصَاحِبَ الدَّيْنِ يَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ مِلْكًا نَاقِصًا وَكَلَامُهُ فِيهِ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (فَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ) يَعْنِي يَكُونُ الِاعْتِبَارُ بِهِ دُونَ حَقِيقَةِ الِاسْتِنْمَاءِ، حَتَّى إذَا ظَهَرَ النَّمَاءُ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ تَجِبُ الزَّكَاةُ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ قِيلَ هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْفَوْرِ) وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ: يَأْثَمُ بِتَأْخِيرِ الزَّكَاةِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ. وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ: مَنْ أَخَّرَ الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. وَفَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحَجِّ فَقَالَ: لَا يَأْثَمُ بِتَأْخِيرِ الْحَجِّ وَيَأْثَمُ بِتَأْخِيرِ الزَّكَاةِ لِأَنَّ فِي الزَّكَاةِ حَقَّ الْفُقَرَاءِ فَيَأْثَمُ بِتَأْخِيرِ

النِّصَابِ بَعْدَ التَّفْرِيطِ. (وَلَيْسَ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ زَكَاةٌ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ يَقُولُ: هِيَ غَرَامَةٌ مَالِيَّةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَقِّهِمْ، وَأَمَّا الْحَجُّ فَخَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِتَأْخِيرِ الزَّكَاةِ وَيَأْثَمُ بِتَأْخِيرِ الْحَجِّ، لِأَنَّ الزَّكَاةَ غَيْرُ مُؤَقَّتَةٍ، أَمَّا الْحَجُّ فَهُوَ مُؤَقَّتٌ كَالصَّلَاةِ، فَرُبَّمَا لَا يُدْرِكُ الْوَقْتَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَمَوْضِعُهُ أُصُولُ الْفِقْهِ. وَقَوْلُهُ (وَلَيْسَ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ زَكَاةٌ) هُوَ الْمَوْعُودُ بِقَوْلِهِ لِمَا نَذْكُرُهُ وَقَوْلُهُ (هِيَ غَرَامَةٌ مَالِيَّةٌ)

فَتُعْتَبَرُ بِسَائِرِ الْمُؤَنِ كَنَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ وَصَارَ كَالْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ. وَلَنَا أَنَّهَا عِبَادَةٌ فَلَا تَتَأَدَّى إلَّا بِالِاخْتِيَارِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الِابْتِلَاءِ، وَلَا اخْتِيَارَ لَهُمَا لِعَدَمِ الْعَقْلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ وُجُوبُ شَيْءٍ مَالِيٍّ اسْتَعَارَ لَفْظَ الْغَرَامَةِ لِلْوُجُوبِ لِمَا أَنَّ حَقِيقَةَ الْغَرَامَةِ هِيَ أَنْ لَا يَلْزَمَ الْإِنْسَانَ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ يَقُولُ الزَّكَاةُ وَاجِبٌ مَالِيٌّ وَكُلُّ مَا هُوَ وَاجِبٌ مَالِيٌّ يَجِبُ عَلَيْهِ كَنَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ وَالْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ فَالزَّكَاةُ تَجِبُ عَلَيْهِ وَيُؤَدِّي عَنْهُ الْوَلِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ (وَلَنَا أَنَّهَا عِبَادَةٌ) لِأَنَّ الْعِبَادَةَ مَا يَأْتِي بِهِ الْمَرْءُ عَلَى خِلَافِ هَوَى نَفْسِهِ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ رَبِّهِ وَالزَّكَاةُ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» الْحَدِيثَ، وَغَيْرُهَا عِبَادَةٌ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَلِكَ هِيَ وَكُلُّ مَا هُوَ عِبَادَةٌ (لَا يَتَأَدَّى إلَّا بِالِاخْتِيَارِ تَحْقِيقًا لِلِابْتِلَاءِ وَلَا اخْتِيَارَ لَهُمَا لِعَدَمِ الْعَقْلِ)

بِخِلَافِ الْخَرَاجِ لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ. وَكَذَا الْغَالِبُ فِي الْعُشْرِ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ وَمَعْنَى الْعِبَادَةِ تَابِعٌ، وَلَوْ أَفَاقَ فِي بَعْضِ السَّنَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ إفَاقَتِهِ فِي بَعْضِ الشَّهْرِ فِي الصَّوْمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. فَإِنْ قِيلَ: الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالْإِيمَانُ عَلَى أَصْلِكُمْ يَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِاخْتِيَارٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلْتَصِحَّ الزَّكَاةُ بِمِثْلِهِ مِنْ الِاخْتِيَارِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي اُنْتُقِضَ قَوْلُكُمْ وَكُلُّ مَا هُوَ عِبَادَةٌ لَا يَتَأَدَّى إلَّا بِالِاخْتِيَارِ. فَالْجَوَابُ أَنَّهَا إنَّمَا تَصِحُّ بِاخْتِيَارِ قَوْلِهِ فَلْتَصِحَّ الزَّكَاةُ بِمِثْلِهِ مِنْ الِاخْتِيَارِ. قُلْنَا: غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ لِأَنَّ ذَلِكَ اخْتِيَارٌ لَا يَسْتَلْزِمُ ضَرَرًا لِعَدَمِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ، وَهَذَا الِاخْتِيَارُ يَسْتَلْزِمُ الضَّرَرَ فَلَا يَكُونُ مِثْلَ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْخَرَاجِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَصَارَ كَالْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا الْغَالِبُ فِي الْعُشْرِ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ) لِمَا أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْعُشْرِ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ بِالْخَارِجِ، فَبِاعْتِبَارِ الْأَرْضِ وَهِيَ الْأَصْلُ كَانَتْ الْمُؤْنَةُ أَصْلًا، وَبِاعْتِبَارِ الْخَارِجِ وَهُوَ وَصْفُ الْأَرْضِ كَانَ شَبَهُهَا بِالزَّكَاةِ وَالْوَصْفُ تَابِعٌ لِلْمَوْصُوفِ فَكَانَ مَعْنَى الْعِبَادَةِ تَابِعًا. فَإِنْ قِيلَ: سَبَبُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ النِّصَابُ النَّامِي وَالنِّصَابُ أَصْلٌ وَالنَّمَاءُ وَصْفٌ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي الزَّكَاةِ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ أَصْلًا. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُؤْنَةَ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْبَقَاءِ كَالنَّفَقَةِ، وَالزَّكَاةُ لَيْسَتْ سَبَبًا لِبَقَاءِ الْمَالِ وَتَمَامُهُ قَرَّرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ أَفَاقَ) يَعْنِي الْمَجْنُونَ (فِي بَعْضِ السَّنَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْإِفَاقَةِ فِي بَعْضِ الشَّهْرِ) يَعْنِي إذَا كَانَ مُفِيقًا فِي جُزْءٍ مِنْ السَّنَةِ أَوَّلِهَا أَوْ آخِرِهَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ بَعْدَ مِلْكِ النِّصَابِ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ. كَمَا لَوْ أَفَاقَ فِي جُزْءٍ مِنْ

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَكْثَرُ الْحَوْلِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَصْلِيِّ وَالْعَارِضِيِّ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا بَلَغَ مَجْنُونًا يُعْتَبَرُ الْحَوْلُ مِنْ وَقْتِ الْإِفَاقَةِ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ ـــــــــــــــــــــــــــــQشَهْرِ رَمَضَانَ فِي يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ لَزِمَهُ صَوْمُ الشَّهْرِ كُلِّهِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَرِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِمَا أَنَّ السَّنَةَ لِلزَّكَاةِ بِمَنْزِلَةِ الشَّهْرِ لِلصَّوْمِ، وَالْإِفَاقَةُ فِي جُزْءٍ مِنْ الشَّهْرِ كَالْإِفَاقَةِ فِي جَمِيعِهِ فِي وُجُوبِ صَوْمِ جَمِيعِ الشَّهْرِ فَكَذَا هَذَا (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَكْثَرُ الْحَوْلِ) فَإِنْ كَانَ مُفِيقًا فِيهِ فَقَدْ غَلَبَتْ الصِّحَّةُ الْجُنُونَ فَصَارَ كَجُنُونِ سَاعَةٍ فَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ، وَإِنْ كَانَ مَجْنُونًا فِيهِ كَانَ كَالْمَجْنُونِ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ) الْجُنُونِ (الْأَصْلِيِّ) وَهُوَ أَنْ يُدْرِكَ مَجْنُونًا (وَالْعَارِضِيِّ) وَهُوَ أَنْ يُدْرِكَ مُفِيقًا ثُمَّ يُجَنَّ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ: يَعْنِي إذَا أَفَاقَ فِي بَعْضِ السَّنَةِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ سَوَاءٌ كَانَ الْجُنُونُ أَصْلِيًّا أَوْ عَارِضِيًّا لِمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَهُ الْإِفَاقَةُ فِي أَكْثَرِ الْحَوْلِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْأَصْلِيِّ وَالْعَارِضِ (وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ) فِي الْأَصْلِيِّ (أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْحَوْلُ مِنْ وَقْتِ الْإِفَاقَةِ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ) لِأَنَّ التَّكْلِيفَ لَمْ يَسْبِقْ هَذِهِ الْحَالَةَ فَصَارَتْ الْإِفَاقَةُ بِمَنْزِلَةِ بُلُوغِ الصَّبِيِّ، وَأَمَّا إذَا طَرَأَ الْجُنُونُ فَإِنْ اسْتَمَرَّ

(وَلَيْسَ عَلَى الْمُكَاتَبِ زَكَاةٌ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِوُجُودِ الْمُنَافِي وَهُوَ الرِّقُّ، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ. (وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَجِبُ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ وَهُوَ مِلْكُ نِصَابٍ تَامٍّ. وَلَنَا أَنَّهُ مَشْغُولٌ بِحَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ فَاعْتُبِرَ مَعْدُومًا كَالْمَاءِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَطَشِ وَثِيَابِ الْبِذْلَةِ وَالْمَهْنَةِ (وَإِنْ كَانَ مَالُهُ أَكْثَرَ مِنْ دَيْنِهِ زَكَّى الْفَاضِلَ إذَا بَلَغَ نِصَابًا) لِفَرَاغِهِ عَنْ الْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQسَنَةً سَقَطَ لِأَنَّهُ اسْتَوْعَبَ مُدَّةَ التَّكَالِيفِ وَهِيَ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُعْتَبَرْ. قَالَ (وَلَيْسَ عَلَى الْمُكَاتَبِ زَكَاةٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَيْسَ لَهُ مِلْكٌ تَامٌّ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ (وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ) وَلَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ سَوَاءٌ كَانَ لِلَّهِ كَالزَّكَاةِ أَوْ لِلْعِبَادِ كَالْقَرْضِ، وَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ وَأَرْشِ الْجِرَاحَةِ وَمَهْرِ الْمَرْأَةِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ النُّقُودِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا وَسَوَاءٌ كَانَ حَالًا أَوْ مُؤَجَّلًا (فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَجِبُ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ وَهُوَ مِلْكُ نِصَابٍ تَامٍّ) فَإِنَّ الْمَدْيُونَ مَالِكٌ لِمَالِهِ لِأَنَّ دَيْنَ الْحُرِّ الصَّحِيحِ يَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ، وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَالِهِ وَلِهَذَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ (وَلَنَا أَنَّهُ مَشْغُولٌ بِحَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ) أَيْ مُعَدٌّ لِمَا يَدْفَعُ الْهَلَاكَ حَقِيقَةً أَوْ تَقْدِيرًا لِأَنَّ صَاحِبَهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِأَجْلِ قَضَاءِ الدَّيْنِ دَفْعًا لِلْحَبْسِ وَالْمُلَازَمَةِ عَنْ نَفْسِهِ، وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ اُعْتُبِرَ مَعْدُومًا كَالْمَاءِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَطَشِ لِنَفْسِهِ أَوْ دَابَّتِهِ وَثِيَابِ الْمَهْنَةِ، وَهَذَا أَيْضًا رَاجِعٌ إلَى نُقْصَانِ الْمِلْكِ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ وَلَا قَضَاءَ فَكَانَ مِلْكًا نَاقِصًا. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ مَالُهُ أَكْثَرَ مِنْ دَيْنِهِ) ظَاهِرٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ

وَالْمُرَادُ بِهِ دَيْنٌ لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ حَتَّى لَا يَمْنَعَ دَيْنٌ النَّذْرَ وَالْكَفَّارَةَ، وَدَيْنُ الزَّكَاةِ مَانِعٌ حَالَ بَقَاءِ النِّصَابِ لِأَنَّهُ يُنْتَقَصُ بِهِ النِّصَابُ، وَكَذَا بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ خِلَافًا لِزُفَرَ فِيهِمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَدْيُونَ إذَا كَانَ لَهُ صُنُوفٌ مِنْ الْأَمْوَالِ الْمُخْتَلِفَةِ وَالدَّيْنُ يَسْتَغْرِقُ بَعْضَهَا صُرِفَ أَوَّلًا إلَى النُّقُودِ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْهُ صُرِفَ إلَى عُرُوضِ التِّجَارَةِ دُونَ السَّائِمَةِ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْهُ صُرِفَ إلَى مَالِ الْقِنْيَةِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ نَصِيبٌ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ يُصْرَفُ إلَى أَقَلِّهَا زَكَاةً حَتَّى إنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُصْرَفُ الدَّيْنُ إلَى الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَلَا يُصْرَفُ إلَى الْبَقَرِ، ثُمَّ الْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ صَرَفَهُ إلَى الْغَنَمِ وَإِنْ شَاءَ إلَى الْإِبِلِ لِاتِّحَادِ الْوَاجِبِ فِيهِمَا، وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ مَا كَانَ أَنْفَعَ لِلْفُقَرَاءِ لَا يُصْرَفُ الدَّيْنُ إلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (وَالْمُرَادُ دَيْنٌ لَهُ مُطَالِبٌ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (حَالَ بَقَاءِ النِّصَابِ وَكَذَا بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ) صُورَتُهُ: رَجُلٌ مَلَكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَمَضَى عَلَيْهِ حَوْلَانِ لَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاةُ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ وُجُوبَ زَكَاةِ السَّنَةِ الْأُولَى صَارَ مَانِعًا عَنْ وُجُوبِهَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِانْتِقَاصِ النِّصَابِ بِزَكَاةِ الْأُولَى، وَلَوْ حَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَاسْتُهْلِكَ النِّصَابُ قَبْلَ أَدَاءِ الزَّكَاةِ ثُمَّ اسْتَفَادَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَحَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْمُسْتَفَادِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْمُسْتَفَادِ لِأَنَّ وُجُوبَ زَكَاةِ النِّصَابِ الْأَوَّلِ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ بِسَبَبِ الِاسْتِهْلَاكِ فَمَنَعَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ. وَقَوْلُهُ (خِلَافًا لِزُفَرَ فِيهِمَا) أَيْ فِي النِّصَابِ الَّذِي وَجَبَ فِيهِ الزَّكَاةُ وَفِي النِّصَابِ الَّذِي وَجَبَ فِيهِ دَيْنُ الِاسْتِهْلَاكِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ هَذَيْنِ

وَلِأَبِي يُوسُفَ فِي الثَّانِي عَلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ لِأَنَّ لَهُ مُطَالِبًا لِأَنَّهَا وَهُوَ الْإِمَامُ فِي السَّوَائِمِ وَنَائِبُهُ فِي أَمْوَالِ التِّجَارَةِ فَإِنَّ الْمُلَّاكَ نُوَّابُهُ. (وَلَيْسَ فِي دُورِ السُّكْنَى وَثِيَابِ الْبَدَنِ وَأَثَاثِ الْمَنَازِلِ وَدَوَابِّ الرُّكُوبِ وَعَبِيدِ الْخِدْمَةِ وَسِلَاحِ الِاسْتِعْمَالِ زَكَاةٌ) لِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِالْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَلَيْسَتْ بِنَامِيَةٍ أَيْضًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQالدَّيْنَيْنِ مَانِعَيْنِ عَنْ الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ لَا مُطَالِبَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ فَصَارَ كَدَيْنِ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَبِي يُوسُفَ فِي الثَّانِي) أَيْ فِي النِّصَابِ الَّذِي وَجَبَ فِيهِ دَيْنُ الِاسْتِهْلَاكِ (عَلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ) أَيْ عَلَى مَا رَوَى عَنْهُ أَصْحَابُ الْإِمْلَاءِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ لَهُ مُطَالِبًا وَهُوَ الْإِمَامُ فِي السَّوَائِمِ وَنَائِبُهُ فِي أَمْوَالِ التِّجَارَةِ فَإِنَّ الْمُلَّاكَ نُوَّابُهُ) دَلِيلُنَا، وَهَذَا لِأَنَّ ظَاهِرَ قَوْله تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] يُثْبِتُ لِلْإِمَامِ حَقَّ الْأَخْذِ مِنْ كُلِّ مَالٍ، وَكَذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخَلِيفَتَانِ بَعْدَهُ كَانُوا يَأْخُذُونَ إلَى أَنْ فَوَّضَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي خِلَافَتِهِ أَدَاءَ الزَّكَاةِ عَنْ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ إلَى مُلَّاكِهَا لِمَصْلَحَةٍ هِيَ أَنَّ النَّقْدَ مَطْمَعُ كُلِّ طَامِعٍ، فَكَرِهَ أَنْ يُفَتِّشَ السُّعَاةُ عَلَى التُّجَّارِ مَسْتُورَ أَمْوَالِهِمْ، فَفَوَّضَ الْأَدَاءَ إلَيْهِمْ وَحَقُّ الْأَخْذِ لِلسَّاعِي لِغَرَضِ الثُّبُوتِ فِي ذَلِكَ أَيْضًا فَإِنَّهُ إذَا مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ الزَّكَاةَ فَيُطَالِبَهُ وَيَحْبِسَهُ وَلِذَلِكَ مَنَعَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ، وَبِهَذَا فَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ بَيْنَ دَيْنِ الزَّكَاةِ وَدَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ، فَإِنَّ دَيْنَ النِّصَابِ الْمُسْتَهْلَكِ لَا مُطَالِبَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ، بِخِلَافِ النِّصَابِ الْقَائِمِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَمُرَّ بِهِ عَلَى الْعَاشِرِ فَتَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ حِينَئِذٍ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِالْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَلَيْسَتْ بِنَامِيَةٍ) يَعْنِي أَنَّ الشَّغْلَ بِالْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَعَدَمَ النَّمَاءِ كُلٌّ مِنْهُمَا مَانِعٌ عَنْ وُجُوبِهَا وَقَدْ اجْتَمَعَا هَاهُنَا، أَمَّا كَوْنُهَا مَشْغُولَةً بِهَا فَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَارٍ يَسْكُنُهَا وَثِيَابٍ يَلْبَسُهَا،

وَعَلَى هَذَا كُتُبُ الْعِلْمِ لِأَهْلِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا عَدَمُ النَّمَاءِ فَلِأَنَّهُ إمَّا خِلْقِيٌّ كَمَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَوْ بِالْإِعْدَادِ لِلتِّجَارَةِ وَلَيْسَا بِمَوْجُودَيْنِ هَاهُنَا. وَقَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا كُتُبُ الْعِلْمِ) يَعْنِي أَنَّهَا تَمْنَعُ وُجُوبَهَا إذَا لَمْ تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ مَعَ أَهْلِهَا أَوْ مَعَ غَيْرِهِ لِعَدَمِ النَّمَاءِ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ (لِأَهْلِهَا) غَيْرُ مُفِيدٍ هَاهُنَا، وَإِنَّمَا يُفِيدُ فِي حَقِّ الْمَصْرِفِ، فَإِنَّ أَهْلَ كُتُبِ الْعِلْمِ إذَا كَانَتْ لَهُ كُتُبٌ تُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَيْهَا لِلتَّدْرِيسِ وَنَحْوِهِ جَازَ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا.

وَآلَاتُ الْمُحْتَرَفِينَ لِمَا قُلْنَا. (وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ فَجَحَدَهُ سِنِينَ ثُمَّ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ لَمْ يُزَكِّهِ لِمَا مَضَى) مَعْنَاهُ: صَارَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِأَنْ أَقَرَّ عِنْدَ النَّاسِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ مَالِ الضِّمَارِ، وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ، وَمِنْ جُمْلَتِهِ: الْمَالُ الْمَفْقُودُ، وَالْآبِقُ، وَالضَّالُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَآلَاتُ الْمُحْتَرَفِينَ) قِيلَ يُرِيدُ بِهَا مَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ وَلَا يَبْقَى أَثَرُهُ فِي الْمَعْمُولِ كَالصَّابُونِ وَالْحَرَضِ وَغَيْرِهِمَا كَالْقُدُورِ وَقَوَارِيرِ الْعَطَّارِ وَنَحْوِهَا لِكَوْنِ الْأَجْرِ حِينَئِذٍ مُقَابَلًا بِالْمَنْفَعَةِ فَلَا يُعَدُّ مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ. وَأَمَّا مَا يَبْقَى أَثَرُهُ فِيهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى الصَّبَّاغُ عُصْفُرًا أَوْ زَعْفَرَانًا لِيَصْبُغَ لِلنَّاسِ بِالْأَجْرِ وَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَإِنَّهُ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ إذَا بَلَغَ نِصَابًا لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْ الْأَجْرِ مُقَابَلٌ بِالْعَيْنِ. وَقَوْلُهُ (لِمَا قُلْنَا) يَعْنِي أَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَامِيَةٍ. قَالَ (وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ فَجَحَدَهُ سِنِينَ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَمَنْ لَا تَجِبُ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْأَمْوَالِ الَّتِي لَا تَجِبُ فِيهَا، وَهُوَ مَا يُسَمَّى ضِمَارًا وَهُوَ الْغَائِبُ الَّذِي لَا يُرْجَى وُصُولُهُ، فَإِذَا رَجَّى فَلَيْسَ بِضِمَارٍ، كَذَا نَقَلَهُ الْمُطَرِّزِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَأَصْلُهُ مِنْ الْإِضْمَارِ وَهُوَ التَّغْيِيبُ وَالْإِخْفَاءُ، وَمِنْهُ أَضْمَرَ فِي قَلْبِهِ، وَقَالُوا: الضِّمَارُ مَا يَكُونُ عَيْنُهُ قَائِمًا وَلَا يُنْتَفَعُ بِهِ كَالدَّيْنِ الْمَجْحُودِ وَالْمَالِ الْمَفْقُودِ وَالْعَبْدِ الْآبِقِ وَالْمَغْصُوبِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ. وَقَوْلُهُ (مَعْنَاهُ: صَارَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِأَنْ أَقَرَّ عِنْدَ النَّاسِ) إنَّمَا

وَالْمَغْصُوبُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَالْمَالُ السَّاقِطُ فِي الْبَحْرِ، وَالْمَدْفُونُ فِي الْمَفَازَةِ إذَا نَسِيَ مَكَانَهُ، وَاَلَّذِي أَخَذَهُ السُّلْطَانُ مُصَادَرَةً. وَوُجُوبُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ بِسَبَبِ الْآبِقِ وَالضَّالِّ وَالْمَغْصُوبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَيَّدَ بِذَلِكَ احْتِرَازًا عَنْ مَسْأَلَةٍ تَأْتِي بَعْدَ هَذَا وَهِيَ قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ كَانَ عَلَى جَاحِدٍ وَعَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَقَوْلُهُ (وَالْمَدْفُونُ فِي الْمَفَازَةِ إذَا نُسِيَ مَكَانُهُ) قَيَّدَ بِالْمَفَازَةِ احْتِرَازًا عَنْ الْمَدْفُونِ فِي أَرْضٍ لَهُ أَوْ كَرْمٍ أَوْ بَيْتٍ عَلَى مَا يَجِيءُ.

عَلَى هَذَا الْخِلَافِ. لَهُمَا أَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَحَقَّقَ وَفَوَاتُ الْيَدِ غَيْرُ مُخِلٍّ بِالْوُجُوبِ كَمَالِ ابْنِ السَّبِيلِ، وَلَنَا قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا زَكَاةَ فِي الْمَالِ الضِّمَارِ وَلِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمَالُ النَّامِي وَلَا نَمَاءَ إلَّا بِالْقُدْرَةِ عَلَى التَّصَرُّفِ وَلَا قُدْرَةَ عَلَيْهِ. وَابْنُ السَّبِيلِ يَقْدِرُ بِنَائِبِهِ، وَالْمَدْفُونُ فِي الْبَيْتِ نِصَابٌ لِتَيَسُّرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ، وَفِي الْمَدْفُونِ فِي أَرْضٍ أَوْ كَرْمٍ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (لَهُمَا) أَيْ لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ (أَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَحَقَّقَ) وَالْمَانِعُ مُنْتَفٍ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ تَحَقَّقَ لَا مَحَالَةَ أَمَّا تَحَقُّقُ السَّبَبِ فَلِأَنَّهُ مَلَكَ نِصَابًا تَامًّا عَلَى مَا مَرَّ وَأَمَّا انْتِفَاءُ الْمَانِعِ فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ثَمَّةَ مَانِعٌ لَكَانَ فَوَاتُ الْيَدِ وَهُوَ لَا يُخِلُّ بِالْوُجُوبِ كَمَالِ ابْنِ السَّبِيلِ (وَلَنَا قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا زَكَاةَ فِي الْمَالِ الضِّمَارِ) وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ السَّبَبَ إلَخْ) دَلِيلٌ يَتَضَمَّنُ الْمُمَانَعَةَ، بِأَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ السَّبَبَ قَدْ وُجِدَ لِأَنَّ السَّبَبَ (هُوَ الْمَالُ النَّامِي) وَهُوَ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ لِأَنَّ النَّمَاءَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى التَّصَرُّفِ، وَلَا قُدْرَةَ عَلَى الْمَالِ الضِّمَارِ. وَقَوْلُهُ (وَابْنُ السَّبِيلِ يُقَدَّرُ بِنَائِبِهِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا كَمَالِ ابْنِ السَّبِيلِ: وَتَقْرِيرُهُ سَلَّمْنَا أَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَحَقَّقَ، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَانِعَ مُنْتَفٍ. قَوْلُهُ وَفَوَاتُ الْيَدِ غَيْرُ مُخِلٍّ بِالْوُجُوبِ قُلْنَا: مَمْنُوعٌ. قَوْلُهُ كَمَالِ ابْنِ السَّبِيلِ: قُلْنَا قِيَاسٌ فَاسِدٌ لِأَنَّ ابْنَ السَّبِيلِ قَادِرٌ عَلَى التَّصَرُّفِ بِنَائِبِهِ، وَلِهَذَا لَوْ بَاع شَيْئًا مِنْ مَالِهِ جَازَ لِقُدْرَتِهِ عَلَى التَّسْلِيمِ بِنَائِبِهِ. وَقَوْلُهُ (وَالْمَدْفُونُ فِي الْبَيْتِ نِصَابٌ) أَيْ مُوجِبٌ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ (لِتَيَسُّرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ) لِكَوْنِ الْبَيْتِ بِيَدِهِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ فَيَصِلُ إلَيْهِ بِحَفْرِهِ (وَفِي الْمَدْفُونِ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ أَوْ كَرْمٍ اخْتِلَافُ مَشَايِخِ بُخَارَى) فَقِيلَ يَجِبُ لِإِمْكَانِ حَفْرِ جَمِيعِ الْأَرْضِ وَالْوُصُولِ إلَيْهِ، وَقِيلَ لَا تَجِبُ لِأَنَّ حَفْرَ جَمِيعِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَذِّرًا

وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى مُقِرٍّ مَلِيءٍ أَوْ مُعْسِرٍ تَجِبُ الزَّكَاةُ لِإِمْكَانِ الْوُصُولِ إلَيْهِ ابْتِدَاءً أَوْ بِوَاسِطَةِ التَّحْصِيلِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ عَلَى جَاحِدٍ وَعَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْ عَلِمَ بِهِ الْقَاضِي لِمَا قُلْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ مُتَعَسِّرًا وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ (وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى مُقِرٍّ مَلِيءٍ) أَيْ غَنِيٍّ مُقْتَدِرٍ (أَوْ مُعْسِرٍ تَجِبُ الزَّكَاةُ لِإِمْكَانِ الْوُصُولِ إلَيْهِ ابْتِدَاءً) أَيْ فِي الْمَلِيءِ (أَوْ بِوَاسِطَةِ التَّحْصِيلِ) يَعْنِي فِي الْمُعْسِرِ فَكَانَ مِنْ قَبِيلِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ عَلَى السُّنَنِ (وَكَذَا لَوْ كَانَ عَلَى جَاحِدٍ وَعَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْ عَلِمَ الْقَاضِي بِهِ لِمَا قُلْنَا) يَعْنِي مِنْ إمْكَانِ الْوُصُولِ إلَيْهِ. قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: وَلَوْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِيمَا مَضَى لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ تَاوِيًا لِمَا أَنَّ حُجَّةَ الْبَيِّنَةِ فَوْقَ حُجَّةِ الْإِقْرَارِ، وَهَذَا رِوَايَةُ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ قَالَ: لَا تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ لِمَا مَضَى وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً، إذْ لَيْسَ كُلُّ شَاهِدٍ يُقْبَلُ وَلَا كُلُّ قَاضٍ يَعْدِلُ، وَفِي الْمُحَابَاةِ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي لِلْخُصُومَةِ ذُلٌّ، وَالْبَيِّنَةُ بِدُونِ الْقَضَاءِ لَا تَكُونُ مُوجِبَةً شَيْئًا بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْحَقَّ بِنَفْسِهِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ مَعْلُومًا لِلْقَاضِي لِأَنَّ صَاحِبَ

وَلَوْ كَانَ عَلَى مُقِرٍّ مُفْلِسٍ فَهُوَ نِصَابٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ تَفْلِيسَ الْقَاضِي لَا يَصِحُّ عِنْدَهُ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تَجِبُ لِتَحَقُّقِ الْإِفْلَاسِ عِنْدَهُ بِالتَّفْلِيسِ. وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ فِي تَحَقُّقِ الْإِفْلَاسِ، وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي حُكْمِ الزَّكَاةِ رِعَايَةً لِجَانِبِ الْفُقَرَاءِ. (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً لِلتِّجَارَةِ وَنَوَاهَا لِلْخِدْمَةِ بَطَلَتْ عَنْهَا الزَّكَاةُ) لِاتِّصَالِ النِّيَّةِ بِالْعَمَلِ وَهُوَ تَرْكُ التِّجَارَةِ (وَإِنْ نَوَاهَا لِلتِّجَارَةِ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ حَتَّى يَبِيعَهَا فَيَكُونَ فِي ثَمَنِهَا زَكَاةٌ) لِأَنَّ النِّيَّةَ لَمْ تَتَّصِلْ بِالْعَمَلِ إذْ هُوَ لَمْ يَتَّجِرْ فَلَمْ تُعْتَبَرْ، وَلِهَذَا يَصِيرُ الْمُسَافِرُ مُقِيمًا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، وَلَا يَصِيرُ الْمُقِيمُ مُسَافِرًا إلَّا بِالسَّفَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالدَّيْنِ هُنَاكَ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْخُصُومَةِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يُلْزِمُهُ بِعِلْمِهِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ كَانَ عَلَى مُقِرٍّ مُفَلَّسٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ (فَهُوَ نِصَابٌ) أَيْ مُوجِبٌ لِلزَّكَاةِ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ تَفْلِيسَ الْقَاضِي) أَيْ النِّدَاءَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ أَفْلَسَ (لَا يَصِحُّ عِنْدَهُ) فَكَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَلَوْ لَمْ يُفَلِّسْهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ بِالِاتِّفَاقِ لِإِمْكَانِ الْوُصُولِ بِوَاسِطَةِ التَّحْصِيلِ كَمَا مَرَّ، فَكَذَا بَعْدَ التَّفْلِيسِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تَجِبُ) عَلَيْهِ (لِتَحَقُّقِ الْإِفْلَاسِ بِالتَّفْلِيسِ) وَلَمَّا صَحَّ التَّفْلِيسُ عِنْدَهُ جَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ التَّاوِي وَالْمَجْحُودِ (وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ فِي تَحَقُّقِ الْإِفْلَاسِ) حَتَّى تَسْقُطَ الْمُطَالَبَةُ إلَى وَقْتِ الْيَسَارِ (وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي حُكْمِ الزَّكَاةِ) فَتَجِبُ لِمَا مَضَى إذَا قُبِضَ عِنْدَهُمَا (رِعَايَةً لِجَانِبِ الْفُقَرَاءِ) وَقَوْلُهُ (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً لِلتِّجَارَةِ) ظَاهِرٌ وَحَاصِلُهُ أَنَّ النِّيَّةَ إذَا اقْتَرَنَتْ بِالْعَمَلِ وَجَبَ اعْتِبَارُهَا، وَإِذَا تَجَرَّدَتْ عَنْ الْعَمَلِ لَا تُعْتَبَرُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ

(وَإِنْ اشْتَرَى شَيْئًا وَنَوَاهُ لِلتِّجَارَةِ كَانَ لِلتِّجَارَةِ لِاتِّصَالِ النِّيَّةِ بِالْعَمَلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَرِثَ وَنَوَى التِّجَارَةَ) لِأَنَّهُ لَا عَمَلَ مِنْهُ، وَلَوْ مَلَكَهُ بِالْهِبَةِ أَوْ بِالْوَصِيَّةِ أَوْ النِّكَاحِ أَوْ الْخُلْعِ أَوْ الصُّلْحِ عَنْ الْقَوَدِ وَنَوَاهُ لِلتِّجَارَةِ كَانَ لِلتِّجَارَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِاقْتِرَانِهَا بِالْعَمَلِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ لِأَنَّهَا لَمْ تُقَارِنْ عَمَلَ التِّجَارَةِ، وَقِيلَ الِاخْتِلَافُ عَلَى عَكْسِهِ. (وَلَا يَجُوزُ أَدَاءُ الزَّكَاةِ إلَّا بِنِيَّةٍ مُقَارِنَةٍ لِلْأَدَاءِ، أَوْ مُقَارِنَةٍ لِعَزْلِ مِقْدَارِ الْوَاجِبِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQثُبُوتُهُ بِالْجَوَارِحِ، وَالتِّجَارَةُ عَمَلُ الْجَوَارِحِ فَلَا تَتَحَصَّلُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لِأَنَّهَا تَصْلُحُ لِتَرْكِ الْفِعْلِ دُونَ إنْشَائِهِ. قَالَ (وَإِنْ اشْتَرَى شَيْئًا وَنَوَاهُ لِلتِّجَارَةِ كَانَ لِلتِّجَارَةِ) مَبْنَاهُ مَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّهُ إذَا اشْتَرَى وَنَوَى قُرِنَتْ نِيَّتُهُ بِالْعَمَلِ، وَإِذَا وَرِثَ وَنَوَى تَجَرَّدَتْ النِّيَّةُ عَنْ الْعَمَلِ لِمَا أَنَّ الْمِيرَاثَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ بِغَيْرِ عَمَلِهِ وَصُنْعِهِ حَتَّى إنَّ الْجَنِينَ يَرِثُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ فِعْلٌ (وَلَوْ مَلَكَهُ بِالْهِبَةِ أَوْ بِالْوَصِيَّةِ) أَوْ بِغَيْرِهِمَا مِمَّا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ (وَنَوَاهُ لِلتِّجَارَةِ كَانَ لِلتِّجَارَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِاقْتِرَانِهَا بِالْعَمَلِ وَهُوَ الْقَبُولُ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ لِأَنَّهَا لَمْ تُقَارِنْ عَمَلَ التِّجَارَةِ) لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ لَيْسَتْ بِتِجَارَةٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الرَّجُلِ عَلَى نَوْعَيْنِ: نَوْعٌ يَدْخُلُ بِغَيْرِ صُنْعِهِ كَالْإِرْثِ. وَنَوْعٌ يَدْخُلُ بِصُنْعِهِ وَهُوَ أَيْضًا عَلَى نَوْعَيْنِ: بِبَدَلٍ مَالِيٍّ كَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَغَيْرِهِ كَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَبِغَيْرِ بَدَلٍ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ، فَاَلَّذِي يَدْخُلُ بِغَيْرِ صُنْعِهِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ نِيَّةُ التِّجَارَةِ مُجَرَّدَةً بِالِاتِّفَاقِ، وَاَلَّذِي يَدْخُلُ بِبَدَلٍ مَالِيٍّ يُعْتَبَرُ فِيهِ نِيَّةُ التِّجَارَةِ بِالِاتِّفَاقِ، وَاَلَّذِي يَدْخُلُ بِبَدَلٍ غَيْرِ مَالِيٍّ أَوْ بِغَيْرِ بَدَلٍ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. قِيلَ قَوْلُهُ وَإِنْ اشْتَرَى شَيْئًا وَنَوَاهُ لِلتِّجَارَةِ كَانَ لِلتِّجَارَةِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، فَإِنَّ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ تَصِحَّ فِيهِ نِيَّةُ التِّجَارَةِ لَا يَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ كَمَنْ اشْتَرَى أَرْضًا عُشْرِيَّةً أَوْ خَرَاجِيَّةً بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ فِيهِ زَكَاةُ التِّجَارَةِ لِأَنَّ نِيَّةَ التِّجَارَةِ فِيهَا لَا تَصِحُّ، لِأَنَّهَا لَوْ صَحَّتْ لَزِمَ فِيهَا اجْتِمَاعُ الْحَقَّيْنِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْأَرْضُ وَهُوَ لَا يَجُوزُ، وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ بَقِيَتْ الْأَرْضُ عَلَى مَا كَانَتْ. وَقَوْلُهُ (وَقِيلَ الِاخْتِلَافُ عَلَى عَكْسِهِ) يَعْنِي مَا نَقَلَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ عَنْ الْقَاضِي الشَّهِيدِ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي مُخْتَلِفِهِ هَذَا الِاخْتِلَافَ، عَلَى عَكْسِ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ أَنَّهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ، وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَكُونُ لَهَا. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ أَدَاءُ الزَّكَاةِ إلَّا بِنِيَّةٍ مُقَارِنَةٍ لِلْأَدَاءِ)

لِأَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ فَكَانَ مِنْ شَرْطِهَا النِّيَّةُ وَالْأَصْلُ فِيهَا الِاقْتِرَانُ، إلَّا أَنَّ الدَّفْعَ يَتَفَرَّقُ فَاكْتُفِيَ بِوُجُودِهَا حَالَةَ الْعَزْلِ تَيْسِيرًا كَتَقَدُّمِ النِّيَّةِ فِي الصَّوْمِ. (وَمَنْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ لَا يَنْوِي الزَّكَاةَ سَقَطَ فَرْضُهَا عَنْهُ اسْتِحْسَانًا) لِأَنَّ الْوَاجِبَ جُزْءٌ مِنْهُ فَكَانَ مُتَعَيِّنًا فِيهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّعْيِينِ (وَلَوْ أَدَّى بَعْضَ النِّصَابِ سَقَطَ زَكَاةُ الْمُؤَدَّى عِنْدَ مُحَمَّدٍ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ شَائِعٌ فِي الْكُلِّ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَسْقُطُ لِأَنَّ الْبَعْضَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ لِكَوْنِ الْبَاقِي مَحَلًّا لِلْوَاجِبِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ نِيَّةٍ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِهَا إلَّا إذَا قَارَنَتْ الْعَمَلَ، فَإِنْ قَارَنَتْ الْأَدَاءَ فَظَاهِرٌ. وَإِنْ قَارَنَتْ عُزِلَ مِقْدَارُ الْوَاجِبِ فَلِمَا ذَكَرَ بِقَوْلِهِ (إلَّا أَنَّ الدَّفْعَ يَتَفَرَّقُ فَاكْتُفِيَ بِوُجُودِهَا حَالَةَ الْعَزْلِ تَيْسِيرًا) فَإِنَّا لَوْ شَرَطْنَا وُجُودَهَا عِنْدَ كُلِّ دَفْعٍ لَزِمَ الْحَرَجُ فَكَانَ كَتَقْدِيمِ النِّيَّةِ فِي الصَّوْمِ. وَقَوْلُهُ (مَنْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ لَا يَنْوِي الزَّكَاةَ) أَيْ غَيْرَ نَاوٍ لَهَا (سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُهَا اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَسْقُطَ، قِيلَ: وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّ النَّفَلَ وَالْفَرْضَ كِلَاهُمَا مَشْرُوعَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا ذَكَرَهُ (أَنَّ الْوَاجِبَ جُزْءٌ مِنْهُ) أَيْ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ وَهُوَ رُبُعُ الْعُشْرِ (فَكَانَ مُتَعَيِّنًا فِيهِ) أَيْ فِي الْجَمِيعِ، وَالْمُتَعَيِّنُ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّعْيِينِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْوَاجِبُ مُتَعَيِّنٌ بِتَعْيِينِ الْمُؤَدِّي أَوْ بِتَعْيِينِ الشَّارِعِ، لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ بِكَوْنِهِ خِلَافَ الْمَفْرُوضِ، وَالثَّانِي إنَّمَا يُعْتَبَرُ إذَا لَمْ يُزَاحِمْهُ مُزَاحِمٌ كَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ النَّفَلَ مَشْرُوعٌ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ بِتَعْيِينِ الْمُؤَدِّي بِدَلَالَةِ حَالِهِ كَمَنْ أَطْلَقَ نِيَّةَ الْحَجِّ وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ. وَالْمَفْرُوضُ عَدَمُ تَعْيِينِهِ نَصًّا لَا دَلَالَةً. وَلَوْ سَلَكَ هَاهُنَا الْمَسْلَكَ الَّذِي سَلَكْته فِي التَّقْرِيرِ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ الزَّكَاةُ سَقَطَتْ عَنْهُ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا وَالسُّقُوطُ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ تَخْفِيفٌ عَلَيْهِ فَيُكْتَفَى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ تَيْسِيرًا لَعَلَّهُ كَانَ أَسْهَلَ مَأْخَذًا (وَلَوْ أَدَّى بَعْضَ النِّصَابِ سَقَطَتْ زَكَاةُ الْمُؤَدِّي عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْوَاجِبَ شَائِعٌ) فَلَوْ تَصَدَّقَ بِالْجَمِيعِ سَقَطَ الْجَمِيعُ، فَكَذَا إذَا تَصَدَّقَ بِالْبَعْضِ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَسْقُطُ لِأَنَّ الْبَعْضَ الْمُؤَدَّى غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ لِمَحَلِّيَّةِ بَعْضِ الْوَاجِبِ الَّذِي يَخُصُّهُ لِكَوْنِ الْبَاقِي مَحَلًّا لِلْوَاجِبِ فَوُجِدَتْ

[باب صدقة السوائم]

(بَابُ صَدَقَةِ السَّوَائِمِ) (فَصْلٌ فِي الْإِبِلِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمُزَاحَمَةُ سَائِرِ الْأَجْزَاءِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَصَدَّقَ بِالْجَمِيعِ بِلَا نِيَّةٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَبْقَ ثَمَّ مُزَاحَمَةٌ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْبَاقِي مَحَلٌّ لِلْوَاجِبِ كُلِّهِ أَوْ لِحِصَّتِهِ، وَالْأَوَّلُ عَيْنُ النِّزَاعِ، وَالثَّانِي هُوَ الْمَطْلُوبُ. وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ مَعَ مُحَمَّدٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. [بَابُ صَدَقَةِ السَّوَائِمِ] ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ مُحَمَّدًا بَدَأَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ بِزَكَاةِ الْمَوَاشِي اقْتِدَاءً بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَذَكَرَ الصَّدَقَةَ وَأَرَادَ بِهَا الزَّكَاةَ اقْتِدَاءً بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] وَالسَّوَائِمُ جَمْعُ سَائِمَةٍ مِنْ سَامَتْ الْمَاشِيَةُ: أَيْ رَعَتْ سَوْمًا وَأَسَامَهَا صَاحِبُهَا إسَامَةً. (فَصْلٌ فِي الْإِبِلِ) بَدَأَ فِي بَابِ صَدَقَةِ السَّوَائِمِ بِفَصْلِ الْإِبِلِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إلَى أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَكَذَا. وَالذَّوْدُ مِنْ الْإِبِلِ مِنْ الثَّلَاثِ إلَى الْعَشْرِ، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا. وَإِضَافَةُ خَمْسٍ إلَى ذَوْدٍ كَالْإِضَافَةِ فِي قَوْلِهِ {تِسْعَةُ رَهْطٍ} [النمل: 48] فِي كَوْنِهَا إضَافَةَ الْعَدَدِ إلَى مُمَيِّزِهِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْجَمْعِ، كَأَنَّهُ قَالَ تِسْعَةُ أَنْفُسٍ.

قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا سَائِمَةً، وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا شَاةٌ إلَى تِسْعٍ، فَإِذَا كَانَتْ عَشْرًا فَفِيهَا شَاتَانِ إلَى أَرْبَعَ عَشْرَةَ، فَإِذَا كَانَتْ خَمْسَ عَشْرَةَ فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ إلَى تِسْعَ عَشْرَةَ، فَإِذَا كَانَتْ عِشْرِينَ فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ إلَى أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ) وَهِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الثَّانِيَةِ. (إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ، فَإِذَا كَانَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ) وَهِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الثَّالِثَةِ إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ (فَإِذَا كَانَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ) وَهِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الرَّابِعَةِ (إلَى سِتِّينَ، فَإِذَا كَانَتْ إحْدَى وَسِتِّينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ) وَهِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الْخَامِسَةِ (إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، فَإِذَا كَانَتْ سِتًّا وَسَبْعِينَ فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ إلَى تِسْعِينَ، فَإِذَا كَانَتْ إحْدَى ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ قِيلَ: الْأَصْلُ فِي الزَّكَاةِ أَنْ تَجِبَ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْهُ فَكَيْفَ وَجَبَتْ الشَّاةُ فِي الْإِبِلِ؟ قُلْت: بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَلِأَنَّ الْوَاحِدَ مِنْ خَمْسٍ خُمُسٌ وَالْوَاجِبُ هُوَ رُبُعُ الْعُشْرِ، وَفِي إيجَابِ الشِّقْصِ ضَرَرُ عَيْبِ الشَّرِكَةِ فَأَوْجَبَ الشَّاةَ لِأَنَّهَا تَقُومُ بِرُبُعِ عُشْرِ الْإِبِلِ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَقُومُ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ هُنَاكَ وَبِنْتُ مَخَاضٍ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، فَإِيجَابُهَا فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ كَإِيجَابِ الْخَمْسِ فِي الْمِائَتَيْنِ مِنْ الدَّرَاهِمِ. قَوْلُهُ (فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ) عَلَى هَذَا اتَّفَقَتْ الْآثَارُ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ، إلَّا مَا رُوِيَ شَاذًّا عَنْ عَلِيٍّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ خَمْسُ شِيَاهٍ، وَفِي سِتٍّ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ. قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: هَذَا غَلَطٌ وَقَعَ مِنْ رِجَالِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أَمَّا عَلِيٌّ فَإِنَّهُ أَفْقَهُ مِنْ أَنْ يَقُولَ هَكَذَا، لِأَنَّ فِي هَذَا مُوَالَاةً بَيْنَ الْوَاجِبَيْنِ لَا وَقْصَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ خِلَافُ أُصُولِ الزَّكَوَاتِ فَإِنَّ مَبْنَاهَا عَلَى أَنَّ الْوَقْصَ يَتْلُو الْوُجُوبَ. وَقَوْلُهُ (وَهِيَ الَّتِي طَعَنَتْ) أَيْ دَخَلَتْ (فِي الثَّانِيَةِ) وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ بِنْتَ مَخَاضٍ لِمَعْنًى فِي أُمِّهَا لِأَنَّ أُمَّهَا صَارَتْ مَخَاضًا بِأُخْرَى: أَيْ حَامِلًا، وَكَذَلِكَ سُمِّيَتْ بِنْتَ لَبُونٍ لِمَعْنًى

وَتِسْعِينَ فَفِيهَا حِقَّتَانِ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ) بِهَذَا اشْتَهَرَتْ كُتُبُ الصَّدَقَاتِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (ثُمَّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي أُمِّهَا فَإِنَّهَا لَبُونٌ بِوِلَادَةِ أُخْرَى، وَسُمِّيَتْ حِقَّةً لِمَعْنًى فِيهَا وَهُوَ أَنَّهُ حُقَّ لَهَا أَنْ تُرْكَبَ وَيُحْمَلَ عَلَيْهَا، وَسُمِّيَتْ جَذَعَةً بِفَتْحِ الذَّالِ لِمَعْنًى فِي أَسْنَانِهَا مَعْرُوفٍ عِنْدَ أَرْبَابِ الْإِبِلِ وَهِيَ أَعْلَى الْأَسْنَانِ الَّتِي تُؤْخَذُ فِي زَكَاةِ الْإِبِلِ، وَبَعْدَهُ ثَنِيٌّ وَسَدِيسٌ وَبَازِلٌ، وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السُّعَاةَ عَنْ أَخْذِ كَرَائِمِ أَمْوَالِ النَّاسِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ صِفَاتِ الْوَاجِبِ فِي الْإِبِلِ الْأُنُوثَةَ، قَالَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ لَا يَجُوزُ فِيهَا سِوَى الْإِنَاثِ إلَّا بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ. وَقِيلَ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الْوَاجِبَ فِي نِصَابِ الْإِبِلِ الصِّغَارِ دُونَ الْكِبَارِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْأُضْحِيَّةُ بِهَا وَإِنَّمَا تَجُوزُ بِالثَّنِيِّ فَصَاعِدًا، وَكَانَ ذَلِكَ تَيْسِيرًا لِأَرْبَابِ الْمَوَاشِي، وَجُعِلَ الْوَاجِبُ أَيْضًا مِنْ الْإِنَاثِ لِأَنَّ الْأُنُوثَةَ تُعَدُّ فَضْلًا

إذَا زَادَتْ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ (تُسْتَأْنَفُ الْفَرِيضَةُ) فَيَكُونُ فِي الْخَمْسِ شَاةٌ مَعَ الْحِقَّتَيْنِ، وَفِي الْعَشْرِ شَاتَانِ، وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَفِي الْعِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْإِبِلِ فَصَارَ الْوَاجِبُ وَسَطًا؛ وَقَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ بِتَعْيِينِ الْوَسَطِ وَلَمْ تُعَيِّنْ الْأُنُوثَةَ فِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ لِأَنَّ الْأُنُوثَةَ فِيهِمَا تُعَدُّ فَضْلًا. وَقَوْلُهُ (تُسْتَأْنَفُ الْفَرِيضَةُ) تَفْسِيرُ الِاسْتِئْنَافِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيمَا زَادَ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ حَتَّى تَبْلُغَ الزِّيَادَةُ خَمْسًا

إلَى مِائَةٍ وَخَمْسِينَ فَيَكُونُ فِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ، ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ الْفَرِيضَةُ فَيَكُونُ فِي الْخَمْسِ شَاةٌ، وَفِي الْعَشْرِ شَاتَانِ، وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَفِي الْعِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَفِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَةً وَسِتًّا وَتِسْعِينَ فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ إلَى مِائَتَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا كَانَ فِيهَا شَاةٌ مَعَ الْوَاجِبِ الْمُتَقَدِّمِ وَهُوَ الْحِقَّتَانِ، فَقَوْلُهُ مَعَ الْحِقَّتَيْنِ قَيْدٌ فِيمَا يَأْتِي بَعْدَهُ إلَى قَوْلِهِ بِنْتُ مَخَاضٍ. وَقَوْلُهُ (إلَى مِائَةٍ وَخَمْسِينَ) يَعْنِي مِنْ أَوَّلِ النِّصَابِ فَتَكُونُ جُمْلَةُ النِّصَابِ مِائَةً وَخَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ لِحِقَّتَيْنِ وَبِنْتِ مَخَاضٍ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ذَلِكَ خَمْسَةً صَارَتْ مِائَةً وَخَمْسِينَ فَفِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ تَسْتَأْنِفُ الْفَرِيضَةَ فَيَكُونُ فِي الْخَمْسِ شَاةٌ)

ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ الْفَرِيضَةُ أَبَدًا كَمَا تُسْتَأْنَفُ فِي الْخَمْسِينَ الَّتِي بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ وَهَذَا عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا زَادَتْ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ وَاحِدَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ، فَإِذَا صَارَتْ مِائَةً وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ وَبِنْتَا لَبُونٍ، ثُمَّ يُدَارُ الْحِسَابُ عَلَى الْأَرْبَعِينَاتِ وَالْخَمْسِينَاتِ فَتَجِبُ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَتَبَ «إذَا زَادَتْ الْإِبِلُ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ» مِنْ غَيْرِ شَرْطِ عَوْدِ مَا دُونَهَا. وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَتَبَ فِي آخِرِ ذَلِكَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ «فَمَا كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي مِنْ ثَلَاثِ حِقَاقٍ، وَكَذَلِكَ فَمَا بَعْدَهُ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ تَسْتَأْنِفُ الْفَرِيضَةَ أَبَدًا كَمَا تَسْتَأْنِفُ فِي الْخَمْسِينَ الَّتِي بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ) قَيَّدَهُ بِذَلِكَ احْتِرَازًا عَنْ الِاسْتِئْنَافِ الَّذِي بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِيهِ إيجَابُ بِنْتِ لَبُونٍ وَلَا إيجَابُ أَرْبَعِ حِقَاقٍ لِعَدَمِ نِصَابِهِمَا لِأَنَّهُ لَمَّا زَادَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ عَلَى الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ صَارَ كُلُّ النِّصَابِ مِائَةً وَخَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ فَهُوَ نِصَابُ بِنْتِ الْمَخَاضِ مَعَ الْحِقَّتَيْنِ، فَلَمَّا زَادَ عَلَيْهَا خَمْسٌ وَصَارَتْ مِائَةً وَخَمْسِينَ وَجَبَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا) أَيْ الِاسْتِئْنَافُ بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ وَبَعْدَ الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ وَبَعْدَ الْمِائَتَيْنِ (مَذْهَبُنَا) وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا زَادَتْ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ، فَإِذَا صَارَتْ مِائَةً وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ وَبِنْتَا لَبُونٍ، ثُمَّ يُدَارُ الْحِسَابُ عَلَى الْأَرْبَعِينَاتِ وَالْخَمْسِينَاتِ فَيَجِبُ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ) وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَتَبَ «إذَا زَادَتْ الْإِبِلُ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ» وَلَمْ يُشْتَرَطْ عَوْدُ مَا دُونَهَا

أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، فَفِي كُلِّ خَمْسِ ذَوْدٍ شَاةٌ» فَنَعْمَلُ بِالزِّيَادَةِ (وَالْبُخْتُ وَالْعِرَابُ سَوَاءٌ) فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ لِأَنَّ مُطْلَقَ الِاسْمِ يَتَنَاوَلُهُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوجِبَ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يُوجِبَ فِي الْخَمْسِ شَاةً. وَلَنَا حَدِيثُ «قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قُلْت لِأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: أَخْرِجْ لِي كِتَابَ الصَّدَقَاتِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، فَأَخْرَجَ كِتَابًا فِي وَرَقَةٍ وَفِيهِ: فَإِذَا زَادَتْ الْإِبِلُ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ اُسْتُؤْنِفَتْ الْفَرِيضَةُ، فَمَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَفِيهَا الْغَنَمُ فِي كُلِّ خَمْسِ ذَوْدٍ شَاةٌ» فَيُعْمَلُ بِالزِّيَادَةِ إذْ لَيْسَ فِي حَدِيثِهِمْ مَا يَنْفِي ذَلِكَ. وَقَدْ عَمِلْنَا بِحَدِيثِهِمْ أَيْضًا لِأَنَّا أَوْجَبْنَا فِي الْأَرْبَعِينَ بِنْتَ لَبُونٍ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِي الْأَرْبَعِينَ مَا هُوَ الْوَاجِبُ فِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ، وَكَذَلِكَ أَوْجَبْنَا فِي خَمْسِينَ حِقَّةً. وَقَوْلُهُ (وَالْبُخْتُ وَالْعِرَابُ سَوَاءٌ) الْبُخْتُ جَمْعُ

[فصل في زكاة البقر]

(فَصْلٌ فِي) (الْبَقَرِ) (لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ السَّائِمَةِ صَدَقَةٌ، فَإِذَا كَانَتْ ثَلَاثِينَ سَائِمَةً وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ) وَهِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الثَّانِيَةِ (وَفِي أَرْبَعِينَ مُسِنٌّ أَوْ مُسِنَّةٌ) وَهِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الثَّالِثَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبُخْتِيٍّ وَهُوَ الْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ الْعَرَبِيِّ وَالْعَجَمِيِّ مَنْسُوبٌ إلَى بُخْتِ نَصْرٍ وَالْعِرَابُ جَمْعُ عَرَبِيٍّ وَإِنَّمَا كَانَا سَوَاءً لِأَنَّ اسْمَ الْإِبِلِ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ يَتَنَاوَلُهُمَا وَاخْتِلَافُهُمَا فِي الصِّنْفِ لَا يُخْرِجُهُمَا مِنْ النَّوْعِ. [فَصْلٌ فِي زَكَاة الْبَقَرِ] (فَصْلٌ فِي الْبَقَرِ) قَدَّمَ فَصْلَ الْبَقَرِ عَلَى الْغَنَمِ لِمُنَاسَبَتِهَا ضَخَامَةً وَقِيمَةً، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ بَقَرَ إذَا شَقَّ، وَسُمِّيَ بِهِ الْبَقَرُ لِأَنَّهُ يَشُقُّ الْأَرْضَ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الثَّلَاثِينَ وَالْأَرْبَعِينَ نِصَابُ زَكَاةِ الْبَقَرِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ. وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ عَلَى مَا يُذْكَرُ. وَالتَّبِيعُ مِنْ وَلَدِ الْبَقَرِ مَا يَتْبَعُ أُمَّهُ، وَالْمُسِنُّ مِنْهُ وَمِنْ الشَّاةِ مَا تَمَّتْ لَهُ سَنَتَانِ،

بِهَذَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعَاذًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (فَإِذَا زَادَتْ عَلَى أَرْبَعِينَ وَجَبَ فِي الزِّيَادَةِ بِقَدْرِ ذَلِكَ إلَى سِتِّينَ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ فَفِي الْوَاحِدَةِ الزَّائِدَةِ رُبْعُ عُشْرِ مُسِنَّةٍ، وَفِي الِاثْنَيْنِ نِصْفُ عُشْرِ مُسِنَّةٍ، وَفِي الثَّلَاثَةِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ عُشْرِ مُسِنَّةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنَّمَا خَيَّرَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى لِأَنَّ الْأُنُوثَةَ فِي الْبَقَرِ لَا تُعَدُّ فَضْلًا كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَوْلُهُ (بِهَذَا) أَيْ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّبِيعِ وَالتَّبِيعَةِ فِي ثَلَاثِينَ وَالْمُسِنِّ وَالْمُسِنَّةِ فِي أَرْبَعِينَ (أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعَاذًا، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى الْأَرْبَعِينَ) فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ. فَفِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ (يَجِبُ فِي الزِّيَادَةِ بِقَدْرِ ذَلِكَ إلَى سِتِّينَ) فَفِي الْوَاحِدَةِ الزَّائِدَةِ رُبُعُ عُشْرِ مُسِنَّةٍ (وَفِي الثِّنْتَيْنِ نِصْفُ عُشْرِ مُسِنَّةٍ) وَذَلِكَ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ مُسِنَّةٍ لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ لِلْأَرْبَعِينَ وَرُبُعَ الْأَرْبَعَةِ وَاحِدٌ فَيَكُونُ رُبُعُ الْعُشْرِ جُزْءًا مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا وَنِصْفُ الْعُشْرِ جُزْأَيْنِ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا لِأَنَّ عُشْرَ الْأَرْبَعِينَ أَرْبَعَةٌ وَنِصْفَ الْأَرْبَعَةِ اثْنَانِ. وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ: لَا شَيْءَ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسِينَ، ثُمَّ فِيهَا مُسِنَّةٌ وَرُبُعُ مُسِنَّةٍ أَوْ ثُلُثُ تَبِيعٍ، وَفِي رِوَايَةِ أُسْدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ: لَا شَيْءَ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى تَبْلُغَ سِتِّينَ. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعَفْوَ فِيمَا بَيْنَ الثَّلَاثِينَ وَالْأَرْبَعِينَ وَبَيْنَ السِّتِّينَ وَمَا فَوْقَهَا ثَبَتَ نَصًّا، بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لِمَا فِيهِ مِنْ إخْلَاءِ الْمَالِ عَنْ الْوَاجِبِ مَعَ قِيَامِ الْمُقْتَضَى وَهُوَ إطْلَاقُ قَوْله تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] وَقِيَامُ الْأَهْلِيَّةِ وَلَا نَصَّ هَاهُنَا فَأَوْجَبْنَا فِيمَا زَادَ بِحِسَابِهِ وَتَحَمَّلْنَا التَّشْقِيصَ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ مَوْضُوعِ الزَّكَاةِ ضَرُورَةَ تَعَذُّرِ إخْلَائِهِ عَنْ الْوَاجِبِ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّ مَبْنَى هَذَا النِّصَابُ: أَيْ نِصَابُ الْبَقَرِ عَلَى أَنْ يَكُونَ بَيْنَ كُلِّ عَقْدَيْنِ وَقْصٌ وَفِي كُلِّ عَقْدٍ وَاجِبٍ بِدَلِيلِ مَا قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ وَبَعْدَ السِّتِّينَ فَيَكُونُ بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ وَالْخَمْسِينَ كَذَلِكَ لَكِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ إعْطَاءِ رُبُعِ مُسِنَّةٍ وَثُلُثِ تَبِيعٍ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ عَشْرَةٌ وَهِيَ ثُلُثُ ثَلَاثِينَ وَرُبُعُ أَرْبَعِينَ فَيُخَيَّرُ

وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْأَصْلِ لِأَنَّ الْعَفْوَ ثَبَتَ نَصًّا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ وَلَا نَصَّ هُنَا. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الزِّيَادَةِ شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسِينَ، ثُمَّ فِيهَا مُسِنَّةٌ وَرُبْعُ مُسِنَّةٍ أَوْ ثُلُثُ تَبِيعٍ، لِأَنَّ مَبْنَى هَذَا النِّصَابِ عَلَى أَنْ يَكُونَ بَيْنَ كُلِّ عَقْدَيْنِ وَقْصٌ، وَفِي كُلِّ عَقْدٍ وَاجِبٌ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا شَيْءَ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى تَبْلُغَ سِتِّينَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمُعَاذٍ «لَا تَأْخُذْ مِنْ أَوْقَاصِ الْبَقَرِ شَيْئًا» وَفَسَّرُوهُ بِمَا بَيْنَ أَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ. قُلْنَا: قَدْ قِيلَ إنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا الصِّغَارُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْنَهُمَا. وَوَجْهُ رِوَايَةِ أُسْدٍ وَهُوَ قَوْلُهُمَا «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: لَا تَأْخُذْ مِنْ أَوْقَاصِ الْبَقَرِ شَيْئًا» وَفَسَّرُوهُ بِمَا بَيْنَ أَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ، وَالْأَوْقَاصُ جَمْعُ وَقْصٍ بِفَتْحِ الْقَافِ، وَهُوَ مَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ. قُلْنَا: قَدْ قِيلَ

[فصل في زكاة الغنم]

(ثُمَّ فِي السِّتِّينَ تَبِيعَانِ أَوْ تَبِيعَتَانِ، وَفِي سَبْعِينَ مُسِنَّةٌ وَتَبِيعٌ، وَفِي ثَمَانِينَ مُسِنَّتَانِ، وَفِي تِسْعِينَ ثَلَاثَةُ أَتْبِعَةٍ، وَفِي الْمِائَةِ تَبِيعَانِ وَمُسِنَّةٌ. وَعَلَى هَذَا يَتَغَيَّرُ الْفَرْضُ فِي كُلِّ عَشْرٍ مِنْ تَبِيعٍ إلَى مُسِنَّةٍ وَمِنْ مُسِنَّةٍ إلَى تَبِيعٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنٌّ أَوْ مُسِنَّةٌ» (وَالْجَوَامِيسُ وَالْبَقَرُ سَوَاءٌ) لِأَنَّ اسْمَ الْبَقَرِ يَتَنَاوَلُهُمَا إذْ هُوَ نَوْعٌ مِنْهُ، إلَّا أَنَّ أَوْهَامَ النَّاسِ لَا تَسْبِقُ إلَيْهِ فِي دِيَارِنَا لِقِلَّتِهِ، فَلِذَلِكَ لَا يَحْنَثُ بِهِ فِي يَمِينِهِ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ بَقَرٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ فِي الْغَنَمِ) (لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ السَّائِمَةِ صَدَقَةٌ، فَإِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ سَائِمَةً وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا شَاةٌ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا شَاتَانِ إلَى مِائَتَيْنِ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعَمِائَةٍ فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ، ثُمَّ فِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ شَاةٌ) هَكَذَا وَرَدَ الْبَيَانُ فِي كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ (وَالضَّأْنُ وَالْمَعْزُ سَوَاءٌ) لِأَنَّ لَفْظَةَ الْغَنَمِ شَامِلَةٌ لِلْكُلِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّ الْمُرَادَ بِهَا الصِّغَارُ: يَعْنِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوْقَاصِ الْعَجَاجِيلُ وَنَحْنُ نَقُولُ بِذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ فِي السِّتِّينَ تَبِيعَانِ) إلَخْ ظَاهِرٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْحٍ. [فَصْلٌ فِي زَكَاة الْغَنَمِ] (فَصْلٌ فِي الْغَنَمِ) قَدَّمَ فَصْلَ زَكَاةِ الْغَنَمِ عَلَى الْخَيْلِ، إمَّا لِكَوْنِ الْحَاجَةِ إلَى بَيَانِهِ أَمَسَّ لِكَثْرَتِهِ، وَإِمَّا لِكَوْنِهِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ. وَالْغَنَمُ اسْمُ جِنْسٍ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَمَا فِي الْكِتَابِ ظَاهِرٌ إلَّا كَلِمَاتٍ نَذْكُرُهَا. قَوْلُهُ (وَالضَّأْنُ وَالْمَعْزُ سَوَاءٌ)

وَالنَّصُّ وَرَدَ بِهِ. وَيُؤْخَذُ الثَّنِيُّ فِي زَكَاتِهَا وَلَا يُؤْخَذُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ إلَّا فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَالثَّنِيُّ مِنْهَا مَا تَمَّتْ لَهُ سَنَةٌ، وَالْجَذَعُ مَا أَتَى عَلَيْهِ أَكْثَرُهَا. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُهُمَا أَنَّهُ يُؤْخَذُ عَنْ الْجَذَعِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا حَقُّنَا الْجَذَعُ وَالثَّنِيُّ» وَلِأَنَّهُ يَتَأَدَّى بِهِ الْأُضْحِيَّةُ فَكَذَا الزَّكَاةُ. وَجْهُ الظَّاهِرِ حَدِيثُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا «لَا يُؤْخَذُ فِي الزَّكَاةِ إلَّا الثَّنِيُّ فَصَاعِدًا» وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْوَسَطُ وَهَذَا مِنْ الصِّغَارِ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ فِيهَا الْجَذَعُ مِنْ الْمَعْزِ، وَجَوَازُ التَّضْحِيَةِ بِهِ عُرِفَ نَصًّا. وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ الْجَذَعَةُ مِنْ الْإِبِلِ (وَيُؤْخَذُ فِي زَكَاةِ الْغَنَمِ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ) لِأَنَّ اسْمَ الشَّاةِ يَنْتَظِمُهُمَا، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي أَرْبَعِينَ شَاةٍ شَاةٌ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ لَا فِي أَدَاءِ الْوَاجِبِ لِمَا سَنَذْكُرُ أَنَّ الْجَذَعَ مِنْ الْمَعْزِ لَا يَجُوزُ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِهِ) يَعْنِي مَا كُتِبَ فِي كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي أَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ شَاةٌ» الْحَدِيثَ. وَقَوْلُهُ (وَالْجَذَعُ مَا أَتَى عَلَيْهِ أَكْثَرُهَا) رُوِيَ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الدَّقَّاقِ أَنَّهُ مَا طَعَنَ فِي الشَّهْرِ التَّاسِعِ. وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الزَّعْفَرَانِيِّ أَنَّهُ مَا طَعَنَ فِي الشَّهْرِ الثَّامِنِ. وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ قَالَ الْفُقَهَاءُ: إنَّ الْجَذَعَ مِنْ الْغَنَمِ مَا تَمَّتْ لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ. هَذَا تَفْسِيرُ عُلَمَاءِ الْفِقْهِ. وَعَنْ الْأَزْهَرِيِّ: الْجَذَعُ مِنْ الْمَعْزِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَمِنْ الضَّأْنِ لِثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ، وَالثَّنِيُّ الَّذِي أَلْقَى ثَنِيَّتَهُ، وَهُوَ مِنْ الْإِبِلِ مَا اسْتَكْمَلَ السَّنَةَ الْخَامِسَةَ وَدَخَلَ فِي السَّادِسَةِ، وَمِنْ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ مَا اسْتَكْمَلَ الثَّانِيَةَ وَدَخَلَ فِي الثَّالِثَةِ، وَمِنْ الْفَرَسِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ مَا اسْتَكْمَلَ الثَّالِثَةَ وَدَخَلَ فِي الرَّابِعَةِ، وَهُوَ فِي كُلِّهَا بَعْدَ الْجَذَعِ وَقَبْلَ الرُّبَاعِيِّ، هَذَا تَفْسِيرُ أَهْلِ اللُّغَةِ. وَقَوْلُهُ (وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُهُمَا) يُرِيدُ بِهِ مَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ يَتَأَدَّى بِهِ الْأُضْحِيَّةُ فَكَذَا الزَّكَاةُ) يَعْنِي أَنَّ بَابَ الْأُضْحِيَّةِ أَضْيَقُ، أَلَا تَرَى أَنَّ التَّضْحِيَةَ بِالتَّبِيعِ وَالتَّبِيعَةِ لَا يَجُوزُ وَيَجُوزُ أَخْذُهُمَا فِي الزَّكَاةِ فَإِذَا كَانَ لِلْجَذَعِ مَدْخَلٌ فِي الْأُضْحِيَّةِ فَفِي الزَّكَاةِ أَوْلَى. وَقَوْلُهُ (وَجَوَازُ التَّضْحِيَةِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَلِأَنَّهُ يَتَأَدَّى بِهِ الْأُضْحِيَّةُ يَعْنِي أَنَّ جَوَازَ التَّضْحِيَةِ بِالْجَذَعِ عُرِفَ بِنَصٍّ خَاصٍّ فِي التَّضْحِيَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نِعْمَتْ الْأُضْحِيَّةُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ» فَلَا يَتَعَدَّاهَا، وَالزَّكَاةُ لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهَا، إذْ الْمَقْصُودُ بِهَا إرَاقَةُ الدَّمِ، وَالْجَذَعُ يُقَارِبُ الثَّنِيَّ فِي ذَلِكَ، وَلَا كَذَلِكَ الزَّكَاةُ فَلَا تُلْحَقُ بِالْأُضْحِيَّةِ دَلَالَةً.

[فصل في زكاة الخيل]

(فَصْلٌ فِي الْخَيْلِ) (إذَا كَانَتْ الْخَيْلُ سَائِمَةً ذُكُورًا وَإِنَاثًا فَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ: إنْ شَاءَ أَعْطَى عَنْ كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا، وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا وَأَعْطَى عَنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَقَالَا: لَا زَكَاةَ فِي الْخَيْلِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ» وَلَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي كُلِّ فَرَسٍ سَائِمَةٍ دِينَارٌ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ» وَتَأْوِيلُ مَا رَوَيَاهُ فَرَسُ الْغَازِي، وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي زَكَاة الْخَيْلِ] (فَصْلٌ فِي الْخَيْلِ) وَجْهُ تَأْخِيرِهِ عَنْ فَصْلِ الْغَنَمِ قَدْ تَقَدَّمَ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (هُوَ الْمَنْقُولُ) أَيْ تَأْوِيلُ مَا رَوَيَاهُ بِفَرَسِ الْغَازِي هُوَ الْمَنْقُولُ (عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) فَإِنَّ هَذِهِ الْحَادِثَةَ وَقَعَتْ فِي زَمَنِ مَرْوَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَشَاوَرَ الصَّحَابَةَ فَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ» فَقَالَ مَرْوَانُ لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: مَا تَقُولُ يَا أَبَا سَعِيدٍ؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: عَجَبًا مِنْ مَرْوَانَ أُحَدِّثُهُ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَقُولُ مَا تَقُولُ يَا أَبَا سَعِيدٍ؟ فَقَالَ زَيْدٌ: صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ فَرَسَ الْغَازِي، فَأَمَّا مَا جَشَرَ لِطَلَبِ نَسْلِهَا

وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الدِّينَارِ وَالتَّقْوِيمِ مَأْثُورٌ عَنْ عُمَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَفِيهَا الصَّدَقَةُ فَقَالَ كَمْ؟ فَقَالَ فِي كُلِّ فَرَسٍ دِينَارٌ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ (وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الدِّينَارِ وَالتَّقْوِيمِ مَأْثُورٌ عَنْ عُمَرَ) فَإِنَّهُ كَتَبَ إلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَأْمُرُهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْخَيْلِ السَّائِمَةِ عَنْ كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا أَوْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَقِيلَ كَانَ ذَلِكَ فِي خَيْلِ الْعَرَبِ لِتَقَارُبِهَا فِي الْقِيمَةِ، وَأَمَّا فِي أَفْرَاسِنَا فَيُقَوِّمُهَا لَا غَيْرُ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ لَكَانَ لِلْإِمَامِ أَخْذُهَا جَبْرًا وَلَوَجَبَتْ فِي عَيْنِهَا كَمَا فِي سَائِرِ السَّوَائِمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ.

(وَلَيْسَ فِي ذُكُورِهَا مُنْفَرِدَةً زَكَاةٌ) لِأَنَّهَا لَا تَتَنَاسَلُ (وَكَذَا فِي الْإِنَاثِ الْمُنْفَرِدَاتِ فِي رِوَايَةٍ) وَعَنْهُ الْوُجُوبُ فِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْخَيْلَ مَطْمَعٌ لِكُلِّ طَامِعٍ فَيُخْشَى عَلَى صَاحِبِهِ التَّعَدِّي بِالْأَخْذِ، وَلَمْ يَجِبْ مِنْ عَيْنِهَا لِأَنَّ مَقْصُودَ الْفَقِيرِ لَا يَحْصُلُ بِهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ عِنْدَهُ. وَقَوْلُهُ (وَلَيْسَ فِي ذُكُورِهَا مُنْفَرِدَةً زَكَاةٌ لِأَنَّهَا لَا تَتَنَاسَلُ)

[فصل في الفصلان]

لِأَنَّهَا تَتَنَاسَلُ بِالْفَحْلِ الْمُسْتَعَارِ بِخِلَافِ الذُّكُورِ، وَعَنْهُ أَنَّهَا تَجِبُ فِي الذُّكُورِ الْمُنْفَرِدَةِ أَيْضًا (وَلَا شَيْءَ فِي الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَمْ يَنْزِلْ عَلِيَّ فِيهِمَا شَيْءٌ» وَالْمَقَادِيرُ تَثْبُتُ سَمَاعًا (إلَّا أَنْ تَكُونَ لِلتِّجَارَةِ) لِأَنَّ الزَّكَاةَ حِينَئِذٍ تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِيَّةِ كَسَائِرِ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) (وَلَيْسَ فِي الْفُصْلَانِ وَالْحُمْلَانِ وَالْعَجَاجِيلِ صَدَقَةٌ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهَا كِبَارٌ، وَهَذَا آخِرُ أَقْوَالِهِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَكَانَ يَقُولُ أَوَّلًا يَجِبُ فِيهَا مَا يَجِبُ فِي الْمَسَانِّ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَمَالِكٍ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ فِيهَا وَاحِدَةٌ مِنْهَا. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQاُسْتُشْكِلَ بِذُكُورِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ مُنْفَرِدَاتٌ فَإِنَّهَا لَا تَتَنَاسَلُ وَوَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ النَّمَاءَ شَرْطُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ لَا مَحَالَةَ، وَهُوَ فِي الْخَيْلِ فِي التَّنَاسُلِ لَا غَيْرُ، وَلَا تَنَاسُلَ فِي ذُكُورِ الْخَيْلِ مُنْفَرِدَةً، وَأَمَّا غَيْرُهَا فَالنَّمَاءُ فِيهِ كَمَا يَكُونُ بِهِ يَكُونُ بِاللَّحْمِ وَالْوَبَرِ فَيَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا وَجْهُ الرِّوَايَةِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا فِي الذُّكُورِ الْمُنْفَرِدَةِ أَيْضًا وَلَا نَسْلَ ثَمَّةَ عَلَى مَا ذَكَرْتُمْ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ وَجْهَهَا أَنَّ الْآثَارَ جَعَلَتْهَا نَظِيرَ سَائِرِ أَنْوَاعِ السَّوَائِمِ، فَإِنَّهُ بِسَبَبِ السَّوْمِ تَخِفُّ الْمُؤْنَةُ عَلَى صَاحِبِهِ وَبِهِ يَصِيرُ مَالُ الزَّكَاةِ فَكَانَتْ كَأَنْوَاعِهَا. وَقَوْلُهُ (لَمْ يُنَزَّلْ عَلَيَّ فِيهِمَا شَيْءٌ) رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الْحَمِيرِ فَقَالَ: لَمْ يَنْزِلْ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ إلَّا هَذِهِ الْآيَةُ الْفَاذَّةُ الْجَامِعَةُ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 8] » . [فَصَلِّ فِي الْفَصْلَانِ] (فَصْلٌ) : قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَجَدْت فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَكْتُوبًا بِخَطِّ شَيْخِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَجْهُ مُنَاسَبَةِ إيرَادِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُنَا هُوَ أَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ حُكْمِ الْكِبَارِ مِنْ السَّوَائِمِ شَرَعَ فِي بَيَانِ حُكْمِ الصِّغَارِ. وَأَقُولُ: لَيْسَ الْفَصْلُ مُنْحَصِرًا فِي ذَلِكَ بَلْ فِيهِ غَيْرُهُ. فَكَانَ الْفَصْلُ هَاهُنَا كَمَسَائِلَ شَتَّى تُكْتَبُ فِي آخِرِ الْأَبْوَابِ. وَالْفُصْلَانُ جَمْعُ الْفَصِيلِ: وَهُوَ وَلَدُ النَّاقَةِ مِنْ فَصَلَ الرَّضِيعُ عَنْ أُمِّهِ. وَالْحُمْلَانُ بِضَمِّ الْحَاءِ وَقِيلَ بِكَسْرِهَا أَيْضًا جَمْعُ الْحَمَلِ: وَلَدُ الضَّأْنِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى. وَالْعَجَاجِيلُ جَمْعُ عُجُولٍ: مِنْ أَوْلَادِ الْبَقَرِ حِينَ تَضَعُهُ أُمُّهُ إلَى شَهْرٍ، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ. قِيلَ فِي صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ: رَجُلٌ اشْتَرَى خَمْسَةً وَعِشْرِينَ مِنْ الْفُصْلَانِ أَوْ ثَلَاثِينَ مِنْ الْعَجَاجِيلِ أَوْ أَرْبَعِينَ مِنْ الْحُمْلَانِ أَوْ وُهِبَ لَهُ ذَلِكَ هَلْ يَنْعَقِدُ عَلَيْهِ الْحَوْلُ أَوْ لَا؟ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَنْعَقِدُ، وَعِنْدَ غَيْرِهِمَا يَنْعَقِدُ حَتَّى لَوْ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ حِينِ مَا مَلَكَهَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ.

وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَنَّ الِاسْمَ الْمَذْكُورَ فِي الْخِطَابِ يَنْتَظِمُ الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ. وَوَجْهُ الثَّانِي تَحْقِيقُ النَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقِيلَ صُورَتُهَا: إذَا كَانَ لَهُ نِصَابُ سَائِمَةٍ فَمَضَى عَلَيْهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَتَوَالَدَتْ مِثْلَ عَدَدِهَا ثُمَّ هَلَكَتْ الْأُصُولُ وَبَقِيَتْ الْأَوْلَادُ هَلْ يَبْقَى حَوْلُ الْأُصُولِ عَلَى الْأَوْلَادِ؟ عِنْدَهُمَا لَا يَبْقَى، وَعِنْدَ الْبَاقِينَ يَبْقَى. وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ فِي اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْت عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فَقُلْت: مَا تَقُولُ فِيمَنْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ حَمَلًا؟ فَقَالَ فِيهَا شَاةٌ مُسِنَّةٌ فَقُلْت: رُبَّمَا تَأْتِي قِيمَةُ الشَّاةِ عَلَى أَكْثَرِهَا أَوْ جَمِيعِهَا، فَتَأَمَّلَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: لَا وَلَكِنْ تُؤْخَذُ وَاحِدَةٌ مِنْهَا، فَقُلْت: أَيُؤْخَذُ الْحَمَلُ فِي الزَّكَاةِ؟ فَتَأَمَّلَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: لَا إذًا لَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ، فَأَخَذَ بِقَوْلِهِ الْأَوَّلِ زُفَرُ، وَبِقَوْلِهِ الثَّانِي أَبُو يُوسُفَ، وَبِقَوْلِهِ الثَّالِثِ مُحَمَّدٌ، وَعُدَّ هَذَا مِنْ مَنَاقِبِهِ حَيْثُ تَكَلَّمَ فِي مَسْأَلَةٍ فِي مَجْلِسٍ بِثَلَاثَةِ أَقَاوِيلَ فَلَمْ يُضَعْ شَيْءٌ مِنْهَا (وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ إنَّ الِاسْمَ الْمَذْكُورَ فِي الْخِطَابِ) يَعْنِي قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ شَاةٌ» (يَنْتَظِمُ الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ) لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ كَاسْمِ الْآدَمِيِّ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ إبِلٍ فَأَكَلَ لَحْمَ الْفَصِيلِ حَنِثَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوَاجِبَ قَلِيلٌ مِنْ الْكَثِيرِ، وَأَخْذُ الْمُسِنَّةِ مِنْ الصِّغَارِ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ قِيمَتَهَا قَدْ تَأْتِي عَلَى أَكْثَرِ النِّصَابِ (وَوَجْهُ قَوْلِهِ الثَّانِي) أَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا فِيهَا مَا يَجِبُ فِي الْمَسَانِّ وَهُوَ لَا يُوجَدُ فِيهَا كَانَ إضْرَارًا بِصَاحِبِ الْمَالِ وَهُوَ يَقْتَضِي عَدَمَ الْوُجُوبِ، وَلَوْ لَمْ نُوجِبْ شَيْئًا كَانَ إضْرَارًا بِالْفُقَرَاءِ لِأَنَّ الصِّغَارَ نِصَابٌ، فَإِنَّ الْكِبَارَ يَكْمُلُ بِهَا نِصَابٌ وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ كَانَ نِصَابًا بِنَفْسِهِ كَالْمَهَازِيلِ، وَعَكْسُهُ الْحُمْلَانُ فَإِنَّهَا لَا يَكْمُلُ بِهَا نِصَابٌ فَلَا تَكُونُ فِي نَفْسِهَا نِصَابًا فَأَوْجَبْنَا وَاحِدَةً مِنْهَا كَمَا فِي الْمَهَازِيلِ فَإِنَّا لَا نُوجِبُ فِيهَا السَّمِينَ وَإِنَّمَا نُوجِبُ وَاحِدَةً مِنْهَا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ (تَحْقِيقُ النَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ.

يَجِبُ فِي الْمَهَازِيلِ وَاحِدٌ مِنْهَا وَوَجْهُ الْأَخِيرِ أَنَّ الْمَقَادِيرَ لَا يَدْخُلُهَا الْقِيَاسُ فَإِذَا امْتَنَعَ إيجَابُ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ امْتَنَعَ أَصْلًا، وَإِذَا كَانَ فِيهَا وَاحِدٌ مِنْ الْمَسَانِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَوَجْهُ قَوْلِهِ الْأَخِيرِ مَا قَالَهُ إنَّ الْمَقَادِيرَ لَا يَدْخُلُهَا الْقِيَاسُ إلَخْ) وَتَقْرِيرُهُ أَنْ يُجَابَ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ مِنْ الْأَسْنَانِ هَاهُنَا مُمْتَنِعٌ لِأَنَّهَا لَا تُوجَدْ فِي الصِّغَارِ (وَإِذَا امْتَنَعَ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ هَاهُنَا امْتَنَعَ أَصْلًا) لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لَكَانَ بِالْقِيَاسِ وَالْمَقَادِيرُ لَا يَدْخُلُهَا الْقِيَاسُ وَالْفَطِنُ يَسْتَخْرِجُ مِنْ هَذَا جَوَابَ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ قَاسَ عَلَى الْمَهَازِيلِ وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّ الْمَهَازِيلَ يُوجَدُ فِيهَا مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ مِنْ الْأَسْنَانِ (وَلَوْ كَانَ فِيهَا وَاحِدَةٌ مِنْ الْمَسَانِّ إلَخْ) يَعْنِي إذَا كَانَ فِي الْحُمْلَانِ كِبَارٌ جُعِلَتْ الصِّغَارُ تَبَعًا لَهَا فِي انْعِقَادِهَا نِصَابًا وَلَا تَتَأَدَّى الزَّكَاةُ بِالصِّغَارِ بَلْ يُدْفَعُ لَهَا مِنْ الْكِبَارِ إنْ كَانَ عَلَى مِقْدَارِ الْوَاجِبِ. بَيَانُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ مُسِنَّتَانِ وَمِائَةٌ وَتِسْعَةَ عَشَرَ حَمَلًا يَجِبُ فِيهَا مُسِنَّتَانِ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ مُسِنَّةٌ وَاحِدَةٌ وَمِائَةٌ وَعِشْرُونَ حَمَلًا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ تَجِبُ مُسِنَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مُسِنَّةٌ وَحَمَلٌ. وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ فَصْلُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: عُدَّ عَلَيْهِمْ السَّخْلَةَ وَلَوْ جَاءَ بِهَا الرَّاعِي يَحْمِلُهَا عَلَى كَتِفِهِ، وَلَا تَأْخُذْهَا

جَعَلَ الْكُلَّ تَبَعًا لَهُ فِي انْعِقَادِهَا نِصَابًا دُونَ تَأْدِيَةِ الزَّكَاةِ، ثُمَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجِبُ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ مِنْ الْحُمْلَانِ وَفِيمَا دُونَ الثَّلَاثِينَ مِنْ الْعَجَاجِيلِ، وَيَجِبُ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْفُصْلَانِ وَاحِدٌ ثُمَّ لَا يَجِبُ شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ مَبْلَغًا لَوْ كَانَتْ مَسَانَّ يُثْنِي الْوَاجِبَ، ثُمَّ لَا يَجِبُ شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ مَبْلَغًا لَوْ كَانَتْ مَسَانَّ يُثَلِّثُ الْوَاجِبَ، وَلَا يَجِبُ فِيمَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فِي رِوَايَةٍ. وَعَنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْخَمْسِ خُمْسُ فَصِيلٍ، وَفِي الْعَشَرِ خُمُسَا فَصِيلٍ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارُ، وَعَنْهُ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى قِيمَةِ خُمْسِ فَصِيلٍ وَسَطٍ وَإِلَى قِيمَةِ شَاةٍ فِي الْخَمْسِ فَيَجِبُ أَقَلُّهُمَا، وَفِي الْعَشَرِ إلَى قِيمَةِ شَاتَيْنِ وَإِلَى قِيمَةِ خُمْسَيْ فَصِيلٍ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارُ. قَالَ (وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ سِنٌّ وَلَمْ تُوجَدْ أَخَذَ الْمُصَدِّقُ أَعْلَى مِنْهَا وَرَدَّ الْفَضْلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهُمْ فَقَدْ نَهَى عَنْ أَخْذِ الصِّغَارِ عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اخْتَلَفَتْ فِي الْفُصْلَانِ. رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ حَتَّى تَبْلُغَ عَدَدًا لَوْ كَانَتْ كِبَارًا وَجَبَ فِيهَا وَاحِدَةٌ مِنْهَا وَذَلِكَ بِأَنْ تَبْلُغَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ لَيْسَ فِي الزِّيَادَةِ شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ مَبْلَغًا لَوْ كَانَتْ مَسَانَّ ثَنَّى الْوَاجِبَ وَذَلِكَ بِأَنْ تَبْلُغَ سِتَّةً وَسَبْعِينَ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ فِيهَا اثْنَانِ، ثُمَّ لَا يَجِبُ حَتَّى تَبْلُغَ مَبْلَغًا لَوْ كَانَتْ مَسَانَّ ثُلُثُ الْوَاجِبِ بِأَنْ تَبْلُغَ مِائَةً وَخَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ فَيَجِبُ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ، وَلَا يَجِبُ فِيمَا دُونَ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْوَاجِبَ كَانَ تَعَيَّنَ بِالنَّصِّ بِاعْتِبَارِ الْعَدَدِ وَالسِّنِّ، وَقَدْ تَعَذَّرَ السِّنُّ فِي الْفُصْلَانِ فَبَقِيَ الْعَدَدُ مُعْتَبَرًا. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْجَبَ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَاحِدَةً فِي مَالٍ اُعْتُبِرَ قَبْلَهُ أَرْبَعَةَ نُصُبٍ، وَأَوْجَبَ فِي سِتٍّ وَسَبْعِينَ اثْنَيْنِ فِي مَوْضِعٍ اُعْتُبِرَ ثَلَاثَةُ نُصُبٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ. وَفِي الْمَالِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ هَذِهِ النُّصُبِ لَوْ أَوْجَبْنَا لَكَانَ بِالرَّأْيِ لَا بِالنَّصِّ. وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْخَمْسِ خُمُسُ فَصِيلٍ، وَفِي الْعَشْرِ خُمُسَا فَصِيلٍ هَكَذَا إلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ الْبَعْضُ بِالْجُمْلَةِ، وَرَوَى عَنْهُ أَنَّهُ يُنْظَرُ فِي الْخَمْسِ إلَى قِيمَةِ خُمُسِ فَصِيلٍ وَإِلَى قِيمَةِ شَاةٍ فَيَجِبُ أَقَلُّهُمَا، وَفِي الْعُشْرِ إلَى قِيمَةِ شَاتَيْنِ وَإِلَى قِيمَةِ خُمُسَيْ فَصِيلٍ وَفِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَجِبُ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ ثَلَاثِ شِيَاهٍ وَمِنْ قِيمَةِ ثَلَاثِ أَخْمَاسِ فَصِيلٍ وَفِي الْعِشْرِينَ يَجِبُ الْأَقَلُّ مِنْ أَرْبَعِ شِيَاهٍ وَمِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ فَصِيلٍ، وَفِي الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ يَجِبُ وَاحِدَةٌ مِنْهَا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ. وَوَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْأَقَلَّ مُتَيَقَّنٌ فَيَتَعَيَّنُ. قَالَ (وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ سِنٌّ) السِّنُّ هِيَ الْمَعْرُوفَةُ، ثُمَّ سُمِّيَ بِهَا صَاحِبُهَا كَالنَّابِ

أَوْ أَخَذَ دُونَهَا) وَأَخَذَ الْفَضْلَ، وَهَذَا يَبْتَنِي عَلَى أَنَّ أَخْذَ الْقِيمَةِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ جَائِزٌ عِنْدَنَا عَلَى مَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْمُسِنَّةِ مِنْ النُّوقِ، ثُمَّ اُسْتُعِيرَتْ لِغَيْرِهِ كَابْنِ الْمَخَاضِ وَابْنِ اللَّبُونِ، وَذِكْرُ السِّنِّ وَإِرَادَةُ ذَاتِ السِّنِّ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْحَيَوَانِ لَا فِي الْإِنْسَانِ لِأَنَّ عُمُرَ الْحَيَوَانِ يُعْرَفُ بِالسِّنِّ. قَوْلُهُ (وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ سِنٌّ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ: رَجُلٌ وَجَبَ عَلَيْهِ بِنْتُ لَبُونٍ وَلَمْ تُوجَدْ عِنْدَهُ يَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ الْحِقَّةَ وَيَرُدُّ الْفَضْلَ، أَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحِقَّةُ وَلَمْ تُوجَدْ يَأْخُذُ بِنْتُ اللَّبُونِ وَيَأْخُذُ الْفَضْلَ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: ظَاهِرُ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ لِلْمُصَدَّقِ وَهُوَ الَّذِي يَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ، وَلَكِنَّ الصَّوَابَ أَنَّ الْخِيَارَ إلَى مَنْ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ لِأَنَّ الْخِيَارَ شُرِعَ رِفْقًا بِمَنْ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ، وَالرِّفْقُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ

تَعَالَى، إلَّا أَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَهُ أَنْ لَا يَأْخُذَ وَيُطَالِبَ بِعَيْنِ الْوَاجِبِ أَوْ بِقِيمَتِهِ لِأَنَّهُ شِرَاءٌ. وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يُجْبَرُ لِأَنَّهُ لَا بَيْعَ فِيهِ بَلْ هُوَ إعْطَاءٌ بِالْقِيمَةِ. (وَيَجُوزُ دَفْعُ الْقِيَمِ فِي الزَّكَاةِ) عِنْدَنَا وَكَذَا فِي الْكَفَّارَاتِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْعُشْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِتَخْيِيرِهِ، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ إذَا سَمَحَتْ نَفْسُ مَنْ عَلَيْهِ، إذْ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ أَنَّهُ يَخْتَارُ مَا هُوَ الْأَرْفَقُ بِالْفُقَرَاءِ. وَأَقُولُ: ظَاهِرُ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لِلْمُصَدِّقِ حَيْثُ قَالَ لَهُ أَنْ لَا يَأْخُذَ وَيُطَالِبَ بِعَيْنِ الْوَاجِبِ أَوْ بِقِيمَتِهِ لِأَنَّهُ شِرَاءٌ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي لِمَنْ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ يُجْبَرُ لِأَنَّهُ لَا بَيْعَ فِيهِ بَلْ هُوَ إعْطَاءٌ بِالْقِيمَةِ، وَلَا بُعْدَ فِي أَنْ يَكُونَ مُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ التَّفْضِيلَ بِنَاءً عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ الدَّلِيلِ، هَذَا إذَا أَرَادَ بِالْكِتَابِ الْهِدَايَةَ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْقُدُورِيُّ فَالظَّاهِرُ مِنْهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ كَمَا اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِنَاءً عَلَى مَا ذُكِرَ، وَفِي قَوْلِهِ وَرُدَّ الْفَضْلُ إشَارَةً إلَى نَفْيِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ أَنَّ جُبْرَانَ مَا بَيْنَ السِّنِينَ مُقَدَّرٌ عِنْدَهُ بِشَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ وَجَبَ فِي إبِلِهِ بِنْتُ لَبُونٍ فَلَمْ يَجِدْ الْمُصَدِّقُ إلَّا حِقَّةً أَخَذَهَا وَرَدَّ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا فَمَا اسْتَيْسَرَتَا عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا بِنْتَ مَخَاضٍ أَخَذَهَا وَأَخَذَ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا فَمَا اسْتَيْسَرَتَا عَلَيْهِ» وَعِنْدَنَا ذَلِكَ بِحَسَبِ الْغَلَاءِ وَالرُّخْصِ، وَإِنَّمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَلِكَ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ مَا بَيْنَ السِّنِينَ فِي زَمَانِهِ كَانَ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَا أَنَّهُ تَقْدِيرٌ شَرْعِيٌّ، وَكَيْفَ ذَلِكَ وَرُبَّمَا يُؤَدِّي إلَى الْإِضْرَارِ بِالْفُقَرَاءِ أَوْ الْإِجْحَافِ بِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ، لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَ الْحِقَّةَ وَرَدَّ شَاتَيْنِ فَرُبَّمَا تَكُونُ قِيمَتُهُمَا قِيمَةَ الْحِقَّةِ فَيَصِيرُ تَارِكًا لِلزَّكَاةِ عَلَيْهِ مَعْنًى وَهُوَ إضْرَارٌ بِالْفُقَرَاءِ، وَإِذَا أَخَذَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَشَاتَيْنِ فَقَدْ تَكُونُ قِيمَتُهَا قِيمَةَ بِنْتِ اللَّبُونِ فَيَكُونُ آخِذًا لِلزَّكَاةِ مِنْهَا وَابْنَةُ الْمَخَاضِ تَكُونُ زِيَادَةً وَفِيهِ إجْحَافٌ بِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ قَالَ (وَيَجُوزُ دَفْعُ الْقِيَمِ فِي الزَّكَاةِ) أَدَاءُ الْقِيمَةِ مَكَانَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الزَّكَوَاتِ

وَالنَّذْرِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ اتِّبَاعًا لِلْمَنْصُوصِ كَمَا فِي الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا. وَلَنَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَدَاءِ إلَى الْفَقِيرِ إيصَالًا لِلرِّزْقِ الْمَوْعُودِ إلَيْهِ فَيَكُونُ إبْطَالًا لِقَيْدِ الشَّاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالصَّدَقَاتِ وَالْعُشُورِ وَالْكَفَّارَاتِ جَائِزٌ، لَا عَلَى أَنَّ الْقِيمَةَ بَدَلٌ عَنْ الْوَاجِبِ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى الْبَدَلِ إنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ وَأَدَاءُ الْقِيمَةِ مَعَ وُجُودِ عَيْنِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي مِلْكِهِ جَائِزٌ فَكَانَ الْوَاجِبُ عِنْدَنَا أَحَدَهُمَا، إمَّا الْعَيْنُ أَوْ الْقِيمَةُ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ اتِّبَاعًا لِلْمَنْصُوصِ) وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» كَمَا فِي الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا. وَقَوْلُهُ (إيصَالًا لِلرِّزْقِ الْمَوْعُودِ) مَفْعُولٌ لَهُ وَخَبَرُ إنَّ مَحْذُوفٌ: أَيْ ثَابِتٌ أَوْ نَحْوُهُ. وَرَوَى إيصَالٌ فَهُوَ خَبَرُ إنَّ، فَعَلَى النُّسْخَةِ الْأُولَى تَقْرِيرُ كَلَامِهِ الْأَمْرُ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ إلَى الْفَقِيرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] لِإِيصَالِ الرِّزْقِ الْمَوْعُودِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] ثَابِتٌ فِي الْوَاقِعِ، وَالْأَمْرُ بِذَلِكَ يُبْطِلُ تَعْيِينَ الشَّاةِ، فَالثَّابِتُ فِي الْوَاقِعِ يُبْطِلُ تَعْيِينَ الشَّاةِ، أَمَّا ثُبُوتُ ذَلِكَ فِي الْوَاقِعِ فَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَ أَرْزَاقَهُمْ ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِإِيتَاءِ مَا أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ إنْجَازًا لِلْوَعْدِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَتَانِ، وَأَمَّا أَنَّ الْأَمْرَ بِذَلِكَ يُبْطِلُ تَعْيِينَ الشَّاةِ فَلِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ قُرْبَةٌ أَلْبَتَّةَ. وَوَجْهُ الْقُرْبَةِ فِي الزَّكَاةِ سَدُّ خَلَّةِ الْمُحْتَاجِ وَهِيَ مَعَ كَثْرَتِهَا وَاخْتِلَافِهَا لَا تَنْسَدُّ بِعَيْنِ الشَّاةِ

وَصَارَ كَالْجِزْيَةِ، بِخِلَافِ الْهَدَايَا لِأَنَّ الْقُرْبَةَ فِيهَا إرَاقَةُ الدَّمِ وَهُوَ لَا يُعْقَلُ. وَوَجْهُ الْقُرْبَةِ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ سَدُّ خُلَّةِ الْمُحْتَاجِ وَهُوَ مَعْقُولٌ. (وَلَيْسَ فِي الْعَوَامِلِ وَالْحَوَامِلِ وَالْعَلُوفَةِ صَدَقَةٌ) خِلَافًا لِمَالِكٍ. لَهُ ظَوَاهِرُ النُّصُوصِ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ فِي الْحَوَامِلِ وَالْعَوَامِلِ وَلَا فِي الْبَقَرِ الْمُثِيرَةِ صَدَقَةٌ» ، وَلِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمَالُ النَّامِي ـــــــــــــــــــــــــــــQفَكَانَ إذْنًا بِالِاسْتِبْدَالِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَفِي ذَلِكَ إبْطَالُ قَيْدِ الشَّاةِ وَيَحْصُلُ بِهِ الرِّزْقُ الْمَوْعُودُ وَغَيْرُهُ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ الْأَمْرُ بِالْأَدَاءِ إلَى الْفَقِيرِ إيصَالٌ لِلرِّزْقِ الْمَوْعُودِ إلَيْهِ وَإِيصَالُ ذَلِكَ إلَيْهِ إبْطَالٌ لِقَيْدِ الشَّاةِ لِأَنَّ الرِّزْقَ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي أَكْلِ اللَّحْمِ فَكَانَ إذْنًا فِي الِاسْتِبْدَالِ إلَخْ، وَكَانَ هَذَا كَالْجِزْيَةِ فِي أَنَّهَا وَجَبَتْ لِكِفَايَةِ الْمُقَاتِلَةِ، وَيَجُوزُ فِيهَا دَفْعُ الْقِيمَةِ بِالْإِجْمَاعِ، بِخِلَافِ الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا فَإِنَّ الْقُرْبَةَ فِيهَا إرَاقَةُ الدَّمِ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ بَعْدَ الذَّبْحِ قَبْلَ التَّصَدُّقِ بِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَهِيَ لَيْسَتْ بِمُتَقَوَّمَةٍ وَلَا مَعْقُولَةِ الْمَعْنَى. قَالَ (وَلَيْسَ فِي الْعَوَامِلِ وَالْحَوَامِلِ وَالْعَلُوفَةِ صَدَقَةٌ) الْعَلُوفَةُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ مَا يَعْلِفُونَ مِنْ الْغَنَمِ وَغَيْرِهِ، الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ سَوَاءٌ، مِنْ عَلَفَ الدَّابَّةَ أَطْعَمَهَا الْعَلَفَ، وَالْعُلُوفَةُ بِالضَّمِّ جَمْعُ عَلَفٍ. قَوْلُهُ (لَهُ ظَوَاهِرُ النُّصُوصِ) يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] وَقَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خُذْ مِنْ الْإِبِلِ إبِلًا، وَفِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ كَثْرَةٌ. وَلَنَا حَدِيثُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَيْسَ فِي الْإِبِلِ الْحَوَامِلِ صَدَقَةٌ» وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ» وَحَدِيثُ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ فِي الْبَقَرِ الْمُثِيرَةِ صَدَقَةٌ» وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَجَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمَالُ النَّامِي وَهَذِهِ الْأَمْوَالُ لَيْسَتْ بِنَامِيَةٍ لِأَنَّ دَلِيلَ النَّمَاءِ الْإِسَامَةُ أَوْ الْإِعْدَادُ لِلتِّجَارَةِ وَالْفَرْضُ عَدَمُهُمَا، وَإِذَا انْتَفَى السَّبَبُ انْتَفَى الْحُكْمُ.

وَدَلِيلُهُ الْإِسَامَةُ أَوْ الْإِعْدَادُ لِلتِّجَارَةِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَلِأَنَّ فِي الْعَلُوفَةِ تَتَرَاكَمُ الْمُؤْنَةُ فَيَنْعَدِمُ النَّمَاءُ مَعْنًى. ثُمَّ السَّائِمَةُ هِيَ الَّتِي تَكْتَفِي بِالرَّعْيِ فِي أَكْثَرِ الْحَوْلِ حَتَّى لَوْ عَلَفَهَا نِصْفَ الْحَوْلِ أَوْ أَكْثَرَ كَانَتْ عَلُوفَةً لِأَنَّ الْقَلِيلَ تَابِعٌ لِلْأَكْثَرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ فِي الْعَلُوفَةِ) أَيْ وَلِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمَالُ النَّامِي، وَلَا نَمَاءَ فِي هَذِهِ الْأَمْوَالِ لِأَنَّ الْمُؤْنَةَ تَتَرَاكَمُ فِيهَا فَيَنْعَدِمُ النَّمَاءُ مَعْنًى. وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّكُمْ أَبْطَلْتُمْ إطْلَاقَ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ عِنْدَكُمْ لِكَوْنِهِ نَسْخًا وَحَمَلْتُمْ الْمُطْلَقَ فِي الْأَخْبَارِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَهُوَ أَيْضًا لَا يَجُوزُ عِنْدَكُمْ. وَالثَّانِي أَنَّ دَلِيلَ النَّمَاءِ الْإِسَامَةُ أَوْ الْإِعْدَادُ لِلتِّجَارَةِ كَمَا ذَكَرْتُمْ، وَتَرَاكُمُ الْمُؤْنَةِ لَا يُبْطِلُ النَّمَاءَ بِالْإِعْدَادِ لِلتِّجَارَةِ، فَإِنَّ مَنْ اشْتَرَى خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ وَعَلَفَهَا جَمِيعَ السَّنَةِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِي آخِرِ السَّنَةِ فَمَا بَالُهُ أَبْطَلَ النَّمَاءَ بِالْإِسَامَةِ؟ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْإِطْلَاقَ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ بِالْإِجْمَاعِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ مُطْلَقٌ عَنْ حَوَلَانِ الْحَوْلِ وَلَا يَجِبُ إلَّا بِهِ فَكَانَتْ الْآيَةُ لِبَيَانِ وُجُوبِ الْأَخْذِ وَهِيَ فِيمَا عَدَاهُ مُجْمَلٌ لَحِقَ الْأَخْبَارَ بَيَانًا لِذَلِكَ، وَلَمْ يُحْمَلْ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَإِنَّمَا جَعَلْنَا الْمُقَيَّدَ مُتَأَخِّرًا لِئَلَّا يَلْزَمَ النُّسَخُ مَرَّتَيْنِ، فَإِنَّ الْأَصْلَ فِيهِ هُوَ الْإِطْلَاقُ لِكَوْنِهِ عَدَمًا، فَلَوْ قَدَّمْنَا الْمُقَيَّدَ نَسَخَ الْإِطْلَاقَ، ثُمَّ الْمُطْلَقُ يَنْسَخُهُ فَعَكَسْنَاهُ دَفْعًا لِذَلِكَ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْإِسَامَةَ وَالْعَلَفَ مُتَضَادَّانِ، فَإِذَا وُجِدَ الْعَلَفُ انْتَفَى الْإِسَامَةُ وَلَا كَذَلِكَ التِّجَارَةُ (ثُمَّ السَّائِمَةُ هِيَ الَّتِي تَكْتَفِي بِالرَّعْيِ فِي أَكْثَرِ الْحَوْلِ حَتَّى لَوْ عَلَفَهَا نِصْفَ الْحَوْلِ أَوْ أَكْثَرَ كَانَتْ عَلُوفَةً) أَمَّا فِي الْأَكْثَرِ فَلِأَنَّ الْقَلِيلَ تَابِعٌ لِلْأَكْثَرِ لِأَنَّ أَصْحَابَ السَّوَائِمِ لَا يَجِدُونَ بُدًّا مِنْ أَنْ يَعْلِفُوا سَوَائِمَهُمْ فِي وَقْتٍ كَبَرْدٍ وَثَلْجٍ كَمَا فِي الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ، وَأَمَّا فِي النِّصْفِ

(وَلَا يَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ خِيَارَ الْمَالِ وَلَا رَذَالَتَهُ وَيَأْخُذُ الْوَسَطَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَأْخُذُوا مِنْ حَزَرَاتِ أَمْوَالِ النَّاسِ» أَيْ كَرَائِمَهَا «وَخُذُوا مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ» أَيْ أَوْسَاطَهَا وَلِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ. قَالَ (وَمَنْ كَانَ لَهُ نِصَابٌ فَاسْتَفَادَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ مِنْ جِنْسِهِ ضَمَّهُ إلَيْهِ وَزَكَّاهُ بِهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَضُمُّ لِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي حَقِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلِأَنَّهُ وَقَعَ الشَّكُّ فِي ثُبُوتِ سَبَبِ الْإِيجَابِ فَلَا تَجِبُ، فَلَا تُرَجَّحُ جِهَةُ الْوُجُوبِ بِجِهَةِ الْعِبَادَةِ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ ثُبُوتِ السَّبَبِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: ثُمَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ الْإِسَامَةِ فِي حَقِّ إيجَابِ زَكَاةِ السَّوَائِمِ إنَّمَا يَصِحُّ أَنْ لَوْ كَانَتْ الْإِسَامَةُ لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ وَالتَّسْمِينِ، وَأَمَّا الْإِسَامَةُ لِلتِّجَارَةِ فَلَا يَجِبُ فِيهَا زَكَاةُ السَّائِمَةِ، وَكَذَلِكَ فِي الْإِسَامَةِ لِلْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ خِيَارَ الْمَالِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (مِنْ حَزَرَاتِ أَمْوَالِ النَّاسِ) الْحَزَرَاتُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَتَحَاتِ جَمْعُ حَزَرَةٍ بِالتَّحْرِيكِ وَهُوَ خِيَارُ الْمَالِ، وَالْحَاشِيَةُ صِغَارُ الْإِبِلِ لَا كِبَارَ فِيهَا. وَذَكَرَ فِي الْمُغْرِبِ: خُذْ مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ: أَيْ مِنْ عُرْضِهَا: يَعْنِي مِنْ جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِهَا مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ، وَهِيَ فِي الْأَصْلِ جَمْعُ حَاشِيَةِ الثَّوْبِ وَغَيْرِهِ لِجَانِبِهِ، وَتَفْسِيرُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ أَيْ أَوْسَاطُهَا غَيْرُ ذَلِكَ، وَهُوَ الْحَقُّ لِقَوْلِهِ وَلِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ. قَالَ (وَمَنْ كَانَ لَهُ نِصَابٌ) الْمُسْتَفَادُ عَلَى ضَرْبَيْنِ مِنْ جِنْسِ الْأَصْلِ وَمِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ، وَالثَّانِي لَا يُضَمُّ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ إبِلٌ فَاسْتَفَادَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ بَقَرًا أَوْ غَنَمًا وَإِنَّمَا يُسْتَأْنَفُ لَهُ حَوْلٌ بِذَاتِهِ، وَالْأَوَّلُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ حَاصِلًا بِسَبَبِ الْأَصْلِ كَالْأَوْلَادِ وَالْأَرْبَاحِ أَوْ بِسَبَبٍ مَقْصُودٍ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ يُضَمُّ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ رَجُلٍ مِقْدَارُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ سَائِمَةٍ فَاسْتَفَادَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ مِيرَاثٍ ضَمَّهَا وَزَكَّى كُلَّهَا عِنْدَ تَمَّامِ الْحَوْلِ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُسْتَأْنَفُ لَهُ

الْمِلْكِ فَكَذَا فِي وَظِيفَتِهِ، بِخِلَافِ الْأَوْلَادِ وَالْأَرْبَاحِ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ فِي الْمِلْكِ حَتَّى مُلِكَتْ بِمِلْكِ الْأَصْلِ. وَلَنَا أَنَّ الْمُجَانَسَةَ هِيَ الْعِلَّةُ فِي الْأَوْلَادِ وَالْأَرْبَاحِ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا يَتَعَسَّرُ الْمَيْزُ فَيَعْسُرُ اعْتِبَارُ الْحَوْلِ لِكُلِّ مُسْتَفَادٍ، وَمَا شَرْطُ الْحَوْلِ إلَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQحَوْلٌ جَدِيدٌ مِنْ حِينِ مَلَكَهُ، فَإِذَا تَمَّ الْحَوْلُ وَجَبَ فِيهِ الزَّكَاةُ نِصَابًا كَانَ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنَّهُ أَصْلٌ فِي حَقِّ الْمِلْكِ لِحُصُولِهِ بِسَبَبٍ غَيْرِ سَبَبِ الْأَصْلِ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ أَصْلًا فِي الْوَظِيفَةِ كَالْمُسْتَفَادِ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ (بِخِلَافِ الْأَوْلَادِ وَالْأَرْبَاحِ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْمِلْكِ حَتَّى مُلِكَتْ بِمِلْكِ الْأَصْلِ) دُونَ سَبَبٍ مَقْصُودٍ (وَلَنَا أَنَّ الْمُجَانَسَةَ هِيَ الْعِلَّةُ فِي الْأَوْلَادِ وَالْأَرْبَاحِ لِأَنَّ عِنْدَهَا) يَعْنِي عِنْدَ الْمُجَانَسَةِ (يَتَعَسَّرُ الْمَيْزُ) لِأَنَّ الْمُسْتَفَادَ مِمَّا يَكْثُرُ وُجُودُهُ لِكَثْرَةِ أَسْبَابِهِ (فَيَعْسُرُ اعْتِبَارُ الْحَوْلِ لِكُلِّ مُسْتَفَادٍ) لِأَنَّ مُرَاعَاتَهُ فِيهِ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ ضَبْطِ كَمِّيَّتِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ وَزَمَانِ تَجَدُّدِهِ وَفِي ذَلِكَ حَرَجٌ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ النِّصَابُ دَرَاهِمَ وَهُوَ صَاحِبُ غَلَّةٍ يَسْتَفِيدُ كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمًا أَوْ دِرْهَمَيْنِ، وَالْحَوْلُ مَا شُرِطَ إلَّا تَيْسِيرًا، فَلَوْ شَرَطْنَا لَهُ حَوْلًا جَدِيدًا عَادَ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ عِلَّةَ الضَّمِّ فِي الْأَوْلَادِ وَالْأَرْبَاحِ الْمُجَانَسَةُ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ وَجَبَ الْقَوْلُ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ فِيهِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَرَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَيْسَ فِي مَالٍ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» وَعَلَى تَقْدِيرِ الضَّمِّ يَجِبُ الزَّكَاةُ بِلَا حَوْلٍ. أُجِيبَ بِأَنَّا مَا أَسْقَطْنَا الْحَوْلَ وَإِنَّمَا جَعَلْنَا حَوَلَانَ الْحَوْلِ عَلَى الْأَصْلِ حَوَلَانًا عَلَى الْمُسْتَفَادِ تَيْسِيرًا. فَإِنْ عُورِضَ بِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الْأَوْلَادِ وَالْأَرْبَاحِ بِطَرِيقِ السِّرَايَةِ فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ. قُلْنَا: مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ هَذَا الْحُكْمَ قَدْ ثَبَتَ فِي الْأُمَّهَاتِ بِالْأَوْلَادِ، فَإِنَّ مَنْ كَانَتْ لَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ شَاةً فَوَلَدَتْ وَاحِدَةٌ قَبْلَ الْحَوْلِ فَتَمَّ الْحَوْلُ وَجَبَ عَلَيْهِ شَاتَانِ، فَكَانَ

لِلتَّيْسِيرِ. قَالَ (وَالزَّكَاةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي النِّصَابِ دُونَ الْعَفْوِ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ فِيهِمَا: حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْعَفْوُ وَبَقِيَ النِّصَابُ بَقِيَ كُلُّ الْوَاجِبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ يَسْقُطُ بِقَدْرِهِ. لِمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ أَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ شُكْرًا لِنِعْمَةِ الْمَالِ وَالْكُلُّ نِعْمَةٌ. وَلَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ شَاةٌ وَلَيْسَ فِي الزِّيَادَةِ شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ عَشْرًا» وَهَكَذَا قَالَ فِي كُلِّ نِصَابٍ، وَنَفَى الْوُجُوبَ عَنْ الْعَفْوِ، وَلِأَنَّ الْعَفْوَ تَبَعٌ لِلنِّصَابِ، فَيُصْرَفُ الْهَلَاكُ أَوَّلًا إلَى التَّبَعِ كَالرِّبْحِ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُصْرَفُ الْهَلَاكُ بَعْدَ الْعَفْوِ إلَى النِّصَابِ الْأَخِيرِ ثُمَّ إلَى الَّذِي يَلِيهِ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ، لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ النِّصَابُ الْأَوَّلُ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ تَابِعٌ. وَعِنْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوُجُوبُ عَلَى الْأُمِّ وَغَيْرِهَا بِسَبَبِ الْوَلَدِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِطَرِيقِ السِّرَايَةِ. وَقَوْلُهُ (وَالزَّكَاةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) صُورَتُهُ ظَاهِرَةٌ فَإِنَّ مَنْ كَانَ لَهُ تِسْعٌ مِنْ الْإِبِلِ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَهَلَكَ مِنْهَا أَرْبَعٌ فَعَلَيْهِ فِي الْبَاقِي شَاةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَتْسَاعِ شَاةٍ، وَكَذَلِكَ الدَّلِيلُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ (وَقَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْعَفْوَ) يَعْنِي أَنَّ الْعَفْوَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ وُجُودِ النِّصَابِ فَكَانَ تَابِعًا، وَكُلُّ مَالٍ اشْتَمَلَ عَلَى أَصْلٍ وَتَبَعٍ ثُمَّ هَلَكَ مِنْهُ شَيْءٌ صُرِفَ الْهَلَاكُ إلَى التَّبَعِ دُونَ الْأَصْلِ، كَمَالِ الْمُضَارَبَةِ إذَا كَانَ فِيهِ رِبْحٌ فَهَلَكَ مِنْهُ شَيْءٌ فَإِنَّهُ يُصْرَفُ إلَى الرِّبْحِ دُونَ رَأْسِ الْمَالِ بِالِاتِّفَاقِ. وَقَوْلُهُ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ الْهَلَاكِ يُصْرَفُ إلَى التَّبَعِ (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُصْرَفُ الْهَلَاكُ بَعْدَ الْعَفْوِ إلَى النِّصَابِ الْأَخِيرِ إلَخْ)

أَبِي يُوسُفَ يُصْرَفُ إلَى الْعَفْوِ أَوَّلًا ثُمَّ إلَى النِّصَابِ شَائِعًا. (وَإِذَا أَخَذَ الْخَوَارِجُ الْخَرَاجَ وَصَدَقَةَ السَّوَائِمِ لَا يُثَنِّي عَلَيْهِمْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبَيَانُ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ لِرَجُلٍ أَرْبَعُونَ مِنْ الْإِبِلِ فَهَلَكَ مِنْهَا عِشْرُونَ فَفِي الْبَاقِي أَرْبَعُ شِيَاهٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجِبُ فِيهَا عِشْرُونَ جُزْءًا مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ جُزْءًا مِنْ بِنْتِ لَبُونً، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجِبُ نِصْفُ بِنْتِ لَبُونٍ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْوَاجِبَ مُتَعَلِّقٌ بِالْكُلِّ فَإِذَا هَلَكَ النِّصْفُ سَقَطَ نِصْفُ الْوَاجِبِ. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْأَرْبَعَ عَفْوٌ وَبَقِيَ الْوَاجِبُ فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ فَيَبْقَى الْوَاجِبُ بِقَدْرِ الْبَاقِي، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْهَالِكَ يُجْعَلُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبْلُ أَنَّهُ تَابِعٌ وَالنِّصَابُ الْأَوَّلُ هُوَ الْأَصْلُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَجَّلَ الزَّكَاةَ عَنْ نُصُبٍ كَثِيرَةٍ وَفِي مِلْكِهِ نِصَابٌ وَاحِدٌ جَازَ فَثَبَتَ أَنَّ النِّصَابَ الْأَوَّلَ أَصْلٌ وَمَا زَادَ كَالتَّابِعِ، فَإِذَا هَلَكَ شَيْءٌ صُرِفَ الْهَلَاكُ إلَى مَا هُوَ التَّابِعُ فَتَجِبُ زَكَاةُ الْعِشْرِينَ وَذَلِكَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ. قَالَ (إذَا أَخَذَ الْخَوَارِجُ الْخَرَاجَ) الْخَوَارِجُ: قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَرَجُوا عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ الْعَدْلِ بِحَيْثُ يَسْتَحِلُّونَ قَتْلَ الْعَادِلِ وَمَالَهُ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ وَدَانُوا ذَلِكَ وَقَالُوا: مَنْ أَذْنَبَ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً فَقَدْ كَفَرَ وَحَلَّ قَتْلُهُ إلَّا أَنْ يَتُوبَ، وَتَمَسَّكُوا بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} [الجن: 23] فَإِذَا ظَهَرَ هَؤُلَاءِ عَلَى بَلْدَةٍ فِيهَا أَهْلُ الْعَدْلِ فَأَخَذُوا الْخَرَاجَ (وَصَدَقَةَ السَّوَائِمِ) ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ الْإِمَامُ (لَا يُثَنِّي عَلَيْهِمْ) أَيْ لَا يَأْخُذُ مِنْهُمْ ثَانِيًا

لِأَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَحْمِهِمْ وَالْجِبَايَةُ بِالْحِمَايَةِ، وَأَفْتَوْا بِأَنْ يُعِيدُوهَا دُونَ الْخَرَاجِ لِأَنَّهُمْ مَصَارِفُ الْخَرَاجِ لِكَوْنِهِمْ مُقَاتِلَةً، وَالزَّكَاةُ مَصْرِفُهَا الْفُقَرَاءُ وَهُمْ لَا يَصْرِفُونَهَا إلَيْهِمْ. وَقِيلَ إذَا نَوَى بِالدَّفْعِ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِمْ سَقَطَ عَنْهُ، وَكَذَا الدَّفْعُ إلَى كُلٍّ جَائِزٌ لِأَنَّهُمْ بِمَا عَلَيْهِمْ مِنْ التَّبِعَاتِ فُقَرَاءُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَحْمِهِمْ وَالْجِبَايَةَ بِالْحِمَايَةِ) كَتَبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى عَامِلِهِ: إنْ كُنْت لَا تَحْمِهِمْ فَلَا تَجْبِهِمْ مِنْ جَبَى الْخَرَاجَ جِبَايَةً إذَا جَمَعَهُ (وَأَفْتَوْا بِأَنْ يُعِيدَهَا) يَعْنِي الصَّدَقَةَ (دُونَ الْخَرَاجِ) وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ (لِأَنَّهُمْ مَصَارِفُ الْخَرَاجِ لِكَوْنِهِمْ مُقَاتِلَةً) إذَا ظَهَرَ عَدُوٌّ ذَبُّوا عَنْ دَارِ الْإِسْلَامِ،

وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ. (وَلَيْسَ عَلَى الصَّبِيِّ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ فِي سَائِمَتِهِ شَيْءٌ وَعَلَى الْمَرْأَةِ مِنْهُمْ مَا عَلَى الرَّجُلِ) لِأَنَّ الصُّلْحَ قَدْ جَرَى عَلَى ضِعْفِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَيُؤْخَذُ مِنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ دُونَ صِبْيَانِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا الصَّدَقَاتُ فَمَصْرِفُهَا الْفُقَرَاءُ وَهُمْ لَا يَصْرِفُونَهَا إلَيْهِمْ. وَقِيلَ إذَا نَوَى بِالدَّفْعِ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِمْ يَسْقُطُ، وَهُوَ الْمَحْكِيُّ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ وَكَذَلِكَ الدَّفْعُ إلَى كُلِّ جَائِزٍ. قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ: وَكَذَلِكَ السُّلْطَانُ إذَا صَادَرَ رَجُلًا وَأَخَذَ مِنْهُ أَمْوَالًا فَنَوَى صَاحِبُ الْمَالِ الزَّكَاةَ عِنْدَ الدَّفْعِ سَقَطَتْ عَنْهُ الزَّكَاةُ لِأَنَّهُمْ بِمَا عَلَيْهِمْ مِنْ التَّبِعَاتِ فُقَرَاءُ، فَإِنَّهُمْ إذَا رَدُّوا أَمْوَالَهُمْ إلَى مَنْ أَخَذُوهَا مِنْهُمْ لَمْ يَبْقَ مَعَهُمْ شَيْءٌ، وَالتَّبِعَاتُ الْحُقُوقُ الَّتِي عَلَيْهِمْ كَالدُّيُونِ وَالْغُصُوبُ، وَالتَّبِعَةُ مَا اُتُّبِعَ بِهِ. وَقَوْلُهُ (وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ) أَيْ الْإِفْتَاءُ بِإِعَادَةِ صَدَقَةِ السَّوَائِمِ، وَالْعُشُورِ أَحْوَطُ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ خُرُوجًا عَنْ عُهْدَةِ الزَّكَاةِ بِيَقِينٍ. قِيلَ كَأَنَّ فِي قَوْلِهِ وَصَدَقَةَ السَّوَائِمِ إشَارَةً إلَى مَا نَقَلَ التُّمُرْتَاشِيُّ عَنْ الشَّهِيدِ أَنَّ هَذَا فِي صِفَةِ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ أَمَّا إذَا صَادَرَهُ السُّلْطَانُ وَنَوَى هُوَ أَدَاءَ الزَّكَاةِ فَعَلَى قَوْلِ طَائِفَةٍ يَجُوزُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلظَّالِمِ وِلَايَةُ أَخْذِ زَكَاةِ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْعُمُومُ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ. وَقَوْلُهُ (وَلَيْسَ عَلَى الصَّبِيِّ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ فِي سَائِمَتِهِ شَيْءٌ) وَبَنُو تَغْلِبَ قَوْمٌ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ كَانُوا بِقُرْبِ الرُّومِ، فَلَمَّا أَرَادَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يُوَظِّفَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ أَبَوْا وَقَالُوا: نَحْنُ مِنْ الْعَرَبِ نَأْنَفُ مِنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ، فَإِنْ وَظَّفْت عَلَيْنَا

(وَإِنْ هَلَكَ الْمَالُ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَضْمَنُ إذَا هَلَكَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الذِّمَّةِ فَصَارَ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَلِأَنَّهُ مَنَعَهُ بَعْدَ الطَّلَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجِزْيَةَ لَحِقْنَا بِأَعْدَائِك مِنْ الرُّومِ، وَإِنْ رَأَيْت أَنْ تَأْخُذَ مِنَّا مَا يَأْخُذُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ وَتُضَعِّفَهُ عَلَيْنَا فَعَلْنَا ذَلِكَ، فَشَاوَرَ عُمَرُ الصَّحَابَةَ فِي ذَلِكَ وَكَانَ الَّذِي يَسْعَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ كُرْدُوسٌ التَّغْلِبِيُّ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ صَالِحْهُمْ فَإِنَّك إنْ تُنَاجِزْهُمْ لَمْ تُطِقْهُمْ، فَصَالَحَهُمْ عُمَرُ عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ: هَذِهِ جِزْيَةٌ وَسَمُّوهَا مَا شِئْتُمْ، فَوَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ ضِعْفَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِهَذَا الصُّلْحِ بَعْدَهُ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلَزِمَ أَوَّلَ الْأُمَّةِ وَآخِرَهُمْ، وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَمَا فِي الْكِتَابِ ظَاهِرٌ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ نِسَائِهِمْ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْجِزْيَةِ وَلَا جِزْيَةَ عَلَى النِّسَاءِ. وَوَجْهُ الظَّاهِرِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ بَدَلُ الصُّلْحِ، وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِيهِ سَوَاءٌ لِأَنَّهُمْ صَالَحُوا عَلَى أَنْ يُضَعِّفَ عَلَيْهِمْ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالصَّدَقَةُ تُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ دُونَ الصِّبْيَانِ فَكَذَا فِي حَقِّهِمْ. قَالَ (وَإِنْ هَلَكَ الْمَالُ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ) إنْ هَلَكَ الْمَالُ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ سَقَطَتْ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ هَلَكَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ لَمْ تَسْقُطْ، وَالتَّمَكُّنُ مِنْهُ فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ بِالظَّفَرِ بِأَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَفِي الظَّاهِرِ بِالظَّفَرِ بِالسَّاعِي فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ تَقَرَّرَ فِي الذِّمَّةِ بِحُصُولِ الْوُسْعِ عَلَى الْأَدَاءِ، وَمَنْ تَقَرَّرَ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ لَا يَبْرَأُ عَنْهُ بِالْعَجْزِ عَنْ الْأَدَاءِ كَمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْحَجِّ وَدُيُونِ الْعِبَادِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ عِنْدَهُ تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ وَعِنْدَنَا فِي الْعَيْنِ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ مَنَعَهُ بَعْدَ الطَّلَبِ) دَلِيلٌ آخَرُ، وَهَذَا لِأَنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ طَلَبَ بِالْخِطَابِ، وَإِذَا تَمَكَّنَ مِنْ الْأَدَاءِ وَلَمْ يُؤَدِّ كَانَ الْهَلَاكُ مَنْعًا بَعْدَ الطَّلَبِ، وَالْمَنْعُ بَعْدَ طَلَبِ

فَصَارَ كَالِاسْتِهْلَاكِ. وَلَنَا أَنَّ الْوَاجِبَ جُزْءٌ مِنْ النِّصَابِ تَحْقِيقًا لِلتَّيْسِيرِ فَيَسْقُطُ بِهَلَاكِ مَحَلِّهِ كَدَفْعِ الْعَبْدِ بِالْجِنَايَةِ يَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ وَالْمُسْتَحِقُّ فَقِيرٌ يُعِينُهُ الْمَالِكُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ الطَّلَبُ، وَبَعْدَ طَلَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQصَاحِبِ الْحَقِّ يُوجِبُ الضَّمَانَ (فَكَانَ كَالِاسْتِهْلَاكِ وَلَنَا أَنَّ الْوَاجِبَ) لَيْسَ فِي الذِّمَّةِ بَلْ هُوَ (جُزْءٌ مِنْ النِّصَابِ) عَمَلًا بِكَلِمَةٍ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» (وَتَحْقِيقًا لِلتَّيْسِيرِ) فَإِنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ بِقُدْرَةٍ مُيَسِّرَةٍ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ. وَمِنْ التَّيْسِيرِ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ مِنْ النِّصَابِ إذْ الْإِنْسَانُ إنَّمَا يُخَاطَبُ بِأَدَاءِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَدَاءِ الزَّكَاةِ مِنْ هَذَا النِّصَابِ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَكُونَ مَالٌ سِوَاهُ، لَا سِيَّمَا السُّكَّانُ فِي الْمَفَاوِزِ فَإِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى تَحْصِيلِ شَيْءٍ مِنْ النُّقُودِ لِبُعْدِهِمْ عَنْ الْعُمْرَانِ. فَإِذَا كَانَ جُزْءًا مِنْهُ كَانَ النِّصَابُ مَحَلَّهُ (فَيَسْقُطُ بِهَلَاكِ مَحَلِّهِ كَدَفْعِ الْعَبْدِ بِالْجِنَايَةِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ) وَإِذَا ظَهَرَ هَذَا سَقَطَ الِاسْتِدْلَال بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّهَا تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ، وَعُورِضَ بِأَنَّ دَفْعَ الْقِيمَةِ يَجُوزُ عِنْدَكُمْ، وَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ جُزْءًا مِنْ النِّصَابِ لَمَا جَازَ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَيْسَتْ بِجُزْءٍ مِنْ النِّصَابِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ بِأَمْرٍ آخَرَ وَهُوَ الْإِذْنُ بِالِاسْتِدْلَالِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَوْلُهُ (وَالْمُسْتَحِقُّ فَقِيرٌ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ مُنِعَ بَعْدَ الطَّلَبِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ طُلِبَ فَقِيرٌ بِالْأَدَاءِ وَلَمْ يُؤَدِّ حَتَّى هَلَكَ الْمَالُ لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ أَيْضًا فَضْلًا مَا إذَا لَمْ يُطَالِبْهُ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِلطَّلَبِ فَقِيرٌ (يُعِينُهُ الْمَالِكُ) لَا كُلُّ فَقِيرٍ لِأَنَّ لِلْمَالِكِ الرَّأْيَ فِي الصَّرْفِ إلَى مَنْ شَاءَ مِنْ الْفُقَرَاءِ (وَلَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ الطَّلَبُ) فَلَا يَكُونُ ثَمَّةَ مَنْعٌ بَعْدَ الطَّلَبِ، وَفِي عِبَارَتِهِ تَسَامُحٌ لِأَنَّ الْفَقِيرَ مَصْرِفٌ عِنْدَنَا لَا مُسْتَحِقٌّ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ إلَّا إذَا حُمِلَ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُسْتَحِقُّ لِلطَّلَبِ وَفِيهِ ضَعْفٌ. فَإِنْ قِيلَ: فَالسَّاعِي مُتَعَيِّنٌ لِلطَّلَبِ فَإِذَا لَمْ يُؤَدِّ بَعْدَ طَلَبِهِ حَتَّى هَلَكَ وَجَبَ أَنْ يَضْمَنَ وَلَمْ يَقُولُوا بِهِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَبَعْدَ طَلَبِ

السَّاعِي قِيلَ يَضْمَنُ وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ لِانْعِدَامِ التَّفْوِيتِ، وَفِي الِاسْتِهْلَاكِ وُجِدَ التَّعَدِّي، وَفِي هَلَاكِ الْبَعْضِ يَسْقُطُ بِقَدْرِهِ اعْتِبَارًا لَهُ بِالْكُلِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّاعِي قِيلَ يَضْمَنُ) وَهُوَ قَوْلُ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِنَا لِكَوْنِهِ مُتَعَيِّنًا لِلطَّلَبِ فَالْمَنْعُ يَكُونُ تَفْوِيتًا كَمَا فِي الِاسْتِهْلَاكِ (وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ) وَهُوَ قَوْلُ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ. قِيلَ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِعَدَمِ التَّفْوِيتِ، فَإِنَّ الْمَنْعَ لَيْسَ بِتَفْوِيتٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَنْعُهُ لِاخْتِيَارِ الْأَدَاءِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ، بِخِلَافِ الِاسْتِهْلَاكِ فَإِنَّهُ قَدْ وُجِدَ مِنْهُ التَّعَدِّي عَلَى مَحَلٍّ مَشْغُولٍ بِحَقِّ الْغَيْرِ بِالْإِتْلَافِ فَجُعِلَ الْمَحَلُّ قَائِمًا زَجْرًا لَهُ، وَنَظَرًا لِصَاحِبِ الْحَقِّ إذْ لَوْ لَمْ يُجْعَلْ كَذَلِكَ لَمَا وَصَلَ إلَى الْفَقِيرِ شَيْءٌ، لِأَنَّ كُلَّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ لَمْ يَعْجِزْ أَنْ يَصْرِفَ النِّصَابَ إلَى حَاجَتِهِ بِلَا ضَمَانٍ. وَقَوْلُهُ (وَفِي هَلَاكِ الْبَعْضِ يَسْقُطُ بِقَدْرِهِ) أَيْ بِقَدْرِ الْهَالِكِ (اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ) فَإِنْ قِيلَ: قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ بِقُدْرَةٍ مُيَسِّرَةٍ بِاشْتِرَاطِ النِّصَابِ

(وَإِنْ قَدَّمَ الزَّكَاةَ عَلَى الْحَوْلِ وَهُوَ مَالِكٌ لِلنِّصَابِ جَازَ) لِأَنَّهُ أَدَّى بَعْدَ سَبَبِ الْوُجُوبِ فَيَجُوزُ كَمَا إذَا كَفَّرَ بَعْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَا وَجَبَ بِصِفَةٍ لَا يَبْقَى بِدُونِهَا وَقَدْ زَالَ الْيُسْرُ بِفَوَاتِ بَعْضِ النِّصَابِ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يَبْقَى عَلَيْهِ شَيْءٌ كَابْتِدَاءِ الْوُجُوبِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِبَعْضِ النِّصَابِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْيُسْرَ فِيهَا لَمْ يَكُنْ مِنْ حَيْثُ اشْتِرَاطُ النِّصَابِ بَلْ مِنْ حَيْثُ اشْتِرَاطُ صِفَةِ النَّمَاءِ لِيَكُونَ الْمُؤَدَّى جُزْءًا مِنْ الْمَالِ النَّامِي لِئَلَّا يُنْتَقَضَ بِهِ أَصْلُ الْمَالِ، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ أَصْلُ النِّصَابِ فِي الِابْتِدَاءِ لِيَصِيرَ الْمُكَلَّفُ بِهِ أَهْلًا لِلْإِغْنَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا مِنْ الْغَنِيِّ، وَالشَّرْعُ قَدَّرَ الْغِنَى بِالنِّصَابِ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ عِنْدَ هَلَاكِ الْكُلِّ لِفَوَاتِ النَّمَاءِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْيُسْرُ، وَإِذَا هَلَكَ الْبَعْضُ بَقِيَ الْيُسْرُ بِبَقَاءِ النَّمَاءِ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ فَيَبْقَى بِقِسْطِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَدَّمَ الزَّكَاةَ عَلَى الْحَوْلِ) أَيْ أَدَّاهَا قَبْلَ حَوْلَانِ الْحَوْلِ (جَازَ) عِنْدَنَا خِلَافًا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَالِكٍ. وَذَكَرَ فِي الْأَسْرَارِ زُفَرَ بَدَلَ مَالِكٍ لَهُ أَنَّ حَوَلَانَ الْحَوْلِ شَرْطٌ كَالنِّصَابِ، وَتَقْدِيمُ الْمَشْرُوطِ عَلَى الشَّرْطِ لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ قَدَّمَ عَلَى النِّصَابِ. وَلَنَا أَنَّهُ أَدَّى بَعْدَ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَهُوَ جَائِزٌ كَمَا إذَا صَلَّى فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَصَامَ الْمُسَافِرُ فِي رَمَضَانَ وَأَدَّى الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ، وَحَوَلَانُ الْحَوْلِ شَرْطُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَكَلَامُنَا فِي جَوَازِهِ وَصَارَ كَمَا إذَا

الْجُرْحِ، وَفِيهِ خِلَافُ مَالِكٍ (وَيَجُوزُ) (التَّعْجِيلُ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ) لِوُجُودِ السَّبَبِ، وَيَجُوزُ لِنُصُبٍ إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ نِصَابٌ وَاحِدٌ خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّ النِّصَابَ الْأَوَّلَ هُوَ الْأَصْلُ فِي السَّبَبِيَّةِ وَالزَّائِدُ عَلَيْهِ تَابِعٌ لَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَفَّرَ بَعْدَ الْجَرْحِ (وَيَجُوزُ التَّعْجِيلُ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ) لِأَنَّ مِلْكَ النِّصَابِ سَبَبُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ حَوْلٍ مَا لَمْ يُنْتَقَصْ، وَجَوَازُ التَّعْجِيلِ بِاعْتِبَارِ تَمَامِ السَّبَبِ، وَفِي ذَلِكَ الْحَوْلُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي سَوَاءٌ (وَيَجُوزُ لِنُصُبٍ إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ نِصَابٌ وَاحِدٌ خِلَافًا لِزُفَرَ) فَإِذَا كَانَ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ فَعَجَّلَ أَرْبَعَ شِيَاهٍ ثُمَّ تَمَّ الْحَوْلُ وَفِي مِلْكِهِ عِشْرُونَ مِنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِبِلِ جَازَ عَنْ الْكُلِّ عِنْدَنَا. وَعِنْدَهُ لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ الْخَمْسِ لِأَنَّ كُلَّ نِصَابٍ فِي حَقِّ الزَّكَاةِ أَصْلٌ فِي نَفْسِهِ، فَكَانَ التَّعْجِيلُ عَلَى النِّصَابِ الثَّانِي كَالتَّعْجِيلِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَفِي ذَلِكَ تَقْدِيمُ الْحُكْمِ عَلَى السَّبَبِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ. وَلَنَا أَنَّ النِّصَابَ الْأَوَّلَ هُوَ الْأَصْلُ فِي السَّبَبِيَّةِ وَالزَّائِدُ عَلَيْهِ تَابِعٌ لَهُ؛ أَلَا تَرَى إلَى مَنْ كَانَ لَهُ نِصَابٌ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ ثُمَّ حَصَلَ لَهُ نُصُبٌ فِي آخِرِ الْحَوْلِ ثُمَّ تَمَّ الْحَوْلُ عَلَى النِّصَابِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَتِمَّ عَلَى الْبَاقِيَةِ جُعِلَ كَأَنَّهُ تَمَّ الْحَوْلُ عَلَى النُّصُبِ كُلِّهَا وَوَجَبَ أَدَاءُ الزَّكَاةِ عَنْ الْمَجْمُوعِ بِالِاتِّفَاقِ، فَكَذَلِكَ يَجْعَلُ النُّصُبَ الْأُخَرَ كَالْمَوْجُودَةِ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ فِي حَقِّ التَّعْجِيلِ.

[باب زكاة المال]

(لَيْسَ فِيمَا دُونَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ صَدَقَةٌ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ» وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا (فَإِذَا كَانَتْ مِائَتَيْنِ وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ) «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ زَكَاةِ الْمَالِ] [فَصْلٌ فِي الْفِضَّةِ] بَابٌ فِي زَكَاةِ الْمَالِ: لَمَّا قَدَّمَ ذِكْرَ زَكَاةِ السَّوَائِمِ لِمَا قُلْنَا أَعْقَبَهُ بِذِكْرِ غَيْرِهَا مِنْ أَمْوَالِ الزَّكَاةِ. قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْمَالُ كُلُّ مَا يَتَمَلَّكُهُ النَّاسُ مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ ثِيَابٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ الْمَالَ وَأَرَادَ غَيْرَ السَّوَائِمِ عَلَى خِلَافِ عُرْفِ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَإِنَّ اسْمَ الْمَالِ عِنْدَهُمْ يَقَعُ عَلَى النَّعَمِ، وَعَلَى عُرْفِ أَهْلِ الْحَضَرِ فَإِنَّهُ عِنْدَهُمْ يَقَعُ عَلَى غَيْرِ النَّعَمِ. (فَصْلٌ فِي الْفِضَّةِ) قَدَّمَ فَصْلَ الْفِضَّةِ عَلَى غَيْرِهَا لِكَوْنِهَا أَكْثَرَ تَدَاوُلًا فِي الْأَيْدِي، وَالْأُوقِيَّةُ بِالتَّشْدِيدِ أَفُعُولَةٌ مِنْ الْوِقَايَةِ لِأَنَّهَا تَقِي صَاحِبَهَا مِنْ الْفَقْرِ. وَقِيلَ هِيَ فِعْلِيَّةٌ مِنْ الْأَوْقِ وَهُوَ الثِّقَلُ، وَالْجَمْعُ الْأَوَاقِيُّ بِالتَّشْدِيدِ أَفَاعِيلُ كَالْأَضَاحِيِّ وَبِالتَّخْفِيفِ أَفَاعِلُ، وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ.

كَتَبَ إلَى مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ خُذْ مِنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَمِنْ كُلِّ عِشْرِينَ مِثْقَالًا مِنْ ذَهَبٍ نِصْفَ مِثْقَالٍ» . قَالَ (وَلَا شَيْءَ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَيَكُونُ فِيهَا دِرْهَمٌ ثُمَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: مَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَزَكَاتُهُ بِحِسَابِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ عَلِيِّ «وَمَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَبِحِسَابِهِ» وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ شُكْرًا لِنِعْمَةِ الْمَالِ، وَاشْتِرَاطُ النِّصَابِ فِي الِابْتِدَاءِ لَتَحَقُّق الْغِنَى وَبَعْدَ النِّصَابِ فِي السَّوَائِمِ تَحَرُّزًا عَنْ التَّشْقِيصِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ «لَا تَأْخُذْ مِنْ الْكُسُورِ شَيْئًا» ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (فَيَكُونُ فِيهَا دِرْهَمٌ) يَعْنِي مَعَ الْخَمْسَةِ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ مَعَ مَا سَبَقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَالَ: مَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَزَكَاتُهُ بِحِسَابِهِ قُلْت الزِّيَادَةُ أَوْ كَثُرَتْ. حَتَّى إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ دِرْهَمًا فَفِيهِ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «وَمَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَزَكَاتُهُ بِحِسَابِهِ» وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ شُكْرًا لِنِعْمَةِ الْمَالِ وَالْكُلُّ مَالٌ. فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَامَ شُرِطَ النِّصَابُ فِي الِابْتِدَاءِ؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ لِيَتَحَقَّقَ الْغِنَى لِيَصِيرَ الْمُكَلَّفُ بِهِ أَهْلًا لِلْإِغْنَاءِ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ اشْتِرَاطُهُ لِذَلِكَ لَمَا شُرِطَ فِي السَّوَائِمِ فِي الِانْتِهَاءِ كَمَا شُرِطَ فِي الِابْتِدَاءِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ تَحَرُّزًا عَنْ التَّشْقِيصِ وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُعَاذٍ حِينَ وَجَّهَهُ إلَى الْيَمَنِ: لَا تَأْخُذْ مِنْ الْكُسُورِ شَيْئًا» قِيلَ مَعْنَاهُ: لَا تَأْخُذْ مِنْ الشَّيْءِ الَّذِي يَكُونُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ كُسُورًا فَسَمَّاهُ كُسُورًا بِاعْتِبَارِ مَا وَجَبَ.

وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ «وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ صَدَقَةٌ» وَلِأَنَّ الْحَرَجَ مَدْفُوعٌ، وَفِي إيجَابِ الْكُسُورِ ذَلِكَ لِتَعَذُّرِ الْوُقُوفِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ قِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَا قَبْلَ الْمِائَتَيْنِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ عَقِيبَ هَذَا «فَإِذَا بَلَغَ الْوَرِقُ مِائَتِي دِرْهَمٍ فَخُذْ مِنْهَا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ» فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا قَبْلَ الْمِائَتَيْنِ وَمَا بَعْدَهُ لِأَنَّهُ قَالَ عَقِيبَ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ «فَإِذَا بَلَغَ الْوَرِقُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَخُذْ مِنْهَا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَلَا تَأْخُذْ مِمَّا زَادَ حَتَّى يَبْلُغَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَتَأْخُذُ مِنْهَا دِرْهَمًا» هَكَذَا ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ مُسْنِدًا إلَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، فَيُجْعَلُ قَوْلُهُ «إذَا بَلَغَ الْوَرِقُ» إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ بَيَانًا وَتَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ «لَا تَأْخُذْ مِنْ الْكُسُورِ شَيْئًا» لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّكْرَارُ. (وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ «لَيْسَ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ صَدَقَةٌ» وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ لَيْسَ فِيهِ وَلَا فِيمَا دُونَهُ صَدَقَةٌ، وَهَذَا مُحَكَّمٌ فَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرَادَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْمِائَتَيْنِ أَرْبَعُونَ وَاحْتِمَالُهُ مَا ذَكَرُوهُ (وَلِأَنَّ الْحَرَجَ مَدْفُوعٌ) وَهُوَ وَاضِحٌ (وَفِي إيجَابِ الْكُسُورِ ذَلِكَ) أَيْ الْحَرَجُ (لِتَعَسُّرِ الْوُقُوفِ) لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَسَبْعَةَ دَرَاهِمَ

وَالْمُعْتَبَرُ فِي الدَّرَاهِمِ وَزْنُ سَبْعَةٍ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْعَشَرَةُ مِنْهَا وَزْنَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ، بِذَلِكَ جَرَى التَّقْدِيرُ فِي دِيوَانِ عُمَرَ وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَسَبْعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ فَتُعْسَرُ مَعْرِفَةُ سَبْعَةِ أَجْزَاءٍ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ فَحِينَئِذٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى، فَإِذَا جَاءَتْ السَّنَةُ الثَّانِيَةُ وَجَبَ عَلَيْهِ زَكَاةُ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ بَعْدَ الزَّكَاةِ لِأَنَّ دَيْنَهَا مُسْتَحَقٌّ وَإِنْ لَمْ يُؤَدَّ وَذَلِكَ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَدِرْهَمٌ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ جُزْءًا مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ وَاحِدٍ وَزَكَاةُ دِرْهَمٍ وَثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ جُزْءًا مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ يَتَعَسَّرُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ أَلْبَتَّةَ. وَقَوْلُهُ (وَالْمُعْتَبَرُ فِي الدَّرَاهِمِ) رُوِيَ أَنَّ الدَّرَاهِمَ فِي الِابْتِدَاءِ كَانَتْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ مِنْهَا كُلُّ عَشْرَةٍ مِنْهُ عَشْرَةُ مَثَاقِيلَ كُلُّ دِرْهَمٍ مِثْقَالٌ، وَصِنْفٌ مِنْهَا كُلُّ عَشْرَةٍ مِنْهُ سِتَّةُ مَثَاقِيلَ كُلُّ دِرْهَمٍ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ مِثْقَالٍ، وَصِنْفٌ مِنْهَا كُلُّ عَشْرَةٍ مِنْهُ خَمْسَةُ مَثَاقِيلَ كُلُّ دِرْهَمٍ نِصْفُ مِثْقَالٍ، وَكَانَ النَّاسُ يَتَصَرَّفُونَ بِهَا وَيَتَعَامَلُونَ بِهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَلَمَّا تَوَلَّى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَرَادَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْخَرَاجَ بِالْأَكْثَرِ، فَالْتَمَسُوا مِنْهُ التَّخْفِيفَ، فَجَمَعَ حُسَّابَ زَمَانِهِ لِيُتَوَسَّطُوا وَيُوَفِّقُوا بَيْنَ الدَّرَاهِمِ كُلِّهَا وَبَيْنَ مَا رَامَهُ عُمَرُ وَبَيْنَ مَا رَامَهُ الرَّعِيَّةُ، فَاسْتَخْرَجُوا لَهُ وَزْنَ السَّبْعَةِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ (بِذَاكَ جَرَى التَّقْدِيرُ فِي دِيوَانِ عُمَرَ وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَيْهِ) فَتَتَعَلَّقُ الْأَحْكَامُ بِهِ كَالزَّكَاةِ وَالْخَرَاجِ وَنِصَابِ السَّرِقَةِ وَتَقْدِيرِ الدِّيَاتِ وَمَهْرِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالنِّكَاحِ، وَإِنَّمَا جَعَلُوا ذَلِكَ لِأَحَدِ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ: أَحَدِهَا: أَنَّك إذَا جَمَعْت مِنْ كُلِّ صِنْفٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ صَارَ الْكُلُّ أَحَدًا وَعِشْرِينَ مِثْقَالًا، فَإِذَا أَخَذْت ثُلُثَ ذَلِكَ كَانَ سَبْعَةَ مَثَاقِيلَ. وَالثَّانِي أَنَّك إذَا أَخَذْت ثَلَاثَ عَشْرَةَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ وَجَمَعْت بَيْنَ الْأَثْلَاثِ الثَّلَاثَةِ الْمُخْتَلِفَةِ كَانَتْ سَبْعَةَ مَثَاقِيلَ. وَالثَّالِثُ أَنَّك إذَا أَلْقَيْت الْفَاضِلَ عَلَى السَّبْعَةِ مِنْ الْعَشَرَةِ، أَعْنِي الثَّلَاثَةَ، وَالْفَاضِلَ أَيْضًا عَلَى السَّبْعَةِ مِنْ مَجْمُوعِ السِّتَّةِ وَالْخَمْسَةِ أَعْنِي الْأَرْبَعَةَ ثُمَّ جَمَعَتْ مَجْمُوعَ

(وَإِذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى الْوَرِقِ الْفِضَّةَ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْفِضَّةِ، وَإِذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهَا الْغِشُّ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْعُرُوضِ يُعْتَبَرُ أَنْ تَبْلُغَ قِيمَتُهُ نِصَابًا) لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيلِ غِشٍّ لِأَنَّهَا لَا تَنْطَبِعُ إلَّا بِهِ وَتَخْلُو عَنْ الْكَثِيرِ، فَجَعَلْنَا الْغَلَبَةَ فَاصِلَةً وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ عَلَى النِّصْفِ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ، وَسَنَذْكُرُهُ فِي الصَّرْفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، إلَّا أَنَّ فِي غَالِبِ الْغِشِّ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ التِّجَارَةِ كَمَا فِي سَائِرِ الْعُرُوضِ، إلَّا إذَا كَانَ تَخْلُصُ مِنْهَا فِضَّةٌ تَبْلُغُ نِصَابًا لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي عَيْنِ الْفِضَّةِ الْقِيمَةُ وَلَا نِيَّةُ التِّجَارَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَاضِلِينَ: أَعْنِي فَاضِلَ السَّبْعَةِ مِنْ الْعَشَرَةِ وَفَاضِلَ الْمَجْمُوعِ مِنْ السِّتَّةِ وَالْخَمْسَةِ وَهُوَ مَا أَلْقَيْته كَانَتْ سَبْعَةَ مَثَاقِيلَ، فَلَمَّا كَانَتْ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ أَعْدَلَ الْأَوْزَانِ فِيهَا وَدَارَتْ فِي جَمِيعِهَا بِطَرِيقِ مُسْتَقِيمٍ اخْتَارُوهَا. وَقَوْلُهُ (فَهُوَ فِي حُكْمِ الْفِضَّةِ) وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (كَمَا فِي سَائِرِ الْعُرُوضِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ يُنْظَرُ إلَى مَا يَخْلُصُ مِنْهُ مِنْ الْفِضَّةِ، فَإِذَا بَلَغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ تَجِبُ الزَّكَاةُ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي عَيْنِ الْفِضَّةِ الْقِيمَةُ وَلَا نِيَّةُ التِّجَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَخْلُصُ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْمَضْرُوبَةِ مِنْ الصُّفْرِ كَالْقُمْقُمِ لَا شَيْءَ فِيهَا إلَّا إذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ وَقَدْ بَلَغَتْ قِيمَتُهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَيَجِبُ فِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ.

[فصل في زكاة الذهب]

(فَصْلٌ فِي الذَّهَبِ) (لَيْسَ فِيمَا دُونَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا مِنْ الذَّهَبِ صَدَقَةٌ. فَإِذَا كَانَتْ عِشْرِينَ مِثْقَالًا فَفِيهَا نِصْفُ مِثْقَالٍ) لِمَا رَوَيْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي زَكَاة الذَّهَبِ] فَصْلٌ فِي الذَّهَبِ: قَدْ مَرَّ وَجْهُ تَأْخِيرِهِ عَنْ فَصْلِ الْفِضَّةِ (وَقَوْلُهُ لِمَا رَوَيْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ فَصْلِ الْفِضَّةِ «كَتَبَ إلَى مُعَاذٍ أَنْ خُذْ، إلَى أَنْ قَالَ: وَمِنْ كُلِّ عِشْرِينَ مِثْقَالًا مِنْ ذَهَبٍ نِصْفَ مِثْقَالٍ» . وَالْمِثْقَالُ مَا يَكُونُ كُلُّ سَبْعَةٍ مِنْهَا وَزْنَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَضَمِيرُ مِنْهَا رَاجِعٌ إلَى مَا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْجَمْعِ. قِيلَ تَعْرِيفُ الْمِثْقَالِ بِقَوْلِهِ مَا يَكُونُ كُلُّ سَبْعَةٍ مِنْهَا وَزْنَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ عَرَّفَ الدِّرْهَمَ فِي فَصْلِ الْفِضَّةِ بِقَوْلِهِ. وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْعَشَرَةُ مِنْهَا وَزْنَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ فَتَوَقَّفَ مَعْرِفَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَهُوَ دَوْرٌ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مَا عَرَّفَ الدِّرْهَمَ بِالْمِثْقَالِ فِي فَصْلِ الْفِضَّةِ، وَإِنَّمَا قَالَ الْمُعْتَبَرُ مِنْ أَصْنَافِهَا مَا يَكُونُ وَزْنَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ، وَكَانَ ذَلِكَ مَعْرُوفًا فِيمَا بَيْنَهُمْ، ثُمَّ قَالَ هَاهُنَا: وَالْمِثْقَالُ مَا يَكُونُ كُلُّ سَبْعَةٍ مِنْهَا وَزْنَ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ: أَيْ الْمُرَادُ بِالْمِثْقَالِ هَاهُنَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ الَّذِي عُرِّفَ بِهِ

وَالْمِثْقَالُ مَا يَكُونُ كُلُّ سَبْعَةٍ مِنْهَا وَزْنَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ (ثُمَّ فِي كُلِّ أَرْبَعَةِ مَثَاقِيلَ قِيرَاطَانِ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ رُبْعُ الْعُشْرِ وَذَلِكَ فِيمَا قُلْنَا إذْ كُلُّ مِثْقَالٍ عِشْرُونَ قِيرَاطًا (وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ أَرْبَعَةِ مَثَاقِيلَ صَدَقَةٌ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ بِحِسَابِ ذَلِكَ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكُسُورِ، وَكُلُّ دِينَارٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فِي الشَّرْعِ فَيَكُونُ أَرْبَعَةُ مَثَاقِيلَ فِي هَذَا كَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا. قَالَ (وَفِي تِبْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَحُلِيِّهِمَا وَأَوَانِيهِمَا الزَّكَاةُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَجِبُ فِي حُلِيِّ النِّسَاءِ وَخَاتَمِ الْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ لِأَنَّهُ مُبْتَذَلٌ فِي مُبَاحٍ فَشَابَهُ ثِيَابَ الْبِذْلَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَزْنُ الدِّرْهَمِ وَلَا دَوْرَ فِي ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ فِي كُلِّ أَرْبَعَةِ مَثَاقِيلَ قِيرَاطَانِ) يَعْنِي إذَا زَادَ عَلَى الْعِشْرِينَ وَبَلَغَ الزِّيَادَةُ إلَى أَرْبَعَةِ مَثَاقِيلَ فَفِيهَا قِيرَاطَانِ مَعَ نِصْفِ مِثْقَالٍ لِأَنَّ الْوَاجِبَ رُبُعُ الْعُشْرِ وَرُبُعُ الْعُشْرِ حَاصِلٌ فِيمَا قُلْنَا إذْ كُلُّ مِثْقَالٍ عِشْرُونَ قِيرَاطًا فَيَكُونُ أَرْبَعَةَ مَثَاقِيلَ ثَمَانِينَ قِيرَاطًا وَرُبُعُ عُشْرِهِ قِيرَاطَانِ وَهَذَا بِصَنْجَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ. وَالْقِيرَاطُ خُمُسُ شَعِيرَاتٍ، فَالْمِثْقَالُ وَهُوَ الدِّينَارُ عِنْدَهُمْ مِائَةُ شَعِيرَةٍ، وَأَصْلُ الْقِيرَاطِ قِرَّاطٌ بِالتَّشْدِيدِ لِأَنَّ جَمْعَهُ الْقَرَارِيطُ، فَأَبْدَلَ مِنْ أَحَدِ حَرْفَيْ التَّضْعِيفِ يَاءً. وَقَوْلُهُ (وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكُسُورِ) يَعْنِي الَّتِي بَيَّنَهَا فِي فَصْلِ الْفِضَّةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا الِاخْتِلَافَ وَالْحِجَجَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِيهِ، وَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا خَلَا أَنَّ أَرْبَعَ مَثَاقِيلَ هَاهُنَا قَامَتْ مَقَامَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا هُنَاكَ. وَقَوْلُهُ (وَفِي تِبْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) التِّبْرُ مَا كَانَ غَيْرَ مَضْرُوبٍ مِنْهُمَا، وَالْحُلِيُّ عَلَى فُعُولٍ جَمْعُ حَلْيٍ كَثَدْيٍ فِي جَمْعِ ثَدْيٍ وَهُوَ مَا تَتَحَلَّى بِهِ الْمَرْأَةُ مِنْهُمَا. وَقَوْلُهُ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَجِبُ فِي حُلِيِّ النِّسَاءِ وَخَاتَمِ الْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ) يَعْنِي الْحُلِيَّ الَّذِي يُبَاحُ

وَلَنَا أَنَّ السَّبَبَ مَالٌ نَامٍ وَدَلِيلُ النَّمَاءِ مَوْجُودٌ وَهُوَ الْإِعْدَادُ لِلتِّجَارَةِ خِلْقَةً، وَالدَّلِيلُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ بِخِلَافِ الثِّيَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتِعْمَالُهُ لِأَنَّهُ مُبْتَذَلٌ فِي مُبَاحٍ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ لَا زَكَاةَ فِيهِ كَسَائِرِ ثِيَابِ الْبِذْلَةِ وَالْمَهْنَةِ (وَلَنَا أَنَّ السَّبَبَ مَالٌ نَامٍ، وَدَلِيلُ النَّمَاءِ مَوْجُودٌ وَهُوَ الْإِعْدَادُ لِلتِّجَارَةِ خِلْقَةً وَالدَّلِيلُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ) فَإِذَا كَانَ مَوْجُودًا لَا مُعْتَبَرَ بِمَا لَيْسَ بِأَصْلٍ وَهُوَ الْإِعْدَادُ لِلِابْتِذَالِ، بِخِلَافِ الثِّيَابِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا دَلِيلُ النَّمَاءِ وَالِابْتِذَالُ فِيهَا أَصْلٌ لِأَنَّ فِيهِ صَرْفًا لَهَا إلَى الْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا وَهِيَ دَفْعُ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ.

[فصل في زكاة العروض]

(فَصْلٌ فِي الْعُرُوضِ) : ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي زَكَاة الْعُرُوضِ] (فَصْلٌ فِي الْعُرُوضِ) أَخَّرَ فَصْلَ الْعُرُوضِ لِأَنَّهَا تَقُومُ بِالنَّقْدَيْنِ فَكَانَ حُكْمُهَا بِنَاءً عَلَيْهِمَا. وَالْعُرُوضُ جَمْعُ عَرَضٍ بِفَتْحَتَيْنِ: حُطَامُ

(الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ كَائِنَةً مَا كَانَتْ إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهَا نِصَابًا مِنْ الْوَرِقِ أَوْ الذَّهَبِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهَا «يُقَوِّمُهَا فَيُؤَدِّي مِنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ» ، وَلِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لِلِاسْتِنْمَاءِ بِإِعْدَادِ الْعَبْدِ فَأَشْبَهَ الْمُعَدَّ بِإِعْدَادِ الشَّرْعِ، وَتُشْتَرَطُ نِيَّةُ التِّجَارَةِ لِيَثْبُتَ الْإِعْدَادُ، ثُمَّ قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالدُّنْيَا: أَيْ مَتَاعُهَا سِوَى النَّقْدَيْنِ. وَقَوْلُهُ (كَائِنَةً مَا كَانَتْ) أَيْ مِنْ أَيِّ جِنْسٍ كَانَتْ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالسَّوَائِمِ أَوْ لَمْ تَكُنْ كَالثِّيَابِ وَالْحَمِيرِ وَالْبِغَالِ. وَقَوْلُهُ (وَتُشْتَرَطُ نِيَّةُ التِّجَارَةِ) أَيْ حَالَةَ الشِّرَاءِ أَمَّا إذَا

(يُقَوِّمُهَا بِمَا هُوَ أَنْفَعُ لِلْمَسَاكِينِ) احْتِيَاطًا لِحَقِّ الْفُقَرَاءِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْأَصْلِ خَيَّرَهُ لِأَنَّ الثَّمَنَيْنِ فِي تَقْدِيرِ قِيَمِ الْأَشْيَاءِ بِهِمَا سَوَاءٌ، وَتَفْسِيرُ الْأَنْفَعِ أَنْ يُقَوِّمَهَا بِمَا تَبْلُغُ نِصَابًا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَتْ النِّيَّةُ بَعْدَ الْمِلْكِ فَلَا بُدَّ مِنْ اقْتِرَانِ عَمَلِ التِّجَارَةِ بِنِيَّةٍ لِأَنَّ مُجَرَّدَ النِّيَّةِ لَا تَعْمَلُ كَمَا مَرَّ. وَقَوْلُهُ (يُقَوِّمُهَا بِمَا هُوَ أَنْفَعُ لِلْمَسَاكِينِ) أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِي التَّقْوِيمِ، فَإِنَّ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَقَاوِيلَ: أَحَدُهَا هَذَا هُوَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْأَمَالِي، وَوَجْهُهُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ احْتِيَاطًا لِحَقِّ الْفُقَرَاءِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاتِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إنْ كَانَ يُقَوِّمُهَا بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ يَتِمُّ النِّصَابُ وَبِالْآخَرِ لَا يَتِمُّ يُقَوَّمُ بِمَا يَتِمُّ بِالِاتِّفَاقِ احْتِيَاطًا لِحَقِّ الْفُقَرَاءِ فَكَذَلِكَ هَذَا، كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِتَفْسِيرِ الْمُصَنِّفِ لِلْأَنْفَعِ فِي الْكِتَابِ. وَالثَّانِي مَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ أَنْ يُقَوِّمَ صَاحِبُ الْمَالِ بِأَيِّ النَّقْدَيْنِ شَاءَ، وَوَجْهُهُ

يُقَوِّمُهَا بِمَا اشْتَرَى إنْ كَانَ الثَّمَنُ مِنْ النُّقُودِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي مَعْرِفَةِ الْمَالِيَّةِ، وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِغَيْرِ النُّقُودِ قَوَّمَهَا بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُقَوِّمُهَا بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَمَا فِي الْمَغْصُوبِ وَالْمُسْتَهْلَكِ (وَإِذَا كَانَ النِّصَابُ كَامِلًا فِي طَرَفَيْ الْحَوْلِ فَنُقْصَانُهُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ) لِأَنَّهُ يَشُقُّ اعْتِبَارُ الْكَمَالِ فِي أَثْنَائِهِ أَوْ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي ابْتِدَائِهِ لِلِانْعِقَادِ وَتَحَقُّقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ التَّقْوِيمَ لِمَعْرِفَةِ مِقْدَارِ الْمَالِيَّةِ وَالثَّمَنَانِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. وَالثَّالِثُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي مَعْرِفَةِ الْمَالِيَّةِ) لِأَنَّهُ ظَهَرَ قِيمَتُهُ مَرَّةً بِهَذَا النَّقْدِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الشِّرَاءُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِقِيمَتِهَا لِأَنَّ الْغَبْنَ نَادِرٌ. وَالرَّابِعُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ أَنْ يُقَوِّمَهَا بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ عَلَى كُلِّ حَالٍّ يَعْنِي سَوَاءً اشْتَرَاهَا بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ أَوْ بِغَيْرِهِ لِأَنَّ التَّقْوِيمَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مُعْتَبَرٌ بِالتَّقْوِيمِ فِي حَقِّ الْعِبَادِ، وَمَتَى وَقَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى تَقْوِيمِ الْمَغْصُوبِ وَالْمُسْتَهْلَكِ يَقُولُ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ فَكَذَا هَذَا. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَ النِّصَابُ كَامِلًا فِي طَرَفَيْ الْحَوْلِ فَنُقْصَانُهُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ) قَيَّدَ بِالنُّقْصَانِ احْتِرَازًا عَنْ الْهَلَاكِ، فَإِنَّ هَلَاكَ كُلِّ النِّصَابِ يَقْطَعُ الْحَوْلَ بِالِاتِّفَاقِ، وَذَكَرَ النِّصَابَ مُطْلَقًا لِيَتَنَاوَلَ كُلَّ مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالنَّقْدَيْنِ وَالْعُرُوضِ وَالسَّوَائِمِ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَلْزَمُ الزَّكَاةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ النِّصَابُ

الْغِنَى وَفِي انْتِهَائِهِ لِلْوُجُوبِ، وَلَا كَذَلِكَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَالَةُ الْبَقَاءِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ هَلَكَ الْكُلُّ حَيْثُ يَبْطُلُ حُكْمُ الْحَوْلِ، وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ لِانْعِدَامِ النِّصَابِ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَا كَذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّ بَعْضَ النِّصَابِ بَاقٍ فَيَبْقَى الِانْعِقَادُ قَالَ (وَتُضَمُّ قِيمَةُ الْعُرُوضِ إلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ حَتَّى يَتِمَّ النِّصَابُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ أَوَّلِ الْحَوْلِ إلَى آخِرِهِ كَامِلًا لِأَنَّ حَوَلَانَ الْحَوْلِ عَلَى الْمَالِ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ وَكُلُّ جُزْءٍ مِنْ الْحَوْلِ بِمَعْنَى أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ وَلَنَا مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى الْجَوَابِ عَنْ قَوْلِ زُفَرَ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ النِّصَابِ فِي الِابْتِدَاءِ لِلِانْعِقَادِ وَفِي الِانْتِهَاءِ لِلْوُجُوبِ وَمَا بَيْنَهُمَا بِمَعْزِلٍ عَنْهُمَا جَمِيعًا فَلَا يَكُونُ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ الْحَوْلِ بِمَعْنَى أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ، وَالْمُرَادُ بِالنُّقْصَانِ النُّقْصَانُ فِي الذَّاتِ، فَإِنَّ النُّقْصَانَ فِي الْوَصْفِ يَجْعَلُ السَّائِمَةَ عَلُوفَةً يُسْقِطُهَا بِالِاتِّفَاقِ، لِأَنَّ فَوَاتَ الْوَصْفِ وَارِدٌ عَلَى كُلِّ النِّصَابِ فَكَانَ كَهَلَاكِ النِّصَابِ كُلِّهِ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّيَّةِ بِفَوَاتِ الْوَصْفِ. وَقَوْلُهُ (وَتُضَمُّ قِيمَةُ الْعُرُوضِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: حَاصِلُ مَسَائِلِ الضَّمِّ أَنَّ عُرُوضَ التِّجَارَةِ يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ بِالْقِيمَةِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهَا، وَكَذَلِكَ يُضَمُّ إلَى النَّقْدَيْنِ بِلَا خِلَافٍ، وَالسَّوَائِمُ الْمُخْتَلِفَةُ الْجِنْسِ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ لَا يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى

لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِي الْكُلِّ بِاعْتِبَارِ التِّجَارَةِ وَإِنْ افْتَرَقَتْ جِهَةُ الْإِعْدَادِ (وَيُضَمُّ الذَّهَبُ إلَى الْفِضَّةِ) لِلْمُجَانَسَةِ مِنْ حَيْثُ الثَّمَنِيَّةُ، وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ صَارَ سَبَبًا، ثُمَّ يُضَمُّ بِالْقِيمَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا بِالْإِجْزَاءِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ، حَتَّى إنَّ مَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْضٍ بِالْإِجْمَاعِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِي الْكُلِّ بِاعْتِبَارِ التِّجَارَةِ) يَعْنِي أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ مِلْكُ النِّصَابِ النَّامِي وَالنَّمَاءُ إمَّا بِالْإِسَامَةِ أَوْ بِالتِّجَارَةِ، وَلَيْسَ كُلًّا مِنَّا فِي الْأُولَى فَتَعَيَّنَ الثَّانِيَةُ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ افْتَرَقَتْ جِهَةُ الْإِعْدَادِ) يَعْنِي أَنَّ الِافْتِرَاقَ فِي الْجِهَةِ يَكُونُ الْإِعْدَادُ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ لِإِعْدَادِهَا لِلتِّجَارَةِ، وَفِي النَّقْدَيْنِ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِخَلْقِهِ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ لِلتِّجَارَةِ لَا يَكُونُ مَانِعًا عَنْ الضَّمِّ بَعْدَ حُصُولِ مَا هُوَ الْأَصْلُ وَهُوَ النَّمَاءُ (وَيُضَمُّ الذَّهَبُ إلَى الْفِضَّةِ) عِنْدَنَا لِلْمُجَانَسَةِ مِنْ حَيْثُ الثَّمَنِيَّةُ، فَإِذَا كَانَ مَا هُوَ أَبْعَدُ فِي الْمُجَانَسَةِ عِلَّةً وَهُوَ الْعُرُوض فَلَأَنْ يَكُونَ فِي الْأَقْرَبِ أَوْلَى. وَقَوْلُهُ (وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ صَارَ سَبَبًا) أَيْ مِنْ حَيْثُ الثَّمَنِيَّةُ صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ، فَكَانَ هَذَا الْوَجْهُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَيُوجِبُ الضَّمَّ. ثُمَّ اخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِي ذَلِكَ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُضَمُّ بِالْقِيمَةِ، وَعِنْدَهُمَا بِالْإِجْزَاءِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ، وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِيمَنْ كَانَ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَخَمْسَةُ مَثَاقِيلَ ذَهَبٍ وَتَبْلُغُ قِيمَتُهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا. وَأَمَّا إذَا كَانَ عَشْرَةَ مَثَاقِيلَ ذَهَبٍ وَمِائَةَ دِرْهَمٍ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا ثُلُثٌ وَمِنْ الْآخَرِ ثُلُثَانِ

[باب فيمن يمر على العاشر]

كَانَ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَخَمْسَةُ مَثَاقِيلَ ذَهَبٍ تَبْلُغُ قِيمَتُهَا مِائَةَ دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، هُمَا يَقُولَانِ الْمُعْتَبَرُ فِيهِمَا الْقَدْرُ دُونَ الْقِيمَةِ حَتَّى لَا تَجِبَ الزَّكَاةُ فِي مَصُوغٍ وَزْنُهُ أَقَلُّ مِنْ مِائَتَيْنِ وَقِيمَتُهُ فَوْقَهَا، هُوَ يَقُولُ: إنَّ الضَّمَّ لِلْمُجَانَسَةِ وَهِيَ تَتَحَقَّقُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ دُونَ الصُّورَةِ فَيُضَمُّ بِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ رُبُعٌ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ فَإِنَّهُ يُضَمُّ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَهُمْ، وَدَلِيلُهُمَا عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَاضِحٌ وَهُوَ يَقُولُ: إنَّمَا أَوْجَبْنَا الضَّمَّ بِالْمُجَانَسَةِ وَهِيَ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ بِالْقِيمَةِ دُونَ الصُّورَةِ وَاعْتِبَارُ الْإِجْزَاءِ اعْتِبَارُ الصُّورَةِ، وَمَسْأَلَةُ الْمَصُوغِ لَيْسَتْ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، إذْ لَيْسَ فِيهَا ضَمُّ شَيْءٍ إلَى شَيْءٍ آخَرَ حَتَّى تُعْتَبَرَ الْقِيمَةُ، فَإِنَّ الْقِيمَةَ فِي النُّقُودِ إنَّمَا تَظْهَرُ شَرْعًا عِنْدَ مُقَابَلَةِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ. [بَابٌ فِيمَنْ يَمُرُّ عَلَى الْعَاشِرِ] (بَابٌ فِيمَنْ يَمُرُّ عَلَى الْعَاشِرِ) أَلْحَقَ هَذَا الْبَابَ بِكِتَابِ الزَّكَاةِ اتِّبَاعًا لِلْمَبْسُوطِ وَشُرُوحِ الْجَامِعِ لِمُنَاسَبَةٍ وَهِيَ أَنَّ الْعُشْرَ الْمَأْخُوذَ مِنْ الْمُسْلِمِ الْمَارِّ عَلَى الْعَاشِرِ هُوَ الزَّكَاةُ بِعَيْنِهَا إلَّا أَنَّ هَذَا الْعَاشِرَ كَمَا يَأْخُذُ مِنْ الْمُسْلِمِ يَأْخُذُ مِنْ الذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ وَلَيْسَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُمَا

(بَابٌ فِيمَنْ يَمُرُّ عَلَى الْعَاشِرِ) (إذَا مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ بِمَالٍ فَقَالَ أَصَبْتُهُ مُنْذُ أَشْهُرٍ أَوْ عَلَيَّ دَيْنٌ وَحَلَفَ صُدِّقَ) وَالْعَاشِرُ مَنْ نَصَبَهُ الْإِمَامُ عَلَى الطَّرِيقِ لِيَأْخُذَ الصَّدَقَاتِ مِنْ التُّجَّارِ، فَمَنْ أَنْكَرَ مِنْهُمْ تَمَامَ الْحَوْلِ أَوْ الْفَرَاغِ مِنْ الدَّيْنِ كَانَ مُنْكِرًا لِلْوُجُوبِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ الْيَمِينِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِزَكَاةٍ، وَقَدَّمَ الزَّكَاةَ عَلَى هَذَا الْبَابِ وَعَلَى مَا بَعْدَهُ لِكَوْنِهَا عِبَادَةً مَحْضَةً لَا شَائِبَةَ فِيهَا لِلْغَيْرِ، وَالْعَاشِرُ مُشْتَقٌّ مِنْ عَشَرْت الْقَوْمَ إذَا أَخَذْت عُشْرَ أَمْوَالِهِمْ فَهُوَ تَسْمِيَةٌ لِلشَّيْءِ بِاعْتِبَارِ بَعْضِ أَحْوَالِهِ وَهُوَ أَخْذُهُ الْعُشْرَ مِنْ الْحَرْبِيِّ لَا مِنْ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ عَلَى مَا سَيَجِيءُ (قَوْلُهُ إذَا مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ بِمَالٍ) أَيْ مِنْ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْأَمْوَالَ الظَّاهِرَةَ وَهِيَ السَّوَائِمُ لَا يَحْتَاجُ الْعَاشِرُ فِيهَا إلَى مُرُورِ صَاحِبِ الْمَالِ عَلَيْهِ فِي ثُبُوتِ وِلَايَةِ الْأَخْذِ لَهُ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ عُشْرَ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَمُرَّ صَاحِبُ الْمَالِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ فَإِنَّ الْأَدَاءَ لِصَاحِبِ الْمَالِ لِكَوْنِهَا غَيْرَ مُحْتَاجَةٍ إلَى الْحِمَايَةِ لِبُطُونِهَا، فَإِذَا أَخْرَجَهَا إلَى الْمَفَازَةِ احْتَاجَتْ إلَيْهَا فَصَارَتْ كَالسَّوَائِمِ، فَإِذَا مَرَّ التَّاجِرُ عَلَى الْعَاشِرِ بِمَالٍ مِمَّا ذَكَرْنَا وَقَالَ أَصَبْته مُنْذُ أَشْهُرٍ: يُعْنَى لَمْ يَحُلْ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ مَالٌ آخَرُ مِنْ جِنْسِ هَذَا الْمَالِ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لَمْ يُصَدَّقْ لِأَنَّ الْحَوْلَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْجِنْسِ، أَوْ قَالَ عَلَى دَيْنٍ. يَعْنِي دَيْنًا مُسْتَغْرِقًا لَهُ مُطَالَبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ صُدِّقَ وَعَرَّفَ الْعَاشِرَ بِقَوْلِهِ مَنْ نَصَبَهُ الْإِمَامُ عَلَى الطَّرِيقِ لِيَأْخُذَ الصَّدَقَاتِ مِنْ التُّجَّارِ. وَنُوقِضَ بِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ الْكَافِرِ وَلَيْسَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ صَدَقَةً. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي نَصْبِهِ أَخْذُ الصَّدَقَاتِ لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَدَاءِ الْعِبَادَةِ، وَمَا عَدَاهَا تَابِعٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَنْصِيصِهِ بِالذِّكْرِ. وَقَوْلُهُ (فَمَنْ أَنْكَرَ تَمَّامَ الْحَوْلِ) يَعْنِي بِقَوْلِهِ أَصَبْت مُنْذُ أَشْهُرٍ (أَوْ الْفَرَاغُ مِنْ الدَّيْنِ) بِقَوْلِهِ أَوْ عَلَى دَيْنٍ (كَانَ مُنْكِرًا لِلْوُجُوبِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ) وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ قَوْلَهُ مُنْذُ أَشْهُرٍ لَا يَدُلُّ عَلَى مَا دُونَ الْحَوْلِ فَكَيْفَ عَبَّرَ عَنْهُ

(وَكَذَا إذَا قَالَ: أَدَّيْتُهَا إلَى عَاشِرٍ آخَرَ) ، وَمُرَادُهُ إذَا كَانَ فِي تِلْكَ السُّنَّةِ عَاشِرٌ آخَرُ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى وَضْعَ الْأَمَانَةِ مَوْضِعَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَاشِرٌ آخَرُ فِي تِلْكَ السَّنَةَ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ كَذِبُهُ بِيَقِينٍ (وَكَذَا إذَا قَالَ: أَدَّيْتُهَا أَنَا) يَعْنِي إلَى الْفُقَرَاءِ فِي الْمِصْرِ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ كَانَ مُفَوَّضًا إلَيْهِ فِيهِ، وَوِلَايَةُ الْأَخْذِ بِالْمُرُورِ لِدُخُولِهِ تَحْتَ الْحِمَايَةِ، وَكَذَا الْجَوَابُ فِي صَدَقَةِ السَّوَائِمِ فِي ثَلَاثَةِ فُصُولٍ، وَفِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ: أَدَّيْتُ بِنَفْسِي إلَى الْفُقَرَاءِ فِي الْمِصْرِ لَا يُصَدَّقُ وَإِنْ حَلَفَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَلَ الْحَقَّ إلَى الْمُسْتَحِقِّ. وَلَنَا أَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لِلسُّلْطَانِ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ. ثُمَّ قِيلَ الزَّكَاةُ هُوَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي سِيَاسَةٌ. وَقِيلَ هُوَ الثَّانِي وَالْأَوَّلُ يَنْقَلِبُ نَفْلًا ـــــــــــــــــــــــــــــQبِقَوْلِهِ فَمَنْ أَنْكَرَ تَمَامَ الْحَوْلِ. وَالثَّانِي أَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ خَالِصَةٌ فَكَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِلتَّصْدِيقِ فِيهِمَا التَّحْلِيفُ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْأَشْهُرَ تَقَعُ عَلَى الْعَشَرَةِ فَمَا دُونَهَا لِكَوْنِهِ جَمْعَ قِلَّةٍ، وَالْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ الْحَقِيقَةُ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ عِبَادَةً لَكِنْ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْعَاشِرِ فِي الْأَخْذِ وَحَقُّ الْفَقِيرِ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ فَالْعَاشِرُ بَعْدَ ذَلِكَ يُدَّعَى عَلَيْهِ مَعْنًى لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ فَيَسْتَحْلِفُ لِرَجَاءِ النُّكُولِ كَمَا فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى، بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِمَا حَقُّ الْعَبْدِ، وَلَا يَلْزَمُ حَدُّ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهِ إذَا أَنْكَرَ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالنُّكُولِ فِي الْحُدُودِ مُتَعَذِّرٌ عَلَى مَا عُرِفَ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا إذَا قَالَ أَدَّيْت إلَى عَاشِرٍ آخَرَ) ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ (ثُمَّ قِيلَ الزَّكَاةُ هُوَ الْأَوَّلُ) بِنَاءً عَلَى مَا لِأَصْحَابِنَا مِنْ الطَّرِيقَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إذَا كَانَ صَادِقًا فِيمَا قَالَ يَبْرَأُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ، فَمَنْ اخْتَارَ الْأَوَّلَ قَالَ الزَّكَاةُ هُوَ الْأَوَّلُ كَمَا لَوْ خَفِيَ عَلَى السَّاعِي مَكَانَ مَالِهِ فَادَّعَى صَاحِبُ الْمَالِ زَكَاتَهُ وَقَعَ زَكَاةً (وَالثَّانِي سِيَاسَةٌ) مَالِيَّةٌ زَجْرًا لِغَيْرِهِ عَنْ الْإِقْدَامِ عَمَّا لَيْسَ إلَيْهِ (وَمَنْ اخْتَارَ الثَّانِيَ قَالَ الزَّكَاةُ هُوَ الثَّانِي وَالْأَوَّلُ يَنْقَلِبُ نَفْلًا) كَمَنْ صَلَّى يَوْمَ الْجُمُعَةِ الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ سَعَى إلَى الْجُمُعَةِ فَأَدَّاهَا

وَهُوَ الصَّحِيحُ، ثُمَّ فِيمَا يُصَدَّقُ فِي السَّوَائِمِ وَأَمْوَالِ التِّجَارَةِ لَمْ يَشْتَرِطْ إخْرَاجَ الْبَرَاءَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَشَرَطَهُ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى، وَلِصِدْقِ دَعْوَاهُ عَلَامَةٌ فَيَجِبُ إبْرَازُهَا. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ فَلَا يُعْتَبَرُ عَلَامَةً. قَالَ (وَمَا صُدِّقَ فِيهِ الْمُسْلِمُ صُدِّقَ فِيهِ الذِّمِّيُّ) ؛ لِأَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ فَتُرَاعَى تِلْكَ الشَّرَائِطُ تَحْقِيقًا لِلتَّضْعِيفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَقَالَ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازًا عَنْ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ. وَوَجْهُ الصِّحَّةِ أَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ وِلَايَةُ الْأَخْذِ لِلسُّلْطَانِ شَرْعًا فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ كَانَ أَدَاءُ رَبِّ الْمَالِ فَرْضًا لَغْوًا كَمَا لَوْ أَدَّى الْجِزْيَةَ إلَى الْمُقَاتِلَةِ بِنَفْسِهِ. وَقَوْلُهُ (لَمْ يُشْتَرَطْ إخْرَاجُ الْبَرَاءَةِ) أَيْ الْعَلَامَةِ وَهِيَ اسْمٌ لِخَطِّ الْإِبْرَاءِ مِنْ بَرِئَ مِنْ الدَّيْنِ. وَالْعَيْبِ بَرَاءَةً وَالْجَمْعُ بَرَاءَاتٌ وَالْبَرَاوَاتُ عَامِّيٌّ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ. وَقَوْلُهُ (فَيَجِبُ إبْرَازُهَا) أَيْ إظْهَارُ الْعَلَامَةِ كَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ شَجَّةً أَوْ قَطْعًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إبْرَازُ عَلَامَتِهِمَا (وَجْهُ الْأَوَّلِ) وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ (أَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ) فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ حُكْمًا (فَلَمْ يُعْتَبَرْ عَلَامَةً) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلتُّمُرْتَاشِيِّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، ثُمَّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِاشْتِرَاطِ الْعَلَامَةِ هَلْ يُشْتَرَطُ مَعَهَا الْيَمِينُ. قَالَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ: إنْ لَمْ يَحْلِفْ لَمْ يُصَدَّقْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصُدِّقَ عِنْدَهُمَا قِيلَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَظَرٌ وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ ثُمَّ فِيمَا يَصَّدَّقُ فِي السَّوَائِمِ وَأَمْوَالِ التِّجَارَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ فِي السَّوَائِمِ يَصَّدَّقُ فِي ثَلَاثَةِ فُصُولٍ وَفِي أَمْوَالِ التِّجَارَةِ فِي أَرْبَعَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ إخْرَاجُ الْبَرَاءَةِ فِي الْجَمِيعِ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا قَالَ عَلَيَّ دَيْنٌ أَوْ أَصَبْته مُنْذُ أَشْهُرٍ أَوْ أَدَّيْتهَا إلَى الْفُقَرَاءِ فِي الْمِصْرِ وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَدَّيْته إلَى عَاشِرٍ آخَرَ وَفِي تِلْكَ السَّنَةِ عَاشِرٌ آخَرُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ ذَكَرَ الْعَامَّ وَأَرَادَ الْخَاصَّ: أَيْ الصُّورَةَ الْمَذْكُورَةَ مَجَازًا. وَقَوْلُهُ (فَيُرَاعَى تِلْكَ الشَّرَائِطُ تَحْقِيقًا لِلتَّضْعِيفِ) يَعْنِي أَنَّ تَضْعِيفَ الشَّيْءِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا كَانَ

(وَلَا يُصَدَّقُ الْحَرْبِيُّ إلَّا فِي الْجَوَارِي يَقُولُ: هُنَّ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِي، أَوْ غِلْمَانٍ مَعَهُ يَقُولُ: هُمْ أَوْلَادِي) ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْحِمَايَةِ وَمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ يَحْتَاجُ إلَى الْحِمَايَةِ غَيْرَ أَنَّ إقْرَارَهُ بِنَسَبِ مَنْ فِي يَدِهِ مِنْهُ صَحِيحٌ، فَكَذَا بِأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهَا تَبْتَنِي عَلَيْهِ فَانْعَدَمَتْ صِفَةُ الْمَالِيَّةِ فِيهِنَّ، وَالْأَخْذُ لَا يَجِبُ إلَّا مِنْ الْمَالِ. قَالَ (وَيُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ رُبْعُ الْعُشْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّيْءُ الْمُضَعَّفُ عَلَى أَوْصَافِ الْمُضَعَّفِ عَلَيْهِ وَإِلَّا لَكَانَ تَبْدِيلًا لَا تَضْعِيفًا وَقَوْلُهُ (وَلَا يُصَدَّقُ الْحَرْبِيُّ) يَعْنِي فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا (إلَّا فِي الْجَوَارِي يَقُولُ هُنَّ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِي أَوْ غِلْمَانٍ مَعَهُ يَقُولُ هُمْ أَوْلَادِي لِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْحِمَايَةِ وَمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ يَحْتَاجُ إلَيْهَا) وَإِنَّمَا لَمْ يُصَدَّقْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْفُصُولِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي تَصْدِيقِهِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَمْ يَتِمَّ الْحَوْلُ عَلَى مَالِي فَفِي الْأَخْذِ مِنْهُ لَا يُعْتَبَرُ الْحَوْلُ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْحَوْلِ لِتَمَامِ الْحِمَايَةِ لِتَحْصِيلِ النَّمَاءِ وَالْحِمَايَةِ لِلْحَرْبِيِّ تَتِمُّ بِنَفْسِ الْأَمَانِ، إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْأَمَانُ صَارَ مَسْبِيًّا مَعَ أَمْوَالِهِ، وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ دَيْنٌ فَالدَّيْنُ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يُطَالَبُ بِهِ فِي دَارِنَا وَإِنْ قَالَ الْمَالُ بِضَاعَةٌ فَلَا حُرْمَةَ لِصَاحِبِهَا وَلَا أَمَانَ، وَإِنْ قَالَ لَيْسَ لِلتِّجَارَةِ يُكَذِّبُهُ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُ لَا يَتَكَلَّفُ لِلنَّقْلِ إلَى غَيْرِ دَارِهِ مَا لَمْ يَكُنْ لَهَا، وَإِنْ قَالَ أَدَّيْتهَا إلَى عَاشِرٍ آخَرَ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ أُجْرَةُ الْحِمَايَةِ وَقَدْ وُجِدَتْ بِنَفْسِ الْأَمَانِ كَمَا مَرَّ آنِفًا، وَلَوْ قَالَ أَدَّيْتهَا أَنَا كَذَّبَهُ اعْتِقَادُهُ غَيْرَ أَنَّ إقْرَارَهُ بِنَسَبِ مَنْ فِي يَدِهِ مِنْهُ صَحِيحٌ لِأَنَّ كَوْنَهُ حَرْبِيًّا لَا يُنَافِي الِاسْتِيلَادَ وَالنَّسَبُ كَمَا يَثْبُتُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ يَثْبُتُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَبِهِ يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَالًا وَالْأَخْذُ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ الْمَالِ الْمَمْرُورِ بِهِ. قَالَ (وَيُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ رُبُعُ الْعُشْرِ) رَوَى الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَصَّبَ الْعُشَارَ فَقَالَ لَهُمْ: خُذُوا مِنْ الْمُسْلِمِ رُبُعَ الْعُشْرِ، وَمِنْ الذِّمِّيِّ نِصْفَ الْعُشْرِ، وَمِنْ الْحَرْبِيِّ الْعُشْرَ، وَكَانَ هَذَا بِمَحْضَرِ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، فَكَانَ إجْمَاعًا. وَالْمَعْنَى الْفِقْهِيُّ فِيهِ مَا قِيلَ إنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ رُبُعُ الْعُشْرِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هَاتُوا رُبُعَ عُشُورِ أَمْوَالِكُمْ، مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ» وَإِنَّمَا ثَبَتَتْ وِلَايَةُ الْأَخْذِ لِلْعَاشِرِ لِحَاجَتِهِ إلَى الْحِمَايَةِ، وَحَاجَةُ الذِّمِّيِّ إلَى الْحِمَايَةِ أَكْثَرُ لِأَنَّ طَمَعَ اللُّصُوصِ فِي أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْفَرُ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ كَمَا فِي صَدَقَاتِ بَنِي تَغْلِبَ، ثُمَّ الْحَرْبِيُّ مِنْ الذِّمِّيِّ بِمَنْزِلَةِ الذِّمِّيِّ مِنْ الْمُسْلِمِ، أَلَا تَرَى أَنَّ شَهَادَةَ أَهْلِ الْحَرْبِ

وَمِنْ الذِّمِّيِّ نِصْفُ الْعُشْرِ وَمِنْ الْحَرْبِيِّ الْعُشْرُ) هَكَذَا أَمَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سُعَاتَهُ (وَإِنْ مَرَّ حَرْبِيٌّ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَكُونُوا يَأْخُذُونَ مِنَّا مِنْ مِثْلِهَا) ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْهُمْ بِطَرِيقِ الْمُجَازَاةِ، بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ زَكَاةٌ أَوْ ضِعْفُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ النِّصَابِ وَهَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَفِي كِتَابِ الزَّكَاةِ لَا نَأْخُذُ مِنْ الْقَلِيلِ وَإِنْ كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنَّا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ لَمْ يَزَلْ عَفْوًا وَلِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْحِمَايَةِ. قَالَ (وَإِنْ مَرَّ حَرْبِيٌّ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَلَا يُعْلَمُ كَمْ يَأْخُذُونَ مِنَّا نَأْخُذُ مِنْهُ الْعُشْرَ) لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فَإِنْ أَعْيَاكُمْ فَالْعُشْرُ (وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ مِنَّا رُبْعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ كَمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَشَهَادَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ وَلَهُمْ مَقْبُولَةٌ كَشَهَادَةِ الْمُسْلِم عَلَى الذِّمِّيِّ، ثُمَّ الذِّمِّيُّ يُؤْخَذُ مِنْهُ ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ، فَكَذَلِكَ الْحَرْبِيُّ يُؤْخَذُ مِنْهُ ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الذِّمِّيِّ تَضْعِيفًا لَا تَبْدِيلًا. (وَإِنْ مَرَّ حَرْبِيٌّ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَكُونُوا يَأْخُذُونَ مِنَّا مِنْ مِثْلِهَا) لِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْهُمْ بِطَرِيقِ الْمُجَازَاةِ إلَيْهِ أَشَارَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا سُئِلَ حِينَ نَصَّبَ الْعَاشِرَ فَقِيلَ لَهُ: كَمْ نَأْخُذُ مِمَّا مَرَّ بِهِ الْحَرْبِيُّ؟ فَقَالَ: كَمْ يَأْخُذُونَ مِنَّا؟ فَقَالُوا: الْعُشْرَ، فَقَالَ: خُذُوا مِنْهُمْ الْعُشْرَ. وَلَسْنَا نَعْنِي بِقَوْلِنَا بِطَرِيقِ الْمُجَازَاةِ أَنَّ أَخْذَنَا لِمُقَابَلَةِ أَخْذِهِمْ أَمْوَالَنَا، فَإِنَّ أَخْذَهُمْ أَمْوَالَنَا ظُلْمٌ وَأَخْذَنَا أَمْوَالَهُمْ حَقٌّ، لَكِنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّا إذَا عَامَلْنَاهُمْ بِمِثْلِ مَا يُعَامِلُونَنَا كَانَ ذَلِكَ أَقْرَبَ إلَى مَقْصُودِ الْأَمَانِ وَاتِّصَالِ التِّجَارَاتِ. لَا يُقَالُ: فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَنَافٍ لِأَنَّهُ قَالَ قَبْلَ هَذَا لِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْهُمْ بِطَرِيقِ الْحِمَايَةِ، وَقَالَ هَاهُنَا: لِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْهُمْ بِطَرِيقِ الْمُجَازَاةِ، وَإِذَا كَانَ الْأَخْذُ مَعْلُولًا لِأَحَدِهِمَا لَا يَكُونُ مَعْلُولًا لِغَيْرِهِ لِئَلَّا يَتَوَارَدَ عِلَّتَانِ عَلَى مَعْلُولٍ وَاحِدٍ بِالشَّخْصِ لِأَنَّا نَقُولُ: الْأَخْذُ مِنْهُمْ مَعْلُومٌ لِلْحِمَايَةِ. وَأَمَّا الْمِقْدَارُ الْمُعَيَّنُ وَهُوَ الْعُشْرُ فَمَعْلُولٌ لِلْمُجَازَاةِ إلَخْ، وَلَا تَنَافِيَ فِي ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ) وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ أَعْيَاكُمْ فَالْعُشْرُ) تَقُولُ عَيِيت بِأَمْرِي إذَا لَمْ تَهْتَدِ لِوُجْهَتِهِ، وَأَعْيَانِي هُوَ، وَقِيلَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْعِيِّ وَهُوَ الْجَهْلُ، فَإِنْ أَعْيَاكُمْ: أَيْ جَهْلُكُمْ: يُعْنَى إذَا اشْتَبَهَ الْحَالُ بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ الْعَاشِرُ مَا يَأْخُذُونَ مِنْ تُجَّارِنَا

الْعُشْرَ أَوْ نِصْفَ الْعُشْرِ نَأْخُذُ بِقَدَرِهِ، وَإِنْ كَانُوا يَأْخُذُونَ الْكُلَّ لَا نَأْخُذُ الْكُلَّ) ؛ لِأَنَّهُ غَدْرٌ (وَإِنْ كَانُوا لَا يَأْخُذُونَ أَصْلًا لَا نَأْخُذُ) لِيَتْرُكُوا الْأَخْذَ مِنْ تُجَّارِنَا وَلِأَنَّا أَحَقُّ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ. قَالَ (وَإِنْ مَرَّ حَرْبِيٌّ عَلَى عَاشِرٍ فَعَشَرَهُ ثُمَّ مَرَّ مَرَّةً أُخْرَى لَمْ يَعْشُرْهُ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ) ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ اسْتِئْصَالُ الْمَالِ وَحَقُّ الْأَخْذِ لِحِفْظِهِ، وَلِأَنَّ حُكْمَ الْأَمَانِ الْأَوَّلِ بَاقٍ، وَبَعْدَ الْحَوْلِ يَتَجَدَّدُ الْأَمَانُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ إلَّا حَوْلًا، وَالْأَخْذُ بَعْدَهُ لَا يَسْتَأْصِلُ الْمَالَ (فَإِنْ عَشَرَهُ فَرَجَعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ عَشَرَهُ أَيْضًا) ؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ بِأَمَانٍ جَدِيدٍ. وَكَذَا الْأَخْذُ بَعْدَهُ لَا يُفْضِي إلَى الِاسْتِئْصَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُؤْخَذُ مِنْهُ الْعُشْرُ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ غَدْرٌ) أَيْ لِوُقُوعِهِ بَعْدَ الْحِمَايَةِ وَالْغَدْرُ حَرَامٌ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَفَاءٌ لَا غَدْرٌ» وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُؤْخَذُ مِنْهُ جَمِيعُ مَا فِي يَدِهِ إلَّا قَدْرُ مَا يُبَلِّغُهُ مَأْمَنَهُ، لِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِتَبْلِيغِهِ مَأْمَنَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: 6] وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُؤْخَذُ مِنْهُ الْكُلُّ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِطَرِيقِ الْمُجَازَاةِ فَيُجَازِيهِمْ بِمِثْلِ صَنِيعِهِمْ لِيَنْزَجِرُوا. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ مَرَّ حَرْبِيٌّ عَلَى عَاشِرٍ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْعُشْرَ إنَّمَا يَتَكَرَّرُ فِيمَا يَمُرُّ بِهِ بِكَمَالِ الْحَوْلِ أَوْ بِتَجْدِيدِ الْعَهْدِ بِالرُّجُوعِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ بِالْمُرُورِ عَلَى الْعَاشِرِ، وَإِنْ كَانَ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْهُمَا لَمْ يُعَشِّرْهُ ثَانِيًا لِمَا رُوِيَ أَنَّ نَصْرَانِيًّا مَرَّ بِفَرَسٍ لَهُ عَلَى عَاشِرِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَعَشَّرَهُ، ثُمَّ مَرَّ بِهِ ثَانِيًا فَهَمَّ أَنْ يُعَشِّرَهُ فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: كُلَّمَا مَرَرْت بِكَ عَشَّرْتَنِي إذًا يَذْهَبُ فَرَسِي كُلُّهُ؟ فَتَرَكَ الْفَرَسَ عِنْدَهُ وَذَهَبَ إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَلَمَّا دَخَلَ الْمَدِينَةَ أَتَى الْمَسْجِدَ فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى عَتَبَتَيْ الْبَابِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَا الشَّيْخُ النَّصْرَانِيُّ، فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَا الشَّيْخُ الْحَنِيفِيُّ، فَقَصَّ النَّصْرَانِيُّ الْقِصَّةَ فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَتَاك الْغَوْثُ فَنَكَّسَ رَأْسَهُ، وَرَجَعَ إلَى مَا كَانَ فِيهِ، فَظَنَّ النَّصْرَانِيُّ أَنَّهُ اسْتَخَفَّ بِظُلَامَتِهِ فَرَجَعَ كَالْخَائِبِ، فَلَمَّا انْتَهَى إلَى فَرَسِهِ وَجَدَ كِتَابَ عُمَرَ قَدْ سَبَقَهُ إنَّك إنْ أَخَذْت الْعُشْرَ مَرَّةً فَلَا تَأْخُذْهُ مَرَّةً أُخْرَى، فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: إنَّ دِينًا يَكُونُ الْعَدْلُ فِيهِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَحَقِيقٌ أَنْ يَكُونَ حَقًّا فَأَسْلَمَ. فَإِنْ قِيلَ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُتَنَاقِضٌ لِأَنَّهُ قَالَ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ، ثُمَّ قَالَ لَا يُمْكِنُ مِنْ الْمَقَامِ إلَّا حَوْلًا، وَالْمُرَادُ بِهِ إلَّا قَرِيبًا مِنْ الْحَوْلِ لِأَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ حَوْلًا كَامِلًا. أُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ حَتَّى

(وَإِنْ مَرَّ ذِمِّيٌّ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ عَشَرَ الْخَمْرَ دُونَ الْخِنْزِيرِ) وَقَوْلُهُ عَشَرَ الْخَمْرَ: أَيْ مِنْ قِيمَتِهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَعْشُرُهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُمَا. وَقَالَ زُفَرُ: يَعْشُرُهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَالِيَّةِ عِنْدَهُمْ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَعْشُرُهُمَا إذَا مَرَّ بِهِمَا جُمْلَةً كَأَنَّهُ جَعَلَ الْخِنْزِيرَ تَبَعًا لِلْخَمْرِ، فَإِنْ مَرَّ بِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَى الِانْفِرَادِ عَشَرَ الْخَمْرَ دُونَ الْخِنْزِيرِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ الْقِيمَةَ فِي ذَوَاتِ الْقِيَمِ لَهَا حُكْمُ الْعَيْنِ وَالْخِنْزِيرُ مِنْهَا، وَفِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ لَيْسَ لَهَا هَذَا الْحُكْمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَحُولَ الْحَوْلُ: إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْإِمَامُ بِحَالِهِ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ ثَانِيًا. قَالَ (وَإِنْ مَرَّ ذِمِّيٌّ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ عُشِّرَ الْخَمْرُ دُونَ الْخِنْزِيرِ) إذَا مَرَّ الذِّمِّيُّ عَلَى الْعَاشِرِ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ وَتَبْلُغُ الْقِيمَةُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ، وَإِنَّمَا فَسَّرَ بِقَوْلِهِ (أَيْ مِنْ قِيمَتِهَا) احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ مَسْرُوقٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ يَقُولُ يُعَشَّرُ عَيْنُهَا وَنَفْيًا لِظَاهِرِ مَا يُفْهَمُ فَإِنَّ السَّامِعَ يَفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يُعَشِّرُ عَيْنَ الْخَمْرِ وَالْمُسْلِمُ مَنْهِيٌّ عَنْ اقْتِرَابِهَا ثُمَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ بِأَنَّهُ لَا مَالِيَّةَ وَلَا قِيمَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى لَوْ أَتْلَفَ الْمُسْلِمُ خَمْرَ الذِّمِّيِّ أَوْ خِنْزِيرَهُ لَا يَضْمَنُ عِنْدَهُ، وَزُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَوَّى بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَالِيَّةِ عِنْدَهُ، فَإِنَّ الْمُسْلِمَ إذَا أَتْلَفَ خِنْزِيرَ الذِّمِّيِّ ضَمِنَهُ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ خَمْرَهُ، وَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ التَّبَعِيَّةَ فَجَعَلَ الْخِنْزِيرَ تَابِعًا لِلْخَمْرِ لِأَنَّ الْخَمْرَ أَقْرَبُ إلَى الْمَالِيَّةِ بِوَاسِطَةِ التَّخْلِيلِ، وَقَدْ يَثْبُتُ الْحُكْمُ تَبَعًا وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ مَقْصُودًا. وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَقَدْ اُعْتُرِضَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَلِأَنَّهُ مَنْقُوضٌ بِمَا ذَكَرَهُ فِي الشُّفْعَةِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ فَقَالَ وَإِذَا اشْتَرَى ذِمِّيٌّ دَارًا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَشَفِيعُهَا ذِمِّيٌّ، إلَى أَنْ قَالَ: وَإِنْ كَانَ شَفِيعُهَا مُسْلِمًا أَخَذَهَا بِقِيمَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، فَلَوْ كَانَ لِقِيمَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ حُكْمُهُ لَمَا أُخِذَ بِقِيمَتِهِ كَمَا لَا يَأْخُذُهَا بِعَيْنِهِ وَبِمَسْأَلَةِ الْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ، فَإِنَّ الْمُسْلِمَ إذَا أَتْلَفَ خِنْزِيرًا لِذِمِّيٍّ يُضْمَنُ بِقِيمَتِهِ وَلَوْ كَانَ لَهَا حُكْمُ الْعَيْنِ لَمَا ضَمِنَهَا كَمَا لَا يَضْمَنُ عَيْنَهَا، وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَبِأَنَّ الْمُسْلِمَ أَوْ الذِّمِّيَّ إذَا غَصَبَ خِنْزِيرَ ذِمِّيٍّ وَتَحَاكَمَا إلَى الْقَاضِي يَأْمُرُهُ الْقَاضِي بِالرَّدِّ وَالتَّسْلِيمِ وَذَلِكَ حِمَايَةً لَهُ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ قِيمَةَ ذَوَاتِ الْقِيَمِ بِمَنْزِلَةِ عَيْنِهَا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَنْزِلَةِ عَيْنِهَا مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ وَبِمَنْزِلَتِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَدَاءَ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِالتَّعْيِينِ وَلَا تَعْيِينَ إلَّا بِالتَّقْوِيمِ فَأَخَذَتْ الْقِيمَةُ حُكْمَ الْعَيْنِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلِهَذَا إذَا تَزَوَّجَ الذِّمِّيُّ امْرَأَةً عَلَى خِنْزِيرٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ أَتَاهَا بِالْقِيمَةِ أُجْبِرَتْ عَلَى قَبُولِهَا كَمَا لَوْ أَتَاهَا بِعَيْنِهِ، فَلَمَّا دَارَتْ الْقِيمَةُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْنِ وَبَيْنَ أَنْ لَا تَكُونَ أُعْطِيت حُكْمَ الْعَيْنِ فِي حَقِّ الْأَخْذِ وَالْحِيَازَةِ وَهُوَ فِي بَابِ الزَّكَاةِ، وَلَمْ تُعْطَ فِي حَقِّ الْإِعْطَاءِ لِأَنَّهُ

وَالْخَمْرُ مِنْهَا، وَلِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لِلْحِمَايَةِ وَالْمُسْلِمُ يَحْمِي خَمْرَ نَفْسِهِ لِلتَّخْلِيلِ فَكَذَا يَحْمِيهَا عَلَى غَيْرِهِ وَلَا يَحْمِي خِنْزِيرَ نَفْسِهِ بَلْ يَجِبُ تَسْيِيبُهُ بِالْإِسْلَامِ فَكَذَا لَا يَحْمِيهِ عَلَى غَيْرِهِ (وَلَوْ مَرَّ صَبِيٌّ أَوْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ بِمَالٍ فَلَيْسَ عَلَى الصَّبِيِّ شَيْءٌ، وَعَلَى الْمَرْأَةِ مَا عَلَى الرَّجُلِ) لِمَا ذَكَرْنَا فِي السَّوَائِمِ (وَمَنْ مَرَّ عَلَى عَاشِرٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَأَخْبَرَهُ أَنَّ لَهُ فِي مَنْزِلِهِ مِائَةً أُخْرَى قَدْ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ لَمْ يُزَكِّ الَّتِي مَرَّ بِهَا) لِقِلَّتِهَا وَمَا فِي بَيْتِهِ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ حِمَايَتِهِ (وَلَوْ مَرَّ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ بِضَاعَةً لَمْ يَعْشُرْهَا) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرَ مَأْذُونٍ بِأَدَاءِ زَكَاتِهِ. قَالَ (وَكَذَا الْمُضَارَبَةُ) يَعْنِي إذَا مَرَّ الْمُضَارِبُ بِهِ عَلَى الْعَاشِرِ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ أَوَّلًا يَعْشُرُهَا لِقُوَّةِ حَقِّ الْمُضَارِبِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ رَبُّ الْمَالِ نَهْيَهُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ بَعْدَ مَا صَارَ عُرُوضًا فَنُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْمَالِكِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْكِتَابِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا نَائِبٍ عَنْهُ فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ يَبْلُغُ نَصِيبُهُ نِصَابًا فَيُؤْخَذُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لَهُ (وَلَوْ مَرَّ عَبْدٌ مَأْذُونٌ لَهُ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَوْضِعُ إزَالَةٍ وَتَبْعِيدٍ وَهُوَ فِي بَابِ الشُّفْعَةِ وَالْإِتْلَافِ، وَنُوقِضَ بِذِمِّيٍّ أَخَذَ قِيمَةَ خِنْزِيرٍ لَهُ اسْتَهْلَكَهُ ذِمِّيٌّ وَقَضَى بِهَا دَيْنًا لِمُسْلِمٍ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ، وَلَوْ كَانَ أَخْذُ الْقِيمَةِ كَأَخْذِ الْعَيْنِ لَمَا جَازَ الْقَضَاءُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا قَضَى بِهَا دَيْنًا عَلَيْهِ وَقَعَتْ الْمُعَاوَضَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِ الدَّيْنِ وَعِنْدَ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ السَّبَبُ، وَاخْتِلَافُ الْأَسْبَابِ بِمَنْزِلَةِ اخْتِلَافِ الْأَعْيَانِ عَلَى مَا عُرِفَ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ مَنْ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ حِمَايَةِ خِنْزِيرِ نَفْسِهِ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ حِمَايَةِ خِنْزِيرِ غَيْرِهِ لِغَرَضٍ يَسْتَوْفِيهِ، وَالْعَاشِرُ لَوْ حَمَاهُ حَمَاهُ كَذَلِكَ بِخِلَافِ الْقَاضِي. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ مَرَّ صَبِيٌّ أَوْ امْرَأَةٌ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ بِمِائَةٍ) يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ بِأَدَاءِ زَكَاتِهِ) يَعْنِي هُوَ مَأْذُونٌ بِالتِّجَارَةِ فَقَطْ، فَلَوْ أَخَذَ أَخَذَ غَيْرَ زَكَاةٍ وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ سِوَى الزَّكَاةِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا نَائِبَ عَنْهُ) أَيْ إنَّمَا هُوَ نَائِبٌ فِي التِّجَارَةِ لَا غَيْرُ، وَالنَّائِبُ تَقْتَصِرُ وِلَايَتُهُ عَلَى مَا فُوِّضَ إلَيْهِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَبْضَعِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ مَرَّ عَبْدٌ مَأْذُونٌ لَهُ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ) ظَاهِرٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْمُضَارِبِ رُجُوعٌ فِي الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ كَذَا قَالَ

[باب في المعادن والركاز]

وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَشَرَهُ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا أَدْرِي أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ عَنْ هَذَا أَمْ لَا. وَقِيَاسُ قَوْلِهِ الثَّانِي فِي الْمُضَارَبَةِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا أَنَّهُ لَا يَعْشُرُهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيمَا فِي يَدِهِ لِلْمَوْلَى وَلَهُ التَّصَرُّفُ فَصَارَ كَالْمُضَارِبِ. وَقِيلَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْعَبْدَ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ بِالْعُهْدَةِ عَلَى الْمَوْلَى فَكَانَ هُوَ الْمُحْتَاجَ إلَى الْحِمَايَةِ، وَالْمُضَارِبُ يَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ حَتَّى يَرْجِعَ بِالْعُهْدَةِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فَكَانَ رَبُّ الْمَالِ هُوَ الْمُحْتَاجَ. فَلَا يَكُونُ الرُّجُوعُ فِي الْمُضَارِبِ رُجُوعًا مِنْهُ فِي الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ مَوْلَاهُ مَعَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ إلَّا إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ أَوْ لِلشُّغْلِ. قَالَ (وَمَنْ مَرَّ عَلَى عَاشِرِ الْخَوَارِجِ فِي أَرْضٍ قَدْ غَلَبُوا عَلَيْهَا فَعَشَرَهُ يُثَنَّى عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ) مَعْنَاهُ: إذَا مَرَّ عَلَى عَاشِرِ أَهْلِ الْعَدْلِ؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ حَيْثُ إنَّهُ مَرَّ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبُ الْإِيضَاحِ. وَقَوْلُهُ (إلَّا إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ مَوْلَاهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (أَوْ لِلشَّغْلِ) أَيْ عِنْدَهُمَا. فَإِنَّ الشَّغْلَ بِالدَّيْنِ مَانِعٌ عَنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ مَرَّ عَلَى عَاشِرِ الْخَوَارِجِ) وَاضِحٌ [بَابٌ فِي الْمَعَادِنِ وَالرِّكَازِ] (بَابُ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ) أَخَّرَ بَابَ الْمَعْدِنِ عَنْ الْعَاشِرِ لِأَنَّ الْعُشْرَ أَكْثَرُ وُجُودًا، وَالْمَالُ الْمُسْتَخْرَجُ مِنْ الْأَرْضِ لَهُ أَسَامٍ ثَلَاثَةٌ: الْكَنْزُ،

(بَابُ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ) قَالَ (مَعْدِنُ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ حَدِيدٍ أَوْ رَصَاصٍ أَوْ صُفْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمَعَادِنُ، وَالرِّكَازُ. وَالْكَنْزُ اسْمٌ لِمَا دَفَنَهُ بَنُو آدَمَ، وَالْمَعْدِنُ اسْمٌ لِمَا خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ يَوْمَ خَلَقَ الْأَرْضَ، وَالرِّكَازُ اسْمٌ لَهُمَا جَمِيعًا. وَالْكَنْزُ مَأْخُوذٌ مِنْ كَنَزَ الْمَالَ كَنْزًا جَمَعَهُ، وَالْمَعْدِنُ مِنْ عَدَنَ بِالْمَكَانِ أَقَامَ بِهِ، وَالرِّكَازُ مِنْ رَكَّزَ الرُّمْحَ أَيْ غَرَزَهُ. وَعَلَى هَذَا جَازَ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَرْكُوزٌ فِي الْأَرْضِ: أَيْ مُثْبَتٌ وَإِنْ اخْتَلَفَ الرَّاكِزُ، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ. وَالْمُرَادُ بِالْمَذْكُورِ فِي لَقَبِ الْبَابِ الْكَنْزُ لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذَا الْبَابَ يَشْتَمِلُ عَلَى بَيَانِ الْمَعَادِنِ وَالْكُنُوزِ عَلَى مَا يَجِيءُ، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ بِهِ الْمَعْدِنُ لَزِمَ التَّكْرَارُ لِأَنَّهُ يَكُونُ تَقْدِيرُ كَلَامِهِ بَابٌ فِي الْمَعَادِنِ وَالْمَعَادِنِ وَإِنْ أُرِيدَ الْمَعَادِنُ وَالْكَنْزُ كَانَ تَقْدِيرُهُ بَابٌ فِي الْمَعَادِنِ وَالْمَعَادِنِ وَالْكَنْزِ. قَالَ (مَعْدِنُ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ) الْمُسْتَخْرَجُ مِنْ الْمَعَادِنِ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ: جَامِدٌ يَذُوبُ وَيَنْطَبِعُ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ وَالصُّفْرِ، وَجَامِدٌ لَا يَذُوبُ كَالْجِصِّ وَالنُّورَةِ وَالْكُحْلِ وَالزِّرْنِيخِ، وَمَائِعٌ لَا يَتَجَمَّدُ كَالْمَاءِ وَالْقِيرِ وَالنِّفْطِ. وَمَسَائِلُ هَذَا الْبَابِ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَجْهًا، لِأَنَّ الذَّهَبَ أَوْ الْفِضَّةَ الَّذِي يُوجَدُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْدِنًا أَوْ كَنْزًا، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَخْلُوَا إمَّا أَنْ يُوجَدَ فِي حَيِّزِ دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ حَيِّزِ دَارِ الْحَرْبِ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو عَنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ يُوجَدَ فِي مَفَازَةٍ لَا مَالِكَ لَهَا، أَوْ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ، أَوْ فِي دَارٍ، وَالْمَوْجُودُ كَنْزٌ لَا يَخْلُو عَنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَيْضًا:

وُجِدَ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ أَوْ عُشْرٍ فَفِيهِ الْخُمُسُ) عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ سَبَقَتْ يَدُهُ إلَيْهِ كَالصَّيْدِ إلَّا إذَا كَانَ الْمُسْتَخْرَجُ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً فَيَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْحَوْلُ فِي قَوْلٍ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءٌ كُلُّهُ وَالْحَوْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQإمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى ضَرْبِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، أَوْ عَلَى ضَرْبِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَاشْتَبَهَ الْحَالُ. فَفِي الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا يَذُوبُ وَيَتَطَبَّعُ إذَا (وُجِدَ فِي أَرْضِ عُشْرٍ أَوْ خَرَاجٍ الْخُمُسُ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ سَبَقَتْ يَدُهُ إلَيْهِ) وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ (كَالصَّيْدِ، إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُسْتَخْرَجُ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً فَيَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ) وَهُوَ رُبُعُ الْعُشْرِ (وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحَوْلُ فِي قَوْلٍ) لِمَا ذَكَرَ أَنَّهُ نَمَاءٌ كُلُّهُ، وَالْحَوْلُ لِلتَّنْمِيَةِ وَالنِّصَابُ عِنْدَهُ مُعْتَبَرٌ، فَلَوْ كَانَ دُونَ الْمِائَتَيْنِ مِنْ الْفِضَّةِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ. وَإِنَّمَا قَالَ فِي جَانِبِ الشَّافِعِيِّ: وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحَوْلُ وَلَمْ يَقُلْ فِي جَانِبِنَا لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ قَائِلٌ بِالزَّكَاةِ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ بِاشْتِرَاطِ الْحَوْلِ، فَنَفَاهُ بِمَا ذَكَرَ مِنْ الدَّلِيلِ، وَنَحْنُ نَقُولُ

لِلتَّنْمِيَةِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» وَهُوَ مِنْ الرَّكْزِ فَأُطْلِقَ عَلَى الْمَعْدِنِ وَلِأَنَّهَا كَانَتْ فِي أَيْدِي الْكَفَرَةِ فَحَوَتْهَا أَيْدِينَا غَلَبَةً فَكَانَتْ غَنِيمَةً. وَفِي الْغَنَائِمِ الْخُمُسُ بِخِلَافِ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ أَحَدٍ إلَّا أَنَّ لِلْغَانِمِينَ يَدًا حُكْمِيَّةً لِثُبُوتِهَا عَلَى الظَّاهِرِ، وَأَمَّا الْحَقِيقِيَّةُ فَلِلْوَاجِدِ فَاعْتَبَرْنَا الْحُكْمِيَّةَ فِي حَقِّ الْخُمُسِ وَالْحَقِيقَةَ فِي حَقِّ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ حَتَّى كَانَتْ لِلْوَاجِدِ (وَلَوْ وَجَدَ فِي دَارِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْخُمُسِ وَالْحَوْلُ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ (وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» قَالَهُ حِينَ سُئِلَ عَمَّا يُوجَدُ فِي دَارِ الْحَرْبِ الْعَادِي، وَعَطَفَ عَلَى الْمَسْئُولِ عَنْهُ فَقَالَ فِيهِ «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» عَطَفَ عَلَى الْمَدْفُونِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالرِّكَازِ الْمَعْدِنُ فَإِنَّهُ مِنْ الرِّكْزِ وَهُوَ يَنْطَلِقُ عَلَى الْمَعْدِنِ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ (وَلِأَنَّهَا) أَيْ الْأَرْضَ (كَانَتْ فِي أَيْدِي الْكَفَرَةِ فَحَوَتْهَا أَيْدِينَا) وَهُوَ وَاضِحٌ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ غَنِيمَةً وَهُوَ أَيْضًا وَاضِحٌ، وَفِي الْغَنِيمَةِ الْخُمُسُ بِالنَّصِّ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الصَّيْدِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ كَالصَّيْدِ، فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَتْ غَنِيمَةً لَكَانَ الْخُمُسُ لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ لِلْغَانِمِينَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (إلَّا أَنَّ لِلْغَانِمِينَ يَدًا حُكْمِيَّةً) وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْغَانِمِينَ إنَّمَا يَسْتَحِقُّونَ أَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ إذَا حَوَتْ أَيْدِيهمْ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَهَاهُنَا أَيْدِيهمْ حُكْمِيَّةٌ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَتْ أَيْدِيهمْ عَلَى ظَاهِرِ الْأَرْضِ حَقِيقَةً ثَبَتَتْ عَلَى بَاطِنِهَا حُكْمًا. (وَأَمَّا الْحَقِيقِيَّةُ فَلِلْوَاجِدِ) فَكَانَ مَا فِي بَاطِنِهَا غَنِيمَةً حُكْمًا لَا حَقِيقَةً (فَاعْتَبَرْنَا الْحُكْمِيَّةَ فِي حَقِّ الْخُمُسِ وَالْحَقِيقِيَّةَ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ حَتَّى كَانَ لِلْوَاجِدِ) مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا حُرًّا أَوْ عَبْدًا صَبِيًّا أَوْ بَالِغًا رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً، لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ هَذَا الْمَالِ كَاسْتِحْقَاقِ الْغَنِيمَةِ، وَلِجَمِيعِ مَنْ ذَكَرْنَا حَقٌّ فِي الْغَنِيمَةِ إمَّا سَهْمًا أَوْ رَضْخًا، فَإِنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَرْأَةَ وَالْعَبْدَ وَالذِّمِّيَّ يُرْضَخُ لَهُمْ إذَا قَاتَلُوا عَلَى مَا سَيَجِيءُ، بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ فَإِنَّهُ لَا حَظَّ لَهُ فِي الْغَنِيمَةِ وَإِنْ قَاتَلَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ، فَإِذَا وَجَدَ شَيْئًا مِنْ الرِّكَازِ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْكُلُّ. فَإِنْ قِيلَ: رَوَى أَنَّ عَبْدًا وَجَدَ جَرَّةً مِنْ ذَهَبٍ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَدَّى ثَمَنَهُ وَأَعْتَقَهُ وَجَعَلَ مَا بَقِيَ لِبَيْتِ الْمَالِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ كَانَ وَجَدَهُ فِي دَارِ رَجُلٍ صَاحِبِ خُطَّةٍ مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا فَصَرَفَهُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ وَرَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي أَنْ يُعْطِيَ ثَمَنَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِيُوصِلَهُ إلَى الْعِتْقِ. قَالَ فِي التُّحْفَةِ: يَجُوزُ لِلْوَاجِدِ أَنْ يَصْرِفَ الْخُمُسَ إلَى نَفْسِهِ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا لَا يُغْنِيهِ الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ وَهُوَ حَقٌّ وَذَكَرَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ مَا يُشِيرُ إلَى خِلَافِ ذَلِكَ. قَالَ (وَلَوْ وَجَدَ فِي دَارِهِ)

مَعْدِنًا فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا فِيهِ الْخُمُسُ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَلَهُ أَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ مُرَكَّبٌ فِيهَا وَلَا مُؤْنَةَ فِي سَائِرِ الْأَجْزَاءِ فَكَذَا فِي هَذَا الْجُزْءِ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ لَا يُخَالِفُ الْجُمْلَةَ، بِخِلَافِ الْكَنْزِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُرَكَّبٍ فِيهَا (وَإِنْ وَجَدَهُ فِي أَرْضِهِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ رِوَايَتَانِ) وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى إحْدَاهُمَا وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الدَّارَ مُلِكَتْ خَالِيَةً عَنْ الْمُؤَنِ دُونَ الْأَرْضِ وَلِهَذَا وَجَبَ الْعُشْرُ، وَالْخَرَاجُ فِي الْأَرْضِ دُونَ الدَّارِ فَكَذَا هَذِهِ الْمُؤْنَةُ (وَإِنْ وَجَدَ رِكَازًا) أَيْ كَنْزًا (وَجَبَ فِيهِ الْخُمُسُ) عِنْدَهُمْ لِمَا رَوَيْنَا وَاسْمُ الرِّكَازِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْكَنْزِ لِمَعْنَى الرَّكْزِ وَهُوَ الْإِثْبَاتُ ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا وَجَدَ الْإِنْسَانُ فِي دَارِهِ (مَعْدِنًا فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا فِيهِ الْخُمُسُ) لَهُمَا إطْلَاقُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالدَّارِ، وَدَلِيلُ أَبِي حَنِيفَةَ ظَاهِرٌ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ أَجْزَائِهَا لَجَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ وَلَمْ يُجْزِهِ بِالْإِجْمَاعِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ يَجُوزُ بِمَا هُوَ مِنْ جِنْسِهَا لَا مِنْ أَجْزَائِهَا خِلْقَةً، وَهَذَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا. وَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ أَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا خَصَّهُ بِهَذِهِ الدَّارِ فَكَأَنَّهُ نَفَّلَ بِهَا، وَلِلْإِمَامِ هَذِهِ الْوِلَايَةُ (وَإِنْ وَجَدَهُ فِي أَرْضِهِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ) فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ: لَا شَيْءَ فِيهِ كَمَا فِي الدَّارِ، وَفِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: فِيهِ الْخُمُسُ، وَالْفَرْقُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَجَدَ رِكَازًا: أَيْ كَنْزًا) إنَّمَا فَسَّرَهُ بِهَذَا لِأَنَّ الرِّكَازَ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ يَنْطَلِقُ عَلَى الْمَعْدِنِ وَالْكَنْزِ، وَقَدْ فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْمَعْدِنِ فَيُرَادُ بِهِ الْكَنْزُ وَلِيَصِحَّ قَوْلُهُ (وَجَبَ فِيهِ الْخُمُسُ عِنْدَهُمْ) فَإِنْ وَجَبَ الْخُمُسُ بِالِاتِّفَاقِ إنَّمَا هُوَ فِي الْكَنْزِ لَا فِي الْمَعْدِنِ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يَقُولُ بِوُجُوبِهِ فِي الدَّارِ كَمَا ذَكَرْنَا. وَقَوْلُهُ (لِمَا رَوَيْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» فَإِنْ قِيلَ: قَدْ اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ الْخُمُسِ فِي الْمَعْدِنِ فَاسْتِدْلَالُهُ بِهِ هُنَا اسْتِعْمَالٌ لِلَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَاسْمُ الرِّكَازِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْكَنْزِ لِمَعْنَى الرِّكْزِ فِيهِ وَهُوَ الْإِثْبَاتُ) وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ لَيْسَ فِي بَابِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَدْلُولَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْعُمُومِ الْمَعْنَوِيِّ وَلَا امْتِنَاعَ فِي ذَلِكَ، وَبِهَذَا سَقَطَ مَا قِيلَ كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَقُولَ لِسِبَاقِ مَا رَوَيْنَا وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِ «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ فِيهِ الْكَنْزُ فَكَانَ ذِكْرُ الْكَنْزِ مَقْصُودًا هُنَاكَ فَكَانَ التَّمَسُّكُ بِهِ أَوْلَى كَمَا تَمَسَّكَ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ، إذْ دَلَالَةُ الرِّكَازِ عَلَى مَا ادَّعَى الْمُصَنِّفُ مِنْ الْكَنْزِ بِسَبَبِ دَلَالَةِ الرِّكَازِ عَلَى الْإِثْبَاتِ لَا غَيْرُ، وَهُوَ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ قَدْ يَدُلُّ عَلَى الْكَنْزِ وَقَدْ يَدُلُّ عَلَى الْمَعْدِنِ فَكَانَ مُحْتَمَلًا كَالنَّصِّ. وَأَمَّا إرَادَةُ الْكَنْزِ لِسِيَاقِ الْحَدِيثِ وَهُوَ فِيمَا تَمَسَّكَ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ فَبِدَلِيلٍ غَيْرِ مُحْتَمَلٍ فَكَانَ مُفَسَّرًا

ثُمَّ إنْ كَانَ عَلَى ضَرْبِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ كَالْمَكْتُوبِ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الشَّهَادَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ اللُّقَطَةِ وَقَدْ عُرِفَ حُكْمُهَا فِي مَوْضِعِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى ضَرْبِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ كَالْمَنْقُوشِ عَلَيْهِ الصَّنَمُ فَفِيهِ الْخُمُسُ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِمَا بَيَّنَّا ثُمَّ إنْ وَجَدَهُ فِي أَرْضٍ مُبَاحَةٍ فَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لِلْوَاجِدِ؛ لِأَنَّهُ تَمَّ الْإِحْرَازُ مِنْهُ إذْ لَا عِلْمَ بِهِ لِلْغَانِمِينَ فَيَخْتَصُّ هُوَ بِهِ، وَإِنْ وَجَدَهُ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ، فَكَذَا الْحُكْمُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِتَمَامِ الْحِيَازَةِ وَهِيَ مِنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالتَّمَسُّكُ بِهِ أَوْلَى، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بِالْعَامِّ عَلَى مَا قَرَّرَ لَا بِالْمُشْتَرَكِ، وَالْعَامُّ وَالْخَاصُّ عِنْدَنَا فِي إيجَابِ الْحُكْمِ سَوَاءٌ (ثُمَّ إنْ كَانَ عَلَى ضَرْبِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ كَالْمَكْتُوبِ عَلَيْهِ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ اللُّقَطَةِ) يُعَرِّفُهَا حَيْثُ وَجَدَهَا مُدَّةً يَتَوَهَّمُ أَنَّ صَاحِبَهَا يَطْلُبُهَا وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِقِلَّةِ الْمَالِ وَكَثْرَتِهِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ (وَإِنْ كَانَ عَلَى ضَرْبِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ كَالْمَنْقُوشِ عَلَيْهِ الصَّنَمُ فَفِيهِ الْخُمُسُ عَلَى كُلِّ حَالٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْمَوْجُودُ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً أَوْ رَصَاصًا أَوْ غَيْرَهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَاجِدُ صَغِيرًا أَوْ بَالِغًا حُرًّا أَوْ عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا إلَّا إذَا كَانَ حَرْبِيًّا مُسْتَأْمَنًا لِمَا ذَكَرْنَا. وَقَوْلُهُ (لَمَا بَيَّنَّا) يَعْنِي مِنْ النَّصِّ وَالْمَعْقُولِ (ثُمَّ إنْ وَجَدَهُ فِي أَرْضٍ مُبَاحَةٍ) يَعْنِي الَّذِي هُوَ عَلَى ضَرْبِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّ الَّذِي يَكُونُ بِضَرْبِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ يُلْحَقُ بِاللُّقَطَةِ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ هَذَا التَّفْرِيعُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لِلْوَاجِدِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ تَمَّ الْإِحْرَازُ مِنْهُ إذْ لَا عِلْمَ بِهِ لِلْغَانِمَيْنِ) إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّ لِلْغَانِمَيْنِ يَدًا حُكْمِيَّةً وَلِلْوَاجِدِ يَدًا حَقِيقِيَّةً فَيَكُونُ فِيهِ الْخُمُسُ وَالْبَاقِي لِلْوَاجِدِ (وَإِنْ وَجَدَهُ) أَيْ هَذَا الْكَنْزَ الْمَذْكُورَ (فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ فَكَذَا الْحُكْمُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ الْخُمُسُ لِلْفُقَرَاءِ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لِلْوَاجِدِ مَالِكًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَالِكٍ (لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِتَمَامِ الْحِيَازَةِ وَهِيَ مِنْهُ) لِأَنَّ

وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ هُوَ لِلْمُخْتَطِّ لَهُ وَهُوَ الَّذِي مَلَّكَهُ الْإِمَامُ هَذِهِ الْبُقْعَةَ أَوَّلَ الْفَتْحِ؛ لِأَنَّهُ سَبَقَتْ يَدُهُ إلَيْهِ وَهِيَ يَدُ الْخُصُوصِ فَيَمْلِكُ بِهَا مَا فِي الْبَاطِنِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الظَّاهِرِ، كَمَنْ اصْطَادَ سَمَكَةً فِي بَطْنِهَا دُرَّةٌ مَلَكَ الدُّرَّةَ ثُمَّ بِالْبَيْعِ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ مُودَعٌ فِيهَا بِخِلَافِ الْمَعْدِنِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَائِهَا فَيَنْتَقِلُ إلَى الْمُشْتَرِي وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ الْمُخْتَطُّ لَهُ يُصْرَفُ إلَى أَقْصَى مَالِكٍ يُعْرَفُ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى مَا قَالُوا وَلَوْ اشْتَبَهَ الضَّرْبُ يُجْعَلُ جَاهِلِيًّا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَقِيلَ يُجْعَلُ إسْلَامِيًّا فِي زَمَانِنَا لِتَقَادُمِ الْعَهْدِ (وَمَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَوَجَدَ فِي دَارِ بَعْضِهِمْ رِكَازًا رَدَّهُ عَلَيْهِمْ) تَحَرُّزًا عَنْ الْغَدْرِ؛ لِأَنَّ مَا فِي الدَّارِ فِي يَدِ صَاحِبِهَا خُصُوصًا (وَإِنْ وَجَدَهُ فِي الصَّحْرَاءِ فَهُوَ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُخْتَطَّ لَهُ مَا حَازَ مَا فِي الْبَاطِنِ (وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ هُوَ لِلْمُخْتَطِّ لَهُ وَهُوَ الَّذِي مَلَّكَهُ الْإِمَامُ هَذِهِ الْبُقْعَةَ أَوَّلَ الْفَتْحِ لِسَبْقِ يَدِهِ إلَيْهِ) فَإِنْ قِيلَ: يَدُ الْمُخْتَطِّ لَهُ وَإِنْ كَانَتْ سَابِقَةً لَكِنَّهَا يَدٌ حُكْمِيَّةٌ وَبِهَا لَا يُمْلَكُ كَمَا فِي الْغَانِمِينَ أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَهِيَ يَدُ الْخُصُوصِ) يَعْنِي أَنَّ الْيَدَ الْحُكْمِيَّةَ إنَّمَا لَا يَثْبُتُ بِهَا الْمِلْكُ إذَا كَانَتْ يَدَ عُمُومٍ كَمَا فِي الْغَانِمِينَ، أَمَّا إذَا كَانَتْ يَدَ خُصُوصٍ (فَيُمْلَكُ بِهَا مَا فِي الْبَاطِنِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الظَّاهِرِ، كَمَنْ اصْطَادَ سَمَكَةً فِي بَطْنِهَا دُرَّةٌ مَلَكَ الدُّرَّةَ) وَمِمَّا يُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ تَصَرُّفَ الْغَازِي بَعْدَ الْقِسْمَةِ نَافِذٌ وَقَبْلَهَا لَا، وَمَا ثَمَّةَ إلَّا عُمُومُ الْيَدِ وَخُصُوصُهَا، فَإِنْ قِيلَ: سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُخْتَطَّ لَهُ قَدْ مَلَكَ لَكِنْ بَاعَ الْأَرْضَ فَخَرَجَ الْكَنْزُ عَنْ مِلْكِهِ كَمَا لَوْ كَانَ فِيهَا مَعْدِنٌ. أَجَابَ بِأَنَّهُ: أَيْ الْكَنْزَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ بِبَيْعِ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ مُودَعٌ فِيهَا، كَمَا أَنَّهُ إذَا بَاعَ السَّمَكَةَ لَمْ تَخْرُجْ بِبَيْعِهَا الدُّرَّةُ عَنْ مِلْكِهِ، بِخِلَافِ الْمَعْدِنِ فَإِنَّهُ مِنْ أَجْزَائِهِ فَيَنْتَقِلُ إلَى الْمُشْتَرِي (وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ الْمُخْتَطُّ لَهُ يُصْرَفْ إلَى أَقْصَى مَالِكٍ يُعْرَفُ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى مَا قَالُوا) وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ. وَقَالَ أَبُو الْيُسْرِ: يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَقَوْلُهُ (وَلَوْ اشْتَبَهَ الضَّرْبُ) ظَاهِرٌ. قَالَ (وَمَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَوَجَدَ فِي دَارِ بَعْضِهِمْ رِكَازًا) سَوَاءٌ كَانَ مَعْدِنًا أَوْ كَنْزًا (رَدَّهُ عَلَيْهِمْ تَحَرُّزًا عَنْ الْغَدْرِ) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي الْعُهُودِ وَفَاءٌ لَا غَدْرٌ» (لِأَنَّ مَا فِي الدَّارِ فِي يَدِ صَاحِبِهَا خُصُوصًا وَإِنْ وَجَدَهُ فِي الصَّحْرَاءِ) أَيْ الَّتِي فِي حَيِّزِ دَارِ الْحَرْبِ وَلَيْسَتْ مَمْلُوكَةً لِأَحَدٍ (فَهُوَ لَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ

فِي يَدِ أَحَدٍ عَلَى الْخُصُوصِ فَلَا يُعَدُّ غَدْرًا وَلَا شَيْءَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مُتَلَصِّصٍ غَيْرِ مُجَاهِرٍ (وَلَيْسَ فِي الْفَيْرُوزَجِ يُوجَدُ فِي الْجِبَالِ خُمُسٌ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا خُمُسَ فِي الْحَجَرِ» (وَفِي الزِّئْبَقِ الْخُمُسُ) فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ آخِرًا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي يَدِ أَحَدٍ عَلَى الْخُصُوصِ فَلَا يُعَدُّ غَدْرًا وَلَا شَيْءَ فِيهِ) أَيْ لَا خُمُسَ إنَّمَا يَجِبُ فِيمَا يَكُونُ فِي مَعْنَى الْغَنِيمَةِ وَهِيَ مَا كَانَ فِي يَدِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَوَقَعَ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ بِإِيجَافِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ (لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَلَصِّصِ) فِي دَارِ الْحَرْبِ إذَا أَخَذَ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَأَحْرَزَهُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ. فَإِنْ قِيلَ: الْمُسْتَأْمَنُ مِنَّا فِي دَرَاهِمِ إذَا وَجَدَ فِي أَرْضٍ لَيْسَ بِمَمْلُوكَةٍ رِكَازًا فَهُوَ لَهُ، وَالْمُسْتَأْمَنُ مِنْهُمْ فِي دَارِنَا لَوْ وَجَدَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي الصَّحْرَاءِ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ كُلُّهُ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْفَرْقَ أَنَّ دَارَ الْإِسْلَامِ دَارُ أَحْكَامٍ فَتُعْتَبَرُ الْيَدُ الْحُكْمِيَّةُ فِيهَا عَلَى الْمَوْجُودِ وَدَارُ الْحَرْبِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، فَالْمُعْتَبَرُ فِيهَا الْيَدُ الْحَقِيقِيَّةُ وَالْفَرْضُ عَدَمُهَا. وَقَوْلُهُ (وَلَيْسَ فِي الْفَيْرُوزَجِ يُوجَدُ فِي الْجِبَالِ) هُوَ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ الْمَعَادِنِ، وَكَذَلِكَ الْجِصُّ وَالْكُحْلُ وَالزِّرْنِيخُ وَالْيَاقُوتُ وَغَيْرُهَا وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ يُوجَدُ فِي الْجِبَالِ احْتِرَازًا عَمَّا يُوجَدُ مِنْهُ، وَمِمَّا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ مِنْ الزِّئْبَقِ وَاللُّؤْلُؤِ فِي خَزَائِنِ الْكُفَّارِ فَأُصِيبَ قَهْرًا فَإِنَّ فِيهِ الْخُمُسَ بِالِاتِّفَاقِ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا خُمُسَ فِي الْحَجَرِ» مَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ مَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ وَإِنَّمَا أَرَادَ مَا يُسْتَخْرَجُ مِنْ مَعْدِنِهِ فَكَانَ هَذَا أَصْلًا فِي كُلِّ مَا هُوَ بِمَعْنَاهُ. وَقَوْلُهُ (وَفِي الزِّئْبَقِ الْخُمُسُ) قِيلَ هُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ بِالْهَمْزِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِالْكَسْرِ الْبَاءُ، بَعْدَ الْهَمْزِ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يُصَابُ فِي مَعْدِنِهِ لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا. حُكِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ يَقُولُ أَوَّلًا لَا شَيْءَ فِيهِ وَكُنْت أَقُولُ فِيهِ الْخُمُسُ، فَلَمْ أَزَلْ أُنَاظِرُهُ وَأَقُولُ إنَّهُ كَالرَّصَاصِ حَتَّى قَالَ فِيهِ الْخُمُسُ، ثُمَّ رَأَيْت أَنْ لَا شَيْءَ فِيهِ، فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ الْخُمُسُ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلِ لَا شَيْءَ فِيهِ، قَالَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْقِيرِ وَالنِّفْطِ: يَعْنِي هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمِيَاهِ وَلَا خُمُسَ فِي الْمَاءِ. وَقَالَا

(وَلَا خُمُسَ فِي اللُّؤْلُؤِ وَالْعَنْبَرِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفُ: فِيهِمَا وَفِي كُلِّ حِلْيَةٍ تَخْرُجُ مِنْ الْبَحْرِ خُمُسٌ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَخَذَ الْخُمُسَ مِنْ الْعَنْبَرِ. وَلَهُمَا أَنَّ قَعْرَ الْبَحْرِ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ الْقَهْرُ فَلَا يَكُونُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّهُ يُسْتَخْرَجُ بِالْعِلَاجِ مِنْ عَيْنِهِ وَيَنْطَبِعُ مَعَ غَيْرِهِ فَكَانَ كَالْفِضَّةِ فَإِنَّهَا لَا تَنْطَبِعُ مَا لَمْ يُخَالِطْهَا شَيْءٌ، وَهَذَا هُوَ النَّوْعُ الثَّالِثُ مِمَّا ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ (وَلَا خُمُسَ فِي الْعَنْبَرِ وَاللُّؤْلُؤِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِيهِمَا وَفِي كُلِّ حِلْيَةٍ تَخْرُجُ مِنْ الْبَحْرِ الْخُمُسُ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَخَذَ الْخُمُسَ مِنْ الْعَنْبَرِ) رُوِيَ أَنَّ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ: كَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَسْأَلُهُ عَنْ عَنْبَرَةٍ وُجِدَتْ عَلَى السَّاحِلِ، فَكَتَبَ إلَيْهِ فِي جَوَابِهِ: إنَّهُ مَالُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَفِيهِ الْخُمُسُ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ يَصْلُحُ حُجَّةً فِي الْعَنْبَرِ لَا فِي اللُّؤْلُؤِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ حُجَّةً فِي اللُّؤْلُؤِ. وَذَكَرَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ سُؤَالَ عُمَرَ كَانَ عَنْهُمَا جَمِيعًا، فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْعَنْبَرِ وَاللُّؤْلُؤِ يُسْتَخْرَجَانِ مِنْ الْبَحْرِ قَالَ: فِيهِمَا الْخُمُسُ. وَأَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى اللُّؤْلُؤِ بِالدَّلَالَةِ لِأَنَّهُ قَالَ: وَفِي كُلِّ حِلْيَةٍ تَخْرُجُ مِنْ الْبَحْرِ. وَاسْتَدَلَّ عَلَى الْمَجْمُوعِ بِالْعَنْبَرِ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الْبَحْرِ وَفِيهِ الْخُمُسُ، فَكَذَا كُلُّ مَا يُسْتَخْرَجُ مِنْهُ دَفْعًا لِلْحُكْمِ (وَلَهُمَا أَنَّ قَعْرَ الْبَحْرِ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ الْقَهْرُ) وَمَعْنَاهُ: أَنَّ الْخُمُسَ إنَّمَا يَجِبُ فِيمَا كَانَ بِأَيْدِي الْكَفَرَةِ وَقَدْ وَقَعَ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ بِإِيجَافِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، وَالْعَنْبَرُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ أَحَدٍ لِأَنَّ قَهْرَ الْمَاءِ يَمْنَعُ قَهْرَ غَيْرِهِ، وَعَنْ هَذَا قَالُوا: لَوْ وُجِدَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فِي قَعْرِ

[باب زكاة الزروع والثمار]

غَنِيمَةً وَإِنْ كَانَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً، وَالْمَرْوِيُّ عَنْ عُمَرَ فِيمَا دَسَرَهُ الْبَحْرُ وَبِهِ نَقُولُ (مَتَاعٌ وُجِدَ رِكَازًا فَهُوَ لِلَّذِي وَجَدَهُ وَفِيهِ الْخُمُسُ) مَعْنَاهُ: إذَا وُجِدَ فِي أَرْضٍ لَا مَالِكَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ غَنِيمَةٌ بِمَنْزِلَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَحْرِ لَمْ يَجِبْ فِيهِ شَيْءٌ. وَقَوْلُهُ (وَالْمَرْوِيُّ عَنْ عُمَرَ) جَوَابٌ عَنْ الِاسْتِدْلَالِ بِجَوَابِهِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ كَانَ (فِيمَا دَسَرَهُ الْبَحْرُ) أَيْ دَفَعَهُ وَقَذَفَهُ (وَبِهِ) أَيْ بِوُجُوبِ الْخُمُسِ فِي الْعَنْبَرِ الَّذِي دَسَرَهُ الْبَحْرُ (نَقُولُ) وَمُرَادُهُ دَسَرَهُ الْبَحْرُ الَّذِي فِي دَارِ الْحَرْبِ فَوَجَدَهُ الْجَيْشُ عَلَى سَاحِلِهِ فَأَخَذُوهُ فَإِنَّهُ غَنِيمَةٌ يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ: وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ فِي الْعَنْبَرِ: إنَّهُ شَيْءٌ دَسَرَهُ الْبَحْرُ فَلَا شَيْءَ فِيهِ. فَيُحْمَلُ عَلَى أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ: إمَّا عَلَى بَحْرِ دَارِ الْإِسْلَامِ، وَإِمَّا عَلَى أَنَّهُ أَخَذَهُ وَاحِدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي بَحْرِ دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَلَصِّصِ وَلَا خُمُسَ فِيهِمَا. وَقَوْلُهُ (مَتَاعٌ وُجِدَ رِكَازًا) أَيْ حَالَ كَوْنِهِ رِكَازًا، وَالْمُرَادُ بِالْمَتَاعِ مَا يُتَمَتَّعُ بِهِ فِي الْبَيْتِ مِنْ الرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ وَغَيْرِهِمَا. وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الثِّيَابُ لِأَنَّهُ يُسْتَمْتَعُ بِهَا، وَذَكَرَ هَذَا لِبَيَانِ أَنَّ وُجُوبَ الْخُمُسِ لَا يَتَفَاوَتُ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الرِّكَازُ مِنْ النَّقْدَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ زَكَاةِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ] سُمِّيَ الْعُشْرُ زَكَاةً كَمَا سُمِّي الْمُصَدِّقُ فِيمَا تَقَدَّمَ عَاشِرًا مَجَازًا، وَتَأْخِيرُ الْعُشْرِ عَنْ الزَّكَاةِ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ، وَالْعُشْرَ

(بَابُ زَكَاةِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ) : (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فِي قَلِيلِ مَا أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ وَكَثِيرِهِ الْعُشْرُ، سَوَاءٌ سُقِيَ سَيْحًا أَوْ سَقَتْهُ السَّمَاءُ، إلَّا الْحَطَبَ وَالْقَصَبَ وَالْحَشِيشَ. وَقَالَا: لَا يَجِبُ الْعُشْرُ إلَّا فِيمَا لَهُ ثَمَرَةٌ بَاقِيَةٌ إذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا بِصَاعِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ عِنْدَهُمَا عُشْرٌ) فَالْخِلَافُ فِي مَوْضِعَيْنِ: فِي اشْتِرَاطِ النِّصَابِ، وَفِي اشْتِرَاطِ الْبَقَاءِ. لَهُمَا فِي الْأَوَّلِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» ـــــــــــــــــــــــــــــQمُؤْنَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ، وَالْعِبَادَاتُ الْخَالِصَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى غَيْرِهَا (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) فِي كُلِّ مَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَيَنْبَغِي بِهِ النَّمَاءُ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا رَطْبًا كَانَ أَوْ يَابِسًا يَبْقَى مِنْ سَنَةٍ إلَى سَنَةٍ أَوْ لَا يُوَسَّقُ أَوْ لَا يُسْقَى سَيْحًا أَيْ بِمَاءٍ جَارٍ، أَوْ سَقَتْهُ السَّمَاءُ، أَيْ الْمَطَرُ الْعُشْرُ، (إلَّا الْحَطَبَ وَالْقَصَبَ وَالْحَشِيشَ) وَالتِّبْنَ وَالسَّعَفَ، (وَقَالَا: لَا يَجِبُ الْعُشْرُ إلَّا فِيمَا لَهُ ثَمَرَةٌ بَاقِيَةٌ) تَبْقَى مِنْ سَنَةٍ إلَى سَنَةٍ (إذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ كُلُّ وَسْقٍ سِتُّونَ صَاعًا بِصَاعِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قَيَّدَ بِالثَّمَرَةِ احْتِرَازًا عَنْ غَيْرِهَا، وَهِيَ اسْمٌ لِشَيْءٍ مِنْ أَصْلٍ وَقَيَّدَ بِالْبَاقِيَةِ احْتِرَازًا عَنْ غَيْرِهَا وَحَدُّ الْبَقَاءِ أَنْ يَبْقَى سَنَةً فِي الْغَالِبِ مِنْ غَيْرِ مُعَالَجَةٍ كَثِيرَةٍ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ وَغَيْرِهَا دُونَ الْخَوْخِ وَالتُّفَّاحِ وَالسَّفَرْجَلِ وَنَحْوِهَا، وَقَيَّدَ بِمَا إذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا كَانَ دُونَهَا، وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا بِصَاعِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَخَمْسَةُ أَوْسُقٍ أَلْفٌ وَمِائَتَا مَنٍّ لِأَنَّ كُلَّ صَاعٍ أَرْبَعَةُ أَمْنَاءٍ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: هَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَقَالَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ: الْوَسْقُ ثَلَاثُمِائَةِ مَنٍّ (وَلَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ) كَالْفَوَاكِهِ وَالْبُقُولِ (عُشْرٌ عِنْدَهُمَا) لِأَنَّ الْبُقُولَ لَيْسَتْ بِثَمَرَةٍ وَالْفَوَاكِهُ لَا بَقَاءَ لَهَا سَنَةً إلَّا بِمُعَالَجَةٍ كَثِيرَةٍ (فَالْخِلَافُ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي اشْتِرَاطِ النِّصَابِ وَفِي اشْتِرَاطِ الْبَقَاءِ) وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِكَوْنِهِ ثَمَرَةً لِأَنَّ الْبُقُولَ دَخَلَتْ فِي اشْتِرَاطِ الْبَقَاءِ (لَهُمَا فِي الْأَوَّلِ) أَيْ فِي اشْتِرَاطِ النِّصَابِ (قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» أَيْ عُشْرٌ لِأَنَّ زَكَاةَ التِّجَارَةِ

وَلِأَنَّهُ صَدَقَةٌ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ النِّصَابُ لِيَتَحَقَّقَ الْغِنَى. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ فَفِيهِ الْعُشْرُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ» وَتَأْوِيلُ مَا رَوَيَاهُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ بِالْأَوْسَاقِ وَقِيمَةُ الْوَسْقِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْمَالِكِ فِيهِ فَكَيْفَ بِصِفَتِهِ وَهُوَ الْغِنَى وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ الْحَوْلُ؛ لِأَنَّهُ لِلِاسْتِنْمَاءِ وَهُوَ كُلُّهُ نَمَاءٌ. وَلَهُمَا فِي الثَّانِي قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ» وَالزَّكَاةُ غَيْرُ مَنْفِيَّةٍ فَتَعَيَّنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَجِبُ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ إذَا بَلَغَتْ قِيمَتَهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ (وَلِأَنَّهُ صَدَقَةٌ) بِدَلِيلِ تَعَلُّقِهِ بِنَمَاءِ الْأَرْضِ وَعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَى الْكَافِرِ وَصَرْفِهِ إلَى مَصْرِفِ الصَّدَقَاتِ، وَكُلُّ مَا هُوَ صَدَقَةٌ يُشْتَرَطُ لَهُ النِّصَابُ لِيَتَحَقَّقَ الْغِنَى (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ فَفِيهِ الْعُشْرُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ» وَتَأْوِيلُ مَا رَوَيَاهُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ بِالْأَوْسَاقِ وَقِيمَةُ الْوَسْقِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا) فَتَكُونُ قِيمَةُ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَهُوَ نِصَابُ الزَّكَاةِ، قِيلَ الْعُشْرُ فِيهِ مَعْنَى الْعَادَةِ كَمَا ذَكَرْتُمْ فَيَكُونُ لِمَالِيَّتِهِ عَفْوٌ وَنِصَابٌ قِيَاسًا عَلَى الزَّكَاةِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ قِيَاسُ مَا فِيهِ الْعِبَادَةُ مَعَ كَوْنِهِ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ عَلَى الْعِبَادَةِ الْمَحْضَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْفَسَادِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْمَالِكِ فِيهِ) أَيْ فِي الْعُشْرِ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ فَيُشْتَرَطُ النِّصَابُ: يَعْنِي أَنَّ الْغِنَى صِفَةُ الْمَالِكِ، وَالْمَالِكُ فِي بَابِ الْعُشْرِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ حَتَّى يَجِبَ فِي أَرَاضِي الْمُكَاتَبِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْأَرَاضِي الْمَوْقُوفَةِ عَلَى الرِّبَاطَاتِ وَالْمَسَاجِدِ (فَكَيْفَ بِصِفَتِهِ وَهُوَ الْغَنِيُّ، وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ الْحَوْلُ لِأَنَّهُ لِلِاسْتِنْمَاءِ وَهُوَ كُلُّهُ نَمَاءٌ. وَلَهُمَا فِي الثَّانِي قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ» وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَى الصَّدَقَةَ عَنْ الْخَضْرَاوَاتِ وَلَيْسَ الزَّكَاةُ

الْعُشْرُ وَلَهُ مَا رَوَيْنَا، وَمَرْوِيُّهُمَا مَحْمُولٌ عَلَى صَدَقَةٍ يَأْخُذُهَا الْعَاشِرُ، وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ قَدْ تُسْتَنْمَى بِمَا لَا يَبْقَى وَالسَّبَبُ هِيَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنْفِيَّةٌ بِالِاتِّفَاقِ فَتَعَيَّنَ الْعُشْرُ (وَلَهُ مَا رَوَيْنَا) يَعْنِي قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ فَفِيهِ الْعُشْرُ» (وَمَرْوِيُّهُمَا) وَهُوَ لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ (مَحْمُولٌ عَلَى صَدَقَةٍ يَأْخُذُهَا الْعَاشِرُ) يَعْنِي إذَا مَرَّ بِالْخَضْرَوَاتِ عَلَى الْعَاشِرِ وَأَرَادَ الْعَاشِرُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ عَيْنِهَا لِأَجْلِ الْفُقَرَاءِ عِنْدَ إبَاءِ الْمَالِكِ عَنْ دَفْعِ الْقِيمَةِ لَا يَأْخُذُ (وَبِهِ) أَيْ بِهَذَا الْمَرْوِيِّ (أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ) فِي حَقِّ هَذَا الْمَحْمَلِ الَّذِي حَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا لِأَجْلِ الْفُقَرَاءِ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ مِنْ عَيْنِهَا لِيَصْرِفَهُ إلَى عِمَالَتِهِ جَازَ وَإِنَّمَا قُلْنَا عِنْدَ إبَاءِ الْمَالِكِ عَنْ دَفْعِ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ إذَا أَعْطَاهُ الْقِيمَةَ لَا كَلَامَ فِي جَوَازِ أَخْذِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْأَخْذَ ثَبَتَ نَظَرًا لِلْفُقَرَاءِ وَلَا نَظَرَ هَاهُنَا لِأَنَّ الْعَاشِرَ فِي الْأَغْلَبِ يَكُونُ نَائِيًا عَنْ الْبَلْدَةِ وَلَا يَجِدُ فَقِيرًا ثَمَّةَ يَصْرِفُهُ إلَيْهِ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَبْعَثَ بِهَا إلَى الْبَلَدِ وَرُبَّمَا تَفْسُدُ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى الْفُقَرَاءِ فَيُؤَدِّي إلَى الضَّرَرِ فَلَا يَأْخُذُ بَلْ يُؤَدِّيهِ الْمَالِكُ بِنَفْسِهِ وَاَلَّذِي يَقْطَعُ هَذِهِ الْمَادَّةَ أَنَّ الْعَالِمَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ وَلَوْ فِي بَعْضِ مُوجِبِهِ أَوْلَى مِنْ الْخَاصِّ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى الْعَمَلِ بِمَا رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي مِقْدَارِ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَلَمْ يَعْمَلْ بِمَا رَوَيَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى مَحْمَلٍ آخَرَ وَعَمِلَ بِهِ فِيهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَخَذَ هَذَا الْأَصْلَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ عَمِلَ بِالْعَامِّ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ حِينَ أَرَادَ إجْلَاءَ بَنِي النَّضِيرِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» وَأَجَلَاهُمْ وَلَمْ يَتَلَفَّتْ إلَى مَا اعْتَرَضُوا بِهِ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُتْرُكُوهُمْ وَمَا يَدِينُونَ» كَذَا نَقَلَهُ شَيْخِي عَنْ شَيْخِ شَيْخِهِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الْأَرْضَ قَدْ تُسْتَنْمَى)

وَلِهَذَا يَجِبُ فِيهَا الْخَرَاجُ أَمَّا الْحَطَبُ وَالْقَصَبُ وَالْحَشِيشُ فَلَا تُسْتَنْبَتُ فِي الْجِنَانِ عَادَةً بَلْ تُنَقَّى عَنْهَا حَتَّى لَوْ اتَّخَذَهَا مُقَصَّبَةً أَوْ مُشَجَّرَةً أَوْ مَنْبَتًا لِلْحَشِيشِ يَجِبُ فِيهَا الْعُشْرُ، وَالْمُرَادُ بِالْمَذْكُورِ الْقَصَبُ الْفَارِسِيُّ أَمَّا قَصَبُ السُّكَّرِ وَقَصَبُ الذَّرِيرَةِ فَفِيهِمَا الْعُشْرُ؛ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِهِمَا اسْتِغْلَالَ الْأَرْضِ، بِخِلَافِ السَّعَفِ وَالتِّبْنِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْحَبُّ وَالتَّمْرُ دُونَهُمَا قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQدَلِيلٌ مَعْقُولٌ عَلَى مُدَّعَاهُ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ السَّبَبَ هِيَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ وَالْأَرْضُ النَّامِيَةُ قَدْ تُسْتَنْمَى بِمَا لَا يَبْقَى فَلَوْ لَمْ يَجِبْ الْعُشْرُ فِيمَا لَا يَبْقَى لَكَانَ قَدْ وُجِدَ السَّبَبُ وَالْخَارِجُ بِلَا شَيْءٍ وَذَلِكَ إخْلَاءٌ لِلسَّبَبِ عَنْ الْحُكْمِ فِي مَوْضِعٍ يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ (وَلِهَذَا يَجِبُ فِيهِ) أَيْ فِيمَا لَا يَبْقَى مِنْ الْخَارِجِ كَالْخَضْرَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ النَّامِيَةِ بِالْخَارِجِ الَّذِي لَا يَبْقَى عَلَى تَأْوِيلِ الْمَكَانِ. وَقَوْلُهُ (أَمَّا الْحَطَبُ) بَيَانٌ لِمَا اسْتَثْنَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ مِمَّا أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ وَقَوْلُهُ (فِي الْجِنَانِ) أَيْ فِي الْبَسَاتِينِ وَبَيَانُهُ أَنَّ الْحَطَبَ وَالْقَصَبَ وَالْحَشِيشَ وَنَحْوَهَا مِمَّا لَا يُسْتَنْمَى بِهِ الْأَرْضُ لَا عُشْرَ فِيهَا لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْعُشْرِ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ تُنَقَّى عَنْهَا الْبَسَاتِينُ لِأَنَّهَا إذَا غَلَبَتْ عَلَى الْأَرْضِ أَفْسَدَتْهَا فَلَا يَحْصُلُ بِهَا النَّمَاءُ حَتَّى لَوْ اتَّخَذَ الْأَرْضَ مَقْصَبَةً أَوْ مَشْجَرَةً أَوْ مَنْبِتًا لِلْحَشِيشِ وَأَرَادَ بِهِ الِاسْتِنْمَاءَ بِقَطْعِ ذَلِكَ وَبَيْعِهِ وَجَبَ فِيهَا الْعُشْرُ. وَقَوْلُهُ (وَالْمُرَادُ بِالْمَذْكُورِ الْقَصَبُ الْفَارِسِيُّ) الْقَصَبُ كُلُّ نَبَاتٍ كَانَ سَاقُهُ أَنَابِيبَ وَكُعُوبًا، وَالْكَعْبُ الْعُقْدَةُ، وَالْأُنْبُوبُ مَا بَيْنَ الْكَعْبَيْنِ. وَأَنْوَاعُ الْقَصَبِ الْفَارِسِيِّ وَهُوَ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ الْأَقْلَامُ وَقَصَبُ الذَّرِيرَةِ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْهُ مُتَقَارِبُ الْعُقَدِ وَأُنْبُوبُهُ مَمْلُوءٌ مِنْ مِثْلِ نَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ وَفِي مَضْغِهِ حَرَافَةٌ وَمَسْحُوقُهُ عَطِرٌ يُؤْتَى بِهِ مِنْ الْهِنْدِ وَأَجْوَدُهُ الْيَاقُوتِيُّ اللَّوْنِ وَقَصَبُ السُّكَّرِ، وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهَا الْقَصَبُ الْفَارِسِيُّ. وَأَمَّا الْآخَرَانِ فَفِيهِمَا الْعُشْرُ لِأَنَّهُ يُقْصَدُ بِهِمَا اسْتِغْلَالُ الْأَرْضِ، بِخِلَافِ السَّعَفِ وَهُوَ وَرَقُ الْجَرِيدِ الَّذِي يُتَّخَذُ مِنْهُ الْمَرَاوِحُ وَالتِّبْنُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْحَبُّ وَالثَّمَرُ دُونَهُمَا. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْعُشْرُ فِي التِّبْنِ لِأَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا وَقْتَ كَوْنِ الزَّرْعِ قَصِيلًا وَالتِّبْنُ هُوَ الْقَصِيلُ ذَاتًا إلَّا أَنَّهُ زَادَتْ فِيهِ الْيُبُوسَةُ وَبِهَا لَا يَتَغَيَّرُ الْوَاجِبُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْعُشْرُ فِي التِّبْنِ لِأَنَّ الْعُشْرَ كَانَ وَاجِبًا قَبْلَ إدْرَاكِ الزَّرْعِ فِي السَّاقِ حَتَّى لَوْ قَصَلَهُ وَجَبَ الْعُشْرُ فِي الْقَصِيلِ، فَإِذَا أَدْرَكَ تَحَوُّلَ الْعُشْرِ مِنْ السَّاقِ إلَى

(وَمَا سُقِيَ بِغَرْبٍ أَوْ دَالِيَةٍ أَوْ سَانِيَةٍ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ) ؛ لِأَنَّ الْمُؤْنَةَ تَكْثُرُ فِيهِ وَتَقِلُّ فِيمَا يُسْقَى بِالسَّمَاءِ أَوْ سَيْحًا وَإِنْ سُقِيَ سَيْحًا وَبِدَالِيَةٍ فَالْمُعْتَبَرُ أَكْثَرُ السَّنَةِ كَمَا مَرَّ فِي السَّائِمَةِ. (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فِيمَا لَا يُوسَقُ كَالزَّعْفَرَانِ، وَالْقُطْنِ يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ قِيمَةَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ أَدْنَى مَا يُوسَقُ) كَالذُّرَةِ فِي زَمَانِنَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّقْدِيرُ الشَّرْعِيُّ فِيهِ فَاعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ كَمَا فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجِبُ الْعُشْرُ إذَا بَلَغَ الْخَارِجُ خَمْسَةَ أَعْدَادٍ مِنْ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ نَوْعُهُ. فَاعْتُبِرَ فِي الْقُطْنِ خَمْسَةُ أَحْمَالٍ كُلُّ حِمْلٍ ثَلَاثُمِائَةِ مَنٍّ، وَفِي الزَّعْفَرَانِ خَمْسَةُ أَمْنَاءٍ) ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِالْوَسْقِ كَانَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ نَوْعُهُ (وَفِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ إذَا أُخِذَ مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَبِّ كَمَا تَحَوَّلَ الْخَرَاجُ مِنْ الْمُكْنَةِ عِنْدَ التَّعْطِيلِ إلَى الْخَارِجِ عِنْدَ الْخُرُوجِ. قَالَ (وَمَا سُقِيَ بِغَرْبٍ أَوْ دَالِيَةٍ) الْغَرْبُ الدَّلْوُ الْعَظِيمَةُ، وَالدَّالِيَةُ الْمَنْجَنُونُ تُدِيرُهَا الْبَقَرَةُ. وَذَكَرَ فِي الْمُغْرِبِ أَنَّ الدَّالِيَةَ جِذْعٌ طَوِيلٌ يُرَكَّبُ تَرْكِيبَ مَدَاقِّ الْأُرْزِ فِي رَأْسِهِ مِغْرَفَةٌ كَبِيرَةٌ يُسْتَقَى بِهَا، وَالسَّانِيَةُ النَّاقَةُ الَّتِي يُسْتَقَى عَلَيْهَا. وَقَوْلُهُ (فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ) أَيْ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ عِنْدَهُ يَجِبُ نِصْفُ الْعُشْرِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ النِّصَابِ وَالْبَقَاءِ، وَعِنْدَهُمَا أَيْضًا نِصْفُ الْعُشْرِ لَكِنْ بِشَرْطِ النِّصَابِ وَالْبَقَاءِ كَمَا بَيَّنَّا، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الدَّلِيلِ ظَاهِرٌ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: عَلَّلَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا بِقِلَّةِ الْمُؤْنَةِ فِيمَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ وَبِكَثْرَتِهَا فِيمَا سُقِيَ بِغَرْبٍ أَوْ دَالِيَةٍ، وَهَذَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ فَإِنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ الْخُمُسَ فِي الْغَنَائِمِ وَالْمُؤْنَةُ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْهَا فِي الزِّرَاعَةِ، وَلَكِنَّ هَذَا تَقْدِيرٌ شَرْعِيٌّ فَنَتَّبِعُهُ وَنَعْتَقِدُ فِيهِ الْمَصْلَحَةَ وَإِنْ لَمْ نَقِفْ عَلَيْهَا. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ سُقِيَ سَيْحًا وَبِدَالِيَةٍ) وَاضِحٌ. وَإِنَّمَا عَطَفَ الدَّالِيَةَ بِالْبَاءِ لِأَنَّ السَّيْحَ اسْمٌ لِلْمَاءِ دُونَ الدَّالِيَةِ، فَإِنَّ الدَّالِيَةَ آلَةُ الِاسْتِقَاءِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ سُقِيَ دَالِيَةً لِأَنَّ الدَّالِيَةَ غَيْرُ مُسْقِيَةٍ بَلْ هِيَ آلَةُ السَّقْيِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ. وَقَوْلُهُ (قَالَ أَبُو يُوسُفَ) قِيلَ: إنَّمَا ابْتَدَأَ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ لَا يَرِدُ إشْكَالٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ يَقُولُ بِالْعُشْرِ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَهُمَا أَثْبَتَا الْحُكْمَ عَلَى قَوْدِ مَذْهَبِهِمَا فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَسْقِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ فِيمَا لَا يُوسَقُ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِالْوَسْقِ كَانَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ نَوْعُهُ) لِأَنَّهُ يُقَدَّرُ أَوَّلًا بِالصَّاعِ ثُمَّ بِالْكَيْلِ ثُمَّ بِالْوَسْقِ فَكَانَ الْوَسْقُ أَقْصَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ مِنْ مِعْيَارِهِ، وَأَقْصَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ فِي الْقُطْنِ الْحَمْلُ لِأَنَّهُ يُقَدَّرُ أَوَّلًا بِالْأَسَاتِيرِ ثُمَّ بِالْأَمْنَاءِ ثُمَّ بِالْحَمْلِ فَكَانَ الْحَمْلُ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ. وَفِي الزَّعْفَرَانِ الْمَنُّ لِأَنَّهُ يُقَدَّرُ أَوَّلًا بِالسَّنَجَاتِ ثُمَّ بِالْأَسَانِينِ ثُمَّ بِالْمَنِّ. وَقَوْلُهُ (وَفِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ إذَا أُخِذَ مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ) قَيَّدَ بِأَرْضِ

لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْحَيَوَانِ فَأَشْبَهَ الْإِبْرَيْسَمَ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ» وَلِأَنَّ النَّحْلَ يَتَنَاوَلُ مِنْ الْأَنْوَارِ وَالثِّمَارِ وَفِيهِمَا الْعُشْرُ فَكَذَا فِيمَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُمَا بِخِلَافِ دُودِ الْقَزِّ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ مِنْ الْأَوْرَاقِ وَلَا عُشْرَ فِيهَا. ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ النِّصَابَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعُشْرِ لِأَنَّهُ إذَا أُخِذَ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ لَا عُشْرَ وَلَا خَرَاجَ كَمَا نُبَيِّنُ. وَقَوْلُهُ (فَأَشْبَهَ الْإِبْرَيْسَمَ) يَعْنِي الَّذِي يَكُونُ مِنْ دُودِ الْقَزِّ (وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) يَعْنِي بِهِ مَا رَوَى أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ إنَّ فِي الْعَسَلِ الْعُشْرَ» (وَلِأَنَّ النَّحْلَ يَتَنَاوَلُ مِنْ الْأَنْوَارِ وَالثِّمَارِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [النحل: 69] (وَفِيهِمَا الْعُشْرُ فِيمَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُمَا) وَقَوْلُهُ (ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) ظَاهِرٌ.

أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ قِيمَةُ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ كَمَا هُوَ أَصْلُهُ. وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ حَتَّى يَبْلُغَ عَشْرَ قِرَبٍ لِحَدِيثِ «بَنِي شَبَّابَةَ أَنَّهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (لِحَدِيثِ بَنِي شَبَّابَةَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بَنِي سَيَّارَةَ، وَهُوَ مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ بَنِي شَبَّابَةَ قَوْمٌ مِنْ جُرْهُمٍ. وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ: مِنْ خَثْعَمَ كَانَتْ لَهُمْ نَحْلٌ عَسَّالَةٌ يُؤَدُّونَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ كُلِّ عَشْرِ قِرَبٍ قِرْبَةً وَكَانَ يَحْمِي لَهُمْ وَادِيَهُمْ، فَلَمَّا كَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ سُفْيَانَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُ شَيْئًا فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنَّ النَّحْلَ ذُبَابُ غَيْثٍ يَسُوقُهُ اللَّهُ إلَى مَنْ يَشَاءُ، فَإِنْ أَدَّوْا إلَيْك مَا كَانُوا يُؤَدُّونَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ

كَانُوا يُؤَدُّونَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَلِكَ» وَعَنْهُ خَمْسَةُ أَمْنَاءٍ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خَمْسَةُ أَفْرَاقٍ كُلُّ فَرَقٍ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ رِطْلًا؛ لِأَنَّهُ أَقْصَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ. وَكَذَا فِي قَصَبِ السُّكَّرِ وَمَا يُوجَدُ فِي الْجِبَالِ مِنْ الْعَسَلِ وَالثِّمَارِ فَفِيهِ الْعُشْرُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَجِبُ لِانْعِدَامِ السَّبَبِ وَهُوَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ، وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْمَقْصُودَ حَاصِلٌ وَهُوَ الْخَارِجُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاحْمِ لَهُمْ وَادِيَهُمْ وَإِلَّا فَخَلِّ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ النَّاسِ، فَدَفَعُوا إلَيْهِ الْعُشْرَ. وَالْقِرْبَةُ خَمْسُونَ رِطْلًا. وَقَوْلُهُ (كُلُّ فَرَقٍ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ رِطْلًا) الْفَرَقُ بِفَتْحَتَيْنِ إنَاءٌ يَأْخُذُ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَصْوُعٍ، نَقَلَهُ صَاحِبُ الْمُغْرِبِ فِي التَّهْذِيبِ عَنْ ثَعْلَبٍ وَخَالِدِ بْنِ يَزِيدَ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَالْمُحَدِّثُونَ عَلَى السُّكُونِ وَكَلَامُ الْعَرَبِ عَلَى التَّحْرِيكِ وَفِي الصِّحَاحِ: الْفَرْقُ مِكْيَالٌ مَعْرُوفٌ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا. قَالَ وَقَدْ يُحَرَّكُ. ثُمَّ قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ: قُلْت وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: الْفَرَقُ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ رِطْلًا وَلَمْ أَجِدْ هَذَا فِيمَا عِنْدِي مِنْ أُصُولِ اللُّغَةِ (قَوْلُهُ وَكَذَا فِي قَصَبِ السُّكَّرِ) أَيْ الْخِلَافُ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي قَصَبِ السُّكَّرِ كَمَا هُوَ فِي الْقُطْنِ وَالزَّعْفَرَانِ فَيُعْتَبَرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِقِيمَةِ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ خَمْسَةِ أَمْنَاءٍ. وَقَوْلُهُ (وَمَا يُوجَدُ فِي الْجِبَالِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (أَنَّ الْمَقْصُودَ حَاصِلٌ وَهُوَ الْخَارِجُ) يَعْنِي وَلَا مُعْتَبَرَ بِكَوْنِ الْأَرْضِ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ لَهُ لِأَنَّ الْعُشْرَ يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ إذَا

قَالَ (وَكُلُّ شَيْءٍ أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ مِمَّا فِيهِ الْعُشْرُ لَا يُحْتَسَبُ فِيهِ أَجْرُ الْعُمَّالِ وَنَفَقَةُ الْبَقَرِ) ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ بِتَفَاوُتِ الْوَاجِبِ لِتَفَاوُتِ الْمُؤْنَةِ فَلَا مَعْنَى لِرَفْعِهَا. قَالَ (تَغْلِبِيٌّ لَهُ أَرْضُ عُشْرٍ عَلَيْهِ الْعُشْرُ مُضَاعَفًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQزَرَعَ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ الْأَرْضُ مَمْلُوكَةً لَهُ لِمَا أَنَّ الْخَارِجَ سُلِّمَ لَهُ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ فَكَذَا هَذَا (قَوْلُهُ وَكُلُّ شَيْءٍ أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ) كُلُّ شَيْءٍ أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ مِمَّا فِيهِ الْوَاجِبُ الْعُشْرِيُّ عُشْرًا كَانَ أَوْ نِصْفَهُ لَا يَرْفَعُ الْمُؤْنَةَ مِنْ الْعُشْرِ مِثْلُ أَجْرِ الْعُمَّالِ وَالْبَقَرِ وَكَرْيِ الْأَنْهَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، يَعْنِي لَا يُقَالُ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْعُشْرِ فِي قَدْرِ الْخَارِجِ الَّذِي بِمُقَابَلَةِ الْمُؤْنَةِ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ بَلْ يَجِبُ الْعُشْرُ فِي كُلِّ الْخَارِجِ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ: يَجِبُ النَّظَرُ إلَى قَدْرِ قِيَمِ الْمُؤَنِ مِنْ الْخَارِجِ فَيُسَلَّمُ ذَلِكَ الْقَدْرُ بِلَا عُشْرٍ ثُمَّ يُعَشَّرُ الْبَاقِي لِأَنَّ قَدْرَ الْمُؤَنِ بِمَنْزِلَةِ السَّالِمِ لَهُ بِعِوَضٍ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ سُلِّمَ لَهُ مِنْ الْخَارِجِ بِقَدْرِ مَا عَزَمَ مِنْ نُقْصَانِ الْأَرْضِ فَطَابَ لَهُ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ، وَوَجْهُ قَوْلِنَا إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ بِتَفَاوُتِ الْوَاجِبِ بِتَفَاوُتِ الْمُؤْنَةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: «مَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ فَفِيهِ الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِغَرْبٍ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ» ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِرَفْعِهَا مَعْنًى لِأَنَّ رَفْعَهَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ التَّفَاوُتِ

عُرِفَ ذَلِكَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ -. وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ فِيمَا اشْتَرَاهُ التَّغْلِبِيُّ مِنْ الْمُسْلِمِ عُشْرًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الْوَظِيفَةَ عِنْدَهُ لَا تَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الْمَالِكِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ وَهُوَ بَاطِلٌ، وَبَيَانُهُ أَنَّ الْخَارِجَ فِيمَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ إذَا كَانَ عِشْرِينَ قَفِيزًا فَفِيهِ الْعُشْرُ قَفِيزَانِ، وَإِذَا كَانَ الْخَارِجُ فِيمَا سُقِيَ بِغَرْبٍ أَرْبَعِينَ قَفِيزًا، وَالْمُؤْنَةُ تُسَاوِي عِشْرِينَ قَفِيزًا، فَإِذَا رُفِعَتْ كَانَ الْوَاجِبُ قَفِيزَيْنِ، فَلَمْ يَكُنْ تَفَاوُتٌ بَيْنَ مَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ وَبَيْنَ مَا سُقِيَ بِغَرْبٍ وَالْمَنْصُوصُ خِلَافُهُ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ مَا سُقِيَ بِغَرْبٍ فِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْمُؤْنَةِ، وَهَذَا الْحَلُّ مِنْ خَوَاصِّ هَذَا الشَّرْحِ فَلْيُتَأَمَّلْ. قِيلَ كَانَ مِنْ حَقِّ الْكَلَامِ أَنْ يَقُولَ مِمَّا فِيهِ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُهُمَا، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ الْوَاجِبُ الْعُشْرِيُّ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ فَكَأَنَّ الْعُشْرَ صَارَ عَلَمًا لِذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ عُشْرًا لُغَوِيًّا أَوْ نِصْفَهُ. وَقَوْلُهُ (تَغْلِبِيٌّ) بِكَسْرِ اللَّامِ مَنْسُوبٌ إلَى بَنِي تَغْلِبَ وَقَوْلُهُ (عُرِفَ ذَلِكَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ) تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي قِصَّةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَهُمْ، وَلَا فَصْلَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مِلْكَهُ فِي الْأَصْلِ أَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ مُسْلِمٍ. (وَعَنْ مُحَمَّدٍ: أَنَّ فِيمَا اشْتَرَاهُ التَّغْلِبِيُّ مِنْ الْمُسْلِمِ عُشْرًا وَاحِدًا لِأَنَّ الْوَظِيفَةَ عِنْدَهُ لَا تَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الْمَالِكِ) فَتَضْعِيفُ الْعُشْرِ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَرَاضِي الْأَصْلِيَّةِ الَّتِي وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَيْهَا.

(فَإِنْ اشْتَرَاهَا مِنْهُ ذِمِّيٌّ فَهِيَ عَلَى حَالِهَا عِنْدَهُمْ) لِجَوَازِ التَّضْعِيفِ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا إذَا مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ (وَكَذَا إذَا اشْتَرَاهَا مِنْهُ مُسْلِمٌ أَوْ أَسْلَمَ التَّغْلِبِيُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) سَوَاءٌ كَانَ التَّضْعِيفُ أَصْلِيًّا أَوْ حَادِثًا؛ لِأَنَّ التَّضْعِيفَ صَارَ وَظِيفَةً لَهَا. فَتَنْتَقِلُ إلَى الْمُسْلِمِ بِمَا فِيهَا كَالْخَرَاجِ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَعُودُ إلَى عُشْرٍ وَاحِدٍ) لِزَوَالِ الدَّاعِي إلَى التَّضْعِيفِ قَالَ فِي الْكِتَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَهُمَا أَنَّ الصُّلْحَ وَقَعَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ عَلَى أَنْ نُضَعِّفَ عَلَيْهِمْ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ وَالْعُشْرُ يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ فَيُضَعَّفُ عَلَيْهِمْ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ اشْتَرَاهَا) يَعْنِي الْأَرْضَ الَّتِي عَلَيْهَا عُشْرٌ مُضَاعَفٌ مِنْ الْأَصْلِ مِنْ التَّغْلِبِيِّ (ذِمِّيٌّ فَهِيَ عَلَى حَالِهَا) مِنْ الْعُشْرِ الْمُضَاعَفِ (عِنْدَهُمْ لِجَوَازِ التَّضْعِيفِ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا إذَا مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ) فَإِنَّ الذِّمِّيَّ إذَا مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ بِمَالِ الزَّكَاةِ يُؤْخَذُ مِنْهُ ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَاهَا مِنْهُ مُسْلِمٌ) يَعْنِي يَبْقَى عُشْرُهَا مُضَاعَفًا (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ التَّضْعِيفِ الْأَصْلِيِّ وَالْحَادِثِ (لِأَنَّ التَّضْعِيفَ صَارَ وَظِيفَةً لَهَا فَتَنْتَقِلُ إلَى الْمُسْلِمِ بِمَا فِيهَا كَالْخَرَاجِ) فَإِنَّ الْمُسْلِمَ إذَا اشْتَرَى أَرْضًا خَرَاجِيَّةً بَقِيَتْ كَمَا كَانَتْ، وَكَذَا إذَا أَسْلَمَ صَاحِبُهَا، وَهَذَا لِأَنَّ بَقَاءَ الْحُكْمِ يُسْتَغْنَى عَنْ بَقَاءِ الْعِلَّةِ كَالرَّمَلِ وَالِاضْطِبَاعِ بَقِيَا بَعْدَ زَوَالِ الْحَاجَةِ إلَى إظْهَارِ التَّجَلُّدِ، وَهَاهُنَا بَحْثٌ قَرَّرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ فَيُطْلَبُ ثَمَّةَ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَعُودُ إلَى عُشْرٍ وَاحِدٍ لِزَوَالِ الدَّاعِي إلَى التَّضْعِيفِ) وَهُوَ الْكُفْرُ، أَلَا تَرَى أَنَّ التَّغْلِبِيَّ إذَا كَانَتْ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ يَجِبُ فِيهَا شَاتَانِ، فَإِنْ بَاعَهَا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ أَسْلَمَ يُؤْخَذُ مِنْهُ شَاةٌ وَاحِدَةٌ، وَالْجَوَابُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَالَ الزَّكَاةِ أَقْبَلَ لِلتَّحَوُّلِ مِنْ وَصْفٍ إلَى وَصْفٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَالَ التِّجَارَةِ تَبْطُلُ عَنْهُ الزَّكَاةُ بِنِيَّةِ الْقِنْيَةِ وَالسَّوَائِمَ تَبْطُلُ عَنْهَا بِجَعْلِهَا عَلُوفَةً وَالْأَرَاضِيَ لَيْسَتْ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (قَالَ فِي الْكِتَابِ) أَيْ

وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا صَحَّ عَنْهُ: قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَتْ النُّسَخُ فِي بَيَانِ قَوْلِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَقَاءِ التَّضْعِيفِ، إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا فِي الْأَصْلِيِّ؛ لِأَنَّ التَّضْعِيفَ الْحَادِثَ لَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَهُ لِعَدَمِ تَغَيُّرِ الْوَظِيفَةِ (وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ لِمُسْلِمٍ بَاعَهَا مِنْ نَصْرَانِيٍّ) يُرِيدُ بِهِ ذِمِّيًّا غَيْرَ تَغْلِبِيٍّ (وَقَبَضَهَا فَعَلَيْهِ الْخَرَاجُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ؛ لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِحَالِ الْكَافِرِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَيْهِ الْعُشْرُ مُضَاعَفًا) وَيُصْرَفُ مَصَارِفَ الْخَرَاجِ اعْتِبَارًا بِالتَّغْلِبِيِّ وَهَذَا أَهْوَنُ مِنْ التَّبْدِيلِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. هِيَ عُشْرِيَّةٌ عَلَى حَالِهَا) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُؤْنَةً لَهَا فَلَا يَتَبَدَّلُ كَالْخَرَاجِ، ثُمَّ فِي رِوَايَةٍ: يُصْرَفُ مَصَارِفَ الصَّدَقَاتِ، وَفِي رِوَايَةٍ: يُصْرَفُ مَصَارِفَ الْخَرَاجِ (فَإِنْ أَخَذَهَا مِنْهُ مُسْلِمٌ بِالشُّفْعَةِ أَوْ رُدَّتْ عَلَى الْبَائِعِ لِفَسَادِ الْبَيْعِ فَهِيَ عُشْرِيَّةٌ كَمَا كَانَتْ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِتَحَوُّلِ الصَّفْقَةِ إلَى الشَّفِيعِ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمُسْلِمِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنْ الْمَبْسُوطِ (وَهُوَ) أَيْ الْعَوْدُ إلَى عُشْرٍ وَاحِدٍ (قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِيمَا صَحَّ عَنْهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَتْ النُّسَخُ) أَيْ نُسَخُ الْمَبْسُوطِ (فِي بَيَانِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ) أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ مَعَ أَبِي يُوسُفَ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي بَقَاءِ التَّضْعِيفِ) عَلَى الْمُسْلِمِ وَمَا بَعْدَهُ ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ لِمُسْلِمٍ بَاعَهَا مِنْ نَصْرَانِيٍّ) أَيْ ذِمِّيٍّ غَيْرِ تَغْلِبِيٍّ، وَإِنَّمَا فُسِّرَ بِذَلِكَ لِأَنَّ لَفْظَ النَّصْرَانِيِّ وَلَفْظَ الذِّمِّيِّ يَتَنَاوَلَانِ التَّغْلِبِيَّ وَغَيْرَهُ مِنْ النَّصَارَى، وَذَكَرَ قُبَيْلَ هَذَا بَيْعَ الْمُسْلِمِ مِنْ التَّغْلِبِيِّ فَكَانَ هَذَا مِنْ غَيْرِ تَغْلِبِيٍّ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَقَبَضَهَا لِيُعْلَمَ بِهِ تَأَكُّدُ مِلْكِ الذِّمِّيِّ فِيهَا وَتَقَرُّرُ الْأَرْضِ عَلَيْهِ حَتَّى إذَا أَخَذَهَا مُسْلِمٌ بِالشُّفْعَةِ أَوْ رُدَّتْ عَلَى الْبَائِعِ تَبْقَى عُشْرِيَّةً كَمَا كَانَتْ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي تَجِيءُ. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِحَالِ الْكَافِرِ) إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ خَرَاجٌ وَعُشْرٌ وَاحِدٌ وَعُشْرٌ مُضَاعَفٌ، وَالْعُشْرُ الْمُضَاعَفُ يَعْتَمِدُ الصُّلْحَ وَالتَّرَاضِيَ كَمَا فِي التَّغَالِبَةِ وَلَيْسَ بِمَوْجُودٍ، وَالْعُشْرُ الْوَاحِدُ فِيهِ مَعْنَى الْقُرْبَةِ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ فَتَعَيَّنَ الْخَرَاجُ لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِهِ لِكَوْنِهِ مُؤْنَةً فِيهَا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ وَالْكَافِرُ أَهْلٌ لَهَا. وَقَوْلُهُ (اعْتِبَارٌ بِالتَّغْلِبِيِّ) يَعْنِي أَنَّ مَا كَانَ مَأْخُوذًا مِنْ الْمُسْلِمِ إذَا وَجَبَ أَخْذُهُ مِنْ الْكَافِرِ يُضَعَّفُ عَلَيْهِ كَصَدَقَةِ بَنِي تَغْلِبَ، وَمَا يَمُرُّ بِهِ الذِّمِّيُّ عَلَى الْعَاشِرِ وَهُوَ أَهْوَنُ مِنْ التَّبْدِيلِ لِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ فِي الْوَصْفِ وَالْخَرَاجُ وَاجِبٌ آخَرُ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ فِي رِوَايَةٍ: يُصْرَفُ مَصَارِفَ الصَّدَقَاتِ، وَفِي رِوَايَةٍ: يُصْرَفُ مَصَارِفَ الْخَرَاجِ) وَجْهُ الْأُولَى أَنَّ حَقَّ الْفُقَرَاءِ تَعَلَّقَ بِهِ فَهُوَ كَتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُقَاتِلَةِ بِالْأَرَاضِيِ الْخَرَاجِيَّةِ، وَوَجْهُ الثَّانِيَةِ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ أَنَّ مَا يُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ هُوَ مَا كَانَ لِلَّهِ تَعَالَى بِطَرِيقِ الْعِبَادَةِ، وَمَالُ الْكَافِرِ لَيْسَ كَذَلِكَ فَيُصْرَفُ مَصَارِفَ الْخَرَاجِ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ أَخَذَهَا مِنْهُ مُسْلِمٌ) أَيْ: إنْ أَخَذَ الْأَرْضَ الَّتِي بَاعَهَا الْمُسْلِمُ مِنْ نَصْرَانِيٍّ مِنْ النَّصْرَانِيِّ مُسْلِمٌ (بِالشُّفْعَةِ أَوْ رُدَّتْ عَلَى الْبَائِعِ لِفَسَادِ الْبَيْعِ فَهِيَ عُشْرِيَّةٌ كَمَا كَانَتْ أَمَّا الْأَوَّلُ) أَيْ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ (فَلِتَحَوُّلِ الصَّفْقَةِ إلَى الشَّفِيعِ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمُسْلِمِ)

وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ بِالرَّدِّ وَالْفَسْخِ بِحُكْمِ الْفَسَادِ جَعَلَ الْبَيْعَ كَأَنَّ لَمْ يَكُنْ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْمُسْلِمِ لَمْ يَنْقَطِعْ بِهَذَا الشِّرَاءِ لِكَوْنِهِ مُسْتَحِقَّ الرَّدِّ (وَإِذَا كَانَتْ لِمُسْلِمٍ دَارُ خُطَّةٍ فَجَعَلَهَا بُسْتَانًا فَعَلَيْهِ الْعُشْرُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَمْ يَتَوَسَّطْ النَّصْرَانِيُّ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا رَجَعَ الشَّفِيعُ بِالْعَيْبِ عَلَى الْمُشْتَرِي إذَا قَبَضَهَا مِنْهُ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ لِوُجُودِ الْقَبْضِ مِنْهُ كَمَا فِي الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَرُدُّ الْمَبِيعَ بِالْعَيْبِ عَلَى الْوَكِيلِ لَا عَلَى الْمُوَكِّلِ لِحُصُولِ الْقَبْضِ مِنْهُ حَتَّى لَوْ كَانَ الشَّفِيعُ قَبَضَهَا مِنْ الْبَائِعِ ثُمَّ وَجَدَهَا مَعِيبًا يَرُدُّهَا عَلَيْهِ دُونَ الْمُشْتَرِي (وَأَمَّا الثَّانِي) أَيْ الرَّدُّ عَلَى الْبَائِعِ لِفَسَادِ الْبَيْعِ (فَلِأَنَّهُ بِالرَّدِّ وَالْفَسْخِ بِحُكْمِ الْفَسَادِ جُعِلَ الْبَيْعُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَلِأَنَّ حَقَّ الْمُسْلِمِ) أَيْ الْبَائِعِ (لَمْ يَنْقَطِعْ بِهَذَا الشِّرَاءِ) وَهُوَ الْفَاسِدُ (لِكَوْنِهِ مُسْتَحَقَّ الرَّدِّ) بِفَتْحِ الْحَاءِ قَالَ (وَإِذَا كَانَتْ لِمُسْلِمٍ دَارُ خُطَّةٍ) دَارُ خُطَّةٍ كَخَاتَمِ فِضَّةٍ بِالْإِضَافَةِ سَمَاعًا وَيَجُوزُ خُطَّةً بِالنَّصْبِ تَمْيِيزًا كَمَا فِي عِنْدِي رَاقُودٌ خَلًّا وَالْخُطَّةُ مَا خَطَّهُ الْإِمَامُ بِالتَّمْلِيكِ عِنْدَ فَتْحِ دَارِ الْحَرْبِ، وَالْبُسْتَانُ كُلُّ أَرْضٍ يَحُوطُهَا حَائِطٌ وَفِيهَا نَخِيلٌ مُتَفَرِّقَةٌ وَأَشْجَارٌ عَلَى مَا سَيَجِيءُ، وَوَضْعُ

مَعْنَاهُ إذَا سَقَاهُ بِمَاءِ الْعُشْرِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ تُسْقَى بِمَاءِ الْخَرَاجِ فَفِيهَا الْخَرَاجُ؛ لِأَنَّ الْمُؤْنَةَ فِي مِثْلِ هَذَا تَدُورُ مَعَ الْمَاءِ (وَلَيْسَ عَلَى الْمَجُوسِيِّ فِي دَارِهِ شَيْءٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِبَيَانِ أَنَّ الْحُكْمَ الْأَصْلِيَّ لِلشَّيْءِ يَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ صِفَتِهِ فَإِنَّهَا لَوْ بَقِيَتْ دَارًا كَمَا كَانَتْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا شَيْءٌ سَوَاءٌ كَانَ مَالِكُهَا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا فَإِذَا جَعَلَهَا بُسْتَانًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْعُشْرُ إنْ سَقَاهُ بِمَاءِ الْعُشْرِ، وَالْخَرَاجُ إنْ سَقَاهُ بِمَاءِ الْخَرَاجِ لِأَنَّ الْمُؤْنَةَ فِي مِثْلِ هَذَا تَدُورُ مَعَ الْمَاءِ لِأَنَّ وَظِيفَةَ الْأَرَاضِي بِاعْتِبَارِ إنْزَالِهَا وَهِيَ إنَّمَا تَكُونُ بِالْمَاءِ وَاسْتُشْكِلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِأَنَّ فِيهَا تَوْظِيفَ الْخَرَاجِ عَلَى الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي أَبْوَابِ السِّيَرِ مِنْ الزِّيَادَاتِ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُبْتَدَأُ بِتَوْظِيفِ الْخَرَاجِ. وَأَجَابَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ بِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُبْتَدَأُ بِتَوْظِيفِ الْخَرَاجِ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ صُنْعٌ يُسْتَدْعَى ذَلِكَ وَهَاهُنَا وُجِدَ مِنْهُ ذَلِكَ وَهُوَ السَّقْيُ بِمَاءِ الْخَرَاجِ إذْ الْخَرَاجُ يَجِبُ حَقًّا لِلْمُقَاتِلَةِ فَيَخْتَصُّ وُجُوبُهُ بِمَا حَوَتْهُ الْمُقَاتِلَةُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَسَقَاهَا بِمَاءِ الْخَرَاجِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ فِي مِثْلِ هَذَا الْأَرْضِ الَّتِي لَمْ يَتَقَرَّرْ أَمْرُهُ عَلَى عُشْرٍ أَوْ خَرَاجٍ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا كَانَ لِمُسْلِمٍ أَرْضٌ تُسْقَى بِمَاءِ الْعُشْرِ، وَقَدْ اشْتَرَاهَا ذِمِّيٌّ فَإِنَّ مَاءَهَا عُشْرِيٌّ وَفِيهِ الْخَرَاجُ. وَقَوْلُهُ (وَلَيْسَ عَلَى الْمَجُوسِيِّ فِي دَارِهِ شَيْءٌ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّمَا

لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - جَعَلَ الْمَسَاكِنَ عَفْوًا (وَإِنْ جَعَلَهَا بُسْتَانًا فَعَلَيْهِ الْخَرَاجُ) وَإِنْ سَقَاهَا بِمَاءِ الْعُشْرِ لِتَعَذُّرِ إيجَابِ الْعُشْرِ إذْ فِيهِ مَعْنَى الْقُرْبَةِ فَيَتَعَيَّنُ الْخَرَاجُ وَهُوَ عُقُوبَةٌ تَلِيقُ بِحَالِهِ، وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِمَا يَجِبُ الْعُشْرُ فِي الْمَاءِ الْعُشْرِيِّ، إلَّا أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عُشْرًا وَاحِدًا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عُشْرَانِ وَقَدْ مَرَّ الْوَجْهُ فِيهِ، ثُمَّ الْمَاءُ الْعُشْرِيُّ مَاءُ السَّمَاءِ وَالْآبَارِ وَالْعُيُونِ وَالْبِحَارِ الَّتِي لَا تَدْخُلُ تَحْتَ وِلَايَةِ أَحَدٍ، وَالْمَاءُ الْخَرَاجِيُّ مَاءُ الْأَنْهَارِ الَّتِي ـــــــــــــــــــــــــــــQخَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ قِيلَ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّ الْمَجُوسَ كَثِيرٌ بِالسَّوَادِ فَقَالَ: أَعْيَانِي أَمْرُ الْمَجُوسِ، وَفِي الْقَوْمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «سُنُّوا بِالْمَجُوسِ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» الْحَدِيثَ فَلَمَّا سَمِعَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِذَلِكَ عَمِلَ بِهِ وَأَمَرَ عُمَّالَهُ أَنْ يَمْسَحُوا أَرَاضِيَهُمْ وَعَامِرَهُمْ فَيُوَظِّفُوا الْخَرَاجَ عَلَى أَرَاضِيهِمْ وَرِيعِهِمْ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ وَالرِّيعِ وَعَفَا عَنْ رِقَابِ دُورِهِمْ وَعَنْ رِقَابِ الْأَشْجَارِ فِيهَا، فَلَمَّا ثَبَتَ الْعَفْوُ فِي حَقِّهِمْ مَعَ كَوْنِهِمْ أَبْعَدَ عَنْ الْإِسْلَامِ ثَبَتَ فِي حَقِّ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى (وَإِنْ جَعَلَهَا بُسْتَانًا فَعَلَيْهِ الْخَرَاجُ وَإِنْ سَقَاهُ بِمَاءِ الْعُشْرِ لِتَعَذُّرِ إيجَابِ الْعُشْرِ عَلَيْهِ إذْ فِيهِ مَعْنَى الْقُرْبَةِ فَيَتَعَيَّنُ الْخَرَاجُ وَهُوَ عُقُوبَةٌ تَلِيقُ بِحَالِهِ) وَلِقَائِلِ أَنْ يَقُولَ إمَّا أَنْ يَكُونَ الِاعْتِبَارُ لِلْمَاءِ أَوْ لِحَالِ مَنْ تُوضَعُ عَلَيْهِ الْوَظِيفَةُ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْعُشْرُ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي نَاقَضَ هَذَا قَوْلَهُ لِأَنَّ الْمُؤْنَةَ فِي مِثْلِ هَذَا تَدُورُ مَعَ الْمَاءِ، وَوَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِ الْعُشْرُ إذَا سَقَى أَرْضَهُ بِمَاءِ الْخَرَاجِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْمَاءِ وَلَكِنَّ قَبُولَ الْمَحَلِّ شَرْطُ وُجُوبِ الْحُكْمِ وَالْكَافِرُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِإِيجَابِ الْعُشْرِ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ عِبَادَةً. فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ كَانَ الْمُسْلِمُ مَحَلًّا لِإِيجَابِ الْخَرَاجِ، وَفِيهِ الصَّغَارُ وَالْمُسْلِمُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لَهُ. فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا صَغَارَ فِي خَرَاجِ الْأَرَاضِي إنَّمَا هُوَ خَرَاجُ الْجَمَاجِمِ، كَذَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لَهُ مُطْلَقًا أَوْ إذَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ صُنْعٌ يَقْتَضِيهِ، وَالْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ، وَلَكِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ مِنْهُ ذَلِكَ وَهُوَ السَّقْيُ بِمَاءِ الْخَرَاجِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَوْلُهُ (وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِمَا) يَعْنِي مَا مَرَّ أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا اشْتَرَى مِنْ مُسْلِمٍ أَرْضًا عُشْرِيَّةً وَجَبَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عُشْرٌ مُضَاعَفٌ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عُشْرٌ وَاحِدٌ، فَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِمَا هَذَا وَجَبَ عَلَى الْمَجُوسِيِّ إذَا سَقَى أَرْضًا بِمَاءِ الْعُشْرِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ عُشْرٌ وَاحِدٌ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عُشْرَانِ، وَالْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَدْ مَرَّ، وَكَذَا الرِّوَايَتَانِ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْمَصْرِفِ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ الْمَاءُ الْعُشْرِيُّ) بَيَانٌ لِلْمَاءِ الْعُشْرِيِّ وَالْخَرَاجِيِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ

شَقَّهَا الْأَعَاجِمُ، وَمَاءُ جَيْحُونَ وَسَيَحُونَ وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ عُشْرِيٌّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْمِيهَا أَحَدٌ كَالْبِحَارِ، وَخَرَاجِيٌّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ يَتَّخِذُ عَلَيْهَا الْقَنَاطِرَ مِنْ السُّفُنِ وَهَذَا يَدٌ عَلَيْهَا (وَفِي أَرْضِ الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ التَّغْلِبِيَّيْنِ مَا فِي أَرْضِ الرَّجُلِ التَّغْلِبِيِّ) يَعْنِي الْعُشْرَ الْمُضَاعَفَ فِي الْعُشْرِيَّةِ وَالْخَرَاجَ الْوَاحِدَ فِي الْخَرَاجِيَّةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْأَنْهَارُ الَّتِي شَقَّهَا الْأَعَاجِمُ مِثْلُ نَهْرِ الْمَلِكِ وَيَزْدَجْرِدَ وَمَرْوَرُوذَ، لِأَنَّ أَصْلَ تِلْكَ الْأَنْهَارِ بِمَالِ الْخَرَاجِ فَصَارَ مَاؤُهَا خَرَاجِيًّا، وَصَارَتْ الْأَرْضُ خَرَاجِيَّةً تَبَعًا، وَجَيْحُونُ نَهْرُ تِرْمِذَ بِكَسْرِ التَّاءِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، وَسَيْحُونُ نَهْرُ التُّرْكِ وَهُوَ نَهْرُ خُجَنْدَ، وَدِجْلَةُ نَهْرُ بَغْدَادَ، وَالْفُرَاتُ نَهْرُ الْكُوفَةِ. قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ: الْآبَارُ وَالْعُيُونُ الَّتِي حُفِرَتْ وَظَهَرَتْ فِي الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ مَاؤُهَا عُشْرِيٌّ أَمَّا الَّتِي تَكُونُ فِي الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ فَالْمَاءُ أَيْضًا خَرَاجِيٌّ لِأَنَّ الْمَاءَ يَأْخُذُ حُكْمَ الْأَرْضِ لِكَوْنِهِ خَارِجًا مِنْهَا، وَفِيهِ بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الْأَرْضَ الْعُشْرِيَّةَ مَا تُسْقَى مِنْ مَاءِ الْعُشْرِ، فَلَوْ كَانَ مَاءُ الْعُشْرِ مِنْ الْآبَارِ وَالْعُيُونِ مَا يَكُونُ فِي الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ لَمْ يُفِدْ شَيْئًا لِتَوَقُّفِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْأَرَاضِيَ الْعُشْرِيَّةَ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ: فَأَرْضُ الْعَرَبِ كُلُّهَا عُشْرِيَّةٌ وَسَيَأْتِي تَحْدِيدُهَا. وَالثَّانِي: كُلُّ أَرْضٍ أَسْلَمَ أَهْلُهَا طَوْعًا. وَالثَّالِثُ: الْأَرْضُ الَّتِي فُتِحَتْ عَنْوَةً وَقُسِمَتْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَالرَّابِعُ: بُسْتَانُ مُسْلِمٍ كَانَ دَارِهِ فَاتَّخَذَهُ بُسْتَانًا. وَالْخَامِسُ: الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ الَّتِي أَحْيَاهَا مُسْلِمٌ وَكَانَتْ مِنْ تَوَابِعِ الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الرَّابِعِ وَالْخَامِسِ: فَإِنَّ الْمُسْلِمَ إذَا كَانَ لَهُ دَارٌ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ أَوْ فِي الْأَرْضِ الَّتِي أَسْلَمَ أَهْلُهَا طَوْعًا أَوْ الَّتِي فُتِحَتْ عَنْوَةً وَقُسِمَتْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ فَجَعَلَهَا بُسْتَانًا وَسَقَى بِمَاءِ آبَارِهَا أَوْ الْعُيُونِ الَّتِي فِيهَا وَجَبَ الْعُشْرُ، وَإِنْ كَانَ الدَّارُ لِمَجُوسِيٍّ. وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَعَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ اخْتِلَافِهِمْ فِي وُجُوبِ الْخَرَاجِ أَوْ الْعُشْرِ الْوَاحِدِ أَوْ الْمُضَاعَفِ وَعَلَى هَذَا إذَا أَحْيَا

[باب من يجوز دفع الصدقة إليه ومن لا يجوز]

لِأَنَّ الصُّلْحَ قَدْ جَرَى عَلَى تَضْعِيفِ الصَّدَقَةِ دُونَ الْمُؤْنَةِ الْمَحْضَةِ، ثُمَّ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ إذَا كَانَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْعُشْرُ فَيُضَعَّفُ ذَلِكَ إذَا كَانَا مِنْهُمْ قَالَ: (وَلَيْسَ فِي عَيْنِ الْقِيرِ وَالنَّفْطِ فِي أَرْضِ الْعُشْرِ شَيْءٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَنْزَالِ الْأَرْضِ وَإِنَّمَا هُوَ عَيْنٌ فَوَّارَةٌ كَعَيْنِ الْمَاءِ (وَعَلَيْهِ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ خَرَاجٌ) وَهَذَا (إذَا كَانَ حَرِيمُهُ صَالِحًا لِلزِّرَاعَةِ) ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ يَتَعَلَّقُ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ. (بَابُ مَنْ يَجُوزُ دَفْعُ الصَّدَقَةِ إلَيْهِ وَمَنْ لَا يَجُوزُ) : ـــــــــــــــــــــــــــــQأَرْضًا مَوَاتًا. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الصُّلْحَ قَدْ جَرَى عَلَى تَضْعِيفِ الصَّدَقَةِ) أَيْ عَلَى تَضْعِيفِ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْعِبَادَةِ أَوْ مَا فِيهِ مَعْنَاهَا. (دُونَ الْمُؤْنَةِ الْمَحْضَةِ) أَيْ الْخَالِيَةِ عَنْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ كَالْخَرَاجِ فَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَى بَنِي تَغْلِبَ ضِعْفُهُ. (وَعَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ إذَا كَانَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْعُشْرُ فَيُضَعَّفُ ذَلِكَ إذَا كَانَا مِنْهُمْ) . وَقَوْلُهُ (وَلَيْسَ فِي عَيْنِ الْقِيرِ وَالنِّفْطِ) الْقِيرُ هُوَ الزِّفْتُ وَالْقَارُ لُغَةٌ فِيهِ وَالنِّفْطُ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا وَهُوَ أَفْصَحُ دُهْنٌ يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ فِي الْعَيْنِ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَعَلَيْهِ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ خَرَاجٌ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ وَعَلَى عَيْنِ الْقِيرِ وَالنِّفْطِ خَرَاجٌ بِأَنْ يُمْسَحَ مَوْضِعُ الْقِيرِ. (إذَا كَانَ حَرِيمُهَا صَالِحًا لِلزِّرَاعَةِ لِأَنَّ الْخَرَاجَ يَتَعَلَّقُ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ) فَيَكُونُ مَوْضِعُ الْعَيْنِ تَابِعًا لِلْأَرْضِ وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: وَعَلَى الرَّجُلِ فِي عَيْنِ الْقِيرِ وَالنِّفْطِ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ خَرَاجٌ يَعْنِي فِي حَرِيمِهَا إذَا كَانَ صَالِحًا لِلزِّرَاعَةِ، وَلَا يُمْسَحُ مَوْضِعُ الْعَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ، وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ مُخْتَارُ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ لِأَنَّ حَرِيمَهُ فِي الْأَصْلِ صَالِحٌ لَهَا وَإِنَّمَا عَطَّلَهُ صَاحِبُهُ لِحَاجَتِهِ، وَهُوَ تَحْصِيلُ مَا يَحْصُلُ بِهِ فِيهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا خَرَاجَ فِيهَا وَلَا عَلَى مَا حَوْلَهَا لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ كَالْأَرْضِ السَّبِخَةِ وَمَا لَا يَبْلُغُهَا الْمَاءُ، وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ اخْتَارَ قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [بَابُ مَنْ يَجُوزُ دَفْعُ الصَّدَقَةِ إلَيْهِ وَمَنْ لَا يَجُوزُ] لِمَا ذُكِرَ وَمَا يَلْحَقُهَا مِنْ خُمُسِ الْمَعَادِنِ وَعُشْرِ الزُّرُوعِ احْتَاجَ إلَى بَيَانِ مَنْ تُصْرَفْ إلَيْهِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى " {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] ") الْآيَةَ. فَهَذِهِ ثَمَانِيَةُ أَصْنَافٍ، وَقَدْ سَقَطَ مِنْهَا الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعَزّ الْإِسْلَامَ وَأَغْنَى عَنْهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَشَرَعَ فِي بَيَانِهِ فِي هَذَا الْبَابِ (الْأَصْلُ فِيهِ) أَيْ فِيمَنْ يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] الْآيَةَ فَهَذِهِ ثَمَانِيَةُ أَصْنَافٍ وَقَدْ سَقَطَ مِنْهَا الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ) وَهُمْ كَانُوا ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ نَوْعٌ كَانَ يَتَأَلَّفُهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُسْلِمُوا وَيُسْلِمَ قَوْمُهُمْ بِإِسْلَامِهِمْ، وَنَوْعٌ مِنْهُمْ أَسْلَمُوا لَكِنْ عَلَى ضَعْفٍ فَيَزِيدُ تَقْرِيرُهُمْ لِضَعْفِهِمْ، وَنَوْعٌ مِنْهُمْ لِدَفْعِ شَرِّهِمْ وَهُمْ مِثْلُ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ، وَالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ، وَالْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ، وَكَانَ هَؤُلَاءِ رُؤَسَاءَ قُرَيْشٍ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْطِيهِمْ خَوْفًا مِنْهُمْ، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَخَافُونَ أَحَدًا إلَّا اللَّهَ وَإِنَّمَا أَعْطَاهُمْ خَشْيَةَ أَنْ يَكُبَّهُمْ اللَّهُ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي النَّارِ، ثُمَّ سَقَطَ ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. رُوِيَ أَنَّهُمْ اسْتَبْدَلُوا الْخَطَّ لِنَصِيبِهِمْ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَبَذَلَ لَهُمْ وَجَاءُوا إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَاسْتَبْدَلُوا خَطَّهُ فَأَبَى وَمَزَّقَ خَطَّ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ كَانَ يُعْطِيكُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَأْلِيفًا لَكُمْ، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَقَدْ أَعَزَّ اللَّهُ الْإِسْلَامَ وَأَغْنَى عَنْكُمْ، فَإِنْ ثُبْتُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَإِلَّا فَبَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ

وَعَلَى ذَلِكَ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّيْفُ، فَعَادُوا إلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالُوا: أَنْتَ الْخَلِيفَةُ أَوْ عُمَرُ؟ بَذَلْت لَنَا الْخَطَّ وَمَزَّقَهُ عُمَرُ، فَقَالَ: هُوَ إنْ شَاءَ وَلَمْ يُخَالِفْهُ (وَعَلَى ذَلِكَ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ) وَاخْتَلَفَ كَلَامُ الْقَوْمِ فِي وَجْهِ سُقُوطِهِ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ ثُبُوتِهِ بِالْكِتَابِ إلَى حِينِ وَفَاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فَمِنْهُمْ مَنْ ارْتَكَبَ جَوَازَ نَسْخِ مَا ثَبَتَ بِالْكِتَابِ بِالْإِجْمَاعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ كَالْكِتَابِ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ مِنْ قَبِيلِ انْتِهَاءِ الْحُكْمِ بِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ كَانْتِهَاءِ جَوَازِ الصَّوْمِ بِانْتِهَاءِ وَقْتِهِ وَهُوَ النَّهَارُ، وَيُرَدُّ بِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الْبَقَاءِ لَا يَحْتَاجُ إلَى عِلَّتِهِ كَمَا فِي الرَّمَلِ وَالِاضْطِبَاعِ فِي الطَّوَافِ وَقَدْ تَقَدَّمَ، فَانْتِهَاؤُهَا قَدْ لَا يَسْتَلْزِمُ انْتِهَاءَهُ. وَفِيهِ بَحْثٌ قَرَّرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ. وَقَالَ شَيْخُ شَيْخِي الْعَلَّامَةُ عَلَاءُ الدِّينِ عَبْدُ الْعَزِيزِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ هَذَا تَقْرِيرٌ لِمَا كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِمْ كَانَ إعْزَازَ الْإِسْلَامِ لِضَعْفِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِغَلَبَةِ أَهْلِ الْكُفْرِ، فَكَانَ الْإِعْزَازُ فِي الدَّفْعِ، فَلَمَّا تَبَدَّلَ الْحَالُ بِغَلَبَةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ صَارَ الْإِعْزَازُ فِي الْمَنْعِ فَكَانَ الْإِعْطَاءُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَالْمَنْعُ فِي هَذَا الزَّمَانِ بِمَنْزِلَةِ الْآلَةِ لِإِعْزَازِ الدِّينِ، وَالْإِعْزَازُ هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ فَلَمْ يَكُنْ نَسْخًا: كَالْمُتَيَمِّمِ وَجَبَ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ التُّرَابِ لِلتَّطَهُّرِ لِأَنَّهُ آلَةٌ مُتَعَيِّنَةٌ لِحُصُولِ التَّطَهُّرِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، فَإِذَا تَبَدَّلَ حَالُهُ بِوُجْدَانِ الْمَاءِ سَقَطَ الْأَوَّلُ وَوَجَبَ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَعَيِّنًا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَلَا يَكُونُ هَذَا نَسْخًا لِلْأَوَّلِ فَكَذَا هَذَا، وَهُوَ نَظِيرُ إيجَابِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَإِنَّهَا كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَى الْعَشِيرَةِ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعْدَهُ عَلَى أَهْلِ

(وَالْفَقِيرُ مَنْ لَهُ أَدْنَى شَيْءٍ وَالْمِسْكِينُ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ) وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَدْ قِيلَ عَلَى الْعَكْسِ وَلِكُلٍّ وَجْهٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالدِّيوَانِ، لِأَنَّ الْإِيجَابَ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِسَبَبِ النُّصْرَةِ وَالِانْتِصَارُ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ بِالْعِشْرَةِ وَبَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَهْلِ الدِّيوَانِ فَإِيجَابُهَا عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ بَعْدَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ نَسْخًا بَلْ كَانَ تَقْرِيرًا لِلْمَعْنَى الَّذِي وَجَبَتْ الدِّيَةُ لِأَجْلِهِ وَهُوَ الِانْتِصَارُ فَكَذَا هَذَا وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ. وَقَوْلُهُ (وَالْفَقِيرُ مَنْ لَهُ أَدْنَى شَيْءٍ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَلِكُلٍّ وَجْهٌ) أَمَّا وَجْهُ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمِسْكِينُ أَسْوَأَ حَالًا مِنْ الْفَقِيرِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 16] أَيْ لَاصِقًا بِالتُّرَابِ مِنْ الْجُوعِ وَالْعُرْيِ. وَأَمَّا وَجْهُ مَنْ قَالَ بِالثَّانِي وَهُوَ أَنَّ الْفَقِيرَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْمِسْكِينِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف: 79] وَالْفَائِدَةُ تَظْهَرُ فِي الْوَصَايَا وَالْأَوْقَافِ وَالنُّذُورِ لَا فِي

ثُمَّ هُمَا صِنْفَانِ أَوْ صِنْفٌ وَاحِدٌ سَنَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَالْعَامِلُ يَدْفَعُ إلَيْهِ الْإِمَامُ إنْ عَمِلَ بِقَدْرِ عَمَلِهِ فَيُعْطِيهِ مَا يَسَعُهُ وَأَعْوَانُهُ غَيْرَ مُقَدَّرٍ بِالثَّمَنِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQالزَّكَاةِ فَإِنَّ صَرْفَهَا إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ جَائِزٌ عِنْدَنَا (ثُمَّ هُمَا صِنْفَانِ أَوْ صِنْفٌ وَاحِدٌ سَنَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ: هُمَا وَاحِدٌ حَتَّى قَالَ فِيمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِفُلَانٍ وَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ إنَّ لِفُلَانٍ نِصْفَ الثُّلُثِ وَلِلْفَرِيقَيْنِ النِّصْفَ الْآخَرَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لِفُلَانٍ ثُلُثُ الثُّلُثِ فَجَعَلَهُمَا صِنْفَيْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ عَطْفٌ وَهُوَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ (وَقَوْلُهُ وَالْعَامِلُ يَدْفَعُ إلَيْهِ الْإِمَامُ) الْعَامِلُ هُوَ الَّذِي يَبْعَثُهُ الْإِمَامُ لِجِبَايَةِ الصَّدَقَاتِ (فَيُعْطِيهِ مَا يَسَعُهُ) أَيْ يَكْفِيهِ (وَأَعْوَانُهُ) مُدَّةَ ذَهَابِهِمْ وَإِيَابِهِمْ لِأَنَّهُ فَرَّغَ نَفْسَهُ لِهَذَا الْعَمَلِ، وَكُلُّ مَنْ فَرَّغَ نَفْسَهُ لِعَمَلٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ يَسْتَحِقُّ عَلَى ذَلِكَ رِزْقًا كَالْقُضَاةِ وَالْمُقَاتِلَةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْإِجَارَةِ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ أَوْ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ وَأُجْرَتُهُ مَعْلُومَةٌ وَلَمْ يُقَدَّرْ ذَلِكَ بِالثَّمَنِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ يُقَدَّرُ بِذَلِكَ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ فِي الْأَصْلِ فَيَكُونُ بَيَانَاتٍ لِحِصَّتِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ إنْ اقْتَضَتْ ذَلِكَ

لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ بِطَرِيقِ الْكِفَايَةِ، وَلِهَذَا يَأْخُذُ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا إلَّا أَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ الصَّدَقَةِ فَلَا يَأْخُذُهَا الْعَامِلُ الْهَاشِمِيُّ تَنْزِيهًا لِقَرَابَةِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ شُبْهَةِ الْوَسَخِ، وَالْغَنِيُّ لَا يُوَازِيهِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْكَرَامَةِ فَلَمْ تُعْتَبَرْ الشُّبْهَةُ فِي حَقِّهِ. قَالَ (وَفِي الرِّقَابِ يُعَانُ الْمُكَاتَبُونَ مِنْهَا فِي فَكِّ رِقَابِهِمْ) وَهُوَ الْمَنْقُولُ (وَالْغَارِمُ مَنْ لَزِمَهُ دَيْنٌ وَلَا يَمْلِكُ نِصَابًا فَاضِلًا عَنْ دَيْنِهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنْ تَحَمَّلَ غَرَامَةً فِي إصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَإِطْفَاءِ الثَّائِرَةِ بَيْنَ الْقَبِيلَتَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَسَهْمُ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ سَقَطَ بِالْإِجْمَاعِ فَلَمْ تَبْقَ الْأَسْهُمُ ثَمَانِيَةً حَتَّى يَكُونَ لَهُ الثَّمَنُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ مُسْلِمُونَ وَكُفَّارٌ، وَالسَّاقِطُ سَهْمُ الْكُفَّارِ فَقَطْ فَكَانَتْ الْأَسْهُمُ ثَمَانِيَةً. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ اسْتِحْقَاقًا بِطَرِيقِ الْكِفَايَةِ) أَيْ لَا بِطَرِيقِ الصَّدَقَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ صَاحِبَ الزَّكَاةِ إذَا دَفَعَهَا لِلْإِمَامِ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْعَامِلُ شَيْئًا وَيَأْخُذُ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَجَازَ أَخْذُهَا لِلْهَاشِمِيِّ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (إلَّا أَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ الصَّدَقَةِ) نَظَرًا إلَى سُقُوطِ الزَّكَاةِ عَنْ ذِمَّةِ الْمُؤَدِّي (فَلَا يَأْخُذُهَا الْعَامِلُ الْهَاشِمِيُّ تَنْزِيهًا لِقَرَابَةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ شُبْهَةِ الْوَسَخِ وَالْغِنَى لَا يُوَازِيهِ) أَيْ الْهَاشِمِيُّ (فِي اسْتِحْقَاقِ الْكَرَامَةِ فَلَمْ تُعْتَبَرْ الشُّبْهَةُ فِي حَقِّهِ) وَقَوْلُهُ (وَهُوَ الْمَنْقُولُ) يَعْنِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ رَوَى «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ. قَالَ: فُكَّ الرَّقَبَةَ وَأَعْتِقْ النَّسَمَةَ، قَالَ: أَوَلَيْسَا سَوَاءً يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: فَكُّ الرَّقَبَةِ أَنْ تُعِينَ فِي عِتْقِهِ» . وَقَوْلُهُ (وَلَا يَمْلِكُ نِصَابًا فَاضِلًا عَنْ دَيْنِهِ) لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَ نِصَابًا كَانَ غَنِيًّا وَإِذَا لَمْ يَمْلِكْ وَمَا فِي يَدِهِ مُسْتَحَقٌّ بِالدَّيْنِ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ كَانَ فَقِيرًا. وَقَوْلُهُ (فِي إصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ)

(وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مُنْقَطِعُ الْغُزَاةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَفَاهَمُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُنْقَطِعُ الْحَاجِّ) لِمَا رَوَى «أَنَّ رَجُلًا جَعَلَ بَعِيرًا لَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ الْحَاجَّ» . وَلَا يَصْرِفُ إلَى أَغْنِيَاءِ الْغُزَاةِ عِنْدَنَا لِأَنَّ الْمَصْرِفَ هُوَ الْفُقَرَاءُ (وَابْنُ السَّبِيلِ مَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِي وَطَنِهِ) وَهُوَ فِي مَكَان لَا شَيْءَ لَهُ فِيهِ. قَالَ: (فَهَذِهِ جِهَاتُ الزَّكَاةِ، فَلِلْمَالِكِ أَنْ يَدْفَعَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ الصُّلْحُ بَيْنَ الْمُتَعَادِينَ لِزَوَالِ الِاخْتِلَافِ وَحُصُولِ الِائْتِلَافِ، وَالنَّائِرَةُ الْعَدَاوَةُ وَالشَّحْنَاءُ وَقَوْلُهُ (مُنْقَطِعُ الْغُزَاةِ) أَيْ فُقَرَاءُ الْغُزَاةِ وَكَذَلِكَ الْمُرَادُ بِمُنْقَطِعِ الْحَاجِّ فُقَرَاؤُهُمْ الْمُنْقَطَعُ بِهِمْ (وَلَا يُصْرَفُ إلَى أَغْنِيَاءِ الْغُزَاةِ عِنْدَنَا لِأَنَّ الْمَصْرِفَ هُوَ الْفُقَرَاءُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خُذْهَا مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَرَدَّهَا فِي فُقَرَائِهِمْ» وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِخَمْسَةٍ، مِنْ جُمْلَتِهِمْ الْغُزَاةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» وَتَأْوِيلُهُ الْغَنِيُّ بِقُوَّةِ الْبَدَنِ وَمَعْنَاهُ: أَنَّ الْمُسْتَغْنِيَ بِكَسْبِهِ لِقُوَّةِ بَدَنِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ طَلَبُ الصَّدَقَةِ إلَّا إذَا كَانَ غَازِيًا فَيَحِلُّ لَهُ الِاشْتِغَالُ بِالْجِهَادِ عَنْ الْكَسْبِ. وَذَكَرَ تِلْكَ الْخَمْسَةَ فِي التَّجْنِيسِ فَقَالَ: لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِخَمْسَةٍ: الْغَازِي، وَالْعَامِلُ عَلَيْهَا، وَالْغَارِمُ، وَرَجُلٌ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى الْمِسْكِينِ فَأَهْدَاهَا الْمِسْكِينُ إلَيْهِ. وَذَكَرَ فِي الْمَصَابِيحِ وَفِي رِوَايَةٍ " وَابْنُ السَّبِيلِ ". فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مُكَرَّرٌ سَوَاءٌ كَانَ مُنْقَطَعَ الْغُزَاةِ أَوْ مُنْقَطَعُ الْحَاجِّ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي وَطَنِهِ مَالٌ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ هُوَ ابْنَ السَّبِيلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ فَقِيرٌ فَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الْعَدَدُ سَبْعَةً. أُجِيبَ بِأَنَّهُ فَقِيرٌ إلَّا أَنَّهُ ازْدَادَ فِيهِ شَيْءٌ آخَرُ سِوَى الْفَقْرِ وَهُوَ الِانْقِطَاعُ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ مِنْ جِهَادٍ أَوْ حَجٍّ فَلِذَلِكَ غَايَرَ الْفَقِيرَ الْمُطْلَقَ فَإِنَّ الْمُقَيَّدَ يُغَايِرُ الْمُطْلَقَ لَا مَحَالَةَ. وَيَظْهَرُ أَثَرُ التَّغَايُرِ فِي حُكْمٍ آخَرَ أَيْضًا وَهُوَ زِيَادَةُ التَّحْرِيضِ وَالتَّرْغِيبِ فِي رِعَايَةِ جَانِبِهِ الَّتِي اُسْتُفِيدَتْ مِنْ الْعُدُولِ عَنْ اللَّامِ إلَى كَلِمَةِ فِي، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ إيذَانًا بِأَنَّهُمْ أَرْسَخُ فِي اسْتِحْقَاقِ التَّصَدُّقِ عَلَيْهِمْ مِمَّنْ سَبَقَ ذِكْرُهُمْ لِأَنَّ فِي الظَّرْفِيَّةِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُمْ أَحِقَّاءُ بِأَنْ تُوضَعَ فِيهِمْ الصَّدَقَاتُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تُنْتَقَصْ الْمَصَارِفُ عَنْ السَّبْعَةِ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ. وَقَوْلُهُ (فَهَذِهِ جِهَاتُ الزَّكَاةِ) يَعْنِي أَنَّهُمْ مَصَارِفُ الصَّدَقَاتِ لَا مُسْتَحَقُّوهَا عِنْدَنَا حَتَّى يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هُمْ الْمُسْتَحَقُّونَ لَهَا حَتَّى لَا تَجُوزَ مَا لَمْ يُصْرَفْ إلَى

وَلَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَصْرِفَ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ، لِأَنَّ الْإِضَافَةَ بِحَرْفِ اللَّامِ لِلِاسْتِحْقَاقِ. وَلَنَا أَنَّ الْإِضَافَةَ لِبَيَانِ أَنَّهُمْ مَصَارِفُ لَا لِإِثْبَاتِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَهَذَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَبِعِلَّةِ الْفَقْرِ صَارُوا مَصَارِفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَصْنَافِ السَّبْعَةِ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ ثَلَاثَةٌ وَهُمْ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ (لِأَنَّ الْإِضَافَةَ بِحَرْفِ اللَّامِ لِلِاسْتِحْقَاقِ) لِكَوْنِهَا مَوْضُوعَةً لِلتَّمْلِيكِ (وَلَنَا أَنَّ الْإِضَافَةَ لِبَيَانِ أَنَّهُمْ مَصَارِفُ لَا لِإِثْبَاتِ الِاسْتِحْقَاقِ) وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: الْمُرَادُ بِهِ بَيَانُ الْمَصَارِفِ فَإِلَى أَيُّهَا صُرِفَتْ أَجْزَأَك كَمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنَا بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ فَإِذَا اسْتَقْبَلْت جُزْءًا مِنْهَا كُنْت مُمْتَثِلًا لِلْأَمْرِ، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الْأَصْنَافَ بِأَوْصَافٍ تُنْبِئُ عَنْ الْحَاجَةِ، فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ سَدُّ خَلَّةِ الْمُحْتَاجِ فَصَارُوا صِنْفًا وَاحِدًا فِي التَّحْقِيقِ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا) أَيْ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِضَافَةَ إلَيْهِمْ لِبَيَانِ أَنَّهُمْ مَصَارِفُ لَا لِإِثْبَاتِ الِاسْتِحْقَاقِ (لِمَا عَرَفْنَا أَنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَبِعِلَّةِ الْفَقْرِ) أَيْ الْحَاجَةِ (صَارُوا مَصَارِفَ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ تَعَالَى

فَلَا يُبَالِي بِاخْتِلَافِ جِهَاتِهِ، وَاَلَّذِي ذَهَبْنَا إلَيْهِ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - (وَلَا يَجُوزُ أَنَّهُ يَدْفَعُ الزَّكَاةَ إلَى ذِمِّيٍّ) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خُذْهَا مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَرُدَّهَا فِي فُقَرَائِهِمْ» . قَالَ (وَيَدْفَعُ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الصَّدَقَةِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَدْفَعُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْتِبَارًا بِالزَّكَاةِ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَصَدَّقُوا عَلَى أَهْلِ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا» ـــــــــــــــــــــــــــــQذَكَرَ الْأَصْنَافَ بِأَوْصَافٍ تُنْبِئُ عَنْ الْحَاجَةِ (فَلَا يُبَالَى بِاخْتِلَافِ جِهَاتِهِ) . وَقَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ الزَّكَاةَ إلَى ذِمِّيٍّ) وَاضِحٌ وَالضَّمِيرُ فِي مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ رَاجِعٌ إلَى الْمُسْلِمِينَ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ، فَكَذَا ضَمِيرُ فُقَرَائِهِمْ لِئَلَّا يَخْتَلَّ النَّظْمُ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ مَشْهُورٌ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ فَجَازَ الزِّيَادَةُ بِهِ. وَقَوْلُهُ (وَيُدْفَعُ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الصَّدَقَةِ) يَعْنِي إلَى الذِّمِّيِّ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا دُونَ الْحَرْبِيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ وَفُقَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ أَوْلَى، وَقَوْلُهُ «تَصَدَّقُوا عَلَى أَهْلِ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا» يَقْتَضِي شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَجُوزَ الصَّرْفُ إلَى الْحَرْبِيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ، وَالثَّانِي جَوَازُ دَفْعِ الزَّكَاةِ أَيْضًا.

وَلَوْلَا حَدِيثُ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَقُلْنَا بِالْجَوَازِ فِي الزَّكَاةِ. (وَلَا يُبْنَى بِهَا مَسْجِدٌ وَلَا يُكَفَّنُ بِهَا مَيِّتٌ) لِانْعِدَامِ التَّمْلِيكِ وَهُوَ الرُّكْنُ (وَلَا يُقْضَى بِهَا دَيْنُ مَيِّتٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَجَابَ عَنْ الثَّانِي بِقَوْلِهِ (وَلَوْلَا حَدِيثُ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَقُلْنَا بِالْجَوَازِ فِي الزَّكَاةِ) لِأَنَّ قَوْلَهُ " تَصَدَّقُوا " مُطْلَقٌ فَإِنَّ مَعْنَاهُ افْعَلُوا التَّصَدُّقَ. فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِهِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ لَيْسَ بِعَامٍّ، وَمِنْهُمْ يَقُولُ: مَعْنَاهُ الْعَمَلُ بِالدَّلِيلَيْنِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَصَدَّقُوا عَلَى أَهْلِ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا» يَقْتَضِي جَوَازَ دَفْعِ الزَّكَاةِ إلَيْهِمْ، وَحَدِيثَ مُعَاذٍ يَقْتَضِي عَدَمَهُ. فَقُلْنَا: حَدِيثُ مُعَاذٍ فِي الزَّكَاةِ وَالْآخَرُ فِيمَا سِوَاهَا مِنْ الصَّدَقَاتِ الْوَاجِبَةِ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالصَّدَقَةِ الْمَنْذُورَةِ وَالْكَفَّارَاتِ عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَوَابَ عَنْ الْأَوَّلِ. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ فِي حَقِّ الْحَرْبِيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 9] وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَحِقَهُ بَيَانُ التَّقْرِيرِ. وَهُوَ يَمْنَعُ الْخُصُوصَ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَلَا يُدْفَعُ بِمَا قِيلَ كَلِمَةُ " كُلٍّ " لِتَأْكِيدِ الْأَدْيَانِ لَا لِتَأْكِيدِ الْأَهْلِ فَتَأَمَّلْ فَإِنَّهُ غَامِضٌ سَلَّمْنَاهُ، وَلَكِنْ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمُخَصِّصُ مُقَارِنًا عِنْدَنَا، وَلَيْسَ بِثَابِتٍ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ فِي الْآيَةِ عَنْ التَّوَلِّي عَنْ الْبِرِّ فَلَا يَكُونُ لَهُ التَّعَلُّقُ بِالصَّدَقَةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: أُمِرْنَا بِالْمُقَاتَلَةِ مَعَهُمْ بِآيَاتِ الْقِتَالِ، فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْهَا مُتَأَخِّرًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ كَانَ نَاسِخًا فِي حَقِّهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَمْ يَبْقَ الْحَدِيثُ مَعْمُولًا بِهِ فِي حَقِّهِمْ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِمْ مَرْحَمَةٌ لَهُمْ وَمُوَاسَاةٌ، وَهِيَ مُنَافِيَةٌ لِمُقْتَضَى الْآيَةِ وَلَيْسَ فِي مَرْتَبَتِهَا فَيَسْقُطُ الْعَمَلُ بِهِ فِي حَقِّهِمْ وَيَبْقَى مَعْمُولًا بِهِ فِي حَقِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَمَلًا بِالدَّلِيلِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَقَوْلُهُ (وَهُوَ الرُّكْنُ) لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي دَفْعِ الزَّكَاةِ تَمْلِيكُ فَقِيرٍ مُسْلِمٍ غَيْرِ هَاشِمِيٍّ وَلَا مَوْلَاهُ جُزْءًا مِنْ الْمَالِ مَعَ قَطْعِ الْمَنْفَعَةِ الْمَدْفُوعِ عَنْ نَفْسِهِ مَقْرُونًا بِالنِّيَّةِ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ:

لِأَنَّ قَضَاءَ دَيْنِ الْغَيْرِ لَا يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ مِنْهُ لَا سِيَّمَا مِنْ الْمَيِّتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُكُمْ التَّمْلِيكُ رُكْنٌ دَعْوَى مُجَرَّدَةٌ إذْ لَيْسَ فِي الْأَدِلَّةِ النَّقْلِيَّةِ الْمَنْقُولَةِ فِي هَذَا الْبَابِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا خَلَا قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمْ اللَّامَ لِلْعَاقِبَةِ دُونَ التَّمْلِيكِ. وَالْجَوَابُ: أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ لِلْعَاقِبَةِ أَنَّ الْمَقْبُوضَ يَصِيرُ مِلْكًا لَهُمْ فِي الْعَاقِبَةِ فَهُمْ مَصَارِفُ ابْتِدَاءً لَا مُسْتَحِقُّونَ ثُمَّ يَحْصُلُ لَهُمْ الْمِلْكُ فِي الْعَاقِبَةِ بِدَلَالَةِ اللَّامِ فَلَمْ تَبْقَ دَعْوَى مُجَرَّدَةً، وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ قَضَاءَ دَيْنِ الْغَيْرِ لَا يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ مِنْهُ) بِدَلِيلِ أَنَّ الدَّائِنَ وَالْمَدْيُونَ إذَا تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ بَيْنَهُمَا فَلِلْمُؤَدِّي أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَقْبُوضَ مِنْ الْقَابِضِ فَلَمْ يَصِرْ هُوَ مِلْكًا لِلْقَابِضِ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِدَيْنِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ لَوْ قَضَى دَيْنَ حَيٍّ

(وَلَا تُشْتَرَى بِهَا رَقَبَةٌ تُعْتَقُ) خِلَافًا لِمَالِكٍ ذَهَبَ إلَيْهِ فِي تَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: 60] وَلَنَا أَنَّ الْإِعْتَاقَ إسْقَاطُ الْمِلْكِ وَلَيْسَ بِتَمْلِيكٍ. (وَلَا تُدْفَعُ إلَى غَنِيٍّ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ» وَهُوَ بِإِطْلَاقٍ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي غَنِيِّ الْغُزَاةِ. وَكَذَا حَدِيثُ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مَا رَوَيْنَا. قَالَ (وَلَا يَدْفَعُ الْمُزَكِّي زَكَاتَهُ إلَى أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَإِنْ عَلَا، وَلَا إلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ) لِأَنَّ مَنَافِعَ الْأَمْلَاكِ بَيْنَهُمْ مُتَّصِلَةٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّمْلِيكُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَمْرِهِ وَقَعَ عَنْ الزَّكَاةِ كَأَنَّهُ تَصَدَّقَ عَلَى الْغَرِيمِ فَيَكُونُ الْقَابِضُ كَالْوَكِيلِ لَهُ فِي قَبْضِ الصَّدَقَةِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا تَشْتَرِي بِهَا رَقَبَةً) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يَدْفَعُ الْمُزَكِّي زَكَاتَهُ إلَى أَبِيهِ) أَيْ مَنْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا قَرَابَةُ وِلَادٍ أَعْلَى أَوْ أَسْفَلَ، وَأَمَّا

عَلَى الْكَمَالِ (وَلَا إلَى امْرَأَتِهِ) لِلِاشْتِرَاكِ فِي الْمَنَافِعِ عَادَةً (وَلَا تَدْفَعُ الْمَرْأَةُ إلَى زَوْجِهَا) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِمَا ذَكَرْنَا، وَقَالَا: تَدْفَعُ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَك أَجْرَانِ: أَجْرُ الصَّدَقَةِ، وَأَجْرُ الصِّلَةِ» قَالَهُ لِامْرَأَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا سِوَاهُمْ مِنْ الْقَرَابَةِ فَيَتِمُّ الْإِيتَاءُ بِالصَّرْفِ إلَيْهِ، وَهُوَ أَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ. وَقَوْلُهُ (لِلِاشْتِرَاكِ فِي الْمَنَافِعِ عَادَةً) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى} [الضحى: 8] قِيلَ: بِمَالِ خَدِيجَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. وَقَوْلُهُ (لِمَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي مِنْ اشْتِرَاكِ الْمَنْفَعَةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُتَّهَمٌ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ حَتَّى لَا تَجُوزَ شَهَادَتُهُ لَهُ، وَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدْ سَأَلَتْهُ عَنْ التَّصَدُّقِ عَلَيْهِ؛ قُلْنَا: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّافِلَةِ. قَالَ (وَلَا يَدْفَعُ إلَى مُكَاتَبِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ) لِفُقْدَانِ التَّمْلِيكِ إذَا كَسَبَ الْمَمْلُوكُ لِسَيِّدِهِ وَلَهُ حَقٌّ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ فَلَمْ يَتِمَّ التَّمْلِيكُ (وَلَا إلَى عَبْدٍ قَدْ أَعْتَقَ بَعْضَهُ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ وَقَالَا: يَدْفَعُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ حُرٌّ مَدْيُونٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَرِثُ صَاحِبَهُ مِنْ غَيْرِ حَجْبٍ كَمَا فِي الْوِلَادِ، فَكَمَا أَنَّ الْوِلَادَ مَانِعٌ فَكَذَا مَا يَتَفَرَّعُ مِنْهُ الْوِلَادُ. وَقَوْلُهُ (قُلْنَا هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّافِلَةِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهَا كَانَتْ امْرَأَةً صَنِعَةَ الْيَدَيْنِ تَعْمَلُ لِلنَّاسِ وَتَتَصَدَّقُ بِذَلِكَ وَبِهِ نَقُولُ. وَقَوْلُهُ (وَلَهُ حَقٌّ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ) ظَاهِرٌ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ جَارِيَةَ مُكَاتَبِهِ لَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ جَارِيَةَ نَفْسِهِ، وَقَوْلُهُ (وَلَا إلَى عَبْدٍ قَدْ أُعْتِقَ بَعْضُهُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ بِأَنْ يَكُونَ عَبْدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ لَا يَجُوزُ لِلْآخَرِ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ

عِنْدَهُمَا (وَلَا يَدْفَعُ إلَى مَمْلُوكٍ غَنِيٍّ) لِأَنَّ الْمِلْكَ وَاقِعٌ لِمَوْلَاهُ (وَلَا إلَى وَلَدِ غَنِيٍّ إذَا كَانَ صَغِيرًا) لِأَنَّهُ يُعَدُّ غَنِيًّا بِيَسَارِ أَبِيهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ كَبِيرًا فَقِيرًا لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ غَنِيًّا بِيَسَارِ أَبِيهِ وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ، وَبِخِلَافِ امْرَأَةِ الْغَنِيِّ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ فَقِيرَةً لَا تُعَدُّ غَنِيَّةً بِيَسَارِ زَوْجِهَا، وَبِقَدْرِ النَّفَقَةِ لَا تَصِيرُ مُوسِرَةً. (وَلَا يَدْفَعُ إلَى بَنِي هَاشِمٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَهُ وَحُرٍّ مَدْيُونٍ عِنْدَهُمَا. وَقَوْلُهُ (وَبِخِلَافِ امْرَأَةِ الْغَنِيِّ) يَعْنِي فَإِنَّهُ يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهَا إذَا كَانَتْ فَقِيرَةً وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَرَوَى أَصْحَابُ الْأَمَالِي عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا مُكَفِّيَةُ الْمُؤْنَةِ بِمَا تَسْتَوْجِبُ النَّفَقَةَ عَلَى الْغَنِيِّ حَالَةَ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، فَالصَّرْفُ إلَيْهَا كَالصَّرْفِ إلَى وَلَدٍ صَغِيرٍ لِلْغَنِيِّ. وَوَجْهُ الظَّاهِرِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ لِلْغَنِيِّ أَنَّهُ يَسْتَوْجِبُ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ بِالْجُزْئِيَّةِ فَكَانَ الصَّرْفُ إلَيْهِ كَالصَّرْفِ إلَى الْغَنِيِّ وَقَوْلُهُ (وَلَا يُدْفَعُ إلَى بَنِي هَاشِمٍ إلَى قَوْلِهِ بِمَنْزِلَةِ التَّبَرُّدِ بِالْمَاءِ) ظَاهِرٌ، وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ التَّشْبِيهَ بِالْوُضُوءِ عَلَى الْوُضُوءِ كَانَ أَنْسَبَ بِاعْتِبَارِ وُجُودِ الْقُرْبَةِ فِيهِمَا، وَلِهَذَا اخْتَارَ صَاحِبُ الْفَتَاوَى الْكُبْرَى حُرْمَةَ التَّطَوُّعِ أَيْضًا. وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْآثَارِ

«يَا بَنِي هَاشِمٍ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَيْكُمْ غُسَالَةَ النَّاسِ وَأَوْسَاخَهُمْ وَعَوَّضَكُمْ مِنْهَا بِخُمُسِ الْخُمُسِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الْمَفْرُوضَةَ وَالنَّافِلَةَ مُحَرَّمَتَانِ عَلَيْهِمْ عِنْدَهُمَا، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِمَا رِوَايَتَانِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَالَ فِي التَّطْهِيرِ دُونَ الْمَاءِ لِأَنَّ الْمَالَ مُطَهِّرٌ حُكْمًا وَالْمَاءَ مُطَهِّرٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، فَيَكُونُ الْمَالُ مُطَهِّرًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، فَجَعَلْنَاهُ

بِخِلَافِ التَّطَوُّعِ، لِأَنَّ الْمَالَ هَاهُنَا كَالْمَاءِ يَتَدَنَّسُ بِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ. أَمَّا التَّطَوُّعُ فَبِمَنْزِلَةِ التَّبَرُّدِ بِالْمَاءِ. قَالَ: (وَهُمْ آلُ عَلِيٍّ وَآلُ عَبَّاسٍ وَآلُ جَعْفَرٍ وَآلُ عَقِيلٍ وَآلُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَمَوَالِيهِمْ) أَمَّا هَؤُلَاءِ فَلِأَنَّهُمْ يُنْسَبُونَ إلَى بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَنِسْبَةُ الْقَبِيلَةِ إلَيْهِ. وَأَمَّا مَوَالِيهِمْ فَلِمَا رُوِيَ «أَنَّ مَوْلًى لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَهُ أَتَحِلُّ لِي الصَّدَقَةُ؟ فَقَالَ: لَا أَنْتَ مَوْلَانَا» ـــــــــــــــــــــــــــــQمُتَدَنِّسًا فِي الْفَرْضِ دُونَ النَّفْلِ عَمَلًا بِالْوَجْهَيْنِ. وَقَوْلُهُ (وَهُمْ آلُ عَلِيٍّ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَأَمَّا مَوَالِيهِمْ فَلِمَا رُوِيَ أَنَّ مَوْلًى لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) هُوَ أَبُو رَافِعٍ رَوَى صَاحِبُ السُّنَنِ مُسْنِدًا إلَى أَبِي رَافِعٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَ الْقُرَشِيُّ عَبْدًا نَصْرَانِيًّا حَيْثُ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ وَيُعْتَبَرُ حَالُ الْمُعْتَقِ لِأَنَّهُ الْقِيَاسُ وَالْإِلْحَاقُ بِالْمَوْلَى بِالنَّصِّ وَقَدْ خَصَّ الصَّدَقَةَ. (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إذَا دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَى رَجُلٍ يَظُنُّهُ فَقِيرًا ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ غَنِيٌّ أَوْ هَاشِمِيٌّ أَوْ كَافِرٌ أَوْ دَفَعَ فِي ظُلْمَةٍ فَبَانَ أَنَّهُ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ) لِظُهُورِ خَطَئِهِ بِيَقِينٍ وَإِمْكَانِ الْوُقُوفِ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَصَارَ كَالْأَوَانِي وَالثِّيَابِ. وَلَهُمَا حَدِيثُ مَعْنِ بْنِ يَزِيدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعَثَ رَجُلًا مِنْ بَنِي مَخْزُوعٍ عَلَى الصَّدَقَةِ فَقَالَ لِأَبِي رَافِعٍ اصْحَبْنِي فَإِنَّك تُصِيبُ مِنْهَا، فَقَالَ: حَتَّى آتِيَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْأَلَهُ، فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَإِنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ» فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ لَمَا وَجَبَتْ الْجِزْيَةُ عَلَى عَبْدٍ كَافِرٍ أَعْتَقَهُ قُرَشِيٌّ لِأَنَّهُ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَ الْقُرَشِيُّ عَبْدًا نَصْرَانِيًّا حَيْثُ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ وَيُعْتَبَرُ حَالُ الْمُعْتَقِ) بِفَتْحِ التَّاءِ (لِأَنَّهُ هُوَ الْقِيَاسُ) فَإِنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يُلْحَقَ الْمُعْتَقُ بِالْمُعْتِقِ فِي حَالَةٍ مَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْلٌ بِنَفْسِهِ مِنْ حَيْثُ الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْحُرِّيَّةُ، وَخِطَابُ الشَّرْعِ وَالْإِلْحَاقُ: إنَّمَا كَانَ بِالنَّصِّ فِي حَقِّ الصَّدَقَةِ فَلَا يَتَعَدَّاهُ، وَلِهَذَا يُؤْخَذُ مِنْ مَوْلَى التَّغْلِبِيِّ الْجِزْيَةَ دُونَ الصَّدَقَةِ الْمُضَاعَفَةِ. وَقَوْلُهُ (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ) هَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ مَحَلًّا لِلصَّدَقَةِ، أَوْ لَمْ يَظْهَرْ حَالُهُ عِنْدَهُ أَصْلًا، أَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِلصَّدَقَةِ. فَفِي الْأَوَّلَيْنِ يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ، وَفِي الثَّالِثِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ (وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ) وَهَلْ يَطِيبُ الْمَقْبُوضُ لِلْقَابِضِ ذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّهُ لَا رِوَايَةَ فِيهِ، وَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَعَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يُطَيِّبُ مَاذَا يَصْنَعُ بِهَا قِيلَ يَتَصَدَّقُ بِهِ، وَقِيلَ: يَرُدُّهُ عَلَى الْمُعْطِي عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ لِيُعِيدَ الْإِيتَاءَ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ) وَلَكِنْ لَا يَسْتَرِدُّ مَا أَدَّاهُ (لِظُهُورِ خَطَئِهِ بِيَقِينٍ وَإِمْكَانُ الْوُقُوفِ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَصَارَ كَالْأَوَانِي وَالثِّيَابِ) فَإِنَّ الْأَوَانِيَ الطَّاهِرَةَ إذَا اخْتَلَطَتْ بِالنَّجِسَةِ، فَإِنْ غَلَبَتْ الطَّاهِرَةُ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ إنَاءَانِ طَاهِرَانِ وَوَاحِدٌ نَجِسٌ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتْرُكَ التَّحَرِّيَ، فَإِذَا تَحَرَّى وَتَوَضَّأَ ثُمَّ ظَهَرَ الْخَطَأُ يُعِيدُ الْوُضُوءَ، وَأَمَّا إذَا غَلَبَتْ النَّجِسَةُ أَوْ تَسَاوَتَا يَتَيَمَّمُ وَلَا يَتَحَرَّى وَأَمَّا الثِّيَابُ الطَّاهِرَةُ إذَا اخْتَلَطَتْ بِالنَّجِسَةِ وَلَيْسَ ثَمَّةَ عَلَامَةٌ تُعْرَفُ بِهَا فَإِنَّهُ يَتَحَرَّى مُطْلَقًا، فَإِذَا صَلَّى فِي ثَوْبٍ مِنْهَا بِالتَّحَرِّي ثُمَّ ظَهَرَ خَطَؤُهُ أَعَادَ الصَّلَاةَ، وَأَمَّا عَدَمُ اسْتِرْدَادِهِ فَلِأَنَّ فَسَادَ جِهَةِ الزَّكَاةِ لَا يَنْقُضُ الْأَدَاءَ (وَلَهُمَا حَدِيثُ مَعْنِ بْنِ يَزِيدَ) وَهُوَ مَا رُوِيَ «أَنَّ يَزِيدَ دَفَعَ صَدَقَتَهُ إلَى رَجُلٍ لِيَدْفَعَهَا إلَى الْفَقِيرِ فَدَفَعَهَا إلَى ابْنِهِ مَعْنٍ، فَلَمَّا أَصْبَحَ رَآهَا مَعَهُ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ وَاَللَّهِ مَا إيَّاكَ أَرَدْت، فَاخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ فِيهِ «يَا يَزِيدُ لَك مَا نَوَيْت، وَيَا مَعْنُ لَك مَا أَخَذْت» وَقَدْ دَفَعَ إلَيْهِ وَكِيلُ أَبِيهِ صَدَقَتَهُ؛ وَلِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِالِاجْتِهَادِ دُونَ الْقَطْعِ فَيَبْتَنِي الْأَمْرُ فِيهَا عَلَى مَا يَقَعُ عِنْدَهُ كَمَا إذَا اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي غَيْرِ الْغَنِيِّ أَنَّهُ لَا يَجْزِيهِ، وَالظَّاهِرُ هُوَ الْأَوَّلُ. وَهَذِهِ إذَا تَحَرَّى فَدَفَعَ وَفِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ أَنَّهُ مَصْرِفٌ، أَمَّا إذَا شَكَّ وَلَمْ يَتَحَرَّ أَوْ تَحَرَّى فَدَفَعَ، وَفِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَصْرِفٍ لَا يَجْزِيهِ إلَّا إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَا يَزِيدُ لَك مَا نَوَيْت وَيَا مَعْنُ لَك مَا أَخَذْت» وَجَوَّزَ ذَلِكَ وَلَمْ يَسْتَفْسِرْ أَنَّ الصَّدَقَةَ كَانَتْ فَرِيضَةً أَوْ تَطَوُّعًا، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَالَ لَا تَخْتَلِفُ، أَوْ لِأَنَّ مُطْلَقَ الصَّدَقَةِ يَنْصَرِفُ إلَى الْفَرِيضَةِ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِالِاجْتِهَادِ) دَلِيلٌ يَتَضَمَّنُ الْجَوَابَ عَنْ قَوْلِهِ وَإِمْكَانُ الْوُقُوفِ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ: يَعْنِي سَلَّمْنَا أَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُمْكِنٌ لَكِنَّهُ بِالِاجْتِهَادِ دُونَ الْقَطْعِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ يَنْبَنِي الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى مَا يَقَعُ عِنْدَهُ. كَمَا إذَا اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ، فَإِذَا وَقَعَ عِنْدَهُ أَنَّهُ مَصْرِفٌ صَحَّ الْأَدَاءُ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَكْلِيفُ مَا لَيْسَ فِي الْوُسْعِ (وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ الْغَنِيِّ) أَيْ فِيمَا إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ هَاشِمِيٌّ أَوْ كَافِرٌ أَوْ أَنَّهُ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ (لَا يُجْزِيهِ وَالظَّاهِرُ هُوَ الْأَوَّلُ) يَعْنِي الْإِجْزَاءَ فِي الْكُلِّ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا) أَيْ عَدَمُ الْإِعَادَةِ (إذَا تَحَرَّى) حَاصِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ يَدْفَعَ زَكَاةَ مَالِهِ رَجُلًا بِلَا شَكٍّ وَلَا تَحَرٍّ أَوْ شَكَّ فِي أَمْرِهِ، فَالْأَوَّلُ يُجْزِيهِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ غَنِيٌّ لِأَنَّ الْفَقِيرَ فِي الْقَابِضِ أَصْلٌ. وَالثَّانِي إمَّا أَنْ يَتَحَرَّى أَوَّلًا، فَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّ لَمْ يُجْزِهِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ فَقِيرٌ لِأَنَّهُ لَمَّا شَكَّ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّحَرِّي كَمَا فِي الصَّلَاةِ، فَإِذَا تَرَكَ بَعْدَمَا لَزِمَهُ لَمْ يَقَعْ الْمُؤَدَّى مَوْقِعَ الْجَوَازِ إلَّا إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ فَقِيرٌ لِأَنَّ

عَلِمَ أَنَّهُ فَقِيرٌ هُوَ الصَّحِيحُ، وَلَوْ دَفَعَ إلَى شَخْصٍ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَوْ مُكَاتَبُهُ لَا يُجْزِيهِ لِانْعِدَامِ التَّمْلِيكِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْمِلْكِ وَهُوَ الرُّكْنُ عَلَى مَا مَرَّ. (وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى مَنْ يَمْلِكُ نِصَابًا مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ) لِأَنَّ الْغِنَى الشَّرْعِيَّ مُقَدَّرٌ بِهِ، وَالشَّرْطُ أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ الْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَقْرَ هُوَ الْمَقْصُودُ وَقَدْ حَصَلَ بِدُونِهِ كَالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ، وَإِنْ تَحَرَّى وَدَفَعَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ أَنَّهُ مَصْرِفٌ أَوْ لَيْسَ بِمَصْرِفٍ، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي لَا يُجْزِيهِ إلَّا إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ فَقِيرٌ، فَإِذَا ظَهَرَ صَحَّ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَزَعَمَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ، كَمَا لَوْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ فَتَحَرَّى إلَى جِهَةٍ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْ الْجِهَةِ الَّتِي أَدَّى إلَيْهَا اجْتِهَادُهُ وَصَلَّى إلَى جِهَةٍ أُخْرَى، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَصَابَ الْقِبْلَةَ لَزِمَهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَالْأَصَحُّ هُوَ الْفَرْقُ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ مَعَ الْعِلْمِ لَا تَكُونُ طَاعَةً، فَإِذَا كَانَ عِنْدَهُ أَنَّ فِعْلَهُ مَعْصِيَةٌ لَا يُمْكِنُ إسْقَاطُ الْوَاجِبِ عَنْهُ بِهِ، وَأَمَّا التَّصَدُّقُ عَلَى الْغَنِيِّ فَصَحِيحٌ وَلَيْسَ فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْمَعْصِيَةِ شَيْءٌ، وَيُمْكِنُ إسْقَاطُ الْوَاجِبِ عِنْدَ إصَابَةِ مَحَلِّهِ بِفِعْلِهِ فَكَانَ الْعَمَلُ بِالتَّحَرِّي لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَقَدْ حَصَلَ بِغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ فَقِيرٌ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْ حَالِهِ شَيْءٌ جَازَ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ غَنِيٌّ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا. ثُمَّ قَالَ: تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ كَمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَوْلُهُ (وَهُوَ الرُّكْنُ) أَيْ التَّمْلِيكُ هُوَ الرُّكْنُ فِي الزَّكَاةِ (كَمَا مَرَّ) قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى مَنْ مَلَكَ نِصَابًا) سَوَاءٌ كَانَ مِنْ النُّقُودِ أَوْ السَّوَائِمِ أَوْ الْعُرُوضِ وَهُوَ فَاضِلٌ عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ كَالدَّيْنِ فِي النُّقُودِ وَالِاحْتِيَاجِ إلَى الِاسْتِعْمَالِ فِي أَمْرِ

وَإِنَّمَا شَرَطَ الْوُجُوبَ (وَيَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى مَنْ يَمْلِكُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا مُكْتَسِبًا) لِأَنَّهُ فَقِيرٌ وَالْفُقَرَاءُ هُمْ الْمَصَارِفُ، وَلِأَنَّ حَقِيقَةَ الْحَاجَةِ لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا فَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَى دَلِيلِهَا وَهُوَ فَقْدُ النِّصَابِ (وَيُكْرَهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى وَاحِدٍ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا وَإِنْ دَفَعَ جَازَ) وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْغِنَى قَارَنَ الْأَدَاءَ فَحَصَلَ الْأَدَاءُ إلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَعَاشِ فِي غَيْرِهِمَا لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ، وَعَنْ هَذَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ رَجُلٌ لَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَهُ دَارٌ وَخَادِمٌ وَسِلَاحٌ وَفَرَسٌ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ قِيمَتُهَا عَشْرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الدَّيْنَ مَصْرُوفٌ إلَى الْمَالِ الَّذِي فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ فَاضِلٌ عَنْ حَاجَتِهِ مُعَدٌّ لِلتَّقَلُّبِ وَالتَّصَرُّفِ بِهِ، فَكَانَ الدَّيْنُ مَصْرُوفًا إلَيْهِ. فَأَمَّا الْخَادِمُ وَالدَّارُ وَالْفَرَسُ وَالسِّلَاحُ فَمَشْغُولٌ بِحَاجَتِهِ فَلَا يُصْرَفُ الدَّيْنُ إلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا قَالَ مَشَايِخُنَا إنَّ الْفَقِيهَ إذَا مَلَكَ مِنْ الْكُتُبِ مَا يُسَاوِي مَالًا عَظِيمًا وَلَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ إلَّا أَنْ يَمْلِكَ فَاضِلًا عَنْ حَاجَتِهِ مَا يُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ. وَقَوْلُهُ (وَإِنَّمَا النَّمَاءُ شَرْطُ الْوُجُوبِ) يَعْنِي أَنَّ الشَّرْطَ فِي عَدَمِ جَوَازِ الدَّفْعِ مِلْكُ النِّصَابِ الْفَاضِلِ عَنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ نَامِيًا كَانَ أَوْ غَيْرَ نَامٍ، وَإِنَّمَا النَّمَاءُ شَرْطُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ (وَيَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى مَنْ يَمْلِكُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا مُكْتَسِبًا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى الْفَقِيرِ الْكَسُوبِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ» وَلَنَا أَنَّهُ فَقِيرٌ وَالْفُقَرَاءُ هُمْ الْمَصَارِفُ، وَلِأَنَّ حَقِيقَةَ الْحَاجَةِ لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا لِكَوْنِهَا خَفِيَّةً، وَلَهَا دَلِيلٌ ظَاهِرٌ، وَهُوَ فَقْدُ النِّصَابِ فَيُقَامُ مَقَامَهُ كَمَا فِي الْإِخْبَارِ عَنْ الْمَحَبَّةِ فِيمَا إذَا قَالَ: إنْ كُنْت تُحِبِّينَنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ: فَقَالَتْ: أُحِبُّك وَتَأْوِيلُ مَا رَوَاهُ حُرْمَةُ الطَّلَبِ، أَلَا تَرَى إلَى مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَانَ يَقْسِمُ الصَّدَقَاتِ فَقَامَ إلَيْهِ رَجُلَانِ يَسْأَلَانِهِ فَنَظَرَ إلَيْهِمَا وَرَآهُمَا جَلْدَيْنِ فَقَالَ: إنَّهُ لَا حَقَّ لَكُمَا فِيهِ وَإِنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا» مَعْنَاهُ لَا حَقَّ لَكُمَا فِي السُّؤَالِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ جَوَّزَ الْإِعْطَاءَ إيَّاهُمَا. وَقَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ أَنْ يُدْفَعَ إلَى وَاحِدٍ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا) قِيلَ: مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عِيَالٌ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ مُعِيلًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَهُ مِقْدَارَ مَا لَوْ وَزَّعَهُ عَلَى عِيَالِهِ أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دُونَ الْمِائَتَيْنِ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِ فِي الْمَعْنَى تَصَدُّقٌ عَلَيْهِ وَعَلَى عِيَالِهِ،

الْغِنَى. وَلَنَا أَنَّ الْغِنَى حُكْمُ الْأَدَاءِ فَيَتَعَقَّبُهُ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ لِقُرْبِ الْغِنَى مِنْهُ كَمَنْ صَلَّى وَبِقُرْبِهِ نَجَاسَةٌ (قَالَ: وَأَنْ تُغْنِيَ بِهَا إنْسَانًا أَحَبُّ إلَيَّ) مَعْنَاهُ الْإِغْنَاءُ عَنْ السُّؤَالِ يَوْمَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِغْنَاءَ مُطْلَقًا مَكْرُوهٌ. . قَالَ (وَيُكْرَهُ نَقْلُ الزَّكَاةِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ) وَإِنَّمَا تُفَرَّقُ صَدَقَةُ كُلِّ فَرِيقٍ فِيهِمْ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَفِيهِ رِعَايَةُ حَقِّ الْجِوَارِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُعْطِيَهُ مِائَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِقْدَارَ مَا إذَا قَضَى بِهِ دَيْنَهُ لَهُ دُونَ الْمِائَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمَبْسُوطِ مُقَيَّدَةً بِهَذَيْنِ الْقَيْدَيْنِ فَقَالَ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُعْطِيَ رَجُلًا مِنْ الزَّكَاةِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَهُ عِيَالٌ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا بَأْسَ بِإِعْطَاءِ الْمِائَتَيْنِ وَيُكْرَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ فَوْقَ الْمِائَتَيْنِ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ الْمِائَتَيْنِ، وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّ جُزْءًا مِنْ الْمِائَتَيْنِ مُسْتَحَقٌّ لِحَاجَتِهِ لِلْحَالِ وَالْبَاقِي دُونَ الْمِائَتَيْنِ فَلَا تَثْبُتُ بِهِ صِفَةُ الْغِنَى إلَّا أَنْ يُعْطِيَهُ فَوْقَ الْمِائَتَيْنِ. وَوَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ: إنَّ الْغِنَى قَارَنَ الْأَدَاءَ لِأَنَّ الْأَدَاءَ عِلَّةُ الْغِنَى وَالْحُكْمُ يُقَارِنُ الْعِلَّةَ كَمَا فِي الِاسْتِطَاعَةِ مَعَ الْفِعْلِ، وَهَذَا مُقَرَّرٌ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الْمُحَقِّقِينَ، ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَلَنَا مَا ذَكَرَهُ: أَنَّ الْغِنَى حُكْمُ الْأَدَاءِ وَحُكْمُ الشَّيْءِ يَعْقُبُهُ، وَاعْتَرَضُوا عَلَيْهِ بِأَنَّ حُكْمَ الْعِلَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْهَا. كَمَا قَالَ زُفَرُ فَمَا وَجْهُ هَذَا الْكَلَامِ؟ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ الْغِنَى حُكْمُ الْأَدَاءِ الْغِنَى حُكْمُ حُكْمِ الْأَدَاءِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَدَاءَ عِلَّةُ الْمِلْكِ وَالْمِلْكُ عِلَّةُ الْغِنَى، فَكَانَ الْغِنَى مُضَافًا إلَى الْأَدَاءِ لَكِنْ بِوَاسِطَةِ الْمِلْكِ فَكَانَ لِلْعِلَّةِ الْأُولَى وَهِيَ الْأَدَاءُ شُبْهَةُ السَّبَبِ، وَالسَّبَبُ الْحَقِيقِيُّ هُوَ الَّذِي يَتَقَدَّمُ عَلَى الْحُكْمِ حَقِيقَةً، وَمَا كَانَ يُشْبِهُ السَّبَبَ مِنْ الْعِلَلِ لَهُ شُبْهَةُ التَّقَدُّمِ فَكَانَ هَذَا مِنْ قَبِيلِ شِرَاءِ الْقَرِيبِ لِلْإِعْتَاقِ، فَإِنَّ الشِّرَاءَ عِلَّةٌ لِلْمِلْكِ، وَالْمِلْكُ فِي الْقَرِيبِ عِلَّةُ الْعِتْقِ بِالْحَدِيثِ، فَكَانَ الْعِتْقُ حُكْمُ حُكْمِ الشِّرَاءِ فَلِذَلِكَ جَازَتْ نِيَّةُ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ الشِّرَاءِ لِشُبْهَةِ تَقَدُّمِ الشِّرَاءِ عَلَى الْعِتْقِ بِوُجُودِ الْوَاسِطَةِ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يُشْعِرُ بِهِ. وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: الْأَدَاءُ يُلَاقِي الْفَقْرَ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْغِنَى بِحُكْمِهِ وَحُكْمُ الشَّيْءِ لَا يَصْلُحُ مَانِعًا لِأَنَّ الْمَانِعَ مَا يَسْبِقُهُ لَا مَا يَلْحَقُهُ، وَالْجَوَازُ لَا يَحْتَمِلُ الْبُطْلَانَ لِأَنَّ الْبَقَاءَ يَسْتَغْنِي عَنْ الْفَقْرِ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى التَّأَخُّرِ كَمَا تَرَى، وَالْحُكْمُ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْ الْعِلَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ. وَأَقُولُ: الْحُكْمُ يَتَعَقَّبُ الْعِلَّةَ فِي الْعَقْلِ وَيُقَارِنُهَا فِي الْوُجُودِ، فَبِالنَّظَرِ إلَى التَّأَخُّرِ الْعَقْلِيِّ جَازَ، وَبِالنَّظَرِ إلَى التَّقَارُنِ الْخَارِجِيِّ يُكْرَهُ، وَلَعَلَّهُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لِقُرْبِهِ مِنْهُ. وَقَوْلُهُ (وَأَنْ تُغْنِيَ بِهَا إنْسَانًا أَحَبُّ إلَيَّ) هَذَا خِطَابُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَإِنَّمَا صَارَ هَذَا أَحَبَّ لِأَنَّ فِيهِ صِيَانَةَ الْمُسْلِمِ عَنْ ذُلِّ السُّؤَالِ مَعَ أَدَاءِ الزَّكَاةِ، وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ فَاشْتَرَى بِهِ فُلُوسًا فَفَرَّقَهَا فَقَدْ قَصَّرَ فِي أَمْرِ الصَّدَقَةِ (وَمَعْنَاهُ الْإِغْنَاءُ عَنْ السُّؤَالِ فِي يَوْمِهِ) لَا أَنْ يُمَلِّكَهُ نِصَابًا (لِأَنَّ الْإِغْنَاءَ مُطْلَقًا مَكْرُوهٌ) كَمَا تَقَدَّمَ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَدْيُونًا أَوْ مُعِيلًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَقَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ نَقْلُ الزَّكَاةِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ) قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْقُدُورِيُّ: يُكْرَهُ نَقْلُ الزَّكَاةِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَنْقُلْ إلَى قَرَابَتِهِ أَوْ إلَى قَوْمٍ هُمْ أَحْوَجُ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ، أَمَّا إذَا نَقَلَ إلَيْهِمْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِلَا كَرَاهَةٍ، أَمَّا الْجَوَازُ

(إلَّا أَنْ يَنْقُلَهَا الْإِنْسَانُ إلَى قَرَابَتِهِ أَوْ إلَى قَوْمٍ هُمْ أَحْوَجُ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الصِّلَةِ: أَوْ زِيَادَةِ دَفْعِ الْحَاجَةِ، وَلَوْ نَقَلَ إلَى غَيْرِهِمْ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا لِأَنَّ الْمَصْرِفَ مُطْلَقُ الْفُقَرَاءِ بِالنَّصِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَلِأَنَّ الْمَصْرِفَ مُطْلَقُ الْفُقَرَاءِ بِالنَّصِّ. وَأَمَّا الْكَرَاهَةُ فَلِحَدِيثِ مُعَاذٍ، وَلِأَنَّ فِي النَّقْلِ تَرْكَ رِعَايَةِ حَقِّ الْجِوَارِ، وَأَمَّا عَدَمُ الْكَرَاهَةِ فِيمَا إذَا نَقَلَ إلَى قَرَابَتِهِ فَلِمَا فِيهِ مِنْ أَجْرِ الصَّدَقَةِ وَأَجْرِ صِلَةِ الرَّحِمِ، وَأَمَّا إلَى قَوْمٍ هُمْ أَحْوَجُ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَدُّ خَلَّةِ الْفَقِيرِ فَمَنْ كَانَ أَحْوَجَ كَانَ أَوْلَى، وَقَدْ صَحَّ عَنْ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بِالْيَمِينِ: ائْتُونِي بِخَمِيسٍ أَوْ لَبِيسٍ آخُذُهُ مِنْكُمْ فِي الصَّدَقَةِ، فَإِنَّهُ أَيْسَرُ عَلَيْكُمْ وَأَنْفَعُ لِلْمُهَاجِرِينَ بِالْمَدِينَةِ، وَالْخَمِيسُ الثَّوْبُ الصَّغِيرُ طُولُهُ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ، وَاللَّبِيسُ الْخَلَقُ، وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ فِي أَنَّهُ اُعْتُبِرَ هَاهُنَا مَكَانُ الْمَالِ وَفِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ وُجُوبَ الصَّدَقَةِ عَلَى الْمَوْلَى فِي ذِمَّتِهِ عَنْ رَأْسِهِ فَحَيْثُ كَانَ رَأْسُهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَرَأْسُ مَمَالِيكِهِ فِي حَقِّهِ كَرَأْسِهِ فِي وُجُوبِ الْمُؤْنَةِ الَّتِي هِيَ سَبَبُ الصَّدَقَةِ فَيَجِبُ حَيْثُمَا كَانَتْ رُءُوسُهُمْ، وَأَمَّا الزَّكَاةُ فَإِنَّهَا تَجِبُ فِي الْمَالِ وَلِهَذَا إذَا هَلَكَ الْمَالُ سَقَطَتْ فَاعْتُبِرَ بِمَكَانِهِ.

[باب صدقة الفطر]

(بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَاجِبَةٌ عَلَى الْحُرِّ الْمُسْلِمِ إذَا كَانَ مَالِكًا لِمِقْدَارِ النِّصَابِ فَاضِلًا عَنْ مَسْكَنِهِ وَثِيَابِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ] (بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ) صَدَقَةُ الْفِطْرِ لَهَا مُنَاسَبَةٌ بِالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ، أَمَّا بِالزَّكَاةِ فَلِأَنَّهَا مِنْ الْوَظَائِفِ الْمَالِيَّةِ مَعَ انْحِطَاطِ دَرَجَتِهَا عَنْ الزَّكَاةِ، وَأَمَّا بِالصَّوْمِ فَبِاعْتِبَارِ التَّرْتِيبِ الْوُجُودِيِّ فَإِنَّ شَرْطَهَا الْفِطْرُ وَهُوَ بَعْدَ الصَّوْمِ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَإِنَّمَا رَجَّحَ هَذَا التَّرْتِيبَ لِمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكَلَامِ هُوَ الْمُضَافُ لَا الْمُضَافُ إلَيْهِ، خُصُوصًا إذَا كَانَ مُضَافًا إلَى شَرْطِهِ، وَالصَّدَقَةُ عَطِيَّةٌ يُرَادُ بِهَا الْمَثُوبَةُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى سُمِّيَتْ بِهَا لِأَنَّ بِهَا يَظْهَرُ صِدْقُ الرَّغْبَةِ فِي تِلْكَ الْمَثُوبَةِ كَالصَّدَاقِ يَظْهَرُ بِهِ صِدْقُ رَغْبَةِ الرَّجُلِ فِي الْمَرْأَةِ. قَالَ (صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَاجِبَةٌ) الْوُجُوبُ هَاهُنَا عَلَى مَعْنَاهُ الِاصْطِلَاحِيِّ، وَهُوَ مَا يَثْبُتُ بِدَلِيلٍ فِيهِ شُبْهَةٌ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (فَاضِلًا عَنْ مَسْكَنِهِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ دَارَانِ دَارٌ

وَأَثَاثِهِ وَفَرَسِهِ وَسِلَاحِهِ وَعَبِيدِهِ) أَمَّا وُجُوبُهَا فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي خُطْبَتِهِ " «أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ» رَوَاهُ ثَعْلَبَةُ بْنُ صُعَيْرٍ الْعَدَوِيُّ أَوْ صُعَيْرٍ الْعُذْرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَبِمِثْلِهِ يَثْبُتُ الْوُجُوبُ لِعَدَمِ الْقَطْعِ وَشَرْطُ الْحُرِّيَّةِ لِيَتَحَقَّقَ التَّمْلِيكُ وَالْإِسْلَامُ لِيَقَعَ قُرْبَةً، وَالْيَسَارُ لِقَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَسْكُنُهَا وَأُخْرَى لَا يَسْكُنُهَا وَيُؤَاجِرُهَا أَوْ لَا يُؤَاجِرُهَا يُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا فِي الْغَنِيِّ حَتَّى لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ. وَقَوْلُهُ (وَعَبِيدُهُ) يَعْنِي الَّتِي لِلْخِدْمَةِ فَإِنَّ الَّتِي تَكُونُ لِلتِّجَارَةِ فِيهَا الزَّكَاةُ. وَقَوْلُهُ (صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ) صِفَتَانِ لِعَبْدٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا صِفَتَيْنِ لِحُرٍّ وَعَبْدٍ لِأَنَّهُ لَا تَجِبُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ، وَفِي الْحَدِيثِ بَيَانٌ لِوُجُوبِهَا وَسَبَبِ وُجُوبِهَا وَشَرْطِهَا وَمِقْدَارِ الْوَاجِبِ وَبَيَانِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَمَنْ تَجِبُ عَنْهُ. وَقَوْلُهُ (رَوَاهُ ثَعْلَبَةُ بْنُ صُعَيْرٍ الْعَدَوِيُّ أَوْ صُعَيْرٍ الْعُذْرِيُّ) قَالَ الْإِمَامُ حُمَيْدُ الدِّينِ الضَّرِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْعُذْرِيُّ يَعْنِي بِالْعَيْنِ

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى» وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ: تَجِبُ عَلَى مَنْ يَمْلِكُ زِيَادَةً عَنْ قُوتِ يَوْمِهِ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ، وَقَدْرُ الْيَسَارِ بِالنِّصَابِ لِتَقْدِيرِ الْغِنَى فِي الشَّرْعِ بِهِ فَاضِلًا عَمَّا ذُكِرَ مِنْ الْأَشْيَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَصَحُّ مَنْسُوبٌ إلَى بَنِي عُذْرَةَ اسْمِ قَبِيلَةٍ، وَالْعَدَوِيُّ مَنْسُوبٌ إلَى عَدِيٍّ وَهُوَ جَدُّهُ، وَأَهْلُ الْحَدِيثِ يَقُولُونَهُ كُنْيَةُ أَبِي صُعَيْرٍ الْعُذْرِيِّ. وَقَوْلُهُ «لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى» أَيْ صَادِرَةً عَنْ غِنًى، فَالظَّهْرُ فِيهِ مَقْحَمٌ كَمَا فِي ظَهْرِ الْقَلْبِ الْغَيْبُ (وَهُوَ) أَيْ الْحَدِيثُ (حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي إيجَابِهِ عَلَى مَنْ يَمْلِكُ الزِّيَادَةَ عَلَى قُوتِ يَوْمِهِ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ) اسْتِدْلَالًا بِمَا ذُكِرَ فِي آخِرِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - غَنِيٌّ أَوْ فَقِيرٌ، لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ إمَّا عَلَى مَا كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ ثُمَّ اُنْتُسِخَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّمَا الصَّدَقَةُ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى» وَإِمَّا عَلَى النَّدْبِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ «أَمَّا غَنِيُّكُمْ فَيُزَكِّيهِ اللَّهُ، وَأَمَّا فَقِيرُكُمْ فَيُعْطِيهِ اللَّهُ أَفْضَلَ مِمَّا أُعْطِيَ» . وَقَوْلُهُ (وَقُدِّرَ الْيَسَارُ بِالنِّصَابِ)

لِأَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ بِالْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَالْمُسْتَحَقُّ بِالْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ كَالْمَعْدُومِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ النُّمُوُّ، وَيَتَعَلَّقُ بِهَذَا النِّصَابِ حِرْمَانُ الصَّدَقَةِ وَوُجُوبُ الْأُضْحِيَّةِ وَالْفِطْرَةِ. قَالَ (يُخْرِجُ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى» الْحَدِيثَ (وَ) يُخْرِجُ عَنْ (أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ) لِأَنَّ السَّبَبَ رَأْسٌ يُمَوِّنُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ لِأَنَّهَا تُضَافُ إلَيْهِ يُقَالُ زَكَاةُ الرَّأْسِ، وَهِيَ أَمَارَةُ السَّبَبِيَّةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ النُّمُوُّ) أَيْ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ النِّصَابُ بِمَالٍ نَامٍ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِالْقُدْرَةِ الْمُمَكِّنَةِ، وَالنُّمُوُّ إنَّمَا يُشْتَرَطُ فِيمَا يَكُونُ وُجُوبُهُ بِالْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ كَالزَّكَاةِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ. وَقَوْلُهُ (وَيَتَعَلَّقُ بِهَذَا النِّصَابِ) يُشِيرُ إلَى وُجُودِ نَصِيبٍ قِيلَ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ: نِصَابٌ يُشْتَرَطُ فِيهِ النَّمَاءُ تَتَعَلَّقُ بِهِ الزَّكَاةُ وَسَائِرُ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَالِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَنِصَابٌ يَجِبُ بِهِ أَحْكَامٌ أَرْبَعَةٌ: حُرْمَةُ الصَّدَقَةِ، وَوُجُوبُ الْأُضْحِيَّةِ، وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَنَفَقَاتِ الْأَقَارِبِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ النَّمَاءُ لَا بِالتِّجَارَةِ وَلَا بِالْحَوْلِ. وَنِصَابٌ يَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ السُّؤَالِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ عِنْدَ بَعْضٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَنْ يَمْلِكَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا. وَقَوْلُهُ (يُخْرِجُ ذَلِكَ) أَيْ الْمِقْدَارَ الْمَذْكُورَ (عَنْ نَفْسِهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى» وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ فَعَدَلَ النَّاسُ بِهِ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ السَّبَبَ رَأْسٌ يُمَوِّنُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يُضَافُ إلَيْهِ يُقَالُ زَكَاةُ الرَّأْسِ وَهِيَ) أَيْ الْإِضَافَةُ (أَمَارَةُ السَّبَبِيَّةِ) لِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلِاخْتِصَاصِ. وَأَقْوَى وُجُوهِهِ إضَافَةُ الْمُسَبَّبِ إلَى سَبَبِهِ لِحُدُوثِهِ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَتْ الْإِضَافَةُ أَمَارَةَ السَّبَبِيَّةِ

وَالْإِضَافَةُ إلَى الْفِطْرِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ وَقْتُهُ، وَلِهَذَا تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الرَّأْسِ مَعَ اتِّحَادِ الْيَوْمِ، وَالْأَصْلُ فِي الْوُجُوبِ رَأْسُهُ وَهُوَ يُمَوِّنُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ فَيَلْحَقُ بِهِ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ كَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ لِأَنَّهُ يُمَوِّنُهُمْ وَيَلِي عَلَيْهِمْ (وَمَمَالِيكِهِ) لِقِيَامِ الْوِلَايَةِ وَالْمُؤْنَةِ، وَهَذَا إذَا كَانُوا لِلْخِدْمَةِ وَلَا مَالَ لِلصِّغَارِ، فَإِنْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ يُؤَدِّي مِنْ مَالِهِمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الشَّرْعَ أَجْرَاهُ مَجْرَى الْمُؤْنَةِ فَأَشْبَهَ النَّفَقَةَ. (وَلَا يُؤَدِّي عَنْ زَوْجَتِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَكَانَ الْفِطْرُ سَبَبًا لِإِضَافَتِهَا إلَيْهِ يُقَالُ: صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ عِنْدَكُمْ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَالْإِضَافَةُ إلَى الْفِطْرِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ وَقْتُهُ) فَكَانَتْ إضَافَةً مَجَازِيَّةً (وَلِهَذَا تَتَعَدَّدُ) الصَّدَقَةُ بِتَعَدُّدِ الرَّأْسِ مَعَ اتِّحَادِ الْيَوْمِ فَعُلِمَ أَنَّ الرَّأْسَ هُوَ السَّبَبُ دُونَ الْوَقْتِ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْوَقْتِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَهَلُمَّ جَرًّا مَعَ اتِّحَادِ الرَّأْسِ وَلَوْ كَانَ الرَّأْسُ هُوَ السَّبَبَ لَمَا كَانَ الْوُجُوبُ مُتَكَرِّرًا مَعَ اتِّحَادِهِ. أُجِيبَ: بِأَنَّ الرَّأْسَ إنَّمَا جُعِلَ سَبَبًا بِوَصْفِ الْمُؤْنَةِ وَهِيَ تَتَكَرَّرُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَصَارَ الرَّأْسُ بِاعْتِبَارِ تَكَرُّرِ وَصْفِهِ كَالْمُتَكَرِّرِ بِنَفْسِهِ حُكْمًا فَكَانَ السَّبَبُ هُوَ التَّكَرُّرَ حُكْمًا. وَقَوْلُهُ (وَالْأَصْلُ فِي الْوُجُوبِ رَأْسُهُ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَمَمَالِيكِهِ) بِالْجَرِّ يَتَنَاوَلُ الْعَبِيدَ وَالْمُدَبَّرِينَ وَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ دُونَ الْمُكَاتَبِينَ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ يُؤَدَّى مِنْ مَالِهِمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ) وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: وَهُوَ الْقِيَاسُ لَا يُؤَدَّى إلَّا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، وَلَوْ أَدَّى مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ ضَمِنَ لِأَنَّهَا زَكَاةٌ فِي الشَّرِيعَةِ كَزَكَاةِ الْمَالِ، فَلَا تَجِبُ عَلَى الصَّغِيرِ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَالصَّغِيرُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِوُجُوبِهَا. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الشَّرْعَ أَجْرَاهُ مَجْرَى الْمُؤْنَةِ حَيْثُ أَوْجَبَ عَلَى الْإِنْسَانِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ فَأَشْبَهَ النَّفَقَةَ، وَنَفَقَةُ الصَّغِيرِ فِي مَالِهِ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ وَكَمَا يُؤَدَّى عَنْ الصَّغِيرِ مِنْ مَالِهِ فَكَذَلِكَ عَنْ مَمَالِيكِ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونُ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الصَّغِيرِ. قَالَ (وَلَا يُؤَدِّي عَنْ زَوْجَتِهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُؤَدِّيَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ زَوْجَتِهِ

لِقُصُورِ الْوِلَايَةِ وَالْمُؤْنَةِ فَإِنَّهُ لَا يَلِيهَا فِي غَيْرِ حُقُوقِ النِّكَاحِ وَلَا يُمَوِّنُهَا فِي غَيْرِ الرَّوَاتِبِ كَالْمُدَاوَاةِ. (وَلَا عَنْ أَوْلَادِ الْكِبَارِ وَإِنْ كَانُوا فِي عِيَالِهِ) لِانْعِدَامِ الْوِلَايَةِ وَلَوْ أَدَّى عَنْهُمْ أَوْ عَنْ زَوْجَتِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِمْ أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا لِثُبُوتِ الْإِذْنِ عَادَةً. (وَلَا) يُخْرِجُ (عَنْ مُكَاتَبِهِ) لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ وَلَا الْمُكَاتَبِ عَنْ نَفْسِهِ لِفَقْرِهِ. وَفِي الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وِلَايَةُ الْمَوْلَى ثَابِتَةٌ فَيُخْرِجُ عَنْهُمَا. (وَلَا) يُخْرِجُ (عَنْ مَمَالِيكِهِ لِلتِّجَارَةِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّ عِنْدَهُ وُجُوبَهَا عَلَى الْعَبْدِ وَوُجُوبَ الزَّكَاةِ عَلَى الْمَوْلَى فَلَا تَنَافِي، وَعِنْدَنَا وُجُوبُهَا عَلَى الْمَوْلَى بِسَبَبِهِ كَالزَّكَاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَدُّوا عَمَّنْ تَمُونُونَ» . وَهُوَ يُمَوِّنُ زَوْجَتَهُ، وَلَنَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَوَجْهُهُ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ الْمُؤْنَةَ مُطْلَقَةً، وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ مُؤْنَتُهَا كَامِلَةً لِأَنَّهُ يُمَوِّنُهَا فِي غَيْرِ الرَّوَاتِبِ كَالْمُدَاوَاةِ، وَكَذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْ الْوِلَايَةِ، وَلَيْسَ لَهُ عَلَيْهَا وِلَايَةٌ فِي حُقُوقِ النِّكَاحِ. (وَلَا) يُؤَدِّي (عَنْ أَوْلَادِهِ الْكِبَارِ وَإِنْ كَانُوا فِي عِيَالِهِ) بِأَنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ زَمْنَى لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِمْ وِلَايَةً فَصَارُوا كَالْأَجَانِبِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ أَدَّى عَنْهُمْ) ظَاهِرٌ، وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ كَمَا إذَا أَدَّى الزَّكَاةَ بِغَيْرِ إذْنِهَا. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الصَّدَقَةَ فِيهَا مَعْنَى الْمُؤْنَةِ فَيَجُوزُ أَنْ تَسْقُطَ بِأَدَاءِ الْغَيْرِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْإِذْنُ صَرِيحًا، وَفِي الْعَادَةِ أَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الَّذِي يُؤَدِّي عَنْهَا فَكَانَ الْإِذْنُ ثَابِتًا عَادَةً، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ لَا تَصِحُّ بِدُونِ الْإِذْنِ صَرِيحًا (وَلَا يُخْرِجُ عَنْ مُكَاتَبَةِ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ) وَلِأَنَّهُ لَا يُمَوِّنُهُ (وَلَا الْمُكَاتَبُ عَنْ نَفْسِهِ لِفَقْرِهِ) لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ مَالًا. وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ مِلْكِ الْمَالِ. وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ عَلَى وَجْهٍ لَمْ نُسْبَقْ إلَيْهِ فَلْيُطْلَبْ ثَمَّةَ. (وَفِي الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وِلَايَةُ الْمَوْلَى ثَابِتَةٌ) لِأَنَّهَا لَا تُعْدَمُ بِالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ وَإِنَّمَا تَخْتَلُّ الْمَالِيَّةُ وَلَا عِبْرَةَ بِهَا هَاهُنَا لِأَنَّهُ يُؤَدِّي عَنْ نَفْسِهِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَلَا مَالِيَّةَ فِيهِمْ (وَلَا يُخْرِجُ عَنْ مَمَالِيكِهِ لِلتِّجَارَةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّ عِنْدَهُ وُجُوبَهَا عَلَى الْعَبْدِ وَوُجُوبَ الزَّكَاةِ عَلَى الْمَوْلَى) فَهُمَا حَقَّانِ ثَابِتَانِ فِي مَحَلَّيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ (فَلَا تَنَافِي) بَيْنَهُمَا فَجَازَ اجْتِمَاعُهُمَا (وَعِنْدَنَا وُجُوبُهَا عَلَى الْمَوْلَى بِسَبَبِ الْعَبْدِ كَالزَّكَاةِ) فَلَوْ أَوْجَبْنَاهَا عَلَيْهِ أَدَّى إلَى الثَّنْيِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا ثُنْيَا فِي الصَّدَقَةِ» وَالثَّنْيُ مَكْسُورٌ مَقْصُورٌ: أَيْ لَا تُؤْخَذُ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: سَبَبُ الزَّكَاةِ

فَيُؤَدِّي إلَى الثَّنْيِ (وَالْعَبْدُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ لَا فِطْرَةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا) لِقُصُورِ الْوِلَايَةِ وَالْمُؤْنَةِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (وَكَذَا الْعَبِيدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَقَالَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَخُصُّهُ مِنْ الرُّءُوسِ دُونَ الْأَشْقَاصِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِمْ الْمَالِيَّةُ وَسَبَبُ الصَّدَقَةِ مُؤْنَةُ رُءُوسِهِمْ وَمَحَلُّ الزَّكَاةِ بَعْضُ النِّصَابِ، وَمَحَلُّ الصَّدَقَةِ الذِّمَّةُ، فَإِذَا هُمَا حَقَّانِ مُخْتَلِفَانِ سَبَبًا وَمَحَلًّا فَلَا يُؤَدِّي إلَى الثَّنْيِ لِأَنَّ الثَّنْيَ عِبَارَةٌ عَنْ تَثْنِيَةِ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ وَهُمَا شَيْئَانِ فَكَانَا كَنَفَقَةِ عَبِيدِ التِّجَارَةِ مَعَ الزَّكَاةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّرْعَ بَنَى هَذِهِ الصَّدَقَةَ عَلَى الْمُؤْنَةِ فَقَالَ: «أَدُّوا عَمَّنْ تَمُونُونَ» وَهَذِهِ الْعَبِيدُ مُعَدَّةٌ لِلتِّجَارَةِ لَا لِلْمُؤْنَةِ، وَالنَّفَقَةُ الَّتِي يَغْرَمُهَا فِيهِمْ لِطَلَبِ الزِّيَادَةِ مِنْهُمْ فَتَكُونُ سَاقِطَةَ الْعِبْرَةِ بِحُكْمِ الْقَصْدِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُضَارِبَ يَمْلِكُ هَذَا الْإِنْفَاقَ وَهُوَ غَيْرُ مَأْذُونٍ إلَّا بِالتِّجَارَةِ، وَإِذَا سَقَطَتْ الْمُؤْنَةُ حُكْمًا فِي مَالِ التِّجَارَةِ أَشْبَهَ السُّقُوطَ حَقِيقَةً، وَلَوْ سَقَطَتْ حَقِيقَةً بِالْإِبَاقِ أَوْ الْغَصْبِ أَوْ الْكِتَابَةِ سَقَطَتْ الصَّدَقَةُ لِعَدَمِ الْمُؤْنَةِ فَكَذَا هَذَا، فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ سُقُوطَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ هَاهُنَا لِزَوَالِ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْمُؤْنَةُ لَا لِتَنَافٍ بَيْنَ الْوَاجِبَيْنِ. وَقَوْلُهُ (وَالْعَبْدُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ لَا فِطْرَةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِقُصُورِ الْوِلَايَةِ وَالْمُؤْنَةِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْوِلَايَةَ وَالْمُؤْنَةَ الْكَامِلَتَيْنِ سَبَبٌ وَلَمْ يُوجَدَا. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا الْعَبِيدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ) يَعْنِي لَا تَجِبُ الصَّدَقَةُ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الرُّءُوسِ دُونَ الْأَشْقَاصِ) أَيْ الْكُسُورِ حَتَّى لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا خَمْسَةُ أَعْبُدٍ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْ

بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَرَى قِسْمَةَ الرَّقِيقِ وَهُمَا يَرَيَانِهِمَا، وَقِيلَ: هُوَ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ النَّصِيبُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَلَمْ تَتِمَّ الرَّقَبَةُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (وَيُؤَدِّي الْمُسْلِمُ الْفِطْرَةَ عَنْ عَبْدِهِ الْكَافِرِ) لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ» الْحَدِيثَ وَلِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَحَقَّقَ وَالْمَوْلَى مِنْ أَهْلِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَبْدَيْنِ وَلَا تَجِبُ عَنْ الْخَامِسِ. أَبُو حَنِيفَةَ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ فَإِنَّهُ لَا يَرَى قِسْمَةَ الرَّقِيقِ جَبْرًا فَلَا يَمْلِكُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يُسَمَّى عَبْدًا، وَمُحَمَّدٌ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَرَى قِسْمَةَ الرَّقِيقِ جَبْرًا، وَبِاعْتِبَارِ الْقِسْمَةِ مِلْكُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْبَعْضِ مُتَكَامِلٌ، وَإِلْحَاقُ أَبِي يُوسُفَ بِمُحَمَّدٍ هَاهُنَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَمَالِيكُ لِلْخِدْمَةِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْهُمْ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الصَّدَقَةُ فِي حِصَّتِهِ إذَا كَانَتْ كَامِلَةً فِي نَفْسِهَا، وَمَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ مُضْطَرِبٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَوْلَهُ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعُذْرُهُ أَنَّ الْقِسْمَةَ تَنْبَنِي عَلَى الْمِلْكِ. فَأَمَّا وُجُوبُ الصَّدَقَةِ فَيَنْبَنِي عَلَى الْوِلَايَةِ وَالْمُؤْنَةِ لَا عَلَى الْمِلْكِ حَتَّى تَجِبُ الصَّدَقَةُ فِيمَا لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ كَالْوَلَدِ الصَّغِيرِ، وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وِلَايَةٌ كَامِلَةٌ عَلَى شَيْءٍ عَمَّنْ هَذِهِ الرُّءُوسِ كَمَا تَقَدَّمَ وَوَجْهُ قَوْلِهِ: إذَا كَانَ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ هُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ (وَهُمَا يَرَيَانِهَا وَقِيلَ هُوَ بِالْإِجْمَاعِ) أَيْ عَدَمُ وُجُوبِ الْفِطْرَةِ فِي الْعَبِيدِ بَيْنَ اثْنَيْنِ بِإِجْمَاعِ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَلَا تَتِمُّ الرَّقَبَةُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ. وَقَوْلُهُ (وَيُؤَدِّي الْمُسْلِمُ الْفِطْرَةَ) أَيْ صَدَقَةَ الْفِطْرِ (عَنْ عَبْدِهِ الْكَافِرِ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا) مِنْ حَدِيثِ ثَعْلَبَةَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ» (وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ» الْحَدِيثَ، وَلِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَحَقَّقَ) وَهُوَ رَأْسٌ يُمَوِّنُهُ بِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ (وَالْمَوْلَى مِنْ أَهْلِهِ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ، لَا يُقَالُ إضْمَارٌ قَبْلَ

وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْوُجُوبَ عِنْدَهُ عَلَى الْعَبْدِ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ فَلَا وُجُوبَ بِالِاتِّفَاقِ. (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وَأَحَدُهُمَا بِالْخِيَارِ فَفِطْرَتُهُ عَلَى مَنْ يَصِيرُ لَهُ) مَعْنَاهُ إذَا مَرَّ يَوْمُ الْفِطْرِ وَالْخِيَارُ بَاقٍ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عَلَى مَنْ لَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عَلَى مَنْ لَهُ الْمِلْكُ لِأَنَّهُ مِنْ وَظَائِفِهِ كَالنَّفَقَةِ، وَلَنَا أَنَّ الْمِلْكَ مَوْقُوفٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالذِّكْرِ لِأَنَّ الشُّهْرَةَ قَائِمَةٌ مَقَامَ الذِّكْرِ (وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عِنْدَهُ عَلَى الْعَبْدِ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ، وَهُوَ يَسْتَدِلُّ لِإِثْبَاتِ هَذَا الْأَصْلِ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَرَضَ صَدَقَةً عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ» فَإِنَّ كَلِمَةَ " عَلَى " لِلْإِيجَابِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَدُّوا عَمَّنْ تَمُونُونَ» فَإِنَّ الْوُجُوبَ عَلَى مَنْ خُوطِبَ بِالْأَدَاءِ وَهُمْ الْمَوَالِي، وَكَلِمَةُ " عَلَى " فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِمَعْنَى عَنْ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} [المطففين: 2] أَيْ عَنْ النَّاسِ (لَوْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ فَلَا وُجُوبَ بِالِاتِّفَاقِ) أَمَّا عِنْدَنَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْوُجُوبِ عَلَيْهِ وَلَا لِلْأَدَاءِ، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّ تَحَمُّلَ الْمَوْلَى عَنْ مَمْلُوكِهِ يَسْتَدْعِي أَهْلِيَّةَ أَدَاءِ الْعِبَادَةِ وَالْكَافِرُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لَهُ، وَالْوُجُوبُ عِنْدَهُ بِاعْتِبَارِ تَحَمُّلِ الْمَوْلَى الْأَدَاءَ عَنْهُ، فَإِذَا انْعَدَمَ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَمْلُوكِ لَمْ يَجِبْ أَصْلًا (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وَأَحَدُهُمَا بِالْخِيَارِ فَفِطْرَتُهُ عَلَى مَنْ يَصِيرُ لَهُ) حَقٌّ إذَا تَمَّ الْبَيْعُ فَعَلَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ اُنْتُقِضَ فَعَلَى الْبَائِعِ. وَقَوْلُهُ (مَعْنَاهُ إذَا مَرَّ يَوْمُ الْفِطْرِ وَالْخِيَارُ بَاقٍ) قَالَ الْإِمَامُ حُمَيْدُ الدِّينِ الضَّرِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِهِ: هَذَا مِنْ قَبِيلِ إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ وَإِرَادَةِ الْبَعْضِ لِأَنَّ مُضِيَّ كُلِّ يَوْمِ الْفِطْرِ لَيْسَ بِشَرْطٍ (وَقَالَ زُفَرُ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِيَارُ) لِأَنَّ سَبَبَ الصَّدَقَةِ الْوِلَايَةُ الْكَامِلَةُ وَالْوِلَايَةُ الْكَامِلَةُ لِمَنْ لَهُ الْخِيَارُ، لِأَنَّهُ إنْ أَجَازَهُ تَمَّ وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ انْفَسَخَ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: عَلَى مَنْ لَهُ الْمِلْكُ) وَهُوَ الْمُشْتَرِي، فَإِنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي كَخِيَارِ الْعَيْبِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (لِأَنَّهُ) أَيْ صَدَقَةَ الْفِطْرِ بِمَعْنَى التَّصَدُّقِ (مِنْ وَظَائِفِهِ) أَيْ الْمِلْكِ وَمَا هُوَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ عَلَى الْمَالِكِ (كَالنَّفَقَةِ) فَإِنَّهَا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ عَلَى الْمَالِكِ (وَلَنَا أَنَّ الْمِلْكَ مَوْقُوفٌ) يَعْنِي سَلَّمْنَا أَنَّهَا وَظِيفَةُ الْمِلْكِ

[فصل في مقدار الواجب ووقته]

لِأَنَّهُ لَوْ رُدَّ إلَى قَدِيمِ مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَوْ أُجِيزَ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ فَيَتَوَقَّفُ مَا يَبْتَنِي عَلَيْهِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ لِأَنَّهَا لِلْحَاجَةِ النَّاجِزَةِ فَلَا تَقْبَلُ التَّوَقُّفَ، وَزَكَاةُ التِّجَارَةِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ. (فَصْلٌ فِي مِقْدَارِ الْوَاجِبِ وَوَقْتِهِ) : (الْفِطْرَةُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ دَقِيقٍ أَوْ سَوِيقٍ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، الزَّبِيبُ بِمَنْزِلَةِ الشَّعِيرِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَالْأَوَّلُ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَكِنَّ الْمِلْكَ مَوْقُوفٌ (لِأَنَّهُ لَوْ رُدَّ لَعَادَ إلَى قَدِيمِ مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَوْ أُجِيزَ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ) وَكُلُّ مَا كَانَ مَوْقُوفًا فَالْمُبْتَنَى عَلَيْهِ كَذَلِكَ لِأَنَّ التَّرَدُّدَ فِي الْأَصْلِ يَسْتَلْزِمُ التَّرَدُّدَ فِي الْفَرْعِ (بِخِلَافِ النَّفَقَةِ) فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ تَنْبَنِي عَلَى الْمِلْكِ لَكِنَّهَا تَثْبُتُ (لِلْحَاجَةِ النَّاجِزَةِ) أَيْ الْوَاقِعَةِ فِي الْحَالِ (فَلَا تَقْبَلُ التَّوَقُّفَ) ، وَهَذَا الْجَوَابُ بِطَرِيقِ التَّنَزُّلِ لَا بِحَسَبِ الْوَاقِعِ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ وَظِيفَةُ الْمِلْكِ لَمَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ عَنْ نَفْسِهِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ، (وَزَكَاةُ التِّجَارَةِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ) يَعْنِي إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَبْدٌ لِلتِّجَارَةِ فَبَاعَهُ بِعُرُوضِ التِّجَارَةِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فَحَالَ الْحَوْلُ وَالْخِيَارُ بَاقٍ فَزَكَاتُهُ عَلَى مَنْ يَصِيرُ الْمِلْكُ لَهُ، أَوْ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِيَارُ، أَوْ عَلَى مَنْ لَهُ الْمِلْكُ لِأَنَّ الْعُرُوضَ بَدَلُ الْعَبْدِ، وَحَوَلَانُ الْحَوْلِ عَلَى الْبَدَلِ كَحَوَلَانِهِ عَلَى الْمُبْدَلِ كَذَا نُقِلَ عَنْ حُمَيْدِ الدِّينِ الضَّرِيرِ. وَقِيلَ: صُورَتُهُ رَجُلَانِ لِأَحَدِهِمَا عِشْرُونَ دِينَارًا وَلِآخَرَ عَرَضٌ يُسَاوِيهِ فِي الْقِيمَةِ وَمَبْدَأُ حَوْلِهِمَا عَلَى السَّوَاءِ، فَفِي آخِرِ الْحَوْلِ بَاعَ صَاحِبُ الْعَرْضِ عَرْضَهُ مِنْ الْآخَرِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ أَوْ لِلْمُشْتَرِي، فَازْدَادَ قِيمَةُ الْعَرْضِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ، ثُمَّ تَمَّ الْحَوْلُ، فَإِنْ تَقَرَّرَ الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ يَجِبُ عَلَيْهِ بِحِصَّةِ الزِّيَادَةِ شَيْءٌ وَإِنْ تَقَرَّرَ لِلْمُشْتَرِي يَجِبْ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَيْضًا عِنْدَنَا. [فَصْلٌ فِي مِقْدَارِ الْوَاجِبِ وَوَقْتِهِ] لَمَّا ذَكَرَ وُجُوبَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَشُرُوطَهُ وَمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَمَنْ تَجِبُ عَنْهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يُؤَدِّي صَدَقَةَ الْفِطْرِ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ صَاعٌ لِحَدِيثِ «أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: كُنَّا نُخْرِجُ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَهُوَ مَذْهَبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدْرُهُ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ) رُوِيَ «عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَسْأَلُهُ عَنْ صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَقَالَ: كُنَّا نُخْرِجُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَاعًا مِنْ الطَّعَامِ أَوْ صَاعًا مِنْ التَّمْرِ أَوْ صَاعًا مِنْ الشَّعِيرِ» (وَلَنَا مَا رَوَيْنَا) يَعْنِي فِي أَوَّلِ الْبَابِ مِنْ حَدِيثِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ (وَهُوَ مَذْهَبُ

جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِيهِمْ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -، ـــــــــــــــــــــــــــــQجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِيهِمْ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ

وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى الزِّيَادَةِ تَطَوُّعًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهُمْ أَنَّهُ لَمْ يُجَوِّزْ أَدَاءَ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ (وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى الزِّيَادَةِ تَطَوُّعًا)

وَلَهُمَا فِي الزَّبِيبِ أَنَّهُ وَالتَّمْرُ يَتَقَارَبَانِ فِي الْمَقْصُودِ، وَلَهُ أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلَهُمَا فِي الزَّبِيبِ أَنَّهُ) أَيْ الزَّبِيبَ (وَالتَّمْرُ يَتَقَارَبَانِ فِي الْمَقْصُودِ) وَهُوَ التَّفَكُّهُ وَالِاسْتِحْلَاءُ فَإِنَّهُ يُشْبِهُ التَّمْرَ

وَالْبُرُّ يَتَقَارَبَانِ فِي الْمَعْنَى لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلُّهُ، بِخِلَافِ الشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُؤْكَلُ وَيُلْقَى مِنْ التَّمْرِ النَّوَاةُ وَمِنْ الشَّعِيرِ النُّخَالَةُ، وَبِهَذَا ظَهَرَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْبُرِّ وَالتَّمْرِ، وَمُرَادُهُ مِنْ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الْبُرِّ، أَمَّا دَقِيقُ الشَّعِيرِ فَكَالشَّعِيرِ، الْأَوْلَى أَنْ يُرَاعَى فِيهِمَا الْقَدْرُ وَالْقِيمَةُ احْتِيَاطًا، وَإِنْ نَصَّ عَلَى الدَّقِيقِ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ. وَالْخُبْزُ تُعْتَبَرُ فِيهِ الْقِيمَةُ هُوَ الصَّحِيحُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ حَيْثُ إنَّهُ حُلْوٌ مَأْكُولٌ وَلَهُ عَجَمٌ كَمَا لِلتَّمْرِ نَوًى. وَقَوْلُهُ (وَمُرَادُهُ) أَيْ مُرَادُ مُحَمَّدٍ أَوْ صَاحِبِ الْقُدُورِيِّ مِنْ قَوْلِهِ: أَوْ دَقِيقٍ أَوْ سَوِيقٍ (مَا يُتَّخَذُ مِنْ الْبُرِّ أَمَّا دَقِيقُ الشَّعِيرِ) فَكَعَيْنِهِ (وَالْأَوْلَى أَنْ يُرَاعَى فِيهِمَا) أَيْ فِي الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ (الْقَدْرُ وَالْقِيمَةُ احْتِيَاطًا) حَتَّى إذَا كَانَا مَنْصُوصًا عَلَيْهِمَا تَتَأَدَّى بِاعْتِبَارِ الْقَدْرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَبِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَتَفْسِيرُهُ أَنْ يُؤَدِّيَ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ دَقِيقِ الْبُرِّ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ قِيمَةَ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، وَأَمَّا لَوْ أَدَّى مَنًّا وَنِصْفَ مَنٍّ مِنْ دَقِيقِ الْبُرِّ وَلَكِنْ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ أَدَّى نِصْفَهُ مِنْ دَقِيقِ الْبُرِّ، وَلَكِنْ لَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ قِيمَةَ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ لَا يَكُونُ عَامِلًا بِالِاحْتِيَاطِ وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ نَصَّ عَلَى دَقِيقٍ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ) يُرِيدُ بِهِ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَدُّوا قَبْلَ خُرُوجِكُمْ زَكَاةَ فِطْرِكُمْ فَإِنَّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ أَوْ دَقِيقِهِ» وَقَوْلُهُ (وَلَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ) أَيْ مُرَاعَاةَ الِاحْتِيَاطِ فِيهِمَا بِالْقَدْرِ وَالْقِيمَةِ لَمْ يُبَيِّنْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ) فَإِنَّ الْغَالِبَ أَنَّ قِيمَةَ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ الدَّقِيقِ تُسَاوِي نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ تَزِيدُ، وَإِنْ كَانَ يُتَوَهَّمُ أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَهُوَ وَقْتُ الْبَذْرِ فَلِذَلِكَ أَمَرَ بِالِاحْتِيَاطِ حَتَّى إنْ وَقَعَ ذَلِكَ يَزِيدُ مِنْ الدَّقِيقِ إلَى أَنْ تَبْلُغَ قِيمَتُهُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ الْبُرِّ (وَالْخُبْزُ تُعْتَبَرُ فِيهِ الْقِيمَةُ هُوَ الصَّحِيحُ)

ثُمَّ يُعْتَبَرُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَزْنًا فِيمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُعْتَبَرُ كَيْلًا وَالدَّقِيقُ أَوْلَى مِنْ الْبُرِّ، وَالدَّرَاهِمُ أَوْلَى مِنْ الدَّقِيقِ فِيمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ أَدْفَعُ لِلْحَاجَةِ وَأَعْجَلُ بِهِ، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ تَفْضِيلُ الْحِنْطَةِ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الْخِلَافِ إذْ فِي الدَّقِيقِ وَالْقِيمَةِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ (وَالصَّاعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ بِالْعِرَاقِيِّ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ رِطْلٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَاعُنَا أَصْغَرُ الصِّيعَانِ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQخِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: يَجُوزُ بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ فَإِنَّهُ إذَا أَدَّى مَنَوَيْنِ مِنْ خُبْزِ الْحِنْطَةِ جَازَ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ الدَّقِيقُ وَالسَّوِيقُ بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ فَمِنْ الْخُبْزِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْفَقِيرِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الْخُبْزِ نَصٌّ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الذُّرَةِ وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا هُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ لَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْقِيمَةُ حَتَّى لَوْ أَدَّى نِصْفَ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ قِيمَةَ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ إبْطَالَ التَّقْدِيرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الْمُؤَدَّى، وَهُوَ لَا يَجُوزُ، فَأَمَّا مَا لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُلْحَقُ بِالنُّصُوصِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ إذْ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ ذَلِكَ (ثُمَّ يُعْتَبَرُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَزْنًا فِيمَا رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ لَمَّا اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ الصَّاعِ أَنَّهُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ أَوْ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ رِطْلٍ فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى التَّقْدِيرِ بِمَا يَعْدِلُ بِالْوَزْنِ وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْوَزْنِ فِيهِ، وَرَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ كَيْلًا. قَالَ قُلْت لَهُ: لَوْ وَزَنَ الرَّجُلُ مَنَوَيْنِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَأَعْطَاهُمَا الْفَقِيرَ هَلْ يَجُوزُ مِنْ صَدَقَتِهِ فَقَالَ: لَا فَقَدْ تَكُونُ الْحِنْطَةُ ثَقِيلَةً فِي الْوَزْنِ، وَقَدْ تَكُونُ خَفِيفَةً فَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ نِصْفُ الصَّاعِ كَيْلًا لِأَنَّ الْآثَارَ جَاءَتْ بِالتَّقْدِيرِ بِالصَّاعِ وَهُوَ اسْمٌ لِلْمِكْيَالِ. وَقَوْلُهُ (وَالدَّقِيقُ أَوْلَى مِنْ الْبُرِّ) وَاضِحٌ. قَالَ: (وَالصَّاعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ بِالْعِرَاقِيِّ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الصَّاعِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: هُوَ مَا يَسَعُ فِيهِ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ بِالرِّطْلِ الْعِرَاقِيِّ كُلُّ رِطْلٍ عِشْرُونَ أَسْتَارًا وَالْإِسْتَارُ سِتَّةُ دَرَاهِمَ وَنِصْفٌ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ رِطْلٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَاعُنَا أَصْغَرُ الصِّيعَانِ» ) . وَهَذَا أَصْغَرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ.

وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ رِطْلَيْنِ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ» وَهَكَذَا كَانَ صَاعُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ أَصْغَرُ مِنْ الْهَاشِمِيِّ، وَكَانُوا يَسْتَعْمِلُونَ الْهَاشِمِيَّ. وَقَالَ (وَوُجُوبُ الْفِطْرَةِ يَتَعَلَّقُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: بِغُرُوبِ الشَّمْسِ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى إنَّ مَنْ أَسْلَمَ أَوْ وُلِدَ لَيْلَةَ الْفِطْرِ تَجِبُ فِطْرَتُهُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ لَا تَجِبُ، وَعَلَى عَكْسِهِ مَنْ مَاتَ فِيهَا مِنْ مَمَالِيكِهِ أَوْ وَلَدِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَنَا مَا رَوَى) أَنَسٌ وَجَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ رِطْلَيْنِ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ» وَهَكَذَا كَانَ صَاعُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) وَكَانَ قَدْ فُقِدَ فَأَخْرَجَهُ الْحَجَّاجُ وَكَانَ يَمُنُّ عَلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ، يَا أَهْلَ الشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ، وَمَسَاوِئِ الْأَخْلَاقِ، أَلَمْ أُخْرِجْ لَكُمْ صَاعَ عُمَرَ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ حَجَّاجِيًّا وَهُوَ صَاعُ الْعِرَاقِ. وَقَوْلُهُ (وَهُوَ أَصْغَرُ مِنْ الْهَاشِمِيِّ) جَوَابٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: يَعْنِي إنْ صَحَّ مَا رَوَيْتُمْ فَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ لِأَنَّهُ أَصْغَرُ مِنْ الْهَاشِمِيِّ، لِأَنَّ الصَّاعَ الْهَاشِمِيَّ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ رِطْلًا (وَكَانُوا يَسْتَعْمِلُونَ الْهَاشِمِيَّ) وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْمَلَ الْعِرَاقِيَّ وَقَالَ «صَاعُنَا أَصْغَرُ الصِّيعَانِ» . وَقَوْلُهُ (وَوُجُوبُ الْفِطْرَةِ يَتَعَلَّقُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ) يَعْنِي تَعَلَّقَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ بِالشَّرْطِ، فَهُوَ مِنْ تَعَلُّقِ الْمَشْرُوطِ بِالشَّرْطِ لَا مِنْ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِالسَّبَبِ، حَتَّى إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: إذَا جَاءَ يَوْمُ الْفِطْرِ فَأَنْتَ حُرٌّ، فَجَاءَ يَوْمُ الْفِطْرِ عَتَقَ الْعَبْدُ، وَيَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى صَدَقَةُ فِطْرِهِ قَبْلَ الْعِتْقِ بِلَا فَصْلٍ، لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ يَعْقُبُ الشَّرْطَ فِي الْوُجُودِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: بِغُرُوبِ الشَّمْسِ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى إنَّ مَنْ أَسْلَمَ أَوْ وُلِدَ لَيْلَةَ الْفِطْرِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْفِطْرَةُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ لَا تَجِبُ) وَقَوْلُهُ (وَعَلَى عَكْسِهِ مَنْ مَاتَ فِيهَا مِنْ مَمَالِيكِهِ أَوْ وَلَدِهِ) أَيْ عِنْدَنَا لَا تَجِبُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ شَرْطِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَهُوَ طُلُوعُ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ. وَعِنْدَهُ تَجِبُ لِتَحَقُّقِ

لَهُ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْفِطْرِ وَهَذَا وَقْتُهُ. وَلَنَا أَنَّ الْإِضَافَةَ لِلِاخْتِصَاصِ، وَالِاخْتِصَاصُ الْفِطْرُ بِالْيَوْمِ دُونَ اللَّيْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQشَرْطِ وُجُوبِهِ وَهُوَ غُرُوبُ الشَّمْسِ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ وَهُوَ حَيٌّ (لَهُ أَنَّهُ) أَيْ وُجُوبَ الْفِطْرَةِ (يَخْتَصُّ بِالْفِطْرِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ» (وَهَذَا وَقْتُهُ) أَيْ وَقْتُ الْفِطْرِ (وَلَنَا أَنَّ) الصَّدَقَةَ أُضِيفَتْ إلَى الْفِطْرِ. وَ (الْإِضَافَةُ لِلِاخْتِصَاصِ وَالِاخْتِصَاصُ لِلْفِطْرِ بِالْيَوْمِ دُونَ اللَّيْلِ) إذْ الْمُرَادُ فِطْرٌ يُضَادُّ الصَّوْمَ وَهُوَ فِي الْيَوْمِ دُونَ اللَّيْلِ، لِأَنَّ الصَّوْمَ فِيهِ حَرَامٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ

(وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُخْرِجَ النَّاسُ الْفُطْرَةَ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى) «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُخْرِجُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ لِلْمُصَلَّى» ، وَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِغْنَاءِ كَيْ لَا يَتَشَاغَلَ الْفَقِيرُ بِالْمَسْأَلَةِ عَنْ الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ بِالتَّقْدِيمِ (فَإِنْ قَدَّمُوهَا عَلَى يَوْمِ الْفِطْرِ جَازَ) لِأَنَّهُ أَدَّى بَعْدَ تَقَرُّرِ السَّبَبِ فَأَشْبَهَ التَّعْجِيلَ فِي الزَّكَاةِ، وَلَا تَفْصِيلَ بَيْنَ مُدَّةٍ وَمُدَّةٍ هُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ وَقِيلَ فِي الْعُشْرِ الْأَخِيرِ (وَإِنْ أَخَّرُوهَا عَنْ يَوْمِ الْفِطْرِ لَمْ تَسْقُطْ وَكَانَ عَلَيْهِمْ إخْرَاجُهَا) لِأَنَّ وَجْهَ الْقُرْبَةِ فِيهَا مَعْقُولٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفِطْرَ كَانَ يُوجَدُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ وَلَا يَتَعَلَّقُ الْوُجُوبُ بِهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يُضَادُّ الصَّوْمَ. وَقَوْلُهُ (وَالْمُسْتَحَبُّ) ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَخَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ وَنُوحِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ فَإِنَّ الْحَسَنَ بْنَ زِيَادٍ يَقُولُ: لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا أَصْلًا كَالْأُضْحِيَّةِ، وَقَالَ خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ: يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا بَعْدَ دُخُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ لَا قَبْلَهُ فَإِنَّهَا صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَلَا فِطْرَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ. وَقَالَ نُوحُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ: يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ لِأَنَّ بِمُضِيِّ النِّصْفِ قَرُبَ الْفِطْرُ الْخَاصُّ فَأَخَذَ حُكْمَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَوَجْهُ الصِّحَّةِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهُ أَدَّى بَعْدَ تَقَرُّرِ السَّبَبِ فَأَشْبَهَ التَّعْجِيلَ فِي الزَّكَاةِ. وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ أَدَّى عَنْ عَشْرِ سِنِينَ أَوْ أَكْثَرَ جَازَ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ أَخَّرُوهَا عَنْ يَوْمِ الْفِطْرِ لَمْ تَسْقُطْ) يَعْنِي وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ (وَكَانَ عَلَيْهِمْ إخْرَاجُهَا) وَقَالَ الْحَسَنُ: تَسْقُطُ بِمُضِيِّ يَوْمِ الْفِطْرِ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ اُخْتُصَّتْ بِيَوْمِ الْعِيدِ فَكَانَتْ كَالْأُضْحِيَّةِ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ، وَلَنَا مَا ذَكَرَهُ أَنَّ وَجْهَ الْقُرْبَةِ فِيهَا مَعْقُولٌ لِأَنَّهَا

[كتاب الصوم]

فَلَا يَتَقَدَّرُ وَقْتُ الْأَدَاءِ فِيهَا بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQصَدَقَةٌ مَالِيَّةٌ وَهِيَ قُرْبَةٌ مَشْرُوعَةٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ لِدَفْعِ حَاجَةِ الْفُقَرَاءِ وَلِلْإِغْنَاءِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ (فَلَا يَتَقَدَّرُ وَقْتُ الْأَدَاءِ فِيهَا) بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ فَلَا تَسْقُطُ بَعْدَ الْوُجُوبِ إلَّا بِالْأَدَاءِ كَالزَّكَاةِ (بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ) فَإِنَّ الْقُرْبَةَ فِيهَا إرَاقَةُ الدَّمِ وَهِيَ لَمْ تُعْقَلْ قُرْبَةً، وَلِهَذَا لَمْ تَكُنْ قُرْبَةً فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَيَّامِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ. [كِتَابُ الصَّوْمِ] وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ كِتَابَ الصَّوْمِ عَقِيبَ كِتَابِ الصَّلَاةِ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ، وَأَخَّرَهُ عَنْ الزَّكَاةِ هَاهُنَا لِأَنَّهُ كَالْوَسِيلَةِ لِلصَّلَاةِ بِاعْتِبَارِ ارْتِيَاضِ النَّفْسِ وَلَكِنْ لَا عَلَى وَجْهٍ يَتَوَقَّفُ أَمْرُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وُجُودًا أَوْ جَوَازًا كَمَا كَانَتْ الطَّهَارَةُ كَذَلِكَ فَأَخَّرَ عَنْهَا حَطًّا لِرُتْبَةِ الْوَسِيلَةِ عَنْ الْمَقْصُودِ، وَلَوْ قِيلَ: قَدَّمَ الزَّكَاةَ عَلَى الصَّوْمِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَرَنَ ذِكْرَ الصَّلَاةِ بِالزَّكَاةِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] فَكَانَ الِاقْتِدَاءُ بِالْكِتَابِ أَوْلَى كَانَ أَسْهَلَ مَأْخَذًا، وَيَحْتَاجُ هَاهُنَا إلَى مَعْرِفَةِ تَفْسِيرِ الصَّوْمِ لُغَةً وَشَرْعًا، وَمَعْرِفَةِ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الصَّوْمُ ضَرْبَانِ: وَاجِبٌ وَنَفْلٌ، وَالْوَاجِبُ ضَرْبَانِ: مِنْهُ مَا يَتَعَلَّقُ بِزَمَانٍ بِعَيْنِهِ كَصَوْمِ رَمَضَانَ وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ فَيَجُوزُ صَوْمُهُ بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ حَتَّى أَصْبَحَ أَجْزَأَهُ النِّيَّةُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّوَالِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُجْزِيهِ. اعْلَمْ أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ فَرِيضَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] وَعَلَى فَرْضِيَّتِهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ وَلِهَذَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ، وَالْمَنْذُورُ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] ـــــــــــــــــــــــــــــQوَرُكْنِهِ وَحُكْمِهِ، وَفِي كَلَامِهِ إشَارَةٌ إلَى أَكْثَرِهَا وَالْفَطِنُ يَكْتَفِي بِذَلِكَ. قَالَ (الصَّوْمُ ضَرْبَانِ: وَاجِبٌ، وَنَفْلٌ) ذَكَرَ التَّقْسِيمَ قَبْلَ التَّعْرِيفِ لِيَسْهُلَ أَمْرُ التَّعْرِيفِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ حَقِيقَةَ الصَّوْمِ شَرْعًا تَنْقَسِمُ إلَى فَرْضٍ وَوَاجِبٍ وَنَفْلٍ، وَتَعْرِيفُهَا عَلَى وَجْهٍ يَشْمَلُهَا عَسِيرٌ، فَإِذَا ذَكَرَ أَقْسَامَهَا سَهُلَ أَمْرُ تَعْرِيفِهَا، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ غَيْرَ أَنَّهُ أَطْلَقَ الْوَاجِبَ فِي لَفْظِ الْمُخْتَصَرِ، وَأُرِيدَ بِهِ الْفَرْضُ وَالْوَاجِبُ، وَفِي ذَلِكَ الْمَحْذُورِ الْمَعْرُوفِ عَلَى مَذْهَبِنَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ أَرَادَ بِالْوَاجِبِ الثَّابِتَ عَيْنًا فَيَنْدَفِعُ الْمَحْذُورُ، وَقَوْلُهُ (وَلِهَذَا يُكَفَّرُ جَاحِدُهُ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْفَاءِ بِلَا تَشْدِيدٍ وَمَعْنَاهُ يُحْكَمُ بِكُفْرِ جَاحِدِهِ، وَمِنْهُ لَا تُكَفِّرْ أَهْلَ قِبْلَتِك أَيْ لَا تَدْعُهُمْ كُفَّارًا. وَقَوْلُهُ (وَالْمَنْذُورُ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ، فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ فَرْضًا لِكَوْنِهِ ثَابِتًا بِالْكِتَابِ كَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ خُصَّ مِنْ الْآيَةِ بِالِاتِّفَاقِ الْمَنْذُورُ الَّذِي لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ شَرْعًا كَعِيَادَةِ الْمَرْضَى، أَوْ مَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فِي الْعِبَادَةِ كَالنَّذْرِ بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَالنَّذْرِ بِالْمَعْصِيَةِ، فَلَمَّا خُصَّتْ هَذِهِ الْمَوَاضِعُ بَقِيَ الْبَاقِي حُجَّةً مُجَوِّزَةً لَا مُوجِبَةً قَطْعًا كَالْآيَةِ الْمُؤَوَّلَةِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ التَّخْصِيصِ الْمُقَارَنَةَ، وَالْمُخَصِّصُ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَضْلًا عَنْ مَعْرِفَةِ كَوْنِهِ مُقَارِنًا أَوْ لَا، وَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] خُصَّ مِنْهُ الْمَجَانِينُ الصِّبْيَانُ وَأَصْحَابُ الْأَعْذَارِ وَلَمْ يَنْتَفِ بِهِ عَنْهُ إثْبَاتُ الْفَرِيضَةِ، وَأَقُولُ فِي الْجَوَابِ عَنْ الْأَوَّلِ: إنَّ الْأَمْرَ لِتَفْرِيغِ

وَسَبَبُ الْأَوَّلِ الشَّهْرُ وَلِهَذَا يُضَافُ إلَيْهِ وَيَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ وَكُلُّ يَوْمٍ سَبَبٌ لِوُجُوبِ صَوْمِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالذِّمَّةِ عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ بِالسَّبَبِ، فَإِنْ كَانَ السَّبَبُ مِنْ الشَّارِعِ كَشُهُودِ الشَّهْرِ فِي رَمَضَانَ يَكُونُ الثَّابِتُ بِهِ فَرْضًا، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَبْدِ يَكُونُ وَاجِبًا كَمَا فِي الْمَنْذُورِ فَرْقًا بَيْنَ إيجَابِ الرَّبِّ وَعَبْدِهِ، ثُمَّ الْأَمْرُ الْوَارِدُ مِنْ الشَّارِعِ يَكُونُ لِأَدَاءِ ذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لِيُوفُوا مُفِيدًا لِلْفَرْضِيَّةِ، كَمَا أَفَادَهَا لِيَصُمْهُ لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ وَهَذَا يُغْنِي عَنْ الْجَوَابِ عَنْ الثَّانِي. وَقَدْ قِيلَ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ: إنَّ الْعَقْلَ دَلَّ عَلَى عَدَمِ دُخُولِ الْمَجَانِينِ وَالصِّبْيَانِ وَأَصْحَابِ الْأَعْذَارِ فَلَا يَكُونُونَ دَاخِلِينَ فَلَا يَكُونُ ثَمَّةَ تَخْصِيصٌ، (وَسَبَبُ الْأَوَّلِ) يَعْنِي الْفَرْضَ (الشَّهْرُ لِأَنَّهُ يُضَافُ إلَيْهِ) وَالْإِضَافَةُ دَلِيلُ السَّبَبِيَّةِ لِمَا تَقَدَّمَ (وَيَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ) فَإِنَّهُ كُلَّمَا دَخَلَ رَمَضَانُ وَجَبَ صَوْمُهُ، وَذَلِكَ أَيْضًا دَلِيلُ السَّبَبِيَّةِ (وَكُلُّ يَوْمٍ سَبَبُ وُجُوبِ صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ) لِأَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ بِمَنْزِلَةِ عِبَادَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ لِأَنَّهُ تَخَلَّلَ بَيْنَ

وَسَبَبُ الثَّانِي النَّذْرُ وَالنِّيَّةُ مِنْ شَرْطِهِ وَسَنُبَيِّنُهُ وَتَفْسِيرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَجْهُ قَوْلِهِ فِي الْخِلَافِيَّةِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَنْوِ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ» وَلِأَنَّهُ لَمَّا فَسَدَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ لِفَقْدِ النِّيَّةِ فَسَدَ الثَّانِي ضَرُورَةً أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَوْمَيْنِ زَمَانٌ لَا يَصْلُحُ لِلصَّوْمِ لَا قَضَاءً وَلَا أَدَاءً وَهُوَ اللَّيَالِي فَصَارَ كَالصَّلَوَاتِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْأَسْرَارِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: اللَّيَالِي وَالْأَيَّامُ فِي السَّبَبِيَّةِ سَوَاءٌ، وَقَدْ عُرِفَ ذَلِكَ فِي الْأُصُولِ. وَقَوْلُهُ (وَسَبَبُ الثَّانِي) أَيْ الْمَنْذُورِ الْمُعَيَّنِ وَهُوَ (النَّذْرُ) وَقَوْلُهُ (وَالنِّيَّةُ مِنْ شَرْطِهِ) أَيْ مِنْ شُرُوطِ الصَّوْمِ بِأَنْوَاعِهِ. (وَسَنُبَيِّنُهُ) أَيْ سَنُبَيِّنُ شَرْطَ الصَّوْمِ (وَتَفْسِيرُهُ) أَيْ تَفْسِيرُ ذَلِكَ الشَّرْطِ وَأَرَادَ بِبَيَانِ النِّيَّةِ مَا ذَكَرَهُ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ يَوْمُ صَوْمٍ فَيَتَوَقَّفُ الْإِمْسَاكُ فِي أَوَّلِهِ عَلَى النِّيَّةِ الْمُتَأَخِّرَةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِأَكْثَرِهِ، وَأَرَادَ بِبَيَانِ تَفْسِيرِهِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَالنِّيَّةُ لِتَعَيُّنِهِ لِلَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ النِّيَّةَ عِبَارَةٌ عَنْ تَعْيِينِ بَعْضِ الْمُحْتَمَلَاتِ فَكَانَ مَا ذَكَرَهُ تَفْسِيرًا لِلنِّيَّةِ، كَذَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ. وَقَوْلُهُ (وَجْهُ قَوْلِهِ فِي الْخِلَافِيَّةِ) أَيْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْخِلَافِيَّةِ وَهِيَ: أَنَّ النِّيَّةَ قَبْلَ الزَّوَالِ تُجْزِيهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَنْوِ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ» ) وَالصِّيَامُ مَصْدَرٌ كَالْقِيَامِ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ لَمَّا فَسَدَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ)

بِخِلَافِ النَّفْلِ لِأَنَّهُ مُتَجَزِّئٌ عِنْدَهُ. وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَعْدَمَا شَهِدَ الْأَعْرَابِيُّ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَلَا مَنْ أَكَلَ فَلَا يَأْكُلَنَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلْيَصُمْ» وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْفَضِيلَةِ وَالْكَمَالِ، أَوْ مَعْنَاهُ لَمْ يَنْوِ أَنَّهُ صَوْمٌ مِنْ اللَّيْلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ مُتَجَزِّئٌ عِنْدَهُ) ذَكَرَ فِي الْوَجِيزِ: الْغَزَالِيُّ يَجُوزُ نِيَّةُ التَّطَوُّعِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ قَوْلَانِ وَهَذَا بِشَرْطِ خُلُوِّ أَوَّلِ الْيَوْمِ عَنْ الْأَكْلِ. وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ شُرَيْحٍ مِنْ أَصْحَابِهِ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ (وَلَنَا «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَمَا شَهِدَ الْأَعْرَابِيُّ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَلَا مَنْ أَكَلَ فَلَا يَأْكُلَنَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلْيَصُمْ» وَهَذَا لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ (وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْفَضِيلَةِ وَالْكَمَالِ أَوْ مَعْنَاهُ لَمْ يَنْوِ أَنَّهُ صَوْمٌ مِنْ اللَّيْلِ) يَعْنِي: أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَنْوِ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ» لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَنْوِ صِيَامَهُ مِنْ اللَّيْلِ بَلْ نَوَى أَنَّ صِيَامَهُ مِنْ وَقْتِ النِّيَّةِ قِيلَ: الصِّلَةُ إذَا تَعَقَّبَتْ فِعْلًا وَمَفْعُولًا وَأَمْكَنَ تَعَلُّقُهَا بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ دُونَ الْمَفْعُولِ كَمَا يُقَالُ: أَتَيْت فُلَانًا مِنْ بَغْدَادَ، فَإِنَّ كَلِمَةَ " مِنْ " تَعَلَّقَتْ بِالْإِتْيَانِ لَا بِالْمَفْعُولِ كَذَلِكَ هَاهُنَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ كَذَلِكَ لَكِنَّهُ يُحْتَمَلُ مَا ذَكَرْنَا فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ عَمَلًا بِالنُّصُوصِ، قِيلَ: قَوْلُهُ " فَلْيَصُمْ " يَحْتَمِلُ الصَّوْمَ اللُّغَوِيَّ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ عَمَلًا بِالنُّصُوصِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ هَاهُنَا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ الْأَكْلُ وَعَدَمُهُ سَوَاءً، فَلَا فَائِدَةَ فِي قَوْلِهِ " وَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ "

وَلِأَنَّهُ يَوْمُ صَوْمٍ فَيَتَوَقَّفُ الْإِمْسَاكُ فِي أَوَّلِهِ عَلَى النِّيَّةِ الْمُتَأَخِّرَةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِأَكْثَرِهِ كَالنَّفْلِ، وَهَذَا لِأَنَّ الصَّوْمَ رُكْنٌ وَاحِدٌ مُمْتَدٌّ وَالنِّيَّةُ لِتَعْيِينِهِ لِلَّهِ تَعَالَى فَتَتَرَجَّحُ بِالْكَثْرَةِ جَنْبَةُ الْوُجُودِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ) دَلِيلٌ مَعْقُولٌ، وَيَجُوزُ تَقْرِيرُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ سَلَّمْنَا أَنَّ مَا رَوَاهُ لَيْسَ بِمَحْمُولٍ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا يَكُونُ مُعَارِضًا لِمَا رَوَيْنَاهُ فَيُصَارُ إلَى مَا بَعْدَهُ مِنْ الْحُجَّةِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَهُوَ مَعْنًى لِأَنَّهُ (يَوْمُ صَوْمٍ) لِأَنَّ الصَّوْمَ فِيهِ فَرْضٌ وَكُلُّ مَا هُوَ يَوْمُ صَوْمٍ (يَتَوَقَّفُ الْإِمْسَاكُ فِي أَوَّلِهِ عَلَى النِّيَّةِ الْمُتَأَخِّرَةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِأَكْثَرِهِ كَالنَّفْلِ وَهَذَا) أَيْ تَوَقُّفُ الْإِمْسَاكِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا (لِأَنَّ الصَّوْمَ رُكْنٌ وَاحِدٌ مُمْتَدٌّ) يَحْتَمِلُ الْعَادَةَ وَالْعِبَادَةَ وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى مَا يُعَيِّنُهُ لِلْعِبَادَةِ وَهُوَ النِّيَّةُ فَإِنَّهَا شُرِطَتْ (لِتَعْيِينِهِ لِلَّهِ تَعَالَى) فَإِنْ وُجِدَتْ مِنْ أَوَّلِهِ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ وُجِدَتْ فِي أَكْثَرِهِ جُعِلَتْ كَأَنَّهَا وُجِدَتْ مِنْ أَوَّلِهِ، لِأَنَّ بِالْكَثْرَةِ تَتَرَجَّحُ جَنَبَةُ الْوُجُودِ عَلَى الْعَدَمِ، فَإِنَّ الْأَكْثَرَ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ لِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ اقْتِرَانُ النِّيَّةِ بِحَالِ الشُّرُوعِ شَرْطًا (بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ) حَيْثُ

لِأَنَّ لَهُمَا أَرْكَانًا فَيُشْتَرَطُ قِرَانُهَا بِالْعَقْدِ عَلَى أَدَائِهِمَا، وَبِخِلَافِ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَهُوَ النَّفَلُ وَبِخِلَافِ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ اقْتِرَانُهَا بِالْأَكْثَرِ فَتَرَجَّحَتْ جَنْبَةُ الْفَوَاتِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّوَالِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ النِّيَّةِ فِي أَكْثَرِ النَّهَارِ وَنِصْفِهِ مِنْ وَقْتِ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى وَقْتِ الضَّحْوَةِ الْكُبْرَى لَا إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ، فَتُشْتَرَطُ النِّيَّةُ قَبْلَهَا لِتَتَحَقَّقَ فِي الْأَكْثَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQيُشْتَرَطُ اقْتِرَانُ النِّيَّةِ بِحَالِ الشُّرُوعِ فِيهِمَا وَلَا يُجْعَلُ الْأَكْثَرُ كَالْكُلِّ (لِأَنَّ لَهُمَا أَرْكَانًا) مُخْتَلِفَةً كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ (فَيُشْتَرَطُ قِرَانُهَا بِالْعَقْدِ عَلَى أَدَائِهِمَا) لِئَلَّا يَخْلُوَ بَعْضُ الْأَرْكَانِ عَنْ النِّيَّةِ، وَقَوْلُهُ (وَبِخِلَافِ الْقَضَاءِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: لَوْ كَانَ الصَّوْمُ رُكْنًا وَاحِدًا مُمْتَدًّا وَالنِّيَّةُ الْمُتَأَخِّرَةُ فِيهِ جَائِزَةً لِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي الْقَضَاءِ اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ، وَوَجْهُهُ إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْإِمْسَاكَ (يَتَوَقَّفُ عَلَى صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَهُوَ النَّفَلُ) وَالْمَعْنَى بِصَوْمِ الْيَوْمِ مَا تَعَلَّقَتْ شَرْعِيَّتُهُ بِمَجِيءِ الْيَوْمِ لَا بِسَبَبٍ آخَرَ مِنْ نَحْوِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ، فَيَكُونُ الصَّوْمُ قَدْ وَقَعَ عَنْهُ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ مِنْ الْقَضَاءِ إلَّا قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنْهُ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ. وَقَوْلُهُ (وَبِخِلَافِ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: إذَا كَانَ رُكْنًا وَاحِدًا مُمْتَدًّا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ اقْتِرَانُهَا بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ سَوَاءً، وَوَجْهُهُ: أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ مُقَارِنَةً لِحَالَةِ الشُّرُوعِ، وَلَكِنْ تَرَكْنَا ذَلِكَ إذَا قَارَنَتْ الْأَكْثَرَ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْكُلِّ، وَلَمْ يُوجَدْ فِيمَا بَعْدَ الزَّوَالِ (فَتَرَجَّحَتْ جَنَبَةُ الْفَوَاتِ) وَقَوْلُهُ (ثُمَّ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ) أَيْ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ: إذَا لَمْ يَنْوِ حَتَّى أَصْبَحَ أَجْزَأَتْهُ النِّيَّةُ (مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّوَالِ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ) وَوَجْهُهُ

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ عِنْدَنَا، خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لِأَنَّهُ لَا تَفْصِيلَ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلِيلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَقَوْلُهُ (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ) يَعْنِي فِي جَوَازِ النِّيَّةِ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ (خِلَافًا لِزُفَرَ) فَإِنَّهُ يَقُولُ: إمْسَاكُ الْمُسَافِرِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا لِلصَّوْمِ الْفَرْضِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ النِّيَّةِ، بِخِلَافِ إمْسَاكِ الْمُقِيمِ، وَلَنَا أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ جُوِّزَ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ إقَامَةُ النِّيَّةِ فِي أَكْثَرِ وَقْتِ الْأَدَاءِ مَقَامَهَا فِي جَمِيعِ الْوَقْتِ لَمْ يَفْصِلْ

وَهَذَا الضَّرْبُ مِنْ الصَّوْمِ يَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَبِنِيَّةِ النَّفْلِ وَبِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي نِيَّةِ النَّفْلِ عَابِثٌ، وَفِي مُطْلَقِهَا لَهُ قَوْلَانِ: لِأَنَّهُ بِنِيَّةِ النَّفْلِ مُعْرِضٌ عَنْ الْفَرْضِ فَلَا يَكُونُ لَهُ الْفَرْضُ. وَلَنَا أَنَّ الْفَرْضَ مُتَعَيَّنٌ فِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْنَ الْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ قَالَ (وَهَذَا الضَّرْبُ مِنْ الصَّوْمِ إلَخْ) أَرَادَ بِهَذَا الضَّرْبِ مَا يَتَعَلَّقُ بِزَمَانٍ بِعَيْنِهِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ. قَوْلُهُ (يَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ) أَيْ بِأَنْ يَقُولَ: نَوَيْت الصَّوْمَ (وَبِنِيَّةِ النَّفْلِ) ظَاهِرٌ. (وَبِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ) بِأَنْ يُنْوَى عَنْ كَفَّارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. قِيلَ: وَهَذَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ مُسْتَقِيمٌ، فَأَمَّا فِي النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ فَلَا لِأَنَّهُ يَقَعُ عَمَّا نَوَى مِنْ الْوَاجِبِ إذَا كَانَتْ النِّيَّةُ مِنْ اللَّيْلِ، ذَكَرَهُ فِي أُصُولِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَغَيْرِهِ، فَحِينَئِذٍ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَهَذَا الضَّرْبُ لَا يَبْقَى عَلَى إطْلَاقِهِ. وَأَجَابَ شَيْخُ شَيْخِي الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْعَزِيزِ: بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مُوجِبُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَتَأَدَّى الْمَجْمُوعُ بِالْمَجْمُوعِ، وَالْبَعْضُ بِالْبَعْضِ، وَالْبَعْضُ بِالْمَجْمُوعِ، لَا أَنَّ كُلَّ فَرْدٍ يَتَأَدَّى الْمَجْمُوعُ فَيَظْهَرُ لِكَلَامِهِ وَجْهُ صِحَّةٍ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي نِيَّةِ النَّفْلِ عَابِثٌ) أَيْ لَا يَكُونُ صَائِمًا لَا فَرْضًا وَلَا نَفْلًا (وَفِي مُطْلَقِهَا لَهُ قَوْلَانِ) فِي قَوْلٍ يَقَعُ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ، وَفِي قَوْلٍ لَا يَقَعُ عَنْهُ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ بِنِيَّةِ النَّفْلِ) دَلِيلٌ عَلَى النَّفْلِ أَيْ إنَّهُ بِنِيَّةِ النَّفْلِ (مُعَرَّضٌ عَنْ الْفَرْضِ) لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُغَايِرَةِ فَصَارَ كَإِعْرَاضِهِ بِتَرْكِ النِّيَّةِ (فَلَا يَكُونُ لَهُ الْفَرْضُ) وَمِنْ هَذَا يَظْهَرُ وَجْهُ أَحَدِ قَوْلَيْهِ فِي مُطْلَقِ النِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُعَرِّضًا بِهَذِهِ النِّيَّةِ فَيَجُوزُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْآخَرِ أَنَّ صِفَةَ الْفَرْضِيَّةِ قُرْبَةٌ كَأَصْلِ الصَّوْمِ فَكَمَا لَا يَتَأَدَّى أَصْلُ الصَّوْمِ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَكَذَلِكَ الصِّفَةُ، وَإِذَا انْعَدَمَتْ الصِّفَةُ يَنْعَدِمُ الصَّوْمُ ضَرُورَةً. (وَلَنَا أَنَّ الْفَرْضَ مُتَعَيِّنٌ فِيهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا انْسَلَخَ شَعْبَانُ فَلَا صَوْمَ إلَّا رَمَضَانَ» وَكُلُّ مَا هُوَ مُتَعَيِّنٌ فِي مَكَان

فَيُصَابُ بِأَصْلِ النِّيَّةِ كَالْمُتَوَحِّدِ فِي الدَّارِ يُصَابُ بِاسْمِ جِنْسِهِ، وَإِذَا نَوَى النَّفَلَ أَوْ وَاجِبًا آخَرَ فَقَدْ نَوَى أَصْلَ الصَّوْمِ وَزِيَادَةَ جِهَةٍ، وَقَدْ لَغَتْ الْجِهَةُ فَبَقِيَ الْأَصْلُ وَهُوَ كَافٍ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ وَالصَّحِيحِ وَالسَّقِيمِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، لِأَنَّ الرُّخْصَةَ كَيْ لَا تَلْزَمَ الْمَعْذُورَ مَشَقَّةٌ فَإِذَا تَحَمَّلَهَا اُلْتُحِقَ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُصَابُ بِأَصْلِ النِّيَّةِ كَالْمُتَوَحِّدِ فِي الدَّارِ يُصَابُ بِاسْمِ جِنْسِهِ) بِأَنْ يُقَالَ: يَا حَيَوَانُ، كَمَا يُنَالُ بِاسْمِ نَوْعِهِ بِأَنْ يُقَالَ: يَا إنْسَانُ. وَاسْمُ عَلَمِهِ بِأَنْ قَالَ: يَا زَيْدُ، لَا يُقَالُ الْمُتَوَحِّدُ فِي الْمَكَانِ إنَّمَا يُنَالُ بِاسْمِ جِنْسِهِ إذَا كَانَ مَوْجُودًا، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ إنَّمَا يُوجَدُ بِتَحْصِيلِهِ فَكَيْفَ يُنَالُ بِاسْمِ جِنْسِهِ لِأَنَّ كَوْنَهُ مَعْدُومًا لَمَّا لَمْ يَمْنَعْ أَنْ يُنَالَ بِاسْمِ نَوْعِهِ بِأَنْ نَوَى الصَّوْمَ الْمَشْرُوعَ فِي الْوَقْتِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يُنَالَ بِاسْمِ جِنْسِهِ دَفْعًا لِلتَّحَكُّمِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرْتُمْ يَقْتَضِي الْإِصَابَةَ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ دُونَ نِيَّةِ النَّفْلِ أَوْ وَاجِبٍ آخَرَ لِأَنَّ الْمُتَوَحِّدَ يُنَالُ بِاسْمِ جِنْسِهِ لَا بِاسْمِ غَيْرِهِ، فَإِنَّ زَيْدًا لَا يُنَالُ بِاسْمِ عَمْرٍو؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَإِذَا نَوَى النَّفَلَ أَوْ وَاجِبًا آخَرَ فَقَدْ نَوَى أَصْلَ الصَّوْمِ وَزِيَادَةَ جِهَةٍ وَقَدْ لَغَتْ الْجِهَةُ) لِأَنَّ الْوَقْتَ لَا يَقْبَلُهَا (فَبَقِيَ الْأَصْلُ) إذْ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ بُطْلَانِ الْوَصْفِ إذَا لَمْ يَكُنْ فَضْلًا مُنَوَّعًا بُطْلَانُ الْأَصْلِ وَأَصْلُ الصَّوْمِ جِنْسُهُ (وَذَلِكَ كَافٍ) وَمَوْضِعُهُ أُصُولُ الْفِقْهِ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي الْأَنْوَارِ وَالتَّقْرِيرِ (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ وَالصَّحِيحِ وَالسَّقِيمِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ) إنَّمَا ثَبَتَتْ (كَيْ لَا يَلْزَمَ الْمَعْذُورَ مَشَقَّةٌ فَإِذَا تَحَمَّلَهَا اُلْتُحِقَ

بِغَيْرِ الْمَعْذُورِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا صَامَ الْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ يَقَعُ عَنْهُ لِأَنَّهُ شَغَلَ الْوَقْتَ بِالْأَهَمِّ لِتَحَتُّمِهِ لِلْحَالِ وَتَخَيُّرِهِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ إلَى إدْرَاكِ الْعِدَّةِ. وَعَنْهُ فِي نِيَّةِ التَّطَوُّعِ رِوَايَتَانِ، وَالْفَرْقُ عَلَى إحْدَاهُمَا أَنَّهُ مَا صَرَفَ الْوَقْتَ إلَى الْأَهَمِّ. قَالَ (وَالضَّرْبُ الثَّانِي مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ وَصَوْمِ الْكَفَّارَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِغَيْرِ الْمَعْذُورِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: إذَا صَامَ الْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ يَقَعُ عَنْهُ، لِأَنَّهُ شَغَلَ الْوَقْتَ بِالْأَهَمِّ لِتَحَتُّمِهِ لِلْحَالِ) إذْ الْقَضَاءُ لَازِمٌ لِلْحَالِ فَهُوَ مُؤَاخَذٌ بِهِ (وَتَخَيُّرُهُ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ) لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يُدْرِكْ عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ. حَتَّى إذَا مَاتَ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْعَلَمَانِ فِي التَّحْقِيقِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ، وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ، فَإِنَّهُمَا قَالَا: إذَا نَوَى الْمَرِيضُ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقَعُ صَوْمُهُ عَنْ رَمَضَانَ لِأَنَّ إبَاحَةَ الْفِطْرِ لَهُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ أَدَاءِ الصَّوْمِ، فَأَمَّا عِنْدَ الْقُدْرَةِ فَهُوَ وَالصَّحِيحُ سَوَاءٌ، بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ فَإِنَّ الرُّخْصَةَ فِي حَقِّهِ تَتَعَلَّقُ بِعَجْزٍ مُقَدَّرٍ قَامَ السَّفَرُ مَقَامَهُ وَهُوَ مَوْجُودٌ. وَقَالَ صَاحِبُ الْإِيضَاحِ: وَكَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَفْصِلُ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا يَتَسَاوَيَانِ وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَوْلُهُ (وَعَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (فِي نِيَّةِ التَّطَوُّعِ) مِنْ الْمُسَافِرِ (رِوَايَتَانِ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ: يَقَعُ عَنْ الْفَرْضِ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ، (وَأَنَّهُ مَا صَرَفَ الْوَقْتَ إلَى الْأَهَمِّ) وَهُوَ إسْقَاطُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ تَحْصِيلَ الثَّوَابِ وَهُوَ فِي الْفَرْضِ أَكْثَرُ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ: يَقَعُ عَمَّا نَوَى مِنْ النَّفْلِ، لِأَنَّ رَمَضَانَ فِي حَقِّهِ كَشَعْبَانَ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ، وَنِيَّتُهُ فِي شَعْبَانَ تَقَعُ عَمَّا نَوَى نَفْلًا كَانَ أَوْ وَاجِبًا، فَكَذَلِكَ هَذَا. وَأَمَّا الْمَرِيضُ إذَا نَوَى عَنْ التَّطَوُّعِ فَإِنَّ صَوْمَهُ يَقَعُ عَنْ الْفَرْضِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَقَالَ النَّاطِفِيُّ: قِيَاسُ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ عَلَى رِوَايَةِ نَوَادِرِ أَبِي يُوسُفَ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَرِيضِ جَائِزًا عَنْ التَّطَوُّعِ. قَالَ (وَالضَّرْبُ الثَّانِي مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ) وَالْمُرَادُ مِنْ الثُّبُوتِ فِي الذِّمَّةِ كَوْنُهُ مُسْتَحَقًّا فِيهَا مِنْ غَيْرِ اتِّصَالٍ لَهُ بِالْوَقْتِ قَبْلَ الْعَزْمِ عَلَى صَرْفِ مَالِهِ إلَى مَا عَلَيْهِ (كَقَضَاءِ رَمَضَانَ) وَصَوْمِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ وَالْقَتْلِ، وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَالْحَلْقِ وَالْمُتْعَةِ

فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ مِنْ الِابْتِدَاءِ (وَالنَّفَلُ كُلُّهُ يَجُوزُ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَفَّارَةِ رَمَضَانَ، وَكَذَلِكَ النَّذْرُ الْمُطْلَقُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ (لَا يَجُوزُ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَعَيِّنٍ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ مِنْ الِابْتِدَاءِ) . وَقَوْلُهُ (وَالنَّفَلُ كُلُّهُ يَجُوزُ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ) أَيْ قَبْلَ انْتِصَافِ النَّهَارِ سَوَاءٌ كَانَ مُسَافِرًا

خِلَافًا لِمَالِكٍ، فَإِنَّهُ يَتَمَسَّكُ بِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا. وَلَنَا «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ مَا كَانَ يُصْبِحُ غَيْرَ صَائِمٍ إنِّي إذًا لَصَائِمٌ» وَلِأَنَّ الْمَشْرُوعَ خَارِجَ رَمَضَانَ هُوَ نَفْلٌ فَيَتَوَقَّفُ الْإِمْسَاكُ فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ عَلَى صَيْرُورَتِهِ صَوْمًا بِالنِّيَّةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ نَوَى بَعْدَ الزَّوَالِ لَا يَجُوزُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ وَيَصِيرُ صَائِمًا مِنْ حِينِ نَوَى إذْ هُوَ مُتَجَزِّئٌ عِنْدَهُ لِكَوْنِهِ مَبْنِيًّا عَلَى النَّشَاطِ، وَلَعَلَّهُ يَنْشَطُ بَعْدَ الزَّوَالِ إلَّا أَنَّ مِنْ شَرْطِهِ الْإِمْسَاكَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، وَعِنْدَنَا يَصِيرُ صَائِمًا مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ لِأَنَّهُ عِبَادَةُ قَهْرِ النَّفْسِ، وَهِيَ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ بِإِمْسَاكٍ مُقَدَّرٍ فَيُعْتَبَرُ قِرَانُ النِّيَّةِ بِأَكْثَرِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ مُقِيمًا (خِلَافًا لِمَالِكٍ فَإِنَّهُ يَتَمَسَّكُ بِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا) مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَنْوِ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ» (وَلَنَا «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ مَا كَانَ يُصْبِحُ غَيْرَ صَائِمٍ إنِّي إذًا لَصَائِمٌ» عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَدْخُلُ عَلَى نِسَائِهِ وَيَقُولُ: هَلْ عِنْدَكُنَّ مِنْ غَدَاءٍ؟ فَإِنْ قُلْنَ لَا. قَالَ: إنِّي إذًا لَصَائِمٌ» . وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الْمَشْرُوعَ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا ذَكَرْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ: وَلِأَنَّهُ يَوْمُ صَوْمٍ فَيَتَوَقَّفُ الْإِمْسَاكُ فِي أَوَّلِهِ عَلَى النِّيَّةِ الْمُتَأَخِّرَةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِأَكْثَرِهِ كَالنَّفْلِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ نَوَى بَعْدَ الزَّوَالِ) ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ.

[فصل في رؤية الهلال]

قَالَ (وَيَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يَلْتَمِسُوا الْهِلَالَ فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ، فَإِنْ رَأَوْهُ صَامُوا، وَإِنْ غُمَّ عَلَيْهِمْ أَكْمَلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ صَامُوا) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ الْهِلَالُ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا» وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الشَّهْرِ فَلَا يُنْقَلُ عَنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ وَلَمْ يُوجَدْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ] وَيَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يَلْتَمِسُوا الْهِلَالَ فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ) لِأَنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا هَكَذَا وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ وَخَنَّسَ إبْهَامَهُ فِي الثَّالِثَةِ» (فَإِنْ رَآهُ صَامُوا)

(وَلَا يَصُومُونَ يَوْمَ الشَّكِّ إلَّا تَطَوُّعًا) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُصَامُ الْيَوْمُ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ إلَّا تَطَوُّعًا» وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــQكَلَامُهُ وَاضِحٌ وَقَوْلُهُ (وَلَا يَصُومُونَ يَوْمَ الشَّكِّ إلَّا تَطَوُّعًا) يَوْمُ الشَّكِّ هُوَ الْيَوْمُ الْأَخِيرُ مِنْ شَعْبَانَ الَّذِي يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ آخِرَ شَعْبَانَ أَوْ أَوَّلَ رَمَضَانَ (لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُصَامُ الْيَوْمُ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ إلَّا تَطَوُّعًا» ) وَقَوْلُهُ (وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ خَمْسَةً، وَوَجْهُ الْحَصْرِ أَنَّ مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَإِمَّا أَنْ يَقْطَعَ فِي النِّيَّةِ أَوْ يَتَرَدَّدَ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فِيمَا عَلَيْهِ أَوَّلًا، فَإِنْ كَانَ فِيمَا عَلَيْهِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْوَقْتِيِّ أَوْ فِي غَيْرِهِ، فَالْوَقْتِيُّ هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَغَيْرُهُ هُوَ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَا عَلَيْهِ فَهُوَ الثَّالِثُ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ التَّرَدُّدُ أَصْلَ النِّيَّةِ أَوْ فِي وَصْفِهَا، فَالْأَوَّلُ الرَّابِعُ وَالثَّانِي الْخَامِسُ. وَهَذَا إذَا لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ

أَحَدُهَا: أَنْ يَنْوِيَ صَوْمَ رَمَضَانَ وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِمَا رَوَيْنَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا يَكُونُ بِنَاءً أَوْ ابْتِدَاءً فِي التَّطَوُّعِ، وَالْوَاجِبُ الْآخَرُ، أَمَّا إذَا فَرَّقَ فَالْوُجُوهُ سَبْعَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ، وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ لَكِنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُمَا مُسْتَقِلَّيْنِ (فَالْأَوَّلُ أَنْ يَنْوِيَ رَمَضَانَ وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِمَا رَوَيْنَا) مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُصَامُ الْيَوْمُ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ إلَّا تَطَوُّعًا» لَا يُقَالُ لَا يُصَامُ صِيغَةُ

وَلِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّهُمْ زَادُوا فِي مُدَّةِ صَوْمِهِمْ ثُمَّ إنْ ظَهَرَ أَنَّ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ يَجْزِيهِ لِأَنَّهُ شَهِدَ الشَّهْرَ وَصَامَهُ وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ كَانَ تَطَوُّعًا، وَإِنْ أَفْطَرَ لَمْ يَقْضِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQنَفْيٍ، وَهُوَ يَقْتَضِي عَدَمَ الْجَوَازِ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى النَّهْيِ لِتَحَقُّقِهِ حِسًّا وَهُوَ يَقْتَضِي الْمَشْرُوعِيَّةَ عَلَى مَا عُرِفَ. (وَلِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ) بِمَعْنَى فِيمَا فِيهِ بِرٌّ وَذَلِكَ يُوجِبُ الْكَرَاهَةَ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ إنْ ظَهَرَ) ظَاهِرٌ.

لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَظْنُونِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَنْوِيَ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ وَهُوَ مَكْرُوهٌ أَيْضًا لِمَا رَوَيْنَا إلَّا أَنَّ هَذَا دُونَ الْأَوَّلِ فِي الْكَرَاهَةِ ثُمَّ إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ يَجْزِيهِ لِوُجُودِ أَصْلِ النِّيَّةِ، وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ فَقَدْ قِيلَ: يَكُونُ تَطَوُّعًا لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَظْنُونِ) لَمْ يَقُلْ لِأَنَّهُ مَظْنُونٌ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمَظْنُونِ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ الظَّنُّ بَعْدَ وُجُوبِهِ بِيَقِينٍ، وَالْحَالُ أَنَّهُ قَدْ أَدَّاهُ فَشَرَعَ فِيهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّهِ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ أَدَّاهُ، وَأَمَّا هَهُنَا فَلَمْ يَثْبُتْ وُجُوبُهُ بِيَقِينٍ فَلَمْ يَكُنْ مَظْنُونًا حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمَّا شُرِعَ مُسْقِطًا لِلْوَاجِبِ عِنْدَهُ لَا مُلْزَمًا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي مَعْنَى الْآخَرِ. (وَالثَّانِي أَنْ يُنْوَى عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ وَهُوَ مَكْرُوهٌ أَيْضًا لِمَا رَوَيْنَا) مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " لَا يُصَامُ " الْحَدِيثَ (إلَّا أَنَّ هَذَا دُونَ الْأَوَّلِ فِي الْكَرَاهَةِ) لِعَدَمِ اسْتِلْزَامِهِ التَّشَبُّهَ بِأَهْلِ الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ إنْ ظَهَرَ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ)

فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ، وَقِيلَ: يَجْزِيهِ عَنْ الَّذِي نَوَاهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ وَهُوَ التَّقَدُّمُ عَلَى رَمَضَانَ بِصَوْمِ رَمَضَانَ لَا يَقُومُ بِكُلِّ صَوْمٍ، بِخِلَافِ يَوْمِ الْعِيدِ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ وَهُوَ تَرْكُ الْإِجَابَةِ بِلَازِمِ كُلِّ صَوْمٍ، وَالْكَرَاهِيَةُ هَهُنَا لِصُورَةِ النَّهْيِ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَنْوِيَ التَّطَوُّعَ وَهُوَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ لِمَا رَوَيْنَا وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ يُكْرَهُ عَلَى سَبِيلِ الِابْتِدَاءِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَتَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا بِصَوْمِ يَوْمَيْنِ» الْحَدِيثَ، التَّقَدُّمُ بِصَوْمِ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ يُؤَدِّيهِ قَبْلَ أَوَانِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَكُونُ نَاقِصًا وَمَا فِي ذِمَّتِهِ كَامِلٌ، فَلَا يَتَأَدَّى الْكَامِلُ بِالنَّاقِصِ، كَمَا لَوْ صَامَ يَوْمَ الْعِيدِ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ وَهُوَ التَّقَدُّمُ عَلَى رَمَضَانَ) أَيْ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «لَا تَتَقَدَّمُوا عَلَى رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا بِصَوْمِ يَوْمَيْنِ» إنَّمَا هُوَ (بِصَوْمِ رَمَضَانَ) لِمَا سَنَذْكُرُ، وَهُوَ (لَا يُوجَدُ بِكُلِّ صَوْمٍ بِخِلَافِ يَوْمِ الْعِيدِ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ وَهُوَ تَرْكُ إجَابَةِ دَعْوَةِ اللَّهِ تَعَالَى يُلَازِمُ كُلَّ صَوْمٍ) فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى هَذَا كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ صَوْمُ وَاجِبٍ آخَرَ مَكْرُوهًا أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَالْكَرَاهِيَةُ هَهُنَا لِصُورَةِ النَّهْيِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: إلَّا أَنَّا أَثْبَتْنَا الْكَرَاهَةَ لِتَنَاوُلِ عُمُومِ نَفْيِ حَدِيثٍ آخَرَ. وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُصَامُ الْيَوْمُ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ» الْحَدِيثَ. وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ الشَّارِحِينَ: لِصُورَةِ النَّهْيِ لَا لِحَقِيقَةِ النَّهْيِ، لِأَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ فِي التَّقَدُّمِ بِصَوْمِ رَمَضَانَ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مِثْلَ صَوْمِهِ رَمَضَانَ فِي الْفَرْضِيَّةِ أَثْبَتْنَا فِيهِ نَوْعَ كَرَاهَةٍ. (وَالثَّالِثُ: أَنْ يُنْوَى التَّطَوُّعُ وَهُوَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ لَا رَوَيْنَا) مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " إلَّا تَطَوُّعًا ". (وَهُوَ) بِإِطْلَاقِهِ (حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ يُكْرَهُ عَلَى سَبِيلِ الِابْتِدَاءِ) بِأَنْ لَا يَكُونَ مُوَافِقًا لِصَوْمٍ كَانَ يَصُومُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَتَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا بِصَوْمِ يَوْمَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَوْمًا يَصُومُهُ رَجُلٌ فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الصَّوْمَ» وَهَذَا نَصٌّ عَلَى الْجَوَازِ بِنَاءً. وَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَتَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا بِصَوْمِ يَوْمَيْنِ» الْحَدِيثَ التَّقَدُّمُ بِصَوْمِ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ يُؤَدِّيهِ قَبْلَ أَوَانِهِ) وَفِي ذَلِكَ تَقْدِيمُ الْحُكْمِ عَلَى السَّبَبِ وَهُوَ بَاطِلٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَا قَبْلَ الشَّهْرِ وَقْتٌ لِلتَّطَوُّعِ لَا لِصَوْمِ الشَّهْرِ فَلَا يُتَصَوَّرُ التَّقَدُّمُ بِالتَّطَوُّعِ. فَإِنْ قِيلَ: صَوْمُ رَمَضَانَ هُوَ مَا يَقَعُ فِيهِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ التَّقَدُّمُ فِيهِ. أُجِيبَ: بِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يَنْوِيَ الْفَرْضَ قَبْلَ الشَّهْرِ، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ

ثُمَّ إنْ وَافَقَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ فَالصَّوْمُ أَفْضَلُ بِالْإِجْمَاعِ: وَكَذَا إذَا صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ فَصَاعِدًا، وَإِنْ أَفْرَدَهُ فَقَدْ قِيلَ: الْفِطْرُ أَفْضَلُ احْتِرَازًا عَنْ ظَاهِرِ النَّهْيِ وَقَدْ قِيلَ: الصَّوْمُ أَفْضَلُ اقْتِدَاءً بِعَلِيٍّ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَإِنَّهُمَا كَانَا يَصُومَانِهِ، وَالْمُخْتَارُ أَنْ يَصُومَ الْمُفْتِي بِنَفْسِهِ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ، وَيُفْتِي الْعَامَّةَ بِالتَّلَوُّمِ إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ ثُمَّ بِالْإِفْطَارِ نَفْيًا لِلتُّهْمَةِ. وَالرَّابِعُ: أَنْ يُضْجَعَ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ بِأَنْ يَنْوِي أَنْ يَصُومَ غَدًا إنْ كَانَ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَثَلًا: قَدَّمَ صَلَاةَ الظُّهْرِ عَلَى وَقْتِهَا، فَإِنَّ مَعْنَاهُ نَوَاهَا قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا فَائِدَةُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ» وَحُكْمُ الْأَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ يَوْمًا وَيَوْمَيْنِ مَا وَصَلَ إلَى حَدِّ الْكَثْرَةِ فَيَجُوزُ أَنْ يُتَوَهَّمَ بِأَنَّ الْقَلِيلَ مَعْفُوٌّ فَيَجُوزُ كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ فَنَفَى ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ (ثُمَّ إنْ وَافَقَ صَوْمًا) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ أَفْرَدَهُ) يَعْنِي لَمْ يُوَافِقْ صَوْمًا يَصُومُهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ (الْفِطْرُ أَفْضَلُ احْتِرَازًا عَنْ ظَاهِرِ النَّهْيِ) وَقَالَ نُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى: (الصَّوْمُ أَفْضَلُ اقْتِدَاءً بِعَلِيٍّ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَإِنَّهُمَا كَانَا يَصُومَانِهِ) وَيَقُولَانِ: لَأَنْ نَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ نُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ (وَالْمُخْتَارُ أَنْ يَصُومَ الْمُفْتِي بِنَفْسِهِ) احْتِيَاطًا عَنْ وُقُوعِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ (وَيُفْتِيَ الْعَامَّةَ بِالتَّلَوُّمِ) أَيْ بِالِانْتِظَارِ (إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ ثُمَّ بِالْإِفْطَارِ نَفْيًا لِلتُّهْمَةِ) أَيْ تُهْمَةِ الرَّوَافِضِ ذَكَرَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ، لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّهُ لَا يُصَامُ الْيَوْمُ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ عَنْ رَمَضَانَ. وَقَالَ الرَّوَافِضُ: يَجِبُ أَنْ يُصَامَ يَوْمُ الشَّكِّ عَنْ رَمَضَانَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَوْ أَفْتَى الْعَامَّةَ بِأَدَاءِ النَّفْلِ فِيهِ عَسَى أَنْ يَقَعَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ خَالَفَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حَيْثُ نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ، وَهُوَ أَطْلَقَهُ فَيُفْتِيهِمْ بِالْإِفْطَارِ بَعْدَ التَّلَوُّمِ نَفْيًا لِهَذِهِ التُّهْمَةِ (وَالرَّابِعُ: أَنْ يُضَجِّعَ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ) التَّضْجِيعُ فِي النِّيَّةِ التَّرْدِيدُ فِيهَا،

رَمَضَانَ وَلَا يَصُومُهُ إنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ لَا يَصِيرُ صَائِمًا لِأَنَّهُ لَمْ يَقْطَعْ عَزِيمَتَهُ فَصَارَ كَمَا إذَا نَوَى أَنَّهُ إنْ وَجَدَ غَدًا غَدَاءً يُفْطِرُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ يَصُومُ. وَالْخَامِسُ: أَنْ يُضْجَعَ فِي وَصْفِ النِّيَّةِ بِأَنْ يَنْوِيَ إنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ يَصُومُ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ فَعَنْ وَاجِبٍ آخَرَ، وَهَذَا مَكْرُوهٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ مَكْرُوهَيْنِ. ثُمَّ إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ لِعَدَمِ التَّرَدُّدِ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ، وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ لَا يَجْزِيهِ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ لِأَنَّ الْجِهَةَ لَمْ تَثْبُتْ لِلتَّرَدُّدِ فِيهَا، وَأَصْلُ النِّيَّةِ لَا يَكْفِيهِ لَكِنَّهُ يَكُونُ تَطَوُّعًا غَيْرَ مَضْمُونٍ بِالْقَضَاءِ لِشُرُوعِهِ فِيهِ مُسْقِطًا، وَإِنْ نَوَى عَنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ غَدًا مِنْهُ وَعَنْ التَّطَوُّعِ إنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ نَاوٍ لِلْفَرْضِ مِنْ وَجْهٍ، ثُمَّ إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ عَنْهُ لِمَا مَرَّ، وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ جَازَ عَنْ نَفْلِهِ لِأَنَّهُ يَتَأَدَّى بِأَصْلِ النِّيَّةِ، وَلَوْ أَفْسَدَهُ يَجِبُ أَنْ لَا يَقْضِيَهُ لِدُخُولِ الْإِسْقَاطِ فِي عَزِيمَتِهِ مِنْ وَجْهٍ. قَالَ (وَمَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ صَامَ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ. (وَالْخَامِسُ: أَنْ يُضَجِّعَ فِي وَصْفِ النِّيَّةِ) وَقَوْلُهُ (بَيْنَ أَمْرَيْنِ مَكْرُوهَيْنِ) وَهُمَا صَوْمُ رَمَضَانَ وَوَاجِبٍ آخَرَ فِي هَذَا الْيَوْمِ، إلَّا أَنَّ كَرَاهَةَ أَحَدِهِمَا وَهُوَ نِيَّةُ صَوْمِ رَمَضَانَ أَشَدُّ مِنْ الْآخَرِ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ إنْ ظَهَرَ) ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ (لِشُرُوعِهِ فِيهِ مُسْقِطًا) يَعْنِي لَا مُلْزِمًا لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا نَوَى عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ عَلَى تَقْدِيرٍ وَعَنْ فَرْضِ رَمَضَانَ عَلَى تَقْدِيرٍ فَكَانَ مُسْقِطًا لِلْوَاجِبِ عَنْ ذِمَّتِهِ، وَكَذَا قَوْلُهُ (وَإِنْ نَوَى عَنْ رَمَضَانَ) ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ (لِمَا مَرَّ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِعَدَمِ التَّرَدُّدِ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ وَقَوْلُهُ (وَمَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ) ظَاهِرٌ، وَهَلْ يَقْبَلُهَا أَوْ لَا لَمْ يَذْكُرْهُ، فَإِنْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً وَهُوَ مِنْ الْمِصْرِ لَمْ يَقْبَلْ الْإِمَامُ شَهَادَتَهُ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ مَا يُوجِبُ الْقَبُولَ وَهُوَ الْعَدَالَةُ وَالْإِسْلَامُ، وَمَا يُوجِبُ الرَّدَّ، وَمُخَالَفَةُ الظَّاهِرِ فَتَرَجَّحَ جَانِبُ الرَّدِّ لِأَنَّ الْفِطْرَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ جَائِزٌ بِعُذْرٍ كَمَا فِي الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ قَبْلَ رَمَضَانَ لَا يَجُوزُ بِعُذْرٍ مِنْ الْأَعْذَارِ فَكَانَ الْمَصِيرُ إلَى مَا لَا يَجُوزُ بِعُذْرٍ أَوْلَى وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ: وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ وَهُوَ مِنْ الْمِصْرِ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مُتَغَيِّمَةً أَوْ جَاءَ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى مَا يُذْكَرُ

الْإِمَامُ شَهَادَتَهُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ» وَقَدْ رَأَى ظَاهِرًا وَإِنْ أَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إنْ أَفْطَرَ بِالْوِقَاعِ لِأَنَّهُ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ حَقِيقَةً لِتَيَقُّنِهِ بِهِ وَحُكْمًا لِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَيْهِ وَلَنَا أَنَّ الْقَاضِيَ رَدَّ شَهَادَتَهُ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ تُهْمَةُ الْغَلَطِ، فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَهَذِهِ الْكَفَّارَةُ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَلَوْ أَفْطَرَ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّ الْإِمَامُ شَهَادَتَهُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَنَا أَنَّ الْقَاضِيَ رَدَّ شَهَادَتَهُ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ تُهْمَةُ الْغَلَطِ) فَإِنَّهَا يُطْلَقُ الْقَضَاءُ بِرَدِّهَا شَرْعًا كَمَا فِي شَهَادَةِ الْفَاسِقِ، وَهِيَ هَهُنَا مُتَمَكِّنَةٌ لِأَنَّهُ لَمَّا سَاوَى غَيْرَهُ فِي الْمَنْظَرِ ظَاهِرًا وَالنَّظَرِ وَحِدَّةِ الْبَصَرِ وَدِقَّةِ الْمَرْئِيِّ وَبُعْدِ الْمَسَافَةِ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ اخْتِصَاصِهِ بِالرُّؤْيَةِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ النَّاسِ، وَيَكُونُ غَالَطَ فَيُورِثُ شُبْهَةَ عَدَمِ الرُّؤْيَةِ. (وَهَذِهِ الْكَفَّارَةُ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ) لِأَنَّ جِهَةَ الْعُقُوبَةِ فِيهَا رَاجِحَةٌ، وَلِهَذَا يَجْرِي فِيهَا التَّدَاخُلُ وَلَا تَجِبُ عَلَى الْمَعْذُورِ وَالْخَاطِئِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ (وَلَوْ أَفْطَرَ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّ الْإِمَامُ شَهَادَتَهُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ) أَيْ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فَمَنْ نَظَرَ إلَى أَنَّ الْمَوْتَ لِلشُّبْهَةِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ رَدَّ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ، قَالَ: بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الرَّدِّ لِانْتِفَاءِ مَا يُورِثُهَا وَتَحَقُّقِ الرَّمَضَانِيَّةِ لِتَيَقُّنِهِ بِالرُّؤْيَةِ، وَمَنْ نَظَرَ إلَى أَنَّ يَوْمَ الصَّوْمِ يَوْمَ يَصُومُ النَّاسُ فِيهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ» الْحَدِيثَ وَلَيْسَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْيَوْمِ يَوْمًا يَصُومُ النَّاسُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمْ صَوْمُ هَذَا الْيَوْمِ لَا أَدَاءً وَلَا قَضَاءً، فَكَانَ يَوْمُ الْفِطْرِ فِي حَقِّ النَّاسِ كَافَّةً لِعَدَمِ التَّجْزِيءِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ

وَلَوْ أَكْمَلَ هَذَا الرَّجُلُ ثَلَاثِينَ، يَوْمًا لَمْ يُفْطِرْ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَيْهِ لِلِاحْتِيَاطِ، وَالِاحْتِيَاطُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي تَأْخِيرِ الْإِفْطَارِ وَلَوْ أَفْطَرَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ الَّتِي عِنْدَهُ. قَالَ (وَإِذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ قَبِلَ الْإِمَامُ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا) لِأَنَّهُ أَمْرٌ دِينِيٌّ، فَأَشْبَهَ رِوَايَةَ الْإِخْبَارِ وَلِهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ، وَتُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ لِأَنَّ قَوْلَ الْفَاسِقِ فِي الدِّيَانَاتِ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَتَأْوِيلُ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ عَدْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ أَنْ يَكُونَ مَسْتُورًا وَالْعِلَّةُ غَيْمٌ أَوْ غُبَارٌ أَوْ نَحْوُهُ، وَفِي إطْلَاقِ جَوَابِ الْكِتَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ يَوْمَ فِطْرٍ فِي حَقِّهِ حَقِيقَةً، وَعَارَضَهُ نَصٌّ آخَرُ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ» أُورِدَتْ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ فِيمَا يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ قَالَ: بِعَدَمِ وُجُوبِهَا (وَلَوْ أَكْمَلَ هَذَا الرَّجُلُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا لَمْ يُفْطِرْ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَيْهِ لِلِاحْتِيَاطِ) لِجَوَازِ وُقُوعِ الْغَلَطِ، كَمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَرَجَ فِي النَّاسِ يَتَفَقَّدُونَ الْهِلَالَ فَقَالَ وَاحِدٌ: الْهِلَالُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَمَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَمْسَحَ وَجْهَهُ بِالْمَاءِ ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَيْنَ الْهِلَالُ؟ قَالَ: فَقَدْته. فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَعَلَّ شَعْرَةً مِنْ شَعَرَاتِ حَاجِبِك قَامَتْ فَحَسِبْتهَا هِلَالًا (وَالِاحْتِيَاطُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي تَأْخِيرِ الْإِفْطَارِ وَلَوْ أَفْطَرَ) يَعْنِي بَعْدَ الثَّلَاثِينَ (لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ الَّتِي عِنْدَهُ) وَعَمَلًا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ» قَالَ: (وَإِذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ قَبِلَ الْإِمَامُ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ إلَخْ) كَلَامُهُ ظَاهِرٌ وَإِنَّمَا قَالَ (غَيْرُ مَقْبُولٍ) وَلَمْ يَقُلْ مَرْدُودٍ، لِأَنَّ حُكْمَهُ التَّوَقُّفُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] وَقَوْلُهُ (وَفِي إطْلَاقِ جَوَابِ الْكِتَابِ) يَعْنِي الْقُدُورِيَّ وَهُوَ قَوْلُهُ قَبِلَ الْإِمَامُ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ

يَدْخُلُ الْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ بَعْدَ مَا تَابَ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ خَبَرٌ دِينِيٌّ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ مِنْ وَجْهٍ، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ يَشْتَرِطُ الْمَثْنَى وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبِلَ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ فِي رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ» ثُمَّ إذَا قَبِلَ الْإِمَامُ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ وَصَامُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا لَا يُفْطِرُونَ فِيمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِلِاحْتِيَاطِ، وَلِأَنَّ الْفِطْرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَدْخُلُ الْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ خَبَرٌ) أَيْ لَيْسَ بِشَهَادَةٍ وَلِهَذَا لَمْ يَخْتَصَّ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ (وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ مِنْ وَجْهٍ) دُونَ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ وُجُوبَ الْعَمَلِ بِهِ إنَّمَا كَانَ بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي وَمِنْ حَيْثُ اخْتِصَاصُهُ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَمِنْ حَيْثُ اشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ (وَكَانَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ يَشْتَرِطُ الْمُثَنَّى وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي قَوْلَهُ لِأَنَّهُ أَمْرٌ دِينِيٌّ (وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبِلَ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنِّي رَأَيْت الْهِلَالَ يَعْنِي هِلَالَ رَمَضَانَ فَقَالَ: أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: يَا بِلَالُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ فَلْيَصُومُوا غَدًا» وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ كَمَا تَرَى. وَقَوْلُهُ (وَصَامُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا) يَعْنِي وَلَمْ يَرَوْا الْهِلَالَ (لَا يُفْطِرُونَ) وَمَبْنَى مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ مَا تَقَرَّرَ أَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَثْبُتُ ضِمْنًا، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ

لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمْ يُفْطِرُونَ وَيَثْبُتُ الْفِطْرُ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الرَّمَضَانِيَّةِ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ بِهَا ابْتِدَاءً كَاسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ بِنَاءً عَلَى النَّسَبِ الثَّابِتِ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ. قَالَ (وَإِذَا لَمْ تَكُنْ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ حَتَّى يَرَاهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ يَقَعُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ) لِأَنَّ التَّفَرُّدَ بِالرُّؤْيَةِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ يُوهِمُ الْغَلَطَ فَيَجِبُ التَّوَقُّفُ فِيهِ حَتَّى يَكُونَ جَمْعًا كَثِيرًا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْشَقُّ الْغَيْمُ عَنْ مَوْضِعِ الْقَمَرِ فَيَتَّفِقُ لِلْبَعْضِ النَّظَرُ، ثُمَّ قِيلَ فِي حَدِّ الْكَثِيرِ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خَمْسُونَ رَجُلًا اعْتِبَارًا بِالْقَسَامَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQابْتِدَاءً كَبَيْعِ الطَّرِيقِ وَالشُّرْبِ. وَقَوْلُهُ (كَاسْتِحْقَاقِ الرَّثِّ بِنَاءً عَلَى النَّسَبِ) إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى قَوْلِهِمَا دُونَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا لَمْ تَكُنْ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ) ظَاهِرٌ.

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَهْلِ الْمِصْرِ وَمَنْ وَرَدَ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ إذَا جَاءَ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ لِقِلَّةِ الْمَوَانِعِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ، وَكَذَا إذَا كَانَ عَلَى مَكَان مُرْتَفِعٍ فِي الْمِصْرِ قَالَ (وَمَنْ رَأَى هِلَالَ الْفِطْرِ وَحْدَهُ لَمْ يُفْطِرْ) احْتِيَاطًا، وَفِي الصَّوْمِ الِاحْتِيَاطُ فِي الْإِيجَابِ. قَالَ (وَإِذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ لَمْ يَقْبَلْ فِي هِلَالِ الْفِطْرِ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ نَفْعُ الْعَبْدِ وَهُوَ الْفِطْرُ فَأَشْبَهَ سَائِرَ حُقُوقِهِ، وَالْأَضْحَى كَالْفِطْرِ فِي هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ كَهِلَالِ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ نَفْعُ الْعِبَادِ وَهُوَ التَّوَسُّعُ بِلُحُومِ الْأَضَاحِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَهْلِ الْمِصْرِ) أَيْ لَا فَرْقَ فِي عَدَمِ الْقَبُولِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ بَيْنَ أَهْلِ الْمِصْرِ (وَمَنْ وَرَدَ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ: أَنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ إذَا جَاءَ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ لِقِلَّةِ الْمَوَانِعِ وَإِلَيْهِ) أَيْ إلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ (الْإِشَارَةُ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ) وَلَفْظُهُ: فَإِنْ كَانَ الَّذِي شَهِدَ بِذَلِكَ فِي الْمِصْرِ وَلَا عِلَّةَ فِي السَّمَاءِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ، وَوَجْهُ الْإِشَارَةِ أَنَّ التَّقْيِيدَ فِي الرِّوَايَةِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَاهُ فَكَانَ تَخْصِيصُهُ بِالْمِصْرِ، وَنَفْيُ الْعِلَّةِ فِي عَدَمِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ دَلِيلًا عَلَى قَبُولِهَا إذَا كَانَ الشَّاهِدُ خَارِجَ الْمِصْرِ أَوْ كَانَ فِي السَّمَاءِ عِلَّةٌ (وَكَذَا إذَا كَانَ فِي مَكَان مُرْتَفِعٍ فِي الْمِصْرِ) تُقْبَلُ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ رَأَى هِلَالَ الْفِطْرِ) وَاضِحٌ، وَكَذَا قَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ) وَقَوْلُهُ (وَهُوَ الْأَصَحُّ) احْتِرَازٌ عَمَّا رُوِيَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهُ كَهِلَالِ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ أَمْرٌ دِينِيٌّ وَهُوَ ظُهُورُ وَقْتِ الْحَجِّ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ نَفْعُ الْعِبَادِ)

(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ لَمْ يَقْبَلْ إلَّا شَهَادَةَ جَمَاعَةٍ يَقَعُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ) كَمَا ذَكَرْنَا. قَالَ (وَوَقْتُ الصَّوْمِ مِنْ حِينِ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ} [البقرة: 187] إلَى أَنْ قَالَ {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] وَالْخَيْطَانِ بَيَاضُ النَّهَارِ وَسَوَادُ اللَّيْلِ (وَالصَّوْمُ هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ نَهَارًا مَعَ النِّيَّةِ) لِأَنَّهُ فِي حَقِيقَةِ اللُّغَةِ: هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ لِوُرُودِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ زِيدَ عَلَيْهِ النِّيَّةُ فِي الشَّرْعِ لِتَتَمَيَّزَ بِهَا الْعِبَادَةُ مِنْ الْعَادَةِ، وَاخْتَصَّ بِالنَّهَارِ لِمَا تَلَوْنَا، وَلِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْوِصَالُ كَانَ تَعْيِينُ النَّهَارِ أَوْلَى لِيَكُونَ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ، وَعَلَيْهِ مَبْنَى الْعِبَادَةِ، وَالطَّهَارَةُ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ شَرْطٌ لِتَحَقُّقِ الْأَدَاءِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQدَلِيلُ الْأَصَحِّ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ) يَعْنِي فِي هِلَالِ الْفِطْرِ. وَقَوْلُهُ (كَمَا ذَكَرْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ التَّفَرُّدَ بِالرُّؤْيَةِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ إلَخْ. وَقَوْلُهُ (وَوَقْتُ الصَّوْمِ مِنْ حِينِ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي) قِيلَ الْعِبْرَةُ لِأَوَّلِ طُلُوعِهِ وَقِيلَ لِاسْتِنَارَتِهِ وَانْتِشَارِهِ، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: الْأَوَّلُ أَحْوَطُ، وَالثَّانِي: أَرْفَقُ. وَقَوْلُهُ (وَالْخَيْطَانِ) يَعْنِي أَنَّ الْخَيْطَ الْأَبْيَضَ هُوَ أَوَّلُ مَا يَبْدُو مِنْ الْفَجْرِ الصَّادِقِ وَهُوَ الْمُسْتَطِيرُ: أَيْ الْمُنْتَشِرُ الْمُعْتَرِضُ فِي الْأُفُقِ كَالْخَيْطِ الْمَمْدُودِ، وَالْخَيْطُ الْأَسْوَدُ مَا يَمْتَدُّ مَعَهُ مِنْ غَبَشِ اللَّيْلِ وَهُوَ الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيلُ وَالْكَاذِبُ وَذَنَبُ السِّرْحَانِ شُبِّهَا بِخَيْطَيْنِ أَبْيَضَ وَأَسْوَدَ وَمَوْضِعُهُ عِلْمُ الْبَيَانِ، وَاكْتَفَى بِبَيَانِ الْخَيْطِ الْأَبْيَضِ بِقَوْلِهِ {مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] عَنْ بَيَانِ الْأَسْوَدِ، لِأَنَّ الْبَيَانَ فِي أَحَدِهِمَا بَيَانٌ فِي الْآخَرِ. وَقَوْلُهُ (وَالصَّوْمُ هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ نَهَارًا مَعَ النِّيَّةِ) قِيلَ: هُوَ مَنْقُوضٌ طَرْدًا وَعَكْسًا، أَمَّا عَكْسًا فَبِأَكْلِ النَّاسِي فَإِنَّ صَوْمَهُ بَاقٍ وَالْإِمْسَاكَ فَائِتٌ، وَأَمَّا طَرْدًا فِيمَنْ أَكَلَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لِمَا أَنَّ النَّهَارَ اسْمٌ لِزَمَانٍ هُوَ مَعَ الشَّمْسِ، وَكَذَلِكَ فِي الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ فَإِنَّ هَذَا الْمَجْمُوعَ مَوْجُودٌ وَالصَّوْمُ فَائِتٌ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ: بِمَنْعِ فَوْتِ الْإِمْسَاكِ لِأَنَّ الْوَلَدَ بِهِ الْإِمْسَاكُ الشَّرْعِيُّ وَهُوَ مَوْجُودٌ. وَعَنْ الثَّانِي: بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّهَارِ النَّهَارُ الشَّرْعِيُّ، وَهُوَ الْيَوْمُ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ} [البقرة: 187] الْآيَةَ. وَعَنْ الْحَائِضِ بِأَنَّ الْحَائِضَ خَرَجَتْ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْأَدَاءِ شَرْعًا. وَقَوْلُهُ (وَالطَّهَارَةُ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ شَرْطٌ) الْمُرَادُ بِالطَّهَارَةِ مِنْهُمَا عَدَمُهُمَا لَا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَا الِاغْتِسَالُ.

[باب ما يوجب القضاء والكفارة]

قَالَ (وَإِذَا أَكَلَ الصَّائِمُ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ نَهَارًا نَاسِيًا لَمْ يُفْطِرْ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يُفْطِرَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ لِوُجُودِ مَا يُضَادُّ الصَّوْمَ فَصَارَ كَالْكَلَامِ نَاسِيًا فِي الصَّلَاةِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلَّذِي أَكَلَ وَشَرِبَ نَاسِيًا تِمَّ عَلَى صَوْمِك فَإِنَّمَا أَطْعَمَك اللَّهُ وَسَقَاك» ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ مَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ] َ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَنْوَاعِ الصَّوْمِ وَتَفْسِيرِهِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَجِبُ عِنْدَ إبْطَالِهِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ عَارِضٌ عَلَى الصَّوْمِ فَنَاسَبَ أَنْ يُذْكَرَ مُؤَخَّرًا (وَإِذَا أَكَلَ الصَّائِمُ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا لَمْ يُفْطِرْ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يُفْطِرَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِوُجُودِ مَا يُضَادُّ الصَّوْمَ) وَوُجُودُ مُضَادِّ الشَّيْءِ مُعْدِمٌ لَهُ لِاسْتِحَالَةِ وُجُودِ الضِّدَّيْنِ مَعًا (فَصَارَ كَالْكَلَامِ نَاسِيًا فِي الصَّلَاةِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي أَكَلَ وَشَرِبَ نَاسِيًا: تِمَّ عَلَى صَوْمِك فَإِنَّمَا أَطْعَمَك اللَّهُ وَسَقَاك» قِيلَ: هَذَا الْحَدِيثُ مُعَارِضٌ لِلْكِتَابِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ} [البقرة: 187] فَإِنَّ الصِّيَامَ إمْسَاكٌ وَقَدْ فَاتَ فَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِهِ لِأَنَّ انْتِفَاءَ رُكْنِ الشَّيْءِ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَهُ لَا مَحَالَةَ، وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى إيفَائِهِ كَمَا كَانَ فَيَجِبُ تَرْكُهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي الْكِتَابِ دَلَالَةً عَلَى أَنَّ النِّسْيَانَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] فَكَانَ الْحَدِيثُ مُوَافِقًا لِلْكِتَابِ فَيُعْمَلُ بِهِ، وَيُحْمَلُ قَوْله تَعَالَى {أَتِمُّوا الصِّيَامَ} [البقرة: 187] عَلَى حَالَةِ انْتِفَاءِ الْإِتْمَامِ عَمْدًا لِأَنَّ الْإِتْمَامَ فِعْلٌ اخْتِيَارِيٌّ فَيَكُونُ ضِدُّهُ الْمُفَوِّتُ لَهُ كَذَلِكَ، وَالنِّسْيَانُ لَيْسَ بِاخْتِيَارِيٍّ فَلَا يَفُوتُهُ. فَإِنْ قِيلَ: سَلَّمْنَا ذَلِكَ

وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ ثَبَتَ فِي الْوِقَاعِ لِلِاسْتِوَاءِ فِي الرُّكْنِيَّةِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ هَيْئَةَ الصَّلَاةِ مُذَكِّرَةٌ فَلَا يَغْلِبُ النِّسْيَانُ وَلَا مُذَكِّرَ فِي الصَّوْمِ فَيَغْلِبُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يُفَضِّلْ وَلَوْ كَانَ مُخْطِئًا أَوْ مُكْرَهًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَإِنَّهُ يَعْتَبِرُهُ بِالنَّاسِي، وَلَنَا أَنَّهُ لَا يَغْلِبُ وُجُودُهُ وَعُذْرُ النِّسْيَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَكِنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، فَكَيْفَ تَعَدَّى إلَى الْجِمَاعِ؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ ثَبَتَ فِي الْوِقَاعِ لِلِاسْتِوَاءِ فِي الرُّكْنِيَّةِ) يَعْنِي ثَبَتَ بِالدَّلَالَةِ لَا بِالْقِيَاسِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا نَظِيرٌ لِلْآخَرِ فِي كَوْنِ الْكَفِّ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا رُكْنًا فِي بَابِ الصَّوْمِ، وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الصَّلَاةِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ فَصَارَ كَالْكَلَامِ نَاسِيًا فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ وَاضِحٌ، وَكَذَا قَوْلُهُ (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ) . وَقَوْلُهُ (وَلَوْ كَانَ مُخْطِئًا) بِأَنْ كَانَ ذَاكِرًا لِلصَّوْمِ غَيْرَ قَاصِدٍ لِلشُّرْبِ فَتَمَضْمَضَ فَسَبَقَهُ الْمَاءُ فَدَخَلَ حَلْقَهُ (أَوْ مُكْرَهًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) عِنْدَنَا (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ يَعْتَبِرُهُ بِالنَّاسِي) فَإِنَّ النَّاسِيَ قَاصِدٌ الشُّرْبَ دُونَ الْخَاطِئِ، فَإِذَا كَانَ فِعْلُ الْقَاصِدِ مَعْفُوًّا فَفِعْلُ غَيْرِ الْقَاصِدِ أَوْلَى (وَلَنَا أَنَّهُ لَا يَغْلِبُ وُجُودُهُ) أَيْ الِاعْتِبَارُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَكَذَا الْإِلْحَاقُ

غَالِبٌ وَلِأَنَّ النِّسْيَانَ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ وَالْإِكْرَاهَ مِنْ قِبَلِ غَيْرِهِ فَيَفْتَرِقَانِ كَالْمُقَيَّدِ وَالْمَرِيضِ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ. قَالَ (فَإِنْ نَامَ فَاحْتَلَمَ لَمْ يُفْطِرْ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ الصِّيَامَ الْقَيْءُ وَالْحِجَامَةُ وَالِاحْتِلَامُ» ، وَلِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ صُورَةُ الْجِمَاعِ وَلَا مَعْنَاهُ وَهُوَ الْإِنْزَالُ عَنْ شَهْوَةٍ بِالْمُبَاشَرَةِ (وَكَذَا إذَا نَظَرَ إلَى امْرَأَةٍ فَأَمْنَى) لِمَا بَيَّنَّا فَصَارَ كَالْمُتَفَكِّرِ إذَا أَمْنَى ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالدَّلَالَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى النِّسْيَانِ، فَإِنَّ النِّسْيَانَ غَالِبُ الْوُجُودِ، وَالْخَطَأُ وَالْإِكْرَاهُ لَيْسَا كَذَلِكَ (وَلِأَنَّ النِّسْيَانَ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْحَقِّ) بِخِلَافِ غَيْرِهِ، (فَيَفْتَرِقَانِ كَالْمُقَيَّدِ وَالْمَرِيضِ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ) فَإِنَّ الْمُقَيَّدَ إذَا صَلَّى قَاعِدًا بِعُذْرِ الْقَيْدِ قَضَى بِخِلَافِ الْمَرِيضِ (فَإِنْ نَامَ فَاحْتَلَمَ لَمْ يُفْطِرْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ الصِّيَامُ: الْقَيْءُ، وَالْحِجَامَةُ، وَالِاحْتِلَامُ» وَلِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ صُورَةُ الْجِمَاعِ وَلَا مَعْنَاهُ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِعَدَمِ إيلَاجِ الْفَرْجِ فِي الْفَرْجِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِعَدَمِ الْإِنْزَالِ عَنْ شَهْوَةٍ بِالْمُبَاشَرَةِ، أَعْنِي بِمَسِّ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ (وَكَذَا إذَا نَظَرَ إلَى) وَجْهِ (امْرَأَةٍ) أَوْ فَرْجِهَا (فَأَمْنَى) أَيْ أَنْزَلَ الْمَنِيَّ لَا يُفْطِرُ (لِمَا بَيَّنَّا) أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْجِمَاعُ صُورَةً وَلَا مَعْنًى (فَصَارَ كَالْمُتَفَكِّرِ) فِي امْرَأَةٍ

وَكَالْمُسْتَمْنِي بِالْكَفِّ عَلَى مَا قَالُوا (وَلَوْ ادَّهَنَ لَمْ يُفْطِرْ) لِعَدَمِ الْمُنَافِي (وَكَذَا إذَا احْتَجَمَ) لِهَذَا وَلِمَا رَوَيْنَا (وَلَوْ اكْتَحَلَ لَمْ يُفْطِرْ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالدِّمَاغِ مَنْفَذٌ وَالدَّمْعُ يَتَرَشَّحُ كَالْعَرَقِ وَالدَّاخِلُ مِنْ الْمَسَامِّ لَا يُنَافِي ـــــــــــــــــــــــــــــQحَسْنَاءَ إذَا أَمْنَى (وَكَالْمُسْتَمْنِي بِالْكَفِّ) يَعْنِي إذَا عَالَجَ ذَكَرَهُ بِكَفِّهِ حَتَّى أَمْنَى لَمْ يُفْطِرْ (عَلَى مَا قَالُوا) أَيْ الْمَشَايِخُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ، وَأَبِي الْقَاسِمِ لِعَدَمِ الْجِمَاعِ صُورَةً وَمَعْنًى. وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَفْسُدُ صَوْمُهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ: الصَّائِمُ إذَا عَالَجَ ذَكَرَهُ بِيَدِهِ حَتَّى أَمْنَى يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ هُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّهُ وُجِدَ الْجِمَاعُ مَعْنًى. قِيلَ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مَعْنَى الْجِمَاعِ يَعْتَمِدُ الْمُبَاشَرَةَ عَلَى مَا قُلْنَا وَلَمْ يُوجَدْ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَاهُ وُجِدَ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْجِمَاعِ وَهُوَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ، وَهَلْ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ إنْ أَرَادَ الشَّهْوَةَ؟ لَا يَحِلُّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَاكِحُ الْيَدِ مَلْعُونٌ وَإِنْ أَرَادَ تَسْكِينَ مَا بِهِ مِنْ الشَّهْوَةِ أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ وَبَالٌ» (وَلَوْ ادَّهَنَ أَوْ احْتَجَمَ لَمْ يُفْطِرْ لِعَدَمِ الْمُنَافِي) وَقَوْلُهُ (لِمَا رَوَيْنَا) يَعْنِي بِهِ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ» الْحَدِيثَ (وَلَوْ اكْتَحَلَ لَمْ يُفْطِرْ) وَإِنْ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ (لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالدِّمَاغِ مَنْفَذٌ) فَمَا وَجَدَ فِي حَلْقِهِ مِنْ طَعْمِهِ إنَّمَا هُوَ أَثَرُهُ لَا عَيْنُهُ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مَنْفَذٌ لَمَا خَرَجَ الدَّمْعُ. أَجَابَ بِأَنَّ الدَّمْعَ يَرْتَشِحُ كَالْعَرَقِ: يَعْنِي أَنَّهُ دَاخِلٌ مِنْ

كَمَا لَوْ اغْتَسَلَ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ (وَلَوْ قَبَّلَ لَا يَفْسُدُ صَوْمٌ) يُرِيدُ بِهِ إذَا لَمْ يُنْزِلْ لِعَدَمِ الْمُنَافِي صُورَةً وَمَعْنًى بِخِلَافِ الرَّجْعَةِ وَالْمُصَاهَرَةِ لِأَنَّ الْحُكْمَ هُنَاكَ أُدِيرَ عَلَى السَّبَبِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. (وَإِنْ أَنْزَلَ بِقُبْلَةٍ أَوْ لَمْسٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ) لِوُجُودِ مَعْنَى الْجِمَاعِ وَوُجُودِ الْمُنَافِي صُورَةً أَوْ مَعْنًى يَكْفِي لِإِيجَابِ الْقَضَاءِ احْتِيَاطًا، أَمَّا الْكَفَّارَةُ فَتَفْتَقِرُ إلَى كَمَالِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ كَالْحُدُودِ (وَلَا بَأْسَ بِالْقُبْلَةِ إذَا أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ) أَيْ الْجِمَاعَ أَوْ الْإِنْزَالَ (وَيُكْرَهُ إذَا لَمْ يَأْمَنْ) لِأَنَّ عَيْنَهُ لَيْسَ بِمُفْطِرٍ وَرُبَّمَا يَصِيرُ فِطْرًا بِعَاقِبَتِهِ فَإِنْ أَمِنَ يُعْتَبَرُ عَيْنُهُ وَأُبِيحَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ تُعْتَبَرُ عَاقِبَتُهُ وَكُرِهَ لَهُ، وَالشَّافِعِيُّ أَطْلَقَ فِيهِ فِي الْحَالَيْنِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَسَامِّ وَالدَّاخِلُ مِنْهَا لَا يُنَافِي (كَمَا إذَا اغْتَسَلَ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ) فَوَجَدَ بُرُودَةَ الْمَاءِ فِي كَبِدِهِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ وَهُوَ بَاطِلٌ. وَذَلِكَ لِمَا رَوَى مَعْبَدُ بْنُ هَوْذَةَ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «عَلَيْكُمْ بِالْإِثْمِدِ الْمُرَوَّحِ وَقْتَ النَّوْمِ وَلِيَتَّقِهِ الصَّائِمُ» . أُجِيبَ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَدَبَ إلَى صَوْمِ عَاشُورَاءَ وَالِاكْتِحَالِ فِيهِ. وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى الِاكْتِحَالِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَهُوَ رَاجِحٌ عَلَى الْأَوَّلِ (وَلَوْ قَبَّلَ وَلَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ لِعَدَمِ الْمُنَافِي صُورَةً وَمَعْنًى) عَلَى مَا ذَكَرْنَا (بِخِلَافِ الرَّجْعَةِ وَالْمُصَاهَرَةِ) فَإِنَّهُمَا يَثْبُتَانِ بِالْقُبْلَةِ بِالشَّهْوَةِ وَكَذَا بِالْمَسِّ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ (لِأَنَّ حُكْمَهُمَا أُدِيرَ عَلَى السَّبَبِ) يَثْبُتُ بِسَبَبِ الْجِمَاعِ، كَمَا يَثْبُتُ بِهِ، وَلِهَذَا يَتَعَلَّقُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ لِأَنَّ مَبْنَاهُمَا عَلَى الِاحْتِيَاطِ، أَمَّا فَسَادُ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْجَمِيعِ إمَّا صُورَةً أَوْ مَعْنًى لَا بِسَبَبِهِ حَتَّى لَمْ يَفْسُدْ بِعَقْدِ النِّكَاحِ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ يُوجَدْ الْجِمَاعُ لَا صُورَةً وَلَا مَعْنًى فَلَمْ يَفْسُدْ الصَّوْمُ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا يَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ) أَيْ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ (وَإِنْ أَنْزَلَ بِقُبْلَةٍ أَوْ لَمْسٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ لِوُجُودِ مَعْنَى الْجِمَاعِ) وَهُوَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ بِالْمُبَاشَرَةِ (وَوُجُودُ الْمُنَافِي صُورَةً أَوْ مَعْنًى يَكْفِي لِإِيجَابِ الْقَضَاءِ احْتِيَاطًا أَمَّا الْكَفَّارَةُ فَتَفْتَقِرُ إلَى كَمَالِ الْجَنَابَةِ لِأَنَّهَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ كَالْحُدُودِ) وَهَذَا لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ أَعْلَى عُقُوبَاتِ الْمُفْطِرِ لِإِفْطَارِهِ فَلَا يُعَاقَبُ بِهَا إلَّا بَعْدَ بُلُوغِ الْجِنَايَةِ نِهَايَتَهَا وَلَمْ تَبْلُغْ نِهَايَتَهَا لِأَنَّ هَهُنَا جَنَابَةٌ مِنْ جِنْسِهَا أَبْلَغُ مِنْهَا، وَهِيَ الْجِمَاعُ صُورَةً وَمَعْنًى. وَقَوْلُهُ (وَلَا بَأْسَ بِالْقُبْلَةِ إذَا أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ) اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي مَرْجِعِ هَذَا الضَّمِيرِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرَادَ بِهِ الْأَمْنَ عَنْ الْوُقُوعِ فِي الْجِمَاعِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرَادَ بِهِ الْأَمْنَ مِنْ خُرُوجِ الْمَنِيِّ. وَقَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ إذَا لَمْ يَأْمَنْ) وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَالشَّافِعِيُّ أَطْلَقَ فِيهِ فِي الْحَالَيْنِ) أَيْ فِي جَوَازِ الْقُبْلَةِ فِي حَالِ أَمْنِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَدَمِهِ (وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي قَوْلَهُ لِأَنَّ

وَالْمُبَاشَرَةُ الْفَاحِشَةُ مِثْلُ التَّقْبِيلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَرِهَ الْمُبَاشَرَةَ الْفَاحِشَةَ لِأَنَّهَا قَلَّمَا تَخْلُو عَنْ الْفِتْنَةِ. (وَلَوْ دَخَلَ حَلْقَهُ ذُبَابٌ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِصَوْمِهِ لَمْ يُفْطِرْ) وَفِي الْقِيَاسِ يَفْسُدُ صَوْمُهُ لِوُصُولِ الْمُفْطِرِ إلَى جَوْفِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَغَذَّى بِهِ كَالتُّرَابِ وَالْحَصَاةِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ لَا يُسْتَطَاعُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَأَشْبَهَ الْغُبَارَ وَالدُّخَانَ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَطَرِ وَالثَّلْجِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَفْسُدُ لِإِمْكَانِ الِامْتِنَاعِ عَنْهُ إذَا آوَاهُ خَيْمَةٌ أَوْ سَقْفٌ (وَلَوْ أَكَلَ لَحْمًا بَيْنَ أَسْنَانِهِ فَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لَمْ يُفْطِرْ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا يُفْطِرُ) وَقَالَ زُفَرُ: يُفْطِرُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْفَمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَيْنَهُ لَيْسَ بِمُفْطِرٍ إلَخْ (وَالْمُبَاشَرَةُ الْفَاحِشَةُ) وَهِيَ أَنْ يُعَانِقَهَا مُتَجَرِّدَيْنِ وَيَمَسَّ ظَاهِرَ فَرْجِهِ ظَاهِرَ فَرْجِهَا (مِثْلُ التَّقْبِيلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) يُكْرَهُ إذَا لَمْ يَأْمَنْ وَلَا يُكْرَهُ إذَا أَمِنَ (وَعَنْ مُحَمَّدٍ) وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (أَنَّهُ كَرِهَ الْمُبَاشَرَةَ الْفَاحِشَةَ) لِلصَّائِمِ (لِأَنَّهَا قَلَّمَا تَخْلُو عَنْ الْفِتْنَةِ) . وَقَوْلُهُ (وَاخْتَلَفُوا) يَعْنِي الْمَشَايِخَ (فِي الْمَطَرِ وَالثَّلْجِ) فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمَطَرُ يُفْسِدُ وَالثَّلْجُ لَا يُفْسِدُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَلَى الْعَكْسِ، وَقَالَ عَامَّتُهُمْ بِإِفْسَادِهِمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ لِحُصُولِ الْمُفْطِرِ مَعْنًى وَ (لِإِمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ إذَا آوَاهُ خَيْمَةٌ أَوْ سَقْفٌ، وَلَوْ أَكَلَ لَحْمًا بَيْنَ أَسْنَانِهِ فَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لَمْ يُفْطِرْ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا يُفْطِرُ وَقَالَ زُفَرُ: يُفْطِرُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْفَمَ

لَهُ حُكْمُ الظَّاهِرِ حَتَّى لَا يَفْسُدَ صَوْمُهُ بِالْمَضْمَضَةِ. وَلَنَا أَنَّ الْقَلِيلَ تَابِعٌ لِأَسْنَانِهِ بِمَنْزِلَةِ رِيقِهِ بِخِلَافِ الْكَثِيرِ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى فِيمَا بَيْنَ الْأَسْنَانِ، وَالْفَاصِلُ مِقْدَارُ الْحِمَّصَةِ وَمَا دُونَهَا قَلِيلٌ (وَإِنْ أَخْرَجَهُ وَأَخَذَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ أَكَلَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَفْسُدَ صَوْمُهُ) لِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ: أَنَّ الصَّائِمَ إذَا ابْتَلَعَ سِمْسِمَةً بَيْنَ أَسْنَانِهِ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ وَلَوْ أَكَلَهَا ابْتِدَاءً يَفْسُدُ صَوْمُهُ وَلَوْ مَضَغَهَا لَا يَفْسُدُ لِأَنَّهَا تَتَلَاشَى وَفِي مِقْدَارِ الْحِمَّصَةِ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ زُفَرَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا لِأَنَّهُ طَعَامٌ مُتَغَيِّرٌ، وَلِأَبِي يُوسُفَ: أَنَّهُ يَعَافُهُ الطَّبْعُ. (فَإِنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ لَمْ يُفْطِرْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ حُكْمُ الظَّاهِرِ حَتَّى لَا يَفْسُدَ صَوْمُهُ بِالْمَضْمَضَةِ) وَلَوْ أَكَلَ الْقَلِيلَ مِنْ خَارِجٍ أَفْطَرَ عَلَى مَا يُذْكَرُ فَكَذَا إذَا أَكَلَ مِنْ فَمِهِ (وَلَنَا أَنَّ الْقَلِيلَ تَابِعٌ لِأَسْنَانِهِ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَكَانَ (بِمَنْزِلَةِ رِيقِهِ) وَلَوْ ابْتَلَعَ رِيقَهُ لَمْ يَفْسُدْ (بِخِلَافِ الْكَثِيرِ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى بَيْنَ الْأَسْنَانِ) فَكَانَ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ مُمْكِنًا (وَالْفَاصِلُ) إنْ كَانَ (مِقْدَارَ الْحِمَّصَةِ) فَهُوَ كَثِيرٌ (وَمَا دُونَهَا قَلِيلٌ) بِخِلَافِ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فِي بَابِ النَّجَاسَةِ فَإِنَّهُ الْفَاصِلُ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْقَلِيلِ لِأَنَّهُ أُخِذَ مِنْ قَدْرِ مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ، وَذَلِكَ الْقَدْرُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ مَعْفُوٌّ بِالْإِجْمَاعِ، حَتَّى لَمْ يُفْتَرَضْ الِاسْتِنْجَاءُ وَاكْتُفِيَ فِي إقَامَةِ سُنَّةِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ وَالْمَدَرِ، وَهُوَ لَا يُقْلِعُ النَّجَاسَةَ فَصَارَ قَدْرُ الدِّرْهَمِ مَعْفُوًّا فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ أَيْضًا قِيَاسًا عَلَيْهِ، وَأَمَّا هَهُنَا فَقَدْرُ الْحِمَّصَةِ لَا يَبْقَى فِي فُرَجِ الْأَسْنَانِ غَالِبًا فَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُهُ بِالرِّيقِ فَصَارَ كَثِيرًا. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ أَخْرَجَهُ وَأَخَذَهُ بِيَدِهِ) ظَاهِرٌ، وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ طَعَامٌ مُتَغَيِّرٌ) فَصَارَ كَاللَّحْمِ الْمُنْتِنِ (وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَعَافُهُ الطَّبْعُ) أَيْ يَكْرَهُهُ فَصَارَ مِنْ جِنْسِ مَا لَا

لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَاءَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَامِدًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ» وَيَسْتَوِي فِيهِ مِلْءُ الْفَمِ فَمَا دُونَهُ فَلَوْ عَادَ وَكَانَ مِلْءَ الْفَمِ فَسَدَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ خَارِجٌ حَتَّى انْتَقَضَ بِهِ الطَّهَارَةُ وَقَدْ دَخَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُتَغَذَّى بِهِ كَالتُّرَابِ. قَالَ (فَإِنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ) ذَرَعَهُ الْقَيْءُ سَبَقَ إلَى فِيهِ وَغَلَبَهُ فَخَرَجَ وَهُوَ لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ (لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَاءَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ» الْحَدِيثَ) وَقَاءَ وَاسْتَقَاءَ مَمْدُودَانِ، يُقَالُ: قَاءَ مَا أَكَلَ: إذَا أَلْقَاهُ، وَاسْتَقَاءَ وَتَقَيَّأَ تَكَلَّفَ فِي ذَلِكَ، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ إلَّا فِي مَوَاضِعَ نُنَبِّهُ عَلَيْهَا. وَقَوْلُهُ (وَيَسْتَوِي فِيهِ) أَيْ فِي الْقَيْءِ الَّذِي ذَرَعَهُ. وَقَوْلُهُ (فَلَوْ عَادَ) يَعْنِي مَا ذَرَعَهُ.

وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَفْسُدُ لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ صُورَةُ الْفِطْرِ وَهُوَ الِابْتِلَاعُ وَكَذَا مَعْنَاهُ لِأَنَّهُ لَا يَتَغَذَّى بِهِ عَادَةً، إنْ أَعَادَهُ فَسَدَ بِالْإِجْمَاعِ لِوُجُودِ الْإِدْخَالِ بَعْدَ الْخُرُوجِ فَتَتَحَقَّقُ صُورَةُ الْفِطْرِ. وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ فَعَادَ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ خَارِجٍ وَلَا صُنْعَ لَهُ فِي الْإِدْخَالِ، وَإِنْ أَعَادَهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَفْسُدُ صَوْمُهُ لِوُجُودِ الصُّنْعِ مِنْهُ فِي الْإِدْخَالِ (فَإِنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا مِلْءَ فِيهِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) لِمَا رَوَيْنَا وَالْقِيَاسُ مَتْرُوكٌ بِهِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الصُّورَةِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَفْسُدُ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ حُكْمًا ثُمَّ إنْ عَادَ لَمْ يَفْسُدْ عِنْدَهُ لِعَدَمِ سَبْقِ الْخُرُوجِ، وَإِنْ أَعَادَهُ فَعَنْهُ: أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ لِمَا ذَكَرْنَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَفْسُدُ) قِيلَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ كَمَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْ خُرُوجِهِ لَا يُمْكِنُ عَنْ عَوْدِهِ فَجُعِلَ عَفْوًا. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ غَيْرُ خَارِجٍ) تَعْلِيلُ أَبِي يُوسُفَ وَقَوْلُهُ (وَلَا صُنْعَ لَهُ فِي الْإِدْخَالِ) تَعْلِيلُ مُحَمَّدٍ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَقَاءَ نَاسِيًا لِصَوْمِهِ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ كَمَا لَوْ أَكَلَ نَاسِيًا. وَقَوْلُهُ (لِمَا رَوَيْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ» . وَقَوْلُهُ (فَعَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَقَوْلُهُ (لِمَا ذَكَرْنَا) يُرِيدُ بِهِ عَدَمَ الْخُرُوجِ

وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَفْسُدُ فَأَلْحَقَهُ بِمِلْءِ الْفَمِ لِكَثْرَةِ الصُّنْعِ. قَالَ: (وَمَنْ ابْتَلَعَ الْحَصَاةَ أَوْ الْحَدِيدَ أَفْطَرَ) لِوُجُودِ صُورَةِ الْفِطْرِ (وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) لِعَدَمِ الْمَعْنَى (وَمَنْ جَامَعَ فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ عَامِدًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) اسْتِدْرَاكًا لِلْمَصْلَحَةِ الْفَائِتَةِ (وَالْكَفَّارَةُ) لِتَكَامُلِ الْجِنَايَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِنْزَالُ فِي الْمَحَلَّيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَقَوْلُهُ (لِكَثْرَةِ الصُّنْعِ) وَهُوَ صُنْعُ الِاسْتِقَاءِ وَصُنْعُ الْإِعَادَةِ (وَمَنْ ابْتَلَعَ الْحَصَاةَ أَوْ الْحَدِيدَ أَفْطَرَ لِوُجُودِ صُورَةِ الْفِطْرِ) بِإِيصَالِ الشَّيْءِ إلَى بَاطِنِهِ (وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْمَعْنَى) أَيْ مَعْنَى الْفِطْرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ أَقْصَى عُقُوبَةٍ فِي الْإِفْطَارِ فَيَحْتَاجُ إلَى كَمَالِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ فِي نُقْصَانِهَا شُبْهَةَ الْعَدَمِ وَهِيَ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَقَالَ مَالِكٌ: تَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُفْطِرٌ غَيْرُ مَعْذُورٍ وَكُلُّ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ تَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَهُ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ جَامَعَ عَمْدًا)

اعْتِبَارًا بِالِاغْتِسَالِ، وَهَذَا لِأَنَّ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ يَتَحَقَّقُ دُونَهُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ شِبَعٌ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ لَا تَجِبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (اعْتِبَارًا بِالِاغْتِسَالِ) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا أَدْخَلَ وَلَمْ يُنْزِلْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ فَكَذَلِكَ الْكَفَّارَةُ. فَإِنْ قِيلَ: الْكَفَّارَةُ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَانْتِفَاءُ مَعْنَى الْجِمَاعِ وَهُوَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ يُورِثُ الشُّبْهَةَ، وَالِاغْتِسَالُ يَجِبُ بِالِاحْتِيَاطِ. فَقِيَاسُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ لَا يَكُونُ صَحِيحًا. فَالْجَوَابُ: أَنَّا نَمْنَعُ انْتِفَاءَ مَعْنَى الْجِمَاعِ لِأَنَّ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ يَتَحَقَّقُ دُونَ الْإِنْزَالِ، وَالْإِنْزَالُ شِبَعٌ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَكَلَ لُقْمَةً وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الشِّبَعُ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَهَذَا لِأَنَّ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ يَتَحَقَّقُ دُونَهُ) وَلَوْ جَامَعَ فِي الْمَوْضِعِ الْمَكْرُوهِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ

الْكَفَّارَةُ بِالْجِمَاعِ فِي الْمَوْضِعِ الْمَكْرُوهِ اعْتِبَارًا بِالْحَدِّ عِنْدَهُ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تَجِبُ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ مُتَكَامِلَةٌ لِقَضَاءِ الشَّهْوَةِ (وَلَوْ جَامَعَ مَيْتَةً أَوْ بَهِيمَةً فَلَا كَفَّارَةَ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَكَامُلُهَا بِقَضَاءِ الشَّهْوَةِ فِي مَحَلٍّ مُشْتَهًى وَلَمْ يُوجَدْ، ثُمَّ عِنْدَنَا كَمَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْوِقَاعِ عَلَى الرَّجُلِ تَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلٍ: لَا تَجِبُ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْجِمَاعِ وَهُوَ فِعْلُهُ وَإِنَّمَا هِيَ مَحَلُّ الْفِعْلِ، وَفِي قَوْلٍ: تَجِبُ، وَيَتَحَمَّلُ الرَّجُلُ عَنْهَا اعْتِبَارًا بِمَاءِ الِاغْتِسَالِ. وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُظَاهِرِ» وَكَلِمَةُ مَنْ تَنْتَظِمُ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ، وَلِأَنَّ السَّبَبَ جِنَايَةُ الْإِفْسَادِ لَا نَفْسُ الْوِقَاعِ وَقَدْ شَارَكْته فِيهَا وَلَا يَتَحَمَّلُ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ أَوْ عُقُوبَةٌ، وَلَا يَجْرِي فِيهَا التَّحَمُّلُ. (وَلَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ مَا يَتَغَذَّى بِهِ أَوْ يَتَدَاوَى بِهِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ، فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ (اعْتِبَارًا بِالْحَدِّ عِنْدَهُ) فَإِنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ هَذَا الْفِعْلَ جِنَايَةً كَامِلَةً فِي إيجَابِ الْعُقُوبَةِ الَّتِي تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَهَذِهِ عُقُوبَةٌ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ كَالْحَدِّ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ عَنْهُ أَنَّ عَلَيْهِمَا الْكَفَّارَةَ وَهُوَ الْأَصَحُّ (لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ مُتَكَامِلَةٌ لِقَضَاءِ الشَّهْوَةِ) إنَّمَا يَدَّعِي أَبُو حَنِيفَةَ النُّقْصَانَ فِي مَعْنَى الزِّنَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ إفْسَادُ الْفِرَاشِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ مَا هُوَ عُقُوبَةٌ كَامِلَةٌ انْتِفَاءُ مَا فِيهِ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ، (وَلَوْ جَامَعَ مَيِّتَةً أَوْ بَهِيمَةً فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ) فَإِنْ أَنْزَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ فَاتَ صُورَةُ الْكَفِّ فَصَارَ كَالْجِمَاعِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ السَّبَبَ لِلْكَفَّارَةِ عِنْدَهُ الْجِمَاعُ الْمُعْدِمُ لِلصُّورَةِ، وَقَدْ وُجِدَ. وَلَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَعْتَمِدُ الْجِنَايَةَ الْكَامِلَةَ (وَتَكَامُلُهَا بِقَضَاءِ الشَّهْوَةِ فِي مَحَلٍّ مُشْتَهًى وَلَمْ يُوجَدْ) أَلَا تَرَى أَنَّ الطِّبَاعَ السَّلِيمَةَ تَنْفِرُ عَنْهَا، فَإِنْ حَصَلَ بِهِ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ فَذَلِكَ لِغَلَبَةِ الشَّبَقِ أَوْ لِفَرْطِ السَّفَهِ فَهُوَ كَمَنْ يَتَكَلَّفُ لِقَضَاءِ شَهْوَتِهِ بِيَدِهِ لَا تَتِمُّ جِنَايَتُهُ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ فَكَذَا هَذَا. وَقَوْلُهُ (اعْتِبَارًا بِمَاءِ الِاغْتِسَالِ) وَالْمَعْنَى: أَنَّ هَذِهِ مُؤْنَةٌ أَوْقَعَهَا الزَّوْجُ فِيهَا فَيَتَحَمَّلُهَا عَنْهَا كَثَمَنِ مَاءِ الِاغْتِسَالِ. (وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُظَاهِرِ» وَكَلِمَةُ مَنْ تَنْتَظِمُ الْإِنَاثَ كَالذُّكُورِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ} [الأحزاب: 31] (وَلِأَنَّ سَبَبَ الْكَفَّارَةِ جِنَايَةُ إفْسَادِ الصَّوْمِ لَا نَفْسُ الْوِقَاعِ) لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ (وَقَدْ شَارَكَتْهُ فِي ذَلِكَ) فَوَجَبَتْ عَلَيْهَا كَمَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَهَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يَتَحَمَّلُ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ أَوْ عُقُوبَةٌ وَلَا يَجْرِي فِيهِمَا التَّحَمُّلُ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ الثَّانِي (وَلَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ مَا يُتَغَذَّى بِهِ أَوْ يُتَدَاوَى بِهِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ)

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ فِي الْوِقَاعِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لِارْتِفَاعِ الذَّنْبِ بِالتَّوْبَةِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ. وَلَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَعَلَّقَتْ بِجِنَايَةِ الْإِفْطَارِ فِي رَمَضَانَ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ وَقَدْ تَحَقَّقَتْ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ فِي الْوِقَاعِ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِارْتِفَاعِ الذَّنْبِ بِالتَّوْبَةِ) بَيَانُهُ أَنَّ الْأَعْرَابِيَّ جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَائِبًا نَادِمًا وَالتَّوْبَةُ رَافِعَةٌ لِلذَّنْبِ بِالنَّصِّ، وَمَعَ ذَلِكَ أَوْجَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكَفَّارَةَ، فَعُلِمَ أَنَّهَا ثَبَتَتْ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ (وَلَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَعَلَّقَتْ بِجِنَايَةِ الْإِفْطَارِ فِي رَمَضَانَ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ) وَهُوَ الْإِفْطَارُ صُورَةً بِإِيصَالِ شَيْءٍ إلَى جَوْفٍ، وَمَعْنًى بِقَضَاءِ الشَّهْوَةِ. لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُظَاهِرِ» وَلَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ الْمُفْطِرَ، وَلِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْطَرْت فِي رَمَضَانَ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ وَلَا سَفَرٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ: أَعْتِقْ رَقَبَةً» وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَمَّا أَفْطَرَ بِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَخْتَلِفُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ حَالِهِ بِالْمَرَضِ وَالسَّفَرِ لِاخْتِلَافِ حُكْمِ الْحَالِ (وَ) الْجِنَايَةُ بِالْإِفْطَارِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ (قَدْ تَحَقَّقَتْ) . فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرْتُمْ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ انْحِصَارِ الْكَفَّارَةِ فِي الْوِقَاعِ وَمُدَّعَاكُمْ الْجِنَايَةَ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ فَلَا مُطَابَقَةَ بَيْنَ الدَّلِيلِ وَالْمَدْلُولِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ هُوَ ذَلِكَ، وَأَمَّا وُجُوبُ الْجِنَايَةِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ فَثَابِتٌ بِمُسَاعَدَةِ الْخَصْمِ لَكِنَّهُ يَقُولُ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ وَنَحْنُ نَنْفِيهِ. وَعُورِضَ بِأَنَّ الْكَفَّارَةَ بِنَفْسِ الْوِقَاعِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَلْزَمَ الْكَفَّارَةَ إلَّا فِي مُقَابَلَةِ مَا سُئِلَ عَنْهُ مِنْ الْوِقَاعِ. وَالْجَوَابُ: أَنَّ تَعَلُّقَهَا بِهِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ وِقَاعٌ أَوْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ وِقَاعٌ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ فِي الْأَصْلِ بِجِنَايَةٍ

وَبِإِيجَابِ الْإِعْتَاقِ تَكْفِيرًا عُرِفَ أَنَّ التَّوْبَةَ غَيْرُ مُكَفِّرَةٍ لِهَذِهِ الْجِنَايَةِ. ثُمَّ قَالَ (وَالْكَفَّارَةُ مِثْلُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ) لِمَا رَوَيْنَا، وَلِحَدِيثِ «الْأَعْرَابِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْت وَأَهْلَكْت. فَقَالَ: مَاذَا صَنَعْت. قَالَ: وَاقَعْت امْرَأَتِي فِي نَهَارِ رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَعْتِقْ رَقَبَةً. فَقَالَ: لَا أَمْلِكُ إلَّا رَقَبَتِي هَذِهِ، فَقَالَ: صُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ. فَقَالَ: وَهَلْ جَاءَنِي مَا جَاءَنِي إلَّا مِنْ الصَّوْمِ فَقَالَ: أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا. فَقَالَ: لَا أَجِدُ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُؤْتَى بِفَرْقٍ مِنْ تَمْرٍ. وَيُرْوَى بِعِرْقٍ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا، وَقَالَ: فَرِّقْهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْ الْمَدِينَةِ أَحَدٌ أَحْوَجُ مِنِّي وَمِنْ عِيَالِي، فَقَالَ: كُلْ أَنْتَ وَعِيَالُك، يَجْزِيَك وَلَا يَجْزِي أَحَدًا بَعْدَك» ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ يُخَيَّرُ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ التَّرْتِيبُ وَعَلَى مَالِكٍ فِي نَفْيِ التَّتَابُعِ لِلنَّصِّ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا يَسْتَلْزِمُهَا، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَهُوَ مُسَلَّمٌ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ بِالْإِفْطَارِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ بِجِهَةٍ خَاصَّةٍ، وَإِذَا كَانَ غَيْرُهُ فِي مَعْنَاهُ أُلْحِقَ بِهِ دَلَالَةً لَا قِيَاسًا، وَتَمَامُ تَقْرِيرِهِ مَذْكُورٌ فِي التَّقْرِيرِ. وَقَوْلُهُ (وَبِإِيجَابِ الْإِعْتَاقِ تَكْفِيرًا) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ لِارْتِفَاعِ الذَّنْبِ بِالتَّوْبَةِ. وَتَقْرِيرُهُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ تَرْتَفِعُ بِالتَّوْبَةِ فَإِنَّ الشَّرْعَ لَمَّا أَوْجَبَ الْإِعْتَاقَ كَفَّارَةً لِهَذِهِ الْجِنَايَةِ عُلِمَ أَنَّهَا غَيْرُ مُكَفِّرَةٍ لَهَا كَجِنَايَةِ السَّرِقَةِ وَالزِّنَا، حَيْثُ لَا يَرْتَفِعَانِ بِمُجَرَّدِ التَّوْبَةِ بَلْ بِالْحَدِّ. وَقَوْلُهُ (وَالْكَفَّارَةُ مِثْلُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ لِمَا رَوَيْنَا) يَعْنِي مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَلِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ) وَهُوَ مَشْهُورٌ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (بِفَرْقٍ) قَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ. وَقَوْلُهُ (وَهُوَ) أَيْ حَدِيثٌ (حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ: يُخَيَّرُ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ التَّرْتِيبُ) وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَعَلَى مَالِكٍ فِي نَفْيِ التَّتَابُعِ لِلنَّصِّ عَلَيْهِ) بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ» قَالَ فِي النِّهَايَةِ: مَا مَعْنَاهُ أَنَّ نِسْبَةَ التَّخْيِيرِ إلَى الشَّافِعِيِّ، وَنَفْيَ التَّتَابُعِ إلَى مَالِكٍ سَهْوٌ، بَلْ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ بِالتَّرْتِيبِ كَمَا نَقُولُ: دَلَّ عَلَى ذَلِكَ كُتُبُهُمْ وَكُتُبُ أَصْحَابِنَا، وَالْقَائِلُ بِعَدَمِ التَّتَابُعِ هُوَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى الْقَائِلُ بِالتَّخْيِيرِ. احْتَجَّ بِحَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنِّي أَفْطَرْت فِي رَمَضَانَ فَقَالَ: أَعْتِقْ رَقَبَةً أَوْ صُمْ شَهْرَيْنِ أَوْ أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا» وَقُلْنَا: حَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ مَشْهُورٌ

(وَمَنْ جَامَعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) لِوُجُودِ الْجِمَاعِ مَعْنًى (وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) لِانْعِدَامِهِ صُورَةً (وَلَيْسَ فِي إفْسَادِ صَوْمِ غَيْرِ رَمَضَانَ كَفَّارَةٌ) لِأَنَّ الْإِفْطَارَ فِي رَمَضَانَ أَبْلَغُ فِي الْجِنَايَةِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ. (وَمَنْ احْتَقَنَ أَوْ اسْتَعَطَ أَوْ أَقْطَرَ فِي أُذُنِهِ أَفْطَرَ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ» ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُعَارِضُهُ هَذَا الْحَدِيثُ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ بَيَانُ مَا بِهِ تَتَأَدَّى الْكَفَّارَةُ فِي الْجُمْلَةِ لَا التَّخْيِيرُ. وَاحْتَجَّ الْقَائِلُ بِنَفْيِ التَّتَابُعِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْقَضَاءِ. وَمَا رَوَيْنَا حُجَّةٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَاسِدٌ . قَالَ (وَمَنْ جَامَعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ إلَخْ) أَرَادَ بِالْفَرْجِ الْقُبُلَ وَالدُّبُرَ فَكَانَ مَا دُونَهُ هُوَ التَّفْخِيذُ وَالتَّبْطِينُ وَالْجِمَاعُ فِيهِ جِمَاعٌ مَعْنًى فَأَوْجَبَ الْقَضَاءَ وَلَيْسَ بِهِ صُورَةً فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ (وَلَيْسَ فِي إفْسَادِ صَوْمِ غَيْرِ رَمَضَانَ كَفَّارَةٌ) لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ فِي إفْطَارِ صَوْمِهِ وَجَبَتْ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا قِيَاسَ، وَلَيْسَ غَيْرُهُ فِي مَعْنَاهُ (لِأَنَّ الْإِفْطَارَ فِي رَمَضَانَ أَبْلَغُ فِي الْجِنَايَةِ) لِكَوْنِهَا جِنَايَةً عَلَى الصَّوْمِ وَالشَّهْرِ جَمِيعًا وَغَيْرُهُ جِنَايَةٌ عَلَى الصَّوْمِ وَحْدَهُ لِأَنَّ الْوَقْتَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ لِذَلِكَ (فَلَا يُلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ) خِلَافُ الْكَفَّارَةِ فِي الْحَجِّ حَيْثُ يَسْتَوِي فِيهَا الْفَرْضُ وَالنَّفَلُ لِأَنَّ وُجُوبَهَا لِحُرْمَةِ الْعِبَادَةِ وَهُمَا فِيهَا سَوَاءٌ (وَمَنْ احْتَقَنَ أَوْ اسْتَعَطَ) أَيْ اسْتَعْمَلَ الدَّوَاءَ بِالْحُقْنَةِ أَوْ السُّعُوطِ وَهُوَ الدَّوَاءُ الَّذِي يُصَبُّ فِي الْأَنْفِ وَهُمَا عَلَى بِنَاءِ الْفَاعِلِ (أَوْ أُقْطِرَ فِي أُذُنِهِ) عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: كَذَا وَجَدْت بِخَطِّ شَيْخِي (أَفْطَرَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ» ) وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ.

وَلِوُجُودِ مَعْنَى الْفِطْرِ، وَهُوَ وُصُولُ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ إلَى الْجَوْفِ (وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) لِانْعِدَامِهِ صُورَةً. (وَلَوْ أَقْطَرَ فِي أُذُنِهِ الْمَاءَ أَوْ دَخَّلَهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ) لِانْعِدَامِ الْمَعْنَى وَالصُّورَةِ. بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلَهُ الدُّهْنُ (وَلَوْ دَاوَى جَائِفَةً أَوْ آمَّةً بِدَوَاءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَإِنْ دَاوَى جَائِفَةً أَوْ آمَّةً) الْجَائِفَةُ اسْمٌ لِجِرَاحَةٍ وَصَلَتْ إلَى الْجَوْفِ، وَالْآمَّةُ اسْمٌ لِجِرَاحَةٍ وَصَلَتْ إلَى الدِّمَاغِ

فَوَصَلَ إلَى جَوْفِهِ أَوْ دِمَاغِهِ أَفْطَرَ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَاَلَّذِي يَصِلُ هُوَ الرَّطْبُ، وَقَالَا: لَا يُفْطِرُ لِعَدَمِ التَّيَقُّنِ بِالْوُصُولِ لِانْضِمَامِ الْمَنْفَذِ مَرَّةً وَاتِّسَاعِهِ أُخْرَى، كَمَا فِي الْيَابِسِ مِنْ الدَّوَاءِ. وَلَهُ أَنَّ رُطُوبَةَ الدَّوَاءِ تَلَاقِي رُطُوبَةَ الْجِرَاحَةِ فَيَزْدَادُ مَيْلًا إلَى الْأَسْفَلِ فَيَصِلُ إلَى الْجَوْفِ، بِخِلَافِ الْيَابِسِ لِأَنَّهُ يُنَشِّفُ رُطُوبَةَ الْجِرَاحَةِ فَيَنْسَدُّ فَمُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاَلَّذِي يَصِلُ هُوَ الرَّطْبُ) وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالرَّطْبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَرْقًا بَيْنَ الدَّوَاءِ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ، وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْوُصُولِ، حَتَّى إذَا عَلِمَ أَنَّ الدَّوَاءَ الْيَابِسَ وَصَلَ إلَى جَوْفِهِ فَسَدَ صَوْمُهُ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الرَّطْبَ لَمْ يَصِلْ إلَى جَوْفِهِ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ عِنْدَهُ إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ الرَّطْبَ وَالْيَابِسَ بِنَاءً عَلَى الْعَادَةِ، فَالْيَابِسُ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْجِرَاحَةِ لِاسْتِمْسَاكِ رَأْسِهَا بِهِ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْبَاطِنِ، وَالرَّطْبُ يَصِلُ إلَى الْبَاطِنِ عَادَةً فَلِهَذَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا

(وَلَوْ أَقْطَرَ فِي إحْلِيلِهِ لَمْ يُفْطِرْ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُفْطِرُ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ: مُضْطَرِبٌ فِيهِ فَكَأَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَوْفِ مَنْفَذًا، وَلِهَذَا يَخْرُجُ مِنْهُ الْبَوْلُ، وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمَثَانَةَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ وَالْبَوْلُ يَتَرَشَّحُ مِنْهُ، وَهَذَا لَيْسَ مِنْ بَابِ الْفِقْهِ (وَمَنْ ذَاقَ شَيْئًا بِفَمِهِ لَمْ يُفْطِرْ) لِعَدَمِ الْفِطْرِ صُورَةً وَمَعْنًى (وَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِ الصَّوْمِ عَلَى الْفَسَادِ. (وَيُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَمْضُغَ لِصَبِيِّهَا الطَّعَامَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ أُقْطِرَ فِي إحْلِيلِهِ لَمْ يُفْطِرْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُفْطِرُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ) ذَكَرَ قَوْلَهُ فِي الْأَصْلِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ مَعَ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْجُوزَجَانِيُّ فِي الْأَصْلِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ: ثُمَّ إنَّ مُحَمَّدًا شَكَّ فِي ذَلِكَ، فَوَقَفَ، وَمَا ذَكَرَهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ظَاهِرٌ. وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ مُحَمَّدٌ لِأَنَّهُ شَكَّ فِي وُجُودِ الْمَنْفَذِ مِنْ الْإِحْلِيلِ إلَى الْجَوْفِ. وَتَكَلَّمُوا فِي الْإِفْطَارِ فِي أَقْبَالِ النِّسَاءِ. فَقِيلَ: هُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ. وَقِيلَ: يُشْبِهُ الْحُقْنَةَ فَيُفْسِدُ الصَّوْمَ بِلَا خِلَافٍ. قِيلَ: وَهُوَ الْأَصَحُّ. قَوْلُهُ (وَمَنْ ذَاقَ شَيْئًا بِفَمِهِ) الذَّوْقُ بِالْفَمِ قُوَّةٌ مُثَبَّتَةٌ فِي الْعَصَبِ الْمَفْرُوشِ عَلَى جِرْمِ اللِّسَانِ وَإِدْرَاكُ الذَّوْقِ بِمُخَالَطَةِ الرُّطُوبَةِ اللُّعَابِيَّةِ الْمُنْبَعِثَةِ مِنْ الْآلَةِ الْمُسَمَّاةِ بِالْمُلَعِّبَةِ بِالْمَذُوقِ وَوُصُولِهِ إلَى الْعَصَبِ: وَلَيْسَ فِي هَذَا الْمَعْنَى مَا يُوجِبُ الْفِطْرَ لَا صُورَةً وَلَا مَعْنًى (وَيُكْرَهُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِ الصَّوْمِ عَلَى الْفَسَادِ) بِسَبِيلِ التَّسَبُّبِ

إذَا كَانَ لَهَا مِنْهُ بُدٌّ) لِمَا بَيَّنَّا (وَلَا بَأْسَ إذَا لَمْ تَجِدْ مِنْهُ بُدًّا) صِيَانَةً لِلْوَلَدِ. أَلَا تَرَى أَنَّ لَهَا أَنْ تُفْطِرَ إذَا خَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا (وَمَضْغُ الْعَلْكِ لَا يُفَطِّرُ الصَّائِمَ) لِأَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى جَوْفِهِ. وَقِيلَ: إذَا لَمْ يَكُنْ مُلْتَئِمًا يَفْسُدُ لِأَنَّهُ يَصِلُ إلَيْهِ بَعْضُ أَجْزَائِهِ. وَقِيلَ: إذَا كَانَ أَسْوَدَ يَفْسُدُ وَإِنْ كَانَ مُلْتَئِمًا لِأَنَّهُ يَتَفَتَّتُ (إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِ الصَّوْمِ لِلْفَسَادِ، وَلِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِالْإِفْطَارِ وَلَا يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ صَائِمَةً لِقِيَامِهِ مَقَامَ السِّوَاكِ فِي حَقِّهِنَّ، وَيُكْرَهُ لِلرِّجَالِ عَلَى مَا قِيلَ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ غَلَّةٍ، وَقِيلَ: لَا يُسْتَحَبُّ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ: بِالنِّسَاءِ. (وَلَا بَأْسَ بِالْكُحْلِ وَدَهْنِ الشَّارِبِ) لِأَنَّهُ نَوْعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْجَاذِبَةَ قَوِيَّةٌ إذَا كَانَ صَائِمًا فَلَا يَأْمَنُ مِنْ أَنْ تَجْذِبَ شَيْئًا مِنْهُ إلَى الْبَاطِنِ. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى التَّعْرِيضِ. وَقَوْلُهُ (وَمَضْغُ الْعِلْكِ لَا يُفَطِّرُ) أَطْلَقَ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ. وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكُلَّ وَاحِدٌ وَالتَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ " وَمَضْغُ الْعِلْكِ لَا يُفَطِّرُ " وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِالْإِفْطَارِ) يَعْنِي. أَنَّ مَنْ رَآهُ يَتَوَهَّمُ أَنَّهُ يَأْكُلُ شَيْئًا فَيَتَّهِمُهُ، وَقَدْ قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إيَّاكَ وَمَا يَسْبِقُ إلَى الْقُلُوبِ إنْكَارُهُ. وَإِنْ كَانَ عِنْدَك اعْتِذَارُهُ. وَقَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ) ظَاهِرٌ وَالْكَرَاهَةُ تَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الِاسْتِحْبَابِ، وَلَا يَنْعَكِسُ لِأَنَّ الْمُبَاحَاتِ لَا تُوصَفُ بِهِمَا. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِالْكَحْلِ وَدَهْنِ الشَّارِبِ إلَخْ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْفَاءُ مِنْهُمَا مَفْتُوحًا فَيَكُونَانِ مَصْدَرَيْنِ مِنْ كَحَلَ عَيْنَهُ كَحْلًا، وَدَهَنَ رَأْسَهُ دَهْنًا: إذَا طَلَاهُ بِالدُّهْنِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُومًا وَيَكُونَ مَعْنَاهُ وَلَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِ الْكُحْلِ وَالدُّهْنِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا وَجْهُ تَكْرِيرِ مَسْأَلَةِ الْكُحْلِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَوْ اكْتَحَلَ لَمْ يُفْطِرْ. ثُمَّ قَالَ: بِالْكُحْلِ، ثُمَّ قَالَ وَلَا بَأْسَ بِالِاكْتِحَالِ. أُجِيبَ: بِأَنَّ الْأَوَّلَ وَضْعُ الْقُدُورِيِّ، وَالثَّانِيَ: وَضْعُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَالثَّالِثَ: وَضْعُ

ارْتِفَاقٍ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الصَّوْمِ، وَقَدْ نَدَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الِاكْتِحَالِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَإِلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَتَاوَى وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا فَائِدَةٌ، فَأَمَّا فَائِدَةُ الْأَوَّلِ فَمَا اُسْتُفِيدَ مِنْ عَدَمِ تَفْطِيرِ الِاكْتِحَالِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا يَكُونَ مَكْرُوهًا، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا وَلَا يُفْطِرُ كَمَا إذَا ذَاقَ بِلِسَانِهِ شَيْئًا فَبِالثَّانِي نَفْيُ ذَلِكَ، ثُمَّ قَدْ يَخْتَلِفُ

الصَّوْمِ فِيهِ، وَلَا بَأْسَ بِالِاكْتِحَالِ لِلرِّجَالِ إذَا قَصَدَ بِهِ التَّدَاوِي دُونَ الزِّينَةِ، وَيُسْتَحْسَنُ دَهْنُ الشَّارِبِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ الزِّينَةُ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَ الْخِضَابِ، وَلَا يُفْعَلُ لِتَطْوِيلِ اللِّحْيَةِ إذَا كَانَتْ بِقَدْرِ الْمَسْنُونِ وَهُوَ الْقُبْضَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQحُكْمُهُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ كَمَا فِي الْعِلْكِ، فَأَعْلَمَ بِالثَّالِثِ أَنَّهُمَا لَا يَفْتَرِقَانِ إذَا لَمْ يَكُنْ قَصْدُ الرَّجُلِ الزِّينَةَ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَ الْخِضَابِ) يَعْنِي وَبِالْخِضَابِ جَاءَتْ السُّنَّةُ لَكِنْ لِحَاجَةٍ غَيْرِ الزِّينَةِ، وَالْقُبْضَةُ بِضَمِّ الْقَافِ وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْخُذُ مِنْ لِحْيَتِهِ مِنْ طُولِهَا وَعَرْضِهَا» أَوْرَدَهُ أَبُو عِيسَى فِي جَامِعِهِ، وَقَالَ: مِنْ سَعَادَةِ الرَّجُلِ خِفَّةُ لِحْيَتِهِ. وَذَكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي آثَارِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْبِضُ

(وَلَا بَأْسَ بِالسِّوَاكِ الرَّطْبِ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ لِلصَّائِمِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَيْرُ خِلَالِ الصَّائِمِ السِّوَاكُ» مِنْ خَيْرِ فَصْلٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُكْرَهُ بِالْعَشِيِّ لِمَا فِيهِ مِنْ إزَالَةِ الْأَثَرِ الْمَحْمُودِ، وَهُوَ الْخُلُوفُ فَشَابَهُ دَمَ الشَّهِيدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى لِحْيَتِهِ وَيَقْطَعُ مَا وَرَاءَ الْقَبْضَةِ، وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وَقَوْلُهُ (وَلَا بَأْسَ بِالسِّوَاكِ الرَّطْبِ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ) ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ لِلصَّائِمِ يَسْتَاكُ بِالسِّوَاكِ الرَّطْبِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ رُطُوبَتَهُ بِالْمَاءِ أَوْ بِالرُّطُوبَةِ الْأَصْلِيَّةِ الَّتِي تَكُونُ لِلْأَشْجَارِ، وَلَا ذَكَرَ أَنَّهُ بَلَّهُ بِرِيقِهِ أَوْ بِالْمَاءِ، وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا بَأْسَ بِالسِّوَاكِ الرَّطْبِ بِالْمَاءِ لِلصَّائِمِ فِي الْفَرِيضَةِ فَكَانَ تَفْسِيرًا لِمَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ وَيَدُلُّ عَلَى الرَّطْبِ بِالرُّطُوبَةِ الْأَصْلِيَّةِ بِالْإِلْحَاقِ، وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّطْبِ الْأَخْضَرِ وَبَيْنَ الْمَبْلُولِ بِالْمَاءِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَيْرُ خِلَالِ الصَّائِمِ السِّوَاكُ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الرَّطْبَيْنِ وَبَيْنَ الْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ. وَيَنْتَفِي بِهِ مَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: أَنَّ الرَّطْبَ بِالْمَاءِ مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إدْخَالِ الْمَاءِ فِي الْفَمِ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا يَبْقَى مِنْ الرُّطُوبَةِ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ أَكْثَرُ مَا يَبْقَى بَعْدَ السِّوَاكِ. ثُمَّ لَمْ يُكْرَهْ لِلصَّائِمِ الْمَضْمَضَةُ فَكَذَا السِّوَاكُ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُكْرَهُ بِالْعَشِيِّ لِمَا فِيهِ مِنْ إزَالَةِ الْأَثَرِ الْمَحْمُودِ وَهُوَ الْخُلُوفُ) «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يَحْكِيهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ الصَّوْمُ لِي وَأَنَا

قُلْنَا: هُوَ أَثَرُ الْعِبَادَةِ اللَّائِقُ بِهِ الْإِخْفَاءُ. بِخِلَافِ دَمِ الشَّهِيدِ لِأَنَّهُ أَثَرُ الظُّلْمِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّطْبِ الْأَخْضَرِ وَبَيْنَ الْمَبْلُولِ بِالْمَاءِ لِمَا رَوَيْنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَجْزِي بِهِ، وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» وَمَا يَكُونُ مَحْمُودًا عِنْدَ اللَّهِ فَسَبِيلُهُ الْإِبْقَاءُ كَمَا فِي دَمِ الشَّهِيدِ، وَالْخُلُوفُ مَصْدَرُ خُلِفَ فُوهُ إذَا تَغَيَّرَتْ رَائِحَتُهُ لِعَدَمِ الْأَكْلِ بِالضَّمِّ لَا غَيْرُ (قُلْنَا هُوَ أَثَرُ الْعِبَادَةِ فَاللَّائِقُ بِهِ الْإِخْفَاءُ) فِرَارًا عَنْ الرِّيَاءِ (بِخِلَافِ دَمِ الشَّهِيدِ فَإِنَّهُ أَثَرُ الظُّلْمِ) فَيَحْتَاجُ إلَى الِانْتِصَافِ مِنْ خَصْمِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِبْقَاءِ. وَقَوْلُهُ (لِمَا رَوَيْنَا) يُعْنَى مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خَيْرُ خِلَالِ الصَّائِمِ السِّوَاكُ» .

[فصل في العوارض]

فَصْلٌ (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا فِي رَمَضَانَ فَخَافَ إنْ صَامَ ازْدَادَ مَرَضُهُ أَفْطَرَ وَقَضَى) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يُفْطِرُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصَلِّ فِي الْعَوَارِض] فَصْلٌ) : لَمَّا ذَكَرَ مَسَائِلَ الصَّوْمِ شَرَعَ فِي هَذَا الْفَصْلِ بِبَيَانِ وُجُوهِ الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ لِلْفِطْرِ فِي الصَّوْمِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الرُّخْصَةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْمَرَضِ لِتَنَوُّعِهِ إلَى مَا يَزْدَادُ بِالصَّوْمِ إلَى مَا يَخِفُّ بِهِ، وَمَا يَخِفُّ بِهِ لَا يَكُونُ مُرَخَّصًا لَا مَحَالَةَ، فَجَعَلْنَا مَا يَزْدَادُ بِهِ مُرَخِّصًا كَخَوْفِ الْهَلَاكِ لِوُجُودِ مَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْبَابِ وَهُوَ الْمَشَقَّةُ فِيهِ، وَمَعْرِفَةُ ذَلِكَ إمَّا أَنْ تَكُونَ بِاجْتِهَادِهِ بِأَنْ يَعْلَمَ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّ حُمَّاهُ زَادَ شِدَّةً أَوْ عَيْنَهُ وَجَعًا وَإِمَّا بِقَوْلِ طَبِيبٍ حَاذِقٍ مُسْلِمٍ. وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْتَبَرَ خَوْفَ الْهَلَاكِ أَوْ فَوَاتَ الْعُضْوِ كَمَا فِي التَّيَمُّمِ. وَأَمَّا السَّفَرُ بِنَفْسِهِ فَمُرَخِّصٌ لِأَنَّهُ لَا يَعْرَى عَنْ الْمَشَقَّةِ، فَإِذَا كَانَ مُسَافِرًا لَا يَضُرُّهُ الصَّوْمُ فَالصَّوْمُ أَفْضَلُ عِنْدَنَا، خِلَافًا لَهُ، هَكَذَا نُقِلَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا عَلَى خِلَافِ مَا وَقَعَتْ فِي كُتُبِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. فَإِنَّ الْغَزَالِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ أَنَّ الصَّوْمَ

هُوَ يَعْتَبِرُ خَوْفَ الْهَلَاكِ أَوْ فَوَاتَ الْعُضْوِ كَمَا يَعْتَبِرُ فِي التَّيَمُّمِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ زِيَادَةَ الْمَرَضِ وَامْتِدَادَهُ قَدْ يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ فَيَجِبُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ (وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا لَا يَسْتَضِرُّ بِالصَّوْمِ فَصَوْمُهُ أَفْضَلُ، وَإِنْ أَفْطَرَ جَازَ) لِأَنَّ السَّفَرَ لَا يَعْرَى عَنْ الْمَشَقَّةِ فَجُعِلَ نَفْسُهُ عُذْرًا، بِخِلَافِ الْمَرَضِ فَإِنَّهُ قَدْ يُخَفَّفُ بِالصَّوْمِ فَشُرِطَ كَوْنُهُ مُفْضِيًا إلَى الْحَرَجِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْفِطْرُ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» وَلَنَا أَنَّ رَمَضَانَ أَفْضَلُ الْوَقْتَيْنِ فَكَانَ الْأَدَاءُ فِيهِ أَوْلَى، وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْجَهْدِ (وَإِذَا مَاتَ الْمَرِيضُ أَوْ الْمُسَافِرُ وَهُمَا عَلَى حَالِهِمَا يَلْزَمُهُمَا الْقَضَاءُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَبُّ فِي السَّفَرِ مِنْ الْإِفْطَارِ لِتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ. اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ، فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلًا قَدْ ظُلَّ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا صَائِمٌ، فَقَالَ: لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ» الْحَدِيثَ (وَلَنَا أَنَّ رَمَضَانَ أَفْضَلُ الْوَقْتَيْنِ) لِأَنَّ {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] كَالْخَلَفِ عَنْ رَمَضَانَ، وَالْخَلَفُ لَا يُسَاوِي الْأَصْلَ بِحَالٍ (وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْجَدِّ) بِفَتْحِ الْجِيمِ: أَيْ الْمَشَقَّةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي سَبَبِهِ آنِفًا. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَ الْمَرِيضُ أَوْ الْمُسَافِرُ وَهُمَا عَلَى حَالِهِمَا) أَيْ مِنْ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ (لَمْ يَلْزَمْهُمَا الْقَضَاءُ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَيْهِمَا الْقَضَاءَ فِي عِدَّةٍ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ

لِأَنَّهُمَا لَمْ يُدْرِكَا عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ (وَلَوْ صَحَّ الْمَرِيضُ وَأَقَامَ الْمُسَافِرُ ثُمَّ مَاتَا لَزِمَهُمَا الْقَضَاءُ بِقَدْرِ الصِّحَّةِ وَالْإِقَامَةِ) لِوُجُودِ الْإِدْرَاكِ بِهَذَا الْمِقْدَارِ. وَفَائِدَتُهُ وُجُوبُ الْوَصِيَّةِ بِالْإِطْعَامِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَ (لَمْ يُدْرِكَا عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) وَقَوْلُهُ (وَلَوْ صَحَّ الْمَرِيضُ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَفَائِدَتُهُ) أَيْ فَائِدَةُ لُزُومِ الْقَضَاءِ (وُجُوبُ الْوَصِيَّةِ بِالْإِطْعَامِ) بِقَدْرِ الصِّحَّةِ وَالْإِقَامَةِ فَإِذَا أَوْصَى يُؤَدِّي الْوَصِيُّ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا بِقَدْرِ مَا يَجِبُ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ. وَإِنْ لَمْ يُوصِ وَتَبَرَّعَ الْوَرَثَةُ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَرَّعُوا لَا يَلْزَمُهُمْ الْأَدَاءُ بَلْ يَسْقُطُ فِي حُكْمِ

وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي النَّذْرِ. وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ النَّذْرَ سَبَبٌ فَيَظْهَرُ الْوُجُوبُ فِي حَقِّ الْخُلْفِ، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ السَّبَبُ إدْرَاكُ الْعِدَّةِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ مَا أَدْرَكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالدُّنْيَا (وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ فِيهِ) أَيْ فِي وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ (خِلَافًا بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) فَقَالَ: وَلَوْ زَالَ عَنْهُ الْعُذْرُ وَقَدَرَ عَلَى قَضَاءِ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إنْ قَضَى فِيمَا قَدَرَ وَلَمْ يُفَرِّطْ فِيهِ ثُمَّ مَاتَ فَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا بَقِيَ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ مِنْ وَقْتِ قَضَائِهِ إلَّا قَدْرَ مَا قَضَى، وَإِنْ لَمْ يَصُمْ فِيمَا قَدَرَ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْكُلِّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، لِأَنَّ مَا قَدَرَ يَصْلُحُ فِيهِ قَضَاءُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ وَهَلُمَّ جَرًّا، فَلَمَّا قَدَرَ عَلَى قَضَاءِ الْبَعْضِ فَكَأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى قَضَاءِ الْكُلِّ وَلَمْ يَصُمْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا صَامَ فِيمَا قَدَرَ لِأَنَّهُ بِالصَّوْمِ تَعَيَّنَ أَنْ لَا يَصْلُحَ فِيهِ قَضَاءُ يَوْمٍ آخَرَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ إلَّا مِقْدَارَ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَا أَدْرَكَ إلَّا ذَلِكَ فَلَمْ يَلْزَمْهُ غَيْرُهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ) يَعْنِي أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ قَوْلَهُمَا كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ (وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي النَّذْرِ) وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْمَرِيضُ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ شَهْرًا، فَإِذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَصِحَّ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ صَحَّ يَوْمًا وَاحِدًا لَزِمَهُ أَنْ يُوصِيَ بِجَمِيعِ الشَّهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَزِمَهُ بِقَدْرِ مَا صَحَّ لِأَنَّ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ فَصَارَ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ (وَالْفَرْقُ لَهُمَا) بَيْنَ قَضَاءِ رَمَضَانَ وَالنَّذْرُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ (أَنَّ النَّذْرَ سَبَبٌ) وَقَدْ وَجَدَ، الْمَانِعَ وَهُوَ عَدَمُ الذِّمَّةِ فِي الْتِزَامِ أَدَائِهِ قَدْ زَالَ بِالْبُرْءِ، وَإِذَا وُجِدَ السَّبَبُ الْمُقْتَضِي وَزَالَ الْمَانِعُ يَظْهَرُ الْوُجُوبُ لَا مَحَالَةَ، وَصَارَ كَصَحِيحٍ نَذَرَ فَمَاتَ قَبْلَ الْأَدَاءِ، وَإِذَا ظَهَرَ الْوُجُوبُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْأَدَاءُ يُصَارُ إلَى الْخَلَفِ وَهُوَ الْفِدْيَةُ (وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ السَّبَبُ إدْرَاكُ الْعِدَّةِ) وَإِدْرَاكُهَا لَمْ يَتَحَقَّقْ بِكَمَالِهِ بَلْ بَعْضُهَا تَحَقَّقَ (فَيَتَقَدَّرُ بِقَدَرِهِ) وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ بِمَا يَجِبُ بِهِ الْأَدَاءُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَسَبَبُ الْأَدَاءِ شُهُودُ الشَّهْرِ فَكَذَا سَبَبُ الْقَضَاءِ. وَالثَّانِي: أَنَّ جُزْءَ السَّبَبِ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ كُلِّهِ فَلَا يَكُونُ لِبَعْضِ السَّبَبِ أَثَرٌ فِي بَعْضِ الْحُكْمِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ: أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ نَفْسُ الْوُجُوبِ، بَلْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ تَسْلِيمُ

(وَقَضَاءُ رَمَضَانَ إنْ شَاءَ فَرَّقَهُ وَإِنْ شَاءَ تَابَعَهُ) لِإِطْلَاقِ النَّصِّ، لَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ الْمُتَابَعَةُ مُسَارَعَةً إلَى إسْقَاطِ الْوَاجِبِ (وَإِنْ أَخَّرَهُ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ صَامَ الثَّانِيَ) لِأَنَّهُ فِي وَقْتِهِ (وَقَضَى الْأَوَّلَ بَعْدَهُ) لِأَنَّهُ وَقْتُ الْقَضَاءِ (وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوُجُوبِ أَوْ مِثْلُهُ وَهُوَ الْخِطَابُ، وَهَذَا مِنْ مَزَالِّ الْأَقْدَامِ فَلَا تُغْفَلُ. وَعَنْ الثَّانِي: بِأَنَّ جُزْءَ السَّبَبِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي كُلِّ الْحُكْمِ وَإِلَّا لَكَانَ هُوَ الْعِلَّةَ فَمَا فَرَضْنَاهُ جُزْءًا لَا يَكُونُ جُزْءًا هَذَا خَلَفٌ بَاطِلٌ. وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ جُزْءًا لِسَبَبِ عِلَّةٍ تَامَّةٍ لِبَعْضِ الْحُكْمِ فَلَا مَانِعَ عَنْهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ بِالْقَدْرِ وَالْجِنْسِ يَحْرُمُ الْفَضْلُ وَالنَّسِيئَةُ، وَأَحَدُهُمَا يُحَرِّمُ النَّسِيئَةَ، وَكُلُّ ذَلِكَ قَرَّرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ مُسْتَوْفًى. قَالَ (وَقَضَاءُ رَمَضَانَ إنْ شَاءَ فَرَّقَهُ وَإِنْ شَاءَ تَابَعَهُ) الصَّوْمُ الْمَذْكُورُ فِي كِتَابِ اللَّهِ ثَمَانِيَةٌ: أَرْبَعَةٌ مِنْهَا مُتَتَابِعَةٌ، وَأَرْبَعَةٌ صَاحِبُهَا فِيهَا بِالْخِيَارِ، أَمَّا الْمُتَتَابِعُ فَصَوْمُ رَمَضَانَ وَكَفَّارَةُ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ عِنْدَنَا، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَقَضَاءُ رَمَضَانَ وَصَوْمُ الْمُتْعَةِ وَكَفَّارَةِ الْحَلْقِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ. أَمَّا صَوْمُ رَمَضَانَ فَلَا كَلَامَ لِأَحَدٍ فِي وُجُوبِ التَّتَابُعِ فِيهِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَقَدْ ضَبَطَهُ الْمَشَايِخُ بِأَنَّ كُلَّ مَا شُرِعَ فِيهِ الْعِتْقُ كَانَ التَّتَابُعُ فِيهِ وَاجِبًا، وَمَا لَا فَلَا فَيَكُونُ قَضَاءُ رَمَضَانَ مِمَّا فِيهِ لِمَنْ عَلَيْهِ الْخِيَارُ، وَلِأَنَّ النَّصَّ مُطْلَقٌ وَالْعَمَلَ بِهِ وَاجِبٌ. وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ، وَالتَّتَابُعُ وَاجِبٌ فِي الْأَدَاءِ، فَكَانَ مُغْنِيًا عَنْ تَقْيِيدِ نَصِّ الْقَضَاءِ. وَالثَّانِي أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَرَأَ " فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ مُتَتَابِعَاتٍ " فَهَلَّا اعْتَبَرْتُمْ قِرَاءَتَهُ مُقَيَّدَةً كَمَا فَعَلْتُمْ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ؟ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ: أَنَّ الْأَمْرَ لَوْ كَانَ كَمَا ذَكَرْتُمْ لَمَا «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ تَقْطِيعِ قَضَاءِ رَمَضَانَ ذَلِكَ إلَيْك، أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أَحَدِكُمْ دَيْنٌ فَقَضَاهُ الدِّرْهَمَ وَالدِّرْهَمَيْنِ أَلَمْ يَكُنْ قَضَاءً قَالَ: نَعَمْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: فَاَللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يَعْفُوَ وَيَغْفِرَ» فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَعْلَمَ بِذَلِكَ. وَعَنْ الثَّانِي: مَا قِيلَ إنَّ قِرَاءَةَ أُبَيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ تَشْتَهِرْ اشْتِهَارَ قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَكَانَ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ فَلَا يُزَادُ بِهِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ. قَوْلُهُ (لَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ الْمُتَابَعَةُ) أَيْ التَّتَابُعُ (مُسَارَعَةً إلَى إسْقَاطِ الْوَاجِبِ، وَإِنْ أَخَّرَ الْقَضَاءَ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ صَامَ الثَّانِي لِأَنَّهُ فِي وَقْتِهِ وَقَضَى الْأَوَّلَ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْقَضَاءِ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِنَّهُ يُوجِبُ مَعَ الْقَضَاءِ لِكُلِّ يَوْمٍ طَعَامَ مِسْكِينٍ، وَرَوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَيَقُولُ: الْقَضَاءُ مُؤَقَّتٌ بِمَا بَيْنَ رَمَضَانَيْنِ، مُسْتَدِلًّا بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - " أَنَّهَا كَانَتْ تُؤَخِّرُ قَضَاءَ أَيَّامِ الْحَيْضِ إلَى شَعْبَانَ " وَهَذَا بَيَانٌ مِنْهَا لِآخِرِ وَقْتٍ يَجُوزُ التَّأْخِيرُ إلَيْهِ. ثُمَّ يَجْعَلُ تَأْخِيرَ الْقَضَاءِ عَنْ وَقْتِهِ كَتَأْخِيرِ الْأَدَاءِ عَنْ وَقْتِهِ، وَتَأْخِيرُ الْأَدَاءِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ مُوجِبٍ فَكَذَا تَأْخِيرُ الْقَضَاءِ، وَهَذَا كَمَا تَرَى لَيْسَ فِيهِ مَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ لِأَنَّ تَأْخِيرَهَا الْقَضَاءَ إلَى شَعْبَانَ قَدْ يَكُونُ اتِّفَاقِيًّا، وَلَوْ سُلِّمَ ذَلِكَ فَإِيجَابُ الْفِدْيَةِ لَا أَصْلَ لَهُ، لِأَنَّهُ لَا فِدْيَةَ

لِأَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ عَلَى التَّرَاخِي، حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَتَطَوَّعَ. (وَالْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ إذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ وَلَدَيْهِمَا أَفْطَرَتَا وَقَضَتَا) دَفْعًا لِلْحَرَجِ (وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمَا) لِأَنَّهُ إفْطَارٌ بِعُذْرٍ (وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا إذَا خَافَتْ عَلَى الْوَلَدِ، هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِالشَّيْخِ الْفَانِي. وَلَنَا أَنَّ الْفِدْيَةَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فِي الشَّيْخِ الْفَانِي، وَالْفِطْرَ بِسَبَبِ الْوَلَدِ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ بَعْدَ الْوُجُوبِ، وَالْوَلَدُ لَا وُجُوبَ عَلَيْهِ أَصْلًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الشَّرْعِ عَلَى الْقَادِرِ عَلَى الْأَصْلِ، وَبِالتَّأْخِيرِ لَمْ يَثْبُتْ الْعَجْزُ. وَلَنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْقَضَاءِ مُطْلَقًا، وَالْأَمْرُ الْمُطْلَقُ لَا يُوجِبُ الْفَوْرَ بَلْ عَلَى التَّرَاخِي، وَلِهَذَا لَوْ تَطَوَّعَ جَازَ بِالِاتِّفَاقِ، وَمَذْهَبُنَا مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَقَوْلُهُ (وَالْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: الْمُرَادُ بِالْمُرْضِعِ هَهُنَا الظِّئْرُ، لِأَنَّ الْأُمَّ لَا تُفْطِرُ إذَا كَانَ لِلْوَلَدِ أَبٌ، لِأَنَّ الصَّوْمَ فَرْضٌ عَلَيْهَا دُونَ الْإِرْضَاعِ، وَقَالَ شَيْخُ شَيْخِي عَبْدُ الْعَزِيزِ: يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِطَ يَسَارَ الْأَبِ أَوْ عَدَمَ أَخْذِ الْوَلَدِ ضَرْعَ غَيْرِ الْأُمِّ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ إفْطَارٌ بِعُذْرٍ) قِيلَ: نَعَمْ هُوَ عُذْرٌ، وَلَكِنْ لَا فِي نَفْسِ الصَّائِمِ بَلْ لِأَجْلِ غَيْرِهِ، وَمِثْلُهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ بِقَتْلِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الشُّرْبُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ مَأْمُورَةٌ بِصِيَانَةِ الْوَلَدِ مَقْصُودَةٌ، وَهِيَ لَا تَتَأَتَّى بِدُونِ الْإِفْطَارِ عِنْدَ الْخَوْفِ فَكَانَتْ مَأْمُورَةً بِالْإِفْطَارِ وَالْأَمْرُ بِالْإِفْطَارِ مَعَ الْكَفَّارَةِ الَّتِي بِنَاؤُهَا عَلَى الْوُجُوبِ عَنْ الْإِفْطَارِ لَا يَجْتَمِعَانِ بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ مَأْمُورًا قَصْدًا بِصِيَانَةِ غَيْرِهِ بَلْ نَشَأَ الْأَمْرُ هُنَاكَ مِنْ ضَرُورَةِ حُرْمَةِ الْقَتْلِ وَالْحُكْمِ بِتَفَاوُتِ الْأَمْرِ قَصْدًا وَضِمْنًا. وَقَوْلُهُ (فِيمَا إذَا خَافَتْ عَلَى الْوَلَدِ إلَخْ) يَعْنِي إذَا خَافَتْ الْحَامِلُ أَوْ الْمُرْضِعُ عَلَى نَفْسِهَا لَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِذَا خَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا فَأَفْطَرَتْ وَجَبَ الْقَضَاءُ وَالْفِدْيَةُ عَلَى أَصَحِّ أَقْوَالِهِ عِنْدَهُمْ (هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِالشَّيْخِ الْفَانِي) فَإِنَّ الْفِطْرَ حَصَلَ بِسَبَبِ نَفْسٍ عَاجِزَةٍ عَنْ الصَّوْمِ خِلْقَةً لَا عِلَّةً فَتَجِبُ الْفِدْيَةُ كَفِطْرِ الشَّيْخِ الْفَانِي، وَلِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةَ نَفْسِهَا وَوَلَدِهَا، فَبِالنَّظَرِ إلَى نَفْسِهَا يَجِبُ الْقَضَاءُ وَبِالنَّظَرِ إلَى مَنْفَعَةِ وَلَدِهَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ، وَلَنَا أَنَّ الْفِدْيَةَ فِيهِ ثَبَتَتْ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ (وَالْفِطْرُ بِسَبَبِ الْوَلَدِ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّ الشَّيْخَ الْفَانِيَ عَاجِزٌ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَالْوَلَدَ لَا وُجُوبَ عَلَيْهِ أَصْلًا) أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ

(وَالشَّيْخُ الْفَانِي الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الصِّيَامِ يُفْطِرُ وَيُطْعِمُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا كَمَا يُطْعِمُ فِي الْكَفَّارَاتِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] قِيلَ مَعْنَاهُ: لَا يُطِيقُونَهُ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الصَّوْمِ يَبْطُلُ حُكْمُ الْفِدَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ تَجِبُ عَلَى مَالِهِ، وَلَمْ تَتَضَاعَفْ بِتَضَاعُفِ الْوَلَدِ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ دَلَالَةً أَيْضًا، وَقَوْلُهُ (وَالشَّيْخُ الْفَانِي) وَصْفٌ بِمَا بَيَّنَ الْمُرَادَ بِهِ بِقَوْلِهِ (الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الصِّيَامِ) وَسُمِّيَ فَانِيًا إمَّا لِقُرْبِهِ إلَى الْفَنَاءِ أَوْ لِأَنَّهُ فَنِيَتْ قُوَّتُهُ، وَوُجُوبُ الْفِدْيَةِ عَلَيْهِ مَذْهَبُنَا. وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ وَهُوَ الصَّوْمُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فَلَا يَجِبُ خَلَفُهُ وَقُلْنَا: السَّبَبُ وَهُوَ شُهُودُ الشَّهْرِ تَنَاوَلَهُ حَتَّى لَوْ تَحَمَّلَ الْمَشَقَّةَ وَصَامَ وَقَعَ عَنْ فَرْضِهِ، وَإِنَّمَا يُبَاحُ لَهُ الْإِفْطَارُ بِعُذْرٍ لَيْسَ بِعَرَضِ الزَّوَالِ حَتَّى يُصَارَ إلَى الْقَضَاءِ كَالْمَرَضِ وَالسَّفَرِ فَوَجَبَتْ الْفِدْيَةُ كَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ الصَّوْمُ (وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [البقرة: 184] قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ (مَعْنَاهُ لَا يُطِيقُونَهُ) فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النساء: 176] فَإِنْ قِيلَ: رُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [البقرة: 184] كَانَ الْأَغْنِيَاءُ يُفْطِرُونَ وَيَفِدُونَ وَالْفُقَرَاءُ يَصُومُونَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ فِي بَدْءِ الْإِسْلَامِ كَانَ الرَّجُلُ مُخَيَّرًا بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْفِدْيَةِ، ثُمَّ نُسِخَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] وَالْمَنْسُوخُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال بِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْآيَةَ إنْ وَرَدَتْ فِي الشَّيْخِ الْفَانِي كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ السَّلَفِ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ وَرَدَتْ فِي التَّخْيِيرِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ النَّسْخَ إنَّمَا ثَبَتَ فِي حَقِّ الْقَادِرِ عَلَى الصَّوْمِ، فَبَقِيَ الشَّيْخُ الْفَانِي عَلَى حَالِهِ كَمَا كَانَ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الصَّوْمِ) يَعْنِي بَعْدَمَا فَدَى (بَطَلَ حُكْمُ الْفِدَاءِ) وَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ

لِأَنَّ شَرْطَ الْخَلْفِيَّةِ اسْتِمْرَارُ الْعَجْزِ. (وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ فَأَوْصَى بِهِ أَطْعَمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ) لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْأَدَاءِ فِي آخِرِ عُمْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَوَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ. فَإِنْ قِيلَ: الْقُدْرَةُ عَلَى الْأَصْلِ بَعْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْخَلْفِ لَا تُبْطِلُ الْخَلْفَ، كَمَا لَوْ قَدَرَ عَلَى الْمَاءِ بَعْدَمَا صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ، وَهَهُنَا حُصُولُ الْمَقْصُودِ وَهُوَ تَفْرِيغُ الذِّمَّةِ عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ. أُجِيبَ: بِأَنَّ الْقُدْرَةَ هَهُنَا عَلَى الْأَصْلِ إنَّمَا هِيَ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْخَلَفِ، لِأَنَّ دَوَامَ هَذَا الْعَجْزِ إلَى الْمَوْتِ شَرْطُ صِحَّةِ هَذَا الْخَلْفِ، فَإِنَّ الشَّيْخَ الْفَانِيَ هُوَ الَّذِي يَزْدَادُ ضَعْفُهُ كُلَّ وَقْتٍ إلَى مَوْتِهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ شَرْطَ الْخَلْفِيَّةِ اسْتِمْرَارُ الْعَجْزِ) وَقَوْلُهُ (وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ) أَيْ قَرُبَ مِنْهُ لِأَنَّ الْإِيصَاءَ بَعْدَ الْمَوْتِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْأَدَاءِ فِي آخِرِ عُمُرِهِ) اسْتَعْمَلَ الْأَدَاءَ فِي مَوْضِعِ الْقَضَاءِ وَالْعَجْزِ عَنْ الْقَضَاءِ بِحَيْثُ لَا يُرْجَى فِي مَعْنَى الشَّيْخِ

فَصَارَ كَالشَّيْخِ الْفَانِي، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ الْإِيصَاءِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَلَى هَذَا الزَّكَاةُ. هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِدُيُونِ الْعِبَادِ إذْ كُلُّ ذَلِكَ حَقٌّ مَالِيٌّ تَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ. وَلَنَا أَنَّهُ عِبَادَةٌ وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الِاخْتِيَارِ. وَذَلِكَ فِي الْإِيصَاءِ دُونَ الْوِرَاثَةِ لِأَنَّهَا جَبْرِيَّةٌ، ثُمَّ هُوَ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً حَتَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَانِي، فَيُلْحَقُ بِهِ دَلَالَةً بِالطَّرِيقِ الْأُولَى، لِأَنَّ عَجْزَ الْمَيِّتِ أَلْزَمُ (ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ الْإِيصَاءِ) لِإِلْزَامِ الْوَارِثِ، فَإِنْ لَمْ يُوصِ فَلِلْوَارِثِ أَنْ يُخْرِجَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ، وَإِذَا أَوْصَى أَخْرَجَ عَنْهُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ مِقْدَارَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ (عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) فِي جَمِيعِ ذَلِكَ؛ أَمَّا خِلَافُهُ فِي الْمِقْدَارِ فَلِأَنَّ الْمِقْدَارَ الْوَاجِبَ عِنْدَهُ مُدٌّ، وَأَمَّا فِي الْبَاقِي فَلِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ هَذَا الدَّيْنُ بِدُيُونِ الْعِبَادِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حَقٌّ مَالِيٌّ تَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ، فَكَمَا أَنَّ دُيُونَ الْعِبَادِ تَخْرُجُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَإِنْ لَمْ يُوصِ فَكَذَلِكَ هَذَا (وَلَنَا أَنَّهُ عِبَادَةٌ وَكُلُّ مَا هُوَ عِبَادَةٌ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْإِخْبَارِ وَذَلِكَ فِي الْإِيصَاءِ دُونَ الْوِرَاثَةِ لِأَنَّهَا جَبْرِيَّةٌ ثُمَّ هُوَ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً) لِأَنَّ الصَّوْمَ فِعْلُ مُكَلَّفٍ بِهِ وَقَدْ سَقَطَتْ الْأَفْعَالُ بِالْمَوْتِ فَصَارَ الصَّوْمُ كَأَنَّهُ سَقَطَ فِي حَقِّ الدُّنْيَا فَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِأَدَاءِ الْفِدْيَةِ تَبَرُّعًا، بِخِلَافِ دَيْنِ الْعِبَادِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ ثَمَّةَ

يُعْتَبَرَ مِنْ الثُّلُثِ، وَالصَّلَاةُ كَالصَّوْمِ بِاسْتِحْسَانِ الْمَشَايِخِ، وَكُلُّ صَلَاةٍ تُعْتَبَرُ بِصَوْمِ يَوْمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQهُوَ الْمَالُ وَالْفِعْلُ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِحَاجَةِ الْعِبَادِ إلَى الْأَمْوَالِ، وَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ بِالزَّكَاةِ، وَإِذَا كَانَ تَبَرُّعًا (يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ) وَإِنَّمَا قَالَ ابْتِدَاءً لِأَنَّهَا فِي الْآخِرَةِ تَنُوبُ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَى الْمَيِّتِ (وَالصَّلَاةُ كَالصَّوْمِ بِاسْتِحْسَانِ الْمَشَايِخِ)

هُوَ الصَّحِيحُ (وَلَا يَصُومُ عَنْهُ الْوَلِيُّ وَلَا يُصَلِّي) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ» . (وَمَنْ دَخَلَ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ أَوْ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ قَضَاهُ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. لَهُ أَنَّهُ تَبَرَّعَ بِالْمُؤَدَّى فَلَا يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَتَبَرَّعْ بِهِ. وَلَنَا أَنَّ الْمُؤَدَّى قُرْبَةٌ وَعَمَلٌ فَتَجِبُ صِيَانَتُهُ بِالْمُضِيِّ عَنْ الْإِبْطَالِ، وَإِذَا وَجَبَ الْمُضِيُّ وَجَبَ الْقَضَاءُ بِتَرْكِهِ. ثُمَّ عِنْدَنَا لَا يُبَاحُ الْإِفْطَارُ فِيهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ لِمَا بَيَّنَّا وَيُبَاحُ بِعُذْرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ النَّصَّ الْوَارِدَ بِالْفِدَاءِ فِي الصَّوْمِ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى، فَالْقِيَاسُ أَنْ يُقْتَصَرَ عَلَيْهِ، لَكِنَّ النَّصَّ الْوَارِدَ فِيهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُولًا بِعِلَّةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ وَإِنْ كُنَّا لَا نَعْقِلُهُ، وَالصَّلَاةُ نَظِيرُ الصَّوْمِ بَلْ أَهَمُّ، فَأَمَرَ الْمَشَايِخُ بِالْفِدَاءِ فِيهَا احْتِيَاطًا وَمَوْضِعُهُ الْأُصُولُ وَقَوْلُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَوَّلًا: إنَّهُ يُطْعِمُ عَنْهُ لِصَلَاةِ كُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ عَلَى قِيَاسِ الصَّوْمِ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: كُلُّ صَلَاةِ فَرْضٍ عَلَى حِدَةٍ بِمَنْزِلَةِ صَوْمِ يَوْمٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ أَحْوَطُ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يَصُومُ عَنْهُ الْوَلِيُّ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَإِنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي قَوْلٍ اسْتِدْلَالًا بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» وَهُوَ نَصٌّ فِي الْبَابِ. وَلَنَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ» وَتَأْوِيلُ حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِعْلُ مَا يَقُومُ مَقَامَ الصَّوْمِ مِنْ الْإِطْعَامِ إنْ أَوْصَى بِذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ دَخَلَ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ) ذَكَرْنَاهُ فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ عِنْدَنَا) كَأَنَّهُ بَيَانٌ لِمَبْنَى الِاخْتِلَافِ، وَهُوَ أَنَّ الْإِفْطَارَ بَعْدَ الشُّرُوعِ لَيْسَ بِمُبَاحٍ بِغَيْرِ عُذْرٍ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ مُبَاحٌ، فَإِذَا كَانَ غَيْرَ مُبَاحٍ كَانَ

وَالضِّيَافَةُ عُذْرٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْطِرْ وَاقْضِ يَوْمًا مَكَانَهُ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْإِفْطَارِ جَانِبًا فَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ، وَإِذَا كَانَ مُبَاحًا لَمْ يَكُنْ جَانِبًا فَلَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ. وَقَوْلُهُ (وَالضِّيَافَةُ عُذْرٌ) يَعْنِي عَلَى الْأَظْهَرِ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِعُذْرٍ لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ. فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَأْكُلْ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلِيُصَلِّ: أَيْ فَلْيَدْعُ لَهُمْ» . وَوَجْهُ الْأَظْهَرِ مَا رُوِيَ «عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ كَانَ فِي ضِيَافَةِ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَامْتَنَعَ رَجُلٌ مِنْ الْأَكْلِ وَقَالَ إنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: إنَّمَا دَعَاك أَخُوك لِتُكْرِمَهُ فَأَفْطِرْ وَاقْضِ يَوْمًا مَكَانَهُ» وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإنْ كَانَ صَاحِبُ الدَّعْوَةِ يَرْضَى بِمُجَرَّدِ حُضُورِهِ وَلَا يَتَأَذَّى بِتَرْكِ الْأَكْلِ لَا يُفْطِرُ، وَإِنْ كَانَ يَتَأَذَّى يُفْطِرُ وَيَقْضِي. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْإِفْطَارُ قَبْلَ الزَّوَالِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُفْطِرَ إلَّا إذَا

(وَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ فِي رَمَضَانَ أَمْسَكَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا) قَضَاءً لِحَقِّ الْوَقْتِ بِالتَّشَبُّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ فِي تَرْكِ الْإِفْطَارِ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ) الْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ كُلَّ مَنْ صَارَ فِي آخِرِ النَّهَارِ بِصِفَةٍ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا فِي أَوَّلِهِ لَزِمَهُ الصَّوْمُ فَعَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ كَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ يَطْهُرَانِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ مَعَهُ، وَالْمَجْنُونِ يُفِيقُ وَالْمَرِيضِ يَبْرَأُ، وَالْمُسَافِرِ يَقْدَمُ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ الْأَكْلِ، وَالْمُفْطِرِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ مُكْرَهًا، أَوْ أَكَلَ يَوْمَ الشَّكِّ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ أَفْطَرَ عَلَى ظَنِّ غُرُوبِ الشَّمْسِ أَوْ تَسَحَّرَ عَلَى ظَنِّ عَدَمِ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ كَمَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ. ثُمَّ وُجُوبُ الْإِمْسَاكِ إنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا يَذْكُرُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: إذْ قَدِمَ الْمُسَافِرُ، أَوْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ. وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الصَّفَّارُ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى الْإِيجَابِ لِأَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ " فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ " وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ. وَقَالَ فِي الْحَائِضِ: إذَا طَهُرَتْ فِي بَعْضِ النَّهَارِ فَلْتَدَعْ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ وَهَذَا أَمْرٌ أَيْضًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ، لِأَنَّهُ مُفْطِرٌ فَكَيْفَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفُّ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْحَائِضِ: طَهُرَتْ فِي بَعْضِ النَّهَارِ وَلَا يَحْسُنُ لَهَا أَنْ تَأْكُلَ وَتَشْرَبَ وَالنَّاسُ صِيَامٌ. وَأُجِيبَ عَنْ الثَّانِي. بِأَنَّ هَذَا الْإِمْسَاكَ لَيْسَ عَلَى جِهَةِ الصَّوْمِ حَتَّى يُنَافِيَ الْإِفْطَارَ الْمُتَقَدِّمَ، وَإِنَّمَا هُوَ قَضَاءٌ لِحَقِّ الْوَقْتِ بِالتَّشَبُّهِ، وَمَعْنَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَحْسُنُ لَهَا يَقْبُحُ مِنْهَا، وَتَرْكُ الْقَبِيحِ شَرْعًا مِنْ الْوَاجِبَاتِ.

(وَلَوْ أَفْطَرَا فِيهِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِمَا) لِأَنَّ الصَّوْمَ غَيْرُ وَاجِبٍ فِيهِ (وَصَامَا مَا بَعْدَهُ) لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ وَالْأَهْلِيَّةِ (وَلَمْ يَقْضِيَا يَوْمَهُمَا وَلَا مَا مَضَى) لِعَدَمِ الْخِطَابِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ السَّبَبَ فِيهَا الْجُزْءُ الْمُتَّصِلُ بِالْأَدَاءِ فَوُجِدَتْ الْأَهْلِيَّةُ عِنْدَهُ، وَفِي الصَّوْمِ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ وَالْأَهْلِيَّةُ مُنْعَدِمَةٌ عِنْدَهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا زَالَ الْكُفْرُ أَوْ الصِّبَا قَبْلَ الزَّوَالِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، لِأَنَّهُ أَدْرَكَ وَقْتَ النِّيَّةِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَجَزَّأُ وُجُوبًا وَأَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ مُنْعَدِمَةٌ فِي أَوَّلِهِ إلَّا أَنَّ لِلصَّبِيِّ أَنْ يَنْوِيَ التَّطَوُّعَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ دُونَ الْكَافِرِ عَلَى مَا قَالُوا، لِأَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلَوْ أَفْطَرَا فِيهِ) أَيْ فِيمَا بَقِيَ مِنْ يَوْمِهِمَا (لَا قَضَاءَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الصَّوْمَ غَيْرُ وَاجِبٍ فِيهِ) بَلْ الْإِمْسَاكُ هُوَ الْوَاجِبُ وَلَا قَضَاءَ إلَّا لِلصَّوْمِ (وَصَامَا مَا بَعْدَهُ) مِنْ الْأَيَّامِ (لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ) وَهُوَ شُهُودُ الشَّهْرِ (وَالْأَهْلِيَّةُ) بِالْإِسْلَامِ وَالْبُلُوغِ (وَلَمْ يَقْضِيَا يَوْمَهُمَا) يَعْنِي إذَا أَمْسَكَا بَقِيَّةَ النَّهَارِ، وَإِنَّمَا قُلْت هَذَا لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ مَعَ قَوْلِهِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِمَا، وَقَوْلُهُ (وَلَا مَا مَضَى) أَيْ لَمْ يَقْضِيَا مَا مَضَى مِنْ الْأَيَّامِ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَالْإِسْلَامِ (لِعَدَمِ الْخِطَابِ) لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْأَهْلِيَّةِ وَكَانَتْ مُنْتَفِيَةً قَبْلَهُمَا: فَإِنْ قِيلَ: انْتِفَاءُ الْأَهْلِيَّةِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْقَضَاءِ فَإِنَّ الْمَجْنُونَ إذَا أَفَاقَ فِي يَوْمِ رَمَضَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْأَكْلِ وَنَوَى الصَّوْمَ يَقَعُ عَنْ الْفَرْضِ، وَلَوْ أَفْطَرَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ مَعَ أَنَّ الصَّوْمَ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَقْتَ طُلُوعِ الْفَجْرِ. أُجِيبَ: بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْوُجُوبَ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، بَلْ الْوُجُوبُ فِي حَقِّهِ كَانَ ثَابِتًا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ عِنْدَ الِاسْتِغْرَاقِ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَغْرِقْ ظَهَرَ أَثَرُ الْوُجُوبِ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا) أَيْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ قَضَاءِ صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي بَلَغَ فِيهِ الصَّبِيُّ أَوْ أَسْلَمَ فِيهِ الْكَافِرُ (بِخِلَافِ الصَّلَاةِ) حَيْثُ يَجِبُ قَضَاؤُهَا إذَا بَلَغَ أَوْ أَسْلَمَ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ وَاضِحٌ (وَ) رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ (عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا زَالَ الْكُفْرُ أَوْ الصِّبَا قَبْلَ الزَّوَالِ فَعَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ) لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَنْ أَصْبَحَ نَاوِيًا لِلْفِطْرِ ثُمَّ نَوَى قَبْلَ الزَّوَالِ أَنْ يَصُومَ أَجْزَأَهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ نِيَّةَ الْفِطْرِ مُنَافِيَةٌ لِلصَّوْمِ لَكِنَّهَا مُنَافِيَةٌ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً، فَلَا تَمْنَعُ نِيَّةَ الصَّوْمِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَكَذَا الْكُفْرُ مُنَافٍ لِلصَّوْمِ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً، وَخَلَلُهُ ظَاهِرٌ لِأَنَّ فِيهِ مُسَاوَاةَ الْأَهْلِ لِغَيْرِ الْأَهْلِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَمَبْنَاهُ كَمَا تَرَى عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ مَنْ لَهُ الْأَهْلِيَّةُ وَفَاقِدِهَا. وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا فِي النَّفْلِ أَيْضًا

أَهْلِ التَّطَوُّعِ أَيْضًا، وَالصَّبِيُّ أَهْلٌ لَهُ. (وَإِذَا نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِفْطَارَ ثُمَّ قَدِمَ الْمِصْرَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَنَوَى الصَّوْمَ أَجْزَأَهُ) لِأَنَّ السَّفَرَ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْوُجُوبِ وَلَا صِحَّةَ الشُّرُوعِ (وَإِنْ كَانَ فِي رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ) لِزَوَالِ الْمُرَخِّصِ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُقِيمًا فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ ثُمَّ سَافَرَ لَا يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الْإِقَامَةِ فَهَذَا أَوْلَى، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَنَوَى صَوْمَ النَّفْلِ صَحَّ. وَالْكَافِرُ إذَا أَسْلَمَ وَنَوَى ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ. وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُمَا فِي صِحَّةِ نِيَّةِ التَّطَوُّعِ سَوَاءٌ. فَكَانَ الِاخْتِلَافُ فِي النَّفْلِ كَالِاخْتِلَافِ فِي الْفَرْضِ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِفْطَارَ ثُمَّ قَدِمَ الْمِصْرَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَنَوَى الصَّوْمَ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ السَّفَرَ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْوُجُوبِ) لِأَنَّهَا بِالذِّمَّةِ الصَّالِحَةِ لِلْوُجُوبِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي حَقِّهِ (وَلَا صِحَّةَ الشُّرُوعِ) لِأَنَّهُ لَوْ صَامَ صَحَّ (وَإِنْ كَانَ فِي رَمَضَانَ) يَعْنِي الْمُسَافِرَ الَّذِي نَوَى الْإِفْطَارَ (فَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ لِزَوَالِ الْمُرَخِّصِ) وَهُوَ السَّفَرُ (فِي وَقْتِ النِّيَّةِ) لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا قَدِمَ قَبْلَ انْتِصَافِ النَّهَارِ، قِيلَ: فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَكْرَارٌ لِأَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا فِي مُسَافِرٍ قَدِمَ الْمِصْرَ قَبْلَ الزَّوَالِ فِي رَمَضَانَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى فِي غَيْرِ رَمَضَانَ. وَرُدَّ بِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْوُجُوبِ يَأْبَاهُ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ الْفَرْضِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الثُّبُوتِ وَفِيهِ بُعْدٌ، وَبِأَنَّ مَعْنَاهُ الْمَعْنَى الْمُصْطَلَحُ، وَالصَّوْمُ هُوَ أَنْ يَكُونَ نَذْرًا مُعَيَّنًا. وَصُورَتُهُ: نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِفْطَارَ ثُمَّ قَدِمَ الْمِصْرَ قَبْلَ انْتِصَافِ النَّهَارِ فَنَذَرَ أَنْ يَصُومَ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَنَوَاهُ أَجْزَأَهُ، فَكَانَتْ الْأُولَى فِي غَيْرِ رَمَضَانَ، وَالثَّانِيَةُ فِيهِ فَلَا تَكْرَارَ. وَقَوْلُهُ (فَهَذَا أَوْلَى) قِيلَ فِي وَجْهِ الْأَوْلَوِيَّةِ إنَّ

إلَّا أَنَّهُ إذَا أَفْطَرَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ لِقِيَامِ شُبْهَةِ الْمُبِيحِ. (وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي رَمَضَانَ لَمْ يَقْضِ الْيَوْمَ الَّذِي حَدَثَ فِيهِ الْإِغْمَاءُ) لِوُجُودِ الصَّوْمِ فِيهِ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ الْمَقْرُونُ بِالنِّيَّةِ إذْ الظَّاهِرُ وُجُودُهَا مِنْهُ (وَقَضَى مَا بَعْدَهُ) لِانْعِدَامِ النِّيَّةِ (وَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْهُ قَضَاهُ كُلَّهُ غَيْرَ يَوْمِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ) لِمَا قُلْنَا. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَقْضِي مَا بَعْدَهُ لِأَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ عِنْدَهُ يَتَأَدَّى بِنِيَّةِ وَاحِدَةٍ بِمَنْزِلَةِ الِاعْتِكَافِ، وَعِنْدَنَا لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ لِكُلِّ يَوْمٍ لِأَنَّهَا عِبَادَاتٌ مُتَفَرِّقَةٌ، لِأَنَّهُ يَتَخَلَّلُ بَيْنَ كُلِّ يَوْمَيْنِ مَا لَيْسَ بِزَمَانٍ لِهَذِهِ الْعِبَادَةِ. بِخِلَافِ الِاعْتِكَافِ (وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي رَمَضَانَ كُلِّهِ قَضَاهُ) لِأَنَّهُ نَوْعُ مَرَضٍ يُضْعِفُ الْقُوَى وَلَا يُزِيلُ الْحِجَا فَيَصِيرُ عُذْرًا فِي التَّأْخِيرِ لَا فِي الْإِسْقَاطِ. (وَمَنْ جُنَّ رَمَضَانَ كُلَّهُ لَمْ يَقْضِهِ) خِلَافًا لِمَالِكٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُرَخِّصَ وَهُوَ السَّفَرُ قَائِمٌ وَقْتَ الْإِفْطَارِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُبَحْ لَهُ الْإِفْطَارُ، فَلَأَنْ لَا يُبَاحَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ لَيْسَ بِقَائِمٍ فِيهِ أَوْلَى. وَقَوْلُهُ (فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ) يَعْنِي مُسَافِرًا أَقَامَ وَمُقِيمًا سَافَرَ. قَالَ (وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي رَمَضَانَ) الْإِغْمَاءُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَغْرِقًا أَوْ لَا، وَالثَّانِي إمَّا أَنْ يَحْدُثَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ أَوْ فِي غَيْرِهَا، فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا سَوَاءٌ كَانَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا لَا يَقْضِي صَوْمَ ذَلِكَ النَّهَارِ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ أَوْ فِي لَيْلَتِهِ الْإِغْمَاءُ، وَكَذَا إذَا كَانَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ مَوْجُودٌ لَا مَحَالَةَ، وَكَذَا النِّيَّةُ ظَاهِرًا، لِأَنَّ ظَاهِرَ حَالِ الْمُسْلِمِ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ عَدَمُ الْخُلُوِّ عَنْ النِّيَّةِ، وَالْأَوَّلُ يَقْضِيهِ كُلُّهُ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِهِ (لِأَنَّهُ نَوْعُ مَرَضٍ إلَخْ) وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ جُنَّ رَمَضَانَ كُلَّهُ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ:

هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِالْإِغْمَاءِ. وَلَنَا أَنَّ الْمُسْقِطَ هُوَ الْحَرَجُ وَالْإِغْمَاءُ لَا يَسْتَوْعِبُ الشَّهْرَ عَادَةً فَلَا حَرَجَ، وَالْجُنُونُ يَسْتَوْعِبُهُ فَيَتَحَقَّقُ الْحَرَجُ (وَإِنْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ فِي بَعْضِهِ قَضَى مَا مَضَى) خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. هُمَا يَقُولَانِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ، وَالْقَضَاءُ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ، وَصَارَ كَالْمُسْتَوْعَبِ. وَلَنَا أَنَّ السَّبَبَ قَدْ وُجِدَ وَهُوَ الشَّهْرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ جُنَّ رَمَضَانَ كُلَّهُ مَا يُمْكِنُهُ الصَّوْمُ فِيهِ ابْتِدَاءً، حَتَّى لَوْ أَفَاقَ بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَصِحُّ فِيهِ كَاللَّيْلِ هُوَ الصَّحِيحُ. وَقَوْلُهُ (هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِالْإِغْمَاءِ) يَعْنِي مِنْ حَيْثُ إنَّ الْجُنُونَ مَرَضٌ يُخِلُّ الْعَقْلَ فَيَكُونُ عُذْرًا فِي التَّأْخِيرِ إلَى زَوَالِهِ لَا فِي الْإِسْقَاطِ كَمَا فِي الْإِغْمَاءِ. وَقَوْلُهُ (وَلَنَا) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (هُمَا يَقُولَانِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ) أَيْ أَدَاءُ ذَلِكَ الْبَعْضِ (لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ) وَكُلُّ مَنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ (وَصَارَ كَالْمُسْتَوْعِبِ) فَإِنَّ الْمُسْتَوْعِبَ مِنْهُ مَنَعَ الْقَضَاءَ فِي الْكُلِّ، فَإِذَا وُجِدَ فِي الْبَعْضِ مَنَعَ بِقَدْرِهِ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ (وَلَنَا أَنَّ السَّبَبَ قَدْ وُجِدَ وَهُوَ الشَّهْرُ) أَيْ بَعْضُهُ، لِأَنَّ السَّبَبَ لَوْ كَانَ كُلُّهُ لَوَقَعَ الصَّوْمُ فِي شَوَّالٍ فَكَانَ تَقْدِيرُ الْآيَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ بَعْضَ الشَّهْرِ فَلْيَصُمْ الشَّهْرَ كُلَّهُ، لِأَنَّ الضَّمِيرَ يَرْجِعُ إلَى الْمَذْكُورِ دُونَ الْمُضْمَرِ وَالْمَجْنُونُ الَّذِي لَمْ يَسْتَغْرِقْ جُنُونُهُ الشَّهْرَ قَدْ شَهِدَ بَعْضَ الشَّهْرِ فَيَصُومُ كُلَّهُ. فَإِنْ قِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ. وَهُوَ عَدَمُ الْأَهْلِيَّةِ فِيمَا مَضَى. أَجَابَ بِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ لِلْوُجُوبِ بِالذِّمَّةِ وَهِيَ كَوْنُهُ أَهْلًا لِلْإِيجَابِ وَالِاسْتِيجَابِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ لِأَنَّهَا بِالْآدَمِيَّةِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ مَا ذَكَرْتُمْ صَحِيحًا

وَالْأَهْلِيَّةُ بِالذِّمَّةِ، وَفِي الْوُجُوبِ فَائِدَةٌ وَهُوَ صَيْرُورَتُهُ مَطْلُوبًا عَلَى وَجْهٍ لَا يَخْرُجُ فِي أَدَائِهِ، بِخِلَافِ الْمُسْتَوْعَبِ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ فِي الْأَدَاءِ فَلَا فَائِدَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَوَجَبَ عَلَى الْمُسْتَغْرِقِ أَيْضًا. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَفِي الْوُجُوبِ فَائِدَةٌ وَهُوَ) أَيْ الْفَائِدَةُ بِتَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ (صَيْرُورَتُهُ مَطْلُوبًا عَلَى وَجْهٍ لَا يُحْرِجُ فِي أَدَائِهِ، وَالْمُسْتَوْعِبُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُحْرِجُ فِي الْأَدَاءِ فَلَا فَائِدَةَ) فِي الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَسَقَطَ بِسَبَبِ الْحَرَجِ بَعْدَ الْوُجُوبِ فَصَارَ كَالصِّبَا لِأَنَّ الصِّبَا لَمَّا كَانَ مُمْتَدًّا كَانَ فِي الْإِيجَابِ عَلَيْهِ حَرَجٌ وَهُوَ مُسْقِطٌ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوُجُوبَ فِي الذِّمَّةِ لَا يَنْعَدِمُ بِسَبَبِ الْإِغْمَاءِ وَالصِّبَا وَالْجُنُونِ، إلَّا أَنَّ الْإِغْمَاءَ لَا يَطُولُ عَادَةً فَلَا يُسْقِطُ الْقَضَاءَ وَالصِّبَا يَطُولُ فَيُسْقِطُ دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْجُنُونُ يَطُولُ وَيَقْصُرُ، فَإِذَا طَالَ اُلْتُحِقَ بِالصِّبَا، وَإِذَا لَمْ يَطُلْ اُلْتُحِقَ بِالْإِغْمَاءِ، وَالطَّوِيلُ فِي الصَّوْمِ أَنْ يَسْتَوْعِبَ الشَّهْرَ كُلَّهُ، وَفِي الصَّلَاةِ أَنْ يَزِيدَ عَلَى يَوْمٍ

وَتَمَامُهُ فِي الْخِلَافِيَّاتِ، ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَصْلِيِّ وَالْعَارِضِيِّ، قِيلَ هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ إذَا بَلَغَ مَجْنُونًا الْتَحَقَ بِالصَّبِيِّ فَانْعَدَمَ الْخِطَابُ بِخِلَافِ مَا إذَا بَلَغَ عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ، وَهَذَا مُخْتَارُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ (وَمَنْ لَمْ يَنْوِ فِي رَمَضَانَ كُلِّهِ لَا صَوْمًا وَلَا فِطْرًا فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَيْلَةٍ (ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ) الْجُنُونِ (الْأَصْلِيِّ) وَهُوَ أَنْ يَبْلُغَ مَجْنُونًا (وَالْعَارِضِيِّ) وَهُوَ أَنْ يَبْلُغَ عَاقِلًا ثُمَّ يُجَنَّ (قِيلَ هَذَا) أَيْ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْجُنُونَيْنِ (ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا) فَقَالَ: إنْ بَلَغَ مَجْنُونًا ثُمَّ أَفَاقَ فِي بَعْضِ الشَّهْرِ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى، لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْخِطَابِ يَتَوَجَّهُ إلَيْهِ الْآنَ فَصَارَ كَصَبِيٍّ بَلَغَ. وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْقِيَاسِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ فَأَوْجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءَ مَا مَضَى مِنْ الشَّهْرِ، لِأَنَّ الْجُنُونَ الْأَصْلِيَّ لَا يُفَارِقُ الْعَارِضِيَّ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَلَيْسَ فِيهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَاخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى قِيَاسِ مَذْهَبِهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَهَذَا) أَيْ الْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ (مُخْتَارُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ) مِنْهُمْ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيُّ، وَالْإِمَامُ الرُّسْتُغْفَنِيُّ، وَالزَّاهِدُ الصَّفَّارُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ لَمْ يَنْوِ فِي رَمَضَانَ) يَعْنِي أَمْسَكَ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ لَكِنَّهُ لَمْ يَنْوِ (صَوْمًا وَلَا فِطْرًا فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ) قَالُوا: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ خَوَاصِّ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ تَأْوِيلٍ، لِأَنَّ دَلَالَةَ حَالِ الْمُسْلِمِ فِيهِ كَافِيَةٌ لِوُجُودِ النِّيَّةِ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ فِي رَمَضَانَ يُجْعَلُ صَائِمًا يَوْمَ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ ظَاهِرَ حَالِهِ عَدَمُ الْخُلُوِّ عَنْ النِّيَّةِ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ مِنْهُ، وَأَوَّلُوا بِأَنْ يَكُونَ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا أَوْ مُتَهَتِّكًا اعْتَادَ الْأَكْلَ فِي رَمَضَانَ، فَلَمْ يَصْلُحْ حَالُهُ دَلِيلًا عَلَى نِيَّةِ الصَّوْمِ، كَذَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ، وَأَرَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمُحْتَاجٍ إلَى التَّأْوِيلِ لِأَنَّ حَالَ الْمُسْلِمِ دَلِيلٌ إذَا لَمْ يُعْرَفْ مِنْهُ كَمَا فِي الْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَالْفَرْضُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْعِلْمُ بِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا بِإِخْبَارِهِ بِذَلِكَ، وَالدَّلَالَةُ إنَّمَا تُعْتَبَرُ إذَا لَمْ يُخَالِفْهَا صَرِيحٌ

وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَتَأَدَّى صَوْمُ رَمَضَانَ بِدُونِ النِّيَّةِ فِي حَقِّ الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ، فَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ يُؤَدِّيهِ يَقَعُ عَنْهُ، كَمَا إذَا وَهَبَ كُلَّ النِّصَابَ مِنْ الْفَقِيرِ. وَلَنَا أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ الْإِمْسَاكُ بِجِهَةِ الْعِبَادَةِ وَلَا عِبَادَةَ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَفِي هِبَةِ النِّصَابِ وُجِدَ نِيَّةُ الْقُرْبَةِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الزَّكَاةِ (وَمَنْ أَصْبَحَ غَيْرَ نَاوٍ لِلصَّوْمِ فَأَكَلَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ زُفَرُ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ يَتَأَدَّى بِغَيْرِ النِّيَّةِ عِنْدَهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إذَا أَكَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ فَوَّتَ إمْكَانَ التَّحْصِيلِ فَصَارَ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَعَلَّقَتْ بِالْإِفْسَادِ وَهَذَا امْتِنَاعٌ إذْ لَا صَوْمَ إلَّا بِالنِّيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (وَقَالَ زُفَرُ: يَكُونُ صَائِمًا وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ يَتَأَدَّى بِدُونِ النِّيَّةِ فِي حَقِّ الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ، فَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ أَدَّاهُ يَقَعُ عَنْهُ كَمَا إذَا وَهَبَ كُلَّ النِّصَابِ مِنْ الْفَقِيرِ) وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ، وَأَنْكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَذْهَبًا لِزُفَرَ، وَقَالَ الْمَذْهَبُ عِنْدَهُ أَنَّ صَوْمَ الشَّهْرِ كُلِّهِ يَتَأَدَّى بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَقَالَ أَبُو الْيُسْرِ: هَذَا قَوْلٌ لِزُفَرَ فِي صِغَرِهِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالصَّحِيحِ الْمُقِيمِ نَفْيًا لِمَا يَجُوزُ بِهِ صَرْفُ الْإِمْسَاكِ إلَى غَيْرِهِ لِتَعَيُّنِ الْجِهَةِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هِبَةَ النِّصَابِ فَقِيرًا وَاحِدًا لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ عَلَى مَا مَرَّ فَمَا وَجْهُ مَا فِي الْكِتَابِ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَاهُ عَلَى قَوْلِ مَذْهَبِكُمْ، وَبِأَنَّ تَأْوِيلَهُ أَنْ يَكُونَ الْفَقِيرُ مَدْيُونًا فَإِنَّ دَفْعَ النِّصَابِ إلَيْهِ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ أَرَادَ بِالْفَقِيرِ الْجِنْسَ فَكَانَ الدَّفْعُ مُتَفَرِّقًا (وَلَنَا أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ الْإِمْسَاكُ عِبَادَةً وَلَا إمْسَاكَ عِبَادَةً بِالنِّيَّةِ وَفِي هِبَةِ النِّصَابِ قَدْ وُجِدَتْ النِّيَّةُ كَمَا مَرَّ فِي الزَّكَاةِ، وَمَنْ أَصْبَحَ غَيْرَ نَاوٍ لِلصَّوْمِ فَأَفْطَرَ) قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ (فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ زُفَرُ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ يَتَأَدَّى عِنْدَهُ بِغَيْرِ النِّيَّةِ) وَقَدْ أَفْسَدَ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ شَرْعًا فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ نَوَى. (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ) وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ جَعَلَ هَذَا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ خَاصَّةً (إذَا أَكَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ فَوَّتَ إمْكَانَ التَّحْصِيلِ) لِكَوْنِهِ وَقْتَ النِّيَّةِ (فَصَارَ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ) فَإِنَّ الْمَالِكَ إذَا ضَمِنَهُ فَإِنَّمَا يَضْمَنُهُ لِتَفْوِيتِ الْإِمْكَانِ وَتَفْوِيتُ إمْكَانِ الشَّيْءِ كَتَفْوِيتِهِ، لَا يُقَالُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّضْمِينَ لِتَفْوِيتِ الْإِمْكَانِ لِمَ لَا يَكُونُ لِلِاسْتِهْلَاكِ أَوْ لِلْغَضَبِ نَفْسِهِ مِنْ الْغَاصِبِ، لِأَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ شَرْطُ التَّفْوِيتِ، وَلَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَى الشَّرْطِ مَعَ قِيَامِ صَاحِبِ الْعِلَّةِ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْغَصْبُ لِأَنَّهُ مَا أَزَالَ يَدًا مُحِقَّةً فَلَمْ يَكُنْ إلَّا لِلتَّفْوِيتِ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ظَاهِرٌ مَكْشُوفٌ، وَأَمَّا مَا قَالَا مِنْ تَفْوِيتِ الْإِمْكَانِ فَهُوَ مُسْتَقِيمٌ فِي غَيْرِ

(وَإِذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ نَفِسَتْ أَفْطَرَتْ وَقَضَتْ) بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا تُحْرَجُ فِي قَضَائِهَا وَقَدْ مَرَّ فِي الصَّلَاةِ (وَإِذَا قَدِمَ الْمُسَافِرُ أَوْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ فِي بَعْضِ النَّهَارِ أَمْسَكَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجِبُ الْإِمْسَاكُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ كُلُّ مَنْ صَارَ أَهْلًا لِلُّزُومِ وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ. هُوَ يَقُولُ: التَّشْبِيهُ خَلَفٌ فَلَا يَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ يَتَحَقَّقُ الْأَصْلُ فِي حَقِّهِ كَالْمُفْطِرِ مُتَعَمِّدًا أَوْ مُخْطِئًا. وَلَنَا أَنَّهُ وَجَبَ قَضَاءً لِحَقِّ الْوَقْتِ لَا خَلَفًا لِأَنَّهُ وَقْتٌ مُعَظَّمٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ فِي بَابِ الْعُدْوَانِ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ نُفِسَتْ) بِضَمِّ النُّونِ أَيْ صَارَتْ نُفَسَاءَ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا قَدِمَ الْمُسَافِرُ) قَدْ قَدَّمْنَا الْأَصْلَ الْجَامِعَ لِهَذِهِ الْفُرُوعِ، وَكَلَامُهُ كَمَا تَرَى يُشِيرُ إلَى اخْتِيَارِهِ وُجُوبَ الْإِمْسَاكِ، إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَارْتَفَعَ الْخِلَافُ. فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: بِعَدَمِ الْوُجُوبِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّشَبُّهَ خَلْفٌ وَالْخَلْفُ لَا يَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ يَجِبُ الْأَصْلُ فِي حَقِّهِ كَالْمُفْطِرِ مُتَعَمِّدًا. وَالْمُخْطِئِ، يَعْنِي الَّذِي أَكَلَ يَوْمَ الشَّكِّ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ تَسَحَّرَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ لَيْلٌ وَكَانَ الْفَجْرُ طَالِعًا لَا الَّذِي أَخْطَأَ فِي الْمَضْمَضَةِ وَنَزَلَ الْمَاءُ فِي جَوْفِهِ فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ عِنْدَهُ. قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّشَبُّهَ خَلْفٌ لِأَنَّ بَعْضَ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ خَلْفًا عَنْ الْكُلِّ بَلْ وَجَبَ قَضَاءٌ لِحَقِّ الْوَقْتِ أَصْلًا لِأَنَّ هَذَا الْوَقْتَ مُعَظَّمٌ، وَلِهَذَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْمُفْطِرِ فِيهِ عَمْدًا دُونَ غَيْرِهِ وَقَدْ قَالَ

بِخِلَافِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ حَالَ قِيَامِ هَذِهِ الْأَعْذَارِ لِتَحَقُّقِ الْمَانِعِ عَنْ التَّشْبِيهِ حَسَبَ تَحَقُّقِهِ عَنْ الصَّوْمِ. قَالَ (وَإِذَا تَسَحَّرَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ فَإِذَا هُوَ قَدْ طَلَعَ، أَوْ أَفْطَرَ وَهُوَ يَرَى أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ فَإِذَا هِيَ لَمْ تَغْرُبْ أَمْسَكَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ) قَضَاءً لِحَقِّ الْوَقْتِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ أَوْ نَفْيًا لِلتُّهْمَةِ (وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) لِأَنَّهُ حَقٌّ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ، كَمَا فِي الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ (وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْجِنَايَةَ قَاصِرَةٌ لِعَدَمِ الْقَصْدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَقَرَّبَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً، وَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيهِ كَانَ كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ» وَإِذَا كَانَ مُعَظَّمًا وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ حَقِّهِ بِالصَّوْمِ إنْ كَانَ أَهْلًا، وَبِالْإِمْسَاكِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ خَلْفًا لَا يَكُونُ وُجُوبُهُ مَبْنِيًّا عَلَى وُجُوبِ الْأَصْلِ (بِخِلَافِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ) الْإِمْسَاكُ لِتَحَقُّقِ الْمَانِعِ عَنْهُ وَهُوَ قِيَامُ هَذِهِ الْأَعْذَارِ، فَإِنَّهَا كَمَا تَمْنَعُ عَنْ الصَّوْمِ تَمْنَعُ عَنْ التَّشَبُّهِ بِهِ، أَمَّا فِي الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ فَلِأَنَّ الصَّوْمَ عَلَيْهِمَا حَرَامٌ وَالتَّشَبُّهَ بِالْحَرَامِ حَرَامٌ، وَأَمَّا فِي الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ فَلِأَنَّ الرُّخْصَةَ فِي حَقِّهِمَا بِاعْتِبَارِ الْحَرَجِ فَلَوْ أَلْزَمْنَا التَّشَبُّهَ عَادَ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْصِ. قَالَ: (وَإِذَا تَسَحَّرَ وَهُوَ يُظَنُّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ) وَمَنْ أَخْطَأَ فِي الْفِطْرِ بِنَاءً عَلَى ظَنِّهِ فَسَدَ صَوْمُهُ وَلَزِمَهُ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ يَوْمِهِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَلَا يَأْثَمُ بِهِ، أَمَّا فَسَادُ صَوْمِهِ فَلِانْتِفَاءِ رُكْنِهِ بِغَلَطٍ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ النِّسْيَانِ. وَأَمَّا إمْسَاكُ الْبَقِيَّةِ فَلِقَضَاءِ حَقِّ الْوَقْتِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا أَوْ لِنَفْيِ التُّهْمَةِ، فَإِنَّهُ إذَا أَكَلَ وَلَا عُذْرَ بِهِ اتَّهَمَهُ النَّاسُ بِالْفِسْقِ، وَالتَّحَرُّزُ عَنْ مَوَاضِعِ التُّهَمِ وَاجِبٌ بِالْحَدِيثِ. وَأَمَّا الْقَضَاءُ فَلِأَنَّهُ حَقٌّ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ شَرْعًا فَإِذَا فَوَّتَهُ قَضَاهُ كَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ، وَأَمَّا عَدَمُ الْكَفَّارَةِ فَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ قَاصِرَةٌ لِعَدَمِ الْقَصْدِ، وَيُعَضِّدُهُ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا مَعَ أَصْحَابِهِ فِي رَحْبَةِ مَسْجِدِ الْكُوفَةِ عِنْدَ الْغُرُوبِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَأُتِيَ بِعُسٍّ مِنْ لَبَنٍ فَشَرِبَ مِنْهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ أَنْ يُؤَذِّنَ، فَلَمَّا رَقَى الْمِئْذَنَةَ رَأَى الشَّمْسَ لَمْ تَغِبْ فَقَالَ: الشَّمْسُ

وَفِيهِ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَا تَجَانَفْنَا لِإِثْمٍ، قَضَاءُ يَوْمٍ عَلَيْنَا يَسِيرٌ، وَالْمُرَادُ بِالْفَجْرِ الْفَجْرُ الثَّانِي، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الصَّلَاةِ (ثُمَّ التَّسَحُّرُ مُسْتَحَبٌّ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً» (وَالْمُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ثَلَاثٌ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُرْسَلِينَ: تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ، وَتَأْخِيرُ السَّحُورِ، وَالسِّوَاكُ» ـــــــــــــــــــــــــــــQيَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ عُمَرُ: بَعَثْنَاك دَاعِيًا وَلَمْ نَبْعَثْك رَاعِيًا (مَا تَجَانَفْنَا لِإِثْمٍ، قَضَاءُ يَوْمٍ عَلَيْنَا يَسِيرٌ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى لُزُومِ الْقَضَاءِ وَعَدَمِ الْإِثْمِ. وَإِنْ جَعَلْت الْمَوْضِعَ مَوْضِعَ بَيَانِ مَا يَجِبُ فِي مِثْلِهِ دَلَّ عَلَى عَدَمِ الْكَفَّارَةِ أَيْضًا، لِأَنَّ السُّكُوتَ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ بَيَانٌ. وَالْجَنَفُ الْمَيْلُ. فَإِنْ قِيلَ: مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الْكِتَابِ هُوَ مَا يَكُونُ ظَنًّا فَمَا حُكْمُ الشَّكِّ فِي ذَلِكَ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ إذَا شَكَّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَإِذَا شَكَّ فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ وَجَبَتْ. وَالْفَرْقُ أَنَّهُ مَتَى. شَكَّ فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ فَأَفْطَرَ فَقَدْ كَمَّلَ الْفِطْرَ عَلَى سَبِيلِ التَّعَدِّي، لِأَنَّهُ كَانَ مُتَيَقِّنًا بِالنَّهَارِ شَاكًّا بِاللَّيْلِ، وَالْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ وَفِي طُلُوعِ الْفَجْرِ بِالْعَكْسِ. وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَصْرِيحٌ بِذَلِكَ وَلَكِنَّهُ قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ فِيهِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ. وَقَوْلُهُ (وَالْمُرَادُ بِالْفَجْرِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ التَّسَحُّرُ) السَّحَرُ آخِرُ اللَّيْلِ، عَنْ اللَّيْثِ قَالُوا: هُوَ السُّدُسُ الْأَخِيرُ، وَالسَّحُورُ اسْمٌ لِمَا يُؤْكَلُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً» أَيْ فِي أَكْلِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْبَرَكَةِ زِيَادَةُ الْقُوَّةِ عَلَى أَدَاءِ الصَّوْمِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ نَيْلُ زِيَادَةِ الثَّوَابِ لِاسْتِنَانِهِ بِسُنَنِ الْمُرْسَلِينَ، ثُمَّ تَأْخِيرُ أَكْلَ السُّحُورِ مُسْتَحَبٌّ فِي مُسْتَحَبٍّ، فَإِنَّ نَفْسَ التَّسَحُّرِ مُسْتَحَبٌّ. وَتَأْخِيرَهُ مُسْتَحَبٌّ أَيْضًا، فَكَانَ التَّأْخِيرُ مُسْتَحَبًّا فِي مُسْتَحَبٍّ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ثَلَاثٌ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُرْسَلِينَ: تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ، وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ، وَالسِّوَاكُ» فَإِنْ قِيلَ: مَا وَجْهُ جَعْلِ تَأْخِيرِ السُّحُورِ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُرْسَلِينَ وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِأَهْلِ الْإِسْلَامِ وَبِأُمَّتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «فَرْقُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلُ السَّحُورِ» . أُجِيبَ: بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْأَكْلَةُ الثَّانِيَةُ فَإِنَّهَا كَانَتْ تَجْرِي مَجْرَى السُّحُورِ فِي حَقِّهِمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ

(إلَّا أَنَّهُ إذَا شَكَّ فِي الْفَجْرِ) وَمَعْنَاهُ تَسَاوِي الظَّنَّيْنِ (الْأَفْضَلُ أَنْ يَدَعَ الْأَكْلَ) تَحَرُّزًا عَنْ الْمُحَرَّمِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلَوْ أَكَلَ فَصَوْمُهُ تَامٌّ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ اللَّيْلُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَسْتَبِينُ الْفَجْرَ، أَوْ كَانَتْ اللَّيْلَةُ مُقْمِرَةً أَوْ مُتَغَيِّمَةً. أَوْ كَانَ بِبَصَرِهِ عِلَّةٌ وَهُوَ يَشُكُّ لَا يَأْكُلُ، وَلَوْ أَكَلَ فَقَدْ أَسَاءَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ» وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ أَكَلَ وَالْفَجْرُ طَالِعٌ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ عَمَلًا بِغَالِبِ الرَّأْيِ، وَفِيهِ الِاحْتِيَاطُ. وَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْيَقِينَ لَا يُزَالُ إلَّا بِمِثْلِهِ، وَلَوْ ظَهَرَ أَنَّ الْفَجْرَ طَالِعٌ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بَنَى الْأَمْرَ عَلَى الْأَصْلِ فَلَا تَتَحَقَّقُ الْعَمْدِيَّةُ (وَلَوْ شَكَّ فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ لَا يَحِلُّ لَهُ الْفِطْرُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَخْلَاقِ الْمُرْسَلِينَ. وَالثَّانِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ مَا كَانَ لَهُمْ سُحُورٌ، وَهَذَا غَيْرُ الْأَوَّلِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَنْبِيَاؤُهُمْ يَتَسَحَّرُونَ. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّهُ إذَا شَكَّ فِي الْفَجْرِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ) هُوَ الصَّحِيحُ،

لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ النَّهَارُ (وَلَوْ أَكَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) عَمَلًا بِالْأَصْلِ، وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ رِوَايَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ النَّهَارَ هُوَ الْأَصْلُ، وَلَوْ كَانَ شَاكًّا فِيهِ وَتَبَيَّنَ أَنَّهَا لَمْ تَغْرُبْ يَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ الْكَفَّارَةُ نَظَرًا إلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ وَهُوَ النَّهَارُ. (وَمَنْ أَكَلَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا وَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُفْطِرُهُ فَأَكَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مُتَعَمِّدًا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ) لِأَنَّ الِاشْتِبَاهَ اسْتَنَدَ إلَى الْقِيَاسِ فَتَتَحَقَّقُ الشُّبْهَةُ، وَإِنْ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ وَعَلِمَهُ فَكَذَلِكَ فِي ظَاهِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ اللَّيْلَ هُوَ الْأَصْلُ فَلَا يُنْتَقَلُ عَنْهُ إلَّا بِيَقِينٍ، وَأَكْبَرُ الرَّأْيِ لَيْسَ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (رِوَايَةً وَاحِدَةً) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَيْ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، لِأَنَّ النَّهَارَ كَانَ ثَابِتًا وَقَدْ انْضَمَّ إلَيْهِ أَكْبَرُ الرَّأْيِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْيَقِينِ، وَقَدْ أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ، وَإِنَّمَا قَالَ: رِوَايَةً وَاحِدَةً احْتِرَازًا عَمَّا إذَا كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّ الْفَجْرَ طَالِعٌ، لِأَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ أَكَلَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا) ظَاهِرٌ (لِأَنَّ الِاشْتِبَاهَ اسْتَنَدَ إلَى الْقِيَاسِ) لِأَنَّ الْقِيَاسَ الصَّحِيحَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَبْقَى الصَّوْمُ بِانْتِفَاءِ رُكْنِهِ بِالْأَكْلِ نَاسِيًا، فَإِذَا أَكَلَ بَعْدَهُ عَامِدًا لَمْ يُلَاقِ فِعْلَهُ الصَّوْمَ

الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا تَجِبُ، وَكَذَا عَنْهُمَا لِأَنَّهُ لَا اشْتِبَاهَ فَلَا شُبْهَةَ. وَجْهُ الْأَوَّلِ قِيَامُ الشُّبْهَةِ الْحُكْمِيَّةِ بِالنَّظَرِ إلَى الْقِيَاسِ فَلَا يَنْتَفِي بِالْعِلْمِ كَوَطْءِ الْأَبِ جَارِيَةَ ابْنِهِ. (وَلَوْ احْتَجَمَ وَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُفْطِرُهُ ثُمَّ أَكَلَ مُتَعَمِّدًا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ) لِأَنَّ الظَّنَّ مَا اسْتَنَدَ إلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ لَا اشْتِبَاهَ) يَعْنِي إذَا عُلِمَ الْحَدِيثُ عُلِمَ أَنَّ الْقِيَاسَ مَتْرُوكٌ، وَالْمَتْرُوكُ لَا يُورِثُ شُبْهَةً فَلَا شُبْهَةَ. وَقَوْلُهُ (وَجْهُ الْأَوَّلِ) يَعْنِي عَدَمَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ (قِيَامُ الشُّبْهَةِ الْحُكْمِيَّةِ بِالنَّظَرِ إلَى الْقِيَاسِ) وَهَذَا لِأَنَّ الشُّبْهَةَ الْحُكْمِيَّةَ هِيَ الشُّبْهَةُ فِي الْمَحَلِّ، وَهِيَ الَّتِي يَتَحَقَّقُ بِقِيَامِ الدَّلِيلِ النَّافِي لِلْحُرْمَةِ فِي ذَاتِهِ وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى ظَنِّ الْجَانِي وَاعْتِقَادِهِ كَمَا سَيَجِيءُ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ، وَالْقِيَاسُ دَلِيلٌ قَائِمٌ يَنْفِي حُرْمَةَ الْأَكْلِ الثَّانِي سَوَاءٌ عَلِمَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ (كَوَطْءِ الْأَبِ جَارِيَةَ ابْنِهِ) فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ سَوَاءٌ كَانَ الْأَبُ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ أَوْ لَا. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ احْتَجَمَ) صُورَتُهُ ظَاهِرَةٌ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الظَّنَّ مَا اسْتَنَدَ إلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ) فَإِنَّ الْحِجَامَةَ كَالْفَصْدِ فِي خُرُوجِ الدَّمِ مِنْ الْعُرُوقِ وَالْفَصْدُ لَا يُفْسِدُ، فَكَذَا الْحِجَامَةُ. لَا يُقَالُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَدَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ وُصُولُ شَيْءٍ إلَى بَاطِنِهِ وَلَا قَضَاءُ شَهْوَةٍ. وَمَعَ ذَلِكَ يُفْسِدُ الصَّوْمَ لِأَنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ كَالِاسْتِقَاءِ. فَإِنْ قِيلَ: فَلْتَكُنْ الْحِجَامَةُ كَذَلِكَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» . أُجِيبَ «بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ» رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَرَوَى أَيْضًا «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ» فَكَانَ الْحَدِيثُ مُعَارَضًا بِهِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ. لَا يُقَالُ: مَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حِكَايَةُ فِعْلٍ وَالْقَوْلُ رَاجِحٌ، لِأَنَّ الْقَوْلَ إنَّمَا يَكُونُ رَاجِحًا إذَا لَمْ يَكُنْ مُؤَوَّلًا وَهَذَا مُؤَوَّلٌ عَلَى مَا يُذْكَرُ.

إلَّا إذَا أَفْتَاهُ فَقِيهٌ بِالْفَسَادِ لِأَنَّ الْفَتْوَى دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ فِي حَقِّهِ، وَلَوْ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ وَاعْتَمَدَهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، لِأَنَّ قَوْلَ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَنْزِلُ عَنْ قَوْلِ الْمُفْتِي، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خِلَافُ ذَلِكَ، لِأَنَّ عَلَى الْعَامِّيِّ الِاقْتِدَاءَ بِالْفُقَهَاءِ لِعَدَمِ الِاهْتِدَاءِ فِي حَقِّهِ إلَى مَعْرِفَةِ الْأَحَادِيثِ، وَإِنْ عَرَفَ تَأْوِيلَهُ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ، وَقَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُورِثُ الشُّبْهَةَ لِمُخَالَفَتِهِ الْقِيَاسَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (إلَّا إذَا أَفْتَاهُ فَقِيهٌ) يَعْنِي حِينَئِذٍ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ. وَالْمُرَادُ بِهِ فَقِيهٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْفِقْهُ وَيُعْتَمَدُ عَلَى فَتْوَاهُ فِي الْبَلَدِ، هَكَذَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَابْنِ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - (لِأَنَّ الْفَتْوَى دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ فِي حَقِّهِ) فَتَصِيرُ شُبْهَةً (وَإِنْ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ) وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» رُوِيَ بِالْوَاوِ وَبِغَيْرِهِ بِنَصْبِ الْمَحْجُومِ (وَاعْتَمَدَهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ (لِأَنَّ قَوْلَ الرَّسُولِ لَا يَنْزِلُ عَنْ قَوْلِ الْمُفْتِي، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ خِلَافُ ذَلِكَ) يَعْنِي لَا تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ (لِأَنَّ عَلَى الْعَامِّيِّ الِاقْتِدَاءَ بِالْفُقَهَاءِ لِعَدَمِ الِاهْتِدَاءِ فِي حَقِّهِ إلَى مَعْرِفَةِ الْأَحَادِيثِ) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَصْرُوفًا عَنْ ظَاهِرِهِ أَوْ مَنْسُوخًا (وَإِنْ عَرَفَ تَأْوِيلَهُ) وَهُوَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِهِمَا وَهُمَا مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ مَعَ حَاجِمِهِ وَهُمَا يَغْتَابَانِ آخَرَ فَقَالَ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» أَيْ ذَهَبَ بِثَوَابِ صَوْمِهِمَا الْغِيبَةُ. وَقِيلَ: «إنَّهُ غُشِيَ عَلَى الْمَحْجُومِ فَصَبَّ الْحَاجِمُ الْمَاءَ فِي حَلْقِهِ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَفْطَرَ الْحَاجِمُ الْمَحْجُومَ» أَيْ فَطَّرَهُ بِمَا صَنَعَ بِهِ فَوَقَعَ عِنْدَ الرَّاوِي أَنَّهُ قَالَ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» (تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ) لِأَنَّهَا نَشَأَتْ مِنْ الِاعْتِمَادِ عَلَى الظَّاهِرِ، وَقَدْ زَالَ بِمَعْرِفَةِ التَّأْوِيلِ. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ

(وَلَوْ أَكَلَ بَعْدَمَا اغْتَابَ مُتَعَمِّدًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ كَيْفَمَا كَانَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ مَنْشَأَ الشُّبْهَةِ ذَلِكَ وَحْدَهُ بَلْ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ بِذَلِكَ مُنْشَأٌ لَهَا أَيْضًا. أَجَابَ: بِأَنَّ قَوْلَ الْأَوْزَاعِيِّ لَا يُورِثُ الشُّبْهَةَ لِمُخَالَفَتِهِ الْقِيَاسَ، فَإِنَّ الْفِطْرَ مِمَّا يَدْخُلُ لَا مِمَّا يَخْرُجُ، بِخِلَافِ قَوْلِ مَالِكٍ فِي أَكْلِ النَّاسِي. لَا يُقَالُ فِي عِبَارَتِهِ تَنَاقُضٌ لِأَنَّهُ قَالَ: إلَّا إذَا أَفْتَاهُ فَقِيهٌ، وَفَتْوَاهُ لَا تَكُونُ إلَّا بِقَوْلِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ: لَا يُورِثُ الشُّبْهَةَ، وَأَيْضًا الْفَتْوَى فِي هَذَا الْبَابِ لَا تَكُونُ إلَّا مُخَالَفَةً لِلْقِيَامِ فَكَيْفَ تَكُونُ شُبْهَةً مِنْ غَيْرِ الْأَوْزَاعِيِّ دُونِهِ. لِأَنَّا نَقُولُ: ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَامِّيِّ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ عَرَفَ التَّأْوِيلَ (وَلَوْ أَكَلَ بَعْدَمَا اغْتَابَ مُتَعَمِّدًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ كَيْفَمَا كَانَ)

لِأَنَّ الْفِطْرَ يُخَالِفُ الْقِيَاسَ، وَالْحَدِيثُ مُؤَوَّلٌ بِالْإِجْمَاعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ سَوَاءٌ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ أَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ، عَرَفَ تَأْوِيلَهُ أَوْ لَمْ يَعْرِفْ، أَفْتَاهُ مُفْتٍ أَوْ لَمْ يُفْتِ (لِأَنَّ الْفِطْرَ بِهَا يُخَالِفُ الْقِيَاسَ وَالْحَدِيثَ) وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْغِيبَةُ تُفَطِّرُ الصَّائِمَ» (مُؤَوَّلٌ بِالْإِجْمَاعِ) بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ ذَهَابُ الثَّوَابِ فَلَمْ يُوجَدْ الدَّلِيلُ النَّافِي لِلْحُرْمَةِ فِي ذَاتِهِ فَلَا يَكُونُ شُبْهَةً، بِخِلَافِ حَدِيثِ الْحِجَامَةِ فَإِنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ أَخَذَ

(وَإِذَا جُومِعَتْ النَّائِمَةُ أَوْ الْمَجْنُونَةُ وَهِيَ صَائِمَةٌ عَلَيْهَا الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِمَا اعْتِبَارًا بِالنَّاسِي، وَالْعُذْرُ هُنَا أَبْلَغُ لِعَدَمِ الْقَصْدِ. وَلَنَا أَنَّ النِّسْيَانَ يَغْلِبُ وُجُودُهُ وَهَذَا نَادِرٌ، وَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِانْعِدَامِ الْجِنَايَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِظَاهِرِهِ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا جُومِعَتْ النَّائِمَةُ أَوْ الْمَجْنُونَةُ) أَمَّا صَوْمُ النَّائِمَةِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْمَجْنُونَةُ فَقَدْ تَكَلَّمُوا فِي صِحَّةِ صَوْمِهَا لِأَنَّهَا لَا تُجَامِعُ الْجُنُونَ، وَحُكِيَ عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ الْجُوزَجَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: لَمَّا قَرَأَتْ عَلَى مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ قُلْت لَهُ: كَيْفَ تَكُونُ صَائِمَةً وَهِيَ مَجْنُونَةٌ؟ فَقَالَ لِي: دَعْ هَذَا فَإِنَّهُ انْتَشَرَ فِي الْأُفُقِ. فَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ: كَأَنَّهُ كُتِبَ فِي الْأَصْلِ مَجْبُورَةٌ فَظَنَّ الْكَاتِبُ مَجْنُونَةً، وَلِهَذَا قَالَ: دَعْ فَإِنَّهُ انْتَشَرَ فِي الْأُفُقِ، وَأَكْثَرُهُمْ قَالُوا: تَأْوِيلُهُ أَنَّهَا كَانَتْ عَاقِلَةً بَالِغَةً فِي أَوَّلِ النَّهَارِ ثُمَّ جُنَّتْ فَجَامَعَهَا زَوْجُهَا ثُمَّ أَفَاقَتْ وَعَلِمَتْ بِمَا فَعَلَ بِهَا الزَّوْجُ (وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِمَا إلْحَاقًا بِالنَّاسِي، لِأَنَّ الْعُذْرَ فِيهِمَا أَبْلَغُ لِعَدَمِ الْقَصْدِ) وَلَنَا أَنَّ الْإِلْحَاقَ إنَّمَا يَصِحُّ أَنْ لَوْ كَانَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ النِّسْيَانَ يَغْلِبُ وُجُودُهُ فَيُفْضِي إلَى الْحَرَجِ (وَهَذَا) جِمَاعُ الْمَجْنُونَةِ وَالنَّائِمَةِ (نَادِرٌ) فَالْقَضَاءُ لَا يُفْضِي إلَى الْحَرَجِ (وَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِانْعِدَامِ الْجِنَايَةِ) لِعَدَمِ الْقَصْدِ.

[فصل فيما يوجبه على نفسه]

(وَإِذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمِ النَّحْرِ أَفْطَرَ وَقَضَى) : فَهَذَا النَّذْرُ صَحِيحٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيَّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. هُمَا يَقُولَانِ: إنَّهُ نَذْرٌ بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ هَذِهِ الْأَيَّامِ. وَلَنَا أَنَّهُ نَذَرَ بِصَوْمٍ مَشْرُوعٍ وَالنَّهْيُ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ تَرْكُ إجَابَةِ دَعْوَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَيَصِحُّ نَذْرُهُ لَكِنَّهُ يُفْطِرُ احْتِرَازًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ الْمُجَاوِرَةِ ثُمَّ يَقْضِي إسْقَاطًا لِلْوَاجِبِ، وَإِنْ صَامَ فِيهِ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ كَمَا الْتَزَمَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِيمَا يُوجِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْعِبَادِ، شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يُوجِبُهُ الْعَبْدُ عَلَى نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ فَرْعٌ عَلَى الْأَوَّلِ، وَلِهَذَا شَرَطَ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ، وَأَنْ لَا يَكُونَ وَاجِبًا بِإِيجَابِ اللَّهِ (وَإِذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمِ النَّحْرِ، أَفْطَرَ وَقَضَى) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَصِحُّ نَذْرُهُ، وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّ هَذَا نَذْرٌ بِالْمَعْصِيَةِ (لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ هَذِهِ الْأَيَّامِ) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَا لَا تَصُومُوا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ» الْحَدِيثَ، وَالنَّذْرُ بِالْمَعْصِيَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ» (وَلَنَا أَنَّ هَذَا نَذْرٌ بِصَوْمٍ مَشْرُوعٍ) لِأَنَّ الدَّلِيلَ الدَّالَّ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ وَهُوَ كَوْنُهُ كَفًّا لِلنَّفْسِ الَّتِي هِيَ عَدُوُّ اللَّهِ عَنْ شَهَوَاتِهَا لَا يُفْصَلُ بَيْنَ يَوْمٍ وَيَوْمٍ، فَكَانَ مِنْ حَيْثُ حَقِيقَتُهُ حَسَنًا مَشْرُوعًا، وَالنَّذْرُ بِمَا هُوَ مَشْرُوعٌ جَائِزٌ، وَمَا ذَكَرْتُمْ مِنْ النَّهْيِ فَإِنَّمَا هُوَ لِغَيْرِهِ الْمُجَاوِرِ (وَهُوَ تَرْكُ إجَابَةِ دَعْوَةِ اللَّهِ تَعَالَى) لِأَنَّ النَّاسَ أَضْيَافُ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، وَإِذَا كَانَ لِغَيْرِهِ لَا يُمْنَعُ صِحَّتُهُ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الْإِمْسَاكُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ يَسْتَلْزِمُ تَرْكَ إجَابَةِ الدَّعْوَةِ أَلْبَتَّةَ، وَتَرْكُ الْإِجَابَةِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ قَبِيحٌ فَمَا يَسْتَلْزِمُهُ كَذَلِكَ؟ وَالْجَوَابُ: أَنَّا لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَوْ أَمْسَكَ حَمِيَّةً أَوْ لِضَعْفٍ أَوْ لِعَدَمِ مَا يَأْكُلُهُ لَا يَكُونُ تَارِكًا لِلْإِجَابَةِ. فَإِنْ قِيلَ: الْإِمْسَاكُ عِبَادَةٌ تَسْتَلْزِمُهُ. قُلْنَا: كَانَ ذَلِكَ قَوْلًا بِالْوَجْهِ وَالِاعْتِبَارِ. وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ صِحَّتِهِ فَلَنَا أَنْ نَقُولَ هَذَا الصَّوْمُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَرْكُ إجَابَةِ دَعْوَةِ اللَّهِ قَبِيحٌ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَهْرٌ لِلنَّفْسِ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ عَلَى وَجْهِ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ حَسَنٌ، (فَيَصِحُّ النَّذْرُ لَكِنَّهُ يُفْطِرُ احْتِرَازًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ الْمُجَاوِرَةِ ثُمَّ يَقْضِي إسْقَاطًا لِلْوَاجِبِ، وَإِنْ صَامَ فِيهِ يَخْرُجْ عَنْ الْعُهْدَةِ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ كَمَا الْتَزَمَهُ) فَإِنَّ مَا وَجَبَ نَاقِصًا يَجُوزُ أَنْ يَتَأَدَّى نَاقِصًا. فَإِنْ قُلْت:

(وَإِنْ نَوَى يَمِينًا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) يَعْنِي. إذَا أَفْطَرَ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ سِتَّةٍ: إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ نَوَى النَّذْرَ لَا غَيْرَ، أَوْ نَوَى النَّذْرَ وَنَوَى أَنْ لَا يَكُونَ يَمِينًا يَكُونُ نَذْرًا لِأَنَّهُ نَذَرَ بِصِيغَتِهِ. كَيْفَ وَقَدْ قَرَّرَهُ بِعَزِيمَتِهِ؟ وَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ وَنَوَى أَنْ لَا يَكُونَ نَذْرًا يَكُونُ يَمِينًا، لِأَنَّ الْيَمِينَ مُحْتَمِلٌ كَلَامَهُ وَقَدْ عَيَّنَهُ وَنَفَى غَيْرَهُ، وَإِنْ نَوَاهُمَا يَكُونُ نَذْرًا وَيَمِينًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَكُونُ نَذْرًا، وَلَوْ نَوَى الْيَمِينَ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يَكُونُ يَمِينًا. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ النَّذْرَ فِيهِ حَقِيقَةٌ وَالْيَمِينَ مَجَازٌ حَتَّى لَا يَتَوَقَّفَ الْأَوَّلُ عَلَى النِّيَّةِ، وَيَتَوَقَّفَ الثَّانِي فَلَا يَنْتَظِمُهُمَا، ثُمَّ الْمَجَازُ يَتَعَيَّنُ بِنِيَّتِهِ، وَعِنْدَ نِيَّتِهِمَا تَتَرَجَّحُ الْحَقِيقَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQسَمَّى الْمُصَنِّفُ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الْقُبْحِ مُجَاوِرًا وَهُوَ عَلَى خِلَافِ مَا فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ قَاطِبَةً، فَإِنَّهُمْ سَمَّوْهُ بِالْمُتَّصِلِ وَصْفًا، وَأَمَّا الْمُجَاوِرُ جَمْعًا فَمِثْلُ الْبَيْعِ عِنْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ. قُلْت: سُؤَالٌ حَسَنٌ. وَالتَّقَصِّي عَنْ عُهْدَةِ جَوَابِهِ مُشْكِلٌ، وَتَقْرِيرُنَا كَافِلٌ كَافٍ لِتَقْرِيرِهِ فَلْيُطْلَبْ ثَمَّةَ فَإِنَّهُ مِنْ مَبَاحِثِ الْأُصُولِ. قَالَ (وَإِنْ نَوَى يَمِينًا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى سِتَّةِ أَوْجُهٍ، وَالْجَمِيعُ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ، فَفِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ وَهِيَ: مَا إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ نَوَى النَّذْرَ لَا غَيْرُ، أَوْ نَوَى النَّذْرَ وَنَوَى أَنْ لَا يَكُونَ يَمِينًا، يَكُونَ نَذْرًا بِالْإِجْمَاعِ، وَفِي الْوَاحِدِ يَكُونُ يَمِينًا بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ مَا إذَا نَوَى الْيَمِينَ وَنَوَى أَنْ لَا يَكُونَ نَذْرًا، وَفِي الِاثْنَيْنِ وَهُوَ أَنْ يَنْوِيَهُمَا أَوْ نَوَى الْيَمِينَ لَا غَيْرُ يَكُونُ نَذْرًا وَيَمِينًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَوَّلِ نَذْرٌ وَفِي الْيَمِينِ يَمِينٌ، ثُمَّ الْوُجُوهُ الْأَرْبَعَةُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا ظَاهِرَةٌ، وَكَفَى بِعَدَمِ الْمُنَازِعِ دَلِيلًا، وَأَمَّا وَجْهُ الْبَاقِينَ فَلِأَبِي يُوسُفَ (أَنَّ النَّذْرَ فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الْكَلَامِ (حَقِيقَةٌ) لِعَدَمِ تَوَقُّفِهِ عَلَى النِّيَّةِ (وَالْيَمِينَ مَجَازٌ) لِتَوَقُّفِهِ عَلَيْهَا، وَاللَّفْظُ الْوَاحِدُ لَا يَنْتَظِمُ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ. فَإِذَا نَوَاهُمَا

وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْن الْجِهَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا يَقْتَضِيَانِ الْوُجُوبَ إلَّا أَنَّ النَّذْرَ يَقْتَضِيهِ لِعَيْنِهِ وَالْيَمِينَ لِغَيْرِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْحَقِيقَةُ مُرَادَةٌ فَلَا يَكُونُ الْمَجَازُ مُرَادًا، وَإِذَا نَوَى الْيَمِينَ تَعَيَّنَ الْمَجَازُ بِنِيَّتِهِ فَلَا تَكُونُ الْحَقِيقَةُ مُرَادَةً (وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ) يَعْنِي: أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمِ النَّحْرِ مَوْضُوعٌ لِلْوُجُوبِ وَمُسْتَعْمَلٌ فِي الْوُجُوبِ، وَلَيْسَ بِمُسْتَعْمَلٍ فِي غَيْرِ الْوُجُوبِ أَيْضًا حَتَّى يَلْزَمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، غَيْرَ أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِ مِنْ جِهَتَيْنِ لَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا، نَشَأَتْ إحْدَاهُمَا مِنْ النَّذْرِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِيهِ لِعَيْنِهِ، وَلِهَذَا يَجِبُ الْقَضَاءُ إذَا تَرَكَهُ، وَالْأُخْرَى مِنْ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِيهِ لِعَيْنِهِ وَهُوَ صِيَانَةُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ الْهَتْكِ، وَلِهَذَا لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ بَلْ الْكَفَّارَةُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُنْشَأَيْنِ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ إذْ أَمْكَنَ، وَالْعَمَلُ بِهِمَا مُمْكِنٌ لِعَدَمِ التَّنَافِي بَيْنَهُمَا

فَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ، كَمَا جَمَعْنَا بَيْنَ جِهَتَيْ التَّبَرُّعِ وَالْمُعَاوَضَةِ فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ. (وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذِهِ السَّنَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ كَمَا جَمَعْنَا بَيْنَ جِهَتَيْ التَّبَرُّعِ وَالْمُعَاوَضَةِ فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ) هَذَا الَّذِي ظَهَرَ لِي مِنْ كَلَامِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَلِلنَّاسِ فِي تَحْقِيقِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَذْهَبِهِمَا أَنْوَاعٌ مِنْ التَّوْجِيهَاتِ، فَمَنْ تَشَوَّفَ إلَيْهَا طَالَعَ التَّقْرِيرَ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ عَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ: هَذِهِ السَّنَةَ، أَوْ أَطْلَقَهَا بِأَنْ

أَفْطَرَ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَقَضَاهَا) لِأَنَّ النَّذْرَ بِالسَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ نَذْرٌ بِهَذِهِ الْأَيَّامِ، وَكَذَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ لَكِنَّهُ شَرَطَ التَّتَابُعَ، لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ لَا تَعْرَى عَنْهَا لَكِنْ يَقْضِيهَا فِي هَذَا الْفَصْلِ مَوْصُولَةً تَحْقِيقًا لِلتَّتَابُعِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ: سَنَةً، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَزِمَهُ صَوْمُ السَّنَةِ إلَّا أَنَّهُ أَفْطَرَ الْأَيَّامَ الْخَمْسَةَ وَقَضَاهَا (لِأَنَّ النَّذْرَ بِالسَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ نَذْرٌ بِهَذِهِ الْأَيَّامِ) وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ لِأَنَّ صَوْمَهُ لَمْ يَجِبْ بِهَذَا النَّذْرِ، وَلَوْ صَامَ الْأَيَّامَ الْخَمْسَةَ جَازَ لِمَا تَقَدَّمَ،

وَيَتَأَتَّى فِي هَذَا خِلَافُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيَّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِلنَّهْيِ عَنْ الصَّوْمِ فِيهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَا لَا تَصُومُوا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فَإِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ» وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ فِيهِ وَالْعُذْرَ عَنْهُ، وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ التَّتَابُعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَإِمَّا أَنْ يَشْتَرِطَ التَّتَابُعَ أَوْ لَا، فَإِنْ شَرَطَهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُعَيَّنَةِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَمْ يُجْزِهِ صَوْمُ هَذِهِ الْأَيَّامِ وَيَقْضِي خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ يَوْمًا خَمْسَةً لِلْأَيَّامِ الْخَمْسَةِ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا لِرَمَضَانَ، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ، وَمَبْنَى جَوَازِ صَوْمِ هَذِهِ

لَمْ يُجْزِهِ صَوْمُ هَذِهِ الْأَيَّامِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَا يَلْتَزِمُهُ الْكَمَالُ، وَالْمُؤَدَّى نَاقِصٌ لِمَكَانٍ النَّهْيِ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَيَّنَهَا لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِوَصْفِ النُّقْصَانِ فَيَكُونُ الْأَدَاءُ بِالْوَصْفِ الْمُلْتَزَمِ. قَالَ (وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إنْ أَرَادَ بِهِ يَمِينًا) وَقَدْ سَبَقَتْ وُجُوهُهُ. (وَمَنْ أَصْبَحَ يَوْمَ النَّحْرِ صَائِمًا ثُمَّ أَفْطَرَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي النَّوَادِرِ أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ) لِأَنَّ الشُّرُوعَ مُلْزِمٌ كَالنَّذْرِ، وَصَارَ كَالشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ. وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ بِنَفْسِ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ يُسَمَّى صَائِمًا حَتَّى يَحْنَثَ بِهِ الْحَالِفُ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَيَّامِ وَعَدَمِ جَوَازِهِ أَنَّ مَا وَجَبَ كَامِلًا لَا يَتَأَدَّى نَاقِصًا، وَمَا وَجَبَ نَاقِصًا جَازَ أَنْ يَتَأَدَّى نَاقِصًا. وَقَوْلُهُ (وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ) يَعْنِي عَنْهُمَا بَيْنَ النَّذْرِ وَالشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ وَبَيْنَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ، وَالشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ، فَإِنَّ فِي النَّذْرِ يَلْزَمُ الْقَضَاءُ وَفِي الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ لَا يَلْزَمُ، وَفِي الصَّلَاةِ يَلْزَمُهُ

الصَّوْمِ فَيَصِيرُ مُرْتَكِبًا لِلنَّهْيِ، فَيَجِبُ إبْطَالُهُ فَلَا تَجِبُ صِيَانَتُهُ وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ يُبْتَنَى عَلَيْهِ، وَلَا يَصِيرُ مُرْتَكِبًا لِلنَّهْيِ بِنَفْسِ النَّذْرِ وَهُوَ الْمُوجِبُ، وَلَا بِنَفْسِ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى يُتِمَّ رَكْعَةً، وَلِهَذَا لَا يَحْنَثُ بِهِ الْحَالِفُ عَلَى الصَّلَاةِ فَتَجِبُ صِيَانَةُ الْمُؤَدَّى وَيَكُونُ مَضْمُونًا بِالْقَضَاءِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ فِي فَصْلِ الصَّلَاةِ أَيْضًا، وَالْأَظْهَرُ هُوَ الْأَوَّلُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا أَفْسَدَهَا. وَحَاصِلُ الْفَرْقِ بَيْنَ النَّذْرِ وَالشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ أَنَّ الشُّرُوعَ إحْدَاثُ الْفِعْلِ فِي الْخَارِجِ وَهُوَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ ارْتِكَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَهُوَ تَرْكُ إجَابَةِ الدَّعْوَةِ فَيَجِبُ إبْطَالُهُ فَلَا تَجِبُ صِيَانَتُهُ، وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ يَنْبَنِي عَلَى وُجُوبِ الصِّيَانَةِ، وَأَمَّا النَّذْرُ فَإِنَّمَا هُوَ إيجَابٌ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ أَمْرٌ عَقْلِيٌّ وَجَازَ لِلْعَقْلِ أَنْ يُجَرِّدَ الْأَصْلَ عَنْ الْوَصْفِ فَلَمْ يَكُنْ مُرْتَكِبًا لِلْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَأَمَّا الشُّرُوعُ فِي الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ فَإِنَّمَا صَارَ مُوجِبًا لِلْقَضَاءِ، لِأَنَّ مَا شُرِعَ فِيهِ لَا يَكُونُ صَلَاةً حَتَّى يُتِمَّ رَكْعَةً، وَلِهَذَا لَا يَحْنَثُ بِهِ الْحَالِفُ عَلَى الصَّلَاةِ، فَلَمْ يَكُنْ الشُّرُوعُ فِي الِابْتِدَاءِ إحْدَاثًا لِفِعْلِ الصَّلَاةِ فِي الْخَارِجِ فَكَانَ كَالنَّذْرِ فِي الِانْفِصَالِ عَنْ ارْتِكَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، فَتَجِبُ الصِّيَانَةُ وَالْقَضَاءُ بِتَرْكِهَا، هَذَا مَا سَنَحَ لِي فِي تَوْجِيهِ كَلَامِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[باب الاعتكاف]

قَالَ (الِاعْتِكَافُ مُسْتَحَبٌّ) وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاظَبَ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الِاعْتِكَافِ] وَجْهُ تَقْدِيمِ الصَّوْمِ عَلَى الِاعْتِكَافِ وَجْهُ تَقْدِيمِ الْوُضُوءِ عَلَى الصَّلَاةِ، وَبَيَّنَ صِفَتَهُ قَبْلَ بَيَانِ تَفْسِيرِهِ لِأَنَّهَا أَهَمُّ مِنْ حَيْثُ عِلْمُ الْفِقْهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْمُوَاظَبَةُ ثَابِتَةٌ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ. قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ إلَى أَنْ تَوَفَّاهُ اللَّهُ» . أُجِيبَ: بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُنْكِرْ عَلَى مَنْ تَرَكَهُ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَأَنْكَرَ، فَكَانَتْ الْمُوَاظَبَةُ بِلَا تَرْكٍ مُعَارِضًا بِتَرْكِ الْإِنْكَارِ،

الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ وَالْمُوَاظَبَةُ دَلِيلُ السُّنَّةِ (وَهُوَ اللَّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الصَّوْمِ وَنِيَّةِ الِاعْتِكَافِ) أَمَّا اللَّبْثُ فَرُكْنُهُ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْهُ فَكَانَ وُجُودُهُ بِهِ، وَالصَّوْمُ مِنْ شَرْطِهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالنِّيَّةُ شَرْطٌ فِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ، هُوَ يَقُولُ: إنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ وَهُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ شَرْطًا لِغَيْرِهِ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِالصَّوْمِ» وَالْقِيَاسُ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ الْمَنْقُولِ غَيْرُ مَقْبُولٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَفْسِيرُهُ لُغَةً الِاحْتِبَاسُ، لِأَنَّهُ مِنْ الْعُكُوفِ وَهُوَ الْحَبْسُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا} [الفتح: 25] وَأَمَّا تَفْسِيرُهُ شَرِيعَةً فَمَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الصَّوْمِ وَنِيَّةِ الِاعْتِكَافِ، وَهُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ رُكْنُهُ وَهُوَ اللُّبْثُ لِأَنَّهُ يُنْبِي عَنْهُ لُغَةً كَمَا ذَكَرْنَا، وَبَعْضُ شَرَائِطِهِ وَهُوَ الصَّوْمُ وَالنِّيَّةُ، أَمَّا النِّيَّةُ فَهِيَ شَرْطٌ فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ، وَأَمَّا الصَّوْمُ فَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَنَا، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. هُوَ يَقُولُ: الصَّوْمُ عِبَادَةٌ وَهُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ شَرْطًا لِغَيْرِهِ وَإِلَّا لَا يَكُونُ أَصْلًا بِنَفْسِهِ، فَمَا فَرَضْنَاهُ أَصْلًا لَا يَكُونُ أَصْلًا، هَذَا خَلْفٌ بَاطِلٌ. (وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِالصَّوْمِ» رَوَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - (وَالْقِيَاسُ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ الْمَنْقُولِ غَيْرُ مَقْبُولٍ) وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

ثُمَّ الصَّوْمُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْوَاجِبِ مِنْهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَلِصِحَّةِ التَّطَوُّعِ فِيمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَدُهُمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ الِاعْتِكَافَ مُطْلَقًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] فَاشْتِرَاطُ الصَّوْمِ زِيَادَةٌ عَلَيْهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَهُوَ نَسْخٌ لَا يَجُوزُ. وَالثَّانِي: أَنَّ الِاعْتِكَافَ يَتَحَقَّقُ فِي اللَّيَالِي وَالصَّوْمُ فِيهَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَفِي ذَلِكَ تَحَقُّقُ الْمَشْرُوطِ بِدُونِ الشَّرْطِ وَهُوَ بَاطِلٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ: بِأَنَّ الْإِمْسَاكَ عَنْ الْجِمَاعِ ثَبَتَ شَرْطًا لِصِحَّةِ الِاعْتِكَافِ بِهَذَا النَّصِّ الْقَطْعِيِّ وَهُوَ أَحَدُ رُكْنَيْ الصَّوْمِ فَأُلْحِقَ بِهِ الرُّكْنُ الْآخَرُ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ شَهْوَةِ الْبَطْنِ بِالدَّلَالَةِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ، كَمَا أُلْحِقَ الْجِمَاعُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ نَاسِيًا فِي حَقِّ بَقَاءِ الصَّوْمِ بِالدَّلَالَةِ لِهَذَا الْمَعْنَى، ثُمَّ لَمَّا ثَبَتَ وُجُوبُ الْإِمْسَاكِ عَلَى الْمُعْتَكِفِ عَنْ الشَّهْوَتَيْنِ لِلَّهِ تَعَالَى كَانَ صَوْمًا. وَعَنْ الثَّانِي: بِأَنَّ الشُّرُوطَ إنَّمَا تَثْبُتُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، فَإِنَّ مَنْ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ مُتَتَابِعٍ لَمْ يَنْقَطِعْ التَّتَابُعُ بِعُذْرِ الْحَيْضِ، وَالصَّوْمُ فِي اللَّيَالِي غَيْرُ مُمْكِنٍ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ الصَّوْمُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْوَاجِبِ مِنْهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً)

لِظَاهِرِ مَا رَوَيْنَا وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ. فَمَعْنَاهُ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ. وَقَوْلُهُ (وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ صَامَ رَجُلٌ تَطَوُّعًا ثُمَّ قَالَ قَبْلَ انْتِصَافِ النَّهَارِ: عَلَيَّ اعْتِكَافُ هَذَا الْيَوْمِ. لَا يَكُونُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَنَّ صَوْمَهُ

وَفِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ. وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَقَلُّهُ سَاعَةٌ فَيَكُونُ مِنْ غَيْرِ صَوْمٍ. لِأَنَّ مَبْنَى النَّفْلِ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقْعُدُ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ. وَلَوْ شَرَعَ فِيهِ ثُمَّ قَطَعَهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ فَلَمْ يَكُنْ الْقَطْعُ إبْطَالًا. وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ: يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالْيَوْمِ كَالصَّوْمِ. ، ثُمَّ الِاعْتِكَافُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ لِقَوْلِ حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ " وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي مَسْجِدٍ يُصَلَّى فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQانْعَقَدَ تَطَوُّعًا فَتَعَذَّرَ جَعْلُهُ وَاجِبًا بِنَذْرِ الِاعْتِكَافِ. وَقَوْلُهُ (وَفِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ) قَالُوا: هِيَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ فَلَمْ يَكُنْ الْقَطْعُ إبْطَالًا) يُفْهَمُ مِنْهُ الْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ شَرَعَ فِي الِاعْتِكَافِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ مُتَطَوِّعًا حَيْثُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَوَّلِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُقَدَّرٍ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ فِي الْآخَرَيْنِ، لِأَنَّ الصَّوْمَ مُقَدَّرٌ بِيَوْمٍ، وَالصَّلَاةَ بِرَكْعَتَيْنِ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ الِاعْتِكَافُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ) هَذَا أَيْضًا مِنْ شُرُوطِ جَوَازِهِ، وَمَسْجِدُ الْجَمَاعَةِ هُوَ الَّذِي يَكُونُ لَهُ إمَامٌ وَمُؤَذِّنٌ أُدِّيَتْ فِيهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ أَوْ لَا (لِقَوْلِ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ: لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ، وَ) رَوَى الْحَسَنُ (عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي مَسْجِدٍ يُصَلَّى فِيهِ

الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، لِأَنَّهُ عِبَادَةُ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ فَيَخْتَصُّ بِمَكَانٍ تُؤَدَّى فِيهِ، أَمَّا الْمَرْأَةُ فَتَعْتَكِفُ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا لِأَنَّهُ هُوَ الْمَوْضِعُ لِصَلَاتِهَا فَيَتَحَقَّقُ انْتِظَارُهَا فِيهِ. (وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ أَوْ الْجُمُعَةِ) أَمَّا الْحَاجَةُ فَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَخْرُجُ مِنْ مُعْتَكَفِهِ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ» وَلِأَنَّهُ مَعْلُومٌ وُقُوعُهَا، وَلَا بُدَّ مِنْ الْخُرُوجِ فِي تَقْضِيَتِهَا فَيَصِيرُ الْخُرُوجُ لَهَا مُسْتَثْنًى، وَلَا يَمْكُثُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الطُّهُورِ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا، وَأَمَّا الْجُمُعَةُ فَلِأَنَّهَا مِنْ أَهَمِّ حَوَائِجِهِ وَهِيَ مَعْلُومٌ وُقُوعُهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْخُرُوجُ إلَيْهَا مُفْسِدٌ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الِاعْتِكَافُ فِي الْجَامِعِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: الِاعْتِكَافُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ مَشْرُوعٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ) لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ. وَقَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: أَفْضَلُ الِاعْتِكَافِ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، ثُمَّ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ فِي مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ فِي الْمَسَاجِدِ الْعِظَامِ الَّتِي كَثُرَ أَهْلُهَا. وَقَوْلُهُ (أَمَّا الْمَرْأَةُ فَتَعْتَكِفُ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا) هَذَا عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا اعْتِكَافَ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الِاعْتِكَافِ تَعْظِيمُ الْبُقْعَةِ فَيَخْتَصُّ بِبُقْعَةٍ مُعَظَّمَةٍ شَرْعًا وَهُوَ لَا يُوجَدُ فِي مَسَاجِدِ الْبُيُوتِ. وَلَنَا أَنَّ مَوْضِعَ الِاعْتِكَافِ فِي حَقِّهَا الْمَوْضِعُ الَّذِي تَكُونُ صَلَاتُهَا فِيهِ أَفْضَلَ كَمَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ، وَصَلَاتُهَا فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا أَفْضَلُ، فَكَانَ مَوْضِعُ الِاعْتِكَافِ مَسْجِدَ بَيْتِهَا. قَالَ: (وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ أَوْ الْجُمُعَةِ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الِاعْتِكَافُ فِي الْجَامِعِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ اعْتِكَافُهُ دُونَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ اعْتَكَفَ فِي أَيِّ مَسْجِدٍ شَاءَ، وَإِنْ كَانَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا اعْتَكَفَ

وَإِذَا صَحَّ الشُّرُوعُ فَالضَّرُورَةُ مُطْلَقَةٌ فِي الْخُرُوجِ، وَيَخْرُجُ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ لِأَنَّ الْخِطَابَ يَتَوَجَّهُ بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ مَنْزِلُهُ بَعِيدًا عَنْهُ يَخْرُجُ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُهُ إدْرَاكُهَا وَيُصَلِّي قَبْلَهَا أَرْبَعًا، وَفِي رِوَايَةٍ سِتًّا، الْأَرْبَعُ سُنَّةٌ، وَالرَّكْعَتَانِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ، وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا أَوْ سِتًّا عَلَى حَسَبِ الِاخْتِلَافِ فِي سُنَّةِ الْجُمُعَةِ، وَسُنَنُهَا تَوَابِعُ لَهَا فَأُلْحِقَتْ بِهَا، وَلَوْ أَقَامَ فِي مَسْجِدِ الْجَامِعِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافَهُ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ اعْتِكَافٍ إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ أَدَاءَهُ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ فَلَا يُتِمَّهُ فِي مَسْجِدَيْنِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ (وَلَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ سَاعَةً بِغَيْرِ عُذْرٍ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِوُجُودِ الْمُنَافِي وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَقَالَا: لَا يُفْسِدُ حَتَّى يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي مَسْجِدِ الْجَامِعِ فَلَمْ تَتَحَقَّقْ الضَّرُورَةُ الْمُطْلَقَةُ لِلْخُرُوجِ. وَلَنَا أَنَّ الدَّلِيلَ قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الِاعْتِكَافَ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ مَشْرُوعٌ، وَإِذَا صَحَّ الشُّرُوعُ صَحَّتْ الضَّرُورَةُ الْمُطْلَقَةُ لِلْخُرُوجِ إلَيْهَا لِأَنَّ تَرْكَهَا صِيَانَةً لِلِاعْتِكَافِ لَا يَجُوزُ لِكَوْنِهِ دُونَهَا فِي الْوُجُوبِ لِكَوْنِهَا وَاجِبَةً بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ وَاجِبٌ بِإِيجَابِ الْعَبْدِ وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ إسْقَاطُ مَا وَجَبَ بِإِيجَابِ اللَّهِ بِإِيجَابِهِ. وَقَوْلُهُ (فَلَا يُتِمُّهُ فِي مَسْجِدَيْنِ عَنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ) قَيَّدَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ ثَمَّةَ ضَرُورَةٌ مِثْلُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي مَسْجِدٍ فَيَنْهَدِمُ جَازَ لَهُ الْخُرُوجُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ، لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى الْخُرُوجِ فَكَانَ عَفْوًا. وَقَوْلُهُ (وَهُوَ الْقِيَاسُ) لِأَنَّ رُكْنَ الِاعْتِكَافِ هُوَ اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْخُرُوجُ مُفَوِّتٌ لَهُ، فَكَانَ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ سَوَاءً كَالْأَكْلِ

وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ لِأَنَّ فِي الْقَلِيلِ ضَرُورَةً. قَالَ (وَأَمَّا الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالنَّوْمُ يَكُونُ فِي مُعْتَكَفِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الصَّوْمِ. وَالْحَدَثِ فِي الطَّهَارَةِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ فِي الْقَلِيلِ ضَرُورَةً) بَيَانُهُ أَنَّ الْمُعْتَكِفَ إذَا خَرَجَ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ لَا يُؤْمَرُ بِأَنْ يُسْرِعَ فِي الْمَشْيِ. وَلَهُ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى التُّؤَدَةِ فَكَانَ الْقَلِيلُ عَفْوًا وَالْكَثِيرُ لَيْسَ بِعَفْوٍ. فَجَعَلْنَا الْحَدَّ الْفَاصِلَ بَيْنَهُمَا الْأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ اعْتِبَارًا بِنِيَّةِ الصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ. إذَا وُجِدَتْ فِي أَكْثَرِ الْيَوْمِ جُعِلَتْ كَأَنَّهَا

لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ لَهُ مَأْوًى إلَّا الْمَسْجِدَ، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ قَضَاءُ هَذِهِ الْحَاجَةِ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى الْخُرُوجِ. (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَ وَيَبْتَاعَ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحْضِرَ السِّلْعَةَ) لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ بِأَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يَقُومُ بِحَاجَتِهِ إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: يُكْرَهُ إحْضَارُ السِّلْعَةِ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ. لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مُحَرَّرٌ عَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَفِيهِ شَغْلُهُ بِهَا، وَيُكْرَهُ لِغَيْرِ الْمُعْتَكِفِ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِيهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ إلَى أَنْ قَالَ وَبَيْعَكُمْ وَشِرَاءَكُمْ» . قَالَ (وَلَا يَتَكَلَّمُ إلَّا بِخَيْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQوُجِدَتْ فِي جَمِيعِ الْيَوْمِ. لِأَنَّ الْقَلِيلَ تَابِعٌ لِلْأَكْثَرِ. وَقَوْلُهُ (لَمْ يَكُنْ لَهُ مَأْوًى إلَّا الْمَسْجِدُ) يَعْنِي فِي غَالِبِ أَحْوَالِهِ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكْلُهُ فِيهِ حِينَئِذٍ. وَقَوْلُهُ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَ وَيَبْتَاعَ) يَعْنِي مَا كَانَ مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ، وَأَمَّا مَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ؛ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ (وَيُكْرَهُ لِغَيْرِ الْمُعْتَكِفِ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِيهِ) فَإِذَا كَانَ لِغَيْرِ الْمُعْتَكِفِ مَكْرُوهًا فَمَا ظَنُّك بِالْمُعْتَكِفِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يَتَكَلَّمُ إلَّا بِخَيْرٍ) يَعْنِي أَنَّ التَّكَلُّمَ بِالشَّرِّ فِي الْمُعْتَكِفِ أَشَدُّ حُرْمَةً مِنْهُ فِي غَيْرِهِ، فَكَانَ مِنْ قَبِيلِ قَوْله تَعَالَى {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36] فَإِنَّ الظُّلْمَ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا مُطْلَقًا لَكِنَّهُ قَيَّدَهُ

وَيُكْرَهُ لَهُ الصَّمْتُ) لِأَنَّ صَوْمُ الصَّمْتِ لَيْسَ بِقُرْبَةِ شَرِيعَتِنَا لَكِنَّهُ يَتَجَانَبُ مَا يَكُونُ مَأْثَمًا. (وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ الْوَطْءُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْأَشْهُرِ لِأَنَّهُ فِيهَا أَشَدُّ حُرْمَةً. وَقَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ لَهُ الصَّمْتُ) قِيلَ: مَعْنَاهُ أَنْ يَنْذِرَ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ أَصْلًا كَمَا كَانَ فِي شَرِيعَةِ مَنْ قَبْلَنَا. وَقِيلَ: أَنْ يَصْمُتَ وَلَا يَتَكَلَّمَ أَصْلًا مِنْ غَيْرِ نَذْرٍ سَابِقٍ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنْ يَنْوِيَ الصَّوْمَ الْمَعْهُودَ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ الثَّلَاثِ مَعَ زِيَادَةِ نِيَّةِ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِلتَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ صَوْمَ الصَّمْتِ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ) فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ صَوْمِ الْوِصَالِ وَصَوْمِ الصَّمْتِ» فَقَالَ الرَّاوِي وَهُوَ زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ: قُلْت لِأَبِي حَنِيفَةَ: مَا صَوْمُ الصَّمْتِ؟ قَالَ: أَنْ يَصُومَ وَلَا يُكَلِّمَ أَحَدًا فِي يَوْمِ الصَّوْمِ. وَقَوْلُهُ (يَتَجَانَبُ مَا يَكُونُ مَأْثَمًا) أَيْ إثْمًا مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ يُكْرَهُ لَهُ الصَّمْتُ. لَا يُقَالُ فِي عِبَارَتِهِ تَسَامُحٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَلَا يَتَكَلَّمُ إلَّا بِخَيْرٍ، يَقْتَضِي حَصْرَ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ بِخَيْرٍ. وَقَوْلُهُ (يَتَجَانَبُ مَا يَكُونُ مَأْثَمًا) يَقْتَضِي جَوَازَ التَّكَلُّمِ بِمَا هُوَ مُبَاحٌ، وَذَلِكَ تَنَاقُضٌ. لِأَنَّا نَقُولُ مَا لَيْسَ بِمَأْثَمٍ فَهُوَ خَيْرٌ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِأَنَّ الْخَيْرَ عِبَارَةٌ عَنْ الشَّيْءِ الْحَاصِلِ لِمَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ حَاصِلًا لَهُ إذَا كَانَ مُؤَثِّرًا. وَالتَّكَلُّمُ بِالْمُبَاحِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ الْوَطْءُ) يَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلٍ، لِأَنَّ الْمُعْتَكِفَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يَتَهَيَّأُ لَهُ الْوَطْءُ، وَأَوَّلُوهُ بِأَنَّهُ جَازَ لَهُ الْخُرُوجُ لِلْحَاجَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْوَطْءُ، لِأَنَّ اسْمَ الْمُعْتَكِفِ لَا يَزُولُ عَنْهُ بِذَلِكَ الْخُرُوجِ. وَذَكَرَ فِي شَرْحِ التَّأْوِيلَاتِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَخْرُجُونَ وَيَقْضُونَ حَاجَتَهُمْ فِي الْجِمَاعِ ثُمَّ يَغْتَسِلُونَ فَيَرْجِعُونَ إلَى مُعْتَكَفِهِمْ، فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى

لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] (وَ) كَذَا (اللَّمْسُ وَالْقُبْلَةُ) لِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِيهِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ إذْ هُوَ مَحْظُورُهُ كَمَا فِي الْإِحْرَامِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ، لِأَنَّ الْكَفَّ رُكْنُهُ لَا مَحْظُورُهُ فَلَمْ يَتَعَدَّ إلَى دَوَاعِيهِ (فَإِنْ جَامَعَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا بَطَلَ اعْتِكَافُهُ) لِأَنَّ اللَّيْلَ مَحَلُّ الِاعْتِكَافِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] وَكَذَا اللَّمْسُ وَالْقُبْلَةُ لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّمْسِ وَالْقُبْلَةِ (مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ، إذْ هُوَ) أَيْ الْجِمَاعُ (مَحْظُورُ الِاعْتِكَافِ، كَمَا أَنَّهُ مَحْظُورُ الْإِحْرَامِ) فَكَانَتْ الدَّوَاعِي مُحَرَّمَةً. فَإِنْ قِيلَ: الْجِمَاعُ يُفْسِدُ الصَّوْمَ كَمَا أَنَّهُ يُفْسِدُ الِاعْتِكَافَ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (بِخِلَافِ الصَّوْمِ لِأَنَّ الْكَفَّ) أَيْ عَنْ الْجِمَاعِ (رُكْنُهُ لَا مَحْظُورُهُ، فَلَمْ يَتَعَدَّ إلَى دَوَاعِيهِ) وَلَا زَالَ فِي تَحْقِيقِهِ اصْطَكَّتْ الرُّكَبُ، وَأَقْصَى مَا انْتَهَى إلَيْهِ الْقَدْرُ أَنْ قَالُوا: الْوَطْءُ مَحْظُورُ الِاعْتِكَافِ لِأَنَّ مَحْظُورَ الشَّيْءِ مَا نُهِيَ عَنْهُ بَعْدَ وُجُودِهِ مِمَّا يُفْسِدُهُ، وَالْوَطْءُ فِي الِاعْتِكَافِ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ اللُّبْثُ فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ مَعَ الصَّوْمِ وَالنِّيَّةِ، هَذَا حَقِيقَتُهُ. ثُمَّ نُهِيَ الْمُعْتَكِفُ أَنْ يَرْتَكِبَ الْوَطْءَ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ بِصَرِيحِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] مَقْصُودًا فَتَعَدَّتْ الْحُرْمَةُ إلَى الدَّوَاعِي؛ لِأَنَّ الشُّبُهَاتِ فِي بَابِ الْمُحَرَّمَاتِ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ، كَمَا قُلْنَا فِي الْإِحْرَامِ: إنَّ حَقِيقَتَهُ التَّلْبِيَةُ بِاللِّسَانِ وَالْقَلْبِ، ثُمَّ بَعْدَمَا وُجِدَ ذَلِكَ صَارَ الْوَطْءُ حَرَامًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] فَتَعَدَّتْ الْحُرْمَةُ إلَى الدَّوَاعِي مِنْ الْمَسِّ وَالْقُبْلَةِ. وَأَمَّا الصَّوْمُ فَالْوَطْءُ لَيْسَ بِمَحْظُورِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَفْسِيرِ الْمَحْظُورِ، فَإِنَّ رُكْنَ الصَّوْمِ الْكَفُّ عَنْ الْوَطْءِ ثَبَتَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ} [البقرة: 187] بَعْدَ قَوْلِهِ {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ} [البقرة: 187] إلَى قَوْلِهِ {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ} [البقرة: 187] الْآيَةَ. وَثَبَتَ إذْ ذَاكَ حُرْمَةُ الْجِمَاعِ الْمُفَوِّتِ لِلرُّكْنِ وَهُوَ الْكَفُّ بِالنَّهْيِ الثَّابِتِ بِالْأَمْرِ ضِمْنًا لَا مَقْصُودًا، ضَرُورَةَ بَقَاءِ الرُّكْنِ، وَالضَّرُورِيُّ لَا يَتَعَدَّى عَنْ مَحَلِّهِ فَبَقِيَتْ الدَّوَاعِي عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْحِلِّ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ ظَاهِرَ هَذَا الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ الضِّمْنِيَّ لَا يَقْتَضِي حُرْمَةَ الدَّوَاعِي وَالْقَصْدِيَّ يَقْتَضِيهَا، وَهُوَ مَنْقُوضٌ بِالنَّهْيِ عَنْ الْوَطْءِ حَالَةَ الْحَيْضِ، فَإِنَّهُ قَصَدَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] وَلَمْ تَحْرُمْ الدَّوَاعِي. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهَا لَمْ تَحْرُمْ فِيهَا لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى الْحَرَجِ بِكَثْرَةِ وُقُوعِ الْحَيْضِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُجَابَ أَيْضًا بِأَنَّ مَبْنَى الْكَلَامِ عَلَى أَنَّ مَا كَانَ مَحْظُورًا عَلَى مَا عَرَفْت مِنْ تَفْسِيرِهِ هُوَ الَّذِي يَتَعَدَّى، وَالْوَطْءُ حَالَةَ الْحَيْضِ لَيْسَ كَذَلِكَ، هَذَا، وَلَيْسَ وَرَاءَ عَبَّادَانَ قَرْيَةٌ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ جَامَعَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا) يَعْنِي أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ (بَطَلَ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّ اللَّيْلَ مَحَلُّ اعْتِكَافٍ بِخِلَافِ الصَّوْمِ) فَإِنَّ اللَّيْلَ لَيْسَ مَحَلًّا لَهُ. فَإِنْ قِيلَ: الِاعْتِكَافُ فَرْعٌ عَنْ الصَّوْمِ وَالْفَرْعُ

وَحَالَةُ الْعَاكِفِينَ مُذَكِّرَةٌ فَلَا يُعْذَرُ بِالنِّسْيَانِ (وَلَوْ جَامَعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ فَأَنْزَلَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ حَتَّى يَفْسُدَ بِهِ الصَّوْمُ، وَلَوْ لَمْ يُنْزِلْ لَا يَفْسُدُ وَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ وَهُوَ الْمُفْسِدُ وَلِهَذَا لَا يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ. قَالَ (وَمَنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ اعْتِكَافَ أَيَّامٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُلْحَقٌ بِالْأَصْلِ فِي حُكْمِهِ، وَلَوْ جَامَعَ نَاسِيًا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ لَمْ يَفْسُدْ الصَّوْمُ فَكَيْفَ يَفْسُدُ الِاعْتِكَافُ؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَحَالَةُ الْعَاكِفِينَ مُذَكِّرَةٌ فَلَا يُعْذَرُ بِالنِّسْيَانِ) بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا مُذَكِّرَ فِيهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَفْسُدَ بِالْأَكْلِ نَاسِيًا كَالْجِمَاعِ. أُجِيبَ بِأَنَّ حُرْمَةَ الْأَكْلِ لَيْسَتْ لِأَجْلِ الِاعْتِكَافِ بَلْ لِأَجْلِ الصَّوْمِ حَتَّى اُخْتُصَّتْ بِوَقْتِ الصَّوْمِ بِخِلَافِ الْجِمَاعِ، فَإِنَّ حُرْمَتَهُ لِأَجْلِ الِاعْتِكَافِ نَصًّا فَكَانَ كَالْجِمَاعِ فِي الْإِحْرَامِ يَسْتَوِي فِيهِ الْقَاصِدُ وَغَيْرُهُ (وَلَوْ جَامَعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ فَأَنْزَلَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ وَلِهَذَا فَسَدَ بِهِ الصَّوْمُ، وَلَوْ لَمْ يُنْزِلْ لَا يَفْسُدُ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ، وَلِهَذَا لَا يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ) فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا جَعَلْت نَفْسَ الْمُبَاشَرَةِ مُفْسِدَةً مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ} [البقرة: 187] وَتِلْكَ تَتَحَقَّقُ فِي الْجِمَاعِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ. أُجِيبَ: بِأَنَّ الْمَجَازَ وَهُوَ الْجِمَاعُ لَمَّا كَانَ مُرَادًا بَطَلَ أَنْ تَكُونَ الْحَقِيقَةُ مُرَادَةً، وَلِأَنَّ الِاعْتِكَافَ مُعْتَبَرٌ بِالصَّوْمِ فِيهَا وَنَفْسُهَا لَمْ تُفْسِدْ الصَّوْمَ فَكَذَا الِاعْتِكَافُ. قَالَ (وَمَنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ اعْتِكَافَ أَيَّامٍ) أَيْ: وَمَنْ

لَزِمَهُ اعْتِكَافُهَا بِلَيَالِيِهَا) لِأَنَّ ذِكْرَ الْأَيَّامِ عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ يَتَنَاوَلُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ اللَّيَالِي، يُقَالُ: مَا رَأَيْتُك مُنْذُ أَيَّامٍ وَالْمُرَادُ بِلَيَالِيِهَا وَكَانَتْ (مُتَتَابِعَةً وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ التَّتَابُعَ) لِأَنَّ مَبْنَى الِاعْتِكَافِ عَلَى التَّتَابُعِ، لِأَنَّ الْأَوْقَاتَ كُلَّهَا قَابِلَةٌ بِخِلَافِ الصَّوْمِ، لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى التَّفَرُّقِ لِأَنَّ اللَّيَالِيَ غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلصَّوْمِ فَيَجِبُ عَلَى التَّفَرُّقِ حَتَّى يَنُصَّ عَلَى التَّتَابُعِ (وَإِنْ نَوَى الْأَيَّامَ خَاصَّةً صَحَّتْ نِيَّتُهُ) لِأَنَّهُ نَوَى الْحَقِيقَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ: عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ (تَلْزَمُهُ بِلَيَالِيِهَا مُتَتَابِعَةً) أَمَّا لُزُومُهَا بِلَيَالِيِهَا فَلِمَا ذَكَرَ (أَنَّ ذِكْرَ الْأَيَّامِ عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ يَتَنَاوَلُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ اللَّيَالِي) عُرْفًا (يُقَالُ: مَا رَأَيْتُك مُنْذُ أَيَّامٍ، وَالْمُرَادُ بِلَيَالِيِهَا) وَإِذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا شَهْرًا أَوْ عَشْرَةَ أَيَّامٍ كَانَ ذَلِكَ عَلَى الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي، أَلَا تَرَى إلَى قِصَّةِ زَكَرِيَّا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَيْثُ قَالَ {أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران: 41] وَقَالَ {أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مريم: 10] وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ، وَتَأْوِيلُهُ مَا ذَكَرْنَا. وَقَوْلُهُ عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ يَدْفَعُ مَا يُقَالُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْيَوْمَ إذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ مُمْتَدٍّ يُرَادُ بِهِ بَيَاضُ النَّهَارِ خَاصَّةً، وَالِاعْتِكَافُ فِعْلٌ مُمْتَدٌّ فَيَجِبُ أَنْ يُرَادَ بِالْأَيَّامِ النُّهُرُ دُونَ اللَّيَالِيِ وَإِلَّا لَانْتُقِضَ الْقَاعِدَةُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، حَتَّى لَوْ قَالَ: عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا اُخْتُصَّ بِبَيَاضِ النَّهَارِ، كَذَا فِي التُّحْفَةِ، وَأَمَّا التَّتَابُعُ فَلِمَا ذَكَرَ أَنَّ مَبْنَى الِاعْتِكَافِ عَلَى التَّتَابُعِ إلَخْ (وَإِنْ نَوَى الْأَيَّامَ خَاصَّةً صَحَّتْ نِيَّتُهُ لِأَنَّهُ نَوَى الْحَقِيقَةَ) فَإِنْ قِيلَ: الْحَقِيقَةُ مُنْصَرَفُ اللَّفْظِ بِدُونِ قَرِينَةٍ أَوْ نِيَّةٍ فَمَا وَجْهُ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ نَوَى الْحَقِيقَةَ؟ قُلْت: كَأَنَّهُ اخْتَارَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضٌ أَنَّ الْيَوْمَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ بَيَاضِ النَّهَارِ وَمُطْلَقِ الْوَقْتِ، وَأَحَدُ مَعْنَيْ الْمُشْتَرَكِ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ لِتَعْيِينِ الدَّلَالَةِ لَا لِنَفْسِ الدَّلَالَةِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مُخْتَارُهُ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ، وَهُوَ أَنَّهُ مَجَازٌ فِي مُطْلَقِ الْوَقْتِ فَجَوَابُهُ أَنَّ ذِكْرَ الْأَيَّامِ عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ

(وَمَنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ اعْتِكَافَ يَوْمَيْنِ يَلْزَمُهُ بِلَيْلَتَيْهِمَا) . وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تَدْخُلُ اللَّيْلَةُ الْأُولَى لِأَنَّ الْمُثَنَّى غَيْرُ الْجَمْعِ، وَفِي الْمُتَوَسِّطَةِ ضَرُورَةُ الِاتِّصَالِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ فِي الْمُثَنَّى مَعْنَى الْجَمْعِ فَيَلْحَقُ بِهِ احْتِيَاطًا لِأَمْرِ الْعِبَادَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQصَارِفٌ لَهُ عَنْ الْحَقِيقَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَيُحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ دَفْعًا لِلصَّارِفِ عَنْ الْحَقِيقَةِ لَا لِلدَّلَالَةِ عَلَيْهَا. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ اعْتِكَافُ يَوْمَيْنِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَقُولَ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ، لِمَا أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ عَنْهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ بَعْدَهُ وَجْهُ الظَّاهِرِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْمُثَنَّى غَيْرُ الْجَمْعِ) ظَاهِرٌ. وَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ لَفْظُ الْمُثَنَّى وَلَفْظُ الْمُفْرَدِ سَوَاءً. وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا لَمْ تَدْخُلْ لَيْلَتُهُ بِالِاتِّفَاقِ، فَكَذَا فِي التَّثْنِيَةِ إلَّا أَنَّ اللَّيْلَةَ الْوُسْطَى تَدْخُلُ لِضَرُورَةِ اتِّصَالِ الْبَعْضِ بِالْبَعْضِ الْآخَرِ، وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ لَمْ تُوجَدْ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى. فَإِنْ قِيلَ: لَمَّا كَانَ الْمُثَنَّى غَيْرَ الْجَمْعِ وَجَبَ أَنْ لَا يَكْتَفِيَ فِي الْجُمُعَةِ بِالِاثْنَيْنِ سِوَى الْإِمَامِ وَقَدْ اكْتَفَى كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ. أُجِيبَ: بِأَنَّ الْأَصْلَ مَا ذَكَرْت هَاهُنَا لِأَنَّ فِيهِ الْعَمَلَ بِأَوْضَاعِ الْوُحْدَانِ وَالْجَمْعِ إلَّا أَنِّي وَجَدْت فِي الْجُمُعَةِ مَعْنًى لَمْ يُوجَدْ فِي غَيْرِهَا، وَهُوَ أَنَّهَا سُمِّيَتْ جُمُعَةً لِمَعْنَى الِاجْتِمَاعِ، وَفِي الْجَمَاعَةِ وَالتَّثْنِيَةِ كَذَلِكَ، فَكَانَتْ التَّثْنِيَةُ فِي تَحْقِيقِ مَعْنَى الِاجْتِمَاعِ كَالْجَمْعِ فَاكْتَفَيْت بِهَا (وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ فِي الْمُثَنَّى مَعْنَى الْجَمْعِ) لِاجْتِمَاعِ فَرْدٍ وَفَرْدٍ فِيهِ (فَيُلْحَقُ بِالْجَمْعِ احْتِيَاطًا لِأَمْرِ الْعِبَادَةِ) وَفِيهِ تَلْوِيحٌ إلَى أَنَّهُمَا إنَّمَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يُلْحِقَا الْمُثَنَّى بِالْجَمْعِ فِي الْجُمُعَةِ لِعَدَمِ الِاحْتِيَاطِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ مَا عَلَيْهِ بِيَقِينٍ، وَذَلِكَ فِي الْإِلْحَاقِ غَيْرُ يَقِينٍ، لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ عَلَى حِدَةٍ بِالِاتِّفَاقِ، وَفِي كَوْنِ التَّثْنِيَةِ بِمَعْنَى الْجَمْعِ تَرَدُّدٌ لِجَاذِبِ الْفَرْدِ وَالْجَمْعِ إذْ هِيَ بَيْنَهُمَا، وَفِي اشْتِرَاطِ الْجَمْعِ لَا تَرَدُّدَ فِي الْخُرُوجِ فَكَانَ شَرْطًا، وَأَمَّا فِي الِاعْتِكَافِ فَفِي إلْحَاقِهِ بِالْجَمْعِ خُرُوجٌ عَنْهَا بِيَقِينٍ، لِأَنَّ إيجَابَ لَيْلَتَيْنِ مَعَ يَوْمَيْنِ أَحْوَطُ مِنْ إيجَابِ يَوْمَيْنِ بِلَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ.

[كتاب الحج]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْحَجِّ] لَمَّا رَتَّبَ الْعِبَادَاتِ الْمُتَقَدِّمَةَ ذَلِكَ التَّرْتِيبَ لِمَعَانٍ ذُكِرَتْ عِنْدَ كُلِّ كِتَابٍ تَأَخَّرَ الْحَجُّ إلَى هَاهُنَا ضَرُورَةً، لِأَنَّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا بَعْدَهُ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ أَوْ غَيْرِهَا، وَالْعِبَادَاتُ مُتَقَدِّمَةٌ. وَالْحَجُّ فِي اللُّغَةِ: الْقَصْدُ، وَفِي الشَّرِيعَةِ: زِيَارَةُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَيْتِ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ. ثُمَّ إنَّهُ فُرِضَ عَلَى كُلِّ حُرٍّ بَالِغٍ عَاقِلٍ صَحِيحٍ إذَا قَدَرَ عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فَاضِلًا عَنْ الْمَسْكَنِ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَعَنْ نَفَقَةِ عِيَالِهِ إلَى حِينِ عَوْدِهِ وَكَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا، وَإِنَّمَا عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْإِفْرَادِ إلَى الْجَمْعِ

كِتَابُ الْحَجِّ (الْحَجُّ وَاجِبٌ عَلَى الْأَحْرَارِ الْبَالِغِينَ الْعُقَلَاءِ الْأَصِحَّاءِ إذَا قَدَرُوا عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فَاضِلًا عَنْ الْمَسْكَنِ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَعَنْ نَفَقَةِ عِيَالِهِ إلَى حِينِ عَوْدِهِ وَكَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(وَلَا يَجِبُ فِي الْعُمْرِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قِيلَ لَهُ «الْحَجُّ فِي كُلِّ عَامٍ أَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً؟ فَقَالَ لَا بَلْ مَرَّةً وَاحِدَةً فَمَا زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ» وَلِأَنَّ سَبَبَهُ الْبَيْتُ وَأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّدُ فَلَا يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ ثُمَّ هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ النَّاسَ لَا يَنْفَكُّونَ عَنْ عُهْدَتِهِ إلَّا بِالْأَدَاءِ (وَلَا يَجِبُ فِي الْعُمُرِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قِيلَ لَهُ يَعْنِي لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَقَالَ لَهُمْ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ حُجُّوا الْبَيْتَ الْحَجُّ فِي كُلِّ عَامٍ أَمْ مَرَّةً وَاحِدَةً؟ فَقَالَ: لَا بَلْ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَمَا زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ» ، وَلِأَنَّ سَبَبَهُ الْبَيْتُ) لِإِضَافَتِهِ إلَيْهِ، يُقَالُ حَجُّ الْبَيْتِ وَالْإِضَافَةُ دَلِيلُ السَّبَبِيَّةِ (وَإِنَّهُ لَا يَتَعَدَّدُ) الْبَيْتُ (فَلَا يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ) ، (ثُمَّ هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) حَتَّى إنْ أَخَّرَ بَعْدَ اسْتِجْمَاعِ الشَّرَائِطِ أَثِمَ، رَوَاهُ عَنْهُ بِشْرٌ وَالْمُعَلَّى (وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْفَوْرِ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ شُجَاعٍ عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ لَهُ مَالٌ أَيَحُجُّ بِهِ أَمْ يَتَزَوَّجُ؟ فَقَالَ: بَلْ يَحُجُّ بِهِ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ عِنْدَهُ عَلَى الْفَوْرِ. وَوَجْهُ دَلَالَتِهِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ فِي التَّزْوِيجِ تَحْصِينَ النَّفْسِ الْوَاجِبَ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَالِاشْتِغَالُ بِالْحَجِّ يُفَوِّتُهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ

وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ عَلَى التَّرَاخِي لِأَنَّهُ وَظِيفَةُ الْعُمْرِ فَكَانَ الْعُمْرُ فِيهِ كَالْوَقْتِ فِي الصَّلَاةِ. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِوَقْتٍ خَاصٍّ، وَالْمَوْتُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرُ نَادِرٍ فَيَتَضَيَّقُ احْتِيَاطًا وَلِهَذَا كَانَ التَّعْجِيلُ أَفْضَلَ، بِخِلَافِ وَقْتِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْمَوْتَ فِي مِثْلِهِ نَادِرٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوُجُوبُهُ عَلَى الْفَوْرِ لَمَا أَمَرَ بِمَا يُفَوِّتُ الْوَاجِبَ مَعَ إمْكَانِ حُصُولِهِ فِي وَقْتٍ آخَرَ لِمَا أَنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ عَلَى التَّرَاخِي لِأَنَّهُ وَظِيفَةُ الْعُمُرِ فَكَانَ الْعُمُرُ فِيهِ كَالْوَقْتِ فِي الصَّلَاةِ) فَكَمَا أَنَّهَا جَازَتْ فِي آخِرِ وَقْتِهَا يَجُوزُ الْحَجُّ فِي آخِرِ الْعُمُرِ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَهَذَا الدَّلِيلُ لِمُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ يَقُولُ بِجَوَازِ تَأْخِيرِ مُكَيَّفٌ، وَهُوَ أَنْ لَا يَفُوتَهُ بِالْمَوْتِ، فَإِنْ فَوَّتَهُ أَثِمَ، وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَا يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ، وَإِنْ مَاتَ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ كَوَقْتِ الصَّلَاةِ (وَجْهُ الْأَوَّلِ) يَعْنِي قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ إنَّ الْحَجَّ يَخْتَصُّ بِوَقْتٍ خَاصٍّ مِنْ كُلِّ عَامٍ وَهُوَ أَشْهُرُ الْحَجِّ، وَكُلُّ مَا اُخْتُصَّ بِوَقْتٍ خَاصٍّ، وَقَدْ فَاتَ عَنْ وَقْتِهِ لَا يُدْرَكُ إلَّا بِإِدْرَاكِ ذَلِكَ الْوَقْتِ بِعَيْنِهِ وَإِلَّا لَا يَكُونُ مُخْتَصًّا بِهِ، وَذَلِكَ مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ يَسْتَوِي فِيهَا الْحَيَاةُ وَالْمَمَاتُ (لِأَنَّ الْمَوْتَ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ) مُشْتَمِلَةٍ عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ الْمُتَضَادَّةِ الْمِزَاجِ (غَيْرُ نَادِرٍ فَيَتَضَيَّقُ احْتِيَاطًا) لَا تَحْقِيقًا، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِئَلَّا يَرِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُتَضَيِّقًا لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْعَامِ الْأَوَّلِ قَضَاءً وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ التَّضَيُّقَ إذَا كَانَ احْتِيَاطًا لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا تَوْضِيحُهُ بِقَوْلِهِ (وَلِهَذَا كَانَ التَّعْجِيلُ أَفْضَلَ) يَعْنِي بِالِاتِّفَاقِ، فَإِنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْأَفْضَلِيَّةِ عَلَى الْوُجُوبِ مِمَّا لَا يَكَادُ يَصِحُّ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ وَقْتِ الصَّلَاةِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ كَالْوَقْتِ فِي الصَّلَاةِ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ لَا تَظْهَرُ إلَّا فِي حَقِّ الْإِثْمِ خَاصَّةً، وَأَمَّا أَنَّ الْوَاقِعَ فِي الْعَامِ الثَّانِي أَدَاءٌ كَمَا فِي الْأَوَّلِ، وَأَنَّ التَّطَوُّعَ فِي الْعَامِ الْأَوَّلِ جَائِزٌ فَلَا يُنْكِرُهُ أَحَدٌ، وَتَمَامُ هَذَا الْبَحْثِ

وَإِنَّمَا شَرَطَ الْحُرِّيَّةَ وَالْبُلُوغَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ عَشْرَ حِجَجٍ ثُمَّ أُعْتِقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، وَأَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ عَشْرَ حِجَجٍ ثُمَّ بَلَغَ فَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ» وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ وَالْعِبَادَاتُ بِأَسْرِهَا مَوْضُوعَةٌ عَنْ الصِّبْيَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَوْضِعُهُ أُصُولُ الْفِقْهِ وَإِنَّمَا شُرِطَتْ الْحُرِّيَّةُ وَالْبُلُوغُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ» وَلَوْ «عَشْرَ حِجَجٍ ثُمَّ أُعْتِقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ» وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ: أَنَّ الْحَجَّ يَحْتَاجُ إلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ مِنْ الْمَالِ شَيْئًا، وَالصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ لَيْسَا كَذَلِكَ، وَأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى فِي الْحَجِّ يَفُوتُ فِي مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، فَقُدِّمَ

وَالْعَقْلُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ التَّكْلِيفِ. وَكَذَا صِحَّةُ الْجَوَارِحِ لِأَنَّ الْعَجْزَ دُونَهَا لَازِمٌ. وَالْأَعْمَى إذَا وَجَدَ مَنْ يَكْفِيهِ مُؤْنَةَ سَفَرِهِ وَوَجَدَ زَادًا وَرَاحِلَةً لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافًا لَهُمَا، وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ. وَأَمَّا الْمُقْعَدُ، فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQحَقُّ الْعَبْدِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ. وَقَوْلُهُ (وَالْعَقْلُ) لِبَيَانِ اشْتِرَاطِ الْعَقْلِ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا صِحَّةُ الْجَوَارِحِ) لِبَيَانِ اشْتِرَاطِ الصِّحَّةِ (لِأَنَّ الْعَجْزَ بِدُونِهَا لَازِمٌ) وَقَوْلُهُ (وَالْأَعْمَى إذَا وَجَدَ) يَعْنِي أَنَّ الْأَعْمَى إذَا مَلَكَ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَائِدًا لَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ فِي قَوْلِهِمْ، وَهَلْ يَجِبُ الْإِحْجَاجُ بِالْمَالِ؟ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا يَجِبُ، وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ وَإِنْ وَجَدَ قَائِدًا، وَقَدْ عَبَّرَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (مَنْ يَكْفِيهِ مُؤْنَةَ سَفَرِهِ) لَا يَجِبُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا لَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ، وَعَنْ صَاحِبَيْهِ فِيهِ رِوَايَتَانِ فَرْقًا عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْجُمُعَةِ، وَقَالَا: وُجُودُ الْقَائِدِ إلَى الْجُمُعَةِ لَيْسَ بِنَادِرٍ بَلْ هُوَ غَالِبٌ فَتَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ، وَلَا كَذَلِكَ الْقَائِدُ إلَى الْحَجِّ. وَقَوْلُهُ (وَأَمَّا الْمُقْعَدُ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ فِي الزَّمِنِ وَالْمَفْلُوجِ وَالْمُقْعَدِ وَمَقْطُوعِ الرِّجْلَيْنِ أَنَّ الْحَجَّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ مَلَكُوا الزَّادَ

أَنَّهُ يَجِبُ لِأَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ بِغَيْرِهِ فَأَشْبَهَ الْمُسْتَطِيعَ بِالرَّاحِلَةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الْأَدَاءِ بِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ الْأَعْمَى لِأَنَّهُ لَوْ هَدَى يُؤَدِّي بِنَفْسِهِ فَأَشْبَهَ الضَّالَّ عَنْهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْقُدْرَةِ عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَهُوَ قَدْرُ مَا يَكْتَرِي بِهِ شِقَّ مَحْمَلٍ أَوْ رَأْسَ زَامِلَةٍ، وَقَدْرَ النَّفَقَةِ ذَاهِبًا وَجَائِيًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالرَّاحِلَةَ، حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِمْ الْإِحْجَاجُ بِمَا لَهُمْ لِأَنَّ الْأَصْلَ لَمَّا لَمْ يَجِبْ لَمْ يَجِبْ الْبَدَلُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُمَا. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ بِغَيْرِهِ فَأَشْبَهَ الْمُسْتَطِيعَ بِالرَّاحِلَةِ. وَقَوْلُهُ (وَعَنْ مُحَمَّدٍ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَلَا بُدَّ مِنْ الْقُدْرَةِ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ: إذَا قَدَرُوا عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَيَعْنِي بِهِ الْقُدْرَةَ بِطَرِيقِ الْمِلْكِ أَوْ الِاسْتِئْجَارِ بِأَنْ يَقْدِرَ عَلَى (مَا يَكْتَرِي بِهِ شِقَّ مَحْمَلٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأَوَّلِ وَكَسْرِ الثَّانِي أَيْ جَانِبَهُ، لِأَنَّ لِلْمَحْمَلِ جَانِبَيْنِ، وَيَكْفِي لِلرَّاكِبِ أَحَدُ جَانِبَيْهِ. وَالزَّامِلَةُ الْبَعِيرُ يَحْمِلُ عَلَيْهِ الْمُسَافِرُ مَتَاعَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ زَمَلَ الشَّيْءَ حَمَلَهُ، يُقَالُ لَهَا بِالْفَارِسِيَّةِ: سرباري. وَقَوْلُهُ (وَقَدْرُ النَّفَقَةِ ذَاهِبًا وَجَائِيًا) يَعْنِي بَعْدَ الرَّاحِلَةِ نَفَقَةُ وَسَطٍ بِغَيْرِ إسْرَافٍ وَلَا تَقْتِيرٍ، وَهَذَا «لِأَنَّهُ

«لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سُئِلَ عَنْ السَّبِيلِ إلَيْهِ فَقَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ» وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَكْتَرِيَ عَقَبَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُمَا إذَا كَانَا يَتَعَاقَبَانِ لَمْ تُوجَدْ الرَّاحِلَةُ فِي جَمِيعِ السَّفَرِ. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ الْمَسْكَنِ وَعَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سُئِلَ عَنْ السَّبِيلِ إلَيْهِ فَقَالَ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ» وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَكْتَرِيَ عُقْبَةً) أَيْ مَا يَتَعَاقَبَانِ عَلَيْهِ فِي الرُّكُوبِ فَرْسَخًا بِفَرْسَخٍ أَوْ مَنْزِلًا مَنْزِلًا (فَلَا حَجَّ عَلَيْهِ) لِعَدَمِ الرَّاحِلَةِ إذْ ذَاكَ فِي جَمِيعِ السَّفَرِ. وَقَوْلُهُ (وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ) أَيْ مَا يَقْدِرُ بِهِ عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ (فَاضِلًا عَنْ الْمَسْكَنِ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْبَحْثِ فَاضِلًا، وَهُوَ هُنَاكَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ مِنْ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَقَيَّدَ بِالْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ إشَارَةً إلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ شُجَاعٍ إذَا كَانَتْ لَهُ دَارٌ

لَا بُدَّ مِنْهُ كَالْخَادِمِ وَأَثَاثِ الْبَيْتِ وَثِيَابِهِ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مَشْغُولَةٌ بِالْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ نَفَقَةِ عِيَالِهِ إلَى حِينِ عَوْدِهِ، لِأَنَّ النَّفَقَةَ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ لِلْمَرْأَةِ، وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الشَّرْعِ بِأَمْرِهِ. وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْوُجُوبِ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَمَنْ حَوْلَهُمْ الرَّاحِلَةُ، لِأَنَّهُ لَا تَلْحَقُهُمْ مَشَقَّةٌ زَائِدَةٌ فِي الْأَدَاءِ فَأَشْبَهَ السَّعْيَ إلَى الْجُمُعَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ أَمْنِ الطَّرِيقِ لِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ لَا تَثْبُتُ دُونَهُ. ثُمَّ قِيلَ: هُوَ شَرْطُ الْوُجُوبِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْإِيصَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَسْكُنُهَا وَعَبْدٌ لَا يَسْتَخْدِمُهُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهُ وَيَحُجَّ بِهِ. وَقَوْلُهُ (وَأَثَاثُ الْبَيْتِ) يَعْنِي كَالْفُرُشِ وَالْبُسُطِ وَآلَاتِ الطَّبْخِ (وَثِيَابُهُ) أَيْ ثِيَابُ بَدَنِهِ وَفَرَسُهُ وَسِلَاحُهُ (لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مَشْغُولَةٌ بِالْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ) وَالْمَشْغُولُ بِهَا كَالْمَعْدُومِ. وَقَوْلُهُ (وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الشَّرْعِ بِأَمْرِهِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] وَقَوْلُهُ (وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْوُجُوبِ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ) ظَاهِرٌ (وَلَا بُدَّ مِنْ أَمْنِ الطَّرِيقِ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ فِيهِ السَّلَامَةَ، وَتَوَسُّطُ الْبَحْرِ عُذْرٌ لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِهِ الِاسْتِطَاعَةُ وَلَا اسْتِطَاعَةَ بِدُونِ الْأَمْنِ

وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقِيلَ: هُوَ شَرْطُ الْأَدَاءِ دُونَ الْوُجُوبِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَسَّرَ الِاسْتِطَاعَةَ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ لَا غَيْرُ. قَالَ (وَيُعْتَبَرُ فِي الْمَرْأَةِ أَنْ يَكُونَ لَهَا مَحْرَمٌ تَحُجُّ بِهِ أَوْ زَوْجٌ، وَلَا يَجُوزُ لَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهُ شَرْطُ نَفْسِ الْوُجُوبِ، أَوْ شَرْطُ الْأَدَاءِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ لَا تَثْبُتُ بِدُونِهِ (وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْهُ) وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى الثَّانِي (لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَسَّرَ الِاسْتِطَاعَةَ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ لَا غَيْرُ) وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الْإِيصَاءِ عَلَى مَنْ مَاتَ قَبْلَ الْحَجِّ، وَلَمْ يَكُنْ الطَّرِيقُ آمِنًا؛ فَعِنْدَ الْأَوَّلَيْنِ لَا تَلْزَمُهُ الْوَصِيَّةُ، وَعِنْدَ الْآخَرَيْنِ تَلْزَمُهُ. قَالَ (وَيُعْتَبَرُ فِي الْمَرْأَةِ أَنْ يَكُونَ لَهَا مَحْرَمٌ تَحُجُّ بِهِ) الِاخْتِلَافُ الْمَارُّ فِي أَمْنِ الطَّرِيقِ فِي كَوْنِهِ شَرْطَ الْوُجُوبِ، أَوْ شَرْطَ الْأَدَاءِ ثَابِتٌ فِي مَحْرَمِ الْمَرْأَةِ، وَالْمَحْرَمُ

أَنْ تَحُجَّ بِغَيْرِهِمَا إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ لَهَا الْحَجُّ إذَا خَرَجَتْ فِي رُفْقَةٍ وَمَعَهَا نِسَاءٌ ثِقَاتٌ لِحُصُولِ الْأَمْنِ بِالْمُرَافَقَةِ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَحُجَّنَّ امْرَأَةٌ إلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ» وَلِأَنَّهَا بِدُونِ الْمَحْرَمِ يُخَافُ عَلَيْهَا الْفِتْنَةُ وَتَزْدَادُ بِانْضِمَامِ غَيْرِهَا إلَيْهَا، وَلِهَذَا تَحْرُمُ الْخَلْوَةُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَإِنْ كَانَ مَعَهَا غَيْرُهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ مُنَاكَحَتُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِقَرَابَةٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ صِهَارَةٍ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَحُجَّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَحْرَمٌ أَوْ زَوْجٌ إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، شَابَّةً كَانَتْ أَوْ عَجُوزًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَحْرَمٌ أَوْ زَوْجٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا التَّزَوُّجُ لِلْحَجِّ، كَمَا لَا يَجِبُ عَلَى الْفَقِيرِ اكْتِسَابُ الْمَالِ لِأَجْلِ الْحَجِّ وَالزَّكَاةِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهَا أَنْ تَحُجَّ فِي رُفْقَةٍ وَمَعَهَا نِسَاءٌ ثِقَاتٌ لِحُصُولِ الْأَمْنِ مِنْ الْفِتْنَةِ بِالْمُرَافَقَةِ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَحُجَّن امْرَأَةٌ إلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ» وَلِأَنَّهَا بِدُونِ الْمَحْرَمِ يُخَافُ عَلَيْهَا الْفِتْنَةُ وَتَزْدَادُ بِانْضِمَامِ غَيْرِهَا إلَيْهَا) فَضْلًا عَنْ حُصُولِ الْأَمْنِ. وَعُورِضَ بِأَنَّ الْمُهَاجِرَةَ تَخْرُجُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بِدُونِهِمَا، وَالْهِجْرَةُ لَيْسَتْ مِنْ الْأَرْكَانِ الْخَمْسَةِ فَلَأَنْ تَخْرُجَ إلَى الْحَجِّ وَهُوَ مِنْهَا أَوْلَى. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ ذَلِكَ ضَرُورَةَ الْخَوْفِ عَلَى نَفْسِهَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّهَا إذَا وَصَلَتْ إلَى جَيْشٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، حَتَّى صَارَتْ آمِنَةً لَمْ يَكُنْ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ تُسَافِرَ بِدُونِ الْمَحْرَمِ. فَإِنْ قِيلَ: فَسَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السَّبِيلَ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَحْرَمَ. أُجِيبَ: بِأَنَّ ذَلِكَ حُجَّةُ مَنْ جَعَلَهُ شَرْطَ الْأَدَاءِ، وَمَنْ جَعَلَهُ شَرْطَ الْوُجُوبِ قَالَ: لَمْ يَذْكُرْهُ، لِأَنَّ السَّائِلَ كَانَ رَجُلًا. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْفِتْنَةَ تَزْدَادُ بِانْضِمَامِ غَيْرِهَا إلَيْهَا، فَإِنَّ الْمَبْتُوتَةَ إذَا اعْتَدَّتْ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ بِحَيْلُولَةِ ثِقَةٍ جَازَ. وَلَمْ يَكُنْ انْضِمَامُهَا إلَيْهَا فِتْنَةً. أُجِيبَ: بِأَنَّ انْضِمَامَ الْمَرْأَةِ إلَيْهَا

بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، لِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ إلَى مَا دُونَ السَّفَرِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ. (وَإِذَا وَجَدَتْ مَحْرَمًا لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ مَنْعُهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQيُعِينُهَا عَلَى مَا تُرَاوِدُ بِمُشَاوَرَتِهَا، وَتَعْلِيمُ مَا عَسَى تَعْجِزُ عَنْهُ بِفِكْرِهَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمُعْتَدَّةِ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ مَوْضِعُ أَمْنٍ وَقُدْرَةٍ عَلَى دَفْعِ الْفِتْنَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ مِثْلَهَا لَا يُعَدُّ ثِقَةً وَالْكَلَامُ فِيهَا، وَلِأَنَّ جَوَابَ السَّنَدِ يُنَاقِضُ جَوَابَ الْمَنْعِ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ هُنَّ نَاقِصَاتُ دِينٍ وَعَقْلٍ، فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ تَنْخَدِعَ فَتَكُونُ عَلَيْهَا فِي الْإِفْسَادِ وَتَتَوَسَّطُ فِي التَّوْطِينِ وَالتَّمْكِينِ فَتَعْجِزُ هِيَ عَنْ دَفْعِهَا فِي السَّفَرِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَعْدُومٌ فِي الْحَضَرِ لِإِمْكَانِ الِاسْتِغَاثَةِ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ: إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَهُوَ وَاضِحٌ، وَكَذَا قَوْلُهُ: وَإِنْ وَجَدَتْ

لِأَنَّ فِي الْخُرُوجِ تَفْوِيتَ حَقِّهِ. وَلَنَا أَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْفَرَائِضِ وَالْحَجُّ مِنْهَا، حَتَّى لَوْ كَانَ الْحَجُّ نَفْلًا لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا، وَلَوْ كَانَ الْمَحْرَمُ فَاسِقًا قَالُوا: لَا يَجِبُ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِهِ (وَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ مَعَ كُلِّ مَحْرَمٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَجُوسِيًّا) لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ إبَاحَةَ مُنَاكَحَتِهَا، وَلَا عِبْرَةَ بِالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِأَنَّهُ لَا تَتَأَتَّى مِنْهُمَا الصِّيَانَةُ، وَالصَّبِيَّةُ الَّتِي بَلَغَتْ حَدَّ الشَّهْوَةِ بِمَنْزِلَةِ الْبَالِغَةِ حَتَّى لَا يُسَافَرَ بِهَا مِنْ غَيْرِ مَحْرَمٍ، وَنَفَقَةُ الْمَحْرَمِ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا تَتَوَسَّلُ بِهِ إلَى أَدَاءِ الْحَجِّ. وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْمَحْرَمَ شَرْطُ الْوُجُوبِ أَوْ شَرْطُ الْأَدَاءِ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي أَمْنِ الطَّرِيقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَحْرَمًا (وَلَنَا أَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْفَرَائِضِ) أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَمْنَعُهَا مِنْ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَالصَّلَاةِ (وَالْحَجُّ مِنْهَا، حَتَّى لَوْ كَانَ الْحَجُّ نَفْلًا لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا) وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا مِنْ سَاعَتِهِ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الْمَحْرَمُ فَاسِقًا) ظَاهِرٌ

(وَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ بَعْدَمَا أَحْرَمَ أَوْ عَتَقَ الْعَبْدُ فَمَضَيَا لَمْ يُجِزْهُمَا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ) لِأَنَّ إحْرَامَهُمَا انْعَقَدَ لِأَدَاءِ النَّفْلِ فَلَا يَنْقَلِبُ لِأَدَاءِ الْفَرْضِ (وَلَوْ جَدَّدَ الصَّبِيُّ الْإِحْرَامَ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَنَوَى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ جَازَ، وَالْعَبْدُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّ إحْرَامَ الصَّبِيِّ غَيْرُ لَازِمٍ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ، أَمَّا إحْرَامُ الْعَبْدِ لَازِمٌ فَلَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْهُ بِالشُّرُوعِ فِي غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ بَعْدَمَا أَحْرَمَ أَوْ عَتَقَ الْعَبْدُ) يَعْنِي بَعْدَمَا أَحْرَمَ (فَمَضَيَا لَمْ يُجْزِهِمَا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ إحْرَامَهُمَا انْعَقَدَ لِأَدَاءِ النَّفْلِ) لِعَدَمِ الْخِطَابِ وَشَرْطِ الْوُجُوبِ فِي حَقِّهِمَا (فَلَا يَنْقَلِبُ لِأَدَاءِ الْفَرْضِ) وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْإِحْرَامَ شَرْطٌ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ كَالطَّهَارَةِ، وَالشَّرْطُ يُرَاعَى وُجُودُهُ لَا وُجُودُهُ قَصْدًا؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا تَوَضَّأَ ثُمَّ بَلَغَ بِالسِّنِّ فَصَلَّى بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ جَازَتْ صَلَاتُهُ، فَمَا بَالُ الْحَجِّ لَمْ يَجُزْ بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِحْرَامَ عِنْدَنَا إنَّمَا يَكُونُ بِالنِّيَّةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَبِهَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ، فَصَارَ كَصَبِيٍّ تَوَضَّأَ وَشَرَعَ فِي الصَّلَاةِ وَبَلَغَ بِالسِّنِّ فَنَوَى أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الصَّلَاةُ فَرْضًا لَا تَنْقَلِبُ إلَيْهَا (وَلَوْ جَدَّدَ الصَّبِيُّ الْإِحْرَامَ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَنَوَى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ جَازَ وَالْعَبْدُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ إحْرَامَ الصَّبِيِّ غَيْرُ لَازِمٍ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ) وَلِهَذَا لَوْ تَنَاوَلَ مَحْظُورًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جَازَ الْفَسْخُ وَالشُّرُوعُ فِي غَيْرِهِ (وَأَمَّا إحْرَامُ الْعَبْدِ فَلَازِمٌ) لِكَوْنِهِ مُخَاطَبًا وَلِهَذَا لَوْ أَصَابَ صَيْدًا كَانَ عَلَيْهِ الصِّيَامُ لِأَنَّهُ صَارَ جَانِيًا عَلَى إحْرَامِهِ بِقَتْلِ الصَّيْدِ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ (فَلَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْهُ بِالشُّرُوعِ فِي غَيْرِهِ) وَإِنَّمَا طَرِيقُ خُرُوجِهِ مِنْ ذَلِكَ الْإِحْرَامِ أَدَاءُ الْأَفْعَالِ، فَسَوَاءٌ جَدَّدَ التَّلْبِيَةَ أَوْ لَمْ يُجَدِّدْهَا، وَهُوَ بَاقٍ عَلَى ذَلِكَ الْإِحْرَامِ فَلَا يُجْزِيهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ.

(فَصْلٌ) : (وَالْمَوَاقِيتُ الَّتِي لَا يَجُوزُ أَنْ يُجَاوِزَهَا الْإِنْسَانُ إلَّا مُحْرِمًا خَمْسَةٌ: لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذُو الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتُ عِرْقٍ. وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةُ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنٌ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ) هَكَذَا وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذِهِ الْمَوَاقِيتَ لِهَؤُلَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ) : لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَذَكَرَ شُرُوطَ الْوُجُوبِ. وَمَا يَتْبَعُهَا شَرَعَ فِي بَيَانِ أَوَّلِ أَمْكِنَةٍ يُبْتَدَأُ فِيهَا بِأَفْعَالِ الْحَجِّ. وَهِيَ (الْمَوَاقِيتُ الَّتِي لَا يَجُوزُ أَنْ يُجَاوِزَهَا الْإِنْسَانُ إلَّا مُحْرِمًا) وَالْمَوَاقِيتُ جَمْعُ مِيقَاتٍ، وَهُوَ الْوَقْتُ الْمَحْدُودُ فَاسْتُعِيرَ لِلْمَكَانِ كَمَا اُسْتُعِيرَ الْمَكَانُ لِلْوَقْتِ فِي قَوْله تَعَالَى {هُنَالِكَ الْوَلايَةُ} [الكهف: 44] وَالْمَوَاقِيتُ خَمْسَةٌ، كَمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (هَكَذَا وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذِهِ الْمَوَاقِيتَ لِهَؤُلَاءِ) قِيلَ عَلَيْهِ كَيْفَ كَانَ التَّوْقِيتُ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَلَمْ يَكُونُوا مُسْلِمِينَ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلِمَ بِطَرِيقِ الْوَحْيِ

وَفَائِدَةُ التَّأْقِيتِ الْمَنْعُ عَنْ تَأْخِيرِ الْإِحْرَامِ عَنْهَا، لِأَنَّهُ يَجُوزُ التَّقْدِيمُ عَلَيْهَا بِالِاتِّفَاقِ، ثُمَّ الْآفَاقِيُّ إذَا انْتَهَى إلَيْهَا عَلَى قَصْدِ دُخُولِ مَكَّةَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ قَصَدَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQإيمَانَهُمْ فَوَقَّتَ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَفَائِدَةُ التَّأْقِيتِ) وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (عَلَى قَصْدِ دُخُولِ مَكَّةَ) قَيَّدَهُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: اعْلَمْ أَنَّ الْبَيْتَ لَمَّا كَانَ مُعَظَّمًا مُشَرَّفًا جُعِلَ لَهُ حِصْنٌ وَهُوَ مَكَّةُ، وَحِمًى وَهُوَ الْحَرَمُ، وَلِلْحَرَمِ حَرَمٌ، وَهُوَ الْمَوَاقِيتُ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِمَنْ دُونَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَهُ إلَّا بِالْإِحْرَامِ تَعْظِيمًا

أَوْ لَمْ يَقْصِدْ عِنْدَنَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُجَاوِزُ أَحَدٌ الْمِيقَاتَ إلَّا مُحْرِمًا» ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْبَيْتِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَنْ قَصَدَ مُجَاوَزَةَ مِيقَاتَيْنِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِحْرَامٍ، وَمَنْ قَصَدَ مُجَاوَزَةَ مِيقَاتٍ وَاحِدٍ حَلَّ لَهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ. بَيَانُهُ. أَنَّ. مَنْ أَتَى مِيقَاتًا بِنِيَّةِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ أَوْ دُخُولِ مَكَّةَ لِحَاجَةٍ لَا يَجُوزُ. دُخُولُهُ. إلَّا بِالْإِحْرَامِ، لِأَنَّهُ قَصَدَ مُجَاوَزَةَ مِيقَاتَيْنِ مِيقَاتِ أَهْلِ الْآفَاقِ، وَمِيقَاتِ أَهْلِ الْحِلِّ. وَالْحِيلَةُ لِمَنْ أَرَادَ مِنْ الْآفَاقِيِّ دُخُولَهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ أَنْ يَقْصِدَ بُسْتَانَ بَنِي عَامِرٍ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْحِلِّ فَلَا يَجِبُ الْإِحْرَامُ، لِأَنَّهُ قَصَدَ مُجَاوَزَةَ مِيقَاتٍ وَاحِدٍ. وَقَوْلُهُ (عِنْدَنَا) إشَارَةٌ إلَى خِلَافِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ عِنْدَهُ أَنَّ الْإِحْرَامَ يَجِبُ عِنْدَ الْمِيقَاتِ عَلَى مَنْ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَأَمَّا مَنْ أَرَادَ دُخُولَهَا لِقِتَالٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ قَوْلًا وَاحِدًا، «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَهَا يَوْمَ الْفَتْحِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ» ، وَلَهُ فِي الدَّاخِلِ لِلتِّجَارَةِ قَوْلَانِ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُجَاوِزُ أَحَدٌ الْمِيقَاتَ إلَّا مُحْرِمًا»

وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْإِحْرَامِ لِتَعْظِيمِ هَذِهِ الْبُقْعَةِ الشَّرِيفَةِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْحَاجُّ وَالْمُعْتَمِرُ وَغَيْرُهُمَا (وَمَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لِحَاجَتِهِ) لِأَنَّهُ يَكْثُرُ دُخُولُهُ مَكَّةَ، وَفِي إيجَابِ الْإِحْرَامِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ حَرَجٌ بَيِّنٌ فَصَارَ كَأَهْلِ مَكَّةَ حَيْثُ يُبَاحُ لَهُمْ الْخُرُوجُ مِنْهَا ثُمَّ دُخُولُهَا بِغَيْرِ إحْرَامٍ لِحَاجَتِهِمْ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ أَدَاءَ النُّسُكِ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ أَحْيَانًا فَلَا حَرَجَ (فَإِنْ قَدَّمَ الْإِحْرَامَ عَلَى هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ جَازَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وَإِتْمَامُهُمَا أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ، كَذَا قَالَهُ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَالْأَفْضَلُ التَّقْدِيمُ عَلَيْهَا لِأَنَّ إتْمَامَ الْحَجِّ مُفَسَّرٌ بِهِ وَالْمَشَقَّةُ فِيهِ أَكْثَرُ وَالتَّعْظِيمُ أَوْفَرُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِأَنَّ وُجُوبَ الْإِحْرَامِ لِتَعْظِيمِ هَذِهِ الْبُقْعَةِ الشَّرِيفَةِ) لَا لِأَنَّهُ شَرْطٌ لِلْحَجِّ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ يُحْرِمُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ، وَتَعْظِيمُهَا لَمْ يَخْتَلِفْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَاجِّ وَغَيْرِهِ (فَيَسْتَوِي فِيهِ الْحَاجُّ وَالْمُعْتَمِرُ وَغَيْرُهُمَا) وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فَمِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، كَمَا قَالَ فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ «إنَّ مَكَّةَ حَرَامٌ حَرَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ عَادَتْ حَرَامًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَقَوْلُهُ (وَمَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ) ظَاهِرٌ، وَالْأَصْلُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ لِلْحَطَّابِينَ دُخُولَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ» ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ (فَإِنْ قَدَّمَ الْإِحْرَامَ) ظَاهِرٌ. قِيلَ: إنَّمَا صَغَّرَ الدُّوَيْرَةَ تَعْظِيمًا لِلْكَعْبَةِ (كَذَا قَالَهُ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ) يَعْنِي أَنَّ إتْمَامَهُمَا أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ، وَقِيلَ إتْمَامُهُمَا أَنْ يُفْرِدَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَفَرًا كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ حَجَّةٌ كُوفِيَّةٌ وَعُمْرَةٌ كُوفِيَّةٌ أَفْضَلُ " (وَالْأَفْضَلُ التَّقْدِيمُ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْإِتْمَامَ مُفَسَّرٌ بِهِ وَالْمَشَقَّةُ فِيهِ أَكْثَرُ وَالتَّعْظِيمُ أَوْفَرُ)

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا يَكُونُ أَفْضَلَ إذَا كَانَ يَمْلِكُ نَفْسَهُ أَنْ لَا يَقَعَ فِي مَحْظُورٍ (وَمَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ فَوَقْتُهُ الْحِلُّ) مَعْنَاهُ الْحِلُّ الَّذِي بَيْنَ الْمَوَاقِيتِ وَبَيْنَ الْحَرَمِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ إحْرَامُهُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ، وَمَا وَرَاءَ الْمِيقَاتِ إلَى الْحَرَمِ مَكَانٌ وَاحِدٌ (وَمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَوَقْتُهُ فِي الْحَجِّ الْحَرَمُ وَفِي الْعُمْرَةِ الْحِلُّ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ أَصْحَابَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنْ يُحْرِمُوا بِالْحَجِّ مِنْ جَوْفِ مَكَّةَ، وَأَمَرَ أَخَا عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنْ يُعْمِرَهَا مِنْ التَّنْعِيمِ وَهُوَ فِي الْحِلِّ، وَلِأَنَّ أَدَاءَ الْحَجِّ فِي عَرَ وَهِيَ فِي الْحِلِّ فَيَكُونُ الْإِحْرَامُ مِنْ الْحَرَمِ لِيَتَحَقَّقَ نَوْعُ سَفَرٍ، وَأَدَاءُ الْعُمْرَةِ فِي الْحَرَمِ فَيَكُونُ الْإِحْرَامُ مِنْ الْحِلِّ لِهَذَا، إلَّا أَنَّ التَّنْعِيمَ أَفْضَلُ لِوُرُودِ الْأَثَرِ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ عِنْدَهُ مِنْ الْأَدَاءِ. وَقَوْلُهُ (وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ فَوَقْتُهُ) أَيْ مَوْضِعُ إحْرَامِهِ (الْحِلُّ الَّذِي بَيْنَ الْمِيقَاتِ وَبَيْنَ الْحَرَمِ) لَا الْحِلُّ الَّذِي هُوَ خَارِجُ الْمِيقَاتِ (لِأَنَّهُ يَجُوزُ إحْرَامُهُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ) لِمَا تَلَوْنَا، فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْحِلِّ مَا هُوَ خَارِجَ الْمِيقَاتِ لَمَا جَازَ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ، وَحَيْثُ جَازَ لَهُ ذَلِكَ جَازَ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ مِنْ الْحِلِّ لِأَنَّ مَا وَرَاءَ الْمِيقَاتِ إلَى الْحَرَمِ مَكَانٌ وَاحِدٌ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (لِوُرُودِ الْأَثَرِ بِهِ) أَرَادَ بِهِ قَوْلَهُ: وَأَمَرَ أَخَا عَائِشَةَ أَنْ يُعَمِّرَهَا مِنْ التَّنْعِيمِ.

[باب الإحرام]

(بَابُ الْإِحْرَامِ) (وَإِذَا أَرَادَ الْإِحْرَامَ اغْتَسَلَ أَوْ تَوَضَّأَ وَالْغُسْلُ أَفْضَلُ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اغْتَسَلَ لِإِحْرَامِهِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْإِحْرَامِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الْمَوَاقِيتِ، ذَكَرَ كَيْفِيَّةَ الْإِحْرَامِ الَّذِي يُفْعَلُ فِي تِلْكَ الْمَوَاقِيتِ. وَالْإِحْرَامُ لُغَةً مَصْدَرُ أَحْرَمَ إذَا دَخَلَ فِي الْحَرَمِ كَأَشْتَى إذَا دَخَلَ فِي الشِّتَاءِ. وَفِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ تَحْرِيمُ الْمُبَاحَاتِ عَلَى نَفْسِهِ لِأَدَاءِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ، فَإِنَّ مِنْ الْعِبَادَاتِ مَا لَهَا تَحْرِيمٌ وَتَحْلِيلٌ كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ، وَمِنْهَا مَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ كَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ (وَإِذَا أَرَادَ الْإِحْرَامَ اغْتَسَلَ أَوْ تَوَضَّأَ وَالْغُسْلُ أَفْضَلُ لِمَا رَوَى «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اغْتَسَلَ لِإِحْرَامِهِ» وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّهُ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَالْغُسْلُ أَفْضَلُ، وَكَأَنَّهُ يَدْفَعُ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْغُسْلَ إذَا كَانَ أَفْضَلَ، وَجَبَ أَنْ لَا يَقُومَ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فَقَالَ

إلَّا أَنَّهُ لِلتَّنْظِيفِ حَتَّى تُؤْمَرَ بِهِ الْحَائِضُ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ فَرْضًا عَنْهَا فَيَقُومَ الْوُضُوءُ مَقَامَهُ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ، لَكِنَّ الْغُسْلَ أَفْضَلُ لِأَنَّ مَعْنَى النَّظَافَةِ فِيهِ أَتَمُّ، وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اخْتَارَهُ. قَالَ (وَلَبِسَ ثَوْبَيْنِ جَدِيدَيْنِ أَوْ غَسِيلَيْنِ إزَارًا وَرِدَاءً) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ائْتَزَرَ وَارْتَدَى عِنْدَ إحْرَامِهِ، وَلِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ لُبْسِ الْمَخِيطِ وَلَا بُدَّ مِنْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَدَفْعِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَذَلِكَ فِيمَا عَيَّنَّاهُ، وَالْجَدِيدُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الطَّهَارَةِ. قَالَ (وَمَسَّ طِيبًا إنْ كَانَ لَهُ) وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ يُكْرَهُ إذَا تَطَيَّبَ بِمَا تَبْقَى عَيْنُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، لِأَنَّهُ مُنْتَفِعٌ بِالطِّيبِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا أَنَّهُ لِلتَّنْظِيفِ حَتَّى تُؤْمَرَ بِهِ الْحَائِضُ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ فَرْضًا عَنْهَا) رُوِيَ «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ أَسْمَاءَ قَدْ نُفِسَتْ فَقَالَ: مُرْهَا فَلْتَغْتَسِلْ وَلْتُحْرِمْ بِالْحَجِّ» وَمَعْلُومٌ أَنَّ الِاغْتِسَالَ الْوَاجِبَ لَا يَتَأَدَّى مَعَ وُجُودِ الْحَيْضِ فَكَانَ لِمَعْنَى النَّظَافَةِ، وَكُلُّ غُسْلٍ كَانَ لِمَعْنَى النَّظَافَةِ يَقُومُ الْوُضُوءُ مَقَامَهُ (كَمَا فِي الْجُمُعَةِ) وَالْعِيدَيْنِ (لَكِنَّ الْغُسْلَ أَفْضَلُ لِأَنَّ مَعْنَى النَّظَافَةِ فِيهِ أَتَمُّ، وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اخْتَارَهُ) أَيْ آثَرَهُ عَلَى الْوُضُوءِ وَضَعْفُ تَرْكِيبِهِ لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ (وَلُبْسُ ثَوْبَيْنِ جَدِيدَيْنِ أَوْ غَسِيلَيْنِ إزَارًا وَرِدَاءً) وَفِي ذِكْرِ الْجَدِيدِ نَفْيٌ لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِكَرَاهَةِ لُبْسِ الْجَدِيدِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، وَالْإِزَارُ مِنْ الْحِقْوِ إلَى الْخَصْرِ، وَالرِّدَاءُ مِنْ الْكَنَفِ (لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ائْتَزَرَ وَارْتَدَى) أَيْ لَبِسَ الْإِزَارَ وَالرِّدَاءَ. وَيُدْخِلُ الرِّدَاءَ تَحْتَ يَمِينِهِ وَيُلْقِيهِ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ وَيَبْقَى كَتِفُهُ الْأَيْمَنُ مَكْشُوفًا وَلَا يَزُرُّهُ وَلَا يَعْقِدُهُ وَلَا يُخَلِّلُهُ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ كُرِهَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الطَّهَارَةِ) لِأَنَّهُ لَمْ تُصِبْهُ النَّجَاسَةُ ظَاهِرٌ (وَمَسَّ طِيبًا إنْ وَجَدَ) أَيَّ طِيبٍ كَانَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (وَ) رَوَى الْمُعَلَّى (عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُكْرَهُ إذَا تَطَيَّبَ بِمَا تَبْقَى عَيْنُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ) كَالْمِسْكِ وَالْغَالِيَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ: كُنْت لَا أَرَى بَأْسًا بِذَلِكَ حَتَّى رَأَيْت قَوْمًا أَحْضَرُوا طِيبًا كَثِيرًا وَرَأَيْت أَمْرًا شَنِيعًا فَكَرِهْته (وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ مُنْتَفِعٌ بِالطِّيبِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ) قِيلَ: لِأَنَّهُ إذَا عَرِقَ يَنْتَقِلُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ بَدَنِهِ فَيَكُونُ

وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ حَدِيثُ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ» ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ التَّطَيُّبِ ابْتِدَاءً بَعْدَ الْإِحْرَامِ فِي الْمَوْضِعِ الثَّانِي، يُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَأَى أَعْرَابِيًّا عَلَيْهِ خَلُوقٌ فَقَالَ: اغْسِلْ عَنْك هَذَا الْخَلُوقَ» (وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ حَدِيثُ عَائِشَةَ قَالَتْ «كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ» وَفِيهِ نَظَرٌ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الطِّيبُ مِمَّا لَا يَبْقَى أَثَرُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَالْمَكْرُوهُ ذَلِكَ. وَالْجَوَابُ: أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ حَدِيثِ عَائِشَةَ «وَلَقَدْ رَأَيْت وَبِيصَ الطِّيبِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وَالْمَمْنُوعُ عَنْهُ التَّطَيُّبُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَالْبَاقِي كَالتَّابِعِ لَهُ لِاتِّصَالِهِ بِهِ، بِخِلَافِ الثَّوْبِ لِأَنَّهُ مُبَايِنٌ عَنْهُ. قَالَ (وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ إحْرَامِهِ قَالَ وَقَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي» لِأَنَّ أَدَاءَهَا فِي أَزْمِنَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَأَمَاكِنَ مُتَبَايِنَةٍ فَلَا يُعَرَّى عَنْ الْمَشَقَّةِ عَادَةً فَيَسْأَلُ التَّيْسِيرَ، وَفِي الصَّلَاةِ لَمْ يَذْكُرْ مِثْلَ هَذَا الدُّعَاءِ لِأَنَّ مُدَّتَهَا يَسِيرَةٌ وَأَدَاءَهَا عَادَةً مُتَيَسِّرٌ. قَالَ (ثُمَّ يُلَبِّي عَقِيبَ صَلَاتِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْدَ الْإِحْرَامِ» وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ مَعْلُومًا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - اقْتَصَرَ عَنْ ذِكْرِهِ (وَلِأَنَّ الْمَمْنُوعَ عَنْ الْمُحْرِمِ التَّطَيُّبُ وَالْبَاقِي كَالتَّابِعِ لَهُ لِاتِّصَالِهِ بِبَدَنِهِ) وَلَا حُكْمَ لِلتَّبَعِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ (بِخِلَافِ الثَّوْبِ الْمَخِيطِ) إذَا لُبِسَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، وَبَقِيَ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ مَمْنُوعًا، وَيَكُونُ كَاللَّابِسِ ابْتِدَاءً حَتَّى يَلْزَمَهُ الْجَزَاءُ (لِأَنَّهُ مُبَايِنٌ عَنْهُ) فَلَا يَكُونُ تَابِعًا، وَعَنْ هَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَتَطَيَّبُ فَدَامَ عَلَى طِيبٍ كَانَ بِجَسَدِهِ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ فَدَامَ عَلَى لُبْسِهِ حَنِثَ، وَحَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَلَى ثَوْبِهِ لَا عَلَى بَدَنِهِ قَالَ (وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ) أَيْ إذَا أَرَادَ الْإِحْرَامَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ إحْرَامِهِ» وَرَوَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي وَأَنَا بِالْعَقِيقِ فَقَالَ: صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ رَكْعَتَيْنِ وَقُلْ: لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا» وَيَقْرَأُ فِيهِمَا مَا شَاءَ وَإِنْ قَرَأَ فِي الْأُولَى بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وَفِي الثَّانِيَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] تَبَرُّكًا بِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَهُوَ أَفْضَلُ " (قَالَ) يَعْنِي مُحَمَّدًا (وَقَالَ) يَعْنِي الَّذِي يُرِيدُ الْحَجَّ (اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لَمْ يَذْكُرْ قَالَ الْأَوَّلُ، وَأَلْحَقَهُ بِحَدِيثِ جَابِرٍ: أَيْ «صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذِي الْحُلَيْفَةِ» ، وَقَالَ: أَيْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ، لِأَنَّهُ هُوَ الْمُثْبَتُ فِي الْكُتُبِ الْمُتْقَنَةِ عَنْ الْأَسَاتِذَةِ. وَقَوْلُهُ (لَأَنْ أَدَّاهَا) أَيْ أَدَاءُ هَذِهِ الْعِبَادَةِ تَعْلِيلٌ لِسُؤَالِ التَّيْسِيرِ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ يُلَبِّي) يُرِيدُ مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ (عَقِيبَ صَلَاتِهِ) اخْتَلَفَ الرُّوَاةُ فِي وَقْتِ تَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «لَبَّى

لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَبَّى فِي دُبُرِ صَلَاتِهِ» . وَإِنْ لَبَّى بَعْدَمَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ جَازَ، وَلَكِنْ الْأَوَّلُ أَفْضَلُ لِمَا رَوَيْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQدُبُرِ صَلَاتِهِ» وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ «لَبَّى حِينَ اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ» وَذَكَرَ جَابِرٌ. «أَنَّهُ لَبَّى حِينَ عَلَا الْبَيْدَاءَ» وَابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - رَدَّ هَذَا، فَقَالَ: يَكْذِبُونَ فِيهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَإِنَّمَا لَبَّى حِينَ اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ» وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَيْفَ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي وَقْتِ تَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا حَجَّ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، فَقَالَ «لَبَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي دُبُرِ صَلَاتِهِ» فَسَمِعَ ذَلِكَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَنَقَلُوا ذَلِكَ، وَكَانَ الْقَوْمُ يَأْتُونَهُ أَرْسَالًا فَلَبَّى حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ فَسَمِعَ قَوْمٌ فَظَنُّوهَا أَوَّلَ تَلْبِيَتِهِ فَنَقَلُوا ذَلِكَ، ثُمَّ لَبَّى حِينَ عَلَا الْبَيْدَاءَ، فَسَمِعَهُ قَوْمٌ آخَرُونَ فَظَنُّوهَا أَوَّلَ تَلْبِيَتِهِ فَنَقَلُوا ذَلِكَ وَاَيْمُ اللَّهِ مَا أَوْجَبَهَا إلَّا فِي مُصَلَّاهُ " فَقُلْنَا: بِأَنَّ الْإِتْيَانَ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَكَّدَ رِوَايَتَهُ بِالْيَمِينِ، وَالْإِتْيَانُ

(فَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ يَنْوِي بِتَلْبِيَتِهِ الْحَجَّ) لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ (وَالتَّلْبِيَةُ أَنْ يَقُولَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَك) وَقَوْلُهُ إنَّ الْحَمْدَ بِكَسْرِ الْأَلِفِ لَا بِفَتْحِهَا لِيَكُونَ ابْتِدَاءً لَا بِنَاءً ـــــــــــــــــــــــــــــQبِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ جَائِزٌ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَالتَّلْبِيَةُ أَنْ يَقُولَ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ) وَهُوَ مِنْ الْمَصَادِرِ الَّتِي يَجِبُ حَذْفُ فِعْلِهَا لِوُقُوعِهِ مُثَنَّى. وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ فَقِيلَ: مُشْتَقٌّ مِنْ أَلَبَ الرَّجُلُ إذَا أَقَامَ فِي مَكَان، فَمَعْنَى لَبَّيْكَ أُقِيمُ عَلَى طَاعَتِك إقَامَةً بَعْدَ إقَامَةٍ لِأَنَّ التَّلْبِيَةَ هَاهُنَا لِلتَّكْرِيرِ، وَالتَّكْرِيرُ يُرَادُ لِلتَّكْثِيرِ. وَقِيلَ: مُشْتَقٌّ مِنْ قَوْلِهِمْ: امْرَأَةٌ لَبَّةٌ أَيْ مُحِبَّةٌ لِزَوْجِهَا فَمَعْنَاهُ مَحَبَّتِي لَك يَا رَبِّ. وَقِيلَ: مِنْ قَوْلِهِمْ دَارِي تَلِبُّ دَارَك أَيْ تُوَاجِهُهَا فَمَعْنَاهُ اتِّجَاهِي إلَيْك مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَالْأَوَّلُ أَنْسَبُ. وَقَوْلُهُ (إنَّ الْحَمْدَ بِكَسْرِ الْأَلِفِ لَا بِفَتْحِهَا) هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ مَسْعُودٍ فِي صِفَةِ تَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَوْلُهُ (لِيَكُونَ ابْتِدَاءً) أَيْ غَيْرَ مُتَعَلِّقٍ بِمَا قَبْلَهُ

إذْ الْفَتْحَةُ صِفَةُ الْأُولَى، وَهُوَ إجَابَةٌ لِدُعَاءِ الْخَلِيلِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه عَلَى مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْقِصَّةِ (وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخِلَّ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا بِنَاءً إذْ الْفَتْحَةُ صِفَةُ الْأُولَى) قِيلَ: مُرَادُهُ الْحَقِيقَةُ وَهِيَ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالذَّاتِ لَا الصِّفَةِ النَّحْوِيَّةِ، وَتَقْدِيرُهُ: أُلَبِّي أَنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك، أَيْ وَأَنَا مَوْصُوفٌ بِهَذَا الْقَوْلِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ التَّعْلِيلُ لِأَنَّهُ يَكُونُ بِتَقْدِيرِ اللَّامِ أَيْ لَبَّى لِأَنَّ الْحَمْدَ، وَفِيهِ بُعْدٌ. وَقِيلَ: مُرَادُهُ أَنَّهُ صِفَةُ التَّلْبِيَةِ أَيْ أُلَبِّي. تَلْبِيَةً. هِيَ أَنَّ الْحَمْدَ لَك، وَعَلَى هَذَا قِيلَ: مَنْ كَسَرَ الْهَمْزَةَ فَقَدْ عَمَّ وَمَنْ فَتَحَهَا فَقَدْ خَصَّ. وَقَوْلُهُ (وَهُوَ) أَيْ ذِكْرُ التَّلْبِيَةِ (إجَابَةٌ لِدَعْوَةِ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْقِصَّةِ) وَهِيَ مَا رُوِيَ " أَنَّ الْخَلِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا فَرَغَ مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ أُمِرَ بِأَنْ يَدْعُوَ النَّاسَ إلَى الْحَجِّ، فَصَعِدَ أَبَا قُبَيْسٍ وَقَالَ: أَلَا إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَ بِبِنَاءِ بَيْتٍ لَهُ وَقَدْ بُنِيَ، أَلَا فَحُجُّوهُ فَبَلَّغَ اللَّهُ صَوْتَهُ النَّاسَ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ وَأَرْحَامِ أُمَّهَاتِهِمْ فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَابَ مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ جَوَابِهِمْ يَحُجُّونَ " وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْله تَعَالَى {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا} [الحج: 27] فَالتَّلْبِيَةُ إجَابَةٌ لِدَعْوَةِ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَا فَرْقَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ هَذَا اللَّفْظِ وَغَيْرِهِ مِنْ الثَّنَاءِ وَالتَّسْبِيحِ وَالْعَرَبِيِّ وَالْفَارِسِيِّ. أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَظَاهِرٌ لِتَجْوِيزِهِ ذَلِكَ فِي تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ. وَفَرَّقَ مُحَمَّدٌ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ غَيْرَ الذِّكْرِ هَاهُنَا وَهُوَ تَقْلِيدُ الْهَدْيِ قَامَ مَقَامَهُ

لِأَنَّهُ هُوَ الْمَنْقُولُ بِاتِّفَاقِ الرُّوَاةِ فَلَا يَنْقُصُ عَنْهُ (وَلَوْ زَادَ فِيهَا جَازَ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْهُ. هُوَ اعْتَبَرَهُ بِالْأَذَانِ وَالتَّشَهُّدِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ ذِكْرٌ مَنْظُومٌ. وَلَنَا أَنَّ أَجِلَّاءَ الصَّحَابَةِ كَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - زَادُوا عَلَى الْمَأْثُورِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ الثَّنَاءُ، وَإِظْهَارُ الْعُبُودِيَّةِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الزِّيَادَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَكَذَلِكَ غَيْرُ الْعَرَبِيَّةِ يَقُومُ مَقَامَهَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، وَبِهَذَا فَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ أَيْضًا بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالتَّلْبِيَةِ، وَلَكِنَّ الْعَرَبِيَّةَ أَفْضَلُ. وَقَوْلُهُ (فَلَا يَنْقُصُ عَنْهُ) قَالَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ: لَوْ قَالَ اللَّهُمَّ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ كَانَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ. فَمَنْ قَالَ: يَصِيرُ بِهِ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ قَالَ: يَصِيرُ بِهِ مُحْرِمًا، وَمَنْ قَالَ: لَا فَلَا. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ زَادَ فِيهَا جَازَ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (زَادُوا عَلَى الْمَأْثُورِ) قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: أَجَهِلَ النَّاسُ أَمْ طَالَ بِهِمْ الْعَهْدُ؟ لَبَّيْكَ عَدَدَ التُّرَابِ لَبَّيْكَ، وَأَرَادَ بِالْعَهْدِ عَهْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَزَادُوا فِي رِوَايَةٍ «لَبَّيْكَ حَقًّا حَقًّا تَعَبُّدًا وَرِقًّا لَبَّيْكَ عَدَدَ التُّرَابِ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ ذَا الْمَعَارِجِ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ إلَهَ الْخَلْقِ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إلَيْك لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ مِنْ عَبْدٍ آبِقٍ لَبَّيْكَ» . وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الثَّنَاءُ) ظَاهِرٌ. وَالْجَوَابُ عَنْ التَّشَهُّدِ وَالْأَذَانِ أَنَّ التَّشَهُّدَ فِي تَعْلِيمِهِ زِيَادَةُ التَّأْكِيدِ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ» فَالزِّيَادَةُ تُخِلُّ بِهِ، بِخِلَافِ التَّلْبِيَةِ لِأَنَّهَا لِلثَّنَاءِ مِنْ غَيْرِ تَأْكِيدٍ فِي تَعْلِيمِ نَظْمِهِ فَلَا تُخِلُّ بِهَا الزِّيَادَةُ، وَالْأَذَانُ لِلْإِعْلَامِ وَقَدْ صَارَ مَعْرُوفًا بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ فَلَا يَبْقَى إعْلَامًا بِغَيْرِهَا، وَلَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ كَبِيرُ خِلَافٍ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْمَنْقُولَ

عَلَيْهِ. قَالَ (وَإِذَا لَبَّى فَقَدْ أَحْرَمَ) يَعْنِي إذَا نَوَى لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَتَأَدَّى إلَّا بِالنِّيَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهَا لِتَقْدِيمِ الْإِشَارَةِ إلَيْهَا فِي قَوْلِهِ " اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ " (وَلَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي الْإِحْرَامِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ مَا لَمْ يَأْتِ بِالتَّلْبِيَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَفْضَلَ فِي رِوَايَةٍ. قَالَ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ: لَا تُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَى تَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ يَكُونُ مَكْرُوهًا، وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ هَذَا، كَذَا فِي الْأَسْرَارِ. قَالَ (وَإِذَا لَبَّى فَقَدْ أَحْرَمَ) مَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ إذَا نَوَى وَلَبَّى فَقَدْ أَحْرَمَ وَلَا يَصِيرُ شَارِعًا لَا بِمُجَرَّدِ التَّلْبِيَةِ، وَلَا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَتَأَدَّى إلَّا بِالنِّيَّةِ إلَّا أَنَّ الْقُدُورِيَّ لَمْ يَذْكُرْهَا لِتَقَدُّمِ الْإِشَارَةِ إلَيْهَا فِي قَوْلِهِ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ عَقَدَ عَلَى الْأَدَاءِ أَيْ عَلَى أَدَاءِ عِبَادَةٍ تَشْتَمِلُ عَلَى أَرْكَانٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا بُدَّ لِلشُّرُوعِ فِيهِ مِنْ ذِكْرٍ يُقْصَدُ بِهِ التَّعْظِيمُ سَوَاءٌ كَانَ تَلْبِيَةً أَوْ غَيْرَهَا عَرَبِيًّا أَوْ غَيْرَهُ فِي الْمَشْهُورِ كَمَا ذَكَرْنَا، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ الذِّكْرِ كَتَقْلِيدِ الْهَدْيِ، فَإِنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ إظْهَارُ الْإِجَابَةِ لِلدَّعْوَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: يَصِيرُ شَارِعًا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ

خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ عَقَدَ عَلَى الْأَدَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرٍ كَمَا فِي تَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ، وَيَصِيرُ شَارِعًا بِذِكْرٍ يَقْصِدُ بِهِ التَّعْظِيمَ سِوَى التَّلْبِيَةِ فَارِسِيَّةً كَانَتْ أَوْ عَرَبِيَّةً، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ عَلَى أَصْلِهِمَا أَنَّ بَابَ الْحَجِّ أَوْسَعُ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ، حَتَّى يُقَامَ غَيْرُ الذِّكْرِ مَقَامَ الذِّكْرِ كَتَقْلِيدِ الْبُدْنِ فَكَذَا غَيْرُ التَّلْبِيَةِ وَغَيْرُ الْعَرَبِيَّةِ. قَالَ (وَيَتَّقِي مَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مِنْ الرَّفَثِ وَالْفُسُوقِ وَالْجِدَالِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] فَهَذَا نَهْيٌ بِصِيغَةِ النَّفْيِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكَفِّ عَنْ ارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ يَحْصُلُ الشُّرُوعُ فِيهِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ كَالصَّوْمِ. وَالْجَوَابُ: إنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ فِي الْإِحْرَامِ الْتَزَمَ الْكَفَّ، بَلْ الْتَزَمَ أَدَاءَ الْأَفْعَالِ وَالْكَفُّ ضِمْنِيٌّ لِأَنَّهُ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْحَجِّ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّ الْكَفَّ فِيهِ رُكْنٌ فَكَانَ الْتِزَامُهُ قَصْدِيًّا. وَقَوْلُهُ (وَيَتَّقِي مَا نَهَى اللَّهُ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (فَهَذَا نَهْيٌ بِصِيغَةِ النَّفْيِ) إنَّمَا قَالَهُ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْخُلْفُ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ لِوُجُودِهِ مِنْ بَعْضٍ، وَإِنَّمَا قَالَ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ لِأَنَّ ذِكْرَ الْجِمَاعِ بِغَيْرِ حَضْرَتِهِنَّ لَيْسَ مِنْ الرَّفَثِ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَنْشَدَ فِي إحْرَامِهِ: وَهُنَّ يَمْشِينَ بِنَا هَمِيسًا ... إنْ يَصْدُقْ الطَّيْرُ نَنِكْ لَمِيسًا

وَالرَّفَثُ الْجِمَاعُ أَوْ الْكَلَامُ الْفَاحِشُ، أَوْ ذِكْرُ الْجِمَاعِ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ وَالْفُسُوقُ الْمَعَاصِي وَهُوَ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ أَشَدُّ حُرْمَةً، وَالْجِدَالُ أَنْ يُجَادِلَ رَفِيقَهُ، وَقِيلَ: مُجَادَلَةُ الْمُشْرِكِينَ فِي تَقْدِيمِ وَقْتِ الْحَجِّ وَتَأْخِيرِهِ (وَلَا يَقْتُلُ صَيْدًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقِيلَ لَهُ أَتَرْفُثُ وَأَنْتَ مُحْرِمٌ؟ فَقَالَ: إنَّمَا الرَّفَثُ مَا كَانَ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ وَمَعْنَى قَوْله تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95]

(وَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ وَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ) لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ أَصَابَ حِمَارَ وَحْشٍ وَهُوَ حَلَالٌ وَأَصْحَابُهُ مُحْرِمُونَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَصْحَابِهِ: هَلْ أَشَرْتُمْ؟ هَلْ دَلَلْتُمْ؟ هَلْ أَعَنْتُمْ؟ فَقَالُوا: لَا، فَقَالَ: إذًا فَكُلُوا» وَلِأَنَّهُ إزَالَةُ الْأَمْنِ عَنْ الصَّيْدِ لِأَنَّهُ آمِنٌ بِتَوَحُّشِهِ وَبُعْدِهِ عَنْ الْأَعْيُنِ قَالَ (وَلَا يَلْبَسُ قَمِيصًا وَلَا سَرَاوِيلَ وَلَا عِمَامَةً وَلَا خُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَيَقْطَعُهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِم هَذِهِ الْأَشْيَاءَ» وَقَالَ فِي آخِرِهِ «وَلَا خُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ مُحْرِمُونَ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ) الْإِشَارَةُ تَقْتَضِي الْحَضْرَةَ، وَالدَّلَالَةُ تَقْتَضِي الْغَيْبَةَ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ) أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ الْإِشَارَةِ وَالدَّلَالَةِ وَالْإِعَانَةِ (إزَالَةُ الْأَمْنِ عَنْ الصَّيْدِ لِأَنَّهُ آمِنٌ بِتَوَحُّشِهِ وَبُعْدِهِ عَنْ الْأَعْيُنِ) وَهُوَ حَرَامٌ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يَلْبَسُ قَمِيصًا) ظَاهِرٌ.

وَالْكَعْبُ هُنَا الْمِفْصَلُ الَّذِي فِي وَسَطِ الْقَدَمِ عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ دُونَ النَّاتِئِ فِيمَا رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ (وَلَا يُغَطِّي وَجْهَهُ وَلَا رَأْسَهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَجُوزُ لِلرَّجُلِ تَغْطِيَةُ الْوَجْهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ وَإِحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا» . وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ وَلَا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» قَالَهُ فِي مُحْرِمٍ تُوُفِّيَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (قَالَهُ فِي مُحْرِمٍ تُوُفِّيَ) هُوَ الْأَعْرَابِيُّ الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ فِي أَخَافِيقِ الْجِرْذَانِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَمَاتَ وَالْوَقَصُ كَسْرُ الْعُنُقِ وَالْأَخَافِيقُ شُقُوقٌ فِي الْأَرْضِ، وَالْجِرْذَانُ جَمْعُ جُرَذٍ وَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ الْفَأْرِ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَتَمَسَّكُ أَصْحَابُنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَمَذْهَبُنَا عَلَى خِلَافِ حُكْمِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي مُحْرِمٍ يَمُوتُ فِي إحْرَامِهِ حَيْثُ يُصْنَعُ بِهِ مَا يُصْنَعُ بِالْحَلَالِ مِنْ تَغْطِيَةِ رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ بِالْكَفَنِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَهُوَ يَتَمَسَّكُ هُنَاكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أُجِيبَ: بِأَنَّ الْحَدِيثَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ لِلْإِحْرَامِ تَأْثِيرًا فِي تَرْكِ تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ، فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَّلَ لِتَرْكِ التَّغْطِيَةِ بِأَنَّهُ يُبْعَثُ مُلَبِّيًا. وَالْحُجَّةُ لَنَا فِي تَغْطِيَةِ رَأْسِ الْمُحْرِمِ وَوَجْهِهِ إذَا مَاتَ مَا رَوَى عَطَاءٌ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ مُحْرِمٍ مَاتَ فَقَالَ: خَمِّرُوا رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ

وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُغَطِّي وَجْهَهَا مَعَ أَنَّ فِي الْكَشْفِ فِتْنَةٌ فَالرَّجُلُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى. وَفَائِدَةُ مَا رُوِيَ الْفَرْقُ فِي تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ. قَالَ (وَلَا يَمَسُّ طِيبًا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْحَاجُّ الشَّعِثُ التَّفِلُ» (وَكَذَا لَا يَدَّهِنُ) لِمَا رَوَيْنَا (لَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ وَلَا شَعْرَ بَدَنِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} [البقرة: 196] الْآيَةَ (وَلَا يَقُصُّ مِنْ لِحْيَتِهِ) لِأَنَّ فِي مَعْنَى الْحَلْقِ وَلِأَنَّ فِيهِ إزَالَةُ الشَّعَثِ وَقَضَاءِ التَّفَثِ. قَالَ (وَلَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِوَرْسٍ وَلَا زَعْفَرَانٍ وَلَا عُصْفُرٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ ثَوْبًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلَا وَرْسٌ» قَالَ (إلَّا أَنْ يَكُونَ غَسِيلًا لَا يَنْفُضُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا تُشَبِّهُوهُ بِالْيَهُودِ» . وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَوْ كَانَ لِلْإِحْرَامِ تَأْثِيرٌ فِي تَرْكِ تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ لَمَا أَمَرَ بِتَخْمِيرِهِمَا. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُغَطِّي وَجْهَهَا) ظَاهِرٌ، وَقَوْلُهُ (وَفَائِدَةُ مَا رُوِيَ) يَعْنِي إحْرَامَ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ، وَإِحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا (الْفَرْقُ فِي تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ) يَعْنِي الْفَرْقَ بَيْنَ إحْرَامَيْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِحَيْثُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ تَغْطِيَةُ الرَّأْسِ، وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ ذَلِكَ لَا أَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ وَجْهَهُ فِي الْإِحْرَامِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يَمَسُّ طِيبًا) الطِّيبُ مَا لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ (لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْحَاجُّ الشَّعِثُ التَّفِلُ» وَالشَّعِثُ بِالْكَسْرِ نَعْتٌ، وَبِالْفَتْحَةِ مَصْدَرٌ: وَهُوَ انْتِشَارُ الشَّعْرِ وَتَغَيُّرُهُ لِقِلَّةِ التَّعَهُّدِ وَالتَّفِلُ مِنْ التَّفْلِ وَهُوَ تَرْكُ الطِّيبِ حَتَّى يُوجَدَ مِنْهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ (وَكَذَا لَا يَدَّهِنُ لِمَا رَوَيْنَا) يَعْنِي «الْحَاجُّ الشَّعِثُ التَّفِلُ» . قَالَ (وَلَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ) الْمُحْرِمُ لَا يَحْلِقُ شَعْرَهُ مُطْلَقًا (لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} [البقرة: 196] الْآيَةَ) وَهُوَ بِعِبَارَتِهِ يَنْهَى عَنْ حَلْقِ الرَّأْسِ، وَبِدَلَالَتِهِ عَنْ حَلْقِ شَعْرِ الْبَدَنِ لِأَنَّ شَعْرَ الرَّأْسِ مُسْتَحِقُّ الْأَمْنِ عَنْ الْإِزَالَةِ لِكَوْنِهِ نَامِيًا يَحْصُلُ الِارْتِفَاقُ بِإِزَالَتِهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي شَعْرِ الْبَدَنِ فَيُلْحَقُ بِهِ دَلَالَةً. وَقَوْلُهُ (وَلَا يَقُصُّ مِنْ لِحْيَتِهِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (قَضَاءُ التَّفَثِ) يَعْنِي إزَالَةَ الْوَسَخِ،. وَالْوَرْسُ صَبْغٌ أَصْفَرُ، وَقِيلَ: نَبْتٌ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ، وَفِي الْقَانُونِ الْوَرْسُ شَيْءٌ أَحْمَرُ قَانِئٌ يُشْبِهُ سَحِيقَ الزَّعْفَرَانِ وَهُوَ مَجْلُوبٌ مِنْ الْيَمَنِ وَقَوْلُهُ (لَا يَنْفُضُ) أَيْ لَا يُوجَدُ مِنْهُ رَائِحَةُ الْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالْعُصْفُرِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنْ لَا يَتَعَدَّى أَثَرَ الصَّبْغِ إلَى غَيْرِهِ أَوْ لَا تَفُوحَ مِنْهُ رَائِحَةُ الطِّيبِ. وَالثَّانِي: مُخْتَارُ

لِأَنَّ الْمَنْعَ لِلطِّيبِ لَا لِلَّوْنِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْمُعَصْفَرِ لِأَنَّهُ لَوْنٌ لَا طِيبَ لَهُ. وَلَنَا أَنَّ لَهُ رَائِحَةً طَيِّبَةً. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَغْتَسِلَ وَيَدْخُلَ الْحَمَّامَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ قَالَ (لِأَنَّ الْمَنْعَ لِلطِّيبِ لَا لِلَّوْنِ) وَاعْتُرِضَ عَلَى الْمَرْوِيِّ عَنْ الْقُدُورِيِّ وَهُوَ يَنْفُضُ عَلَى بِنَاءِ الْفَاعِلِ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ نَفَضْت الثَّوْبَ أَنْفُضُهُ نَفْضًا إذَا حَرَّكْته لِيَسْقُطَ مَا عَلَيْهِ، وَالثَّوْبُ لَيْسَ بِنَافِضٍ وَأَنْكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَقِيلَ: بَلْ هِيَ عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ، وَلَئِنْ كَانَتْ كَانَ إسْنَادًا مَجَازِيًّا (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْمُعَصْفَرِ لِأَنَّهُ لَوْنٌ لَا طِيبَ لَهُ) فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ وَهُوَ الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ لِيُلْحَقَ بِهِ، وَقُلْنَا حَدِيثُ الْوَرْسِ دَلِيلٌ فِي الْعُصْفُرِ بِالْأَوْلَوِيَّةِ لِأَنَّهُ فَوْقَ الْوَرْسِ فِي طِيبِ الرَّائِحَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَائِشَةَ. وَقَوْلُهُ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَغْتَسِلَ)

لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اغْتَسَلَ وَهُوَ مُحْرِمٌ (وَ) لَا بَأْسَ بِأَنْ (يَسْتَظِلَّ بِالْبَيْتِ وَالْمُحْمَلُ) وَقَالَ مَالِكٌ: يُكْرَهُ أَنْ يَسْتَظِلَّ بِالْفُسْطَاطِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ يُشْبِه تَغْطِيَةَ الرَّأْسِ. وَلَنَا أَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ يُضْرَبُ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQظَاهِرٌ. وَالْهِمْيَانُ مَعْرُوفٌ وَهُوَ مَا يُوضَعُ فِيهِ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ. وَسُئِلَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: هَلْ يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ الْهِمْيَانَ؟ فَقَالَتْ: اسْتَوْثِقْ فِي نَفَقَتِك بِمَا شِئْت، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى لُبْسِ الْمَخِيطِ وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِلُبْسِ الْمَخِيطِ. وَنُوقِضَ بِشَدِّ الْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ بِحَبْلٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَيْسَ فِي مَعْنَى لُبْسِ الْمَخِيطِ، وَبِمَا إذَا عَصَبَ الْعِصَابَةَ عَلَى رَأْسِهِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ، فَلَوْ فَعَلَهُ يَوْمًا كَامِلًا لَزِمَهُ الصَّدَقَةُ، وَلَيْسَ فِي مَعْنَى لُبْسِ الْمَخِيطِ. وَأُجِيبَ عَلَى الْأَوَّلِ: بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ فِيهِ ثَبَتَتْ بِنَصٍّ وَرَدَ فِيهِ، وَهُوَ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا

فُسْطَاطٌ فِي إحْرَامِهِ وَلِأَنَّهُ لَا يَمَسُّ بَدَنَهُ فَأَشْبَهَ الْبَيْتَ. وَلَوْ دَخَلَ تَحْتَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ حَتَّى غَطَّتْهُ، إنْ كَانَ لَا يُصِيبُ رَأْسَهُ وَلَا وَجْهَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ اسْتِظْلَالٌ (وَ) لَا بَأْسَ بِأَنْ (يَشُدَّ فِي وَسَطِهِ الْهِمْيَانَ) وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُكْرَهُ إذَا كَانَ فِيهِ نَفَقَةُ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ. وَلَنَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى لُبْسِ الْمَخِيطِ فَاسْتَوَتْ فِيهِ الْحَالَتَانِ (وَلَا يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَلَا لِحْيَتَهُ بِالْخِطْمِيِّ) لِأَنَّهُ نَوْعُ طِيبٍ، وَلِأَنَّهُ يَقْتُلُ هَوَامّ الرَّأْسِ. قَالَ (وَيُكْثِرُ مِنْ التَّلْبِيَةِ عَقِيبَ الصَّلَوَاتِ وَكُلَّمَا عَلَا شَرَفًا أَوْ هَبَطَ وَادِيًا أَوْ لَقِيَ رَكْبًا وَبِالْأَسْحَارِ) لِأَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يُلَبُّونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَدْ شَدَّ فَوْقَ إزَارِهِ حَبْلًا، فَقَالَ: أَلْقِ هَذَا الْحَبْلَ وَيْلَك» وَعَنْ الثَّانِي: بِأَنَّ لُزُومَ الصَّدَقَةِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ تَغْطِيَةِ بَعْضِ الرَّأْسِ بِالْعِصَابَةِ وَالْمُحْرِمُ مَمْنُوعٌ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ مَا يُغَطِّيهِ جُزْءٌ يَسِيرٌ يُكْتَفَى فِيهِ بِالصَّدَقَةِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ نَوْعُ طِيبٍ وَلِأَنَّهُ يَقْتُلُ هَوَامَّ الرَّأْسِ) قِيلَ: لِوُجُودِ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ تَكَامَلَتْ الْجِنَايَةُ فَوَجَبَ الدَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، إذَا غَسَلَ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِيِّ فَإِنَّ لَهُ رَائِحَةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ذَكِيَّةً، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ بَلْ هُوَ كَالْأُشْنَانِ وَلَكِنَّهُ يَقْتُلُ الْهَوَامَّ. قَالَ (وَيُكْثِرُ مِنْ التَّلْبِيَةِ عَقِيبَ الصَّلَوَاتِ وَكُلَّمَا عَلَا شَرَفًا) الْمُحْرِمُ يُكْثِرُ التَّلْبِيَةَ فِي خَمْسَةِ أَوْقَاتٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ، وَزَادَ الْأَعْمَشُ عَنْ خَيْثَمَةَ سَادِسًا وَهُوَ مَا إذَا اسْتَعْطَفَ الرَّجُلُ رَاحِلَتَهُ،

فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ، وَالتَّلْبِيَةُ فِي الْإِحْرَامِ عَلَى مِثَالِ التَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ، فَيُؤْتِي بِهَا عِنْدَ الِانْتِقَالِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ (وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْضَلُ الْحَجِّ الْعَجُّ وَالثَّجُّ» فَالْعَجُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ، وَالثَّجُّ إسَالَةُ الدَّمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالتَّعْلِيلُ فِي الْكِتَابِ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ) الْمُسْتَحَبُّ عِنْدَنَا فِي الدُّعَاءِ وَالْأَذْكَارِ الْإِخْفَاءُ إلَّا إذَا تَعَلَّقَ بِإِعْلَانِهِ مَقْصُودٌ كَالْأَذَانِ وَالْخُطْبَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَالتَّلْبِيَةُ لِلْإِعْلَامِ بِالشُّرُوعِ فِيمَا هُوَ مِنْ أَعْلَامِ الدِّينِ، فَكَانَ

قَوْلُهُ (فَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ ابْتَدَأَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كُلَّمَا دَخَلَ مَكَّةَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ» وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ زِيَارَةُ الْبَيْتِ وَهُوَ فِيهِ، وَلَا يَضُرُّهُ لَيْلًا دَخَلَهَا أَوْ نَهَارًا لِأَنَّهُ دُخُولُ بَلْدَةٍ فَلَا يَخْتَصُّ بِأَحَدِهِمَا (وَإِذَا عَايَنَ الْبَيْتَ كَبَّرَ وَهَلَّلَ) وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - يَقُولُ: إذَا لَقِيَ الْبَيْتَ بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ. وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يُعَيِّنْ فِي الْأَصْلِ لِمَشَاهِدِ الْحَجِّ شَيْئًا مِنْ الدَّعَوَاتِ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ يُذْهِبُ بِالرِّقَّةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQرَفْعُ الصَّوْتِ بِهَا مُسْتَحَبًّا. وَقَوْلُهُ (فَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ) وَاضِحٌ.

وَإِنْ تَبَرَّكَ بِالْمَنْقُولِ مِنْهَا فَحَسَنٌ. قَالَ (ثُمَّ ابْتَدَأَ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَاسْتَقْبَلَهُ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَابْتَدَأَ بِالْحَجَرِ فَاسْتَقْبَلَهُ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ» (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَإِنْ تَبَرَّكَ بِالْمَنْقُولِ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الدَّعَوَاتِ (فَحَسَنٌ) وَمِنْ الْمَنْقُولِ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى الْبَيْتِ يَقُولُ: " اللَّهُمَّ زِدْ بَيْتَك تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَتَعْظِيمًا وَبِرًّا وَمَهَابَةً وَزِدْ مَنْ شَرَّفَهُ وَكَرَّمَهُ وَعَظَّمَهُ مِمَّنْ حَجَّهُ أَوْ اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَتَعْظِيمًا وَبِرًّا وَمَهَابَةً بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ " وَعَنْ عَطَاءٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ: إذَا لَقِيَ الْبَيْتَ: أَعُوذُ بِرَبِّ الْبَيْتِ مِنْ الدَّيْنِ وَالْفَقْرِ وَضِيقِ الصَّدْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ» . وَقَوْلُهُ (ثُمَّ ابْتَدَأَ بِالْحَجَرِ) ظَاهِرٌ.

«لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهَا اسْتِلَامَ الْحَجَرِ» قَالَ (وَاسْتَلَمَهُ إنْ اسْتَطَاعَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْذِيَ مُسْلِمًا) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَبَّلَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَوَضَعَ شَفَتَيْهِ عَلَيْهِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَاسْتَلَمَهُ) يُقَالُ: اسْتَلَمَ الْحَجَرَ تَنَاوَلَهُ بِالْيَدِ أَوْ بِالْقُبْلَةِ أَوْ مَسَحَهُ بِالْكَفِّ، مِنْ السَّلِمَةِ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَهِيَ الْحَجَرُ وَرُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبَّلَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَوَضَعَ شَفَتَيْهِ عَلَيْهِ» وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي خِلَافَتِهِ أَتَى الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَوَقَفَ فَقَالَ: أَمَا إنِّي أَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَلَمَك مَا اسْتَلَمْتُك، فَبَلَغَ مَقَالَتُهُ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: أَمَا إنَّ الْحَجَرَ يَنْفَعُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: وَمَا مَنْفَعَتُهُ يَا خَتَنَ رَسُولِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَخَذَ الذُّرِّيَّةَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَرَّرَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172] أَوْدَعَ إقْرَارَهُمْ الْحَجَرَ، فَمَنْ يَسْتَلِمْ الْحَجَرَ فَهُوَ يُجَدِّدُ الْعَهْدَ بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ، وَالْحَجَرُ يَشْهَدُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .

وَقَالَ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنَّك رَجُلٌ أَيْدٍ تُؤْذِي الضَّعِيفَ فَلَا تُزَاحِمْ النَّاسَ عَلَى الْحَجَرِ، وَلَكِنْ إنْ وَجَدْت فُرْجَةً فَاسْتَلِمْهُ وَإِلَّا فَاسْتَقْبِلْهُ وَهَلِّلْ وَكَبِّرْ ". وَلِأَنَّ الِاسْتِلَامَ سُنَّةٌ وَالتَّحَرُّزُ عَنْ أَذَى الْمُسْلِمِ وَاجِبٌ. قَالَ (وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَمَسَّ الْحَجَرَ شَيْئًا فِي يَدِهِ) كَالْعُرْجُونِ وَغَيْرِهِ (ثُمَّ قِيلَ ذَلِكَ فُعِلَ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - طَافَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَاسْتَلَمَ الْأَرْكَانَ بِمِحْجَنِهِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (إنَّك رَجُلٌ أَيْدٍ) أَيْ قَوِيٌّ. وَالْعُرْجُونُ أَصْلُ الْكِبَاسَةِ. وَقَوْلُهُ (وَاسْتَلَمَ الْأَرْكَانَ) يَعْنِي الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَ، وَإِنَّمَا جَمَعَهُ بِاعْتِبَارِ تَكَرُّرِ الْأَشْوَاطِ وَإِنَّمَا قُلْنَاهُ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ بَعْدَ هَذَا،

وَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ اسْتَقْبَلَهُ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ وَحَمِدَ اللَّهَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. قَالَ (ثُمَّ أَخَذَ عَنْ يَمِينِهِ مِمَّا يَلِي الْبَابَ وَقَدْ اضْطَبَعَ رِدَاءَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اسْتَلَمَ الْحَجَرَ ثُمَّ أَخَذَ عَنْ يَمِينِهِ مِمَّا يَلِي الْبَابَ فَطَافَ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ» (وَالِاضْطِبَاعُ أَنْ يَجْعَلَ رِدَاءَهُ تَحْتَ إبْطِهِ الْأَيْمَنِ وَيُلْقِيهِ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ) وَهُوَ سُنَّةٌ. وَقَدْ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. قَالَ (وَيَجْعَلُ طَوَافَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّهُ لَا يَسْتَلِمُ غَيْرَهُمَا. وَالْمِحْجَنُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ: عُودٌ مُعْوَجُّ الرَّأْسِ كَالصَّوْلَجَانِ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ اسْتَقْبَلَهُ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ) قِيلَ: يَجْعَلُ بَاطِنَ كَفَّيْهِ إلَى الْحَجَرِ دُونَ السَّمَاءِ وَلَا يَجْعَلُ بَاطِنَ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ فِي سَائِرِ الْأَدْعِيَةِ، لِأَنَّ فِي حَقِيقَةِ الِاسْتِلَامِ يَجْعَلُ بَاطِنَ كَفَّيْهِ إلَى الْحَجَرِ هَكَذَا فِي الْبَدَلِ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ أَخَذَ عَنْ يَمِينِهِ) بَيَانٌ لِمَبْدَإِ الطَّوَافِ وَهُوَ مِنْ الْحَجَرِ. فَإِنْ افْتَتَحَ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ. وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الرُّقَيَّاتِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالطَّوَافِ مُجْمَلٌ فِي حَقِّ الْبُدَاءَةِ فَالْتُحِقَ فِعْلُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَيَانًا لَهُ، فَتُفْتَرَضُ الْبُدَاءَةُ بِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: يَجُوزُ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالطَّوَافِ مُطْلَقٌ لَكِنَّ السُّنَّةَ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْيَمِينِ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ عَنْ يَسَارِهِ وَهُوَ الطَّوَافُ الْمَنْكُوسُ فَطَافَ كَذَلِكَ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ لَا يَعْتَدُّ بِطَوَافِهِ عِنْدَنَا، وَيُعِيدُهُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ. وَإِنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ قَبْلَ الْإِعَادَةِ فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَعْتَدُّ بِطَوَافِهِ وَقَوْلُهُ (وَقَدْ اضْطَبَعَ رِدَاءَهُ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ الصَّوَابُ بِرِدَائِهِ. وَفِي الصِّحَاحِ: إنَّمَا

مِنْ وَرَاءِ الْحَطِيمِ) وَهُوَ اسْمٌ لِمَوْضِعٍ فِيهِ الْمِيزَابُ، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ حُطِّمَ مِنْ الْبَيْتِ: أَيْ كُسِرَ، وَسُمِّيَ حِجْرًا لِأَنَّهُ حُجِرَ مِنْهُ: أَيْ مُنِعَ، وَهُوَ مِنْ الْبَيْتِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «فَإِنَّ الْحَطِيمَ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQسُمِّيَ هَذَا الصَّنِيعُ بِذَلِكَ لِإِبْدَاءِ الضَّبْعَيْنِ وَهُوَ التَّأَبُّطُ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ (فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ) يَعْنِي مَا رُوِيَ «أَنَّ عَائِشَةَ نَذَرَتْ إنْ فَتَحَ اللَّهُ مَكَّةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُصَلِّيَ فِي الْبَيْتِ رَكْعَتَيْنِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهَا وَأَدْخَلَهَا الْحَطِيمَ وَقَالَ: صَلِّي هَاهُنَا فَإِنَّ الْحَطِيمَ مِنْ الْبَيْتِ إلَّا أَنَّ قَوْمَك قَصُرَتْ بِهِمْ النَّفَقَةُ فَأَخْرَجُوهُ مِنْ الْبَيْتِ، وَلَوْلَا حَدَثَانُ قَوْمِك بِالْجَاهِلِيَّةِ لَنَقَضْت بِنَاءَ الْبَيْتِ وَأَظْهَرْت قَوَاعِدَ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَدْخَلْت الْحَطِيمَ فِي الْبَيْتِ، وَأَلْصَقْت الْعَتَبَةَ بِالْأَرْضِ، وَجَعَلْت لَهَا بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا، وَلَئِنْ عِشْت إلَى قَابِلٍ

الْبَيْتِ» فَلِهَذَا يُجْعَلُ الطَّوَافُ مِنْ وَرَائِهِ، حَتَّى لَوْ دَخَلَ الْفُرْجَةَ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ لَا يَجُوزُ، إلَّا أَنَّهُ إذَا اسْتَقْبَلَ الْحَطِيمَ وَحْدَهُ لَا تُجْزِيه الصَّلَاةُ لِأَنَّ فَرْضِيَّةَ التَّوَجُّهِ ثَبَتَتْ بِنَصِّ الْكِتَابِ فَلَا تَتَأَدَّى بِمَا ثَبَتَتْ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ احْتِيَاطًا، وَالِاحْتِيَاطُ فِي الطَّوَافِ أَنْ يَكُونَ وَرَاءَهُ. قَالَ (وَيَرْمُلُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْ الْأَشْوَاطِ) وَالرَّمَلُ أَنْ يَهُزَّ فِي مِشْيَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَأَفْعَلَن ذَلِكَ» وَلَمْ يَعِشْ وَلَمْ يَتَفَرَّغْ لِذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ حَتَّى كَانَ زَمَنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَكَانَ سَمِعَ الْحَدِيثَ مِنْهَا فَفَعَلَ ذَلِكَ وَأَظْهَرَ قَوَاعِدَ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَبَنَى الْبَيْتَ عَلَى قَوَاعِدِ الْخَلِيلِ بِمَحْضَرٍ مِنْ النَّاسِ، وَأَدْخَلَ الْحَطِيمَ فِي الْبَيْتِ فَلَمَّا قُتِلَ كَرِهَ الْحَجَّاجُ بِنَاءَ الْكَعْبَةِ عَلَى مَا فَعَلَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ فَنَقَضَ بِنَاءَهَا وَأَعَادَهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وَإِذَا كَانَ الْحَطِيمُ مِنْ الْبَيْتِ فَلَا بُدَّ مِنْ دُخُولِهِ فِي الطَّوَافِ وَبَاقِي كَلَامِهِ وَاضِحٌ. قَالَ (وَيَرْمُلُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا رَمَلَ فِي الطَّوَافِ، وَإِنَّمَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ. وَهُوَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ لِلْعُمْرَةِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ عَنْ الْبَيْتِ.

الْكَتِفَيْنِ كَالْمُبَارِزِ يَتَبَخْتَرُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ وَذَلِكَ مَعَ الِاضْطِبَاعِ. وَكَانَ سَبَبُهُ إظْهَارَ الْجَلَدِ لِلْمُشْرِكَيْنِ حِينَ قَالُوا: أَضْنَاهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، ثُمَّ بَقِيَ الْحُكْمُ بَعْدَ زَوَالِ السَّبَبِ فِي زَمَنَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَبَعْدَهُ. قَالَ (وَيَمْشِي فِي الْبَاقِي عَلَى هَيِّنَتِهِ) عَلَى ذَلِكَ اتَّفَقَ رُوَاةُ نُسُكِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (وَالرَّمَلُ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ) هُوَ الْمَنْقُولُ مِنْ رَمَلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (فَإِنْ زَحَمَهُ النَّاسُ فِي الرَّمَلِ قَامَ. فَإِذَا وَجَدَ مَسْلَكًا رَمَلَ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ يَنْصَرِفَ ثُمَّ يَرْجِعَ فِي الْعَامِ الثَّانِي وَيَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ سِلَاحٍ فَيَعْتَمِرَ وَيَخْرُجَ، فَلَمَّا قَدِمَ فِي الْعَامِ الثَّانِي أَخْلَوْا لَهُ الْبَيْتَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَصَعِدُوا الْجَبَلَ، وَطَافَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَصْحَابِهِ، فَسَمِعَ بَعْضَ الْمُشْرِكِينَ يَقُولُ لِبَعْضٍ: أَضْنَاهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، فَاضْطَبَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَمَلَ وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً أَرَى مِنْ نَفْسِهِ قُوَّةً» ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ لِإِظْهَارِ الْجَلَادَةِ يَوْمَئِذٍ وَقَدْ انْعَدَمَ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْآنَ فَلَا مَعْنَى لِلرَّمَلِ. قُلْنَا: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ هُوَ سَبَبُهُ وَلَكِنَّهُ صَارَ سُنَّةً بِذَلِكَ السَّبَبِ وَبَقِيَ بَعْدَ زَوَالِهِ. رَوَى جَابِرٌ وَابْنُ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَافَ يَوْمَ النَّحْرِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَرَمَلَ فِي الثَّلَاثِ الْأُوَلِ، وَلَمْ يَبْقَ الْمُشْرِكُونَ بِمَكَّةَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ» . وَقَوْلُهُ (وَيَمْشِي فِي الْبَاقِي عَلَى هِينَتِهِ) أَيْ عَلَى السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ فِعْلَةٌ مِنْ الْهَوْنِ (وَالرَّمَلُ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ) أَيْ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ (فَإِنْ زَحَمَهُ النَّاسُ فِي الرَّمَلِ قَامَ) يَعْنِي وَقَفَ. وَلَا يَطُوفُ

لَهُ فَيَقِفُ حَتَّى يُقِيمَهُ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ بِخِلَافِ الِاسْتِلَامِ لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ بَدَلٌ لَهُ. قَالَ (وَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ كُلَّمَا مَرَّ بِهِ إنْ اسْتَطَاعَ) لِأَنَّ أَشْوَاطَ الطَّوَافِ كَرَكَعَاتِ الصَّلَاةِ، فَكَمَا يَفْتَتِحُ كُلَّ رَكْعَةٍ بِالتَّكْبِيرِ يَفْتَتِحُ كُلَّ شَوْطٍ بِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ. وَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الِاسْتِلَامَ اسْتَقْبَلَ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا (وَيَسْتَلِمُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ) وَهُوَ حَسَنٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَلَا يَسْتَلِمُ غَيْرَهُمَا فَإِنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَسْتَلِمُ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِدُونِ الرَّمَلِ فِي تِلْكَ الثَّلَاثِ. وَقَوْلُهُ (وَيَسْتَلِمُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَ) وَالْيَمَنُ خِلَافُ الشَّامِ لِأَنَّهَا بِلَادٌ عَلَى يَمِينِ الْكَعْبَةِ، وَالنِّسْبَةُ إلَيْهَا يَمَنِيٌّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ أَوْ يَمَانٌ بِالتَّخْفِيفِ عَلَى تَعْوِيضِ الْأَلِفِ مِنْ إحْدَى يَاءَيْ النِّسْبَةِ. وَقَوْلُهُ (حَسَنٌ) أَيْ مُسْتَحَبٌّ

وَلَا يَسْتَلِمُ غَيْرَهُمَا (وَيَخْتِمُ الطَّوَافَ بِالِاسْتِلَامِ) يَعْنِي اسْتِلَامَ الْحَجَرِ. قَالَ (ثُمَّ يَأْتِي الْمَقَامَ فَيُصَلِّي عِنْدَهُ رَكْعَتَيْنِ أَوْ حَيْثُ تَيَسَّرَ مِنْ الْمَسْجِدِ) وَهِيَ وَاجِبَةٌ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: سُنَّةٌ لِانْعِدَامِ دَلِيلِ الْوُجُوبِ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَلِيُصَلِّ الطَّائِفُ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ» وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ (ثُمَّ يَعُودُ إلَى الْحَجَرِ فَيَسْتَلِمُهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (ثُمَّ يَأْتِي الْمَقَامَ) أَيْ مَقَامَ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ الْحَجَرُ الَّذِي فِيهِ أَثَرُ قَدَمَيْهِ (وَهِيَ وَاجِبَةٌ) أَيْ الصَّلَاةُ عِنْدَ الْمَقَامِ وَاجِبَةٌ (عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: سُنَّةٌ لِانْعِدَامِ دَلِيلِ الْوُجُوبِ. وَلَنَا «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِيُصَلِّ الطَّائِفُ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ» وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ) وَاعْتُرِضَ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا أَصْلَ لَهُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ. وَالثَّانِي أَنَّ حَدِيثَ الْأَعْرَابِيِّ وَهُوَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ عَلَّمَ الْأَعْرَابِيَّ الصَّلَوَاتِ

لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ عَادَ إلَى الْحَجَرِ» وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ يَعُودُ إلَى الْحَجَرِ، لِأَنَّ الطَّوَافَ لَمَّا كَانَ يُفْتَتَحُ بِالِاسْتِلَامِ فَكَذَا السَّعْيُ يُفْتَتَحُ بِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَعْدَهُ سَعْيٌ. قَالَ (وَهَذَا الطَّوَافُ طَوَافُ الْقُدُومِ) وَيُسَمَّى طَوَافُ التَّحِيَّةِ (وَهُوَ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ) وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّهُ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَتَى الْبَيْتَ فَلْيُحَيِّهِ بِالطَّوَافِ» وَلَنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالطَّوَافِ، وَالْأَمْرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخَمْسَ، وَقَالَ لَهُ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ؟ قَالَ لَا، إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» يُعَارِضُهُ، وَهُوَ أَقْوَى مِنْهُ، فَكَيْفَ يُفِيدُ الْوُجُوبَ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الرَّاوِيَ إذَا كَانَ عَدْلًا فَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْقَدْحَ فِيهِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ حَدِيثَ الْأَعْرَابِيِّ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ، فَإِنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ وَصَلَاةَ الْعِيدَيْنِ وَاجِبَةٌ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ قَبْلَ هَذَا الْحَدِيثِ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا الطَّوَافُ طَوَافُ الْقُدُومِ) هَذَا الطَّوَافُ لَهُ أَرْبَعَةُ أَسْمَاءٍ: طَوَافُ الْقُدُومِ، وَطَوَافُ التَّحِيَّةِ، وَطَوَافُ اللِّقَاءِ، وَطَوَافُ أَوَّلِ الْعَهْدِ. وَقَوْلُهُ (وَهُوَ سُنَّةٌ) ظَاهِرٌ.

الْمُطْلَقُ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ. وَقَدْ تَعَيَّنَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَفِيمَا رَوَاهُ سَمَّاهُ تَحِيَّةً، وَهُوَ دَلِيلٌ الِاسْتِحْبَابِ (وَلَيْسَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ طَوَافُ الْقُدُومِ) لِانْعِدَامِ الْقُدُومِ فِي حَقِّهِمْ. قَالَ (ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الصَّفَا فَيَصْعَدُ عَلَيْهِ وَيَسْتَقْبِلُ الْبَيْتَ وَيُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ. وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَدْعُو اللَّهَ لِحَاجَتِهِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَعِدَ الصَّفَا حَتَّى إذَا نَظَرَ إلَى الْبَيْتِ قَامَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ يَدْعُو اللَّهَ» وَلِأَنَّ الثَّنَاءَ وَالصَّلَاةَ يُقَدَّمَانِ عَلَى الدُّعَاءِ تَقْرِيبًا إلَى الْإِجَابَةِ كَمَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الدَّعَوَاتِ. وَالرَّفْعُ سُنَّةُ الدُّعَاءِ. وَإِنَّمَا يَصْعَدُ بِقَدْرِ مَا يَصِيرُ الْبَيْتُ بِمَرْأًى مِنْهُ، لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالصُّعُودِ، وَيَخْرُجُ إلَى الصَّفَا مِنْ أَيِّ بَابٍ شَاءَ. وَإِنَّمَا خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى بَابَ الصَّفَا لِأَنَّهُ كَانَ أَقْرَبَ الْأَبْوَابِ إلَى الصَّفَا لَا أَنَّهُ سُنَّةٌ. قَالَ (ثُمَّ يَنْحَطُّ نَحْوَ الْمَرْوَةِ وَيَمْشِي عَلَى هَيِّنَتِهِ " فَإِذَا بَلَغَ بَطْنَ الْوَادِي يَسْعَى بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ سَعْيًا، ثُمَّ يَمْشِي عَلَى هَيِّنَتِهِ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَرْوَةَ فَيَصْعَدُ عَلَيْهَا وَيَفْعَلُ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَزَلَ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَفِيمَا رَوَاهُ سَمَّاهُ تَحِيَّةً) جَوَابٌ عَنْ اسْتِدْلَالِ مَالِكٍ بِالْحَدِيثِ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّحِيَّةَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِإِكْرَامٍ يَبْتَدِئُ بِهِ الْإِنْسَانُ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّعِ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى صِيغَةِ الْأَمْرِ كَمَا فِي قَوْلِهِ «أَكْرِمُوا الشُّهُودَ» . فَإِنْ قِيلَ: قَوْله تَعَالَى {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا} [النساء: 86] وَارِدٌ بِلَفْظِ التَّحِيَّةِ، وَرَدُّ السَّلَامِ وَاجِبٌ. أُجِيبَ: بِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ الْأَحْسَنُ، وَهُوَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ. سَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ ذِكْرَ لَفْظِ التَّحِيَّةِ وَقَعَ بِطَرِيقِ الْمُشَاكَلَةِ. وَقَوْلُهُ (وَلَيْسَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الصَّفَا) ظَاهِرٌ. وَقَالَ فِي التُّحْفَةِ: تَأْخِيرُ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ أَوْلَى، لِكَوْنِهِ وَاجِبًا فَجَعْلُهُ تَابِعًا لِلْفَرْضِ أَوْلَى، لَكِنَّ الْعُلَمَاءَ رَخَّصُوا فِي إتْيَانِ السَّعْيِ عَقِيبَ طَوَافِ الْقُدُومِ، لِأَنَّ يَوْمَ النَّحْرِ الَّذِي هُوَ وَقْتُ طَوَافِ الزِّيَارَةِ يَوْمُ شُغْلٍ مِنْ الذَّبْحِ وَرَمْيِ الْجِمَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَكَانَ فِي جَعْلِهِ تَابِعًا لِلسُّنَّةِ، وَهُوَ طَوَافُ الْقُدُومِ تَخْفِيفٌ عَلَى النَّاسِ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ يَنْحَطُّ) أَيْ يَنْزِلُ (نَحْوَ الْمَرْوَةِ وَيَمْشِي عَلَى هِينَتِهِ) أَيْ عَلَى السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ (فَإِذَا بَلَغَ بَطْنَ الْوَادِي سَعَى بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ) رَوَى جَابِرٌ «لَمَّا صَعِدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الصَّفَا قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، ثُمَّ قَرَأَ مِقْدَارَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ آيَةً مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، ثُمَّ نَزَلَ وَجَعَلَ يَمْشِي نَحْوَ الْمَرْوَةِ، فَلَمَّا أُنْصِبَتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي سَعَى حَتَّى الْتَوَى إزَارُهُ بِسَاقَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ: رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ إنَّك أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ» وَقَوْلُهُ (وَيَفْعَلُ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا)

الصَّفَا وَجَعَلَ يَمْشِي نَحْوَ الْمَرْوَةِ وَسَعَى فِي بَطْنِ الْوَادِي، حَتَّى إذَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي مَشَى حَتَّى صَعِدَ الْمَرْوَةَ وَطَافَ بَيْنَهُمَا سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ» قَالَ (وَهَذَا شَوْطٌ وَاحِدٌ فَيَطُوفُ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ يَبْدَأُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ مِنْ التَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالدُّعَاءِ لِحَاجَتِهِ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا شَوْطٌ وَاحِدٌ فَيَطُوفُ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ يَبْدَأُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى نَفْيِ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ: إنَّهُ يَطُوفُ بَيْنَهُمَا سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ مِنْ الصَّفَا إلَى الصَّفَا، وَهُوَ لَا يَعْتَبِرُ رُجُوعَهُ فَلَا يَجْعَلُ ذَلِكَ شَوْطًا آخَرَ. وَالْأَصَحُّ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ لِأَنَّ رُوَاةَ نُسُكِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - طَافَ بَيْنَهُمَا سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ، وَعَلَى مَا قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ يَصِيرُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَوْطًا، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ حَتَّى كَانَ مَبْدَأُ

وَيَسْعَى فِي بَطْنِ الْوَادِي فِي كُلِّ شَوْطٍ لِمَا رَوَيْنَا، وَإِنَّمَا يَبْدَأُ بِالصَّفَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِ «ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ» ثُمَّ السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالطَّوَافِ هُوَ الْمُنْتَهَى دُونَ السَّعْيِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الطَّوَافَ دَوَرَانٌ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِحَرَكَةٍ دَوْرِيَّةٍ، فَيَكُونُ الْمَبْدَأُ وَالْمُنْتَهَى وَاحِدًا بِالضَّرُورَةِ. وَأَمَّا السَّعْيُ فَهُوَ قَطْعُ مَسَافَةٍ بِحَرَكَةٍ مُسْتَقِيمَةٍ وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي عَوْدَهُ عَلَى بَدْئِهِ. وَقَوْلُهُ (لِمَا رَوَيْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ «وَيَسْعَى فِي بَطْنِ الْوَادِي» وَقَوْلُهُ (وَإِنَّمَا يَبْدَأُ بِالصَّفَا) ظَاهِرٌ (ثُمَّ السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ

وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِرُكْنٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّهُ رُكْنٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ فَاسْعَوْا» . وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158] وَمِثْلُهُ يُسْتَعْمَلُ لِلْإِبَاحَةِ فَيَنْفِي الرُّكْنِيَّةَ وَالْإِيجَابَ إلَّا أَنَّا عَدَلْنَا عَنْهُ فِي الْإِيجَابِ. وَلِأَنَّ الرُّكْنِيَّةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ وَلَمْ يُوجَدْ. ثُمَّ مَعْنَى مَا رُوِيَ كُتِبَ اسْتِحْبَابًا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [البقرة: 180] الْآيَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاجِبٌ وَلَيْسَ بِرُكْنٍ) عِنْدَنَا (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّهُ رُكْنٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ فَاسْعَوْا» وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158] وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِمَا ذَكَرَهُ أَنَّ مِثْلَهُ يُسْتَعْمَلُ لِلْإِبَاحَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: 235] وَمَا يُسْتَعْمَلُ لِلْإِبَاحَةِ (يَنْفِي الرُّكْنِيَّةَ وَالْإِيجَابَ إلَّا أَنَّا عَدَلْنَا عَنْهُ) أَيْ عَنْ ظَاهِرِ الْآيَةِ (فِي الْإِيجَابِ) أَيْ تَرَكْنَا الْعَمَلَ بِظَاهِرِهَا فِي نَفْيِ الْإِيجَابِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا أَوْجَبَ الْعُدُولَ وَاخْتَلَفَ فِيهِ الشَّارِحُونَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: عَمَلًا بِمَا رَوَاهُ لِأَنَّهُ خَبَرُ وَاحِدٍ يُوجِبُ الْإِيجَابَ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بِأَوَّلِ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] فَإِنَّ الشَّعَائِرَ جَمْعُ شَعِيرَةٍ وَهِيَ الْعَلَامَةُ، وَذَلِكَ يَكُونُ فَرْضًا، فَأَوَّلُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى الْفَرْضِيَّةِ، وَآخِرُهَا عَلَى الْإِبَاحَةِ، فَعَمِلْنَا بِهِمَا، وَقُلْنَا بِالْوُجُوبِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ عِلْمًا وَهُوَ فَرْضٌ عَمَلًا، فَكَانَ فِيهِ نَوْعٌ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرْضِ وَالِاسْتِحْبَابِ. وَقِيلَ: بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الرُّكْنِيَّةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ، وَمَا رَوَيْتُمْ لَيْسَ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ مَعْنَى مَا رُوِيَ) تَأْوِيلٌ لِلْحَدِيثِ. وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ (كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [البقرة: 180] نَظَرٌ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ كَانَتْ فَرْضًا ثُمَّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQنُسِخَتْ، فَكَانَ كُتِبَ دَالًّا عَلَى الْفَرْضِيَّةِ. وَالْجَوَابُ: أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمُجْمَعٍ عَلَيْهِ، بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ بَلْ يُجْمَعُ لِلْوَارِثِ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ، وَلِلْمَانِعِ يَكْفِيهِ ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: مَا بَالُ الْمُصَنِّفِ أَعْرَضَ عَنْ الِاسْتِدْلَالِ بِحَدِيثِهِ، فَإِنَّهُ لِكَوْنِهِ خَبَرَ وَاحِدٍ أَدَلُّ عَلَى الْوُجُوبِ مِنْ الرُّكْنِيَّةِ. فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ إنَّمَا أَعْرَضَ عَنْهُ لِأَنَّ. رَاوِيَهُ. عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُؤَمَّلِ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَهُ النَّسَائِيُّ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ أَحْمَدُ: أَحَادِيثُهُ مُنْكَرَةٌ.

قَالَ (ثُمَّ يُقِيمُ بِمَكَّةَ حَرَامًا) لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ فَلَا يَتَحَلَّلُ قَبْلَ الْإِتْيَانِ بِأَفْعَالِهِ، قَالَ (وَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ كُلَّمَا بَدَا لَهُ) لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (ثُمَّ يُقِيمُ بِمَكَّةَ حَرَامًا) أَيْ مُحْرِمًا (لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ) لِشُرُوعِهِ فِيهِ. وَكُلُّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ (لَا يَتَحَلَّلُ قَبْلَ الْإِتْيَانِ بِأَفْعَالِهِ)

يُشْبِهُ الصَّلَاةَ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ. وَالصَّلَاةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ، فَكَذَا الطَّوَافُ» إلَّا أَنَّهُ لَا يَسْعَى عَقِيبَ هَذِهِ الْأَطْوِفَةِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ لِأَنَّ السَّعْيَ لَا يَجِبُ فِيهِ إلَّا مَرَّةً. وَالتَّنَفُّلُ بِالسَّعْيِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ. وَيُصَلِّي لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ، وَهِيَ رَكْعَتَا الطَّوَافِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا لَمْ يَأْتِ بِهَا. وَقَوْلُهُ (وَالصَّلَاةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ فَكَذَا الطَّوَافُ) قِيلَ: إلَّا أَنَّ طَوَافَ التَّطَوُّعِ أَفْضَلُ لِلْغُرَبَاءِ. وَصَلَاةَ التَّطَوُّعِ أَفْضَلُ لِأَهْلِ مَكَّةَ، لِأَنَّ الْغُرَبَاءَ يَفُوتُهُمْ الطَّوَافُ وَلَا تَفُوتُهُمْ الصَّلَاةُ، وَأَهْلُ مَكَّةَ لَا يَفُوتُهُمْ الْأَمْرَانِ فَعِنْدَ الِاجْتِمَاعِ الصَّلَاةُ أَفْضَلُ. وَقَوْلُهُ (وَالتَّنَفُّلُ بِالسَّعْيِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ) لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالنَّصِّ مَرَّةً

قَالَ (فَإِذَا كَانَ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ خَطَبَ الْإِمَامُ خُطْبَةً يُعَلِّمُ فِيهَا النَّاسَ الْخُرُوجَ إلَى مِنًى وَالصَّلَاةَ بِعَرَفَاتٍ وَالْوُقُوفَ وَالْإِضَافَةِ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْحَجِّ ثَلَاثَ خُطَبٍ: أَوَّلُهَا مَا ذَكَرْنَا، وَالثَّانِيَةُ بِعَرَفَاتٍ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَالثَّالِثَةُ بِمِنًى فِي الْيَوْمِ الْحَادِي عَشَرَ، فَيُفْصَلُ بَيْنَ كُلِّ خُطْبَتَيْنِ بِيَوْمٍ. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَخْطُبُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ أَوَّلُهَا يَوْمُ التَّرْوِيَةِ لِأَنَّهَا أَيَّامُ الْمَوْسِمِ وَمُجْتَمَعُ الْحَاجِّ. وَلَنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا التَّعْلِيمُ. وَيَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمُ النَّحْرَ يَوْمَا اشْتِغَالٍ، فَكَانَ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنْفَعَ وَفِي الْقُلُوبِ أَنْجَعُ (فَإِذَا صَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بِمَكَّةَ خَرَجَ إلَى مِنًى فَيُقِيمُ بِهَا حَتَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالتَّكْرَارُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْقِيَاسِ عَلَى الطَّوَافِ، وَلَا مَجَالَ لَهُ فِيهِ. وَقَوْلُهُ (فَإِذَا كَانَ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ) وَهُوَ الْيَوْمُ السَّابِعُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ (خَطَبَ الْإِمَامُ) يَعْنِي خُطْبَةً وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْلِسَ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَكَذَلِكَ فِي الْخُطْبَةِ الثَّالِثَةِ الَّتِي تُخْطَبُ بِمِنًى، وَأَمَّا فِي خُطْبَةِ عَرَفَاتٍ فَيَجْلِسُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَهِيَ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَقَوْلُهُ (وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْحَجِّ ثَلَاثَ خُطَبٍ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (فَإِذَا صَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ) وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ قِيلَ: إنَّمَا سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَأَى لَيْلَةَ التَّرْوِيَةِ كَأَنَّ قَائِلًا يَقُولُ لَهُ: إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُك بِذَبْحِ ابْنِك هَذَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ تَرَوَّى: أَيْ تَفَكَّرَ فِي ذَلِكَ مِنْ الصَّبَاحِ إلَى الرَّوَاحِ أَمِنْ اللَّهِ تَعَالَى هَذَا الْحُلْمُ أَمْ مِنْ الشَّيْطَانِ؟ فَمِنْ ثَمَّةَ سُمِّيَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ. فَلَمَّا أَمْسَى رَأَى مِثْلَ ذَلِكَ، فَعَرَفَ أَنَّهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، فَمِنْ ثَمَّ سُمِّيَ يَوْمَ

يُصَلِّيَ الْفَجْرَ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ) " لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بِمَكَّةَ، فَلَمَّا طَلَعَتْ الشَّمْسُ رَاحَ إلَى مِنًى فَصَلَّى بِمِنًى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ ثُمَّ رَاحَ إلَى عَرَفَاتٍ» (وَلَوْ بَاتَ بِمَكَّةَ لَيْلَةَ عَرَفَةَ وَصَلَّى بِهَا الْفَجْرَ ثُمَّ غَدَا إلَى عَرَفَاتٍ وَمَرَّ بِمِنًى أَجْزَأَهُ) لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِمِنًى فِي هَذَا الْيَوْمِ إقَامَةُ نُسُكٍ، وَلَكِنَّهُ أَسَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَرَفَةَ. ثُمَّ رَأَى مِثْلَهُ فِي اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ فَهَمَّ بِنَحْرِهِ فَسُمِّيَ الْيَوْمُ بِيَوْمِ النَّحْرِ. وَقِيلَ: إنَّمَا سُمِّيَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ يَرْوُونَ بِالْمَاءِ مِنْ الْعَطَشِ فِي هَذَا الْيَوْمِ يَحْمِلُونَ الْمَاءَ بِالرَّوَايَا إلَى عَرَفَاتٍ وَمِنًى. وَإِنَّمَا سُمِّيَ يَوْمُ عَرَفَةَ بِهِ لِأَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَّمَ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فَقَالَ لَهُ: أَعَرَفْت فِي أَيِّ مَوْضِعٍ تَطُوفُ؟ وَفِي أَيِّ مَوْضِعٍ تَسْعَى؟ وَفِي أَيِّ مَوْضِعٍ تَقِفُ؟ وَفِي أَيِّ مَوْضِعٍ تَنْحَرُ وَتَرْمِي؟ فَقَالَ عَرَفْت، فَسُمِّيَ يَوْمَ عَرَفَةَ

بِتَرْكِهِ الِاقْتِدَاءَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ (ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إلَى عَرَفَاتٍ فَيُقِيمُ بِهَا) لَا رَوَيْنَا، وَهَذَا بَيَانُ الْأَوْلَوِيَّةِ. أَمَّا لَوْ دَفَعَ قَبْلَهُ جَازَ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْمَقَامِ حُكْمٌ. قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَيَنْزِلُ بِهَا مَعَ النَّاسِ لِأَنَّ الِانْتِبَاذَ تَجَبُّرٌ وَالْحَالُ حَالُ تَضَرُّعٍ وَالْإِجَابَةُ فِي الْجَمْعِ أَرْجَى. وَقِيلَ مُرَادُهُ أَنْ لَا يَنْزِلَ عَلَى الطَّرِيقِ كَيْ لَا يُضَيِّقَ عَلَى الْمَارَّةِ. قَالَ (وَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ يُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فَيَبْتَدِئُ فَيَخْطُبُ خُطْبَةً يُعَلِّمُ فِيهَا النَّاسَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَرَمْيَ الْجِمَارِ وَالنَّحْرَ وَالْحَلْقَ وَطَوَافَ الزِّيَارَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَسُمِّيَ يَوْمُ الْأَضْحَى بِهِ لِأَنَّ النَّاسَ يُضَحُّونَ فِيهِ بِقَرَابِينِهِمْ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إلَى عَرَفَاتٍ) أَيْ يَتَوَجَّهُ مِنْ مِنًى بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلَى عَرَفَاتٍ (فَيُقِيمُ بِهَا لِمَا رَوَيْنَا) «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَاحَ إلَى عَرَفَاتٍ» (وَهَذَا بَيَانُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَمَّا لَوْ دَفَعَ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَهَذَا إضْمَارٌ قَبْلَ الذِّكْرِ، وَكَانَ مِنْ حَقِّ الْكَلَامِ أَنْ يَقُولَ: ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إلَى عَرَفَاتٍ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَتَّى يَصِحَّ بِنَاءُ قَوْلِهِ وَهَذَا: أَيْ التَّوَجُّهُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ. وَقَوْلُهُ أَمَّا لَوْ دَفَعَ قَبْلَهُ. عَلَيْهِ قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ: تَرْكُ هَذَا الْقَيْدِ سَهْوٌ مِنْ الْكَاتِبِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ) الضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ. وَقَوْلُهُ (لَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْمَقَامِ) يَعْنِي مِنًى (حُكْمٌ) مِنْ الْمَنَاسِكِ فَيَجُوزُ الذَّهَابُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى عَرَفَاتٍ لِلْوُقُوفِ فِيهَا وَهُوَ الرُّكْنُ الْأَعْظَمُ. لَا يُقَالُ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُكْثُ نَفْسُهُ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ الْمَنَاسِكِ كَالْوُقُوفِ بِالْمُزْدَلِفَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِدَلِيلٍ مَنْقُولٍ وَلَمْ يُوجَدْ. وَقَوْلُهُ (وَيَنْزِلُ بِهَا) أَيْ بِعَرَفَةَ (مَعَ النَّاسِ لِأَنَّ الِانْتِبَاذَ) أَيْ الِانْفِرَادَ (تَجَبُّرٌ) وَقَوْلُهُ (وَقِيلَ مُرَادُهُ) يَعْنِي مِنْ قَوْلِهِ مَعَ النَّاسِ (أَنْ لَا يَنْزِلَ عَلَى الطَّرِيقِ) وَقَوْلُهُ (وَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ) يَعْنِي فِي عَرَفَاتٍ (لِيُصَلِّيَ الْإِمَامُ بِالنَّاسِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فَيَبْتَدِئُ فَيَخْطُبُ خُطْبَةً) يَعْنِي قَبْلَ الصَّلَاةِ وَلَفْظُ يَبْتَدِئُ

يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجِلْسَةٍ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ) هَكَذَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلَاةِ، لِأَنَّهَا خُطْبَةُ وَعْظٍ وَتَذْكِيرٍ فَأَشْبَهَ خُطْبَةَ الْعِيدِ. وَلَنَا مَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا تَعْلِيمُ الْمَنَاسِكِ وَالْجَمْعِ مِنْهَا. وَفِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ: إذَا صَعِدَ الْإِمَامُ الْمِنْبَرَ فَجَلَسَ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يُؤَذِّنُ قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ. وَعَنْهُ أَنَّهُ يُؤَذِّنُ بَعْدَ الْخُطْبَةِ. وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا خَرَجَ وَاسْتَوَى عَلَى نَاقَتِهِ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ. وَيُقِيمُ الْمُؤَذِّنُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْخُطْبَةِ لِأَنَّهُ أَوَانُ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ فَأَشْبَهَ الْجُمُعَةَ. قَالَ (وَيُصَلِّي بِهِمْ الظُّهْرَ الْعَصْرَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ) وَقَدْ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُشِيرُ إلَى ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) رَوَى جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا زَاغَتْ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ فَرَكِبَ حَتَّى أَتَى بَطْنَ الْوَادِي فَخَطَبَ لِلنَّاسِ، ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ» وَقَوْلُهُ (وَلَنَا مَا رَوَيْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ هَكَذَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَفِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ إذَا صَعِدَ الْإِمَامُ الْمِنْبَرَ فَجَلَسَ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُؤَذِّنُ قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ) مِنْ الْفُسْطَاطِ، فَإِذَا فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ خَرَجَ الْإِمَامُ لِأَنَّ هَذَا الْأَذَانَ لِأَدَاءِ الظُّهْرِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ (وَعَنْهُ أَنَّهُ يُؤَذِّنُ بَعْدَ الْخُطْبَةِ) قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ: وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدِي وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِمَا صَحَّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ (لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا خَرَجَ وَاسْتَوَى عَلَى نَاقَتِهِ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ) وَوَجْهُ الصِّحَّةِ أَنَّ رِوَايَةَ جَابِرٍ تَقْتَضِي الْأَذَانَ بَعْدَ خُطْبَةٍ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَقْتَضِيهِ قَبْلَهَا فَتَعَارَضَتَا فَصِرْنَا إلَى مَا بَعْدَهُمَا مِنْ الْحُجَّةِ وَهُوَ الْقِيَاسُ عَلَى الْجُمُعَةِ (وَيُقِيمُ الْمُؤَذِّنُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْخُطْبَةِ لِأَنَّهُ أَوَانُ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ فَأَشْبَهَ الْجُمُعَةَ) قَالَ (وَيُصَلِّي بِهِمْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ) أَيْ يُصَلِّي الْإِمَامُ بِالْقَوْمِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ (بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ) أَمَّا نَفْسُ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فَلِوُرُودِ النَّقْلِ

وَرَدَ النَّقْلُ الْمُسْتَفِيضُ بِاتِّفَاقٍ الرُّوَاةِ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، وَفِيمَا رَوَى جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّاهُمَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ» ، ثُمَّ بَيَانُهُ أَنَّهُ يُؤَذِّنُ لِلظُّهْرِ وَيُقِيمُ لِلظُّهْرِ ثُمَّ يُقِيمُ لِلْعَصْرِ لِأَنَّ الْعَصْرَ يُؤَدَّى قَبْلَ وَقْتِهِ الْمَعْهُودِ فَيُفْرِدُ بِالْإِقَامَةِ إعْلَامًا لِلنَّاسِ (وَلَا يَتَطَوَّعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ) تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِ الْوُقُوفِ وَلِهَذَا قُدِّمَ الْعَصْرُ عَلَى وَقْتِهِ، فَلَوْ أَنَّهُ فَعَلَ فِعْلًا مَكْرُوهًا وَأَعَادَ الْأَذَانَ لِلْعَصْرِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالتَّطَوُّعِ أَوْ بِعَمَلٍ آخَرَ يَقْطَعُ فَوْرَ الْأَذَانِ الْأَوَّلِ فَيُعِيدُهُ لِلْعَصْرِ (فَإِنْ صَلَّى بِغَيْرِ خُطْبَةٍ أَجْزَأَهُ) لِأَنَّ هَذِهِ الْخُطْبَةَ لَيْسَتْ بِفَرِيضَةٍ. قَالَ (وَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي رَحْلِهِ وَحْدَهُ صَلَّى الْعَصْرَ فِي وَقْتِهِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَقَالَا: يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا الْمُنْفَرِدُ لِأَنَّ جَوَازَ الْجَمْعِ لِلْحَاجَةِ إلَى امْتِدَادِ الْوُقُوفِ وَالْمُنْفَرِدِ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُسْتَفِيضِ بِاتِّفَاقِ الرُّوَاةِ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا كَوْنُهُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ فَلِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّاهُمَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ وَبَيَانُهُ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ (وَلَا يَتَطَوَّعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ) يَعْنِي لَا الْإِمَامُ وَلَا الْقَوْمُ. وَقَوْلُهُ (خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ) فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَا يُعِيدُ الْأَذَانَ لِأَنَّ الْوَقْتَ قَدْ جَمَعَهُمَا فَيُكْتَفَى بِأَذَانٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي الْعِشَاءِ مَعَ الْوِتْرِ. وَوَجْهُ الظَّاهِرِ مَا ذَكَرَهُ (أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالتَّطَوُّعِ أَوْ بِعَمَلٍ آخَرَ يَقْطَعُ فَوْرَ الْأَذَانِ الْأَوَّلِ) وَقَطْعُ فَوْرِ الْأَذَانِ الْأَوَّلِ يُوجِبُ إعَادَتَهُ لِلْعَصْرِ لِأَنَّ الْأَذَانَ لِلْإِعْلَامِ وَكُلُّ صَلَاةٍ أَصْلٌ بِنَفْسِهَا، إلَّا أَنَّهُ إذَا جُمِعَ بَيْنَهُمَا اسْتَغْنَيَا عَنْ الْإِعْلَامِ، وَإِذَا قُطِعَ عَادَ حُكْمُهُ الْأَصْلِيُّ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ صَلَّى بِغَيْرِ خُطْبَةٍ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي رَحْلِهِ) أَيْ فِي مَنْزِلِهِ (وَحْدَهُ صَلَّى الْعَصْرَ فِي وَقْتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: الْمُنْفَرِدُ وَغَيْرُهُ سِيَّانِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا) وَمَبْنَى الِاخْتِلَافِ عَلَى أَنَّ تَقْدِيمَ الْعَصْرِ عَلَى وَقْتِهِ لِأَجْلِ مُحَافَظَةِ الْجَمَاعَةِ أَوْ لِامْتِدَادِ الْوُقُوفِ، فَعِنْدَهُ لِلْأَوَّلِ وَعِنْدَهُمَا لِلثَّانِي. لَهُمَا أَنَّ جَوَازَ الْجَمْعِ لِلْحَاجَةِ إلَى امْتِدَادِ الْوُقُوفِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا جَمْعَ عَلَى مَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ الْوُقُوفُ، وَأَنَّ الْحَاجَّ يَحْتَاجُ إلَى الدُّعَاءِ فِي وَقْتِ الْوُقُوفِ، فَشُرِعَ الْجَمْعُ لِئَلَّا يَشْتَغِلَ عَنْ الدُّعَاءِ. وَالْمُنْفَرِدُ وَغَيْرُهُ فِي هَذِهِ الْحَاجَةِ سَوَاءٌ

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى الْوَقْتِ فَرْضٌ بِالنُّصُوصِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ إلَّا فِيمَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ، وَهُوَ الْجَمْعُ بِالْجَمَاعَةِ مَعَ الْإِمَامِ وَالتَّقْدِيمُ لِصِيَانَةِ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّهُ يَعْسُرُ عَلَيْهِمْ الِاجْتِمَاعُ لِلْعَصْرِ بَعْدَ مَا تَفَرَّقُوا فِي الْمَوْقِفِ لَا لِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَسْتَوِيَانِ فِي جَوَازِ الْجَمْعِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى الْوَقْتِ فَرْضٌ بِالنُّصُوصِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ إلَّا بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ، وَذَلِكَ فِيمَا وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مَعَ وُفُورِ الصَّحَابَةِ مِنْ الْجَمْعِ بِالْجَمَاعَةِ مَعَ الْإِمَامِ فَلَا يَجُوزُ بِدُونِهِ. وَقَوْلُهُ (وَالتَّقْدِيمُ لِصِيَانَةِ الْجَمَاعَةِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا وَتَقْرِيرُهُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ جَوَازَ الْجَمْعِ بِالتَّقْدِيمِ لِامْتِدَادِ الْوُقُوفِ بَلْ لِصِيَانَةِ الْجَمَاعَةِ، لِأَنَّهُ يَعْسُرُ عَلَيْهِمْ الِاجْتِمَاعُ لِلْعَصْرِ بَعْدَمَا تَفَرَّقُوا لِأَنَّ الْمَوْقِفَ مَوْضِعٌ وَاسِعٌ ذُو طُولٍ وَعَرْضٍ فَلَا يُمْكِنُهُمْ إقَامَةُ الْجَمَاعَةِ إلَّا بِالِاجْتِمَاعِ وَأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ مَرَّتَيْنِ فِي الْعَادَةِ فَعَجَّلُوا الْعَصْرَ لِئَلَّا تَفُوتَهُمْ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ لِحَقِّ الْوُقُوفِ، لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ تَفُوتُ لَا إلَى خَلْفٍ، وَحَقُّ الْوُقُوفِ يَتَأَدَّى قَبْلُ وَبَعْدُ وَمَعَهُ، إذْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْوُقُوفِ وَالصَّلَاةِ لِأَنَّ الْوُقُوفَ، لَا يَنْقَطِعُ بِالِاشْتِغَالِ بِالصَّلَاةِ كَمَا لَا يَنْقَطِعُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالتَّوَضُّؤِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَفِي كَلَامِهِ تَسَامُحٌ لِأَنَّهُ جَعَلَ عِلَّةَ تَقْدِيمِ الْعَصْرِ تَحْصِيلَ مَقْصُودِ الْوُقُوفِ حَيْثُ قَالَ: وَلِهَذَا قُدِّمَ الْعَصْرُ عَلَى وَقْتِهِ، وَهَاهُنَا جَعَلَ عِلَّتَهُ صِيَانَةَ الْجَمَاعَةِ، فَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْوُقُوفِ صِيَانَةَ الْجَمَاعَةِ صَحَّ الْكَلَامُ، لَكِنْ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ أَدَاءُ أَعْظَمِ رُكْنَيْ الْحَجِّ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ تَنَاقَضَ كَلَامُهُ وَتَوَارَدَ عِلَّتَانِ عَلَى مَعْلُولٍ وَاحِدٍ بِالشَّخْصِ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْوُقُوفِ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا عَاجِلٌ وَالثَّانِي آجِلٌ. وَالْأَوَّلُ هُوَ امْتِدَادُ الْمُكْثِ لِأَجْلِ الدُّعَاءِ لِمَصَالِحِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ. وَالثَّانِي أَدَاءُ الرُّكْنِ وَصِيَانَةُ الْجَمَاعَةِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَقْدِيمُ الْعَصْرِ مَعْلُولًا لِتَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْوُقُوفِ مِنْ حَيْثُ الْمَقْصُودُ الْأَوَّلُ، وَلِصِيَانَةِ الْجَمَاعَةِ مِنْ حَيْثُ الثَّانِي، وَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْجِهَةُ انْدَفَعَ التَّنَاقُضُ وَتَوَارُدُ الْعِلَّتَيْنِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ لِلْمُكَلَّفِ هُوَ الِامْتِدَادُ فِي الْمُكْثِ لِأَجْلِ الدُّعَاءِ، وَلَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي وُجُودِ غَيْرِهِ فَقَالَا: مَا ثَمَّةَ غَيْرُهُ، وَفِيهِ الْمُنْفَرِدُ وَالْجَمَاعَةُ سَوَاءٌ، وَقَالَ: بَلْ ثَمَّةَ غَيْرُهُ، وَهُوَ مَا لَهُ مِنْ صِيَانَةِ الْجَمَاعَةِ، وَلَيْسَ الْمُنْفَرِدُ فِيهِ كَالْجَمَاعَةِ

ذَكَرَاهُ إذْ لَا مُنَافَاةَ، ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْإِمَامُ شَرْطٌ فِي الصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فِي الْعَصْرِ خَاصَّةً لِأَنَّهُ هُوَ الْمُغَيَّرُ عَنْ وَقْتِهِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ التَّقْدِيمَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ عُرِفَ شَرْعُهُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْعَصْرُ مُرَتَّبَةً عَلَى ظُهْرٍ مُؤَدًّى بِالْجَمَاعَةِ مَعَ الْإِمَامِ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ قَبْلَ الزَّوَالِ فِي رِوَايَةٍ تَقْدِيمًا لِلْإِحْرَامِ عَلَى وَقْتِ الْجَمْعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: الْإِمَامُ شَرْطٌ فِي الصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا. وَقَالَ زُفَرُ: فِي الْعَصْرِ خَاصَّةً لِأَنَّهُ هُوَ الْمُغَيَّرُ عَنْ وَقْتِهِ) وَاشْتِرَاطُ الْإِمَامِ لِلتَّغَيُّرِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّقْدِيمَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ عُرِفَ شَرْعُهُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْعَصْرُ مُرَتَّبَةً عَلَى ظُهْرٍ مُؤَدَّى بِالْجَمَاعَةِ مَعَ الْإِمَامِ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ) وَكُلُّ مَا كَانَ شَرْعُهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِالنَّصِّ يَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِهِ (وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْإِحْرَامُ شَرْطٌ فِيهِمَا جَمِيعًا، وَقَالَ زُفَرُ: هُوَ شَرْطٌ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ فِي حَلَالٍ مَكِّيٍّ صَلَّى الظُّهْرَ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَصَلَّى الْعَصْرَ مَعَهُ، أَوْ الْمُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَحْرَمَ فَصَلَّى الْعَصْرَ مَعَ الْإِمَامِ لَمْ يُجْزِهِ الْعَصْرُ إلَّا فِي وَقْتِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعِنْدَ زُفَرَ تَجُوزُ (ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ قَبْلَ الزَّوَالِ فِي رِوَايَةٍ) لِأَنَّ الْإِحْرَامَ شَرْطُ جَوَازِ الْجَمْعِ وَشَرْطُ الشَّيْءِ يَسْبِقُهُ، وَجَوَازُ الْجَمْعِ يَتَحَقَّقُ

وَفِي أُخْرَى يَكْتَفِي بِالتَّقْدِيمِ عَلَى الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الصَّلَاةُ قَالَ (ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إلَى الْمَوْقِفِ فَيَقِفُ بِقُرْبِ الْجَبَلِ وَالْقَوْمُ مَعَهُ عَقِيبَ انْصِرَافِهِمْ مِنْ الصَّلَاةِ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَاحَ إلَى الْمَوْقِفِ عَقِيبَ الصَّلَاةِ وَالْجَبَلُ يُسَمَّى جَبَلَ الرَّحْمَةِ، وَالْمَوْقِفَ الْأَعْظَمَ. قَالَ (وَعَرَفَاتٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَرَفَاتٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ، وَالْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَارْتَفِعُوا عَنْ وَادِي مُحَسِّرٍ» . قَالَ (وَيَنْبَغِي ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا زَالَتْ الشَّمْسُ مُقَارِنًا، وَالْمُتَقَدِّمُ عَلَى أَحَدِ الْمُتَقَارِنَيْنِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْآخَرِ (وَفِي) رِوَايَةٍ (أُخْرَى يُكْتَفَى بِالتَّقْدِيمِ عَلَى الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الصَّلَاةُ) قَالَ (ثُمَّ يَتَوَجَّهُ الْإِمَامُ إلَى الْمَوْقِفِ) أَيْ بَعْدَ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ يَتَوَجَّهُ الْإِمَامُ إلَى الْمَوْقِفِ (فَيَقِفُ بِقُرْبِ الْجَبَلِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاحَ إلَى الْمَوْقِفِ عَقِيبَ الصَّلَاةِ) وَقَوْلُهُ (وَالْجَبَلُ يُسَمَّى جَبَلَ الرَّحْمَةِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (بَطْنُ عُرَنَةَ) وَادٍ بِحِذَاءِ عَرَفَاتٍ. قِيلَ رَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ الشَّيْطَانَ، فَكَانَ هَذَا نَظِيرَ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي السَّاعَاتِ الثَّلَاثِ. (وَالْمُزْدَلِفَةُ) إنَّمَا سُمِّيَتْ بِهَا لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهَا وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ} [الشعراء: 64] أَيْ جَمَعْنَاهُمْ، وَقِيلَ مِنْ الِازْدِلَافِ بِمَعْنَى التَّقَرُّبِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الشعراء: 90] أَيْ قُرِّبَتْ، وَسُمِّيَتْ بِهَا لِاقْتِرَابِ النَّاسِ إلَى مِنًى بَعْدَ الْإِفَاضَةِ مِنْ عَرَفَاتٍ (وَوَادِي مُحَسِّرٍ) بِكَسْرِ السِّينِ

لِلْإِمَامِ أَنْ يَقِفَ بِعَرَفَةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَفَ عَلَى نَاقَتِهِ (وَإِنْ وَقَفَ عَلَى قَدَمَيْهِ جَازَ) وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ لِمَا بَيَّنَّا (وَيَنْبَغِي أَنْ يَقِفَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَفَ كَذَلِكَ، وَقَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خَيْرُ الْمَوَاقِفِ مَا اُسْتُقْبِلَتْ بِهِ الْقِبْلَةُ» (وَيَدْعُو وَيُعَلِّمُ النَّاسَ الْمَنَاسِكَ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَدْعُو يَوْمَ عَرَفَةَ مَادًّا يَدَيْهِ كَالْمُسْتَطْعِمِ الْمِسْكَيْنِ وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ» وَإِنْ وَرَدَ الْآثَارُ بِبَعْضِ الدَّعَوَاتِ، وَقَدْ أَوْرَدْنَا تَفْصِيلَهَا فِي كِتَابِنَا الْمُتَرْجَمُ [بِعُدَّةِ النَّاسِكِ فِي عِدَّةٍ مِنْ الْمَنَاسِكِ] بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَشْدِيدِهَا هُوَ بَيْنَ مَكَّةَ وَعَرَفَاتٍ. وَقَوْلُهُ (كَالْمُسْتَطْعِمِ الْمِسْكِينِ) فِي تَقْدِيمِ الصِّفَةِ فَائِدَةٌ وَهِيَ الْمُبَالَغَةُ فِي تَحْقِيقِ الْمُدِّ، فَإِنَّ التَّشْبِيهَ حِينَئِذٍ إنَّمَا يَحْصُلُ بِحَالَةِ الِاسْتِطْعَامِ وَهِيَ حَالَةُ الِاحْتِيَاجِ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ وَرَدَ الْآثَارُ بِبَعْضِ الدَّعَوَاتِ) عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إنَّ أَكْثَرَ دُعَائِي وَدُعَاءِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي عَشِيَّةَ عَرَفَةَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا وَفِي سَمْعِي نُورًا وَفِي بَصَرِي نُورًا. اللَّهُمَّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ وَسْوَاسِ

قَالَ (وَيَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يَقِفُوا بِقُرْبِ الْإِمَامِ) لِأَنَّهُ يَدْعُو وَيُعَلِّمُ فَيَعُوا وَيَسْمَعُوا (وَيَنْبَغِي أَنْ يَقِفَ وَرَاءَ الْإِمَامِ) لِيَكُونَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَهَذَا بَيَانُ الْأَفْضَلِيَّةِ لِأَنَّ عَرَفَاتٍ كُلَّهَا مَوْقِفٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. قَالَ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِلَ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَيَجْتَهِدَ فِي الدُّعَاءِ) أَمَّا الِاغْتِسَالُ فَهُوَ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَلَوْ اكْتَفَى بِالْوُضُوءِ جَازَ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَعِنْدَ الْإِحْرَامِ. وَأَمَّا الِاجْتِهَادُ فَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اجْتَهَدَ فِي الدُّعَاءِ فِي هَذَا الْمَوْقِفِ لِأُمَّتِهِ فَاسْتُجِيبَ لَهُ إلَّا فِي الدِّمَاءِ وَالْمَظَالِمِ (وَيُلَبِّي فِي مَوْقِفِهِ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ) وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ كَمَا يَقِفُ بِعَرَفَةَ لِأَنَّ الْإِجَابَةَ بِاللِّسَانِ قَبْلَ الِاشْتِغَالِ بِالْأَرْكَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّدْرِ وَشَتَاتِ الْأَمْرِ وَفِتْنَةِ الْقَبْرِ. اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا يَلِجُ فِي الْبَحْرِ وَشَرِّ مَا تَهُبُّ بِهِ الرِّيَاحُ» . وَقَوْلُهُ (إلَّا فِي الدِّمَاءِ وَالْمَظَالِمِ) أَيْ إلَّا فِي حَقِّ الدَّمِ الَّذِي وَجَبَ لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ قِصَاصًا وَعَجَزُوا عَنْ اسْتِيفَائِهِ، وَفِي حَقِّ الْمَظْلِمَةِ الَّتِي وَجَبَتْ لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَعَجَزُوا عَنْ الِانْتِصَافِ. وَقِيلَ: قَدْ اُسْتُجِيبَ لَهُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْمُزْدَلِفَةِ وَقَوْلُهُ (وَيُلَبِّي فِي مَوْقِفِهِ) يَعْنِي يَسْتَدِيمُ ذَلِكَ إلَى أَنْ يَرْمِيَ أَوَّلَ حَصَاةٍ مِنْ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ (وَقَالَ مَالِكٌ: يَقْطَعُهَا كَمَا يَقِفُ بِعَرَفَةَ لِأَنَّ التَّلْبِيَةَ إجَابَةٌ بِاللِّسَانِ، وَالْإِجَابَةُ بِاللِّسَانِ قَبْلَ الِاشْتِغَالِ بِالْأَرْكَانِ) كَتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ فِي الصَّلَاةِ

وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا زَالَ يُلَبِّي حَتَّى أَتَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» وَلِأَنَّ التَّلْبِيَةَ فِيهِ كَالتَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْدَفَ الْفَضْلَ فَأَخْبَرَ الْفَضْلُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى الْجَمْرَةَ» ، وَلِأَنَّ التَّلْبِيَةَ فِي الْحَجِّ كَالتَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ) فِي كَوْنِهِ ذِكْرًا مَفْعُولًا فِي افْتِتَاحِ الْعِبَادَةِ وَيَتَكَرَّرُ فِي أَثْنَائِهَا، فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ إلَى آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الْإِحْرَامِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الرَّمْيِ. وَقِيلَ: كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ إلَى آخِرِهِ كَالتَّكْبِيرِ

فَيَأْتِي بِهَا إلَى آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الْإِحْرَامِ. قَالَ (فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ أَفَاضَ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ مَعَهُ عَلَى هَيِّنَتِهِمْ حَتَّى يَأْتُوا الْمُزْدَلِفَةَ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَفَعَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَلِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَ مُخَالَفَةِ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَمْشِي عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي الطَّرِيقِ عَلَى هَيِّنَتِهِ، فَإِنْ خَافَ الزِّحَامَ فَدَفَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ وَلَمْ يُجَاوِزْ حُدُودَ عَرَفَةَ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُفِضْ مِنْ عَرَفَةَ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقِفَ فِي مَقَامِهِ كَيْ لَا يَكُونَ آخِذًا فِي الْأَدَاءِ قَبْلَ وَقْتِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الصَّلَاةِ، إلَّا أَنَّ الْقِيَاسَ تُرِكَ فِيمَا بَعْدَ الرَّمْيِ بِالْإِجْمَاعِ فَيَبْقَى فِيمَا وَرَاءَهُ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ. وَقَوْلُهُ (وَالنَّاسُ مَعَهُ عَلَى هِينَتِهِمْ) إنَّمَا هُوَ اتِّبَاعٌ لِلسُّنَّةِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّهَا النَّاسُ لَيْسَ الْبِرُّ فِي إيجَافِ الْخَيْلِ وَفِي إيضَاعِ الْإِبِلِ، عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ» (وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَفَعَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ) وَمَشَى عَلَى هِينَتِهِ فِي الطَّرِيقِ (وَلِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَ مُخَالَفَةِ الْمُشْرِكِينَ) فَإِنَّهُ رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْأَوْثَانِ كَانُوا يَدْفَعُونَ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إذَا تَعَمَّمَتْ بِهَا رُءُوسُ الْجِبَالِ كَعَمَائِمِ الرِّجَالِ فِي وُجُوهِهِمْ، وَإِنَّ هَدْيَنَا لَيْسَ كَهَدْيِهِمْ، فَادْفَعُوا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ» فَقَدْ بَاشَرَ ذَلِكَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَمَرَ بِهِ إظْهَارًا لِمُخَالَفَةِ الْمُشْرِكِينَ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُخَالِفَ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَلَمْ يُجَاوِزْ حُدُودَ عَرَفَةَ أَجْزَأَهُ)

وَلَوْ مَكَثَ قَلِيلًا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَإِفَاضَةِ الْإِمَامِ لِخَوْفِ الزِّحَامِ فَلَا بَأْسَ بِهِ. لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بَعْدَ إفَاضَةِ الْإِمَامِ دَعَتْ بِشَرَابٍ فَأَفْطَرَتْ ثُمَّ أَفَاضَتْ. قَالَ (وَإِذَا أَتَى مُزْدَلِفَةَ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ بِقُرْبِ الْجَبَلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُقَيَّدَةُ يُقَالُ لَهُ قُزَحَ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَفَ عِنْدَ هَذَا الْجَبَلِ، وَكَذَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَتَحَرَّزُ فِي النُّزُولِ عَنْ الطَّرِيقِ كَيْ لَا يَضُرَّ بِالْمَارَّةِ فَيَنْزِلُ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ وَرَاءَ الْإِمَامِ لِمَا بَيَّنَّا فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ. قَالَ (وَيُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ) وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ اعْتِبَارًا بِالْجَمْعِ بِعَرَفَةَ. وَلَنَا رِوَايَةُ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ» وَلِأَنَّ الْعِشَاءَ فِي وَقْتِهِ فَلَا يُفْرِدُ بِالْإِقَامَةِ إعْلَامًا، بِخِلَافِ الْعَصْرِ بِعَرَفَةَ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى وَقْتِهِ فَأَفْرَدَ بِهَا لِزِيَادَةِ الْإِعْلَامِ (وَلَا يَتَطَوَّعُ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْجَمْعِ، وَلَوْ تَطَوَّعَ أَوْ تَشَاغَلَ بِشَيْءٍ أَعَادَ الْإِقَامَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQإشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَوْ جَاوَزَهَا قَبْلَ الْإِمَامِ وَقَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ، وَلَكِنْ إنْ عَادَ إلَى عَرَفَةَ قَبْلَ الْغُرُوبِ ثُمَّ دَفَعَ مَعَ الْإِمَامِ مِنْهَا بَعْدَ الْغُرُوبِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ. وَإِنْ عَادَ بَعْدَ الْغُرُوبِ لَمْ يَسْقُطْ. قَالَ (وَإِذَا أَتَى مُزْدَلِفَةَ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ بِقُرْبِ الْجَبَلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُقَيَّدَةُ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ يَدْعُو وَيُعَلِّمُ. وَقَوْلُهُ (وَيُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ) أَيْ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ.

لِوُقُوعِ الْفَصْلِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُعِيدَ الْأَذَانَ كَمَا فِي الْجَمْعِ الْأَوَّلِ بِعَرَفَةَ، إلَّا أَنَّا اكْتَفَيْنَا بِإِعَادَةِ الْإِقَامَةِ، لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الْمَغْرِبَ بِمُزْدَلِفَةَ ثُمَّ تَعَشَّى ثُمَّ أَفْرَدَ الْإِقَامَةَ لِلْعِشَاءِ» . وَلَا تُشْتَرَطُ الْجَمَاعَةُ لِهَذَا الْجَمْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْمَغْرِبَ مُؤَخَّرَةٌ عَنْ وَقْتِهَا، بِخِلَافِ الْجَمْعِ بِعَرَفَةَ لِأَنَّ الْعَصْرَ مُقَدَّمٌ عَلَى وَقْتِهِ. قَالَ (وَمَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي الطَّرِيقِ لَمْ يُجْزِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُجْزِيه وَقَدْ أَسَاءَ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا صَلَّى بِعَرَفَاتٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (ثُمَّ تَعَشَّى) أَيْ أَكَلَ الْعَشَاءَ. وَقَوْلُهُ (وَلَا تُشْتَرَطُ الْجَمَاعَةُ لِهَذَا الْجَمْعِ) أَيْ لِجَمْعِ الْمُزْدَلِفَةِ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْمَغْرِبَ مُؤَخَّرَةٌ عَنْ وَقْتِهَا) وَأَدَاءُ الصَّلَاةِ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا مُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مَشْرُوعٌ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ فَلَا يَجِبُ مُرَاعَاةُ مَوْرِدِ النَّصِّ، فَالنَّصُّ وَإِنْ وَرَدَ فِي تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ عِنْدَ وُجُودِ الْجَمَاعَةِ لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ، وَأَمَّا تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ عَلَى وَقْتِهَا فَمُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيُرَاعَى لِذَلِكَ فِيهِ جَمِيعُ مَا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ، وَإِنَّمَا خَصَّ أَبَا حَنِيفَةَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ كَانَتْ شَرْطًا عِنْدَهُ فِي الْجَمْعِ بِعَرَفَاتٍ. وَقَوْلُهُ (مَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي الطَّرِيقِ) أَيْ فِي طَرِيقِ الْمُزْدَلِفَةِ وَحْدَهُ (لَمْ يُجْزِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُجْزِيهِ وَقَدْ أَسَاءَ)

لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَدَّاهَا فِي وَقْتِهَا فَلَا تَجِبُ إعَادَتُهَا كَمَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، إلَّا أَنَّ التَّأْخِيرَ مِنْ السُّنَّةِ فَيَصِيرُ مُسِيئًا بِتَرْكِهِ. وَلَهُمَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِأُسَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي طَرِيقِ الْمُزْدَلِفَةِ: الصَّلَاةُ أَمَامَك» مَعْنَاهُ: وَقْتُ الصَّلَاةِ. وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّأْخِيرَ وَاجِبٌ، وَإِنَّمَا وَجَبَ لِيُمْكِنَهُ الْجَمْعَ بَيْن الصَّلَاتَيْنِ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَكَانَ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَذَلِكَ لَوْ صَلَّاهَا بِعَرَفَاتٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي الطَّرِيقِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا (لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَدَّاهَا فِي وَقْتِهَا) وَمَنْ أَدَّى صَلَاةً فِي وَقْتِهَا (لَا تَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا كَمَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَّا أَنَّ التَّأْخِيرَ مِنْ السُّنَّةِ فَيَصِيرُ مُسِيئًا بِتَرْكِهِ. وَلَهُمَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ حِينَ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ وَمَالَ إلَى الشِّعْبِ فَقَضَى حَاجَتَهُ وَتَوَضَّأَ، وَقَالَ لَهُ أُسَامَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُصَلِّي الصَّلَاةَ أَمَامَك» يَعْنِي وَقْتُ الصَّلَاةِ أَمَامَك، لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِعْلُ الْمُصَلِّي فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ أَمَامَهُ وَلَكِنَّهَا تُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهَا الْوَقْتُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ} [مريم: 59] وَفَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ مَعْنَاهُ: مَكَانُ الصَّلَاةِ أَمَامَك وَهُوَ مُزْدَلِفَةُ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْحَالِ وَإِرَادَةِ الْمَحَلِّ. (وَهَذَا) أَيْ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّأْخِيرَ وَاجِبٌ) لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَانَ مَعْنَاهُ الْقَضَاءَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَتَفْوِيتُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ فَضْلًا عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَيَجِبُ النَّظَرُ فِي سَبَبِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ اتِّصَالُ السَّيْرِ أَوْ إمْكَانُ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي الْمُزْدَلِفَةِ، لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ مَيْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى الشِّعْبِ وَقَضَاءَ حَاجَتِهِ يَأْبَاهُ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي، فَمَهْمَا كَانَ مُمْكِنًا لَا يُصَارُ إلَى غَيْرِهِ، وَالْإِمْكَانُ مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ فَتَجِبُ الْإِعَادَةُ مَا لَمْ يَطْلُعْ، وَأَمَّا إذَا طَلَعَ فَقَدْ فَاتَ الْإِمْكَانُ فَسَقَطَتْ الْإِعَادَةُ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ الْآحَادِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَبْطُلَ بِهِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103]

الْإِعَادَةُ مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ لِيَصِيرَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا، وَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ لَا يُمْكِنُهُ الْجَمْعُ فَسَقَطَتْ الْإِعَادَةُ. قَالَ (وَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ يُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ الْفَجْرَ بِغَلَسٍ) لِرِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّاهَا يَوْمئِذٍ بِغَلَسٍ» وَلِأَنَّ فِي التَّغْلِيسِ دَفْعَ حَاجَةِ الْوُقُوفِ فَيَجُوزُ كَتَقْدِيمِ الْعَصْرِ بِعَرَفَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَجَابَ شَيْخُ شَيْخِي الْعَلَّامَةُ بِأَنَّهُ مِنْ الْمَشَاهِيرِ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَعَمِلُوا بِهِ فَجَازَ أَنْ يُزَادَ بِهِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. وَأَقُولُ: قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ} [النساء: 103] الْآيَةَ وَنَحْوَهَا لَيْسَ فِيهَا دَلَالَةٌ قَاطِعَةٌ عَلَى تَعْيِينِ الْأَوْقَاتِ، وَإِنَّمَا دَلَالَتُهَا عَلَى أَنَّ لِلصَّلَاةِ أَوْقَاتًا، وَتَعْيِينُهَا ثَبَتَ إمَّا بِخَبَرِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ الْآحَادِ، أَوْ بِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ الْقَطْعَ فَجَازَ أَنْ يُعَارِضَهُ خَبَرُ الْوَاحِدِ، ثُمَّ يُعْمَلُ بِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَضَاءً فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَقْتُهُ، وَشُكِّكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ بِأَنَّ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ الَّتِي صَلَّاهَا فِي الطَّرِيقِ إمَّا أَنْ وَقَعَتْ صَحِيحَةً أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ لَا فِي الْوَقْتِ وَلَا بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي وَجَبَتْ فِيهِ وَبَعْدَهُ لِأَنَّ مَا وَقَعَ فَاسِدًا لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِمُضِيِّ الْوَقْتِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْفَسَادَ مَوْقُوفٌ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي ثَانِي الْحَالِ كَمَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ التَّرْتِيبِ. قَالَ (وَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ يُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ الْفَجْرَ بِغَلَسٍ) أَيْ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ يَوْمَ النَّحْرِ يُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ الْفَجْرَ بِغَلَسٍ وَالْغَلَسُ ظُلْمَةُ آخِرِ اللَّيْلِ، وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ نَاقِلًا عَنْ الدِّيوَانِ آخِرُ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ وَهُوَ أَوْفَقُ لِمَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى مَا سَيَظْهَرُ. قَوْلُهُ (لِرِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ) قَالَ: «مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى صَلَاةً إلَّا لِوَقْتِهَا إلَّا بِجَمْعٍ، فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَمَعَ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَصَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ مِنْ الْغَدِ قَبْلَ وَقْتِهَا» . وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الدَّلِيلُ الْمَنْقُولُ وَالْمَعْقُولُ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ غَيْرُ مُطَابِقَيْنِ لِلْمَدْلُولِ. أَمَّا الْمَنْقُولُ فَلِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّاهَا بِغَلَسٍ،

(ثُمَّ وَقَفَ وَوَقَفَ مَعَهُ النَّاسُ وَدَعَا) لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَفَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يَدْعُو حَتَّى رُوِيَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «فَاسْتُجِيبَ لَهُ دُعَاؤُهُ لِأُمَّتِهِ حَتَّى الدِّمَاءِ وَالْمَظَالِمِ» ثُمَّ هَذَا الْوُقُوفُ وَاجِبٌ عِنْدَنَا وَلَيْسَ بِرُكْنٍ، حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ يَلْزَمُهُ الدَّمُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّهُ رُكْنٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198] وَبِمِثْلِهِ تَثْبُتُ الرُّكْنِيَّةُ. وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ بِاللَّيْلِ، وَلَوْ كَانَ رُكْنًا لَمَا فَعَلَ ذَلِكَ، وَالْمَذْكُورُ فِيمَا تَلَا الذِّكْرُ وَهُوَ لَيْسَ بِرُكْنٍ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا عَرَفْنَا الْوُجُوبَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ وَقَفَ مَعَنَا هَذَا الْمَوْقِفَ وَقَدْ كَانَ أَفَاضَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ عَرَفَاتٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» عَلَّقَ بِهِ تَمَامَ الْحَجِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمَدْلُولُ قَوْلُهُ وَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ يُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ الْفَجْرَ بِغَلَسٍ. وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَلِأَنَّ تَقْرِيرَهُ فِي التَّغْلِيسِ دَفْعُ حَاجَةِ الْوُقُوفِ، وَدَفْعُ الْحَاجَةِ يَجُوزُ التَّقْدِيمُ كَتَقْدِيمِ الْعَصْرِ بِعَرَفَةَ وَتَقْدِيمِ الْعَصْرِ كَانَ عَلَى وَقْتِهِ، فَيَكُونُ هَاهُنَا كَذَلِكَ تَصْحِيحًا لِلتَّشْبِيهِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَطْلُوبِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الرَّاوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ. وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْهُ فِي صَحِيحِهِ أَنَّهُ قَالَ: «خَرَجْت مَعَ عَبْدِ اللَّهِ إلَى مَكَّةَ ثُمَّ قَدِمْنَا جَمْعًا فَصَلَّى الصَّلَاتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ وَقَائِلٌ يَقُولُ لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ» . وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ قَبْلَ وَقْتِهَا قَبْلَ وَقْتِهَا الْمُسْتَحَبِّ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الرَّاوِيَ لَا يَعْمَلُ عَلَى خِلَافِ مَا رُوِيَ. وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ جَابِرٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ «فَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ الصُّبْحُ» وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ مَعْنَاهُ: لَمَّا جَازَ تَعْجِيلُ الْعَصْرِ عَلَى وَقْتِهَا لِلْحَاجَةِ إلَى الْوُقُوفِ بَعْدَهَا فَلَأَنْ يَجُوزَ التَّغْلِيسُ بِالْفَجْرِ وَهِيَ فِي وَقْتِهَا أَوْلَى. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ وَقَفَ وَوَقَفَ مَعَهُ النَّاسُ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (حَتَّى الدِّمَاءُ وَالْمَظَالِمُ) بِالرَّفْعِ: أَيْ حَتَّى يَدْخُلَ فِي الْمُسْتَجَابِ بِأَنْ يَرْضَى الْخُصُومُ بِالِازْدِيَادِ فِي مَثُوبَاتِهِمْ حَتَّى يَتْرُكُوا خُصُومَاتِهِمْ فِي الدِّمَاءِ وَالْمَظَالِمِ. وَقَوْلُهُ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّهُ رُكْنٌ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَنِسْبَةُ هَذَا الْقَوْلِ إلَيْهِ سَهْوٌ وَقَعَ مِنْ الْكَاتِبِ لِمَا أَنَّهُ ذَكَرَ فِي كُتُبِهِمْ أَنَّ الْوُقُوفَ بِالْمُزْدَلِفَةِ سُنَّةٌ. وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَكَانَ الشَّافِعِيِّ، وَذَكَرَ فِي الْأَسْرَارِ عَلْقَمَةَ مَكَانَ الشَّافِعِيِّ، وَذَكَرَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مَالِكًا مَكَانَ الشَّافِعِيِّ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُصَنِّفُ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى نَقْلٍ مِنْ مَذْهَبِهِ وَاسْتَدَلَّ (بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198] وَبِمِثْلِهِ تَثْبُتُ الرُّكْنِيَّةُ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالذِّكْرِ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ فِيهِ إلَّا بَعْدَ حُضُورِهِ وَالْوُقُوفِ فِيهِ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ (وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ بِاللَّيْلِ» ، وَلَوْ كَانَ رُكْنًا لَمَا فَعَلَ ذَلِكَ) لِأَنَّ مَا هُوَ رُكْنٌ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ لِعُذْرٍ. وَقَوْلُهُ (وَالْمَذْكُورُ فِيمَا تَلَا الذِّكْرَ) جَوَابٌ عَنْ اسْتِدْلَالِهِ بِالْآيَةِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي الْآيَةِ وَهُوَ الذِّكْرُ لَيْسَ بِرُكْنٍ بِالْإِجْمَاعِ، فَكَذَا مَا كَانَ وَسِيلَةً إلَيْهِ وَهُوَ الْحُضُورُ وَالْوُقُوفُ. وَقَوْلُهُ (وَإِنَّمَا عَرَفْنَا)

وَهَذَا يَصْلُحُ أَمَارَةً لِلْوُجُوبِ، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا تَرَكَهُ بِعُذْرٍ بِأَنْ يَكُونَ بِهِ ضَعْفٌ أَوْ عِلَّةٌ أَوْ كَانَتْ امْرَأَةٌ تَخَافُ الزِّحَامَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا رَوَيْنَا. قَالَ (وَالْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا وَادِيَ مُحَسِّرٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (لِمَا رَوَيْنَا) يَعْنِي بِهِ قَوْلَهُ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ بِاللَّيْلِ» فَعُلِمَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ تَعْلِيقِ تَمَامِ الْحَجِّ فِي قَوْلِهِ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنْ وَقَفَ مَعَنَا هَذَا الْمَوْقِفَ» إلَخْ مِنْ حَيْثُ

لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ. قَالَ (فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَفَاضَ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ مَعَهُ حَتَّى يَأْتُوا مِنًى) قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ عَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَكَذَا وَقَعَ فِي نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ وَهَذَا غَلَطٌ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا أَسْفَرَ أَفَاضَ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَفَعَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ. قَالَ (فَيَبْتَدِئُ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكَمَالُ وَهُوَ الْإِتْيَانُ بِالْوَاجِبِ لَا مِنْ حَيْثُ الْجَوَازُ. وَقَوْلُهُ (لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ) يَعْنِي بِهِ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَالْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَارْتَفِعُوا عَنْ وَادِي مُحَسِّرٍ» . وَقَوْلُهُ (هَكَذَا وَقَعَ فِي نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ) أَيْ فِي نُسَخِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ (وَهَذَا غَلَطٌ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَفَعَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ. رَوَاهُ جَابِرٌ وَابْنُ عُمَرَ قَالَا «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَفَ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ حَتَّى إذَا كَادَتْ الشَّمْسُ تَطْلُعُ دَفَعَ إلَى مِنًى» . وَأَقُولُ مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ: إذَا قَرُبَتْ إلَى الطُّلُوعِ، وَفَعَلَ ذَلِكَ اعْتِمَادًا عَلَى ظُهُورِ الْمَسْأَلَةِ. وَقَوْلُهُ (فَيَبْتَدِئُ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ) الْكَلَامُ فِي الرَّمْيِ فِي اثْنَيْ عَشَرَ مَوْضِعًا: أَحَدُهَا الْوَقْتُ وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ، وَالثَّانِي فِي مَوْضِعِ الرَّمْيِ وَهُوَ بَطْنُ الْوَادِي، يَعْنِي

فَيَرْمِيهَا مِنْ بَطْنِ الْوَادِي بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ) لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَتَى مِنًى لَمْ يُعَرِّجْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ لَا يُؤْذِي بَعْضُكُمْ بَعْضًا» وَلَوْ رَمَى بِأَكْبَرَ مِنْهُ جَازَ لِحُصُولِ الرَّمْيِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَرْمِي بِالْكِبَارِ مِنْ الْأَحْجَارِ كَيْ لَا يَتَأَذَّى بِهِ غَيْرُهُ (وَلَوْ رَمَاهَا مِنْ فَوْقِ الْعَقَبَةِ أَجْزَأَهُ) لِأَنَّ مَا حَوْلَهَا مَوْضِعُ النُّسُكِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي لِمَا رَوَيْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ أَسْفَلِهِ إلَى أَعْلَاهُ، وَالثَّالِثُ فِي مَحَلِّ الرَّمْيِ إلَيْهِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ: جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ وَمَسْجِدُ الْخَيْفِ وَالْوُسْطَى، وَالرَّابِعُ فِي كَمْيَّةِ الْحَصَيَاتِ وَهُوَ سَبْعَةٌ عِنْدَ كُلِّ جَمْرَةٍ، وَالْخَامِسُ فِي الْمِقْدَارِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ، وَالسَّادِسُ فِي كَيْفِيَّةِ الرَّمْيِ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ، وَقِيلَ يَأْخُذُ الْحَصَى بِطَرَفِ إبْهَامِهِ وَسَبَّابَتِهِ، وَالسَّابِعُ مِقْدَارُ الرَّمْيِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ، وَالثَّامِنُ فِي صِفَةِ الرَّامِي وَهُوَ أَنْ يَكُونَ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَالتَّاسِعُ فِي مَوْضِعِ وُقُوعِ

(وَيُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ) كَذَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - (وَلَوْ سَبَّحَ مَكَانَ التَّكْبِيرِ أَجْزَأَهُ) لِحُصُولِ الذِّكْرِ وَهُوَ مِنْ آدَابِ الرَّمْيِ (وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا) لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقِفْ عِنْدَهَا (وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ مَعَ أَوَّلِ حَصَاةٍ) لِمَا رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَرَوَى جَابِرٌ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَصَيَاتِ، وَالْعَاشِرُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْهُ الْحَجَرُ وَهُمَا مَذْكُورَانِ فِي الْكِتَابِ، وَالْحَادِيَ عَشَرَ فِيمَا يَرْمِي بِهِ وَهُوَ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ، وَالثَّانِيَ عَشَرَ أَنَّهُ يَرْمِي فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ لَا غَيْرُ وَفِي بَقِيَّةِ الْأَيَّامِ يَرْمِي

التَّلْبِيَةَ عِنْدَ أَوَّلِ حَصَاةٍ رَمَى بِهَا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» . ثُمَّ كَيْفِيَّةُ الرَّمْيِ أَنْ يَضَعَ الْحَصَاةَ عَلَى ظَهْرِ إبْهَامِهِ الْيُمْنَى وَيَسْتَعِينُ بِالْمِسْبَحَةِ. وَمِقْدَارُ الرَّمْيِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الرَّامِي وَبَيْنَ مَوْضِعِ السُّقُوطِ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ فَصَاعِدًا، كَذَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ يَكُونُ طَرْحًا. وَلَوْ طَرَحَهَا طَرْحًا أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ رَمَى إلَى قَدَمَيْهِ إلَّا أَنَّهُ مُسِيءٌ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ، وَلَوْ وَضَعَهَا وَضْعًا لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرَمْيٍ، وَلَوْ رَمَاهَا فَوَقَعَتْ قَرِيبًا مِنْ الْجَمْرَةِ يَكْفِيهِ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَلَوْ وَقَعَتْ بَعِيدًا مِنْهَا لَا يُجْزِيه لِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا فِي مَكَان مَخْصُوصٍ وَلَوْ رَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ جُمْلَةً فَهَذِهِ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ تَفَرُّقُ الْأَفْعَالِ، وَيَأْخُذُ الْحَصَى مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ إلَّا مِنْ عِنْدِ الْجَمْرَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُكْرَهُ لِأَنَّ مَا عِنْدَهَا مِنْ الْحَصَى مَرْدُودٌ، هَكَذَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ فَيَتَشَاءَمُ بِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجِمَارَ كُلَّهَا. وَكَلَامُهُ فِي الْكِتَابِ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (فَيُتَشَاءَمُ بِهِ) وَلَا يُتَبِّرُك، بَيَانُهُ فِي حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا بَالُ الْجِمَارِ تُرْمَى مِنْ وَقْتِ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَمْ تَصِرْ هِضَابًا تَسُدُّ الْأُفُقَ؟ فَقَالَ:

وَمَعَ هَذَا لَوْ فَعَلَ أَجْزَأَهُ لِوُجُودِ فِعْلِ الرَّمْيِ. وَيَجُوزُ الرَّمْيُ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِعْلُ الرَّمْيِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالطِّينِ كَمَا يَحْصُلُ بِالْحَجَرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا رَمَى بِالذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ لِأَنَّهُ يُسَمَّى نِثَارًا لَا رَمْيًا. قَالَ (ثُمَّ يَذْبَحُ إنْ أَحَبَّ ثُمَّ يَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمَا عَلِمْت أَنَّهُ مَنْ يُقْبَلُ حَجُّهُ رُفِعَ حَصَاهُ وَمَنْ لَمْ يُقْبَلْ حَجُّهُ تُرِكَ حَصَاهُ، حَتَّى قَالَ مُجَاهِدٌ: لَمَّا سَمِعْت هَذَا مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ جَعَلْت عَلَى حَصَيَاتِي عَلَامَةً ثُمَّ تَوَسَّطْت الْجَمْرَةَ فَرَمَيْته مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ثُمَّ طَلَبْت فَلَمْ أَجِدْ بِتِلْكَ الْعَلَامَةِ شَيْئًا مِنْ الْحَصَى. وَقَوْلُهُ (وَيَجُوزُ الرَّمْيُ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ عِنْدَنَا) اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِالْفَيْرُوزِ وَالْيَاقُوتِ فَإِنَّهُمَا مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ حَتَّى جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِمَا، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ الرَّمْيُ بِهِمَا حَتَّى لَمْ يَقَعْ مُعْتَدًّا بِهِمَا فِي الرَّمْيِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْجَوَازَ مَشْرُوطٌ بِالِاسْتِهَانَةِ بِرَمْيِهِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِرَمْيِهِمَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ الرَّمْيُ إلَّا بِالْحَجَرِ

لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «إنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نَرْمِيَ ثُمَّ نَذْبَحَ ثُمَّ نَحْلِقَ» وَلِأَنَّ: الْحَلْقَ مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ، وَكَذَا الذَّبْحُ حَتَّى يَتَحَلَّلَ بِهِ الْمُحْصَرُ فَيُقَدِّمَ الرَّمْيَ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ الْحَلْقُ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ الذَّبْحُ، وَإِنَّمَا عَلَّقَ الذَّبْحَ بِالْمَحَبَّةِ لِأَنَّ الدَّمَ الَّذِي يَأْتِي بِهِ الْمُفْرِدُ تَطَوُّعٌ وَالْكَلَامُ فِي الْمُفْرِدِ (وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ» الْحَدِيثَ، ظَاهِرٌ بِالتَّرَحُّمِ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ الْحَلْقَ أَكْمَلُ فِي قَضَاءِ التَّفَثِ ـــــــــــــــــــــــــــــQاتِّبَاعًا لِمَا وَرَدَ بِهِ الْأَثَرُ لِعَدَمِ كَوْنِهِ مَعْقُولًا. وَقُلْنَا: سَلَّمْنَا أَنَّهُ غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَلَكِنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فِعْلُ الرَّمْيِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالطِّينِ كَمَا يَحْصُلُ بِالْحَجَرِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ فِعْلُ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْحَجَرِ لَهُ بِعَيْنِهِ مَقْصُودٌ إنَّمَا مَقْصُودُهُ فِعْلُ الرَّمْيِ إمَّا إعَادَةً لِلْكَبْشِ أَوْ لِطَرْدِ الشَّيْطَانِ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ الرُّوَاةِ، فَقُلْنَا بِأَيِّ شَيْءٍ حَصَلَ فِعْلُ الرَّمْيِ أَجْزَأَهُ، وَلَا يَرِدُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا الْجَوَاهِرِ لِأَنَّهُ يُسَمَّى نِثَارًا لَا رَمْيًا قَالَ (ثُمَّ يَذْبَحُ إنْ أَحَبَّ ثُمَّ يَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (ظَاهِرٌ بِالتَّرَحُّمِ عَلَيْهِمْ) أَيْ كَرَّرَ التَّرَحُّمَ عَلَى الْمُحَلِّقِينَ. وَرَوَى

وَهُوَ الْمَقْصُودُ، وَفِي التَّقْصِيرِ بَعْضُ التَّقْصِيرِ فَأَشْبَهَ الِاغْتِسَالَ مَعَ الْوُضُوءِ. وَيَكْتَفِي فِي الْحَلْقِ بِرُبْعِ الرَّأْسِ اعْتِبَارًا بِالْمَسْحِ، وَحَلْقُ الْكُلِّ أَوْلَى اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَالتَّقْصِيرُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ رُءُوسِ شَعْرِهِ مِقْدَارَ الْأُنْمُلَةِ. قَالَ (وَقَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ) وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِلَّا الطِّيبَ أَيْضًا لِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQنَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ؟ فَقَالَ: وَالْمُقَصِّرِينَ» وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «كَرَّرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ثُمَّ قَالَ فِي الرَّابِعِ: وَالْمُقَصِّرِينَ» وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ أَفْضَلُ. وَقَوْلُهُ (مِقْدَارُ الْأُنْمُلَةِ) قِيلَ هَذَا التَّقْدِيرُ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَلَمْ يُعْلَمْ فِيهِ خِلَافٌ، وَمَنْ لَا شَعْرَ لَهُ أَمَرَّ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ، لِأَنَّهُ إنْ عَجَزَ عَنْ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ لَمْ يَعْجِزْ عَنْ التَّشَبُّهِ. وَاخْتَلَفُوا فِي كَوْنِهِ وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحَبًّا. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ) يُعَضِّدُهُ أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ يَحْرُمُ عَلَيْهَا الطِّيبُ لِهَذَا الْمَعْنَى، وَالْجِمَاعُ بِدَوَاعِيهِ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ كَالْقُبْلَةِ وَالْمَسِّ بِشَهْوَةٍ. وَلَنَا مَا رَوَتْ عَائِشَةُ «إذَا حَلَقَ الْحَاجُّ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ» وَقَالَتْ:

وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِ «حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ» وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ. وَلَا يَحِلُّ لَهُ الْجِمَاعُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ عِنْدَنَا، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ بِالنِّسَاءِ فَيُؤَخَّرُ إلَى تَمَامِ الْإِحْلَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ «طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِإِحْرَامِهِ وَلِإِحْلَالِهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ» وَهَذَا لَا يُشَكُّ فِي تَقْدِيمِهِ عَلَى الْقِيَاسِ (وَلَا يَحِلُّ لَهُ الْجِمَاعُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) قَالَ: الْجِمَاعُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ يَرْتَفِعُ بِالْحَلْقِ لِأَنَّهُ لَا يُفْسِدُ الْإِحْرَامَ بِحَالٍ (وَلَنَا أَنَّهُ قَضَاءُ شَهْوَةٍ بِالنِّسَاءِ فَيُؤَخَّرُ إلَى تَمَامِ الْإِحْلَالِ) بِالطَّوَافِ، وَهَذَا لِأَنَّ دَوَاعِيَ الْجِمَاعِ مُلْحَقَةٌ بِهِ

(ثُمَّ الرَّمْيُ لَيْسَ مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ عِنْدَنَا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. هُوَ يَقُولُ: إنَّهُ يَتَوَقَّتُ بِيَوْمِ النَّحْرِ كَالْحَلْقِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَتِهِ فِي التَّحْلِيلِ. وَلَنَا أَنَّ مَا يَكُونُ مُحَلَّلًا يَكُونُ جِنَايَةً فِي غَيْرِ أَوَانِهِ كَالْحَلْقِ، وَالرَّمْيِ لَيْسَ بِجِنَايَةٍ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ، بِخِلَافِ الطَّوَافِ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ بِالْحَلْقِ السَّابِقِ لَا بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْمَحْظُورَاتِ كَمَا فِي الِاعْتِكَافِ وَقَبْلَ الْحَلْقِ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ الرَّمْيُ لَيْسَ مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ عِنْدَنَا) يَعْنِي إذَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ لَا يَتَحَلَّلُ عِنْدَنَا حَتَّى يَحْلِقَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَتَحَلَّلُ وَيَحِلُّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ (هُوَ يَقُولُ إنَّهُ يَتَوَقَّتُ بِيَوْمِ النَّحْرِ) وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ مُحَلِّلٌ كَالْحَلْقِ (وَلَنَا أَنَّ مَا يَكُونُ مُحَلِّلًا يَكُونُ جِنَايَةً فِي غَيْرِ أَوَانِهِ كَالْحَلْقِ، وَالرَّمْيِ لَيْسَ بِجِنَايَةٍ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ) وَنُوقِضَ بِدَمِ الْإِحْصَارِ فَإِنَّهُ مُحَلِّلٌ وَلَيْسَ بِمَحْظُورِ الْإِحْرَامِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا كَانَ مُحَلِّلًا فِي الْأَصْلِ وَدَمُ الْإِحْصَارِ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا صِيرَ إلَيْهِ لِضَرُورَةِ الْمَنْعِ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الطَّوَافِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الطَّوَافُ مُحَلِّلٌ فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَلَيْسَ بِمَحْظُورِ الْإِحْرَامِ وَإِنَّمَا هُوَ رُكْنٌ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ التَّحَلُّلَ لَمْ يَكُنْ

قَالَ (ثُمَّ يَأْتِي مَكَّةَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ أَوْ مِنْ الْغَدِ أَوْ مِنْ بَعْدِ الْغَدِ، فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ طَوَافَ الزِّيَارَةِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا حَلَقَ أَفَاضَ إلَى مَكَّةَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ عَادَ إلَى مِنًى وَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى» . وَوَقْتُهُ أَيَّامُ النَّحْرِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَطَفَ الطَّوَافَ عَلَى الذَّبْحِ قَالَ {فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: 28] ثُمَّ قَالَ {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] فَكَانَ وَقْتُهُمَا وَاحِدًا. وَأَوَّلُ وَقْتِهِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ مِنْ اللَّيْلِ وَقْتُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالطَّوَافِ بَلْ بِالْحَلْقِ السَّابِقِ. قَوْلُهُ (ثُمَّ يَأْتِي مَكَّةَ مِنْ يَوْمِهِ) يَعْنِي أَوَّلَ أَيَّامِ النَّحْرِ. وَقَوْلُهُ (وَوَقْتُهُ أَيَّامُ النَّحْرِ) أَيْ وَقْتُ طَوَافِ الزِّيَارَةِ. وَقَوْلُهُ (فَكَانَ وَقْتُهُمَا وَاحِدًا) أَيْ وَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ وَوَقْتُ طَوَافِ الزِّيَارَةِ إلَّا أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ لَمْ تُشْرَعْ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ، وَالطَّوَافُ مَشْرُوعٌ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ تَأْخِيرُهُ عَنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ عَلَى مَا يَجِيءُ. وَقَوْلُهُ (وَأَوَّلُ وَقْتِهِ) ظَاهِرٌ

وَالطَّوَافُ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ، وَأَفْضَلُ هَذِهِ الْأَيَّامِ أَوَّلُهَا كَمَا فِي التَّضْحِيَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ «أَفْضَلُهَا أَوَّلُهَا» (فَإِنْ كَانَ قَدْ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَقِيبَ طَوَافِ الْقُدُومِ لَمْ يَرْمُلْ فِي هَذَا الطَّوَافِ وَلَا سَعْيَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُقَدِّمْ السَّعْيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

رَمَلَ فِي هَذَا الطَّوَافِ وَسَعَى بَعْدَهُ) لِأَنَّ السَّعْيَ لَمْ يُشَرَّعْ إلَّا مَرَّةً ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَالرَّمَلُ مَا شُرِعَ إلَّا مَرَّةً فِي طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ (وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ هَذَا الطَّوَافِ) لِأَنَّ خَتْمَ كُلِّ طَوَافٍ بِرَكْعَتَيْنِ فَرْضًا كَانَ لِلطَّوَافِ أَوْ نَفْلًا لِمَا بَيَّنَّا. قَالَ (وَقَدْ حَلَّ لَهُ النِّسَاءُ) وَلَكِنْ بِالْحَلْقِ السَّابِقِ إذْ هُوَ الْمُحَلَّلُ لَا بِالطَّوَافِ، إلَّا أَنَّهُ أَخَّرَ عَمَلَهُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ. قَالَ (وَهَذَا الطَّوَافُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَالرَّمَلُ مَا شُرِعَ إلَّا مَرَّةً فِي طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا رَمَلَ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَهُوَ طَوَافٌ بَعْدَهُ سَعْيٌ. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَلِيُصَلِّ الطَّائِفُ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ» وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ لِمَا رَوَيْنَا لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ وَجْهَ التَّمَسُّكِ بِهِ لِلْوُجُوبِ، فَكَانَ قَوْلُهُ بَيَّنَّا أَشْمَلَ وَأَعَمَّ مِنْ قَوْلِهِ رَوَيْنَا، وَقَوْلُهُ وَلَكِنْ بِالْحَلْقِ السَّابِقِ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّهُ أَخَّرَ عَمَلَهُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إذَا كَانَ الْحَلْقُ السَّابِقُ مُحَلِّلًا فَكَيْفَ بَقِيَتْ النِّسَاءُ مُحْرِمَةً. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ عَمَلَهُ تَأَخَّرَ فِي حَقِّ النِّسَاءِ لِيَقَعَ الطَّوَافُ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ فِي الْإِحْرَامِ لِئَلَّا يَقَعَ التَّهَاوُنُ فِي أَمْرِهِ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا الطَّوَافُ)

هُوَ الْمَفْرُوضُ فِي الْحَجِّ) وَهُوَ رُكْنٌ فِيهِ إذْ هُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] وَيُسَمَّى طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَطَوَافَ يَوْمِ النَّحْرِ (وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهُ عَنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ مُوَقَّتٌ بِهَا (وَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْهَا لَزِمَهُ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَسَنُبَيِّنُهُ فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ (ثُمَّ يَعُودُ إلَى مِنًى فَيُقِيمُ بِهَا) لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَجَعَ إلَيْهَا كَمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ الرَّمْيُ وَمَوْضِعُهُ بِمِنًى (فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ فَيَبْدَأُ بِاَلَّتِي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَيَقِفُ عِنْدَهَا، ثُمَّ يَرْمِي الَّتِي تَلِيهَا مِثْلَ ذَلِكَ وَيَقِفُ عِنْدَهَا، ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ كَذَلِكَ وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا) هَكَذَا رَوَى جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَا نَقَلَ مِنْ نُسُكِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُفَسِّرًا، وَيَقِفُ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ فِي الْمَقَامِ الَّذِي يَقِفُ فِيهِ النَّاسُ وَيَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ وَيُهَلِّلُ وَيُكَبِّرُ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَيَدْعُو بِحَاجَتِهِ وَيَرْفَعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ طَوَافُ الزِّيَارَةِ (هُوَ الْمَفْرُوضُ فِي الْحَجِّ) وَقَوْلُهُ (ثُمَّ يَعُودُ إلَى مِنًى) يَعْنِي بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ (فَيُقِيمُ بِهَا لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَعَ إلَيْهَا كَمَا رَوَيْنَا) يَعْنِي مَا تَقَدَّمَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا حَلَقَ أَفَاضَ إلَى مَكَّةَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ عَادَ إلَى مِنًى وَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى» وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ الرَّمْيُ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَيَقِفُ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ) يَعْنِي الْجَمْرَةَ الْأُولَى وَالْوُسْطَى (فِي الْمَقَامِ الَّذِي يَقِفُ فِيهِ النَّاسُ) وَهُوَ أَعْلَى الْوَادِي وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

يَدَيْهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ» وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهَا عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ. وَالْمُرَادُ رَفْعُ الْأَيْدِي بِالدُّعَاءِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي دُعَائِهِ فِي هَذِهِ الْمَوَاقِفِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ» ثُمَّ الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ يَقِفُ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ فِي وَسَطِ الْعِبَادَةِ فَيَأْتِي بِالدُّعَاءِ فِيهِ، وَكُلُّ رَمْيٍ لَيْسَ بَعْدَهُ رَمْيٍ لَا يَقِفُ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ قَدْ انْتَهَتْ، وَلِهَذَا لَا يَقِفُ بَعْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ أَيْضًا. قَالَ (فَإِذَا كَانَ مِنْ الْغَدِ رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ كَذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَتَعَجَّلَ النَّفْرَ إلَى مَكَّةَ نَفَرَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة: 203] وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُقِيمَ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَبَرَ حَتَّى رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ» . وَلَهُ أَنْ يَنْفِرَ مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ» حَدِيثٌ مَشْهُورٌ، وَالْمَوَاطِنُ هِيَ: عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، وَالْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ، وَفِي الْعِيدَيْنِ، وَعِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَبِعَرَفَاتٍ، وَجَمْعٍ، وَعِنْدَ الْمَقَامَيْنِ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ. وَذِكْرُ الْجَمْرَتَيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقِيمُ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي سَائِرِ الْأَدْعِيَةِ لَا يَفْعَلُ كَذَلِكَ لِأَنَّ الرَّفْعَ يُنَافِي السَّكِينَةَ وَالْوَقَارَ فَيُسَنُّ فِي مَوْضِعٍ وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ وَيُتْرَكُ فِي الْبَاقِي عَلَى أَصْلِ الدَّلِيلِ. قَالَ (فَإِذَا كَانَ مِنْ الْغَدِ رَمْيُ الْجِمَارِ الثَّلَاثِ بَعْدَ الزَّوَالِ) يَعْنِي إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ مِثْلَ مَا رَمَى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي (وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَتَعَجَّلَ النَّفْرَ) أَيْ الذَّهَابَ وَالْخُرُوجَ مِنْ مِنًى (إلَى مَكَّةَ) فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ فَعَلَ ذَلِكَ (وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203] أَيْ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ وَمَنْ تَأَخَّرَ إلَى الْيَوْمِ الرَّابِعِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ (لِمَنْ اتَّقَى) وَقَوْلُهُ {لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة: 203] يَتَعَلَّقُ

فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْفِرَ لِدُخُولِ وَقْتِ الرَّمْيِ، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَدَّمَ الرَّمْيَ فِي هَذَا الْيَوْمِ) يَعْنِي الْيَوْمَ الرَّابِعَ (قَبْلَ الزَّوَالِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَقَالَا لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْأَيَّامِ، وَإِنَّمَا التَّفَاوُتُ فِي رُخْصَةِ النَّفْرِ، فَإِذْ لَمْ يَتَرَخَّصْ اُلْتُحِقَ بِهَا، وَمَذْهَبُهُ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَلِأَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ أَثَرُ التَّخْفِيفِ فِي هَذَا الْيَوْمِ فِي حَقِّ التَّرْكِ فَلَأَنْ يَظْهَرَ فِي جَوَازِهِ فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا أَوْلَى، بِخِلَافِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي حَيْثُ لَا يَجُوزُ الرَّمْيُ فِيهِمَا إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الرِّوَايَةِ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ فِيهِمَا فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْمَرْوِيِّ. فَأَمَّا يَوْمُ النَّحْرِ فَأَوَّلُ وَقْتِ الرَّمْيِ مِنْ وَقْتِ طُلُوعِ الْفَجْرِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أَوَّلُهُ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِمَا جَمِيعًا: أَيْ ذَلِكَ التَّخْيِيرِ وَنَفْيُ الْإِثْمِ فِي الْحَالَيْنِ لِأَجْلِ الْحَاجِّ الْمُتَّقِي لِئَلَّا يُتَخَالَجَ فِي قَلْبِهِ شَيْءٌ مِنْهُمَا فَيُحْسَبُ أَنَّ أَحَدَهُمَا يُؤَثِّمُ صَاحِبَهُ فِي الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا خُصَّ الْمُتَّقِي لِأَنَّهُ هُوَ الْحَاجُّ عِنْدَ اللَّهِ فِي الْحَقِيقَةِ. وَقَوْلُهُ (وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ) فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ عِنْدَهُ خِيَارُ النَّفْرِ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ الْخِيَارُ فِي الْيَوْمِ وَهُوَ يَمْتَدُّ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ. وَقُلْنَا: اللَّيْلُ لَيْسَ بِوَقْتٍ لِرَمْيِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ فَيَكُونُ خِيَارُهُ فِي النَّفْرِ ثَابِتًا فِيهِ كَقَبْلِ الْغُرُوبِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ فَإِنَّهُ وَقْتُ الرَّمْيِ فَلَا يَبْقَى خِيَارُهُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْأَيَّامِ) أَرَادَ بِالْأَيَّامِ الْيَوْمَيْنِ: أَعْنِي الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ، (لِأَنَّ رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ) . وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي) يَعْنِي الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ مِمَّا يُرْمَى فِيهِ الْجِمَارُ الثَّلَاثُ، لَا الْأَوَّلُ وَالثَّانِي مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ. وَقَوْلُهُ (فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الرِّوَايَةِ) احْتِزَازٌ عَمَّا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ

لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا لَيْلًا» . وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَرْمُوا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ إلَّا مُصْبِحِينَ» وَيَرْوِي «حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» فَيَثْبُتُ أَصْلُ الْوَقْتِ بِالْأَوَّلِ وَالْأَفْضَلِيَّةُ بِالثَّانِي. وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ اللَّيْلَةَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ، وَلِأَنَّ لَيْلَةَ النَّحْرِ وَقْتُ الْوُقُوفِ وَالرَّمْيِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ وَقْتُهُ بَعْدَهُ ضَرُورَةً. ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَمْتَدُّ هَذَا الْوَقْتُ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي هَذَا الْيَوْمِ الرَّمْيُ» ، جَعَلَ الْيَوْمَ وَقْتًا لَهُ وَذَهَابَهُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَمْتَدُّ إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا. وَإِنْ أَخَّرَ إلَى اللَّيْلِ رَمَاهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ الدُّعَاءِ. وَإِنْ أَخَّرَ إلَى الْغَدِ رَمَاهُ لِأَنَّهُ وَقْتُ جِنْسِ الرَّمْيِ، وَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِتَأْخِيرِهِ عَنْ وَقْتِهِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ. قَالَ (فَإِنْ رَمَاهَا رَاكِبًا أَجْزَأَهُ) لِحُصُولِ فِعْلِ الرَّمْيِ (وَكُلُّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَرْمِيَهُ مَاشِيًا وَإِلَّا فَيَرْمِيهِ رَاكِبًا) لِأَنَّ الْأَوَّلَ بَعْدَهُ وُقُوفٌ وَدُعَاءٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَصْدِهِ أَنْ يَتَعَجَّلَ فِي النَّفْرِ الْأَوَّلِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَرْمِيَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَإِنْ رَمَى بَعْدَهُ فَهُوَ أَفْضَلُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ قَصْدِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَرْمِيَ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ وَذَلِكَ لِدَفْعِ الْحَرَجِ لِأَنَّهُ إذَا نَفَرَ بَعْدَ الزَّوَالِ لَا يَصِلُ إلَى مَكَّةَ إلَّا بِاللَّيْلِ فَيُحْرَجُ فِي تَحْصِيلِ مَوْضِعِ النُّزُولِ. وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَرْمِ فِيهِ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) حَاصِلُهُ أَنَّ مَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقْتُ الْجَوَازِ مَعَ الْإِسَاءَةِ وَمَا بَعْدَهُ إلَى الزَّوَالِ وَقْتٌ مَسْنُونٌ وَمَا بَعْدَ الزَّوَالِ إلَى الْغُرُوبِ وَقْتُ الْجَوَازِ مِنْ غَيْرِ إسَاءَةٍ وَاللَّيْلُ وَقْتُ الْجَوَازِ بِالْإِسَاءَةِ، كَذَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَمْتَدُّ) أَيْ وَقْتُ الرَّمْيِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ (إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ) لِأَنَّ الْوَقْتَ يُعْرَفُ بِتَوْقِيتِ الشَّرْعِ وَالشَّرْعُ وَرَدَ بِالرَّمْيِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَلَا يَكُونُ مَا بَعْدَهُ وَقْتًا لَهُ (وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا)

فَيَرْمِيهِ مَاشِيًا لِيَكُونَ أَقْرَبَ إلَى التَّضَرُّعِ، وَبَيَانُ الْأَفْضَلِ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَيُكْرَهُ أَنْ لَا يَبِيتَ بِمِنًى لَيَالِي الرَّمْيِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَاتَ بِمِنًى، وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُؤَدِّبُ عَلَى تَرْكِ الْمَقَامِ بِهَا. وَلَوْ بَاتَ فِي غَيْرِهَا مُتَعَمِّدًا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَنَا، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ وَجَبَ لِيَسْهُلَ عَلَيْهِ الرَّمْيُ فِي أَيَّامِهِ فَلَمْ يَكُنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي هَذَا الْيَوْمِ» . وَقَوْلُهُ (وَبَيَانُ الْأَفْضَلِ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) يَعْنِي بِهِ مَا حُكِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْجَرَّاحِ قَالَ: دَخَلْت عَلَى أَبِي يُوسُفَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ وَقَالَ: الرَّمْيُ رَاكِبًا أَفْضَلُ أَمْ مَاشِيًا؟ فَقَالَ: أَخْطَأْتَ، فَقُلْت رَاكِبًا، فَقَالَ: أَخْطَأْتَ، ثُمَّ قَالَ: كُلُّ رَمْيٍ بَعْدَهُ وُقُوفٌ فَالرَّمْيُ فِيهِ مَاشِيًا أَفْضَلُ، وَمَا لَيْسَ بَعْدَهُ وُقُوفٌ فَالرَّمْيُ فِيهِ رَاكِبًا أَفْضَلُ، فَقُمْت مِنْ عِنْدِهِ فَمَا انْتَهَيْت إلَى بَابِ الدَّارِ حَتَّى سَمِعْت الصُّرَاخَ بِمَوْتِهِ، فَتَعَجَّبْت مِنْ حِرْصِهِ عَلَى الْعِلْمِ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْحَالَةِ. وَاَلَّذِي رَوَى جَابِرٌ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَى الْجِمَارَ كُلَّهَا رَاكِبًا» فَإِنَّمَا فَعَلَهُ لِيَكُونَ أَشْهَرَ لِلنَّاسِ حَتَّى يَقْتَدُوا بِهِ فِيمَا يُشَاهِدُونَهُ مِنْهُ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ بَاتَ فِي غَيْرِهِ) أَيْ فِي غَيْرِ مِنًى (مُتَعَمِّدًا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) فَإِنَّهُ قَالَ: إنْ تَرَكَ الْبَيْتُوتَةَ لَيْلَةً فَعَلَيْهِ مُدٌّ، وَإِنْ تَرَكَهَا لَيْلَتَيْنِ فَعَلَيْهِ مُدَّانِ، وَإِنْ تَرَكَ ثَلَاثَ لَيَالٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَقَاسَ تَرْكَ الْبَيْتُوتَةِ فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ بِتَرْكِ الرَّمْيِ: وَلَنَا (أَنَّهُ وَجَبَ لِيَسْهُلَ عَلَيْهِ الرَّمْيُ فِي أَيَّامِهِ) يَعْنِي أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْبَيْتُوتَةِ غَيْرُهَا وَهُوَ أَنْ يَسْهُلَ عَلَيْهِ مَا يَقَعُ فِي الْغَدِ مِنْ النُّسُكِ وَهُوَ الرَّمْيُ، فَلَمَّا لَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً

مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ فَتَرْكُهُ لَا يُوجِبُ الْجَابِرَ. قَالَ (وَيُكْرَهُ أَنْ يُقَدِّمَ الرَّجُلُ ثِقَلَهُ إلَى مَكَّةَ وَيُقِيمَ حَتَّى يَرْمِيَ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَمْنَعُ مِنْهُ وَيُؤَدِّبُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ يُوجِبُ شَغْلَ قَلْبِهِ (وَإِذَا نَفَرَ إلَى مَكَّةَ نَزَلَ بِالْمُحَصَّبِ) وَهُوَ الْأَبْطَحُ وَهُوَ اسْمُ مَوْضِعٍ قَدْ نَزَلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ نُزُولُهُ قَصْدًا هُوَ الْأَصَحُّ حَتَّى يَكُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِنَفْسِهَا لَمْ تَكُنْ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ فَلَمْ يُوجِبْ تَرْكَهَا جَابِرًا كَالْبَيْتُوتَةِ بِمِنًى لَيْلَةَ الْعِيدِ. قَالَ (وَيُكْرَهُ أَنْ يُقَدِّمَ الرَّجُلُ ثَقَلَهُ إلَى مَكَّةَ) الثَّقَلُ بِفَتْحَتَيْنِ: مَتَاعُ الْمُسَافِرِ وَحَشَمُهُ وَالْجَمْعُ أَثْقَالٌ، وَالْمُحَصَّبُ: اسْمُ مَوْضِعٍ وَيُسَمَّى الْأَبْطُحَ وَهُوَ مَوْضِعٌ ذُو حَصًى بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى نَزَلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَصْدًا، وَهُوَ الْأَصَحُّ حَتَّى يَكُونَ سُنَّةً. وَقَوْلُهُ (هُوَ الْأَصَحُّ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ إنَّ النُّزُولَ بِهِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ، لَكِنَّهُ مَوْضِعٌ نَزَلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ

النُّزُولُ بِهِ سُنَّةً عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَصْحَابِهِ «إنَّا نَازِلُونَ غَدًا بِالْخَيْفِ خَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمَ الْمُشْرِكُونَ فِيهِ عَلَى شِرْكِهِمْ» يُشِيرُ إلَى عَهْدِهِمْ عَلَى هِجْرَانِ بَنِي هَاشِم فَعَرَفْنَا أَنَّهُ نَزَلَ بِهِ إرَاءَةً لِلْمُشْرِكَيْنِ لَطِيفَ صُنْعِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ، فَصَارَ سُنَّةً كَالرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ. قَالَ (ثُمَّ دَخَلَ مَكَّةَ وَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ لَا يَرْمُلُ فِيهَا وَهَذَا طَوَافُ الصَّدْرِ) وَيُسَمَّى طَوَافَ الْوَدَاعِ وَطَوَافٌ آخَرُ عَهِدَهُ بِالْبَيْتِ لِأَنَّهُ يُوَدِّعُ الْبَيْتَ وَيَصْدُرُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتِّفَاقًا. وَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَنَّهُ سُنَّةٌ وَنَزَلَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَصْدًا (عَلَى مَا رُوِيَ «أَنَّهُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ بِمِنًى: إنَّا نَازِلُونَ غَدًا بِالْخَيْفِ خَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ» إلَخْ) وَالْخَيْفُ بِسُكُونِ الْيَاءِ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ، وَخَيْفُ بَنِي كِنَانَةَ هُوَ الْمُحَصَّبُ. وَقَوْلُهُ (وَيُسَمَّى طَوَافَ الْوَدَاعِ) الْوَدَاعُ بِفَتْحِ الْوَاوِ اسْمٌ لِلتَّوْدِيعِ كَسَلَامٍ وَكَلَامٍ

(وَهُوَ وَاجِبٌ عِنْدَنَا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلْيَكُنْ آخِرَ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ الطَّوَافُ» وَرَخَّصَ لِلنِّسَاءِ الْحُيَّضِ تَرْكَهُ. قَالَ (إلَّا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ) لِأَنَّهُمْ لَا يُصْدَرُونَ وَلَا يُوَدِّعُونَ، وَلَا رَمَلَ فِيهِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ شُرِعَ مَرَّةً وَاحِدَةً. وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ بَعْدَهُ لِمَا قَدَّمْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ وَاجِبٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) فَإِنَّهُ عِنْدَهُ سُنَّةٌ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ طَوَافِ الْقُدُومِ، أَلَا تَرَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَأْتِي بِهِ الْآفَاقِيُّ دُونَ الْمَكِّيِّ وَمَا هُوَ مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ فَالْآفَاقِيُّ وَالْمَكِّيُّ فِيهِ سَوَاءٌ (وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلْيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ» وَأَنَّهُ رَخَّصَ لِلنِّسَاءِ الْحَيْضَ) وَذَلِكَ أَيْضًا دَلِيلُ الْوُجُوبِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِ الرُّخْصَةِ بِالْحَيْضِ فَائِدَةٌ وَالْمَكِّيُّ وَالْآفَاقِيُّ فِي وَاجِبَاتِ الْحَجِّ سَوَاءٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ مُشْتَرَكَةً وَهَاهُنَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ لِأَنَّ عِلَّةَ هَذَا الطَّوَافِ التَّوْدِيعُ وَلَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي الْمَكِّيِّ وَلَا فِي حَقِّ مَنْ هُوَ فِيمَا وَرَاءَ الْمِيقَاتِ وَلَا فِي حَقِّ مَنْ اتَّخَذَ مَكَّةَ دَارًا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَخْرُجَ. لَا يُقَالُ: لَوْ كَانَ وَاجِبًا لِلْوَدَاعِ لَوَجَبَ عَلَى الْمُعْتَمِرِ الْآفَاقِيِّ لِأَنَّ رُكْنَ الْعُمْرَةِ هُوَ الطَّوَافُ فَكَيْفَ يَصِيرُ مِثْلَ رُكْنِهِ تَبَعًا لَهُ؟ . وَقَوْلُهُ (لِمَا قَدَّمْنَا) يَعْنِي فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَلِيُصَلِّ الطَّائِفُ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ» . وَقَوْلُهُ لِأَنَّ خَتْمَ كُلِّ طَوَافٍ بِرَكْعَتَيْنِ فَرْضًا كَانَ الطَّوَافُ أَوْ نَفْلًا.

[فصل في فضل ماء زمزم]

(ثُمَّ يَأْتِي زَمْزَمَ فَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اسْتَقَى دَلْوًا بِنَفْسِهِ فَشَرِبَ مِنْهُ ثُمَّ أَفْرَغَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصَلِّ فِي فَضْل مَاء زَمْزَم] وَقَوْلُهُ (وَيَأْتِي زَمْزَمَ) أَيْ بَعْدَ تَقْبِيلِ الْعَتَبَةِ وَإِتْيَانِهِ الْمُلْتَزَمَ وَإِلْصَاقِهِ خَدَّهُ بِجِدَارِ الْكَعْبَةِ يَأْتِي زَمْزَمَ فَشَرِبَ مِنْ مَائِهِ وَيَصُبُّ مِنْهُ

بَاقِيَ الدَّلْوِ فِي الْبِئْرِ» وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ الْبَابَ وَيُقَبِّلُ الْعَتَبَةَ (ثُمَّ يَأْتِي الْمُلْتَزَمَ، وَهُوَ مَا بَيْنَ الْحَجَرِ إلَى الْبَابِ فَيَضَعُ صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ عَلَيْهِ وَيَتَشَبَّثُ بِالْأَسْتَارِ سَاعَةً ثُمَّ يَعُودُ إلَى أَهْلِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

هَكَذَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ بِالْمُلْتَزَمِ ذَلِكَ. قَالُوا: وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْصَرِفَ وَهُوَ يَمْشِي وَرَاءَهُ وَوَجْهُهُ إلَى الْبَيْتِ مُتَبَاكِيًا مُتَحَسِّرًا عَلَى فِرَاقِ الْبَيْتِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ. فَهَذَا بَيَانُ تَمَامِ الْحَجِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى جَسَدِهِ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك رِزْقًا وَاسِعًا وَعِلْمًا نَافِعًا وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ. وَقَوْلُهُ (فَهَذَا بَيَانُ تَمَامِ الْحَجِّ) يَعْنِي الْحَجَّ الَّذِي أَرَادَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِقَوْلِهِ «مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

[فصل في دخول مكة]

(فَصْلٌ) (فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ الْمُحْرِمُ مَكَّةَ وَتَوَجَّهَ إلَى عَرَفَاتٍ وَوَقَفَ بِهَا) عَلَى مَا بَيَّنَّا (سَقَطَ عَنْهُ طَوَافُ الْقُدُومِ) لِأَنَّهُ شُرِعَ فِي ابْتِدَاءِ الْحَجِّ عَلَى وَجْهٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ سَائِرُ الْأَفْعَالِ، فَلَا يَكُونُ الْإِتْيَانُ بِهِ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْوَجْهِ سُنَّةً (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِتَرْكِهِ) لِأَنَّهُ سُنَّةٌ، وَبِتَرْكِ السُّنَّةِ لَا يَجِبُ الْجَابِرُ (وَمَنْ أَدْرَكَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ مَا بَيْنَ زَوَالِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِهَا إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ) فَأَوَّلُ وَقْتِ الْوُقُوفِ بَعْدَ الزَّوَالِ عِنْدَنَا لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَفَ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَهَذَا بَيَانُ أَوَّلِ الْوَقْتِ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ بِلَيْلٍ فَقَدْ أَدْرَكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصَلِّ فِي دُخُول مَكَّة] فَصْلٌ) لَمَّا ذَكَرَ أَفْعَالَ الْحَجِّ عَلَى التَّرْتِيبِ وَأَتَمَّهَا أَلْحَقَ مَسَائِلَ شَتَّى مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ (فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ الْمُحْرِمُ مَكَّةَ وَتَوَجَّهَ إلَى عَرَفَاتٍ وَوَقَفَ بِهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا) مِنْ أَحْكَامِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ (سَقَطَ عَنْهُ طَوَافُ الْقُدُومِ) عَلَى

الْحَجَّ، وَمَنْ فَاتَهُ عَرَفَةُ بِلَيْلٍ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ» وَهَذَا بَيَانُ آخِرِ الْوَقْتِ. وَمَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ كَانَ يَقُولُ: إنَّ أَوَّلَ وَقْتِهِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَهُوَ مَحْجُوجٌ عَلَيْهِ بِمَا رَوَيْنَا (ثُمَّ إذَا وَقَفَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَأَفَاضَ مِنْ سَاعَتِهِ أَجْزَأَهُ) عِنْدَنَا لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَهُ بِكَلِمَةٍ أَوْ فَإِنَّهُ قَالَ «الْحَجُّ عَرَفَةَ فَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ سَاعَةً مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ قَدْ تَمَّ حَجُّهُ» وَهِيَ كَلِمَةُ التَّخْيِيرِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُجْزِيهِ إلَّا أَنْ يَقِفَ فِي الْيَوْمِ وَجُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ، وَلَكِنَّ الْحُجَّةَ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَمَنْ أَدْرَكَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ (وَمَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَانَ يَقُولُ: إنَّ أَوَّلَ وَقْتِهِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْحَجُّ عَرَفَةَ، فَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ سَاعَةً مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» وَالنَّهَارُ اسْمٌ لِلْوَقْتِ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ (وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِمَا رَوَيْنَا) أَنَّهُ وَقَفَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَكَانَ مُبَيِّنًا وَقْتَ الْوُقُوفِ بِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ابْتِدَاءَ الْوُقُوفِ بَعْدَ الزَّوَالِ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ إذَا وَقَفَ بَعْدَ الزَّوَالِ) ظَاهِرٌ (وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُجْزِيهِ إلَّا أَنْ يَقِفَ فِي الْيَوْمِ وَجُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ) وَذَلِكَ بِأَنْ تَكُونَ إفَاضَتُهُ بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ بِلَيْلٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَمَنْ فَاتَهُ عَرَفَةُ بِلَيْلٍ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ» وَقُلْنَا: هَذِهِ الزِّيَادَةُ غَيْرُ مَشْهُورَةٍ، وَإِنَّمَا الْمَشْهُورُ: «مَنْ فَاتَهُ عَرَفَةُ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ» وَفِيمَا

(وَمَنْ اجْتَازَ بِعَرَفَاتٍ نَائِمًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا عَرَفَاتٌ جَازَ عَنْ الْوُقُوفِ) لِأَنَّ مَا هُوَ الرُّكْنُ قَدْ وُجِدَ وَهُوَ الْوُقُوفُ، وَلَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ بِالْإِغْمَاءِ وَالنَّوْمِ كَرُكْنِ الصَّوْمِ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا لَا تَبْقَى مَعَ الْإِغْمَاءِ، وَالْجَهْلُ يُخِلُّ بِالنِّيَّةِ وَهِيَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِكُلِّ رُكْنٍ (وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَأَهَلَّ عَنْهُ رُفَقَاؤُهُ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَالَا: لَا يَجُوزُ، وَلَوْ أَمَرَ إنْسَانًا بِأَنْ يُحْرِمَ عَنْهُ إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ نَامَ فَأَحْرَمَ الْمَأْمُورُ عَنْهُ صَحَّ) بِالْإِجْمَاعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQرَوَيْنَا وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سَاعَةٌ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بِنَفْسِ الْوُقُوفِ فِي جُزْءٍ مِنْ وَقْتِهِ يَصِيرُ مُدْرِكًا فَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ اجْتَازَ بِعَرَفَاتٍ نَائِمًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَالْجَهْلُ يُخِلُّ بِالنِّيَّةِ وَهِيَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِكُلِّ رُكْنٍ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْجَهْلُ يُخِلُّ بِالنِّيَّةِ لَا مَحَالَةَ، وَالْإِخْلَالُ بِهَا إخْلَالٌ بِالْحَجِّ لِكَوْنِهَا شَرْطًا، وَتَقْرِيرُهُ: سَلَّمْنَا أَنَّ الْجَهْلَ يُخِلُّ بِالنِّيَّةِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِخْلَالَ بِهَا إخْلَالٌ بِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ أَنْ لَوْ كَانَتْ شَرْطًا لِكُلِّ رُكْنٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ إذَا كَانَتْ مَوْجُودَةً عِنْدَ أَصْلِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ وَهُوَ الْإِحْرَامُ حَقِيقَةً أَوْ دَلَالَةً اُسْتُغْنِيَ عَنْهَا عِنْدَ وُجُودِ كُلِّ رُكْنٍ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ صَارِفٌ. وَإِنَّمَا قُلْنَا إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ صَارِفٌ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا طَافَ بِالْبَيْتِ هَارِبٌ أَوْ طَالِبُ غَرِيمٍ وَلَمْ يَنْوِ الطَّوَافَ عَنْ الْحَجِّ فَإِنَّهُ لَمْ يُجْزِهِ، وَإِنْ كَانَتْ النِّيَّةُ مَوْجُودَةً عِنْدَ الْإِحْرَامِ لِأَنَّ قَصْدَهُ الْهُرُوبُ أَوْ اللُّحُوقُ، وَذَلِكَ صَارِفٌ لَهُ عَنْ النِّيَّةِ السَّابِقَةِ لِأَنَّهَا لِكَوْنِهَا بَاقِيَةً بِالِاسْتِصْحَابِ ضَعِيفَةً تَنْصَرِفُ بِصَارِفٍ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَأَهَلَّ عَنْهُ رُفَقَاؤُهُ) اتَّفَقَ عُلَمَاؤُنَا أَنَّ الْإِحْرَامَ يَقْبَلُ النِّيَابَةَ حَتَّى لَوْ أَمَرَ إنْسَانًا أَنْ يُحْرِمَ عَنْهُ إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ نَامَ فَفَعَلَ صَحَّ عِنْدَهُمْ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ بِمَنْزِلَةِ الْوُضُوءِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَلَيْسَ بِنُسُكٍ فَاسْتَقَامَ النِّيَابَةُ بَعْدَ وُجُودِ نِيَّةِ الْعِبَادَةِ مِنْهُ وَهُوَ خُرُوجُهُ لِحَجِّ الْبَيْتِ. وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ عَقْدَ الرُّفْقَةِ اسْتِنَابَةٌ كَالْإِذْنِ بِهِ أَوْ لَا، فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهُ اسْتِنَابَةٌ كَالْإِذْنِ بِهِ وَقَالَا: لَيْسَ بِاسْتِنَابَةٍ. وَصُورَةُ ذَلِكَ أَنْ يُحْرِمَ عَنْهُ الرُّفَقَاءُ نِيَابَةً مَعَ أَنَّهُمْ أَحْرَمُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ أَيْضًا فَيَصِيرُ الرَّفِيقُ مُحْرِمًا عَنْ نَفْسِهِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَمُحْرِمًا عَنْهُ أَيْضًا بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ كَالْأَبِ يُحْرِمُ عَنْ ابْنٍ صَغِيرٍ مَعَهُ

حَتَّى إذَا أَفَاقَ أَوْ اسْتَيْقَظَ وَأَتَى بِأَفْعَالِ الْحَجِّ جَازَ. لَهُمَا أَنَّهُ لَمْ يُحْرِمْ بِنَفْسِهِ وَلَا أَذِنَ لِغَيْرِهِ بِهِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْإِذْنِ وَالدَّلَالَةُ تَقِفُ عَلَى الْعِلْمِ، وَجَوَازُ الْإِذْنِ بِهِ لَا يَعْرِفُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ فَكَيْفَ يَعْرِفُهُ الْعَوَامُّ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَ غَيْرَهُ بِذَلِكَ صَرِيحًا. وَلَهُ أَنَّهُ لَمَّا عَاقَدَهُمْ عَقْدَ الرُّفْقَةِ فَقَدْ اسْتَعَانَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِيمَا يَعْجِزُ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ. وَالْإِحْرَامُ هُوَ الْمَقْصُودُ بِهَذَا السَّفَرِ فَكَانَ الْإِذْنُ بِهِ ثَابِتًا دَلَالَةً، وَالْعِلْمُ ثَابِتٌ نَظَرًا إلَى الدَّلِيلِ وَالْحُكْمُ يُدَارُ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَكَانَ الْمُحْرِمُ حُكْمًا فِي إحْرَامِ النِّيَابَةِ هُوَ الْمَنُوبَ لَا النَّائِبَ، وَعِبَادَةُ النَّائِبِ فِيهِ كَعِبَادَةِ الْمَنُوبِ، حَتَّى لَوْ أَصَابَ النَّائِبُ صَيْدًا كَانَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ مِنْ قِبَلِ إهْلَالِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ إهْلَالِهِ عَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الرَّفِيقَ إذَا كَانَ مُحْرِمًا عَنْ نَفْسِهِ فَبِإِحْرَامِهِ عَنْ غَيْرِهِ يَلْزَمُ تَدَاخُلُ الْإِحْرَامَيْنِ وَالثَّانِي أَنَّهُمْ شَبَّهُوا الْإِحْرَامَ بِالْوُضُوءِ فِي قَبُولِ النِّيَابَةِ، وَلَيْسَ مِثْلَهُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا تَوَضَّأَ لَا يَكُونُ غَيْرُهُ بِهِ مُتَوَضِّئًا وَإِنْ نَوَى التَّوَضُّؤَ عَنْهُ، وَهَاهُنَا يَصِيرُ غَيْرُهُ مُحْرِمًا بِإِحْرَامِهِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ التَّدَاخُلَ إنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لَوْ كَانَ الْمُحْرِمُ هُوَ النَّائِبَ فِي الْإِحْرَامَيْنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُحْرِمُ فِي إحْرَامِهِ النِّيَابَةُ هُوَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ لَا النَّائِبُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ التَّشْبِيهَ بِالْوُضُوءِ فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَرْطٌ يَحْتَمِلُ النِّيَابَةَ، وَلَكِنَّ النِّيَابَةَ فِي الْوُضُوءِ بِالتَّوْضِئَةِ بِأَنْ يُجْرِيَ الْمَاءَ عَلَى أَعْضَاءِ الْمَنُوبِ فَيَصِحُّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ، وَفِي هَذَا يَتَوَلَّى النَّائِبُ الْإِحْرَامَ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ فَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ (إذَا أَفَاقَ أَوْ اسْتَيْقَظَ وَأَتَى بِأَفْعَالِ الْحَجِّ جَازَ) عِنْدَهُ كَمَا لَوْ أَمَرَ بِهِ (لَهُمَا أَنَّهُ لَمْ يُحْرِمْ بِنَفْسِهِ وَلَا أَذِنَ لِغَيْرِهِ بِهِ) وَكُلُّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ لَيْسَ بِمُحْرِمٍ لَا مَحَالَةَ، أَمَّا أَنَّهُ لَمْ يُحْرِمْ بِنَفْسِهِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا أَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لِغَيْرِهِ فَلِأَنَّ الْإِذْنَ إمَّا أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً وَهُوَ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْإِذْنِ إذْ هُوَ الْمَفْرُوضُ، وَمَا ثَمَّةَ دَلَالَةٌ لِأَنَّهَا تَقِفُ عَلَى الْعِلْمِ بِجَوَازِ الْإِذْنِ بِالْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِجَوَازِهِ لَا يُقْدِمُ عَلَيْهِ (وَجَوَازُ الْإِذْنِ بِهِ لَا يَعْرِفُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ فَكَيْفَ يَعْرِفُهُ الْعَوَامُّ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَ غَيْرَهُ بِذَلِكَ صَرِيحًا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِذْنَ ثَابِتٌ دَلَالَةً، لِأَنَّهُ لَمَّا عَاقَدَهُمْ عَقْدَ الرُّفْقَةِ فَقَدْ اسْتَعَانَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِيمَا يَعْجِزُ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ) وَقَدْ عَجَزَ عَنْ مُبَاشَرَةِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِهَذَا السَّفَرِ وَهُوَ الْإِحْرَامُ فَكَانَ مُسْتَعِينًا بِهِمْ عَلَى تَحْصِيلِهِ، وَالِاسْتِعَانَةُ إذْنٌ بِالْإِعَانَةِ لَا مَحَالَةَ (فَكَانَ الْإِذْنُ بِهِ ثَابِتًا دَلَالَةً) وَقَوْلُهُ (وَالْعِلْمُ ثَابِتٌ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا وَالدَّلَالَةُ تَقِفُ عَلَى الْعِلْمِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْعِلْمَ إذَا كَانَ شَرْطَ الدَّلَالَةِ فَهُوَ ثَابِتٌ نَظَرًا إلَى الدَّلِيلِ وَهُوَ عَقْدُ الرُّفْقَةِ، وَالْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى الدَّلِيلِ فَيَثْبُتُ الْإِذْنُ دَلَالَةً، وَالدَّلَالَةُ تَعْمَلُ عَمَلَ الصَّرِيحِ إذَا لَمْ يُخَالِفْهَا صَرِيحٌ. فَإِنْ قُلْت: هَذَا حُكْمُ الْإِحْرَامِ فَمَا حُكْمُ سَائِرِ الْمَنَاسِكِ؟ قُلْت: الْأَصَحُّ أَنَّ نِيَابَتَهُمْ عَنْهُ فِي أَدَائِهِ صَحِيحَةٌ، إلَّا أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقِفُوا بِهِ وَأَنْ يَطُوفُوا بِهِ لِيَكُونَ أَقْرَبَ إلَى أَدَائِهِ لَوْ كَانَ مُفِيقًا. وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ فَقَالَ: إنَّمَا صَحَّتْ النِّيَابَةُ فِي الْإِحْرَامِ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ وَهُوَ لَيْسَ بِمُتَحَقِّقٍ فِي الْأَفْعَالِ، لِأَنَّهُمْ إذَا أَحْضَرُوهُ الْمَوَاقِفَ كَانَ هُوَ الْوَاقِفَ، وَإِذَا طَافُوا بِهِ كَانَ هُوَ الطَّائِفَ. فَإِنْ قُلْت: هَلْ لِتَقْيِيدِ الْإِهْلَالِ بِالرُّفَقَاءِ فَائِدَةٌ؟ قُلْت.

قَالَ (وَالْمَرْأَةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ كَالرَّجُلِ) لِأَنَّهَا مُخَاطَبَةٌ كَالرَّجُلِ (غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَكْشِفُ رَأْسَهَا) لِأَنَّهُ عَوْرَةٌ (وَتَكْشِفُ وَجْهَهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQاُخْتُلِفَ فِيهِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيُّ: كَانَ يَقُولُ الْجَصَّاصُ: لَا يَجُوزُ إحْرَامُ غَيْرِ الرُّفَقَاءِ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: الرُّفَقَاءُ وَغَيْرُهُمْ فِي الْجَوَازِ سَوَاءٌ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْإِعَانَةِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وَالرُّفَقَاءُ وَغَيْرُهُمْ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. قَالَ (وَالْمَرْأَةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ كَالرَّجُلِ) الْمَرْأَةُ فِي جَمِيعِ مَنَاسِكِ الْحَجِّ كَالرَّجُلِ لِأَنَّ الْخِطَابَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] يَتَنَاوَلُ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ فَتَفْعَلُ مِثْلَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا يَفْعَلُ الرَّجُلُ إلَّا أَشْيَاءَ ذَكَرَهَا فِي الْكِتَابِ: لَا تَكْشِفُ رَأْسَهَا وَتَكْشِفُ وَجْهَهَا وَلَا تَرْفَعُ صَوْتَهَا بِالتَّلْبِيَةِ، وَلَا تَرْمُلُ وَلَا تَسْعَى بَيْنَ الْمِيلَيْنِ، وَلَا تَحْلِقُ وَلَكِنْ تُقَصِّرُ، وَتَلْبَسُ مَا بَدَا لَهَا مِنْ الْمَخِيطِ مِنْ الْقَمِيصِ وَالدِّرْعِ وَالْخِمَارِ وَالْخُفَّيْنِ وَالْقُفَّازَيْنِ، وَلَا تَسْتَلِمُ الْحَجَرَ إذَا كَانَ هُنَاكَ جَمْعٌ إلَّا أَنْ تَجِدَ الْمَوْضِعَ خَالِيًا. وَوَجْهُ جَمِيعِ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ.

لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا» (وَلَوْ سَدَلَتْ شَيْئًا عَلَى وَجْهِهَا وَجَافَتْهُ عَنْهُ جَازَ) هَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِظْلَالِ بِالْمُحْمَلِ (وَلَا تَرْفَعُ صَوْتَهَا بِالتَّلْبِيَةِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْفِتْنَةِ (وَلَا تَرْمُلُ وَلَا تَسْعَى بَيْنَ الْمِيلَيْنِ) لِأَنَّهُ مُخِلٌّ بِسِتْرِ الْعَوْرَةِ (وَلَا تَحْلِقُ وَلَكِنْ تُقَصِّرُ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى النِّسَاءَ عَنْ الْحَلْقِ وَأَمَرَهُنَّ بِالتَّقْصِيرِ» وَلِأَنَّ حَلْقَ الشَّعْرِ فِي حَقِّهَا مُثْلَةٌ كَحَلْقِ اللِّحْيَةِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ (وَتَلْبَسُ مِنْ الْمَخِيطِ مَا بَدَا لَهَا) لِأَنَّ فِي لُبْسِ غَيْرِ الْمَخِيطِ كَشْفُ الْعَوْرَةِ. قَالُوا: وَلَا تَسْتَلِمُ الْحَجَرَ إذَا كَانَ هُنَاكَ جَمْعٌ، لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ عَنْ مُمَاسَّةِ الرِّجَالِ إلَّا أَنْ تَجِدَ الْمَوْضِعَ خَالِيًا. قَالَ (وَمَنْ قُلِّدَ بَدَنَةً تَطَوُّعًا أَوْ نَذْرًا أَوْ جَزَاءَ صَيْدٍ أَوْ شَيْئًا مِنْ الْأَشْيَاءِ وَتَوَجَّهَ مَعَهَا يُرِيدُ الْحَجَّ فَقَدْ أَحْرَمَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَلَّدَ بَدَنَةً فَقَدْ أَحْرَمَ» وَلِأَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ فِي مَعْنَى التَّلْبِيَةِ فِي إظْهَارِ الْإِجَابَةِ لِأَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ إلَّا مَنْ يُرِيدُ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ، وَإِظْهَارُ الْإِجَابَةِ قَدْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَمَنْ قَلَّدَ بَدَنَةً تَطَوُّعًا أَوْ نَذْرًا أَوْ جَزَاءَ صَيْدٍ) يَعْنِي صَيْدًا قَتَلَهُ فِي إحْرَامٍ مَاضٍ (أَوْ شَيْئًا مِنْ الْأَشْيَاءِ) كَبَدَنَةِ الْمُتْعَةِ أَوْ الْقِرَانِ (وَتَوَجَّهَ مَعَهَا يُرِيدُ الْحَجَّ فَقَدْ أَحْرَمَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَلَّدَ بَدَنَةً فَقَدْ أَحْرَمَ» وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِحْرَامَ عِنْدَنَا لَا يَنْعَقِدُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ انْضِمَامِ شَيْءٍ آخَرَ إلَيْهَا كَتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ فِي الصَّلَاةِ، وَتَقْلِيدُ الْبَدَنَةِ وَالتَّوَجُّهُ مَعَهَا إلَى الْحَجِّ يَقُومُ مَقَامَ التَّلْبِيَةِ (وَلِأَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ فِي مَعْنَى التَّلْبِيَةِ فِي إظْهَارِ إجَابَةِ دُعَاءِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ إلَّا مَنْ يُرِيدُ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ) قِيلَ قَوْلُهُ وَإِظْهَارُ الْإِجَابَةِ مَعْطُوفٌ عَلَى اسْمِ إنَّ إنْ قُرِئَ مَنْصُوبًا، وَعَلَى مَحَلِّهِ إنْ قُرِئَ مَرْفُوعًا، فَهُوَ دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى كَوْنِ السَّوْقِ فِي مَعْنَى التَّلْبِيَةِ. وَأَقُولُ: هُوَ مِنْ تَمَامِ الْأَوَّلِ. وَتَقْرِيرُهُ: الْمَقْصُودُ مِنْ التَّلْبِيَةِ إظْهَارُ الْإِجَابَةِ، وَإِظْهَارُ الْإِجَابَةِ قَدْ يَكُونُ بِالْفِعْلِ كَمَا يَكُونُ

يَكُونُ بِالْفِعْلِ كَمَا يَكُونُ بِالْقَوْلِ فَيَصِيرُ بِهِ مُحْرِمًا لِاتِّصَالِ النِّيَّةِ بِفِعْلٍ وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْإِحْرَامِ. وَصِفَةُ التَّقْلِيدِ أَنْ يَرْبِطَ عَلَى عُنُقِ بَدَنَتِهِ قِطْعَةَ نَعْلٍ أَوْ عُرْوَةَ مُزَادَةٍ أَوْ لِحَاءَ شَجَرَةٍ (فَإِنْ قَلَّدَهَا وَبَعَثَ بِهَا وَلَمْ يَسْقِهَا لَمْ يَصِرْ مُحْرِمًا) لِمَا رُوِيَ عَنْ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْت أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَبَعَثَ بِهَا وَأَقَامَ فِي أَهْلِهِ حَلَالًا» (فَإِنْ تَوَجَّهَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَصِرْ مُحْرِمًا حَتَّى يُلْحِقَهَا) لِأَنَّ عِنْدَ التَّوَجُّهِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ هَدْيٌ يَسُوقُهُ لَمْ يُوجَدْ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْقَوْلِ. أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ يَا فُلَانُ فَإِجَابَتُهُ تَارَةً تَكُونُ بِلَبَّيْكَ وَتَارَةً بِالْحُضُورِ وَالِامْتِثَالِ بَيْنَ يَدَيْهِ (فَيَصِيرُ بِهِ) أَيْ بِالسَّوْقِ (مُحْرِمًا لِاتِّصَالِ النِّيَّةِ بِفِعْلٍ هُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْإِحْرَامِ) فَحَصَلَ الْإِجَابَةُ لَبَّى أَوْ لَمْ يُلَبِّ، وَإِنَّمَا قَالَ بَدَنَةً لِأَنَّ الْغَنَمَ لَا تُقَلَّدُ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّقْلِيدَ لِئَلَّا يُمْنَعَ مِنْ الْمَاءِ وَالْعَلَفِ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ هَدْيٌ، وَهَذَا فِيمَا يَغِيبُ عَنْ صَاحِبِهِ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ صَاحِبُهُ يَضِيعُ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ قَلَّدَهَا وَبَعَثَ بِهَا) ظَاهِرٌ وَكَانَتْ الصَّحَابَةُ مُخْتَلِفِينَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إذَا قَلَّدَهَا صَارَ مُحْرِمًا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إذَا تَوَجَّهَ فِي أَثَرِهَا صَارَ مُحْرِمًا. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إذَا أَدْرَكَهَا وَسَاقَهَا صَارَ مُحْرِمًا، فَأَخَذْنَا بِالْمُتَيَقَّنِ وَقُلْنَا إذَا أَدْرَكَهَا وَسَاقَهَا

مِنْهُ إلَّا مُجَرَّدَ النِّيَّةِ، وَبِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا، فَإِذَا أَدْرَكَهَا وَسَاقَهَا أَوْ أَدْرَكَهَا فَقَدْ اقْتَرَنَتْ نِيَّتُهُ بِعَمَلٍ هُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْإِحْرَامِ فَيَصِيرُ مُحْرِمًا كَمَا لَوْ سَاقَهَا فِي الِابْتِدَاءِ. قَالَ (إلَّا فِي بَدَنَةِ الْمُتْعَةِ فَإِنَّهُ مُحْرِمٌ حِينَ تَوَجَّهَ) مَعْنَاهُ إذَا نَوَى الْإِحْرَامَ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَجْهُ الْقِيَاسِ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذَا الْهَدْيَ مَشْرُوعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ نُسُكًا مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَضْعًا لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِمَكَّةَ، وَيَجِبُ شُكْرًا لِلْجَمْعِ بَيْنَ أَدَاءِ النُّسُكَيْنِ، وَغَيْرُهُ قَدْ يَجِبُ بِالْجِنَايَةِ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى مَكَّةَ فَلِهَذَا اكْتَفَى فِيهِ بِالتَّوَجُّهِ، وَفِي غَيْرِهِ تَوَقُّفٌ عَلَى حَقِيقَةِ الْفِعْلِ (فَإِنْ جَلَّلَ بَدَنَةً أَوْ أَشْعَرَهَا أَوْ قَلَّدَ شَاةً لَمْ يَكُنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQصَارَ مُحْرِمًا لِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. وَقَوْلُهُ (فَإِذَا أَدْرَكَهَا وَسَاقَهَا أَوْ أَدْرَكَهَا) رَدَّدَ بَيْنَ السَّوْقِ وَعَدَمِهِ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ قَدْ اخْتَلَفَتْ فِيهِ. شَرَطَ فِي الْمَبْسُوطِ السَّوْقَ مَعَ اللُّحُوقِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ السَّوْقَ بَعْدَ اللُّحُوقِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالْمُصَنِّفُ جَمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ. وَقَوْلُهُ (فَقَدْ اقْتَرَنَتْ نِيَّتُهُ بِعَمَلٍ هُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْإِحْرَامِ) أَمَّا إذَا سَاقَ الْهَدْيَ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا إذَا أَدْرَكَ وَلَمْ يَسُقْ وَسَاقَ غَيْرُهُ فَلِأَنَّ فِعْلَ الْوَكِيلِ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ كَفِعْلِ الْمُوَكِّلِ. وَقَوْلُهُ (إلَّا فِي بَدَنَةِ الْمُتْعَةِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لَمْ يَصِرْ مُحْرِمًا حَتَّى يَلْحَقَهَا. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هَاهُنَا قَيْدٌ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ وَهُوَ أَنَّهُ فِي بَدَنَةِ الْمُتْعَةِ إنَّمَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِالتَّقْلِيدِ وَالتَّوَجُّهِ إذَا حَصَلَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَإِنْ حَصَلَا فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا مَا لَمْ يُدْرِكْ الْهَدْيَ وَيَسِرْ مَعَهُ، هَكَذَا فِي الرُّقَيَّاتِ لِأَنَّ تَقْلِيدَ هَدْيِ الْمُتْعَةِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ الْمُتْعَةِ، وَأَفْعَالُ الْمُتْعَةِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا يُعْتَدُّ بِهَا فَيَكُونُ تَطَوُّعًا، وَفِي هَدْيِ التَّطَوُّعِ مَا لَمْ يُدْرِكْ وَيَسِرْ مَعَهُ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا، كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ. وَقَوْلُهُ (وَجْهُ الْقِيَاسِ مَا ذَكَرْنَاهُ) يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إلَّا مُجَرَّدُ النِّيَّةِ إلَخْ. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (عَلَى الِابْتِدَاءِ) احْتِزَازٌ عَمَّا وَجَبَ جَزَاءً. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِمَكَّةَ) دَلِيلُ كَوْنِهِ نُسُكًا. وَقَوْلُهُ (وَيَجِبُ شُكْرًا لِلْجَمْعِ بَيْنَ أَدَاءِ النُّسُكَيْنِ) بَيَانُ اخْتِصَاصِهِ بِمَكَّةَ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَكَّةَ فَكَانَ هَدْيُ الْمُتْعَةِ مُخْتَصًّا بِمَكَّةَ (وَغَيْرُهُ قَدْ يَجِبُ بِالْجِنَايَةِ) بِأَنْ أَصَابَ صَيْدًا قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى مَكَّةَ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ جَلَّلَ بَدَنَةً أَوْ أَشْعَرَهَا) التَّجْلِيلُ: إلْبَاسُ الْجَلِّ، وَإِشْعَارُ الْبَدَنَةِ: إعْلَامُهَا بِشَيْءٍ أَنَّهَا هَدْيٌ، مِنْ الشِّعَارِ: وَهُوَ

مُحْرِمًا) لِأَنَّ التَّجْلِيلَ لِدَفْعِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالذُّبَابِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ خَصَائِصِ الْحَجِّ. وَالْإِشْعَارُ مَكْرُوهٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلَا يَكُونُ مِنْ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ. وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ حَسَنًا فَقَدْ يُفْعَلُ لِلْمُعَالَجَةِ، بِخِلَافِ التَّقْلِيدِ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْهَدْيِ، وَتَقْلِيدُ الشَّاةِ غَيْرُ مُعْتَادٍ وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ أَيْضًا. قَالَ (وَالْبُدْنُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مِنْ الْإِبِلِ خَاصَّةً لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ الْجُمُعَةِ «فَالْمُتَعَجِّلُ مِنْهُمْ كَالْمُهْدِي بَدَنَةً، وَاَلَّذِي يَلِيه كَالْمُهْدِي بَقَرَةً» فَصَلَ بَيْنَهُمَا. وَلَنَا أَنَّ الْبَدَنَةَ تُنْبِئُ عَنْ الْبَدَانَةِ وَهِيَ الضَّخَامَةُ، وَقَدْ اشْتَرَكَا فِي هَذَا الْمَعْنَى وَلِهَذَا يُجْزِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ سَبْعَةٍ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَةِ فِي الْحَدِيثِ «كَالْمُهْدِي جَزُورًا» وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَلَامَةُ، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَالصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَةِ فِي الْحَدِيثِ «كَالْمُهْدِي جَزُورًا» يَعْنِي فِي مَوْضِعِ الْبَدَنَةِ: وَلَئِنْ ثَبَتَتْ تِلْكَ الرِّوَايَةُ الَّتِي رَوَاهَا. قُلْنَا: التَّمْيِيزُ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ بِالْعَطْفِ لَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَافِ الْجِنْسِيَّةِ، وَكَذَا التَّخْصِيصُ بِاسْمٍ خَاصٍّ لَا يَمْنَعُ الدُّخُولَ تَحْتَ اسْمِ الْعَامِّ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98]

[باب القران]

(الْقِرَانُ أَفْضَلُ مِنْ التَّمَتُّعِ وَالْإِفْرَادِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْقِرَانِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الْمُفْرَدِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْمُرَكَّبِ وَهُوَ الْقِرَانُ وَالتَّمَتُّعُ، إلَّا أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ مِنْ التَّمَتُّعِ فَقَدَّمَهُ فِي الذِّكْرِ. اعْلَمْ أَنَّ الْمُحْرِمَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ: مُفْرِدٌ بِالْحَجِّ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَمُفْرِدٌ بِالْعُمْرَةِ وَهُوَ مَنْ يَنْوِي الْعُمْرَةَ بِقَلْبِهِ وَيَقُولُ:

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْإِفْرَادُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ يَأْتِي بِأَفْعَالِهَا، وَقَارِنٌ وَهُوَ مَنْ يَجْمَعُ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ فَيَنْوِيهِمَا وَيَقُولُ: لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَيَأْتِي بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ ثُمَّ بِأَفْعَالِ الْحَجِّ مِنْ غَيْرِ تَحَلُّلٍ بَيْنَهُمَا، وَمُتَمَتِّعٌ وَهُوَ مَنْ يَأْتِي بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ بِأَكْثَرِ طَوَافِهَا ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ وَيَحُجُّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ عَلَى وَصْفِ الصِّحَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلِمَّ بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا. وَالْقِرَانُ أَفْضَلُ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ عِنْدَنَا (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْإِفْرَادُ) أَيْ إفْرَادُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِإِحْرَامٍ عَلَى حِدَةٍ

أَفْضَلُ. وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَانِ لِأَنَّ لَهُ ذِكْرًا فِي الْقُرْآنِ وَلَا ذِكْرَ لِلْقِرَانِ فِيهِ. وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَفْضَلُ، وَقَالَ مَالِكٌ: التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَانِ لِأَنَّ لَهُ ذِكْرًا فِي الْقُرْآنِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] (وَلَا ذِكْرَ لِلْقِرَانِ فِيهِ) وَلِلشَّافِعِيِّ حَدِيثُ عَائِشَةَ: «إنَّمَا أَجْرُك عَلَى قَدْرِ نَصَبِك» وَإِنَّمَا الْقِرَانُ رُخْصَةٌ وَالْإِفْرَادُ عَزِيمَةٌ

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْقِرَانُ رُخْصَةٌ» وَلِأَنَّ فِي الْإِفْرَادِ زِيَادَةَ التَّلْبِيَةِ وَالسَّفَرَ وَالْحَلْقَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْأَخْذُ بِالْعَزِيمَةِ أَوْلَى (وَلِأَنَّ فِي الْإِفْرَادِ زِيَادَةَ الْإِحْرَامِ وَالسَّفَرِ وَالْحَلْقِ) فَإِنَّ الْقَارِنَ يُؤَدِّي النُّسُكَيْنِ بِسَفَرٍ وَاحِدٍ

وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَا آلَ مُحَمَّدٍ أَهِلُّوا بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا» ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيُلَبِّي لَهُمَا تَلْبِيَةً وَاحِدَةً وَيَحْلِقُ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَالْمُفْرِدُ يُؤَدِّي كُلَّ نُسُكٍ بِصِفَةِ الْكَمَالِ وَالْأَخْذُ بِصِفَةِ الْكَمَالِ أَوْلَى (وَلَنَا) مَا رَوَى الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْآثَارِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَالَ «يَا آلَ مُحَمَّدٍ أَهِلُّوا بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا» وَلِأَنَّ

وَلِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ فَأَشْبَهَ الصَّوْمَ مَعَ الِاعْتِكَافِ وَالْحِرَاسَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَعَ صَلَاةِ اللَّيْلِ. وَالتَّلْبِيَةُ غَيْرُ مَحْصُورَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْقِرَانِ جَمْعًا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ) وَذَلِكَ أَفْضَلُ كَمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ وَبَيْنَ الْحِرَاسَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِحِمَايَةِ الْغُزَاةِ بِاللَّيْلِ وَالصَّلَاةِ فِيهِ. وَقَوْلُهُ (وَالتَّلْبِيَةُ غَيْرُ مَحْصُورَةٍ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَلِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ التَّلْبِيَةِ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمُفْرِدَ كَمَا

وَالسَّفَرُ غَيْرُ مَقْصُودٍ، وَالْحَلْقُ خُرُوجٌ عَنْ الْعِبَادَةِ فَلَا تَرْجِيحَ بِمَا ذُكِرَ. وَالْمَقْصِدُ بِمَا رُوِيَ نَفْيُ قَوْلِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ إنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ. وَلِلْقِرَانِ ذِكْرٌ فِي الْقُرْآنِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ عَلَى مَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ. ثُمَّ فِيهِ تَعْجِيلُ الْإِحْرَامِ وَاسْتِدَامَةُ إحْرَامِهِمَا مِنْ الْمِيقَاتِ إلَى أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُكَرِّرُ التَّلْبِيَةَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، فَكَذَلِكَ الْقَارِنُ فَيَجُوزُ أَنْ تَقَعَ تَلْبِيَةُ الْقَارِنِ أَكْثَرَ مِنْ تَلْبِيَةِ الْمُفْرَدِ. وَقَوْلُهُ (وَالسَّفَرُ غَيْرُ مَقْصُودٍ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَالسَّفَرُ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْحَجُّ وَالسَّفَرُ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ فَلَا يُوجِبُ عَدَمُهُ نَقْصًا فِي الْحَجِّ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَتَقَدَّمُ عَلَى الْإِحْرَامِ فَعَدَمُهُ لَا يُوجِبُ نَقْصًا فِيهِ. وَقَوْلُهُ (وَالْحَلْقُ خُرُوجٌ عَنْ الْعِبَادَةِ) يَعْنِي فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا لِيَتَرَجَّحَ بِهِ. وَقَوْلُهُ (وَالْمَقْصِدُ بِمَا رُوِيَ) يَعْنِي قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْقِرَانُ رُخْصَةٌ» (نَفْيُ قَوْلِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ: إنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ) أَيْ مِنْ أَسْوَإِ السَّيِّئَاتِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالرُّخْصَةِ مَا هُوَ الْمُصْطَلَحُ لِأَنَّ الْقِرَانَ عَزِيمَةٌ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ التَّوْسِعَةُ وَذَلِكَ لِأَنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ قَبْلَ الْإِسْلَامِ كَانَتْ لِلْحَجِّ، فَأَدْخَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ إسْقَاطًا لِلسَّفَرِ الْجَدِيدِ عَنْ الْغُرَبَاءِ، فَكَانَ اجْتِمَاعُهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ تَوْسِعَةً عَلَى النَّاسِ فَسَمَّاهُ رُخْصَةً. وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الْمُصْطَلَحُ وَيَكُونُ رُخْصَةَ إسْقَاطٍ كَشَطْرِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ، وَالرُّخْصَةُ فِي مِثْلِهِ عَزِيمَةٌ عِنْدَنَا. وَقَوْلُهُ (وَلِلْقِرَانِ ذِكْرٌ فِي الْقُرْآنِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ مَالِكٍ (لِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ عَلَى مَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ) يَعْنِي فِي فَصْلِ الْمَوَاقِيتِ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ فِيهِ) أَيْ فِي الْقِرَانِ شُرُوعٌ فِي التَّرْجِيحِ بَعْدَ تَمَامِ الْجَوَابِ. فَإِنْ قِيلَ: الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ إذَا قَرَنَ يَصِيرُ مُخَالِفًا، وَلَوْ كَانَ الْقِرَانُ أَفْضَلَ لَمَا كَانَ مُخَالِفًا، لِأَنَّهُ

يَفْرُغَ مِنْهُمَا، وَلَا كَذَلِكَ التَّمَتُّعُ فَكَانَ الْقِرَانُ أَوْلَى مِنْهُ. وَقِيلَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَارِنَ عِنْدَنَا يَطُوفُ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ، وَعِنْدَهُ طَوَافًا وَاحِدًا سَعْيًا وَاحِدًا. قَالَ (وَصِفَةُ الْقِرَانِ أَنْ يُهِلَّ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ مَعًا مِنْ الْمِيقَاتِ وَيَقُولُ عَقِيبَ الصَّلَاةِ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَيَسِّرْهُمَا لِي وَتَقَبَّلْهُمَا مِنِّي) لِأَنَّ الْقِرَانَ هُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مِنْ قَوْلِك قَرَنْت الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ إذَا جَمَعْت بَيْنَهُمَا، وَكَذَا إذَا أَدْخَلَ حَجَّةً عَلَى عُمْرَةٍ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ لِأَنَّ الْجَمْعَ قَدْ تَحَقَّقَ إذْ الْأَكْثَرُ مِنْهَا قَائِمٌ، وَمَتَى عَزَمَ عَلَى أَدَائِهِمَا يَسْأَلُ التَّيْسِيرَ فِيهِمَا وَقَدَّمَ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ فِيهِ وَلِذَلِكَ يَقُولُ: لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ مَعًا لِأَنَّهُ يَبْدَأُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ فَكَذَلِكَ يَبْدَأُ بِذِكْرِهَا، وَإِنْ أَخَّرَ ذَلِكَ فِي الدُّعَاءِ وَالتَّلْبِيَةِ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ، وَلَوْ نَوَى بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَذْكُرْهُمَا فِي التَّلْبِيَةِ أَجْزَأَهُ اعْتِبَارًا بِالصَّلَاةِ (فَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ ابْتَدَأَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ يَرْمُلُ فِي الثَّلَاثِ الْأُوَلِ مِنْهَا، وَيَسْعَى بَعْدَهَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَهَذِهِ أَفْعَالُ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ يَبْدَأُ بِأَفْعَالِ الْحَجِّ فَيَطُوفُ طَوَافَ الْقُدُومِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ وَيَسْعَى بَعْدَهُ كَمَا بَيَّنَّا فِي الْمُفْرِدِ) وَيُقَدِّمُ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] وَالْقِرَانُ فِي مَعْنَى الْمُتْعَةِ. وَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَتَى بِالْمَأْمُورِ بِهِ مَعَ زِيَادَةٍ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِصَرْفِ النَّفَقَةِ إلَى عِبَادَةٍ تَقَعُ لِلْآمِرِ عَلَى الْخُلُوصِ وَهِيَ إفْرَادُ الْحَجِّ لَهُ وَقَدْ صَرَفَهَا إلَى عِبَادَةٍ تَقَعُ لِلْآمِرِ وَعِبَادَةٌ تَقَعُ لِنَفْسِهِ فَكَانَ مُخَالِفًا. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ هَلْ دَخَلَ فِي الْمَأْمُورِ بِهِ نَقْصٌ بِالْقِرَانِ أَوْ لَا؟ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ الْقِرَانُ أَفْضَلَ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ دَخَلَ نَقْصٌ، وَالْقِرَانُ الْأَفْضَلُ الَّذِي كَانَ الْعِبَادَتَانِ فِيهِ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ فِيهِ الْجَمْعَ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ حَقِيقَةً. وَقَوْلُهُ (وَقِيلَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَنَا) يَعْنِي أَنَّ النِّزَاعَ لَفْظِيٌّ، قَالَ (وَصِفَةُ الْقِرَانِ أَنْ يُهِلَّ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ مَعًا مِنْ الْمِيقَاتِ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا إذَا أَدْخَلَ حَجَّةً عَلَى عُمْرَةٍ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ) يَعْنِي يَكُونُ قَارِنًا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا لِوُجُودِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَصُورَتُهُ أَنْ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ فَيَطُوفَ لَهَا أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْوَاطٍ ثُمَّ أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ، وَلَوْ طَافَ لَهَا أَرْبَعَةً لَا يَصِيرُ قَارِنًا بِالْإِجْمَاعِ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ أَخَّرَ ذَلِكَ) أَيْ ذَكَرَ الْعُمْرَةَ (فِي الدُّعَاءِ وَالتَّلْبِيَةِ) بِأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَلَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ (لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ) وَلَكِنَّ تَقْدِيمَ ذِكْرِهَا فِيهِمَا جَمِيعًا أَوْلَى لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّمَ ذِكْرَهَا فِي قَوْلِهِ {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] وَكَلِمَةُ إلَى لِلْغَايَةِ (وَلِأَنَّهُ يَبْدَأُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ فَكَذَا يَبْدَأُ بِذِكْرِهَا) وَقَوْلُهُ (اعْتِبَارًا بِالصَّلَاةِ) يَعْنِي أَنَّ الذِّكْرَ بِاللِّسَانِ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِيهَا وَإِنَّمَا الشَّرْطُ أَنْ يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ أَيَّ صَلَاةٍ هِيَ فَكَذَلِكَ هَذَا. وَقَوْلُهُ (فَإِذَا دَخَلَ) يَعْنِي الْقَارِنُ بَيَانٌ لِكَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ. وَقَوْلُهُ (وَالْقِرَانُ فِي مَعْنَى الْمُتْعَةِ)

يَحْلِقُ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ لِأَنَّ ذَلِكَ جِنَايَةٌ عَلَى إحْرَامِ الْحَجِّ، وَإِنَّمَا يَحْلِقُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ كَمَا يَحْلِقُ الْمُفْرِدُ، وَيَتَحَلَّلُ بِالْحَلْقِ عِنْدَنَا لَا بِالذَّبْحِ كَمَا يَتَحَلَّلُ الْمُفْرِدُ ثُمَّ هَذَا مَذْهَبُنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَطُوفُ طَوَافًا وَاحِدًا وَيَسْعَى سَعْيًا وَاحِدًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَلِأَنَّ مَبْنَى الْقِرَانِ عَلَى التَّدَاخُلِ حَتَّى اكْتَفَى فِيهِ بِتَلْبِيَةٍ وَاحِدَةٍ وَسَفَرٍ وَاحِدٍ وَحَلْقٍ وَاحِدٍ فَكَذَلِكَ فِي الْأَرْكَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِتَقْدِيمِ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ فِي التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانُ فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا جَمْعًا بَيْنَ النُّسُكَيْنِ فِي سَفَرٍ فَيَكُونُ وَارِدًا فِيهِ أَيْضًا دَلَالَةً. وَقَوْلُهُ (عِنْدَنَا) احْتِرَازٌ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ يَتَحَلَّلُ عِنْدَهُ بِالذَّبْحِ. وَقِيلَ لَيْسَ هَذَا بِمَشْهُورٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَإِنَّمَا الْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ هَذَا مَذْهَبُنَا) أَيْ إتْيَانُ الْقَارِنِ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ وَأَفْعَالِ الْحَجِّ جَمِيعًا هُوَ مَذْهَبُنَا (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَطُوفُ طَوَافًا وَاحِدًا وَيَسْعَى سَعْيًا وَاحِدًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» فَيُكْتَفَى بِأَفْعَالِ الْحَجِّ عَنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ وَإِلَّا لَا تَكُونُ الْعُمْرَةُ دَاخِلَةً (وَلِأَنَّ مَبْنَى الْقِرَانِ عَلَى التَّدَاخُلِ حَتَّى اُكْتُفِيَ بِتَلْبِيَةٍ وَاحِدَةٍ وَسَفَرٍ وَاحِدٍ وَحَلْقٍ وَاحِدٍ) وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِحْرَامَ عِنْدَهُ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَالرُّكْنَانِ مِنْ عِبَادَتَيْنِ لَا يُتَصَوَّرُ تَأْدِيهِمَا فِي وَقْتٍ

وَلَنَا أَنَّهُ لَمَّا طَافَ صَبِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ طَوَافَيْنِ وَسَعَى سَعْيَيْنِ قَالَ لَهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّك، وَلِأَنَّ الْقِرَانَ ضَمُّ عِبَادَةٍ إلَى عِبَادَةٍ وَذَلِكَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِأَدَاءِ عَمَلِ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى الْكَمَالِ، وَلِأَنَّهُ لَا تَدَاخُلَ فِي الْعِبَادَاتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاحِدٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَحَيْثُ جَاءَ الشَّرْعُ بِالْقِرَانِ دَلَّ عَلَى التَّدَاخُلِ، فَكَمَا وُجِدَ التَّدَاخُلُ فِي الْإِحْرَامِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ أَيْضًا مَوْجُودًا دَفْعًا لِلتَّحَكُّمِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ يَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ فَكَذَلِكَ فِي الْأَرْكَانِ: أَيْ فِي بَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ. وَقَوْلُهُ (وَلَنَا أَنَّهُ لَمَّا طَافَ صَبِيُّ بْنِ مَعْبَدٍ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ لَا تَدَاخُلَ فِي الْعِبَادَاتِ) مَنْقُوضٌ بِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فَإِنَّهَا عِبَادَةٌ وَفِيهَا التَّدَاخُلُ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْعِبَادَةُ الْمَقْصُودَةُ وَالسَّجْدَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، وَبِأَنَّ التَّدَاخُلَ فِيهَا لِدَفْعِ الْحَرَجِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا وَلَا يُلْحَقُ بِهَا الْحَجُّ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهَا

وَالسَّفَرُ لِلتَّوَسُّلِ، وَالتَّلْبِيَةُ لِلتَّحْرِيمِ، وَالْحَلْقُ لِلتَّحَلُّلِ، فَلَيْسَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ بِمَقَاصِدَ، بِخِلَافِ الْأَرْكَانِ، أَلَا تَرَى أَنَّ شَفْعَيْ التَّطَوُّعِ لَا يَتَدَاخَلَانِ وَبِتَحْرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ يُؤَدِّيَانِ وَمَعْنَى مَا رَوَاهُ دَخَلَ وَقْتُ الْعُمْرَةِ فِي وَقْتِ الْحَجِّ قَالَ (فَإِنْ طَافَ طَوَافَيْنِ لِعُمْرَتِهِ وَحَجَّتِهِ وَسَعَى سَعْيَيْنِ يُجْزِيهِ) لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا هُوَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ وَقَدْ أَسَاءَ بِتَأْخِيرِ سَعْيِ الْعُمْرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي وُجُودِ الْحَرَجِ. وَقَوْلُهُ (وَالسَّفَرُ لِلتَّوَسُّلِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ حَتَّى اُكْتُفِيَ فِيهِ بِتَلْبِيَةٍ وَاحِدَةٍ إلَخْ. لَا يُقَالُ: قَوْلُهُ وَالسَّفَرُ لِلتَّوَسُّلِ وَالتَّلْبِيَةُ لِلتَّحَرُّمِ وَالْحَلْقُ لِلتَّحَلُّلِ وَقَعَ تَكْرَارًا فِي دَلِيلِ الْخَصْمِ وَفِي الْجَوَابِ عَنْهُ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ مَرَّةً لِأَنَّهُ ذُكِرَ هُنَاكَ بِاعْتِبَارِ كَوْنِ الْإِفْرَادِ أَفْضَلَ، وَهَاهُنَا بِاعْتِبَارِ إفْرَادِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ فَيُحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ عَنْهُ بِالِاعْتِبَارَيْنِ، وَمِثْلُهُ مِنْ التَّكْرَارِ لَيْسَ بِمُنْكَرٍ. وَقَوْلُهُ (وَمَعْنَى مَا رَوَاهُ) يَعْنِي قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ» (دَخَلَ وَقْتُ الْعُمْرَةِ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْعَلُونَ أَشْهُرَ الْحَجِّ قَبْلَ الْإِسْلَامِ لِلْحَجِّ فَأَدْخَلَ اللَّهُ وَقْتَ الْعُمْرَةِ فِي وَقْتِ الْحَجِّ إسْقَاطًا لِلسَّفَرِ الْجَدِيدِ عَنْ الْغُرَبَاءِ تَوْسِعَةً. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ طَافَ طَوَافَيْنِ) ظَاهِرٌ.

وَتَقْدِيمُ طَوَافِ التَّحِيَّةِ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّ التَّقْدِيمَ وَالتَّأْخِيرَ فِي الْمَنَاسِكِ لَا يُوجِبُ الدَّمَ عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَهُ طَوَافُ التَّحِيَّةِ سُنَّةٌ وَتَرْكُهُ لَا يُوجِبُ الدَّمَ فَتَقْدِيمُهُ أَوْلَى. وَالسَّعْيُ بِتَأْخِيرِهِ بِالِاشْتِغَالِ بِعَمَلٍ آخَرَ لَا يُوجِبُ الدَّمَ فَكَذَا بِالِاشْتِغَالِ بِالطَّوَافِ. قَالَ (وَإِذَا رَمَى الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ ذَبَحَ شَاةً أَوْ بَقَرَةً أَوْ بَدَنَةً أَوْ سُبُعَ بَدَنَةٍ فَهَذَا دَمُ الْقِرَانِ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُتْعَةِ وَالْهَدْيُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِيهَا، وَالْهَدْيُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَرَادَ بِالْبَدَنَةِ هَاهُنَا الْبَعِيرَ وَإِنْ كَانَ اسْمُ الْبَدَنَةِ يَقَعُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْبَقَرَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَكَمَا يَجُوزُ سُبُعُ الْبَعِيرِ يَجُوزُ سُبُعُ الْبَقَرَةِ (فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يَذْبَحُ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ آخِرُهَا يَوْمُ عَرَفَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَالسَّعْيُ بِتَأْخِيرِهِ) يَعْنِي أَنَّ تَأْخِيرَ سَعْيِ الْعُمْرَةِ (بِالِاشْتِغَالِ بِعَمَلٍ آخَرَ) كَالْأَكْلِ وَالنَّوْمِ، وَإِنْ كَانَ يَوْمًا (لَا يُوجِبُ الدَّمَ فَكَذَا بِالِاشْتِغَالِ بِطَوَافِ التَّحِيَّةِ) قَالَ (وَإِذَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ ذَبَحَ شَاةً أَوْ بَقَرَةً أَوْ بَدَنَةً أَوْ سُبُعَ بَدَنَةٍ فَهَذَا دَمُ الْقِرَانِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُتْعَةِ) لِمَا تَقَدَّمَ وَالْهَدْيُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِيهَا (بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] وَلِهَذَا عَيْنُ الذَّبْحِ هَاهُنَا) ، وَقَالَ فِي الْمُفْرِدِ: ثُمَّ يَذْبَحُ إنْ أَحَبَّ (وَالْهَدْيُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ عَلَى مَا يُذْكَرُ فِي بَابِهِ) وَأَرَادَ بِالْبَدَنَةِ هَاهُنَا الْبَعِيرَ، وَكَأَنَّهُ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: أَنْتُمْ تَقُولُونَ الْبَدَنَةُ تُطْلَقُ عَلَى الْبَعِيرِ وَالْبَقَرَةِ فَكَيْفَ قَالَ هَاهُنَا بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً؟ وَتَقْرِيرُهُ: نَحْنُ لَا نُنْكِرُ جَوَازَ إطْلَاقِ الْبَدَنَةِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ مَعْنَيَيْهِ مُفْرَدًا وَهَاهُنَا كَذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: سَلَّمْنَا ذَلِكَ لَكِنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ هَدْيٌ وَهُوَ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى: أَيْ يُنْقَلُ إلَى الْحَرَمِ وَسُبُعُ الْبَدَنَةِ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ هَدْيٌ فَفَعَلَ كَانَ عَلَيْهِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ وَهُوَ شَاةٌ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْقِيَاسَ مَا ذَكَرْتُمْ، وَلَكِنْ ثَبَتَ جَوَازُ سُبُعِ الْبَدَنَةِ أَوْ الْبَقَرَةِ بِحَدِيثِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «اشْتَرَكْنَا حِينَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْبَقَرَةِ سَبْعَةٌ، وَفِي الْبَدَنَةِ سَبْعَةٌ، وَفِي الشَّاةِ وَاحِدٌ» وَأَمَّا فِي النَّذْرِ إذَا نَوَى سُبُعَ بَدَنَةٍ فَلَا رِوَايَةَ فِيهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ فَالْفَرْقُ أَنَّ النَّذْرَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ كَالْيَمِينِ وَبَعْضُ الْهَدْيِ لَيْسَ بِهَدْيٍ عُرْفًا (فَإِذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَذْبَحُ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ) أَيْ فِي وَقْتِهِ بَعْدَ أَنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَصُومَ قَبْلَ يَوْمِ

وَسَبْعَةَ أَيَّامٍ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: 196] فَالنَّصُّ وَإِنْ وَرَدَ فِي التَّمَتُّعِ فَالْقِرَانُ مِثْلُهُ لِأَنَّهُ مُرْتَفِقٌ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ. وَالْمُرَادُ بِالْحَجِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقْتُهُ لِأَنَّ نَفْسَهُ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا، إلَّا أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَصُومَ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ وَيَوْمَ التَّرْوِيَةَ وَيَوْمَ عَرَفَةَ لِأَنَّ الصَّوْمَ بَدَلٌ عَنْ الْهَدْيِ فَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ إلَى آخِرِ وَقْتِهِ رَجَاءَ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْأَصْلِ (وَإِنْ صَامَهَا بِمَكَّةَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْحَجِّ جَازَ) وَمَعْنَاهُ بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِأَنَّ الصَّوْمَ فِيهَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالرُّجُوعِ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْمَقَامَ فَحِينَئِذٍ يُجْزِيهِ لِتَعَذُّرِ الرُّجُوعِ. وَلَنَا أَنَّ مَعْنَاهُ رَجَعْتُمْ عَنْ الْحَجِّ: أَيْ فَرَغْتُمْ، إذْ الْفَرَاغُ سَبَبُ الرُّجُوعِ إلَى أَهْلِهِ فَكَانَ الْأَدَاءُ بَعْدَ السَّبَبِ فَيَجُوزُ (فَإِنْ فَاتَهُ الصَّوْمُ حَتَّى أَتَى يَوْمَ النَّحْرِ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا الدَّمُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ وَيَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمَ عَرَفَةَ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ (وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: 196] ، وَهَذَا النَّصُّ وَإِنْ وَرَدَ فِي التَّمَتُّعِ لَكِنَّ الْقِرَانَ فِي مَعْنَاهُ) كَمَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَالْمُرَادُ بِالرُّجُوعِ إلَى الْأَهْلِ الْفَرَاغُ مِنْ الْحَجِّ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْمُسَبَّبِ وَهُوَ الرُّجُوعُ وَإِرَادَةِ السَّبَبِ وَهُوَ الْفَرَاغُ (فَكَانَ الْأَدَاءُ بَعْدَ السَّبَبِ فَيَجُوزُ) وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: ذِكْرُ الْمُسَبَّبِ وَإِرَادَةُ السَّبَبِ لَا يَصِحُّ فِي الْمَجَازِ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُخْتَصًّا وَالْفَرَاغُ سَبَبٌ مُخْتَصٌّ بِالرُّجُوعِ فَيَجُوزُ. فَإِنْ قِيلَ: لَا مَجَازَ إلَّا بِقَرِينَةٍ فَمَا هِيَ؟ قُلْت: إطْلَاقُ ذِكْرِ الرُّجُوعِ عَنْ ذِكْرِ الْأَهْلِ، وَقَوْلُهُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَسَبْعَةً

يَصُومُ بَعْدَ هَذِهِ الْأَيَّامِ لِأَنَّهُ صَوْمٌ مُوَقَّتٌ فَيَقْضِي كَصَوْمِ رَمَضَانَ. وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَصُومُ فِيهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] وَهَذَا وَقْتُهُ. وَلَنَا النَّهْيُ الْمَشْهُورُ عَنْ الصَّوْمِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ النَّصُّ أَوْ يَدْخُلُهُ النَّقْصُ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ مَا وَجَبَ كَامِلًا، وَلَا يُؤَدِّي بَعْدَهَا لِأَنَّ الصَّوْمَ بَدَلٌ وَالْأَبْدَالُ لَا تُنْصَبُ إلَّا شَرْعًا، وَالنَّصُّ خَصَّهُ بِوَقْتِ الْحَجِّ وَجَوَازُ الدَّمِ عَلَى الْأَصْلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا رَجَعْتُمْ عَمَّا كُنْتُمْ مُقْبِلِينَ عَلَيْهِ فِيهِ. قِيلَ وَفَائِدَةُ الْفَذْلَكَةِ نَفْيُ الْإِبَاحَةِ الَّتِي تُتَوَهَّمُ مِنْ كَلِمَةِ الْوَاوِ فِي قَوْلِهِ {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] كَمَا فِي قَوْلِك: جَالِسْ الْحَسَنَ وَابْنَ سِيرِينَ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ كَامِلَةً فِي وُقُوعِهَا بَدَلًا مِنْ الْهَدْيِ، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. قَوْلُهُ (وَقَالَ مَالِكٌ يَصُومُ فِيهَا) يَعْنِي فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ دُونَ يَوْمِ النَّحْرِ لِأَنَّ الصَّوْمَ فِيهِ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ. وَقَوْلُهُ (وَلَنَا النَّهْيُ الْمَشْهُورُ) يَعْنِي قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَا لَا تَصُومُوا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ» وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَفِي التَّعَرُّضِ بِلَفْظِ الْمَشْهُورِ إشَارَةٌ إلَى الْجَوَابِ عَمَّا يُقَالُ: النَّصُّ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الصَّوْمِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ بِقَوْلِهِ {فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ بِغَيْرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِالْخَبَرِ لِأَنَّهُ نَسْخٌ لِلْكِتَابِ، وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنَّ الْخَبَرَ مَشْهُورٌ فَيَجُوزُ التَّقْيِيدُ بِهِ. وَقَوْلُهُ (أَوْ يَدْخُلُهُ النَّقْصُ) يَعْنِي لَوْ لَمْ يُقَيَّدْ بِهِ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يُورِثَ نَقْصًا، وَمَا وَجَبَ كَامِلًا لَا يَتَأَدَّى نَاقِصًا فَلَا يَتَأَدَّى فِيهَا (وَلَا يُؤَدَّى بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ (لِأَنَّ الصَّوْمَ بَدَلٌ وَالْأَبْدَالُ لَا تُنَصَّبُ إلَّا شَرْعًا) لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي مَعْرِفَةِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَ إرَاقَةِ الدَّمِ وَالصَّوْمِ (وَالنَّصُّ خَصَّهُ) بَدَلًا (بِوَقْتِ الْحَجِّ) فَلَا يَجُوزُ بَعْدَهُ، وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنَّ الْبَدَلَ إنَّمَا يَجِبُ إذَا كَانَ الْأَصْلُ مُتَصَوَّرًا وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ إنْ قَدَرَ عَلَى الْهَدْيِ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ فَكَانَ كَمَسْأَلَةِ الْغَمُوسِ. وَالثَّانِي أَنَّ الْبَدَلَ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْمُبْدَلِ، وَالْعَجْزُ عَنْهُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا مَضَى يَوْمُ النَّحْرِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَكَيْفَ يَجُوزُ الْبَدَلُ عَنْهُ قَبْلَهُ. وَالثَّالِثُ أَنَّ الدَّمَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا إذَا فَاتَ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَهُوَ غَيْرُ مَعْقُولٍ لِأَنَّهُ فَاتَ بِنَفْسِهِ وَبِبَدَلِهِ فَكَيْفَ يَجِبُ بَعْدَ ذَلِكَ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ الصَّوْمَ بَدَلٌ عَنْ الْهَدْيِ إذَا لَمْ يَجِدْهُ بَعْدَمَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ بِالنَّصِّ، وَأَصْلٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُوَقَّتٌ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ، وَلَوْ كَانَ بَدَلًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَانَ كَالْمُبْدَلِ فِي الْإِطْلَاقِ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ لِأَنَّ حُكْمَ الْبَدَلِ حُكْمُ

وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَمَرَ فِي مِثْلِهِ بِذَبْحِ الشَّاةِ، فَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْهَدْيِ تَحَلَّلَ وَعَلَيْهِ دَمَانِ: دَمُ التَّمَتُّعِ، وَدَمُ التَّحَلُّلِ قَبْلَ الْهَدْيِ (فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ الْقَارِنُ مَكَّةَ وَتَوَجَّهَ إلَى عَرَفَاتٍ فَقَدْ صَارَ رَافِضًا لِعُمْرَتِهِ بِالْوُقُوفِ) لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَانِيًا أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ، وَذَلِكَ خِلَافُ الْمَشْرُوعِ. وَلَا يَصِيرُ رَافِضًا بِمُجَرَّدِ التَّوَجُّهِ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَصْلِ فِي الْإِطْلَاقِ كَالتَّيَمُّمِ مَعَ الْوُضُوءِ، فَبِالنَّظَرِ إلَى أَصَالَتِهِ جَازَ بِغَيْرِ تَصَوُّرِ الْأَصْلِ وَقَبْلَ تَحَقُّقِ تَمَامِ الْعَجْزِ عَنْهُ، وَبِالنَّظَرِ إلَى الْبَدَلِيَّةِ يَلْزَمُ الْهَدْيُ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ. قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْخُلْفِ. وَأَمَّا وُجُوبُ الدَّمِ بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ إذَا لَمْ يَصُمْ الثَّلَاثَةَ فَبِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ. قِيلَ لِأَنَّ الدَّمَ هُوَ الْأَصْلُ، وَلَيْسَ مُقَيَّدًا بِأَيَّامِ النَّحْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِوَقْتٍ فَيَجُوزُ ذَبْحُهُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَفِيمَا بَعْدَهُ. وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ ذَبْحَ هَدْيِ الْمُتْعَةِ مُوَقَّتٌ بِأَيَّامِ النَّحْرِ وَهُوَ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى هَذَا النَّصِّ. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُقَيَّدًا لَجَازَ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَالثَّانِي أَنَّ الدَّمَ وَاجِبٌ إذَا فَاتَهُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ عَنْ وَقْتِهِ فَكَيْفَ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ وَجَوَازُ الدَّمِ؟ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ هَدْيَ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ يَخْتَصُّ ذَبْحُهُ بِيَوْمِ النَّحْرِ بِدَلِيلٍ يَقْتَضِيهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ. وَالْمُرَادُ بِالْأَصْلِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ مَا هُوَ الْمَعْهُودُ أَنَّ الشَّيْءَ إذَا وَجَبَ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ الْمُكَلَّفُ بِهِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْ ذِمَّتِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ، وَهَاهُنَا وَجَبَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَيَأْتِي بِهِ فِي أَيِّ وَقْتٍ قَدَرَ عَلَيْهِ. وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ عَبَّرَ عَنْهُ بِالْجَوَازِ نَظَرًا إلَى الصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَهَذَا جَائِزٌ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالْجَوَازِ. هَذَا الَّذِي سَنَحَ لِي فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. وَقَوْلُهُ (وَعَنْ عُمَرَ) اعْتِضَادٌ لِإِيجَابِ الدَّمِ بَعْدَ فَوَاتِ الصَّوْمِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَذَلِكَ خِلَافُ الْمَشْرُوعِ) يَعْنِي أَنَّ الْمَشْرُوعَ أَنْ يَكُونَ الْوُقُوفُ مُرَتَّبًا عَلَى أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ. وَقَوْلُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ)

مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا. وَالْفَرْقُ لَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُصَلِّي الظُّهْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذَا تَوَجَّهَ إلَيْهَا أَنَّ الْأَمْرَ هُنَالِكَ بِالتَّوَجُّهِ مُتَوَجِّهٌ بَعْدَ أَدَاءِ الظُّهْرِ، وَالتَّوَجُّهُ فِي الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ قَبْلَ أَدَاءِ الْعُمْرَةِ فَافْتَرَقَا. قَالَ (وَسَقَطَ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ) لِأَنَّهُ لَمَّا ارْتَفَضَتْ الْعُمْرَةُ لَمْ يَرْتَفِقْ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ (وَعَلَيْهِ دَمٌ لِرَفْضِ الْعُمْرَةِ) بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهَا (وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا) لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا فَأَشْبَهَ الْمُحْصَرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQاحْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَصِيرُ رَافِضًا لِلْعُمْرَةِ بِالتَّوَجُّهِ إلَى عَرَفَاتٍ قِيَاسًا عَلَى التَّوَجُّهِ إلَى الْجُمُعَةِ. وَوَجْهُ الصَّحِيحِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ بَيِّنٌ. وَوَجْهُ كَوْنِهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِابْتِدَاءِ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ يَقْتَضِي كَرَاهَةَ ضِدِّهِ وَلَا كَرَاهَةَ إلَّا بِالنَّهْيِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَكُونُ رَافِضًا لِعُمْرَتِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ طَوَافَ الْعُمْرَةِ يَدْخُلُ فِي طَوَافِ الْحَجِّ عِنْدَهُ فَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ طَوَافٌ مَقْصُودٌ لِلْعُمْرَةِ، وَالْفَائِدَةُ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الدَّمِ. فَعِنْدَنَا يَسْقُطُ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ الَّذِي هُوَ نُسُكٌ، وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ دَمٌ لِرَفْضِ الْعُمْرَةِ لِأَنَّ رَفْعَ الْإِحْرَامِ قَبْلَ أَدَاءِ الْأَفْعَالِ يُوجِبُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْإِحْصَارِ، وَعِنْدَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ وَيَقْضِيهَا لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[باب التمتع]

(التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ عِنْدَنَا) وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ سَفَرُهُ وَاقِعٌ لِعُمْرَتِهِ وَالْمُفْرِدَ سَفَرُهُ وَاقِعٌ لِحَجَّتِهِ. وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ فِي التَّمَتُّعِ جَمْعًا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ فَأَشْبَهَ الْقِرَانَ ثُمَّ فِيهِ زِيَادَةُ نُسُكٍ وَهِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ التَّمَتُّعِ] وَجْهُ تَأْخِيرِهِ عَنْ بَابِ الْقِرَانِ قَدْ سَبَقَ هُنَاكَ فَلَا نُعِيدُهُ، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ: عَرَّفَ الْمُصَنِّفُ التَّمَتُّعَ بِقَوْلِهِ: وَمَعْنَى التَّمَتُّعِ التَّرَفُّقُ إلَخْ. وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ لِدُخُولِ مَنْ تَرَفَّقَ بِأَدَائِهِمَا وَالْعُمْرَةُ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ

إرَاقَةُ الدَّمِ وَسَفَرُهُ وَاقِعٌ لِحَجَّتِهِ، وَإِنْ تَخَلَّلَتْ الْعُمْرَةُ؛ لِأَنَّهَا تَبَعُ الْحَجِّ كَتَخَلُّلِ السُّنَّةِ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالسَّعْيِ إلَيْهَا. (وَالْمُتَمَتِّعُ عَلَى وَجْهَيْنِ مُتَمَتِّعٌ بِسَوْقِ الْهَدْيِ وَمُتَمَتِّعٌ لَا يَسُوقُ الْهَدْيَ) وَمَعْنَى التَّمَتُّعِ التَّرَفُّقُ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلِمَّ بِأَهْلِهِ بَيْنَهُمَا إلْمَامًا صَحِيحًا، وَيَدْخُلُهُ اخْتِلَافَاتٌ نُبَيِّنُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَصِفَتُهُ أَنْ يَبْتَدِئَ مِنْ الْمِيقَاتِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَيُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ وَيَدْخُلَ مَكَّةَ فَيَطُوفَ لَهَا وَيَسْعَى وَيَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ وَقَدْ حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَجِّ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ، وَمَنْ تَرَفَّقَ بِهِ فِيهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فِي عَامَيْنِ وَهُمَا لَيْسَا بِمُتَمَتِّعَيْنِ، فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَقُولَ: هُوَ التَّرَفُّقُ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فِي عَامٍ وَاحِدٍ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ إلَخْ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ تَفْسِيرُهُ، وَأَمَّا كَوْنُ التَّرَفُّقِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ عَامٍ وَاحِدٍ فَهُوَ شَرْطُهُ وَسَنَذْكُرُهُ. وَالْإِلْمَامُ هُوَ النُّزُولُ، يُقَالُ: أَلَمَّ بِأَهْلِهِ: إذَا نَزَلَ، وَهُوَ عَلَى نَوْعَيْنِ: صَحِيحٍ وَفَاسِدٍ. وَالْأَوَّلُ عِبَارَةٌ عَنْ النُّزُولِ فِي وَطَنِهِ مِنْ غَيْرِ بَقَاءِ صِفَةِ الْإِحْرَامِ، وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمُتَمَتِّعِ الَّذِي لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ، وَالثَّانِي مَا يَكُونُ عَلَى خِلَافِهِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَنْ سَاقَهُ، فَقَوْلُهُ: إلْمَامًا صَحِيحًا احْتِرَازٌ عَنْ الْإِلْمَامِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّمَتُّعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ عَلَى مَا يَأْتِي. وَقَوْلُهُ: (وَيَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ)

وَهَذَا هُوَ تَفْسِيرُ الْعُمْرَةِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُفْرِدَ بِالْعُمْرَةِ فَعَلَ مَا ذَكَرْنَا، هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا حَلْقَ عَلَيْهِ، إنَّمَا الْعُمْرَةُ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ، وَحُجَّتُنَا عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا. وقَوْله تَعَالَى {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ} [الفتح: 27] الْآيَةَ. نَزَلَتْ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ؛ وَلِأَنَّهَا لَمَّا كَانَ لَهَا تَحَرُّمٌ بِالتَّلْبِيَةِ كَانَ لَهَا تَحَلُّلٌ بِالْحَلْقِ كَالْحَجِّ (وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا ابْتَدَأَ بِالطَّوَافِ) وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كُلَّمَا وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى الْبَيْتِ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ زِيَارَةُ الْبَيْتِ وَتَتِمُّ بِهِ. وَلَنَا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ حِينَ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ» وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الطَّوَافُ فَيَقْطَعُهَا عِنْدَ افْتِتَاحِهِ، وَلِهَذَا يَقْطَعُهَا الْحَاجُّ عِنْدَ افْتِتَاحِ الرَّمْيِ. قَالَ (وَيُقِيمُ بِمَكَّةَ حَالًّا) ؛ لِأَنَّهُ حَلَّ مِنْ الْعُمْرَةِ، قَالَ (فَإِذَا كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ: هَذَا التَّخْيِيرُ إنَّمَا كَانَ لَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ شَعْرُهُ مُلَبَّدًا أَوْ مَعْقُوصًا أَوْ مُضَفَّرًا. وَأَمَّا إذَا كَانَ مُلَبَّدًا فَإِنَّهُ لَا يَتَخَيَّرُ؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ لَا يَتَهَيَّأُ إلَّا بِالْقَصِّ وَذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ فَيَتَعَيَّنُ الْحَلْقُ. وَقَوْلُهُ: (وَهَذَا هُوَ تَفْسِيرُ الْعُمْرَةِ) أَيْ: لَيْسَ لَهَا طَوَافُ الْقُدُومِ وَالصَّدْرِ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ الرُّكْنِ فِيهَا هُوَ الطَّوَافُ، وَمَا هُوَ كَذَلِكَ لَا يَتَكَرَّرُ كَالْوُقُوفِ فِي الْحَجِّ. وَقَوْلُهُ: (وَتَتِمُّ بِهِ) أَيْ: تَتِمُّ زِيَارَةُ الْبَيْتِ بِوُقُوعِ الْبَصَرِ عَلَى الْبَيْتِ، وَلِأَنَّ الطَّوَافَ رُكْنٌ فِي الْعُمْرَةِ كَطَوَافِ الزِّيَارَةِ فِي الْحَجِّ، فَكَمَا تُقَدَّمُ قَطْعُ التَّلْبِيَةِ هُنَاكَ عَلَى الِاشْتِغَالِ بِالطَّوَافِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا، (وَلَنَا) حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ حِينَ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ» . وَقَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الطَّوَافُ) بَيَانُهُ أَنَّ هَذَا الطَّوَافَ نُسُكٌ مَقْصُودٌ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَكَانَ كَالرَّمْيِ فِي كَوْنِهِ نُسُكًا مَقْصُودًا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ؛ فَكَمَا أَنَّ التَّلْبِيَةَ تُقْطَعُ عِنْدَ افْتِتَاحِ الرَّمْيِ تُقْطَعُ عِنْدَ افْتِتَاحِ هَذَا الطَّوَافِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَوَّلُ نُسُكٍ مَقْصُودٍ فِي هَذَا الْيَوْمِ. فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْطَعَ الْمُفْرِدُ بِالْحَجِّ التَّلْبِيَةَ إذَا ابْتَدَأَ بِطَوَافِ الْقُدُومِ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ نُسُكٍ مَقْصُودٍ فِي هَذَا الْيَوْمِ. فَالْجَوَابُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مَقْصُودٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يَكُونُ وَاجِبًا، وَطَوَافُ الْقُدُومِ لَيْسَ كَذَلِكَ. سَلَّمْنَاهُ وَلَكِنْ ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَرْدَفَ الْفَضْلَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ إلَى مِنًى، فَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» قَالَ: (وَيُقِيمُ بِمَكَّةَ حَلَالًا) الْمُتَمَتِّعُ إذَا حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ يُقِيمُ بِمَكَّةَ حَلَالًا، (فَإِذَا كَانَ

يَوْمَ التَّرْوِيَةِ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ الْمَسْجِدِ) وَالشَّرْطُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْحَرَمِ أَمَّا الْمَسْجِدُ فَلَيْسَ بِلَازِمٍ؛ وَهَذَا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَكِّيِّ، وَمِيقَاتُ الْمَكِّيِّ فِي الْحَجِّ الْحَرَمُ عَلَى مَا بَيَّنَّا (وَفَعَلَ مَا يَفْعَلُهُ الْحَاجُّ الْمُفْرِدُ) ؛ لِأَنَّهُ مُؤَدٍّ لِلْحَجِّ إلَّا أَنَّهُ يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَيَسْعَى بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا أَوَّلُ طَوَافٍ لَهُ فِي الْحَجِّ، بِخِلَافِ الْمُفْرِدِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَعَى مَرَّةً، وَلَوْ كَانَ هَذَا الْمُتَمَتِّعُ بَعْدَمَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ طَافَ وَسَعَى قَبْلَ أَنْ يَرُوحَ إلَى مِنًى لَمْ يَرْمُلْ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَلَا يَسْعَى بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِذَلِكَ مَرَّةً (وَعَلَيْهِ دَمُ الْمُتَمَتِّعِ) لِلنَّصِّ الَّذِي تَلَوْنَاهُ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ) عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ فِي الْقِرَانِ (فَإِنْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ ثُمَّ اعْتَمَرَ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الثَّلَاثَةِ) ؛ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ هَذَا الصَّوْمِ التَّمَتُّعُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْهَدْيِ وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ غَيْرُ مُتَمَتِّعٍ فَلَا يَجُوزُ أَدَاؤُهُ قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِهِ (وَإِنْ صَامَهَا) بِمَكَّةَ (بَعْدَمَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ جَازَ عِنْدَنَا) خِلَافًا لَلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ قَوْله تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQيَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ الْمَسْجِدِ) ، وَلَكِنْ لَيْسَ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا شَرْطًا، فَلَوْ أَحْرَمَ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ فَهُوَ أَفْضَلُ لِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَ الْمُسَارَعَةِ وَالرَّغْبَةِ فِي الْعِبَادَةِ، وَلِأَنَّهُ أَشَقُّ فَكَانَ أَفْضَلَ، وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ جَازَ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ: (عَلَى مَا بَيَّنَّا) أَرَادَ بِهِ مَا ذَكَرَهُ فِي آخِرِ فَصْلِ الْمَوَاقِيتِ بِقَوْلِهِ وَمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَوَقْتُهُ فِي الْحَجِّ الْحَرَمُ وَفِي الْعُمْرَةِ الْحِلُّ، وَقَوْلُهُ: (وَفَعَلَ مَا يَفْعَلُهُ الْحَاجُّ الْمُفْرِدُ) يَعْنِي خَلَا أَنَّهُ لَا يَطُوفُ طَوَافَ التَّحِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَلَّ صَارَ هُوَ وَالْمَكِّيُّ سَوَاءً وَلَا تَحِيَّةَ لِلْمَكِّيِّ. وَ (يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَيَسْعَى بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا أَوَّلُ طَوَافٍ لَهُ فِي الْحَجِّ) ، وَقَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ هَذَا الْمُتَمَتِّعُ بَعْدَمَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ طَافَ) يَعْنِي طَوَافَ الْقُدُومِ (وَسَعَى قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى مِنًى لَمْ يَرْمُلْ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَلَا يَسْعَى بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِذَلِكَ مَرَّةً) وَلَا تَكْرَارَ فِيهِ، ثُمَّ الرَّمَلُ هَاهُنَا يَسْقُطُ سَوَاءً رَمَلَ فِي طَوَافِ التَّحِيَّةِ أَوْ لَمْ يَرْمُلْ وَلِهَذَا سَكَتَ عَنْ ذِكْرِهِ، فَلَمْ يَقُلْ: طَافَ وَرَمَلَ؛ لِأَنَّ الرَّمَلَ إنَّمَا شُرِعَ فِي طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ، وَلَا سَعْيَ هَاهُنَا؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ مَرَّةً. وَفِي هَذَا الْكَلَامِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ طَوَافَ التَّحِيَّةِ مَشْرُوعٌ لِلتَّمَتُّعِ حَيْثُ اُعْتُبِرَ رَمَلُهُ وَسَعْيُهُ فِيهِ. وَقَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ دَمُ الْمُتَمَتِّعِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) يَعْنِي أَنَّهُ يَقُولُ: لَا يَجُوزُ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ حَتَّى يُحْرِمَ

{فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] وَلَنَا أَنَّهُ أَدَّاهُ بَعْدَ انْعِقَاد سَبَبِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْحَجِّ الْمَذْكُورِ فِي النَّصِّ وَقْتُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا. (وَالْأَفْضَلُ تَأْخِيرُهَا إلَى آخِرِ وَقْتِهَا وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ) لِمَا بَيَّنَّا فِي الْقِرَانِ. (وَإِنْ أَرَادَ الْمُتَمَتِّعُ أَنْ يَسُوقَ الْهَدْيَ أَحْرَمَ وَسَاقَ هَدْيَهُ) وَهَذَا أَفْضَلُ «؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاقَ الْهَدَايَا مَعَ نَفْسِهِ» ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ اسْتِعْدَادًا وَمُسَارَعَةً (فَإِنْ كَانَتْ بَدَنَةً قَلَّدَهَا بِمَزَادَةٍ أَوْ نَعْلٍ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَلَى مَا رَوَيْنَاهُ. وَالتَّقْلِيدُ أَوْلَى مِنْ التَّجْلِيلِ؛ لِأَنَّ لَهُ ذِكْرًا فِي الْكِتَابِ وَلِأَنَّهُ لِلْإِعْلَامِ وَالتَّجْلِيلِ لِلزِّينَةِ، وَيُلَبِّي ثُمَّ يُقَلِّدُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُحْرِمًا بِتَقْلِيدِ الْهَدْيِ وَالتَّوَجُّهِ مَعَهُ عَلَى مَا سَبَقَ. وَالْأَوْلَى أَنْ يَعْقِدَ الْإِحْرَامَ بِالتَّلْبِيَةِ وَيَسُوقَ الْهَدْيَ. وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يَقُودَهَا «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْحَجِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] (وَلَنَا أَنَّهُ أَدَّاهُ بَعْدَ انْعِقَادِ سَبَبِهِ) وَهُوَ الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ يُتَوَسَّلُ بِهِ إلَى التَّمَتُّعِ، وَأَدَاءُ الْمُسَبَّبِ بَعْدَ تَحَقُّقِ السَّبَبِ جَائِزٌ. وَقَوْلُهُ: (عَلَى مَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى مَا ذُكِرَ فِي الْقِرَانِ أَنَّ نَفْسَ الْحَجِّ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا. وَقَوْلُهُ: (وَهَذَا أَفْضَلُ) يَعْنِي مِنْ مُتَمَتِّعٍ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ. وَقَوْلُهُ: (عَلَى مَا رَوَيْنَا) يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ: قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «كُنْت أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّ لَهُ ذِكْرًا فِي الْكِتَابِ) يُرِيدُ قَوْله تَعَالَى {وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ} [المائدة: 2] (وَيُلَبِّي ثُمَّ يُقَلِّدُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُحْرِمًا بِالتَّقْلِيدِ وَالتَّوَجُّهِ مَعَهُ عَلَى عَلَى مَا سَبَقَ) فِي فَصْلٍ قُبَيْلَ الْقِرَانِ، وَالشُّرُوعُ فِي الْإِحْرَامِ بِالتَّلْبِيَةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَالتَّقْلِيدُ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَالْعَمَلُ

أَحْرَمَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَهَدَايَاهُ تُسَاقُ بَيْنَ يَدَيْهِ» ؛ وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّشْهِيرِ إلَّا إذَا كَانَتْ لَا تَنْقَادُ فَحِينَئِذٍ يَقُودُهَا. قَالَ (وَأَشْعَرَ الْبَدَنَةَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ) رَحِمَهُمَا اللَّهُ (وَلَا يُشْعِرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُكْرَهُ) وَالْإِشْعَارُ هُوَ الْإِدْمَاءُ بِالْجُرْحِ لُغَةً (وَصِفَتُهُ أَنْ يَشُقَّ سَنَامَهَا) بِأَنْ يَطْعَنَ فِي أَسْفَلِ السَّنَامِ (مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ) قَالُوا: وَالْأَشْبَهُ هُوَ الْأَيْسَرُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَعَنَ فِي جَانِبِ الْيَسَارِ مَقْصُودًا وَفِي جَانِبِ الْأَيْمَنِ اتِّفَاقًا، وَيُلَطِّخُ سَنَامَهَا بِالدَّمِ إعْلَامًا، وَهَذَا الصُّنْعُ مَكْرُوهٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا حَسَنٌ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سُنَّةٌ؛ لِأَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَلَهُمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّقْلِيدِ أَنْ لَا يُهَاجَ إذَا وَرَدَ مَاءً أَوْ كَلَأً أَوْ يُرَدُّ إذَا ضَلَّ وَإِنَّهُ فِي الْإِشْعَارِ أَتَمُّ؛ لِأَنَّهُ أَلْزَمُ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ سُنَّةً، إلَّا أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْأَصْلِ أَوْلَى عِنْدَ الْإِمْكَانِ لَا مَحَالَةَ، ثُمَّ السَّوْقُ فِي الْهَدْيِ أَفْضَل مِنْ الْقَوَدِ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِيقَتْ هَدَايَاهُ إذْ أَحْرَمَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ» . وَقَوْلُهُ: (قَالُوا وَالْأَشْبَهُ) يَعْنِي إلَى الصَّوَابِ فِي الرِّوَايَةِ (هُوَ الْأَيْسَرُ) وَذَلِكَ أَنَّ الْهَدَايَا كَانَتْ مُقْبِلَةً إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ يَدْخُلُ بَيْنَ كُلِّ بَعِيرَيْنِ مِنْ قِبَلِ الرُّءُوسِ. وَكَانَ الرُّمْحُ بِيَمِينِهِ لَا مَحَالَةَ فَكَانَ يَقَعُ طَعْنُهُ عَادَةً أَوَّلًا عَلَى يَسَارِ الْبَعِيرِ، ثُمَّ كَانَ يَعْطِفُ عَنْ يَمِينِهِ وَيُشْعِرُ الْآخَرَ مِنْ قِبَلِ يَمِينِ الْبَعِيرِ اتِّفَاقًا لِلْأَوَّلِ لَا قَصْدًا إلَيْهِ، فَصَارَ الْأَمْرُ الْأَصْلِيُّ أَحَقَّ بِالِاعْتِبَارِ فِي الْهَدْيِ إذَا كَانَ وَاحِدًا. وَقَوْلُهُ: (وَلَهُمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّقْلِيدِ أَنْ لَا يُهَاجَ) أَيْ: لَا يُنَفَّرُ وَلَا يُطْرَدُ عَنْ الْمَاءِ وَالْكَلَإِ (أَوْ يُرَدَّ إذَا ضَلَّ، وَإِنَّهُ فِي الْإِشْعَارِ أَتَمُّ لِأَنَّهُ أَلْزَمُ) ؛ لِأَنَّ الْقِلَادَةَ قَدْ تَحِلُّ وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ تَسْقُطَ مِنْهَا وَالْإِشْعَارُ لَا يُفَارِقُهَا. (فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ سُنَّةً إلَّا أَنَّهُ

عَارَضَهُ جِهَةُ كَوْنِهِ مُثْلَةً فَقُلْنَا بِحُسْنِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُثْلَةٌ وَأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. وَلَوْ وَقَعَ التَّعَارُضُ فَالتَّرْجِيحُ لِلْمُحْرِمِ وَإِشْعَارُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لِصِيَانَةِ الْهَدْيِ؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يَمْتَنِعُونَ عَنْ تَعَرُّضِهِ إلَّا بِهِ. وَقِيلَ: إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَرِهَ إشْعَارَ أَهْلِ زَمَانِهِ لِمُبَالَغَتِهِمْ فِيهِ عَلَى وَجْهٍ يَخَافُ مِنْهُ السِّرَايَةَ، وَقِيلَ: إنَّمَا كَرِهَ إيثَارَهُ عَلَى التَّقْلِيدِ. قَالَ: (فَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ طَافَ وَسَعَى) وَهَذَا لِلْعُمْرَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي مُتَمَتِّعٍ لَا يَسُوقُ الْهَدْيَ (إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ حَتَّى يُحْرِمَ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً وَتَحَلَّلْتُ مِنْهَا» وَهَذَا يَنْفِي التَّحَلُّلَ عِنْدَ سَوْقِ الْهَدْيِ (وَيُحْرِمُ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ) كَمَا يُحْرِمُ أَهْلُ مَكَّةَ عَلَى مَا بَيَّنَّا. (وَإِنْ قَدَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَارَضَهُ جِهَةُ كَوْنِهِ مُثْلَةً) وَالْمُثْلَةُ هِيَ أَنْ يَصْنَعَ بِالْحَيَوَانِ مَا يَصِيرُ بِهِ مُثُلًا، وَقِيلَ هِيَ إيلَامُ مَا وَجَبَ قَتْلُهُ أَوْ أُبِيحَ قَتْلُهُ (فَقُلْنَا بِحُسْنِهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ) أَيْ: الْإِشْعَارَ (مُثْلَةٌ وَإِنَّهُ) أَيْ: فِعْلُ الْمُثْلَةِ (مَنْهِيٌّ عَنْهُ. وَلَوْ وَقَعَ التَّعَارُضُ) بَيْنَ كَوْنِهِ سُنَّةً وَبَيْنَ كَوْنِهِ مُثْلَةً (فَالتَّرْجِيحُ لِلْمُحْرِمِ) فَإِنْ قِيلَ: النَّهْيُ عَنْ الْمُثْلَةِ كَانَ بِأُحُدٍ وَالْإِشْعَارُ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَالْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ فَأَيْنَ التَّعَارُضُ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ رَوَى «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا قَامَ خَطِيبًا إلَّا نَهَانَا عَنْ الْمُثْلَةِ» ، فَكَانَ الْإِشْعَارُ مَنْسُوخًا فَلَا أَقَلَّ مِنْ التَّعَارُضِ وَالتَّرْجِيحِ لِلْمُحْرِمِ لِلِاحْتِيَاطِ أَوْ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ تَكْرَارِ النَّسْخِ. وَقَوْلُهُ: (وَإِشْعَارُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) جَوَابٌ عَمَّا قَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت» أَيْ: لَوْ عَلِمْت أَوَّلًا مَا عَلِمْت آخِرًا (لَمَا سُقْت الْهَدْيَ) ، وَقِصَّةُ ذَلِكَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِأَنْ يَفْسَخُوا إحْرَامَ الْحَجِّ وَيُحْرِمُوا بِالْعُمْرَةِ لَمَّا بَلَغُوا مَكَّةَ تَحْقِيقًا لِمُخَالَفَةِ الْكَفَرَةِ، وَكَانُوا لَا يَفْسَخُونَ وَلَا يَحْلِقُونَ يَنْتَظِرُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ يَحْلِقُ أَوْ لَا؟ فَاعْتَذَرَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَالَ: لَوْ اسْتَقْبَلْت» إلَخْ، وَبَيَّنَ فِيهِ أَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ يَمْنَعُهُ عَنْ التَّحَلُّلِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَتَحَلَّلَ. وَقَوْلُهُ: (وَيُحْرِمُ بِالْحَجِّ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (عَلَى مَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى مَا قَالَ

الْإِحْرَامَ قَبْلَهُ جَازَ، وَمَا عَجَّلَ الْمُتَمَتِّعُ مِنْ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فَهُوَ أَفْضَلُ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُسَارَعَةِ وَزِيَادَةِ الْمَشَقَّةِ، وَهَذِهِ الْأَفْضَلِيَّةُ فِي حَقِّ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ وَفِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَسُقْ (وَعَلَيْهِ دَمٌ) وَهُوَ دَمُ الْمُتَمَتِّعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. (وَإِذَا حَلَقَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَدْ حَلَّ مِنْ الْإِحْرَامَيْنِ) ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ مُحَلِّلٌ فِي الْحَجِّ كَالسَّلَامِ فِي الصَّلَاةِ فَيَتَحَلَّلُ بِهِ عَنْهُمَا. قَالَ: (وَلَيْسَ لِأَهْلِ مَكَّةَ تَمَتُّعٌ وَلَا قِرَانٌ، وَإِنَّمَا لَهُمْ الْإِفْرَادُ خَاصَّةً) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَلَيْهِ دَمُ التَّمَتُّعِ لِلنَّصِّ الَّذِي تَلَوْنَا: يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] وَقَوْلُهُ: (وَإِذَا حَلَقَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَدْ حَلَّ مِنْ الْإِحْرَامَيْنِ) يَعْنِي إحْرَامَ الْعُمْرَةِ وَإِحْرَامَ الْحَجِّ. فَإِنْ قِيلَ: التَّحَلُّلُ مِنْهُمَا يَقْتَضِي قِيَامَ كُلٍّ مِنْهُمَا عِنْدَ الْحَلْقِ، وَلَوْ كَانَ إحْرَامُ الْعُمْرَةِ بَاقِيًا عِنْدَهُ لَزِمَ الْقَارِنَ دَمَانِ إذَا جَنَى بِقَتْلِ الصَّيْدِ قَبْلَ الْحَلْقِ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ، وَلَوْ كَانَ الْإِحْرَامُ بَاقِيًا لَزِمَ قِيمَتَانِ كَمَا قَبْلَ الْوُقُوفِ. أُجِيبَ بِأَنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ بَاقٍ لِلتَّحَلُّلِ لَا غَيْرٍ؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِهِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا عَدَاهُ فَلَيْسَ بِبَاقٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ غَايَةَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ الْحَجَّ، وَالْمَضْرُوبُ لَهُ الْغَايَةُ لَا يَبْقَى بَعْدَ وُجُودِهَا إلَّا لِضَرُورَةٍ وَهِيَ بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّحَلُّلِ لَا غَيْرَ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تَقَعْ الْجِنَايَةُ عَلَى إحْرَامِ الْعُمْرَةِ فَلَا يَجِبُ لِأَجْلِهِ شَيْءٌ كَإِحْرَامِ الْمُفْرِدِ بِالْحَجِّ بَعْدَ الْحَلْقِ فَإِنَّهُ لَا يَبْقَى فِي حَقِّ سَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ وَيَبْقَى فِي حَقِّ الْجِمَاعِ ضَرُورَةُ طَوَافِ الزِّيَارَةِ. وَقَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لِأَهْلِ مَكَّةَ تَمَتُّعٌ وَلَا قِرَانٌ) اعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ وَمَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ لَا تَمَتُّعَ لَهُمْ وَلَا قِرَانَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ، وَإِمَامُهُمْ فِي ذَلِكَ عَلِيٌّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ تَمَتَّعُوا جَازَ وَأَسَاءُوا وَلَزِمَهُمْ دَمُ الْجَبْرِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهُمْ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ وَلَكِنْ لَا دَمَ عَلَيْهِمْ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] فَإِنَّهُ بِإِطْلَاقِهِ لَا يَفْصِلُ بَيْنَ الْآفَاقِيِّ وَغَيْرِهِ. فَإِنْ قِيلَ: ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ إشَارَةً إلَى التَّمَتُّعِ الْمَفْهُومِ مِنْ تَمَتَّعَ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ لِأَهْلِ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ تَمَتُّعٌ. أَجَابَ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ ذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى الْهَدْيِ الْمَعْلُومِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] وَلِأَجْلِ هَذَا قُلْت: إنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِمْ. وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] ، وَوَجْهُهُ أَنَّ مَوْضُوعَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْبَعِيدِ وَالْقُرْآنُ نَزَلَ عَلَى لِسَانِهِمْ، وَمَا ذَكَرْتُمْ مِنْ الْهَدْيِ قَرِيبٌ لَا يَصْلُحُ ذَلِكَ حَقِيقَةً لَهُ، وَالتَّمَتُّعُ الْمَفْهُومُ مِنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQتَمَتَّعَ بَعِيدٌ يَصْلُحُ لِذَلِكَ فَيُصَارُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ إذَا أَمْكَنَ بِالْحَقِيقَةِ لَا يُصَارُ إلَى الْمَجَازِ بِالِاتِّفَاقِ فَتَكُونُ الْآيَةُ حُجَّةً عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْجَوَابُ عَنْ اسْتِدْلَالِهِ بِإِطْلَاقِهِ؟ قُلْت: لَا إطْلَاقَ ثَمَّةَ بَلْ كَلِمَةُ مَنْ عَامَّةٌ خُصَّتْ بِقَوْلِهِ {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] ،

وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] ؛ وَلِأَنَّ شَرْعَهُمَا لِلتَّرَفُّهِ بِإِسْقَاطِ إحْدَى السَّفْرَتَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ شَرْعَهُمَا) دَلِيلٌ مَعْقُولٌ لَنَا، وَتَقْرِيرُ شَرْعِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ لِأَجْلِ التَّرَفُّهِ (بِإِسْقَاطِ إحْدَى السُّفْرَتَيْنِ) وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَالتَّرَفُّهُ بِذَلِكَ فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يُشَقُّ عَلَيْهِ هَذَا السَّفَرُ لِقُرْبِهِ حَتَّى يُتْرِفَهُ. وَاعْتُرِضَ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّ النَّصَّ إنْ كَانَ يَقْتَضِي مَا ذَكَرْتُمْ عَلَى مَا زَعَمْتُمْ لَكِنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى النَّفْيِ عَمَّا عَدَاهُ. وَالثَّانِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ الْقِرَانَ وَالْمُتْعَةَ إبَانَةً لِنَسْخِ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ تَحْرِيمِهِمْ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَالنَّسْخُ يَثْبُتُ فِي حَقِّ النَّاسِ كَافَّةً، وَرُجُوعُ الْإِشَارَةِ إلَى مَا ذَكَرْتُمْ يُنَافِي ذَلِكَ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ كَمَا أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ لَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِهِ لَهُ أَيْضًا، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْعَدَمُ فَيَبْقَى إلَى أَنْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ النَّسْخَ ثَابِتٌ عِنْدَنَا فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ أَيْضًا، حَتَّى لَوْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ جَازَ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَلَكِنْ لَا يُدْرِكُ فَضِيلَةَ التَّمَتُّعِ؛ لِأَنَّ الْإِلْمَامَ قَطَعَ مُتْعَتَهُ كَمَا قَطَعَ مُتْعَةَ الْآفَاقِيِّ إذَا رَجَعَ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ إلَى أَهْلِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى بُطْلَانِ الْمُتْعَةِ لَا عَلَى عَدَمِ إدْرَاكِ الْفَضِيلَةِ. وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ:

وَهَذَا فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ، وَمَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَكِّيِّ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ مُتْعَةٌ وَلَا قِرَانٌ، بِخِلَافِ الْمَكِّيِّ إذَا خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ وَقَرَنَ حَيْثُ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ عُمْرَتَهُ وَحَجَّتَهُ مِيقَاتِيَّتَانِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْآفَاقِيِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ مُتْعَتَهُ نَقَصَتْ عَنْ مُتْعَةِ الْآفَاقِيِّ بِصَيْرُورَةِ دَمِهِ دَمَ جَبْرٍ. وَقَوْلُهُ: (وَمَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَكِّيِّ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ مُتْعَةٌ وَلَا قِرَانٌ) هَذَا رَاجِعٌ إلَى تَفْسِيرِ {حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] فَعِنْدَنَا هُمْ أَهْلُ مَكَّةَ، وَمَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسِيرَةُ سَفَرٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: هُمْ أَهْلُ مَكَّةَ وَمَنْ حَوْلَهَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسِيرَةُ سَفَرٍ، كَذَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ. وَقَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْمَكِّيِّ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ وَلَيْسَ لِأَهْلِ مَكَّةَ تَمَتُّعٌ وَلَا قِرَانٌ: يَعْنِي لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ مَا دَامَ بِمَكَّةَ، بِخِلَافِ مَا (إذَا خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ وَقَرَنَ حَيْثُ يَصِحُّ) بِلَا كَرَاهَةٍ (لِأَنَّ عُمْرَتَهُ وَحَجَّتَهُ مِيقَاتِيَّتَانِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْآفَاقِيِّ) قَالَ الْمَحْبُوبِيُّ: هَذَا إذَا خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ،

(وَإِذَا عَادَ الْمُتَمَتِّعُ إلَى بَلَدِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْعُمْرَةِ وَلَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ بَطَلَ تَمَتُّعُهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ فِيمَا بَيْنَ النُّسُكَيْنِ إلْمَامًا صَحِيحًا وَبِذَلِكَ يَبْطُلُ التَّمَتُّعُ، كَذَا رُوِيَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ التَّابِعِينَ، وَإِذَا سَاقَ الْهَدْيَ فَإِلْمَامُهُ لَا يَكُونُ صَحِيحًا وَلَا يَبْطُلُ تَمَتُّعُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهُمَا بِسَفْرَتَيْنِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْعَوْدَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ مَا دَامَ عَلَى نِيَّةِ التَّمَتُّعِ؛ لِأَنَّ السَّوْقَ يَمْنَعُهُ مِنْ التَّحَلُّلِ فَلَمْ يَصِحَّ إلْمَامُهُ، بِخِلَافِ الْمَكِّيِّ إذَا خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ وَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَسَاقَ الْهَدْيَ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ هُنَاكَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ فَصَحَّ إلْمَامُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا إذَا خَرَجَ بَعْدَهَا فَقَدْ مَنَعَ مِنْ الْقِرَانِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِخُرُوجِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ. وَإِنَّمَا خُصَّ الْقِرَانُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ إذَا خَرَجَ الْمَكِّيُّ إلَى الْكُوفَةِ وَاعْتَمَرَ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا عَلَى مَا نَذْكُرُهُ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا عَادَ الْمُتَمَتِّعُ إلَى بَلَدِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْعُمْرَةِ وَلَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ بَطَلَ تَمَتُّعُهُ) بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا (لِأَنَّهُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ فِيمَا بَيْنَ النُّسُكَيْنِ إلْمَامًا صَحِيحًا) ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ، (وَبِذَلِكَ يَبْطُلُ التَّمَتُّعُ كَذَا رُوِيَ عَنْ) ابْنِ عَبَّاسٍ وَ (عِدَّةٍ مِنْ التَّابِعِينَ) ، وَهَذَا لِأَنَّ حَدَّ التَّمَتُّعِ لَيْسَ بِصَادِقٍ عَلَيْهِ حَيْثُ أَنْشَأَ لِكُلِّ نُسُكٍ سَفَرًا مِنْ أَهْلِهِ، وَالْمُتَمَتِّعُ مَنْ يَتَرَفَّقُ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ فِي سَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ (وَإِذَا سَاقَ الْهَدْيَ فَإِلْمَامُهُ لَا يَكُونُ صَحِيحًا) عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْمَكِّيِّ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ وَإِذَا سَاقَ الْهَدْيَ فَإِلْمَامُهُ لَا يَكُونُ صَحِيحًا: يَعْنِي الْآفَاقِيَّ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلْمَامُهُ صَحِيحًا بِخِلَافِ الْمَكِّيِّ (إذَا خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ وَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَسَاقَ الْهَدْيَ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ هُنَاكَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَوْدِ هُوَ مَا يَكُونُ عَنْ الْوَطَنِ

بِأَهْلِهِ. (وَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَطَافَ لَهَا أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْوَاطٍ ثُمَّ دَخَلَتْ أَشْهُرُ الْحَجِّ فَتَمَّمَهَا وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ كَانَ مُتَمَتِّعًا) ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ عِنْدَنَا شَرْطٌ فَيَصِحُّ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ. وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ أَدَاءُ الْأَفْعَالِ فِيهَا، وَقَدْ وُجِدَ الْأَكْثَرُ وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ (وَإِنْ طَافَ لِعُمْرَتِهِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فَصَاعِدًا ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا) ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى الْأَكْثَرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِحَالٍ لَا يَفْسُدُ نُسُكُهُ بِالْجِمَاعِ فَصَارَ كَمَا إذَا تَحَلَّلَ مِنْهَا قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ. وَمَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَعْتَبِرُ الْإِتْمَامَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى الْحَرَمِ أَوْ إلَى مَكَّةَ وَلَيْسَ هَاهُنَا بِمَوْجُودٍ لِكَوْنِهِ فِي الْحَرَمِ أَوْ فِي مَكَّةَ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْعَوْدُ، وَإِذَا سَاقَ الْهَدْيَ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا فَلَأَنْ لَا يَكُونَ إذَا لَمْ يَسُقْ كَانَ أَوْلَى. وَقَوْلُهُ: (وَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ) فِيهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ: ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا وَإِنْ أَدَّى الْأَعْمَالَ فِيهَا. وَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ مُتَمَتِّعٌ وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ فِيهَا إذَا كَانَ التَّحَلُّلُ عَنْ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ فِيهَا. وَقُلْنَا: إنْ أَدَّى أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فِيهَا كَانَ مُتَمَتِّعًا وَإِلَّا فَلَا. وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إنَّهُ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لِتَقَدُّمِ رُكْنِ الْعُمْرَةِ عَلَيْهَا وَهُوَ الْإِحْرَامُ، وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مَوْجُودٌ بِاعْتِبَارِ الْإِتْمَامِ وَهُوَ التَّحَلُّلُ فِيهَا، وَلَنَا مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْإِحْرَامَ شَرْطٌ فَجَازَ تَقْدِيمُهُ كَتَقْدِيمِ الطَّهَارَةِ عَلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَالِاعْتِبَارُ بِأَدَاءِ الْأَفْعَالِ فِيهَا وَقَدْ وُجِدَ الْأَكْثَرُ وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ. قِيلَ: إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ نَصٌّ فَإِنَّ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ مِنْ الظُّهْرِ لَيْسَ لَهَا حُكْمُ الْكُلِّ لِمُعَارَضَةِ النَّصِّ النَّاطِقِ بِرُبَاعِيَّةِ الظُّهْرِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ طَافَ لِعُمْرَتِهِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ) ظَاهِرٌ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا، وَأَرَادَ بِالنُّسُكِ الْعُمْرَةَ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ نُسُكَ الْعُمْرَةِ يَفْسُدُ إذَا جَامَعَ بَعْدَمَا طَافَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ وَلَمْ يَفْسُدْ بَعْدَ مَا طَافَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ، فَإِنْ طَافَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ صَارَ بِحَيْثُ لَا يَفْسُدُ نُسُكُهُ بِالْجِمَاعِ فَصَارَ كَأَنَّهُ تَحَلَّلَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَلَوْ تَحَلَّلَ قَبْلَهَا لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا فَكَذَا هَذَا، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ هَذَا الْمَذْكُورُ حُجَّةً عَلَى مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْإِتْمَامَ وَهَذَا فِي حُكْمِ

وَلِأَنَّ التَّرَفُّقَ بِأَدَاءِ الْأَفْعَالِ، وَالْمُتَمَتِّعُ مُتَرَفِّقٌ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ فِي سُفْرَةٍ وَاحِدَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. قَالَ (: وَأَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالُ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ) كَذَا رُوِيَ عَنْ الْعَبَادِلَةِ الثَّلَاثَةِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَلِأَنَّ الْحَجَّ يَفُوتُ بِمُضِيِّ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَمَعَ بَقَاءِ الْوَقْتِ لَا يَتَحَقَّقُ الْفَوَاتُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِتْمَامِ فِي حَقِّ عَدَمِ الْفَسَادِ فَكَذَا فِي حَقِّ كَوْنِهِ غَيْرَ مُتَمَتِّعٍ (؛ وَلِأَنَّ التَّرَفُّقَ) إنَّمَا يَكُونُ (بِأَدَاءِ الْأَفْعَالِ، وَالْمُتَمَتِّعُ هُوَ الْمُتَرَفِّقُ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ فِي سَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ) فَلَا بُدَّ أَنْ تُوجَدَ الْأَفْعَالُ كُلُّهَا أَوْ أَكْثَرُهَا فِيهِ حَتَّى يَكُونَ مُتَمَتِّعًا. وَالْجَوَابُ عَنْ الشَّافِعِيِّ يُفْهَمُ مِنْ هَذَا؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ بَلْ هُوَ مِنْ الشُّرُوطِ (قَالَ: وَأَشْهُرُ الْحَجِّ: شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ) لِمَا ذُكِرَ أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ هُوَ الَّذِي يَتَرَفَّقُ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ فِي سَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ احْتَاجَ إلَى أَنْ يُبَيِّنَ الْأَشْهُرَ فَقَالَ: أَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ. فَإِنْ قُلْت: هَلْ لِلْمُتَمَتِّعِ اخْتِصَاصٌ بِذَلِكَ أَوْ الْقَارِنُ أَيْضًا لَا بُدَّ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. قُلْت: قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَجَدْت رِوَايَةً فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْقِرَانِ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْمُنْتَقَى: رَجُلٌ جَمَعَ بَيْنَ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ: أَيْ أَحْرَمَ ثُمَّ قَدِمَ مَكَّةَ وَطَافَ لِعُمْرَتِهِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ كَانَ قَارِنًا وَلَكِنْ لَا هَدْيَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (كَذَا رُوِيَ عَنْ الْعَبَادِلَةِ الثَّلَاثَةِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ) ، إنَّمَا فَصَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ الْعَبَادِلَةِ وَهْم عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ يُفْهَمُ فِي عُرْفِهِمْ مِنْ إطْلَاقِ الْعَبَادِلَةِ إلَّا هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ، وَأَمَّا فِي عُرْفِ الْمُحَدِّثِينَ فَالْعَبَادِلَةُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَلَيْسَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ كَانَ تَقَدَّمَ مَوْتُهُ؛ (وَلِأَنَّ الْحَجَّ يَفُوتُ بِمُضِيِّ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَمَعَ بَقَاءِ الْوَقْتِ لَا يَتَحَقَّقُ الْفَوَاتُ) وَفِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى نَفْيِ قَوْلِ مَالِكٍ إنَّ وَقْتَ الْحَجِّ جَمِيعُ الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] ، وَأَقَلُّ الْجَمْعِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ ثَلَاثَةٌ. وَفَائِدَةُ ذَلِكَ إنَّمَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ جَوَازِ تَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ إلَى آخِرِ ذِي الْحِجَّةِ. فَإِنْ قُلْت: الْحَجُّ يَفُوتُ بِمُضِيِّ عَشْرِ لَيَالٍ وَتِسْعَةِ أَيَّامٍ فَلَا يَكُونُ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ مِنْ وَقْتِ الْحَجِّ. قُلْت: هُوَ مُتَمَسَّكُ أَبِي يُوسُفَ فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: فَوَاتُ الْحَجِّ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ؛ لِأَنَّ الْوُقُوفَ وَهُوَ الرُّكْنُ الْأَعْظَمُ مُوَقَّتٌ بِوَقْتٍ مَخْصُوصٍ يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ لَا لِأَنَّهُ خَرَجَ وَقْتُ الْحَجِّ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ طَوَافَ الزِّيَارَةِ مَخْصُوصٌ بِيَوْمِ النَّحْرِ لَا يَجُوزُ قَبْلَهُ وَهُوَ رُكْنٌ وَالرُّكْنُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنْ اعْتَبَرْتُمْ الْفَوَاتَ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ يَوْمُ النَّحْرِ مِنْ وَقْتِ الْحَجِّ، وَإِنْ اعْتَبَرْتُمْ أَدَاءَ الْأَرْكَانِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْيَوْمُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ مِنْ وَقْتِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الزِّيَارَةِ يَجُوزُ فِيهِمَا، وَحِينَئِذٍ جَازَ أَنْ يَكُونَ ذُو الْحِجَّةِ إلَى آخِرِهِ مِنْ وَقْتِ الْحَجِّ كَمَا قَالَ مَالِكٌ، وَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ: الْمُعَوَّلُ فِي ذَلِكَ مَا نُقِلَ عَنْ الْعَبَادِلَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ: شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْهُمْ

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] شَهْرَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ لَا كُلُّهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ بِالتَّذْكِيرِ وَهُوَ اللَّيَالِي فَلَا يَكُونُ حُجَّةً فِي دُخُولِ يَوْمِ النَّحْرِ فِي وَقْتِ الْحَجِّ. وَالْجَوَابُ أَنَّ ذِكْرَ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ مِنْ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ يَقْتَضِي دُخُولَ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الْعَدَدِ الْآخَرِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الِاعْتِكَافِ. فَإِنْ قِيلَ: سَلَّمْنَا ذَلِكَ لَكِنْ مَا وَجْهُ دُخُولِ شَوَّالٍ وَذِي الْقَعْدَةِ فِي وَقْتِهِ وَأَدَاءُ الْحَجِّ لَا يَصِحُّ فِيهِمَا؟ أُجِيبَ بِأَنَّ بَعْضَ أَفْعَالِهِ يَصِحُّ فِيهِمَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْآفَاقِيَّ إذَا قَدِمَ مَكَّةَ فِي شَوَّالٍ وَطَافَ طَوَافَ الْقُدُومِ وَسَعَى بَعْدَهُ فَإِنَّ هَذَا السَّعْيَ يَكُونُ السَّعْيَ الْوَاجِبَ فِي الْحَجِّ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ السَّعْيِ الْوَاجِبِ فِي الْحَجِّ. وَقَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ: مَا رُوِيَ عَنْ الْعَبَادِلَةِ وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْقُولِ (يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] شَهْرَانِ وَبَعْضُ الشَّهْرِ الثَّالِثِ لَا كُلُّهُ) وَلَمْ يَذْكُرْ كَيْفِيَّةَ الدَّلَالَةِ عَلَى ذَلِكَ. وَمِنْ الشَّارِحِينَ مَنْ قَالَ: لَفْظُ أَشْهُرٍ عَامٌّ فَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ مِنْهُ بَعْضٌ وَلَيْسَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ الْخُصُوصُ إذَا كَانَ الْعَامُّ جَمَعَا الثَّلَاثَةَ، وَلِأَنَّ الْخُصُوصَ إنَّمَا يَكُونُ بِإِخْرَاجِ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ لَا بِإِخْرَاجِ بَعْضِ كُلِّ فَرْدٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: اسْمُ الْجَمْعِ يَشْتَرِكُ فِيهِ مَا وَرَاءَ الْوَاحِدِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْجَمْعِ التَّثْنِيَةُ. وَرُدَّ بِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الْإِلْبَاسِ كَمَا فِي هَذَا الْمِثَالِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مُلْبِسٌ. وَأَقُولُ: هُوَ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْكُلِّ وَإِرَادَةِ الْجُزْءِ. فَإِنْ قُلْت: فَيَكُونُ مَجَازًا فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ قَرِينَةٍ. قُلْت: سِيَاقُ الْكَلَامِ لِأَنَّهُ قَالَ {الْحَجُّ أَشْهُرٌ} [البقرة: 197] وَالْحَجُّ نَفْسُهُ لَيْسَ بِأَشْهُرٍ، فَكَانَ تَقْدِيرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: الْحَجُّ فِي أَشْهُرٍ، وَالظَّرْفُ لَا يَسْتَلْزِمُ الِاسْتِغْرَاقَ فَكَانَ الْبَعْضُ مُرَادًا. وَعَيْنُهُ مَا رُوِيَ عَنْ

(فَإِنْ قَدَّمَ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ عَلَيْهَا جَازَ إحْرَامُهُ وَانْعَقَدَ حَجًّا) خِلَافًا لَلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّ عِنْدَهُ يَصِيرُ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ رُكْنٌ عِنْدَهُ وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَنَا فَأَشْبَهُ الطَّهَارَةَ فِي جَوَازِ التَّقْدِيمِ عَلَى الْوَقْتِ؛ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ تَحْرِيمُ أَشْيَاءَ وَإِيجَابُ أَشْيَاءَ، وَذَلِكَ يَصِحُّ فِي كُلِّ زَمَانٍ فَصَارَ كَالتَّقْدِيمِ عَلَى الْمَكَانِ. قَالَ (وَإِذَا قَدِمَ الْكُوفِيُّ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَفَرَغَ مِنْهَا وَحَلَقَ أَوْ قَصَّرَ ثُمَّ اتَّخَذَ مَكَّةَ أَوْ الْبَصْرَةَ دَارًا وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ تَرَفَّقَ بِنُسُكَيْنِ فِي سَفَرٍ وَاحِدِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. وَأَمَّا الثَّانِي فَقِيلَ هُوَ بِالِاتِّفَاقِ. وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعِنْدَهُمَا لَا يَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَبَادِلَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَوْلُهُ: (فَإِنْ قَدِمَ الْإِحْرَامُ عَلَيْهَا) أَيْ: عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ. (جَازَ إحْرَامُهُ) عِنْدَنَا (وَانْعَقَدَ حَجًّا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، فَإِنَّ عِنْدَهُ يَصِيرُ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ رُكْنٌ عِنْدَهُ) فَلَا يَتَحَقَّقُ قَبْلَ أَوَانِهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَنْ الْحَجِّ وَالْمُدَّعِي وُقُوعَهُ إحْرَامًا لِلْعُمْرَةِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِحْرَامَ إذَا وُجِدَ وَلَمْ يَصْلُحْ أَنْ يَكُونَ لِلْحَجِّ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَصْلُحُ لَهُ حَذَرًا عَنْ الْإِلْغَاءِ كَمَنْ نَوَى صَوْمَ الْقَضَاءِ مِنْ النَّهَارِ فَإِنَّهُ يَكُونُ شَارِعًا فِي النَّفْلِ، (وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَنَا فَأَشْبَهَ الطَّهَارَةَ فِي جَوَازِ التَّقْدِيمِ عَلَى الْوَقْتِ) فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ شَرْطًا لَمَا كُرِهَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لَيْسَتْ لِلتَّقْدِيمِ عَلَى الْوَقْتِ بَلْ لِئَلَّا يَقَعَ فِي الْمَحْظُورِ بِطُولِ الزَّمَانِ. وَقَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ تَحْرِيمُ أَشْيَاءَ) أَيْ: يَسْتَلْزِمُهُ كَتَحْرِيمِ قَتْلِ الصَّيْدِ وَلُبْسِ الْمَخِيطِ وَحَلْقِ الرَّأْسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، (وَإِيجَابُ أَشْيَاءَ) كَالسَّعْيِ وَالرَّمْيِ وَأَمْثَالِهِمَا، (وَذَلِكَ يَصِحُّ فِي كُلِّ زَمَانٍ فَصَارَ كَالتَّقْدِيمِ عَلَى الْمَكَانِ) يَعْنِي الْمِيقَاتَ. لَا يُقَالُ: هَذَا كُلُّهُ تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ، وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْمُهِلُّ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ مُهِلٌّ بِالْعُمْرَةِ» وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ حَيْثُ لَمْ يَصِحَّ تَقْدِيمُهُ. لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا الْحَدِيثُ شَاذٌّ جِدًّا فَلَا يُعْتَمَدُ عَلَى مِثْلِهِ قَالَ: (وَإِذَا قَدِمَ الْكُوفِيُّ بِعُمْرَةٍ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ (ثُمَّ اتَّخَذَ مَكَّةَ دَارًا) يَعْنِي أَقَامَ بِهَا بَعْدَمَا فَرَغَ مِنْ الْعُمْرَةِ وَحَلَقَ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ وَهُوَ فِي هَذَا الْوَجْهِ مُتَمَتِّعٌ. وَالثَّانِي مَا ذَكَرَهُ ثَانِيًا بِقَوْلِهِ (أَوْ الْبَصْرَةَ دَارًا وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ) وَقَالَ: وَهُوَ مُتَمَتِّعٌ وَهُوَ يَنْصَرِفُ إلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا. وَالثَّالِثُ هُوَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ وَلَا يَتَجَاوَزُ الْمِيقَاتَ حَتَّى يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ، وَفِيهِ أَيْضًا مُتَمَتِّعٌ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ يُعْلَمُ مِنْ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ. وَالرَّابِعُ هُوَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ وَيَتَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ وَعَادَ إلَى أَهْلِهِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ لَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ لِأَنَّهُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا وَمِثْلُهُ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا وَلَمْ يَذْكُرْهُ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا مِمَّا تَقَدَّمَ. وَقَوْلُهُ: (أَمَّا الْأَوَّلُ) أَيْ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَإِنَّمَا صَارَ فِيهِ مُتَمَتِّعًا (لِأَنَّهُ تَرَفَّقَ بِنُسُكَيْنِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ) مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلِمَّ بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا وَمِثْلُهُ مُتَمَتِّعٌ. (وَأَمَّا الثَّانِي فَقِيلَ هُوَ بِالِاتِّفَاقِ) ذَكَرَ

مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ مَنْ تَكُونُ عُمْرَتُهُ مِيقَاتِيَّةً وَحَجَّتُهُ مَكِّيَّةً وَنُسُكَاهُ هَذَانِ مِيقَاتِيَّانِ. وَلَهُ أَنَّ السَّفْرَةَ الْأُولَى قَائِمَةٌ مَا لَمْ يَعُدْ إلَى وَطَنِهِ، وَقَدْ اجْتَمَعَ لَهُ نُسُكَانِ فِيهَا فَوَجَبَ دَمُ التَّمَتُّعِ (فَإِنْ قَدِمَ بِعُمْرَةٍ فَأَفْسَدَهَا وَفَرَغَ مِنْهَا وَقَصَّرَ ثُمَّ اتَّخَذَ الْبَصْرَةَ دَارًا ثُمَّ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَالَا: هُوَ مُتَمَتِّعٌ) ؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءُ سَفَرٍ وَقَدْ تَرَفَّقَ فِيهِ بِنُسُكَيْنِ. وَلَهُ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى سَفَرِهِ مَا لَمْ يَرْجِعْ إلَى وَطَنِهِ (فَإِنْ كَانَ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ ثُمَّ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) ؛ لِأَنَّ هَذَا إنْشَاءُ سَفَرٍ لِانْتِهَاءِ السَّفَرِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ اجْتَمَعَ لَهُ نُسُكَانِ صَحِيحَانِ فِيهِ، وَلَوْ بَقِيَ بِمَكَّةَ وَلَمْ يَخْرُجْ إلَى الْبَصْرَةِ حَتَّى اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ عُمْرَتَهُ مَكِّيَّةٌ وَالسَّفَرُ الْأَوَّلُ انْتَهَى بِالْعُمْرَةِ الْفَاسِدَةِ وَلَا تَمَتُّعَ لِأَهْلِ مَكَّةَ. (وَمَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ فَأَيُّهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجَصَّاصُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ، ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مُلْبِسٌ لِأَنَّهُ قَالَ فَقِيلَ هُوَ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي كَوْنِهِ مُتَمَتِّعًا وَفِي كَوْنِهِ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا. وَالثَّانِي هُوَ الْمُرَادُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْجَصَّاصُ. وَرَوَى الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ عَنْ أَبِي عِصْمَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ: يَعْنِي الْجَامِعَ الصَّغِيرَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا، وَهَكَذَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ؛ لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ مَنْ تَكُونُ عُمْرَتُهُ مِيقَاتِيَّةً وَحَجَّتُهُ مَكِّيَّةً، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ نُسُكَيْهِ مِيقَاتِيَّانِ لِأَنَّهُ بَعْدَمَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ حَلَالًا وَعَادَ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ فَكَانَ كَالْمُلِمِّ بِأَهْلِهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ السَّفْرَةَ الْأُولَى قَائِمَةٌ مَا لَمْ يَعُدْ إلَى أَهْلِهِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمِيقَاتِ حَتَّى عَادَ وَحَجَّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُ أَنَّهُ مَا لَمْ يَصِلْ إلَى أَهْلِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْمِيقَاتَ. وَعِنْدَهُمَا أَنَّ مَنْ خَرَجَ مِنْ الْمِيقَاتِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ وَصَلَ إلَى أَهْلِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ فَوَجَبَ دَمُ التَّمَتُّعِ وَلَمْ يَقُلْ: فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي حَقِّ وُجُوبِ الدَّمِ، فَقَالَ: وَجَبَ دَمُ التَّمَتُّعِ وَهُوَ دَمُ قُرْبَةٍ لِكَوْنِهِ دَمَ شُكْرٍ؛ وَلِهَذَا حَلَّ لَهُ التَّنَاوُلُ مِنْهُ فَيُصَارُ إلَى إيجَابِهِ بِاعْتِبَارِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ احْتِيَاطًا. وَقَوْلُهُ: (فَإِنْ قَدِمَ بِعُمْرَةٍ) أَيْ: بِإِحْرَامِ عُمْرَةٍ (فَأَفْسَدَهَا) بِأَنْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ (وَفَرَغَ مِنْهَا) يَعْنِي مَضَى (وَقَصَّرَ) وَتَحَلَّلَ (ثُمَّ اتَّخَذَ الْبَصْرَةَ دَارًا ثُمَّ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ) أَيْ: قَضَى الْعُمْرَةَ الَّتِي أَفْسَدَهَا، (وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) يَعْنِي إذَا كَانَ خُرُوجُهُ إلَى الْبَصْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَأَمَّا إذَا خَرَجَ قَبْلَ

أَفْسَدَ مَضَى فِيهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْإِحْرَامِ إلَّا بِالْأَفْعَالِ (وَسَقَطَ دَمُ الْمُتْعَةِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَرَفَّقْ بِأَدَاءِ نُسُكَيْنِ صَحِيحَيْنِ فِي سَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ (وَإِذَا تَمَتَّعَتْ الْمَرْأَةُ فَضَحَّتْ بِشَاةٍ لَمْ يُجِزْهَا عَنْ الْمُتْعَةِ) ؛ لِأَنَّهَا أَتَتْ بِغَيْرِ الْوَاجِبِ، وَكَذَا الْجَوَابُ فِي الرَّجُلِ. (وَإِذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ اغْتَسَلَتْ وَأَحْرَمَتْ وَصَنَعَتْ كَمَا يَصْنَعُهُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَشْهُرِ الْحَجِّ وَاعْتَمَرَ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا بِلَا خِلَافٍ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ نَاقِلًا عَنْ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: هُوَ مُتَمَتِّعٌ، وَالْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ: (وَإِذَا تَمَتَّعَتْ الْمَرْأَةُ فَضَحَّتْ بِشَاةٍ لَمَّا يُجْزِهَا عَنْ الْمُتْعَةِ لِأَنَّهَا أَتَتْ بِغَيْرِ الْوَاجِبِ عَلَيْهَا) إذْ الْوَاجِبُ عَلَيْهَا دَمُ الْمُتْعَةِ، وَالْأُضْحِيَّةُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ، وَلَئِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً بِأَنْ اشْتَرَتْ بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ فَذَلِكَ وَاجِبٌ آخَرُ عَلَيْهَا غَيْرَ مَا وَجَبَ بِالتَّمَتُّعِ، (وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي الرَّجُلِ) وَإِنَّمَا خُصَّتْ الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّ السَّائِلَةَ كَانَتْ امْرَأَةً فَوَضَعَتْ الْمَسْأَلَةَ عَلَى مَا وَقَعَ وَإِمَّا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ حَالِهِنَّ الْجَهْلُ وَنِيَّةُ التَّضْحِيَةِ فِي هَدْيِ الْمُتْعَةِ لَا تَكُونُ إلَّا عَنْ جَهْلٍ. ثُمَّ لَمَّا لَمْ يُجْزِهَا عَنْ دَمِ الْمُتْعَةِ كَانَ عَلَيْهَا دَمَانِ سِوَى مَا ذَبَحَتْ: دَمُ الْمُتْعَةِ الَّذِي كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهَا، وَدَمٌ آخَرُ لِأَنَّهَا قَدْ حَلَّتْ قَبْلَ الذَّبْحِ ، (وَإِذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ اغْتَسَلَتْ وَأَحْرَمَتْ وَصَنَعَتْ كَمَا يَصْنَعُهُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ حَتَّى

لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حِينَ حَاضَتْ بِسَرِفٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَطْهُرَ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ حِينَ حَاضَتْ بِسَرِفٍ) وَهُوَ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَيْهَا وَهِيَ تَبْكِي فَقَالَ: مَا يُبْكِيك لَعَلَّك نَفِسْت؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، دَعِي عَنْك الْعُمْرَةَ، أَوْ قَالَ: اُرْفُضِي عُمْرَتَك وَانْقُضِي رَأْسَك وَامْتَشِطِي وَاصْنَعِي جَمِيعَ مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ» وَالِاسْتِدْلَالُ إنَّمَا هُوَ بِقَوْلِهِ: وَاصْنَعِي جَمِيعَ مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الِاغْتِسَالِ، وَلَكِنْ فِيمَا رَوَى أَبُو دَاوُد فِي السُّنَنِ بِإِسْنَادِهِ إلَى عَائِشَةَ قَالَتْ: «نَفِسَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ

وَلِأَنَّ الطَّوَافَ فِي الْمَسْجِدِ وَالْوُقُوفَ فِي الْمَفَازَةِ، وَهَذَا الِاغْتِسَالُ لِلْإِحْرَامِ لَا لِلصَّلَاةِ فَيَكُونُ مُفِيدًا. (فَإِنْ حَاضَتْ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَطَوَافِ الزِّيَارَةِ انْصَرَفَتْ مِنْ مَكَّةَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا لِطَوَافِ الصَّدْرِ) «؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَخَّصَ لِلنِّسَاءِ الْحُيَّضِ فِي تَرْكِ طَوَافِ الصَّدْرِ» . (وَمَنْ اتَّخَذَ مَكَّةَ دَارًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ طَوَافُ الصَّدْرِ) ؛ لِأَنَّهُ عَلَى مَنْ يُصْدَرُ إلَّا إذَا اتَّخَذَهَا دَارًا بَعْدَمَا حَلَّ النَّفَرُ الْأَوَّلُ فِيمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَرْوِيهِ الْبَعْضُ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ بِدُخُولِ وَقْتِهِ فَلَا يَسْقُطُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ» " دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ؛ (وَلِأَنَّ الطَّوَافَ فِي الْمَسْجِدِ) وَالْحَائِضُ مَنْهِيَّةٌ عَنْ دُخُولِهِ، (وَالْوُقُوفَ فِي الْمَفَازَةِ) وَلَيْسَتْ بِمَنْهِيَّةٍ عَنْهَا. فَإِنْ قِيلَ: لَا فَائِدَةَ فِي هَذَا الِاغْتِسَالِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَطْهُرُ بِهِ مَعَ قِيَامِ الْحَيْضِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَهَذَا الِاغْتِسَالُ لِلْإِحْرَامِ لَا لِلصَّلَاةِ فَيَكُونُ مُفِيدًا) لِلنَّظَافَةِ. وَقَوْلُهُ: (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا لِطَوَافِ الصَّدْرِ) أَيْ: لِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدْرِ؛ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ لِلنِّسَاءِ الْحُيَّضِ فِي تَرْكِ طَوَافِ الصَّدْرِ» ، رَوَتْ عَائِشَةُ «أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ حَاضَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: عَقْرَى حَلْقَى إنَّك لَحَابِسَتُنَا، أَمَا كُنْت طُفْت يَوْمَ النَّحْرِ؟ قَالَتْ: بَلَى، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: فَلَا بَأْسَ انْفِرِي» فَلَمَّا ثَبَتَتْ الرُّخْصَةُ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ فِي تَرْكِ طَوَافِ الصَّدْرِ لَمْ يَجِبْ بِتَرْكِهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ نُسُكٍ جَازَ تَرْكُهُ بِعُذْرٍ لَا يَجِبُ بِتَرْكِهِ كَفَّارَةٌ، وَعَقْرَى وَحَلْقَى عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ فَعْلَى، وَمَعْنَاهُ: عَقَرَ جَسَدُهَا وَأَصَابَهَا فِي حَلْقِهَا وَجَعٌ. وَقَوْلُهُ: (وَمَنْ اتَّخَذَ مَكَّةَ دَارًا) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (بَعْدَمَا حَلَّ النَّفْرُ الْأَوَّلُ) يَعْنِي الْيَوْمَ الثَّالِثَ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ (لِأَنَّهُ وَجَبَ بِدُخُولِ وَقْتِهِ فَلَا يَسْقُطُ بِنِيَّتِهِ الْإِقَامَةَ بَعْدَ ذَلِكَ) كَمَنْ أَصْبَحَ وَهُوَ مُقِيمٌ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ سَافَرَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ. فَأَمَّا إذَا اتَّخَذَ مَكَّةَ دَارًا قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ النَّفْرُ الْأَوَّلُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ طَوَافُ الصَّدْرِ لِأَنَّهُ صَارَ كَمُقِيمٍ سَافَرَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْإِفْطَارُ. وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَسْقُطُ عَنْهُ طَوَافُ الصَّدْرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَزَمَ عَلَى الْإِقَامَةِ بَعْدَمَا افْتَتَحَ الطَّوَافَ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الطَّوَافِ بَاقٍ بَعْدَمَا حَلَّ النَّفْرُ الْأَوَّلُ، وَمَا بَقِيَ الْوَقْتُ لَا يَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَيَسْقُطُ بِالْعَارِضِ الْمُعْتَبَرِ كَالْمَرْأَةِ الَّتِي حَاضَتْ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ يَلْزَمُهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ.

[باب الجنايات في الحج]

(وَإِذَا تَطَيَّبَ الْمُحْرِمُ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْجِنَايَاتِ فِي الْحَجّ] بَابُ الْجِنَايَاتِ) : لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْمُحْرِمِينَ بَدَأَ بِمَا يَعْتَرِيهِمْ مِنْ الْعَوَارِضِ مِنْ الْجِنَايَاتِ وَالْإِحْصَارِ وَالْفَوَاتِ، وَهِيَ جَمْعُ جِنَايَةٍ، وَالْجِنَايَةُ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ شَرْعًا سَوَاءٌ حَلَّ بِمَالٍ أَوْ نَفْسٍ، وَلَكِنَّهُمْ أَعْنِي الْفُقَهَاءَ خَصُّوهَا بِالْفِعْلِ فِي النُّفُوسِ وَالْأَطْرَافِ. فَأَمَّا الْفِعْلُ فِي الْمَالِ فَسَمَّوْهُ غَصْبًا، وَالْمُرَادُ هَاهُنَا فِعْلٌ لَيْسَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَفْعَلَهُ، وَإِنَّمَا جَمَعَ بَيَانَ أَنَّهَا هَاهُنَا أَنْوَاعٌ (قَوْلُهُ: وَإِذَا تَطَيَّبَ الْمُحْرِمُ) التَّطَيُّبُ عِبَارَةٌ عَنْ لُصُوقِ عَيْنٍ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ بِبَدَنِ الْمُحْرِمِ أَوْ بِعُضْوٍ مِنْهُ، فَلَوْ شَمَّ طِيبًا وَلَمْ يَلْتَصِقْ بِبَدَنِهِ مِنْ عَيْنِهِ شَيْءٌ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، ذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّ تَطَيُّبَ الْمُحْرِمِ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْحَاجُّ الشَّعِثُ التَّفِلُ» وَالتَّطَيُّبُ يُزِيلُ هَذِهِ الصِّفَةَ فَكَانَ جِنَايَةً لَكِنَّهَا تَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ مَحَلِّ

فَإِنْ طَيَّبَ عُضْوًا كَامِلًا فَمَا زَادَ فَعَلَيْهِ دَمٌ) وَذَلِكَ مِثْلُ الرَّأْسِ وَالسَّاقِ وَالْفَخِذِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَتَكَامَلُ بِتَكَامُلِ الِارْتِفَاقِ، وَذَلِكَ فِي الْعُضْوِ الْكَامِلِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ كَمَالُ الْمُوجِبِ (وَإِنْ طَيَّبَ أَقَلَّ مِنْ عُضْوٍ فَعَلَيْهِ الصَّدَقَةُ) ؛ لِقُصُورِ الْجِنَايَةِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجِبُ بِقَدْرِهِ مِنْ الدَّمِ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ. وَفِي الْمُنْتَقَى أَنَّهُ إذَا طَيَّبَ رُبُعَ الْعُضْوِ فَعَلَيْهِ دَمٌ اعْتِبَارًا بِالْحَلْقِ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ. ثُمَّ وَاجِبُ الدَّمِ يَتَأَدَّى بِالشَّاةِ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ نَذْكُرُهُمَا فِي بَابِ الْهَدْيِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَكُلُّ صَدَقَةٍ فِي الْإِحْرَامِ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ فَهِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجِنَايَةِ، فَفَصَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ طَيَّبَ عُضْوًا كَامِلًا فَمَا زَادَ فَعَلَيْهِ دَمٌ) وَقَوْلُهُ: فَمَا زَادَ فُصِّلَ فِي الْبَيْنِ. وَقَوْلُهُ: (وَذَلِكَ مِثْلُ الرَّأْسِ) ظَاهِرٌ. وَالْفَاصِلُ فِي الِارْتِفَاقِ بَيْنَ الْكَامِلِ وَالْقَاصِرِ الْعَادَةُ، فَإِنَّ الْعَادَةَ فِي اسْتِعْمَالِ الطِّيبِ لِقَضَاءِ التَّفَثِ عُضْوٌ كَامِلٌ فَتَتِمُّ بِهِ الْجِنَايَةُ وَفِيمَا دُونَهُ فِي جِنَايَتِهِ نُقْصَانٌ فَتَكْفِيهِ الصَّدَقَةُ. وَقَوْلُهُ: (وَنَحْنُ نَذْكُرُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا) هُوَ قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ حَلْقَ بَعْضِ الرَّأْسِ ارْتِفَاقٌ كَامِلٌ إلَخْ، وَقَوْلُهُ (إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ) يَعْنِي إذَا طَافَ طَوَافَ

نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ إلَّا مَا يَجِبُ بِقَتْلِ الْقَمْلَةِ وَالْجَرَادَةِ، هَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. قَالَ (فَإِنْ خَضَبَ رَأْسَهُ بِحِنَّاءٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ) ؛ لِأَنَّهُ طِيبٌ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْحِنَّاءُ طِيبٌ» وَإِنْ صَارَ مُلَبَّدًا فَعَلَيْهِ دَمَانِ دَمٌ لِلتَّطَيُّبِ وَدَمٌ لِلتَّغْطِيَةِ. وَلَوْ خَضَّبَ رَأْسَهُ بِالْوَسْمَةِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِطِيبٍ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا خَضَّبَ رَأْسَهُ بِالْوَسْمَةِ؛ لِأَجْلِ الْمُعَالَجَةِ مِنْ الصُّدَاعِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُغَلِّفُ رَأْسَهُ وَهَذَا صَحِيحٌ. ثُمَّ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ، وَاقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الرَّأْسِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ دَلَّ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَضْمُونٌ. (فَإِنْ ادَّهَنَ بِزَيْتٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا اسْتَعْمَلَهُ فِي الشَّعْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِإِزَالَةِ الشَّعَثِ، وَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ فِي غَيْرِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِانْعِدَامِهِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ إلَّا أَنَّ فِيهِ ارْتِفَاقًا بِمَعْنَى قَتْلِ الْهَوَامِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالزِّيَارَةِ جُنُبًا، وَإِذَا جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ. وَقَوْلُهُ: (إلَّا مَا يَجِبُ بِقَتْلِ الْقَمْلَةِ وَالْجَرَادَةِ) يَعْنِي أَنَّ التَّصَدُّقَ فِيهِمَا غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِنِصْفِ صَاعٍ بَلْ يَتَصَدَّقُ بِمَا شَاءَ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْحِنَّاءُ طِيبٌ» قَالَهُ حِينَ نَهَى الْمُعْتَدَّةَ أَنْ تَخْتَضِبَ بِالْحِنَّاءِ، (وَإِنْ صَارَ مُلَبَّدًا) بِأَنْ كَانَ الْحِنَّاءُ جَامِدًا غَيْرَ مَائِعٍ (فَعَلَيْهِ دَمَانِ: دَمٌ لِلتَّطَيُّبِ، وَدَمٌ لِلتَّغْطِيَةِ) يَعْنِي إذَا غَطَّاهُ يَوْمًا إلَى اللَّيْلِ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ، وَكَذَا إذَا غَطَّى رُبْعَ الرَّأْسِ، أَمَّا إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ. وَقَوْلُهُ: (بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُغَلِّفُ رَأْسَهُ) أَيْ: يُغَطِّيهِ، وَالْوَسِمَةُ بِكَسْرِ السِّينِ وَهُوَ أَفْصَحُ وَسُكُونِهَا: شَجَرَةٌ وَرَقُهَا خِضَابٌ. وَقَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ: تَأْوِيلُ أَبِي يُوسُفَ بِالتَّغْلِيفِ (صَحِيحٌ) ؛ لِأَنَّ تَغْطِيَةَ الرَّأْسِ تُوجِبُ الْجَزَاءَ. وَقَوْلُهُ: (ثُمَّ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ) يَعْنِي فِي مَسْأَلَةِ الْحِنَّاءِ (رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ وَاقْتَصَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى ذِكْرِ الرَّأْسِ) خَاصَّةً وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَضْمُونٌ. وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ ادَّهَنَ بِزَيْتٍ) يَعْنِي بِزَيْتٍ خَالِصٍ، أَمَّا الْمُطَيِّبُ بِغَيْرِهِ فَيَجِيءُ ذِكْرُهُ (فَعَلَيْهِ دَمٌ) إذَا بَلَغَ عُضْوًا كَامِلًا وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ.

وَإِزَالَةِ الشَّعَثِ فَكَانَتْ جِنَايَةً قَاصِرَةً. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ أَصْلُ الطِّيبِ، وَلَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ طِيبٍ، وَيَقْتُلُ الْهَوَامَّ وَيُلَيِّنُ الشَّعْرَ وَيُزِيلُ التَّفَثَ وَالشَّعَثَ فَتَتَكَامَلُ الْجِنَايَةُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ فَتُوجِبُ الدَّمَ، وَكَوْنُهُ مَطْعُومًا لَا يُنَافِيهِ كَالزَّعْفَرَانِ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الزَّيْتِ الْبَحْتِ وَالْخَلِّ الْبَحْتِ. أَمَّا الْمُطَيِّبُ مِنْهُ كَالْبَنَفْسَجِ وَالزَّنْبَقِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا يَجِبُ بِاسْتِعْمَالِهِ الدَّمُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ طِيبٌ، وَهَذَا إذَا اسْتَعْمَلَهُ عَلَى وَجْهِ التَّطَيُّبِ، وَلَوْ دَاوَى بِهِ جُرْحَهُ أَوْ شُقُوقَ رِجْلَيْهِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ فِي نَفْسِهِ إنَّمَا هُوَ أَصْلُ الطِّيبِ أَوْ طِيبٌ مِنْ وَجْهِ فَيُشْتَرَطُ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى وَجْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: (إنَّهُ أَصْلُ الطِّيبِ) فَإِنَّ الرَّوَائِحَ تُلْقَى فِيهِ فَيَصِيرُ غَالِيَةً فَصَارَ كَبَيْضِ الصَّيْدِ فِي الْأَصَالَةِ يَلْزَمُ بِكَسْرِهِ الْجَزَاءُ فَكَذَا بِاسْتِعْمَالِهِ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الزَّيْتِ الْبَحْتِ) أَيْ: الْخَالِصِ (وَالْحَلِّ) أَيْ: دُهْنِ السِّمْسِمِ، (أَمَّا الْمُطَيِّبُ مِنْهُ كَالْبَنَفْسَجِ) وَهُوَ مَعْرُوفٌ (وَالزَّنْبَقِ) عَلَى وَزْنِ الْعَنْبَرِ دُهْنُ الْيَاسَمِينِ (وَمَا أَشْبَهَهُمَا) كَدُهْنِ الْبَانِ وَالْوَرْدِ (فَيَجِبُ بِاسْتِعْمَالِهِ الدَّمُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ طِيبٌ، وَهَذَا إذَا اسْتَعْمَلَهُ عَلَى وَجْهِ التَّطَيُّبِ، وَلَوْ دَاوَى بِهِ جُرْحَهُ أَوْ شُقُوقَ رِجْلَيْهِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ)

التَّطَيُّبِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَدَاوَى بِالْمِسْكِ وَمَا أَشْبَهَهُ. (وَإِنْ لَبِسَ ثَوْبًا مَخِيطًا أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ يَوْمًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا إذَا تَدَاوَى بِالْمِسْكِ وَمَا أَشْبَهَهُ) كَالْعَنْبَرِ وَالْكَافُورِ؛ لِأَنَّهَا طِيبٌ بِنَفْسِهَا فَيَجِبُ الدَّمُ بِاسْتِعْمَالِهِ وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ التَّدَاوِي. وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ لَبِسَ ثَوْبًا مَخِيطًا أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ يَوْمًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ)

وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا لَبِسَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوَّلًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجِبُ الدَّمُ بِنَفْسِ اللُّبْسِ؛ لِأَنَّ الِارْتِفَاقَ يَتَكَامَلُ بِالِاشْتِمَالِ عَلَى بَدَنِهِ. وَلَنَا أَنَّ مَعْنَى التَّرَفُّقِ مَقْصُودٌ مِنْ اللُّبْسِ، فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْمُدَّةِ؛ لِيَحْصُلَ عَلَى الْكَمَالِ وَيَجِبُ الدَّمُ، فَقُدِّرَ بِالْيَوْمِ؛ لِأَنَّهُ يُلْبَسُ فِيهِ ثُمَّ يُنْزَعُ عَادَةً وَتَتَقَاصَرُ فِيمَا دُونَهُ الْجِنَايَةُ فَتَجِبُ الصَّدَقَةُ، غَيْرَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَقَامَ الْأَكْثَرَ مَقَامَ الْكُلِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQحُكْمُ اللَّيْلَةِ أَيْضًا كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: (وَلَنَا أَنَّ مَعْنَى التَّرَفُّقِ مَقْصُودٌ مِنْ اللُّبْسِ) لِأَنَّهُ أَعَدَّ لِذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81] وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ يَمْتَدُّ فَيَكُونُ الِارْتِفَاقُ كَامِلًا، وَقَدْ يُقَصِّرُ فَيَصِيرُ نَاقِصًا، فَلَا بُدَّ مِنْ حَدٍّ فَاصِلٍ بَيْنَ الْكَامِلِ وَالْقَاصِرِ لِيَتَعَيَّنَ الْجَزَاءُ بِحَسَبِ ذَلِكَ فَقُدِّرَ بِالْيَوْمِ أَوْ اللَّيْلَةِ؛ (لِأَنَّهُ يُلْبَسُ فِيهِ ثُمَّ يُنْزَعُ عَادَةً) فَإِنَّ مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا يَلِيقُ بِالنَّهَارِ يَنْزِعُهُ بِاللَّيْلِ، وَمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا يَلِيقُ بِاللَّيْلِ يَنْزِعُهُ بِالنَّهَارِ، فَإِذَا نَزَعَ دَلَّ عَلَى تَمَامِ الِارْتِفَاقِ فَيَجِبُ فِيهِ الدَّمُ، وَمَا دُونَ ذَلِكَ تَتَقَاصَرُ الْجِنَايَةُ فِيهِ لِنُقْصَانِ الِارْتِفَاقِ فَتَجِبُ الصَّدَقَةُ، (غَيْرَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ أَقَامَ الْأَكْثَرَ مَقَامَ الْكُلِّ) ؛ لِأَنَّ الْمَرْءَ قَدْ يَرْجِعُ إلَى بَيْتِهِ قَبْلَ اللَّيْلِ فَيَنْزِعُ ثِيَابَهُ الَّتِي لَبِسَهَا لِلنَّاسِ، فَكَانَ اللُّبْسُ فِي أَكْثَرِ الْيَوْمِ ارْتِفَاقًا مَقْصُودًا، وَلَكِنَّ هَذَا غَيْرُ مَضْبُوطٍ فَإِنَّ أَحْوَالَ رُجُوعِ النَّاسِ إلَى بُيُوتِهِمْ قَبْلَ اللَّيْلِ مُخْتَلِفَةٌ، بَعْضُهُمْ يَرْجِعُ فِي وَقْتِ الضُّحَى، وَبَعْضُهُمْ قَبْلَهُ، وَبَعْضُهُمْ بَعْدَهُ، فَكَانَ الظَّاهِرُ هُوَ الْأَوَّلُ.

وَلَوْ ارْتَدَى بِالْقَمِيصِ أَوْ اتَّشَحَ بِهِ أَوْ ائْتَزَرَ بِالسَّرَاوِيلِ فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْبَسْهُ لُبْسَ الْمَخِيطِ. وَكَذَا لَوْ أَدْخَلَ مَنْكِبَيْهِ فِي الْقَبَاءِ وَلَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي الْكُمَّيْنِ خِلَافًا لِزَفَرٍ؛ لِأَنَّهُ مَا لَبِسَهُ لُبْسَ الْقَبَاءِ وَلِهَذَا يَتَكَلَّفُ فِي حِفْظِهِ. وَالتَّقْدِيرُ فِي تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ مِنْ حَيْثُ الْوَقْتُ مَا بَيَّنَّاهُ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا غَطَّى جَمِيعَ رَأْسِهِ يَوْمًا كَامِلًا يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْهُ، وَلَوْ غَطَّى بَعْضَ رَأْسِهِ فَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ اعْتَبَرَ الرُّبُعَ اعْتِبَارًا بِالْحَلْقِ وَالْعَوْرَةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ سَتْرَ الْبَعْضِ اسْتِمْتَاعٌ مَقْصُودٌ يَعْتَادُهُ بَعْضُ النَّاسِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَعْتَبِرُ أَكْثَرَ الرَّأْسِ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: (وَلَوْ ارْتَدَى بِالْقَمِيصِ أَوْ اتَّشَحَ بِهِ) الِاتِّشَاحُ هُوَ أَنْ يُدْخِلَ ثَوْبَهُ تَحْتَ يَدِهِ الْيُمْنَى وَيُلْقِيَهُ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ. وَقَوْلُهُ: (خِلَافًا لِزُفَرَ) هُوَ يَقُولُ: الْقَبَاءُ مَخِيطٌ، فَإِذَا أَدْخَلَ فِيهِ مَنْكِبَيْهِ صَارَ لَابِسًا لِلْمَخِيطِ، فَإِنَّ الْقَبَاءَ يُلْبَسُ هَكَذَا عَادَةً. وَقُلْنَا: مَا لَبِسَ لِبْسَ الْقَبَاءِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي ذَلِكَ الضَّمُّ إلَى نَفْسِهِ بِإِدْخَالِ الْمَنْكِبَيْنِ وَالْيَدَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْقَبْوِ وَهُوَ الضَّمُّ وَلَمْ يُوجَدْ، (وَلِهَذَا يَتَكَلَّفُ فِي حِفْظِهِ) وَعَلَى هَذَا لَوْ زَرَّهُ وَلَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي الْكُمَّيْنِ كَانَ لَابِسًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَكَلَّفُ إذْ ذَاكَ فِي حِفْظِهِ وَإِنَّمَا أَعَادَ قَوْلَهُ: (وَالتَّقْدِيرُ فِي تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ) لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ الْفُرُوعَ. وَقَوْلُهُ: (مَا بَيَّنَّاهُ) هُوَ مَا قَالَ أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ يَوْمًا كَامِلًا. وَقَوْلُهُ: (وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا غَطَّى جَمِيعَ رَأْسِهِ) ظَاهِرٌ، وَقَوْلُهُ: (يَعْتَادُهُ بَعْضُ النَّاسِ) كَالْأَتْرَاكِ وَالْأَكْرَادِ فَإِنَّهُمْ يُغَطُّونَ رُءُوسَهُمْ بِالْقَلَانِسِ الصِّغَارِ وَيَعُدُّونَ ذَلِكَ رِفْقًا كَامِلًا، (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ أَكْثَرَ الرَّأْسِ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ)

(وَإِذَا حَلَقَ رُبُعَ رَأْسِهِ أَوْ رُبُعَ لِحْيَتِهِ فَصَاعِدًا فَعَلَيْهِ دَمٌ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الرُّبُعِ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ) وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجِبُ إلَّا بِحَلْقِ الْكُلِّ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجِبُ بِحَلْقِ الْقَلِيلِ اعْتِبَارًا بِنَبَاتِ الْحَرَمِ. وَلَنَا أَنَّ حَلْقَ بَعْضِ الرَّأْسِ ارْتِفَاقٌ كَامِلٌ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ فَتَتَكَامَلُ بِهِ الْجِنَايَةُ وَتَتَقَاصَرُ فِيمَا دُونَهُ بِخِلَافِ تَطِيب رُبُعِ الْعُضْوِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ، وَكَذَا حَلْقُ بَعْضِ اللِّحْيَةِ مُعْتَادٌ بِالْعِرَاقِ وَأَرْضِ الْعَرَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ: لِحَقِيقَةِ الْكَثْرَةِ، إذْ حَقِيقَتُهَا إنَّمَا تَثْبُتُ إذَا قَابَلَهَا أَقَلُّ مِنْهَا وَالرُّبْعُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً. وَقَوْلُهُ: (وَإِذَا حَلَقَ رُبْعَ رَأْسِهِ) ظَاهِرٌ (وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجِبُ إلَّا بِحَلْقِ الْكُلِّ) عَمَلًا بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} [البقرة: 196] فَإِنَّ الرَّأْسَ اسْمٌ لِلْكُلِّ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ بِحَلْقِ الْقَلِيلِ) وَهُوَ ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ، وَعَلَّقَ الْحُكْمَ بِاسْمِ الْجِنْسِ، وَالْحُكْمُ الْمُعَلَّقُ بِاسْمِ الْجِنْسِ يَتَأَدَّى بِأَدْنَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ كَمَا فِي نَبَاتِ الْحَرَمِ، (وَلَنَا أَنَّ حَلْقَ بَعْضِ الرَّأْسِ ارْتِفَاقٌ كَامِلٌ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ) ، فَإِنَّ الْأَتْرَاكَ يَحْلِقُونَ أَوْسَاطَ رُءُوسِهِمْ وَبَعْضُ الْعَلَوِيَّةِ يَحْلِقُونَ نَوَاصِيَهُمْ لِابْتِغَاءِ الرَّاحَةِ وَالزِّينَةِ، وَالِارْتِفَاقُ الْكَامِلُ تَتَكَامَلُ بِهِ الْجِنَايَةُ كَمَا تَقَدَّمَ، (وَتَتَقَاصَرُ فِيمَا دُونَهُ) وَفِي قَوْلِهِ: فَتَتَكَامَلُ بِهِ الْجِنَايَةُ إشَارَةٌ إلَى دَفْعِ قَوْلِ مَالِكٍ

(وَإِنْ حَلَقَ الرَّقَبَةَ كُلَّهَا فَعَلَيْهِ دَمٌ) ؛ لِأَنَّهُ عُضْوٌ مَقْصُودٌ بِالْحَلْقِ. (وَإِنْ حَلَقَ الْإِبْطَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَعَلَيْهِ دَمٌ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْصُودٌ بِالْحَلْقِ لِدَفْعِ الْأَذَى وَنَيْلِ الرَّاحَةِ فَأَشْبَهَ الْعَانَةَ. ذَكَرَ فِي الْإِبْطَيْنِ الْحَلْقَ هَاهُنَا وَفِي الْأَصْلِ النَّتْفُ وَهُوَ السُّنَّةُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ) رَحِمَهُمَا اللَّهُ (إذَا حَلَقَ عُضْوًا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَطَعَامٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّهُ قَالَ: بِحَلْقِ كُلِّ الرَّأْسِ تَتَكَامَلُ الْجِنَايَةُ، فَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْجِنَايَةَ تَتَكَامَلُ بِالْبَعْضِ أَيْضًا. وَفِي قَوْلِهِ: وَتَتَقَاصَرُ فِيمَا دُونَهُ إشَارَةٌ إلَى نَفْيِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّهُ يَجِبُ الْجَزَاءُ بِالْقَلِيلِ، فَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْجِنَايَةَ فِي الْقَلِيلِ قَاصِرَةٌ فَكَيْفَ تُوجِبُ الدَّمَ. وَأَمَّا حَلْقُ اللِّحْيَةِ فَهُوَ مُتَعَارَفٌ، فَإِنَّ الْأَكَاسِرَةَ كَانُوا يَحْلِقُونَ لِحَى شُجْعَانِهِمْ، وَكَذَلِكَ الْأَخْذُ مِنْ اللِّحْيَةِ مِقْدَارُ الرُّبْعِ وَمَا يُشْبِهُهُ مُعْتَادٌ بِالْعِرَاقِ وَأَرْضِ الْعَرَبِ، فَكَانَ مَقْصُودًا بِالِارْتِفَاقِ كَحَلْقِ الرَّأْسِ فَأُلْحِقَ بِهِ احْتِيَاطًا لِإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ فِي الْمَنَاسِكِ فَإِنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الِاحْتِيَاطِ حَتَّى وَجَبَتْ بِالْأَعْذَارِ، بِخِلَافِ تَطْيِيبِ رُبْعِ الْعُضْوِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ، إذْ الْعَادَةُ فِي الطِّيبِ لَيْسَتْ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الرُّبْعِ فَكَانَ الْعُضْوُ الْكَامِلُ فِي الطِّيبِ كَالرُّبْعِ فِي الْحَلْقِ فِي حَقِّ الْكَفَّارَةِ، (وَإِنْ حَلَقَ الرَّقَبَةَ كُلَّهَا فَعَلَيْهِ دَمٌ) ؛ لِأَنَّهُ عُضْوٌ مَقْصُودٌ بِالْحَلْقِ (وَإِنْ حَلَقَ الْإِبِطَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْصُودٌ بِالْحَلْقِ لِدَفْعِ الْأَذَى وَنَيْلِ الرَّاحَةِ فَأَشْبَهَ الْعَانَةَ) قِيلَ: إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْإِبِطَيْنِ مَقْصُودًا بِالْحَلْقِ وَجَبَ أَنْ يَجِبَ بِحَلْقِهِمَا دَمَانِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ جِنَايَاتِ الْمُحْرِمِ إذَا كَانَتْ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ يَجِبُ فِيهَا ضَمَانٌ وَاحِدٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا أَزَالَ شَعْرَ جَمِيعِ بَدَنِهِ بِالتَّنُّورِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا دَمٌ وَاحِدٌ؟ (ذُكِرَ فِي الْإِبِطَيْنِ الْحَلْقُ هَاهُنَا) يَعْنِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَفِي الْأَصْلِ) أَيْ: الْمَبْسُوطِ (النَّتْفُ وَهُوَ السُّنَّةُ) بِخِلَافِ الْعَانَةِ، فَإِنَّ السُّنَّةَ فِيهَا الْحَلْقُ لِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «عَشْرٌ مِنْ الْفِطْرَةِ، مِنْهَا الِاسْتِحْدَادُ» وَتَفْسِيرُهُ حَلْقُ الْعَانَةِ بِالْحَدِيدِ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إذَا حَلَقَ عُضْوًا فَعَلَيْهِ دَمٌ) قِيلَ: قَوْلُهُمَا بَيَانٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا أَنَّهُ خَالَفَهُمَا فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا خُصَّا بِالذِّكْرِ

أَرَادَ بِهِ الصَّدْرَ وَالسَّاقَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ بِطَرِيقِ التَّنُّورِ فَتَتَكَامَلُ بِحَلْقِ كُلِّهِ وَتَتَقَاصَرُ عِنْدَ حَلْقِ بَعْضِهِ (وَإِنْ أَخَذَ مِنْ شَارِبِهِ فَعَلَيْهِ) طَعَامٌ (حُكُومَةُ عَدْلٍ) وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يُنْظَرُ أَنَّ هَذَا الْمَأْخُوذَ كَمْ يَكُونُ مِنْ رُبُعِ اللِّحْيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الرِّوَايَةَ مَحْفُوظَةٌ عَنْهُمَا. وَقَوْلُهُ: (أَرَادَ بِهِ) أَيْ: بِقَوْلِهِ عُضْوًا (الصَّدْرَ وَالسَّاقَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) مِثْلَ الْفَخِذِ وَالْعَضُدِ. فَإِنْ قِيلَ: الْجِنَايَةُ بِالْحَلْقِ إنَّمَا تَتَكَامَلُ إذَا كَانَ الْعُضْوُ مَقْصُودًا بِالْحَلْقِ وَمَا ذَكَرْتُمْ لَيْسَ كَذَلِكَ. قُلْت: هَذَا الَّذِي ذَكَرْت هُوَ مَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ. قَالَ بَعْدَمَا ذَكَرَ حَلْقَ الرَّأْسِ: ثُمَّ الْأَصْلُ بَعْدَ هَذَا أَنَّهُ مَتَى حَلَقَ عُضْوًا مَقْصُودًا بِالْحَلْقِ مِنْ بَدَنِهِ قَبْلَ أَوَانِ التَّحَلُّلِ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ حَلَقَ مَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ؛ ثُمَّ قَالَ: وَمِمَّا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ حَلْقُ شَعْرِ الصَّدْرِ وَالسَّاقِ، وَلَكِنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ مَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِرِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ مَقْصُودٌ بِالتَّنُّورِ: أَيْ: إزَالَتُهُ بِالنُّورَةِ، وَلَا فَرْقَ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ فِي إزَالَةِ الشَّعْرِ بَيْنَ الْحَلْقِ وَالنَّتْفِ وَالتَّنُّورِ فَكَانَتْ الْجِنَايَةُ بِحَلْقِ كُلِّهِ كَامِلَةً وَبِحَلْقِ بَعْضِهِ قَاصِرَةً. وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ أَخَذَ مِنْ شَارِبِهِ) ظَاهِرٌ. وَقِيلَ الشَّارِبُ عُضْوٌ مَقْصُودٌ بِالْحَلْقِ، فَإِنَّ مِنْ عَادَةِ بَعْضِ النَّاسِ حَلْقَ الشَّارِبِ دُونَ اللِّحْيَةِ، فَكَانَ الْوَاجِبُ تَكَامُلَ الْجِنَايَةِ بِحَلْقِهِ.

فَيَجِبُ عَلَيْهِ الطَّعَامُ بِحَسَبِ ذَلِكَ، حَتَّى لَوْ كَانَ مَثَلًا مِثْلَ رُبُعِ الرُّبُعِ لَزِمَهُ قِيمَةُ رُبُعِ الشَّاةِ، وَلَفْظَةُ الْأَخْذِ مِنْ الشَّارِبِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ السُّنَّةُ فِيهِ دُونَ الْحَلْقِ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يُقَصَّ حَتَّى يُوَازِيَ الْإِطَارَ. قَالَ (وَإِنْ حَلَقَ مَوْضِعَ الْمَحَاجِمِ فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَالَا: عَلَيْهِ صَدَقَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْلِقُ الْحِجَامَةَ وَهِيَ لَيْسَتْ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ فَكَذَا مَا يَكُونُ وَسِيلَةً إلَيْهَا، وَإِلَّا أَنَّ فِيهِ إزَالَةَ شَيْءٍ مِنْ التَّفَثِ فَتَجِبُ الصَّدَقَةُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ حَلْقَهُ مَقْصُودٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَسَّلُ إلَى الْمَقْصُودِ إلَّا بِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَعَ اللِّحْيَةِ فِي الْحَقِيقَةِ عُضْوٌ وَاحِدٌ لِاتِّصَالِ الْبَعْضِ بِالْبَعْضِ فَلَا يُجْعَلُ فِي حُكْمِ أَعْضَاءٍ مُتَفَرِّقَةٍ كَالرَّأْسِ: فَإِنَّ مِنْ الْعَلَوِيَّةِ مَنْ عَادَتُهُ حَلْقُ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّهُ لَيْسَ بِعُضْوٍ وَاحِدٍ، وَقَوْلُهُ: (تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ السُّنَّةُ فِيهِ دُونَ الْحَلْقِ) هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «عَشْرَةٌ مِنْ فِطْرَتِي وَفِطْرَةِ إبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ، وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهَا قَصَّ الشَّارِبِ» . وَقَوْلُهُ: (حَتَّى يُوَازِيَ الْإِطَارَ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: إطَارُ الشَّفَةِ مُلْتَقَى جِلْدَتِهَا وَلَحْمَتِهَا مُسْتَعَارٌ مِنْ إطَارِ الْمُنْخُلِ وَالدُّفِّ. قَالَ: (وَإِنْ حَلَقَ مَوْضِعَ الْمَحَاجِمِ فَعَلَيْهِ دَمٌ) الْمُرَادُ بِالْمَحَاجِمِ هَاهُنَا جَمْعُ مِحْجَمٍ اسْمُ آلَةٍ مِنْ الْحِجَامَةِ بِدَلِيلِ ذِكْرِ اسْمِ الْمَوْضِعِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ مَحْجَمٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ اسْمُ مَوْضِعٍ مِنْ الْحِجَامَةِ، وَدَلِيلُهُمَا ظَاهِرٌ. وَأَمَّا دَلِيلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِيهِ اشْتِبَاهٌ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ حَلْقَهُ مَقْصُودًا وَوَسِيلَةً وَهُمَا مُتَنَافِيَانِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِأَنَّ حَلْقَهُ مَقْصُودٌ لِذَاتِهِ بَلْ قَالَ: مَقْصُودًا، وَمَا لَا يَتِمُّ الْمَقْصُودُ

وَقَدْ وُجِدَ إزَالَةُ التَّفَثِ عَنْ عُضْوٍ كَامِلٍ فَيَجِبُ الدَّمُ. (وَإِنْ حَلَقَ رَأْسَ مُحْرِمٍ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَعَلَى الْحَالِقِ الصَّدَقَةُ، وَعَلَى الْمَحْلُوقِ دَمٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجِبُ إنْ كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ بِأَنْ كَانَ نَائِمًا؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ يُخْرِجُ الْمُكْرَهَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُؤَاخَذًا بِحُكْمِ الْفِعْلِ وَالنَّوْمُ أَبْلَغُ مِنْهُ. وَعِنْدَنَا بِسَبَبِ النَّوْمِ وَالْإِكْرَاهِ يَنْتَفِي الْمَأْثَمُ دُونَ الْحُكْمِ وَقَدْ تَقَرَّرَ سَبَبُهُ، وَهُوَ مَا نَالَ مِنْ الرَّاحَةِ وَالزِّينَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِذَاتِهِ إلَّا بِهِ فَهُوَ مَقْصُودٌ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ فَلَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا بَقِيَ الْكَلَامُ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَقْصُودِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِذَاتِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ: (عَنْ عُضْوٍ كَامِلٍ) يَعْنِي أَنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ فِي حَقِّ الْحِجَامَةِ عُضْوٌ كَامِلٌ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ حَلَقَ) يَعْنِي الْمُحْرِمَ (رَأْسَ مُحْرِمٍ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ،) الْحَالِقُ وَالْمَحْلُوقُ رَأْسُهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ حَلَالَيْنِ أَوْ مُحْرِمَيْنِ، أَوْ الْحَالِقُ حَلَالٌ وَالْمَحْلُوقُ مُحْرِمٌ أَوْ بِالْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ؛ فَالْأَوَّلُ لَا كَلَامَ فِيهِ، وَالثَّانِي عَلَى الْحَالِقِ فِيهِ صَدَقَةٌ سَوَاءٌ حَلَقَ بِأَمْرِ الْمَحْلُوقِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِيهِمَا فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَا شَيْءَ عَلَى الْحَالِقِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ الِارْتِفَاقُ، وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ بِحَلْقِ شَعْرِ غَيْرِهِ، وَلَا عَلَى الْمَحْلُوقِ (إذَا كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ بِأَنْ كَانَ نَائِمًا؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ يُخْرِجُ الْمُكْرَهَ مِنْ الْمُؤَاخَذَةِ بِحُكْمِ الْفِعْلِ، وَالنَّوْمُ أَبْلَغُ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ يَفْسُدُ بِالْإِكْرَاهِ وَيَنْعَدِمُ بِالنَّوْمِ، وَقُلْنَا فِي الْحَالِقِ: إنَّ إزَالَةَ مَا يَنْمُو

فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ حَتْمًا، بِخِلَافِ الْمُضْطَرِّ حَيْثُ يَتَخَيَّرُ؛ لِأَنَّ الْآفَةَ هُنَاكَ سَمَاوِيَّةٌ وَهَاهُنَا مِنْ الْعِبَادِ، ثُمَّ لَا يَرْجِعُ الْمَحْلُوقُ رَأْسَهُ عَلَى الْحَالِقِ؛ لِأَنَّ الدَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ لِاسْتِحْقَاقِهِ الْأَمَانَ بِمَنْزِلَةِ نَبَاتِ الْحَرَمِ، وَتَنَاوُلُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ يُوجِبُ الْجَزَاءَ سَوَاءٌ كَانَ فِي بَدَنِهِ أَوْ فِي غَيْرِ بَدَنِهِ كَمَا فِي نَبَاتِ الْحَرَمِ فَلَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ شَعْرِهِ وَشَعْرِ غَيْرِهِ، إلَّا أَنَّ الْجِنَايَةَ فِي شَعْرِهِ مُتَكَامِلَةٌ فَيَلْزَمُهُ فِيهِ الدَّمُ وَفِي غَيْرِهِ الصَّدَقَةُ، وَفِي الْمَحْلُوقِ رَأْسُهُ تَقَرَّرَ السَّبَبُ وَهُوَ نَيْلُ الرَّاحَةِ وَالزِّينَةِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ الدَّمَ، وَالنَّوْمُ وَالْإِكْرَاهُ لَا يَصْلُحَانِ مَانِعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَأْثَمَ يَنْتَفِي بِهَا دُونَ الْحُكْمِ. قِيلَ: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا أَنَّ بِحَلْقِ الشَّعْرِ تَحْصُلُ الزِّينَةُ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ، وَذَكَرَ فِي الدِّيَاتِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ فِي شَعْرِ الرَّأْسِ الدِّيَةَ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِهِ مَنْفَعَةُ الْجَمَالِ وَذَلِكَ تَنَاقُضٌ؛ لِأَنَّ الْجَمَالَ هُوَ الزِّينَةُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ جَمَالٌ مِنْ حَيْثُ الْخِلْقَةُ وَلِهَذَا يَتَكَلَّفُ عَادِمُهُ فِي سَتْرِهِ، وَيَحْصُلُ بِحَلْقِهِ زِينَةُ إزَالَةِ الشُّعْثِ وَالتُّفْلِ، وَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْجِهَةُ زَالَ التَّنَاقُضُ، وَقَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْمُضْطَرِّ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ حَتْمًا: أَيْ بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ الْمُضْطَرِّ إلَى حَلْقِ رَأْسِهِ، فَإِنَّهُ إذَا حَلَقَهُ يَتَخَيَّرُ إنْ شَاءَ ذَبَحَ شَاةً وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ وَإِنْ شَاءَ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (لِأَنَّ الْآفَةَ هُنَاكَ سَمَاوِيَّةٌ، وَفِي صُورَةِ النِّزَاعِ مِنْ الْعِبَادِ ثُمَّ الْمَحْلُوقُ رَأْسُهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْحَالِقِ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّمِ) وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يَرْجِعُ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَوْقَعَهُ

إنَّمَا لَزِمَهُ بِمَا نَالَ مِنْ الرَّاحَةِ فَصَارَ كَالْمَغْرُورِ فِي حَقِّ الْعُقْرِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْحَالِقُ حَلَالًا لَا يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ فِي حَقِّ الْمَحْلُوقِ رَأْسُهُ، وَأَمَّا الْحَالِقُ تَلْزَمُهُ الصَّدَقَةُ فِي مَسْأَلَتِنَا فِي الْوَجْهَيْنِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا حَلَقَ الْمُحْرِمُ رَأْسَ حَلَالٍ. لَهُ أَنَّ مَعْنَى الِارْتِفَاقِ لَا يَتَحَقَّقُ بِحَلْقِ شَعْرِ غَيْرِهِ وَهُوَ الْمُوجِبُ. وَلَنَا أَنَّ إزَالَةَ مَا يَنْمُو مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ؛ لِاسْتِحْقَاقِهِ الْأَمَانَ بِمَنْزِلَةِ نَبَاتِ الْحَرَمِ فَلَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ شَعْرِهِ وَشَعْرِ غَيْرِهِ إلَّا أَنَّ كَمَالَ الْجِنَايَةِ فِي شَعْرِهِ (فَإِنْ أَخَذَ مِنْ شَارِبِ حَلَالٍ أَوْ قَلَّمَ أَظَافِيرَهُ أَطْعَمَ مَا شَاءَ) وَالْوَجْهُ فِيهِ مَا بَيَّنَّا. وَلَا يَعْرَى عَنْ نَوْعِ ارْتِفَاقٍ؛ لَأَنْ يَتَأَذَّى بِتَفَثِ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ التَّأَذِّي بِتَفَثِ نَفْسِهِ فَيَلْزَمُهُ الطَّعَامُ (وَإِنْ قَصَّ أَظَافِيرَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ لِمَا فِيهِ مِنْ قَضَاءِ التَّفَثِ وَإِزَالَةِ مَا يَنْمُو مِنْ الْبَدَنِ، فَإِذَا قَلَّمَهَا كُلَّهَا فَهُوَ ارْتِفَاقٌ كَامِلٌ فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ، وَلَا يُزَادُ عَلَى دَمٍ إنْ حَصَلَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ مِنْ نَوْعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي هَذِهِ الْعُهْدَةِ فَكَأَنَّهُ أَخَذَ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ مَالِهِ. وَقُلْنَا: (الدَّمُ إنَّمَا لَزِمَهُ بِمَا نَالَ مِنْ الرَّاحَةِ فَصَارَ كَالْمَغْرُورِ) إذَا ضَمِنَ الْعُقْرَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَارِّ؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ مَا اسْتَوْفَاهُ مِنْ مَنَافِعِ الْبُضْعِ. وَقَوْلُهُ: (وَكَذَا إذَا كَانَ الْحَالِقُ حَلَالًا) هُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنْ الْأَقْسَامِ الْعَقْلِيَّةِ وَلَيْسَ فِيهِ عَلَى الْحَالِقِ شَيْءٌ بِالِاتِّفَاقِ وَفِي الْمَحْلُوقِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ. وَقَوْلُهُ: (فِي مَسْأَلَتِنَا) أَرَادَ بِهِ مَا إذَا كَانَ الْحَالِقُ مُحْرِمًا. وَقَوْلُهُ: (فِي الْوَجْهَيْنِ) أَرَادَ بِهِ مَا بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ. وَقَوْلُهُ: (فَإِنْ أَخَذَ) يَعْنِي الْمُحْرِمَ (مِنْ شَارِبِ حَلَالٍ أَوْ قَصَّ أَظَافِيرَهُ أَطْعَمَ مَا شَاءَ وَالْوَجْهُ فِيهِ مَا بَيَّنَّا) يَعْنِي قَوْلَهُ: إنَّ إزَالَةَ مَا يَنْمُو مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ. وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَعْرَى عَنْ نَوْعِ ارْتِفَاقٍ) إشَارَةً إلَى الْجَوَابِ عَمَّا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَلَقَ رَأْسَ غَيْرِهِ وَالْأَخْذُ مِنْ شَارِبِهِ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَلْبَسَ غَيْرُهُ مَخِيطًا فِي عَدَمِ ارْتِفَاقِهِ، فَكَمَا لَا يَجِبُ فِي الْإِلْبَاسِ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِي الْحَلْقِ وَأَخْذِ الشَّارِبِ ارْتِفَاقًا لَهُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَأَذَّى بِتَفَثِ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ فِي إلْبَاسِ الْمَخِيطِ ذَلِكَ لَكِنَّ التَّأَذِّي بِتَفَثِ غَيْرِهِ أَقَلُّ مِنْ التَّأَذِّي بِتَفَثِ نَفْسِهِ (فَيَلْزَمُهُ الطَّعَامُ) وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ قَصَّ) أَيْ الْمُحْرِمُ (أَظَافِيرَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْجِنَايَةَ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ) يَعْنِي تَسْمِيَةً وَمَعْنًى، أَمَّا تَسْمِيَةً فَلِأَنَّ الْكُلَّ

وَاحِدٍ، فَإِنْ كَانَ فِي مَجَالِسَ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى التَّدَاخُلِ فَأَشْبَهَ كَفَّارَةَ الْفِطْرِ إلَّا إذَا تَخَلَّلَتْ الْكَفَّارَةُ لِارْتِفَاعِ الْأُولَى بِالتَّكْفِيرِ. وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَجِبُ أَرْبَعَةُ دِمَاءٍ إنْ قَلَّمَ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ يَدًا أَوْ رِجْلًا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فَيَتَقَيَّدُ التَّدَاخُلُ بِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ كَمَا فِي آيِ السَّجْدَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيُسَمَّى قَصًّا، وَأَمَّا مَعْنًى فَلِأَنَّ الِارْتِفَاقَ مِنْ حَيْثُ الْقَصُّ وَهُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى التَّدَاخُلِ) يَعْنِي أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا قَتَلَ صَيْدَ الْحَرَمِ يَكْفِيهِ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي حَقِّ الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ جَمِيعًا فَكَانَ مَبْنَاهَا عَلَى ذَلِكَ (فَأَشْبَهَ كَفَّارَةَ الْفِطْرِ) ، وَهُمَا يَقُولَانِ: كَفَّارَةُ الْإِحْرَامِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فِيهَا غَالِبٌ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمَعْذُورِ كَالْمُكْرَهِ وَالنَّائِمِ وَالْمُخْطِئِ وَالنَّاسِي وَالْمُضْطَرِّ، وَبِالنَّظَرِ إلَى ذَلِكَ لَا تَتَدَاخَلُ فَقُلْنَا بِتَقَيُّدِ التَّدَاخُلِ بِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَالْمَقْصُودُ وَاحِدٌ، وَالْمَحَالُّ مُخْتَلِفَةٌ فَرَجَّحْنَا اتِّحَادَ الْمَقْصُودِ بِوُجُودِ الْجَامِعِ وَهُوَ الْمَجْلِسُ، وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَتْ الْمَجَالِسُ فَيَتَرَجَّحُ جَانِبُ اخْتِلَافِ الْمَحَالِّ وَيَلْزَمُ لِكُلِّ وَاحِدٍ دَمٌ عَمَلًا بِالْوَجْهَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: الْجِنَايَاتُ إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ لَا تَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ كَمَا إذَا حَلَقَ رَأْسَهُ فِي مَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٍ فَإِنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةً وَاحِدَةً لِذَلِكَ. فَالْجَوَابُ أَنَّ هَاهُنَا اتِّحَادَ الْمَقْصُودِ وَاتِّحَادَ الْمَحَلِّ وَكَذَا اخْتِلَافُهُمَا، فَمَتَى اتَّحَدَ الْجَمِيعُ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَهُمْ، وَمَتَى اخْتَلَفَ الْجَمِيعُ لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ مُتَعَدِّدَةً؛ وَمَتَى اتَّحَدَ الْمَقْصُودُ وَاخْتَلَفَ الْمَحَالُّ، فَإِنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ تَقَوَّى جَانِبُ الِاتِّحَادِ فَلَزِمَهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَمَتَى اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ تَقَوَّى جَانِبُ الِاخْتِلَافِ وَتَعَدَّدَتْ الْكَفَّارَةُ، فَإِذَا عَرَفْت هَذَا ظَهَرَ لُزُومُ التَّعَدُّدِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمَجْلِسِ وَلُزُومُ الْوَحْدَةِ عِنْدَ اتِّحَادِهِ، وَلَا يَلْزَمُ حَلْقُ الرَّأْسِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ مُتَّحِدٌ وَالْمَقْصُودُ كَذَلِكَ، بِخِلَافِ مَحَلِّ النِّزَاعِ؛ لِأَنَّ الْمَحَالَّ فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ وَلَا يُشْكِلُ بِحَلْقِ الْإِبِطَيْنِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مُتَّحِدٌ وَالْمَحَالُّ مُخْتَلِفَةٌ. وَلَا يَخْتَلِفُ الْحَالُّ فِي اتِّحَادِ الْجَزَاءِ بَيْنَ مَا كَانَ الْمَجْلِسُ مُتَّحِدًا أَوْ مُخْتَلِفًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا رِوَايَةَ فِيهِ، وَلَأَنْ كَانَتْ فَثَمَّةَ مَا يُوجِبُ اتِّحَادَ الْمَحَالِّ وَهُوَ التَّنْوِيرُ، فَإِنَّهُ لَوْ نَوَّرَ جَمِيعَ الْبَدَنِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَلْقَ

(وَإِنْ قَصَّ يَدًا أَوْ رِجْلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ) إقَامَةٌ لِلرُّبُعِ مَقَامَ الْكُلِّ كَمَا فِي الْحَلْقِ (وَإِنْ قَصَّ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَظَافِيرَ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ) مَعْنَاهُ تَجِبُ بِكُلِّ ظُفُرٍ صَدَقَةٌ. وَقَالَ زَفَرٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجِبُ الدَّمُ بِقَصِّ ثَلَاثَةٍ مِنْهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ فِي أَظَافِيرِ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ دَمًا، وَالثَّلَاثُ أَكْثَرُهَا. وَجْهُ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ أَنَّ أَظَافِيرَ كَفٍّ وَاحِدٍ أَقَلُّ مَا يَجِبُ الدَّمُ بِقَلْمِهِ وَقَدْ أَقَمْنَاهَا مَقَامَ الْكُلِّ، فَلَا يُقَامُ أَكْثَرُهَا مَقَامَ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى (وَإِنْ قَصَّ خَمْسَةَ أَظَافِيرَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى (وَقَالَ مُحَمَّدٌ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَلَيْهِ دَمٌ) اعْتِبَارًا بِمَا لَوْ قَصَّهَا مِنْ كَفٍّ وَاحِدٍ، وَبِمَا إذَا حَلَقَ رُبُعَ الرَّأْسِ مِنْ مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةِ. وَلَهُمَا أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِثْلُ التَّنْوِيرِ، وَلَيْسَ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ مَا يَجْعَلُهَا كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ قَصَّ يَدًا أَوْ رِجْلًا) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (وَجْهُ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ) أَيْ: الْقُدُورِيِّ (أَنَّ أَظَافِيرَ كَفٍّ وَاحِدٍ أَقَلُّ مَا يَجِبُ الدَّمُ بِقَلْمِهِ) وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ لَا يُقَامُ أَكْثَرُهُ مَقَامَهُ، أَمَّا أَنَّهَا أَقَلُّ مَا يَجِبُ الدَّمُ بِقَلْمِهِ فَلِأَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ الدَّمُ بِاعْتِبَارِ قِيَامِهِ مَقَامَ الْكُلِّ، وَفِي ذَلِكَ شُبْهَةٌ، وَلَيْسَ بَعْدَ الشُّبْهَةِ إلَّا شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ بِحَالٍ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى هَذَا التَّعْلِيلِ بِقَوْلِهِ: (وَقَدْ أَقَمْنَاهَا مَقَامَ الْكُلِّ) وَهُوَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ: أَيْ: أَنَّهَا أَقَلُّ مَا يَجِبُ الدَّمُ بِقَلْمِهِ حَالَ كَوْنِهَا مُقَامَةً مَقَامَ الْكُلِّ، فَفِيهَا شُبْهَةُ الْكُلِّيَّةِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا، وَأَمَّا أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ كَذَلِكَ لَا يُقَامُ أَكْثَرُهُ مَقَامَهُ فَلِمَا قَالَ: (لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى) ؛ لِأَنَّهُ إذَا أُقِيمَ الثَّلَاثَةُ مَقَامَ خَمْسَةٍ يُقَامُ الِاثْنَانِ مَقَامَ الثَّلَاثَةِ، ثُمَّ الظُّفْرُ وَالنِّصْفُ مَقَامَ الظُّفْرَيْنِ، ثُمَّ الظُّفْرُ الْوَاحِدُ مَقَامَ ظُفْرٍ وَنِصْفٍ وَهَلُمَّ جَرًّا دَفْعًا لِلتَّحَكُّمِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى. إلَى مَا يَتَعَسَّرُ اعْتِبَارُهُ، لِأَنَّ الْجِسْمَ عِنْدَنَا أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ يَتَنَاهَى إلَى الْجُزْءِ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَأْوِيلٍ، وَذَلِكَ مَا قُلْنَا (وَإِنْ قَصَّ خَمْسَةَ أَظَافِيرَ مُتَفَرِّقَةٍ) بِالْجَرِّ صِفَةً لِلْمَعْدُودِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ} [يوسف: 43] (مِنْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عَلَيْهِ دَمٌ اعْتِبَارًا بِمَا لَوْ قَصَّهَا مِنْ كَفٍّ وَاحِدٍ) بِجَامِعِ أَنَّهُ قَصَّ خَمْسَةَ أَظَافِيرَ وَلَا تَفْرِقَةَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مِنْ يَدٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مِنْ يَدٍ وَرِجْلٍ، (وَبِمَا إذَا حَلَقَ رُبْعَ الرَّأْسِ مِنْ مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ، وَلَهُمَا أَنَّ الدَّمَ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ

كَمَالَ الْجِنَايَةِ بِنَيْلِ الرَّاحَةِ وَالزِّينَةِ وَبِالْقَلْمِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَتَأَذَّى وَيَشِينُهُ ذَلِكَ، بِخِلَافِ الْحَلْقِ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ عَلَى مَا مَرَّ. وَإِذَا تَقَاصَرَتْ الْجِنَايَةُ تَجِبُ فِيهَا الصَّدَقَةُ فَيَجِبُ بِقَلْمِ كُلِّ ظُفْرٍ طَعَامُ مِسْكِينٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَلَّمَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةٍ مُتَفَرِّقًا لَأَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ دَمًا فَحِينَئِذٍ يَنْقُصُ عَنْهُ مَا شَاءَ. قَالَ: (وَإِنْ انْكَسَرَ ظُفُرُ الْمُحْرِمِ وَتَعَلَّقَ فَأَخَذَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْمُو بَعْدَ الِانْكِسَارِ فَأَشْبَهَ الْيَابِسَ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ (وَإِنْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ مَخِيطًا أَوْ حَلَقَ مِنْ عُذْرٍ فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ذَبَحَ وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ بِثَلَاثَةِ أَصْوُعٍ مِنْ الطَّعَامِ وَإِنْ شَاءَ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] وَكَلِمَةُ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ وَقَدْ فَسَّرَهَا رَسُولُ اللَّه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِمَا ذَكَرْنَا، وَالْآيَةُ نَزَلَتْ فِي الْمَعْذُورِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَكَامُلِ الْجِنَايَةِ بِنَيْلِ الرَّاحَةِ وَالزِّينَةِ وَ) هَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ (بِالْقَلْمِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَتَأَذَّى وَيَشِينُهُ ذَلِكَ، بِخِلَافِ الْحَلْقِ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ) فَإِنَّ مَنْ يَأْخُذُ شَيْئًا مِنْ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ وَشَيْئًا مِنْ مُؤَخَّرِهِ فَإِذَا جَمَعَ الْجَمِيعَ يَصِيرُ مِقْدَارَ الرُّبْعِ، (وَإِذَا تَقَاصَرَتْ الْجِنَايَةُ تَجِبُ فِيهَا الصَّدَقَةُ) ، وَمِقْدَارُهَا لِكُلِّ ظُفْرٍ طَعَامُ مِسْكِينٍ، (وَكَذَلِكَ لَوْ قَلَّمَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةٍ مُتَفَرِّقًا إلَّا أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ دَمًا فَيُنْقِصُ مِنْهُ مَا شَاءَ) حَتَّى قَالُوا لَوْ قَصَّ سِتَّةَ عَشَرَ ظُفْرًا مِنْ كُلِّ عُضْوٍ أَرْبَعَةً، فَعَلَيْهِ لِكُلِّ ظُفْرٍ طَعَامُ مِسْكِينٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ دَمًا فَيُنْقِصُ مِنْهُ مَا شَاءَ. وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ انْكَسَرَ ظُفْرُ الْمُحْرِمِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (وَالْآيَةُ نَزَلَتْ فِي الْمَعْذُورِ) قَالَ كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْجِيمِ: «مَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقَمْلُ يَتَهَافَتُ عَلَى وَجْهِي وَأَنَا أُوقِدُ تَحْتَ قِدْرٍ لِي، فَقَالَهُ: أَيُؤْذِيك هَوَامُّ رَأْسِك؟ فَقُلْت: نَعَمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] ، فَقُلْت: مَا الصِّيَامُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ» وَلَوْلَا تَفْسِيرُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَقَدَّرْنَاهُ بِسِتَّةِ أَيَّامٍ لِأَنَّهُ لَمَّا تَقَدَّرَ الطَّعَامُ بِسِتَّةِ مَسَاكِينَ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ سِتَّةَ أَيَّامٍ، وَالْحُكْمُ فِي كُلِّ مَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ مِمَّا لَوْ فَعَلَهُ غَيْرُ الْمُضْطَرِّ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ كَذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَحَدُ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ.

ثُمَّ الصَّوْمُ يُجْزِيهِ فِي أَيِّ مَوْضِعَ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ فِي كُلِّ مَكَان، وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ عِنْدَنَا لِمَا بَيَّنَّا. وَأَمَّا النُّسُكُ فَيَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ لَمْ تُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان، وَهَذَا الدَّمُ لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ فَتَعَيَّنَ اخْتِصَاصُهُ بِالْمَكَانِ، وَلَوْ اخْتَارَ الطَّعَامَ أَجْزَأَهُ فِيهِ التَّغْذِيَةُ وَالتَّعْشِيَةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْتِبَارًا بِكَفَّارَةِ الْيَمِينِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ تُنْبِئُ عَنْ التَّمْلِيكِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ عِنْدَنَا) يَعْنِي خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَا يُجْزِئُهُ الطَّعَامُ إلَّا فِي الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ الرِّفْقُ بِفُقَرَاءِ الْحَرَمِ وَوُصُولُ الْمَنْفَعَةِ إلَيْهِمْ. وَقَوْلُهُ: (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةً إلَى قَوْلِهِ: لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ فِي كُلِّ مَكَان. وَقَوْلُهُ: (وَأَمَّا النُّسُكُ) يُقَالُ: نَسَكَ لِلَّهِ نُسُكًا وَمَنْسَكًا: إذَا ذَبَحَ لِوَجْهِهِ، ثُمَّ قَالُوا: لِكُلِّ عِبَادَةٍ نُسُكٌ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي} [الأنعام: 162] وَالْمُرَادُ بِهِ هَاهُنَا الْهَدْيُ الَّذِي يَذْبَحُهُ فِي الْحَرَمِ بِطَرِيقِ الْجَزَاءِ عَمَّا بَاشَرَهُ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ كَالطِّيبِ وَالْحَلْقِ فِي حَالَةِ الْعُذْرِ، وَذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالْحَرَمِ بِالِاتِّفَاقِ (؛ لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ لَمْ تُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا فِي زَمَانٍ) كَالْأُضْحِيَّةِ وَهَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ (أَوْ فِي مَكَان) كَمَا فِي دِمَاءِ الْكَفَّارَاتِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] ؛ وَذَلِكَ وَاجِبٌ بِطَرِيقِ الْكَفَّارَةِ، (وَهَذَا الدَّمُ لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ فَتَعَيَّنَ اخْتِصَاصُهُ بِالْمَكَانِ) وَهُوَ الْحَرَمُ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى بِالِاخْتِصَاصِ إرَاقَةَ الدَّمِ لَا غَيْرَ؛ لِأَنَّهُ تَلْوِيثُ الْحَرَمِ إنَّمَا الْمَقْصُودُ هُوَ التَّصَدُّقُ بِاللَّحْمِ بَعْدَ الذَّبْحِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهِ عَلَى فُقَرَاءِ الْحَرَمِ وَغَيْرِهِمْ عِنْدَنَا. وَقَوْلُهُ: (وَلَوْ اخْتَارَ الطَّعَامَ أَجْزَأَهُ) ظَاهِرٌ، وَأَبُو يُوسُفَ نَظَرَ إلَى كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فِي الْقِرَانِ فَإِنَّهُ ذُكِرَ بِلَفْظِ الْإِطْعَامِ وَهُوَ يُفِيدُ الْإِبَاحَةَ وَإِلَى تَفْسِيرِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنَّهُ قَالَ: «أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ» وَمُحَمَّدٌ نَظَرَ إلَى قَوْلِهِ: أَوْ صَدَقَةٍ فَإِنَّهَا تُنْبِئُ عَنْ التَّمْلِيكِ، بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنَّ الْمَذْكُورَ فِيهَا الْإِطْعَامُ لَا الصَّدَقَةُ.

[فصل نظر المحرم إلى فرج امرأته بشهوة فأمنى]

(فَإِنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَتِهِ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ الْجِمَاعُ وَلَمْ يُوجَدْ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَفَكَّرَ فَأَمْنَى (وَإِنْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ بِشَهْوَةٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ) وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَقُولُ: إذَا مَسَّ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ. وَكَذَا الْجَوَابُ فِي الْجِمَاعِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ إنَّمَا يُفْسِدُ إحْرَامَهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إذَا أَنْزَلَ وَاعْتَبَرَهُ بِالصَّوْمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ نَظَرَ الْمُحْرِم إلَى فَرْجِ امْرَأَتِهِ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى] فَصْلٌ) قَدَّمَ جِنَايَةَ الطِّيبِ وَنَحْوِهَا عَلَى جِنَايَةِ الْجِمَاعِ وَدَوَاعِيهِ،؛ لِأَنَّ الطِّيبَ وَاللُّبْسَ كَالْوَسِيلَةِ لِلْجِمَاعِ وَالْوَسَائِلُ تُقَدَّمُ، وَلِهَذَا قَدَّمَ فِي هَذَا الْفَصْلِ ذِكْرَ دَوَاعِي الْجِمَاعِ عَلَيْهِ، (فَإِنْ نَظَرَ) الْمُحْرِمُ (إلَى فَرْجِ امْرَأَتِهِ) أَيْ: إلَى دَاخِلِ فَرْجِهَا وَهُوَ مَوْضِعُ الْبَكَارَةِ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ عِنْدَ كَوْنِهَا مُنْكَبَّةً (بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى) أَيْ: أَنْزَلَ الْمَنِيَّ (لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) مِنْ الْكَفَّارَةِ (؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ الْجِمَاعُ) وَهُوَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ عَلَى سَبِيلِ الِاجْتِمَاعِ صُورَةً وَهُوَ الْإِيلَاجُ وَمَعْنًى وَهُوَ الْإِنْزَالُ، (وَلَمْ يُوجَدْ) ذَلِكَ (فَصَارَ كَمَا لَوْ تَفَكَّرَ فَأَمْنَى) ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِمَا قُلْنَا، (فَإِنْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ بِشَهْوَةٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ) ، سَوَاءٌ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ، (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ) شَرْطُ الْإِنْزَالِ حَيْثُ قَالَ: (إذَا مَسَّ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى) ، وَلِهَذَا ذَكَرَ رُوَاةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَكَذَا الْجَوَابُ فِي الْجِمَاعِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ) مِنْ الْإِدْخَالِ بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ وَالسُّرَّةِ فَإِنَّ الْفَرْجَ يُرَادُ بِهِ الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ فَمَا دُونَهُ يَكُونُ مَا ذَكَرْنَاهُ. (وَ) رُوِيَ (عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا أَنْزَلَ فَسَدَ إحْرَامُهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ) يَعْنِي التَّقْبِيلَ بِشَهْوَةٍ وَالْمَسَّ بِشَهْوَةٍ وَالْجِمَاعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ (وَاعْتُبِرَ ذَلِكَ بِالصَّوْمِ)

وَلَنَا أَنَّ فَسَادَ الْحَجِّ يَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ وَلِهَذَا لَا يَفْسُدُ بِسَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ، وَهَذَا لَيْسَ بِجِمَاعٍ مَقْصُودٍ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ إلَّا أَنَّ فِيهِ مَعْنَى الِاسْتِمْتَاعِ وَالِارْتِفَاقِ بِالْمَرْأَةِ وَذَلِكَ مَحْظُورُ الْإِحْرَامِ فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ فِيهِ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ، وَلَا يَحْصُلُ بِدُونِ الْإِنْزَالِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّهُ إنَّمَا يَفْسُدُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ إذَا أَنْزَلَ، لِأَنَّهُ مُوَاقَعَةٌ مَعْنًى، (وَلَنَا) عَلَى أَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَفْسُدُ وَأَنَّ الْإِنْزَالَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ (أَنَّ فَسَادَ الْحَجِّ يَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِغَيْرِهِ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ) بِالْإِجْمَاعِ، (وَهَذَا لَيْسَ بِجِمَاعٍ) فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فَسَادُ الْحَجِّ إلَّا أَنَّ فِيهِ مَعْنَى الِاسْتِمْتَاعِ وَالِارْتِفَاقِ بِالْمَرْأَةِ وَذَلِكَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ، لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ دَوَاعِيَ الْجِمَاعِ مُلْحَقَةٌ بِهِ (فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ) وَقَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الصَّوْمِ) جَوَابٌ عَنْ اعْتِبَارِهِ بِالصَّوْمِ (؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ فِيهِ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ) حَيْثُ كَانَ رُكْنُهُ الْكَفَّ عَنْهَا، وَقَضَاؤُهَا بِدُونِ الْإِنْزَالِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ لَا يَتَحَقَّقُ

(وَإِنْ جَامَعَ فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَسَدَ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ شَاةٌ، وَيَمْضِي فِي الْحَجِّ كَمَا يَمْضِي مَنْ لَمْ يُفْسِدْهُ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سُئِلَ عَمَّنْ وَاقَعَ امْرَأَتَهُ وَهُمَا مُحْرِمَانِ بِالْحَجِّ قَالَ: يُرِيقَانِ دَمًا وَيَمْضِيَانِ فِي حَجَّتِهِمَا وَعَلَيْهِمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ» ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ جَامَعَ فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَسَدَ حَجُّهُ، وَعَلَيْهِ شَاةٌ وَيَمْضِي فِي الْحَجِّ) بِأَدَاءِ أَفْعَالِهِ (كَمَا يَمْضِي: مَنْ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ. وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَمَّنْ وَاقَعَ امْرَأَتَهُ وَهُمَا مُحْرِمَانِ بِالْحَجِّ قَالَ يُرِيقَانِ دَمًا وَيَمْضِيَانِ فِي حَجَّتِهِمَا، وَعَلَيْهِمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ» ) ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ هِيَ

وَهَكَذَا نُقِلَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَجِبُ بَدَنَةٌ اعْتِبَارًا بِمَا لَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ إطْلَاقُ مَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ لَمَّا وَجَبَ وَلَا يَجِبُ إلَّا لِاسْتِدْرَاكِ الْمَصْلَحَةِ خَفَّ مَعْنَى الْجِنَايَةِ فَيَكْتَفِي بِالشَّاةِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْوُقُوفِ؛ لِأَنَّهُ لَا قَضَاءَ. ثُمَّ سَوَّى بَيْنَ السَّبِيلَيْنِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ فِي غَيْرِ الْقُبُلِ مِنْهُمَا لَا يُفْسِدُ لِتَقَاصُرِ مَعْنَى الْوَطْءِ فَكَانَ عَنْهُ رِوَايَتَانِ (وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُفَارِقَ امْرَأَتَهُ فِي قَضَاءِ مَا أَفْسَدَاهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQنَائِمَةً أَوْ مُكْرَهَةً، (وَهَكَذَا) يَعْنِي مِثْلَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (نُقِلَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَجِبُ بَدَنَةٌ كَمَا لَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ) وَالْجَامِعُ تَغَلُّظُ الْجِنَايَةِ، (وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ إطْلَاقُ مَا رَوَيْنَا) وَهُوَ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " يُرِيقَانِ دَمًا " ذَكَرَهُ مُطْلَقًا، فَيَتَنَاوَلُ الشَّاةَ؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ. فَإِنْ قِيلَ: الْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَالْجَزُورُ كَامِلٌ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَا يَمْنَعُهُ، وَهُوَ هَاهُنَا مَوْجُودٌ؛ لِأَنَّ الْجِمَاعَ قِيلَ: الْوُقُوفُ لَمَّا كَانَ سَبَبًا لِلْقَضَاءِ خَفَّ مَعْنَى الْجِنَايَةِ لِاسْتِدْرَاكِ الْمَصْلَحَةِ الْفَائِتَةِ بِالْقَضَاءِ، فَلَوْ أَوْجَبْنَا الْبَدَنَةَ لَزِمَ إيجَابُ الْجَزَاءِ الْغَلِيظِ فِي مُقَابَلَةِ جِنَايَةٍ خَفِيفَةٍ وَهُوَ خِلَافُ مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْوُقُوفِ فَإِنَّ الْجِنَايَةَ لَمْ تَخِفَّ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ، فَإِيجَابُ الْبَدَنَةِ فِي مُقَابَلَتِهَا عَلَى مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ: وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ لَمَّا وَجَبَ إلَخْ. (وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْجِمَاعَ فِي غَيْرِ الْقُبُلِ مِنْهُمَا) أَيْ: مِنْ السَّبِيلَيْنِ، وَقِيلَ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ (لَا يُفْسِدُهُ لِتَقَاصُرِ مَعْنَى الْوَطْءِ) ، وَلِهَذَا لَمْ يُوجِبْ الْحَدَّ وَلَا يَجِبُ الْمَهْرُ بِالْإِجْمَاعِ. وَفِي رِوَايَةٍ: يُفْسِدُهُ لِأَنَّهُ كَامِلٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ ارْتِفَاقٌ. وَعِنْدَهُمَا يُفْسِدُهُ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْحَدَّ. وَقَوْلُهُ: (وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُفَارِقَ امْرَأَتَهُ) الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالُوا: إذَا رَجَعَا لِلْقَضَاءِ يَفْتَرِقَانِ،

عِنْدَنَا خِلَافًا لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا خَرَجَا مِنْ بَيْتِهِمَا. وَلِزَفَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا أَحْرَمَا. وَلَلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا انْتَهَيَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ. لَهُمْ أَنَّهُمَا يَتَذَاكَرَانِ ذَلِكَ فَيَقَعَانِ فِي الْمُوَاقَعَةِ فَيَفْتَرِقَانِ. وَلَنَا أَنَّ الْجَامِعَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ النِّكَاحُ قَائِمٌ فَلَا مَعْنَى لِلِافْتِرَاقِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ لِإِبَاحَةِ الْوَقَاعِ وَلَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَذَاكَرَانِ مَا لَحِقَهُمَا مِنْ الْمَشَقَّةِ الشَّدِيدَةِ بِسَبَبِ لَذَّةِ يَسِيرَةِ فَيَزْدَادَانِ نَدَمًا وَتَحَرُّزًا فَلَا مَعْنَى لِلِافْتِرَاقِ. (وَمَنْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ) خِلَافًا لَلشَّافِعِيِّ فِيمَا إذَا جَامَعَ قَبْلَ الرَّمْيِ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعْنَاهُ يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي طَرِيقٍ غَيْرِ طَرِيقِ صَاحِبِهِ، فَمَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَخَذَ بِظَاهِرِ هَذَا اللَّفْظِ فَقَالَ: كَمَا خَرَجَا مِنْ بَيْتِهِمَا فَعَلَيْهِمَا أَنْ يَفْتَرِقَا. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَفْتَرِقَانِ مِنْ وَقْتِ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ الِافْتِرَاقَ نُسُكٌ بِقَوْلِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: وَوَقْتُ أَدَاءِ النُّسُكِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ، فَمَا لَمْ يَكُنْ نُسُكًا فِي الْأَدَاءِ لَا يَكُونُ نُسُكًا فِي الْقَضَاءِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا قَرُبَا مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ يَفْتَرِقَانِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَأْمَنَانِ إذَا وَصَلَا إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَنْ تَهِيجَ بِهِمَا الشَّهْوَةُ فَيُوَاقِعَهَا. وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ دَلِيلَنَا عَلَى وَجْهٍ هُوَ دَافِعٌ لِأَقْوَالِهِمْ وَهُوَ وَاضِحٌ، وَنَقُولُ: مُرَادُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ إنْ خَافَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا الْفِتْنَةَ. كَمَا يُنْدَبُ لِلشَّابِّ الِامْتِنَاعُ عَنْ التَّقْبِيلِ فِي حَالَةِ الصَّوْمِ إذَا كَانَ لَا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ مَا سِوَاهُ (وَمَنْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا إذَا جَامَعَ قَبْلَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ) فَإِنَّ حَجَّهُ يَفْسُدُ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ قَبْلَ الرَّمْيِ مُطْلَقٌ، أَيْ: كَامِلٌ حَيْثُ لَا يَحِلُّ لَهُ شَيْءٌ مِمَّا هُوَ حَرَامٌ عَلَى الْمُحْرِمِ، وَالْجِمَاعُ فِي الْإِحْرَامِ الْمُطْلَقِ مُفْسِدٌ لِلْحَجِّ كَمَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْوُقُوفِ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الرَّمْيِ فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَوَانُ التَّحَلُّلِ وَحَلَّ لَهُ الْحَلْقُ الَّذِي كَانَ حَرَامًا عَلَى الْمُحْرِمِ. وَقَوْلُهُ: (لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) دَلِيلُنَا. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ التَّمَامَ مِنْ حَيْثُ أَدَاءُ الْأَفْعَالِ بِالِاتِّفَاقِ لِبَقَاءِ

وَإِنَّمَا تَجِبُ الْبَدَنَةُ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَوْ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَى أَنْوَاعِ الِارْتِفَاقِ فَيَتَغَلَّظُ مُوجِبُهُ. (وَإِنْ جَامَعَ بَعْدَ الْحَلْقِ فَعَلَيْهِ شَاةٌ) لِبَقَاءِ إحْرَامِهِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ دُونَ لُبْسِ الْمَخِيطِ، وَمَا أَشْبَهَهُ فَخَفَّتْ الْجِنَايَةُ فَاكْتَفَى بِالشَّاةِ. (وَمَنْ جَامَعَ فِي الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فَسَدَتْ عُمْرَتُهُ فَيَمْضِي فِيهَا وَيَقْضِيهَا وَعَلَيْهِ شَاةٌ. وَإِذَا جَامَعَ بَعْدَمَا طَافَ. أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ أَوْ أَكْثَرَ فَعَلَيْهِ شَاةٌ وَلَا تَفْسُدُ عُمْرَتُهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْضِ الْأَرْكَانِ، فَكَانَ الْمُرَادُ بِهِ التَّمَامَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَأْمَنُ مِنْ الْفَسَادِ بَعْدَهُ لِتَأَكُّدِ حَجِّهِ بِالْوُقُوفِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَأْمَنُ الْفَوَاتَ بَعْدَ الْوُقُوفِ، فَكَمَا يَثْبُتُ حُكْمُ التَّأَكُّدِ فِي الْأَمْنِ عَنْ الْفَوَاتِ كَذَلِكَ يَثْبُتُ فِي الْأَمْنِ عَنْ الْفَسَادِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا وَجَبَتْ الْبَدَنَةُ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ بَعْدَ تَمَامِهِ لَا يَقْبَلُ الْجِنَايَةَ فَلَا يَقْتَضِي جَزَاءً. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَإِنَّمَا تَجِبُ الْبَدَنَةُ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إذَا جَامَعَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَسَدَ نُسُكُهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِذَا جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ فَحَجَّتُهُ تَامَّةٌ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ. وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَجِبُ الْبَدَنَةُ فِي الْحَجِّ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ: مَنْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَمَنْ طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ جُنُبًا أَوْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مُخَالِفٌ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ. وَقِيلَ: مِثْلُهُ لَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِيهِ فَكَانَ مَسْمُوعًا. وَقَوْلُهُ: (أَوْ لِأَنَّهُ) قِيلَ إنَّمَا ذُكِرَ بِكَلِمَةٍ أَوْ لِكَوْنِ أَثَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - غَيْرَ مَشْهُورٍ فَأَتَى بِهَا لِيَكُونَ مُتَمَسِّكًا بِأَحَدِهِمَا، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ إثْبَاتُ الْوُجُوبِ وَهُوَ يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الِاشْتِهَارِ، وَلَعَلَّهُ أَتَى بِأَحَدِ الْجَائِزَيْنِ فَلَا يُسْأَلُ عَنْ كَمِّيَّتِهِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْجِمَاعَ أَعْلَى الِارْتِفَاقَاتِ لِوُفُورِ لَذَّتِهِ وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ يَتَغَلَّظُ مُوجِبُهُ لِوُجُوبِ التَّطَابُقِ بَيْنَ الْمُوجِبِ وَالْمُوجَبِ بِمُقْتَضَى الْحِكْمَةِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ جَامَعَ بَعْدَ الْحَلْقِ فَعَلَيْهِ شَاةٌ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (وَمَنْ جَامَعَ فِي الْعُمْرَةِ) بَيَانُ الْجِنَايَةِ عَلَى إحْرَامِ الْعُمْرَةِ وَهُوَ وَاضِحٌ، لَكِنْ يُتَوَهَّمُ مِنْهُ تَفْضِيلُ طَوَافِ الْعُمْرَةِ عَلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَإِنَّهُ إذَا جَامَعَ بَعْدَمَا طَافَ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَفْسُدُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ اعْتِبَارًا بِالْحَجِّ إذْ هِيَ فَرْضٌ عِنْدَهُ كَالْحَجِّ. وَلَنَا أَنَّهَا سُنَّةٌ فَكَانَتْ أَحَطُّ رُتْبَةً مِنْهُ فَتَجِبُ الشَّاةُ فِيهَا وَالْبَدَنَةُ فِي الْحَجِّ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ. (وَمَنْ جَامَعَ نَاسِيًا كَانَ كَمَنْ جَامَعَ مُتَعَمِّدًا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جِمَاعُ النَّاسِي غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلْحَجِّ. وَكَذَا الْخِلَافُ فِي جِمَاعِ النَّائِمَةِ وَالْمُكْرَهَةُ. هُوَ يَقُولُ: ـــــــــــــــــــــــــــــQأَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ فَعَلَيْهِ شَاةٌ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ حَيْثُ التَّفْضِيلُ بَلْ مِنْ حَيْثُ مَحَلُّ الْجِنَايَةِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الزِّيَارَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ فِي التَّرْتِيبِ إنَّمَا يُؤْتَى بِهِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ بِالْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ. غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ حُكْمَهُ تَأَخَّرَ فِي حَقِّ النِّسَاءِ لِمَعْنًى وَهُوَ وُقُوعُ الرُّكْنِ فِي الْإِحْرَامِ فَقَامَ أَكْثَرُ أَشْوَاطِهِ مَقَامَ كُلِّهِ، بِخِلَافِ الْعُمْرَةِ فَإِنَّ طَوَافَهَا قَبْلَ التَّحَلُّلِ، فَكَانَ ارْتِكَابُ الْمَحْظُورِ فِي مَحْضِ الْإِحْرَامِ فَيَجِبُ الدَّمُ وَلِهَذَا قُلْنَا: " إنْ لَمْ يَحْلِقْ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَجَامَعَ بَعْدَمَا طَافَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ كَمَا فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ لِذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَفْسُدُ فِي الْوَجْهَيْنِ) أَيْ: فِيمَا إذَا جَامَعَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ وَبَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُمَا سِيَّانِ فِي إفْسَادِ الْحَجِّ عِنْدَهُ فَكَذَلِكَ فِي الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهَا عِنْدَهُ فَرِيضَةٌ كَالْحَجِّ. وَقَوْلُهُ: (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: جِمَاعُ النَّاسِي غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلْحَجِّ) لَوْ قَالَ لِلْإِحْرَامِ كَانَ أَشْمَلَ لِيَتَنَاوَلَ الْعُمْرَةَ، جَعَلَ النِّسْيَانَ غَيْرَ مُؤَثِّرٍ فِي فَسَادِهِ كَمَا فِي الصَّوْمِ، وَجَعَلَ الْإِكْرَاهَ وَالنَّوْمَ كَالنِّسْيَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَمَّا أَبَاحَ الْإِقْدَامَ وَأَعْدَمَ أَصْلَ الْفِعْلِ

[فصل طاف طواف القدوم محدثا]

الْحَظْرُ يَنْعَدِمُ بِهَذِهِ الْعَوَارِضِ فَلَمْ يَقَعْ الْفِعْلُ جِنَايَةً. وَلَنَا أَنَّ الْفَسَادَ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الِارْتِفَاقِ فِي الْإِحْرَامِ ارْتِفَاقًا مَخْصُوصًا، وَهَذَا لَا يَنْعَدِمُ بِهَذِهِ الْعَوَارِضِ، وَالْحَجُّ لَيْسَ فِي مَعْنَى الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ حَالَاتِ الْإِحْرَامِ مُذَكِّرَةٌ بِمَنْزِلَةِ حَالَاتِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : (وَمَنْ طَافَ طَوَافَ الْقُدُومِ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعَ كَوْنِهِ قَاصِدًا كَانَ النَّوْمُ أَوْلَى لِانْتِفَاءِ الْقَصْدِ، وَإِذَا انْعَدَمَ الْفِعْلُ لَمْ يَكُنْ جِنَايَةٌ (وَلَنَا أَنَّ الْفَسَادَ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الِارْتِفَاقِ فِي الْإِحْرَامِ ارْتِفَاقًا مَخْصُوصًا) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِعَيْنِ الْجِمَاعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا رَفَثَ} [البقرة: 197] الْآيَةَ، وَالرَّفَثُ اسْمٌ لِلْجِمَاعِ (وَهُوَ لَا يَنْعَدِمُ بِهَذِهِ الْعَوَارِضِ، وَالْحَجُّ لَيْسَ فِي مَعْنَى الصَّوْمِ) لِوُجُودِ الْمُذَكَّرِ وَهُوَ حَالَةُ الْإِحْرَامِ (بِخِلَافِ الصَّوْمِ) فَإِنَّهُ لَا مُذَكَّرَ لَهُ. [فَصَلِّ طَافَ طَوَافَ الْقُدُومِ مُحْدِثًا] (فَصْلٌ) : لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ ذَكَرَ الْجِنَايَةَ عَلَى الطَّوَافِ الَّذِي هُوَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ قَوْلُهُ: (وَمَنْ طَافَ طَوَافَ الْقُدُومِ مُحْدِثًا) طَوَافَ الْقُدُومِ مُحْدِثًا مُعْتَدٍ بِهِ عِنْدَنَا وَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:

لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ» إلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ فِيهِ الْمَنْطِقَ فَتَكُونُ الطَّهَارَةُ مِنْ شَرْطِهِ. وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] مِنْ غَيْرِ قَيْدِ الطَّهَارَةِ فَلَمْ تَكُنْ فَرْضًا، ثُمَّ قِيلَ: هِيَ سُنَّةٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ لِأَنَّهُ يَجِبُ بِتَرْكِهَا الْجَابِرُ؛ وَلِأَنَّ الْخَبَرَ يُوجِبُ الْعَمَلَ فَيَثْبُتُ بِهِ الْوُجُوبُ، فَإِذَا شُرِعَ فِي هَذَا الطَّوَافِ وَهُوَ سُنَّةٌ، يَصِيرُ وَاجِبًا بِالشُّرُوعِ وَيَدْخُلُهُ نَقْصٌ بِتَرْكِ الطَّهَارَةِ فَيُجْبَرُ بِالصَّدَقَةِ إظْهَارًا لِدُنُوِّ رُتْبَتِهِ عَنْ الْوَاجِبِ بِإِيجَابِ اللَّهِ، وَهُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ طَوَافٍ هُوَ تَطَوُّعٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُعْتَدُّ بِهِ) وَلَا يُجْبَرُ بِشَيْءٍ؛ (لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ» ، وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَبَّهَ الطَّوَافَ بِالصَّلَاةِ وَلَيْسَ بَيْنَ ذَاتَيْهِمَا مِنْ مُشَابَهَةٍ؛ لِأَنَّ ذَاتَ الطَّوَافِ وَهُوَ الدَّوَرَانُ مِمَّا يَنْتَفِي بِهِ ذَاتُ الصَّلَاةِ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الصَّلَاةِ وَمِنْ حُكْمِهَا عَدَمُ الِاعْتِدَادِ بِدُونِ الطَّهَارَةِ (وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالطَّوَافِ وَهُوَ الدَّوَرَانُ حَوْلَ الْكَعْبَةِ مِنْ غَيْرِ قَيْدِ الطَّهَارَةِ فَلَمْ يَكُنْ فَرْضًا بِالْآيَةِ، وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهَا نَسْخٌ، (ثُمَّ قِيلَ هِيَ سُنَّةٌ) وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُجَاعٍ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ؛ (لِأَنَّهُ يَجِبُ بِتَرْكِهَا الْجَابِرُ) وَهُوَ إمَّا الدَّمُ عَلَى مَا قَالَ بِهِ بَعْضُ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ أَوْ الصَّدَقَةُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَكُلُّ مَا كَانَ يَجِبُ بِتَرْكِهِ جَابِرٌ فَهُوَ وَاجِبٌ؛ (وَلِأَنَّ الْخَبَرَ يُوجِبُ الْعَمَلَ) دُونَ الْعِلْمِ (فَيَثْبُتُ بِهِ الْوُجُوبُ) دُونَ الْفَرْضِيَّةِ. قَالَ: (فَإِذَا شَرَعَ فِي هَذَا الطَّوَافِ) دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهَا سُنَّةً، وَذَلِكَ لِأَنَّ الشُّرُوعَ فِي النَّفْلِ مُلْزِمٌ فِي الْحَجِّ بِالِاتِّفَاقِ فَيَصِيرُ الطَّوَافُ وَاجِبًا (وَيَدْخُلُهُ نَقْصٌ بِتَرْكِ الطَّهَارَةِ فَيُجْبَرُ بِالصَّدَقَةِ إظْهَارًا لِدُنُوِّ رُتْبَتِهِ عَنْ الْوَاجِبِ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ) ، وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّ دُخُولَ النَّقْصِ بِتَرْكِهَا عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهَا سُنَّةً مِنْ حَيِّزِ النِّزَاعِ فَلَا يُؤْخَذُ فِي الدَّلِيلِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالثَّانِي أَنَّهُ مَنْقُوضٌ بِالصَّلَاةِ النَّافِلَةِ، فَإِنَّهُ إذَا دَخَلَهَا نَقْصٌ تَنْجَبِرُ بِسَجْدَةِ السَّهْوِ كَمَا يَنْجَبِرُ الْفَرْضُ بِهَا وَلَمْ يَظْهَرْ دُنُوُّ رُتْبَةِ النَّفْلِ عَنْ رُتْبَةِ الْفَرْضِ فِيهَا فَلْيَكُنْ هَاهُنَا أَيْضًا كَذَلِكَ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ تَرْكَ السُّنَّةِ يُوجِبُ نَقْصًا وَيَنْجَبِرُ بِالْكَفَّارَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ قَبْلَ الْإِمَامِ وَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ. قَالَ مُحَمَّدٌ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ تَرَكَ سُنَّةَ الدَّفْعِ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الْجَابِرَ فِي الصَّلَاةِ نَوْعًا وَاحِدًا فَلَا مَصِيرَ إلَى غَيْرِهِ وَفِي الْحَجِّ جَعَلَهُ مُتَنَوِّعًا فَأَمْكَنَ الْمَصِيرُ إلَى مَا تَبِينُ بِهِ رُتْبَةُ النَّفْلِ عَنْ الْفَرْضِ، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ اخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ، وَأَمَّا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ إذَا طَافَ طَوَافَ التَّحِيَّةِ مُحْدِثًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ أَصْلًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ

(وَلَوْ طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ شَاةٌ) لِأَنَّهُ أَدْخَلَ النَّقْصَ فِي الرُّكْنِ فَكَانَ أَفْحَشَ مِنْ الْأَوَّلِ فَيُجْبَرُ بِالدَّمِ (وَإِنْ كَانَ جُنُبًا فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ) كَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -؛ وَلِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ مِنْ الْحَدَثِ فَيَجِبُ جَبْرُ نُقْصَانِهَا بِالْبَدَنَةِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ، وَكَذَا إذَا طَافَ أَكْثَرَهُ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا، لِأَنَّ أَكْثَرَ الشَّيْءِ لَهُ حُكْمُ كُلِّهِ (وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُعِيدَ الطَّوَافَ مَا دَامَ بِمَكَّةَ وَلَا ذَبْحَ عَلَيْهِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQشَيْءٌ فَكَذَا إذَا أَتَى بِهِ مُحْدِثًا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ التَّكَلُّفَاتِ (وَلَوْ طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ شَاةٌ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ النَّقْصَ فِي الرُّكْنِ) ، وَإِدْخَالُ النَّقْصِ فِي الرُّكْنِ أَفْحَشُ مِنْ إدْخَالِهِ عَلَى الْوَاجِبِ، (وَإِنْ كَانَ جُنُبًا فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ) وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّ أَكْثَرَ الشَّيْءِ لَهُ حُكْمُ الْكُلِّ) يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ بِالْمُقَدَّرَاتِ الشَّرْعِيَّةِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَنَحْوِهِمَا، فَإِنَّ الْأَكْثَرَ فِيهَا لَا يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ وَقَدْ قَدَّمْنَا الْجَوَابَ عَنْهُ، وَنَزِيدُ هَاهُنَا بَيَانًا وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا بِإِقَامَةِ الْأَكْثَرِ مَقَامَ الْكُلِّ، فَإِنَّ الْحَجَّ لَهُ فُرُوضٌ ثَلَاثَةٌ: شَرْطٌ وَرُكْنَانِ، وَعِنْدَمَا وَقَفَ فَقَدْ حَصَلَ مِنْهَا اثْنَانِ وَهُوَ الشَّرْطُ: أَعْنِي الْإِحْرَامَ وَأَحَدَ الرُّكْنَيْنِ، وَلَيْسَ فِي الْمُقَدَّرَاتِ الشَّرْعِيَّةِ مِثْلُهُ فَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: (وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُعِيدَ الطَّوَافَ مَا دَامَ بِمَكَّةَ) وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ فِيهِ تَحْصِيلَ الْجُبْرَانِ بِمَا هُوَ مِنْ جِنْسِهِ فَكَانَ أَفْضَلَ. وَقَوْلُهُ: (وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ) يُرِيدُ بِهِ نُسَخَ الْمَبْسُوطِ. وَقَوْلُهُ: (ثُمَّ إذَا أَعَادَهُ) يَعْنِي طَوَافَ الزِّيَارَةِ. وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ أَعَادَهُ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ) إنَّ هَذِهِ لِلْوَصْلِ. وَقَوْلُهُ: (لَا ذَبْحَ عَلَيْهِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ الطَّوَافُ

وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ فِي الْحَدَثِ اسْتِحْبَابًا وَفِي الْجَنَابَةِ إيجَابًا لِفُحْشِ النُّقْصَانِ بِسَبَبِ الْجَنَابَةِ وَقُصُورِهِ بِسَبَبِ الْحَدَثِ. ثُمَّ إذَا أَعَادَهُ وَقَدْ طَافَهُ مُحْدِثًا لَا ذَبْحَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَعَادَهُ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ؛ لِأَنَّ بَعْدَ الْإِعَادَةِ لَا يَبْقَى إلَّا شُبْهَةُ النُّقْصَانِ، وَإِنْ أَعَادَهُ وَقَدْ طَافَهُ جُنُبًا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَعَادَهُ فِي وَقْتِهِ، وَإِنْ أَعَادَهُ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ لَزِمَهُ الدَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالتَّأْخِيرِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِ. وَلَوْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَقَدْ طَافَهُ جُنُبًا عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ كَثِيرٌ فَيُؤْمَرُ بِالْعَوْدِ اسْتِدْرَاكًا لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَوَّلُ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ مُعْتَدٌّ بِهِ، وَإِلَّا لَزِمَ الدَّمُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِالتَّأْخِيرِ. فَإِذَا كَانَ مُعْتَدًّا بِهِ بِنُقْصَانٍ وَقَدْ أَعَادَهُ لَمْ يَبْقَ إلَّا شُبْهَةُ النُّقْصَانِ وَهِيَ نُقْصَانُ الطَّوَافِ بِالْحَدَثِ وَهِيَ لَا تُوجِبُ شَيْئًا. وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ أَعَادَهُ وَقَدْ طَافَ جُنُبًا) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ أَعَادَهُ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ لَزِمَهُ الدَّمُ) أَيْ: الشَّاةُ؛ لِأَنَّ الْبَدَنَةَ سَقَطَتْ بِالْإِعَادَةِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنَّمَا هَذَا دَمٌ يَلْزَمُهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِتَأْخِيرِ الطَّوَافِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ مَنْ أَخَّرَ نُسُكًا عَنْ وَقْتِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ إنَّمَا هُوَ عَلَى اخْتِيَارِ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَنَّ الْمُعْتَدَّ بِهِ مِنْ الطَّوَافَيْنِ إذَا طَافَ الْأَوَّلَ جُنُبًا إنَّمَا هُوَ الثَّانِي وَأَنَّ الْأَوَّلَ يَنْفَسِخُ بِالثَّانِي، إذْ لَوْ كَانَ الْأَوَّلُ لَمَا لَزِمَهُ دَمُ التَّأْخِيرِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُؤَدًّى فِي وَقْتِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا طَافَ الْأَوَّلَ مُحْدِثًا فَإِنَّ الْمُعْتَدَّ بِهِ هُوَ الْأَوَّلُ لِقِلَّةِ النُّقْصَانِ فَكَانَ الثَّانِي جَابِرًا لِلنُّقْصَانِ الْمُتَمَكِّنِ فِيهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَقُولُ فِي مُعْتَمِرٍ طَافَ لِعُمْرَتِهِ فِي رَمَضَانَ جُنُبًا ثُمَّ أَعَادَ طَوَافَهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا، قَالَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْكِتَابِ، وَلَوْ كَانَ الْمُعْتَدُّ بِهِ هُوَ الثَّانِي لَكَانَ مُتَمَتِّعًا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُعْتَمِرَ لَمَّا طَافَ فِي رَمَضَانَ وَقَعَ الْأَمْنُ عَنْ فَسَادِ الْعُمْرَةِ، وَإِذَا أَمِنَ فَسَادَهَا قَبْلَ وَقْتِ الْحَجِّ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا. فَإِنْ قِيلَ: التَّحَلُّلُ يَحْصُلُ بِالطَّوَافِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ هُوَ الْمُعْتَدُّ بِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَوَّلَ مُرَاعِي الْحُكْمِ لِتَفَاحُشِ النُّقْصَانِ فِيهِ، فَإِنْ أَعَادَهُ انْفَسَخَ الْأَوَّلُ وَاعْتَدَّ بِالثَّانِي وَإِلَّا كَانَ هُوَ الْمُعْتَدَّ بِهِ فِي التَّحَلُّلِ. وَقَوْلُهُ: (وَلَوْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ) ظَاهِرٌ

وَيَعُودُ بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ. وَإِنْ لَمْ يَعُدْ وَبَعَثَ بَدَنَةً أَجْزَأَهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ جَابِرٌ لَهُ، إلَّا أَنَّ الْأَفْضَلَ هُوَ الْعَوْدُ. وَلَوْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَقَدْ طَافَهُ مُحْدِثًا إنْ عَادَ وَطَافَ جَازَ، وَإِنْ بَعَثَ بِالشَّاةِ فَهُوَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ خَفَّ مَعْنَى النُّقْصَانِ وَفِيهِ نَفْعٌ لِلْفُقَرَاءِ، وَلَوْ لَمْ يَطُفْ طَوَافَ الزِّيَارَةِ أَصْلًا حَتَّى رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ لِانْعِدَامِ التَّحَلُّلِ مِنْهُ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَنْ النِّسَاءِ أَبَدًا حَتَّى يَطُوفَ. (وَمَنْ طَافَ طَوَافَ الصَّدْرِ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ) لِأَنَّهُ دُونَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فَلَا بُدَّ مِنْ إظْهَارِ التَّفَاوُتِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ تَجِبُ شَاةٌ، إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ (وَلَوْ طَافَ جُنُبًا فَعَلَيْهِ شَاةٌ) لِأَنَّهُ نَقْصٌ كَثِيرٌ، ثُمَّ هُوَ دُونَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَيُكْتَفَى بِالشَّاةِ. (وَمَنْ تَرَكَ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ فَمَا دُونَهَا فَعَلَيْهِ شَاةٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: (إلَّا أَنَّ الْأَفْضَلَ هُوَ الْعَوْدُ) لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ كَوْنِ الْجَابِرِ مِنْ جِنْسِ الْمَجْبُورِ وَهُوَ الطَّوَافُ. وَقَوْلُهُ: (وَلَوْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ) ظَاهِرٌ

لِأَنَّ النُّقْصَانَ بِتَرْكِ الْأَقَلِّ يَسِيرٌ فَأَشْبَهَ النُّقْصَانَ بِسَبَبِ الْحَدَثِ فَتَلْزَمُهُ شَاةٌ. فَلَوْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ أَجْزَأَهُ أَنْ لَا يَعُودَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: (لِأَنَّ النُّقْصَانَ بِتَرْكِ الْأَقَلِّ يَسِيرٌ) إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ جَانِبَ الْوُجُودِ رَاجِحٌ.

وَيَبْعَثُ بِشَاةٍ لِمَا بَيَّنَّا (وَمَنْ تَرَكَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ بَقِيَ مُحْرِمًا أَبَدًا حَتَّى يَطُوفَهَا) لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ أَكْثَرُ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَطُفْ أَصْلًا. (وَمَنْ تَرَكَ طَوَافَ الصَّدْرِ أَوْ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ مِنْهُ فَعَلَيْهِ شَاةٌ) لِأَنَّهُ تَرَكَ الْوَاجِبَ أَوْ الْأَكْثَرَ مِنْهُ، وَمَا دَامَ بِمَكَّةَ يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ إقَامَةً لِلْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ (وَمَنْ تَرَكَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ مِنْ طَوَافِ الصَّدْرِ فَعَلَيْهِ الصَّدَقَةُ، وَمَنْ طَافَ طَوَافَ الْوَاجِبِ فِي جَوْفِ الْحِجْرِ، فَإِنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَعَادَهُ) لِأَنَّ الطَّوَافَ وَرَاءَ الْحَطِيمِ وَاجِبٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. وَالطَّوَافُ فِي جَوْفِ الْحِجْرِ أَنْ يَدُورَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ وَيَدْخُلَ الْفُرْجَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحَطِيمِ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَدْخَلَ نَقْصًا فِي طَوَافِهِ فَمَا دَامَ بِمَكَّةَ أَعَادَهُ كُلَّهُ لِيَكُونَ مُؤَدِّيًا لِلطَّوَافِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ (وَإِنْ أَعَادَ عَلَى الْحِجْرِ) خَاصَّةً (أَجْزَأَهُ) لِأَنَّهُ تَلَافَى مَا هُوَ الْمَتْرُوكُ وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ عَنْ يَمِينِهِ خَارِجَ الْحَجَرِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى آخِرِهِ ثُمَّ يَدْخُلَ الْحِجْرَ مِنْ الْفُرْجَةِ وَيَخْرُجَ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ هَكَذَا يَفْعَلُهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ. (فَإِنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَلَمْ يُعِدْهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ) لِأَنَّهُ تَمَكَّنَ نُقْصَانٌ فِي طَوَافِهِ بِتَرْكِ مَا هُوَ قَرِيبٌ مِنْ الرُّبُعِ وَلَا تَجْزِيهِ الصَّدَقَةُ. (وَمَنْ طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَطَوَافَ الصَّدْرِ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ طَاهِرًا فَعَلَيْهِ دَمٌ) ، فَإِنْ كَانَ طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ جُنُبًا فَعَلَيْهِ دَمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَالَا عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ) لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَمْ يُنْقَلْ طَوَافُ الصَّدْرِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ، وَإِعَادَةُ طَوَافِ الزِّيَارَةِ بِسَبَبِ الْحَدَثِ غَيْرُ وَاجِبٍ وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ فَلَا يُنْقَلُ إلَيْهِ. وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يُنْقَلُ طَوَافُ الصَّدْرِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ الْإِعَادَةَ فَيَصِيرُ تَارِكًا لِطَوَافِ الصَّدْرِ مُؤَخِّرًا لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ فَيَجِبُ الدَّمُ بِتَرْكِ الصَّدْرِ بِالِاتِّفَاقِ وَبِتَأْخِيرِ الْآخَرِ عَلَى الْخِلَافِ، إلَّا أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ طَوَافِ الصَّدْرِ مَا دَامَ بِمَكَّةَ وَلَا يُؤْمَرُ بَعْدَ الرُّجُوعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةً إلَى قَوْلِهِ: لِأَنَّهُ خَفَّ مَعْنَى النُّقْصَانِ وَفِيهِ نَفْعٌ لِلْفُقَرَاءِ. ، وَقَوْلُهُ: (أَوْ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ مِنْهُ) يَعْنِي مِنْ طَوَافِ الصَّدْرِ. وَقَوْلُهُ: (وَمَنْ تَرَكَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ مِنْ طَوَافِ الصَّدْرِ فَعَلَيْهِ الصَّدَقَةُ) يَعْنِي لِإِظْهَارِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ تَرْكِ الْأَقَلِّ مِنْ طَوَافِ الصَّدْرِ وَالْأَقَلِّ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَالْمُرَادُ بِالصَّدَقَةِ هَاهُنَا هُوَ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ شَوْطٍ مِنْهُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَكْثَرَ طَوَافِ الصَّدْرِ بِمَنْزِلَةِ أَقَلِّ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فِي وُجُوبِ الشَّاةِ، وَإِذَا كَانَ فِي أَكْثَرِهِ شَاةٌ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي أَقَلِّهِ صَدَقَةٌ. قَالَ (وَمَنْ طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ) مَا ذُكِرَ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ

عَلَى مَا بَيَّنَّا. (وَمَنْ طَافَ لِعُمْرَتِهِ وَسَعَى عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَحَلَّ فَمَا دَامَ بِمَكَّةَ يُعِيدُهُمَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَمَّا إعَادَةُ الطَّوَافِ فَلِتَمَكُّنِ النَّقْصِ فِيهِ بِسَبَبِ الْحَدَثِ. وَأَمَّا السَّعْيُ فَلِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلطَّوَافِ، وَإِذَا أَعَادَهُمَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِارْتِفَاعِ النُّقْصَانِ (وَإِنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ قَبْلَ أَنْ يُعِيدَ فَعَلَيْهِ دَمٌ) لِتَرْكِ الطَّهَارَةِ فِيهِ، وَلَا يُؤْمَرُ بِالْعَوْدِ لِوُقُوعِ التَّحَلُّلِ بِأَدَاءِ الرُّكْنِ إذْ النُّقْصَانُ يَسِيرٌ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي السَّعْيِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ عَلَى أَثَرِ طَوَافٍ مُعْتَدٍّ بِهِ، وَكَذَا إذَا أَعَادَ الطَّوَافَ وَلَمْ يُعِدْ السَّعْيَ فِي الصَّحِيحِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ. وَفَائِدَةُ نَقْلِ طَوَافِ الصَّدْرِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ سُقُوطُ الْبَدَنَةِ عَنْهُ، وَهَاهُنَا أَصْلٌ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ طَوَافٌ وَأَتَى بِهِ فِي وَقْتِهِ وَقَعَ عَنْهُ سَوَاءٌ نَوَاهُ بِعَيْنِهِ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ أَوْ نَوَى بِهِ طَوَافًا آخَرَ، فَالْمُحْرِمُ إذَا دَخَلَ مَكَّةَ فَطَافَ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ نَوَى التَّطَوُّعَ، فَإِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا وَقَعَ عَنْ الْعُمْرَةِ وَإِنْ كَانَ حَاجًّا وَقَعَ عَنْ طَوَافِ الْقُدُومِ، وَإِنْ كَانَ قَارِنًا كَانَ الطَّوَافُ الْأَوَّلُ لِلْعُمْرَةِ ثُمَّ مَا بَعْدَهُ لِلْحَجِّ سَوَاءٌ نَوَى التَّطَوُّعَ أَوْ طَوَافًا آخَرَ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ قَدْ انْعَقَدَ لِأَدَائِهِ، فَإِذَا أَتَى بِهِ وَقَعَ عَنْ الْمُسْتَحِقِّ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ بِنِيَّتِهِ، كَمَا إذَا سَجَدَ يَنْوِي بِهِ تَطَوُّعًا لَمْ يَتَغَيَّرْ بِنِيَّتِهِ وَوَقَعَتْ السَّجْدَةُ عَمَّا هُوَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: (عَلَى مَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ: وَمَنْ تَرَكَ طَوَافَ الصَّدْرِ أَوْ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ مِنْهُ فَعَلَيْهِ شَاةٌ، إلَى قَوْلِهِ: وَمَا دَامَ بِمَكَّةَ يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ. وَقَوْلُهُ: (وَمَنْ طَافَ لِعُمْرَتِهِ وَسَعَى عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ) وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ: (وَأَمَّا السَّعْيُ) يَعْنِي إنَّمَا يُعِيدُ السَّعْيَ وَإِنْ لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى الطَّهَارَةِ لِعَدَمِ وُرُودِ مَا وَرَدَ فِي الطَّوَافِ مِنْ النَّصِّ فِيهِ لِكَوْنِهِ تَابِعًا لِلطَّوَافِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ قُرْبَةً بِدُونِ الطَّوَافِ. وَقَوْلُهُ: (وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي السَّعْيِ شَيْءٌ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَقَوْلُهُ: (وَكَذَا إذَا أَعَادَ الطَّوَافَ وَلَمْ يُعِدْ السَّعْيَ) يَعْنِي لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَقَوْلُهُ: (فِي الصَّحِيحِ) احْتِرَازٌ عَمَّا قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إذَا أَعَادَ الطَّوَافَ وَلَمْ يُعِدْ السَّعْيَ كَانَ عَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَعَادَ الطَّوَافَ فَقَدْ نَقَضَ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ، فَإِذَا انْتَقَضَ ذَلِكَ حَصَلَ السَّعْيُ قَبْلَ الطَّوَافِ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ فَيَكُونُ تَارِكًا لِلسَّعْيِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ. وَوَجْهُ الصَّحِيحِ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَالْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ وَالْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي السَّعْيِ، وَإِنَّمَا الشَّرْطُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ أَنْ يَكُونَ عَلَى إثْرِ طَوَافٍ مُعْتَدٍّ بِهِ، وَطَوَافُ الْمُحْدِثِ كَذَلِكَ وَلِهَذَا يَتَحَلَّلُ بِهِ، فَإِذَا أَتَى بِهِ مَعَ تَقَدُّمِ الشَّرْطِ عَلَيْهِ حَصَلَ الْمَقْصُودُ، فَإِنْ أَعَادَ تَبَعًا لِلطَّوَافِ فَهُوَ أَفْضَلُ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

(وَمَنْ تَرَكَ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَحَجُّهُ تَامٌّ) لِأَنَّ السَّعْيَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ عِنْدَنَا فَيَلْزَمُ بِتَرْكِهِ الدَّمُ دُونَ الْفَسَادِ. (وَمَنْ أَفَاضَ قَبْلَ الْإِمَامِ مِنْ عَرَفَاتٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ أَصْلُ الْوُقُوفِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِتَرْكِ الْإِطَالَةِ شَيْءٌ. وَلَنَا أَنَّ الِاسْتِدَامَةَ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَاجِبَةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَادْفَعُوا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ» فَيَجِبُ بِتَرْكِهِ الدَّمُ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفَ لَيْلًا لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْوُقُوفِ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: (وَمَنْ تَرَكَ السَّعْيَ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (وَمَنْ أَفَاضَ قَبْلَ الْإِمَامِ مِنْ عَرَفَاتٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: كَانَ مِنْ حَقِّ الرِّوَايَةِ أَنْ يُقَالَ: وَمَنْ أَفَاضَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِمَا أَنَّ الْمَحْظُورَ عَلَيْهِ الْإِفَاضَةُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ. وَأَقُولُ: قَوْلُهُ: هَذَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِدَامَةَ إذَا كَانَتْ وَاجِبَةً إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ فَالْإِفَاضَةُ قَبْلَ الْإِمَامِ لَا تَكُونُ إلَّا قَبْلَ الْغُرُوبِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَتْرُكُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الِاسْتِدَامَةِ. وَقَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفَ لَيْلًا) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ وَلَنَا أَنَّ الِاسْتِدَامَةَ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَاجِبَةٌ. فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ بِلَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ» يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ

مَنْ وَقَفَ نَهَارًا لَا لَيْلًا، فَإِنْ عَادَ إلَى عَرَفَةَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ لَا يَصِيرُ مُسْتَدْرَكًا. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا عَادَ قَبْلَ الْغُرُوبِ. (وَمَنْ تَرَكَ الْوُقُوفَ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَعَلَيْهِ دَمٌ) لِأَنَّهُ مِنْ الْوَاجِبَاتِ. (وَمَنْ تَرَكَ رَمْيَ الْجِمَارِ فِي الْأَيَّامِ كُلِّهَا فَعَلَيْهِ دَمٌ) لِتَحَقُّقِ تَرْكِ الْوَاجِبِ، وَيَكْفِيهِ دَمٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُتَّحِدٌ كَمَا فِي الْحَلْقِ، وَالتَّرْكُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ الرَّمْيِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا فِيهَا، وَمَا دَامَتْ الْأَيَّامُ بَاقِيَةً فَالْإِعَادَةُ مُمْكِنَةٌ فَيَرْمِيهَا عَلَى التَّأْلِيفِ ثُمَّ بِتَأْخِيرِهَا يَجِبُ الدَّمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالِامْتِدَادُ شَرْطًا لَا فِي اللَّيْلِ وَلَا فِي النَّهَارِ فَكَيْفَ جَعَلْتُمْ شَرْطًا فِي النَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ؟ قُلْت: تَرَكَ ظَاهِرَهُ فِي حَقِّ النَّهَارِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَادْفَعُوا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ» فَبَقِيَ اللَّيْلُ عَلَى ظَاهِرِهِ، (وَإِنْ عَادَ إلَى عَرَفَةَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) وَرَوَى ابْنُ شُجَاعٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ لِأَنَّهُ اسْتَدْرَكَ مَا فَاتَهُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْإِفَاضَةُ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَقَدْ أَتَى بِهِ، فَكَانَ كَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ حَلَالًا ثُمَّ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ وَأَحْرَمَ. وَجْهُ الظَّاهِرِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْمَتْرُوكَ لَا يَصِيرُ مُسْتَدْرَكًا؛ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَتْرُوكَ سُنَّةُ الدَّفْعِ مَعَ الْإِمَامِ وَذَلِكَ لَيْسَ بِمُسْتَدْرَكٍ بِعَوْدِهِ وَحْدَهُ لَا مَحَالَةَ. وَإِذَا عَادَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ حَتَّى أَفَاضَ مَعَ الْإِمَامِ بَعْدَ غُرُوبِهَا فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ: فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ؛ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْوُقُوفِ قَدْ انْقَطَعَتْ وَلَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهَا فَبَقِيَ عَلَيْهِ الدَّمُ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَسْقُطُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَدْرَكَ سُنَّةَ الدَّفْعِ مَعَ الْإِمَامِ. قَالَ: (وَمَنْ تَرَكَ الْوُقُوفَ بِالْمُزْدَلِفَةِ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْوُقُوفَ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَرَمْيَ الْجِمَارِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ، فَإِذَا تَرَكَهُمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ، لَكِنْ إذَا تَرَكَ رَمْيَ الْجِمَارِ فِي الْأَيَّامِ كُلِّهَا وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ: نَحْرٌ خَاصٌّ وَتَشْرِيقٌ خَاصٌّ وَيَوْمَانِ بَيْنَهُمَا نَحْرٌ وَتَشْرِيقٌ يَكْفِيهِ دَمٌ وَاحِدٌ. وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: يَلْزَمُهُ بِتَرْكِ رَمْيِ كُلِّ يَوْمٍ دَمٌ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَاتِ وَإِنْ كَانَتْ جِنْسًا وَاحِدًا لَكِنْ فِي مَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٍ فَكَانَ كَمَنْ قَصَّ أَظَافِيرَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فِي مَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ. وَوَجْهُ مَا فِي الْكِتَابِ مَا ذَكَرَهُ فِيهِ بِقَوْلِهِ: (لِأَنَّ الْجِنْسَ مُتَّحِدٌ) وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ لَا تَتَعَدَّدُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ (كَمَا فِي الْحَلْقِ) فَإِنَّهُ إنْ حَلَقَ شَعْرَ الْبَدَنِ كُلَّهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ كَانَ يَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى حَلْقِ الرَّأْسِ أَوْ رُبْعِهِ. وَقَوْلُهُ: (وَالتَّرْكُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ الرَّمْيِ) جَوَابُ مَا قَالَ ذَلِكَ الْبَعْضُ مِنْ الْمَشَايِخِ أَنَّ الْمَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٌ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ أَيَّامَ الرَّمْيِ كُلَّهَا زَمَانٌ وَاحِدٌ لِلرَّمْيِ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ هُنَاكَ اخْتِلَافُ الْمَجْلِسِ؛ (لِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا فِيهَا) عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّرْكُ مَا دَامَ فِيهَا كَالتَّضْحِيَةِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ (فَيَرْمِيهَا عَلَى التَّأْلِيفِ) أَيْ عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي شُرِعَ مَا دَامَتْ الْأَيَّامُ بَاقِيَةً، بِخِلَافِ قَصِّ الْأَظَافِيرِ فَإِنَّ تَرْكَهُ لَيْسَ بِمُوَقَّتٍ بِزَمَانٍ فَيَتَحَقَّقُ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَجْلِسِ، (ثُمَّ بِتَأْخِيرِهَا) عَنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ (يَجِبُ الدَّمُ) وَهُوَ شَاةٌ

عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا. (وَإِنْ تَرَكَ رَمْيَ يَوْمٍ وَاحِدٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ) لِأَنَّهُ نُسُكٌ تَامٌّ (وَمَنْ تَرَكَ رَمْيَ إحْدَى الْجِمَارِ الثَّلَاثِ فَعَلَيْهِ الصَّدَقَةُ) لِأَنَّ الْكُلَّ فِي هَذَا الْيَوْمِ نُسُكٌ وَاحِدٌ فَكَانَ الْمَتْرُوكُ أَقَلَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَتْرُوكُ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ الدَّمُ لِوُجُودِ تَرْكِ الْأَكْثَرِ (وَإِنْ تَرَكَ رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ) لِأَنَّهُ كُلُّ وَظِيفَةِ هَذَا الْيَوْمِ رَمْيًا وَكَذَا إذَا تَرَكَ الْأَكْثَرَ مِنْهَا (وَإِنْ تَرَكَ مِنْهَا حَصَاةً أَوْ حَصَاتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا تَصَدَّقَ لِكُلِّ حَصَاةٍ نِصْفَ صَاعٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ دَمًا فَيُنْقِصَ مَا شَاءَ) لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ هُوَ الْأَقَلُّ فَتَكْفِيهِ الصَّدَقَةُ. (وَمَنْ أَخَّرَ الْحَلْقَ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا إذَا أَخَّرَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ) حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ (فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَهُ وَقَالَا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْوَجْهَيْنِ) وَكَذَا الْخِلَافُ فِي تَأْخِيرِ الرَّمْيِ وَفِي تَقْدِيمِ نُسُكٍ عَلَى نُسُكٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَإِنْ تَرَكَ رَمْيَ يَوْمٍ وَاحِدٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ نُسُكٌ تَامٌّ) ، فَإِنْ قِيلَ: هَذَا بِظَاهِرِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا نَفَرَ النَّفْرَ الْأَوَّلَ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ رَمْيَ يَوْمٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالنَّفْرِ، وَذَلِكَ آيَةُ التَّطَوُّعِ فَكَيْفَ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ التَّخْيِيرَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ، فَأَمَّا إذَا طَلَعَ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِقَامَةُ وَالرَّمْيُ، فَلَوْ تَرَكَ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ فَكَانَ كَالتَّطَوُّعِ يُخَيَّرُ فِيهِ قَبْلَ الشُّرُوعِ وَيَجِبُ بَعْدَهُ. وَقَوْلُهُ: (وَمَنْ تَرَكَ رَمْيَ إحْدَى الْجِمَارِ) مَبْنَاهُ عَلَى أَنَّ مَا كَانَ نُسُكَ يَوْمٍ فَتَرْكُهُ يُوجِبُ الدَّمَ، وَمَا كَانَ بَعْضُهُ الْأَقَلَّ فَتَرْكُهُ يُوجِبُ الصَّدَقَةَ، فَعَلَى هَذَا إذَا تَرَكَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ يَلْزَمُهُ دَمٌ، وَإِنْ تَرَكَهَا فِي بَقِيَّةِ الْأَيَّامِ يَلْزَمُهُ صَدَقَةٌ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَقْضِهِ فِي أَيَّامِ الرَّمْيِ، فَأَمَّا إذَا قَضَاهُ فِيهَا فَقَدْ سَقَطَ الدَّمُ عِنْدَهُمَا وَلَمْ يَسْقُطْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَوْلُهُ (فَكَانَ الْمَتْرُوكُ أَقَلَّ) يَعْنِي إذَا تَرَكَ رَمْيَ إحْدَى الْجِمَارِ؛ لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ حِينَئِذٍ سَبْعُ حَصَيَاتٍ وَالْمَأْتِيَّ بِهِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ حَصَاةً. وَقَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَتْرُوكُ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ مِنْ قَوْلِهِ: وَمَنْ تَرَكَ رَمْيَ إحْدَى الْجِمَارِ: أَيْ: لَكِنْ إذَا تَرَكَ أَكْثَرَ مِنْ رَمْيِ إحْدَى الْجِمَارِ وَبَلَغَ الْمَتْرُوكُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفٍ مِثْلُ أَنْ يَتْرُكَ إحْدَى عَشْرَةَ حَصَاةً وَيَرْمِيَ عَشْرَ حَصَيَاتٍ (فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ الدَّمُ لِوُجُودِ تَرْكِ الْأَكْثَرِ) ، وَالْأَكْثَرُ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ كُلَّ وَظِيفَةِ هَذَا الْيَوْمِ رَمْيًا) نَصَبَ رَمْيًا عَلَى التَّمْيِيزِ؛ لِأَنَّ فِيهِ وَظَائِفَ غَيْرَهُ كَالذَّبْحِ وَالْحَلْقِ وَالطَّوَافِ، فَلَوْ اقْتَصَرَهُ عَلَى قَوْلِهِ: لِأَنَّهُ وَظِيفَةُ هَذَا الْيَوْمِ لَمْ يَكُنْ عَلَى مَا يَنْبَغِي. وَقَوْلُهُ: (وَكَذَا إذَا تَرَكَ الْأَكْثَرَ مِنْهَا) أَيْ: مِنْ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ. وَقَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَبْلُغَ دَمًا) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ: تَصَدَّقَ لِكُلِّ حَصَاةٍ نِصْفَ صَاعٍ: يَعْنِي إذَا بَلَغَ قِيمَةُ مَا تَصَدَّقَ لِكُلِّ حَصَاةٍ قِيمَةَ الدَّمِ فَحِينَئِذٍ (يَنْقُصُ مِنْ الدَّمِ مَا شَاءَ) حَتَّى لَا يَلْزَمَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ هُوَ الْأَقَلُّ) دَلِيلُ قَوْلِهِ: تَصَدَّقَ. قَالَ: (وَمَنْ أَخَّرَ الْحَلْقَ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ) هَذَا بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يُوجِبُ الدَّمَ بِالتَّأْخِيرِ خِلَافًا لَهُمَا. وَقَوْلُهُ: (وَكَذَا الْخِلَافُ فِي تَأْخِيرِ الرَّمْيِ) أَيْ: فِي تَأْخِيرِ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ عَنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَتَأْخِيرِ رَمْيِ الْجِمَارِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي إلَى الثَّالِثِ أَوْ مِنْ الثَّالِثِ إلَى الرَّابِعِ. وَقَوْلُهُ: (وَفِي تَقْدِيمِ نُسُكٍ عَلَى نُسُكٍ) أَيْ: وَكَذَا الْخِلَافُ فِي تَقْدِيمِ نُسُكٍ عَلَى نُسُكٍ

كَالْحَلْقِ قَبْلَ الرَّمْيِ وَنَحْرِ الْقَارِنِ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ قَبْلَ الذَّبْحِ، لَهُمَا أَنَّ مَا فَاتَ مُسْتَدْرَكٌ بِالْقَضَاءِ وَلَا يَجِبُ مَعَ الْقَضَاءِ شَيْءٌ آخَرُ. وَلَهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ " مَنْ قَدَّمَ نُسُكًا عَلَى نُسُكٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ " وَلِأَنَّ التَّأْخِيرَ عَنْ الْمَكَانِ يُوجِبُ الدَّمَ فِيمَا هُوَ مُوَقَّتٌ بِالْمَكَانِ كَالْإِحْرَامِ فَكَذَا التَّأْخِيرُ عَنْ الزَّمَانِ فِيمَا هُوَ مُوَقَّتٌ بِالزَّمَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالْحَلْقِ قَبْلَ الرَّمْيِ) سَوَاءٌ كَانَ مُفْرِدًا أَوْ غَيْرَهُ (وَنَحْرِ الْقَارِنِ) وَالْمُتَمَتِّعِ (قَبْلَ الرَّمْيِ وَحَلْقِ الْقَارِنِ) وَالْمُتَمَتِّعِ (قَبْلَ الذَّبْحِ) وَإِنَّمَا خُصَّ الْقَارِنُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُفْرِدَ إذَا ذَبَحَ قَبْلَ الرَّمْيِ أَوْ حَلَقَ قَبْلَ الذَّبْحِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ النُّسُكِ لَا يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّهِ هَاهُنَا لِكَوْنِ الذَّبْحِ غَيْرَ وَاجِبٍ عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: تَقْدِيمُ نُسُكٍ عَلَى نُسُكٍ يَسْتَلْزِمُ تَأْخِيرَ نُسُكٍ عَنْ نُسُكٍ فَكَانَ فِي كَلَامِهِ تَكْرَارٌ. فَالْجَوَابُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالتَّأْخِيرِ مَا يَكُونُ بِحَسَبِ الْأَيَّامِ وَبِالتَّقْدِيمِ مَا يَكُونُ بِحَسَبِ الْآنَاتِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَلَا تَكْرَارَ. (لَهُمَا أَنَّ مَا فَاتَ مُسْتَدْرَكٌ بِالْقَضَاءِ) وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَكُلُّ مَا هُوَ مُسْتَدْرَكٌ بِالْقَضَاءِ لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ غَيْرُهُ بِالِاسْتِقْرَاءِ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ، (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «مَنْ قَدَّمَ نُسُكًا عَلَى نُسُكٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ» فَإِنْ قِيلَ: ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَفَ لِلنَّاسِ بِمِنًى يَسْأَلُونَهُ، فَجَاءَ رَجُلٌ وَقَالَ: نَحَرْت قَبْلَ الرَّمْيِ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: افْعَلْ وَلَا حَرَجَ، فَمَا سُئِلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ أَوْ أُخِّرَ إلَّا قَالَ: افْعَلْ وَلَا حَرَجَ» وَذَلِكَ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنْ لَا شَيْءَ فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ. فَالْجَوَابُ أَنَّهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الْقَضَاءِ أَيْضًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ السَّائِلُ مُفْرِدًا وَتَقْدِيمُ الذَّبْحِ عَلَى الرَّمْيِ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ شَيْئًا كَمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَا غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا ذُكِرَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَيْسَ بِمُؤَقَّتٍ فَلَا يُوجِبُ التَّأْخِيرَ فِيهِ شَيْئًا. سَلَّمْنَاهُ وَلَكِنْ يَكُونُ مُعَارَضًا بِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَقِيلَ: الصَّحِيحُ أَنَّ رَاوِيَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَيُصَارُ إلَى مَا بَعْدَهُمَا، وَالْقِيَاسُ مَعَنَا عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ: (وَلِأَنَّ التَّأْخِيرَ عَنْ الْمَكَانِ يُوجِبُ الدَّمَ فِيمَا هُوَ مُوَقَّتٌ بِالْمَكَانِ كَالْإِحْرَامِ) ، فَإِنَّ الْحَاجَّ إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ثُمَّ أَحْرَمَ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ (فَكَذَا التَّأْخِيرُ عَنْ الزَّمَانِ فِيمَا هُوَ مُوَقَّتٌ بِالزَّمَانِ) بِجَامِعِ تَمَكُّنِ نُقْصَانِ التَّأْخِيرِ

(وَإِنْ حَلَقَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَمَنْ اعْتَمَرَ فَخَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ وَقَصَّرَ فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ) رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمُعْتَمِرِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْحَاجِّ. قِيلَ هُوَ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ جَرَتْ فِي الْحَجِّ بِالْحَلْقِ بِمِنًى وَهُوَ مِنْ الْحَرَمِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ، هُوَ يَقُولُ: الْحَلْقُ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالْحَرَمِ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ أُحْصِرُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ وَحَلَقُوا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ» . وَلَهُمَا أَنَّ الْحَلْقَ لَمَّا جُعِلَ مُحَلِّلًا صَارَ كَالسَّلَامِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ مِنْ وَاجِبَاتِهَا، وَإِنْ كَانَ مُحَلِّلًا، فَإِذَا صَارَ نُسُكًا اخْتَصَّ بِالْحَرَمِ كَالذَّبْحِ وَبَعْضُ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ الْحَرَمِ فَلَعَلَّهُمْ حَلَقُوا فِيهِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَلْقَ يَتَوَقَّتُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَتَوَقَّتُ بِهِمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَوَقَّتُ بِالْمَكَانِ دُونَ الزَّمَانِ، وَعِنْد زُفَرٍ يَتَوَقَّتُ بِالزَّمَانِ دُونَ الْمَكَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِمَا. فَإِنْ قِيلَ: مَعَهُمَا أَيْضًا قِيَاسٌ، وَهُوَ الْقِيَاسُ عَلَى سَائِرِ مَا يُسْتَدْرَكُ مِنْ الْعِبَادَاتِ بِالْقَضَاءِ فَكَانَ قِيَاسُكُمْ فِي حَيِّزِ التَّعَارُضِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ قِيَاسَنَا مُرَجَّحٌ بِالِاحْتِيَاطِ، فَإِنَّ فِيهِ الْخُرُوجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ. وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ حَلَقَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ) ظَاهِرٌ (قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمُعْتَمِرِ) أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، (وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْحَاجِّ) إذَا حَلَقَ خَارِجَ الْحَرَمِ، (فَقِيلَ) إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ لِأَنَّهُ (بِالِاتِّفَاقِ) فِي وُجُوبِ الدَّمِ؛ (لِأَنَّ السُّنَّةَ جَرَتْ فِي الْحَجِّ بِأَنْ يَكُونَ الْحَلْقُ بِمِنًى وَهُوَ مِنْ الْحَرَمِ) فَبِتَرْكِهِ يَلْزَمُ الْجَابِرَ، (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ) عِنْدَهُمَا يَجِبُ الدَّمُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجِبُ شَيْءٌ، وَوَجْهُ الْجَانِبَيْنِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ: (فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَلْقَ) يَعْنِي فِي الْحَجِّ (يَتَوَقَّتُ بِالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ) أَيْ: بِيَوْمِ النَّحْرِ وَالْحَرَمِ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَتَوَقَّتُ بِهِمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَوَقَّتُ بِالْمَكَانِ دُونَ الزَّمَانِ، " وَعِنْدَ زُفَرَ يَتَوَقَّتُ بِالزَّمَانِ دُونَ الْمَكَانِ) ، وَإِنَّمَا

وَهَذَا الْخِلَافُ فِي التَّوْقِيتِ فِي حَقِّ التَّضْمِينِ بِالدَّمِ. وَأَمَّا فِي حَقِّ التَّحَلُّلِ فَلَا يَتَوَقَّتُ بِالِاتِّفَاقِ. وَالتَّقْصِيرُ وَالْحَلْقُ فِي الْعُمْرَةِ غَيْرُ مُوَقَّتٍ بِالزَّمَانِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْعُمْرَةِ لَا يَتَوَقَّتُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقُلْنَا: يَعْنِي فِي الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ فِي الْعُمْرَةِ لَا يَتَوَقَّتُ بِالزَّمَانِ بِالْإِجْمَاعِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ مُؤَقَّتًا بِهِمَا كَانَ كَالْوُقُوفِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْتَدَّ بِهِ إذَا حَلَقَ خَارِجَ الْحَرَمِ كَمَا لَوْ وَقَفَ بِغَيْرِ عَرَفَةَ أَوْ طَافَ بِغَيْرِ الْبَيْتِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ مَحَلَّ الْفِعْلِ هُوَ الرَّأْسُ دُونَ الْحَرَمِ، وَلَكِنَّهُ جَازَ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ مَكَانِهِ فَيَلْزَمُهُ دَمٌ كَمَا يَلْزَمُهُ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ وَقْتِهِ، بِخِلَافِ مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ الْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ، فَإِنَّ مَحَلَّ الْفِعْلِ هُوَ الْجَبَلُ وَحَوْلَ الْبَيْتِ وَبِالْخُرُوجِ عَنْهُمَا يَتَبَدَّلُ الْمَحَلُّ فَلَا يَجُوزُ. وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِالْمَكَانِ قَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَهُمَا أَنَّ الْحَلْقَ لَمَّا جُعِلَ مُحَلِّلًا إلَخْ. وَأَمَّا عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِالزَّمَانِ فَلِأَنَّ الْحَلْقَ لِلتَّحَلُّلِ وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ، وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ يُوَقَّتُ بِالزَّمَانِ كَالطَّوَافِ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَمَّا عَلَى عَدَمِ اخْتِصَاصِهِ بِالْمَكَانِ فَقَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: هُوَ بِقَوْلِ الْحَلْقِ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالْحَرَمِ إلَخْ. وَأَمَّا عَلَى عَدَمِ اخْتِصَاصِهِ بِالزَّمَانِ فَهُوَ أَنَّ الْحَلْقَ الَّذِي هُوَ نُسُكٌ فِي أَوَانِهِ بِمَنْزِلَةِ الْحَلْقِ الَّذِي هُوَ جِنَايَةٌ قَبْلَ أَوَانِهِ، فَكَمَا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ فَكَذَلِكَ هَذَا، وَلَوْ أَرَدْت أَنْ تَجْعَلَهُ دَلِيلًا لِلشِّقَّيْنِ. قُلْت: فَكَمَا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ فَكَذَلِكَ هَذَا، إذْ لَوْ كَانَ مُخْتَصًّا بِهِمَا لَمَا وَقَعَ مُعْتَدًّا بِهِ فِي غَيْرِ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَقَدْ عَرَفْت جَوَابَ ذَلِكَ آنِفًا وَوَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَمَّا عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِالْمَكَانِ فَقَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَهُمَا أَنَّ الْحَلْقَ إلَخْ، وَأَمَّا عَلَى عَدَمِ اخْتِصَاصِهِ بِالزَّمَانِ فَهُوَ دَلِيلُ أَبِي يُوسُفَ عَلَى عَدَمِ اخْتِصَاصِهِ بِالزَّمَانِ. وَوَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ التَّحَلُّلَ عَنْ الْإِحْرَامِ مُعْتَبَرٌ بِابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ، وَابْتِدَاؤُهُ مُوَقَّتٌ بِالزَّمَانِ حَتَّى كَرِهَ تَقْدِيمَ إحْرَامِ الْحَجِّ عَلَى أَشْهُرِهِ دُونَ الْمَكَانِ حَتَّى جَازَ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ حَيْثُ شَاءَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ، فَكَذَلِكَ التَّحَلُّلُ عَنْهُ يَتَوَقَّتُ بِالزَّمَانِ دُونَ الْمَكَانِ، فَلَوْ أُخِّرَ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ لَزِمَهُ الدَّمُ، وَلَوْ خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ ثُمَّ حَلَقَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. وَقَوْلُهُ: (وَهَذَا الْخِلَافُ) أَيْ: مَا ذَكَرْنَاهُ بَيْنَ عُلَمَائِنَا فِي التَّوْقِيتِ (إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ التَّضْمِينِ بِالدَّمِ، وَأَمَّا فِي حَقِّ التَّحَلُّلِ فَلَا يَتَوَقَّتُ بِالِاتِّفَاقِ) ، وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّ أَصْلَ الْعُمْرَةِ لَا يَتَوَقَّتُ بِهِ) أَيْ:

بِخِلَافِ الْمَكَانِ؛ لِأَنَّهُ مُوَقَّتٌ بِهِ. قَالَ (فَإِنْ لَمْ يُقَصِّرْ حَتَّى رَجَعَ وَقَصَّرَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) مَعْنَاهُ: إذَا خَرَجَ الْمُعْتَمِرُ ثُمَّ عَادَ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ فِي مَكَان فَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُهُ. (فَإِنْ حَلَقَ الْقَارِنُ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ فَعَلَيْهِ دَمَانِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: دَمٌ بِالْحَلْقِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ؛ لِأَنَّ أَوَانَهُ بَعْدَ الذَّبْحِ وَدَمٌ بِتَأْخِيرِ الذَّبْحِ عَنْ الْحَلْقِ. وَعِنْدُهُمَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْأَوَّلُ، وَلَا يَجِبُ بِسَبَبِ التَّأْخِيرِ شَيْءٌ عَلَى مَا قُلْنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالزَّمَانِ، فَإِنَّ رُكْنَهَا الطَّوَافُ وَهُوَ غَيْرُ مُوَقَّتٍ بِزَمَانٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهَا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ مَكْرُوهَةٌ فَكَانَتْ مُوَقَّتَةً. وَالْجَوَابُ أَنَّ كَرَاهَتَهَا فِيهَا لَيْسَتْ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مُوَقَّتَةٌ بِغَيْرِهَا بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَشْغُولٌ بِأَفْعَالِ الْحَجِّ فِيهَا، فَلَوْ اعْتَمَرَ فِيهَا لَرُبَّمَا أَخَلَّ بِشَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِهِ فَكُرِهَتْ لِذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْمَكَانِ لِأَنَّهُ مُوَقَّتٌ بِهِ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ: غَيْرُ مُوَقَّتٍ بِالزَّمَانِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ، وَيَكُونُ مَعْنَاهُ: لِأَنَّهُ مُؤَقَّتٌ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَصَحِّ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ أَصْلَ الْعُمْرَةِ لَا يَتَوَقَّتُ بِهِ أَيْ: بِالزَّمَانِ، بِخِلَافِ الْمَكَانِ؛ لِأَنَّهُ أَيْ: أَصْلَ الْعُمْرَةِ يَتَوَقَّتُ بِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّأْوِيلِ، (فَإِنْ لَمْ يُقَصِّرْ الْمُعْتَمِرُ الَّذِي خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ حَتَّى رَجَعَ إلَى الْحَرَمِ وَقَصَّرَ فِيهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ فِي مَكَانِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانٌ) ، وَلَوْ فَعَلَ الْحَاجُّ ذَلِكَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ دَمُ التَّأْخِيرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَوْلُهُ: (فَإِنْ حَلَقَ الْقَارِنُ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ) يَعْنِي إذَا قَدَّمَ الْقَارِنُ الْحَلْقَ عَلَى الذَّبْحِ (فَعَلَيْهِ دَمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: دَمٌ لِلْقِرَانِ، وَدَمٌ بِتَأْخِيرِ الذَّبْحِ عَنْ الْحَلْقِ. وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ) ، وَهُوَ دَمُ الْقِرَانِ، (وَلَا يَجِبُ بِسَبَبِ التَّأْخِيرِ شَيْءٌ عَلَى مَا قُلْنَا) إنَّ التَّأْخِيرَ عِنْدَهُ يُوجِبُ الدَّمَ خِلَافًا لَهُمَا. هَذَا تَقْرِيرُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا عَلَيْهِ أَصْلُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَالَ فِيهِ: قَارِنٌ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ، قَالَ: عَلَيْهِ دَمَانِ: دَمُ الْقِرَانِ، وَدَمٌ آخَرُ؛ لِأَنَّهُ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ. يَعْنِي عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَلَى هَذَا فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ غَيْرُ مُطَابِقٍ لَهُ لِأَنَّهُ قَالَ: عَلَيْهِ دَمٌ بِالْحَلْقِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ؛ لِأَنَّ أَوَانَهُ بَعْدَ الذَّبْحِ، وَدَمٌ بِتَأْخِيرِ الذَّبْحِ عَنْ الْحَلْقِ، وَهَذَا كَمَا تَرَى يُشِيرُ إلَى أَنَّهُمَا دَمَا جِنَايَةٍ وَلَمْ يَذْكُرْ دَمَ الْقِرَانِ، وَقَالَ: وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْأَوَّلُ: يَعْنِي الَّذِي يَجِبُ بِالْحَلْقِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَوَّلًا سِوَاهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَيْضًا دَمَ الْقِرَانِ، وَمَعَ عَدَمِ مُطَابَقَتِهِ فَهُوَ مُنَاقِضٌ لِقَوْلِهِ قَبْلَ هَذَا، وَقَالَا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا إلَى أَنْ قَالَ: وَالْحَلْقُ قَبْلَ الذَّبْحِ، وَعَلَى هَذَا كَانَ الْحَقُّ أَنْ يَقُولَ: فَعَلَيْهِ دَمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ:

[فصل في جزاء الصيد]

(فَصْلٌ) : اعْلَمْ أَنَّ صَيْدَ الْبَرِّ مُحَرَّمٌ عَلَى الْمُحْرِمِ، وَصَيْدَ الْبَحْرِ حَلَالٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] إلَى آخِرِ الْآيَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQدَمٌ لِلْقِرَانِ، وَدَمٌ بِتَأْخِيرِ الذَّبْحِ، فَكَأَنَّهُ سَهْوٌ وَقَعَ مِنْهُ أَوْ مِنْ الْكَاتِبِ، وَلَا عَيْبَ فِي السَّهْوِ عَلَى الْإِنْسَانِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ: دَمُ الْقِرَانِ وَاجِبٌ إجْمَاعًا وَدَمٌ آخَرُ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ لَا يَحِلُّ إلَّا بَعْدَ الذَّبْحِ وَاجِبٌ أَيْضًا إجْمَاعًا، وَدَمٌ آخَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِسَبَبِ تَأْخِيرِ الذَّبْحِ عَنْ الْحَلْقِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُصَنِّفُ قَدْ اخْتَارَ ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْ دَمَ الْقِرَانِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْآخَرَ وَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَهُوَ الْأَوَّلُ وَذَكَرَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ. قُلْت: يَأْبَاهُ قَوْلُهُ: فِيمَا تَقَدَّمَ، وَقَالَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْوَجْهَيْنِ، فَإِنَّهُ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُمَا لَا يَقُولَانِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِوُجُوبِ شَيْءٍ يَتَعَلَّقُ بِالْكَفَّارَةِ أَصْلًا، عَلَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي وَضْعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ الْجَامِعُ الصَّغِيرُ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ يَجِبُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ دِمَاءٍ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْقَارِنِ مَضْمُونَةٌ بِالدَّمَيْنِ وَهُوَ اعْتِرَاضُ الْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ. فَالْجَوَابُ أَنَّ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُفْرِدِ فِيهِ دَمٌ فَعَلَى الْقَارِنِ دَمَانِ، وَلَوْ قَدَّمَ الْمُفْرِدُ الْحَلْقَ عَلَى الذَّبْحِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَلَا يَتَضَاعَفُ عَلَى الْقَارِنِ. [فَصَلِّ فِي جَزَاء الصَّيْد] (فَصْلٌ) لَمَّا كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى الْإِحْرَامِ بِالصَّيْدِ نَوْعًا آخَرَ فُصِلَ عَمَّا قَبْلَهُ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ، (الصَّيْدُ هُوَ الْحَيَوَانُ الْمُمْتَنِعُ الْمُتَوَحِّشُ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ) فَقَوْلُهُ: الْحَيَوَانُ بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ. وَقَوْلُهُ الْمُمْتَنِعُ وَهُوَ الَّذِي يَمْنَعُ نَفْسَهُ عَمَّنْ قَصَدَهُ إمَّا بِقَوَائِمِهِ أَوْ بِجَنَاحَيْهِ يُخْرِجُ الْحَيَوَانَاتِ الْأَهْلِيَّةَ كَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَنَحْوِهِمَا وَالدَّجَاجِ وَالْبَطِّ. وَقَوْلُهُ: الْمُتَوَحِّشُ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ يَدْخُلُ فِيهِ الْحَمَامُ الْمُسَرْوِلُ وَالظَّبْيُ الْمُسْتَأْنَسُ، وَتَخْرُجُ الْإِبِلُ الْمُتَوَحِّشَةُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِئْنَاسَ فِي الْأَوَّلِ وَالتَّوَحُّشَ فِي الثَّانِي عَارِضِيٌّ لَا مُعْتَبَرَ بِهِ، وَهُوَ عَلَى نَوْعَيْنِ: بَرِّيٌّ وَهُوَ مَا يَكُونُ مَوْلِدُهُ وَمَثْوَاهُ فِي الْبَرِّ، وَبَحْرِيٌّ وَهُوَ مَا يَكُونُ مَوْلِدُهُ وَمَثْوَاهُ فِي الْمَاءِ، وَالِاعْتِبَارُ لِلْمَوْلِدِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، فَالْبَطُّ وَالْإِوَزُّ بَرِّيٌّ؛ لِأَنَّ مَوْلِدَهُمَا الْبَرُّ، وَالضُّفْدَعُ بَحْرِيٌّ؛ لِأَنَّ مَوْلِدَهُ الْبَحْرُ (وَصَيْدُ الْبَحْرِ حَلَالٌ لِلْمُحْرِمِ) سَوَاءٌ كَانَ مَأْكُولًا أَوْ لَمْ يَكُنْ، (وَصَيْدُ الْبَرِّ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] الْآيَةَ.

وَصَيْدُ الْبَرِّ مَا يَكُونُ تَوَالُدُهُ وَمَثْوَاهُ فِي الْبَرِّ، وَصَيْدُ الْبَحْرِ مَا يَكُونُ تَوَالُدُهُ وَمَثْوَاهُ فِي الْمَاءِ. وَالصَّيْدُ هُوَ الْمُمْتَنِعُ الْمُتَوَحِّشُ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ، وَاسْتَثْنَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخَمْسَ الْفَوَاسِقَ وَهِيَ: الْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَالذِّئْبُ وَالْحِدَأَةُ، وَالْغُرَابُ وَالْحَيَّةُ، وَالْعَقْرَبُ، فَإِنَّهَا مُبْتَدِئَاتٌ بِالْأَذَى. وَالْمُرَادُ بِهِ الْغُرَابُ الَّذِي يَأْكُلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاسْتَثْنَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ: بَيَّنَ عَدَمَ دُخُولِهَا فِي الْآيَةِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الِاسْتِثْنَاءِ لَا تُتَصَوَّرُ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ عِنْدَنَا لِبَيَانِ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ اسْتِعَارَةً لَهُ (الْخَمْسَ الْفَوَاسِقَ وَهِيَ: الْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَالذِّئْبُ وَالْحِدَأَةُ، وَالْغُرَابُ، وَالْحَيَّةُ، وَالْعَقْرَبُ) عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَهِيَ سِتَّةٌ، وَسَيَأْتِي الْعُذْرُ عَنْ ذَلِكَ، وَسُمِّيَتْ فَوَاسِقَ اسْتِعَارَةً لِخُبْثِهِنَّ، وَقِيلَ لِخُرُوجِهِنَّ مِنْ الْحُرْمَةِ لِابْتِدَائِهِنَّ بِالْأَذَى، وَلَمَّا كَانَ مَشْهُورًا جَازَتْ الزِّيَادَةُ بِهِ عَلَى الْكِتَابِ، وَلَا فَرْقَ فِي الصَّيْدِ بَيْنَ الْمَمْلُوكِ وَالْمُبَاحِ وَالْمَأْكُولِ وَغَيْرِهِ لِتَنَاوُلِ اسْمِ الصَّيْدِ ذَلِكَ كُلَّهُ.

الْجِيَفَ. هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ: (وَإِذَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ مَنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ) أَمَّا الْقَتْلُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ} [المائدة: 95] الْآيَةُ نَصٌّ عَلَى إيجَابِ الْجَزَاءِ. وَأَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ: (وَإِذَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ مَنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ) أَمَّا الْقَتْلُ فَلِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ، وَأَمَّا الدَّلَالَةُ فَعَلَى الْقِسْمَةِ الْعَقْلِيَّةِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: إمَّا أَنْ يَكُونَ الدَّالُّ وَالْمَدْلُولُ حَلَالَيْنِ أَوْ مُحْرِمَيْنِ، أَوْ الدَّالُّ حَلَالًا وَالْمَدْلُولُ مُحْرِمًا أَوْ بِالْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ. وَالْأَوَّلُ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، وَالثَّانِي عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِ جَزَاءٌ كَامِلٌ عِنْدَنَا، وَفِي الثَّالِثِ عَلَى الْمَدْلُولِ الْجَزَاءُ دُونَ الدَّالِّ كَذَلِكَ، وَفِي الرَّابِعِ عَكْسُهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا شَيْءَ عَلَى الدَّالِّ

الدَّلَالَةُ فَفِيهَا خِلَافُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. هُوَ يَقُولُ: الْجَزَاءُ تَعَلَّقَ بِالْقَتْلِ، وَالدَّلَالَةُ لَيْسَتْ بِقَتْلٍ، فَأَشْبَهَ دَلَالَةُ الْحَلَالِ حَلَالًا. وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَصْلًا؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ يَتَعَلَّقُ بِالْقَتْلِ بِالنَّصِّ، (وَالدَّلَالَةُ لَيْسَتْ بِقَتْلٍ فَأَشْبَهَ دَلَالَةَ الْحَلَالِ حَلَالًا) ، وَقَوْلُهُ: حَلَالًا لَيْسَ بِقَيْدٍ فَإِنَّ الْمَدْلُولَ إنْ كَانَ مُحْرِمًا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ (وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «هَلْ دَلَلْتُمْ عَلَيْهِ؟ هَلْ

وَقَالَ عَطَاءٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ عَلَى الدَّالِ الْجَزَاءَ؛ وَلِأَنَّ الدَّلَالَةَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَلِأَنَّهُ تَفْوِيتُ الْأَمْنِ عَلَى الصَّيْدِ إذْ هُوَ آمِنٌ بِتَوَحُّشِهِ وَتَوَارِيهِ فَصَارَ كَالْإِتْلَافِ؛ وَلِأَنَّ الْمُحْرِمَ بِإِحْرَامِهِ الْتَزَمَ الِامْتِنَاعَ عَنْ التَّعَرُّضِ فَيَضْمَنُ بِتَرْكِ مَا الْتَزَمَهُ كَالْمُودَعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَشَرْتُمْ إلَيْهِ؟» عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الدَّلَالَةَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ. فَإِنْ قِيلَ: خَبَرٌ وَاحِدٌ لَا يُقَاوِمُ النَّصَّ الصَّرِيحَ. قُلْت: مَا تَقَدَّمَ فِي النَّصِّ ذِكْرُ الْقَتْلِ وَتَخْصِيصُ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ، وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ بِهِ، (وَقَالَ عَطَاءٌ) هُوَ ابْنُ أَبِي رَبَاحٍ تِلْمِيذُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: (أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ عَلَى الدَّالِّ الْجَزَاءَ) قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُ ذَلِكَ فَصَارَ ذَلِكَ إجْمَاعًا. وَرُدَّ بِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: لَيْسَ عَلَى الدَّالِّ الْجَزَاءُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِثَابِتٍ، وَلَئِنْ كَانَ حُمِلَ عَلَى مَا إذَا دَلَّ وَلَمْ يَقْتُلْهُ الْمَدْلُولُ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ فِيمَا إذَا قَتَلَهُ، فَكَانَ كَلَامُهُ غَيْرَ مُتَعَرِّضٍ لِمَحَلِّ الْإِجْمَاعِ؛ (وَلِأَنَّ الدَّلَالَةَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ) ، وَالْإِقْدَامُ عَلَيْهَا يُوجِبُ الْجَزَاءَ لَا مَحَالَةَ؛ (وَلِأَنَّهُ) أَيْ: الدَّلَالَةَ، وَذَكَرَ الضَّمِيرَ نَظَرًا إلَى الْخَبَرِ وَهُوَ (تَفْوِيتُ الْأَمْنِ مِنْ الصَّيْدِ) أَيْ: الدَّلَالَةُ تُفَوِّتُ الْأَمْنَ مِنْ الصَّيْدِ؛ (لِأَنَّهُ آمِنٌ بِتَوَحُّشِهِ) مِنْ النَّاسِ، (وَتَوَارِيهِ) عَنْ أَعْيُنِهِمْ، وَبِالدَّلَالَةِ يَزُولُ ذَلِكَ (فَصَارَتْ كَالْإِتْلَافِ) وَقَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ الْمُحْرِمَ) دَلِيلٌ آخَرُ يَتَضَمَّنُ الْجَوَابَ عَنْ قَوْلِ الْخَصْمِ فَأَشْبَهَ دَلَالَةَ الْحَلَالِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمُحْرِمَ بِإِحْرَامِهِ الْتَزَمَ الِامْتِنَاعَ عَنْ التَّعَرُّضِ لِأَنَّهُ عَقْدٌ خَاصٌّ يَتَضَمَّنُ

بِخِلَافِ الْحَلَالِ لِأَنَّهُ لَا الْتِزَامَ مِنْ جِهَتِهِ، عَلَى أَنَّ فِيهِ الْجَزَاءَ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَالدَّلَالَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْجَزَاءِ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَدْلُولُ عَالِمًا بِمَكَانِ الصَّيْدِ وَأَنْ يُصَدِّقَهُ فِي الدَّلَالَةِ، حَتَّى لَوْ كَذَّبَهُ وَصَدَّقَ غَيْرَهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكَذِّبِ (وَلَوْ كَانَ الدَّالُّ حَلَالًا فِي الْحَرَمِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ) لِمَا قُلْنَا (وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْعَامِدُ وَالنَّاسِي) لِأَنَّهُ ضَمَانٌ يَعْتَمِدُ وُجُوبَهُ الْإِتْلَافُ ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ شَرْعًا، وَالدَّلَالَةُ مُبَاشِرَةٌ لِخِلَافِ مَا اُلْتُزِمَ وَذَلِكَ يُوجِبُ الضَّمَانَ كَدَلَالَةِ الْمُودَعِ السَّارِقِ عَلَى الْوَدِيعَةِ، (بِخِلَافِ الْحَلَالِ) فَإِنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ شَيْئًا، (عَلَى أَنَّ فِيهِ) أَيْ: فِيمَا إذَا دَلَّ الْحَلَالُ عَلَى صَيْدِ الْحَرَمِ (الْجَزَاءَ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَالدَّلَالَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْجَزَاءِ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَدْلُولُ عَالِمًا بِمَكَانِ الصَّيْدِ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَهُ لَمْ يَكُنْ زَوَالُ الْأَمْنِ بِدَلَالَتِهِ فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى الْإِتْلَافِ، (وَأَنْ يُصَدِّقَهُ فِي الدَّلَالَةِ) لِيَكُونَ فِي مَعْنَى الْإِتْلَافِ، (أَمَّا إذَا كَذَّبَهُ وَصَدَّقَ غَيْرَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكَذِّبِ) وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ إنْ كَانَ مُحْرِمًا، وَهَاهُنَا شُرُوطٌ أُخَرُ لَمْ يَذْكُرْهَا: أَحَدُهَا أَنْ يَتَّصِلَ الْقَتْلُ بِهَذِهِ الدَّلَالَةِ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الدَّلَالَةِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا. وَالثَّانِي أَنْ يَبْقَى الدَّالُّ مُحْرِمًا عِنْدَ أَخْذِ الْمَدْلُولِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ إنَّمَا يَتِمُّ جِنَايَةً إذَا بَقِيَ مُحْرِمًا إلَى وَقْتِ الْقَتْلِ. وَالثَّالِثُ أَنْ يَأْخُذَهُ الْمَدْلُولُ قَبْلَ أَنْ يَنْفَلِتَ، فَلَوْ صَدَّقَهُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ حَتَّى انْفَلَتَ ثُمَّ أَخَذَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَتَلَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى الدَّالِّ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ جُرْحٍ انْدَمَلَ (وَلَوْ كَانَ الدَّالُّ حَلَالًا فِي الْحَرَمِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِمَا قُلْنَا) إنَّهُ لَا الْتِزَامَ مِنْ جِهَتِهِ. فَإِنْ قِيلَ: بَلْ مِنْ جِهَتِهِ الْتَزَمَ بِعَقْدِ الْإِسْلَامِ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِصَيْدِ الْحَرَمِ. أُجِيبَ بِأَنَّ عَقْدَ الْإِسْلَامِ لَيْسَ بِكَافٍ فِي ذَلِكَ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ عَقْدٍ خَاصٍّ كَمَا فِي عَقْدِ الْوَدِيعَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْلِمَ الْتَزَمَ بِعَقْدِ الْإِسْلَامِ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِأَمْوَالِ النَّاسِ، ثُمَّ لَوْ دَلَّ سَارِقًا عَلَى مَالِ إنْسَانٍ فَأَخَذَهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الدَّالِّ. (وَالْعَامِدُ وَالنَّاسِي فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ سَوَاءٌ) كَانَا قَاتِلَيْنِ أَوْ دَالَّيْنِ؛ (لِأَنَّهُ ضَمَانٌ يَعْتَمِدُ وُجُوبُهُ الْإِتْلَافَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] وَكُلُّ ضَمَانٍ يَعْتَمِدُ وُجُوبُهُ الْإِتْلَافَ فَالْعَامِدُ فِيهِ كَالنَّاسِي كَمَا فِي غَرَامَاتِ الْأَمْوَالِ. فَإِنْ قِيلَ:

فَأَشْبَهَ غَرَامَاتِ الْأَمْوَالِ (وَالْمُبْتَدِئُ وَالْعَائِدُ سَوَاءٌ) لِأَنَّ الْمُوجِبَ لَا يَخْتَلِفُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْسَ هَذَا كَغَرَامَاتِ الْأَمْوَالِ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلَيْنِ لَوْ اشْتَرَكَا فِي إتْلَافِ شَاةِ الْغَيْرِ كَانَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ الْقِيمَةِ، وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي قَتْلِ صَيْدٍ كَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزَاءٌ كَامِلٌ. فَالْجَوَابُ أَنَّ مَنَاطَ الْإِلْحَاقِ مُدَارٌ بِهِ الْإِتْلَافُ لِلضَّمَانِ وَقَدْ وُجِدَتْ، وَالِاتِّحَادُ فِي جَمِيعِ الْجِهَاتِ يَرْفَعُ التَّعَدُّدَ وَيُبْطِلُ الْقِيَاسَ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا تَعْلِيلٌ عَلَى مُخَالَفَةِ النَّصِّ الْقَاطِعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: 95] نَصٌّ عَلَى التَّعَمُّدِ وَهُوَ يُخَالِفُ النِّسْيَانَ. فَالْجَوَابُ أَنَّ التَّخْصِيصَ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ حُكْمُ النِّسْيَانِ بِدَلِيلٍ آخَرَ وَهُوَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الضَّبُعُ صَيْدٌ وَفِيهِ شَاةٌ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ عَمْدٍ وَنِسْيَانٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا فَائِدَةُ قَوْلِهِ: مُتَعَمِّدًا؟ أُجِيبَ بِأَنَّهَا التَّنْبِيهُ؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ قَدْ قَامَتْ عَلَى أَنَّ صِفَةَ التَّعَمُّدِ فِي الْقَتْلِ تَمْنَعُ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ فَأَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى هَاهُنَا بِأَنَّهَا إذَا وَجَبَتْ فِي الْعَمْدِ فَلَأَنْ تَجِبَ فِي الْخَطَأِ أَوْلَى، (وَالْمُبْتَدِئُ وَالْعَائِدُ) فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ (سَوَاءٌ) ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْمُوجِبَةَ كَمَا وُجِدَتْ ابْتِدَاءً فَقَدْ وُجِدَتْ انْتِهَاءً فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ، فَلَوْ تَخَلَّفَ الْحُكْمُ عَنْهُ بَطَلَتْ. فَإِنْ قِيلَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} [المائدة: 95] جَعَلَ كُلَّ جَزَائِهِ بِالْفَاءِ انْتِقَامَ اللَّهِ فَلَا يَكُونُ لَهُ مِنْهُ مُوجِبٌ سِوَاهُ كَمَا عُرِفَ. فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا مُتَمَسَّكُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَدَاوُد الظَّاهِرِيِّ فِي أَنَّ مُوجِبَ الْعَائِدِ أَنْ يُقَالَ لَهُ: اذْهَبْ فَيَنْتَقِمَ اللَّهُ مِنْك، وَلَكِنَّا نَقُولُ: إنَّ ذَلِكَ إذَا عَادَ مُسْتَحِلًّا أَوْ مُسْتَحِقًّا بِهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى بَابِ الرِّبَا {وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ} [البقرة: 275] الْآيَةَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ عَمَلًا بِدَلَالَةِ

(وَالْجَزَاءُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنْ يُقَوَّمَ الصَّيْدُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ أَوْ فِي أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ مِنْهُ إذَا كَانَ فِي بَرِّيَّةٍ فَيُقَوِّمُهُ ذَوَا عَدْلٍ، ثُمَّ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْفِدَاءِ إنْ شَاءَ ابْتَاعَ بِهَا هَدْيًا وَذَبَحَهُ إنْ بَلَغَتْ هَدْيًا، وَإِنْ شَاءَ اشْتَرَى بِهَا طَعَامًا وَتَصَدَّقَ عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ، وَإِنْ شَاءَ صَامَ) عَلَى مَا نَذْكُرُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ: يَجِبُ فِي الصَّيْدِ النَّظِيرُ فِيمَا لَهُ نَظِيرٌ، فَفِي الظَّبْيِ شَاةٌ، وَفِي الضَّبُعِ شَاةٌ، وَفِي الْأَرْنَبِ عَنَاقٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّصِّ. وَقَوْلُهُ: (وَالْجَزَاءُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنْ يَقُومَ الصَّيْدُ) يَعْنِي يُقَوِّمُهُ ذَوَا عَدْلٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ صَيْدٌ لَا مِنْ حَيْثُ مَا زَادَ عَلَيْهِ صَنْعَةً، فَإِذَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ بَازِيَهُ الْمُعَلَّمَ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ غَيْرَ مُعَلَّمٍ وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا قَتَلَهُ لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ قِيمَتُهُ مُعَلَّمًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ وُجُوبَ الْجَزَاءِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الصَّيْدِيَّةِ وَهُوَ التَّوَحُّشُ وَالتَّنَفُّرُ عَنْ النَّاسِ، وَكَوْنُهُ مُعَلَّمًا لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي ذَلِكَ بَلْ يُنْتَقَصُ بِهِ ذَلِكَ فَلَا يَدْخُلُ فِي الْجَزَاءِ. وَأَمَّا وُجُوبُ الْقِيمَةِ فِي الْإِتْلَافِ فَبِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ وَهِيَ بِالِانْتِفَاعِ، وَذَلِكَ يَزْدَادُ بِكَوْنِهِ مُعَلَّمًا فَيَدْخُلُ فِي الضَّمَانِ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِقَوْلِهِ: صَنْعَةً لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ بِأَمْرٍ خِلْقِيٍّ كَمَا إذَا كَانَ طَيْرٌ يُصَوِّتُ فَازْدَادَ قِيمَتُهُ لِذَلِكَ فَفِي اعْتِبَارِ ذَلِكَ فِي الْجَزَاءِ رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ لَا يُعْتَبَرُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَعْنَى الصَّيْدِيَّةِ فِي شَيْءٍ، وَفِي أُخْرَى يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ ثَابِتٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ كَالْحَمَامِ إذَا كَانَ مُطَوَّقًا. وَقَوْلُهُ: (ثُمَّ هُوَ) يَعْنِي الْقَاتِلَ (مُخَيَّرٌ فِي الْفِدَاءِ) ظَاهِرٌ، (وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: يَجِبُ فِي الصَّيْدِ النَّظِيرُ فِيمَا لَهُ نَظِيرٌ) أَيْ: فِي الْمَنْظَرِ لَا فِي الْقِيمَةِ (فَفِي الظَّبْيِ شَاةٌ) ظَاهِرٌ، وَاسْتَدَلَّا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] وَوَجْهُهُ أَنَّ مِثْلَ الْمَقْتُولِ مِنْ النَّعَمِ مَا يُشْبِهُ الْمَقْتُولَ صُورَةً؛ لِأَنَّ مِنْ النَّعَمِ بَيَانٌ

وَفِي الْيَرْبُوعِ جَفْرَةٌ، وَفِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ، وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] وَمِثْلُهُ مِنْ النَّعَمِ مَا يُشْبِهُ الْمَقْتُولَ صُورَةً؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَا تَكُونُ نَعَمًا. وَالصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَوْجَبُوا النَّظِيرَ مِنْ حَيْثُ الْخِلْقَةُ وَالْمَنْظَرُ فِي النَّعَامَةِ وَالظَّبْيِ وَحِمَارِ الْوَحْشِ وَالْأَرْنَبِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الضَّبُعُ صَيْدٌ وَفِيهِ شَاةٌ» وَمَا لَيْسَ لَهُ نَظِيرٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ مِثْلَ الْعُصْفُورِ وَالْحَمَامِ وَأَشْبَاهِهِمَا. وَإِذَا وَجَبَتْ الْقِيمَةُ كَانَ قَوْلُهُ كَقَوْلِهِمَا. وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُوجِبُ فِي الْحَمَامَةِ شَاةً وَيُثْبِتُ الْمُشَابَهَةَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعُبُّ وَيَهْدِرُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الْمِثْلَ الْمُطْلَقَ هُوَ الْمِثْلُ صُورَةً وَمَعْنًى، وَلَا يُمْكِنُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ فَحُمِلَ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْمِثْلِ، (وَالْقِيمَةُ لَا تَكُونُ نَعَمًا، وَبِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) وَهْم عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ (أَوْجَبُوا النَّظِيرَ عَلَى مَا بَيَّنَّا) يَعْنِي قَوْلَهُ: فَفِي الظَّبْيِ شَاةٌ وَفِي الضَّبُعِ شَاةٌ وَفِي الْيَرْبُوعِ جَفْرَةٌ، وَهِيَ الَّتِي بَلَغَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ إلَخْ، (وَمَا لَيْسَ لَهُ نَظِيرٌ) مِنْ حَيْثُ الْخِلْقَةُ (مِثْلُ الْعُصْفُورِ وَالْحَمَامِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا يَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا وَجَبَتْ الْقِيمَةُ كَانَ قَوْلُهُ: كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) وَالشَّافِعِيُّ يَعْتَبِرُ الْمُمَاثَلَةَ مِنْ حَيْثُ الصِّفَاتُ فَأَوْجَبَ فِي الْحَمَامِ شَاةً لِمُشَابَهَةٍ بَيْنَهُمَا (مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعُبُّ وَيَهْدُرُ) الْعَبُّ مِنْ بَابِ طَلَبَ: أَيْ: يَشْرَبُ الْمَاءَ بِمَرَّةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْطَعَ الْجَرْعَ، قَالَهُ أَبُو عَمْرٍو، وَالْحَمَامُ يَشْرَبُ هَكَذَا بِخِلَافِ سَائِرِ الطُّيُورِ فَإِنَّهَا تَشْرَبُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَيُقَالُ: هَدَرَ الْبَعِيرُ وَالْحَمَامُ إذَا صَوَّتَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ. (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ) اللَّهَ تَعَالَى أَطْلَقَ الْمِثْلَ، وَ (الْمِثْلَ الْمُطْلَقَ هُوَ الْمِثْلُ صُورَةً وَمَعْنًى وَلَا يُمْكِنُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ) لِخُرُوجِ مَا لَيْسَ لَهُ مِثْلٌ صُورِيٌّ مِنْ تَنَاوُلِ النَّصِّ، وَفِي ذَلِكَ إهْمَالُهُ عَنْ حُكْمِ الشَّرْعِ فَحُمِلَ عَلَى الْمِثْلِ مَعْنًى لِكَوْنِهِ مَعْهُودًا فِي الشَّرْعِ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ، أَوْ لِكَوْنِ الْمِثْلِ الْمَعْنَوِيِّ مُرَادًا بِالْإِجْمَاعِ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ صُورَةً فَلَا يَكُونُ غَيْرُهُ مُرَادًا وَإِلَّا لَزِمَ عُمُومُ الْمُشْتَرَكِ، أَوْ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَكِلَاهُمَا غَيْرُ جَائِزٍ هَذَا مَا قَالُوا. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمِثْلَ لَيْسَ بِمُشْتَرَكٍ بَيْنَ الْمِثْلِ صُورَةً وَبَيْنَهُ مَعْنًى، وَلَا هُوَ حَقِيقَةٌ فِي أَحَدِهِمَا

الْمِثْلِ مَعْنًى لِكَوْنِهِ مَعْهُودًا فِي الشَّرْعِ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ أَوْ لِكَوْنِهِ مُرَادًا بِالْإِجْمَاعِ، أَوْ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْمِيمِ، وَفِي ضِدِّهِ التَّخْصِيصُ. وَالْمُرَادُ بِالنَّصِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَجَزَاءُ قِيمَةِ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ الْوَحْشِيِّ. وَاسْمُ النَّعَمِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْوَحْشِيِّ وَالْأَهْلِيِّ، كَذَا قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْأَصْمَعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ التَّقْدِيرُ بِهِ دُونَ إيجَابِ الْمُعَيَّنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَجَازٌ فِي الْآخَرِ حَتَّى يَلْزَمَ مَا ذَكَرْتُمْ، بَلْ هُوَ مُطْلَقٌ يَتَنَاوَلُهُمَا كَالرَّقَبَةِ تَتَنَاوَلُ الْمُؤْمِنَةَ وَالْكَافِرَةَ فَيَدْخُلُ تَحْتَهُ الْمِثْلُ الْمُطْلَقُ الصُّورِيُّ وَالْمَعْنَوِيُّ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] دَخَلَ مَا لَهُ مِثْلٌ صُورَةً وَمَعْنًى كَمَا فِي الْمِثْلِيَّاتِ، وَمَا لَيْسَ لَهُ مِثْلٌ إلَّا مَعْنًى كَالْقِيَمِيَّاتِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُطْلَقَ مَا يَتَعَرَّضُ لِلذَّاتِ دُونَ الصِّفَاتِ لَا بِالنَّفْيِ وَلَا بِالْإِثْبَاتِ فَهُوَ الدَّالُّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ فَقَطْ، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ تَحْتَ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ الْمُحْتَمَلَةِ، فَلَوْ كَانَ دَالًّا عَلَى ذَلِكَ لَوَجَبَ النَّعَامَةُ عَنْ النَّعَامَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ فِي الْمُطْلَقِ وَمَجَازٌ فِي غَيْرِهِ، وَالْمَجَازُ هَاهُنَا مُرَادٌ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يَكُونُ غَيْرُهُ مُرَادًا، وَبِمِثْلِ ذَلِكَ نَقُولُ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى، أَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: مُوجِبُ الْغَصْبِ الْقِيمَةُ وَرَدُّ الْعَيْنِ مُخَلِّصٌ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ أَوْلَى بِالْإِرَادَةِ، وَرَدَّ الْعَيْنِ ثَبَتَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّهُ» ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: مُوجِبُ الْغَصْبِ رَدُّ الْعَيْنِ وَأَدَاءُ الْقِيمَةِ مُخَلِّصٌ، فَكَذَلِكَ تَكُونُ الْقِيمَةُ ثَابِتَةً بِالْكِتَابِ، وَرَدُّ الْعَيْنِ بِالسُّنَّةِ، وَهَذَا الْحَلُّ مِنْ خَوَاصِّ هَذَا الشَّرْحِ، وَجَهْدُ الْمُقِلِّ دُمُوعُهُ. وَقَوْلُهُ: (أَوْ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْمِيمِ) دَلِيلٌ آخَرُ: يَعْنِي فِي اعْتِبَارِ الْمِثْلِ مَعْنَى تَعْمِيمٍ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ مَا لَهُ نَظِيرٌ وَمَا لَيْسَ لَهُ نَظِيرٌ، (وَفِي ضِدِّهِ) أَيْ: فِي اعْتِبَارِ الْمِثْلِ صُورَةً (تَخْصِيصٌ) ؛ لِتَنَاوُلِهِ مَا لَهُ نَظِيرٌ فَقَطْ، وَالْعَمَلُ بِالتَّعْمِيمِ أَوْلَى لِكَوْنِ النَّصِّ حِينَئِذٍ أَعَمَّ فَائِدَةً. وَقَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ بِالنَّصِّ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ: لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَا تَكُونُ نَعَمًا، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ فَجَزَاءٌ هُوَ قِيمَةُ مَا قُتِلَ مِنْ النَّعَمِ الْوَحْشِيِّ؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ بِمَعْنَى الْقِيمَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَمِنْ النَّعَمِ بَيَانٌ لِمَا قُتِلَ، وَالْمُرَادُ مِنْ النَّعَمِ النَّعَمُ الْوَحْشِيُّ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ إنَّمَا يَجِبُ بِقَتْلِهِ لَا بِقَتْلِ الْحَيَوَانِ الْأَهْلِيِّ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّعَمَ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْأَهْلِيِّ فِي اللُّغَةِ يُطْلَقُ عَلَى الْوَحْشِيِّ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْأَصْمَعِيُّ. فَإِنْ قِيلَ: مَا تَصْنَعُ بِقَوْلِهِ: هَدْيًا وَهُوَ حَالٌ مِنْ جَزَاءٍ، فَإِذَا كَانَ الْجَزَاءُ الْقِيمَةَ كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَاهُ إذَا قُوِّمَ فَبَلَغَتْ قِيمَتُهُ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ فَالْقَاتِلُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ، (وَقَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الضَّبُعُ صَيْدٌ وَفِيهِ شَاةٌ» وَعَنْ أَثَرِ الصَّحَابَةِ: يَعْنِي أَنَّ إيجَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -

ثُمَّ الْخِيَارُ إلَى الْقَاتِلِ فِي أَنْ يَجْعَلَهُ هَدْيًا أَوْ طَعَامًا أَوْ صَوْمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: الْخِيَارُ إلَى الْحَكَمَيْنِ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ حَكَمَا بِالْهَدْيِ يَجِبُ النَّظِيرُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ حَكَمَا بِالطَّعَامِ أَوْ بِالصِّيَامِ فَعَلَى مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ. لَهُمَا أَنَّ التَّخْيِيرَ شُرِعَ رِفْقًا بِمَنْ عَلَيْهِ فَيَكُونُ الْخِيَارُ إلَيْهِ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ. وَلِمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ قَوْله تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا} [المائدة: 95] الْآيَةَ، ذُكِرَ الْهَدْيُ مَنْصُوبًا ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذِهِ النَّظَائِرَ لَمْ يَكُنْ بِاعْتِبَارِ أَعْيَانِهَا إذْ لَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الضَّبُعِ وَالشَّاةِ خِلْقَةً، وَإِنَّمَا كَانَ بِاعْتِبَارِ التَّقْدِيرِ بِالْقِيمَةِ، إلَّا أَنَّهُمْ كَانُوا أَرْبَابَ الْمَوَاشِي فَكَانَ الْأَدَاءُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا أَيْسَرَ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ: يُفَكُّ الْغُلَامُ بِالْغُلَامِ وَالْجَارِيَةُ بِالْجَارِيَةِ وَالْمُرَادُ الْقِيمَةُ. قَالَ (ثُمَّ الْخِيَارُ إلَى الْقَاتِلِ) يَعْنِي إذَا ظَهَرَ قِيمَةُ الصَّيْدِ بِحُكْمِ الْحَكَمَيْنِ وَهِيَ تَبْلُغُ هَدْيًا، فَالْخِيَارُ (فِي أَنْ يَجْعَلَهُ هَدْيًا أَوْ طَعَامًا أَوْ صَوْمًا) إلَى الْقَاتِلِ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ: الْخِيَارُ إلَى الْحَكَمَيْنِ) فِي تَعْيِينِ أَحَدِ الْأَشْيَاءِ، (فَإِنْ حَكَمَا بِالْهَدْيِ يَجِبُ النَّظِيرُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ حَكَمَا بِالطَّعَامِ أَوْ الصِّيَامِ فَعَلَى مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ) يَعْنِي مِنْ اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى (لَهُمَا) أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (أَنَّ التَّخْيِيرَ شُرِعَ رِفْقًا بِمَنْ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ الْخِيَارُ إلَيْهِ) لِيَرْتَفِقَ بِمَا يَخْتَارُ (كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ. وَلِمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ قَوْله تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا} [المائدة: 95] الْآيَةَ) وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ (ذَكَرَ الْهَدْيَ مَنْصُوبًا

لِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهِ} [المائدة: 95] وَمَفْعُولٌ لِحُكْمِ الْحَكَمِ، ثُمَّ ذَكَرَ الطَّعَامَ وَالصِّيَامَ بِكَلِمَةٍ أَوْ فَيَكُونُ الْخِيَارُ إلَيْهِمَا. قُلْنَا: الْكَفَّارَةُ عُطِفَتْ عَلَى الْجَزَاءِ لَا عَلَى الْهَدْيِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ مَرْفُوعٌ، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95] مَرْفُوعٌ، فَلَمْ يَكُنْ فِيهَا دَلَالَةُ اخْتِيَارِ الْحَكَمَيْنِ، وَإِنَّمَا يُرْجَعُ إلَيْهِمَا فِي تَقْوِيمِ الْمُتْلَفِ ثُمَّ الِاخْتِيَارِ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى مَنْ عَلَيْهِ، وَيُقَوَّمَانِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَصَابَهُ لِاخْتِلَافِ الْقِيَمِ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ، فَإِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ بَرًّا لَا يُبَاعُ فِيهِ الصَّيْدُ يُعْتَبَرُ أَقْرَبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ {يَحْكُمُ بِهِ} [المائدة: 95] ، فَإِنَّ ضَمِيرَ بِهِ مُبْهَمٌ فَفَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: هَدْيًا فَكَانَ نَصْبًا عَلَى التَّفْسِيرِ. وَقِيلَ أَيْ: التَّمْيِيزُ فَثَبَتَ أَنَّ الْمِثْلَ إنَّمَا يَصِيرُ هَدْيًا بِاخْتِيَارِهِمَا وَحُكْمِهِمَا، (أَوْ مَفْعُولٌ لِحُكْمِ الْحَكَمِ) أَيْ: عَلَى أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ الضَّمِيرِ مَحْمُولًا عَلَى مَحَلِّهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا} [الأنعام: 161] وَفِي ذَلِكَ تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ التَّعْيِينَ إلَى الْحَكَمَيْنِ، ثُمَّ لَمَّا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْهَدْيِ ثَبَتَ فِي الطَّعَامِ وَالصِّيَامِ لِعَدَمِ الْقَائِلِ وَبِالْفَصْلِ؛ وَلِأَنَّهُ عَطَفَهُمَا عَلَيْهِ (بِكَلِمَةِ أَوْ) وَهِيَ لِلتَّخْيِيرِ، (فَيَكُونُ الْخِيَارُ إلَيْهِمَا) . وَفِي تَوْجِيهِ هَذَا الْكَلَامِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الطَّعَامِ وَالصِّيَامِ بِكَلِمَةِ أَوْ لَا يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ إلَّا إذَا كَانَ كَفَّارَةٌ مَنْصُوبًا عَلَى مَا هُوَ قِرَاءَةُ عِيسَى بْنِ عُمَرَ النَّحْوِيِّ وَهِيَ شَاذَّةٌ، وَالشَّافِعِيُّ لَا يَرَى الِاسْتِدْلَالَ بِالْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ كِتَابٌ وَلَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ خَبَرٌ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ. وَقَوْلُهُ: (قُلْنَا) جَوَابٌ عَنْ اسْتِدْلَالِهِمَا، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الدَّلِيلَ إنَّمَا يَصِحُّ أَنْ لَوْ كَانَ كَفَّارَةٌ مَعْطُوفَةً عَلَى هَدْيًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِاخْتِلَافِ إعْرَابِهِمَا، وَإِنَّمَا هِيَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى قَوْلِهِ: فَجَزَاءٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ مَرْفُوعٌ، (وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95] مَرْفُوعٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي الْآيَةِ دَلَالَةُ اخْتِيَارِ الْحَكَمَيْنِ) فِي الطَّعَامِ وَالصِّيَامِ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ فِيهِمَا لِلْحَكَمَيْنِ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْهَدْيِ لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ، (وَإِنَّمَا يَرْجِعُ إلَيْهِمَا فِي تَقْوِيمِ الْمُتْلَفِ) لَا غَيْرٍ، (ثُمَّ الِاخْتِيَارُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى مَنْ عَلَيْهِ) رِفْقًا لَهُ، (وَيُقَوِّمَانِ) أَيْ: الْحَكَمَانِ (فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَصَابَهُ) الْمُحْرِمُ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَكَذَا يُعْتَبَرُ الزَّمَانُ الَّذِي أَصَابَهُ فِيهِ لِاخْتِلَافِ الْقِيَمِ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ وَالْأَزْمَانِ. وَقَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ بَرًّا) ظَاهِرٌ.

الْمَوَاضِعِ إلَيْهِ مِمَّا يُبَاعُ فِيهِ وَيُشْتَرَى. قَالُوا: وَالْوَاحِدُ يَكْفِي وَالْمُثَنَّى أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَأَبْعَدُ عَنْ الْغَلَطِ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ. وَقِيلَ يُعْتَبَرُ الْمُثَنَّى هَهُنَا بِالنَّصِّ. (وَالْهَدْيُ لَا يُذْبَحُ إلَّا بِمَكَّةَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] (وَيَجُوزُ الْإِطْعَامُ فِي غَيْرِهَا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِالْهَدْيِ وَالْجَامِعُ التَّوْسِعَةُ عَلَى سُكَّانِ الْحَرَمِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: الْهَدْيُ قُرْبَةٌ غَيْرُ مَعْقُولَةٍ فَيَخْتَصُّ بِمَكَانٍ أَوْ زَمَانٍ. أَمَّا الصَّدَقَةُ قُرْبَةٌ مَعْقُولَةٌ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ (وَالصَّوْمُ يَجُوزُ فِي غَيْرِ مَكَّةَ) ؛ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ فِي كُلِّ مَكَان (فَإِنْ ذَبَحَ الْهَدْيَ بِالْكُوفَةِ أَجْزَأَهُ عَنْ الطَّعَامِ) مَعْنَاهُ إذَا تَصَدَّقَ بِاللَّحْمِ وَفِيهِ وَفَاءٌ بِقِيمَةِ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ لَا تَنُوبُ عَنْهُ. وَإِذَا وَقَعَ الِاخْتِيَارُ عَلَى الْهَدْيِ يُهْدِي مَا يُجْزِيهِ فِي الْأُضْحِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: (وَقِيلَ يُعْتَبَرُ الْمُثَنَّى هَاهُنَا) فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ (بِالنَّصِّ) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ} [المائدة: 95] قَالَ فِي الْكَشَّافِ عَنْ قَبِيصَةَ أَنَّهُ أَصَابَ ظَبْيًا وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَسَأَلَ عَنْهُ عُمَرَ فَشَاوَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ ثُمَّ أَمَرَهُ بِذَبْحِ شَاةٍ، فَقَالَ قَبِيصَةُ لِصَاحِبِهِ: وَاَللَّهُ مَا عَلِمَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى سَأَلَ غَيْرَهُ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ ضَرْبًا وَقَالَ: أَتَغْمِصُ الْفُتْيَا وَتَقْتُلُ الصَّيْدَ وَأَنْتَ مُحْرِمٌ؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا} [المائدة: 95] فَأَنَا عُمَرُ وَهَذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ. وَقَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ الْإِطْعَامُ فِي غَيْرِهَا) يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ طَعَامَ الْإِبَاحَةِ أَوْ التَّمْلِيكِ. وَقَوْلُهُ: (وَالصَّوْمُ يَجُوزُ فِي غَيْرِ مَكَّةَ) يَعْنِي بِالْإِجْمَاعِ. وَقَوْلُهُ: (إذَا تَصَدَّقَ بِاللَّحْمِ وَفِيهِ وَفَاءٌ بِقِيمَةِ الطَّعَامِ) بِأَنْ يُصِيبَ كُلُّ مِسْكِينٍ مِنْ اللَّحْمِ مَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ قِيَاسًا عَلَى كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَكَانَ مِنْ شَرْطِ تَصَدُّقِهِ التَّفْرِيقُ، بِخِلَافِ مَا إذَا ذَبَحَ بِمَكَّةَ فَإِنَّهُ إذَا تَصَدَّقَ بِهِ بَعْدَ الذَّبْحِ عَلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ جَازَ؛ لِأَنَّ جَوَازَهُ مِنْ حَيْثُ الْهَدْيُ لَا مِنْ حَيْثُ الصَّدَقَةُ. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ لَا تَنُوبُ عَنْهُ) أَيْ: لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ الْحَاصِلَةَ بِمَكَانٍ غَيْرِ الْحَرَمِ لَا تَنُوبُ عَنْ الْهَدْيِ؛ حَتَّى لَوْ سَرَقَ الْمَذْبُوحُ أَوْ ضَاعَ قَبْلَ التَّصَدُّقِ بِهِ بَقِيَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ كَمَا كَانَ، بِخِلَافِ الْمَذْبُوحِ بِمَكَّةَ حَيْثُ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ وَإِنْ سَرَقَ أَوْ ضَاعَ قَبْلَ التَّصَدُّقِ بِهِ. قَالَ: (وَإِذَا وَقَعَ الِاخْتِيَارُ عَلَى الْهَدْيِ) إذَا اخْتَارَ الْقَاتِلُ الْهَدْيَ، (يُهْدِي مَا يُجْزِيهِ فِي الْأُضْحِيَّةِ) وَهُوَ الْجَذَعُ الْكَبِيرُ مِنْ الضَّأْنِ أَوْ النِّيءُ مِنْ غَيْرِهِ

لِأَنَّ مُطْلَقَ اسْمِ الْهَدْيِ مُنْصَرِفٌ إلَيْهِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ: يُجْزِي صِغَارُ النَّعَمِ فِيهَا؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَوْجَبُوا عَنَاقًا وَجَفْرَةً. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ الصِّغَارُ عَلَى وَجْهِ الْإِطْعَامِ: يَعْنِي إذَا تَصَدَّقَ. وَإِذَا وَقَعَ الِاخْتِيَارُ عَلَى الطَّعَامِ يُقَوَّمُ الْمُتْلَفُ بِالطَّعَامِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَضْمُونُ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ (وَإِذَا اشْتَرَى بِالْقِيمَةِ طَعَامًا تَصَدَّقَ عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُطْعِمَ الْمِسْكِينَ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ) ؛ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (لِأَنَّ مُطْلَقَ اسْمُ الْهَدْيِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ) كَمَا فِي هَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ. وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ اسْمَ الْهَدْيِ قَدْ يَنْصَرِفُ إلَى غَيْرِهِ كَمَا إذَا قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَثَوْبِي هَذَا هَدْيٌ فَلْيَكُنْ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ كَذَلِكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مُطْلَقِ الْهَدْيِ وَمَا ذَكَرْت لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ إلَى الثَّوْبِ قَيَّدَتْهُ بِذَلِكَ. (وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ: يُجْزِئُ صِغَارُ النَّعَمِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ وَشُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَقَاضِي خَانْ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ؛ (لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَوْجَبُوا عَنَاقًا وَجَفْرَةً) فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ فِي بَابِ الْهَدْيِ (وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ الصِّغَارُ عَلَى وَجْهِ الْإِطْعَامِ) فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إيجَابُ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ، (وَإِذَا وَقَعَ الِاخْتِيَارُ عَلَى الطَّعَامِ يُقَوَّمُ الْمُتْلَفُ بِالطَّعَامِ عِنْدَنَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ يَجِبُ الْمِثْلُ ثُمَّ يُقَوَّمُ الْمِثْلُ بِالطَّعَامِ، وَأَمَّا عِنْدَنَا فَالْمُتْلَفُ هُوَ الْمَضْمُونُ فَيُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ. وَقَوْلُهُ: (وَإِذَا اشْتَرَى بِالْقِيمَةِ طَعَامًا) إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَوَّمَ الْمُتْلَفُ بِالْقِيمَةِ ثُمَّ يَشْتَرِيَ بِالْقِيمَةِ طَعَامًا.

الطَّعَامَ الْمَذْكُورَ يَنْصَرِفُ إلَى مَا هُوَ الْمَعْهُودُ فِي الشَّرْعِ (وَإِنْ اخْتَارَ الصِّيَامَ يُقَوَّمُ الْمَقْتُولُ طَعَامًا ثُمَّ يَصُومُ عَنْ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ يَوْمًا) ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الصِّيَامِ بِالْمَقْتُولِ غَيْرُ مُمْكِنٍ إذْ لَا قِيمَةَ لِلصِّيَامِ فَقَدَّرْنَاهُ بِالطَّعَامِ، وَالتَّقْدِيرُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَعْهُودٌ فِي الشَّرْعِ كَمَا فِي بَابِ الْفِدْيَةِ (فَإِنْ فَضَلَ مِنْ الطَّعَامِ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ، وَإِنْ شَاءَ صَامَ عَنْهُ يَوْمًا كَامِلًا) ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْوَاجِبُ دُونَ طَعَامِ مِسْكِينٍ يُطْعِمُ قَدْرَ الْوَاجِبِ أَوْ يَصُومُ يَوْمًا كَامِلًا لِمَا قُلْنَا. (وَلَوْ جَرَحَ صَيْدًا أَوْ نَتَفَ شَعْرَهُ أَوْ قَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ ضَمِنَ مَا نَقَصَهُ) اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ (وَلَوْ نَتَفَ رِيشَ طَائِرٍ أَوْ قَطَعَ قَوَائِمَ صَيْدٍ فَخَرَجَ مِنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ كَامِلَةً) ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ الْأَمْنَ بِتَفْوِيتِ آلَةِ الِامْتِنَاعِ فَيَغْرَمُ جَزَاءَهُ. (وَمَنْ كَسَرَ بَيْضَ نَعَامَةٍ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلِأَنَّهُ أَصْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: (يَنْصَرِفُ إلَى مَا هُوَ الْمَعْهُودُ فِي الشَّرْعِ) يَعْنِي نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ كَمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ. وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ اخْتَارَ الصِّيَامَ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْوَاجِبُ دُونَ طَعَامِ مِسْكِينٍ) بِأَنْ قَتَلَ يَرْبُوعًا أَوْ عُصْفُورًا وَلَمْ تَبْلُغْ قِيمَتُهُ إلَّا مُدًّا مِنْ الْحِنْطَةِ (يُطْعِمُ ذَلِكَ الْقَدْرَ أَوْ يَصُومُ يَوْمًا كَامِلًا لِمَا قُلْنَا) : إنَّ الصَّوْمَ أَقَلُّ مِنْ يَوْمٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ. وَقَوْلُهُ: (وَلَوْ جَرَحَ صَيْدًا) ظَاهِرٌ

الصَّيْدِ، وَلَهُ عَرَضِيَّةُ أَنْ يَصِيرَ صَيْدًا فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الصَّيْدِ احْتِيَاطًا مَا لَمْ يَفْسُدْ (فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْبِيضِ فَرْخٌ مَيِّتٌ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ حَيًّا) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَغْرَمَ سِوَى الْبَيْضَةِ؛ لِأَنَّ حَيَاةَ الْفَرْخِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْبَيْضَ مُعَدٌّ؛ لِيَخْرُجَ مِنْهُ الْفَرْخُ الْحَيُّ، وَالْكَسْرُ قَبْلَ أَوَانِهِ سَبَبٌ لِمَوْتِهِ فَيُحَالُ بِهِ عَلَيْهِ احْتِيَاطًا، وَعَلَى هَذَا إذَا ضَرَبَ بَطْنَ ظَبْيَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا وَمَاتَتْ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: (مَا لَمْ يَفْسُدْ) إشَارَةً إلَى أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مَذِرَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْ صَيْدًا وَلَا مَا هُوَ بِعَرْضِيَّةٍ أَنْ يَصِيرَ صَيْدًا. وَقَوْلُهُ: (فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْبَيْضِ فَرْخٌ مَيِّتٌ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا تَخْلُو، أَمَّا إنْ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ حَيًّا وَمَاتَ بِالْكَسْرِ، أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ مَيِّتًا، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ مَوْتَهُ بِسَبَبِ الْكَسْرِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الثَّالِثَ (فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَغْرَمَ سِوَى الْبَيْضَةِ؛ لِأَنَّ حَيَاةَ الْفَرْخِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ) وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْفَرْخِ حَيًّا لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ. وَتَقْرِيرُهُ: الْبَيْضُ مُعَدٌّ لِيَخْرُجَ مِنْهُ الْفَرْخُ الْحَيُّ، وَكُلُّ مَا هُوَ مُعَدٌّ لِيَخْرُجَ مِنْهُ الْفَرْخُ الْحَيُّ كَسْرُهُ قَبْلَ أَوَانِهِ سَبَبٌ لِمَوْتِ ذَلِكَ الْفَرْخِ، وَذَلِكَ إتْلَافٌ لَهُ، وَالْإِتْلَافُ يُوجِبُ الضَّمَانَ. وَقَوْلُهُ: (فَيُحَالُ بِهِ عَلَيْهِ) أَيْ: بِالْمَوْتِ عَلَى الْكَسْرِ وَالْبَاءُ صِلَةٌ كَانَ أَصْلُهُ يُحَالُ الْمَوْتُ عَلَى الْكَسْرِ: أَيْ: يُضَافُ إلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: بَيْضُ النَّعَامَةِ كَبَطْنِ الظَّبْيَةِ، وَلَوْ ضَرَبَ بَطْنَ ظَبْيَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا وَمَاتَتْ الظَّبْيَةُ كَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُمَا عَلَى مَا يَجِيءُ، فَلِمَ لَا يَكُونُ عَلَيْهِ هَاهُنَا قِيمَةُ الْبَيْضِ وَالْفَرْخِ جَمِيعًا؟ أُجِيبَ بِأَنَّ ضَمَانَ الْبَيْضِ لَيْسَ لِذَاتِهِ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ سَبَبُ الْفَرْخِ؛ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ الضَّمَانُ إذَا كَانَتْ الْبَيْضَةُ مَذِرَةً، فَإِذَا وَجَبَ ضَمَانُ الْفَرْخِ لَا يَجِبُ ضَمَانُ الْبَيْضِ. وَقَوْلُهُ: (وَعَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ (إذَا ضَرَبَ بَطْنَ ظَبْيَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا وَمَاتَتْ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُمَا) ، فَإِنْ

(وَلَيْسَ فِي قَتْلِ الْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ وَالذِّئْبِ وَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْفَأْرَةِ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ جَزَاءٌ) ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خَمْسٌ مِنْ الْفَوَاسِقِ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، الْحِدَأَةُ وَالْحَيَّةُ وَالْعَقْرَبُ، وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ الْفَأْرَةَ وَالْغُرَابَ وَالْحِدَأَةَ وَالْعَقْرَبَ وَالْحَيَّةَ وَالْكَلْبَ الْعَقُورَ» وَقَدْ ذُكِرَ الذِّئْبُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ. وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ الذِّئْبُ، أَوْ يُقَالُ إنَّ الذِّئْبَ فِي مَعْنَاهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقِيلَ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ضَمَانَ الصَّيْدِ يُشْبِهُ غَرَامَاتِ الْأَمْوَالِ، وَمَنْ ضَرَبَ بَطْنَ جَارِيَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا وَمَاتَتْ كَانَ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ دُونَ الْجَنِينِ، فَكَيْفَ وَجَبَتْ هَاهُنَا قِيمَةُ الْجَنِينِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْجَنِينَ فِي حُكْمِ الْجُزْءِ مِنْ وَجْهٍ وَفِي حُكْمِ النَّفْسِ مِنْ وَجْهٍ، وَالضَّمَانُ الْوَاجِبُ لِحَقِّ الْعِبَادِ غَيْرُ مَبْنِيٍّ عَلَى الِاحْتِيَاطِ فَلَا يَجِبُ فِي مَوْضِعِ الشَّكِّ، فَأَمَّا جَزَاءُ الصَّيْدِ فَمَبْنِيٌّ عَلَى الِاحْتِيَاطِ فَرَجَحَ فِيهِ شَبَهُ النَّفْسِيَّةِ فِي الْجَنِينِ وَوَجَبَ الْجَزَاءُ ، (وَلَيْسَ فِي قَتْلِ الْفَوَاسِقِ الْخَمْسَةِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَثْنَى بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خَمْسٌ مِنْ الْفَوَاسِقِ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْحِدَأَةُ، وَالْحَيَّةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» وَذَكَرَ الذِّئْبَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، فَقِيلَ

وَالْمُرَادُ بِالْغُرَابِ الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ وَيَخْلِطُ؛ لِأَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى، أَمَّا الْعَقْعَقُ فَغَيْرُ مُسْتَثْنًى؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى غُرَابًا وَلَا يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْكَلْبَ الْعَقُورَ وَغَيْرَ الْعَقُورِ وَالْمُسْتَأْنَسَ وَالْمُتَوَحِّشَ مِنْهُمَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ الْجِنْسُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيمَا إذَا ذَكَرَ الْكَلْبَ الْعَقُورَ فَمُرَادُهُ الذِّئْبُ، أَوْ يُقَالُ: إنَّ الذِّئْبَ فِي مَعْنَى الْكَلْبِ الْعَقُورِ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ السِّتَّةَ بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَةِ أَوْ الدَّلَالَةِ. وَقَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ بِالْغُرَابِ: الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ وَيَخْلِطُ) أَيْ: النَّجَاسَاتِ مَعَ غَيْرِهَا أَيْ: يَأْكُلُ الْحَبَّ تَارَةً وَالنَّجَاسَةَ أُخْرَى، وَقَعَ تَكْرَارًا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ مَعَ زِيَادَةِ مَعْنًى وَهُوَ كَوْنُهُ مَرْوِيًّا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَكَانَ مُسْتَغْنًى عَنْ ذِكْرِهِ. وَقَوْلُهُ: الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ خَبَرٌ لَا صِفَةٌ فَكَانَ مَوْضِعَ ضَمِيرِ الْفَصْلِ، وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْغُرَابِ الَّذِي يَأْكُلُ الزَّرْعَ فَإِنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ بِقَتْلِهِ. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى) قِيلَ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَى دُبُرِ الدَّابَّةِ، وَقِيلَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِي قَوْلِهِ: فِي الْعَقْعَقِ وَلَا يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَى دُبُرِ الدَّابَّةِ. (وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْكَلْبَ الْعَقُورَ وَغَيْرَ الْعَقُورِ وَالْمُسْتَأْنَسَ وَالْمُتَوَحِّشَ مِنْهُمَا) أَيْ: مِنْ الْكَلْبِ الْعَقُورِ وَغَيْرِ الْعَقُورِ (سَوَاءٌ) ، أَمَّا الْعَقُورُ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِيهِ الْحَدِيثُ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ فِيهِ الْجَزَاءُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدٍ لِعَدَمِ تَوَحُّشِهِ خِلْقَةً. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْجِنْسُ) يَعْنِي الْحَقِيقَةَ الَّتِي تُسَمَّى كَلْبًا لَا فَرْدًا دُونَ فَرْدٍ، وَهَذَا لِأَنَّ هَذَا الْجِنْسَ لَيْسَ بِصَيْدٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى إبْطَالِ الْوَصْفِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَهُوَ كَوْنُهُ عَقُورًا. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ

وَكَذَا الْفَأْرَةُ الْأَهْلِيَّةُ وَالْوَحْشِيَّةُ سَوَاءٌ. وَالضَّبُّ وَالْيَرْبُوعُ لَيْسَا مِنْ الْخَمْسِ الْمُسْتَثْنَاةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَبْتَدِئَانِ بِالْأَذَى. (وَلَيْسَ فِي قَتْلِ الْبَعُوضِ وَالنَّمْلِ وَالْبَرَاغِيثِ وَالْقُرَادِ شَيْءٌ) ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصُيُودٍ وَلَيْسَتْ بِمُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْبَدَنِ ثُمَّ هِيَ مُؤْذِيَةٌ بِطِبَاعِهَا، وَالْمُرَادُ بِالنَّمْلِ السُّودُ أَوْ الصُّفْرُ الَّذِي يُؤْذِي، وَمَا لَا يُؤْذِي لَا يَحِلُّ قَتْلُهَا، وَلَكِنْ لَا يَجِبُ الْجَزَاءُ لِلْعِلَّةِ الْأُولَى. (وَمَنْ قَتَلَ قَمْلَةً تَصَدَّقَ بِمَا شَاءَ) مِثْلَ كَفٍّ مِنْ طَعَامٍ؛ لِأَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ التَّفَثِ الَّذِي عَلَى الْبَدَنِ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَطْعَمَ شَيْئًا) وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُجْزِيهِ أَنْ يُطْعِمَ مِسْكَيْنَا شَيْئًا يَسِيرًا عَلَى سَبِيلِ الْإِبَاحَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُشْبِعًا. (وَمَنْ قَتَلَ جَرَادَةً تَصَدَّقَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْسَ لِلْقَيْدِ بَلْ لِإِظْهَارِ نَوْعِ أَذَاهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ طَبْعٌ فِيهِ. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصُيُودٍ) يَعْنِي أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُتَوَحِّشَةٍ عَنْ الْآدَمِيِّ بَلْ هِيَ طَالِبَةٌ لَهُ (وَلَيْسَتْ بِمُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْبَدَنِ) يَعْنِي حَتَّى تَكُونَ مِنْ بَابِ قَضَاءِ التَّفَثِ كَالْقَمْلَةِ (ثُمَّ هِيَ مُؤْذِيَةٌ بِطِبَاعِهَا) فَلَا يَجِبُ بِقَتْلِهَا شَيْءٌ. وَقَوْلُهُ: (وَلَكِنْ لَا يَجِبُ الْجَزَاءُ لِلْعِلَّةِ الْأُولَى) يَعْنِي قَوْلَهُ: لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصُيُودٍ وَلَيْسَتْ بِمُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْبَدَنِ، سَمَّاهُمَا عِلَّةً وَإِنْ كَانَا فِي مَعْنَى عِلَّتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ ذُكِرَ فِي مَوْضِعِ السَّلْبِ، وَفِي مَوْضِعِ السَّلْبِ تَكُونُ الْعِلَلُ الْكَثِيرَةُ بِمَعْنَى عِلَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي أَنَّ الْحُكْمَ يَنْتَفِي بِالْجَمِيعِ كَمَا أَنَّهُ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ الْوَاحِدَةِ. وَقَوْلُهُ: (وَمَنْ قَتَلَ قَمْلَةً تَصَدَّقَ بِمَا شَاءَ) ، وَقَدْ أَوْضَحَهُ فِي الْكِتَابِ وَلَيْسَ الْجَزَاءُ مُنْحَصِرًا فِي الْقَتْلِ بَلْ الْإِلْقَاءُ فِي الْأَرْضِ كَالْقَتْلِ سَوَاءٌ أَخَذَهَا مِنْ رَأْسِهِ أَوْ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ. وَقِيلَ فِي الْقَمْلَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ كَفٌّ مِنْ حِنْطَةٍ، وَفِي الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ. وَقَوْلُهُ: (شَيْئًا يَسِيرًا عَلَى سَبِيلِ الْإِبَاحَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُشَبِّعًا) قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: كَكِسْرَةِ

بِمَا شَاءَ) ؛ لِأَنَّ الْجَرَادَ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ فَإِنَّ الصَّيْدَ مَا لَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ إلَّا بِحِيلَةٍ وَيَقْصِدُهُ الْآخِذُ (وَتَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ) لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ. (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ذَبْحِ السُّلَحْفَاةِ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْهَوَامِّ وَالْحَشَرَاتِ فَأَشْبَهَ الْخَنَافِسَ وَالْوَزَغَاتِ، وَيُمْكِنُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ حِيلَةٍ وَكَذَا لَا يُقْصَدُ بِالْأَخْذِ فَلَمْ يَكُنْ صَيْدًا. (وَمَنْ حَلَبَ صَيْدَ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّيْدِ فَأَشْبَهَ كُلَّهُ. (وَمَنْ قَتَلَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الصَّيْدِ كَالسِّبَاعِ وَنَحْوِهَا فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ) إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّرْعُ وَهُوَ مَا عَدَدْنَاهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجِبُ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّهَا جُبِلَتْ عَلَى الْإِيذَاءِ فَدَخَلَتْ فِي الْفَوَاسِقِ الْمُسْتَثْنَاةِ، وَكَذَا اسْمُ الْكَلْبِ يَتَنَاوَلُ السِّبَاعَ بِأَسْرِهَا لُغَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــQخُبْزٍ. وَقَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ) قِصَّتُهُ أَنَّ أَهْلَ حِمْصٍ أَصَابُوا جَرَادًا كَثِيرًا فِي إحْرَامِهِمْ فَجَعَلُوا يَتَصَدَّقُونَ مَكَانَ كُلِّ جَرَادَةٍ بِدِرْهَمٍ، فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَرَى دَرَاهِمَكُمْ كَثِيرَةً يَا أَهْلَ حِمْصٍ، تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ. قَالَ (وَمَنْ حَلَبَ صَيْدَ الْحَرَمِ) : اللَّبَنُ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّيْدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ} [النحل: 66] وَكَلِمَةُ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ. وَقَوْلُهُ (كَالسِّبَاعِ) أَيْ: سِبَاعِ الْبَهَائِمِ (وَنَحْوِهَا) أَيْ سِبَاعِ الطَّيْرِ. وَقَوْلُهُ: (وَكَذَا اسْمُ الْكَلْبِ يَتَنَاوَلُ السِّبَاعَ بِأَسْرِهَا لُغَةً) يَعْنِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَثْنَى الْكَلْبَ الْعَقُورَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْكَلْبَ الْمَعْرُوفَ فَإِنَّهُ أَهْلِيٌّ وَلَيْسَ بِصَيْدٍ، فَكَانَ الْمُرَادُ مَا يَتَكَلَّبُ: أَيْ يَشْتَدُّ فَيَتَنَاوَلُ الْأَسَدَ وَالْفَهْدَ وَالنَّمِرَ وَغَيْرَهَا، فَكَانَ كَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إلَّا مَا كَانَ مُؤْذِيًا، وَلَوْ كَانَ النَّصُّ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَمْ يَتَنَاوَلْ إلَّا مَأْكُولَ اللَّحْمِ فَكَذَا

وَلَنَا أَنَّ السَّبْعَ صَيْدٌ لِتَوَحُّشِهِ، وَكَوْنِهِ مَقْصُودًا بِالْأَخْذِ إمَّا لِجِلْدِهِ أَوْ لِيُصْطَادَ بِهِ أَوْ لِدَفْعِ أَذَاهُ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْفَوَاسِقِ مُمْتَنِعٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْعَدَدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا، (وَلَنَا أَنَّ السَّبُعَ صَيْدٌ لِتَوَحُّشِهِ) وَتَنَفُّرِهِ مِنْ النَّاسِ، (وَكَوْنِهِ مَقْصُودًا بِالْأَخْذِ إمَّا لِجِلْدِهِ أَوْ لِيُصْطَادَ بِهِ أَوْ لِدَفْعِ أَذَاهُ) وَكُلُّ مَا هُوَ صَيْدٌ يَتَنَاوَلُهُ قَوْله تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ} [المائدة: 95] فَيَجِبُ الْجَزَاءُ بِقَتْلِهِ، (وَالْقِيَاسُ عَلَى الْفَوَاسِقِ مُمْتَنِعٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْعَدَدِ) وَكَذَلِكَ الْإِلْحَاقُ بِهَا دَلَالَةٌ؛ لِأَنَّ الْفَوَاسِقَ مِمَّا تَعْدُو عَلَيْنَا وَعَلَى مَوَاشِينَا بِالْقُرْبِ مِنَّا، وَالسَّبُعُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِبُعْدِهِ عَنَّا فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى الْفَوَاسِقِ لِيُلْحَقَ بِهَا، وَاسْمُ الْكَلْبِ وَإِنْ تَنَاوَلَهُ لُغَةً لَمْ يَتَنَاوَلْهُ عُرْفًا

وَاسْمُ الْكَلْبِ لَا يَقَعُ عَلَى السَّبْعِ عُرْفًا وَالْعُرْفُ أَمْلَكُ (وَلَا يُجَاوَزُ بِقِيمَتِهِ شَاةٌ) وَقَالَ زُفَرٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ اعْتِبَارًا بِمَأْكُولِ اللَّحْمِ. وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الضَّبُعُ صَيْدٌ وَفِيهِ الشَّاةُ» ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْعُرْفُ أَمْلَكُ) أَيْ: أَقْوَى وَأَرْجَحُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَمَا فِي الْأَيْمَانِ لِبِنَائِهِ عَلَى الِاحْتِيَاطِ، وَالِاحْتِيَاطُ فِي إيجَابِ الْجَزَاءِ. وَقَوْلُهُ: (وَلَا يُجَاوَزُ بِقِيمَتِهِ شَاةٌ) الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ وَشَاةٌ مَرْفُوعٌ لِكَوْنِهِ مُسْنَدًا إلَيْهِ، وَمَعْنَاهُ: لَا يُجَاوَزُ بِقِيمَةِ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الصُّيُودِ قِيمَةُ شَاةٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَرَوَى الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ الدَّمِ، (وَقَالَ زُفَرُ: تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ اعْتِبَارًا بِمَأْكُولِ اللَّحْمِ) وَالْجَامِعُ الضَّمَانُ، (وَلَنَا قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الضَّبُعُ صَيْدٌ وَفِيهِ الشَّاةُ» ، فَلَمَّا وَرَدَ

وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ قِيمَتِهِ لِمَكَانِ الِانْتِفَاعِ بِجِلْدِهِ لَا؛ لِأَنَّهُ مُحَارِبٌ مُؤْذٍ، وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَا يُزَادُ عَلَى قِيمَةِ الشَّاةِ ظَاهِرًا. (وَإِذَا صَالَ السَّبُعُ عَلَى الْمُحْرِمِ فَقَتَلَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) وَقَالَ زُفَرٌ: يَجِبُ الْجَزَاءُ اعْتِبَارًا بِالْجَمَلِ الصَّائِلِ. وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَتَلَ سَبُعًا وَأَهْدَى كَبْشًا وَقَالَ: إنَّا ابْتَدَأْنَاهُ؛ وَلِأَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ التَّعَرُّضِ لَا عَنْ دَفْعِ الْأَذَى، وَلِهَذَا كَانَ مَأْذُونًا فِي دَفْعِ الْمُتَوَهَّمِ مِنْ الْأَذَى كَمَا فِي الْفَوَاسِقِ فَلَأَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا فِي دَفْعِ الْمُتَحَقَّقِ مِنْهُ أَوْلَى، ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّرْعُ بِتَقْدِيرٍ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ بِرَأْيٍ؛ لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ تُعْرَفُ سَمَاعًا؛ (وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ قِيمَتِهِ لِمَكَانِ الِانْتِفَاعِ بِجِلْدِهِ) ، إذْ اللَّحْمُ غَيْرُ مَأْكُولٍ (لَا لِأَنَّهُ مُحَارِبٌ) كَمَا فِي بَعْضِ السِّبَاعِ، وَالْفِيلُ يَعْلَمُهُ أَهْلُ الْهِنْدِ الْمُحَارِبَةُ بِحَيْثُ يَكْسِرُ الْعَسْكَرَ، وَهُوَ مَعْنًى مَطْلُوبٌ لِلْمُلُوكِ وَالسَّلَاطِينِ لَكِنَّهُ خَارِجٌ عَنْ الصَّيْدِيَّةِ فَلَا يُعْتَبَرُ، وَلَا لِأَجْلِ مَعْنَى الْإِيذَاءِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْإِيذَاءَ مَعْنًى لَا تَقَوُّمَ لَهُ شَرْعًا فَبَقِيَ اعْتِبَارُ الْجِلْدِ (وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَا يُزَادُ عَلَى قِيمَةِ الشَّاةِ ظَاهِرًا) وَقَوْلُهُ: (وَإِذَا صَالَ السَّبُعُ عَلَى الْمُحْرِمِ) أَيْ: وَثَبَ (فَقَتَلَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَالَ زُفَرُ: يَجِبُ الْجَزَاءُ) عَلَيْهِ (اعْتِبَارًا بِالْجَمَلِ) إذَا صَالَ عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ الْإِنْسَانُ فَإِنَّهُ يَجِبُ قِيمَتُهُ، وَإِنْ قَتَلَهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ، (وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَتَلَ سَبُعًا وَأَهْدَى كَبْشًا، وَقَالَ: إنَّا ابْتَدَأْنَاهُ) عَلَّلَ الْإِهْدَاءَ بِالِابْتِدَاءِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الدَّفْعَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَإِلَّا لَمْ يَبْقَ لِلتَّعْلِيلِ فَائِدَةٌ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ التَّخْصِيصَ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي خِطَابَاتِ الشَّرْعِ، أَمَّا فِي الرِّوَايَاتِ فَيَدُلُّ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَ عُمَرَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ بِمَنْزِلَةِ خِطَابَاتِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ فِي حَيِّزِ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ فَلَا يُفِيدُهُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ إنَّمَا هُوَ بِفِعْلِهِ، وَقَوْلُهُ: رِوَايَةً فَيُفِيدُهُ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ التَّعَرُّضِ) اسْتِدْلَالٌ بِدَلَالَةِ حَدِيثِ الْفَوَاسِقِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ قَتْلَهَا أُبِيحَ دَفْعًا لِلْأَذَى الْمَوْهُومِ، فَلَأَنْ يُبَاحَ

وَمَعَ وُجُودِ الْإِذْنِ مِنْ الشَّارِعِ لَا يَجِبُ الْجَزَاءُ حَقًّا لَهُ، بِخِلَافِ الْجَمَلِ الصَّائِلِ؛ لِأَنَّهُ لَا إذْنَ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ وَهُوَ الْعَبْدُ. (فَإِنْ اُضْطُرَّ الْمُحْرِمُ إلَى قَتْلِ صَيْدٍ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ) ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ مُقَيَّدٌ بِالْكَفَّارَةِ بِالنَّصِّ عَلَى مَا تَلَوْنَاهُ مِنْ قَبْلُ. (وَلَا بَأْسَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَذْبَحَ الشَّاةَ وَالْبَقَرَةَ وَالْبَعِيرَ وَالدَّجَاجَةَ وَالْبَطَّ الْأَهْلِيَّ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَيْسَتْ بِصُيُودٍ؛ لِعَدَمِ التَّوَحُّشِ، وَالْمُرَادُ بِالْبَطِّ الَّذِي يَكُونُ فِي الْمَسَاكِنِ وَالْحِيَاضِ؛ لِأَنَّهُ أَلُوفٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ (وَلَوْ ذَبَحَ حَمَامًا مُسَرْوَلًا فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ) خِلَافًا لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. لَهُ أَنَّهُ أَلُوفٌ مُسْتَأْنَسٌ وَلَا يَمْتَنِعُ بِجَنَاحَيْهِ لِبُطْءِ نُهُوضِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَتْلُ السَّبُعِ دَفْعًا لِلْأَذَى الْمُحَقَّقِ أَوْلَى فَكَانَ مَأْذُونًا بِقَتْلِهِ مِنْ الشَّرْعِ، (وَمَعَ وُجُودِ الْإِذْنِ مِنْهُ لَا يَجِبُ الْجَزَاءُ حَقًّا لَهُ) لِسُقُوطِهِ بِإِذْنِهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْإِذْنُ مِنْ الشَّرْعِ لَا يَسْتَلْزِمُ سُقُوطَ الْجَزَاءِ، فَإِنَّ الْمُحْرِمَ إذَا حَلَقَ رَأْسَهُ أَوْ تَطَيَّبَ لِعُذْرٍ فَهُوَ مَأْذُونٌ مِنْ الشَّرْعِ وَلَمْ يَسْقُطْ الْجَزَاءُ. فَالْجَوَابُ مَا يَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا بِقَوْلِهِ: (لِأَنَّ الْإِذْنَ مُقَيَّدٌ بِالْكَفَّارَةِ بِالنَّصِّ عَلَى مَا تَلَوْنَاهُ) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة: 196] الْآيَةَ، فَكَانَ فَائِدَةُ الْإِذْنِ دَفْعَ الْحُرْمَةِ لَا غَيْرَ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ بَقَاءَ الْجَزَاءِ مَعَ إذْنِ صَاحِبِ الْحَقِّ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ، فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ. لَا يُقَالُ: فَلْيُلْحَقْ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ فِي الصَّوْلِ لَيْسَتْ كَالضَّرُورَةِ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّ الْأُولَى نَادِرَةٌ وَالثَّانِيَةَ كَثِيرَةٌ (بِخِلَافِ الْجَمَلِ الصَّائِلِ؛ لِأَنَّهُ لَا إذْنَ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ وَهُوَ الْعَبْدُ) وَنُوقِضَ بِالْعَبْدِ صَالَ بِالسَّيْفِ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ الْمَصُولُ عَلَيْهِ لَا يَضْمَنُ وَالْإِذْنُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ مَالِكِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعَبْدَ مَضْمُونٌ فِي الْأَصْلِ بِأَنَّهُ آدَمِيٌّ حَقًّا لِلْعَبْدِ لَا حَقًّا لِلْمَوْلَى لِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا كَمَوْلَاهُ وَغَيْرِهِ، فَإِذَا جَاءَ الْمُبِيحُ مِنْ قِبَلِهِ وَهُوَ الْمُحَارَبَةُ أَسْقَطَ حَقَّهُ كَمَا إذَا ارْتَدَّ، وَسُقُوطُ مَالِيَّتِهِ الَّتِي هِيَ مِلْكُ الْمَوْلَى إنَّمَا كَانَ فِي ضِمْنِ سُقُوطِ الْأَصْلِ وَهُوَ نَفْسُهُ فَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ كَمَا إذَا ارْتَدَّ. وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ اُضْطُرَّ الْمُحْرِمُ) ظَهَرَ مَعْنَاهُ لَمَّا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا، وَقَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ بِالْبَطِّ) يَعْنِي الْمَذْكُورَ فِي الْقُدُورِيِّ الْبَطُّ (الَّذِي يَكُونُ فِي الْمَسَاكِنِ) وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ طَيَرَانُهُ كَالدَّجَاجِ فِي الْبُطْءِ، وَيَجُوزُ ذَبْحُهُ لِلْمُحْرِمِ. وَالْمُسَرْوَلِ بِالْفَتْحِ حَمَامٌ فِي رِجْلَيْهِ

وَنَحْنُ نَقُولُ: الْحَمَامُ مُتَوَحِّشٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ مُمْتَنِعٌ بِطَيَرَانِهِ، وَإِنْ كَانَ بَطِيءَ النُّهُوضِ، وَالِاسْتِئْنَاسُ عَارِضٌ فَلَمْ يُعْتَبَرْ (وَكَذَا إذَا قَتَلَ ظَبْيًا مُسْتَأْنَسًا) ؛ لِأَنَّهُ صَيْدٌ فِي الْأَصْلِ فَلَا يُبْطِلُهُ الِاسْتِئْنَاسُ كَالْبَعِيرِ إذَا نَدَّ لَا يَأْخُذُ حُكْمَ الصَّيْدِ فِي الْحُرْمَةِ عَلَى الْمُحْرِمِ. (وَإِذَا ذَبَحَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا فَذَبِيحَتُهُ مَيْتَةٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَحِلُّ مَا ذَبَحَهُ الْمُحْرِمُ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ فَانْتَقَلَ فِعْلُهُ إلَيْهِ. وَلَنَا أَنَّ الذَّكَاةَ فِعْلٌ مَشْرُوعٌ وَهَذَا فِعْلٌ حَرَامٌ فَلَا يَكُونُ ذَكَاةً كَذَبِيحَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQرِيشٌ كَأَنَّهُ سَرَاوِيلُ، مِنْ سَرْوَلَتِهِ إذَا أَلْبَسْته السَّرَاوِيلَ. وَقَوْلُهُ: (وَنَحْنُ نَقُولُ الْحَمَامُ مُتَوَحِّشٌ) تَقْرِيرُهُ الْحَمَامُ مُتَوَحِّشٌ (بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ مُمْتَنِعٌ بِطَيَرَانِهِ) ، وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ صَيْدٌ، (وَالِاسْتِئْنَاسُ عَارِضٌ) جَوَابٌ لِمَالِكٍ وَمَعْنَاهُ الِاعْتِبَارُ لِلْمَعَانِي الْأَصْلِيَّةِ دُونَ الْعَوَارِضِ. وَعُورِضَ بِأَنَّ الْحَمَامَ لَا يَحِلُّ بِذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ، حَتَّى لَوْ رَمَى سَهْمًا إلَى بُرْجِ الْحَمَامِ فَأَصَابَ حَمَامًا مُسَرْوَلًا وَمَاتَ قَبْلَ أَنْ تُدْرَكَ ذَكَاتُهُ لَمْ يَحِلَّ، وَلَوْ كَانَ صَيْدُ الْحِلِّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَدَارَ صِحَّةِ ذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ هُوَ الْعَجْزُ دُونَ الصَّيْدِيَّةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَعِيرَ إذَا نَدَّ حَلَّ بِذَبْحِ الِاضْطِرَارِ وَلَيْسَ بِصَيْدٍ لِوُجُودِ الْعَجْزِ عَنْ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ، وَالْعَجْزُ فِي الْحَمَامِ غَيْرُ مَوْجُودٍ؛ لِأَنَّهُ يَأْوِي فِي اللَّيْلِ إلَى بُرْجِهِ. وَقَوْلُهُ: (وَكَذَا إذَا قَتَلَ ظَبْيًا) ظَاهِرٌ. قَالَ: (وَإِذَا ذَبَحَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا فَذَبِيحَتُهُ مَيْتَةٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: (إذَا ذَبَحَهُ الْمُحْرِمُ لِغَيْرِهِ حَلَّ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ) حَيْثُ ذَبَحَهُ لَهُ وَكُلُّ مَنْ فَعَلَ لِشَخْصٍ انْتَقَلَ إلَيْهِ ذَلِكَ الْفِعْلُ كَمَا فِي عَامَّةِ النِّيَابَاتِ فَصَارَ كَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي ذَبَحَهُ، وَلَوْ ذَبَحَهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ لِنَفْسِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَهُ، فَكَذَا إذَا ذَبَحَهُ لَهُ الْمُحْرِمُ. فَإِنْ قُلْت: عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ وَتَعْلِيلُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَذْبُوحَ يَحِلُّ لَهُ وَلِغَيْرِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا كَانَ قَوْلُهُ لِغَيْرِهِ مُتَعَلِّقًا بِذَبْحِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ عَامِلًا لَهُ، وَإِذَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِهِ بَقِيَ يَحِلُّ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَذَبِيحَةُ الْمُحْرِمِ سَوَاءٌ كَانَتْ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ حَرَامٌ عَلَيْهِ عِنْدَهُ أَيْضًا قَوْلًا وَاحِدًا. قُلْت: أَرَى أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ لِغَيْرِهِ يَخْدُمُ الْفِعْلَيْنِ جَمِيعًا، وَتَقْدِيرُهُ يَحِلُّ لِغَيْرِهِ مَا ذَبَحَهُ الْمُحْرِمُ لِغَيْرِهِ. وَتَخْرُجُ نَفْسُهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ فِي الرِّوَايَاتِ مُقَيَّدٌ بِالِاتِّفَاقِ. فَإِنْ قُلْت: تَعْلِيلُهُ هَذَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي لَمْ تَتِمَّ الدَّعْوَى، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَزِمَ أَنْ يَحِلَّ لَهُ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ قَدْ انْتَقَلَ إلَيْهِ، وَلَوْ ذَبَحَ حَلَالٌ صَيْدًا حَلَّ أَكْلُهُ لِلْمُحْرِمِ إنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ أَوْ يُشِرْ إلَيْهِ. قُلْت: التَّعْلِيلُ صَحِيحٌ، وَلَكِنْ لَا يَحِلُّ لَهُ؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ إذَا كَانَتْ مُحَرَّمَةً فَالْمُبَاشَرَةُ لَا تَتَقَاعَدُ عَنْ الدَّلَالَةِ، وَإِنْ انْتَقَلَ الْفِعْلُ إلَى غَيْرِهِ حُكْمًا (وَلَنَا أَنَّ الذَّكَاةَ فِعْلٌ مَشْرُوعٌ) بِالِاتِّفَاقِ، وَذَبْحُ الْمُحْرِمِ لَيْسَ بِفِعْلٍ مَشْرُوعٍ بِالنَّصِّ قَوْله تَعَالَى

الْمَجُوسِيِّ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَشْرُوعَ هُوَ الَّذِي قَامَ مَقَامَ الْمَيْزِ بَيْنَ الدَّمِ وَاللَّحْمِ تَيْسِيرًا فَيَنْعَدِمُ بِانْعِدَامِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ} [المائدة: 95] سَمَّاهُ قَتْلًا دُونَ الذَّبْحِ أَوْ الذَّكَاةِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْحِلَّ وَنَهَاهُمْ عَنْهُ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ لِعَيْنِهِ لِكَوْنِهِ بِمَعْنَى النَّفْيِ. وَنُوقِضَ بِذَبْحِ شَاةٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ لَا مَحَالَةَ، فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يَقَعَ ذَكَاةً وَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَشَارَ إلَى الْجَوَابِ عَنْ هَذَا بِقَوْلِهِ: (وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوعَ) أَيْ: مِنْ الذَّبْحِ (هُوَ الَّذِي قَامَ مَقَامَ الْمَيْزِ بَيْنَ الدَّمِ وَاللَّحْمِ تَيْسِيرًا) وَبَيَانُهُ أَنَّ الدَّمَ مُنَجِّسٌ لِلْحَيَوَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَمْيِيزِهِ عَنْ اللَّحْمِ لِيَصْلُحَ لِلْأَكْلِ وَذَلِكَ أَمْرٌ مُتَعَسِّرٌ خَفِيٌّ، وَلَهُ سَبَبٌ ظَاهِرٌ وَهُوَ قَطْعُ عُرُوقِ الذَّبْحِ فَأُقِيمَ الذَّبْحُ مَقَامَ الْمَيْزِ بَيْنَ الدَّمِ وَاللَّحْمِ تَيْسِيرًا، وَالذَّبْحُ الَّذِي قَامَ مَقَامَهُ مَعْدُومٌ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْمُقِيمَ لِذَلِكَ هُوَ الشَّرْعُ، وَلَمْ يَقُمْ هَاهُنَا حَيْثُ أَخْرَجَ الصَّيْدَ عَنْ الْمَحَلِّيَّةِ بِالنَّسْخِ يَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] كَمَا قَالَ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] فَأَخْرَجَهُنَّ عَنْ مَحَلِّيَّةِ النِّكَاحِ، بِخِلَافِ ذَبْحِ شَاةِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُخْرِجْهَا

(فَإِنْ أَكَلَ الْمُحْرِمُ الذَّابِحُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعَلَيْهِ قِيمَةُ مَا أَكَلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (وَقَالَا: لَيْسَ عَلَيْهِ جَزَاءُ مَا أَكَلَ، وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ مُحْرِمٌ آخَرُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) لَهُمَا أَنَّ هَذِهِ مَيْتَةٌ فَلَا يَلْزَمُهُ بِأَكْلِهَا إلَّا الِاسْتِغْفَارُ وَصَارَ كَمَا إذَا أَكَلَهُ مُحْرِمٌ غَيْرُهُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ حُرْمَتَهُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مَيْتَةً كَمَا ذَكَرْنَا، وَبِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَحْظُورُ إحْرَامِهِ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الصَّيْدَ عَنْ الْمَحَلِّيَّةِ وَالذَّابِحَ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ فِي حَقِّ الذَّكَاةِ فَصَارَتْ حُرْمَةُ التَّنَاوُلِ بِهَذِهِ الْوَسَائِطِ مُضَافَةً إلَى إحْرَامِهِ بِخِلَافِ مُحْرِمٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ تَنَاوُلَهُ لَيْسَ مِنْ مَحْظُورَاتِ إحْرَامِهِ. (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَأْكُلَ الْمُحْرِمُ لَحْمَ صَيْدٍ اصْطَادَهُ حَلَالٌ وَذَبَحَهُ إذَا لَمْ يَدُلَّ الْمُحْرِمُ عَلَيْهِ، وَلَا أَمَرَهُ بِصَيْدِهِ) خِلَافًا لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا إذَا اصْطَادَهُ؛ لِأَجْلِ الْمُحْرِمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ الْمَحَلِّيَّةِ فَكَانَ مَنْهِيًّا، وَالنَّهْيُ يَدُلُّ عَلَى الْمَشْرُوعِيَّةِ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ. وَقَوْلُهُ: (فَإِنْ أَكَلَ الْمُحْرِمُ الذَّابِحُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) قَالَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ: (إذَا أَكَلَ بَعْدَمَا أَدَّى الْجَزَاءَ، وَأَمَّا إذَا أَكَلَ قَبْلَ ذَلِكَ فَقَدْ دَخَلَ قِيمَةُ مَا أَكَلَ فِي الْجَزَاءِ) وَقَوْلُهُ: (وَقَالَا) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (فَصَارَتْ حُرْمَةُ التَّنَاوُلِ بِهَذِهِ الْوَسَائِطِ) يُرِيدُ أَنَّ حُرْمَةَ التَّنَاوُلِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مَيْتَةً، وَكَوْنُهُ مَيْتَةً بِاعْتِبَارِ خُرُوجِ الصَّيْدِ عَنْ الْمَحَلِّيَّةِ، وَخُرُوجُ الذَّابِحِ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ وَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْإِحْرَامِ فَكَانَتْ الْحُرْمَةُ (مُضَافَةً إلَى الْإِحْرَامِ) بِهَذِهِ الْوَسَائِطِ فَكَانَ مُتَنَاوِلًا مَحْظُورَ إحْرَامِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ. وَظَهَرَ مِنْ هَذَا الْجَوَابِ عَمَّا إذَا ذَبَحَ الْحَلَالُ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ فَأَدَّى جَزَاءَهُ ثُمَّ أَكَلَ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ آخَرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْ مَحْظُورَ إحْرَامِهِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ جَزَاءُ الْمَحَلِّ وَهُوَ لَا يَتَكَرَّرُ، فَإِنْ اسْتَشْكَلَ بِالْمُحْرِمِ كَسَرَ بَيْضَ صَيْدٍ فَأَدَّى جَزَاءَهُ ثُمَّ شَوَاهُ فَأَكَلَهُ فَإِنَّهُ تَنَاوَلَ مَحْظُورَ إحْرَامِهِ وَلَمْ يَلْزَمْ شَيْءٌ آخَرُ. أُجِيبَ بِأَنَّ وُجُوبَ الْجَزَاءِ فِي الْبَيْضِ لَيْسَ لِذَاتِهِ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ أَصْلُ الصَّيْدِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَبَعْدَ الْكَسْرِ لَمْ يَبْقَ هَذَا الْمَعْنَى. وَقَوْلُهُ: (فِيمَا إذَا اصْطَادَهُ لِأَجْلِ الْمُحْرِمِ)

لَهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْمُحْرِمِ لَحْمَ صَيْدٍ مَا لَمْ يَصِدْهُ أَوْ يُصَدْ لَهُ» وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - تَذَاكَرُوا لَحْمَ الصَّيْدِ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا بَأْسَ بِهِ» وَاللَّامُ فِيمَا رُوِيَ لَامُ تَمْلِيكٍ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنْ يُهْدَى إلَيْهِ الصَّيْدُ دُونَ اللَّحْمِ، أَوْ مَعْنَاهُ أَنْ يُصَادَ بِأَمْرِهِ. ثُمَّ شُرِطَ عَدَمُ الدَّلَالَةِ، وَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ الدَّلَالَةَ مُحَرَّمَةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي أَنْ يَنْوِيَ أَنْ يَكُونَ الِاصْطِيَادُ لَهُ سَوَاءً أَمَرَهُ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ. وَقَوْلُهُ: (تَذَاكَرُوا لَحْمَ الصَّيْدِ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ) يُرِيدُ بِهِ مَا رُوِيَ «عَنْ طَلْحَةَ أَنَّهُ قَالَ تَذَاكَرْنَا لَحْمَ الصَّيْدِ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَائِمٌ فِي حُجْرَتِهِ، فَقَالَ: فِيمَ أَنْتُمْ؟ فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: لَا بَأْسَ بِهِ» . وَقَوْلُهُ: (وَاللَّامُ فِيمَا رُوِيَ) يَعْنِي مَالِكًا مِنْ قَوْلِهِ: أَوْ يُصَادُ لَهُ (لَامُ تَمْلِيكٍ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنْ يُهْدَى إلَيْهِ الصَّيْدُ دُونَ اللَّحْمِ) ، وَهَذَا لِأَنَّ تَمْلِيكَ الصَّيْدِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا إذَا أُهْدِيَ الصَّيْدُ إلَى الْمُحْرِمِ لَا فِيمَا إذَا أُهْدِيَ إلَيْهِ اللَّحْمُ؛ لِأَنَّ اللَّحْمَ لَا يُسَمَّى صَيْدًا حَقِيقَةً فَيَكُونُ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ حُرْمَةَ تَنَاوُلِ الصَّيْدِ عَلَى الْمُحْرِمِ، وَبِهِ نَقُولُ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ «أَنَّ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيَّ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِمَارًا وَحْشِيًّا وَهُوَ بِالْأَبْوَاءِ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ قَالَ: إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْك إلَّا أَنَّا حُرُمٌ» (أَوْ يَكُونُ مَعْنَى أَوْ يُصَادُ لَهُ يُصَادُ بِأَمْرِهِ) وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رُوِيَ بِالرَّفْعِ أَوْ يُصَادُ، وَحِينَئِذٍ لَا تَمَسُّكَ لَهُ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْحِلَّ إذَا صَادَ غَيْرَهُ لِأَجْلِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَعْطُوفًا عَلَى الْمُغَيَّا لَا عَلَى الْغَايَةِ، وَرِوَايَةُ كُتُبِ الْحَدِيثِ مِثْلُ سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ بِالْأَلِفِ هَكَذَا، وَإِنَّمَا يَصِحُّ لَهُ التَّمَسُّكُ بِهِ عَلَى مَا رُوِيَ أَوْ يُصَدْ لَهُ لِيَصِيرَ مَعْطُوفًا عَلَى

قَالُوا: فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَوَجْهُ الْحُرْمَةِ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. (وَفِي صَيْدِ الْحَرَمِ إذَا ذَبَحَهُ الْحَلَالُ قِيمَتُهُ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ) ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ اسْتَحَقَّ الْأَمْنَ بِسَبَبِ الْحَرَمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْغَايَةِ وَهِيَ ضَعِيفَةٌ. وَقَوْلُهُ: (قَالُوا) أَيْ الْمَشَايِخُ (فِيهِ) أَيْ: فِي شَرْطِ عَدَمِ الدَّلَالَةِ لِإِبَاحَةِ الْأَكْلِ (رِوَايَتَانِ) فِي رِوَايَةٍ يَحْرُمُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّحَاوِيِّ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَحْرُمُ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيِّ. قَالَ: (وَفِي صَيْدِ الْحَرَمِ إذَا ذَبَحَهُ الْحَلَالُ) إذَا قَتَلَ الْحَلَالُ صَيْدَ الْحَرَمِ وَجَبَ عَلَيْهِ (قِيمَتُهُ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ) لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ وَاضِحٌ. فَإِنْ قِيلَ: الصَّيْدُ كَمَا اسْتَحَقَّ الْأَمْنَ بِسَبَبِ الْحَرَمِ فَكَذَلِكَ اسْتَحَقَّهُ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ، فَإِذَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدَ الْحَرَمِ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. قُلْت: وُجُوبُ الْكَفَّارَتَيْنِ وَجْهُ الْقِيَاسِ، صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْإِيضَاحِ. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ حُرْمَةَ الْإِحْرَامِ أَقْوَى؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّيْدُ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ جَمِيعًا فَاسْتَتْبَعَ الْأَقْوَى الْأَضْعَفَ.

قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثٍ فِيهِ طُولٌ «وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا» (وَلَا يُجْزِيهِ الصَّوْمُ) ؛ لِأَنَّهَا غَرَامَةٌ وَلَيْسَتْ بِكَفَّارَةٍ، فَأَشْبَهَ ضَمَانَ الْأَمْوَالِ؛ وَهَذَا لِأَنَّهُ يَجِبُ بِتَفْوِيتِ وَصْفٍ فِي الْمَحَلِّ وَهُوَ الْأَمْنُ وَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِطَرِيقِ الْكَفَّارَةِ جَزَاءٌ عَلَى فِعْلِهِ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى فِيهِ وَهُوَ إحْرَامُهُ، وَالصَّوْمُ يُصْلِحُ جَزَاءَ الْأَفْعَالِ لَا ضَمَانَ الْمَحَالِّ. وَقَالَ زُفَرٌ: يُجْزِيهِ الصَّوْمُ اعْتِبَارًا بِمَا وَجَبَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: (وَلَا يُجْزِيهِ الصَّوْمُ) فَرَّقَ بَيْنَ قَتْلِ الْمُحْرِمِ الصَّيْدَ وَقَتْلِ الْحَلَالِ صَيْدَ الْحَرَمِ، فِي جَوَازِ الصَّوْمِ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُحْرِمِ جَزَاءُ فِعْلِهِ، وَلِهَذَا تَعَدَّدَ إذَا قَتَلَ الْمُحْرِمَانِ الصَّيْدَ وَاحِدًا، وَعَلَى الْحَلَالِ بَدَلُ مَا فَاتَ عَنْ الْمَحَلِّ مِنْ وَصْفِ الْأَمْنِ، وَالصَّوْمُ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ جَزَاءَ الْفِعْلِ لَا بَدَلَ الْمَحَلِّ. فَإِنْ قُلْت: هَذَا يُنَاقِضُ مَا ذَكَرْت آنِفًا أَنَّهُ يُؤَدَّى فِي ضِمْنِ أَدَاءِ جَزَاءِ الْإِحْرَامِ إذَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدَ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْمَحَلِّ لَا يُؤَدَّى فِي ضِمْنِ أَدَاءِ جَزَاءِ الْإِحْرَامِ كَمَا إذَا قَتَلَ صَيْدًا مَمْلُوكًا. فَالْجَوَابُ أَنَّ مَا قُلْنَا مِنْ الِاسْتِتْبَاعِ إنَّمَا كَانَ فِيمَا تَكُونُ الْحُرْمَتَانِ لِوَاحِدٍ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَمَا ذَكَرْتُمْ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ فِيهِ بِإِزَاءِ الْفِعْلِ لِلَّهِ تَعَالَى وَمَا وَجَبَ بِإِزَاءِ الْمَحَلِّ وَجَبَ لِلْعَبْدِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَقْضِيَ بِمَا لِلَّهِ مَا لِلْعَبْدِ؛ لِأَنَّ افْتِقَارَ الْعَبْدِ مَانِعٌ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. وَعُورِضَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَدَلَ الْمَحَلِّ لَوَجَبَ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْكَافِرِ إذَا اسْتَهْلَكُوا صَيْدَ الْحَرَمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ ضَمَانَ الْمَحَلِّ لَكِنْ فِيهِ مَعْنَى الْجَزَاءِ حَتَّى إنَّ حَلَالًا إنْ أَصَابَ صَيْدَ الْحَرَمِ فَقَتَلَهُ فِي يَدِهِ حَلَالٌ آخَرُ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزَاءٌ كَامِلٌ لِمَا أَنَّ

عَلَى الْمُحْرِمِ، وَالْفَرْقُ قَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَهَلْ يَجْزِيهِ الْهَدْيُ؟ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتْلِفٌ مِنْ جِهَةِ أَحَدِهِمَا بِالْأَخْذِ الْمُفَوِّتِ لِلْأَمْنِ وَالثَّانِي بِالْإِتْلَافِ حَقِيقَةً، فَلَمْ يَلْزَمْ عَلَى مَنْ ذَكَرْتُمْ نَظَرًا إلَى الْجَزَاءِ، (وَهَلْ يُجْزِئُهُ الْهَدْيُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ) إحْدَاهُمَا أَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَتَأَدَّى بِإِرَاقَةِ الدَّمِ بَلْ بِالتَّصَدُّقِ بِاللَّحْمِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ اللَّحْمِ مِثْلَ قِيمَةِ الصَّيْدِ؛ وَإِنْ سَرَقَ الْمَذْبُوحَ عَادَ الْوَاجِبُ كَمَا كَانَ، وَالْأُخْرَى أَنَّهُ يَتَأَدَّى بِهَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ قَبْلَ الذَّبْحِ مِثْلَ قِيمَةِ الصَّيْدِ، فَإِنْ سَرَقَ الْمَذْبُوحَ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْهَدْيَ مَالٌ يُجْعَلُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَإِرَاقَةُ الدَّمِ طَرِيقٌ صَالِحٌ لِذَلِكَ شَرْعًا كَالتَّصَدُّقِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُضَحِّيَ يَجْعَلُ الْأُضْحِيَّةَ لِلَّهِ خَالِصَةً بِإِرَاقَةِ

(وَمَنْ دَخَلَ الْحَرَمَ بِصَيْدٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ فِيهِ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ يَقُولُ: حَقُّ الشَّرْعِ لَا يَظْهَرُ فِي مَمْلُوكِ الْعَبْدِ لِحَاجَةِ الْعَبْدِ. وَلَنَا أَنَّهُ لَمَّا حَصَلَ فِي الْحَرَمِ وَجَبَ تَرْكُ التَّعَرُّضِ لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ إذْ صَارَ هُوَ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ فَاسْتَحَقَّ الْأَمْنَ لِمَا رَوَيْنَا (فَإِنْ بَاعَهُ رَدَّ الْبَيْعَ فِيهِ إنْ كَانَ قَائِمًا) ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَجُزْ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعَرُّضِ لِلصَّيْدِ وَذَلِكَ حَرَامٌ (وَإِنْ كَانَ فَائِتًا فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ) ؛ لِأَنَّهُ تَعَرُّضٌ لِلصَّيْدِ بِتَفْوِيتِ الْأَمْنِ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ (وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْمُحْرِمِ الصَّيْدَ مِنْ مُحْرِمٍ أَوْ حَلَالٍ) لِمَا قُلْنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQدَمِهَا فَكَذَلِكَ بِالْهَدْيِ. وَقَوْلُهُ: (وَمَنْ دَخَلَ الْحَرَمَ بِصَيْدٍ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَهُوَ حَلَالٌ حَتَّى يَظْهَرَ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّ فِي الْمُحْرِمِ لَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُ الْإِرْسَالِ عَلَى دُخُولِ الْحَرَمِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِرْسَالُ بِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ بِالِاتِّفَاقِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الصَّيْدُ الَّذِي فِي يَدِهِ مَمْلُوكُهُ، وَحَقُّ الشَّرْعِ لَا يَظْهَرُ فِي مَمْلُوكِ الْعَبْدِ لِحَاجَتِهِ، (وَلَنَا أَنَّهُ لَمَّا حَصَلَ فِي الْحَرَمِ وَجَبَ تَرْكُ التَّعَرُّضِ لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ) ، وَبَيَّنَ الْمُلَازَمَةَ بِقَوْلِهِ: (إذْ صَارَ) يَعْنِي الصَّيْدَ (مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ) بِالدُّخُولِ فِيهِ، وَصَيْدُ الْحَرَمِ مُسْتَحِقُّ الْأَمْنِ (لِمَا رَوَيْنَا) مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ «وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا» ، وَقَوْلُهُ: (فَإِنْ بَاعَهُ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (لِمَا قُلْنَا) إشَارَةً إلَى قَوْلِهِ: لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَجُزْ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعَرُّضِ لِلصَّيْدِ.

(وَمَنْ أَحْرَمَ وَفِي بَيْتِهِ أَوْ فِي قَفَصٍ مَعَهُ صَيْدٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَرِّضٌ لِلصَّيْدِ بِإِمْسَاكِهِ فِي مِلْكِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ. وَلَنَا أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا يُحْرِمُونَ وَفِي بُيُوتِهِمْ صُيُودٌ وَدَوَاجِنُ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ إرْسَالُهَا، وَبِذَلِكَ جَرَتْ الْعَادَةُ الْفَاشِيَّةُ وَهِيَ مِنْ إحْدَى الْحُجَجِ؛ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ تَرْكُ التَّعَرُّضِ وَهُوَ لَيْسَ بِمُتَعَرِّضٍ مِنْ جِهَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحْفُوظٌ بِالْبَيْتِ وَالْقَفَصِ لَا بِهِ غَيْرَ أَنَّهُ فِي مِلْكِهِ، وَلَوْ أَرْسَلَهُ فِي مَفَازَةٍ فَهُوَ عَلَى مِلْكِهِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِبَقَاءِ الْمِلْكِ. وَقِيلَ: إذَا كَانَ الْقَفَصُ فِي يَدِهِ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضِيعُ. قَالَ (فَإِنْ أَصَابَ حَلَالٌ صَيْدًا ثُمَّ أَحْرَمَ فَأَرْسَلَهُ مِنْ يَدِهِ غَيْرُهُ يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَالَا: لَا يَضْمَنُ) ؛ لِأَنَّ الْمُرْسِلَ آمِرٌ بِالْمَعْرُوفِ نَاهٍ عَنْ الْمُنْكَرِ وَ {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] وَلَهُ أَنَّهُ مَلَكَ الصَّيْدَ بِالْأَخْذِ مِلْكًا مُحْتَرَمًا فَلَا يَبْطُلُ احْتِرَامُهُ بِإِحْرَامِهِ وَقَدْ أَتْلَفَهُ الْمُرْسِلُ فَيَضْمَنُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَذَهُ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: (وَمَنْ أَحْرَمَ وَفِي بَيْتِهِ أَوْ فِي قَفَصٍ مَعَهُ صَيْدٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ بِالِاتِّفَاقِ وَلِهَذَا قَاسَ الشَّافِعِيُّ صُورَةَ النِّزَاعِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (كَمَا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ) ، وَقَوْلُهُ: (وَلَنَا أَنَّ الصَّحَابَةَ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (وَبِذَلِكَ جَرَتْ الْعَادَةُ الْفَاشِيَةُ) فَإِنَّ النَّاسَ يُحْرِمُونَ وَلَهُمْ بُيُوتُ الْحَمَامِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ إرْسَالُهَا. وَقَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ تَرْكُ التَّعَرُّضِ) دَلِيلٌ آخَرُ يَتَضَمَّنُ الْجَوَابَ عَنْ دَلِيلِ الشَّافِعِيِّ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْوَاجِبَ تَرْكُ التَّعَرُّضِ وَهُوَ حَاصِلٌ إذَا لَمْ يَكُنْ بِيَدِهِ؛ (لِأَنَّهُ مَحْفُوظٌ بِالْبَيْتِ وَالْقَفَصِ لَا بِهِ) وَالتَّعَرُّضُ بِالْإِمْسَاكِ فِي الْمِلْكِ لَيْسَ بِمُنَافٍ، لِأَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَهُ فِي الْمَفَازَةِ فَهُوَ عَلَى مِلْكِهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِبَقَاءِ الْمِلْكِ وَإِلَّا لَزِمَ الْجَزَاءُ أَرْسَلَ أَوْ لَمْ يُرْسِلْ، (وَقِيلَ إذَا كَانَ الْقَفَصُ فِي يَدِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَرِّضٌ لَهُ بِمَسْكِهِ، (لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضِيعُ) بِأَنْ يُخَلِّيَهُ فِي بَيْتِهِ؛ لِأَنَّ إضَاعَةَ الْمَالِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا. وَقَوْلُهُ: (فَإِنْ أَصَابَ حَلَالٌ صَيْدًا) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (مَلَكَ الصَّيْدَ بِالْأَخْذِ مِلْكًا مُحْتَرَمًا) احْتِرَازٌ عَمَّا أَخَذَهُ الْمُحْرِمُ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ الصَّيْدَ، وَالْمِلْكُ الْمُحْتَرَمُ لَا يَبْطُلُ بِالْإِحْرَامِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ مَلَكَهُ مِلْكًا مُحْتَرَمًا بِدَلِيلِ أَنَّ الْحَلَالَ إذَا أَخَذَ الصَّيْدَ ثُمَّ أَحْرَمَ فَأَرْسَلَهُ ثُمَّ حَلَّ فَوَجَدَهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ كَانَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَذَ الصَّيْدَ وَهُوَ مُحْرِمٌ ثُمَّ أَرْسَلَهُ ثُمَّ حَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ فَوَجَدَهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ مِلْكًا مُحْتَرَمًا وَقَدْ أَتْلَفَهُ الْمُرْسِلُ وَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ. فَإِنْ قِيلَ: سَلَّمْنَا أَنَّهُ مَلَكَهُ مِلْكًا مُحْتَرَمًا

وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُ التَّعَرُّضِ وَيُمْكِنُهُ ذَلِكَ بِأَنْ يُخَلِّيَهُ فِي بَيْتِهِ، فَإِذَا قَطَعَ يَدَهُ عَنْهُ كَانَ مُتَعَدِّيًا، وَنَظِيرُهُ الِاخْتِلَافُ فِي كَسْرِ الْمَعَازِفِ. (وَإِنْ أَصَابَ مُحْرِمٌ صَيْدًا فَأَرْسَلَهُ مِنْ يَدِهِ غَيْرُهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ بِالْأَخْذِ، فَإِنَّ الصَّيْدَ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلتَّمَلُّكِ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] فَصَارَ كَمَا إذَا اشْتَرَى الْخَمْرَ (فَإِنْ قَتَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ فِي يَدِهِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزَاؤُهُ) ؛ لِأَنَّ الْآخِذَ مُتَعَرِّضٌ لِلصَّيْدِ الْآمِنِ، وَالْقَاتِلُ مُقَرِّرٌ لِذَلِكَ، وَالتَّقْرِيرُ كَالِابْتِدَاءِ فِي حَقِّ التَّضْمِينِ كَشُهُودِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا رَجَعُوا (وَيَرْجِعُ الْآخِذُ عَلَى الْقَاتِلِ) وَقَالَ زُفَرٌ: لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الْآخِذَ مُؤَاخَذٌ بِصُنْعِهِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِهِ. وَلَنَا أَنَّ الْآخِذَ إنَّمَا يَصِيرُ سَبَبًا لِلضَّمَانِ عِنْدَ اتِّصَالِ الْهَلَاكِ بِهِ، فَهُوَ بِالْقَتْلِ جَعَلَ فِعْلَ الْآخِذِ عِلَّةً فَيَكُونُ فِي مَعْنَى مُبَاشَرَةِ عِلَّةِ الْعِلَّةِ فَيُحَالُ بِالضَّمَانِ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَكِنْ وَجَبَ إخْرَاجُهُ مِنْ الْمِلْكِ تَرْكًا لِلتَّعَرُّضِ الْوَاجِبِ التَّرْكِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ: (وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُ التَّعَرُّضِ) لَا الْإِخْرَاجُ عَنْ مِلْكِهِ، (وَيُمْكِنُهُ ذَلِكَ بِأَنْ يُخَلِّيَهُ فِي بَيْتِهِ، فَإِذَا قَطَعَ عَنْهُ يَدَهُ) بِالْإِرْسَالِ (كَانَ مُتَعَدِّيًا) فَيَضْمَنُ، (وَنَظِيرُ هَذَا الِاخْتِلَافِ الِاخْتِلَافُ فِي كَسْرِ الْمَعَازِفِ) ، فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ فِيهِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ آمِرٌ بِالْمَعْرُوفِ نَاهٍ عَنْ الْمُنْكَرِ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ الضَّمَانُ لِغَيْرِ لَهْوٍ. وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ أَصَابَ مُحْرِمٌ صَيْدًا) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (فَإِنْ قَتَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ فِي يَدِهِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزَاؤُهُ؛ لِأَنَّ الْآخِذَ مُتَعَرِّضٌ لِلصَّيْدِ الْآمِنِ) ، وَالتَّعَرُّضُ لَهُ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ الْمُوجِبَةِ لِلْجَزَاءِ، (وَالْقَاتِلُ مُقَرِّرٌ لِذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهُ كَانَ بَعْدَ الْأَخْذِ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْإِرْسَالِ وَقَدْ فَاتَ ذَلِكَ بِهِ وَتَقَرَّرَ التَّعَرُّضُ، (وَالتَّقْرِيرُ كَالِابْتِدَاءِ فِي حَقِّ التَّضْمِينِ كَشُهُودِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا رَجَعُوا) ، فَإِنَّهُمْ يَضْمَنُونَ بِمَا أَقَرُّوا بِشَهَادَتِهِمْ مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ بِتَمْكِينِ ابْنِ الزَّوْجِ عَلَى مَا عُرِفَ، (ثُمَّ يَرْجِعُ الْآخِذُ عَلَى الْقَاتِلِ) بِمَا ضَمِنَ مِنْ الْجَزَاءِ، (وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَرْجِعُ) لِأَنَّ الْآخِذَ إنَّمَا أَخَذَ بِصُنْعِهِ، وَمَنْ أَخَذَ بِصُنْعِهِ لَا يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِهِ فِيمَا لَا يَقْبَلُ الْمِلْكَ لِئَلَّا يَسْتَلْزِمَ تَنْزِيلَ الرَّاجِعِ مَنْزِلَةَ الْمَالِكِ بِوَاسِطَةِ الضَّمَانِ فِيمَا هُوَ غَيْرُ قَابِلٍ لِلْمِلْكِ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ، كَمُسْلِمٍ غَصَبَ خِنْزِيرَ ذِمِّيٍّ، فَأَتْلَفَهُ فِي يَدِهِ آخَرُ فَضَمَّنَ الذِّمِّيُّ الْغَاصِبَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُتْلِفِ بِشَيْءٍ، (وَلَنَا أَنَّ الْأَخْذَ إنَّمَا يَصِيرُ سَبَبًا لِلضَّمَانِ عِنْدَ اتِّصَالِ الْهَلَاكِ بِهِ، فَهُوَ) أَيْ: الْقَاتِلُ (بِالْقَتْلِ جَعَلَ فِعْلَ الْآخِذِ عِلَّةً، فَيَكُونُ) قَتْلُهُ (فِي مَعْنَى مُبَاشَرَةِ عِلَّةِ الْعِلَّةِ فَيُضَافُ الضَّمَانُ إلَيْهِ) كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ

(فَإِنْ قَطَعَ حَشِيشَ الْحَرَمِ أَوْ شَجَرَةً لَيْسَتْ بِمَمْلُوكَةٍ، وَهُوَ مِمَّا لَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ إلَّا فِيمَا جَفَّ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُمَا ثَبَتَتْ بِسَبَبِ الْحَرَمِ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا أُتْلِفَ الْمَغْصُوبُ وَضَمِنَهُ الْغَاصِبُ، فَإِنَّ حَاصِلَ الضَّمَانِ يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الرُّجُوعَ يَسْتَلْزِمُ تَضْمِينَ مَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ وَمَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ وَإِلْزَامُ أَكْثَرَ مِمَّا لَزِمَهُ. فَإِنَّ مَا لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ يُفْتَى بِهَا وَيُجْزِئُهُ الصَّوْمُ فِيهِ. وَبِالرُّجُوعِ يُطَالِبُهُ بِضَمَانٍ مَحْكُومٍ بِهِ وَيُحْبَسُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَكْثَرُ مِمَّا لَزِمَهُ فَلَا يَجُوزُ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الضَّمَانَ لَمْ يَسْتَلْزِمْ الْمِلْكَ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مُقَابَلَةِ إزَالَةِ يَدٍ مُحْتَرَمَةٍ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْآخِذَ كَانَ مُتَمَكِّنًا بِيَدِهِ مِنْ الْإِرْسَالِ وَإِسْقَاطِ الْجَزَاءِ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَقَدْ فَوَّتَهَا الْقَاتِلُ عَلَيْهِ فَيَضْمَنُهُ كَغَاصِبِ الْمُدَبَّرِ إذَا أَتْلَفَهُ إنْسَانٌ فِي يَدِهِ فَأَدَّى الْغَاصِبُ قِيمَتَهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْقَاتِلِ بِقِيمَتِهِ كَمَا لَوْ مَلَكَهُ وَإِنْ كَانَ الْمُدَبَّرُ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّفَاوُتِ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، كَالْأَبِ إذَا غَصَبَ مُدَبَّرَ ابْنِهِ فَغَصَبَهُ مِنْهُ آخَرُ، ثُمَّ الِابْنُ ضَمِنَ الْأَبُ رَجَعَ الْأَبُ عَلَى الْغَاصِبِ وَيَحْبِسُهُ وَإِنْ كَانَ هُوَ لَا يَحْبِسُ فِيمَا لَزِمَهُ لِابْنِهِ. وَالْجَوَابُ عَمَّا اسْتَشْهَدَ بِهِ زُفَرُ أَنَّ غَاصِبَ الْخِنْزِيرِ لَمْ تَثْبُتْ لَهُ يَدٌ مُحْتَرَمَةٌ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُ عَنْ مَحَلِّيَّةِ التَّمَلُّكِ لِإِهَانَتِهِ، بِخِلَافِ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِيهِ لِزِيَادَةِ احْتِرَامٍ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ بِإِحْرَامِهِ كَحُرْمَةِ الْآدَمِيِّ فَتَثْبُتُ لَهُ يَدٌ مُحْتَرَمَةٌ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ مِلْكٌ. قَالَ: (فَإِنْ قَطَعَ حَشِيشَ الْحَرَمِ)

«لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا» وَلَا يَكُونُ لِلصَّوْمِ فِي هَذِهِ الْقِيمَةِ مَدْخَلٌ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ تَنَاوُلِهَا بِسَبَبِ الْحَرَمِ لَا بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ فَكَانَ مِنْ ضَمَانِ الْمَحَالِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَيَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَإِذَا أَدَّاهَا مَلَكَهُ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ. وَيُكْرَهُ بَيْعُهُ بَعْدَ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ شَرْعًا، فَلَوْ أُطْلِقَ لَهُ فِي بَيْعِهِ لَتَطَرَّقَ النَّاسُ إلَى مِثْلِهِ، إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ الْبَيْعُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، بِخِلَافِ الصَّيْدِ، وَالْفَرْقُ مَا نَذْكُرُهُ. وَاَلَّذِي يُنْبِتُهُ النَّاسُ عَادَةً عَرَفْنَاهُ غَيْرَ مُسْتَحَقٍّ لِلْأَمْنِ بِالْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّ الْمُحْرِمَ الْمَنْسُوبَ إلَى الْحَرَمِ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهِ عَلَى الْكَمَالِ عِنْدَ عَدَمِ النِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ بِالْإِنْبَاتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQاعْلَمْ أَنَّ حَشِيشَ الْحَرَمِ وَشَجَرَهُ عَلَى نَوْعَيْنِ: شَجَرٌ أَنْبَتَهُ الْإِنْسَانُ. وَشَجَرٌ يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى نَوْعَيْنِ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ أَوْ لَا يَكُونُ. وَالْأَوَّلُ بِنَوْعَيْهِ لَا يُوجِبُ الْجَزَاءَ، وَالْأَوَّلُ مِنْ الثَّانِي كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْجَزَاءُ فِي الثَّانِي مِنْهُ وَهُوَ مَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ، وَيَسْتَوِي فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِإِنْسَانٍ بِأَنْ يَنْبُتَ فِي مِلْكِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، حَتَّى قَالُوا فِي رَجُلٍ نَبَتَتْ فِي مِلْكِهِ أُمُّ غَيْلَانَ فَقَطَعَهَا إنْسَانٌ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا لِمَالِكِهَا وَعَلَيْهِ قِيمَةٌ أُخْرَى لِحَقِّ الشَّرْعِ، فَقَوْلُهُ فَإِنْ قَطَعَ حَشِيشَ الْحَرَمِ إلَى أَنْ قَالَ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ إشَارَةً إلَى هَذَا النَّوْعِ الْأَخِيرِ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إلَى الْحَرَمِ وَقَالَ وَهُوَ مِمَّا لَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ. وَقَوْلُهُ (لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا) أَيْ لَا يُحْصَدُ رُطَبُ مَرْعَاهَا وَلَا يُقْطَعُ شَوْكُهَا. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ حُرْمَةَ تَنَاوُلِهَا بِسَبَبِ الْحَرَمِ لَا بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ) ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ لَيْسَ بِمَمْنُوعٍ مِنْ الِاحْتِشَاشِ وَالِاحْتِطَابِ خَارِجَ الْحَرَمِ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا بَيَّنَّا) إشَارَةً إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهَا غَرَامَةٌ وَلَيْسَتْ بِكَفَّارَةٍ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الصَّيْدِ) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ صَيْدٍ اصْطَادَهُ مُحْرِمٌ أَوْ بَيْعُ صَيْدِ الْحَرَمِ أَصْلًا (وَالْفَرْقُ مَا نَذْكُرُهُ) يُرِيدُ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ حَيًّا تَعَرُّضٌ لِلصَّيْدِ الْآمِنِ. وَقَوْلُهُ (وَاَلَّذِي يُنْبِتُهُ النَّاسُ عَادَةً) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ وَهُوَ مِمَّا لَا يُنْبِتُهُ

وَمَا لَا يَنْبُتُ عَادَةً إذَا أَنْبَتَهُ إنْسَانٌ الْتَحَقَ بِمَا يَنْبُتُ عَادَةً. وَلَوْ نَبَتَ بِنَفْسِهِ فِي مِلْكِ رَجُلٍ فَعَلَى قَاطِعِهِ قِيمَتَانِ: قِيمَةٌ لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ حَقًّا لِلشَّرْعِ، وَقِيمَةٌ أُخْرَى ضَمَانًا لِمَالِكِهِ كَالصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ فِي الْحَرَمِ، وَمَا جَفَّ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ لَا ضَمَانَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَامٍ. (وَلَا يُرْعَى حَشِيشُ الْحَرَمِ وَلَا يُقْطَعُ إلَّا الْإِذْخِرَ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا بَأْسَ بِالرَّعْيِ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً، فَإِنَّ مَنْعَ الدَّوَابِّ عَنْهُ مُتَعَذِّرٌ. وَلَنَا مَا رَوَيْنَا، وَالْقَطْعُ بِالْمَشَافِرِ كَالْقَطْعِ بِالْمَنَاجِلِ، وَحَمْلُ الْحَشِيشِ مِنْ الْحِلِّ مُمْكِنٌ فَلَا ضَرُورَةَ، بِخِلَافِ الْإِذْخِرِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَجُوزُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّاسُ. وَقَوْلُهُ (وَمَا لَا يَنْبُتُ عَادَةً إذَا أَنْبَتَهُ إنْسَانٌ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَاَلَّذِي يُنْبِتُهُ النَّاسُ عَادَةً: يَعْنِي مَا لَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ عَادَةً إذَا أَنْبَتَهُ إنْسَانٌ الْتَحَقَ بِمَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ فَكَانَ غَيْرَ مُسْتَحَقِّ الْأَمْنِ إلْحَاقًا بِمَحَلِّ الْإِجْمَاعِ بِجَامِعِ انْقِطَاعِ كَمَالِ النِّسْبَةِ إلَى الْحَرَمِ عِنْدَ النِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ بِالْإِنْبَاتِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ نَبَتَ بِنَفْسِهِ) يَعْنِي الَّذِي لَا يَنْبُتُ عَادَةً لَوْ نَبَتَ بِنَفْسِهِ (فِي مِلْكِ رَجُلٍ) قَدْ ظَهَرَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا. وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّبَاتَ يُمْلَكُ بِالْأَخْذِ فَكَيْفَ تَجِبُ الْقِيمَةُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَالثَّانِي أَنَّ الْحَرَمَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ قَوْلُهُ وَقِيمَةٌ أُخْرَى ضَمَانًا لِمَالِكِهِ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: الْمَاءِ وَالْكَلَإِ، وَالنَّارِ» مَحْمُولٌ عَلَى خَارِجِ الْحَرَمِ، وَأَمَّا حُكْمُ الْحَرَمِ فَبِخِلَافِهِ لِأَنَّهُ حَرَّمَ التَّعَرُّضَ بِالنَّصِّ كَصَيْدِهِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى تَمَلُّكَ أَرْضِ الْحَرَمِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَوْلُهُ (وَمَا جَفَّ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ) بَيَانُ الِاسْتِثْنَاءِ فِي مَطْلَعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (لَا بَأْسَ بِالرَّعْيِ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً) يَعْنِي أَنَّ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْحَرَمَ لِلْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ يَكُونُونَ عَلَى الدَّوَابِّ وَمَنْعُهَا عَنْهُ مُتَعَذِّرٌ فَتَحَقَّقَتْ الضَّرُورَةُ (وَلَنَا مَا رَوَيْنَا) يَعْنِي قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا» وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ الضَّرُورَةُ فِيمَا لَا يَكُونُ فِيهِ نَصٌّ بِخِلَافِهِ، فَإِنْ قِيلَ: النَّصُّ فِي الْقَطْعِ لَا فِي الرَّعْيِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَالْقَطْعُ بِالْمَشَافِرِ كَالْقَطْعِ بِالْمَنَاجِلِ) شَفْرَةُ كُلِّ شَيْءٍ حَرْفُهُ، وَمِشْفَرُ الْبَعِيرِ شَفَتُهُ، وَالْمَنَاجِلُ جَمْعُ مِنْجَلٍ وَهُوَ مَا يُحْصَدُ بِهِ الزَّرْعُ، وَقَوْلُهُ (وَحَمْلُ الْحَشِيشِ) يَعْنِي سَلَّمْنَا أَنَّ النَّصَّ فِي الْقَطْعِ لَا فِي الرَّعْيِ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ الضَّرُورَةَ؛ لِأَنَّ حَمْلَ الْحَشِيشِ (مِنْ الْحِلِّ مُمْكِنٌ فَلَا ضَرُورَةَ) فَإِنْ قِيلَ: مَا بَالُ الْإِذْخِرِ لَمْ يَحْرُمْ رَعْيُهُ وَلَا ضَرُورَةَ فِيهِ؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ (بِخِلَافِ الْإِذْخِرِ) ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَثْنَاهُ فَيَجُوزُ رَعْيُهُ. وَرُوِيَ «أَنَّ الْعَبَّاسَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

قَطْعُهُ وَرَعْيُهُ، وَبِخِلَافِ الْكَمْأَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جُمْلَةِ النَّبَاتِ. (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلَهُ الْقَارِنُ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ فِيهِ عَلَى الْمُفْرِدِ دَمًا فَعَلَيْهِ دَمَانِ دَمٌ لِحَجَّتِهِ وَدَمٌ لِعُمْرَتِهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: دَمٌ وَاحِدٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُحْرِمٌ بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ عِنْدَهُ، وَعِنْدَنَا بِإِحْرَامَيْنِ وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ. قَالَ (إلَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ بِالْعُمْرَةِ أَوْ الْحَجِّ فَيَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا قَالَ: إلَّا الْإِذْخِرَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّهُ لِقُبُورِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: إلَّا الْإِذْخِرَ» وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ مِنْ قَصْدِهِ أَنْ يُسْتَثْنَى إلَّا أَنَّ الْعَبَّاسَ سَبَقَهُ بِذَلِكَ. أَوْ كَانَ أَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ أَنْ يُرَخِّصَ فِيمَا يَسْتَثْنِيهِ الْعَبَّاسُ. فَإِنْ قِيلَ: عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ كَانَ قَوْلُهُ لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا عَامًّا مَخْصُوصًا بِمُقَارِنٍ فَلْيُخَصَّ الرَّعْيُ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ. قُلْت: الِاسْتِثْنَاءُ لَيْسَ بِتَخْصِيصٍ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَاهُ كَانَ الْإِذْخِرُ مَخْصُوصًا بِالضَّرُورَةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنْ لَا ضَرُورَةَ فِي الرَّعْيِ. وَقَوْلُهُ (وَبِخِلَافِ الْكَمْأَةِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِخِلَافِ الْإِذْخِرِ: يَعْنِي أَنَّهَا لَيْسَتْ بِدَاخِلَةٍ فِي الْمُحَرَّمَاتِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جُمْلَةِ نَبَاتِ الْأَرْضِ بَلْ هِيَ مُودَعَةٌ فِيهَا. قَالَ (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلَهُ الْقَارِنُ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ فِيهِ عَلَى الْمُفْرِدِ دَمًا فَعَلَيْهِ دَمَانِ) كُلُّ مَا عَلَى الْمُفْرِدِ فِيهِ دَمٌ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ الْجِنَايَاتِ فَعَلَى الْقَارِنِ فِيهِ دَمَانِ (دَمٌ لِحَجَّتِهِ وَدَمٌ لِعُمْرَتِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: دَمٌ وَاحِدٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَارِنَ عِنْدَهُ مُحْرِمٌ بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ وَعِنْدَنَا بِإِحْرَامَيْنِ وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ مِنْ قَبْلُ) فَإِنْ قِيلَ: إحْرَامُ الْحَجِّ أَقْوَى لِكَوْنِهِ فَرْضًا دُونَ الْعُمْرَةِ، وَإِذَا اجْتَمَعَ أَمْرَانِ فِي إيجَابِ حُكْمٍ وَاحِدٍ وَأَحَدُهُمَا أَقْوَى مِنْ الْآخَرِ فَإِنَّ الْحُكْمَ يُضَافُ إلَيْهِ وَيُجْعَلُ الْأَضْعَفُ كَالْمَعْدُومِ، كَمَا ذَكَرْتُمْ فِي الْمُحْرِمِ إذَا قَتَلَ صَيْدَ الْحَرَمِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا جَزَاءٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْإِحْرَامِ أَقْوَى. فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ الْأَصْلَ صَحِيحٌ وَلَكِنْ لَيْسَ إحْرَامُ الْحَجِّ أَقْوَى مِنْ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ فَإِنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ عَلَى انْفِرَادِهِ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِهَا جَمِيعُ مَا يَحْرُمُ إحْرَامَ الْحَجِّ فَكَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فَلَا يَسْتَتْبِعُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ. فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يَخْتَصَّ وُجُوبُ الدَّمَيْنِ عَلَى الْقَارِنِ بِمَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، فَأَمَّا بَعْدَ الْوُقُوفِ بِهَا فَفِي الْجِمَاعِ يَجِبُ دَمَانِ، وَفِي سَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ دَمٌ وَاحِدٌ لِمَا أَنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ إنَّمَا بَقِيَ فِي حَقِّ التَّحَلُّلِ لَا غَيْرُ. قُلْت بَعْدَ ذَلِكَ: وَإِنْ كَانَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ذَكَرَ مِثْلَ مَا ذَكَرْت. وَوَجْهُ الْبُعْدِ أَنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أَفْعَالِهَا لَمْ يَبْقَ إلَّا فِي حَقِّ التَّحَلُّلِ خَاصَّةً فَكَانَ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ فَعَلَيْهِ دَمَانِ) .

خِلَافًا لِزُفَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمِيقَاتِ إحْرَامٌ وَاحِدٌ وَبِتَأْخِيرِ وَاجِبٍ وَاحِدٍ لَا يَجِبُ إلَّا جَزَاءٌ وَاحِدٌ. (وَإِذَا اشْتَرَكَ مُحْرِمَانِ فِي قَتْلِ صَيْدٍ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزَاءٌ كَامِلٌ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (خِلَافًا لِزُفَرَ) يَعْنِي أَنَّهُ يَقُولُ عَلَيْهِ دَمَانِ لِكُلِّ إحْرَامٍ دَمٌ كَمَا فِي سَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ. وَلَنَا (أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمِيقَاتِ إحْرَامٌ وَاحِدٌ) أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ لِلْعُمْرَةِ عِنْدَ الْمِيقَاتِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ بَعْدَ مَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ كَانَ جَائِزًا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ قَارِنٌ أَيْضًا (وَبِتَأْخِيرِ وَاجِبٍ وَاحِدٍ لَا يَجِبُ إلَّا جَزَاءٌ وَاحِدٌ) . (وَإِذَا اشْتَرَكَ مُحْرِمَانِ فِي قَتْلِ صَيْدٍ) وَاحِدٍ (فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزَاءٌ كَامِلٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عَلَيْهِمَا جَزَاءٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْمَحَلِّ، وَعَنْ هَذَا قَالَ الدَّالُّ الَّذِي لَمْ يَتَّصِلْ فِعْلُهُ بِالْمَحَلِّ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَالْمَحَلُّ هَاهُنَا وَاحِدٌ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا جَزَاءٌ وَاحِدٌ، وَقَاسَ بِصَيْدِ الْحَرَمِ وَحُقُوقِ الْعِبَادِ، وَلَنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالشَّرِكَةِ يَصِيرُ جَانِيًا جِنَايَةً تَفُوقُ الدَّلَالَةَ

بِالشَّرِكَةِ يَصِيرُ جَانِيًا جِنَايَةً تَفُوقُ الدَّلَالَةَ فَيَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ بِتَعَدُّدِ الْجِنَايَةِ. (وَإِذَا اشْتَرَكَ حَلَالَانِ فِي قَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِمَا جَزَاءٌ وَاحِدٌ) ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ بَدَلٌ عَنْ الْمَحَلِّ لَا جَزَاءٌ عَنْ الْجِنَايَةِ فَيَتَّحِدُ بِاتِّحَادِ الْمَحَلِّ، كَرَجُلَيْنِ قَتَلَا رَجُلًا خَطَأً تَجِبُ عَلَيْهِمَا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفَّارَةٌ. (وَإِذَا بَاعَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ أَوْ ابْتَاعَهُ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ) ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ حَيًّا تَعَرُّضٌ لِلصَّيْدِ الْآمِنِ وَبَيْعُهُ بَعْدَمَا قَتَلَهُ بَيْعُ مَيْتَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمَّا أَنَّهُ يَصِيرُ جَانِيًا؛ فَلِأَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي لَا يَقْبَلُ التَّجْزِئَةَ إذَا صَدَرَ مِنْ فَاعِلَيْنِ يُضَافُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَامِلًا كَمَا فِي الْقِصَاصِ وَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ، وَأَمَّا أَنَّهُ جِنَايَةٌ تَفُوقُ الدَّلَالَةَ فَلِاتِّصَالِهِ بِالْمَحَلِّ دُونَهَا، وَإِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَانِيًا تِلْكَ الْجِنَايَةَ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مُتَعَدِّدَةً وَتَعَدُّدُهَا يُوجِبُ تَعَدُّدَ الْجَزَاءِ لَا مَحَالَةَ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا اشْتَرَكَ حَلَالَانِ فِي قَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ) وَهُوَ عَكْسُ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ (وَإِذَا بَاعَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ أَوْ ابْتَاعَهُ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ حَيًّا تَعَرُّضٌ لِلصَّيْدِ الْآمِنِ) وَالتَّعَرُّضُ لِلصَّيْدِ الْآمِنِ بِالْبَيْعِ بَاطِلٌ لِخُرُوجِهِ عَنْ مَحَلِّيَّةِ الْبَيْعِ بِتَحْرِيمِ الشَّرْعِ كَخُرُوجِهِ عَنْ مَحَلِّيَّةِ الذَّبْحِ لِذَلِكَ وَالْبَيْعُ الْمُضَافُ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ بَاطِلٌ (وَبَيْعُهُ بَعْدَمَا قَتَلَهُ بَيْعُ مَيْتَةٍ)

(وَمَنْ أَخْرَجَ ظَبْيَةً مِنْ الْحَرَمِ فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا فَمَاتَتْ هِيَ وَأَوْلَادُهَا فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُنَّ) ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْحَرَمِ بَقِيَ مُسْتَحِقًّا لِلْأَمْنِ شَرْعًا وَلِهَذَا وَجَبَ رَدُّهُ إلَى مَأْمَنِهِ، وَهَذِهِ صِفَةٌ شَرْعِيَّةٌ فَتَسْرِي إلَى الْوَلَدِ (فَإِنْ أَدَّى جَزَاءَهَا ثُمَّ وَلَدَتْ لَيْسَ عَلَيْهِ جَزَاءُ الْوَلَدِ) ؛ لِأَنَّ بَعْدَ أَدَاءِ الْجَزَاءِ لَمْ تَبْقَ آمِنَةً؛ لِأَنَّ وُصُولَ الْخَلَفِ كَوُصُولِ الْأَصْلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبَيْعُ الْمَيْتَةِ بَاطِلٌ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ أَخْرَجَ ظَبْيَةً مِنْ الْحَرَمِ) حَلَالًا كَانَ أَوْ مُحْرِمًا (فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا فَمَاتَتْ هِيَ وَأَوْلَادُهَا فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُنَّ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْحَرَمِ بَقِيَ مُسْتَحَقًّا لِلْأَمْنِ شَرْعًا) يَعْنِي أَنَّ الصَّيْدَ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْحَرَمِ مُتَّصِفٌ بِصِفَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَهِيَ بَقَاءُ اسْتِحْقَاقِهِ لِلْأَمْنِ شَرْعًا، وَكُلُّ مَا اتَّصَفَ بِصِفَةٍ شَرْعِيَّةٍ صِفَتُهُ تِلْكَ تَسْرِي إلَى الْأَوْلَادِ. أَمَّا اتِّصَافُهُ بِبَقَاءِ الِاسْتِحْقَاقِ لِلْأَمْنِ شَرْعًا؛ فَلِأَنَّ الرَّدَّ إلَى مَأْمَنِهِ وَاجِبٌ. وَأَمَّا أَنَّ كُلَّ مَا اتَّصَفَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ صِفَتُهُ تِلْكَ تَسْرِي إلَى الْأَوْلَادِ فَكَمَا فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ وَالْكِتَابَةِ وَغَيْرِهَا، وَنُوقِضَ بِوَلَدِ الْمَغْصُوبَةِ فَإِنَّهَا

[باب مجاوزة الوقت بغير إحرام]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاجِبَةُ الرَّدِّ إلَى مَالِكِهَا، وَهَذِهِ صِفَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَلَمْ تَسْرِ إلَى وَلَدِهَا، فَإِنَّ زَوَائِدَ الْمَغْصُوبِ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الصِّفَةَ الشَّرْعِيَّةَ تَسْرِي إلَى الْأَوْلَادِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ، وَصِفَةُ الْمَغْصُوبِيَّةِ تَمْنَعُ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصِفَةٍ شَرْعِيَّةٍ، وَلِأَنَّ تَصَوُّرَهَا لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْأَوْلَادِ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ، وَهِيَ فِي الْأَوْلَادِ لَا تَتَحَقَّقُ لِعَدَمِ ثُبُوتِ يَدٍ عَلَيْهَا تُزَالُ بِالْغَصْبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [بَابُ مُجَاوَزَةِ الْوَقْتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ] قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَمَّا ذَكَرَ بَابَ الْجِنَايَاتِ وَأَنْوَاعَهَا أَعْقَبَهُ ذِكْرَ بَابِ مُجَاوَزَةِ الْوَقْتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْجِنَايَاتِ أَيْضًا، إلَّا أَنَّ هَذَا قَبْلَ الْإِحْرَامِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ بَابِ الْجِنَايَاتِ وَمَا يَتْبَعُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَمُطْلَقُ

(وَإِذَا أَتَى الْكُوفِيُّ بُسْتَانَ بَنِي عَامِرٍ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ، فَإِنْ رَجَعَ إلَى ذَاتِ عِرْقٍ وَلَبَّى بَطَلَ عَنْهُ دَمُ الْوَقْتِ، وَإِنْ رَجَعَ إلَيْهِ وَلَمْ يُلَبِّ حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ وَطَافَ لِعُمْرَتِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: إنْ رَجَعَ إلَيْهِ مُحْرِمًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ لَبَّى أَوْ لَمْ يُلَبِّ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَسْقُطُ لَبَّى أَوْ لَمْ يُلَبِّ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ لَمْ تَرْتَفِعْ بِالْعَوْدِ وَصَارَ كَمَا إذَا أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ بَعْدَ الْغُرُوبِ. وَلَنَا أَنَّهُ تَدَارَكَ الْمَتْرُوكَ فِي أَوَانِهِ وَذَلِكَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْأَفْعَالِ فَيَسْقُطُ الدَّمُ، بِخِلَافِ الْإِفَاضَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَدَارَكْ الْمَتْرُوكَ عَلَى مَا مَرَّ. غَيْرَ أَنَّ التَّدَارُكَ عِنْدَهُمَا بِعَوْدِهِ مُحْرِمًا؛ لِأَنَّهُ أَظْهَرَ حَقَّ الْمِيقَاتِ كَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQذِكْرِ جِنَايَةِ الْمُحْرِمِ يَتَنَاوَلُ مَا بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَكَانَ كَامِلًا فِي اسْتِحْقَاقِ اسْمِ الْجِنَايَةِ فَلِذَلِكَ قَدَّمَهُ عَلَى هَذَا الْبَابِ. فَإِنْ قِيلَ: كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَى مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمُحَرِّمَ لِلْأَشْيَاءِ الْمُوجِبَةِ لِلْكَفَّارَةِ هُوَ الْإِحْرَامُ وَالْإِحْرَامُ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ارْتَكَبَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ وَتَمَكَّنَ بِهِ فِي حَجِّهِ نُقْصَانٌ، وَنُقْصَانُهُ يُجْبَرُ بِالدَّمِ إلَّا إذَا تَدَارَكَ ذَلِكَ فِي أَوَانِهِ بِالرُّجُوعِ إلَى الْمِيقَاتِ مُلَبِّيًا قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ (وَإِذَا أَتَى الْكُوفِيُّ بُسْتَانَ بَنِي عَامِرٍ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ، فَإِنْ رَجَعَ إلَى ذَاتِ عِرْقٍ وَلَبَّى بَطَلَ عَنْهُ دَمُ الْوَقْتِ) وَتَخْصِيصُهُ بِذَاتِ عِرْقٍ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ حَالِ الْكُوفِيِّ وَإِلَّا فَالرُّجُوعُ إلَيْهِ وَإِلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمَوَاقِيتِ سَوَاءٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: يُنْظَرُ إنْ عَادَ إلَى مِيقَاتٍ. وَذَلِكَ الْمِيقَاتُ يُحَاذِي الْمِيقَاتَ الْأَوَّلَ أَوْ أَبْعَدَ إلَى الْحَرَمِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ وَإِلَّا فَلَا (وَإِنْ رَجَعَ إلَيْهِ لَكِنْ لَمْ يُلَبِّ حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ وَطَافَ لِعُمْرَتِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا: إنْ رَجَعَ مُحْرِمًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَبَّى أَوْ لَمْ يُلَبِّ. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَسْقُطُ لَبَّى أَوْ لَمْ يُلَبِّ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ لَمْ تَرْتَفِعْ بِالْعَوْدِ) ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمِيقَاتِ إنْشَاءُ الْإِحْرَامِ، وَالرَّاجِعُ إلَيْهِ لَيْسَ بِمُنْشِئٍ (وَصَارَ كَمَا إذَا أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ بَعْدَ الْغُرُوبِ. وَلَنَا أَنَّهُ تَدَارَكَ الْمَتْرُوكَ فِي وَقْتِهِ وَذَلِكَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْأَفْعَالِ) وَتَدَارُكُ الْمَتْرُوكِ فِي أَوَانِهِ يُسْقِطُ الْكَفَّارَةَ (بِخِلَافِ الْإِفَاضَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَدَارَكْ الْمَتْرُوكَ) لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ هُنَاكَ اسْتِدَامَةُ الْوُقُوفِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَبِالْعَوْدِ لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ عَلَى مَا مَرَّ. وَبِهَذَا الْكَلَامِ تَمَّ الْحُجَّةُ عَلَى زُفَرَ وَبَقِيَ الْكَلَامُ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ التَّدَارُكَ هَلْ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْعَوْدِ أَوْ مَعَ التَّلْبِيَةِ (عِنْدَهُمَا بِعَوْدِهِ مُحْرِمًا لِأَنَّهُ أَظْهَرَ حَقَّ الْمِيقَاتِ) وَهُوَ الْمُرُورُ بِهِ مُحْرِمًا فَإِنَّهُ إذَا أَحْرَمَ

إذَا مَرَّ بِهِ مُحْرِمًا سَاكِنًا. وَعِنْدَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِعَوْدِهِ مُحْرِمًا مُلَبِّيًا؛ لِأَنَّ الْعَزِيمَةَ فِي الْإِحْرَامِ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ، فَإِذَا تَرَخَّصَ بِالتَّأْخِيرِ إلَى الْمِيقَاتِ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ حَقِّهِ بِإِنْشَاءِ التَّلْبِيَةِ فَكَانَ التَّلَافِي بِعَوْدِهِ مُلَبِّيًا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ بَعْدَ الْمُجَاوَزَةِ مَكَانَ الْعُمْرَةِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا. وَلَوْ عَادَ بَعْدَمَا ابْتَدَأَ بِالطَّوَافِ، وَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَوْ عَادَ إلَيْهِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ يَسْقُطُ بِالِاتِّفَاقِ (وَهَذَا) الَّذِي ذَكَرْنَا (إذَا كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ وَمَرَّ بِهِ سَاكِتًا صَحَّ (وَعِنْدَهُ بِعَوْدِهِ مُحْرِمًا مُلَبِّيًا؛ لِأَنَّ الْعَزِيمَةَ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ) فَإِذَا أَحْرَمَ مِنْهَا صَارَتْ مَوْضِعَ إحْرَامِهِ فَتُشْتَرَطُ التَّلْبِيَةُ هُنَاكَ، فَإِذَا لَبَّى ثَمَّةَ ثُمَّ سَكَتَ عِنْدَ الْمُرُورِ بِالْمِيقَاتِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِيمَا إذَا تَرَخَّصَ بِالتَّأْخِيرِ إلَى الْمِيقَاتِ فَإِنَّهُ يَجِبُ قَضَاءُ حَقِّهِ بِإِنْشَاءِ التَّلْبِيَةِ وَالْإِحْرَامِ، فَإِذَا تَرَكَ ذَلِكَ بِالْمُجَاوَزَةِ حَتَّى أَحْرَمَ وَرَاءَ الْمِيقَاتِ ثُمَّ عَادَ، فَإِنْ لَبَّى فَقَدْ أَتَى بِجَمِيعِ مَا هُوَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ فَيَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ، وَإِنْ لَمْ يُلَبِّ فَلَمْ يَأْتِ بِجَمِيعِ مَا اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِ، وَالْخِلَافُ فِي إحْرَامِ الْحَجِّ بَعْدَ الْمُجَاوَزَةِ كَالْخِلَافِ فِي إحْرَامِ الْعُمْرَةِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ عَادَ بَعْدَمَا ابْتَدَأَ الطَّوَافَ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ وَإِنْ رَجَعَ إلَيْهِ وَلَمْ يُلَبِّ حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ وَطَافَ لِعُمْرَتِهِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْعَوْدِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: فِي وَجْهٍ لَا يَسْقُطُ بِالْعَوْدِ بِالِاتِّفَاقِ. وَفِي وَجْهٍ يَسْقُطُ بِهِ بِالِاتِّفَاقِ، وَفِي وَجْهٍ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. وَبَيَانُهُ أَنَّ مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ يُرِيدُ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، فَإِنْ جَاوَزَ فَإِمَّا أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَعُدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ، وَإِنْ عَادَ، فَإِمَّا أَنْ يَعُودَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ عَادَ قَبْلَهُ سَقَطَ الدَّمُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ أَنْشَأَ التَّلْبِيَةَ الْوَاجِبَةَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ، وَإِنْ عَادَ بَعْدَهُ فَإِمَّا أَنْ يَعُودَ بَعْدَمَا ابْتَدَأَ الطَّوَافَ وَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ أَوْ قَبْلَهُ، فَإِنْ عَادَ بَعْدَهُ لَا يَسْقُطُ الدَّمُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ لَمَّا طَافَ وَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ وَقَعَ شَوْطًا مُعْتَدًّا بِهِ، وَذَلِكَ يُنَافِي إسْقَاطَ الدَّمِ عَنْهُ لِأَنَّ الْإِسْقَاطَ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مُبْتَدِئٌ مِنْ الْمِيقَاتِ تَقْدِيرًا وَبَعْدَمَا وَقَعَ مِنْهُ شَوْطٌ مُعْتَدٌّ بِهِ لَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُهُ مُبْتَدِئًا، وَظَهَرَ لَك مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ قَوْلَهُ وَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ لِبَيَانِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ الشَّوْطِ وَإِنْ عَادَ قَبْلَهُ فَعَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ.

فَإِنْ دَخَلَ الْبُسْتَانَ لِحَاجَةٍ فَلَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، وَوَقْتُهُ الْبُسْتَانُ، وَهُوَ وَصَاحِبُ الْمَنْزِلِ سَوَاءٌ) ؛ لِأَنَّ الْبُسْتَانَ غَيْرُ وَاجِبِ التَّعْظِيمِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ بِقَصْدِهِ، وَإِذَا دَخَلَهُ الْتَحَقَ بِأَهْلِهِ، وَلِلْبُسْتَانِيِّ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لِلْحَاجَةِ فَكَذَلِكَ لَهُ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَوَقْتُهُ الْبُسْتَانُ جَمِيعُ الْحِلِّ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَمِ وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ، فَكَذَا وَقْتُ الدَّاخِلِ الْمُلْحَقِ بِهِ (فَإِنْ أَحْرَمَا مِنْ الْحِلِّ وَوَقَفَا بِعَرَفَةَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ) يُرِيدُ بِهِ الْبُسْتَانِيَّ وَالدَّاخِلَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُمَا أَحْرَمَا مِنْ مِيقَاتِهِمَا. (وَمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ إلَى الْوَقْتِ، وَأَحْرَمَ بِحَجَّةٍ عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ) ذَلِكَ (مِنْ دُخُولِهِ مَكَّةَ بِغَيْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (فَإِنْ دَخَلَ الْبُسْتَانَ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (الْتَحَقَ بِأَهْلِهِ) يَعْنِي سَوَاءً نَوَى مُدَّةَ الْإِقَامَةِ أَوْ لَمْ يَنْوِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ شَرَطَ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ) أَرَادَ بِهِ مَا ذَكَرَهُ فِي فَصْلِ الْمَوَاقِيتِ بِقَوْلِهِ وَمَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ فَوَقْتُهُ الْحِلُّ مَعْنَاهُ جَمِيعُ الْحِلِّ الَّذِي بَيْنَ الْمَوَاقِيتِ وَبَيْنَ الْحَرَمِ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ) مَعْنَاهُ مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ فَلَزِمَهُ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ (ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ) وَحَجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ أَوْ حَجَّةً أَوْ عُمْرَةً فَإِنَّهَا تَنُوبُ عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ بِدُخُولِهِ

إحْرَامٍ) وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجْزِيهِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ اعْتِبَارًا بِمَا لَزِمَهُ بِسَبَبِ النَّذْرِ، وَصَارَ كَمَا إذَا تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ. وَلَنَا أَنَّهُ تَلَافَى الْمَتْرُوكَ فِي وَقْتِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ تَعْظِيمُ هَذِهِ الْبُقْعَةِ بِالْإِحْرَامِ، كَمَا إذَا أَتَاهُ مُحْرِمًا بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ فِي الِابْتِدَاءِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَتَأَدَّى إلَّا بِإِحْرَامٍ مَقْصُودٍ كَمَا فِي الِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ فَإِنَّهُ يَتَأَدَّى بِصَوْمِ رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ دُونَ الْعَامِ الثَّانِي (وَمَنْ جَاوَزَ الْوَقْتَ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَأَفْسَدَهَا مَضَى فِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُجْزِئُهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ (اعْتِبَارًا بِمَا لَزِمَهُ بِسَبَبِ النَّذْرِ) فَإِنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ حَجَّةٌ وَجَبَتْ بِالنَّذْرِ وَحَجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِهَا الْمَنْذُورَةُ كَذَلِكَ هَاهُنَا، وَالْجَامِعُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَاجِبَةٌ بِسَبَبٍ غَيْرِ سَبَبِ الْأُخْرَى، فَإِنَّ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِالدُّخُولِ بِمَنْزِلَةِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِالنَّذْرِ فِي أَنَّ الشُّرُوعَ مُلْزِمٌ كَالنَّذْرِ، فَكَمَا لَا تَتَأَدَّى الْمَنْذُورَةُ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَكَذَا الْمَشْرُوعُ فِيهَا (وَصَارَ) ذَلِكَ (كَمَا إذَا تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ) ثُمَّ حَجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ لَا يَقُومُ مَقَامَ مَا لَزِمَهُ بِدُخُولِهِ مَكَّةَ بِلَا خِلَافٍ (وَلَنَا) وَهُوَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ (أَنَّهُ تَلَافَى الْمَتْرُوكَ فِي وَقْتِهِ) وَهُوَ السَّنَةُ الَّتِي دَخَلَ فِيهَا مَكَّةَ (لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ تَعْظِيمُ هَذِهِ الْبُقْعَةِ بِالْإِحْرَامِ) لَا غَيْرُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ (كَمَا إذَا أَتَاهُ مُحْرِمًا بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ فِي الِابْتِدَاءِ) فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ الَّتِي نَوَى وَعَمَّا لَزِمَهُ بِدُخُولِهِ مَكَّةَ (بِخِلَافِ مَا إذَا تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ لِأَنَّهُ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ) بِمُضِيِّ وَقْتِ الْحَجِّ (فَلَا يَتَأَدَّى إلَّا بِإِحْرَامٍ مَقْصُودٍ كَمَا فِي الِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ فَإِنَّهُ يَتَأَدَّى بِصَوْمِ رَمَضَانَ مِنْ سَنَةٍ نَذَرَ فِيهَا دُونَ الْعَامِ الثَّانِي) فَإِنْ قِيلَ: سَلَّمْنَا أَنَّ الْحَجَّةَ بِتَحَوُّلِ السَّنَةِ تَصِيرُ دَيْنًا، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعُمْرَةَ تَصِيرُ دَيْنًا لِعَدَمِ تَوَقُّتِهَا بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَسْقُطَ الْعُمْرَةُ الْوَاجِبَةُ بِدُخُولِهِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ بِالْعُمْرَةِ الْمَنْذُورَةِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ كَمَا تَسْقُطُ بِهَا فِي السَّنَةِ الْأُولَى. أُجِيبَ بِأَنَّ تَأْخِيرَ الْعُمْرَةِ إلَى أَيَّامِ النَّحْرِ وَالتَّشْرِيقِ مَكْرُوهٌ، فَإِذَا أَخَّرَهَا إلَى وَقْتٍ مَكْرُوهٍ صَارَ كَالْمُفَوِّتِ لَهَا فَصَارَتْ دَيْنًا. قَالَ (وَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ) بِغَيْرِ إحْرَامٍ. ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَحْكَامٍ: الْمُضِيُّ فِيهَا، وَقَضَاؤُهَا بِإِحْرَامٍ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَسُقُوطُ الدَّمِ. أَمَّا الْمُضِيُّ؛ فَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ عَقْدٌ لَازِمٌ لَا يَخْرُجُ الْمَرْءُ عَنْهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ إلَّا بِأَدَاءِ الْأَفْعَالِ. وَأَمَّا الْقَضَاءُ

وَقَضَاهَا) ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ يَقَعُ لَازِمًا فَصَارَ كَمَا إذَا أَفْسَدَ الْحَجَّ (وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ الْوَقْتِ) وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَسْقُطُ عَنْهُ وَهُوَ نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِي فَائِتِ الْحَجِّ إذَا جَاوَزَ الْوَقْتَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَفِيمَنْ جَاوَزَ الْوَقْتَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَفْسَدَ حَجَّتَهُ، هُوَ يَعْتَبِرُ الْمُجَاوَزَةَ هَذِهِ بِغَيْرِهَا مِنْ الْمَحْظُورَاتِ. وَلَنَا أَنَّهُ يَصِيرُ قَاضِيًا حَقَّ الْمِيقَاتِ بِالْإِحْرَامِ مِنْهُ فِي الْقَضَاءِ، وَهُوَ يَحْكِي الْفَائِتَ وَلَا يَنْعَدِمُ بِهِ غَيْرُهُ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ فَوَضَحَ الْفَرْقُ. (وَإِذَا خَرَجَ الْمَكِّيُّ يُرِيدُ الْحَجَّ فَأَحْرَمَ وَلَمْ يَعُدْ إلَى الْحَرَمِ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ فَعَلَيْهِ شَاةٌ) ؛ لِأَنَّ وَقْتَهُ الْحَرَمُ وَقَدْ جَاوَزَهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، فَإِنْ عَادَ إلَى الْحَرَمِ وَلَبَّى أَوْ لَمْ يُلَبِّ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْآفَاقِيِّ (وَالْمُتَمَتِّعُ إذَا فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْأَدَاءَ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ وَلَمْ يَفْعَلْ. وَأَمَّا سُقُوطُ الدَّمِ فَلِأَنَّهُ إذَا قَضَاهَا بِإِحْرَامٍ مِنْ الْمِيقَاتِ يَنْجَبِرُ بِهِ مَا نَقَصَ مِنْ حَقِّ الْمِيقَاتِ بِالْمُجَاوَزَةِ مِنْ غَيْرِ إحْرَامٍ فَسَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ كَمَنْ سَهَا فِي صَلَاتِهِ ثُمَّ أَفْسَدَهَا فَقَضَاهَا سَقَطَ سُجُودُ السَّهْوِ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِيمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَفَاتَهُ الْحَجُّ ثُمَّ قَضَاهُ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ دَمُ الْوَقْتِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ. وَنَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِيمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَفْسَدَهُ بِالْجِمَاعِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ ثُمَّ قَضَاهُ فَإِنَّ دَمَ الْوَقْتِ يَسْقُطُ عَنْهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ، قَالَ: لِأَنَّ الدَّمَ بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ صَارَ وَاجِبًا عَلَيْهِ فَلَا يَسْقُطُ بِفَوَاتِ الْحَجِّ، كَمَا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ بِالتَّطَيُّبِ أَوْ لُبْسِ الْمَخِيطِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِفَوَاتِ الْحَجِّ (وَلَنَا أَنَّهُ يَصِيرُ قَاضِيًا حَقَّ الْمِيقَاتِ بِالْإِحْرَامِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمِيقَاتِ (فِي الْقَضَاءِ وَهُوَ) أَيْ الْقَضَاءُ (يَحْكِي الْفَائِتَ) أَيْ يَفْعَلُ مِثْلَ فِعْلِ مَا فَاتَ وَهُوَ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ ابْتِدَاءً فَيَنْعَدِمُ بِهِ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ لَزِمَهُ الدَّمُ وَهُوَ الْمُجَاوَزَةُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَدِمُ بِفَوَاتِ الْحَجِّ وَقَضَائِهِ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا خَرَجَ الْمَكِّيُّ مِنْ الْحَرَمِ إلَخْ) ظَاهِرٌ

[باب إضافة الإحرام إلى الإحرام]

الْحَرَمِ فَأَحْرَمَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ فَعَلَيْهِ دَمٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ وَأَتَى بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمَكِّيِّ، وَإِحْرَامُ الْمَكِّيِّ مِنْ الْحَرَمِ لِمَا ذَكَرْنَا فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ بِتَأْخِيرِهِ عَنْهُ (فَإِنْ رَجَعَ إلَى الْحَرَمِ فَأَهَلَّ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ بِعَرَفَةَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) وَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي الْآفَاقِيِّ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ] (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا أَحْرَمَ الْمَكِّيُّ بِعُمْرَةٍ وَطَافَ لَهَا شَوْطًا ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَإِنَّهُ يَرْفُضُ الْحَجَّ، وَعَلَيْهِ لِرَفْضِهِ دَمٌ، وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبَابُ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ) : إضَافَةُ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ وَمَنْ بِمَعْنَاهُ جِنَايَةٌ، وَكَذَلِكَ إضَافَةُ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ إلَى إحْرَامِ الْحَجِّ فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ، بِخِلَافِ إضَافَةِ إحْرَامِ الْحَجِّ إلَى إحْرَامِ الْعُمْرَةِ؛ فَبِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْجِنَايَةِ ذَكَرَهَا عَقِيبَ الْجِنَايَاتِ، وَبِاعْتِبَارِ عَدَمِهِ جَعَلَهُ فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا أَحْرَمَ الْمَكِّيُّ بِعُمْرَةٍ وَطَافَ لَهَا شَوْطًا ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَإِنَّهُ يَرْفُضُ الْحَجَّ وَعَلَيْهِ لِرَفْضِهِ دَمٌ وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ) قَيَّدَ بِالْمَكِّيِّ؛ لِأَنَّ الْآفَاقِيَّ إذَا أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ أَوَّلًا وَطَافَ لَهَا شَوْطًا ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مَضَى فِيهِمَا، وَلَا يَرْفُضُ الْحَجَّ؛ لِأَنَّ بِنَاءَ أَعْمَالِ الْحَجِّ عَلَى أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ صَحِيحٌ فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ، إلَّا أَنَّهُ لَوْ طَافَ لَهَا أَقَلَّ الْأَشْوَاطِ كَانَ قَارِنًا، وَإِنْ طَافَ لَهَا الْأَكْثَرَ كَانَ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ مَنْ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ بَعْدَ عَمَلِ

(وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: رَفْضُ الْعُمْرَةِ أَحَبُّ إلَيْنَا وَقَضَاؤُهَا، وَعَلَيْهِ دَمٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ رَفْضِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَالْعُمْرَةُ أَوْلَى بِالرَّفْضِ؛ لِأَنَّهَا أَدْنَى حَالًا وَأَقَلُّ أَعْمَالًا وَأَيْسَرُ قَضَاءً لِكَوْنِهَا غَيْرَ مُؤَقَّتَةٍ، وَكَذَا إذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ بِالْحَجِّ وَلَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ لِمَا قُلْنَا. فَإِنْ طَافَ لِلْعُمْرَةِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ رَفَضَ الْحَجَّ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ فَتَعَذَّرَ رَفْضُهَا كَمَا إذَا فَرَغَ مِنْهَا، وَلَا كَذَلِكَ إذَا طَافَ لِلْعُمْرَةِ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعُمْرَةِ، وَلِأَكْثَرِ الطَّوَافِ حُكْمُ الْكُلِّ، وَالْقَارِنُ مَنْ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَقَيَّدَ بِالْعُمْرَةِ لِأَنَّ الْمَكِّيَّ إذَا أَهَلَّ بِالْحَجِّ فَطَافَ لَهُ شَوْطًا ثُمَّ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُ يَرْفُضُ الْعُمْرَةَ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ لِلْحَجِّ قَدْ تَأَكَّدَ، وَقَبْلَ التَّأَكُّدِ كَانَ يُؤْمَرُ بِرَفْضِهَا فَبَعْدَهُ أَوْلَى. وَقُيِّدَ بِالشَّوْطِ: يَعْنِي الْوَاحِدَ لِأَنَّهُ إذَا طَافَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ لَا خِلَافَ فِي رَفْضِ الْحَجِّ، وَأَمَّا فِي الشَّوْطَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ فَقَدْ صَرَّحَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ بِوُجُودِ الْخِلَافِ الَّذِي ذُكِرَ إذَا طَافَ لَهَا شَوْطًا. (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: رَفْضُ الْعُمْرَةِ أَحَبُّ إلَيْنَا وَقَضَاؤُهَا وَعَلَيْهِ دَمٌ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ رَفْضِ أَحَدِهِمَا) بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَلَا بُدَّ مِنْ رَفْضِ أَحَدِهِمَا حَذَرًا مِنْ الِاسْتِدَامَةِ عَلَى غَيْرِ الْمَشْرُوعِ (وَالْعُمْرَةُ أَوْلَى بِالرَّفْضِ لِأَنَّهَا أَدْنَى حَالًا) لِكَوْنِهِ فَرْضًا دُونَهَا (وَأَقَلُّ أَعْمَالًا) ؛ لِأَنَّ أَعْمَالَهَا الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ لَا غَيْرُ (وَأَيْسَرُ قَضَاءً لِكَوْنِهَا غَيْرَ مُؤَقَّتَةٍ) هَذَا إذَا كَانَ الْحَجُّ فَرْضًا. وَأَمَّا إذَا كَانَ تَطَوُّعًا فَيُعَلَّلُ بِالْوَجْهَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا إذَا أَحْرَمَ) يَعْنِي رَفْضُ الْعُمْرَةِ أَحَبُّ لَكِنَّ هَذَا بِالِاتِّفَاقِ (لِمَا قُلْنَا) يَعْنِي مِنْ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ، وَفِي عِبَارَتِهِ تَسَامُحٌ لِأَنَّهُ عَطْفٌ بِقَوْلِهِ وَكَذَا الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ عَلَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَهُوَ مُلَبِّسٌ لَا مَحَالَةَ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ طَافَ لِلْعُمْرَةِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ) ظَاهِرٌ مِمَّا ذُكِرَ آنِفًا. وَقَوْلُهُ (وَلَا كَذَلِكَ إذَا طَافَ لِلْعُمْرَةِ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَهُمَا) اخْتَلَفَتْ النُّسَخُ هَاهُنَا فِي بَعْضِهَا عِنْدَهُمَا وَفِي بَعْضِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي بَعْضِهَا: وَكَذَلِكَ إذَا طَافَ لِلْعُمْرَةِ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِحَذْفِ كَلِمَةِ لَا مِنْ قَوْلِهِ وَلَا كَذَلِكَ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذَكَرَ الْإِمَامُ مَوْلَانَا حُسَامُ الدِّينِ الْأَخْسِيكَتِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَالصَّوَابُ وَكَذَلِكَ يَعْنِي النُّسْخَةَ الْأَخِيرَةَ قَالَ: وَهَكَذَا أَيْضًا وَجَدْته بِخَطِّ شَيْخِي، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ النُّسَخِ وَجْهٌ، أَمَّا وَجْهُ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا وَجْهُ الثَّانِيَةِ فَهُوَ أَنَّهُ لِدَفْعِ سُؤَالِ سَائِلٍ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: لَمَّا أَخَذَ الْأَكْثَرُ حُكْمَ الْكُلِّ يَكُونُ الْأَقَلُّ مَعْدُومًا حُكْمًا، فَيَنْبَغِي أَنْ يَرْفُضَ الْعُمْرَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ حُكْمَ الْمَوْجُودِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَطُفْ

وَلَهُ أَنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ قَدْ تَأَكَّدَ بِأَدَاءِ شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِهَا، وَإِحْرَامُ الْحَجِّ لَمْ يَتَأَكَّدْ، وَرَفْضُ غَيْرُ الْمُتَأَكِّدِ أَيْسَرُ؛ وَلِأَنَّ فِي رَفْضِ الْعُمْرَةِ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ إبْطَالَ الْعَمَلِ. وَفِي رَفْضِ الْحَجِّ امْتِنَاعٌ عَنْهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ بِالرَّفْضِ أَيُّهُمَا رَفَضَهُ؛ لِأَنَّهُ تَحَلَّلَ قَبْلَ أَوَانِهِ؛ لِتَعَذُّرِ الْمُضِيِّ فِيهِ فَكَانَ فِي مَعْنَى الْمُحْصَرِ إلَّا أَنَّ فِي رَفْضِ الْعُمْرَةِ قَضَاءَهَا لَا غَيْرُ، وَفِي رَفْضِ الْحَجِّ قَضَاؤُهُ وَعُمْرَةٌ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى فَائِتِ الْحَجِّ (وَإِنْ مَضَى عَلَيْهِمَا أَجْزَأَهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى أَفْعَالَهُمَا كَمَا الْتَزَمَهُمَا، غَيْرَ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُمَا وَالنَّهْيُ لَا يَمْنَعُ تَحَقُّقَ الْفِعْلِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا (وَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ تَمَكَّنَ النُّقْصَانُ فِي عَمَلِهِ لِارْتِكَابِهِ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ، وَهَذَا فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ دَمُ جَبْرٍ، وَفِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ دَمُ شُكْرٍ (وَمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ يَوْمَ النَّحْرِ بِحَجَّةٍ أُخْرَى، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْعُمْرَةِ شَيْئًا وَهُنَاكَ يَرْفُضُ الْعُمْرَةَ كَمَا مَرَّ، فَكَذَلِكَ فِي الْمَعْدُومِ الْحُكْمِيِّ، فَقَالَ لَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَمَّا أَتَى بِشَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ فَقَدْ تَأَكَّدَتْ الْعُمْرَةُ وَلَمْ يَتَأَكَّدْ الْحَجُّ أَصْلًا فَكَانَ رَفْعُ غَيْرِ الْمُتَأَكِّدِ أَسْهَلَ، وَهَذَا هُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْكِتَابِ مِنْ جَانِبِهِ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (؛ وَلِأَنَّ فِي رَفْضِ الْعُمْرَةِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ) يَعْنِي وَالْحَالَ أَنَّهُ أَتَى بِشَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ (إبْطَالَ الْعَمَلِ) أَيْ الطَّوَافِ الَّذِي أَتَى بِهِ (وَفِي رَفْضِ الْحَجِّ امْتِنَاعٌ عَنْهُ) وَالِامْتِنَاعُ أَهْوَنُ مِنْ إبْطَالِ مَا وَقَعَ مُعْتَدًّا بِهِ. وَقَوْلُهُ (وَعَلَيْهِ دَمٌ بِالرَّفْضِ أَيُّهُمَا رَفَضَهُ) يَعْنِي الْحَجَّ عِنْدَهُ وَالْعُمْرَةَ عِنْدَهُمَا (لِأَنَّهُ تَحَلَّلَ قَبْلَ أَوَانِهِ لِتَعَذُّرِ الْمُضِيِّ فِيهِ) بِكَوْنِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا غَيْرَ مَشْرُوعٍ (فَكَانَ فِي مَعْنَى الْمُحْصَرِ) وَعَلَى الْمُحْصَرِ دَمٌ لِلتَّحَلُّلِ وَيَكُونُ الدَّمُ دَمَ جَبْرٍ لَا دَمَ شُكْرٍ عَلَى مَا يَأْتِي. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا لَزِمَهُ دَمَانِ لِحُرْمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْإِحْرَامَيْنِ دَمٌ؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَنْ أَحَدِهِمَا بِالنُّقْصَانِ حَيْثُمَا تَمَكَّنَ وَإِنَّمَا تَمَكَّنَ فِي أَحَدِهِمَا فَلِذَلِكَ لَزِمَهُ دَمٌ وَاحِدٌ (إلَّا أَنَّ فِي رَفْضِ الْعُمْرَةِ قَضَاءَهَا لَا غَيْرُ وَفِي رَفْضِ الْحَجِّ قَضَاؤُهُ وَعُمْرَةٌ) أَمَّا الْحَجُّ فَلِأَنَّهُ صَحَّ شُرُوعُهُ فِيهِ ثُمَّ رَفَضَهُ، وَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى فَائِتِ الْحَجِّ وَفَائِتُ الْحَجِّ يَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ بِالْحَدِيثِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ التَّحَلُّلُ بِأَفْعَالِهَا هَاهُنَا لِأَنَّهُ فِي الْعُمْرَةِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْعُمْرَتَيْنِ مَنْهِيٌّ فَيَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا (وَإِنْ مَضَى عَلَيْهِمَا) يَعْنِي إذَا لَمْ يَرْفُضْ الْمَكِّيُّ وَمَنْ بِمَعْنَاهُ الْعُمْرَةَ أَوْ الْحَجَّ وَمَضَى عَلَيْهِمَا وَأَدَّاهُمَا (أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ أَدَّى أَفْعَالَهُمَا كَمَا الْتَزَمَهُمَا غَيْرَ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُمَا) أَيْ عَنْ إحْرَامِ الْحَجِّ وَإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ جَمِيعًا. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَفِي نُسْخَةِ شَيْخِي بِخَطِّهِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا أَيْ عَنْ الْعُمْرَةِ إذْ هِيَ الْمُتَعَيِّنَةُ لِلرَّفْضِ إجْمَاعًا فِيمَا إذَا لَمْ يَشْتَغِلْ بِطَوَافِ الْعُمْرَةِ وَالْكَلَامُ فِيهِ لِأَنَّهَا هِيَ الدَّاخِلَةُ فِي وَقْتِ الْحَجِّ وَبِسَبَبِهَا وَقَعَ الْعِصْيَانُ. وَقَوْلُهُ (وَالنَّهْيُ لَا يَمْنَعُ تَحَقُّقَ الْفِعْلِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا) أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْمَشْرُوعِيَّةَ دُونَ النَّفْيِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ قِيلَ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، ثُمَّ ذَكَرَ هَاهُنَا أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ تَحَقُّقَ الْفِعْلِ، وَمَعْنَاهُ كَمَا قُلْنَا أَنَّهُ يَقْتَضِي الْمَشْرُوعِيَّةَ فَكَانَ التَّنَاقُضُ فِي كَلَامِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ غَيْرُ مَشْرُوعٍ كَامِلًا كَمَا فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ وَبِهِ يَنْدَفِعُ التَّنَاقُضُ. وَقَوْلُهُ (وَعَلَيْهِ دَمٌ) وَاضِحٌ. قَالَ (وَمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ يَوْمَ النَّحْرِ بِحَجَّةٍ أُخْرَى) اعْلَمْ أَنَّ إضَافَةَ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ بِالْقِسْمَةِ الْعَقْلِيَّةِ: إدْخَالُ إحْرَامِ الْحَجِّ عَلَى إحْرَامِ الْعُمْرَةِ، وَإِدْخَالُ إحْرَامِ الْحَجِّ عَلَى إحْرَامِ الْحَجِّ، وَإِدْخَالُ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ عَلَى إحْرَامِ الْعُمْرَةِ، وَإِدْخَالُ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ عَلَى إحْرَامِ الْحَجِّ. وَقَدَّمَ إدْخَالَ إحْرَامِ الْحَجِّ عَلَى إحْرَامِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْأَقْسَامِ الْبَاقِيَةِ لِكَوْنِهِ أَدْخَلَ فِي كَوْنِهِ

فَإِنْ حَلَقَ فِي الْأُولَى لَزِمَتْهُ الْأُخْرَى وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ فِي الْأُولَى لَزِمَتْهُ الْأُخْرَى وَعَلَيْهِ دَمٌ قَصَّرَ أَوْ لَمْ يُقَصِّرْ ـــــــــــــــــــــــــــــQجِنَايَةً وَلِهَذَا لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الدَّمُ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ ذَلِكَ ذَكَرَ إدْخَالَ إحْرَامِ الْحَجِّ عَلَى إحْرَامِ الْحَجِّ مُقَدَّمًا عَلَى غَيْرِهِ لِقُوَّةِ حَالِهِ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا فَرْضًا، ثُمَّ إدْخَالَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ عَلَى إحْرَامِ الْعُمْرَةِ لِاتِّفَاقِهِمَا فِي الْكَيْفِيَّةِ وَكَمِّيَّةِ الْأَفْعَالِ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ أَوْ إحْرَامَيْ الْعُمْرَةِ بِدْعَةٌ، لَكِنْ إذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا لَزِمَاهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ يَلْزَمُهُ أَحَدُهُمَا، وَلَا كَلَامَ هَاهُنَا مَعَ الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِحْرَامَ عِنْدَهُ رُكْنٌ فَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، وَعِنْدَنَا شَرْطٌ لِلْأَدَاءِ، لَكِنَّ مُحَمَّدًا يَقُولُ: وَهُوَ وَإِنْ كَانَ شَرْطًا لِلْأَدَاءِ إلَّا أَنَّهُ مَا شُرِعَ إلَّا لِلْأَدَاءِ فَلَا يَتَحَقَّقُ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْأَدَاءُ. وَأَدَاءُ حَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ مَعًا غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْإِحْرَامُ لَهُمَا كَالتَّحْرِيمَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَهُمَا يَقُولَانِ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ الْتِزَامٌ مَحْضٌ فِي الذِّمَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَصِحُّ مُنْفَصِلًا عَنْ الْأَدَاءِ وَالذِّمَّةُ تَسَعُ حِجَجًا كَثِيرَةً فَصَارَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ كَالنَّذْرِ بِخِلَافِ التَّحْرِيمَةِ لِلصَّلَاةِ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ مُنْفَصِلَةً عَنْ الْأَدَاءِ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ رَفْضِ أَحَدِهِمَا إمَّا احْتِرَازًا عَنْ ارْتِكَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَإِمَّا؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ لِلْأَدَاءِ لَا لِلِالْتِزَامِ وَالْجَمْعُ أَدَاءٌ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ، فَبَعْدَ هَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا تَوَجَّهَ إلَى أَدَاءِ أَحَدِهِمَا صَارَ رَافِضًا لِلْأُخْرَى. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: كَمَا فَرَغَ مِنْ الْإِحْرَامَيْنِ يَصِيرُ رَافِضًا أَحَدَهُمَا. وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا قَتَلَ صَيْدًا قَبْلَ أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَى أَحَدِهِمَا، فَإِنَّهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ قِيمَتَانِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَلْزَمُهُ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَكَذَلِكَ إذَا أُحْصِرَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَحْتَاجُ إلَى هَدْيَيْنِ لِلتَّحَلُّلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. إذَا عَرَفْت هَذَا نَعُودُ إلَى تَطْبِيقِ مَا فِي الْكِتَابِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ، فَإِذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ يَوْمَ النَّحْرِ بِحَجَّةٍ أُخْرَى (فَإِنْ حَلَقَ فِي) الْحَجَّةِ (الْأُولَى) ثُمَّ أَحْرَمَ يَوْمَ النَّحْرِ بِحَجَّةٍ أُخْرَى (لَزِمَتْهُ الْأُخْرَى) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ الْتِزَامٌ مَحْضٌ (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الْأُولَى قَدْ انْتَهَتْ نِهَايَتَهَا (وَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ فِي الْأُولَى) وَأَحْرَمَ بِحَجَّةٍ أُخْرَى صَارَ جَامِعًا بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ، فَبَعْدَ ذَلِكَ إمَّا أَنْ يَحْلِقَ لِلْأُولَى فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَوْ يُؤَخِّرَ الْحَلْقَ إلَى السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، فَإِنْ حَلَقَ فَقَدْ تَحَلَّلَ عَنْ الْأُولَى، وَلَكِنْ جَنَى عَلَى الثَّانِيَةِ بِالْحَلْقِ، وَإِنْ أَخَّرَ فَقَدْ أَخَّرَ الْحَلْقَ فِي الْأُولَى عَنْ وَقْتِهِ، وَالتَّأْخِيرُ عَنْ الْوَقْتِ مَضْمُونٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْكِتَابِ (وَعَلَيْهِ دَمٌ قَصَّرَ أَوْ لَمْ يُقَصِّرْ) أَيْ حَلَقَ أَوْ لَمْ يَحْلِقْ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِالتَّقْصِيرِ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ

عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَالَا: إنْ لَمْ يُقَصِّرْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ أَوْ إحْرَامَيْ الْعُمْرَةِ بِدْعَةٌ، فَإِذَا حَلَقَ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ نُسُكًا فِي الْإِحْرَامِ الْأَوَّلِ فَهُوَ جِنَايَةٌ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ فَلَزِمَهُ الدَّمُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ حَتَّى حَجَّ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ فَقَدْ أَخَّرَ الْحَلْقَ عَنْ وَقْتِهِ فِي الْإِحْرَامِ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ يُوجِبُ الدَّمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، فَلِهَذَا سَوَّى بَيْنَ التَّقْصِيرِ وَعَدَمِهِ عِنْدَهُ وَشَرْطُ التَّقْصِيرِ عِنْدَهُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي قَوْلِهِ وَمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ يَتَنَاوَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، فَذَكَرَ أَوَّلًا لَفْظَ الْحَلْقِ ثُمَّ لَفْظَ التَّقْصِيرِ لِمَا أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي حَقِّ الرِّجَالِ الْحَلْقُ، وَفِي حَقِّ النِّسَاءِ التَّقْصِيرُ (وَقَالَا: إنْ لَمْ يُقَصِّرْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ أَوْ إحْرَامَيْ الْعُمْرَةِ بِدْعَةٌ) إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ بَعْدَ التَّأَمُّلِ فِيمَا سَبَقَ، لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ الْمَذْكُورَ مِنْ مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ فِي هَذَا الْأَصْلِ أَنَّهُ إذَا جَمَعَ بَيْنَ إحْرَامَيْنِ إنَّمَا يَلْزَمُهُ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ الْإِمَامِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالتُّمُرْتَاشِيِّ وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ. وَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَهُ دَمٌ، وَإِنْ قَصَّرَ لِعَدَمِ لُزُومِ الْآخَرِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ سَهْوًا فِي نَقْلِ مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ وَمَذْهَبُهُ كَمَذْهَبِهِمَا، وَإِنَّمَا أَنْ يَكُونَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ

(وَمَنْ فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ إلَّا التَّقْصِيرَ فَأَحْرَمَ بِأُخْرَى فَعَلَيْهِ دَمٌ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ الْوَقْتِ) ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْعُمْرَةِ وَهَذَا مَكْرُوهٌ فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ وَهُوَ دَمُ جَبْرٍ وَكَفَّارَةٍ (وَمَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ لَزِمَاهُ) ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مَشْرُوعٌ فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ، وَالْمَسْأَلَةُ فِيهِ فَيَصِيرُ بِذَلِكَ قَارِنًا لَكِنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ فَيَصِيرُ مُسِيئًا (وَلَوْ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ وَلَمْ يَأْتِ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ فَهُوَ رَافِضٌ لِعُمْرَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا إذْ هِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْحَجِّ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ (فَإِنْ تَوَجَّهَ إلَيْهَا لَمْ يَكُنْ رَافِضًا حَتَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَنْ فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ إلَّا التَّقْصِيرَ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ أُخْرَى فَعَلَيْهِ دَمٌ) يَعْنِي بِالِاتِّفَاقِ (لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ الْوَقْتِ) ؛ لِأَنَّ وَقْتَهُ بَعْدَ الْحَلْقِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يُوجَدْ (لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْعُمْرَةِ وَهَذَا مَكْرُوهٌ فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ وَهُوَ دَمُ جَبْرٍ وَكَفَّارَةٍ) لَا يَحِلُّ التَّنَاوُلُ مِنْهُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ خَوَاصِّ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بَيَّنَ فِيهَا لُزُومَ دَمِ الْجَمْعِ فِي الْعُمْرَةِ مِنْ غَيْرِ اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَسَكَتَ مُحَمَّدٌ بَيَانُ وُجُوبِهِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَأَوْجَبَهُ فِي مَنَاسِكِ الْمَبْسُوطِ. وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ. وَأَمَّا وُجُوبُهُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْعُمْرَةِ فَذَلِكَ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَيْضًا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ مُحَمَّدٍ فِي لُزُومِ الْإِحْرَامَيْنِ كَمَذْهَبِهِمَا، وَإِلَّا لَمَا لَزِمَ عِنْدَهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ لِعَدَمِ لُزُومِ أَحَدِهِمَا، إلَّا إذْ أَرَادَ بِالْجَمْعِ إدْخَالَ الْإِحْرَامِ عَلَى الْإِحْرَامِ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ إلَّا أَحَدُهُمَا فَيَسْتَقِيمُ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ) أَيْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ (ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ لَزِمَاهُ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مَشْرُوعٌ فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ وَالْمَسْأَلَةُ فِيهِ فَيَصِيرُ بِذَلِكَ قَارِنًا) لِأَنَّهُ قَرَنَ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ (لَكِنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ فَيَصِيرُ مُسِيئًا) ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ إدْخَالُ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ لَا إدْخَالُ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] جَعَلَ الْحَجَّ آخِرَ الْغَايَتَيْنِ، لَكِنْ لَمَّا لَمْ يُؤَدِّ الْحَجَّ صَحَّ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ وُجِدَ فِي الْأَفْعَالِ، وَإِنْ فَاتَ فِي الْإِحْرَامِ فَعَلَيْهِ تَقْدِيمُ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ، حَتَّى (لَوْ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ وَلَمْ يَأْتِ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ كَانَ رَافِضًا لِعُمْرَتِهِ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا إذْ هِيَ مَبْنِيَّةً عَلَى الْحَجِّ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ) بَلْ الْمَشْرُوعُ هُوَ أَنْ تَكُونَ أَفْعَالُ الْحَجِّ مَبْنِيَّةً عَلَى أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ. وَقَوْلُهُ مَبْنِيَّةً نُصِبَ عَلَى الْحَالِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَالْعَامِلُ فِيهَا مَعْنَى الْإِشَارَةِ فِي هِيَ فَلِذَا كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِقَيْدٍ سَيَجِيءُ وَفِيهِ نَظَرٌ (فَإِنْ تَوَجَّهَ إلَيْهَا لَمْ يَكُنْ رَافِضًا) حَتَّى لَوْ بَدَا لَهُ فَرَجَعَ مِنْ الطَّرِيقِ

يَقِفَ) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ (فَإِنْ طَافَ لِلْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فَمَضَى عَلَيْهِمَا لَزِمَاهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا) ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مَشْرُوعٌ عَلَى مَا مَرَّ فَيَصِحُّ الْإِحْرَامُ بِهِمَا، وَالْمُرَادُ بِهَذَا الطَّوَافِ طَوَافُ التَّحِيَّةِ، وَأَنَّهُ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِرُكْنٍ حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ بِتَرْكِهِ شَيْءٌ، وَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِمَا هُوَ رُكْنٌ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ ثُمَّ بِأَفْعَالِ الْحَجِّ، فَلِهَذَا لَوْ مَضَى عَلَيْهِمَا جَازَ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ دَمُ كَفَّارَةٍ وَجَبْرٍ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ بَانٍ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ مِنْ وَجْهٍ. (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْفُضَ عُمْرَتَهُ) ؛ لِأَنَّ إحْرَامَ الْحَجِّ قَدْ تَأَكَّدَ بِشَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَطُفْ لِلْحَجِّ، وَإِذَا رَفَضَ عُمْرَتَهُ يَقْضِيهَا لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا (وَعَلَيْهِ دَمٌ) لِرَفْضِهَا (وَمَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فِي يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَزِمَتْهُ) لِمَا قُلْنَا (وَيَرْفُضُهَا) أَيْ يَلْزَمُهُ الرَّفْضُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَدَّى رُكْنَ الْحَجِّ فَيَصِيرُ بَانِيًا أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى مَكَّةَ فَطَافَ لِعُمْرَتِهِ وَسَعَى ثُمَّ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ كَانَ قَارِنًا (وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ) يَعْنِي فِي آخِرِ بَابِ الْقِرَانِ حَيْثُ قَالَ وَلَا يَصِيرُ رَافِضًا بِمُجَرَّدِ التَّوَجُّهِ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ (فَإِنْ طَافَ لِلْحَجِّ) يَعْنِي طَوَافَ التَّحِيَّةِ (ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فَمَضَى عَلَيْهِمَا) وَتَفْسِيرُ الْمُضِيِّ أَنْ يُقَدِّمَ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ كَمَا هُوَ الْمَسْنُونُ فِي الْقِرَانِ (لَزِمَاهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مَشْرُوعٌ عَلَى مَا مَرَّ) يَعْنِي قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مَشْرُوعٌ فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ (فَصَحَّ الْإِحْرَامُ بِهِمَا) وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَقَاضِي خَانْ وَالْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ أَنَّ ذَلِكَ دَمُ الْقِرَانِ فَيَكُونُ دَمَ شُكْرٍ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ مِثْلَ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ لِأَنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ فِي بِنَاءِ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ مِنْ وَجْهٍ فَكَانَ كَقِرَانِ الْمَكِّيِّ. وَقَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فِي يَوْمِ النَّحْرِ) يَعْنِي قَبْلَ الْحَلْقِ أَوْ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ مَنْ أَهَلَّ بِهَا بَعْدَمَا حَلَّ مِنْ الْحَجَّةِ بِالْحَلْقِ يَأْتِي ذِكْرُهُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَالظَّاهِرُ الْإِطْلَاقُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ. وَقَوْلُهُ (لَزِمَتْهُ لِمَا قُلْنَا) يُرِيدُ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مَشْرُوعٌ فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ. وَقَوْلُهُ (وَيَرْفُضُهَا) قَالُوا مَعْنَاهُ: يَلْزَمُهُ الرَّفْضُ لِأَنَّهُ قَدْ أَدَّى رُكْنَ الْحَجِّ، وَهُوَ الْوُقُوفُ فَيَصِيرُ بَانِيًا

أَفْعَالِ الْحَجِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَقَدْ كُرِهَتْ الْعُمْرَةُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ أَيْضًا عَلَى مَا نَذْكُرُ فَلِهَذَا يَلْزَمُهُ رَفْضُهَا، فَإِنْ رَفَضَهَا فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِرَفْضِهَا (وَعُمْرَةٌ مَكَانَهَا) لِمَا بَيَّنَّا (فَإِنْ مَضَى عَلَيْهَا أَجْزَأَهُ) ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا وَهُوَ كَوْنُهُ مَشْغُولًا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ بِأَدَاءِ بَقِيَّةِ أَعْمَالِ الْحَجِّ فَيَجِبُ تَخْلِيصُ الْوَقْتِ لَهُ تَعْظِيمًا (وَعَلَيْهِ دَمٌ لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا) إمَّا فِي الْإِحْرَامِ أَوْ فِي الْأَعْمَالِ الْبَاقِيَةِ، قَالُوا: وَهَذَا دَمُ كَفَّارَةٍ أَيْضًا. وَقِيلَ إذَا حَلَقَ لِلْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ لَا يَرْفُضُهَا عَلَى ظَاهِرِ مَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ، وَقِيلَ يَرْفُضُهَا احْتِرَازًا عَنْ النَّهْيِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ كُرِهَتْ الْعُمْرَةُ) وَجْهٌ آخَرُ فِي لُزُومِ الرَّفْضِ (عَلَى مَا نَذْكُرُ) إشَارَةً إلَى مَا يُذْكَرُ فِي بَابِ الْفَوَاتِ بِقَوْلِهِ الْعُمْرَةُ لَا تَفُوتُ وَهِيَ جَائِزَةٌ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ إلَّا خَمْسَةَ أَيَّامٍ يُكْرَهُ فِعْلُهَا فِيهَا. وَقَوْلُهُ (وَعُمْرَةٌ مَكَانَهَا) أَيْ قَضَاءً لِلْمَرْفُوضَةِ. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةً إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مَشْرُوعٌ. فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ إذَا أَفْسَدَهُ وَهُنَا يَلْزَمُ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ مُجَرَّدَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ فِيهِ تَحْصُلُ بِهِ الْمَعْصِيَةُ وَهِيَ تَرْكُ إجَابَةِ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَيُؤْمَرُ بِالْإِفْطَارِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ، وَأَمَّا بِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ لِلْعُمْرَةِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فَلَا تَحْصُلُ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ أَدَاءُ أَفْعَالِهَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ (وَإِنْ مَضَى عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْعُمْرَةِ الَّتِي أَحْرَمَ لَهَا يَوْمَ النَّحْرِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَلَيْهِمَا: أَيْ عَلَى الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ (أَجْزَأَهُ) وَدَلِيلُهُ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَعَلَيْهِ دَمٌ لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا، إمَّا فِي الْإِحْرَامِ) يَعْنِي إنْ كَانَ إحْرَامُ الْعُمْرَةِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ بِالْحَلْقِ (أَوْ فِي الْأَعْمَالِ الْبَاقِيَةِ) يَعْنِي إذَا كَانَ بَعْدَ الْحَلْقِ، وَهَذَا يُرْشِدُك إلَى أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى إطْلَاقِهِ لَيْسَ بِمُقَيَّدٍ بِمَا قَبْلَ الْحَلْقِ كَمَا قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ قَبْلَ الْحَلْقِ فَفِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ فَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ أَوْ فِي الْأَعْمَالِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ ذُكِرَ بِكَلِمَةِ أَوْ، وَكَذَا قَوْلُهُ وَقِيلَ إذَا حَلَقَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَاهُ يَلْزَمُهُ الرَّفْضُ مُطْلَقًا (وَقِيلَ إذَا حَلَقَ لِلْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ لَا يَرْفُضُهَا عَلَى ظَاهِرِ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ) قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ الرَّفْضَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَجَوَابُهُ فِي الْأَصْلِ مُشْتَبَهٌ ظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَرْفُضُهَا (وَقِيلَ يَرْفُضُهَا احْتِرَازًا عَنْ النَّهْيِ)

قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: وَمَشَايِخُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى هَذَا (فَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ أَوْ بِحَجَّةٍ فَإِنَّهُ يَرْفُضُهَا) ؛ لِأَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ يَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقَلِبَ إحْرَامُهُ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ عَلَى مَا يَأْتِيك فِي بَابِ الْفَوَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَيَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ الْعُمْرَتَيْنِ مِنْ حَيْثُ الْأَفْعَالُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْفُضَهَا كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَتَيْنِ، وَإِنْ أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ الْحَجَّتَيْنِ إحْرَامًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْفُضَهَا كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا وَدَمٌ لِرَفْضِهَا بِالتَّحَلُّلِ قَبْلَ أَوَانِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي النَّهْيَ عَنْ الْعُمْرَةِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ كَمَا ذَكَرْنَا (قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَمَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: عَلَى هَذَا) الْقَوْلِ وَهُوَ رَفْضُ الْعُمْرَةِ. وَمَعْنَى مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا يَرْفُضُهَا: أَيْ لَا تُرْتَفَضُ مِنْ غَيْرِ رَفْضٍ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ) يَعْنِي فَائِتَ الْحَجِّ وَهُوَ مَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ إذَا أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ فَإِنَّهُ يَرْفُضُ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا. أَمَّا إذَا كَانَتْ عُمْرَةً؛ فَلِأَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ يَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقَلِبَ إحْرَامُهُ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِي حَقِّ لُزُومِ الرَّفْضِ إذَا أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ أُخْرَى، فَعِنْدَهُمَا يَرْفُضُهَا كَيْ لَا يَصِيرَ جَامِعًا بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَرْفُضُهَا بَلْ يَمْضِي فِيهَا. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا يَأْتِيك) أَرَادَ بِهِ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ يَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ لَا قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقَلِبَ إحْرَامُهُ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا غَيْرُ مَذْكُورٍ هُنَاكَ. وَقَوْلُهُ (فَيَصِيرُ جَامِعًا) أَيْ فَائِتُ الْحَجِّ الَّذِي أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ يَصِيرُ جَامِعًا (بَيْنَ الْعُمْرَتَيْنِ) أَفْعَالًا فَيَجِبُ أَنْ يَرْفُضَ الْعُمْرَةَ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَتَيْنِ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ حَجَّةً فَإِنَّهُ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ الْحَجَّتَيْنِ إحْرَامًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْفُضَهَا كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا وَدَمٌ لِرَفْضِهَا بِالتَّحَلُّلِ قَبْلَ أَوَانِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[باب الإحصار]

(وَإِذَا أُحْصِرَ الْمُحْرِمُ بِعَدُوٍّ أَوْ أَصَابَهُ مَرَضٌ فَمَنَعَهُ مِنْ الْمُضِيِّ جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَكُونُ الْإِحْصَارُ إلَّا بِالْعَدُوِّ؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ بِالْهَدْيِ شُرِعَ فِي حَقِّ الْمُحْصَرِ؛ لِتَحْصِيلِ النَّجَاةِ وَبِالْإِحْلَالِ يَنْجُو مِنْ الْعَدُوِّ لَا مِنْ الْمَرَضِ. وَلَنَا أَنَّ آيَةَ الْإِحْصَارِ وَرَدَتْ فِي الْإِحْصَارِ بِالْمَرَضِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: الْإِحْصَارُ بِالْمَرَضِ وَالْحَصْرُ بِالْعَدُوِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْإِحْصَارِ] لَمَّا كَانَ مِنْ الْإِحْصَارِ مَا هُوَ جِنَايَةٌ عَلَى الْمُحْرِمِ أَعْقَبَهُ بَابَ الْجِنَايَاتِ بِبَابٍ عَلَى حِدَةٍ، تَقُولُ الْعَرَبُ: أُحْصِرَ إذَا مَنَعَهُ خَوْفٌ أَوْ عَدُوٌّ أَوْ مَرَضٌ مِنْ الْوُصُولِ إلَى إتْمَامِ حَجَّتِهِ أَوْ عُمْرَتِهِ، وَإِذَا حَبَسَهُ سُلْطَانٌ أَوْ قَاهِرٌ مَانِعٌ يَقُولُونَ حُصِرَ، فَالْمُحْصَرُ مُحْرِمٌ مَمْنُوعٌ عَنْ الْمُضِيِّ إلَى إتْمَامِ أَفْعَالِ مَا أَحْرَمَ لِأَجْلِهِ (فَإِذَا أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ أَوْ مَرَضٍ فَمُنِعَ مِنْ الْمُضِيِّ جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ) وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حُصِرَ الْإِحْصَارُ فِي الْعَدُوِّ وَقَالَ: الْمَرِيضُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَرَطَ ذَلِكَ عِنْدَ إحْرَامِهِ، وَلَكِنَّهُ يَصِيرُ إلَى أَنْ يَبْرَأَ (لِأَنَّ التَّحَلُّلَ بِالْهَدْيِ شُرِعَ فِي حَقِّ الْمُحْصَرِ لِتَحْصِيلِ النَّجَاةِ) بِالْإِحْلَالِ وَالنَّجَاةُ بِالْإِحْلَالِ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ الْعَدُوِّ وَلِأَنَّ مَا بِهِ مِنْ الْمَرَضِ لَا يَزُولُ بِالتَّحَلُّلِ، بِخِلَافِ الْمُحْصَرِ بِالْعَدُوِّ فَإِنَّ مَا اُبْتُلِيَ بِهِ يَزُولُ بِالتَّحَلُّلِ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى أَهْلِهِ فَيَنْدَفِعُ عَنْهُ شَرُّ عَدُوِّهِ (وَلَنَا أَنَّ آيَةَ الْإِحْصَارِ وَرَدَتْ فِي الْإِحْصَارِ بِالْمَرَضِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: الْإِحْصَارُ بِالْمَرَضِ وَالْحَصْرُ بِالْعَدُوِّ) وَإِذَا وَرَدَتْ فِيهِ كَانَتْ

وَالتَّحَلُّلُ قَبْلَ أَوَانِهِ لِدَفْعِ الْحَرَجِ الْآتِي مِنْ قِبَلِ امْتِدَادِ الْإِحْرَامِ، وَالْحَرَجُ فِي الِاصْطِبَارِ عَلَيْهِ مَعَ الْمَرَضِ أَعْظَمُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQدَلَالَتُهُ عَلَى الْإِحْصَارِ بِالْمَرَضِ أَقْوَى، وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ كَانَ مِنْ حَقِّ الْكَلَامِ أَنْ يَقُولَ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ لَا تَعَلُّقَ لَهُمْ بِوُرُودِ الْآيَةِ وَسَبَبِ نُزُولِهَا. وَالثَّانِي أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَكَانَ الْإِحْصَارُ بِالْعَدُوِّ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ مَعْنَاهُ بِدَلَالَةِ إجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ أَجْمَعُوا عَلَى مَعْنًى دَلَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ وَارِدَةً فِي الْإِحْصَارِ بِمَرَضٍ. وَعَنْ الثَّانِي بِمَا قِيلَ النُّصُوصُ الْوَارِدَةُ مُطْلَقَةٌ يُعْمَلُ بِهَا عَلَى إطْلَاقِهَا مِنْ غَيْرِ حَمْلٍ عَلَى الْأَسْبَابِ الْوَارِدَةِ هِيَ لِأَجْلِهَا. وَقَوْلُهُ (وَالتَّحَلُّلُ قَبْلَ أَوَانِهِ) اسْتِدْلَالٌ بِمَعْقُولٍ فِيهِ شَائِبَةُ التَّنَزُّلِ كَأَنَّهُ قَالَ: سَلَّمْنَا أَنَّ آيَةَ الْإِحْصَارِ وَرَدَتْ فِي الْحَصْرِ بِالْعَدُوِّ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِحْصَارِ وَالْحَصْرِ، لَكِنَّ الْمَرَضَ مُلْحَقٌ بِهِ بِالدَّلَالَةِ؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ قَبْلَ أَوَانِهِ (لِدَفْعِ الْحَرَجِ الْآتِي مِنْ قِبَلِ امْتِدَادِ الْإِحْرَامِ وَالْحَرَجُ فِي الِاصْطِبَارِ عَلَى الْإِحْرَامِ مَعَ الْمَرَضِ أَعْظَمُ) لَا مَحَالَةَ لِكَثْرَةِ احْتِيَاجِهِ مُدَاوَاةً وَمُدَارَاةً إلَى مَا هُوَ جِنَايَةٌ عَلَى

وَإِذَا جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ (يُقَالُ لَهُ ابْعَثْ شَاةً تُذْبَحُ فِي الْحَرَمِ وَوَاعِدْ مَنْ تَبْعَثُهُ بِيَوْمٍ بِعَيْنِهِ يَذْبَحُ فِيهِ ثُمَّ تَحَلَّلَ) وَإِنَّمَا يَبْعَثُ إلَى الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ دَمَ الْإِحْصَارِ قُرْبَةٌ، وَالْإِرَاقَةُ لَمْ تُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان عَلَى مَا مَرَّ فَلَا يَقَعُ قُرْبَةً دُونَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِحْرَامِ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا جَازَ التَّحَلُّلُ) يَعْنِي إذَا ثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلِيلِ جَوَازُ التَّحَلُّلِ لِلْمُحْصَرِ (يُقَالُ لَهُ ابْعَثْ شَاةً تُذْبَحُ فِي الْحَرَمِ وَوَاعِدْ مَنْ تَبْعَثُهُ بِيَوْمٍ بِعَيْنِهِ يُذْبَحُ فِيهِ ثُمَّ تَحَلَّلْ) وَهَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ دَمَ الْإِحْصَارِ عِنْدَهُ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ فَيَحْتَاجُ إلَى الْمُوَاعَدَةِ لِيُعْرَفَ وَقْتُ الْإِحْلَالِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَدَمُ الْإِحْصَارِ فِي الْحَجِّ مُوَقَّتٌ بِيَوْمِ النَّحْرِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْمُوَاعَدَةِ فِيهِ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا فِي الْعُمْرَةِ، فَإِذَا بَعَثَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَقَامَ بِمَكَانِهِ وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ مَمْنُوعًا مِنْ الذَّهَابِ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْمَقَامِ وَالِانْصِرَافِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: إنَّمَا قُيِّدَ بِقَوْلِهِ يُذْبَحُ فِيهِ ثُمَّ يَتَحَلَّلُ لِأَنَّهُ إذَا ظَنَّ الْمُحْصَرُ بِهِ ذَبْحَ هَدْيِهِ فَفَعَلَ مَا يَفْعَلُ الْحَلَالُ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْبَحْ كَانَ عَلَيْهِ مَا عَلَى الَّذِي ارْتَكَبَ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ لِبَقَاءِ إحْرَامِهِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنَّمَا يَبْعَثُ إلَى الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ دَمَ الْإِحْصَارِ قُرْبَةٌ وَالْإِرَاقَةُ لَمْ تُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان عَلَى مَا مَرَّ) فَدَمُ الْإِحْصَارِ لَا يُعْرَفُ قُرْبَةً بِدُونِ أَحَدِ هَذَيْنِ

فَلَا يَقَعُ بِهِ التَّحَلُّلُ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] فَإِنَّ الْهَدْيَ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَتَوَقَّتُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ رُخْصَةً وَالتَّوْقِيتُ يُبْطِلُ التَّخْفِيفَ. قُلْنَا: الْمُرَاعَى أَصْلُ التَّخْفِيفِ لَا نِهَايَتُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا يَقَعُ بِهِ التَّحَلُّلُ) وَقَدْ عَيَّنَ الشَّارِعُ الْمَكَانَ بِإِشَارَةٍ (قَوْلُهُ {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] فَإِنَّ الْهَدْيَ اسْمٌ لَمَا يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ) وَالْمَحِلُّ بِالْكَسْرِ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَكَانِ كَالْمَسْجِدِ وَالْمَجْلِسِ، نَهْيٌ عَنْ الْحَلْقِ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَوْضِعَ حِلِّهِ، ثُمَّ فُسِّرَ الْمَحِلُّ بِقَوْلِهِ ثُمَّ مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ عَيْنَ الْبَيْتِ لِأَنَّهُ لَا تُرَاقُ فِيهِ الدِّمَاءُ فَكَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْحَرَمَ، وَهَذَا وَاضِحٌ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَتَوَقَّتُ بِالْحَرَمِ لِأَنَّهُ شُرِعَ رُخْصَةً وَالتَّوْقِيتُ يُبْطِلُ التَّخْفِيفَ. قُلْنَا: الْمُرَاعَى أَصْلُ التَّخْفِيفِ لَا نِهَايَتُهُ) وَلِهَذَا لَمْ يَسْتَحِقَّ التَّخْفِيفَ مَتَى لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ بَلْ يَبْقَى مُحْرِمًا أَبَدًا،؛ وَلِأَنَّ

وَتَجُوزُ الشَّاةُ؛ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ وَالشَّاةُ أَدْنَاهُ، وَتُجْزِيهِ الْبَقَرَةُ وَالْبَدَنَةُ أَوْ سُبْعُهُمَا كَمَا فِي الضَّحَايَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِمَا ذَكَرْنَا بَعْثَ الشَّاةِ بِعَيْنِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَتَعَذَّرُ، بَلْ لَهُ أَنْ يَبْعَثَ بِالْقِيمَةِ حَتَّى تُشْتَرَى الشَّاةُ هُنَالِكَ وَتُذْبَحَ عَنْهُ. وَقَوْلُهُ ثُمَّ تَحَلَّلَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ الْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَقَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَكَانَ مُحْصَرًا بِهَا وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِذَلِكَ» . وَلَهُمَا أَنَّ الْحَلْقَ إنَّمَا عُرِفَ قُرْبَةً مُرَتَّبًا عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ فَلَا يَكُونُ نُسُكًا قَبْلَهَا وَفَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ لِيُعَرِّفَ اسْتِحْكَامَ عَزِيمَتِهِمْ عَلَى الِانْصِرَافِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQنِهَايَتَهُ لَوْ كَانَتْ مُرَاعَاةً لَتَحَلَّلَ فِي الْحَالِ كَمَا قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَيْسَ كَذَلِكَ بِاتِّفَاقٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ. وَقَوْلُهُ (وَتَجُوزُ الشَّاةُ) ظَاهِرٌ، وَذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُعْسِرًا لَا يَجِدُ قِيمَةَ شَاةٍ أَقَامَ حَرَامًا حَتَّى يَطُوفَ وَيَسْعَى كَمَا يَفْعَلُهُ فَائِتُ الْحَجِّ. وَقَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: عَلَيْهِ ذَلِكَ) أَيْ الْحَلْقُ (وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَقَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ وَكَانَ مُحْصَرًا بِهَا وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ» فَإِنْ قِيلَ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ الدَّلِيلِ يَدُلُّ عَلَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِمَا أَنَّ مُجَرَّدَ فِعْلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الَّذِي لَا يُفْعَلُ قُرْبَةً دَلِيلُ الْوُجُوبِ فَكَيْفَ إذَا أَمَرَ غَيْرَهُ بِذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى قَوْلِهِ وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَأَيْنَ دَلِيلُهُ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهَا رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ يَجُوزُ، وَفِي أُخْرَى وَاجِبٌ. وَالْمُصَنِّفُ أَوْرَدَ دَلِيلَ رِوَايَةِ الْوُجُوبِ وَلَمْ يُورِدْ دَلِيلَ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ دَلِيلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ يَصْلُحُ دَلِيلًا لَهَا. وَقَوْلُهُ (وَلَهُمَا أَنَّ الْحَلْقَ إنَّمَا عُرِفَ قُرْبَةً) يَعْنِي أَنَّ كَوْنَ الْحَلْقِ قُرْبَةً عُرِفَ بِالنَّصِّ، بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُرَاعَى فِيهِ جَمِيعُ مَا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ مِنْ الْأَوْصَافِ وَمِنْ جُمْلَتِهَا كَوْنُهُ (مُرَتَّبًا عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ) فَلَا يَكُونُ فِي غَيْرِ الْمُرَتَّبِ قُرْبَةٌ، وَأَمَّا حَلْقُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ فَلِيَعْرِفَ الْمُشْرِكُونَ اسْتِحْكَامَ عَزِيمَةِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الِانْصِرَافِ فَيَأْمَنُوا جَانِبَهُمْ وَلَا يَشْتَغِلُوا بِمَكِيدَةٍ أُخْرَى بَعْدَ الصُّلْحِ.

(وَإِنْ كَانَ قَارِنًا بَعَثَ بِدَمَيْنِ) لِاحْتِيَاجِهِ إلَى التَّحَلُّلِ مِنْ إحْرَامَيْنِ، فَإِنْ بَعَثَ بِهَدْيٍ وَاحِدٍ لِيَتَحَلَّلَ عَنْ الْحَجِّ وَيَبْقَى فِي إحْرَامِ الْعُمْرَةِ لَمْ يَتَحَلَّلْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ مِنْهُمَا شُرِعَ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ. (وَلَا يَجُوزُ ذَبْحُ دَمِ الْإِحْصَارِ إلَّا فِي الْحَرَمِ، وَيَجُوزُ ذَبْحُهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا: لَا يَجُوزُ الذَّبْحُ لِلْمُحْصَرِ بِالْحَجِّ إلَّا فِي يَوْمِ النَّحْرِ، وَيَجُوزُ لِلْمُحْصَرِ بِالْعُمْرَةِ مَتَى شَاءَ) اعْتِبَارًا بِهَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ، وَرُبَّمَا يَعْتَبِرَانِهِ بِالْحَلْقِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحَلَّلٌ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ) الْمُحْصَرُ (قَارِنًا بَعَثَ بِدَمَيْنِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى التَّحَلُّلِ عَنْ إحْرَامَيْهِ، فَإِنْ بَعَثَ بِهَدْيٍ وَاحِدٍ لِيَتَحَلَّلَ عَنْ الْحَجِّ وَيَبْقَى فِي إحْرَامِ الْعُمْرَةِ لَمْ يَتَحَلَّلْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ مِنْهُمَا شُرِعَ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ) لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا» وَبِالْهَدْيِ الْوَاحِدِ لَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُمَا فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ أَصْلًا. فَإِنْ قِيلَ: دَمُ الْإِحْصَارِ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَلْقِ فِي التَّحَلُّلِ وَالْقَارِنُ يَتَحَلَّلُ بِحَلْقٍ وَاحِدٍ عَنْ الْإِحْرَامَيْنِ فَمَا بَالُهُ لَا يَتَحَلَّلُ عَنْهُمَا بِهَدْيٍ وَاحِدٍ؟ أُجِيبَ بِجَوَابَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْحَلْقَ فِي الْأَصْلِ مَحْظُورُ الْإِحْرَامِ، وَإِنَّمَا صَارَ قُرْبَةً بِسَبَبِ التَّحَلُّلِ فَكَانَ قُرْبَةً لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ كَالْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ فَيَنُوبُ الْوَاحِدُ عَنْ الِاثْنَيْنِ كَالطَّهَارَةِ الْوَاحِدَةِ تَكْفِي لِصَلَوَاتٍ كَثِيرَةٍ. وَأَمَّا الْهَدْيُ فَإِنَّهُ شُرِعَ لِلتَّحَلُّلِ إلَّا أَنَّهُ قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ بِدُونِ التَّحَلُّلِ وَلِهَذَا جَازَ النَّذْرُ بِهِ، وَمَا هُوَ قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ بِنَفْسِهِ لَا يَنُوبُ الْوَاحِدُ فِيهِ عَنْ الِاثْنَيْنِ كَأَفْعَالِ الصَّلَاةِ. وَالثَّانِي أَنَّ الْحَلْقَ مَحْظُورُ الْإِحْرَامِ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ قُرْبَةً بِسَبَبِ التَّحَلُّلِ. فَإِنْ تَكَرَّرَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ التَّحَلُّلُ وَاقِعًا بِالْأَوَّلِ أَوْ بِالثَّانِي، فَإِنْ وَقَعَ بِالْأَوَّلِ كَانَ الثَّانِي لَغْوًا، وَإِنْ وَقَعَ بِالثَّانِي كَانَ الْأَوَّلُ جِنَايَةً، فَأَمَّا الذَّبْحُ فَلَيْسَ بِمَحْظُورِ الْإِحْرَامِ فَصَحَّ الْجَمْعُ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ ذَبْحُ دَمِ الْإِحْصَارِ إلَّا فِي الْحَرَمِ) إنَّمَا أَعَادَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِيَجْعَلَهَا تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ وَيَجُوزُ ذَبْحُهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ زِيَادَةً فِي بَيَانِ أَنَّ دَمَ الْإِحْصَارِ أَعْرَفُ فِي اخْتِصَاصِهِ بِالْمَكَانِ حَيْثُ لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ أَصْحَابُنَا مِنْ اخْتِصَاصِهِ بِالزَّمَانِ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ. وَقَوْلُهُ (اعْتِبَارًا بِهَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ) تَعْلِيلُ عَدَمِ جَوَازِ الذَّبْحِ لِلْمُحْصَرِ بِالْحَجِّ إلَّا فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَأَمَّا قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ لِلْمُحْصَرِ بِالْعُمْرَةِ مَتَى شَاءَ) فَبِالِاتِّفَاقِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَعْلِيلٍ (وَرُبَّمَا يَعْتَبِرَانِهِ بِالْحَلْقِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحَلِّلٌ) فَكَمَا لَمْ يَجُزْ الْحَلْقُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ فَكَذَلِكَ الذَّبْحُ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ)

- رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ دَمُ كَفَّارَةٍ حَتَّى لَا يَجُوزَ الْأَكْلُ مِنْهُ فَيَخْتَصُّ بِالْمَكَانِ دُونَ الزَّمَانِ كَسَائِرِ دِمَاءِ الْكَفَّارَاتِ، بِخِلَافِ دَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ؛ لِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ، وَبِخِلَافِ الْحَلْقِ؛ لِأَنَّهُ فِي أَوَانِهِ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ أَفْعَالِ الْحَجِّ وَهُوَ الْوُقُوفُ يَنْتَهِي بِهِ. قَالَ: (وَالْمُحْصَرُ بِالْحَجِّ إذَا تَحَلَّلَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ) هَكَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلِأَنَّ الْحَجَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ دَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ) جَوَابٌ عَنْ اعْتِبَارِهِمَا صُورَةَ النِّزَاعِ بِهِمَا (لِأَنَّهُ) أَيْ دَمَ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ (دَمُ نُسُكٍ) وَمَا هُوَ دَمُ نُسُكٍ يَخْتَصُّ بِالزَّمَانِ فَكَذَا هَذَا. وَقَوْلُهُ (وَبِخِلَافِ الْحَلْقِ) جَوَابٌ عَنْ اعْتِبَارِهِمَا الْآخَرِ. وَبَيَانُهُ أَنَّ التَّحَلُّلَ عَلَى نَوْعَيْنِ: تَحَلُّلٌ فِي أَوَانِهِ وَهُوَ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَى أَفْعَالِ مَا أَحْرَمَ لِأَجْلِهِ، وَتَحَلُّلٌ قَبْلَ أَوَانِهِ وَهُوَ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ التَّوْقِيتِ بِيَوْمِ النَّحْرِ؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ (وَهُوَ يَنْتَهِي بِهِ) أَيْ بِوَقْتِ الْحَلْقِ؛ لِأَنَّ وَقْتَهُ يَمْتَدُّ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ الْحَلْقُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَدَاءِ الْأَفْعَالِ فَيَجُوزُ تَقْدِيمُهَا لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ إلَى التَّوْقِيتِ بِيَوْمِ النَّحْرِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الثَّانِي فَكَانَ قِيَاسُهُ عَلَى الْأَوَّلِ قِيَاسًا مَعَ وُجُودِ الْفَارِقِ وَهُوَ بَاطِلٌ. قَالَ صَاحِبُ الْأَسْرَارِ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ زَمَانٍ، فَاشْتِرَاطُهُ بِالْقِيَاسِ نَسْخٌ. قَالَ (وَالْمُحْصَرُ بِالْحَجِّ إذَا تَحَلَّلَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ فَاتَهُ عَرَفَةُ بِلَيْلٍ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَلْيُحْلِلْ بِعُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ» وَالْحَدِيثُ عَامٌّ فِي الَّذِي فَاتَهُ الْحَجُّ بِفَوَاتِ وَقْتِ الْوُقُوفِ وَفَوَاتُهُ بِالْإِحْصَارِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ فَاتَهُ عَرَفَةُ فَقُلْنَا بِوُجُوبِ الْعُمْرَةِ، وَأَمَّا الْحَجَّةُ فَإِنَّهَا تَجِبُ قَضَاءً لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا. فَإِنْ قِيلَ: الْعُمْرَةُ فِي فَائِتِ الْحَجِّ لِلتَّحَلُّلِ، وَالتَّحَلُّلُ هَاهُنَا حَصَلَ بِالْهَدْيِ فَلَا حَاجَةَ إلَى

يَجِبُ قَضَاؤُهَا لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا وَالْعُمْرَةُ لِمَا أَنَّهُ فِي مَعْنَى فَائِتِ الْحَجِّ (وَعَلَى الْمُحْصَرِ بِالْعُمْرَةِ الْقَضَاءُ) وَالْإِحْصَارُ عَنْهَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَنَا. وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَتَحَقَّقُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَوَقَّتُ. وَلَنَا أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَصْحَابَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أُحْصِرُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ وَكَانُوا عُمَّارًا؛ وَلِأَنَّ شَرْعَ التَّحَلُّلِ لِدَفْعِ الْحَرَجِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي إحْرَامِ الْعُمْرَةِ، وَإِذَا تَحَقَّقَ الْإِحْصَارُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ إذَا تَحَلَّلَ كَمَا فِي الْحَجِّ. (وَعَلَى الْقَارِنِ حَجَّةٌ وَعُمْرَتَانِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQإيجَابِ الْعُمْرَةِ. قُلْنَا: هَذَا رَأْيٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ لِمَا رَوَى سَالِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - «أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: حَسْبُكُمْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ حُبِسَ أَحَدُكُمْ عَنْ الْبَيْتِ طَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى يَحُجَّ عَامًا قَابِلًا» . وَقَوْلُهُ (وَعَلَى الْمُحْصَرِ بِالْعُمْرَةِ الْقَضَاءُ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِحْصَارَ عَنْ الْعُمْرَةِ مُتَصَوَّرٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ فِي الْعُمْرَةِ (لِأَنَّهَا لَا تَتَوَقَّتُ. وَلَنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - أُحْصِرُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ وَكَانُوا عُمَّارًا) صَحَّ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ أُحْصِرُوا بِالْعُمْرَةِ بِالْحُدَيْبِيَةِ فَقَضَوْهَا مِنْ قَابِلٍ وَكَانَتْ تُسَمَّى عُمْرَةَ الْقَضَاءِ (؛ وَلِأَنَّ التَّحَلُّلَ مَشْرُوعٌ لِدَفْعِ الْحَرَجِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي إحْرَامِ الْعُمْرَةِ، وَإِذَا تَحَقَّقَ الْإِحْصَارُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ إذَا تَحَلَّلَ كَمَا فِي الْحَجِّ) (وَعَلَى الْقَارِنِ حَجَّةٌ وَعُمْرَتَانِ أَمَّا

أَمَّا الْحَجُّ وَإِحْدَاهُمَا فَلِمَا بَيَّنَّا، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّهُ مُخْرَجٌ مِنْهَا بَعْدَ صِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا. (فَإِنْ بَعَثَ الْقَارِنُ هَدْيًا وَوَاعَدَهُمْ أَنْ يَذْبَحُوهُ فِي يَوْمٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ زَالَ الْإِحْصَارُ، فَإِنْ كَانَ لَا يُدْرِكُ الْحَجَّ وَالْهَدْيَ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَوَجَّهَ بَلْ يَصْبِرَ حَتَّى يَتَحَلَّلَ بِنَحْرِ الْهَدْيِ) لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ مِنْ التَّوَجُّهِ وَهُوَ أَدَاءُ الْأَفْعَالِ، وَإِنْ تَوَجَّهَ لِيَتَحَلَّلَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فَائِتُ الْحَجِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَجُّ وَإِحْدَاهُمَا فَلِمَا بَيَّنَّا) يَعْنِي فِي الْمُفْرِدِ مِنْ كَوْنِهِ بِمَعْنَى فَائِتِ الْحَجِّ (وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا بَعْدَ صِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا) وَقَوْلُهُ (فَإِنْ بَعَثَ الْقَارِنُ هَدْيًا) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: ذِكْرُ الْقَارِنِ هَاهُنَا وَقَعَ غَلَطًا ظَاهِرًا مِنْ النَّاسِخِ، فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: فَإِنْ بَعَثَ الْمُحْصَرُ. وَبَيَانُ الْغَلَطِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ذَكَرَ فَإِنْ بَعَثَ الْقَارِنُ هَدْيًا وَيَجِبُ عَلَى الْقَارِنِ بَعْثُ الْهَدْيَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ بِالْوَاحِدِ لِأَنَّهُ ذُكِرَ قَبْلَ هَذَا فِي هَذَا الْبَابِ، فَإِنْ كَانَ قَارِنًا بَعَثَ بِدَمَيْنِ، وَالثَّانِي أَنَّ الْمُصَنِّفَ جَمَعَ بَيْنَ رِوَايَتَيْ الْقُدُورِيِّ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي هَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ فِي حَقِّ الْمُحْصَرِ بِالْحَجِّ. وَأَقُولُ: لَمَّا كَانَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَبْلَ هَذَا فِي الْقَارِنِ لَمْ يُرِدْ فَكَّ النَّظْمِ فَقَالَ: فَإِنْ بَعَثَ الْقَارِنُ هَدْيًا، وَالْهَدْيُ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ دَمَيْنِ أَوْ دَمًا وَاحِدًا أَوْ ثَوْبًا، وَكَانَ ذَكَرَ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ دَمَانِ وَهُمَا هَدْيُ الْقَارِنِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: فَإِنْ بَعَثَ الْقَارِنُ دَمَيْنِ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ، وَلَا هُوَ غَلَطٌ فِي الْكَلَامِ وَلَا مَنْ نَسَخَهُ، بَلْ رُبَّمَا لَوْ قَالَ: فَإِنْ بَعَثَ الْمُحْصَرُ كَانَ مُلَبِّسًا فِي حَقِّ الْقَارِنِ، وَلَوْ قَالَ هَدْيَيْنِ كَانَ غَيْرَ فَصِيحٍ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِجِنْسِ مَا يُهْدَى فَلَا يُثَنَّى إلَّا إذَا قَصَدَ الْأَنْوَاعَ وَلَيْسَ بِمَقْصُودٍ أَوْ الْعَدَدَ، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ مِمَّا تَقَدَّمَ فَلِهَذَا قَالَ: فَإِنْ بَعَثَ الْقَارِنُ هَدْيًا (وَوَاعَدَهُمْ أَنْ يَذْبَحُوهُ فِي يَوْمٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ زَالَ الْإِحْصَارُ) ثُمَّ إنَّ هَاهُنَا وُجُوهًا أَرْبَعَةً بِحَسَبِ الْقِسْمَةِ الْعَقْلِيَّةِ، لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ لَا يُدْرِكَ الْحَجَّ وَالْهَدْيَ أَوْ يُدْرِكَهُمَا أَوْ يُدْرِكَ الْهَدْيَ دُونَ الْحَجِّ أَوْ بِالْعَكْسِ، وَالْكُلُّ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ. فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ (لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَوَجَّهَ بَلْ يَصِيرُ حَتَّى يَحِلَّ بِنَحْرِ الْهَدْيِ لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ مِنْ التَّوَجُّهِ وَهُوَ أَدَاءُ الْأَفْعَالِ، وَإِنْ تَوَجَّهَ لِيَتَحَلَّلَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ فَلَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ فَائِتُ الْحَجِّ) فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ فِي مَعْنَى فَائِتِ الْحَجِّ وَجَبَ أَنْ يُؤْمَرَ بِالتَّوَجُّهِ وَالتَّحَلُّلِ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ حَتْمًا كَفَائِتِ الْحَجِّ. أُجِيبَ بِأَنَّ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ فِي حَقِّ فَائِتِ الْحَجِّ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِعَيْنِهِ، وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ التَّحَلُّلُ، وَهَذَا الْمَقْصُودُ يَحْصُلُ لَهُ بِالْهَدْيِ الَّذِي بَعَثَهُ

(وَإِنْ كَانَ يُدْرِكُ الْحَجَّ وَالْهَدْيَ لَزِمَهُ التَّوَجُّهُ) لِزَوَالِ الْعَجْزِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْخَلَفِ، وَإِذَا أَدْرَكَ هَدْيَهُ صَنَعَ بِهِ مَا شَاءَ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَقَدْ كَانَ عَيَّنَهُ لِمَقْصُودٍ اسْتَغْنَى عَنْهُ (وَإِنْ كَانَ يُدْرِكُ الْهَدْيَ دُونَ الْحَجِّ يَتَحَلَّلُ) لِعَجْزِهِ عَنْ الْأَصْلِ (وَإِنْ كَانَ يُدْرِكُ الْحَجَّ دُونَ الْهَدْيِ جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ) اسْتِحْسَانًا، وَهَذَا التَّقْسِيمُ لَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِهِمَا فِي الْمُحْصَرِ بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّ دَمَ الْإِحْصَارِ عِنْدَهُمَا يَتَوَقَّتُ بِيَوْمِ النَّحْرِ، فَمَنْ يُدْرِكُ الْحَجَّ يُدْرِكُ الْهَدْيَ، وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي الْمُحْصَرِ بِالْعُمْرَةِ يَسْتَقِيمُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِعَدَمِ تَوَقُّتِ الدَّمِ بِيَوْمِ النَّحْرِ. وَجْهُ الْقِيَاسِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ الْحَجُّ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ، وَهُوَ الْهَدْيُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّا لَوْ أَلْزَمْنَاهُ التَّوَجُّهُ لَضَاعَ مَالُهُ؛ لِأَنَّ الْمَبْعُوثَ عَلَى يَدَيْهِ الْهَدْيُ يَذْبَحُهُ وَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُهُ، وَحُرْمَةُ الْمَالِ كَحُرْمَةِ النَّفْسِ، وَلَهُ الْخِيَارُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِيُنْحَرَ عَنْهُ، فَلَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ بِذَلِكَ ثُمَّ يَقْضِيَ الْعُمْرَةَ، وَلَهُ أَنْ يَتَوَجَّهَ لِئَلَّا يَلْزَمَهُ قَضَاءُ الْعُمْرَةِ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يَلْزَمُهُ التَّوَجُّهُ (لِزَوَالِ الْعَجْزِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْخَلَفِ) كَالْمُكَفِّرِ بِالصَّوْمِ إذَا أَيْسَرَ قَبْلَ إتْمَامِ الْكَفَّارَةِ بِهِ (وَإِذَا أَدْرَكَ هَدْيَهُ صَنَعَ بِهِ مَا شَاءَ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَقَدْ كَانَ عَيَّنَهُ لِمَقْصُودٍ اسْتَغْنَى عَنْهُ) وَفِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ يَتَحَلَّلُ لِعَجْزِهِ عَنْ الْأَصْلِ، وَفِي الْوَجْهِ الرَّابِعِ جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ (وَهَذَا التَّقْسِيمُ) يَعْنِي الْوَجْهَ الرَّابِعَ (لَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِهِمَا فِي الْمُحْصَرِ بِالْحَجِّ) عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَحُرْمَةُ الْمَالِ كَحُرْمَةِ النَّفْسِ) يَعْنِي كَمَا أَنَّ خَوْفَ النَّفْسِ كَانَ عُذْرًا لَهُ فِي التَّحَلُّلِ فَكَذَلِكَ الْخَوْفُ عَلَى مَالِهِ، لَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَتَوَجَّهَ. فَإِنْ قُلْت: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ حُرْمَةَ الْمَالِ كَحُرْمَةِ النَّفْسِ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالْأُصُولِيُّونَ أَنَّ حُرْمَةَ النَّفْسِ فَوْقَ حُرْمَةِ الْمَالِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ وِقَايَةً لِلنَّفْسِ، فَإِذَا أُكْرِهَ بِالْقَتْلِ عَلَى إتْلَافِ مَالِ غَيْرِهِ جَازَ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ حُرْمَةَ النَّفْسِ فَوْقَ حُرْمَةِ الْمَالِ حَقِيقَةً لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ مُبْتَذَلٌ فَأَيْنَ يُمَاثِلُ الْمَالِكُ الْمُبْتَذَلَ، وَلَكِنَّ حُرْمَةَ الْمَالِ تُشْبِهُ حُرْمَةَ النَّفْسِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُ إتْلَافِهِ ظُلْمًا لِقِيَامِ عِصْمَةِ صَاحِبِهِ فِيهِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِكَافِ التَّشْبِيهِ، فَإِنَّ الْمُشَابَهَةَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ لَا تَقْتَضِي اتِّحَادَهُمَا مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ وَإِلَّا لَارْتَفَعَ التَّشْبِيهُ. وَقَوْلُهُ (وَلَهُ الْخِيَارُ) يَعْنِي عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ، لَمَا جَازَ

إنْ شَاءَ صَبَرَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ أَوْ فِي غَيْرِهِ؛ لِيُذْبَحَ عَنْهُ فَيَتَحَلَّلُ، وَإِنْ شَاءَ تَوَجَّهَ لِيُؤَدِّيَ النُّسُكَ الَّذِي الْتَزَمَهُ بِالْإِحْرَامِ وَهُوَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْوَفَاءِ بِمَا وَعَدَ (وَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ ثُمَّ أُحْصِرَ لَا يَكُونُ مُحْصَرًا) لِوُقُوعِ الْأَمْنِ عَنْ الْفَوَاتِ. (وَمَنْ أُحْصِرَ بِمَكَّةَ وَهُوَ مَمْنُوعٌ عَنْ الطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ فَهُوَ مُحْصَرٌ) ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْإِتْمَامُ فَصَارَ كَمَا إذَا أُحْصِرَ فِي الْحِلِّ (وَإِنْ قَدَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَلَيْسَ بِمُحْصَرٍ) أَمَّا عَلَى الطَّوَافِ فَلِأَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ يَتَحَلَّلُ بِهِ وَالدَّمُ بَدَلٌ عَنْهُ فِي التَّحَلُّلِ، وَأَمَّا عَلَى الْوُقُوفِ فَلِمَا بَيَّنَّا، وَقَدْ قِيلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ التَّحَلُّلُ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ (إنْ شَاءَ صَبَرَ) إلَى أَنْ يُنْحَرَ عَنْهُ الْهَدْيُ فِي الْمِيعَادِ فَيَتَحَلَّلَ (وَإِنْ شَاءَ تَوَجَّهَ لِأَدَاءِ النُّسُكِ) لِزَوَالِ الْعَجْزِ (وَهُوَ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْوَفَاءِ بِمَا وَعَدَ، وَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ ثُمَّ أُحْصِرَ لَا يَكُونُ مُحْصَرًا) ؛ لِأَنَّ سَبَبَ حُكْمِ الْإِحْصَارِ خَوْفُ الْفَوَاتِ وَقَدْ وَقَعَ الْأَمْنُ عَنْهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» لَكِنَّهُ مُحَرَّمٌ عَنْ النِّسَاءِ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ. وَعَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَرْبَعَةُ دِمَاءٍ: دَمٌ لِتَرْكِ الْوُقُوفِ بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَدَمٌ لِتَرْكِ رَمْيِ الْجِمَارِ. وَدَمٌ لِتَأْخِيرِ الطَّوَافِ. وَدَمٌ لِتَأْخِيرِ الْحَلْقِ. وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ عَلَيْهِ لِتَأْخِيرِ الطَّوَافِ وَالْحَلْقِ شَيْءٌ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ازْدِيَادَ مُدَّةِ الْإِحْرَامِ يُثْبِتُ حُكْمَ الْإِحْصَارِ كَمَا فِي إحْصَارِ الْعُمْرَةِ وَهَاهُنَا قَدْ ازْدَادَتْ فَلْيَثْبُتْ حُكْمُهُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ التَّحَلُّلِ بِالْحَلْقِ إلَّا فِي حَقِّ النِّسَاءِ، وَإِنْ كَانَ يَلْزَمُهُ بَعْضُ الدِّمَاءِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْعُذْرُ الْمُوجِبُ لِلتَّحَلُّلِ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ أُحْصِرَ بِمَكَّةَ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (فَلِمَا بَيَّنَّا) يَعْنِي قَوْلَهُ وَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ ثُمَّ أُحْصِرَ لَا يَكُونُ مُحْصَرًا. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ قِيلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) يَعْنِي قَوْلَهُ وَمَنْ أُحْصِرَ بِمَكَّةَ (خِلَافٌ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ)

[باب الفوات]

تَعَالَى وَالصَّحِيحُ مَا أَعْلَمْتُك مِنْ التَّفْصِيلِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَفَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ) ؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ وَقْتَ الْوُقُوفِ يَمْتَدُّ إلَيْهِ (وَعَلَيْهِ أَنْ يَطُوفَ وَيَسْعَى وَيَتَحَلَّلَ وَيَقْضِيَ الْحَجَّ مِنْ قَابِلٍ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ) ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ فَاتَهُ عَرَفَةُ بِلَيْلٍ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَلْيَحْلِلْ بِعُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ» وَالْعُمْرَةُ لَيْسَتْ إلَّا الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ مَا ذَكَرَ عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ الْمُحْرِمِ يُحْصَرُ فِي الْحَرَمِ فَقَالَ: لَا يَكُونُ مُحْصَرًا، فَقُلْت: أَلَيْسَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُحْصِرَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَهِيَ مِنْ الْحَرَمِ؟ فَقَالَ: إنَّ مَكَّةَ يَوْمئِذٍ كَانَتْ دَارَ الْحَرْبِ وَأَمَّا الْيَوْمُ فَهِيَ دَارُ الْإِسْلَامِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْإِحْصَارُ فِيهَا. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ: إذَا غَلَبَ الْعَدُوُّ عَلَى مَكَّةَ حَتَّى حَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَهُوَ مُحْصَرٌ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالصَّحِيحُ) مِنْ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمَمْنُوعَ عَنْ الْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ يَكُونُ مُحْصَرًا بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا، وَإِذَا قَدَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا لَا يَكُونُ مُحْصَرًا وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ (مَا أَعْلَمْتُك مِنْ التَّفْصِيلِ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْفَوَاتِ] مَعْنَى الْإِحْصَارِ مِنْ الْفَوَاتِ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ الْمُفْرَدِ مِنْ الْمُرَكَّبِ؛ لِأَنَّ الْإِحْصَارَ إحْرَامٌ بِلَا أَدَاءً فِي الْفَوَاتِ إحْرَامٌ وَأَدَاءٌ فَلَا جَرَمَ آثَرَ تَأْخِيرَهُ. (قَوْلُهُ وَمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَفَاتَهُ الْوُقُوفُ) ظَاهِرٌ.

وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ بَعْدَمَا انْعَقَدَ صَحِيحًا لَا طَرِيقَ لِلْخُرُوجِ عَنْهُ إلَّا بِأَدَاءِ أَحَدِ النُّسُكَيْنِ كَمَا فِي الْإِحْرَامِ الْمُبْهَمِ، وَهَاهُنَا عَجَزَ عَنْ الْحَجِّ فَتَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْعُمْرَةُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ وَقَعَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ فَكَانَتْ فِي حَقِّ فَائِتِ الْحَجِّ بِمَنْزِلَةِ الدَّمِ فِي حَقِّ الْمُحْصَرِ فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا. (وَالْعُمْرَةُ لَا تَفُوتُ وَهِيَ جَائِزَةٌ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ إلَّا خَمْسَةَ أَيَّامٍ يُكْرَهُ فِيهَا فِعْلُهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ بَعْدَمَا انْعَقَدَ صَحِيحًا) أَيْ نَافِذًا لَازِمًا لَا يَرْتَفِعُ بِرَافِعٍ، فَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ إحْرَامِ الرَّقِيقِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى، وَإِحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي التَّطَوُّعِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ، فَإِنَّ لِلْمَوْلَى وَالزَّوْجِ أَنْ يُحَلِّلَاهُمَا وَلَيْسَ بِاحْتِرَازٍ عَنْ الْإِحْرَامِ الْفَاسِدِ، كَمَا إذَا جَامَعَ الْمُحْرِمُ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أَوْ أَحْرَمَ مُجَامِعًا فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الصَّحِيحِ. وَقَوْلُهُ (لَا طَرِيقَ لِلْخُرُوجِ عَنْهُ إلَّا بِأَدَاءِ أَحَدِ النُّسُكَيْنِ) مَنْقُوضٌ بِالْمُحْصَرِ فَإِنَّ الْهَدْيَ طَرِيقٌ لَهُ لِلْخُرُوجِ عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ بَنَى الْكَلَامَ عَلَى مَا هُوَ الْوَضْعُ وَمَسْأَلَةُ الْإِحْصَارِ مِنْ الْعَوَارِضِ ثَبَتَتْ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ. وَقَوْلُهُ (كَمَا فِي الْإِحْرَامِ الْمُبْهَمِ) أَيْ الْمُبْهَمِ مِنْ النُّسُكَيْنِ الْحَجَّةِ وَالْعُمْرَةِ بِأَنْ أَبْهَمَ فِي الْإِحْرَامِ وَقَالَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، وَلَمْ يُعَيِّنْ حَجَّةً وَلَا عُمْرَةً وَلَمْ يَنْوِ بِقَلْبِهِ شَيْئًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ إحْرَامُهُ وَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِأَدَاءِ أَحَدِ النُّسُكَيْنِ، لَكِنَّهُ يَتَعَيَّنُ فِي الْمُتَيَقَّنِ وَهُوَ الْعُمْرَةُ لِأَنَّهَا أَقَلُّ أَفْعَالًا وَأَيْسَرُ مَئُونَةً (وَهَاهُنَا عَجَزَ عَنْ الْحَجِّ) لِفَوَاتِ رُكْنِهِ الْأَعْظَمِ (فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْعُمْرَةُ) فَكَانَ الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْإِحْرَامِ الْمُبْهَمِ وَبَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ الْخُرُوجُ عَنْ الْإِحْرَامِ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا دَمَ عَلَيْهِ) يَعْنِي عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ يُوجِبُ الدَّمَ عَلَيْهِ قِيَاسًا عَلَى الْمُحْصَرِ. وَقُلْنَا: التَّحَلُّلُ وَقَعَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ فَكَانَتْ فِي حَقِّ فَائِتِ الْحَجِّ بِمَنْزِلَةِ الدَّمِ فِي حَقِّ الْمُحْصَرِ فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَلَا يُقَاسُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَادِرٌ وَعَاجِزٌ عَلَى مَا يَعْجِزُ عَنْهُ الْآخَرُ وَعَمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ (وَالْعُمْرَةُ لَا تَفُوتُ) أَيْ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُؤَقَّتَةٍ (وَهِيَ جَائِزَةٌ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ) يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ.

وَهِيَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهَا كَانَتْ تَكْرَهُ الْعُمْرَةَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْخَمْسَةِ؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ أَيَّامُ الْحَجِّ فَكَانَتْ مُتَعَيِّنَةً لَهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهَا لَا تُكْرَهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ قَبْلَ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّ دُخُولَ وَقْتِ رُكْنِ الْحَجِّ بَعْدَ الزَّوَالِ لَا قَبْلَهُ، وَالْأَظْهَرُ مِنْ الْمَذْهَبِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَكِنْ مَعَ هَذَا لَوْ أَدَّاهَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ صَحَّ وَيَبْقَى مُحْرِمًا بِهَا فِيهَا؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِغَيْرِهَا وَهُوَ تَعْظِيمُ أَمْرِ الْحَجِّ وَتَخْلِيصُ وَقْتِهِ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ، وَكَانَ عُمَرُ يَنْهَى عَنْهَا وَيَقُولُ: الْحَجُّ فِي الْأَشْهُرِ وَالْعُمْرَةُ فِي غَيْرِهَا أَكْمَلُ لِحَجِّكُمْ وَعُمْرَتِكُمْ. وَالصَّحِيحُ جَوَازُهَا بِلَا كَرَاهَةٍ بِدَلِيلِ مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بِإِسْنَادِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ اعْتَمَرَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ أَرْبَعَ عُمَر إلَّا الَّتِي اعْتَمَرَ مَعَ حَجَّتِهِ» ". وَأَمَّا كَرَاهَتُهَا فِي الْأَيَّامِ الْخَمْسَةِ فَهِيَ مَذْهَبُنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تُكْرَهُ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَالْأَظْهَرُ مِنْ الْمَذْهَبِ مَا ذَكَرْنَاهُ) يَعْنِي

فَيَصِحُّ الشُّرُوعُ. (وَالْعُمْرَةُ سُنَّةٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَرِيضَةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعُمْرَةُ فَرِيضَةٌ كَفَرِيضَةِ الْحَجِّ» وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " الْحَجُّ فَرِيضَةٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ "؛ وَلِأَنَّهَا غَيْرُ مُؤَقَّتَةٍ بِوَقْتٍ وَتَتَأَدَّى بِنِيَّةِ غَيْرِهَا كَمَا فِي فَائِتِ الْحَجِّ، وَهَذِهِ أَمَارَةُ النَّفْلِيَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَرَاهَةَ الْعُمْرَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ وَقَوْلُهُ (وَالْعُمْرَةُ سُنَّةٌ) أَيْ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهَا غَيْرُ مُؤَقَّتَةٍ بِوَقْتٍ وَتَتَأَدَّى بِنِيَّةِ غَيْرِهَا كَمَا فِي فَائِتِ الْحَجِّ وَهَذِهِ أَمَارَةُ النَّفْلِيَّةِ) اسْتَشْكَلَ بِالْإِيمَانِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَإِنَّهُمَا فَرْضَانِ وَلَيْسَا بِمُؤَقَّتَيْنِ، وَبِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ يَتَأَدَّى بِنِيَّةِ غَيْرِهِ وَهُوَ فَرْضٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّا قَدْ قُلْنَا إنَّ كُلَّ مَا هُوَ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ وَنَعْنِي بِذَلِكَ مَا هُوَ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ مِنْ أَوْقَاتِ الْعُمْرِ إذَا وَقَعَ فِيهِ انْتَفَى الْفَرْضِيَّةُ، وَالْإِيمَانُ فَرْضٌ دَائِمٌ فَلَا يَرِدُ نَقْضًا وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ مُؤَقَّتَةٌ بِوَقْتِ حُضُورِهَا، وَإِنَّ الْكَلَامَ فِيمَا يَكُونُ غَيْرَ مُؤَقَّتٍ وَصَوْمُ رَمَضَانَ لَيْسَ كَذَلِكَ. وَأَقُولُ: مَنْشَأُ هَذَا الِاسْتِشْكَالِ الذُّهُولُ عَنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فَإِنَّهُ جَعَلَ مَجْمُوعَ قَوْلِهِ وَلِأَنَّهَا غَيْرُ مُؤَقَّتَةٍ بِوَقْتٍ وَتَتَأَدَّى بِنِيَّةِ غَيْرِهَا أَمَارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَهَذِهِ أَمَارَةُ النَّفْلِيَّةِ وَحِينَئِذٍ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، أَمَّا الْإِيمَانُ فَلِأَنَّهُ لَا غَيْرُ

وَتَأْوِيلُ مَا رَوَاهُ أَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِأَعْمَالٍ كَالْحَجِّ إذْ لَا تَثْبُتُ الْفَرْضِيَّةُ مَعَ التَّعَارُضِ فِي الْآثَارِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQثَمَّةَ حَتَّى يَتَأَدَّى بِنِيَّتِهِ إذْ هُوَ لَا يَتَنَوَّعُ إلَى فَرْضٍ وَنَفْلٍ وَكَذَلِكَ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ، وَأَمَّا صَوْمُ رَمَضَانَ فَلِأَنَّهُ مُؤَقَّتٌ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ. وَقَوْلُهُ وَتَأْوِيلُ مَا رَوَاهُ) يَعْنِي قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعُمْرَةُ فَرِيضَةٌ» (أَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِأَعْمَالٍ كَالْحَجِّ أَوْ لَا تَثْبُتُ الْفَرْضِيَّةُ مَعَ التَّعَارُضِ فِي الْآثَارِ) فَإِنَّ مَا رُوِيَ يَدُلُّ عَلَى الْفَرْضِيَّةِ وَمَا رَوَيْنَاهُ عَلَى كَوْنِهَا سُنَّةً، وَإِذَا تَعَارَضَتْ الْآثَارُ لَا تَثْبُتُ الْفَرْضِيَّةُ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: هُوَ ثَابِتٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] عَطَفَ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ، وَالْحَجُّ فَرِيضَةٌ، وَأَمَرَ بِالْإِتْمَامِ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْقِرَانَ فِي النَّظْمِ لَا يُوجِبُ

قَالَ (وَهِيَ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ التَّمَتُّعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقِرَانَ فِي الْحُكْمِ، وَالْأَمْرُ إنَّمَا هُوَ بِالْإِتْمَامِ، وَالْإِتْمَامُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الشُّرُوعِ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ وَإِنْ كَانَتْ فِي الِابْتِدَاءِ سُنَّةً. وَقَوْلُهُ (وَهِيَ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ) ظَاهِرٌ.

[باب الحج عن الغير]

الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا أَوْ صَدَقَةً أَوْ غَيْرَهَا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، لِمَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَحَدَهُمَا عَنْ نَفْسِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ] لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ فِي التَّصَرُّفَاتِ أَنْ تَقَعَ عَمَّنْ تَصْدُرُ مِنْهُ كَانَ الْحَجُّ عَنْ الْغَيْرِ خَلِيقًا بِأَنْ يُؤَخَّرَ فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ صَلَّى أَوْ صَامَ أَوْ تَصَدَّقَ فَجَعَلَ ثَوَابَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ جَازَ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] وَهَذَا لَيْسَ مِنْ سَعْيِهِ،؛ وَلِأَنَّ الثَّوَابَ هُوَ الْجَنَّةُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ تَمْلِيكُهَا لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ لَهَا. وَقُلْنَا: لَمَّا جَعَلَ سَعْيَهُ لِلْغَيْرِ صَارَ سَعْيُهُ كَسَعْيِ الْغَيْرِ، وَلَهُ وِلَايَةُ أَنْ يَصِيرَ سَاعِيًا لِغَيْرِهِ وَأَنْ يَجْعَلَ اسْتِحْقَاقَهُ لِلْجَنَّةِ لِغَيْرِهِ. وَإِذَا ظَهَرَ هَذَا فَقَوْلُهُ (الْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَ عَمَلِهِ) إشَارَةً إلَى أَنَّ ثَوَابَ الْحَجِّ لِلْآمِرِ بِجَعْلِ الْمَأْمُورِ كَذَلِكَ، وَأَمَّا نَفْسُ الْحَجِّ هَلْ يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ أَوْ عَنْ الْمَأْمُورِ فَيَذْكُرُ بُعَيْدَ هَذَا مَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَغَيْرُهُ. وَقَوْلُهُ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ) يُقَالُ كَبْشٌ أَمْلَحُ فِيهِ مُلْحَةٌ: وَهِيَ بَيَاضٌ

وَالْآخَرَ عَنْ أُمَّتِهِ مِمَّنْ أَقَرَّ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَشَهِدَ لَهُ بِالْبَلَاغِ» جَعَلَ تَضْحِيَةَ إحْدَى الشَّاتَيْنِ لِأُمَّتِهِ. وَالْعِبَادَاتُ أَنْوَاعٌ: مَالِيَّةٌ مَحْضَةٌ كَالزَّكَاةِ، وَبَدَنِيَّةٌ مَحْضَةٌ كَالصَّلَاةِ، وَمُرَكَّبَةٌ مِنْهُمَا كَالْحَجِّ، وَالنِّيَابَةُ تَجْرِي فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ فِي حَالَتَيْ الِاخْتِيَارِ وَالضَّرُورَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَشُوبُهُ شَعَرَاتٌ سُودٌ وَهِيَ مِنْ لَوْنِ الْمِلْحِ، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (فِي حَالَتَيْ الِاخْتِيَارِ وَالضَّرُورَةِ) أَيْ حَالَةِ

لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِفِعْلِ النَّائِبِ، وَلَا تَجْرِي فِي النَّوْعِ الثَّانِي بِحَالٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ إتْعَابُ النَّفْسِ لَا يَحْصُلُ بِهِ، وَتَجْرِي فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ عِنْدَ الْعَجْزِ لِلْمَعْنَى الثَّانِي وَهُوَ الْمَشَقَّةُ بِتَنْقِيصِ الْمَالِ، وَلَا تَجْرِي عِنْدَ الْقُدْرَةِ لِعَدَمِ إتْعَابِ النَّفْسِ، وَالشَّرْطُ الْعَجْزُ الدَّائِمُ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ لِأَنَّ الْحَجَّ فَرْضُ الْعُمْرِ، وَفِي الْحَجِّ النَّفْلِ تَجُوزُ الْإِنَابَةُ حَالَةَ الْقُدْرَةِ لِأَنَّ بَابَ النَّفْلِ أَوْسَعُ، ثُمَّ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ (لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ) وَهِيَ إيصَالُ النَّفْعِ إلَى الْفُقَرَاءِ. وَقَوْلُهُ (لَا يَحْصُلُ بِهِ) أَيْ بِفِعْلِ النَّائِبِ. وَقَوْلُهُ (وَهِيَ الْمَشَقَّةُ بِتَنْقِيصِ الْمَالِ) يَعْنِي أَنَّ الْمَرْءَ كَمَا تَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ عِنْدَ فِعْلِهِ بِنَفْسِهِ تَلْحَقُهُ أَيْضًا عِنْدَ فِعْلِ غَيْرِهِ إذَا كَانَ بِمَالِهِ (وَالشَّرْطُ الْعَجْزُ الدَّائِمُ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ فَرْضُ الْعُمْرِ) وَمَا هُوَ كَذَلِكَ لَا يَتَعَيَّنُ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ، وَكِلْتَا الْمُقَدِّمَتَيْنِ ظَاهِرَةٌ، فَالْحَجُّ لَا يَتَعَيَّنُ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعَجْزُ دَائِمِيًّا وَقَدْ أَحَجَّ عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ زَالَ عَنْهُ الْعَجْزُ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَصْلِهِ فِي وَقْتِهِ وَذَلِكَ يُبْطِلُ النِّيَابَةَ. فَإِنْ قِيلَ: الْقُدْرَةُ عَلَى الْأَصْلِ تُبْطِلُ الْخَلَفَ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْخَلَفِ وَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِالْخَلَفِ وَهُوَ حُصُولُ الْمَشَقَّةِ بِتَنْقِيصِ الْمَالِ. فَالْجَوَابُ أَنَّا لَمْ نَسْلُكْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَسْلَكَ الْأَصْلِ وَالْخَلَفِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا بِأَنَّ الْحَجَّ مُرَكَّبٌ مِنْ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا يَحْتَمِلُ النِّيَابَةَ وَالْآخَرُ لَا يَحْتَمِلُهَا، فَعَمِلْنَا بِأَحَدِهِمَا عِنْدَ الْقُدْرَةِ فَلَمْ نُجَوِّزْ النِّيَابَةَ وَبِالْآخَرِ عِنْدَ الْعَجْزِ فَجَوَّزْنَاهَا، لَكِنْ شَرَطْنَا لِكَوْنِهِ وَظِيفَةَ الْعُمْرِ أَنْ يَكُونَ لِلْعَجْزِ دَائِمِيًّا لِمَا مَرَّ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ كَوْنَهُ وَظِيفَةَ الْعُمْرِ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَجْزِ الدَّائِمِ لِتَخَلُّفِهِ عَنْهُ فَإِنَّهُ شَرْطٌ لِجَوَازِ الْفِدْيَةِ لِلشَّيْخِ الْفَانِي عَنْ الصَّوْمِ وَالصَّوْمُ لَيْسَ وَظِيفَةَ الْعُمْرِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الدَّلِيلَ يَسْتَلْزِمُ الْمَدْلُولَ وَلَا يَنْعَكِسُ، فَكُلُّ مَا كَانَ وَظِيفَةَ الْعُمْرِ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَجْزُ الدَّائِمُ، وَلَا يَلْزَمُ أَنَّ كُلَّ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَجْزُ الدَّائِمُ

وَبِذَلِكَ تَشْهَدُ الْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ فِي الْبَابِ كَحَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِيهِ «حُجِّي عَنْ أَبِيك وَاعْتَمِرِي» . وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنْ الْحَاجِّ، وَلِلْآمِرِ ثَوَابُ النَّفَقَةِ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ، وَعِنْدَ الْعَجْزِ أُقِيمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَكُونُ وَظِيفَةَ الْعُمْرِ. وَقَوْلُهُ وَفِي الْحَجِّ النَّفْلِ تَجُوزُ الْإِنَابَةُ) ظَاهِرٌ (ثُمَّ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ) يَعْنِي الْأَمْرَ (وَبِذَلِكَ تَشْهَدُ الْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ فِي هَذَا الْبَابِ) «فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلْخَثْعَمِيَّةِ حِينَ قَالَتْ إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَمْسِكَ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَيُجْزِينِي أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ حُجِّي عَنْ أَبِيك وَاعْتَمِرِي» (وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنْ الْحَاجِّ) يَعْنِي الْمَأْمُورَ (وَلِلْآمِرِ ثَوَابُ النَّفَقَةِ) وَصَارَ إنْفَاقُ الْمَأْمُورِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQكَإِنْفَاقِ الْآمِرِ بِنَفْسِهِ، وَلَكِنْ يَسْقُطُ أَصْلُ الْحَجِّ عَنْ الْآمِرِ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ حَصَلَ الْعَجْزُ عَنْ فِعْلِهِ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ قَامَ الْإِنْفَاقُ فِيهِ مَقَامَ الْفِعْلِ كَمَا فِي الشَّيْخِ الْفَانِي، فَإِنَّهُ لَمَّا عَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ قَامَتْ الْفِدْيَةُ مَقَامَ الصَّوْمِ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ قِيلَ: الْفِدْيَةُ ثَبَتَتْ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا. فَالْجَوَابُ أَنَّهُ مُلْحَقٌ بِهَا بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ، فَإِنَّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِنْفَاقَ إذَا قَامَ مَقَامَ الصَّوْمِ وَهُوَ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ مَحْضَةٌ فَلَأَنْ يَقُومَ مَقَامَ مَا هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ الْبَدَنِيِّ وَالْمَالِيِّ أَوْلَى. قَالَ

الْإِنْفَاقُ مُقَامَهُ كَالْفِدْيَةِ فِي بَابِ الصَّوْمِ. قَالَ (وَمَنْ أَمَرَهُ رَجُلَانِ بِأَنْ يَحُجَّ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَجَّةً فَأَهَلَّ بِحَجَّةٍ عَنْهُمَا فَهِيَ عَنْ الْحَاجِّ وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQشَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ مَالَ عَامَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ. قَالَ (وَمَنْ أَمَرَهُ رَجُلَانِ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ ظَاهِرَةٌ، وَذَهَبَ الشَّارِحُونَ إلَى أَنَّ الدَّلِيلَ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْمَدْلُولِ؛ لِأَنَّ الْمَدْلُولَ قَوْلُهُ (فَهِيَ) أَيْ الْحَجَّةُ (عَنْ الْحَاجِّ وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ)

لِأَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ حَتَّى لَا يَخْرُجَ الْحَاجُّ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَرَهُ أَنْ يُخْلِصَ الْحَجَّ لَهُ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاكٍ، وَلَا يُمْكِنُ إيقَاعُهُ عَنْ أَحَدِهِمَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَيَقَعُ عَنْ الْمَأْمُورِ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَجَّ عَنْ أَبَوَيْهِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ أَيِّهِمَا شَاءَ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِجَعْلِ ثَوَابِ عَمَلِهِ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لَهُمَا فَيَبْقَى عَلَى خِيَارِهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ سَبَبًا لِثَوَابِهِ، وَهُنَا يَفْعَلُ بِحُكْمِ الْآمِرِ، وَقَدْ خَالَفَ أَمْرَهُمَا فَيَقَعُ عَنْهُ. وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ إنْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِمَا لِأَنَّهُ صَرَفَ نَفَقَةَ الْآمِرِ إلَى حَجِّ نَفْسِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَدَلِيلُهُ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ وَلَا مُطَابَقَةَ بَيْنَهُمَا كَمَا تَرَى. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَلَكِنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ تَعْلِيلُ حُكْمٍ غَيْرِ مَذْكُورٍ، وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ: وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ لِأَنَّهُ خَالَفَهُمَا، وَإِنَّمَا لَا يَضْمَنُ النَّفَقَةَ إذَا وَافَقَ أَمْرَ الْآمِرِ (؛ لِأَنَّ الْحَجَّ) حِينَئِذٍ (يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ حَتَّى لَا يَخْرُجَ الْحَاجُّ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ) وَهَاهُنَا قَدْ خَالَفَ فَلَا يَقَعُ الْحَجُّ عَنْ الْآمِرِ بَلْ يَقَعُ عَنْ الْمَأْمُورِ، فَكَانَ هَذَا التَّعْلِيلُ تَعْلِيلًا لِمَا إذَا وَقَعَ الْحَجُّ عَنْ الْآمِرِ وَهُوَ فِي صُورَةِ عَدَمِ مُخَالَفَةِ الْمَأْمُورِ لِلْآمِرِ، وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ، وَلَا إخَالُ ذَلِكَ مَقْصُودَ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ هَذَا (وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ إنْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِمَا لِأَنَّهُ صَرَفَ نَفَقَةَ الْآمِرِ إلَى حَجِّ نَفْسِهِ) فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُرَادَهُ كَانَ هَذَا مُسْتَدْرَكًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: زَلَّ فِيهِ أَقْدَامُ الشَّارِحِينَ حَيْثُ لَمْ يَفْهَمُوا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَقَالُوا: لَا مُطَابَقَةَ بَيْنَ الدَّلِيلِ وَالْمَدْلُولِ، وَلَا يُوَافِقُ التَّعْلِيلَ الْمُدَّعَى، وَنَقَلَ تَقْرِيرَ الْكَلَامِ كَمَا قُلْنَا ثُمَّ قَالَ: فَأَقُولُ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا ظَنُّوا وَلَوْ سَكَتُوا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَكَانَ أَوْلَى، بَلْ الْمُطَابَقَةُ حَاصِلَةٌ بَيْنَ الدَّلِيلِ وَالْمَدْلُولِ بِأَنْ يُقَالَ هِيَ عَنْ الْحَاجِّ: أَيْ الْحَجَّةُ تَقَعُ عَنْ الْحَاجِّ وَهُوَ الْمَأْمُورُ، وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِمَا؛ لِأَنَّ الْحَجَّ الْمُؤَدَّى فِي هَذِهِ يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ مِنْ وَجْهٍ بِدَلِيلِ أَنَّ الْحَاجَّ لَا يَخْرُجُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَلَكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْآمِرَيْنِ أَمَرَ بِأَنْ يُخْلَصَ لَهُ الْحَجُّ وَلَمْ يَأْمُرْ بِالِاشْتِرَاكِ، فَلَمَّا نَوَى عَنْهُمَا جَمِيعًا خَالَفَ الْآمِرَ فَوَقَعَ الْحَجُّ عَنْ الْحَاجِّ وَضَمِنَ النَّفَقَةَ لِوُجُودِ الْمُخَالَفَةِ هَذَا كَلَامُهُ وَلَا أَزِيدُ عَلَى الْحِكَايَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ فِيهِ: وَأَقُولُ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى: فِي تَقْرِيرِ كَلَامِهِ الْحَجُّ يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ حَتَّى لَا يَخْرُجَ الْحَاجُّ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَلَا يُمْكِنُ هَاهُنَا إيقَاعُهُ عَنْ الْآمِرِ؛ لِأَنَّ الْآمِرَ شَخْصَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَرَهُ أَنْ يُخْلِصَ الْحَجَّ لَهُ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاكٍ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَلَا يَقَعُ عَنْهُمَا وَلَا عَنْ أَحَدِهِمَا فَيَقَعُ عَنْ الْمَأْمُورِ، لَكِنْ فِي كَلَامِهِ إغْلَاقٌ كَمَا لَا يَخْفَى، وَهَذَا تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ فَهِيَ عَنْ الْحَاجِّ، وَأَمَّا تَعْلِيلُ قَوْلِهِ وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ فَمَذْكُورٌ بَعْدَ هَذَا. فَإِنْ قِيلَ: إذَا وَقَعَ عَنْ الْحَاجِّ فَلْيُجْعَلْ عَنْ أَيِّهِمَا شَاءَ كَمَا إذَا أَهَلَّ عَنْ أَبَوَيْهِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ أَيِّهِمَا شَاءَ، أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَمَا وَقَعَ لِنَفْسِهِ وَبَيَّنَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ.

وَإِنْ أَبْهَمَ الْإِحْرَامَ بِأَنْ نَوَى عَنْ أَحَدِهِمَا غَيْرَ عَيْنٍ، فَإِنْ مَضَى عَلَى ذَلِكَ صَارَ مُخَالِفًا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَإِنْ عَيَّنَ أَحَدَهُمَا قَبْلَ الْمُضِيِّ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّعْيِينِ، وَالْإِبْهَامُ يُخَالِفُهُ فَيَقَعُ عَنْ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ حَجَّةً أَوْ عُمْرَةً حَيْثُ كَانَ لَهُ أَنْ يُعَيِّنَ مَا شَاءَ لِأَنَّ الْمُلْتَزَمَ هُنَاكَ مَجْهُولٌ وَهَاهُنَا الْمَجْهُولُ مَنْ لَهُ الْحَقُّ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْإِحْرَامَ شُرِعَ وَسِيلَةً إلَى الْأَفْعَالِ لَا مَقْصُودًا بِنَفْسِهِ. وَالْمُبْهَمُ يَصْلُحُ وَسِيلَةً بِوَاسِطَةِ التَّعْيِينِ فَاكْتَفَى بِهِ شَرْطًا، بِخِلَافِ مَا إذَا أَدَّى الْأَفْعَالَ عَلَى الْإِبْهَامِ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى لَا يَحْتَمِلُ التَّعْيِينَ فَصَارَ مُخَالِفًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَإِنْ أَبْهَمَ الْإِحْرَامَ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (؛ لِأَنَّ الْمُلْتَزَمَ هُنَاكَ مَجْهُولٌ) مَعْنَاهُ أَنَّ جَهَالَةَ الْمُلْتَزَمِ غَيْرُ مَانِعَةٍ عَنْ وُجُوبِ التَّعْيِينِ، وَأَمَّا جَهَالَةُ مَنْ لَهُ الْحَقُّ فَهِيَ مَانِعَةٌ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِقْرَارَ بِمَجْهُولٍ لِمَعْلُومٍ جَائِزٌ دُونَ عَكْسِهِ (وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْإِحْرَامَ شُرِعَ وَسِيلَةً إلَى الْأَفْعَالِ لَا مَقْصُودًا) بِدَلِيلِ صِحَّةِ تَقْدِيمِهِ عَلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ وَهُوَ أَشْهُرُ الْحَجِّ (فَاكْتَفَى بِهِ) أَيْ بِالْإِحْرَامِ الْمُبْهَمِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ شَرْطٌ لِأَنَّ الشُّرُوطَ يُرَاعَى وُجُودُهَا كَيْفَمَا كَانَ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا تَوَضَّأَ لِلتَّبَرُّدِ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ هُوَ أَدَاءُ الْأَفْعَالِ وَالتَّعْيِينُ فِي ابْتِدَائِهِ مُمْكِنٌ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَى مَا عَيَّنَ لَا عَلَى الْإِبْهَامِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَدَّى ثُمَّ عَيَّنَ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْإِبْهَامِ ابْتِدَاءً، ثُمَّ التَّعْيِينُ يَرِدُ عَلَى مَا مَضَى وَاضْمَحَلَّ فَلَا يُفِيدُ شَيْئًا

قَالَ (فَإِنْ أَمَرَهُ غَيْرُهُ أَنْ يَقْرُنَ عَنْهُ فَالدَّمُ عَلَى مَنْ أَحْرَمَ) لِأَنَّهُ وَجَبَ شُكْرًا لِمَا وَفَقَّهَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ وَالْمَأْمُورُ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْفِعْلِ مِنْهُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَشْهَدُ بِصِحَّةِ الْمَرْوِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنْ الْمَأْمُورِ (وَكَذَلِكَ إنْ أَمَرَهُ وَاحِدٌ بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ وَالْآخَرُ بِأَنْ يَعْتَمِرَ عَنْهُ وَأَذِنَا لَهُ بِالْقِرَانِ) فَالدَّمُ عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (فَإِنْ أَمَرَهُ غَيْرُهُ أَنْ يَقْرُنَ عَنْهُ فَالدَّمُ عَلَى مَنْ أَحْرَمَ) رَجُلٌ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَقْرُنَ عَنْهُ بِضَمِّ الرَّاءِ فَفَعَلَ فَالدَّمُ عَلَى الْمَأْمُورِ (لِأَنَّهُ وَجَبَ شُكْرًا لِمَا وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ، وَالْمَأْمُورُ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْفِعْلِ) صَدَرَتْ (مِنْهُ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَشْهَدُ بِصِحَّةِ الْمَرْوِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنْ الْمَأْمُورِ) وَفِيهِ نَظَرٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمَأْخَذُ فِي كَوْنِ الدَّمِ وَاجِبًا عَلَى الْمَأْمُورِ كَوْنُهُ نُسُكًا كَسَائِرِ الْمَنَاسِكِ، وَسَائِرُ الْمَنَاسِكِ عَلَى الْمَأْمُورِ فَكَذَا هَذَا، لَا كَوْنُهُ شُكْرًا لِمَا وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَوَجَبَ عَلَى الْآمِرِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْتَفِعُ بِمُتْعَةِ الْقِرَانِ بِسُقُوطِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَنْ ذِمَّتِهِ مَعَ فَضِيلَةِ الْقِرَانِ (وَكَذَلِكَ إنْ أَمَرَهُ وَاحِدٌ بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ وَالْآخَرُ بِأَنْ يَعْتَمِرَ عَنْهُ وَأَذِنَا لَهُ بِالْقِرَانِ فَالدَّمُ عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا) يَعْنِي قَوْلَهُ لِأَنَّهُ وَجَبَ شُكْرًا إلَخْ؛ وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِقَوْلِهِ وَأَذِنَا لَهُ بِالْقِرَانِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَأْذَنَا لَهُ بِذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا لِأَجْلِهِمَا، فَلَوْ قَرَنَ كَانَ مُخَالِفًا. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ جَعَلَ جَزَاءَ الشَّرْطِ قَوْلُهُ فَالدَّمُ عَلَيْهِ وَوُجُوبُهُ عَلَيْهِ لَيْسَ بِمُقَيَّدٍ بِإِذْنِهِمَا، فَإِنَّهُ لَوْ قَرَنَ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا فَالدَّمُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَبِأَنَّهُ إنْ خَالَفَ عِنْدَ عَدَمِ الْإِذْنِ خَالَفَ إلَى مَا هُوَ خَيْرٌ وَهُوَ الْقِرَانُ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ عِنْدَنَا، وَالْمُخَالَفَةُ إلَى خَيْرٍ غَيْرُ ضَائِرَةٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إذَا أَذِنَا لَهُ بِذَلِكَ كَانَ مِمَّا يُوهِمُ أَنَّهُ ضَرَرٌ مَرْضِيٌّ فَيَكُونُ عَلَيْهِمَا، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَأْذَنَا فَأَزَالَ الْوَهْمَ بِقَوْلِهِ وَأَذِنَا لَهُ بِالْقِرَانِ وَبِأَنَّ خَيْرِيَّةَ الْقِرَانِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْجَامِعِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ لَا إلَى الْآمِرِ،

(وَدَمُ الْإِحْصَارِ عَلَى الْآمِرِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: عَلَى الْحَاجِّ) لِأَنَّهُ وَجَبَ لِلتَّحَلُّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِهَذَا إذَا كَانَ مَأْمُورًا بِالْحَجِّ وَقَرَنَ عَدَّهُ أَبُو حَنِيفَةَ مُخَالِفًا وَلَمْ يَعْتَبِرْ ذَلِكَ (وَدَمُ الْإِحْصَارِ عَلَى الْآمِرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: عَلَى الْحَاجِّ) وَوَجْهُهُمَا عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَاضِحٌ. وَاعْتُرِضَ عَلَى قَوْلِهِ إنَّ الْآمِرَ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي هَذِهِ الْعُهْدَةِ بِأَنَّ الْآمِرَ إذَا أَمَرَ بِالْقِرَانِ فَهُوَ الَّذِي أَدْخَلَ الْمَأْمُورَ فِي عُهْدَةِ الدَّمِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ دَمَ الْقِرَانِ نُسُكٌ، وَقَدْ دَفَعَ الْآمِرُ النَّفَقَةَ بِمُقَابَلَةِ جَمِيعِ مَا كَانَ مِنْ الْمَنَاسِكِ وَهُوَ مِنْ جُمْلَتِهَا، بِخِلَافِ دَمِ الْإِحْصَارِ

دَفْعًا لِضَرَرِ امْتِدَادِ الْإِحْرَامِ، وَهَذَا رَاجِعٌ إلَيْهِ فَيَكُونُ الدَّمُ عَلَيْهِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْآمِرَ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي هَذِهِ الْعُهْدَةِ فَعَلَيْهِ خَلَاصُهُ (فَإِنْ كَانَ يَحُجُّ عَنْ مَيِّتٍ فَأُحْصِرَ فَالدَّمُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ) عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ قِيلَ: هُوَ مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ صِلَةٌ كَالزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا. وَقِيلَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ لِأَنَّهُ وَجَبَ حَقًّا لِلْمَأْمُورِ فَصَارَ دَيْنًا (وَدَمُ الْجِمَاعِ عَلَى الْحَاجِّ) لِأَنَّهُ دَمُ جِنَايَةٍ وَهُوَ الْجَانِي عَنْ اخْتِيَارٍ (وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ) مَعْنَاهُ: إذَا جَامَعَ قَبْلَ الْوُقُوفِ حَتَّى فَسَدَ حَجُّهُ لِأَنَّ الصَّحِيحَ هُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ النَّفَقَةَ لِأَنَّهُ مَا فَاتَهُ بِاخْتِيَارِهِ. أَمَّا إذَا جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ لَا يَفْسُدُ حَجُّهُ وَلَا يَضْمَنُ النَّفَقَةَ لِحُصُولِ مَقْصُودِ الْأَمْرِ. وَعَلَيْهِ الدَّمُ فِي مَالِهِ لِمَا بَيَّنَّا، وَكَذَلِكَ سَائِرُ دِمَاءِ الْكَفَّارَاتِ عَلَى الْحَاجِّ لِمَا قُلْنَا (وَمَنْ أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ فَأَحَجُّوا عَنْهُ رَجُلًا فَلَمَّا بَلَغَ الْكُوفَةَ مَاتَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّهُ لَيْسَ بِنُسُكٍ وَلَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا عِنْدَ الْآمِرِ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ صِلَةٌ) الصِّلَةُ عِبَارَةٌ عَنْ أَدَاءِ مَا لَا يَكُونُ فِي مُقَابَلَتِهِ عِوَضٌ مَالِيٌّ. وَقَوْلُهُ وَغَيْرُهَا) يَعْنِي النُّذُورَ وَالْكَفَّارَاتِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ وَجَبَ حَقًّا لِلْمَأْمُورِ) يَعْنِي بِإِدْخَالِهِ الْآمِرَ فِي هَذِهِ الْعُهْدَةِ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ وَالدَّيْنُ مَحَلُّهُ جَمِيعُ الْمَالِ. وَقَوْلُهُ (؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ هُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ) أَيْ الْحَجُّ الصَّحِيحُ هُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ دُونَ الْفَاسِدِ، فَإِذَا أَفْسَدَهُ لَمْ يَقَعْ مَأْمُورًا بِهِ فَكَانَ وَاقِعًا عَنْ الْمَأْمُورِ فَيَضْمَنُ مَا أَنْفَقَ عَلَى حَجِّهِ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ، ثُمَّ إذَا قَضَى الْحَجَّ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ لَا يَسْقُطُ بِهِ حَجُّ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ لَمَّا خَالَفَ فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ بِالْإِفْسَادِ صَارَ الْإِحْرَامُ وَاقِعًا عَنْ الْمَأْمُورِ وَالْحَجُّ الَّذِي يَأْتِي بِهِ فِي السَّنَةِ الْقَابِلَةِ قَضَاءُ ذَلِكَ الْحَجِّ فَكَانَ وَاقِعًا عَنْ الْمَأْمُورِ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةً إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ دَمُ جِنَايَةٍ وَهُوَ الْجَانِي عَنْ اخْتِيَارٍ. وَمِمَّا ذَكَرْنَا عُلِمَ أَنَّ الدِّمَاءَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: دَمُ نُسُكٍ كَدَمِ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ، وَدَمُ جِنَايَةٍ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَنَحْوِهِ، وَدَمُ مَئُونَةٍ كَدَمِ الْإِحْصَارِ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: كُلُّ دَمٍ يَلْزَمُ الْمُجَهِّزَ: يَعْنِي الْحَاجَّ عَنْ الْغَيْرِ فَهُوَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ. لِأَنَّهُ إنْ كَانَ نُسُكًا فَإِقَامَةُ الْمَنَاسِكِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ كَفَّارَةً فَالْجِنَايَةُ وُجِدَتْ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ دَمًا بِتَرْكِ وَاجِبٍ فَهُوَ الَّذِي تَرَكَ مَا كَانَ وَاجِبًا فَلِهَذَا كَانَتْ هَذِهِ الدِّمَاءُ عَلَيْهِ إلَّا دَمُ الْإِحْصَارِ فَإِنَّهُ فِي مَالِ الْآمِرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. وَقَوْلُهُ (لِمَا قُلْنَا) إشَارَةً إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ الْجَانِي عَنْ اخْتِيَارٍ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ) صُورَةُ

أَوْ سُرِقَتْ نَفَقَتُهُ وَقَدْ أَنْفَقَ النِّصْفَ يَحُجُّ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ مَنْزِلِهِ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَالَا: يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ الْأَوَّلُ) فَالْكَلَامُ هَاهُنَا فِي اعْتِبَارِ الثُّلُثِ وَفِي مَكَانِ الْحَجِّ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْمَذْكُورُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحُجُّ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ إنْ بَقِيَ شَيْءٌ وَإِلَّا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ اعْتِبَارًا بِتَعْيِينِ الْمُوصِي إذْ تَعْيِينُ الْوَصِيِّ كَتَعْيِينِهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحُجُّ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَحَلُّ لِنَفَاذِ الْوَصِيَّةِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ قِسْمَةَ الْوَصِيِّ وَعَزْلَهُ الْمَالَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْوَجْهِ الَّذِي سَمَّاهُ الْمُوصِي لِأَنَّهُ لَا خَصْمَ لَهُ لِيَقْبِضَ وَلَمْ يُوجَدْ التَّسْلِيمُ إلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ فَصَارَ كَمَا إذَا هَلَكَ قَبْلَ الْإِفْرَازِ وَالْعَزْلِ فَيَحُجُّ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رَجُلٌ لَهُ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ فَمَاتَ وَكَانَ مِقْدَارُ الْحَجِّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَدَفَعَهَا الْوَصِيُّ إلَى مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فَسُرِقَ فِي الطَّرِيقِ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُؤْخَذُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَإِنْ سُرِقَ ثَانِيًا يُؤْخَذُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ مَرَّةً أُخْرَى وَهَكَذَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُؤْخَذُ مَا بَقِيَ مِنْ ثُلُثِ جَمِيعِ الْمَالِ وَهُوَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثُ دِرْهَمٍ. فَإِنْ سُرِقَتْ ثَانِيًا لَا يُؤْخَذُ مَرَّةً أُخْرَى. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إذَا سُرِقَتْ الْأَلْفُ الَّتِي دَفَعَهَا أَوَّلًا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ. وَإِنْ بَقِيَ مِنْهَا شَيْءٌ يَحُجُّ بِهِ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ الْوَصِيِّ كَتَعْيِينِ الْمُوصِي لِكَوْنِهِ نَائِبًا عَنْهُ، وَلَوْ أَفْرَزَهَا الْمُوصِي ثُمَّ هَلَكَتْ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ. فَكَذَلِكَ هَذَا. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ مَحَلُّ نَفَاذِهَا الثُّلُثُ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ قِسْمَةَ الْوَصِيِّ وَعَزْلَهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْوَجْهِ الَّذِي سَمَّاهُ الْمُوصِي لِأَنَّهُ لَا خَصْمَ لَهُ لِيَقْبِضَ وَلَمْ يُوجَدْ التَّسْلِيمُ إلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ فَصَارَ كَمَا إذَا هَلَكَ قَبْلَ الْإِفْرَازِ وَالْعَزْلِ) وَفِي ذَلِكَ يَحُجُّ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ فَكَذَا فِي هَذَا. هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ

وَأَمَّا الثَّانِي فَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ الْقِيَاسُ أَنَّ الْقَدْرَ الْمَوْجُودَ مِنْ السَّفَرِ قَدْ بَطَلَ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ» الْحَدِيثَ، وَتَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَبَقِيَتْ الْوَصِيَّةُ مِنْ وَطَنِهِ كَأَنْ لَمْ يُوجَدْ الْخُرُوجُ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ سَفَرَهُ لَمْ يَبْطُلْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النساء: 100] الْآيَةَ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَاتَ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ كُتِبَ لَهُ حَجَّةٌ مَبْرُورَةٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ» وَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ سَفَرُهُ اُعْتُبِرَتْ الْوَصِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَأَصْلُ الِاخْتِلَافِ فِي الَّذِي ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَا يُحَجُّ بِهِ، وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِمَا يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ الْمَكَانِ فَعَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ أَيْضًا وَاضِحٌ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ ظَاهِرُهُ مَتْرُوكٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ غَيْرُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ مِنْ الْأَعْمَالِ مُنْقَطِعًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا يُثَابُ عَلَيْهَا. وَمَا هُوَ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ مُنْقَطِعًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَعْمَالَ كُلَّهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ: أَعْمَالٌ عَمِلَهَا فَمَضَتْ، وَأَعْمَالٌ لَمْ يَشْرَعْ فِيهَا فَهِيَ بَعْدُ مَعْدُومَةٌ، وَأَعْمَالٌ شَرَعَ فِيهَا وَلَمْ يُتِمَّهَا. وَالطَّرَفَانِ لَا يُوصَفَانِ بِالِانْقِطَاعِ. أَمَّا الْأَوَّلُ؛ فَلِأَنَّ الْمَاضِيَ لَا يَحْتَمِلُ الِانْقِطَاعَ لَكِنْ يَحْتَمِلُ الْبُطْلَانَ بِمَا يُحْبِطُ ثَوَابَهُ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الثَّانِي لِأَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ. وَهَذَا؛ لِأَنَّ الِانْقِطَاعَ عِبَارَةٌ عَنْ تَفَرُّقِ أَجْزَائِهِ. وَالْمَاضِي بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الَّذِي لَمْ يُوجَدْ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ فَتَعَيَّنَ الَّذِي شَرَعَ فِيهِ وَلَمْ يُتِمَّهُ. وَأَمَّا جَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَهُوَ أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ مُوجِبِ الْكِتَابِ وَمُوجِبِ الْخَبَرِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ مَسُوقٌ لِحُكْمِ الْآخِرَةِ وَالْخَبَرَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِحُكْمِ الدُّنْيَا، فَيَجُوزُ انْقِطَاعُ الْعَمَلِ مِنْ حَيْثُ حُكْمُ الدُّنْيَا وَيَبْقَى لَهُ ثَوَابُهُ مِنْ حَيْثُ حُكْمُ الْآخِرَةِ، كَمَا إذَا نَوَى الصَّوْمَ فِي رَمَضَانَ وَصَامَهُ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ وَمَاتَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِيصَاءُ بِفِدْيَةِ صَوْمِ هَذَا الْيَوْمِ كَامِلًا مِنْ حَيْثُ حُكْمُ الدُّنْيَا وَإِنْ كَانَ هُوَ مُثَابًا فِي الْآخِرَةِ بِقَدْرِ مَا صَامَ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ. وَكَذَلِكَ إذَا أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ، وَكَذَا كُلُّ عَمَلٍ صَالِحٍ شَرَعَ فِيهِ وَلَمْ يُتِمَّهُ، وَكَذَا الْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيَاهُ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: ثُمَّ تَأْخِيرُ تَعْلِيلِهِمَا عَنْ تَعْلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِكَوْنِ قَوْلِهِمَا مُخْتَارَ الْمُصَنِّفِ لِمَا أَنَّ قَوْلَهُمَا اسْتِحْسَانٌ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ

يَحُجُّ بِنَفْسِهِ، وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ. قَالَ (وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ عَنْ أَبَوَيْهِ يَجْزِيهِ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا) لِأَنَّ مَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنَّمَا يَجْعَلُ ثَوَابَ حَجِّهِ لَهُ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَدَاءِ الْحَجِّ فَلَغَتْ نِيَّتُهُ قَبْلَ أَدَائِهِ، وَصَحَّ جَعْلُهُ ثَوَابَهُ لِأَحَدِهِمَا بَعْدَ الْأَدَاءِ، بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ عَلَى مَا فَرَّقْنَا مِنْ قَبْلُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقِيَاسٌ، وَالْمَأْخُوذُ فِي عَامَّةِ الصُّوَرِ حُكْمُ الِاسْتِحْسَانِ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا فَرَّقْنَا مِنْ قَبْلُ) يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ يَجْعَلُ ثَوَابَ عَمَلِهِ لِأَحَدِهِمَا إلَخْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[باب الهدي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْهَدْيِ] لَمَّا كَثُرَ دَوْرُ لَفْظِ الْهَدْيِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَسَائِلِ نُسُكًا وَجَزَاءً وَمَئُونَةً احْتَاجَ إلَى بَيَانِ الْهَدْيِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ، وَلَمَّا لَمْ يَخْلُ وُجُوبُهُ عَنْ أَحَدِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَخَّرَ ذِكْرَهُ عَنْ ذِكْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ.

(الْهَدْيُ أَدْنَاهُ شَاةٌ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الْهَدْيِ فَقَالَ: أَدْنَاهُ شَاةٌ» قَالَ (وَهُوَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ: الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا جَعَلَ الشَّاةَ أَدْنَى فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَعْلَى وَهُوَ الْبَقَرُ وَالْجَزُورُ، وَلِأَنَّ الْهَدْيَ مَا يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ لِيُتَقَرَّبَ بِهِ فِيهِ، وَالْأَصْنَافُ الثَّلَاثَةُ سَوَاءٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى (وَلَا يَجُوزُ فِي الْهَدَايَا إلَّا مَا جَازَ فِي الضَّحَايَا) لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ تَعَلَّقَتْ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ كَالْأُضْحِيَّةِ فَيَتَخَصَّصَانِ بِمَحَلٍّ وَاحِدٍ (وَالشَّاةُ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ: مَنْ طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ جُنُبًا. وَمَنْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا إلَّا الْبَدَنَةُ) وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى فِيمَا سَبَقَ (وَيَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ وَالْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ) لِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ فَيَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهَا بِمَنْزِلَةِ الْأُضْحِيَّةِ، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكَلَ مِنْ لَحْمِ هَدْيِهِ وَحَسَا مِنْ الْمَرَقَةِ» وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا لِمَا رَوَيْنَا، وَكَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي عُرِفَ فِي الضَّحَايَا (وَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ بَقِيَّةِ الْهَدَايَا) لِأَنَّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى فِيمَا سَبَقَ) يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ بَعْدَ ذِكْرِ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَلِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ مِنْ الْحَدَثِ. وَقَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ أَعْلَى أَنْوَاعِ الِارْتِفَاقَاتِ فَتَغَلَّظَ مُوجِبُهُ. وَقَوْلُهُ (وَيَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ) يَعْنِي لِلْمُهْدِي وَالْأَغْنِيَاءِ إذَا ذُبِحَ فِي مَحِلِّهِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، وَأَمَّا الْفُقَرَاءُ فَيَجُوزُ لَهُمْ الْأَكْلُ مِنْ جَمِيعِ الْهَدَايَا. وَقَوْلُهُ (وَحَسَا مِنْ الْمَرَقَةِ) أَيْ شَرِبَ. وَقَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا) لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ الْجَوَازُ مُسْتَلْزِمًا لِلِاسْتِحْبَابِ ذَكَرَهُ ثَانِيًا بَيَانًا لِلِاسْتِحْبَابِ، وَلَوْ ذَكَرَ الِاسْتِحْبَابَ أَوَّلًا اسْتَغْنَى عَنْ بَيَانِ الْجَوَازِ لِاسْتِلْزَامِ الِاسْتِحْبَابِ إيَّاهُ. وَقَوْلُهُ لِمَا رَوَيْنَا) إشَارَةً إلَى قَوْلِهِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَكَلَ مِنْ لَحْمِ هَدْيِهِ» . وَإِنَّمَا أَنَّثَ الضَّمِيرَ فِي مِنْهَا لِلرُّجُوعِ إلَى هَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَالتَّطَوُّعُ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَصَدَّقَ) ظَاهِرٌ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

دِمَاءُ كَفَّارَاتٍ، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أُحْصِرَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَبَعَثَ الْهَدَايَا عَلَى يَدَيْ نَاجِيَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ لَهُ: لَا تَأْكُلْ أَنْتَ وَرُفْقَتُك مِنْهَا شَيْئًا» (وَلَا يَجُوزُ ذَبْحُ هَدْيِ التَّطَوُّعِ وَالْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ إلَّا فِي يَوْمِ النَّحْرِ) قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ (وَفِي الْأَصْلِ يَجُوزُ ذَبْحُ دَمِ التَّطَوُّعِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَذَبْحُهُ يَوْمَ النَّحْرِ أَفْضَلُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ) لِأَنَّ الْقُرْبَةَ فِي التَّطَوُّعَاتِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا هَدَايَا وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِتَبْلِيغِهَا إلَى الْحَرَمِ، فَإِذَا وُجِدَ ذَلِكَ جَازَ ذَبْحُهَا فِي غَيْرِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَفِي أَيَّامِ النَّحْرِ أَفْضَلُ لِأَنَّ مَعْنَى الْقُرْبَةِ فِي إرَاقَةِ الدَّمِ فِيهَا أَظْهَرُ، أَمَّا دَمُ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28] {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحج: 29] ـــــــــــــــــــــــــــــQ «لَا تَأْكُلْ أَنْتَ وَرُفْقَتُك مِنْهَا شَيْئًا» إنَّمَا نَهَاهُمْ عَنْ الْأَكْلِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ ذَبْحُ هَدْيِ التَّطَوُّعِ) ظَاهِرٌ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28] {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحج: 29] أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَطَفَ قَضَاءَ التَّفَثِ

وَقَضَاءُ التَّفَثِ يَخْتَصُّ بِيَوْمِ النَّحْرِ، وَلِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ فَيَخْتَصُّ بِيَوْمِ النَّحْرِ كَالْأُضْحِيَّةِ (وَيَجُوزُ ذَبْحُ بَقِيَّةِ الْهَدَايَا فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ إلَّا فِي يَوْمِ النَّحْرِ اعْتِبَارًا بِدَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ دَمُ جَبْرٍ عِنْدَهُ. وَلَنَا أَنَّ هَذِهِ دِمَاءُ كَفَّارَاتٍ فَلَا تَخْتَصُّ بِيَوْمِ النَّحْرِ لِأَنَّهَا لَمَّا وَجَبَتْ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ كَانَ التَّعْجِيلُ بِهَا أَوْلَى لِارْتِفَاعِ النُّقْصَانِ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ، بِخِلَافِ دَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ لِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ ذَبْحُ الْهَدَايَا إلَّا فِي الْحَرَمِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] فَصَارَ أَصْلًا فِي كُلِّ دَمٍ هُوَ كَفَّارَةٌ، وَلِأَنَّ الْهَدْيَ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى إلَى مَكَان وَمَكَانُهُ الْحَرَمُ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ، وَفِجَاجُ مَكَّةَ كُلُّهَا مَنْحَرٌ» (وَيَجُوزُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَغَيْرِهِمْ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الصَّدَقَةَ قُرْبَةٌ مَعْقُولَةٌ، وَالصَّدَقَةُ عَلَى كُلِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْأَكْلِ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ الَّتِي نَحَرُوهَا (وَقَضَاءُ التَّفَثِ مُخْتَصٌّ بِيَوْمِ النَّحْرِ) فَيَكُونُ النَّحْرُ كَذَلِكَ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ ثُمَّ لِلتَّرَاخِي فَرُبَّمَا يَكُونُ الذَّبْحُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَقَضَاءُ التَّفَثِ فِيهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مُوجِبَ ثُمَّ فِي التَّرَاخِي يَتَحَقَّقُ بِالتَّأْخِيرِ سَاعَةً، فَلَوْ جَازَ الذَّبْحُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ جَازَ قَضَاءُ التَّفَثِ بَعْدَهُ بِسَاعَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَمُ نُسُكٍ وَلِهَذَا حَلَّ لَهُ التَّنَاوُلُ مِنْهُ فَيَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ كَالْأُضْحِيَّةِ. وَقَوْلُهُ (وَيَجُوزُ ذَبْحُ بَقِيَّةِ الْهَدَايَا) ظَاهِرٌ. وَالْفِجَاجُ جَمْعُ الْفَجِّ: وَهُوَ الطَّرِيقُ الْوَاسِعُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ. وَقَوْلُهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَغَيْرِهِمْ)

فَقِيرٍ قُرْبَةٌ. قَالَ (وَلَا يَجِبُ التَّعْرِيفُ بِالْهَدَايَا) لِأَنَّ الْهَدْيَ يُنْبِئُ عَنْ النَّقْلِ إلَى مَكَان لِيَتَقَرَّبَ بِإِرَاقَةِ دَمِهِ فِيهِ لَا عَنْ التَّعْرِيفِ فَلَا يَجِبُ، فَإِنْ عُرِفَ بِهَدْيِ الْمُتْعَةِ فَحَسَنٌ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّتُ بِيَوْمِ النَّحْرِ فَعَسَى أَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يُمْسِكُهُ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُعَرِّفَ بِهِ، وَلِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ فَيَكُونُ مَبْنَاهُ عَلَى التَّشْهِيرِ بِخِلَافِ دِمَاءِ الْكَفَّارَاتِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ ذَبْحُهَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَسَبَبُهَا الْجِنَايَةُ فَيَلِيقُ بِهَا السَّتْرُ. قَالَ (وَالْأَفْضَلُ فِي الْبُدْنِ النَّحْرُ وَفِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الذَّبْحُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] قِيلَ فِي تَأْوِيلِهِ الْجَزُورُ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] وَالذِّبْحُ مَا أُعِدَّ لِلذَّبْحِ، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحَرَ الْإِبِلَ وَذَبَحَ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ» ثُمَّ إنْ شَاءَ نَحَرَ الْإِبِلَ فِي الْهَدَايَا قِيَامًا وَأَضْجَعَهَا، وَأَيُّ ذَلِكَ فَعَلَ فَهُوَ حَسَنٌ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْحَرَهَا قِيَامًا لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحَرَ الْهَدَايَا قِيَامًا» ، وَأَصْحَابُهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كَانُوا يَنْحَرُونَهَا قِيَامًا مَعْقُولَةَ الْيَدِ الْيُسْرَى، وَلَا يَذْبَحُ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ قِيَامًا لِأَنَّ فِي حَالَةِ الِاضْطِجَاعِ الْمَذْبَحَ أَبْيَنُ فَيَكُونُ الذَّبْحُ أَيْسَرَ وَالذَّبْحُ هُوَ السُّنَّةُ فِيهِمَا. قَالَ (وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَوَلَّى ذَبْحَهَا بِنَفْسِهِ إذَا كَانَ يُحْسِنُ ذَلِكَ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاقَ مِائَةَ بَدَنَةٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَنَحَرَ نَيِّفًا وَسِتِّينَ بِنَفْسِهِ، وَوَلَّى الْبَاقِيَ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -» ، وَلِأَنَّهُ قُرْبَةٌ وَالتَّوَلِّي فِي الْقُرُبَاتِ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْخُشُوعِ، إلَّا أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ لَا يَهْتَدِي لِذَلِكَ وَلَا يُحْسِنُهُ فَجَوَّزْنَا تَوْلِيَتَهُ غَيْرَهُ. قَالَ (وَيَتَصَدَّقُ بِجَلَالِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي بَعْدَمَا ذَبَحَهَا فِي الْحَرَمِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يَجِبُ التَّعْرِيفُ بِالْهَدَايَا) أَيْ الْإِتْيَانُ بِهَا إلَى عَرَفَاتٍ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا ذَكَرْنَا) إشَارَةً إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهَا لَمَّا وَجَبَتْ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ كَانَ التَّعْجِيلُ بِهَا أَوْلَى لِارْتِفَاعِ النُّقْصَانِ بِهِ . وَقَوْلُهُ (وَالْأَفْضَلُ فِي الْبُدْنِ النَّحْرُ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (قِيلَ فِي تَأْوِيلِهِ الْجَزُورُ) يَعْنِي انْحَرْ الْجَزُورَ وَكَلَامُهُ فِي الْبَاقِي وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (فَنَحَرَ نَيِّفًا وَسِتِّينَ) النَّيِّفُ بِالتَّشْدِيدِ كُلُّ مَا كَانَ بَيْنَ عَقْدَيْنِ وَقَدْ يُخَفَّفُ، وَعَنْ الْمُبَرِّدِ أَنَّهُ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى

وَخِطَامِهَا وَلَا يُعْطِي أُجْرَةَ الْجَزَّارِ مِنْهَا) «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَصَدَّقْ بِجَلَالِهَا وَبِخَطْمِهَا وَلَا تُعْطِ أَجْرَ الْجَزَّارِ مِنْهَا» (وَمَنْ سَاقَ بَدَنَةً فَاضْطُرَّ إلَى رُكُوبِهَا رَكِبَهَا، وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَرْكَبْهَا) لِأَنَّهُ جَعَلَهَا خَالِصَةً لِلَّهِ تَعَالَى، فَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَصْرِفَ شَيْئًا مِنْ عَيْنِهَا أَوْ مَنَافِعِهَا إلَى نَفْسِهِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ، إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَى رُكُوبِهَا لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ ارْكَبْهَا وَيْلَك» وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ كَانَ عَاجِزًا مُحْتَاجًا وَلَوْ رَكِبَهَا فَانْتَقَصَ بِرُكُوبِهِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ (وَإِنْ كَانَ لَهَا لَبَنٌ لَمْ يَحْلُبْهَا) لِأَنَّ اللَّبَنَ مُتَوَلِّدٌ مِنْهَا فَلَا يَصْرِفْهُ إلَى حَاجَةِ نَفْسِهِ (وَيُنْضِحُ ضَرْعَهَا بِالْمَاءِ الْبَارِد حَتَّى يَنْقَطِعَ اللَّبَنُ) وَلَكِنْ هَذَا إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ الذَّبْحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQثَلَاثٍ، وَالنَّضْحُ الرَّشُّ وَالْبَلُّ. وَمِنْهُ يُنْضِحُ ضَرْعَهَا بِكَسْرِ الضَّادِ.

فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا مِنْهُ يَحْلُبُهَا وَيَتَصَدَّقُ بِلَبَنِهَا كَيْ لَا يَضُرَّ ذَلِكَ بِهَا، وَإِنْ صَرَفَهُ إلَى حَاجَةِ نَفْسِهِ تَصَدَّقَ بِمِثْلِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ (وَمَنْ سَاقَ هَدْيًا فَعَطِبَ، فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ) لِأَنَّ الْقُرْبَةَ تَعَلَّقَتْ بِهَذَا الْمَحَلِّ وَقَدْ فَاتَ (وَإِنْ كَانَ عَنْ وَاجِبٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ مَقَامَهُ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ (وَإِنْ أَصَابَهُ عَيْبٌ كَبِيرٌ يُقِيمُ غَيْرَهُ مَقَامَهُ) لِأَنَّ الْمَعِيبَ بِمِثْلِهِ لَا يَتَأَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ فَلَا بُدَّ مِنْ غَيْرِهِ (وَصَنَعَ بِالْمَعِيبِ مَا شَاءَ) لِأَنَّهُ اُلْتُحِقَ بِسَائِرِ أَمْلَاكِهِ (وَإِذَا عَطِبَتْ الْبَدَنَةُ فِي الطَّرِيقِ، فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا نَحَرَهَا وَصَبَغَ نَعْلَهَا بِدَمِهَا وَضَرَبَ بِهَا صَفْحَةَ سَنَامِهَا وَلَا يَأْكُلُ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ) مِنْهَا بِذَلِكَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاجِيَةَ الْأَسْلَمِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْمُرَادُ بِالنَّعْلِ قِلَادَتُهَا، وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنْ يَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّهُ هَدْيٌ فَيَأْكُلُ مِنْهُ الْفُقَرَاءُ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَمَنْ سَاقَ هَدْيًا فَعَطِبَ) ظَاهِرٌ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لِمَ لَا يَكُونُ كَأُضْحِيَّةِ الْفَقِيرِ فَإِنَّ عَلَيْهِ تَطَوُّعًا وَمَعَ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ إذَا ضَلَّتْ الشَّاةُ الْمُشْتَرَاةُ لَهَا، حَتَّى لَوْ اشْتَرَى غَيْرَهَا ثُمَّ وَجَدَ الضَّالَّةَ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَبْحُهَا؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا أَوْجَبَ الْفَقِيرُ بِلِسَانِهِ عَلَى نَفْسِهِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الشَّاتَيْنِ بَعْدَمَا اشْتَرَاهَا لِلْأُضْحِيَّةِ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَفْعَلْ كَذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ لِلْأُضْحِيَّةِ قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: لَوْ اشْتَرَى الْفَقِيرُ شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ فَمَاتَتْ أَوْ بَاعَهَا لَا تَلْزَمُهُ أُخْرَى وَكَذَا لَوْ ضَلَّتْ. وَالْعَيْبُ الْكَبِيرُ هُوَ أَنْ يَذْهَبَ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ الْأُذُنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا هُوَ أَنْ يَذْهَبَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِهَا، وَالْعَطَبُ بِفَتْحَتَيْنِ: الْهَلَاكُ، وَمَعْنَى عَطِبَتْ الْبَدَنَةُ: أَيْ قَرُبَتْ إلَى الْعَطَبِ وَبِهَذَا خَرَجَ الْجَوَابُ عَمَّا قِيلَ هَذَا وَقَعَ مُكَرَّرًا بِمَا قَالَ أَوَّلًا وَمَنْ سَاقَ هَدْيًا

وَهَذَا لِأَنَّ الْإِذْنَ بِتَنَاوُلِهِ مُعَلَّقٌ بِشَرْطِ بُلُوغِهِ مَحِلَّهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحِلَّ قَبْلَ ذَلِكَ أَصْلًا، إلَّا أَنَّ التَّصَدُّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يَتْرُكَهُ جَزَرًا لِلسِّبَاعِ، وَفِيهِ نَوْعُ تَقَرُّبٍ وَالتَّقَرُّبُ هُوَ الْمَقْصُودُ (فَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً أَقَامَ غَيْرَهَا مَقَامَهَا وَصَنَعَ بِهَا مَا شَاءَ) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ صَالِحًا لِمَا عَيَّنَهُ وَهُوَ مِلْكُهُ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ (وَيُقَلِّدُ هَدْيَ التَّطَوُّعِ وَالْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ) لِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ، وَفِي التَّقْلِيدِ إظْهَارُهُ وَتَشْهِيرُهُ فَيَلِيقُ بِهِ (وَلَا يُقَلِّدُ دَمَ الْإِحْصَارِ وَلَا دَمَ الْجِنَايَاتِ) لِأَنَّ سَبَبَهَا الْجِنَايَةُ وَالسَّتْرُ أَلْيَقُ بِهَا، وَدَمُ الْإِحْصَارِ جَابِرٌ فَيَلْحَقُ بِجِنْسِهَا. ثُمَّ ذَكَرَ الْهَدْيَ وَمُرَادُهُ الْبَدَنَةُ لِأَنَّهُ لَا يُقَلِّدُ الشَّاةَ عَادَةً. وَلَا يُسَنُّ تَقْلِيدُهَا عِنْدَنَا لِعَدَمِ فَائِدَةِ التَّقْلِيدِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَعَطِبَ؛ لِأَنَّ ذَاكَ فِي حَقِيقَةِ الْعَطَبِ وَهَذَا فِي الْإِشْرَافِ عَلَيْهِ. وَالْجَزَرُ بِفَتْحَتَيْنِ: اللَّحْمُ الَّذِي يَأْكُلُهُ السِّبَاعُ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا تَقَدَّمَ) إشَارَةً إلَى مَا ذُكِرَ قُبَيْلَ بَابِ الْقِرَانِ بِقَوْلِهِ وَتَقْلِيدُ الشَّاةِ غَيْرُ مُعْتَادٍ وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ.

[مسائل منثورة من كتاب البيوع]

(أَهْلُ عَرَفَةَ إذَا وَقَفُوا فِي يَوْمٍ وَشَهِدَ قَوْمٌ أَنَّهُمْ وَقَفُوا يَوْمَ النَّحْرِ أَجْزَأَهُمْ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجْزِيَهُمْ اعْتِبَارًا بِمَا إذَا وَقَفُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَخْتَصُّ بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ فَلَا يَقَعُ عِبَادَةٌ دُونَهُمَا. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَسَائِلُ مَنْثُورَة مِنْ كِتَاب الْبُيُوع] مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ) مِنْ عَادَةِ الْمُصَنِّفِينَ أَنْ يَذْكُرُوا فِي آخِرِ الْكِتَابِ مَا شَذَّ وَنَدَرَ مِنْ الْمَسَائِلِ فِي الْأَبْوَابِ السَّالِفَةِ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ تَكْثِيرًا لِلْفَائِدَةِ، وَيُتَرْجِمُوا عَنْهُ بِمَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ أَوْ مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ أَوْ مَسَائِلَ شَتَّى أَوْ مَسَائِلَ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْأَبْوَابِ،

شَهَادَةٌ قَامَتْ عَلَى النَّفْيِ وَعَلَى أَمْرٍ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا نَفْيُ حَجِّهِمْ، وَالْحَجُّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ فَلَا تُقْبَلُ، وَلِأَنَّ فِيهِ بَلْوَى عَامًا لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ وَالتَّدَارُكُ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَفِي الْأَمْرِ بِالْإِعَادَةِ حَرَجٌ بَيِّنٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكْتَفِيَ بِهِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ لِأَنَّ التَّدَارُكَ مُمْكِنٌ فِي الْجُمْلَةِ بِأَنْ يَزُولَ الِاشْتِبَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَشْهَدَ قَوْمٌ أَنَّهُمْ رَأَوْا هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ فِي لَيْلَةٍ كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي وَقَفُوا فِيهِ الْيَوْمَ الْعَاشِرَ، وَكَلَامُهُ

يَوْمَ عَرَفَةَ، وَلِأَنَّ جَوَازَ الْمُؤَخَّرِ لَهُ نَظِيرٌ وَلَا كَذَلِكَ جَوَازُ الْمُقَدَّمِ. قَالُوا: يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ لَا يَسْمَعَ هَذِهِ الشَّهَادَةَ وَيَقُولَ قَدْ تَمَّ حَجُّ النَّاسِ فَانْصَرِفُوا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إلَّا إيقَاعُ الْفِتْنَةِ. وَكَذَا إذَا شَهِدُوا عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْوُقُوفُ فِي بَقِيَّةِ اللَّيْلِ مَعَ النَّاسِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ لَمْ يَعْمَلْ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ. قَالَ (وَمَنْ رَمَى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي الْجَمْرَةَ الْوُسْطَى وَالثَّالِثَةَ وَلَمْ يَرْمِ الْأُولَى، فَإِنْ رَمَى الْأُولَى ثُمَّ الْبَاقِيَتَيْنِ فَحَسَنٌ) لِأَنَّهُ رَاعَى التَّرْتِيبَ الْمَسْنُونَ (وَلَوْ رَمَى الْأُولَى وَحْدَهَا أَجْزَأَهُ) لِأَنَّهُ تَدَارَكَ الْمَتْرُوكَ فِي وَقْتِهِ، وَإِنَّمَا تَرَكَ التَّرْتِيبَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجْزِيهِ مَا لَمْ يُعِدْ الْكُلَّ لِأَنَّهُ شَرَعَ مُرَتَّبًا فَصَارَ كَمَا إذَا سَعَى قَبْلَ الطَّوَافِ أَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ قَبْلَ الصَّفَا. وَلَنَا أَنَّ كُلَّ جَمْرَةٍ قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ بِنَفْسِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاضِحٌ لَا يَقْبَلُ الشَّرْحَ. وَقَوْلُهُ وَكَذَا إذَا شَهِدُوا عَشِيَّةَ عَرَفَةَ) صُورَتُهُ أَنَّ الشُّهُودَ شَهِدُوا فِي الطَّرِيقِ قَبْلَ أَنْ يَلْحَقُوا عَرَفَاتٍ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ وَقَالُوا: رَأَيْنَا هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَهَذَا الْيَوْمُ هُوَ التَّاسِعُ، فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ لَا يَلْحَقُ الْوُقُوفَ فِي بَقِيَّةِ اللَّيْلِ مَعَ أَكْثَرِ النَّاسِ لَا تُسْمَعُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ وَيَقِفُونَ مِنْ الْغَدِ بَعْدَ الزَّوَالِ لِأَنَّهُمْ لَمَّا شَهِدُوا وَقَدْ تَعَذَّرَ الْوُقُوفُ صَارَ كَأَنَّهُمْ شَهِدُوا بَعْدَ الْوَقْتِ فَلَا تُسْمَعُ وَإِنْ كَانَ يَلْحَقُ الْوُقُوفَ مَعَ أَكْثَرِ النَّاسِ، وَلَكِنْ لَا يَلْحَقُ الضَّعَفَةُ فَإِنْ وَقَفَ جَازَ وَإِلَّا فَاتَ الْحَجُّ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْوُقُوفَ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ وَالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ قُدْرَةُ الْأَكْثَرِ دُونَ الْأَقَلِّ (وَمَنْ رَمَى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي الْجَمْرَةَ الْوُسْطَى وَالثَّالِثَةَ وَلَمْ يَرْمِ الْأُولَى) يَعْنِي الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ ثُمَّ جَاءَ يُعِيدُ الرَّمْيَ فِي يَوْمِهِ، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى رَمْيِ الَّتِي تَرَكَهَا أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ أَتَى بِأَصْلِ الرَّمْيِ فِي وَقْتِهِ، وَإِنَّمَا تَرَكَ الْمَسْنُونَ مِنْ التَّرْتِيبِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَإِنْ أَعَادَ الْجِمَارَ الثَّلَاثَ فَحَسَنٌ لِمَا فِيهِ مِنْ مُرَاعَاةِ سُنَّةِ التَّرْتِيبِ، وَهَذَا نَظِيرُ مَا سَبَقَ أَنَّ الطَّائِفَ إذَا دَخَلَ الْحَطِيمَ فِي طَوَافِهِ لَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ أَعَادَ عَلَى الْحَطِيمِ وَحْدَهُ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ أَعَادَ الطَّوَافَ كُلَّهُ كَانَ حَسَنًا. (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُجْزِئُهُ مَا لَمْ يُعِدْ الْكُلَّ لِأَنَّهُ شُرِعَ مُرَتَّبًا) تَرْتِيبًا صَارَ بِهِ الثَّانِي كَالْجُزْءِ مِنْ الْأَوَّلِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ الْكُلَّ يَجِبُ دَمٌ وَاحِدٌ فَلَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ فِيمَا بَيْنَهُمَا فَصَارَ تَرْكُ التَّرْتِيبِ فِيهَا كَتَقْدِيمِ السَّعْيِ عَلَى الطَّوَافِ أَوْ الِابْتِدَاءِ بِالْمَرْوَةِ قَبْلَ الصَّفَا، بِخِلَافِ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ بِذَاتِهَا فَلَا يَكُونُ التَّرْتِيبُ بَيْنَهَا وَاجِبًا (وَلَنَا أَنَّ كُلَّ جَمْرَةٍ قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ بِنَفْسِهَا) لِتَعَلُّقِ كُلٍّ مِنْهَا بِبُقْعَةٍ عَلَى حِدَةٍ وَالْبُقْعَةُ فِي بَابِ الْحَجِّ

فَلَا يَتَعَلَّقُ الْجَوَازُ بِتَقْدِيمِ الْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ، بِخِلَافِ السَّعْيِ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلطَّوَافِ لِأَنَّهُ دُونَهُ، وَالْمَرْوَةُ عُرِفَتْ مُنْتَهَى السَّعْيِ بِالنَّصِّ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهَا الْبُدَاءَةُ. قَالَ (وَمَنْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَإِنَّهُ لَا يَرْكَبُ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ) وَفِي الْأَصْلِ خَيَّرَهُ بَيْنَ الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى الْوُجُوبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَصْلٌ فَكَانَ مَا شُرِعَ فِيهِ أَصْلًا فَلَا يَتَعَلَّقُ جَوَازُ الْبَعْضِ بِبَعْضٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَعَادَ مُرَتَّبًا كَانَ مُؤَدِّيًا لَا قَاضِيًا. بِخِلَافِ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّ النَّصَّ فِيهَا نَاطِقٌ بِأَنَّ مَنْ صَلَّى بِلَا تَرْتِيبٍ صَلَّى قَبْلَ وَقْتِهَا فَلَا يَجُوزُ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ دُونَهُ) أَيْ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ دُونَ الطَّوَافِ يَعْنِي أَحَطَّ مَنْزِلَةً مِنْ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ فَرْضٌ كَطَوَافِ الزِّيَارَةِ أَوْ مِنْ جِنْسِ الْفَرْضِ كَطَوَافِ الْقُدُومِ، وَأَمَّا السَّعْيُ فَوَاجِبٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَكَانَ دُونَ الطَّوَافِ فَصَلُحَ أَنْ يَكُونَ تَابِعًا لِلطَّوَافِ. وَقَوْلُهُ (وَالْمَرْوَةُ عُرِفَتْ مُنْتَهَى السَّعْيِ بِالنَّصِّ) وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» أَرَادَ بِهِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] (فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهَا الْبُدَاءَةُ) قَالَ (وَمَنْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا) أَيْ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَرْكَبَ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ (وَخُيِّرَ فِي الْأَصْلِ) يَعْنِي الْمَبْسُوطَ (بَيْنَ الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ) بَعْدَ النَّذْرِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ مَاشِيًا يُكْرَهُ وَرَاكِبًا أَفْضَلُ لَكِنَّهُ وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فَكَانَ مُخَيَّرًا. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لَا يَرْكَبُ، يَعْنِي رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ تَقْتَضِي تَرْكَ الرُّكُوبِ عَلَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQسَبِيلِ الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْهُ بِصِيغَةِ النَّفْيِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْمَشْرُوعِيَّةِ فَكَانَ الرُّكُوبُ غَيْرَ مَشْرُوعٍ

وَهُوَ الْأَصْلُ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْقُرْبَةَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ فَتَلْزَمُهُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ، كَمَا إذَا نَذَرَ بِالصَّوْمِ مُتَتَابِعًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ الْأَصْلُ) أَيْ الْمُوَافِقُ لِلْقَوَاعِدِ لِأَنَّ مَنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ لَا يَتَأَدَّى نَاقِصًا، وَالْمَشْيُ فِي الْحَجِّ صِفَةُ كَمَالٍ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَجَّ مَاشِيًا فَلَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ حَسَنَةٌ مِنْ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ، قِيلَ وَمَا حَسَنَاتُ الْحَرَمِ؟ قَالَ: كُلُّ حَسَنَةٍ بِسَبْعِمِائَةٍ» وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَمَا كُفَّ بَصَرُهُ: مَا تَأَسَّفْت عَلَى شَيْءٍ كَتَأَسُّفِي عَلَى أَنِّي لَمْ أَحُجَّ مَاشِيًا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّمَ الْمُشَاةَ فَقَالَ تَعَالَى {يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحج: 27] فَصَارَ كَمَا إذَا نَذَرَ بِالصَّوْمِ مُتَتَابِعًا لَا يَتَأَدَّى مُتَفَرِّقًا. وَاعْتُرِضَ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّذْرَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِمَا لَهُ نَظِيرٌ فِي الْمَشْرُوعَاتِ الْمَفْرُوضَةِ أَوْ الْوَاجِبَةِ، وَلَيْسَ لِلْمَشْيِ نَظِيرٌ. وَالثَّانِي أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَرِهَ الْمَشْيَ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ، فَمَا وَجْهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ فَإِنَّهُ يُنَاقِضُ ذَلِكَ؟ . وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ لَهُ أَصْلًا وَهُوَ أَنَّ الْمَكِّيَّ الْفَقِيرَ إذَا لَمْ يَمْلِكْ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ وَأَمْكَنَهُ الْمَشْيُ إلَى عَرَفَاتٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ مَاشِيًا. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ مَا كَرِهَ الْمَشْيَ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا كَرِهَ الْجَمْعَ بَيْنَ

وَأَفْعَالُ الْحَجِّ تَنْتَهِي بِطَوَافِ الزِّيَارَةِ فَيَمْشِي إلَى أَنْ يَطُوفَهُ. ثُمَّ قِيلَ: يَبْتَدِئُ الْمَشْيَ مِنْ حِينِ يُحْرِمُ، وَقِيلَ مِنْ بَيْتِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ، وَلَوْ رَكِبَا أَرَاقَ دَمًا لِأَنَّهُ أَدْخَلَ نَقْصًا فِيهِ، قَالُوا إنَّمَا يَرْكَبُ إذَا بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ وَشَقَّ عَلَيْهِ الْمَشْيُ، وَإِذَا قَرُبَتْ وَالرَّجُلُ مِمَّنْ يَعْتَادُ الْمَشْيَ وَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَرْكَبَ (وَمَنْ بَاعَ جَارِيَةً مُحْرِمَةً قَدْ أَذِنَ لَهَا مَوْلَاهَا فِي ذَلِكَ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُحَلِّلَهَا وَيُجَامِعَهَا) وَقَالَ زُفَرُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ سَبَقَ مِلْكَهُ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فَسْخِهِ كَمَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً مَنْكُوحَةً. وَلَنَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَائِمٌ مَقَامَ الْبَائِعِ وَقَدْ كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُحَلِّلَهَا، فَكَذَا الْمُشْتَرِي ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّوْمِ وَالْمَشْيِ لِأَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ سَاءَ خُلُقُهُ فَجَادَلَ وَالْجِدَالُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي الْحَجِّ. وَقَوْلُهُ (وَأَفْعَالُ الْحَجِّ تَنْتَهِي بِطَوَافِ الزِّيَارَةِ) يُرِيدُ بِالْأَفْعَالِ الْأَرْكَانَ لَا مُطْلَقَ الْأَفْعَالِ، فَإِنَّ رَمْيَ الْجِمَارِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ قِيلَ) يَعْنِي أَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَذْكُرْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ يَبْدَأُ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، فَقِيلَ: يَبْتَدِئُ مِنْ حِينِ يُحْرِمُ وَعَلَيْهِ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ وَغَيْرُهُمَا (وَقِيلَ مِنْ بَيْتِهِ) وَعَلَيْهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَقَالَ (لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ) يَعْنِي أَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ وَالْعُرْفُ مُعْتَبَرٌ فِي النَّذْرِ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ وَاجِبٌ (فَلَوْ رَكِبَ أَرَاقَ دَمًا لِأَنَّهُ أَدْخَلَ نَقْصًا فِيهِ) يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ «عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: إنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ مَاشِيَةً حَافِيَةً، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَغَنِيٌّ عَنْ تَعْذِيبِ أُخْتِك مُرْهَا فَلْتَرْكَبْ وَلْتَذْبَحْ لِرُكُوبِهَا شَاةً» وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «وَلْتُرِقْ دَمًا» وَقَوْلُهُ (قَالُوا) يَعْنِي الْمَشَايِخَ كَأَنَّهُ بَيَانُ التَّوْفِيقِ بَيْنَ رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَرِوَايَةِ الْجَامِعِ. رَوَى الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ قَالَ (إنَّمَا يَرْكَبُ إذَا بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ وَشَقَّ الْمَشْيُ، وَأَمَّا إذَا قَرُبَتْ وَالرَّجُلُ مِمَّنْ يَعْتَادُ الْمَشْيَ وَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَرْكَبَ) وَقَوْلُهُ (وَمَنْ بَاعَ جَارِيَةً مُحْرِمَةً) ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ (وَقَدْ كَانَ لِلْبَائِعِ) يَعْنِي عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَوْلَى إذَا أَذِنَ لِلْعَبْدِ فِي الْحَجِّ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهُ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ بِالْإِذْنِ فَصَارَ

إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ لِمَا فِيهِ مِنْ خَلْفِ الْوَعْدِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي، بِخِلَافِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ مَا كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَفْسَخَهُ إذَا بَاشَرَتْ بِإِذْنِهِ فَكَذَا لَا يَكُونُ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي، وَإِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَبْدُ كَالْحُرِّ إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهُ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ لَمْ يَقَعْ بِإِذْنِهِ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ مَا كَانَ لِلْبَائِعِ فَسْخُهُ)

رَدِّهَا بِالْعَيْبِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ يَتَمَكَّنُ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ غَشَيَانِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQجَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ زُفَرَ. وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ إذَا كَانَ بِإِذْنِهِ لِمَا أَنَّ النِّكَاحَ حَقُّ الزَّوْجِ فَقَدْ تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِإِذْنِ الْمَالِكِ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْمَالِكُ مِنْ فَسْخِهِ وَإِنْ بَقِيَ مِلْكُهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ بِهِ كَالرَّاهِنِ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِمْتَاعِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْمَرْهُونِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِإِذْنِهِ، وَالْمُشْتَرِي قَامَ مَقَامَهُ بَعْدَ الشِّرَاءِ، فَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ أَيْضًا، وَأَمَّا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQهَاهُنَا فَقَدْ اجْتَمَعَ فِي الْجَارِيَةِ حَقَّانِ: حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْإِحْرَامِ. وَحَقُّ الْمُشْتَرِي فِي الِاسْتِمْتَاعِ، فَيُقَدَّمُ حَقُّ الْعَبْدِ

(وَ) ذُكِرَ (فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَوْ يُجَامِعُهَا) وَالْأَوَّلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُحَلِّلُهَا بِغَيْرِ الْجِمَاعِ بِقَصِّ شَعْرٍ أَوْ بِقَلْمِ ظُفْرٍ ثُمَّ يُجَامِعُ، وَالثَّانِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُحَلِّلُهَا بِالْمُجَامَعَةِ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ تَقْدِيمِ مَسٍّ يَقَعُ بِهِ التَّحَلُّلُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُحَلِّلَهَا بِغَيْرِ الْمُجَامَعَةِ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الْحَجِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِحَاجَتِهِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لِغِنَاهُ. وَقَوْلُهُ (وَذُكِرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ) أَيْ نُسَخِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (أَوْ يُجَامِعُهَا) يَعْنِي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ: فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُحَلِّلَهَا أَوْ يُجَامِعَهَا، وَبَاقِي كَلَامِهِ ظَاهِرٌ. وَهَذَا آخِرُ الْعِبَادَاتِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُعِينُ عَلَى الْإِتْمَامِ.

[كتاب النكاح]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ النِّكَاحِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْعِبَادَاتِ شَرَعَ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَابْتَدَأَ مِنْ بَيْنِهَا بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَصَالِحَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدْ اشْتَهَرَتْ فِي وَعِيدِ مَنْ رَغِبَ عَنْهُ وَتَحْرِيضِ مَنْ رَغِبَ فِيهِ الْآثَارُ، وَمَا اتَّفَقَ فِي حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ مِثْلُ مَا اتَّفَقَ فِي النِّكَاحِ مِنْ اجْتِمَاعِ دَوَاعِي الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ وَالطَّبْعِ. فَأَمَّا دَوَاعِي الشَّرْعِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ فَظَاهِرَةٌ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا دَوَاعِي الْعَقْلِ فَإِنَّ كُلَّ عَاقِلٍ يُحِبُّ أَنْ يَبْقَى اسْمُهُ وَلَا يَنْمَحِي رَسْمُهُ، وَمَا ذَاكَ غَالِبًا إلَّا بِبَقَاءِ النَّسْلِ. وَأَمَّا الطَّبْعُ فَإِنَّ الطَّبْعَ الْبَهِيمِيَّ مِنْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى يَدْعُو إلَى تَحْقِيقِ مَا أُعِدَّ مِنْ الْمُبَاضَعَاتِ الشَّهْوَانِيَّةِ وَالْمُضَاجَعَاتِ النَّفْسَانِيَّةِ، وَلَا مَزْجَرَةَ فِيهَا إذَا كَانَتْ بِأَمْرِ الشَّرْعِ وَإِنْ كَانَتْ بِدَوَاعِي الطَّبْعِ بَلْ يُؤْجَرُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَشْرُوعَاتِ. وَالنِّكَاحُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْوَطْءِ، ثُمَّ قِيلَ لِلتَّزَوُّجِ نِكَاحٌ مَجَازًا لِأَنَّهُ سَبَبٌ لَهُ، وَقِيلَ هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي الِاصْطِلَاحِ عَقْدٌ وُضِعَ لِتَمْلِيكِ مَنَافِعِ الْبُضْعِ. وَسَبَبُهُ تَعَلُّقُ الْبَقَاءِ الْمَقْدُورِ بِتَعَاطِيهِ. وَشَرْطُهُ الْخَاصُّ حُضُورُ شَاهِدَيْنِ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِهِ، بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ فِيهَا لِلظُّهُورِ عِنْدَ الْحَاكِمِ لَا الِانْعِقَادِ. وَشَرْطُهُ الْعَامُّ الْأَهْلِيَّةُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَالْمَحَلِّ، وَهِيَ امْرَأَةٌ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ نِكَاحِهَا مَانِعٌ شَرْعِيٌّ. وَرُكْنُهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ كَمَا فِي سَائِرِ الْعُقُودِ؛ وَالْإِيجَابُ هُوَ الْمُتَلَفَّظُ بِهِ أَوَّلًا مِنْ أَيِّ جَانِبٍ كَانَ وَالْقَبُولُ جَوَابُهُ. وَحُكْمُهُ ثُبُوتُ الْحِلِّ عَلَيْهَا وَوُجُوبُ

(النِّكَاحُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَهْرِ عَلَيْهِ وَحُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، وَهُوَ فِي حَالَةِ التَّوَقَانِ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ التَّحَرُّزَ عَنْ الزِّنَا وَاجِبٌ وَهُوَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالنِّكَاحِ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَفِي حَالَةِ الِاعْتِدَالِ مُسْتَحَبٌّ، وَفِي حَالَةِ خَوْفِ الْجَوْرِ مَكْرُوهٌ قَالَ (النِّكَاحُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ)

بِلَفْظَيْنِ يُعَبِّرُ بِهِمَا عَنْ الْمَاضِي) لِأَنَّ الصِّيغَةَ وَإِنْ كَانَتْ لِلْإِخْبَارِ وَضْعًا فَقَدْ جُعِلَتْ لِلْإِنْشَاءِ شَرْعًا دَفْعًا لِلْحَاجَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَدْ ذَكَرْت مَعْنَى الِانْعِقَادِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ عَلَى مَا سَيَأْتِي وَقَوْلُهُ (يُعَبَّرُ بِهِمَا) أَيْ بِلَفْظٍ وَيُبَيَّنُ؛ لِأَنَّ التَّعْبِيرَ الْبَيَانُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف: 43] أَيْ تُبَيِّنُونَ، وَإِنَّمَا اُخْتِيرَ لَفْظُ الْمَاضِي لِلْإِنْشَاءِ وَهُوَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكَلَامُ الَّذِي لَيْسَ لِنِسْبَتِهِ خَارِجٌ تُطَابِقُهُ أَوْ لَا تُطَابِقُهُ لِيَدُلَّ عَلَى التَّحَقُّقِ وَالثُّبُوتِ فَكَانَ أَدَلَّ عَلَى قَضَاءِ الْحَاجَةِ.

(وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ يُعَبِّرُ بِأَحَدِهِمَا عَنْ الْمَاضِي وَبِالْآخَرِ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ زَوِّجْنِي فَيَقُولَ زَوَّجْتُك) لِأَنَّ هَذَا تَوْكِيلٌ بِالنِّكَاحِ وَالْوَاحِدُ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ النِّكَاحِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ وَالْهِبَةِ وَالتَّمْلِيكِ وَالصَّدَقَةِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ لَيْسَ حَقِيقَةً فِيهِ وَلَا مَجَازًا عَنْهُ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ لِلتَّلْفِيقِ وَالنِّكَاحَ لِلضَّمِّ، وَلَا ضَمَّ وَلَا ازْدِوَاجَ بَيْنَ الْمَالِكِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ) يَعْنِي فِي أَوَّلِ فَصْلِ الْوَكَالَةِ فِي النِّكَاحِ وَقَوْلُهُ (وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ) بَيَانُ أَلْفَاظٍ يَنْعَقِدُ بِهَا النِّكَاحُ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ) لِأَنَّهُ إنْ انْعَقَدَ بِغَيْرِهِ مِثْلُ التَّمْلِيكِ مَثَلًا، فَإِمَّا أَنْ يَنْعَقِدَ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ حَقِيقَةٌ أَوْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَجَازٌ لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَقِيقَةً كَانَ التَّمْلِيكُ وَالتَّزْوِيجُ مُتَرَادِفَيْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ التَّمْلِيكُ يُوجَدُ بِغَيْرِ نِكَاحٍ وَلَا إلَى الثَّانِي لِعَدَمِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُمَا (؛ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ لِلتَّلْفِيقِ) يُقَالُ: لَفَّقْت بَيْنَ ثَوْبَيْنِ وَلَفَّقْت أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ، إذَا لَاءَمْتَ بَيْنَهُمَا بِالْخِيَاطَةِ (وَالنِّكَاحُ لِلضَّمِّ، وَلَا ضَمَّ وَلَا ازْدِوَاجَ بَيْنَ الْمَالِكِ

وَالْمَمْلُوكَةِ أَصْلًا. وَلَنَا أَنَّ التَّمْلِيكَ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ فِي مَحَلِّهَا بِوَاسِطَةِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَهُوَ الثَّابِتُ بِالنِّكَاحِ وَالسَّبَبِيَّةُ طَرِيقُ الْمَجَازِ. وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمَمْلُوكَةِ أَصْلًا) فَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَهُمَا. وَقُلْنَا الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَهُمَا مَوْجُودَةٌ؛ لِأَنَّ (التَّمْلِيكَ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ فِي مَحَلِّهَا) يَعْنِي أَنَّ تَمْلِيكَ الرَّقَبَةِ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ إذَا صَادَفَتْ مَحَلَّ الْمُتْعَةِ لِإِفْضَائِهِ إلَيْهِ (وَ) مِلْكُ الْمُتْعَةِ (هُوَ الثَّابِتُ بِالنِّكَاحِ وَالسَّبَبِيَّةُ طَرِيقُ الْمَجَازِ) وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ فِي مَحَلِّهَا احْتِرَازًا عَنْ تَمْلِيكِ الْغِلْمَانِ وَالْبَهَائِمِ وَالْأُخْتِ الرَّضَاعِيَّةِ وَالْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ إذَا وَرَدَ عَلَى مِلْكِ النِّكَاحِ أَفْسَدَهُ فَكَيْفَ يَثْبُتُ النِّكَاحُ بِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ إفْسَادَهُ لِلنِّكَاحِ لَيْسَ مِنْ حَيْثُ تَحْرِيمُ الْوَطْءِ لَا مَحَالَةَ، بَلْ مِنْ حَيْثُ إبْطَالُ ضَرْبِ مَالِكِيَّةٍ لَهَا فِي مُوَاجَبِ النِّكَاحِ مِنْ طَلَبِ الْقَسْمِ وَتَقْدِيرِ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى وَالْمَنْعِ عَنْ الْعَزْلِ، وَحِينَئِذٍ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مَا يُثْبِتُهُ وَيَنْفِيهِ فَجَازَتْ الِاسْتِعَارَةُ. وَقَوْلُهُ (وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ) يَعْنِي بِأَنْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ بِعْتُك نَفْسِي أَوْ قَالَ أَبُوهَا بِعْتُك بِنْتِي بِكَذَا وَكَذَا

هُوَ الصَّحِيحُ لِوُجُودِ طَرِيقِ الْمَجَازِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِلَفْظِ الشِّرَاءِ بِأَنْ قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَةٍ اشْتَرَيْتُك بِكَذَا فَأَجَابَتْ بِنَعَمْ، أَشَارَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ. وَقَوْلُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ إنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ خَاصٌّ لِتَمْلِيكِ مَالٍ وَالْمَمْلُوكُ بِالنِّكَاحِ لَيْسَ

(وَلَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ) فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ (وَ) لَا بِلَفْظِ (الْإِبَاحَةِ وَالْإِحْلَالِ وَالْإِعَارَةِ) لِمَا قُلْنَا (وَ) لَا بِلَفْظِ (الْوَصِيَّةِ) لِأَنَّهَا تُوجِبُ الْمِلْكَ مُضَافًا إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَالٍ، وَوَجْهُ الصَّحِيحِ وُجُودُ طَرِيقِ الْمَجَازِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ فِي الصَّحِيحِ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْكَرْخِيِّ إنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى بِالنِّكَاحِ مَنْفَعَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنْ جُعِلَ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ، وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الْعِوَضَ أَجْرًا فِي قَوْله تَعَالَى {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِجَارَةِ. وَوَجْهُ الصَّحِيحِ أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْعَقِدُ شَرْعًا إلَّا مُؤَقَّتَةً، وَالنِّكَاحُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا مُؤَبَّدًا فَكَانَ بَيْنَ مُوجِبَيْهِمَا تَنَافٍ فَلَا تَجُوزُ الِاسْتِعَارَةُ، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ (لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ) لِعَدَمِ إفْضَائِهَا إلَيْهِ (وَلَا بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ وَالْإِحْلَالِ وَالْإِعَارَةِ لِمَا قُلْنَا) يَعْنِي قَوْلَهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْإِبَاحَةِ وَالْإِحْلَالِ لَا يُوجِبُ مِلْكًا أَصْلًا، فَإِنَّ مَنْ أَحَلَّ لِغَيْرِهِ طَعَامًا أَوْ أَبَاحَهُ لَهُ لَا يَمْلِكُهُ فَإِنَّمَا يُتْلِفُهُ عَلَى مِلْكِ الْمُبِيحِ (وَلَا بِلَفْظِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهَا تُوجِبُ الْمِلْكَ مُضَافًا إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ) وَلَوْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQصَرَّحَ بِلَفْظِ النِّكَاحِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ زَمَانُ انْتِهَاءِ مِلْكِ النِّكَاحِ وَبُطْلَانِهِ لَا زَمَانُ ثُبُوتِهِ.

قَالَ (وَلَا يَنْعَقِدُ نِكَاحُ الْمُسْلِمِينَ إلَّا بِحُضُورِ شَاهِدَيْنِ حُرَّيْنِ عَاقِلَيْنِ بَالِغَيْنِ مُسْلِمَيْنِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عُدُولًا كَانُوا أَوْ غَيْرَ عُدُولٍ أَوْ مَحْدُودِينَ فِي الْقَذْفِ) اعْلَمْ أَنَّ الشَّهَادَةَ شَرْطٌ فِي بَابِ النِّكَاحِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ» وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي اشْتِرَاطِ الْإِعْلَانِ دُونَ الشَّهَادَةِ. وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَلَا يَنْعَقِدُ نِكَاحُ الْمُسْلِمِينَ إلَّا بِحُضُورِ شَاهِدَيْنِ حُرَّيْنِ عَاقِلَيْنِ بَالِغَيْنِ مُسْلِمَيْنِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَيْنِ عُدُولًا كَانُوا أَوْ غَيْرَ عُدُولٍ) أَمَّا اشْتِرَاطُ الشَّهَادَةِ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ» وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] وَغَيْرُهُ مِنْ الْآيَاتِ بِهِ. وَأَجَابَ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ بِأَنَّ هَذَا حَدِيثٌ مَشْهُورٌ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ فَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِهِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ (وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ فِي اشْتِرَاطِ الْإِعْلَانِ دُونَ الشَّهَادَةِ) حَتَّى لَوْ أَعْلَنُوا بِحُضُورِ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ صَحَّ، وَلَوْ أَمَرَ الشَّاهِدَيْنِ أَنْ لَا يُظْهِرَا الْعَقْدَ لَمْ يَصِحَّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَعْلِنُوا النِّكَاحَ وَلَوْ بِالدُّفِّ» وَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِعْلَانَ يَحْصُلُ بِحُضُورِ

الْحُرِّيَّةِ فِيهَا لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا شَهَادَةَ لَهُ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ، لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ بِدُونِهِمَا، وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْإِسْلَامِ فِي أَنْكِحَةِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّاهِدَيْنِ حَقِيقَةً، وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْحُرِّيَّةِ فَلِأَنَّ الْعَبْدَ لَا شَهَادَةَ لَهُ (لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ) وَالشَّهَادَةُ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْوِلَايَةَ عِبَارَةٌ عَنْ نَفَاذِ الْقَوْلِ عَلَى الْغَيْرِ شَاءَ أَوْ أَبَى. وَذَلِكَ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ عِنْدَ الْأَدَاءِ، وَكَلَامُنَا فِي حَالَةِ الِانْعِقَادِ، فَكَمَا يَنْعَقِدُ بِشَهَادَةِ الْمَحْدُودِينَ فِي الْقَذْفِ فَلْيَنْعَقِدْ بِشَهَادَةِ الْعَبْدَيْنِ إذْ الْوِلَايَةُ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَدَاءَ يَحْتَاجُ إلَى وِلَايَةٍ مُتَعَدِّيَةٍ وَلَيْسَتْ بِمُرَادَةٍ هَاهُنَا. وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهَا الْوِلَايَةُ الْقَاصِرَةُ تَعْظِيمًا لِخَطَرِ أَمْرِ النِّكَاحِ كَاشْتِرَاطِ أَصْلِ الشَّهَادَةِ، وَكَذَلِكَ اعْتِبَارُ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ (لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ بِدُونِهِمَا وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْإِسْلَامِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ) يَعْنِي أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ، وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَفِيهِ النَّظَرُ

وَلَا يُشْتَرَطُ وَصْفُ الذُّكُورَةِ حَتَّى يَنْعَقِدَ بِحُضُورِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ " وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَسَتَعْرِفُ فِي الشَّهَادَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ حَتَّى يَنْعَقِدَ بِحَضْرَةِ الْفَاسِقَيْنِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. لَهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ بَابِ الْكَرَامَةِ وَالْفَاسِقُ مِنْ أَهْلِ الْإِهَانَةِ. وَلَنَا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّذِي مَرَّ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْأَدَاءَ حَتَّى تَكُونَ الْوِلَايَةُ شَرْطًا. وَالْجَوَابُ أَنَّا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الشَّهَادَةَ وَصِفَةَ الشَّاهِدَيْنِ إنَّمَا كَانَتْ تَعْظِيمًا وَلَا تَعْظِيمَ لِشَيْءٍ بِسَبَبِ حُضُورِهِ لِلْكُفَّارِ (وَلَا يُشْتَرَطُ وَصْفُ الذُّكُورَةِ حَتَّى يَنْعَقِدَ بِحُضُورِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) وَوَعَدَ الْمُصَنِّفُ بِبَيَانِ ذَلِكَ فِي الشَّهَادَاتِ وَنَحْنُ تَابَعْنَاهُ فِي ذَلِكَ، وَيَنْعَقِدُ بِشَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. هُوَ يَقُولُ (الشَّهَادَةُ مِنْ الْكَرَامَةِ) لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ قَوْلِهِ فِي نَفْسِهِ وَنَفَاذِهِ عَلَى الْغَيْرِ إكْرَامًا لَهُ لَا مَحَالَةَ (وَالْفَاسِقُ مِنْ أَهْلِ الْإِهَانَةِ) لِجَرِيمَتِهِ، وَدَلِيلُهُ يَتِمُّ بِأَنْ يَقُولَ: وَالْفَاسِقُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكَرَامَةِ، وَلَكِنْ عَدَلَ عَنْهُ إلَى مَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ، وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ تَرْكِ الْإِكْرَامِ وَهُوَ الْإِهَانَةُ (وَلَنَا أَنَّ الْفَاسِقَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ) عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ نَفْسَهُ وَعَبْدَهُ وَأَمَتَهُ وَيُقِرَّ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِهِ مِنْ الْقَتْلِ وَغَيْرِهِ،

وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُحَرِّمْ الْوِلَايَةَ عَلَى نَفْسِهِ لِإِسْلَامِهِ لَا يُحَرِّمُ عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ، وَلِأَنَّهُ صَلُحَ مُقَلَّدًا فَيَصْلُحُ مُقَلِّدًا وَكَذَا شَاهِدًا. وَالْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ تَحَمُّلًا، وَإِنَّمَا الْفَائِتُ ثَمَرَةُ الْأَدَاءِ بِالنَّهْيِ لِجَرِيمَتِهِ فَلَا يُبَالِي بِفَوَاتِهِ كَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكُلُّ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ. فَإِنْ قِيلَ: الْوِلَايَةُ عَلَى نَفْسِهِ وِلَايَةٌ قَاصِرَةٌ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ عَلَى نَفْسِهِ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهَا مُتَعَدِّيَةٌ إلَى غَيْرِهِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَهَذَا) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ: يَعْنِي (لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُحْرَمْ الْوِلَايَةُ عَلَى نَفْسِهِ لِإِسْلَامِهِ لَمْ يَحْرُمْ عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ) كَمَا أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ لَهُمْ وِلَايَةٌ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَلَهُمْ الْوِلَايَةُ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفِسْقَ لَا يُخْرِجُ الْمَرْءَ مِنْ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْأَدَاءِ، وَفِيهِ الْإِلْزَامُ، فَلَأَنْ لَا يَخْرُجَ عَنْهَا عَلَى الِانْعِقَادِ وَلَا إلْزَامَ فِيهِ أَوْلَى (وَلِأَنَّهُ صَلُحَ مُقَلِّدًا) كَالْحَجَّاجِ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ بَعْدَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ قَلَّمَا يَخْلُو وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَنْ فِسْقٍ (فَيَصْلُحُ مُقَلِّدًا) أَيْ قَاضِيًا (فَكَذَا شَاهِدًا) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ وَالْقَضَاءَ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ. وَفِي عِبَارَتِهِ تَسَامُحٌ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنْ تَكُونَ أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ مُرَتَّبَةٌ عَلَى أَهْلِيَّةِ الْقَضَاءِ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي أَنَّ أَهْلِيَّةَ الْقَضَاءِ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ، وَلَوْ قَالَ بِالْوَاوِ كَانَ أَحْسَنَ. لَا يُقَالُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَتَّبًا عَلَى مُقَلِّدًا بِكَسْرِ اللَّامِ لِأَنَّ أَهْلِيَّةَ السَّلْطَنَةِ لَيْسَتْ مُسْتَفَادَةً مِنْ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ عَكْسَهُ كَذَلِكَ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ إذَا كَانَ الْفِسْقُ لَا يَمْنَعُ عَنْ وِلَايَةٍ هِيَ أَعَمُّ ضَرَرًا فَلَأَنْ لَا يَمْنَعَ عَنْ وِلَايَةِ عَامِّ الضَّرَرِ أَوْ خَاصِّهِ أَوْلَى، وَالتَّرْتِيبُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ غَيْرُ خَافِي الصِّحَّةِ. وَلَوْ قَالَ الْفَاسِقُ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ الْقَاصِرَةِ بِلَا خِلَافٍ فَيَصْلُحُ شَاهِدًا عَلَى الِانْعِقَادِ لِأَنَّهُ لَا إلْزَامَ فِيهِ وَكَانَتْ الْوِلَايَةُ قَاصِرَةً لَكَانَ أَسْهَلَ تَأَتِّيًا، وَيَنْعَقِدُ بِحُضُورِ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ لِأَنَّهُ (مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ) عَلَى مَا مَرَّ (فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ تَحَمُّلًا) لَا أَدَاءً. فَإِنْ قُلْت: النُّكْتَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْفَاسِقِ أَوَّلًا تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لِلْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ شَهَادَةٌ مُتَعَدِّيَةٌ وَلَمْ تَكُنْ فَكَانَتْ مَنْقُوضَةً. قُلْت: كَانَ كَذَلِكَ لَوْلَا النَّصُّ الْقَاطِعُ. وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا الْفَائِتُ ثَمَرَةُ الْأَدَاءِ بِالنَّهْيِ لِجَرِيمَتِهِ فَلَا يُبَالِي بِفَوَاتِهِ كَمَا

فِي شَهَادَةِ الْعُمْيَانِ وَابْنَيْ الْعَاقِدَيْنِ. قَالَ (وَإِنْ تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ ذِمِّيَّةً بِشَهَادَةِ ذِمِّيَّيْنِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ: لَا يَجُوزُ) لِأَنَّ السَّمَاعَ فِي النِّكَاحِ شَهَادَةٌ وَلَا شَهَادَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي شَهَادَةِ الْعُمْيَانِ) مَعْذِرَةٌ عَنْ عَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ الْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ بَعْدَمَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ كَالْفَاسِقِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا عَنْ السُّؤَالِ الَّذِي ذَكَرْته آنِفًا، وَالطَّرِيقُ الَّذِي ذَكَرْته فِي الْفَاسِقِ أَسْهَلُ مَأْخَذًا. قَالَ (وَإِنْ تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ ذِمِّيَّةً بِشَهَادَةِ ذِمِّيَّيْنِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ السَّمَاعَ) أَيْ سَمَاعَ كَلَامِ الْعَاقِدَيْنِ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ (فِي النِّكَاحِ شَهَادَةٌ) وَهَذَا ظَاهِرٌ لِأَنَّا لَا نُرِيدُ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى النِّكَاحِ إلَّا ذَلِكَ (وَلَا شَهَادَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ)

فَكَأَنَّهُمَا لَمْ يَسْمَعَا كَلَامَ الْمُسْلِمِ. وَلَهُمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ شُرِطَتْ فِي النِّكَاحِ عَلَى اعْتِبَارِ إثْبَاتِ الْمِلْكِ لِوُرُودِهِ عَلَى مَحَلِّ ذِي خَطَرٍ لَا عَلَى اعْتِبَارِ وُجُوبِ الْمَهْرِ إذْ لَا شَهَادَةَ تُشْتَرَطُ فِي لُزُومِ الْمَالِ وَهُمَا شَاهِدَانِ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَسْمَعَا كَلَامَ الزَّوْجِ لِأَنَّ الْعَقْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ (فَكَأَنَّهُمَا لَمْ يَسْمَعَا كَلَامَ الزَّوْجِ، وَلَهُمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ، شُرِطَتْ فِي النِّكَاحِ عَلَى اعْتِبَارِ إثْبَاتِ الْمِلْكِ) وَتَرْكِيبُ الْحُجَّةِ، هَكَذَا الشَّهَادَةُ فِي النِّكَاحِ، شُرِطَتْ عَلَى اعْتِبَارِ إثْبَاتِ الْمِلْكِ عَلَيْهَا، وَكُلُّ مَا شُرِطَتْ عَلَى اعْتِبَارِ إثْبَاتِ الْمِلْكِ عَلَيْهَا شَهَادَةٌ عَلَيْهَا فَالشَّهَادَةُ فِي النِّكَاحِ شَهَادَةٌ عَلَيْهَا. وَبَيَّنَ الْمُصَنِّفُ الْمُقَدِّمَةَ الْأُولَى بِقَوْلِهِ (لِوُرُودِهِ عَلَى مَحَلٍّ ذِي خَطَرٍ) . وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ فِي النِّكَاحِ حَالَ الِانْعِقَادِ، إمَّا أَنْ تَكُونَ لِإِثْبَاتِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ عَلَيْهَا إبَانَةً لِخَطَرِ الْمَحَلِّ، أَوْ لِإِثْبَاتِ مِلْكِ الْمَهْرِ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي مُنْتَفٍ لِأَنَّ الْمَهْرَ مَالٌ وَلَا يَجِبُ الْإِشْهَادُ عَلَى لُزُومِ الْمَالِ أَصْلًا، وَأَمَّا الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّا قَدْ عَلِمْنَا بِالِاسْتِقْرَاءِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ يُشْتَرَطُ فِي إثْبَاتِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ عَلَيْهَا إلَّا الشَّهَادَةُ، فَإِنَّ الْوَلِيَّ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا، وَإِذَا كَانَتْ الشَّهَادَةُ حَالَ انْعِقَادِ النِّكَاحِ شَهَادَةٌ عَلَيْهَا كَانَ الذِّمِّيَّانِ شَاهِدَيْنِ عَلَيْهَا، وَشَهَادَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى الذِّمِّيَّةِ جَائِزَةٌ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَسْمَعَا) جَوَابٌ عَنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقِيَاسِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ فِي النِّكَاحِ شَرْطٌ عَلَى الْعَقْدِ وَالْعَقْدُ يَنْعَقِدُ بِكَلَامَيْهِمَا، فَإِذَا لَمْ يَسْمَعَا كَلَامَ

يَنْعَقِدُ بِكَلَامَيْهِمَا وَالشَّهَادَةُ شُرِطَتْ عَلَى الْعَقْدِ قَالَ (وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِأَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ فَزَوَّجَهَا وَالْأَبُ حَاضِرٌ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ سِوَاهُمَا جَازَ النِّكَاحُ) لِأَنَّ الْأَبَ يُجْعَلُ مُبَاشِرًا لِلْعَقْدِ لِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ وَيَكُونُ الْوَكِيلُ سَفِيرًا وَمُعَبِّرًا فَيَبْقَى الْمُزَوِّجُ شَاهِدًا (وَإِنْ كَانَ الْأَبُ غَائِبًا لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّ الْمَجْلِسَ مُخْتَلِفٌ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَجْعَلَ الْأَبَ مُبَاشِرًا، وَعَلَى هَذَا إذَا زَوَّجَ الْأَبُ ابْنَتَهُ الْبَالِغَةَ بِمَحْضَرِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ إنْ كَانَتْ حَاضِرَةً جَازَ، وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً لَمْ يَجُزْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُسْلِمِ لَمْ يَشْهَدَا عَلَى الْعَقْدِ (وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ فَزَوَّجَهَا) بِحَضْرَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْأَبُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا، فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا (جَازَ النِّكَاحُ لِأَنَّ الْأَبَ يُجْعَلُ مُبَاشِرًا لِلْعَقْدِ وَيَكُونُ الْوَكِيلُ) شَاهِدًا لِأَنَّ الْمَجْلِسَ مُتَّحِدٌ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ الْوَاقِعُ مِنْ الْمَأْمُورِ حَقِيقَةً كَالْوَاقِعِ مِنْ الْآمِرِ حُكْمًا لِكَوْنِ الْوَكِيلِ فِي بَابِ النِّكَاحِ (سَفِيرًا وَمُعَبِّرًا، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ مُخْتَلِفٌ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْأَبُ مُبَاشِرًا) مَعَ عَدَمِ حُضُورِهِ فِي مَجْلِسِ الْمُبَاشَرَةِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هَذَا تَكَلُّفٌ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّ الْأَبَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا فِي بَابِ النِّكَاحِ فَلَا حَاجَةَ إلَى نَقْلِ الْمُبَاشَرَةِ مِنْ الْمَأْمُورِ إلَى الْآمِرِ حُكْمًا، وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ، وَهِيَ مَا (إذَا زَوَّجَ ابْنَتَهُ الْبَالِغَةَ بِمَحْضَرِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ كَانَتْ حَاضِرَةً جَازَ) بِنَقْلِ مُبَاشَرَةِ الْأَبِ إلَيْهَا لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهَا لِلشَّهَادَةِ عَلَى نَفْسِهَا (وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يَقْدِرُ أَنْ لَوْ تُصُوِّرَ تَحْقِيقًا. وَأَقُولُ: أَرَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ فِي الِاحْتِيَاجِ إلَى ذَلِكَ التَّكَلُّفِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ حَاضِرًا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQشَاهِدًا فِي نِكَاحٍ أَمَرَهُ بِهِ، لِأَنَّ الْوَكِيلَ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ فَكَأَنَّ الْأَبَ هُوَ الْمُزَوِّجُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُزَوِّجُ شَاهِدًا، وَإِذَا انْتَقَلَ إلَيْهِ الْمُبَاشَرَةُ أَيْضًا صَارَ هُوَ الْمُزَوِّجُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ شَاهِدًا، وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَا إذَا وَكَّلَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَ عَبْدَهُ فَزَوَّجَهُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَالْعَبْدُ حَاضِرٌ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ مَعَ إمْكَانِ جَعْلِ الْعَبْدِ مُبَاشِرًا لِلْعَقْدِ وَالْوَكِيلِ مَعَ الرَّجُلِ شَاهِدَيْنِ، كَمَا لَوْ بَاشَرَ الْمَوْلَى عَقْدَ تَزْوِيجِ الْعَبْدِ عِنْدَ حَضْرَةِ الْعَبْدِ مَعَ رَجُلٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعَبْدَ لَمْ يَكُنْ مُوَكِّلًا حَتَّى تَنْتَقِلَ مُبَاشَرَةُ الْوَكِيلِ إلَيْهِ وَيَبْقَى شَاهِدًا فَبَقِيَ الْوَكِيلُ عَلَى حَالِهِ مُزَوِّجًا، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاشَرَهُ الْمَوْلَى بِحَضْرَةِ الْعَبْدِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ هُنَاكَ يُجْعَلُ مُبَاشِرًا لِلنِّكَاحِ بِنَفْسِهِ وَالْمَوْلَى شَاهِدًا فَيَكُونُ النِّكَاحُ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ. لَا يُقَالُ: الْمَوْلَى لَيْسَ بِوَكِيلٍ عَنْ الْعَبْدِ فَكَيْفَ تَنْتَقِلُ مُبَاشَرَتُهُ إلَيْهِ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمَّا كَانَ لَهُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمُوَكِّلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ غَائِبًا لِعَدَمِ إمْكَانِهِ مُبَاشِرًا لِمَا قُلْنَا إنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يُقَدَّرُ أَنْ لَوْ تُصُوِّرَ تَحْقِيقًا.

[فصل في بيان المحرمات]

(فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْمُحَرَّمَاتِ) قَالَ (لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُمِّهِ وَلَا بِجَدَّاتِهِ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [النساء: 23] ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْمُحَرَّمَاتِ] لَمَّا كَانَتْ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ مَنْ أَخْرَجَهَا اللَّهُ عَنْ مَحَلِّيَّةِ النِّكَاحِ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَعْضِ بَنِي آدَمَ احْتَاجَ إلَى ذِكْرِهَا فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ. وَأَسْبَابُ حُرْمَتِهِنَّ تَتَنَوَّعُ إلَى تِسْعَةِ أَنْوَاعٍ: الْقَرَابَةُ، وَالْمُصَاهَرَةُ، وَالرَّضَاعُ، وَالْجَمْعُ، وَتَقْدِيمُ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ، وَقِيَامُ حَقِّ الْغَيْرِ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ عِدَّةٍ، وَالشِّرْكُ، وَمِلْكُ الْيَمِينِ، وَالطَّلْقَاتُ الثَّلَاثُ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ (لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُمِّهِ وَلَا بِجَدَّاتِهِ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] وَدَلَالَتُهُ عَلَى حُرْمَةِ الْأُمِّ ظَاهِرَةٌ. وَأَمَّا عَلَى حُرْمَةِ الْجَدَّةِ فَبِاعْتِبَارِ أَنَّ الْأُمَّ فِي اللُّغَةِ هِيَ الْأَصْلُ كَمَا يُقَالُ لِمَكَّةَ أُمُّ الْقُرَى، فَتَكُونُ دَلَالَتُهَا عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ مَعْنًى يَعُمُّهُمَا لُغَةً لَا بِاعْتِبَارِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ

وَالْجَدَّاتُ أُمَّهَاتٌ، إذْ الْأُمُّ هِيَ الْأَصْلُ لُغَةً أَوْ ثَبَتَتْ حُرْمَتُهُنَّ بِالْإِجْمَاعِ، قَالَ (وَلَا بِبِنْتِهِ) لِمَا تَلَوْنَا (وَلَا بِبِنْتِ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَتْ) لِلْإِجْمَاعِ. (وَلَا بِأُخْتِهِ وَلَا بِبَنَاتِ أُخْتِهِ وَلَا بِبَنَاتِ أَخِيهِ وَلَا بِعَمَّتِهِ وَلَا بِخَالَتِهِ) لِأَنَّ حُرْمَتَهُنَّ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَتَدْخُلُ فِيهَا الْعَمَّاتُ الْمُتَفَرِّقَاتُ وَالْخَالَاتُ الْمُتَفَرِّقَاتُ وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ الْمُتَفَرِّقِينَ لِأَنَّ جِهَةَ الِاسْمِ عَامَّةٌ. قَالَ (وَلَا بِأُمِّ امْرَأَتِهِ الَّتِي دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ ثَبَتَتْ حُرْمَتُهُنَّ بِالْإِجْمَاعِ) وَهَذَانِ الْمَسْلَكَانِ يُسْلَكُ بِهِمَا فِي كُلِّ مَا فِيهِ مَعْنَى الْفَرْعِيَّةِ أَيْضًا كَالْبَنَاتِ وَبَنَاتِهَا وَبَنَاتُ الِابْنِ بَنَاتٌ كَذَلِكَ، وَالْأُخْتُ وَبَنَاتُهَا وَبَنَاتُ الْأَخِ وَالْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ مُتَفَرِّقَةٌ كُنَّ أَوْ غَيْرُهَا تَنَاوَلَهَا النَّصُّ بِجِهَةِ عُمُومِ الِاسْمِ، هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَرَابَةِ. وَتَحْرُمُ أُمُّ امْرَأَتِهِ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ لَمْ تَكُنْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23]

مِنْ غَيْرِ قَيْدِ الدُّخُولِ (وَلَا بِبِنْتِ امْرَأَتِهِ الَّتِي دَخَلَ بِهَا) لِثُبُوتِ قَيْدِ الدُّخُولِ بِالنَّصِّ (سَوَاءً كَانَتْ فِي حِجْرِهِ أَوْ فِي حِجْرِ غَيْرِهِ) لِأَنَّ ذِكْرَ الْحِجْرِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْعَادَةِ لَا مَخْرَجَ الشَّرْطِ وَلِهَذَا اكْتَفَى فِي مَوْضِعِ الْإِحْلَالِ بِنَفْيِ الدُّخُولِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالدُّخُولِ. وَتَحْرُمُ بِنْتُ امْرَأَتِهِ الَّتِي دَخَلَ بِهَا لِثُبُوتِ قَيْدِ الدُّخُولِ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] وَلَيْسَ كَوْنُهَا فِي الْحِجْرِ شَرْطًا. (قَالَ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ ذِكْرَ الْحِجْرِ) يَعْنِي فِي قَوْله تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23] (خَرَجَ مَخْرَجَ الْعَادَةِ) فَإِنَّ الْعَادَةَ أَنْ تَكُونَ الْبَنَاتُ فِي حِجْرِ زَوْجِ أُمِّهَا غَالِبًا: أَيْ فِي تَرْبِيَتِهَا لَا عَلَى وَجْهِ الشَّرْطِ، وَاسْتَوْضَحَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (وَلِهَذَا اكْتَفَى فِي مَوْضِعِ الْإِحْلَالِ بِنَفْيِ الدُّخُولِ) وَلَمْ يَشْتَرِطْ نَفْيَ الدُّخُولِ مَعَ نَفْيِ الْحِجْرِ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ: فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ وَلَسْنَ فِي حُجُورِكُمْ، فَإِنَّ الْإِبَاحَةَ تَتَعَلَّقُ بِضِدِّ مَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُرْمَةُ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْحُرْمَةُ مُتَعَلِّقَةً بِعِلَّةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ، وَهُمَا الدُّخُولُ، وَالْحِجْرُ.

(قَالَ وَلَا بِامْرَأَةِ أَبِيهِ وَأَجْدَادِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] (وَلَا بِامْرَأَةِ ابْنِهِ وَبَنِي أَوْلَادِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ تَنْتَفِي الْحُرْمَةُ بِانْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ الشَّيْءَ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ الْجُزْءِ، فَلَمْ يَكُنْ ثُبُوتُ الْإِبَاحَةِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الدُّخُولِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْحُرْمَةَ غَيْرُ مُتَعَلِّقَةٍ بِالْحِجْرِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعَادَةَ فِي مِثْلِهِ نَفْيُ الْوَصْفَيْنِ جَمِيعًا أَوْ نَفْيُ الْعِلَّةِ مُطْلَقًا، لَا نَفْيُ أَحَدِهِمَا وَالسُّكُوتُ عَنْ الْآخَرِ. لَا يُقَالُ: لَا يَجْرِي حُكْمُ الرِّبَا وَهُوَ حُرْمَةُ الْفَضْلِ وَالنَّسِيئَةِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْبَدَلَيْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ الْجِنْسِيَّةُ أَوْ لَمْ يُوجَدْ الْقَدْرُ، بَلْ يُقَالُ: لَمْ يُوجَدْ الْقَدْرُ مَعَ الْجِنْسِ، أَوْ يُقَالُ: لَمْ تُوجَدْ عِلَّةُ الرِّبَا وَلَيْسَ بِقَوِيٍّ، وَتَحْرُمُ امْرَأَةُ أَبِيهِ وَأَجْدَادِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] فَإِنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى الْأَبِ ظَاهِرَةٌ وَعَلَى الْجَدِّ بِأَحَدِ الطَّرِيقَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأَبِ الْأَصْلُ فَيَتَنَاوَلُ الْآبَاءُ الْأَجْدَادَ كَمَا تَتَنَاوَلُ الْأُمُّ الْجَدَّاتِ، وَإِمَّا بِالْإِجْمَاعِ. وَأَمَّا الْمُرَادُ بِالنِّكَاحِ إنْ كَانَ هُوَ الْوَطْءُ فَيَكُونُ الْعَقْدُ ثَابِتًا بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْعَقْدَ فَالْوَطْءُ

وَذَكَرَ الْأَصْلَابَ لِإِسْقَاطِ اعْتِبَارِ التَّبَنِّي لَا لِإِحْلَالِ حَلِيلَةِ الِابْنِ مِنْ الرَّضَاعَةِ (وَلَا بِأُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَلَا بِأُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» . (وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ أُخْتَيْنِ نِكَاحًا وَلَا بِمِلْكِ يَمِينٍ وَطْئًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْمَعَنَّ مَاءَهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQثَابِتٌ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَتَحْرُمُ امْرَأَةُ الِابْنِ نَسَبًا وَرَضَاعًا وَبَنِي أَوْلَادِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] فَحَلِيلَةُ الِابْنِ وَهِيَ زَوْجَتُهُ حَرَامٌ عَلَى الْأَبِ سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا الِابْنُ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ عَلَى الدُّخُولِ، وَأَمَّا حَلِيلَةُ ابْنِ الِابْنِ فَبِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِابْنِ هُوَ الْفَرْعُ فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَحَلَائِلُ فُرُوعِكُمْ، وَذَلِكَ يَتَنَاوَلُ حَلِيلَةَ ابْنِ الِابْنِ وَابْنِ الْبِنْتِ بِعُمُومِهِ أَوْ بِالْإِجْمَاعِ. فَإِنْ قِيلَ: قَوْله تَعَالَى {مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] يَأْبَى ذَلِكَ. أَجَابَ بِأَنَّ (ذِكْرَ الْأَصْلَابِ لِإِسْقَاطِ اعْتِبَارِ التَّبَنِّي لَا لِإِحْلَالِ حَلِيلَةِ الِابْنِ مِنْ الرَّضَاعَةِ) وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ التَّبَنِّي انْتَسَخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5] وَقِصَّتُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَبَنَّى زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ ثُمَّ تَزَوَّجَ زَيْنَبَ بَعْدَمَا طَلَّقَهَا زَيْدٌ، فَطَعَنَ الْمُشْرِكُونَ وَقَالُوا: إنَّهُ تَزَوَّجَ حَلِيلَةَ ابْنِهِ، فَنَسَخَ اللَّهُ التَّبَنِّي بِقَوْلِهِ {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5] وَدَفَعَ طَعْنَ الْمُشْرِكِينَ بِهَذَا التَّقْيِيدِ فَبَقِيَتْ حَلِيلَةُ الِابْنِ مِنْ الرَّضَاعِ دَاخِلَةً تَحْتَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» وَهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ مِنْ التَّحْرِيمِ بِالْمُصَاهَرَةِ. وَتَحْرُمُ أُمُّ الرَّجُلِ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَأُخْتُهُ مِنْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى

(فَإِنْ تَزَوَّجَ أُخْت أَمَةٍ لَهُ قَدْ وَطِئَهَا صَحَّ النِّكَاحُ) لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحِلِّهِ (وَ) إذَا جَازَ (لَا يَطَأُ الْأَمَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالرَّضَاعِ. وَيَحْرُمُ أَنْ يَجْمَعَ الرَّجُلُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِنِكَاحٍ أَوْ بِمِلْكِ يَمِينٍ وَطْئًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَسَرَى حُكْمُهُمَا إلَى كُلِّ امْرَأَتَيْنِ لَوْ فُرِضَتْ إحْدَاهُمَا ذِكْرًا حَرُمَتْ الْأُخْرَى عَلَيْهِ بِعِلَّةِ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ سَوَاءٌ كَانَ فِي النَّسَبِ أَوْ الرَّضَاعِ. وَمَنْ لَهُ أَمَةٌ فَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا جَازَ، سَوَاءٌ كَانَ وَطِئَ الْأَمَةَ أَوْ لَمْ يَطَأْهَا لِأَنَّهُ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ وَهُوَ وَاضِحٌ (مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ) لِأَنَّ الْأُخْتَ الْمَمْلُوكَةَ وَطْؤُهَا مِنْ بَابِ الِاسْتِخْدَامِ، وَهُوَ لَا يَمْنَعُ نِكَاحَ الْأُخْتِ، ثُمَّ إنْ كَانَ وَطِئَ الْأَمَةَ لَا يَطَؤُهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَطَأْ الْمَنْكُوحَةَ بَعْدُ لِأَنَّ الْمَنْكُوحَةَ مَوْطُوءَةٌ حُكْمًا فَوَطْءُ الْأَمَةِ يَكُونُ جَمْعًا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِوَطْءِ أَحَدِهِمَا حَقِيقَةً وَالْأُخْرَى حُكْمًا. وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ النِّكَاحَ لَوْ كَانَ قَائِمًا مَقَامَ الْوَطْءِ حَتَّى تَصِيرَ الْمَنْكُوحَةُ مَوْطُوءَةً حُكْمًا وَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ هَذَا النِّكَاحُ كَيْ لَا يَصِيرَ جَامِعًا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَطْئًا كَمَا قَالَ بِهِ مَالِكٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ نَفْسَ النِّكَاحِ لَيْسَ بِوَطْءٍ حَتَّى يَصِيرَ بِهِ جَامِعًا بَيْنَهُمَا، وَإِنَّمَا

وَإِنْ كَانَ لَمْ يَطَأْ الْمَنْكُوحَةَ) لِأَنَّ الْمَنْكُوحَةَ مَوْطُوءَةٌ حُكْمًا، وَلَا يَطَأُ الْمَنْكُوحَةَ لِلْجَمْعِ إلَّا إذَا حَرَّمَ الْمَوْطُوءَةَ عَلَى نَفْسِهِ لِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ فَحِينَئِذٍ يَطَأُ الْمَنْكُوحَةَ لِعَدَمِ الْجَمْعِ، وَيَطَأُ الْمَنْكُوحَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَ الْمَمْلُوكَةَ لِعَدَمِ الْجَمْعِ وَطْئًا إذْ الْمَرْقُوقَةُ لَيْسَتْ مَوْطُوءَةً حُكْمًا. (فَإِنْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عُقْدَتَيْنِ وَلَا يَدْرِي أَيَّتَهمَا أُولَى فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا) لِأَنَّ نِكَاحَ إحْدَاهُمَا بَاطِلٌ بِيَقِينٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQيَصِيرُ وَطْئًا بَعْدَ ثُبُوتِ حُكْمِهِ وَهُوَ حِلُّ الْوَطْءِ فَلَا يَكُونُ وَطْءُ الْأَمَةِ مَانِعًا عَنْ النِّكَاحِ (وَلَا يَطَأُ الْمَنْكُوحَةَ) أَيْضًا (لِلْجَمْعِ) بَيْنَهُمَا (إلَّا إذَا حَرَّمَ الْمَوْطُوءَةَ عَلَى نَفْسِهِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ) كَالْبَيْعِ وَالتَّزْوِيجِ، لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَطْءَ قَائِمٌ حُكْمًا، حَتَّى لَوْ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ يُسْتَحَبُّ لَهُ الِاسْتِبْرَاءُ فَيَصِيرَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا وَطْئًا حَقِيقَةً، وَبِالتَّحْرِيمِ عَلَى نَفْسِهِ يَبْطُلُ حُكْمُ ذَلِكَ الْوَطْءِ لِزَوَالِ مَعْنَى اشْتِغَالِ رَحِمِهَا بِمَائِهِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَحِلُّ لِزَوْجِهَا أَنْ يَغْشَاهَا فَيَحِلَّ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْمَنْكُوحَةَ حِينَئِذٍ لِعَدَمِ الْجَمْعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَ الْمَمْلُوكَةَ جَازَ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْمَنْكُوحَةَ لِعَدَمِ الْجَمْعِ وَطْئًا إذْ الْمَرْقُوقَةُ لَيْسَتْ مَوْطُوءَةً حُكْمًا. قَوْلُهُ (فَإِنْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عُقْدَتَيْنِ وَلَا يَدْرِي أَيَّتَهمَا أَوْلَى فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا) قَيَّدَ بِعُقْدَتَيْنِ، لِأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهُمَا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ كَانَ النِّكَاحُ بَاطِلًا لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فَلَا يَسْتَحِقَّانِ شَيْئًا مِنْ الْمَهْرِ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَلَا يَدْرِي أَيَّتَهُمَا أَوْلَى لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ بِذَلِكَ بَطَلَ نِكَاحُ الثَّانِيَةِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ نِكَاحَ إحْدَاهُمَا بَاطِلٌ بِيَقِينٍ)

وَلَا وَجْهَ إلَى التَّعْيِينِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَلَا إلَى التَّنْفِيذِ مَعَ التَّجْهِيلِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ أَوْ لِلضَّرَرِ فَتَعَيَّنَ التَّفْرِيقُ (وَلَهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ) لِأَنَّهُ وَجَبَ لِلْأُولَى مِنْهُمَا، وَانْعَدَمَتْ الْأَوْلَوِيَّةُ لِلْجَهْلِ بِالْأَوَّلِيَّةِ فَيُصْرَفُ إلَيْهِمَا، وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ دَعْوَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا الْأُولَى أَوْ الِاصْطِلَاحِ لِجَهَالَةِ الْمُسْتَحِقَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي مَنْ كَانَتْ أُخْرَى فِي الْوَاقِعِ (وَلَا وَجْهَ إلَى التَّعْيِينِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَلَا إلَى التَّنْفِيذِ) يَعْنِي إلَى تَصْحِيحِهِ فِي إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا (لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ) وَهِيَ حِلُّ الْقُرْبَانِ لِلزَّوْجِ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ مَعَ الْجَهَالَةِ (أَوْ لِلضَّرَرِ) يَعْنِي فِي حَقِّهِمَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَبْقَى مُعَلَّقَةً لَا ذَاتَ بَعْلٍ وَلَا مُطَلَّقَةً (فَتَعَيَّنَ التَّفْرِيقُ) وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَا إذَا كَانَ لِرَجُلٍ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَطَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ بِعَيْنِهَا ثُمَّ نَسِيَهَا فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ وَلَا يُفَرَّقُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْفَارِقَ تَمَكُّنُ الزَّوْجِ ثَمَّةَ مِنْ دَعْوَى ثَلَاثٍ مِنْهُنَّ بِأَعْيَانِهَا، لِأَنَّ نِكَاحَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ كَانَ ثَابِتًا بِيَقِينٍ، وَلَيْسَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ نِكَاحِهِمَا كَذَلِكَ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ دَعْوَى النِّكَاحِ فِي إحْدَاهُمَا تَمَسُّكًا بِالْيَقِينِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا. وَقَوْلُهُ (وَلَهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ) يَعْنِي بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ (لِأَنَّهُ وَجَبَ الْأَوْلَى مِنْهُمَا) أَمَّا أَنَّهُ وَجَبَ فَلِأَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بِسَبَبٍ مُضَافٍ إلَى الزَّوْجِ وَهُوَ التَّجْهِيلُ وَذَلِكَ يُوجِبُ الْمَهْرَ أَلْبَتَّةَ، وَأَمَّا أَنَّهُ لِلْأُولَى فَلِأَنَّ نِكَاحَهَا صَحِيحٌ دُونَ الْأُخْرَى، وَتَقْرِيرُ كَلَامِهِ الْمَهْرُ لِلْأُولَى مِنْهُمَا لِمَا قُلْنَا وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا لِكَوْنِهَا أُولَى أَوْلَى (لِلْجَهْلِ بِالْأَوْلَوِيَّةِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْأَوَّلِيَّةِ (فَيُصْرَفُ إلَيْهِمَا) وَقَوْلُهُ (وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ دَعْوَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: لَا بُدَّ أَنْ تَدَّعِيَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا هِيَ الْأُولَى، وَأَمَّا إذَا قَالَتْ لَا نَدْرِي أَيَّ النِّكَاحَيْنِ كَانَ أَوَّلًا لَا يُقْضَى لَهُمَا بِشَيْءٍ حَتَّى يَصْطَلِحَا، لِأَنَّ الْحَقَّ

(وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا أَوْ ابْنَةِ أَخِيهَا أَوْ ابْنَةِ أُخْتِهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا وَلَا عَلَى ابْنَةِ أَخِيهَا وَلَا عَلَى ابْنَةِ أُخْتِهَا» وَهَذَا مَشْهُورٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْمَجْهُولَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الدَّعْوَى أَوْ الِاصْطِلَاحِ لِيَقْضِيَ لَهُمَا: وَصُورَةُ هَذَا الِاصْطِلَاحِ أَنْ يَقُولَا عِنْدَ الْقَاضِي: لَنَا عَلَيْهِ الْمَهْرُ وَهَذَا الْحَقُّ لَا يَعْدُونَا فَنَصْطَلِحَ عَلَى أَخْذِ نِصْفِ الْمَهْرِ فَيَقْضِي الْقَاضِي. قَالَ (وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا أَوْ ابْنَةِ أَخِيهَا أَوْ ابْنَةِ أُخْتِهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا وَلَا عَلَى ابْنَةِ أَخِيهَا وَلَا عَلَى ابْنَةِ أُخْتِهَا» ) رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرٌ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ. وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ أَنَّهُ رَوَاهُ عَلِيٌّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو سَعِيدٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وَأَبُو أُمَامَةَ وَجَابِرٌ وَعَائِشَةُ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَسَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ (وَهُوَ مَشْهُورٌ) تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ وَالْعَمَلِ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا فَائِدَةُ التَّكْرَارِ لِحُكْمٍ وَاحِدٍ بِصِفَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ فِي مَوْضِعَيْنِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا هُوَ أَنْ لَا يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فِي النِّكَاحِ، ثُمَّ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ

يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْكِتَابِ بِمِثْلِهِ. (وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ لَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا رَجُلًا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْأُخْرَى) لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَمَّتِهَا هُوَ عَيْنُ جَمْعِ الْمَرْأَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ بِنْتِ أَخِيهَا، وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا هُوَ عَيْنُ الْجَمْعِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ ابْنَةِ أُخْتِهَا. أُجِيبَ بِأَنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيَّ قَالَ: ذُكِرَ هَذَا النَّفْيُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، إمَّا لِلْمُبَالَغَةِ فِي بَيَانِ التَّحْرِيمِ، أَوْ لِإِزَالَةِ الْإِشْكَالِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَظُنُّ ظَانٌّ أَنَّ نِكَاحَ ابْنَةِ الْأَخِ عَلَى الْعَمَّةِ لَا يَجُوزُ، وَنِكَاحَ الْعَمَّةِ عَلَى ابْنَةِ الْأَخِ يَجُوزُ لِتَفْضِيلِ الْعَمَّةِ، كَمَا لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ وَيَجُوزُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ، فَبَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُبُوتَ هَذِهِ الْحُرْمَةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لِإِزَالَةِ الْإِشْكَالِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ تَسَامُحٌ لِأَنَّهُ قَالَ: وَهَذَا مَشْهُورٌ (تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْكِتَابِ بِمِثْلِهِ) وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ إنَّمَا تُسْتَعْمَلُ فِي تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُحَصِّلِينَ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] عَامٌّ، وَهَذَا الْحَدِيثُ يُخَصِّصُهُ. سَلَّمْنَا جَوَازَ الِاصْطِلَاحِ عَلَى تَخْصِيصِ الْعَامِّ بِالزِّيَادَةِ، لَكِنَّ شَرْطَ التَّخْصِيصِ الْمُقَارَنَةُ عِنْدَنَا أَوَّلًا وَلَيْسَتْ بِمَعْلُومَةٍ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْكِتَابِ نَسْخٌ أَخَصُّ فَيَجُوزُ ذِكْرُهُ وَإِرَادَةُ مُطْلَقِ النَّسْخِ لِأَنَّ ذِكْرَ الْأَخَصِّ وَإِرَادَةَ الْأَعَمِّ مَجَازٌ شَائِعٌ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ يَجُوزُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِهِ، وَلَا نِزَاعَ فِي ذَلِكَ لَا سِيَّمَا أَنَّهُ تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ بِالنَّسْخِ مَرَّةً فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة: 221] نَسْخُ عُمُومٍ قَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] بِتَقْدِيرِهِ مُتَأَخِّرًا لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ النَّسْخُ، فَجَازَ أَنْ يُنْسَخَ بِخَبَرٍ مَشْهُودٍ مَا تَنَاوَلَهُ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ، وَلَا بَأْسَ بِمُطَالَعَةِ مَا فِي النِّهَايَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ كَلَامِ الْمَهَرَةِ الْحُذَّاقِ الْمُتْقِنِينَ إنْ كَانَتْ الْقَوَاعِدُ الْأُصُولِيَّةُ عَلَى ذِكْرٍ مِنْك. وَقَوْلُهُ (وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ لَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا رَجُلًا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْأُخْرَى) ظَاهِرٌ، وَهُوَ حُكْمٌ ثَابِتٌ بِدَلَالَةِ الْحَدِيثِ الَّذِي كَانَ بَحْثُنَا فِيهِ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ

الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا يُفْضِي إلَى الْقَطِيعَةِ وَالْقَرَابَةُ الْمُحَرِّمَةُ لِلنِّكَاحِ مُحَرِّمَةٌ لِلْقَطْعِ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَحْرَمِيَّةُ بَيْنَهُمَا بِسَبَبِ الرَّضَاعِ يَحْرُمُ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ. (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَبِنْتِ زَوْجٍ كَانَ لَهَا مِنْ قَبْلُ) لِأَنَّهُ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُمَا وَلَا رَضَاعَ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ ابْنَةَ الزَّوْجِ لَوْ قَدَّرْتَهَا ذَكَرًا لَا يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّجُ بِامْرَأَةِ أَبِيهِ. قُلْنَا: امْرَأَةُ الْأَبِ لَوْ صَوَّرْتَهَا ذَكَرًا جَازَ لَهُ التَّزَوُّجُ بِهَذِهِ وَالشَّرْطُ أَنْ يُصَوَّرَ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا مُحَرَّمٌ لِإِفْضَائِهِ إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ الْمُحَرَّمِ الْقَطْعِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، وَلَا عَلَيْك أَنْ تَجْعَلَهُ ثَابِتًا بِدَلَالَةِ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] كَمَا قَدَّمْته وَهُوَ أَوْلَى. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ كَانَتْ الْمَحْرَمِيَّةُ بَيْنَهُمَا بِسَبَبِ الرَّضَاعِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (لِمَا رَوَيْنَا) إشَارَةً إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ» الْحَدِيثَ. وَقَوْلُهُ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ امْرَأَةٍ) ظَاهِرٌ، وَنُسِبَ فِي الْمَبْسُوطِ قَوْلُ زُفَرَ هَذَا إلَى ابْنِ أَبِي لَيْلَى. وَقَوْلُهُ (وَالشَّرْطُ أَنْ يُصَوَّرَ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) يَعْنِي كَمَا كَانَ فِي الْأُخْتَيْنِ كَذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ فَرْعٌ عَلَيْهِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْفَرْعُ عَلَى وِفَاقِ الْأَصْلِ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَةِ عَلِيٍّ وَبِنْتِهِ، وَهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّحْرِيمِ

قَالَ (وَمَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَبِنْتُهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الزِّنَا لَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ لِأَنَّهَا نِعْمَةٌ فَلَا تُنَالُ بِالْمَحْظُورِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِسَبَبِ الْجَمْعِ. قَالَ (وَمَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْحُرْمَةِ بِسَبَبِ الْجَمْعِ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ الزِّنَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ أَوَّلًا وَذَكَرَ الْخِلَافَ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الزِّنَا لَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ لِأَنَّهَا نِعْمَةٌ) فَإِنَّهَا تُلْحِقُ الْأَجْنَبِيَّاتِ بِالْمَحَارِمِ، وَكُلُّ مَا هُوَ نِعْمَةٌ لَا يُنَالُ بِالْمَحْظُورِ لِانْتِفَاءِ الْمُنَاسَبَةِ الْوَاجِبَةِ بَيْنَ الْحُكْمِ وَسَبَبِهِ (وَلَنَا أَنَّ

وَلَنَا أَنَّ الْوَطْءَ سَبَبُ الْجُزْئِيَّةِ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ حَتَّى يُضَافَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَلًا فَتَصِيرُ أُصُولُهَا وَفُرُوعُهَا كَأُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ وَكَذَلِكَ عَلَى الْعَكْسِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَطْءَ سَبَبُ الْجُزْئِيَّةِ) وَتَقْرِيرُهُ: الْوَلَدُ جُزْءُ مَنْ هُوَ مِنْ مَائِهِ وَالِاسْتِمْتَاعُ بِالْجُزْءِ حَرَامٌ: أَمَّا أَنَّ الْوَلَدَ جُزْءُ مَنْ هُوَ مِنْهُ فَلِأَنَّ سَبَبَ الْجُزْئِيَّةِ مَوْجُودٌ وَهُوَ الْوَطْءُ فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِلْجُزْئِيَّةِ بَيْنَ الْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ لَا مَحَالَةَ، وَكَذَا بَيْنَ الْوَالِدَيْنِ بِسَبَبِ الْوَلَدِ (حَتَّى يُضَافَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَلًا) يُقَالُ ابْنُ فُلَانٍ وَابْنُ فُلَانَةَ (فَتَصِيرُ أُصُولُهَا وَفُرُوعُهَا كَأُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ) وَتَصِيرُ أُصُولُهُ وَفُرُوعُهُ كَأُصُولِهَا وَفُرُوعِهَا. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَتْ الْحُرْمَةُ ثَابِتَةً فِي نَفْسِ الْمَرْأَةِ الْمَوْطُوءَةِ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ جُزْءُ الْوَاطِئِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَالِاسْتِمْتَاعُ بِالْجُزْءِ حَرَامٌ إلَّا فِي مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَهِيَ الْمَوْطُوءَةُ) لِأَنَّهَا لَوْ قِيلَ بِحُرْمَتِهَا لَمْ تَحِلَّ امْرَأَةٌ بَعْدَمَا وَلَدَتْ لِزَوْجِهَا وَعَادَ النِّكَاحُ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ لِأَنَّهُ مَا شُرِعَ إلَّا لِلتَّوَالُدِ، فَلَوْ حَرُمَتْ بِالْوِلَادَةِ لَكَانَ مَا وُضِعَ لِلْوِلَادَةِ يَنْتَفِي بِهَا فِيهِمَا وَذَلِكَ خَلَفٌ بَاطِلٌ، وَأَمَّا أَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ بِالْجُزْءِ حَرَامٌ فَلِأَنَّ أَوَّلَ الْإِنْسَانِ آدَم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ بَنَاتُهُ فَهُوَ الْأَصْلُ فِي حُرْمَةِ الْجُزْءِ، وَاسْتَثْنَى مَوْضِعَ الضَّرُورَةِ وَهِيَ امْرَأَتُهُ.

[فروع في النظر إلى الفرج]

وَالِاسْتِمْتَاعُ بِالْجُزْءِ حَرَامٌ إلَّا فِي مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَهِيَ الْمَوْطُوءَةُ، وَالْوَطْءُ مُحَرَّمٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ سَبَبُ الْوَلَدِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ زِنًا. (وَمَنْ مَسَّتْهُ امْرَأَةٌ بِشَهْوَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَالْوَطْءُ مُحَرَّمٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ سَبَبُ الْوَلَدِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ نِعْمَةٌ فَلَا تُنَالُ بِمَحْظُورٍ. وَبَيَانُهُ أَنَّ الْوَطْءَ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْحُرْمَةِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ حَتَّى تُعْتَبَرَ الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُكْمِ بِالْمَشْرُوعِيَّةِ، وَلَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ زِنًا وَإِنَّمَا هُوَ سَبَبٌ لَهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ سَبَبٌ لِلْوَلَدِ أُقِيمَ مَقَامَهُ كَالسَّفَرِ مَعَ الْمَشَقَّةِ، وَلَا عُدْوَانَ وَلَا مَعْصِيَةَ لِلْمُسَبِّبِ الَّذِي هُوَ الْوَلَدُ لِعَدَمِ اتِّصَافِهِ بِذَلِكَ. لَا يُقَالُ: وَلَدُ عِصْيَانٍ أَوْ عُدْوَانٍ وَالشَّيْءُ إذَا قَامَ مَقَامَ غَيْرِهِ يُعْتَبَرُ فِيهِ صِفَةُ أَصْلِهِ لَا صِفَةُ نَفْسِهِ كَالتُّرَابِ فِي التَّيَمُّمِ. [فروع فِي النَّظَر إلَى الفرج] وَقَوْلُهُ (وَمَنْ مَسَّتْهُ امْرَأَةٌ بِشَهْوَةٍ) بَيَانُ أَنَّ الْأَسْبَابَ الدَّاعِيَةَ إلَى الْوَطْءِ فِي إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ كَالْوَطْءِ فِي إثْبَاتِهَا. قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: تَأْوِيلُ الْمَسْأَلَةِ إذَا صَدَّقَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ أَنَّهَا مَسَّتْهُ عَنْ شَهْوَةٍ وَلَوْ كَذَّبَهَا وَلَمْ يَقَعْ فِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ أَنَّهَا فَعَلَتْ ذَلِكَ عَنْ شَهْوَةٍ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَحْرُمَ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَبِنْتُهَا. فَإِنْ قِيلَ: ذِكْرُ مَسْأَلَةِ الدَّوَاعِي تَكْرَارٌ لِأَنَّ نَفْسَ الْوَطْءِ الْحَرَامِ إذَا لَمْ يُوجِبْ الْحُرْمَةَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَلَأَنْ لَا يُوجِبَهَا دَوَاعِيهِ أَوْلَى. أُجِيبَ بِأَنَّهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّمَا كَانَتْ تَكْرَارًا أَنْ لَوْ كَانَتْ مُصَوَّرَةً فِي الْحَرَامِ فَقَطْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ فِي الْحَلَالِ مِثْلُ أَنْ مَسَّتْ أَمَةٌ مَوْلَاهَا

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تَحْرُمُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ مَسُّهُ امْرَأَةً بِشَهْوَةٍ وَنَظَرُهُ إلَى فَرْجِهَا وَنَظَرُهَا إلَى ذَكَرِهِ عَنْ شَهْوَةٍ. لَهُ أَنَّ الْمَسَّ وَالنَّظَرَ لَيْسَا فِي مَعْنَى الدُّخُولِ، وَلِهَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا فَسَادُ الصَّوْمِ وَالْإِحْرَامِ وَوُجُوبُ الِاغْتِسَالِ فَلَا يَلْحَقَانِ بِهِ. وَلَنَا أَنَّ الْمَسَّ وَالنَّظَرَ سَبَبٌ دَاعٍ إلَى الْوَطْءِ فَيُقَامُ مُقَامَهُ فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ، ثُمَّ الْمَسُّ بِشَهْوَةٍ أَنْ تَنْتَشِرَ الْآلَةُ أَوْ تَزْدَادَ انْتِشَارًا هُوَ الصَّحِيحُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQكَذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّا لَمْ نُمَيِّزْ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فِي شُمُولِ وُجُوبِ الْحُرْمَةِ وَالشَّافِعِيُّ فِي شُمُولِ الْعَدَمِ (لَهُ) فِي الْحَلَالِ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ (أَنَّ الْمَسَّ وَالنَّظَرَ لَيْسَا فِي مَعْنَى الدُّخُولِ وَلِهَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا فَسَادُ الصَّوْمِ وَالْإِحْرَامِ وَوُجُوبُ الِاغْتِسَالِ) وَكُلُّ مَا لَيْسَ فِي مَعْنَى الدُّخُولِ لَا يُلْحَقُ بِالدُّخُولِ، لِأَنَّ الْمُلْحَقَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَى الْمُلْحَقِ (وَلَنَا أَنَّ الْمَسَّ وَالنَّظَرَ سَبَبٌ دَاعٍ إلَى الْوَطْءِ) وَالسَّبَبُ الدَّاعِي إلَى الشَّيْءِ يُقَامُ مَقَامَهُ فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ، وَهَذَا لِأَنَّا وَجَدْنَا لِصَاحِبِ الشَّرْعِ مَزِيدَ اعْتِنَاءٍ فِي حُرْمَةِ الْأَبْضَاعِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَقَامَ شُبْهَةَ الْبَعْضِيَّةِ بِسَبَبِ الرَّضَاعِ مَقَامَ حَقِيقَتِهَا فِي إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ دُونَ سَائِرِ الْأَحْكَامِ مِنْ التَّوَارُثِ وَمَنَعَ وَضْعَ الزَّكَاةِ وَمَنَعَ قَبُولَ الشَّهَادَةِ فَأَقَمْنَا السَّبَبَ الدَّاعِيَ مَقَامَ الْمَدْعُوِّ احْتِيَاطًا، وَفَسَادُ الصَّوْمِ وَالْإِحْرَامِ وَوُجُوبُ الِاغْتِسَالِ لَيْسَ مِنْ بَابِ حُرْمَةِ الْأَبْضَاعِ حَتَّى يَقُومَ السَّبَبُ فِيهِ مَقَامَ الْوَطْءِ. وَنُوقِضَ بِأَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ إنْ كَانَ صَحِيحًا قَامَ النَّظَرُ إلَى جَمَالِ الْمَرْأَةِ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ لِكَوْنِهِ سَبَبًا دَاعِيًا إلَيْهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ النَّظَرَ إلَى الْفَرْجِ الْمُحَرَّمِ هُوَ مَا يَكُونُ نَظَرًا إلَى دَاخِلِ الْفَرْجِ بِأَنْ كَانَتْ مُتَّكِئَةً وَهُوَ لَا يَحِلُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا لَا تَكُونُ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ إلَّا فِي خَلْوَةٍ عَنْ الْأَجَانِبِ، فَانْظُرْ بَعْدَ هَذَا فِي أَنَّ النَّظَرَ إلَى الْجَمَالِ فِي الْحَلَالِ فِي الْمِلْكِ وَغَيْرِهِ خَلَاءٌ وَمَلَأٌ هَلْ يَكُونُ دَاعِيًا إلَى الْوَطْءِ دَعْوَةَ النَّظَرِ إلَيْهِ أَوْ لَا؟ لَا أَرَاك قَائِلًا بِذَلِكَ إلَّا مُكَذِّبًا. وَعَرَّفَ الْمَسَّ بِشَهْوَةٍ بِأَنْ تَنْتَشِرَ الْآلَةُ: يَعْنِي إذَا لَمْ تَكُنْ مُنْتَشِرَةً قَبْلَ النَّظَرِ وَالْمَسِّ (أَوْ تَزْدَادُ انْتِشَارًا) إذَا كَانَتْ مُنْتَشِرَةً قَبْلَ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ كَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ لَمْ يَشْتَرِطُوا الِانْتِشَارَ، وَجَعَلُوا حَدَّ الشَّهْوَةِ أَنْ يَمِيلَ قَلْبُهُ إلَيْهَا وَيَشْتَهِيَ جِمَاعَهَا، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هَذَا إذَا كَانَ شَابًّا قَادِرًا عَلَى الْجِمَاعِ، فَإِنْ كَانَ شَيْخًا أَوْ عِنِّينًا فَحَدُّ الشَّهْوَةِ أَنْ يَتَحَرَّك قَلْبُهُ بِالِاشْتِهَاءِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُتَحَرِّكًا قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ يَزْدَادُ الِاشْتِهَاءُ إنْ كَانَ مُتَحَرِّكًا وَهَذَا إفْرَاطٌ. وَكَانَ الْفَقِيهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ الرَّازِيّ لَا يَعْتَبِرُ تَحَرُّكَ الْقَلْبِ وَإِنَّمَا يَعْتَبِرُ تَحَرُّكُ الْآلَةِ، وَكَانَ

وَالْمُعْتَبَرُ النَّظَرُ إلَى الْفَرْجِ الدَّاخِلِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ اتِّكَائِهَا، وَلَوْ مَسَّ فَأَنْزَلَ فَقَدْ قِيلَ إنَّهُ يُوجِبُ الْحُرْمَةَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُوجِبُهَا لِأَنَّهُ بِالْإِنْزَالِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُ مُفْضٍ إلَى الْوَطْءِ، وَعَلَى هَذَا إتْيَانُ الْمَرْأَةِ فِي الدُّبُرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُفْتِي بِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ فِي الشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْعِنِّينِ الَّذِي مَاتَتْ شَهْوَتُهُ حَتَّى لَمْ يَتَحَرَّكْ عُضْوُهُ بِالْمُلَامَسَةِ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْفِقْهِ. وَقَوْلُهُ وَالْمُعْتَبَرُ النَّظَرُ) ظَاهِرٌ (وَلَوْ مَسَّ فَأَنْزَلَ فَقَدْ قِيلَ يُوجِبُ الْحُرْمَةَ) وَبِهِ كَانَ يُفْتِي شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْأُوزْجَنْدِيُّ. وَوَجْهُهُ أَنَّ مُجَرَّدَ الْمَسِّ بِشَهْوَةٍ يُثْبِتُ الْحُرْمَةَ، فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ إنْ كَانَتْ لَا تُوجِبُ زِيَادَةَ الْحُرْمَةِ لَا تُوجِبُ خِلَافَهَا. وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكِتَابِ هُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَالْإِمَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ. وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ فِي بَابِ إتْيَانِ الْمَرْأَةِ فِي غَيْرِ مَأْتَاهَا مِنْ الزِّيَادَاتِ أَنَّ الْجِمَاعَ فِي الدُّبُرِ لَا يُثْبِتُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ، وَكَذَا النَّظَرُ إلَى مَوْضِعِ الْجِمَاعِ مِنْ الدُّبُرِ بِشَهْوَةٍ (وَهَذَا أَصَحُّ لِمَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ) أَيْ الْمَسَّ (بِالْإِنْزَالِ غَيْرُ مُفْضٍ إلَى الْوَطْءِ) وَالْمَسُّ

(وَإِذَا طَلَّقَ امْرَأَةً طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ كَانَتْ الْعِدَّةُ عَنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ ثَلَاثٍ يَجُوزُ لِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ بِالْكُلِّيَّةِ إعْمَالًا لِلْقَاطِعِ، وَلِهَذَا لَوْ وَطِئَهَا مَعَ الْعِلْمِ بِالْحُرْمَةِ يَجِبُ الْحَدُّ. وَلَنَا أَنَّ نِكَاحَ الْأُولَى قَائِمٌ لِبَقَاءِ بَعْضِ أَحْكَامِهِ كَالنَّفَقَةِ وَالْمَنْعِ وَالْفِرَاشِ وَالْقَاطِعُ تَأَخَّرَ عَمَلُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُفْضِي إلَيْهِ هُوَ الْمُحَرَّمُ. وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ الْمَسُّ بِشَهْوَةٍ لَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ بِالْإِنْزَالِ: هُوَ أَنَّ الْحُرْمَةَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْمَسِّ بِشَهْوَةٍ كَانَ حُكْمُهَا مَوْقُوفًا إلَى أَنْ تَبَيَّنَ بِالْإِنْزَالِ، فَإِنْ أَنْزَلَ لَمْ تَثْبُتْ وَإِلَّا ثَبَتَتْ، لَا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ تَثْبُتُ بِالْمَسِّ، ثُمَّ بِالْإِنْزَالِ سَقَطَ مَا يَثْبُتُ مِنْ الْحُرْمَةِ لِأَنَّ مُوجِبَ الْمُصَاهَرَةِ إذَا ثَبَتَ لَا يَسْقُطُ أَبَدًا. قَالَ (وَإِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ كَانَتْ الْعِدَّةُ عَنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ) كَالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ (أَوْ ثَلَاثٍ جَازَ لِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ بِالْكُلِّيَّةِ) لِأَنَّ الْقَاطِعَ وَهُوَ الطَّلَاقُ مَوْجُودٌ عَلَى الْكَمَالِ إذْ لَيْسَ فِيهِ شَائِبَةُ الرُّجُوعِ فَلَا بُدَّ مِنْ إعْمَالِهِ، وَإِعْمَالُ الْقَاطِعِ الْكَامِلِ يَقْتَضِي الْقَطْعَ بِالْكُلِّيَّةِ لِيَثْبُتَ الْحُكْمُ بِقَدْرِ دَلِيلِهِ (وَلِهَذَا لَوْ وَطِئَهَا مَعَ الْعِلْمِ بِالْحُرْمَةِ وَجَبَ الْحَدُّ. وَلَنَا) أَنَّا لَا نُسَلِّمُ انْقِطَاعَ النِّكَاحِ بِالْكُلِّيَّةِ، فَإِنَّ (النِّكَاحَ الْأَوَّلَ قَائِمٌ لِبَقَاءِ بَعْضِ أَحْكَامِهِ كَالنَّفَقَةِ وَالْمَنْعِ) عَنْ الْخُرُوجِ (وَالْفِرَاشِ) وَهُوَ صَيْرُورَةُ الْمَرْأَةِ بِحَالٍ لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ

وَلِهَذَا بَقِيَ الْقَيْدُ، وَالْحَدُّ لَا يَجِبُ عَلَى إشَارَةِ كِتَابِ الطَّلَاقِ، وَعَلَى عِبَارَةِ كِتَابِ الْحُدُودِ يَجِبُ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ زَالَ فِي حَقِّ الْمِلْكِ فَيَتَحَقَّقُ الزِّنَا وَلَمْ يَرْتَفِعْ فِي حَقِّ مَا ذَكَرْنَا فَيَصِيرُ جَامِعًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ فَإِنَّ هَذِهِ كَذَلِكَ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ لَا نِزَاعَ فِي بَقَاءِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ سِوَى النَّفَقَةِ وَلَا فِي كَوْنِهَا مُرَتَّبَةً عَلَى النِّكَاحِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ النِّكَاحُ قَائِمًا حَالَ الْعِدَّةِ تَخَلَّفَ الْحُكْمُ عَنْ عِلَّتِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِذَا كَانَ النِّكَاحُ قَائِمًا كَانَ عَمَلُ الْقَاطِعِ مُتَأَخِّرًا كَمَا فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَلِهَذَا بَقِيَ الْقَيْدُ، فَلَوْ جَازَ نِكَاحُ الْأُخْتِ فِي الْعِدَّةِ لَزِمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَهُوَ حَرَامٌ. وَقَوْلُهُ (وَالْحَدُّ لَا يَجِبُ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَلِهَذَا لَوْ وَطِئَهَا مَعَ الْعِلْمِ بِالْحُرْمَةِ وَجَبَ الْحَدُّ. وَوَجْهُهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ وُجُوبَهُ عَلَى إشَارَةِ كِتَابِ الطَّلَاقِ. قَالَ: مُعْتَدَّةٌ عَنْ طَلَاقٍ ثَلَاثٍ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا لَمْ يَكُنْ الْوَلَدُ لِلزَّوْجِ إذَا أَنْكَرَهُ، فَفِي قَوْلِهِ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ إذَا أَنْكَرَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ

(وَلَا يَتَزَوَّجُ الْمَوْلَى أَمَتَهُ وَلَا الْمَرْأَةُ عَبْدَهَا) لِأَنَّ النِّكَاحَ مَا شُرِعَ إلَّا مُثْمِرًا ثَمَرَاتٍ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْمُتَنَاكِحَيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْوَطْءَ فِي الْعِدَّةِ مِنْ طَلَاقٍ ثَلَاثٍ لَا يَكُونُ زِنًا، إذْ لَوْ كَانَ زِنًا لَمَا ثَبَتَ بِهِ النَّسَبُ وَإِنْ ادَّعَى. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ كِتَابِ الْحُدُودِ وَهِيَ مَا قَالَ: إنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إذَا لَمْ يَدَّعِ الشُّبْهَةَ فَذَاكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمِلْكَ فِي حَقِّ الْحِلِّ قَدْ زَالَ فَيَتَحَقَّقُ الزِّنَا لِوُقُوعِ الْوَطْءِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ، وَلَمْ يَزُلْ فِي حَقِّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ النَّفَقَةِ وَالْمَنْعِ وَالْفِرَاشِ لِأَنَّا قَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى بَقَاءِ الْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ وَالْفِرَاشِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَاكَ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ بِقِيَامِ النِّكَاحِ فَقُلْنَا بِقِيَامِهِ فِي حَقِّ التَّزَوُّجِ بِالْأُخْتِ احْتِيَاطًا فِي التَّفَادِي عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ. قَالَ (وَلَا يَتَزَوَّجُ الْمَوْلَى أَمَتَهُ وَلَا الْمَرْأَةُ عَبْدَهَا) خِلَافًا لِنُفَاةِ الْقِيَاسِ، اسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] وقَوْله تَعَالَى {فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] (وَلَنَا أَنَّ النِّكَاحَ مَا شُرِعَ إلَّا مُثْمِرًا ثَمَرَاتٍ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْمُتَنَاكِحَيْنِ) يَعْنِي أَنَّهُ كَمَا يَجِبُ لِلزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجَةِ حَقٌّ يَقْتَضِي مَالِكِيَّةَ الزَّوْجِ عَلَيْهَا كَطَلَبِ تَمْكِينِهِ مِنْ وَطْئِهَا وَدَوَاعِيهِ شَرْعًا وَالْمَنْعِ عَنْ الْخُرُوجِ وَالْبُرُوزِ وَالتَّحْصِينِ، فَكَذَلِكَ يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ حَقٌّ يَقْتَضِي مَالِكِيَّتَهَا عَلَيْهِ كَطَلَبِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ جَبْرًا وَالسُّكْنَى وَالْقَسْمِ وَالْمَنْعِ عَنْ الْعَزْلِ وَالْقِيَامِ بِمَصَالِحِهَا الرَّاجِعَةِ إلَى الزَّوْجِيَّةِ، فَكَانَ النِّكَاحُ مَشْرُوعًا لِإِيجَابِ هَذِهِ الثَّمَرَاتِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُمَا، فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالِكًا وَمَمْلُوكًا، وَبَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ لِأَنَّ

وَالْمَمْلُوكِيَّة تُنَافِي الْمَالِكِيَّةَ فَيَمْتَنِعُ وُقُوعُ الثَّمَرَةِ عَلَى الشَّرِكَةِ. (وَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الْكِتَابِيَّاتِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] أَيْ الْعَفَائِفُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَالِكِيَّةَ تَقْتَضِي الْقَاهِرِيَّةَ وَالْمَمْلُوكِيَّة تَقْتَضِي الْمَقْهُورِيَّةَ وَلَا خَفَاءَ فِي التَّنَافِي بَيْنَهُمَا. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُمَا مِنْ جِهَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، وَلَا تَنَافِيَ حِينَئِذٍ. وَأُجِيبَ بِمَنْعِ اخْتِلَافِ الْجِهَةِ بِأَنَّ كَوْنَ الْمَرْأَةِ مَالِكَةً لِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَبْدِ، وَكَوْنَهَا مَمْلُوكَةً أَيْضًا إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَبْدِ فَلَمْ تَخْتَلِفْ الْجِهَةُ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْمَرْأَةُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا مَالِكَةً لِلْعَبْدِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ وَلَيْسَتْ بِمَالِكَةِ لِمَنَافِعِ بُضْعِهِ، فَجَازَ أَنْ يَمْلِكَ الْعَبْدُ بِالنِّكَاحِ عَلَى سَيِّدَتِهِ مَنَافِعَ بُضْعِهَا لِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ عَلَى مِلْكِ مَنَافِعِ الْبُضْعِ وَهُوَ لَمْ يَكُنْ مِنْ حَيْثُ مَنَافِعُ بُضْعِهِ مَمْلُوكًا، وَلَا الْمَوْلَاةُ مِنْ حَيْثُ مَنَافِعُ بُضْعِهَا مَالِكَةٌ بَلْ مِنْ حَيْثُ أَجْزَائِهَا فَاخْتَلَفَتْ الْجِهَةُ وَانْتَفَى التَّنَافِي. وَالْجَوَابُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ مَنَافِعَ بُضْعِهِ فَإِنَّهَا تَقْدِرُ عَلَى إتْلَافِهِ بِالْإِخْصَاءِ وَالْجَبِّ مِنْ غَيْرِ ضَمَانٍ يَلْحَقُهَا، فَكَانَ الْعَبْدُ مَمْلُوكًا مِنْ حَيْثُ فَرَضْته مَالِكًا فَاتَّحَدَتْ الْجِهَةُ وَتَحَقَّقَ التَّنَافِي. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ نُفَاةُ الْقِيَاسِ مِنْ الْآيَةِ فَبِأَنَّهَا يُعَارِضُهَا قَوْله تَعَالَى {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] خَاطَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَوَالِيَ بِإِنْكَاحِ الْإِمَاءِ لَا بِنِكَاحِهِنَّ. فَإِنْ قِيلَ: الْآيَةُ سَاكِتَةٌ عَنْ بَيَانِ نِكَاحِهِنَّ وَالسَّاكِتُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ بَيَانٍ مَا يَحْتَجْنَ إلَيْهِ مِنْ أَمْرِ النِّكَاحِ، وَالسُّكُوتُ عَنْ الْبَيَانِ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ بَيَانٌ (وَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الْكِتَابِيَّاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] قَالَ الْمُصَنِّفُ (أَيْ الْعَفَائِفُ) فَسَّرَهُ بِذَلِكَ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ فَإِنَّهُ فَسَّرَهَا بِالْمُسْلِمَاتِ، وَلَيْسَتْ

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْكِتَابِيَّةِ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعِفَّةُ شَرْطًا لِجَوَازِ النِّكَاحِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا بِنَاءً عَلَى الْعَادَةِ بِدَلَالَةِ الْغَرَضِ. وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] ؛ أَيْ وَأُحِلَّ لَكُمْ الْمُحْصَنَاتُ، وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ فَلَا خَفَاءَ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى الْحِلِّ (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْكِتَابِيَّةِ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ مِنْ بَعْدُ) يَعْنِي بَعْدَ أَسْطُرٍ حَيْثُ قَالَ: وَيَجُوزُ تَزْوِيجُ

وَلَا يَجُوزُ تَزْوِيجُ الْمَجُوسِيَّاتِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ غَيْرَ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَمَةِ. (وَلَا يَجُوزُ تَزْوِيجُ الْمَجُوسِيَّاتِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» ) أَيْ اُسْلُكُوا بِهِمْ طَرِيقَتَهُمْ: يَعْنِي عَامِلُوهُمْ مُعَامَلَةَ هَؤُلَاءِ فِي إعْطَاءِ الْأَمَانِ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

وَلَا آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ» قَالَ (وَلَا الْوَثَنِيَّاتِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا) يَجُوزُ تَزْوِيجُ (الْوَثَنِيَّاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] وَهُوَ بِعُمُومِهِ يَتَنَاوَلُ الْوَثَنِيَّةَ وَهِيَ مَنْ تَعَبَّدَ الصَّنَمَ وَغَيْرَهَا. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ مُشْرِكُونَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة: 30] إلَى قَوْلِهِ {سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31] وَقَدْ ذُكِرَ فِي التَّيْسِيرِ وَالْكَشَّافِ أَنَّ اسْمَ أَهْلِ الشِّرْكِ يَقَعُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ فَيَكُونُونَ دَاخِلِينَ تَحْتَ الْمُشْرِكِينَ وَذَلِكَ يَقْتَضِي عَدَمَ جَوَازِ نِكَاحِ الْكِتَابِيَّاتِ، وَقَدْ بَيَّنَ الْمُصَنِّفُ جَوَازَهُ مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] وَالْجَوَابُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَطَفَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا} [آل عمران: 186] وَفِي قَوْلِهِ {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [البينة: 1] وَالْمَعْطُوفُ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ لَا مَحَالَةَ. وَقَوْلُهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ تَبَعِيَّةٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ شَبَّهَ اتِّخَاذَهُمْ الْأَحْبَارَ وَالرُّهْبَانَ أَرْبَابًا بِإِشْرَاكِ الْمُشْرِكِينَ،

(وَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الصَّابِئَاتِ إنْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِدِينِ نَبِيٍّ وَيُقِرُّونَ بِكِتَابٍ) لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ (وَإِنْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ وَلَا كِتَابَ لَهُمْ لَمْ تَجُزْ مُنَاكَحَتُهُمْ) لِأَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ، وَالْخِلَافُ الْمَنْقُولُ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى اشْتِبَاهِ مَذْهَبِهِمْ، فَكُلٌّ أَجَابَ عَلَى مَا وَقَعَ عِنْدَهُ، وَعَلَى هَذَا حِلُّ ذَبِيحَتِهِمْ. قَالَ (وَيَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ وَالْمُحْرِمَةِ أَنْ يَتَزَوَّجَا فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ، وَتَزْوِيجُ الْوَلِيِّ الْمُحْرِمِ وَلِيَّتَهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَسَرَى ذَلِكَ إلَى الْفِعْلَيْنِ ثُمَّ تَرَكَ الْمُشَبَّهَ وَذَكَرَ الْمُشَبَّهَ بِهِ كَمَا عُرِفَ فِي عِلْمِ الْبَيَانِ. فَإِنْ قِيلَ: اتِّخَاذُهُمْ ذَلِكَ أَرْبَابًا عَيْنُ الشِّرْكِ لَا مُشَبَّهَ بِهِ. قُلْت: فِيهِ الِاسْتِعَارَةُ التَّصْرِيحِيَّةُ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوهُمْ أَرْبَابًا حَقِيقَةً وَإِنَّمَا كَانُوا يُعَظِّمُونَهَا تَعْظِيمَ الْأَرْبَابِ. فَإِنْ قُلْت: فَمَا تَقُولُ فِي تَأْوِيلِ ابْنِ عُمَرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ} [المائدة: 5] بِالْآتِي أَسْلَمْنَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ؟ قُلْت: لَسْنَا نَأْخُذُ بِهِ لِعَرَائِهِ إذْ ذَاكَ عَنْ الْفَائِدَةِ، فَإِنَّ غَيْرَ الْكِتَابِيَّةِ أَيْضًا إذَا أَسْلَمْت حَلَّ نِكَاحُهَا، وَقَدْ جَاءَ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ تَزَوَّجَ يَهُودِيَّةً، وَكَذَا عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ (وَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الصَّابِئَاتِ إنْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِدِينِ نَبِيٍّ) الصَّابِئَاتُ، مِنْ صَبَأَ: إذَا خَرَجَ مِنْ الدِّينِ، وَهُمْ قَوْمٌ عَدَلُوا عَنْ دِينِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّة وَعَبَدُوا الْكَوَاكِبَ. وَذُكِرَ فِي الصِّحَاحِ أَنَّهُمْ جِنْسٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَالتَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فِي حُكْمِهِمْ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَيْنِ التَّفْسِيرَيْنِ. وَقَوْلُهُ وَالْخِلَافُ الْمَنْقُولُ فِيهِ) يَعْنِي بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ أَنَّ أَنْكِحَتَهُمْ صَحِيحَةٌ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا (مَحْمُولٌ عَلَى اشْتِبَاهِ مَذْهَبِهِمْ، فَكُلٌّ أَجَابَ بِمَا وَقَعَ عِنْدَهُ) وَقَعَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يَقْرَءُونَ الزَّبُورَ وَلَا يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ لَكِنَّهُمْ يُعَظِّمُونَهَا كَتَعْظِيمِنَا الْقِبْلَةَ فِي الِاسْتِقْبَالِ إلَيْهَا. وَوَقَعَ عِنْدَهُمَا أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ وَلَا كِتَابَ لَهُمْ فَصَارُوا كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، فَإِذًا لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ، لِأَنَّهُمْ إنْ كَانُوا كَمَا قَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ جَازَتْ مُنَاكَحَتُهُمْ عِنْدَهُمَا أَيْضًا، وَإِنْ كَانُوا كَمَا قَالَا فَلَا تَجُوزُ مُنَاكَحَتُهُمْ عِنْدَهُ أَيْضًا. وَحُكْمُ ذَبِيحَتِهِمْ عَلَى هَذَا. قَالَ (وَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الْمُحْرِمِ وَالْمُحْرِمَةِ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ، وَتَزْوِيجُ الْوَلِيِّ الْمُحْرِمِ وَلِيَّتَهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ)

لَهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ» وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَ بِمَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْوَطْءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ مَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ وَلَا يَخْطُبُ» (وَلَنَا مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» ) قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ:

(وَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كِتَابِيَّةً) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ لِلْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ لِأَنَّ جَوَازَ نِكَاحِ الْإِمَاءِ ضَرُورِيٌّ عِنْدَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِ الْجُزْءِ عَلَى الرِّقِّ، وَقَدْ انْدَفَعَتْ الضَّرُورَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حَسَنٌ صَحِيحٌ. فَإِنْ قُلْت: النِّكَاحُ مِمَّا يَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ عَلَى الْمُحْرِمِ قِيَاسًا عَلَى الْوَطْءِ إذَا كَانَ الْحَدِيثَانِ مُتَعَارِضَيْنِ. قُلْت: مَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْوَطْءِ: أَيْ لَا يَطَأُ وَلَا تُمَكِّنُهُ الْمَرْأَةُ أَنْ يَطَأَهَا كَمَا هُوَ فِعْلُ الْبَعْضِ، وَكَانَ الْقِيَاسُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ وَهُوَ فَاسِدٌ (وَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كِتَابِيَّةً. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ لِلْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ لِأَنَّ جَوَازَ نِكَاحِ الْإِمَاءِ ضَرُورِيٌّ عِنْدَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِ الْجُزْءِ عَلَى الرِّقِّ) إذْ الْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الرِّقِّ وَمَا يَثْبُتُ لِضَرُورَةٍ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا، وَالضَّرُورَةُ تَنْدَفِعُ بِالْمُسْلِمَةِ

بِالْمُسْلِمَةِ وَلِهَذَا جَعَلَ طَوْلَ الْحُرَّةِ مَانِعًا مِنْهُ. وَعِنْدَنَا الْجَوَازُ مُطْلَقٌ لِإِطْلَاقِ الْمُقْتَضَى، وَفِيهِ امْتِنَاعٌ عَنْ تَحْصِيلِ الْجُزْءِ الْحُرِّ لَا إرْقَاقُهُ وَلَهُ أَنْ لَا يُحَصِّلَ الْأَصْلَ فَيَكُونُ لَهُ أَنْ لَا يُحَصِّلَ الْوَصْفَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا حَاجَةَ إلَى الْكِتَابِيَّةِ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِكَوْنِهِ ضَرُورِيًّا عِنْدَهُ (جَعَلَ طُولَ الْحُرَّةِ مَانِعًا مِنْهُ) أَيْ تَزَوُّجِ الْأَمَةِ لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِالْقُدْرَةِ عَلَى تَزَوُّجِ الْحُرَّةِ (وَعِنْدَنَا جَوَازُ نِكَاحِ الْأَمَةِ مُطْلَقٌ) مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كِتَابِيَّةً (لِإِطْلَاقِ الْمُقْتَضِي) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] وَقَوْلُهُ {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] وَانْتِفَاءُ الْمَانِعِ الَّذِي هُوَ أَبْدَاهُ وَهُوَ تَعْرِيضُ الْجُزْءِ عَلَى الرِّقِّ (لِأَنَّ فِيهِ) أَيْ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى نِكَاحِ الْأَمَةِ (امْتِنَاعًا عَنْ تَحْصِيلِ الْجُزْءِ الْحُرِّ لَا إرْقَاقُهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ بَعْدُ، وَبَعْدَ وُجُودِ الْمَاءِ فَهُوَ مَوَاتٌ لَا يُوصَفُ بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ إلَّا بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ، وَالِامْتِنَاعُ

(وَلَا يَتَزَوَّجُ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ» وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَجْوِيزِهِ ذَلِكَ لِلْعَبْدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْهُ لَيْسَ بِمَانِعٍ شَرْعًا لِأَنَّ لَهُ أَنْ لَا يُحَصِّلَ الْأَصْلَ بِالْعَزْلِ بِرِضَا الْمَرْأَةِ وَبِتَزَوُّجِ الْعَجُوزِ وَالْعَقِيمِ فَلَأَنْ يَكُونَ لَهُ أَنْ لَا يُحَصِّلَ وَصْفَ الْحُرِّيَّةِ بِتَزَوُّجِ الْأَمَةِ أَوْلَى (وَلَا يَتَزَوَّجُ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ) سَوَاءٌ كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْعَبْدِ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ بِرِضَا الْحُرَّةِ. وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ تَزَوُّجَ الْأَمَةِ مَمْنُوعٌ لِمَعْنًى فِي الْمُتَزَوِّجِ إذَا كَانَ حُرًّا وَهُوَ تَعْرِيضُ جُزْئِهِ عَلَى الرِّقِّ مَعَ الْغَنِيَّةِ عَنْهُ وَهُوَ لَا يُوجَدُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ رَقِيقٌ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ. وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْمَنْعَ لِحَقِّ الْحُرَّةِ فَإِذَا رَضِيَتْ فَقَدْ أَسْقَطَتْ حَقَّهَا. وَلَنَا مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي مَبْسُوطِهِ: بَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ» وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ حُجَّةٌ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الرَّأْيَ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ. فَإِنْ قُلْت: جَوَّزْتُمْ نِكَاحَ الْأَمَةِ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كِتَابِيَّةً بِإِطْلَاقِ الْمُقْتَضَى عَلَى مَا تَلَوْتُمْ فَهَلَّا جَوَّزْتُمْ نِكَاحَهَا عَلَى الْحُرَّةِ بِذَلِكَ؟ قُلْت: جَوَّزْنَا هُنَاكَ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ وَهَاهُنَا وَإِنْ كَانَ الْمُقْتَضِي

وَعَلَى مَالِكٍ فِي تَجْوِيزِهِ ذَلِكَ بِرِضَا الْحُرَّةِ، وَلِأَنَّ لِلرِّقِّ أَثَرًا فِي تَنْصِيفِ النِّعْمَةِ عَلَى مَا نُقَرِّرُهُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَيَثْبُتُ بِهِ حِلُّ الْمَحَلِّيَّةِ فِي حَالَةِ الِانْفِرَادِ دُونَ حَالَةِ الِانْضِمَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَوْجُودًا لَكِنَّ الْمَانِعَ غَيْرُ مُنْتَفٍ، وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَلِأَنَّ لِلرِّقِّ أَثَرًا فِي تَنْصِيفِ النِّعْمَةِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الطَّلَاقِ فَيَثْبُتُ بِهِ حِلُّ الْمَحَلِّيَّةِ فِي حَالَةِ الِانْفِرَادِ دُونَ حَالَةِ الِانْضِمَامِ) وَلَا عَلَيْنَا أَنْ نُقَرِّرَهُ هَاهُنَا. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْحِلَّ الَّذِي يَنْبَنِي عَلَيْهِ عَقْدُ النِّكَاحِ نِعْمَةٌ جَدِيدَةٌ فِي جَانِبِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا، وَكَمَا يَتَنَصَّفُ ذَلِكَ الْحِلُّ بِرِقِّ الرَّجُلِ حَتَّى يَتَزَوَّجَ الْعَبْدُ ثِنْتَيْنِ وَالْحُرُّ أَرْبَعًا فَكَذَلِكَ يَتَنَصَّفُ بِرِقِّ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ الرِّقَّ هُوَ الْمُنَصِّفُ وَهُوَ يَشْمَلُهُمَا، وَلَا يُمْكِنُ إظْهَارُ هَذَا التَّنْصِيفِ فِي جَانِبِهَا بِنُقْصَانِ الْعَدَدِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَحِلُّ إلَّا لِوَاحِدٍ، فَظَهَرَ التَّنْصِيفُ بِاعْتِبَارِ الْحَالَةِ، فَبَعْدَ ذَلِكَ نَقُولُ: الْأَحْوَالُ ثَلَاثٌ: حَالُ مَا قَبْلَ نِكَاحِ الْحُرَّةِ، وَحَالُ مَا بَعْدَهُ، وَحَالُ الْمُقَارَنَةِ، وَلَكِنَّ الْحَالَ الْوَاحِدَةَ لَا تَحْتَمِلُ التَّجَزُّؤَ فَتُغَلَّبُ الْحُرْمَةُ عَلَى الْحِلِّ فَتُجْعَلُ مُحَلَّلَةً سَابِقَةً عَلَى الْحُرَّةِ وَمُحَرَّمَةً مُقْتَرِنَةً بِالْحُرَّةِ أَوْ مُتَأَخِّرَةً عَنْهَا، وَهَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ بُطْلَانُ التَّنْصِيفِ بِالرِّقِّ الثَّابِتِ بِالدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ مَانِعٌ عَنْ الْعَمَلِ بِإِطْلَاقِ الْمُقْتَضِي فَتَأَمَّلْ فَإِنَّهُ غَرِيبٌ

(وَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الْحُرَّةِ عَلَيْهَا) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَتُنْكَحُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ» وَلِأَنَّهَا مِنْ الْمُحَلَّلَاتِ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ إذْ لَا مُنَصِّفَ فِي حَقِّهَا. (فَإِنْ تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ فِي عِدَّةٍ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ ثَلَاثٍ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَيَجُوزُ عِنْدَهُمَا) لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَزَوُّجٍ عَلَيْهَا وَهُوَ الْمُحَرَّمُ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا لَمْ يَحْنَثْ بِهَذَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ نِكَاحَ الْحُرَّةِ بَاقٍ مِنْ وَجْهٍ لِبَقَاءِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ فَيَبْقَى الْمَنْعُ احْتِيَاطًا، بِخِلَافِ الْيَمِينِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ لَا يُدْخِلَ غَيْرَهَا فِي قَسْمِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الْحُرَّةِ عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَتُنْكَحُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ» وَلِأَنَّهَا مِنْ الْمُحَلَّلَاتِ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ لِعَدَمِ الْمُنَصِّفِ فِي حَقِّهَا) فَجَازَ الْعَمَلُ بِإِطْلَاقِ الْمُقْتَضِي عِنْدَ انْتِفَاءِ الْمَانِعِ (فَإِنْ تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ فِي عِدَّةٍ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ ثَلَاثٍ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَجُوزُ عِنْدَهُمَا) وَوَجْهُ الْجَانِبَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ ظَاهِرٌ، وَلَا بُدَّ لَهُمَا مِنْ فَرْقٍ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَا إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي عِدَّةِ أُخْتِهَا مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ فَإِنَّهُمَا لَمْ يُجَوِّزَاهُ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَقَالُوا فِي الْفَرْقِ لَهُمَا: إنَّ الْمُحَرَّمَ هُنَاكَ الْجَمْعُ فَإِذَا تَزَوَّجَهَا فِي عِدَّةِ أُخْتِهَا صَارَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا فِي حُقُوقِ النِّكَاحِ فَلَا يَجُوزُ، وَأَمَّا هَذَا الْمَنْعُ فَلَيْسَ لِأَجْلِ الْجَمْعِ، فَإِنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ الْأَمَةَ ثُمَّ الْحُرَّةَ صَحَّ نِكَاحُهُمَا، وَلَكِنَّهُ بِاعْتِبَارِ إدْخَالِ نَاقِصَةِ الْحَالِ عَلَى كَامِلَةِ الْحَالِ وَهَذَا لَا يُوجَدُ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: نِكَاحُ الْأُولَى قَائِمٌ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ أَوْ لَا؟ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ وَرَدَ عَلَيْهِمَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَتِلْكَ الْمَسْأَلَةُ. وَقَدْ نُقِلَ فِي النِّهَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ

(وَلِلْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا مِنْ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] وَالتَّنْصِيصُ عَلَى الْعَدَدِ يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَرْقٌ آخَرُ أَضْعَفُ مِنْ هَذَا فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ. قَالَ (وَلِلْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا مِنْ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ) أَوْ مِنْهُمَا إذَا قَدَّمَ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ (وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] نَصَّ عَلَى الْعَدَدِ (وَالتَّنْصِيصُ عَلَى الْعَدَدِ يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ) وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ هَذَا مَعْدُولٌ وَهُوَ وَصْفٌ وَلِهَذَا مُنِعَ عَنْ الصَّرْفِ لِلْعَدْلِ وَالْوَصْفِ فَكَانَ مِنْ بَابِ تَخْصِيصِ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ، وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ فَتَثْبُتُ الزِّيَادَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] سَلَّمْنَا أَنَّهُ عَدَدٌ وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَيْهِ يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ خَمْسٍ: مِنْ بَوْلٍ، وَغَائِطٍ، وَقَيْءٍ، وَمَنِيٍّ، وَدَمٍ» وَبِالِاتِّفَاقِ يُغْسَلُ مِنْ الْخَمْرِ أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَصَّ عَلَى الْعَدَدِ مَعَ كَلِمَةِ الْحَصْرِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ بِحَسَبِ الْأَصْلِ مِنْ الْأَعْدَادِ وَإِنْ اُسْتُعْمِلَ وَصْفًا، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ مَعْنَاهُ إنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ خَمْسٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ بَدَنِ الْآدَمِيِّ، لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ خَرَجَ جَوَابًا لِسُؤَالِ مَنْ سَأَلَ عَنْ النَّجَاسَةِ وَهُوَ مُنْحَصِرٌ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ. فَإِنْ قِيلَ: سَلَّمْنَاهُ لَكِنْ مُقْتَضَاهُ التِّسْعُ أَوْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لِمَا أَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ. أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا الْوَهْمَ هُوَ الَّذِي أَوْقَعَ الرَّافِضَةَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَفْضَلِ الْمَوْجُودَاتِ مَعَ اخْتِصَاصِهِ بِذَلِكَ بِفَضِيلَةِ النُّبُوَّةِ أَوْ ازْدِيَادِهِمْ عَلَيْهِ، فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى جَوَازِ التِّسْعِ، وَعَنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى جَوَازِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ نَظَرًا إلَى مَعْنَى الْعُدُولِ وَحِرَفِ الْجَمْعِ، وَلَكِنْ لَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا تَوَهَّمُوا لِأَنَّ الْمُرَادَ بِمِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ أَحَدُ هَذِهِ الْأَعْدَادِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: لَا وَجْهَ لِحَمْلِ هَذَا عَلَى الْجَمْعِ لِأَنَّ الْعِبَارَةَ عَنْ التِّسْعِ بِهَذَا اللَّفْظِ مِنْ الْعِيِّ فِي الْكَلَامِ وَالْكَلَامُ الْمَجِيدُ مُنَزَّهٌ عَنْ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَتَزَوَّجُ إلَّا أَمَةً وَاحِدَةً لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ عِنْدَهُ: وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا تَلَوْنَا إذْ الْأَمَةُ الْمَنْكُوحَةُ يَنْتَظِمُهَا اسْمُ النِّسَاءِ كَمَا فِي الظِّهَارِ. (وَلَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْنِ) وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ النِّكَاحِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ عِنْدَهُ حَتَّى مَلَّكَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَّقَ بَيْنَ غَيْلَانَ الثَّقَفِيِّ وَبَيْنَ مَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ مِنْ النِّسْوَةِ حِينَ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ» وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا بَعْدَهُ إلَى يَوْمِنَا هَذَا أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ نِكَاحًا (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَتَزَوَّجُ إلَّا أَمَةً وَاحِدَةً لِأَنَّهُ) أَيْ نِكَاحَ الْأَمَةِ (ضَرُورِيٌّ) فِي حَقِّ الْحُرِّ (عِنْدَهُ) كَمَا تَقَدَّمَ وَالضَّرُورَةُ تَنْدَفِعُ بِالْوَاحِدَةِ (وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا تَلَوْنَا) يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] فَإِنَّ اسْمَ النِّسَاءِ يَنْتَظِمُ الْأَمَةَ الْمَنْكُوحَةَ، كَمَا فِي الظِّهَارِ فَإِنَّ آيَتَهُ مَذْكُورَةٌ بِلَفْظِ النِّسَاءِ وَيَتَنَاوَلُ الْأَمَةَ الْمَنْكُوحَةَ (وَلَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْنِ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ النِّكَاحِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ عِنْدَهُ)

وَلَنَا أَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ فَيَتَزَوَّجُ الْعَبْدُ اثْنَتَيْنِ وَالْحُرُّ أَرْبَعًا إظْهَارًا لِشَرَفِ الْحُرِّيَّةِ. . قَالَ (فَإِنْ طَلَّقَ الْحُرُّ إحْدَى الْأَرْبَعِ طَلَاقًا بَائِنًا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ رَابِعَةً حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ نَظِيرُ نِكَاحِ الْأُخْتِ فِي عِدَّةِ الْأُخْتِ. قَالَ (فَإِنْ تَزَوَّجَ حُبْلَى مِنْ زِنًا جَازَ النِّكَاحُ وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا) وَهَذَا عِنْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ يَمْلِكُ أَصْلَ النِّكَاحِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ فِي حَقِّ النِّكَاحِ لِمَا مَلَكَهُ، كَمَا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمَالَ وَلِهَذَا قَالَ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ كَمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ بِغَيْرِ إذْنِهِ (وَلَنَا أَنَّ الرِّقَّ مُنَصَّفٌ) عَلَى مَا سَيَجِيءُ فِي الطَّلَاقِ كَمَا وَعَدَهُ الْمُصَنِّفُ (فَيَتَزَوَّجُ الْعَبْدُ اثْنَتَيْنِ وَالْحُرُّ أَرْبَعًا إظْهَارًا لِشَرَفِ الْحُرِّيَّةِ) وَتَمَلُّكُهُ أَصْلَ النِّكَاحِ لَا يَمْنَعُ التَّنْصِيفَ بِالرِّقِّ كَالْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ فَإِنَّهَا تَمْلِكُ طَلَبَ الْقَسْمِ وَيَتَنَصَّفُ قَسْمُهَا. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ طَلَّقَ الْحُرُّ) ظَاهِرٌ قَالَ (فَإِنْ تَزَوَّجَ حُبْلَى مِنْ الزِّنَا) الْحَامِلُ إذَا تَزَوَّجَتْ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ ثَابِتَ النَّسَبِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: جَازَ النِّكَاحُ، وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا

أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: النِّكَاحُ فَاسِدٌ (وَإِنْ كَانَ الْحَمْلُ ثَابِتَ النَّسَبِ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ) لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي الْأَصْلِ لِحُرْمَةِ الْحَمْلِ، وَهَذَا الْحَمْلُ مُحْتَرَمٌ لِأَنَّهُ لَا جِنَايَةَ مِنْهُ، وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ إسْقَاطُهُ. وَلَهُمَا أَنَّهَا مِنْ الْمُحَلَّلَاتِ بِالنَّصِّ وَحُرْمَةُ الْوَطْءِ كَيْ لَا يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ، وَالِامْتِنَاعُ فِي ثَابِتِ النَّسَبِ لِحَقِّ صَاحِبِ الْمَاءِ وَلَا حُرْمَةَ لِلزَّانِي. (فَإِنْ تَزَوَّجَ حَامِلًا مِنْ السَّبْيِ فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ) لِأَنَّهُ ثَابِتُ النَّسَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: النِّكَاحُ فَاسِدٌ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي الْأَصْلِ) أَيْ فِي الْحَمْلِ الثَّابِتِ بِالنَّسَبِ إنَّمَا كَانَ (لِحُرْمَةِ الْحَمْلِ، وَهَذَا الْحَمْلُ مُحْتَرَمٌ لِأَنَّهُ لَا جِنَايَةَ مِنْهُ، وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ إسْقَاطُهُ) . وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَاسَ حَمْلَ الزِّنَا عَلَى الْحَمْلِ الثَّابِتِ النَّسَبِ بِعِلَّةِ حُرْمَةِ الْحَمْلِ (وَلَهُمَا أَنَّهَا مِنْ الْمُحَلَّلَاتِ بِالنَّصِّ) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] وَكُلُّ مَنْ كَانَتْ كَذَلِكَ جَازَ نِكَاحُهَا. فَإِنْ قُلْت: مَا بَالُ الْحَمْلِ الثَّابِتِ النَّسَبِ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ هَذَا النَّصِّ؟ قُلْت: لِمَكَانِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235] فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَتْ مِنْ الْمُحَلَّلَاتِ لَحَلَّ وَطْؤُهَا بَعْدَ وُرُودِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَحُرْمَةُ الْوَطْءِ لَا يَسْقِي مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ) وَحُرْمَةُ الْوَطْءِ لِعَارِضٍ يَحْتَمِلُ الزَّوَالَ لَا يَسْتَلْزِمُ فَسَادَ النِّكَاحِ كَمَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ. وَقَوْلُهُ (وَالِامْتِنَاعُ فِي ثَابِتِ النَّسَبِ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ أَبِي يُوسُفَ. وَتَقْرِيرُهُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ فَسَادَ النِّكَاحِ لِحُرْمَةِ الْحَمْلِ بَلْ إنَّمَا هُوَ (لِحَقِّ صَاحِبِ الْمَاءِ وَلَا حُرْمَةَ لِمَاءِ الزَّانِي) وَقَوْلُهُ (فَإِنْ تَزَوَّجَ حَامِلًا مِنْ السَّبْيِ) صُورَتُهُ أَنْ تُسْبَى الْحَرْبِيَّةُ حَامِلًا فَيُرِيدَ السَّابِي أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لَا يَجُوزُ مَا لَمْ تَضَعْ الْحَمْلَ،

(وَإِنْ زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ) لِأَنَّهَا فِرَاشٌ لِمَوْلَاهَا حَتَّى يَثْبُتَ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ، فَلَوْ صَحَّ النِّكَاحُ لَحَصَلَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْفِرَاشَيْنِ، إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَأَكِّدٍ حَتَّى يَنْتَفِيَ الْوَلَدُ بِالنَّفْيِ مِنْ غَيْرِ لِعَانٍ فَلَا يُعْتَبَرُ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْحَمْلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ النَّسَبَ مِنْ زَوْجِهَا ثَابِتٌ فَكَانَ الْمَاءُ مُحْتَرَمًا وَاجِبَ الصِّيَانَةِ وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْمُهَاجِرَةِ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ لِأَنَّهَا فِرَاشٌ لِمَوْلَاهَا) لِوُجُودِ حَدِّهِ وَهُوَ صَيْرُورَةُ الْمَرْأَةِ مُتَعَيِّنَةً لِثُبُوتِ نَسَبِ الْوَلَدِ مِنْهُ، وَكُلُّ مَنْ كَانَتْ فِرَاشًا لِشَخْصٍ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا لِئَلَّا يَحْصُلَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْفِرَاشَيْنِ فَإِنَّهُ سَبَبُ الْحُرْمَةِ فِي الْمُحْصَنَاتِ مِنْ النِّسَاءِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَتْ فِرَاشًا لَبَطَلَ نِكَاحُهَا حَائِلًا أَيْضًا. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَأَكِّدٍ حَتَّى يَنْتَفِيَ الْوَلَدُ بِالنَّفْيِ مِنْ غَيْرِ لِعَانٍ) وَكَانَ فِرَاشًا ضَعِيفًا (فَلَا يُعْتَبَرُ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْحَمْلُ) لِأَنَّ الْحَمْلَ مَانِعٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَكَذَلِكَ الْفِرَاشُ، فَعِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا يَحْصُلُ التَّأَكُّدُ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ غَيْرَ مُتَأَكِّدٍ وَيَنْتَفِي الْوَلَدُ بِالنَّفْيِ مِنْ غَيْرِ لِعَانٍ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْإِقْدَامُ عَلَى النِّكَاحِ نَفْيًا لِلنَّسَبِ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ النَّفْيَ دَلَالَةً، كَمَا إذَا قَالَ لِجَارِيَةٍ لَهُ وَلَدَتْ ثَلَاثَةَ أَوْلَادٍ فِي بُطُونٍ مُخْتَلِفَةٍ هَذَا الْأَكْبَرُ مِنِّي، فَإِنَّهُ يَنْتَفِي نَسَبُ الْبَاقِينَ، وَإِذَا انْتَفَى نَسَبُهُ كَانَ حَمْلًا غَيْرَ ثَابِتِ النَّسَبِ، وَفِي مِثْلِهِ يَجُوزُ النِّكَاحُ كَمَا تَقَدَّمَ. أُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ دَلَالَةٌ، وَالدَّلَالَةُ إنَّمَا تُعْمَلُ إذَا لَمْ يُخَالِفْهَا صَرِيحٌ، وَالصَّرِيحُ هَاهُنَا مَوْجُودٌ لِأَنَّ

قَالَ (وَمَنْ وَطِئَ جَارِيَتَهُ ثُمَّ زَوَّجَهَا جَازَ النِّكَاحُ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِفِرَاشٍ لِمَوْلَاهَا فَإِنَّهَا لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ إلَّا أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا صِيَانَةً لِمَائِهِ، وَإِذَا جَازَ النِّكَاحُ (فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا لِأَنَّهُ احْتَمَلَ الشَّغْلَ بِمَاءِ الْمَوْلَى فَوَجَبَ التَّنَزُّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا كَانَ الْحَمْلُ مِنْهُ فَإِنَّهُ قَالَ رَجُلٌ زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْحَمْلُ مِنْهُ إذَا أَقَرَّ بِهِ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ لَفْظُ الْفَاسِدِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ وَلَفْظُ الْبَاطِلِ هَاهُنَا وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْفَاسِدِ هُنَاكَ الْبَاطِلَ أَيْضًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَقَالَ: لِأَنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ فِي بَابِ النِّكَاحِ مَعَ الْمُنَافِي إنَّمَا هُوَ لِضَرُورَةِ تَحَقُّقِ الْمَقَاصِدِ مِنْ حِلِّ الِاسْتِمْتَاعِ لِلتَّوَالُدِ وَالتَّنَاسُلِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى عَقْدٍ لَا يَتَضَمَّنُ الْمَقَاصِدَ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ فِي الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ أَهْوَنُ، أَمَّا فِي الْحَمْلِ مِنْ الزِّنَا فَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ فِيهَا مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي الْمَسْبِيَّةِ فَكَذَلِكَ عَلَى مَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا إذَا تَزَوَّجَتْ جَازَ النِّكَاحُ وَلَكِنْ لَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا (وَمَنْ وَطِئَ جَارِيَتَهُ ثُمَّ زَوَّجَهَا جَازَ النِّكَاحُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِفِرَاشٍ لِمَوْلَاهَا) لِعَدَمِ حَدِّ الْفِرَاشِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ (فَإِنَّهَا لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ إلَّا أَنَّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمَوْلَى أَنْ (يَسْتَبْرِئَهَا) قَالَ الشَّارِحُونَ: مَعْنَى عَلَيْهِ الِاسْتِحْبَابُ دُونَ الْوُجُوبِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّفْظَ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَيُقَالُ: إنَّهُ أَرَادَ بِهِ الِاسْتِحْبَابَ صِيَانَةً لِمَائِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ بِالِاسْتِحْبَابِ (وَإِذَا جَازَ النِّكَاحُ جَازَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا لِأَنَّهُ احْتَمَلَ الشُّغْلَ بِمَاءِ الْوَلِيِّ)

كَمَا فِي الشِّرَاءِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْحُكْمَ بِجَوَازِ النِّكَاحِ أَمَارَةُ الْفَرَاغِ فَلَا يُؤْمَرُ بِالِاسْتِبْرَاءِ لَا اسْتِحْبَابًا وَلَا وُجُوبًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ تَحَقَّقَ الِاشْتِغَالُ بِمَاءِ الْغَيْرِ كَانَ الْوَطْءُ حَرَامًا، فَإِذَا احْتَمَلَ ذَلِكَ ثَبَتَ التَّنَزُّهُ (كَمَا فِي الشِّرَاءِ) فَإِنَّ الْمُوجِبَ فِيهِ احْتِمَالُ الشُّغْلِ، لَكِنَّ جَوَازَ الْإِقْدَامِ عَلَى النِّكَاحِ أَوْرَثَ ضَعْفًا فِي السَّبَبِ فَيَكُونُ مُسْتَحَبًّا. وَلَهُمَا أَنَّا قَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى جَوَازِ النِّكَاحِ مِنْ غَيْرِ حَبَلِ زَانٍ، وَالْحُكْمُ بِجَوَازِ النِّكَاحِ فِي مِثْلِهِ أَمَارَةُ فَرَاغِ الرَّحِمِ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا عَلَى رَحِمٍ فَارِغٍ عَنْ شَاغِلٍ مُحْتَرَمٍ، وَإِنْ كَانَ الرَّحِمُ فَارِغًا لَا يُؤْمَرُ بِالِاسْتِبْرَاءِ لَا اسْتِحْبَابًا وَلَا وُجُوبًا إذْ الْحُكْمُ لَا يَثْبُتُ بِلَا سَبَبٍ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ الِاسْتِحْبَابُ وَكَانَ حَقُّهُ التَّأْخِيرَ لِأَنَّ نَفْيَهُ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْوُجُوبِ فَكَانَ تَقْدِيمُهُ يُوجِبُ الِاسْتِغْنَاءَ عَنْ نَفْيِ الْوُجُوبِ، إمَّا لِأَنَّ الْخَصْمَ يَقُولُ بِهِ فَكَانَ نَفْيُهُ أَهَمَّ، وَإِمَّا لِيَتَّصِلَ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ

بِخِلَافِ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ مَعَ الشَّغْلِ. (وَكَذَا إذَا رَأَى امْرَأَةً تَزْنِي فَتَزَوَّجَهَا حَلَّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا عِنْدَهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا مَا لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا) وَالْمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا. قَالَ (وَنِكَاحُ الْمُتْعَةِ بَاطِلٌ) وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَةٍ أَتَمَتَّعُ بِك كَذَا مُدَّةً بِكَذَا مِنْ الْمَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ الِاسْتِبْرَاءَ فِيهِ وَاجِبٌ. وَمَنْ تَذَكَّرَ مَا سَلَفَ مِنْ الْمَسَائِلِ يَفْطِنُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْقُيُودِ الَّتِي لَمْ يُصَرِّحْ بِذِكْرِهَا الْمُصَنِّفُ اسْتِغْنَاءً عَنْهَا بِمَا تَضَمَّنَ كَلَامُهُ فِيمَا سَلَفَ، وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الشِّرَاءِ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ مُحَمَّدٍ صُورَةُ النِّزَاعِ عَلَى الشِّرَاءِ بِالْفَارِقِ وَهُوَ أَنَّ الشِّرَاءَ مَعَ الشُّغْلِ جَائِزٌ دُونَ النِّكَاحِ، فَالْحُكْمُ بِجَوَازِ النِّكَاحِ أَمَارَةُ الْفَرَاغِ وَإِلَّا لَكَانَ حُكْمًا بِمَا لَا يَجُوزُ وَلَا كَذَلِكَ فِي الشِّرَاءِ فَيَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا إذَا رَأَى امْرَأَةً تَزْنِي) ظَاهِرٌ. وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَحِلَّ لِأَنَّ احْتِمَالَ الشُّغْلِ قَائِمٌ، وَدَلِيلُ الْحُرْمَةِ عِنْدَ مُعَارَضَةِ دَلِيلِ الْحِلِّ رَاجِحٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ تَعَارَضَ الِاحْتِمَالُ لِأَنَّ احْتِمَالَ وُجُودِ الْحِلِّ وَعَدَمِهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ رَجَّحْنَا جَانِبَ الْعَدَمِ لِأَصَالَتِهِ وَلِتَقَوِّي الْأَصَالَةِ هُنَا بِعَدَمِ حُرْمَةِ صَاحِبِ الْمَاءِ. قَالَ (وَنِكَاحُ الْمُتْعَةِ بَاطِلٌ) صُورَةُ الْمُتْعَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ (أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِامْرَأَةٍ أَتَمَتَّعُ بِك كَذَا مُدَّةً بِكَذَا مِنْ الْمَالِ) أَوْ يَقُولُ خُذِي مِنِّي هَذِهِ الْعَشَرَةَ لِأَسْتَمْتِعَ بِك أَيَّامًا، أَوْ مَتِّعِينِي نَفْسَك أَيَّامًا أَوْ عَشَرَةَ أَيَّامٍ أَوْ لَمْ يَقُلْ أَيَّامًا،

وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ كَانَ مُبَاحًا فَيَبْقَى إلَى أَنْ يَظْهَرَ نَاسِخُهُ. قُلْنَا: ثَبَتَ النَّسْخُ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - صَحَّ رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِهِمْ فَتَقَرَّرَ الْإِجْمَاعُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا عِنْدَنَا بَاطِلٌ (وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ جَائِزٌ) وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ (لِأَنَّهُ كَانَ مُبَاحًا) بِالِاتِّفَاقِ (فَيَبْقَى إلَى أَنْ يَظْهَرَ نَاسِخُهُ. قُلْنَا: قَدْ ظَهَرَ نَاسِخُهُ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ) وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ وَرَدَتْ الْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى نَسْخِهَا: مِنْهَا مَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «أَنَّ مُنَادِيَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَادَى يَوْمَ خَيْبَرَ: أَلَا إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ الْمُتْعَةِ» . وَمِنْهَا حَدِيثُ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ قَالَ: «أَحَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُتْعَةَ عَامَ الْفَتْحِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَجِئْت مَعَ ابْنِ عَمٍّ لِي إلَى بَابِ امْرَأَةٍ وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا بُرْدَةٌ، وَكَانَتْ بُرْدَةُ ابْنِ عَمِّي أَحْسَنَ مِنْ بُرْدَتِي، فَخَرَجَتْ امْرَأَةٌ كَأَنَّهَا دُمْيَةُ عَيْطَاءَ فَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إلَى شَبَابِي وَإِلَى بُرْدَتِهِ، فَقَالَتْ: هَلَّا بُرْدَةٌ كَبُرْدَةِ هَذَا أَوْ شَبَابًا كَشَبَابِ هَذَا؟ ثُمَّ آثَرَتْ شَبَابِي عَلَى بُرْدَتِهِ، فَبِتّ عِنْدَهَا، فَلَمَّا أَصْبَحْت إذَا مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُنَادِي: أَلَا إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ الْمُتْعَةِ، فَانْتَهَى النَّاسُ عَنْهَا» ثُمَّ أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى أَنَّ الْمُتْعَةَ قَدْ انْتَسَخَتْ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَتْ الْأَحَادِيثُ نَاسِخَةً وَالْإِجْمَاعُ مُظْهِرًا لِأَنَّ نَسْخَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِالْإِجْمَاعِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ عَلَى مَذْهَبِ الصَّحِيحِ. فَإِنْ قِيلَ: أَيْنَ الْإِجْمَاعُ وَقَدْ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ مُخَالِفًا؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَابْنُ عَبَّاسٍ صَحَّ رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِهِمْ) رَوَى جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ مَا خَرَجَ مِنْ الدُّنْيَا حَتَّى رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ فِي الصَّرْفِ وَالْمُتْعَةِ (فَتَقَرَّرَ الْإِجْمَاعُ) وَقِيلَ فِي نِسْبَةِ جَوَازِ الْمُتْعَةِ إلَى مَالِكٍ نَظَرٌ لِأَنَّهُ رَوَى الْحَدِيثَ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ

(وَالنِّكَاحُ الْمُؤَقَّتُ بَاطِلٌ) مِثْلُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ» . وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَجُوزُ النِّكَاحُ إلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ وَإِنْ سَمَّى صَدَاقًا وَهَذِهِ الْمُتْعَةُ. وَأَقُولُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الَّذِي أَخَذَ مِنْهُ الْمُصَنِّفُ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى قَوْلٍ لَهُ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ يَرْوِي حَدِيثًا يَكُونُ وَاجِبَ الْعَمَلِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مَا يُعَارِضُهُ أَوْ يُرَجَّحُ عَلَيْهِ (وَالنِّكَاحُ الْمُؤَقَّتُ بَاطِلٌ مِثْلُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ) . وَاَلَّذِي يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا وُجُودُ لَفْظٍ يُشَارِكُ الْمُتْعَةَ فِي الِاشْتِقَاقِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا

وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هُوَ صَحِيحٌ لَازِمٌ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ. وَلَنَا أَنَّهُ أَتَى بِمَعْنَى الْمُتْعَةِ وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ. وَالثَّانِي شُهُودُ الشَّاهِدَيْنِ فِي النِّكَاحِ الْمُوَقَّتِ مَعَ ذِكْرِ لَفْظِ التَّزْوِيجِ أَوْ النِّكَاحِ وَأَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ مُعَيَّنَةً (وَقَالَ زُفَرُ هُوَ صَحِيحٌ لَازِمٌ) لِأَنَّ التَّوْقِيتَ شَرْطٌ فَاسِدٌ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِمُقْتَضَى عَقْدِ النِّكَاحِ، وَالنِّكَاحُ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ (وَلَنَا أَنَّهُ أَتَى بِمَعْنَى الْمُتْعَةِ) بِلَفْظِ النِّكَاحِ لِأَنَّ مَعْنَى الْمُتْعَةِ هُوَ الِاسْتِمْتَاعُ بِالْمَرْأَةِ لَا لِقَصْدِ مَقَاصِدِ النِّكَاحِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّهَا لَا تَحْصُلُ فِي مُدَّةٍ قَلِيلَةٍ (وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي) دُونَ الْأَلْفَاظِ؛ أَلَا تَرَى

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا طَالَتْ مُدَّةُ التَّأْقِيتِ أَوْ قَصُرَتْ لِأَنَّ التَّأْقِيتَ هُوَ الْمُعَيِّنُ لِجِهَةِ الْمُتْعَةِ وَقَدْ وُجِدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الْكَفَالَةَ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ حَوَالَةٌ وَالْحَوَالَةُ بِشَرْطِ مُطَالَبَةِ الْأَصِيلِ كَفَالَةٌ. وَقَوْلُهُ (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا طَالَتْ مُدَّةُ التَّأْقِيتِ أَوْ قَصُرَتْ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ إنَّهُمَا إنْ ذَكَرَا مِنْ الْوَقْتِ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُمَا لَا يَعِيشَانِ إلَيْهِ كَمِائَةِ سَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ كَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّأْبِيدِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ التَّأْقِيتَ مُعَيِّنٌ لِجِهَةِ الْمُتْعَةِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ تَزَوَّجْتُك لِلنِّكَاحِ وَمُقْتَضَاهُ التَّأْبِيدُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ شَرْعًا إلَّا لِذَلِكَ وَلَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْمُتْعَةَ؛ فَإِذَا قَالَ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ عَيَّنَ التَّوْقِيتَ جِهَةَ كَوْنِهِ مُتْعَةً مَعْنًى، وَفِي هَذَا الْمَعْنَى الْمُدَّةُ الْقَلِيلَةُ وَالْكَثِيرَةُ سَوَاءٌ وَاسْتَشْكَلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا شَرَطَ وَقْتَ الْعَقْدِ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ شَهْرٍ فَإِنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ وَالشَّرْطَ بَاطِلٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا نَحْنُ

(وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِحْدَاهُمَا لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا صَحَّ نِكَاحُ الَّتِي يَحِلُّ نِكَاحُهَا وَبَطَلَ نِكَاحُ الْأُخْرَى) لِأَنَّ الْمُبْطِلَ فِي إحْدَاهُمَا، بِخِلَافِ مَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَقَبُولُ الْعَقْدِ فِي الْحُرِّ شَرْطٌ فِيهِ، ثَمَّ جَمِيعُ الْمُسَمَّى لِلَّتِي يَحِلُّ نِكَاحُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعِنْدَهُمَا يُقْسَمُ عَلَى مَهْرِ مِثْلَيْهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَاطِعٌ لِلنِّكَاحِ فَاشْتِرَاطُهُ بَعْدَ شَهْرٍ لِيَنْقَطِعَ بِهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُودِ الْعَقْدِ مُؤَبَّدًا، وَلِهَذَا لَوْ مَضَى الشَّهْرُ لَمْ يَبْطُلْ النِّكَاحُ فَكَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا وَالشَّرْطُ بَاطِلًا. وَأَمَّا صُورَةُ النِّزَاعِ فَالشَّرْطُ إنَّمَا هُوَ فِي النِّكَاحِ لَا فِي قَاطِعِهِ، وَلِهَذَا لَوْ صَحَّ التَّوْقِيتُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ عَقْدٌ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ. قَالَ (وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ الْأَصْلِ أَيْ مِنْ الْمَبْسُوطِ وَصُورَتُهَا ظَاهِرَةٌ، وَمَسْأَلَةُ الْبَيْعِ تَأْتِي فِي الْبُيُوعِ. وَقَوْلُهُ (وَعِنْدَهُمَا يُقْسَمُ عَلَى مَهْرِ مِثْلَيْهِمَا) يَعْنِي إذَا كَانَ الْمُسَمَّى أَلْفًا مَثَلًا يُنْظَرُ إلَى مَهْرِ مِثْلِهِمَا وَيُقْسَمُ الْمُسَمَّى عَلَيْهِمَا. فَمَا أَصَابَ حِصَّةَ الَّتِي لَا تَحِلُّ يَسْقُطُ عَنْ الزَّوْجِ، وَمَا أَصَابَ حِصَّةَ الْأُخْرَى يَثْبُتُ عَلَيْهِ. لَهُمَا أَنَّهُ قَابِلُ الْمُسَمَّى بِالْبُضْعَيْنِ وَكُلُّ مَا كَانَ مُقَابِلًا بِشَيْئَيْنِ فَإِنَّمَا يَلْزَمُ إذَا سُلِّمَا لِمَنْ قَابَلَ وَلَمْ يُسَلِّمْ هَاهُنَا إلَّا أَحَدُهُمَا فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا حِصَّتُهُ كَمَا لَوْ خَاطَبَ امْرَأَتَيْنِ بِالنِّكَاحِ عَلَى أَلْفٍ فَأَجَابَتْ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ ضَمَّ مَا لَا يَحِلُّ إلَى مَا يَحِلُّ فِي النِّكَاحِ كَضَمِّ الْجِدَارِ إلَى الْمَرْأَةِ فِيهِ فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلنِّكَاحِ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ وَسَمَّى كَانَ الْمُسَمَّى كُلُّهُ لِلْمَرْأَةِ، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا لِمَنْ تَحِلُّ، بِخِلَافِ مَا إذَا خَاطَبَهُمَا بِالنِّكَاحِ لِأَنَّهُمَا قَدْ اسْتَوَيَا فِي الْإِيجَابِ، حَتَّى لَوْ أَجَابَتَا صَحَّ نِكَاحُهُمَا جَمِيعًا فَيَثْبُتُ انْقِسَامُ الْبَدَلِ بِالْمُسَاوَاةِ فِي الْإِيجَابِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا لَمْ تَكُنْ مَحَلًّا لِلنِّكَاحِ أَصْلًا وَلَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ الْعَقْدِ وَجَبَ أَنْ يُحَدَّ إنْ دَخَلَ بِهَا وَلَا يُحَدُّ عِنْدَهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ عَدَمَ الْحَدِّ بِاعْتِبَارِ

وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْأَصْلِ. (وَمَنْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ امْرَأَةٌ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَأَقَامَتْ بَيِّنَةً فَجَعَلَهَا الْقَاضِي امْرَأَتَهُ وَلَمْ يَكُنْ تَزَوَّجَهَا وَسِعَهَا الْمُقَامُ مَعَهُ وَأَنْ تَدَعَهُ يُجَامِعُهَا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا، وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَطَأَهَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَخْطَأَ الْحُجَّةَ إذْ الشُّهُودُ كَذَبَةٌ فَصَارَ كَمَا إذَا ظَهَرَ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQظَاهِرِ صُورَةِ الْعَقْدِ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ امْرَأَةٌ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَهِيَ مُلَقَّبَةٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الزُّورِ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَنْفُذُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. وَمَعْنَى نُفُوذِهِ ظَاهِرًا نُفُوذُهُ فِيمَا بَيْنَنَا بِثُبُوتِ التَّمْكِينِ وَالنَّفَقَةِ وَالْقَسْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمَعْنَى نُفُوذِهِ بَاطِنًا ثُبُوتُ الْحِلِّ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. وَأَمَّا فِي الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ وَالْمِيرَاثِ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا بِالْإِجْمَاعِ. وَأَمَّا فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ؛ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ أَلْحَقَهَا بِالْأَشْرِبَةِ وَالْأَنْكِحَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَفِي أُخْرَى أَلْحَقَهَا بِالْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ مِنْ تَحْرِيرِ الْمَذَاهِبِ وَاضِحٌ. قَالُوا (الْقَاضِي أَخْطَأَ الْحُجَّةَ إذْ الشُّهُودُ كَذَبَةٌ)

أَوْ كُفَّارٌ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشُّهُودَ صَدَقَةٌ عِنْدَهُ وَهُوَ الْحُجَّةُ لِتَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَى حَقِيقَةِ الصِّدْقِ، بِخِلَافِ الْكُفْرِ وَالرِّقِّ لِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَيْهِمَا مُتَيَسِّرٌ، وَإِذَا ابْتَنَى الْقَضَاءُ عَلَى الْحُجَّةِ وَأَمْكَنَ تَنْفِيذُهُ بَاطِنًا بِتَقْدِيمِ النِّكَاحِ نَفَذَ قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْخَطَأُ فِي الْحُجَّةِ يَمْنَعُ مِنْ النُّفُوذِ بَاطِنًا كَمَا إذَا ظَهَرَ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ أَوْ كُفَّارٌ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشُّهُودَ صَدَقَةٌ عِنْدَ الْقَاضِي) لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا يَجْرَحُهُمْ وَمِثْلُ هَذِهِ الشُّهُودِ هُوَ الْحُجَّةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الشَّرْعِ (لِتَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَى الصِّدْقِ حَقِيقَةً) لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ بَاطِنِيٌّ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ، فَلَوْ اُشْتُرِطَ ذَلِكَ لِلْقَضَاءِ لَمَا أَمْكَنَ الْقَضَاءُ أَصْلًا، وَإِذَا وُجِدَتْ الْحُجَّةُ الشَّرْعِيَّةُ نَفَذَ الْحُكْمُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا (بِخِلَافِ الْكُفْرِ وَالرِّقِّ لِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَيْهِمَا مُتَيَسِّرٌ) بِالْأَمَارَاتِ. فَإِنْ قِيلَ: الْقَضَاءُ إظْهَارُ مَا كَانَ ثَابِتًا لَا إثْبَاتُ مَا لَمْ يَكُنْ وَالنِّكَاحُ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فَكَيْفَ يَنْفُذُ الْقَضَاءُ بَاطِنًا؟ أَشَارَ إلَى الْجَوَابِ بِقَوْلِهِ (بِتَقْدِيمِ النِّكَاحِ) يَعْنِي تَقْدِيمَ النِّكَاحِ عَلَى الْقَضَاءِ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْكَحْتُك إيَّاهُ وَحَكَمْت بَيْنَكُمَا بِذَلِكَ (قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ) فَيَحِلُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا لِئَلَّا تُنَازِعَهُ طَلَبَ الْوَطْءِ ثَانِيًا. وَسَأَلَنِي بَعْضُ أَذْكِيَاءِ الْمَغَارِبَةِ حِينَ قَدِمَ مِصْرَ حَاجًّا سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةِ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ طَاعِنًا فِي الْمَذْهَبِ. فَأَجَبْته بِقَوْلِهِمْ هَذَا قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ، فَقَالَ: قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي الْوَطْءِ فَيُطَلِّقُهَا فَإِنَّهُ مُخَلِّصٌ عَنْ الْمُنَازَعَةِ مَعَ الْبَرَاءَةِ عَنْ عُهْدَةِ وَطْءٍ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَسْبِقْهُ مُحَلِّلٌ، فَقُلْت: تَعْنِي بِالطَّلَاقِ طَلَاقًا مَشْرُوعًا أَوْ غَيْرَ مَشْرُوعٍ، لَا سَبِيلَ إلَى الثَّانِي لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِمَا لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ وَهُوَ يَقْتَضِي النِّكَاحَ لَا مَحَالَةَ، وَإِمَامُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلِيٌّ. فَإِنَّهُ رَوَى أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحًا بَيْنَ يَدَيْ عَلِيٍّ وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ فَقَضَى بِالنِّكَاحِ بَيْنَهُمَا فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: إنْ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَزَوِّجْنِي مِنْهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: شَاهِدَاك زَوَّجَاك. وَلَوْ لَمْ يَنْعَقِدْ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا بِقَضَائِهِ لَمَا امْتَنَعَ مِنْ الْعَقْدِ عِنْدَ طَلَبِهَا وَرَغْبَةِ الزَّوْجِ فِيهَا، وَقَدْ كَانَ فِي ذَلِكَ تَحْصِينُهَا مِنْ الزِّنَا وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ قَضَاءً بِشَهَادَةِ الزُّورِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ إذَا جُعِلَ قَضَاؤُهُ بِمَنْزِلَةِ إنْشَاءِ الْعَقْدِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يُشْتَرَطَ حُضُورُ الشُّهُودِ عِنْدَ قَوْلِهِ قَضَيْت عَمَلًا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ» . أُجِيبَ بِأَنَّ بَعْضَ مَشَايِخِنَا ذَهَبُوا إلَى ذَلِكَ وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَآخَرُونَ مِنْهُمْ قَالُوا: إنْشَاءُ النِّكَاحِ لَا يُثْبِتُ مَقْصُودًا وَإِنَّمَا يُثْبِتُ مُقْتَضَى صِحَّةِ قَضَائِهِ فِي الْبَاطِنِ وَالْمُقْتَضَى لَا تُرَاعَى شَرَائِطُهُ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا لَوْ كَانَ مَقْصُودًا كَمَا فِي قَوْلِهِ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ سُقُوطِ الْإِيجَابِ

[باب الأولياء والأكفاء]

بِخِلَافِ الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ لِأَنَّ فِي الْأَسْبَابِ تَزَاحُمًا فَلَا إمْكَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْقَبُولِ. وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ) أَيْ الْمُطْلَقَةِ عَنْ إثْبَاتِ سَبَبِ الْمِلْكِ بِأَنْ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا فِي الْجَارِيَةِ أَوْ الطَّعَامِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ بِشِرَاءٍ أَوْ أَوْ إرْثٍ حَيْثُ لَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ إلَّا ظَاهِرًا بِالِاتِّفَاقِ حَتَّى لَا يَحِلُّ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ وَطْؤُهَا (لِأَنَّ فِي الْأَسْبَابِ تَزَاحُمًا) فَلَا يُمْكِنُ تَنْفِيذُهُ. بَيَانُهُ أَنَّ فِي الْأَسْبَابِ كَثْرَةً وَلَا يُمْكِنُ الْقَاضِيَ تَعْيِينُ شَيْءٍ مِنْهَا بِدُونِ الْحُجَّةِ فَلَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِالْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ وَإِنَّمَا هُوَ مُخَاطَبٌ بِقَصْرِ يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْمُدَّعِي وَذَلِكَ نَافِذٌ مِنْهُ ظَاهِرًا، فَأَمَّا أَنْ يَنْفُذَ بَاطِنًا بِمَنْزِلَةِ إنْشَاءٍ جَدِيدٍ فَلَيْسَ بِقَادِرٍ عَلَيْهِ بِلَا سَبَبٍ شَرْعِيٍّ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّ طَرِيقَهُ مُتَعَيِّنٌ فِي الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا فَيُمْكِنُهُ إثْبَاتُهُ وَتَنْفِيذُهُ. [بَابُ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ] أَخَّرَ بَيَانَ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ عَنْ بَيَانِ الْمُحَرَّمَاتِ وَإِنْ كَانَا شَرْطَيْ النِّكَاحِ لِأَنَّ حِلَّ مَحَلِّ النِّكَاحِ شَرْطُ جَوَازِهِ بِالِاتِّفَاقِ، بِخِلَافِ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ وَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ، وَتَحْرِيرُ الْمَذَاهِبِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَاضِحٌ

وَيَنْعَقِدُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ الْعَاقِلَةِ الْبَالِغَةِ بِرِضَاهَا) وَإِنْ لَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهَا وَلِيٌّ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) رَحِمَهُمَا اللَّهُ (فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِوَلِيٍّ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَنْعَقِدُ وُقُوفًا) وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِعِبَارَةِ النِّسَاءِ أَصْلًا لِأَنَّ النِّكَاحَ يُرَادُ لِمَقَاصِدِهِ وَالتَّفْوِيضُ إلَيْهِنَّ مُخِلٌّ بِهَا، إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: يَرْتَفِعُ الْخَلَلُ بِإِجَازَةِ الْوَلِيِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا وَجْهُ مَنْ لَمْ يُجَوِّزْهُ بِدُونِ الْوَلِيِّ كَأَبِي يُوسُفَ فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فَمَا قَالَ (لِأَنَّ النِّكَاحَ يُرَادُ لِمَقَاصِدِهِ وَالتَّفْوِيضُ إلَيْهِنَّ مُخِلٌّ بِهَا) لِأَنَّهُنَّ سَرِيعَاتُ الِاغْتِرَارِ سَيِّئَاتُ الِاخْتِيَارِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ التَّوَقَانِ. وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا إذَا أَذِنَ لَهَا الْوَلِيُّ كَمَا اخْتَارَهُ مُحَمَّدٌ فَإِنَّ الْخَلَلَ يَنْجَبِرُ بِهِ فَكَانَ الْوَاجِبُ الْجَوَازَ حِينَئِذٍ وَهْم لَا يَقُولُونَ بِهِ. وَأَيْضًا الْمُدَّعِي أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَنْعَقِدُ بِعِبَارَةِ النِّسَاءِ، فَالدَّلِيلُ الْمُطَابِقُ بَيَانُ الْخَلَلِ فِي الْعِبَارَةِ وَالِاعْتِذَارُ بِأَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ تَعْلِيلُ

وَوَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّهَا تَصَرَّفَتْ فِي خَالِصِ حَقِّهَا وَهِيَ مِنْ أَهْلِهِ لِكَوْنِهَا عَاقِلَةً مُمَيِّزَةً وَلِهَذَا كَانَ لَهَا التَّصَرُّفُ فِي الْمَالِ وَلَهَا اخْتِيَارُ الْأَزْوَاجِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ لَا يُفَوَّضَ إلَيْهِنَّ أَمْرُ النِّكَاحِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى أَنْ يَأْذَنَ الْوَلِيُّ أَوْ لَا غَيْرُ دَافِعٍ لِانْتِفَاءِ الْمُطَابَقَةِ. وَأَمَّا وَجْهُ مَنْ جَوَّزَهُ فَهُوَ (أَنَّهَا تَصَرَّفَتْ فِي خَالِصِ حَقِّهَا وَهِيَ مِنْ أَهْلِهِ لِكَوْنِهَا عَاقِلَةً مُمَيِّزَةً، وَلِهَذَا كَانَ لَهَا التَّصَرُّفُ فِي الْمَالِ وَلَهَا اخْتِيَارُ الْأَزْوَاجِ) بِالِاتِّفَاقِ، وَكُلُّ تَصَرُّفٍ هَذَا شَأْنُهُ فَهُوَ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ. فَإِنْ قُلْت: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا تَصَرَّفَتْ فِي خَالِصِ حَقِّهَا بَلْ فِي حَقٍّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْأَوْلِيَاءِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِكُفْءٍ. فِي رِوَايَةٍ. قُلْت: لَا فَرْقَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَلَا يُرَدَّ عَلَيْهِ، وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِخَالِصِ حَقِّهَا مَا كَانَ مِنْ الْمَوْضُوعَاتِ الْأَصْلِيَّةِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى النِّكَاحِ مِنْ تَمْلِيكِ مَنَافِعِ بُضْعِهَا وَاسْتِيجَابِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالسُّكْنَى وَنَحْوِهَا، وَكُلُّ ذَلِكَ خَالِصُ حَقِّهَا فَلَا يُعْتَبَرُ بِالْعَارِضِ مِنْ لُحُوقِ الْعَارِ لِلْأَوْلِيَاءِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا اسْتِدْلَالٌ بِالرَّأْيِ فِي مُقَابَلَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمِثْلُهُ فَاسِدٌ. أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] نُهِيَ الْوَلِيُّ عَنْ الْعَضْلِ وَهُوَ الْمَنْعُ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ الْمَنْعُ إذَا كَانَ الْمَمْنُوعُ فِي يَدِهِ. وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ فِي السُّنَنِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ» فَالْجَوَابُ أَنَّ الْآيَةَ مُشْتَرَكَةُ الْإِلْزَامِ لِأَنَّهُ نَهَاهُمْ عَنْ مَنْعِهِنَّ عَنْ النِّكَاحِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُنَّ يَمْلِكْنَهُ، وَأَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: 234] وَقَوْلُهُ {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]

وَإِنَّمَا يُطَالَبُ الْوَلِيُّ بِالتَّزْوِيجِ كَيْ لَا تُنْسَبَ إلَى الْوَقَاحَةِ، ثُمَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْكُفْءِ وَغَيْرِ الْكُفْءِ وَلَكِنْ لِلْوَلِيِّ الِاعْتِرَاضُ فِي غَيْرِ الْكُفْءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ {أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] يُعَارِضُهَا. وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَسَاقِطُ الِاعْتِبَارِ لِأَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ سَأَلَ الزُّهْرِيَّ عَنْهُ فَلَمْ يَعْرِفْهُ، وَفِي رِوَايَةٍ فَأَنْكَرَهُ، وَلِأَنَّ عَائِشَةَ عَمِلَتْ بِخِلَافِهِ زَوَّجَتْ بِنْتَ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى نَسْخِهِ، وَلِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» وَالْأَيِّمُ اسْمٌ لِامْرَأَةٍ لَا زَوْجَ لَهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَإِذَا كَانَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مُتَعَارِضَيْنِ تَرَكَ الْمُصَنِّفُ الِاسْتِدْلَالَ بِهِمَا لِلْجَانِبَيْنِ وَصَارَ إلَى الْمَعْقُولِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. وَقَوْلُهُ (وَإِنَّمَا يُطَالَبُ الْوَلِيُّ بِالتَّزْوِيجِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إذَا تَصَرَّفَتْ فِي خَالِصِ حَقِّهَا فَلِمَ أُمِرَ الْوَلِيُّ بِالتَّزْوِيجِ إذَا طَالَبَتْهُ، وَأَيُّ حَاجَةٍ لَهَا إلَى طَلَبِ التَّصَرُّفِ مِنْ الْوَلِيِّ فِي خَالِصِ حَقِّهَا. وَوَجْهُهُ أَنَّهَا بِمُبَاشَرَةِ هَذَا التَّصَرُّفِ تُنْسَبُ إلَى الْوَقَاحَةِ فَجُعِلَ التَّصَرُّفُ مِنْ الْوَلِيِّ فِي خَالِصِ حَقِّهَا وَاجِبًا عَلَيْهِ صِيَانَةً لَهَا عَنْ النِّسْبَةِ إلَيْهَا. وَقَوْلُهُ (وَلَكِنْ لِلْوَلِيِّ الِاعْتِرَاضُ فِي غَيْرِ الْكُفْءِ) يَعْنِي إذَا لَمْ تَلِدْ مِنْ الزَّوْجِ. وَأَمَّا إذَا وَلَدَتْ فَلَيْسَ لِلْأَوْلِيَاءِ حَقُّ الْفَسْخِ كَيْ لَا يَضِيعَ الْوَلَدُ عَمَّنْ

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ الْكُفْءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُرَبِّيهِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَلَكِنْ فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ: وَإِذَا زَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَعَلِمَ الْوَلِيُّ بِذَلِكَ فَسَكَتَ حَتَّى وَلَدَتْ أَوْلَادًا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ فِي ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّ السُّكُوتَ إنَّمَا جُعِلَ رِضًا فِي حَقِّ النِّكَاحِ فِي حَقِّ الْبِكْرِ نَصًّا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ، قَالَ: كَذَا كَانَ مَكْتُوبًا بِخَطِّ شَيْخِي. وَقَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ الْكُفْءِ) يَعْنِي لِدَفْعِ ضَرَرِ الْعَارِ عَنْ الْأَوْلِيَاءِ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى

لِأَنَّ كَمْ مِنْ وَاقِعٍ لَا يَرْفَعُ. وَيُرْوَى رُجُوعُ مُحَمَّدٍ إلَى قَوْلِهِمَا (وَلَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ إجْبَارُ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ عَلَى النِّكَاحِ) خِلَافًا لِلشَّافِعَيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. لَهُ الِاعْتِبَارُ بِالصَّغِيرَةِ وَهَذَا لِأَنَّهَا جَاهِلَةٌ بِأَمْرِ النِّكَاحِ لِعَدَمِ التَّجْرِبَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاحْتِيَاطِ، فَلَيْسَ كُلُّ وَلِيٍّ يُحْسِنُ الْمُرَافَعَةَ إلَى الْقَاضِي، وَلَا كُلُّ قَاضٍ يَعْدِلُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ (لِأَنَّ كَمْ مِنْ وَاقِعٍ لَا يَرْفَعُ وَيُرْوَى رُجُوعُ مُحَمَّدٍ إلَى قَوْلِهِمَا) يَعْنِي يَنْعَقِدُ نِكَاحُهَا عِنْدَهُ أَيْضًا بِلَا وَلِيٍّ وَلَا يُوقَفُ عَلَى الْإِجَازَةِ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ إجْبَارُ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ عَلَى النِّكَاحِ) إجْبَارُ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ عَلَى النِّكَاحِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ)

وَلِهَذَا يَقْبِضُ الْأَبُ صَدَاقَهَا بِغَيْرِ أَمْرِهَا. وَلَنَا أَنَّهَا حُرَّةٌ مُخَاطَبَةٌ فَلَا يَكُونُ لِلْغَيْرِ عَلَيْهَا وِلَايَةٌ، وَالْوِلَايَةُ عَلَى الصَّغِيرَةِ لِقُصُورِ عَقْلِهَا وَقَدْ كَمُلَ بِالْبُلُوغِ بِدَلِيلِ تَوَجُّهِ الْخِطَابِ فَصَارَ كَالْغُلَامِ وَكَالتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى. لَهُ أَنَّ الصَّغِيرَةَ إذَا كَانَتْ بِكْرًا تُزَوَّجُ كُرْهًا فَكَذَا الْبَالِغَةُ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا الْجَهَالَةُ بِأَمْرِ النِّكَاحِ لِعَدَمِ التَّجْرِبَةِ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِكَوْنِهَا جَاهِلَةً بِأَمْرِ النِّكَاحِ (يَقْبِضُ الْأَبُ صَدَاقَهَا بِغَيْرِ أَمْرِهَا، وَلَنَا أَنَّهَا حُرَّةٌ مُخَاطَبَةٌ) لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْحُرَّةِ الْبَالِغَةِ وَكُلُّ مَنْ كَانَتْ كَذَلِكَ (لَا يَكُونُ لِلْغَيْرِ عَلَيْهَا وِلَايَةٌ) وَقَوْلُهُ (وَالْوِلَايَةُ عَلَى الصَّغِيرَةِ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِهِ عَلَى الصَّغِيرَةِ بِالْمُفَارَقَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَى الصَّغِيرَةِ إنَّمَا كَانَتْ (لِقُصُورِ عَقْلِهَا)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ لِأَنَّهُ قَدْ كَمُلَ بِالْبُلُوغِ بِدَلِيلِ تَوَجُّهِ الْخِطَابِ فَصَارَ الْإِجْبَارُ عَلَيْهَا كَالْإِجْبَارِ عَلَى الْغُلَامِ، فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا جَازَ لِقُصُورِ الْعَقْلِ، وَإِنْ كَانَ بَالِغًا لَا يَجُوزُ وَصَارَ كَالتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ: أَيْ فِي مَالِ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ

وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْأَبُ قَبْضَ الصَّدَاقِ بِرِضَاهَا دَلَالَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْأَبِ التَّصَرُّفُ فِيهِ. وَقَوْلُهُ. (وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْأَبُ قَبْضَ الصَّدَاقِ بِرِضَاهَا دَلَالَةً) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَلِهَذَا يَقْبِضُ الْأَبُ صَدَاقَهَا. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْبِكْرَ تَسْتَحِي عَنْ قَبْضِ صَدَاقِهَا وَأَنَّ الْأَبَ هُوَ الَّذِي يَقْبِضُ ذَلِكَ

وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ مَعَ نَهْيِهَا. قَالَ (وَإِذَا اسْتَأْذَنَهَا فَسَكَتَتْ أَوْ ضَحِكَتْ فَهُوَ إذْنٌ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا، فَإِنْ سَكَتَتْ فَقَدْ رَضِيَتْ» وَلِأَنَّ جَنْبَةَ الرِّضَا فِيهِ رَاجِحَةٌ، لِأَنَّهَا تَسْتَحْيِي عَنْ إظْهَارِ الرَّغْبَةِ لَا عَنْ الرَّدِّ، وَالضَّحِكُ أَدَلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ السُّكُوتِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَكَتْ لِأَنَّهُ دَلِيلُ السُّخْطِ وَالْكَرَاهَةِ. وَقِيلَ إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلِيُجَهِّزَهَا بِذَلِكَ مَعَ مَالِ نَفْسِهِ لِيَبْعَثَ بِهَا إلَى زَوْجِهَا فَكَانَ ذَلِكَ إذْنًا دَلَالَةً (وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ مَعَ نَهْيِهَا) لِأَنَّ الدَّلَالَةَ تَبْطُلُ بِصَرِيحٍ يُخَالِفُهَا. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا اسْتَأْذَنَهَا الْوَلِيُّ فَسَكَتَتْ أَوْ ضَحِكَتْ) ظَاهِرٌ.

ضَحِكَتْ كَالْمُسْتَهْزِئَةِ بِمَا سَمِعَتْ لَا يَكُونُ رِضًا، وَإِذَا بَكَتْ بِلَا صَوْتٍ لَمْ يَكُنْ رَدًّا. قَالَ (وَإِنْ فَعَلَ هَذَا غَيْرُ وَلِيٍّ) يَعْنِي اسْتَأْمَرَ غَيْرُ الْوَلِيِّ (أَوْ وَلِيٌّ غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ) (لَمْ يَكُنْ رِضًا حَتَّى تَتَكَلَّمَ بِهِ) لِأَنَّ هَذَا السُّكُوتَ لِقِلَّةِ الِالْتِفَاتِ إلَى كَلَامِهِ فَلَمْ يَقَعْ دَلَالَةً عَلَى الرِّضَا، وَلَوْ وَقَعَ فَهُوَ مُحْتَمَلٌ، وَالِاكْتِفَاءُ بِمِثْلِهِ لِلْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ فِي حَقِّ غَيْرِ الْأَوْلِيَاءِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُسْتَأْمَرُ رَسُولَ الْوَلِيِّ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ، وَيُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِئْمَارِ تَسْمِيَةُ الزَّوْجِ عَلَى وَجْهٍ تَقَعُ بِهِ الْمَعْرِفَةُ لِتَظْهَرَ رَغْبَتُهَا فِيهِ مِنْ رَغْبَتِهَا عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَإِنْ فَعَلَ هَذَا) يَعْنِي الِاسْتِئْمَارَ وَالِاسْتِئْذَانَ (غَيْرُ وَلِيٍّ) وَهُوَ الْأَجَانِبُ أَوْ قَرِيبٌ لَيْسَ بِوَلِيٍّ بِأَنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا (أَوْ وَلِيُّ غَيْرِهِ أَوْلَى مِنْهُ) كَاسْتِئْذَانِ الْأَخِ مَعَ وُجُودِ الْأَبِ (لَا يَكُونُ رِضًا حَتَّى تَتَكَلَّمَ بِهِ لِأَنَّ هَذَا السُّكُوتَ لِقِلَّةِ الِالْتِفَاتِ إلَى كَلَامِهِ فَلَمْ يَقَعْ دَلَالَةً عَلَى الرِّضَا) وَقَوْلُهُ (وَلَوْ وَقَعَ) أَيْ السُّكُوتُ دَلِيلًا (فَهُوَ) دَلِيلٌ (مُحْتَمَلٌ) يَحْتَمِلُ الْإِذْنَ وَالرَّدَّ (وَالِاكْتِفَاءُ بِمِثْلِهِ) فِي الدَّلَالَةِ (لِلْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ فِي حَقِّ غَيْرِ الْأَوْلِيَاءِ) لِأَنَّهُ فُضُولِيٌّ، أَوْ فِي حَقِّ وَلِيِّ غَيْرِهِ أَحَقُّ لِعَدَمِ الِالْتِفَاتِ إلَى كَلَامِهِ (بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُسْتَأْمِرُ رَسُولَ الْوَلِيِّ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ) وَقَوْلُهُ (وَيُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِئْمَارِ تَسْمِيَةُ الزَّوْجِ) يَعْنِي إذَا اسْتَأْمَرَ فَلَا بُدَّ أَنْ يُسَمَّى الزَّوْجُ عَلَى وَجْهٍ تَعْرِفُهُ، أَمَّا إذَا أَبْهَمَ وَقَالَ إنِّي أُزَوِّجُك رَجُلًا فَسَكَتَتْ لَا يَكُونُ السُّكُوتُ رِضًا.

(وَلَا تُشْتَرَطُ تَسْمِيَةُ الْمَهْرِ هُوَ الصَّحِيحُ) لِأَنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ بِدُونِهِ، وَلَوْ زَوَّجَهَا فَبَلَغَهَا الْخَبَرُ فَسَكَتَتْ فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يُشْتَرَطُ تَسْمِيَةُ الْمَهْرِ هُوَ الصَّحِيحُ) وَقَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ فِي الِاسْتِئْمَارِ لِأَنَّ رَغْبَتَهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الصَّدَاقِ فِي الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ. وَجْهُ الصَّحِيحِ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ لِلنِّكَاحِ صِحَّةً بِدُونِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ (وَلَوْ زَوَّجَهَا فَبَلَغَهَا الْخَبَرُ فَسَكَتَتْ فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا) مِنْ كَوْنِهِ رِضًا. وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ يَقُولُ: إذَا اسْتَأْمَرَهَا قَبْلَ الْعَقْدِ فَسَكَتَتْ فَهُوَ رِضًا مِنْهَا بِالنَّصِّ، فَأَمَّا إذَا بَلَغَهَا الْعَقْدُ فَسَكَتَتْ فَلَا يَتِمُّ الْعَقْدُ لِأَنَّ الْحَاجَةَ هَاهُنَا إلَى الْإِجَازَةِ، وَالسُّكُوتُ لَا يَكُونُ إجَازَةً لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَإِنَّ السُّكُوتَ عِنْدَ الِاسْتِئْمَارِ لَا يَكُونُ مُلْزِمًا لِتَمَكُّنِهَا أَنْ تَرْجِعَ قَبْلَ الْعَقْدِ وَحِينَ بَلَغَهَا الْخَبَرُ يَكُونُ مُلْزِمًا فَلَا يُمْكِنُهَا الرُّجُوعُ فَلَا يَلْزَمُ النِّكَاحُ بِمُجَرَّدِ السُّكُوتِ، لَكِنَّا نَقُولُ هَذَا فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ لِأَنَّ لَهَا عِنْدَ الِاسْتِئْمَارِ جَوَابَيْنِ: لَا، وَنَعَمْ. فَيَكُونُ سُكُوتُهَا دَلِيلًا عَلَى الْجَوَابِ الَّذِي يَحُولُ الْحَيَاءُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ وَهُوَ نَعَمْ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ الرَّغْبَةِ فِي الرِّجَالِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِيمَا إذَا بَلَغَهَا الْعَقْدُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ لِأَنَّ وَجْهَ الدَّلَالَةِ فِي السُّكُوتِ لَا يَخْتَلِفُ.

لِأَنَّ وَجْهَ الدَّلَالَةِ فِي السُّكُوتِ لَا يَخْتَلِفُ، ثُمَّ الْمُخْبِرُ إنْ كَانَ فُضُولِيًّا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (ثُمَّ الْمُخْبِرُ إنْ كَانَ فُضُولِيًّا) اعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ الْخَبَرِ إذَا كَانَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: مَا فِيهِ إلْزَامٌ مَحْضٌ كَالْبُيُوعِ وَالْأَشْرِبَةِ وَالْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ وَنَحْوِهَا، وَمَا لَيْسَ فِيهِ إلْزَامٌ أَصْلًا كَالْوَكَالَاتِ وَالْمُضَارَبَاتِ وَالرِّسَالَةِ فِي الْهَدَايَا وَالْإِذْنِ فِي التِّجَارَاتِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَمَا فِيهِ إلْزَامٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ كَاَلَّتِي نَحْنُ فِيهَا وَأَخَوَاتِهَا كَعَزْلِ الْوَكِيلِ وَحَجْرِ الْمَأْذُونِ وَإِخْبَارِ الْمَوْلَى بِجِنَايَةِ عَبْدِهِ وَنَحْوِهَا. فَالْأَوَّلُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَقْلُ وَالْعَدَالَةُ وَالضَّبْطُ وَالْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ مَعَ الْعَدَدِ وَلَفْظُ الشَّهَادَةِ. وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّمْيِيزُ دُونَ الْعَدَالَةِ. وَالثَّالِثُ إنْ كَانَ الْمُبَلِّغُ رَسُولًا أَوْ وَكِيلًا لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ الْعَدَالَةُ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ غَيْرِهِ، فَلَوْ أَخْبَرَ الْغَيْرُ بِنَفْسِهِ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ الْعَدَالَةُ فَكَذَا هَاهُنَا بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ فُضُولِيًّا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَحَدُ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ: إمَّا الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا هُوَ نَظِيرُ الْقِسْمِ الثَّانِي

خِلَافًا لَهُمَا، وَلَوْ كَانَ رَسُولًا لَا يُشْتَرَطُ إجْمَاعًا وَلَهُ نَظَائِرُ (وَلَوْ اسْتَأْذَنَ الثَّيِّبَ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهَا بِالْقَوْلِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الثَّيِّبُ تُشَاوَرُ» وَلِأَنَّ النُّطْقَ لَا يُعَدُّ عَيْبًا مِنْهَا وَقَلَّ الْحَيَاءُ بِالْمُمَارَسَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي اشْتِرَاطِ أَنْ يَكُونَ الْمُخْبِرُ مُمَيِّزًا سَوَاءٌ كَانَ عَدْلًا أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَمَوْضِعُ ذَلِكَ أُصُولُ الْفِقْهِ. (وَلَوْ اسْتَأْذَنَ الثَّيِّبَ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهَا بِالْقَوْلِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الثَّيِّبُ تُشَاوَرُ» ) وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ الْمُشَاوَرَةَ مِنْ بَابِ الْمُفَاعَلَةِ وَهِيَ تَقْتَضِي الْفِعْلَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَقَدْ وُجِدَ النُّطْقُ مِنْ الْوَلِيِّ بِالسُّؤَالِ فَلَا بُدَّ مِنْ النُّطْقِ مِنْهَا فِي الْجَوَابِ. وَقِيلَ الْمُشَاوَرَةُ عِبَارَةٌ عَنْ طَلَبِ الرَّأْيِ بِالْإِشَارَةِ إلَى الصَّوَابِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالنُّطْقِ (وَلِأَنَّ النُّطْقَ) فِي النِّكَاحِ مِنْ الثَّيِّبِ (لَا يُعَدُّ عَيْبًا) وَإِذَا لَمْ يُعَدَّ عَيْبًا لَمْ يَكُنْ بِمَعْنَى النُّطْقِ فِي الْبِكْرِ لِأَنَّهُ يُعَدُّ مِنْهَا عَيْبًا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَاهُ لَا يُلْحَقُ بِهِ، وَلِأَنَّ السُّكُوتَ صَارَ رِضًا لِتَوَفُّرِ الْحَيَاءِ، فَإِنَّ عَائِشَةَ لَمَّا أَخْبَرَتْ أَنَّ الْبِكْرَ تَسْتَحِي قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سُكُوتُهَا

فَلَا مَانِعَ مِنْ النُّطْقِ فِي حَقِّهَا (وَإِذَا زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِوَثْبَةٍ أَوْ حَيْضَةٍ أَوْ جِرَاحَةٍ أَوْ تَعْنِيسٍ فَهِيَ فِي حُكْمِ الْأَبْكَارِ) لِأَنَّهَا بِكْرٌ حَقِيقَةً لِأَنَّ مُصِيبَهَا أَوَّلُ مُصِيبٍ لَهَا وَمِنْهُ الْبَاكُورَةُ وَالْبُكْرَةُ وَلِأَنَّهَا تَسْتَحْيِي لِعَدَمِ الْمُمَارَسَةِ (وَلَوْ زَالَتْ) بَكَارَتُهَا (بِزِنًا فَهِيَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا لِأَنَّهَا ثَيِّبٌ حَقِيقَةً لِأَنَّ مُصِيبَهَا عَائِدٌ إلَيْهَا وَمِنْهُ الْمَثُوبَةُ وَالْمَثَابَةُ وَالتَّثْوِيبُ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّاسَ عَرَفُوهَا بِكْرًا ـــــــــــــــــــــــــــــQرِضَاهَا» وَالْحَيَاءُ فِي الثَّيِّبِ غَيْرُ مُتَوَفِّرٍ لِقِلَّتِهِ بِالْمُمَارَسَةِ (فَلَا مَانِعَ مِنْ النُّطْقِ فِي حَقِّهَا) . (وَإِذَا زَالَتْ الْبَكَارَةُ بِوَثْبَةٍ) وَهُوَ الْوُثُوبُ مِنْ فَوْقٍ (أَوْ حَيْضَةٍ أَوْ جِرَاحَةٍ أَوْ تَعْنِيسٍ) عَنَسَتْ الْجَارِيَةُ وَعَنِسَتْ عُنُوسًا: إذَا جَاوَزَتْ وَقْتَ التَّزْوِيجِ فَلَمْ تَتَزَوَّجْ (فَهِيَ فِي حُكْمِ الْأَبْكَارِ) فِي كَوْنِ إذْنِهَا سُكُوتَهَا (لِأَنَّهَا بِكْرٌ) إذْ الْبِكْرُ هِيَ الَّتِي يَكُونُ مُصِيبُهَا أَوَّلَ مُصِيبٍ، وَهَذِهِ كَذَلِكَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْبَاكُورَةِ وَهِيَ أَوَّلُ الثِّمَارِ وَمِنْ الْبُكْرَةِ وَهِيَ أَوَّلُ النَّهَارِ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا تَمَكَّنَ مِنْ الرَّدِّ مَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ فَوَجَدَهَا زَائِلَةَ الْبَكَارَةِ بِالْوَثْبَةِ لِأَنَّهَا بِكْرٌ حَقِيقَةً عَلَى مَا قُلْتُمْ لَكِنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الرَّدَّ بِاعْتِبَارِ فَوَاتِ وَصْفٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ وَهُوَ الْعُذْرَةُ لَا لِكَوْنِهَا غَيْرَ بِكْرٍ، وَلِأَنَّ النُّطْقَ سَقَطَ لِلْحَيَاءِ وَهُوَ مَوْجُودٌ هَاهُنَا (لِأَنَّهَا تَسْتَحِي لِعَدَمِ الْمُمَارَسَةِ، وَلَوْ زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِزِنًا فَهِيَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا لِأَنَّهَا ثَيِّبٌ حَقِيقَةً) إذْ الثَّيِّبُ مَنْ يَكُونُ مُصِيبُهَا عَائِدًا إلَيْهَا مُشْتَقٌّ مِنْ الْمَثُوبَةِ وَهِيَ الثَّوَابُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهَا لِأَنَّهَا مَرْجُوعٌ إلَيْهَا فِي الْعَاقِبَةِ، وَمِنْ الْمَثَابَةِ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُثَابُ: أَيْ يُرْجَعُ إلَيْهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَمِنْ التَّثْوِيبِ: وَهُوَ الدُّعَاءُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَإِذَا كَانَتْ ثَيِّبًا فَلَا يُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّاسَ عَرَفُوهَا بِكْرًا) وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ السُّكُوتَ رِضًا بِعِلَّةِ الْحَيَاءِ عَلَى مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ. وَإِذَا وُجِدَتْ الْعِلَّةُ يَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ عَلَيْهَا، وَهَاهُنَا قَدْ وُجِدَتْ لِمَا بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ إنَّ النَّاسَ عَرَفُوهَا بِكْرًا

فَيُعَيِّبُونَهَا بِالنُّطْقِ فَتَمْتَنِعُ عَنْهُ فَيُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا كَيْ لَا تَتَعَطَّلَ عَلَيْهَا مَصَالِحُهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَظْهَرَهُ حَيْثُ عَلَّقَ بِهِ أَحْكَامًا، أَمَّا الزِّنَا فَقَدْ نُدِبَ إلَى سَتْرِهِ، حَتَّى لَوْ اُشْتُهِرَ حَالُهَا لَا يُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيُعَيِّرُونَهَا) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَيَعِيبُونَهَا (بِالنُّطْقِ) فَتَسْتَحِي (فَتَمْتَنِعُ) مِنْ النُّطْقِ وَكَانَتْ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةً (فَيُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا كَيْ لَا تَتَعَطَّلَ عَلَيْهَا مَصَالِحُهَا) وَإِذَا ظَهَرَ هَذَا سَقَطَ مَا قِيلَ هَذَا تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الثَّيِّبُ تُشَاوَرُ» وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ هَذَا عَمَلٌ بِعِلَّةٍ مَنْصُوصٍ عَلَيْهَا لَا تَعْلِيلَ فِي مُقَابَلَتِهِ. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَدْمَ عَمَلٍ بِعِلَّةٍ مَنْصُوصٍ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهَا حَيَاءٌ يَكُونُ مِنْ كَرَمِ الطَّبِيعَةِ وَذَلِكَ أَمْرٌ مَحْمُودٌ، وَهَذَا الْحَيَاءُ حَيَاءُ مَعْصِيَةٍ فَلَيْسَ مِنْ أَفْرَادِهِ حَتَّى يَدْخُلَ تَحْتَ النَّصِّ. أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا الْحَيَاءَ أَشَدُّ لِأَنَّ فِي الِاسْتِنْطَاقِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا ثَيِّبٌ ظُهُورُ فَاحِشَتِهَا فَكَانَ كَالضَّرْبِ مِنْ التَّأْفِيفِ فَيُلْحَقُ بِهِ. قَوْلُهُ (بِخِلَافِ مَا إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ فَيُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا: يَعْنِي أَنَّ مَنْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ (أَوْ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ) لَا يَكُونُ إذْنُهَا سُكُوتَهَا لِعَدَمِ الْحَيَاءِ ثَمَّةَ (لِأَنَّ الشَّرْعَ أَظْهَرَهُ حَيْثُ عَلَّقَ بِهِ أَحْكَامًا) مِنْ لُزُومِ الْعِدَّةِ وَالْمَهْرِ وَإِثْبَاتِ النَّسَبِ (أَمَّا الزِّنَا فَقَدْ نُدِبَ إلَى سَتْرِهِ حَتَّى لَوْ اشْتَهَرَ حَالُهَا) بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهَا أَوْ لِصَيْرُورَتِهِ عَادَةً (لَا يُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا) فَإِنْ قِيلَ: يَجِبُ أَنْ يُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ

(وَإِذَا قَالَ الزَّوْجُ بَلَغَك النِّكَاحُ فَسَكَتَتْ وَقَالَتْ رَدَدْتُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا) وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ السُّكُوتَ أَصْلٌ وَالرَّدَّ عَارِضٌ، فَصَارَ كَالْمَشْرُوطِ لَهُ الْخِيَارُ إذَا ادَّعَى الرَّدَّ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّهُ يَدَّعِي لُزُومَ الْعَقْدِ وَتَمَلُّكَ الْبُضْعِ وَالْمَرْأَةُ تَدْفَعُهُ فَكَانَتْ مُنْكِرَةً، كَالْمُودِعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْخِيَارِ لِأَنَّ اللُّزُومَ قَدْ ظَهَرَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَإِنْ أَقَامَ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ عَلَى سُكُوتِهَا ثَبَتَ النِّكَاحُ لِأَنَّهُ نَوَّرَ دَعْوَاهُ بِالْحُجَّةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْضًا لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ اسْمِ الْبِكْرِ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ» أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَهُوَ ضَعِيفٌ بَعِيدٌ فَإِنَّ فِي الْمَوْطُوءَةِ بِالشُّبْهَةِ وَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ هَذَا مَوْجُودٌ أَيْضًا، وَلَا يُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا بِالْإِجْمَاعِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ بَقَاءُ صِفَةِ الْحَيَاءِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ السُّكُوتَ أَصْلٌ وَالرَّدُّ عَارِضٌ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ السُّكُوتَ عَدَمُ الْكَلَامِ، وَلَا شَكَّ فِي تَقَدُّمِهِ عَلَى عُرُوضِ الْكَلَامِ (فَصَارَ كَالْمَشْرُوطِ لَهُ الْخِيَارُ إذَا ادَّعَى الرَّدَّ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ) فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ بَلْ الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي لُزُومَ الْعَقْدِ بِالسُّكُوتِ بِالْإِجْمَاعِ، لِأَنَّ السُّكُوتَ أَصْلٌ وَالرَّدَّ عَارِضٌ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يَدَّعِي السُّكُوتَ. وَقَوْلُهُ (وَنَحْنُ نَقُولُ) ظَاهِرٌ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْإِنْكَارُ الْمَعْنَوِيُّ وَزُفَرُ يَعْتَبِرُ الْإِنْكَارَ الصُّورِيَّ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ زُفَرَ. وَوَجْهُهُ أَنْ يُجْعَلَ الْقَوْلُ لِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ وَاللُّزُومُ قَدْ ظَهَرَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ فَلِهَذَا كَانَ الْقَوْلُ لِلسَّاكِتِ (وَإِنْ أَقَامَ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ عَلَى السُّكُوتِ ثَبَتَ النِّكَاحُ) فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ شَهَادَةٌ قَامَتْ عَلَى النَّفْيِ لِمَا ذَكَرْتُمْ أَنَّ السُّكُوتَ عَدَمُ الْكَلَامِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ.

وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهِيَ مَسْأَلَةُ الِاسْتِحْلَافِ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ، وَسَتَأْتِيك ـــــــــــــــــــــــــــــQأُجِيبَ بِأَنَّهَا مَقْبُولَةٌ إذَا كَانَ عِلْمُ الشَّاهِدِ مُحِيطًا بِهِ كَمَا إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ قَالَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ وَلَمْ يَقُلْ قَوْلَ النَّصَارَى وَقَالَ الرَّجُلُ بَلْ قُلْته فَأَقَامَتْ بَيِّنَةً أَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ يُقْبَلُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يُحِيطُ بِهِ عِلْمُ الشَّاهِدِ لِمَا أَنَّهُ لَوْ قَالَهُ لَسَمِعَهُ الشُّهُودُ وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ. قَالَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ: بَيِّنَتُهَا أَوْلَى لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الرَّدَّ وَهُوَ يُثْبِتُ عَدَمًا وَهُوَ السُّكُوتُ، حَتَّى لَوْ أَقَامَهَا عَلَى أَنَّهَا أَجَازَتْ أَوْ رَضِيَتْ حِينَ عَلِمَتْ حَتَّى اسْتَوَتَا فِي الْإِثْبَاتِ تَرَجَّحَتْ بَيِّنَتُهُ لِإِثْبَاتِهِ اللُّزُومَ (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهِيَ مَسْأَلَةُ الِاسْتِحْلَافِ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ، وَسَتَأْتِيك

فِي الدَّعْوَى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَيَجُوزُ نِكَاحُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ إذَا زَوَّجَهُمَا الْوَلِيُّ بِكْرًا كَانَتْ الصَّغِيرَةُ أَوْ ثَيِّبًا وَالْوَلِيُّ هُوَ الْعَصَبَةُ) وَمَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُخَالِفُنَا فِي غَيْرِ الْأَبِ، وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَفِي الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ أَيْضًا. وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَى الْحُرَّةِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ هُنَا لِانْعِدَامِ الشَّهْوَةِ، إلَّا أَنَّ وِلَايَةَ الْأَبِ ثَبَتَتْ نَصًّا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ وَالْجَدُّ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الدَّعْوَى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) . قَالَ (وَيَجُوزُ نِكَاحُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ) يَجُوزُ نِكَاحُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ (إذَا زَوَّجَهُمَا الْوَلِيُّ بِكْرًا كَانَتْ الصَّغِيرَةُ أَوْ ثَيِّبًا وَالْوَلِيُّ هُوَ الْعَصَبَةُ) عَلَى تَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ فِي الْإِرْثِ، وَقَالَ مَالِكٌ: وَلِيُّهُمَا الْأَبُ لَيْسَ إلَّا، حَتَّى لَوْ زَوَّجَهُمَا الْجَدُّ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ لَا يَجُوزُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلِيُّهُمَا الْأَبُ وَالْجَدُّ لَا غَيْرُ إذَا كَانَتْ الصَّغِيرَةُ بِكْرًا، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَلَا وِلَايَةَ عَلَيْهَا، حَتَّى لَوْ زَوَّجَهَا الْأَخُ أَوْ الْعَمُّ، أَوْ زَوَّجَ الثَّيِّبَ الصَّغِيرَةَ الْأَبُ أَوْ الْجَدُّ كَرْهًا لَا يَنْفُذُ النِّكَاحُ (وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَى الْحُرَّةِ) مَعَ قِيَامِ الْمُنَافِي (بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ) فِي الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ فَلَا وِلَايَةَ عَلَيْهِمَا (غَيْرَ أَنَّ وِلَايَةَ الْأَبِ ثَبَتَتْ نَصًّا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ) فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ زَوَّجَ عَائِشَةَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، وَصَحَّحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ فَلَا يُقَاسُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْجَدُّ وَلَا يُلْحَقُ بِهِ دَلَالَةً لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّ الْوَلَدَ جُزْءُ الْأَبِ فَكَانَتْ الْوِلَايَةُ لِلْأَبِ

قُلْنَا: لَا بَلْ هُوَ مُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَتَضَمَّنُ الْمَصَالِحَ وَلَا تَتَوَفَّرُ إلَّا بَيْنَ الْمُتَكَافِئَيْنِ عَادَةً وَلَا يَتَّفِقُ الْكُفْءُ فِي كُلِّ زَمَانٍ، فَأَثْبَتْنَا الْوِلَايَةَ فِي حَالَةِ الصِّغَرِ إحْرَازًا لِلْكُفْءِ. وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ النَّظَرَ لَا يَتِمُّ بِالتَّفْوِيضِ إلَى غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ لِقُصُورِ شَفَقَتِهِ وَبُعْدِ قَرَابَتِهِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَالِ مَعَ أَنَّهُ أَدْنَى رُتْبَةً، فَلَأَنْ لَا يَمْلِكَ التَّصَرُّفَ فِي النَّفْسِ وَإِنَّهُ أَعْلَى وَأَوْلَى. وَلَنَا أَنَّ الْقَرَابَةَ دَاعِيَةٌ إلَى النَّظَرِ كَمَا فِي الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَمَا فِيهِ مِنْ الْقُصُورِ أَظْهَرْنَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ كَالْوِلَايَةِ عَلَى نَفْسِهِ، وَالْجُزْئِيَّةُ قَدْ ضَعُفَتْ بِالْجَدِّ وَشَفَقَتُهُ قَدْ نَقَصَتْ فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَاهُ (قُلْنَا لَا) نُسَلِّمُ أَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَى الْحُرِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ (بَلْ هُوَ مُوَافِقٌ لَهُ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَتَضَمَّنُ الْمَصَالِحَ) مِنْ التَّنَاسُلِ وَالسَّكَنِ وَالِازْدِوَاجِ وَقَضَاءِ الشَّهْوَةِ (وَلَا تَتَوَفَّرُ إلَّا بَيْنَ مُتَكَافِئَيْنِ عَادَةً وَلَا يَتَّفِقُ الْكُفْءُ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَأَثْبَتْنَا الْوِلَايَةَ فِي حَالِ الصِّغَرِ إحْرَازًا لِلْكُفْءِ) لِكُلِّ مَنْ يَتَأَتَّى مِنْهُ الْإِحْرَازُ أَبًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ. وَوَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْوِلَايَةَ لِلنَّظَرِ وَالنَّظَرُ لَا يَتِمُّ بِالتَّفْوِيضِ إلَى غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ لِقُصُورِ شَفَقَتِهِ وَبُعْدِ قَرَابَتِهِ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِقُصُورِ شَفَقَتِهِ (لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَالِ مَعَ أَنَّهُ أَدْنَى رُتْبَةٍ) لِكَوْنِهِ وِقَايَةً لِلنَّفْسِ (فَلَأَنْ لَا يَمْلِكَ التَّصَرُّفَ فِي النَّفْسِ وَإِنَّهُ أَعْلَى أَوْلَى. وَلَنَا أَنَّ) الْوِلَايَةَ لِلنَّظَرِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي كُلِّ قَرِيبٍ، لِأَنَّ (الْقَرَابَةَ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ كَمَا فِي الْأَبِ وَالْجَدِّ) فَإِنَّ النَّظَرَ فِيهِمَا لَمْ يَثْبُتْ إلَّا مِنْ الْقَرَابَةِ، غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ مُتَفَاوِتٌ كَمَالًا وَقُصُورًا بِقُرْبِ الْقَرَابَةِ وَبُعْدِهَا، لَكِنْ مَا فِي الْبَعِيدَةِ مِنْ الْقُصُورِ مُمْكِنُ التَّدَارُكِ فَأَظْهَرْنَاهُ فِي سَلْبِ وِلَايَةِ الْإِلْزَامِ فَجَعَلْنَا لَهُمَا خِيَارَ الْبُلُوغِ، فَإِذَا بَلَغَا وَوَجَدَا الْأَمْرَ عَلَى مَا يَنْبَغِي مَضَيَا عَلَى النِّكَاحِ، وَإِنْ وَجَدَا قَدْ أَوْقَعًا خَلَلًا بِقُصُورِ الشَّفَقَةِ وَالنَّظَرِ فَسَخَا النِّكَاحَ، بِخِلَافِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ لِأَنَّ الْخَلَلَ الْوَاقِعَ بِسَبَبِ الْقُصُورِ غَيْرُ مُمْكِنِ التَّدَارُكِ لِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ بِتَدَاوُلِ الْأَيْدِي بِأَنْ يَبِيعَ الْوَلِيُّ ثُمَّ يَبِيعَ الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ ثُمَّ وَثُمَّ، وَقَدْ

فِي سَلْبِ وِلَايَةِ الْإِلْزَامِ، بِخِلَافِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ فَإِنَّهُ يَتَكَرَّرُ فَلَا يُمْكِنُ تَدَارُكُ الْخَلَلِ فَلَا تُفِيدُ الْوِلَايَةُ إلَّا مُلْزِمَةً وَمَعَ الْقُصُورِ لَا تَثْبُتُ وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ. وَجْهُ قَوْلِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الثِّيَابَةَ سَبَبٌ لِحُدُوثِ الرَّأْيِ لِوُجُودِ الْمُمَارَسَةِ فَأَدَرْنَا الْحُكْمَ عَلَيْهَا تَيْسِيرًا. وَلَنَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَحَقُّقِ الْحَاجَةِ وَوُفُورِ الشَّفَقَةِ، وَلَا مُمَارَسَةَ تُحْدِثُ الرَّأْيَ بِدُونِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَغِيبُ بَعْضُهُمْ، وَلَا يُمْكِنُ تَوَقُّفُ ذَلِكَ كُلِّهِ إلَى وَقْتِ الْبُلُوغِ (فَلَا تُفِيدُ الْوِلَايَةَ إلَّا مُلْزِمَةٌ) وَلَا إلْزَامَ مَعَ الْقُصُورِ، بِخِلَافِ الْمُتَنَاكِحَيْنِ فَإِنَّهُمَا ثَابِتَانِ مِنْ غَيْرِ تَكْرَارٍ غَالِبًا، فَكَانَ التَّدَارُكُ بِالتَّوَقُّفِ مُمْكِنًا. وَقَوْلُهُ (وَجْهُ قَوْلِهِ) أَيْ الشَّافِعِيِّ (فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الثِّيَابَةَ سَبَبٌ لِحُدُوثِ الرَّأْيِ) وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الرَّأْيَ أَمْرٌ بَاطِنٌ وَالثِّيَابَةُ سَبَبٌ لِحُدُوثِهِ (لِوُجُودِ الْمُمَارَسَةِ) فَتُقَامُ مَقَامَهُ وَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ تَيْسِيرًا (وَلَنَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَحَقُّقِ الْحَاجَةِ) يَعْنِي أَنَّ الْمُقْتَضَى لِلْوِلَايَةِ النَّظَرِيَّةِ هُوَ الْحَاجَةُ وَقَدْ تَحَقَّقَتْ لِلصِّغَرِ وَالْمَانِعِ وَهُوَ قُصُورُ الشَّفَقَةِ قَدْ انْتَفَى لِأَنَّ الشَّفَقَةَ فِي الْأَبِ وَالْجَدِّ مُتَوَافِرَةٌ، وَإِذَا وُجِدَ الْمُقْتَضَى وَانْتَفَى الْمَانِعُ يَجِبُ تَحَقُّقُ الْحُكْمِ، وَلَا نُسَلِّمُ حُصُولَ الرَّأْيِ لِلصَّغِيرَةِ بِسَبَبِ الْمُمَارَسَةِ لِأَنَّ الرَّأْيَ وَالْعِلْمَ بِلَذَّةِ الْجِمَاعِ إنَّمَا يَحْدُثُ عَنْ مُبَاشَرَةٍ بِشَهْوَةٍ وَلَا شَهْوَةَ لَهَا، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ الثِّيَابَةُ سَبَبًا لِحُدُوثِ الرَّأْيِ لَا تَصْلُحُ مَدَارًا. وَأَمَّا الصِّغَرُ فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِلْحَاجَةِ لِلْعَجْزِ عَنْ التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مُدَارًا، فَكُلَّمَا ثَبَتَ

الشَّهْوَةِ فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى الصِّغَرِ، ثُمَّ الَّذِي يُؤَيِّدُ كَلَامَنَا فِيمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «النِّكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ» وَالتَّرْتِيبُ فِي الْعَصَبَاتِ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ كَالتَّرْتِيبِ فِي الْإِرْثِ وَالْأَبْعَدُ مَحْجُوبٌ بِالْأَقْرَبِ. قَالَ (فَإِنْ زَوَّجَهُمَا الْأَبُ وَالْجَدُّ) يَعْنِي الصَّغِيرَ وَالصَّغِيرَةَ (فَلَا خِيَارَ لَهُمَا بَعْدَ بُلُوغِهِمَا) لِأَنَّهُمَا كَامِلَا الرَّأْي وَافِرَا الشَّفَقَةِ فَيَلْزَمُ الْعَقْدُ بِمُبَاشَرَتِهَا كَمَا إذَا بَاشَرَاهُ بِرِضَاهُمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ (وَإِنْ زَوَّجَهُمَا غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالصِّغَرُ ثَبَتَتْ الْوِلَايَةُ (ثُمَّ الَّذِي يُؤَيِّدُ كَلَامَنَا فِيمَا تَقَدَّمَ) يَعْنِي مِنْ إطْلَاقِ الْوَلِيِّ فِي قَوْلِهِ وَيَجُوزُ نِكَاحُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ إذَا زَوَّجَهُمَا الْوَلِيُّ (قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «النِّكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ» ) وَقَوْلُهُ (وَالتَّرْتِيبُ فِي الْعَصَبَاتِ)

الْخِيَارُ إذَا بَلَغَ، إنْ شَاءَ أَقَامَ عَلَى النِّكَاحِ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا خِيَارَ لَهُمَا اعْتِبَارًا بِالْأَبِ وَالْجَدِّ. وَلَهُمَا أَنَّ قَرَابَةَ الْأَخِ نَاقِصَةٌ وَالنُّقْصَانُ يُشْعِرُ بِقُصُورِ الشَّفَقَةِ فَيَتَطَرَّقُ الْخَلَلُ إلَى الْمَقَاصِدِ عَسَى وَالتَّدَارُكُ مُمْكِنٌ بِخِيَارِ الْإِدْرَاكِ، وَإِطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ يَتَنَاوَلُ الْأُمَّ، وَالْقَاضِي هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَةِ لِقُصُورِ الرَّأْيِ فِي أَحَدِهِمَا وَنُقْصَانِ الشَّفَقَةِ فِي الْآخَرِ فَيَتَخَيَّرُ. قَالَ (وَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَضَاءُ) بِخِلَافِ خِيَارِ الْعِتْقِ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (اعْتِبَارًا بِالْأَبِ وَالْجَدِّ) بِجَامِعِ دَاعِيَةِ الْقَرَابَةِ (وَلَهُمَا أَنَّ قَرَابَةَ الْأَخِ نَاقِصَةٌ) خُصِّصَ الْأَخُ لِيُعْلَمَ بِهِ حُكْمُ سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ أَقْرَبُ الْأَوْلِيَاءِ بَعْدَ الْجَدِّ. وَقَوْلُهُ (فَيَتَطَرَّقُ الْخَلَلُ إلَى الْمَقَاصِدِ عَسَى) يَعْنِي أَنَّ وَرَاءَ الْكَفَاءَاتِ وَالْمَهْرِ مَقَاصِدَ أُخْرَى فِي النِّكَاحِ مِنْ سُوءِ الْخُلُقِ وَحُسْنِهِ وَلَطَافَةِ الْعِشْرَةِ وَغِلَظِهَا وَكَرَمِ الصُّحْبَةِ وَلُؤْمِهَا وَتَوْسِيعِ النَّفَقَةِ وَتَقْتِيرِهَا، وَهَذِهِ الْمَقَاصِدُ أَهَمُّ مِنْ الْكَفَاءَةِ، وَلَا يُوقَفُ عَلَيْهَا إلَّا بِجِدٍّ بَلِيغٍ وَنَظَرٍ صَائِبٍ، فَلِنُقْصَانِ قَرَابَتِهِ وَقُصُورِ شَفَقَتِهِ رُبَّمَا لَا يُحْسِنُ النَّظَرَ فَيُتَوَهَّمُ الْخَلَلُ فِيهَا فَيَتَدَارَكُ بِخِيَارِ الْإِدْرَاكِ. وَقَوْلُهُ وَإِطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ يَتَنَاوَلُ الْأُمَّ وَالْقَاضِي) يَعْنِي فِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ عِنْدَ الْبُلُوغِ، وَأَرَادَ بِالْإِطْلَاقِ قَوْلَهُ فَإِنْ زَوَّجَهُمَا غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ. وَقَوْلُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا رَوَى خَالِدُ بْنُ صُبَيْحٍ الْمَرْوَزِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْيَتِيمَةِ إذَا زَوَّجَهَا الْقَاضِي لِأَنَّ لَهُ الْوِلَايَةَ فِي الْمَالِ وَالنَّفْسِ وَكَانَ فِي قُوَّةِ وِلَايَةِ الْأَبِ وَالْجَدِّ. وَوَجْهُ الصَّحِيحِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ (بِقَوْلِهِ لِقُصُورِ الرَّأْيِ فِي أَحَدِهِمَا) يَعْنِي الْأُمَّ (وَنُقْصَانُ الشَّفَقَةِ فِي الْآخَرِ) يَعْنِي الْقَاضِيَ، أَلَا تَرَى أَنَّ وِلَايَةَ الْقَاضِي مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ وِلَايَةِ الْأَخِ وَالْعَمِّ، فَإِذَا ثَبَتَ لَهُمَا الْخِيَارُ فِي تَزْوِيجِهِمَا فَفِي تَزْوِيجِ الْقَاضِي أَوْلَى. وَقَوْلُهُ (وَيُشْتَرَطُ فِيهِ) أَيْ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ (الْقَضَاءُ لِأَنَّ

الْفَسْخَ هَاهُنَا لِدَفْعِ ضَرَرٍ خَفِيٍّ وَهُوَ تَمَكُّنُ الْخَلَلِ وَلِهَذَا يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى فَجُعِلَ إلْزَامًا فِي حَقِّ الْآخَرِ فَيُفْتَقَرُ إلَى الْقَضَاءِ. وَخِيَارُ الْعِتْقِ لِدَفْعِ ضَرَرٍ جَلِيٍّ وَهُوَ زِيَادَةُ الْمِلْكِ عَلَيْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَسْخَ هَاهُنَا لِدَفْعِ ضَرَرٍ خَفِيٍّ وَهُوَ تَمَكُّنُ الْخَلَلِ) بِسَبَبِ قُصُورِ شَفَقَةِ الْمُزَوِّجِ (وَلِهَذَا) أَيْ لِتَمَكُّنِ الْخَلَلِ (يَشْمَلُ) الْفَسْخُ (الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى) لِأَنَّ قُصُورَ الشَّفَقَةِ كَمَا هُوَ فِي حَقِّ الْجَارِيَةِ مُمْكِنٌ كَذَلِكَ فِي حَقِّ الْغُلَامِ، وَإِذَا كَانَ الضَّرَرُ

(وَلِهَذَا يَخْتَصُّ بِالْأُنْثَى فَاعْتُبِرَ دَفْعًا وَالدَّفْعُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقَضَاءِ) ثُمَّ عِنْدَهُمَا إذَا بَلَغَتْ الصَّغِيرَةُ وَقَدْ عَلِمَتْ بِالنِّكَاحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQخَفِيًّا لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ كُفْئًا وَالْمَهْرُ تَامًّا فَرُبَّمَا يُنْكِرُهُ الزَّوْجُ فَيَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ لِلْإِلْزَامِ. وَأَمَّا خِيَارُ الْعِتْقِ فَلِدَفْعِ ضَرَرٍ جَلِيٍّ وَهُوَ زِيَادَةُ الْمِلْكِ عَلَيْهَا، فَإِنَّ الزَّوْجَ قَبْلَ عِتْقَهَا كَانَ يَمْلِكُ عَلَيْهَا تَطْلِيقَتَيْنِ وَيَمْلِكُ مُرَاجَعَتَهَا فِي قُرْأَيْنِ ثُمَّ ازْدَادَ ذَلِكَ بِالْعِتْقِ وَهُوَ أَمْرٌ جَلِيٌّ لَيْسَ لِلْإِنْكَارِ فِيهِ مَجَالٌ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى الْإِلْزَامِ، لَكِنْ لَهَا أَنْ تَدْفَعَ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهَا وَذَلِكَ مَعَ بَقَاءِ أَصْلِ النِّكَاحِ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْعِتْقِ يَسْتَلْزِمُهَا، وَوُجُودُ الْمَلْزُومِ بِدُونِ وُجُودِ اللَّازِمِ مُحَالٌ، فَكَانَ لَهَا أَنْ تَدْفَعَ أَصْلَ الْمِلْكِ فِي ضِمْنِ مَالِهَا مِنْ دَفْعِ الزِّيَادَةِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ دَفْعَهَا مَا عَلَيْهَا مِنْ الزِّيَادَةِ يُبْطِلُ مَا كَانَ ثَابِتًا مِنْ حَقِّ الزَّوْجِ الْمُسْتَتْبِعِ الزِّيَادَةِ وَفِي ذَلِكَ جَعْلُ التَّابِعِ مَتْبُوعًا وَهُوَ عَكْسُ الْمَعْقُولِ وَنَقْصُ الْأُصُولِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِجَعْلِ التَّابِعِ مَتْبُوعًا، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الِالْتِزَامِ لِلضَّرَرِ الْمَرْضِيِّ، فَإِنَّ الزَّوْجَ حِينَ تَزَوَّجَ الْأَمَةَ عَالِمًا لَهَا بِخِيَارِ الْعِتْقِ الْتَزَمَ الضَّرَرَ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ وَالضَّرَرُ الْمَرْضِيُّ غَيْرُ ضَائِرٍ، بِخِلَافِ الْأَمَةِ فَإِنَّهَا لَمْ تَرْضَ بِمَا يَزِيدُ عَلَيْهَا مِنْ الْمِلْكِ عِنْدَ الْعِتْقِ لِعَدَمِ اخْتِيَارِهَا فِي النِّكَاحِ فَلَمْ يَكُنْ ضَرَرُهَا بِمُرْضٍ فَكَانَ ضَائِرًا، وَإِذَا اجْتَمَعَ الضَّرَرُ الضَّائِرُ وَغَيْرُ الضَّائِرِ يُدْفَعُ الضَّائِرُ دُونَ غَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ عِنْدَهُمَا) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّ مَذْهَبَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَرِدُ هَاهُنَا لِأَنَّهُ لَا يَرَى خِيَارَ الْبُلُوغِ، وَإِنْ كَانَ الْمُزَوِّجُ غَيْرَ الْأَبِ وَالْجَدِّ. وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ هَاهُنَا أُمُورٌ يَقَعُ بِهَا الْفَرْقُ بَيْنَ خِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ وَذَلِكَ خَمْسَةٌ:

فَسَكَتَتْ فَهُوَ رِضًا، (وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِالنِّكَاحِ فَلَهَا الْخِيَارُ حَتَّى تَعْلَمَ فَتَسْكُتَ) شَرَطَ الْعِلْمَ بِأَصْلِ النِّكَاحِ لِأَنَّهَا لَا تَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ إلَّا بِهِ، وَالْوَلِيُّ يَنْفَرِدُ بِهِ فَعُذِرَتْ بِالْجَهْلِ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ الْعِلْمُ بِالْخِيَارِ لِأَنَّهَا تَتَفَرَّغُ لِمَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ وَالدَّارُ دَارُ الْعِلْمِ فَلَمْ تُعْذَرْ بِالْجَهْلِ، بِخِلَافِ الْمُعْتَقَةِ لِأَنَّ الْأَمَةَ لَا تَتَفَرَّغُ لِمَعْرِفَتِهَا فَتُعْذَرُ بِالْجَهْلِ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ (ثُمَّ خِيَارُ الْبِكْرِ يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ، وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُ الْغُلَامِ مَا لَمْ يَقُلْ رَضِيت أَوْ يَجِيءُ مِنْهُ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ رِضًا، وَكَذَلِكَ الْجَارِيَةُ إذَا دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الْبُلُوغِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَوَّلُ أَنَّ خِيَارَ الْبُلُوغِ فِي الْفُرْقَةِ يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ دُونَ خِيَارِ الْعِتْقِ. وَالثَّانِي أَنَّ خِيَارَ الْبُلُوغِ يَثْبُتُ لِلْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ وَخِيَارُ الْعِتْقِ يَثْبُتُ لِلْجَارِيَةِ فَقَطْ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُمَا. وَالثَّالِثُ أَنَّ الصَّغِيرَةَ إذَا بَلَغَتْ وَقَدْ عَلِمَتْ بِالنِّكَاحِ فَسَكَتَتْ بَطَلَ خِيَارُهَا سَوَاءٌ كَانَتْ عَالِمَةً بِأَنَّ لَهَا الْخِيَارَ أَوْ لَمْ تَكُنْ، أَمَّا إذَا كَانَتْ عَالِمَةً فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ فَلِأَنَّهَا لَمْ تُعْذَرْ بِالْجَهْلِ بِالْخِيَارِ (لِأَنَّهَا تَتَفَرَّغُ لِمَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ وَالدَّارُ دَارُ الْعِلْمِ) بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ عَالِمَةً بِالنِّكَاحِ فَسَكَتَتْ فَإِنَّهَا عَلَى خِيَارِهَا لِأَنَّهَا لَا تَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ إلَّا بِهِ، وَالْوَلِيُّ يَنْفَرِدُ بِالنِّكَاحِ فَكَانَتْ مَعْذُورَةً فِي الْجَهْلِ؛ وَأَمَّا الْمُعْتَقَةُ فَإِنَّهَا مَعْذُورَةٌ فِي الْجَهْلِ سَوَاءٌ كَانَتْ جَاهِلَةً بِالْعِتْقِ أَوْ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهَا، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمَوْلَى يَنْفَرِدُ بِهِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْأَمَةَ لِاشْتِغَالِهَا بِالْخِدْمَةِ لَا تَتَفَرَّغُ لِمَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ فَكَانَتْ مَعْذُورَةً. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ خِيَارُ الْبِكْرِ) تَفْرِيعٌ عَلَى خِيَارِ الْبُلُوغِ الشَّامِلِ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ مَنْ لَهُ خِيَارُ الْبُلُوغِ إذَا كَانَ غُلَامًا فَبَلَغَ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ (مَا لَمْ يَقُلْ رَضِيت أَوْ يَجِيءُ مِنْهُ) بِالْجَزْمِ (مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ رِضًا) وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً وَقَدْ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الْبُلُوغِ فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا يَبْطُلُ خِيَارُهَا بِالسُّكُوتِ (اعْتِبَارًا لِهَذِهِ الْحَالَةِ بِحَالَةِ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ)

اعْتِبَارًا لِهَذِهِ الْحَالَةِ بِحَالَةِ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ، وَخِيَارُ الْبُلُوغِ فِي حَقِّ الْبِكْرِ لَا يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَلَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ فِي حَقِّ الثَّيِّبِ وَالْغُلَامِ لِأَنَّهُ مَا ثَبَتَ بِإِثْبَاتِ الزَّوْجِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ الصَّغِيرَةَ الْبِكْرَ إذَا أَدْرَكَتْ وَاسْتُؤْمِرَتْ لِلنِّكَاحِ فَسَكَتَتْ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ كَانَ سُكُوتُهَا رِضًا فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهَا الْخِيَارُ فَأَدْرَكَتْ وَسَكَتَتْ كَانَ سُكُوتُهَا رِضًا فَيَبْطُلُ اخْتِيَارُهَا وَالْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ الثَّيِّبُ إذَا اُسْتُؤْمِرَا عِنْدَ ابْتِدَاءِ عَقْدِ النِّكَاحِ لَمْ يَكُنْ سُكُوتُهُمَا رِضًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الرِّضَا صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً، فَكَذَلِكَ عِنْدَ خِيَارِ الْبُلُوغِ لَمْ يَكُنْ السُّكُوتُ مِنْهُمَا رِضًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَخِيَارُ الْبُلُوغِ) تَفْرِيعٌ آخَرُ عَلَى خِيَارِ الْبُلُوغِ، وَيَتَضَمَّنُ الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ خِيَارِ الْبُلُوغِ وَخِيَارِ الْعِتْقِ. وَتَقْرِيرُهُ خِيَارُ الْبُلُوغِ (فِي حَقِّ الْبِكْرِ لَا يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ) يَعْنِي مَجْلِسَ بُلُوغِهَا بِأَنْ رَأَتْ الدَّمَ وَقَدْ كَانَ بَلَغَهَا خَبَرُ النِّكَاحِ فَسَكَتَتْ أَوْ مَجْلِسُ بُلُوغِ الْخَبَرِ بِالنِّكَاحِ فَسَكَتَتْ، بَلْ يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ السُّكُوتِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَأَمَّا خِيَارُ الثَّيِّبِ وَالْغُلَامِ فَلَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ بَلْ يَمْتَدُّ إلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ مَا ثَبَتَ) دَلِيلُ عَدَمِ الْبُطْلَانِ فِي حَقِّ الثَّيِّبِ خَاصَّةً. وَتَقْرِيرُهُ خِيَارُ بُلُوغِهَا لَمْ يَثْبُتْ بِإِثْبَاتِ الزَّوْجِ وَهُوَ

بَلْ لِتَوَهُّمِ الْخَلَلِ فَإِنَّمَا يَبْطُلُ بِالرِّضَا غَيْرَ أَنَّ سُكُوتَ الْبِكْرِ رِضًا، بِخِلَافِ خِيَارِ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِإِثْبَاتِ الْمَوْلَى وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQظَاهِرٌ، وَمَا لَا يَثْبُتُ بِإِثْبَاتِ الزَّوْجِ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَإِنَّ التَّفْوِيضَ هُوَ الْمُقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ كَمَا سَيَجِيءُ. وَقَوْلُهُ (بَلْ لِتَوَهُّمِ الْخَلَلِ) دَلِيلٌ يَشْمَلُ الْبِكْرَ وَالْغُلَامَ. وَتَقْرِيرُهُ: خِيَارُ الْبُلُوغِ ثَبَتَ بِعَدَمِ الرِّضَا لِتَوَهُّمِ الْخَلَلِ، وَمَا يَثْبُتُ بِعَدَمِ الرِّضَا يَبْطُلُ بِالرِّضَا لِوُجُودِ مُنَافِيهِ، فَإِنَّ الشَّيْءَ لَا يَثْبُتُ مَعَ مُنَافِيهِ، غَيْرَ أَنَّ سُكُوتَ الْبِكْرِ رِضًا دُونَ سُكُوتِ الْغُلَامِ فَيَبْطُلُ خِيَارُهَا بِمُجَرَّدِ السُّكُوتِ وَيَمْتَدُّ خِيَارُهُ إلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ فَانْظُرْ إلَى هَذَا الْإِدْرَاجِ فِي ضِمْنِ الْإِيجَازِ الَّذِي هُوَ قَرِيبٌ إلَى حَدِّ الْإِعْجَازِ، جَزَاهُ اللَّهُ عَنْ الْمُحَصِّلِينَ خَيْرًا. وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ خِيَارِ الْعِتْقِ) لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ

الْإِعْتَاقُ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْمَجْلِسُ كَمَا فِي خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ، ثُمَّ الْفُرْقَةُ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ لَيْسَتْ بِطَلَاقٍ لِأَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ الْأُنْثَى وَلَا طَلَاقَ إلَيْهَا، وَكَذَا بِخِيَارِ الْعِتْقِ لِمَا بَيَّنَّا، بِخِلَافِ الْمُخَيَّرَةِ لِأَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الَّذِي مَلَكَهَا وَهُوَ مَالِكٌ لِلطَّلَاقِ (فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْبُلُوغِ وَرِثَهُ الْآخَرُ) وَكَذَا إذَا مَاتَ بَعْدَ الْبُلُوغِ قَبْلَ التَّفْرِيقِ لِأَنَّ أَصْلَ الْعَقْدِ صَحِيحٌ وَالْمِلْكُ ثَابِتٌ بِهِ وَقَدْ انْتَهَى بِالْمَوْتِ، بِخِلَافِ مُبَاشَرَةِ الْفُضُولِيِّ إذَا مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ لِأَنَّ النِّكَاحَ ثَمَّةَ مَوْقُوفٌ فَيَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَهَاهُنَا نَافِذٌ فَيَتَقَرَّرُ بِهِ. قَالَ (وَلَا وِلَايَةَ لِعَبْدٍ وَلَا صَغِيرٍ وَلَا مَجْنُونٍ) لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبَيْنَ خِيَارِ الْبُلُوغِ وَهُوَ الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَتَقْرِيرُهُ: خِيَارُ الْعِتْقِ ثَبَتَ بِإِثْبَاتِ غَيْرِهِ وَهُوَ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعْتَقْ لَمَا ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ، وَكُلُّ خِيَارٍ ثَبَتَ بِإِثْبَاتِ غَيْرِهِ اقْتَصَرَ عَلَى الْمَجْلِسِ (كَمَا فِي خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ) فَيَكُونُ الْقِيَامُ دَلِيلَ الْإِعْرَاضِ. وَبَيَانُ تَضَمُّنِ هَذَا الْوَجْهِ لِلْوَجْهِ الْخَامِسِ أَنَّهُ أَشَارَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ غَيْرَ أَنَّ سُكُوتَ الْبِكْرِ رِضًا. يَعْنِي وَالرِّضَا يُسْقِطُ خِيَارَ الْبُلُوغِ، وَخِيَارُ الْإِعْتَاقِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْمَجْلِسُ وَيَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ وَالسُّكُوتُ لَيْسَ بِإِعْرَاضٍ وَهُوَ خَفِيٌّ جِدًّا. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ الْفُرْقَةُ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ لَيْسَتْ بِطَلَاقٍ) يَعْنِي سَوَاءً كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ (لِأَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ الْأُنْثَى وَلَا طَلَاقَ إلَيْهَا) وَالْفَائِدَةُ تَظْهَرُ فِي شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهَا لَوْ وَقَعَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَجِبْ نِصْفُ الْمُسَمَّى وَلَوْ كَانَ طَلَاقًا لَوَجَبَ، وَالثَّانِي أَنَّهُمَا لَوْ تَنَاكَحَا بَعْدَ الْفُرْقَةِ مَلَكَ الزَّوْجُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ (وَكَذَا بِخِيَارِ الْعِتْقِ لِمَا بَيَّنَّا) أَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ الْأُنْثَى. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ) ظَاهِرٌ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ. قَالَ (وَلَا وِلَايَةَ لِعَبْدٍ وَلَا صَغِيرٍ وَلَا مَجْنُونٍ) الْوِلَايَةُ الْمُتَعَدِّيَةُ فَرْعُ الْوِلَايَةِ الْقَاصِرَةِ، فَمَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الْوِلَايَةَ نَظَرِيَّةٌ وَلَا نَظَرَ فِي التَّفْوِيضِ إلَى هَؤُلَاءِ، أَمَّا إلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فَلِلْعَجْزِ عَنْ تَحْصِيلِ الْكُفْءِ، وَأَمَّا إلَى الْعَبْدِ

فَأَوْلَى أَنْ لَا تَثْبُتَ عَلَى غَيْرِهِمْ وَلِأَنَّ هَذِهِ وِلَايَةٌ نَظَرِيَّةٌ وَلَا نَظَرَ فِي التَّفْوِيضِ إلَى هَؤُلَاءِ (وَلَا) وِلَايَةَ (لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ وَلَا يَتَوَارَثَانِ، أَمَّا الْكَافِرُ فَتَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ الْإِنْكَاحِ عَلَى وَلَدِهِ الْكَافِرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] وَلِهَذَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ وَيُجْزِئُ بَيْنَهُمَا التَّوَارُثُ (وَلِغَيْرِ الْعَصَبَاتِ مِنْ الْأَقَارِبِ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) مَعْنَاهُ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَاتِ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تَثْبُتُ وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَكَذَلِكَ لِاشْتِغَالِهِ بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى (وَلَا وِلَايَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ) يَعْنِي الْوِلَايَةَ الشَّرْعِيَّةَ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْحِسِّيَّةِ مِنْهَا. وَقَوْلُهُ (وَلِغَيْرِ الْعَصَبَاتِ مِنْ الْأَقَارِبِ) يَعْنِي كَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ وَالْعَمَّاتِ (وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَاتِ) أَيُّ عَصَبَةٍ كَانَتْ سَوَاءٌ كَانَتْ عَصَبَةً يَحِلُّ النِّكَاحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ كَابْنِ الْعَمِّ أَوْ لَمْ يَحِلَّ كَالْعَمِّ وَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ وَعَصَبَتِهِ مِنْ الْعَصَبَاتِ، ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَعْدَ الْعَصَبَاتِ الْأُمُّ ثُمَّ ذَوُو الْأَرْحَامِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ الْبِنْتُ ثُمَّ بِنْتُ الِابْنِ ثُمَّ

وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي ذَلِكَ مُضْطَرِبٌ وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ مَعَ مُحَمَّدٍ. لَهُمَا مَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّ الْوِلَايَةَ إنَّمَا ثَبَتَتْ صَوْنًا لِلْقَرَابَةِ عَنْ نِسْبَةِ غَيْرِ الْكُفْءِ إلَيْهَا وَإِلَى الْعَصَبَاتِ الصِّيَانَةُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوِلَايَةَ نَظَرِيَّةٌ وَالنَّظَرُ يَتَحَقَّقُ بِالتَّفْوِيضِ إلَى مَنْ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِالْقَرَابَةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى الشَّفَقَةِ (وَمَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا) يَعْنِي الْعَصَبَةَ مِنْ جِهَةِ الْقَرَابَةِ (إذَا زَوَّجَهَا مَوْلَاهَا الَّذِي أَعْتَقَهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِنْتُ الْبِنْتِ ثُمَّ بِنْتُ ابْنِ الِابْنِ ثُمَّ بِنْتُ بِنْتِ الْبِنْتِ ثُمَّ الْأُخْتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ الْأُخْتُ لِأَبٍ ثُمَّ الْأَخُ وَالْأُخْتُ لِأُمٍّ ثُمَّ أَوْلَادُهُمْ ثُمَّ الْعَمَّاتُ وَالْأَخْوَالُ وَالْخَالَاتُ وَأَوْلَادُهُمْ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ، ثُمَّ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ ثُمَّ السُّلْطَانُ ثُمَّ الْقَاضِي وَمَنْ نَصَبَهُ الْقَاضِي إذَا شَرَطَ تَزْوِيجَ الصِّغَارِ وَالصَّغَائِرِ فِي عَهْدِهِ وَمَنْشُورِهِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا وِلَايَةَ لِغَيْرِ الْعَصَبَاتِ، وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مُضْطَرِبٌ ذَكَرَهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَمَعَ مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ. وَقَوْلُهُ (لَهُمَا مَا رَوَيْنَا) يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْإِنْكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ» عُرِفَ الْإِنْكَاحُ بِاللَّامِ فِي غَيْرِ مَعْهُودٍ فَكَانَ مَعْنَاهُ هَذَا الْجِنْسُ مُفَوَّضٌ إلَى هَذَا الْجِنْسِ فَلَا يَكُونُ لِغَيْرِهِ فِيهِ مَدْخَلٌ، وَلِأَنَّ الْوِلَايَةَ لِصِيَانَةِ الْقَرَابَةِ عَنْ غَيْرِ الْكُفْءِ وَالصِّيَانَةِ إلَى الْعَصَبَاتِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذِهِ الْوِلَايَةَ نَظَرِيَّةٌ، وَالنَّظَرُ يَتَحَقَّقُ بِالتَّفْوِيضِ إلَى مَنْ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِالْقَرَابَةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى الشَّفَقَةِ) فَإِنْ قُلْت: هَذَا تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ وَهُوَ لَا يَجُوزُ

(جَازَ) لِأَنَّهُ آخِرُ الْعَصَبَاتِ، وَإِذَا عُدِمَ الْأَوْلِيَاءُ فَالْوِلَايَةُ إلَى الْإِمَامِ وَالْحَاكِمِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» ـــــــــــــــــــــــــــــQأُجِيبَ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ الْإِنْكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ إذَا وُجِدَتْ الْعَصَبَاتُ وَالثَّانِي أَنَّ الْوِلَايَةَ تَثْبُتُ لِغَيْرِهِمْ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ بِاعْتِبَارِ الشَّفَقَةِ وَكَمَالِ الرَّأْيِ. وَالْقَوْلُ بِتَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ مَعَ الْقَوْلِ بِعَدَمِ وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ غَيْرُ مُسْتَحْسَنٍ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأحزاب: 6] وَلِكَوْنِ التَّوْرِيثِ مَبْنِيًّا عَلَى الْوِلَايَةِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا عُدِمَ الْأَوْلِيَاءُ) يَعْنِي عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ (فَالْوِلَايَةُ إلَى الْإِمَامِ وَالْحَاكِمِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» ) أَمَّا الْحَاكِمُ وَهُوَ الْقَاضِي فَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْإِنْكَاحَ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي عَهْدِهِ وَمَنْشُورِهِ، كَذَا

(وَإِذَا غَابَ الْوَلِيُّ الْأَقْرَبُ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً جَازَ لِمَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ أَنْ يُزَوِّجَ) وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَقْرَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. قَوْلُهُ (وَإِذَا غَابَ الْوَلِيُّ الْأَقْرَبُ) يَعْنِي كَالْأَبِ (غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً جَازَ لِمَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ) كَالْجَدِّ أَنْ يُزَوِّجَ. (وَقَالَ زُفَرُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُزَوِّجُ السُّلْطَانُ. لِزُفَرَ أَنَّ وِلَايَةَ الْأَقْرَبِ قَائِمَةٌ لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ

قَائِمَةٌ لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ حَقًّا لَهُ صِيَانَةً لِلْقَرَابَةِ فَلَا تَبْطُلُ بِغَيْبَتِهِ، وَلِهَذَا لَوْ زَوَّجَهَا حَيْثُ هُوَ جَازَ، وَلَا وِلَايَةَ لِلْأَبْعَدِ مَعَ وِلَايَتِهِ. وَلَنَا أَنَّ هَذِهِ وِلَايَةٌ نَظَرِيَّةٌ وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ التَّفْوِيضُ إلَى مَنْ لَا يُنْتَفَعُ بِرَأْيِهِ فَفَوَّضْنَاهُ إلَى الْأَبْعَدِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى السُّلْطَانِ كَمَا إذَا مَاتَ الْأَقْرَبُ، وَلَوْ زَوَّجَهَا حَيْثُ هُوَ فِيهِ مُنِعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَقًّا لَهُ صِيَانَةً لِلْقَرَابَةِ عَنْ نِسْبَةِ غَيْرِ الْكُفْءِ إلَيْهَا، وَالْحَقُّ الْقَائِمُ بِشَخْصٍ لَا يَبْطُلُ بِغَيْبَتِهِ (وَلِهَذَا لَوْ زَوَّجَهَا حَيْثُ هُوَ جَازَ) بِالِاتِّفَاقِ، وَإِذَا كَانَتْ وِلَايَةُ الْأَقْرَبِ فِي غَيْبَتِهِ قَائِمَةً لَا يَكُونُ لِلْأَبْعَدِ وِلَايَةٌ (وَلَنَا أَنَّ هَذِهِ وِلَايَةٌ نَظَرِيَّةٌ وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ التَّفْوِيضُ إلَى مَنْ لَا يُنْتَفَعُ بِرَأْيِهِ) وَكِلْتَا الْمُقَدِّمَتَيْنِ ظَاهِرَةٌ (فَفَوَّضْنَاهُ) أَيْ النَّظَرَ (إلَى الْأَبْعَدِ) وَقَوْلُهُ (وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى السُّلْطَانِ) إشَارَةً إلَى جَوَابِ الشَّافِعِيِّ (كَمَا إذَا مَاتَ الْأَقْرَبُ) فَإِنَّ الْوِلَايَةَ لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى السُّلْطَانِ بِمَوْتِ الْأَقْرَبِ فَكَذَا بِغَيْبَتِهِ. وَقَوْلُهُ وَلَوْ زَوَّجَهَا حَيْثُ هُوَ فِيهِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ زُفَرَ وَلِهَذَا لَوْ زَوَّجَهَا حَيْثُ هُوَ جَازَ

وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ نَقُولُ لِلْأَبْعَدِ بُعْدُ الْقَرَابَةِ وَقُرْبُ التَّدْبِيرِ وَلِلْأَقْرَبِ عَكْسُهُ فَنَزَلَا مَنْزِلَةَ وَلِيَّيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ فَأَيُّهُمَا عَقَدَ نَفَذَ وَلَا يُرَدُّ (وَالْغَيْبَةُ الْمُنْقَطِعَةُ أَنْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ لَا تَصِلُ إلَيْهَا الْقَوَافِلُ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً) وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقُدُورِيِّ. وَقِيلَ أَدْنَى مُدَّةِ السَّفَرِ لِأَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لِأَقْصَاهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَقِيلَ: إذَا كَانَ بِحَالٍ يَفُوتُ الْكُفْءُ الْخَاطِبُ بِاسْتِطْلَاعِ رَأْيِهِ، وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْفِقْهِ لِأَنَّهُ لَا نَظَرَ فِي إبْقَاءِ وِلَايَتِهِ حِينَئِذٍ (وَإِذَا اجْتَمَعَ فِي الْمَجْنُونَةِ أَبُوهَا وَابْنُهَا فَالْوَلِيُّ فِي نِكَاحِهَا ابْنُهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَبُوهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْمَنْعِ: يَعْنِي لَا نُسَلِّمُ جَوَازَهُ (وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ نَقُولُ لِلْأَبْعَدِ بَعْدَ الْقَرَابَةِ وَقُرْبُ التَّدْبِيرِ وَلِلْأَقْرَبِ عَكْسُهُ فَنُزِّلَا مَنْزِلَةَ وَلِيَّيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ فَأَيُّهُمَا عَقَدَ نَفَذَ وَلَا يُرَدُّ) يَعْنِي إذَا حَضَرَ الْأَقْرَبُ وَقَدْ زَوَّجَ الْأَبْعَدُ لَا يُرَدُّ النِّكَاحُ، ثُمَّ فَسَّرَ الْغَيْبَةَ الْمُنْقَطِعَةَ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَقَوْلُهُ (وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ) مِنْهُمْ الْقَاضِي الْإِمَامُ عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ وَالْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ الرَّازِيِّ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي عِصْمَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ الْمَرْوَزِيِّ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ لَا نَظَرَ فِي إبْقَاءِ وِلَايَتِهِ حِينَئِذٍ) يَعْنِي لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَعَنْ هَذَا قَالَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ.

[فصل في الكفاءة]

لِأَنَّهُ أَوْفَرُ شَفَقَةً مِنْ الِابْنِ. وَلَهُمَا أَنَّ الِابْنَ هُوَ الْمُقَدَّمُ فِي الْعُصُوبَةِ، وَهَذِهِ الْوِلَايَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهَا وَلَا مُعْتَبَرَ بِزِيَادَةِ الشَّفَقَةِ كَأَبِي الْأُمِّ مَعَ بَعْضِ الْعَصَبَاتِ. (الْكَفَاءَةُ فِي النِّكَاحِ مُعْتَبَرَةٌ) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَا لَا يُزَوِّجُ النِّسَاءَ إلَّا الْأَوْلِيَاءُ، وَلَا يُزَوَّجْنَ إلَّا مِنْ الْأَكْفَاءِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQحَتَّى لَوْ كَانَ مُخْتَفِيًا فِي الْبَلْدَةِ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ تَكُونُ غَيْبَتُهُ مُنْقَطِعَةً. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ أَوْفَرُ شَفَقَةً مِنْ الِابْنِ) بِدَلِيلِ أَنَّ وِلَايَةَ الْأَبِ تَعُمُّ النَّفْسَ وَالْمَالَ، وَالِابْنُ لَيْسَ لَهُ الْوِلَايَةُ فِي الْمَالِ (وَلَهُمَا أَنَّ الِابْنَ هُوَ الْمُقَدَّمُ فِي الْعُصُوبَةِ) أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَبَ مَعَهُ يَسْتَحِقُّ السُّدُسَ بِالْفَرْضِيَّةِ فَقَطْ. وَقَوْلُهُ (وَلَا مُعْتَبَرَ بِزِيَادَةِ الشَّفَقَةِ) جَوَابُ مُحَمَّدٍ. [فَصْلٌ فِي الْكَفَاءَةِ] ِ لَمَّا كَانَتْ الْكَفَاءَةُ مُعْتَبَرَةً عَلَى مَا تَقَدَّمَ، أَنَّ عَدَمَهَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ أَوْ يُمَكِّنُ الْأَوْلِيَاءَ مِنْ الْفَسْخِ احْتَاجَ إلَى أَنْ يَذْكُرَهَا فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ، وَالْكَفَاءَةُ بِالْفَتْحِ مَصْدَرٌ وَالِاسْمُ مِنْهُ الْكُفْءُ وَهُوَ النَّظِيرُ مِنْ كَافَأَهُ إذَا سَاوَاهُ فَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ فِي النِّكَاحِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَا لَا يُزَوِّجُ النِّسَاءُ إلَّا الْأَوْلِيَاءُ، وَلَا يُزَوَّجْنَ إلَّا مِنْ الْأَكْفَاءِ» رَوَاهُ جَابِرٌ

وَلِأَنَّ انْتِظَامَ الْمَصَالِحِ بَيْنَ الْمُتَكَافِئَيْنِ عَادَةً، لِأَنَّ الشَّرِيفَةَ تَأْبَى أَنْ تَكُونَ مُسْتَفْرَشَةً لِلْخَسِيسِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهَا، بِخِلَافِ جَانِبِهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ مُسْتَفْرِشٌ فَلَا تَغِيظُهُ دَنَاءَةُ الْفِرَاشِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِأَنَّ انْتِظَامَ الْمَصَالِحِ بَيْنَ الْمُتَكَافِئَيْنِ عَادَةٌ) وَالنِّكَاحُ شُرِعَ لِانْتِظَامِهَا وَلَا تَنْتَظِمُ بَيْنَ غَيْرِ الْمُتَكَافِئَيْنِ (لِأَنَّ الشَّرِيفَةَ تَأْبَى أَنْ تَكُونَ مُسْتَفْرَشَةً لِلْخَسِيسِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهَا) مِنْ جَانِبِهِ بِخِلَافِ جَانِبِهَا لِأَنَّهُ مُسْتَفْرِشٌ فَلَا يَغِيظُهُ دَنَاءَةُ الْفِرَاشِ

(وَإِذَا زَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَلِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا) دَفْعًا لِضَرَرِ الْعَارِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ (ثُمَّ الْكَفَاءَةُ تُعْتَبَرُ فِي النَّسَبِ) ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ بِهِ التَّفَاخُرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِذَا زَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَلِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا دَفْعًا لِضَرَرِ الْعَارِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ) يَعْنِي مَا لَمْ تَلِدْ مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ. فَإِنْ قِيلَ: الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ، فَفِي الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ بِدُونِهَا وَحَقِّ الِاعْتِرَاضِ مُخَالَفَةٌ لَهُ. قُلْت: جَازَ أَنْ يَكُونَ نَهْيًا وَهُوَ يَقْتَضِي الْمَشْرُوعِيَّةَ عِنْدَنَا (ثُمَّ الْكَفَاءَةُ) عِنْدَنَا (تُعْتَبَرُ فِي) خَمْسَةِ أَشْيَاءَ (النَّسَبِ)

(فَقُرَيْشٌ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ، وَالْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْحُرِّيَّةِ، وَالدِّينِ، وَالْمَالِ، وَالصَّنَائِعِ أَمَّا النَّسَبُ فَلِأَنَّهُ يَقَعُ بِهِ التَّفَاخُرُ، وَكَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَقُولُ: لَا تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ فِيهِ لِأَنَّ النَّاسَ سَوَاسِيَةٌ بِالْحَدِيثِ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «النَّاسُ سَوَاسِيَةٌ كَأَسْنَانِ الْمُشْطِ، لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، إنَّمَا الْفَضْلُ بِالتَّقْوَى» وَقَدْ تَأَيَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]

«قُرَيْشٌ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ بَطْنٌ بِبَطْنٍ، وَالْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ قَبِيلَةٌ بِقَبِيلَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قُرَيْشٌ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ بَطْنٌ بِبَطْنٍ وَالْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ قَبِيلَةٌ بِقَبِيلَةٍ،

وَالْمَوَالِي بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ رَجُلٌ بِرَجُلٍ» وَلَا يُعْتَبَرُ التَّفَاضُلُ فِيمَا بَيْنَ قُرَيْشٍ لِمَا رَوَيْنَا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَسَبًا مَشْهُورًا كَأَهْلِ بَيْتِ الْخِلَافَةِ، كَأَنَّهُ قَالَ تَعْظِيمًا لِلْخِلَافَةِ وَتَسْكِينًا لِلْفِتْنَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمَوَالِي بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ رَجُلٌ بِرَجُلٍ» وَالْمُرَادُ بِالْمَوَالِي الْعُتَقَاءُ لَمَّا كَانَتْ غَيْرَ عَرَبٍ فِي الْأَكْثَرِ غُلِّبَتْ عَلَى الْعَجَمِ حَتَّى قَالُوا الْمَوَالِي بَعْضُهَا أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ وَالْعَرَبُ بَعْضُهَا أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ (وَلَا يُعْتَبَرُ التَّفَاضُلُ فِيمَا بَيْنَ قُرَيْشٍ لِمَا رَوَيْنَا) يَعْنِي مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قُرَيْشٌ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ» قَابَلَ الْبَعْضَ بِالْبَعْضِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْفَضِيلَةِ بَيْنَ قَبَائِلِهِمْ؛ أَلَا يَرَى «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَوَّجَ ابْنَتَهُ رُقَيَّةَ مِنْ عُثْمَانَ وَكَانَ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ» ، وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْمَوَالِي رَجُلٌ بِرَجُلٍ إشَارَةً إلَى أَنَّ النَّسَبَ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِمْ قِيلَ لِأَنَّهُمْ ضَيَّعُوا أَنْسَابَهُمْ فَلَا يَكُونُ التَّفَاخُرُ فِيهِمْ بِالنَّسَبِ بَلْ بِالدِّينِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ سَلْمَانُ حِينَ افْتَخَرَتْ الصَّحَابَةُ بِالْأَنْسَابِ وَانْتَهَى الْأَمْرُ إلَيْهِ: أَبِي الْإِسْلَامُ لَا أَبَ لِي سِوَاهُ. قَوْلُهُ (وَعَنْ مُحَمَّدٍ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ) يَعْنِي قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُعْتَبَرُ التَّفَاضُلُ فِيمَا بَيْنَ قُرَيْشٍ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) النَّسَبُ (نَسَبًا مَشْهُورًا) فِي الْحُرْمَةِ (كَأَهْلِ بَيْتِ الْخِلَافَةِ) فَحِينَئِذٍ يُعْتَبَرُ التَّفَاضُلُ، حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَتْ قُرَشِيَّةٌ مِنْ أَوْلَادِ الْخُلَفَاءِ قُرَشِيًّا لَيْسَ مِنْ أَوْلَادِهِمْ كَانَ لِلْأَوْلِيَاءِ حَقُّ الِاعْتِرَاضِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (كَأَنَّهُ) يَعْنِي مُحَمَّدًا (قَالَ ذَلِكَ تَعْظِيمًا لِلْخِلَافَةِ وَتَسْكِينًا لِلْفِتْنَةِ) لَا لِانْعِدَامِ أَصْلِ الْكَفَاءَةِ.

وَبَنُو بَاهِلَةَ لَيْسُوا بِأَكْفَاءَ لِعَامَّةِ الْعَرَبِ؛ لِأَنَّهُمْ مَعْرُوفُونَ بِالْخَسَاسَةِ. (وَأَمَّا الْمَوَالِي فَمَنْ كَانَ لَهُ أَبَوَانِ فِي الْإِسْلَامِ فَصَاعِدًا فَهُوَ مِنْ الْأَكْفَاءِ) يَعْنِي لِمَنْ لَهُ آبَاءٌ فِيهِ. وَمَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ أَوْ لَهُ أَبٌ وَاحِدٌ فِي الْإِسْلَامِ لَا يَكُونُ كُفْئًا لِمَنْ لَهُ أَبَوَانِ فِي الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ تَمَامَ النَّسَبِ بِالْأَبِ وَالْجَدِّ، وَأَبُو يُوسُفَ أَلْحَقَ الْوَاحِدَ بِالْمُثَنَّى كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ فِي التَّعْرِيفِ. وَمَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ لَا يَكُونُ كُفْئًا لِمَنْ لَهُ أَبٌ وَاحِدٌ فِي الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ التَّفَاخُرَ فِيمَا بَيْنَ الْمَوَالِي بِالْإِسْلَامِ. وَالْكَفَاءَةُ فِي الْحُرِّيَّةِ نَظِيرُهَا فِي الْإِسْلَامِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ الرِّقَّ أَثَرُ الْكُفْرِ وَفِيهِ مَعْنَى الذُّلِّ فَيُعْتَبَرُ فِي حُكْمِ الْكَفَاءَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَبَنُو بَاهِلَةَ) بَنُو بَاهِلَةَ قَبِيلَةٌ مِنْ قَيْسِ عَيْلَانَ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ اسْمُ امْرَأَةٍ مِنْ هَمْدَانَ كَانَتْ تَحْتَ مَعْنِ بْنِ أَعْصَرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ عَيْلَانَ فَنُسِبَ وَلَدُهَا إلَيْهَا، وَالْعَرَبُ هُمْ الَّذِينَ اسْتَوْطَنُوا الْمُدُنَ وَالْقُرَى، وَالْوَاحِدُ عَرَبِيٌّ، وَالْأَعْرَابِيُّ وَاحِدُ الْأَعْرَابِ وَهُمْ أَهْلُ الْبَدْوِ (وَبَنُو بَاهِلَةَ لَيْسُوا بِأَكْفَاءٍ لِعَامَّةِ الْعَرَبِ لِأَنَّهُمْ مَعْرُوفُونَ بِالْخَسَاسَةِ) لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَأْكُلُونَ بَقِيَّةَ الطَّعَامِ مَرَّةً ثَانِيَةً، وَلِأَنَّهُمْ كَانُوا يَطْبُخُونَ عِظَامَ الْمَيْتَةِ وَيَأْخُذُونَ الدُّسُومَاتِ مِنْهَا. قَالَ قَائِلُهُمْ: وَلَا يَنْفَعُ الْأَصْلَ مِنْ هَاشِمٍ ... إذَا كَانَتْ النَّفْسُ مِنْ بَاهِلَهْ وَقَوْلُهُ (وَأَمَّا الْمَوَالِي) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ فِي التَّعْرِيفِ) أَيْ فِي تَعْرِيفِ الشَّخْصِ فِي الشَّهَادَةِ، فَإِنَّ الشُّهُودَ إذَا ذَكَرُوا اسْمَ الْغَائِبِ وَاسْمَ أَبِيهِ يَحْصُلُ بِهِ التَّعْرِيفُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ الْجَدِّ، وَعِنْدَهُمَا لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْجَدِّ. وَقَوْلُهُ وَمَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ لَا يَكُونُ كُفْئًا لِمَنْ لَهُ أَبٌ وَاحِدٌ فِي الْإِسْلَامِ) نُقِلَ فِي النِّهَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ أَنَّ هَذَا فِي الْمَوَالِي، وَأَمَّا فِي الْعَرَبِ فَمَنْ لَا أَبَ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ الْعَرَبِ وَهُوَ مُسْلِمٌ فَهُوَ كُفْءٌ لِمَنْ لَهُ آبَاءٌ فِي الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْعَرَبَ يَتَفَاخَرُونَ بِالنَّسَبِ فَيَعُدُّونَ النَّسَبَ كُفْئًا لِنَسَبِ آخَرَ إذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ، وَأَمَّا الْعَجَمُ فَقَدْ ضَيَّعُوا أَنْسَابَهُمْ، وَمُفَاخَرَتَهُمْ بِالْإِسْلَامِ، فَمَنْ كَانَ لَهُ أَبٌ فِي الْإِسْلَامِ يَفْتَخِرُ عَلَى مَنْ لَا أَبَ لَهُ فِيهِ وَلَا يَعُدُّهُ كُفْئًا لَهُ (وَالْكَفَاءَةُ فِي الْحُرِّيَّةِ نَظِيرُهَا) أَيْ نَظِيرُ الْكَفَاءَةِ (فِي الْإِسْلَامِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا) مِنْ الْوِفَاقِ وَالْخِلَافِ فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَكُونُ كُفْئًا لِمَنْ هِيَ حُرَّةُ الْأَصْلِ، وَكَذَلِكَ الْمُعْتَقُ لَا يَكُونُ كُفْئًا لَهَا وَالْمُعْتَقُ أَبُوهُ لَا يَكُونُ كُفْئًا لِمَنْ لَهَا أَبَوَانِ فِي الْحُرِّيَّةِ (لِأَنَّ الرِّقَّ أَثَرُ الْكُفْرِ وَفِيهِ مَعْنَى الذُّلِّ فَيُعْتَبَرُ فِي حُكْمِ الْكَفَاءَةِ) بِسَبَبِهِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الَّذِي أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ أَوْ أُعْتِقَ إذَا أَحْرَزَ مِنْ الْفَضَائِلِ مَا يُقَابِلُ نَسَبَ الْآخَرِ كَانَ كُفْئًا لَهُ.

قَالَ (وَتُعْتَبَرُ أَيْضًا فِي الدِّينِ) أَيْ الدِّيَانَةِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَعْلَى الْمَفَاخِرِ، وَالْمَرْأَةُ تُعَيَّرُ بِفِسْقِ الزَّوْجِ فَوْقَ مَا تُعَيَّرُ بِضَعَةِ نَسَبِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَتُعْتَبَرُ أَيْضًا فِي الدِّينِ) أَيْ وَتُعْتَبَرُ أَيْضًا الْكَفَاءَةُ فِي الدِّينِ (أَيْ فِي الدِّيَانَةِ) وَهِيَ التَّقْوَى وَالصَّلَاحُ وَالْحَسَبُ وَهُوَ مَكَارِمُ الْأَخْلَاقِ، وَإِنَّمَا فُسِّرَ الدِّينُ بِالدِّيَانَةِ لِأَنَّ مُطْلَقَ الدِّينِ هُوَ الْإِسْلَامُ، وَلَا كَلَامَ فِيهِ لِأَنَّ إسْلَامَ الزَّوْجِ شَرْطُ جَوَازِ نِكَاحِ الْمُسْلِمَةِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي حَقِّ الِاعْتِرَاضِ لِلْأَوْلِيَاءِ بَعْدَ انْعِقَادِ الْعَقْدِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الدِّينِ بِمَعْنَى الدِّيَانَةِ (وَهَذَا) أَيْ اعْتِبَارُ الْكَفَاءَةِ فِي الدِّيَانَةِ (قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ) أَيْ الدِّينَ بِمَعْنَى الدِّيَانَةِ (مِنْ أَعْلَى الْمَفَاخِرِ وَالْمَرْأَةُ تُعَيَّرُ بِفِسْقِ الزَّوْجِ فَوْقَ مَا تُعَيَّرُ بِضِعَةِ النَّسَبِ) فَلَمَّا كَانَ النَّسَبُ مُعْتَبَرًا فِيهَا كَانَتْ الدِّيَانَةُ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ. وَقَوْلُهُ (وَأَبُو يُوسُفَ مَعَهُ هُوَ الصَّحِيحُ) أَيْ قِرَانُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى تَكُونُ الْكَفَاءَةُ فِي الدِّينِ قَوْلُهُمَا جَمِيعًا هُوَ الصَّحِيحُ، وَاحْتُرِزَ بِذَلِكَ عَنْ رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ الْكَفَاءَةَ فِي الدِّينِ حَيْثُ قَالَ إذَا كَانَ الْفَاسِقُ ذَا مُرُوءَةٍ يَكُونُ كُفْئًا، وَقَالَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَرَادَ بِهِ أَعْوَانَ السُّلْطَانِ إذَا كَانُوا بِحَيْثُ يَكُونُ لَهُمْ مَهَابَةٌ عِنْدَ النَّاسِ

وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ فَلَا تُبْتَنَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الدُّنْيَا إلَّا إذَا كَانَ يُصْفَعُ وَيُسْخَرُ مِنْهُ أَوْ يَخْرُجُ إلَى الْأَسْوَاقِ سَكْرَانَ وَيَلْعَبُ بِهِ الصِّبْيَانُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَخَفٌّ بِهِ. قَالَ (وَ) تُعْتَبَرُ (فِي الْمَالِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ) وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، حَتَّى إنَّ مَنْ لَا يَمْلِكُهُمَا أَوْ لَا يَمْلِكُ أَحَدَهُمَا لَا يَكُونُ كُفْئًا؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ بَدَلُ الْبُضْعِ فَلَا بُدَّ مِنْ إيفَائِهِ وَبِالنَّفَقَةِ قِوَامُ الِازْدِوَاجِ وَدَوَامُهُ. وَالْمُرَادُ بِالْمَهْرِ قَدْرُ مَا تَعَارَفُوا تَعْجِيلَهُ؛ لِأَنَّ مَا وَرَاءَهُ مُؤَجَّلٌ عُرْفًا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اعْتَبَرَ الْقُدْرَةَ عَلَى النَّفَقَةِ دُونَ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ تَجْرِي الْمُسَاهَلَةُ فِي الْمَهْرِ وَيُعَدُّ الْمَرْءُ قَادِرًا عَلَيْهِ بِيَسَارِ أَبِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تُعْتَبَرُ) الْكَفَاءَةُ فِي الدِّيَانَةِ (لِأَنَّهُ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ، فَلَا تُبْتَنَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الدُّنْيَا إلَّا إذَا كَانَ يُصْفَعُ) أَيْ يُضْرَبُ عَلَى قَفَاهُ بِعَرْضِ الْكَفِّ (وَيُسْخَرُ مِنْهُ أَوْ يَخْرُجُ إلَى الْأَسْوَاقِ سَكْرَانَ فَيَلْعَبُ بِهِ الصِّبْيَانُ) فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ حِينَئِذٍ كُفْئًا لِامْرَأَةٍ صَالِحَةٍ مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ قِيلَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (لِأَنَّهُ مُسْتَخَفٌّ بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الصَّفْعِ (وَتُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ فِي الْمَالِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) عَنْ عُلَمَائِنَا (حَتَّى إنَّ مَنْ لَا يَمْلِكُهُمَا أَوْ لَا يَمْلِكُ أَحَدَهُمَا لَا يَكُونُ كُفْئًا) أَمَّا الْمَهْرُ فَلِأَنَّهُ بَدَلُ الْبُضْعِ فَلَا بُدَّ مِنْ إيفَائِهِ، وَأَمَّا النَّفَقَةُ فَلِأَنَّ قِوَامَ الِازْدِوَاجِ وَدَوَامَهُ بِهَا (وَالْمُرَادُ بِالْمَهْرِ قَدْرُ مَا تَعَارَفُوا تَعْجِيلَهُ لِأَنَّ مَا وَرَاءَهُ مُؤَجَّلٌ عُرْفًا) لَيْسَ بِمُطَالَبٍ بِهِ فَلَا يُسْقِطُ الْكَفَاءَةَ. وَقَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ) هُوَ غَيْرُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. رَوَى الْحَسَنُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: الْكُفْءُ هُوَ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ. قُلْت: فَإِنْ كَانَ يَمْلِكُ الْمَهْرَ دُونَ النَّفَقَةِ، قَالَ: لَيْسَ بِكُفْءٍ قُلْت: فَإِنْ كَانَ يَمْلِكُ النَّفَقَةَ دُونَ الْمَهْرِ، قَالَ: يَكُونُ كُفْئًا. قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي تَعْلِيلِهِ: لِأَنَّ الْمَهْرَ يَجْرِي فِيهِ التَّسْهِيلُ وَالتَّأْجِيلُ وَيُعَدُّ قَادِرًا عَلَى الْمَهْرِ بِيَسَارِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَجَدِّهِ وَجَدَّتِهِ، وَلَا يُعَدُّ قَادِرًا عَلَى النَّفَقَةِ بِيَسَارِ الْأَبِ

فَأَمَّا الْكَفَاءَةُ فِي الْغِنَى فَمُعْتَبَرَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ حَتَّى إنَّ الْفَائِقَةَ فِي الْيَسَارِ لَا يُكَافِئُهَا الْقَادِرُ عَلَى الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاخَرُونَ بِالْغِنَى وَيَتَعَيَّرُونَ بِالْفَقْرِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهُ لَا ثَبَاتَ لَهُ إذْ الْمَالُ غَادٍ وَرَائِحٌ (وَ) تُعْتَبَرُ (فِي الصَّنَائِعِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ إلَّا أَنْ تَفْحُشَ كَالْحَجَّامِ وَالْحَائِكِ وَالدَّبَّاغِ. وَجْهُ الِاعْتِبَارِ أَنَّ النَّاسَ يَتَفَاخَرُونَ بِشَرَفِ الْحِرَفِ وَيَتَعَيَّرُونَ بِدَنَاءَتِهَا. وَجْهُ الْقَوْلِ الْآخَرِ أَنَّ الْحِرْفَةَ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ، وَيُمْكِنُ التَّحَوُّلُ عَنْ الْخَسِيسَةِ إلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْآبَاءَ فِي الْعَادَاتِ يَتَحَمَّلُونَ الْمُهُورَ عَنْ الْأَوْلَادِ دُونَ النَّفَقَةِ الدَّائِرَةِ. وَقَوْلُهُ (فَأَمَّا الْكَفَاءَةُ فِي الْغِنَى فَمُعْتَبَرَةٌ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ) فِي رِوَايَةٍ لَا تُعْتَبَرُ وَهُوَ الظَّاهِرُ حَتَّى يَكُونَ الْبَيْطَارُ كُفْئًا لِلْعَطَّارِ. وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: الْمَوَالِي بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ إلَّا الْحَائِكَ وَالْحَجَّامَ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ إلَّا أَنْ تَفْحُشَ كَالْحَجَّامِ وَالْحَائِكِ وَالدَّبَّاغِ) وَوَجْهُ الرِّوَايَتَيْنِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ.

النَّفِيسَةِ مِنْهَا قَالَ (وَإِذَا تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ وَنَقَصَتْ عَنْ مَهْرِ مِثْلِهَا فَلِلْأَوْلِيَاءِ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يُتِمَّ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا أَوْ يُفَارِقَهَا) وَقَالَا: لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ. وَهَذَا الْوَضْعُ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ عَلَى اعْتِبَارِ قَوْلِهِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ الْوَلِيِّ، وَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ وَهَذِهِ شَهَادَةٌ صَادِقَةٌ عَلَيْهِ. لَهُمَا أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ حَقُّهَا وَمَنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ لَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ كَمَا بَعْدَ التَّسْمِيَةِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَوْلِيَاءَ يَفْتَخِرُونَ بِغَلَاءِ الْمَهْرِ وَيَتَعَيَّرُونَ بِنُقْصَانِهِ فَأَشْبَهَ الْكَفَاءَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَإِذَا تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ وَنَقَصَتْ عَنْ مَهْرِ مِثْلِهَا) إذَا تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ وَنَقَصَتْ عَنْ مَهْرِ مِثْلِهَا (فَلِلْأَوْلِيَاءِ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يُتِمَّ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا أَوْ يُفَارِقَهَا وَقَالَا لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا الْوَضْعُ) أَيْ وَضْعُ الْقُدُورِيِّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ (إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ عَلَى اعْتِبَارِ قَوْلِهِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ الْوَلِيِّ وَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ، وَهَذِهِ شَهَادَةٌ صَادِقَةٌ عَلَيْهِ) فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُهَا بِغَيْرِ الْوَلِيِّ لَمْ يَقُلْ لَيْسَ لَهُمْ الِاعْتِرَاضُ، وَأَقُولُ: هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ أَنْ لَوْ تَعَيَّنَ هَذَا الْوَضْعُ فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهَا الْوَلِيُّ بِالنِّكَاحِ وَلَمْ يُسَمِّ مَهْرًا فَعَقَدَتْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ صَحَّ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْأَوَّلِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَكْرَهَ السُّلْطَانُ امْرَأَةً وَوَلِيَّهَا عَلَى تَزْوِيجِهَا بِمَهْرٍ قَلِيلٍ فَفَعَلَ ثُمَّ زَالَ الْإِكْرَاهُ وَرَضِيَتْ الْمَرْأَةُ دُونَ الْوَلِيِّ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْوَضْعِ دَلَالَةٌ عَلَى رُجُوعِ مُحَمَّدٍ إلَى قَوْلِهِمَا، وَالْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَاضِحٌ وَقَوْلُهُ (فَأَشْبَهَ الْكَفَاءَةَ) يَعْنِي فِي تَعَيُّرِ الْأَوْلِيَاءِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الشَّرْعَ قَدْ نَدَبَنَا إلَى رُخَصِ الصَّدَاقِ دُونَ تَرْكِ الْكَفَاءَةِ، وَكَذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَضَعْ بَنَاتِهِ فِي غَيْرِ الْأَكْفَاءِ وَزَوَّجَهُنَّ بِأَدْنَى الصَّدَاقِ، فَإِنَّهُ مَا زَادَ عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ وَنَشٍّ: أَيْ نِصْفِ أُوقِيَّةٍ، وَمُهُورُهُنَّ كَانَتْ فَوْقَ مُهُورِ سَائِرِ النِّسَاءِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ بِقَدْرِ الشَّرَفِ، وَلَمْ يَزَلْ الشَّرَفُ كَانَ بِقُرَيْشٍ فَلَا مُشَابَهَةَ بَيْنَهُمَا. وَالْجَوَابُ بِأَنَّ وَجْهَ الشَّبَهِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَعَيُّرِ الْأَوْلِيَاءِ، وَهُوَ وَصْفٌ مُؤَثِّرٌ فِي الْبَابِ، وَأَمَّا أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ فَرْقٌ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَلَمْ يَشْتَرِطْهُ أَحَدٌ مِنْ

بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَعَيَّرُ بِهِ. (وَإِذَا زَوَّجَ الْأَبُ بِنْتَه الصَّغِيرَةَ وَنَقَصَ مِنْ مَهْرِهَا أَوْ ابْنَهُ الصَّغِيرَ وَزَادَ فِي مَهْرِ امْرَأَتِهِ جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا يَجُوزُ الْحَطُّ وَالزِّيَادَةُ إلَّا بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ) وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ مُقَيَّدَةٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ فَعِنْدَ فَوَاتِهِ يَبْطُلُ الْعَقْدُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحَطَّ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ لَيْسَ مِنْ النَّظَرِ فِي شَيْءٍ كَمَا فِي الْبَيْعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQذَوِي التَّحْصِيلِ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ) جَوَابُ قَوْلِهِمَا كَمَا بَعْدَ التَّسْمِيَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَوْلِيَاءَ لَا يَشْتَغِلُونَ بِاسْتِيفَاءِ الْمُهُورِ عَادَةً وَرُبَّمَا يَعُدُّونَهُ ضَرْبًا مِنْ اللُّؤْمِ فِي الْعَادَاتِ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا زَوَّجَ الْأَبُ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ) بَيَانُهُ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ وَهُوَ قَوْلُهُ " وَقَالَا لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا الْحَطُّ وَالزِّيَادَةُ إلَّا بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ " بِظَاهِرِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ وَالزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ قِبَلِ التَّسْمِيَةِ وَفَسَادِهَا لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ كَمَا لَوْ تَرَكَهَا أَصْلًا أَوْ زَوَّجَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ أَنَّ نَفْسَ النِّكَاحِ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ مُخْتَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَالْمُصَنِّفِ (لِأَنَّ الْوِلَايَةَ مُقَيَّدَةٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ) وَلَا نَظَرَ فِيمَا إذَا حَطَّ عَنْ مَهْرِهَا أَوْ زَادَ عَنْ مَهْرِهِ فَيَكُونُ الْعَقْدُ بَاطِلًا كَمَا إذَا بَاعَ

وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ غَيْرُهُمَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِ النَّظَرِ وَهُوَ قُرْبُ الْقَرَابَةِ، وَفِي النِّكَاحِ مَقَاصِدُ تَرْبُو عَلَى الْمَهْرِ. أَمَّا الْمَالِيَّةُ فَهِيَ الْمَقْصُودُ فِي التَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ وَالدَّلِيلُ عَدِمْنَاهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا. (وَمَنْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ وَهِيَ صَغِيرَةٌ عَبْدًا أَوْ زَوَّجَ ابْنَهُ وَهُوَ صَغِيرٌ أَمَةً فَهُوَ جَائِزٌ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا) ؛ لِأَنَّ الْإِعْرَاضَ عَنْ الْكَفَاءَةِ لِمَصْلَحَةِ تَفَوُّقِهَا وَعِنْدَهُمَا هُوَ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ فَلَا يَجُوزُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَبُ بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ أَوْ اشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِنْهَا بِذَلِكَ (وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ غَيْرُهُمَا، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِ النَّظَرِ) تَقْرِيرُهُ: النَّظَرُ وَالضَّرَرُ فِي هَذَا الْعَقْدِ بَاطِنَانِ، لَكِنْ لِلنَّظَرِ دَلِيلٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ (وَهُوَ قُرْبُ الْقَرَابَةِ) الدَّاعِيَةِ إلَيْهِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ هَاهُنَا فَيَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ وَهُوَ جَوَازُ النِّكَاحِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا بِأَنَّ النَّظَرَ وَالضَّرَرَ فِي هَذَا الْعَقْدِ بَاطِنَانِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ لَيْسَ حُصُولَ الْمَالِ أَلْبَتَّةَ بَلْ فِيهِ مَقَاصِدُ تَرْبُو عَلَى الْمَهْرِ مِنْ الْكَمَالَاتِ الْمَطْلُوبَةِ فِي الْإِخْتَانِ وَالْعَرَائِسِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَظَرُ الْأَبِ فِي الْحَطِّ وَالزِّيَادَةِ إلَى ذَلِكَ وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ، فَكَانَ النَّظَرُ وَالضَّرَرُ بَاطِنَيْنِ فَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَى الدَّلِيلِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ الْمَالِيَّةَ هِيَ الْمَقْصُودَةُ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ فَلَمْ يَكُنْ فِي مُقَابَلَتِهَا شَيْءٌ يُجْبَرُ بِهِ خَلَلُ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ حَتَّى يَقَعَ التَّرَدُّدُ بَيْنَ النَّظَرِ وَالضَّرَرِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْأَبِ فَالدَّلِيلُ الدَّالُّ عَلَى النَّظَرِ مَعْدُومٌ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ) نَظِيرُ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ فِي التَّزْوِيجِ بِضَرَرٍ ظَاهِرٍ، وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ.

[فصل في الوكالة بالنكاح وغيرها]

فَصْلٌ فِي الْوَكَالَةِ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرِهَا (وَيَجُوزُ لِابْنِ الْعَمِّ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَ عَمِّهِ مِنْ نَفْسِهِ) وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ (وَإِنْ أَذِنَتْ الْمَرْأَةُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ فَعَقَدَ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ جَازَ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الْوَكَالَةِ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرِهَا] لَمَّا كَانَتْ الْوَكَالَةُ نَوْعًا مِنْ الْوِلَايَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ تَصَرُّفَ الْوَكِيلِ يَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ كَتَصَرُّفِ الْوَلِيِّ عَلَى الْمَوْلَى عَلَيْهِ نَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَهَا فِي بَابِ الْأَوْلِيَاءِ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ. وَقَوْلُهُ (وَغَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ الْوَكَالَةِ كَنِكَاحِ الْفُضُولِيِّ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ لِابْنِ الْعَمِّ) صُورَتُهُ وَتَحْرِيرُ الْمَذَاهِبِ فِيهِ ظَاهِرٌ، وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ دَلِيلِ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي مَعْنًى

لَهُمَا أَنَّ الْوَاحِدَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مُمَلِّكًا وَمُتَمَلِّكًا كَمَا فِي الْبَيْعِ، إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ فِي الْوَلِيِّ ضَرُورَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَلَّاهُ سِوَاهُ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ الْوَكِيلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ أَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ مُمَلِّكًا وَمُتَمَلِّكًا لِشَيْءٍ وَاحِدٍ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ. وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيُّ الْوَلِيَّ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ فِيهِ

وَلَنَا أَنَّ الْوَكِيلَ فِي النِّكَاحِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ، وَالتَّمَانُعُ فِي الْحُقُوقِ دُونَ التَّعْبِيرِ وَلَا تَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ حَتَّى رَجَعَتْ الْحُقُوقُ إلَيْهِ، وَإِذَا تَوَلَّى طَرَفَيْهِ فَقَوْلُهُ زَوَّجْت يَتَضَمَّنُ الشَّطْرَيْنِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ. . قَالَ (وَتَزْوِيجُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُمَا مَوْقُوفٌ فَإِنْ أَجَازَهُ الْمَوْلَى جَازَ، وَإِنْ رَدَّهُ بَطَلَ، وَكَذَلِكَ لَوْ زَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةً بِغَيْرِ رِضَاهَا أَوْ رَجُلًا بِغَيْرِ رِضَاهُ) وَهَذَا عِنْدَنَا فَإِنَّ كُلَّ عَقْدٍ صَدَرَ مِنْ الْفُضُولِيِّ وَلَهُ مُجِيزٌ انْعَقَدَ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَصَرُّفَاتُ الْفُضُولِيِّ كُلُّهَا بَاطِلَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَذْهَبِ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَبَنَاهُ عَلَى الضَّرُورَةِ (وَلَنَا أَنَّ الْوَكِيلَ فِي النِّكَاحِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ) وَكُلُّ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مُمَلِّكًا وَمُتَمَلِّكًا لِأَنَّهُ لَا تَمَانُعَ فِي التَّعْبِيرِ بِأَنْ يَقُولَ تَزَوَّجْت بِنْتَ عَمِّي فُلَانَةَ عَلَى صَدَاقِ كَذَا، وَإِنَّمَا التَّمَانُعُ فِي الْحُقُوقِ كَالتَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ وَالْإِيفَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ وَهِيَ لَا تَرْجِعُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ سَفِيرٌ لَا مُبَاشِرٌ (بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ حَتَّى رَجَعَتْ الْحُقُوقُ إلَيْهِ، وَإِذَا تَوَلَّى طَرَفَيْهِ فَقَوْلُهُ زَوَّجْت يَتَضَمَّنُ الشَّطْرَيْنِ) أَيْ شَطْرَيْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَمَّا قَامَ مَقَامَ اثْنَيْنِ قَامَتْ عِبَارَتُهُ الْوَاحِدَةُ أَيْضًا مَقَامَ عِبَارَتَيْنِ (فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ) . وَقَوْلُهُ (وَتَزْوِيجُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَلَهُ مُجِيزٌ) أَيْ قَابِلٌ يَقْبَلُ الْإِيجَابَ سَوَاءٌ كَانَ فُضُولِيًّا آخَرَ أَوْ وَكِيلًا أَوْ أَصِيلًا.

لِأَنَّ الْعَقْدَ وُضِعَ لِحُكْمِهِ، وَالْفُضُولِيُّ لَا يَقْدِرُ عَلَى إثْبَاتِ الْحُكْمِ فَيَلْغُو. وَلَنَا أَنَّ رُكْنَ التَّصَرُّفِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ، وَلَا ضَرَرَ فِي انْعِقَادِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْعَقْدَ وُضِعَ لِحُكْمِهِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَقَاصِدَ الْأَصْلِيَّةَ هُوَ الْحُكْمُ وَالْأَسْبَابُ وَالْعِلَلُ وَسَائِلُ إلَيْهِ (وَالْفُضُولِيُّ لَا يَقْدِرُ عَلَى إثْبَاتِ الْحُكْمِ) وَإِلَّا لَجَازَ لِلنَّاسِ تَمْلِيكُ أَمْوَالِ النَّاسِ لِلنَّاسِ وَفِيهِ مِنْ الْفَسَادِ مَا لَا يَخْفَى، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ قَادِرًا كَانَ كَلَامُهُ لَغْوًا (وَلَنَا أَنَّ رُكْنَ التَّصَرُّفِ) وَهُوَ قَوْلُهُ زَوَّجْت وَتَزَوَّجْت (صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ) وَهُوَ الْحُرُّ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ (مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ) وَهُوَ الْأُنْثَى مِنْ بَنَاتِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَيْسَتْ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ (وَلَا ضَرَرَ فِي انْعِقَادِهِ) لِكَوْنِهِ

فَيَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا. حَتَّى إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ يُنَفِّذُهُ، وَقَدْ يَتَرَاخَى حُكْمُ الْعَقْدِ عَنْ الْعَقْدِ (وَمَنْ قَالَ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَبَلَغَهَا فَأَجَازَتْ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ قَالَ آخَرُ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ زَوَّجْتُهَا مِنْهُ فَبَلَغَهَا الْخَبَرُ فَأَجَازَتْ جَازَ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الَّتِي قَالَتْ جَمِيعَ ذَلِكَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرَ لَازِمٍ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ (فَيَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا، فَإِنْ رَأَى فِيهِ مَصْلَحَةً نَفَّذَهُ) وَإِلَّا أَبْطَلَهُ. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ يَتَرَاخَى حُكْمُ الْعَقْدِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ الْعَقْدَ وُضِعَ لِحِكْمَةٍ وَتَقْرِيرُهُ الْقَوْلَ بِالْمُوجِبِ: يَعْنِي سَلَّمْنَا ذَلِكَ لَكِنَّ الْحُكْمَ هَاهُنَا لَمْ يَنْعَدِمْ بَلْ تَأَخَّرَ إلَى الْإِجَازَةِ، وَالْحُكْمُ قَدْ يَتَرَاخَى عَنْ الْعَقْدِ كَمَا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، فَإِنَّ لُزُومَهُ مُتَرَاخٍ إلَى سُقُوطِ الْخِيَارِ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ قَالَ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ) ظَاهِرٌ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ الْأُولَى لَا مُجِيزَ

وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا غَائِبًا فَبَلَغَهُ فَأَجَازَهُ جَازَ. وَحَاصِلُ الْخِلَافِ أَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَصْلُحُ فُضُولِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ فُضُولِيًّا مِنْ جَانِبٍ وَأَصِيلًا مِنْ جَانِبٍ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهَا فَلَا تَتَوَقَّفُ، وَالثَّانِيَةَ لَهَا مُجِيزٌ فَتَتَوَقَّفُ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ شَرْطَ التَّوَقُّفِ وُجُودُ الْمُجِيزِ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا) أَيْ مَجْمُوعُ مَا ذُكِرَ (قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا فَبَلَغَهُ) يَعْنِي بِغَيْرِ مُجِيزٍ (كَأَجَازَهُ جَازَ) قَوْلُهُ (وَحَاصِلُ ذَلِكَ) قَالَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ: هَاهُنَا سِتُّ مَسَائِلَ، ثَلَاثٌ مِنْهَا تَقِفُ عَلَى الْإِجَازَةِ بِلَا خِلَافٍ: إحْدَاهَا أَنَّ الْفُضُولِيَّ إذَا قَالَ: زَوَّجْتُ فُلَانَةَ مِنْ فُلَانٍ وَقَبِلَ عَنْهُ فُضُولِيٌّ آخَرُ، أَوْ قَالَ الرَّجُلُ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ وَهِيَ غَائِبَةٌ فَأَجَابَهُ فُضُولِيٌّ وَقَالَ: زَوَّجْتهَا مِنْك وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَقِيلَ عَنْ فُلَانٍ: فُضُولِيٌّ تَوَقَّفَ الْعَقْدُ عَلَى الْإِجَازَةِ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ الثَّلَاثَةِ بِالِاتِّفَاقِ، لِأَنَّهُ عَقْدٌ جَرَى بَيْنَ اثْنَيْنِ فَيَكُونُ تَامًّا مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ. وَفِي ثَلَاثٍ مِنْهَا اخْتِلَافٌ: إحْدَاهَا مَا ذُكِرَ أَوَّلًا وَهُوَ قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ، وَالثَّانِيَةُ أَنْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ: زَوَّجْت نَفْسِي مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانٌ غَائِبٌ وَلَمْ يَقْبَلْ عَنْهُ آخَرُ. وَالثَّالِثَةُ أَنْ يَقُولَ الْفُضُولِيُّ زَوَّجْت

وَلَوْ جَرَى الْعَقْدُ بَيْنَ الْفُضُولِيَّيْنِ أَوْ بَيْنَ الْفُضُولِيِّ وَالْأَصِيلِ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ. هُوَ يَقُولُ لَوْ كَانَ مَأْمُورًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ يَنْفُذُ، فَإِذَا كَانَ فُضُولِيًّا يَتَوَقَّفُ وَصَارَ كَالْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ وَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ. وَلَهُمَا أَنَّ الْمَوْجُودَ شَطْرُ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ شَطْرٌ حَالَةَ الْحَضْرَةِ فَكَذَا عِنْدَ الْغَيْبَةِ، وَشَطْرُ الْعَقْدِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ كَلَامُهُ إلَى الْعَاقِدَيْنِ، وَمَا جَرَى بَيْنَ الْفُضُولِيَّيْنِ عَقْدٌ تَامٌّ، وَكَذَا الْخُلْعُ وَأُخْتَاهُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفُ يَمِينٍ مِنْ جَانِبِهِ حَتَّى يَلْزَمَ فَيَتِمَّ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفُلَانَةَ مِنْ فُلَانٍ وَهُمَا غَائِبَانِ وَلَمْ يَقْبَلْ أَحَدٌ فَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَتَوَقَّفُ الْعَقْدُ عَلَى إجَازَةِ الْغَائِبِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا، وَعَلَى قَوْلِهِ آخِرًا يَتَوَقَّفُ (هُوَ يَقُولُ) فِي الْفُضُولِيِّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ (لَوْ كَانَ مَأْمُورًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ نَفَذَ، فَإِذَا كَانَ فُضُولِيًّا تَوَقَّفَ) لِأَنَّ كَلَامَ الْوَاحِدِ عَقْدٌ تَامٌّ فِي النِّكَاحِ بِاعْتِبَارِ الْإِذْنِ ابْتِدَاءً فَكَذَا بِاعْتِبَارِ الْإِجَازَةِ انْتِهَاءً، لِأَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ كَمَا فِي الْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ وَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ، فَإِنَّ الزَّوْجَ إذَا قَالَ: خَالَعْتُ امْرَأَتِي عَلَى كَذَا وَهِيَ غَائِبَةٌ فَبَلَغَهَا الْخَبَرُ فَقَبِلَتْ فِي مَجْلِسِ عِلْمِهَا جَازَ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ وَالْإِعْتَاقُ عَلَى مَالٍ، احْتِيَاجُ الْكُلِّ إلَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ (وَلَهُمَا أَنَّ الْمَوْجُودَ شَرْطُ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ شَطْرُ حَالَةِ الْحَضْرَةِ) حَتَّى مَلَكَ الرُّجُوعَ قَبْلَ قَبُولِ الْآخَرِ وَبَطَلَ بِالْقِيَامِ قَبْلَ قَبُولِ الْآخَرِ، وَلَوْ كَانَ عَقْدًا تَامًّا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَالْجَامِعُ (فَكَذَا عِنْدَ الْغَيْبَةِ) لِأَنَّ الدَّالَّ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى هُوَ الصِّيغَةُ وَهِيَ لَمْ تَخْتَلِفْ (وَشَطْرُ الْعَقْدِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لِأَنَّهُ يَنْقُلُ كَلَامَهُ إلَى الْعَاقِدَيْنِ) فَيَصِيرُ كَكَلَامَيْنِ (وَمَا جَرَى بَيْنَ الْفُضُولِيَّيْنِ عَقْدٌ تَامٌّ) لِوُجُودِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَيَتَوَقَّفُ (وَكَذَا الْخُلْعُ وَأُخْتَاهُ) أَيْ الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ وَالْإِعْتَاقُ عَلَيْهِ (لِأَنَّهُ تَصَرُّفُ يَمِينٍ مِنْ جَانِبِهِ) وَلِهَذَا كَانَ لَازِمًا لَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ، وَالْيَمِينُ يَتِمُّ بِالْحَالِفِ فَكَانَ عَقْدًا تَامًّا،

(وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ اثْنَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ لَمْ تَلْزَمْهُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى تَنْفِيذِهِمَا لِلْمُخَالَفَةِ وَلَا إلَى التَّنْفِيذِ فِي إحْدَاهُمَا غَيْرَ عَيْنٍ لِلْجَهَالَةِ وَلَا إلَى التَّعْيِينِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنَّمَا قَالَ مِنْ جَانِبِهِ لِأَنَّ الْخُلْعَ مِنْ جَانِبِهَا مُعَاوَضَةٌ عَلَى مَا سَيَجِيءُ. قَوْلُهُ (وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ اثْنَتَيْنِ) لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ التَّوْكِيلُ بِامْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَالثَّانِي مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ وَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ وَاضِحٌ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ أَوَّلًا: لَا يَصِحُّ نِكَاحُ إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا وَالْبَيَانُ إلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ مُمْتَثِلٌ أَمْرَهُ فِي إحْدَاهُمَا؛ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا مَنْكُوحَةً؛ كَمَا لَوْ طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ ثَلَاثًا بِغَيْرِ عَيْنِهَا فَالْبَيَانُ إلَى الزَّوْجِ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَالطَّلَاقِ لِاحْتِمَالِهِ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ دُونَ النِّكَاحِ، وَمَا لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ لَا يَثْبُتُ فِي الْمَجْهُولِ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِالْبَيَانِ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَفِي الْأَوَّلِ، وَهُوَ أَنْ أَمَرَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ فُلَانَةَ

فَتَعَيَّنَ التَّفْرِيقُ (وَمَنْ أَمَرَهُ أَمِيرٌ بِأَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ أَمَةً لِغَيْرِهِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) رُجُوعًا إلَى إطْلَاقِ اللَّفْظِ وَعَدَمِ التُّهْمَةِ (وَقَالَا: لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُزَوِّجَهُ كُفْئًا) ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَتَصَرَّفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَزَوَّجَهَا وَأُخْرَى مَعَهَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ جَازَ نِكَاحُ فُلَانَةَ لِلْأَمْرِ بِهِ وَتَوَقَّفَ نِكَاحُ الْأُخْرَى عَلَى الْإِجَازَةِ لِأَنَّهُ فُضُولِيٌّ فِيهَا. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ أَمَرَهُ أَمِيرٌ) قَيَّدَهُ بِالْأَمِيرِ وَحُكْمُ غَيْرِهِ كَذَلِكَ. قَالَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ: وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَمِيرًا فَزَوَّجَهُ الْوَكِيلُ أَمَةً أَوْ حُرَّةً عَمْيَاءَ أَوْ مَقْطُوعَةَ الْيَدَيْنِ أَوْ رَتْقَاءَ أَوْ مَفْلُوجَةً أَوْ مَجْنُونَةً، إمَّا اتِّفَاقًا، وَإِمَّا لِمَا قِيلَ قَيَّدَهُ

وَهُوَ التَّزَوُّجُ بِالْأَكْفَاءِ. قُلْنَا الْعُرْفُ مُشْتَرَكٌ أَوْ هُوَ عُرْفٌ عَمَلِيٌّ فَلَا يَصْلُحُ مُقَيَّدًا. وَذُكِرَ فِي الْوَكَالَةِ أَنَّ اعْتِبَارَ الْكَفَاءَةِ فِي هَذَا اسْتِحْسَانٌ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَعْجِزُ عَنْ التَّزَوُّجِ بِمُطْلَقِ الزَّوْجِ فَكَانَتْ الِاسْتِعَانَةُ فِي التَّزَوُّجِ بِالْكُفْءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِذَلِكَ لِتَظْهَرَ الْكَفَاءَةُ فَإِنَّهَا مِنْ جَانِبِ النِّسَاءِ لِلرِّجَالِ مُسْتَحْسَنَةٌ فِي الْوَكَالَةِ عِنْدَهُمَا، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ أَمَةً لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَوْ زَوَّجَهُ أَمَةَ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ لِمَكَانِ التُّهْمَةِ، وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي الدَّلِيلِ بِقَوْلِهِ: وَعَدَمُ التُّهْمَةِ. وَأَمَّا إطْلَاقُ اللَّفْظِ فَإِنَّ لَفْظَ امْرَأَةٍ مُطْلَقٌ يَقَعُ عَلَى الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً يَقَعُ عَلَى الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ جَمِيعًا. وَقَوْلُهُ (وَهُوَ التَّزَوُّجُ بِالْأَكْفَاءِ) قَالَ الْكَشَانِيُّ: دَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْكَفَاءَةَ تُعْتَبَرُ فِي النِّسَاءِ لِلرِّجَالِ أَيْضًا عِنْدَهُمَا، وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ (قُلْنَا الْعُرْفُ مُشْتَرَكٌ) يَعْنِي كَمَا هُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا قُلْتُمْ مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا قُلْنَا، فَإِنَّ الْأَشْرَافَ كَمَا يَتَزَوَّجُونَ الْحَرَائِرَ يَتَزَوَّجُونَ الْإِمَاءَ لِلتَّسْهِيلِ (أَوْ هُوَ عُرْفٌ عَمَلِيٌّ) أَيْ عُرْفٌ مِنْ حَيْثُ الْعَمَلُ وَالِاسْتِعْمَالُ لَا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ. وَبَيَانُهُ أَنَّ الْعُرْفَ عَلَى نَوْعَيْنِ: لَفْظِيٍّ نَحْوُ الدَّابَّةِ تُقَيَّدُ لَفْظًا بِالْفَرَسِ وَنَحْوُ الْمَالِ بَيْنَ الْعَرَبِ بِالْإِبِلِ. وَعَمَلِيٍّ أَيْ عُرْفٌ مِنْ حَيْثُ الْعَمَلُ: أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّ عَمَلَ النَّاسِ كَذَا كَلُبْسِهِمْ الْجَدِيدَ يَوْمَ الْعِيدِ وَأَمْثَالِهِ (فَلَا يَصْلُحُ مُقَيِّدًا) لِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ لِأَنَّ إطْلَاقَ اللَّفْظِ تَصَرُّفٌ لَفْظِيٌّ وَالتَّقْيِيدُ يُقَابِلُهُ، وَمِنْ شَرْطِ التَّقَابُلِ اتِّحَادُ الْمَحَلِّ الَّذِي يَرِدَانِ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (وَذَكَرَ) يَعْنِي مُحَمَّدًا (فِي وَكَالَةِ الْأَصْلِ) إشَارَةً إلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ اسْتِحْسَانِ الْكَفَاءَةِ عِنْدَهُمَا فِي الْوَكَالَةِ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ.

[باب المهر]

(بَابُ الْمَهْرِ) : (وَيَصِحُّ النِّكَاحُ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ فِيهِ مَهْرًا) ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ انْضِمَامٍ وَازْدِوَاجٍ لُغَةً فَيَتِمُّ بِالزَّوْجَيْنِ، ثُمَّ الْمَهْرُ وَاجِبٌ شَرْعًا إبَانَةً لِشَرَفِ الْمَحَلِّ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْمَهْرِ] لَمَّا ذَكَرَ رُكْنَ النِّكَاحِ وَشَرْطَهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْمَهْرِ لِأَنَّهُ حُكْمُهُ، فَإِنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ يَجِبُ بِالْعَقْدِ فَكَانَ حُكْمًا لَهُ، وَالْمَهْرُ هُوَ الْمَالُ يَجِبُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ عَلَى الزَّوْجِ فِي مُقَابَلَةِ مَنَافِعِ الْبُضْعِ، إمَّا بِالتَّسْمِيَةِ أَوْ بِالْعَقْدِ. وَلَهُ أَسَامٍ: الْمَهْرُ، وَالصَّدَاقُ، وَالنِّحْلَةُ، وَالْأَجْرُ، وَالْفَرِيضَةُ، وَالْعُقْرُ. لَا خِلَافَ لِأَحَدٍ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ بِلَا تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَانْكِحُوا} [النساء: 3] وَالنِّكَاحُ لُغَةً لَا يُنْبِئُ إلَّا عَنْ الِانْضِمَامِ وَالِازْدِوَاجِ فَيَتِمُّ بِالْمُتَنَاكِحِينَ، فَلَوْ شَرَطْنَا التَّسْمِيَةَ فِيهِ زِدْنَا عَلَى النَّصِّ. فَإِنْ قِيلَ: الْمَهْرُ وَاجِبٌ شَرْعًا فَكَيْفَ يَصِحُّ النِّكَاحُ مَعَ السُّكُوتِ عَنْهُ؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ (ثُمَّ الْمَهْرُ وَاجِبٌ شَرْعًا) يَعْنِي أَنَّ وُجُوبَهُ لَيْسَ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِإِبَانَةِ شَرَفِ الْمَحَلِّ (فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ) فَإِنْ قِيلَ: هَذَا دَعْوَى فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ دَلِيلٍ. قُلْت: دَلَّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236]

وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا لِمَا بَيَّنَّا، وَفِيهِ خِلَافُ مَالِكٍ (وَأَقَلُّ الْمَهْرِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهَا فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ إلَيْهَا وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا مَهْرَ أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةٍ» ـــــــــــــــــــــــــــــQحَكَمَ بِصِحَّةِ الطَّلَاقِ مَعَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ، وَلَا يَكُونُ الطَّلَاقُ إلَّا فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، فَعُلِمَ أَنَّ تَرْكَ ذِكْرِهِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ (وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا لِمَا بَيَّنَّا) أَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ انْضِمَامٍ فَيَتِمُّ بِالزَّوْجَيْنِ. وَقَوْلُهُ وَفِيهِ) أَيْ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا (خِلَافُ مَالِكٍ) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُجَوِّزُهُ، قَالَ: لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةِ مِلْكِ مُتْعَةٍ بِمِلْكِ مَهْرٍ فَيَفْسُدُ بِشَرْطِ نَفْيِ عِوَضِهِ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ أَنْ لَا ثَمَنَ وَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ تَرْكِ التَّسْمِيَةِ وَشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مَهْرٌ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْبَيْعِ يَقْتَضِي شُمُولَ الْعَدَمِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْمُتْعَةِ كَمَا سَيَجِيءُ. قُلْنَا: دَلَالَةُ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى جَوَازِ أَنْ يَنْفِيَ الْمَهْرَ كَدَلَالَتِهِ عَلَى جَوَازِ تَرْكِ ذِكْرِهِ لِأَنَّ إمَّا يَكُونُ عِوَضًا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ فِي الْعَقْدِ لَا يَخْتَلِفُ الْحَالُ بَيْنَ تَرْكِ ذِكْرِهِ وَنَفْيِهِ كَالْبَيْعِ. (وَأَقَلُّ الْمَهْرِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهُ حَقُّهَا) شَرَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا صِيَانَةً لِبُضْعِهَا عَنْ الِابْتِذَالِ مَجَّانًا (فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ إلَيْهَا. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا مَهْرَ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةٍ» ) إنَّمَا ذَكَرَهُ بِالْوَاوِ لِكَوْنِهِ مَعْطُوفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَلَا لَا يُزَوِّجُ النِّسَاءَ إلَّا الْأَوْلِيَاءُ، وَلَا يُزَوَّجْنَ إلَّا مِنْ الْأَكْفَاءِ وَلَا مَهْرَ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ» . وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا قَطْعَ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَلَا مَهْرَ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ» وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ خَبَرُ وَاحِدٍ فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُ إطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] بِهِ لِأَنَّهُ نُسِخَ. الثَّانِي أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِمَا رُوِيَ «أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَمْ سُقْت إلَيْهَا فَقَالَ: زِنَةُ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ. وَالنَّوَاةُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَقِيلَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَثُلُثٌ، وَبِمَا رُوِيَ «أَنَّ امْرَأَةً قَامَتْ وَقَالَتْ: وَهَبْت نَفْسِي مِنْك يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: لَا حَاجَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِالنِّسَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ: لِي حَاجَةٌ، زَوِّجْنِيهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: هَلْ عِنْدَك شَيْءٌ تَصْدُقُهَا؟ فَقَالَ: مَا عِنْدِي إلَّا إزَارِي، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: لَا فَالْتَمِسْ شَيْئًا وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، فَالْتَمَسَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: هَلْ مَعَكَ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: نَعَمْ سُورَةُ كَذَا وَكَذَا، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ» . الثَّالِثُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَتْرُوكُ الْعَمَلِ فِي حَقِّ الْأَوْلِيَاءِ فَيَكُونُ فِي حَقِّ الْمَهْرِ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ صَحِيحًا وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا وَجَبَ تَرْكُ الْعَمَلِ بِهِ كَذَلِكَ. وَأَمَّا الْعَمَلُ بِبَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ فَتَحَكُّمٌ مَحْضٌ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ التَّقْيِيدَ ثَبَتَ بِإِشَارَةِ قَوْله تَعَالَى {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ} [الأحزاب: 50] لِأَنَّ الْفَرْضَ بِمَعْنَى التَّقْدِيرِ، وَكَانَ الْمُرَادُ بِأَمْوَالِكُمْ

وَلِأَنَّهُ حَقُّ الشَّرْعِ وُجُوبًا إظْهَارًا لِشَرَفِ الْمَحَلِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي قَوْله تَعَالَى {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] مَالًا مُقَدَّرًا، وَبَيَّنَ فِي الْحَدِيثِ مِقْدَارَهُ وَهَذَا لِأَنَّ كُلَّ مَالٍ أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ تَوَلَّى بَيَانَ مِقْدَارِهِ كَالزَّكَوَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ وَغَيْرِهَا فَكَذَلِكَ الْمَهْرُ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْأَحَادِيثَ تَدُلُّ عَلَى مَا يُعَجَّلُ بِالسَّوْقِ إلَيْهَا، أَمَّا فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَلِأَنَّهُ مُصَرِّحٌ بِهِ، وَأَمَّا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فَلِأَنَّهُ أَمَرَ ذَلِكَ الرَّجُلَ بِالِالْتِمَاسِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُقَدَّرٍ عِنْدَنَا وَلَيْسَ كَلَامُنَا فِيهِ، وَإِنَّمَا كَلَامُنَا فِي الَّذِي يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ. وَعَنْ الثَّالِثِ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ عَائِشَةَ عَمِلَتْ بِخِلَافِهِ، وَلَوْ لَمْ تَعْرِفْ نَسْخَهُ مَا فَعَلَتْ ذَلِكَ فَقَامَ دَلِيلُ النَّسْخِ فِي الْأَوْلِيَاءِ دُونَ غَيْرِهَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ الْعَمَلِ بِاَلَّذِي قَامَ عَلَيْهِ دَلِيلُ النَّسْخِ تَرْكُهُ بِمَا لَمْ يَقُمْ وَلَا التَّحَكُّمُ. وَقَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ حَقُّ الشَّرْعِ) أَيْ الْمَهْرُ حَقُّ الشَّرْعِ

فَيَتَقَدَّرُ بِمَا لَهُ خَطَرٌ وَهُوَ الْعَشَرَةُ اسْتِدْلَالًا بِنِصَابِ السَّرِقَةِ (وَلَوْ سَمَّى أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةٍ فَلَهَا الْعَشَرَةُ) عِنْدَنَا. وَقَالَ زُفَرُ: لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ تَسْمِيَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ حَيْثُ وُجُوبُهُ عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ} [الأحزاب: 50] عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَكَانَ ذَلِكَ لِإِظْهَارِ شَرَفِ الْمَحَلِّ (فَيَتَقَدَّرُ بِمَالِهِ خَطَرٌ وَهُوَ الْعَشَرَةُ اسْتِدْلَالًا بِنِصَابِ السَّرِقَةِ) لِأَنَّهُ يَتْلَفُ بِهِ عُضْوٌ مُحْتَرَمٌ فَلَأَنْ يَتْلَفَ بِهِ مَنَافِعُ بُضْعٍ كَانَ أَوْلَى (وَلَوْ سَمَّى أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ فَلَهَا الْعَشَرَةُ عِنْدَنَا. وَقَالَ زُفَرُ: لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ لِأَنَّ تَسْمِيَةَ

مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا كَانْعِدَامِهِ وَلَنَا أَنَّ فَسَادَ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ لِحَقِّ الشَّرْعِ وَقَدْ صَارَ مُقْتَضِيًا بِالْعَشَرَةِ، فَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إلَى حَقِّهَا فَقَدْ رَضِيَتْ بِالْعَشَرَةِ لِرِضَاهَا بِمَا دُونَهَا، وَلَا مُعْتَبَرَ بِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَرْضَى بِالتَّمْلِيكِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ تَكَرُّمًا، وَلَا تَرْضَى فِيهِ بِالْعِوَضِ الْيَسِيرِ. وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا تَجِبُ خَمْسَةٌ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وَعِنْدَهُ تَجِبُ الْمُتْعَةُ كَمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا (وَمَنْ سَمَّى مَهْرًا عَشْرَةً فَمَا زَادَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا كَانْعِدَامِهِ) كَمَا فِي تَسْمِيَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ (أَنَّ فَسَادَ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ لِحَقِّ الشَّرْعِ وَقَدْ صَارَ مَقْضِيًّا بِالْعَشَرَةِ) إمَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْعَشَرَةَ فِي كَوْنِهَا صَدَاقًا لَا تَتَجَزَّأُ، وَذِكْرُ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ؛ كَمَا لَوْ أَضَافَ النِّكَاحَ إلَى نِصْفِهَا صَحَّ فِي جَمِيعِهَا، وَأَمَّا حَقُّهَا وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ فَقَدْ رَضِيَتْ بِسُقُوطِهِ لِأَنَّ الرِّضَا بِمَا دُونَ الْعَشَرَةِ رِضًا بِالْعَشَرَةِ. وَإِمَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا بِرِضَاهَا بِمَا دُونَ الْعَشَرَةِ أَسْقَطَتْ حَقَّهَا وَحَقَّ الشَّرْعِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ، فَمَا كَانَ حَقَّهَا فَقَدْ سَقَطَ لِوِلَايَتِهَا عَلَى نَفْسِهَا، وَمَا كَانَ حَقَّ الشَّرْعِ فَلَمْ يَسْقُطْ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ وَلَا مُعْتَبَرَ بِانْعِدَامِ التَّسْمِيَةِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ كَانْعِدَامِهِ: يَعْنِي لَيْسَ هَذَا الْقِيَاسُ صَحِيحًا (لِأَنَّهَا قَدْ تَرْضَى بِالتَّمْلِيكِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ تَكَرُّمًا وَلَا تَرْضَى فِيهِ بِالْعِوَضِ الْيَسِيرِ) فَلَا يَكُونُ عَدَمُ التَّسْمِيَةِ دَلِيلًا عَلَى الرِّضَا بِالْعَشَرَةِ فَلِذَلِكَ لَمْ تَجِبْ الْعَشَرَةُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِخِلَافِ الرِّضَا بِمَا دُونَ الْعَشَرَةِ فَإِنَّهُ رِضًا بِهَا لَا مَحَالَةَ (وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَجَبَ خَمْسَةٌ عِنْدَهُمْ) وَوَجَبَتْ الْمُتْعَةُ عِنْدَهُمْ كَمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ سَمَّى مَهْرًا عَشَرَةً)

فَعَلَيْهِ الْمُسَمَّى إنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا) ؛ لِأَنَّهُ بِالدُّخُولِ يَتَحَقَّقُ تَسْلِيمُ الْمُبْدَلِ وَبِهِ يَتَأَكَّدُ الْبَدَلُ، وَبِالْمَوْتِ يَنْتَهِي النِّكَاحُ نِهَايَتَهُ، وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ يَتَقَرَّرُ وَيَتَأَكَّدُ فَيَتَقَرَّرُ بِجَمِيعِ مَوَاجِبِهِ (وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَالْخَلْوَةِ فَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] الْآيَة ـــــــــــــــــــــــــــــQاعْلَمْ أَنَّ الْمَهْرَ بَعْدَ وُجُوبِهِ بِالتَّسْمِيَةِ أَوْ بِنَفْسِ الْعَقْدِ يَتَقَرَّرُ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ بِالدُّخُولِ وَمَا قَامَ مَقَامَهُ مِنْ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ وَبِالْمَوْتِ، أَمَّا الدُّخُولُ فَلِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ بِهِ تَسْلِيمُ الْمُبْدَلِ وَهُوَ الْبُضْعُ (وَبِهِ) أَيْ بِتَسْلِيمِ الْمُبْدَلِ (يَتَأَكَّدُ تَسْلِيمُ الْبَدَلِ) وَهُوَ الْمَهْرُ كَمَا فِي تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ فِي بَابِ الْبَيْعِ يَتَأَكَّدُ بِهِ وُجُوبُ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ، فَإِنَّ وُجُوبَ الثَّمَنِ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَأَكِّدًا لِكَوْنِهِ عَلَى عَرَضِيَّةِ أَنْ يَهْلِكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَيَنْفَسِخَ الْعَقْدُ وَبِتَسْلِيمِهِ يَتَأَكَّدُ وُجُوبُ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَكَذَلِكَ وُجُوبُ الْمَهْرِ كَانَ عَلَى عَرَضِيَّةِ أَنْ يَسْقُطَ بِتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ أَوْ الِارْتِدَادِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَبِالدُّخُولِ تَأَكَّدَ. وَأَمَّا الْمَوْتُ فَلِأَنَّ النِّكَاحَ يَنْتَهِي بِهِ نِهَايَتَهُ حَيْثُ لَمْ يَبْقَ قَابِلًا لِلرَّفْعِ (وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ يَتَقَرَّرُ وَيَتَأَكَّدُ فَيَجِبُ أَنْ يَتَقَرَّرَ بِجَمِيعِ مَوَاجِبِهِ) الْمُمْكِنِ تَقْرِيرُهَا لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ كَالْإِرْثِ وَالْعِدَّةِ وَالْمَهْرِ وَالنَّسَبِ. وَقُلْنَا: " مَوَاجِبِهِ الْمُمْكِنِ تَقْرِيرُهَا " احْتِرَازًا عَنْ النَّفَقَةِ وَحِلِّ التَّزَوُّجِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَإِنَّ النَّفَقَةَ لَا تَجِبُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَيَحِلُّ لَهَا التَّزَوُّجُ بَعْدَ انْقِضَائِهَا وَلَمْ يَحِلَّ وَقْتَ النِّكَاحِ، وَأَمَّا الَّذِي يَقُومُ مَقَامَ الدُّخُولِ فَهُوَ الْخَلْوَةُ الصَّحِيحَةُ. وَيُعْلَمُ حُكْمُهُ مِنْ قَوْلِهِ (فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْخَلْوَةِ فَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237]

وَالْأَقْيِسَةُ مُتَعَارِضَةٌ، فَفِيهِ تَفْوِيتُ الزَّوْجِ الْمِلْكَ عَلَى نَفْسِهِ بِاخْتِيَارِهِ وَفِيهِ عَوْدُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إلَيْهِ سَالِمًا فَكَانَ الْمَرْجِعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي الْبَابِ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ. وَقَوْلُهُ وَالْأَقْيِسَةُ مُتَعَارِضَةٌ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: يَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ كُلُّ الْبَدَلِ، لِأَنَّ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَعُودُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ سَالِمًا إلَيْهَا فَيَجِبُ أَنْ يَسْقُطَ كُلُّ الْبَدَلِ كَمَا إذَا تَبَايَعَا ثُمَّ تَقَابَلَا. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْأَقْيِسَةَ مُتَعَارِضَةُ قِيَاسٌ يَقْتَضِي ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْت، وَقِيَاسٌ آخَرُ يَقْتَضِي وُجُوبَ كُلِّ الْمَهْرِ لِأَنَّهُ فَوَّتَ مَا مَلَكَهُ بِاخْتِيَارِهِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي وُجُوبَ كُلِّ الْمَهْرِ كَالْمُشْتَرِي إذَا أَتْلَفَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَإِذَا تَعَارَضَ الْقِيَاسَانِ وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى النَّصِّ. وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ الْقِيَاسَ الْوَاحِدَ لَا وُجُودَ لَهُ عَلَى مُخَالَفَةِ النَّصِّ فَضْلًا عَنْ الْأَقْيِسَةِ وَالثَّانِي أَنَّ التَّعَارُضَ إذَا ثَبَتَ بَيْنَ الْحُجَّتَيْنِ كَانَ الْمَصِيرُ إلَى مَا بَعْدَهُمَا لَا إلَى مَا قَبْلَهُمَا. وَالثَّالِثُ أَنَّ الْقِيَاسَيْنِ لَا يَتَعَارَضَانِ، وَلَوْ ثَبَتَ التَّعَارُضُ صُورَةً لَمْ يُتْرَكَا. بَلْ يَعْمَلُ الْمُجْتَهِدُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ ذِكْرَ مُعَارَضَةِ الْقِيَاسَيْنِ هَاهُنَا لَيْسَ لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا بَلْ لِبَيَانِ أَنَّ الْعَمَلَ بِهِمَا غَيْرُ مُمْكِنٍ لِتَعَارُضِهِمَا أَوْ لِمُخَالَفَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا النَّصَّ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: فَوَجَبَ الْعَمَلُ عَلَيْنَا بِظَاهِرِ النَّصِّ مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ إلَى

فِيهِ النَّصَّ، وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْخَلْوَةِ؛ لِأَنَّهَا كَالدُّخُولِ عِنْدَنَا عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. . قَالَ (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ، فَإِنَّا لَوْ خَلَّيْنَا وَمُجَرَّدَ الْقِيَاسِ وَعَمِلْنَا بِهِ عَلَى وَجْهِ الْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى النَّصِّ لَزِمَ تَرْكُ أَحَدِ الْقِيَاسَيْنِ فَتَرَكْنَاهُمَا جَمِيعًا وَعَمِلْنَا بِالنَّصِّ، وَبِهَذَا خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ السُّؤَالَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ، فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ تَكُنْ الْمُعَارَضَةُ عَلَى حَقِيقَتِهَا بَلْ هُوَ قَوْلٌ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ، وَالتَّقْدِيرُ لَا يَرُدُّ مَا يَرُدُّ فِي التَّعَارُضِ، هَذَا أَحْسَنُ مَا وَجَدْته فِي الِاعْتِذَارِ فِي هَذَا الْبَحْثِ وَهُوَ كَمَا تَرَى. وَقَوْلُهُ (وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْخَلْوَةِ) قَدْ ظَهَرَ مَعْنَاهُ مِمَّا تَقَدَّمَ. قَالَ (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا) لِلْمُفَوِّضَةِ وَاَلَّتِي شُرِطَ فِي نِكَاحِهَا أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ إذَا

أَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا فَلَهُ مَهْرُ مِثْلِهَا إنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجِبُ شَيْءٌ فِي الْمَوْتِ، وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ فِي الدُّخُولِ. لَهُ أَنَّ الْمَهْرَ خَالِصُ حَقِّهَا فَتَتَمَكَّنُ مِنْ نَفْيِهِ ابْتِدَاءً كَمَا تَتَمَكَّنُ مِنْ إسْقَاطِهِ انْتِهَاءً وَلَنَا أَنَّ الْمَهْرَ وُجُوبًا حَقُّ الشَّرْعِ عَلَى مَا مَرَّ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ حَقَّهَا فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ فَتَمْلِكُ الْإِبْرَاءَ دُونَ النَّفْيِ (وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا الْمُتْعَةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] الْآيَة ـــــــــــــــــــــــــــــQدَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا، وَكَذَا إذَا مَاتَتْ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجِبُ شَيْءٌ فِي الْمَوْتِ، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ فِي الدُّخُولِ. لَهُ أَنَّ الْمَهْرَ خَالِصُ حَقِّهَا فَتَتَمَكَّنُ مِنْ نَفْيِهِ ابْتِدَاءً كَمَا تَتَمَكَّنُ مِنْ إسْقَاطِهِ انْتِهَاءً. وَلَنَا أَنَّ الْمَهْرَ وُجُوبًا حَقُّ الشَّرْعِ كَمَا مَرَّ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ حَقَّهَا حَالَةَ الْبَقَاءِ فَتَمْلِكُ الْإِبْرَاءَ دُونَ النَّفْيِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يُلَاقِيَ التَّصَرُّفُ مَا تَمْلِكُهُ دُونَ مَا لَا تَمْلِكُهُ. (وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا الْمُتْعَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: 236]

ثُمَّ هَذِهِ الْمُتْعَةُ وَاجِبَةٌ رُجُوعًا إلَى الْأَمْرِ، وَفِيهِ خِلَافُ مَالِكٍ (وَالْمُتْعَةُ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ مِنْ كِسْوَةِ مِثْلِهَا) وَهِيَ دِرْعٌ وَخِمَارٌ وَمِلْحَفَةٌ. وَهَذَا التَّقْدِيرُ مَرْوِيٌّ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَقَوْلُهُ مِنْ كِسْوَةِ مِثْلِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْفَرِيضَةُ هِيَ الْمَهْرُ: أَيْ لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي الطَّلَاقِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي لَمْ يَحْصُلْ الْمِسَاسُ، وَفَرَضَ الْفَرِيضَةَ وَأَمَرَ بِالْمُتْعَةِ مُطْلَقًا وَهُوَ عَلَى الْوُجُوبِ وَقَالَ {حَقًّا} [البقرة: 236] وَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ أَيْضًا وَذُكِرَ بِكَلِمَةِ عَلَى (وَهَذِهِ الْمُتْعَةُ وَاجِبَةٌ) عِنْدَنَا (رُجُوعًا إلَى الْأَمْرِ) وَغَيْرِهِ (وَفِيهِ خِلَافُ مَالِكٍ) فَإِنَّهَا عِنْدَهُ مُسْتَحَبَّةٌ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهَا إحْسَانًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 236] وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ مَصْرُوفٌ إلَى الَّتِي لَهَا مَهْرٌ أَوْ نِصْفُ مَهْرٍ لِئَلَّا يُعَارَضَ الْأَمْرُ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ " مَتَاعًا " مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى مَتِّعُوا وَالْمُرَادُ بِهِ هَذِهِ الْمُتْعَةُ الْوَاجِبَةُ فَكَيْفَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُسْتَحَبِّ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: الْأَمْرُ وَكَلِمَةُ عَلَى فِي {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] وَمَتَاعًا وَحَقًّا وَكَلِمَةُ عَلَى فِي قَوْلِهِ {عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 236] كُلُّهَا تَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَتَأْكِيدَهُ، فَإِمَّا أَنْ تُبْطِلَ ذَلِكَ كُلَّهُ لِأَجْلِ لَفْظِ الْإِحْسَانِ أَوْ تُؤَوِّلَهُ لَا أَرَاك تَعْدِلُ عَنْ التَّأْوِيلِ فَتُؤَوِّلُ بِأَنَّ مَعْنَاهُ عَلَى الْمُحْسِنِينَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الْوَاجِبَ وَيَزِيدُونَ عَلَى ذَلِكَ إحْسَانًا مِنْهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَالْمُتْعَةُ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ مِنْ كِسْوَةِ مِثْلِهَا وَهِيَ دِرْعٌ وَمِلْحَفَةٌ وَخِمَارٌ) فَإِنْ كَانَتْ مِنْ السَّفِلَةِ فَمِنْ الْكِرْبَاسِ، وَإِنْ كَانَتْ وَسَطًا فَمِنْ الْقَزِّ، وَإِنْ كَانَتْ مُرْتَفِعَةَ الْحَالِ فَمِنْ الْإِبْرَيْسَمِ (وَهَذَا التَّقْدِيرُ) أَيْ تَقْدِيرُ الْعَدَدِ (مَرْوِيٌّ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تُصَلِّي فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ وَتَخْرُجُ فِيهَا عَادَةً فَتَكُونُ مُتْعَتُهَا كَذَلِكَ.

إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ حَالُهَا وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ فِي الْمُتْعَةِ الْوَاجِبَةِ لِقِيَامِهَا مَقَامَ مَهْرِ الْمِثْلِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ حَالُهُ عَمَلًا بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] ثُمَّ هِيَ لَا تُزَادُ عَلَى نِصْفِ مَهْرِ مِثْلِهَا وَلَا تَنْقُصُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (لِقِيَامِهَا مَقَامَ مَهْرِ الْمِثْلِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَقُولَ لِقِيَامِهَا مَقَامَ نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّ الْمَهْرَ التَّامَّ لَمْ يَجِبْ فِي صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ إذَا طَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَكِنَّ مُرَادَهُ إلْحَاقُ الْمُتْعَةِ بِنَفْسِ مَهْرِ الْمِثْلِ فِي اعْتِبَارِ حَالِهَا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى تَمَامِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ نِصْفِهِ، وَفِي مَهْرِ الْمِثْلِ الْمُعْتَبَرُ حَالُهَا فَكَذَا فِيمَا قَامَ مَقَامَهُ. وَقَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ حَالُهُ) هُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ (عَمَلًا بِالنَّصِّ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] أَيْ عَلَى الْغَنِيِّ بِقَدْرِ حَالِهِ {وَعَلَى الْمُقْتِرِ} [البقرة: 236] أَيْ عَلَى الْفَقِيرِ الْمُقِلِّ بِقَدْرِ حَالِهِ. ثُمَّ الْمُتْعَةُ إمَّا أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً عَلَى نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَتْ زَائِدَةً فَلَهَا نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ هُوَ الْعِوَضُ الْأَصْلِيُّ، وَلَكِنْ تَعَذَّرَ تَنْصِيفُهُ لِجَهَالَتِهِ فَيُصَارُ إلَى

عَنْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ فِي الْأَصْلِ (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا ثُمَّ تَرَاضَيَا عَلَى تَسْمِيَةٍ فَهِيَ لَهَا إنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا الْمُتْعَةُ) وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ نِصْفُ هَذَا الْمَفْرُوضِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ مَفْرُوضٌ فَيَتَنَصَّفُ بِالنَّصِّ. وَلَنَا أَنَّ هَذَا الْفَرْضَ تَعْيِينٌ لِلْوَاجِبِ بِالْعَقْدِ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَذَلِكَ لَا يَتَنَصَّفُ ـــــــــــــــــــــــــــــQخَلَفِهِ وَهُوَ الْمُتْعَةُ فَلَا تُزَادُ عَلَى نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مُسَاوِيَةً لَهُ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَتْ مُسَاوِيَةً فَلَهَا الْمُتْعَةُ اتِّبَاعًا لِلنَّصِّ؛ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَتْ فَلَهَا الْخَمْسَةُ لِأَنَّ الْمَهْرَ هُوَ الْأَصْلُ، وَالْمُتْعَةَ خَلَفُهُ، وَلَا مَهْرَ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَلَا مُتْعَةَ أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَلَهَا الْمُتْعَةُ بِالنَّصِّ. فَإِنْ قِيلَ: نَصُّ الْمُتْعَةِ مُطْلَقٌ عَنْ هَذِهِ التَّفَاصِيلِ فَفِيهَا تَقْيِيدٌ لَهُ وَهُوَ نَسْخٌ. فَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ} [الأحزاب: 50] دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ مُقَدَّرٌ شَرْعًا، وَالْإِيجَابُ بِالتَّسْمِيَةِ فِي مَهْرِ مَنْ يُعْتَبَرُ فِي مَهْرِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ بَيَانٌ لِذَلِكَ الْمُقَدَّرِ الْمُجْمَلِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا مَهْرَ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ» فَكَانَ مُعَارِضًا لِآيَةِ الْمُتْعَةِ، وَالتَّفْصِيلُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ تَوْفِيقٌ بَيْنَهُمَا، فَتَأَمَّلْ إنْ كَانَ الْقَوَاعِدُ الْأُصُولِيَّةُ عَلَى ذِكْرٍ مِنْك. (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا ثُمَّ تَرَاضَيَا عَلَى تَسْمِيَةِ مَهْرٍ فَهِيَ لَهَا إنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا) بِالِاتِّفَاقِ (وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا الْمُتْعَةُ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ نِصْفُ هَذَا الْمَفْرُوضِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ مَفْرُوضٌ) وَالْمَفْرُوضُ يَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] (وَلَنَا أَنَّ هَذَا الْفَرْضَ تَعْيِينٌ لِلْوَاجِبِ بِالْعَقْدِ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ) إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَوَجَبَ عَلَيْهِ إذَا دَخَلَ بِهَا مَهْرُ الْمِثْلِ وَالْمَفْرُوضُ جَمِيعًا،

فَكَذَا مَا نَزَلَ مَنْزِلَتَهُ، وَالْمُرَادُ بِمَا تَلَا الْفَرْضَ فِي الْعَقْدِ إذْ هُوَ الْفَرْضُ الْمُتَعَارَفُ. . قَالَ (وَإِنْ زَادَ لَهَا فِي الْمَهْرِ بَعْدَ الْعَقْدِ لَزِمَتْهُ الزِّيَادَةُ) خِلَافًا لِزُفَرَ، وَسَنَذْكُرُهُ فِي زِيَادَةِ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَ) إذَا صُحِّحَتْ الزِّيَادَةُ (تَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ) وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا تَنْتَصِفُ مَعَ الْأَصْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمَّا مَهْرُ الْمِثْلِ فَلِأَنَّهُ الْوَاجِبُ بِهَذَا الْعَقْدِ ابْتِدَاءً لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ، وَأَمَّا الْمَفْرُوضُ فَبِحُكْمِ التَّسْمِيَةِ وَكَانَ كَمَا إذَا سَمَّى لَهَا مَهْرًا ثُمَّ زَادَ لَهَا شَيْئًا فَإِنَّهُمَا يَلْزَمَانِ عَلَى تَقْدِيرَيْ الدُّخُولِ وَالْمَوْتِ لَكِنَّهُ يَسْقُطُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَيَلْزَمُهُ الْمَفْرُوضُ وَكَانَ تَعْيِينًا لَهُ، وَمَهْرُ الْمِثْلِ لَا يَتَنَصَّفُ (فَكَذَا مَا نُزِّلَ مَنْزِلَتَهُ، وَالْمُرَادُ بِمَا تَلَا) يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] (الْفَرْضُ فِي الْعَقْدِ) لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ زَادَهَا فِي الْمَهْرِ بَعْدَ الْعَقْدِ لَزِمَتْهُ الزِّيَادَةُ خِلَافًا لِزُفَرَ) فَإِنَّهُ يَقُولُ:

لِأَنَّ التَّنْصِيفَ عِنْدَهُمَا يَخْتَصُّ بِالْمَفْرُوضِ فِي الْعَقْدِ، وَعِنْدَهُ الْمَفْرُوضُ بَعْدَهُ كَالْمَفْرُوضِ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالزِّيَادَةُ هِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ لَا تُلْحَقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ إنْ قُبِضَتْ مُلِكَتْ وَإِلَّا فَلَا، وَوَعَدَ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَذْكُرَهُ فِي بَابِ زِيَادَةِ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ فَنَحْنُ نَتْبَعُهُ فِي ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ التَّنْصِيفَ عِنْدَهُمَا يَخْتَصُّ بِالْمَفْرُوضِ فِي الْعَقْدِ) يَعْنِي بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ (وَعِنْدَهُ الْمَفْرُوضُ بَعْدَهُ كَالْمَفْرُوضِ فِيهِ) عَمَلًا بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237]

عَلَى مَا مَرَّ. (وَإِنْ حَطَّتْ عَنْهُ مِنْ مَهْرِهَا صَحَّ الْحَطُّ) ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ بَقَاءُ حَقِّهَا وَالْحَطُّ يُلَاقِيهِ حَالَةَ الْبَقَاءِ (وَإِذَا خَلَا الرَّجُلُ بِامْرَأَتِهِ وَلَيْسَ هُنَاكَ مَانِعٌ مِنْ الْوَطْءِ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَلَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفًى بِالْوَطْءِ فَلَا يَتَأَكَّدُ الْمَهْرُ دُونَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ غَيْرِ فَصْلٍ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا مَرَّ) يَعْنِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. قَالَ (وَإِذَا خَلَا الزَّوْجُ بِامْرَأَتِهِ) هَذَا بَيَانٌ أَنَّ الْخَلْوَةَ الصَّحِيحَةَ بِمَنْزِلَةِ الدُّخُولِ فِي حَقِّ لُزُومِ كَمَالِ الْمَهْرِ وَغَيْرِهِ عِنْدَنَا. خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ (لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ) وَهُوَ مَنَافِعُ الْبُضْعِ إنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفًى بِالْوَطْءِ فَلَا يَتَأَكَّدُ الْمَهْرُ دُونَهُ لِأَنَّ التَّأَكُّدَ إنَّمَا يَكُونُ بِتَسْلِيمِ

وَلَنَا أَنَّهَا سَلَّمَتْ الْمُبْدَلَ حَيْثُ رَفَعَتْ الْمَوَانِعَ وَذَلِكَ وُسْعُهَا فَيَتَأَكَّدُ حَقُّهَا فِي الْبَدَلِ اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَرِيضًا أَوْ صَائِمًا فِي رَمَضَانَ أَوْ مُحْرِمًا بِحَجٍّ فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ أَوْ بِعُمْرَةٍ أَوْ كَانَتْ حَائِضًا فَلَيْسَتْ الْخَلْوَةُ صَحِيحَةً) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُبْدَلِ وَتَسْلِيمُهَا بِالْوَطْءِ وَلَمْ يُوجَدْ (وَلَنَا أَنَّهَا سَلَّمَتْ) وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَكُونُ إلَّا مَقْدُورًا وَالْمَقْدُورُ لِلْمَرْأَةِ تَسْلِيمُ الْمُبْدَلِ بِرَفْعِ الْمَوَانِعِ وَقَدْ وُجِدَ مِنْهَا ذَلِكَ فَيَتَأَكَّدُ حَقُّهَا فِي الْبَدَلِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، فَإِنَّ التَّخْلِيَةَ فِيهِ بِرَفْعِ الْمَوَانِعِ تَسْلِيمٌ يَجِبُ بِهِ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَأَمَّا مَا ذُكِرَ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفًى بِالْوَطْءِ فَصَحِيحٌ لَكِنَّ ذَلِكَ تَسْلِيمٌ وَلَيْسَ فِي قُدْرَةِ الْمَرْأَةِ ذَلِكَ فَلَا تَكُونُ مُكَلَّفَةً بِذَلِكَ. وَقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَرِيضًا) بَيَانٌ لِمَا يَكُونُ مَانِعًا

حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا كَانَ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مَوَانِعُ، أَمَّا الْمَرَضُ فَالْمُرَادُ مِنْهُ مَا يَمْنَعُ الْجِمَاعَ أَوْ يَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ، وَقِيلَ مَرَضُهُ لَا يُعْرَى عَنْ تَكَسُّرٍ وَفُتُورٍ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ فِي مَرَضِهَا وَصَوْمِ رَمَضَانَ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ، وَالْإِحْرَامِ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الدَّمِ وَفَسَادِ النُّسُكِ وَالْقَضَاءِ، وَالْحَيْضُ مَانِعٌ طَبْعًا وَشَرْعًا (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَائِمًا تَطَوُّعًا فَلَهَا الْمَهْرُ كُلُّهُ) ؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْإِفْطَارُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فِي رِوَايَةِ الْمُنْتَقَى، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ الْخَلْوَةِ حِسِّيًّا كَانَ أَوْ شَرْعِيًّا. وَقَوْلُهُ (وَقِيلَ: مَرَضُهُ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَرَضَ فِي جَانِبِهَا يَتَنَوَّعُ بِلَا خِلَافٍ، وَأَمَّا الْمَرَضُ مِنْ جَانِبِهِ فَقَدْ قِيلَ إنَّهُ أَيْضًا يَتَنَوَّعُ، وَقِيلَ: إنَّهُ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ وَإِنَّهُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَجَمِيعُ أَنْوَاعِهِ فِي ذَلِكَ عَلَى السَّوَاءِ. قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: هُوَ الصَّحِيحُ. وَوَجْهُهُ مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ مَرَضُهُ (لَا يَعْرَى عَنْ تَكَسُّرٍ وَفُتُورٍ) وَقَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَائِمًا تَطَوُّعًا فَلَهَا الْمَهْرُ كُلُّهُ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْإِفْطَارُ) اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَهُ كُلُّ الْمَهْرِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ عَلَى تَقْدِيرِ الْإِفْسَادِ فَلَا تَكُونُ الْخَلْوَةُ صَحِيحَةً كَمَا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ لُزُومَ الْقَضَاءِ فِي التَّطَوُّعِ عِنْدَنَا لِضَرُورَةِ صِيَانَةِ الْمُؤَدَّى عَنْ الْبُطْلَانِ، وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا فَلَا

وَهَذَا الْقَوْلُ فِي الْمَهْرِ هُوَ الصَّحِيحُ. وَصَوْمُ الْقَضَاءِ وَالْمَنْذُورِ كَالتَّطَوُّعِ فِي رِوَايَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ، وَالصَّلَاةُ بِمَنْزِلَةِ الصَّوْمِ فَرْضُهَا كَفَرْضِهِ وَنَفْلُهَا كَنَفْلِهِ. (وَإِذَا خَلَا الْمَجْبُوبُ بِامْرَأَتِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَلَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا عَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ) ؛ لِأَنَّهُ أَعْجَزُ مِنْ الْمَرِيضِ، بِخِلَافِ الْعِنِّينِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ أُدِيرَ عَلَى سَلَامَةِ الْآلَةِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهَا التَّسْلِيمُ فِي حَقِّ السَّحْقِ وَقَدْ أَتَتْ بِهِ. قَالَ (وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ) احْتِيَاطًا اسْتِحْسَانًا لِتَوَهُّمِ الشُّغْلِ، وَالْعِدَّةُ حَقُّ الشَّرْعِ وَالْوَلَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُعَدُّ، وَإِلَى إفْسَادِ الْخَلْوَةِ، بِخِلَافِ قَضَاءِ رَمَضَانَ فَإِنَّ لُزُومَ قَضَائِهِ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ فَرْضٌ مُطْلَقٌ فَكَانَ أَثَرُهُ عَامًّا. وَقَوْلُهُ وَهَذَا الْقَوْلُ فِي الْمَهْرِ هُوَ الصَّحِيحُ) أَيْ الْأَخْذُ بِرِوَايَةِ الْمُنْتَقَى فِي حَقِّ كَمَالِ الْمَهْرِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَأَمَّا فِي حَقِّ جَوَازِ الْإِفْطَارِ فَالصَّحِيحُ غَيْرُ رِوَايَةِ الْمُنْتَقَى، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ الْإِفْطَارُ بِغَيْرِ عُذْرٍ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَأْخُوذَ فِي حَقِّ كَمَالِ الْمَهْرِ رِوَايَةُ الْمُنْتَقَى، وَفِي حَقِّ جَوَازِ الْإِفْطَارِ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ هُوَ الصَّحِيحُ عَنْ رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهِيَ أَنَّ صَوْمَ التَّطَوُّعِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُهُ عَنْ الْوَطْءِ شَرْعًا لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْعَمَلِ الْمُؤْثِمِ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا خَلَا الْمَجْبُوبُ) الْمَجْبُوبُ هُوَ الَّذِي اُسْتُؤْصِلَ ذَكَرُهُ وَخُصْيَاهُ مِنْ الْجَبِّ وَهُوَ الْقَطْعُ إذَا خَلَا الْمَجْبُوبُ (بِامْرَأَتِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَلَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: عَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ لِأَنَّهُ أَعْجَزُ مِنْ الْمَرِيضِ) لِوُجُودِ آلَةِ الْجِمَاعِ فِي الْمَرِيضِ وَقَدْ يُجَامِعُ بِخِلَافِ الْمَجْبُوبِ، وَالْمَرَضُ مَانِعٌ عَنْ الْخَلْوَةِ فَالْجَبُّ أَوْلَى (بِخِلَافِ الْعِنِّينِ) فَإِنَّ الْوُقُوفَ عَلَى حَقِيقَةِ الْعُنَّةِ مُتَعَذَّرٌ وَسَلَامَةُ الْآلَةِ وُجُودُ السَّبَبِ إلَى الْوَطْءِ إذْ الْأَصْلُ السَّلَامَةُ فِي الْوَصْفِ أَيْضًا فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهَا التَّسْلِيمُ فِي حَقِّ السَّحْقِ) لِأَنَّهُ وَسِعَ مِثْلَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَقَدْ أَتَتْ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهَا، وَأَمَّا عَدَمُ التَّسْلِيمِ فَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ جِهَتِهَا كَمَا تَقَدَّمَ. (وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ) يَعْنِي فِيمَا إذَا كَانَتْ الْخَلْوَةُ صَحِيحَةً أَوْ فَاسِدَةً (احْتِيَاطًا اسْتِحْسَانًا لِتَوَهُّمِ الشُّغْلِ وَالْعِدَّةُ حَقُّ الشَّرْعِ وَالْوَلَدِ) أَمَّا أَنَّهَا حَقُّ الشَّرْعِ فَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الزَّوْجَيْنِ لَا يَمْلِكَانِ إسْقَاطَهَا وَالتَّدَاخُلُ يَجْرِي فِيهَا، وَحَقُّ الْعَبْدِ لَا يَتَدَاخَلُ، وَأَمَّا أَنَّهَا حَقُّ

فَلَا يُصَدَّقُ فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ، بِخِلَافِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ لَا يُحْتَاطُ فِي إيجَابِهِ. وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْمَانِعَ إنْ كَانَ شَرْعِيًّا كَالصَّوْمِ وَالْحَيْضِ تَجِبُ الْعِدَّةُ لِثُبُوتِ التَّمَكُّنِ حَقِيقَةً، وَإِنْ كَانَ حَقِيقِيًّا كَالْمَرَضِ وَالصِّغَرِ لَا تَجِبُ لِانْعِدَامِ التَّمَكُّنِ حَقِيقَةً. قَالَ (وَتُسْتَحَبُّ الْمُتْعَةُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ إلَّا لِمُطَلَّقَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَجِبُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ إلَّا لِهَذِهِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ صِلَةً مِنْ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ أَوْحَشَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَلَدِ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَسْقِيَنَّ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ رِعَايَةُ نَسَبِ الْوَلَدِ وَهُوَ حَقُّهُ (فَلَا يُصَدِّقُ) الْمَرْأَةَ (فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ) بِقَوْلِهَا لَمْ يَطَأْنِي، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ فَلَا يُصَدَّقُ الزَّوْجُ فِي إبْطَالِ حَقِّهَا بِقَوْلِهِ لَمْ أَطَأْهَا (بِخِلَافِ الْمَهْرِ) فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ بِالْخَلْوَةِ الْفَاسِدَةِ (لِأَنَّهُ مَالٌ لَا يُحْتَاطُ فِي إيجَابِهِ) قَوْلُهُ (وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ) أَيْ شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. قَالَ (وَتُسْتَحَبُّ الْمُتْعَةُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ إلَّا لِمُطَلَّقَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَجِبُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ إلَّا لِهَذِهِ) التَّرْكِيبُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ هُوَ الَّذِي وَقَعَ فِي النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ الْمَوْثُوقِ بِهَا، وَهُوَ كَمَا تَرَى يَقْتَضِي أَنْ لَا تَكُونَ الْمُتْعَةُ وَاجِبَةً لِلْمُفَوِّضَةِ الْغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا لِدُخُولِهَا فِي قَوْلِهِ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ وَهُوَ يُنَاقِضُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ هَذِهِ الْمُتْعَةُ

بِالْفِرَاقِ، إلَّا أَنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ نِصْفَ الْمَهْرِ طَرِيقَةُ الْمُتْعَةِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فَسْخٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَالْمُتْعَةَ لَا تَتَكَرَّرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاجِبَةٌ، وَيَقْتَضِي أَنْ لَا تَكُونَ الْمُتْعَةُ لِلْمُسْتَثْنَاةِ مُسْتَحَبَّةٌ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَاهَا مِنْ الِاسْتِحْبَابِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِاسْتِحْبَابِهَا لَهَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَالْحَصْرِ. وَزَادَ الْفُقَهَاءُ وَجَامِعُ الْإِسْبِيجَابِيِّ، وَيَقْتَضِي أَنْ لَا تَكُونَ الْمُتْعَةُ وَاجِبَةً لِلْمُسْتَثْنَاةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَاهَا مِنْ الْوُجُوبِ، وَذَكَرَ فِي الْحَصْرِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عِنْدَهُ لِهَذِهِ الْمُسْتَثْنَاةِ أَيْضًا. وَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ: وَتُسْتَحَبُّ الْمُتْعَةُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ غَيْرِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنْ قَبْلُ إلَّا لِمُطَلَّقَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا الزَّوْجُ إلَخْ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقُدُورِيِّ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْمُتْعَةَ وَاجِبَةٌ وَمُسْتَحَبَّةٌ. فَالْوَاجِبَةُ لِلَّتِي طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَالتَّسْمِيَةِ. وَالْمُسْتَحَبَّةُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ إلَّا الَّتِي طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا وَقَدْ وَقَعَ اخْتِيَارُهُ مُوَافِقًا لِرِوَايَةِ التُّحْفَةِ وَمُخَالِفًا لِلْكُتُبِ الْمَذْكُورَةِ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَلَهُ فِي الْمُسْتَثْنَاةِ قَوْلَانِ: فِي قَوْلِهِ الْقَدِيمِ: تَجِبُ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْحَصْرِ، وَفِي الْجَدِيدِ لَا تَجِبُ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ، فَعَلَى هَذَا كَانَتْ الْمُتْعَةُ عِنْدَنَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: وَاجِبَةٍ، وَمُسْتَحَبَّةٍ، وَغَيْرِ مُسْتَحَبَّةٍ. لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ إمَّا أَنْ تَكُونَ مَلْمُوسَةً أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَهْرُهَا مُسَمًّى أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهِيَ الَّتِي وَجَبَتْ لَهَا الْمُتْعَةُ، وَإِنْ كَانَ فَهِيَ الْمُسْتَثْنَاةُ الَّتِي لَا تُسْتَحَبُّ لَهَا الْمُتْعَةُ، وَإِنْ كَانَتْ مَلْمُوسَةً سَوَاءٌ كَانَ مَهْرُهَا مُسَمًّى أَوْ لَمْ يَكُنْ تُسْتَحَبُّ لَهَا الْمُتْعَةُ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هِيَ تَنْقَسِمُ إلَى وَاجِبَةٍ وَإِلَى غَيْرِهَا، وَاسْتَدَلَّ لَهُ فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّهَا وَجَبَتْ) وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِهَا لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ وَعَدَمُهُ لِلْمُسْتَثْنَاةِ. وَتَقْرِيرُهُ: الْمُتْعَةُ وَجَبَتْ صِلَةً مِنْ الزَّوْجِ لِإِيحَاشِهَا بِالْفِرَاقِ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ يَجِبُ لِكُلِّ مَنْ أُوحِشَتْ بِهِ، فَالْمُتْعَةُ تَجِبُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ لِأَنَّهَا أُوحِشَتْ بِالْفِرَاقِ (إلَّا أَنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ) يَعْنِي الْمُسْتَثْنَاةَ (نِصْفَ الْمَهْرِ يَجِبُ بِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فَسْخٌ) مَعْنًى (فِي هَذِهِ الْحَالَةِ) لِعَوْدِ مَالِهَا إلَيْهَا سَالِمًا، وَذَلِكَ يَقْتَضِي سُقُوطَ الْمَهْرِ كُلِّهِ كَمَا فِي فَسْخِ الْبَيْعِ، لَكِنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ نِصْفَ الْمَهْرِ بِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ (وَالْمُتْعَةُ لَا تَتَكَرَّرُ) فَلَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ لِهَذِهِ الْمُطَلَّقَةِ وَتَجِبُ لِغَيْرِهَا، وَإِنَّمَا قَالَ: وَجَبَتْ صِلَةً احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِنَا إنَّ الْمَهْرَ عِوَضٌ وَالْمُتْعَةَ خَلَفٌ عَنْهُ. وَالْفَائِدَةُ تَظْهَرُ فِي مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا لَا تَسْتَحِقُّ الْمُتْعَةَ عِنْدَنَا لِأَنَّهَا قَدْ اسْتَحَقَّتْ عِوَضَ مَنَافِعِ الْبُضْعِ مَرَّةً فَلَا تَسْتَحِقُّ غَيْرَهُ، وَعِنْدَهُ تَسْتَحِقُّ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ صِلَةً بِسَبَبِ الْإِيحَاشِ فَيَجِبُ الْمَهْرُ لِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعِ الْبُضْعِ وَالْمُتْعَةُ لِوَحْشَةِ الْفِرَاقِ. وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الْمُتْعَةَ لَا تُزَادُ عَلَى نِصْفِ الْمَهْرِ عِنْدَنَا لِئَلَّا يَزِيدَ الْخَلَفُ عَلَى الْأَصْلِ. وَعِنْدَهُ تُزَادُ.

(وَلَنَا أَنَّ الْمُتْعَةَ خَلَفٌ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فِي الْمُفَوِّضَةِ) ؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَوَجَبَتْ الْمُتْعَةُ، وَالْعَقْدُ يُوجِبُ الْعِوَضَ فَكَانَ خَلَفًا وَالْخَلَفُ لَا يُجَامِعُ الْأَصْلَ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَنَا أَنَّ الْمُتْعَةَ خَلَفٌ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فِي الْمُفَوِّضَةِ) لِوُجُودِ حَدِّ الْخَلَفِ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ سَقَطَ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَوَجَبَتْ الْمُتْعَةُ، وَالْحَالُ أَنَّ الْعَقْدَ يُوجِبُ الْعِوَضَ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، فَكَانَ وُجُوبُ الْمُتْعَةِ مُضَافًا إلَى الْعَقْدِ بَعْدَ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَلَا يَعْنِي بِالْخَلَفِ إلَّا مَا يَجِبُ بَعْدَ سُقُوطِ شَيْءٍ مُضَافًا إلَى سَبَبِ ذَلِكَ الشَّيْءِ كَالتَّيَمُّمِ مَعَ الْوُضُوءِ فَثَبَتَ أَنَّهَا خَلَفٌ (وَالْخَلَفُ لَا يُجَامِعُ الْأَصْلَ) فَالْمُتْعَةُ لَا تُجَامِعُ مَهْرَ الْمِثْلِ وَلَا شَيْئًا مُتَّصِلًا بِهِ كَكُلِّ الْمَفْرُوضِ عِنْدَ الطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْضِ الْمَفْرُوضِ عِنْدَهُ قَبْلَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ قِيلَ فِي تَوْجِيهِ كَلَامِهِ: إنَّ الْمُرَادَ بِالْأَصْلِ كُلُّ الْمَفْرُوضِ، كَمَا إذَا كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَالتَّسْمِيَةِ، وَبِقَوْلِهِ شَيْئًا مِنْهُ نِصْفُ الْمَفْرُوضِ كَمَا إذَا كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَ التَّسْمِيَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُنْقَطِعًا عَنْ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُهُ الْمُتْعَةُ خَلَفٌ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، فَإِنَّ قِيَاسَهُ هَكَذَا الْمُتْعَةُ خَلَفٌ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَالْخَلَفُ لَا يُجَامِعُ الْأَصْلَ فَالْمُتْعَةُ لَا تُجَامِعُ الْأَصْلَ، وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ ذِكْرُ التَّسْمِيَةِ كَمَا تَرَى، وَلَيْسَ الْمُدَّعَى إلَّا عَدَمَ وُجُوبِ الْمُتْعَةِ مَعَ وُجُوبِ الْمُسَمَّى أَوْ بَعْضِهِ وَمَعَ وُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ. فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: الْأَصْلُ هُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَالْمُتْعَةُ لَا تُجَامِعُهُ وُجُوبًا، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ الْمُسَمَّى وَبَعْضُهُ وَمَنْ هِيَ مِنْ الْمُتَّصِلَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ} [التوبة: 67] أَيْ بَعْضُهُمْ مُتَّصِلٌ بِبَعْضٍ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ وَالْخَلَفُ وَهُوَ الْمُتْعَةُ لَا يُجَامِعُ الْأَصْلَ وُجُوبًا وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ وَلَا يُجَامِعُ شَيْئًا مُتَّصِلًا بِالْأَصْلِ وَهُوَ كُلُّ الْمُسَمَّى بَعْدَ الدُّخُولِ وَبَعْضُهُ قَبْلَهُ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ مُلْحَقًا بِالثَّابِتِ بِالْقِيَاسِ الْمُتَقَدِّمِ لَا أَنَّهُ مِنْ نَتِيجَتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي مُقَدِّمَاتِهِ، لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ مُتَّصِلًا بِهِ أُلْحِقَ بِحُكْمِهِ، وَمَعْنَى الِاتِّصَالِ بَيْنَ مَهْرِ الْمِثْلِ وَالْمُسَمَّى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا

فَلَا تَجِبُ مَعَ وُجُوبِ شَيْءٍ مِنْ الْمَهْرِ، وَهُوَ غَيْرُ جَانٍ فِي الْإِيحَاشِ فَلَا تَلْحَقُهُ الْغَرَامَةُ بِهِ فَكَانَ مِنْ بَابِ الْفَضْلِ. (وَإِذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ بِنْتَه عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ بِنْتَهُ أَوْ أُخْتَهُ لِيَكُونَ أَحَدُ الْعَقْدَيْنِ عِوَضًا عَنْ الْآخَرِ فَالْعَقْدَانِ جَائِزَانِ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَهْرُ مِثْلِهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: بَطَلَ الْعَقْدَانِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ نِصْفَ الْبُضْعِ صَدَاقًا وَالنِّصْفَ مَنْكُوحَةً، وَلَا اشْتِرَاكَ فِي هَذَا الْبَابِ فَبَطَلَ الْإِيجَابُ. وَلَنَا أَنَّهُ سَمَّى مَا لَا يَصْلُحُ صَدَاقًا فَيَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا إذَا سَمَّى الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ وَلَا شَرِكَةَ بِدُونِ الِاسْتِحْقَاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقَعُ أَمْثَالًا لِمَا هُوَ الْمَهْرُ عِنْدَ اللَّهِ وَبَيَانٌ لَهُ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَيُعَضِّدُ هَذَا قَوْلُهُ فِي آخِرِ كَلَامِهِ (فَلَا تَجِبُ مَعَ وُجُوبِ شَيْءٍ مِنْ الْمَهْرِ) لِتَنَاوُلِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَكُلِّ الْمُسَمَّى وَبَعْضِهِ، هَذَا الَّذِي سَنَحَ لِي فِي حَلِّ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ (وَهُوَ غَيْرُ جَانٍ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ أَوْحَشَهَا بِالْفِرَاقِ. وَتَقْرِيرُهُ: سَلَّمْنَا أَنَّهُ أَوْحَشَهَا بِالْفِرَاقِ لَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْإِيحَاشِ جَانِيًا لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا فَعَلَ بِإِذْنِ الشَّرْعِ (فَلَا تَلْحَقُهُ الْغَرَامَةُ) بِوُجُوبِ الْمُتْعَةِ (فَكَانَ) الْمُتْعَةُ بِتَأْوِيلِ الْمَتَاعِ (مِنْ بَابِ الْفَضْلِ) أَيْ الِاسْتِحْبَابِ. قَالَ (وَإِذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ) وَإِذَا زَوَّجَ رَجُلَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا بِنْتَهُ أَوْ أُخْتَهُ لِلْآخَرِ بِشَرْطِ أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ بِنْتَهُ أَوْ أُخْتَهُ صَحَّ النِّكَاحُ عِنْدَنَا وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مَهْرُ الْمِثْلِ، وَيُسَمَّى هَذَا النِّكَاحُ نِكَاحَ الشِّغَارِ مِنْ الشُّغُورِ وَهُوَ الرَّفْعُ وَالْإِخْلَاءُ، وَسُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُمَا بِهَذَا الشَّرْطِ كَأَنَّهُمَا رَفَعَا الْمَهْرَ وَأَخْلَيَا الْبُضْعَ عَنْهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: النِّكَاحَانِ بَاطِلَانِ لِأَنَّهُ جَعَلَ نِصْفَ الْبُضْعِ صَدَاقًا وَالنِّصْفَ مَنْكُوحَةً، لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ ابْنَتَهُ مَنْكُوحَةَ الْآخَرِ وَصَدَاقَ ابْنَتِهِ اقْتَضَى ذَلِكَ انْقِسَامَ مَنَافِعِ بُضْعِهَا عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ، فَيَصِيرُ النِّصْفُ لِلزَّوْجِ بِحُكْمِ النِّكَاحِ وَالنِّصْفُ لِبِنْتِهِ بِحُكْمِ الْمَهْرِ فَيَلْزَمُ الِاشْتِرَاكُ، وَالِاشْتِرَاكُ فِي هَذَا الْبَابِ مُبْطِلٌ لِلْإِيجَابِ (وَلَنَا أَنَّهُ سَمَّى مَا لَا يَصِحُّ صَدَاقًا) وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ صَحَّ الْعَقْدُ فِيهِ وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ (كَمَا إذَا سَمَّى الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ) وَقَوْلُهُ (وَلَا شَرِكَةَ بِدُونِ الِاسْتِحْقَاقِ) جَوَابُ الْخَصْمِ. وَبَيَانُهُ أَنَّ الْبُضْعَ لَمَّا لَمْ يَصْلُحْ صَدَاقًا لَمْ يَتَحَقَّقْ الِاشْتِرَاكُ لِأَنَّ مَنَافِعَ بُضْعِ الْمَرْأَةِ

(وَإِنْ تَزَوَّجَ حُرٌّ امْرَأَةً عَلَى خِدْمَتِهِ إيَّاهَا سَنَةً أَوْ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهَا قِيمَةُ خِدْمَتِهِ، وَإِنْ تَزَوَّجَ عَبْدٌ امْرَأَةً بِإِذْنِ مَوْلَاهُ عَلَى خِدْمَتِهِ سَنَةً جَازَ وَلَهَا خِدْمَتُهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهَا تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ وَالْخِدْمَةُ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ مَا يَصِحُّ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ بِالشَّرْطِ يَصْلُحُ مَهْرًا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ تَتَحَقَّقُ الْمُعَاوَضَةُ، وَصَارَ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ أَوْ عَلَى رَعْيِ الزَّوْجِ غَنَمَهَا وَلَنَا أَنَّ الْمَشْرُوعَ هُوَ الِابْتِغَاءُ بِالْمَالِ وَالتَّعْلِيمُ لَيْسَ بِمَالٍ وَكَذَلِكَ الْمَنَافِعُ عَلَى أَصْلِنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مَمْلُوكَةً لِامْرَأَةِ أُخْرَى فَبَقِيَ هَذَا شَرْطًا فَاسِدًا، وَالنِّكَاحُ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ. (وَإِنْ تَزَوَّجَ حُرٌّ امْرَأَةً عَلَى خِدْمَتِهِ لَهَا سَنَةً أَوْ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ صَحَّ النِّكَاحُ وَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهَا قِيمَةُ خِدْمَتِهِ سَنَةً وَإِنْ تَزَوَّجَ عَبْدٌ امْرَأَةً بِإِذْنِ مَوْلَاهُ عَلَى خِدْمَتِهِ لَهَا سَنَةً جَازَ وَلَهَا الْخِدْمَةُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهَا تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ وَالْخِدْمَةُ فِي الْوَجْهَيْنِ) يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ عَبْدًا أَوْ حُرًّا (لِأَنَّ مَا يَصِحُّ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ بِالشَّرْطِ يَصْلُحُ مَهْرًا) لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ تَتَحَقَّقُ بِذَلِكَ، وَالتَّعْلِيمُ وَالْخِدْمَةُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَ شَخْصًا عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ أَوْ الْأَذَانِ أَوْ الْإِقَامَةِ جَازَ عِنْدَهُ (فَصَارَ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ أَوْ عَلَى رَعْيِ الزَّوْجِ غَنَمَهَا. وَلَنَا أَنَّ الْمَشْرُوعَ) فِي عَقْدِ النِّكَاحِ (هُوَ الِابْتِغَاءُ بِالْمَالِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] (وَالتَّعْلِيمُ لَيْسَ بِمَالٍ) فَلَا يَكُونُ الِابْتِغَاءُ بِهِ مَشْرُوعًا (وَكَذَلِكَ الْمَنَافِعُ عَلَى أَصْلِنَا) لِأَنَّهَا لَا تَبْقَى زَمَانَيْنِ، وَالتَّمَوُّلُ يَعْتَمِدُ الْبَقَاءَ زَمَانَيْنِ فَلَا تَكُونُ الْخِدْمَةُ مَالًا فَلَا يَكُونُ الِابْتِغَاءُ بِهِ

وَخِدْمَةُ الْعَبْدِ ابْتِغَاءً بِالْمَالِ لِتَضَمُّنِهِ تَسْلِيمَ رَقَبَتِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْحُرُّ، وَلِأَنَّ خِدْمَةَ الزَّوْجِ الْحُرِّ لَا يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهَا بِعَقْدِ النِّكَاحِ لِمَا فِيهِ مِنْ قَلْبِ الْمَوْضُوعِ، بِخِلَافِ خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ بِرِضَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَاقَضَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمَشْرُوعًا (وَخِدْمَةُ الْعَبْدِ ابْتِغَاءٌ بِالْمَالِ لِتَضَمُّنِهِ تَسْلِيمَ رَقَبَةِ الْعَبْدِ) كَمَا فِي الْإِجَارَةِ (وَلَا كَذَلِكَ الْحُرُّ) وَعَلَى هَذِهِ النُّكْتَةِ يُمْنَعُ جَوَازُ النِّكَاحِ عَلَى خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ وَرَعْيِ الْغَنَمِ، وَلِأَنَّ خِدْمَةَ الزَّوْجِ لَا تُسْتَحَقُّ بِعَقْدِ النِّكَاحِ (لِمَا فِيهِ مِنْ قَلْبِ الْمَوْضُوعِ) لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ خَادِمَةً وَالزَّوْجُ مَخْدُومًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «النِّكَاحُ رِقٌّ» وَفِي جَعْلِ خِدْمَةِ الزَّوْجِ مَهْرًا لَهَا كَوْنُ الرَّجُلِ خَادِمًا وَالْمَرْأَةِ مَخْدُومَةً وَذَلِكَ خِلَافُ مَوْضُوعِ النِّكَاحِ بِلَا خِلَافٍ (بِخِلَافِ خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ بِرِضَاهُ) فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا لِأَنَّهُ يُسَلِّمُ فِيهِ رَقَبَتَهُ كَالْمُسْتَأْجَرِ، وَلَا مُنَاقَضَةَ

وَبِخِلَافِ خِدْمَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ يَخْدُمُ مَوْلَاهُ مَعْنًى حَيْثُ يَخْدُمُهَا بِإِذْنِهِ وَبِأَمْرِهِ، وَبِخِلَافِ رَعْيِ الْأَغْنَامِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقِيَامِ بِأُمُورِ الزَّوْجِيَّةِ فَلَا مُنَاقَضَةَ عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ فِي رِوَايَةٍ، ثُمَّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ تَجِبُ قِيمَةُ الْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَالٌ إلَّا أَنَّهُ عَجَزَ عَنْ التَّسْلِيمِ لِمَكَانِ الْمُنَاقَضَةِ فَصَارَ كَالتَّزَوُّجِ عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ إذْ لَا تُسْتَحَقُّ فِيهِ بِحَالٍ فَصَارَ كَتَسْمِيَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (وَبِخِلَافِ خِدْمَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ يَخْدُمُ الْمَوْلَى مَعْنًى حَيْثُ يَخْدُمُهَا بِإِذْنِهِ وَأَمْرِهِ) بِالنِّكَاحِ وَهَذَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ ظَاهِرًا لِأَنَّهُ عُلِمَ الْجَوَابُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ وَخِدْمَةُ الْعَبْدِ ابْتِغَاءٌ بِالْمَالِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمُدَّعَى دَلِيلَيْنِ: أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ الْمَشْرُوعُ هُوَ الِابْتِغَاءُ بِالْمَالِ، وَالثَّانِي قَوْلُهُ وَلِأَنَّ خِدْمَةَ الزَّوْجِ الْحُرِّ، فَذَكَرَ الْعَبْدُ مَرَّةً بِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ وَأُخْرَى بِاعْتِبَارِ الثَّانِي (وَبِخِلَافِ رَعْيِ الْغَنَمِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقِيَامِ بِأُمُورِ الزَّوْجِيَّةِ فَلَا مُنَاقَضَةَ عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ فِي رِوَايَةٍ) وَفِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ تَسَامُحٌ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الدَّلِيلِ: وَلَنَا أَنَّ الْمَشْرُوعَ هُوَ الِابْتِغَاءُ بِالْمَالِ وَالتَّعْلِيمُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَكَذَا الْمَنَافِعُ عَلَى أَصْلِنَا، فَإِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ دَاخِلًا فِي قَوْلِهِ وَلَنَا فَقَوْلُهُ (ثُمَّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ تَجِبُ قِيمَةُ الْخِدْمَةِ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَالٌ) يُنَاقِضُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا كَانَ الْمُنَاسِبُ وَلَهُمَا دَفْعًا لِلِالْتِبَاسِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ دَاخِلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ فَقَالَ: وَلَنَا وَلَيْسَ بِدَاخِلٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْخِدْمَةِ فَقَالَ فِي الْآخَرِ ثُمَّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ تَجِبُ قِيمَةُ الْخِدْمَةِ لِأَنَّ الْمُسَمَّى وَهُوَ الْخِدْمَةُ مَالٌ عِنْدَ الْعَقْدِ (إلَّا أَنَّهُ عَجَزَ عَنْ التَّسْلِيمِ لِمَكَانِ الْمُنَاقَضَةِ فَصَارَ كَالتَّزَوُّجِ عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ) أَيْ خِدْمَةَ الْحُرِّ (لَيْسَتْ بِمَالٍ إذْ لَا تُسْتَحَقُّ فِيهِ) أَيْ لَا تُسْتَحَقُّ الْخِدْمَةُ فِي النِّكَاحِ (بِحَالٍ) وَلَوْ كَانَتْ مَالًا لَاسْتُحِقَّتْ لِأَنَّهُ وُجِدَ الْمُقْتَضِي وَهُوَ الْعَقْدُ الصَّادِرُ مِنْ الْأَهْلِ الْمُضَافِ إلَى الْمَحَلِّ، وَانْتَفَى الْمَانِعُ وَهُوَ كَوْنُ الْمَهْرِ غَيْرَ مَالٍ. وَذَكَرَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ أَنَّ سَمَاعَهُ فِي هَذَا الْمَكَانِ بِكَلِمَةِ " أَوْ " هَكَذَا أَوْ لَا تُسْتَحَقُّ فِيهِ بِحَالٍ، وَهُوَ حَسَنٌ لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ، وَقَوْلُهُ أَوْ لَا تُسْتَحَقُّ بِحَالٍ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَيَكُونُ الْأَوَّلُ إشَارَةً إلَى قَوْلِهِ: وَلَنَا أَنَّ الْمَشْرُوعَ هُوَ الِابْتِغَاءُ بِالْمَالِ، وَالثَّانِي إشَارَةً إلَى قَوْلِهِ وَلِأَنَّ خِدْمَةَ الزَّوْجِ الْحُرِّ لَا يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهَا بِعَقْدِ النِّكَاحِ. وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ إذْ لَا تُسْتَحَقُّ فِيهِ بِحَالٍ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى أَنَّ الْخِدْمَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ

وَهَذَا؛ لِأَنَّ تَقَوُّمَهُ بِالْعَقْدِ لِلضَّرُورَةِ، فَإِذَا لَمْ يَجِبْ تَسْلِيمُهُ بِالْعَقْدِ لَمْ يَظْهَرْ تَقَوُّمُهُ فَيَبْقَى الْحُكْمُ لِلْأَصْلِ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ. (فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ فَقَبَضَتْهَا وَوَهَبَتْهَا لَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِخَمْسِمِائَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا بِمَا يَنْفِيهِ مِنْ وُجُودِ الْمُقْتَضِي وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ، وَهُوَ لَا يَتِمُّ لِأَنَّ لِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَالًا لَاسْتُحِقَّتْ فِيهِ، وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ وُجِدَ الْمُقْتَضِي وَانْتَفَى الْمَانِعُ وَهُوَ كَوْنُ الْمَهْرِ غَيْرَ مَالٍ يَقُولُ الْمَانِعُ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِي ذَلِكَ بَلْ كَوْنُهُ مُفْضِيًا إلَى الْمُنَاقَضَةِ مَانِعٌ آخَرُ عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ لَكِنْ سَمَاعِي بِكَلِمَةِ إذْ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: قَوْلُهُ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ لِأَنَّهُ عُلِمَ ذَلِكَ مِنْ الدَّلِيلِ فِي مَطْلَعِ الْبَحْثِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ أَعَادَهُ تَمْهِيدًا لِبَيَانِ التَّعْلِيلِ بِقَوْلِهِ (وَهَذَا) أَيْ وُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ (لِأَنَّ تَقَوُّمَهُ بِالْعَقْدِ لِلضَّرُورَةِ) أَيْ لِأَنَّ تَقَوُّمَ الْمُسَمَّى وَهُوَ الْخِدْمَةُ لِضَرُورَةِ حَاجَةِ النَّاسِ فِي الْعُقُودِ وَهِيَ إنَّمَا تَنْدَفِعُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُحْتَاجِ (فَإِذَا لَمْ يَجِبْ تَسْلِيمُهُ فِي هَذَا الْعَقْدِ) لِمَكَانِ التَّنَاقُضِ (لَمْ يَظْهَرْ تَقَوُّمُهُ فَيَبْقَى الْحُكْمُ لِلْأَصْلِ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ) وَلَوْ قَالَ فَإِذَا لَمْ يَجُزْ تَسْلِيمُهُ كَانَ أَوْلَى فَتَأَمَّلْ. قَالَ (فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَنْقَسِمُ بِالْقِسْمَةِ الْأَوَّلِيَّةِ عَلَى قِسْمَيْنِ: إمَّا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى مَا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعَيُّنِ كَالنُّقُودِ أَوْ عَلَى مَا يَتَعَيَّنُ بِهِ كَالْعُرُوضِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، ثُمَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ الصَّدَاقُ مَقْبُوضًا لَهَا، أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ تَهَبَ الْمَرْأَةُ الْكُلَّ أَوْ الْبَعْضَ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَبَضَتْهَا ثُمَّ وَهَبَتْهَا لِلزَّوْجِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَسْتَوْجِبُ عَلَيْهَا الرُّجُوعَ بِنِصْفِ مَا قَبَضَتْ مَهْرًا بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ يُنَصِّفُ الصَّدَاقَ بِالنَّصِّ وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِ عَيْنُ مَا يَسْتَوْجِبُهُ بِالْهِبَةِ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ فَكَانَتْ هِبَةً، هَذِهِ

بِالْهِبَةِ عَيْنُ مَا يَسْتَوْجِبُهُ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا تَتَعَيَّنَانِ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَهْرُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا أَوْ شَيْئًا آخَرَ فِي الذِّمَّةِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهَا (فَإِنْ لَمْ تَقْبِضْ الْأَلْفَ حَتَّى وَهَبَتْهَا لَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَمْ يَرْجِعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ. وَفِي الْقِيَاسِ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الصَّدَاقِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ) ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ الْمَهْرَ لَهُ بِالْإِبْرَاءِ فَلَا تَبْرَأُ عَمَّا يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ عَيْنُ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَهُوَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ عَنْ نِصْفِ الْمَهْرِ، وَلَا يُبَالِي بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ عِنْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ (وَلَوْ قَبَضَتْ خَمْسَمِائَةٍ ثُمَّ وَهَبَتْ الْأَلْفَ كُلَّهَا الْمَقْبُوضَ وَغَيْرَهُ أَوْ وَهَبَتْ الْبَاقِيَ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَمْ يَرْجِعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ مَا قَبَضَتْ) اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ، وَلِأَنَّ هِبَةَ الْبَعْضِ حَطٌّ فَيَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَقْصُودَ الزَّوْجِ قَدْ حَصَلَ وَهُوَ سَلَامَةُ نِصْفِ الصَّدَاقِ بِلَا عِوَضٍ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الرُّجُوعَ عِنْدَ الطَّلَاقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَلْفُ كَهِبَةِ أَلْفٍ أُخْرَى، وَإِذَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ عَيْنُ مَا اسْتَوْجَبَهُ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ (وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَهْرُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا أَوْ شَيْئًا آخَرَ فِي الذِّمَّةِ) غَيْرَ الدَّرَاهِمِ فَقَبَضَتْهُ ثُمَّ وَهَبَتْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ ذَلِكَ لِعَدَمِ التَّعَيُّنِ وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا رَدُّ عَيْنِ مَا قَبَضَتْ. (فَإِنْ لَمْ تَقْبِضْ الْأَلْفَ حَتَّى وَهَبَتْهَا لَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَرْجِعْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِشَيْءٍ، وَفِي الْقِيَاسِ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الصَّدَاقِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّهُ سَلَّمَ لَهُ الْمَهْرَ بِالْإِبْرَاءِ) وَمَا سُلِّمَ لَهُ بِالْإِبْرَاءِ غَيْرُ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ وَهُوَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ عَمَّا عَلَيْهِ مِنْ نِصْفِ الْمَهْرِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَالزَّوْجُ سَلَّمَ لَهُ غَيْرَ مَا يَسْتَحِقُّهُ (فَلَا تَبْرَأُ) الْمَرْأَةُ (عَمَّا يَسْتَحِقُّهُ) وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ مَا يَسْتَحِقُّهُ الزَّوْجُ بِالطَّلَاقِ هُوَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ عَنْ نِصْفِ الْمَهْرِ وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ ذَلِكَ لَكِنْ بِسَبَبٍ آخَرَ وَهُوَ الْإِبْرَاءُ (وَلَا يُبَالِي بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ عِنْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِنَفْسِهِ كَمَنْ يَقُولُ لِآخَرَ: لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثَمَنُ هَذِهِ الْجَارِيَةِ الَّتِي اشْتَرَيْتهَا مِنْك، وَقَالَ الْآخَرُ: الْجَارِيَةُ جَارِيَتُك وَلِيَ عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ لَزِمَهُ الْمَالُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَإِنْ كَذَّبَهُ فِي السَّبَبِ وَهُوَ بَيْعُ الْجَارِيَةِ (وَلَوْ قَبَضَتْ خَمْسَمِائَةٍ ثُمَّ وَهَبَتْ الْأَلْفَ كُلَّهَا الْمَقْبُوضَ وَغَيْرَهُ أَوْ وَهَبَتْ الْبَاقِيَ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَرْجِعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ مَا قَبَضَتْ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ) فَلَوْ قَبَضَتْ الْكُلَّ ثُمَّ وَهَبَتْ لِلزَّوْجِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ رَجَعَ عِنْدَنَا عَلَيْهَا بِنِصْفِ مَا قَبَضَتْ فَكَذَا إذَا قَبَضَتْ الْبَعْضَ (وَلِأَنَّ هِبَةَ الْبَعْضِ) الَّذِي لَمْ يَقْبِضْهُ (حُطَّ) وَالْحَطُّ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَكَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا ابْتِدَاءً عَلَى الْخَمْسِمِائَةِ الْمَقْبُوضَةِ. (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَقْصُودَ الزَّوْجِ) وَهُوَ سَلَامَةُ نِصْفِ الصَّدَاقِ بِلَا عِوَضٍ (قَدْ حَصَلَ قَبْلَ الطَّلَاقِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الرُّجُوعَ بَعْدَ الطَّلَاقِ) كَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ فَاسْتَعْجَلَ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ، وَفَائِدَةُ قَوْلِهِ بِلَا

وَالْحَطُّ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فِي النِّكَاحِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعِوَضٍ سَتَظْهَرُ فِيمَا إذَا بَاعَتْ مِنْ زَوْجِهَا. وَقَوْلُهُ وَالْحَطُّ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا وَلِأَنَّ هِبَةَ الْبَعْضِ حَطٌّ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَطَّ إنَّمَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ إذَا كَانَ الْعَقْدُ عَقْدَ مُغَابَنَةٍ يَحْتَاجُ إلَى دَفْعِ الْغَبْنِ عَنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ بِالزِّيَادَةِ أَوْ الْحَطِّ وَالنِّكَاحُ لَيْسَ كَذَلِكَ

أَلَا تَرَى أَنَّ الزِّيَادَةَ فِيهِ لَا تَلْتَحِقُ حَتَّى لَا تَتَنَصَّفُ، وَلَوْ كَانَتْ وَهَبَتْ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ وَقَبَضَتْ الْبَاقِيَ، فَعِنْدَهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا إلَى تَمَامِ النِّصْفِ. وَعِنْدَهُمَا بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ (وَلَوْ كَانَ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَرَضٍ فَقَبَضَتْهُ أَوْ لَمْ تَقْبِضْ فَوَهَبَتْ لَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ) وَفِي الْقِيَاسِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ رَدُّ نِصْفِ عَيْنِ الْمَهْرِ عَلَى مَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ حَقَّهُ عِنْدَ الطَّلَاقِ سَلَامَةُ نِصْفِ الْمَقْبُوضِ مِنْ جِهَتِهَا وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا دَفْعُ شَيْءٍ آخَرَ مَكَانَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَهْرُ دَيْنًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاسْتَوْضَحَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (أَلَا تَرَى أَنَّ الزِّيَادَةَ) يَعْنِي أَنَّ الْحَطَّ وَالزِّيَادَةَ سِيَّانِ فِي الِالْتِحَاقِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ، وَالزِّيَادَةُ فِي النِّكَاحِ لَمْ تَلْتَحِقْ بِأَصْلِ الْعَقْدِ حَتَّى لَا تَتَنَصَّفَ الزِّيَادَةُ مَعَ الْأَصْلِ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَلِكَ الْحَطُّ (وَلَوْ كَانَتْ وَهَبَتْ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ وَقَبَضَتْ الْبَاقِيَ) مِثْلُ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ فَوَهَبَتْ الْمَرْأَةُ مِائَتَيْنِ وَقَبَضَتْ الْبَاقِيَ؛ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِثَلَاثِمِائَةِ دِرْهَمٍ حَتَّى يَتِمَّ النِّصْفُ، وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِأَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ لِأَنَّ عِنْدَهُ مَا سُلِّمَ لِلزَّوْجِ مُعْتَبَرٌ وَعِنْدَهُمَا الْمَقْبُوضُ مُعْتَبَرٌ فَكَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَا قَبَضَتْ فَيَتَنَصَّفُ الْمَقْبُوضُ وَهُوَ ثَمَانُمِائَةٍ. (وَلَوْ كَانَ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَرَضٍ فَقَبَضَتْهُ أَوْ لَمْ تَقْبِضْ فَوَهَبَتْ لَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ وَفِي الْقِيَاسِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَتِهِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ رَدُّ نِصْفِ عَيْنِ الْمَهْرِ عَلَى مَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ) يَعْنِي فِي قَوْلِهِ لِأَنَّهُ سُلِّمَ لَهُ الْمَهْرُ بِالْإِبْرَاءِ فَلَا تَبْرَأُ عَمَّا يَسْتَحِقُّهُ (وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ) مَا ذَكَرَهُ (أَنَّ حَقَّهُ عِنْدَ الطَّلَاقِ سَلَامَةُ نِصْفِ الْمَقْبُوضِ مِنْ جِهَتِهَا وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ) لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ. وَقَوْلُهُ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِأَنَّ حَقَّهُ عِنْدَ الطَّلَاقِ سَلَامَةُ نِصْفِ الْمَقْبُوضِ مِنْ جِهَتِهَا (لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَدْفَعَ شَيْئًا آخَرَ مَكَانَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَهْرُ دَيْنًا) وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى حَيْثُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالنِّصْفِ

وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَتْ مِنْ زَوْجِهَا؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ بِبَذْلٍ. وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى حَيَوَانٍ أَوْ عُرُوضٍ فِي الذِّمَّةِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ مُتَعَيَّنٌ فِي الرَّدِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ حَقَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي نِصْفِ الْمَقْبُوضِ لِعَدَمِ التَّعَيُّنِ، وَلِهَذَا لَوْ دَفَعَتْ مَكَانَهُ شَيْئًا آخَرَ جَازَ (بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَتْ) يَعْنِي الصَّدَاقَ الْعَرَضَ مِنْ زَوْجِهَا (لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ بِبَدَلٍ) وَهُوَ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهَا نِصْفَ الْمَهْرِ بِلَا بَدَلٍ فَلَا يَنُوبُ عَمَّا يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلِذَلِكَ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْمَهْرِ. (وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى حَيَوَانٍ) يَعْنِي مِثْلَ الْفَرَسِ وَالْحِمَارِ وَنَحْوِهِمَا لَا مُطْلَقَهُ (أَوْ عُرُوضٍ فِي الذِّمَّةِ) بِأَنْ قَالَ عَلَى ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ بَيَّنَ جِنْسَهُ وَنَوْعَهُ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَجِبُ الْوَسَطُ مِمَّا سَمَّى وَيَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فَيُشْبِهُ النُّقُودَ (فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ) يَعْنِي إذَا وَهَبَتْهُ لَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ قَبَضَتْ أَوْ لَمْ تَقْبِضْ (لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ مُتَعَيَّنٌ فِي الرَّدِّ) يَعْنِي أَنَّهَا لَوْ قَبَضَتْهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهَا رَدُّهُ بِعَيْنِهِ،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكُلُّ مَا كَانَ الْمَقْبُوضُ مِنْهُ مُتَعَيَّنًا فِي الرَّدِّ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، فَإِنْ كَانَتْ الْهِبَةُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ عَيْنُ حَقِّهِ لِأَنَّ اخْتِلَافَ السَّبَبِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَإِنْ كَانَتْ قَبْلَهُ فَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ حَقُّهُ وَهُوَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ عَنْ نِصْفِ

وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ تَحَمَّلَتْ فِي النِّكَاحِ فَإِذَا عَيَّنَ فِيهِ يَصِيرُ كَأَنَّ التَّسْمِيَةَ وَقَعَتْ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَهْرِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا لِأَنَّ الْجَهَالَةَ) إشَارَةٌ إلَى شَيْئَيْنِ إلَى جَوَازِ النِّكَاحِ بِالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ بِلَا تَعْيِينٍ، وَإِلَى أَنَّ الْمَقْبُوضَ مُتَعَيَّنٌ فِي الرَّدِّ. وَتَقْرِيرُهُ الْجَهَالَةَ تُحُمِّلَتْ فِي النِّكَاحِ وَكُلُّ مَا تُحُمِّلَ فِي النِّكَاحِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُنَافِي النِّكَاحَ فَالْجَهَالَةُ لَا تُنَافِي النِّكَاحَ، فَإِذَا شُرِطَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ صَحَّ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينٍ لِيَتَحَقَّقَ الْإِيفَاءُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، فَإِذَا عُيِّنَ بِالْقَبْضِ صَارَ كَأَنَّ التَّسْمِيَةَ وَقَعَتْ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ مُتَعَيَّنًا فَكَذَلِكَ إذَا عُيِّنَ بِالْقَبْضِ. وَفَائِدَةُ الْأُولَى صِحَّةُ الْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى مَجْهُولًا وَمُنِعَ وُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ. وَفَائِدَةُ الثَّانِيَةِ عَدَمُ رُجُوعِ الزَّوْجِ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ إنْ وَهَبَتْهُ لَهُ وَعَدَمُ وِلَايَةِ الِاسْتِبْدَالِ إنْ لَمْ تَهَبْ وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ.

(وَإِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ الْبَلْدَةِ أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أُخْرَى، فَإِنْ وَفَّى بِالشَّرْطِ فَلَهَا الْمُسَمَّى) ؛ لِأَنَّهُ صَلُحَ مَهْرًا وَقَدْ تَمَّ رِضَاهَا بِهِ (وَإِنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا أُخْرَى أَوْ أَخْرَجَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا) ؛ لِأَنَّهُ سَمَّى مَا لَهَا فِيهِ نَفْعٌ، فَعِنْدَ فَوَاتِهِ يَنْعَدِمُ رِضَاهَا بِالْأَلْفِ فَيُكْمِلُ مَهْرَ مِثْلِهَا كَمَا فِي تَسْمِيَةِ الْكَرَامَةِ وَالْهِدَايَةِ مَعَ الْأَلْفِ (وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ أَقَامَ بِهَا وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ أَخْرَجَهَا، فَإِنْ أَقَامَ بِهَا فَلَهَا الْأَلْفُ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ لَا يُزَادُ عَلَى الْأَلْفَيْنِ وَلَا يُنْقَصُ عَنْ الْأَلْفِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: الشَّرْطَانِ جَمِيعًا جَائِزَانِ) حَتَّى كَانَ لَهَا الْأَلْفُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَإِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ الْبَلْدَةِ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فَإِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ الْبَلْدَةِ (أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا) أَوْ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ فُلَانَةَ فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ شَرْطُ عَدَمِ التَّزَوُّجِ وَعَدَمِ الْمُسَافَرَةِ وَطَلَاقِ الضَّرَّةِ فَاسِدٌ لِأَنَّ فِيهِ الْمَنْعَ عَنْ الْأَمْرِ الْمَشْرُوعِ (فَإِنْ وَفَى بِالشَّرْطِ فَلَهَا الْمُسَمَّى) لِأَنَّهُ سَمَّى مَا صَلُحَ مَهْرًا (وَقَدْ تَمَّ رِضَاهَا بِهِ) وَإِنْ لَمْ يُوفِ بِهِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَكْثَرَ مِنْ الْأَلْفِ (لِأَنَّهُ سَمَّى مَا لَهَا فِيهِ نَفْعٌ) حَتَّى رَضِيَتْ بِتَنْقِيصِ الْمُسَمَّى عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ (فَعِنْدَ فَوَاتِهِ يَنْعَدِمُ رِضَاهَا بِالْأَلْفِ فَيُكْمِلُ مَهْرَ مِثْلِهَا كَمَا فِي تَسْمِيَةِ الْكَرَامَةِ) بِأَنْ شَرَطَ مَعَ الْأَلْفِ أَنْ يُكْرِمَهَا وَلَا يُكَلِّفَهَا الْأَعْمَالَ الشَّاقَّةَ وَمَا تَتْعَبُ بِهِ وَكَمَا لَوْ سَمَّى الْهَدِيَّةَ مَعَ الْأَلْفِ بِأَنْ يُرْسِلَ إلَيْهَا مَعَ الْأَلْفِ الثِّيَابَ الْفَاخِرَةَ (وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ أَقَامَ بِهَا وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ أَخْرَجَهَا) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ ظَاهِرَةٌ. وَوَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّهُ ذُكِرَ بِمُقَابَلَةِ شَيْءٍ وَاحِدٍ

إنْ أَقَامَ بِهَا وَالْأَلْفَانِ إنْ أَخْرَجَهَا. وَقَالَ زُفَرُ: الشَّرْطَانِ جَمِيعًا فَاسِدَانِ، وَيَكُونُ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لَا يُنْقَصُ مِنْ أَلْفٍ وَلَا يُزَادُ عَلَى أَلْفَيْنِ وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْإِجَارَاتِ فِي قَوْلِهِ: إنْ خِطْتِهِ الْيَوْمَ فَلَكِ دِرْهَمٌ، وَإِنْ خِطْتِهِ غَدًا فَلَكِ نِصْفُ دِرْهَمٍ، وَسَنُبَيِّنُهَا فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ الْبُضْعُ بَدَلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ وَهُمَا الْأَلْفُ وَالْأَلْفَانِ فَتَفْسُدُ التَّسْمِيَةُ لِلْجَهَالَةِ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَلَهُمَا أَنَّ ذِكْرَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرْطَيْنِ مُفِيدٌ فَيَصِحَّانِ جَمِيعًا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشَّرْطَ الْأَوَّلَ قَدْ صَحَّ لِعَدَمِ الْجَهَالَةِ فِيهِ. فَيَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِهِ، ثُمَّ لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ الثَّانِي لِأَنَّ الْجَهَالَةَ نَشَأَتْ مِنْهُ وَلَمْ يَفْسُدْ النِّكَاحُ، وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَتْ جَمِيلَةً وَعَلَى أَلْفٍ إنْ كَانَتْ قَبِيحَةً حَيْثُ يَصِحُّ فِيهَا الشَّرْطَانِ جَمِيعًا بِالِاتِّفَاقِ وَالْمَسْأَلَةُ فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ وَغَيْرِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي الْأُولَى وُجِدَتْ الْمُخَاطَرَةُ فِي التَّسْمِيَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهَا لَا تَدْرِي أَنَّ الزَّوْجَ يُخْرِجُهَا أَوْ لَا، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ لَا مُخَاطَرَةَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إمَّا جَمِيلَةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِمَّا قَبِيحَةٌ غَيْرَ أَنَّ الزَّوْجَ لَا يَعْرِفُهَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَجَهْلُهُ بِصِفَتِهَا لَا يُوجِبُ الْمُخَاطَرَةَ فَيَصِحُّ الشَّرْطَانِ جَمِيعًا، وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَذْكُرْ وُجُوهَ الْأَقْوَالِ وَأَحَالَهَا عَلَى بَابِ الْإِجَارَةِ عَلَى أَحَدِ الشَّرْطَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْ هُنَاكَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْخِيَاطَةِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ فَإِذَا أَحَدُهُمَا أَوْكَسُ وَالْآخَرُ أَرْفَعُ؛ فَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَقَلَّ مِنْ أَوْكَسِهِمَا فَلَهَا الْأَوْكَسُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْفَعِهِمَا فَلَهَا الْأَرْفَعُ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَهَا الْأَوْكَسُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ (فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ الْأَوْكَسِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِالْإِجْمَاعِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ) أَصْلُ هَذَا أَنَّ الضَّمَانَ الْأَصْلِيَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى التَّسْمِيَةِ إذَا صَحَّتْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَمْ تَصِحَّ لِلْجَهَالَةِ. وَعِنْدَهُمَا الضَّمَانُ الْأَصْلِيُّ هُوَ الْمُسَمَّى، وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ إذَا فَسَدَتْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِالْأَوْكَسِ لِكَوْنِهِ مُتَيَقَّنًا كَمَا فِي الْخُلْعِ وَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَإِنَّ الْأَوْكَسَ فِي ذَلِكَ مُتَعَيَّنٌ، وَمَا فِي الْكِتَابِ وَاضِحٌ وَإِنَّمَا قَالَ فِي مَهْرِ الْمِثْلِ (إذْ هُوَ الْأَعْدَلُ) لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ لِأَنَّهُ قِيمَةُ مَنَافِعِ الْبُضْعِ وَقِيمَةُ الشَّيْءِ لَا تَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ،

لَهُمَا أَنَّ الْمَصِيرَ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لِتَعَذُّرِ إيجَابِ الْمُسَمَّى، وَقَدْ أَمْكَنَ إيجَابُ الْأَوْكَسِ إذْ الْأَقَلُّ مُتَيَقَّنٌ فَصَارَ كَالْخُلْعِ وَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ مَهْرُ الْمِثْلِ إذْ هُوَ الْأَعْدَلُ، وَالْعُدُولُ عَنْهُ عِنْدَ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ وَقَدْ فَسَدَتْ لِمَكَانِ الْجَهَالَةِ بِخِلَافِ الْخُلْعِ وَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَا مُوجِبَ لَهُ فِي الْبَدَلِ، إلَّا أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الْأَرْفَعِ فَالْمَرْأَةُ رَضِيَتْ بِالْحَطِّ، وَإِنْ كَانَ أَنْقَصَ مِنْ الْأَوْكَسِ فَالزَّوْجُ رَضِيَ بِالزِّيَادَةِ، وَالْوَاجِبُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي مِثْلِهِ الْمُتْعَةُ وَنِصْفُ الْأَوْكَسِ يَزِيدُ عَلَيْهَا فِي الْعَادَةِ فَوَجَبَ لِاعْتِرَافِهِ بِالزِّيَادَةِ. (وَإِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى حَيَوَانٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ وَلَهَا الْوَسَطُ مِنْهُ، وَالزَّوْجُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَعْطَاهَا ذَلِكَ وَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهَا قِيمَتَهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِخِلَافِ التَّسْمِيَةِ لِأَنَّهَا تَقْبَلُهُمَا. وَقَوْلُهُ إلَّا مَهْرَ الْمِثْلِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إذَا كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ هُوَ الْأَعْدَلَ كَانَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ وَاجِبًا فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثِ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ (إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الْأَرْبَعِ فَالْمَرْأَةُ رَضِيَتْ بِالْحَطِّ وَإِنْ كَانَ أَنْقَصَ مِنْ الْأَوْكَسِ فَالزَّوْجُ رَضِيَ بِالزِّيَادَةِ) فَعَمَلُنَا بِرِضَاهُمَا. وَقَوْلُهُ (وَالْوَاجِبُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَجِبَ نِصْفُ الْأَرْفَعِ فِيمَا يَجِبُ فِيهِ الْأَرْفَعُ مَهْرًا لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ نِصْفُ الْمُسَمَّى. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي مِثْلِهِ وَهُوَ مَا تَكُونُ التَّسْمِيَةُ فِيهِ فَاسِدَةَ الْمُتْعَةِ (وَنِصْفُ الْأَوْكَسِ يَزِيدُ عَلَيْهَا عَادَةً فَوَجَبَ لِاعْتِرَافِهِ بِالزِّيَادَةِ) قَالَ (وَإِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى حَيَوَانٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ)

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُسَمِّيَ جِنْسَ الْحَيَوَانِ دُونَ الْوَصْفِ، بِأَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى فَرَسٍ أَوْ حِمَارٍ. أَمَّا إذَا لَمْ يُسَمِّ الْجِنْسَ بِأَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى دَابَّةٍ لَا تَجُوزُ التَّسْمِيَةُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ تَزَوَّجْتُكِ عَلَى حِمَارٍ أَوْ فَرَسٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (مَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُسَمِّيَ جِنْسَ الْحَيَوَانِ دُونَ الْوَصْفِ) يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: جَيِّدٌ أَوْ وَسَطٌ أَوْ رَدِيءٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَوْصَافِهِ. وَرُدَّ بِأَنَّ الْفَرَسَ وَالْحِمَارَ نَوْعٌ لَا جِنْسٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ مِنْ الْجِنْسِ اسْمَ الْجِنْسِ وَهُوَ مَا عُلِّقَ عَلَى شَيْءٍ وَعَلَى كُلِّ مَا أَشْبَهَهُ، وَيَرِدُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ أَمَّا إذَا لَمْ يُسَمِّ الْجِنْسَ بِأَنْ تَزَوَّجَ عَلَى دَابَّةٍ لَا تَجُوزُ التَّسْمِيَةُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ فَإِنَّهُ اسْمُ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ مَا لَا يَصْلُحُ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ لَا يَصْلُحُ مُسَمًّى فِي النِّكَاحِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُعَاوَضَةٌ. وَلَنَا أَنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ فَجَعَلْنَاهُ الْتِزَامَ الْمَالِ ابْتِدَاءً حَتَّى لَا يَفْسُدُ بِأَصْلِ الْجَهَالَةِ كَالدِّيَةِ وَالْأَقَارِيرِ، وَشَرَطْنَا أَنْ يَكُونَ الْمُسَمَّى مَالًا وَسَطُهُ مَعْلُومٌ رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ، وَذَلِكَ عِنْدَ إعْلَامِ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ وَالْوَسَطُ ذُو حَظٍّ مِنْهُمَا، بِخِلَافِ جَهَالَةِ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّهُ لَا وَسَطَ لَهُ لِاخْتِلَافِ مَعَانِي الْأَجْنَاسِ، وَبِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُضَايَقَةِ وَالْمُمَاكَسَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQجِنْسٍ بِالتَّعْرِيفِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ مَا عُلِّقَ عَلَى شَيْءٍ وَعَلَى كُلِّ مَا أَشْبَهَهُ وَلَمْ تَصِحَّ بِهِ التَّسْمِيَةُ. وَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ: أَرَادَ بِالْجِنْسِ مَا هُوَ مُصْطَلَحُ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ النَّوْعُ بِاصْطِلَاحِ غَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ) وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَلَنَا أَنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ) مَعْنَاهُ أَنَّ فِي النِّكَاحِ مَعْنَى الْتِزَامِ الْمَالِ ابْتِدَاءً وَمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ، أَمَّا مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا مَعْنَى الْتِزَامِ الْمَالِ ابْتِدَاءً: يَعْنِي بِغَيْرِ عِوَضٍ فَلِأَنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ وَكَانَ كَالدِّيَةِ وَالْأَقَارِيرِ حَيْثُ يَلْزَمُ فِيهِمَا أَيْضًا مَالٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فِي مُقَابَلَتِهِ عِوَضٌ مَالِيٌّ فَعَمَلُنَا بِمَعْنَى الْتِزَامِ الْمَالِ ابْتِدَاءً، وَقُلْنَا: لَا يَفْسُدُ بِأَصْلِ الْجَهَالَةِ فِي مِثْلِهِ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي مِثْلِهِ مُتَحَمَّلَةٌ كَمَا فِي الدِّيَةِ فَإِنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ فِيهَا مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ غَيْرَ مَوْصُوفَةٍ وَكَمَا فِي الْأَقَارِيرِ، فَإِنَّ مَنْ أَقَرَّ لِإِنْسَانٍ بِشَيْءٍ صَحَّ إقْرَارُهُ وَعَمِلْنَا بِمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ (وَشَرَطْنَا أَنْ يَكُونَ الْمُسَمَّى مَالًا) مَعْلُومَ الْوَسَطِ رِعَايَةً لِجَانِبِ الزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ كَمَا وَجَبَ فِي الزَّكَاةِ ذَلِكَ رِعَايَةً لِجَانِبِ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ (وَذَلِكَ) إنَّمَا يُتَصَوَّرُ (عِنْدَ إعْلَامِ الْجِنْسِ لِأَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ، وَالْوَسَطُ ذُو حَظٍّ مِنْهُمَا، بِخِلَافِ جَهَالَةِ الْجِنْسِ لِأَنَّهُ لَا وَسَطَ لَهُ حِينَئِذٍ لِاخْتِلَافِ مَعَانِي الْأَجْنَاسِ) فَإِنَّهُ إذَا قَالَ عَلَى دَابَّةٍ لَمْ يَجِدْ نَوْعًا يُتَوَسَّطُ فَيَلْزَمُهُ. قَوْلُهُ (وَبِخِلَافِ الْبَيْعِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ مَا لَا يَصْلُحُ ثَمَنًا لَا يَصْلُحُ مُسَمًّى فِي النِّكَاحِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ (مَبْنَاهُ عَلَى الْمُضَايَقَةِ وَالْمُمَاكَسَةِ) أَيْ الْمُنَازَعَةِ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الْتِزَامِ الْمَالِ ابْتِدَاءً فَيَفْسُدُ بِأَصْلِ الْجَهَالَةِ

أَمَّا النِّكَاحُ فَمَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَامَحَةِ، وَإِنَّمَا يَتَخَيَّرُ؛ لِأَنَّ الْوَسَطَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْقِيمَةِ فَصَارَتْ أَصْلًا فِي حَقِّ الْإِيفَاءِ، وَالْعَبْدُ أَصْلُ تَسْمِيَةٍ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا. (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى ثَوْبٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ وَمَعْنَاهُ: ذَكَرَ الثَّوْبَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ) وَوَجْهُهُ أَنَّ هَذِهِ جَهَالَةُ الْجِنْسِ إذْ الثِّيَابُ أَجْنَاسٌ، وَلَوْ سَمَّى جِنْسًا بِأَنْ قَالَ هَرَوِيٌّ يَصِحُّ التَّسْمِيَةُ وَيُخَيَّرُ الزَّوْجُ لِمَا بَيَّنَّا، وَكَذَا إذَا بَالَغَ فِي وَصْفِ الثَّوْبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَكَذَا إذَا سَمَّى مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا وَسَمَّى جِنْسَهُ دُونَ صِفَتِهِ، وَإِنْ سَمَّى جِنْسَهُ وَصِفَتَهُ لَا يُخَيَّرُ؛ لِأَنَّ الْمَوْصُوفَ مِنْهُمَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ثُبُوتًا صَحِيحًا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمَّا النِّكَاحُ فَمَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَامَحَةِ) فَلَا يَفْسُدُ بِالْجَهَالَةِ مَا لَمْ تَفْحُشْ. وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَتَخَيَّرُ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَالزَّوْجُ مُخَيَّرٌ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَسَطِ وَالْقِيمَةِ جِهَةَ أَصَالَةٍ، أَمَّا الْقِيمَةُ فَلِأَنَّ الْوَسَطَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْقِيمَةِ فَصَارَتْ أَصْلًا فِي حَقِّ الْإِيفَاءِ، وَأَمَّا الْوَسَطُ فَلِأَنَّ التَّسْمِيَةَ وَقَعَتْ عَلَيْهِ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَتُجْبَرُ الْمَرْأَةُ عَلَى الْقَبُولِ بِأَيِّهِمَا أَتَى. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى ثَوْبٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ) يَعْنِي لَمْ يَذْكُرْ نَوْعًا مِنْهُ. وَقَوْلُهُ (إذْ الثِّيَابُ أَجْنَاسٌ) يَعْنِي أَنَّهَا تَكُونُ قُطْنًا وَكَتَّانًا وَإِبْرَيْسَمًا وَغَيْرَهَا. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا إذَا بَالَغَ فِي وَصْفِ الثَّوْبِ) مَعْنَى الْمُبَالَغَةِ فِيهِ هُوَ أَنْ يُوصِلَهُ إلَى حَدٍّ يَجُوزُ فِيهِ عَقْدُ السَّلَمِ. وَقَوْلُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) احْتِرَازٌ عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الزَّوْجَ يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ الْوَسَطِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّهُ بِالْمُبَالَغَةِ فِيهِ يَلْتَحِقُ بِذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَلِهَذَا يَجُوزُ فِيهِ السَّلَمُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ ضَرَبَ الْأَجَلَ يُجْبَرُ عَلَى الدَّفْعِ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ بِضَرْبِ الْأَجَلِ صَارَ نَظِيرَ السَّلَمِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ مَا ذَكَرَهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ بِدَلِيلِ أَنَّ مُسْتَهْلِكَهَا لَا يَضْمَنُ الْمِثْلَ فَصَارَتْ كَالْعَبْدِ (وَكَذَا إذَا سَمَّى مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا وَسَمَّى جِنْسَهُ) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ تَزَوَّجْتُك عَلَى كُرِّ حِنْطَةٍ أَوْ مَنٍّ مِنْ زَعْفَرَانٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ كَانَ الزَّوْجُ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْوَسَطِ وَقِيمَتِهِ (وَإِنْ سَمَّى جِنْسَهُ وَصِفَتَهُ لَا يُخَيَّرُ) بَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْوَسَطِ (لِأَنَّ الْمَوْصُوفَ مِنْهُمَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ثُبُوتًا صَحِيحًا) حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا وَلِهَذَا

(وَإِنْ تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا) ؛ لِأَنَّ شَرْطَ قَبُولِ الْخَمْرِ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَيَصِحُّ النِّكَاحُ وَيَلْغُو الشَّرْطُ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ لَكِنْ لَمْ تَصِحَّ التَّسْمِيَةُ لِمَا أَنَّ الْمُسَمَّى لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ. (فَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى هَذَا الدَّنِّ مِنْ الْخَلِّ فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: لَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQجَازَ اسْتِقْرَاضُهُ وَالسَّلَمُ فِيهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ لِأَنَّ شَرْطَ قَبُولِ الْخَمْرِ شَرْطٌ فَاسِدٌ) مَعْنَاهُ أَنَّ قَوْلَهُ تَزَوَّجْتُك عَلَى خَمْرٍ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ تَزَوَّجْتُك بِشَرْطِ قَبُولِك الْخَمْرَ، هَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ وَالنِّكَاحُ لَا يَبْطُلُ بِهِ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِيهِ لَا يَرْبُو عَلَى تَرْكِ التَّسْمِيَةِ أَصْلًا وَذَلِكَ لَا يُفْسِدُهُ فَهَذَا أَوْلَى (بِخِلَافِ الْبَيْعِ) لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِيهِ بِمَعْنَى الرِّبَا وَهُوَ يُفْسِدُهُ، وَفِي قَوْلِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ إشَارَةٌ إلَى رَدِّ قِيَاسِ مَالِكٍ النِّكَاحَ عَلَى الْبَيْعِ فَإِنَّهُ قَالَ تَسْمِيَةُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ تَمْنَعُ وُجُوبَ عَرَضٍ آخَرَ، وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ بِالْعَقْدِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَكَانَ كَمَا لَوْ بَاعَ عَيْنًا بِهِمَا، وَقُلْنَا: لَمَّا لَمْ تَصِحَّ التَّسْمِيَةُ فِي نَفْسِهَا لِكَوْنِ الْمُسَمَّى لَيْسَ بِمَالٍ: أَيْ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ لَمْ تَمْنَعْ وُجُوبَ الْغَيْرِ فَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ. قَالَ (فَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى هَذَا الدَّنِّ مِنْ الْخَلِّ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ ظَاهِرَةٌ. وَحَاصِلُ اخْتِلَافِهِمْ أَنَّ مُحَمَّدًا مَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فِي أَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ

مِثْلُ وَزْنِهِ خَلًّا، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ فَإِذَا هُوَ حُرٌّ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تَجِبُ الْقِيمَةُ) لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَطْمَعَهَا مَالًا وَعَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِهِ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ أَوْ مِثْلُهُ إنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَمَا إذَا هَلَكَ الْعَبْدُ الْمُسَمَّى قَبْلَ التَّسْلِيمِ. وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: اجْتَمَعَتْ الْإِشَارَةُ وَالتَّسْمِيَةُ فَتُعْتَبَرُ الْإِشَارَةُ لِكَوْنِهَا أَبْلَغَ فِي الْمَقْصُودِ وَهُوَ التَّعْرِيفُ فَكَأَنَّهُ تَزَوَّجَ عَلَى خَمْرٍ أَوْ حُرٍّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالتَّسْمِيَةِ دُونَ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَوَاتِ الْقِيَمِ فِي إيجَابِ مَهْرِ الْمِثْلِ دُونَ الْقِيمَةِ. ثُمَّ الْأَصْلُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْإِشَارَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا، وَالتَّسْمِيَةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا وَالْإِشَارَةُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، وَالتَّسْمِيَةُ فِي الْجِنْسَيْنِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَالْمُصَنِّفُ قَدَّمَ دَلِيلَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ ظَاهِرٌ، ثُمَّ ذَكَرَ دَلِيلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ فِيهِ (لِكَوْنِهَا) يَعْنِي الْإِشَارَةَ (أَبْلَغَ فِي الْمَقْصُودِ وَهُوَ التَّعْرِيفُ) لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِمَنْزِلَةِ وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الشَّيْءِ، وَيَحْصُلُ بِهَا كَمَالُ التَّمْيِيزِ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ إلَى الشَّيْءِ وَارِدَةٌ غَيْرُ مُمْتَنِعَةٍ، وَأَمَّا التَّسْمِيَةُ فَمِنْ بَابِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ، وَيَجُوزُ إطْلَاقُ اللَّفْظِ وَإِرَادَةُ غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ وَأَخَّرَ دَلِيلَ مُحَمَّدٍ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى اخْتِيَارِ مَذْهَبِهِ، وَدَلِيلُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى تَقْدِيمِ مُقَدِّمَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَاهِيَّةِ هُوَ الْحَقِيقَةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ وَبِالذَّاتِ مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُشَارًا إلَيْهِ إشَارَةً حِسِّيَّةً. وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجِنْسِ مَا يَكُونُ الْفَاصِلُ بَيْنَ آحَادِهِ أَمْرًا وَاحِدًا فَيَكُونُ التَّفَاوُتُ يَسِيرًا كَالْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالْمَيْتَةِ وَالْمُذَكَّاةِ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِي غَيْرِ الْإِنْسَانِ، وَبِالْجِنْسَيْنِ مَا يَكُونُ الْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَيَفْحُشُ التَّفَاوُتُ كَالْخَلِّ وَالْخَمْرِ فَإِنَّ الْفَاصِلَ بَيْنَهُمَا الِاسْمُ وَالصِّفَةُ كَالْحُمُوضَةِ فِي الْخَلِّ وَالْحِدَّةِ فِي الْخَمْرِ وَالْمَعْنَى كَالْإِسْكَارِ وَعَدَمِهِ، وَالْجَارِيَةِ وَالْعَبْدِ فَإِنَّ الْفَاصِلَ بَيْنَهُمَا الِاسْمُ وَالصِّفَةُ، فَإِذَا ظَهَرَ هَذَا فَإِذَا اجْتَمَعَتْ التَّسْمِيَةُ وَالْإِشَارَةُ فِي الْعَقْدِ، فَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى وَالْمُشَارُ إلَيْهِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَانَ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الْمُشَارَ إلَيْهِ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ هُنَاكَ لَا تَدُلُّ عَلَى مَاهِيَّةٍ أُخْرَى وَإِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى صِفَةٍ وَالصِّفَةُ تَتْبَعُ الْمَوْصُوفَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَالْمَوْصُوفُ مَوْجُودٌ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ لَوْلَا الصِّفَةُ وَلَمْ تُعْتَبَرْ الصِّفَةُ لِتَبَعِيَّتِهَا وَإِنْ كَانَا مِنْ جِنْسَيْنِ، فَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْمُسَمَّى لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ حِينَئِذٍ تَدُلُّ عَلَى مَاهِيَّةِ خِلَافِ الْمُشَارِ إلَيْهِ فَيَكُونُ الْمُسَمَّى مِثْلَ الْمُشَارِ إلَيْهِ فِي اسْتِحْقَاقِ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا وَلَا يَكُونَ تَابِعًا لَهُ لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِعَدَمِ شَيْءٍ لَا يَتْبَعُهُ فَيَتَعَارَضَانِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَالتَّسْمِيَةُ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ إذَا كَانَا مِنْ جِنْسَيْنِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَعْرِفُ الْمَاهِيَّةَ، وَالْإِشَارَةُ إنَّمَا تُعْرَفُ ذَاتًا مُشَارًا إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ عَلَى حَقِيقَتِهِ. هَذَا الَّذِي سَنَحَ لِي

وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: الْأَصْلُ أَنَّ الْمُسَمَّى إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمُشَارِ إلَيْهِ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَوْجُودٌ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ ذَاتًا، وَالْوَصْفُ يَتْبَعُهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي حَلِّ هَذَا الْمَحَلِّ، وَأَزِيدُك بَيَانًا وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ دَلَّتْ التَّسْمِيَةُ فِيهِ عَلَى مَعْنًى يَتَحَقَّقُ الْمُشَارُ إلَيْهِ عِنْدَ ارْتِفَاعِهِ فَهُوَ جِنْسٌ وَاحِدٌ، فَإِنَّ صِفَةَ كَوْنِهِ عَبْدًا إذَا ارْتَفَعَتْ عَادَ حُرًّا لِعَدَمِ الْوَاسِطَةِ، وَكَذَا فِي الْمَيْتَةِ وَالذَّكِيَّةِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَكُلِّ مَوْضِعٍ دَلَّتْ التَّسْمِيَةُ فِيهِ عَلَى مَعْنًى لَمْ يَتَحَقَّقْ الْمُشَارُ إلَيْهِ عِنْدَ ارْتِفَاعِهِ لِوُجُودِ الْوَاسِطَةِ فَهُمَا جِنْسَانِ، فَإِنَّ صِفَةَ كَوْنِهِ خَلًّا إذَا ارْتَفَعَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ خَمْرًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ عَصِيرًا، وَكَذَا إذَا ارْتَفَعَ كَوْنُهَا جَارِيَةً

خِلَافِ جِنْسِهِ يَتَعَلَّقُ بِالْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَثَلٌ لِلْمُشَارِ إلَيْهِ وَلَيْسَ بِتَابِعٍ لَهُ، وَالتَّسْمِيَةُ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُعَرِّفُ الْمَاهِيَّةَ، وَالْإِشَارَةُ تُعَرِّفُ الذَّاتَ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى فَصًّا عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ فَإِذَا هُوَ زُجَاجٌ لَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَلَوْ اشْتَرَى عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ أَحْمَرُ فَإِذَا هُوَ أَخْضَرُ يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ. وَفِي مَسْأَلَتِنَا الْعَبْدُ مَعَ الْحُرِّ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ فِي الْمَنَافِعِ، وَالْخَمْرُ مَعَ الْخَلِّ جِنْسَانِ لِفُحْشِ التَّفَاوُتِ فِي الْمَقَاصِدِ. (فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ فَإِذَا أَحَدُهُمَا حُرٌّ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْبَاقِي إذَا سَاوَى عَشَرَةَ دَرَاهِمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ عَبْدًا لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ حُرَّةً. وَعَلَى هَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ فَإِذَا أَحَدُهُمَا حُرٌّ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْبَاقِي إذَا سَاوَى عَشَرَةَ دَرَاهِمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْإِشَارَةَ وَالْإِشَارَةُ إلَى الْحُرِّ تُخْرِجُهُ عَنْ الْعَقْدِ فَكَانَ تَسْمِيَةُ الْعَبْدِ الثَّانِي لَغْوًا وَكَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا ذَلِكَ، وَلَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ لِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ. وَوَجْهُ أَبِي يُوسُفَ ظَاهِرٌ، وَكَذَا وَجْهُ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ تُعْتَبَرُ الْإِشَارَةُ، وَلَوْ كَانَا حُرَّيْنِ وَجَبَ تَمَامُ مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَهُ، فَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا عَبْدًا يَجِبُ الْعَبْدُ وَتَمَامُ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ فِي دَلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ

لِأَنَّهُ مُسَمًّى، وَوُجُوبُ الْمُسَمَّى وَإِنْ قَلَّ يَمْنَعُ وُجُوبَ مَهْرِ الْمِثْلِ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَهَا الْعَبْدُ وَقِيمَةُ الْحُرِّ عَبْدًا) ؛ لِأَنَّهُ أَطْمَعَهَا سَلَامَةَ الْعَبْدَيْنِ وَعَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِ أَحَدِهِمَا فَتَجِبُ قِيمَتُهُ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (لَهَا الْعَبْدُ الْبَاقِي وَتَمَامُ مَهْرِ مِثْلِهَا إنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا حُرَّيْنِ يَجِبُ تَمَامُ مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُسَمًّى بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِشَارَةَ أَبْطَلَتْ الْعَبْدَ الثَّانِيَ. وَقَوْلُهُ (وَوُجُوبُ الْمُسَمَّى وَإِنْ قَلَّ يَمْنَعُ وُجُوبَ مَهْرِ الْمِثْلِ) اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِمَا قَالَ قَبْلَ هَذَا، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ أَقَامَ بِهَا إلَى أَنْ قَالَ وَإِنْ أَخْرَجَهَا فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ، وَبِمَا قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَعَلَى أَنْ يُعْتِقَ أَبَاهَا ثُمَّ إنْ لَمْ يَفِ بِالشَّرْطِ فَلَهَا الْأَلْفُ إلَى تَمَامِ مَهْرِ مِثْلِهَا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الْمُسَمَّى لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ مَهْرِ الْمِثْلِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ الشَّرْطَ اُسْتُحِقَّ بِعَقْدِ النِّكَاحِ، فَفَوَاتُهُ يُوجِبُ فَوَاتَ رِضَاهَا فَيُكْمِلُ لَهَا مَهْرَ الْمِثْلِ. وَأَمَّا الْحُرُّ فَلَمْ يُسْتَحَقَّ أَصْلًا، وَبِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى مَا شُرِطَ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِأَنَّهُ شَرْطٌ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ، فَلَوْ لَمْ يَجِبْ لَهَا إلَى تَمَامِ مَهْرِ مِثْلٍ لَزِمَهَا ضَرَرٌ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ

فَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا عَبْدًا يَجِبُ الْعَبْدُ وَتَمَامُ مَهْرِ الْمِثْلِ. (وَإِذَا فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ قَبْلَ الدُّخُولِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْهُ، أَمَّا هَاهُنَا فَيُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ قَبْلَ النِّكَاحِ بِالتَّفَحُّصِ، فَلَوْ لَزِمَهَا ضَرَرٌ لَزِمَهَا بِضَرْبٍ مِنْ تَقْصِيرِهَا. قَالَ (وَإِذَا فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ) النِّكَاحُ الْفَاسِدُ مِثْلُ النِّكَاحِ بِلَا شُهُودٍ وَنِكَاحِ

فَلَا مَهْرَ لَهَا) ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ فِيهِ لَا يَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ لِفَسَادِهِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ بِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعِ الْبُضْعِ (وَكَذَا بَعْدَ الْخَلْوَةِ) ؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ فِيهِ لَا يَثْبُتُ بِهَا التَّمَكُّنُ فَلَا تُقَامُ مَقَامَ الْوَطْءِ (فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لَا يُزَادُ عَلَى الْمُسَمَّى) عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ. وَلَنَا أَنَّ الْمُسْتَوْفَى لَيْسَ بِمَالٍ وَإِنَّمَا يَتَقَوَّمُ بِالتَّسْمِيَةِ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لَمْ تَجِبْ الزِّيَادَةُ لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ، وَإِنْ نَقَصَتْ لَمْ تَجِبْ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمُسَمَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأُخْتِ فِي عِدَّةِ الْأُخْتِ فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَنِكَاحِ الْخَامِسَةِ فِي عِدَّةِ الرَّابِعَةِ وَنَحْوِهَا وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (هُوَ يَعْتَبِرُهُ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ) يَعْنِي أَنَّ الْقِيمَةَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ تَجِبُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَإِنْ زَادَتْ عَلَى الثَّمَنِ فَكَذَلِكَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَإِنْ زَادَ عَلَى الْمُسَمَّى لِكَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُوجِبًا أَصْلِيًّا، فَإِذَا اعْتَرَضَ الْفَسَادُ يُرْجَعُ إلَى الْمُوجِبِ الْأَصْلِيِّ (وَلَنَا أَنَّ الْمُسْتَوْفَى) أَيْ مِنْ مَنَافِعِ الْبُضْعِ بِهَذَا الْعَقْدِ هُوَ (لَيْسَ بِمَالٍ) وَكُلُّ مَا لَيْسَ بِمَالٍ لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ، فَالْمُسْتَوْفَى بِهِ لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ (وَإِنَّمَا يُتَقَوَّمُ بِالتَّسْمِيَةِ) وَالتَّسْمِيَةُ غَيْرُ صَحِيحَةٍ فَبَطَلَتْ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقَوُّمِ الْمُسْتَوْفَى مِنْ مَنَافِعِ الْبُضْعِ شَرْعًا فَصِرْنَا إلَى مَا هُوَ قِيمَتُهَا فِي مِثْلِ هَذَا الْعَقْدِ بِدُونِ التَّسْمِيَةِ وَهُوَ عَقْدُ الْمُفَوِّضَةِ إذَا كَانَ صَحِيحًا وَذَلِكَ مَهْرُ الْمِثْلِ فَيَبْطُلُ،

لِانْعِدَامِ التَّسْمِيَةِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي نَفْسِهِ فَيَتَقَدَّرُ بَدَلُهُ بِقِيمَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا زَادَ عَلَيْهِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَنْقُصَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ إذَا زَادَ عَلَى الْمُسَمَّى لَكِنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْمُسَمَّى لَا تَجِبُ (لِانْعِدَامِ التَّسْمِيَةِ) أَيْ تَسْمِيَةِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمُسَمَّى. فَإِنْ قُلْت: هَلْ هَذَا إلَّا تَنَاقُضٌ لِأَنَّك أَسْقَطْت اعْتِبَارَ التَّسْمِيَةِ إذَا زَادَتْ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ ثُمَّ اعْتَبَرْتهَا إذَا نَقَصَتْ مِنْهُ وَهِيَ إنْ كَانَتْ فَاسِدَةً يَجِبُ شُمُولُ الْعَدَمِ وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً يَجِبُ شُمُولُ الْوُجُودِ؟ قُلْت: هِيَ صَحِيحَةٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، صَحِيحَةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُسَمَّى مَالٌ مُتَقَوِّمٌ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِيهِ، فَاسِدَةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا وُجِدَتْ فِي عَقْدٍ فَاسِدٍ فَاعْتَبَرْنَا فَسَادَهَا إذَا زَادَتْ وَصِحَّتَهَا إذَا انْتَقَصَتْ لِانْضِمَامِ رِضَاهَا إلَيْهَا، وَهَذَا الْحَلُّ مِنْ خَوَاصِّ هَذَا الشَّرْحِ. وَإِنَّمَا قَيَّدْت الْمُسْتَوْفَى بِقَوْلِي بِهَذَا الْعَقْدِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ وَلِئَلَّا يَنْتَقِضَ بِالْمُفَوِّضَةِ فَإِنَّ الْمُسْتَوْفَى هُنَاكَ أَيْضًا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَمْ يُتَقَوَّمْ بِالتَّسْمِيَةِ بَلْ بِالْعَقْدِ. وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ

(وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ) إلْحَاقًا لِلشُّبْهَةِ بِالْحَقِيقَةِ فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ وَتَحَرُّزًا عَنْ اشْتِبَاهِ النَّسَبِ. وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ لَا مِنْ آخِرِ الْوَطَآتِ، هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ النِّكَاحِ وَرَفْعُهَا بِالتَّفْرِيقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQزُفَرَ وَهُوَ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ) يَعْنِي فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إذَا دَخَلَ بِهَا لِمَا ذَكَرَ أَنَّ الْخَلْوَةَ فِيهِ لَا تَقُومُ مَقَامَ الدُّخُولِ فَلَا بُدَّ مِنْ حَقِيقَةِ الدُّخُولِ لِوُجُوبِ الْعِدَّةِ، وَيُعْتَبَرُ الْجِمَاعُ فِي الْقُبُلِ حَتَّى يَصِيرَ مُسْتَوْفِيًا لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (إلْحَاقًا لِلشُّبْهَةِ بِالْحَقِيقَةِ) أَيْ الثَّابِتِ مِنْ وَجْهٍ بِالثَّابِتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ) وَكَانَ قَوْلُهُ (وَتَحَرُّزًا عَنْ اشْتِبَاهِ النَّسَبِ) تَفْسِيرًا لِلِاحْتِيَاطِ بِطَرِيقِ الْعَطْفِ (وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ لَا مِنْ آخِرِ الْوَطَآتِ) وَقَالَ زُفَرُ: يُعْتَبَرُ مِنْ آخِرِ الْوَطَآتِ حَتَّى إذَا وَطِئَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ ثُمَّ رَأَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ ثُمَّ فَرَّقَ الْقَاضِي تَعْتَدُّ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ تَكُونُ عِدَّتُهَا مُنْقَضِيَةً. وَقَوْلُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ زُفَرَ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهَا تَجِبُ بِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ النِّكَاحِ) يَعْنِي مِنْ حَيْثُ وُجُودُ رُكْنِهِ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ (وَ) شُبْهَةُ النِّكَاحِ (رَفَعَهَا بِالتَّفْرِيقِ) وَقَوْلُهُ التَّفْرِيقَ فِي مَوْضِعَيْنِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُفَرِّقٍ وَلَيْسَ رَفْعُ النِّكَاحِ مَوْقُوفًا عَلَى تَفْرِيقِ الْقَاضِي بَلْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ فَسْخُ هَذَا النِّكَاحِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ. وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ، وَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقُّ الْفَسْخِ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَإِنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ حَقَّ الْفَسْخِ دُونَ مَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْقَبْضِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ التَّفْرِيقُ بِمَعْنَى الرَّفْعِ وَالرَّافِعُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا رَفَعَا حُكْمَهُمَا إلَى الْحَاكِمِ.

(وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا) ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ إحْيَاءً لِلْوَلَدِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَى الثَّابِتِ مِنْ وَجْهٍ. وَتُعْتَبَرُ مُدَّةُ النَّسَبِ مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَيْسَ بِدَاعٍ إلَيْهِ، وَالْإِقَامَةُ بِاعْتِبَارِهِ. قَالَ (وَمَهْرُ مِثْلِهَا يُعْتَبَرُ بِأَخَوَاتِهَا وَعَمَّاتِهَا وَبَنَاتِ أَعْمَامِهَا) لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَهَا مَهْرُ مِثْلِ نِسَائِهَا لَا وَكْسَ فِيهِ وَلَا شَطَطَ " وَهُنَّ أَقَارِبُ الْأَبِ، وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ مِنْ جِنْسِ قَوْمِ أَبِيهِ، وَقِيمَةُ الشَّيْءِ إنَّمَا تُعْرَفُ بِالنَّظَرِ فِي قِيمَةِ جِنْسِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا) ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ (وَتُعْتَبَرُ مُدَّةُ النَّسَبِ مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ كَمَا فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ لِأَنَّ حُكْمَ الْفَاسِدِ يُؤْخَذُ مِنْ الصَّحِيحِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ (لِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَيْسَ بِدَاعٍ إلَيْهِ وَالْإِقَامَةَ بِاعْتِبَارِهِ) أَيْ إقَامَةَ النِّكَاحِ مَقَامَ الْوَطْءِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ النِّكَاحَ دَاعٍ إلَى الْوَطْءِ وَالنِّكَاحُ الْفَاسِدُ لَيْسَ بِدَاعٍ إلَيْهِ فَلَا يُقَامُ مَقَامَهُ، وَفِي تَعْلِيلِهِ هَذَا إشَارَةٌ إلَى فَسَادِ قِيَاسِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. قَالَ (وَمَهْرُ مِثْلِهَا يُعْتَبَرُ بِأَخَوَاتِهَا وَعَمَّاتِهَا) اعْلَمْ أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ يُعْتَبَرُ بِعَشِيرَتِهَا الَّتِي مِنْ قِبَلِ أَبِيهَا كَالْأَخَوَاتِ وَالْعَمَّاتِ وَبَنَاتِ الْأَعْمَامِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: يُعْتَبَرُ بِأُمِّهَا وَقَوْمِ أُمِّهَا كَالْخَالَاتِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّ الْمَهْرَ قِيمَةُ بُضْعِ النِّسَاءِ فَيُعْتَبَرُ بِالْقَرَابَاتِ مِنْ جِهَةِ النِّسَاءِ. وَلَنَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ (لَهَا مَهْرُ مِثْلِ نِسَائِهَا وَهُنَّ أَقَارِبُ الْأَبِ)

(وَلَا يُعْتَبَرُ بِأُمِّهَا وَخَالَتِهَا إذَا لَمْ تَكُونَا مِنْ قَبِيلَتِهَا) لِمَا بَيَّنَّا، فَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا بِأَنْ كَانَتْ بِنْتَ عَمِّهِ فَحِينَئِذٍ يُعْتَبَرُ بِمَهْرِهَا لِمَا أَنَّهَا مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا. (وَيُعْتَبَرُ فِي مَهْرِ الْمِثْلِ أَنْ تَتَسَاوَى الْمَرْأَتَانِ فِي السِّنِّ وَالْجَمَالِ وَالْمَالِ وَالْعَقْلِ وَالدِّينِ وَالْبَلَدِ وَالْعَصْرِ) ؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ، وَكَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الدَّارِ وَالْعَصْرِ قَالُوا: وَيُعْتَبَرُ التَّسَاوِي أَيْضًا فِي الْبَكَارَةِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِالْبَكَارَةِ وَالثُّيُوبَةِ (وَإِذَا ضَمِنَ الْوَلِيُّ الْمَهْرَ صَحَّ ضَمَانُهُ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الِالْتِزَامِ وَقَدْ أَضَافَهُ إلَى مَا يَقْبَلُهُ فَيَصِحُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ أَضَافَ إلَيْهَا وَإِنَّمَا يُضَافُ إلَى أَقَارِبِ الْأَبِ لِأَنَّ النَّسَبَ إلَيْهِ، وَلِأَنَّ قِيمَةَ الشَّيْءِ إنَّمَا تُعْرَفُ بِالرُّجُوعِ إلَى قِيمَةِ جِنْسِهِ وَالْإِنْسَانُ مِنْ جِنْسِ قَوْمِ أَبِيهِ لَا مِنْ جِنْسِ قَوْمِ أُمِّهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأُمَّ قَدْ تَكُونُ أَمَةً وَالِابْنَةَ تَكُونُ قُرَشِيَّةً تَبَعًا لِأَبِيهَا (وَلَا يُعْتَبَرُ بِأُمِّهَا وَخَالَتِهَا إذَا لَمْ تَكُونَا مِنْ قَبِيلَتِهَا) بِأَنْ يَكُونَ أَبُوهَا تَزَوَّجَ بِنْتَ عَمِّهِ فَإِنَّ أُمَّهَا وَخَالَتَهَا تَكُونُ مِنْ قَبِيلَتِهَا. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَقِيمَةُ الشَّيْءِ إنَّمَا تُعْرَفُ بِالنَّظَرِ فِي قِيمَةِ جِنْسِهِ. وَقَوْلُهُ (وَيُعْتَبَرُ فِي مَهْرِ الْمِثْلِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (بِاخْتِلَافِ الدَّارِ) أَيْ الْبَلَدِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ قِيمَةُ الْبُضْعِ وَقِيمَةُ الشَّيْءِ إنَّمَا تُعْرَفُ بِالرُّجُوعِ إلَى نَظِيرِهِ بِصِفَتِهِ، وَالْمُرَادُ بِالسِّنِّ السِّنُّ وَقْتَ التَّزَوُّجِ. (وَإِذَا ضَمِنَ الْوَلِيُّ الْمَهْرَ صَحَّ ضَمَانُهُ) يَعْنِي إذَا زَوَّجَ الْوَلِيُّ ابْنَتَهُ وَضَمِنَ لَهَا الْمَهْرَ عَنْ الزَّوْجِ صَحَّ (لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الِالْتِزَامِ، وَقَدْ أَضَافَ الضَّمَانَ إلَى مَا يَقْبَلُ الضَّمَانَ) وَهُوَ الْمَهْرُ لِأَنَّ الْمَهْرَ دَيْنٌ وَالْكَفَالَةُ وَالضَّمَانُ يَصِحَّانِ فِيهِ. فَإِنْ قُلْت: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّ الْوَلِيَّ زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ وَضَمِنَ عَنْهُ الْمَهْرَ لِلْمَرْأَةِ. قُلْت يَنْبُو عَنْهُ قَوْلُهُ ثُمَّ الْمَرْأَةُ بِالْخِيَارِ وَإِنْ كَانَا فِي الصِّحَّةِ سَوَاءً؛

(ثُمَّ الْمَرْأَةُ بِالْخِيَارِ فِي مُطَالَبَتِهَا زَوْجَهَا أَوْ وَلِيَّهَا) اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْكَفَالَاتِ، وَيَرْجِعُ الْوَلِيُّ إذَا أَدَّى عَلَى الزَّوْجِ إنْ كَانَ بِأَمْرٍ كَمَا هُوَ الرَّسْمُ فِي الْكَفَالَةِ، وَكَذَلِكَ يَصِحُّ هَذَا الضَّمَانُ وَإِنْ كَانَتْ الْمُزَوَّجَةُ صَغِيرَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْأَبُ مَالَ الصَّغِيرَةِ وَضَمِنَ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ فِي النِّكَاحِ، وَفِي الْبَيْعِ عَاقِدٌ وَمُبَاشِرٌ حَتَّى تَرْجِعَ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ وَالْحُقُوقُ إلَيْهِ، وَيَصِحُّ إبْرَاؤُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَذَكَرَ فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ مِنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ الْأَبَ إذَا زَوَّجَ الصَّغِيرَ امْرَأَةً فَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تُطَالِبَ بِالْمَهْرِ مِنْ أَبِ الزَّوْجِ فَيُؤَدِّيَ الْأَبُ مِنْ مَالِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ الْأَبُ بِاللَّفْظِ صَرِيحًا، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ إذَا زَوَّجَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُطَالِبَ الْوَكِيلَ بِالْمَهْرِ مَا لَمْ يَضْمَنْ. وَقَوْلُهُ ثُمَّ الْمَرْأَةُ بِالْخِيَارِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَيَصِحُّ إبْرَاؤُهُ) أَيْ إبْرَاءُ الْأَبِ الْمُشْتَرِيَ وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ

وَيَمْلِكُ قَبْضَهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ، فَلَوْ صَحَّ الضَّمَانُ يَصِيرُ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ وَوِلَايَةُ قَبْضِ الْمَهْرِ لِلْأَبِ بِحُكْمِ الْأُبُوَّةِ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عَاقِدٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ بَعْدَ بُلُوغِهَا فَلَا يَصِيرُ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ. قَالَ (وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا حَتَّى تَأْخُذَ الْمَهْرَ وَتَمْنَعَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا) أَيْ يُسَافِرَ بِهَا لِيَتَعَيَّنَ حَقُّهَا فِي الْبَدَلِ كَمَا تَعَيَّنَ حَقُّ الزَّوْجِ فِي الْمُبْدَلِ فَصَارَ كَالْبَيْعِ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ السَّفَرِ وَالْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِهِ وَزِيَارَةِ أَهْلِهَا حَتَّى يُوَفِّيَهَا الْمَهْرَ كُلَّهُ: أَيْ الْمُعَجَّلُ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَمْلِكُ قَبْضَهُ) أَيْ يَمْلِكُ الْأَبُ قَبْضَ الثَّمَنِ بَعْدَ بُلُوغِ الصَّغِيرِ. وَقَوْلُهُ (وَوِلَايَةُ قَبْضِ الْمَهْرِ لِلْأَبِ بِحُكْمِ الْأُبُوَّةِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ الْأَبَ يَمْلِكُ قَبْضَ الصَّدَاقِ أَيْضًا كَالْوَكِيلِ يَمْلِكُ قَبْضَ الثَّمَنِ، فَلَوْ صَحَّ الضَّمَانُ صَارَ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ هُنَاكَ فَكَذَلِكَ فِي الْأَبِ. وَقَوْلُهُ (وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا) أَيْ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى مَهْرٍ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ كُلُّهُ مُعَجَّلًا أَوْ مُؤَجَّلًا، أَوْ بَعْضُهُ مُعَجَّلًا وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلًا؛ فَإِنْ كَانَ الْكُلُّ مُعَجَّلًا فَإِمَّا إنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ، فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا (حَتَّى تَأْخُذَ الْمَهْرَ وَلَهَا أَنْ تَمْنَعَهُ عَنْ إخْرَاجِهَا) إلَى السَّفَرِ (لِيَتَعَيَّنَ حَقُّهَا فِي الْبَدَلِ) وَهُوَ الْمَهْرُ (كَمَا تَعَيَّنَ حَقُّهُ فِي الْمُبْدَلِ) وَهُوَ الْبُضْعُ (فَصَارَ كَالْبَيْعِ) فِي أَنَّ الْبَائِعَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَأْخُذَ الثَّمَنَ تَسْوِيَةً بَيْنَ الْبَدَلَيْنِ فِي التَّعْيِينِ (وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ السَّفَرِ وَالْخُرُوجِ مِنْ

لِأَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ لِاسْتِيفَاءِ الْمُسْتَحَقِّ، وَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ قَبْلَ الْإِيفَاءِ، وَلَوْ كَانَ الْمَهْرُ كُلُّهُ مُؤَجَّلًا لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا لِإِسْقَاطِهَا حَقَّهَا بِالتَّأْجِيلِ كَمَا فِي الْبَيْعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنْزِلِهِ وَزِيَارَةِ أَهْلِهَا حَتَّى يُوفِيَهَا الْمَهْرَ كُلَّهُ لِأَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ لِاسْتِيفَاءِ الْمُسْتَحَقِّ وَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ قَبْلَ الْإِيفَاءِ) وَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَتَذَكَّرَهُ وَإِنْ كَانَ الْكُلُّ مُؤَجَّلًا، فَإِمَّا أَنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ، فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ حَقَّهَا بِالتَّأْجِيلِ، وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: مُوجَبُ النِّكَاحِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ تَسْلِيمُ الْمَهْرِ أَوَّلًا عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا، فَحِينَ قَبِلَ الزَّوْجُ الْأَجَلَ مَعَ عِلْمِهِ بِمُوجَبِ الْعَقْدِ فَقَدْ رَضِيَ بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ إلَى أَنْ يُوفِيَ الْمَهْرَ بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ، وَبِهِ فَارَقَ الْبَيْعَ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الثَّمَنِ أَوَّلًا لَيْسَ مِنْ مُوجَبَاتِ الْبَيْعِ لَا مَحَالَةَ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ لَوْ كَانَ مُقَايَضَةً لَمْ يَجِبْ تَسْلِيمُ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ أَوَّلًا فَلَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي رَاضِيًا بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ فِي الْمَبِيعِ إلَى أَنْ يُوفِيَ الثَّمَنَ. وَقَوْلُهُ لِإِسْقَاطِهَا حَقَّهَا بِالتَّأْجِيلِ) فَإِطْلَاقُهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا الْمَنْعُ لَا قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَلَا بَعْدَهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، أَمَّا قَبْلَ الْحُلُولِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ مَا أَوْجَبَ حَقَّ الْحَبْسِ فَلَا يَثْبُتُ بَعْدَهُ، وَفِي هَذَا

فِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ، وَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا. وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ الدُّخُولُ بِرِضَاهَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ مُكْرَهَةً أَوْ كَانَتْ صَبِيَّةً أَوْ مَجْنُونَةً لَا يَسْقُطُ حَقُّهَا فِي الْحَبْسِ بِالِاتِّفَاقِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْخَلْوَةُ بِهَا بِرِضَاهَا. وَيَبْتَنِي عَلَى هَذَا اسْتِحْقَاقُ النَّفَقَةِ. لَهُمَا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ كُلَّهُ قَدْ صَارَ مُسَلَّمًا إلَيْهِ بِالْوَطْأَةِ الْوَاحِدَةِ وَبِالْخَلْوَةِ، وَلِهَذَا يَتَأَكَّدُ بِهَا جَمِيعُ الْمَهْرِ فَلَمْ يَبْقَ لَهَا حَقُّ الْحَبْسِ، كَالْبَائِعِ إذَا سَلَّمَ الْمَبِيعَ. وَلَهُ أَنَّهَا مَنَعَتْ مِنْهُ مَا قَابَلَ الْبَدَلَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَطْأَةٍ تُصْرَفُ فِي الْبُضْعِ الْمُحْتَرَمِ فَلَا يُخْلَى عَنْ الْعِوَضِ إبَانَةً لِخَطَرِهِ، وَالتَّأْكِيدُ بِالْوَاحِدَةِ لِجَهَالَةِ مَا وَرَاءَهَا فَلَا يَصْلُحُ مُزَاحِمًا لِلْمَعْلُومِ. ثُمَّ إذَا وُجِدَ آخَرُ وَصَارَ مَعْلُومًا تَحَقَّقَتْ الْمُزَاحَمَةُ وَصَارَ الْمَهْرُ مُقَابَلًا بِالْكُلِّ كَالْعَبْدِ إذَا جَنَى جِنَايَةً يَدْفَعُ كُلَّهُ بِهَا، ثُمَّ إذَا جَنَى جِنَايَةً أُخْرَى وَأُخْرَى يَدْفَعُ بِجَمِيعِهَا، وَإِذَا أَوْفَاهَا مَهْرَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَجْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقُّ الْمَنْعِ قَبْلَ الدُّخُولِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَلَأَنْ لَا يَكُونَ لَهَا ذَلِكَ بَعْدَهُ أَوْلَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ دَخَلَ بِهَا) يَعْنِي فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ (فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) يَعْنِي لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا حَتَّى تَأْخُذَ الْمَهْرَ. وَقَالَا: لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ إذَا كَانَ الدُّخُولُ بِرِضَاهَا، أَمَّا إذَا كَانَتْ مُكْرَهَةً أَوْ صَبِيَّةً أَوْ مَجْنُونَةً فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهَا فِي الْحَبْسِ بِالِاتِّفَاقِ (وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْخَلْوَةُ بِهَا) إنْ كَانَتْ (بِرِضَاهَا) فَعَلَى الِاخْتِلَافِ وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ رِضَاهَا لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهَا بِالِاتِّفَاقِ (وَيُبْتَنَى عَلَى هَذَا اسْتِحْقَاقُ النَّفَقَةِ) تَسْتَحِقُّهَا مُدَّةَ الْمَنْعِ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ مَنْعٌ يَحِقُّ وَلَا تَسْتَحِقُّهَا عِنْدَهُمَا لِأَنَّهَا نَاشِزَةٌ (لَهُمَا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ كُلَّهُ قَدْ صَارَ مُسَلَّمًا إلَيْهِ بِالْوَطْأَةِ الْوَاحِدَةِ وَبِالْخَلْوَةِ وَلِهَذَا يَتَأَكَّدُ بِهَا جَمِيعُ الْمَهْرِ) وَتَسْلِيمُهُ يَنْفِي حَقَّ الْحَبْسِ كَالْبَائِعِ إذَا سَلَّمَ الْمَبِيعَ. وَقَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّهَا مَنَعَتْ مِنْهُ) جَازَ أَنْ يَكُونَ مُنَاقَضَةً، وَتَقْرِيرُهُ: أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ كُلَّهُ قَدْ صَارَ مُسَلَّمًا إلَيْهِ بِالْوَطْأَةِ الْوَاحِدَةِ فَإِنَّهَا مَنَعَتْ مِنْهُ (مَا قَابَلَ الْبَدَلَ لِأَنَّ كُلَّ وَطْأَةٍ تَصَرُّفٌ فِي الْبُضْعِ الْمُحْتَرَمِ) وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ تَسْلِيمُ كُلِّهِ، وَجَازَ أَنْ يَكُونَ مُعَارَضَةً وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهَا مَنَعَتْ مِنْهُ مَا قَابَلَ الْبَدَلَ لِأَنَّ كُلَّ وَطْأَةٍ تَصَرُّفٌ فِي الْبُضْعِ الْمُحْتَرَمِ، وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ لَا يُخَلَّى عَنْ الْبَدَلِ إبَانَةً لِخَطَرِهِ وَالْمَنْعُ عَمَّا يُقَابِلُ الْبَدَلَ صَحِيحٌ. وَقَوْلُهُ وَالتَّأْكِيدُ بِالْوَاحِدَةِ) أَيْ بِالْوَطْأَةِ الْوَاحِدَةِ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا وَلِهَذَا يَتَأَكَّدُ بِهَا جَمِيعُ الْمَهْرِ وَهُوَ وَاضِحٌ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ مُعَجَّلًا وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلًا كَانَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ قَبْلَ أَدَاءِ الْمُعَجَّلِ، فَإِذَا أَدَّى لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِهِ. فَإِنْ قُلْت: فَإِنْ سَمَّوْا الْمَهْرَ سَاكِتِينَ عَنْ التَّعْجِيلِ وَالتَّأْجِيرِ مَاذَا يَكُونُ حُكْمُهُ؟ قُلْت: يَجِبُ حَالًّا، وَقَدْ أُشِيرَ إلَى ذَلِكَ فِي دَلِيلِ أَبِي يُوسُفَ آنِفًا فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ مَا شُرِطَ تَعْجِيلُهُ (وَإِذَا أَوْفَاهَا مَهْرَهَا

نَقَلَهَا إلَى حَيْثُ شَاءَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] ، وَقِيلَ لَا يُخْرِجُهَا إلَى بَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِهَا؛ لِأَنَّ الْغَرِيبَ يُؤْذَى وَفِي قُرَى الْمِصْرِ الْقَرِيبَةِ لَا تَتَحَقَّقُ الْغُرْبَةُ. . قَالَ (وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الْمَهْرِ) فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِيمَا زَادَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي نِصْفِ الْمَهْرِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْقَوْلُ قَوْلُهُ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَبَعْدَهُ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ قَلِيلٍ، وَمَعْنَاهُ مَا لَا يُتَعَارَفُ مَهْرًا لَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQنَقَلَهَا إلَى حَيْثُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: 6] وَقِيلَ لَا يُخْرِجُهَا إلَى بَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِهَا) وَهُوَ قَوْلُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ (لِأَنَّ الْغَرِيبَ يُؤْذِي) قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ: الْأَخْذُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْلَى مِنْ الْأَخْذِ بِقَوْلِ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ. وَرُدَّ بِأَنَّ الْفَقِيهَ هُوَ الَّذِي أَخَذَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ قَوْلَهُ {مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: 6] دَلِيلٌ مَخْصُوصٌ بِدَلِيلٍ مُسْتَقِلٍّ مُقَارِنٍ وَهُوَ قَوْلُهُ {وَلا تُضَارُّوهُنَّ} [الطلاق: 6] (وَفِي قُرَى الْمِصْرِ الْقَرِيبَةِ لَا تَتَحَقَّقُ الْغُرْبَةُ) سُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ عَمَّنْ يُخْرِجُهَا مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى الْقَرْيَةِ وَمِنْ الْقَرْيَةِ إلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ: ذَلِكَ تَبْوِئَةٌ وَلَيْسَ بِسَفَرٍ، وَإِخْرَاجُهَا مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدِ سَفَرٍ لَيْسَ بِتَبْوِئَةٍ. قَالَ (وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الْمَهْرِ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ، لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَيَاتِهِمَا أَوْ تَخْتَلِفَ الْوَرَثَةُ بَعْدَ مَمَاتِهِمَا أَوْ يَكُونَ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا، فَإِنْ كَانَ فِي حَيَاتِهِمَا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ بَعْدَهُ. وَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ الِاخْتِلَافُ فِي أَصْلِ التَّسْمِيَةِ أَوْ فِي مِقْدَارِ الْمُسَمَّى، أَمَّا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ أَوْ بَعْدَ الْفُرْقَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ إلَى تَمَامِ مَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ وَرَثَتِهَا، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ أَوْ وَرَثَتِهِ فِي الزِّيَادَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَكَلَامُهُ فِي تَحْرِيرِ الْمَذَاهِبِ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ

هُوَ الصَّحِيحُ. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَدَّعِي الزِّيَادَةَ وَالزَّوْجُ يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ يُكَذِّبُهُ الظَّاهِرُ فِيهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ تَقَوُّمَ مَنَافِعِ الْبُضْعِ ضَرُورِيٌّ، فَمَتَى أَمْكَنَ إيجَابُ شَيْءٍ مِنْ الْمُسَمَّى لَا يُصَارُ إلَيْهِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْقَوْلَ فِي الدَّعَاوَى قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ، وَالظَّاهِرُ شَاهِدٌ لِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ فِي بَابِ النِّكَاحِ، وَصَارَ كَالصَّبَّاغِ مَعَ رَبِّ الثَّوْبِ إذَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْأَجْرِ يَحْكُمُ فِيهِ الْقِيمَةَ الصَّبْغُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQهُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِ مَشَايِخِنَا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ: إنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يَكُونُ دُونَ الْعَشَرَةِ فَإِنَّهُ مُسْتَنْكَرٌ شَرْعًا لِأَنَّهُ لَا مَهْرَ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ مُرَادَهُ أَنْ يَدَّعِيَ شَيْئًا قَلِيلًا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُتَزَوَّجُ مِثْلُ تِلْكَ الْمَرْأَةِ عَلَى ذَلِكَ الْمَهْرِ عَادَةً فَإِنَّهُ ذَكَرَ هَذَا اللَّفْظَ فِي الْبَيْعِ أَيْضًا إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ بَعْدَ هَلَاكِ السِّلْعَةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ مُسْتَنْكَرٍ وَلَيْسَ فِي الثَّمَنِ تَقْدِيرٌ شَرْعًا. وَقَوْلُهُ (لَا يُصَارُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ.

ثُمَّ ذَكَرَ هَاهُنَا أَنَّ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِي نِصْفِ الْمَهْرِ، وَهَذَا رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْأَصْلِ، وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ يَحْكُمُ مُتْعَةُ مِثْلِهَا وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمُتْعَةَ مُوجَبَةٌ بَعْدَ الطَّلَاقِ كَمَهْرِ الْمِثْلِ قَبْلَهُ فَتَحْكُمُ كَهُوَ. وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ أَنَّهُ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْأَصْلِ فِي الْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ، وَالْمُتْعَةُ لَا تَبْلُغُ هَذَا الْمَبْلَغَ فِي الْعَادَةِ فَلَا يُفِيدُ تَحْكِيمُهَا، وَوَضْعُهَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ فِي الْعَشَرَةِ وَالْمِائَةِ وَمُتْعَةُ مِثْلِهَا عِشْرُونَ فَيُفِيدُ تَحْكِيمَهَا، وَالْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ سَاكِتٌ عَنْ ذِكْرِ الْمِقْدَارِ فَيُحْمَلُ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ. وَشَرْحُ قَوْلِهِمَا فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا ادَّعَى الْأَلْفَ وَالْمَرْأَةَ الْأَلْفَيْنِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا أَلْفًا أَوْ أَقَلَّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ أَلْفَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِهِمَا) أَيْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَإِنَّمَا خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ. وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُتْعَةَ مُوجِبَةٌ بَعْدَ الطَّلَاقِ) أَيْ مُوجَبِ الْعَقْدِ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ (كَمَهْرِ الْمِثْلِ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الطَّلَاقِ (فَتَحَكُّمٌ) الْمُتْعَةُ بَعْدَ الطَّلَاقِ كَمَهْرِ الْمِثْلِ قَبْلَهُ. وَقَوْلُهُ (وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ) أَيْ بَيْنَ رِوَايَةِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَبَيْنَ رِوَايَتَيْ الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهُوَ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) يَعْنِي مَعَ الْيَمِينِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الدَّعَاوَى أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ نَكَلَ يُقْضَى عَلَيْهِ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ كَمَا لَوْ أَقَرَّ لِأَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ (وَإِنْ كَانَ أَلْفَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا) أَيْ مَعَ يَمِينِهَا لِأَنَّ الزَّوْجَ يَدَّعِي عَلَيْهَا الْحَطَّ وَهِيَ تُنْكِرُ، فَإِنْ نَكَلَتْ يُقْضَى بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ بِالْحَطِّ، وَإِنْ حَلَفَتْ يُقْضَى لَهَا بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ أَلْفٍ بِطَرِيقِ التَّسْمِيَةِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى تَسْمِيَةِ الْأَلْفِ وَأَلْفٍ بِاعْتِبَارِ مَهْرِ الْمِثْلِ. وَفَائِدَةُ هَذَا أَنَّهُ يُخَيَّرُ الزَّوْجُ فِي هَذَا الْأَلْفِ إنْ شَاءَ

وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فِي الْوَجْهَيْنِ تُقْبَلُ. وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهَا؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ. وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْحَطَّ، وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ تَحَالَفَا، وَإِذَا حَلَفَا يَجِبُ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَعْطَى الدَّرَاهِمَ، وَإِنْ شَاءَ أَعْطَى الدَّنَانِيرَ (وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فِي الْوَجْهَيْنِ) أَيْ فِيمَا إذَا شَهِدَ مَهْرُ الْمِثْلِ لِلزَّوْجِ وَفِيمَا إذَا شَهِدَ مَهْرُ الْمِثْلِ لِلْمَرْأَةِ (تُقْبَلُ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ) وَهُوَ مَا إذَا كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ شَاهِدًا لِلزَّوْجِ (تُقْبَلُ بَيِّنَتُهَا لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي) وَهُوَ مَا إذَا كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ شَاهِدًا لِلْمَرْأَةِ تُقْبَلُ (بَيِّنَتُهُ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْحَطَّ) وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ تُثْبِتُ مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ ظَاهِرًا (وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ تَحَالَفَا) لِأَنَّ الزَّوْجَ يَدَّعِي عَلَيْهَا الْحَطَّ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَهِيَ تُنْكِرُ، وَالْمَرْأَةُ تَدَّعِي عَلَيْهِ الزِّيَادَةَ وَهُوَ يُنْكِرُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقْرِعَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا فِي الْبِدَايَةِ لِاسْتِوَائِهِمَا، فَإِنْ نَكَلَ الزَّوْجُ يُقْضَى بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ صَرِيحًا، وَإِنْ نَكَلَتْ الْمَرْأَةُ وَجَبَ الْمُسَمَّى أَلْفٌ لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ بِالْحَطِّ، وَإِنْ حَلَفَا جَمِيعًا وَجَبَ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ أَلْفٌ بِطَرِيقِ التَّسْمِيَةِ لَا يُخَيَّرُ الزَّوْجُ فِيهَا لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى تَسْمِيَةِ الْأَلْفِ وَخَمْسُمِائَةٍ بِاعْتِبَارِ مَهْرِ الْمِثْلِ يُخَيَّرُ فِيهَا الزَّوْجُ، وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ، وَإِنْ أَقَامَا يُقْضَى بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ؛ أَلْفٍ بِطَرِيقِ التَّسْمِيَةِ وَخَمْسِمِائَةٍ بِاعْتِبَارِ مَهْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ بَطَلَتَا لِمَكَانِ التَّعَارُضِ،

هَذَا تَخْرِيجُ الرَّازِيِّ. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: يَتَحَالَفَانِ فِي الْفُصُولِ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ يَحْكُمُ مَهْرُ الْمِثْلِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي أَصْلِ الْمُسَمَّى يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ تَعَذَّرَ الْقَضَاءِ بِالْمُسَمَّى فَيُصَارُ إلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي حَيَاتِهِمَا؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ مَهْرِ الْمِثْلِ لَا يَسْقُطُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَنَصَّ مُحَمَّدٌ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ بَيِّنَةَ الْمَرْأَةِ أَوْلَى لِإِثْبَاتِهَا الزِّيَادَةَ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ وُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ فِيمَا إذَا تَحَالَفَا فَقَالَ ثُمَّ إذَا تَحَالَفَا يُبْدَأُ بِيَمِينِ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ أَبْيَنُهُمَا إنْكَارًا وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ وَالْبَيِّنَةُ مَشْرُوعَةٌ لِلْإِثْبَاتِ (هَذَا تَخْرِيجُ الرَّازِيِّ. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: يَتَحَالَفَانِ فِي الْفُصُولِ الثَّلَاثَةِ) عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَهْرُ الْمِثْلِ شَاهِدًا لَهُ أَوْ شَاهِدًا لَهَا أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ يُصَارُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَصْلِ التَّسْمِيَةِ، وَالتَّسْمِيَةُ الصَّحِيحَةُ تَمْنَعُ الْمَصِيرَ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ، وَإِذَا حَلَفَا تَعَذَّرَ التَّسْمِيَةُ فَيُحَكَّمُ مَهْرُ الْمِثْلِ. قِيلَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ أَصَحُّ لِأَنَّ تَحْكِيمَ الْمَهْرِ لَيْسَ لِإِيجَابِ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِمَعْرِفَةِ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِي الدَّعَاوَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ مَعَ يَمِينِهِ (وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي أَصْلِ الْمُسَمَّى) بِأَنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا التَّسْمِيَةَ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يُنْكِرُ التَّسْمِيَةَ (وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْإِجْمَاعِ) الْمُرَكَّبِ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي التَّحْكِيمِ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ بِالْمُسَمَّى لِعَدَمِ ثُبُوتِ التَّسْمِيَةِ لِلِاخْتِلَافِ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا. (وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا) بَيْنَ الْحَيِّ وَوَرَثَةِ الْمَيِّتِ (فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي حَيَاتِهِمَا) فِي الْأَصْلِ، وَالْمِقْدَارُ فِي الْأَصْلِ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بَعْدَ الدُّخُولِ وَالْمُتْعَةُ قَبْلَهُ،

بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بَعْدَ مَوْتِهِمَا فِي الْمِقْدَارِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ وَرَثَةِ الزَّوْجِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا يُسْتَثْنَى الْقَلِيلُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ، وَإِنْ كَانَ فِي أَصْلِ الْمُسَمَّى فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ أَنْكَرَهُ، فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا حُكْمَ لِمَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَهُ بَعْدَ مَوْتِهِمَا عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ. . قَالَ (وَإِذَا مَاتَ الزَّوْجَانِ وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا فَلِوَرَثَتِهَا أَنْ يَأْخُذُوا ذَلِكَ مِنْ مِيرَاثِ الزَّوْجِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَّى لَهُ مَهْرًا فَلَا شَيْءَ لِوَرَثَتِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: لِوَرَثَتِهَا الْمَهْرُ فِي الْوَجْهَيْنِ) مَعْنَاهُ الْمُسَمَّى فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَمَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي، أَمَّا الْأَوَّلُ؛ فَلِأَنَّ الْمُسَمَّى دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ وَقَدْ تَأَكَّدَ بِالْمَوْتِ فَيُقْضَى مِنْ تَرِكَتِهِ، إلَّا إذَا عُلِمَ أَنَّهَا مَاتَتْ أَوَّلًا فَيَسْقُطُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي الْمِقْدَارِ عِنْدَهُمَا يُحَكَّمُ مَهْرُ الْمِثْلِ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَا يَسْقُطُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا أَلَا تَرَى إلَى مَسْأَلَةِ الْمُفَوِّضَةِ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا وَعِنْدَهُ الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ أَوْ وَرَثَتِهِ لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بَعْدَ مَوْتِهِمَا فِي الْمِقْدَارِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ وَرَثَةِ الزَّوْجِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يُسْتَثْنَى الْقَلِيلُ) خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ يَسْتَثْنِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ) بِحُكْمِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَكِنَّهُ تَرَكَهُ اسْتِحْسَانًا لِمَا نَذْكُرُهُ وَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بَعْدَ مَوْتِهِمَا فِي أَصْلِ التَّسْمِيَةِ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ أَنْكَرَهُ لَا يُحَكَّمُ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَقَوْلُهُ (لِمَا نُبَيِّنُهُ مِنْ بَعْدُ) إشَارَةً إلَى دَلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَلِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ. قَالَ (وَإِذَا مَاتَ الزَّوْجَانِ وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا فَلِوَرَثَتِهَا أَنْ يَأْخُذُوا ذَلِكَ مِنْ مِيرَاثِ الزَّوْجِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا فَلَا شَيْءَ لِوَرَثَتِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لِوَرَثَتِهَا الْمَهْرُ فِي الْوَجْهَيْنِ مَعْنَاهُ) أَيْ مَعْنَى قَوْلِهِ لِوَرَثَتِهَا الْمَهْرُ فِي الْوَجْهَيْنِ (الْمُسَمَّى فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ) وَهُوَ مَا إذَا سَمَّى (وَمَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي) وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يُسَمِّ (أَمَّا الْأَوَّلُ) وَهُوَ وُجُوبُ الْمُسَمَّى (فَلِأَنَّ الْمُسَمَّى دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ) إمَّا بِثُبُوتِهِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالتَّصَادُقِ (وَقَدْ تَأَكَّدَ بِالْمَوْتِ فَيُقْضَى مِنْ تَرِكَتِهِ) إذَا عُلِمَ أَنَّهُمَا مَاتَا مَعًا أَوْ لَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمَا مَاتَ

نَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا الثَّانِي فَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ كَالْمُسَمَّى فَلَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ كَمَا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَوْتَهُمَا يَدُلُّ عَلَى انْقِرَاضِ أَقْرَانِهِمَا فَبِمَهْرِ مَنْ يُقَدِّرُ الْقَاضِي مَهْرُ الْمِثْلِ (وَمَنْ بَعَثَ إلَى امْرَأَتِهِ شَيْئًا فَقَالَتْ هُوَ هَدِيَّةٌ وَقَالَ الزَّوْجُ هُوَ مِنْ الْمَهْرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُمَلِّكُ فَكَانَ أَعْرَفَ بِجِهَةِ التَّمْلِيكِ، كَيْفَ وَأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَسْعَى فِي إسْقَاطِ الْوَاجِبِ. قَالَ (إلَّا فِي الطَّعَامِ الَّذِي يُؤْكَلُ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوَّلًا أَوْ عُلِمَ أَنَّ الزَّوْجَ مَاتَ أَوَّلًا، وَأَمَّا إذَا عُلِمَ أَنَّهَا مَاتَتْ أَوَّلًا فَيَسْقُطُ نَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ (وَأَمَّا الثَّانِي فَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ كَالْمُسَمَّى فَلَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ كَمَا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِهِ لَكِنْ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ (إنَّ مَوْتَهُمَا يَدُلُّ عَلَى انْقِرَاضِ أَقْرَانِهِمَا فَبِمَهْرِ مَنْ يُقَدِّرُ الْقَاضِي مَهْرَ الْمِثْلِ) وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِي صُورَةِ التَّقَادُمِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ اسْتَدَلَّ فَقَالَ: أَرَأَيْت لَوْ ادَّعَى وَرَثَةُ عَلِيٍّ عَلَى وَرَثَةِ عُمَرَ مَهْرَ أُمِّ كُلْثُومٍ أَكُنْت أَقْضِي فِيهِ بِشَيْءٍ؟ وَهَذَا لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ، فَإِذَا تَقَادَمَ الْعَهْدُ وَانْقَرَضَ أَهْلُ ذَلِكَ الْعَصْرِ يَتَعَذَّرُ عَلَى الْقَاضِي الْوُقُوفُ عَلَى مِقْدَارِ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَعَلَى هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْعَهْدُ مُتَقَادِمًا بِأَنْ لَمْ يَخْتَلِفْ مَهْرُ مِثْلِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ يُقْضَى بِمَهْرِ مِثْلِهَا. وَلِلْمَشَايِخِ طَرِيقٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ قِيمَةُ الْبُضْعِ يُشْبِهُ الْمُسَمَّى، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَجِبُ فِي مُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ يُشْبِهُ الصِّلَةَ كَالنَّفَقَةِ؛ فَبِاعْتِبَارِ الشَّبَهِ الْأَوَّلِ لَمْ يَسْقُطْ فَلَا يَسْقُطُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَبِاعْتِبَارِ الشَّبَهِ الثَّانِي يَسْقُطُ فَيَسْقُطُ بِمَوْتِهِمَا لِأَنَّ الْمُسْقِطَ تَأَكَّدَ بِالْمَوْتِ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ بَعَثَ إلَى امْرَأَتِهِ شَيْئًا) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) أَيْ مَعَ يَمِينِهِ فَإِنْ حَلَفَ وَالْمَتَاعُ قَائِمٌ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَرُدَّ وَتَرْجِعَ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْمَهْرِ وَإِنْ كَانَ

وَالْمُرَادُ مِنْهُ مَا يَكُونُ مُهَيَّأً لِلْأَكْلِ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَارَفُ هَدِيَّةً، فَأَمَّا فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِمَا بَيَّنَّا، وَقِيلَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْخِمَارِ وَالدِّرْعِ وَغَيْرِهِمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْتَسِبَهُ مِنْ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يُكَذِّبُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQهَالِكًا لَمْ تَرْجِعْ. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَسْعَى فِي إسْقَاطِ الْوَاجِبِ. وَقَوْلُهُ (وَقِيلَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ) إنَّمَا قَيَّدَ بِالْوُجُوبِ لِأَنَّهُ إذَا بَعَثَ الْخُفَّ وَالْمُلَاءَةَ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْتَسِبَهُ مِنْ الْمَهْرِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُجِيبُهُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (وَغَيْرِهِمَا) قِيلَ كَمَتَاعِ الْبَيْتِ.

[فصل تزوج النصراني نصرانية على ميتة]

(وَإِذَا تَزَوَّجَ النَّصْرَانِيُّ نَصْرَانِيَّةً عَلَى مَيْتَةٍ أَوْ عَلَى غَيْرِ مَهْرٍ وَذَلِكَ فِي دِينِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ تَزَوَّجَ النَّصْرَانِيُّ نَصْرَانِيَّةً عَلَى مَيْتَةٍ] (فَصْلٌ) لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ النِّكَاحِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ وَهْم الْأُصُولُ فِي الشَّرَائِعِ ذَكَرَ مَنْ هُوَ تَبَعٌ لَهُمْ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَمِنْ الْمُعَامَلَاتِ أَحْكَامُ النِّكَاحِ فِي حَقِّ الْكُفَّارِ (وَإِذَا تَزَوَّجَ النَّصْرَانِيُّ نَصْرَانِيَّةً) قِيلَ الْمُرَادُ بِهِمَا الذِّمِّيُّ وَالذِّمِّيَّةُ وَلِهَذَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ بِلَفْظِ الذِّمِّيِّ. وَأَقُولُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَطْلَقَهُ لِيَتَنَاوَلَ الْمُسْتَأْمَنَ أَيْضًا (وَذَلِكَ فِي دِينِهِمْ) أَيْ النِّكَاحُ

جَائِزٌ فَدَخَلَ بِهَا أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا فَلَيْسَ لَهَا مَهْرٌ، وَكَذَلِكَ الْحَرْبِيَّانِ فِي دَارِ الْحَرْبِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُهُمَا فِي الْحَرْبِيَّيْنِ. وَأَمَّا فِي الذِّمِّيَّةِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إنْ مَاتَ عَنْهَا أَوْ دَخَلَ بِهَا وَالْمُتْعَةُ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا. وَقَالَ زُفَرُ: لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْحَرْبِيَّيْنِ أَيْضًا. لَهُ أَنَّ الشَّرْعَ مَا شَرَعَ ابْتِغَاءَ النِّكَاحِ إلَّا بِالْمَالِ، وَهَذَا الشَّرْعُ وَقَعَ عَامًّا فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ عَلَى الْعُمُومِ. وَلَهُمَا أَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ غَيْرُ مُلْتَزِمِينَ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ، وَوِلَايَةُ الْإِلْزَامِ مُنْقَطِعَةٌ لِتَبَايُنِ الدَّارِ، بِخِلَافِ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِأَنَّهُمْ الْتَزَمُوا أَحْكَامَنَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُعَامَلَاتِ كَالرِّبَا وَالزِّنَا، وَوِلَايَةُ الْإِلْزَامِ مُتَحَقِّقَةٌ لِاتِّحَادِ الدَّارِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ لَا يَلْتَزِمُونَ أَحْكَامَنَا فِي الدِّيَانَاتِ وَفِيمَا يَعْتَقِدُونَ خِلَافَهُ فِي الْمُعَامَلَاتِ، وَوِلَايَةُ الْإِلْزَامِ بِالسَّيْفِ وَبِالْمُحَاجَّةِ وَكُلُّ ذَلِكَ مُنْقَطِعٌ عَنْهُمْ بِاعْتِبَارِ عَقْدِ الذِّمَّةِ، فَإِنَّا أُمِرْنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ فَصَارُوا كَأَهْلِ الْحَرْبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِغَيْرِ مَهْرٍ فِي دِينِهِمْ (جَائِزٌ) وَالْوَاوُ لِلْحَالِ (فَلَيْسَ لَهَا مَهْرٌ) وَإِنْ أَسْلَمَا (وَكَذَلِكَ الْحَرْبِيَّانِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَهَذَا) أَيْ عَدَمُ وُجُوبِ الْمَهْرِ فِي الذِّمِّيَّيْنِ وَالْحَرْبِيَّيْنِ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَوَافَقَاهُ فِي الْحَرْبِيَّيْنِ. وَأَمَّا فِي الذِّمِّيَّةِ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا الْمُتْعَةُ وَخَالَفَهُ زُفَرُ فِي الْحَرْبِيَّيْنِ أَيْضًا، وَقَالَ (الشَّرْعُ مَا شَرَعَ ابْتِغَاءَ النِّكَاحِ إلَّا بِالْمَالِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] (وَهَذَا الشَّرْعُ وَقَعَ عَامًّا) لِأَنَّ النِّكَاحَ مِنْ بَابِ الْمُعَامَلَاتِ وَالْكُفَّارُ مُخَاطَبُونَ بِالْمُعَامَلَاتِ (فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ عَلَى الْعُمُومِ) وَحَاصِلُ كَلَامِهِ الْمَشْرُوعِ فِي بَابِ النِّكَاحِ الِابْتِغَاءُ بِالْمَالِ عَلَى الْعُمُومِ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ يَثْبُتُ حُكْمُهُ عَلَى الْعُمُومِ، وَقَالَا: أَهْلُ الْحَرْبِ لَمْ يَلْتَزِمُوا أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا يَكُونُ لِلْحُكْمِ عَلَيْهِمْ إلَّا بِالْإِلْزَامِ وَلَا إلْزَامَ إلَّا بِالْوِلَايَةِ، وَقَدْ انْقَطَعَ الْوِلَايَةُ بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ (بِخِلَافِ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِأَنَّهُمْ الْتَزَمُوا أَحْكَامَنَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُعَامَلَاتِ) لِأَنَّ الِالْتِزَامَ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ وَقَدْ وُجِدَ مِنْهُمْ فَكَانَ كَالزِّنَا وَالرِّبَا فَإِنَّهُمْ يُنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ وَيُقَامُ عَلَيْهِمْ الْحَدُّ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُمْ لَمْ يَلْتَزِمُوا لَكِنَّ وِلَايَةَ الْإِلْزَامِ مُتَحَقِّقَةٌ لِاتِّحَادِ الدَّارِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ لَا يَلْتَزِمُونَ أَحْكَامَنَا) فِي الدِّيَانَاتِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ (وَفِيمَا يَعْتَقِدُونَ خِلَافَهُ فِي الْمُعَامَلَاتِ) أَيْضًا كَبَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ (وَوِلَايَةِ الْإِلْزَامِ بِالسَّيْفِ وَالْمُحَاجَّةِ) وَلَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ لِانْقِطَاعِهَا عَنْهُمْ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ (فَإِنَّا أُمِرْنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ فَصَارُوا كَأَهْلِ الْحَرْبِ) فِي عَدَمِ الِالْتِزَامِ

بِخِلَافِ الزِّنَا لِأَنَّهُ حَرَامٌ فِي الْأَدْيَانِ كُلِّهَا، وَالرِّبَا مُسْتَثْنًى عَنْ عُقُودِهِمْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إلَّا مَنْ أَرْبَى فَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ عَهْدٌ» وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ أَوْ عَلَى غَيْرِ مَهْرٍ يَحْتَمِلُ نَفْيَ الْمَهْرِ وَيَحْتَمِلُ السُّكُوتَ. وَقَدْ قِيلَ: فِي الْمَيْتَةِ وَالسُّكُوتِ رِوَايَتَانِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَانْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ. وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الزِّنَا) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا كَالزِّنَا وَالرِّبَا. وَوَجْهُهُ أَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ فَلَمْ يَكُنْ دِينَهُمْ حَتَّى يُتْرَكُوا عَلَيْهِ (وَالرِّبَا مُسْتَثْنًى عَنْ عُقُودِهِمْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَا مَنْ أَرْبَى فَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ عَهْدٌ» ) أَلَا حَرْفُ تَنْبِيهٍ لَا حَرْفُ اسْتِثْنَاءٍ كَذَا السَّمَاعُ، وَالنُّسَخُ (وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ) أَيْ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَقَدْ قِيلَ فِي الْمَيْتَةِ وَالسُّكُوتِ رِوَايَتَانِ) يَعْنِي عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا قَالَا، وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَجِبُ شَيْءٌ، وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا يُحْتَاجُ إلَى فَرْقٍ، وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ فَيُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ النَّفْيِ وَالسُّكُوتِ وَهُوَ أَنَّ النِّكَاحَ مُعَاوَضَةُ الْبُضْعِ بِالْمَالِ، فَالتَّنْصِيصُ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاطِ الْعَرَضِ كَالتَّنْصِيصِ عَلَى الْبَيْعِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَمَا لَمْ يُوجَدْ التَّنْصِيصُ عَلَى نَفْيِ الْعِوَضِ يَكُونُ الْعِوَضُ مُسْتَحَقًّا لَهَا، وَأَمَّا

وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْكُلَّ عَلَى الْخِلَافِ. (فَإِنْ تَزَوَّجَ الذِّمِّيُّ ذِمِّيَّةً عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا فَلَهَا الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ) وَمَعْنَاهُ إذَا كَانَا بِأَعْيَانِهِمَا وَالْإِسْلَامُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَإِنْ كَانَا بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمَا فَلَهَا فِي الْخَمْرِ الْقِيمَةُ وَفِي الْخِنْزِيرِ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْوَجْهَيْنِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهَا الْقِيمَةُ فِي الْوَجْهَيْنِ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْقَبْضَ مُؤَكِّدٌ لِلْمِلْكِ فِي الْمَقْبُوضِ لَهُ فَيَكُونُ لَهُ شَبَهٌ بِالْعَقْدِ فَيَمْتَنِعُ بِسَبَبِ الْإِسْلَامِ كَالْعَقْدِ وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَيْتَةُ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِمُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَ أَحَدٍ فَكَانَ التَّزَوُّجُ عَلَيْهَا كَالنَّفْيِ وَهُوَ مُخْتَارُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ أَحَدًا لَمَّا لَمْ يَتَدَيَّنْ بِتَقَوُّمِهَا لَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اُتْرُكُوهُمْ وَمَا يَدِينُونَ» فَيَجِبُ حُكْمُ الشَّرْعِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْكُلَّ عَلَى الْخِلَافِ) عِنْدَهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ، وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ تَزَوَّجَ الذِّمِّيُّ ذِمِّيَّةً) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا كُلُّهُ) أَيْ كُلُّ مَا ذُكِرَ وَهُوَ مَا كَانَا مُعَيَّنَيْنِ أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنَيْنِ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْوَجْهَيْنِ) أَيْ فِي الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِ الْمُعَيَّنِ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهَا الْقِيمَةُ فِي الْوَجْهَيْنِ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا) إنَّمَا جَمَعَ بَيْنَ قَوْلِهِمَا وَإِنْ كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ فَمَا بَيْنَهُمَا حَيْثُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِيهِمَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: فِيهِمَا بِالْقِيمَةِ وَمَهْرُ الْمِثْلِ غَيْرُ قِيمَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لِأَنَّهُمَا يَتَّفِقَانِ فِي أَنْ لَا يُوجِبَا عَيْنَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ (أَنَّ الْقَبْضَ مُؤَكِّدٌ لِلْمِلْكِ فِي الْمَقْبُوضِ) وَلِهَذَا يُنَصَّفُ الصَّدَاقُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا، وَبَعْدَ الْقَبْضِ لَا يَعُودُ إلَى مِلْكِ الزَّوْجِ شَيْءٌ إلَّا بِالرِّضَا أَوْ الْقَضَاءِ، وَإِذَا مَرَّ يَوْمُ الْفِطْرِ وَالصَّدَاقُ عَبْدٌ غَيْرُ مَقْبُوضٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَا تَجِبُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقَبْضِ، وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَهْرِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُ، وَالْمُؤَكِّدُ لِلْمِلْكِ شَبِيهٌ بِالْعَقْدِ لِإِفَادَتِهِ مَا لَمْ يَكُنْ (فَيَمْتَنِعُ) الْقَبْضُ (بِسَبَبِ الْإِسْلَامِ) كَمَا لَوْ كَانَ ابْتِدَاءُ التَّمْلِيكِ بِالْعَقْدِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ إلْحَاقًا لِشُبْهَةِ الْعَقْدِ بِحَقِيقَتِهِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ (وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَا

بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمَا. وَإِذَا الْتَحَقَتْ حَالَةُ الْقَبْضِ بِحَالَةِ الْعَقْدِ، فَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: لَوْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ وَقْتَ الْعَقْدِ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ فَكَذَا هَاهُنَا، وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ لِكَوْنِ الْمُسَمَّى مَالًا عِنْدَهُمْ، إلَّا أَنَّهُ امْتَنَعَ التَّسْلِيمُ لِلْإِسْلَامِ فَتَجِبُ الْقِيمَةُ، كَمَا إذَا هَلَكَ الْعَبْدُ الْمُسَمَّى قَبْلَ الْقَبْضِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمِلْكَ فِي الصَّدَاقِ الْمُعَيَّنِ يَتِمُّ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَلِهَذَا تَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ، وَبِالْقَبْضِ يَنْتَقِلُ مِنْ ضَمَانِ الزَّوْجِ إلَى ضَمَانِهَا وَذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ بِالْإِسْلَامِ كَاسْتِرْدَادِ الْخَمْرِ الْمَغْصُوبَةِ، وَفِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ الْقَبْضُ يُوجِبُ مِلْكَ الْعَيْنِ فَيَمْتَنِعُ بِالْإِسْلَامِ، بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ مِلْكَ التَّصَرُّفِ فِيهِ إنَّمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQبِغَيْرِ أَعْيَانِهِمَا) لِأَنَّ الْقَبْضَ فِيهِ كَالْقَبْضِ فِيمَا إذَا كَانَا بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمَا فِي إفَادَةِ مَا لَمْ يَكُنْ، وَالْقَبْضُ فِيمَا إذَا كَانَا بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمَا يَمْنَعُ عَنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهِمَا، فَكَذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَا بِأَعْيَانِهِمَا كَالْعَقْدِ (وَإِذَا الْتَحَقَتْ حَالَةُ الْقَبْضِ بِحَالَةِ الْعَقْدِ فَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: لَوْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ وَقْتَ الْعَقْدِ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا) وَوَجْهُ مُحَمَّدٍ ظَاهِرٌ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ (أَنَّ الْمِلْكَ فِي الصَّدَاقِ الْمُعَيَّنِ يَتِمُّ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَلِهَذَا تَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ) وَلَوْ هَلَكَ هَلَكَ عَلَى مِلْكِهَا وَكُلُّ مَا تَمَّ بِنَفْسِ الْعَقْدِ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْقَبْضِ لِلتَّمَلُّكِ (وَبِالْقَبْضِ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ مِنْ ضَمَانِ الزَّوْجِ إلَى ضَمَانِهَا وَذَلِكَ) أَيْ الِانْتِقَالُ (لَا يَمْتَنِعُ بِالْإِسْلَامِ كَاسْتِرْدَادِ الْخَمْرِ الْمَغْصُوبَةِ) وَأَمَّا فِي الصَّدَاقِ الْغَيْرِ الْمُعَيَّنِ فَالْعَقْدُ فِيهِ لَا يَتِمُّ بِهِ الْمِلْكُ لِأَنَّهُ يُفِيدُ وُجُوبَ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ، وَالْقَبْضُ يُوجِبُ مِلْكَ الْعَيْنِ فَتَمْتَنِعُ بِالْإِسْلَامِ عَنْ تَمَلُّكِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ إنَّ الْمِلْكَ فِي الصَّدَاقِ الْمُعَيَّنِ إلَخْ: يَعْنِي بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الذِّمِّيُّ الْخَمْرَ أَوْ الْخِنْزِيرَ

يُسْتَفَادُ بِالْقَبْضِ، وَإِذَا تَعَذَّرَ الْقَبْضُ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ لَا تَجِبُ الْقِيمَةُ فِي الْخِنْزِيرِ لِأَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ فَيَكُونُ أَخْذُ قِيمَتِهِ كَأَخْذِ عَيْنِهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْخَمْرُ لِأَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ جَاءَ بِالْقِيمَةِ، قَبْلَ الْإِسْلَامِ تُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ فِي الْخِنْزِيرِ دُونَ الْخَمْرِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا، فَمَنْ أَوْجَبَ مَهْرَ الْمِثْلِ أَوْجَبَ الْمُتْعَةَ، وَمَنْ أَوْجَبَ الْقِيمَةَ أَوْجَبَ نِصْفَهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ اشْتَرَى ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْقَبْضُ بَلْ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ لِأَنَّ الْمَبِيعَ يُسْتَفَادُ مِلْكُ التَّصَرُّفِ فِيهِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا قَبْلَهُ وَالْإِسْلَامُ مَانِعٌ مِنْهُ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا تَعَذَّرَ الْقَبْضُ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ طَلَّقَهَا إلَخْ) يَعْنِي قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُعَيَّنِ لَهَا نِصْفُ الْعَيْنِ وَفِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ فِي الْخَمْرِ لَهَا نِصْفُ الْقِيمَةِ وَفِي الْخِنْزِيرِ لَهَا الْمُتْعَةُ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَا يَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ بَلْ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ كَانَ الْوَاجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ قَبْلَ الطَّلَاقِ فَالْوَاجِبُ الْمُتْعَةُ بَعْدَ الطَّلَاقِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَهَا الْمُتْعَةُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ نِصْفُ الْقِيمَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ.

[باب نكاح الرقيق]

بَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ) : (لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ إلَّا بِإِذْنِ مَوْلَاهُمَا) وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ لِلْعَبْدِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ فَيَمْلِكُ النِّكَاحَ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَهُوَ عَاهِرٌ» وَلِأَنَّ فِي تَنْفِيذِ نِكَاحِهِمَا تَعْيِيبَهُمَا إذْ النِّكَاحُ عَيْبٌ فِيهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ نِكَاحِ مَنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ النِّكَاحِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ شَرَعَ فِي بَيَانِ نِكَاحِ مَنْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ الرَّقِيقُ، وَالرَّقِيقُ الْمَمْلُوكُ يُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ (لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ إلَّا بِإِذْنِ مَوْلَاهُمَا) أَمَّا الْأَمَةُ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ مَنَافِعَ بُضْعِهَا مِلْكُ الْمَوْلَى فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهَا بِدُونِ إذْنِهِ، وَأَمَّا الْعَبْدُ فَفِيهِ خِلَافُ مَالِكٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ نِكَاحُهُ بِدُونِ إذْنِهِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَكُلُّ مَنْ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ يَمْلِكُ النِّكَاحَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِسَبَبِ النِّكَاحِ. وَمَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ سَبَبَهُ الْمُوصِلَ إلَيْهِ (وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " «أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَهُوَ عَاهِرٌ» ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ (وَلِأَنَّ فِي تَنْفِيذِ نِكَاحِهِمَا تَعْيِيبَهُمَا إذْ النِّكَاحُ عَيْبٌ فِيهِمَا) وَلِهَذَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا أَوْ أَمَةً فَظَهَرَ مُزَوَّجًا جَازَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَلَيْسَ لَهُمَا تَعْيِيبُ أَنْفُسِهِمَا رِعَايَةً لِحَقِّ الْمَوْلَى

فَلَا يَمْلِكَانِهِ بِدُونِ إذْنِ مَوْلَاهُمَا (وَكَذَا الْمُكَاتَبُ) لِأَنَّ الْكِتَابَةَ أَوْجَبَتْ فَكَّ الْحَجْرِ فِي حَقِّ الْكَسْبِ فَبَقِيَ فِي حَقِّ النِّكَاحِ عَلَى حُكْمِ الرِّقِّ. وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْمُكَاتَبُ تَزْوِيجَ عَبْدِهِ وَيَمْلِكُ تَزْوِيجَ أَمَتِهِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاكْتِسَابِ، وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ لَا تَمْلِكُ تَزْوِيجَ نَفْسِهَا بِدُونِ إذْنِ الْمَوْلَى وَتَمْلِكُ تَزْوِيجَ أَمَتِهَا لِمَا بَيَّنَّا (وَ) كَذَا (الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ) لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِمَا قَائِمٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا يَمْلِكَانِهِ بِدُونِ إذْنِهِ) وَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ جَوَابٌ لِمَالِكٍ، فَإِنَّ الطَّلَاقَ إزَالَةُ الْعَيْبِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ إزَالَةِ الْعَيْبِ جَوَازُ تَعْيِيبِهِمَا أَنْفُسَهُمَا. وَاسْتُشْكِلَ بِجَوَازِ إقْرَارِهِ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، فَإِنَّ وُجُوبَ قَطْعِ الْيَدِ فِي السَّرِقَةِ وَوُجُوبَ الْقِصَاصِ عَيْبٌ فِيهِمَا عَلَى قَوْلِهِمَا، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَبِمَنْزِلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ أَيْضًا أَقْوَى الْعُيُوبِ فَكَيْفَ جَازَ ذَلِكَ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الرَّقِيقَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ بَاقٍ عَلَى حُرِّيَّتِهِ وَالرِّقُّ لَا يُؤَثِّرُ فِيهَا، فَإِنْ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ تَعْيِيبٌ فَهُوَ ضِمْنِيٌّ لَا مُعْتَبَرَ بِهِ وَمَوْضِعُهُ الْأُصُولُ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا الْمُكَاتَبُ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) يَعْنِي قَوْلَهُ

(وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ فَالْمَهْرُ دَيْنٌ فِي رَقَبَتِهِ يُبَاعُ فِيهِ) لِأَنَّ هَذَا دَيْنٌ وَجَبَ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ مِنْ أَهْلِهِ وَقَدْ ظَهَرَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِصُدُورِ الْإِذْنِ مِنْ جِهَتِهِ فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ دَفْعًا لِلْمَضَرَّةِ عَنْ أَصْحَابِ الدُّيُونِ كَمَا فِي دَيْنِ التِّجَارَةِ. (وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ يَسْعَيَانِ فِي الْمَهْرِ وَلَا يُبَاعَانِ فِيهِ) لِأَنَّهُمَا لَا يَحْتَمِلَانِ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ مَعَ بَقَاءِ الْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ فَيُؤَدَّى مِنْ كَسْبِهِمَا لَا مِنْ نَفْسِهِمَا. (وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَقَالَ الْمَوْلَى طَلِّقْهَا أَوْ فَارْقِهَا فَلَيْسَ هَذَا بِإِجَازَةٍ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الرَّدَّ لِأَنَّ رَدَّ هَذَا الْعَقْدِ وَمُتَارَكَتَهُ يُسَمَّى طَلَاقًا وَمُفَارَقَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاكْتِسَابِ. وَقَوْلُهُ (فَالْمَهْرُ دَيْنٌ فِي رَقَبَتِهِ يُبَاعُ فِيهِ) لِمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ ذِمَّتَهُ قَدْ ضَعُفَتْ بِالرِّقِّ فَيُضَمُّ إلَيْهَا مَالِيَّةُ الرَّقَبَةِ. وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ هَذَا دَيْنٌ وَجَبَ فِي رَقَبَتِهِ) وَهُوَ دَلِيلُ قَوْلِهِ يُبَاعُ فِيهِ دُونَ مَا قَبْلَهُ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْمُصَادَرَةُ عَلَى الْمَطْلُوبِ. وَتَقْرِيرُهُ: هَذَا دَيْنٌ وَجَبَ فِي الرَّقَبَةِ، وَكُلُّ دَيْنٍ وَجَبَ فِي الرَّقَبَةِ تُبَاعُ الرَّقَبَةُ فِيهِ. إمَّا أَنَّهُ وَجَبَ فَلِتَحَقُّقِ الْمُقْتَضِي وَهُوَ وُجُودُ السَّبَبِ مِنْ أَهْلِهِ وَانْتِفَاءُ الْمَانِعِ وَهُوَ حَقُّ الْمَوْلَى لِصُدُورِ الْإِذْنِ مِنْ جِهَتِهِ، وَإِمَّا أَنَّهُ مُوجِبٌ فِي الرَّقَبَةِ فَلِدَفْعِ الْمَضَرَّةِ عَنْ أَصْحَابِ الدُّيُونِ كَمَا فِي دَيْنِ التِّجَارَةِ فَتُبَاعُ الرَّقَبَةُ فِي الْمَهْرِ كَمَا تُبَاعُ فِيهِ. وَقَوْلُهُ (دَفْعًا لِلْمَضَرَّةِ عَنْ أَصْحَابِ الدُّيُونِ) يَعْنِي النِّسَاءَ. وَقَوْلُهُ (فَلَيْسَ هَذَا بِإِجَازَةٍ، لِأَنَّهُ) أَيْ قَوْلَهُ طَلَّقَهَا أَوْ فَارَقَهَا (يَحْتَمِلُ الرَّدَّ لِأَنَّ رَدَّ هَذَا الْعَقْدِ وَمُتَارَكَتَهُ يُسَمَّى طَلَاقًا وَمُفَارَقَةً) أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ: طَلَّقْتُك

وَهُوَ أَلْيَقُ بِحَالِ الْعَبْدِ الْمُتَمَرِّدِ أَوْ هُوَ أَدْنَى فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ أَوْلَى (وَإِنْ قَالَ: طَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً تَمْلِكْ الرَّجْعَةَ فَهُوَ إجَازَةٌ) لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يَكُونُ إلَّا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ فَتَتَعَيَّنُ الْإِجَازَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ مُتَارَكَةً، وَإِذَا احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ رَجَّحْنَا جِهَةَ الْمُتَارَكَةِ لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِحَالِ الْعَبْدِ الْمُتَمَرِّدِ. وَقَوْلُهُ (أَوْ هُوَ) أَيْ الرَّدُّ (أَدْنَى) لِأَنَّهُ دَفْعٌ، وَالطَّلَاقَ رَفْعٌ، وَالدَّفْعُ أَسْهَلُ مِنْ الرَّفْعِ (فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ أَوْلَى) . فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ طَلَّقَهَا حَقِيقَةٌ فِي إيقَاعِ الطَّلَاقِ الْمَعْرُوفِ وَمَجَازٌ فِي الْمُتَارَكَةِ وَالْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ مُمْكِنٌ فَكَيْفَ صِيرَ إلَى الْمَجَازِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَقِيقَةَ قَدْ تُتْرَكُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ وَهَذَا كَذَلِكَ، وَهِيَ الِافْتِيَاتُ عَلَى رَأْيِ الْمَوْلَى (وَإِنْ قَالَ طَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً) رَجْعِيَّةً أَوْ تَطْلِيقَةً (تَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فَهَذَا إجَازَةٌ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يَكُونُ إلَّا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ فَتَتَعَيَّنُ الْإِجَازَةُ) فَإِنْ قِيلَ: إذَا قَالَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ كَفِّرْ يَمِينَك بِالْمَالِ أَوْ تَزَوَّجْ أَرْبَعًا مِنْ النِّسَاءِ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْعِتْقُ وَإِنْ كَانَ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ، وَتَزَوُّجُ الْأَرْبَعِ مِنْ النِّسَاءِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ مَا كَانَ أَصْلًا فِي إثْبَاتِ الْأَهْلِيَّةِ لِلتَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ لَا يَثْبُتُ اقْتِضَاءً

(وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ تَزَوَّجْ هَذِهِ الْأَمَةَ فَتَزَوَّجَهَا نِكَاحًا فَاسِدًا وَدَخَلَ بِهَا فَإِنَّهُ يُبَاعُ فِي الْمَهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يُؤْخَذُ مِنْهُ إذَا عَتَقَ) وَأَصْلُهُ أَنَّ الْإِذْنَ بِالنِّكَاحِ يَنْتَظِمُ الْفَاسِدَ وَالْجَائِزَ عِنْدَهُ، فَيَكُونُ هَذَا الْمَهْرُ ظَاهِرًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالْإِيمَانِ فِي خِطَابِ الْكُفَّارِ بِالشَّرَائِعِ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ وَفِي إثْبَاتِ الْإِعْتَاقِ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ النِّكَاحَ لَيْسَ بِأَصْلٍ فِي إثْبَاتِ الْأَهْلِيَّةِ لَهُ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ تَزَوَّجْ هَذِهِ الْأَمَةَ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ وَالْأَصْلُ الْمَذْكُورُ ظَاهِرَانِ، وَتَقْيِيدُهُ بِالْإِشَارَةِ وَالْأَمَةِ اتِّفَاقِيٌّ. فَإِنَّ الْحُكْمَ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ وَفِي غَيْرِ الْإِمَاءِ كَذَلِكَ، وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ حُكْمَانِ: أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ يُبَاعُ فِي الْمَهْرِ عِنْدَهُ وَلَا يُبَاعُ عِنْدَهُمَا. وَالثَّانِي أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَهَا بِوَصْفِ الصِّحَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِانْتِهَاءِ الْإِذْنِ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَيَصِحُّ عِنْدَهُمَا. وَوَجْهُهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ ظَاهِرٌ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِالْمُسْتَقْبَلِ، لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ مَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي الْمَاضِي وَكَانَ تَزَوَّجَ

وَعِنْدَهُمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْجَائِزِ لَا غَيْرُ فَلَا يَكُونُ ظَاهِرًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَيُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعَتَاقِ، لَهُمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ الْإِعْفَافُ وَالتَّحْصِينُ وَذَلِكَ بِالْجَائِزِ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ يَنْصَرِفُ إلَى الْجَائِزِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ بَعْضَ الْمَقَاصِدِ حَاصِلٌ وَهُوَ مِلْكُ التَّصَرُّفَاتِ. وَلَهُ أَنَّ اللَّفْظَ مُطْلَقٌ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ. وَبَعْضُ الْمَقَاصِدِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ حَاصِلٌ كَالنَّسَبِ، وَوُجُوبِ الْمَهْرِ وَالْعِدَّةِ عَلَى اعْتِبَارِ وُجُودِ الْوَطْءِ، وَمَسْأَلَةُ الْيَمِينِ مَمْنُوعَةٌ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ. (وَمَنْ زَوَّجَ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ مَدْيُونًا امْرَأَةً جَازَ، وَالْمَرْأَةُ أُسْوَةٌ لِلْغُرَمَاءِ فِي مَهْرِهَا) وَمَعْنَاهُ إذَا كَانَ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ سَبَبَ وِلَايَةِ الْمَوْلَى مِلْكُهُ الرَّقَبَةَ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، وَالنِّكَاحُ لَا يُلَاقِي حَقَّ الْغُرَمَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQصَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا حَنِثَ فِي يَمِينِهِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. وَقَوْلُهُ (كَمَا فِي الْبَيْعِ) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا يَتَنَاوَلُ الْجَائِزَ وَالْفَاسِدَ. وَقَوْلُهُ (عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ) يُرِيدُ طَرِيقَةَ إجْرَاءِ اللَّفْظِ الْمُطْلَقِ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَلَئِنْ كَانَ قَوْلُ الْكُلِّ فَالْعُذْرُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَبْنَى الْإِيمَانِ عَلَى الْعُرْفِ (وَمَنْ زَوَّجَ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ مَدْيُونًا امْرَأَةً جَازَ، وَالْمَرْأَةُ أُسْوَةٌ لِلْغُرَمَاءِ) إذَا كَانَ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِمَا ذُكِرَ بِقَوْلِهِ (وَوَجْهُهُ) وَتَقْرِيرُهُ لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ مَوْجُودٌ وَهُوَ وِلَايَةُ الْمَوْلَى لِتَحَقُّقِ سَبَبِهَا وَهُوَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ وَالْمَانِعَ وَهُوَ مُلَاقَاةُ النِّكَاحِ حَقَّ الْغُرَمَاءِ مَقْصُودًا بِالْإِبْطَالِ مُنْتَفٍ. وَإِذَا تَحَقَّقَ الْمُقْتَضِي وَانْتَفَى

بِالْإِبْطَالِ مَقْصُودًا، إلَّا أَنَّهُ إذَا صَحَّ النِّكَاحُ وَجَبَ الدَّيْنُ بِسَبَبٍ لَا مَرَدّ لَهُ فَشَابَهَ دَيْنَ الِاسْتِهْلَاكِ وَصَارَ كَالْمَرِيضِ الْمَدْيُونِ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَيُمْهِرُ مِثْلَهَا أُسْوَةً لِلْغُرَمَاءِ. (وَمَنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَوِّئَهَا بَيْتَ الزَّوْجِ لَكِنَّهَا تَخْدُمُ الْمَوْلَى، وَيُقَالُ لِلزَّوْجِ مَتَى ظَفِرْت بِهَا وَطِئَتْهَا) لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى فِي الِاسْتِخْدَامِ بَاقٍ وَالتَّبْوِئَةُ إبْطَالٌ لَهُ (فَإِنْ بَوَّأَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَانِعُ ثَبَتَ الْحُكْمُ أَلْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا قَالَ مَقْصُودًا لِأَنَّ الْمَانِعِيَّةَ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ بِذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ ضِمْنِيًّا فَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ وَهَاهُنَا كَذَلِكَ لِأَنَّ مَحَلِّيَّةَ النِّكَاحِ بِالْآدَمِيَّةِ، وَحَقَّ الْغُرَمَاءِ لَا يُلَاقِيهَا، لَكِنْ إذَا صَحَّ النِّكَاحُ بِوِلَايَةِ الْمَوْلَى تَحْصِينًا لِمِلْكِهِ وَجَبَ الدَّيْنُ بِسَبَبٍ لَا مَرَدَّ لَهُ لِعَدَمِ انْفِكَاكِ النِّكَاحِ عَنْ ثُبُوتِ الْمَالِ فَكَانَ كَدَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ (وَصَارَ كَالْمَرِيضِ الْمَدْيُونِ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَبِمَهْرِ مِثْلِهَا أُسْوَةٌ لِلْغُرَمَاءِ) وَإِذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُ فَلَا تُسَاوِيهِمْ بَلْ يُؤَخَّرُ إلَى اسْتِيفَائِهِمْ حَقَّهُمْ كَدَيْنِ الصِّحَّةِ مَعَ دَيْنِ الْمَرَضِ. قَالَ (وَمَنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ) بَوَّأْت لِلرَّجُلِ مَنْزِلًا وَبَوَّأْته مَنْزِلًا: أَيْ هَيَّأْته وَمَكَّنْت لَهُ فِيهِ. وَمَنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ (فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَوِّئَهَا) أَيْ يُهَيِّئَ لَهَا بَيْتًا لِلزَّوْجِ يَبِيتُ إلَيْهَا (لَكِنَّهَا تَخْدُمُ الْمَوْلَى وَيُقَالُ لِلزَّوْجِ مَتَى ظَفِرْتَ بِهَا وَطِئْتَهَا) وَإِنَّمَا يُقَالُ ذَلِكَ لِتَحَقُّقِ التَّسْلِيمِ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى ثَابِتٌ فِي الرَّقَبَةِ وَالْمَنَافِعِ سِوَى مَنْفَعَةِ الْبُضْعِ، وَحَقَّ الزَّوْجِ إنَّمَا هُوَ فِيهَا، وَلَا يَلْزَمُ إبْطَالُ الْكَثِيرِ لِلْقَلِيلِ مَعَ إمْكَانِ تَحْصِيلِهِ مِنْ

مَعَهُ بَيْتًا فَلَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى وَإِلَّا فَلَا) لِأَنَّ النَّفَقَةَ تُقَابِلُ الِاحْتِبَاسَ، وَلَوْ بَوَّأَهَا بَيْتًا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَقَّ بَاقٍ لِبَقَاءِ الْمِلْكِ فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّبْوِئَةِ كَمَا لَا يَسْقُطُ بِالنِّكَاحِ. قَالَ (ذَكَرَ تَزْوِيجَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ وَأَمَتَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ رِضَاهُمَا) وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى مَذْهَبِنَا أَنَّ لِلْمَوْلَى إجْبَارَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا إجْبَارَ فِي الْعَبْدِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ النِّكَاحَ مِنْ خَصَائِصِ الْآدَمِيَّةِ وَالْعَبْدُ دَاخِلٌ تَحْتَ مِلْكِ الْمَوْلَى مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ فَلَا يَمْلِكُ ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرِ إبْطَالِ الْكَثِيرِ فَلَهُ أَنْ يُبَوِّئَهَا وَأَنْ لَا يُبَوِّئَهَا وَأَنْ يَسْتَخْدِمَهَا بَعْدَ التَّبْوِئَةِ، لَكِنَّهُ يُسْقِطُ نَفَقَتَهَا لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ النَّفَقَةَ تُقَابِلُ الِاحْتِبَاسَ) . فَإِنْ قِيلَ: انْتِفَاءُ الِاحْتِبَاسِ إنَّمَا هُوَ لِبَقَاءِ حَقِّ الْمَوْلَى فِي الِاسْتِخْدَامِ وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ النَّفَقَةَ كَالْحُرَّةِ إذَا حَبَسَتْ نَفْسَهَا عَنْهُ لِاسْتِيفَاءِ الصَّدَاقِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْحُرَّةَ إذَا حَبَسَتْ نَفْسَهَا لِذَلِكَ فَالتَّفْوِيتُ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ بِامْتِنَاعِ إيفَاءِ مَا الْتَزَمَهُ، وَهَاهُنَا لَيْسَ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ بَلْ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ وَهُوَ الْمَوْلَى، فَكَانَتْ كَالْمَحْبُوسَةِ بِالدَّيْنِ لَا نَفَقَةَ لَهَا، فَإِنْ بَوَّأَهَا مَعَهُ بَيْتًا فَوَلَدَتْ مِنْ الزَّوْجِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِمَوْلَاهَا وَنَفَقَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ. قَوْلُهُ (ذَكَرَ تَزْوِيجَ الْمَوْلَى) يَعْنِي ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ تَزْوِيجَ الْمَوْلَى (عَبْدَهُ وَأَمَتَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ رِضَاهُمَا وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى مَذْهَبِنَا أَنَّ لِلْمَوْلَى إجْبَارَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ) وَمَعْنَى الْإِجْبَارِ أَنَّ الْمَوْلَى لَوْ بَاشَرَ النِّكَاحَ بِدُونِ

إنْكَاحَهُ، بِخِلَافِ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ مَالِكٌ مَنَافِعَ بُضْعِهَا فَيَمْلِكُ تَمْلِيكَهَا. وَلَنَا لِأَنَّ الْإِنْكَاحَ إصْلَاحُ مِلْكِهِ لِأَنَّ فِيهِ تَحْصِينَهُ عَنْ الزِّنَا الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْهَلَاكِ أَوْ النُّقْصَانِ فَيَمْلِكُهُ اعْتِبَارًا بِالْأَمَةِ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ وَالْمُكَاتَبَةِ لِأَنَّهُمَا الْتَحَقَا بِالْأَحْرَارِ تَصَرُّفًا فَيُشْتَرَطُ رِضَاهُمَا. قَالَ (وَمَنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ ثُمَّ قَتَلَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا زَوْجُهَا فَلَا مَهْرَ لَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: ـــــــــــــــــــــــــــــQرِضَاهُمَا نَفَذَ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ فِيهِ تَحْصِينَهُ عَنْ الزِّنَا الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْهَلَاكِ أَوْ النُّقْصَانِ) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا حُدَّ رُبَّمَا يَقَعُ الْحَدُّ مُهْلِكًا أَوْ جَارِحًا؛ فَفِي الْأَوَّلِ هَلَاكُ مَالِهِ، وَفِي الثَّانِي نُقْصَانُهُ، فَإِنَّهُ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا قَدْ حُدَّ فِي الزِّنَا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ فَيَمْلِكَ الْإِنْكَاحَ جَبْرًا اعْتِبَارًا بِالْأَمَةِ، وَالْجَامِعُ قِيَامُ سَبَبِ الْوِلَايَةِ وَهُوَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ وَتَحْصِينُ مِلْكِهِ عَنْ الزِّنَا الْمُوجِبِ لِلْهَلَاكِ أَوْ النُّقْصَانِ، وَلَيْسَ الْمَنَاطُ فِي جَوَازِ إنْكَاحِ الْأَمَةِ جَبْرًا تَمَلُّكَ مَنَافِعِ بُضْعِهَا لِأَنَّهُ لَا يَطَّرِدُ مَعَ الْإِجْبَارِ وَلَا يَنْعَكِسُ، فَإِنَّ الزَّوْجَ يَمْلِكُ مَنَافِعَ بُضْعِ الْمَرْأَةِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَزْوِيجِهَا، وَالْوَلِيُّ يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الصَّغِيرَةِ وَلَا يَمْلِكُ مَنَافِعَ بُضْعِهَا فَكَانَ التَّعْلِيلُ بِهِ فَاسِدًا. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ الْإِجْبَارُ بِاعْتِبَارِ تَحْسِينِ الْمِلْكِ لَجَازَ فِي الْمُكَاتَبِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَلَمْ يَجُزْ، أَجَابَ بِقَوْلِهِ (بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ وَالْمُكَاتَبَةِ) فَإِنَّ الْمِلْكَ لَمَّا كَانَ فِيهِمَا نَاقِصًا بِوَاسِطَةِ تَمْلِيكِهِمَا الْيَدَ (الْتَحَقَا بِالْأَحْرَارِ تَصَرُّفًا فَيُشْتَرَطُ رِضَاهُمَا) وَهَاهُنَا فَرْعٌ لَطِيفٌ. وَهُوَ أَنَّ الْمَوْلَى إذَا زَوَّجَ مُكَاتَبَتَهُ الصَّغِيرَةَ تَوَقَّفَ النِّكَاحُ عَلَى إجَازَتِهَا لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالْبَالِغَةِ فِيمَا يَنْبَنِي عَلَى الْكِتَابَةِ ثُمَّ إنَّهَا لَوْ لَمْ تَرُدَّ حَتَّى أَدَّتْ بَدَلَ الْكِتَابَةِ فَعَتَقَتْ بَقِيَ النِّكَاحُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى لَا عَلَى إجَازَتِهَا لِأَنَّهَا بَعْدَ الْعِتْقِ لَمْ تَبْقَ مُكَاتَبَةً وَهِيَ صَغِيرَةٌ وَالصَّغِيرَةُ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْإِجَازَةِ، قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَهَذِهِ مِنْ أَلْطَفِ الْمَسَائِلِ وَأَعْجَبِهَا، حَيْثُ اعْتَبَرَ إجَازَةَ الْمُكَاتَبَةِ فِي حَالِ رِقِّهَا، وَلَمْ يَعْتَبِرْ فِي حَالَةِ الْعِتْقِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْفَرْقِ (وَمَنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ) فَمَاتَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا، فَإِنْ مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا فَعَلَى الزَّوْجِ الْمَهْرُ بِالِاتِّفَاقِ،

عَلَيْهِ الْمَهْرُ لِمَوْلَاهَا) اعْتِبَارًا بِمَوْتِهَا حَتْفَ أَنْفِهَا، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْتُولَ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَتَلَهَا أَجْنَبِيٌّ: وَلَهُ أَنَّهُ مَنَعَ الْمُبْدَلَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَيُجَازَى بِمَنْعِ الْبَدَلِ كَمَا إذَا ارْتَدَّتْ الْحُرَّةُ، وَالْقَتْلُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا جُعِلَ إتْلَافًا حَتَّى وَجَبَ الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ فَكَذَا فِي حَقِّ الْمَهْرِ. (وَإِنْ قَتَلَتْ حُرَّةٌ نَفْسَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا زَوْجُهَا فَلَهَا الْمَهْرُ) خِلَافًا لِزُفَرَ، هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِالرِّدَّةِ وَبِقَتْلِ الْمَوْلَى أَمَتَهُ وَالْجَامِعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ قَتَلَهَا أَجْنَبِيٌّ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ قَتَلَهَا مَوْلَاهَا فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا مَهْرَ عَلَيْهِ لِلْمَوْلَى، قَالَا: الْمَقْتُولُ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ (وَلَهُ أَنَّ الْمَوْلَى مَنَعَ الْمُبْدَلَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَيُجَازَى بِمَنْعِ الْبَدَلِ كَمَا إذَا ارْتَدَّتْ الْحُرَّةُ) تُجَازَى بِمَنْعِ الْبَدَلِ عِنْدَ عَدَمِ تَسْلِيمِهَا الْمُبْدَلَ، وَفِي قَوْلِهِ يُجَازَى إشَارَةٌ إلَى الْجَوَابِ عَمَّا يُقَالُ الصَّغِيرَةُ إذَا ارْتَضَعَتْ مِنْ أُمِّ زَوْجِهَا أَوْ الْمَجْنُونَةُ إذَا قَبَّلَتْ ابْنَ زَوْجِهَا بِشَهْوَةٍ قَبْلَ الدُّخُولِ مُنِعَتَا الْمُبْدَلَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ حَيْثُ بَانَتَا مِنْهُ وَلَمْ يَسْقُطْ الْمَهْرُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا لَيْسَتَا مِنْ أَهْلِ الْمُجَازَاةِ. وَنُوقِضَ بِالصَّغِيرَةِ الْعَاقِلَةِ إذَا ارْتَدَّتْ قَبْلَ الدُّخُولِ تُجَازَى بِسُقُوطِ الْمَهْرِ فَلَمْ يُنَافِ الصِّغَرُ الْمُجَازَاةَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ تَرْكَ مُجَازَاةِ الصَّغِيرَةِ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى أَفْعَالٍ غَيْرِ مَحْظُورَةٍ، وَالرِّدَّةُ مَحْظُورَةٌ إذَا كَانَتْ عَاقِلَةً بِدَلِيلِ أَنَّهَا تُحْرَمُ الْمِيرَاثَ بِسَبَبِهَا وَتُسْتَتَابُ بِالْحَبْسِ. وَقَوْلُهُ (وَالْقَتْلُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا لِأَنَّ الْمَيِّتَ مَقْتُولٌ بِأَجَلِهِ. (فَإِنْ قَتَلَتْ حُرَّةٌ نَفْسَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ خِلَافًا لِزُفَرَ. هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِالرِّدَّةِ وَقَتْلُ الْوَلِيِّ أَمَتَهُ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْجَامِعِ) أَنَّهُ مَنَعَ الْمُبْدَلَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ

مَا بَيَّنَّاهُ. وَلَنَا أَنَّ جِنَايَةَ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَشَابَهَ مَوْتَهَا حَتْفَ أَنْفِهَا، بِخِلَافِ قَتْلِ الْمَوْلَى أَمَتَهُ لِأَنَّهُ مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا حَتَّى تَجِبَ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ. . قَالَ (وَإِذَا تَزَوَّجَ أَمَةً فَالْإِذْنُ فِي الْعَزْلِ إلَى الْمَوْلَى) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الْإِذْنَ فِي الْعَزْلِ إلَيْهَا لِأَنَّ الْوَطْءَ حَقُّهَا حَتَّى تَثْبُتَ لَهَا وِلَايَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلَنَا أَنَّ جِنَايَةَ الْمَرْءِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (حَتَّى تَجِبَ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ) يَعْنِي إذَا قَتَلَهَا خَطَأً، وَكَذَلِكَ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْمَوْلَى إنْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ. قَالَ (وَإِذَا تَزَوَّجَ أَمَةً فَالْإِذْنُ فِي الْعَزْلِ إلَى الْمَوْلَى) فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ الْعَزْلِ. وَسُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَنْهُ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَوْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخَذَ مِيثَاقَ نَسَمَةٍ فَلَوْ أَلْقَيْتَهَا فِي صَخْرَةٍ تُخْلَقُ فِيهَا. وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَهُ. وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: عَزْلٌ عَنْ أَمَتِهِ الْمَمْلُوكَةِ لَهُ وَلَا إذْنَ فِيهِ إلَى أَحَدٍ. وَعَزْلٌ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ وَالْإِذْنُ فِيهِ إلَيْهَا وَهَذَانِ بِالِاتِّفَاقِ. وَعَزْلٌ عَنْ الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ.

الْمُطَالَبَةِ، وَفِي الْعَزْلِ تَنْقِيصُ حَقِّهَا فَيُشْتَرَطُ رِضَاهَا كَمَا فِي الْحُرَّةِ، بِخِلَافِ الْأَمَةِ الْمَمْلُوكَةِ لِأَنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ لَهَا فَلَا يُعْتَبَرُ رِضَاهَا. وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْعَزْلَ يُخِلُّ بِمَقْصُودِ الْوَلَدِ وَهُوَ حَقُّ الْمَوْلَى فَيُعْتَبَرُ رِضَاهُ وَبِهَذَا فَارَقَتْ الْحُرَّةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(وَإِنْ تَزَوَّجَتْ بِإِذْنِ مَوْلَاهَا ثُمَّ أُعْتِقَتْ فَلَهَا الْخِيَارُ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِبَرِيرَةَ حِينَ عَتَقَتْ «مَلَكْتِ بُضْعَكِ فَاخْتَارِي» فَالتَّعْلِيلُ بِمِلْكِ الْبُضْعِ صَدَرَ مُطْلَقًا فَيَنْتَظِمُ الْفَصْلَيْنِ، وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِيمَا إذَا كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي تَعَيُّنِ الْإِذْنِ اخْتِلَافٌ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ ، (وَإِنْ تَزَوَّجَتْ بِإِذْنِ مَوْلَاهَا) أَوْ زَوَّجَهَا مَوْلَاهَا (ثُمَّ أُعْتِقَتْ فَلَهَا الْخِيَارُ) ، إنْ شَاءَتْ أَقَامَتْ مَعَهُ وَإِنْ شَاءَتْ فَارَقَتْهُ، سَوَاءٌ كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا أَوْ عَبْدًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ كَانَ عَبْدًا فَلَهَا الْخِيَارُ، وَإِنْ كَانَ حُرًّا فَلَا خِيَارَ لَهَا، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ «أَنَّ عَائِشَةَ لَمَّا أَرَادَتْ أَنْ تُعْتِقَ مَمْلُوكَيْنِ لَهَا مُتَنَاكِحَيْنِ سَأَلَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَأَمَرَهَا بِالْبُدَاءَةِ بِالْغُلَامِ» قَالَ: وَإِنَّمَا أَمَرَهَا بِذَلِكَ لِئَلَّا يَثْبُتَ لَهَا الْخِيَارُ، وَلِأَنَّ الْخِيَارَ فِيمَا إذَا كَانَ عَبْدًا لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الْحُرِّ. وَلَنَا «أَنَّ عَائِشَةَ أَعْتَقَتْ بَرِيرَةَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَلَكْتِ بُضْعَك فَاخْتَارِي» فَالتَّعْلِيلُ بِمِلْكِ الْبُضْعِ صَدَرَ مُطْلَقًا فَيَنْتَظِمُ الْفَصْلَيْنِ) الْحُرَّ وَالْعَبْدَ، وَإِنَّمَا قَالَ: فَالتَّعْلِيلُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ سَهَا فَسَجَدَ فَالشَّافِعِيُّ مَحْجُوجٌ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: رَوَى صَاحِبُ السُّنَنِ بِإِسْنَادِهِ إلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ بَرِيرَةَ خَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا» وَرُوِيَ أَيْضًا بِإِسْنَادِهِ إلَى عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا أَسْوَدَ يُسَمَّى مُغِيثًا فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ» ، " فَأَنَّى يَكُونُ الشَّافِعِيُّ بِهِ مَحْجُوجًا؟ قُلْت: رَوَى

وَلِأَنَّهُ يَزْدَادُ الْمِلْكُ عَلَيْهَا عِنْدَ الْعِتْقِ فَيَمْلِكُ الزَّوْجُ بَعْدَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ فَتَمْلِكُ رَفْعَ أَصْلِ الْعَقْدِ دَفْعًا لِلزِّيَادَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَأَحْمَدُ: «أَنَّ بَرِيرَةَ أُعْتِقَتْ وَزَوْجُهَا حُرٌّ» " وَإِذَا تَعَارَضَتْ الرِّوَايَتَانِ تَرَكْنَاهُمَا وَصِرْنَا إلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْحَدِيثِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَكَانَ مَحْجُوجًا بِهِ، وَقَدْ سَلَكْنَا مَسْلَكَ التَّرْجِيحِ فِي التَّقْرِيرِ بِأَنَّ الْمُثْبِتَ أَوْلَى مِنْ النَّافِي فَلْيُطْلَبْ ثَمَّةَ. وَقَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهُ يَزْدَادُ الْمِلْكُ) دَلِيلٌ مَعْقُولٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. وَرُدَّ بِأَنَّ عِدَّةَ الطَّلَاقِ عِنْدَهُ مُعْتَبَرَةٌ بِالرِّجَالِ فَلَا يَزِيدُ عَلَيْهَا الْمِلْكُ إذَا كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ كَوْنَهَا مُعْتَبَرَةً بِالنِّسَاءِ ثَابِتٌ بِدَلِيلٍ قَوِيٍّ عَلَى مَا سَيَجِيءُ فَيَلْزَمُ عَلَيْهَا الزِّيَادَةُ إذَا أُعْتِقَتْ وَإِنْ كَانَ حُرًّا، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ أَمْرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْبُدَاءَةِ بِالْغُلَامِ لِذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَانَ لِإِظْهَارِ فَضِيلَةِ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ، فَإِنَّهَا لَوْ أَعْتَقَتْهُمَا مَعًا لَثَبَتَ الْخِيَارُ أَيْضًا عِنْدَهُ، وَلَيْسَ ثُبُوتُ الْخِيَارِ فِي الْعَبْدِ لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ فَإِنَّ الْكَفَاءَةَ شَرْطٌ فِي الِابْتِدَاءِ دُونَ الْبَقَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الزَّوْجَ إنْ أَعْسَرَ حَتَّى خَرَجَ عَنْ كَفَاءَتِهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا خِيَارٌ، وَإِنَّمَا الْخِيَارُ لِزِيَادَةِ الْمِلْكِ عَلَيْهَا، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ

(وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبَةُ) يَعْنِي إذَا تَزَوَّجَتْ بِإِذْنِ مَوْلَاهَا ثُمَّ عَتَقَتْ، وَقَالَ زُفَرُ: لَا خِيَارَ لَهَا لِأَنَّ الْعَقْدَ نَفَذَ عَلَيْهَا بِرِضَاهَا وَكَانَ الْمَهْرُ لَهَا فَلَا مَعْنَى لِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ، بِخِلَافِ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ رِضَاهَا. وَلَنَا أَنَّ الْعِلَّةَ ازْدِيَادُ الْمَلِكِ وَقَدْ وَجَدْنَاهَا فِي الْمُكَاتَبَةِ لِأَنَّ عِدَّتَهَا قُرْءَانِ وَطَلَاقَهَا ثِنْتَانِ. (وَإِنْ تَزَوَّجَتْ أَمَةٌ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا ثُمَّ أُعْتِقَتْ صَحَّ النِّكَاحُ) لِأَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ وَامْتِنَاعُ النُّفُوذِ لِحَقِّ الْمَوْلَى وَقَدْ زَالَ (وَلَا خِيَارَ لَهَا) لِأَنَّ النُّفُوذَ بَعْدَ الْعِتْقِ فَلَا تَتَحَقَّقُ زِيَادَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحُرِّ وَالْعَبْدِ، (وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبَةُ: يَعْنِي إذَا تَزَوَّجَتْ بِإِذْنِ مَوْلَاهَا ثُمَّ أُعْتِقَتْ) كَانَ لَهَا الْخِيَارُ، سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا لِزِيَادَةِ الْمِلْكِ عَلَيْهَا (وَقَالَ زُفَرُ: لَا خِيَارَ لَهَا) ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ فِي الْأَمَةِ لِنُفُوذِ الْعَقْدِ بِغَيْرِ رِضَاهَا وَسَلَامَةِ الْمَهْرِ لِمَوْلَاهَا وَهَذَا غَيْرُ مَوْجُودٍ هَاهُنَا، فَإِنَّ الْمَهْرَ لَهَا، وَالنِّكَاحُ مَا نَفَذَ إلَّا بِرِضَاهَا، وَدَلِيلُنَا فِيهِ ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ ، (وَإِنْ تَزَوَّجَتْ أَمَةٌ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا ثُمَّ أُعْتِقَتْ صَحَّ النِّكَاحُ وَلَا خِيَارَ لَهَا) ، أَمَّا صِحَّةُ النِّكَاحِ فَلِوُجُودِ الْمُقْتَضِي لِصُدُورِ

الْمِلْكِ، كَمَا إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ. (فَإِنْ كَانَتْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ عَلَى أَلْفٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا مِائَةٌ فَدَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا فَالْمَهْرُ لِلْمَوْلَى) لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنَافِعَ مَمْلُوكَةً لِلْمَوْلَى (وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى أَعْتَقَهَا فَالْمَهْرُ لَهَا) لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنَافِعَ مَمْلُوكَةً لَهَا. وَالْمُرَادُ بِالْمَهْرِ الْأَلْفُ الْمُسَمَّى لِأَنَّ نَفَاذَ الْعَقْدِ بِالْعِتْقِ اسْتَنَدَ إلَى وَقْتِ وُجُودِ الْعَقْدِ فَصَحَّتْ التَّسْمِيَةُ وَوَجَبَ الْمُسَمَّى، ـــــــــــــــــــــــــــــQالرُّكْنِ الَّذِي هُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ مِنْ أَهْلِهِ لِكَوْنِهَا مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ النُّفُوذِ كَانَ لِحَقِّ الْمَوْلَى وَقَدْ زَالَ. وَأَمَّا عَدَمُ الْخِيَارِ فَلِأَنَّ النُّفُوذَ بَعْدَ الْعِتْقِ فَلَا تَتَحَقَّقُ زِيَادَةُ الْمِلْكِ، كَمَا لَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ، وَالْحُكْمُ فِي الْعَبْدِ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا خَصَّصَ الْأَمَةَ بِالذِّكْرِ لِيَبْنِيَ الْمَسْأَلَةَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْمَهْرِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَأَتَّى فِي حَقِّ الْعَبْدِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَخْصِيصُهُ بِالْأَمَةِ لِتَفْرِيعِ مَسْأَلَةِ الْخِيَارِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا تَخْتَصُّ بِالْإِمَاءِ دُونَ الْعَبِيدِ. وَقَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَتْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ) ظَاهِرٌ، وَإِنَّمَا قَالَ فِي صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ الْمُسَمَّى أَلْفٌ وَمَهْرَ الْمِثْلِ مِائَةٌ لِيُعْلَمَ أَنَّ الْمُسَمَّى وَإِنْ زَادَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ فَهُوَ لِلْمَوْلَى إذَا كَانَ الدُّخُولُ قَبْلَ الْعِتْقِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا يُوَازِي مَهْرَ الْمِثْلِ لِلْمَوْلَى وَمَا زَادَ لِلْمَرْأَةِ،؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ قِيمَةُ الْبُضْعِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ دُونَ الزَّائِدِ عَلَيْهِ، وَالْبُضْعُ مِلْكُ الْمَوْلَى فَكَانَ قِيمَتُهُ لَهُ لَا الزَّائِدُ عَلَى قِيمَةِ مِلْكِهِ، وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ: (وَالْمُرَادُ بِالْمَهْرِ الْأَلْفُ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ نَفَاذَ الْعَقْدِ بِالْعِتْقِ اسْتَنَدَ إلَى وَقْتِ وُجُودِ الْعَقْدِ فَصَحَّتْ التَّسْمِيَةُ وَوَجَبَ الْمُسَمَّى) لِلْمَوْلَى إنْ أَعْتَقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَالْأَمَةِ إنْ أَعْتَقَهَا قَبْلَهُ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَسْتَنِدُ الْجَوَازُ إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ وَالْمَانِعُ عَنْ الِاسْتِنَادِ قَائِمٌ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْجَوَازِ هُوَ الْمِلْكُ وَالْمِلْكُ قَدْ زَالَ بِالْعِتْقِ مُقْتَصِرًا؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَمَةَ إذَا حَرُمَتْ حُرْمَةً غَلِيظَةً عَلَى زَوْجٍ كَانَ لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَتَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى فَدَخَلَ بِهَا فَأَعْتَقَهَا الْمَوْلَى لَا تَحِلُّ عَلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي حَقِّ هَذَا الدُّخُولِ الَّذِي كَانَ قَبْلَ

وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ مَهْرٌ آخَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعِتْقِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ مَا ذَكَرْته قِيَاسٌ، فَإِنَّ الْقِيَاسَ هُوَ أَنْ يَلْزَمَهُ مَهْرَانِ: مَهْرٌ بِالدُّخُولِ قَبْلَ نَفَاذِ النِّكَاحِ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَمَهْرٌ بِالنِّكَاحِ وَهُوَ الْمُسَمَّى لِمَا ذَكَرْت مِنْ وُجُودِ الْمَانِعِ عَنْ الِاسْتِنَادِ، إلَّا أَنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا فَقَالُوا: يَلْزَمُهُ مَهْرٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْمُسَمَّى وَقْتَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ مَهْرٌ بِالدُّخُولِ لَوَجَبَ بِحُكْمِ الْعَقْدِ، إذْ لَوْلَاهُ لَوَجَبَ الْحَدُّ فَكَانَ الْمَهْرُ وَاجِبًا بِالدُّخُولِ مُضَافًا إلَى الْعَقْدِ. فَإِيجَابُ مَهْرٍ آخَرَ بِالْعَقْدِ جَمْعٌ بَيْنَ الْمَهْرَيْنِ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، وَهَذَا كَمَا تَرَى لَا يُجْدِي؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الِاسْتِنَادِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَسَائِلِ لَمْ يَزُلْ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ الْمَانِعُ مِنْ الْجَوَازِ فِي الِاسْتِحْسَانِ الْمِلْكَ، وَإِنَّمَا هُوَ الْحَاجَةُ إلَى الصِّيَانَةِ عَنْ الْإِضْرَارِ بِالْمَوْلَى، فَمَتَى أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى فَقَدْ خَلَا هَذَا النِّكَاحُ عَنْ الْإِضْرَارِ بِالْمَوْلَى مِنْ وَقْتِ وُجُودِهِ، ثَبَتَ الْجَوَازُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَظَهَرَ مِنْ هَذَا قَوْلُهُ: وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ مَهْرٌ آخَرُ بِالْوَطْءِ فِي نِكَاحٍ مَوْقُوفٍ إلَخْ. وَأُجِيبَ عَنْ عَدَمِ زَوَالِ الْحُرْمَةِ الْغَلِيظَةِ بِأَنَّ امْتِنَاعَ حِلِّهَا عَلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ إنَّمَا كَانَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِنَادَ يَظْهَرُ فِي الْقَائِمِ لَا فِي الْمُتَلَاشِي، وَالْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ مُتَلَاشٍ. فَإِنْ قِيلَ: الْقَوْلُ بِالِاسْتِنَادِ يُنْتَقَضُ بِالْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى أَعْتَقَهَا فَالْمَهْرُ لَهَا، وَلَوْ اسْتَنَدَ الْجَوَازُ إلَى أَصْلِ الْعَقْدِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ لِلْمَوْلَى، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتْ بِإِذْنِ الْمَوْلَى وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا الزَّوْجُ حَتَّى أَعْتَقَهَا. أُجِيبَ بِأَنَّ حُكْمَ الِاسْتِنَادِ يَظْهَرُ فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ مُسْتَحِقُّهُ لَا فِيمَا يَخْتَلِفُ، وَهَاهُنَا يَخْتَلِفُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ زَمَانَ الثُّبُوتِ هُوَ الْأَمَةُ وَزَمَانَ الْعَقْدِ هُوَ الْمَوْلَى، فَلَمَّا كَانَ الْمُسْتَحِقُّ زَمَانَ الثُّبُوتِ هُوَ الْأَمَةُ امْتَنَعَ اسْتِنَادُ هَذَا الِاسْتِحْقَاقِ إلَى زَمَانِ الْعَقْدِ، لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَنَدَ هَذَا الِاسْتِحْقَاقُ إلَى زَمَانِ الْعَقْدِ يَبْطُلُ هَذَا الِاسْتِحْقَاقُ زَمَانَ الثُّبُوتِ فَيَبْطُلُ الِاسْتِنَادُ مِنْ حَيْثُ يَثْبُتُ.

بِالْوَطْءِ فِي نِكَاحٍ مَوْقُوفٍ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ اتَّحَدَ بِاسْتِنَادِ النَّفَاذِ فَلَا يُوجِبُ إلَّا مَهْرًا وَاحِدًا. (وَمَنْ وَطِئَ أَمَةَ ابْنِهِ فَوَلَدَتْ مِنْهُ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ) وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَدَّعِيَهُ الْأَبُ. وَوَجْهُهُ أَنَّ لَهُ وِلَايَةَ تَمَلُّكِ مَالِ ابْنِهِ لِلْحَاجَةِ إلَى الْبَقَاءِ فَلَهُ تَمَلُّكُ جَارِيَتِهِ لِلْحَاجَةِ إلَى صِيَانَةِ الْمَاءِ، غَيْرَ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى إبْقَاءِ نَسْلِهِ دُونَهَا إلَى إبْقَاءِ نَفْسِهِ، فَلِهَذَا يَتَمَلَّكُ الْجَارِيَةَ بِالْقِيمَةِ وَالطَّعَامَ بِغَيْرِ قِيمَةٍ، ثُمَّ هَذَا الْمِلْكُ يَثْبُتُ قُبَيْلَ الِاسْتِيلَاءِ شَرْطًا لَهُ إذْ الْمُصَحَّحُ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ أَوْ حَقُّهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ: (وَمَنْ وَطِئَ أَمَةَ ابْنِهِ) وَمَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ (فَوَلَدَتْ مِنْهُ وَلَدًا فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا دُونَ الْمَهْرِ) ، إنَّمَا قَالَ: (وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَدَّعِيَهُ الْأَبُ) ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَذْكُرْ الدَّعْوَةَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَوَجْهُهُ أَنَّ لِلْأَبِ وِلَايَةَ تَمَلُّكِ مَالِ ابْنِهِ لِلْحَاجَةِ إلَى الْبَقَاءِ) لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَلَدُ الرَّجُلِ مِنْ كَسْبِهِ فَكُلُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ» وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ أَطْيَبِ كَسْبِكُمْ، فَكُلُوا مِنْ كَسْبِ أَوْلَادِكُمْ» وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَكُلُّ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ تَمَلُّكِ مَالِ ابْنِهِ لِلْحَاجَةِ إلَى الْبَقَاءِ (فَلَهُ وِلَايَةُ تَمَلُّكِ جَارِيَتِهِ لِلْحَاجَةِ إلَى صِيَانَةِ الْمَاءِ) . فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ صِيَانَةُ الْمَاءِ كَبَقَاءِ النَّفْسِ لَمَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ كَمَا فِي الطَّعَامِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (غَيْرَ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى إبْقَاءِ نَسْلِهِ دُونَهَا إلَى إبْقَاءِ نَفْسِهِ) وَلِهَذَا لَا يُجْبَرُ الْوَلَدُ عَلَى إعْطَاءِ الْجَارِيَةِ وَالِدَهُ لِلِاسْتِيلَادِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ ضَرُورِيٍّ، (فَلِهَذَا يَتَمَلَّكُ الْجَارِيَةَ بِالْقِيمَةِ، وَالطَّعَامَ بِغَيْرِ الْقِيمَةِ) . فَإِنْ عُورِضَ بِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ يَعْتَمِدُ الْمِلْكَ كَمَا فِي الْمَمْلُوكَةِ أَوْ حَقَّ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْمُكَاتَبَةِ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِمَوْجُودٍ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ: (ثُمَّ هَذَا الْمِلْكُ يَثْبُتُ قَبْلَ الِاسْتِيلَادِ شَرْطًا لَهُ، إذْ الْمُصَحَّحُ) يَعْنِي الِاسْتِيلَادَ إمَّا (حَقِيقَةُ الْمِلْكِ أَوْ حَقُّهُ)

وَكُلُّ ذَلِكَ غَيْرُ ثَابِتٍ لِلْأَبِ فِيهَا حَتَّى يَجُوزَ لَهُ التَّزَوُّجُ بِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْوَطْءَ يُلَاقِي مِلْكَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ الْعُقْرُ. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: يَجِبُ الْمَهْرُ لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ الْمِلْكَ حُكْمًا لِلِاسْتِيلَادِ كَمَا فِي الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَحُكْمُ الشَّيْءِ يَعْقُبُهُ وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ. . قَالَ (وَلَوْ كَانَ الِابْنُ زَوَّجَهَا إيَّاهُ فَوَلَدَتْ مِنْهُ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَلَا قِيمَةَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ وَوَلَدُهَا حُرٌّ) لِأَنَّهُ صَحَّ التَّزَوُّجُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِخُلُوِّهَا عَنْ مِلْكِ الْأَبِ، أَلَا يَرَى أَنَّ الِابْنَ مَلَكَهَا مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى مَا ذَكَرْنَا (وَكُلُّ ذَلِكَ غَيْرُ ثَابِتٍ لِلْأَبِ فِيهَا حَتَّى يَجُوزَ لَهُ التَّزَوُّجُ بِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِهِ) ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَمَا عَلَّقَ الْوَلَدَ احْتَاجَ الْأَبُ إلَى صِيَانَتِهِ عَنْ الضَّيَاعِ وَذَلِكَ بِثُبُوتِ النَّسَبِ، وَلَا ثُبُوتَ لَهُ بِدُونِ ذَلِكَ فَقَدَّمَ اقْتِضَاءَ تَقْدِيمِ الشَّرْطِ عَلَى الْمَشْرُوطِ، وَإِذَا قُدِّمَ كَانَ الْوَطْءُ وَاقِعًا فِي مِلْكِهِ (فَلَا يَلْزَمُهُ الْعُقْرُ. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: يَجِبُ الْمَهْرُ؛ لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ الْمِلْكَ حُكْمًا لِلِاسْتِيلَادِ) فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْإِحْصَانُ بِهَذَا الْوَطْءِ، وَلَوْ كَانَ فِي الْمِلْكِ لَمَا سَقَطَ وَحُدَّ قَاذِفُهُ، وَقَاسَاهُ بِالْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ فَإِنَّهُ إذَا اسْتَوْلَدَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْعُقْرُ، (وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ) يَعْنِي فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَغَيْرِهَا: أَنَّ الْمِلْكَ عِنْدَنَا يَثْبُتُ قَبْلَ الِاسْتِيلَادِ شَرْطًا لَهُ، وَعِنْدَهُ بَعْدَهُ حُكْمًا لَهُ. وَاَلَّذِي ذَهَبْنَا إلَيْهِ هُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّا قَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ اسْتِيلَادَ الْأَبِ جَارِيَةَ وَلَدِهِ صَحِيحٌ، وَمِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِ وُقُوعُ الْوَطْءِ فِي الْمِلْكِ، حَتَّى لَوْ خَلَا عَنْهُ أَصْلًا لَمْ يَصِحَّ كَمَا فِي جَارِيَةِ الْأَجْنَبِيِّ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِهِ صِيَانَةً لِفِعْلِهِ عَنْ الْحُرْمَةِ وَصِيَانَةً لِلْوَلَدِ عَنْ الرِّقِّ. وَعُورِضَ بِأَنَّ الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَ الْأَبِ وَالِابْنِ إذَا وَلَدَتْ فَادِّعَاءُ الْأَبِ يُثْبِتُ النَّسَبَ، وَيَجِبُ الْعُقْرُ مَعَ قِيَامِ نَوْعِ مِلْكٍ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَثْبُتْ سَابِقًا عَلَى الْوَطْءِ، وَبِأَنَّهُ إذَا وَطِئَهَا غَيْرُ مُعَلَّقٍ وَجَبَ الْعُقْرُ، وَلَوْ ثَبَتَ الْمِلْكُ قَبْلَهُ لَمَا وَجَبَ، وَبِأَنَّهُ إذَا قَذَفَهُ إنْسَانٌ لَا يُحَدُّ، وَلَوْ ثَبَتَ الْمِلْكُ قَبْلَهُ لَحُدَّ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأُولَى بِأَنَّا نُقَدِّمُ الْمِلْكَ احْتِرَازًا عَنْ وُقُوعِ الِاسْتِيلَادِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ حُكْمًا، وَفِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ نَوْعٌ مِنْ الْمِلْكِ الْقَائِمِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيمِهِ. وَعَنْ الثَّانِيَةِ بِأَنَّ إثْبَاتَ الْمِلْكِ بِصِفَةِ التَّقَدُّمِ كَانَ لِصِيَانَةِ فِعْلِهِ عَنْ الْحُرْمَةِ وَصِيَانَةِ الْوَلَدِ عَنْ الرِّقِّ، وَهَذَا الْمَجْمُوعُ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ هُنَا. وَعَنْ الثَّالِثَةِ بِأَنَّ تَقَدُّمَ الْمِلْكِ اجْتِهَادِيٌّ فَكَانَ فِيهِ شُبْهَةٌ يَنْدَرِئُ بِهَا الْحَدُّ (وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ زَوَّجَ جَارِيَتَهُ إيَّاهُ) أَيْ أَبَاهُ (فَوَلَدَتْ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَلَا قِيمَةَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ وَوَلَدُهُ حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ صَحَّ التَّزْوِيجُ عِنْدَنَا) ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَصِحُّ

كُلِّ وَجْهٍ فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَمْلِكَهَا الْأَبُ مِنْ وَجْهٍ، وَكَذَا يَمْلِكُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ مَا لَا يَبْقَى مَعَهُ مِلْكُ الْأَبِ لَوْ كَانَ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى انْتِفَاءِ مِلْكِهِ إلَّا أَنَّهُ يَسْقُطُ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ، فَإِذَا جَازَ النِّكَاحُ صَارَ مَاؤُهُ مَصُونًا بِهِ فَلَمْ يَثْبُتْ مِلْكُ الْيَمِينِ فَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ لِلْأَبِ حَقَّ الْمِلْكِ فِي مَالِ وَلَدِهِ، حَتَّى لَوْ وَطِئَ جَارِيَتَهُ عَالِمًا بِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَدُّ، وَكُلُّ مَنْ لَهُ حَقُّ الْمِلْكِ فِي جَارِيَةٍ لَا يَجُوزُ تَزَوُّجُهُ إيَّاهَا كَالْمَوْلَى إذَا تَزَوَّجَ أَمَةً مِنْ كَسْبِ مُكَاتَبِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمِلْكِ فِي مَالِ وَلَدِهِ أَظْهَرُ، أَلَا يَرَى أَنَّ اسْتِيلَادَهُ جَارِيَةَ الِابْنِ صَحِيحٌ، وَاسْتِيلَادَ الْمَوْلَى أَمَةَ مُكَاتَبِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ. وَلَنَا أَنَّ أَمَةَ الِابْنِ خَالِيَةٌ عَنْ مِلْكِ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الِابْنَ مَلَكَهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِدَلَالَةِ حِلِّ الْوَطْءِ وَنَفَاذِ الْعِتْقِ وَصِحَّةِ الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ (فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَمْلِكَهَا الْأَبُ بِوَجْهٍ) مِنْ الْوُجُوهِ، وَإِلَّا لَمَا كَانَ الِابْنُ مَلَكَهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَذَلِكَ خَلَفٌ بَاطِلٌ، (وَكَذَا يَمْلِكُ) الِابْنُ (مِنْ التَّصَرُّفَاتِ مَا لَا يَبْقَى مَعَهُ مِلْكُ الْأَبِ لَوْ كَانَ فَدَلَّ انْتِفَاءُ مِلْكِهِ) وَقَوْلُهُ: (إلَّا أَنَّهُ يَسْقُطُ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الْخَصْمِ لَوْ وَطِئَ جَارِيَتَهُ عَالِمًا بِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ لَمْ يُحَدَّ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ، وَإِذَا كَانَتْ خَالِيَةً عَنْ مِلْكِهِ صَحَّ النِّكَاحُ، وَإِذَا صَحَّ النِّكَاحُ صَارَ مَاؤُهُ مَصُونًا بِهِ (فَلَمْ يَثْبُتْ مِلْكُ الْيَمِينِ) لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، (فَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) وَقَالَ زُفَرُ: تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَوْلَدَهَا بِفُجُورٍ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، فَإِذَا اسْتَوْلَدَهَا بِالنِّكَاحِ أَوْ شُبْهَةِ نِكَاحٍ أَوْلَى أَنْ تَصِيرَ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ. وَلَنَا مَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَاءَهُ صَارَ مَصُونًا بِالنِّكَاحِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى مِلْكِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ إتْيَانَهُ لَمْ يَكُنْ إلَّا

وَلَا قِيمَةَ عَلَيْهِ فِيهَا وَلَا فِي وَلَدِهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُمَا، وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ لِالْتِزَامِهِ بِالنِّكَاحِ وَوَلَدُهَا حُرٌّ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ أَخُوهُ فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ. . قَالَ (وَإِذَا كَانَتْ الْحُرَّةُ تَحْتَ عَبْدٍ فَقَالَتْ لِمَوْلَاهُ أَعْتِقْهُ عَنِّي بِأَلْفٍ فَفَعَلَ فَسَدَ النِّكَاحُ) وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَفْسُدُ، وَأَصْلُهُ أَنْ يَقَعَ الْعِتْقُ عَنْ الْآمِرِ عِنْدَنَا حَتَّى يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُ، وَلَوْ نَوَى بِهِ الْكَفَّارَةَ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهَا، وَعِنْدَهُ يَقَعُ عَنْ الْمَأْمُورِ لِأَنَّهُ طَلَبَ أَنْ يُعْتِقَ الْمَأْمُورُ عَبْدَهُ عَنْهُ، وَهَذَا مُحَالٌ لِأَنَّهُ لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ فَلَمْ يَصِحَّ الطَّلَبُ فَيَقَعُ الْعِتْقُ عَنْ الْمَأْمُورِ. وَلَنَا أَنَّهُ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بِتَقْدِيمِ الْمِلْكِ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ إذْ الْمِلْكُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعِتْقِ عَنْهُ فَيَصِيرُ قَوْلُهُ أَعْتِقْ طَلَبُ التَّمْلِيكِ مِنْهُ بِالْأَلْفِ ثُمَّ أَمَرَهُ بِإِعْتَاقِ عَبْدِ الْآمِرِ عَنْهُ، وَقَوْلُهُ أَعْتَقْت تَمْلِيكٌ مِنْهُ ثُمَّ الْإِعْتَاقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِصِيَانَةِ الْمَاءِ. وَقَوْلُهُ: (وَلَا قِيمَةَ عَلَيْهِ فِيهَا) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (وَإِذَا كَانَتْ الْحُرَّةُ تَحْتَ عَبْدٍ) وَاضِحٌ إلَّا أَلْفَاظًا نُنَبِّهُ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: (لِصِحَّةِ الْعِتْقِ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْآمِرِ. وَقَوْلُهُ: (أَعْتِقْ طَلَبَ التَّمْلِيكِ مِنْهُ) تَقْدِيرُهُ أَعْتِقْ عَبْدَك الَّذِي هُوَ لَك فِي الْحَالِ عِنْدَ بَيْعِك لِي إيَّاهُ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ عَنِّي، فَيَكُونُ أَمْرًا بِإِعْتَاقِ عَبْدِ الْآمِرِ عَنْهُ. وَقَوْلُهُ: أَعْتَقْت يَكُونُ بِمَعْنَى قَوْلِهِ: بِعْته مِنْك وَأَعْتَقْته عَنْك. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ صَرَّحَ بِالْبَيْعِ لَمْ يَقَعْ الْعِتْقُ إلَّا عَنْ الْمَأْمُورِ بِالِاتِّفَاقِ فَلَا يَكُونُ الْمُقْتَضِي أَقْوَى مِنْ التَّصْرِيحِ بِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ صَرِيحًا، كَبَيْعِ الْأَجِنَّةِ فِي أَرْحَامِ الْأُمَّهَاتِ

عَنْهُ، وَإِذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْآمِرِ فَسَدَ النِّكَاحُ لِلتَّنَافِي بَيْن الْمِلْكَيْنِ. (وَلَوْ قَالَتْ أَعْتِقْهُ عَنِّي وَلَمْ تُسَمِّ مَالًا لَمْ يَفْسُدْ النِّكَاحُ وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ لِأَنَّهُ يُقَدِّمُ التَّمْلِيكَ بِغَيْرِ عِوَضٍ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ، وَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْقَبْضِ كَمَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ ظِهَارٍ فَأَمَرَ غَيْرَهُ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ. وَلَهُمَا أَنَّ الْهِبَةَ مِنْ شَرْطِهَا الْقَبْضُ بِالنَّصِّ فَلَا يُمْكِنُ إسْقَاطُهُ وَلَا إثْبَاتُهُ اقْتِضَاءً لِأَنَّهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَثْبُتُ ضِمْنًا وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا، وَإِذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْأَمْرِ فَسَدَ النِّكَاحُ لِلتَّنَافِي بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ عَلَى مَا مَرَّ فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَلَا يَتَزَوَّجُ الْمَوْلَى أَمَتَهُ وَلَا الْمَرْأَةُ عَبْدَهَا. فَإِنْ قِيلَ: وَجَبَ أَنْ لَا يَبْطُلَ النِّكَاحُ هَاهُنَا وَإِنْ ثَبَتَ مِلْكُ الْيَمِينِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّ الْمِلْكَ ثَابِتٌ هَاهُنَا بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ وَالثَّابِتُ بِهِ ضَرُورِيٌّ يُثْبِتُ ضَرُورَةَ صِحَّةِ الْعِتْقِ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى فَسَادِ النِّكَاحِ. وَالثَّانِي أَنَّ الْمِلْكَ هَاهُنَا كَمَا ثَبَتَ يَزُولُ حُكْمًا لِلْإِعْتَاقِ. وَمِثْلُهُ لَا يُفْسِدُ النِّكَاحَ كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إذَا اشْتَرَى مَنْكُوحَتَهُ لِمُوَكِّلِهِ لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ كَمَا ثَبَتَ زَالَ. أُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا ثَبَتَ ثَبَتَ بِجَمِيعِ لَوَازِمِهِ وَفَسَادُ النِّكَاحِ لَازِمٌ مِنْ لَوَازِمِ الْمِلْكِ اللَّازِمِ لِلْعِتْقِ، وَلَازِمُ اللَّازِمِ لَازِمٌ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ ابْتِدَاءً وَهُوَ مُخْتَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَأَبِي طَاهِرٍ الدَّبَّاسِ. سَلَّمْنَا أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ، لَكِنْ إنَّمَا لَا يَفْسُدُ بِهِ النِّكَاحُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ عِنْدَ الثُّبُوتِ وَهُوَ الْمُوَكِّلُ وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) يَعْنِي أَبَا يُوسُفَ (يُقَدِّمُ التَّمْلِيكَ بِغَيْرِ عِوَضٍ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ) أَيْ لِتَصَرُّفِ الْآمِرِ لِمَا أَنَّ تَصْحِيحَ كَلَامِ الْعَاقِلِ وَاجِبٌ مَهْمَا أَمْكَنَ وَقَدْ أَمْكَنَ هَاهُنَا بِإِسْقَاطِ اعْتِبَارِ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ، وَقَدْ أَمْكَنَ ذَلِكَ بِإِسْقَاطِ الْقَبُولِ الَّذِي هُوَ الرُّكْنُ فَلَأَنْ يُمْكِنَ بِإِسْقَاطِ الشَّرْطِ أَوْلَى، فَصَارَ (كَمَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ ظِهَارٍ فَأَمَرَ غَيْرَهُ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ) فَفَعَلَ سَقَطَ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ مِنْ غَيْرِ تَفْرِقَةٍ بَيْنَ مَا إذْ كَانَ الطَّلَبُ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِهِ (وَلَهُمَا أَنَّ الْهِبَةَ مِنْ شَرْطِهَا الْقَبْضُ بِالنَّصِّ) وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَصِحُّ الْهِبَةُ إلَّا مَقْبُوضَةً» ، " (فَلَا يُمْكِنُ إسْقَاطُهُ وَلَا إثْبَاتُهُ اقْتِضَاءً) ، وَقَوْلُهُ: إسْقَاطُهُ وَلَا إثْبَاتُهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ فِيهِ طَرِيقَيْنِ: أَحَدَهُمَا أَنْ يَسْقُطَ الْقَبْضُ كَمَا يَسْقُطُ الْقَبُولُ. وَالثَّانِي أَنْ يُجْعَلَ الْقَبْضُ مَوْجُودًا تَقْدِيرًا. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ) يَعْنِي أَنَّهُ

[باب نكاح أهل الشرك]

شَرْعِيٌّ، وَفِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ الْفَقِيرُ يَنُوبُ عَنْ الْآمِرِ فِي الْقَبْضِ، أَمَّا الْعَبْدُ فَلَا يَقَعُ فِي يَدِهِ شَيْءٌ لِيَنُوبَ عَنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْقَوْلِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا فِي ضِمْنِ قَوْلِهِ: أَعْتَقْت هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِثْبَاتِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِسْقَاطِ فَيُقَالُ لِأَنَّهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ، وَالْفِعْلُ الْحِسِّيُّ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ سُقُوطِهِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ تَصَرُّفٌ شَرْعِيٌّ فَيَصِحُّ أَنْ يَثْبُتَ فِي ضِمْنِهِ. قَوْلُهُ: (وَفِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ) أَيْ مَسْأَلَةِ الْأَمْرِ بِالْإِطْعَامِ (الْفَقِيرُ يَنُوبُ عَنْ الْآمِرِ فِي الْقَبْضِ) كَالْفَقِيرِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ يَنُوبُ قَبْضُهُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ يَصِيرُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ، (أَمَّا الْعَبْدُ فَلَا يَقَعُ فِي يَدِهِ شَيْءٌ) ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ إتْلَافٌ لِلْمِلْكِ، وَتَمَامُ تَقْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُطْلَبُ فِي التَّقْرِيرِ. [بَابُ نِكَاحِ أَهْلِ الشِّرْكِ] لَمَّا ذَكَرَ بَابَ نِكَاحِ الرَّقِيقِ لِلْمُنَاسَبَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا مَنْ هُوَ أَدْوَنُ مَنْزِلَةً وَأَخَسُّ مِنْهُمْ رُتْبَةً وَهُمْ أَهْلُ الشِّرْكِ الَّذِينَ لَا كِتَابَ لَهُمْ

وَإِذَا تَزَوَّجَ الْكَافِرُ بِلَا شُهُودٍ أَوْ فِي عِدَّةِ كَافِرٍ وَذَلِكَ فِي دِينِهِمْ جَائِزٌ ثُمَّ أَسْلَمَا أُقِرَّا عَلَيْهِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ زُفَرٌ: النِّكَاحُ فَاسِدٌ فِي الْوَجْهَيْنِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُتَعَرَّضُ لَهُمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَالْمُرَافَعَةِ إلَى الْحُكَّامِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي كَمَا قَالَ زُفَرٌ. لَهُ أَنَّ الْخِطَابَاتِ عَامَّةٌ مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ فَتَلْزَمُهُمْ، وَإِنَّمَا لَا يُتَعَرَّضُ لَهُمْ لِذِمَّتِهِمْ إعْرَاضًا لَا تَقْرِيرًا، فَإِذَا تَرَافَعُوا أَوْ أَسْلَمُوا وَالْحُرْمَةُ قَائِمَةٌ وَجَبَ التَّفْرِيقُ. وَلَهُمَا أَنَّ حُرْمَةَ نِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا فَكَانُوا مُلْتَزِمِينَ لَهَا، وَحُرْمَةُ النِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَلَمْ يَلْتَزِمُوا أَحْكَامَنَا بِجَمِيعِ الِاخْتِلَافَاتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِذَا تَزَوَّجَ الْكَافِرُ بِغَيْرِ شُهُودٍ أَوْ فِي عِدَّةِ كَافِرٍ وَذَلِكَ فِي دِينِهِمْ جَائِزٌ ثُمَّ أَسْلَمَا أُقِرَّا عَلَيْهِ) قُيِّدَ بِعِدَّةِ كَافِرٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي عِدَّةِ مُسْلِمٍ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا بِالْإِجْمَاعِ كَذَا قِيلَ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِي أَهْلِ الشِّرْكِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ نِكَاحُ الْمُشْرِكَةِ حَتَّى تَكُونَ فِي عِدَّتِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُصَوَّرَ بِأَنْ أَشْرَكَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَهِيَ فِي عِدَّةِ الْمُسْلِمِ (وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ زُفَرُ: النِّكَاحُ فَاسِدٌ فِي الْوَجْهَيْنِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُتَعَرَّضُ لَهُمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَالْمُرَافَعَةُ إلَى الْحُكَّامِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ) وَهُوَ التَّزَوُّجُ بِغَيْرِ شُهُودٍ (كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي) وَهُوَ التَّزَوُّجُ فِي عِدَّةِ كَافِرٍ آخَرَ (كَمَا قَالَ زُفَرُ) قَالَ زُفَرُ (الْخِطَابَاتُ) كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ» وَنَحْوِهِ (عَامَّةٌ كَمَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ فَتَلْزَمُهُمْ. وَإِنَّمَا لَا يَتَعَرَّضُ لَهُمْ لِذِمَّتِهِمْ إعْرَاضًا) كَمَا تَرَكْنَاهُمْ وَعِبَادَةَ الصَّنَمِ إعْرَاضًا (لَا تَقْرِيرًا، فَإِذَا تَرَافَعُوا أَوْ أَسْلَمُوا وَالْحُرْمَةُ قَائِمَةٌ وَجَبَ التَّفْرِيقُ) عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [المائدة: 49] (وَلَهُمَا أَنَّ حُرْمَةَ نِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا، فَكَانُوا مُلْتَزِمِينَ لَهَا وَحُرْمَةُ النِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ مُخْتَلَفٌ فِيهَا) فَإِنَّ مَالِكًا وَابْنَ أَبِي لَيْلَى يُجَوِّزَانِهِ (وَلَمْ يَلْتَزِمُوا أَحْكَامَنَا بِجَمِيعِ الِاخْتِلَافَاتِ) ، وَلَكِنَّا

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحُرْمَةَ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا حَقًّا لِلشَّرْعِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُخَاطَبُونَ بِحُقُوقِهِ، وَلَا وَجْهَ إلَى إيجَابِ الْعِدَّةِ حَقًّا لِلزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ تَحْتَ مُسْلِمٍ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُهُ، وَإِذَا صَحَّ النِّكَاحُ فَحَالَةُ الْمُرَافَعَةِ وَالْإِسْلَامِ حَالَةُ الْبَقَاءِ وَالشَّهَادَةِ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهَا وَكَذَا الْعِدَّةُ لَا تُنَافِيهَا كَالْمَنْكُوحَةِ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ لِمَكَانِ عَقْدِ الذِّمَّةِ، فَإِذَا تَرَافَعَا أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ أَسْلَمَ وَالْعِدَّةُ غَيْرُ مُنْقَضِيَةٍ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي نِكَاحِ الْمَحَارِمِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْإِسْلَامُ وَالْمُرَافَعَةُ بَعْدَ انْقِضَائِهَا فَلَا نُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا بِالْإِجْمَاعِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ حُرْمَةَ النِّكَاحِ إنَّمَا هِيَ لِلْعِدَّةِ لِكَوْنِهِ نِكَاحَ الْمَنْكُوحَةِ مِنْ وَجْهٍ. وَثُبُوتُ الْعِدَّةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ لِلشَّرْعِ أَوْ لِلزَّوْجِ لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ؛ (لِأَنَّهُمْ لَا يُخَاطَبُونَ بِحُقُوقِهِ) وَلِهَذَا لَا يُتَعَرَّضُ لَهُمْ فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، وَلَا إلَى الثَّانِي؛ (لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُهُ) ؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَضْعَ عَلَى ذَلِكَ الْفَرْضِ وَكَأَنَّ النِّكَاحَ وَقَعَ ابْتِدَاءً صَحِيحًا لِلْوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَهُوَ صُدُورُ الرُّكْنِ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ (بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ تَحْتَ مُسْلِمٍ) فَإِنَّ الْمَانِعَ مُتَحَقِّقٌ وَهُوَ اعْتِقَادُ الْحُرْمَةِ، وَإِذَا صَحَّ ابْتِدَاءً لَا يَرْتَفِعُ بِالْإِسْلَامِ وَالْمُرَافَعَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَالَةُ الْبَقَاءِ (وَالشَّهَادَةُ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهَا) وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ الشُّهُودُ لَمْ يَبْطُلْ النِّكَاحُ. (وَكَذَا الْعِدَّةُ لَا تُنَافِي حَالَةَ الْبَقَاءِ كَالْمَنْكُوحَةِ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ) يَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ صِيَانَةً لِحَقِّ الْوَاطِئِ وَلَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ الْقَائِمُ،

فَإِذَا تَزَوَّجَ الْمَجُوسِيُّ أُمَّهُ أَوْ ابْنَتَهُ ثُمَّ أَسْلَمَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْمَحَارِمِ لَهُ حُكْمُ الْبُطْلَانِ فِيمَا بَيْنَهُمْ عِنْدَهُمَا كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْعِدَّةِ وَوَجَبَ التَّعَرُّضُ بِالْإِسْلَامِ فَيُفَرَّقُ. وَعِنْدَهُ لَهُ حُكْمُ الصِّحَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا كَمَا تَرَى يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَجِبُ عَنْ الْكَافِرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَجِبُ لَكِنَّهَا ضَعِيفَةٌ لَا تَمْنَعُ النِّكَاحَ بِنَاءً عَلَى اعْتِقَادِهِمْ كَالِاسْتِبْرَاءِ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا فِي الِابْتِدَاءِ وَحَالَةُ الْإِسْلَامِ وَالْمُرَافَعَةِ حَالَةُ بَقَاءٍ وَهِيَ لَا تَسْتَلْزِمُ الشُّرُوطَ وَلَا تُنَافِي الْعِدَّةَ عَلَى مَا قُلْنَا. فَإِنْ تَزَوَّجَ الْمَجُوسِيُّ إحْدَى مَحَارِمِهِ أَوْ خَامِسَةً ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا أَوْ تَرَافَعَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَمَا دَامَا عَلَى الْكُفْرِ وَلَمْ يَتَرَافَعَا لَا يُتَعَرَّضُ لَهُمَا وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ، لَكِنْ عِنْدَهُمَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ لِنِكَاحِ الْمَحَارِمِ حُكْمَ الْبُطْلَانِ فِيمَا بَيْنَهُمْ لِكَوْنِهِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمُعْتَدَّةِ، وَإِذَا أَسْلَمَ وَجَبَ التَّعَرُّضُ بِهِ وَالتَّفْرِيقُ،

فِي الصَّحِيحِ إلَّا أَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ تُنَافِي بَقَاءَ النِّكَاحِ فَيُفَرَّقُ، بِخِلَافِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُنَافِيهِ، ثُمَّ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَبِمُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا لَا يُفَرَّقُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ أَحَدِهِمَا لَا يَبْطُلُ بِمُرَافَعَةِ صَاحِبِهِ إذْ لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ اعْتِقَادُهُ، أَمَّا اعْتِقَادُ الْمُصِرِّ لَا يُعَارِضُ إسْلَامَ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى، وَلَوْ تَرَافَعَا يُفَرَّقُ بِالْإِجْمَاعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَذَلِكَ بِالْمُرَافَعَةِ، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلَهُ حُكْمُ الصِّحَّةِ فِي الصَّحِيحِ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْحُرْمَةَ إمَّا أَنْ تَكُونَ لِلشَّرْعِ أَوْ لِلزَّوْجِ إلَخْ. وَقَوْلُهُ: (فِي الصَّحِيحِ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ: إنَّ لَهُ حُكْمَ الْفَسَادِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ حُكْمُ الصِّحَّةِ لَمَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْبَقَاءِ. وَقَوْلُهُ: (إلَّا أَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ) جَوَابٌ عَنْ هَذَا التَّشْكِيكِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ (تُنَافِي بَقَاءَ النِّكَاحِ) كَمَا لَوْ اعْتَرَضْت عَلَى نِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ بِرَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ (فَيُفَرَّقُ) بَيْنَهُمَا (بِخِلَافِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُنَافِيهِ) كَمَا مَرَّ (ثُمَّ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا) بِالِاتِّفَاقِ، (وَ) كَذَلِكَ (بِمُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا) وَطُلِبَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ إسْلَامَ أَحَدِهِمَا كَإِسْلَامِهِمَا فِي جَوَازِ التَّفْرِيقِ فَكَذَلِكَ رَفْعُ أَحَدِهِمَا يَكُونُ كَرَفْعِهِمَا؛ لِأَنَّهُ بِرَفْعِهِ انْقَادَ لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ كَمَا إذَا أَسْلَمَ. وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يُفَرَّقُ بِرَفْعِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ الْآخَرَ قَدْ اسْتَحَقَّ بِاعْتِقَادِهِ بَقَاءَ هَذَا النِّكَاحِ، وَاسْتِحْقَاقُهُ لَا يَبْطُلُ بِمُرَافَعَةِ الْآخَرِ، (إذْ لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ اعْتِقَادُهُ) بَلْ يُعَارِضُهُ بِخِلَافِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّ اعْتِقَادَ الْمِصْرِ لَا يُعَارِضُ إسْلَامَ الْمُسْلِمِ؛

لِأَنَّ مُرَافَعَتَهُمَا كَتَحْكِيمِهِمَا. (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمُرْتَدُّ مُسْلِمَةً وَلَا كَافِرَةً وَلَا مُرْتَدَّةً) ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْقَتْلِ، وَالْإِمْهَالِ ضَرُورَةَ التَّأَمُّلِ، وَالنِّكَاحُ يَشْغَلُهُ عَنْهُ فَلَا يُشْرَعُ فِي حَقِّهِ (وَكَذَا الْمُرْتَدَّةُ لَا يَتَزَوَّجُهَا مُسْلِمٌ وَلَا كَافِرٌ) ؛ لِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ لِلتَّأَمُّلِ وَخِدْمَةُ الزَّوْجِ تَشْغَلُهَا عَنْهُ، وَلِأَنَّهُ لَا يَنْتَظِمُ بَيْنَهُمَا الْمَصَالِحَ، وَالنِّكَاحُ مَا شُرِعَ لِعَيْنِهِ بَلْ لِمَصَالِحِهِ (فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مُسْلِمًا فَالْوَلَدُ عَلَى دِينِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا وَلَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ صَارَ وَلَدُهُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQإذْ الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى، وَأَمَّا إذَا تَرَافَعَا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا بِالْإِجْمَاعِ؛ (لِأَنَّ مُرَافَعَتَهُمَا كَتَحْكِيمِهِمَا) وَلَوْ حَكَّمَا رَجُلًا وَطَلَبَا مِنْهُ حُكْمَ الْإِسْلَامِ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا فَالْقَاضِي أَوْلَى بِذَلِكَ لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ. وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمُرْتَدُّ) وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ: (بَلْ لِمَصَالِحِهِ) يُرِيدُ بِهِ السُّكْنَى وَالِازْدِوَاجَ وَالتَّوَالُدَ وَالتَّنَاسُلَ. وَقَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مُسْلِمًا فَالْوَلَدُ عَلَى دِينِهِ) قِيلَ كَيْفَ يَصِحُّ هَذَا التَّعْمِيمُ وَلَا وُجُودَ لِنِكَاحِ الْمُسْلِمَةِ مَعَ كَافِرٍ أَيِّ كَافِرٍ كَانَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْبَقَاءِ بِأَنْ أَسْلَمْت الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُعْرَضْ الْإِسْلَامُ عَلَى الزَّوْجِ بَعْدُ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ.

لِأَنَّ فِي جَعْلِهِ تَبَعًا لَهُ نَظَرًا لَهُ (وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا كِتَابِيًّا وَالْآخَرُ مَجُوسِيًّا فَالْوَلَدُ كِتَابِيٌّ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَوْعَ نَظَرٍ لَهُ إذْ الْمَجُوسِيَّةُ شَرٌّ، وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِيهِ لِلتَّعَارُضِ وَنَحْنُ بَيَّنَّا التَّرْجِيحَ. (وَإِذَا أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: (وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِيهِ) أَيْ فِي جَعْلِ الْوَلَدِ تَبَعًا لِلْكِتَابِيِّ (لِلتَّعَارُضِ) جَعَلَهُ تَبَعًا لِلْكِتَابِيِّ يُوجِبُ حِلَّ الذَّبِيحَةِ وَالنِّكَاحِ، وَجَعَلَهُ تَبَعًا لِلْمَجُوسِيِّ يُوجِبُ حُرْمَةَ ذَلِكَ فَوَقَعَ التَّعَارُضُ إذْ الْكُفْرُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ وَالتَّرْجِيحُ لِلْمُحَرَّمِ (وَنَحْنُ بَيَّنَّا التَّرْجِيحَ) وَهُوَ قَوْلُهُ: لِأَنَّ فِيهِ نَوْعَ نَظَرٍ. فَإِنْ قُلْت: عَلَى مَا ذَكَرْت كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا وَمِنْ الْخَصْمِ ذَهَبَ إلَى نَوْعِ تَرْجِيحٍ فَمِنْ أَيْنَ تَقُومُ الْحُجَّةُ؟ قُلْنَا تَرْجِيحُنَا يَدْفَعُ التَّعَارُضَ وَتَرْجِيحُهُ يَرْفَعُهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ، وَالدَّفْعُ أَوْلَى مِنْ الرَّفْعِ؛ لِأَنَّ كَمْ مِنْ وَاقِعٍ لَا يُرْفَعُ. قَالَ: (وَإِذَا أَسْلَمْت الْمَرْأَةُ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ) أَطْلَقَ الْكُفْرَ فِي قَوْلِهِ: وَزَوْجُهَا كَافِرٌ لِعَدَمِ بَقَاءِ نِكَاحِ الْمُسْلِمَةِ مَعَ كَافِرٍ أَيِّ كَافِرٍ كَانَ؛ وَقَيَّدَ الزَّوْجَةَ بِالْمَجُوسِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً فَلَا عَرْضَ وَلَا

فَإِنْ أَسْلَمَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ أَبَى فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا، وَكَانَ ذَلِكَ طَلَاقًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَإِنْ أَسْلَمَ الزَّوْجُ وَتَحْتَهُ مَجُوسِيَّةٌ عَرَضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ، فَإِنْ أَسْلَمَتْ فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ أَبَتْ فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَلَمْ تَكُنْ الْفُرْقَةُ طَلَاقًا) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ؛ لَا تَكُونُ الْفُرْقَةُ طَلَاقًا فِي الْوَجْهَيْنِ، أَمَّا الْعَرْضُ فَمَذْهَبُنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُعْرَضُ الْإِسْلَامُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعَرُّضًا لَهُمْ وَقَدْ ضَمِنَّا بِعَقْدِ الذِّمَّةِ أَنْ لَا نَتَعَرَّضَ لَهُمْ، إلَّا أَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ قَبْلَ الدُّخُولِ غَيْرُ مُتَأَكِّدٍ فَيَنْقَطِعُ بِنَفْسِ الْإِسْلَامِ، وَبَعْدَهُ مُتَأَكِّدٌ فَيَتَأَجَّلُ إلَى انْقِضَاءِ ثَلَاثِ حِيَضٍ كَمَا فِي الطَّلَاقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَفْرِيقَ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ: (كَمَا فِي الطَّلَاقِ) يُرِيدُ أَنَّ نَفْسَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَرْفَعُ النِّكَاحَ وَبَعْدَهُ لَا يَرْفَعُ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. وَقَوْلُهُ: (إلَى انْقِضَاءِ ثَلَاثِ حِيَضٍ) لَيْسَ بِصَوَابٍ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ عِنْدَهُ بِالْأَطْهَارِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَجَّلَ عِنْدَكُمْ إلَى انْقِضَاءِ ثَلَاثِ حِيَضٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ هَذِهِ الْمُدَّةُ لَمْ تُعْتَبَرْ لِلْعِدَّةِ بَلْ

وَلَنَا أَنَّ الْمَقَاصِدَ قَدْ فَاتَتْ فَلَا بُدَّ مِنْ سَبَبٍ تَبْتَنِي عَلَيْهِ الْفُرْقَةُ، وَالْإِسْلَامُ طَاعَةٌ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا فَيُعْرَضُ الْإِسْلَامُ لِتَحْصُلَ الْمَقَاصِدُ بِالْإِسْلَامِ أَوْ تَثْبُتَ الْفُرْقَةُ بِالْإِبَاءِ. وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلتَّفْرِيقِ وَمَا لَمْ يُعْتَبَرْ لَهَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَيْضُ كَمَا فِي الِاسْتِبْرَاءِ، (وَلَنَا أَنَّ الْمَقَاصِدَ) بِالنِّكَاحِ (قَدْ فَاتَتْ) وَتَقْرِيرُهُ بِإِسْلَامِ الْمَرْأَةِ أَوْ زَوْجِ الْمَجُوسِيَّةِ فَاتَتْ الْمَقَاصِدُ بِالنِّكَاحِ وَفَوَاتُهَا. وَهُوَ حَادِثٌ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْإِسْلَامُ أَوْ كُفْرُ مَنْ بَقِيَ عَلَيْهِ لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ طَاعَةٌ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِفَوَاتِ النِّعَمِ وَلَا إلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ كُفْرَ مَنْ بَقِيَ عَلَى كُفْرِهِ قَدْ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ هَذَا وَلَمْ يُمْنَعْ ابْتِدَاءً وَلَا فَوْتُهَا بَقَاءً فَلَا بُدَّ مِنْ أَمْرٍ آخَرَ غَيْرِهِمَا، (فَيُعْرَضُ الْإِسْلَامُ لِتَحْصُلَ الْمَقَاصِدُ بِهِ) إنْ أَسْلَمَ أَوْ يَثْبُتُ مَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ وَهُوَ الْإِبَاءُ. فَإِنَّ الْإِبَاءَ عَنْهُ صَالِحٌ لِسَلْبِ النِّعَمِ. وَإِذَا أُضِيفَ الْفَوَاتُ إلَيْهِ أُضِيفَ مَا يَسْتَلْزِمُهُ الْفَوَاتُ وَهُوَ الْفُرْقَةُ فَكَانَتْ الْفُرْقَةُ مُضَافَةً إلَى الْإِبَاءِ. وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَوْعُ إغْلَاقٍ؛ لِأَنَّهُ

أَنَّ الْفُرْقَةَ بِسَبَبٍ يَشْتَرِكُ فِيهِ الزَّوْجَانِ فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا كَالْفُرْقَةِ بِسَبَبِ الْمِلْكِ. وَلَهُمَا أَنَّ بِالْإِبَاءِ امْتَنَعَ الزَّوْجُ عَنْ الْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ فَيَنُوبُ الْقَاضِي مَنَابَهُ فِي التَّسْرِيحِ كَمَا فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ، أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَيْسَتْ بِأَهْلٍ لِلطَّلَاقِ فَلَا يَنُوبُ الْقَاضِي مَنَابَهَا عِنْدَ إبَائِهَا (ثُمَّ إذَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِإِبَائِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا) لِتَأَكُّدِهِ بِالدُّخُولِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَلَا مَهْرَ لَهَا) ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ قِبَلِهَا وَالْمَهْرُ لَمْ يَتَأَكَّدْ فَأَشْبَهَ الرِّدَّةَ وَالْمُطَاوَعَةَ. (وَإِذَا أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ أَوْ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ وَتَحْتَهُ مَجُوسِيَّةٌ لَمْ تَقَعْ الْفُرْقَةُ عَلَيْهَا حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ ثُمَّ تَبِينَ مِنْ زَوْجِهَا) وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ سَبَبًا لِلْفُرْقَةِ، وَالْعَرْضُ عَلَى الْإِسْلَامِ مُتَعَذِّرٌ لِقُصُورِ الْوِلَايَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْفُرْقَةِ دَفْعًا لِلْفَسَادِ فَأَقَمْنَا شَرْطَهَا وَهُوَ مُضِيُّ الْحَيْضِ مَقَامَ السَّبَبِ كَمَا فِي حَفْرِ الْبِئْرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ: فَوَاتُ الْمَقَاصِدِ يَصْلُحُ سَبَبًا يَنْبَنِي عَلَيْهِ الْفُرْقَةُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْعَرْضِ، لَكِنْ إذَا تَأَمَّلْت فِيمَا ذَكَرْته حَقَّ التَّأَمُّلِ أَزَالَ عَنْك الشُّبْهَةَ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْبَحْثِ مَعَ الشَّافِعِيِّ شَرَعَ فِيهِ مَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي أَنَّ الْفُرْقَةَ فِي الْوَجْهَيْنِ لَا تَكُونُ طَلَاقًا، وَوَجْهُ قَوْلِهِ: مَا ذَكَرَهُ (أَنَّ الْفُرْقَةَ بِسَبَبٍ يَشْتَرِكُ فِيهِ الزَّوْجَانِ) عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَتَحَقَّقُ مِنْهُمَا وَهُوَ الْإِبَاءُ، وَكُلُّ فُرْقَةٍ بِسَبَبٍ يُشْتَرَكُ فِيهِ لَا تَكُونُ طَلَاقًا كَالْفُرْقَةِ الْوَاقِعَةِ بِسَبَبِ مِلْكِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ وَالْوَاقِعَةُ بِالْمَحْرَمِيَّةِ. وَلَهُمَا أَنَّ الزَّوْجَ امْتَنَعَ بِالْإِبَاءِ عَنْ الْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ لِمَا مَرَّ مِنْ فَوَاتِ الْمَقَاصِدِ، وَمَنْ امْتَنَعَ عَنْ الْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ فِي التَّسْرِيحِ بِإِحْسَانٍ كَمَا فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ. وَقَوْلُهُ: (مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ) زِيَادَةُ تَأْكِيدٍ، وَأَرَى أَنَّ تَرْكَهُ كَانَ أَفْضَلَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ شَرْطًا بَطَلَ قِيَاسُهُ عَلَى الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ. وَقَوْلُهُ: (أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَيْسَتْ بِأَهْلٍ لِلطَّلَاقِ) وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ: (فَأَشْبَهَ الرِّدَّةَ وَالْمُطَاوَعَةَ) بِفَتْحِ الْوَاوِ: يَعْنِي أَنَّهَا إذَا ارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ أَوْ مَكَّنَتْ ابْنَ زَوْجِهَا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الدُّخُولِ كَانَ لَهَا الْمَهْرُ لِتَأَكُّدِهِ بِالدُّخُولِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَلَا مَهْرَ لَهَا. وَقَوْلُهُ: (وَإِذَا أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَالْعَرْضُ عَلَى الْإِسْلَامِ مُتَعَذِّرٌ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (وَالْعَرْضُ عَلَى الْإِسْلَامِ مُتَعَذِّرٌ) مِنْ بَابِ: عَرَضْت النَّاقَةَ عَلَى الْحَوْضِ مِنْ الْقَلْبِ الَّذِي لَا يُشَجِّعُ عَلَيْهِ إلَّا أَفْرَادُ الْبُلَغَاءِ. وَقَوْلُهُ: (فَأَقَمْنَا شَرْطَهَا) أَيْ شَرْطَ الْفُرْقَةِ، (وَهُوَ مُضِيُّ الْحِيَضِ) الثَّلَاثِ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ أَوْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ إنْ لَمْ تَحِضْ (مَقَامَ سَبَبِ الْفُرْقَةِ) ، قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هُوَ تَفْرِيقُ الْقَاضِي عِنْدَ إبَاءِ الزَّوْجِ الْإِسْلَامَ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ سَبَبٌ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ، وَإِلَّا فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ سَبَبَ الْفُرْقَةِ هُوَ الْإِبَاءُ. وَقَوْلُهُ: (كَمَا فِي حَفْرِ الْبِئْرِ) يَعْنِي فِي قِيَامِ الشَّرْطِ مَقَامَ السَّبَبِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصْلَ إضَافَةُ التَّلَفِ إلَى فِعْلِ الْوَاقِعِ فِي الْبِئْرِ الَّتِي حُفِرَتْ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعِلَّةُ، لَكِنَّهُ تَعَذَّرَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ طَبِيعِيًّا لَا تَعَدِّي فِيهِ، ثُمَّ إضَافَتُهُ إلَى السَّبَبِ وَهُوَ الْمَشْيُ

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَالشَّافِعِيُّ يَفْصِلُ كَمَا مَرَّ لَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَإِذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ وَالْمَرْأَةُ حَرْبِيَّةٌ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُسْلِمَةُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَسَيَأْتِيك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِذَا أَسْلَمَ زَوْجُ الْكِتَابِيَّةِ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا) ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا ابْتِدَاءً فَلَأَنْ يَبْقَى أَوْلَى. . قَالَ (وَإِذَا خَرَجَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ إلَيْنَا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ مُسْلِمًا وَقَعَتْ الْبَيْنُونَةُ بَيْنَهُمَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَقَعُ (وَلَوْ سُبِيَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدْ تَعَذَّرَتْ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَشْيَ فِي الطَّرِيقِ مُبَاحٌ لَا مَحَالَةَ فَأُضِيفَ إلَى الشَّرْطِ وَهُوَ حَفْرُ الْبِئْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُعَارِضْهُ الْعِلَّةُ وَالسَّبَبُ، وَلَهُ شَبَهٌ بِالْعِلَّةِ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُ الْحُكْمِ بِهِ وُجُودًا وَفِيهِ تَعَدٍّ؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مِلْكِ الْحَافِرِ وَمَوْضِعُهُ أُصُولُ الْفِقْهِ، ثُمَّ الْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ مُسْلِمَةً فَهِيَ كَالْمُهَاجِرَةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي حُكْمُ الْمُهَاجِرَةِ، وَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُسْلِمُ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا بِالِاتِّفَاقِ، (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا) عِنْدَنَا (وَالشَّافِعِيُّ يَفْصِلُ كَمَا مَرَّ لَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) مِنْ قَوْلِهِ: فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. وَلَنَا أَنَّ هَذِهِ الْحِيَضَ لِأَجْلِ الْفُرْقَةِ لَا لِلْعِدَّةِ فَتَسْتَوِي فِيهَا الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُهَا، وَهَذَا لِأَنَّ الزَّوْجَ فِي صُورَةِ الطَّلَاقِ بَاشَرَ سَبَبَ الْفُرْقَةِ وَهُوَ الطَّلَاقُ فَجَازَ أَنْ يُعْتَبَرَ السَّبَبُ فِي الْحَالِ إذَا كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى مُضِيِّ الْحِيَضِ، وَأَمَّا هَاهُنَا فَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْهُ فَاحْتَاجَ إلَى مُضِيِّهَا لِلْفُرْقَةِ فَيَسْتَوِيَانِ فِيهَا. (وَإِذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ وَالْمَرْأَةُ حَرْبِيَّةٌ فَلَا عِدَّةَ لَهَا) بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّرْعِ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهَا. وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُسْلِمَةَ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (فَلَأَنْ يَبْقَى أَوْلَى) ؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يُتَحَمَّلُ فِي النِّكَاحِ حَالَةَ الْبَقَاءِ وَإِنْ لَمْ يُتَحَمَّلْ فِي الِابْتِدَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَنْكُوحَةَ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ تَعْتَدُّ لَهُ وَتَبْقَى مَنْكُوحَةً؟ وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ ابْتِدَاءً. خَرَجَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ إلَيْنَا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ مُسْلِمًا، قَالَ: (وَإِذَا خَرَجَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ إلَيْنَا) ، صُورَةُ

وَقَعَتْ الْبَيْنُونَةُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ سُبِيَا مَعًا لَمْ تَقَعْ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَعَتْ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ السَّبَبَ هُوَ التَّبَايُنُ دُونَ السَّبْيِ عِنْدَنَا وَهُوَ يَقُولُ بِعَكْسِهِ. لَهُ أَنَّ لِلتَّبَايُنِ أَثَرُهُ فِي انْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ، وَذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْفُرْقَةِ كَالْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ وَالْمُسْلِمِ الْمُسْتَأْمَنِ، أَمَّا السَّبْيُ فَيَقْتَضِي الصَّفَاءَ لِلسَّابِي وَلَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ، وَلِهَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَسْأَلَةِ ظَاهِرَةٌ، وَالْحَاصِلُ كَذَلِكَ. وَتَقْرِيرُ دَلِيلِهِ أَنَّ التَّبَايُنَ أَثَرُهُ فِي انْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ، وَانْقِطَاعُ الْوِلَايَةِ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْفُرْقَةِ، كَالْحَرْبِيِّ إذَا دَخَلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ فَإِنَّ وِلَايَتَهُ قَدْ سَقَطَتْ إذْ الْمُرَادُ بِانْقِطَاعِ وِلَايَةِ سُقُوطِ مَالِكِيَّتِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَكَالْمُسْلِمِ إذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَإِنَّ وِلَايَتَهُ انْقَطَعَتْ لَمْ تُؤَثِّرْ فِي الْفُرْقَةِ، وَهَذَا لِإِبْطَالِ دَلِيلِ الْخَصْمِ. وَقَوْلُهُ: (أَمَّا السَّبْيُ فَيَقْتَضِي الصَّفَاءَ لِلسَّابِي وَلَا يَتَحَقَّقُ) الصَّفَاءُ لَهُ (إلَّا بِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ، وَلِهَذَا) أَيْ: وَلِأَنَّ السَّبْيَ يَقْتَضِي الصَّفَاءَ

يَسْقُطُ الدَّيْنُ عَنْ ذِمَّةِ الْمَسْبِيِّ. وَلَنَا أَنَّ مَعَ التَّبَايُنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لَا تَنْتَظِمُ الْمَصَالِحُ فَشَابَهُ الْمَحْرَمِيَّةَ وَالسَّبْيُ يُوجِبُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ وَهُوَ لَا يُنَافِي النِّكَاحَ ابْتِدَاءً فَكَذَلِكَ بَقَاءً ـــــــــــــــــــــــــــــQيَسْقُطُ الدَّيْنُ عَنْ ذِمَّةِ الْمَسْبِيِّ) لِإِثْبَاتِ الْمَذْهَبِ، (وَلَنَا أَنَّ الْمَصَالِحَ لَا تَنْتَظِمُ مَعَ التَّبَايُنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا،) وَتَقْرِيرُهُ تَبَايُنَ الدَّارَيْنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا يُنَافِي انْتِظَامَ الْمَصَالِحِ. وَمَا يُنَافِي انْتِظَامَ الْمَصَالِحِ يَقْطَعُ النِّكَاحَ كَالْمَحْرَمِيَّةِ، فَتَبَايُنُ الدَّارَيْنِ يَقْطَعُ النِّكَاحَ، وَالْمُرَادُ بِالتَّبَايُنِ حَقِيقَةً تَبَاعُدُهُمَا شَخْصًا، وَبِالْحُكْمِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الدَّارِ الَّتِي دَخَلَهَا عَلَى سَبِيلِ الرُّجُوعِ بَلْ يَكُونُ عَلَى سَبِيلِ الْقَرَارِ وَالسُّكْنَى، وَهَذَا لِإِثْبَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقَوْلُهُ: (وَالسَّبْيُ يُوجِبُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ) لِرَدِّ دَلِيلِ الْخَصْمِ. وَتَقْرِيرُهُ: السَّبْيُ يُوجِبُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ وَمِلْكُ الرَّقَبَةِ لَا يُنَافِي النِّكَاحَ ابْتِدَاءً، وَلِهَذَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ جَازَ فَكَذَا بَقَاءً؛ وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ

وَصَارَ كَالشِّرَاءِ ثُمَّ هُوَ يَقْتَضِي الصَّفَاءَ فِي مَحَلِّ عَمَلِهِ وَهُوَ الْمَالُ لَا فِي مَحَلِّ النِّكَاحِ. وَفِي الْمُسْتَأْمَنِ لَمْ تَتَبَايَنْ الدَّارُ حُكْمًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَسْبِيَّةُ مَنْكُوحَةً لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ مَعَ تَقَرُّرِ السَّبْيِ. وَالْمُنَافِي إذَا تَقَرَّرَ فَالْمُحْتَرَمُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ كَمَا إذَا تَقَرَّرَ بِالْمَحْرَمِيَّةِ وَالرَّضَاعِ. وَقَوْلُهُ (وَصَارَ) أَيْ: صَارَ السَّبْيُ (كَالشِّرَاءِ) مِنْ حَيْثُ إنَّ النِّكَاحَ لَا يَفْسُدُ بِالشِّرَاءِ فَكَذَلِكَ بِالسَّبْيِ لِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ. وَقَوْلُهُ: (ثُمَّ هُوَ) أَيْ: السَّبْيُ (يَقْتَضِي الصَّفَاءَ) أَيْ: سَلَّمْنَا أَنَّ السَّبْيَ يَقْتَضِي الصَّفَاءَ، لَكِنْ فِي مَحَلِّ عَمَلِهِ وَهُوَ الْمَالُ حَتَّى يَثْبُتَ الْمِلْكُ فِي رَقَبَةِ الْمَسْبِيِّ لِلسَّابِي عَلَى الْخُلُوصِ لَا فِي مَحَلِّ النِّكَاحِ وَهُوَ مَنَافِعُ الْبُضْعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مَحَلَّ عَمَلِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ الْإِنْسَانِيَّةِ لَا الْمَالِيَّةِ. وَقَدْ انْدَرَجَ فِي هَذَا الْكَلَامِ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ: وَلِهَذَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ عَنْ ذِمَّةِ الْمَسْبِيِّ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ فِي الذِّمَّةِ وَهِيَ مِنْ مَحَلِّ عَمَلِهِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الرَّقَبَةُ. وَقَوْلُهُ: وَفِي الْمُسْتَأْمَنِ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ: كَالْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ أَوْ الْمُسْلِمِ الْمُسْتَأْمَنِ، وَكَانَ قَدْ اُحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: وَحُكْمًا عَنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ التَّبَايُنَ وَإِنْ وُجِدَ فِي الْمُسْتَأْمَنِ حَقِيقَةً لَكِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ حُكْمًا لِقَصْدِهِ الرُّجُوعَ.

لِقَصْدِهِ الرُّجُوعَ. (وَإِذَا خَرَجَتْ الْمَرْأَةُ إلَيْنَا مُهَاجِرَةً جَازَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: عَلَيْهَا الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَيَلْزَمُهَا حُكْمُ الْإِسْلَامِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا أَثَرُ النِّكَاحِ الْمُتَقَدِّمِ وَجَبَتْ إظْهَارًا لِخَطَرِهِ، وَلَا خَطَرَ لَمِلْكِ الْحَرْبِيِّ، وَلِهَذَا لَا تَجِبُ عَلَى الْمَسْبِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِذَا خَرَجَتْ الْمَرْأَةُ إلَيْنَا مُهَاجِرَةً) أَيْ: تَرَكَتْ أَرْضَ الْحَرْبِ إلَى أَرْضِ الْإِسْلَامِ وَخَرَجَتْ مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً عَلَى قَصْدِ أَنْ لَا تَرْجِعَ إلَى مَا هَاجَرَتْ عَنْهُ أَبَدًا (جَازَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: عَلَيْهَا الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بَعْدَ أَنْ دَخَلَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) ، وَكُلُّ فُرْقَةٍ كَانَتْ كَذَلِكَ يَلْزَمُهَا حُكْمُ الْإِسْلَامِ كَالْمُسْلِمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعِدَّةَ لِإِظْهَارِ خَطَرِ مِلْكِ النِّكَاحِ، (وَلَا خَطَرَ لِمِلْكِ الْحَرْبِيِّ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ عَلَى الْمَسْبِيَّةِ) بِالِاتِّفَاقِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ لَمْ يَكُنْ لِمِلْكِهِ خَطَرٌ لَمَا وَجَبَتْ إذَا خَرَجَتْ حَامِلًا؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَكِنَّهَا لَا تَتَزَوَّجُ؛ لِأَنَّ فِي بَطْنِهَا وَلَدًا ثَابِتَ النَّسَبِ. فَإِنْ قِيلَ: الْهِجْرَةُ أَوْرَثَتْ تَبَايُنَ الدَّارَيْنِ وَهُوَ لَا يَرْبُو عَلَى الْمَوْتِ وَلَوْ مَاتَ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ فَلْتَجِبْ مَعَهَا أَيْضًا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَوْتَ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الْحُرُمَاتِ حُكْمًا فَلَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ، وَأَمَّا تَبَايُنُ الدَّارَيْنِ فَيُسْقِطُهَا حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَيَزُولُ مِلْكُهُ لَا إلَى أَثَرٍ.

وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا لَمْ تَتَزَوَّجْ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا) وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَصِحُّ النِّكَاحُ وَلَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا كَمَا فِي الْحُبْلَى مِنْ الزِّنَا. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ ثَابِتُ النَّسَبِ فَإِذَا ظَهَرَ الْفِرَاشُ فِي حَقِّ النَّسَبِ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَنْعِ مِنْ النِّكَاحِ احْتِيَاطًا. قَالَ (وَإِذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عَنْ الْإِسْلَامِ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّبَايُنَ يَرْبُو عَلَى الْمَوْتِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَمْنَعُ التَّوَارُثَ وَالْمَوْتُ يُوجِبُهُ؟ وَلَوْ خَرَجَتْ حَامِلًا لَمْ تَتَزَوَّجْ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا، رَوَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ حَمْلَهَا ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ الْغَيْرِ، فَإِذَا ظَهَرَ الْفِرَاشُ فِي حَقِّ النَّسَبِ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَنْعِ أَيْضًا احْتِيَاطًا كَأُمِّ الْوَلَدِ إذَا حَبِلَتْ مِنْ مَوْلَاهَا لَا يُزَوِّجُهَا حَتَّى تَضَعَ، (وَ) رَوَى أَبُو يُوسُفَ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ (عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَصِحُّ النِّكَاحُ وَلَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لِلْحَرْبِيِّ فَجُزْؤُهُ أَوْلَى (كَمَا فِي الْحُبْلَى مِنْ الزِّنَا) ، فَإِنَّهُ لَا حُرْمَةَ لِمَاءِ الزَّانِي. قِيلَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ حَمْلٌ ثَابِتُ النَّسَبِ، بِخِلَافِ الْحَمْلِ مِنْ الزِّنَا. وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْحَمْلَ مِنْ الْغَيْرِ يَمْنَعُ الْوَطْءَ مُطْلَقًا وَثَابِتُ النَّسَبِ مُحْتَرَمٌ فَيَمْنَعُ النِّكَاحَ أَيْضًا دُونَ غَيْرِهِ. قَالَ: (وَإِذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عَنْ الْإِسْلَامِ) وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ (وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ) بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ كَانَ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَكَذَلِكَ، وَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَحَتَّى تَنْقَضِيَ ثَلَاثُ حِيَضٍ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَا لَهُ مِنْ تَأَكُّدِ النِّكَاحِ وَعَدَمِ تَأَكُّدِهِ، وَكَانَتْ الْفُرْقَةُ (بِغَيْرِ طَلَاقٍ) حَتَّى لَا يُنْتَقَصَ عَدَدُ الطَّلَاقِ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ.

مُحَمَّدٌ: إنْ كَانَتْ الرِّدَّةُ مِنْ الزَّوْجِ فَهِيَ فُرْقَةٌ بِطَلَاقٍ، هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِالْإِبَاءِ وَالْجَامِعُ مَا بَيَّنَّاهُ، وَأَبُو يُوسُفَ مَرَّ عَلَى مَا أَصَّلْنَا لَهُ فِي الْإِبَاءِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الرِّدَّةَ مُنَافِيَةٌ لِلنِّكَاحِ لِكَوْنِهَا مُنَافِيَةً لِلْعِصْمَةِ وَالطَّلَاقُ رَافِعٌ فَتَعَذَّرَ أَنْ تُجْعَلَ طَلَاقًا، بِخِلَافِ الْإِبَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ فَيَجِبُ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ عَلَى مَا مَرَّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ كَانَتْ الرِّدَّةُ مِنْ الزَّوْجِ فَهِيَ فُرْقَةٌ بِطَلَاقٍ) وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْمَرْأَةِ فَهِيَ بِغَيْرِ طَلَاقٍ (هُوَ يَعْتَبِرُهَا بِالْإِبَاءِ وَالْجَامِعُ مَا بَيَّنَّاهُ) يَعْنِي قَوْلَهُ: امْتَنَعَ عَنْ الْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ (وَأَبُو يُوسُفَ مَرَّ عَلَى مَا أَصَّلْنَا لَهُ فِي الْإِبَاءِ) وَهُوَ أَنَّ الْفُرْقَةَ بِسَبَبٍ يَشْتَرِكُ فِيهِ الزَّوْجَانِ وَالطَّلَاقُ مِمَّا يَخْتَصُّ بِالزَّوْجِ، (وَأَبُو حَنِيفَةَ فَرَّقَ) بَيْنَ الْإِبَاءِ وَالِارْتِدَادِ فَجَعَلَ الْفُرْقَةَ بِإِبَاءِ الزَّوْجِ طَلَاقًا دُونَ الرِّدَّةِ، (وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الرِّدَّةَ مُنَافِيَةٌ لِلنِّكَاحِ لِكَوْنِهَا مُنَافِيَةً لِلْعِصْمَةِ) ؛ لِأَنَّهَا تُبِيحُ النَّفْسَ وَالْمَالَ وَتُبْطِلُ الْمِلْكَ وَالنِّكَاحَ (وَالطَّلَاقُ) لَيْسَ بِمُنَافٍ لِلنِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ (رَافِعٌ) لَهُ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ مُسَبَّبًا عَنْهُ، وَالْمُسَبَّبُ عَنْ الشَّيْءِ الرَّافِعِ لَهُ لَا يُنَافِيهِ فَلَا تَكُونُ الرِّدَّةُ طَلَاقًا (بِخِلَافِ الْإِبَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ) وَلَيْسَ بِمُنَافٍ لِلنِّكَاحِ (فَيَجِبُ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ عَلَى مَا مَرَّ) وَاعْتُرِضَ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّ الرِّدَّةَ لَا تُنَافِي مِلْكَ الْعَيْنِ بَلْ يَصِيرُ مَوْقُوفًا فَمَا بَالُ مِلْكِ النِّكَاحِ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ. وَالثَّانِي أَنَّ الرِّدَّةَ لَوْ كَانَتْ مُنَافِيَةً لَمَا وَقَعَ طَلَاقُ الْمُرْتَدِّ عَلَى امْرَأَتِهِ بَعْدَ الرِّدَّةِ كَمَا فِي الْمَحْرَمِيَّةِ

وَلِهَذَا تَتَوَقَّفُ الْفُرْقَةُ بِالْإِبَاءِ عَلَى الْقَضَاءِ وَلَا تَتَوَقَّفُ بِالرِّدَّةِ (ثُمَّ إنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُرْتَدُّ فَلَهَا كُلُّ الْمَهْرِ إنْ دَخَلَ بِهَا وَنِصْفُ الْمَهْرِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُرْتَدَّةُ فَلَهَا كُلُّ الْمَهْرِ إنْ دَخَلَ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا مَهْرَ لَهَا وَلَا نَفَقَةَ) ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ قِبَلِهَا. . قَالَ (وَإِذَا ارْتَدَّا مَعًا ثُمَّ أَسْلَمَا مَعًا فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا) اسْتِحْسَانًا. وَقَالَ زُفَرٌ: يَبْطُلُ؛ لِأَنَّ رِدَّةَ أَحَدِهِمَا مُنَافِيَةٌ، وَفِي رِدَّتِهِمَا رِدَّةُ أَحَدِهِمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَكِنَّهُ يَقَعُ بِالِاتِّفَاقِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ مَا يَرْجِعُ إلَى الْمَحَلِّ فَالِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ فِيهِ سَوَاءٌ، وَالرِّدَّةُ تُنَافِي النِّكَاحَ ابْتِدَاءً فَكَذَا بَقَاءً، وَتَوَقَّفَ تَحْصِيلُ مِلْكِ الْعَيْنِ بِالشِّرَاءِ ابْتِدَاءً فَكَذَا بَقَاءً. وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ تَابِعٌ لِإِمْكَانِ ظُهُورِ أَثَرِهِ، وَحَيْثُ كَانَتْ الْمَحَلِّيَّةُ مُتَصَوَّرَةَ الْعَوْدِ بِالتَّوْبَةِ أَمْكَنَ ظُهُورُ أَثَرِهِ وَكَانَ مُعْتَبَرًا، بِخِلَافِ الْمَحْرَمِيَّةِ فَإِنَّ الْمَحَلِّيَّةَ غَيْرُ مُتَصَوَّرَةٍ أَبَدًا فَلَا يُمْكِنُ ظُهُورُ أَثَرِهِ. وَعَنْ هَذَا قَالُوا: إذَا ارْتَدَّ الرَّجُلُ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَقَعْ عَلَى الْمَرْأَةِ طَلَاقٌ؛ لِأَنَّ تَبَايُنَ الدَّارَيْنِ مُنَافٍ لِلنِّكَاحِ فَكَانَ مُنَافِيًا لِلطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ، فَإِنْ عَادَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الْمُنَافِيَ وَهُوَ تَبَايُنُ الدَّارَيْنِ قَدْ ارْتَفَعَ، وَمَحَلِّيَّةُ الطَّلَاقِ بِالْعِدَّةِ وَهِيَ قَائِمَةٌ فَيَقَعُ. وَإِذَا ارْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُ الزَّوْجِ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ قَدْ سَقَطَتْ عَنْهَا عِنْدَهُ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّيَّةِ،؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ كَالْمَيِّتِ فِي حَقِّنَا، وَبَقَاءُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ مُسْتَحِيلٌ وَالْعِدَّةُ مَتَى سَقَطَتْ لَا تَعُودُ إلَّا بِعَوْدِ سَبَبِهَا، بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ هُنَاكَ بَاقِيَةٌ بِبَقَاءِ مَحَلِّهَا؛ لِأَنَّهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، إلَّا أَنَّ تَبَايُنَ الدَّارَيْنِ كَانَ مَانِعًا مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، فَإِذَا ارْتَفَعَ الْمَانِعُ وَالْعِدَّةُ بَاقِيَةٌ وَقَعَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَقَعُ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ بَاقِيَةٌ عِنْدَهُ. وَقَوْلُهُ: (وَلِهَذَا تَتَوَقَّفُ الْفُرْقَةُ) تَوْضِيحٌ لِكَوْنِ الرِّدَّةِ مُنَافِيَةً لِلطَّلَاقِ دُونَ الْإِبَاءِ. وَقَوْلُهُ: (ثُمَّ إنْ كَانَ الزَّوْجُ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (وَلَا نَفَقَةَ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُرْتَدَّةَ فَلَهَا كُلُّ مَهْرِهَا إنْ دَخَلَ بِهَا لَا إلَى مَا يَلِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَةَ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا وَوَقَعَتْ الْفُرْقَةُ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى زَوْجِهَا فَحِينَئِذٍ لَا يَرْتَابُ أَحَدٌ فِي عَدَمِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ فِي الْمُرْتَدَّةِ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ قَبْلِهَا) يَعْنِي فَكَانَتْ كَالنَّاشِزَةِ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا. وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ ارْتَدَّا مَعًا) وَاضِحٌ. وَوَجْهُهُ مَا رُوِيَ أَنَّ بَنِي حَنِيفَةَ وَهْم حَيٌّ مِنْ الْعَرَبِ ارْتَدُّوا بِمَنْعِ الزَّكَاةِ

وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ بَنِي حَنِيفَةَ ارْتَدُّوا ثُمَّ أَسْلَمُوا، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ الصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - بِتَجْدِيدِ الْأَنْكِحَةِ، وَالِارْتِدَادُ مِنْهُمْ وَاقِعٌ مَعًا لِجَهَالَةِ التَّارِيخِ. وَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الِارْتِدَادِ مَعًا فَسَدَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا لِإِصْرَارِ الْآخَرِ عَلَى الرِّدَّةِ؛ لِأَنَّهُ مُنَافٍ كَابْتِدَائِهَا. . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبَعَثَ إلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ الْجُيُوشَ فَأَسْلَمُوا وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِتَجْدِيدِ الْأَنْكِحَةِ، وَالصَّحَابَةُ مُتَوَافِرَةٌ فَحِلُّ ذَلِكَ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ يُتْرَكُ بِهِ الْقِيَاسُ. فَإِنْ قِيلَ: الِارْتِدَادُ لَمْ يَقَعْ مِنْهُمْ دَفْعَةً. أَجَابَ بِقَوْلِهِ: (وَالِارْتِدَادُ وَاقِعٌ مِنْهُمْ مَعًا حُكْمًا لِجَهَالَةِ التَّارِيخِ) ، فَإِنَّ التَّارِيخَ إذَا جُهِلَ لَمْ يُحْكَمْ بِتَقَدُّمِ شَيْءٍ عَلَى شَيْءٍ، وَإِنَّمَا يُجْعَلُ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُ وُجِدَ جُمْلَةً وَاحِدَةً (وَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الِارْتِدَادِ) أَيْ: بَعْدَ ارْتِدَادِهِمَا (فَسَدَ النِّكَاحُ لِإِصْرَارِ الْآخَرِ عَلَى الرِّدَّةِ؛ لِأَنَّهُ مُنَافٍ كَابْتِدَائِهَا) عَلَى مَا تَقَدَّمَ؛ ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الَّتِي أَسْلَمَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ عِنْدَنَا، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ فَلَا شَيْءَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ جَانِبِهَا بِالْإِصْرَارِ عَلَى الرِّدَّةِ فَإِنَّ الْإِصْرَارَ بَعْدَ إسْلَامِ الْآخَرِ كَإِنْشَاءِ الرِّدَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[باب القسم]

بَابُ الْقَسْمِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْقَسْمِ] كَانَ لِلرَّجُلِ امْرَأَتَانِ حُرَّتَانِ لَمَّا ذَكَرَ جَوَازَ عَدَدٍ مِنْ النِّسَاءِ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ بَيَانِ الْعَدْلِ الْوَارِدِ مِنْ الشَّارِعِ فِي حَقِّهِنَّ فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ، لَكِنَّ اعْتِرَاضَ مَا هُوَ أَهَمُّ بِالذِّكْرِ مِنْ بَيَانِ جَوَازِ النِّكَاحِ وَعَدَمِهِ الرَّاجِعَيْنِ إلَى أَمْرِ الْفُرُوجِ وَغَيْرِهِمَا أَوْجَبَ تَأْخِيرَهُ. وَالْقَسْمُ بِفَتْحِ الْقَافِ مَصْدَرٌ، قَسَمَ الْقَسَّامُ الْمَالَ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ: فَرَّقَهُ بَيْنَهُمْ وَعَيَّنَ أَنْصِبَاءَهُمْ، وَمِنْهُ الْقَسْمُ بَيْنَ النِّسَاءِ،

وَإِذَا كَانَ لِلرّجلِ امْرَأَتَانِ حُرَّتَانِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَهُمَا فِي الْقَسْمِ بِكْرَيْنِ كَانَتَا أَوْ ثَيِّبَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا بِكْرًا وَالْأُخْرَى ثَيِّبًا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ وَمَالَ إلَى إحْدَاهُمَا فِي الْقَسْمِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ» وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَعْدِلُ فِي الْقَسْمِ بَيْنَ نِسَائِهِ. وَكَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تُؤَاخِذْنِي فِيمَا لَا أَمْلِكُ: يَعْنِي زِيَادَةَ الْمَحَبَّةِ» وَلَا فَصْلَ فِيمَا رَوَيْنَا. وَالْقَدِيمَةُ وَالْجَدِيدَةُ سَوَاءٌ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدْ وَقَعَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ. (وَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ امْرَأَتَانِ) بِتَذْكِيرِ كَانَ مَعَ إسْنَادِهِ إلَى الْمُؤَنَّثِ الْحَقِيقِيِّ لِوُقُوعِ الْفَصْلِ كَمَا فِي قَوْلِك حَضَرَ الْقَاضِي الْيَوْمَ امْرَأَةٌ، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ: (وَلَا فَصْلَ فِيمَا رَوَيْنَا) يَعْنِي بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ، (وَالْقَدِيمَةِ وَالْجَدِيدَةِ سَوَاءٌ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا) مِنْ غَيْرِ تَفْرِقَةٍ بَيْنَ الْجَدِيدَةِ وَالْقَدِيمَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ كَانَتْ الْجَدِيدَةُ بِكْرًا يَفْضُلُهَا بِسَبْعِ لَيَالٍ وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَبِثَلَاثٍ، ثُمَّ التَّسْوِيَةُ بَعْدَ ذَلِكَ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «تُفَضَّلُ الْبِكْرُ بِسَبْعٍ وَالثَّيِّبُ بِثَلَاثٍ» ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي مَوْضِعَيْنِ: فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ، وَفِي تَفْضِيلِ الْجَدِيدَةِ عَلَى الْقَدِيمَةِ، فَنَفَى الْمُصَنِّفُ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ: وَلَا فَصْلَ فِيمَا رَوَيْنَا، وَالثَّانِي بِقَوْلِهِ: لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا، وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّفْضِيلِ بِالْبُدَاءَةِ دُونَ الزِّيَادَةِ كَمَا ذُكِرَ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «إنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَك وَسَبَّعْتُ لَهُنَّ» وَنَحْنُ نَقُولُ لِلزَّوْجِ أَنْ يَبْتَدِئَ بِالْجَدِيدَةِ، وَلَكِنْ

وَلِأَنَّ الْقَسْمَ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ وَلَا تَفَاوُتَ بَيْنَهُنَّ فِي ذَلِكَ، وَالِاخْتِيَارُ فِي مِقْدَارِ الدَّوْرِ إلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ التَّسْوِيَةُ دُونَ طَرِيقِهِ. وَالتَّسْوِيَةُ الْمُسْتَحَقَّةُ فِي الْبَيْتُوتَةِ لَا فِي الْمُجَامَعَةِ؛ لِأَنَّهَا تُبْتَنَى عَلَى النَّشَاطِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِشَرْطِ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُمَا (وَلِأَنَّ الْقَسْمَ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ) كَالنَّفَقَةِ، وَلَا تَفَاوَتَ فِي ذَلِكَ بَيْن الْبِكْر وَالثَّيِّبِ وَالْجَدِيدَةِ وَالْقَدِيمَةِ، كَمَا لَا تَفَاوُتَ بَيْنَ الْمُسْلِمَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ وَالْبَالِغَةِ وَالْمُرَاهِقَةِ وَالْمَجْنُونَةِ وَالْعَاقِلَةِ وَالْمَرِيضَةِ وَالصَّحِيحَةِ لِلْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُنَّ فِي سَبَبِ هَذَا الْحَقِّ وَهُوَ الْحِلُّ الثَّابِتُ بِالنِّكَاحِ، وَكَذَلِكَ فِي طَرَفِ الرَّجُلِ الْمَجْبُوبِ وَالْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ وَالْغُلَامِ الَّذِي لَمْ يَحْتَلِمْ إذَا دَخَلَ بِامْرَأَتِهِ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْقَسْمُ. وَقَوْلُهُ: (وَالِاخْتِيَارُ فِي مِقْدَارِ الدُّورِ لِلزَّوْجِ) ظَاهِرٌ.

وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا حُرَّةً وَالْأُخْرَى أَمَةً فَلِلْحُرَّةِ الثُّلُثَانِ مِنْ الْقَسْمِ وَلِلْأَمَةِ الثُّلُثُ) بِذَلِكَ وَرَدَ الْأَثَرُ، وَلِأَنَّ حِلَّ الْأَمَةِ أَنْقَصُ مِنْ حِلِّ الْحُرَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ إظْهَارِ النُّقْصَانِ فِي الْحُقُوقِ. وَالْمُكَاتَبَةُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَةِ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ فِيهِنَّ قَائِمٌ. . قَالَ (وَلَا حَقَّ لَهُنَّ فِي الْقَسْمِ حَالَةَ السَّفَرِ فَيُسَافِرُ الزَّوْجُ بِمَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقْرَعَ بَيْنَهُنَّ فَيُسَافِرُ بِمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْقُرْعَةُ مُسْتَحَقَّةٌ، لِمَا رُوِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: (بِذَلِكَ وَرَدَ الْأَثَرُ) يَعْنِي مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: «لِلْحُرَّةِ ثُلُثَانِ مِنْ الْقَسْمِ وَلِلْأَمَةِ الثُّلُثُ» ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ خِلَافُهُ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ. وَقَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ حِلَّ الْأَمَةِ أَنْقَصُ مِنْ حِلِّ الْحُرَّةِ) يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ نِكَاحُهَا مَعَ الْحُرَّةِ وَلَا بَعْدَهَا وَإِنَّمَا يَحِلُّ قَبْلَهَا وَمَوْضِعُهُ أُصُولُ الْفِقْهِ، (فَلَا بُدَّ مِنْ إظْهَارِ النُّقْصَانِ فِي الْحُقُوقِ) ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ بِقَدْرِ دَلِيلِهِ، (وَالْمُكَاتَبَةُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَةِ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ فِيهِنَّ قَائِمٌ) فَيَكُونُ لَهُنَّ الثُّلُثُ مِنْ الْقَسْمِ كَالْأَمَةِ. وَقَوْلُهُ: (وَلَا حَقَّ لَهُنَّ فِي الْقَسْمِ حَالَةَ السَّفَرِ) هَذَا الْكَلَامُ يَشْتَمِلُ عَلَى ثَلَاثِ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا أَنَّ الْقُرْعَةَ مُسْتَحَبَّةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ

«أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ» إلَّا أَنَّا نَقُولُ: إنَّ الْقُرْعَةَ لِتَطْيِيبِ قُلُوبِهِنَّ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الِاسْتِحْبَابِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ مُسَافَرَةِ الزَّوْجِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَسْتَصْحِبَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فَكَذَا لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَلَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْمُدَّةِ. (وَإِنْ رَضِيَتْ إحْدَى الزَّوْجَاتِ بِتَرْكِ قَسْمِهَا لِصَاحِبَتِهَا جَازَ) ؛ «لِأَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ـــــــــــــــــــــــــــــQمُسْتَحَقَّةٌ، وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ إذَا سَافَرَ بِوَاحِدَةٍ مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ ثُمَّ رَجَعَ هَلْ لِلْبَاقِيَاتِ أَنْ يَحْتَسِبْنَ تِلْكَ الْمُدَّةَ أَوْ لَا؟ عِنْدَنَا لَيْسَ لَهُنَّ ذَلِكَ خِلَافًا لَهُ، وَهَذِهِ بِنَاءً عَلَى الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْإِقْرَاعَ إذَا كَانَ مُسْتَحَقًّا وَلَمْ يَفْعَلْهُ كَانَتْ مُدَّةُ سَفَرِهِ نَوْبَةً الَّتِي كَانَتْ مَعَهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْأُخْرَى مِثْلُ ذَلِكَ لِيَتَحَقَّقَ الْعَدْلُ، وَلَكِنَّنَا نَقُولُ: وُجُوبُ التَّسْوِيَةِ فِي وَقْتِ

سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يُرَاجِعَهَا وَتَجْعَلَ يَوْمَ نَوْبَتِهَا لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -» (وَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ فِي ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ حَقًّا لَمْ يَجِبْ بَعْدُ فَلَا يَسْقُطُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتِحْقَاقِ الْقَسْمِ عَلَيْهِ وَفِي حَالَةِ السَّفَرِ لَيْسَ بِمُسْتَحَقٍّ فَلَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ فَلَا تَكُونُ تِلْكَ الْمُدَّةُ مَحْسُوبَةً مِنْ نَوْبَتِهَا. وَالثَّالِثَةُ أَنَّ بَعْضَهُنَّ إنْ رَضِيَتْ بِتَرْكِ قَسْمِهَا لِصَاحِبَتِهَا جَازَ، وَإِنْ رَجَعَتْ فِي ذَلِكَ فَكَذَلِكَ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ حَقًّا لَمْ يَجِبْ بَعْدُ فَلَا يَسْقُطُ) تَوْضِيحُهُ أَنَّ الْإِسْقَاطَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْقَائِمِ؛ لِأَنَّ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ كَانَ الرُّجُوعُ عَنْهُ امْتِنَاعًا لَا إسْقَاطًا فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ، وَلِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ مَتَى شَاءَ لِمَا قُلْنَا فَكَذَا هَذَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[كتاب الرضاع]

قَالَ (قَلِيلُ الرَّضَاعِ وَكَثِيرُهُ سَوَاءٌ إذَا حَصَلَ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَثْبُتُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الرَّضَاعِ] لَمْ يَذْكُرْ عَامَّةَ مَسَائِلِ الرَّضَاعِ فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ وَأَتَى بِكِتَابٍ لَهُ عَلَى حِدَةٍ لِمَا أَنَّ لَهُ أَحْكَامًا جَمَّةً مَخْصُوصَةً بِهِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا غَيْرُهُ. وَسَبَبُ الْحُرْمَةِ بِالرَّضَاعِ الْجُزْئِيَّةُ بِنُشُورِ الْعَظْمِ وَإِنْبَاتِ اللَّحْمِ كَالْجُزَيْئَةِ بِالْإِعْلَاقِ فِي حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ، وَكَمَا أَنَّ الْإِعْلَاقَ أَمْرٌ خَفِيٌّ وَلَهُ سَبَبٌ ظَاهِرٌ أُقِيمَ مَقَامَهُ وَهُوَ الْوَطْءُ، كَذَلِكَ نُشُورُ الْعَظْمِ وَإِنْبَاتُ اللَّحْمِ أَمْرٌ خَفِيٌّ وَلَهُ سَبَبٌ ظَاهِرٌ وَهُوَ الْإِرْضَاعُ فَأُقِيمَ مَقَامَهُ، وَالرَّضَاعُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَهُوَ الْأَصْلُ وَبِكَسْرِهَا وَهُوَ لُغَةً فِيهِ مَصُّ اللَّبَنِ مِنْ الثَّدْيِ. وَفِي الشَّرِيعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ مَصِّ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ صَبِيًّا رَضِيعًا مِنْ ثَدْيٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ ثَدْيُ الْآدَمِيَّةِ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدُ (وَقَلِيلُ الرَّضَاعِ وَكَثِيرُهُ إذَا حَصَلَ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ) عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَثْبُتُ الرَّضَاعُ إلَّا بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ يَكْتَفِي الصَّبِيُّ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا.

التَّحْرِيمُ إلَّا بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ وَلَا الْإِمْلَاجَةُ وَلَا الْإِمْلَاجَتَانِ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِقَوْلِهِ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ وَلَا الْإِمْلَاجَةُ وَلَا الْإِمْلَاجَتَانِ» وَالْمَصَّةُ فِعْلُ الرَّضِيعِ وَالْإِمْلَاجَةُ فِعْلُ الْمُرْضِعِ وَهُوَ الْإِرْضَاعُ. وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَلِيلَ مِنْهُ غَيْرُ مُحَرَّمٍ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُنْحَصِرًا فِي خَمْسٍ مُشْبِعَاتٍ فَلَيْسَ لَهُ دَلَالَةٌ عَلَى ذَلِكَ لَكِنْ لَمَّا انْتَفَى بِهِ مَذْهَبُ خَصْمِهِ ثَبَتَ مَذْهَبُهُ لِعَدَمِ الْقَائِلِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْفَصْلِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ مَنْ يَقُولُ بِثَلَاثِ رَضَعَاتٍ مُشْبِعَاتٍ، وَلَوْ تَمَسَّكَ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ: «كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ فَنُسِخْنَ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُتْلَى بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» كَانَ أَدَلَّ عَلَى الْمَطْلُوبِ، لَكِنَّ قَوْلَهَا مِمَّا يُتْلَى بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُضَعِّفُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا نَسْخَ بَعْدَهُ، وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ

وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] الْآيَةَ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ وَإِنْ كَانَتْ لِشُبْهَةِ الْبَعْضِيَّةِ الثَّابِتَةِ بِنُشُوءِ الْعَظْمِ وَإِنْبَاتِ اللَّحْمِ لَكِنَّهُ أَمْرٌ مُبْطَنٌ فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِفِعْلِ الْإِرْضَاعِ، وَمَا رَوَاهُ مَرْدُودٌ بِالْكِتَابِ أَوْ مَنْسُوخٌ بِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ لِمَا نُبَيِّنُ. . (ثُمَّ مُدَّةُ الرَّضَاعِ ثَلَاثُونَ شَهْرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا سَنَتَانِ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ النَّسَبِ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ: يَعْنِي فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَا تَجُوزُ عَلَى مَا مَرَّ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ وَإِنْ كَانَتْ لِشُبْهَةِ الْبَعْضِيَّةِ) دَلِيلٌ مَعْقُولٌ يَتَضَمَّنُ جَوَابَ: سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ: تَحْرِيمُ الرَّضَاعِ بِاعْتِبَارِ إنْشَارِ الْعَظْمِ وَإِنْبَاتِ اللَّحْمِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْقَلِيلِ. وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ الْحُرْمَةُ، وَإِنْ كَانَتْ لِشُبْهَةِ الْبَعْضِيَّةِ الثَّابِتَةِ بِنُشُورِ الْعَظْمِ وَإِنْبَاتِ اللَّحْمِ، لَكِنَّهُ أَمْرٌ مُبَطَّنٌ فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِفِعْلِ الْإِرْضَاعِ. وَقَوْلُهُ: (وَمَا رَوَاهُ) جَوَابٌ عَنْ اسْتِدْلَالِ الْخَصْمِ بِأَنَّ مَا رَوَيْتُمْ إمَّا مَرْدُودٌ بِالْكِتَابِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِهِ أَقْوَى عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ قَبْلَهُ أَوْ مَنْسُوخٌ إنْ كَانَ بَعْدَهُ. وَالْإِنْشَارُ بِالرَّاءِ: الْإِحْيَاءُ، وَفِي التَّنْزِيلِ {ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} [عبس: 22] وَمِنْهُ: «لَا رَضَاعَ إلَّا مَا أَنْشَرَ الْعَظْمَ وَأَنْبَتَ اللَّحْمَ» أَيْ قَوَّاهُ وَشَدَّهُ كَأَنَّهُ أَحْيَاهُ، وَيُرْوَى بِالزَّايِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ. قَوْلُهُ: (وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ) ظَاهِرٌ.

[مدة الرضاع]

وَقَالَ زُفَرٌ: ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ؛ لِأَنَّ الْحَوْلَ حَسَنٌ لِلتَّحَوُّلِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الْحَوْلَيْنِ لِمَا نُبَيِّنُ فَيُقَدَّرُ بِهِ. وَلَهُمَا قَوْله تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] وَمُدَّةُ الْحَمْلِ أَدْنَاهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَبَقِيَ لِلْفِصَالِ حَوْلَانِ. وَقَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا رَضَاعَ بَعْدَ حَوْلَيْنِ» وَلَهُ هَذِهِ الْآيَةُ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ شَيْئَيْنِ وَضَرَبَ لَهُمَا مُدَّةً فَكَانَتْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِكَمَالِهَا كَالْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ لِلدَّيْنَيْنِ، إلَّا أَنَّهُ قَامَ الْمُنْقِصُ فِي أَحَدِهِمَا فَبَقِيَ فِي الثَّانِي عَلَى ظَاهِرِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَغَيُّرِ الْغِذَاءِ لِيَنْقَطِعَ الْإِنْبَاتُ بِاللَّبَنِ وَذَلِكَ بِزِيَادَةِ مُدَّةٍ يَتَعَوَّدُ الصَّبِيُّ فِيهَا غَيْرَهُ فَقُدِّرَتْ بِأَدْنَى مُدَّةِ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّهَا مُغَيَّرَةٌ، فَإِنَّ غِذَاءَ الْجَنِينِ يُغَايِرُ غِذَاءَ الرَّضِيعِ كَمَا يُغَايِرُ غِذَاءَ الْفَطِيمِ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى مُدَّةِ الِاسْتِحْقَاقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مُدَّةُ الرَّضَاعِ] وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْحَوْلَ حَسَنٌ لِلتَّحَوُّلِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ) بِاعْتِبَارِ حَوَلَانِ الْحَوْلِ الْمُوجِبِ لِتَغْيِيرِ الطِّبَاعِ، وَلَا بُدَّ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الْحَوْلَيْنِ لِمَا تَبَيَّنَ: يَعْنِي فِي وَجْهِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: فَتُقَدَّرُ، أَيْ: الزِّيَادَةُ بِهِ: أَيْ بِالْحَوْلِ. وَلَهُمَا قَوْله تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ جَعَلَ مُدَّةَ الْحَمْلِ وَالْفِصَالِ ثَلَاثِينَ شَهْرًا، وَمُدَّةُ الْحَمْلِ أَدْنَاهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَبَقِيَ لِلْفِصَالِ حَوْلَانِ. وَقَوْلُهُ: (- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا رَضَاعَ بَعْدَ حَوْلَيْنِ» وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذِهِ الْآيَةُ) يَعْنِي: قَوْله تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] (وَوَجْهُهُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ شَيْئَيْنِ) يَعْنِي الْحَمْلَ وَالْفِصَالَ، (وَضَرَبَ لَهُمَا مُدَّةً) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَتْ الْمُدَّةُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِكَمَالِهَا كَمَا فِي الْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ لِلدَّيْنَيْنِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَخَمْسَةُ أَقْفِزَةِ حِنْطَةٍ إلَى شَهْرَيْنِ، يَكُونُ الشَّهْرَانِ أَجَلًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّيْنَيْنِ بِكَمَالِهِ إلَّا أَنَّهُ قَامَ الْمُنْقَصُ فِي أَحَدِهِمَا: يَعْنِي الْحَمْلَ وَهُوَ حَدِيثُ عَائِشَةَ: «الْوَلَدُ لَا يَبْقَى فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَلَوْ بِفَلْكَةِ مِغْزَلٍ» . فَإِنْ قُلْت: هَذَا الْمُنْقَصُ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ حَدِيثًا يَلْزَمُ بِهِ تَغْيِيرُ الْكِتَابِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْكِتَابَ مُؤَوَّلٌ. فَإِنَّ عَامَّةَ أَهْلِ التَّفْسِيرِ جَعَلُوا الْأَجَلَ الْمَضْرُوبَ لِلدَّيْنَيْنِ مُتَوَزِّعًا عَلَيْهِمَا، فَلَمْ يَكُنْ دَلَالَةُ الْكِتَابِ عَلَى مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ قَطْعِيَّةً، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQامْرَأَةً فَوَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَجِيءَ بِهَا إلَى عُثْمَانَ فَشَاوَرَ فِي رَجْمِهَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنْ خَاصَمْتُكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ خَصَمْتُكُمْ، قَالُوا كَيْفَ؟ قَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] ، وَقَالَ {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] فَحَمْلُهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَفِصَالُهُ حَوْلَانِ، فَتَرَكَهَا. وَإِذَا لَمْ تَكُنْ دَلَالَتُهَا عَلَى ذَلِكَ كَذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ التَّغْيِيرُ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ إثْبَاتُ مَسْأَلَةٍ فَرْعِيَّةٍ بِآيَةٍ مُؤَوَّلَةٍ وَلَا بُعْدَ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَغَيُّرِ الْغِذَاءِ لِيَنْقَطِعَ الْإِنْبَاتُ بِاللَّبَنِ وَيَحْصُلَ تَغَيُّرٌ إبْقَاءً لِحَيَاتِهِ، وَذَلِكَ أَيْ: التَّغَيُّرُ بِزِيَادَةِ مُدَّةٍ يَتَعَوَّدُ الصَّبِيُّ فِيهَا غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ عَنْ اللَّبَنِ دَفْعَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَوَّدَ غَيْرَهُ مُهْلِكٌ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي وَعَدَهُ الْمُصَنِّفُ لِزُفَرَ لَكِنَّهُ قَدَّرَهُ بِسَنَةٍ كَمَا فِي الْعِنِّينِ، وَقَدَّرْنَاهُ بِأَدْنَى مُدَّةِ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّهَا مُغَيِّرَةٌ، فَإِنَّ غِذَاءَ الْجَنِينِ يُغَايِرُ غِذَاءَ الرَّضِيعِ، فَإِنَّ غِذَاءَ الْجَنِينِ كَانَ غِذَاءَ أُمِّهِ ثُمَّ صَارَ لَبَنًا خَالِصًا كَمَا أَنَّ غِذَاءَ الرَّضِيعِ يُغَايِرُ غِذَاءَ الْفَطِيمِ؛ لِأَنَّ غِذَاءَ الرَّضِيعِ اللَّبَنُ، وَغِذَاءَ الْفَطِيمِ اللَّبَنُ مَرَّةً وَالطَّعَامُ أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ يُفْطَمُ تَدْرِيجًا، فَكَانَ الْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَغْيِيرِ الْغِذَاءِ، وَتَغْيِيرُ الْغِذَاءِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَلَا بُدَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. وَقَوْلُهُ: وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ يَعْنِي قَوْلَهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا رَضَاعَ بَعْدَ حَوْلَيْنِ» مَحْمُولٌ عَلَى مُدَّةِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَأَبْهَمَ الْمُصَنِّفُ الِاسْتِحْقَاقَ

وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ النَّصُّ الْمُقَيَّدُ بِحَوْلَيْنِ فِي الْكِتَابِ. قَالَ (وَإِذَا مَضَتْ مُدَّةُ الرَّضَاعِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالرَّضَاعِ تَحْرِيمٌ) لِقَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: الْمُرَادُ مِنْ: لَا رَضَاعَ بَعْدَ حَوْلَيْنِ: لَا يَسْتَحِقُّ الْوَلَدُ الرَّضَاعَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَفْيُ اسْتِحْقَاقِ الْأُجْرَةِ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ قَالُوا: إنَّ مُدَّةَ الرَّضَاعِ فِي حَقِّ اسْتِحْقَاقِ الْأَجْرِ عَلَى الْأَبِ مُقَدَّرَةٌ بِحَوْلَيْنِ عِنْدَ الْكُلِّ حَتَّى لَا تَسْتَحِقَّ الْمُطَلَّقَةُ أُجْرَةَ الرَّضَاعِ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ، وَهَذَا لِأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " لَا رَضَاعَ " لِنَفْيِ الْجِنْسِ، وَعَيْنُهُ قَدْ تُوجَدُ بَعْدَ حَوْلَيْنِ، فَكَانَ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَعَدَمُ الْجَوَازِ مُحْتَمَلَيْنِ فَلَمْ يَكُنْ حُجَّةً، وَعَلَيْهِ أَيْ: وَعَلَى الِاسْتِحْقَاقِ يُحْمَلُ النَّصُّ الْمُقَيَّدُ بِحَوْلَيْنِ فِي الْكِتَابِ: يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] بِدَلِيلٍ قَوْله تَعَالَى بَعْدَهُ {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا عَنْ تَرَاضٍ} [البقرة: 233] فَإِنَّهُ ذُكِرَ بِحَرْفِ الْفَاءِ مُعَلَّقًا لَهُ بِالتَّرَاضِي، وَلَوْ كَانَ الرَّضَاعُ بَعْدَهُ حَرَامًا لَمْ يُعَلَّقْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلرِّضَا فِي إزَالَةِ الْمُحَرَّمِ شَرْعًا (قَوْلُهُ: وَإِذَا مَضَتْ مُدَّةُ الرَّضَاعِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالرَّضَاعِ تَحْرِيمٌ) سَوَاءٌ فُطِمَ أَوْ لَمْ يُفْطَمْ، وَإِذَا فُطِمَ قَبْلَهَا لَمْ يُعْتَبَرْ الْفِطَامُ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، حَتَّى لَوْ فُطِمَ صَبِيٌّ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ أَوْ قَبْلَ ثَلَاثِينَ شَهْرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ أَرْضَعَتْهُ امْرَأَةٌ بَلْ أَنْ نُمْضِيَ عَلَيْهِ مُدَّةَ الرَّضَاعِ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ دُونَ رِوَايَةِ الْحَسَنِ إذَا اسْتَغْنَى عَنْهُ، وَمَا فِي الْكِتَابِ ظَاهِرٌ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ سَوَّى بَيْنَ الصَّغِيرِ

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا رَضَاعَ بَعْدَ الْفِصَالِ» وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ بِاعْتِبَارِ النُّشُوءِ وَذَلِكَ فِي الْمُدَّةِ إذْ الْكَبِيرُ لَا يَتَرَبَّى بِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْكَبِيرِ فِي حُرْمَةِ الرَّضَاعِ تَشَبُّثًا بِظَوَاهِر النُّصُوصِ وَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي ظَوَاهِرِ النُّصُوصِ الرَّضَاعُ وَهُوَ يَقْتَضِي رَضِيعًا لَا مَحَالَةَ وَالْكَبِيرُ لَا يُسَمَّى رَضِيعًا. رُوِيَ أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ سُئِلَ عَنْ رَضَاعِ الْكَبِيرِ فَأَوْجَبَ الْحُرْمَةَ، ثُمَّ أَتَوْا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: أَتَرَوْنَ هَذَا الْأَشْمَطَ رَضِيعًا فِيكُمْ؟ فَلَمَّا بَلَغَ أَبَا مُوسَى

[يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب]

وَلَا يُعْتَبَرُ الْفِطَامُ قَبْلَ الْمُدَّةِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا اسْتَغْنَى عَنْهُ. وَوَجْهُهُ انْقِطَاعُ النُّشُوءِ بِتَغَيُّرِ الْغِذَاءِ وَهَلْ يُبَاحُ الْإِرْضَاعُ بَعْدَ الْمُدَّةِ؟ فَقِيلَ لَا يُبَاحُ؛ لِأَنَّ إبَاحَتَهُ ضَرُورِيَّةٌ لِكَوْنِهِ جُزْءُ الْآدَمِيِّ. . قَالَ (وَيَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ) لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَا (إلَّا أُمَّ أُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَلَا يَجُوزُ) أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّ أُخْتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ: لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ. وَقَدْ اتَّفَقَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى هَذَا. [يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ] قَالَ: (وَيَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ لِمَا رَوَيْنَا) مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ " إلَّا صُورَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَهُوَ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ: (إلَّا أُمَّ أُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ) جَازَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْأُخْتِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ أُخْتٌ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَلَهَا أُمٌّ مِنْ النَّسَبِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّ أُخْتِهِ الَّتِي كَانَتْ أُمَّهَا مِنْ النَّسَبِ، وَجَازَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْأُمِّ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أُخْتٌ مِنْ النَّسَبِ وَلَهَا أُمٌّ مِنْ الرَّضَاعَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّ أُخْتِهِ الَّتِي كَانَتْ أُمَّهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَجَازَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِمَا جَمِيعًا، مِثْلُ أَنْ يَجْتَمِعَ الصَّبِيُّ وَالصَّبِيَّةُ الْأَجْنَبِيَّانِ عَلَى ثَدْيِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ وَلِلصَّبِيَّةِ أُمٌّ أُخْرَى مِنْ الرَّضَاعَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِذَلِكَ الصَّبِيِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّ أُخْتِهِ الَّتِي كَانَتْ الْأُمُّ مِنْ الرَّضَاعَةِ الَّتِي انْفَرَدَتْ

مِنْ النَّسَبِ) ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ أُمَّهُ أَوْ مَوْطُوءَةَ أَبِيهِ، بِخِلَافِ الرَّضَاعِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَ ابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعِ، وَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهَا رَضِيعًا. وَقَوْلُهُ: لِمَا رَوَيْنَا إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ»

[لبن الفحل في الرضاع هل يتعلق به تحريم]

يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْ النَّسَبِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَطِئَ أُمَّهَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا الْمَعْنَى فِي الرَّضَاعِ. . (وَامْرَأَةُ أَبِيهِ أَوْ امْرَأَةُ ابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا كَمَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْ النَّسَبِ) لِمَا رَوَيْنَا، وَذَكَرَ الْأَصْلَابَ فِي النَّصِّ لِإِسْقَاطِ اعْتِبَارِ التَّبَنِّي عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ. . (وَلَبَنُ الْفَحْلِ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ، وَهُوَ أَنْ تُرْضِعَ الْمَرْأَةُ صَبِيَّةً فَتَحْرُمُ هَذِهِ الصَّبِيَّةُ عَلَى زَوْجِهَا وَعَلَى آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ وَيَصِيرُ الزَّوْجُ الَّذِي نَزَلَ لَهَا مِنْهُ اللَّبَنُ أَبًا لِلْمُرْضَعَةِ) وَفِي أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ: لَبَنُ الْفَحْلِ لَا يُحَرِّمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: (لِإِسْقَاطِ اعْتِبَارِ التَّبَنِّي) فَإِنَّ حَلِيلَةَ الِابْنِ الْمُتَبَنَّى كَانَتْ حَرَامًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِإِسْقَاطِ حَلِيلَةِ ابْنِ الرَّضَاعِ أَوْ لِإِسْقَاطِهِمَا جَمِيعًا. وَمَا وَجْهُ تَرْجِيحِ جَانِبِ حَلِيلَةِ الِابْنِ الْمُتَبَنَّى فِي الْإِسْقَاطِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ حُرْمَةَ حَلِيلَةِ ابْنِ الرَّضَاعِ ثَابِتَةٌ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» فَحَمَلْنَاهُ عَلَى حَلِيلَةِ الِابْنِ الْمُتَبَنَّى لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّدَافُعُ بَيْنَ مُوجِبِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ. [لَبَنُ الْفَحْلِ فِي الرَّضَاع هَلْ يَتَعَلَّقُ بِهِ تَحْرِيمُ] وَقَوْلُهُ: (وَلَبَنُ الْفَحْلِ)

لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لِشُبْهَةِ الْبَعْضِيَّةِ وَاللَّبَنُ بَعْضُهَا لَا بَعْضُهُ. وَلَنَا مَا رَوَيْنَا، وَالْحُرْمَةُ بِالنَّسَبِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَكَذَا بِالرَّضَاعِ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «لِيَلِجْ عَلَيْكِ أَفْلَحُ فَإِنَّهُ عَمُّك مِنْ الرَّضَاعَةِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ بَابِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى سَبَبِهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ اللَّبَنِ إنَّمَا هُوَ الْفَحْلُ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ: (- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَائِشَةَ «لِيَلِجَ عَلَيْكِ أَفْلَحُ فَإِنَّهُ عَمُّك مِنْ الرَّضَاعَةِ» ) دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ عَائِشَةَ ارْتَضَعَتْ مِنْ امْرَأَةِ أَبِي الْقُعَيْسِ وَكَانَ اسْمُ أَخِي أَبِي قُعَيْسٍ أَفْلَحَ، فَلَمَّا كَانَتْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ أُمًّا لَهَا كَانَ زَوْجُهَا أَبًا لَهَا وَأَخُو الزَّوْجِ عَمًّا لَهَا لَا مَحَالَةَ، وَرُوِيَ أَنَّهَا «قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ دَخَلَ عَلَيَّ وَأَنَا فِي ثِيَابِ فَضْلٍ، فَقَالَ: لِيَلِجَ عَلَيْك فَإِنَّهُ عَمُّك مِنْ الرَّضَاعَةِ، فَقَالَتْ: إنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ لَا الرَّجُلُ، فَقَالَ: عَمُّك مِنْ الرَّضَاعَةِ» وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِاعْتِبَارِ

وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ لِنُزُولِ اللَّبَنِ مِنْهَا فَيُضَافُ إلَيْهِ فِي مَوْضِعِ الْحُرْمَةِ احْتِيَاطًا (وَيَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ بِأُخْتِ أَخِيهِ مِنْ الرَّضَاعِ) ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِ أَخِيهِ مِنْ النَّسَبِ وَذَلِكَ مِثْلُ الْأَخِ مِنْ الْأَبِ إذَا كَانَتْ لَهُ أُخْتٌ مِنْ أُمِّهِ جَازَ لِأَخِيهِ مِنْ أَبِيهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا. . (وَكُلُّ صَبِيَّيْنِ اجْتَمَعَا عَلَى ثَدْيٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْأُخْرَى) هَذَا هُوَ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّ أُمَّهُمَا وَاحِدَةٌ فَهُمَا أَخٌ وَأُخْتٌ (وَلَا يَتَزَوَّجُ الْمُرْضَعَةَ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ الَّتِي أَرْضَعَتْ) ؛ لِأَنَّهُ أَخُوهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلَبَنِ الْفَحْلِ؛ وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ لِنُزُولِ اللَّبَنِ مِنْهَا فَيُضَافُ إلَيْهِ فِي مَوْضِعِ الْحُرْمَةِ احْتِيَاطًا. فَإِنْ قِيلَ: مَا قَامَ مَقَامَ الشَّيْءِ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلَ ذَلِكَ أَوْ دُونَهُ لَا مَحَالَةَ، وَهَاهُنَا لَوْ ارْتَضَعَ الصَّبِيُّ مِنْ ثُنْدُوَةِ الرَّجُلِ نَفْسِهِ إذَا نَزَلَ مِنْهُ اللَّبَنُ لَا يَثْبُتُ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ، فَكَيْفَ يَثْبُتُ بِارْتِضَاعِ اللَّبَنِ بِسَبَبِهِ وَلَا تَثْبُتُ مِنْ اللَّبَنِ الْحَاصِلِ مِنْ نَفْسِهِ أُجِيبَ بِأَنَّ افْتِرَاقَ الْحُكْمِ لِافْتِرَاقِ الْوَصْفِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِسَبَبِ الرَّضَاعِ لَا يُوجَدُ فِي إرْضَاعِ الرَّجُلِ، فَإِنَّ مَا يَنْزِلُ مِنْ ثُنْدُوَةِ الرَّجُلِ لَا يَتَغَذَّى بِهِ الصَّبِيُّ وَلَا يَحْصُلُ بِهِ إنْبَاتُ اللَّحْمِ، وَهُوَ نَظِيرُ وَطْءِ الْمَيِّتَةِ فِي أَنَّهُ لَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ مَوْجُودًا، وَإِنَّمَا اخْتَارُوا هَذِهِ الْعِبَارَةَ وَهِيَ مُلْبِسَةٌ فَإِنَّهَا تُوهِمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يَنْزِلُ مِنْ ثُنْدُوَتِهِ لِيُعْلَمَ أَنَّ الْمُرَادَ مَا يَنْزِلُ مِنْ الْمَرْأَةِ بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ أَوْ الْحَمْلِ مِنْ زَوْجِهَا، حَتَّى لَوْ نَزَلَ لَهَا اللَّبَنُ بِدُونِهِمَا كَمَا يَنْزِلُ لِلْبِكْرِ كَانَ ذَلِكَ لَبَنَ الْمَرْأَةِ خَاصَّةً لَا لَبَنَ الْفَحْلِ وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ تَحْتَ زَوْجِهَا. وَلَيْسَ حِلُّ الْوَطْءِ فِي الْإِحْبَالِ شَرْطَ الْحُرْمَةِ حَتَّى لَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَوَلَدَتْ مِنْهُ فَأَرْضَعَتْ بِهَذَا اللَّبَنِ صَبِيَّةً كَانَ لَبَنُ الْفَحْلِ لَا يَحِلُّ لِلزَّانِي هَذَا أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَذِهِ الصَّبِيَّةِ وَلَا لِأَبِيهِ وَلَا لِابْنِهِ وَلَا لِأَبْنَاءِ أَوْلَادِهِ لِوُجُودِ الْبَعْضِيَّةِ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَبَيْنَ الزَّانِي. وَقَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ) وَاضِحٌ. صَبِيَّيْنِ اجْتَمَعَا عَلَى ثَدْيٍ وَاحِدَةٍ وَقَوْلُهُ: (وَكُلُّ صَبِيَّيْنِ اجْتَمَعَا) غَلَّبَ الصَّبِيَّ عَلَى الصَّبِيَّةِ كَمَا فِي الْقَمَرَيْنِ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ عَلَى ثَدْيٍ وَاحِدَةٍ: أَيْ: ثَدْيِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، لِأَنَّهُمَا لَوْ اجْتَمَعَا عَلَى ضَرْعِ بَهِيمَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ كَمَا سَيَجِيءُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ هَذِهِ الْحُرْمَةِ بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ وَذَلِكَ يَخْتَصُّ بِلَبَنِ الْآدَمِيَّةِ دُونَ الْأَنْعَامِ. وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَتَزَوَّجُ الْمُرْضَعَةُ أَحَدًا مِنْ وُلْدِ الَّتِي أَرْضَعَتْ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْمُرْضَعَةُ بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ وَبِالرَّفْعِ عَلَى

وَلَا وَلَدُ وَلَدِهَا) ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُ أَخِيهَا. . (وَلَا يَتَزَوَّجُ الصَّبِيُّ الْمُرْضَعُ أُخْت زَوْجِ الْمُرْضَعَةِ؛ لِأَنَّهَا عَمَّتُهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَإِذَا اخْتَلَطَ اللَّبَنُ بِالْمَاءِ وَاللَّبَنُ هُوَ الْغَالِبُ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ) وَإِنْ غَلَبَ الْمَاءُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحْرِيمُ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ يَقُولُ: إنَّهُ مَوْجُودٌ فِيهِ حَقِيقَةً، وَنَحْنُ نَقُولُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَاعِلِيَّةِ وَنَصَبَ أَحَدًا عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ مِنْ وُلْدِ الَّتِي عَلَى طَرِيقِ الْإِضَافَةِ وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ مِنْ النُّسَخِ، وَفِي نُسْخَةٍ أُخْرَى: وَلَا يَتَزَوَّجُ الْمُرْضِعَةَ أَحَدٌ مِنْ وُلْدِ الَّتِي أَرْضَعَتْ بِعَكْسِ الْأُولَى فِي الْفَاعِلِيَّةِ وَالْمَفْعُولِيَّةِ، وَهَذَا أَيْضًا صَحِيحٌ وَكَانَ كِلَاهُمَا بِخَطِّ شَيْخِي، وَنُسْخَتَانِ أُخْرَيَانِ لَيْسَتَا بِصَحِيحَتَيْنِ وَهُمَا بَعْدَ صِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ فِي الْمُرْضِعَةِ كَوْنُهَا فَاعِلَةً أَوْ مَفْعُولَةً عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَلَكِنْ هَذَا التَّقْدِيرَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مِنْ الْوَلَدِ الَّذِي أَرْضَعَتْهُ مُعَرَّفًا بِاللَّامِ، وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (وَإِذَا اخْتَلَطَ اللَّبَنُ بِالْمَاءِ وَاللَّبَنُ هُوَ الْغَالِبُ) فَسَّرَ مُحَمَّدٌ الْغَلَبَةَ قَالَ: إنْ لَمْ يُغَيِّرْ الدَّوَاءُ اللَّبَنَ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ وَإِنْ غَيَّرَ لَا تَثْبُتُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ غَيَّرَ طَعْمَ اللَّبَنِ وَلَوْنَهُ لَا يَكُونُ رَضَاعًا، وَإِنْ غَيَّرَ أَحَدَهُمَا يَكُونُ رَضَاعًا. وَقَوْلُهُ: (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) فَإِنَّ عِنْدَهُ إذَا اخْتَلَطَ مِقْدَارُ مَا يَحْصُلُ بِهِ خَمْسُ رَضَعَاتٍ مِنْ اللَّبَنِ فِي جُبِّ الْمَاءِ فَشَرِبَهُ الصَّبِيُّ تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ، هُوَ يَقُولُ: إنَّهُ مَوْجُودٌ حَقِيقَةً فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا،؛ لِأَنَّ الْمَحْسُوسَ لَا يُنْكَرُ. وَنَحْنُ نَقُولُ: مَغْلُوبٌ، وَالْمَغْلُوبُ فِي مُقَابَلَةِ الْغَالِبِ غَيْرُ مَوْجُودٍ حُكْمًا كَمَا فِي الْيَمِينِ. حَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَبَنًا فَشَرِبَ لَبَنًا مَخْلُوطًا بِالْمَاءِ، وَالْمَاءُ غَالِبٌ عَلَى اللَّبَنِ لَا يَحْنَثُ. فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى هَذَا إنْ اُعْتُبِرَتْ جِهَةُ الْحُكْمِ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ وَإِنْ اُعْتُبِرَتْ جِهَةُ الْحَقِيقَةِ تَثْبُتُ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ مَوْجُودٌ حَقِيقَةً، وَإِنْ قِيلَ: فَعِنْدَ التَّعَارُضِ تُرَجَّحُ الْحُرْمَةُ احْتِيَاطًا. أُجِيبَ بِأَنَّ التَّعَارُضَ لَمْ يَثْبُتْ؛ لِأَنَّ التَّعَارُضَ عِبَارَةٌ عَنْ تَقَابُلِ الْحُجَّتَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ، وَهَاهُنَا لَمْ تَثْبُتْ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ لِلْغَالِبِ فَضْلًا ذَاتِيًّا، وَلِلْمَغْلُوبِ فَضْلًا حَالِيًّا وَهُوَ جِهَةُ الْحُرْمَةِ، وَكَانَ التَّرْجِيحُ لِمَعْنًى رَاجِعٍ إلَى الذَّاتِ لَا لِمَعْنًى رَاجِعٍ إلَى الْحَالِ، وَهَذَا كَمَا يُرَى مُتَنَاقِضٌ؛ لِأَنَّهُ نَفَى التَّعَارُضَ وَأَثْبَتَ التَّرْجِيحَ لِلْفَضْلِ الذَّاتِيِّ، وَلَا تَرْجِيحَ إلَّا بَعْدَ التَّعَارُضِ. وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: لَا تَعَارُضَ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ لَا تُعَارِضُ الْحُكْمَ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ بِالرَّضَاعِ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ، فَمَا لَمْ يَكُنْ فِي الْحُكْمِ مَوْجُودًا لَا مَدْخَلَ لَهُ فِيهِ. سَلَّمْنَاهُ وَلَكِنْ تَعَارَضَ ضَرْبًا تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا رَاجِعٌ إلَى الذَّاتِ وَالْآخَرُ إلَى الْحَالِ،

الْمَغْلُوبُ غَيْرُ مَوْجُودٍ حُكْمًا حَتَّى لَا يَظْهَرَ فِي مُقَابَلَةِ الْغَالِبِ كَمَا فِي الْيَمِينِ (وَإِنْ اخْتَلَطَ بِالطَّعَامِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحْرِيمُ) وَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ غَالِبًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَا: إذَا كَانَ اللَّبَنُ غَالِبًا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قَوْلُهُمَا فِيمَا إذَا لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ، حَتَّى لَوْ طَبَخَ بِمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا. لَهُمَا أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْغَالِبِ كَمَا فِي الْمَاءِ إذَا لَمْ يُغَيِّرْهُ شَيْءٌ عَنْ حَالِهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الطَّعَامَ أَصْلٌ وَاللَّبَنُ تَابِعٌ لَهُ فِي حَقِّ الْمَقْصُودِ فَصَارَ كَالْمَغْلُوبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَمَوْضِعُهُ الْأُصُولُ. وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا مَا إذَا وَقَعَ قَطْرَةٌ مِنْ الدَّمِ أَوْ الْخَمْرِ فِي جُبٍّ مِنْ الْمَاءِ نَجَّسَهُ وَإِنْ غَلَبَ الْمَاءُ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ غَالِبًا حُكْمًا؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ الْمَاءِ فِي الْحُكْمِ هُوَ أَنْ يَكُونَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ وَمَا دُونَهُ فِي حُكْمِ الْقَلِيلِ، فَلَمْ تَكُنْ الْحَقِيقَةُ مُعَارِضَةً لِلْحُكْمِ بَلْ كَانَتْ مَوْجُودَةً مَعَهُ. وَقَوْلُهُ: (وَإِذَا اخْتَلَطَ اللَّبَنُ بِالطَّعَامِ) وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ: (لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ غَالِبًا أَوْ مَغْلُوبًا، أَمَّا إذَا كَانَ مَغْلُوبًا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَ غَالِبًا فَلِأَنَّهُ إذَا طُبِخَ بِالطَّعَامِ يَصِيرُ اللَّبَنُ تَبَعًا لِلطَّعَامِ وَإِنْ كَانَ غَالِبًا حَتَّى لَا يُسَمَّى لَبَنًا مُطْلَقًا. وَقَوْلُهُ: (فَصَارَ كَالْمَغْلُوبِ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَغْلُوبَ غَيْرُ مَوْجُودٍ حُكْمًا، أَمَّا مَا لَمْ يَكُنْ مَغْلُوبًا أَوْ يَكُونُ كَالْمَغْلُوبِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَيْسَ

وَلَا مُعْتَبَرَ بِتَقَاطُرِ اللَّبَنِ مِنْ الطَّعَامِ عِنْدَهُ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ التَّغَذِّي بِالطَّعَامِ إذْ هُوَ الْأَصْلُ. . (وَإِنْ اخْتَلَطَ بِالدَّوَاءِ وَاللَّبَنُ غَالِبٌ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ) ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ يَبْقَى مَقْصُودًا فِيهِ، إذْ الدَّوَاءُ لِتَقْوِيَتِهِ عَلَى الْوُصُولِ، وَإِذَا اخْتَلَطَ اللَّبَنُ بِلَبَنِ الشَّاةِ وَهُوَ الْغَالِبُ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ (وَإِنْ غَلَبَ لَبَنُ الشَّاةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحْرِيمُ) اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ كَمَا فِي الْمَاءِ. . (وَإِذَا اخْتَلَطَ لَبَنُ امْرَأَتَيْنِ تَعَلَّقَ التَّحْرِيمُ بِأَغْلَبِهِمَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ صَارَ شَيْئًا وَاحِدًا فَيُجْعَلُ الْأَقَلُّ تَابِعًا لِلْأَكْثَرِ فِي بِنَاءِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ) وَزُفَرٌ (يَتَعَلَّقُ التَّحْرِيمُ بِهِمَا) ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ لَا يَغْلِبُ الْجِنْسَ فَإِنَّ الشَّيْءَ لَا يَصِيرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَوْجُودٍ. وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذِهِ مُنَاقَشَةٌ لَفْظِيَّةٌ تَنْدَفِعُ بِجَعْلِ الْكَافِ زَائِدَةً. وَقَوْلُهُ: (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ إذَا لَمْ يَتَقَاطَرْ اللَّبَنُ مِنْ الطَّعَامِ عِنْدَ حَمْلِ اللُّقْمَةِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ يَتَقَاطَرُ مِنْهُ فَتَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْقَطْرَةَ مِنْ اللَّبَنِ إذَا دَخَلَتْ حَلْقَ الصَّبِيِّ كَانَتْ كَافِيَةً لِإِثْبَاتِ الْحُرْمَةِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ عَلَى كُلِّ حَالٍ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ التَّغَذِّيَ بِالطَّعَامِ هُوَ الْأَصْلُ دُونَ اللَّبَنِ، وَالْمُعْتَبَرُ لِمَا يَقَعُ بِهِ التَّغَذِّي الْمُوجِبُ لِإِنْبَاتِ اللَّحْمِ. وَإِنْ خُلِطَ بِالدَّوَاءِ وَاللَّبَنُ غَالِبٌ فِيهِ تَعَلَّقَ التَّحْرِيمُ بِهِ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ يَبْقَى مَقْصُودًا فِيهِ حَيْثُ جُعِلَ غَالِبًا وَالدَّوَاءُ يُخْلَطُ بِهِ لِيُقَوِّيَهُ عَلَى الْوُصُولِ إلَى مَا لَا يَصِلُ إلَيْهِ بِانْفِرَادِهِ. فَإِنْ قُلْت: إذَا كَانَ الدَّوَاءُ لِتَقْوِيَتِهِ عَلَى الْوُصُولِ وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ الْغَالِبُ وَالْمَغْلُوبُ؛ لِأَنَّ وُصُولَ قَطْرَةٍ مِنْهُ يَحْرُمُ. قُلْت: النَّظَرُ هَاهُنَا إلَى الْمَقْصُودِ، فَإِنْ كَانَ غَالِبًا كَانَ الْقَصْدُ إلَى التَّغَذِّي بِهِ وَالدَّوَاءُ لِتَقْوِيَتِهِ عَلَى الْوُصُولِ، وَإِذَا كَانَ مَغْلُوبًا كَانَ الْقَصْدُ إلَى التَّدَاوِي وَاللَّبَنِ لِتَسْوِيَةِ الدَّوَاءِ، يَلُوحُ إلَى هَذَا قَوْلُهُ: وَإِذَا خُلِطَ دُونَ اخْتَلَطَ، وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ اللَّبَن يَبْقَى مَقْصُودًا. قَالَ: (وَإِذَا اخْتَلَطَ اللَّبَنُ بِلَبَنِ شَاةٍ) . صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ ظَاهِرَةٌ، وَكَذَا تَعْلِيلُ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَغْلُوبَ كَالْمُسْتَهْلَكِ لِعَدَمِ بَقَاءِ مَنْفَعَتِهِ. كَمَا إذَا صُبَّ كُوزٌ مِنْ الْمَاءِ الْعَذْبِ فِي الْبَحْرِ. وَوَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ أَنَّ الْغَلَبَةَ هَاهُنَا غَيْرُ مُتَصَوَّرَةٍ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ لَا يَغْلِبُ الْجِنْسَ، إذْ الْغَلَبَةُ بِالِاسْتِهْلَاكِ وَالشَّيْءُ لَا يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا فِي جِنْسِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ بِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْمُسْتَهْلَكِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي اخْتِلَافَ الْمَقْصُودِ، وَالْمَقْصُودُ هُنَا مُتَّحِدٌ، وَإِذَا لَمْ يَتَصَوَّرْ الْغَلَبَةَ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْمَقْصُودِ فَيَتَحَقَّقُ الرَّضَاعُ مِنْ الْقَلِيلِ صُورَةً وَمَعْنًى فَتَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِهِمَا جَمِيعًا، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذَا رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ قَوْلُهُ: كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ، وَفِي رِوَايَةٍ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ، وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْأَيْمَانِ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ لَبَنِ هَذِهِ الْبَقَرَةِ فَخُلِطَ لَبَنُهَا بِلَبَنِ بَقَرَةٍ أُخْرَى وَهُوَ غَالِبٌ فَشَرِبَهُ فَهُوَ عَلَى هَذَا

[إذا نزل للبكر لبن فأرضعت صبيا هل يتعلق به التحريم]

مُسْتَهْلَكًا فِي جِنْسِهِ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذَا رِوَايَتَانِ، وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْأَيْمَانِ. [إذَا نَزَلَ لِلْبِكْرِ لَبَنٌ فَأَرْضَعَتْ صَبِيًّا هَلْ يَتَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ] (وَإِذَا نَزَلَ لِلْبِكْرِ لَبَنٌ فَأَرْضَعَتْ صَبِيًّا تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ) لِإِطْلَاقِ النَّصِّ وَلِأَنَّهُ سَبَبُ النُّشُوءِ فَتَثْبُتُ بِهِ شُبْهَةُ الْبَعْضِيَّةِ. . (وَإِذَا حَلَبَ لَبَنَ الْمَرْأَةِ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَوْجَرَ الصَّبِيَّ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، هُوَ يَقُولُ: الْأَصْلُ فِي ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ إنَّمَا هُوَ الْمَرْأَةُ ثُمَّ تَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهَا بِوَاسِطَتِهَا، وَبِالْمَوْتِ لَمْ تَبْقَ مَحَلًّا لَهَا، وَلِهَذَا لَا يُوجِبُ وَطْؤُهَا حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ. وَلَنَا أَنَّ السَّبَبَ هُوَ شُبْهَةُ الْجُزْئِيَّةِ وَذَلِكَ فِي اللَّبَنِ لِمَعْنَى الْإِنْشَازِ وَالْإِنْبَاتِ وَهُوَ قَائِمٌ بِاللَّبَنِ، وَهَذِهِ الْحُرْمَةُ تَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَيِّتَةِ دَفْنًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاخْتِلَافِ، عَنْهُ أَبِي يُوسُفَ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْمَغْلُوبَ كَالْمُسْتَهْلَكِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَتَكَثَّرُ بِجِنْسِهِ وَلَا يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا. [وَإِذَا اخْتَلَطَ لَبَنُ امْرَأَتَيْنِ فِي الرَّضَاع هَلْ يَتَعَلَّقَ التَّحْرِيمُ بِأَغْلَبِهِمَا] وَقَوْلُهُ: (وَإِذَا نَزَلَ لِلْبِكْرِ لَبَنٌ) ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا حَلَبَ لَبَنَ الْمَرْأَةِ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأُوجِرَ الصَّبِيُّ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) قُيِّدَ بِالْمَوْتِ، لِأَنَّهُ لَوْ حَلَبَ قَبْلَ الْمَوْتِ وَأُوجِرَ بَعْدَ الْمَوْتِ كَانَ قَوْلُهُ: كَقَوْلِنَا عَلَى الْأَظْهَرِ. هُوَ يَقُولُ: الْأَصْلُ فِي ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ إنَّمَا هُوَ الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ ثَبَتَتْ بَيْنَهُمَا ثُمَّ تَتَعَدَّى مِنْهَا إلَى غَيْرِهَا بِوَاسِطَةٍ وَبِالْمَوْتِ لَمْ تَبْقَ مَحَلًّا لَهَا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، وَلِهَذَا لَا يُوجِبُ وَطْؤُهَا حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي الْحُرْمَةِ وَلَمْ تَبْقَ مَحَلًّا لَهَا حَتَّى تَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهَا. وَلَنَا أَنَّ السَّبَبَ هُوَ شُبْهَةُ الْجُزْئِيَّةِ وَذَلِكَ فِي اللَّبَنِ بِمَعْنَى الْإِنْشَارِ وَالْإِنْبَاتِ، وَهُوَ قَائِمٌ بِاللَّبَنِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ كَوْنِهِ مُغَذِّيًا كَمَا أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ لَحْمُهُ عَنْ ذَلِكَ، وَالْفَائِدَةُ لَمْ تَنْحَصِرْ فِي ظُهُورِ الْحُرْمَةِ فِيهَا بَلْ تَظْهَرُ فِي الْمَيِّتَةِ دَفْنًا وَتَيَمُّمًا بِأَنْ كَانَ لِهَذِهِ الْمُرْضِعَةِ الَّتِي أُوجِرَ لَبَنُ هَذِهِ الْمَيِّتَةِ فِي فَمِهَا زَوْجٌ فَإِنَّ لِهَذَا الزَّوْجِ أَنْ يَدْفِنَ وَيُيَمِّمَ الْمَيِّتَةَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَحْرَمًا لَهَا حَيْثُ صَارَتْ أُمَّ امْرَأَتِهِ. وَقَوْلُهُ: وَأَمَّا الْحُرْمَةُ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ: وَلِهَذَا لَا يُوجِبُ وَطْؤُهَا حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ: يَعْنِي أَنَّ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ بِالْوَطْءِ إنَّمَا تَثْبُتُ بِمُلَاقَاتِهِ بِمَحَلِّ الْحَرْثِ لِتَثْبُتَ بِهِ الْحُرْمَةُ وَمَحَلُّ الْحَرْثِ قَدْ زَالَ

وَتَيَمُّمًا. أَمَّا الْحُرْمَةُ فِي الْوَطْءِ لِكَوْنِهِ مُلَاقِيًا لِمَحَلِّ الْحَرْثِ وَقَدْ زَالَ بِالْمَوْتِ فَافْتَرَقَا. . (وَإِذَا احْتَقَنَ الصَّبِيُّ بِاللَّبَنِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحْرِيمُ) وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ كَمَا يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ الْمُفْسِدَ فِي الصَّوْمِ إصْلَاحُ الْبَدَنِ وَيُوجَدُ ذَلِكَ فِي الدَّوَاءِ. فَأَمَّا الْمُحَرَّمُ فِي الرَّضَاعِ فَمَعْنَى النُّشُوءِ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي الِاحْتِقَانِ؛ لِأَنَّ الْمُغَذِّي ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْمَوْتِ فَافْتَرَقَا. احْتَقَنَ الصَّبِيُّ بِاللَّبَنِ وَقَوْلُهُ: (وَإِذَا احْتَقَنَ بِاللَّبَنِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: صَوَابُهُ حُقِنَ لَا احْتَقَنَ، يُقَالُ: حَقَنَ الْمَرِيضَ دَاوَاهُ بِالْحُقْنَةِ، وَاحْتَقَنَ الصَّبِيُّ غَيْرُ صَحِيحٍ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ، وَاحْتُقِنَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ غَيْرُ جَائِزٍ فَتَعَيَّنَ حَقَنَ، وَلَكِنْ ذُكِرَ فِي تَاجِ الْمَصَادِرِ الِاحْتِقَانُ حَقَنَهُ كَرَدَنَ فَجَعَلَهُ مُتَعَدِّيًا فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ مَبْنِيًّا

[نزل للرجل لبن فأرضع به صبيا]

وُصُولُهُ مِنْ الْأَعْلَى. . (وَإِذَا نَزَلَ لِلرَّجُلِ لَبَنٌ فَأَرْضَعَ بِهِ صَبِيًّا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحْرِيمُ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَبَنٍ عَلَى التَّحْقِيقِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ النُّشُوءُ وَالنُّمُوُّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ مِمَّنْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْوِلَادَةُ. . (وَإِذَا شَرِبَ صَبِيَّانِ مِنْ لَبَنِ شَاةٍ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحْرِيمُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا جُزْئِيَّةَ بَيْنَ الْآدَمِيِّ وَالْبَهَائِمِ وَالْحُرْمَةُ بِاعْتِبَارِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْمَفْعُولِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ فِي اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ، وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ. [نَزَلَ لِلرَّجُلِ لَبَنٌ فَأَرْضَعَ بِهِ صَبِيًّا] (قَوْلُهُ: وَهَذَا لِأَنَّ اللَّبَنَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ مِمَّنْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْوِلَادَةُ) بَيَانُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ اللَّبَنَ فِي الْأَصْلِ لِغِذَاءِ الْوَلَدِ لِعَدَمِ احْتِمَالِهِ لِسَائِرِ الْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ فِي ابْتِدَاءِ حَالِهِ لِيَقُومَ مَقَامَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، فَلِهَذَا اخْتَصَّ اللَّبَنُ عَلَى التَّحْقِيقِ بِمَنْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْوِلَادَةُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ. وَهَذَا لَا يُفِيدُ الِاخْتِصَاصَ بِمَنْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْوِلَادَةُ إذَا تَأَمَّلْت لَكِنَّ اخْتِصَاصَهُ بِالْأُنْثَى الْوَلُودِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ أَذُونًا لَا صَمُوخًا فِي غَيْرِ الْآدَمِيِّ مِمَّا هُوَ ثَابِتٌ بِالِاسْتِقْرَاءِ لَمْ يَخْتَلِفْ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا فِي الْآدَمِيِّ فِي الذَّكَرِ لَيْسَ بِلَبَنٍ عَلَى التَّحْقِيقِ كَدَمِ السَّمَكِ. (وَإِذَا شَرِبَ صَبِيَّانِ مِنْ لَبَنِ شَاةٍ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحْرِيمُ؛ لِأَنَّهُ لَا جُزْئِيَّةَ بَيْنَ الْآدَمِيِّ وَالْبَهَائِمِ وَالْحُرْمَةُ بِاعْتِبَارِهَا) وَذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ فِي هَذَا حِكَايَةٌ وَهِيَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ صَاحِبَ الْأَخْبَارِ كَانَ

وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ صَغِيرَةً وَكَبِيرَةً فَأَرْضَعَتْ الْكَبِيرَةُ الصَّغِيرَةَ حُرِّمَتَا عَلَى الزَّوْجِ) ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ رَضَاعًا وَذَلِكَ حَرَامٌ كَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا نَسَبًا (ثُمَّ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِالْكَبِيرَةِ فَلَا مَهْرَ لَهَا) ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقُولُ: تَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ، فَإِنَّهُ دَخَلَ بُخَارَى فِي زَمَانِ الشَّيْخِ أَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ وَجَعَلَ يُفْتِي فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ: لَا تَفْعَلْ فَإِنَّك لَسْت هُنَاكَ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ نُصْحَهُ حَتَّى اسْتَفْتَى عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَفْتَى بِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ فَاجْتَمَعُوا وَأَخْرَجُوهُ مِنْ بُخَارَى. قَالَ: (وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ صَغِيرَةً وَكَبِيرَةً فَأَرْضَعَتْ الْكَبِيرَةُ الصَّغِيرَةَ حَرُمَتَا عَلَى الزَّوْجِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ رَضَاعًا وَذَلِكَ حَرَامٌ كَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا نَسَبًا) فَأَمَّا الْكَبِيرَةُ فَإِنَّ حُرْمَتَهَا مُؤَبَّدَةٌ، وَكَذَلِكَ الصَّغِيرَةُ إنْ كَانَ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا جَازَ التَّزَوُّجُ بِالصَّغِيرَةِ؛ لِأَنَّهَا رَبِيبَةٌ لَمْ يَدْخُلْ بِأُمِّهَا (ثُمَّ إنَّهُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِالْكَبِيرَةِ فَلَا مَهْرَ لَهَا) إنْ تَعَمَّدَتْ الْفَسَادَ أَوْ لَمْ تَتَعَمَّدْ؛ (لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا) قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَلِلصَّغِيرَةِ

قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا (وَلِلصَّغِيرَةِ نِصْفُ الْمَهْرِ) ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ لَا مِنْ جِهَتِهَا، وَالِارْتِضَاعُ وَإِنْ كَانَ فِعْلًا مِنْهَا لَكِنَّ فِعْلَهَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي إسْقَاطِ حَقِّهَا كَمَا إذَا قَتَلَتْ مُوَرِّثَهَا (وَيَرْجِعُ بِهِ الزَّوْجُ عَلَى الْكَبِيرَةِ إنْ كَانَتْ تَعَمَّدَتْ بِهِ الْفَسَادَ، وَإِنْ لَمْ تَتَعَمَّدْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا، وَإِنْ عَلِمَتْ بِأَنَّ الصَّغِيرَةَ امْرَأَتُهُ) وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي الْوَجْهَيْنِ. وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ أَكَّدَتْ مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ وَهُوَ نِصْفُ الْمَهْرِ وَذَلِكَ يَجْرِي مَجْرَى الْإِتْلَافِ لَكِنَّهَا مُسَبَّبَةٌ فِيهِ إمَّا لِأَنَّ الْإِرْضَاعَ لَيْسَ بِإِفْسَادٍ لِلنِّكَاحِ وَضْعًا وَإِنَّمَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْحَالِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا (وَلِلصَّغِيرَةِ نِصْفُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ لَمْ تَجِئْ مِنْ قِبَلِهَا) فَإِنْ قِيلَ: الْعِلَّةُ لِلْفُرْقَةِ الِارْتِضَاعُ وَهِيَ فِعْلُهَا فَلِمَ لَمْ تُضَفْ الْفُرْقَةُ إلَيْهَا؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ: (وَالِارْتِضَاعُ وَإِنْ كَانَ فِعْلًا مِنْهَا لَكِنْ فِعْلُهَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا فِي إسْقَاطِ حَقِّهَا) أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ قَتَلَتْ مُوَرِّثَهَا لَمْ تُحْرَمْ مِنْ الْمِيرَاثِ؟ . وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِصَغِيرَةٍ مُسْلِمَةٍ تَحْتَ مُسْلِمٍ ارْتَدَّ أَبَوَاهَا وَلَحِقَا بِهَا بِدَارِ الْحَرْبِ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا وَلَا يُقْضَى لَهَا بِشَيْءٍ مِنْ الْمَهْرِ وَلَمْ يُوجَدْ الْفِعْلُ مِنْهَا. وَالْجَوَابُ: إنَّا قَدْ قُلْنَا كُلَّمَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِفِعْلٍ مِنْ جِهَتِهَا أَسْقَطَتْ حَقَّهَا وَلَمْ يَلْزَمْ أَنَّ كُلَّمَا لَمْ تَقَعْ الْفُرْقَةُ بِفِعْلٍ مِنْ جِهَتِهَا لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَحِقَهَا أَمْرٌ أَخْرَجَهَا عَنْ مَحَلِّيَّةِ النِّكَاحِ كَالرِّدَّةِ الْحَاصِلَةِ بِتَبَعِيَّةِ الْأَبَوَيْنِ أَسْقَطَ حَقَّهَا (وَيُرْجَعُ بِهِ) أَيْ: بِمَا أَدَّى مِنْ نِصْفِ مَهْرِ الصَّغِيرَةِ (عَلَى الْكَبِيرَةِ إنْ كَانَتْ تَعَمَّدَتْ الْفَسَادَ) بِأَنْ قَصَدَتْ بِالْإِرْضَاعِ إفْسَادَ النِّكَاحِ، (وَإِنْ لَمْ تَتَعَمَّدْ) بِأَنْ قَصَدَتْ دَفْعَ الْهَلَاكِ عَنْهَا جُوعًا (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ الصَّغِيرَةَ امْرَأَةُ زَوْجِهَا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا فِي الْوَجْهَيْنِ) جَمِيعًا يَعْنِي فِي تَعَمُّدِ الْفَسَادِ وَعَدَمِهِ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْمُسَبِّبَ كَالْمُبَاشِرِ وَلِهَذَا جُعِلَ فَتْحُ بَابِ الْقَفَصِ وَالْإِصْطَبْلِ وَحَلُّ قَيْدِ الْآبِقِ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَفِي الْمُبَاشَرَةِ الْمُتَعَدِّي وَغَيْرُ الْمُتَعَدِّي سَوَاءٌ فَكَذَلِكَ فِي التَّسَبُّبِ، (وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ أَكَّدَتْ مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ وَهُوَ نِصْفُ الْمَهْرِ) بِتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ إذَا بَلَغَتْ حَدًّا تُشْتَهَى، (وَذَلِكَ يَجْرِي مَجْرَى الْإِتْلَافِ) فِي إيجَابِ الضَّمَانِ، (لَكِنَّهَا مُسَبِّبَةٌ فِي ذَلِكَ) بِالتَّأْكِيدِ لَا مُبَاشِرَةٌ، (إمَّا لِأَنَّ الْإِرْضَاعَ لَيْسَ بِإِفْسَادِ النِّكَاحِ وَضْعًا) ؛ لِأَنَّ وَضْعَهُ لِتَرْبِيَةِ الصَّغِيرِ لَا لِإِفْسَادِ النِّكَاحِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْإِفْسَادُ

أَوْ لِأَنَّ إفْسَادَ النِّكَاحِ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِإِلْزَامِ الْمَهْرِ بَلْ هُوَ سَبَبٌ لِسُقُوطِهِ، إلَّا أَنَّ نِصْفَ الْمَهْرِ يَجِبُ بِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQبِاتِّفَاقِ الْحَالِ لِتَأْدِيَتِهِ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ فِي مِلْكِ رَجُلٍ نِكَاحًا، أَوْ لِأَنَّ إفْسَادَ النِّكَاحِ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِإِلْزَامِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالِاتِّفَاقِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَقَوِّمٍ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمِلْكِ عَيْنٍ وَلَا مَنْفَعَةٍ عَلَى التَّحْقِيقِ، وَلِهَذَا لَا يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهِ وَهِبَتِهِ وَإِيجَارِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِلْكٌ ضَرُورِيٌّ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الِاسْتِيفَاءِ، بَلْ هُوَ سَبَبٌ لِسُقُوطِهِ؛ لِأَنَّ مَا يَفُوتُ بِهِ الْمُبْدَلُ يَفُوتُ بِهِ الْبَدَلُ أَيْضًا. وَتَقْرِيرُ كَلَامِهِ: الْكَبِيرَةُ بِإِرْضَاعِهَا مُسَبِّبَةٌ فِي تَأْكِيدِ مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ لَا مُبَاشِرَةٌ؛ لِأَنَّ الْإِرْضَاعَ لَيْسَ بِإِفْسَادِ النِّكَاحِ وَضْعًا كَمَا تَقَرَّرَ. سَلَّمْنَا أَنَّ الْإِرْضَاعَ إفْسَادُ النِّكَاحِ لَكِنَّ إفْسَادَهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِإِلْزَامِ الْمَهْرِ لِمَا تَقَرَّرَ أَيْضًا. فَإِنْ قِيلَ: إذَا لَمْ يَكُنْ سَبَبًا لِإِلْزَامِهِ كَيْفَ وَجَبَ عَلَى الزَّوْجِ نِصْفُ

مَا عُرِفَ، لَكِنَّ مِنْ شَرْطِهِ إبْطَالَ النِّكَاحِ، وَإِذَا كَانَتْ مُسَبَّبَةً يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعَدِّي كَحَفْرِ الْبِئْرِ ثُمَّ إنَّمَا تَكُونُ مُتَعَدِّيَةً إذَا عَلِمَتْ بِالنِّكَاحِ وَقَصَدَتْ بِالْإِرْضَاعِ الْفَسَادَ، أَمَّا إذَا لَمْ تَعْلَمْ بِالنِّكَاحِ أَوْ عَلِمَتْ بِالنِّكَاحِ وَلَكِنَّهَا قَصَدَتْ دَفْعَ الْجُوعِ وَالْهَلَاكِ عَنْ الصَّغِيرَةِ دُونَ الْفَسَادِ لَا تَكُونُ مُتَعَدِّيَةً؛ لِأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِذَلِكَ وَلَوْ عَلِمَتْ بِالنِّكَاحِ وَلَمْ تَعْلَمْ بِالْفَسَادِ لَا تَكُونُ مُتَعَدِّيَةً أَيْضًا، وَهَذَا مِنَّا اعْتِبَارُ الْجَهْلِ لِدَفْعِ قَصْدِ الْفَسَادِ لَا لِدَفْعِ الْحُكْمِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَهْرِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنَّ نِصْفَ الْمَهْرِ يَجِبُ بِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي بَابِ الْمَهْرِ، وَالْمُتْعَةُ تَجِبُ بِالنَّصِّ ابْتِدَاءً بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: 236] ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ عَادَ إلَيْهَا سَالِمًا، لَكِنْ مِنْ شَرْطِ وُجُوبِهِ: أَيْ: وُجُوبِ نِصْفِ الْمَهْرِ بِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ إبْطَالُ النِّكَاحِ فَكَانَتْ صَاحِبَةَ شَرْطٍ فَهِيَ مُسَبِّبَةٌ، وَإِذَا كَانَتْ مُسَبِّبَةً يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعَدِّي كَمَا فِي حَفْرِ الْبِئْرِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ مُتَعَدِّيَةً إذَا عَلِمَتْ بِالنِّكَاحِ وَعَلِمَتْ أَنَّ الْإِرْضَاعَ مُفْسِدٌ وَقَصَدَتْ بِهِ الْفَسَادَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَعْلَمْ بِالنِّكَاحِ أَوْ عَلِمَتْ بِهِ وَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الْإِرْضَاعَ مُفْسِدٌ أَوْ عَلِمَتْ بِهِ لَكِنْ قَصَدَتْ دَفْعَ الْهَلَاكِ عَنْ الصَّغِيرَةِ جُوعًا لَا تَكُونُ مُتَعَدِّيَةً لِكَوْنِهَا مَأْمُورَةً بِذَلِكَ أَيْ: بِالْإِرْضَاعِ لِدَفْعِ الْهَلَاكِ. فَإِنْ قِيلَ: الْجَهْلُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَيْسَ بِعُذْرٍ فَكَيْفَ جُعِلَ جَهْلُ الْمَرْأَةِ بِفَسَادِ النِّكَاحِ عُذْرًا فِي حَقِّ عَدَمِ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهَا؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ: وَهَذَا مِنَّا اعْتِبَارُ الْجَهْلِ لِدَفْعِ قَصْدِ الْفَسَادِ لَا لِدَفْعِ الْحُكْمِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ وَهُوَ وُجُوبُ الضَّمَانِ يَعْتَمِدُ التَّعَدِّيَ وَالتَّعَدِّي بِمَا يَحْصُلُ بِقَصْدِ الْفَسَادِ وَالْقَصْدُ إلَى الْفَسَادِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ الْعِلْمِ بِالْفَسَادِ، فَإِذَا انْتَفَى الْعِلْمُ بِالْفَسَادِ انْتَفَى قَصْدُ الْفَسَادِ، وَكَانَ اعْتِبَارُ الْجَهْلِ لِدَفْعِ قَصْدِ الْفَسَادِ لَا لِدَفْعِ الْحُكْمِ. فَإِنْ قُلْت: دَفْعُ قَصْدِ الْفَسَادِ يَسْتَلْزِمُ دَفْعَ الْحُكْمِ فَكَانَ اعْتِبَارُ

[شهادة النساء منفردات في الرضاع]

وَلَا تُقْبَلُ فِي الرَّضَاعِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ وَإِنَّمَا تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ إذَا كَانَتْ مَوْصُوفَةً بِالْعَدَالَةِ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الشَّرْعِ فَتَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ كَمَنْ اشْتَرَى لَحْمًا فَأَخْبَرَهُ وَاحِدٌ أَنَّهُ ذَبِيحَةُ الْمَجُوسِيِّ. وَلَنَا أَنَّ ثُبُوتَ الْحُرْمَةِ لَا يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ زَوَالِ الْمِلْكِ فِي بَابِ النِّكَاحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجَهْلِ لِدَفْعِ الْحُكْمِ. قُلْت: لَزِمَ ذَلِكَ ضِمْنًا فَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ. [شَهَادَةُ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ فِي الرَّضَاعِ] وَقَوْلُهُ: (وَلَا تُقْبَلُ فِي الرَّضَاعِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ) أَيْ: عَنْ الرِّجَالِ أَجْنَبِيَّاتٍ كُنَّ أَوْ أُمَّهَاتِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَاحِدَةً كَانَتْ أَوْ أَكْثَرَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ. وَقَالَ مَالِكٌ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ وَاحِدَةٍ إذَا اتَّصَفَتْ بِالْعَدَالَةِ. وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: إنَّ الرَّضَاعَ يَكُونُ بِالثَّدْيِ وَلَا يَطَّلِعُ عَلَى ذَلِكَ رَجُلٌ لِحُرْمَةِ النَّظَرِ إلَيْهِ، وَعِنْدَهُ أَنَّ شَهَادَةَ أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ شَرْطٌ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ لِتَقُومَ كُلُّ امْرَأَتَيْنِ مَقَامَ رَجُلٍ. وَقُلْنَا: هُوَ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ مِنْ ذَوِي الْمَحَارِمِ يَحِلُّ لَهُمْ النَّظَرُ إلَى ثَدْيِهَا. وَوَجْهُ قَوْلِ

وَإِبْطَالُ الْمِلْكِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، بِخِلَافِ اللَّحْمِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ التَّنَاوُلِ تَنْفَكُّ عَنْ زَوَالِ الْمِلْكِ فَاعْتُبِرَ أَمْرًا دِينِيًّا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَالِكٍ أَنَّ الْحُرْمَةَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الشَّرْعِ فَيَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ؛ كَمَنْ اشْتَرَى لَحْمًا فَأَخْبَرَهُ وَاحِدٌ أَنَّهُ ذَبِيحَةُ الْمَجُوسِيِّ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْهُ وَلَا يُطْعِمَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ الْمُخْبِرَ أَخْبَرَهُ بِحُرْمَةِ الْعَيْنِ وَبُطْلَانِ الْمِلْكِ فَتَثْبُتُ الْحُرْمَةُ مَعَ بَقَاءِ الْمِلْكِ، ثُمَّ لَمَّا ثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ مَعَ بَقَاءِ الْمِلْكِ لَا يُمْكِنُهُ الرَّدُّ عَلَى بَائِعِهِ وَلَا أَنْ يَحْبِسَ الثَّمَنَ عَنْ الْبَائِعِ. وَلَنَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[كتاب الطلاق]

كِتَابُ الطَّلَاقِ. (بَابُ طَلَاقِ السُّنَّةِ) : ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الطَّلَاقِ] لَمَّا كَانَ الطَّلَاقُ مُتَأَخِّرًا عَنْ النِّكَاحِ طَبْعًا أَخَّرَهُ عَنْهُ وَضْعًا لِيُوَافِقَ الْوَضْعُ الطَّبْعَ. وَالطَّلَاقُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الْقَيْدِ. وَفِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ عِبَارَةٌ عَنْ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ بِرَفْعِ الْقَيْدِ النِّكَاحِيِّ بِأَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ. وَسَبَبُهُ الْحَاجَةُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُحْوِجَةُ إلَيْهِ. وَشَرْطُهُ كَوْنُ الْمُطَلِّقِ عَاقِلًا بَالِغًا وَالْمَرْأَةُ فِي النِّكَاحِ أَوْ عِدَّتِهِ الَّتِي تَصْلُحُ بِهَا مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ، وَحُكْمُهُ زَوَالُ الْمِلْكِ عَنْ الْمَحَلِّ. وَأَقْسَامُهُ مَا يَذْكُرُهُ.

[باب طلاق السنة]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ طَلَاقِ السُّنَّةِ] ذَهَبَ بَعْضُ النَّاسِ إلَى أَنَّ إيقَاعَ الطَّلَاقِ لَيْسَ بِمُبَاحٍ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَعَنَ اللَّهُ كُلَّ ذَوَّاقٍ مِطْلَاقٍ» وَالْعَامَّةُ عَلَى إبَاحَتِهِ بِالنُّصُوصِ الْمُطْلَقَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [البقرة: 236] وقَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وَأَمْثَالِهِمَا. وَأَقْسَامُهُ ثَلَاثَةٌ: حَسَنٌ، وَأَحْسَنُ، وَبِدْعِيٌّ

قَالَ (الطَّلَاقُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: حَسَنٌ، وَأَحْسَنُ، وَبِدْعِيٌّ. فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُطَلِّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ وَيَتْرُكَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ لَا يَزِيدُوا فِي الطَّلَاقِ عَلَى وَاحِدَةٍ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ فَإِنَّ هَذَا أَفْضَلُ عِنْدَهُمْ مِنْ أَنْ يُطَلِّقَهَا الرَّجُلُ ثَلَاثًا عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ وَاحِدَةٌ؛ وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ النَّدَامَةِ وَأَقَلُّ ضَرَرًا بِالْمَرْأَةِ وَلَا خِلَافَ لِأَحَدٍ فِي الْكَرَاهَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ النَّدَامَةِ) حَيْثُ أَبْقَى لِنَفْسِهِ مُكْنَةَ التَّدَارُكِ بِأَنْ يُرَاجِعَهَا فِي الْعِدَّةِ وَبَعْدَهَا بِتَجْدِيدٍ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَالٍ، وَأَقَلُّ ضَرَرًا بِالْمَرْأَةِ حَيْثُ لَمْ تَبْطُلْ مَحَلِّيَّتُهَا نَظَرًا إلَيْهَا؛ لِأَنَّ اتِّسَاعَ الْمَحَلِّيَّةِ نِعْمَةٌ فِي حَقِّهِنَّ فَلَا يَتَكَامَلُ ضَرَرُ الْإِيحَاشِ. وَقَوْلُهُ: (وَلَا خِلَافَ لِأَحَدٍ فِي الْكَرَاهَةِ) أَيْ: فِي عَدَمِ الْكَرَاهَةِ يَعْنِي

(وَالْحَسَنُ هُوَ طَلَاقُ السُّنَّةِ، وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَ الْمَدْخُولَ بِهَا ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ) وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّهُ بِدْعَةٌ وَلَا يُبَاحُ إلَّا وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ هُوَ الْحَظْرُ وَالْإِبَاحَةُ لِحَاجَةِ الْخَلَاصِ وَقَدْ انْدَفَعَتْ بِالْوَاحِدَةِ. وَلَنَا قَوْلُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِكَرَاهَةِ هَذَا الطَّلَاقِ. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ هُوَ الْحَظْرُ) ؛ لِأَنَّهُ قَطْعُ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ سُنَّةٌ فَيَكُونُ مَحْظُورًا. وَقَوْلُهُ: (وَالْإِبَاحَةُ لِحَاجَةِ الْخَلَاصِ) الضَّرُورَةُ التَّخْلِيصُ عَنْهَا بِتَبَايُنِ الْأَخْلَاقِ وَتَنَافُرِ الطِّبَاعِ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَحْصُلُ بِالْوَاحِدَةِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الثَّانِيَةِ. وَلَنَا قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مُسْنَدًا إلَى نَافِعٍ عَنْ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ وَأَشَارَ بِهِ إلَى قَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] قَالَ: إنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ» ، خُيِّرَ بَيْنَ الْإِمْسَاكِ وَالطَّلَاقِ، وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ الثَّانِي بِدْعَةً لَمَا فَعَلَ ذَلِكَ، كَذَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ. وَلَيْسَ هَذَا شَرْحَ مَا فِي

[طلاق البدعة]

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «إنَّ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تَسْتَقْبِلَ الطُّهْرَ اسْتِقْبَالًا فَتُطَلِّقَهَا لِكُلِّ قُرْءٍ تَطْلِيقَةً» وَلِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِ الْحَاجَةِ وَهُوَ الْإِقْدَامُ عَلَى الطَّلَاقِ فِي زَمَانِ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ وَهُوَ الطُّهْرُ الْخَالِي عَنْ الْجِمَاعِ، فَالْحَاجَةُ كَالْمُتَكَرِّرَةِ نَظَرًا إلَى دَلِيلِهَا، ثُمَّ قِيلَ: الْأَوْلَى أَنْ يُؤَخِّرَ الْإِيقَاعَ إلَى آخِرِ الطُّهْرِ احْتِرَازًا عَنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ، وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُطَلِّقَهَا كَمَا طَهُرَتْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ رُبَّمَا يُجَامِعُهَا، وَمِنْ قَصْدِهِ التَّطْلِيقُ فَيُبْتَلَى بِالْإِيقَاعِ عَقِيبَ الْوَقَاعِ. (وَطَلَاقُ الْبِدْعَةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَقَعَ الطَّلَاقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكِتَابِ، وَإِنَّمَا شَرْحُهُ مَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِابْنِ عُمَرَ حِينَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ: مَا هَكَذَا أَمَرَك اللَّهُ تَعَالَى، إنَّمَا السُّنَّةُ أَنْ تَسْتَقْبِلَ الطُّهْرَ اسْتِقْبَالًا وَيُطَلِّقَهَا لِكُلِّ قُرْءٍ تَطْلِيقَةً» ، (وَقَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِ الْحَاجَةِ) بَيَانُهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ الْحَظْرُ كَمَا قَالَ مَالِكٌ. وَالْإِبَاحَةُ لِلْحَاجَةِ بِسَبَبِ الْعَجْزِ عَنْ الْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ عِنْدَ عَدَمِ مُوَافَقَةِ الْأَخْلَاقِ، وَالْحَاجَةُ بِسَبَبِ الْعَجْزِ أَمْرٌ مُبَطَّنٌ فَأُقِيمَ دَلِيلُ الْحَاجَةِ وَهُوَ الْإِقْدَامُ عَلَى الطَّلَاقِ فِي زَمَانِ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ فِيهَا وَهُوَ الطُّهْرُ الْخَالِي عَنْ الْجِمَاعِ مَقَامَهُ، وَكُلَّمَا تَكَرَّرَ دَلِيلُ الْحَاجَةِ جُعِلَتْ كَأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الطَّلَاقِ تَكَرَّرَتْ فَأُبِيحَ تَكْرَارُ الطَّلَاقِ الْمُفَرَّقِ عَلَى الْأَطْهَارِ، (وَقَوْلُهُ: ثُمَّ قِيلَ) اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي هَذَا الطَّلَاقِ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يُؤَخَّرُ الْإِيقَاعُ إلَى آخِرِ الطُّهْرِ احْتِرَازًا عَنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُطَلِّقُهَا كَمَا طَهُرَتْ، لِأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ رُبَّمَا يُجَامِعُهَا، وَمَنْ قَصْدُهُ التَّطْلِيقُ فَيُبْتَلَى بِالْإِيقَاعِ عَقِيبَ الْوِقَاعِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُطَلِّقَهَا كَمَا طَهُرَتْ، جُعِلَ هَذَا أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً إذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ. [طَلَاق الْبِدْعَةِ] (وَطَلَاقُ الْبِدْعَةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ وَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَنَا، لَكِنَّهُ إذَا فَعَلَ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَبَانَتْ مِنْهُ وَحَرُمَتْ حُرْمَةً غَلِيظَةً

وَكَانَ عَاصِيًا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كُلُّ الطَّلَاقِ مُبَاحٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَانَ عَاصِيًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: كُلُّ طَلَاقٍ مُبَاحٌ) يَعْنِي فِي حَدِّ ذَاتِهِ، وَإِنَّمَا قُلْت ذَلِكَ لِئَلَّا يَرِدَ عَلَى تَعْمِيمِهِ الطَّلَاقُ حَالَةَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَيْضِ وَفِي طُهْرٍ قَدْ جَامَعَهَا فِيهِ، فَإِنَّ الطَّلَاقَ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ حَرَامٌ عِنْدَهُ أَيْضًا. قَالَ فِي تَعْلِيلِهِ:

لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مَشْرُوعٌ حَتَّى يُسْتَفَادَ بِهِ الْحُكْمُ وَالْمَشْرُوعِيَّة لَا تُجَامِعُ الْحَظْرَ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا لَا الطَّلَاقِ. وَلَنَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ هُوَ الْحَظْرُ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ النِّكَاحِ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ الْمَصَالِحُ الدِّينِيَّةُ وَالدُّنْيَوِيَّةُ وَالْإِبَاحَةُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الثَّلَاثِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مَشْرُوعٌ حَتَّى يُسْتَفَادَ بِهِ الْحُكْمُ) وَهُوَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ، وَكُلُّ مَا هُوَ مَشْرُوعٌ لَا يَكُونُ مَحْظُورًا؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوعِيَّةَ لَا تُجَامِعُ الْحَظْرَ. فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ يَصِحُّ الْعُمُومُ وَالطَّلَاقُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ حَرَامٌ؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ: (بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا لَا الطَّلَاقِ) وَكَذَلِكَ يَقُولُ الْمُحَرَّمُ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ الْتِبَاسُ أَمْرِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا فِيهِ يَلْتَبِسُ أَمْرُ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا لَا يَدْرِي أَهِيَ حَامِلٌ فَتَعْتَدُّ بِوَضْعِ الْحَمْلِ أَوْ حَائِلٌ فَتَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ. ثُمَّ قَالَ: لَا أَعْرِفُ فِي الْجَمْعِ بِدْعَةً وَلَا فِي التَّفْرِيقِ سُنَّةً بَلْ الْكُلُّ مُبَاحٌ (وَلَنَا أَنَّ الطَّلَاقَ الْأَصْلُ فِيهِ الْحَظْرُ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ النِّكَاحِ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ الْمَصَالِحُ الدِّينِيَّةُ) مِنْ تَحْصِينِ الْفَرْجِ عَنْ الزِّنَا الْمُحَرَّمِ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ (وَالدُّنْيَوِيَّةُ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَسْكَنِ وَالِازْدِوَاجِ وَاكْتِسَابِ الْوَلَدِ، وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ وُقُوعُهُ

وَهِيَ فِي الْمُفَرَّقِ عَلَى الْأَطْهَارِ ثَانِيَةً نَظَرًا إلَى دَلِيلِهَا، وَالْحَاجَةُ فِي نَفْسِهَا بَاقِيَةٌ فَأَمْكَنَ تَصْوِيرُ الدَّلِيلِ عَلَيْهَا، والْمَشْرُوعِيَّةُ فِي ذَاتِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إزَالَةُ الرِّقِّ لَا تُنَافِي الْحَظْرَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الشَّرْعِ إلَّا أَنَّهُ أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَا حَاجَةَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الثَّلَاثِ. فَإِنْ قِيلَ: فَكَمَا لَا حَاجَةَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الثَّلَاثِ فَكَذَا لَا حَاجَةَ إلَى الْمُفَرَّقِ عَلَى الْأَطْهَارِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَهِيَ) أَيْ الْحَاجَةُ (فِي الْمُفَرَّقِ عَلَى الْأَطْهَارِ ثَابِتَةٌ نَظَرًا إلَى دَلِيلِهَا) وَهُوَ الْإِقْدَامُ عَلَى الطَّلَاقِ فِي زَمَانِ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ وَهُوَ الطُّهْرُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِ الْحَاجَةِ لِكَوْنِهَا أَمْرًا مُبَطَّنًا. فَإِنْ قِيلَ: دَلِيلُ الْحَاجَةِ إنَّمَا يُقَامُ مَقَامَ الْحَاجَةِ فِيمَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهَا وَهَاهُنَا لَا يُتَصَوَّرُ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْخَلَاصِ عَنْ عُهْدَةِ النِّكَاحِ فِي الطُّهْرِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ مَعَ ارْتِفَاعِ النِّكَاحِ بِالْأَوَّلِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ: (وَالْحَاجَةُ فِي نَفْسِهَا بَاقِيَةٌ) يَعْنِي لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ سَيِّئَةَ الْأَخْلَاقِ بَذِيَّةَ اللِّسَانِ فَيُسَدُّ عَلَى الزَّوْجِ بَابُ إمْكَانِ التَّدَارُكِ مَعَ صَفَائِهِ عَنْ عُرُوضِ النَّدَمِ. قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاحَ الثَّلَاثُ جُمْلَةً لَكِنَّهَا عِلَّةٌ تُعَارِضُ النَّصَّ فَلَمْ تُؤَثِّرْ، وَأَظُنُّ أَنَّهُ أَرَادَ بِالنَّصِّ قَوْله تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُفَرَّقٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِابْنِ عُمَرَ: «إنَّ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تَسْتَقْبِلَ الطُّهْرَ اسْتِقْبَالًا» الْحَدِيثَ (قَوْلُهُ: وَالْمَشْرُوعِيَّة فِي ذَاتِهِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ: وَالْمَشْرُوعِيَّة لَا تُجَامِعُ الْحَظْرَ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَشْرُوعَ لِذَاتِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَحْظُورًا لِذَاتِهِ

وَكَذَا إيقَاعُ الثِّنْتَيْنِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ بِدْعَةٌ؛ لِمَا قُلْنَا. وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ. قَالَ فِي الْأَصْلِ: إنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ صِفَةٍ زَائِدَةٍ فِي الْخَلَاصِ وَهِيَ الْبَيْنُونَةُ، وَفِي الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ نَاجِزًا. (وَالسُّنَّةُ فِي الطَّلَاقِ مِنْ وَجْهَيْنِ: سُنَّةٌ فِي الْوَقْتِ، وَسُنَّةٌ فِي الْعَدَدِ. فَالسُّنَّةُ فِي الْعَدَدِ يَسْتَوِي فِيهَا الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا) وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا (وَالسُّنَّةُ فِي الْوَقْتِ تَثْبُتُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا خَاصَّةً، وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمَّا إذَا كَانَتْ الْمَشْرُوعِيَّةُ لِذَاتِهِ وَالْحَظْرُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ فَوَاتِ مَصَالِحِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا فَلَا تَنَافِي إذْ ذَاكَ كَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ وَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ، وَكَذَا إيقَاعُ الثِّنْتَيْنِ فِي الطُّهْرِ الْوَاحِدِ بِدْعَةٌ لِمَا قُلْنَا: إنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الثَّلَاثِ. وَقَوْلُهُ: (وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ) ظَاهِرٌ. قَالَ (وَالسُّنَّةُ فِي الطَّلَاقِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا فِي الْوَقْتِ، وَالْآخَرِ فِي الْعَدَدِ، فَالسُّنَّةُ فِي الْعَدَدِ يَسْتَوِي فِيهَا الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُهَا وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا) وَهِيَ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى الْوَاحِدَةِ وَسَمَّى الْوَاحِدَ عَدَدًا مَجَازًا لِكَوْنِهِ أَصْلَ الْعَدَدِ وَهُوَ مَا يَكُونُ نِصْفَ حَاشِيَتَيْهِ، (وَالسُّنَّةُ فِي الْوَقْتِ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا خَاصَّةً وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ شَرْعِيَّتَهُ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ،

لِأَنَّ الْمُرَاعَى دَلِيلُ الْحَاجَةِ وَهُوَ الْإِقْدَامُ عَلَى الطَّلَاقِ فِي زَمَانِ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ وَهُوَ الطُّهْرُ الْخَالِي عَنْ الْجِمَاعِ، أَمَّا زَمَانُ الْحَيْضِ فَزَمَانُ النَّفْرَةِ، وَبِالْجِمَاعِ مَرَّةً فِي الطُّهْرِ تَفْتُرُ الرَّغْبَةُ (وَغَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا يُطَلِّقُهَا فِي حَالَةِ الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ) خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ يَقِيسُهَا عَلَى الْمَدْخُولِ بِهَا. وَلَنَا أَنَّ الرَّغْبَةَ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا صَادِقَةٌ لَا تَقِلُّ بِالْحَيْضِ مَا لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ مِنْهَا، وَفِي الْمَدْخُولِ بِهَا تَتَجَدَّدُ بِالطُّهْرِ. . قَالَ (وَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ لَا تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ فَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً، فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ طَلَّقَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُرَاعَى دَلِيلُهَا، (وَهُوَ الْإِقْدَامُ عَلَى الطَّلَاقِ فِي زَمَانِ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ وَهُوَ الطُّهْرُ الْخَالِي عَنْ الْجِمَاعِ، أَمَّا زَمَانُ الْحَيْضِ زَمَانُ النُّفْرَةِ، وَبِالْجِمَاعِ مَرَّةً فِي الطُّهْرِ تَفْتُرُ الرَّغْبَةُ) فَلَمْ يَكُنْ فِيهِمَا دَلِيلُ الْحَاجَةِ لِيُقَامَ مَقَامَهُ، وَغَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا حَيْثُ لَمْ يَنَلْ مِنْهَا شَيْئًا فَالرَّغْبَةُ فِيهَا بَاقِيَةٌ، سَوَاءٌ كَانَ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ وَفِي حَالَةِ الطُّهْرِ فَلَمْ يَخْرُجْ طَلَاقُهَا عَنْ السُّنِّيِّ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ (خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنَّهُ يَقِيسُهَا عَلَى الْمَدْخُولِ بِهَا) وَقَوْلُهُ: وَلَنَا وَاضِحٌ. وَعُورِضَ بِأَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِابْنِ عُمَرَ «إنَّمَا السُّنَّةُ أَنْ تَسْتَقْبِلَ الطُّهْرَ» بِإِطْلَاقِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ مِنْ غَيْرِ تَفْرِقَةٍ بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَلَا عِبْرَةَ لِخُصُوصِ السَّبَبِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْخُصُوصَ لَمْ يَثْبُتْ لِخُصُوصِ السَّبَبِ، بَلْ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعُمَرَ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا» ، (وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ لَا تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ فَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ طَلَّقَهَا أُخْرَى فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ طَلَّقَهَا أُخْرَى؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ

أُخْرَى، فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ طَلَّقَهَا أُخْرَى) ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ فِي حَقِّهَا قَائِمٌ مَقَامَ الْحَيْضِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} [الطلاق: 4] إلَى أَنْ قَالَ {وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] وَالْإِقَامَةُ فِي حَقِّ الْحَيْضِ خَاصَّةً حَتَّى يُقَدَّرَ الِاسْتِبْرَاءُ فِي حَقِّهَا بِالشَّهْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي حَقِّهَا قَائِمٌ مَقَامَ الْحَيْضِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] يَعْنِي إنْ أَشْكَلَ عَلَيْكُمْ حُكْمُ اعْتِدَادِ هَاتَيْنِ الطَّائِفَتَيْنِ فَحُكْمُهُنَّ هَذَا. وَقَوْلُهُ: {وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ: وَاَللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ. وَقَوْلُهُ: (وَالْإِقَامَةُ فِي حَقِّ الْحَيْضِ خَاصَّةً) قِيلَ هُوَ إشَارَةٌ إلَى مَا اخْتَارَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ الشَّهْرَ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَيْضِ خَاصَّةً دُونَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ جَمِيعًا كَمَا اخْتَارَهُ آخَرُونَ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: ظَنَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ الشَّهْرَ فِي حَقِّ الَّتِي لَا تَحِيضُ بِمَنْزِلَةِ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ فِي حَقِّ الَّتِي تَحِيضُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الشَّهْرُ فِي حَقِّهَا بِمَنْزِلَةِ الْحَيْضِ فِي حَقِّ الَّتِي تَحِيضُ حَتَّى يَتَقَدَّرَ بِهِ الِاسْتِبْرَاءُ وَيُفْصَلَ بِهِ بَيْنَ طَلَاقَيْ السُّنَّةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي حَقِّ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ الْحَيْضُ، وَلَكِنْ لَا يُتَصَوَّرُ تَجَدُّدُ الْحَيْضِ إلَّا بِتَخَلُّلِ الطُّهْرِ، وَفِي الشُّهُورِ يَنْعَدِمُ هَذَا الْمَعْنَى فَكَانَ الشَّهْرُ قَائِمًا مَقَامَ مَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ. وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ أَنَّ الشَّهْرَ لَمَّا أُقِيمَ مَقَامَ الْحَيْضِ، فَإِذَا أَوْقَعَ الطَّلَاقَ فِي أَيِّ شَهْرٍ كَانَ مِنْ الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ كَانَ مُوقِعًا لِلطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ فَكَانَ حَرَامًا كَمَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ. وَالثَّانِي مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ أَنَّ الشَّهْرَ لَوْ قَامَ مَقَامَ الْحَيْضِ خَاصَّةً لَمَا اُحْتِيجَ إلَى إقَامَةِ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مَقَامَ ثَلَاثِ حِيَضٍ بَلْ يُكْتَفَى بِإِقَامَةِ شَهْرٍ وَاحِدٍ مَقَامَ ثَلَاثِ حِيَضٍ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ أَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ، وَمُدَّةُ ثَلَاثِ حِيَضٍ تَحْصُلُ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ لَكِنَّ اللَّازِمَ مُنْتَفٍ فَيَنْتَفِي الْمَلْزُومُ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ طُهْرٌ حَقِيقَةً، وَلَكِنْ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْحِيَضِ، وَمَا قَامَ مَقَامَ الشَّيْءِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَإِلَّا كَانَ عَيْنَهُ لَا قَائِمًا مَقَامَهُ، فَكَانَ قَائِمًا مَقَامَهُ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ خَاصَّةً، أَلَا تَرَى أَنَّ الطَّلَاقَ بَعْدَ الْجِمَاعِ فِي ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ حَرَامٌ وَفِي الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ لَيْسَ بِحَرَامٍ؟ وَلَوْ كَانَ الْأَشْهُرُ بَدَلًا عَنْ الْأَقْرَاءِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ لَكَانَ مُحَرَّمًا كَمَا فِي ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ، كَذَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي أَنَّ الشَّرْعَ أَقَامَ الْأَشْهُرَ

وَهُوَ بِالْحَيْضِ لَا بِالطُّهْرِ، ثُمَّ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ تُعْتَبَرُ الشُّهُورُ بِالْأَهِلَّةِ، وَإِنْ كَانَ فِي وَسَطِهِ فَبِالْأَيَّامِ فِي حَقِّ التَّفْرِيقِ، وَفِي حَقِّ الْعِدَّةِ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُكْمِلُ الْأَوَّلَ بِالْأَخِيرِ وَالْمُتَوَسِّطَانِ بِالْأَهِلَّةِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْإِجَارَاتِ. قَالَ (وَيَجُوزُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَلَا يَفْصِلُ بَيْنَ وَطْئِهَا وَطَلَاقِهَا بِزَمَانٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَقَامَ حِيَضٍ تَنْقَضِي بِهَا الْعِدَّةُ، وَهِيَ إنَّمَا تَكُونُ فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ غَالِبًا، فَأُقِيمَتْ الْأَشْهُرُ مَقَامَ الْحِيَضِ الَّتِي كَانَتْ تُوجَدُ فِيهَا وَلَمْ تَقُمْ الْأَشْهُرُ مَقَامَ مُدَّةِ الْحَيْضِ حَتَّى يُكْتَفَى بِشَهْرٍ وَاحِدٍ وَلَمْ تَظْهَرْ لِي فَائِدَةُ هَذَا الِاخْتِلَافِ. وَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ أَنَّ ثَمَرَتَهُ تَظْهَرُ فِي حَقِّ إلْزَامِ الْحُجَّةِ، فَإِنَّهُمْ لَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ فِي الِاسْتِبْرَاءِ يُكْتَفَى بِالْحَيْضِ لَا غَيْرٍ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ إلَى الطُّهْرِ، وَالشَّهْرُ قَائِمٌ مَقَامَهُ فِي حَقِّ الَّتِي لَا تَحِيضُ عَلِمْنَا أَنَّ الشَّهْرَ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَيْضِ لَا غَيْرَ؛ لِأَنَّ الْخَلَفَ إنَّمَا يَعْمَلُ فِيمَا يَعْمَلُ فِيهِ الْأَصْلُ، وَاشْتِرَاطُ الْحَيْضِ مَعَ الطُّهْرِ فِي ثَلَاثِ حِيَضٍ إنَّمَا كَانَ لِتَحَقُّقِ عَدَدِ الثَّلَاثِ لَا لِذَاتِ الطُّهْرِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ، وَلَوْ كَانَ لِذَاتِهِ لَا يُشْتَرَطُ فِيمَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ مِنْ الْحَيْضِ فَكَانُوا مَحْجُوجِينَ بِمَا قُلْنَا إلَى هَذَا لَفْظُهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ كَمَا تَرَى،؛ لِأَنَّ إلْزَامَ الْحُجَّةِ عَلَى أَحَدِ الْمُخْتَلِفِينَ لَا يَكُونُ فَائِدَةَ الِاخْتِلَافِ، إذْ الْبَدِيهَةُ تَشْهَدُ بِأَنَّ غَرَضَ الْإِنْسَانِ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي مَسْأَلَةٍ لَا يَكُونُ إلْزَامَ الْحُجَّةِ عَلَى الْخَصْمِ. قَالَ: (ثُمَّ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ) إذَا كَانَ إيقَاعُ الطَّلَاقِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ تُعْتَبَرُ الشُّهُورُ الْقَائِمَةُ مَقَامَ الْحَيْضِ بِالْأَهِلَّةِ كَامِلَةً كَانَتْ أَوْ نَاقِصَةً، وَإِنْ كَانَ فِي وَسَطِهِ فَبِالْأَيَّامِ فِي حَقِّ التَّفْرِيقِ بَيْنَ طَلَاقَيْ السُّنَّةِ، وَذَلِكَ ثَلَاثُونَ يَوْمًا بِالِاتِّفَاقِ، وَفِي حَقِّ الْعِدَّةِ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُحْكَمُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ إلَّا بِتَمَامِ تِسْعِينَ يَوْمًا مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ، وَعِنْدَهُمَا يَكْمُلُ الْأَوَّلُ بِالْأَخِيرِ وَالْمُتَوَسِّطَانِ بِالْأَهِلَّةِ (وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْإِجَارَاتِ) عَلَى مَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ: (وَيَجُوزُ أَنْ يُطَلِّقَهَا) أَيْ: الْآيِسَةَ أَوْ الصَّغِيرَةَ (وَلَا يَفْصِلُ بَيْنَ وَطْئِهَا وَطَلَاقِهَا بِزَمَانٍ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: وَكَانَ شَيْخُنَا يَقُولُ: هَذَا إذَا كَانَتْ

وَقَالَ زُفَرُ: يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِشَهْرٍ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْحَيْضِ؛ وَلِأَنَّ بِالْجِمَاعِ تَفْتُرُ الرَّغْبَةُ، وَإِنَّمَا تَتَجَدَّدُ بِزَمَانٍ وَهُوَ الشَّهْرُ: وَلَنَا أَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ الْحَبَلُ فِيهَا، وَالْكَرَاهِيَةُ فِي ذَوَاتِ الْحَيْضِ بِاعْتِبَارِهِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ يُشْتَبَهُ وَجْهُ الْعِدَّةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQصَغِيرَةً لَا يُرْجَى مِنْهَا الْحَيْضُ وَالْحَبَلُ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً يُرْجَى مِنْهَا الْحَيْضُ وَالْحَبَلُ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُفْصَلَ بَيْنَ وَطْئِهَا وَطَلَاقِهَا بِشَهْرٍ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ الْأَفْضَلِيَّةَ لَا تُنَافِي الْجَوَازَ (وَقَالَ زُفَرُ: يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِشَهْرٍ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْحَيْضِ) فِيمَنْ لَا تَحِيضُ، وَفِيهَا يُفْصَلُ بَيْنَ طَلَاقِهَا وَوَطْئِهَا بِحَيْضَةٍ فَكَذَا هَاهُنَا بِشَهْرٍ، وَلِأَنَّ الرَّغْبَةَ تُعْتَبَرُ بِالْجِمَاعِ فَكَانَتْ بِمَنْزِلَةِ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ إذَا جُومِعَتْ فِي الطُّهْرِ، وَإِنَّمَا تَتَجَدَّدُ الرَّغْبَةُ بِزَمَانٍ فَلَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ الشَّهْرُ، (وَلَنَا أَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ الْحَبَلُ فِيهَا) أَيْ: فِي الَّتِي نَحْنُ فِيهَا مِنْ الْآيِسَةِ أَوْ الصَّغِيرَةِ، (وَالْكَرَاهِيَةُ) أَيْ كَرَاهِيَةُ الطَّلَاقِ بَعْدَ الْجِمَاعِ (فِي ذَوَاتِ الْحَيْضِ كَانَتْ بِاعْتِبَارِ الْحَبَلِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ يُشْتَبَهُ وَجْهُ الْعِدَّةِ) فَلَا يَدْرِي أَنَّ انْقِضَاءَهَا يَكُونُ بِوَضْعِ

[طلاق الحامل]

وَالرَّغْبَةُ وَإِنْ كَانَتْ تَفْتُرُ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَ لَكِنْ تَكْثُرُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ يَرْغَبُ فِي وَطْءٍ غَيْرِ مُعَلَّقٍ فِرَارًا عَنْ مُؤَنِ الْوَلَدِ فَكَانَ الزَّمَانُ زَمَانَ رَغْبَةٍ وَصَارَ كَزَمَانِ الْحَبَلِ. (وَطَلَاقُ الْحَامِلِ يَجُوزُ عَقِيبَ الْجِمَاعِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى اشْتِبَاهِ وَجْهِ الْعِدَّةِ، وَزَمَانُ الْحَبَلِ زَمَانُ الرَّغْبَةِ فِي الْوَطْءِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُعَلَّقٍ أَوْ يَرْغَبُ فِيهَا لِمَكَانِ وَلَدِهِ مِنْهَا فَلَا تَقِلُّ الرَّغْبَةُ بِالْجِمَاعِ (وَيُطَلِّقُهَا لِلسُّنَّةِ ثَلَاثًا يَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ تَطْلِيقَتَيْنِ بِشَهْرٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ) وَزُفَرُ (لَا يُطَلِّقُهَا لِلسُّنَّةِ إلَّا وَاحِدَةً) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَمْلِ أَوْ بِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، (قَوْلُهُ: وَالرَّغْبَةُ وَإِنْ كَانَتْ تَفْتُرُ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذُكِرَ) جَوَابُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ الرَّغْبَةَ بِالْجِمَاعِ تَفْتُرُ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ جِهَةَ الرَّغْبَةِ وَالْفُتُورِ لَمَّا تَعَارَضَتَا تَسَاقَطَتَا بِالْمُعَارَضَةِ فَرَجَعْنَا إلَى الْأَصْلِ وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ الْحَظْرُ لِمَا مَرَّ فَيَحْرُمُ عَدَمُ الْفَصْلِ بَيْنَ وَطْئِهَا وَطَلَاقِهَا، وَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي إيجَابِ الْفَصْلِ بَيْنَ الْوَطْءِ وَالطَّلَاقِ لِذَاتِهِ، وَإِنَّمَا تَأْثِيرُهُ أَنْ لَا يَقَعَ الطَّلَاقُ أَصْلًا أَوْ لَا يَتَكَرَّرُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَإِنَّمَا الْمَدْخَلُ فِي ذَلِكَ لِدَلِيلِ الْحَاجَةِ وَهُوَ الْإِقْدَامُ عَلَى الطَّلَاقِ فِي زَمَانِ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ، وَقَدْ سَقَطَتْ جِهَةُ الرَّغْبَةِ بِالْمُعَارَضَةِ فَيَنْتَفِي الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ الدَّائِرُ عَلَى الدَّلِيلِ وَهُوَ الْفَصْلُ [طَلَاقُ الْحَامِلِ] (قَوْلُهُ: وَطَلَاقُ الْحَامِلِ يَجُوزُ عَقِيبَ الْجِمَاعِ) وَاضِحٌ.

لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ الْحَظْرُ، وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِالتَّفْرِيقِ عَلَى فُصُولِ الْعِدَّةِ، وَالشَّهْرُ فِي حَقِّ الْحَامِلِ لَيْسَ مِنْ فُصُولِهَا فَصَارَ كَالْمُمْتَدِّ طُهْرُهَا. وَلَهُمَا أَنَّ الْإِبَاحَةَ بِعِلَّةِ الْحَاجَةِ وَالشَّهْرُ دَلِيلُهَا كَمَا فِي حَقِّ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ زَمَانُ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْجِبِلَّةُ السَّلِيمَةُ فَصَلَحَ عِلْمًا وَدَلِيلًا، بِخِلَافِ الْمُمْتَدِّ طُهْرُهَا؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ فِي حَقِّهَا إنَّمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: (وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِالتَّفْرِيقِ عَلَى فُصُولِ الْعِدَّةِ) يَعْنِي: قَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ: لِأَطْهَارِ عِدَّتِهِنَّ، فَفِي ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ فُرِّقَ عَلَى الْأَطْهَارِ، وَفِي حَقِّ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ عَلَى الْأَشْهُرِ لِأَنَّهَا فِي حَقِّهِنَّ كَالْأَقْرَاءِ فِي حَقِّ ذَوَاتِ الْحَيْضِ، وَالشَّهْرُ فِي حَقِّ الْحَامِلِ لَيْسَ مِنْ فُصُولِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ الْحَمْلِ وَإِنْ طَالَتْ فَهُوَ طُهْرٌ وَاحِدٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا؛ أَلَا تَرَى أَنَّ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فَصَارَ كَالْمُمْتَدِّ طُهْرُهَا فَإِنَّ طُهْرَهَا وَإِنْ امْتَدَّ شُهُورًا فَهُوَ فَصْلٌ وَاحِدٌ لَا تُفَرَّقُ التَّطْلِيقَاتُ فِيهِ. وَلَهُمَا أَنَّ إبَاحَةَ الطَّلَاقِ لِلْحَاجَةِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْحَظْرُ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ التَّقَصِّي عَنْ حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ، وَالشَّهْرُ دَلِيلُ الْحَاجَةِ كَمَا فِي حَقِّ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ، وَهَذَا أَيْ: كَوْنُ الشَّهْرِ دَلِيلًا فِي حَقِّ الْحَامِلِ كَمَا فِي حَقِّ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ؛ لِأَنَّهُ زَمَانُ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْجِبِلَّةُ السَّلِيمَةُ فَصَلُحَ أَنْ يَكُونَ عَلَمًا وَدَلِيلًا عَلَى وُجُودِ الْحَاجَةِ، (وَالْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِهَا) فَإِذَا وُجِدَ وُجِدَ مَا أُبِيحَ لِأَجْلِهِ الطَّلَاقُ فَيَكُونُ مُبَاحًا. وَقَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْمُمْتَدِّ طُهْرُهَا) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ هُنَاكَ لَا يَصْلُحُ الشَّهْرُ أَنْ يَكُونَ عَلَمًا؛ لِأَنَّ الْعَلَمَ عَلَى الْحَاجَةِ فِي حَقِّهَا الطُّهْرُ: أَيْ: تُجَدِّدُهُ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِيهَا فِي كُلِّ زَمَانٍ

هُوَ الطُّهْرُ وَهُوَ مَرْجُوٌّ فِيهَا فِي كُلِّ زَمَانٍ وَلَا يُرْجَى مَعَ الْحَبَلِ. (وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ وَقَعَ الطَّلَاقُ) ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَلَا يَنْعَدِمُ مَشْرُوعِيَّتُهُ (وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا) «لِقَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ، وَلَا يُرْجَى تَجَدُّدُ الطُّهْرِ مَعَ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ قَالَ: (وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا) ، أَمَّا الْوُقُوعُ فَلِأَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا: يَعْنِي مِنْ قَوْلِهِ: لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ فَإِنَّ الْحَيْضَةَ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا الطَّلَاقُ لَا تَكُونُ مَحْسُوبَةً مِنْهَا فَتَطُولُ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا. نَقَلَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ عَنْ شَيْخِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّهْيِ هَاهُنَا هُوَ النَّهْيُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ ضِدِّ الْأَمْرِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] أَيْ: لِأَطْهَارِ عِدَّتِهِنَّ أَوْ الْأَمْرُ الْمَذْكُورُ فِي «قَوْلِهِ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعُمَرَ مُرْ ابْنَك فَلْيُرَاجِعْهَا» لِمَا أَنَّهُ كَانَ مَأْمُورًا بِرَفْعِ الطَّلَاقِ الْوَاقِعِ فِي حَالِ الْحَيْضِ لِأَجْلِ الْحَيْضِ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْ إيقَاعِهِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ. وَقَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ: الْمُرَادُ بِالنَّهْيِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231] وَالنَّهْيُ إذَا كَانَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ لَا يَمْنَعُ الْمَشْرُوعِيَّةَ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ. وَأَمَّا الِاسْتِحْبَابُ «فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعُمَرَ: مُرْ ابْنَك فَلْيُرَاجِعْهَا»

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعُمَرَ مُرْ ابْنَك فَلْيُرَاجِعْهَا» وَقَدْ طَلَّقَهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ. وَهَذَا يُفِيدُ الْوُقُوعَ وَالْحَثَّ عَلَى الرَّجْعَةِ ثُمَّ الِاسْتِحْبَابُ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَمَلًا بِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ وَرَفْعًا لِلْمَعْصِيَةِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ بِرَفْعِ أَثَرِهِ وَهُوَ الْعِدَّةُ وَدَفْعًا لِضَرَرِ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ. قَالَ (فَإِذَا طَهُرَتْ وَحَاضَتْ ثُمَّ طَهُرَتْ) ، فَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا. قَالَ: وَهَكَذَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ. وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدْ كَانَ طَلَّقَهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ، (وَهَذَا) الْحَدِيثُ (يُفِيدُ الْوُقُوعَ) بِاقْتِضَائِهِ (وَالْحَثُّ عَلَى الرَّجْعَةِ) بِعِبَارَتِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: (ثُمَّ الِاسْتِحْبَابُ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ) وَوَجْهُهُ أَنَّ أَدْنَى الْأَمْرِ الِاسْتِحْبَابُ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ بِقَرِينَةِ أَنَّ الرَّجْعَةَ حَقٌّ لَهُ وَلَا وُجُوبَ عَلَى الْإِنْسَانِ فِيمَا هُوَ حَقُّهُ، (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَمَلًا بِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ) قِيلَ: الْأَمْرُ لِعُمَرَ وَحَقِيقَةُ الْوُجُوبِ عَلَى عُمَرَ أَنْ يَأْمُرَ ابْنَهُ بِذَلِكَ، وَلَا دَلَالَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْوُجُوبِ عَلَى ابْنِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِعْلَ النَّائِبِ كَفِعْلِ الْمَنُوبِ فَصَارَ كَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ بِذَلِكَ فَثَبَتَ الْوُجُوبُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فَلْيُرَاجِعْهَا أَمْرٌ لِابْنِ عُمَرَ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الْمُرَاجَعَةُ. وَقَوْلُهُ: (وَرَفْعًا لِلْمَعْصِيَةِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: عَمَلًا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ رَفْعَ الْمَعْصِيَةِ وَاجِبٌ، وَرَفْعُهَا بَعْدَ وُقُوعِهَا إنَّمَا هُوَ بِرَفْعِ أَثَرِهِ أَيْ: أَثَرِ الطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ مَعْصِيَةٌ وَهُوَ الْعِدَّةُ وَدَفْعًا لِضَرَرِ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ بِرَفْعِهَا بِالْمُرَاجَعَةِ. وَقَوْلُهُ: (قَالَ) يَعْنِي الْقُدُورِيَّ: (فَإِذَا طَهُرَتْ) يَعْنِي بَعْدَ الْمُرَاجَعَةِ (وَحَاضَتْ ثُمَّ طَهُرَتْ، فَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا) قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَهَكَذَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي

يَلِي الْحَيْضَةَ الْأُولَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ (مَا ذَكَرَهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ قَوْلُهُمَا) وَوَجْهُ الْمَذْكُورِ فِي الْأَصْلِ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ كُلِّ طَلَاقَيْنِ بِحَيْضَةٍ وَالْفَاصِلُ هَاهُنَا بَعْضُ الْحَيْضَةِ فَتَكْمُلُ بِالثَّانِيَةِ وَلَا تَتَجَزَّأُ فَتَتَكَامَلُ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْآخَرِ أَنَّ أَثَرَ الطَّلَاقِ قَدْ انْعَدَمَ بِالْمُرَاجَعَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا فِي الْحَيْضِ فَيُسَنُّ تَطْلِيقُهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَلِي الْحَيْضَةَ) وَوَفَّقَ الْكَرْخِيُّ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَقَالَ: مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ قَوْلُهُمَا وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ وَجْهَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَمْ يَرْجِعْ إلَى الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ فِي الْبَابِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ مَرْوِيَّةٌ فِي الْحَدِيثِ. رَوَى الْبُخَارِيُّ مُسْنَدًا إلَى نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعُمَرَ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكَهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ» ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ مُسْنِدًا إلَى سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِعُمَرَ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا إذَا طَهُرَتْ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ، وَإِذَا تَعَارَضَتْ الرِّوَايَتَانِ ذَهَبَ الْمُصَنِّفُ إلَى

(وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهِيَ طَالِقٌ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ تَطْلِيقَةً) ؛ لِأَنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلْوَقْتِ وَوَقْتُ السُّنَّةِ طُهْرٌ لَا جِمَاعَ فِيهِ (وَإِنْ نَوَى أَنْ تَقَعَ الثَّلَاثُ السَّاعَةَ أَوْ عِنْدَ رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ وَاحِدَةٌ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى) سَوَاءٌ كَانَتْ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ أَوْ فِي حَالَةِ الطُّهْرِ وَقَالَ زُفَرُ: لَا تَصِحُّ نِيَّةُ الْجَمْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيَانِ وَجْهِهِمَا بِالْمَعَانِي الْفِقْهِيَّةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ) اعْلَمْ أَنَّ مَنْ قَالَ لِمَدْخُولٍ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ أَوْ الْأَشْهُرِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ وَلَا نِيَّةَ لَهُ، أَوْ نَوَى شَيْئًا، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهِيَ طَالِقٌ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ تَطْلِيقَةً، وَإِنْ نَوَى الثَّلَاثَ السَّاعَةَ أَوْ عِنْدَ رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ وَاحِدَةً فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى، سَوَاءٌ كَانَتْ تِلْكَ السَّاعَةُ حَالَةَ الْحَيْضِ أَوْ حَالَةَ الطُّهْرِ، وَكَذَا رَأْسُ كُلِّ شَهْرٍ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا تَصِحُّ نِيَّةُ الْجَمْعِ؛ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ وَهِيَ ضِدُّ السُّنَّةِ وَضِدُّ الشَّيْءِ لَا يُرَادُ بِهِ. وَلَنَا أَنَّ اللَّامَ فِيهِ أَيْ: فِي قَوْلِهِ لِلسُّنَّةِ لِلْوَقْتِ، وَالسُّنَّةُ تَكُونُ تَارَةً كَامِلَةً إيقَاعًا وَوُقُوعًا وَتَارَةً وُقُوعًا فَقَطْ، فَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُحْتَمَلًا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ كَانَ مُطْلَقًا، وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَهُوَ السُّنَّةُ إيقَاعًا وَوُقُوعًا فَيَقَعُ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ تَطْلِيقَةٌ، وَإِذَا نَوَى صَرْفَ لَفْظِهِ إلَى السُّنَّةِ وُقُوعًا لِأَنَّ وُقُوعَ الثَّلَاثِ دَفْعَةً أَوْ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ، فَهُوَ سُنِّيٌّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَرَفَ صِحَّةَ وُقُوعِهِ بِالسُّنَّةِ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْفًا بَانَتْ مِنْهُ بِثَلَاثٍ وَالْبَاقِي رَدٌّ عَلَيْهِ» فَإِنْ قِيلَ: الْوُقُوعُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْإِيقَاعِ؛ لِأَنَّهُ انْفِعَالُهُ فَإِذَا صَحَّ الْوُقُوعُ صَحَّ الْإِيقَاعُ فَكَانَ سُنِّيًّا وُقُوعًا وَإِيقَاعًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْوُقُوعَ لَا يُوصَفُ بِالْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّهُ

لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ وَهِيَ ضِدُّ السُّنَّةِ. وَلَنَا أَنَّهُ مُحْتَمِلٌ لَفْظَهُ؛ لِأَنَّهُ سُنِّيٌّ وُقُوعًا مِنْ حَيْثُ إنَّ وُقُوعَهُ بِالسُّنَّةِ لَا إيقَاعًا فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ مُطْلَقُ كَلَامِهِ وَيَنْتَظِمُهُ عِنْدَ نِيَّتِهِ (وَإِنْ كَانَتْ آيِسَةً أَوْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ وَقَعَتْ السَّاعَةَ وَاحِدَةٌ وَبَعْدَ شَهْرٍ أُخْرَى وَبَعْدَ شَهْرٍ أُخْرَى) ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ فِي حَقِّهَا دَلِيلُ الْحَاجَةِ كَالطُّهْرِ فِي حَقِّ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا (وَإِنْ نَوَى أَنْ يَقَعَ الثَّلَاثُ السَّاعَةَ وَقَعْنَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ لَمَا قُلْنَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْسَ فِعْلَ الْمُكَلَّفِ، وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَهُوَ لَا يُوصَفُ بِالْبِدْعَةِ وَالْإِيقَاعُ يُوصَفُ بِهَا لِكَوْنِهِ فِعْلَ الْمُكَلَّفِ، وَكَانَ الْوُقُوعُ أَشْبَهَ بِالسُّنَّةِ الْمَرْضِيَّةِ فَلِهَذَا قَالَ: سُنِّيٌّ وُقُوعًا، (وَإِنْ كَانَتْ آيِسَةً أَوْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ (وَقَعَتْ السَّاعَةَ وَاحِدَةٌ وَبَعْدَ شَهْرٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ فِي حَقِّهَا دَلِيلُ الْحَاجَةِ) عَلَى مَا بَيَّنَّا قَبْلَ هَذَا أَنَّ الشَّهْرَ فِي حَقِّهَا قَائِمٌ مَقَامَ الْحَيْضِ، (وَإِنْ نَوَى أَنْ يَقَعَ الثَّلَاثَ السَّاعَةَ وَقَعْنَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ لِمَا قُلْنَا) إنَّهُ سُنِّيٌّ وُقُوعًا، وَإِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى الثَّلَاثِ، إنْ كَانَتْ طَاهِرَةً لَمْ يُجَامِعْهَا وَقَعَ فِي الْحَالِ، وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ لَمْ يَقَعْ السَّاعَةَ، فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ وَقَعَتْ تَطْلِيقَةٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ إيقَاعُ تَطْلِيقَةٍ مُخْتَصَّةٍ

بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى الثَّلَاثِ حَيْثُ لَا تَصِحُّ نِيَّةُ الْجَمْعِ فِيهِ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الثَّلَاثِ إنَّمَا صَحَّتْ فِيهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلْوَقْتِ فَيُفِيدُ تَعْمِيمَ الْوَقْتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالسُّنَّةِ الْمُعَرَّفَةِ بِاللَّامِ وَهِيَ تِلْكَ، وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا جُمْلَةً قَالَ الْمُصَنِّفُ لَا تَصِحُّ، قِيلَ هَكَذَا ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَصَاحِبُ الْمُخْتَلِفَاتِ وَعَلَاءُ الدِّينِ السَّمَرْقَنْدِيُّ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الثَّلَاثِ إنْ صَحَّتْ فَإِنَّمَا تَصِحُّ مِنْ حَيْثُ إنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلْوَقْتِ، وَوَقْتُ طَلَاقِ السُّنَّةِ مُتَعَدِّدٌ فَيُفِيدُ تَعْمِيمَ الْوَقْتِ، مِنْ ضَرُورَةِ تَعْمِيمِ الْوَقْتِ تَعْمِيمُ الْوَاقِعِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْوَقْتَ ظَرْفًا لِلْوَاقِعِ وَقَدْ تَكَرَّرَ الظَّرْفُ فَيَتَكَرَّرُ الْمَظْرُوفُ، فَإِذَا نَوَى الْجَمْعَ بَطَلَ تَعْمِيمُ الْوَقْتِ فَيَبْطُلُ تَعْمِيمُ

وَمِنْ ضَرُورَتِهِ تَعْمِيمُ الْوَاقِعِ فِيهِ، فَإِذَا نَوَى الْجَمْعَ بَطَلَ تَعْمِيمُ الْوَقْتِ فَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَاقِعِ فِيهِ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَ الْمُقْتَضِي يُوجِبُ بُطْلَانَ الْمُقْتَضَى فَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ، بِخِلَافِ مَا إذَا ذَكَرَ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ مَذْكُورٌ صَرِيحًا فَتَصِحُّ نِيَّتُهُ. وَذَكَرَ صَاحِبُ الْأَسْرَارِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ نِيَّةَ الثَّلَاثِ صَحِيحَةٌ جُمْلَةً كَمَا لَوْ ذَكَرَ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ التَّطْلِيقَةَ الْمُخْتَصَّةَ بِالسُّنَّةِ الْمُعَرَّفَةِ بِاللَّامِ نَوْعَانِ: حَسَنٌ، وَأَحْسَنُ. فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ. وَالْحَسَنُ أَنْ يُطَلِّقَ الثَّلَاثَ فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ، فَإِذَا نَوَى الثَّلَاثَ فَقَدْ نَوَى أَحَدَ نَوْعَيْ التَّطْلِيقَةِ الْمُخْتَصَّةِ بِالسُّنَّةِ فَتَصِحُّ نِيَّتُهُ، كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ أَوْ طَلَاقًا لِلسُّنَّةِ. كَذَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى وُقُوعُهَا جُمْلَةً، وَدَلِيلُهُ يَدُلُّ عَلَى التَّفْرِيقِ عَلَى الْأَطْهَارِ كَمَا تَرَى. وَنَقَلَ قَاضِي خَانْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ الْأَصْلِ أَنَّهُ يَقَعُ جُمْلَةً كَمَا لَوْ ذَكَرَ ثَلَاثًا، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ التَّسَاوِي بَيْنَ الْعِبَارَةِ وَالِاقْتِضَاءِ

[فصل ويقع طلاق كل زوج إذا كان عاقلا بالغا]

(فَصْلٌ) (وَيَقَعُ طَلَاقُ كُلِّ زَوْجٍ إذَا كَانَ عَاقِلًا بَالِغًا، وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالنَّائِمِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ» وَلِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ بِالْعَقْلِ الْمُمَيِّزِ وَهُمَا عَدِيمَا الْعَقْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْعُمُومِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ، فَإِنَّ الْمُقْتَضِيَ لَا عُمُومَ لَهُ عِنْدَنَا، وَلَعَلَّهُ سَبَبُ اخْتِيَارِ الْمُصَنِّفِ عَدَمَ الْوُقُوعِ جُمْلَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ وَيَقَعُ طَلَاقُ كُلِّ زَوْجٍ إذَا كَانَ عَاقِلًا بَالِغًا] فَصْلٌ لَمَّا ذَكَرَ طَلَاقَ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَذَكَرَ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ طَلَاقِ الْبِدْعَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَنْ يَقَعُ طَلَاقُهُ وَمَنْ لَا يَقَعُ، (وَيَقَعُ طَلَاقُ كُلِّ زَوْجٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ دُونَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالنَّائِمِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ» )

[طلاق المكره]

وَالنَّائِمُ عَدِيمُ الِاخْتِيَارِ. (وَطَلَاقُ الْمُكْرَهِ وَاقِعٌ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، هُوَ يَقُولُ إنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُجَامِعُ الِاخْتِيَارَ وَبِهِ يُعْتَبَرُ التَّصَرُّفُ الشَّرْعِيُّ، بِخِلَافِ الْهَازِلِ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ فِي التَّكَلُّمِ بِالطَّلَاقِ. وَلَنَا أَنَّهُ قَصَدَ إيقَاعَ الطَّلَاقِ فِي مَنْكُوحَتِهِ فِي حَالِ أَهْلِيَّتِهِ فَلَا يَعْرَى عَنْ قَضِيَّتِهِ دَفْعًا لِحَاجَتِهِ اعْتِبَارًا بِالطَّائِعِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ عَرَفَ الشَّرَّيْنِ وَاخْتَارَ أَهْوَنَهُمَا، وَهَذَا آيَةُ الْقَصْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُرَادُ بِالْجَوَازِ النَّفَاذُ دُونَ الْحِلِّ الَّذِي يُقَابِلُ الْحُرْمَةَ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَا يُوصَفُ بِالْحُرْمَةِ فِي الْمُعَامَلَاتِ، وَالنُّفُوذُ بِالْوُقُوعِ، فَمَعْنَاهُ: كُلُّ طَلَاقٍ نَافِذٌ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَلِأَنَّ أَهْلِيَّةَ التَّصَرُّفِ بِالْعَقْلِ الْمُمَيِّزِ وَلَا عَقْلَ لِلصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، أَمَّا الْمَجْنُونُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَلِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا هُوَ الْمُعْتَدِلُ مِنْهُ، وَالصَّبِيُّ وَإِنْ اتَّصَفَ بِالْعَقْلِ حَتَّى صَحَّ إسْلَامُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمُعْتَدِلٍ قَبْلَ الْبُلُوغِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيمَا لَهُ فِيهِ مَضَرَّةٌ، (وَالنَّائِمُ عَدِيمُ الِاخْتِيَارِ) فِي التَّكَلُّمِ، وَشَرْطُ التَّصَرُّفِ الِاخْتِيَارُ فِيهِ [طَلَاقُ الْمُكْرَهِ] ، (وَطَلَاقُ الْمُكْرَهِ وَاقِعٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، هُوَ يَقُولُ: إنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُجَامِعُ الِاخْتِيَارَ) لِإِفْسَادِهِ إيَّاهُ، وَاعْتِبَارُ التَّصَرُّفِ الشَّرْعِيِّ إنَّمَا هُوَ بِالِاخْتِيَارِ (بِخِلَافِ الْهَازِلِ فَإِنَّهُ مُخْتَارٌ) فَكَانَ شَرْطُ التَّصَرُّفِ فِيهِ مَوْجُودًا، وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ فِي التَّكَلُّمِ بِالطَّلَاقِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ ذَلِكَ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ: اسْقِنِي فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُخْتَارًا لِحُكْمِهِ لِكَوْنِهِ مُخْتَارًا فِي التَّكَلُّمِ؟ (وَلَنَا أَنَّهُ قَصَدَ إيقَاعَ الطَّلَاقِ فِي مَنْكُوحَتِهِ فِي حَالِ أَهْلِيَّتِهِ فَلَا يَعْرَى عَنْ قَضِيَّتِهِ) أَيْ: حُكْمِهِ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَخَلُّفُ الْحُكْمِ عَنْ عِلَّتِهِ. وَقَوْلُهُ: قَصَدَ إيقَاعَ الطَّلَاقِ احْتِرَازٌ عَنْ الْإِقْرَارِ بِهِ مُكْرَهًا فَإِنَّهُ لَغْوٌ لِكَوْنِهِ خَبَرًا يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ، وَقِيَامُ السَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَاذِبٌ فِيهِ، وَالْمُخْبَرُ عَنْهُ إذْ كَانَ كَذِبًا فَبِالْإِخْبَارِ عَنْهُ لَا يَصِيرُ صِدْقًا. وَقَوْلُهُ: فِي حَالِ أَهْلِيَّتِهِ احْتِرَازٌ عَنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ. وَتَقْرِيرُ حُجَّتِهِ أَنَّ الْمُكْرَهَ قَصَدَ إيقَاعَ الطَّلَاقِ فِي مَنْكُوحَتِهِ فِي حَالِ أَهْلِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ عَرَفَ الشَّرَّيْنِ

[طلاق السكران]

وَالِاخْتِيَارُ، إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ رَاضٍ بِحُكْمِهِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُخِلٍّ بِهِ كَالْهَازِلِ. (وَطَلَاقُ السَّكْرَانِ وَاقِعٌ) وَاخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَالطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْقَصْدِ بِالْعَقْلِ وَهُوَ زَائِلُ الْعَقْلِ فَصَارَ كَزَوَالِهِ بِالْبَنْجِ وَالدَّوَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْهَلَاكَ وَالطَّلَاقَ وَاخْتَارَ أَهْوَنَهُمَا، وَاخْتِيَارُ أَهْوَنِ الشَّرَّيْنِ آيَةُ الْقَصْدِ وَالِاخْتِيَارِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَكُلُّ مَنْ قَصَدَ إيقَاعَهُ كَذَلِكَ لَا يَعْرَى فِعْلُهُ عَنْ حُكْمِهِ كَمَا فِي الطَّائِعِ؛ إذْ الْعِلَّةُ فِيهِ دَفْعُ الْحَاجَةِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْمُكْرَهِ لِحَاجَتِهِ أَنْ يَتَخَلَّصَ عَمَّا تُوُعِّدَ بِهِ مِنْ الْقَتْلِ أَوْ الْجُرْحِ. وَقَوْلُهُ: إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ رَاضٍ بِحُكْمِهِ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَوْ كَانَ الْمُكْرَهُ مُخْتَارًا لَمَا كَانَ لَهُ اخْتِيَارُ فَسْخِ الْعُقُودِ الَّتِي بَاشَرَهَا مُكْرَهًا مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَغَيْرِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ غَيْرُ رَاضٍ بِحُكْمِهِ فَكَانَ لَهُ فَسْخُ الْعُقُودِ وَأَمَّا هَاهُنَا فَعَدَمُ الرِّضَا بِالْحُكْمِ غَيْرُ مُخِلٍّ بِهِ كَالْهَازِلِ وَهُوَ الَّذِي يَقْصِدُ السَّبَبَ دُونَ الْحُكْمِ. فَإِنْ قِيلَ: بَيْنَ الْمُكْرَهِ وَالْهَازِلِ فَرْقٌ وَهُوَ يُبْطِلُ الْقِيَاسَ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ لَهُ اخْتِيَارٌ فَاسِدٌ وَلِلْهَازِلِ اخْتِيَارٌ كَامِلٌ، وَالْفَاسِدُ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْهَازِلِ الْوُقُوعُ فِي الْمُكْرَهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْهَازِلَ اخْتِيَارًا كَامِلًا فِي السَّبَبِ، أَمَّا فِي حَقِّ الْحُكْمِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ السَّبَبِ فَلَا اخْتِيَارَ لَهُ أَصْلًا فَكَانَ اخْتِيَارُ الْهَازِلِ أَيْضًا غَيْرَ كَامِلٍ بِالنَّظَرِ إلَى الْحُكْمِ فَكَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فَكَانَ اعْتِبَارُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ جَائِزًا. [طَلَاقُ السَّكْرَانِ] (وَطَلَاقُ السَّكْرَانِ وَاقِعٌ وَاخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَالطَّحَاوِيِّ عَدَمَهُ) وَالْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَاضِحٌ، خَلَا أَنَّ فِي كَلَامِهِ تَسَامُحًا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْعَقْلَ زَائِلًا بِالسُّكْرِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ وَلَا خِطَابَ بِلَا عَقْلٍ بَلْ هُوَ مَغْلُوبٌ، وَلَمَّا كَانَ الْمَغْلُوبُ

وَلَنَا أَنَّهُ زَالَ (بِسَبَبٍ هُوَ مَعْصِيَةٌ فَجُعِلَ بَاقِيًا حُكْمًا زَجْرًا لَهُ، حَتَّى لَوْ شَرِبَ فَصُدِعَ وَزَالَ عَقْلُهُ بِالصُّدَاعِ نَقُولُ إنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالْمَعْدُومِ وَأَطْلَقَ الزَّوَالَ مُجَارَاةً لِلْخَصْمِ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ. وَاعْتُرِضَ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّ شُرْبَ الْمُسْكِرِ كَسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ فَمَا بَالُ السَّفَرِ صَارَ سَبَبًا لِلتَّخْفِيفِ دُونَ شُرْبِ الْمُسْكِرِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ لَمَّا جُعِلَ الْعَقْلُ بَاقِيًا فِي الطَّلَاقِ حُكْمًا زَجْرًا لَهُ كَانَتْ الرِّدَّةُ وَالْإِقْرَارُ بِالْحُدُودِ الْخَالِصَةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الزَّجْرَ وَالْعُقُوبَةَ هُنَاكَ أَتَمُّ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الشُّرْبَ نَفْسَهُ مَعْصِيَةٌ لَيْسَ فِيهِ إمْكَانُ انْفِصَالٍ وَلَا جِهَةُ إبَاحَةٍ تَصْلُحُ لِإِضَافَةِ التَّخْفِيفِ إلَيْهَا فَجُعِلَ بَاقِيًا زَجْرًا، بِخِلَافِ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ فَإِنَّ نَفْسَ السَّفَرِ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ وَأَمْكَنَ انْفِصَالُهَا عَنْهُ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً، فَكَانَتْ جِهَةُ إبَاحَتِهِ تَصْلُحُ لِإِضَافَةِ التَّخْفِيفِ وَالتَّرَخُّصِ إلَيْهَا. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الرُّكْنَ فِي الرِّدَّةِ الِاعْتِقَادُ، وَالسَّكْرَانُ غَيْرُ مُعْتَقِدٍ لِمَا يَقُولُ فَلَا يُحْكَمُ بِرِدَّتِهِ لِانْعِدَامِ رُكْنِهَا لَا لِلتَّخْفِيفِ عَلَيْهِ بَعْدَ تَقَرُّرِ السَّبَبِ. وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِالْحُدُودِ فَإِنَّ السَّكْرَانَ لَا يَكَادُ يَثْبُتُ عَلَى شَيْءٍ فَيُجْعَلُ رَاجِعًا عَمَّا أَقَرَّ بِهِ فَيُؤَثِّرُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ. وَفِي قَوْلِهِ: بِسَبَبٍ هُوَ مَعْصِيَةٌ إشَارَةً إلَى شَيْئَيْنِ: أَحَدِهِمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الشُّرْبِ وَسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ كَمَا ذَكَرْنَا. وَالثَّانِي أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مُرَتَّبٌ عَلَى سُكْرٍ يَكُونُ مَحْظُورًا. وَأَمَّا غَيْرُهُ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ مُبَاحٍ كَالْبَنْجِ وَلَبَنِ الرِّمَاكِ وَالْخَمْرِ إذَا أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِهَا بِالْقَتْلِ فَهُوَ كَالْإِغْمَاءِ فِي حَقِّ مَنْعِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (حَتَّى لَوْ شَرِبَ فَصَدَعَ وَزَالَ عَقْلُهُ بِالصُّدَاعِ نَقُولُ: إنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ زَوَالُهُ بِمَعْصِيَةٍ. وَاعْتُرِضَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَنَّ الصُّدَاعَ أَثَرُ الشُّرْبِ فَكَانَ عِلَّةَ الْعِلَّةِ، وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَيْهَا كَمَا يُضَافُ إلَى الْعِلَّةِ، فَمَا بَالُهُ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْعِلَّةِ إنَّمَا تَكُونُ إذَا لَمْ تَكُنْ الْعِلَّةُ صَالِحَةً لِلْإِضَاقَةِ، وَهَاهُنَا صَالِحَةٌ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ زَوَالَ

[طلاق الأخرس]

(وَطَلَاقُ الْأَخْرَسِ وَاقِعٌ بِالْإِشَارَةِ) ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَعْهُودَةً فَأُقِيمَتْ مَقَامَ الْعِبَارَةِ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ، وَسَتَأْتِيكَ وُجُوهُهُ فِي آخِرِ الْكِتَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (طَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا، وَطَلَاقُ الْحُرَّةِ ثَلَاثٌ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: عَدَدُ الطَّلَاقِ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الرِّجَالِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَقْلِ مِمَّا يُؤَثِّرُ فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ كَمَا إذَا جُنَّ. [طَلَاقُ الْأَخْرَسِ] وَقَوْلُهُ: (وَطَلَاقُ الْأَخْرَسِ وَاقِعٌ) ظَاهِرٌ. [طَلَاقُ الْأَمَةِ] وَقَوْلُهُ: (وَطَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ) أَنَّثَ الطَّلَاقَ بِاعْتِبَارِ التَّطْلِيقَةِ وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ، وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ لَهُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ» أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَابَلَ الطَّلَاقَ بِالْعِدَّةِ عَلَى وَجْهٍ يَخْتَصُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجِنْسٍ عَلَى حِدَةٍ، ثُمَّ اعْتِبَارُ الْعِدَّةِ بِالنِّسَاءِ مِنْ حَيْثُ الْقَدْرُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ اعْتِبَارُ الطَّلَاقِ بِالرِّجَالِ مِنْ حَيْثُ الْقَدْرُ تَحْقِيقًا لِلْمُقَابَلَةِ؛ وَلِأَنَّ صِفَةَ الْمَالِكِيَّةِ كَرَامَةٌ، وَكُلُّ مَا هُوَ كَرَامَةٌ فَالْآدَمِيَّةُ مُسْتَدْعِيَةٌ لَهَا لِكَوْنِهِ مُكَرَّمًا بِتَكْرِيمِ اللَّهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70] الْآيَةَ، وَمَعْنَى الْآدَمِيَّةِ فِي الْحُرِّ أَكْمَلُ لِصَلَاحِيَّتِهِ لِمَا لَا يَصْلُحُ لَهُ الْعَبْدُ مِنْ الْوِلَايَةِ وَالشَّهَادَةِ وَلِخُلُوصِهِ

وَلِأَنَّ صِفَةَ الْمَالِكِيَّةِ كَرَامَةٌ وَالْآدَمِيَّةُ مُسْتَدْعِيَةٌ لَهَا، وَمَعْنَى الْآدَمِيَّةِ فِي الْحُرِّ أَكْمَلُ فَكَانَتْ مَالِكِيَّتُهُ أَبْلَغَ وَأَكْثَرَ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «طَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ الَّتِي تَجْعَلُ الْمَمْلُوكَ فِي قَرْنِ الْبَهَائِمِ مَلْزُوزًا، (فَكَانَتْ مَالِكِيَّتُهُ أَبْلَغَ) فَإِنْ قُلْت: الدَّلِيلُ أَخَصُّ مِنْ الْمُدَّعَى؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى أَنَّ الطَّلَاقَ بِالزَّوْجِ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا، وَالدَّلِيلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ إذَا كَانَ حُرًّا كَانَ مَالِكًا. قُلْت: إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ لِلْحُرِّ ثَبَتَ لِلْعَبْدِ لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ، وَمَذْهَبُهُ قَوْلُ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ (وَلَنَا قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «طَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» ) وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَكَرَ الْأَمَةَ فَاللَّامُ التَّعْرِيفِ وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَعْهُودٌ فَكَانَ لِلْجِنْسِ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ طَلَاقُ هَذَا الْجِنْسِ ثِنْتَيْنِ، فَلَوْ كَانَ اعْتِبَارُ الطَّلَاقِ بِالرِّجَالِ لَكَانَ لِبَعْضِ الْإِمَاءِ ثِنْتَانِ فَلَمْ تَبْقَ اللَّامُ لِلْجِنْسِ. فَإِنْ قِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَا الْأَمَةَ تَحْتَ عَبْدٍ عَمَلًا بِالْحَدِيثَيْنِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى أَنْ يَكُونَ الْهَاءُ فِي " وَعِدَّتُهَا " عَائِدَةٌ إلَيْهَا فَيَكُونُ تَخْصِيصًا لَهَا بِكَوْنِ عِدَّتِهَا حَيْضَتَيْنِ، إذْ لَا مَرْجِعَ لِلضَّمِيرِ سِوَاهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ عِدَّةَ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ سَوَاءٌ كَانَتْ تَحْتَ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ بِالِاتِّفَاقِ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الِاسْتِخْدَامِ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالْأَمَةِ الْأَمَةَ تَحْتَ عَبْدٍ، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ

وَلِأَنَّ حِلَّ الْمَحَلِّيَّةِ نِعْمَةٌ فِي حَقِّهَا، وَلِلرِّقِّ أَثَرٌ فِي تَنْصِيفِ النِّعَمِ إلَّا أَنَّ الْعُقْدَةَ لَا تَتَجَزَّأُ فَتَكَامَلَتْ عُقْدَتَانِ، وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ أَنَّ الْإِيقَاعَ بِالرِّجَالِ. (وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ امْرَأَةً) بِإِذْنِ مَوْلَاهُ وَطَلَّقَهَا (وَقَعَ طَلَاقُهُ وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ مَوْلَاهُ عَلَى امْرَأَتِهِ) ؛ لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ حَقُّ الْعَبْدِ فَيَكُونُ الْإِسْقَاطُ إلَيْهِ دُونَ الْمَوْلَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى مُطْلَقِ الْأَمَةِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ خَطَابَةٌ لَا تُجْدِي فِي مَقَامِ الِاسْتِدْلَالِ؛ (وَلِأَنَّ حِلَّ الْمَحَلِّيَّةِ) أَيْ: حِلَّ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مَحَلَّ النِّكَاحِ نِعْمَةٌ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهَا تَتَوَصَّلُ بِذَلِكَ إلَى دُرُورِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالسُّكْنَى وَالِازْدِوَاجِ وَتَحْصِينِ الْفَرْجِ وَغَيْرِهَا، وَمَا هُوَ نِعْمَةٌ فِي حَقِّهَا يَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ، فَإِنَّ لِلرِّقِّ أَثَرًا فِي تَنْصِيفِ النِّعَمِ فِي الرِّجَالِ فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ مِنْ التَّزَوُّجِ مَا فَوْقَ الِاثْنَتَيْنِ فَكَذَا فِي حَقِّ النِّسَاءِ فَإِنَّهَا لَا تَتَزَوَّجُ مَعَ الْحُرَّةِ وَلَا بَعْدَهَا، وَكَانَ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَمْلِكَ الزَّوْجُ عَلَيْهَا إلَّا عُقْدَةً وَنِصْفًا: أَيْ: طَلْقَةً وَنِصْفَ طَلْقَةٍ تَنْقِيصًا لِحِلِّ الْمَحَلِّيَّةِ، (إلَّا أَنَّ الْعُقْدَةَ لَا تَتَجَزَّأُ فَتَكَامَلَتْ عُقْدَتَانِ) ، وَمَذْهَبُنَا قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ. وَقَوْلُهُ: (وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ) يَعْنِي قَوْلَهُ: «الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ» أَنَّ الْإِيقَاعَ بِالرِّجَالِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مَعْلُومٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ خَاصَّةً. أُجِيبَ بَلْ كَانَ إلَى ذِكْرِهِ حَاجَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا كَرِهَتْ الزَّوْجَ غَيَّرَتْ الْبَيْتَ وَكَانَ ذَلِكَ طَلَاقًا مِنْهَا فَرُفِعَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: «الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ» (وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ امْرَأَةً وَطَلَّقَهَا وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ مَوْلَاهُ عَلَى امْرَأَتِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ حَقُّ الْعَبْدِ) لِكَوْنِهِ مِنْ خَوَاصِّ الْآدَمِيَّةِ، وَالْعَبْدُ مُبْقًى فِيهَا عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ، فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَمْلِكَ النِّكَاحَ دُونَ إذْنِ مَوْلَاهُ، لَكِنْ لَوْ قُلْنَا بِهِ تَضَرَّرَ الْمَوْلَى فِيهِ فَتَرَكْنَاهُ لِأَجْلِهِ.

[باب إيقاع الطلاق]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (الطَّلَاقُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: صَرِيحٌ، وَكِنَايَةٌ. فَالصَّرِيحُ قَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ وَمُطَلَّقَةٌ وَطَلَّقْتُك فَهَذَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تُسْتَعْمَلُ فِي الطَّلَاقِ وَلَا تُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ فَكَانَ صَرِيحًا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ إيقَاعِ الطَّلَاقِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَصْلِ الطَّلَاقِ وَوَصْفِهِ شَرَعَ فِي بَيَانِ تَنْوِيعِهِ فَقَالَ (الطَّلَاقُ) أَيْ التَّطْلِيقُ (عَلَى ضَرْبَيْنِ: صَرِيحٍ، وَكِنَايَةٍ، فَالصَّرِيحُ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَمُطَلَّقَةٌ وَطَلَّقْتُك يَقَعُ بِهَا طَلَاقٌ رَجْعِيٌّ) لِكَوْنِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ صَرِيحَةً، وَالصَّرِيحُ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] وَهُوَ يُشِيرُ بِتَسْمِيَتِهِ بَعْلًا إلَى أَنَّ الطَّلَاقَ

وَأَنَّهُ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ بِالنَّصِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّجْعِيَّ لَا يُبْطِلُ الزَّوْجِيَّةَ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ قَالَ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ وَالرَّدُّ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا زَالَ عَنْهُ مِلْكُهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْبَعْلَ

(وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ) لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَكَذَا إذَا نَوَى الْإِبَانَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِلزَّوْجِ حَقِيقَةً وَهِيَ لَا تُتْرَكُ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَأَمَّا لَفْظُ الرَّدِّ فَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ كَالْبَائِعِ جَارِيَةً بِالْخِيَارِ لَهُ وَلِلْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ فِيهَا لِلْمُشْتَرِي. ثُمَّ إذَا فَسَخَهُ يُقَالُ رَدَّ الْجَارِيَةَ وَإِنْ لَمْ يَزُلْ عَنْهَا مِلْكُ الْبَائِعِ (وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ) وَالصَّرِيحُ مَا ظَهَرَ الْمُرَادُ بِهِ ظُهُورًا بَيِّنًا بِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَهَذَا كَذَلِكَ، وَالصَّرِيحُ يَقُومُ لَفْظُهُ مَقَامَ مَعْنَاهُ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ. وَقَوْلُهُ وَكَذَا إذَا نَوَى الْإِبَانَةَ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَإِنَّهُ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ: يَعْنِي إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، وَكَذَا إذَا نَوَى الْإِبَانَةَ لِأَنَّهُ خَالَفَ الشَّرْعَ حَيْثُ قَصَدَ تَنْجِيزَ مَا عَلَّقَهُ الشَّرْعُ بِانْقِضَاءِ

لِأَنَّهُ قَصَدَ تَنْجِيزَ مَا عَلَّقَهُ الشَّرْعُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ. وَلَوْ نَوَى الطَّلَاقَ عَنْ وِثَاقٍ لَمْ يُدَيَّنْ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ. وَلَوْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ عَنْ الْعَمَلِ لَمْ يُدَيَّنْ فِي الْقَضَاءِ وَلَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الطَّلَاقَ لِرَفْعِ الْقَيْدِ وَهِيَ غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ بِالْعَمَلِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ يَسْتَعْمِلُ لِلتَّخْلِيصِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعِدَّةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] وَالْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ هُوَ الرَّجْعَةُ، وَالتَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ هُوَ تَرْكُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ. وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الرَّجْعَةَ إمْسَاكًا وَالْإِمْسَاكُ إبْقَاءُ الشَّيْءِ عَلَى مَا كَانَ، فَمَا دَامَتْ الْعِدَّةُ بَاقِيَةً كَانَتْ وِلَايَةُ الرَّجْعَةِ بَاقِيَةً، وَإِذَا انْقَضَتْ مِنْ غَيْرِ رَجْعَةٍ بَانَتْ فَصَارَتْ الْبَيْنُونَةُ مُعَلَّقَةً بِالِانْقِضَاءِ كَذَا قَالُوا. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنْ سَلَّمْنَا دَلَالَتَهُ عَلَى تَعْلِيقِ الْبَيْنُونَةِ بِالِانْقِضَاءِ جَازَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ مَا لَمْ يَنْوِ الْبَيْنُونَةَ فَلَمْ يَبْقَ حُجَّةٌ فِيمَا نُوِيَتْ فِيهِ، وَلَوْ قَالَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ ثَابِتٌ اقْتِضَاءً وَالْمُقْتَضِي ضَرُورِيٌّ وَالضَّرُورَةُ تَنْدَفِعُ بِالرَّجْعِيِّ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْبَائِنِ كَانَ أَسْلَمَ، وَمَوْضِعُهُ أُصُولُ الْفِقْهِ. وَقَوْلُهُ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ) يَعْنِي قَصْدُهُ وَتَقْرِيرُ الْحُجَّةِ لِأَنَّهُ قَصَدَ تَقْدِيمَ مَا أَخَّرَ الشَّرْعُ إلَى وَقْتٍ وَكُلُّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ يُرَدُّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ كَمَا فِي قَتْلِ الْمُورَثِ وَأَصْلُهُ بَقَرَةُ بَنِي إسْرَائِيلَ (وَلَوْ نَوَى الطَّلَاقَ عَنْ وَثَاقٍ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَهُوَ الْقَيْدُ وَالْكَسْرُ فِيهِ لُغَةٌ (لَمْ يُدَيَّنْ فِي الْقَضَاءِ) أَيْ لَمْ يُصَدَّقْ، وَحَقِيقَتُهُ دَيَّنْت الرَّجُلَ تَدْيِينًا وَكَلْتُهُ إلَى دِينِهِ فَاسْتُعْمِلَ فِي التَّصْدِيقِ مَجَازًا لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ لِأَنَّهُ صَرْفُ الْكَلَامِ عَمَّا هُوَ صَرِيحٌ فِيهِ إلَى مَا لَيْسَ بِمُتَعَارَفٍ فِيمَا عَلَيْهِ تَخْفِيفٌ. وَكَذَلِكَ لَا يَسَعُ الْمَرْأَةَ أَنْ تُصَدِّقَهُ فِي ذَلِكَ (وَيُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ) إذْ الطَّلَاقُ مِنْ الْإِطْلَاقِ يُسْتَعْمَلُ فِي الْإِبِلِ أَوْ الْوَثَاقِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ عِبَارَةً عَنْهُ مَجَازًا. (وَلَوْ نَوَى بِهِ) أَيْ بِقَوْلِهِ طَالِقٌ (الطَّلَاقَ عَنْ الْعَمَلِ لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ وَلَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الطَّلَاقَ لِرَفْعِ الْقَيْدِ وَهُوَ) قِيلَ أَيْ الْمَرْأَةُ بِتَأْوِيلِ الشَّخْصِ أَوْ الذَّاتِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ بَلْ يَعُودُ إلَى الْقَيْدِ الَّذِي يَرْفَعُهُ الطَّلَاقُ وَهُوَ النِّكَاحُ. وَتَقْرِيرُهُ الطَّلَاقَ لِرَفْعِ الْقَيْدِ النِّكَاحِيِّ، وَالْقَيْدُ النِّكَاحِيُّ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالْعَمَلِ فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ بِرَفْعِ الْقَيْدِ بِالْعَمَلِ وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَرَوَى الْحَسَنُ (عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الطَّلَاقَ يُسْتَعْمَلُ فِي التَّخْلِيصِ) فَكَانَ

وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ مُطْلَقَةٌ بِتَسْكِينِ الطَّاءِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا إلَّا بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَعْمَلَةٍ فِيهِ عُرْفًا فَلَمْ يَكُنْ صَرِيحًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعْنَاهُ أَنْتِ مُخَلَّصَةٌ مِنْ الْعَمَلِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِذِكْرِهِ، أَمَّا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ عَمَلِ كَذَا مَوْصُولًا صُدِّقَ دِيَانَةً رِوَايَةً وَاحِدَةً (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ مُطْلَقَةٌ بِتَسْكِينِ الطَّاءِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا إلَّا بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَعْمَلَةٍ فِيهِ عُرْفًا فَلَا يَكُونُ صَرِيحًا)

قَالَ (وَلَا يَقَعُ بِهِ إلَّا وَاحِدَةٌ وَإِنْ نَوَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَقَعُ مَا نَوَى لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ لَفْظَهُ، فَإِنَّ ذِكْرَ الطَّالِقِ ذِكْرٌ لِلطَّلَاقِ لُغَةً كَذِكْرِ الْعَالَمِ ذِكْرٌ لِلْعِلْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِذَا لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا كَانَ كِنَايَةً لِعَدَمِ الْوَاسِطَةِ وَالْكِنَايَةُ تَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَقَوْلُهُ (وَلَا يَقَعُ بِهِ) مِنْ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ وَهَذَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ: أَيْ لَا يَقَعُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ (إلَّا وَاحِدَةٌ وَإِنْ نَوَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَقَعُ مَا نَوَى لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ لَفْظِهِ فَإِنَّ ذِكْرَ الطَّالِقِ ذِكْرٌ لِلطَّلَاقِ)

وَلِهَذَا يَصِحُّ قِرَانُ الْعَدَدِ بِهِ فَيَكُونَ نَصَبًا عَلَى التَّمْيِيزِ. وَلَنَا أَنَّهُ نَعْتٌ فَرْدٌ حَتَّى قِيلَ لِلْمُثَنَّى طَالِقَانِ وَلِلثَّلَاثِ طَوَالِقُ فَلَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ، وَذِكْرُ الطَّالِقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِكَوْنِهِ نَعْتًا وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْمُشْتَقِّ مِنْهُ (وَلِهَذَا) أَيْ لِكَوْنِهِ مُحْتَمَلَ لَفْظِهِ (يَصِحُّ قِرَانُ الْعَدَدِ بِهِ وَيَكُونُ نَصْبًا عَلَى التَّفْسِيرِ) وَكُلُّ مَا هُوَ مُحْتَمَلُ اللَّفْظِ تَصِحُّ نِيَّتُهُ (وَلَنَا أَنَّهُ نَعْتُ فَرْدٍ حَتَّى قِيلَ لِلْمُثَنَّى طَالِقَانِ وَلِلثَّلَاثِ طَوَالِقُ) وَكُلُّ مَا هُوَ نَعْتُ فَرْدٍ (لَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ) وَالضِّدُّ لَا يَحْتَمِلُ الضِّدَّ. وَقَوْلُهُ وَذِكْرُ الطَّوَالِقِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ فَإِنَّ ذِكْرَ الطَّالِقِ ذِكْرٌ لِلطَّلَاقِ لُغَةٌ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الطَّالِقَ نَعْتٌ مِنْ الثُّلَاثِيِّ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى طَلَاقٍ يَكُونُ صِفَةً لِلْمَرْأَةِ لَا عَلَى طَلَاقٍ يَكُونُ بِمَعْنَى التَّطْلِيقِ كَالسَّلَامِ بِمَعْنَى التَّسْلِيمِ، وَمَحَلُّ النِّيَّةِ هُوَ الثَّانِي لِأَنَّهُ فِعْلُ الرَّجُلِ دُونَ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ وَصْفٌ

ذِكْرٌ لِطَلَاقٍ هُوَ صِفَةٌ لِلْمَرْأَةِ لَا لِطَلَاقٍ هُوَ تَطْلِيقٌ، وَالْعَدَدُ الَّذِي يُقْرَنُ بِهِ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ مَعْنَاهُ طَلَاقًا ثَلَاثًا كَقَوْلِك أَعْطَيْتُهُ جَزِيلًا: أَيْ عَطَاءً جَزِيلًا (وَإِذَا قَالَ: أَنْتِ الطَّلَاقُ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ) وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ بِاللَّفْظَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ ظَاهِرٌ، لِأَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ النَّعْتَ وَحْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQضَرُورِيٌّ تَتَّصِفُ بِهِ الْمَرْأَةُ وَلَيْسَ بِفِعْلِ الزَّوْجِ لَكِنَّهُ يَقْتَضِي الثَّانِيَ تَصْحِيحًا لَهُ وَكَانَ ثَابِتًا ضَرُورَةَ صِحَّةِ الْكَلَامِ مُقْتَضًى وَلَا عُمُومَ لَهُ. وَقَوْلُهُ وَالْعَدَدُ الَّذِي يُقْرَنُ بِهِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَلِهَذَا يَصِحُّ قِرَانُ الْعَدَدِ بِهِ وَهُوَ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ أَنْتِ الطَّلَاقُ) وَاضِح

يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ، فَإِذَا ذَكَرَهُ وَذَكَرَ الْمَصْدَرَ مَعَهُ وَأَنَّهُ يَزِيدُهُ وَكَادَةً أَوْلَى. وَأَمَّا وُقُوعُهُ بِاللَّفْظَةِ الْأُولَى فَلِأَنَّ الْمَصْدَرَ قَدْ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الِاسْمُ، يُقَالُ: رَجُلٌ عَدْلٌ: أَيْ عَادِلٌ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَلَاقٌ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ أَيْضًا وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى النِّيَّةِ وَيَكُونُ رَجْعِيًّا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ صَرِيحُ الطَّلَاقِ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ، وَتَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ وَالْكَثْرَةَ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ فَيُعْتَبَرُ بِسَائِرِ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ فَيَتَنَاوَلُ الْأَدْنَى مَعَ احْتِمَالِ الْكُلِّ، وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ فِيهَا خِلَافًا لِزُفَرَ. هُوَ يَقُولُ: إنَّ الثِّنْتَيْنِ بَعْضُ الثَّلَاثِ فَلَمَّا صَحَّتْ نِيَّةُ الثَّلَاثِ صَحَّتْ نِيَّةُ بَعْضِهَا ضَرُورَةً. وَنَحْنُ نَقُولُ: نِيَّةُ الثَّلَاثِ إنَّمَا صَحَّتْ لِكَوْنِهَا جِنْسًا، حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَمَةً تَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْجِنْسِيَّةِ، أَمَّا الثِّنْتَانِ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ فَعَدَدٌ، وَاللَّفْظُ لَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ وَهَذَا لِأَنَّ مَعْنَى التَّوَحُّدِ يُرَاعَى فِي أَلْفَاظِ الْوُحْدَانِ وَذَلِكَ بِالْفَرْدِيَّةِ أَوْ الْجِنْسِيَّةِ وَالْمَثْنَى بِمَعْزِلٍ مِنْهُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ) اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ الطَّلَاقُ لَوْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ أَنْتِ طَالِقٌ لَمَا صَحَّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ كَمَا لَمْ تَصِحَّ فِي أَنْتِ طَالِقٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ نِيَّةَ الثَّلَاثِ إنَّمَا لَا تَصِحُّ فِي طَالِقٍ لِأَنَّهُ نَعْتُ فَرْدٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَهُوَ مَصْدَرٌ فِي أَصْلِهِ وَإِنْ وُصِفَ بِهِ فَلُمِحَ فِيهِ جَانِبُ الْمَصْدَرِيَّةِ وَصَحَّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ، وَبَقِيَّةُ كَلَامِهِ وَاضِحٌ.

(وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ فَقَالَ: أَرَدْت بِقَوْلِي طَالِقٌ وَاحِدَةً وَبِقَوْلِي الطَّلَاقَ أُخْرَى يُصَدَّقُ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَالِحٌ لِلْإِيقَاعِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ فَتَقَعُ رَجْعِيَّتَانِ إذَا كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا. (وَإِذَا أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى جُمْلَتِهَا أَوْ إلَى مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ وَقَعَ الطَّلَاقُ) لِأَنَّهُ أُضِيفَ إلَى مَحِلِّهِ، وَذَلِكَ (مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ) لِأَنَّ التَّاءَ ضَمِيرُ الْمَرْأَةِ (أَوْ) يَقُولَ (رَقَبَتُكِ طَالِقٌ أَوْ عُنُقُك) طَالِقٌ أَوْ رَأْسُك طَالِقٌ (أَوْ رُوحُك أَوْ بَدَنُك أَوْ جَسَدُك أَوْ فَرْجُك أَوْ وَجْهُك) لِأَنَّهُ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ. أَمَّا الْجَسَدُ وَالْبَدَنُ فَظَاهِرٌ وَكَذَا غَيْرُهُمَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3] وَقَالَ {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: 4] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ فَقَالَ أَرَدْت بِقَوْلِي طَالِقٌ وَاحِدَةً وَبِقَوْلِي الطَّلَاقِ أُخْرَى) فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَوْطُوءَةً لَغَا الثَّانِي، وَإِنْ كَانَتْ مَوْطُوءَةً (يُصَدَّقُ) وَيَقَعُ طَلْقَتَانِ رَجْعِيَّتَانِ (لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَالِحٌ لِلْإِيقَاعِ) بِتَقْدِيرِ الْمُبْتَدَإِ فِي الثَّانِي كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ. (وَلَوْ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى جُمْلَتِهَا) مِثْلَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّ التَّاءَ ضَمِيرُ الْمَرْأَةِ وَذَكَرَ هَذَا وَإِنْ كَانَ قَدْ عَلِمَ مِمَّا قَبْلَهُ تَمْهِيدًا لِذِكْرِ مَا بَعْدَهُ (أَوْ إلَى مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ مِثْلَ قَوْلِك رَقَبَتُك طَالِقٌ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3] وَلَمْ يُرِدْ الرَّقَبَةَ بِعَيْنِهَا، وَكَذَلِكَ الْعُنُقُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: 4] وَلَمْ يُرِدْ الْأَعْنَاقَ بِعَيْنِهَا حَيْثُ لَمْ يَقُلْ خَاضِعَةً وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ.

«لَعَنَ اللَّهُ الْفُرُوجَ عَلَى السُّرُوج» وَيُقَالُ فُلَانٌ رَأْسُ الْقَوْمِ وَيَا وَجْهَ الْعَرَبِ وَهَلَكَ رُوحُهُ بِمَعْنَى نَفْسُهُ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ الدَّمُ فِي رِوَايَةٍ يُقَالُ دَمُهُ هَدَرٌ وَمِنْهُ النَّفْسُ وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَكَذَلِكَ إنْ) (طَلَّقَ جُزْءًا شَائِعًا مِنْهَا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ نِصْفُك أَوْ ثُلُثُك) طَالِقٌ لِأَنَّ الشَّائِعَ مَحِلٌّ لِسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ كَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ فَكَذَا يَكُونُ مَحِلًّا لِلطَّلَاقِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ فَيَثْبُتَ فِي الْكُلِّ ضَرُورَةً (وَلَوْ قَالَ: يَدُك طَالِقٌ أَوْ رِجْلُك طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: يَقَعُ، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي كُلِّ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ. لَهُمَا أَنَّهُ جُزْءٌ مُسْتَمْتَعٌ بِعَقْدِ النِّكَاحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ قَالَ يَدُك طَالِقٌ أَوْ رِجْلُك لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: يَقَعُ، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي كُلِّ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ كَالْإِصْبَعِ وَالشَّعْرِ وَالسِّنِّ وَالظُّفْرِ. لَهُمَا أَنَّهُ جُزْءٌ مُسْتَمْتَعٌ بِعَقْدِ النِّكَاحِ، وَكُلُّ جُزْءٍ مُسْتَمْتَعٍ بِعَقْدِ النِّكَاحِ يَكُونُ مَحَلًّا لِحُكْمِ النِّكَاحِ، وَمَا كَانَ مَحَلًّا لِحُكْمِ النِّكَاحِ كَانَ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ لِأَنَّهُ رَافِعُهُ فَيَكُونُ حَالًّا مَحَلَّهُ فَإِذَا أُضِيفَ إلَيْهِ الطَّلَاقُ ثَبَتَ الْحُكْمُ فِيهِ تَوْفِيَةً لِحَقِّ الْإِضَافَةِ ثُمَّ يَسْرِي إلَى الْكُلِّ كَمَا فِي الْجُزْءِ الشَّائِعِ. فَإِنْ قِيلَ:

وَمَا هَذَا حَالُهُ يَكُونُ مَحِلًّا لِحُكْمِ النِّكَاحِ فَيَكُونَ مَحِلًّا لِلطَّلَاقِ فَيَثْبُتَ الْحُكْمُ فِيهِ قَضِيَّةً لِلْإِضَافَةِ ثُمَّ يَسْرِي إلَى الْكُلِّ كَمَا فِي الْجُزْءِ الشَّائِعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أُضِيفَ إلَيْهِ النِّكَاحُ لِأَنَّ التَّعَدِّيَ مُمْتَنِعٌ إذْ الْحُرْمَةُ فِي سَائِرِ الْأَجْزَاءِ تُغَلِّبُ الْحِلَّ فِي هَذَا الْجُزْءِ وَفِي الطَّلَاقِ الْأَمْرُ عَلَى الْقَلْبِ. وَلَنَا أَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى غَيْرِ مَحِلِّهِ فَيَلْغُوَ كَمَا إذَا أَضَافَهُ إلَى رِيقِهَا أَوْ ظُفُرِهَا، وَهَذَا لِأَنَّ مَحِلَّ الطَّلَاقِ مَا يَكُونُ فِيهِ الْقَيْدُ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ رَفْعِ الْقَيْدِ وَلَا قَيْدَ فِي الْيَدِ وَلِهَذَا لَا تَصِحُّ إضَافَةُ النِّكَاحِ إلَيْهِ، بِخِلَافِ الْجُزْءِ الشَّائِعِ لِأَنَّهُ مَحِلٌّ لِلنِّكَاحِ عِنْدَنَا حَتَّى تَصِحَّ إضَافَتُهُ إلَيْهِ فَكَذَا يَكُونُ مَحِلًّا لِلطَّلَاقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَوْ كَانَ الْجُزْءُ الْمُعَيَّنُ مَحَلًّا لِحُكْمِ النِّكَاحِ لَانْعَقَدَ النِّكَاحُ إذَا أُضِيفَ إلَيْهِ ثُمَّ يَسْرِي إلَى الْكُلِّ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أُضِيفَ إلَيْهِ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ مُمْتَنِعَةٌ إذْ الْحُرْمَةُ فِي سَائِرِ الْأَجْزَاءِ تَغْلِبُ الْحِلَّ فِي هَذَا الْجُزْءِ فَيَمْتَنِعُ عَنْ السَّرَيَانِ (وَفِي الطَّلَاقِ الْأَمْرُ عَلَى الْقَلْبِ) يَعْنِي الْحُرْمَةَ فِي هَذَا الْجُزْءِ تَغْلِبُ الْحِلَّ فِي سَائِرِ الْأَجْزَاءِ وَقَوْلُهُ (وَلَنَا أَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ) ظَاهِرٌ، وَتَوْضِيحُهُ أَنَّ الْيَدَ وَالرِّجْلَ وَنَحْوَهُمَا أَطْرَافٌ وَهِيَ أَتْبَاعٌ لَا مَحَالَةَ، فَإِذَا وَرَدَ عَلَيْهِمَا دَخَلَ الْأَتْبَاعُ كَمَا فِي شِرَاءِ تِلْكَ الرَّقَبَةِ فَيَكُونُ ذِكْرُ الْأَصْلِ ذِكْرًا لِلتَّبَعِ، وَأَمَّا ذِكْرُ التَّبَعِ فَلَا يَكُونُ ذِكْرًا لِلْأَصْلِ. فَإِنْ قِيلَ: سَلَّمْنَا ذَلِكَ لَكِنْ عَبَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْيَدِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّهُ» أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ صَاحِبُ الْيَدِ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ، وَعِنْدَنَا أَنَّ الزَّوْجَ إذَا قَالَ أَرَدْت إضْمَارَ صَاحِبِهَا طَلُقَتْ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: إذَا قَالَ لَهَا رَأْسُك

وَاخْتَلَفُوا فِي الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ. (وَإِنْ طَلَّقَهَا نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ أَوْ ثُلُثَهَا كَانَتْ) طَالِقًا (تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً) لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ، وَذِكْرُ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ الْكُلِّ، وَكَذَا الْجَوَابُ فِي كُلِّ جُزْءٍ سَمَّاهُ لِمَا بَيَّنَّا (وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثَةَ أَنْصَافٍ تَطْلِيقَتَيْنِ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا) لِأَنَّ نِصْفَ التَّطْلِيقَتَيْنِ تَطْلِيقَةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQطَالِقٌ وَعَنَى اقْتِصَارَ الطَّلَاقِ عَلَى الرَّأْسِ لَا يَبْعُدُ أَنْ نَقُولَ بِأَنَّهَا لَا تَطْلُقُ، وَلَوْ قَالَ يَدُك طَالِقٌ وَأَرَادَ بِهِ الْعِبَارَةَ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ لَا يَبْعُدُ أَنْ نَقُولَ بِأَنَّهَا تَطْلُقُ، وَإِذَا قَالَ ظَهْرُك طَالِقٌ أَوْ بَطْنُك طَالِقٌ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَقَعُ الطَّلَاقُ لِأَنَّ الظَّهْرَ وَالْبَطْنَ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ النِّكَاحُ بِدُونِهِمَا، بِخِلَافِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ) أَيْ الْإِيقَاعُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ لَا يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ ظَهْرُك أَوْ بَطْنُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا. (وَإِنْ طَلَّقَهَا نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ أَوْ ثُلُثَهَا طَلُقَتْ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً) لِأَنَّهُ ذَكَرَ بَعْضَ مَا لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ الطَّلَاقُ، إذْ نِصْفُ التَّطْلِيقِ أَوْ ثُلُثُهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَذِكْرُ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ الْكُلِّ كَالْعَفْوِ عَنْ بَعْضِ الْقِصَاصِ صِيَانَةً لِلْكَلَامِ عَنْ الْإِلْغَاءِ وَتَغْلِيبًا لِلْمُحَرِّمِ عَلَى الْمُبِيحِ وَإِعْمَالًا لِلدَّلِيلِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَقَامَ الدَّلِيلَ عَلَى الْبَعْضِ وَهُوَ مِمَّا لَا يَتَجَزَّأُ أَوْجَبَ إكْمَالَهُ وَإِلَّا لَزِمَ إبْطَالُ الدَّلِيلِ (وَكَذَا الْجَوَابُ فِي كُلِّ جُزْءٍ سَمَّاهُ) وَالنِّصْفُ كَالرُّبُعِ وَالثُّمُنِ وَالسُّدُسِ وَغَيْرِهَا (لِمَا بَيَّنَّا) أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ (وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِأَنَّ نِصْفَ تَطْلِيقَتَيْنِ تَطْلِيقَةٌ) فَثَلَاثَةُ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ يَكُونُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ ضَرُورَةً ، وَهَذِهِ

فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَنْصَافٍ تَكُونُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ ضَرُورَةً. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثَةَ أَنْصَافٍ تَطْلِيقَةً، قِيلَ: يَقَعُ تَطْلِيقَتَانِ لِأَنَّهَا طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ فَيَتَكَامَلَ، وَقِيلَ: يَقَعُ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ لِأَنَّ كُلَّ نِصْفٍ يَتَكَامَلُ فِي نَفْسِهِ فَتَصِيرَ ثَلَاثًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَسْأَلَةُ مِنْ خَوَاصِّ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: إنَّمَا أَوْرَدَ: يَعْنِي مُحَمَّدًا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِإِشْكَالٍ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ عَدَدٍ نَصَّفْته لَا يَكُونُ إلَّا نِصْفَيْنِ، فَالْقَوْلُ بِالثَّلَاثَةِ فِي ذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَلْغُوَ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهَذِهِ التَّسْمِيَةِ الطَّلَاقَ يَعْنِي أَرَادَ ثَلَاثَ طَلْقَاتٍ وَاسْتَعْمَلَ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ بِاعْتِبَارِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ نِصْفَ تَطْلِيقَتَيْنِ إذَا كَانَ تَطْلِيقَةً فَثَلَاثَةُ أَنْصَافِهِمَا تَكُونُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ. وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ مُهْمَلٌ لَا مَعْنَى لَهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ يَقَعُ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ ذِكْرَ الْعَدَدِ كَانَ لَغْوًا فَبَقِيَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا الْكَلَامُ إمَّا أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً فِيمَا أَرَادَ أَوْ مَجَازًا، وَلَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِيمَا وُضِعَ لَهُ وَلَا إلَى الثَّانِي لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْحَقِيقَةِ وَعَدَمِ الِاتِّصَالِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مَجَازٌ، وَتَصَوُّرُ الْحَقِيقَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَوَازِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالِاتِّصَالُ مَوْجُودٌ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْجُزْءِ وَإِرَادَةِ الْكُلِّ. وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ مَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ تَطْلِيقَتَيْنِ لَمْ تَطْلُقْ إلَّا ثِنْتَيْنِ وَلَمْ نَقُلْ وَقَدْ أَوْقَعَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ رُبُعَ تَطْلِيقَتَيْنِ وَرُبُعُ التَّطْلِيقَتَيْنِ نِصْفُ تَطْلِيقَةٍ. وَمَنْ أَوْقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ جَوَابَ هَذَا اللَّفْظِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ. وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ فَالْفَرْقُ وَاضِحٌ بَيِّنٌ، فَإِنَّ الْأَجْزَاءَ الَّتِي أَوْقَعَهَا هُنَاكَ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ مَوْجُودَةٌ فِي التَّطْلِيقَتَيْنِ لِأَنَّ رُبُعَ تَطْلِيقَتَيْنِ نِصْفُ تَطْلِيقَةٍ فَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ تَطْلِيقَتَيْنِ تَطْلِيقَةٌ وَنِصْفٌ فَيَقَعُ تَطْلِيقَتَانِ فَلَا وَجْهَ إلَى صَرْفِ الْكَلَامِ عَنْ ظَاهِرِهِ، وَهَاهُنَا الْأَجْزَاءُ الَّتِي أَوْقَعَهَا غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي التَّطْلِيقَتَيْنِ إذْ لَيْسَ لِلتَّطْلِيقَتَيْنِ ثَلَاثَةُ أَنْصَافٍ فَلَا حَاجَةَ لِتَصْحِيحِ كَلَامِهِ سِوَى تَصْحِيحِ كَلَامِ الْعَاقِلِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ تَطْلِيقَةٍ قِيلَ يَقَعُ طَلْقَتَانِ) وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ النَّاطِفِيُّ فِي الْأَجْنَاسِ وَالْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَقَالَ الْعَتَّابِيُّ: هُوَ الصَّحِيحُ

(وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ. وَلَوْ قَالَ: مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ فَهِيَ ثِنْتَانِ. وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ فِي الْأُولَى هِيَ ثِنْتَانِ وَفِي الثَّانِيَةِ ثَلَاثٌ) وَقَالَ زُفَرُ: الْأُولَى لَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَفِي الثَّانِيَةِ تَقَعُ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْمَضْرُوبِ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ تَطْلِيقَةٍ تَكُونُ تَطْلِيقَةً وَنِصْفَ تَطْلِيقَةٍ فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَنِصْفَ تَطْلِيقَةٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: يَقَعُ ثَلَاثَةٌ لِأَنَّ كُلَّ نِصْفٍ يَكُونُ طَلْقَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقْبَلُ التَّجْزِئَةَ فَيَصِيرُ ثَلَاثَةُ أَنْصَافِ تَطْلِيقَةٍ ثَلَاثَ طَلْقَاتٍ لَا مَحَالَةَ. . قَالَ (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ) إذَا طَلَّقَهَا مُشْتَمِلًا كَلَامَهُ عَلَى الْغَايَتَيْنِ، فَإِمَّا أَنْ تَدْخُلَ الْغَايَتَانِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا أَوْ لَا تَدْخُلَا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ أَوْ يَدْخُلَ الِابْتِدَاءُ دُونَ الِانْتِهَاءِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ وَهُوَ أَنْ يَدْخُلَ الِانْتِهَاءُ دُونَ الِابْتِدَاءِ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ. وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ غَايَةَ الشَّيْءِ لَا تَدْخُلُ فِيهِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ غَايَةً كَمَا فِي الْمَحْسُوسَاتِ كَقَوْلِهِ بِعْت مِنْك مِنْ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ، وَهُوَ قِيَاسٌ مَحْضٌ. وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ حَاجَّهُ حَيْثُ قَالَ لَهُ كَمْ سِنُّك؟ فَقَالَ مَا بَيْنَ سِتِّينَ إلَى سَبْعِينَ، فَقَالَ لَهُ إذَنْ أَنْتَ ابْنُ

الْغَايَةُ، كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْت مِنْك مِنْ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ مَتَى ذُكِرَ فِي الْعُرْفِ يُرَادُ بِهِ الْكُلُّ، كَمَا تَقُولُ لِغَيْرِك: خُذْ مِنْ مَالِي مِنْ دِرْهَمٍ إلَى مِائَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتِسْعِ سِنِينَ فَتَحَيَّرَ. وَرَوَى فَخْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْأَصْمَعِيَّ هُوَ الَّذِي حَاجَّهُ عَلَى بَابِ الرَّشِيدِ قَالَ لَهُ: مَا تَقُولُ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ؟ قَالَ تَطْلُقُ وَاحِدَةً لِأَنَّ كَلِمَةَ مَا بَيْنَ لَا تَتَنَاوَلُ الْحَدَّيْنِ، فَقَالَ لَهُ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ قِيلَ لَهُ كَمْ سِنُّك؟ فَقَالَ مَا بَيْنَ سِتِّينَ إلَى سَبْعِينَ يَكُونُ ابْنَ تِسْعِ سِنِينَ، فَتَحَيَّرَ زُفَرُ وَاسْتَحْسَنَ فِي مِثْلِ هَذَا وَيَلْزَمُ عَلَى قَوْلِهِ أَنَّ مَنْ قَالَ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى وَاحِدَةٍ لَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَقِيلَ يَقَعُ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ حَدًّا وَمَحْدُودًا لَغَا آخِرُ كَلَامِهِ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ ذَلِكَ وَبَقِيَ أَنْتِ طَالِقٌ. وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ مِثْلَ

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْأَكْثَرُ مِنْ الْأَقَلِّ وَالْأَقَلُّ مِنْ الْأَكْثَرِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ سِنِّي مِنْ سِتِّينَ إلَى سَبْعِينَ وَمَا بَيْنَ سِتِّينَ إلَى سَبْعِينَ وَيُرِيدُونَ بِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَإِرَادَةُ الْكُلِّ فِيمَا طَرِيقُهُ طَرِيقُ الْإِبَاحَةِ كَمَا ذُكِرَ، إذْ الْأَصْلُ فِي الطَّلَاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا الْكَلَامِ فِي الْعُرْفِ يُرَادُ بِهِ الْكُلُّ، كَمَا يُقَالُ لِغَيْرِهِ خُذْ مِنْ مَالِي مِنْ دِرْهَمٍ إلَى مِائَةٍ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُرَادَ بِمِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ الْأَكْثَرُ مِنْ الْأَقَلِّ وَالْأَقَلُّ مِنْ الْأَكْثَرِ وَهُوَ مَا بَيْنَهُمَا، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ سِنِّي مِنْ سِتِّينَ إلَى سَبْعِينَ أَوْ مَا بَيْنَ سِتِّينَ إلَى سَبْعِينَ وَيُرِيدُونَ مَا ذَكَرْنَاهُ: يَعْنِي الْأَكْثَرَ مِنْ الْأَقَلِّ أَوْ الْأَقَلَّ مِنْ الْأَكْثَرِ، قِيلَ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَشَّى فِي قَوْلِهِ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَتَمَشَّى فِيهِ أَيْضًا لِأَنَّ الْأَكْثَرَ فِيهِ الثَّلَاثُ وَالْأَقَلَّ الْوَاحِدُ، وَالْأَكْثَرُ مِنْ الْأَقَلِّ وَالْأَقَلُّ مِنْ الْأَكْثَرِ الثِّنْتَانِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ فِيهِ: يَعْنِي فِي الطَّلَاقِ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِي الْأَكْثَرِ فِي الطَّلَاقِ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ فِي كَلَامِ الْمُتَكَلِّمِ وَالثَّلَاثُ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِيهِ. وَأَقُولُ: قَوْلُهُ إنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْأَكْثَرُ مِنْ الْأَقَلِّ: مَعْنَاهُ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا عَدَدٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ. وَقَوْلُهُ سِنِّي مِنْ سِتِّينَ إلَى سَبْعِينَ. وَقَوْلُهُ وَالْأَقَلُّ مِنْ الْأَكْثَرِ مَعْنَاهُ: إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا ذَلِكَ كَمَا فِي قَوْلِهِ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ، وَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ الِاعْتِرَاضُ. وَقَوْلُهُ (وَإِرَادَةُ الْكُلِّ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا يُرَادُ بِهِ الْكُلُّ كَمَا يُقَالُ لِغَيْرِهِ خُذْ مِنْ مَالِي مِنْ دِرْهَمٍ إلَى

هُوَ الْحَظْرُ، ثُمَّ الْغَايَةُ الْأُولَى لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا الثَّانِيَةُ، وَوُجُودُهَا بِوُقُوعِهَا، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِائَةٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ الْغَايَةُ الْأُولَى) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ زُفَرَ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا تَدْخُلَ الْغَايَتَانِ كَمَا ذَكَرْت، إلَّا أَنَّ الْغَايَةَ الْأُولَى لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الثَّانِيَةَ، وَلَا يَصِحُّ إلَّا بَعْدَ وُجُودِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثَّانِيَةُ وَوُجُودُهَا بِوُقُوعِهَا. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْبَيْعِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُك مِنْ هَذَا الْحَائِطِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قِيَاسٌ فَاسِدٌ لِأَنَّ الْغَايَةَ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ مَوْجُودَةٌ قَبْلَ جَعْلِهَا غَايَةً فَلَا ضَرُورَةَ فِي إدْخَالِهَا، وَأَمَّا فِي صُورَةِ النِّزَاعِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ وَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهَا لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا الثَّانِيَةُ وَوُجُودُهَا بِوُقُوعِهَا وَالْحَاصِلُ أَنَّا لَمْ نَقُلْ بِأَنَّ الْغَايَةَ دَاخِلَةٌ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهَا لِضَرُورَةِ الثَّانِيَةِ. وَنُوقِضَ بِمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً ثَانِيَةً لَمْ يَقَعْ إلَّا وَاحِدَةٌ وَلَمْ يُضْطَرَّ فِيهِ إلَى الْأُولَى لِوُقُوعِ الثَّانِيَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ ثَانِيَةً صَارَ لَغْوًا، بِخِلَافِ قَوْلِهِ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ فَإِنَّهُ كَلَامٌ مُعْتَبَرٌ فِي إيقَاعِ الطَّلَاقِ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ وُقُوعِ الْأُولَى. وَلَوْ نَوَى فِي قَوْلِهِ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ وَأَشْبَاهِهِمَا وَاحِدَةً صُدِّقَ دِيَانَةً لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ

الْغَايَةَ فِيهِ مَوْجُودَةٌ قَبْلَ الْبَيْعِ. وَلَوْ نَوَى وَاحِدَةً يَدِينُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ. (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فِي ثِنْتَيْنِ وَنَوَى الضَّرْبَ وَالْحِسَابَ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهِيَ وَاحِدَةٌ) وَقَالَ زُفَرُ: تَقَعُ ثِنْتَانِ لِعُرْفِ الْحِسَابِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ. وَلَنَا أَنَّ عَمَلَ الضَّرْبِ أَثَرُهُ فِي تَكْثِيرِ الْأَجْزَاءِ لَا فِي زِيَادَةِ الْمَضْرُوبِ، وَتَكْثِيرُ أَجْزَاءِ الطَّلْقَةِ لَا يُوجِبُ تَعَدُّدَهَا (فَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ فَهِيَ ثَلَاثٌ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ فَإِنَّ حَرْفَ الْوَاوِ لِلْجَمْعِ وَالظَّرْفَ يَجْمَعُ الْمَظْرُوفَ، وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا تَقَعُ وَاحِدَةً كَمَا فِي قَوْلِهِ وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQخِلَافُ الظَّاهِرِ، لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ يُرَادُ بِهِ الْأَكْثَرُ مِنْ الْأَقَلِّ وَالْأَقَلُّ مِنْ الْأَكْثَرِ. (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فِي ثِنْتَيْنِ وَنَوَى الضَّرْبَ وَالْحِسَابَ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهِيَ وَاحِدَةٌ. وَقَالَ زُفَرُ: يَقَعُ ثِنْتَانِ لِعُرْفِ الْحِسَابِ) فِيمَا بَيْنَهُمْ أَنَّ وَاحِدَةً فِي ثِنْتَيْنِ ثِنْتَانِ (وَلَنَا أَنَّ عَمَلَ الضَّرْبِ فِي تَكْثِيرِ الْأَجْزَاءِ لَا فِي زِيَادَةِ الْمَضْرُوبِ) لِأَنَّ الْغَرَضَ بِهِ إزَالَةُ كَسْرٍ يَقَعُ عِنْدَ الْقِسْمَةِ، فَمَعْنَى وَاحِدَةٍ فِي ثِنْتَيْنِ وَاحِدَةٌ ذَاتُ جُزْأَيْنِ، (وَتَكْثِيرُ أَجْزَاءِ الطَّلْقَةِ لَا يُوجِبُ تَعَدُّدَهَا) كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَنِصْفَهَا وَثُلُثَهَا وَرُبُعَهَا وَسُدُسَهَا وَثُمُنَهَا لَمْ يَقَعْ إلَّا وَاحِدَةٌ (فَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ فَهِيَ ثَلَاثٌ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ وَالظَّرْفُ يَجْمَعُ الْمَظْرُوفَ) وَقَوْلُهُ (وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا) وَاضِحٌ

وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً مَعَ ثِنْتَيْنِ تَقَعُ الثَّلَاثُ لِأَنَّ كَلِمَةَ " فِي " تَأْتِي بِمَعْنَى " مَعَ " كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] أَيْ مَعَ عِبَادِي، وَلَوْ نَوَى الظَّرْفَ تَقَعُ وَاحِدَةً، لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا فَيَلْغُوَ ذِكْرُ الثَّانِي (وَلَوْ قَالَ اثْنَتَيْنِ فِي اثْنَتَيْنِ وَنَوَى الضَّرْبَ وَالْحِسَابَ فَهِيَ ثِنْتَانِ) وَعِنْدَ زُفَرَ ثَلَاثٌ لِأَنَّ قَضِيَّتَهُ أَنْ تَكُونَ أَرْبَعًا، لَكِنْ لَا مَزِيدَ لِلطَّلَاقِ عَلَى الثَّلَاثِ. وَعِنْدَنَا الِاعْتِبَارُ الْمَذْكُورُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ هُنَا إلَى الشَّامِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بِمِلْكِ الرَّجْعَةِ) وَقَالَ زُفَرُ: هِيَ بَائِنَةٌ لِأَنَّهُ وَصَفَ الطَّلَاقَ بِالطُّولِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً مَعَ ثِنْتَيْنِ وَقَعَ الثَّلَاثُ) سَوَاءٌ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ لَمْ تَكُنْ (لِأَنَّ كَلِمَةَ فِي تَأْتِي بِمَعْنَى مَعَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، وَهَذَا لِأَنَّ أَحَدَ الْعَدَدَيْنِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِلْآخَرِ وَبَيْنَ الظَّرْفِ وَالْمَظْرُوفِ مَعْنَى الْمَعِيَّةِ فَاسْتُعِيرَ لَهُ (وَلَوْ نَوَى الظَّرْفَ تَقَعُ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَعْنًى فِقْهِيٌّ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِلْغَيْرِ فَيَلْغُو ذِكْرُ الثَّانِي (وَلَوْ قَالَ اثْنَتَيْنِ فِي اثْنَتَيْنِ وَنَوَى الضَّرْبَ وَالْحِسَابَ) وَالضَّرْبُ تَضْعِيفُ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ بِقَدْرِ مَا فِي الْعَدَدِ الْآخَرِ كَالْأَرْبَعَةِ فِي الْخَمْسَةِ يَحْصُلُ عِشْرُونَ لِأَنَّ الْعِشْرِينَ تَضْعِيفُ الْأَرْبَعَةِ خَمْسَ مَرَّاتٍ أَوْ تَضْعِيفُ الْخَمْسَةِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ (فَهِيَ ثِنْتَانِ) وَعِنْدَ زُفَرَ ثَلَاثٌ لِأَنَّ قَضِيَّتَهُ أَنْ تَكُونَ أَرْبَعًا بِعُرْفِ الْحِسَابِ (لَكِنْ لَا مَزِيدَ لِلطَّلَاقِ عَلَى الثَّلَاثِ. وَعِنْدَنَا الِاعْتِبَارُ لِلْمَذْكُورِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) يَعْنِي فِي قَوْلِهِ إنَّ عَمَلَ الضَّرْبِ فِي تَكْثِيرِ الْأَجْزَاءِ لَا فِي زِيَادَةِ الْمَضْرُوبِ. (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ هُنَا إلَى الشَّامِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بِمِلْكِ الرَّجْعَةِ. وَقَالَ زُفَرُ: هِيَ بَائِنَةٌ لِأَنَّهُ وَصَفَ الطَّلَاقَ بِالطُّولِ) وَالطُّولُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْقُوَّةِ وَقُوَّةُ الشَّيْءِ

قُلْنَا: لَا بَلْ وَصَفَهُ بِالْقَصْرِ لِأَنَّهُ مَتَى وَقَعَ وَقَعَ فِي الْأَمَاكِنِ كُلِّهَا. (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ بِمَكَّةَ أَوْ فِي مَكَّةَ فَهِيَ طَالِقٌ فِي الْحَالِ فِي كُلِّ الْبِلَادِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي الدَّارِ) لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَخَصَّصُ بِمَكَانٍ دُونَ مَكَان، ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّمَا تَظْهَرُ بِامْتِنَاعِهِ عَنْ قَبُولِ الْإِبْطَالِ، وَذَلِكَ فِي الْبَائِنِ دُونَ الرَّجْعِيِّ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا صَرَّحَ بِذِكْرِ الطُّولِ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً طَوِيلَةً وَقَعَ رَجْعِيًّا عِنْدَهُ فَكَيْفَ صَحَّ تَعْلِيلُهُ بِالطُّولِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ إذَا قَالَ إلَى الشَّامِ كَنَّى عَنْ الطُّولِ وَالْكِنَايَةُ أَقْوَى مِنْ التَّصْرِيحِ لِكَوْنِهَا دَعْوَى الشَّيْءِ بِبَيِّنَةٍ وَمَوْضِعُهُ عِلْمُ الْبَيَانِ. وَأَقُولُ: هَذِهِ خَطَابَةٌ لَا تَكَادُ تَنْهَضُ فِي مَقَامِ الِاسْتِدْلَالِ، وَقِيلَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ، وَهَذَا أَقْرَبُ (وَقُلْنَا لَا بَلْ وَصَفَهُ بِالْقَصْرِ لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ وَقَعَ فِي الْأَمَاكِنِ كُلِّهَا) فَتَخْصِيصُهُ بِذِكْرِ الشَّامِ تَقْصِيرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا وَرَاءَهُ. (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بِمَكَّةَ أَوْ فِي مَكَّةَ فَهِيَ طَالِقٌ فِي الْحَالِ فِي كُلِّ الْبِلَادِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي الدَّارِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَخَصَّصُ بِمَكَانٍ دُونَ آخَرَ)

[فصل في إضافة الطلاق إلى الزمان]

وَإِنْ عَنَى بِهِ إذَا أَتَيْت مَكَّةَ يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ نَوَى الْإِضْمَارَ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَكَذَا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ مَرِيضَةٌ، وَإِنْ نَوَى إنْ مَرِضْت لَمْ يُدَيَّنْ فِي الْقَضَاءِ (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا دَخَلْت مَكَّةَ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَدْخُلَ مَكَّةَ) لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالدُّخُولِ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي دُخُولِ الدَّارِ يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ لِمُقَارَبَةٍ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالظَّرْفِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الظَّرْفِيَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَإِنْ عَنَى) ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ (عِنْدَ تَعَذُّرِ الظَّرْفِيَّةِ) إنَّمَا تَعْذُرُ الظَّرْفِيَّةُ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا لِلطَّلَاقِ عَلَى أَنْ يَكُونَ شَاغِلًا لَهُ فَيُحْمَلُ عَلَى الشَّرْطِ لِمُقَارَبَةٍ: أَيْ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالظَّرْفِ لِأَنَّ الظَّرْفَ يَسْبِقُ الْمَظْرُوفَ كَمَا أَنَّ الشَّرْطَ يَسْبِقُ الْمَشْرُوطَ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: وَقِيلَ لِأَنَّ الظَّرْفَ يُجَامِعُ الْمَظْرُوفَ كَمَا أَنَّ الشَّرْطَ يُجَامِعُ الْمَشْرُوطَ. [فَصْلٌ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ] ِ ذَكَرَ هَاهُنَا فُصُولًا مُتَرَادِفَةً بِحَسَبِ إضَافَةِ الطَّلَاقِ وَتَنْوِيعِهِ، وَتَشْبِيهُهُ إضَافَةَ الطَّلَاقِ تَأْخِيرَ حُكْمِهِ عَنْ وَقْتِ

(فَصْلٌ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ) (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ) لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ وَذَلِكَ بِوُقُوعِهِ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ. وَلَوْ نَوَى بِهِ آخِرَ النَّهَارِ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي الْعُمُومِ، وَهُوَ يَحْتَمِلُهُ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلظَّاهِرِ (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا أَوْ غَدًا الْيَوْمَ يُؤْخَذُ بِأَوَّلِ الْوَقْتَيْنِ الَّذِي تَفَوَّهَ بِهِ) فَيَقَعَ فِي الْأَوَّلِ فِي الْيَوْمِ وَفِي الثَّانِي فِي الْغَدِ، لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ: الْيَوْمَ كَانَ تَنْجِيزًا وَالْمُنَجَّزُ لَا يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّكَلُّمِ إلَى زَمَانٍ يُذْكَرُ بَعْدَهُ بِغَيْرِ كَلِمَةِ شَرْطٍ (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا) عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي الْعُمُومِ وَهُوَ) أَيْ الْعُمُومُ (يَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ) فَكَانَ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ كَلَامِهِ وَنِيَّةُ الْمُحْتَمَلِ صَحِيحَةٌ فَيُصَدَّقُ دِيَانَةً (لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلظَّاهِرِ) لِأَنَّ الْغَدَ اسْمٌ لِجَمِيعِ أَجْزَاءِ النَّهَارِ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الْعَامُّ مَا يَتَنَاوَلُ أَفْرَادًا مُتَّفِقَةَ الْحُدُودِ وَلَفْظُ الْغَدِ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَمَا يُتَوَهَّمُ فِيهِ مِنْ الْأَوَّلِ وَالْوَسَطِ وَالْآخِرِ فَهُوَ مِنْ أَجْزَائِهِ لَا مِنْ أَفْرَادِهِ، وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ نِيَّةُ آخِرِ النَّهَارِ تَخْصِيصًا فَلَا عُمُومَ وَلَا تَخْصِيصَ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ فَإِنَّ إطْلَاقَ لَفْظِ الْكُلِّ وَإِرَادَةَ الْجُزْءِ مَجَازٌ لَا مَحَالَةَ (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا) ظَاهِرٌ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لِمَ لَا يَجْعَلُ غَدًا ظَرْفًا لِطَلَاقٍ آخَرَ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرِ أَنْتِ طَالِقٌ، وَالْأَصْلُ خِلَافُهُ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ

وَإِذَا قَالَ: غَدًا كَانَ إضَافَةً وَالْمُضَافُ لَا يَتَنَجَّزُ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْإِضَافَةِ فَلَغَا اللَّفْظُ الثَّانِي فِي الْفَصْلَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي غَيْرِ مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ صَوْنَ كَلَامِ الْعَاقِلِ عَنْ الْإِلْغَاءِ نَوْعُ ضَرُورَةٍ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ وَصْفُهَا بِالطَّلَاقِ الْيَوْمَ وَغَدًا وَبِالطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ يُحَصِّلُ هَذَا الْمَقْصُودَ فَلَا حَاجَةَ إلَى غَيْرِهَا، وَعَلَى هَذَا كَانَ كَلَامُهُ مَصُونًا عَنْ الْإِلْغَاءِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا لَا يَتِمُّ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا الْيَوْمَ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ غَدًا

(وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ وَقَالَ نَوَيْت آخِرَ النَّهَارِ دِينَ فِي الْقَضَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ خَاصَّةً) لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ " فِي " جَمِيعِ الْغَدِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ غَدًا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَلِهَذَا يَقَعُ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ، وَهَذَا لِأَنَّ حَذْفَ فِي وَإِثْبَاتَهُ سَوَاءٌ لِأَنَّهُ ظَرْفٌ فِي الْحَالَيْنِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ لِأَنَّ كَلِمَةَ فِي لِلظَّرْفِ وَالظَّرْفِيَّةُ لَا تَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ وَتَعَيَّنَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ ضَرُورَةَ عَدَمِ الْمُزَاحِمِ، فَإِذَا عَيَّنَ آخِرَ النَّهَارِ كَانَ التَّعْيِينُ الْقَصْدِيُّ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ الضَّرُورِيِّ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ غَدًا لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ حَيْثُ وَصَفَهَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ مُضَافًا إلَى جَمِيعِ الْغَدِ. نَظِيرُهُ إذَا قَالَ: وَاَللَّهِ لَأَصُومَنَّ عُمْرِي، وَنَظِيرُ الْأَوَّلِ: وَاَللَّهِ لَأَصُومَنَّ فِي عُمْرِي، وَعَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمَوْصُوفُ بِهِ غَدًا لَا يَكُونُ مَوْصُوفًا بِهِ الْيَوْمَ. أُجِيبَ بِأَنَّ إيقَاعَ الثَّانِيَةِ فِيهَا يُفْضِي إلَى الْمَكْرُوهِ وَهِيَ إيقَاعُ الطَّلْقَتَيْنِ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَلَا يَسْعَى لِإِثْبَاتِهَا فَيَكُونُ الثَّانِي لَغْوًا. (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ) عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي الْعُمُومِ وَهُوَ يَحْتَمِلُهُ مُخَالِفًا لِلظَّاهِرِ وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ) قِيلَ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى الْجَوَابِ عَنْ قَوْلِهِمَا مُخَالِفًا لِلظَّاهِرِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ خِلَافَ الظَّاهِرِ إنَّمَا لَا يُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ إذَا لَمْ تَكُنْ نِيَّتُهُ مُصَادِفَةً لِحَقِيقَةِ كَلَامِهِ، وَهُنَا صَادَفَتْهَا فَيُدَيَّنُ قَضَاءً وَدِيَانَةً؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ وَنَوَى جَمِيعَ النِّسَاءِ صُدِّقَ قَضَاءً وَدِيَانَةً وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِلظَّاهِرِ لِمُصَادَفَةِ نِيَّتِهِ حَقِيقَةَ كَلَامِهِ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ لَا تَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا مَا هُوَ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ كَلَامِهِ كَالْمَجَازِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بَعْدَ مَعْرِفَةِ أَنَّ فِي غَدٍ لَا يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ وَهُوَ حَقِيقَتُهُ، وَغَدٌ يَقْتَضِيهِ وَهُوَ حَقِيقَتُهُ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر: 51] فَإِنَّهُ لَا اسْتِيعَابَ فِيمَا فِيهِ الْحَرْفُ، وَهُوَ ثَابِتٌ فِيمَا لَا حَرْفَ فِيهِ، وَبَيَانُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ نُصْرَةَ الرُّسُلِ وَالْمُرْسَلَ وَالْمُرْسَلَ إلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا مَقْرُونَةً بِحَرْفِ " فِي " وَذَكَرَ نُصْرَتَهُمْ فِي الْآخِرَةِ غَيْرَ مَقْرُونَةٍ بِهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِأَنَّ نُصْرَةَ اللَّهِ إيَّاهُمْ فِي الْآخِرَةِ دَائِمَةٌ، وَأَمَّا نُصْرَتُهُمْ فِي الدُّنْيَا فَكَانَتْ تَقَعُ

هَذَيْنِ الدَّهْرَ وَفِي الدَّهْرِ. (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ وَقَدْ تَزَوَّجَهَا الْيَوْمَ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) لِأَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِمَالِكِيَّةِ الطَّلَاقِ فَيَلْغُوَ، كَمَا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ إخْبَارًا عَنْ عَدَمِ النِّكَاحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِأَنَّهَا دَارُ الِابْتِلَاءِ، وَكُلُّ مَا هُوَ حَقِيقَةٌ فِي أَحَدِهِمَا فَهُوَ مَجَازٌ فِي الْآخَرِ. وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَيَكُونُ نِيَّةُ حَقِيقَةِ الْكَلَامِ مِنْ بَابِ بَيَانِ التَّقْرِيرِ وَهُوَ تَوْكِيدُ الْكَلَامِ بِمَا يَقْطَعُ احْتِمَالَ الْمَجَازِ فَكَانَ مِنْ الْجَائِزِ قَبْلَ بَيَانِ نِيَّتِهِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ فِي غَدٍ مَجَازَهُ وَهُوَ الِاسْتِيعَابُ فَإِذَا بَيَّنَهَا قَطَعَ احْتِمَالَ الْمَجَازِ وَمَوْضِعُهُ أُصُولُ الْفِقْهِ وَبَاقِي كَلَامِهِ وَاضِحٌ بَعْدَ مَعْرِفَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ. (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ وَقَدْ تَزَوَّجَهَا الْيَوْمَ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ لِأَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ) أَيْ مَعْلُومَةٍ (مُنَافِيَةٍ لِمَالِكِيَّةِ الطَّلَاقِ) لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي مِلْكِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الَّذِي أَضَافَ إلَيْهِ الطَّلَاقَ (فَيَلْغُو كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ) أَوْ تُخْلَقِي (وَلِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ إخْبَارًا عَنْ عَدَمِ النِّكَاحِ) فَكَأَنَّهُ قَالَ مَا كُنْت أَمْسِ فِي قَيْدِ نِكَاحِي، وَإِذَا أَمْكَنَ ذَلِكَ صِيرَ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ مَوْضُوعًا لَهُ دُونَ الْإِنْشَاءِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الطَّالِقَ مَنْ اتَّصَفَتْ بِوُقُوعِ طَلَاقِهَا بِتَطْلِيقِ الزَّوْجِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ لِأَنَّ الْمُطَلِّقَ إنْ كَانَ هَذَا الزَّوْجَ فَلَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ

أَوْ عَنْ كَوْنِهَا مُطَلَّقَةً بِتَطْلِيقِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَزْوَاجِ (وَلَوْ تَزَوَّجَهَا أَوَّلَ مِنْ أَمْسِ وَقَعَ السَّاعَةَ) لِأَنَّهُ مَا أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ إخْبَارًا أَيْضًا فَكَانَ إنْشَاءً، وَالْإِنْشَاءُ فِي الْمَاضِي إنْشَاءٌ فِي الْحَالِ فَيَقَعَ السَّاعَةَ (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ قِبَلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) لِأَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ: طَلَّقْتُك وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ نَائِمٌ، أَوْ يُصَحَّحُ إخْبَارًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا. (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ مَتَى لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ مَتَى مَا لَمْ أُطَلِّقْك وَسَكَتَ طَلُقَتْ) لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى زَمَانٍ خَالٍ عَنْ التَّطْلِيقِ وَقَدْ وُجِدَ حَيْثُ سَكَتَ، وَهَذَا لِأَنَّ كَلِمَةَ مَتَى وَمَتَى مَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي قَيْدِ نِكَاحِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَهُوَ الْمَذْكُورُ بِقَوْلِهِ (أَوْ عَنْ كَوْنِهَا مُطَلَّقَةً بِتَطْلِيقِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَزْوَاجِ) فَيَكُونُ تَكْرَارًا، وَأَيْضًا قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ مَوْضُوعٌ لِلْإِخْبَارِ لُغَةً، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ إمْكَانَ الْمَصِيرِ إلَى الْمَفْهُومِ اللُّغَوِيِّ يَمْنَعُ الْمَصِيرَ إلَى الْمَفْهُومِ الشَّرْعِيِّ فَإِنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى إبْطَالِ كَثِيرٍ مِنْ الْمَفْهُومَاتِ الشَّرْعِيَّةِ. وَالْجَوَابُ عَنْهُمَا أَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ لِمَنْ تَزَوَّجَهَا الْيَوْمَ إمَّا لَغْوًا لِعَدَمِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَقْتَ الطَّلَاقِ، أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِخْبَارِ عَنْ عَدَمِ النِّكَاحِ مَجَازًا فَإِنَّ رَفْعَ النِّكَاحِ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَهُ، وَإِمْكَانُ الْمَصِيرِ إلَى الْمَفْهُومِ اللُّغَوِيِّ إنَّمَا لَا يَمْنَعُ الْمَصِيرَ إلَى الْمَفْهُومِ الشَّرْعِيِّ إذَا لَمْ يُفْضِ إلَى اللَّغْوِ، فَأَمَّا إذَا أَفْضَى إلَيْهِ مَنَعَهُ صَوْنًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ عَنْ الْإِلْغَاءِ. وَقَوْلُهُ أَوْ عَنْ كَوْنِهَا مُطَلَّقَةً بِتَطْلِيقِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَزْوَاجِ) يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ إمَّا أَنْ تَكُونَ مُطَلَّقَةَ زَوْجٍ آخَرَ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ جُعِلَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ إخْبَارًا عَنْ عَدَمِ النِّكَاحِ مَجَازًا، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ جُعِلَ إخْبَارًا عَنْ كَوْنِهَا مُطَلَّقَةَ ذَلِكَ الزَّوْجِ (وَلَوْ تَزَوَّجَهَا أَوَّلُ مِنْ أَمْسِ وَقَعَ السَّاعَةَ لِأَنَّ مَا أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ) وَهُوَ وَاضِحٌ (وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ إخْبَارًا أَيْضًا) وَهَذَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَاضِحٌ أَيْضًا. وَأَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي فَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُطَلَّقَةٍ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَزْوَاجِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُطَلَّقَةً فَلَا يَسْتَقِيمُ إلَّا إذَا جُعِلَ نِكَاحُ هَذَا الزَّوْجِ رَافِعًا لِتِلْكَ النِّسْبَةِ وَفِيهِ مَا فِيهِ وَقَوْلُهُ (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك) وَمَا بَعْدَهُ وَاضِحٌ

صَرِيحٌ فِي الْوَقْتِ لِأَنَّهُمَا مِنْ ظُرُوفِ الزَّمَانِ، وَكَذَا كَلِمَةُ " مَا " قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 31] أَيْ وَقْتَ الْحَيَاةِ. (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَمُوتَ) لِأَنَّ الْعَدَمَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْيَأْسِ عَنْ الْحَيَاةِ وَهُوَ الشَّرْطُ كَمَا فِي قَوْلِهِ إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ، وَمَوْتُهَا بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ هُوَ الصَّحِيحُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (كَمَا فِي قَوْلِهِ إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ) يَعْنِي كَمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ حَتَّى يَقَعَ الْيَأْسُ عَنْ الْإِتْيَانِ، فَإِذَا انْتَهَى إلَى الْمَوْتِ فَقَدْ وَقَعَ الْيَأْسُ فَوُجِدَ الشَّرْطُ وَالْمَحَلُّ قَابِلٌ وَالْمِلْكُ بَاقٍ فَوَقَعَ فَكَذَلِكَ هُنَا (وَمَوْتُهَا بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ) يَعْنِي يَقَعُ الطَّلَاقُ بِمَوْتِهَا قُبَيْلَ مَوْتِهِ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةِ النَّوَادِرِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِمَوْتِهَا لِأَنَّ الزَّوْجَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا مَا لَمْ تَمُتْ، وَإِنَّمَا عَجَزَ بِمَوْتِهَا، فَلَوْ وَقَعَ الطَّلَاقُ لَوَقَعَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ. وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْإِيقَاعَ مِنْ حُكْمِهِ الْوُقُوعُ وَقَدْ تَحَقَّقَ الْعَجْزُ عَنْ إيقَاعِهِ قُبَيْلَ مَوْتِهَا لِأَنَّهُ لَا يَعْقُبُهُ الْوُقُوعُ، كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ مَوْتِك فَيَقَعُ الطَّلَاقُ قُبَيْلَ مَوْتِهَا بِلَا فَصْلٍ، وَلَا مِيرَاثَ لِلزَّوْجِ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بَيْنَهُمَا قَبْلَ مَوْتِهَا بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا. وَالْفَرْقُ بَيْنَ رِوَايَةِ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ حَيْثُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِمَوْتِهَا فِيهِ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ يَقَعُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ تَحَقَّقَ شَرْطُ الْوُقُوعِ وَهُوَ عَدَمُ التَّطْلِيقِ فِي زَمَانٍ يُمْكِنُ التَّطْلِيقُ وَهُوَ آخِرُ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ فَتَطْلُقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ

(وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا لَمْ أُطَلِّقْك، أَوْ إذَا مَا لَمْ أُطَلِّقْك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَمُوتَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: تَطْلُقُ حِينَ سَكَتَ) لِأَنَّ كَلِمَةَ إذَا لِلْوَقْتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] وَقَالَ قَائِلُهُمْ: وَإِذَا تَكُونُ كَرِيهَةٌ أُدْعَى لَهَا ... وَإِذَا يُحَاسُ الْحَيْسُ يُدْعَى جُنْدُبٌ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَتَى وَمَتَى مَا، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْتِ لَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّرْطُ بِمَوْتِهَا لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إتْيَانِهِ الْبَصْرَةَ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الشَّرْطُ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ. قَالَ (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ إذَا مَا لَمْ أُطَلِّقْك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَمُوتَ) أَقُولُ: إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إذَا لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ إذَا مَا لَمْ أُطَلِّقْك. فَإِمَّا إنْ نَوَى شَيْئًا أَوْ لَمْ يَنْوِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ، فَإِنْ نَوَى الْوَقْتَ وَقَعَ فِي الْحَالِ، وَإِنْ نَوَى الشَّرْطَ وَقَعَ فِي آخِرِ الْعُمُرِ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُمَا وَنِيَّةُ الْمُحْتَمَلِ صَحِيحَةٌ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَمُوتَ، وَقَالَا: طَلُقَتْ حِينَ سَكَتَ الزَّوْجُ لِأَنَّ كَلِمَةَ إذَا مَوْضُوعَةٌ لِلْوَقْتِ وَتُسْتَعْمَلُ لِلشَّرْطِ مِنْ غَيْرِ سُقُوطِ الْوَقْتِ كَمَتَى وَهُوَ مَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ، وَاسْتَدَلَّ لَهُمَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] لِإِفَادَةِ الْوَقْتِ الْخَالِصِ فِي أَمْرٍ مُتَرَقَّبٍ: أَيْ مُنْتَظَرٍ لَا مَحَالَةَ، وَبِقَوْلِهِ: وَإِذَا تَكُونُ كَرِيهَةٌ أُدْعَى لَهَا ... وَإِذَا يُحَاسُ الْحَيْسُ يُدْعَى جُنْدُبُ لِإِفَادَتِهِ فِي أَمْرٍ كَائِنٍ فِي الْحَالِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ مَتَى وَمَتَى مَا إلَى عَدَمِ سُقُوطِ مَعْنَى الْوَقْتِ عِنْدَ اسْتِعْمَالِهِ شَرْطًا. وَاسْتَوْضَحَ كَوْنَهُ بِمَعْنَى مَتَى بِقَوْلِهِ (وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْت لَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا بِالْقِيَامِ) كَمَا فِي قَوْلِهِ مَتَى شِئْت، وَلَوْ كَانَ بِمَعْنَى إنْ يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ كَمَا فِي إنْ.

كَمَا فِي قَوْلِهِ مَتَى شِئْت. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ كَلِمَةَ إذَا تُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرْطِ أَيْضًا، قَالَ قَائِلُهُمْ: وَاسْتَغْنِ مَا أَغْنَاك رَبُّك بِالْغِنَى ... وَإِذَا تُصِبْك خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ كَلِمَةَ إذَا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الظَّرْفِ وَالشَّرْطِ تُسْتَعْمَلُ) فِيهِمَا وَهُوَ مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ فِي نَصِيحَةِ ابْنِهِ: وَاسْتَغْنِ مَا أَغْنَاك رَبُّك بِالْغِنَى ... وَإِذَا تُصِبْك خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلْ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ إصَابَةَ الْخَصَاصَةِ مِنْ الْأُمُورِ الْمُتَرَدِّدَةِ وَهِيَ لَيْسَتْ مَوْضِعَ إذَا فَكَانَتْ بِمَعْنَى إنْ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى

فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الشَّرْطُ لَمْ تَطْلُقْ فِي الْحَالِ. وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْوَقْتُ تَطْلُقُ فَلَا تَطْلُقُ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQجَانِبِ الظَّرْفِيَّةِ اكْتِفَاءً بِدَلِيلِهَا. وَإِذَا كَانَتْ مُشْتَرَكَةً لَمْ يَجُزْ اسْتِعْمَالُهَا فِيهِمَا دَفْعَةً (فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الشَّرْطُ لَمْ تَطْلُقْ فِي الْحَالِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْوَقْتُ طَلُقَتْ فَلَا تَطْلُقُ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ،

بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمَشِيئَةِ لِأَنَّهُ عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُ لِلْوَقْتِ لَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا، وَعَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُ لِلشَّرْطِ يَخْرُجُ وَالْأَمْرُ صَارَ فِي يَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَلْبَتَّةَ، أَمَّا إذَا نَوَى الْوَقْتَ يَقَعُ فِي الْحَالِ وَلَوْ نَوَى الشَّرْطَ يَقَعُ فِي آخِرِ الْعُمُرِ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُمَا. (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك أَنْتِ طَالِقٌ فَهِيَ طَالِقٌ بِهَذِهِ التَّطْلِيقَةِ) مَعْنَاهُ قَالَ ذَلِكَ مَوْصُولًا بِهِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقَعَ الْمُضَافُ فَيَقَعَانِ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ وُجِدَ زَمَانٌ لَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهِ وَإِنْ قَلَّ وَهُوَ زَمَانُ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْهَا. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ زَمَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمَشِيئَةِ لِأَنَّهُ عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُ لِلْوَقْتِ لَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا، وَعَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُ لِلشَّرْطِ يَخْرُجُ وَالْأَمْرُ صَارَ فِي يَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ) وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْأَمْرَ صَارَ بِيَدِهَا بِقَوْلِهِ إذَا شِئْت فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُخْرِجًا لِلْأَمْرِ عَنْ يَدِهَا، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ عِلَّةً لِلضِّدَّيْنِ. وَالْجَوَابُ مَا قَرَّرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ فَلْيُطْلَبْ ثَمَّةَ. (وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك أَنْتِ طَالِقٌ) وَاضِحٌ وَأَوَّلَهُ بِقَوْلِهِ (مَوْصُولًا) لِأَنَّهُ إذَا قَالَ ذَلِكَ مَفْصُولًا وَقَعَتَا قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ وَاجِدٌ الزَّمَانَ الْخَالِيَ عَنْ التَّطْلِيقِ.

الْبِرِّ مُسْتَثْنًى عَنْ الْيَمِينِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ لِأَنَّ الْبِرَّ هُوَ الْمَقْصُودُ، وَلَا يُمْكِنُهُ تَحْقِيقُ الْبِرِّ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْقَدْرَ مُسْتَثْنًى، أَصْلُهُ مَنْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ فَاشْتَغَلَ بِالنَّقْلَةِ مِنْ سَاعَتِهِ وَأَخَوَاتُهُ عَلَى مَا يَأْتِيك فِي الْأَيْمَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَةٍ: يَوْمَ أَتَزَوَّجُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا لَيْلًا طَلُقَتْ) لِأَنَّ الْيَوْمَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ بَيَاضُ النَّهَارِ فَيُحْمَلَ عَلَيْهِ وَإِذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ يَمْتَدُّ كَالصَّوْمِ وَالْأَمْرِ بِالْيَدِ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْمِعْيَارُ، وَهَذَا أَلْيَقُ بِهِ، وَيُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16] وَالْمُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ إذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ وَالطَّلَاقُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَيَنْتَظِمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَأَخَوَاتُهُ) يُرِيدُ بِهِ نَحْوَ قَوْلِهِ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ وَهُوَ لَابِسُهُ وَلَا يَرْكَبُ هَذِهِ الدَّابَّةَ وَهُوَ رَاكِبُهَا فَنَزَعَهُ فِي الْحَالِ وَنَزَلَ عَنْهَا لَا يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَ اللُّبْسُ الْقَلِيلُ وَالرُّكُوبُ الْقَلِيلُ يُوجَدَانِ وَقْتَ الِاشْتِغَالِ بِالنَّزْعِ وَالنُّزُولِ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَوْمَ أَتَزَوَّجُك فَأَنْتِ طَالِقٌ) هَاهُنَا ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ: النَّهَارُ وَاللَّيْلُ وَالْيَوْمُ، أَمَّا النَّهَارُ فَلِلْبَيَاضِ خَاصَّةً، وَأَمَّا اللَّيْلُ فَلِلسَّوَادِ خَاصَّةً وَذَلِكَ حَقِيقَتُهُمَا اللُّغَوِيَّةُ، وَأَمَّا الْيَوْمُ فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي بَيَاضِ النَّهَارِ وَمُطْلَقِ الْوَقْتِ بِالِاشْتِرَاكِ عِنْدَ بَعْضٍ، وَالصَّحِيحُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَكْثَرِ أَنَّ إطْلَاقَهُ عَلَى مُطْلَقِ الْوَقْتِ مَجَازٌ لِأَنَّ حَمْلَ الْكَلَامِ عَلَى الْمَجَازِ أَوْلَى مِنْ الِاشْتِرَاكِ لِعَدَمِ اخْتِلَالِ الْفَهْمِ بِوُجُودِ الْقَرِينَةِ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَخْلُو مِنْ الظَّرْفِيَّةِ فَيُرَجَّحُ أَحَدُ مَعْنَيَيْهِ عَلَى الْآخَرِ بِمَا قُرِنَ بِهِ. فَإِنْ كَانَ مُمْتَدًّا وَهُوَ مَا يَصِحُّ فِيهِ ضَرْبُ الْمُدَّةِ كَاللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ وَالْمُسَاكَنَةِ وَغَيْرِهَا لِصِحَّةِ أَنْ يُقَالَ لَبِسْت يَوْمًا أَوْ رَكِبْت يَوْمًا أَوْ سَكَنْت يَوْمًا يُحْمَلُ عَلَى بَيَاضِ النَّهَارِ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْمِعْيَارُ، وَهَذَا أَلْيَقُ بِهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَمْتَدُّ كَالْخُرُوجِ وَالدُّخُولِ وَالْقُدُومِ لِعَدَمِ صِحَّةِ تَقْدِيرِهَا بِزَمَانٍ، إذْ لَا يُقَالُ خَرَجْت أَوْ قَدِمْت أَوْ دَخَلْت يَوْمًا يُحْمَلُ عَلَى مُطْلَقِ الْوَقْتِ اعْتِبَارًا لِلتَّنَاسُبِ بَيْنَ الظَّرْفِ وَالْمَظْرُوفِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ} [الأنفال: 16] ، الْآيَةَ وَالْمُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ لِأَنَّ الْفَارَّ مِنْ الزَّحْفِ يَلْحَقُهُ الْوَعِيدُ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا. وَقَوْلُهُ. (وَالطَّلَاقُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ) يَعْنِي أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ مَا لَيْسَ يَمْتَدُّ فَيَنْتَظِمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ اُعْتُبِرَ الْمَظْرُوفُ دُونَ

وَلَوْ قَالَ: عَنَيْت بِهِ بَيَاضَ النَّهَارِ خَاصَّةً دِينَ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ وَاللَّيْلُ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا السَّوَادَ وَالنَّهَارُ يَتَنَاوَلُ الْبَيَاضَ خَاصَّةً وَهَذَا هُوَ اللُّغَةُ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُضَافِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لِتَمَيُّزِ الْمُضَافِ بَيْنَ سَائِرِ الْأَيَّامِ. وَلِهَذَا لَمْ يَعْمَلْ فِيهِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَكَذَلِكَ إذَا قِيلَ عَبْدِي حُرٌّ وَامْرَأَتِي طَالِقٌ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ وَأَمْرُك بِيَدِك أَوْ اخْتَارِي يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ يَعْتِقُ عَبْدُهُ وَتَطْلُقُ امْرَأَتُهُ بِقُدُومِهِ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا لِعُمُومِ الْمَجَازِ، وَلَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ وَالِاخْتِيَارُ بِيَدِهَا بِقُدُومِهِ لَيْلًا مَعَ اتِّحَادِ الْمُضَافِ إلَيْهِ فِيهِمَا لِامْتِدَادِ الْمَظْرُوفِ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، وَفِي اعْتِبَارِ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْجَوَابُ بِالنَّظَرِ إلَى حُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْمَظْرُوفُ وَالْمُضَافُ إلَيْهِ كِلَاهُمَا مِمَّا لَا يَمْتَدُّ كَقَوْلِهِ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَلِهَذَا لَمْ يَعْتَبِرْ كُلَّهُمْ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ الْجَوَابُ فِيهِ كَمَسْأَلَةِ الِاخْتِيَارِ وَالْأَمْرِ بِالْيَدِ إلَّا الْمَظْرُوفَ. فَإِنْ قِيلَ: اعْتَبَرَ الْمُصَنِّفُ الْمُضَافَ إلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ مَعَ اخْتِلَافِ الْجَوَابِ لِأَنَّ الْكَلَامَ مِمَّا يَمْتَدُّ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْكَلَامَ عِنْدَهُ غَيْرُ مُمْتَدٍّ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ، وَحِينَئِذٍ لَا يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ فَيَجُوزُ اعْتِبَارُهُ لِاسْتِقَامَةِ الْجَوَابِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ (وَلَوْ قَالَ عَنَيْت بِهِ بَيَاضَ النَّهَارِ خَاصَّةً دُيِّنَ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ) وَقَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُ صِحَّةِ نِيَّةِ الْحَقِيقَةِ مَعَ اسْتِغْنَائِهَا عَنْهَا

[فصل قال لامرأته أنا منك طالق]

(وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنَا مِنْك طَالِقٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَإِنْ نَوَى طَلَاقًا، وَلَوْ قَالَ: أَنَا مِنْك بَائِنٌ أَوْ أَنَا عَلَيْك حَرَامٌ يَنْوِي الطَّلَاقَ فَهِيَ طَالِقٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَيْضًا إذَا نَوَى) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنَا مِنْك طَالِقٌ] فَصْلٌ) لَمَّا كَانَتْ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَى النِّسَاءِ مُخَالِفَةً لِإِضَافَتِهِ إلَى الرِّجَالِ ذَكَرَهَا فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ وَذَكَرَ فِيهِ مَسَائِلَ أُخَرَ مُتَنَوِّعَةً وَكَانَ حَقُّهَا أَنْ تُذْكَرَ فِي مَسَائِلَ شَتَّى (وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنَا مِنْك طَالِقٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَإِنْ نَوَى طَلَاقًا، وَلَوْ قَالَ أَنَا مِنْك بَائِنٌ أَوْ عَلَيْك حَرَامٌ وَنَوَى الطَّلَاقَ طَلُقَتْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَيْضًا إذَا نَوَى) لِأَنَّ الطَّلَاقَ وُضِعَ لِإِزَالَةِ مِلْكِ النِّكَاحِ وَالْحِلِّ الْمُشْتَرَكَيْنِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، فَإِنَّ الْحِلَّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَهُوَ

لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ حَتَّى مَلَكَتْ هِيَ الْمُطَالَبَةَ بِالْوَطْءِ كَمَا يَمْلِكُ هُوَ الْمُطَالَبَةَ بِالتَّمْكِينِ، وَكَذَا الْحِلُّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَالطَّلَاقُ وُضِعَ لِإِزَالَتِهِمَا فَيَصِحَّ مُضَافًا إلَيْهِ كَمَا صَحَّ مُضَافًا كَمَا فِي الْإِبَانَةِ وَالتَّحْرِيمِ. وَلَنَا أَنَّ الطَّلَاقَ لِإِزَالَةِ الْقَيْدِ وَهُوَ فِيهَا دُونَ الزَّوْجِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا هِيَ الْمَمْنُوعَةُ عَنْ التَّزَوُّجِ وَالْخُرُوجِ وَلَوْ كَانَ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ فَهُوَ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ وَالزَّوْجَ مَالِكٌ وَلِهَذَا سُمِّيَتْ مَنْكُوحَةً بِخِلَافِ الْإِبَانَةِ لِأَنَّهَا لِإِزَالَةِ الْوَصْلَةِ وَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ التَّحْرِيمِ لِأَنَّهُ لِإِزَالَةِ الْحِلِّ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَصَحَّتْ إضَافَتُهُمَا إلَيْهِمَا وَلَا تَصِحُّ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَّا إلَيْهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ النِّكَاحُ لَمَّا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّهَا تَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِالْوَطْءِ كَمَا أَنَّهُ يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِالتَّمْكِينِ وَلِأَنَّهُمَا يُسَمَّيَانِ مُتَنَاكِحَيْنِ وَيَذْكُرُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي عَقْدِ النِّكَاحِ (وَالطَّلَاقُ وُضِعَ لِرَفْعِ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ) وَكُلُّ مَا وُضِعَ لِذَلِكَ صَحَّ مُضَافًا إلَيْهِ كَمَا فِي الْإِبَانَةِ وَالتَّحْرِيمِ. وَقُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الطَّلَاقَ وُضِعَ لِإِزَالَةِ مِلْكِ النِّكَاحِ وَالْحِلِّ الْمُشْتَرَكَيْنِ بَلْ وُضِعَ لِإِزَالَةِ الْقَيْدِ وَهُوَ فِيهَا دُونَ الزَّوْجِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا الْمَمْنُوعَةُ عَنْ التَّزَوُّجِ وَالْبُرُوزِ. سَلَّمْنَا أَنَّهُ وُضِعَ لِذَلِكَ لَكِنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ لَهُ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ وَالزَّوْجُ مَالِكٌ، وَهَذَا لِأَنَّهَا تَمْلِكُ بِالنِّكَاحِ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ فِي مُقَابَلَةِ النِّكَاحِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْتَمِعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا) أَيْ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ (سُمِّيَتْ مَنْكُوحَةً) أَيْ وَارِدًا عَلَيْهَا مِلْكُ النِّكَاحِ (بِخِلَافِ الْإِبَانَةِ لِأَنَّهَا لِإِزَالَةِ الْوَصْلَةِ وَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ، وَبِخِلَافِ التَّحْرِيمِ لِأَنَّهُ لِإِزَالَةِ الْحِلِّ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ فَصَحَّ إضَافَتُهُمَا إلَى الزَّوْجَيْنِ، وَلَا يَصِحُّ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَّا إلَيْهَا)

(وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ لَا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ) . قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ آخِرًا. وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا تَطْلُقُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً، ذَكَرَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ فِيمَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ لَا شَيْءَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ. وَلَوْ كَانَ الْمَذْكُورُ هَاهُنَا قَوْلَ الْكُلِّ فَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقِيلَ لَوْ كَانَ الزَّوْجَانِ فِي الْإِبَانَةِ وَالْحِلِّ مُشْتَرَكَيْنِ لَاتَّحَدَا فِي حَقِّ إضَافَةِ الْإِبَانَةِ وَالْحُرْمَةِ إلَيْهِمَا وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَكَذَا الْمَلْزُومُ، فَإِنَّهُ إذَا قَالَ أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ وَنَوَى الطَّلَاقَ وَقَعَ، وَلَوْ قَالَ أَنَا بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ وَنَوَى الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ مَا لَمْ يَقُلْ مِنْك أَوْ عَلَيْك. وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ لَمْ يَنْشَأْ مِنْ عَدَمِ الِاشْتِرَاكِ بَلْ مِنْ حَيْثُ تَعَدُّدُ الْمِلْكِ وَالْحِلِّ مِنْ جِهَتِهِ دُونَهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهَا مِلْكٌ غَيْرُهُ وَلَا تَحِلُّ عَلَى غَيْرِهِ مَا دَامَتْ فِي عِصْمَتِهِ فَكَانَتْ الْجِهَةُ مُتَعَيِّنَةً فَاكْتَفَى بِقَوْلِهِ أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ وَأَمَّا الزَّوْجُ فَلَهُ مِلْكٌ عَلَى غَيْرِهَا وَيَحِلُّ عَلَى غَيْرِهَا، وَإِنْ كَانَتْ فِي عِصْمَتِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ مِنْك أَوْ عَلَيْك تَعْيِينًا لِلْجِهَةِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ لَا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ) ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ) يَعْنِي بَيْنَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ لَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ لَا شَيْءَ فِي حَقِّ التَّشْكِيكِ فِي الْإِيقَاعِ أَوْ فِي حَقِّ الْوَضْعِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ كَانَ الْمَذْكُورُ هَاهُنَا) أَيْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (قَوْلَ الْكُلِّ فَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ فِي وَضْعِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي أَنَّهُ لَا يَقَعُ

لَهُ أَنَّهُ أَدْخَلَ الشَّكَّ فِي الْوَاحِدَةِ لِدُخُولِ كَلِمَةِ " أَوْ " بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّفْيِ فَيَسْقُطَ اعْتِبَارُ الْوَاحِدَةِ وَيَبْقَى قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوَّلًا لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الشَّكَّ فِي أَصْلِ الْإِيقَاعِ فَلَا يَقَعُ. وَلَهُمَا أَنَّ الْوَصْفَ مَتَى قُرِنَ بِالْعَدَدِ كَانَ الْوُقُوعُ بِذِكْرِ الْعَدَدِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا تَطْلُقُ ثَلَاثًا، وَلَوْ كَانَ الْوُقُوعُ بِالْوَصْفِ لَلَغَا ذِكْرُ الثَّلَاثِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَاقِعَ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ الْمَنْعُوتُ الْمَحْذُوفُ مَعْنَاهُ أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً عَلَى مَا مَرَّ، وَإِذَا كَانَ الْوَاقِعُ مَا كَانَ الْعَدَدُ نَعْتًا لَهُ كَانَ الشَّكُّ دَاخِلًا فِي أَصْلِ الْإِيقَاعِ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQشَيْءٌ فَكَانَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَيْضًا لَا يَقَعُ شَيْءٌ. ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فِي طَلَاقِ الْمَبْسُوطِ بِأَنَّ عِنْدَهُ تَطْلُقُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ لَا شَيْءَ وَلَا تَفَاوُتَ بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ وُرُودَ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ. وَقَوْلَةُ (لَهُ) أَيْ لِمُحَمَّدٍ (أَنَّهُ أَدْخَلَ الشَّكَّ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَلَهُمَا) أَيْ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (أَنَّ الْوَصْفَ) يَعْنِي: أَنْتِ طَالِقٌ (مَتَى قُرِنَ بِالْعَدَدِ) مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا (كَانَ الْوُقُوعُ بِذِكْرِ الْعَدَدِ) وَأَطْلَقَ الْعَدَدَ عَلَى الْوَاحِدِ مَجَازًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَصْلُ الْعَدَدِ، وَمَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّ الْوَصْفَ مَتَى قُرِنَ بِالْعَدَدِ كَانَ الْكُلُّ كَلَامًا وَاحِدًا فِي الْإِيقَاعِ، فَحِينَئِذٍ كَانَ الشَّكُّ الدَّاخِلُ فِي الْوَاحِدَةِ دَاخِلًا فِي الْإِيقَاعِ فَكَانَ نَظِيرَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَا، وَهُنَاكَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا وَاسْتَوْضَحَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (أَلَا تَرَى) وَهُوَ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا مَرَّ)

(وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ مَوْتِي أَوْ مَعَ مَوْتِك فَلَيْسَ بِشَيْءٍ) لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لَهُ لِأَنَّ مَوْتَهُ يُنَافِي الْأَهْلِيَّةَ وَمَوْتَهَا يُنَافِي الْمَحَلِّيَّةَ وَلَا بُدَّ مِنْهُمَا. (وَإِذَا مَلَكَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَوْ شِقْصًا مِنْهَا أَوْ مَلَكَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا أَوْ شِقْصًا مِنْهُ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ) لِلْمُنَافَاةِ بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ. أَمَّا مِلْكُهَا إيَّاهُ فَلِلِاجْتِمَاعِ بَيْنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْمَمْلُوكِيَّة، وَأَمَّا مِلْكُهُ إيَّاهَا فَلِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ ضَرُورِيٌّ وَلَا ضَرُورَةَ مَعَ قِيَامِ مِلْكِ الْيَمِينِ فَيَنْتَفِيَ النِّكَاحُ (وَلَوْ اشْتَرَاهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَسْتَدْعِي قِيَامَ النِّكَاحِ، وَلَا بَقَاءَ لَهُ مَعَ الْمُنَافِي لَا مِنْ وَجْهٍ وَلَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَكَذَا إذَا مَلَكَتْهُ أَوْ شِقْصًا مِنْهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِمَا قُلْنَا مِنْ الْمُنَافَاةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَقَعُ لِأَنَّ الْعِدَّةَ وَاجِبَةٌ. بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَرَادَ بِهِ قَوْلَهُ كَانَ الْوُقُوعُ بِذِكْرِ الْعَدَدِ. (وَقَوْلُهُ فَلِلِاجْتِمَاعِ بَيْنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْمَمْلُوكِيَّة) قَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ مُسْتَوْفًى، وَقَوْلُهُ (فَلِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ ضَرُورِيٌّ) بَيَانُهُ أَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ إثْبَاتُ الْمِلْكِ عَلَى الْحُرَّةِ وَهُوَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَمَا هُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ ضَرُورِيٌّ، فَإِذَا طَرَأَ عَلَيْهِ الْحِلُّ الْقَوِيُّ وَهُوَ مِلْكُ الْيَمِينِ يَنْفِي الْحِلَّ الضَّرُورِيَّ لِضَعْفِهِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مُسَلَّمٌ فِيمَا إذَا مَلَكَ الزَّوْجُ جَمِيعَ مَنْكُوحَتِهِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ. فَأَمَّا إذَا مَلَكَ شِقْصًا مِنْهَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْتَفِيَ الْحِلُّ الثَّابِتُ بَيْنَهُمَا بِالنِّكَاحِ لِأَنَّهُ لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ لَا حِلٌّ قَوِيٌّ وَلَا ضَعِيفٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ دَلِيلُ الْحِلِّ فَقَامَ مَقَامَهُ تَيْسِيرًا (وَلَوْ اشْتَرَاهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَسْتَدْعِي قِيَامَ النِّكَاحِ وَلَا بَقَاءَ لَهُ مَعَ الْمُنَافِي لَا مِنْ وَجْهٍ) يَعْنِي مِنْ حَيْثُ الْعِدَّةُ لِأَنَّهَا أَثَرٌ مِنْ

لَا عِدَّةَ هُنَاكَ حَتَّى حَلَّ وَطْؤُهَا لَهُ. (وَلَوْ قَالَ لَهَا وَهِيَ أَمَةٌ لِغَيْرِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ مَعَ عِتْقِ مَوْلَاك إيَّاكَ فَأَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا مَلَكَ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ) لِأَنَّهُ عَلَّقَ التَّطْلِيقَ بِالْإِعْتَاقِ أَوْ الْعِتْقِ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَنْتَظِمُهُمَا وَالشَّرْطُ مَا يَكُونُ مَعْدُومًا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ ـــــــــــــــــــــــــــــQآثَارِهِ فَلَا يَجِبُ مَعَ وُجُودِ الْمُنَافِي وَإِلَّا لَكَانَ مِلْكُ النِّكَاحِ بَاقِيًا مِنْ وَجْهٍ (وَلَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ) يَعْنِي مِنْ حَيْثُ مِلْكُ النِّكَاحِ، وَعَلَى هَذَا كَانَ قَوْلُهُ لَا مِنْ وَجْهٍ وَلَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ وَلَا بَقَاءَ. وَقِيلَ لَا مِنْ وَجْهٍ: يَعْنِي إذَا مَلَكَ الشِّقْصَ وَلَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ: يَعْنِي إذَا مَلَكَ الْجَمِيعَ، وَعَلَى هَذَا يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ مَعَ الْمُنَافِي. وَقَوْلُهُ (لَا عِدَّةَ هُنَاكَ) يَعْنِي فِي حَقِّ مَوْلَاهَا الَّذِي كَانَ زَوْجَهَا: أَيْ لَا يَظْهَرُ أَثَرُ عِدَّتِهَا بِدَلِيلِ حِلِّ وَطْئِهَا. وَأَمَّا الْعِدَّةُ فِي نَفْسِهَا فَوَاجِبَةٌ، حَتَّى إنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِآخَرَ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا قَالَ (وَإِذَا قَالَ لَهَا وَهِيَ أَمَةٌ لِغَيْرِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ مَعَ عِتْقِ مَوْلَاك إيَّاكِ فَأَعْتَقَهَا مَلَكَ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ لِأَنَّهُ عَلَّقَ التَّطْلِيقَ بِالْإِعْتَاقِ أَوْ الْعِتْقِ) وَهَذَا الْكَلَامُ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ أَنَّهُ تَعْلِيقٌ مَعَ عَدَمِ شَيْءٍ مِنْ أَدَاتِهِ وَأَنَّهُ تَعْلِيقُ التَّطْلِيقِ الْمَذْكُورِ دُونَ الطَّلَاقِ وَأَنَّهُ تَعْلِيقُ التَّطْلِيقِ بِالْإِعْتَاقِ أَوْ الْعِتْقِ. أَمَّا أَنَّهُ تَعْلِيقٌ فَلِمَا بَيَّنَّهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَالشَّرْطُ مَا يَكُونُ مَعْدُومًا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ وَلِلْحُكْمِ تَعَلُّقٌ بِهِ وَالْمَذْكُورُ: يَعْنِي بِقَوْلِهِ مَعَ عِتْقِ مَوْلَاك إيَّاكِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ مِنْ الْمَوْلَى أَمْرٌ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ وَالْحُكْمُ وَهُوَ الطَّلَاقُ تَعَلَّقَ بِهِ فَكَانَ الْعِتْقُ شَرْطًا وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ مَشْرُوطًا. وَأَمَّا أَنَّهُ تَعْلِيقُ التَّطْلِيقِ فَلِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمَرْءِ إنَّمَا يَنْفُذُ فِيمَا يَمْلِكُهُ وَهُوَ التَّطْلِيقُ دُونَ الطَّلَاقِ لِكَوْنِهِ أَمْرًا شَرْعِيًّا لَيْسَ دَاخِلًا تَحْتَ قُدْرَتِهِ، وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَالْمُعَلَّقُ بِهِ

وَلِلْحُكْمِ تَعَلُّقٌ بِهِ وَالْمَذْكُورُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَالْمُعَلَّقُ بِهِ التَّطْلِيقُ لِأَنَّ فِي التَّعْلِيقَاتِ يَصِيرُ التَّصَرُّفُ تَطْلِيقًا عِنْدَ الشَّرْطِ عِنْدَنَا، وَإِذَا كَانَ التَّطْلِيقُ مُعَلَّقًا بِالْإِعْتَاقِ أَوْ الْعِتْقِ يُوجَدُ بَعْدَهُ ثُمَّ الطَّلَاقُ يُوجَدُ بَعْدَ التَّطْلِيقِ فَيَكُونَ الطَّلَاقُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْعِتْقِ فَيُصَادِفَهَا وَهِيَ حُرَّةً فَلَا تَحْرُمُ حُرْمَةً غَلِيظَةً بِالثِّنْتَيْنِ. بَقِيَ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ كَلِمَةَ مَعَ لِلْقِرَانِ. قُلْنَا: قَدْ تُذْكَرُ لِلتَّأَخُّرِ كَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّطْلِيقُ لِأَنَّ فِي التَّعْلِيقَاتِ يَصِيرُ التَّصَرُّفُ تَطْلِيقًا عِنْدَ الشَّرْطِ عِنْدَنَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ عِنْدَنَا يَمْنَعُ عِلِّيَّةَ الْعِلَّةِ إلَى زَمَانِ وُجُودِهِ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ. وَأَمَّا أَنَّهُ تَعْلِيقُ التَّطْلِيقِ بِالْإِعْتَاقِ أَوْ الْعِتْقِ فَلِمَا قَالَ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَنْتَظِمُهُمَا: أَيْ يَتَنَاوَلُهُمَا عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ. أَمَّا الْإِعْتَاقُ فَعَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ لِمَا أَنَّ الْعِتْقَ لَمَّا لَمْ يُتَصَوَّرْ فِي غَيْرِ الْقَرِيبِ إلَّا بِالْإِعْتَاقِ كَانَ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْحُكْمِ وَإِرَادَةِ عِلَّتِهِ. وَأَمَّا الْعِتْقُ فَعَلَى طَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وَهُوَ الْمَلْفُوظُ فَثَبَتَ أَنَّهُ عَلَّقَ التَّطْلِيقَ بِالْإِعْتَاقِ أَوْ الْعِتْقِ، وَإِذَا كَانَ التَّطْلِيقُ مُعَلَّقًا بِالْإِعْتَاقِ أَوْ الْعِتْقِ يُوجَدُ بَعْدَهُ لِأَنَّ الْجَزَاءَ يَعْقُبُ الشَّرْطَ، ثُمَّ الطَّلَاقُ يُوجَدُ بَعْدَ التَّطْلِيقِ بَعْدِيَّةً ذَاتِيَّةً لِكَوْنِهِ حُكْمَهُ فَيَكُونُ الطَّلَاقُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْعِتْقِ فَيُصَادِفُهَا وَهِيَ حُرَّةٌ فَلَمْ تَحْرُمْ بِالثِّنْتَيْنِ حُرْمَةً غَلِيظَةً. بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ كَلِمَةَ مَعَ لِلْمُقَارَنَةِ فَيَكُونُ مُنَافِيًا لِمَعْنَى الشَّرْطِيَّةِ. وَأَجَابَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ قُلْنَا قَدْ تُذْكَرُ لِلتَّأَخُّرِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5] {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6] فَتُحْمَلُ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ مَعْنَى الشَّرْطِ ضَرُورَةَ تَصْحِيحِ الْكَلَامِ. وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ قَوْلَهُ مَعَ عِتْقِ مَوْلَاك إيَّاكِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِمَعْنَى الْإِعْتَاقِ فَمَا وَجْهُ الشِّقِّ الثَّانِي مِنْ التَّرْدِيدِ؟ . وَالثَّانِي أَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْرِيرِ يَجِبُ أَنْ يَقَعَ طَلَاقُ مَنْ قِيلَ لَهَا وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ

فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5] {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6] فَتُحْمَلَ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ مَعْنَى الشَّرْطِ. (وَلَوْ قَالَ: إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ وَقَالَ الْمَوْلَى: إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَجَاءَ الْغَدُ لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَعِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: زَوْجُهَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ) عَلَيْهَا، لِأَنَّ الزَّوْجَ قَرَنَ الْإِيقَاعَ بِإِعْتَاقِ الْمَوْلَى حَيْثُ عَلَّقَهُ بِالشَّرْطِ الَّذِي عَلَّقَ بِهِ الْمَوْلَى الْعِتْقَ، وَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ الْمُعَلَّقُ سَبَبًا عِنْدَ الشَّرْطِ وَالْعِتْقُ يُقَارِنُ الْإِعْتَاقَ لِأَنَّهُ عِلَّتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْتِ طَالِقٌ مَعَ نِكَاحِك لِأَنَّهُ يَكُونُ بِمَعْنَى إنْ نَكَحْتُك لَكِنْ لَا يَقَعُ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ وَجْهَهُ النَّظَرُ إلَى لَفْظَةِ الْعِتْقِ لِيَتَبَيَّنَ أَثَرُهُ فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ عِتْقِك فِي عَدَمِ اخْتِلَافِ الْحُكْمِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْعُدُولَ عَنْ مَعْنَى الْقِرَانِ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةُ " مَعَ " إنَّمَا كَانَ ضَرُورَةَ صِيَانَةِ كَلَامِ مَنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي ذَلِكَ تَنْجِيزًا أَوْ تَعْلِيقًا مُطْلَقًا. وَفِيمَا ذَكَرْتُمْ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّنْجِيزَ وَلَا التَّعْلِيقَ إلَّا بِالنِّكَاحِ بِصَرِيحِ الشَّرْطِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِيَانَةِ كَلَامِ الْقَادِرِ مُطْلَقًا صِيَانَةُ كَلَامِ مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ. (وَإِذَا قَالَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ وَقَالَ الْمَوْلَى إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَجَاءَ الْغَدُ) حُرِّمَتْ حُرْمَةً غَلِيظَةً (لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَعِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: زَوْجُهَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ) كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ دَلِيلَ مُحَمَّدٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَا يَقْبَلُ الْإِصْلَاحَ بِالْعِنَايَةِ، وَأَنَا أَذْكُرُهُ بِتَوْضِيحٍ تَبَعًا لِلْمُصَنِّفِ. قَالَ (لِأَنَّ الزَّوْجَ قَرَنَ الْإِيقَاعَ بِإِعْتَاقِ الْمَوْلَى) مَعْنًى يَعْنِي عَلَى وَجْهِ التَّعْلِيقِ (حَيْثُ عَلَّقَهُ بِالشَّرْطِ الَّذِي عَلَّقَ بِهِ الْمَوْلَى) فَكَانَا مُقْتَرِنَيْنِ فِي ذَلِكَ الشَّرْطِ وَهُوَ مَجِيءُ الْغَدِ، وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ إنَّمَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا عِنْدَ الشَّرْطِ فَكَانَا مُقْتَرِنَيْنِ فِي السَّبَبِيَّةِ لِحُكْمِهِمَا أَيْضًا (وَالْعِتْقُ يُقَارِنُ الْإِعْتَاقَ لِأَنَّهُ عِلَّتُهُ) وَالْحُكْمُ لَا يَتَأَخَّرُ زَمَانًا عَنْ الْعِلَّةِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ سَوَاءٌ كَانَتْ الْعِلَّةُ

أَصْلُهُ الِاسْتِطَاعَةُ مَعَ الْفِعْلِ فَيَكُونَ التَّطْلِيقُ مُقَارِنًا لِلْعِتْقِ ضَرُورَةً فَتَطْلُقُ بَعْدَ الْعِتْقِ فَصَارَ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَلِهَذَا تُقَدَّرُ عِدَّتُهَا بِثَلَاثِ حِيَضٍ. وَلَهُمَا أَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَا عَلَّقَ بِهِ الْمَوْلَى الْعِتْقَ ثُمَّ الْعِتْقُ يُصَادِفُهَا وَهِيَ أَمَةٌ فَكَذَا الطَّلَاقُ وَالطَّلْقَتَانِ تُحَرِّمَانِ الْأَمَةَ حُرْمَةً غَلِيظَةً، بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ عَلَّقَ التَّطْلِيقَ بِإِعْتَاقِ الْمَوْلَى فَيَقَعَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الْعِتْقِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ، وَبِخِلَافِ الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ فِيهَا بِالِاحْتِيَاطِ، وَكَذَا الْحُرْمَةُ الْغَلِيظَةُ يُؤْخَذُ فِيهَا بِالِاحْتِيَاطِ، وَلَا وَجْهَ إلَى مَا قَالَ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَوْ كَانَ يُقَارِنُ الْإِعْتَاقَ لِأَنَّهُ عِلَّتُهُ فَالطَّلَاقُ يُقَارِنُ التَّطْلِيقَ لِأَنَّهُ عِلَّتُهُ فَيَقْتَرِنَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQشَرْعِيَّةً أَوْ عَقْلِيَّةً (أَصْلُهُ الِاسْتِطَاعَةُ مَعَ الْفِعْلِ) كَمَا عُرِفَ (فَيَكُونُ التَّطْلِيقُ مُقَارِنًا لِلْعِتْقِ) لِأَنَّ التَّطْلِيقَ مُقَارِنٌ لِلْإِعْتَاقِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَالْإِعْتَاقَ مُقَارِنٌ لِلْعِتْقِ وَالطَّلَاقَ يُقَارِنُ الْعِتْقَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ عِلَّتُهُ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْهَا فَالتَّطْلِيقُ يُقَارِنُ الْعِتْقَ، وَهَذَا كُلُّهُ صَحِيحٌ. وَقَوْلُهُ فَتَطْلُقُ بَعْدَ الْعِتْقِ) فَاسِدٌ لِأَنَّ الطَّلَاقَ حُكْمُ التَّطْلِيقِ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ وَالتَّطْلِيقُ يُقَارِنُ الْإِعْتَاقَ وَالْإِعْتَاقُ يُقَارِنُ الْعِتْقَ فَالطَّلَاقُ يُقَارِنُ الْعِتْقَ، فَإِنَّ الْمُقَارِنَ لِلْمُقَارِنِ لِلشَّيْءِ مُقَارِنٌ لِذَلِكَ الشَّيْءِ فَكَيْفَ يَقَعُ بَعْدَهُ. فَإِذَا كَانَ الْعِلَّتَانِ وَالْمَعْلُولَانِ مَعًا، فَكَمَا أَنَّ الْإِعْتَاقَ صَادَفَهَا وَهِيَ أَمَةٌ فَكَذَلِكَ التَّطْلِيقُ وَالطَّلْقَتَانِ تُحَرِّمَانِ الْأَمَهَ حُرْمَةً غَلِيظَةً، وَظَهَرَ مِنْ هَذَا جَمِيعُ مَا ذَكَرَهُ، وَقَدْ ذَكَرَ لِمُحَمَّدٍ أَيْضًا أَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ حُرَّةٌ أَوْجَزُ مِنْ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ

[فصل في تشبيه الطلاق ووصفه]

(وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ هَكَذَا يُشِيرُ بِالْإِبْهَامِ وَالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى فَهِيَ ثَلَاثٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُمَا: أَيْ الْإِعْتَاقُ وَالتَّطْلِيقُ يُوجَدَانِ بِهَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ فَيَتَقَدَّمُ أَوْجَزُهُمَا فِي الْوُجُودِ وَهُوَ قَوْلُهُ أَنْتِ حُرَّةٌ فَيُصَادِفُهَا التَّطْلِيقَتَانِ وَهِيَ حُرَّةٌ فَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ عَلَيْهَا وَهَذَا قَرِيبٌ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ يُنَاقِضُ قَوْلَهُ فَيَتَقَدَّمُ أَوْجَزُهُمَا. [فَصْلٌ فِي تَشْبِيهِ الطَّلَاقِ وَوَصْفِهِ] (فَصْلٌ فِي تَشْبِيهِ الطَّلَاقِ وَوَصْفِهِ) ذَكَرَ وَصْفَ الطَّلَاقِ بَعْدَ ذِكْرِ أَصْلِهِ وَتَنْوِيعِهِ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ لِكَوْنِهِ تَابِعًا (وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ هَكَذَا يُشِيرُ بِالْإِبْهَامِ وَالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى فَهِيَ ثَلَاثٌ،

لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِالْأَصَابِعِ تُفِيدُ الْعِلْمَ بِالْعَدَدِ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ إذَا اقْتَرَنَتْ بِالْعَدَدِ الْمُبْهَمِ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا» الْحَدِيثَ، وَإِنْ أَشَارَ بِوَاحِدَةٍ فَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ أَشَارَ بِثِنْتَيْنِ فَهِيَ ثِنْتَانِ لِمَا قُلْنَا، وَالْإِشَارَةُ تَقَعُ بِالْمَنْشُورَةِ مِنْهَا، وَقِيلَ: إذَا أَشَارَ بِظُهُورِهَا فَبِالْمَضْمُومَةِ مِنْهَا، وَإِذَا كَانَ تَقَعُ الْإِشَارَةُ بِالْمَنْشُورَةِ مِنْهَا فَلَوْ نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْمَضْمُومَتَيْنِ يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً، وَكَذَا إذَا نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْكَفِّ حَتَّى يَقَعَ فِي الْأُولَى ثِنْتَانِ دِيَانَةً، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِالْأُصْبُعِ تُفِيدُ الْعِلْمَ بِالْعَدَدِ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ إذَا قُرِنَتْ بِالْعَدَدِ الْمُبْهَمِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَخَنَّسَ الْإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ» : يَعْنِي أَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَمَعْنَى خَنَّسَ قَبَضَ (فَإِنْ أَشَارَ بِوَاحِدَةٍ فَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ أَشَارَ بِثِنْتَيْنِ فَهِيَ ثِنْتَانِ) وَقَدْ طَعَنَ بَعْضُ الْجُهَّالِ عَلَى مُحَمَّدٍ فِي قَوْلِهِ بِالسَّبَّابَةِ بِأَنَّهُ اسْمٌ جَاهِلِيٌّ وَالِاسْمُ الشَّرْعِيُّ الْمُسَبِّحَةُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ السَّبَّابَةُ، رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: كَيْفَ الطَّهُورُ؟ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ، فَأَدْخَلَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَتَيْنِ أُذُنَيْهِ فَمَسَحَ بِإِبْهَامَيْهِ ظَاهِرَ أُذُنَيْهِ وَبِالسِّبَابَتَيْنِ بَاطِنَ أُذُنَيْهِ» رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ. وَقَوْلُهُ (لِمَا قُلْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِالْأَصَابِعِ تُفِيدُ الْعِلْمَ بِالْعَدَدِ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ إذَا اقْتَرَنَتْ بِالْعَدَدِ. وَقَوْلُهُ (وَالْإِشَارَةُ تَقَعُ بِالْمَنْشُورَةِ مِنْهَا)

وَفِي الثَّانِيَةِ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ هَكَذَا تَقَعُ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتَرِنْ بِالْعَدَدِ الْمُبْهَمِ فَبَقِيَ الِاعْتِبَارُ بِقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ (وَإِذَا وَصَفَ الطَّلَاقَ بِضَرْبٍ مِنْ الشِّدَّةِ أَوْ الزِّيَادَةِ كَانَ بَائِنًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ أَوْ أَلْبَتَّةَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَقَعُ رَجْعِيًّا إذَا كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ شُرِعَ مُعْقِبًا لِلرَّجْعَةِ فَكَانَ وَصْفُهُ بِالْبَيْنُونَةِ خِلَافَ الْمَشْرُوعِ فَيَلْغُو كَمَا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك. وَلَنَا أَنَّهُ وَصَفَهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْنُونَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَبَعْدَ الْعِدَّةِ تَحْصُلُ بِهِ فَيَكُونُ هَذَا الْوَصْفُ لِتَعْيِينِ أَحَدِ الْمُحْتَمَلَيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَلَنَا أَنَّهُ وَصَفَهُ) أَيْ وَصَفَ الطَّلَاقَ (بِمَا يَحْتَمِلُهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْنُونَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَ الْعِدَّةِ تَحْصُلُ بِهِ) وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ مُحْتَمَلَاتِهِ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ (فَيَكُونُ هَذَا الْوَصْفُ لِتَعْيِينِ أَحَدِ الْمُحْتَمَلَيْنِ) . وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُحْتَمِلًا لَهَا لَجَازَ نِيَّتُهَا فَيَقَعُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَائِنَةً إذَا نَوَى وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَعْمَلُ إذَا لَمْ تَكُنْ مُغَيِّرَةً لِلْمَشْرُوعِ، وَنِيَّةُ الْبَائِنِ مِنْ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ تُغَيِّرُ الْمَشْرُوعَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ شُرِعَ مُعَقِّبًا لِلرَّجْعَةِ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ تَسْلِيمٌ لِدَلِيلِ الْخَصْمِ وَمُحْوِجٌ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ عَدَمِ جَوَازِ كَوْنِ النِّيَّةِ مُغَيِّرَةً وَجَوَازِ كَوْنِ الْوَصْفِ مُغَيِّرًا لِلْمَشْرُوعِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْوَصْفَ الْمَلْفُوظَ أَقْوَى فِي اعْتِبَارِ الشَّرْعِ مِنْ النِّيَّةِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ تَطْلِيقٌ اعْتَبَرَ الشَّرْعُ ذَلِكَ طَلَاقًا وَغَيَّرَ بِهِ مَشْرُوعًا وَهُوَ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْكَذِبِ،

وَمَسْأَلَةُ الرَّجْعَةِ مَمْنُوعَةٌ فَتَقَعُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ نَوَى الثِّنْتَيْنِ. أَمَّا إذَا نَوَى الثَّلَاثَ فَثَلَاثٌ لِمَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ، وَلَوْ عَنَى بِقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَبِقَوْلِهِ بَائِنٌ أَوْ أَلْبَتَّةَ أُخْرَى تَقَعُ تَطْلِيقَتَانِ بَائِنَتَانِ لِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ يَصْلُحُ لِابْتِدَاءِ الْإِيقَاعِ (وَكَذَا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَفْحَشَ الطَّلَاقِ) لِأَنَّهُ إنَّمَا يُوصَفُ بِهَذَا الْوَصْفِ بِاعْتِبَارِ أَثَرِهِ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ فِي الْحَالِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ بَائِنٌ، وَكَذَا إذَا قَالَ أَخْبَثَ الطَّلَاقِ (أَوْ أَسْوَأَهُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَا إذَا قَالَ طَلَاقَ الشَّيْطَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ نَوَى طَلَاقًا وَلَمْ يَتَلَفَّظْ بِلَفْظٍ لَمْ يُعْتَبَرْ طَلَاقًا لِئَلَّا يَتَغَيَّرَ الْمَشْرُوعُ وَهُوَ شَرْعِيَّةُ الْوُقُوعِ بِأَلْفَاظِ الطَّلَاقِ. وَقَوْلُهُ (وَمَسْأَلَةُ الرَّجْعَةِ مَمْنُوعَةٌ) أَيْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بَائِنًا بَلْ تَقَعُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَلَئِنْ سُلِّمَ فَالْفَرْقُ أَنَّ فِي قَوْلِهِ أَنْ لَا رَجْعَةَ تَصْرِيحًا بِنَفْيِ الْمَشْرُوعِ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا وَصَفَهُ بِالْبَيْنُونَةِ وَلَمْ يَنْفِ الرَّجْعَةَ صَرِيحًا فَيَلْزَمُ مِنْهَا نَفْيُ الرَّجْعَةِ ضِمْنًا، وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ قَصْدًا، كَذَا أَفَادَهُ شَيْخُ شَيْخِي الْعَلَّامَةُ. وَقَوْلُهُ (فَتَقَعُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ) يَعْنِي فِيمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ (إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ نَوَى الثِّنْتَيْنِ، أَمَّا إذَا نَوَى الثَّلَاثَ فَثَلَاثٌ لِمَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ) أَيْ فِي بَابِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ بِقَوْلِهِ وَنَحْنُ نَقُولُ نِيَّةُ الثَّلَاثِ إنَّمَا صَحَّتْ لِكَوْنِهَا جِنْسًا. وَقَوْلُهُ (تَطْلِيقَتَانِ بَائِنَتَانِ) يَعْنِي عِنْدَنَا. وَقِيَاسُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ تَطْلِيقَتَانِ رَجْعِيَّتَانِ. وَقَوْلُهُ لِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ) يَعْنِي قَوْلَهُ بَائِنٌ أَوْ أَلْبَتَّةَ يَصْلُحُ لِابْتِدَاءِ الْإِيقَاعِ بِأَنْ كَانَ يَقُولُ أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ أَنْتِ أَلْبَتَّةَ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ، وَكَذَا إذَا نَوَى بِبَتِّهِ تَطْلِيقَةً أُخْرَى وَيَكُونُ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ فَكَانَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ بَائِنٌ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا رَجْعِيًّا عَمَلًا بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنَّا جَعَلْنَاهُ بَائِنًا لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ لِأَنَّ الثَّانِيَ يَكُونُ بَائِنًا لَا مَحَالَةَ عِنْدَنَا فَيَكُونُ الْأَوَّلُ كَذَلِكَ ضَرُورَةً إذْ لَا يُتَصَوَّرُ بَقَاءُ الْأَوَّلِ رَجْعِيًّا إذَا صَارَ الثَّانِي بَائِنًا، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْأَوَّلَ يَقَعُ رَجْعِيًّا ابْتِدَاءً فَيَنْقَلِبُ بَائِنًا بِوُقُوعِ الثَّانِي بَائِنًا لِعَدَمِ تَصَوُّرِ بَقَائِهِ رَجْعِيًّا. وَهَذَا صَحِيحٌ ظَاهِرٌ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْأَوَّلَ يَقَعُ رَجْعِيًّا. فَإِنْ أَرَادَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَلَا كَلَامَ فِيهِ، وَإِنْ أَرَادَ بَقَاءَهُ رَجْعِيًّا فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَفْحَشَ الطَّلَاقِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ فِي الْأَحْكَامِ

أَوْ طَلَاقَ الْبِدْعَةِ) لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ هُوَ السُّنِّيُّ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: الْبِدْعَةَ وَطَلَاقَ الشَّيْطَانِ بَائِنًا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بَائِنًا إلَّا بِالنِّيَّةِ لِأَنَّ الْبِدْعَةَ قَدْ تَكُونُ مِنْ حَيْثُ الْإِيقَاعُ فِي حَالَةِ حَيْضٍ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ أَوْ طَلَاقَ الشَّيْطَانِ يَكُونُ رَجْعِيًّا لِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ قَدْ يَتَحَقَّقُ بِالطَّلَاقِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ فَلَا تَثْبُتُ الْبَيْنُونَةُ بِالشَّكِّ (وَكَذَا إذَا قَالَ: كَالْجَبَلِ) لِأَنَّ التَّشْبِيهَ بِهِ يُوجِبُ زِيَادَةً لَا مَحَالَةَ وَذَلِكَ بِإِثْبَاتِ زِيَادَةِ الْوَصْفِ، وَكَذَا إذَا قَالَ: مِثْلَ الْجَبَلِ لِمَا قُلْنَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَكُونُ رَجْعِيًّا لِأَنَّ الْجَبَلَ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَكَانَ تَشْبِيهًا بِهِ فِي تَوَحُّدِهِ (وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ أَشَدَّ الطَّلَاقِ أَوْ كَأَلْفٍ أَوْ مِلْءَ الْبَيْتِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ثَلَاثًا) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِالشِّدَّةِ وَهُوَ الْبَائِنُ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الِانْتِقَاضَ وَالِارْتِفَاضَ، أَمَّا الرَّجْعِيُّ فَيَحْتَمِلُهُ، وَإِنَّمَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ لِذِكْرِهِ الْمَصْدَرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَرْبَعَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ فَتَقَعُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ نَوَى الثِّنْتَيْنِ. وَلَوْ نَوَى الثَّلَاثَ فَثَلَاثٌ، وَلَوْ نَوَى بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَبِقَوْلِهِ أَفْحَشَ الطَّلَاقِ وَاحِدَةً أُخْرَى يَقَعُ تَطْلِيقَتَانِ: وَكَذَا الْجَوَابُ فِي قَوْلِهِ أَخْبَثَ الطَّلَاقِ أَوْ أَشَرَّهُ أَوْ أَشَدَّهُ أَوْ أَكْبَرَهُ أَوْ أَسْوَأَهُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا يُوصَفُ بِهَذَا الْوَصْفِ بِاعْتِبَارِ أَثَرِهِ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ فِي الْحَالِ لَا بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَحْسُوسٍ. وَمَا هُوَ غَيْرُ مَحْسُوسٍ فَإِنَّمَا يُعْرَفُ بِأَثَرِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ بَائِنٌ. فَإِنْ قِيلَ: أَفْحَشُ وَأَشَدُّ وَنَحْوُهُمَا أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ فَيَقْتَضِي فَاحِشًا وَأَفْحَشَ، وَالْفَاحِشُ هُوَ الْبَائِنُ. وَالْأَفْحَشُ مِنْهُ هُوَ الثَّلَاثُ فَيَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ الثَّلَاثُ بِهِ وَنَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ. أُجِيبَ بِأَنَّ أَفْعَلَ قَدْ يَكُونُ لِإِثْبَاتِ أَصْلِ الْوَصْفِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ كَقَوْلِهِ:

وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ قَدْ يُرَادُ بِهَذَا التَّشْبِيهِ فِي الْقُوَّةِ تَارَةً وَفِي الْعَدَدِ أُخْرَى، يُقَالُ هُوَ كَأَلْفِ رَجُلٍ وَيُرَادُ بِهِ الْقُوَّةُ فَتَصِحُّ نِيَّةُ الْأَمْرَيْنِ، وَعِنْدَ فِقْدَانِهَا يَثْبُتُ أَقَلُّهُمَا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ لِأَنَّهُ عَدَدٌ فَيُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي الْعَدَدِ ظَاهِرًا فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ كَعَدَدِ أَلْفٍ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَمْلَأُ الْبَيْتَ لِعِظَمِهِ فِي نَفْسِهِ وَقَدْ يَمْلَؤُهُ لِكَثْرَتِهِ، فَأَيُّ ذَلِكَ نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ، وَعِنْدَ انْعِدَامِ النِّيَّةِ يَثْبُتُ الْأَقَلُّ. ثُمَّ الْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَتَى شَبَّهَ الطَّلَاقَ بِشَيْءٍ يَقَعُ بَائِنًا: أَيَّ شَيْءٍ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ ذَكَرَ الْعِظَمَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّاقِصُ وَالْأَشَجُّ أَعْدَلَا بَنِي مَرْوَانَ وَهُوَ مَشْهُورٌ سُمِّيَ لِلْإِضَافَةِ بِالْمَعْنَى الثَّانِي، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْحٍ،

لِمَا مَرَّ أَنَّ التَّشْبِيهَ يَقْتَضِي زِيَادَةَ وَصْفٍ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ ذَكَرَ الْعِظَمَ يَكُونُ بَائِنًا وَإِلَّا فَلَا أَيَّ شَيْءٍ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ قَدْ يَكُونُ فِي التَّوْحِيدِ عَلَى التَّجْرِيدِ. أَمَّا ذِكْرُ الْعِظَمِ فَلِلزِّيَادَةِ لَا مَحَالَةَ. وَعِنْدَ زُفَرَ إنْ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ مِمَّا يُوصَفُ بِالْعِظَمِ عِنْدَ النَّاسِ يَقَعُ بَائِنًا وَإِلَّا فَهُوَ رَجْعِيٌّ. وَقِيلَ مُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقِيلَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ. وَبَيَانُهُ فِي قَوْلِهِ مِثْلُ رَأْسِ الْإِبْرَةِ مِثْلُ عِظَمِ رَأْسِ الْإِبْرَةِ وَمِثْلُ الْجَبَلِ مِثْلُ عِظَمِ الْجَبَلِ (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً شَدِيدَةً أَوْ عَرِيضَةً أَوْ طَوِيلَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ) لِأَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ وَهُوَ الْبَائِنُ، وَمَا يَصْعُبُ تَدَارُكُهُ يُقَالُ: لِهَذَا الْأَمْرِ طُولٌ وَعَرْضٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَذَكَرَ الْأَصْلَ الَّذِي يُبْتَنَى عَلَيْهِ أَقْوَالُهُمْ وَهُوَ أَيْضًا وَاضِحٌ. . وَقَوْلُهُ (وَبَيَانُهُ فِي قَوْلِهِ مِثْلَ رَأْسِ الْإِبْرَةِ) يَقَعُ بِهِ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي يُوسُفَ، وَقِيلَ مِثْلُ عِظَمِ رَأْسِ الْإِبْرَةِ يَقَعُ بِهِ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. (وَقَوْلُهُ مِثْلَ الْجَبَلِ) يَقَعُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَمُحَمَّدٍ إنْ كَانَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَوْلُهُ (مِثْلَ عِظَمِ الْجَبَلِ) يَقَعُ بِهِ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ بِالِاتِّفَاقِ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِوُجُودِ التَّشْبِيهِ،

[فصل في الطلاق قبل الدخول]

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَقَعُ بِهَا رَجْعِيَّةً لِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ لَا يَلِيقُ بِهِ فَيَلْغُو، وَلَوْ نَوَى الثَّلَاثَ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ لِتَنَوُّعِ الْبَيْنُونَةِ عَلَى مَا مَرَّ وَالْوَاقِعُ بِهَا بَائِنٌ. [فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ] (وَإِذَا طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَقَعْنَ عَلَيْهَا) لِأَنَّ الْوَاقِعَ مَصْدَرٌ مَحْذُوفٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ طَلَاقًا ثَلَاثًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِذِكْرِ الْعِظَمِ، وَأَمَّا عِنْدَ زُفَرَ فَلِكَوْنِ الْجَبَلِ مِمَّا يُوصَفُ بِالْعِظَمِ عِنْدَ النَّاسِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. . (فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ) لَمَّا كَانَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ مِنْ الطَّلَاقِ بَعْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِضِ مِنْ الْأَصْلِ وَلَهُ أَحْكَامٌ جَمَّةٌ ذَكَرَهُ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ بَعْدَ ذِكْرِ مَا هُوَ الْأَصْلُ (إذَا قَالَ لِغَيْرِ الْمَلْمُوسَةِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَقَعْنَ) وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: يَقَعُ وَاحِدَةٌ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَتَبِينُ بِهَا لَا إلَى عِدَّةٍ. وَقَوْلُهُ ثَلَاثًا يُصَادِفُهَا وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ فَلَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ، كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ. وَلَنَا مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ لِأَنَّ الْوَاقِعَ مَصْدَرٌ مَحْذُوفٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ طَلَاقًا ثَلَاثًا عَلَى مَا بَيَّنَّا: يَعْنِي قَبْلَ هَذَا أَنَّ الْوَصْفَ مَتَى قُرِنَ بِالْعَدَدِ كَانَ الْوُقُوعُ بِذِكْرِ الْعَدَدِ إلَخْ، وَإِنَّمَا يُقَدَّرُ الْمَصْدَرُ مَحْذُوفًا لِأَنَّ الْوَصْفَ نَعْتُ الْمَرْأَةِ وَهِيَ غَيْرُ مُتَعَدِّدَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ شَيْءٍ يَحْتَمِلُ التَّعَدُّدَ، وَالْمَصْدَرُ أَوْلَى بِذَلِكَ لِدَلَالَةِ الْوَصْفِ عَلَيْهِ، فَإِذَا

عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، فَلَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ إيقَاعًا عَلَى حِدَةٍ فَيَقَعْنَ جُمْلَةً: (فَإِنْ فَرَّقَ الطَّلَاقَ بَانَتْ بِالْأُولَى وَلَمْ تَقَعْ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ) وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ إيقَاعٌ عَلَى حِدَةٍ إذَا لَمْ يَذْكُرْ فِي آخِرِ كَلَامِهِ مَا يُغَيِّرُ صَدْرَهُ حَتَّى يَتَوَقَّفَ عَلَيْهِ فَتَقَعُ الْأُولَى فِي الْحَالِ فَتُصَادِفُهَا الثَّانِيَةُ وَهِيَ مُبَانَةٌ (وَكَذَا إذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ الْوَاقِعُ مَصْدَرًا مَحْذُوفًا لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ إيقَاعًا عَلَى حِدَةٍ وَإِلَّا لَزَادَ عَدَدُ الطَّلَاقِ وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَيَقَعْنَ جُمْلَةً وَصَارَ الْكُلُّ كَلَامًا وَاحِدًا، وَلَا كَذَلِكَ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ لِكَوْنِهَا جُمَلًا فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ إيقَاعًا عَلَى حِدَةٍ وَتَبِينُ بِالْأُولَى، وَلَا تَقَعُ الثَّانِيَةُ إذَا لَمْ يَذْكُرْ فِي آخِرِ كَلَامِهِ مَا يُغَيِّرُ صَدْرَهُ حَتَّى يَتَوَقَّفَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ صَادَفَتْهَا وَهِيَ

وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا بَانَتْ بِالْأُولَى (وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فَمَاتَتْ قَبْلَ قَوْلِهِ وَاحِدَةً كَانَ بَاطِلًا) لِأَنَّهُ قَرَنَ الْوَصْفَ بِالْعَدَدِ فَكَانَ الْوَاقِعُ هُوَ الْعَدَدَ، فَإِذَا مَاتَتْ قَبْلَ ذِكْرِ الْعَدَدِ فَاتَ الْمَحَلُّ قَبْلَ الْإِيقَاعِ فَبَطَلَ (وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا) لِمَا بَيَّنَّا وَهَذِهِ تُجَانِسُ مَا قَبْلَهَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً قَبْلَ وَاحِدَةٍ أَوْ بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ) وَالْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى ذَكَرَ شَيْئَيْنِ وَأَدْخَلَ بَيْنَهُمَا حَرْفَ الظَّرْفِ إنْ قَرَنَهَا بِهَاءِ الْكِنَايَةِ كَانَ صِفَةً لِلْمَذْكُورِ آخِرًا كَقَوْلِهِ: جَاءَنِي زَيْدٌ قَبْلَهُ عَمْرٌو، وَإِنْ لَمْ يَقْرِنْهَا بِهَاءِ الْكِنَايَةِ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُبَانَةٌ، كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فَمَاتَتْ قَبْلَ قَوْلِهِ وَاحِدَةً بَطَلَ لِأَنَّهُ قَرَنَ الْوَصْفَ بِالْعَدَدِ فَكَانَ الْوَاقِعُ هُوَ الْعَدَدُ، فَإِذَا مَاتَتْ قَبْلَ ذِكْرِ الْعَدَدِ فَاتَ الْمَحَلُّ قَبْلَ الْإِيقَاعِ فَبَطَلَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا لِمَا بَيَّنَّا) أَنَّهُ قَرَنَ الْوَصْفَ بِالْعَدَدِ فَكَانَ الْوَاقِعُ هُوَ الْعَدَدُ (وَهَذِهِ) أَيْ هَذِهِ الْمَسَائِلُ الثَّلَاثُ وَهِيَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فَمَاتَتْ قَبْلَ قَوْلِهِ وَاحِدَةً، وَكَذَا لَوْ مَاتَتْ قَبْلَ قَوْلِهِ ثِنْتَيْنِ أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ قَوْلِهِ ثَلَاثًا (تُوَافِقُ مَا قَبْلَهَا) وَهُوَ قَوْلُهُ وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَقَعْنَ (مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ) وَهُوَ أَنَّ الْوَاقِعَ فِيهِمَا جَمِيعًا ذِكْرُ الْعَدَدِ لَا ذِكْرُ الْوَصْفِ وَحْدَهُ، إلَّا أَنَّ الْحُكْمَ اخْتَلَفَ لِمَا أَنَّ ذِكْرَ الْعَدَدِ الَّذِي هُوَ الْوَاقِعُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ صَادَفَ الْمَرْأَةَ وَهِيَ مَيِّتَةٌ فَلَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ أَصْلًا، وَهُنَاكَ لَمَّا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ بِذِكْرِ الْوَصْفِ نَفْسِهِ بَلْ بِالْعَدَدِ وَصَادَفَهَا الْعَدَدُ وَهِيَ مَنْكُوحَتُهُ حَيَّةً وَقَعَ الثَّلَاثُ لِكَوْنِ الْوَاقِعِ هُوَ الْعَدَدُ فَكَانَ الِاعْتِبَارُ فِي الصُّورَتَيْنِ لِلْعَدَدِ لَا لِلْوَصْفِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً قَبْلَ وَاحِدَةٍ) اعْلَمْ أَنَّ كَلِمَةَ قَبْلُ لِلتَّقْدِيمِ وَكَلِمَةَ بَعْدُ لِلتَّأْخِيرِ

صِفَةً لِلْمَذْكُورِ أَوَّلًا كَقَوْلِهِ: جَاءَنِي زَيْدٌ قَبْلَ عَمْرٍو، وَإِيقَاعُ الطَّلَاقِ فِي الْمَاضِي إيقَاعٌ فِي الْحَالِ لِأَنَّ الْإِسْنَادَ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ فَالْقَبْلِيَّةُ فِي قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً قَبْلَ وَاحِدَةٍ صِفَةٌ لِلْأُولَى فَتَبِينُ بِالْأُولَى فَلَا تَقَعُ الثَّانِيَةُ، وَالْبَعْدِيَّةُ فِي قَوْلِهِ بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ صِفَةٌ لِلْأَخِيرَةِ فَحَصَلَتْ الْإِبَانَةُ بِالْأُولَى (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ تَقَعُ ثِنْتَانِ) لِأَنَّ الْقَبْلِيَّةَ صِفَةٌ لِلثَّانِيَةِ لِاتِّصَالِهَا بِحَرْفِ الْكِنَايَةِ فَاقْتَضَى إيقَاعَهَا فِي الْمَاضِي وَإِيقَاعَ الْأُولَى فِي الْحَالِ، غَيْرَ أَنَّ الْإِيقَاعَ فِي الْمَاضِي إيقَاعٌ فِي الْحَالِ أَيْضًا فَيَقْتَرِنَانِ فَيَقَعَانِ، وَكَذَا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ الْبَعْدِيَّةَ صِفَةٌ لِلْأُولَى فَاقْتَضَى إيقَاعَ الْوَاحِدَةِ فِي الْحَالِ وَإِيقَاعَ الْأُخْرَى قَبْلَ هَذِهِ فَتَقْتَرِنَانِ (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً مَعَ وَاحِدَةٍ أَوْ مَعَهَا وَاحِدَةٌ تَقَعُ ثِنْتَانِ) لِأَنَّ كَلِمَةَ مَعَ لِلْقِرَانِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ: مَعَهَا وَاحِدَةٌ أَنَّهُ تَقَعُ وَاحِدَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً قَبْلَ وَاحِدَةٍ أَوْ بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ، وَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ أَوْ بَعْدَ وَاحِدَةٍ وَقَعَتْ ثِنْتَانِ، وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي الْكِتَابِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الظَّرْفَ إذَا قُيِّدَ بِالْكِنَايَةِ كَانَ صِفَةً لِمَا بَعْدَهُ، وَإِذَا لَمْ يُقَيَّدْ كَانَ صِفَةً لِمَا قَبْلَهُ. وَالثَّانِي أَنَّ الْإِيقَاعَ فِي الْمَاضِي إيقَاعٌ فِي الْحَالِ لِأَنَّ الْإِسْنَادَ لَيْسَ فِي سِعَتِهِ، فَإِذَا قِيلَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً قَبْلَ وَاحِدَةٍ كَانَ الظَّرْفُ صِفَةً لِمَا قَبْلَهُ فَيَقَعُ وَاحِدَةٌ قَبْلَ الْأُخْرَى فَيَفُوتُ الْمَحَلُّ وَتَلْغُو الثَّانِيَةُ، وَإِذَا قَالَ قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ يَكُونُ صِفَةً لِلثَّانِيَةِ فَاقْتَضَى إيقَاعَهَا فِي الْمَاضِي وَإِيقَاعَ الْأُولَى فِي الْحَالِ، وَالْإِيقَاعُ فِي الْمَاضِي إيقَاعٌ فِي الْحَالِ فَيَقْتَرِنَانِ فِي الْوُقُوعِ، وَالْبَعْدِيَّةُ فِي قَوْلِهِ بَعْدَ وَاحِدَةٍ صِفَةٌ لِمَا قَبْلَهُ فَيَقْتَضِي إيقَاعَ الْأُولَى فِي الْحَالِ وَإِيقَاعَ الثَّانِيَةِ قَبْلَهَا فَيَقْتَرِنَانِ كَمَا مَرَّ. وَفِي قَوْلِهِ بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ صِفَةٌ لِلثَّانِيَةِ فَتَبِينُ بِالْأُولَى وَتَلْغُو الثَّانِيَةُ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّيَّةِ (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً مَعَ وَاحِدَةٍ أَوْ مَعَهَا وَاحِدَةٌ وَقَعَتْ ثِنْتَانِ) لِأَنَّ كَلِمَةَ مَعَ لِلْقِرَانِ فَتَتَوَقَّفُ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ تَحْقِيقًا لِمُرَادِهِ فَوَقَعَا مَعًا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ

لِأَنَّ الْكِنَايَةَ تَقْتَضِي سَبْقَ الْمُكَنَّى عَنْهُ لَا مَحَالَةَ، وَفِي الْمَدْخُولِ بِهَا تَقَعُ ثِنْتَانِ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا لِقِيَامِ الْمَحَلِّيَّةِ بَعْدَ وُقُوعِ الْأُولَى (وَلَوْ قَالَ لَهَا: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً فَدَخَلَتْ وَقَعَتْ عَلَيْهَا وَاحِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: تَقَعُ ثِنْتَانِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَدَخَلَتْ طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ) بِالِاتِّفَاقِ. لَهُمَا أَنَّ حَرْفَ الْوَاوِ لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ فَتَعَلَّقْنَ جُمْلَةً كَمَا إذَا نَصَّ عَلَى الثَّلَاثِ أَوْ أَخَّرَ الشَّرْطَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي قَوْلِهِ مَعَهَا أَنَّهَا تَقَعُ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ تَسْتَدْعِي سَبْقَ الْمُكَنَّى عَنْهُ وُجُودًا، وَذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ بِالْوُقُوعِ. وَقَوْلُهُ (وَفِي الْمَدْخُولِ بِهَا يَقَعُ ثِنْتَانِ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا) أَيْ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ قَبْلُ وَبَعْدُ بِالْكِنَايَةِ وَغَيْرِهَا لِقِيَامِ الْمَحَلِّيَّةِ بَعْدَ وُقُوعِ الْأُولَى. . قَالَ (وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً فَدَخَلَتْ وَقَعَتْ عَلَيْهَا وَاحِدَةٌ) أَقُولُ: إذَا عَلَّقَ بِالشَّرْطِ عَدَدًا مِنْ الطَّلَاقِ وَعَطَفَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ بِالْوَاوِ، فَإِمَّا أَنْ قَدَّمَ الشَّرْطَ أَوْ أَخَّرَهُ، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَدَخَلَتْ وَقَعَ الْجَمِيعُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ كَمَا إذَا قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقَعُ وَاحِدَةٌ (لَهُمَا أَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ) وَقَدْ دَخَلَتْ بَيْنَ الْأَجْزِيَةِ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَيَتَعَلَّقْنَ جَمِيعًا وَيَنْزِلْنَ جُمْلَةً، كَمَا لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا

وَلَهُ أَنَّ الْجَمْعَ الْمُطْلَقَ يَحْتَمِلُ الْقِرَانَ وَالتَّرْتِيبَ، فَعَلَى اعْتِبَارِ الْأَوَّلِ تَقَعُ ثِنْتَانِ، وَعَلَى اعْتِبَارِ الثَّانِي لَا تَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ كَمَا إذَا نَجَّزَ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ فَلَا يَقَعُ الزَّائِدُ عَلَى الْوَاحِدَةِ بِالشَّكِّ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَّرَ الشَّرْطَ لِأَنَّهُ مُغَيِّرٌ صَدْرَ الْكَلَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْجَمْعَ بِوَاوِ الْجَمْعِ كَالْجَمْعِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَكَمَا لَوْ أَخَّرَ الشَّرْطَ فَإِنَّ تَأْخِيرَهُ لَا يُغَيِّرُ مُوجِبَ الْكَلَامِ. وَلَهُ أَنَّ الْجَمْعَ الْمُطْلَقَ يَحْتَمِلُ الْقِرَانَ وَالتَّرْتِيبَ لِأَنَّ تَحَقُّقَهُ فِي الْخَارِجِ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَعَلَى اعْتِبَارِ الْأَوَّلِ تَقَعُ الْجُمْلَةُ، وَعَلَى اعْتِبَارِ الثَّانِي لَا تَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ، كَمَا إذَا نَجَّزَ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ بِأَنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ بِالِاتِّفَاقِ فَكَانَ فِي الزَّائِدِ عَلَى الْوَاحِدَةِ شَكٌّ فَلَا يَقَعُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَّرَ الشَّرْطَ لِأَنَّهُ مُغَيِّرٌ صَدْرَ

فَيَتَوَقَّفُ الْأَوَّلُ عَلَيْهِ فَيَقَعْنَ جُمْلَةً وَلَا مُغَيِّرَ فِيمَا إذَا قَدَّمَ الشَّرْطَ فَلَمْ يَتَوَقَّفْ. وَلَوْ عَطَفَ بِحَرْفِ الْفَاءِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِيمَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ، وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ يَقَعُ وَاحِدَةً بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكَلَامِ عَنْ التَّنْجِيزِ إلَى التَّعْلِيقِ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ تَوَقَّفَ فِيهِ صَدْرُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فَيَقَعْنَ جُمْلَةً وَلَا مُغَيِّرَ فِيمَا إذَا قَدَّمَ الشَّرْطَ فَلَمْ يَتَوَقَّفْ فَوَقَعَ عَلَى التَّرْتِيبِ وَبَانَتْ بِالْأُولَى فَلَا تَقَعُ الثَّانِيَةُ وَلَمْ يَجِبْ عَنْ التَّنْصِيصِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ لِظُهُورِهِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّرْتِيبَ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ عَطَفَ بِحَرْفِ الْفَاءِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِيمَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ) فَإِنَّهُ جَعَلَ الْعَطْفَ بِالْوَاوِ وَالْفَاءِ سَوَاءً، وَقَالَ إنَّ حَرْفَ الْعَطْفِ يَجْعَلُهُمَا كَلَامًا وَاحِدًا فَتَعَلَّقَا كَمَا فِي صُورَةِ الْوَاوِ، وَسَوَاءٌ قَدَّمَ الشَّرْطَ أَوْ أَخَّرَهُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ (وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ يَقَعُ وَاحِدَةٌ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ وَهُوَ الْأَصَحُّ) .

[ألفاظ يقع بها الطلاق الرجعي]

(وَأُمًّا الضَّرْبُ الثَّانِي وَهُوَ الْكِنَايَاتُ لَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ إلَّا بِالنِّيَّةِ أَوْ بِدَلَالَةِ الْحَالِ) لِأَنَّهَا غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِلطَّلَاقِ بَلْ تَحْتَمِلُهُ وَغَيْرَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ أَوْ دَلَالَتِهِ. قَالَ (وَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ وَلَا يَقَعُ بِهَا إلَّا وَاحِدَةٌ، وَهِيَ قَوْلُهُ: اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَكِ وَأَنْتِ وَاحِدَةٌ) أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ الِاعْتِدَادَ عَنْ النِّكَاحِ وَتَحْتَمِلُ اعْتِدَادَ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ نَوَى الْأَوَّلَ تَعَيَّنَ بِنِيَّتِهِ فَيَقْتَضِي طَلَاقًا سَابِقًا وَالطَّلَاقُ يُعْقِبُ الرَّجْعَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [أَلْفَاظٍ يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ] قَالَ (وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي وَهُوَ الْكِنَايَاتُ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الصَّرِيحُ شَرَعَ فِي بَيَانِ الضَّرْبِ الثَّانِي وَهُوَ الْكِنَايَاتُ. الْكِنَايَةُ: مَا اسْتَتَرَ الْمُرَادُ بِهِ. وَحُكْمُهَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا إلَّا بِالنِّيَّةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ دَلَالَةِ الْحَالِ

وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الِاعْتِدَادِ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ فَكَانَ بِمَنْزِلَتِهِ وَتَحْتَمِلُ الِاسْتِبْرَاءَ لِيُطَلِّقَهَا، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَلِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ مَعْنَاهُ تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِذَا نَوَاهُ جُعِلَ كَأَنَّهُ قَالَهُ، وَالطَّلَاقُ يُعْقِبُ الرَّجْعَةَ، وَيَحْتَمِلُ غَيْرَهُ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ وَاحِدَةً عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ قَوْمِهِ، وَلَمَّا احْتَمَلَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ تَحْتَاجُ فِيهِ إلَى النِّيَّةِ وَلَا تَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَنْتِ طَالِقٌ فِيهَا مُقْتَضًى أَوْ مُضْمَرٌ، وَلَوْ كَانَ مُظْهَرًا لَا تَقَعُ بِهَا إلَّا وَاحِدَةٌ، فَإِذَا كَانَ مُضْمَرًا أَوْلَى، وَفِي قَوْلِهِ وَاحِدَةٌ وَإِنْ صَارَ الْمَصْدَرُ مَذْكُورًا لَكِنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الْوَاحِدَةِ يُنَافِي نِيَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهَا غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِمَا اُسْتُعْمِلَتْ فِيهِ بَلْ تَحْتَمِلُهُ وَغَيْرَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ أَوْ دَلَالَتِهِ (ثُمَّ الْكِنَايَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ) مَا يَكُونُ الْوَاقِعُ بِهِ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً، وَمَا يَكُونُ وَاحِدَةً بَائِنَةً، فَالْأَوَّلُ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ هِيَ اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَك وَأَنْتِ وَاحِدَةٌ، وَلَا بُدَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مِنْ احْتِمَالِ مَعْنَيَيْنِ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى التَّعْيِينِ بِالنِّيَّةِ أَوْ بِمَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ دَلَالَةِ الْحَالِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا ذَلِكَ وَكَلَامُهُ فِيهِ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ فِيهَا) أَيْ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ (مُقْتَضًى) أَيْ ثَابِتٌ بِالِاقْتِضَاءِ فِي قَوْلِهِ اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي قَوْلِهِ فَيَقْتَضِي طَلَاقًا سَابِقًا، لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالِاعْتِدَادِ بِغَيْرِ طَلَاقٍ غَيْرُ صَحِيحٍ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ الطَّلَاقِ سَابِقًا. وَقَوْلُهُ (أَوْ مُضْمَرٌ) يَعْنِي فِي قَوْلِهِ أَنْتِ

الثَّلَاثِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِإِعْرَابِ الْوَاحِدَةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْعَوَامَّ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ وُجُوهِ الْإِعْرَابِ. قَالَ (وَبَقِيَّةُ الْكِنَايَاتِ إذَا نَوَى بِهَا الطَّلَاقَ كَانَتْ وَاحِدَةً بَائِنَةً، وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا كَانَتْ ثَلَاثًا، وَإِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ كَانَتْ وَاحِدَةً، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاحِدَةٌ. وَقَوْلُهُ (وَلَا مُعْتَبَرَ بِإِعْرَابِ الْوَاحِدَةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ) يَعْنِي سَوَاءً قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بِالنَّصْبِ أَوْ بِالرَّفْعِ أَوْ بِالسُّكُونِ، فَقَوْلُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ يَقَعُ الطَّلَاقُ إذَا نَصَبَ الْوَاحِدَةَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لِكَوْنِهِ صِفَةً لِلطَّلْقَةِ، أَمَّا إذَا رَفَعَهَا فَلَا يَقَعُ وَإِنْ نَوَى لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَكُونُ صِفَةَ شَخْصِهَا، وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقَعُ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا لِأَنَّ نِيَّةَ الطَّلَاقِ تُعْرِبُ عَنْ الْغَرَضِ وَإِنْ أَخْطَأَ فِي الْإِعْرَابِ، وَإِنْ أَسْكَنَ فَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى النِّيَّةِ لِاحْتِمَالِ الْمَعْنَيَيْنِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْكُلَّ سَوَاءٌ (لِأَنَّ الْعَوَامَّ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ وُجُوهِ الْإِعْرَابِ) وَالثَّانِي هُوَ بَقِيَّةُ الْكِنَايَاتِ وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي الْكِتَابِ (إذَا نَوَى بِهَا الطَّلَاقَ كَانَتْ وَاحِدَةً بَائِنَةً وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا كَانَ ثَلَاثًا وَإِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ كَانَتْ وَاحِدَةً) أَمَّا وُجُوبُ النِّيَّةِ فَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ احْتِمَالِهِ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ مُذَاكَرَةِ

وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ: أَنْتِ بَائِنٌ وَبَتَّةٌ وَبَتْلَةٌ وَحَرَامٌ وَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ وَالْحَقِي بِأَهْلِكِ وَخَلِيَّةٌ وَبَرِيَّةٌ وَوَهَبْتُكِ لِأَهْلِكِ وَسَرَّحْتُك وَفَارَقْتُك وَأَمْرُك بِيَدِك وَاخْتَارِي وَأَنْتِ حُرَّةٌ وَتَقَنَّعِي وَتَخَمَّرِي وَاسْتَتِرِي وَاغْرُبِي وَاخْرُجِي وَاذْهَبِي وَقُومِي وَابْتَغِي الْأَزْوَاجَ) لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ. قَالَ (إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ) فَيَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ فِي الْقَضَاءِ، وَلَا يَقَعُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (سَوَّى بَيْنَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَقَالَ: وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ إذَا كَانَ فِي حَالِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالطَّلَاقِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَحْكُمُ بِالْوُقُوعِ وَإِنْ ادَّعَى الزَّوْجُ عَدَمَ النِّيَّةِ. وَأَمَّا جَوَازُ نِيَّةِ الثَّلَاثِ فَلِأَنَّ الْوَاقِعَ بِهَا إذَا كَانَ بَائِنًا فَالْبَيْنُونَةُ تَتَّصِلُ بِالْمَرْأَةِ لِلْحَالِ، وَلِاتِّصَالِهَا وَجْهَانِ: انْقِطَاعٌ يَرْجِعُ إلَى الْمِلْكِ، وَانْقِطَاعٌ يَرْجِعُ إلَى الْحِلِّ فَيَتَعَدَّدُ الْمُقْتَضَى بِتَعَدُّدِ الْمُقْتَضِي عَلَى الِاحْتِمَالِ فَصَحَّ تَعْيِينُهُ وَالْمُسْتَثْنَى بِمَعْزِلٍ عَنْ ذَلِكَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (سَوَّى) يَعْنِي الْقُدُورِيَّ (بَيْنَ أَلْفَاظِ الْكِنَايَاتِ) فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِلَا نِيَّةٍ حَالَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ، وَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ إنَّمَا ذَلِكَ

قَالُوا (وَهَذَا فِيمَا لَا يَصْلُحُ رَدَّا) وَالْجُمْلَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْأَحْوَالَ ثَلَاثَةٌ: حَالَةٌ مُطْلَقَةٌ وَهِيَ حَالَةُ الرِّضَا، وَحَالَةُ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ، وَحَالَةُ الْغَضَبِ. وَالْكِنَايَاتُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: مَا يَصْلُحُ جَوَابًا وَرَدًّا، وَمَا يَصْلُحُ جَوَابًا لَا رَدَّا، وَمَا يَصْلُحُ جَوَابًا وَسَبًّا وَشَتِيمَةً. فَفِي حَالَةِ الرِّضَا لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْهَا طَلَاقًا إلَّا بِالنِّيَّةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي إنْكَارِ النِّيَّةِ لِمَا قُلْنَا، وَفِي حَالَةِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ لَا يُصَدَّقُ فِيمَا يَصْلُحُ جَوَابًا، وَلَا يَصْلُحُ رَدَّا فِي الْقَضَاءِ مِثْلُ قَوْلِهِ خَلِيَّةٌ بَرِيَّةٌ بَائِنٌ بَتَّةٌ حَرَامٌ اعْتَدِّي أَمْرُك بِيَدِك اخْتَارِي؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مُرَادَهُ الطَّلَاقُ عِنْدَ سُؤَالِ الطَّلَاقِ، وَيُصَدَّقُ فِيمَا يَصْلُحُ جَوَابًا وَرَدًّا مِثْلُ قَوْلِهِ: اذْهَبِي اُخْرُجِي قُومِي تَقَنَّعِي تَخَمَّرِي ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيمَا لَا يَصْلُحُ رَدًّا) فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانٍ، وَبَيَّنَ بِقَوْلِهِ (وَالْجُمْلَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْأَحْوَالَ ثَلَاثَةٌ: حَالَةٌ مُطْلَقَةٌ وَهِيَ حَالَةُ الرِّضَا، وَحَالَةُ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ) بِأَنْ تَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ (وَحَالَةُ غَضَبِ الزَّوْجِ. وَالْكِنَايَاتُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: مَا يَصْلُحُ جَوَابًا وَرَدًّا) وَهُوَ سَبْعَةٌ: اُخْرُجِي اذْهَبِي اُغْرُبِي قُومِي تَقَنَّعِي اسْتَتِرِي تَخَمَّرِي، أَمَّا صَلَاحِيَةُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لِلرَّدِّ فَأَنْ يُرِيدَ الزَّوْجُ بِقَوْلِهِ اُخْرُجِي اُتْرُكِي سُؤَالَ الطَّلَاقِ وَكَذَلِكَ اذْهَبِي وَاغْرُبِي وَقُومِي. وَأَمَّا تَقَنَّعِي فَمِنْ الْقَنَاعَةِ، وَقِيلَ مِنْ الْقِنَاعِ وَهُوَ الْخِمَارُ؛ وَمَعْنَى الرَّدِّ فِيهِ هُوَ أَنْ يَنْوِيَ وَاقْنَعِي بِمَا رَزَقَك اللَّهُ مِنِّي مِنْ أَمْرِ الْمَعِيشَةِ وَاتْرُكِي سُؤَالَ الطَّلَاقِ وَاشْتَغِلِي بِالتَّقَنُّعِ الَّذِي هُوَ أَهَمُّ لَك مِنْ سُؤَالِ الطَّلَاقِ، وَكَذَا قَوْلُهُ اسْتَتِرِي وَتَخَمَّرِي لِأَنَّهُمَا مِنْ السَّتْرِ وَالْخِمَارِ (وَمَا يَصْلُحُ جَوَابًا لَا رَدًّا) ثَمَانِيَةُ أَلْفَاظٍ: خَلِيَّةٌ. بَرِيَّةٌ. بَائِنٌ. بَتَّةٌ حَرَامٌ. اعْتَدِّي. أَمْرُك بِيَدِك. اخْتَارِي. وَالْخَمْسَةُ الْأُولَى تَصْلُحُ لِلسَّبِّ وَالشَّتِيمَةِ أَيْضًا. إذَا عُرِفَ هَذَا فَفِي حَالَةِ الرِّضَا لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْهَا طَلَاقًا إلَّا بِالنِّيَّةِ لِمَا قُلْنَا إنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ بِتَعْيِينِ أَحَدِ الْمُحْتَمَلَيْنِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي إنْكَارِ النِّيَّةِ مَعَ يَمِينِهِ وَفِي حَالَةِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ لَمْ يَصْدُقْ قَضَاءً فِي قَوْلِهِ لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ فِيمَا يَصْلُحُ جَوَابًا وَلَا يَصْلُحُ رَدًّا وَهُوَ الْأَلْفَاظُ الثَّمَانِيَةُ الْمَذْكُورَةُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ

وَمَا يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الرَّدَّ وَهُوَ الْأَدْنَى فَحُمِلَ عَلَيْهِ. وَفِي حَالَةِ الْغَضَبِ يُصَدَّقُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ الرَّدِّ وَالسَّبِّ، إلَّا فِيمَا يَصْلُحُ لِلطَّلَاقِ وَلَا يَصْلُحُ لِلرَّدِّ وَالشَّتْمِ كَقَوْلِهِ: اعْتَدِّي وَاخْتَارِي وَأَمْرُك بِيَدِك فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِيهَا لِأَنَّ الْغَضَبَ يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الطَّلَاقِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ: لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك وَخَلَّيْتُ سَبِيلَك وَفَارَقْتُك، أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ لِمَا فِيهَا مِنْ احْتِمَالِ مَعْنَى السَّبِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ مُرَادَهُ الطَّلَاقُ عِنْدَ سُؤَالِ الطَّلَاقِ، وَالْحَاكِمُ إنَّمَا يَسْتَتْبِعُ الظَّاهِرَ وَيَصْدُقُ فِيمَا يَصْلُحُ جَوَابًا وَرَدًّا وَهُوَ الْأَلْفَاظُ السَّبْعَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ. وَقَوْلُهُ (وَمَا يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى) يُرِيدُ بِهِ مِثْلَ اُغْرُبِي وَاسْتَتِرِي لِأَنَّهُ احْتَمَلَ الرَّدَّ وَهُوَ الْأَدْنَى فَحُمِلَ عَلَيْهِ، وَفِي حَالَةِ الْغَضَبِ يَصْدُقُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ: يَعْنِي أَقْسَامَ الْكِنَايَاتِ لِاحْتِمَالِ الرَّدِّ أَوْ السَّبِّ إلَّا فِيمَا يَصْلُحُ لِلطَّلَاقِ وَلَا يَصْلُحُ لِلرَّدِّ وَالشَّتْمِ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ: اعْتَدِّي، وَاخْتَارِي وَأَمْرُك بِيَدِك، فَإِنَّهُ لَا يَصْدُقُ فِيهَا لِأَنَّ الْغَضَبَ يَدُلُّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى إرَادَةِ الطَّلَاقِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا قَالَ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك وَخَلَّيْت سَبِيلَك وَفَارَقْتُك وَقَالَ لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ صَدَقَ لِمَا فِيهَا مِنْ احْتِمَالِ مَعْنَى السَّبِّ، وَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَلْفَاظٍ. وَقِيلَ خَمْسَةُ أَلْفَاظٍ خَامِسُهَا الْحَقِي بِأَهْلِك أَلْحَقَهَا أَبُو يُوسُفَ بِالْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ الْمُحْتَمِلَةِ لِلسَّبِّ مِنْ حَيْثُ احْتِمَالُهَا السَّبَّ، فَإِنَّ قَوْلَهُ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ لِأَنَّك أَقَلُّ مِنْ أَنْ تُنْسَبِي إلَى مِلْكِي أَوْ أُنْسَبَ إلَيْك بِالْمِلْكِ وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك لِسُوءِ خُلُقِك وَاجْتِمَاعِ أَنْوَاعِ الشَّرِّ فِيك وَخَلَّيْت سَبِيلَك لِقَذَارَتِك وَفَارَقْتُك فِي الْمَضْجَعِ لِذَفَرِك وَعَدَمِ نَظَافَتِك،

ثُمَّ وُقُوعُ الْبَائِنِ بِمَا سِوَى الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مَذْهَبُنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَقَعُ بِهَا رَجْعِيًّا لِأَنَّ الْوَاقِعَ بِهَا طَلَاقٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْحَقِي بِأَهْلِك لِأَنَّك أَوْحَشُ مِنْ أَنْ تَكُونِي خَلِيلَتِي. قَالَ (ثُمَّ وُقُوعُ الْبَائِنِ بِمَا سِوَى الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مَذْهَبُنَا) وَهُوَ مَذْهَبُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَقَعُ بِهَا رَجْعِيٌّ) وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ (لِأَنَّ الْوَاقِعَ بِهَا طَلَاقٌ)

لِأَنَّهَا كِنَايَاتٌ عَنْ الطَّلَاقِ وَلِهَذَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ وَيُنْتَقَصُ بِهِ الْعَدَدُ، وَالطَّلَاقُ مُعْقِبٌ لِلرَّجْعَةِ كَالصَّرِيحِ. وَلَنَا أَنَّ تَصَرُّفَ الْإِبَانَةِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحِلِّهِ عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ، وَلَا خَفَاءَ فِي الْأَهْلِيَّةِ وَالْمَحَلِّيَّةِ، وَالدَّلَالَةُ عَلَى الْوِلَايَةِ أَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إلَى إثْبَاتِهَا كَيْ لَا يَنْسَدَّ عَلَيْهِ بَابُ التَّدَارُكِ وَلَا يَقَعُ فِي عُهْدَتِهَا بِالْمُرَاجَعَةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاحِدٌ (لِأَنَّهَا كِنَايَاتٌ عَنْ الطَّلَاقِ وَلِهَذَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ) وَالْكِنَايَاتُ عَنْ الطَّلَاقِ طَلَاقٌ وَلِهَذَا يُنْتَقَصُ بِهِ الْعَدَدُ (وَالطَّلَاقُ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ كَالصَّرِيحِ) فَإِنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ مُعَقِّبًا لِلرَّجْعَةِ لِكَوْنِهِ طَلَاقًا (وَلَنَا أَنَّ تَصَرُّفَ الْإِبَانَةِ صَدَرَ عَنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ) وَكُلُّ مَا صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ كَذَلِكَ كَانَ صَحِيحًا لَا مَحَالَةَ. أَمَّا الْأَهْلِيَّةُ فَلَا خَفَاءَ فِيهِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْأَهْلِ، وَأَمَّا الْمَحَلِّيَّةُ فَثَابِتَةٌ وَلِهَذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَحَلًّا لِلْبَيْنُونَةِ الْغَلِيظَةِ بِالِاتِّفَاقِ، وَأَمَّا الْوِلَايَةُ الشَّرْعِيَّةُ فَلِأَنَّ الدَّلِيلَ الدَّالَّ عَلَى وِلَايَةِ الطَّلَاقِ شَرْعًا وَهُوَ مِسَاسُ الْحَاجَةِ إلَى إثْبَاتِهَا دَالٌّ عَلَى وِلَايَةِ الْإِبَانَةِ بِوَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ: أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ (كَيْ لَا يَنْسَدَّ بَابُ التَّدَارُكِ) وَالثَّانِي قَوْلُهُ (وَلَا يَقَعُ فِي عُهْدَتِهَا بِالْمُرَاجَعَةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ) وَقَوْلُهُ (بَابُ التَّدَارُكِ) أَيْ تَدَارُكِ دَفْعِ الْمَرْأَةِ عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقَعْ الْبَيْنُونَةُ عِنْدَ نِيَّتِهِ عَسَى تُوقِعُ الْمَرْأَةُ عَلَيْهِ نَفْسَهَا وَقَبَّلَتْهُ بِشَهْوَةٍ فَثَبَتَتْ الرَّجْعَةُ وَالزَّوْجُ يُرِيدُ فِرَاقَهَا، كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَفِي هَذَا كَمَا تَرَى جَعَلَ الْوَجْهَيْنِ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ بِعَيْنِهِ تَفْسِيرُ الْوَجْهِ الثَّانِي، فَإِنْ جَعَلْت الثَّانِيَ تَفْسِيرًا لِلْأَوَّلِ بِالْعَطْفِ فَسَدَ النُّكْتَةُ جُمْلَةً لِأَنَّ وُقُوعَ الْمُرَاجَعَةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لَا يَسْتَقِيمُ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَإِذَا فَسَدَ التَّفْسِيرُ فَسَدَ الْمُفَسَّرُ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُفَسَّرَ قَوْلَهُ كَيْ لَا يَنْسَدَّ بَابُ التَّدَارُكِ بِأَنَّ الرَّجُلَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَدْ يَكُونُ نَافِرًا عَنْ الْمَرْأَةِ جِدًّا بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ فَيُرِيدُ فِرَاقَهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَحِلُّ لَهُ الرُّجُوعُ ثُمَّ يَبْدُو لَهُ، فَلَوْ لَمْ يُوجَدْ الْوَاحِدُ الْبَائِنُ لَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَلَا يَرْضَى بِالِاسْتِحْلَالِ فَيَنْسَدُّ عَلَيْهِ بَابُ التَّدَارُكِ، وَأَمَّا إذَا وُجِدَ ذَلِكَ فَيَتَدَارَكُ بِتَجْدِيدِ النِّكَاحِ، وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي فَتَفْسِيرُهُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ هَذَا الدَّلِيلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَصَرُّفَ الْإِبَانَةِ قَدْ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ إلَخْ فَيَكُونُ صَحِيحًا، وَالْمُدَّعِي أَنَّ هَذَا التَّصَرُّفَ تَصَرُّفُ إبَانَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِهِ لِيَصِحَّ أَنْ يُقَالَ تَصَرُّفُ الْإِبَانَةِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِبَانَةَ الَّتِي يُمْكِنُ بِهَا التَّدَارُكُ وَلَا يَقَعُ فِي عُهْدَتِهَا بِالْمُرَاجَعَةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ مُحْتَاجٍ إلَيْهَا لَا بُدَّ مِنْهَا، وَهُوَ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْبَيْنُونَةُ الْغَلِيظَةُ لِانْسِدَادِ بَابِ التَّدَارُكِ بِهَا

وَلَيْسَتْ كِنَايَاتٍ عَلَى التَّحْقِيقِ لِأَنَّهَا عَوَامِلُ فِي حَقَائِقِهَا، وَالشَّرْطُ تَعْيِينُ أَحَدِ نَوْعَيْ الْبَيْنُونَةِ دُونَ الطَّلَاقِ، وَانْتِقَاصُ الْعَدَدِ لِثُبُوتِ الطَّلَاقِ بِنَاءً عَلَى زَوَالِ الْوَصْلَةِ، وَإِنَّمَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهَا لِتَنَوُّعِ الْبَيْنُونَةِ إلَى غَلِيظَةٍ وَخَفِيفَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ الْبَيْنُونَةُ الْخَفِيفَةُ بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ. وَقَوْلُهُ (وَلَيْسَتْ كِنَايَاتٍ عَلَى التَّحْقِيقِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ لِأَنَّهَا كِنَايَاتٌ عَنْ الطَّلَاقِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْكِنَايَةَ عَنْ الطَّلَاقِ الصَّرِيحِ إنَّمَا تَكُونُ كَالصَّرِيحِ فِي الْعَمَلِ أَنْ لَوْ كَانَتْ حَقِيقَةً، وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا عَوَامِلُ فِي حَقَائِقِهَا (وَقَوْلُهُ وَالشَّرْطُ تَعْيِينُ أَحَدِ نَوْعَيْ الْبَيْنُونَةِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ النِّيَّةُ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ اشْتِرَاطَ النِّيَّةِ لَوْ كَانَ لِأَجْلِ الطَّلَاقِ كَانَ دَلِيلًا عَلَى مَا ذَكَرْتُمْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ لِتَعْيِينِ أَحَدِ نَوْعَيْ الْبَيْنُونَةِ الْغَلِيظَةِ وَالْخَفِيفَةِ لَا لِلطَّلَاقِ، يَعْنِي: النِّيَّةُ شَرْطٌ لِلطَّلَاقِ الْبَائِنِ لَا لِلطَّلَاقِ الْمُجَرَّدِ. وَقَوْلُهُ (وَانْتِقَاصُ الْعَدَدِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَيُنْتَقَصُ بِهِ الْعَدَدُ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الطَّلَاقَ الْبَائِنَ يُزِيلُ الْوَصْلَةَ وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ يُنْتَقَصُ بِهِ الْعَدَدُ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ نَقْصِ الْعَدَدِ وَالطَّلَاقِ الْبَائِنِ فَكَانَ النَّقْصُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ طَلَاقًا بَائِنًا. وَقَوْلُهُ (وَإِنَّمَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَوْ كَانَتْ عَوَامِلَ فِي حَقَائِقِهَا لَمَا صَحَّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ بَائِنٌ مَثَلًا كَمَا لَا تَصِحُّ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّهُ عَامِلٌ بِنَفْسِهِ، وَتَقْرِيرُهُ صِحَّةُ نِيَّةِ الثَّلَاثِ لَمْ تَكُنْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَامِلٌ فِي حَقِيقَتِهِ

وَعِنْدَ انْعِدَامِ النِّيَّةِ يَثْبُتُ الْأَدْنَى، وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الِاثْنَتَيْنِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّهُ عَدَدٌ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ. (وَإِنْ قَالَ لَهَا: اعْتَدِّي اعْتَدِّي اعْتَدِّي وَقَالَ: نَوَيْت بِالْأُولَى طَلَاقًا وَبِالْبَاقِي حَيْضًا دِينَ فِي الْقَضَاءِ) لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ، وَلِأَنَّهُ يَأْمُرُ امْرَأَتَهُ فِي الْعَادَةِ بِالِاعْتِدَادِ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ (وَإِنْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ بِالْبَاقِي شَيْئًا فَهِيَ ثَلَاثٌ) لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى بِالْأُولَى الطَّلَاقَ صَارَ الْحَالُ حَالَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَتَعَيَّنَ الْبَاقِيَانِ لِلطَّلَاقِ بِهَذِهِ الدَّلَالَةِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي نَفْيِ النِّيَّةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: لَمْ أَنْوِ بِالْكُلِّ الطَّلَاقَ حَيْثُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَا ظَاهِرَ يُكَذِّبُهُ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: نَوَيْت بِالثَّالِثَةِ الطَّلَاقَ دُونَ الْأُولَيَيْنِ حَيْثُ لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً لِأَنَّ الْحَالَ عِنْدَ الْأُولَيَيْنِ لَمْ تَكُنْ حَالَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبَلْ مِنْ حَيْثُ تَنَوُّعُ الْبَيْنُونَةِ إلَى غَلِيظَةٍ وَخَفِيفَةٍ، وَعِنْدَ انْعِدَامِ النِّيَّةِ يَثْبُتُ الْأَدْنَى وَهُوَ الْوَاحِدُ الْبَائِنُ (وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّهُ عَدَدٌ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ) يَعْنِي فِي أَوَائِلِ بَابِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَنَحْنُ نَقُولُ نِيَّةُ الثَّلَاثِ إنَّمَا صَحَّتْ لِكَوْنِهَا جِنْسًا إلَخْ. . وَقَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لَهَا اعْتَدِّي اعْتَدِّي اعْتَدِّي) وَقَالَ نَوَيْت بِالْأُولَى طَلَاقًا وَبِالثَّانِيَةِ حَيْضًا دِينَ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ. هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَحْتَمِلُ وُجُوهًا هَذَا تَفْصِيلُهَا: نَوَى بِالْجَمِيعِ طَلَاقًا وَقَعَتْ ثَلَاثٌ. نَوَى بِالْجَمِيعِ حَيْضًا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ. لَمْ يَنْوِ شَيْئًا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ. نَوَى بِالْأُولَى طَلَاقًا لَا غَيْرُ وَقَعَ ثَلَاثٌ نَوَى بِالثَّانِيَةِ طَلَاقًا لَا غَيْرُ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ. نَوَى بِالْأُولَى حَيْضًا لَا غَيْرُ وَقَعَتْ ثَلَاثٌ. نَوَى بِالثَّانِيَةِ حَيْضًا لَا غَيْرُ وَقَعَتْ ثِنْتَانِ. نَوَى بِالثَّالِثَةِ حَيْضًا لَا غَيْرُ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ. نَوَى بِالْأُولَى طَلَاقًا وَبِالثَّانِيَةِ حَيْضًا لَا غَيْرُ وَقَعَتْ ثِنْتَانِ. نَوَى بِالْأُولَى طَلَاقًا وَبِالثَّالِثَةِ حَيْضًا لَا غَيْرُ وَقَعَتْ ثِنْتَانِ. نَوَى بِالثَّانِيَةِ طَلَاقًا وَبِالثَّالِثَةِ حَيْضًا لَا غَيْرُ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ. نَوَى بِالْأُولَيَيْنِ

وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ يُصَدَّقُ الزَّوْجُ عَلَى نَفْيِ النِّيَّةِ إنَّمَا يُصَدَّقُ مَعَ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِي الْإِخْبَارِ عَمَّا فِي ضَمِيرِهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ مَعَ الْيَمِينِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQطَلَاقًا لَا غَيْرُ وَقَعَتْ ثَلَاثٌ. نَوَى بِالْأُخْرَيَيْنِ طَلَاقًا لَا غَيْرُ وَقَعَتْ ثِنْتَانِ. نَوَى بِالْأُولَيَيْنِ حَيْضًا لَا غَيْرُ وَقَعَتْ ثِنْتَانِ. نَوَى بِالْأُخْرَيَيْنِ حَيْضًا لَا غَيْرُ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ. نَوَى بِالْأُولَى وَالثَّالِثَةِ طَلَاقًا لَا غَيْرُ وَقَعَتْ ثَلَاثٌ. نَوَى بِالْأُولَى وَالثَّالِثَةِ حَيْضًا لَا غَيْرُ وَقَعَتْ ثِنْتَانِ. نَوَى بِالْأُولَى وَالثَّانِيَةِ طَلَاقًا وَبِالثَّالِثَةِ حَيْضًا وَقَعَتْ ثِنْتَانِ. نَوَى بِالْأُولَى وَالثَّالِثَةِ طَلَاقًا وَبِالثَّانِيَةِ حَيْضًا وَقَعَتْ ثِنْتَانِ. نَوَى بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ طَلَاقًا وَبِالْأُولَى حَيْضًا وَقَعَتْ ثَلَاثٌ. نَوَى بِالْأُولَى وَالثَّانِيَةِ حَيْضًا وَبِالثَّالِثَةِ طَلَاقًا وَقَعَتْ ثِنْتَانِ. نَوَى بِالْأُولَى وَالثَّالِثَةِ حَيْضًا وَبِالثَّانِيَةِ طَلَاقًا وَقَعَتْ ثِنْتَانِ. نَوَى بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ حَيْضًا وَبِالْأُولَى طَلَاقًا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ. وَبِنَاءُ هَذِهِ الْوُجُوهِ عَلَى الِاقْتِضَاءِ وَعَلَى حَالِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ وَعَلَى أَنَّ النِّيَّةَ تُبْطِلُ مُذَاكَرَةَ الطَّلَاقِ فَاعْتُبِرَ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَصْدُقُ الزَّوْجُ عَلَى نَفْيِ النِّيَّةِ إنَّمَا يَصْدُقُ مَعَ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِي الْإِخْبَارِ عَمَّا فِي ضَمِيرِهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ مَعَ الْيَمِينِ) وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[باب تفويض الطلاق]

بَابُ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ: فَصْلٌ فِي الِاخْتِيَارِ: (وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: اخْتَارِي يَنْوِي بِذَلِكَ الطَّلَاقَ أَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا مَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا ذَلِكَ، فَإِنْ قَامَتْ مِنْهُ أَوْ أَخَذَتْ فِي عَمَلٍ آخَرَ خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا) لِأَنَّ الْمُخَيَّرَةَ لَهَا الْمَجْلِسُ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ] [فَصْلٌ فِي الِاخْتِيَارِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ تَصَرُّفِ نَفْسِ الرَّجُلِ فِي الطَّلَاقِ شَرَعَ فِي بَيَانِ التَّصَرُّفِ الْحَاصِلِ فِيهِ مِنْ غَيْرِهِ فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ، وَأَخَّرَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ تَصَرُّفُ الْمَرْءِ لِنَفْسِهِ. (فَصْلٌ فِي الِاخْتِيَارِ) هَذَا الْبَابُ ثَلَاثُ فُصُولٍ بِالِاسْتِقْرَاءِ وَذَكَرَهَا مُتَوَالِيَةً وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ فِيهِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا. الْقِيَاسُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَقَعَ بِهَذَا شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى الزَّوْجُ الطَّلَاقَ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِيقَاعَ بِهَذَا اللَّفْظِ حَتَّى لَوْ قَالَ اخْتَرْتُك مِنْ نَفْسِي أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي مِنْك لَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَمَنْ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا لَا يَمْلِكُ تَمْلِيكَهُ لِغَيْرِهِ، لَكِنْ اسْتَحْسَنُوا تَرْكَ الْقِيَاسِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ. رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَزَيْدٍ وَعَائِشَةَ أَنَّهُمْ قَالُوا: إذَا خَيَّرَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ مَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا ذَلِكَ، فَإِذَا قَامَتْ فَلَا خِيَارَ لَهَا. وَلَمْ يُقَلْ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافَ ذَلِكَ

وَلِأَنَّهُ تَمْلِيكُ الْفِعْلِ مِنْهَا، وَالتَّمْلِيكَاتُ تَقْتَضِي جَوَابًا فِي الْمَجْلِسِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، لِأَنَّ سَاعَاتِ الْمَجْلِسِ اُعْتُبِرَتْ سَاعَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQفَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ) دَلِيلٌ مَعْقُولٌ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَقْتَصِرَ الْجَوَابُ عَلَى الْمَجْلِسِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يَبْطُلَ خِيَارُهَا بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ مِنْ الزَّوْجِ مُطْلَقٌ وَالْمُطْلَقُ فِيمَا يَحْتَمِلُ التَّأْبِيدَ يَتَأَبَّدُ، لَكِنْ تَرَكْنَا هَذَا الْقِيَاسَ بِآثَارِ الصَّحَابَةِ، وَالْمُصَنِّفُ جَعَلَهُ كَالْبَيْعِ فِي كَوْنِهِ تَمْلِيكًا، ثُمَّ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ مِمَّا يَتَأَبَّدُ، وَمِمَّا لَا يَتَأَبَّدُ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ بَطَلَ الْقِيَاسُ: أَعْنِي قِيَاسَ الْمُصَنِّفِ التَّخْيِيرَ عَلَى الْبَيْعِ لِأَنَّهُ مِمَّا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ كَانَ الِاخْتِيَارُ كَذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ الْقِيَاسُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ. ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَ التَّمْلِيكِ وَالتَّوْكِيلِ بِأَنَّ التَّمْلِيكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمُمَلَّكُ لَهُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ، وَالتَّوْكِيلَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ عَامِلًا لِغَيْرِهِ، وَالْمَرْأَةُ بَعْدَ التَّخْيِيرِ إنَّمَا تَعْمَلُ لِنَفْسِهَا فَكَانَ التَّخْيِيرُ تَمْلِيكًا لَا تَوْكِيلًا. وَأَوْرَدَ عَلَى ذَلِكَ شُبَهًا: أَحَدُهَا أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ إذَا وَكَّلَ الْمَدْيُونَ بِإِبْرَاءِ ذِمَّتِهِ عَنْ الدَّيْنِ فَهُوَ وَكِيلٌ وَإِنْ كَانَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فِي إبْرَاءِ ذِمَّتِهِ عَنْ الدَّيْنِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ وَكِيلٌ عَدَمُ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَيَمْلِكُ صَاحِبُ الدَّيْنِ الرُّجُوعَ قَبْلَ الْإِبْرَاءِ. وَالثَّانِيَةُ أَنَّ التَّخْيِيرَ لَوْ كَانَ تَمْلِيكًا تَوَارَدَ مِلْكُهُ وَمِلْكُهَا عَلَى الطَّلَاقِ دَفْعَةً وَهُوَ لَا يَصِحُّ. وَالثَّالِثَةُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك ثُمَّ حَلَفَ أَنْ لَا يُطَلِّقَ وَطَلَّقَتْ هِيَ نَفْسَهَا حَنِثَ الزَّوْجُ فِي يَمِينِهِ، وَلَوْ مَلَكَتْ طَلَاقَهَا لَمَا حَنِثَ. وَأَجَابَ عَنْ الْأَوَّلِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ تَصَرُّفَ الْمَدْيُونِ لِنَفْسِهِ وَقَعَ فِي ضِمْنِ صِحَّةِ وَكَالَتِهِ وَالضِّمْنِيُّ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَهُوَ لَيْسَ بِدَافِعٍ

وَاحِدَةً، إلَّا أَنَّ الْمَجْلِسَ تَارَةً يَتَبَدَّلُ بِالذَّهَابِ عَنْهُ وَتَارَةً بِالِاشْتِغَالِ بِعَمَلٍ آخَرَ، إذْ مَجْلِسُ الْأَكْلِ غَيْرُ مَجْلِسِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِجَوَازِ أَنْ يُقَالَ مِثْلُهُ فِي التَّخْيِيرِ بِأَنَّهَا تَعْمَلُ لِنَفْسِهَا فِي ضِمْنِ صِحَّةِ وَكَالَتِهَا، وَكَذَا بَقِيَّةُ كَلَامِهِ فِي الْأَجْوِبَةِ لَا يَخْلُو عَنْ ضَعْفٍ يَطُولُ الْكَلَامُ بِذِكْرِهِ. وَأَقُولُ: التَّمْلِيكُ هُوَ الْإِقْرَارُ الشَّرْعِيُّ عَلَى مَحَلِّ التَّصَرُّفِ وَالتَّوْكِيلُ هُوَ الْإِقْرَارُ عَلَى التَّصَرُّفِ وَحِينَئِذٍ تَنْدَفِعُ الشُّبْهَةُ الْأُولَى. وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّانِيَةِ أَنَّ التَّخْيِيرَ تَمْلِيكٌ لَكِنْ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ لَهَا إلَّا بِالْقَبُولِ، فَقَبْلَهُ لَا مِلْكَ لَهَا وَبَعْدَهُ زَالَ مِلْكُهُ فَلَمْ يَتَوَارَدْ الْمِلْكَانِ عَلَيْهِ لَا قَبْلَ الْقَبُولِ وَلَا بَعْدَهُ. وَعَنْ الثَّالِثَةِ بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَمْنُوعَةٌ وَالْمَنْعُ مَذْكُورٌ فِي الزِّيَادَاتِ. ثُمَّ إنَّ الْمَرْأَةَ إمَّا أَنْ تَخْتَارَ زَوْجَهَا أَوْ نَفْسَهَا، فَإِنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ. وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: تَقَعُ تَطْلِيقَةٌ رَجْعِيَّةٌ، كَأَنَّهُ جَعَلَ عَيْنَ هَذَا اللَّفْظِ طَلَاقًا. وَإِنَّمَا نَأْخُذُ بِقَوْلِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ لَا يَقَعُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ، قَالَتْ عَائِشَةُ: «خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاخْتَرْنَاهُ، وَلَمْ يَكُنْ

الْمُنَاظَرَةِ وَمَجْلِسُ الْقِتَالِ غَيْرُهُمَا. وَيَبْطُلُ خِيَارُهَا بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ، بِخِلَافِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ هُنَاكَ الِافْتِرَاقُ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فِي قَوْلِهِ: اخْتَارِي لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ تَخْيِيرَهَا فِي نَفْسِهَا وَيَحْتَمِلُ تَخْيِيرَهَا فِي تَصَرُّفٍ آخَرَ غَيْرِهِ (فَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فِي قَوْلِهِ اخْتَارِي كَانَتْ وَاحِدَةً بَائِنَةً) . وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَقَعَ بِهَذَا شَيْءٌ، وَإِنْ نَوَى الزَّوْجُ الطَّلَاقَ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِيقَاعَ بِهَذَا اللَّفْظِ فَلَا يَمْلِكُ التَّفْوِيضَ إلَى غَيْرِهِ إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّاهُ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلِأَنَّهُ بِسَبِيلٍ مِنْ أَنْ يَسْتَدِيمَ نِكَاحَهَا أَوْ يُفَارِقَهَا فَيَمْلِكُ إقَامَتَهَا مَقَامَ نَفْسِهِ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ، ثُمَّ الْوَاقِعُ بِهَا بَائِنٌ لِأَنَّ اخْتِيَارَهَا نَفْسَهَا بِثُبُوتِ اخْتِصَاصِهَا بِهَا وَذَلِكَ فِي الْبَائِنِ (وَلَا يَكُونُ ثَلَاثًا وَإِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ طَلَاقًا» ، وَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ عِنْدَنَا وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ لِأَنَّ اخْتِيَارَهَا نَفْسَهَا بِثُبُوتِ اخْتِصَاصِهَا بِهَا، وَذَلِكَ فِي الْبَائِنِ، وَلَا يَقَعُ ثَلَاثٌ وَإِنْ نَوَى الزَّوْجُ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ لَا يَتَنَوَّعُ، بِخِلَافِ الْإِبَانَةِ فَإِنَّهَا تَتَنَوَّعُ كَمَا تَقَدَّمَ.

نَوَى الزَّوْجُ ذَلِكَ) لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ لَا يَتَنَوَّعُ، بِخِلَافِ الْإِبَانَةِ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ قَدْ تَتَنَوَّعُ. قَالَ (وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ النَّفْسِ فِي كَلَامِهِ أَوْ فِي كَلَامِهَا، حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي فَقَالَتْ قَدْ: اخْتَرْت فَهُوَ بَاطِلٌ) لِأَنَّهُ عُرِفَ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ فِي الْمُفَسَّرَةِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَلِأَنَّ الْمُبْهَمَ لَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِلْمُبْهَمِ الْآخَرِ وَلَا تَعْيِينَ مَعَ الْإِبْهَامِ (وَلَوْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي نَفْسَك فَقَالَتْ: اخْتَرْت تَقَعُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ) لِأَنَّ كَلَامَهُ مُفَسَّرٌ، وَكَلَامُهَا خَرَجَ جَوَابًا لَهُ فَيَتَضَمَّنُ إعَادَتَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ النَّفْسِ فِي كَلَامِهِ أَوْ كَلَامِهَا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هَذَا لَيْسَ بِمُنْحَصِرٍ بِذِكْرِ النَّفْسِ فِي حَقِّ إرَادَةِ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ مِنْ التَّخْيِيرِ، فَإِنَّ الْبَيْنُونَةَ كَمَا تَقَعُ عِنْدَ ذِكْرِ النَّفْسِ فِي أَحَدِ الْكَلَامَيْنِ فَكَذَلِكَ تَقَعُ بِذِكْرِ مَا يَقُومُ مَقَامَ النَّفْسِ فِي أَحَدِ الْكَلَامَيْنِ كَالتَّطْلِيقَةِ وَالِاخْتِيَارَةِ. وَهُوَ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَقَالَتْ اخْتَرْت فَهُوَ بَاطِلٌ) قِيلَ هَذَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهَا الزَّوْجُ بِأَنَّهَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا، أَمَّا إذَا صَدَقَهَا طَلُقَتْ وَإِنْ كَانَ الْكَلَامَانِ مُبْهَمَيْنِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا تَعْيِينَ مَعَ الْإِبْهَامِ) يَعْنِي أَنَّ اخْتَارِي مِنْ الْكِنَايَاتِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ وَلَا تَعْيِينَ مَعَ الْإِبْهَامِ، وَقَوْلُهُ (وَلَوْ قَالَ اخْتَارِي نَفْسَك) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (فَيَتَضَمَّنُ إعَادَتَهُ) أَيْ إعَادَةَ كَلَامِهِ

(وَكَذَا لَوْ قَالَ اخْتَارِي اخْتِيَارَةً فَقَالَتْ: اخْتَرْت) لِأَنَّ الْهَاءَ فِي الِاخْتِيَارَةِ تُنْبِئُ عَنْ الِاتِّحَادِ وَالِانْفِرَادِ، وَاخْتِيَارُهَا نَفْسَهَا هُوَ الَّذِي يَتَّحِدُ مَرَّةً وَيَتَعَدَّدُ أُخْرَى فَصَارَ مُفَسَّرًا مِنْ جَانِبِهِ. (وَلَوْ قَالَ: اخْتَارِي فَقَالَتْ: قَدْ اخْتَرْت نَفْسِي يَقَعُ الطَّلَاقُ إذَا نَوَى الزَّوْجُ) لِأَنَّ كَلَامَهَا مُفَسَّرٌ، وَمَا نَوَاهُ الزَّوْجُ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ كَلَامِهِ (وَلَوْ قَالَ: اخْتَارِي فَقَالَتْ: أَنَا أَخْتَارُ نَفْسِي فَهِيَ طَالِقٌ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَطْلُقَ لِأَنَّ هَذَا مُجَرَّدُ وَعْدٍ أَوْ يَحْتَمِلُهُ، فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ: أَنَا أُطَلِّقُ نَفْسِي. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَكَأَنَّهَا قَالَتْ اخْتَرْت مَا أَمَرْتنِي بِاخْتِيَارِهِ وَهُوَ النَّفْسُ. وَقَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ اخْتَارِي اخْتِيَارَةً) بَيَانُ مَا يَقُومُ مَقَامَ النَّفْسِ فِي التَّفْسِيرِ (لِأَنَّ الْهَاءَ) أَيْ التَّاءَ (فِي الِاخْتِيَارَةِ تُنْبِئُ عَنْ الِاتِّحَادِ) لِكَوْنِهَا لِلْمَرَّةِ، وَالِاتِّحَادُ إنَّمَا يَكُونُ فِي اخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا لِأَنَّهُ يَتَّحِدُ مَرَّةً بِأَنْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي نَفْسَك بِتَطْلِيقَةٍ (وَيَتَعَدَّدُ أُخْرَى) بِأَنْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي نَفْسَك بِمَا شِئْت أَوْ بِثَلَاثٍ (فَصَارَ مُفَسِّرًا مِنْ جَانِبِهِ) بِخِلَافِ اخْتِيَارِهَا الزَّوْجَ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَدَّدُ لِكَوْنِهِ عِبَارَةً عَنْ إبْقَاءِ النِّكَاحِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَدِّدٍ. . وَقَوْلُهُ (وَلَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَقَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي) ظَاهِرٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ وُقُوعَ كَلَامِ الْمَرْأَةِ مُفَسَّرًا بِذِكْرِهَا الِاخْتِيَارَةَ، كَمَا لَوْ قَالَ الزَّوْجُ اخْتَارِي فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ اخْتَرْت اخْتِيَارَةً، وَالْحُكْمُ فِيهِمَا سَوَاءٌ لِأَنَّ ذِكْرَ الِاخْتِيَارَةِ لَمَّا صَلَحَ لِلتَّفْسِيرِ صَارَ ذِكْرُهَا بِمَنْزِلَةِ ذِكْرِ النَّفْسِ وَكِلَاهُمَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ سَوَاءٌ. فَكَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى ذِكْرِ الِاخْتِيَارَةِ (وَلَوْ قَالَ اخْتَارِي فَقَالَتْ أَنَا أَخْتَارُ نَفْسِي فَهِيَ طَالِقٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَطْلُقَ لِأَنَّ هَذَا مُجَرَّدُ وَعْدٍ) يَعْنِي إنْ أَرَادَتْ الِاسْتِقْبَالَ (أَوْ يَحْتَمِلُهُ) إنْ لَمْ تُرِدْهُ، (فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ أَنَا أُطَلِّقُ نَفْسِي) فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِهَذَا

وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ حَدِيثُ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَإِنَّهَا قَالَتْ لَا بَلْ أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» اعْتَبَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَوَابًا مِنْهَا، وَلِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ وَتَجُوزُ فِي الِاسْتِقْبَالِ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ، وَأَدَاءِ الشَّاهِدِ الشَّهَادَةَ، بِخِلَافِ قَوْلِهَا: أُطَلِّقُ نَفْسِي لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى الْحَالِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحِكَايَةٍ عَنْ حَالَةٍ قَائِمَةٍ، وَلَا كَذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ حَدِيثُ عَائِشَةَ) وَهُوَ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا} [الأحزاب: 28] بَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَائِشَةَ فَقَالَ: إنِّي مُخْبِرُك بِأَمْرٍ فَلَا تُجِيبِينِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك، ثُمَّ أَخْبَرَهَا بِالْآيَةِ، فَقَالَتْ: أَفِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟ لَا، بَلْ أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ» . وَاعْتَبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَوَابًا مِنْهَا وَإِنْ كَانَ عَلَى صِيغَةِ الْمُضَارِعِ الْمُحْتَمِلِ الْوَعْدَ (وَلِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ وَتَجَوُّزٌ فِي الِاسْتِقْبَالِ) وَالْحَقِيقَةُ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مُرَادَةً (كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ) فَإِنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ مِنْهُ إيمَانًا لَا وَعْدًا بِالْإِيمَانِ، وَكَذَا الشَّاهِدُ إذَا قَالَ: أَشْهَدُ بِكَذَا فَلَا يَصِيرُ إلَى الْمَجَازِ (بِخِلَافِ قَوْلِهَا أَنَا أُطَلِّقُ نَفْسِي لِأَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ مُتَعَذِّرٌ) إذْ لَيْسَ ثَمَّةَ حَالَةٌ قَائِمَةٌ بِالْمُتَكَلِّمِ يَقَعُ قَوْلُهُ أُطَلِّقُ نَفْسِي حِكَايَةً عَنْهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْإِيقَاعَ بِاللِّسَانِ دُونَ

قَوْلُهَا: أَنَا أَخْتَارُ نَفْسِي لِأَنَّهُ حِكَايَةٌ عَنْ حَالَةٍ قَائِمَةٍ وَهُوَ اخْتِيَارُهَا نَفْسَهَا، وَلَوْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي اخْتَارِي اخْتَارِي فَقَالَتْ: قَدْ اخْتَرْت الْأُولَى أَوْ الْوُسْطَى أَوْ الْأَخِيرَةَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ، وَلَا يُحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الزَّوْجِ (وَقَالَا: تَطْلُقُ وَاحِدَةً) وَإِنَّمَا لَا يُحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الزَّوْجِ لِدَلَالَةِ التَّكْرَارِ عَلَيْهِ إذْ الِاخْتِيَارُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ هُوَ الَّذِي ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَلْبِ وَلَمْ يَصِحَّ فِعْلُ اللِّسَانِ حِكَايَةً عَنْ فِعْلٍ قَائِمٍ بِاللِّسَانِ عَلَى سَبِيلِ الْحَالِ لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ بَعْدُ وَالْحِكَايَةُ تَقْتَضِي وُجُودَ الْمَحْكِيِّ عَنْهُ (وَلَا كَذَلِكَ أَخْتَارُ نَفْسِي لِأَنَّهُ حِكَايَةٌ عَنْ حَالَةٍ قَائِمَةٍ وَهُوَ اخْتِيَارُهَا نَفْسَهَا) لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ مِنْ عَمَلِ الْقَلْبِ فَيَكُونُ الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ حِكَايَةً عَنْ أَمْرٍ قَائِمٍ لَا مَحَالَةَ. وَاعْتَرَضَ الشَّارِحُونَ عَلَى قَوْلِهِ حَقِيقَةً فِي الْحَالِ بِأَنَّ النَّحْوِيِّينَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ صِيغَةَ الْمُضَارِعِ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ وَهُمْ أَعْرَفُ بِالْمَوْضُوعَاتِ. وَأَجَابَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَتَابَعَهُ غَيْرُهُ بِأَنَّ أَحَدَ مَعْنَيَيْ الْمُشْتَرَكِ يَتَرَجَّحُ بِدَلَالَةٍ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى وَقَدْ وُجِدَ هَاهُنَا دَلَالَةُ إرَادَةِ الْحَالِ بِهِ، إذْ الْعَادَةُ الْعُرْفِيَّةُ وَالشَّرْعِيَّةُ تَدُلَّانِ عَلَى أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الصِّيغَةِ لِلْحَالِ يَقُولُ الرَّجُلُ فُلَانٌ يَخْتَارُ كَذَا وَأَنَا أَمْلِكُ كَذَا فِي الْعَادَةِ وَفِي الشَّرِيعَةِ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ وَأَدَاءِ الشَّهَادَةِ، وَهَذَا كَمَا تَرَى لَيْسَ بِدَافِعٍ لِلسُّؤَالِ وَلَيْسَ لَهُ اتِّصَالٌ بِهَذَا الْمَحَلِّ. وَأَقُولُ: بَحْثُ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ لَيْسَ بِوَظِيفَةِ النَّحْوِيِّ فَلَا مُعْتَبَرَ بِكَلَامِهِمْ فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ وَظِيفَةُ الْأُصُولِ أَوْ وَظِيفَةُ الْبَيَانِ، وَأَهْلُ الْبَيَانِ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِذِكْرِهِ فِيمَا وَصَلَ إلَيْنَا مِنْ كُتُبِهِمْ، وَأَهْلُ الْأُصُولِ نَقَلُوا فِيهِ الْخِلَافَ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالْعَكْسِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالِاشْتِرَاكِ، وَالْأَوَّلُ مُخْتَارُ الْفُقَهَاءِ وَالْمُصَنِّفُ مِنْهُمْ لَا مَحَالَةَ، وَالْقَوْلُ بِالِاشْتِرَاكِ مَرْجُوحٌ لِأَنَّ اللَّفْظَ إذَا دَارَ بَيْنَ الِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ فَالْحَمْلُ عَلَى الْمَجَازِ أَوْلَى لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ مُخِلٌّ بِالْفَهْمِ عَلَى مَا عُرِفَ. قَالَ (وَلَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي اخْتَارِي اخْتَارِي فَقَالَتْ قَدْ اخْتَرْت الْأُولَى أَوْ الْوُسْطَى أَوْ الْأَخِيرَةَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا يُحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الزَّوْجِ وَلَا إلَى ذِكْرِ النَّفْسِ، وَعِنْدَهُمَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً، وَإِنَّمَا لَا يُحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ) وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْكِنَايَاتِ (لِدَلَالَةِ التَّكْرَارِ عَلَيْهِ إذْ الِاخْتِيَارُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ هُوَ الَّذِي

يَتَكَرَّرُ لَهُمَا إنْ ذَكَرَ الْأُولَى، وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ إنْ كَانَ لَا يُفِيدُ مِنْ حَيْثُ التَّرْتِيبُ يُفِيدُ مِنْ حَيْثُ الْإِفْرَادُ فَيُعْتَبَرُ فِيمَا يُفِيدُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَتَكَرَّرُ) فَكَانَ مُتَعَيِّنًا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ النَّفْسِ لِزَوَالِ الْإِبْهَامِ، قَالَ: الْأُولَى وَالْوُسْطَى وَالْأَخِيرَةَ كُلٌّ مِنْهَا اسْمٌ لِمُفْرَدٍ مُرَتَّبٍ، وَلَيْسَ الْمَحَلُّ مَحَلَّ تَرْتِيبٍ فَيَلْغُو التَّرْتِيبُ وَيَبْقَى الْإِفْرَادُ، وَكَأَنَّهَا قَالَتْ اخْتَرْت التَّطْلِيقَةَ الْأُولَى لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهَا اخْتَرْت الْأُولَى اخْتَرْت مَا صَارَ إلَيَّ بِالْكَلِمَةِ الْأُولَى، وَاَلَّذِي صَارَ إلَيْهَا بِالْكَلِمَةِ الْأُولَى تَطْلِيقَةٌ فَكَأَنَّهَا صَرَّحَتْ بِذَلِكَ وَفِي ذَلِكَ يَقَعُ وَاحِدَةٌ فَكَذَا هَاهُنَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذَا وَصْفُ لَغْوٍ لِأَنَّ الْمُجْتَمِعَ فِي الْمِلْكِ لَا تَرْتِيبَ فِيهِ كَالْمُجْتَمِعِ فِي الْمَكَانِ فَإِنَّ الْقَوْمَ إذَا اجْتَمَعُوا فِي مَكَان لَا يُقَالُ هَذَا أَوَّلُ وَهَذَا آخِرُ وَإِنَّمَا التَّرْتِيبُ فِي فِعْلِ الْأَعْيَانِ يُقَالُ هَذَا جَاءَ أَوَّلًا وَهَذَا جَاءَ آخِرًا وَكُلُّ مَا لَا تَرْتِيبَ فِيهِ يَلْغُو فِيهِ الْكَلَامُ الَّذِي هُوَ لِلتَّرْتِيبِ وَهُوَ الْأُولَى وَأُخْتَاهَا، وَإِذَا لَغَا اللَّفْظُ مِنْ حَيْثُ التَّرْتِيبُ يَلْغُو مِنْ حَيْثُ الْإِفْرَادُ أَيْضًا لِأَنَّ التَّرْتِيبَ فِيهِ أَصْلٌ بِدَلَالَةِ الِاشْتِقَاقِ وَالْإِفْرَادُ مِنْ ضَرُورَاتِهِ، وَإِذَا لَغَا فِي حَقِّ الْأَصْلِ لَغَا فِي حَقِّ الْبِنَاءِ، وَإِذَا لَغَا فِي حَقِّهِمَا بَقِيَ قَوْلُهَا اخْتَرْت وَهُوَ يَصْلُحُ جَوَابًا لِلْكُلِّ فَيَقَعُ الثَّلَاثُ، وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَطْلَقَ الْكَلَامَ عَلَى الْأُولَى أَوْ الْوُسْطَى أَوْ الْأَخِيرَةِ وَكُلٌّ مِنْهَا مُفْرَدٌ فَلَا يَكُونُ كَلَامًا. وَالثَّانِي أَنَّ

وَلَهُ أَنَّ هَذَا وَصْفٌ لَغْوٌ لِأَنَّ الْمُجْتَمِعَ فِي الْمِلْكِ لَا تَرْتِيبَ فِيهِ كَالْمُجْتَمِعِ فِي الْمَكَانِ، وَالْكَلَامُ لِلتَّرْتِيبِ وَالْإِفْرَادُ مِنْ ضَرُورَاتِهِ، فَإِذَا لَغَا فِي حَقِّ الْأَصْلِ لَغَا فِي حَقِّ الْبِنَاءِ (وَلَوْ قَالَتْ اخْتَرْت اخْتِيَارَةً فَهِيَ ثَلَاثٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) لِأَنَّهَا لِلْمَرَّةِ فَصَارَ كَمَا إذَا صَرَّحَتْ بِهَا وَلِأَنَّ الِاخْتِيَارَةَ لِلتَّأْكِيدِ وَبِدُونِ التَّأْكِيدِ تَقَعُ الثَّلَاثُ فَمَعَ التَّأْكِيدِ أَوْلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأُولَى اسْمٌ لِفَرْدٍ سَابِقٍ فَكَانَ الْإِفْرَادُ أَصْلًا وَالتَّرْتِيبُ بِنَاءً لِكَوْنِهِ يُفْهَمُ مِنْ وَصْفِهِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ رُبَّمَا يُطْلِقُونَ الْكَلَامَ عَلَى الْمُرَكَّبِ مِنْ الْحُرُوفِ الْمَسْمُوعَةِ الْمُتَمَيِّزَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُفِيدًا، وَهَذَا عَلَى ذَلِكَ الِاصْطِلَاحِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْكُلِّ وَإِرَادَةِ الْجُزْءِ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ كُلًّا مِنْ ذَلِكَ صِفَةٌ وَالصِّفَةُ مَا دَلَّتْ عَلَى ذَاتٍ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى هُوَ الْمَقْصُودُ فَيَكُونُ الْأُولَى دَالًّا عَلَى الْفَرْدِ السَّابِقِ وَمَعْنَى السَّبْقِ هُوَ الْمَقْصُودُ فَصَحَّ أَنَّ التَّرْتِيبَ أَصْلٌ وَالْإِفْرَادَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ لِأَنَّ الصِّفَةَ لَا تَقُومُ إلَّا بِالذَّاتِ الَّتِي لَزِمَتْهَا الْفَرْدِيَّةُ فِي الْوُجُودِ وَهَذَا كَمَا تَرَى مَعْنًى دَقِيقٌ جَزَاهُ اللَّهُ عَنْ الْمُحَصِّلِينَ خَيْرًا (وَلَوْ قَالَتْ اخْتَرْت اخْتِيَارَةً فَهِيَ ثَلَاثٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) وَهُوَ وَاضِحٌ

(وَلَوْ قَالَتْ قَدْ طَلَّقْت نَفْسِي أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي بِتَطْلِيقَةٍ فَهِيَ وَاحِدَةٌ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ) لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُوجِبُ الِانْطِلَاقَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَكَأَنَّهَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ (وَإِنْ قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك فِي تَطْلِيقَةٍ أَوْ اخْتَارِي تَطْلِيقَةً فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ) لِأَنَّهُ جَعَلَ لَهَا الِاخْتِيَارَ لَكِنْ بِتَطْلِيقَةٍ وَهِيَ مُعْقِبَةٌ لِلرَّجْعَةِ بِالنَّصِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ قَالَتْ قَدْ طَلَّقْت نَفْسِي أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي بِتَطْلِيقَةٍ) يَعْنِي فِي جَوَابِ مَنْ قَالَ اخْتَارِي (فَهِيَ وَاحِدَةٌ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ) يَعْنِي قَوْلَهَا قَدْ طَلَّقْت نَفْسِي أَوْ اخْتَرْت بِتَطْلِيقَةٍ (يُوجِبُ الِانْطِلَاقَ) أَيْ الْبَيْنُونَةَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِكَوْنِهِ مِنْ أَلْفَاظِ الصَّرِيحِ وَمَا يُوجِبُ الْبَيْنُونَةَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَانَ عِنْدَ الْوُقُوعِ رَجْعِيًّا فَهَذَا اللَّفْظُ يُوجِبُ الرَّجْعِيَّ. فَإِنْ قِيلَ: إذَنْ لَا يَكُونُ الْجَوَابُ مُطَابِقًا لِلتَّفْوِيضِ لِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهَا الِاخْتِيَارُ وَهُوَ يُفِيدُ الْبَيْنُونَةَ. أَشَارَ إلَى الْجَوَابِ بِقَوْلِهِ (فَكَأَنَّهَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ) فَكَانَ مُطَابِقًا مِنْ حَيْثُ إنَّ الِاخْتِيَارَ قَدْ وُجِدَ مِنْهَا. قَالَ الشَّارِحُونَ: وَقَوْلُهُ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ غَلَطٌ وَقَعَ مِنْ الْكَاتِبِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إنَّمَا تَتَصَرَّفُ حُكْمًا لِلتَّفْوِيضِ وَالتَّفْوِيضُ بِتَطْلِيقَةٍ بَائِنَةٍ لِكَوْنِهِ مِنْ الْكِنَايَاتِ فَتَمْلِكُ الْإِبَانَةَ لَا غَيْرُ، وَالْأَصَحُّ مِنْ الرِّوَايَةِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ وَلَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ لِأَنَّ رِوَايَاتِ الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَالزِّيَادَاتِ وَعَامَّةَ نُسَخِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَكَذَا، سِوَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِصَدْرِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ مِثْلَ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَالدَّلِيلُ أَيْضًا يُسَاعِدُ مَا ذُكِرَ فِي عَامَّةِ النُّسَخِ، فَإِنَّهُ ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ، أَمَّا وُقُوعُ الْوَاحِدَةِ فَلِمَا قُلْنَا وَهُوَ أَنَّ التَّطْلِيقَةَ لَا تَتَنَاوَلُ أَكْثَرَ مِنْ الْوَاحِدَةِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ بَائِنًا لِأَنَّ الْعَامِلَ تَخْيِيرُ الزَّوْجِ وَالْوَاقِعُ بِالتَّخْيِيرِ بَائِنٌ لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ النَّفْسِ مِنْهَا وَالرَّجْعِيُّ لَا يُثْبِتُ مِلْكَ النَّفْسِ (وَإِنْ قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك فِي تَطْلِيقَةٍ أَوْ اخْتَارِي بِتَطْلِيقَةٍ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ لِأَنَّهُ جَعَلَ لَهَا الِاخْتِيَارَ لَكِنْ بِتَطْلِيقَةٍ وَهِيَ تَعْقُبُ الرَّجْعَةَ) قِيلَ فَعَلَى هَذَا كَانَ قَوْلُهُ هَذَا فِي التَّقْدِيرِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك، وَقَوْلُهَا اخْتَرْت لَا يَصْلُحُ جَوَابًا لِقَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك بَلْ يَلْغُو. وَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهَا اخْتَرْت إنَّمَا لَا يَصْلُحُ جَوَابًا لِقَوْلِهِ طَلِّقِي لِكَوْنِهِ أَضْعَفَ مِنْ الطَّلَاقِ فَإِنَّ الزَّوْجَ يَمْلِكُ الْإِيقَاعَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ دُونَ لَفْظِ الِاخْتِيَارِ؛ وَلِهَذَا صَحَّ بِالْعَكْسِ لِكَوْنِ الطَّلَاقِ أَقْوَى، وَهَهُنَا لَمْ يَكُنْ

[فصل في الأمر باليد]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَضْعَفَ لِأَنَّ صِحَّةَ هَذَا الْجَوَابِ بِالنَّظَرِ إلَى ظَاهِرِ كَلَامِهِ وَهُوَ الْأَمْرُ بِالْيَدِ وَالِاخْتِيَارِ دُونَ مَا يَئُولُ إلَيْهِ مِنْ الْمَعْنَى وَهُمَا ضَعِيفَانِ كَالِاخْتِيَارِ، فَجَازَ أَنْ يَقَعَ قَوْلُهَا اخْتَرْت جَوَابًا لَهُ. [فَصْلٌ فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ] أَخَّرَ فَصْلَ الْأَمْرِ بِالْيَدِ عَنْ فَصْلِ الِاخْتِيَارِ لِأَنَّ ذَلِكَ مُؤَيَّدٌ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، إذَا جَعَلَ الرَّجُلُ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهَا فَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِي التَّخْيِيرِ فِي الْمَسَائِلِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: إلَّا أَنَّ هَذَا صَحِيحٌ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِأَنَّ الزَّوْجَ مَالِكٌ لِأَمْرِهَا فَإِنَّمَا يُمَلِّكُهَا بِهَذَا اللَّفْظِ مَا هُوَ مَمْلُوكٌ لَهُ فَيَصِحُّ مِنْهُ وَيَلْزَمُ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الرُّجُوعَ عَنْهُ اعْتِبَارًا بِإِيقَاعِ

(وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَمْرُك بِيَدِك يَنْوِي ثَلَاثًا فَقَالَتْ: قَدْ اخْتَرْت نَفْسِي بِوَاحِدَةٍ فَهِيَ ثَلَاثٌ) لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ يَصْلُحُ جَوَابًا لِلْأَمْرِ بِالْيَدِ لِكَوْنِهِ تَمْلِيكًا كَالتَّخْيِيرِ، وَالْوَاحِدَةُ صِفَةٌ لِلِاخْتِيَارَةِ، فَصَارَ كَأَنَّهَا قَالَتْ: اخْتَرْت نَفْسِي بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَبِذَلِكَ يَقَعُ الثَّلَاثُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالطَّلَاقِ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الِاخْتِيَارِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِيقَاعَ بِهَذَا اللَّفْظِ. حَتَّى لَوْ قَالَ اخْتَرْتُك مِنْ نَفْسِي أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي مِنْك لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَفِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ كَذَلِكَ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ قِيَاسًا كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ إلَّا إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ إذَا قَالَ أَمْرِي مِنْك بِيَدِك أَوْ أَمْرُك مِنِّي بِيَدِي وَقَعَ الطَّلَاقُ فَيَنْدَفِعُ (وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَمْرُك بِيَدِك يَنْوِي بِذَلِكَ الثَّلَاثَ فَقَالَتْ قَدْ اخْتَرْت نَفْسِي بِوَاحِدَةٍ فَهِيَ ثَلَاثٌ) وَبَيَانُهُ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ صِحَّةِ جَوَابِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ بِالِاخْتِيَارِ وَإِلَى كَيْفِيَّةِ الدَّلَالَةِ عَلَى الثَّلَاثَةِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ يَصْلُحُ جَوَابًا لِلْأَمْرِ بِالْيَدِ لِكَوْنِهِ تَمْلِيكًا كَالتَّخْيِيرِ فَكَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ فَجَازَ أَنْ يَقَعَ جَوَابًا لَهُ. وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ الدَّلَالَةِ عَلَى الثَّلَاثَةِ فَلِأَنَّ الْوَاحِدَةَ صِفَةُ الِاخْتِيَارَةِ (فَصَارَتْ كَأَنَّهَا قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ) أَيْ بِاخْتِيَارَةٍ وَاحِدَةٍ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ وَهِيَ فِي الْأُولَى الِاخْتِيَارَةُ، وَإِنَّمَا

(وَلَوْ قَالَتْ: قَدْ طَلَّقْت نَفْسِي بِوَاحِدَةٍ أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي بِتَطْلِيقَةٍ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ) لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ وَهُوَ فِي الْأُولَى الِاخْتِيَارَةُ، وَفِي الثَّانِيَةِ التَّطْلِيقَةُ إلَّا أَنَّهَا تَكُونُ بَائِنَةً لِأَنَّ التَّفْوِيضَ فِي الْبَائِنِ ضَرُورَةُ مِلْكِهَا أَمْرَهَا، وَكَلَامُهَا خَرَجَ جَوَابًا لَهُ فَتَصِيرُ الصِّفَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي التَّفْوِيضِ مَذْكُورَةً فِي الْإِيقَاعِ وَإِنَّمَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِي قَوْلِهِ: أَمْرُك بِيَدِك لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ وَنِيَّةُ الثَّلَاثِ نِيَّةُ التَّعْمِيمِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَبَّرَ عَنْهَا بِمَرَّةٍ لِأَنَّ الصِّيغَةَ الدَّالَّةَ عَلَى الْمَرَّةِ مِنْ الِاخْتِيَارِ هِيَ الِاخْتِيَارَةُ فَعَبَّرَ عَنْهَا بِمَفْهُومِهَا، وَبِذَلِكَ: أَيْ بِقَوْلِهَا اخْتَرْت نَفْسِي بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ يَقَعُ الثَّلَاثُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ اخْتَرْت جَمِيعَ مَا فَوَّضْت إلَيَّ اخْتِيَارَةً وَاحِدَةً، وَحِينَ نَوَى الزَّوْجُ الثَّلَاثَ فَقَدْ فَوَّضَ إلَيْهَا ذَلِكَ (وَلَوْ قَالَتْ) يَعْنِي فِي جَوَابِ قَوْلِهِ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك (قَدْ طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي بِتَطْلِيقَةٍ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ لِأَنَّ الْوَاحِدَ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ) فَوَجَبَ إثْبَاتُهُ عَلَى حَسَبِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَذْكُورُ السَّابِقُ، وَهُوَ فِي الْأُولَى الِاخْتِيَارَةُ لِدَلَالَةِ اخْتَرْت عَلَيْهَا، وَفِي الثَّانِيَةِ التَّطْلِيقَةُ لِدَلَالَةِ طَلَّقْت عَلَيْهَا، وَلَا يُتَوَهَّمُ التَّكْرَارُ فِي قَوْلِهِ وَهِيَ فِي الْأُولَى الِاخْتِيَارَةُ مَعَ تَقَدُّمِ قَوْلِهِ وَالْوَاحِدَةُ صِفَةٌ لِلِاخْتِيَارَةِ لِأَنَّهُ إعَادَةٌ لِبَيَانِ قَرِينَةِ الْمَحْذُوفِ، وَكَأَنَّهُ قَالَ وَهُوَ فِي الْأُولَى الِاخْتِيَارَةُ لِدَلَالَةِ اخْتَرْت عَلَيْهَا فَتَكُونُ فِي الثَّانِيَةِ التَّطْلِيقَةُ لِدَلَالَةِ طَلَّقْت عَلَيْهَا إلَّا أَنَّهَا تَكُونُ بَائِنَةً لِأَنَّ أَمْرَك بِيَدِك مِنْ أَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ، وَالْوَاقِعُ بِهَا بَائِنٌ فِيمَا سِوَى الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فَكَانَ التَّفْوِيضُ فِي الْبَائِنِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ مَلَّكَهَا أَمْرَهَا، فَقَوْلُهُ فِي الْبَائِنِ خَبَرُ إنَّ وَتَقْرِيرُهُ التَّفْوِيضَ حَصَلَ فِي الْبَائِنِ لِضَرُورَةِ أَنَّهُ مَلَّكَهَا أَمْرَهَا، وَأَنَّ تَمْلِيكَهُ إيَّاهَا أَمْرَهَا يَقْتَضِي الْبَيْنُونَةَ لِكَوْنِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ مِنْ أَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ وَكَلَامُهَا خَرَجَ جَوَابًا لَهُ فَتَصِيرُ الصِّفَةُ الْمَذْكُورَةُ يَعْنِي الْبَيْنُونَةَ فِي التَّفْوِيضِ مَذْكُورَةً فِي إيقَاعِ الْمَرْأَةِ كَلَامَهَا مُطَابِقًا لِكَلَامِهِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِهَا اخْتَرْت نَفْسِي بِتَطْلِيقَةٍ فِي جَوَابِ اخْتَارِي وَبَيْنَ قَوْلِهِ ذَلِكَ فِي جَوَابِ أَمْرُك بِيَدِك عِنْدَ الْمُصَنِّفِ حَتَّى كَانَ الْوَاقِعُ فِي الْأَوَّلِ رَجْعِيًّا كَمَا تَقَدَّمَ وَفِي الثَّانِي بَائِنًا كَمَا ذَكَرَهُ، وَهَلْ هَذَا إلَّا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ كَانَ سَهْوًا مِنْ الْكَاتِبِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُونَ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الِاخْتِيَارَ الْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ لَا يَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ وَإِنْ نَوَى الزَّوْجُ، إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّاهُ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَالْإِجْمَاعُ إنَّمَا هُوَ فِي مُجَرَّدِ الطَّلَاقِ لَا فِي الْبَائِنِ فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَمْنَعُ صَرِيحَ الطَّلَاقِ الْوَارِدِ فِي كَلَامِهَا عَنْ مُوجِبِهِ بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ لِأَنَّهُ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا عَلَى مَا نَقَلْنَا عَنْ صَاحِبِ النِّهَايَةِ فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ (وَإِنَّمَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِي قَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك دُونَ اخْتَارِي لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: الْأَمْرُ اسْمٌ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ كُلَّ شَيْءٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار: 19] أَرَادَ بِهِ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ اسْمًا عَامًّا

بِخِلَافِ قَوْلِهِ: اخْتَارِي لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ وَقَدْ حَقَّقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ. (وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ اللَّيْلُ وَإِنْ رَدَّتْ الْأَمْرَ فِي يَوْمِهَا بَطَلَ أَمْرُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَكَانَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا بَعْدَ غَدٍ) لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِذِكْرِ وَقْتَيْنِ بَيْنَهُمَا وَقْتٌ مِنْ جِنْسِهِمَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْأَمْرُ إذْ ذِكْرُ الْيَوْمِ بِعِبَارَةِ الْفَرْدِ لَا يَتَنَاوَلُ اللَّيْلَ فَكَانَا أَمْرَيْنِ فَبِرَدِّ أَحَدِهِمَا لَا يَرْتَدُّ الْآخَرُ. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هُمَا أَمْرٌ وَاحِدٌ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ. قُلْنَا: الطَّلَاقُ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْقِيتَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQصَلَحَ اسْمًا لِكُلِّ فِعْلٍ، فَإِذَا نَوَى الطَّلَاقَ صَارَ كِنَايَةً عَنْ قَوْلِهِ طَلَاقُك بِيَدِك وَالطَّلَاقُ مَصْدَرٌ يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ فَيَكُونُ نِيَّةُ الثَّلَاثِ نِيَّةَ التَّعْمِيمِ (بِخِلَافِ قَوْلِهِ اخْتَارِي لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ وَقَدْ حَقَّقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ) يَعْنِي فِي فَصْلِ الِاخْتِيَارِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ لَا يَتَنَوَّعُ. . وَقَوْلُهُ (وَلَوْ قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ اللَّيْلُ) حَتَّى لَوْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فِي اللَّيْلِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ (وَإِنْ رَدَّتْ الْأَمْرَ فِي يَوْمِهَا بَطَلَ أَمْرُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَكَانَ الْأَمْرُ فِي يَدِهَا بَعْدَ غَدٍ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِذِكْرِ وَقْتَيْنِ) يَعْنِي الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ (بَيْنَهُمَا وَقْتٌ مِنْ جِنْسِهِمَا) يَعْنِي الْغَدَ (لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْأَمْرُ) فَإِنَّهَا لَوْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فِي الْغَدِ لَا تَطْلُقُ فَكَانَا أَمْرَيْنِ (فَبِرَدِّ أَحَدِهِمَا لَا يَرْتَدُّ الْآخَرُ) وَهَذَا دَلِيلُ كَوْنِ الْأَمْرِ بِيَدِهَا بَعْدَ غَدٍ بَعْدَ رَدِّهِ فِي الْيَوْمِ. وَقَوْلُهُ إذْ ذِكْرُ الْيَوْمِ بِعِبَارَةِ الْفَرْدِ لَا يَتَنَاوَلُ الْيَوْمَ) دَلِيلُ قَوْلِهِ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ اللَّيْلُ وَهُوَ

وَالْأَمْرُ بِالْيَدِ يَحْتَمِلُهُ، فَيُوَقَّتُ الْأَمْرُ بِالْأَوَّلِ وَجَعَلَ الثَّانِيَ أَمْرًا مُبْتَدَأً (وَلَوْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَغَدًا يَدْخُلُ اللَّيْلُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ رَدَّتْ الْأَمْرَ فِي يَوْمِهَا لَا يَبْقَى الْأَمْرُ فِي يَدِهَا فِي غَدٍ) لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَقْتٌ مِنْ جِنْسِهِمَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْكَلَامُ وَقَدْ يَهْجُمُ اللَّيْلُ وَمَجْلِسُ الْمَشُورَةِ لَا يَنْقَطِعُ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك فِي يَوْمَيْنِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا إذَا رَدَّتْ الْأَمْرَ فِي الْيَوْمِ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا غَدًا لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ رَدَّ الْأَمْرِ كَمَا لَا تَمْلِكُ رَدَّ الْإِيقَاعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا تَرَى الْإِدْلَاجُ مُلْبِسٌ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا. وَقَالَ زُفَرُ: هُمَا أَمْرٌ وَاحِدٌ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ فِي كَوْنِ أَحَدِهِمَا مَعْطُوفًا عَلَى الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ تَكْرَارِ لَفْظِ الْأَمْرِ. وَقُلْنَا: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْقِيتَ فَكَانَتْ الطَّالِقُ الْيَوْمَ طَالِقًا غَدًا وَبَعْدَ غَدٍ وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا الْأَمْرُ بِالْيَدِ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُهُ، وَذِكْرُ وَقْتَيْنِ غَيْرُ مُتَّصِلٍ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ لِتَخَلُّلِ وَقْتٍ بَيْنَهُمَا غَيْرِ مَذْكُورٍ فَيُؤَقَّتُ بِالْأَوَّلِ، وَجَعَلَ الثَّانِيَ أَمْرًا مُبْتَدَأً كَأَنَّهُ قَالَ وَأَمْرُك بِيَدِك بَعْدَ غَدٍ (وَلَوْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَغَدًا يَدْخُلُ اللَّيْلُ فِي ذَلِكَ) وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ رَدَّ الْأَمْرِ كَمَا لَا تَمْلِكُ رَدَّ الْإِيقَاعِ) مَعْنَاهُ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَرُدَّ الْأَمْرَ بِالْيَدِ الَّذِي صَدَرَ مِنْ زَوْجِهَا بِأَنْ تَقُولَ لَا أَقْبَلُ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ

وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهَا إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا الْيَوْمَ لَا يَبْقَى لَهَا الْخِيَارُ فِي الْغَدِ، فَكَذَا إذَا اخْتَارَتْ زَوْجَهَا بِرَدِّ الْأَمْرِ لِأَنَّ الْمُخَيَّرَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ لَا يَمْلِكُ إلَّا اخْتِيَارَ أَحَدِهِمَا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَأَمْرُك بِيَدِك غَدًا أَنَّهُمَا أَمْرَانِ لِمَا أَنَّهُ ذَكَرَ لِكُلِّ وَقْتٍ خَبَرًا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهَا أَنْ تَرُدَّ الْإِيقَاعَ الَّذِي أَوْقَعَهُ زَوْجُهَا عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْأَمْرُ بَاقِيًا فِي الْغَدِ كَمَا كَانَ وَكَانَ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا غَدًا. وَقَوْلُهُ وَجْهُ الظَّاهِرِ) ظَاهِرٌ وَكَذَا قَوْلُهُ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا قَالَ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: هَذِهِ هِيَ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ، وَجَعَلَ قَاضِي خَانْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَصْلَ الرِّوَايَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَ أَحَدٍ.

(وَإِنْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَقَدِمَ فُلَانٌ فَلَمْ تَعْلَمْ بِقُدُومِهِ حَتَّى جَنَّ اللَّيْلُ فَلَا خِيَارَ لَهَا) لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْيَدِ مِمَّا يَمْتَدُّ فَيَحْمِلُ الْيَوْمَ الْمَقْرُونَ بِهِ عَلَى بَيَاضِ النَّهَارِ وَقَدْ حَقَّقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ فَيُتَوَقَّتُ بِهِ ثُمَّ يَنْقَضِي بِانْقِضَاءِ وَقْتِهِ (وَإِذَا جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا أَوْ خَيَّرَهَا فَمَكَثَتْ يَوْمًا لَمْ تَقُمْ فَالْأَمْرُ فِي يَدِهَا مَا لَمْ تَأْخُذْ فِي عَمَلٍ آخَرَ) لِأَنَّ هَذَا تَمْلِيكُ التَّطْلِيقِ مِنْهَا (لِأَنَّ الْمَالِكَ مَنْ يَتَصَرَّفُ بِرَأْيِ نَفْسِهِ وَهِيَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَالتَّمْلِيكُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَقَدِمَ فُلَانٌ فَلَمْ تَعْلَمْ بِقُدُومِهِ حَتَّى جَنَّ اللَّيْلُ فَلَا خِيَارَ لَهَا) ظَاهِرٌ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ فِي آخِرِ فَصْلِ إضَافَةِ الطَّلَاقِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَقَدْ حَقَّقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ. وَقَوْلُهُ (فَيَتَوَقَّتُ بِهِ) أَيْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَنْقَضِي بِانْقِضَائِهِ. (وَإِذَا جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا أَوْ خَيَّرَهَا فَمَكَثَتْ يَوْمًا لَمْ تَقُمْ فَالْأَمْرُ فِي يَدِهَا مَا لَمْ تَأْخُذْ فِي عَمَلٍ آخَرَ لِأَنَّ هَذَا تَمْلِيكُ التَّطْلِيقِ مِنْهَا لِأَنَّ الْمَالِكَ مَنْ يَتَصَرَّفُ بِرَأْيِ نَفْسِهِ) وَهَذِهِ تَتَصَرَّفُ بِرَأْيِ نَفْسِهَا فَهِيَ مَالِكَةٌ وَالتَّمْلِيكُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ (وَقَدْ بَيَّنَّاهُ) يَعْنِي فِي فَصْلِ الِاخْتِيَارِ مِنْ قَوْلِهِ: التَّمْلِيكَاتُ تَقْتَضِي جَوَابًا فِي الْمَجْلِسِ كَمَا فِي الْبَيْعِ. قِيلَ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ قَالَ قَبْلَ هَذَا إذَا قَالَ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَغَدًا يَدْخُلُ اللَّيْلُ فِي ذَلِكَ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَمْرَ بِيَدِهَا لَا يَبْطُلُ فِي يَوْمَيْنِ وَإِنْ قَامَتْ عَنْ الْمَجْلِسِ، لِأَنَّهُ لَوْ بَطَلَ بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ لَمْ يَكُنْ لِتَقْيِيدِهِ بِيَوْمَيْنِ فَائِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا لَمْ تَقُمْ مِنْ مَجْلِسِهَا يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ لَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْمَجْلِسِ وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ

ثُمَّ إنْ كَانَتْ تَسْمَعُ يُعْتَبَرُ مَجْلِسُهَا ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَسْمَعُ فَمَجْلِسُ عِلْمِهَا وَبُلُوغِ الْخَبَرِ إلَيْهَا لِأَنَّ هَذَا تَمْلِيكٌ فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ، وَلَا يُعْتَبَرُ مَجْلِسُهُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ لَازِمٌ فِي حَقِّهِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ مَحْضٌ لَا يَشُوبُهُ التَّعْلِيقُ، وَإِذَا اُعْتُبِرَ مَجْلِسُهَا فَالْمَجْلِسُ تَارَةً يَتَبَدَّلُ بِالتَّحَوُّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ إنْ كَانَتْ تَسْمَعُ يُعْتَبَرُ مَجْلِسُهَا ذَلِكَ) أَيْ الَّذِي سَمِعَتْ فِيهِ (وَإِنْ كَانَتْ لَا تَسْمَعُ) لِغَيْبَةٍ أَوْ لِصَمَمٍ (فَمَجْلِسُ عِلْمِهَا) وَبُلُوغُ الْخَبَرِ إلَيْهَا لِأَنَّ هَذَا تَمْلِيكٌ فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ، وَمَا هُوَ كَذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءِ الْمَجْلِسِ، كَمَا لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَهَذَا لِأَنَّ مَعْنَى أَمْرُك بِيَدِك إنْ أَرَدْت طَلَاقَك فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ لَا يَحْتَمِلُ التَّوْقِيتَ وَالتَّعْلِيقُ كَذَلِكَ، وَالْأَمْرُ بِالْيَدِ يَشْتَمِلُ عَلَى مَعْنَيَيْهِمَا عَلَى مَا ذَكَرْتُمْ فَكَيْفَ يَكُونُ مُحْتَمِلًا لَهُ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّمْلِيكَ الَّذِي هُوَ مُعْتَبَرٌ فِيهِ مِنْ بَابِ تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ كَالْإِجَارَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ التَّوْقِيتَ؛ وَإِذَا صَحَّ التَّوْقِيتُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ صَارَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا فِي الْمُدَّةِ الَّتِي وَقَّتَهَا، فَلَوْ بَطَلَ الْأَمْرُ بِقِيَامِهَا عَنْ الْمَجْلِسِ لَمْ يَكُنْ لِلتَّأْقِيتِ فَائِدَةٌ، وَبِهَذَا خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ النَّظَرِ الْمُتَقَدِّمِ أَيْضًا. وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ التَّعْلِيقُ فَلَا يَحْتَمِلُ التَّوْقِيتَ، فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ بِالْيَدِ

وَمَرَّةً بِالْأَخْذِ فِي عَمَلٍ آخَرَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْخِيَارِ، وَيَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ لِأَنَّهُ دَلِيلٌ الْإِعْرَاضِ، إذْ الْقِيَامُ يُفَرِّقُ الرَّأْيَ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَكَثَتْ يَوْمًا لَمْ تَقُمْ وَلَمْ تَأْخُذْ فِي عَمَلٍ آخَرَ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ قَدْ يَطُولُ وَقَدْ يَقْصُرُ فَيَبْقَى إلَى أَنْ يُوجَدَ مَا يَقْطَعُهُ أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ. وَقَوْلُهُ مَكَثَتْ يَوْمًا لَيْسَ لِلتَّقْدِيرِ بِهِ. وَقَوْلُهُ مَا لَمْ تَأْخُذْ فِي عَمَلٍ آخَرَ يُرَادُ بِهِ عَمَلٌ يُعْرَفُ أَنَّهُ قَطْعٌ لِمَا كَانَ فِيهِ لَا مُطْلَقَ الْعَمَلِ (وَلَوْ كَانَتْ قَائِمَةً فَجَلَسَتْ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا) لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْإِقْبَالِ فَإِنَّ الْقُعُودَ أَجْمَعُ لِلرَّأْيِ (وَكَذَا إذَا كَانَتْ قَاعِدَةً فَاتَّكَأَتْ أَوْ مُتَّكِئَةً فَقَعَدَتْ) لِأَنَّ هَذَا انْتِقَالٌ مِنْ جِلْسَةٍ إلَى جِلْسَةٍ فَلَا يَكُونُ إعْرَاضًا، كَمَا إذَا كَانَتْ مُحْتَبِيَةً فَتَرَبَّعَتْ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَذَا رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَذَكَرَ فِي غَيْرِهِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ قَاعِدَةً فَاتَّكَأَتْ لَا خِيَارَ لَهَا لِأَنَّ الِاتِّكَاءَ إظْهَارُ التَّهَاوُنِ بِالْأَمْرِ فَكَانَ إعْرَاضًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQمُطْلَقًا عَنْ التَّوْقِيتِ اعْتَبَرْنَا جَانِبَ التَّمْلِيكِ، فَقُلْنَا بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الْمَجْلِسِ لِعَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى وَقْتٍ مُعَيَّنٍ، وَاعْتَبَرْنَا مَعْنَى التَّعْلِيقِ فَقُلْنَا بِبَقَاءِ الْإِيجَابِ إلَى مَا وَرَاءِ الْمَجْلِسِ إذَا كَانَتْ غَائِبَةً عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَلَا يُعْتَبَرُ مَجْلِسُهُ، حَتَّى لَوْ قَامَ وَهِيَ جَالِسَةٌ، فَالْخِيَارُ بَاقٍ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ حِينَئِذٍ لَازِمٌ فِي حَقِّهِ حَتَّى لَا يَقْدِرَ عَلَى الرُّجُوعِ لِكَوْنِهِ تَصَرُّفَ يَمِينٍ مِنْ جَانِبِهِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَتَّى يُعْتَبَرَ مَجْلِسُهُمَا جَمِيعًا، فَإِنْ أَيُّهُمَا قَامَ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ قَبُولِ الْآخَرِ بَطَلَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ مَحْضٌ لَا يَشُوبُهُ التَّعْلِيقُ، وَلِهَذَا لَوْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا عَنْ كَلَامِهِ قَبْلَ قَبُولِ الْآخَرِ جَازَ إذَا اُعْتُبِرَ مَجْلِسُهَا، فَالْمَجْلِسُ تَارَةً يَتَبَدَّلُ بِالتَّحَوُّلِ: يَعْنِي إلَى مَجْلِسٍ آخَرَ، وَمَرَّةً بِالْأَخْذِ فِي عَمَلٍ آخَرَ مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْخِيَارِ، يَعْنِي فِي قَوْلِهِ إذْ مَجْلِسُ الْأَكْلِ غَيْرُ مَجْلِسِ الْمُنَاظَرَةِ إلَى آخِرِهِ. وَقَوْلُهُ (وَيَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَلَيْسَ لِلتَّقْدِيرِ بِهِ) أَيْ بِالْيَوْمِ لِأَنَّهُ لَوْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ فَهُوَ بَاقٍ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَقَوْلُهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ كَانَتْ قَائِمَةً فَجَلَسَتْ) ظَاهِرٌ

[فصل في المشيئة]

وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ. وَلَوْ كَانَتْ قَاعِدَةً فَاضْطَجَعَتْ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَتْ اُدْعُ أَبِي أَسْتَشِرْهُ أَوْ شُهُودًا أُشْهِدْهُمْ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا) لِأَنَّ الِاسْتِشَارَةَ لِتَحَرِّي الصَّوَابِ، وَالْإِشْهَادَ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الْإِنْكَارِ فَلَا يَكُونُ دَلِيلَ الْإِعْرَاضِ (وَإِنْ كَانَتْ تَسِيرُ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ فِي مَحْمَلٍ فَوَقَفَتْ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا، وَإِنْ سَارَتْ بَطَلَ خِيَارُهَا) لِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ وَوُقُوفَهَا مُضَافٌ إلَيْهَا (وَالسَّفِينَةُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْتِ) لِأَنَّ سَيْرَهَا غَيْرُ مُضَافٍ إلَى رَاكِبِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إيقَافِهَا وَرَاكِبُ الدَّابَّةِ يَقْدِرُ. . (وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: طَلِّقِي نَفْسَك وَلَا نِيَّةَ لَهُ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً فَقَالَتْ: طَلَّقْت نَفْسِي فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَالْأَوَّلُ) أَيْ رِوَايَةُ الْجَامِعِ (أَصَحُّ) لِأَنَّ مَنْ حَزَبَهُ أَمْرٌ قَدْ يَسْتَنِدُ لِلتَّفَكُّرِ لِمَا أَنَّ الِاسْتِنَادَ سَبَبٌ لِلرَّاحَةِ كَالْقُعُودِ. وَقَوْلُهُ (فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ لَا تَبْطُلُ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي مَالِكٍ عَنْهُ تَبْطُلُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ. وَوَجْهُ الرِّوَايَتَيْنِ مُنْدَرِجٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ. قِيلَ خَصَّ أَبَا يُوسُفَ بِالذِّكْرِ وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ صَاحِبَيْهِ كَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا نَقَلَا عَنْهُ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ قَالَتْ اُدْعُ أَبِي أَسْتَشِيرُهُ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَالسَّفِينَةُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْتِ) يَعْنِي أَنَّهَا إذَا سَارَتْ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ. [فَصْلٌ فِي الْمَشِيئَةِ] ِ قَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُ تَقْدِيمِ الِاخْتِيَارِ وَبَعْدَهُ السُّؤَالُ عَنْ تَقَدُّمِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَالْمَشِيئَةِ دَوْرِيٌّ فَيَسْقُطُ (وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ طَلِّقِي نَفْسَك وَلَا نِيَّةَ لَهُ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ،

وَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَقَدْ أَرَادَ الزَّوْجُ ذَلِكَ وَقَعْنَ عَلَيْهَا) وَهَذَا لِأَنَّ قَوْلَهُ طَلِّقِي مَعْنَاهُ افْعَلِي فِعْلَ التَّطْلِيقِ، وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ فَيَقَعُ عَلَى الْأَدْنَى مَعَ احْتِمَالِ الْكُلِّ كَسَائِرِ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ، فَلِهَذَا تَعْمَلُ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ، وَيَنْصَرِفُ إلَى وَاحِدَةٍ عِنْدَ عَدَمِهَا وَتَكُونُ الْوَاحِدَةُ رَجْعِيَّةً لِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ، وَلَوْ نَوَى الثِّنْتَيْنِ لَا تَصِحُّ لِأَنَّهُ نِيَّةُ الْعَدَدِ إلَّا إذَا كَانَتْ الْمَنْكُوحَةُ أَمَةً لِأَنَّهُ جِنْسٌ فِي حَقِّهَا. (وَإِنْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك قَالَتْ: أَبَنْت نَفْسِي طَلَقْت) وَلَوْ قَالَتْ: قَدْ اخْتَرْت نَفْسِي لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّ الْإِبَانَةَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَبَنْتُك يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ أَوْ قَالَتْ: أَبَنْت نَفْسِي فَقَالَ الزَّوْجُ: قَدْ أَجَزْت ذَلِكَ بَانَتْ فَكَانَتْ مُوَافِقَةً لِلتَّفْوِيضِ فِي الْأَصْلِ إلَّا أَنَّهَا زَادَتْ فِيهِ وَصْفًا وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَقَدْ أَرَادَ الزَّوْجُ ذَلِكَ وَقَعْنَ) سَوَاءٌ طَلَّقَتْ جُمْلَةً أَوْ مُتَفَرِّقَةً. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ قَوْلَهُ طَلِّقِي) ظَاهِرٌ لَكِنْ تُرْجِمَ الْفَصْلُ بِفَصْلِ الْمَشِيئَةِ فَكَانَ الِابْتِدَاءُ فِيهِ بِمَسْأَلَةٍ فِيهَا ذِكْرُ الْمَشِيئَةِ أَوْلَى. (وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ أَبَنْت نَفْسِي طَلُقَتْ، وَلَوْ قَالَتْ قَدْ اخْتَرْت نَفْسِي لَمْ تَطْلُقْ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْإِبَانَةَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهَا وُضِعَتْ لِقَطْعِ وَصْلَةِ النِّكَاحِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَبَنْتُك يَنْوِي الطَّلَاقَ أَوْ قَالَتْ أَبَنْت نَفْسِي فَقَالَ الزَّوْجُ قَدْ اخْتَرْت ذَلِكَ بَانَتْ وَأَلْفَاظُ الطَّلَاقِ تُوَافِقُ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا لِكَوْنِهِ تَطْلِيقًا فَكَانَتْ الْإِبَانَةُ مُوَافِقَةً لِلتَّفْوِيضِ فِي الْأَصْلِ، وَإِذَا كَانَ الْجَوَابُ مُوَافِقًا لِلسُّؤَالِ مِنْ حَيْثُ الْأَصْلُ كَانَ صَحِيحًا مِنْ حَيْثُ الْأَصْلُ إلَّا أَنَّهَا زَادَتْ فِيهِ: أَيْ فِي الْجَوَابِ وَصْفًا وَهُوَ تَعْجِيلُ الْإِبَانَةِ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ إنَّمَا تُفِيدُ الْإِبَانَةَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَإِمَّا أَنْ يَبْطُلَ الْأَصْلُ لِأَجْلِ مَا زِيدَ فِيهِ مِنْ الْوَصْفِ، أَوْ يَلْغُوَ الْوَصْفُ لِرِعَايَةِ الْأَصْلِ، وَإِلْغَاءُ الْوَصْفِ لِتَصْحِيحِ الْأَصْلِ أَوْلَى فَيُصَارُ إلَيْهِ كَمَا لَوْ قَالَتْ فِي جَوَابِ طَلِّقِي

تَعْجِيلُ الْإِبَانَةِ فَيَلْغُو الْوَصْفُ الزَّائِدُ وَيَثْبُتُ الْأَصْلُ، كَمَا إذَا قَالَتْ: طَلَّقْت نَفْسِي تَطْلِيقَةً بَائِنَةً، وَيَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ تَطْلِيقَةٌ رَجْعِيَّةٌ. بِخِلَافِ الِاخْتِيَارِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ اخْتَرْتُك أَوْ اخْتَارِي يَنْوِي الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ، وَلَوْ قَالَتْ ابْتِدَاءً: اخْتَرْت نَفْسِي فَقَالَ الزَّوْجُ: قَدْ أَجَزْت لَا يَقَعُ شَيْءٌ إلَّا أَنَّهُ عُرِفَ طَلَاقًا بِالْإِجْمَاعِ إذَا حَصَلَ جَوَابًا لِلتَّخْيِيرِ، وَقَوْلُهُ طَلِّقِي نَفْسَك لَيْسَ بِتَنْجِيزٍ فَيَلْغُو. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ بِقَوْلِهَا أَبَنْت نَفْسِي لِأَنَّهَا أَتَتْ بِغَيْرِ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا إذْ الْإِبَانَةُ تَغَايُرُ الطَّلَاقَ. (وَلَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ) لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْيَمِينِ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِتَطْلِيقِهَا وَالْيَمِينُ تَصَرُّفٌ لَازِمٌ، وَلَوْ قَامَتْ عَنْ مَجْلِسِهَا بَطَلَ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهَا: طَلِّقِي ضَرَّتَك لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ وَإِنَابَةٌ فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَيَقْبَلُ الرُّجُوعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQنَفْسَك تَطْلِيقَةً طَلَّقْت نَفْسِي تَطْلِيقَةً بَائِنَةً. وَقَوْلُهُ (وَيَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ تَطْلِيقَةٌ رَجْعِيَّةٌ) إنَّمَا قَالَ هَكَذَا تَفْسِيرًا لِكَلَامِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ قَالَ طَلُقَتْ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِشَيْءٍ آخَرَ، وَأَرَى أَنَّهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ لِأَنَّ كَوْنَهَا رَجْعِيَّةً يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ فَيَلْغُو الْوَصْفُ الزَّائِدُ وَيَثْبُتُ الْأَصْلُ. وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الِاخْتِيَارِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْإِبَانَةَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ وَهُوَ وَاضِحٌ (وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ بِقَوْلِهَا أَبَنْت نَفْسِي لِأَنَّهَا أَتَتْ بِغَيْرِ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا) حَيْثُ كَانَ الْمُفَوَّضُ الطَّلَاقَ وَمَا أَتَتْ بِهِ الْإِبَانَةُ وَهُمَا مُتَغَايِرَانِ لَا مَحَالَةَ، وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ إبْطَالُ الْأَصْلِ لِلْوَصْفِ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تَطْلُقُ طَلَاقًا بَائِنًا لِأَنَّ الزَّوْجَ مَلَّكَهَا إيقَاعَ الطَّلَاقِ مُطْلَقًا وَهُوَ يَمْلِكُ إيقَاعَ الْبَائِنِ وَالرَّجْعِيِّ فَكَذَا هِيَ، وَفِي هَذَا تَرْكُ اعْتِبَارِ الْمُطَابَقَةِ بَيْنَ التَّفْوِيضِ وَالْجَوَابِ، وَالْفِقْهُ هُوَ الْأَوَّلُ: أَعْنِي ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ. (وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك) ظَاهِرٌ. وَحُكْمُهُ اللُّزُومُ نَظَرًا إلَى الْيَمِينِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْمَجْلِسِ نَظَرًا إلَى التَّمْلِيكِ: وَفِيهِ مُطَالَبَتَانِ إحْدَاهُمَا مَا وَجْهُ اخْتِصَاصِ طَلِّقِي نَفْسَك بِالْيَمِينِ دُونَ طَلِّقِي ضَرَّتَك وَكَمَا كَانَ مَعْنَى طَلِّقِي نَفْسَك إنْ طَلَّقْت نَفْسَك فَأَنْتِ طَالِقٌ جَازَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى طَلِّقِي ضَرَّتَك إنْ أَرَدْت طَلَاقَهَا فَهِيَ طَالِقٌ. وَالثَّانِيَةُ مَا وَجْهُ اخْتِصَاصِ الْأَوَّلِ بِالتَّمْلِيكِ وَالثَّانِي بِالتَّوْكِيلِ؟ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأُولَى أَنَّ الْيَمِينَ بِالتَّعْلِيقِ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا وُجُودُهُ مُتَرَدِّدٌ، وَوُجُودُ طَلَاقِ الضَّرَّةِ إذَا فَوَّضَ إلَيْهَا أَمْرٌ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ طَبْعًا وَعَادَةً

(وَإِنْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك مَتَى شِئْت فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ) لِأَنَّ كَلِمَةَ مَتَى عَامَّةٌ فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت. (وَإِذَا قَالَ لِرَجُلٍ: طَلِّقْ امْرَأَتِي فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ) وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ وَأَنَّهُ اسْتِعَانَةٌ، فَلَا يَلْزَمُ وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ: طَلِّقِي نَفْسَك لِأَنَّهَا عَامِلَةٌ لِنَفْسِهَا فَكَانَ تَمْلِيكًا لَا تَوْكِيلًا (وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: طَلِّقْهَا إنْ شِئْت فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الْمَجْلِسِ خَاصَّةً) وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا وَالْأَوَّلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا يَصْلُحُ شَرْطًا. وَأُجِيبَ عَنْ الثَّانِيَةِ بِمَا تَقَدَّمَ، أَنَّ الْمَالِكَ هُوَ الَّذِي يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ وَالْوَكِيلَ هُوَ الَّذِي يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ، وَالْمَرْأَةُ فِي طَلَاقِ نَفْسِهَا عَامِلَةٌ لِنَفْسِهَا بِتَخْلِيصِهَا عَنْ رِقِّ النِّكَاحِ وَفِي طَلَاقِ ضَرَّتِهَا عَامِلَةٌ لِلزَّوْجِ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهَا فِي طَلَاقِ ضَرَّتِهَا أَعْمَلُ لِنَفْسِهَا مِنْهَا فِي طَلَاقِ نَفْسِهَا؛ وَلِأَنَّ الصُّورَتَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَا مِنْ بَابِ الْمَشِيئَةِ أَوْ لَا. وَالْمَآلُ شُمُولُ التَّمْلِيكِ أَوْ شُمُولُ التَّوْكِيلِ أَوْ التَّحْكِيمِ الْبَاطِلِ. (وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك مَتَى شِئْت) وَاضِحٌ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ التَّمْلِيكُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَوْجُودٌ أَوَّلًا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الطَّلَاقِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ لِكَوْنِهِ لَازِمَ التَّمْلِيكِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْمَجْلِسِ مِنْ أَحْكَامِ التَّمْلِيكِ، وَالْحُكْمُ قَدْ يَتَأَخَّرُ لِمَانِعٍ كَمَا فِي شَرْطِ الْخِيَارِ وَهُوَ طَرِيقَةُ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ وَمَوْضِعُهُ الْأُصُولُ. قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ لِرَجُلٍ طَلِّقْ امْرَأَتِي) وَاضِحٌ، وَمَنَاطُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي التَّمْلِيكِ وَالتَّوْكِيلِ مِنْ أَنَّ الْمَالِكَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ وَالْوَكِيلَ لِغَيْرِهِ وَقَدْ عَلِمْت مَا عَلَيْهِ (وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ طَلِّقْهَا إنْ شِئْت فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الْمَجْلِسِ خَاصَّةً وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ. وَقَالَ زُفَرُ: هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ

سَوَاءٌ لِأَنَّ التَّصْرِيحَ بِالْمَشِيئَةِ كَعَدَمِهِ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَتِهِ فَصَارَ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا قِيلَ لَهُ: بِعْهُ إنْ شِئْت. وَلَنَا أَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْمَشِيئَةِ وَالْمَالِكُ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَتِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ التَّصْرِيحَ بِالْمَشِيئَةِ كَعَدَمِ التَّصْرِيحِ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَتِهِ) لِأَنَّ الْفِعْلَ الِاخْتِيَارِيَّ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِهَا وَفِعْلُهُ اخْتِيَارِيٌّ؛ وَإِذَا تَسَاوَيَا كَانَ الثَّانِي تَوْكِيلًا كَالْأَوَّلِ وَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ لِلْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ بِعْ إنْ شِئْت، فَإِنَّ ذِكْرَ الْمَشِيئَةِ لَا يُخْرِجُ التَّوْكِيلَ إلَى التَّمْلِيكِ (وَلَنَا أَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْمَشِيئَةِ وَالْمَالِكُ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَتِهِ) . لَا يُقَالُ: قَدْ بَيَّنَ آنِفًا أَنَّ الْوَكِيلَ أَيْضًا يَتَصَرَّفُ بِمَشِيئَتِهِ. لِأَنَّا نَقُولُ: الْمَشِيئَةُ نَوْعَانِ: مَشِيئَةٌ تَفْتَقِرُ إلَيْهَا الْحَرَكَةُ الْإِرَادِيَّةُ وَهِيَ ثَابِتَةٌ فِي كُلِّ مُتَحَرِّكٍ بِهَا، وَمَشِيئَةٌ أُخْرَى يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا اسْتِحْسَانُ الْفِعْلِ وَتَرْكُهُ، وَالْأُولَى ثَابِتَةٌ فِي التَّوْكِيلِ مَعَ جِهَةِ حَظْرٍ يَرْفَعُهَا قَوْلُهُ طَلِّقْهَا إيقَاعًا لِفِعْلِ الْمُوَكِّلِ، وَالثَّانِيَةُ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْمُلَّاكِ وَقَدْ فَوَّضَهَا إلَيْهِ بِقَوْلِهِ إنْ شِئْت فَكَانَ تَمْلِيكًا، هَذَا مَا أَمْكَنَنِي تَلْخِيصُهُ مِنْ كَلَامِ الْمَشَايِخِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: كَوْنُهُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ لَازِمٌ مِنْ لَوَازِمِ التَّمْلِيكِ وَقَدْ انْتَفَى فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. وَأَقُولُ: إذَا بَنَى الْكَلَامَ عَلَى مَا قَدْ ثَبَتَ أَنَّ التَّمْلِيكَ إقْرَارٌ شَرْعِيٌّ عَلَى مَحَلِّ التَّصَرُّفِ وَالتَّوْكِيلَ إقْرَارٌ شَرْعِيٌّ عَلَى نَفْسِ التَّصَرُّفِ لَا عَلَى أَنَّ الْمَالِكَ يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ وَالْوَكِيلِ سَقَطَ هَذَا الِاعْتِرَاضُ، وَالنَّظَرُ

وَالطَّلَاقُ يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهُ. (وَلَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّهَا مَلَكَتْ إيقَاعَ الثَّلَاثِ فَتَمْلِكُ إيقَاعَ الْوَاحِدَةِ ضَرُورَةً (وَلَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: تَقَعُ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّهَا أَتَتْ بِمَا مَلَكَتْهُ وَزِيَادَةٍ فَصَارَ كَمَا إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ أَلْفًا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا أَتَتْ بِغَيْرِ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا فَكَانَتْ مُبْتَدِئَةً، وَهَذَا لِأَنَّ الزَّوْجَ مَلَّكَهَا الْوَاحِدَةَ وَالثَّلَاثُ غَيْرُ الْوَاحِدَةِ لِأَنَّ الثَّلَاثَ اسْمٌ لِعَدَدٍ مُرَكَّبٍ مُجْتَمِعٍ وَالْوَاحِدَةُ فَرْدٌ لَا تَرْكِيبَ فِيهِ فَكَانَتْ بَيْنَهُمَا مُغَايِرَةٌ عَلَى سَبِيلِ الْمُضَادَّةِ، بِخِلَافِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَوَّلُ فِي طَلَاقِ الضَّرَّةِ عَلَى مَا مَرَّ. ثُمَّ أَقُولُ: وَالْوَكِيلُ فِي الطَّلَاقِ كَالرَّسُولِ، وَحَيْثُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الشَّخْصُ رَسُولًا إلَى نَفْسِهِ كَانَ قَوْلُهُ طَلِّقِي نَفْسَك تَمْلِيكًا، وَأَمَّا قَوْلُهُ طَلِّقِي ضَرَّتَك وَقَوْلُهُ لِأَجْنَبِيٍّ طَلِّقْ امْرَأَتِي فَيَحْتَمِلَانِ الرِّسَالَةَ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ كَلِمَةَ إنْ شِئْت كَانَ تَوْكِيلًا، وَإِنْ ذَكَرَهَا كَانَ تَمْلِيكًا صَوْنًا لِلزِّيَادَةِ عَنْ الْإِلْغَاءِ، إذْ التَّوْكِيلُ يَحْصُلُ بِدُونِهِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ النَّظَرُ الثَّانِي فِي طَلَاقِ الضَّرَّةِ فَتَأَمَّلْهُ فَلَعَلَّهُ مَخْلَصٌ. وَقَوْلُهُ (وَالطَّلَاقُ يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ زُفَرَ صُورَةَ النِّزَاعِ عَلَى الْبَيْعِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا تَوْكِيلٌ لِلْبَيْعِ لَا الْبَيْعُ نَفْسُهُ وَالتَّوْكِيلُ بِهِ قَابِلٌ لِلتَّعْلِيقِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ اُعْتُبِرَ التَّوْكِيلُ بِالْبَيْعِ بِأَصْلِ الْبَيْعِ. قَالَ (وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا) هَذَا لِبَيَانِ مُخَالَفَةِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا فِي إيقَاعِ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا، وَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ظَاهِرَةٌ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَوَجْهُ قَوْلِهِمَا فِيهَا وَاضِحٌ، كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَطَلَّقَهَا وَضَرَّتَهَا وَكَمَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ أَبَنْت نَفْسِي فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهَا طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ مَا زَادَتْ مِنْ صِفَةِ الْبَيْنُونَةِ مُعْدِمًا لِلْمُطَابَقَةِ فِي أَصْلِ الطَّلَاقِ فَيَكُونُ كَقَوْلِهَا طَلَّقْت نَفْسِي مِنْك مُمْتَثِلَةً وَيَلْغُو قَوْلُهَا ثَلَاثًا (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا أَتَتْ بِغَيْرِ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا) وَمَنْ فَعَلَتْ كَذَلِكَ كَانَتْ مُبْتَدِئَةً كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَطَلَّقَتْ ضَرَّتَهَا فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ، وَكَلَامُهُ فِيهِ ظَاهِرٌ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ ثَبَتَ مِنْ مَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنْ الْعَشَرَةِ لَيْسَ عَيْنَهَا وَلَا غَيْرَهَا فَكَذَلِكَ الْوَاحِدُ مِنْ الثَّلَاثَةِ يَكُونُ لَا عَيْنَهَا وَلَا غَيْرَهَا، فَمَا وَجْهُ إثْبَاتِ الْمُغَايَرَةِ بَيْنَهُمَا؟ أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ

الزَّوْجِ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ، وَكَذَا هِيَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّهَا مَلَكَتْ الثَّلَاثَ، أَمَّا هَاهُنَا لَمْ تَمْلِكْ الثَّلَاثَ وَمَا أَتَتْ بِمَا فُوِّضَ إلَيْهَا فَلَغَتْ. (وَإِنْ أَمَرَهَا بِطَلَاقٍ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فَطَلَّقَتْ بَائِنَةً، أَوْ أَمَرَهَا بِالْبَائِنِ فَطَلَّقَتْ رَجْعِيَّةً) (وَقَعَ مَا أَمَرَ بِهِ الزَّوْجُ) فَمَعْنَى الْأَوَّلِ أَنْ يَقُولَ لَهَا الزَّوْجُ: طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً أَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فَتَقُولُ: طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً بَائِنَةً فَتَقَعُ رَجْعِيَّةً لِأَنَّهَا أَتَتْ بِالْأَصْلِ وَزِيَادَةِ وَصْفٍ كَمَا ذَكَرْنَا فَيَلْغُو الْوَصْفُ وَيَبْقَى الْأَصْلُ، وَمَعْنَى الثَّانِي أَنْ يَقُولَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً بَائِنَةً فَتَقُولُ طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً فَتَقَعُ بَائِنَةً لِأَنَّ قَوْلَهَا وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً لَغْوٌ مِنْهَا لِأَنَّ الزَّوْجَ لَمَّا عَيَّنَ صِفَةَ الْمُفَوَّضِ إلَيْهَا فَحَاجَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى إيقَاعِ الْأَصْلِ دُونَ تَعْيِينِ الْوَصْفِ فَصَارَ كَأَنَّهَا اقْتَصَرَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْعَشَرَةِ الْمَوْجُودَةِ أَوْ الْمُتَصَوَّرَةِ، وَأَمَّا الثَّلَاثُ هَاهُنَا فَمَعْدُومٌ، وَالْوَاحِدُ الْمَوْجُودُ غَيْرُ الثَّلَاثِ الْمَعْدُومَةِ. فَإِنْ قِيلَ: سَلَّمْنَا الْمُغَايَرَةَ لَكِنْ إذَا قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك وَنَوَى الْوَاحِدَةَ وَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَقَعَتْ الْوَاحِدَةُ وَقَدْ أَتَتْ بِغَيْرِ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا إذْ الثَّلَاثُ غَيْرُ الْوَاحِدَةِ عَلَى مَا ذُكِرَ. أُجِيبَ بِأَنَّ التَّفْوِيضَ هُنَاكَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِشَيْءٍ، فَقَدْ يَكُونُ خَاصًّا وَقَدْ يَكُونُ عَامًّا، فَإِذَا نَوَى الْوَاحِدَةَ فَقَدْ قَصَدَ تَفْوِيضًا خَاصًّا وَهُوَ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِلظَّاهِرِ، فَلَمَّا أَوْقَعَتْ ثَلَاثًا فَقَدْ وَافَقَتْهُ فِيمَا هُوَ أَصْلُ التَّفْوِيضِ وَهُوَ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ الْوَاحِدَةِ فَتَقَعُ الْوَاحِدَةُ. (وَقَوْلُهُ وَإِنْ أَمَرَهَا بِطَلَاقٍ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ) ظَاهِرٌ، وَكَذَا قَوْلُهُ إنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا إنْ شِئْت لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ إنْ شِئْت إنْ شِئْت الثَّلَاثَ إذْ الشَّرْطُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ جَزَاءٍ،

عَلَى الْأَصْلِ فَيَقَعُ بِالصِّفَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا الزَّوْجُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا (وَإِنْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) لِأَنَّ مَعْنَاهُ إنْ شِئْت الثَّلَاثَ وَهِيَ بِإِيقَاعِ الْوَاحِدَةِ مَا شَاءَتْ الثَّلَاثَ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ (وَلَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِأَنَّ مَشِيئَةَ الثَّلَاثِ لَيْسَتْ بِمَشِيئَةٍ لِلْوَاحِدَةِ كَإِيقَاعِهَا (وَقَالَا: تَقَعُ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّ مَشِيئَةَ الثَّلَاثِ مَشِيئَةٌ لِلْوَاحِدَةِ، كَمَا أَنَّ إيقَاعَهَا إيقَاعٌ لِلْوَاحِدَةِ فَوُجِدَ الشَّرْطُ. (وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتِ فَقَالَتْ: شِئْتُ إنْ شِئْتَ فَقَالَ الزَّوْجُ: شِئْتُ يَنْوِي الطَّلَاقَ بَطَلَ الْأَمْرُ) لِأَنَّهُ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِالْمَشِيئَةِ الْمُرْسَلَةِ وَهِيَ أَتَتْ بِالْمُعَلَّقَةِ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ وَهُوَ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يَعْنِيهَا فَخَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِقَوْلِهِ شِئْت وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْمَرْأَةِ ذِكْرُ الطَّلَاقِ لِيَصِيرَ الزَّوْجُ شَائِيًا طَلَاقَهَا، وَالنِّيَّةُ لَا تَعْمَلُ فِي غَيْرِ الْمَذْكُورِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ أَوْ يُقَدَّرُ مِثْلُهُ مُتَأَخِّرًا، وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَةِ الثَّلَاثِ وَلَمْ تُوجَدْ بِمَشِيئَةِ الْوَاحِدَةِ، وَكَذَا عَكْسُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الشَّرْطَ مَشِيئَةُ الْوَاحِدَةِ وَمَشِيئَةُ الثَّلَاثِ لَيْسَتْ مَشِيئَةً لِلْوَاحِدَةِ، كَمَا أَنَّ إيقَاعَ الثَّلَاثِ لَيْسَ بِإِيقَاعٍ لِلْوَاحِدَةِ فِيمَا إذَا قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا، وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا ظَاهِرٌ. (وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت فَقَالَتْ شِئْت إنْ شِئْت فَقَالَ شِئْت يَنْوِي الطَّلَاقَ بَطَلَ الْأَمْرُ) وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ، وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ بِقَوْلِهِ شِئْت لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ بِهَذَا اللَّفْظِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ إذَا قَالَ شِئْت طَلَاقَك: أَيْ بِلَفْظِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْتَاجَ إلَى النِّيَّةِ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ كَلَامَهُ بِنَاءٌ عَلَى كَلَامِهَا وَلَيْسَ فِي كَلَامِهَا ذِكْرُ الطَّلَاقِ وَإِنَّمَا فِيهِ ذِكْرُ الْمَشِيئَةِ فَيَكُونُ شَائِيًا بِمَشِيئَتِهَا لَا بِطَلَاقِهَا، لَا يُقَالُ كَلَامُهَا مَبْنِيٌّ عَلَى كَلَامِهِ الْأَوَّلِ وَفِيهِ ذِكْرُ

حَتَّى لَوْ قَالَ: شِئْت طَلَاقَك يَقَعُ إذَا نَوَى لِأَنَّهُ إيقَاعٌ مُبْتَدَأٌ إذْ الْمَشِيئَةُ تُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَرَدْت طَلَاقَك لِأَنَّهُ لَا يُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالطَّلَاقِ لِأَنَّ كَلَامَهَا لَغَا بِالِاشْتِغَالِ بِمَا لَا يَعْنِيهَا فَيَلْغُو مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ قَوْلَهُ شِئْت طَلَاقَك قَدْ يَقْصِدُ وُجُودَهُ مِلْكًا وَقَدْ يَقْصِدُ وُجُودَهُ وُقُوعًا فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ لِتَعْيِينِ جِهَةِ الْوُجُودِ وُقُوعًا (وَقَوْلُهُ إذْ الْمَشِيئَةُ تُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ) قِيلَ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ فِي الْأَصْلِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الشَّيْءِ وَهُوَ اسْمٌ لِلْمَوْجُودِ، فَكَانَ قَوْلُهُ شِئْت بِمَنْزِلَةِ أَوْجَدْت وَإِيجَادُ الطَّلَاقِ بِإِيقَاعِهِ، بِخِلَافِ الْإِرَادَةِ فَإِنَّهَا فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الطَّلَبِ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْحُمَّى رَائِدُ الْمَوْتِ» أَيْ طَالِبُهُ، فَإِنْ قِيلَ: ذَهَبَ عُلَمَاؤُنَا فِي أُصُولِ الدِّينِ إلَى أَنَّ الْإِرَادَةَ وَالْمَشِيئَةَ وَاحِدَةٌ فَمَا هَذِهِ التَّفْرِقَةُ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا تَفْرِقَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعِبَادِ وَتَسْوِيَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ مَا شَاءَ اللَّهُ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ وَكَذَا

(وَكَذَا إذَا قَالَتْ شِئْتُ إنْ شَاءَ أَبِي أَوْ شِئْت إنْ كَانَ كَذَا لِأَمْرٍ لَمْ يَجِئْ بَعْدُ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَأْتِيَّ بِهِ مَشِيئَةٌ مُعَلَّقَةٌ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَبَطَلَ الْأَمْرُ (وَإِنْ قَالَتْ: قَدْ شِئْت إنْ كَانَ كَذَا لِأَمْرٍ قَدْ مَضَى طَلُقَتْ) لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِشَرْطٍ كَائِنٍ تَنْجِيزٌ. (وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْت أَوْ إذَا مَا شِئْت أَوْ مَتَى شِئْت أَوْ مَتَى مَا شِئْت فَرَدَّتْ الْأَمْرَ لَمْ يَكُنْ رَدًّا وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ) أَمَّا كَلِمَةُ مَتَى وَمَتَى مَا فَلِأَنَّهُمَا لِلْوَقْتِ وَهِيَ عَامَّةٌ فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا، كَأَنَّهُ قَالَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ رَدَّتْ الْأَمْرَ لَمْ يَكُنْ رَدًّا لِأَنَّهُ مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي شَاءَتْ فَلَمْ يَكُنْ تَمْلِيكًا ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا يُرِيدُهُ بِخِلَافِ الْعِبَادِ. وَقَوْلُهُ وَكَذَا إذَا قَالَتْ شِئْت إنْ شَاءَ أَبِي) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِأَمْرٍ كَائِنٍ تَنْجِيزٌ) قِيلَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَفَرَ مَنْ قَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ فَعَلَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ بُطْلَانَ الثَّانِي مَمْنُوعٌ، وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ نَقُولُ: هَذِهِ الْأَلْفَاظُ صَارَتْ كِنَايَةً عَنْ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى إذَا حَصَلَ التَّعْلِيقُ بِهَا بِفِعْلٍ مُسْتَقْبَلٍ، فَكَذَا إذَا حَصَلَ بِفِعْلٍ فِي الْمَاضِي تَحَامِيًا عَنْ تَكْفِيرِ الْمُسْلِمِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْت إلَخْ)

قَبْلَ الْمَشِيئَةِ حَتَّى يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ، وَلَا تُطَلِّقُ نَفْسَهَا إلَّا وَاحِدَةً لِأَنَّهَا تَعُمُّ الْأَزْمَانَ دُونَ الْأَفْعَالِ فَتَمْلِكُ التَّطْلِيقَ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَلَا تَمْلِكُ تَطْلِيقًا بَعْدَ تَطْلِيقٍ، وَأُمًّا كَلِمَةُ إذَا وَإِذَا مَا فَهُمَا وَمَتَى سَوَاءٌ عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ يُسْتَعْمَلُ لِلشَّرْطِ كَمَا يُسْتَعْمَلُ لِلْوَقْتِ لَكِنَّ الْأَمْرَ صَارَ بِيَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ. (وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا شِئْت فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ حَتَّى تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا) لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلَّمَا تُوجِبُ تَكْرَارَ الْأَفْعَالِ إلَّا أَنَّ التَّعْلِيقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمِلْكِ الْقَائِمِ (حَتَّى لَوْ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ) يَعْنِي لَوْ نَظَرْنَا إلَى كَوْنِهِ لِلشَّرْطِ يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا بِالْقِيَامِ كَمَا فِي قَوْلِهِ إنْ شِئْت، وَلَوْ نَظَرْنَا إلَى كَوْنِهِ لِلْوَقْتِ لَا يَخْرُجُ فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ) يَعْنِي فِي فَصْلِ إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا شِئْت) ظَاهِرٌ.

لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) لِأَنَّهُ مِلْكٌ مُسْتَحْدَثٌ (وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ) لِأَنَّهَا تُوجِبُ عُمُومَ الِانْفِرَادِ لَا عُمُومَ الِاجْتِمَاعِ فَلَا تَمْلِكُ الْإِيقَاعَ جُمْلَةً وَجَمْعًا (وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ حَيْثُ شِئْت أَوْ أَيْنَ شِئْت لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَشَاءَ، وَإِنْ قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا فَلَا مَشِيئَةَ لَهَا) لِأَنَّ كَلِمَةَ حَيْثُ وَأَيْنَ مِنْ أَسْمَاءِ الْمَكَانِ وَالطَّلَاقُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَكَانِ فَيَلْغُو وَيَبْقَى ذِكْرُ مُطْلَقِ الْمَشِيئَةِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ، بِخِلَافِ الزَّمَانِ لِأَنَّ لَهُ تَعَلُّقًا بِهِ حَتَّى يَقَعَ فِي زَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ عُمُومًا وَخُصُوصًا. (وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ كَيْفَ شِئْت طَلُقَتْ تَطْلِيقَةً يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ) وَمَعْنَاهُ قَبْلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (فَلَا تَمْلِكُ الْإِيقَاعَ جُمْلَةً وَجَمْعًا) قِيلَ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ. وَقِيلَ الْجُمْلَةُ هُوَ أَنْ تَقُولَ طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا، وَالْجَمْعُ أَنْ تَقُولَ طَلَّقْت وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ حَيْثُ شِئْت) ظَاهِرٌ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا لَغَا ذِكْرُ الْمَكَانِ. بَقِيَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ شِئْت فَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ دَخَلْت الدَّارَ فَإِنَّهُ يَقَعُ السَّاعَةَ. أُجِيبَ بِأَنَّ حَيْثُ وَأَيْنَ تُفِيدَانِ ضَرْبًا مِنْ التَّأْخِيرِ، وَحَرْفَ الشَّرْطِ أَيْضًا يُفِيدُ ضَرْبًا مِنْ التَّأْخِيرِ فَيَشْتَرِكَانِ فِي تَحْقِيقِ مَعْنَى التَّأْخِيرِ فَيُجْعَلَانِ مَجَازًا عَنْ حَرْفِ الشَّرْطِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا جُعِلَا مَجَازًا عَنْ حَرْفِ الشَّرْطِ لِمَاذَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ إذَا جُعِلَا مَجَازًا عَنْ حَرْفِ إنْ، وَأَمَّا إذَا جُعِلَا مَجَازًا عَنْ كَلِمَةِ إذَا أَوْ مَتَى فَلَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ عَنْهُ فَلِمَ لَمْ يُجْعَلْ مَجَازًا عَنْ كَلِمَةِ إذَا أَوْ مَتَى؟ أُجِيبَ بِأَنَّ جَعْلَهُمَا مَجَازًا عَنْ إنْ أَوْلَى لِمَا أَنَّهَا لِمَحْضِ الشَّرْطِ فَكَانَتْ أَصْلًا فِي الْبَابِ، وَالِاعْتِبَارُ بِالْأَصْلِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ، بِخِلَافِ الزَّمَانِ لِأَنَّ لِلطَّلَاقِ تَعَلُّقًا بِهِ لِوُقُوعِهِ فِي زَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ وَاقِعًا فِي مَكَان كَانَ وَاقِعًا فِي جَمِيعِ الْأَمْكِنَةِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ: أَيْ اعْتِبَارُ الزَّمَانِ خُصُوصًا، كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا أَوْ عُمُومًا كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت قَالَ (وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كَيْفَ شِئْت)

الْمَشِيئَةِ، فَإِنْ قَالَتْ: قَدْ شِئْت وَاحِدَةً بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثًا وَقَالَ الزَّوْجُ ذَلِكَ نَوَيْت فَهُوَ كَمَا قَالَ، لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ تَثْبُتُ الْمُطَابَقَةُ بَيْنَ مَشِيئَتِهَا وَإِرَادَتِهِ، أَمَّا إذَا أَرَادَتْ ثَلَاثًا وَالزَّوْجُ وَاحِدَةً بَائِنَةً أَوْ عَلَى الْقَلْبِ تَقَعُ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ لِأَنَّهُ لَغَا تَصَرُّفَهَا لِعَدَمِ الْمُوَافَقَةِ فَبَقِيَ إيقَاعُ الزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ تُعْتَبَرُ مَشِيئَتُهَا فِيمَا قَالُوا جَرْيًا عَلَى مُوجِبِ التَّخْيِيرِ (قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) ـــــــــــــــــــــــــــــQاخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِيمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كَيْفَ شِئْت هَلْ يَتَعَلَّقُ أَصْلُ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا أَوْ لَا، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَتَعَلَّقُ بَلْ تَقَعُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَا مَشِيئَةَ لَهَا إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَإِنْ دَخَلَ بِهَا وَقَعَتْ تَطْلِيقَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَالْمَشِيئَةُ إلَيْهَا فِي الْمَجْلِسِ بَعْدَ ذَلِكَ. ثُمَّ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَنْوِيَ الزَّوْجُ شَيْئًا أَوْ لَمْ يَنْوِ، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي اُعْتُبِرَتْ مَشِيئَتُهَا فِي الْكَمِّ وَالْكَيْفِ فِيمَا قَالُوا جَرْيًا عَلَى مُوجِبِ التَّخْيِيرِ. وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ، فَإِنْ اتَّفَقَتْ نِيَّتُهُ وَمَشِيئَتُهَا فَذَاكَ، وَإِنْ اخْتَلَفَا بِأَنْ شَاءَتْ بَائِنَةً وَالزَّوْجُ ثَلَاثًا أَوْ بِالْعَكْسِ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَقَالَا: لَا يَقَعُ شَيْءٌ لَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَا بَعْدَهُ حَتَّى تَشَاءَ، فَإِنْ شَاءَتْ أَوْقَعَتْ مَا شَاءَتْ مِنْ الرَّجْعِيِّ وَالْبَائِنِ وَالثَّلَاثِ لِأَنَّهُ فَوَّضَ التَّطْلِيقَ إلَيْهَا عَلَى أَيِّ صِفَةٍ شَاءَتْ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ كَيْفَ لِلسُّؤَالِ عَنْ الْحَالِ مُطْلَقًا فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْلِيقِ الْأَصْلِ بِمَشِيئَتِهَا لِتَثْبُتَ لَهَا الْمَشِيئَةُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ، كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت أَوْ حَيْثُ شِئْت أَوْ أَيْنَ شِئْت. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ كَلِمَةَ كَيْفَ لِطَلَبِ الْوَصْفِ لَا لِطَلَبِ الْأَصْلِ، يُقَالُ كَيْفَ أَصْبَحْت: أَيْ عَلَى أَيِّ وَصْفٍ مِنْ الصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَكَانَ التَّفْوِيضُ فِي وَصْفِ الطَّلَاقِ، وَالتَّفْوِيضُ فِي وَصْفِهِ يَسْتَدْعِي وُجُودَ أَصْلِهِ، وَإِلَّا لَكَانَ كَيْفَ لِطَلَبِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَوُجُودُ الطَّلَاقِ بِوُقُوعِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَهَاهُنَا سُؤَالٌ مَشْهُورٌ وَهُوَ أَنَّ الْمَعْقُولَ أَنْ لَا يَحْتَاجَ إلَى نِيَّةِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَيْهَا وَجَبَ أَنْ تَسْتَقِلَّ بِإِثْبَاتِ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا اعْتِبَارًا بِعَامَّةِ التَّفْوِيضَاتِ. وَجَوَابُهُ أَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهَا حَالَ الطَّلَاقِ وَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْكَمِّ وَالْكَيْفِ: يَعْنِي الْعَدَدَ وَالْبَيْنُونَةَ فَيَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ لِتَعْيِينِ أَحَدِهِمَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَجْعَلَ الطَّلَاقَ بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ نَاقِلًا عَنْ الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ: وَقَدْ رَاجَعْت الْفُحُولَ فِي جَوَابِ هَذَا الْإِشْكَالِ فَمَا قَرَعَ سَمْعِي جَوَابُهُ فَيَجِبُ التَّعْوِيلُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا مُنَاسَبَةَ لِهَذَا التَّفْوِيضِ لِعَامَّةِ التَّفْوِيضَاتِ إلَّا فِي كَوْنِهِ تَفْوِيضًا وَذَلِكَ لَيْسَ بِجَامِعٍ لِوُجُودِ الْفَارِقِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُفَوِّضَ هَاهُنَا مُتَنَوِّعٌ دُونَهَا فَيَكُونُ فِي وُجُوبِ التَّعْوِيلِ نَظَرٌ. تَوْضِيحُهُ أَنَّ الْمُتَأَخِّرَ إلَى الْمَشِيئَةِ مَا عُلِّقَ بِهَا وَالتَّعْلِيقُ بِالْمَشِيئَةِ إنَّمَا حَصَلَ

وَقَالَ فِي الْأَصْلِ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ مَا لَمْ تُوقِعْ الْمَرْأَةُ فَتَشَاءُ رَجْعِيَّةً أَوْ بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثًا) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْعَتَاقُ لَهُمَا أَنَّهُ فَوَّضَ التَّطْلِيقَ إلَيْهَا عَلَى أَيِّ صِفَةٍ شَاءَتْ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْلِيقِ أَصْلِ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا لِتَكُونَ لَهَا الْمَشِيئَةُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ: أَعْنِي قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ كَلِمَةَ كَيْفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِكَلِمَةِ كَيْفَ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْهُ وَهِيَ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْأَصْلِ أَصْلًا فَيَكُونُ مُنَجِّزًا أَصْلَ الطَّلَاقِ وَمُفَوِّضًا لِوَصْفِهِ الْمُتَنَوِّعِ. وَتَفْوِيضُ وَصْفِ الشَّيْءِ مُبْهَمًا قَبْلَ وُجُودِ الْأَصْلِ مُمْتَنِعٌ إلَّا أَنَّ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا لَا أَثَرَ لِمَشِيئَةِ الْوَصْفِ بَعْدَ وُقُوعِ الْأَصْلِ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ فَيَلْغُو تَفْوِيضُ الصِّفَةِ إلَى مَشِيئَتِهَا، وَفِي الْمَوْطُوءَةِ الْمَحَلُّ بَاقٍ بَعْدَ وُجُودِ الْأَصْلِ فَلَهَا الْمَشِيئَةُ بَعْدَ وُقُوعِهِ. وَقَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْعَتَاقُ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ كَيْفَ شِئْت عَتَقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا حَالَ لِلْعِتْقِ يُفَوَّضُ إلَيْهِ. وَعِنْدَهُمَا لَا يَعْتِقُ حَتَّى يَشَاءَ وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْكِتَابِ (قَالَ فِي الْأَصْلِ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ) لِأَنَّ مَا أَوْرَدَهُ فِي الْأَصْلِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ قَوْلِهِمَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الرِّوَايَةَ فِيهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةِ لَا غَيْرُ فَذَكَرَهُ لِيَتَبَيَّنَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إنَّمَا هُوَ قَوْلُهُ لَا قَوْلُهُمَا بِدَلِيلِ

لِلِاسْتِيصَافِ، يُقَالُ كَيْفَ أَصْبَحْت وَالتَّفْوِيضُ فِي وَصْفِهِ يَسْتَدْعِي وُجُودَ أَصْلِهِ وَوُجُودَ الطَّلَاقِ بِوُقُوعِهِ. (وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ كَمْ شِئْت أَوْ مَا شِئْت طَلَّقَتْ نَفْسَهَا مَا شَاءَتْ) لِأَنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ لِلْعَدَدِ فَقَدْ فَوَّضَ إلَيْهَا أَيَّ عَدَدٍ شَاءَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ. (وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ كَمْ شِئْت أَوْ مَا شِئْت طَلَّقَتْ نَفْسَهَا مَا شَاءَتْ) ذَكَرَ فِي أَصْلِ رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إنْ شَاءَتْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا مَا لَمْ تَقُمْ مِنْ مَجْلِسِهَا، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُبَاحُ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَالزَّوْجُ لَا يَسَعُهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إنْ شَاءَتْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا مَشِيئَةَ الْقُدْرَةِ لَا مَشِيئَةَ الْإِبَاحَةِ: يَعْنِي أَنَّهَا تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ لَهَا فِي التَّخْيِيرِ. وَوَجْهُ الِاخْتِصَاصِ اضْطِرَارُهَا، فَإِنَّ التَّفْرِيقَ يُخْرِجُ الْأَمْرَ مِنْ يَدِهَا. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُمَا يَعْنِي كَمْ وَمَا يُسْتَعْمَلَانِ لِلْعَدَدِ فَقَدْ فَوَّضَ إلَيْهَا أَيَّ عَدَدٍ شَاءَتْ) فَإِنْ قِيلَ: هَذَا فِي " كَمْ " مُسَلَّمٌ، وَأَمَّا فِي " مَا " فَهِيَ مُسْتَعْمَلَةٌ لِلْوَقْتِ كَمَا تُسْتَعْمَلُ لِلْعَدَدِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 31] فَقَدْ وَقَعَ الشَّكُّ فِي تَفْوِيضِ الْعَدَدِ إلَيْهَا فَلَا يَثْبُتُ الْعَدَدُ بِالشَّكِّ. أُجِيبَ بِأَنَّ جَانِبَ الْعَدَدِ مُرَجَّحٌ بِأَصْلٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ هَذَا تَفْوِيضٌ بِمَعْنَى التَّمْلِيكِ لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ إلَى الْمَرْأَةِ أَمْرَ نَفْسِهَا وَالتَّمْلِيكَاتُ تَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ أَنْ لَوْ كَانَتْ مَعْمُولَةً بِمَعْنَى الْعَدَدِ لَا بِمَعْنَى الْوَقْتِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءِ الْمَجْلِسِ فَتَعَارَضَ جِهَتَا التَّرْجِيحِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ، وَالْأَوَّلُ كَالْأَصْلِ فَالتَّرْجِيحُ بِهِ أَوْلَى

(فَإِنْ قَامَتْ مِنْ الْمَجْلِسِ بَطَلَ، وَإِنْ رَدَّتْ الْأَمْرَ كَانَ رَدًّا) لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ وَاحِدٌ وَهُوَ خِطَابٌ فِي الْحَالِ فَيَقْتَضِي الْجَوَابَ فِي الْحَالِ. (وَإِنْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك مِنْ ثَلَاثٍ مَا شِئْت فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَلَا تُطَلِّقَ ثَلَاثًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا: تُطَلِّقُ ثَلَاثًا إنْ شَاءَتْ) لِأَنَّ كَلِمَةَ مَا مُحْكَمَةٌ فِي التَّعْمِيمِ وَكَلِمَةَ مَنْ قَدْ تُسْتَعْمَلُ لِلتَّمْيِيزِ فَحُمِلَ عَلَى تَمْيِيزِ الْجِنْسِ، كَمَا إذَا قَالَ: كُلْ مِنْ طَعَامِي مَا شِئْت أَوْ طَلِّقْ مِنْ نِسَائِي مَنْ شَاءَتْ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ كَلِمَةَ مِنْ حَقِيقَةٌ لِلتَّبْعِيضِ وَمَا لِلتَّعْمِيمِ فَعُمِلَ بِهِمَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ قَامَتْ عَنْ الْمَجْلِسِ بَطَلَ الْأَمْرُ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ تَمْلِيكٌ وَالتَّمْلِيكُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ (وَإِنْ رَدَّتْ الْأَمْرَ كَانَ رَدًّا لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ وَاحِدٌ) إذْ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّكْرَارِ، قِيلَ هُوَ احْتِرَازٌ عَنْ كُلَّمَا، وَكُلُّ مَا هُوَ أَمْرٌ وَاحِدٌ يَقْتَضِي جَوَابًا وَاحِدًا لِيَكُونَ الْجَوَابُ مُطَابِقًا لِلسُّؤَالِ وَذَلِكَ الْجَوَابُ الْوَاحِدُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْحَالِ، إذْ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْوَقْتِ مُرَادًا. قِيلَ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ إذَا وَمَتَى وَالْخِطَابُ فِي الْحَالِ يَقْتَضِي الْجَوَابَ فِي الْحَالِ لِمَا قُلْنَا، فَإِذَا رَدَّتْ الْأَمْرَ فَقَدْ حَصَلَ الْجَوَابُ فِي الْحَالِ وَلَا جَوَابَ بَعْدَهُ لِعَدَمِ التَّكْرَارِ،. وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك مِنْ ثَلَاثٍ مَا شِئْت، فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ دُونَ الثَّلَاثِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ ثَلَاثًا (لِأَنَّ كَلِمَةَ مَا مُحْكَمَةٌ فِي التَّعْمِيمِ وَكَلِمَةَ مَنْ قَدْ تَكُونُ لِلتَّمْيِيزِ) يَعْنِي لِلْبَيَانِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} [الحج: 30] وَقَدْ تَكُونُ لِلتَّبْعِيضِ وَقَدْ تَكُونُ لِغَيْرِهِمَا كَمَا عُرِفَ ذَلِكَ فَاجْتَمَعَ فِي كَلَامِهِ الْمُحْكَمُ وَالْمُحْتَمَلُ فَيُحْمَلُ الْمُحْتَمَلُ عَلَى الْمُحْكَمِ وَيُجْعَلُ بَيَانًا (كَمَا إذَا قَالَ كُلْ مِنْ طَعَامِي مَا شِئْت أَوْ طَلُقَ مِنْ نِسَائِي مَنْ شَاءَتْ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ كَلِمَةَ مَنْ حَقِيقَةٌ لِلتَّبْعِيضِ وَمَا لِلتَّعْمِيمِ وَالْعَمَلُ بِهِمَا مُمْكِنٌ) مِنْ حَيْثُ أَنْ يُجْعَلَ الْمُرَادُ بَعْضًا عَامًّا، وَالثِّنْتَانِ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَاحِدَةِ عَامٌّ وَبِالنِّسْبَةِ

وَفِيمَا اسْتَشْهَدَا بِهِ تَرْكُ التَّبْعِيضِ بِدَلَالَةِ إظْهَارِ السَّمَاحَةِ أَوْ لِعُمُومِ الصِّفَةِ وَهِيَ الْمَشِيئَةُ، حَتَّى لَوْ قَالَ: مَنْ شِئْت كَانَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى الثَّلَاثِ بَعْضٌ. فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى هَذَا لَا يَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَامٍّ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُهُ دَلَالَةً، وَإِذَا كَانَ الْعَمَلُ بِهِمَا مُمْكِنًا لَا يُهْمَلُ أَحَدُهُمَا (وَفِيمَا اُسْتُشْهِدَ بِهِ تَرْكُ التَّبْعِيضِ) بِدَلِيلٍ خَارِجِيٍّ (وَهُوَ إظْهَارُ السَّمَاحَةِ أَوْ لِعُمُومِ الصِّفَةِ وَهِيَ الْمَشِيئَةُ) فَإِنَّ النَّكِرَةَ إذَا اتَّصَفَتْ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ تَعُمُّ لِمَا عُرِفَ وَهَاهُنَا كَذَلِكَ (حَتَّى لَوْ قَالَ مَنْ شِئْت كَانَ عَلَى الْخِلَافِ)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقِيلَ ثُمَّ إنَّهَا إنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا لَا يَقَعُ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهَا الْوَاحِدَةُ إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا لَا يَقَعُ، فَكَذَا الَّتِي فُوِّضَ إلَيْهَا ثِنْتَانِ إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا لَا يَقَعُ وَقَدْ مَرَّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[باب الأيمان في الطلاق]

(وَإِذَا أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى النِّكَاحِ وَقَعَ عَقِيبَ النِّكَاحِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَةٍ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يَقَعُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْأَيْمَانِ فِي الطَّلَاقِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ تَنْجِيزِ الطَّلَاقِ صَرِيحًا وَكِنَايَةً أَعْقَبَهُ بِذِكْرِ بَيَانِ تَعْلِيقِهِ لِكَوْنِهِ مُرَكَّبًا مِنْ ذِكْرِ الطَّلَاقِ وَالشَّرْطِ، وَالْمُرَكَّبُ مُؤَخَّرٌ عَنْ الْمُفْرَدِ. وَالْيَمِينُ فِي الطَّلَاقِ عِبَارَةٌ عَنْ تَعْلِيقِهِ بِأَمْرٍ بِمَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الشَّرْطِ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ شَرْطٌ وَجَزَاءٌ، سُمِّيَ يَمِينًا مَجَازًا لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى السَّبَبِيَّةِ. إضَافَةُ مَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ فِي الشَّرْطِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالظِّهَارِ إلَى الْمِلْكِ جَائِزَةٌ سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى الْخُصُوصِ، كَمَا إذَا قَالَ لِامْرَأَةٍ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ عَلَى الْعُمُومِ كَقَوْلِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُ فِي الظِّهَارِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَصِحُّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ» رُوِيَ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً فَأَبَى أَوْلِيَاؤُهَا أَنْ يُزَوِّجُوهَا مِنْهُ، فَقَالَ: إنْ نَكَحْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ» وَلَنَا أَنَّ هَذَا تَصَرُّفُ يَمِينٍ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ،

وَلَنَا أَنَّ هَذَا تَصَرُّفُ يَمِينٍ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ فَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ قِيَامُ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ لِأَنَّ الْوُقُوعَ عِنْدَ الشَّرْطِ وَالْمِلْكُ مُتَيَقَّنٌ بِهِ عِنْدَهُ وَقَبْلَ ذَلِكَ أَثَرُهُ الْمَنْعُ وَهُوَ قَائِمٌ بِالْمُتَصَرِّفِ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ التَّنْجِيزِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ قِيَامُ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ لِأَنَّ الْوُقُوعَ عِنْدَ الشَّرْطِ إذْ الْعِلَّةُ لَيْسَتْ بِعِلَّةٍ فِي الْحَالِ عِنْدَنَا كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ (وَالْمِلْكُ مُتَيَقَّنٌ بِهِ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَإِذَا كَانَ مُتَيَقَّنًا بِهِ عِنْدَهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَهُوَ الْعِلَّةُ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمَلْفُوظِ لَدَى الشَّرْطِ، وَانْتِفَاءُ الْمَانِعِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ مَنْقُوضٌ بِقَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ تَصَرُّفُ يَمِينٍ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، وَقِيَامُ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمِلْكَ مُتَيَقَّنٌ بِهِ عِنْدَ الشَّرْطِ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى اشْتِرَاطِهِ فِي الْحَالِ، بِخِلَافِ صُورَةِ النَّقْضِ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ فِيهَا ذَلِكَ عَرِيَتْ عَنْ الْمِلْكِ ظَاهِرًا لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ مَا يَحْدُثُ فَضْلًا عَنْ التَّيَقُّنِ بِهِ، وَهَذَا جَوَابٌ بِالْفَرْقِ وَالْمُصَنِّفُ قَائِلٌ بِهِ. وَقَوْلُهُ (وَقَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ وَقَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ أَثَرُهُ الْمَنْعُ وَهُوَ قَائِمٌ بِالْمُتَصَرِّفِ لِأَنَّهُ يَمِينٌ وَمَحَلُّهُ ذِمَّةُ الْحَالِفِ فَلَا يَكُونُ شَرْطًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَمَجَالُ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاسِعٌ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْأَنْوَارِ وَالتَّقْرِيرِ. وَقَوْلُهُ (وَالْحَدِيثُ) يَعْنِي مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ التَّنْجِيزِ، فَإِنَّ الْمُنَجَّزَ هُوَ الطَّلَاقُ حَقِيقَةً لَا الْمُعَلَّقُ

وَالْحَمْلُ مَأْثُورٌ عَنْ السَّلَفِ كَالشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِمَا (وَإِذَا أَضَافَهُ إلَى شَرْطٍ وَقَعَ عَقِيبَ الشَّرْطِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ) وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَائِمٌ فِي الْحَالِ، وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ إلَى وَقْتِ وُجُودِ الشَّرْطِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَحْقِيقُهُ أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ كَوْنِ ذَلِكَ طَلَاقًا فَقَالَ «لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ» وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِالنِّكَاحِ جَائِزٌ أَوْ لَيْسَ بِجَائِزٍ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ أَوْ إثْبَاتِهِ (وَالْحَمْلُ عَلَى التَّنْجِيزِ مَأْثُورٌ عَنْ السَّلَفِ كَالشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِمَا) كَمَكْحُولٍ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (وَإِذَا أَضَافَهُ إلَى شَرْطٍ وَقَعَ عَقِيبَ الشَّرْطِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَائِمٌ فِي الْحَالِ، وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ إلَى وَقْتِ الشَّرْطِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الشَّيْءِ عَلَى مَا كَانَ وَهُوَ اسْتِصْحَابُ الْحَالِ. لَا يُقَالُ:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُحْتَاجُ إلَيْهِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ عِنْدَ الشَّرْطِ، وَالِاسْتِصْحَابُ حُجَّةٌ دَافِعَةٌ لَا مُثْبِتَةٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِصْحَابَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِإِثْبَاتِ مَا لَمْ يَكُنْ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ.

فَيَصِحُّ يَمِينًا أَوْ إيقَاعًا (وَلَا تَصِحُّ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ مَالِكًا أَوْ يُضِيفَهُ إلَى مِلْكٍ) لِأَنَّ الْجَزَاءَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا لِيَكُونَ مُخِيفًا فَيَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ الْقُوَّةُ وَالظُّهُورُ بِأَحَدِ هَذَيْنِ، وَالْإِضَافَةُ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ بِمَنْزِلَةِ الْإِضَافَةِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ عِنْدَ سَبَبِهِ (فَإِنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَدَخَلَتْ الدَّارَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَيَصِحُّ يَمِينًا) يَعْنِي عِنْدَنَا عَلَى مَا مَرَّ (أَوْ إيقَاعًا) يَعْنِي عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّ عِنْدَهُ كَوْنَهُ طَلَاقًا مُعَلَّقٌ لَا التَّطْلِيقُ فَكَانَ إيقَاعًا فِي الْحَالِ وَلَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ حُكْمُهُ (وَلَا تَصِحُّ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ مَالِكًا) لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (أَوْ يُضِيفُهُ إلَى مِلْكٍ لِأَنَّ الْجَزَاءَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا) أَيْ غَالِبَ الْوُجُودِ (وَالظُّهُورُ بِأَحَدِ هَذَيْنِ) الْأَمْرَيْنِ، أَمَّا أَنَّ الْجَزَاءَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا (فَلِيَكُونَ مُخِيفًا بِوُقُوعِهِ فَيَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ الْقُوَّةُ) فَإِنَّ الْحَامِلَ عَلَى الْحَمْلِ أَوْ الْمَنْعِ اللَّذَيْنِ عُقِدَ الْيَمِينُ لِأَجْلِهِمَا هُوَ قُوَّةُ خَوْفِ نُزُولِ الْجَزَاءِ، وَالْخَوْفُ إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ الْجَزَاءُ غَالِبَ الْوُجُودِ عِنْدَ الشَّرْطِ، وَأَمَّا أَنَّ ظُهُورَهُ بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ فَلِأَنَّهُ إذَا انْعَدَمَ مَا انْعَدَمَ الْخَوْفُ فَانْعَدَمَ مَعْنَى الْيَمِينِ: أَعْنِي الْحَمْلَ أَوْ الْمَنْعَ (وَالْإِضَافَةُ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ) كَقَوْلِهِ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ (بِمَنْزِلَةِ الْإِضَافَةِ إلَى الْمِلْكِ) كَقَوْلِهِ إنْ مَلَكْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْجَزَاءَ (ظَاهِرٌ عِنْدَ سَبَبِهِ) يَعْنِي سَبَبَ الْمِلْكِ (قَوْلُهُ فَإِنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا مُهِّدَ مِنْ الْأَصْلِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَدَّرَ تَزَوَّجْتُك حَتَّى

[ألفاظ الشرط]

لَمْ تَطْلُقْ) لِأَنَّ الْحَالِفَ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا أَضَافَهُ إلَى الْمِلْكِ أَوْ سَبَبِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (وَأَلْفَاظُ الشَّرْطِ إنْ وَإِذَا وَإِذَا مَا ـــــــــــــــــــــــــــــQيَئُولَ مَعْنَاهُ إنْ تَزَوَّجْتُك وَدَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ صِيَانَةً عَنْ الْإِلْغَاءِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِعْلَ الْيَمِينِ مِمَّا يُذَمُّ بِهِ فَلَا يَجُوزُ تَصْحِيحُ قَوْلِهِ عَلَى وَجْهٍ يُؤَدِّي إلَى مَذَمَّتِهِ، كَذَا قَالَ عَامَّةُ الشَّارِحِينَ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ لَيْسَ بِيَمِينٍ حَقِيقَةً. وَلَئِنْ كَانَ فَقَدْ يَقَعُ فِيمَا يَكُونُ مَحْمُودًا شَرْعًا، كَمَا إذَا قَالَ إنْ اشْتَرَيْتُك وَدَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الشَّرْعِ عِنَايَةً بِوُقُوعِ الْحُرِّيَّةِ. وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: الْمُقَدَّرُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَحْذُوفًا أَوْ مُقْتَضًى، وَلَيْسَ بِمَحْذُوفٍ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ لَيْسَ بِمُتَوَقِّفٍ عَلَيْهِ لُغَةً وَلَا مُقْتَضَى لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ الْمُقَدَّرُ أَحَطَّ رُتْبَةً مِنْ الْمَذْكُورِ وَأَنْ لَا يَتَغَيَّرَ الْمَذْكُورُ عِنْدَ التَّصْرِيحِ بِالْمُقَدَّرِ، وَالشَّرْطَانِ مُنْتَفِيَانِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ أَعْلَى رُتْبَةً مِنْ دُخُولِ الدَّارِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الشَّرْطَ قَبْلَ التَّصْرِيحِ دُخُولُ الدَّارِ وَحْدَهُ وَبَعْدَهُ التَّزَوُّجُ وَالدُّخُولُ، فَمَا كَانَ شَرْطًا صَارَ بَعْضَهُ وَمَوْضِعُهُ أُصُولُ الْفِقْهِ. [أَلْفَاظُ الشَّرْطِ] (قَالَ وَأَلْفَاظُ الشَّرْطِ) عَبَّرَ بِأَلْفَاظِ الشَّرْطِ وَلَمْ يَقُلْ حُرُوفَ الشَّرْطِ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ لِأَنَّ عَامَّتَهَا أَسْمَاءٌ، وَلَمْ يُورِدْ

وَكُلُّ وَكُلَّمَا وَمَتَى وَمَتَى مَا) لِأَنَّ الشَّرْطَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْعَلَامَةِ، وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ مِمَّا تَلِيهَا أَفْعَالٌ فَتَكُونُ عَلَامَاتٍ عَلَى الْحِنْثِ، ثُمَّ كَلِمَةُ إنْ حَرْفٌ لِلشَّرْطِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَعْنَى الْوَقْتِ وَمَا وَرَاءَهَا مُلْحَقٌ بِهَا، وَكَلِمَةُ كُلٍّ لَيْسَتْ شَرْطًا حَقِيقَةً لِأَنَّ مَا يَلِيهَا اسْمٌ وَالشَّرْطُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْجَزَاءُ وَالْأَجْزِيَةُ تَتَعَلَّقُ بِالْأَفْعَالِ إلَّا أَنَّهُ أُلْحِقَ بِالشَّرْطِ لِتَعَلُّقِ الْفِعْلِ بِالِاسْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَدَ حَرْفَيْ الشَّرْطِ وَضْعًا وَهُوَ لَوْ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: لِأَنَّ كَلِمَةَ لَوْ تَعْمَلُ عَمَلَ الشَّرْطِ مَعْنًى لَا لَفْظًا، وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ تَعْمَلُ عَمَلَهُ لَفْظًا وَمَعْنًى، فَإِنَّهَا فِي مَوَاضِعِ الْجَزْمِ تَجْزِمُ وَفِي غَيْرِ مَوَاضِعِ الْجَزْمِ لَزِمَ دُخُولُ الْفَاءِ فِي جَزَائِهِنَّ، بِخِلَافِ كَلِمَةِ لَوْ، وَهَذَا لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي عِلْمِ الْفِقْهِ. وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ التَّعْلِيقَ يَمِينٌ تُعْقَدُ لِلْحَمْلِ أَوْ الْمَنْعِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَوْ مَوْضُوعَةٌ لِامْتِنَاعِ الشَّيْءِ لِامْتِنَاعِ غَيْرِهِ فِي الْمَاضِي فَأَنَّى لَهُ مَدْخَلٌ فِي ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الشَّرَطَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْعَلَامَةِ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ: الشَّرَطُ بِالتَّحْرِيكِ الْعَلَامَةُ، وَأَشْرَاطُ السَّاعَةِ عَلَامَاتُهَا، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَعْنَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الشَّرَطَ مُشْتَقٌّ مِنْ الشَّرَطِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْعَلَامَةِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالِاشْتِقَاقِ هُوَ الِاشْتِقَاقُ الْكَبِيرُ، وَهُوَ أَنْ تَجِدَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ تَنَاسُبًا فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، وَلَيْسَ بَيْنَ الشَّرَطِ وَالْعَلَامَةِ تَنَاسُبٌ لَفْظِيٌّ فَيُقَدَّرُ ذَلِكَ لِيَسْتَقِيمَ. وَقَوْلُهُ (وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ مِمَّا تَلِيهَا الْأَفْعَالُ) يَعْنِي غَيْرَ كَلِمَةِ كُلٍّ فَإِنَّهُ يُذْكَرُ فِيمَا

الَّذِي يَلِيهَا مِثْلُ قَوْلِك كُلُّ عَبْدٍ اشْتَرَيْتُهُ فَهُوَ حُرٌّ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: ـــــــــــــــــــــــــــــQيَلِيهَا اسْمٌ، وَفِي كَلَامِهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ عَلَى الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ طَرِيقَ مَعْرِفَتِهَا وَإِنَّمَا طَرِيقُ ذَلِكَ السَّمَاعُ، وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ سُمِعَتْ مُسْتَعْمَلَةً فِي مَوْضِعِ الشَّرْطِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِدْلَالِ، وَلَئِنْ صَحَّ الِاسْتِدْلَال فَدَلِيلُهُ هَاهُنَا لَا يُفِيدُ مَطْلُوبَهُ لِأَنَّ مَطْلُوبَهُ أَنَّ هَذِهِ أَلْفَاظُ الشَّرْطِ وَدَلِيلُهُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْعَلَامَةِ وَهُوَ مُسَلَّمٌ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَرَّرْنَاهُ، وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ مِمَّا يَلِيهَا الْأَفْعَالُ، وَهَذَا أَيْضًا مُسَلَّمٌ لَكِنَّ قَوْلَهُ فَتَكُونُ عَلَامَاتٍ عَلَى الْحِنْثِ لَيْسَ

(فَفِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ انْحَلَّتْ وَانْتَهَتْ الْيَمِينُ) لِأَنَّهَا غَيْرُ مُقْتَضِيَةٍ لِلْعُمُومِ وَالتَّكْرَارِ لُغَةً، فَبِوُجُودِ الْفِعْلِ مَرَّةً يَتِمُّ الشَّرْطُ وَلَا بَقَاءَ لِلْيَمِينِ بِدُونِهِ (إلَّا فِي كُلَّمَا فَإِنَّهَا تَقْتَضِي تَعْمِيمَ الْأَفْعَالِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} [النساء: 56] الْآيَةُ وَمِنْ ضَرُورَةِ التَّعْمِيمِ التَّكْرَارُ. قَالَ (فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ وَتَكَرَّرَ الشَّرْطُ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِلَازِمٍ لِلْمُقَدَّمَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (إلَّا فِي كُلَّمَا فَإِنَّهَا تَقْتَضِي تَعْمِيمَ الْأَفْعَالِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} [النساء: 56] الْآيَةَ) ،. (وَمِنْ ضَرُورَةِ التَّعْمِيمِ التَّكْرَارُ) فِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ

لِأَنَّ بِاسْتِيفَاءِ الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ الْمَمْلُوكَاتِ فِي هَذَا النِّكَاحِ لَمْ يَبْقَ الْجَزَاءُ وَبَقَاءُ الْيَمِينِ بِهِ وَبِالشَّرْطِ. وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَسَنُقَرِّرُهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلَوْ دَخَلَتْ عَلَى نَفْسِ التَّزَوُّجِ بِأَنْ قَالَ: كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ يَحْنَثُ بِكُلِّ مَرَّةٍ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ) لِأَنَّ انْعِقَادَهَا بِاعْتِبَارِ مَا يَمْلِكُ عَلَيْهَا مِنْ الطَّلَاقِ بِالتَّزَوُّجِ وَذَلِكَ غَيْرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَدَّ كَلِمَةَ كُلٍّ مِنْ أَلْفَاظِ الشَّرْطِ وَعِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَمْ يَنْتَهِ الْيَمِينُ، فَإِنَّ مَنْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً طَلُقَتْ، وَلَوْ تَزَوَّجَ أُخْرَى طَلُقَتْ كَذَلِكَ، فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَقُولَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ إلَّا فِي كُلٍّ وَكُلَّمَا. وَالثَّانِي أَنَّهُ قَالَ وَمِنْ ضَرُورَةِ التَّعْمِيمِ التَّكْرَارُ، وَالتَّعْمِيمُ فِي كَلِمَةِ كُلٍّ مَوْجُودٌ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا وَلَا تَكْرَارَ فِيهِ، حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ الَّتِي طَلُقَتْ ثَانِيًا لَمْ يَقَعْ الْجَزَاءُ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ شَرْطِيَّةَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ إنَّمَا هِيَ بِاعْتِبَارِ مَا يَلِيهَا مِنْ الْأَفْعَالِ لِأَنَّ الْخَطَرَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِاعْتِبَارِهِ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ قَدْ انْتَهَتْ الْيَمِينُ، وَلِهَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا لَمْ تَطْلُقْ، وَعَدَمُ الِانْتِهَاءِ بِاعْتِبَارِ عُمُومِ الْأَسْمَاءِ لَمْ يَنْشَأْ مِنْ مَنْشَأِ الشَّرْطِ فَلَا يَكُونُ مُنَاقِضًا. وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ وَمِنْ ضَرُورَةِ التَّعْمِيمِ تَعْمِيمُ الْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ، وَالتَّعْمِيمُ فِي الْأَفْعَالِ إنَّمَا يَكُونُ بِتَجَدُّدِ الْأَفْعَالِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالتَّكْرَارِ، فَإِذَا قَالَ كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الثَّلَاثِ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ وَتَكَرَّرَ الشَّرْطُ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ لِأَنَّ الْجَزَاءَ طَلْقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ وَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْهَا، وَبَقَاءُ الْيَمِينِ بِبَقَاءِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ فَإِذَا انْتَفَى الْجَزَاءُ يَنْتَفِي الْكُلُّ، وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ وَسَيَجِيءُ (وَلَوْ دَخَلَتْ عَلَى نَفْسِ التَّزَوُّجِ بِأَنْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ يَحْنَثُ بِكُلِّ مَرَّةٍ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ انْعِقَادَهَا بِاعْتِبَارِ مَا يَمْلِكُ عَلَيْهَا مِنْ الطَّلَاقِ بِالتَّزَوُّجِ) وَهُوَ غَيْرُ

مَحْصُورٍ. قَالَ (وَزَوَالُ الْمِلْكِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يُبْطِلُهَا) لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ فَبَقِيَ وَالْجَزَاءُ بَاقٍ لِبَقَاءِ مَحَلِّهِ فَبَقِيَ الْيَمِينُ (ثُمَّ إنْ وُجِدَ الشَّرْطُ فِي مِلْكِهِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ) لِأَنَّهُ وُجِدَ الشَّرْطُ وَالْمَحَلُّ قَابِلٌ لِلْجَزَاءِ فَيَنْزِلُ الْجَزَاءُ وَلَا تَبْقَى الْيَمِينُ لِمَا قُلْنَا (وَإِنْ وُجِدَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ (وَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّيَّةِ. (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الشَّرْطِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ إلَّا أَنْ تُقِيمَ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ) لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ وَهُوَ عَدَمُ الشَّرْطِ، وَلِأَنَّهُ يُنْكِرُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ وَزَوَالَ الْمِلْكِ وَالْمَرْأَةُ تَدَّعِيهِ (فَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي حَقِّ نَفْسِهَا مِثْلُ أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَحْصُورٍ. قَالَ (وَزَوَالُ الْمِلْكِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يُبْطِلُهَا) إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ ثُمَّ أَبَانَهَا لَمْ يَبْطُلْ الْيَمِينُ لِمَا مَرَّ أَنَّ بَقَاءَ الْيَمِينِ بِالشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ. وَالْفَرْضُ أَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يُوجَدْ فَهُوَ بَاقٍ، وَالْجَزَاءُ أَيْضًا بَاقٍ لِبَقَاءِ الْمَحَلِّ وَهُوَ الْمَرْأَةُ فَتَبْقَى الْيَمِينُ كَمَا كَانَتْ فِي مَحَلِّهِ وَهِيَ ذِمَّةُ الْحَالِفِ. فَإِنْ قِيلَ: سَلَّمْنَا أَنَّ مَحَلَّ الْجَزَاءِ بَاقٍ وَلَكِنْ مِنْ شَرْطِ وُقُوعِهِ الْمِلْكُ وَلَيْسَ بِمَوْجُودٍ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْكَلَامَ لَيْسَ فِي الْوُقُوعِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي بَقَائِهِ يَمِينًا وَالْيَمِينُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْمِلْكِ ابْتِدَاءً بِدَلِيلِ جَوَازِ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَفِي الْبَقَاءِ أَوْلَى إذْ الْبَقَاءُ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُوجَدَ الشَّرْطُ فِي الْمِلْكِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ أَوْ فِي غَيْرِهِ كَمَا إذَا وُجِدَ قَبْلَ التَّزَوُّجِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ. أَمَّا وُقُوعُ الطَّلَاقِ فَلِأَنَّ الشَّرْطَ وُجِدَ فِي الْمِلْكِ فَنَزَلَ الْجَزَاءُ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ، وَأَمَّا انْحِلَالُ الْيَمِينِ فَلِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَدُلُّ عَلَى التَّكْرَارِ فَبِوُجُودِ الشَّرْطِ مَرَّةً انْتَهَتْ الْيَمِينُ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي انْحَلَّتْ الْيَمِينُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّيَّةِ. (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الشَّرْطِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ) عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ

يَقُولَ: إنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ فَقَالَتْ: قَدْ حِضْت طَلُقَتْ هِيَ وَلَمْ تَطْلُقْ فُلَانَةُ) وَوَقَعَ الطَّلَاقُ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَقَعَ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فَلَا تُصَدَّقُ كَمَا فِي الدُّخُولِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهَا إذْ لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا كَمَا قُبِلَ فِي حَقِّ الْعِدَّةِ وَالْغَشَيَانِ لَكِنَّهَا شَاهِدَةٌ فِي حَقِّ ضَرَّتِهَا بَلْ هِيَ مُتَّهَمَةٌ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي حَقِّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَمْ تَطْلُقْ فُلَانَةُ) لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ بَلْ فِيمَا إذَا كَذَّبَهَا الزَّوْجُ فِي قَوْلِهَا حِضْت، وَأَمَّا إذَا صَدَّقَهَا فَإِنَّهُ يَقَعُ. وَقَوْلُهُ (كَمَا قُبِلَ فِي حَقِّ الْعِدَّةِ وَالْغَشَيَانِ) أَمَّا قَبُولُهَا فِي الْعِدَّةِ فَبِأَنْ تَقُولَ قَدْ انْقَضَتْ أَوْ لَمْ تَنْقَضِ. وَأَمَّا فِي الْغَشَيَانِ فَيَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدَهُمَا أَنْ تَقُولَ الْمُطَلَّقَةُ الثَّلَاثُ انْقَضَتْ عِدَّتِي وَتَزَوَّجْت بِزَوْجٍ آخَرَ وَدَخَلَ بِي الزَّوْجُ الثَّانِي. وَالثَّانِي أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهَا فِي حَقِّ حِلِّ الْجِمَاعِ وَحُرْمَتِهِ بِقَوْلِهَا أَنَا طَاهِرٌ أَوْ حَائِضٌ. وَقَوْلُهُ (لَكِنَّهَا شَاهِدَةٌ فِي حَقِّ ضَرَّتِهَا بَلْ هِيَ مُتَّهَمَةٌ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي حَقِّهَا) وَفِيهِ بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّهَا لَا تَخْلُو مِنْ الْحَيْضِ وَعَدَمِهِ، وَالْمَآلُ شُمُولُ طَلَاقِهِمَا أَوْ شُمُولُ عَدَمِهِ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ حَاضَتْ فَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ فَيَقَعُ طَلَاقُهُمَا جَمِيعًا، وَإِنْ لَمْ تَحِضْ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ فَلَا يَقَعُ طَلَاقُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا. فَأَمَّا أَنْ يُوجَدَ الْحَيْضُ فِي حَقِّهَا دُونَ ضَرَّتِهَا فَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ الشَّيْءِ مَوْجُودًا وَمَعْدُومًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ مُحَالٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الشَّرْعَ أَثْبَتَ بِقَوْلِهَا حِضْت فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَصْفَيْنِ مُتَغَايِرَيْنِ: الْأَمَانَةَ وَالشَّهَادَةَ، وَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ حُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ اقْتِضَائِهِمَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِبِدْعٍ فِي الشَّرْعِ فَإِنَّهُ رَتَّبَ

وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: إنْ كُنْت تُحِبِّينَ أَنْ يُعَذِّبَك اللَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ فَقَالَتْ أُحِبُّهُ أَوْ قَالَ: (إنْ كُنْت تُحِبِّينِي فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهَذِهِ مَعَك فَقَالَتْ: أُحِبُّك طَلُقَتْ هِيَ وَلَمْ يُعْتَقْ الْعَبْدُ وَلَا تَطْلُقُ صَاحِبَتُهَا) لِمَا قُلْنَا، وَلَا يُتَيَقَّنُ بِكَذِبِهَا لِأَنَّهَا لِشِدَّةِ بُغْضِهَا إيَّاهُ قَدْ تُحِبُّ التَّخْلِيصَ مِنْهُ بِالْعَذَابِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى النِّكَاحِ وَهُوَ أَمْرٌ وَاحِدٌ الْحِلُّ لِلزَّوْجِ وَالْحُرْمَةُ لِغَيْرِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ لَا يَقْتَضِي أَحَدُهُمَا الْوُجُودَ وَالْآخَرُ الْعَدَمَ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ اقْتِضَاءَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَيْضِ نَفْسِهِ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ خَفِيٌّ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْأَمْرِ الدَّالِّ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهَا حِضْت، وَلَيْسَ ثَمَّةَ اخْتِلَافٌ فِي مُقْتَضَى وُجُودِهِ وَعَدَمِهِ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ كُنْت تُحِبِّينَ أَنْ يُعَذِّبَك اللَّهُ بِنَارِ جَهَنَّمَ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ أَمِينَةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهَا شَاهِدَةٌ فِي حَقِّ ضَرَّتِهَا. وَقَوْلُهُ وَلَا يَتَيَقَّنُ بِكَذِبِهَا) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إخْبَارُهَا

وَفِي حَقِّهَا إنْ تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِإِخْبَارِهَا وَإِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً، فَفِي حَقِّ غَيْرِهَا بَقِيَ الْحُكْمُ عَلَى الْأَصْلِ وَهِيَ الْمَحَبَّةُ (وَإِذَا قَالَ لَهَا: إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَرَأَتْ الدَّمَ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ حَتَّى يَسْتَمِرَّ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) لِأَنَّ مَا يَنْقَطِعُ دُونَهَا لَا يَكُونُ حَيْضًا (فَإِذَا تَمَّتْ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ حَكَمْنَا بِالطَّلَاقِ مِنْ حِينِ حَاضَتْ) لِأَنَّهُ بِالِامْتِدَادِ عُرِفَ أَنَّهُ مِنْ الرَّحِمِ فَكَانَ حَيْضًا مِنْ الِابْتِدَاءِ (وَلَوْ قَالَ لَهَا: إذَا حِضْت حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ حَيْضَتِهَا) لِأَنَّ الْحَيْضَةَ بِالْهَاءِ هِيَ الْكَامِلَةُ مِنْهَا، وَلِهَذَا حُمِلَ عَلَيْهِ فِي حَدِيثِ الِاسْتِبْرَاءِ وَكَمَالُهَا بِانْتِهَائِهَا وَذَلِكَ بِالطُّهْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ مَحَبَّتِهَا تَعْذِيبَ اللَّهِ إيَّاهَا بِنَارِ جَهَنَّمَ مَقْطُوعٌ بِكَذِبِهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُهَا أَصْلًا. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ بِكَذِبِهَا لِأَنَّهَا لِشِدَّةِ بُغْضِهَا إيَّاهُ قَدْ تُحِبُّ التَّخْلِيصَ مِنْهُ بِالْعَذَابِ فَلَمْ يَكُنْ كَذِبُهَا مَقْطُوعًا بِهِ. وَقَوْلُهُ (وَفِي حَقِّهَا إنْ تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِإِخْبَارِهَا) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (إذَا قَالَ إذَا حِضْت حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ ظَاهِرٌ، وَمِنْ الْفَرْقِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهَذَا الْعَبْدُ حُرٌّ كَانَ حُرًّا مِنْ حِينِ رَأَتْ الدَّمَ حَتَّى كَانَ الْأَكْسَابُ لَهُ وَكَانَ الطَّلَاقُ بِدْعِيًّا. وَقَوْلُهُ وَإِذَا قَالَ إذَا حِضْت حَيْضَةً كَانَ الطَّلَاقُ سُنِّيًّا لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا بَعْدَ مَا طَهُرَتْ. وَقَوْلُهُ (فِي حَدِيثِ الِاسْتِبْرَاءِ) يُرِيدُ بِهِ مَا قَالَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ «وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يَسْتَبْرِئْنَ بِحَيْضَةٍ» أَرَادَ بِهِ

(وَإِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا صُمْت يَوْمًا طَلُقَتْ حِينَ تَغِيبَ الشَّمْسُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي تَصُومُ) لِأَنَّ الْيَوْمَ إذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ مُمْتَدٍّ يُرَادُ بِهِ بَيَاضُ النَّهَارِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إذَا صُمْت لِأَنَّهُ لَمْ يُقَدِّرْهُ بِمِعْيَارٍ وَقَدْ وُجِدَ الصَّوْمُ بِرُكْنِهِ وَشَرْطِهِ. (وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إذَا وَلَدْت غُلَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَإِذَا وَلَدْت جَارِيَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً وَلَا يَدْرِي أَيَّهُمَا أَوَّلُ لَزِمَهُ فِي الْقَضَاءِ تَطْلِيقَةٌ، وَفِي التَّنَزُّهِ تَطْلِيقَتَانِ وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِوَضْعِ الْحَمْلِ) لِأَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْجَارِيَةِ ثُمَّ لَا تَقَعُ أُخْرَى بِهِ لِأَنَّهُ حَالُ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَلَوْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةَ أَوَّلًا وَقَعَتْ تَطْلِيقَتَانِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْغُلَامِ ثُمَّ لَا يَقَعُ شَيْءٌ آخَرُ بِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ حَالُ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَإِذًا فِي حَالٍ تَقَعُ وَاحِدَةٌ وَفِي حَالٍ تَقَعُ ثِنْتَانِ فَلَا تَقَعُ الثَّانِيَةُ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ بِالثِّنْتَيْنِ تَنَزُّهًا وَاحْتِيَاطًا، وَالْعِدَّةُ مُنْقَضِيَةٌ بِيَقِينٍ لِمَا بَيَّنَّا. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَالَ الْحَيْضِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بِانْتِهَائِهِ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ إذَا كَانَ أَيَّامُهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ، وَبِالِانْقِطَاعِ وَالْغُسْلِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ إذَا كَانَتْ أَيَّامُهَا دُونَ الْعَشَرَةِ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا صُمْت يَوْمًا) ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ. وَإِذَا قَالَ إذَا صُمْت صَوْمًا فَحُكْمُهُ كَذَلِكَ (بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إذَا صُمْت) فَإِنَّهَا إذَا صَامَتْ سَاعَةً مَقْرُونَةً بِالنِّيَّةِ وَقَعَ الطَّلَاقُ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ. قَالَ (وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا وَلَدْت غُلَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا تَخْلُو عَنْ أَوْجُهٍ: إنْ عَلِمَ أَنَّ الْغُلَامَ وَلَدَتْهُ أَوَّلًا طَلُقَتْ وَاحِدَةً وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالْجَارِيَةِ، وَلَا يَقَعُ شَيْءٌ بَعْدَهُ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْجَارِيَةَ وُلِدَتْ أَوَّلًا طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ، وَإِنْ لَمْ يَدْرِ أَيُّهُمَا أَوَّلُ لَزِمَهُ فِي الْقَضَاءِ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهَا ثَابِتَةٌ بِيَقِينٍ وَفِي الثَّانِيَةِ شَكٌّ، وَفِي التَّنَزُّهِ وَهُوَ التَّبَاعُدُ عَنْ السُّوءِ تَطْلِيقَتَانِ، حَتَّى لَوْ كَانَ قَدْ طَلَّقَهَا قَبْلَ هَذَا وَاحِدَةً لَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ ثَلَاثًا، وَتَرْكُ وَطْءِ امْرَأَةٍ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَطَأَ امْرَأَةً مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ (وَالْعِدَّةُ مُنْقَضِيَةٌ بِيَقِينٍ لِمَا بَيَّنَّا) يُرِيدُ قَوْلَهُ لِأَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا إلَخْ. وَحَاصِلُهُ

(وَإِنْ قَالَ لَهَا: إنْ كَلَّمْت أَبَا عَمْرٍو وَأَبَا يُوسُفَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَبَانَتْ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَكَلَّمَتْ أَبَا عَمْرٍو ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَكَلَّمَتْ أَبَا يُوسُفَ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا مَعَ الْوَاحِدَةِ الْأُولَى) وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَقَعُ، وَهَذِهِ عَلَى وُجُوهٍ: (أَمَّا إنْ وُجِدَ الشَّرْطَانِ فِي الْمِلْكِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَهَذَا ظَاهِرٌ، أَوْ وُجِدَا فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَلَا يَقَعُ، أَوْ وُجِدَ الْأَوَّلُ فِي الْمِلْكِ وَالثَّانِي فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَلَا يَقَعُ أَيْضًا لِأَنَّ الْجَزَاءَ لَا يَنْزِلُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَلَا يَقَعُ) أَوْ وُجِدَ الْأَوَّلُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَالثَّانِي فِي الْمِلْكِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ الْخِلَافِيَّةُ. لَهُ اعْتِبَارُ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي إذْ هُمَا فِي حُكْمِ الطَّلَاقِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ. وَلَنَا أَنَّ صِحَّةَ الْكَلَامِ بِأَهْلِيَّةِ الْمُتَكَلِّمِ، إلَّا أَنَّ الْمِلْكَ يُشْتَرَطُ حَالَةُ التَّعْلِيقِ لِيَصِيرَ الْجَزَاءُ غَالِبَ الْوُجُودِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ انْقِضَاءَ عِدَّةِ الْحَامِلِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ. وَقَوْلُهُ (إنْ كَلَّمْت أَبَا عَمْرٍو) عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَاضِحٌ سِوَى أَلْفَاظٍ نَذْكُرُهَا. وَقَوْلُهُ (فِي حَقِّ الطَّلَاقِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ) يَعْنِي مِنْ حَيْثُ إنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ إلَّا بِهِمَا، فَصَارَ الشَّرْطَانِ بِمَنْزِلَةِ شَرْطٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ كَانَ شَرْطًا وَاحِدًا لَمَا وَقَعَ بِدُونِ الْمِلْكِ فَكَذَلِكَ هَذَا (وَلَنَا أَنَّ صِحَّةَ الْكَلَامِ) أَيْ صِحَّةَ هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ الْيَمِينُ (بِأَهْلِيَّةِ الْمُتَكَلِّمِ) وَهِيَ قَائِمَةٌ بِهِ فَتَكُونُ صِحَّتُهُ قَائِمَةً بِهِ بِأَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ ذِمَّتَهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى مِلْكٍ، لَكِنْ شَرَطْنَا الْمِلْكَ حَالَةَ التَّعْلِيقِ لِيَصِيرَ الْجَزَاءُ غَالِبَ الْوُجُودِ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ، فَإِنَّ الْمِلْكَ إذَا كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ التَّعْلِيقِ فَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ إلَى وَقْتِ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا يَكُونُ مُخِيفًا حَامِلًا

لِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ فَتَصِحُّ الْيَمِينُ وَعِنْدَ تَمَامِ الشَّرْطِ لِيَنْزِلَ الْجَزَاءُ لِأَنَّهُ لَا يَنْزِلُ إلَّا فِي الْمِلْكِ، وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ مَانِعًا، وَحَالَةُ تَمَامِ الشَّرْطِ لِنُزُولِ الْجَزَاءِ لِكَوْنِهِ لَا يَنْزِلُ إلَّا فِي الْمِلْكِ، وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ، فَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْمِلْكِ لِأَنَّ الْيَمِينَ يَقُومُ بِمَحَلِّهِ وَهُوَ الذِّمَّةُ، كَمَا إذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِالشَّرْطِ فَأَبَانَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَأَتَتْ بِالشَّرْطِ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَمْ تَبْطُلْ الْيَمِينُ بِزَوَالِ الْمِلْكِ فَكَانَ كَالنِّصَابِ إذَا انْتَقَصَ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ.

الْحَالُ حَالُ بَقَاءِ الْيَمِينِ فَيُسْتَغْنَى عَنْ قِيَامِ الْمِلْكِ إذْ بَقَاؤُهُ بِمَحَلِّهِ وَهُوَ الذِّمَّةُ. (وَإِنْ قَالَ لَهَا: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ وَتَزَوَّجَتْ زَوْجًا آخَرَ وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ عَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ فَدَخَلَتْ الدَّارَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ: هِيَ طَالِقٌ مَا بَقِيَ مِنْ الطَّلَاقِ) وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ. وَأَصْلُهُ أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ عِنْدَهُمَا فَتَعُودُ إلَيْهِ بِالثَّلَاثِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ فَتَعُودُ إلَيْهِ مَا بَقِيَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا) مَسْأَلَةُ الْهَدْمِ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ. وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ لَا تَظْهَرُ فِيمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ؛ فَإِنَّهَا إذَا تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ وَعَادَتْ إلَى الزَّوْجِ الْأَوَّلِ ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ يَقَعُ عَلَيْهَا الثَّلَاثُ بِالِاتِّفَاقِ. أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلِعَدَمِ الْهَدْمِ. وَأَمَّا عِنْدَهُمَا وَإِنْ وُجِدَ الْهَدْمُ فَبِالدُّخُولِ فِي الدَّارِ يَقَعُ الثَّلَاثُ لِأَنَّ الثَّلَاثَ مُعَلَّقَةٌ بِدُخُولِ الدَّارِ، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ فِيمَا إذَا عَلَّقَ الطَّلْقَةَ الْوَاحِدَةَ بِدُخُولِ الدَّارِ ثُمَّ طَلَّقَهَا طَلْقَتَيْنِ وَتَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ ثُمَّ عَادَتْ إلَى

وَسَنُبَيِّنُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِنْ قَالَ لَهَا: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ رَجَعْت إلَى الْأَوَّلِ فَدَخَلَتْ الدَّارَ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) وَقَالَ زُفَرُ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ: يَقَعُ الثَّلَاثُ لِأَنَّ الْجَزَاءَ ثَلَاثٌ مُطْلَقٌ لِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ، وَقَدْ بَقِيَ حَتَّى وُقُوعِهَا فَتَبْقَى الْيَمِينُ. وَلَنَا أَنَّ الْجَزَاءَ طَلَقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَانِعَةُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ مَا يَحْدُثُ وَالْيَمِينُ تُعْقَدُ لِلْمَنْعِ أَوْ الْحَمْلِ، وَإِذَا كَانَ الْجَزَاءُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَقَدْ فَاتَ بِتَنْجِيزِ الثَّلَاثِ الْمُبْطِلِ لِلْمَحَلِّيَّةِ فَلَا تَبْقَى الْيَمِينُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَبَانَهَا لِأَنَّ الْجَزَاءَ بَاقٍ لِبَقَاءِ مَحَلِّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَوَّلِ فَدَخَلَتْ الدَّارَ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ الْغَلِيظَةُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِعَدَمِ الْهَدْمِ، وَعِنْدَهُمَا لَا لِتَحَقُّقِهِ (وَإِنْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ رَجَعَتْ إلَى الْأَوَّلِ فَدَخَلَتْ الدَّارَ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ. وَقَالَ زُفَرُ: يَقَعُ الثَّلَاثُ لِأَنَّ الْجَزَاءَ مُطْلَقٌ لِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ) إذْ لَمْ يُقَيِّدْ تَطْلِيقَاتٍ فِي مِلْكٍ دُونَ مِلْكٍ فَلَا يَتَقَيَّدُ (قَوْلُهُ وَقَدْ بَقِيَ احْتِمَالُ وُقُوعِهَا) أَيْ بِنِكَاحِهَا ثَانِيًا بَعْدَ تَزَوُّجِهَا بِزَوْجٍ آخَرَ (فَتَبْقَى الْيَمِينُ) فَإِذَا وُجِدَ الْمَحَلُّ يَقَعُ الْجَزَاءُ (وَلَنَا أَنَّ الْجَزَاءَ طَلْقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ) بِدَلَالَةِ الْحَالِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الْجَزَاءَ طَلْقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَانِعَةُ؛ إذْ الظَّاهِرُ عَدَمُ مَا يَحْدُثُ، وَكُلُّ مَا كَانَ مَانِعًا عَنْ وُجُودِ الشَّرْطِ أَوْ حَامِلًا عَلَيْهِ فَهُوَ الْجَزَاءُ لِأَنَّ الْيَمِينَ لِلْمَنْعِ أَوْ الْحَمْلِ وَهَاهُنَا عُقِدَتْ لِلْمَنْعِ فَيَكُونُ الْجَزَاءُ طَلْقَاتِ هَذَا الْمِلْكِ، وَإِذَا كَانَ الْجَزَاءُ ذَلِكَ وَقَدْ فَاتَ بِالتَّنْجِيزِ الْمُبْطِلِ لِلْمَحَلِّيَّةِ فَاتَ الْيَمِينُ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ بَقَاءَ الْيَمِينِ بِالشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ وَقَدْ فَاتَ الْجَزَاءُ وَالْكُلُّ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ جُزْئِهِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ انْعِقَادَ الْيَمِينِ لَوْ انْحَصَرَ فِي الْمَنْعِ وَالْحَمْلِ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُقَالَ إنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ لَا مَنْعٌ وَلَا حَمْلٌ لِكَوْنِ الْحَيْضِ عَارِضًا سَمَاوِيًّا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْغَالِبِ الشَّائِعِ دُونَ النَّادِرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ السُّؤَالَ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي صُورَةِ الْحَيْضِ حَتَّى يَكُونَ نَادِرًا، وَإِنَّمَا هُوَ آتٍ فِي الْوِجْدَانِيَّاتِ كَالْمَحَبَّةِ وَالْكَرَاهَةِ وَالْجُوعِ وَغَيْرِهَا. وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: الشَّرْطُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ هُوَ إخْبَارُهَا عَنْ ذَلِكَ وَالْحَمْلُ وَالْمَنْعُ فِيهِ مُتَصَوَّرٌ. وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَبَانَهَا) يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ وَقَدْ فَاتَ بِتَنْجِيزِ الثَّلَاثِ أَيْ فَاتَ الْجَزَاءُ بِتَنْجِيزِ الثَّلَاثِ الْمُبْطِلِ لِلْمَحَلِّيَّةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَبَانَهَا بِطَلْقَةٍ أَوْ طَلْقَتَيْنِ حَيْثُ لَا يَفُوتُ الْجَزَاءُ لِبَقَاءِ الْمَحَلِّ، وَلِهَذَا إذَا عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ عَادَتْ بِثَلَاثِ طَلْقَاتٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْهَدْمِ، وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَدَخَلَ الدَّارَ عَتَقَ مَعَ أَنَّهُ بِالْبَيْعِ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْيَمِينِ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الظِّهَارِ فَإِنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ لَوْ كَانَ قَالَ لَهَا زَوْجُهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ كَانَ مُظَاهِرًا مِنْهَا إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْعَبْدَ بِصِفَةِ الرِّقِّ كَانَ مَحَلًّا لِلْعِتْقِ وَبِالْبَيْعِ لَمْ تَفُتْ تِلْكَ الصِّفَةُ، حَتَّى لَوْ فَاتَتْ بِالْعِتْقِ لَمْ تَبْقَ الْيَمِينُ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ

(وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إذَا جَامَعْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَجَامَعَهَا فَلَمَّا الْتَقَى الْخِتَانَانِ طَلُقَتْ ثَلَاثًا، وَإِنْ لَبِثَ سَاعَةً لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْمَهْرُ، وَإِنْ أَخْرَجَهُ ثُمَّ أَدْخَلَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْمَهْرُ) وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ: إذَا جَامَعْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ أَنَّهُ أَوْجَبَ الْمَهْرَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَيْضًا لِوُجُودِ الْجِمَاعِ بِالدَّوَامِ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِلِاتِّحَادِ) وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْجِمَاعَ إدْخَالُ الْفَرْجِ فِي الْفَرْجِ وَلَا دَوَامَ لِلْإِدْخَالِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَخْرَجَ ثُمَّ أَوْلَجَ لِأَنَّهُ وُجِدَ الْإِدْخَالُ بَعْدَ الطَّلَاقِ إلَّا أَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ بِشُبْهَةِ الِاتِّحَادِ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَجْلِسِ وَالْمَقْصُودِ وَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ وَجَبَ الْعُقْرُ إذْ الْوَطْءُ لَا يَخْلُو عَنْ أَحَدِهِمَا، وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا يَصِيرُ مُرَاجِعًا بِاللَّبَاثِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQمَحَلِّيَّةَ الظِّهَارِ لَا تَنْعَدِمُ بِالتَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ بِالظِّهَارِ غَيْرُ الْحُرْمَةِ بِالطَّلَاقِ، فَإِنَّ تِلْكَ الْحُرْمَةَ حُرْمَةٌ مُتَنَاهِيَةٌ بِوُجُودِ التَّكْفِيرِ وَهَذِهِ بِوُجُودِ الزَّوْجِ الثَّانِي إلَّا أَنَّهَا إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ بَعْدَ التَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ إنَّمَا لَا يَصِيرُ مُظَاهِرًا لِأَنَّ الظِّهَارَ تَشْبِيهُ الْمُحَلَّلَةِ بِالْمُحَرَّمَةِ وَلَا حِلَّ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَإِنَّمَا يُوجَدُ بَعْدَ التَّزَوُّجِ بِهَا، فَإِذَا دَخَلَتْ الدَّارَ حِينَئِذٍ ثَبَتَ الظِّهَارُ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا جَامَعْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ) يَعْنِي إذَا لَمْ يُخْرِجْهُ. وَقَوْلُهُ (وُجُودُ الْجِمَاعِ بِالدَّوَامِ عَلَيْهِ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ جَعَلَ الدَّوَامَ عَلَى اللَّبَاثِ بَعْدَ الدُّخُولِ بِمَنْزِلَةِ الدُّخُولِ الِابْتِدَائِيِّ. وَقَوْلُهُ (وَلَا دَوَامَ لِلْإِدْخَالِ) مَعْنَاهُ أَنَّ لِلدَّوَامِ حُكْمَ الِابْتِدَاءِ فِيمَا لَهُ دَوَامٌ، وَالْجِمَاعُ هُوَ الْإِدْخَالُ وَلَا دَوَامَ لَهُ. وَقَوْلُهُ (وَجَبَ الْعُقْرُ) قَالَ فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ: الْعُقْرُ مَهْرُ الْمَرْأَةِ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ وَالْمُرَادُ بِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ،

[فصل في الاستثناء]

لِوُجُودِ الْمِسَاسِ، وَلَوْ نَزَعَ ثُمَّ أَوْلَجَ صَارَ مُرَاجِعًا بِالْإِجْمَاعِ لِوُجُودِ الْجِمَاعِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (فَصْلٌ فِي) (الِاسْتِثْنَاءِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبِهِ فَسَّرَ الْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ الْعُقْرَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَقَوْلُهُ لِوُجُودِ الْمِسَاسِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا لَهُ حُكْمُ دَوَامِ الْجِمَاعِ فَيَكُونُ الْبَقَاءُ كَابْتِدَاءِ الْوُجُودِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَأَمَّا دَوَامُ الْمِسَاسِ فَهُوَ مَوْجُودٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَعَنْ هَذَا قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَصِيرَ مُرَاجِعًا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَ الْكُلِّ لِوُجُودِ الْمِسَاسِ بِشَهْوَةٍ. [فَصْلٌ فِي الِاسْتِثْنَاءِ] (فَصْلٌ فِي الِاسْتِثْنَاءِ) الِاسْتِثْنَاءُ هُوَ التَّكَلُّمُ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا، وَأَلْحَقَهُ بِفَصْلِ التَّعْلِيقِ لِتَآخِيهِمَا فِي كَوْنِهِمَا بَيَانَ التَّغَيِّ. وَلَمَّا كَانَ التَّعْلِيقُ لِكَوْنِهِ يَمْنَعُ كُلَّ الْكَلَامِ أَقْوَى مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ بَعْضَهُ قَدَّمَهُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ وَلَمَّا كَانَتْ مَسْأَلَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَعْلِيقًا صُورَةً ذَكَرَهَا بِقُرْبٍ مِنْ التَّعْلِيقِ فِي أَوَّلِ فَصْلِ الِاسْتِثْنَاءِ لِقُوَّةِ الْمُنَاسَبَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمْنَعُ أَوَّلَ الْكَلَامِ، أَوْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى ذَلِكَ اسْتِثْنَاءً قَالَ {وَلا يَسْتَثْنُونَ} [القلم: 18] وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ قَوْلَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ بَعْدَ

(وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مُتَّصِلًا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQذِكْرِ الْجُمَلِ لِلْإِبْطَالِ أَوْ لِلتَّعْلِيقِ؛ فَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ إلَى الْأَوَّلِ وَمُحَمَّدٌ إلَى الثَّانِي، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ إقْرَارِ هَذَا الْكِتَابِ فَقَالَ: لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى إمَّا إبْطَالٌ أَوْ تَعْلِيقٌ، وَسَنَذْكُرُ ثَمَرَةَ هَذَا الِاخْتِلَافِ هُنَالِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ)

لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ وَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مُتَّصِلًا بِهِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ وَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مُتَّصِلًا بِهِ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ» ) .

وَلِأَنَّهُ أَتَى بِصُورَةٍ الشَّرْطِ فَيَكُونُ تَعْلِيقًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَإِنَّهُ إعْدَامٌ قَبْلَ الشَّرْطِ وَالشَّرْطُ لَا يُعْلَمُ هَاهُنَا فَيَكُونُ إعْدَامًا مِنْ الْأَصْلِ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِهِ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الشُّرُوطِ (وَلَوْ سَكَتَ ثَبَتَ حُكْمُ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِأَنَّهُ أَتَى بِصُورَةِ الشَّرْطِ) أَيْ بِحَرْفِ الشَّرْطِ صَرِيحًا دُونَ حَقِيقَتِهِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الشَّرْطِ عِبَارَةٌ عَمَّا يَكُونُ عَلَى خَطَرٍ وَتَرَدُّدٍ وَمَشِيئَةُ اللَّهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ لِثُبُوتِهَا قَطْعًا أَوْ انْتِفَائِهَا كَذَلِكَ، وَمَا هُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ تَعْلِيقٌ (فَيَكُونُ تَعْلِيقًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) يَعْنِي مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ (وَالتَّعْلِيقُ إعْدَامٌ) أَيْ إعْدَامُ الْعِلِّيَّةِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَالشَّرْطُ هَاهُنَا غَيْرُ مَعْلُومٍ لَنَا أَصْلًا (فَيَكُونُ إعْدَامًا مِنْ الْأَصْلِ) فَكَانَ إبْطَالًا لِلْكَلَامِ (وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِهِ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الشُّرُوطِ) لِكَوْنِهِ بَيَانَ تَغْيِيرٍ وَشَرْطُهُ الِاتِّصَالُ (فَلَوْ سَكَتَ ثَبَتَ حُكْمُ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ)

فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ أَوْ ذِكْرُ الشَّرْطِ بَعْدَهُ رُجُوعًا عَنْ الْأَوَّلِ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ أَوْ ذِكْرُ الشَّرْطِ بَعْدَهُ رُجُوعًا عَنْ الْأَوَّلِ. وَقَوْلُهُ (فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ) يَعْنِي عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ (أَوْ ذِكْرُ الشَّرْطِ) يَعْنِي عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ

(وَكَذَا إذَا مَاتَتْ قَبْلَ قَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) لِأَنَّ بِالِاسْتِثْنَاءِ خَرَجَ الْكَلَامُ مِنْ أَنْ يَكُونَ إيجَابًا وَالْمَوْتُ يُنَافِي الْمُوجِبَ دُونَ الْمُبْطِلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الزَّوْجُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الِاسْتِثْنَاءُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ طَلُقَتْ وَاحِدَةً) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَكَذَا إذَا مَاتَتْ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ يَعْنِي إذَا مَاتَتْ بَعْدَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ قَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِأَنَّ الْكَلَامَ خَرَجَ بِالِاسْتِثْنَاءِ مِنْ أَنْ يَكُونَ إيجَابًا؛ وَإِذَا بَطَلَ الْإِيجَابُ بَطَلَ الْحُكْمُ. فَإِنْ قِيلَ: الْإِيجَابُ وُجِدَ فِي حَيَاتِهَا وَالِاسْتِثْنَاءُ بَعْدَهَا فَيَكُونُ بَاطِلًا لِعَدَمِ الْمَحَلِّ؛ وَإِذَا بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ صَحَّ الْإِيجَابُ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَالْمَوْتُ يُنَافِي الْمُوجِبَ دُونَ الْمُبْطِلِ) يَعْنِي أَنَّ الْإِيجَابَ لَوْ اتَّصَلَ بِالْمَوْتِ بِأَنْ تَمُوتَ قَبْلَ تَمَامِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ بَطَلَ. وَأَمَّا الْمُبْطِلُ وَهُوَ الِاسْتِثْنَاءُ أَوْ الشَّرْطُ فَلَا يَبْطُلُ لِأَنَّ مُبْطِلَ الشَّيْءِ مَا يُنَافِيهِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مُبْطِلٍ وَمُبْطِلٍ، بِخِلَافِ الْمُوجِبِ فَإِنَّ الْمُبْطِلَ يُنَافِيهِ فَيَرْفَعُهُ (بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الزَّوْجُ) بَعْدَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ قَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَهُوَ يُرِيدُ الِاسْتِثْنَاءَ حَيْثُ يَقَعُ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الِاسْتِثْنَاءُ، وَإِنَّمَا تُعْلَمُ إرَادَتُهُ الِاسْتِثْنَاءَ بِقَوْلِهِ قَبْلَ ذَلِكَ إنِّي أُطَلِّقُ امْرَأَتِي وَاسْتَثْنَى. (وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ، وَإِنْ قَالَ إلَّا ثِنْتَيْنِ طَلُقَتْ وَاحِدَةً) وَفِي ذِكْرِ الْمِثَالَيْنِ إشَارَةٌ

وَالْأَصْلُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَكَلُّمٌ بِالْحَاصِلِ بَعْدَ الثُّنْيَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ لِفُلَانِ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَبَيْنَ قَوْلِهِ عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً فَيَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْبَعْضِ مِنْ الْجُمْلَةِ لِأَنَّهُ يَبْقَى التَّكَلُّمُ بِالْبَعْضِ بَعْدَهُ، وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى بَعْدَهُ شَيْءٌ لِيَصِيرَ مُتَكَلَّمًا بِهِ وَصَارِفًا لِلَّفْظِ إلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ سَوَاءٌ، خِلَافًا لِلْفَرَّاءِ فَإِنَّهُ لَا يُجَوِّزُ الْأَكْثَرَ وَيَدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ الْعَرَبُ (وَالْأَصْلُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَكَلُّمٌ بِالْحَاصِلِ بَعْدَ الثُّنْيَا) أَيْ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ إخْرَاجٌ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ، وَمَوْضِعُهُ أُصُولُ الْفِقْهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُقَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَأَنْ يُقَالَ عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً، فَيَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْبَعْضِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ الْجُمْلَةِ لِبَقَاءِ التَّكَلُّمِ بِالْبَعْضِ بَعْدَهُ (وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ) مِثْلَ أَنْ يَقُولَ عَشَرَةٌ إلَّا عَشَرَةً لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ شَيْءٌ (يَصِيرُ مُتَكَلِّمًا بِهِ وَصَارِفًا لِلَّفْظِ إلَيْهِ) فَبَقِيَ كَلَامُهُ الْأَوَّلُ كَمَا كَانَ وَيَقَعُ الثَّلَاثُ، وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ رُجُوعٌ وَالرُّجُوعُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ الطَّلَاقِ بَاطِلٌ فَلِذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا أَنَّهُ أَبْطَلَ اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ فِي الْوَصِيَّةِ مَعَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي زِيَادَاتِهِ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ إنَّمَا لَا يَصِحُّ إذَا كَانَ بِعَيْنِ ذَلِكَ اللَّفْظِ، وَأَمَّا إذَا اسْتَثْنَى بِغَيْرِ ذَلِكَ اللَّفْظِ فَيَصِحُّ وَإِنْ كَانَ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ كُلُّ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا كُلَّ نِسَائِي لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ بَلْ يَطْلُقْنَ كُلُّهُنَّ. وَلَوْ قَالَ كُلُّ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا زَيْنَبَ وَعَمْرَةَ وَبَكْرَةَ وَسَلْمَى لَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ وَإِنْ كَانَ هُوَ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ، وَهَذَا لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَصَرُّفٌ لَفْظِيٌّ فَيَصِحُّ فِيمَا صَحَّ فِيهِ اللَّفْظُ،

[باب طلاق المريض]

وَإِنَّمَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ إذَا كَانَ مَوْصُولًا بِهِ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ثِنْتَانِ فَيَقَعَانِ وَفِي الثَّانِي وَاحِدَةٌ، فَتَقَعُ وَاحِدَةٌ وَلَوْ قَالَ: إلَّا ثَلَاثًا يَقَعُ الثَّلَاثُ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ فَلَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَمَّا اسْتَثْنَى الْجُزْءَ مِنْ الْكُلِّ صَحَّ لَفْظًا فَكَذَا فِيمَا بَقِيَ، إذْ لَوْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ يَتْبَعُ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ لَمَا صَحَّ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ عَشَرَةً إلَّا تِسْعَةً لِمَا أَنَّهُ لَا مَزِيدَ عَلَى الثَّلَاثِ شَرْعًا وَهُوَ صَحِيحٌ بِلَا خِلَافٍ. وَقَوْلُهُ (وَإِنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ مَوْصُولًا بِهِ) ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ [بَابُ طَلَاقِ الْمَرِيضِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ طَلَاقِ الصَّحِيحِ سُنِّيًّا وَبِدْعِيًّا صَرِيحًا وَكِنَايَةً تَنْجِيزًا وَتَعْلِيقًا كُلًّا وَجُزْءًا شَرَعَ فِي بَيَانِ طَلَاقِ

وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ طَلَاقًا بَائِنًا فَمَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَرِثَتْهُ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تَرِثُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ قَدْ بَطَلَتْ بِهَذَا الْعَارِضِ وَهِيَ السَّبَبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَرِيضِ مُتَعَرِّضًا لِبَعْضِ مَا ذُكِرَ إذْ الْمَرَضُ مِنْ الْعَوَارِضِ السَّمَاوِيَّةِ فَأَخَّرَ بَيَانَهُ عَنْ بَيَانِ حُكْمِ مَنْ بِهِ الْأَصْلُ وَهُوَ الصِّحَّةُ (وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ) وَهَذَا يُسَمَّى طَلَاقَ الْفَارِّ. وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَنْ أَبَانَ امْرَأَتَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِغَيْرِ رِضَاهَا وَهِيَ مِمَّنْ تَرِثُهُ ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَرِثَتْهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. قَيَّدَ بِالْإِبَانَةِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ إذَا كَانَ رَجْعِيًّا كَانَ تَوْرِيثُهَا مِنْهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ حُكْمَ النِّكَاحِ بَاقٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَا بِاعْتِبَارِ الْفِرَارِ. وَقَيَّدَ بِمَرَضِ مَوْتِهِ لِأَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا بَائِنًا فِي مَرَضٍ فَصَحَّ مِنْهُ ثُمَّ مَاتَ لَا تَرِثُ، وَبِغَيْرِ الرِّضَا لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِرِضَاهَا لَا تَرِثُهُ وَمِمَّنْ تَرِثُهُ، لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً أَوْ أَمَةً لَا تَرِثُ وَبِالْمَوْتِ فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا إنْ مَاتَتْ بَعْدَ انْقِضَائِهَا لَمْ تَرِثْ خِلَافًا لِمَالِكٍ، وَحُكْمُ الْفِرَارِ كَمَا ثَبَتَ مِنْ جَانِبِهِ يَثْبُتُ مِنْ جَانِبِهَا كَمَا إذَا ارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَهِيَ مَرِيضَةٌ فَإِنَّهُ يَرِثُهَا (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَرِثُ فِي الْوَجْهَيْنِ)

وَلِهَذَا لَا يَرِثُهَا إذَا مَاتَتْ. وَلَنَا أَنَّ الزَّوْجِيَّةَ سَبَبُ إرْثِهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَالزَّوْجُ قَصَدَ إبْطَالَهُ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ بِتَأْخِيرِ عَمَلِهِ إلَى زَمَانِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا، وَقَدْ أَمْكَنَ لِأَنَّ النِّكَاحَ فِي الْعِدَّةِ يَبْقَى فِي حَقِّ بَعْضِ الْآثَارِ فَجَازَ أَنْ يَبْقَى ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَبَعْدَهَا لِأَنَّ سَبَبَ إرْثِهَا مِنْهُ الزَّوْجِيَّةُ وَالزَّوْجِيَّةُ قَدْ بَطَلَتْ بِهَذَا الْعَارِضِ وَهُوَ الطَّلَاقُ (وَلِهَذَا لَا يَرِثُهَا إذَا مَاتَتْ. وَلَنَا أَنَّ الزَّوْجِيَّةَ سَبَبُ إرْثِهَا مِنْهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ) وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَالزَّوْجُ قَصَدَ إبْطَالَ هَذَا السَّبَبِ) بِالطَّلَاقِ وَهُوَ أَيْضًا ظَاهِرٌ (فَيُرَدُّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ بِتَأْخِيرِ عَمَلِهِ) أَيْ عَمَلِ الطَّلَاقِ (إلَى زَمَانِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا) فَإِنْ قِيلَ: إنْ كَانَ سَبَبُ تَأْخِيرِ الْعَمَلِ دَفْعَ الضُّرِّ عَنْهَا وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ فِي ذَلِكَ الْمَوْطُوءَةُ وَغَيْرُهَا وَمَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَمَا بَعْدَهُ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَقَدْ أَمْكَنَ) يَعْنِي إنَّمَا يَصِحُّ تَوْرِيثُهَا مِنْهُ إذَا أَمْكَنَ تَأْخِيرُ عَمَلِ الطَّلَاقِ لِيَكُونَ السَّبَبُ وَهُوَ النِّكَاحُ قَائِمًا، وَقَدْ أَمْكَنَ ذَلِكَ إلَى زَمَانِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِأَنَّ النِّكَاحَ فِي الْعِدَّةِ بَاقٍ فِي حَقِّ بَعْضِ الْآثَارِ

فِي حَقِّ إرْثِهَا عَنْهُ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الِانْقِضَاءِ لِأَنَّهُ لَا إمْكَانَ، وَالزَّوْجِيَّةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِإِرْثِهِ عَنْهَا فَتَبْطُلُ فِي حَقِّهِ خُصُوصًا إذَا رَضِيَ بِهِ. (وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بِأَمْرِهَا أَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا أَوْ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ ثُمَّ مَاتَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ حُرْمَةِ التَّزَوُّجِ وَحُرْمَةِ الْخُرُوجِ وَالْبُرُوزِ وَحُرْمَةِ نِكَاحِ الْأُخْتِ وَحُرْمَةِ نِكَاحِ أَرْبَعَةٍ سِوَاهَا، فَجَازَ أَنْ يَبْقَى فِي حَقِّ إرْثِهَا مِنْهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ وَمَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ فِيهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِعَدَمِ بَقَاءِ النِّكَاحِ أَصْلًا. وَقَوْلُهُ (وَالزَّوْجِيَّةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَلِهَذَا لَا يَرِثُهَا إذَا مَاتَتْ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا كَانَ مَرِيضًا لَا يَتَعَلَّقُ لَهُ حَقٌّ فِي مَالِ الْمَرْأَةِ لِكَوْنِهَا صَحِيحَةً فَلَا يَرِثُهَا إذَا مَاتَتْ، إمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهُ بِمَالِهَا، وَإِمَّا لِأَنَّهُ رَضِيَ بِحِرْمَانِهَا عَنْ الْإِرْثِ حَيْثُ أَقْدَمَ عَلَى الطَّلَاقِ، وَإِمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ النِّكَاحُ قَائِمًا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ (وَقَوْلُهُ فَتَبْطُلَ فِي حَقِّهِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ بِالنَّصْبِ لِأَنَّهُ جَوَابُ النَّفْيِ. وَقَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ بِالرَّفْعِ لَا غَيْرُ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا وَجْهٌ خَلَا قَوْلَهُ لَا غَيْرُ فَإِنَّهُ لَا وَجْهَ لَهُ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ طَلَّقَهَا بِأَمْرِ) هَا ظَاهِرٌ. قِيلَ سُؤَالُهَا لِلطَّلَاقِ لَا يَرْبُو عَلَى قَوْلِهَا أَسْقَطْت مِيرَاثِي مِنْ

وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَمْ تَرِثْهُ) لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِإِبْطَالِ حَقِّهَا وَالتَّأْخِيرِ لِحَقِّهَا. وَإِنْ قَالَتْ طَلِّقْنِي لِلرَّجْعَةِ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَرِثَتْهُ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQفُلَانٍ وَثَمَّةَ لَا يَسْقُطُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمِيرَاثَ لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ مَقْصُودًا، وَلَكِنْ سَبَبُهُ وَهُوَ الزَّوْجِيَّةُ يَحْتَمِلُ الرَّفْضَ، فَإِذَا لَمْ تَرْضَ بِرَفْضِهَا جَعَلْنَاهَا قَائِمَةً فِي حَقِّهَا حُكْمًا، وَإِذَا رَضِيَتْ حَكَمْنَا بِارْتِفَاضِهَا فَيَسْقُطُ الْإِرْثُ ضِمْنًا لَهُ، وَكَمْ مِنْ

الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ النِّكَاحَ فَلَمْ تَكُنْ بِسُؤَالِهَا رَاضِيَةً بِبُطْلَانِ حَقِّهَا (وَإِنْ قَالَ لَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ كُنْت طَلَّقْتُك ثَلَاثًا فِي صِحَّتِي وَانْقَضَتْ عِدَّتُك فَصَدَّقَتْهُ، ثُمَّ أَقَرَّ لَهَا بِدَيْنٍ أَوْ أَوْصَى لَهَا بِوَصِيَّةٍ فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ الْمِيرَاثِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: يَجُوزُ إقْرَارُهُ وَوَصِيَّتُهُ. وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي مَرَضِهِ بِأَمْرِهَا ثُمَّ أَقَرَّ لَهَا بِدَيْنٍ أَوْ أَوْصَى لَهَا بِوَصِيَّةٍ فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ الْمِيرَاثِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّ لَهَا جَمِيعَ مَا أَوْصَى وَمَا أَقَرَّ بِهِ، لِأَنَّ الْمِيرَاثَ لَمَّا بَطَلَ بِسُؤَالِهَا زَالَ الْمَانِعُ مِنْ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّهُمَا لَمَّا تَصَادَقَا عَلَى الطَّلَاقِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً عَنْهُ حَتَّى جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا فَانْعَدَمَتْ التُّهْمَةُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهَا وَيَجُوزُ وَضْعُ الزَّكَاةِ فِيهَا، بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ بَاقِيَةٌ وَهِيَ سَبَبُ التُّهْمَةِ، وَالْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِ التُّهْمَةِ وَلِهَذَا يُدَارُ عَلَى النِّكَاحِ وَالْقَرَابَةِ، وَلَا عِدَّةَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ـــــــــــــــــــــــــــــQحُكْمٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا، وَكَذَلِكَ إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا لِأَنَّهُ دَلِيلُ الرِّضَا بِالْفُرْقَةِ، وَبِالْخُلْعِ قَدْ الْتَزَمَتْ الْمَالَ لِتَحْصُلَ لَهَا الْفُرْقَةُ وَهُوَ أَدَلُّ عَلَى الرِّضَا بِهَا. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لَهَا فِي مَرَضِهِ) فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا يَجِبُ الْأَقَلُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَيَجِبُ مَا أَقَرَّ وَأَوْصَى بَالِغًا مَا بَلَغَ فِيهِمَا عِنْدَ زُفَرَ، وَقَوْلُهُمَا فِي الْأُولَى كَقَوْلِ زُفَرَ، وَفِي الثَّانِيَةِ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. قَالَ زُفَرُ (وَالْمِيرَاثُ لَمَّا بَطَلَ بِسُؤَالِهَا أَوْ تَصْدِيقِهَا زَالَ الْمَانِعُ مِنْ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ) وَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ يَعْمَلُ الْمُقْتَضَى عَمَلَهُ. وَ (وَجْهُ قَوْلِهِمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّهُمَا لَمَّا تَصَادَقَا عَلَى الطَّلَاقِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً فَانْعَدَمَتْ التُّهْمَةُ) وَاسْتَوْضَحَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ أَلَا تَرَى. وَقَوْلُهُ وَهِيَ سَبَبُ التُّهْمَةِ) أَيْ الْعِدَّةُ سَبَبُ تُهْمَةِ إيثَارِ الزَّوْجِ الزَّوْجَةَ عَلَى سَائِرِ الْوَرَثَةِ بِزِيَادَةِ نَصِيبِهَا كَمَا فِي حَقِيقَةِ الزَّوْجِيَّةِ (وَالْحُكْمُ) وَهُوَ عَدَمُ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ (يُدَارُ عَلَى دَلِيلِ التُّهْمَةِ وَلِهَذَا يُدَارُ) الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ (عَلَى النِّكَاحِ وَالْقَرَابَةِ) حَيْثُ لَا يَجُوزُ وَصِيَّتُهُ وَلَا إقْرَارُهُ لِمَنْكُوحَتِهِ وَذَوِي قَرَابَتِهِ. وَتَحْقِيقُ هَذَا أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَخْتَارُ الطَّلَاقَ لِيَنْفَتِحَ عَلَيْهِ بَابُ الْوَصِيَّةِ وَالْإِقْرَارِ، وَكَذَا قَدْ يَتَوَاضَعُ مَعَ بَعْضِ قَرَابَتِهِ بِدَيْنٍ إيثَارًا لَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَكِنَّهُ أَمْرٌ مُبْطَنٌ وَلَهُ سَبَبٌ ظَاهِرٌ وَهُوَ النِّكَاحُ وَالْقَرَابَةُ فَأَقَامَهُ الشَّرْعُ مَقَامَهُ وَلَمْ يُجَوِّزْ الْإِقْرَارَ وَالْوَصِيَّةَ لِمَنْكُوحَتِهِ وَقَرِيبِهِ، فَكَذَا فِي الْمُعْتَدَّةِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ أَسْبَابِ التُّهْمَةِ (وَلَا عِدَّةَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى) لِتَصَادُقِهِمَا عَلَى انْقِضَائِهَا. وَفِي عِبَارَتِهِ تَسَامُحٌ لِأَنَّ ذِكْرَ أَنَّ الْعِدَّةَ سَبَبُ التُّهْمَةِ ثُمَّ جَعْلَهُ دَلِيلَ التُّهْمَةِ، وَإِقَامَةَ

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ التُّهْمَةَ قَائِمَةٌ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ تَخْتَارُ الطَّلَاقَ لِيَنْفَتِحَ بَابُ الْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ عَلَيْهَا فَيَزِيدَ حَقُّهَا، وَالزَّوْجَانِ قَدْ يَتَوَاضَعَانِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْفُرْقَةِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِيَبَرَّهَا الزَّوْجُ بِمَالِهِ زِيَادَةً عَلَى مِيرَاثِهَا وَهَذِهِ التُّهْمَةُ فِي الزِّيَادَةِ فَرَدَدْنَاهَا، وَلَا تُهْمَةَ فِي قَدْرِ الْمِيرَاثِ فَصَحَّحْنَاهُ، وَلَا مُوَاضَعَةَ عَادَةً فِي حَقِّ الزَّكَاةِ وَالتَّزَوُّجِ وَالشَّهَادَةِ، فَلَا تُهْمَةَ فِي حَقِّ هَذِهِ الْأَحْكَامِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّيْءِ مَقَامَ غَيْرِهِ إقَامَةَ السَّبَبِ الدَّاعِي مَقَامَ الْمَدْعُوِّ، وَإِقَامَةَ الدَّلِيلِ مَقَامَ الْمَدْلُولِ فَهُمَا قَسِيمَانِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ التُّهْمَةَ قَائِمَةٌ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ تَخْتَارُ الطَّلَاقَ لِيَنْفَتِحَ بَابُ الْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ عَلَيْهَا فَيَزِيدُ حَقُّهَا، وَالزَّوْجَانِ قَدْ يَتَوَاضَعَانِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْفُرْقَةِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِيَبَرَّهَا الزَّوْجُ بِمَالِهِ زِيَادَةً عَلَى مِيرَاثِهَا، وَهَذِهِ التُّهْمَةُ فِي الزِّيَادَةِ فَرَدَدْنَاهَا، وَلَا تُهْمَةَ فِي قَدْرِ الْمِيرَاثِ فَصَحَّحْنَاهُ) وَقَوْلُهُ (وَلَا مُوَاضَعَةَ عَادَةً) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ لَهَا وَهُوَ

(وَمَنْ كَانَ مَحْصُورًا أَوْ فِي صَفِّ الْقِتَالِ فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا لَمْ تَرِثْهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ بَارَزَ رَجُلًا أَوْ قُدِّمَ لِيُقْتَلَ فِي قِصَاصٍ أَوْ رَجْمٍ وَرِثَتْ إنْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ أَوْ قُتِلَ) وَأَصْلُهُ مَا بَيَّنَّا أَنَّ امْرَأَةَ الْفَارِّ تَرِثُ اسْتِحْسَانًا، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْفِرَارِ بِتَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَرَضٍ يُخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكُ غَالِبًا كَمَا إذَا كَانَ صَاحِبَ الْفِرَاشِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ لَا يَقُومُ بِحَوَائِجِهِ كَمَا يَعْتَادُهُ الْأَصِحَّاءُ، وَقَدْ يَثْبُتُ حُكْمُ الْفِرَارِ بِمَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَرَضِ فِي تَوَجُّهِ الْهَلَاكِ الْغَالِبِ، وَمَا يَكُونُ الْغَالِبُ مِنْهُ السَّلَامَةَ لَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُ الْفِرَارِ، فَالْمَحْصُورُ وَاَلَّذِي فِي صَفِّ الْقِتَالِ الْغَالِبُ مِنْهُ السَّلَامَةُ لِأَنَّ الْحِصْنَ لِدَفْعِ بَأْسِ الْعَدُوِّ وَكَذَا الْمَنَعَةُ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُ الْفِرَارِ، وَاَلَّذِي بَارَزَ أَوْ قُدِّمَ لَيُقْتَلَ الْغَالِبُ مِنْهُ الْهَلَاكُ فَيَتَحَقَّقُ بِهِ الْفِرَارُ وَلِهَذَا أَخَوَاتٌ تَخْرُجُ عَلَى هَذَا الْحَرْفِ، وَقَوْلُهُ إذَا مَاتَ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ أَوْ قُتِلَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا مَاتَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ كَانَ مَحْصُورًا أَوْ فِي صَفِّ الْقِتَالِ) هَذَا لِبَيَانِ أَنَّ حُكْمَ الْفِرَارِ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِي الْمَرَضِ بَلْ كُلُّ شَيْءٍ يُقَرِّبُهُ إلَى الْهَلَاكِ غَالِبًا فَهُوَ فِي مَعْنَى مَرَضِ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ مَرَضَ الْمَوْتِ هُوَ الَّذِي يُخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكُ غَالِبًا فَكَانَا فِي الْمَعْنَى سَوَاءً، وَفَسَّرَ الْمَرَضَ الَّذِي يُخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكُ غَالِبًا أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ فِرَاشٍ، وَفَسَّرَهُ بِمِنْ يَكُونُ بِحَالٍ لَا يَقُومُ بِحَوَائِجِهِ كَالْأَصِحَّاءِ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَلِهَذَا أَخَوَاتٌ تَخْرُجُ عَلَى هَذَا) مِنْهَا رَاكِبُ السَّفِينَةِ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ، فَإِنْ تَلَاطَمَتْ الْأَمْوَاجُ وَخِيفَ الْغَرَقُ صَارَ كَالْمَرِيضِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. وَمِنْهَا الْمَرْأَةُ الْحَامِلُ فَإِنَّهَا كَالصَّحِيحَةِ فَإِذَا أَخَذَهَا الطَّلْقُ فَهِيَ كَالْمَرِيضَةِ. وَمِنْهَا الْمُقْعَدُ وَالْمَفْلُوجُ مَا دَامَ يَزْدَادُ مَا بِهِ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ، فَإِنْ صَارَ بِحَيْثُ لَا يَزْدَادُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ مَا دَامَ يَزْدَادُ فِي عِلَّتِهِ فَالْغَالِبُ أَنَّ آخِرَهُ الْمَوْتُ، وَإِذَا صَارَ بِحَالٍ لَا يَزْدَادُ فَلَا يَخَافُ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ وَقَوْلُهُ إذَا مَاتَ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ) بَيَانُهُ: إذَا طَلَّقَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ثُمَّ قُتِلَ أَوْ مَاتَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَرَضِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فَلَهَا الْمِيرَاثُ، وَكَانَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ يَرَى أَنْ لَا مِيرَاثَ لَهَا لِأَنَّ مَرَضَ

بِذَلِكَ السَّبَبِ أَوْ بِسَبَبٍ آخَرَ كَصَاحِبِ الْفِرَاشِ بِسَبَبِ الْمَرَضِ إذَا قُتِلَ. (وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ أَوْ إذَا دَخَلْت الدَّارَ أَوْ إذَا صَلَّى فُلَانٌ الظُّهْرَ أَوْ إذَا دَخَلَ فُلَانٌ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ وَالزَّوْجُ مَرِيضٌ لَمْ تَرِثْ، وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ فِي الْمَرَضِ وَرِثَتْ إلَّا فِي قَوْلِهِ إذَا دَخَلْت الدَّارَ) وَهَذَا عَلَى وُجُوهٍ: إمَّا أَنْ يُعَلِّقَ الطَّلَاقَ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ أَوْ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ بِفِعْلِ نَفْسِهِ أَوْ بِفِعْلِ الْمَرْأَةِ، وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَمَّا إنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ أَوْ كِلَاهُمَا فِي الْمَرَضِ. أَمَّا الْوَجْهَانِ الْأَوَّلَانِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ بِأَنْ قَالَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ بِأَنْ قَالَ إذَا دَخَلَ فُلَانٌ الدَّارَ أَوْ صَلَّى فُلَانٌ الظُّهْرَ، فَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ فَلَهَا الْمِيرَاثُ لِأَنَّ الْقَصْدَ إلَى الْفِرَارِ قَدْ تَحَقَّقَ مِنْهُ بِمُبَاشَرَةٍ التَّعْلِيقِ فِي حَالِ تَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ، وَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ لَمْ تَرِثْ. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَرِثُ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ يَنْزِلُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُنْجَزِ فَكَانَ إيقَاعًا فِي الْمَرَضِ. وَلَنَا أَنَّ التَّعْلِيقَ السَّابِقَ يَصِيرُ تَطْلِيقًا عِنْدَ الشَّرْطِ حُكْمًا لَا قَصْدًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَوْتِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمَوْتِ، وَلَمَّا مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ عَلِمْنَا أَنَّ مَرَضَهُ لَمْ يَكُنْ مَرَضَ الْمَوْتِ وَأَنَّ حَقَّهَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَلِّقًا بِمَالِهِ يَوْمئِذٍ فَهُوَ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا فِي صِحَّتِهِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: قَدْ اتَّصَلَ الْمَوْتُ بِمَرَضِهِ حِينَ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى مَاتَ، وَقَدْ يَكُونُ لِلْمَوْتِ سَبَبَانِ فَلَا يَتَبَيَّنُ بِهَذَا أَنَّ مَرَضَهُ لَمْ يَكُنْ مَرَضَ الْمَوْتِ وَأَنَّ حَقَّهَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فِي مَالِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ إرْثَهَا عَنْهُ بِحُكْمِ الْفِرَارِ وَهُوَ مُتَحَقِّقٌ هَاهُنَا. . (وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ) كَلَامُهُ فِيهِ وَاضِحٌ سِوَى أَلْفَاظٍ نَذْكُرُهَا (قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ) يَعْنِي طَلَاقًا بَائِنًا لِأَنَّ حُكْمَ الْفِرَارِ إنَّمَا يُعْطَى إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا. وَقَوْلُهُ (وَكَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ) بِمَعْنَى وُجِدَتْ تَامَّةً لَا تَحْتَاجُ إلَى خَبَرٍ. وَقَوْلُهُ (يَصِيرُ تَطْلِيقًا عِنْدَ الشَّرْطِ حُكْمًا لَا قَصْدًا) يَظْهَرُ بِمَسْأَلَتَيْنِ:

وَلَا ظُلْمَ إلَّا عَنْ قَصْدٍ فَلَا يُرَدُّ تَصَرُّفُهُ. وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَهُوَ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ فَسَوَاءٌ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ أَوْ كَانَا فِي الْمَرَضِ وَالْفِعْلُ مِمَّا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ أَوْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ يَصِيرُ فَارًّا لِوُجُودِ قَصْدِ الْإِبْطَالِ، إمَّا بِالتَّعْلِيقِ أَوْ بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ فِي الْمَرَضِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ فِعْلِ الشَّرْطِ بُدٌّ فَلَهُ مِنْ التَّعْلِيقِ أَلْفُ بُدٍّ فَيُرَدُّ تَصَرُّفُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا. وَأَمَّا الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَهُوَ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِفِعْلِهَا، فَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ وَالْفِعْلُ مِمَّا لَهَا مِنْهُ بُدٌّ كَكَلَامِ زَيْدٍ وَنَحْوِهِ لَمْ تَرِثْ لِأَنَّهَا رَاضِيَةٌ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ مِمَّا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ كَأَكْلِ الطَّعَامِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ وَكَلَامِ الْأَبَوَيْنِ تَرِثُ لِأَنَّهَا مُضْطَرَّةٌ فِي الْمُبَاشَرَةِ لِمَا لَهَا فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ خَوْفِ الْهَلَاكِ فِي الدُّنْيَا ـــــــــــــــــــــــــــــQإحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ بِالشَّرْطِ ثُمَّ وُجِدَ وَهُوَ مَجْنُونٌ فَإِنَّهُ يَقَعُ مَعَ أَنَّ طَلَاقَ الْمَجْنُونِ غَيْرُ وَاقِعٍ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِتَطْلِيقٍ قَصْدًا. وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا عَلَّقَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ بِشَرْطٍ ثُمَّ حَلَفَ أَنْ لَا يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ لَا يَحْنَثُ، فَلَوْ كَانَ تَطْلِيقًا قَصَدَ الْحِنْثَ. وَقَوْلُهُ وَالْفِعْلُ مِمَّا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ أَوْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ يَصِيرُ فَارًّا) قِيلَ عَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِيرَ فَارًّا فِي التَّعْلِيقِ بِالْفِعْلِ الَّذِي لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ لِأَنَّ الْفِعْلَ إذَا كَانَ مِمَّا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ يَصِيرُ مُضْطَرًّا فِي مُبَاشَرَةِ ذَلِكَ الْفِعْلِ فَلَا يَصِيرُ الْفِعْلُ ظُلْمًا فَلَا تَرِثُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الِاضْطِرَارَ فِي جَانِبِ الْفِعْلِ لَا يَرِدُ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ كَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ أَوْ إلَى قَتْلِ الْجَمَلِ الصَّائِلِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَإِنْ لَمْ يُوصَفْ فِعْلُهُ بِالظُّلْمِ لِمَا أَنَّ عِصْمَةَ الْمَحَلِّ تَكْفِي لِإِيجَابِ الضَّمَانِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهَا رَاضِيَةٌ بِذَلِكَ) يَعْنِي صَارَ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا بِسُؤَالِهَا لِمَا أَنَّ الرِّضَا بِالشَّرْطِ رِضًا بِالْمَشْرُوطِ. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ فَإِنَّ أَحَدَ شَرِيكَيْ الْعَبْدِ إذَا قَالَ لِصَاحِبِهِ إنْ ضَرَبْته فَهُوَ حُرٌّ فَضَرَبَهُ عَتَقَ، وَلِلضَّارِبِ وِلَايَةُ تَضْمِينِ الْحَالِفِ مَعَ أَنَّ الضَّارِبَ ضَرَبَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَلَمْ يُجْعَلْ ذَلِكَ مِنْهُ رِضًا. أُجِيبَ بِأَنَّ حُكْمَ الْفِرَارِ يَثْبُتُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ اسْتِحْسَانًا بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ بِشُبْهَةِ الْعُدْوَانِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ

أَوْ فِي الْعُقْبَى وَلَا رِضًا مَعَ الِاضْطِرَارِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ، فَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ مِمَّا لَهَا مِنْهُ بُدٌّ فَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ لَا مِيرَاثَ لَهَا، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الزَّوْجِ صُنْعٌ بَعْدَمَا تَعَلَّقَ حَقُّهَا بِمَالِهِ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَرِثُ لِأَنَّ الزَّوْجَ أَلْجَأَهَا إلَى الْمُبَاشَرَةِ فَيَنْتَقِل الْفِعْلُ إلَيْهِ كَأَنَّهَا آلَةٌ لَهُ كَمَا فِي الْإِكْرَاهِ. قَالَ (وَإِذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَهُوَ مَرِيضٌ ثُمَّ صَحَّ ثُمَّ مَاتَ لَمْ تَرِثْ) وَقَالَ زُفَرُ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ: تَرِثُ لِأَنَّهُ قَصَدَ الْفِرَارَ حِينَ أَوْقَعَ فِي الْمَرَضِ وَقَدْ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْمَرَضُ إذَا تَعَقَّبَهُ بُرْءٌ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ يَنْعَدِمُ بِهِ مَرَضُ الْمَوْتِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ فَلَا يَصِيرُ الزَّوْجُ فَارًّا. وَلَوْ طَلَّقَهَا فَارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ مِنْ مَرَضِهِ وَهِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَابَعَهُمْ فِيهِ غَيْرُهُمْ فَيَبْطُلُ حُكْمُهُ أَيْضًا لِشُبْهَةِ الرِّضَا، وَلَا كَذَلِكَ حُكْمُ الضَّمَانِ، وَقَدْ وُجِدَ هَاهُنَا شُبْهَةُ رِضَا الْمَرْأَةِ فَيَكْفِي ذَلِكَ لِنَفْيِ حُكْمِ الْفِرَارِ. وَقَوْلُهُ (أَوْ فِي الْعُقْبَى) رَاجِعٌ إلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ. قِيلَ إنَّمَا خَصَّهَا بِالذِّكْرِ وَإِنْ كَانَ جَمِيعُ الْمَكْتُوبَاتِ فِيهِ سَوَاءً لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ فُرِضَتْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ الْفَهْمُ فِي النَّظَرِ إلَى الْأَوَّلِ أَسْبَقَ. وَقَوْلُهُ (فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) أَيْ لَا تَرِثُ الْمَرْأَةُ لِأَنَّهُ حِينَ عَلَّقَ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ لَمْ يَكُنْ فِي مَالِهِ لَهَا حَقٌّ فَلَا يُتَّهَمُ بِالْقَصْدِ إلَى الْفِرَارِ وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْهُ صُنْعٌ، غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يَنْعَدِمَ رِضَاهَا إذْ فِعْلُهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا لَا تَجِدُ مِنْهُ بُدًّا؛ فَيَكُونُ هَذَا كَالتَّعْلِيقِ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ أَوْ بِمَجِيءِ الشَّهْرِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هُنَاكَ لَا تَرِثُ إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا لِمَا أَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يُبَاشِرْ الْعِلَّةَ وَلَا الشَّرْطَ فِي مَرَضِهِ فَلَا يَكُونُ فَارًّا. فَإِنْ قِيلَ: فِي هَذَا مُنَاقَضَةٌ مِنْ جَانِبِ زُفَرَ لِأَنَّهُ قَالَ فِيمَا تَقَدَّمَ إنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ فَكَانَ إيقَاعًا فِي الْمَرَضِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الزَّوْجِ صُنْعٌ بَعْدَ تَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَا لَهُ صُنْعٌ مُعْتَبَرٌ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَمَّا كَانَ فِعْلَهَا جُعِلَ صُنْعُ الزَّوْجِ كَلَا صُنْعٍ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَكُنْ فِعْلَهَا فَلَمْ يَخْرُجْ فِعْلُهُ عَنْ حَيِّزِ الِاعْتِبَارِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الزَّوْجَ أَلْجَأَهَا إلَى الْمُبَاشَرَةِ)

فِي الْعِدَّةِ لَمْ تَرِثْ، وَإِنْ لَمْ تَرْتَدَّ بَلْ طَاوَعَتْ ابْنَ زَوْجِهَا فِي الْجِمَاعِ وَرِثَتْ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّهَا بِالرِّدَّةِ أَبْطَلَتْ أَهْلِيَّةَ الْإِرْثِ إذْ الْمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ أَحَدًا وَلَا بَقَاءَ لَهُ بِدُونِ الْأَهْلِيَّةِ، وَبِالْمُطَاوَعَةِ مَا أَبْطَلَتْ الْأَهْلِيَّةَ لِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ لَا تُنَافِي الْإِرْثَ وَهُوَ الْبَاقِي، بِخِلَافِ مَا إذَا طَاوَعَتْ فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْفُرْقَةَ فَتَكُونُ رَاضِيَةً بِبُطْلَانِ السَّبَبِ، وَبَعْدَ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِالْمُطَاوَعَةِ لِتَقَدُّمِهَا عَلَيْهَا فَافْتَرَقَا (وَمَنْ قَذَفَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ وَلَاعَنَ فِي الْمَرَضِ وَرِثَتْ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَرِثُ، وَإِنْ كَانَ الْقَذْفُ فِي الْمَرَضِ وَرِثَتْهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) وَهَذَا مُلْحَقٌ بِالتَّعْلِيقِ بِفِعْلِ لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ إذْ هِيَ مُلْجَأَةٌ إلَى الْخُصُومَةِ لِدَفْعِ عَارِ الزِّنَا عَنْ نَفْسِهَا وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ فِيهِ (وَإِنْ آلَى وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ بَانَتْ بِالْإِيلَاءِ وَهُوَ مَرِيضٌ لَمْ تَرِثْ، وَإِنْ كَانَ الْإِيلَاءُ أَيْضًا فِي الْمَرَضِ وَرِثَتْ) لِأَنَّ الْإِيلَاءَ فِي مَعْنَى تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ خَالِيَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ إلَى جَعْلِ فِعْلِهَا الَّذِي لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ عِلَّةً لِإِسْقَاطِ حَقِّهَا وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ لَا تُنَافِي الْإِرْثَ) يَعْنِي بَلْ تُنَافِي النِّكَاحَ كَمَا فِي الْأُمِّ وَالْأُخْتِ. وَقَوْلُهُ (وَهُوَ) يَعْنِي الْإِرْثَ هُوَ (الْبَاقِي) وَقَوْلُهُ (فَتَكُونُ رَاضِيَةً بِبُطْلَانِ السَّبَبِ) أَيْ سَبَبِ الْإِرْثِ وَهُوَ النِّكَاحُ. (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تَرِثُ) قِيلَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا يَقَعُ بِلِعَانِهَا لِأَنَّهُ آخِرُ اللِّعَانَيْنِ، وَكَانَ آخِرَ الْمُدَارَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: الْفُرْقَةُ إنَّمَا تَقَعُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي عِنْدَنَا فَكَانَ الْقَضَاءُ آخِرَ الْمُدَارَيْنِ. أُجِيبَ بِأَنَّ اللِّعَانَ شَهَادَةٌ عِنْدَنَا عَلَى مَا يَأْتِي، وَالْحُكْمُ إمَّا يَثْبُتُ بِالشَّهَادَةِ لَا بِالْقَضَاءِ. وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْفُرْقَةَ وَإِنْ كَانَتْ تَقَعُ بِلِعَانِهَا إلَّا أَنَّهَا مُضْطَرَّةٌ فِي ذَلِكَ لِاسْتِدْفَاعِ الْعَارِ عَنْ نَفْسِهَا وَكَانَ مُلْحَقًا بِفِعْلٍ لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ (وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ فِيهِ) أَيْ فِي الْفِعْلِ الَّذِي لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّهَا مُضْطَرَّةٌ فِي الْمُبَاشَرَةِ. وَقَوْلُهُ وَإِنْ آلَى وَهُوَ صَحِيحٌ) ظَاهِرٌ

عَنْ الْوِقَاعِ فَيَكُونُ مُلْحَقًا بِالتَّعْلِيقِ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَهُ قَالَ (وَالطَّلَاقُ الَّذِي يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ تَرِثُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَهُ) يُرِيدُ قَوْلَهُ وَلَنَا أَنَّ التَّعْلِيقَ السَّابِقَ يَصِيرُ تَطْلِيقًا إلَخْ. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِيلَاءَ نَظِيرُ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ إنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ لِمَا أَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إبْطَالِ الْإِيلَاءِ بِالْفَيْءِ، فَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ صَارَ كَأَنَّهُ أَنْشَأَ الْإِيلَاءَ فِي الْمَرَضِ وَهُنَاكَ تَرِثُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا، وَكَانَ نَظِيرَ مَنْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِالطَّلَاقِ فِي صِحَّتِهِ فَطَلَّقَهَا الْوَكِيلُ فِي الْمَرَضِ كَانَ فَارًّا لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْعَزْلِ؛ فَإِذَا لَمْ يَعْزِلْ جُعِلَ كَأَنَّهُ أَنْشَأَهُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا. أُجِيبَ بِأَنَّ

فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يُزِيلُ النِّكَاحَ حَتَّى يُحِلَّ الْوَطْءَ فَكَانَ السَّبَبُ قَائِمًا. قَالَ (وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا تَرِثُ إنَّمَا تَرِثُ إذَا مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ) وَقَدْ بَيِّنَاهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَرْقَ بَيْنَهُمَا ثَابِتٌ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إبْطَالُ الْإِيلَاءِ إلَّا بِضَرَرٍ يَلْزَمُهُ فَلَمْ يَكُنْ مُتَمَكِّنًا مُطْلَقًا، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْوَكَالَةِ. وَقَوْلُهُ (فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ) يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ الطَّلَاقُ بِسُؤَالِهَا أَوْ بِغَيْرِ سُؤَالِهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ التَّعْلِيقُ بِفِعْلِهَا أَوْ بِفِعْلِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْفِعْلُ مِمَّا لَهَا مِنْهُ بُدٌّ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَالْبَاقِي وَاضِحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .

[باب الرجعة]

(وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً رَجْعِيَّةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ فَلَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا فِي عِدَّتِهَا رَضِيَتْ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ تَرْضَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الرَّجْعَةِ] لَمَّا كَانَتْ الرَّجْعَةُ مُتَأَخِّرَةً عَنْ الطَّلَاقِ طَبْعًا أَخَّرَهَا وَضْعًا لِيُنَاسِبَ الْوَضْعُ الطَّبْعَ وَالرَّجْعَةُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ، وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ اسْتِدَامَةِ مِلْكِ النِّكَاحِ. وَلَهَا شَرَائِطُ: إحْدَاهَا تَقْدِيمُ صَرِيحِ لَفْظِ الطَّلَاقِ أَوْ بَعْضِ أَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَالثَّانِيَةُ أَنْ لَا يَكُونَ بِمُقَابَلَتِهِ مَالٌ. وَالثَّالِثَةُ أَنْ لَا يُسْتَوْفَى الثَّلَاثَةُ مِنْ الطَّلَاقِ. وَالرَّابِعَةُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مَدْخُولًا بِهَا. وَالْخَامِسَةُ أَنْ تَكُونَ الْعِدَّةُ قَائِمَةً وَلَا خِلَافَ فِي مَشْرُوعِيَّتِهَا لِأَحَدٍ لِثُبُوتِهَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ.

[ألفاظ الرجعة]

وَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ الْعِدَّةِ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ سَمَّى إمْسَاكًا وَهُوَ الْإِبْقَاءُ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ الِاسْتِدَامَةُ فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ بَعْدَ انْقِضَائِهَا (وَالرَّجْعَةُ أَنْ يَقُولَ رَاجَعْتُك أَوْ رَاجَعْت امْرَأَتِي) وَهَذَا صَرِيحٌ فِي الرَّجْعَةِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ. قَالَ (أَوْ يَطَأَهَا أَوْ يُقَبِّلَهَا أَوْ يَلْمِسَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ يَنْظُرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ) وَهَذَا عِنْدَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [أَلْفَاظ الرَّجْعَة] وَ) أَلْفَاظُ (الرَّجْعَةِ أَنْ يَقُولَ رَاجَعْتُك) إنْ كَانَ فِي حَضْرَتِهَا (أَوْ رَاجَعْت امْرَأَتِي) فِي الْغَيْبَةِ بِشَرْطِ الْإِعْلَامِ أَوْ فِي الْحَضْرَةِ أَيْضًا، أَوْ يَقُولَ رَدَدْتُك أَوْ أَمْسَكْتُك، أَوْ يَقُولَ أَنْتِ عِنْدِي كَمَا كُنْت، أَوْ أَنْتِ امْرَأَتِي إنْ نَوَى الرَّجْعَةَ، وَلَا خِلَافَ لِأَحَدٍ فِي جَوَازِ الرَّجْعَةِ بِالْقَوْلِ. وَأَمَّا بِالْفِعْلِ مِثْلَ أَنْ (يَطَأَهَا أَوْ يُقَبِّلَهَا أَوْ يَلْمِسَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ يَنْظُرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ) فَهِيَ صَحِيحَةٌ (عِنْدَنَا.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ: لَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ إلَّا بِالْقَوْلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ حَتَّى يَحْرُمَ وَطْؤُهَا، وَعِنْدَنَا هُوَ اسْتِدَامَةُ النِّكَاحِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَسَنُقَرِّرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْفِعْلُ قَدْ يَقَعُ دَلَالَةً عَلَى الِاسْتِدَامَةِ كَمَا فِي إسْقَاطِ الْخِيَارِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ إلَّا بِالْقَوْلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ) لِثُبُوتِ الْحِلِّ بِهَا، وَابْتِدَاءُ النِّكَاحِ لَا يَصِحُّ بِالْوَطْءِ وَدَوَاعِيهِ؛ فَكَانَ الْوَطْءُ حَرَامًا كَمَا فِي ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ. وَقُلْنَا: هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ اسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ كَمَا بَيَّنَّا، وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ سُمِّيَ إمْسَاكًا وَهُوَ الْإِبْقَاءُ. وَقَوْلُهُ (وَسَنُقَرِّرُهُ) إشَارَةٌ إلَى مَا ذُكِرَ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ وَهُوَ قَوْلُهُ قُلْنَا إنَّهَا قَائِمَةٌ حَتَّى يَمْلِكَ مُرَاجَعَتَهَا إلَخْ. وَقَوْلُهُ وَالْفِعْلُ قَدْ يَقَعُ دَلَالَةً عَلَى الِاسْتِدَامَةِ) جُزْءُ الدَّلِيلِ. وَقَوْلُهُ (كَمَا فِي إسْقَاطِ الْخِيَارِ) دَلِيلُهُ. وَتَقْرِيرُهُ: الرَّجْعَةُ اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ، وَالْفِعْلُ قَدْ يَقَعُ دَلِيلًا عَلَى الِاسْتِدَامَةِ كَمَا فِي إسْقَاطِ الْخِيَارِ، فَإِنَّ مَنْ بَاعَ جَارِيَةً عَلَى أَنَّهُ

وَالدَّلَالَةُ فِعْلٌ يَخْتَصُّ بِالنِّكَاحِ وَهَذِهِ الْأَفَاعِيلُ تَخْتَصُّ بِهِ خُصُوصًا فِي الْحُرَّةِ، بِخِلَافِ النَّظَرِ وَالْمَسِّ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ لِأَنَّهُ قَدْ يَحِلُّ بِدُونِ النِّكَاحِ كَمَا فِي الْقَابِلَةِ وَالطَّبِيبِ وَغَيْرِهِمَا، وَالنَّظَرُ إلَى غَيْرِ الْفَرْجِ قَدْ يَقَعُ بَيْنَ الْمُسَاكِنَيْنِ وَالزَّوْجُ يُسَاكِنُهَا فِي الْعِدَّةِ، فَلَوْ كَانَ رَجْعَةً لَطَلَّقَهَا فَتَطُولُ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا. قَالَ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى الرَّجْعَةِ شَاهِدَيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ وَطِئَهَا سَقَطَ الْخِيَارُ، كَمَا إذَا أَسْقَطَ بِالْقَوْلِ، بَلْ هُنَا أَوْلَى لِأَنَّهُ فِي الْبَيْعِ يَحْتَاجُ إلَى رَفْعِ السَّبَبِ الْمُزِيلِ وَهُوَ الْبَيْعُ، أَمَّا هَاهُنَا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى رَفْعِ الطَّلَاقِ بَلْ يَحْتَاجُ إلَى دَفْعِ مَا لَوْلَاهُ لَزَالَ وَالدَّفْعُ أَسْهَلُ مِنْ الرَّفْعِ. وَلَمَّا كَانَ الثَّابِتُ بِالدَّلِيلِ أَنَّ بَعْضَ الْفِعْلِ قَدْ يَقَعُ دَلَالَةً عَلَى الِاسْتِدَامَةِ احْتَاجَ إلَى أَنْ يُعَيِّنَهُ فَقَالَ (وَالدَّلَالَةُ) أَيْ الدَّلِيلُ (فِعْلٌ يَخْتَصُّ بِالنِّكَاحِ، وَهَذِهِ الْأَفَاعِيلُ تَخْتَصُّ بِالنِّكَاحِ) فَتَقَعُ دَلَالَةً. وَقَوْلُهُ (خُصُوصًا فِي الْحُرَّةِ) لِبَيَانِ أَنَّ حِلَّ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا لَيْسَ إلَّا بِالنِّكَاحِ، وَأَمَّا فِي الْأَمَةِ فَيَحِلُّ بِهِ وَبِمِلْكِ الْيَمِينِ أَيْضًا (بِخِلَافِ النَّظَرِ وَالْمَسِّ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ لِأَنَّهُ قَدْ يَحِلُّ بِدُونِ النِّكَاحِ كَمَا فِي الْقَابِلَةِ وَالطَّبِيبِ) وَالْخَاتِنَةِ، وَالشَّاهِدِ فِي الزِّنَا إذَا احْتَاجَ إلَى تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ، (وَالنَّظَرُ إلَى غَيْرِ الْفَرْجِ قَدْ يَقَعُ بَيْنَ الْمُسَاكِنَيْنِ وَالزَّوْجُ يُسَاكِنُهَا فِي الْعِدَّةِ، فَلَوْ كَانَ النَّظَرُ إلَيْهَا رَجْعَةً لَطَلَّقَهَا فَتَطُولُ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا) وَفِيهِ ضَرَرٌ بِهَا فَلَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231] . قَالَ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى الرَّجْعَةِ) إذَا أَرَادَ الرَّجْعَةَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ لِاثْنَيْنِ

فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ صَحَّتْ الرَّجْعَةُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ لَا تَصِحُّ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَالْأَمْرُ لِلْإِيجَابِ. وَلَنَا إطْلَاقُ النُّصُوصِ عَنْ قَيْدِ الْإِشْهَادِ، وَلِأَنَّهُ اسْتِدَامَةٌ لِلنِّكَاحِ، وَالشَّهَادَةُ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهِ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ كَمَا فِي الْفَيْءِ فِي الْإِيلَاءِ، إلَّا أَنَّهَا تُسْتَحَبُّ لِزِيَادَةِ الِاحْتِيَاطِ كَيْ لَا يَجْرِيَ التَّنَاكُرُ فِيهَا، وَمَا تَلَاهُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَرَنَهَا بِالْمُفَارَقَةِ وَهُوَ فِيهَا مُسْتَحَبٌّ ـــــــــــــــــــــــــــــQاشْهَدَا عَلَيَّ بِأَنِّي رَاجَعْت امْرَأَتِي (وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ صَحَّتْ الرَّجْعَةُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: لَا تَصِحُّ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ) وَهُوَ غَرِيبٌ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْإِشْهَادَ عَلَى ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ وَيَجْعَلُهُ شَرْطًا عَلَى الرَّجْعَةِ (لَهُمَا قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَالْأَمْرُ لِلْإِيجَابِ. وَلَنَا إطْلَاقُ النُّصُوصِ فِي الرَّجْعَةِ عَنْ قَيْدِ الْإِشْهَادِ) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] وقَوْله تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 229] وقَوْله تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] وقَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} [البقرة: 230] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مُرْ ابْنَك فَلْيُرَاجِعْهَا» وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ) أَيْ الرَّجْعَةَ بِمَعْنَى الرُّجُوعِ أَوْ عَلَى تَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ (اسْتِدَامَةٌ لِلنِّكَاحِ) كَمَا تَقَدَّمَ، وَالِاسْتِدَامَةُ إنَّمَا هِيَ حَالَةُ الْبَقَاءِ (وَالشَّهَادَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي النِّكَاحِ حَالَ الْبَقَاءِ) بِالِاتِّفَاقِ فَكَانَتْ (كَالْفَيْءِ فِي الْإِيلَاءِ) فِي أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَيْهِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِكَوْنِهِ حَالَةَ الْبَقَاءِ (إلَّا أَنَّهَا) أَيْ الشَّهَادَةَ (مُسْتَحَبَّةٌ لِزِيَادَةِ الِاحْتِيَاطِ كَيْ لَا يَجْرِيَ التَّنَاكُرُ فِيهَا) أَيْ فِي الرَّجْعَةِ (وَمَا تَلَاهُ) يَعْنِي مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] (مَحْمُولٌ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ دَفْعًا لِلتَّنَاكُرِ؛ فَكَانَ الْأَمْرُ لِلْإِرْشَادِ إلَى مَا هُوَ الْأَوْفَقُ بِهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَرَنَهَا بِالْمُفَارَقَةِ حَيْثُ قَالَ {أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا} [الطلاق: 2] (وَهُوَ) أَيْ الْإِشْهَادُ (فِيهَا) أَيْ فِي الْمُفَارَقَةِ (مُسْتَحَبٌّ) فَكَذَا فِي الرَّجْعَةِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْقِرَانَ فِي النَّظْمِ لَا يُوجِبُ الْقِرَانَ فِي الْحُكْمِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] . وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا حُكِمَ عَلَى إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ الْمُتَقَارِنَتَيْنِ بِحُكْمِ الْجُمْلَةِ الْأُخْرَى، وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ فِيهِ كُلُّ جُمْلَةٍ مِنْ الْجُمْلَتَيْنِ مُسْتَقِلَّةٌ بِحُكْمِهَا، وَإِنَّمَا تَعْقُبُهُمَا جُمْلَةٌ أُخْرَى تَعَلَّقَتْ بِهِمَا وَإِحْدَاهُمَا تَقْتَضِي تَعَلُّقَهَا بِهَا مِنْ حَيْثُ الِاسْتِحْبَابُ، فَكَذَلِكَ الْأُخْرَى لِئَلَّا يَلْزَمَ

وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعْلِمَهَا كَيْ لَا تَقَعَ فِي الْمَعْصِيَةِ (وَإِذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ فَقَالَ كُنْت رَاجَعْتهَا فِي الْعِدَّةِ فَصَدَّقَتْهُ فَهِيَ رَجْعَةٌ، وَإِنْ كَذَّبَتْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا) لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فِي الْحَالِ فَكَانَ مُتَّهَمًا إلَّا أَنَّ بِالتَّصْدِيقِ تَرْتَفِعُ التُّهْمَةُ، وَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهِيَ مَسْأَلَةُ الِاسْتِحْلَافِ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ . (وَإِذَا قَالَ الزَّوْجُ قَدْ رَاجَعْتُك فَقَالَتْ مُجِيبَةً لَهُ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي لَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَقَالَا: تَصِحُّ الرَّجْعَةُ لِأَنَّهَا صَادَفَتْ الْعِدَّةَ إذْ هِيَ بَاقِيَةٌ ظَاهِرًا إلَى أَنْ تُخْبِرَ وَقَدْ سَبَقَتْهُ الرَّجْعَةُ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لَهَا طَلَّقْتُك فَقَالَتْ مُجِيبَةً لَهُ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا صَادَفَتْ حَالَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ فِي مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعْلِمَهَا) بِالرَّجْعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعْلِمْهَا لَرُبَّمَا تَقَعُ الْمَرْأَةُ فِي الْمَعْصِيَةِ فَإِنَّهَا قَدْ تَتَزَوَّجُ بِنَاءً عَلَى زَعْمِهَا أَنَّ زَوْجَهَا لَمْ يُرَاجِعْهَا وَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَيَطَأَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي فَكَانَتْ عَاصِيَةً وَزَوْجُهَا الَّذِي أَوْقَعَهَا فِيهِ مُسِيئًا بِتَرْكِ الْإِعْلَامِ، وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ لَوْ لَمْ يُعْلِمْهَا صَحَّتْ الرَّجْعَةُ لِأَنَّهَا اسْتِدَامَةٌ لِلْقَائِمِ وَلَيْسَتْ بِإِنْشَاءٍ؛ فَكَانَ الزَّوْجُ بِالرَّجْعَةِ مُتَصَرِّفًا فِي خَالِصِ حَقِّهِ، وَتَصَرُّفُ الْإِنْسَانِ فِي خَالِصِ حَقِّهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِ الْغَيْرِ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ تَكُونُ عَاصِيَةً بِغَيْرِ عِلْمٍ؟ أُجِيبَ بِأَنَّهَا إذَا تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ سُؤَالٍ وَقَعَتْ فِي الْمَعْصِيَةِ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ جَاءَ مِنْ جِهَتِهَا (وَإِذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ فَقَالَ قَدْ كُنْت رَاجَعْتهَا فِي الْعِدَّةِ؛ فَإِنْ صَدَّقَتْهُ فَهِيَ رَجْعَةٌ، وَإِنْ كَذَّبَتْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فِي الْحَالِ) وَكُلُّ مَنْ فَعَلَ كَذَلِكَ فَهُوَ مُتَّهَمٌ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ لَا تَصِحَّ الرَّجْعَةُ وَإِنْ صَدَّقَتْهُ أَيْضًا (إلَّا أَنَّ بِالتَّصْدِيقِ تَرْتَفِعُ التُّهْمَةُ، وَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الِاسْتِحْلَافِ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ، وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ) ،. (وَإِذَا قَالَ الزَّوْجُ قَدْ رَاجَعْتُك فَقَالَتْ مُجِيبَةً لَهُ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي) فَأَمَّا إنْ قَالَتْ ذَلِكَ مُتَّصِلًا بِكَلَامِ الزَّوْجِ أَوْ بَعْدَ مُكْثٍ فَإِنْ كَانَ الثَّانِي تَصِحُّ الرَّجْعَةُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَمْ تَصِحَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا. قَالَا: الرَّجْعَةُ صَادَفَتْ الْعِدَّةَ لِبَقَائِهَا ظَاهِرًا إلَى أَنْ تُخْبِرَ، وَقَدْ سَبَقَتْ الرَّجْعَةُ فَكَانَتْ وَاقِعَةً فِي الْعِدَّةِ وَهِيَ صَحِيحَةٌ لَا مَحَالَةَ (وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لَهَا طَلَّقْتُك فَقَالَتْ مُجِيبَةً لَهُ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا صَادَفَتْ حَالَةَ

الِانْقِضَاءِ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ الِانْقِضَاءِ فَإِذَا أَخْبَرَتْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى سَبْقِ الِانْقِضَاءِ وَأَقْرَبُ أَحْوَالِهِ حَالُ قَوْلِ الزَّوْجِ وَمَسْأَلَةُ الطَّلَاقِ عَلَى الْخِلَافِ، وَلَوْ كَانَتْ عَلَى الِاتِّفَاقِ فَالطَّلَاقُ يَقَعُ بِإِقْرَارِهِ بَعْدَ الِانْقِضَاءِ وَالْمُرَاجَعَةُ لَا تَثْبُتُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالِانْقِضَاءِ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ الِانْقِضَاءِ) إذْ لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا بِإِخْبَارِهَا وَقَدْ أَخْبَرَتْ بِذَلِكَ، وَالْإِخْبَارُ يَقْتَضِي سَبْقَ الْمُخْبَرِ عَنْهُ وَلَا دَلِيلَ عَلَى مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ (وَأَقْرَبُ أَحْوَالِهِ حَالُ قَوْلِ الزَّوْجِ) فَإِذَا صَادَفَتْ حَالَةَ الِانْقِضَاءِ لَا تَكُونُ مُعْتَبَرَةً. وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَسْأَلَةَ الطَّلَاقِ عَلَى الْوِفَاقِ بَلْ عَلَى الْخِلَافِ، وَلَئِنْ كَانَتْ عَلَى الِاتِّفَاقِ فَالطَّلَاقُ يَقَعُ بِإِقْرَارِهِ

(وَإِذْ قَالَ زَوْجُ الْأَمَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا: قَدْ كُنْت رَاجَعْتهَا وَصَدَّقَهُ الْمَوْلَى وَكَذَّبَتْهُ الْأَمَةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى) لِأَنَّ بُضْعَهَا مَمْلُوكٌ لَهُ، فَقَدْ أَقَرَّ بِمَا هُوَ خَالِصُ حَقِّهِ لِلزَّوْجِ فَشَابَهُ الْإِقْرَارَ عَلَيْهَا بِالنِّكَاحِ، وَهُوَ يَقُولُ حُكْمُ الرَّجْعَةِ يُبْتَنَى عَلَى الْعِدَّةِ وَالْقَوْلُ فِي الْعِدَّةِ قَوْلُهَا، فَكَذَا فِيمَا يُبْتَنَى عَلَيْهَا، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْقَلْبِ فَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى، ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْدَ الِانْقِضَاءِ وَالْمُرَاجَعَةُ لَا تَثْبُتُ بِهِ. (وَإِذَا قَالَ زَوْجُ الْأَمَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ قَدْ كُنْت رَاجَعْتهَا) وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ؛ فَإِمَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمَوْلَى وَالْأَمَةُ أَوْ يُكَذِّبَاهُ، أَوْ يُصَدِّقَهُ الْمَوْلَى وَتُكَذِّبَهُ الْأَمَةُ أَوْ بِالْعَكْسِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ صَحَّتْ الرَّجْعَةُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي لَمْ تَصِحَّ بِالِاتِّفَاقِ إلَّا إذَا بَرْهَنَ، وَإِنْ كَانَ الثَّالِثُ وَلَيْسَ لَهُ بَيِّنَةٌ (فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى لِأَنَّ الْبُضْعَ مَمْلُوكٌ) لَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَمَعْنَاهُ مَنَافِعُ الْبُضْعِ، فَكَانَ الْإِقْرَارُ بِهَا لِلزَّوْجِ إقْرَارًا بِمَا هُوَ خَالِصُ حَقِّهِ فَلَا مَرَدَّ لَهُ، وَكَانَ كَالْإِقْرَارِ عَلَيْهَا بِالنِّكَاحِ، بِأَنْ يُقِرَّ بِأَنَّهُ زَوْجُ أَمَتِهِ مِنْ فُلَانٍ (وَهُوَ) أَيْ أَبُو حَنِيفَةَ (يَقُولُ حُكْمُ الرَّجْعَةِ يُبْتَنَى عَلَى بَقَاءِ الْعِدَّةِ) وَانْقِضَائِهَا، وَكُلُّ مَا يُبْتَنَى عَلَى ذَلِكَ يُبْتَنَى عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ لِكَوْنِهِ أَمِينًا (وَالْقَوْلُ فِي الْعِدَّةِ قَوْلُهَا) فَحُكْمُ الرَّجْعَةِ يُبْتَنَى عَلَى قَوْلِهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَوَابَ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالتَّزْوِيجِ لِظُهُورِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا صَدَّقَهُ فِي الرَّجْعَةِ لَمْ يَبْقَ لَهُ حَقٌّ فِي مَنَافِعِ بُضْعِهَا، فَأَنَّى يَكُونُ لَهُ إقْرَارٌ بِمَا هُوَ خَالِصُ حَقِّهِ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالتَّزْوِيجِ فَإِنَّهُ إقْرَارٌ بِذَلِكَ وَكَانَ الْفَرْقُ بَيِّنًا، وَإِنْ كَانَ الرَّابِعُ وَعَبَّرَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ كَانَ عَلَى الْقَلْبِ فَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى) لِأَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ خَالِصُ حَقِّهِ وَالزَّوْجُ يَدَّعِيهَا عَلَيْهِ

وَكَذَا عِنْدَهُ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهَا مُنْقَضِيَةُ الْعِدَّةِ فِي الْحَالِ، وَقَدْ ظَهَرَ مِلْكُ الْمُتْعَةِ لِلْمَوْلَى فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي إبْطَالِهِ، بِخِلَافِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِالتَّصْدِيقِ فِي الرَّجْعَةِ مُقِرٌّ بِقِيَامِ الْعِدَّةِ عِنْدَهَا وَلَا يَظْهَرُ مِلْكُهُ مَعَ الْعِدَّةِ (وَإِنْ قَالَتْ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي وَقَالَ الزَّوْجُ وَالْمَوْلَى لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُك فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا) لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي ذَلِكَ إذْ هِيَ الْعَالِمَةُ بِهِ . (وَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ لَعَشْرَةِ أَيَّامٍ انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ، وَإِنْ انْقَطَعَ لِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ لَمْ تَنْقَطِعْ الرَّجْعَةُ حَتَّى تَغْتَسِلَ أَوْ يَمْضِيَ عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ كَامِلٍ) لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا مَزِيدَ لَهُ عَلَى الْعَشَرَةِ، فَبِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ خَرَجَتْ مِنْ الْحَيْضِ فَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ وَانْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ، وَفِيمَا دُونَ الْعَشَرَةِ يُحْتَمَلُ عَوْدُ الدَّمِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَعْتَضِدَ الِانْقِطَاعُ بِحَقِيقَةِ الِاغْتِسَالِ أَوْ بِلُزُومِ حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ بِمُضِيِّ وَقْتِ الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ كِتَابِيَّةً لِأَنَّهُ لَا يُتَوَقَّعُ فِي حَقِّهَا أَمَارَةٌ زَائِدَةٌ فَاكْتَفَى بِالِانْقِطَاعِ، وَتَنْقَطِعُ إذَا تَيَمَّمَتْ وَصَلَّتْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا تَيَمَّمَتْ انْقَطَعَتْ، وَهَذَا قِيَاسٌ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ حَالَ عَدَمِ الْمَاءِ طَهَارَةٌ مُطْلَقَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهِيَ مُنْكِرَةٌ (وَكَذَا عِنْدَهُ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهَا مُنْقَضِيَةُ الْعِدَّةِ فِي الْحَالِ) بِالِاتِّفَاقِ، وَبِالِانْقِضَاءِ يَظْهَرُ مِلْكُ الْمُتْعَةِ لِلْمَوْلَى وَهِيَ تُبْطِلُهُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِيهِ، بِخِلَافِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِالتَّصْدِيقِ فِي الرَّجْعَةِ مُقِرٌّ بِقِيَامِ الْعِدَّةِ عِنْدَهَا. أَيْ عِنْدَ الرَّجْعَةِ، وَلَا يَظْهَرُ مِلْكُهُ مَعَ الْعِدَّةِ فِي هَذَا الْكَلَامِ إشَارَةً إلَى الْجَوَابِ عَنْ مَسْأَلَةِ التَّزْوِيجِ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَتْ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي) ظَاهِرٌ وَالضَّمِيرُ فِيهِ رَاجِعٌ إلَى الِانْقِضَاءِ. وَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ لِعَشَرَةِ أَيَّامٍ قَالَ (وَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ بِلُزُومِ حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ بِمُضِيِّ وَقْتِ الصَّلَاةِ) يَعْنِي أَنَّ الْوَقْتَ إذَا مَضَى صَارَتْ الصَّلَاةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا وَهُوَ مِنْ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ. وَقَوْلُهُ (إذَا تَيَمَّمَتْ وَصَلَّتْ) أَطْلَقَ الصَّلَاةَ لِتَنَاوُلِ الْمَكْتُوبَةِ وَغَيْرِهَا

حَتَّى يَثْبُتُ بِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ مَا يَثْبُتُ بِالِاغْتِسَالِ فَكَانَ بِمَنْزِلَتِهِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ مُلَوَّثٌ غَيْرُ مُطَهِّرٌ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ طَهَارَةً ضَرُورَةَ أَنْ لَا تَتَضَاعَفَ الْوَاجِبَاتُ، وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ تَتَحَقَّقُ حَالَ أَدَاءِ الصَّلَاةِ لَا فِيمَا قَبْلَهَا مِنْ الْأَوْقَاتِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (حَتَّى يَثْبُتَ بِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ) يُرِيدُ بِهِ دُخُولَ الْمَسْجِدِ وَمَسَّ الْمُصْحَفِ وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَإِبَاحَةَ الصَّلَاةِ

وَالْأَحْكَامُ الثَّابِتَةُ أَيْضًا ضَرُورِيَّةٌ اقْتِضَائِيَّةٌ، ثُمَّ قِيلَ تَنْقَطِعُ بِنَفْسِ الشُّرُوعِ عِنْدَهُمَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَسَجْدَةَ التِّلَاوَةِ. وَقَوْلُهُ وَالْأَحْكَامُ الثَّابِتَةُ أَيْضًا ضَرُورِيَّةٌ اقْتِضَائِيَّةٌ) يَعْنِي أَنَّ ثُبُوتَ هَذِهِ الْأَحْكَامِ مِنْ ضَرُورَةِ جَوَازِ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ، أَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فَلِأَنَّهَا رُكْنُ الصَّلَاةِ. وَأَمَّا الْمَسْجِدُ فَلِأَنَّهُ مَكَانُ الصَّلَاةِ. وَأَمَّا سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ فَهِيَ مِنْ تَوَابِعِ الْقِرَاءَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَقْرَأَ فِي صَلَاتِهَا آيَةَ السَّجْدَةِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْحَاصِلُ مِنْ دَلِيلِهِمَا أَنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ وَأَنَّ الضَّرُورَةَ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ حَالَ أَدَاءِ الصَّلَاةِ وَلَا يَكُونُ قَبْلَهُ طَهَارَةٌ يَتَعَلَّقُ بِهَا انْقِطَاعُ الرَّجْعَةِ. وَقَدْ تَقَرَّرَ مِنْ الْأُصُولِ أَنَّ الثَّابِتَ بِالضَّرُورَةِ لَا يَتَعَدَّى مَوْضِعَهَا فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ لَا تَنْقَطِعَ الرَّجْعَةُ وَإِنْ صَلَّتْ مَا لَمْ تَغْتَسِلْ

وَقِيلَ بَعْدَ الْفَرَاغِ لِيَتَقَرَّرَ حُكْمُ جَوَازِ الصَّلَاةِ . (وَإِذَا اغْتَسَلَتْ وَنَسِيَتْ شَيْئًا مِنْ بَدَنِهَا لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ، فَإِنْ كَانَ عُضْوًا فَمَا فَوْقَهُ لَمْ تَنْقَطِعْ الرَّجْعَةُ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ عُضْوٍ انْقَطَعَتْ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَالْقِيَاسُ فِي الْعُضْوِ الْكَامِلِ أَنْ لَا تَبْقَى الرَّجْعَةُ لِأَنَّهَا غَسَلَتْ الْأَكْثَرَ. وَالْقِيَاسُ فِيمَا دُونَ الْعُضْوِ أَنْ تَبْقَى لِأَنَّ حُكْمَ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ لَا يَتَجَزَّأُ. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ الْفَرْقُ أَنَّ مَا دُونَ الْعُضْوِ يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْجَفَافُ لِقِلَّتِهِ فَلَا يَتَيَقَّنُ بِعَدَمِ وُصُولِ الْمَاءِ إلَيْهِ، فَقُلْنَا بِأَنَّهُ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ وَلَا يَحِلُّ لَهَا التَّزَوُّجُ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ فِيهِمَا، بِخِلَافِ الْعُضْوِ الْكَامِلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ يَمْضِي عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الضَّرُورِيَّ مَتَى مَا ثَبَتَ ثَبَتَ بِجَمِيعِ لَوَازِمِهِ وَمِنْ لَوَازِمِ ثُبُوتِ الطَّهَارَةِ عِنْدَ أَدَاءِ الصَّلَاةِ انْقِطَاعُ الْحَيْضِ، وَمِنْ لَوَازِمِ انْقِطَاعِهِ مُضِيُّ الْمُدَّةِ، وَمِنْ لَوَازِمِ مُضِيِّهَا انْقِطَاعُ الرَّجْعَةِ، وَلَازِمُ لَازِمِ اللَّازِمِ لَازِمٌ فَيَثْبُتُ عِنْدَ ثُبُوتِهِ. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ جَعْلِهِمَا التَّيَمُّمَ طَهَارَةً ضَرُورِيَّةً هَاهُنَا وَطَهَارَةً مُطْلَقَةً فِي بَابِ الْإِمَامَةِ وَجَعْلِ مُحَمَّدٍ بِالْعَكْسِ فَقَدْ سَبَقَ هُنَاكَ مُسْتَوْفًى. (وَإِذَا اغْتَسَلَتْ وَنَسِيَتْ شَيْئًا مِنْ بَدَنِهَا لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ فَإِنْ كَانَ عُضْوًا فَمَا فَوْقَهُ لَمْ تَنْقَطِعْ الرَّجْعَةُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ عُضْوٍ كَأُصْبُعٍ وَنَحْوِهِ انْقَطَعَتْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ) اعْلَمْ أَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَذْكُرْ فِي كُتُبِهِ مَوْضِعَ الْقِيَاسِ هَلْ هُوَ عُضْوٌ فَمَا فَوْقَهُ أَوْ هُوَ مَا دُونَهُ، وَرُوِيَ أَنَّهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْعُضْوِ فَمَا فَوْقَهُ، فَإِنَّ الْقِيَاسَ أَنْ تَنْقَطِعَ الرَّجْعَةُ لِأَنَّهَا غَسَلَتْ أَكْثَرَ الْبَدَنِ، وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ فَكَأَنَّهَا أَصَابَ الْمَاءُ جَمِيعَ الْبَدَنِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا تَنْقَطِعُ لِأَنَّ الْعِدَّةَ بَاقِيَةٌ لِعَدَمِ الطَّهَارَةِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ فِيمَا دُونَهُ، فَالْقِيَاسُ أَنْ تَبْقَى الرَّجْعَةُ لِبَقَاءِ الْحَدَثِ، وَالِاسْتِحْسَانُ أَنْ تَنْقَطِعَ لِأَنَّ مَا دُونَ الْعُضْوِ يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْجَفَافُ لِقِلَّتِهِ فَلَا يُتَيَقَّنُ بِعَدَمِ وُصُولِ الْمَاءِ إلَيْهِ، وَالْمُصَنِّفُ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَالْقِيَاسُ فِي الْعُضْوِ الْكَامِلِ أَنْ لَا تَبْقَى الرَّجْعَةُ لِأَنَّهَا غَسَلَتْ الْأَكْثَرَ، وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى قِيَاسِ أَبِي يُوسُفَ وَبِقَوْلِهِ وَالْقِيَاسُ فِيمَا دُونَ الْعُضْوِ أَنْ لَا تَبْقَى لِأَنَّ حُكْمَ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ. وَذَكَرَ وَجْهَ الِاسْتِحْسَانِ وَبَيَّنَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْعُضْوِ الْكَامِلِ وَمَا دُونَهُ بِقَوْلِهِ إنَّ مَا دُونَ الْعُضْوِ يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْجَفَافُ لِقِلَّتِهِ فَلَا يُتَيَقَّنُ بِعَدَمِ وُصُولِ الْمَاءِ إلَيْهِ فَقُلْنَا بِانْقِطَاعِهَا، حَتَّى لَوْ تَيَقَّنَتْ بِعَدَمِ وُصُولِ الْمَاءِ إلَيْهِ بِأَنْ مَنَعَتْ قَصْدًا لَمْ تَنْقَطِعْ الرَّجْعَةُ، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى اسْتِحْسَانِ مُحَمَّدٍ. وَقَالَ (بِخِلَافِ الْعُضْوِ الْكَامِلِ

لِأَنَّهُ لَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْجَفَافُ وَلَا يَغْفُلُ عَنْهُ عَادَةً فَافْتَرَقَا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أَنَّ تَرْكَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ كَتَرْكِ عُضْوٍ كَامِلٍ. وَعَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا دُونَ الْعُضْوِ لِأَنَّ فِي فَرْضِيَّتِهِ اخْتِلَافًا بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْضَاءِ. (وَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَامِلٌ أَوْ وَلَدَتْ مِنْهُ وَقَالَ لَمْ أُجَامِعْهَا فَلَهُ الرَّجْعَةُ) لِأَنَّ الْحَبَلَ مَتَى ظَهَرَ فِي مُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ جُعِلَ مِنْهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» وَذَلِكَ دَلِيلُ الْوَطْءِ مِنْهُ وَكَذَا إذَا ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ لَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْجَفَافُ) فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ مَبْلُولًا عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ لِعَدَمِ الْغَفْلَةِ عَنْهُ عَادَةً فَلَا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى اسْتِحْسَانِ أَبِي يُوسُفَ، فَانْظُرْ حِذْقَ الْمُصَنِّفِ فِي هَذَا الْإِدْرَاجِ اللَّطِيفِ الَّذِي قَلَّمَا وَقَعَ مِثْلُهُ لِغَيْرِهِ، جَزَاهُ اللَّهُ عَنْ الْمُحَصِّلِينَ خَيْرًا (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ تَرْكَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ كَتَرْكِ عُضْوٍ كَامِلٍ) وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذَلِكَ وَهُوَ رِوَايَةُ هِشَامٍ عَنْهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَيْضِ بَاقٍ لِكَوْنِهِمَا فَرْضَيْنِ فِي الْجَنَابَةِ (وَ) فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى (عَنْهُ) وَهُوَ رِوَايَةُ الْكَرْخِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ (هُوَ) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (بِمَنْزِلَةِ مَا دُونَ الْعُضْوِ لِأَنَّ فِي فَرْضِيَّتِهِ اخْتِلَافًا) فَإِنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ سُنَّتَانِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي انْقِطَاعِ الرَّجْعَةِ (بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْضَاءِ) فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ لِأَحَدٍ فِي فَرْضِيَّتِهِ. قَالَ (وَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَامِلٌ أَوْ وَلَدَتْ مِنْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَقَالَ لَمْ أُجَامِعْهَا ثُمَّ أَرَادَ الرَّجْعَةَ) فَلَهُ ذَلِكَ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِقَوْلِهِ لَمْ أُجَامِعْهَا لِأَنَّهُ ظَهَرَ الْحَبَلُ فِي مُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ لِكَوْنِ الْمَسْأَلَةِ مَوْضُوعَةً فِي ذَلِكَ، وَمَتَى ظَهَرَ فِي مُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ جُعِلَ مِنْهُ (لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» ) الْحَدِيثَ (وَذَلِكَ) أَيْ جَعْلُ الْحَمْلِ مِنْهُ (دَلِيلُ الْوَطْءِ مِنْهُ، وَكَذَا إذَا ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ

مِنْهُ جُعِلَ وَاطِئًا، وَإِذَا ثَبَتَ الْوَطْءُ تَأَكَّدَ الْمِلْكُ وَالطَّلَاقُ فِي مِلْكٍ مُتَأَكِّدٍ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ وَيَبْطُلُ زَعْمُهُ بِتَكْذِيبِ الشَّرْعِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَثْبُتُ بِهَذَا الْوَطْءِ الْإِحْصَانُ فَلَأَنْ تَثْبُتَ بِهِ الرَّجْعَةُ أَوْلَى. وَتَأْوِيلُ مَسْأَلَةِ الْوِلَادَةِ أَنْ تَلِدَ قَبْلَ الطَّلَاقِ، لِأَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ بَعْدَهُ تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِالْوِلَادَةِ فَلَا تُتَصَوَّرُ الرَّجْعَةُ. قَالَ: (فَإِنْ خَلَا بِهَا وَأَغْلَقَ بَابًا أَوْ أَرْخَى سِتْرًا ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهُ جُعِلَ وَاطِئًا) لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِهِ (وَإِذَا ثَبَتَ الْوَطْءُ تَأَكَّدَ الْمِلْكُ، وَالطَّلَاقُ فِي مِلْكٍ مُتَأَكَّدٍ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ وَيَبْطُلُ زَعْمُهُ) أَنَّهُ لَمْ يُجَامِعْهَا (بِتَكْذِيبِ الشَّارِعِ) وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ دَلَالَةً، وَقَوْلُهُ لَمْ أُجَامِعْهَا صَرِيحٌ، وَالصَّرِيحُ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ. وَالثَّانِي أَنَّهُ أَقَرَّ بِقَوْلِهِ لَمْ أُجَامِعْهَا لِسُقُوطِ حَقٍّ مُسْتَحَقٍّ لَهُ، وَتَكْذِيبُ الشَّارِعِ لَا يَرُدُّهُ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِهِ ثُمَّ وَصَلَتْ إلَيْهِ أُمِرَ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ وَإِنْ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الدَّلَالَةَ مِنْ الشَّارِعِ وَالصَّرِيحَ مِنْ الْعَبْدِ وَدَلَالَةَ الشَّارِعِ أَقْوَى لِاحْتِمَالِ الْكَذِبِ مِنْ الْعَبْدِ دُونَ الشَّارِعِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ هَاهُنَا بِإِقْرَارِهِ حَقُّ الْغَيْرِ وَالْمُوجِبُ لِلرَّجْعَةِ وَهُوَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ ثَابِتٌ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ لِثُبُوتِ الْمُقْتَضَى وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ، بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ فَإِنَّ الْمَانِعَ ثَمَّ مَوْجُودٌ وَهُوَ تَعَلُّقُ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهِ. وَقَوْلُهُ (أَلَا تَرَى) تَوْضِيحٌ لِقَوْلِهِ وَالطَّلَاقُ فِي مِلْكٍ مُتَأَكَّدٍ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ وَبَيَانُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ الْإِحْصَانَ لَهُ مَدْخَلٌ فِي وُجُودِ الْعُقُوبَةِ وَمَعَ هَذَا يَثْبُتُ بِهَذَا الْوَطْءِ (فَلَأَنْ يَثْبُتَ بِهِ الرَّجْعَةُ) الَّتِي لَيْسَتْ فِيهَا جِهَةُ الْعُقُوبَةِ (أَوْلَى) وَقَوْلُهُ (وَتَأْوِيلُ مَسْأَلَةِ الْوِلَادَةِ) ظَاهِرٌ. (فَإِنْ خَلَا بِهَا وَأَغْلَقَ بَابًا أَوْ أَرْخَى سِتْرًا) عَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الطَّلَاقِ بِكَلِمَةِ أَوْ،

وَقَالَ لَمْ أُجَامِعْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ يَمْلِكْ الرَّجْعَةَ) لِأَنَّ تَأَكُّدَ الْمِلْكِ بِالْوَطْءِ وَقَدْ أَقَرَّ بِعَدَمِهِ فَيُصَدَّقُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَالرَّجْعَةُ حَقُّهُ وَلَمْ يَصِرْ مُكَذَّبًا شَرْعًا، بِخِلَافِ الْمَهْرِ لِأَنَّ تَأَكُّدَ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى يُبْتَنَى عَلَى تَسْلِيمِ الْمُبْدَلِ لَا عَلَى الْقَبْضِ، بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ. (فَإِنْ رَاجَعَهَا) مَعْنَاهُ بَعْدَمَا خَلَا بِهَا وَقَالَ لَمْ أُجَامِعْهَا (ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ بِيَوْمٍ صَحَّتْ تِلْكَ الرَّجْعَةُ) لِأَنَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ إذْ هِيَ لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَالْوَلَدُ يَبْقَى فِي الْبَطْنِ هَذِهِ الْمُدَّةَ فَأُنْزِلَ وَاطِئًا قَبْلَ الطَّلَاقِ دُونَ مَا بَعْدَهُ لِأَنَّ عَلَى اعْتِبَارِ الثَّانِي يَزُولُ الْمِلْكُ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ لِعَدَمِ الْوَطْءِ قَبْلَهُ فَيَحْرُمُ الْوَطْءُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَأَرْخَى سِتْرًا بِالْوَاوِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ (ثُمَّ قَالَ لَمْ أُجَامِعْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ يَمْلِكْ الرَّجْعَةَ لِأَنَّ تَأَكُّدَ الْمِلْكِ بِالْوَطْءِ وَقَدْ أَقَرَّ بِعَدَمِهِ فَيَصْدُقُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَالرَّجْعَةُ حَقُّهُ) فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا لِوُجُوبِ كَمَالِ الْمَهْرِ وَلَا يَجِبُ الْمَهْرُ كَامِلًا إلَّا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَلَمْ يَصِرْ مُكَذَّبًا شَرْعًا لِأَنَّ تَأَكُّدَ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى يُبْتَنَى عَلَى تَسْلِيمِ الْمُبْدَلِ لَا عَلَى الْقَبْضِ) وَمَعْنَاهُ إنَّمَا يَصِيرُ مُكَذَّبًا شَرْعًا أَنْ لَوْ كَانَ كَمَالُ الْمَهْرِ مُسْتَلْزِمًا لِلْقَبْضِ وَهُوَ الْوَطْءُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِتَسْلِيمِ الْمُبْدَلِ وَقَدْ حَصَلَ بِالْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ، إذْ التَّسْلِيمُ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الْمَوَانِعِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَيَقْدِرُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ عَلَى أَنْ يَقْبِضَهُ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ وَالتَّسْلِيمُ غَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ لِلْقَبْضِ فَلَا يَلْزَمُ التَّكْذِيبُ (بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ) لِأَنَّ الْحَمْلَ وَثُبُوتَ النَّسَبِ يَسْتَلْزِمُ الْقَبْضَ فَيَلْزَمُ التَّكْذِيبُ. (فَإِنْ رَاجَعَهَا بَعْدَمَا خَلَا بِهَا وَقَالَ لَمْ أُجَامِعْهَا) يَعْنِي وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُهَا (ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ بِيَوْمٍ صَحَّتْ تِلْكَ الرَّجْعَةُ) أَيْ الرَّجْعَةُ السَّابِقَةُ (لِأَنَّ النَّسَبَ ثَابِتٌ مِنْهُ لِعَدَمِ الْإِقْرَارِ مِنْهَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ) وَلِاحْتِمَالِ الْمُدَّةِ (فَإِنَّ الْوَلَدَ يَبْقَى فِي الْبَطْنِ هَذِهِ الْمُدَّةَ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِالدُّخُولِ فَأَنْزَلَ وَاطِئًا قَبْلَ الطَّلَاقِ دُونَ مَا بَعْدَهُ) لِأَنَّ فِيمَا بَعْدَهُ يَكُونُ الْوَطْءُ حَرَامًا

وَالْمُسْلِمُ لَا يَفْعَلُ الْحَرَامَ (فَإِنْ قَالَ لَهَا إذَا وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ آخَرَ فَهِيَ رَجْعَةٌ) مَعْنَاهُ مِنْ بَطْنٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ إذَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهِ بِالْوَلَدِ الْأَوَّلِ وَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ فَيَكُونُ الْوَلَدُ الثَّانِي مِنْ عَلُوقٍ حَادِثٍ مِنْهُ فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَيَصِيرُ مُرَاجِعًا (وَإِنْ قَالَ كُلَّمَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ ثَلَاثَةَ أَوْلَادٍ فِي بُطُونٍ مُخْتَلِفَةٍ فَالْوَلَدُ الْأَوَّلُ طَلَاقٌ وَالْوَلَدُ الثَّانِي رَجْعَةٌ وَكَذَا الثَّالِثُ) لِأَنَّهَا إذَا جَاءَتْ بِالْأَوَّلِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَصَارَتْ مُعْتَدَّةً، وَبِالثَّانِي صَارَ مُرَاجِعًا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ يَجْعَلُ الْعَلُوقَ بِوَطْءٍ حَادِثٍ فِي الْعِدَّةِ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ الثَّانِي بِوِلَادَةِ الْوَلَدِ الثَّانِي لِأَنَّ الْيَمِينَ مَعْقُودَةٌ بِكَلِمَةِ كُلَّمَا وَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ، وَبِالْوَلَدِ الثَّالِثِ صَارَ مُرَاجِعًا لِمَا ذَكَرْنَا، وَتَقَعُ الطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ بِوِلَادَةِ الثَّالِثِ وَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ بِالْأَقْرَاءِ لِأَنَّهَا حَائِلٌ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ حِينَ وَقَعَ الطَّلَاقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِزَوَالِ الْمِلْكِ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ: يَعْنِي إلَّا إلَى عِدَّةٍ لِأَنَّ الْفَرْضَ عَدَمُ الْوَطْءِ قَبْلَهُ لِأَنَّهُ أَنْكَرَهُ بَعْدَ الْخَلْوَةِ وَالْمُسْلِمُ لَا يَفْعَلُ الْحَرَامَ، وَإِنْ كَانَتْ مَوْطُوءَةً قَبْلَ الطَّلَاقِ كَانَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ وَذَلِكَ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ فَكَانَتْ الرَّجْعَةُ صَحِيحَةً. قَالَ (فَإِنْ قَالَ لَهَا إذَا وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ) وَمَنْ عَلَّقَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ بِوِلَادَتِهَا فَوَلَدَتْ وَلَدًا ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَالْوِلَادَةُ الثَّانِيَةُ لَا تَكُونُ دَلِيلَ الرَّجْعَةِ فَيَكُونُ الطَّلَاقُ قَدْ وَقَعَ بِالْوَلَدِ الْأَوَّلِ وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِالْوَلَدِ الثَّانِي، وَمَا ثَمَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ وَطِئَهَا بَعْدَ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الرَّجْعَةُ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ فَهِيَ رَجْعَةٌ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ الثَّانِيَةَ رَجْعَةٌ، وَوَجْهُهُ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ) إنْ لِلْوَصْلِ: أَيْ لِمَا كَانَ بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ لَا تَفَاوُتَ بَعْدَ ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْوِلَادَةُ الثَّانِيَةُ فِي أَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فِي ثُبُوتِ الرَّجْعَةِ لِأَنَّ الْوَلَدَ الثَّانِيَ مُضَافٌ إلَى عُلُوقٍ حَادِثٍ لَا مَحَالَةَ وَهُوَ بِالْوَطْءِ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَكَانَ رَجْعَةً. (وَإِنْ قَالَ كُلَّمَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ) عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (لِمَا ذَكَرْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا بِالْوَلَدِ الْأَوَّلِ إلَخْ.

(وَالْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ تَتَشَوَّفُ وَتَتَزَيَّنُ) لِأَنَّهَا حَلَالٌ لِلزَّوْجِ إذْ النِّكَاحُ قَائِمٌ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ الرَّجْعَةُ مُسْتَحَبَّةٌ وَالتَّزَيُّنُ حَامِلٌ لَهُ عَلَيْهَا فَيَكُونُ مَشْرُوعًا (وَيُسْتَحَبُّ لِزَوْجِهَا أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهَا حَتَّى يُؤْذِنَهَا أَوْ يُسْمِعَهَا خَفْقَ نَعْلَيْهِ) مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ الْمُرَاجَعَةُ لِأَنَّهَا رُبَّمَا تَكُونُ مُتَجَرِّدَةً فَيَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى مَوْضِعٍ يَصِيرُ بِهِ مُرَاجِعًا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا فَتَطُولُ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا حَتَّى يُشْهِدَ عَلَى رَجْعَتِهَا) وَقَالَ زُفَرُ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ: لَهُ ذَلِكَ لِقِيَامِ النِّكَاحِ، وَلِهَذَا لَهُ أَنْ يَغْشَاهَا عِنْدَنَا. وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] الْآيَةَ، وَلِأَنَّ تَرَاخِيَ عَمَلِ الْمُبْطِلِ لِحَاجَتِهِ إلَى الْمُرَاجَعَةِ، فَإِذَا لَمْ يُرَاجِعْهَا حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمُبْطِلَ عَمَلَ عَمَلَهُ مِنْ وَقْتِ وُجُودِهِ وَلِهَذَا تُحْتَسَبُ الْأَقْرَاءُ مِنْ الْعِدَّةِ فَلَمْ يَمْلِكْ الزَّوْجُ الْإِخْرَاجَ إلَّا أَنْ يُشْهِدَ عَلَى رَجْعَتِهَا فَتَبْطُلُ الْعِدَّةُ وَيَتَقَرَّرُ مِلْكُ الزَّوْجِ. وَقَوْلُهُ حَتَّى يُشْهِدَ عَلَى رَجْعَتِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَالْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ تَتَشَوَّفُ وَتَتَزَيَّنُ) التَّشَوُّفُ خَاصٌّ فِي الْوَجْهِ وَالتَّزَيُّنُ عَامٌّ تَفَعُّلٌ مِنْ شُفْت الشَّيْءَ جَلَوْته وَدِينَارٌ مَشُوفٌ: أَيْ مَجْلُوٌّ وَهُوَ أَنْ تَجْلُوَ الْمَرْأَةُ وَجْهَهَا وَتَصْقُلَ خَدَّيْهَا. وَقَوْلُهُ إذْ النِّكَاحُ قَائِمٌ بَيْنَهُمَا) يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ التَّوَارُثَ قَائِمٌ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ جَمِيعُ أَحْكَامِ النِّكَاحِ قَائِمٌ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ تَدْخُلُ هَذِهِ الْمُطَلَّقَةُ فِيهِ وَيَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ النِّكَاحُ قَائِمًا بَيْنَهُمَا لَجَازَ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا كَالَّتِي فِي نِكَاحِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ امْتَنَعَ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] فَإِنَّهُ نَزَلَ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] أَيْ لَعَلَّهُ يَبْدُو لَهُ فَيُرَاجِعَهَا وَالْمُسَافَرَةُ بِهَا إخْرَاجٌ مِنْ الْبَيْتِ فَيَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْهَا. فَإِنْ قِيلَ: لِمَا لَا يَكُونُ نَفْسُ الْمُسَافَرَةِ دَلِيلًا عَلَى الرَّجْعَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِخْرَاجَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَالرَّجْعَةَ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا وَهُمَا مُتَنَافِيَانِ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ تَرَاخِيَ عَمَلِ الْمُبْطِلِ) دَلِيلٌ مَعْقُولٌ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْمُسَافَرَةِ بِهَا قَبْلَ الرَّجْعَةِ، وَتَقْرِيرُهُ تَرَاخِي عَمَلِ الْمُبْطِلِ وَهُوَ الطَّلَاقُ لِحَاجَةِ الزَّوْجِ إلَى الْمُرَاجَعَةِ وَلَا حَاجَةَ لَهُ إلَيْهَا فَلَا تَرَاخِيَ. أَمَّا أَنَّ التَّرَاخِيَ كَذَلِكَ فَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا عَدَمُ حَاجَتِهِ إلَيْهَا فَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُرَاجِعْهَا حَتَّى انْقَضَتْ الْمُدَّةُ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَهُ إلَيْهَا، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ كَلَامَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسَافَرَةَ لَا تَجُوزُ إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يُرَاجِعْهَا، وَأَمَّا إذَا سَافَرَ بِهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ ذَلِكَ وَالْكَلَامِ فِيهِ.

مَعْنَاهُ الِاسْتِحْبَابُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ (وَالطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ لَا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُحَرِّمُهُ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ زَائِلَةٌ لِوُجُودِ الْقَاطِعِ وَهُوَ الطَّلَاقُ. وَلَنَا أَنَّهَا قَائِمَةٌ حَتَّى يَمْلِكَ مُرَاجَعَتَهَا مِنْ غَيْرِ رِضَاهَا لِأَنَّ حَقَّ الرَّجْعَةِ ثَبَتَ نَظَرًا لِلزَّوْجِ لِيُمْكِنَهُ التَّدَارُكُ عِنْدَ اعْتِرَاضِ النَّدَمِ، وَهَذَا الْمَعْنَى يُوجِبُ اسْتِبْدَادَهُ بِهِ، وَذَلِكَ يُؤْذِنُ بِكَوْنِهِ اسْتِدَامَةً لَا إنْشَاءً ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَرِدُ أَنْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْمُدَّةِ الْعِدَّةَ. وَأَمَّا إذَا أُرِيدَ بِهَا مُدَّةُ الْإِقَامَةِ فَلَا يَرِدُ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ عَمَلَ الْمُبْطِلِ أُخِّرَ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِالْإِجْمَاعِ دُونَ مُدَّةِ الْإِقَامَةِ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ أَنَّ عَدَمَ جَوَازِ الْمُسَافَرَةِ أَيْضًا يَثْبُتُ بِالتَّبْيِينِ كَعَمَلِ الْمُبْطِلِ؛ وَإِذَا ظَهَرَ عَدَمُ الْحَاجَةِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُبْطِلَ عَمَلُ عَمَلِهِ مِنْ وَقْتِ وُجُودِهِ؛ وَلِهَذَا يَحْتَسِبُ الْأَقْرَاءَ مِنْ الْعِدَّةِ، وَلَوْ كَانَ عَمَلُ الْمُبْطِلِ مُقْتَصِرًا عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَمَا احْتَسَبَ الْأَقْرَاءَ الْمَاضِيَةَ مِنْ الْعِدَّةِ كَمَا لَمْ تُحْتَسَبْ فِي قَوْلِهِ إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّ تِلْكَ الْحَيْضَةَ غَيْرُ مُحْتَسَبَةٍ مِنْ الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ شَرْطُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَإِذَا لَمْ يَقْتَصِرْ عَمَلُ الْمُبْطِلِ عَلَى وَقْتِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بَلْ كَانَ مِنْ وَقْتِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ كَانَتْ الْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ بِمَنْزِلَةِ الْمَبْتُوتَةِ تَقْدِيرًا حِينَ لَمْ يُرِدْ الرَّجْعَةَ فَكَأَنَّمَا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إخْرَاجَ الْمَبْتُوتَةِ إلَى السَّفَرِ فَكَذَلِكَ لَا يَمْلِكُ إخْرَاجَ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ عَلَى رَجْعَتِهَا فَتَبْطُلَ الْعِدَّةُ وَيَتَقَرَّرُ مِلْكُ النِّكَاحِ. وَقَوْلُهُ عَلَى مَا قَدَّمْنَا) يَعْنِي فِي أَوَائِلِ الْبَابِ حَيْثُ قَالَ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى الرَّجْعَةِ شَاهِدَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ صَحَّتْ الرَّجْعَةُ (وَالطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ لَا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُحَرِّمُهُ لِأَنَّ حِلَّ الْوَطْءِ بِالزَّوْجِيَّةِ وَالزَّوْجِيَّةُ زَائِلَةٌ لِوُجُودِ الْقَاطِعِ وَهُوَ الطَّلَاقُ. وَلَنَا أَنَّ الزَّوْجِيَّةَ قَائِمَةٌ وَلِهَذَا يَمْلِكُ مُرَاجَعَتَهَا مِنْ غَيْرِ رِضَاهَا) بِالِاتِّفَاقِ، وَلَوْ كَانَتْ زَائِلَةً لَكَانَتْ أَجْنَبِيَّةً فَلَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ بِدُونِ رِضَاهَا، وَهَذَا الْمِقْدَارُ كَانَ كَافِيًا فِي الِاسْتِدْلَالِ لَكِنَّهُ اسْتَظْهَرَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ حَقَّ الرَّجْعَةِ يَثْبُتُ نَظَرًا لِلزَّوْجِ لِيُمْكِنَهُ التَّدَارُكُ عِنْدَ اعْتِرَاضِ النَّدَمِ، وَهَذَا الْمَعْنَى: أَيْ ثُبُوتُهُ نَظَرًا لَهُ يُوجِبُ اسْتِبْدَادَهُ بِهِ: أَيْ بِالرَّجْعَةِ بِتَأْوِيلِ الرُّجُوعِ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَبِدًّا بِهِ لَمَا تَمَّ النَّظَرُ لِأَنَّهُ قَدْ لَا تَرْضَى الْمَرْأَةُ بِالرَّجْعَةِ فَحَقُّ الرَّجْعَةِ يُوجِبُ اسْتِبْدَادَ الزَّوْجِ بِالرَّجْعَةِ (وَاسْتِبْدَادُهُ بِذَلِكَ يُؤْذِنُ بِكَوْنِهِ اسْتِدَامَةً لَا إنْشَاءً)

[فصل فيما تحل به المطلقة]

إذْ الدَّلِيلُ يُنَافِيهِ وَالْقَاطِعُ أَخَّرَ عِلْمَهُ إلَى مُدَّةٍ إجْمَاعًا أَوْ نَظَرًا لَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَإِذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا دُونَ الثَّلَاثِ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ وَبَعْدَ انْقِضَائِهَا) لِأَنَّ حِلَّ الْمَحَلِّيَّةِ بَاقٍ لِأَنَّ زَوَالَهُ مُعَلَّقٌ بِالطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ فَيَنْعَدِمُ قَبْلَهُ، وَمَنْعُ الْغَيْرِ فِي الْعِدَّةِ لِاشْتِبَاهِ النَّسَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإذْ الدَّلِيلُ الدَّالُّ عَلَى الِاسْتِبْدَادِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْقِيَاسِ يُنَافِي أَنْ تَكُونَ الرَّجْعَةُ إنْشَاءً لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَسْتَبِدُّ بِهِ وَالِاسْتِدَامَةُ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا فِي الْقَائِمِ وَكَانَتْ الزَّوْجِيَّةُ قَائِمَةً. وَقَوْلُهُ (وَالْقَاطِعُ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ لِوُجُودِ الْقَاطِعِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ وُجُودَ الْقَاطِعِ لَا يُنَافِي قِيَامَ الزَّوْجِيَّةِ لِأَنَّهُ أَخَّرَ عَمَلَهُ إلَى مُدَّةٍ إجْمَاعًا أَوْ نَظَرًا لَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ: يَعْنِي قَوْلَهُ يَثْبُتُ لِلزَّوْجِ نَظَرًا لَهُ فَكَانَ كَالْبَيْعِ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ تَأَخَّرَ عَمَلُ الْبَيْعِ فِي اللُّزُومِ إلَى مُدَّةٍ نَظَرًا لِمَنْ لَهُ الْخِيَارُ. [فَصْلٌ فِيمَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ مَا يُتَدَارَكُ بِهِ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ ذَكَرَ مَا يُتَدَارَكُ بِهِ غَيْرُهُ مِنْ الطَّلْقَاتِ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ (وَإِذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا دُونَ الثَّلَاثِ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ وَبَعْدَ انْقِضَائِهَا لِأَنَّ حِلَّ الْمَحَلِّيَّةِ) وَهُوَ كَوْنُهَا آدَمِيَّةً لَيْسَتْ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ (بَاقٍ لِأَنَّ زَوَالَهُ مُعَلَّقٌ بِالطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ} [البقرة: 230] عَلَى مَا نَذْكُرُهُ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ مَعْدُومٌ قَبْلَهُ. وَرُدَّ بِأَنَّ الشَّرْطَ يُوجِبُ الْوُجُودَ عِنْدَ الْوُجُودِ دُونَ الْعَدَمِ عِنْدَ الْعَدَمِ عِنْدَنَا. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مَعْدُومٌ بِعَدَمِهِ الْأَصْلِيِّ إذْ الْعِلَّةُ لَمْ تَصِرْ عِلَّةً بَعْدُ، وَإِذَا كَانَ حِلُّ الْمَحَلِّ بَاقِيًا جَازَ نِكَاحُهَا فِي الْعِدَّةِ وَبَعْدَ انْقِضَائِهَا. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235] نَهَى

وَلَا اشْتِبَاهَ فِي إطْلَاقِهِ (وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا فِي الْحُرَّةِ أَوْ ثِنْتَيْنِ فِي الْأَمَةِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ نِكَاحًا صَحِيحًا وَيَدْخُلَ بِهَا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا أَوْ يَمُوتَ عَنْهَا) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ الْعَزْمِ عَلَى نِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ مُطْلَقًا، وَالتَّعْلِيلُ فِي مُقَابَلَتِهِ بَاطِلٌ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ وَمَنْعُ الْغَيْرِ فِي الْعِدَّةِ لِاشْتِبَاهِ النَّسَبِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ مَنْعُ الْغَيْرِ عَنْ الْعَزْمِ عَلَى نِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ لِأَنَّ الْمَانِعَ اشْتِبَاهُ النَّسَبِ وَلَا اشْتِبَاهَ فِي إطْلَاقِهِ: أَيْ فِي تَجْوِيزِ نِكَاحِ مُعْتَدَّتِهِ، إذْ الِاشْتِبَاهُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمِيَاهِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي مُعْتَدَّةِ الْغَيْرِ. وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِالصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ وَعِدَّةِ الْوَفَاةِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَمُعْتَدَّةِ الصَّبِيِّ وَالْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ فَإِنَّهُ لَا اشْتِبَاهَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ، وَلَا يَجُوزُ التَّزَوُّجُ فِي الْعِدَّةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ بَيَانُ الْحِكْمَةِ وَحِكْمَةُ الْحُكْمِ تُرَاعَى فِي الْجِنْسِ لَا فِي كُلِّ فَرْدٍ، لَا بَيَانُ الْعِلَّةِ لِوُجُودِ التَّخَلُّفِ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الصُّوَرِ. وَأَقُولُ كَمَا ذَكَرْت: اشْتِبَاهُ النَّسَبِ مَانِعٌ عَنْ جَوَازِ النِّكَاحِ فِي عِدَّةِ الْغَيْرِ وَهَذَا صَادِقٌ. وَأَمَّا أَنَّهُ مُلْزَمٌ جَوَازُهُ إذَا عُدِمَ هَذَا الْمَانِعُ فَلَيْسَ بِلَازِمٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ثَمَّةَ مَانِعٌ آخَرُ وَهُوَ جِهَةُ التَّعَبُّدِ (وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا فِي الْحُرَّةِ أَوْ ثِنْتَيْنِ فِي الْأَمَةِ لَمْ تَحِلَّ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ نِكَاحًا صَحِيحًا وَيَدْخُلَ بِهَا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا أَوْ يَمُوتَ عَنْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وَالْمُرَادُ

فَالْمُرَادُ الطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ، وَالثِّنْتَانِ فِي حَقِّ الْأَمَةِ كَالثَّلَاثِ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ، لِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ لِحِلِّ الْمَحَلِّيَّةِ عَلَى مَا عُرِفَ ثُمَّ الْغَايَةُ نِكَاحُ الزَّوْجِ مُطْلَقًا، وَالزَّوْجِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ إنَّمَا تَثْبُتُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَشَرْطُ الدُّخُولِ ثَبَتَ بِإِشَارَةِ النَّصِّ وَهُوَ أَنْ يُحْمَلَ النِّكَاحُ عَلَى الْوَطْءِ حَمْلًا لِلْكَلَامِ عَلَى الْإِفَادَةِ دُونَ الْإِعَادَةِ إذْ الْعَقْدُ اُسْتُفِيدَ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الزَّوْجِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا} [البقرة: 230] الطَّلْقَةُ الثَّالِثَةَ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ (وَالثِّنْتَانِ فِي الْأَمَةِ كَالثَّلَاثِ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ لِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ لِحِلِّ الْمَحَلِّيَّةِ) لِكَوْنِهِ نِعْمَةً وَالْعُقْدَةُ الْوَاحِدَةُ لَا تَتَجَزَّأُ فَكَمُلَتْ عَلَى مَا عُرِفَ، وَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ صَحِيحًا لِأَنَّ الْغَايَةَ نِكَاحُ زَوْجٍ آخَرَ مُطْلَقًا حَيْثُ لَمْ يُقَيَّدْ بِصِحَّةٍ وَلَا فَسَادٍ، وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ (وَالزَّوْجِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ) أَيْ الْكَامِلَةُ (إنَّمَا تَثْبُتُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ) وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ الدُّخُولُ بِهَا إمَّا بِإِشَارَةِ الْكِتَابِ

أَوْ يُزَادَ عَلَى النَّصِّ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ حَتَّى تَذُوقَ عُسَيْلَةَ الْآخَرِ» رُوِيَ بِرِوَايَاتٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ طَرِيقَةُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَهُوَ أَنْ يُحْمَلَ النِّكَاحُ فِي قَوْله تَعَالَى {حَتَّى تَنْكِحَ} [البقرة: 230] عَلَى الْوَطْءِ حَمْلًا لِلْكَلَامِ عَلَى الْإِفَادَةِ دُونَ الْإِعَادَةِ، فَإِنَّ الْعَقْدَ اُسْتُفِيدَ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الزَّوْجِ فِي قَوْلِهِ {زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] ، فَلَوْ حَمَلْنَا النِّكَاحَ عَلَى الْعَقْدِ كَانَ ذَلِكَ تَأْكِيدًا وَالتَّأْسِيسُ أَوْلَى مِنْ التَّأْكِيدِ، وَأَمَّا بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ حَدِيثُ رِفَاعَةَ بْنِ وَهْبٍ الْقُرَظِيِّ «طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ تَمِيمَةُ، وَقِيلَ عَائِشَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَتِيكٍ فَتَزَوَّجَتْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ الْقُرَظِيَّ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَأَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلَاقِي، وَإِنِّي نَكَحْت بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ الْقُرَظِيَّ، وَإِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ الْهُدْبَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَعَلَّك تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ، لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَك» وَقَدْ رُوِيَ بِرِوَايَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي بَعْضِهَا بِلَفْظِ الْغَيْبَةِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَفِي بَعْضِهَا بِلَفْظِ الْخِطَابِ كَمَا رُوِيَتْ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ، وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ يَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِهِ عَلَى الْكِتَابِ وَنُسَخِ إطْلَاقِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي التَّقْرِيرِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَتَمِّ

وَلَا خِلَافَ لِأَحَدٍ فِيهِ سِوَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَقَوْلُهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ حَتَّى لَوْ قَضَى بِهِ الْقَاضِي لَا يَنْفُذُ، وَالشَّرْطُ الْإِيلَاجُ دُونَ الْإِنْزَالِ لِأَنَّهُ كَمَالٌ وَمُبَالَغَةٌ فِيهِ وَالْكَمَالُ قَيْدٌ زَائِدٌ (وَالصَّبِيُّ الْمُرَاهِقُ فِي التَّحْلِيلِ كَالْبَالِغِ) لِوُجُودِ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَهُوَ الشَّرْطُ بِالنَّصِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلْيُطْلَبْ ثَمَّةَ (وَلَا خِلَافَ لِأَحَدٍ فِيهِ) أَيْ فِي اشْتِرَاطِ الدُّخُولِ سِوَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ. وَقَوْلُهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ) لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ وَلِهَذَا (إذَا قَضَى الْقَاضِي بِهِ) أَيْ بِقَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ (لَا يَنْفُذُ، وَالشَّرْطُ الْإِيلَاجُ دُونَ الْإِنْزَالِ؛ لِأَنَّ الْإِنْزَالَ كَمَالٌ وَمُبَالَغَةٌ فِيهِ) أَيْ فِي الدُّخُولِ، وَالْكَمَالُ قَيْدٌ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، بَلْ الدَّلِيلُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِهِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْعُسَيْلَةَ وَهِيَ تَصْغِيرُ الْعَسِيلَةِ وَهِيَ كِنَايَةٌ عَنْ إصَابَةِ حَلَاوَةِ

[الصبي المراهق في التحليل]

وَمَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُخَالِفُنَا فِيهِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّاهُ. وَفَسَّرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَالَ: غُلَامٌ لَمْ يَبْلُغْ وَمِثْلُهُ يُجَامِعُ جَامَعَ امْرَأَتَهُ وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ وَأَحَلَّهَا عَلَى الزَّوْجِ الْأَوَّلِ، وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنْ تَتَحَرَّك آلَتُهُ وَيَشْتَهِي، وَإِنَّمَا وَجَبَ الْغُسْلُ عَلَيْهَا لِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَهُوَ سَبَبٌ لِنُزُولِ مَائِهَا وَالْحَاجَةِ إلَى الْإِيجَابِ فِي حَقِّهَا، أَمَّا لَا غُسْلَ عَلَى الصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَ يُؤْمَرُ بِهِ تَخَلُّقًا قَالَ (وَوَطْءُ الْمَوْلَى أَمَتَهُ لَا يُحِلُّهَا) لِأَنَّ الْغَايَةَ نِكَاحُ الزَّوْجِ (وَإِذَا تَزَوَّجَهَا بِشَرْطِ التَّحْلِيلِ فَالنِّكَاحُ مَكْرُوهٌ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجِمَاعِ وَهِيَ تَحْصُلُ بِالْإِيلَاجِ، وَكَانَ التَّصْغِيرُ دَالًّا عَلَى عَدَمِ الشِّبَعِ بِالْإِنْزَالِ. [الصَّبِيُّ الْمُرَاهِقُ فِي التَّحْلِيلِ] (وَمَالِكٌ يُخَالِفُنَا فِيهِ) أَيْ فِي اشْتِرَاطِ الْإِيلَاجِ دُونَ الْإِنْزَالِ، وَيَشْتَرِطُ الْإِنْزَالَ وَهُوَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الْبَالِغِ فَلَا يَكُونُ الصَّبِيُّ الْمُرَاهِقُ كَالْبَالِغِ فِي إفَادَةِ التَّحْلِيلِ (وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّاهُ) أَنَّ الْإِنْزَالَ كَمَالٌ وَمُبَالَغَةٌ فِيهِ وَهُوَ قَيْدٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ (فَسَّرَهُ) أَيْ الْمُرَاهِقُ (فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَالَ: غُلَامٌ لَمْ يَبْلُغْ إلَخْ) وَهُوَ ظَاهِرٌ. قَالَ (وَوَطْءُ الْمَوْلَى أَمَتَهُ لَا يُحِلُّهَا) إذَا طَلَّقَ امْرَأَةً ثِنْتَيْنِ وَهِيَ أَمَةُ الْغَيْرِ فَوَطِئَهَا الْمَوْلَى بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَمْ تَحِلَّ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ غَايَةَ الْحُرْمَةِ نِكَاحُ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى لَا يُسَمَّى زَوْجًا. قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ: رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ وَعِنْدَهُ عَلِيٌّ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَرَخَّصَ فِي ذَلِكَ عُثْمَانُ وَزَيْدٌ وَقَالَا: هُوَ زَوْجٌ، فَقَامَ عَلِيٌّ مُغْضَبًا كَارِهًا لِمَا قَالَا وَقَالَ: لَيْسَ بِزَوْجٍ. (وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بِشَرْطِ التَّحْلِيلِ) بِأَنْ قَالَ تَزَوَّجْتُك عَلَى أَنْ أُحِلَّك أَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ (فَالنِّكَاحُ مَكْرُوهٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» ) فَإِنَّ مَحْمَلَهُ اشْتِرَاطُ التَّحْلِيلِ فِي الْعَقْدِ كَمَا ذَكَرْنَا، إذْ لَوْ أَضْمَرَ ذَلِكَ فِي قَلْبِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ اللَّعْنَ. وَقِيلَ مَعْنَى

وَهَذَا هُوَ مَحْمَلُهُ (فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَمَا وَطِئَهَا حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ) لِوُجُودِ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ إذْ النِّكَاحُ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُفْسِدُ النِّكَاحَ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُؤَقَّتِ فِيهِ وَلَا يُحِلُّهَا عَلَى الْأَوَّلِ لِفَسَادِهِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَصِحُّ النِّكَاحُ لِمَا بَيَّنَّا، وَلَا يُحِلُّهَا عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ مَا أَخَّرَهُ الشَّرْعُ فَيُجَازَى بِمَنْعِ مَقْصُودِهِ كَمَا فِي قَتْلِ الْمُوَرِّثِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلِهِ هُوَ مَحْمَلُهُ الْكَرَاهَةُ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ لِإِفْسَادِهِ (فَإِنْ طَلَّقَهَا) يَعْنِي الَّذِي شَرَطَ التَّحْلِيلَ (بَعْدَمَا وَطِئَهَا حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ لِوُجُودِ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، إذْ النِّكَاحُ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُفْسِدُ النِّكَاحَ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُوَقَّتِ) كَأَنَّهُ قَالَ تَزَوَّجْتُك إلَى وَقْتِ كَذَا (وَلَا يُحِلُّهَا عَلَى الزَّوْجِ الْأَوَّلِ لِفَسَادِهِ) فَإِنَّ مِنْ شُرُوطِ التَّحْلِيلِ صِحَّةَ النِّكَاحِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَصِحُّ النِّكَاحُ لِمَا بَيَّنَّا) أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ (وَلَا يُحِلُّهَا عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ مَا أَخَّرَهُ الشَّرْعُ) لِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ الْعُمُرِ فَيَقْتَضِي الْحِلَّ عَلَى الْأَوَّلِ بَعْدَ مَوْتِ الثَّانِي، فَبِشَرْطِ التَّحْلِيلِ يَصِيرُ مُسْتَعْجِلًا لِلْحِلِّ (فَيُجَازَى بِمَنْعِ مَقْصُودِهِ كَمَا فِي قَتْلِ الْمُورَثِ) وَذُكِرَ فِي رَوْضَةِ الزَّنْدَوَسْتِيِّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ

(وَإِذَا طَلَّقَ الْحُرَّةَ تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَتَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ ثُمَّ عَادَتْ إلَى الزَّوْجِ الْأَوَّلِ عَادَتْ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ وَيَهْدِمُ الزَّوْجُ الثَّانِي مَا دُونَ الثَّلَاثِ كَمَا يَهْدِمُ الثَّلَاثَ. وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ: النِّكَاحُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ جَائِزٌ حَتَّى إذَا لَمْ يُطَلِّقْهَا الثَّانِي بَعْدَ وَطْئِهِ إيَّاهَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَى ذَلِكَ، وَتَحِلُّ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ إذَا طَلَّقَهَا الثَّانِي بِرَأْيِهِ أَوْ بِأَمْرِ الْقَاضِي إيَّاهُ. قَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ: هَذَا الْبَيَانُ لَمْ يُوجَدْ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ. (وَإِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْحُرَّةَ تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَتَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ ثُمَّ عَادَتْ إلَى الزَّوْجِ الْأَوَّلِ عَادَتْ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ، وَيَهْدِمُ الزَّوْجُ الثَّانِي) التَّطْلِيقَةَ وَالتَّطْلِيقَتَيْنِ كَمَا يَهْدِمُ الثَّلَاثَ يَعْنِي أَنَّهُ يَجْعَلُ ذَلِكَ الْبَاقِيَ مِنْ الْمِلْكِ الْأَوَّلِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، وَلَا تَحْرُمُ الْحُرْمَةَ الْغَلِيظَةَ إلَّا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا جَمْعًا أَوْ فُرَادَى (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ) وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ (لَا يَهْدِمُ) وَيَبْقَى الزَّوْجُ مَالِكًا بِمَا بَقِيَ مِنْ الْأَوَّلِ، وَتَحْرُمُ الْحُرْمَةُ الْغَلِيظَةُ إذَا انْتَهَى ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ

لِأَنَّهُ غَايَةٌ لِلْحُرْمَةِ بِالنَّصِّ فَيَكُونُ مَنْهِيًّا، وَلَا إنْهَاءَ لِلْحُرْمَةِ قَبْلَ الثُّبُوتِ. وَلَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» ـــــــــــــــــــــــــــــQفَأَخَذَ الشُّبَّانُ مِنْ الْفُقَهَاءِ بِقَوْلِ الْمَشَايِخِ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالْمَشَايِخُ مِنْ الْفُقَهَاءِ بِقَوْلِ الشُّبَّانِ مِنْ الصَّحَابَةِ. اسْتَدَلَّ مُحَمَّدٌ بِأَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ غَايَةٌ لِلْحُرْمَةِ بِالنَّصِّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَكُلُّ مَا كَانَ غَايَةً لِلْحُرْمَةِ فَهُوَ مِنْهُ لَهَا؛ لِأَنَّ الْمُغَيَّا يَنْتَهِي بِالْغَايَةِ فَيَكُونُ الزَّوْجُ الثَّانِي مَنْهِيًّا لِلْحُرْمَةِ، وَلَا انْتِهَاءَ لِلْحُرْمَةِ قَبْلَ ثُبُوتِهَا، وَلَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ قَبْلَ وُقُوعِ الثَّلَاثِ (وَلَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» ) وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ أَوْرَدُوهُ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي الزَّوْجِ الثَّانِي، وَكَانَ الْمُرَادُ بِالْمُحَلِّلِ

سَمَّاهُ مُحَلِّلًا وَهُوَ الْمُثَبِّتُ لِلْحِلِّ (وَإِذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَقَالَتْ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي وَتَزَوَّجْت وَدَخَلَ بِي الزَّوْجُ وَطَلَّقَنِي وَانْقَضَتْ عِدَّتِي وَالْمُدَّةُ تَحْتَمِلُ ذَلِكَ جَازَ لِلزَّوْجِ أَنْ يُصَدِّقَهَا إذَا كَانَ فِي غَالِبِ ظَنِّهِ أَنَّهَا صَادِقَةٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالزَّوْجَ الثَّانِيَ (سَمَّاهُ مُحَلِّلًا وَهُوَ الْمُثْبِتُ لِلْحِلِّ) ثُمَّ الْحِلُّ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْحِلَّ السَّابِقَ، أَوْ حِلًّا جَدِيدًا لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ لِاسْتِلْزَامِهِ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي، وَبِالضَّرُورَةِ يَكُونُ غَيْرَ الْأَوَّلِ، وَالْأَوَّلُ حِلٌّ نَاقِصٌ وَكَانَ الْجَدِيدُ كَامِلًا، وَهُوَ مَا يَكُونُ بِالطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ، فَإِنْ قِيلَ: سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُحَلِّلَ هُوَ الْمُثْبِتُ لِلْحِلِّ وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حِلًّا جَدِيدًا لَكِنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ مَحْمَلَهُ هُوَ شَرْطُ التَّحْلِيلِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا. وَالثَّانِي أَنَّ الْحِلَّ قَبْلَ ذَلِكَ ثَابِتٌ فَيُصْرَفُ إلَى مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ عَمَلًا بِالْحَقِيقَةِ. فَالْجَوَابُ أَنَّا قَدْ ذَكَرْنَا لِقَوْلِهِ وَهُوَ مَحْمَلُهُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدَهُمَا مَا ذَكَرْت وَلَيْسَ بِمَرْضِيٍّ. وَالثَّانِيَ أَنَّ مَحْمَلَهُ الْكَرَاهَةُ لَا الْفَسَادُ، وَحِينَئِذٍ يَنْدَفِعُ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ، فَإِنَّ الْحِلَّ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ ثَابِتٌ لَكِنَّ إطْلَاقَ الْمُحَلِّلِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ الثَّانِي عَلَى الْإِطْلَاقِ مُحَلِّلًا، فَصَرْفُهُ إلَى بَعْضِ الصُّوَرِ تَقْيِيدٌ بِلَا دَلِيلٍ، وَالثَّابِتُ بِهِ غَيْرُ الثَّابِتِ قَبْلَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فَكَانَتْ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا وَغَيْرَهَا سَوَاءً وَبِهِ يَنْدَفِعُ الْأَمْرُ الثَّانِي. (وَإِذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَقَالَتْ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي)

لِأَنَّهُ مُعَامَلَةٌ أَوْ أَمْرٌ دِينِيٌّ لِتَعَلُّقِ الْحِلِّ بِهِ، وَقَوْلُ الْوَاحِدِ فِيهِمَا مَقْبُولٌ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ تَحْتَمِلُهُ. وَاخْتَلَفُوا فِي أَدْنَى هَذِهِ الْمُدَّةِ وَسَنُبَيِّنُهَا فِي بَابِ الْعِدَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي أَدْنَى هَذِهِ الْمُدَّةِ) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَصْدُقُ فِي أَقَلَّ مِنْ سِتِّينَ يَوْمًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: تَصْدُقُ فِي تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَتَخْرِيجُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الطُّهْرِ، وَحَيْضُهَا أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةٌ، وَطُهْرُهَا أَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَالثَّلَاثَةُ إذَا كَانَتْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَانَتْ تِسْعَةً وَالطُّهْرَانِ ثَلَاثُونَ يَوْمًا، فَلِذَلِكَ صَدَقَتْ فِي تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ أَخْبَرَتْ بِمَا هُوَ مُحْتَمَلٌ فَوَجَبَ قَبُولُ قَوْلِهَا. وَأَمَّا تَخْرِيجُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي أَوَّلِ الطُّهْرِ تَحَرُّزًا عَنْ إيقَاعِ الطَّلَاقِ فِي الطُّهْرِ بَعْدَ الْجِمَاعِ، وَطُهْرُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِأَنَّهُ لَا غَايَةَ لِأَكْثَرِ الطُّهْرِ فَقَدَّرْنَاهُ بِأَقَلِّهِ، وَحَيْضُهَا خَمْسَةٌ لِأَنَّ مِنْ النَّادِرِ أَنْ يَكُونَ حَيْضُهَا أَقَلَّ الْحَيْضِ، أَوْ يَمْتَدَّ إلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ فَيُعْتَبَرُ الْوَسَطُ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ خَمْسَةٌ فَثَلَاثَةُ أَطْهَارٍ كُلُّ طُهْرٍ خَمْسَةَ عَشَرَ فَيَكُونُ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ، وَثَلَاثُ حِيَضٍ كُلُّ حَيْضٍ خَمْسَةٌ يَكُونُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَذَلِكَ سِتُّونَ يَوْمًا، وَهَذَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ. وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي آخِرِ الطُّهْرِ لِأَنَّ التَّحَرُّزَ عَنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ وَاجِبٌ، وَإِيقَاعُ الطَّلَاقِ فِي آخِرِ الطُّهْرِ أَقْرَبُ إلَى التَّحَرُّزِ عَنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ ثُمَّ حَيْضُهَا عَشَرَةٌ، لِأَنَّا لَمَّا قَدَّرْنَا طُهْرَهَا بِأَقَلِّ الْمُدَّةِ نَظَرًا لَهَا يُقَدَّرُ حَيْضُهَا بِأَكْثَرِ الْمُدَّةِ نَظَرًا لِلزَّوْجِ، وَثَلَاثُ حِيَضٍ كُلُّ حَيْضَةٍ عَشَرَةٌ ثَلَاثُونَ، وَطُهْرَانِ كُلُّ طُهْرٍ خَمْسَةَ عَشَرَ فَذَلِكَ سِتُّونَ يَوْمًا. وَقَوْلُهُ وَسَنُبَيِّنُهَا فِي بَابِ الْعِدَّةِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ:

[باب الإيلاء]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَعَتْ هَذِهِ الْحَوَالَةُ حَوَالَةً غَيْرَ رَابِحَةٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهَا فِي بَابِ الْعِدَّةِ وَلَا فِي غَيْرِهِ. وَرُدَّ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى، أَمَّا اللَّفْظُ فَلِأَنَّ مِثْلَ هَذَا يُسَمَّى وَعْدًا لَا حَوَالَةً، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَعْدٌ غَيْرُ مُنَجَّزٍ، وَأَمَّا الْمَعْنَى فَلِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِي بَابِ الْعِدَّةِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَعْدُهُ مُنَجَّزًا فِي بَابِ الْعِدَّةِ مِنْ كِتَابٍ آخَرَ. وَأَقُولُ: الْأَوَّلُ ظَاهِرٌ، وَالثَّانِي خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [بَابُ الْإِيلَاءِ] 1

بَابُ الْإِيلَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَابُ الْإِيلَاءِ) : قَالَ فِي النِّهَايَةِ: ذَكَرَ فِي الْأَسْرَارِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْهُ: التَّحْرِيمَاتُ الَّتِي تَنْفُذُ مِنْ الزَّوْجِ بِحُكْمِ مِلْكِ النِّكَاحِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: الطَّلَاقُ، وَالْإِيلَاءُ، وَاللِّعَانُ، وَالظِّهَارُ. ثُمَّ قَالَ: فَيَبْدَأُ بِالطَّلَاقِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَالْمُبَاحُ لِلزَّوْجِ فِي وَقْتِهِ. ثُمَّ أَدْنَى دَرَجَةٍ مِنْهُ فِي الْإِبَاحَةِ الْإِيلَاءُ، لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَمِينٌ مَشْرُوعٌ وَلَكِنْ فِيهِ مَعْنَى الظُّلْمِ عَلَى مَا يَجِيءُ، وَكَانَ أَدْنَى مِنْهُ فِي الْإِبَاحَةِ. وَهُوَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْيَمِينِ. يُقَالُ آلَى يُولِي إيلَاءً: إذَا حَلَفَ. وَفِي الشَّرِيعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ مَنْعِ النَّفْسِ عَنْ قُرْبَانِ الْمَنْكُوحَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مَنْعًا مُؤَكَّدًا بِالْيَمِينِ، وَسَبَبُهُ سَبَبُ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَهُوَ عَدَمُ الْمُوَافَقَةِ، وَهُمَا مُتَشَابِهَانِ فِي أَنَّ الْإِبَانَةَ فِيهِمَا مُؤَقَّتَةٌ إلَى وَقْتٍ، لَكِنْ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَخْتَارُ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لِأَنَّ التَّدَارُكَ فِيهِ لَا يَسْتَعْقِبُ مَكْرُوهًا. وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْتَارُ الْإِيلَاءَ لِمَا أَنَّ التَّدَارُكَ فِيهِ غَيْرُ مُتَضَمِّنٍ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQنُقْصَانَ عَدَدِ الطَّلَاقِ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ. وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ صَادِرًا مِنْ أَهْلِ الطَّلَاقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، أَوْ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عِنْدَهُمَا فِي مَنْكُوحَتِهِ فِي مُدَّةِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا. وَرُكْنُهُ أَنْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَنَحْوَهُ، أَوْ يَقُولَ: إنْ قَرِبْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ وَأَمْثَالَهُ. وَحُكْمُهُ لُزُومُ الْكَفَّارَةِ بِالْقُرْبَانِ فِي الْأَوَّلِ وَلُزُومُ الْجَزَاءِ فِي الثَّانِي، وَوُقُوعُ تَطْلِيقَةٍ بَائِنَةٍ إذَا مَضَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ فَهُوَ يَمِينٌ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْحِنْثِ وَالْبِرِّ فِيهِ شَيْءٌ، وَمِنْ هَذَا قِيلَ

(وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَهُوَ مُولٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] الْآيَةُ (فَإِنْ وَطِئَهَا فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ) لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مُوجِبُ الْحِنْثِ (وَسَقَطَ الْإِيلَاءُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُولِي هُوَ مَنْ لَا يَخْلُو عَنْ أَحَدِ الْمَكْرُوهَيْنِ (وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك، أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَهُوَ مُولٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] الْآيَةَ، فَإِنْ وَطِئَهَا فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مُوجِبُ الْحِنْثِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226] وَعْدُ الْمَغْفِرَةِ، وَالْمَغْفُورُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ عُقُوبَةٌ. قُلْنَا: وَعْدُ الْمَغْفِرَةِ فِي الْآخِرَةِ، وَذَلِكَ لَا يُنَافِي وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ فِي الدُّنْيَا (وَسَقَطَ الْإِيلَاءُ) عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَوْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ

لِأَنَّ الْيَمِينَ تَرْتَفِعُ بِالْحِنْثِ (وَإِنْ لَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَانَتْ مِنْهُ بِتَطْلِيقَةٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَبِينُ بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْيَمِينَ تَرْتَفِعُ بِالْحِنْثِ) . (وَإِنْ لَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَانَتْ مِنْهُ بِتَطْلِيقَةٍ) لِأَنَّ مَعْنَى الْإِيلَاءِ عِنْدَنَا: إنْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَلَمْ أُجَامِعْك فَأَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَلَكِنَّهُ تَوَقَّفَ بَعْدَ الْمُدَّةِ عَلَى أَنْ يَفِيءَ إلَيْهَا أَوْ يُفَارِقَهَا، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَفْعَلَ (تَبِينُ بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي) بَيْنَهُمَا، وَكَانَ التَّفْرِيقُ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً

لِأَنَّهُ مَانِعُ حَقِّهَا فِي الْجِمَاعِ فَيَنُوبُ الْقَاضِي مَنَابَهُ فِي التَّسْرِيحِ كَمَا فِي الْجُبِّ وَالْعُنَّةِ. وَلَنَا أَنَّهُ ظَلَمَهَا بِمَنْعِ حَقِّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ مَانِعٌ حَقَّهَا فِي الْجِمَاعِ فَيَنُوبُ الْقَاضِي مَنَابَهُ فِي التَّسْرِيحِ كَمَا فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ. وَلَنَا أَنَّهُ ظَلَمَهَا بِمَنْعِ حَقِّهَا)

فَجَازَاهُ الشَّرْعُ بِزَوَالِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ عِنْدَ مُضِيِّ هَذِهِ الْمُدَّةِ وَهُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَالْعَبَادِلَةِ الثَّلَاثَةِ وَزَيْدِ ابْنِ ثَابِتٍ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -، وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةٌ، وَلِأَنَّهُ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَحَكَمَ الشَّرْعُ بِتَأْجِيلِهِ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ الْوَطْءُ فِي الْمُدَّةِ (فَجَازَاهُ الشَّرْعُ بِزَوَالِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ عِنْدَ مُضِيِّ هَذِهِ الْمُدَّةِ) تَخْلِيصًا لَهَا عَنْ ضَرَرِ التَّعْلِيقِ، وَلَا يَحْصُلُ التَّخْلِيصُ بِالرَّجْعِيِّ فَوَقَعَ بَائِنًا (وَهُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَالْعَبَادِلَةِ الثَّلَاثَةِ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) وَهُمْ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَعِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ هُمْ أَرْبَعَةٌ: ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَابْنُ عَمْرٍو، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الزَّوْجَ إنَّمَا يَكُونُ ظَالِمًا بِمَنْعِ حَقِّهَا إذَا لَمْ يَكُنْ وَطِئَهَا مَرَّةً، وَأَمَّا إذَا وَطِئَهَا فَقَدْ سَقَطَ حَقُّهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ حَقَّهَا سَقَطَ بِالْجِمَاعِ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْقَضَاءِ، وَأَمَّا فِي الدِّيَانَةِ فَلَمْ يَسْقُطْ، وَكَانَ الْجَزَاءُ بِزَوَالِ النِّعْمَةِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِمَنْعِهِ حَقَّهَا دِيَانَةً، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنْ لَا يَحْكُمَ الْقَاضِي بِوُقُوعِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِظَالِمٍ عِنْدَهُ بَعْدَ الدُّخُولِ مَرَّةً، وَلَيْسَ كَذَلِكَ (وَلِأَنَّ الْإِيلَاءَ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ) عَلَى الْفَوْرِ بِحَيْثُ لَا يَقْرَبُهَا الشَّخْصُ بَعْدَ الْإِيلَاءِ أَبَدًا (فَحَكَمَ الشَّرْعُ بِتَأْجِيلِهِ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ)

(فَإِنْ كَانَ حَلَفَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَقَدْ سَقَطَتْ الْيَمِينُ) لِأَنَّهَا كَانَتْ مُؤَقَّتَةً بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ إلَّا بِالتَّأْجِيلِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَطْلِيقَةٍ أَوْ تَفْرِيقِ الْقَاضِي. وَقَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ حَلَفَ) يَعْنِي إذَا مَضَتْ

(وَإِنْ كَانَ حَلَفَ عَلَى الْأَبَدِ فَالْيَمِينُ بَاقِيَةٌ) لِأَنَّهَا مُطْلَقَةً وَلَمْ يُوجَدْ الْحِنْثُ لِتَرْتَفِعَ بِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ الطَّلَاقُ قَبْلَ التَّزَوُّجِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَنْعُ الْحَقِّ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ (فَإِنْ عَادَ فَتَزَوَّجَهَا عَادَ الْإِيلَاءُ، فَإِنْ وَطِئَهَا وَإِلَّا وَقَعَتْ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ تَطْلِيقَةٌ أُخْرَى) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَقْرَبْهَا فَلَا يَخْلُو. إمَّا إنْ كَانَ حَلَفَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أَوْ عَلَى الْأَبَدِ؛ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَقَدْ سَقَطَ الْيَمِينُ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُوَقَّتَةً بِهِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَالْيَمِينُ بَاقِيَةٌ لِأَنَّهَا يَمِينٌ مُطْلَقَةٌ وَلَمْ يُوجَدْ الْحِنْثُ لِتَرْتَفِعَ بِهِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ الطَّلَاقُ قَبْلَ التَّزَوُّجِ، وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ فَالْيَمِينُ بَاقِيَةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَنْعُ الْحَقِّ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ إذْ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْجِمَاعِ بَعْدَهَا، وَهَذَا اخْتِيَارُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ. وَكَانَ الْفَقِيهُ أَبُو سَهْلٍ الشَّرَغِيُّ يَقُولُ: يَتَكَرَّرُ الطَّلَاقُ بِتَكَرُّرِ الْمُدَّةِ: يَعْنِي إذَا مَضَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا لِأَنَّ الْإِيلَاءَ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ بِمَنْزِلَةِ شَرْطٍ مُتَكَرِّرٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ: كُلَّمَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَلَمْ أَقْرَبْك فِيهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى بَانَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يَقْرَبْهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ بَانَتْ فَدَلَّ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ شَرْطٍ مُتَكَرِّرٍ، وَالْأَصَحُّ قَوْلُ الْعَامَّةِ لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ (فَإِنْ عَادَ فَتَزَوَّجَهَا) بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا (عَادَ الْإِيلَاءُ، فَإِنْ وَطِئَهَا) فِي الْمُدَّةِ (وَإِلَّا وَقَعَتْ تَطْلِيقَةٌ أُخْرَى بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أُخْرَى

لِأَنَّ الْيَمِينَ بَاقِيَةٌ لِإِطْلَاقِهَا، وَبِالتَّزَوُّجِ ثَبَتَ حَقُّهَا فَيَتَحَقَّقُ الظُّلْمُ وَيَعْتَبِرُ ابْتِدَاءُ هَذَا الْإِيلَاءِ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ. (فَإِنْ تَزَوَّجَهَا ثَالِثًا عَادَ الْإِيلَاءُ وَوَقَعَتْ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أُخْرَى إنْ لَمْ يَقْرَبْهَا) لِمَا بَيِّنَاهُ (فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ لَمْ يَقَعْ بِذَلِكَ الْإِيلَاءِ طَلَاقٌ) لِتَقَيُّدِهِ بِطَلَاقِ هَذَا الْمِلْكِ وَهِيَ فَرْعُ مَسْأَلَةِ التَّنْجِيزِ الْخِلَافِيَّةِ وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْيَمِينَ بَاقِيَةٌ لِإِطْلَاقِهَا، وَبِالتَّزَوُّجِ حَدَثَ حَقُّهَا فَيَتَحَقَّقُ الظُّلْمُ) فَيُزَالُ بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ. وَقَوْلُهُ (وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ هَذَا الْإِيلَاءِ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ) قِيلَ هُوَ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا تَزَوَّجَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْإِيلَاءَ يُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ لَا مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ، كَذَا ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ (فَإِنْ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ ثَالِثًا وَلِكُلٍّ وَجْهٌ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِالنَّظَرِ إلَى التَّزَوُّجِ بَعْدَ الْإِيلَاءِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَبِالنَّظَرِ إلَى التَّزَوُّجِ قَبْلَ الْإِيلَاءِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ (عَادَ الْإِيلَاءُ وَوَقَعَتْ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أُخْرَى تَطْلِيقَةٌ أُخْرَى إنْ لَمْ يَقْرَبْهَا لِمَا بَيَّنَّا) أَنَّ الْيَمِينَ بَاقِيَةٌ لِإِطْلَاقِهَا، وَبِالتَّزَوُّجِ ثَبَتَ حَقُّهَا فَيَتَحَقَّقُ الظُّلْمُ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ لَمْ يَقَعْ بِذَلِكَ الْإِيلَاءِ طَلَاقٌ (فَإِنْ وَطِئَهَا كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ) أَمَّا عَدَمُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فَلِتَقَيُّدِهِ بِطَلَاقِ هَذَا الْمِلْكِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّعْلِيقِ بِعَدَمِ الْقُرْبَانِ، وَتَعْلِيقُ الطَّلَاقِ يَنْحَصِرُ فِي طَلَاقِ ذَلِكَ الْمِلْكِ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ التَّعْلِيقُ (وَهِيَ فَرْعُ مَسْأَلَةِ التَّنْجِيزِ الْخِلَافِيَّةِ) فَإِنَّهُ يَبْطُلُ التَّعْلِيقُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ (وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ) أَيْ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ فِي الطَّلَاقِ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَإِذَا آلَى الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ لَا يَقْرَبُهَا

(وَالْيَمِينُ بَاقِيَةٌ) لِإِطْلَاقِهَا وَعَدَمِ الْحِنْثِ (فَإِنْ وَطِئَهَا كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ) لِوُجُودِ الْحِنْثِ (فَإِنْ حَلَفَ عَلَى أَقَلِّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَا إيلَاءَ فِيمَا دُونَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بَطَلَ الْإِيلَاءُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ طَلَاقٌ مُؤَجَّلٌ فَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ عَلَى التَّطْلِيقَاتِ الْمَمْلُوكَةِ وَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْهَا بَعْدَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ عَلَيْهَا، وَكَذَا لَوْ بَانَتْ بِالْإِيلَاءِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا إلَّا عِنْدَ زُفَرَ، وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ عِنْدَ الْوَطْءِ فَلِبَقَاءِ الْيَمِينِ لِإِطْلَاقِهَا وَوُجُودِ الْحِنْثِ. قَالَ (فَإِنْ حَلَفَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا) مِثْلَ أَنْ يَقُولَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرًا وَهُوَ وَضْعُ الْمَبْسُوطِ، أَوْ قَالَ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: هُوَ مُولٍ إنْ تَرَكَ وَطْأَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ بَانَتْ بِتَطْلِيقَةٍ، وَهَكَذَا كَانَ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلًا، فَلَمَّا بَلَغَهُ فَتْوَى ابْنِ عَبَّاسٍ: لَا إيلَاءَ فِيمَا دُونَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَتْوَى ابْنِ عَبَّاسٍ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ النَّصِّ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] أَطْلَقَ الْإِيلَاءَ وَقَيَّدَ التَّرَبُّصَ بِمُدَّةٍ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ وَلَوْ مُدَّةً يَسِيرَةً كَيَوْمٍ أَوْ سَاعَةٍ يَلْزَمُهُ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَالتَّقْيِيدُ بِمُدَّةٍ يَكُونُ زِيَادَةً عَلَى النَّصِّ وَهُوَ لَا يَجُوزُ بِفَتْوَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَكَيْفَ رَجَعَ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ قَوْلِهِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ فَتْوَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَعَ فِي الْمُقَدَّرَاتِ، وَالرَّأْيُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْمُقَدَّرَاتِ الشَّرْعِيَّةِ فَكَانَ مَسْمُوعًا، وَلَمْ يَرِدْ عَنْ أَحَدٍ خِلَافُهُ فَيُجْعَلُ تَفْسِيرًا لِلنَّصِّ لَا تَقْيِيدًا، وَتَقْرِيرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ تَرَبُّصُ

وَلِأَنَّ الِامْتِنَاعَ عَنْ قُرْبَانِهَا فِي أَكْثَرِ الْمُدَّةِ بِلَا مَانِعٍ وَبِمِثْلِهِ لَا يُثْبِتُ حُكْمَ الطَّلَاقِ فِيهِ (وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ وَشَهْرَيْنِ بَعْدَ هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ فَهُوَ مُولٍ) لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِحَرْفِ الْجَمْعِ فَصَارَ كَجَمْعِهِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ (وَلَوْ مَكَثَ يَوْمًا ثُمَّ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا) لِأَنَّ الثَّانِيَ إيجَابٌ مُبْتَدَأٌ وَقَدْ صَارَ مَمْنُوعًا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، تُرِكَ الْأَوَّلُ بِدَلَالَةِ الثَّانِي فَكَانَ مِنْ بَابِ الِاكْتِفَاءِ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الِامْتِنَاعَ عَنْ قُرْبَانِهَا) دَلِيلٌ مَعْقُولٌ عَلَى وَضْعِ الْمَبْسُوطِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي مَطْلَعِ هَذَا الْبَحْثِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الِامْتِنَاعَ عَنْ قُرْبَانِهَا: أَيْ عَنْ قُرْبَانِ مَنْ آلَى مِنْهَا زَوْجُهَا شَهْرًا فِي أَكْثَرِ الْمُدَّةِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ حَاصِلٌ بِلَا مَانِعٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ يَمِينٌ، وَبِمِثْلِهِ: أَيْ بِمِثْلِ هَذَا الْحَلِفِ الْمُنْعَقِدِ عَلَى شَهْرٍ لَا يَثْبُتُ الطَّلَاقُ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لِخُلُوِّ الزَّائِدِ عَنْ الْيَمِينِ فَكَانَ كَمَنْ لَمْ يَقْرَبْهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ بِلَا يَمِينٍ، فَإِنَّهُ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَالضَّمِيرُ فِي فِيهِ قِيلَ هُوَ رَاجِعٌ إلَى الِامْتِنَاعِ وَقِيلَ إلَى الْحَلِفِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ وَبِمِثْلِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إلَى أَكْثَرِ الْمُدَّةِ. وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلِأَنَّ الِامْتِنَاعَ عَنْ قُرْبَانِهَا فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ بَدَلٌ فِي أَكْثَرِ الْمُدَّةِ كَانَ أَشْمَلَ لِتَنَاوُلِهِ وَضْعَ الْمَبْسُوطِ وَغَيْرَهُ (وَلَوْ قَالَ لَهَا وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ وَشَهْرَيْنِ بَعْدَ هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ فَهُوَ مُولٍ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِحَرْفِ الْجَمْعِ) وَهُوَ الْوَاوُ (فَصَارَ كَجَمْعِهِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ) كَأَنَّهُ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَتَكُونُ يَمِينًا وَاحِدَةً حَيْثُ لَمْ يُفْرِدْ الْمُدَّةَ الثَّانِيَةَ بِنَفْيٍ عَلَى حِدَةٍ، فَلَوْ قَرِبَهَا فِي الْمُدَّةِ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. (وَلَوْ مَكَثَ يَوْمًا أَوْ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا لِأَنَّ الثَّانِيَ إيجَابٌ مُبْتَدَأٌ) وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعِدْ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمَعْطُوفِ وَلَا حَرْفَ النَّفْيِ وَلَمْ يَمْكُثْ بَيْنَهُمَا سَاعَةً دَخَلَ

بَعْدَ الْيَمِينِ الْأُولَى شَهْرَيْنِ وَبَعْدَ الثَّانِيَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ إلَّا يَوْمًا مَكَثَ فِيهِ فَلَمْ تَتَكَامَلْ مُدَّةُ الْمَنْعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQحُكْمُ الْمَعْطُوفِ فِي حُكْمِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَأَمَّا إذَا فَاتَ أَحَدُ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ فَقَدْ كَانَ إيجَابًا مُبْتَدَأً، وَعَلَى هَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ لَا يَكُونُ مُولِيًا لِفَوَاتِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ لِوُجُودِ الْمُكْثِ يَوْمًا وَإِعَادَةِ اسْمِ اللَّهِ وَحَرْفِ النَّفْيِ فَقَدْ صَارَ مَمْنُوعًا بَعْدَ الْيَمِينِ الْأُولَى شَهْرَيْنِ وَبَعْدَ الثَّانِيَةِ مُضَافًا إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ إلَّا يَوْمًا مَكَثَ فِيهِ فَلَمْ يَتَكَامَلْ مُدَّةُ الْمَنْعِ فَلَا يَكُونُ مُولِيًا، وَيَكُونُ كَلَامُهُ يَمِينَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ يَلْزَمُهُ بِالْقُرْبَانِ كَفَّارَتَانِ. وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ وَلَا شَهْرَيْنِ لَا يَصِيرُ مُولِيًا لِأَنَّهُ بِإِعَادَةِ حَرْفِ النَّفْيِ صَارَ إيجَابًا آخَرَ وَصَارَا أَجَلَيْنِ وَتَدَاخَلَا، كَمَا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا يَوْمًا وَلَا يَوْمَيْنِ أَنَّ الْيَمِينَ تَنْقَضِي بِيَوْمَيْنِ لِأَنَّهُ أَعَادَ كَلِمَةَ النَّفْيِ فَصَارَ الثَّانِي مُنْفَرِدًا عَنْ الْأَوَّلِ فَتَدَاخَلَ وَقْتُهُمَا بَعْدَ الِانْفِرَادِ لِأَنَّ الْوَقْتَ الْوَاحِدَ يَصْلُحُ وَقْتًا لِأَيْمَانٍ كَثِيرَةٍ، فَإِنَّ مَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا شَهْرًا وَلَا أَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ شَهْرًا وَلَا آكُلُ هَذَا الطَّعَامَ شَهْرًا فَمَضَى شَهْرٌ وَاحِدٌ تَنْتَهِي الْأَيْمَانُ كُلُّهَا،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَكَذَلِكَ هَاهُنَا إذَا مَضَى شَهْرَانِ فَقَدْ مَضَتْ مُدَّةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْيَمِينَيْنِ فَيُمْكِنُهُ قُرْبَانُ امْرَأَتِهِ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ بِغَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ فَلَا يَصِيرُ مُولِيًا، بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يُفْرِدْ مُدَّةَ الثَّانِيَةِ بِنَفْيٍ عَلَى حِدَةٍ كَانَ الْكُلُّ مُدَّةً وَاحِدَةً

(وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك سَنَةً إلَّا يَوْمًا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا) خِلَافًا لَزُفَرَ، هُوَ يَصْرِفُ الِاسْتِثْنَاءَ إلَى آخِرِهَا اعْتِبَارًا بِالْإِجَارَةِ فَتَمَّتْ مُدَّةُ الْمَنْعِ. وَلَنَا أَنَّ الْمَوْلَى مَنْ لَا يُمْكِنُهُ الْقُرْبَانُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ إلَّا بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ وَهَاهُنَا يُمْكِنُهُ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى يَوْمَ مُنْكَرٌ، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ لِأَنَّ الصَّرْفَ إلَى الْآخِرِ لِتَصْحِيحِهَا فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ مَعَ التَّنْكِيرِ وَلَا كَذَلِكَ الْيَمِينُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَكَانَ مُولِيًا (وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك سَنَةً إلَّا يَوْمًا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا، خِلَافًا لِزُفَرَ هُوَ يَقُولُ يُصْرَفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى آخِرِهَا كَمَا لَوْ قَالَ آجَرْت دَارِي هَذِهِ سَنَةً إلَّا يَوْمًا فَتَمَّتْ مُدَّةُ الْمَنْعِ. وَلَنَا أَنَّ الْمُولِيَ مَنْ لَا يُمْكِنُهُ الْقُرْبَانُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ إلَّا بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ) وَهَذَا لَيْسَ بِصَادِقٍ عَلَى مَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْقُرْبَانُ (إذْ الْمُسْتَثْنَى يَوْمٌ مُنَكَّرٌ) فَمَا مِنْ يَوْمٍ يَمُرُّ عَلَيْهِ بَعْدَ يَمِينِهِ إلَّا وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَجْعَلَهُ الْيَوْمَ الْمُسْتَثْنَى فَيَقْرَبَهَا فِيهِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ، وَلَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى آخِرِ السَّنَةِ لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ فَكَانَ تَغْيِيرًا لِكَلَامِهِ مِنْ الْمُنَكَّرِ إلَى الْمُعَيَّنِ بِغَيْرِ حَاجَةٍ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ لَا تَمْنَعُ انْعِقَادَ الْيَمِينِ، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّ الْحَاجَةَ

(وَلَوْ قَرِبَهَا فِي يَوْمٍ وَالْبَاقِي أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ صَارَ مُولِيًا) لِسُقُوطِ الِاسْتِثْنَاءِ. (وَلَوْ قَالَ وَهُوَ بِالْبَصْرَةِ وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ الْكُوفَةَ وَامْرَأَتُهُ بِهَا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا) لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْقُرْبَانُ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ بِالْإِخْرَاجِ مِنْ الْكُوفَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَاسَّةٌ إلَى الصَّرْفِ إلَى آخِرِ السَّنَةِ لِتَصْحِيحِهِ: أَيْ لِتَصْحِيحِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ مَعَ التَّنْكِيرِ لِلْجَهَالَةِ (وَلَوْ قَرِبَهَا فِي يَوْمٍ وَالْبَاقِي أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرُ صَارَ مُولِيًا لِسُقُوطِ الِاسْتِثْنَاءِ) . (وَلَوْ قَالَ وَهُوَ بِالْبَصْرَةِ وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ الْكُوفَةَ وَامْرَأَتُهُ بِهَا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْقُرْبَانُ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ بِالْإِخْرَاجِ مِنْ الْكُوفَةِ) وَلَا يُشْكِلُ بِمَنْ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَقَالَ وَاَللَّهِ لَا يَقْرَبُهُنَّ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُولِيًا مِنْهُنَّ إنْ لَمْ يَقْرَبْهُنَّ جَمِيعًا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ بِنَّ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ، مَعَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَطَأَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ إلَى أَنْ يَأْتِيَ عَلَى الثَّلَاثِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ لِمَا أَنَّ الْحِنْثَ لَا يَتَعَلَّقُ بِإِجْزَاءِ الْمَحْلُوفِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْكُلِّ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدُّورَ الْأَرْبَعَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ حِنْثٍ مَا لَمْ يَدْخُلْ الْكُلَّ، ثُمَّ لَمَّا كَانَ فِي مَسْأَلَةِ الْحَلِفِ عَلَى أَرْبَعِ نِسْوَةٍ بِنَفْيِ الْقُرْبَانِ مُولِيًا فِي الْحَالِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عُلِمَ أَنَّ إمْكَانَ الْقُرْبَانِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِيلَاءِ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَارَ مُولِيًا مَعَ إمْكَانِ الْقُرْبَانِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّ الْحَالِفَ ظَالِمٌ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِمَنْعِ حَقِّهَا فِي الْجِمَاعِ، كَمَا لَوْ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عَلَى الِانْفِرَادِ، إلَّا أَنَّهُ

(قَالَ: وَلَوْ حَلَفَ بِحَجٍّ أَوْ بِصَوْمٍ أَوْ بِصَدَقَةٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ فَهُوَ مُولٍ) لِتَحَقُّقِ الْمَنْعِ بِالْيَمِينِ وَهُوَ ذِكْرُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، وَهَذِهِ الْأَجْزِيَةُ مَانِعَةٌ لِمَا فِيهَا مِنْ الْمَشَقَّةِ. وَصُورَةُ الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ أَنْ يُعَلِّقَ بِقُرْبَانِهَا عِتْقَ عَبْدِهِ، وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ يَقُولُ: يُمْكِنُهُ الْبَيْعُ ثُمَّ الْقُرْبَانُ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَهُمَا يَقُولَانِ الْبَيْعُ مَوْهُومٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ بِقُرْبَانِ بَعْضِهِنَّ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مُوجِبُ الْحِنْثِ فَلَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُتِمَّ شَرْطَهُ، وَلَكِنْ عِنْدَ تَمَامِ الشَّرْطِ لَا يَكُونُ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بِقُرْبَانِ الْأَخِيرَةِ فَقَطْ بَلْ بِقُرْبَانِهِنَّ جَمِيعًا. وَأَمَّا وُقُوعُ الطَّلَاقِ فِي الْإِيلَاءِ فَبِاعْتِبَارِ الْبِرِّ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَلِهَذَا بِنَّ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ. قَالَ (وَلَوْ حَلَفَ بِحَجٍّ أَوْ بِصَوْمٍ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ فِي الْإِيلَاءِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْيَمِينِ بِغَيْرِ اللَّهِ بِذِكْرِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ بِأَنْ يُعَلِّقَ قُرْبَانَهَا بِحَجٍّ أَوْ صَوْمٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُولِيًا لِتَحَقُّقِ الْمَنْعِ بِالْيَمِينِ بِذِكْرِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ الْبَيْعُ مَوْهُومٌ)

فَلَا يَمْنَعُ الْمَانِعِيَّةَ فِيهِ، وَالْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ أَنْ يُعَلِّقَ بِقُرْبَانِهَا طَلَاقَهَا أَوْ طَلَاقَ صَاحِبَتِهَا وَكُلُّ ذَلِكَ مَانِعٌ. (وَإِنْ آلَى مِنْ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ كَانَ مُولِيًا، وَإِنْ آلَى مِنْ الْبَائِنَةِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا) لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ قَائِمَةٌ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ، وَمَحَلُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا يَحْدُثُ (فَلَا يَمْنَعُ الْمَانِعِيَّةَ فِيهِ) أَيْ فِي الْإِيلَاءِ، وَلَكِنْ إنْ بَاعَ الْعَبْدُ سَقَطَ الْإِيلَاءُ عَنْهُ لِأَنَّهُ صَارَ بِحَالٍ يَمْلِكُ قُرْبَانَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْزَمَهُ شَيْءٌ، فَإِنْ اشْتَرَاهُ لَزِمَهُ الْإِيلَاءُ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ صَارَ بِحَالٍ لَا يَمْلِكُ قُرْبَانَهَا إلَّا بِعِتْقٍ يَلْزَمُهُ، وَلَوْ كَانَ جَامَعَهَا بَعْدَمَا بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا لِأَنَّ الْيَمِينَ قَدْ سَقَطَتْ لِوُجُودِ شَرْطِ الْحِنْثِ بَعْدَ بَيْعِ الْعَبْدِ، وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ سَقَطَ الْإِيلَاءُ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ قُرْبَانِهَا بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْزَمَهُ شَيْءٌ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ آلَى مِنْ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ) ظَاهِرٌ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْإِيلَاءَ جَزَاءُ الظُّلْمِ بِمَنْعِ حَقِّهَا فِي الْجِمَاعِ وَالْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ لَيْسَ لَهَا حَقٌّ فِي الْجِمَاعِ لَا قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا وِلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ بِذَلِكَ حَتَّى كَانَ الْمُسْتَحَبُّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُرَاجِعَهَا بِدُونِ الْجِمَاعِ فَلَا يَكُونُ الزَّوْجُ ظَالِمًا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ جَزَاءُ الظُّلْمِ الَّذِي هُوَ الْإِيلَاءُ. وَأَجَابَ الْعَلَّامَةُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْكَرْدَرِيُّ بِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَنْصُوصِ مُضَافٌ إلَى النَّصِّ لَا إلَى الْمَعْنَى، وَالْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ

[مدة إيلاء الأمة]

الْإِيلَاءِ مَنْ تَكُونُ مِنْ نِسَائِنَا بِالنَّصِّ، فَلَوْ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ سَقَطَ الْإِيلَاءُ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّيَّةِ (وَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَوْ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا وَلَا مُظَاهِرًا) لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مَخْرَجِهِ وَقَعَ بَاطِلًا لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّيَّةِ فَلَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بَعْدَ ذَلِكَ (وَإِنْ قَرِبَهَا كَفَّرَ) لِتَحَقُّقِ الْحِنْثِ إذْ الْيَمِينُ مُنْعَقِدَةٌ فِي حَقِّهِ (وَمُدَّةُ إيلَاءِ الْأَمَةِ شَهْرَانِ) لِأَنَّ هَذِهِ مُدَّةٌ ضُرِبَتْ أَجَلًا لِلْبَيْنُونَةِ فَتَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ كَمُدَّةِ الْعِدَّةِ. (وَإِنْ كَانَ الْمُولِي مَرِيضًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ أَوْ كَانَتْ مَرِيضَةً أَوْ رَتْقَاءَ أَوْ صَغِيرَةً لَا تُجَامَعُ أَوْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا مَسَافَةٌ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَصِلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ نِسَائِنَا بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] وَالْبَعْلُ هُوَ الزَّوْجُ وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ نِسَائِهِ، وَكَانَ الْحُكْمُ الْمُرَتَّبُ عَلَى نِسَاءِ الْأَزْوَاجِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] مُرَتَّبًا عَلَى الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ. (وَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَوْ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا وَلَا مُظَاهِرًا لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مَخْرَجِهِ وَقَعَ بَاطِلًا لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّيَّةِ) إذْ الْمَحَلُّ نِسَاؤُنَا بِالنَّصِّ فَكَانَ كَبَيْعِ الْمَيْتَةِ فَيَكُونُ بَاطِلًا (فَلَا يَنْقَلِبُ بَعْدَ ذَلِكَ صَحِيحًا، فَإِنْ قَرِبَهَا كَفَّرَ لِتَحَقُّقِ الْحِنْثِ إذْ الْيَمِينُ مُنْعَقِدَةٌ فِي حَقِّهِ) أَيْ فِي حَقِّ الْحِنْثِ لِأَنَّ الْيَمِينَ يَعْتَمِدُ تَصَوُّرَ الْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ حِسًّا وَلَا يَعْتَمِدُ حِلَّهُ وَحُرْمَتَهُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَأَشْرَبَنَّ الْخَمْرَ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَمَضَى الْيَوْمُ وَلَمْ يَشْرَبْ حَنِثَ وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ حَرَامًا مَحْضًا. [مُدَّةُ إيلَاءِ الْأَمَةِ] (وَمُدَّةُ إيلَاءِ الْأَمَةِ شَهْرَانِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مُدَّةُ إيلَائِهَا كَمُدَّةِ إيلَاءِ الْحُرَّةِ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ ضُرِبَتْ لِإِظْهَارِ الظُّلْمِ بِمَنْعِ الْحَقِّ فِي الْجِمَاعِ، وَالْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ (وَلَنَا أَنَّ هَذِهِ مُدَّةٌ ضُرِبَتْ أَجَلًا لِلْبَيْنُونَةِ فَتَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ كَمُدَّةِ الْعِدَّةِ) . وَقَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الْمُولِي مَرِيضًا) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ آلَى وَهُوَ صَحِيحٌ وَبَقِيَ بَعْدَ إيلَائِهِ صَحِيحًا

إلَيْهَا فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ فَفَيْؤُهُ أَنْ يَقُولَ بِلِسَانِهِ فِئْت إلَيْهَا فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ، فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ سَقَطَ الْإِيلَاءُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا فَيْءَ إلَّا بِالْجِمَاعِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الطَّحَاوِيُّ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَيْئًا لَكَانَ حِنْثًا. وَلَنَا أَنَّهُ آذَاهَا بِذِكْرِ الْمَنْعِ فَيَكُونُ إرْضَاؤُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمِقْدَارًا يَسْتَطِيعُ فِيهِ أَنْ يُجَامِعَهَا ثُمَّ مَرِضَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَفَيْؤُهُ بِالْجِمَاعِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ آخِرُ الْمُدَّةِ وَهُوَ عَاجِزٌ عِنْدَهُ فَكَانَ كَوَاجِدِ الْمَاءِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَلَمْ يَتَوَضَّأْ بِهِ حَتَّى عَدِمَ الْمَاءَ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ. وَقُلْنَا: لَمَّا تَمَكَّنَ مِنْ جِمَاعِهَا فَقَدْ تَحَقَّقَ مِنْهُ الظُّلْمُ بِمَنْعِ حَقِّهَا فِي الْجِمَاعِ فَلَا يَكُونُ رُجُوعُهُ إلَّا بِإِبْقَاءِ حَقِّهَا فِي الْجِمَاعِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ آلَى وَهُوَ مَرِيضٌ وَتَمَّ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَهُوَ مَرِيضٌ وَفَيْؤُهُ أَنْ يَقُولَ بِلِسَانِهِ فِئْت إلَيْهَا؛ فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ سَقَطَ الْإِيلَاءُ عِنْدَنَا (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا فَيْءَ إلَّا بِالْجِمَاعِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الطَّحَاوِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَيْئًا لَكَانَ حِنْثًا) لِأَنَّ الْفَيْءَ يَسْتَلْزِمُ حُكْمَيْنِ: وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ وَانْتِفَاءَ الْفُرْقَةِ. ثُمَّ الْفَيْءُ بِاللِّسَانِ لَا يُعْتَبَرُ فِي أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ فَكَذَلِكَ فِي الْآخَرِ (وَلَنَا أَنَّهُ آذَاهَا بِذِكْرِ الْمَنْعِ) لِأَنَّ الزَّوْجَ إذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْجِمَاعِ حَالَ الْإِيلَاءِ لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ الْإِضْرَارَ بِمَنْعِ حَقِّهَا فِي الْجِمَاعِ إذْ لَا حَقَّ لَهَا فِيهِ حِينَئِذٍ وَإِنَّمَا قَصْدُهُ الْإِيحَاشُ بِاللِّسَانِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ ظُلْمٌ يَرْتَفِعُ بِاللِّسَانِ، وَإِذَا أَرْضَاهَا بِاللِّسَانِ ارْتَفَعَ الظُّلْمُ لِأَنَّ

بِالْوَعْدِ بِاللِّسَانِ، وَإِذَا ارْتَفَعَ الظُّلْمُ لَا يُجَازَى بِالطَّلَاقِ (وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الْجِمَاعِ فِي الْمُدَّةِ بَطَلَ ذَلِكَ الْفَيْءُ وَصَارَ فَيْؤُهُ بِالْجِمَاعِ) لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْحَلِفِ. (وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ سُئِلَ عَنْ نِيَّتِهِ) ، فَإِنْ قَالَ أَرَدْت الْكَذِبَ فَهُوَ كَمَا قَالَ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ، وَقِيلَ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّوْبَةَ بِحَسَبِ الْجِنَايَةِ فَلَا يُجَازَى بِالطَّلَاقِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ فَيْئًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَنْ تَجِبَ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهَا جَزَاءُ الْحِنْثِ، وَالْحِنْثُ لَا يَتَحَقَّقُ بِالْفَيْءِ بِاللِّسَانِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ الْمُولِي مَرِيضًا وَقْتَ الْإِيلَاءِ وَجَبَ أَنْ لَا يَتَحَقَّقَ الْإِيلَاءُ لِعَدَمِ الظُّلْمِ بِمَنْعِ حَقِّهَا إذْ لَيْسَ لَهَا حَقٌّ فِي الْجِمَاعِ إذْ ذَاكَ، فَالْجَوَابُ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْعَلَّامَةِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْكَرْدَرِيِّ، وَقَدْ ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبُيُوعِ. وَالثَّالِثُ أَنَّهُ آلَى وَهُوَ مَرِيضٌ وَقَدَرَ عَلَى الْجِمَاعِ فِي الْمُدَّةِ وَفَيْؤُهُ بِالْجِمَاعِ سَوَاءٌ كَانَ فَاءَ إلَيْهَا فِي مَرَضِهِ بِالْقَوْلِ أَوْ لَمْ يَفِئْ، أَمَّا إذَا لَمْ يَفِئْ فَظَاهِرٌ وَكَذَلِكَ إذَا فَاءَ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْحَلِفِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْمُولِي إذَا كَانَ مَرِيضًا حَالَ الْإِيلَاءِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي فَيْئِهِ الْجِمَاعُ لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا أَنَّهُ آذَاهَا بِذِكْرِ الْمَنْعِ فَيَكُونُ إرْضَاؤُهَا بِالْوَعْدِ بِاللِّسَانِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَرَضَ قَدْ يَطُولُ وَقَدْ يَقْصُرُ، فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَقْصُرَ عَنْ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ وَيَقْدِرَ عَلَى الْجِمَاعِ صَارَ ظَالِمًا بِمَنْعِ حَقِّهَا فِي الْجِمَاعِ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ قَصْدَهُ فِي الِابْتِدَاءِ لَمْ يَكُنْ إلَّا مَنْعُ الْحَقِّ بِالْجِمَاعِ. وَالْأَصْلُ فِي الْفَيْءِ حِينَئِذٍ الْجِمَاعُ، وَلَكِنْ فِي إطْلَاقِ الْحَلِفِ بَعْضُ تَسَامُحٍ عَلَى قَوَدِ كَلَامِهِ فَتَأَمَّلْ. (وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ سُئِلَ عَنْ نِيَّتِهِ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا لَا يَمْتَازُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ إلَّا بِالْإِرَادَةِ (فَإِنْ قَالَ أَرَدْت الْكَذِبَ فَهُوَ كَمَا قَالَ) لَا يَقَعُ طَلَاقٌ وَلَا يَكُونُ بِالنِّيَّةِ إيلَاءً وَلَا ظِهَارًا (لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ) لِأَنَّ الْمَرْأَةَ كَانَتْ حَلَالًا لَهُ، فَقَوْلُهُ أَنْتِ حَرَامٌ خَبَرٌ لَيْسَ بِمُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ فَيَكُونُ كَذِبًا، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْكَذِبَ إذَا كَانَ حَقِيقَةَ كَلَامِهِ وَجَبَ أَنْ يَنْصَرِفَ إلَيْهِ، وَلَا يَنْصَرِفُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا بِقَرِينَةٍ أَوْ نِيَّةٍ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ لَا تَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (وَقِيلَ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ) ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ وَالْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرَيْهِمَا أَنَّ

لِأَنَّهُ يَمِينٌ ظَاهِرًا (وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الطَّلَاقَ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الثَّلَاثَ) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْكِنَايَاتِ (وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الظِّهَارَ فَهُوَ ظِهَارٌ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَيْسَ بِظِهَارٍ لِانْعِدَامِ التَّشْبِيهِ بِالْمُحَرَّمَةِ وَهُوَ الرُّكْنُ فِيهِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ أَطْلَقَ الْحُرْمَةَ وَفِي الظِّهَارِ نَوْعُ حُرْمَةٍ وَالْمُطْلَقُ يَحْتَمِلُ الْمُقَيَّدَ (وَإِنْ قَالَ أَرَدْت التَّحْرِيمَ أَوْ لَمْ أُرِدْ بِهِ شَيْئًا فَهُوَ يَمِينٌ يَصِيرُ بِهِ مُولِيًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَاضِيَ لَا يُصَدِّقُهُ فِي إبْطَالِ الْإِيلَاءِ (لِأَنَّهُ يَمِينٌ ظَاهِرًا) لِكَوْنِهِ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ كَمَا نَذْكُرُهُ (وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الطَّلَاقَ) فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا مِنْ الْعَدَدِ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ (فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَإِنْ نَوَى الثَّلَاثَ فَثَلَاثٌ) لِأَنَّهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهَا (وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الظِّهَارَ فَهُوَ ظِهَارٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَيْسَ بِظِهَارٍ) نَقَلَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ عَنْ النَّوَادِرِ. لِمُحَمَّدٍ أَنَّ الظِّهَارَ تَشْبِيهُ الْمُحَلَّلَةِ بِالْمُحَرَّمَةِ وَهُوَ الرُّكْنُ فِيهِ وَلَا تَشْبِيهَ هَاهُنَا فَلَا يَكُونُ ظِهَارًا (وَلَهُمَا أَنَّهُ أَطْلَقَ الْحُرْمَةَ) وَهِيَ تَحْتَمِلُ أَنْوَاعًا، وَالظِّهَارُ نَوْعٌ مِنْهَا فَيَكُونُ مِنْ مُحْمَلَاتِ مُطْلَقِ الْحُرْمَةِ، وَمَنْ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ صُدِّقَ (وَإِنْ قَالَ أَرَدْت التَّحْرِيمَ أَوْ لَمْ أُرِدْ شَيْئًا فَهُوَ يَمِينٌ يَصِيرُ بِهِ مُولِيًا)

لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي تَحْرِيمِ الْحَلَالِ إنَّمَا هُوَ يَمِينٌ عِنْدَنَا وَسَنَذْكُرُهُ فِي الْأَيْمَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ يَصْرِفُ لَفَظَّةَ التَّحْرِيمِ إلَى الطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ بِحُكْمِ الْعُرْفِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ قَرِبَهَا كَفَّرَ، وَإِنْ لَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَانَتْ مِنْهُ بِالْإِيلَاءِ. أَمَّا إذَا أَرَادَ التَّحْرِيمَ (فَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي تَحْرِيمِ الْحَلَالِ إنَّمَا هُوَ الْيَمِينُ عِنْدَنَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] إلَى قَوْلِهِ {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] وَأَمَّا إذَا لَمْ يُرِدْ شَيْئًا فَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ الثَّابِتَةَ بِالْيَمِينِ أَدْنَى الْحُرُمَاتِ لِأَنَّ فِي الْإِيلَاءِ الْوَطْءَ حَلَالٌ قَبْلَ الْكَفَّارَةِ وَفِي الظِّهَارِ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ فِي الْإِيلَاءِ لَا تَثْبُتُ فِي الْحَالِ مَا لَمْ تَنْقَضِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَفِي الظِّهَارِ تَثْبُتُ فِي الْحَالِ. وَإِذَا أُرِيدَ بِهِ الطَّلَاقُ وَقَعَ بَائِنًا وَيُحَرِّمُ الْوَطْءَ وَالْإِيلَاءُ لَا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ، فَلَمَّا كَانَتْ حُرْمَةُ الْيَمِينِ أَدْنَى الْحُرُمَاتِ تَعَيَّنَتْ لِتَيَقُّنِهَا، وَسَيَجِيءُ الْكَلَامُ فِيهِ فِي الْأَيْمَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ يَصْرِفُ لَفْظَ التَّحْرِيمِ إلَى الطَّلَاقِ بِدُونِ النِّيَّةِ) قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ وَأَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ سَعِيدٍ: قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: وَبِهِ نَأْخُذُ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ فِي زَمَانِنَا هَذَا أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِهَذَا اللَّفْظِ الطَّلَاقَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[باب الخلع]

(بَابُ الْخُلْعِ) : ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْخُلْعِ] أَخَّرَ الْخُلْعَ عَنْ الْإِيلَاءِ لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْإِيلَاءَ لِتَجَرُّدِهِ عَنْ الْمَالِ كَانَ أَقْرَبَ إلَى الطَّلَاقِ، بِخِلَافِ الْخُلْعِ فَإِنَّ فِيهِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ مِنْ جَانِبِ الْمَرْأَةِ. وَالثَّانِي أَنَّ مَبْنَى الْإِيلَاءِ نُشُوزٌ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ، وَالْخُلْعُ نُشُوزٌ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ غَالِبًا فَقَدَّمَ مَا بِالرَّجُلِ عَلَى مَا بِالْمَرْأَةِ، وَالْخُلْعُ بِالضَّمِّ اسْمٌ مِنْ قَوْلِهِمْ خَالَعَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا وَاخْتَلَعَتْ مِنْهُ بِمَالِهَا. وَهُوَ

(وَإِذَا تَشَاقَّ الزَّوْجَانِ وَخَافَا أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَفْتَدِيَ نَفْسَهَا مِنْهُ بِمَالٍ يَخْلَعُهَا بِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] (فَإِذَا فَعَلَا ذَلِكَ وَقَعَ بِالْخُلْعِ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ وَلَزِمَهَا الْمَالُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْخُلْعُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ» ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الشَّرِيعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ أَخْذِ مَالٍ مِنْ الْمَرْأَةِ بِإِزَاءِ مِلْكِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الْخُلْعِ. وَشَرْطُهُ شَرْطُ الطَّلَاقِ. وَحُكْمُهُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ. وَصِفَتُهُ أَنَّهُ مِنْ جَانِبِ الْمَرْأَةِ مُعَاوَضَةٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَمِينٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ عِنْدَهُمَا عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُ ثَمَرَةِ الْخِلَافِ (إذَا تَشَاقَّ الزَّوْجَانِ) أَيْ تَخَاصَمَا وَصَارَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي شِقٍّ: أَيْ جَانِبٍ (وَخَافَا أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ) أَيْ مَا يَلْزَمُهُمَا مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ (فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَفْتَدِيَ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا مِنْهُ بِمَالٍ) تَبْذُلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] أَيْ فَلَا جُنَاحَ عَلَى الرَّجُلِ فِيمَا أَخَذَ وَلَا عَلَى الْمَرْأَةِ فِيمَا أَعْطَتْ، سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى مَا أَعْطَتْهُ فِدَاءً مِنْ فَدَاهُ مِنْ الْأَسْرِ: إذَا اسْتَنْقَذَهُ لِمَا أَنَّ النِّسَاءَ عَوَانٌ عِنْدَ الْأَزْوَاجِ بِالْحَدِيثِ وَكَانَ الْمَالُ الَّذِي يُعْطَى فِي تَخْلِيصِهِنَّ فِدَاءً (فَإِذَا فَعَلَا ذَلِكَ وَقَعَ طَلَاقٌ بَائِنٌ وَلَزِمَهَا الْمَالُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْخُلْعُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ» ) رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِمْ وَمَرْفُوعًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ حَتَّى صَارَ مِنْ الْكِنَايَاتِ، وَالْوَاقِعُ بِالْكِنَايَةِ بَائِنٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ حَتَّى صَارَ مِنْ الْكِنَايَاتِ) فَإِذَا قَالَ خَالَعْتُكِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْعِوَضَ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَقَعَ (وَالْوَاقِعُ بِالْكِنَايَةِ بَائِنٌ) فَإِذَا قِيلَ لَوْ صَارَ

إلَّا أَنْ ذِكْرَ الْمَالِ أَغْنَى عَنْ النِّيَّةِ هُنَا، وَلِأَنَّهَا لَا تُسْلِمُ الْمَالَ إلَّا لِتَسْلَمَ لَهَا نَفْسُهَا وَذَلِكَ بِالْبَيْنُونَةِ. (وَإِنْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهِ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا عِوَضًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} [النساء: 20] إلَى أَنْ قَالَ {فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20] وَلِأَنَّهُ أَوْحَشَهَا بِالِاسْتِبْدَالِ فَلَا يَزِيدُ فِي وَحْشَتِهَا بِأَخْذِ الْمَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْكِنَايَاتِ لَكَانَتْ النِّيَّةُ شَرْطًا وَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (إلَّا أَنَّ ذِكْرَ الْمَالِ أَغْنَى عَنْ النِّيَّةِ هَاهُنَا) وَقَدْ قِيلَ فِي بَيَانِهِ إنَّ الْخُلْعَ يَحْتَمِلُ الِانْخِلَاعَ عَنْ اللِّبَاسِ أَوْ عَنْ الْخَيْرَاتِ أَوْ عَنْ النِّكَاحِ، فَلَمَّا ذَكَرَ الْعِوَضَ تَعَيَّنَ الِانْخِلَاعُ عَنْ النِّكَاحِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ (وَلِأَنَّهَا لَا تُسَلِّمُ الْمَالَ إلَّا لِتَسْلَمَ لَهَا نَفْسُهَا وَذَلِكَ بِالْبَيْنُونَةِ) . قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهِ) يُقَالُ نَشَزَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا فَهِيَ نَاشِزَةٌ: إذَا اسْتَعْصَتْ عَلَيْهِ أَوْ أَبْغَضَتْهُ. وَعَنْ الزَّجَّاجِ: النُّشُوزُ يَكُونُ مِنْ الزَّوْجَيْنِ وَهِيَ كَرَاهَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ (يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ عِوَضًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [النساء: 20] فَإِنْ قِيلَ: النَّهْيُ وَرَدَ عَنْ فِعْلٍ حِسِّيٍّ وَهُوَ الْأَخْذُ وَمِثْلُهُ يَقْتَضِي عَدَمَ الْمَشْرُوعِيَّةِ، ثُمَّ هُوَ مُؤَكَّدٌ بِتَوَاكِيدَ هِيَ قَوْلُهُ {أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [النساء: 20] . {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 21] فَكَيْفَ الْجَوَازُ مَعَ الْكَرَاهَةِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ النَّهْيَ وَإِنْ وَرَدَ عَنْ فِعْلٍ حِسِّيٍّ وَلَكِنَّهُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ زِيَادَةُ الْإِيحَاشِ فَلَا يَعْدَمُ الْمَشْرُوعِيَّةَ فِي نَفْسِهِ

(وَإِنْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْهَا كَرِهْنَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا) وَفِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ طَابَ الْفَضْلُ أَيْضًا لِإِطْلَاقِ مَا تَلَوْنَا بَدْءًا. وَوَجْهُ الْأُخْرَى قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي امْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شِمَاسٍ «أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا» ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَتَّخِذُوا الدَّوَابَّ كَرَاسِيَّ» وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِدَلِيلِهِ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ أَوْحَشَهَا بِالِاسْتِبْدَالِ فَلَا يَزِيدُ فِي وَحْشَتِهَا بِأَخْذِ الْمَالِ (وَإِنْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْهَا كَرِهْنَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: طَابَ الْفَضْلُ أَيْضًا لِإِطْلَاقِ مَا تَلَوْنَا بَدْءًا) : أَيْ أَوَّلًا، يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] فَإِنَّهُ لَا يَفْصِلُ بَيْنَ الْفَضْلِ وَغَيْرِهِ (وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى) أَيْ رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ وَهِيَ رِوَايَةُ كِتَابِ الطَّلَاقِ فِي الْأَصْلِ (قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي امْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ بْنِ شَمَّاسٍ " أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا ") وَقِصَّتُهَا مَا رُوِيَ

وَقَدْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْهَا (وَلَوْ أَخَذَ الزِّيَادَةَ جَازَ فِي الْقَضَاءِ) وَكَذَلِكَ إذَا أَخَذَ وَالنُّشُوزُ مِنْهُ لِأَنَّ مُقْتَضَى مَا تَلَوْنَا شَيْئَانِ الْجَوَازُ حُكْمًا وَالْإِبَاحَةُ، وَقَدْ تُرِكَ الْعَمَلُ فِي حَقِّ الْإِبَاحَةِ لِمُعَارِضٍ فَبَقِيَ مَعْمُولًا فِي الْبَاقِي. ـــــــــــــــــــــــــــــQ «أَنَّ جَمِيلَةَ بِنْتَ سَلُولَ كَانَتْ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ، فَجَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: لَا أَعْتِبُ عَلَى ثَابِتٍ فِي دِينٍ وَلَا فِي خُلُقٍ، وَلَكِنِّي أَخْشَى الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ لِشِدَّةِ بُغْضِي إيَّاهُ، فَقَالَ: أَتَرُدِّينَ إلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ فَقَالَتْ نَعَمْ وَزِيَادَةً، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا» (وَكَانَ النُّشُوزُ مِنْهَا) بِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ، فَكَانَ قَوْلُهُ " أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا " يَنْفِي إبَاحَةَ أَخْذِ الْفَضْلِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، وَإِذَا انْتَفَى الْإِبَاحَةُ كَانَ مَكْرُوهًا (وَلَوْ أَخَذَ الزِّيَادَةَ جَازَ فِي الْقَضَاءِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَخَذَ وَالنُّشُوزُ مِنْهُ لِأَنَّ مُقْتَضَى مَا تَلَوْنَا) مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] (شَيْئَانِ: الْجَوَازُ حُكْمًا) أَيْ جَوَازُ أَخْذِ الزِّيَادَةِ فِي الْقَضَاءِ (وَالْإِبَاحَةُ) أَيْ إبَاحَةُ أَخْذِ الزِّيَادَةِ هَكَذَا فَسَّرَ الشَّارِحُونَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ بِأَنَّ كُلَّ مُبَاحٍ جَائِزٌ دُونَ الْعَكْسِ، لِأَنَّ الْجَوَازَ ضِدُّ الْحُرْمَةِ وَالْإِبَاحَةَ ضِدُّ الْكَرَاهَةِ. فَإِذَا انْتَفَى الْجَوَازُ ثَبَتَ ضِدُّهُ وَهُوَ الْحُرْمَةُ فَتَنْتَفِي الْإِبَاحَةُ أَيْضًا، وَإِذَا انْتَفَتْ الْإِبَاحَةُ ثَبَتَ ضِدُّهَا وَهُوَ الْكَرَاهَةُ، وَلَا يَنْتَفِي بِهِ الْجَوَازُ لِجَوَازِ اجْتِمَاعِ الْجَوَازِ مَعَ الْكَرَاهَةِ (وَقَدْ تُرِكَ) يَعْنِي مَا تَلَوْنَا (فِي حَقِّ الْإِبَاحَةِ لِمُعَارِضٍ) وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا " لِكَوْنِهِ نَهْيًا لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ زِيَادَةُ الْإِيحَاشِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ لَا يَعْدَمُ الْمَشْرُوعِيَّةَ (فَبَقِيَ مَعْمُولًا فِي الْبَاقِي) وَهُوَ الْجَوَازُ. وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ الرَّدِّ، وَكَلَامُنَا فِي كَرَاهِيَةِ الْأَخْذِ فَلَيْسَ الْحَدِيثُ مُتَّصِلًا بِمَحَلِّ النِّزَاعِ. وَالثَّانِي أَنَّ الْحَدِيثَ خَبَرُ وَاحِدٍ وَهُوَ لَا يُعَارِضُ الْكِتَابَ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الرَّدَّ إذَا كَانَ غَيْرَ مُبَاحٍ وَهِيَ نَاشِزَةٌ فَكَانَ الْأَخْذُ مِنْهَا وَهُوَ غَيْرُ نَاشِزٍ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ مُبَاحًا فَكَانَ مُتَّصِلًا بِمَحَلِّ النِّزَاعِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْمُعَارِضَ لِلْكِتَابِ إذَا أَخَذَ أَبَانَ وَهُوَ نَاشِزٌ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} [النساء: 20] إلَى قَوْلِهِ {فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20] وَالْكِتَابُ يَجُوزُ أَنْ

(وَإِنْ طَلَّقَهَا عَلَى مَالٍ فَقَبِلَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَزِمَهَا الْمَالُ) لِأَنَّ الزَّوْجَ يَسْتَبِدُّ بِالطَّلَاقِ تَنْجِيزًا وَتَعْلِيقًا وَقَدْ عَلَّقَهُ بِقَبُولِهَا، وَالْمَرْأَةُ تَمْلِكُ الْتِزَامَ الْمَالِ لِوِلَايَتِهَا عَلَى نَفْسِهَا، وَمِلْكِ النِّكَاحِ مِمَّا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا ـــــــــــــــــــــــــــــQيُعَارِضَ الْكِتَابَ، وَإِذَا عُورِضَ الْكِتَابُ بِالْكِتَابِ جَازَ بَعْدَهُ أَنْ يُعَارَضَ بِالْخَبَرِ فَكَانَ الْحَدِيثُ مُعَارِضًا لِلْكِتَابِ بَعْدَ مُعَارَضَةِ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ فَكَانَتْ جَائِزَةً. (وَإِنْ طَلَّقَهَا عَلَى مَالٍ) مِثْلَ أَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ (فَقَبِلَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَزِمَ الْمَالُ) لِأَنَّ هَذَا تَصَرُّفَ مُعَاوَضَةٍ يَعْتَمِدُ أَهْلِيَّةَ الْمُتَعَاوِضَيْنِ وَصَلَاحِيَةَ

كَالْقِصَاصِ (وَكَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا) لِمَا بَيَّنَّا وَلِأَنَّهُ مُعَاوَضَةُ الْمَالِ بِالنَّفْسِ وَقَدْ مَلَكَ الزَّوْجُ أَحَدَ الْبَدَلَيْنِ فَتَمْلِكُ هِيَ الْآخَرَ وَهِيَ النَّفْسُ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ. قَالَ (وَإِنْ بَطَلَ الْعِوَضُ فِي الْخُلْعِ مِثْلَ أَنْ يُخَالِعَ الْمُسْلِمُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مَيْتَةٍ فَلَا شَيْءَ لِلزَّوْجِ وَالْفُرْقَةُ بَائِنَةٌ، وَإِنْ بَطَلَ الْعِوَضُ فِي الطَّلَاقِ كَانَ رَجْعِيًّا) فَوُقُوعُ الطَّلَاقِ فِي الْوَجْهَيْنِ لِلتَّعْلِيقِ بِالْقَبُولِ وَافْتِرَاقُهُمَا فِي الْحُكْمِ لِأَنَّهُ لَمَّا بَطَلَ الْعِوَضُ كَانَ الْعَامِلُ فِي الْأَوَّلِ لَفْظُ الْخُلْعِ وَهُوَ كِنَايَةٌ، وَفِي الثَّانِي الصَّرِيحُ وَهُوَ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ لِلزَّوْجِ شَيْءٌ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا مَا سَمَّتْ مَالًا مُتَقَوِّمًا حَتَّى تَصِيرَ غَارَّةٌ لَهُ، وَلِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى إيجَابِ الْمُسَمَّى لِلْإِسْلَامِ وَلَا إلَى إيجَابِ غَيْرِهِ لِعَدَمِ الِالْتِزَامِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَحَلِّ وَالْكُلُّ حَاصِلٌ، أَمَّا أَهْلِيَّةُ الزَّوْجِ فَلِأَنَّهُ يَسْتَبِدُّ بِالطَّلَاقِ تَنْجِيزًا وَتَعْلِيقًا لَا مَحَالَةَ، وَقَدْ عَلَّقَهُ بِقَبُولِهَا بِدَلَالَةِ مَقَامِ الْمُعَاوَضَةِ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهِ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَبُولِ، وَأَمَّا أَهْلِيَّةُ الْمَرْأَةِ فَلِأَنَّهَا تَمْلِكُ الْتِزَامَ الْمَالِ لِوِلَايَتِهَا عَلَى نَفْسِهَا، وَأَمَّا صَلَاحِيَةُ الْمَحَلِّ فَلِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ مِمَّا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا كَالْقِصَاصِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَجَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ وَالْجَامِعُ وُجُودُ الْتِزَامٍ مِنْ أَهْلِهِ، كَذَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ (وَإِذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ كَانَ بَائِنًا لِمَا بَيَّنَّا) أَنَّهَا لَا تُسَلِّمُ الْمَالَ إلَّا لِتَسْلَمَ لَهَا نَفْسُهَا (وَلِأَنَّهُ مُعَاوَضَةُ الْمَالِ بِالنَّفْسِ وَقَدْ مَلَكَ الزَّوْجُ أَحَدَ الْبَدَلَيْنِ فَتَمْلِكُ الزَّوْجَةُ الْبَدَلَ الْآخَرَ وَهُوَ النَّفْسُ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ) . (قَالَ: وَإِنْ بَطَلَ الْعِوَضُ فِي الْخُلْعِ) إذَا خَالَعَ الْمُسْلِمُ امْرَأَتَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مَيْتَةٍ فَلَا شَيْءَ لِلزَّوْجِ لِبُطْلَانِ الْعِوَضِ الْمُسَمَّى وَالْفُرْقَةُ بَائِنَةٌ، وَإِنْ طَلَّقَهَا عَلَى ذَلِكَ وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا وَلَمْ يَكُنْ الطَّلَاقُ الْوَاقِعُ الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَالطَّلَاقُ رَجْعِيٌّ، أَمَّا الِاشْتِرَاكُ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ عَلَّقَهُ بِقَبُولِهَا وَقَدْ قَبِلَتْ، وَأَمَّا الِافْتِرَاقُ بَيْنَهُمَا بِالْبَيْنُونَةِ وَالرَّجْعَةِ فَلِأَنَّهُ لَمَّا بَطَلَ الْعِوَضُ كَانَ الْعَامِلُ فِي الْأَوَّلِ لَفْظَ الْخُلْعِ وَهُوَ كِنَايَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْوَاقِعُ بِهَا بَائِنٌ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ، وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ لَيْسَتْ مِنْهَا، وَفِي الثَّانِي الصَّرِيحُ وَهُوَ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ

بِخِلَافِ مَا إذَا خَالَعَ عَلَى خَلٍّ بِعَيْنِهِ فَظَهَرَ أَنَّهُ خَمْرٌ لِأَنَّهَا سَمَّتْ مَالًا فَصَارَ مَغْرُورًا، وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَ أَوْ أَعْتَقَ عَلَى خَمْرٍ حَيْثُ تَجِبُ قِيمَةُ الْعَبْدِ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى فِيهِ مُتَقَوَّمٌ وَمَا رَضِيَ بِزَوَالِهِ مَجَّانًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا عَدَمُ وُجُوبِ شَيْءٍ عَلَيْهَا لِلزَّوْجِ فَلِأَنَّهَا مَا سَمَّتْ مَالًا مُتَقَوِّمًا لِتَصِيرَ غَارَّةً لَهُ، وَلِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِإِلْزَامِ الْمُسَمَّى لِامْتِنَاعِ الْمُسْلِمِ عَنْ تَسْلِيمِهِ وَتَسَلُّمِهِ وَلَا إلْزَامِ غَيْرِهِ لِعَدَمِ الِالْتِزَامِ بِهِ (بِخِلَافِ مَا إذَا خَالَعَ عَلَى خَلٍّ بِعَيْنِهِ فَظَهَرَ خَمْرًا) فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ عَلَيْهَا رَدُّ الْمَهْرِ الَّذِي أَخَذَتْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعِنْدَهُمَا كَيْلٌ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ خَلٍّ وَسَطٍ، وَهَذَا وَالصَّدَاقُ سَوَاءٌ لِأَنَّهَا سَمَّتْ مَالًا وَغَرَّتْهُ بِذَلِكَ فَكَانَتْ ضَامِنَةً لِأَنَّ التَّغْرِيرَ فِي ضِمْنِ الْعَقْدِ يُوجِبُ الضَّمَانَ. فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا كَاتَبَ أَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى خَمْرٍ حَيْثُ تَكُونُ الْكِتَابَةُ فَاسِدَةً وَإِنْ أَدَّاهَا عَتَقَ وَعَلَى الْعَبْدِ قِيمَتُهُ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَ أَوْ أَعْتَقَ عَلَى خَمْرٍ حَيْثُ تَجِبُ قِيمَةُ الْعَبْدِ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى فِيهِ) أَيْ فِي الْعَبْدِ (مُتَقَوِّمٌ) حَتَّى لَوْ غُصِبَ وَجَبَتْ الْقِيمَةُ عَلَى الْغَاصِبِ (وَمَا رَضِيَ بِزَوَالِهِ مَجَّانًا) فَلَمَّا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَسْلِيمِ الْبَدَلِ لِعَدَمِ تَقَوُّمِهِ

أَمَّا مِلْكُ الْبِضْعِ فِي حَالَةِ الْخُرُوجِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ عَلَى مَا نَذْكُرُ، وَبِخِلَافِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الْبِضْعَ فِي حَالَةِ الدُّخُولِ مُتَقَوِّمٌ، وَالْفِقْهُ أَنَّهُ شَرِيفٌ فَلَمْ يَشْرَعْ تَمَلُّكَهُ إلَّا بِعِوَضٍ إظْهَارًا لِشَرَفِهِ، فَأَمَّا الْإِسْقَاطُ فَنَفْسُهُ شَرَفٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى إيجَابِ الْمَالِ. قَالَ (وَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا جَازَ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا فِي الْخُلْعِ) لِأَنَّ مَا يَصْلُحُ عِوَضًا لِلْمُتَقَوِّمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَزِمَ قِيمَةُ الْمُبْدَلِ وَهُوَ الرَّقَبَةُ الْمُتَقَوِّمَةُ (أَمَّا مِلْكُ الْبُضْعِ فِي حَالَةِ الْخُرُوجِ فَغَيْرُ مُتَقَوِّمٍ عَلَى مَا يُذْكَرُ) بُعَيْدَ هَذَا بِقَوْلِهِ " وَالْفِقْهُ " فَلَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ، وَهَذَا الْجَوَابُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَبْدِ ظَاهِرٌ كَمَا تَرَى، وَكَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُكَاتَبِ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى لَمَّا كَانَ فِيهِ مُتَقَوِّمًا لَمْ يَرْضَ بِزَوَالِهِ بِلَا بَدَلٍ، وَلَمَّا لَمْ يَصِحَّ الْبَدَلُ فَسَدَتْ الْكِتَابَةُ، وَأَمَّا مِلْكُ الْبُضْعِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ مُتَقَوِّمًا لَمْ يَلْزَمْ مِنْ بُطْلَانِ الْبَدَلِ فَسَادُ الْخُلْعِ، وَإِنَّمَا عَتَقَ الْمُكَاتَبُ إذَا أَدَّى الْخَمْرَ الْمُسَمَّاةَ لِأَنَّ فِي الْكِتَابَةِ تَعْلِيقَ الْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْمُسَمَّى وَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ فَيَقَعُ الْمَشْرُوطُ. قِيلَ وَفِي قَوْلِهِ عَلَى خَمْرٍ تَلْوِيحٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَاتَبَ عَلَى مَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ فَالْكِتَابَةُ بَاطِلَةٌ، حَتَّى لَوْ أَدَّى لَمْ يَعْتِقْ وَلَا تَجِبُ الْقِيمَةُ. وَقَوْلُهُ (وَبِخِلَافِ النِّكَاحِ) لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخُلْعِ حَيْثُ صَحَّ وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَالْخُلْعُ صَحَّ وَلَمْ يَجِبْ شَيْءٌ (لِأَنَّ الْبُضْعَ فِي حَالَةِ الدُّخُولِ مُتَقَوِّمٌ) وَلِهَذَا إذَا تَزَوَّجَ الْمَرِيضُ امْرَأَةً بِمَهْرِ مِثْلِهَا كَانَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ (وَالْفِقْهُ) مَا ذَكَرَهُ وَهُوَ وَاضِحٌ. قَالَ (وَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا فِي النِّكَاحِ جَازَ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا فِي الْخُلْعِ) كُلُّ مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا فِي النِّكَاحِ جَازَ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا فِي الْخُلْعِ وَلَا يَنْعَكِسُ (لِأَنَّ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا لِلْمُتَقَوِّمِ

أَوْلَى أَنْ يَصْلُحَ عِوَضًا لِغَيْرِ الْمُتَقَوِّمِ. (فَإِنْ قَالَتْ لَهُ خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي فَخَالَعَهَا فَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا) لِأَنَّهَا لَمْ تَغُرُّهُ بِتَسْمِيَةِ الْمَالِ (وَإِنْ قَالَتْ خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي مِنْ مَالٍ فَخَالَعَهَا فَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ رَدَّتْ عَلَيْهِ مَهْرَهَا) لِأَنَّهَا لَمَّا سَمَّتْ مَالًا لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ رَاضِيًا بِالزَّوَالِ إلَّا بِعِوَضٍ، وَلَا وَجْهَ إلَى إيجَابِ الْمُسَمَّى وَقِيمَتِهِ لِلْجَهَالَةِ وَلَا إلَى قِيمَةِ الْبِضْعِ: أَعْنِي مَهْرَ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ حَالَةَ الْخُرُوجِ فَتَعَيَّنَ إيجَابُ مَا قَامَ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْلَى أَنْ يَصْلُحَ عِوَضًا لِغَيْرِهِ) وَلَا يَنْعَكِسُ، فَإِذَا اخْتَلَعَتْ مِنْهُ عَلَى مَا فِي بُطُونِ غَنَمِهَا جَازَ، وَلَهُ مَا فِي بُطُونِ غَنَمِهَا وَقْتَ الْخُلْعِ دُونَ مَا حَدَثَ بَعْدَهُ. وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى مَا فِي بُطُونِ غَنَمِهِ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ غَيْرُ صَحِيحَةٍ لِكَوْنِ مَا فِي الْبَطْنِ لَيْسَ بِمَالٍ فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَ بِعَرْضِيَّةِ أَنْ يَصِيرَ مَالًا بِالِانْفِصَالِ لَكِنَّهَا بِالنَّظَرِ إلَى ذَلِكَ تَكُونُ فِي مَعْنَى الْإِضَافَةِ أَوْ التَّعْلِيقِ، وَأَحَدُ الْعِوَضَيْنِ وَهُوَ مَنَافِعُ الْبُضْعِ فِي بَابِ النِّكَاحِ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ وَالْإِضَافَةَ فَكَذَلِكَ الْعِوَضُ الْآخَرُ. وَأَمَّا الْخُلْعُ فَأَحَدُ الْعِوَضَيْنِ فِيهِ وَهُوَ الطَّلَاقُ يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ وَالتَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ فَكَذَلِكَ الْعِوَضُ الْآخَرُ فَأَمْكَنَ تَصْحِيحُ تَسْمِيَةِ مَا فِي الْبَطْنِ بِاعْتِبَارِ الْمَآلِ، وَإِذَا صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ فَلَهُ الْمُسَمَّى إنْ وُجِدَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي بُطُونِهَا شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ لِأَنَّهَا مَا غَرَّتْهُ لِأَنَّ مَا فِي الْبَطْنِ قَدْ يَكُونُ مَالًا مُتَقَوِّمًا وَقَدْ يَكُونُ رِيحًا. (فَإِنْ قَالَتْ لَهُ خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدَيَّ فَخَالَعَهَا فَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا لَمْ تَغُرَّهُ بِتَسْمِيَةِ الْمَالِ لِأَنَّ كَلِمَةَ " مَا ") عَامَّةٌ تَتَنَاوَلُ الْمَالَ وَغَيْرَهُ (وَإِنْ قَالَتْ خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدَيَّ مِنْ مَالٍ فَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ رَدَّتْ عَلَيْهِ مَهْرَهَا لِأَنَّهَا لَمَّا سَمَّتْ مَالًا لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ رَاضِيًا بِالزَّوَالِ مَجَّانًا، وَلَا وَجْهَ إلَى إيجَابِ الْمُسَمَّى وَقِيمَتِهِ لِلْجَهَالَةِ) أَيْ جَهَالَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ لِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى، وَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى مَجْهُولًا كَانَتْ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ جَهَالَةً (وَلَا إلَى قِيمَةِ الْبُضْعِ: أَعْنِي مَهْرَ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ حَالَةَ الْخُرُوجِ) كَمَا تَقَدَّمَ (فَتَعَيَّنَ إيجَابُ مَا قَامَ الْبُضْعُ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ)

(وَلَوْ قَالَتْ خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَفَعَلَ فَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ فَعَلَيْهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ) لِأَنَّهَا سَمَّتْ الْجَمْعَ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ، وَكَلِمَةُ مِنْ هَاهُنَا لِلصِّلَةِ دُونَ التَّبْعِيضِ لِأَنَّ الْكَلَامَ يَخْتَلُّ بِدُونِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلَوْ قَالَتْ خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدَيَّ مِنْ دَرَاهِمَ) وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ وَكَلِمَةُ " مِنْ " هَاهُنَا لِلصِّلَةِ) إشَارَةٌ إلَى مَا يُقَالُ إذَا كَانَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ دِرْهَمَانِ أَوْ دِرْهَمٌ يَجِبُ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهَا شَيْءٌ غَيْرُ ذَلِكَ لِأَنَّ كَلِمَةَ " مِنْ " لِلتَّبْعِيضِ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِكَوْنِهِ صِلَةً أَنْ يَكُونَ لِلْبَيَانِ عَلَى اصْطِلَاحِ النَّحْوِيِّينَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} [الحج: 30] وَمِنْهُمْ مَنْ ضَبَطَ فَقَالَ: كُلُّ مَوْضِعٍ يَصِحُّ الْكَلَامُ فِيهِ بِدُونِهِ فَهُوَ لِلتَّبْعِيضِ كَمَا فِي قَوْلِهِ أَخَذْت مِنْ الدَّرَاهِمِ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ لَا يَصِحُّ فِيهِ بِدُونِهِ فَهُوَ صِلَةٌ زِيدَتْ لِتَصْحِيحِ الْكَلَامِ، فَإِنَّهَا لَوْ قَالَتْ خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدَيَّ دَرَاهِمَ اخْتَلَّ الْكَلَامُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلتَّبْعِيضِ كَانَ الْجَمْعُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بَاقِيًا عَلَى حَالِهِ فَيَلْزَمُهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ مَا ذَكَرْت مِنْ الِاخْتِلَالِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ قَوْلَهَا دَرَاهِمَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ قَوْلِهَا مَا فِي يَدَيَّ وَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ خَالِعْنِي عَلَى دَرَاهِمَ وَقَوْلُهَا الدَّرَاهِمُ يَكُونُ بَدَلًا أَيْضًا وَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ خَالِعْنِي عَلَى الدَّرَاهِمِ وَاللَّامُ إذَا دَخَلَ الْجَمْعُ وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَعْهُودٌ يُرَادُ بِهِ الْوَاحِدُ، فَلَوْ كَانَ فِي يَدِهَا وَاحِدٌ وَجَبَ أَنْ يُكْتَفَى بِهِ وَلَا يَلْزَمُهَا الزِّيَادَةُ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا الْمَنْعَ لَا يَضُرُّنَا لِأَنَّهُ إذَا كَانَ تَقْدِيرُ كَلَامِهَا خَالِعْنِي عَلَى دَرَاهِمَ يَلْزَمُهَا ثَلَاثَةٌ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.

(فَإِنْ اخْتَلَعَتْ عَلَى عَبْدٍ لَهَا آبِقٍ عَلَى أَنَّهَا بَرِيئَةٌ مِنْ ضَمَانِهِ لَمْ تَبْرَأْ وَعَلَيْهَا تَسْلِيمُ عَيْنِهِ إنْ قَدَرَتْ وَتَسْلِيمُ قِيمَتِهِ إنْ عَجَزَتْ) لِأَنَّهُ عَقْدُ الْمُعَاوَضَةِ فَيَقْتَضِي سَلَامَةَ الْعِوَضِ، وَاشْتِرَاطُ الْبَرَاءَةِ عَنْهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَيَبْطُلُ إلَّا أَنَّ الْخُلْعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَنْ الثَّانِي لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا مَعْهُودَ ثَمَّ بَلْ مَا فِي يَدِهَا مَعْهُودٌ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهَا. (فَإِنْ اخْتَلَعَتْ عَلَى عَبْدٍ لَهَا آبِقٍ عَلَى أَنَّهَا بَرِيئَةٌ مِنْ ضَمَانِهِ) يَعْنِي أَنْ لَا تُطَالَبَ بِتَحْصِيلِهِ وَتَسْلِيمِهِ، بَلْ إنْ حَصَلَ تُسَلِّمُهُ إلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا (وَلَمْ تَبْرَأْ وَعَلَيْهَا تَسْلِيمُ عَيْنِهِ إنْ قَدَرَتْ وَتَسْلِيمُ قِيمَتِهِ إنْ عَجَزَتْ) لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْعِوَضِ فَيَكُونُ اشْتِرَاطُ الْبَرَاءَةِ شَرْطًا فَاسِدًا لِأَنَّهُ لَا تَقْتَضِيهِ الْعُقْدَةُ فَيَبْطُلُ دُونَ الْخُلْعِ لِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ. فَإِنْ قِيلَ: سَلَّمْنَا أَنَّ الْخُلْعَ لَا يَبْطُلُ بِهَا لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ تَفْسُدَ التَّسْمِيَةُ لِاشْتِرَاطِ عَدَمِ وُجُوبِ تَسْلِيمِ الْمُسَمَّى، وَإِذَا فَسَدَتْ رَجَعَ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِمَا سَاقَ إلَيْهَا مِنْ الْمَهْرِ كَمَا إذَا اخْتَلَعَتْ مِنْهُ عَلَى دَابَّةٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْعَقْدَ إذَا كَانَ صَحِيحًا كَانَ مَا يُنَاقِضُهُ مِنْ الشَّرْطِ سَاقِطًا، وَالسَّاقِطُ لَا يُؤَثِّرُ فِي فَسَادِ شَيْءٍ، وَإِنَّمَا فَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ فِيمَا إذَا اخْتَلَعَتْ عَلَى دَابَّةٍ لِلْجَهَالَةِ الْمُسْتَقْبَحَةِ لِكَوْنِهَا تَنْتَظِمُ أَنْوَاعًا مُخْتَلِفَةً مِنْ الْحَيَوَانِ. فَإِنْ قِيلَ: الْخُلْعُ كَمَا يُوجِبُ تَسَلُّمَ الْمُسَمَّى يُوجِبُ تَسْلِيمَهُ بِوَصْفِ كَوْنِهِ سَلِيمًا وَاشْتِرَاطُ الْبَرَاءَةِ عَنْ وَصْفِ السَّلَامَةِ صَحِيحٌ فَلْيَصِحَّ اشْتِرَاطُهَا عَنْ تَسْلِيمِ الْمُسَمَّى أَيْضًا. أُجِيبَ بِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ التَّسْلِيمِ فَوْقَ اسْتِحْقَاقِ السَّلِيمِ، فَإِنَّ بَيْعَ مَا لَا

لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَعَلَى هَذَا النِّكَاحِ (وَإِذَا قَالَتْ طَلَّقَنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَعَلَيْهَا ثُلُثُ الْأَلْفِ) لِأَنَّهَا لَمَّا طَلَبَتْ الثَّلَاثَ بِأَلْفٍ فَقَدْ طَلَبَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ بِثُلُثِ الْأَلْفِ، وَهَذَا لِأَنَّ حَرْفَ الْبَاءِ يَصْحَبُ الْإِعْوَاضَ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ لَا يَجُوزُ، وَالْبَيْعُ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ عَنْ الْعُيُوبِ صَحِيحٌ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الْأَدْنَى جَوَازُ الْأَعْلَى، وَلِأَنَّ الرَّغْبَةَ فِي تَمَلُّكِ الشَّيْءِ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ وَذَلِكَ بِالتَّسْلِيمِ وَبِاشْتِرَاطِ الْبَرَاءَةِ عَنْهُ يَفُوتُ الْمَقْصُودُ، وَلَا كَذَلِكَ اشْتِرَاطُ الْبَرَاءَةِ عَنْ الْعُيُوبِ. وَقَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا النِّكَاحُ) يَعْنِي إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى عَبْدٍ آبِقٍ عَلَى أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ ضَمَانِهِ لَمْ يَبْرَأْ وَعَلَيْهِ تَسْلِيمُ عَيْنِهِ إلَخْ. (وَإِذَا قَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَعَلَيْهَا ثُلُثُ الْأَلْفِ) وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ (وَإِنْ قَالَتْ

وَالْعِوَضُ يَنْقَسِمُ عَلَى الْمُعَوَّضِ وَالطَّلَاقُ بَائِنٌ لِوُجُوبِ الْمَالِ (وَإِنْ قَالَتْ طَلَّقَنِي ثَلَاثًا عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ. وَقَالَا هِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ بِثُلُثِ الْأَلْفِ) لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَى بِمَنْزِلَةِ الْبَاءِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ، حَتَّى إنَّ قَوْلَهُمْ احْمِلْ هَذَا الطَّعَامَ بِدِرْهَمٍ أَوْ عَلَى دِرْهَمٍ سَوَاءٌ. وَلَهُ أَنَّ كَلِمَةَ عَلَى لِلشَّرْطِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [الممتحنة: 12] وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ تَدْخُلِي الدَّارَ كَانَ شَرْطًا، وَهَذَا لِأَنَّهُ لِلُّزُومِ حَقِيقَةً، وَاسْتُعِيرَ لِلشَّرْطِ لِأَنَّهُ يُلَازِمُ الْجَزَاءَ، وَإِذْ كَانَ لِلشَّرْطِ فَالْمَشْرُوطُ لَا يَتَوَزَّعُ عَلَى أَجْزَاءِ الشَّرْطِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQطَلِّقْنِي ثَلَاثًا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَقَعَ طَلَاقٌ رَجْعِيٌّ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا: وَقَعَتْ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ بِثُلُثِ الْأَلْفِ) لِأَنَّ الطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ مِنْ جَانِبِ الْمَرْأَةِ مُعَاوَضَةٌ (وَكَلِمَةُ عَلَى بِمَنْزِلَةِ الْبَاءِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ، حَتَّى إنَّ قَوْلَهُمْ احْمِلْ هَذَا الطَّعَامَ بِدِرْهَمٍ وَعَلَى دِرْهَمٍ سَوَاءٌ) وَإِذَا كَانَ مُعَاوَضَةً انْقَسَمَ أَجْزَاءُ الْعِوَضِ عَلَى أَجْزَاءِ الْمُعَوَّضِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ كَلِمَةَ عَلَى لِلشَّرْطِ) أَيْ تُسْتَعْمَلُ لِلشَّرْطِ مَجَازًا (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [الممتحنة: 12] أَيْ بِشَرْطِ عَدَمِ الْإِشْرَاكِ بِاَللَّهِ (وَمَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ تَدْخُلِي الدَّارَ كَانَ شَرْطًا) وَيُجَوِّزُ الْمَجَازَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ اُسْتُعِيرَ لِلشَّرْطِ لِأَنَّهُ يُلَازِمُ الْجَزَاءَ فَكَانَتْ الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ اللُّزُومُ (وَإِذَا كَانَ لِلشَّرْطِ فَالْمَشْرُوطُ لَا يَتَوَزَّعُ عَلَى أَجْزَاءِ الشَّرْطِ) وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ جَعْلَهُ بِمَعْنَى الشَّرْطِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَالِ وَذَلِكَ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ. وَالثَّانِي أَنَّ مَا ذَهَبْتُمْ إلَيْهِ مَجَازٌ وَمَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ مَجَازٌ آخَرُ، وَلَيْسَ أَحَدُ الْمَجَازَيْنِ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، فَإِنَّ اللُّزُومَ كَمَا هُوَ مَوْجُودٌ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ فَكَذَلِكَ بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمَالَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ تَابِعٌ لِلطَّلَاقِ فَجَازَ أَنْ يَقْبَلَهُ تَبَعًا لِمَتْبُوعِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهُ مُسْتَقِلًّا، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ اللُّزُومَ بَيْنَ الْعِوَضَيْنِ بِالتَّضَايُفِ وَبَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ بِالذَّاتِ وَكَانَ جَعْلُهُ لِلشَّرْطِ مَجَازًا أَقْرَبَ إلَى حَقِيقَتِهِ، وَالْمَجَازُ

بِخِلَافِ الْبَاءِ لِأَنَّهُ لِلْعِوَضِ عَلَى مَا مَرَّ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْمَالُ كَانَ مُبْتَدَأً فَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ (وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) لِأَنَّ الزَّوْجَ مَا رَضِيَ بِالْبَيْنُونَةِ إلَّا لِتُسْلِمَ لَهُ الْأَلْفَ كُلَّهَا، بِخِلَافِ قَوْلِهَا طَلَّقَنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ لِأَنَّهَا لَمَّا رَضِيَتْ بِالْبَيْنُونَةِ بِأَلْفٍ كَانَتْ بِبَعْضِهَا أَرْضَى (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَتْ طَلُقَتْ وَعَلَيْهَا الْأَلْفُ وَهُوَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفٍ) وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَقْرَبُ إلَى الْحَقِيقَةِ أَوْلَى عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ (قَوْلُهُ عَلَى مَا مَرَّ) أَرَادَ بِهِ قَوْلَهُ لِأَنَّ حَرْفَ الْبَاءِ يَصْحَبُ الْأَعْوَاضَ (وَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْمَالُ كَانَ طَلَاقًا مُبْتَدَأً) غَيْرَ مَبْنِيٍّ عَلَى سُؤَالِهَا (فَوَقَعَ وَلَهُ الرَّجْعَةُ) وَقَوْلُهُ (وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا) ظَاهِرٌ (وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ) أَوْ بِأَلْفٍ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِهَا فِي الْمَجْلِسِ، وَهَذَا يَمِينٌ مِنْ جِهَتِهِ فَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَإِضَافَتُهُ وَلَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ وَلَا يَبْطُلُ بِقِيَامِهِ عَنْ الْمَجْلِسِ، وَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْبُلُوغِ إنْ كَانَتْ غَائِبَةً لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِقَبُولِهَا الْمَالَ وَهُوَ مِنْ جِهَتِهَا مُبَادَلَةٌ فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا وَإِضَافَتُهَا، وَيَصِحُّ رُجُوعُهَا قَبْلَ قَبُولِ الزَّوْجِ وَيَبْطُلُ بِقِيَامِهَا عَنْ الْمَجْلِسِ. وَقَوْلُهُ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ بِأَلْفٍ بِعِوَضٍ يَجِبُ لِي عَلَيْك نَظَرًا إلَى الْبَاءِ، وَمَعْنَى

مَعْنَى قَوْلِهِ بِأَلْفٍ بِعِوَضِ أَلْفٍ يَجِبُ لِي عَلَيْك، وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَلَى أَلْفٍ عَلَى شَرْطِ أَلْفٍ يَكُونُ لِي عَلَيْك، وَالْعِوَضُ لَا يَجِبُ بِدُونِ قَبُولِهِ، وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ لَا يَنْزِلُ قَبْلَ وُجُودِهِ. وَالطَّلَاقُ بَائِنٌ لِمَا قُلْنَا. (وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ فَقَبِلَتْ، وَقَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك أَلْفٌ فَقَبِلَ عَتَقَ الْعَبْدُ وَطَلُقَتْ الْمَرْأَةُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلِهِ عَلَى أَلْفٍ عَلَى شَرْطِ أَلْفٍ يَكُونُ لِي عَلَيْك إنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ (وَالْعِوَضُ لَا يَجِبُ بِدُونِ قَبُولِهِ) ظَاهِرٌ (وَقَوْلُهُ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ لَا يَنْزِلُ قَبْلَ وُجُودِهِ) يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُضَمَّ إلَيْهِ وَبِوُجُودِهِ يَكُونُ الْأَلْفُ عَلَيْهَا وَكَوْنُهَا عَلَيْهَا إنَّمَا يَكُونُ بِالْقَبُولِ، فَإِذَا قَبِلَتْ فِي الْمَجْلِسِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَوَجَبَ عَلَيْهَا الْأَلْفُ وَيَكُونُ الطَّلَاقُ بَائِنًا لِمَا قُلْنَا: يَعْنِي فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ مِنْ الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْخُلْعُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ» وَمِنْ الْمَعْقُولِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَلِأَنَّهَا لَا تُسَلِّمُ الْمَالَ إلَّا لِتَسْلَمَ لَهَا نَفْسُهَا. (وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ فَقَبِلَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك أَلْفٌ فَقَبِلَ، وَكَذَلِكَ

وَكَذَا إذَا لَمْ يَقْبَلَا (وَقَالَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْأَلْفُ إذَا قَبِلَ) وَإِذَا لَمْ يَقْبَلْ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ. لَهُمَا أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ يُسْتَعْمَلُ لِلْمُعَاوَضَةِ، فَإِنَّ قَوْلَهُمْ احْمِلْ هَذَا الْمَتَاعَ وَلَك دِرْهَمٌ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِمْ بِدِرْهَمٍ. وَلَهُ أَنَّهُ جُمْلَةٌ تَامَّةٌ فَلَا تَرْتَبِطُ بِمَا قَبْلَهُ إلَّا بِدَلَالَةٍ، إذْ الْأَصْلُ فِيهَا الِاسْتِقْلَالُ وَلَا دَلَالَةَ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ يَنْفَكَّانِ عَنْ الْمَالِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحُكْمُ إنْ لَمْ يَقْبَلَا. وَقَالَا: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْأَلْفُ إذَا قَبِلَا، وَإِذَا لَمْ يَقْبَلَا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ) وَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْخِلَافَ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ أَوْ الْعَبْدَ إذَا قَبِلَ الْمَالَ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ مَجَّانًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا مُعْتَبَرَ بِقَبُولِهِمَا، وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ الْمَالُ. وَالثَّانِي أَنَّهُمَا إذَا لَمْ يَقْبَلَا الْمَالَ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ عِنْدَهُ كَمَا إذَا قَبِلَا، وَعِنْدَهُمَا إذَا لَمْ يَقْبَلَا لَمْ يَقَعَا (لَهُمَا أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ يُسْتَعْمَلُ لِلْمُعَاوَضَةِ، فَإِنَّ قَوْلَهُمْ احْمِلْ هَذَا الْمَتَاعَ وَلَك عَلَيَّ دِرْهَمٌ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِمْ بِدِرْهَمٍ) وَالْخُلْعُ مُعَاوَضَةٌ فَيُحْمَلُ الْوَاوُ عَلَى مَعْنَى الْبَاءِ بِدَلَالَةِ حَالِ الْمُعَاوَضَةِ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَبِلَتْ. وَلَهُمَا هَاهُنَا طَرِيقٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ الْوَاوُ لِلْحَالِ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي حَالِ مَا يَجِبُ لِي عَلَيْك أَلْفٌ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ قَبُولِهَا، فَإِذَا قَبِلَتْ وَجَبَ الْأَلْفُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ قَوْلَهُ وَعَلَيْك أَلْفٌ جُمْلَةٌ تَامَّةٌ مِنْ مُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ لَا يَرْتَبِطُ بِمَا قَبْلَهُ إلَّا بِدَلِيلٍ، إذْ الْأَصْلُ فِي الْجُمْلَةِ التَّامَّةِ الِاسْتِقْلَالُ وَلَا دَلِيلَ هَاهُنَا (لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ يَنْفَكَّانِ عَنْ الْمَالِ) بَلْ عَادَةُ الْكِرَامِ فِيهِمَا الِامْتِنَاعُ عَنْ قَبُولِ عِوَضٍ (بِخِلَافِ الْبَيْعِ

وَالْإِجَارَةِ لِأَنَّهُمَا لَا يُوجَدَانِ دُونَهُ. (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ أَوْ عَلَى أَنَّك بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَبِلَتْ فَالْخِيَارُ بَاطِلٌ إذَا كَانَ لِلزَّوْجِ، وَهُوَ جَائِزٌ إذَا كَانَ لِلْمَرْأَةِ، فَإِنْ رَدَّتْ الْخِيَارَ فِي الثَّلَاثِ بَطَلَ، وَإِنْ لَمْ تَرُدَّ طَلُقَتْ وَلَزِمَهَا الْأَلْفُ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَقَالَا: الْخِيَارُ بَاطِلٌ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ وَعَلَيْهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ) لِأَنَّ الْخِيَارَ لِلْفَسْخِ بَعْدَ الِانْعِقَادِ لَا لِلْمَنْعِ مِنْ الِانْعِقَادِ، وَالتَّصَرُّفَانِ لَا يَحْتَمِلَانِ الْفَسْخَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لِأَنَّهُ فِي جَانِبِهِ يَمِينٌ وَمِنْ جَانِبِهَا شَرْطُهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْإِجَارَةِ لِأَنَّهُمَا لَا يُوجَدَانِ دُونَهُ) أَيْ دُونَ الْمَالِ لِكَوْنِهِمَا مُعَاوَضَةً مَحْضَةً فَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَالُ الْمُعَاوَضَةِ دَلِيلًا (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ أَوْ عَلَى أَنَّك بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَبِلَتْ) طَلُقَتْ فَالْخِيَارُ بَاطِلٌ (إذَا كَانَ لِلزَّوْجِ، وَجَائِزٌ إذَا كَانَ لِلْمَرْأَةِ، فَإِنْ رَدَّتْ الْخِيَارَ فِي الثَّلَاثِ بَطَلَ الطَّلَاقُ، وَإِنْ أَجَازَتْ) الطَّلَاقَ أَوْ لَمْ تَرُدَّ الْخِيَارَ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ (وَلَزِمَهَا الْأَلْفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: الْخِيَارُ بَاطِلٌ فِي الْوَجْهَيْنِ وَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ وَعَلَيْهَا الْأَلْفُ لِأَنَّ الْخِيَارَ لِلْفَسْخِ بَعْدَ الِانْعِقَادِ لَا لِلْمَنْعِ مِنْ الِانْعِقَادِ، وَلَا فَسْخَ بَعْدَ الِانْعِقَادِ هَاهُنَا لِأَنَّ التَّصَرُّفَيْنِ) يَعْنِي إيجَابَ الزَّوْجِ وَقَبُولَ الْمَرْأَةِ لَا يَحْتَمِلَانِ الْفَسْخَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، أَمَّا مِنْ جَانِبِهِ فَلِأَنَّهُ يَمِينٌ لِأَنَّهُ ذِكْرُ

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْخُلْعَ فِي جَانِبِهَا بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ حَتَّى يَصِحَّ رُجُوعُهَا، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءِ الْمَجْلِسِ فَيَصِحُّ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِيهِ، أَمَّا فِي جَانِبِهِ يَمِينٌ حَتَّى لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءِ الْمَجْلِسِ، وَلَا خِيَارَ فِي الْأَيْمَانِ، وَجَانِبُ الْعَبْدِ فِي الْعَتَاقِ مِثْلُ جَانِبِهَا فِي الطَّلَاقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQشَرْطٍ وَجَزَاءٍ مَعْنًى وَالْيَمِينُ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ. وَأَمَّا مِنْ جَانِبِهَا فَلِأَنَّ قَبُولَ الْمَرْأَةِ شَرْطُ تَمَامِ الْيَمِينِ فَإِنَّ يَمِينَ الزَّوْجِ تَتِمُّ بِقَبُولِ الْمَرْأَةِ فَأَخَذَ قَبُولُهَا حُكْمَ الْيَمِينِ فِي عَدَمِ احْتِمَالِ الْفَسْخِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْخُلْعَ فِي جَانِبِهَا بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ) أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ رَجَعَتْ صَحَّ، وَلَوْ قَامَتْ مِنْ الْمَجْلِسِ بَطَلَ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ صَحَّ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِيهِ، وَأَمَّا فِي جَانِبِهِ فَيَمِينٌ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءِ الْمَجْلِسِ، وَلَا خِيَارَ فِي الْأَيْمَانِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ جَانِبِهَا شَرْطُ الْيَمِينِ وَشَرْطُ الْيَمِينِ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ. أُجِيبَ بِأَنَّ كَوْنَهُ شَرْطَ يَمِينٍ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ تَمْلِيكًا فِي نَفْسِهِ كَمَنْ قَالَ لِآخَرَ إنْ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ بِكَذَا فَعَبْدِي هَذَا الْآخَرُ حُرٌّ أَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالْمُعَاوَضَةِ وَلَمْ يَمْنَعْ كَوْنَهُ مُعَاوَضَةً أَنْ يَكُونَ شَرْطًا لِلْيَمِينِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ثَبَتَ فِيهِ الْخِيَارُ، ثُمَّ لَمَّا بَطَلَ الْقَبُولُ بِالرَّدِّ بِحُكْمِ الْخِيَارِ بَطَلَ كَوْنُهُ شَرْطًا لِأَنَّ كَوْنَهُ شَرْطًا قَائِمٌ بِهَذَا الْوَصْفِ وَهُوَ أَنَّهُ تَمْلِيكُ مَالٍ (وَجَانِبُ الْعَبْدِ فِي الْعَتَاقِ مِثْلُ جَانِبِهَا فِي الطَّلَاقِ)

(وَمِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ طَلَّقْتُك أَمْسِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَمْ تَقْبَلِي فَقَالَتْ قَبِلْت فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ، وَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَمْسِ فَلَمْ تَقْبَلْ فَقَالَ: قَبِلْت فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي) وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الطَّلَاقَ بِالْمَالِ يَمِينٌ مِنْ جَانِبِهِ فَالْإِقْرَارُ بِهِ يَكُونُ إقْرَارًا بِالشَّرْطِ لِصِحَّتِهِ بِدُونِهِ، أَمَّا الْبَيْعُ فَلَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبُولِ وَالْإِقْرَارُ بِهِ إقْرَارٌ بِمَا لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ فَإِنْكَارُهُ الْقَبُولَ رُجُوعٌ مِنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي يَصِحُّ الْخِيَارُ مِنْ الْعَبْدِ إذَا خَيَّرَهُ الْمَوْلَى فِي الْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ كَمَا يَصِحُّ الْخِيَارُ فِي الْخُلْعِ مِنْ جَانِبِ الْمَرْأَةِ. (وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ طَلَّقْتُك أَمْسِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَمْ تَقْبَلِي فَقَالَتْ قَبِلْت فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ، وَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَمْسِ فَلَمْ تَقْبَلْ فَقَالَ قَبِلْت فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الطَّلَاقَ بِالْمَالِ يَمِينٌ مِنْ جَانِبِهِ) فَإِنَّهُ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِقَبُولِهَا الْمَالَ وَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ الرُّجُوعُ عَنْهُ (وَالْإِقْرَارُ بِهِ) أَيْ بِالْيَمِينِ عَلَى تَأْوِيلِ الْحَلِفِ أَوْ الْمَذْكُورِ (لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِوُجُودِ الشَّرْطِ لِصِحَّتِهِ) أَيْ لِصِحَّةِ الْيَمِينِ (بِدُونِهِ) أَيْ بِدُونِ الشَّرْطِ (أَمَّا الْبَيْعُ فَلَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبُولِ) وَلِهَذَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ قَبْلَ الْقَبُولِ (فَالْإِقْرَارُ بِهِ) أَيْ بِالْبَيْعِ (إقْرَارٌ بِمَا لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ، فَإِنْكَارُهُ الْقَبُولَ رُجُوعٌ مِنْهُ) عَنْ

قَالَ (وَالْمُبَارَأَةُ كَالْخُلْعِ كِلَاهُمَا يُسْقِطَانِ كُلَّ حَقٍّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالنِّكَاحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَسْقُطُ فِيهِمَا إلَّا مَا سَمَّيَاهُ، وَأَبُو يُوسُفَ مَعَهُ فِي الْخُلْعِ وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُبَارَأَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِقْرَارِ وَهُوَ غَيْرُ مَسْمُوعٍ. قَالَ (وَالْمُبَارَأَةُ كَالْخُلْعِ) الْمُبَارَأَةُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مُفَاعَلَةٌ مِنْ بَارَأَ شَرِيكَهُ: إذَا أَبْرَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَتَرْكُ الْهَمْزَةِ خَطَأٌ، وَكَذَا فِي الْمُغْرِبِ. وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ الْمُبَارَأَةَ وَالْخُلْعَ (كِلَاهُمَا يُسْقِطُ كُلَّ حَقٍّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالنِّكَاحِ) كَالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ دُونَ الْمُسْتَقْبَلَةِ لِأَنَّ لِلْمُخْتَلِعَةِ وَالْمُبَارِئَةِ النَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ بِهِ صَرَّحَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَهَذَا (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَسْقُطُ فِيهِمَا إلَّا مَا سَمَّيَاهُ، وَأَبُو يُوسُفَ مَعَهُ فِي الْخُلْعِ وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُبَارَأَةِ) فَلَوْ كَانَ مَهْرُهَا أَلْفًا فَاخْتَلَعَتْ مِنْهُ قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ مَهْرِهَا فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَلَى الزَّوْجِ بِشَيْءٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي قَوْلِهِمَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعِمِائَةٍ وَلَوْ كَانَتْ قَبَضَتْ الْأَلْفَ ثُمَّ اخْتَلَعَتْ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ غَيْرُ الْمِائَةِ فِي قَوْلِهِ وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا إلَى تَمَامِ النِّصْفِ، وَإِذَا خَالَعَهَا عَلَى مَالٍ مُسَمًّى مَعْلُومٍ مَعْرُوفٍ سِوَى الصَّدَاقِ، فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَدْخُولًا بِهَا وَالْمَهْرُ مَقْبُوضٌ فَإِنَّهَا تُسَلِّمُ إلَى الزَّوْجِ وَلَا يَتْبَعُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بَعْدَ الطَّلَاقِ بِشَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ غَيْرَ مَقْبُوضٍ فَالْمَرْأَةُ تُسَلِّمُ إلَى الزَّوْجِ بَدَلَ الْخُلْعِ وَلَا تَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا وَالْمَهْرُ مَقْبُوضٌ فَإِنَّ الزَّوْجَ يَأْخُذُ مِنْهَا بَدَلَ الْخُلْعِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْمَهْرِ بِسَبَبِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَهْرُ مَقْبُوضًا يَأْخُذُ الزَّوْجُ مِنْهَا بَدَلَ الْخُلْعِ وَهِيَ لَا تَرْجِعُ عَلَى زَوْجِهَا بِنِصْفِ الْمَهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا. وَأَمَّا إذَا بَارَأَهَا بِمَالٍ مَعْلُومٍ سِوَى الْمَهْرِ فَالْجَوَابُ فِيهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ

لِمُحَمَّدٍ أَنَّ هَذِهِ مُعَاوَضَةٌ وَفِي الْمُعَاوَضَاتِ يُعْتَبَرُ الْمَشْرُوطُ لَا غَيْرُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالْجَوَابِ فِي الْخُلْعِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي الْخُلْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (لِمُحَمَّدٍ أَنَّ هَذِهِ) أَيْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْخُلْعِ وَالْمُبَارَأَةِ مُعَاوَضَةٌ وَفِي الْمُعَاوَضَاتِ يُعْتَبَرُ الْمَشْرُوطُ لَا غَيْرُ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا دَيْنٌ وَاجِبٌ بِسَبَبٍ آخَرَ أَوْ عَيْنٌ فِي يَدِهِ لَا يَسْقُطُ بِهِمَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَنَفَقَةُ عِدَّتِهَا لَا تَسْقُطُ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ

وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُبَارَأَةَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْبَرَاءَةِ فَتَقْتَضِيهَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَأَنَّهُ مُطْلَقٌ قَيَّدْنَاهُ بِحُقُوقِ النِّكَاحِ لِدَلَالَةِ الْغَرَضِ أَمَّا الْخُلْعُ فَمُقْتَضَاهُ الِانْخِلَاعُ وَقَدْ حَصَلَ فِي نَقْضِ النِّكَاحِ وَلَا ضَرُورَةَ إلَى انْقِطَاعِ الْأَحْكَامِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْخُلْعَ يُنَبِّئُ عَنْ الْفَصْلِ وَمِنْهُ خَلَعَ النَّعْلَ وَخَلَعَ الْعَمَلَ وَهُوَ مُطْلَقٌ كَالْمُبَارَأَةِ فَيُعْمَلُ بِإِطْلَاقِهِمَا فِي النِّكَاحِ وَأَحْكَامِهِ وَحُقُوقِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُبَارَأَةَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْبَرَاءَةِ) وَالْمُفَاعَلَةُ تَقْتَضِي الْفِعْلَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي بَرَاءَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ (وَأَنَّهُ) أَيْ لَفْظُ الْبَرَاءَةِ عَلَى مَا قِيلَ أَوْ عَلَى تَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ (مُطْلَقٌ) ، وَقَيَّدْنَاهُ بِحُقُوقِ النِّكَاحِ لِدَلَالَةِ الْغَرَضِ وَهُوَ وُقُوعُ الْبَرَاءَةِ عَمَّا وَقَعَتْ الْبَرَاءَةُ لِأَجْلِهِ وَهُوَ النُّشُوزُ الْحَاصِلُ بِسَبَبِ وَصْلَةِ النِّكَاحِ، وَانْقِطَاعُ الْمُنَازَعَةِ إنَّمَا يَكُونُ بِإِسْقَاطِ مَا وَجَبَ بِاعْتِبَارِ تِلْكَ الْوَصْلَةِ، كَذَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ. وَقِيلَ الْغَرَضُ هُوَ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ النَّاشِئَةِ بِالنِّكَاحِ فَتَتَقَيَّدُ الْبَرَاءَةُ بِالْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ بِالنِّكَاحِ، أَمَّا الْخُلْعُ فَمُقْتَضَاهُ الِانْخِلَاعُ وَقَدْ حَصَلَ فِي نَفْسِ النِّكَاحِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى انْقِطَاعِ الْأَحْكَامِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْخُلْعَ يُنْبِئُ عَنْ الْفَصْلِ، وَمِنْهُ خَلْعُ النَّعْلِ وَخَلْعُ الْعَمَلِ) وَهُوَ انْفِصَالُ الْعَامِلِ عَنْهُ، وَالْفَصْلُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ وَصْلٍ وَلَا وَصْلَ إلَّا بِالنِّكَاحِ وَحُقُوقُهُ لَازِمَةٌ لَهُ وَقَدْ صَدَرَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالنِّكَاحِ (كَالْمُبَارَأَةِ فَيُعْمَلُ بِالْإِطْلَاقِ كَمَا فِي الْمُبَارَأَةِ فِي النِّكَاحِ وَأَحْكَامِهِ وَحُقُوقِهِ) قَوْلًا بِكَمَالِ الْفَصْلِ، وَنَفَقَةُ

قَالَ (وَمَنْ خَلَعَ ابْنَتَهُ وَهِيَ صَغِيرَةً بِمَالِهَا لَمْ يَجُزْ عَلَيْهَا) لِأَنَّهُ لَا نَظَرَ لَهَا فِيهِ إذَا الْبِضْعُ فِي حَالَةِ الْخُرُوجِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ، وَالْبَدَلُ مُتَقَوِّمٌ بِخِلَافِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الْبِضْعَ مُتَقَوِّمٌ عِنْدَ الدُّخُولِ وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ خَلْعُ الْمَرِيضَةِ مِنْ الثُّلُثِ وَنِكَاحُ الْمَرِيضِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ لَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ وَلَا يَسْتَحِقُّ مَالَهَا، ثُمَّ يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي رِوَايَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَقَعُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِشَرْطِ قَبُولِهِ فَيَعْتَبِرُ بِالتَّعْلِيقِ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعِدَّةِ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً عِنْدَ الْخُلْعِ فَتَسْقُطُ بِهِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ بَعْدَهُ شَيْئًا فَشَيْئًا. (وَمَنْ خَلَعَ ابْنَتَهُ وَهِيَ صَغِيرَةٌ بِمَالِهَا لَمْ يَجُزْ عَلَيْهَا) لِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَبِ نَظَرِيَّةٌ وَلَا نَظَرَ لَهَا فِيهِ: أَيْ فِي هَذَا الْخُلْعِ (لِأَنَّ الْبُضْعَ فِي حَالَةِ الْخُرُوجِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ خُلْعُ الْمَرِيضَةِ مِنْ الثُّلُثِ) وَالْبَدَلُ مُتَقَوِّمٌ وَمُقَابَلَةُ مَا لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ بِمَا لَهُ قِيمَةٌ لَيْسَتْ مِنْ النَّظَرِ فِي شَيْءٍ (بِخِلَافِ النِّكَاحِ) فَإِنَّ الرَّجُلَ إذَا زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ امْرَأَةً بِمَهْرِ الْمِثْلِ صَحَّ لِأَنَّ الْبُضْعَ مُتَقَوِّمٌ حَالَةَ الدُّخُولِ؛ وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ نِكَاحُ الْمَرِيضِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ فَكَانَ مُقَابَلَةَ الْمُتَقَوِّمِ بِالْمُتَقَوِّمِ وَهُوَ مِنْ وُجُوهِ النَّظَرِ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ الْخُلْعُ لَمْ يَسْقُطْ الْمَهْرُ وَلَا يَسْتَحِقُّ الزَّوْجُ مِنْ مَالِهَا بَدَلَ الْخُلْعِ، وَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ أَوْ لَا يَقَعُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ يَقَعُ، وَفِي أُخْرَى لَا يَقَعُ. وَمَنْشَأُ الرِّوَايَتَيْنِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي الْكِتَابِ لَمْ يَجُزْ، فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى الطَّلَاقِ وَأَنْ يَنْصَرِفَ إلَى لُزُومِ الْمَالِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الطَّلَاقَ وَاقِعٌ، وَعَدَمَ الْجَوَازِ مُنْصَرِفٌ إلَى الْمَالِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُنْتَقَى فَقَالَ: لِأَنَّ لِسَانَ الْأَبِ كَلِسَانِهَا. وَلَوْ خَالَعَ امْرَأَتَهُ الصَّغِيرَةَ عَلَى مَهْرِهَا فَقَبِلَتْ أَوْ قَالَتْ الصَّغِيرَةُ لِزَوْجِهَا اخْلَعْنِي عَلَى مَهْرِي فَفَعَلَ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِغَيْرِ بَدَلٍ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فَقَالَ (وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِشَرْطِ قَبُولِهِ) أَيْ قَبُولِ الْأَبِ، فَيُعْتَبَرُ

(وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنَّهُ ضَامِنٌ فَالْخُلْعُ وَاقِعٌ وَالْأَلْفُ عَلَى الْأَبِ) لِأَنَّ اشْتِرَاطَ بَدَلِ الْخُلْعِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ صَحِيحٌ فَعَلَى الْأَبِ أَوْلَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالتَّعْلِيقِ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَغَيْرَهُ، وَفِي ذَلِكَ يَقَعُ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ، فَكَذَلِكَ إذَا وُجِدَ الْقَبُولُ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ الْخُلْعَ فِي مَعْنَى الْيَمِينِ وَالْأَيْمَانُ لَا تُجْرَى فِيهَا النِّيَابَةُ، وَلَوْ انْعَقَدَ مِنْ الْأَبِ انْعَقَدَ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ إلَّا أَنَّ هَذَا لَا يَقْوَى فَإِنَّ الْأَبَ يُوجَدُ مِنْهُ شَرْطُ الْيَمِينِ لَا نَفْسُ الْيَمِينِ، وَشَرْطُ الْيَمِينِ يَصِحُّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ (وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنَّهُ) أَيْ الْأَبَ (ضَامِنٌ فَالْخُلْعُ وَاقِعٌ وَالْأَلْفُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْأَبِ، وَمَعْنَى الضَّمَانِ هَاهُنَا الْتِزَامُ الْمَالِ عَلَى نَفْسِهِ لَا الْكَفَالَةُ عَنْ الصَّغِيرَةِ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهَا مَالًا حَتَّى يَتَكَفَّلَ عَنْهَا أَحَدٌ. وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ (أَنَّ اشْتِرَاطَ بَدَلِ الْخُلْعِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ صَحِيحٌ) لِكَوْنِهِ فِي مَعْنَى الْمُخْتَلِعَةِ فِي عَدَمِ دُخُولِ شَيْءٍ يُقَابِلُ الْبَدَلَ فِي مِلْكِهِ (فَعَلَى الْأَبِ أَوْلَى) وَذَكَرَ فِي وَجْهِ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ لِلْأَبِ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ بَيْعًا وَشِرَاءً وَإِجَارَةً وَإِيدَاعًا وَإِبْضَاعًا، وَلَا يَجُوزُ هَذَا التَّصَرُّفُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ. ثُمَّ اشْتِرَاطُ بَدَلِ الْخُلْعِ عَلَى نَفْسِهِ تَصَرُّفٌ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ، فَلَمَّا جَازَ ذَلِكَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ عَامَّةِ التَّصَرُّفَاتِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ فَلَأَنْ يَجُوزَ مِنْ الْأَبِ وَلَهُ ذَلِكَ أَوْلَى وَفِيهِ تَأَمُّلٌ، فَإِنَّ التَّصَرُّفَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ أَنْ لَوْ تَعَلَّقَ بَدَلُ الْخُلْعِ بِمَالِ الصَّغِيرَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَكَانَ تِلْكَ الْوِلَايَةُ وَعَدَمُهَا سَوَاءً. وَلَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: الْخُلْعُ تَصَرُّفٌ دَائِرٌ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ أَوْ نَفْعٌ مَحْضٌ كَقَبُولِ الْهِبَةِ عَلَى مَا قِيلَ فَإِذَا كَانَ الْتِزَامُ بَدَلِهِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ صَحِيحًا مَعَ قُصُورِ الشَّفَقَةِ فَلَأَنْ يَصِحَّ مِنْ الْأَبِ مَعَ وُفُورِهَا أَوْلَى. فَإِنْ قُلْت: عَلَى مَا ذَكَرْت مِنْ كَوْنِ الْأَجْنَبِيِّ فِي مَعْنَى الْمَرْأَةِ فِي عَدَمِ دُخُولِ شَيْءٍ يُقَابِلُ الْبَدَلَ فِي مِلْكِهِ يَجِبُ أَنْ يَصِحَّ إعْتَاقُ الرَّجُلِ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ كَمَا يَصِحُّ عَلَى مَالِهِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْأَجْنَبِيِّ شَيْءٌ كَالْعَبْدِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. قُلْت: تَحْصُلُ لِلْعَبْدِ حُرِّيَّةُ نَفْسِهِ الَّتِي هِيَ حَيَاةٌ مَعْنَوِيَّةٌ وَسَبَبٌ لِحُصُولِ الْأَمْلَاكِ، وَلَيْسَ الْأَجْنَبِيُّ كَذَلِكَ. لَا يُقَالُ: فِي الْخُلْعِ أَيْضًا تَحْصُلُ لِلْمَرْأَةِ الْحُرِّيَّةُ عَنْ رِقِّ النِّكَاحِ وَلَيْسَ الْأَجْنَبِيُّ

وَلَا يَسْقُطُ مَهْرُهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ وِلَايَةِ الْأَبِ (وَإِنْ شَرَطَ الْأَلْفَ عَلَيْهَا تَوَقَّفَ عَلَى قَبُولِهَا إنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْقَبُولِ، فَإِنْ قَبِلَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ (وَلَا يَجِبُ الْمَالُ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْغَرَامَةِ فَإِنْ قَبِلَهُ الْأَبُ عَنْهَا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ (وَكَذَا إنْ خَالَعَهَا عَلَى مَهْرِهَا وَلَمْ يَضْمَنْ الْأَبُ الْمَهْرَ تَوَقَّفَ عَلَى قَبُولِهَا، فَإِنْ قَبِلَتْ طَلُقَتْ وَلَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ) وَإِنْ قَبِلَ الْأَبُ عَنْهَا فَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَذَلِكَ. لِأَنَّا نَقُولُ: الْعِتْقُ يُثْبِتُ الْحُرِّيَّةَ وَالْقُوَّةُ الشَّرْعِيَّةُ وَالْخُلْعُ يَرْفَعُ الْمَانِعَ لِتَعْمَلَ الْقُوَّةُ الشَّرْعِيَّةُ عَمَلَهَا فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ إثْبَاتُ شَيْءٍ بِخِلَافِ الْعِتْقِ (قَوْلُهُ وَلَا يَسْقُطُ مَهْرُهَا) يَعْنِي وَإِنْ كَانَ الْخُلْعُ يُسْقِطُهُ (لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ وِلَايَةِ الْأَبِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ النَّظَرِ وَوِلَايَتُهُ نَظَرِيَّةٌ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ شَرَطَ الْأَلْفَ) يَعْنِي أَنَّ الزَّوْجَ إنْ شَرَطَ الْأَلْفَ عَلَى الصَّغِيرَةِ (تَوَقَّفَ عَلَى قَبُولِهَا إنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْقَبُولِ) بِأَنْ تَعْقِلَ الْعَقْدَ وَتُعَبِّرَ عَنْ نَفْسِهَا (فَإِنْ قَبِلَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَلَا يَجِبُ الْمَالُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْغَرَامَةِ وَإِنْ قَبِلَهُ الْأَبُ عَنْهَا فَفِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الْقَبُولِ (رِوَايَتَانِ رِوَايَةٌ يَصِحُّ لِأَنَّ هَذَا نَفْعٌ مَحْضٌ لِلصَّغِيرَةِ) ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ تَتَخَلَّصُ مِنْ عُهْدَتِهِ بِغَيْرِ مَالٍ فَصَحَّ مِنْ الْأَبِ كَقَبُولِ الْهِبَةِ، كَذَا فِي مَبْسُوطِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ، وَفِيهِ نَظَرٌ. وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ هَذَا الْقَبُولَ بِمَعْنَى شَرْطِ الْيَمِينِ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ النِّيَابَةَ (وَكَذَا إنْ خَالَعَهَا عَلَى مَهْرِهَا وَلَمْ يَضْمَنْ الْأَبُ الْمَهْرَ تَوَقَّفَ عَلَى قَبُولِهَا، فَإِنْ قَبِلَتْ طَلُقَتْ وَلَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْقَبُولُ وَلَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْغَرَامَةِ (وَإِنْ قَبِلَ الْأَبُ عَنْهَا فَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ) فِي رِوَايَةٍ

(وَإِنْ ضَمِنَ الْأَبُ الْمَهْرَ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ طَلُقَتْ) لِوُجُودِ قَبُولِهِ وَهُوَ الشَّرْطُ وَيَلْزَمُهُ خَمْسُمِائَةٍ اسْتِحْسَانًا. وَفِي الْقِيَاسِ يَلْزَمُهُ الْأَلْفُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQيَصِحُّ وَفِي أُخْرَى لَا يَصِحُّ، وَوَجْهُ الرِّوَايَتَيْنِ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا (وَإِنْ ضَمِنَ الْأَبُ الْمَهْرَ) أَيْ الْتَزَمَ بِمَعْنَى إذَا خَالَعَ الْأَبُ مَعَ الزَّوْجِ وَالْتَزَمَ الْمَهْرَ عَلَى ذِمَّتِهِ (وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ مَثَلًا طَلُقَتْ لِوُجُودِ قَبُولِهِ وَهُوَ الشَّرْطُ، وَيَلْزَمُهُ خَمْسُمِائَةٍ اسْتِحْسَانًا) لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَلْمُوسَةٍ وَكَانَ الْمَهْرُ أَلْفًا فَأَضَافَ الْخُلْعَ إلَى مَهْرِهَا وَمَهْرُهَا مَا يَجِبُ لَهَا بِالنِّكَاحِ، وَالْوَاجِبُ لَهَا بِالنِّكَاحِ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ نِصْفُ الْمَهْرِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ فَكَأَنَّهُ خَالَعَهَا عَلَى خَمْسِمِائَةٍ صَرِيحًا (وَفِي الْقِيَاسِ يَلْزَمُهُ الْأَلْفُ) بِحُكْمِ الضَّمَانِ. وَاعْلَمْ أَنَّ ضَمَانَ الْأَبِ بِالْمَهْرِ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ إذَا صَحَّ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ تَكُونَ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ لَا؛ فَإِنْ كَانَتْ فَلَهَا عَلَى الزَّوْجِ جَمِيعُ الْمَهْرِ وَلِلزَّوْجِ عَلَى الْأَبِ بِحُكْمِ الضَّمَانِ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَلَهَا عَلَى الزَّوْجِ نِصْفُ الْمَهْرِ لِأَنَّ النِّصْفَ الْآخَرَ سَقَطَ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلِلزَّوْجِ عَلَى الْأَبِ أَلْفُ دِرْهَمٍ بِحُكْمِ الضَّمَانِ فِي الْقِيَاسِ. وَأَمَّا فِي الِاسْتِحْسَانِ فَلِلزَّوْجِ عَلَى الْأَبِ خَمْسُمِائَةٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَلَامَةُ الْأَلْفِ وَقَدْ حَصَلَتْ، إذْ النِّصْفُ سَقَطَ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ الَّذِي تَرْجِعُ بِهِ الْمَرْأَةُ عَلَيْهِ

وَأَصْلُهُ فِي الْكَبِيرَةِ إذَا اخْتَلَعَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى أَلْفٍ وَمَهْرُهَا أَلْفٌ فَفِي الْقِيَاسِ عَلَيْهَا خَمْسُمِائَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَهُوَ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الضَّامِنِ وَهُوَ الْأَبُ، هَذَا إذَا لَمْ تَقْبِضْ الْمَهْرَ، وَأَمَّا إذَا قَبَضَتْ الْمَهْرَ كُلَّهُ فَيَرْجِعُ الزَّوْجُ بِالنِّصْفِ عَلَيْهَا وَبِالنِّصْفِ الْآخَرِ عَلَى الضَّامِنِ فَيَسْلَمُ لَهُ جَمِيعُ الْأَلْفِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَقْصُودِ (وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْكَبِيرَةِ إذَا اخْتَلَعَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى أَلْفٍ وَمَهْرُهَا أَلْفٌ) وَلَمْ تَقْبِضْ شَيْئًا (فَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهَا خَمْسُمِائَةٍ) لِلزَّوْجِ لِأَنَّ خَمْسَمِائَةٍ مِنْ الْمَهْرِ سَقَطَتْ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَدْ الْتَزَمَتْ الْمَرْأَةُ الْأَلْفَ وَنِصْفُ الْأَلْفِ سَقَطَ عَنْ ذِمَّتِهَا بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ لِأَنَّ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ خَمْسَمِائَةٍ بَاقِيَةً بَعْدَ سُقُوطِ نِصْفِ الْمَهْرِ. فَوَجَبَ عَلَيْهَا

[باب الظهار]

زَائِدَةٌ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا شَيْءَ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ عَادَةً حَاصِلُ مَا يَلْزَمُ لَهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQخَمْسُمِائَةٍ زَائِدَةٌ عَلَى الْأَلْفِ تَتْمِيمًا لِلْأَلْفِ الَّتِي الْتَزَمَتْهَا (وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا شَيْءَ عَلَيْهَا) لِأَنَّ مَقْصُودَ الزَّوْجِ سُقُوطُ كُلِّ الْمَهْرِ عَنْ ذِمَّتِهِ وَقَدْ حَصَلَ فَلَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ زَائِدٌ عَلَى ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا قَبَضَتْ جَمِيعَ الْمَهْرِ فَعَلَى الْقِيَاسِ تَرُدُّ الْمَرْأَةُ الْأَلْفَ وَخَمْسَمِائَةِ الْأَلْفِ بَدَلَ الْخُلْعِ وَخَمْسَمِائَةِ نِصْفِ الْمَهْرِ لِلطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: تَرُدُّ الْأَلْفَ لَا غَيْرُ خَمْسَمِائَةٍ بَدَلَ الْخُلْعِ وَخَمْسَمِائَةٍ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ. وَقَوْلُهُ (زَائِدَةٍ) بِالْجَرِّ لِأَنَّ الصِّفَةَ تَتْبَعُ الْمُضَافَ إلَيْهِ فِي الْإِعْرَابِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ} [يوسف: 46] كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَقَالَ: هَكَذَا أَفَادَ شَيْخِي مِرَارًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . [بَابُ الظِّهَارِ] 1

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُ تَرْتِيبِ الْحُرُمَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي أَوَّلِ كُلِّ بَابٍ مِنْهَا، وَيُحْتَاجُ إلَى وَجْهِ تَقْدِيمِ الظِّهَارِ عَلَى اللِّعَانِ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْإِبَاحَةِ مِنْ سَبَبِ اللِّعَانِ، فَإِنَّ سَبَبَ اللِّعَانِ عِنْدَ إضَافَتِهِ إلَى غَيْرِ مَنْكُوحَتِهِ يُوجِبُ حَدَّ الْقَذْفِ، وَمُوجِبُ الْحَدِّ مَعْصِيَةٌ مَحْضَةٌ بِغَيْرِ شَائِبَةِ الْإِبَاحَةِ. وَالظِّهَارُ فِي اللُّغَةِ: قَوْلُ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ: تَشْبِيهُ الْمَنْكُوحَةِ بِالْمُحَرَّمَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّأْبِيدِ اتِّفَاقًا بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ اتِّفَاقًا احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ فُلَانَةَ وَهِيَ أُمُّ الْمَزْنِيِّ بِهَا أَوْ ابْنَتُهَا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا؛ لِأَنَّ مِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ يَقُولُ الْحَرَامُ لَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ. وَسَبَبُهُ سَبَبُ الْخُلْعِ وَهُوَ النُّشُوزُ، فَإِنَّ آيَةَ الظِّهَارِ نَزَلَتْ فِي خَوْلَةَ وَكَانَتْ نَاشِزَةً. وَشَرْطُهُ كَوْنُ الْمُظَاهِرِ عَاقِلًا بَالِغًا مُسْلِمًا وَالْمَرْأَةِ مِنْ نِسَائِنَا. وَرُكْنُهُ قَوْلُهُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ

(وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَقَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا مَسُّهَا وَلَا تَقْبِيلُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ عَنْ ظِهَارِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] إلَى أَنْ قَالَ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] . وَالْظَ هَارُ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَرَّرَ الشَّرْعُ أَصْلَهُ وَنَقَلَ حُكْمَهُ إلَى تَحْرِيمٍ مُوَقَّتٍ بِالْكَفَّارَةِ غَيْرِ مُزِيلٍ لِلنِّكَاحِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَظَهْرِ أُمِّي أَوْ مَا قَامَ مَقَامَهُ. وَحُكْمُهُ حُرْمَةُ الْوَطْءِ وَالدَّوَاعِي مَعَ بَقَاءِ أَصْلِ الْمِلْكِ إلَى غَايَةِ الْكَفَّارَةِ. (وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَقَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا مَسُّهَا وَلَا تَقْبِيلُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ عَنْ ظِهَارِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] وَالظِّهَارُ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَرَّرَ الشَّرْعُ أَصْلَهُ وَنَقَلَ حُكْمَهُ إلَى تَحْرِيمٍ مُوَقَّتٍ بِالْكَفَّارَةِ غَيْرِ مُزِيلٍ لِلنِّكَاحِ) وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ أَحَدَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ جَعَلَهَا فِي التَّحْرِيمِ عَلَى نَفْسِهِ كَالْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا مِنْ أُمِّهِ كَالْفَخِذِ وَالظَّهْرِ وَالْبَطْنِ وَالْفَرْجِ، ثُمَّ نَظَرُوا فَلَمْ يَجِدُوا مَوْضِعًا أَحْسَنَ فِي الذِّكْرِ وَلَا أَسْتَرَ مِنْ الظَّهْرِ مَعَ إصَابَةِ الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادُوهُ فَاسْتَعْمَلُوهُ دُونَ غَيْرِهِ. ثُمَّ إنَّ «خَوْلَةَ بِنْتَ ثَعْلَبَةَ قَالَتْ: كُنْت تَحْتَ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ وَقَدْ سَاءَ خُلُقُهُ لِكِبَرِ سِنِّهِ، فَرَاجَعْته فِي بَعْضِ مَا أَمَرَنِي بِهِ فَقَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، ثُمَّ خَرَجَ فَجَلَسَ فِي نَادِي قَوْمِهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَيَّ فَرَاوَدَنِي عَنْ نَفْسِي، فَقُلْت وَاَلَّذِي نَفْسُ خَوْلَةَ بِيَدِهِ لَا تَصِلُ إلَيَّ وَقَدْ قُلْت مَا قُلْت حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فِي ذَلِكَ، فَوَقَعَ عَلَيَّ فَدَفَعْته بِمَا تَدْفَعُ بِهِ الْمَرْأَةُ الشَّيْخَ الْكَبِيرَ، وَخَرَجْت إلَى بَعْضِ جِيرَانِي فَأَخَذْت ثِيَابًا فَلَبِسْتهَا وَأَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرْته بِذَلِكَ، فَجَعَلَ يَقُولُ لِي: زَوْجُك وَابْنُ عَمِّك وَقَدْ كَبِرَ فَأَحْسِنِي إلَيْهِ، فَجَعَلْت أَشْكُو إلَى اللَّهِ مَا أَرَى مِنْ سُوءِ خُلُقِهِ فَتَغَشَّى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا كَانَ يَتَغَشَّاهُ عِنْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَالَ: أَنْزَلَ اللَّهُ فِيك وَفِي زَوْجِك بَيَانًا، وَتَلَا قَوْله تَعَالَى {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} [المجادلة: 1] إلَى آخِرِ آيَاتِ الظِّهَارِ، ثُمَّ قَالَ: مُرِيهِ فَلْيُعْتِقْ رَقَبَةً، فَقُلْت: لَا يَجِدُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ مُرِيهِ أَنْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَقُلْت: هُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يُطِيقُ الصَّوْمَ، فَقَالَ: مُرِيهِ فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا فَقُلْت: مَا عِنْدَهُ شَيْءٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: إنَّا سَنُعِينُهُ بِعِرْقٍ، فَقُلْت: وَأَنَا أُعِينُهُ بِعِرْقٍ أَيْضًا، فَقَالَ: افْعَلِي وَاسْتَوْصِي بِهِ خَيْرًا» وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: الْمُرَادُ مِنْ الْعَوْدِ هُوَ الْعَزْمُ عَلَى الْجِمَاعِ الَّذِي هُوَ إمْسَاكٌ بِالْمَعْرُوفِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْمُرَادُ هُوَ السُّكُوتُ عَنْ طَلَاقِهَا عَقِيبَ الظِّهَارِ (قَوْلُهُ وَهَذَا) إشَارَةٌ إلَى نَقْلِ حُكْمِ الظِّهَارِ مِنْ الطَّلَاقِ إلَى التَّحْرِيمِ الْمُوَقَّتِ بِالْكَفَّارَةِ، وَبَيَانُهُ أَنَّ الظِّهَارَ جِنَايَةٌ لِكَوْنِهِ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: 2]

لِكَوْنِهِ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا فَيُنَاسِبُ الْمُجَازَاةَ عَلَيْهَا بِالْحُرْمَةِ، وَارْتِفَاعُهَا بِالْكَفَّارَةِ. ثُمَّ الْوَطْءُ إذَا حَرُمَ حَرُمَ بِدَوَاعِيهِ كَيْ لَا يَقَعَ فِيهِ كَمَا فِي الْإِحْرَامِ، بِخِلَافِ الْحَائِضِ وَالصَّائِمِ لِأَنَّهُ يَكْثُرُ وُجُودُهُمَا، فَلَوْ حَرُمَ الدَّوَاعِي يُفْضِي إلَى الْحَرَجِ وَلَا كَذَلِكَ الظِّهَارُ وَالْإِحْرَامُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُنْكَرُ مَا يُنْكِرُهُ الْحَقِيقَةُ وَالشَّرْعُ، وَالزُّورُ هُوَ الْكَذِبُ وَالْبَاطِلُ، وَالْجِنَايَةُ تُنَاسِبُ الْمُجَازَاةَ عَلَيْهَا بِالْحُرْمَةِ وَارْتِفَاعُهَا بِالْكَفَّارَةِ (ثُمَّ الْوَطْءُ إذَا حُرِّمَ حُرِّمَ بِدَوَاعِيهِ كَيْ لَا يَقَعَ فِيهِ كَمَا فِي الْإِحْرَامِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تُحَرَّمُ الدَّوَاعِي لِأَنَّ التَّحْرِيمَ عُرِفَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] وَالتَّمَاسُّ فِي الْقُرْآنِ كِنَايَةٌ عَنْ الْجِمَاعِ. وَأَجَابَ صَاحِبُ الْأَسْرَارِ بِأَنَّ التَّمَاسَّ حَقِيقَةٌ فِي الْمَسِّ بِالْيَدِ وَالْكَلَامُ لِلْحَقِيقَةِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلُ الْمَجَازِ (بِخِلَافِ الْحَائِضِ وَالصَّائِمِ) حَيْثُ لَا تُحَرَّمُ الدَّوَاعِي فِيهِمَا (لِأَنَّهُ يَكْثُرُ وُجُودُهُمَا، فَلَوْ حُرِّمَ الدَّوَاعِي أَفْضَى إلَى الْحَرَجِ، وَلَا كَذَلِكَ الظِّهَارُ وَالْإِحْرَامُ) وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ. فَإِنْ قِيلَ: لَمَّا كَثُرَ وُجُودُهُمَا كَانَ أَدْعَى إلَى شَرْعِ الزَّاجِرِ مِنْ الظِّهَارِ، فَلِمَ انْعَكَسَ الْأَمْرُ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ أَوْقَاتِ الْحَيْضِ وَالصَّوْمِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَكِنَّ أَوْقَاتِ الطُّهْرِ وَالْإِفْطَارِ أَكْثَرُ، فَلَمَّا كَثُرَ أَوْقَاتُ الطُّهْرِ كَانَ الْجِمَاعُ مَوْجُودًا فِيهَا ظَاهِرًا فَيُوجِبُ ذَلِكَ فُتُورَ رَغْبَةٍ فِي الْجِمَاعِ فَلَا يَلِيقُ فِيهِ إيجَابُ الزَّاجِرِ

(فَإِنْ وَطِئَهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرَ الْكَفَّارَةِ الْأُولَى وَلَا يَعُودُ حَتَّى يُكَفِّرَ) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلَّذِي وَاقَعَ فِي ظِهَارِهِ قَبْلَ الْكَفَّارَةِ اسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَلَا تَعُدْ حَتَّى تُكَفِّرَ» وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ آخَرُ وَاجِبًا لَنَبَّهَ عَلَيْهِ. قَالَ: وَهَذَا اللَّفْظُ لَا يَكُونُ إلَّا ظِهَارًا لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ (وَلَوْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ لَا يَصِحُّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ إيجَابَ الزَّاجِرِ لِمَنْعِ وُجُودِ الْجِمَاعِ، وَبِفُتُورِ الرَّغْبَةِ كَانَ مُمْتَنِعًا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إيجَابِ الزَّاجِرِ. (فَإِنْ وَطِئَهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ الْكَفَّارَةِ الْأُولَى) أَيْ الْكَفَّارَةُ الْوَاجِبَةُ بِالظِّهَارِ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَنْصُوصِ، وَلَا يُعَاوِدُ الْوَطْءَ حَتَّى يُكَفِّرَ؛ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ صَخْرٍ الْبَيَاضِيَّ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ظَاهَرْت مِنْ امْرَأَتِي ثُمَّ أَبْصَرْت خَلْخَالَهَا فِي لَيْلَةٍ قَمْرَاءَ فَوَاقَعْتهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَغْفِرْ رَبَّك وَلَا تَعُدْ حَتَّى تُكَفِّرَ» وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ آخَرُ وَاجِبًا لَنَبَّهَ عَلَيْهِ. قَالَ: وَهَذَا اللَّفْظُ) هَذَا إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي: يَعْنِي هَذَا اللَّفْظَ لَا يَثْبُتُ بِهِ إلَّا الظِّهَارُ، فَلَوْ نَوَى الطَّلَاقَ أَوْ الْإِيلَاءَ أَوْ قَالَ لَمْ أَنْوِ بِهِ شَيْئًا

لِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهِ (وَإِذَا قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَبَطْنِ أُمِّي أَوْ كَفَخْذِهَا أَوْ كَفَرْجِهَا فَهُوَ مُظَاهِرٌ) لِأَنَّ الظِّهَارَ لَيْسَ إلَّا تَشْبِيهُ الْمُحَلَّلَةِ بِالْمُحَرَّمَةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَتَحَقَّقُ فِي عُضْوٍ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ (وَكَذَا إذَا شَبَّهَهَا بِمَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا عَلَى التَّأْبِيدِ مِنْ مَحَارِمِهِ مِثْلَ أُخْتِهِ أَوْ عَمَّتِهِ أَوْ أُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونُ ظِهَارًا (لِأَنَّهُ) أَيْ كَوْنَهُ طَلَاقًا (مَفْسُوخٌ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهِ) لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَغْيِيرَ مَوْضُوعِ الشَّرْعِ وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ ذَلِكَ (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَبَطْنِ أُمِّي أَوْ كَفَخِذِهَا أَوْ كَفَرْجِهَا فَهُوَ مُظَاهِرٌ لِأَنَّ الظِّهَارَ لَيْسَ إلَّا تَشْبِيهُ الْمُحَلَّلَةِ بِالْمُحَرَّمَةِ) اللَّامُ فِي الْمُحَلَّلَةِ وَالْمُحَرَّمَةِ لِلْعَهْدِ: أَيْ الْمُحَلَّلَةِ نِكَاحًا لَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ بِالْمُحَرَّمَةِ تَأْبِيدًا لَا تَوْقِيتًا (وَهَذَا الْمَعْنَى) أَيْ التَّشْبِيهُ (يَتَحَقَّقُ فِي عُضْوٍ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ) كَالْأَعْضَاءِ الْمَذْكُورَةِ، بِخِلَافِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالشِّعْرِ وَالظُّفْرِ لِأَنَّهُ يَحِلُّ النَّظَرُ وَالْمَسُّ فَلَا يَكُونُ مُظَاهِرًا بِالتَّشْبِيهِ بِهَا. وَقَوْلُهُ وَكَذَا إذَا شَبَّهَهَا بِمَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا) ظَاهِرٌ

لِأَنَّهُنَّ فِي التَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ كَالْأُمِّ (وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ رَأْسُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ فَرْجُك أَوْ وَجْهُك أَوْ رَقَبَتُك أَوْ نِصْفُك أَوْ ثُلُثُك أَوْ بَدَنُك) لِأَنَّهُ يُعَبِّرُ بِهَا عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ، وَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي الشَّائِعِ ثُمَّ يَتَعَدَّى كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الطَّلَاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ قَالَ رَأْسُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ فَرْجُك أَوْ رَقَبَتُك كَانَ مُظَاهِرًا) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْضَاءَ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ فَيَكُونُ تَشْبِيهُهَا مِنْ الْمَرْأَةِ كَتَشْبِيهِ ذَاتِ الْمَرْأَةِ (وَلَوْ قَالَ نِصْفُك أَوْ ثُلُثُك أَوْ رُبُعُك كَظَهْرِ أُمِّي كَانَ مُظَاهِرًا لِأَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ أَوَّلًا ثُمَّ يَسْرِي إلَى سَائِرِ الْبَدَنِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الطَّلَاقِ)

(وَلَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي أَوْ كَأُمِّي يَرْجِعُ إلَى نِيَّتِهِ) لِيَنْكَشِفَ حُكْمُهُ (فَإِنْ قَالَ أَرَدْت الْكَرَامَةَ فَهُوَ كَمَا قَالَ) لِأَنَّ التَّكْرِيمَ بِالتَّشْبِيهِ فَاشٍ فِي الْكَلَامِ (وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الظِّهَارَ فَهُوَ ظِهَارٌ) لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِجَمِيعِهَا، وَفِيهِ تَشْبِيهٌ بِالْعُضْوِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فَيَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ (وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ بَائِنٌ) لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِالْأُمِّ فِي الْحُرْمَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَوَى الطَّلَاقَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِاحْتِمَالِ الْحَمْلِ عَلَى الْكَرَامَةِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَكُونُ ظِهَارًا لِأَنَّ التَّشْبِيهَ بِعُضْوٍ مِنْهَا لَمَّا كَانَ ظِهَارًا فَالتَّشْبِيهُ بِجَمِيعِهَا أَوْلَى. وَإِنْ عَنَى بِهِ التَّحْرِيمَ لَا غَيْرُ؛ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ إيلَاءٌ لِيَكُونَ الثَّابِتُ بِهِ أَدْنَى الْحُرْمَتَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي أَوْ كَأُمِّي احْتَمَلَ وُجُوهًا فَيُرْجَعُ إلَى نِيَّتِهِ لِيَنْكَشِفَ ذَلِكَ) ؛ وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَحْدَهُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْأَمَالِي: إذَا قَالَ هَذَا فِي حَالَةِ الْغَضَبِ وَقَالَ نَوَيْت بِهِ الْبِرَّ لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ وَهُوَ ظِهَارٌ. وَعَنْهُ أَنَّهُ قَالَ إيلَاءٌ لِأَنَّ الْأُمَّ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ بِالنَّصِّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] وَكَانَ قَوْلُهُ أَنْتِ عَلَيَّ كَأُمِّي بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي هَذَا اللَّفْظِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا يَثْبُتُ أَقَلُّ الْوُجُوهِ وَهُوَ الْإِيلَاءُ. وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ أَنَّ كَلَامَهُ يَحْتَمِلُ التَّشْبِيهَ مِنْ حَيْثُ الْكَرَامَةُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ بِالنِّيَّةِ وَالْفَرْضُ عَدَمُهَا. وَوَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ (التَّشْبِيهَ بِعُضْوٍ مِنْهَا لَمَّا كَانَ ظِهَارًا فَالتَّشْبِيهُ بِجَمِيعِهَا أَوْلَى. وَإِنْ عَنَى بِهِ التَّحْرِيمَ لَا غَيْرُ؛ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ إيلَاءٌ لِيَكُونَ الثَّابِتُ بِهِ أَدْنَى الْحُرْمَتَيْنِ)

وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ ظِهَارٌ لِأَنَّ كَافَ التَّشْبِيهِ تَخْتَصُّ بِهِ. (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَأُمِّي وَنَوَى ظِهَارًا أَوْ طَلَاقًا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ. الظِّهَارُ لِمَكَانِ التَّشْبِيهِ وَالطَّلَاقُ لِمَكَانِ التَّحْرِيمِ وَالتَّشْبِيهُ تَأْكِيدٌ لَهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إيلَاءٌ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ ظِهَارٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ الْحُرْمَةَ الثَّابِتَةَ بِالْإِيلَاءِ أَدْنَى مِنْ الْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ بِالظِّهَارِ، إذْ حُرْمَةُ الْإِيلَاءِ لِغَيْرِهَا وَهُوَ هَتْكُ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَحُرْمَةُ الظِّهَارِ لِعَيْنِهَا وَهُوَ أَنَّهُ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ، وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ الثَّابِتَةَ بِالظِّهَارِ لَا تَرْتَفِعُ إلَّا بِالْكَفَّارَةِ، وَالثَّابِتَةَ بِالْإِيلَاءِ تَرْتَفِعُ بِدُونِهَا وَهُوَ الْحِنْثُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْوُجُوهِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ ظِهَارٌ لِأَنَّ كَافَ التَّشْبِيهِ يَخْتَصُّ بِهِ) . (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَأُمِّي وَنَوَى ظِهَارًا أَوْ طَلَاقًا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ) فَحَسْبُ، لِأَنَّهُ لَمَّا صَرَّحَ بِالْحُرْمَةِ لَمْ يَبْقَ كَلَامُهُ مُحْتَمِلًا لِلْكَرَامَةِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَوَجْهُهَا ظَاهِرٌ (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إيلَاءٌ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ ظِهَارٌ،

وَالْوَجْهَانِ بَيَّنَّاهُمَا (وَإِنْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي وَنَوَى بِهِ طَلَاقًا أَوْ إيلَاءً لَمْ يَكُنْ إلَّا ظِهَارًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: هُوَ عَلَى مَا نَوَى) لِأَنَّ التَّحْرِيمَ يَحْتَمِلُ كُلَّ ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّا، غَيْرَ أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا نَوَى الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ ظِهَارًا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَكُونَانِ جَمِيعًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْوَجْهَانِ بَيَّنَّاهُمَا) يَعْنِي قَوْلَهُ لِيَكُونَ الثَّابِتُ أَدْنَى الْحُرْمَتَيْنِ، وَقَوْلَهُ لِأَنَّ كَافَ التَّشْبِيهِ يَخْتَصُّ بِهِ (وَإِنْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي وَنَوَى طَلَاقًا أَوْ إيلَاءً لَا يَكُونُ إلَّا ظِهَارًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَكَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ (وَقَالَا: هُوَ عَلَى مَا نَوَى) إنْ نَوَى ظِهَارًا فَظِهَارٌ، وَإِنْ نَوَى طَلَاقًا فَطَلَاقٌ، وَإِنْ نَوَى إيلَاءً فَإِيلَاءٌ، كَذَا ذَكَرَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَالْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحَيْهِمَا لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ (لِأَنَّ التَّحْرِيمَ مُحْتَمَلٌ) وَنِيَّةُ الْمُحْتَمَلِ صَحِيحَةٌ (غَيْرَ أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا نَوَى الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ ظِهَارًا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَكُونَانِ جَمِيعًا) يَعْنِي يَقَعُ الطَّلَاقُ بِنِيَّتِهِ وَيَكُونُ مُظَاهِرًا بِالتَّصْرِيحِ بِالظِّهَارِ، وَلَا يَصْدُقُ فِي صَرْفِ الْكَلَامِ عَنْ ظَاهِرِهِ قَضَاءً فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ زَيْنَبُ طَالِقٌ وَلَهُ امْرَأَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِهَذَا الِاسْمِ وَقَالَ لِي امْرَأَةٌ أُخْرَى وَإِيَّاهَا عَنَيْت يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى تِلْكَ بِنِيَّتِهِ وَعَلَى هَذِهِ الْمَعْرُوفَةِ بِالظَّاهِرِ.

وَقَدْ عُرِفَ مَوْضِعُهُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ فَلَا يُحْتَمَلُ غَيْرُهُ، ثُمَّ هُوَ مُحْكَمٌ فَيُرَدُّ التَّحْرِيمُ إلَيْهِ. قَالَ (وَلَا يَكُونُ الظِّهَارُ إلَّا مِنْ الزَّوْجَةِ، حَتَّى لَوْ ظَاهَرَ مِنْ أَمَتِهِ لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] وَلِأَنَّ الْحِلَّ فِي الْأَمَةِ تَابِعٌ فَلَا تُلْحَقُ بِالْمَنْكُوحَةِ، وَلِأَنَّ الظِّهَارَ مَنْقُولٌ عَنْ الطَّلَاقِ وَلَا طَلَاقَ فِي الْمَمْلُوكَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَضَعَّفَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ بِأَنَّ الطَّلَاقَ إنْ وَقَعَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَانَ مُتَكَلِّمًا بِلَفْظِ الظِّهَارِ بَعْدَ مَا بَانَتْ، وَالظِّهَارُ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ قَالَ الظِّهَارُ مَعَ الطَّلَاقِ يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ. قُلْنَا اللَّفْظُ الْوَاحِدُ لَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ. وَأَجَابَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ عَنْ هَذَا فَقَالَ: يَصِحُّ ظِهَارُ الْمُبَانَةِ عَلَى قَوْلِهِ، وَكَانَ هَذَا رِوَايَةً مِنْهُ عَلَى صِحَّةِ ظِهَارِ الْمُبَانَةِ وَأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ وَلِهَذَا لَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ يَكُونُ ظِهَارًا فَلَا يُصَدَّقُ فِي إبْطَالِ حُكْمِ الظِّهَارِ وَيُصَدَّقُ فِي إرَادَةِ الطَّلَاقِ لِاعْتِرَافِهِ بِهِ. وَقَوْلُهُ وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ) يَعْنِي مَبْسُوطَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ) وَلِهَذَا لَا يَحْتَاجُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ إلَى النِّيَّةِ (فَلَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ مِنْ الطَّلَاقِ) وَالْإِيلَاءِ (ثُمَّ هُوَ مُحْكَمٌ) لِعَدَمِ احْتِمَالِ الْغَيْرِ، وَقَوْلُهُ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ يَحْتَمِلُ تَحْرِيمَ الطَّلَاقِ وَغَيْرَهُ كَمَا مَرَّ (فَيُرَدُّ التَّحْرِيمُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الظِّهَارِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي رَدِّ الْمُحْتَمَلِ عَلَى الْمُحْكَمِ. قَالَ (وَلَا يَكُونُ الظِّهَارُ إلَّا مِنْ الزَّوْجَةِ، حَتَّى لَوْ ظَاهَرَ مِنْ أَمَتِهِ لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] وَلِأَنَّ الْحِلَّ فِي الْمَمْلُوكَةِ تَابِعٌ) بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى أَمَةً فَوَجَدَهَا مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ بِرَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ لَمْ يَثْبُتْ لِلْمُشْتَرِي وِلَايَةُ الرَّدِّ بِسَبَبِ الْحُرْمَةِ فَلَا تَكُونُ الْأَمَةُ فِي مَعْنَى الْمَنْكُوحَةِ حَتَّى تَلْحَقَ بِهَا (وَلِأَنَّ الظِّهَارَ مَنْقُولٌ عَنْ الطَّلَاقِ وَلَا طَلَاقَ فِي الْمَمْلُوكَةِ) وَعُورِضَ بِأَنَّ الْأَمَةَ مَحَلُّ الظِّهَارِ بَقَاءً فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا ابْتِدَاءً؛ كَمَا لَوْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ أَمَةٌ ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَإِنَّهُ يَبْقَى حُكْمُ الظِّهَارِ، وَمَا يَرْجِعُ إلَى الْمَحَلِّ فَالِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ فِيهِ سَوَاءٌ كَالْمَحْرَمِيَّةِ فِي النِّكَاحِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ بَقَاءَ الظِّهَارِ فِيمَا ذَكَرْت لَيْسَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا مَحَلٌّ لِلظِّهَارِ بَقَاءً، وَإِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ حُرْمَةَ الظِّهَارِ إذَا صَادَفَتْ الْمَحَلَّ

(فَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِغَيْرِ أَمْرِهَا ثُمَّ ظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ أَجَازَتْ النِّكَاحَ فَالظِّهَارُ بَاطِلٌ) لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي التَّشْبِيهِ وَقْتَ التَّصَرُّفِ فَلَمْ يَكُنْ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ، وَالظِّهَارُ لَيْسَ بِحَقٍّ مِنْ حُقُوقِهِ حَتَّى يَتَوَقَّفَ، بِخِلَافِ إعْتَاقِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ. (وَمَنْ قَالَ لِنِسَائِهِ أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي كَانَ مُظَاهِرًا مِنْهُنَّ جَمِيعًا) لِأَنَّهُ أَضَافَ الظِّهَارَ إلَيْهِنَّ فَصَارَ كَمَا إذَا أَضَافَ الطَّلَاقَ (وَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ كَفَّارَةُ) لِأَنَّ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ وَالْكَفَّارَةُ لِإِنْهَاءِ الْحُرْمَةِ فَتَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِهَا، بِخِلَافِ الْإِيلَاءِ مِنْهُنَّ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ فِيهِ لِصِيَانَةِ حُرْمَةِ الِاسْمِ وَلَمْ يَتَعَدَّدْ ذِكْرُ الِاسْمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا تَزُولُ إلَّا بِالْكَفَّارَةِ، وَهَاهُنَا قَدْ صَادَفَتْ مَحَلًّا فَتَبْقَى إلَى أَنْ تُوجَدَ الْكَفَّارَةُ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ بِالطَّلَاقِ، فَإِنَّهَا إذَا طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ لَمْ تَحِلَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَبَبٍ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ بِزَوْجٍ آخَرَ. (فَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِغَيْرِ أَمْرِهَا ثُمَّ ظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ أَجَازَتْ النِّكَاحَ فَالظِّهَارُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ صَادَقَ فِي التَّشْبِيهِ وَقْتَ التَّصَرُّفِ) لِكَوْنِهَا مُحَرَّمَةً قَبْلَ إجَازَتِهَا فَلَمْ يُوجَدْ رُكْنُ الظِّهَارِ وَهُوَ تَشْبِيهُ الْمُحَلَّلَةِ بِالْمُحَرَّمَةِ فَلَمْ يَكُنْ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَالظِّهَارُ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ. وَقَوْلُهُ وَالظِّهَارُ لَيْسَ بِحَقٍّ مِنْ حُقُوقِهِ) أَيْ حُقُوقِ النِّكَاحِ جَوَابُ سُؤَالٍ. تَقْرِيرُهُ الظِّهَارُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمِلْكِ وَالْمِلْكُ مَوْقُوفٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الظِّهَارُ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ يُوقَفُ إعْتَاقُ الْمُشْتَرَى مِنْ الْغَاصِبِ عَلَى إجَازَةِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ الْبَيْعُ الصَّادِرُ مِنْ الْغَاصِبِ. وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنَّ الظِّهَارَ لَيْسَ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ وَلَوَازِمِهِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَوَقُّفِ النِّكَاحِ عَلَى الْإِجَازَةِ تَوَقُّفُ الظِّهَارِ عَلَيْهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حُقُوقِهِ أَنَّ النِّكَاحَ أَمْرٌ مَشْرُوعٌ، وَالظِّهَارَ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ، وَمَا لَا يَكُونُ مَشْرُوعًا لَا يَكُونُ مِنْ حُقُوقِ الْمَشْرُوعِ (بِخِلَافِ إعْتَاقِ الْمُشْتَرَى مِنْ الْغَاصِبِ، لِأَنَّهُ) أَيْ الْإِعْتَاقَ (مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ) لِكَوْنِهِ مَنْهِيًّا لِلْمِلْكِ وَمُتَمِّمًا لَهُ. (وَمَنْ قَالَ لِنِسَائِهِ أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي كَانَ مُظَاهِرًا مِنْهُنَّ جَمِيعًا) وَكَلَامُهُ فِيهِ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْإِيلَاءِ مِنْهُنَّ) يَعْنِي أَنْ يَقُولَ لَهُنَّ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُنَّ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَقْرَبْهُنَّ حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ طَلُقْنَ جَمِيعًا، وَإِنْ قَرِبَ الْكُلَّ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ يَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ فِيهِ لِصِيَانَةِ حُرْمَةِ الِاسْمِ وَلَمْ يَتَعَدَّدْ ذِكْرُ الِاسْمِ.

[فصل في الكفارة]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْل فِي الْكَفَّارَة] ِ لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ الظِّهَارِ وَهُوَ حُرْمَةُ الْوَطْءِ وَدَوَاعِيهِ إلَى نِهَايَتِهِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ مَا يَنْهَى تِلْكَ الْحُرْمَةَ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ. وَسَبَبُهَا الظِّهَارُ وَالْعَوْدُ جَمِيعًا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَطَفَ الْعَوْدَ عَلَى الظِّهَارِ فِي بَيَانِ سَبَبِ الْكَفَّارَةِ، ثُمَّ رَتَّبَ الْحُكْمَ

قَالَ (وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ عِتْقُ رَقَبَةٍ) فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) لِلنَّصِّ الْوَارِدِ فِيهِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْكَفَّارَةَ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ. قَالَ (وَكُلُّ ذَلِكَ قَبْلَ الْمَسِيسِ) وَهَذَا فِي الْإِعْتَاقِ، وَالصَّوْمُ ظَاهِرٌ لِلتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ، وَكَذَا فِي الْإِطْعَامِ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ فِيهِ مَنْهِيَّةٌ لِلْحُرْمَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِهَا عَلَى الْوَطْءِ لِيَكُونَ الْوَطْءُ حَلَالًا قَالَ (وَتَجْزِي فِي الْعِتْقِ الرَّقَبَةُ الْكَافِرَةُ وَالْمُسْلِمَةُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ) لِأَنَّ اسْمَ الرَّقَبَةِ يَنْطَلِقُ عَلَى هَؤُلَاءِ إذْ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الذَّاتِ الْمَرْقُوقِ الْمَمْلُوكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهَا بِالْفَاءِ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّ الظِّهَارَ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ جِهَةُ إبَاحَةٍ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ، لِأَنَّ سَبَبَهَا لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ أَمْرًا دَائِرًا بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَضَمَّ إلَى ذَلِكَ الْعَوْدَ عَمَّا قَالَ لِكَوْنِهِ بَعْضَ الْمُنْكَرِ وَهُوَ حَسَنٌ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِسَبَبٍ مُسْتَقِرٍّ لَهَا حَتَّى لَوْ عَادَ بِالْعَزْمِ عَلَى الْوَطْءِ ثُمَّ أَبَانَهَا أَوْ مَاتَتْ لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ، وَلَوْ عَادَ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ لَا يَطَأَهَا سَقَطَتْ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ لِلْعَوْدِ مَدْخَلٌ فِي السَّبَبِيَّةِ لَمَا جَازَ أَدَاءُ الْكَفَّارَةِ بَعْدَ الظِّهَارِ قَبْلَ الْعَوْدِ حَقِيقَةً لِأَنَّ تَقَدُّمَ الْحُكْمِ عَلَى السَّبَبِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ جَائِزٌ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَوْدِ حَقِيقَةً إنْ كَانَ الْفِعْلَ فَهُوَ لَيْسَ بِسَبَبٍ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْعَزْمَ فَلَا نُسَلِّمُ جَوَازَ تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ. نَعَمْ يَجِبُ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْفِعْلِ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ إنْهَاءً لِلْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ بِالظِّهَارِ، وَلَا يُمْكِنُ إيقَاعُ الْفِعْلِ حَلَالًا إلَّا بَعْدَ إنْهَاءِ الْحُرْمَةِ بِالْكَفَّارَةِ فَوَجَبَ التَّعْجِيلُ عَلَى الْفِعْلِ لِيَكُونَ الْفِعْلُ وَاقِعًا بِصِفَةِ الْحِلِّ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْحُرْمَةِ، وَعَلَى ذَلِكَ يَدُلُّ النَّصُّ الْمُوجِبُ لِلْكَفَّارَةِ، وَمَا فِي الْكِتَابِ ظَاهِرٌ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (عِتْقُ رَقَبَةٍ) إعْتَاقُ رَقَبَةٍ، فَإِنَّ الْعِتْقَ قَدْ لَا يَنُوبُ عَنْ الْكَفَّارَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَرِثَ أَبَاهُ وَنَوَى الْكَفَّارَةَ لَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهَا. وَقَوْلُهُ (مِنْ كُلِّ وَجْهٍ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمَرْقُوقِ دُونَ الْمَمْلُوكِ لِأَنَّ الْكَمَالَ فِي الرِّقِّ شَرْطٌ دُونَ الْمِلْكِ وَلِهَذَا لَوْ أَعْتَقَ الْمُكَاتَبَ الَّذِي لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا صَحَّ عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَلَوْ أَعْتَقَ الْمُدَبَّرَ عَنْهَا لَمْ يَصِحَّ. وَاعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ عَنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ رَقَّهُ حَتَّى يُشْتَقَّ مِنْهُ الْمَرْقُوقُ، وَإِنَّمَا يُقَالُ رَقَّ فُلَانٌ: إذَا صَارَ رَقِيقًا: أَيْ عَبْدًا. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْأَزْهَرِيَّ حَكَى عَنْ ابْنِ السِّكِّيتِ أَنَّهُ جَاءَ عَبْدٌ مَرْقُوقٌ وَكِلَاهُمَا ثِقَةٌ. وَالثَّانِي أَنَّ تَذْكِيرَ الذَّاتِ لَا يَجُوزُ، فَالصَّوَابُ ذَاتٌ مَرْقُوقَةٌ

وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِي الْكَافِرَةِ وَيَقُولُ: الْكَفَّارَةُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى عَدُوِّ اللَّهِ كَالزَّكَاةِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ إعْتَاقُ الرَّقَبَةِ وَقَدْ تَحَقَّقَ، وَقَصْدُهُ مِنْ الْإِعْتَاقِ التَّمَكُّنُ مِنْ الطَّاعَةِ ثُمَّ مُقَارَفَتُهُ الْمَعْصِيَةَ يُحَالُ بِهِ إلَى سُوءِ اخْتِيَارِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَمْلُوكَةٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الذَّاتَ تُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ النَّفْسِ وَالشَّيْءِ فَتَذْكِيرُهُ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى الثَّانِي. وَقَوْلُهُ وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا) أَيْ لَا يُجَوِّزُ إعْتَاقَ الرَّقَبَةِ الْكَافِرَةِ فِي الْكَفَّارَةِ (لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ اللَّهِ لَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى عَدُوِّ اللَّهِ كَالزَّكَاةِ وَنَحْنُ نَقُولُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ إعْتَاقُ الرَّقَبَةِ وَقَدْ تَحَقَّقَ) وَقَوْلُهُ (وَقَصْدُهُ مِنْ الْإِعْتَاقِ التَّمَكُّنُ مِنْ الطَّاعَةِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ الْكَفَّارَةُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ قَصْدَ الْمُكَفِّرِ بِالْإِعْتَاقِ هُوَ أَنْ يَتَمَكَّنَ الْمُعْتَقُ مِنْ الطَّاعَةِ بِخُلُوصِهِ عَنْ خِدْمَةِ الْمَوْلَى (ثُمَّ مُقَارَفَتُهُ الْمَعْصِيَةَ) أَيْ بَقَاؤُهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْرِ (يُحَالُ بِهِ إلَى سُوءِ) اعْتِقَادِهِ وَ (اخْتِيَارِهِ)

(وَلَا تُجْزِئُ الْعَمْيَاءُ وَلَا الْمَقْطُوعَةُ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ) لِأَنَّ الْفَائِتَ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ الْبَصَرُ أَوْ الْبَطْشُ أَوْ الْمَشْيُ وَهُوَ الْمَانِعُ، أَمَّا إذَا اخْتَلَّتْ الْمَنْفَعَةُ فَهُوَ غَيْرُ مَانِعٍ، حَتَّى يُجَوِّزَ الْعَوْرَاءَ وَمَقْطُوعَةَ إحْدَى الْيَدَيْنِ وَإِحْدَى الرِّجْلَيْنِ مِنْ خِلَافٍ لِأَنَّهُ مَا فَاتَ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ بَلْ اخْتَلَّتْ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتَا مَقْطُوعَتَيْنِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِفَوَاتِ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْمَشْيِ إذْ هُوَ عَلَيْهِ مُتَعَذِّرٌ، وَيَجُوزُ الْأَصَمُّ. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ، لِأَنَّ الْفَائِتَ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ، إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا الْجَوَازَ لِأَنَّ أَصْلَ الْمَنْفَعَةِ بَاقٍ، فَإِنَّهُ إذَا صِيحَ عَلَيْهِ سَمِعَ حَتَّى لَوْ كَانَ بِحَالٍ لَا يَسْمَعُ أَصْلًا بِأَنْ وُلِدَ أَصَمَّ وَهُوَ الْأَخْرَسُ لَا يَجْزِيه (وَلَا يَجُوزُ مَقْطُوعُ إبْهَامَيْ الْيَدَيْنِ) لِأَنَّ قُوَّةَ الْبَطْشِ بِهِمَا فَبِفَوَاتِهِمَا يَفُوتُ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ (وَلَا يَجُوزُ الْمَجْنُونُ الَّذِي لَا يَعْقِلُ) لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْجَوَارِحِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْعَقْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مُقَارَفَتُهُ الْمَعْصِيَةَ يُحَالُ بِهِ إلَى سُوءِ اخْتِيَارِهِ، لَكِنْ لِمَ لَا يَكُونُ تَصَوُّرُ ذَلِكَ مِنْهُ مَانِعًا عَنْ الصَّرْفِ إلَيْهِ كَمَا فِي الزَّكَاةِ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْقِيَاسَ جَوَازُ صَرْفِ الزَّكَاةِ إلَيْهِ أَيْضًا لِأَنَّ فِيهِ مُوَاسَاةَ عِبَادِ اللَّهِ، لَكِنْ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خُذْهَا مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَرُدَّهَا عَلَى فُقَرَائِهِمْ» أَخْرَجَهُمْ عَنْ الْمَصْرِفِ. قَالَ (وَلَا تُجْزَى الْعَمْيَاءُ) أَيْ لَا يَجُوزُ إعْتَاقُ الرَّقَبَةِ الْعَمْيَاءِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ، وَالضَّابِطُ فِي تَخْرِيجِ مَا يَجُوزُ بِهِ الْإِعْتَاقُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَمَا لَا يَجُوزُ هُوَ أَنَّهُ مَتَى أَعْتَقَ رَقَبَةً كَامِلَةَ الرِّقِّ فِي مِلْكِهِ مَقْرُونًا بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ، وَجِنْسُ مَا يُبْتَغَى بِهِ مِنْ الْمَنَافِعِ فِيهَا قَائِمٌ بِلَا بَدَلٍ جَازَ عَنْهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ. فَقَوْلُهُ رَقَبَةً احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا أَعْتَقَ نِصْفَ رَقَبَةٍ فَجَامَعَهَا ثُمَّ أَعْتَقَ النِّصْفَ الْآخَرَ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ أَعْتَقَ النِّصْفَ الْآخَرَ قَبْلَ الْجِمَاعِ جَازَ. وَقَوْلُهُ كَامِلَةَ الرِّقِّ احْتِرَازٌ عَنْ الْمُدَبَّرِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَوْلُهُ مَقْرُونًا بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ وَلَمْ يَنْوِ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ عَنْهَا، وَإِنْ نَوَى عَنْهَا بَعْدَ الْإِعْتَاقِ لَا يَجُوزُ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ وَجِنْسُ مَا يُبْتَغَى بِهِ مِنْ الْمَنَافِعِ فِيهَا قَائِمٌ احْتِرَازٌ عَنْ مَقْطُوعِ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ وَمَا يُمَاثِلُ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ بِلَا بَدَلٍ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى بَدَلٍ، فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ عَنْ الْكَفَّارَةِ. وَإِنَّمَا كَانَ فَوْتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ مَانِعًا لِأَنَّ الشَّخْصَ يَصِيرُ فِي ذَلِكَ الْجِنْسِ كَالْهَالِكِ لِأَنَّ قِيَامَ الشَّخْصِ بِمَنَافِعِهِ. وَقَوْلُهُ وَيَجُوزُ الْأَصَمُّ) وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ قُوَّةَ الْبَطْشِ بِهِمَا) يُفِيدُ أَنَّ مَا يَزُولُ بِهِ تِلْكَ الْقُوَّةُ كَانَ مَانِعًا فَقَطْعُ أَكْثَرِ أَصَابِعِ كُلِّ يَدٍ كَقَطْعِ جَمِيعِهَا

فَكَانَ فَائِتَ الْمَنَافِعِ (وَاَلَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ يَجْزِيه) لِأَنَّ الِاخْتِلَالَ غَيْرُ مَانِعٍ، وَلَا يُجْزِئُ عِتْقُ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ لِاسْتِحْقَاقِهِمَا الْحُرِّيَّةَ بِجِهَةٍ فَكَانَ الرِّقُّ فِيهِمَا نَاقِصًا، وَكَذَا الْمُكَاتَبُ الَّذِي أَدَّى بَعْضَ الْمَالِ لِأَنَّ إعْتَاقَهُ يَكُونُ بِبَدَلٍ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجْزِيه لِقِيَامِ الرِّقِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلِهَذَا تَقْبَلُ الْكِتَابَةُ الِانْفِسَاخَ، بِخِلَافِ أُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ وَالتَّدْبِيرِ لِأَنَّهُمَا لَا يَحْتَمِلَانِ الِانْفِسَاخَ، فَإِنْ أَعْتَقَ مُكَاتَبًا لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا جَازَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. لَهُ أَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْحُرِّيَّةَ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ فَأَشْبَهَ الْمُدَبَّرَ. وَلَنَا أَنَّ الرِّقَّ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَاَلَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ يَجْزِيهِ) يَعْنِي إذَا أَعْتَقَهُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ (وَلَا يُجْزِئُ عِتْقُ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ) لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُطْلَقَةٍ، وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ، وَرَقَبَةُ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ لَيْسَتْ بِكَامِلَةٍ (لِاسْتِحْقَاقِهِمَا جِهَةَ الْحُرِّيَّةِ فَكَانَ الرِّقُّ نَاقِصًا) فَإِنَّهُ إذَا ثَبَتَ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ مِنْ الْقُوَّةِ الْحُكْمِيَّةِ زَالَ فِي مُقَابَلَتِهِ شَيْءٌ مِنْ الضَّعْفِ الْحُكْمِيِّ. وَقَوْلُهُ (فَأَشْبَهَ الْمُدَبَّرَ) اسْتِدْلَالٌ بِمَا لَا يَقُولُ بِهِ، فَإِنَّ بَيْعَ الْمُدَبَّرِ وَإِعْتَاقَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ جَائِزٌ فَكَانَ هَذَا احْتِجَاجًا عَلَيْنَا بِمَذْهَبِنَا. وَقَوْلُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَلِهَذَا تَقْبَلُ الْكِتَابَةُ الِانْفِسَاخَ. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

دِرْهَمٌ " وَالْكِتَابَةُ لَا تُنَافِيه فَإِنَّهُ فَكُّ الْحَجْرِ بِمَنْزِلَةِ الْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ إلَّا أَنَّهُ بِعِوَضٍ فَيَلْزَمُ مِنْ جَانِبِهِ، وَلَوْ كَانَ مَانِعًا يَنْفَسِخُ مُقْتَضَى الْإِعْتَاقِ إذْ هُوَ يَحْتَمِلُهُ، إلَّا أَنَّهُ تَسْلَمُ لَهُ الْأَكْسَابُ وَالْأَوْلَادُ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي حَقِّ الْمَحَلِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQ «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَوْلُهُ (وَالْكِتَابَةُ لَا تُنَافِيهِ) دَلِيلٌ آخَرُ. وَتَقْرِيرُهُ الْمُكَاتَبُ رَقِيقٌ قَبْلَ الْكِتَابَةِ لَا مَحَالَةَ، وَلَمْ يَزُلْ رِقُّهُ بِهَا لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَزُولُ إلَّا بِمُنَافِيهِ، وَالْكِتَابَةُ لَا تُنَافِي الرِّقَّ (فَإِنَّهُ) أَيْ عَقْدَ الْكِتَابَةِ أَوْ ذَكَرَهُ بِاعْتِبَارِ الْخَبَرِ (فَكُّ الْحَجْرِ) إذْ لَمْ يَمْلِكْ بِهِ الْمُكَاتَبُ إلَّا الْمَنَافِعَ، وَالْأَكْسَابُ كَالْإِعَارَةِ وَالْإِجَارَةِ وَفَكُّ الْحَجْرِ لَا يُنَافِي مِلْكَ الرَّقَبَةِ كَالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ فَكَّ الْحَجْرِ بِمَنْزِلَةِ الْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ لَاسْتَبَدَّ الْمَوْلَى بِالْفَسْخِ كَمَا فِي عَزْلِ الْمَأْذُونِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنَّهُ: أَيْ عَقْدَ الْكِتَابَةِ فَكُّ الْحَجْرِ بِعِوَضٍ فَكَانَ لَازِمًا مِنْ جَانِبِهِ: أَيْ مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى. وَقَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ مَانِعًا) جَوَابٌ بِطَرِيقِ التَّنَزُّلِ: يَعْنِي لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ مَانِعٌ عَنْ الْإِعْتَاقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ، لَكِنَّهُ إذَا أَعْتَقَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ (يَنْفَسِخُ) قَبْلَ الْإِعْتَاقِ (مُقْتَضَى الْإِعْتَاقِ إذْ هُوَ) أَيْ عَقْدُ الْكِتَابَةِ (يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ) فَإِنْ قِيلَ: لَوْ صَحَّ إعْتَاقُهُ تَكْفِيرًا وَانْفَسَخَ عَقْدُ الْكِتَابَةِ مُقْتَضَى الْإِعْتَاقِ لَسَلِمَ الْأَوْلَادُ وَالْأَكْسَابُ لِلْمَوْلَى، كَمَا إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ الْمَأْذُونَ بِجِهَةِ التَّكْفِيرِ وَلَهُ أَكْسَابٌ أَجَابَ بِقَوْلِهِ (إلَّا أَنَّهُ يُسَلِّمُ لَهُ) أَيْ لِلْمُكَاتَبِ (الْأَكْسَابَ وَالْأَوْلَادَ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي حَقِّ الْمَحَلِّ)

بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ، أَوْ لِأَنَّ الْفَسْخَ ضَرُورِيٌّ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْوَلَدِ وَالْكَسْبِ (وَإِنْ اشْتَرَى أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ يَنْوِي بِالشِّرَاءِ الْكَفَّارَةَ جَازَ عَنْهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَالْمَسْأَلَةُ تَأْتِيك فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ وَهُوَ مُوسِرٌ وَضَمِنَ قِيمَةَ بَاقِيه لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَجُوزُ عِنْدَهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي الْمُكَاتَبَ (بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ) وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَخْرُجُ الْأَكْسَابُ وَالْأَوْلَادُ عَنْ مِلْكِهِ كَمَا لَوْ عَتَقَ بِأَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْفَسْخَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِرِضَا الْمُكَاتَبِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صَرِيحًا فَيُقَدَّرُ دَلَالَةً، وَالدَّلَالَةُ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ إذَا سَلِمَتْ لَهُ الْأَكْسَابُ وَالْأَوْلَادُ، فَجَعَلَ الْعِتْقَ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا بِاخْتِلَافِ الْجِهَاتِ، وَجَعَلَ الْإِعْتَاقَ لِلتَّكْفِيرِ لِأَنَّ الْمَوْلَى قَصَدَهُ، وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْجِهَاتِ نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ (أَوْ لِأَنَّ الْفَسْخَ ثَبَتَ ضَرُورَةَ صِحَّةِ الْإِعْتَاقِ) فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْأَوْلَادِ وَالْأَكْسَابِ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَرَى أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ) وَاضِحٌ.

لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِالضَّمَانِ فَصَارَ مُعْتِقًا كُلَّ الْعَبْدِ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَهُوَ مِلْكُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ فَيَكُونُ إعْتَاقًا بِعِوَضٍ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ نَصِيبَ صَاحِبِهِ يَنْتَقِصُ عَلَى مِلْكِهِ ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إلَيْهِ بِالضَّمَانِ وَمِثْلُهُ يَمْنَعُ الْكَفَّارَةَ (فَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ ثُمَّ أَعْتَقَ بَاقِيه عَنْهَا جَازَ) لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ بِكَلَامَيْنِ وَالنُّقْصَانُ مُتَمَكِّنٌ عَلَى مِلْكِهِ بِسَبَبِ الْإِعْتَاقِ بِجِهَةِ الْكَفَّارَةِ وَمِثْلُهُ غَيْرُ مَانِعٍ، كَمَنْ أَضْجَعَ شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ فَأَصَابَ السِّكِّينُ عَيْنَهَا، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ النُّقْصَانَ تَمَكَّنَ عَلَى مِلْكِ الشَّرِيكِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُعْتَقُ مُعْسِرًا) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَنْ الْكَفَّارَةِ بِالِاتِّفَاقِ. فَإِنْ قِيلَ: يَجِبُ أَنْ يَقَعَ عَنْ الْكَفَّارَةِ عِنْدَهُمَا وَإِنْ كَانَ الْمُعْتَقُ مُعْسِرًا لِأَنَّهُ يَصِيرُ حُرًّا مَدْيُونًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِعْتَاقَ عِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ وُجُوبَ هَذَا الدَّيْنِ بِسَبَبِ الْإِعْتَاقِ فَلَا يَكُونُ الْعِتْقُ مَجَّانًا فَلَا يَقَعُ عَنْ الْكَفَّارَةِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ نَصِيبَ صَاحِبِهِ يَنْتَقِصُ عَلَى مِلْكِهِ) لِتَعَذُّرِ اسْتِدَامَةِ الْمِلْكِ فِيهِ (ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إلَيْهِ بِالضَّمَانِ) مَا بَقِيَ مِنْهُ فَكَانَ فِي الْمَعْنَى إعْتَاقُ عَبْدٍ إلَّا شَيْئًا، وَمِثْلُهُ يَمْنَعُ الْكَفَّارَةَ. فَإِنْ قِيلَ: الْمَضْمُونَاتُ تُمْلَكُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ بِصِفَةِ الِاسْتِنَادِ إلَى زَمَانِ وُجُودِ السَّبَبِ فَصَارَ نَصِيبُ السَّاكِتِ مِلْكَ الْمُعْتَقِ زَمَانَ الْإِعْتَاقِ وَكَانَ النُّقْصَانُ فِي مِلْكِهِ لَا فِي مِلْكِ شَرِيكِهِ وَمِثْلُهُ لَا يَمْنَعُ الْكَفَّارَةَ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِيمَا يَلِيهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْمَضْمُونِ يَثْبُتُ بِصِفَةِ الِاسْتِنَادِ فِي حَقِّ الضَّامِنِ وَالْمَضْمُونِ لَهُ لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ مِنْ الزِّيَادَاتِ وَالْكَفَّارَةُ غَيْرُهُمَا فَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِي حَقِّهَا مُسْتَنِدًا وَيَلْزَمُ النُّقْصَانَ الْمَانِعُ. (فَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ ثُمَّ أَعْتَقَ بَاقِيَهُ جَازَ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ بِكَلَامَيْنِ) فَلَا مَحْظُورَ فِيهِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ تَمَكَّنَ فِيهِ النُّقْصَانُ لِمَا مَرَّ وَالنُّقْصَانُ مَانِعٌ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ وَالنُّقْصَانُ مُتَمَكِّنٌ عَلَى مِلْكِهِ بِسَبَبِ الْإِعْتَاقِ بِجِهَةِ الْكَفَّارَةِ، فَإِنَّهُ أَعْتَقَ النِّصْفَ وَبَعْضَ النِّصْفِ الْآخَرِ ثُمَّ أَعْتَقَ مَا بَقِيَ وَمِثْلُهُ غَيْرُ مَانِعٍ، كَمَنْ أَضْجَعَ شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ فَأَصَابَ السِّكِّينُ عَيْنَهَا فَإِنَّ النُّقْصَانَ لَمَّا حَصَلَ بِفِعْلِ التَّضْحِيَةِ لَمْ يَمْنَعْ، فَكَذَلِكَ النُّقْصَانُ الْحَاصِلُ بِفِعْلِ الْكَفَّارَةِ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ النُّقْصَانَ تَمَكَّنَ عَلَى مِلْكِ الشَّرِيكِ حَيْثُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ النُّقْصَانُ الْحَاصِلُ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي مَصْرُوفًا إلَى الْكَفَّارَةِ لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ لَهُ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ فَبَطَلَ قَدْرُ النُّقْصَانِ وَلَمْ يَقَعْ عَنْ الْكَفَّارَةِ، فَإِذَا ضَمِنَ قِيمَةَ النِّصْفِ الْبَاقِي وَأَعْتَقَهُ فَقَدْ صُرِفَ إلَى الْكَفَّارَةِ وَهُوَ نَاقِصٌ وَصَارَ فِي الْحَاصِلِ كَأَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدًا إلَّا قَدْرَ النُّقْصَانِ.

وَهَذَا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. أَمَّا عِنْدَهُمَا فَالْإِعْتَاقُ لَا يَتَجَزَّأُ، فَإِعْتَاقُ النِّصْفِ إعْتَاقُ الْكُلِّ فَلَا يَكُونُ إعْتَاقًا بِكَلَامَيْنِ. (وَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ ثُمَّ جَامَعَ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ أَعْتَقَ بَاقِيه لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ، وَشَرْطُ الْإِعْتَاقِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْمَسِيسِ بِالنَّصِّ، وَإِعْتَاقُ النِّصْفِ حَصَلَ بَعْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا إعْتَاقُ النِّصْفِ إعْتَاقُ الْكُلِّ فَحَصَلَ الْكُلُّ قَبْلَ الْمَسِيسِ. (وَإِذَا لَمْ يَجِدْ الْمُظَاهِرُ مَا يَعْتِقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَهَذَا) أَيْ جَعْلُهُ إعْتَاقًا بِكَلَامَيْنِ (عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ) فِي تَجَزِّي الْإِعْتَاقِ (أَمَّا عِنْدَهُمَا فَالْإِعْتَاقُ لَا يَتَجَزَّأُ، فَإِعْتَاقُ النِّصْفِ إعْتَاقٌ لِلْكُلِّ فَلَا يَكُونُ إعْتَاقًا بِكَلَامَيْنِ) وَعَلَى هَذَا مَبْنَى الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَلِيهَا وَهِيَ ظَاهِرَةٌ، إلَّا أَنَّهُ اُعْتُرِضَ عَلَى قَوْلِهِ وَإِعْتَاقُ النِّصْفِ حَصَلَ بَعْدَهُ بِأَنَّ أَيَّ إعْتَاقٍ وُجِدَ بَعْدَ هَذَا وَإِنْ كَانَ كَامِلًا فَهُوَ إعْتَاقٌ بَعْدَ الْمَسِيسِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ عَنْ الْكَفَّارَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ إعْتَاقُ رَقَبَةٍ كَامِلَةٍ قَبْلَ الْمَسِيسِ الثَّانِي فَصَارَ إعْتَاقُ نِصْفِ الْعَبْدِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، وَكَأَنَّهُ قَدْ جَامَعَ قَبْلَ الْكَفَّارَةِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يُعَاوِدَ حَتَّى يُكَفِّرَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ. قَالَ (وَإِذَا لَمْ يَجِدْ الْمُظَاهِرُ مَا يُعْتِقُ) إذَا لَمْ يَجِدْ الْمُظَاهِرُ رَقَبَةً وَلَا ثَمَنَهَا يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ صَامَ بِالْأَهِلَّةِ جَازَ،

فَكَفَّارَتُهُ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا شَهْرُ رَمَضَانَ وَلَا يَوْمُ الْفِطْرِ وَلَا يَوْمُ النَّحْرِ وَلَا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ) أَمَّا التَّتَابُعُ فَلِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ وَشَهْرُ رَمَضَانَ لَا يَقَعُ عَنْ الظِّهَارِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ وَالصَّوْمُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَلَا يَنُوبُ عَنْ الْوَاجِبِ الْكَامِلِ. (فَإِنْ جَامَعَ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا فِي خِلَالِ الشَّهْرَيْنِ لَيْلًا عَامِدًا أَوْ نَهَارًا نَاسِيًا اسْتَأْنَفَ الصَّوْمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَسْتَأْنِفُ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ التَّتَابُعَ، إذْ لَا يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ وَهُوَ الشَّرْطُ، وَإِنْ كَانَ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْمَسِيسِ شَرْطًا فَفِيمَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ تَقْدِيمُ الْبَعْضِ وَفِيمَا قُلْتُمْ تَأْخِيرُ الْكُلِّ عَنْهُ. وَلَهُمَا أَنَّ الشَّرْطَ فِي الصَّوْمِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْمَسِيسِ وَأَنْ يَكُونَ خَالِيًا عَنْهُ ضَرُورَةً بِالنَّصِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ كَانَ كُلُّ شَهْرٍ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَإِنْ صَامَ لِغَيْرِ الْأَهِلَّةِ فَأَفْطَرَ لِتَمَامِ تِسْعَةٍ وَخَمْسِينَ يَوْمًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ، وَكَذَا إنْ أَدْخَلَ فِي صِيَامِهِ شَهْرَ رَمَضَانَ أَوْ يَوْمَ الْفِطْرِ أَوْ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ. (فَإِنْ جَامَعَ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا فِي خِلَالِ الشَّهْرَيْنِ لَيْلًا عَامِدًا أَوْ نَهَارًا نَاسِيًا اسْتَأْنَفَ الصَّوْمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَسْتَأْنِفُ) وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِاَلَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا لِأَنَّهُ إذَا جَامَعَ غَيْرَهَا فَإِنْ كَانَ وَطْئًا يُفْسِدُ الصَّوْمَ كَالْجِمَاعِ بِالنَّهَارِ عَامِدًا قَطَعَ التَّتَابُعَ فَيَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ لَمْ يُفْسِدْهُ بِأَنْ وَطِئَهَا بِالنَّهَارِ نَاسِيًا أَوْ بِاللَّيْلِ كَيْفَمَا كَانَ لَمْ يَقْطَعْ التَّتَابُعَ فَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ فِي جِمَاعِ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا بِالنَّهَارِ نَاسِيًا لِأَنَّهُ إذَا جَامَعَهَا فِيهِ عَامِدًا يَسْتَأْنِفُ بِالِاتِّفَاقِ، وَأَمَّا ذِكْرُ الْعَمْدِ فِيهِ فِي اللَّيْلِ فَقَدْ وَقَعَ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الْعَمْدَ وَالنِّسْيَانَ فِي الْوَطْءِ بِاللَّيْلِ سَوَاءٌ، فَعُرِفَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي وَطْءٍ لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ هَذَا وَطْءٌ لَا يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ فَلَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ صَائِمًا، وَهُوَ الشَّرْطُ: أَيْ السَّبَبُ الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي كَوْنِ الصَّوْمِ كَفَّارَةً وَقَدْ وُجِدَ. فَإِنْ قِيلَ: تَقْدِيمُ الصَّوْمِ عَلَى الْمَسِيسِ شَرْطٌ وَلَمْ يُوجَدْ أَجَابَ بِقَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْمَسِيسِ شَرْطًا فِيمَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ تَقْدِيمُ الْبَعْضِ وَفِيمَا قُلْتُمْ يَعْنِي الِاسْتِئْنَافُ تَأْخِيرُ الْكُلِّ عَنْهُ وَتَأْخِيرُ الْبَعْضِ أَهْوَنُ مِنْ تَأْخِيرِ الْكُلِّ (وَلَهُمَا أَنَّ الشَّرْطَ فِي الصَّوْمِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْمَسِيسِ وَأَنْ يَكُونَ خَالِيًا عَنْ الْمَسِيسِ ضَرُورَةً بِالنَّصِّ) وَهَذَا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدَهُمَا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ النَّصَّ يَقْتَضِي شَرْطَيْنِ: كَوْنَ الصَّوْمِ قَبْلَ الْمَسِيسِ، وَكَوْنَ الصَّوْمِ خَالِيًا عَنْ الْمَسِيسِ

وَهَذَا الشَّرْطُ يَنْعَدِمُ بِهِ فَيَسْتَأْنِفُ (وَإِنْ أَفْطَرَ مِنْهَا يَوْمًا بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ اسْتَأْنَفَ) لِفَوَاتِ التَّتَابُعِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ عَادَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالشَّرْطُ الثَّانِي مِنْ ضَرُورَةِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ تَقْدِيمَهُ عَلَى الْمَسِيسِ يَسْتَلْزِمُ خُلُوَّ الصَّوْمِ عَنْهُ (وَهَذَا الشَّرْطُ) أَيْ الشَّرْطُ الثَّانِي وَهُوَ الْخُلُوُّ عَنْهُ (يَنْعَدِمُ بِهِ) أَيْ بِالْمَسِيسِ فَيَنْعَدِمُ الْمَشْرُوطُ، وَيَجِبُ الِاسْتِئْنَافُ، لِأَنَّهُ إنْ عَجَزَ عَنْ الْإِتْيَانِ قَبْلَ الْمَسِيسِ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ خَالِيًا عَنْ الْمَسِيسِ، وَإِلَى هَذَا يُشِيرُ كَلَامُ عَامَّةِ الشَّارِحِينَ. وَالثَّانِي أَنْ يُقَالَ قَوْلُهُ " وَأَنْ يَكُونَ خَالِيًا عَنْهُ ضَرُورَةً " تَفْسِيرُ الْأَوَّلِ بِطَرِيقِ الْعَطْفِ لِأَنَّ إيقَاعَهُ قَبْلَ الْمَسِيسِ إخْلَاؤُهُ عَنْهُ بِالضَّرُورَةِ وَبِتَخَلُّلِ الْجِمَاعِ عُدِمَ الشَّرْطُ وَصَارَ الصَّوْمُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَقَدْ جَامَعَ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا قَبْلَ الْكَفَّارَةِ. وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ الِاسْتِغْفَارُ وَتَرْكُ الْعَوْدِ إلَى الْكَفَّارَةِ فَيَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ، وَهَذَا أَوْلَى لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْجَوَابِ عَنْ قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْمَسِيسِ شَرْطًا إلَخْ. وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ فَلَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ أَنَّ عَدَمَ الْفَسَادِ فِي النِّسْيَانِ ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى قَطْعِ التَّتَابُعِ وَفِي الْعَمْدِ لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ (وَإِنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْهَا بِعُذْرٍ) كَسَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ (أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ اسْتَأْنَفَ لِفَوَاتِ التَّتَابُعِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ عَادَةً) وَهَذَا احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا أَفْطَرَتْ الْمَرْأَةُ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ أَوْ الْإِفْطَارِ بِعُذْرِ الْحَيْضِ فَإِنَّهَا لَا تَسْتَأْنِفُ لِأَنَّهَا مَعْذُورَةٌ عَادَةً، إذْ لَا تَجِدُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَا حَيْضَ فِيهِمَا. وَلَوْ صَامَ الْمُظَاهِرُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْإِعْتَاقِ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرَيْنِ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْعِتْقُ وَصَارَ صَوْمُهُ تَطَوُّعًا لِاقْتِدَارِهِ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ

(وَإِنْ ظَاهَرَ الْعَبْدُ لَمْ يَجُزْ فِي الْكَفَّارَةِ إلَّا الصَّوْمُ) لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ (وَإِنْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى أَوْ أَطْعَمَ عَنْهُ لَمْ يَجْزِهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ فَلَا يَصِيرُ مَالِكًا بِتَمْلِيكِهِ. (وَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ الْمُظَاهِرُ الصِّيَامَ أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] (وَيُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ قِيمَةَ ذَلِكَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ وَسَهْلِ بْنِ صَخْرٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــQالْغُرُوبِ كَانَ الصَّوْمُ عَنْ كَفَّارَتِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ظَاهَرَ الْعَبْدُ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (أَوْ قِيمَةَ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ غَيْرِ الْأَعْدَادِ الْمَنْصُوصَةِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا فِي الْأَعْدَادِ الْمَنْصُوصَةِ فَلَا يَجُوزُ أَدَاؤُهَا قِيمَةً إذَا كَانَتْ أَقَلَّ قَدْرًا مِمَّا قَدَّرَهُ الشَّرْعُ. وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ أَوْ مِثْلَهُ قِيمَةً، حَتَّى لَوْ أَدَّى نِصْفَ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ جَيِّدٍ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ أَدَّى أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ حِنْطَةً تَبْلُغُ قِيمَتُهُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ لَا يَجُوزُ، إذْ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ جِنْسٍ هُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ مِنْ الطَّعَامِ لَا يَكُونُ بَدَلًا عَنْ جِنْسٍ آخَرَ هُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ فِي الْقِيمَةِ أَكْثَرَ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِمَعْنَى النَّصِّ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ لَهُ فِي غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ (فِي حَدِيثِ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ) هُوَ أَخُو عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَأَوْسٌ هُوَ زَوْجُ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ، وَهِيَ الْمُجَادِلَةُ الَّتِي نَزَلَتْ فِيهَا آيَةُ الظِّهَارِ وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَأَمَّا سَهْلُ بْنُ صَخْرٍ فَقَدْ قِيلَ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ سَلَمَةُ بْنُ صَخْرٍ وَكَذَا فِي الْمَبْسُوطِ،

«لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ» وَلِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ دَفْعُ حَاجَةِ الْيَوْمِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ فَيُعْتَبَرُ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَقَوْلُهُ أَوْ قِيمَةُ ذَلِكَ مَذْهَبُنَا وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الزَّكَاةِ (فَإِنْ أَعْطَى مَنًّا مِنْ بُرٍّ وَمَنَوَيْنِ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ جَازَ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ إذْ الْجِنْسُ مُتَّحِدٌ (وَإِنْ أَمَرَ غَيْرَهُ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ مِنْ ظِهَارِهِ فَفَعَلَ أَجْزَأَهُ) لِأَنَّهُ اسْتِقْرَاضٌ مَعْنًى وَالْفَقِيرُ قَابِضٌ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَذَكَرَ فِي الْمُغْرِبِ سَلَمَةَ بْنَ صَخْرٍ الْبَيَاضِيَّ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُوَافِقٌ لِمَا أَوْرَدَهُ الْإِمَامُ الْمُسْتَغْفِرِيُّ فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ قَالَ: سُهَيْلُ بْنُ صَخْرٍ اللَّيْثِيُّ. وَقَوْلُهُ فَيُعْتَبَرُ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ) يَعْنِي فِي الْمِقْدَارِ، وَلَكِنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ التَّفْرِيقَ هَاهُنَا بِأَنْ يُعْطِيَ فَقِيرًا مَنًّا مِنْ حِنْطَةٍ وَمَنًّا آخَرَ فَقِيرًا آخَرَ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ إطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا فَكَانَ الْعَدَدُ مُعْتَبَرًا كَالْمِقْدَارِ، وَمَتَى فَرَّقَ لَمْ يُوجَدْ الْإِطْعَامُ الْمُعْتَادُ لِلْمَسَاكِينِ، وَأَمَّا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَالْمُعْتَبَرُ فِيهَا الْقَدْرُ دُونَ الْعَدَدِ لِكَوْنِهِ مَسْكُوتًا عَنْهُ فَيَكُونُ التَّفْرِيقُ جَائِزًا. وَقَوْلُهُ (أَوْ قِيمَةَ ذَلِكَ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ إذْ الْجِنْسُ مُتَّحِدٌ) يَعْنِي مِنْ حَيْثُ الْإِطْعَامُ وَسَدُّ الْجَوْعَةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْبُرِّ وَالتَّمْرِ وَالشَّعِيرِ الْإِطْعَامُ فَيَجُوزُ تَكْمِيلُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ كَمَا إذَا أَطْعَمَ خَمْسَةَ مَسَاكِينَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِطَرِيقِ الْإِبَاحَةِ وَكَسَا خَمْسَةَ مَسَاكِينَ وَالْكِسْوَةُ أَرْخَصُ مِنْ الطَّعَامِ لَمْ يُجِزْهُ لِمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْكِسْوَةِ غَيْرُ الْمَقْصُودِ بِالْإِطْعَامِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِبَاحَةَ فِي أَحَدِهِمَا تَجُوزُ دُونَ الْآخَرِ. وَاسْتَشْكَلَ بِمَا إذَا أَعْتَقَ نِصْفَ رَقَبَتَيْنِ بِأَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ عَبْدَانِ فَأَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْهُمَا عَنْ الْكَفَّارَةِ لَا يَجُوزُ عَنْهَا وَإِنْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ مِنْ حَيْثُ الْإِعْتَاقُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ نِصْفَ الرَّقَبَتَيْنِ لَيْسَ بِرَقَبَةٍ كَامِلَةٍ، وَالشَّرِكَةُ فِي كُلِّ رَقَبَةٍ تَمْنَعُ التَّكْفِيرَ بِهَا. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ أَمَرَ غَيْرَهُ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ

أَوَّلًا ثُمَّ لِنَفْسِهِ فَتَحَقَّقَ تَمَلُّكُهُ ثُمَّ تَمْلِيكُهُ (فَإِنْ غَدَّاهُمْ وَعَشَّاهُمْ جَازَ قَلِيلًا كَانَ مَا أَكَلُوا أَوْ كَثِيرًا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُجْزِئُهُ إلَّا التَّمْلِيكُ اعْتِبَارًا بِالزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّمْلِيكَ أَدْفَعُ لِلْحَاجَةِ فَلَا يَنُوبُ مَنَابَهُ الْإِبَاحَةُ. وَلَنَا أَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ هُوَ الْإِطْعَامُ وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي التَّمْكِينِ مِنْ الطُّعْمِ وَفِي الْإِبَاحَةِ ذَلِكَ كَمَا فِي التَّمْلِيكِ، أَمَّا الْوَاجِبُ فِي الزَّكَاةِ الْإِيتَاءُ وَفِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ الْأَدَاءُ وَهُمَا لِلتَّمْلِيكِ حَقِيقَةً (وَلَوْ كَانَ فِيمَنْ عَشَّاهُمْ صَبِيٌّ فَطِيمٌ لَا يُجْزِئُهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ ظِهَارِهِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ غَدَّاهُمْ وَعَشَّاهُمْ) بِكَلِمَةِ الْوَاوِ لَا بِأَوْ لِأَنَّ التَّغْذِيَةَ وَحْدَهَا أَوْ التَّعْشِيَةَ وَحْدَهَا لَا تُجْزِئُ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: الْمُعْتَبَرُ فِي التَّمْكِينِ أَكْلَتَانِ مُشْبِعَتَانِ، إمَّا الْغَدَاءُ وَالْعَشَاءُ، وَإِمَّا غَدَاءَانِ أَوْ عَشَاءَانِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ، فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ حَاجَةُ الْيَوْمِ وَذَلِكَ بِالْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ. وَفِي الْمُجَرَّدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا غَدَّى سِتِّينَ وَعَشَّى سِتِّينَ آخَرِينَ لَا يَجُوزُ. وَقَوْلُهُ (قَلِيلًا أَكَلُوا أَوْ كَثِيرًا) يَعْنِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الشِّبَعُ لَا الْمِقْدَارُ. وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ شَبْعَانَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِجَوَازِهِ لِأَنَّهُ وُجِدَ إطْعَامُ الْعَدَدِ الْمُعَيَّنِ وَقَدْ شَبِعُوا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ عَلَيْهِ إشْبَاعُ السِّتِّينَ وَهُوَ مَا أَشْبَعَهُمْ. وَقَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ فَإِنْ غَدَّاهُمْ وَعَشَّاهُمْ وَهُوَ لَا يُجَوِّزُ فِي الْكَفَّارَةِ إلَّا التَّمْلِيكُ قِيَاسًا عَلَى الزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ (وَهَذَا) أَيْ عَدَمُ جَوَازِ الْإِبَاحَةِ (لِأَنَّ التَّمْلِيكَ أَدْفَعُ لِلْحَاجَةِ فَلَا يَنُوبُ مَنَابَهُ الْإِبَاحَةُ. وَلَنَا أَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ هُوَ الْإِطْعَامُ، وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي التَّمْكِينِ مِنْ الطَّعْمِ) لِأَنَّهُ جَعَلَ الْغَيْرَ طَاعِمًا (وَفِي إبَاحَةِ ذَلِكَ) أَيْ التَّمْكِينِ (كَمَا فِي التَّمْلِيكِ) فَيَتَأَدَّى الْوَاجِبُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَمَّا بِالتَّمْكِينِ فَلِمُرَاعَاةِ عَيْنِ النَّصِّ، وَأَمَّا بِالتَّمْلِيكِ فَلِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَ مِنْهُ فَإِمَّا أَنْ يُطْعِمَهُ أَوْ يَصْرِفَهُ إلَى حَاجَةٍ أُخْرَى فَلِذَلِكَ يُقَامُ التَّمْلِيكُ مَقَامَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، أَمَّا الْوَاجِبُ فِي الزَّكَاةِ فَهُوَ الْإِيتَاءُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وَفِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ الْأَدَاءُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَدُّوا عَمَّنْ تَمُونُونَ» وَهُمَا لِلتَّمْلِيكِ حَقِيقَةً. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ كَانَ فِيمَنْ عَشَّاهُمْ صَبِيٌّ) ظَاهِرٌ.

لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي كَامِلًا، وَلَا بُدَّ مِنْ الْإِدَامِ فِي خُبْزِ الشَّعِيرِ لِيُمْكِنَهُ الِاسْتِيفَاءُ إلَى الشِّبَعِ، وَفِي خُبْزِ الْحِنْطَةِ لَا يُشْتَرَطُ الْإِدَامُ. (وَإِنْ أَطْعَمَ مِسْكِينًا وَاحِدًا سِتِّينَ يَوْمًا أَجْزَأَهُ، وَإِنْ أَعْطَاهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ لَمْ يَجْزِهِ إلَّا عَنْ يَوْمِهِ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَدُّ خَلَّةِ الْمُحْتَاجِ وَالْحَاجَةُ تَتَجَدَّدُ فِي كُلِّ يَوْمٍ، فَالدَّفْعُ إلَيْهِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي كَالدَّفْعِ إلَى غَيْرِهِ، وَهَذَا فِي الْإِبَاحَةِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ. وَأَمَّا التَّمْلِيكُ مِنْ مِسْكِينٍ وَاحِدٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ بِدَفَعَاتٍ، فَقَدْ قِيلَ لَا يُجْزِئُهُ، وَقَدْ قِيلَ يُجْزِئُهُ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى التَّمْلِيكِ تَتَجَدَّدُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَهَذَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لَمْ يُجِزْهُ إلَّا عَنْ يَوْمِهِ: يَعْنِي إذَا دَفَعَ لِمِسْكِينٍ وَاحِدٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ سِتِّينَ مَرَّةً بِطَرِيقِ الْإِبَاحَةِ فَلَا خِلَافَ لِأَحَدٍ فِي عَدَمِ جَوَازِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بِطَرِيقِ التَّمْلِيكِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَدُّ الْخَلَّةِ. وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَى الْغَنِيِّ، وَبَعْدَمَا اسْتَوْفَى وَظِيفَةَ الْيَوْمِ لَا حَاجَةَ لَهُ إلَى سَدِّ الْخَلَّةِ بِصَرْفِ وَظِيفَةٍ أُخْرَى إلَيْهِ، بِخِلَافِ كَفَّارَةٍ أُخْرَى لِأَنَّ الْمُسْتَوْفِيَ فِي حُكْمِ تِلْكَ الْكَفَّارَةِ كَالْمَعْدُومِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ مِثْلَهُ فِي هَذِهِ الْكَفَّارَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا (وَقَدْ قِيلَ يَجْزِيهِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى التَّمْلِيكِ كَثِيرَةٌ تَتَجَدَّدُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ) فَإِذَا فَرَّقَ بِدَفَعَاتٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ جَازَ كَمَا

بِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَ بِدَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ، لِأَنَّ التَّفْرِيقَ وَاجِبٌ بِالنَّصِّ. (وَإِنْ قَرُبَ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا فِي خِلَالِ الْإِطْعَامِ لَمْ يَسْتَأْنِفْ) لِأَنَّهُ تَعَالَى مَا شَرَطَ فِي الْإِطْعَامِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْمَسِيسِ، إلَّا أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ الْمَسِيسِ قَبْلَهُ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِعْتَاقِ أَوْ الصَّوْمِ فَيَقَعَانِ بَعْدَ الْمَسِيسِ، وَالْمَنْعُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ لَا يَعْدَمُ الْمَشْرُوعِيَّةَ فِي نَفْسِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْأَيَّامِ، بِخِلَافِ حَاجَةِ الْإِبَاحَةِ بِالْإِطْعَامِ فَإِنَّهُ إذَا اسْتَوْفَى حَاجَتَهُ فِي يَوْمٍ تَنْتَهِي حَاجَتُهُ إلَى الطَّعَامِ وَلَا تَتَجَدَّدُ إلَّا بِتَجَدُّدِ الْأَيَّامِ، وَ (بِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَ دَفْعَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ التَّفْرِيقَ وَاجِبٌ بِالنَّصِّ) وَهُوَ قَوْلُهُ {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] وَلَمْ يُوجَدْ لَا حَقِيقَةً وَلَا تَقْدِيرًا فَلَا يَجُوزُ كَالْحَاجِّ إذَا رَمَى الْحَصَيَاتِ السَّبْعَ دَفْعَةً وَاحِدَةً. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَرِبَ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا فِي خِلَالِ الْإِطْعَامِ) وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَالْمَنْعُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ) يَعْنِي تَوَهُّمَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِعْتَاقِ

(وَإِذَا أَطْعَمَ عَنْ ظِهَارَيْنِ سِتِّينَ مِسْكِينًا كُلَّ مِسْكِينٍ صَاعًا مِنْ بُرٍّ لَمْ يَجْزِهِ إلَّا عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُجْزِئُهُ عَنْهُمَا، وَإِنْ أَطْعَمَ ذَلِكَ عَنْ إفْطَارٍ وَظِهَارٍ أَجْزَأَهُ عَنْهُمَا) لَهُ أَنَّ بِالْمُؤَدَّى وَفَاءً بِهِمَا وَالْمَصْرُوفُ إلَيْهِ مَحِلٌّ لَهُمَا فَيَقَعُ عَنْهُمَا كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ السَّبَبُ أَوْ فَرَّقَ فِي الدَّفْعِ. وَلَهُمَا أَنَّ النِّيَّةَ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَغْوٌ وَفِي الْجِنْسَيْنِ مُعْتَبَرَةٌ، وَإِذَا لَغَتْ النِّيَّةُ وَالْمُؤَدَّى يَصْلُحُ كَفَّارَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ نِصْفَ الصَّاعِ أَدْنَى الْمَقَادِيرِ فَيَمْنَعُ النُّقْصَانَ دُونَ الزِّيَادَةِ فَيَقَعُ عَنْهُمَا كَمَا إذَا نَوَى أَصْلَ الْكَفَّارَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا فَرَّقَ فِي الدَّفْعِ لِأَنَّهُ فِي الدَّفْعَةِ الثَّانِيَةِ فِي حُكْمِ مِسْكِينٍ آخَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَعْدَمُ الْمَشْرُوعِيَّةَ فِي نَفْسِهِ كَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ وَالصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ. قَالَ (وَإِذَا أَطْعَمَ عَنْ ظِهَارَيْنِ) وَإِذَا أَطْعَمَ الْمُظَاهِرُ عَنْ ظِهَارَيْنِ (سِتِّينَ مِسْكِينًا كُلَّ مِسْكِينٍ صَاعًا مِنْ بُرٍّ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا عَنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُجْزِئُهُ عَنْهُمَا، وَإِنْ أَطْعَمَ ذَلِكَ عَنْ إفْطَارٍ وَظِهَارٍ أَجْزَأَهُ عَنْهُمَا) اتِّفَاقًا (لَهُ أَنَّ بِالْمُؤَدَّى وَفَاءً بِهِمَا) إذْ الْوَاجِبُ عَنْ كُلِّ ظِهَارٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ فَفِي الصَّاعِ وَفَاءٌ بِهِمَا لَا مَحَالَةَ (وَالْمَصْرُوفُ إلَيْهِ مَحَلٌّ لَهُمَا) لِأَنَّ الْفَقِيرَ لَا يَخْرُجُ بِأَخْذِ أَحَدِ الْحَقَّيْنِ عَنْ كَوْنِهِ مَصْرِفًا لِبَقَاءِ الْخَلَّةِ وَالنِّيَّةُ مُعَيَّنَةٌ (فَيَقَعُ عَنْهُمَا كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ السَّبَبُ) يَعْنِي أَطْعَمَ ذَلِكَ عَنْ إفْطَارٍ وَظِهَارٍ (أَوْ فَرَّقَ فِي الدَّفْعِ. وَلَهُمَا أَنَّ النِّيَّةَ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَغْوٌ) لِأَنَّ النِّيَّةَ لِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ وَالْفَرْضُ عَدَمُهَا فَلَغَتْ النِّيَّةُ (وَإِذَا لَغَتْ وَالْمُؤَدَّى يَصْلُحُ كَفَّارَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ نِصْفَ الصَّاعِ أَدْنَى الْمَقَادِيرِ، وَالْمَقَادِيرُ تَمْنَعُ النُّقْصَانَ دُونَ الزِّيَادَةِ فَيَقَعُ عَنْهَا، كَمَا إذَا نَوَى أَصْلَ الْكَفَّارَةِ) فَإِنَّهُ يَقَعُ عَنْ إحْدَاهُمَا بِالِاتِّفَاقِ (بِخِلَافِ مَا إذَا فَرَّقَ فِي الدَّفْعِ لِأَنَّهُ فِي الدَّفْعَةِ الثَّانِيَةِ فِي حُكْمِ مِسْكِينٍ آخَرَ) وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ كُلَّ ظِهَارٍ وَجَبَ لِسَبَبٍ عَلَى حِدَةٍ وَكَانَا بِمَنْزِلَةِ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ عَنْهُمَا. وَالثَّانِي أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا عَنْ أَحَدِ الظِّهَارَيْنِ بِعَيْنِهِ صَحَّ نِيَّةُ التَّعْيِينِ وَلَمْ تَلْغُ وَإِنْ كَانَ الْجِنْسُ وَاحِدًا وَلِهَذَا حَلَّ وَطْءُ الَّتِي

(وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَتَا ظِهَارٍ فَأَعْتَقَ رَقَبَتَيْنِ لَا يَنْوِي عَنْ إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا جَازَ عَنْهُمَا، وَكَذَا إذَا صَامَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَطْعَمَ مِائَةً وَعِشْرِينَ مِسْكِينًا جَازَ) لِأَنَّ الْجِنْسَ مُتَّحِدٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى نِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ (وَإِنْ أَعْتَقَ عَنْهُمَا رَقَبَةً وَاحِدَةً أَوْ صَامَ شَهْرَيْنِ كَانَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ عَنْ أَيِّهِمَا شَاءَ، وَإِنْ أَعْتَقَ عَنْ ظِهَارٍ وَقُتِلَ لَمْ يَجُزْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجْزِيه عَنْ أَحَدِهِمَا فِي الْفَصْلَيْنِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهُ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ عَنْ أَحَدِهِمَا فِي الْفَصْلَيْنِ لِأَنَّ الْكَفَّارَاتِ كُلَّهَا بِاعْتِبَارِ اتِّحَادِ الْمَقْصُودِ جِنْسٌ وَاحِدٌ. وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَنْ كُلِّ ظِهَارٍ نِصْفَ الْعَبْدِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ عَنْ أَحَدِهِمَا بَعْدَمَا أَعْتَقَ عَنْهُمَا لِخُرُوجِ الْأَمْرِ مِنْ يَدِهِ. وَلَنَا أَنَّ نِيَّةَ التَّعْيِينِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَيَّنَهَا. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ النِّيَّةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْجِنْسَيْنِ لَا فِيمَا كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسَيْنِ وَهُوَ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ إعْتَاقَ الرَّقَبَةِ يَصْلُحُ كَفَّارَةً عَنْ أَحَدِ الظِّهَارَيْنِ قَدْرًا وَمَحَلًّا فَصَحَّتْ نِيَّتُهُ. فَأَمَّا إطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا كُلَّ مِسْكِينٍ صَاعًا. فَإِنْ صَلُحَ عَنْ الظِّهَارَيْنِ قَدْرًا لَمْ يَصْلُحْ لَهُمَا مَحَلًّا لِأَنَّ مَحَلَّهُمَا مِائَةٌ وَعِشْرُونَ مِسْكِينًا عِنْدَ عَدَمِ التَّفْرِيقِ، فَإِذَا زَادَ فِي الْوَظِيفَةِ وَنَقَصَ عَنْ الْمَحَلِّ وَجَبَ أَنْ يَعْتَبِرَ قَدْرَ الْمَحَلِّ احْتِيَاطًا، كَمَا لَوْ أَعْطَى ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا كُلَّ وَاحِدٍ صَاعًا. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَتَا ظِهَارٍ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (كَانَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ عَنْ أَيِّهِمَا شَاءَ) جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِخُرُوجِ الْأَمْرِ مِنْ يَدِهِ (وَإِنْ أَعْتَقَ عَنْ ظِهَارٍ وَقَتْلٍ لَمْ يَجُزْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُجْزِيهِ عَنْ أَحَدِهِمَا فِي الْفَصْلَيْنِ) يَعْنِي فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ وَمُخْتَلِفِهِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهُ أَنْ يَجْعَلَ عَنْ أَيِّهِمَا شَاءَ فِي الْفَصْلَيْنِ لِأَنَّ الْكَفَّارَاتِ بِاعْتِبَارِ اتِّحَادِ الْمَقْصُودِ) وَهُوَ السَّتْرُ (جِنْسٌ وَاحِدٌ) وَالنِّيَّةُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ غَيْرُ مُفِيدٍ فَبَقِيَ نِيَّةُ أَصْلِ الْكَفَّارَةِ، وَلَوْ نَوَى أَصْلَ الْكَفَّارَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ عَنْ أَيِّهِمَا شَاءَ فَكَذَا هَذَا (وَوَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّهُ أَعْتَقَ مِنْ كُلِّ ظِهَارٍ نِصْفَ الْعَبْدِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ عَنْ أَحَدِهِمَا لِخُرُوجِ الْأَمْرِ مِنْ يَدِهِ. وَلَنَا أَنَّ نِيَّةَ التَّعْيِينِ

فِي الْجِنْسِ الْمُتَّحِدِ غَيْرُ مُفِيدٍ فَتَلْغُو، وَفِي الْجِنْسِ الْمُخْتَلِفِ مُفِيدَةٌ، وَاخْتِلَافُ الْجِنْسِ فِي الْحُكْمِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ هَاهُنَا بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ. نَظِيرُ الْأَوَّلِ إذَا صَامَ يَوْمًا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ عَنْ يَوْمَيْنِ يَجْزِيه عَنْ قَضَاءِ يَوْمٍ وَاحِدٍ. وَنَظِيرُ الثَّانِي إذَا كَانَ عَلَيْهِ صَوْمُ الْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّمْيِيزِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْجِنْسِ الْمُتَّحِدِ لَغْوٌ) قِيلَ مَعْنَاهُ نَوَى التَّوْزِيعَ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَكَانَ لَغْوًا، وَإِذَا لَغَتْ صَارَ كَأَنَّهُ أَعْتَقَ رَقَبَةً عَنْ الظِّهَارَيْنِ وَلَمْ يَنْوِ عَنْهُمَا، وَذَلِكَ جَائِزٌ وَلَهُ أَنْ يَصْرِفَهَا إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْكَفَّارَتَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِأَنَّهُ نَوَى التَّوْزِيعَ فِي الْجِنْسِ الْمُخْتَلِفِ وَكَانَتْ مُعْتَبَرَةً فَلَا يَكُونُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ اخْتِلَافَ الْجِنْسِ. فَإِنَّ الْحُكْمَ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ بِالْإِعْتَاقِ فِي الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَاحِدٌ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَاخْتِلَافُ الْجِنْسِ فِي الْحُكْمِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ هَاهُنَا بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ) فَإِنَّ الْقَتْلَ يُخَالِفُ الظِّهَارَ لَا مَحَالَةَ، وَاخْتِلَافُ السَّبَبِ يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَافِ الْحُكْمِ لِأَنَّ الْحُكْمَ مَلْزُومُ السَّبَبِ، وَاخْتِلَافُ اللَّوَازِمِ يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَلْزُومَاتِ. وَلَمَّا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ صَحَّتْ النِّيَّةُ فَكَانَ إعْتَاقَ رَقَبَةٍ وَاحِدَةٍ عَنْ كَفَّارَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ فَيَكُونُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ الرَّقَبَةِ فَلَا يَجُوزُ، ثُمَّ نَظَرَ الْمُصَنِّفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْجِنْسَيْنِ الْمُتَّحِدِ وَالْمُخْتَلِفِ بِمَا ذَكَرَهُ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ فَقَالَ (نَظِيرُ الْأَوَّلِ) يَعْنِي الْجِنْسَ الْمُتَّحِدَ (إذَا صَامَ يَوْمًا قَضَاءَ رَمَضَانَ عَنْ يَوْمَيْنِ يَجْزِيهِ عَنْ قَضَاءِ يَوْمٍ وَاحِدٍ) بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ إلْغَاءِ نِيَّةِ التَّوْزِيعِ وَبَقَاءِ أَصْلِ النِّيَّةِ إذْ الْجِنْسُ مُتَّحِدٌ (وَنَظِيرُ الثَّانِي) يَعْنِي الْجِنْسَ الْمُخْتَلِفَ (إذَا كَانَ عَلَيْهِ صَوْمُ الْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّمْيِيزِ) فَإِنْ نَوَى مِنْ اللَّيْلِ أَنْ يَصُومَ غَدًا عَنْهُمَا كَانَتْ النِّيَّةُ مُعْتَبَرَةً وَلَا يَصِيرُ صَائِمًا إذْ الْجِنْسُ مُخْتَلِفٌ. وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذَا بِمَا إذَا نَوَى عَنْ قَضَاءِ ظُهْرَيْنِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْجِنْسَ مُتَّحِدٌ وَتَعْيِينُ النِّيَّةِ لَا بُدَّ مِنْهُ وَإِلَّا لَا يَقَعُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ اتِّحَادَ الْجِنْسِ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْخِطَابِ وَالسَّبَبِ، فَإِنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا سَبَبًا وَخِطَابًا عَلَى حِدَةٍ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّ الْجَمِيعَ ثَابِتٌ بِخِطَابٍ فَلْيَصُمْهُ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ إلَخْ.

[باب اللعان]

(بَابُ اللِّعَانِ) : قَالَ (إذَا قَذَفَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بِالزِّنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ اللِّعَانِ] قَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ فِي أَوَّلِ الظِّهَارِ. وَاللِّعَانُ فِي اللُّغَةِ: الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ، يُقَالُ لَاعَنَهُ مُلَاعَنَةً وَلِعَانًا، ثُمَّ لُقِّبَ الْبَابُ بِاللِّعَانِ دُونَ الْغَضَبِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ الْغَضَبُ أَيْضًا لِأَنَّ اللَّعْنَ مِنْ جَانِبِ الرَّجُلِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ، وَفِي الشَّرِيعَةِ شَهَادَاتٌ تَجْرِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مَقْرُونَةٌ بِاللَّعْنِ وَالْغَضَبِ، وَسَبَبُهُ قَذْفُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ قَذْفًا يُوجِبُ الْحَدَّ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ، وَشَرْطُهُ النِّكَاحُ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْقَذْفِ لَا يَجْرِي اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا. وَرُكْنُهُ الشَّهَادَاتُ الْمَخْصُوصَةُ الَّتِي تَجْرِي بِكَلِمَاتٍ مَعْرُوفَةٍ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ. وَحُكْمُهُ حُرْمَةُ الْوَطْءِ وَالِاسْتِمْتَاعِ كَمَا فَرَغَا مِنْ اللِّعَانِ. قَالَ (وَإِذَا قَذَفَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بِالزِّنَا

وَهُمَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَالْمَرْأَةُ مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا أَوْ نَفَى نَسَبَ وَلَدِهَا وَطَالَبَتْهُ بِمُوجِبِ الْقَذْفِ فَعَلَيْهِ اللِّعَانُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُمَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ) أَيْ مِنْ أَهْلِ أَدَائِهَا وَلِهَذَا لَا يُجْرَى بَيْنَ الْمَمْلُوكَيْنِ (وَالْمَرْأَةُ مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا) حَتَّى لَوْ لَمْ تَكُنْ مِنْ ذَلِكَ بِأَنْ تَزَوَّجَتْ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ وَدَخَلَ بِهَا أَوْ كَانَ لَهَا وَلَدٌ مَجْهُولُ النَّسَبِ لَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا (أَوْ نَفَى نَسَبَ وَلَدِهَا وَطَالَبَتْهُ بِمُوجِبِ الْقَذْفِ فَعَلَيْهِ اللِّعَانُ) فَإِنْ قِيلَ: اللِّعَانُ يَجْرِي بَيْنَ الْأَعْمَيَيْنِ وَالْفَاسِقَيْنِ وَلَيْسَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَتَخْصِيصُ الْمَرْأَةِ بِكَوْنِهَا مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا غَيْرُ مُفِيدٍ لِكَوْنِهِ شَرْطًا فِي جَانِبِ الرَّجُلِ أَيْضًا حَتَّى لَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ لَا يَجْرِي وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا أُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ لَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِشَهَادَتِهِمْ جَازَ، كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ إنَّمَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهَا مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا لِئَلَّا يَخْلُوَ الْقَذْفُ عَنْ إيجَابِ حُكْمٍ، فَإِنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ الرَّجُلَ حَدٌّ وَلَا لِعَانٌ لِأَنَّ اللِّعَانَ قَائِمٌ فِي حَقِّهِ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ وَهُوَ يَقْتَضِي إحْصَانَهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الرَّجُلُ مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهُ وَقَذَفَ فَإِنَّهُ يُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ، فَلَمْ

وَالْأَصْلُ أَنَّ اللِّعَانَ عِنْدَنَا شَهَادَاتٌ مُؤَكَّدَاتٌ بِالْأَيْمَانِ مَقْرُونَةٌ بِاللَّعْنِ قَائِمَةٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي حَقِّهِ وَمَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فِي حَقِّهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6] وَالِاسْتِثْنَاءُ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْجِنْسِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQيَخْلُ الْقَذْفُ عَنْ إيجَابِ حُكْمٍ. وَقَوْلُهُ (وَالْأَصْلُ) اعْلَمْ أَنَّ مُوجَبَ قَذْفِ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ كَانَ حَدَّ الْقَذْفِ فِي الِابْتِدَاءِ كَمَا فِي الْأَجْنَبِيَّةِ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] الْآيَةَ، وَلِمَا رُوِيَ عَنْ «ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ كُنَّا جُلُوسًا فِي الْمَسْجِدِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ إذْ دَخَلَ أَنْصَارِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَجِدُ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، فَإِنْ قَتَلَ قَتَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَكَلَّمَ جَلَدْتُمُوهُ وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى غَيْظٍ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ افْتَحْ، فَنَزَلَتْ آيَةُ اللِّعَانِ» وَلِأَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ حِينَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ: ائْتِ بِأَرْبَعَةٍ مِنْ الشُّهَدَاءِ يَشْهَدُونَ عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِك وَإِلَّا تُجْلَدُ عَلَى ظَهْرِك فَقَالَ الصَّحَابَةُ: الْآنَ يُجْلَدُ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ فَتَبْطُلُ شَهَادَتُهُ فِي الْمُسْلِمِينَ» ، فَثَبَتَ أَنَّ مُوجِبَ الْقَذْفِ فِي الزَّوْجَةِ كَانَ الْحَدَّ ثُمَّ انْتَسَخَ ذَلِكَ بِاللِّعَانِ، فَنَظَرْنَا فِي آيَةِ اللِّعَانِ فَوَجَدْنَاهَا دَالَّةً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي اللِّعَانِ أَنْ يَكُونَ شَهَادَاتٍ مُؤَكَّدَاتٍ بِالْأَيْمَانِ مَقْرُونَةً بِاللَّعْنِ قَائِمَةً مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَمَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فِي حَقِّهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6] وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اسْتَثْنَى الْأَزْوَاجَ مِنْ الشُّهَدَاءِ. وَالْأَصْلُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْجِنْسِ، وَلَا شُهَدَاءَ إلَّا بِالشَّهَادَةِ وَلَا شَهَادَةَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ إلَّا كَلِمَاتُ اللِّعَانِ فَدَلَّ أَنَّهَا شَهَادَاتٌ أُكِّدَتْ بِالْأَيْمَانِ نَفْيًا لِلتُّهْمَةِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى

{فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6] نَصٌّ عَلَى الشَّهَادَةِ وَالْيَمِينِ فَقُلْنَا الرُّكْنُ هُوَ الشَّهَادَةُ الْمُؤَكَّدَةُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ قَرَنَ الرُّكْنَ فِي جَانِبِهِ بِاللَّعْنِ لَوْ كَانَ كَاذِبًا وَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ وَفِي جَانِبِهَا بِالْغَضَبِ وَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الزِّنَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQ {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6] نَصَّ عَلَى الشَّهَادَةِ وَالْيَمِينِ، فَقُلْنَا: الرُّكْنُ هُوَ الشَّهَادَةُ الْمُؤَكَّدَةُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ قَرَنَ الرُّكْنَ فِي جَانِبِهِ بِاللَّعْنِ لَوْ كَانَ كَاذِبًا تَأْكِيدًا وَهُوَ قَائِمٌ فِي حَقِّهِ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ وَفِي جَانِبِهَا بِالْغَضَبِ لِأَنَّهُنَّ يَسْتَعْمِلْنَ اللَّعْنَ فِي كَلَامِهِنَّ كَثِيرًا عَلَى مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «إنَّهُنَّ يُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَيَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ» وَسَقَطَتْ حُرْمَةُ اللَّعْنِ عَنْ أَعْيُنِهِنَّ فَعَسَاهُنَّ يَجْتَرِئْنَ عَلَى الْإِقْدَامِ لِكَثْرَةِ جَرْيِ اللَّعْنِ عَلَى أَلْسِنَتِهِنَّ وَسُقُوطِ وَقْعِهِ عَنْ قُلُوبِهِنَّ فَقَرَنَ الرُّكْنَ فِي جَانِبِهَا بِالْغَضَبِ رَدْعًا لَهُنَّ عَنْ الْإِقْدَامِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا مَعْنَى إقَامَةِ الشَّهَادَةِ مَقَامَ الْحَدِّ فِي الطَّرَفَيْنِ وَمَا الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْحَدِّ وَالشَّهَادَةِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَدَّ زَاجِرٌ، وَالِاسْتِشْهَادَ بِاَللَّهِ كَاذِبًا مَقْرُونًا بِاللَّعْنِ عَلَى نَفْسِهِ سَبَبُ الْهَلَاكِ، وَفِي ذَلِكَ زَجْرٌ عَنْ الْإِقْدَامِ عَلَى سَبَبِهِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ اللِّعَانُ قَائِمًا فِي حَقَّةِ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ يَجْرِي كَجَرَيَانِهِ فِي الِاتِّحَادِ وَالتَّعَدُّدِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ مَنْ قَذَفَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ لَهُ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي كَلَامٍ مُتَفَرِّقٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُلَاعِنَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عَلَى حِدَةٍ، وَإِنْ قَذَفَ أَجْنَبِيَّاتٍ فَإِنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ لَهُنَّ مَرَّةً وَاحِدَةً. أُجِيبَ بِأَنَّ اللِّعَانَ قَائِمٌ فِي حَقِّهِ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ بِقَذْفِ امْرَأَتِهِ لَا مُطْلَقًا لِأَنَّهُ صَارَ بَدَلًا عَمَّا كَانَ يَلْزَمُهُ فِي الِابْتِدَاءِ بِقَذْفِهَا فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْأَجْنَبِيَّاتُ، عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الِاخْتِلَافَ لِاخْتِلَافِ الْمَقْصُودِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ هُنَاكَ دَفْعُ عَارِ الزِّنَا عَنْهُنَّ وَذَلِكَ يَحْصُلُ

إذَا ثَبَتَ هَذَا نَقُولُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الرُّكْنَ فِيهِ الشَّهَادَةُ وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ هِيَ مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا لِأَنَّهُ قَائِمٌ فِي حَقِّهِ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فَلَا بُدَّ مِنْ إحْصَانِهَا، وَيَجِبُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ لَمَّا نَفَى وَلَدَهَا صَارَ قَاذِفًا لَهَا ظَاهِرًا وَلَا يُعْتَبَرُ احْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ مِنْ غَيْرِهِ بِالْوَطْءِ مِنْ شُبْهَةٍ، كَمَا إذَا نَفَى أَجْنَبِيٌّ نَسَبَهُ عَنْ أَبِيهِ الْمَعْرُوفِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّسَبِ الْفِرَاشُ الصَّحِيحُ وَالْفَاسِدُ مُلْحَقٌ بِهِ. فَنَفْيُهُ عَنْ الْفِرَاشِ الصَّحِيحِ قَذْفٌ حَتَّى يَظْهَرَ الْمُلْحَقُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِإِقَامَةِ حَدٍّ وَاحِدٍ، وَهَاهُنَا لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِلِعَانٍ وَاحِدٍ لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُنَّ بِكَلِمَاتِ اللِّعَانِ، فَقَدْ يَكُونُ صَادِقًا فِي حَقِّ بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ، وَالْمَقْصُودُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِلِعَانِ بَعْضِهِنَّ فَيُلَاعِنُ كُلًّا مِنْهُنَّ عَلَى حِدَةٍ، حَتَّى لَوْ كَانَ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ كَانَ عَلَيْهِ لَهُنَّ حَدٌّ وَاحِدٌ لِأَنَّ مُوجَبَ قَذْفِهِنَّ الْحَدُّ حِينَئِذٍ، وَالْمَقْصُودُ يَحْصُلُ بِحَدٍّ وَاحِدٍ كَمَا فِي الْأَجْنَبِيَّاتِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ عِنْدَنَا لِأَنَّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ اللِّعَانَ أَيْمَانٌ مُؤَكَّدَاتٌ بِالشَّهَادَةِ، فَمَنْ كَانَ أَهْلًا لِلْيَمِينِ كَانَ أَهْلًا لِلِّعَانِ. قَالَ (إذَا ثَبَتَ هَذَا نَقُولُ) يَعْنِي إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ اللِّعَانَ عِنْدَنَا شَهَادَاتٌ مُؤَكَّدَاتٌ بِالْأَيْمَانِ نَقُولُ (لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُتَلَاعِنَانِ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الرُّكْنَ فِيهِ الشَّهَادَةُ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا لِأَنَّهُ قَائِمٌ فِي حَقِّهِ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِحْصَانِ، وَيَجِبُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ لَمَّا نَفَى وَلَدَهَا صَارَ قَاذِفًا لَهَا) كَمَا إذَا نَفَى أَجْنَبِيٌّ نَسَبَ وَلَدٍ عَنْ أَبِيهِ الْمَعْرُوفِ فَإِنَّهُ يَكُونُ قَذْفًا لِلْمَرْأَةِ فَكَذَلِكَ هَذَا (وَلَا يُعْتَبَرُ احْتِمَالُ كَوْنِ الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِهِ بِالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّسَبِ الْفِرَاشُ الصَّحِيحُ وَالْفَاسِدُ مُلْحَقٌ بِهِ، فَنَفْيُهُ عَنْ الْفِرَاشِ الصَّحِيحِ قَذْفٌ حَتَّى يَظْهَرَ الْمُلْحَقُ بِهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَصِيرُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ قَاذِفًا لَهَا مَا لَمْ يَقُلْ وَإِنَّهُ مِنْ الزِّنَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ كَمَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ لَيْسَ هَذَا الْوَلَدُ الَّذِي وَلَدْته مِنْ زَوْجِك فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ قَاذِفًا مَا لَمْ يَقُلْ وُلِدَ مِنْ الزِّنَا

وَيُشْتَرَطُ طَلَبُهَا لِأَنَّهُ حَقُّهَا فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهَا كَسَائِرِ الْحُقُوقِ (فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْهُ حَبَسَهُ الْحَاكِمُ حَتَّى يُلَاعِنَ أَوْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ) لِأَنَّهُ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إيفَائِهِ فَيُحْبَسُ بِهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِمَا هُوَ عَلَيْهِ أَوْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ لِيَرْتَفِعَ السَّبَبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالِاتِّفَاقِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ، إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ لِضَرُورَةٍ فِي اللِّعَانِ، لِأَنَّ الزَّوْجَ قَدْ يَعْلَمُ أَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْهُ بِأَنْ لَمْ يَطَأْهَا أَوْ عَزَلَ عَنْهَا عَزْلًا بَيِّنًا وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ بِزِنًا أَوْ بِوَطْءٍ عَنْ شُبْهَةٍ فَاكْتَفَى بِنَفْيِ الْوَلَدِ حَتَّى يَنْتَفِيَ عَنْهُ نَسَبُ الْوَلَدِ، وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ مَعْدُومَةٌ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ. (وَيُشْتَرَطُ طَلَبُهَا بِمُوجَبِ الْقَذْفِ لِأَنَّهُ حَقُّهَا) لِأَنَّهُ بِاللِّعَانِ يَنْدَفِعُ عَارُ الزِّنَا عَنْهَا (فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهَا كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، فَإِنْ امْتَنَعَ الزَّوْجُ عَنْ اللِّعَانِ حَبَسَهُ الْحَاكِمُ حَتَّى يُلَاعِنَ أَوْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ لِأَنَّهُ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إيفَائِهِ فَيُحْبَسُ بِهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِمَا هُوَ عَلَيْهِ أَوْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ لِيَرْتَفِعَ السَّبَبُ) وَفِي نُسْخَةٍ: لِيَرْتَفِعَ الشَّيْنُ، وَمَعْنَى النُّسْخَةِ الْأُولَى لِيَرْتَفِعَ السَّبَبُ: أَيْ سَبَبُ اللِّعَانِ: أَيْ عِلَّتُهُ وَهُوَ التَّكَاذُبُ لِأَنَّ اللِّعَانَ إنَّمَا يَجِبُ إذَا أَكْذَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْآخَرَ فِيمَا يَدَّعِيهِ بَعْدَ قَذْفِ الزَّوْجِ امْرَأَتَهُ بِالزِّنَا؛ وَأَمَّا إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ فَلَمْ يَبْقَ التَّكَاذُبُ بَلْ وَافَقَ الْمَرْأَةَ فِي أَنَّهَا لَمْ تَزْنِ وَلَا يَجْرِي اللِّعَانُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَأَمَّا النُّسْخَةُ الْأُخْرَى فَقِيلَ إنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ عَلَى زَعْمِ أَنَّ سَبَبَ اللِّعَانِ لَا يَرْتَفِعُ بِالْإِكْذَابِ بَلْ يَتَقَرَّرُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِالْإِكْذَابِ وَهُوَ الْأَصْلُ فِي الْقَذْفِ لَكِنْ يَرْتَفِعُ الشَّيْنُ بِالتَّكَاذُبِ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ: أَرَادَ بِالسَّبَبِ الشَّرْطَ لِأَنَّ التَّكَاذُبَ شَرْطُ اللِّعَانِ: قِيلَ قَوْلُهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إيفَائِهِ احْتِرَازٌ عَنْ الْمَدْيُونِ الْمُفْلِسِ، فَإِنَّ الدَّيْنَ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ

(وَلَوْ لَاعَنَ وَجَبَ عَلَيْهَا اللِّعَانُ) لِمَا تَلَوْنَا مِنْ النَّصِّ إلَّا أَنَّهُ يُبْتَدَأُ بِالزَّوْجِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُدَّعِي (فَإِنْ امْتَنَعَتْ حَبَسَهَا الْحَاكِمُ حَتَّى تُلَاعِنَ أَوْ تُصَدِّقَهُ) لِأَنَّهُ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهَا وَهِيَ قَادِرَةٌ عَلَى إيفَائِهِ فَتُحْبَسُ فِيهِ. (وَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا ـــــــــــــــــــــــــــــQلَكِنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى إيفَائِهِ فَلَا يُحْبَسُ (وَلَوْ لَاعَنَ وَجَبَ عَلَيْهَا اللِّعَانُ لِمَا تَلَوْنَا مِنْ النَّصِّ) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6] وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّهُ يُبْتَدَأُ بِالزَّوْجِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُدَّعِي) بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللِّعَانَ شَهَادَاتٌ وَالْمُطَالِبُ بِهَا هُوَ الْمُدَّعِي وَالِاسْتِثْنَاءُ بِمَعْنَى لَكِنَّ كَأَنَّهُ اسْتَشْعَرَ أَنْ يُقَالَ الْمَتْلُوُّ مِنْ النَّصِّ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمَبْدُوءِ بِهِ فَقَالَ إلَّا أَنَّهُ يُبْتَدَأُ بِهِ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ امْتَنَعَتْ) ظَاهِرٌ. (وَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا) بِأَنْ كَانَا كَافِرَيْنِ فَأَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ وَقَذَفَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ

أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ فَقَذَفَ امْرَأَتَهُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ) لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اللِّعَانُ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ فَيُصَارُ إلَى الْمُوجِبِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ الثَّابِتُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] الْآيَةَ، وَاللِّعَانُ خَلَفٌ عَنْهُ (وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَهِيَ أَمَةٌ أَوْ كَافِرَةٌ أَوْ مَحْدُودَةٌ فِي قَذْفٍ أَوْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا) بِأَنْ كَانَتْ صَبِيَّةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ زَانِيَةً (فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا لِعَانَ) لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ وَعَدَمِ الْإِحْصَانِ فِي جَانِبِهَا وَامْتِنَاعِ اللِّعَانِ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهَا فَيَسْقُطُ الْحَدُّ كَمَا إذَا صَدَّقَتْهُ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَرْبَعَةٌ لَا لِعَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِمْ: الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّة تَحْتَ الْمُسْلِمِ، وَالْمَمْلُوكَةُ تَحْتَ الْحُرِّ، وَالْحُرَّةُ تَحْتَ الْمَمْلُوكِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ (أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ فَقَذَفَ امْرَأَتَهُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اللِّعَانُ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ (فَيُصَارُ إلَى الْمُوجَبِ الْأَصْلِيِّ) وَهُوَ حَدُّ الْقَذْفِ (الثَّابِتُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] الْآيَةَ) فَإِنَّهُ كَانَ هُوَ الْمَشْرُوعُ أَوَّلًا ثُمَّ صَارَ اللِّعَانُ خَلَفًا عَنْهُ فِي قَذْفِ الزَّوْجِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرَائِطِ، فَإِذَا عُدِمَتْ صِيرَ إلَى الْأَصْلِ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ) هُوَ (مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَرْبَعَةٌ لَا لِعَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِمْ: الْيَهُودِيَّةُ، وَالنَّصْرَانِيَّةُ تَحْتَ الْمُسْلِمِ، وَالْمَمْلُوكَةُ تَحْتَ الْحُرِّ، وَالْحُرَّةُ تَحْتَ الْمَمْلُوكِ» ) قِيلَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يُوجَدْ لَهُ أَصْلٌ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ، وَلَكِنْ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الْبَاقِي إلَى عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وَلَوْ كَانَا مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّ امْتِنَاعَ اللِّعَانِ بِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ إذْ هُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقِيلَ: كَفَى بِأَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ لِعَدَالَتِهِ وَضَبْطِهِ وَفِقْهِهِ مُقْتَدًى (وَلَوْ كَانَا مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ) لِأَنَّ امْتِنَاعَ اللِّعَانِ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ كَوْنُهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا اُعْتُبِرَ جَانِبُهَا أَيْضًا وَهِيَ مَحْدُودَةٌ فِي الْقَذْفِ دَرْءًا لِلْحَدِّ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَانِعَ عَنْ الشَّيْءِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ مَانِعًا إذَا وُجِدَ الْمُقْتَضَى لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَمَّا يَنْتَفِي بِهِ الْحُكْمُ مَعَ قِيَامِ مُقْتَضِيهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ لَمْ يَنْعَقِدْ قَذْفُهُ مُقْتَضِيًا لِلْحُكْمِ وَهُوَ اللِّعَانُ، فَلَا يُعْتَبَرُ الْمَانِعُ وَالْقَذْفُ فِي نَفْسِهِ مُوجِبٌ الْحَدَّ فَيُحَدُّ، بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَ الْأَهْلِيَّةُ مِنْ جَانِبِهِ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ قَذْفُهُ مُقْتَضِيًا لَهُ، فَإِذَا ظَهَرَ عَدَمُ أَهْلِيَّتِهَا بِكَوْنِهَا مَحْدُودَةً فِي قَذْفِهِ بَطَلَ الْمُقْتَضَى فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ لَهُ بَلْ انْعَقَدَ اللِّعَانُ وَلَا لِعَانَ لِبُطْلَانِهِ بِالْمَانِعِ. وَنُوقِضَ بِمَا لَوْ قَذَفَ عَبْدَ امْرَأَتِهِ وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ أَوْ مُكَاتَبَةٌ فَإِنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا لِعَانَ، وَعَلَى قَوَدِ مَا ذَكَرْتُمْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ قَذْفُهُ مُقْتَضِيًا لِلْحُكْمِ وَهُوَ اللِّعَانُ فَيَجِبُ أَنْ يُحَدَّ لِأَنَّ الْقَذْفَ يُوجِبُهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي الْعَبْدِ شُبْهَةَ الْأَهْلِيَّةِ لِأَنَّ لَهُ شَهَادَةً بَعْدَ الْعِتْقِ فَاعْتُبِرَتْ دَرْءًا لِلْحَدِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَحْدُودُ فِي قَذْفٍ.

(وَصِفَةُ اللِّعَانِ أَنْ يَبْتَدِئَ الْقَاضِي بِالزَّوْجِ فَيَشْهَدُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ يَقُولُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا، وَيَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا. يُشِيرُ إلَيْهَا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ ثُمَّ تَشْهَدُ الْمَرْأَةُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ تَقُولُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا. وَتَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا) وَالْأَصْلُ فِي مَا تَلَوْنَاهُ مِنْ النَّصِّ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَأْتِي بِلَفْظَةِ الْمُوَاجَهَةِ يَقُولُ فِيمَا رَمَيْتُك بِهِ مِنْ الزِّنَا لِأَنَّهُ أَقْطَعُ لِلِاحْتِمَالِ. وَجْهُ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ لَفْظَةَ الْمُغَايَبَةِ إذَا انْضَمَّتْ إلَيْهَا الْإِشَارَةُ انْقَطَعَ الِاحْتِمَالُ. قَالَ (وَإِذَا الْتَعَنَا لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ حَتَّى يُفَرِّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ (وَصِفَةُ اللِّعَانِ أَنْ يَبْتَدِئَ الْقَاضِي) صِفَةَ اللِّعَانِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ.

وَقَالَ زُفَرُ: تَقَعُ بِتَلَاعُنِهِمَا لِأَنَّهُ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ الْمُؤَبَّدَةُ بِالْحَدِيثِ. وَلَنَا أَنَّ ثُبُوتَ الْحُرْمَةِ يُفَوِّتُ الْإِمْسَاكَ بِالْمَعْرُوفِ فَيَلْزَمُهُ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ، فَإِذَا امْتَنَعَ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ دَفْعًا لِلظُّلْمِ، دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ ذَلِكَ الْمُلَاعِنِ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَذَبْت عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ أَمْسَكْتهَا، هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، قَالَهُ بَعْدَ اللِّعَانِ (وَتَكُونُ الْفُرْقَةُ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ) رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِأَنَّ فِعْلَ الْقَاضِي انْتَسَبَ إلَيْهِ كَمَا فِي الْعِنِّينِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (فَإِذَا الْتَعْنَا لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ حَتَّى يُفَرِّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا) يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ التَّلَاعُنِ قَبْلَ تَفْرِيقِ الْحَاكِمِ تَوَارَثَا (وَقَالَ زُفَرُ: تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِتَلَاعُنِهِمَا لِأَنَّهُ يَثْبُتُ الْحُرْمَةُ الْمُؤَبَّدَةُ بِالْحَدِيثِ) يَعْنِي قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» نَفَى الِاجْتِمَاعَ بَعْدَ التَّلَاعُنِ، وَهُوَ تَنْصِيصٌ عَلَى وُقُوعِ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا بِالتَّلَاعُنِ (وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ (أَنَّ ثُبُوتَ الْحُرْمَةِ يُفَوِّتُ الْإِمْسَاكَ بِالْمَعْرُوفِ فَيَلْزَمُهُ التَّسْرِيحُ بِإِحْسَانٍ، فَإِذَا امْتَنَعَ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ دَفْعًا لِلظُّلْمِ) وَقَوْلُهُ (دَلَّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَنْ لَا تَقَعَ الْفُرْقَةُ حَتَّى يُفَرِّقَ الْقَاضِي، وَلَوْ قَالَ دَلَّ عَلَيْهِ أَيْضًا كَانَ أَوْلَى فَتَأَمَّلْ. وَقَوْلُهُ «قَوْلُ ذَلِكَ الْمُلَاعِنِ يُرِيدُ بِهِ عُوَيْمِرًا الْعَجْلَانِيَّ فَإِنَّهُ قَالَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ اللِّعَانِ: كَذَبْت عَلَيْهَا إنْ أَمْسَكْتهَا هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، وَلَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا لَأَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ «اذْهَبْ فَلَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا» أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ مُنْصَرِفٌ إلَى طَلَبِهِ رَدَّ الْمَهْرِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: «إنْ كُنْت صَادِقًا فَهُوَ لَهَا بِمَا اسْتَحْلَلْت مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كُنْت كَاذِبًا فَلَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا» . وَالْجَوَابُ عَنْ اسْتِدْلَالِ زُفَرَ بِالْحَدِيثِ يَجِيءُ (ثُمَّ إذَا فَرَّقَ الْحَاكِمُ تَكُونُ الْفُرْقَةُ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ فِعْلَ الْقَاضِي انْتَسَبَ إلَيْهِ لِنِيَابَتِهِ عَنْهُ كَمَا فِي الْعِنِّينِ)

(وَهُوَ خَاطِبٌ إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ) عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هُوَ تَحْرِيمٌ مُؤَبَّدٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» نَصَّ عَلَى التَّأْبِيدِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْإِكْذَابَ رُجُوعٌ وَالشَّهَادَةُ بَعْدَ الرُّجُوعِ لَا حُكْمَ لَهَا، لَا يَجْتَمِعَانِ مَا دَامَا مُتَلَاعِنَيْنِ، وَلَمْ يَبْقَ التَّلَاعُنُ وَلَا حُكْمُهُ بَعْدَ الْإِكْذَابِ فَيَجْتَمِعَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَهُوَ خَاطِبٌ إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ عِنْدَهُمَا) مَسْأَلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ) أَيْ الثَّابِتُ بِاللِّعَانِ (تَحْرِيمٌ مُؤَبَّدٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» ) نَصَّ عَلَى التَّأْبِيدِ وَهُوَ يُنَافِي عَوْدَهُ خَاطِبًا. (وَلَهُمَا أَنَّ الْإِكْذَابَ) أَيْ الْإِقْرَارَ بِالْكَذِبِ (رُجُوعٌ عَنْ الشَّهَادَةِ) وَالرُّجُوعُ عَنْهَا يُبْطِلُ حُكْمَهَا، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ نَصِّ التَّأْبِيدِ وَالْعَوْدِ خَاطِبًا لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَجْتَمِعَانِ مَا دَامَا مُتَلَاعِنَيْنِ، لِأَنَّهُمَا يَكُونَانِ مُتَلَاعِنَيْنِ، إمَّا حَقِيقَةً بِمُبَاشَرَتِهِمَا اللِّعَانَ، أَوْ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ بَقَاءِ حُكْمِهِ، وَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ بَعْدَ الْإِكْذَابِ، أَمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا حُكْمًا فَلِأَنَّهُ لَمَّا أَكْذَبَ نَفْسَهُ

(وَلَوْ كَانَ الْقَذْفُ بِوَلَدٍ نَفَى الْقَاضِي نَسَبَهُ وَأَلْحَقَهُ بِأُمِّهِ) وَصُورَةُ اللِّعَانِ أَنْ يَأْمُرَ الْحَاكِمُ الرَّجُلَ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُك بِهِ مِنْ نَفْيِ الْوَلَدِ، وَكَذَا فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ (وَلَوْ قَذَفَهَا بِالزِّنَا وَنَفَى الْوَلَدَ ذَكَرَ فِي اللِّعَانِ الْأَمْرَيْنِ ثُمَّ يَنْفِي الْقَاضِي نَسَبَ الْوَلَدِ وَيُلْحِقُهُ بِأُمِّهِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَفَى وَلَدَ امْرَأَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَبَطَلَتْ أَهْلِيَّةُ اللِّعَانِ، وَإِذَا بَطَلَتْ الْأَهْلِيَّةُ ارْتَفَعَ حُكْمُهُ فَيَجْتَمِعَانِ. (وَلَوْ كَانَ الْقَذْفُ بِوَلَدٍ نَفَى الْقَاضِي النَّسَبَ مِنْ الْأَبِ وَأَلْحَقَهُ بِأُمِّهِ) وَصُورَةُ اللِّعَانِ فِي ذَلِكَ أَنْ يَأْمُرَ الْحَاكِمُ الرَّجُلَ فَيَقُولَ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إلَخْ وَهُوَ

هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ هِلَالٍ وَأَلْحَقَهُ بِهَا» وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا اللِّعَانِ نَفْيُ الْوَلَدِ فَيُوَفِّرُ عَلَيْهِ مَقْصُودَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQظَاهِرٌ (وَقَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا اللِّعَانِ نَفْيُ الْوَلَدِ) حَيْثُ كَانَ الْقَذْفُ بِهِ (فَيُوَفِّرُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الزَّوْجِ مَقْصُودَهُ،

فَيَتَضَمَّنُهُ الْقَضَاءُ بِالتَّفْرِيقِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْقَاضِي يُفَرِّقُ وَيَقُولُ: قَدْ أَلْزَمْته أُمَّهُ وَأَخْرَجْته مِنْ نَسَبِ الْأَبِ لِأَنَّهُ يَنْفَكُّ عَنْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ (فَإِنْ عَادَ الزَّوْجُ وَأَكْذَبَ نَفْسَهُ حَدَّهُ الْقَاضِي) لِإِقْرَارِهِ بِوُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالْقَضَاءُ بِالتَّفْرِيقِ يَكُونُ مُتَضَمِّنًا لِنَفْيِهِ فَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَنْفِيَ الْقَاضِي نَسَبَهُ وَيَلْحَقَهُ بِأُمِّهِ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْقَاضِيَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا وَيَقُولُ قَدْ أَلْزَمْته أُمَّهُ وَأَخْرَجْته مِنْ نَسَبِ الْأَبِ) حَتَّى لَوْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ لَمْ يَنْتَفِ النَّسَبُ عَنْهُ (لِأَنَّهُ) أَيْ نَفْيَ الْوَلَدِ (يَنْفَكُّ عَنْهُ) أَيْ عَنْ التَّفَرُّقِ، إذْ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ التَّفْرِيقِ بِاللِّعَانِ نَفْيُ الْوَلَدِ كَمَا لَوْ مَاتَ الْوَلَدُ فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِاللِّعَانِ وَلَا يَنْتَفِي النَّسَبُ عَنْهُ فَلَا بُدَّ أَنْ يُصَرِّحَ الْقَاضِي بِنَفْيِ النَّسَبِ عَنْهُ. رَوَاهُ بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (فَإِنْ عَادَ الزَّوْجُ وَأَكْذَبَ نَفْسَهُ) بَعْدَ اللِّعَانِ (حَدَّهُ الْقَاضِي لِإِقْرَارِهِ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَيْهِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هَذَا إذَا لَمْ يُطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً بَائِنَةً بَعْدَ الْقَذْفِ، فَإِنَّهُ إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ الْقَذْفِ وَالْبَيْنُونَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَاللِّعَانُ، أَمَّا اللِّعَانُ فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِاللِّعَانِ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ فَلَا مَعْنَى لِلِّعَانِ لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ

(وَحَلَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا) وَهَذَا عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ لَمَّا حُدَّ لَمْ يَبْقَ أَهْلًا لِلِّعَانِ فَارْتَفَعَ حُكْمُهُ الْمَنُوطُ بِهِ وَهُوَ التَّحْرِيمُ (وَكَذَلِكَ إنْ قَذَفَ غَيْرَهَا فَحُدَّ بِهِ) لِمَا بَيَّنَّا (وَكَذَا إذَا زَنَتْ فَحُدَّتْ) لِانْتِفَاءِ أَهْلِيَّةِ اللِّعَانِ مِنْ جَانِبِهَا (وَإِذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ صَغِيرَةٌ أَوْ مَجْنُونَةٌ فَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّهُ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا لَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَذْفَهُ كَانَ مُوجِبًا لِلِّعَانِ، وَالْقَذْفُ الْوَاحِدُ لَا يُوجِبُ حَدَّيْنِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَمَا لَاعَنَهَا لِأَنَّ وُجُوبَ اللِّعَانِ هُنَاكَ بِأَصْلِ الْقَذْفِ وَالْحَدِّ بِكَلِمَاتِ اللِّعَانِ فَقَدْ نَسَبَهَا فِيهَا إلَى الزِّنَا وَانْتَزَعَ مَعْنَى الشَّهَادَةِ مِنْهَا بِإِكْذَابِهِ نَفْسَهُ، فَيَكُونُ هَذَا نَظِيرَ شُهُودِ الزِّنَا إذَا رَجَعُوا. وَأَمَّا فِيمَا قُلْنَا فَلَمْ يُوجَدْ كَلِمَاتُ اللِّعَانِ فَلِهَذَا لَا يُحَدُّ وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ، فَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا زَانِيَةُ كَانَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالتَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ، وَإِنَّمَا قَذَفَهَا بِالزِّنَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَلَوْ قَالَ يَا زَانِيَةُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَمْ يَلْزَمْهُ حَدٌّ وَلَا لِعَانٌ لِأَنَّهُ قَذَفَهَا وَهِيَ مَنْكُوحَتُهُ ثُمَّ أَبَانَهَا بِالتَّطْلِيقَاتِ. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ بَعْدَ قَذْفِهَا إذَا أَبَانَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ حَدٌّ وَلَا لِعَانٌ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ (وَقَوْلُهُ وَحَلَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا) تَكْرَارٌ لِقَوْلِهِ وَهُوَ خَاطِبٌ إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ عِنْدَهُمَا، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ ذَكَرَ هُنَاكَ تَفْرِيعًا وَنَقَلَ هَاهُنَا لَفْظَ الْقُدُورِيِّ. وَقَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إنْ قَذَفَ غَيْرَهَا فَحُدَّ بِهِ) يَعْنِي جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ لَمَّا حُدَّ لَمْ يَبْقَ أَهْلًا لِلِّعَانِ (وَكَذَا إذَا زَنَتْ فَحُدَّتْ) لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا (لِانْتِفَاءِ أَهْلِيَّةِ اللِّعَانِ مِنْ جَانِبِهَا) فَإِنْ قِيلَ: لَمَّا جَرَى اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا عُلِمَ أَنَّهُمَا زَوْجَانِ عَلَى صِفَةِ الْإِحْصَانِ، وَالْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ إذَا زَنَيَا بَعْدَ إحْصَانِهِمَا رُجِمَا فَحِينَئِذٍ كَانَ قَوْلُهُ فَحُدَّتْ مَعْنَاهُ رُجِمَتْ، فَبَعْدَ ذَلِكَ أَنَّى تَبْقَى مَحَلًّا لِلتَّزَوُّجِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ حُدَّتْ جُلِدَتْ، وَتَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَتَلَاعَنَا بَعْدَ التَّزَوُّجِ قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ إنَّهَا زَنَتْ بَعْدَ اللِّعَانِ فَكَانَ حَدُّهَا الْجَلْدَ دُونَ الرَّجْمِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُحْصَنَةٍ لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ إحْصَانِ الرَّجْمِ الدُّخُولَ بَعْدَ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَلَمْ يُوجَدْ. قَالَ (وَإِذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ صَغِيرَةٌ أَوْ مَجْنُونَةٌ فَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا لَوْ كَانَ الْقَاذِفُ أَجْنَبِيًّا) لِعَدَمِ إحْصَانِهِمَا، لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ

فَكَذَا لَا يُلَاعِنُ الزَّوْجُ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ (وَكَذَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا) لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ (وَقَذْفُ الْأَخْرَسِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ اللِّعَانُ) لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالصَّرِيحِ كَحَدِّ الْقَذْفِ، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يَعْرَى عَنْ الشُّبْهَةِ وَالْحُدُودُ تَنْدَرِئُ بِهَا (وَإِذَا قَالَ الزَّوْجُ لَيْسَ حَمْلُك مِنِّي فَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ لِأَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ بِقِيَامِ الْحَمْلِ فَلَمْ يَصِرْ قَاذِفًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: اللِّعَانُ يَجِبُ بِنَفْيِ الْحَمْلِ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَهُوَ مَعْنَى مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ، لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِقِيَامِ الْحَمْلِ عِنْدَهُ فَيَتَحَقَّقُ الْقَذْفُ. قُلْنَا: إذَا لَمْ يَكُنْ قَذْفًا فِي الْحَالِ يَصِيرُ كَالْمُعَلَّقِ بِالشَّرْطِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: إنْ كَانَ بِك حَمْلٌ فَلَيْسَ مِنِّي. وَالْقَذْفُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ (وَإِنْ قَالَ لَهَا زَنَيْت وَهَذَا الْحَمْلُ مِنْ الزِّنَا تَلَاعَنَا) لِوُجُودِ الْقَذْفِ حَيْثُ ذَكَرَ الزِّنَا صَرِيحًا (وَلَمْ يَنْفِ الْقَاضِي الْحَمْلَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَنْفِيه لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَفَى الْوَلَدَ عَنْ هِلَالٍ وَقَدْ قَذَفَهَا حَامِلًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبُلُوغَ وَالْعَقْلَ (فَكَذَا لَا يُلَاعِنُ الزَّوْجُ لِقِيَامِ اللِّعَانِ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ) لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُخَاطَبٍ (وَقَذْفُ الْأَخْرَسِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ اللِّعَانُ) لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ وَحَدُّ الْقَذْفِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالصَّرِيحِ فَكَذَلِكَ اللِّعَانُ (وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ) هُوَ يَقُولُ إشَارَةُ الْأَخْرَسِ كَعِبَارَةِ النَّاطِقِ (وَلَنَا أَنَّ الْإِشَارَةَ لَا تَعْرَى عَنْ الشُّبْهَةِ) لِكَوْنِهَا مُحْتَمَلَةً (وَالْحُدُودُ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ) وَاللِّعَانُ فِي مَعْنَى الْحَدِّ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ الزَّوْجُ لَيْسَ حَمْلُك مِنِّي) ظَاهِرٌ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ بِقِيَامِ الْحَمْلِ عِنْدَهُ لِلْقَذْفِ. وَقَوْلُهُ (وَالْقَذْفُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ) إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَذْفَ مِمَّا لَا يُحْلَفُ بِهِ لِإِفْضَائِهِ إلَى إبْقَائِهِ إلَى زَمَانِ وُجُودِ الشَّرْطِ فِي ذِمَّةِ الْحَالِفِ، وَفِي ذَلِكَ احْتِيَالٌ لِإِثْبَاتِ مَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ (وَإِنْ قَالَ لَهَا زَنَيْت وَهَذَا الْحَمْلُ مِنْ الزِّنَا) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ قَذَفَهَا حَامِلًا)

[نفى الرجل ولد امرأته عقيب الولادة أو في الحالة التي تقبل التهنئة]

وَلَنَا أَنَّ الْأَحْكَامَ لَا تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْوِلَادَةِ لِتَمَكُّنِ الِاحْتِمَالِ قَبْلَهُ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ عَرَفَ قِيَامَ الْحَبَلِ بِطَرِيقِ الْوَحْيِ (وَإِذَا نَفَى الرَّجُلُ وَلَدَ امْرَأَتِهِ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ أَوْ فِي الْحَالَةِ الَّتِي تَقْبَلُ التَّهْنِئَةَ وَتُبْتَاعُ آلَةُ الْوِلَادَةِ صَحَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQرُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إنْ جَاءَتْ بِهِ أُصَيْهِبَ أُرَيْصِحَ حَمْشَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِهِلَالٍ» وَفِي رِوَايَةٍ «أُحَيْمِرَ قَصِيرًا، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْوَدَ جَعْدًا جُمَالِيًّا فَهُوَ لِشَرِيكٍ، فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْلَا الْأَيْمَانُ الَّتِي سَبَقَتْ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» (وَلَنَا أَنَّ نَفْيَ الْوَلَدِ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِهِ، وَالْأَحْكَامُ لَا تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْوِلَادَةِ لِتَمَكُّنِ الِاحْتِمَالِ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ انْفِصَالِ الْوَلَدِ أَوْ قَبْلَ حُصُولِ الْوِلَادَةِ. فَإِنْ قِيلَ: بَلْ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ قَبْلَهَا كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ بِهِ وَلَهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ اللِّعَانَ فِي حَقِّ الزَّوْجِ بِمَنْزِلَةِ الْحَدِّ فَلَا يُقَامُ مَعَ الشُّبْهَةِ، بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ، وَالْإِرْثُ وَالْوَصِيَّةُ يَتَوَقَّفَانِ عَلَى انْفِصَالِ الْوَلَدِ وَلَا يَتَقَرَّرُ فِي الْحَالِ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ قَوْلَهُ الْأَحْكَامُ لَا تَتَرَتَّبُ يُرَادُ بِهِ بَعْضُهَا، وَنَفْيُ الْوَلَدِ مِنْهَا لِئَلَّا يَلْزَمَ إقَامَةُ الْحَدِّ مَعَ قِيَامِ الشُّبْهَةِ (وَالْحَدِيثُ) أَيْ حَدِيثُ هِلَالٍ (مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ عَرَفَ قِيَامَ الْحَبَلِ بِطَرِيقِ الْوَحْيِ) بِدَلِيلِ مَا رَوَيْنَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا كَانَ كَذَا، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِطَرِيقِ الْوَحْيِ. [نَفَى الرَّجُلُ وَلَدَ امْرَأَتِهِ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ أَوْ فِي الْحَالَةِ الَّتِي تَقْبَلُ التَّهْنِئَةَ] وَقَوْلُهُ (وَإِذَا نَفَى الرَّجُلُ وَلَدَ امْرَأَتِهِ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ أَوْ فِي الْحَالَةِ الَّتِي تُقْبَلُ التَّهْنِئَةُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ لَا الْفَاعِلِ، لِأَنَّهُ لَوْ قَبِلَ الْأَبُ التَّهْنِئَةَ ثُمَّ نَفَى

نَفْيُهُ وَلَاعَنَ بِهِ وَإِنْ نَفَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَاعَنَ، وَيَثْبُتُ النَّسَبُ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَصِحُّ نَفْيُهُ فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ) لِأَنَّ النَّفْيَ يَصِحُّ فِي مُدَّةٍ قَصِيرَةٍ وَلَا يَصِحُّ فِي مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ فَفَصَلْنَا بَيْنَهُمَا بِمُدَّةِ النِّفَاسِ لِأَنَّهُ أَثَرُ الْوِلَادَةِ. وَلَهُ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلتَّقْدِيرِ لِأَنَّ الزَّمَانَ لِلتَّأَمُّلِ وَأَحْوَالُ النَّاسِ فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ فَاعْتَبَرْنَا مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَهُوَ قَبُولُهُ التَّهْنِئَةَ أَوْ سُكُوتُهُ عِنْدَ التَّهْنِئَةِ أَوْ ابْتِيَاعُهُ مَتَاعَ الْوِلَادَةِ أَوْ مُضِيُّ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَهُوَ مُمْتَنِعٌ عَنْ النَّفْيِ. وَلَوْ كَانَ غَائِبًا وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْوِلَادَةِ ثُمَّ قَدِمَ تُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَلَى الْأَصْلَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَصِحُّ نَفْيُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (يَصِحُّ نَفْيُهُ فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ) يَعْنِي إذَا كَانَ حَاضِرًا (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلتَّقْدِيرِ بِمُدَّةٍ لِأَنَّ الزَّمَانَ لِلتَّأَمُّلِ) لِئَلَّا يَقَعَ فِي نَفْيِ الْوَلَدِ مُجَازِفًا (وَأَحْوَالُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفَةٌ فَاعْتَبَرْنَا مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى عَدَمِ النَّفْيِ وَهُوَ قَبُولُهُ التَّهْنِئَةَ أَوْ سُكُوتُهُ عِنْدَ التَّهْنِئَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ إقْرَارٌ مِنْهُ أَنَّ الْوَلَدَ لَهُ وَكَذَلِكَ ابْتِيَاعُهُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِصْلَاحِ الْوَلَدِ عَادَةً، أَوْ مُضِيِّ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ عَنْ النَّفْيِ، وَإِذَا وُجِدَ مِنْهُ دَلِيلُ الْقَبُولِ لَا يَصِحُّ النَّفْيُ بَعْدَهُ، وَلَيْسَ فِيمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ ذِكْرُ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ كَمَا تَرَى. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَدَّرَهُ بِسَبْعَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّ فِي هَذِهِ تَسْتَعِدُّ لِلْعَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الْعَقِيقَةُ بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، وَلَكِنَّ هَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ نَصْبَ الْمِقْدَارِ بِالرَّأْيِ لَا يَجُوزُ. وَذَكَرَ فِي الشَّامِلِ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُقَدَّرُ بِثَلَاثَةٍ وَذَلِكَ فِي الضَّعْفِ مِثْلُ الْأَوَّلِ (وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْوِلَادَةِ ثُمَّ قَدِمَ تُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ ذَكَرْنَاهَا عَلَى الْأَصْلَيْنِ) فَيُجْعَلُ كَأَنَّهَا وَلَدَتْهُ الْآنَ فَلَهُ النَّفْيُ عِنْدَ

قَالَ (وَإِذَا وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ فَنَفَى الْأَوَّلَ وَاعْتَرَفَ بِالثَّانِي يَثْبُتُ نَسَبُهُمَا) لِأَنَّهُمَا تَوْأَمَانِ خُلِقَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ (وَحُدَّ الزَّوْجُ) لِأَنَّهُ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بِدَعْوَى الثَّانِي، وَإِنْ اعْتَرَفَ بِالْأَوَّلِ وَنَفَى الثَّانِي يَثْبُتُ نَسَبُهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا وَلَاعَنَ لِأَنَّهُ قَادِرٌ بِنَفْيِ الثَّانِي وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ، وَالْإِقْرَارُ بِالْعِفَّةِ سَابِقٌ عَلَى الْقَذْفِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ إنَّهَا عَفِيفَةٌ ثُمَّ قَالَ هِيَ زَانِيَةٌ، وَفِي ذَلِكَ التَّلَاعُنُ كَذَا هَذَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبِي حَنِيفَةَ فِي مِقْدَارِ مَا يُقْبَلُ فِيهِ التَّهْنِئَةُ، وَعِنْدَهُمَا فِي مِقْدَارِ مُدَّةِ النِّفَاسِ بَعْدَ الْقُدُومِ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَلْزَمُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ فَصَارَتْ حَالُ الْقُدُومِ كَحَالِ الْوِلَادَةِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ) ظَاهِرٌ (وَالْإِقْرَارُ بِالْعِفَّةِ سَابِقٌ عَلَى الْقَذْفِ) جَوَابُ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّهُ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ الْقَذْفِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ الْأَوَّلَ بِثُبُوتِ النَّسَبِ بَاقٍ بَعْدَ نَفْيِ الْوَلَدِ فَيُعْتَبَرُ قِيَامُ الْإِقْرَارِ بَعْدَ الْقَذْفِ بِابْتِدَاءِ الْإِقْرَارِ، وَلَوْ وُجِدَ الْإِقْرَارُ بَعْدَ النَّفْيِ ثَبَتَ الْإِكْذَابُ وَوَجَبَ الْحَدُّ، فَكَذَا هَاهُنَا. وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْعِفَّةِ سَابِقٌ عَلَى الْقَذْفِ حَقِيقَةً وَالِاعْتِبَارُ بِالْحَقِيقَةِ (فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ إنَّهَا عَفِيفَةٌ ثُمَّ قَالَ هِيَ زَانِيَةٌ، وَفِي ذَلِكَ التَّلَاعُنُ) وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إكْذَابًا (فَكَذَلِكَ هَذَا) .

[باب العنين وغيره]

(وَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ عِنِّينًا أَجَّلَهُ الْحَاكِمُ سَنَةً، فَإِنْ وَصَلَ إلَيْهَا وَإِلَّا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا إذَا طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْعِنِّينِ وَغَيْرِهِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ وُجُوهِ أَحْكَامِ الْأَصِحَّاءِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ أَحْكَامَ مَنْ بِهِ نَوْعُ مَرَضٍ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ، لِأَنَّ حُكْمَ مَنْ بِهِ الْعَوَارِضُ بَعْدَ ذِكْرِ حُكْمِ الْأَصِحَّاءِ، وَالْعِنِّينُ هُوَ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى إتْيَانِ النِّسَاءِ، مِنْ عُنَّ إذَا حُبِسَ فِي الْعُنَّةِ وَهِيَ حَظِيرَةُ الْإِبِلِ، أَوْ مِنْ عَنَّ إذَا عَرَضَ لِأَنَّهُ يَعِنُّ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَقُومَ آلَتُهُ أَوْ لَمْ تَقُمْ، وَبَيْنَ أَنْ يَصِلَ إلَى الثَّيِّبِ دُونَ الْبِكْرِ أَوْ إلَى بَعْضِ النِّسَاءِ دُونَ بَعْضٍ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِمَرَضٍ بِهِ أَوْ لِضَعْفٍ فِي خِلْقَتِهِ أَوْ لِكِبَرِ سِنِّهِ أَوْ لِسِحْرٍ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ عِنِّينٌ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَصِلُ إلَيْهَا لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ فِي حَقِّهَا. قَالَ (وَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ عِنِّينًا) أَيْ وَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ عِنِّينًا (أَجَّلَهُ الْحَاكِمُ سَنَةً) ابْتِدَاؤُهَا مِنْ وَقْتِ الْخُصُومَةِ (فَإِنْ وَصَلَ إلَيْهَا وَإِلَّا فَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا إذَا طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ) وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ

هَكَذَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَلِأَنَّ الْحَقَّ ثَابِتٌ لَهَا فِي الْوَطْءِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الِامْتِنَاعُ لِعِلَّةٍ مُعْتَرَضَةٍ، وَيَحْتَمِلُ لِآفَةٍ أَصْلِيَّةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ مُدَّةِ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ، وَقَدَّرْنَاهَا بِالسَّنَةِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ. فَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَجْزَ بِآفَةٍ أَصْلِيَّةٍ فَفَاتَ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ، فَإِذَا امْتَنَعَ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَلَيْهِ فَتْوَى فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ وَمَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَأَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - (وَلِأَنَّ حَقَّهَا ثَابِتٌ فِي الْوَطْءِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الِامْتِنَاعُ لِعِلَّةٍ مُعْتَرِضَةٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِآفَةٍ أَصْلِيَّةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ مُدَّةِ مَعْرِفَةٍ لِذَلِكَ. وَقَدَّرْنَاهَا بِالسَّنَةِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ) لِأَنَّ الْعَجْزَ قَدْ يَكُونُ لِفَرْطِ رُطُوبَةٍ فَيَتَدَاوَى بِمَا يُضَادُّهُ مِنْ الْيُبُوسَةِ أَوْ بِالْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الطَّبَائِعِ. (فَإِذَا مَضَتْ وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَجْزَ بِآفَةٍ أَصْلِيَّةٍ فَفَاتَ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ، فَإِذَا امْتَنَعَ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا) وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّرَ السَّنَةَ شَمْسِيَّةً أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ مُوَافَقَةُ الْعِلَاجِ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي

وَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهَا لِأَنَّ التَّفْرِيقَ حَقُّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقَعُ التَّفَاوُتُ فِيهَا بَيْنَ السَّنَةِ الْقَمَرِيَّةِ وَالشَّمْسِيَّةِ وَلَيْسَ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ (وَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهَا التَّفْرِيقَ) لِأَنَّهُ حَقُّهَا

(وَتِلْكَ الْفُرْقَةُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ) لِأَنَّ فِعْلَ الْقَاضِي أُضِيفَ إلَى الزَّوْجِ فَكَأَنَّهُ طَلَّقَهَا بِنَفْسِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ فَسْخٌ لَكِنَّ النِّكَاحَ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ عِنْدَنَا، وَإِنَّمَا تَقَعُ بَائِنَةً لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ دَفْعُ الظُّلْمِ عَنْهَا لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهَا لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ بَائِنَةً تَعُودُ مُعَلَّقَةً بِالْمُرَاجَعَةِ. (وَلَهَا كَمَالُ مَهْرِهَا إنْ كَانَ خَلَا بِهَا) فَإِنَّ خَلْوَةَ الْعِنِّينِ صَحِيحَةٌ (وَيَجِبُ الْعِدَّةُ) لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلِ هَذَا إذَا أَقَرَّ الزَّوْجُ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا (وَلَوْ اخْتَلَفَ الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ فِي الْوُصُولِ إلَيْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتِلْكَ الْفُرْقَةُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ لِأَنَّ فِعْلَ الْقَاضِي أُضِيفَ إلَى الزَّوْجِ وَكَأَنَّهُ طَلَّقَهَا بِنَفْسِهِ. (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هُوَ فَسْخٌ لِأَنَّهُ فُرْقَةٌ مِنْ جِهَتِهَا لَكِنْ النِّكَاحُ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ عِنْدَنَا) يَعْنِي بَعْدَ التَّمَامِ، وَأَمَّا قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ فَيُقْبَلُ كَمَا فِي خِيَارِ الْبُلُوغِ وَخِيَارِ الْعِتْقِ وَقَدْ تَقَدَّمَ (وَإِنَّمَا تَقَعُ التَّطْلِيقَةُ بَائِنَةً لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ دَفْعُ الظُّلْمِ عَنْهَا لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهَا لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ بَائِنَةً تَعُودُ مُعَلَّقَةً بِالْمُرَاجَعَةِ) وَهِيَ الَّتِي لَا تَكُونُ ذَاتَ زَوْجٍ وَلَا مُطَلَّقَةً، أَمَّا الْأُولَى فَلِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْوَطْءُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهَا تَحْتَ زَوْجٍ فَلَا يَحْصُلُ لَهَا دَفْعُ الظُّلْمِ. (وَلَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ إنْ كَانَ خَلَا بِهَا لِأَنَّ خَلْوَةَ الْعِنِّينِ صَحِيحَةٌ) لِأَنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ سَلَّمَتْ الْمُبْدَلَ مَعَ وُجُودِ الْآلَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْبَدَلُ، دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَضَاءُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حَيْثُ قَالَا: مَا ذَنْبُهُنَّ إذَا جَاءَ الْعَجْزُ مِنْ قِبَلِكُمْ (وَيَجِبُ الْعِدَّةُ) لِتَوَهُّمِ الشَّغْلِ احْتِيَاطًا اسْتِحْسَانًا (لِمَا بَيَّنَّا)

فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ثُمَّ يَمِينُهُ) لِأَنَّهُ يُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَ حَقِّ الْفُرْقَةِ وَالْأَصْلُ هُوَ السَّلَامَةُ فِي الْجِبِلَّةِ (ثُمَّ إنْ حَلَفَ بَطَلَ حَقُّهَا، وَإِنْ نَكَلَ يُؤَجَّلُ سَنَةً، وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا نَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ، فَإِنْ قُلْنَ هِيَ بِكْرٌ أُجِّلَ سَنَةً) لِظُهُورِ كَذِبِهِ (وَإِنْ قُلْنَ هِيَ ثَيِّبٌ يَحْلِفُ الزَّوْجُ، فَإِنْ حَلَفَ لَا حَقَّ لَهَا، وَإِنْ نَكَلَ يُؤَجَّلُ سَنَةً، وَإِنْ كَانَ مَجْبُوبًا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحَالِ إنْ طَلَبَتْ) لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي التَّأْجِيلِ (وَالْخَصِيُّ يُؤَجَّلُ كَمَا يُؤَجَّلُ الْعِنِّينُ) لِأَنَّ وَطْأَهُ مَرْجُوٌّ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي فِي بَابِ الْمَهْرِ هَذَا إذَا أَقَرَّ الزَّوْجُ بِعَدَمِ الْوُصُولِ إلَيْهَا، وَإِنْ ادَّعَاهُ وَأَنْكَرَتْهُ (فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَ حَقِّ الْفُرْقَةِ) حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ مُدَّعِيًا لِلْوُصُولِ صُورَةً (وَالْأَصْلُ فِي الْجِبِلَّةِ السَّلَامَةُ) وَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ فَكَانَ كَالْمُودِعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ الْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ مَعْنًى وَإِنْ كَانَ مُدَّعِيًا صُورَةً (ثُمَّ إنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ لَقَدْ أَصَبْتهَا بَطَلَ حَقُّهَا، وَإِنْ نَكَلَ يُؤَجَّلُ سَنَةً، وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا نَظَرَ النِّسَاءُ إلَيْهَا، فَإِنْ قُلْنَ هِيَ بِكْرٌ أُجِّلَ سَنَةً، وَإِنْ قُلْنَ هِيَ ثَيِّبٌ يَحْلِفُ الزَّوْجُ) لِإِمْكَانِ أَنَّ بَكَارَتَهَا زَالَتْ بِوَجْهٍ آخَرَ فَيُشْتَرَطُ الْيَمِينُ مَعَ شَهَادَتِهِنَّ لِيَكُونَ حُجَّةً (فَإِنْ حَلَفَ لَا حَقَّ لَهَا، وَإِنْ نَكَلَ يُؤَجَّلُ سَنَةً) ثُمَّ كَيْفَ يَعْرِفُ أَنَّهَا بِكْرٌ أَوْ ثَيِّبٌ؟ قَالُوا: يَدْفَعُ فِي فَرْجِهَا أَصْغَرَ بَيْضَةٍ مِنْ بَيْضِ الدَّجَاجِ، فَإِنْ دَخَلَ بِلَا عُنْفٍ فَثَيِّبٌ وَإِلَّا فَبِكْرٌ. وَقِيلَ إنْ أَمْكَنَهَا أَنْ تَبُولَ عَلَى الْجِدَارِ فَبِكْرٌ وَإِلَّا فَثَيِّبٌ، وَقِيلَ تُكْسَرُ الْبَيْضَةُ فَتُصَبُّ فِي فَرْجِهَا فَإِنْ دَخَلَتْ فَثَيِّبٌ وَإِلَّا فَبِكْرٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ مَجْبُوبًا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحَالِ) ظَاهِرٌ.

(وَإِذَا أُجِّلَ الْعِنِّينُ سَنَةً وَقَالَ قَدْ جَامَعْتُهَا وَأَنْكَرَتْ نَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ. فَإِنْ قُلْنَ: هِيَ بِكْرٌ خُيِّرَتْ) لِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ تَأَيَّدَتْ بِمُؤَيِّدٍ وَهِيَ الْبَكَارَةُ (وَإِنْ قُلْنَ: هِيَ ثَيِّبٌ حَلَفَ الزَّوْجُ، فَإِنْ نَكَلَ خُيِّرَتْ) لِتَأَيُّدِهَا بِالنُّكُولِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا تُخَيَّرُ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فِي الْأَصْلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ (فَإِنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ خِيَارٌ) لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِبُطْلَانِ حَقِّهَا وَفِي التَّأْجِيلِ تُعْتَبَرُ السَّنَةُ الْقَمَرِيَّةُ هُوَ الصَّحِيحُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ (وَإِنْ قُلْنَ هِيَ ثَيِّبٌ حَلَفَ الزَّوْجُ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْإِرَاءَةَ لِلنِّسَاءِ مَرَّتَانِ: مَرَّةٌ قَبْلَ الْأَجَلِ لِلتَّأْجِيلِ وَمَرَّةٌ بَعْدَ الْأَجَلِ لِلتَّخْيِيرِ (فَإِنْ نَكَلَ خُيِّرَتْ لِتَأَيُّدِهَا بِالنُّكُولِ) أَيْ لِتَأَيُّدِ دَعْوَى الْمَرْأَةِ أَنَّهُ لَمْ يُجَامِعْهَا بِنُكُولِ الزَّوْجِ عَنْ الْيَمِينِ (فَإِنْ حَلَفَ لَا تُخَيَّرُ) لِبُطْلَانِ حَقِّهَا (وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فِي الْأَصْلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ) يَعْنِي قَوْلَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَ حَقِّ الْفُرْقَةِ (فَإِنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ خِيَارٌ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِبُطْلَانِ حَقِّهَا) وَكَذَلِكَ إذَا قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا أَوْ أَقَامَهَا أَعْوَانُ الْقَاضِي أَوْ قَامَ الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ شَيْئًا بَطَلَ خِيَارُهَا لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ تَخْيِيرِ الزَّوْجِ امْرَأَتَهُ وَذَلِكَ مُوَقَّتٌ بِالْمَجْلِسِ فَهَذَا مِثْلُهُ وَالتَّفْرِيقُ كَانَ لِحَقِّهَا، فَإِذَا رَضِيَتْ بِالْإِسْقَاطِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً بِتَأْخِيرِ الِاخْتِيَارِ إلَى أَنْ قَامَتْ أَوْ أُقِيمَتْ سَقَطَ حَقُّهَا فَلَا تُطَالِبُ بَعْدَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ، فَإِنْ اخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ أَمَرَ الْقَاضِي الزَّوْجَ أَنْ يُطَلِّقَهَا، فَإِنْ أَبَى فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا كَمَا مَرَّ. قَالَ (وَفِي التَّأْجِيلِ تُعْتَبَرُ السَّنَةُ الْقَمَرِيَّةُ هُوَ الصَّحِيحُ) وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهِيَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا. وَرَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ تُعْتَبَرُ السَّنَةُ الشَّمْسِيَّةُ وَهِيَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا وَجُزْءٌ مِنْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ الْيَوْمِ

وَيُحْتَسَبُ بِأَيَّامِ الْحَيْضِ وَبِشَهْرِ رَمَضَانَ لِوُجُودِ ذَلِكَ فِي السَّنَةِ وَلَا يُحْتَسَبُ بِمَرَضِهِ وَمَرَضِهَا لِأَنَّ السَّنَةَ قَدْ تَخْلُو عَنْهُ. (وَإِذَا كَانَ بِالزَّوْجَةِ عَيْبٌ فَلَا خِيَارَ لِلزَّوْجِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُرَدُّ بِالْعُيُوبِ الْخَمْسَةِ وَهِيَ: الْجُذَامُ وَالْبَرَصُ وَالْجُنُونُ وَالرَّتْقُ وَالْقَرْنُ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءَ حِسًّا أَوْ طَبْعًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتُحْتَسَبُ بِأَيَّامِ الْحَيْضِ وَشَهْرِ رَمَضَانَ) يَعْنِي لَا يُعَوِّضُ عَنْ أَيَّامِ الْحَيْضِ وَشَهْرِ رَمَضَانَ الْوَاقِعَةِ فِي مُدَّةِ أَيَّامِ التَّأْجِيلِ أَيَّامٌ أُخَرُ بَلْ هِيَ مَحْسُوبَةٌ مِنْ مُدَّةِ التَّأْجِيلِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَدَّرُوا مُدَّةَ التَّأْجِيلِ بِسَنَةٍ وَلَمْ يَسْتَثْنُوا مِنْهَا أَيَّامَ الْحَيْضِ وَشَهْرَ رَمَضَانَ مَعَ عِلْمِهِمْ أَنَّ السَّنَةَ لَا تَخْلُو عَنْهَا (وَلَا يُحْتَسَبُ بِمَرَضِهِ وَمَرَضِهَا لِأَنَّ السَّنَةَ قَدْ تَخْلُو عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْمَرَضِ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى أَيَّامِ الْحَيْضِ وَشَهْرِ رَمَضَانَ وَيُعَوَّضُ لِذَلِكَ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَيْهِ فَتْوَى الْمَشَايِخِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا مَرِضَ أَحَدُهُمَا مَرَضًا لَا يَسْتَطِيعُ الْجِمَاعُ مَعَهُ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ شَهْرٍ اُحْتُسِبَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُ لَمْ يُحْتَسَبْ عَلَيْهِ وَجَعَلَ لَهُ بَدَلَ مَكَانِهَا، وَكَذَلِكَ الْغَيْبَةُ لِأَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ مَحْسُوبٌ عَلَيْهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ فِي اللَّيْلِ مَمْنُوعٌ فِي النَّهَارِ وَالنَّهَارُ بِدُونِ اللَّيْلِ يَكُونُ نِصْفَ الشَّهْرِ، فَثَبَتَ أَنَّ نِصْفَ الشَّهْرِ مَحْسُوبٌ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ أَنَّهُمَا إذَا كَانَا صَحِيحَيْنِ فِي شَيْءٍ مِنْ السَّنَةِ وَلَوْ فِي يَوْمٍ يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ بِزَمَانِ الْمَرَضِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مَرَضَ أَحَدِهِمَا فِيمَا دُونَ الشَّهْرِ يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْمَرَضُ شَهْرًا لَا يُحْتَسَبُ وَيُزَادُ فِي مُدَّتِهِ بِقَدْرِ مُدَّةِ الْمَرَضِ. (وَإِذَا كَانَ بِالزَّوْجَةِ عَيْبٌ) أَيَّ عَيْبٍ كَانَ (فَلَا خِيَارَ لِلزَّوْجِ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُرَدُّ بِالْعُيُوبِ الْخَمْسَةِ وَهِيَ الْجُذَامُ وَالْبَرَصُ وَالْجُنُونُ وَالرَّتَقُ) بِفَتْحِ التَّاءِ مَصْدَرُ قَوْلِك امْرَأَةٌ رَتْقَاءُ لَا يُسْتَطَاعُ جِمَاعُهَا لِارْتِتَاقِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ: أَيْ لِانْسِدَادِهِ لَيْسَ لَهَا خَرْقٌ إلَّا الْمَبَالُ (وَالْقَرْنُ) بِسُكُونِ الرَّاءِ. قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: وَهُوَ إمَّا غُدَّةٌ غَلِيظَةٌ أَوْ لَحْمَةٌ مُرْتَفِعَةٌ أَوْ عَظْمٌ تَمْنَعُ مِنْ سُلُوكِ الذَّكَرِ فِي الْفَرْجِ وَامْرَأَةٌ قَرْنَاءُ بِهَا ذَلِكَ. قَالَ: لِأَنَّهَا يَعْنِي الْعُيُوبَ الْخَمْسَةَ تَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءَ حِسًّا أَوْ طَبْعًا، أَمَّا حِسًّا فَفِي الرَّتَقِ وَالْقَرْنِ، وَأَمَّا طَبْعًا فَفِي الْجُذَامِ وَالْبَرَصِ وَالْجُنُونِ لِأَنَّ الطِّبَاعَ السَّلِيمَةَ تَنْفِرُ عَنْ جِمَاعِ هَؤُلَاءِ وَرُبَّمَا يَسْرِي إلَى الْأَوْلَادِ

وَالطَّبْعُ مُؤَيَّدٌ بِالشَّرْعِ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَك مِنْ الْأَسَدِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالطَّبْعُ مُؤَيَّدٌ بِالشَّرْعِ) «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَك مِنْ الْأَسَدِ.»

وَلَنَا أَنَّ فَوْتَ الِاسْتِيفَاءِ أَصْلًا بِالْمَوْتِ لَا يُوجِبُ الْفَسْخَ فَاخْتِلَالُهُ بِهَذِهِ الْعُيُوبِ أَوْلَى، وَهَذَا لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مِنْ الثَّمَرَاتِ وَالْمُسْتَحَقُّ هُوَ التَّمَكُّنُ وَهُوَ حَاصِلٌ. (وَإِذَا كَانَ بِالزَّوْجِ جُنُونٌ أَوْ بَرَصٌ أَوْ جُذَامٌ فَلَا خِيَارَ لَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَهَا الْخِيَارُ) دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا كَمَا فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ، بِخِلَافِ جَانِبِهِ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ بِالطَّلَاقِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْخِيَارِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الزَّوْجِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ لِأَنَّهُمَا يُخِلَّانِ بِالْمَقْصُودِ الْمَشْرُوعِ لَهُ النِّكَاحُ، وَهَذِهِ الْعُيُوبُ غَيْرُ مُخِلَّةٍ بِهِ فَافْتَرَقَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَنَا أَنَّ فَوْتَ الِاسْتِيفَاءِ بِالْكُلِّيَّةِ بِالْمَوْتِ لَا يُوجِبُ الْفَسْخَ) حَتَّى لَا يَسْقُطَ شَيْءٌ مِنْ مَهْرِهَا، فَاخْتِلَالُهُ بِهَذِهِ الْعُيُوبِ أَوْلَى. قِيلَ فِيهِ ضَعْفٌ لِأَنَّ النِّكَاحَ مُوَقَّتٌ بِحَيَاتِهِمَا (وَهَذَا) أَيْ كَوْنُ هَذِهِ الْعُيُوبِ لَا تُوجِبُ الْفَسْخَ (لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مِنْ الثَّمَرَاتِ) وَفَوْتُ الثَّمَرَةِ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْعَقْدِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْتَوْفِ لِبَخَرٍ أَوْ ذَفَرٍ أَوْ قُرُوحٍ فَاحِشَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ وَإِنَّمَا الْمُسْتَحَقُّ هُوَ التَّمَكُّنُ وَهُوَ حَاصِلٌ، أَمَّا فِي الْجُذَامِ وَالْبَرَصِ وَالْجُنُونِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي الْبَاقِيَيْنِ فَبِالشَّقِّ أَوْ الْفَتْقِ، «وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ» الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى الْفِرَارِ بِالطَّلَاقِ، وَكَذَا مَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَوَجَدَ عَلَى كَشْحِهَا بَيَاضًا فَرَدَّهَا» مَحْمُولٌ عَلَى الطَّلَاقِ، لِأَنَّهُ رُوِيَ " أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ لَهَا: الْحَقِي بِأَهْلِك» وَهَذَا مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ، وَكَذَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَثْبَتَ لَهَا الْخِيَارَ بِهَذِهِ الْعُيُوبِ، وَمَذْهَبُنَا مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ. (وَإِذَا كَانَ بِالزَّوْجِ جُنُونٌ أَوْ بَرَصٌ أَوْ جُذَامٌ فَلَا خِيَارَ لَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَهَا الْخِيَارُ) لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهَا الْوُصُولُ إلَى حَقِّهَا لِمَعْنًى فِيهِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ فَتُخَيَّرُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا حَيْثُ لَا طَرِيقَ لَهَا سِوَاهُ، بِخِلَافِ جَانِبِهِ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ بِالطَّلَاقِ (وَلَهُمَا أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْخِيَارِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الزَّوْجِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ لِأَنَّهُمَا يُخِلَّانِ بِالْمَقْصُودِ الْمَشْرُوعِ لَهُ النِّكَاحُ) وَهُوَ الْوَطْءُ لِأَنَّ شَرْعِيَّةَ النِّكَاحِ لِأَجْلِ الْوَطْءِ (وَهَذِهِ الْعُيُوبُ غَيْرُ مُخِلَّةٍ بِهِ فَافْتَرَقَا) فَإِنْ قِيلَ: قَدْ جَعَلَ الْمُصَنِّفُ الْوَطْءَ فِيمَا إذَا كَانَ بِالْمَرْأَةِ مِنْ الْعُيُوبِ الْخَمْسَةِ مِنْ الثَّمَرَاتِ وَلَمْ يُثْبِتْ لَهُ خِيَارَ

[باب العدة]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَسْخِ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ جَعَلَهُ الْمَقْصُودَ الْمَشْرُوعَ لَهُ النِّكَاحُ، وَيَلْزَمُ عَنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودَ الْمَشْرُوعَ لَهُ النِّكَاحُ وَأَنْ لَا يَكُونَ بِاعْتِبَارِ الْمَوْضِعَيْنِ وَذَلِكَ تَحَكُّمٌ. قُلْت: هَذَا السُّؤَالُ نَشَأَ مِنْ تَفْسِيرِ الْمَشْرُوعِ لَهُ النِّكَاحُ بِالْوَطْءِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُرَادٍ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ التَّمَكُّنُ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُمَا يُخِلَّانِ بِهِ، بِخِلَافِ الْعُيُوبِ الثَّلَاثَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْعِدَّةِ] الْعِدَّةُ لَمَّا كَانَتْ أَثَرَ الْفُرْقَةِ بِالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ أَعْقَبَهَا لِذِكْرِ وُجُوهِ التَّفْرِيقِ فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ، لِأَنَّ الْأَثَرَ يَعْقُبُ الْمُؤَثِّرَ. وَالْعِدَّةُ فِي اللُّغَةِ: أَيَّامُ أَقْرَاءِ الْمَرْأَةِ، وَفِي الشَّرِيعَةِ: تَرَبُّصٌ يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ عِنْدَ زَوَالِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ مُتَأَكَّدًا بِالدُّخُولِ أَوْ الْخَلْوَةِ أَوْ الْمَوْتِ، وَهُوَ: أَيْ هَذَا الزَّوَالُ سَبَبُهَا. وَشَرْطُهَا وُقُوعُ الْفُرْقَةِ. وَرُكْنُهَا حُرُمَاتٌ ثَابِتَةٌ إلَى أَجَلٍ يَنْقَضِي

(وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا أَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَهِيَ حُرَّةٌ مِمَّنْ تَحِيضُ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ كَفُّ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا عَنْ أَفْعَالٍ مَحْظُورَةٍ عَلَيْهَا وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. قَالَ (وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا) وَلَمْ يَقُلْ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا. لِأَنَّ قَوْلَهُ رَجْعِيًّا يُغْنِي عَنْهُ إذْ الرَّجْعَةُ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا (أَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ) كَخِيَارِ الْعِتْقِ وَخِيَارِ الْبُلُوغِ وَعَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَمِلْكِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ وَالْفُرْقَةِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ (وَهِيَ حُرَّةٌ مِمَّنْ تَحِيضُ، فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]

وَالْفُرْقَةُ إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ طَلَاقٍ فَهِيَ فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ وَجَبَتْ لِلتَّعَرُّفِ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ فِي الْفُرْقَةِ الطَّارِئَةِ عَلَى النِّكَاحِ، وَهَذَا يَتَحَقَّقُ فِيهَا. وَالْأَقْرَاءُ الْحِيَضُ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْأَطْهَارُ وَاللَّفْظُ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا إذْ هُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ، كَذَا قَالَهُ ابْنُ السِّكِّيتِ وَلَا يَنْتَظِمُهُمَا جُمْلَةُ لِلِاشْتِرَاكِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ ظَاهِرُ الْمُرَادِ يَدُلُّ عَلَيْهَا بِعِبَارَتِهِ، وَأَمَّا الْفُرْقَةُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ فَهِيَ فِي مَعْنَاهُ (لِأَنَّ الْعِدَّةَ وَجَبَتْ لِلتَّعَرُّفِ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ فِي الْفُرْقَةِ الطَّارِئَةِ عَلَى النِّكَاحِ وَهَذَا) أَيْ التَّعَرُّفُ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ (يَتَحَقَّقُ فِيهَا) أَيْ فِي الْفُرْقَةِ بِغَيْرِ طَلَاقٍ. (وَالْأَقْرَاءُ الْحَيْضُ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْأَطْهَارُ وَاللَّفْظُ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا) فَكَانَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ الْأَضْدَادِ (كَذَا قَالَهُ ابْنُ السِّكِّيتِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَنَاوَلَهُمَا جُمْلَةً لِلِاشْتِرَاكِ) فَإِنَّ اللَّفْظَ الْوَاحِدَ عِنْدَنَا لَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ حَقِيقَتَيْنِ أَوْ حَقِيقَةً وَمَجَازًا عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَلَا بُعْدَ فِي أَنْ يَكُونَ تَعَرُّضُ الْمُصَنِّفِ

وَالْحَمْلُ عَلَى الْحَيْضِ أَوْلَى، إمَّا عَمَلًا بِلَفْظِ الْجَمْعِ، لِأَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى الْأَطْهَارِ وَالطَّلَاقُ يُوقَعُ فِي طُهْرٍ لَمْ يُبْقِ جَمْعًا، أَوْ لِأَنَّهُ مُعَرِّفٌ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ، أَوْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَعِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ» فَيَلْتَحِقُ بَيَانًا بِهِ (وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} [الطلاق: 4] الْآيَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِكَوْنِهِ مِنْ الْأَضْدَادِ إشَارَةً إلَى نَفْيِ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ مَجَازٌ فِي أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْمَجَازِ مِنْ مُنَاسَبَةٍ وَكَوْنُهُ مِنْ الْأَضْدَادِ يَنْفِيهَا، وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْحَمْلِ عَلَى أَحَدِهِمَا. وَالْحَمْلُ عَلَى الْحَيْضِ أَوْلَى لِمَعَانٍ: أَحَدُهُمَا الْعَمَلُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ: يَعْنِي الْقُرُوءَ فَإِنَّهُ جَمْعُ قُرْءٍ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ، وَوَجْهُهُ أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ الْحَمْلِ عَلَى الْحَيْضِ لَا عَلَى الطُّهْرِ لِمَا أَنَّ الطَّلَاقَ يُوقَعُ فِي طُهْرٍ وَهُوَ السُّنَّةُ، ثُمَّ هُوَ مَحْسُوبٌ عَنْ الْأَقْرَاءِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالْأَطْهَارِ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ مُدَّةُ عِدَّتِهَا قُرْأَيْنِ وَبَعْضَ الثَّالِثِ، وَلَفْظُ الثَّلَاثَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] خَاصٌّ لِكَوْنِهِ وُضِعَ لِمَعْنًى مَعْلُومٍ عَلَى الِانْفِرَادِ، وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ النُّقْصَانَ، وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي الْأَنْوَارِ وَالتَّقْرِيرِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أُرِيدَ بِالْقُرُوءِ الْحَيْضُ فَإِنَّهُ يُكْمِلُ ثَلَاثًا. وَالثَّانِي أَنَّ الْحَيْضَ مُعَرِّفٌ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ لِأَنَّ بَرَاءَتَهَا إنَّمَا تَظْهَرُ بِالْحَيْضِ لَا بِالطُّهْرِ، لِمَا أَنَّ الْحَمْلَ طُهْرٌ مُمْتَدٌّ فَيَجْتَمِعَانِ فَلَا يَحْصُلُ التَّعَرُّفُ بِأَنَّهَا حَامِلٌ أَوْ حَائِلٌ وَهُوَ أَيْ التَّعَرُّفُ هُوَ الْمَقْصُودُ. وَالثَّالِثُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَعِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ» وَالرِّقُّ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي التَّنْصِيفِ لَا فِي النَّقْلِ مِنْ الطُّهْرِ إلَى الْحَيْضِ فَيُلْحَقُ بَيَانًا بِهِ: أَيْ فَيُلْحَقُ هَذَا الْخَبَرُ بِالْمُشْتَرَكِ مِنْ الْكِتَابِ بَيَانًا.

(وَكَذَا الَّتِي بَلَغَتْ بِالسِّنِّ وَلَمْ تَحِضْ) بِآخِرِ الْآيَةِ. (وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] (وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «طَلَاقُ الْأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» وَلِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ وَالْحَيْضَةُ لَا تَتَجَزَّأُ فَكُمِّلَتْ فَصَارَتْ حَيْضَتَيْنِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ عُمَرُ بِقَوْلِهِ: لَوْ اسْتَطَعْتُ لَجَعَلْتهَا حَيْضَةً وَنِصْفًا ـــــــــــــــــــــــــــــQ (وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] (وَكَذَا الَّتِي بَلَغَتْ بِالسِّنِّ) أَيْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً بِآخِرِ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] عَطَفَ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ عَلَى اللَّائِي يَئِسْنَ وَجَعَلَ لَهُمَا خَبَرًا وَاحِدًا، وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعِدَّةِ الْحَيْضُ وَالشُّهُورُ بَدَلٌ عَنْهَا، حَيْثُ جَعَلَ الْأَشْهُرَ عِدَّةً بِشَرْطِ عَدَمِ الْحَيْضِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6] . (وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] وَقَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَتْ أَمَةً) ظَاهِرٌ.

[عدة الحرة في الوفاة]

(وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ فَعِدَّتُهَا شَهْرٌ وَنِصْفٌ) لِأَنَّهُ مُتَجَزِّئُ فَأَمْكَنَ تَنْصِيفَهُ عَمَلًا بِالرِّقِّ. (وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ فِي الْوَفَاةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا (وَعِدَّةُ الْأَمَةِ شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ) لِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [عِدَّةُ الْحُرَّةِ فِي الْوَفَاةِ] وَقَوْلُهُ (وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ فِي الْوَفَاةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةُ أَيَّامٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] نَسَخَ قَوْله تَعَالَى

(وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا) لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] ـــــــــــــــــــــــــــــQ {وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة: 240] وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِمَا رُوِيَ «أَنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَسْتَأْذِنُهُ فِي الِاكْتِحَالِ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَانَتْ إحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا قَعَدَتْ فِي شَرِّ أَحْلَاسِهَا فِي بَيْتِهَا حَوْلًا ثُمَّ خَرَجَتْ فَرَمَتْ كَلْبَةً بِبَعْرَةٍ أَفَلَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» فَسَقَطَ اسْتِدْلَالُ مَنْ يَقُولُ لَهَا عِدَّتَانِ طُولِيٌّ وَهِيَ الْحَوْلُ وَالْقَصْرِيُّ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَإِنَّ الْأُولَى هِيَ الْعِدَّةُ الْكَامِلَةُ وَإِنَّ الثَّانِيَةَ رُخْصَةٌ (وَعِدَّةُ الْأَمَةِ شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ) لِمَا عُرِفَ غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ. (وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ: تَعْتَدُّ بِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ، إمَّا بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَإِمَّا بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ أَيَّهُمَا كَانَ أَبْعَدَ،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ} [الطلاق: 4] الْآيَةَ، يَقْتَضِي الِاعْتِدَادَ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَقَوْلُهُ {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: 228]

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: مَنْ شَاءَ بَاهَلْتُهُ أَنَّ سُورَةَ النِّسَاءِ الْقُصْرَى نَزَلَتْ بَعْدَ الْآيَةِ الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ. وَقَالَ عُمَرُ: لَوْ وَضَعَتْ وَزَوْجُهَا عَلَى سَرِيرِهِ لَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَحَلَّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيُوجِبُ الِاعْتِدَادَ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا احْتِيَاطًا (وَقُلْنَا: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: مَنْ شَاءَ بَاهَلْته أَنَّ سُورَةَ النِّسَاءِ الْقُصْرَى يَعْنِي سُورَةَ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1] إلَى آخِرِهَا نَزَلَتْ بَعْدَ الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ) يُرِيدُ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ} [الطلاق: 4] مُتَأَخِّرٌ عَنْ قَوْلِهِ {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: 228] فَيَكُونُ نَاسِخًا فِي ذَوَاتِ الْأَحْمَالِ (وَقَالَ عُمَرُ: لَوْ وَضَعَتْ وَزَوْجُهَا عَلَى سَرِيرِهِ لَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَحَلَّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ) .

(وَإِذَا وَرِثَتْ الْمُطَلَّقَةُ فِي الْمَرَضِ فَعِدَّتُهَا أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَمَعْنَاهُ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا، أَمَّا إذَا كَانَ رَجْعِيًّا فَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ بِالْإِجْمَاعِ. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ النِّكَاحَ قَدْ انْقَطَعَ قَبْلَ الْمَوْتِ بِالطَّلَاقِ وَلَزِمَتْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَإِنَّمَا تَجِبُ عِدَّةُ الْوَفَاةِ إذَا زَالَ النِّكَاحُ فِي الْوَفَاةِ إلَّا أَنَّهُ بَقِيَ فِي حَقِّ الْإِرْثِ لَا فِي حَقِّ تَغَيُّرِ الْعِدَّةِ، بِخِلَافِ الرَّجْعِيِّ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَاقٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَلَهُمَا أَنَّهُ لَمَّا بَقِيَ فِي حَقِّ الْإِرْثِ يُجْعَلُ بَاقِيًا فِي حَقِّ الْعِدَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِذَا وَرِثَتْ الْمُطَلَّقَةُ فِي الْمَرَضِ فَعِدَّتُهَا أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ) عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ بِطَلَاقِ الْفَارِّ إذَا كَانَ بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ أَنْ تَعْتَدَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ، حَتَّى لَوْ اعْتَدَّتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَلَمْ تَحِضْ كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ مَا لَمْ تَحِضْ ثَلَاثَ حِيَضٍ وَلَوْ حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ قَبْلَ تَمَامِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا حَتَّى تَتِمَّ الْمُدَّةُ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ رَجْعِيًّا فَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ بِالْإِجْمَاعِ. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ النِّكَاحَ قَدْ انْقَطَعَ قَبْلَ الْمَوْتِ بِالطَّلَاقِ) لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَهُوَ قَاطِعٌ لِلنِّكَاحِ بِلَا خِلَافٍ، وَمَنْ انْقَطَعَ نِكَاحُهَا بِالطَّلَاقِ لَزِمَهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ لِأَنَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ مُخْتَصَّةٌ بِمَنْ زَالَ نِكَاحُهَا بِالْوَفَاةِ وَهَذِهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا بَقِيَ فِي حَقِّ الْإِرْثِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنَّهُ بَقِيَ فِي حَقِّ الْإِرْثِ: يَعْنِي بِالدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى تَوْرِيثِهَا (لَا فِي حَقِّ تَغْيِيرِ الْعِدَّةِ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَاقٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَهُمَا أَنَّهُ لَمَّا بَقِيَ فِي حَقِّ الْإِرْثِ يُجْعَلُ بَاقِيًا فِي حَقِّ الْعِدَّةِ) وَبَيَانُ الْمُلَازَمَةِ بِقَوْلِهِ (احْتِيَاطًا) بَيَانُهُ أَنَّهُ إنَّمَا أَعْطَيْنَاهَا الْمِيرَاثَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ

احْتِيَاطًا فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا. وَلَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ حَتَّى وَرِثَتْهُ امْرَأَةٌ فَعِدَّتُهَا عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ. وَقِيلَ عِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ النِّكَاحَ حِينَئِذٍ مَا اُعْتُبِرَ بَاقِيًا إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ فِي حَقِّ الْإِرْثِ لِأَنَّ الْمُسْلِمَةَ لَا تَرِثُ مِنْ الْكَافِرِ (فَإِذَا عَتَقَتْ الْأَمَةُ فِي عِدَّتِهَا مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ انْتَقَلَتْ عِدَّتُهَا إلَى عِدَّةِ الْحَرَائِرِ) لِقِيَامِ النِّكَاحِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (وَإِنْ أَعْتَقَتْ وَهِيَ مَبْتُوتَةٌ أَوْ مُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَمْ تَنْتَقِلْ عِدَّتُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالنِّكَاحَ بِمَنْزِلَةِ الْقَائِمِ بَيْنَهُمَا حُكْمًا إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ. أَوْ بِاعْتِبَارِ إقَامَةِ الْعِدَّةِ مَقَامَ أَصْلِ النِّكَاحِ حُكْمًا، إذْ لَا بُدَّ لِلْمِيرَاثِ مِنْ قِيَامِ السَّبَبِ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَالْمِيرَاثُ لَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ وَالْعِدَّةُ تَجِبُ بِهِ، فَإِذَا جُعِلَ النِّكَاحُ فِي حُكْمِ الْمِيرَاثِ كَالْمُنْتَهِي بِالْمَوْتِ حُكْمًا فَفِي حُكْمِ الْعِدَّةِ أَوْلَى، وَسَبَبُ وُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا بِالْحَيْضِ مُتَقَرِّرٌ حَقِيقَةً فَأَلْزَمْنَاهَا الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا احْتِيَاطًا. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ) جَوَابٌ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو يُوسُفَ فَقَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ إذَا مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ تَرِثُهُ زَوْجَتُهُ الْمُسْلِمَةُ وَلَيْسَ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ زَوَالَ النِّكَاحِ كَانَ بِرِدَّتِهِ لَا بِمَوْتِهِ فَكَذَلِكَ زَوَالُ النِّكَاحِ هَاهُنَا بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ لَا بِالْمَوْتِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ ذَلِكَ أَيْضًا عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ عِنْدَهُمَا تَعْتَدُّ بِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ فَلَا يَنْهَضُ دَلِيلًا. وَقِيلَ عِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ بِالْإِجْمَاعِ وَعُذْرُهُمَا عَنْ ذَاكَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ أَنَّ النِّكَاحَ مَا اُعْتُبِرَ بَاقِيًا إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ فِي حَقِّ الْإِرْثِ لِأَنَّهَا عِنْدَهُ مُسْلِمَةٌ، وَالْمُسْلِمَةُ لَا تَرِثُ الْكَافِرَ وَلَكِنْ يَسْتَنِدُ اسْتِحْقَاقُ الْمِيرَاثِ إلَى وَقْتِ الرِّدَّةِ، وَبِذَلِكَ السَّبَبِ لَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ بِالْحَيْضِ فَلَا يَلْزَمُهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ، وَهَاهُنَا اسْتِحْقَاقُ الْمِيرَاثِ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا عِنْدَ الطَّلَاقِ، فَعَرَفْنَا أَنَّ النِّكَاحَ كَالْقَائِمِ بَيْنَهُمَا إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ حُكْمًا. وَقَوْلُهُ (فَإِذَا عَتَقَتْ الْأَمَةُ فِي عِدَّتِهَا)

إلَى عِدَّةِ الْحَرَائِرِ) لِزَوَالِ النِّكَاحِ بِالْبَيْنُونَةِ أَوْ الْمَوْتِ. (وَإِنْ كَانَتْ آيِسَةً فَاعْتَدَّتْ بِالشُّهُورِ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ انْتَقَضَ مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا وَعَلَيْهَا أَنْ تَسْتَأْنِفَ الْعِدَّةَ بِالْحَيْضِ) وَمَعْنَاهُ إذَا رَأَتْ الدَّمَ عَلَى الْعَادَةِ لِأَنَّ عَوْدَهَا يُبْطِلُ الْإِيَاسَ هُوَ الصَّحِيحُ، فَظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَلْفًا وَهَذَا لِأَنَّ شَرْطَ الْخَلْفِيَّةِ تَحَقُّقُ الْيَأْسِ وَذَلِكَ بِاسْتِدَامَةِ الْعَجْزِ إلَى الْمَمَاتِ كَالْفِدْيَةِ فِي حَقِّ الشَّيْخِ الْفَانِي. ـــــــــــــــــــــــــــــQظَاهِرٌ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْعِدَّةَ حُكْمُ زَوَالِ الزَّوْجِيَّةِ، وَحُكْمُ الزَّوَالِ يَثْبُتُ عِنْدَ الزَّوَالِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَتَحَوَّلَ الْعِدَّةُ فِي الرَّجْعِيِّ أَيْضًا لِأَنَّهَا عِنْدَ الزَّوَالِ أَمَةٌ وَلِهَذَا تَعْتَدُّ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا إنَّمَا تَحَوَّلَتْ لِأَنَّ سَبَبَهَا وَهُوَ الزَّوَالُ مُتَرَدِّدٌ فَكَانَتْ مُتَرَدِّدَةً لِتَرَدُّدِ سَبَبِهَا فَتَغَيَّرَتْ، وَلِهَذَا تَحَوَّلَتْ بِالْمَوْتِ مِنْ الْأَقْرَاءِ إلَى الشُّهُورِ، بِخِلَافِ الْبَائِنِ فَإِنَّ سَبَبَهُ لَيْسَ بِمُتَرَدِّدٍ فَلَمْ تَتَحَوَّلْ الْعِدَّةُ بِالْعِتْقِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ آيِسَةً) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا رَأَتْ عَلَى الْعَادَةِ) يَعْنِي إنْ رَأَتْ دَمًا سَائِلًا، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمَيْدَانِيُّ يَقُولُ: إذَا رَأَتْ دَمًا سَائِلًا كَمَا كَانَتْ تَرَاهُ فِي زَمَانِ حَيْضِهَا فَهُوَ حَيْضٌ، وَإِنْ رَأَتْ بِلَّةً يَسِيرَةً لَمْ تَكُنْ حَيْضًا بَلْ ذَلِكَ مِنْ نَتْنِ الرَّحِمِ فَكَانَ فَاسِدًا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ الْحَيْضِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ عَوْدَهَا يُبْطِلُ الْإِيَاسَ هُوَ الصَّحِيحُ) قَيَّدَ بِالصَّحِيحِ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ الرَّازِيِّ فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا إذَا لَمْ يُحْكَمْ بِإِيَاسِهَا، فَأَمَّا إذَا انْقَطَعَ الدَّمُ عَنْهَا زَمَانًا حَتَّى حُكِمَ بِإِيَاسِهَا وَكَانَتْ ابْنَةَ تِسْعِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوَهَا فَرَأَتْ

(وَلَوْ حَاضَتْ حَيْضَتَيْنِ ثُمَّ أَيِسَتْ تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ) تَحَرُّزًا عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالدَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا. وَقَوْلُهُ (تَحَرُّزًا عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ) مَنْقُوضٌ بِمَنْ صَلَّى بِوُضُوءٍ ثُمَّ سَبَقَهُ الْحَدَثُ

(وَالْمَنْكُوحَةُ نِكَاحًا فَاسِدًا وَالْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ عِدَّتُهُمَا الْحَيْضُ فِي الْفُرْقَةِ وَالْمَوْتِ) لِأَنَّهَا لِلتَّعَرُّفِ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ لَا لِقَضَاءِ حَقِّ النِّكَاحِ، وَالْحَيْضُ هُوَ الْمُعَرِّفُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَمْ يَجِدْ مَاءً فَإِنَّهُ يَبْنِي التَّيَمُّمَ، وَكَذَلِكَ إذَا عَجَزَ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ يُومِئُ، وَفِي ذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْبَدَلِيَّةَ إمَّا أَنْ تُعْتَبَرَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ فِي الطَّهَارَةِ، وَكِلَاهُمَا غَيْرُ صَحِيحٍ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الصَّلَاةَ بِالتَّيَمُّمِ لَيْسَتْ بِبَدَلٍ عَنْ الصَّلَاةِ بِالْوُضُوءِ، وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ بِالْإِيمَاءِ لَيْسَتْ بِبَدَلٍ عَنْ الصَّلَاةِ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِأَنَّ بَعْضَ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ بَدَلًا عَنْ كُلِّهِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الطَّهَارَةَ وَإِنْ كَانَتْ فِيهَا الْبَدَلِيَّةُ لَكِنْ لَا جَمْعَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ إحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ لَا تَكْمُلُ بِالْأُخْرَى. وَأَمَّا الْعِدَّةُ بِالشُّهُورِ فَبَدَلٌ عَنْ الْحَيْضِ وَإِكْمَالُ الْبَدَلِ بِالْأَصْلِ جَمْعٌ بَيْنَهُمَا. قَالَ (وَالْمَنْكُوحَةُ نِكَاحًا فَاسِدًا) كَالْمَنْكُوحَةِ بِغَيْرِ شُهُودٍ بِاتِّفَاقِ عُلَمَائِنَا، وَالْمُحَرَّمِ إذَا نَكَحَهَا الْمُحَرَّمُ عَالِمًا بِحُرْمَتِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَالْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ) وَهِيَ الَّتِي زُفَّتْ إلَى غَيْرِ زَوْجِهَا فَوَطِئَهَا (عِدَّتُهُمَا الْحَيْضُ فِي الْفُرْقَةِ وَالْمَوْتِ جَمِيعًا لِأَنَّهَا) أَيْ لِأَنَّ عِدَّتَهَا (لِلتَّعَرُّفِ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ لَا لِقَضَاءِ حَقِّ النِّكَاحِ) إذْ لَا حَقَّ لِلنِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ (وَالْحَيْضُ هُوَ الْمُعَرِّفُ)

(وَإِذَا مَاتَ مَوْلَى أُمِّ الْوَلَدِ عَنْهَا أَوْ أَعْتَقَهَا فَعِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا تَفْرِقَةَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْفُرْقَةِ وَالْمَوْتِ. فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى هَذَا وَجَبَ أَنْ يُكْتَفَى بِحَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ شَهْرٍ كَمَا فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ أُجِيبَ بِأَنَّهَا إنَّمَا كَانَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ إلْحَاقًا لِلشُّبْهَةِ بِالْحَقِيقَةِ، فَإِنَّ أَحْكَامَ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ أَبَدًا يُؤْخَذُ مِنْ حُكْمِ الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ فَإِنَّهُمَا يُفِيدَانِ إفَادَةَ الصَّحِيحِ، غَيْرَ أَنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ لِوَهَاءٍ فِيهِ وَلِذَلِكَ يَثْبُتُ أَجْرُ الْمِثْلِ دُونَ الْمُسَمَّى كَذَلِكَ، وَهَاهُنَا أَيْضًا لَمْ تَثْبُتْ عِدَّةُ الْوَفَاةِ لِوَهَاءٍ فِيهِ، فَإِنَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ لِزِيَادَةِ إظْهَارِ التَّأَسُّفِ لِفَوَاتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ، وَالنِّعْمَةُ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ دُونَ الْفَاسِدِ فَلِذَلِكَ اخْتَصَّتْ بِالصَّحِيحِ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ فِيهِ جِهَةُ النِّكَاحِ أُلْحِقَ بِالصَّحِيحِ فِي اعْتِبَارِ مُدَّةِ الْعِدَّةِ احْتِيَاطًا. (وَإِذَا مَاتَ مَوْلَى أُمِّ الْوَلَدِ عَنْهَا أَوْ أَعْتَقَهَا فَعِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ) وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ

لِأَنَّهَا تَجِبُ بِزَوَالِ مِلْكِ الْيَمِينِ فَشَابَهَتْ الِاسْتِبْرَاءَ. وَلَنَا أَنَّهَا وَجَبَتْ بِزَوَالِ الْفِرَاشِ فَأَشْبَهَ عِدَّةَ النِّكَاحِ ثُمَّ إمَامُنَا فِيهِ عُمَرُ فَإِنَّهُ قَالَ: عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ ثَلَاثُ حِيَضٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَدَمُهَا أَثَرُ مِلْكِ الْيَمِينِ (لِأَنَّهَا تَجِبُ بِزَوَالِهِ وَكَانَ كَالِاسْتِبْرَاءِ) وَلِهَذَا لَا تَخْتَلِفُ بِالْحَيَاةِ وَالْوَفَاةِ (وَلَنَا أَنَّهَا أَثَرُ زَوَالِ الْفِرَاشِ) لِأَنَّهَا تَجِبُ بِهِ فَكَانَتْ كَعِدَّةِ النِّكَاحِ وَفِيمَا لَا يُكْتَفَى بِحَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ. وَالْقِيَاسُ عَلَى الِاسْتِبْرَاءِ ضَعِيفٌ لِأَنَّ سَبَبَهُ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ وَسَبَبُهَا زَوَالُ الْفِرَاشِ وَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَهُمَا، وَإِمَامُنَا فِيهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ قَالَ: عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ

(وَلَوْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ) كَمَا فِي النِّكَاحِ. (وَإِذَا مَاتَ الصَّغِيرُ عَنْ امْرَأَتِهِ وَبِهَا حَبَلٌ فَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: عِدَّتُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَيْسَ بِثَابِتِ النَّسَبِ مِنْهُ فَصَارَ كَالْحَادِثِ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَلَهُمَا إطْلَاقُ قَوْله تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] وَلِأَنَّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQثَلَاثُ حِيَضٍ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ (وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ كَمَا فِي النِّكَاحِ) . وَقَوْلُهُ (وَإِذَا مَاتَ الصَّغِيرُ عَنْ امْرَأَتِهِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (كَالْحَادِثِ بَعْدَ الْمَوْتِ) يَعْنِي بِأَنْ تَضَعَ بَعْدَ الْمَوْتِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ يَوْمِ الْمَوْتِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَنْ يَأْتِيَ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَتَفْسِيرُ قِيَامِ الْحَبَلِ عِنْدَ الْمَوْتِ أَنْ تَلِدَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ. (وَلَهُمَا قَوْله تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ أَوْ الْوَفَاةِ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ) دَلِيلٌ مَعْقُولٌ لَهُمَا. وَتَقْرِيرُهُ: عِدَّةُ الْوَفَاةِ مُقَدَّرَةٌ بِمُدَّةِ وَضْعِ الْحَمْلِ فِي أُولَاتِ الْأَحْمَالِ قَصُرَتْ الْمُدَّةُ أَوْ طَالَتْ لِقَضَاءِ حَقِّ النِّكَاحِ لَا لِلتَّعَرُّفِ عَنْ فَرَاغِ الرَّحِمِ وَهَذِهِ مُقَدَّمَةٌ.

مُقَدَّرَةٌ بِمُدَّةِ وَضْعِ الْحَمْلِ فِي أُولَاتِ الْأَحْمَالِ قَصُرَتْ الْمُدَّةُ أَوْ طَالَتْ لَا لِلتَّعَرُّفِ عَنْ فَرَاغِ الرَّحِمِ لِشَرْعِهَا بِالْأَشْهُرِ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَاءِ، لَكِنْ لِقَضَاءِ حَقِّ النِّكَاحِ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَتَحَقَّقُ فِي الصَّبِيِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحَمْلُ مِنْهُ، بِخِلَافِ الْحَمْلِ الْحَادِثِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا الْمَعْنَى يَعْنِي قَضَاءَ حَقِّ النِّكَاحِ يَتَحَقَّقُ فِي الصَّبِيِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحَمْلُ مِنْهُ وَهَذِهِ أُخْرَى وَهِيَ وَاضِحَةٌ، وَبَيَّنَ الْأُولَى بِقَوْلِهِ (لِشَرْعِهَا) أَيْ لِشَرْعِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ بِالْأَشْهُرِ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَاءِ: يَعْنِي لَوْ كَانَتْ لِلتَّعَرُّفِ عَنْ فَرَاغِ الرَّحِمِ لَمْ تُشْرَعْ بِالْأَشْهُرِ لِأَنَّ الْحَيْضَ هُوَ الْمُعَرِّفُ عَلَى مَا مَرَّ، وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ لِشَرْعِهَا إمَّا أَنْ يَعُودَ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ فِي أُولَاتِ الْأَحْمَالِ أَوْ إلَيْهَا مُطْلَقًا، وَلَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ عِنْدَنَا وَلَا إلَى الثَّانِي لِأَنَّ الْمُدَّعَى عِدَّةُ الْوَفَاةِ فِي الْحَامِلِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ أَنْ لَا يَكُونَ لِلتَّعَرُّفِ عَنْ فَرَاغِ الرَّحِمِ فِي غَيْرِ الْحَامِلِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ فِيهَا لِأَنَّ نَفْسَ وَضْعِ الْحَمْلِ يَدُلُّ عَلَى فَرَاغِ الرَّحِمِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ مُطْلَقًا: يَعْنِي أَنَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ شُرِعَتْ لِقَضَاءِ حَقِّ النِّكَاحِ لَا لِلتَّعَرُّفِ لَا فِي أُولَاتِ الْأَحْمَالِ وَلَا فِي غَيْرِهَا لِأَنَّهَا شُرِعَتْ بِالْأَشْهُرِ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَاءِ الْمُعَرِّفَةِ، وَالدَّلِيلُ إذَا كَانَ أَعَمَّ مِنْ الْمَدْلُولِ كَانَ أَتَمَّ فَائِدَةً، وَكَوْنُ نَفْسِ وَضْعِ الْحَمْلِ يَدُلُّ عَلَى فَرَاغِ الرَّحِمِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَعَدَمُ الِاعْتِبَارِ لَيْسَ اعْتِبَارَ الْعَدَمِ كَمَا عُرِفَ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْحَمْلِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ فَصَارَ كَالْحَادِثِ بَعْدَ الْمَوْتِ: يَعْنِي إنَّمَا كَانَتْ عِدَّتُهَا بِالشُّهُورِ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِفَرَاغِ رَحِمِهَا عِنْدَ الْمَوْتِ وَالْتَزَمْنَا الْعِدَّةَ بِالشُّهُورِ حَقًّا لِلنِّكَاحِ

[وطئت المعتدة بشبهة]

لِأَنَّهُ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ بِالشُّهُورِ فَلَا تَتَغَيَّرُ بِحُدُوثِ الْحَمْلِ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ كَمَا وَجَبَتْ وَجَبَتْ مُقَدَّرَةً بِمُدَّةِ الْحَمْلِ فَافْتَرَقَا. وَلَا يَلْزَمُ امْرَأَةُ الْكَبِيرِ إذَا حَدَثَ لَهَا الْحَبَلُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ مِنْهُ فَكَانَ كَالْقَائِمِ عِنْدَ الْمَوْتِ حُكْمًا (وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ فِي الْوَجْهَيْنِ) لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا مَاءَ لَهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْعُلُوقُ، وَالنِّكَاحُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي مَوْضِعِ التَّصَوُّرِ. (وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ لَمْ تَعْتَدَّ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الطَّلَاقُ) لِأَنَّ الْعِدَّةَ مُقَدَّرَةٌ، بِثَلَاثِ حِيَضٍ كَوَامِلَ فَلَا يَنْقُصُ عَنْهَا. (وَإِذَا وُطِئَتْ الْمُعْتَدَّةُ بِشُبْهَةٍ فَعَلَيْهَا عِدَّةٌ أُخْرَى وَتَدَاخَلَتْ الْعِدَّتَانِ، وَيَكُونُ مَا تَرَاهُ الْمَرْأَةُ مِنْ الْحَيْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِآيَةِ التَّرَبُّصِ (فَلَا تَتَغَيَّرُ بِحُدُوثِ الْحَمْلِ. وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ كَمَا وَجَبَتْ الْعِدَّةُ وَجَبَتْ مُقَدَّرَةً بِمُدَّةِ الْحَمْلِ) لِأَنَّهَا عِدَّةُ أُولَاتِ الْأَحْمَالِ بِالنَّصِّ (فَافْتَرَقَا) أَيْ الْحَمْلُ الْقَائِمُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَالْحَادِثُ بَعْدَهُ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَلَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ حَامِلًا فَقَدْ أَلْزَمْنَاهَا الْعِدَّةَ بِالشُّهُورِ، ثُمَّ إذَا ظَهَرَ الْحَمْلُ تَكُونُ عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ فَقَدْ تَغَيَّرَتْ الْعِدَّةُ بِحُدُوثِ الْحَمْلِ أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَلَا يَلْزَمُ امْرَأَةَ الْكَبِيرِ إذَا حَدَثَ بِهَا الْحَبَلُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ مِنْهُ فَكَانَ) أَيْ الْحَمْلُ (كَالْقَائِمِ عِنْدَ الْمَوْتِ حُكْمًا) تَبَعًا لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ آخَرَ وَهُوَ ثُبُوتُ النَّسَبِ لِأَنَّ النَّسَبَ بِلَا حَمْلٍ لَا يَثْبُتُ وَحَيْثُ ثَبَتَ هَاهُنَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ حَمْلٍ فَجَعَلْنَاهُ كَالْقَائِمِ حُكْمًا، وَفِي امْرَأَةِ الصَّغِيرِ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ لَمْ يَحْتَجْ إلَى جَعْلِ الْحَمْلِ قَائِمًا عِنْدَ الْمَوْتِ فَكَانَ الْحَمْلُ مُضَافًا إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ وَكَانَ ابْتِدَاءُ عِدَّتِهَا بِالْأَشْهُرِ لَا مَحَالَةَ (وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فِي الْوَجْهَيْنِ) يَعْنِي فِي وَجْهَيْ مَسْأَلَةِ الصَّغِيرِ وَهُمَا وَجْهُ الْقَائِمِ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَوَجْهُ الْحَادِثِ بَعْدَهُ (لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا مَاءَ لَهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْعُلُوقُ) فَإِنْ قِيلَ: النِّكَاحُ مَوْجُودٌ فَيُقَامُ مَقَامَ الْمَاءِ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَالنِّكَاحُ يُقَامُ مَقَامَهُ) أَيْ مَقَامَ الْمَاءِ (فِي مَوْضِعِ التَّصَوُّرِ) . وَقَوْلُهُ (وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ) ظَاهِرٌ. [وُطِئَتْ الْمُعْتَدَّةُ بِشُبْهَةٍ] قَالَ (وَإِذَا وُطِئَتْ الْمُعْتَدَّةُ بِشُبْهَةٍ) إذَا وَجَبَتْ عَلَى الْمَرْأَةِ عِدَّتَانِ: فَإِمَّا أَنْ تَكُونَا مِنْ رَجُلَيْنِ، أَوْ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي كَمَا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ وَوَطِئَهَا أَوْ وَطِئَ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِي أَوْ طَلَّقَهَا بِأَلْفَاظِ

مُحْتَسَبًا مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَإِذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ الْأُولَى وَلَمْ تُكْمِلْ الثَّانِيَةَ فَعَلَيْهَا تَمَامُ الْعِدَّةِ الثَّانِيَةِ) وَهَذَا عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَتَدَاخَلَانِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْعِبَادَةُ فَإِنَّهَا عِبَادَةُ كَفٍّ عَنْ التَّزَوُّجِ وَالْخُرُوجِ فَلَا تَتَدَاخَلَانِ كَالصَّوْمَيْنِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكِنَايَةِ فَوَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْعِدَّتَيْنِ يَتَدَاخَلَانِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ وَكَانَا مِنْ جِنْسَيْنِ كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ كَمَا سَيَجِيءُ. أَوْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَالْمُطَلَّقَةِ إذَا تَزَوَّجَتْ فِي عِدَّتِهَا فَوَطِئَهَا الثَّانِي وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا تَتَدَاخَلَانِ عِنْدَنَا وَيَكُونُ مَا تَرَاهُ الْمَرْأَةُ مِنْ الْحَيْضِ مُحْتَسَبًا مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَإِذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ الْأُولًى وَلَمْ تُكْمِلْ الثَّانِيَةُ فَعَلَيْهَا إتْمَامُ الْعِدَّةِ الثَّانِيَةِ. وَصُورَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَطْءَ الثَّانِيَ إذَا كَانَ بَعْدَمَا رَأَتْ الْمَرْأَةُ حَيْضَةً يَجِبُ عَلَيْهَا بَعْدَ الْوَطْءِ الثَّانِي ثَلَاثُ حِيَضٍ أَيْضًا، وَالْحَيْضَتَانِ تَنُوبُ عَنْ أَرْبَعِ حِيَضٍ حَيْضَتَانِ لِلْأُولَى وَحَيْضَتَانِ لِلثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ عَنْ الْوَطْءِ الثَّانِي خَاصَّةً، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رَأَتْ شَيْئًا فَلَيْسَ عَلَيْهَا إلَّا ثَلَاثُ حِيَضٍ وَهِيَ تَنُوبُ عَنْ سِتِّ حِيَضٍ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَتَدَاخَلَانِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعِدَّةِ الْعِبَادَةُ: أَيْ عِبَادَةُ الْكَفِّ عَنْ التَّزَوُّجِ وَالْخُرُوجِ وَلَا تَدَاخُلَ فِي الْعِبَادَاتِ كَالصَّوْمَيْنِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ) فَإِنَّ الْعِدَّةَ كَفٌّ عَنْ التَّزَوُّجِ وَالْخُرُوجِ كَمَا أَنَّ الصَّوْمَ كَفٌّ عَنْ اقْتِضَاءِ الشَّهْوَتَيْنِ،

وَلَنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ التَّعَرُّفُ عَنْ فَرَاغِ الرَّحِمِ وَقَدْ حَصَلَ بِالْوَاحِدَةِ فَتَتَدَاخَلَانِ، وَمَعْنَى الْعِبَادَةِ تَابِعٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَنْقَضِي بِدُونِ عِلْمِهَا وَمَعَ تَرْكِهَا الْكَفَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَكَمَا لَا تَدَاخُلَ فِي الصَّوْمِ فَكَذَا فِي الْعِدَّةِ (وَلَنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعِدَّةِ التَّعَرُّفُ عَنْ فَرَاغِ الرَّحِمِ وَقَدْ حَصَلَ التَّعَرُّفُ بِالْعِدَّةِ الْوَاحِدَةِ فَيَتَدَاخَلَانِ) وَقَوْلُهُ (وَمَعْنَى الْعِبَادَةِ تَابِعٌ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْعِبَادَةُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فِي الْعِدَّةِ تَابِعٌ أَنَّ رُكْنَهَا حُرْمَةُ الِازْدِوَاجِ وَالْخُرُوجِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ} [البقرة: 235] الْآيَةَ وَقَالَ {وَلا يَخْرُجْنَ} [الطلاق: 1] الْآيَةَ، وَمُوجَبُ النَّهْيِ التَّحْرِيمُ. وَإِذَا كَانَ رُكْنُهَا الْحُرْمَةَ فَالْحُرُمَاتُ تَجْتَمِعُ كَصَيْدِ الْحَرَمِ لِلْمُحْرِمِ حَرَامٌ لِلْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ، وَكَالْخَمْرِ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُهَا وَهُوَ صَائِمٌ فَإِنَّهَا حَرَامٌ لَهُ لِصَوْمِهِ وَلِكَوْنِهِ خَمْرًا وَلِيَمِينِهِ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّ رُكْنَهُ الْكَفُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] وَلَنْ يَجْتَمِعَ الْإِمْسَاكَانِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَاسْتَوْضَحَ الْمُصَنِّفُ تَبَعِيَّةَ الْعِبَادَةِ بِقَوْلِهِ (أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَنْقَضِي بِدُونِ عِلْمِهَا وَمَعَ تَرْكِهَا الْكَفَّ) يَعْنِي عَنْ الْخُرُوجِ وَالْعِبَادَةِ لَا يَتَحَقَّقُ أَدَاؤُهَا بِدُونِ رُكْنِهَا. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلتَّعَرُّفِ عَنْ فَرَاغِ الرَّحِمِ لَمْ يَجِبْ عَلَى الصَّبِيَّةِ وَالْآيِسَةِ لِعَدَمِ الشَّغْلِ بِهِمَا وَلَا عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لِأَنَّ زَوْجَهَا لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ وَاللَّوَازِمُ بَاطِلَةٌ فَكَذَلِكَ الْمَلْزُومَاتُ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ ذَلِكَ، لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ جَوَازَ التَّدَاخُلِ وَإِلَّا لَجَازَ التَّدَاخُلُ فِي أَقْرَاءِ عِدَّةٍ وَاحِدَةٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَنَفْيِ ضَرَرِ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَنْهَا. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الصَّبِيَّةَ الَّتِي تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ وَالْآيِسَةَ تَحْتَمِلَانِ الْعُلُوقَ،

(وَالْمُعْتَدَّةُ عَنْ وَفَاةٍ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ وَتَحْتَسِبُ بِمَا تَرَاهُ مِنْ الْحَيْضِ فِيهَا) تَحْقِيقًا لِلتَّدَاخُلِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَدَارَ الْحُكْمُ عَلَى دَلِيلِ الشَّغْلِ وَهُوَ الْوَطْءُ، لِأَنَّ الْعِدَّةَ يُكْتَفَى فِي إيجَابِهَا بِتَوَهُّمِ الشَّغْلِ وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ، وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا الْحَاجَةُ فِيهَا إلَى التَّعَرُّفِ قَائِمَةٌ صِيَانَةً لِمَاءَيْ الزَّوْجَيْنِ عَنْ الِاخْتِلَاطِ لِأَنَّ مَاءَ الْأَوَّلِ مُحْتَرَمٌ فِي نَفْسِهِ كَمَاءِ الثَّانِي. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ الْمُلَازَمَةَ لِأَنَّ التَّعَرُّفَ بِحَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ لَيْسَ كَالتَّعَرُّفِ بِثَلَاثِ حِيَضٍ فِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأُولَى تَعَرُّفُ الْفَرَاغِ، وَمِنْ الثَّانِيَةِ إظْهَارُ خَطَرِ النِّكَاحِ فَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَمِنْ الثَّالِثَةِ إظْهَارُ شَرَفِ الْحُرِّيَّةِ، وَهَذَا الْمَقْصُودُ لَا يَحْصُلُ بِالْحَيْضَةِ الْوَاحِدَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يُعَلِّلْ إلَّا بِالتَّعَرُّفِ عَنْ فَرَاغِ الرَّحِمِ وَكَانَ السُّؤَالُ وَارِدًا عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (وَالْمُعْتَدَّةُ عَنْ وَفَاةٍ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ) ظَاهِرٌ.

(وَابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ فِي الطَّلَاقِ عَقِيبَ الطَّلَاقِ وَفِي الْوَفَاةِ عَقِيبَ الْوَفَاةِ، فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْوَفَاةِ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْعِدَّةِ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا) لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ الطَّلَاقُ أَوْ الْوَفَاةُ فَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ وَقْتِ وُجُودِ السَّبَبِ، وَمَشَايِخُنَا يُفْتُونَ فِي الطَّلَاقِ أَنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ نَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمُوَاضَعَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: لَوْ تَزَوَّجَتْ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ فَدَخَلَ بِهَا الثَّانِي فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا فَعَلَيْهَا بَقِيَّةُ عِدَّتِهَا مِنْ الْأَوَّلِ تَمَامَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ وَعَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ لِلْآخَرِ وَيُحْتَسَبُ بِمَا حَاضَتْ بَعْدَ التَّفْرِيقِ مِنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ أَيْضًا. قَالَ (وَابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ فِي الطَّلَاقِ عَقِيبَ الطَّلَاقِ) ابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ فِي الطَّلَاقِ عَقِيبَ الطَّلَاقِ (وَفِي الْوَفَاةِ عَقِيبَ الْوَفَاةِ) لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ الطَّلَاقُ أَوْ الْوَفَاةُ (فَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ وَقْتِ وُجُودِ السَّبَبِ) فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْوَفَاةِ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْعِدَّةِ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا. قَالَ مُحَمَّدٌ: إذَا فَارَقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ زَمَانًا ثُمَّ قَالَ لَهَا كُنْت طَلَّقْتُك مُنْذُ كَذَا وَالْمَرْأَةُ لَا تَعْلَمُ بِذَلِكَ لَهَا أَنْ تُصَدِّقَهُ وَتُعْتَبَرُ عِدَّتُهَا مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ (وَمَشَايِخُنَا) يُرِيدُ عُلَمَاءَ بُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ (يُفْتُونَ فِي الطَّلَاقِ أَنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ نَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمُوَاضَعَةِ) بِجَوَازِ أَنْ يَتَوَاضَعَا عَلَى الطَّلَاقِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِيَصِحَّ إقْرَارُ الْمَرِيضِ لَهَا بِالدَّيْنِ وَوَصِيَّتُهُ لَهَا بِشَيْءٍ، أَوْ يَتَوَاضَعَا عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَأَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا أَوْ أَرْبَعًا سِوَاهَا. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: اخْتِيَارُ مَشَايِخِ بَلْخِي أَنَّهُ تَجِبُ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ عُقُوبَةً عَلَيْهِ جَزَاءً عَلَى كِتْمَانِ الطَّلَاقِ: يَعْنِي حَتَّى لَا يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا وَبِأَرْبَعٍ سِوَاهَا زَجْرًا لَهُ عَلَى الْكِتْمَانِ، لَكِنْ لَا تَجِبُ لَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ وَالسُّكْنَى لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّهَا وَقَدْ أَقَرَّتْ

[والعدة في النكاح الفاسد]

(وَالْعِدَّةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ عَقِيبَ التَّفْرِيقِ أَوْ عَزْمِ الْوَاطِئِ عَلَى تَرْكِ وَطْئِهَا) وَقَالَ زُفَرُ: مِنْ آخِرِ الْوَطَآتِ لِأَنَّ الْوَطْءَ هُوَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ. وَلَنَا أَنَّ كُلَّ وَطْءٍ وُجِدَ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ يَجْرِي مَجْرَى الْوَطْأَةِ الْوَاحِدَةِ لِاسْتِنَادِ الْكُلِّ إلَى حُكْمِ عَقْدٍ وَاحِدٍ، وَلِهَذَا يُكْتَفَى فِي الْكُلِّ بِمَهْرٍ وَاحِدٍ، فَقِيلَ: الْمُتَارَكَةُ أَوْ الْعَزْمُ لَا تُثْبِتُ الْعِدَّةَ مَعَ جَوَازِ وُجُودِ غَيْرِهِ وَلِأَنَّ التَّمَكُّنَ عَلَى وَجْهِ الشُّبْهَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِسُقُوطِهِ. [وَالْعِدَّةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ] (وَالْعِدَّةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ عَقِيبَ التَّفْرِيقِ) بِأَنْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا (أَوْ عَزْمِ الْوَاطِئِ عَلَى تَرْكِ وَطْئِهَا) وَالْعَزْمُ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ وَلَهُ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ وَهُوَ الْإِخْبَارُ بِذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ تَرَكْت وَطْأَهَا أَوْ مَا يُفِيدُ مَعْنَاهُ فَيُقَامُ مَقَامَهُ وَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ (وَقَالَ زُفَرُ: مِنْ آخِرِ الْوَطَآتِ لِأَنَّ الْوَطْءَ هُوَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ) لِلْعِدَّةِ إذْ لَوْ لَمْ يَطَأْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ (وَلَنَا أَنَّ كُلَّ وَطْءٍ وُجِدَ فِي الْعَقْدِ) وَتَقْرِيرُهُ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: سَلَّمْنَا أَنَّ الْوَطْءَ هُوَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لَكِنَّ جَمِيعَ الْوَطَآتِ الَّتِي تُوجَدُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ (بِمَنْزِلَةِ وَطْأَةٍ وَاحِدَةٍ لِاسْتِنَادِ الْكُلِّ إلَى عَقْدٍ وَاحِدٍ وَلِهَذَا يُكْتَفَى فِي الْكُلِّ بِمَهْرٍ وَاحِدٍ) وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ آخِرُ وَطْأَةٍ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ إلَّا بِالتَّفْرِيقِ أَوْ الْعَزْمِ، لِأَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ جَازَ أَنْ يُوجَدَ غَيْرُهُ فَلَا يَكُونُ مَا فَرَضْنَاهُ آخِرَ الْوَطَآتِ آخِرَهَا. وَتَجْرِيدُ هَذِهِ النُّكْتَةِ: الْعِدَّةُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِآخِرِ وَطْأَةٍ وَآخِرُ وَطْأَةٍ لَا تُوجَدُ إلَّا بِالتَّفْرِيقِ أَوْ الْعَزْمِ، فَالْعِدَّةُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالتَّفْرِيقِ أَوْ الْعَزْمِ، أَمَّا أَنَّهَا لَا تَثْبُتُ إلَّا بِآخِرِ وَطْأَةٍ فَبِالِاتِّفَاقِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْخَصْمِ، وَأَمَّا أَنَّ آخِرَ وَطْأَةٍ لَا تُوجَدُ إلَّا بِالتَّفْرِيقِ أَوْ الْعَزْمِ فَلِمَا قَالَ مَعَ جَوَازِ وُجُودِ غَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ التَّمَكُّنَ عَلَى وَجْهِ الشُّبْهَةِ) دَلِيلٌ آخَرُ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ حَقِيقَةَ الْوَطْءِ أَمْرٌ خَفِيٌّ لَهُ سَبَبٌ ظَاهِرٌ وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْوَطْءِ عَلَى وَجْهِ الشُّبْهَةِ، وَكُلُّ أَمْرٍ خَفِيٍّ لَهُ سَبَبٌ ظَاهِرٌ يُقَامُ السَّبَبُ مَقَامَهُ وَيُدَارُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ، فَالتَّمَكُّنُ مِنْ الْوَطْءِ عَلَى وَجْهِ الشُّبْهَةِ يَقُومُ مَقَامَ حَقِيقَةِ الْوَطْءِ، وَإِذَا قَامَ مَقَامَهَا فَمَهْمَا كَانَ التَّمَكُّنُ بَاقِيًا كَانَ الْوَطْءُ بَاقِيًا فَلَا يَتَعَيَّنُ آخِرُ الْوَطَآتِ إذْ التَّمَكُّنُ بَاقٍ بَعْدَ كُلِّ وَطْأَةٍ فُرِضَتْ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُتَارَكَةِ أَوْ الْعَزْمِ لِيَرْتَفِعَ التَّمَكُّنُ فَيَتَعَيَّنَ

أُقِيمَ مَقَامَ حَقِيقَةِ الْوَطْءِ لِخَفَائِهِ وَمِسَاسِ الْحَاجَةِ إلَى مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ. (وَإِذَا قَالَتْ الْمُعْتَدَّةُ انْقَضَتْ عِدَّتِي وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا مَعَ الْيَمِينِ) لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي ذَلِكَ وَقَدْ اُتُّهِمَتْ بِالْكَذِبِ فَتَحْلِفُ كَالْمُودِعِ. (وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي عِدَّتِهَا وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَعَلَيْهِ مَهْرٌ كَامِلٌ وَعَلَيْهَا عِدَّةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ وَعَلَيْهِ إتْمَامُ الْعِدَّةِ الْأُولَى) لِأَنَّ هَذَا طَلَاقٌ قَبْلَ الْمَسِيسِ فَلَا يُوجِبُ كَمَالَ الْمَهْرِ وَلَا اسْتِئْنَافَ الْعِدَّةِ، وَإِكْمَالُ الْعِدَّةِ الْأُولَى إنَّمَا يَجِبُ بِالطَّلَاقِ الْأَوَّلِ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ حَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQآخِرُ الْوَطَآتِ. فَإِنْ قُلْت: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ حَقِيقَةَ الْوَطْءِ أَمْرٌ خَفِيٌّ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى مَعْرِفَةِ الْعِدَّةِ إنَّمَا هِيَ لِلزَّوْجَيْنِ وَحَقِيقَةُ الْوَطْءِ لَيْسَتْ بِخَفِيَّةِ النَّسَبِ إلَيْهِمَا. قُلْت: قَدْ أَشَارَ إلَى الْجَوَابِ بِقَوْلِهِ (وَمِسَاسُ الْحَاجَةِ إلَى مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْوَاطِئِ وَهُوَ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَقِيلَ وَكَذَا أُخْتُ الْمَوْطُوءَةِ وَأَرْبَعٌ سِوَاهَا، وَلَا خَفَاءَ فِي مَفْهُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي النُّكْتَتَيْنِ، وَلَمْ أَجِدْ فِي الشُّرُوحِ مَا يُطَابِقُ مَقْصُودَهُ فَذَكَرْت مَا خَاطِرِي أَبُو عُذْرِهِ وَجَهْدُ الْمُقِلِّ دُمُوعُهُ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَتْ الْمُعْتَدَّةُ انْقَضَتْ عِدَّتِي) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (فَتَخَلَّفَ كَالْمُودَعِ) يَعْنِي إذَا قَالَ هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ أَوْ قَالَ رَدَدْتهَا وَأَنْكَرَ الْمُودِعُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَمَا عَلَى الْأَمِينِ إلَّا الْيَمِينُ. قَالَ (وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هَذِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَعْرُوفَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي التَّتِمَّةِ وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا وَهِيَ كُلُّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ الدُّخُولَ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ هَلْ يَكُونُ دُخُولًا فِي النِّكَاحِ الثَّانِي أَوْ لَا؟ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَكُونُ وَعِنْدَهُمَا يَكُونُ. وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ ظَاهِرَةٌ. وَوَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ هَذَا طَلَاقٌ قَبْلَ الْمَسِيسِ وَالْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ، وَكُلُّ طَلَاقٍ يَكُونُ كَذَلِكَ لَا يُوجِبُ كَمَالَ الْمَهْرِ وَلَا اسْتِئْنَافَ الْعِدَّةِ فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَامَ يَجِبُ عَلَيْهَا إكْمَالُ الْعِدَّةِ الْأُولَى؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ: وَإِكْمَالُ الْعِدَّةِ الْأُولَى إنَّمَا وَجَبَ بِالطَّلَاقِ الْأَوَّلِ إلَّا

التَّزَوُّجِ الثَّانِي، فَإِذَا ارْتَفَعَ بِالطَّلَاقِ الثَّانِي ظَهَرَ حُكْمُهُ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى أُمَّ وَلَدِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهَا. وَلَهُمَا أَنَّهَا مَقْبُوضَةٌ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً بِالْوَطْأَةِ الْأُولَى وَبَقِيَ أَثَرُهُ وَهُوَ الْعِدَّةُ، فَإِذَا جَدَّدَ النِّكَاحَ وَهِيَ مَقْبُوضَةٌ نَابَ ذَلِكَ الْقَبْضُ عَنْ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ فِي هَذَا النِّكَاحِ كَالْغَاصِبِ يَشْتَرِي الْمَغْصُوبَ الَّذِي فِي يَدِهِ يَصِيرُ قَابِضًا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ حَالَةَ التَّزَوُّجِ الثَّانِي لِعَدَمِ اخْتِلَاطِ الْمِيَاهِ. فَإِذَا طَلَّقَهَا ثَانِيًا بِلَا دُخُولٍ صَارَ النِّكَاحُ الثَّانِي كَالْمَعْدُومِ فَيَجِبُ عَلَيْهَا إكْمَالُ الْعِدَّةِ الْأُولَى (كَمَا لَوْ اشْتَرَى أُمَّ وَلَدِهِ) أَيْ مَنْكُوحَتَهُ الَّتِي وَلَدَتْ مِنْهُ (ثُمَّ أَعْتَقَهَا) فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ: حَيْضَتَانِ مِنْ النِّكَاحِ تَجْتَنِبُ فِيهِمَا مَا تَجْتَنِبُ مِنْ الْخُرُوجِ وَالتَّزَيُّنِ، وَحَيْضَةٌ مِنْ الْعِتْقِ لَا تَجْتَنِبُ فِيهَا لِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَاهَا فَسَدَ النِّكَاحُ وَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَإِنَّمَا لَمْ يَظْهَرْ حُكْمُ الْعِدَّةِ فِي حَقِّهِ لِمَانِعٍ وَهُوَ مِلْكُ الْيَمِينِ، فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ ظَهَرَ حُكْمُ الْعِدَّةِ فِي حَقِّهِ أَيْضًا فَوَجَبَتْ حَقًّا لِلْفَسَادِ، وَهُمَا يُعْتَبَرَانِ مِنْ الْإِعْتَاقِ أَيْضًا وَيَلْزَمُهَا الْإِحْدَادُ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَإِنَّهَا تَجِبُ مِنْ الْعِتْقِ خَاصَّةً فَلَا يَلْزَمُهَا الْإِحْدَادُ (وَلَهُمَا أَنَّهَا مَقْبُوضَةٌ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً بِالْوَطْأَةِ الْأُولَى وَبَقِيَ أَثَرُهُ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ بَقِيَ أَثَرُهُ: أَيْ أَثَرُ الْوَطْءِ الْأَوَّلِ (وَهُوَ الْعِدَّةُ فَإِذَا جَدَّدَ النِّكَاحَ وَهِيَ مَقْبُوضَةٌ) بِالدُّخُولِ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ (نَابَ ذَلِكَ الْقَبْضُ) الَّذِي كَانَ بِالدُّخُولِ (مَنَابَ الْقَبْضِ) أَيْ الدُّخُولِ (الْمُسْتَحَقِّ فِي هَذَا النِّكَاحِ) فَإِذَا طَلَّقَهَا صَارَ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ فِي النِّكَاحِ الثَّانِي فَيَجِبُ عَلَيْهِ مَهْرٌ كَامِلٌ وَعَلَيْهَا

فَوَضَحَ بِهَذَا أَنَّهُ طَلَاقٌ بَعْدَ الدُّخُولِ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْأُولَى قَدْ سَقَطَتْ بِالتَّزَوُّجِ فَلَا تَعُودُ، وَالثَّانِيَةُ لَمْ تَجِبْ وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا. . قَالَ (وَإِذَا طَلَّقَ الذِّمِّيُّ الذِّمِّيَّةَ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَكَذَا إذَا خَرَجَتْ الْحَرْبِيَّةُ إلَيْنَا مُسْلِمَةً، ـــــــــــــــــــــــــــــQعِدَّةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ بَعْدَ النِّكَاحِ الثَّانِي كَالطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ لَكَانَ صَرِيحُهُ مُعْقِبًا لِلرَّجْعَةِ كَالطَّلَاقِ الصَّرِيحِ بَعْدَ الدُّخُولِ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الطَّلَاقَ بَائِنٌ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَلَاقٍ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَإِنَّمَا هُوَ كَالطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ وَالْمُشَابِهُ لِلشَّيْءِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يُسَاوِيَهُ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْخَلْوَةَ كَالدُّخُولِ فِي حَقِّ تَكْمِيلِ الْمَهْرِ وَوُجُوبِ كَمَالِ الْعِدَّةِ لَا فِيمَا سِوَاهُمَا، حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ خَلْوَةٍ كَانَ الْوَاقِعُ بَائِنًا وَشَبَّهَهُ بِالْغَاصِبِ يَشْتَرِي الْمَغْصُوبَ وَهُوَ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (فَوَضَح بِهَذَا أَنَّهُ طَلَاقٌ بَعْدَ الدُّخُولِ) تَشْبِيهٌ لَا تَحْقِيقَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ قَبْلَهُ نَابَ ذَلِكَ الْقَبْضُ عَنْ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ، وَقَوْلُ زُفَرَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَإِكْمَالُ الْعِدَّةِ الْأُولَى وَإِلَى قَوْلِهِ وَلَهُمَا أَنَّهَا مَقْبُوضَةٌ فِي يَدِهِ إلَخْ. (وَإِذَا طَلَّقَ الذِّمِّيُّ الذِّمِّيَّةَ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَكَذَا إذَا خَرَجَتْ الْحَرْبِيَّةُ إلَيْنَا) مُرَاغَمَةً عَلَى نِيَّةِ أَنْ لَا تَعُودَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ أَبَدًا، يُقَالُ رَاغَمَ فُلَانٌ قَوْمَهُ إذَا نَابَذَهُمْ وَخَرَجَ عَنْهُمْ،

فَإِنْ تَزَوَّجَتْ جَازَ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: عَلَيْهَا وَعَلَى الذِّمِّيَّةِ الْعِدَّةُ) أَمَّا الذِّمِّيَّةُ فَالِاخْتِلَافُ فِيهَا نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِي نِكَاحِهِمْ مَحَارِمَهُمْ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا كَانَ مُعْتَقَدُهُمْ أَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَأَمَّا الْمُهَاجِرَةُ فَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْفُرْقَةَ لَوْ وَقَعَتْ بِسَبَبٍ آخَرَ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ فَكَذَا بِسَبَبِ التَّبَايُنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا هَاجَرَ الرَّجُلُ وَتَرَكَهَا لِعَدَمِ التَّبْلِيغِ. وَلَهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [الممتحنة: 10] وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ حَيْثُ وَجَبَتْ كَانَ فِيهَا حَقُّ بَنِي آدَمَ وَالْحَرْبِيُّ مُلْحَقٌ بِالْجَمَادِ حَتَّى كَانَ مَحَلًّا لِلتَّمَلُّكِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْإِسْلَامُ لَيْسَ بِشَرْطٍ. قَالَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ: إذَا خَرَجَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ إلَيْنَا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا ثُمَّ أَسْلَمَ أَوْ صَارَ ذِمِّيًّا وَالْآخَرُ عَلَى حَرْبِهِ فَقَدْ زَالَتْ الزَّوْجِيَّةُ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الْخَارِجَةُ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ مُسْلِمَةً بَيَانًا لِأَحْسَنِ حَالَاتِهَا (فَإِنْ تَزَوَّجَتْ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: عَلَيْهَا وَعَلَى الذِّمِّيَّةِ الْعِدَّةُ أَمَّا الذِّمِّيَّةُ فَالِاخْتِلَافُ فِيهَا نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِي نِكَاحِهِمْ مَحَارِمَهُمْ) يَعْنِي كَمَا أَنَّ نِكَاحَ الْمَحَارِمِ فِيمَا بَيْنَهُمْ صَحِيحٌ عِنْدَهُ إذَا كَانَ مُعْتَقَدُهُمْ ذَلِكَ حَتَّى لَا يُتَعَرَّضَ لَهُمْ. كَذَلِكَ الذِّمِّيَّةُ الْمُطَلَّقَةُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا مِنْ الْكَافِرِ إذَا كَانَ مُعْتَقَدُهُمْ ذَلِكَ (وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ) يَعْنِي فِي بَابِ نِكَاحِ أَهْلِ الشِّرْكِ (وَأَمَّا الْمُهَاجِرَةُ فَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْفُرْقَةَ لَوْ وَقَعَتْ بَيْنَهُمَا بِسَبَبٍ آخَرَ كَالطَّلَاقِ وَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ فَكَذَا بِسَبَبِ التَّبَايُنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا هَاجَرَ الرَّجُلُ وَتَرَكَهَا) فِي دَارِ الْحَرْبِ (لِعَدَمِ تَبْلِيغِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ إيَّاهَا وَلَهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [الممتحنة: 10] نَفَى الْجُنَاحَ فِي نِكَاحِ الْمُهَاجِرَاتِ مُطْلَقًا فَتَقْيِيدُهُ بِمَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ حَيْثُ وَجَبَتْ) دَلِيلٌ مَعْقُولٌ. وَتَقْرِيرُهُ: الْعِدَّةُ حَيْثُ وَجَبَتْ كَانَ فِيهَا حَقُّ الْعَبْدِ لِأَنَّهَا تَجِبُ صِيَانَةً لِمَاءٍ مُحْتَرَمٍ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَا حَقَّ لِلْحَرْبِيِّ لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْجَمَادِ حَتَّى كَانَ

[فصل في الحداد]

إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا لِأَنَّ فِي بَطْنِهَا وَلَدًا ثَابِتَ النَّسَبِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ نِكَاحُهَا وَلَا يَطَؤُهَا كَالْحُبْلَى مِنْ الزِّنَا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَحَلًّا لِلتَّمَلُّكِ. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاءً مِنْ قَوْلِهِ، وَالْحَرْبِيُّ مُلْحَقٌ بِالْجَمَادِ مَعْنًى لِأَنَّ مَعْنَاهُ وَالْحَرْبِيُّ لَا حَقَّ لَهُ (إلَّا أَنْ تَكُونَ امْرَأَتُهُ حَامِلًا لِأَنَّ فِي بَطْنِهَا وَلَدًا ثَابِتَ النَّسَبِ) وَالْحَمْلُ الثَّابِتُ النَّسَبُ يَكُونُ أَمْنَعَ مِنْ احْتِمَالِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ إذَا كَانَتْ حَامِلًا لَا يُزَوِّجُهَا مَوْلَاهَا، وَإِذَا كَانَتْ حَائِلًا جَازَ لَهُ ذَلِكَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَلَدَ إذَا كَانَ ثَابِتَ النَّسَبِ كَانَ الْفِرَاشُ قَائِمًا، فَنِكَاحُهَا يَسْتَلْزِمُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْفِرَاشَيْنِ، وَلَا كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: قَوْله تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [الممتحنة: 10] مُطْلَقٌ لَا يَفْصِلُ بَيْنَ الْحَامِلِ وَالْحَائِلِ، فَتَقْيِيدُهُ بِالْحَائِلِ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ فَلَا يَجُوزُ كَمَا قُلْتُمْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعِدَّةِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَسْقِيَنَّ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» مَشْهُورٌ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ فَيَجُوزُ بِهِ الزِّيَادَةُ، بِخِلَافِ الْعِدَّةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مِثْلُهُ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا إنْ تَزَوَّجَتْ صَحَّ نِكَاحُهَا وَلَا يَطَؤُهَا كَالْحُبْلَى مِنْ الزِّنَا، وَالْأَوَّلُ وَهُوَ أَنْ لَا يَجُوزَ نِكَاحُ الْمُهَاجِرَةِ الْحَامِلِ أَصَحُّ لِثُبُوتِ نَسَبِ الْوَلَدِ، بِخِلَافِ الْحُبْلَى مِنْ الزِّنَا لِأَنَّهُ لَا نَسَبَ لَهُ. [فَصْلٌ فِي الْحداد] (فَصْلٌ) لَمَّا ذَكَرَ نَفْسَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ وَكَيْفِيَّةَ الْوُجُوبِ وَعَلَى مَنْ تَجِبُ وَعَلَى مَنْ لَا تَجِبُ ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ مَا يَجِبُ

قَالَ (وَعَلَى الْمَبْتُوتَةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا كَانَتْ بَالِغَةً مُسْلِمَةً الْحِدَادُ) أَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إلَّا عَلَى زَوْجِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْمُعْتَدَّاتِ أَنْ يَفْعَلْنَهُ وَمَا لَا يَجِبُ، يُقَالُ بَتَّ طَلَاقَ الْمَرْأَةِ وَأَبَتَّهُ وَالْمَبْتُوتَةُ الْمَرْأَةُ وَأَصْلُهَا الْمَبْتُوتُ طَلَاقُهَا، وَالْمُرَادُ بِالْمَبْتُوتَةِ مَنْ انْقَطَعَ عَنْهَا حَقُّ الرَّجْعَةِ وَهِيَ تَقَعُ عَلَى ثَلَاثٍ، وَهِيَ الْمُخْتَلِعَةُ وَالْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا وَالْمُطَلَّقَةُ بِتَطْلِيقَةٍ بَائِنَةٍ (وَعَلَى الْمَبْتُوتَةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا كَانَتْ بَالِغَةً مُسْلِمَةً الْحِدَادُ) وَهُوَ تَرْكُ زِينَتِهَا وَخِضَابِهَا بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا. وَأَصْلُ الْحَدِّ الْمَنْعُ، يُقَالُ أَحَدَّتْ الْمَرْأَةُ إحْدَادًا فَهِيَ مُحَدَّةٌ مَنَعَتْ نَفْسهَا، وَحَدَّتْ تَحُدُّ حِدَادًا (أَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تَحُدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إلَّا عَلَى زَوْجِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» ) وَفِي وَجْهِ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ إحْلَالُ الْإِحْدَادِ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لِكَوْنِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ التَّحْرِيمِ وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ التَّحْرِيمِ إحْلَالٌ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْإِيجَابِ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ» نَفْيٌ لِإِحْلَالِ الْإِحْدَادِ وَنَفْيُ إحْلَالِ الْإِحْدَادِ نَفْيُ الْإِحْدَادِ نَفْسِهِ فَحِينَئِذٍ كَانَ فِي الْمُسْتَثْنَى إثْبَاتُ الْإِحْدَادِ لَا مَحَالَةَ. وَكَانَ تَقْرِيرُ الْحَدِيثِ: لَا تَحُدُّ الْمَرْأَةُ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إلَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَإِنَّهَا تَحُدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَكَانَ هَذَا حِينَئِذٍ إخْبَارًا بِإِحْدَادِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَكَانَ وَاجِبًا لِأَنَّ إخْبَارَ الشَّارِعِ آكَدُ مِنْ الْأَمْرِ وَهَذَا أَنْسَبُ مَا وَجَدْت فِي الشُّرُوحِ. فَإِنْ قِيلَ: الْإِحْدَادُ هُوَ التَّأَسُّفُ عَلَى فَوْتِ النِّعَمِ وَذَلِكَ مَذْمُومٌ

وَأَمَّا الْمَبْتُوتَةُ فَمَذْهَبُنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا حِدَادَ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [الحديد: 23] فَكَيْفَ صَارَ وَاجِبًا بِالْخَبَرِ مُعَارِضًا لِلْكِتَابِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَا فِي الْكِتَابِ فَرَحٌ خَاصٌّ وَأَسًى خَاصٌّ وَهُوَ الْفَرَحُ وَالْأَسَى مَعَ الصِّيَاحِ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ (وَأَمَّا) وُجُوبُ الْإِحْدَادِ عَلَى (الْمَبْتُوتَةِ فَمَذْهَبُنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا حِدَادَ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ

وَجَبَ إظْهَارُ التَّأَسُّفِ عَلَى فَوْتِ زَوْجٍ وَفِي بُعْدِهَا إلَى مَمَاتِهِ وَقَدْ أَوْحَشَهَا بِالْإِبَانَةِ فَلَا تَأْسَفْ بِفَوْتِهِ. وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى الْمُعْتَدَّةَ أَنْ تَخْتَضِبَ بِالْحِنَّاءِ» . وَقَالَ «الْحِنَّاءُ طِيبٌ» وَلِأَنَّهُ يَجِبُ إظْهَارًا لِلتَّأَسُّفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَجَبَ إظْهَارًا لِلتَّأَسُّفِ عَلَى فَوْتِ زَوْجٍ وَفَّى بِعَهْدِهَا إلَى مَمَاتِهِ. وَهَذَا قَدْ أَوْحَشَهَا بِالْإِبَانَةِ فَلَا تَأْسَفُ عَلَى فَوْتِهِ. وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى الْمُعْتَدَّةَ أَنْ تَخْتَضِبَ بِالْحِنَّاءِ وَقَالَ: الْحِنَّاءُ طِيبٌ» ) رَوَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مُعْتَدَّةِ الْوَفَاةِ وَغَيْرِهَا وَفِي مَعْنَاهُ مَا رَوَى الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ بِإِسْنَادِهِ إلَى حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: الْمُطَلَّقَةُ وَالْمُخْتَلِعَةُ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَالْمُلَاعَنَةُ لَا يَخْتَضِبْنَ وَلَا يَتَطَيَّبْنَ وَلَا يَلْبَسْنَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا وَلَا يَخْرُجْنَ مِنْ بُيُوتِهِنَّ. وَإِبْرَاهِيمُ أَدْرَكَ عَصْرَ الصَّحَابَةِ وَزَاحَمَهُمْ فِي الْفَتْوَى فَيَجُوزُ تَقْلِيدُهُ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ وَجَبَ) دَلِيلٌ مَعْقُولٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِإِلْحَاقِ الْمَبْتُوتَةِ بِالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي وُجُوبِ الْإِحْدَادِ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا بِلَا خِلَافٍ، وَمَنَاطُ حُكْمِهِ إظْهَارُ التَّأَسُّفِ عَلَى فَوْتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِصَوْنِهَا

عَلَى فَوْتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِصَوْنِهَا وَكِفَايَةُ مُؤَنِهَا، وَالْإِبَانَةُ أَقْطَعُ لَهَا مِنْ الْمَوْتِ حَتَّى كَانَ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ مَيِّتًا قَبْلَ الْإِبَانَةِ لَا بَعْدَهَا (وَالْحِدَادُ) وَيُقَالُ الْإِحْدَادُ وَهُمَا لُغَتَانِ (أَنْ تَتْرُكَ الطِّيبَ وَالزِّينَةَ وَالْكُحْلَ وَالدُّهْنَ الْمُطَيَّبَ وَغَيْرَ الْمُطَيَّبِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إلَّا مِنْ وَجَعٍ) وَالْمُعْتَدُّ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ إظْهَارِ التَّأَسُّفِ. وَالثَّانِي: أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ دَوَاعِي الرَّغْبَةِ فِيهَا وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ عَنْ النِّكَاحِ فَتَجْتَنِبُهَا كَيْ لَا تَصِيرَ ذَرِيعَةً إلَى الْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمِ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَأْذَنْ لِلْمُعْتَدَّةِ فِي الِاكْتِحَالِ. وَالدُّهْنُ لَا يَعْرَى عَنْ نَوْعِ طِيبٍ وَفِيهِ زِينَةُ الشَّعْرِ، وَلِهَذَا يُمْنَعُ الْمُحْرِمُ عَنْهُ قَالَ: إلَّا مِنْ عُذْرٍ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً، وَالْمُرَادُ الدَّوَاءُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكِفَايَةِ مُؤَنِهَا، وَالْإِبَانَةُ أَقْطَعُ لَهَا مِنْ الْمَوْتِ حَتَّى كَانَ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ مَيِّتًا قَبْلَ الْإِبَانَةِ لَا بَعْدَهَا فَكَانَ إلْحَاقُ الْمَبْتُوتَةِ بِالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا كَإِلْحَاقِ ضَرْبِ الْوَالِدَيْنِ بِالتَّأْفِيفِ. فَإِنْ قِيلَ: إنْ تَمَّ هَذَا فِي الْمُطَلَّقَةِ لَمْ يَتِمَّ فِي الْمُخْتَلِعَةِ لِأَنَّهَا قَدْ افْتَدَتْ نَفْسَهَا بِرِضَاهَا لِطَلَبِ الْخَلَاصِ مِنْهُ، فَكَيْفَ تَتَأَسَّفُ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَحْكَامَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ بِالْمَوْضُوعَاتِ الْأَصْلِيَّةِ وَفَوَاتُ نِعْمَةِ النِّكَاحِ مِمَّا يُوجِبُ التَّأَسُّفَ بِوَضْعِهِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِصُورَةِ نَقْضٍ صَدَرَتْ مِنْ نَاقِصَاتِ الْعَقْلِ وَالدِّينِ. لَا يُقَالُ: لَوْ كَانَ الْحِدَادُ لِمَا ذَكَرْتُمْ لَوَجَبَ عَلَى الْأَزْوَاجِ أَيْضًا لِأَنَّ نِعْمَةَ النِّكَاحِ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا. لِأَنَّا نَقُولُ: النَّصُّ لَمْ يَرِدْ إلَّا فِي الزَّوْجَاتِ، وَالْأَزْوَاجُ لَيْسُوا فِي مَعْنَاهُنَّ لِكَوْنِهِنَّ أَدْنَى مِنْهُنَّ فِي نِعْمَةِ النِّكَاحِ لِمَا فِيهِ مِنْ صِيَانَتِهِنَّ لِأَنَّهُنَّ لَحْمٌ عَلَى وَضَمٍ، وَدُرُورُ النَّفَقَةِ عَلَيْهِنَّ لِكَوْنِهِنَّ ضَعَائِفَ عَنْ التَّكَسُّبِ عَوَاجِزَ عَنْ التَّقَلُّبِ وَلَا كَذَلِكَ الْأَزْوَاجُ. وَقَوْلُهُ (وَالْحِدَادُ وَيُقَالُ الْإِحْدَادُ) تَعْرِيفٌ لِلْحِدَادِ، وَكَانَ مَوْضِعُهُ أَوَّلَ الْكَلَامِ، وَأَتَى بِالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِأَنَّ لَفْظَهُ يُخَالِفُ لَفْظَ الْقُدُورِيِّ، وَفِي الْوَجَعِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْعُذْرَ هُوَ التَّدَاوِي لَا الزِّينَةُ. وَقَوْلُهُ (وَالْمَعْنَى فِيهِ) أَيْ فِي إيجَابِ تَرْكِ الطِّيبِ وَالزِّينَةِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ إظْهَارِ التَّأَسُّفِ. وَالثَّانِي أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ دَوَاعِي الرَّغْبَةِ فِيهَا لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إنْ كَانَتْ مُتَزَيِّنَةً مُتَطَيِّبَةً تَزِيدُ رَغْبَةُ الرَّجُلِ فِيهَا (وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ عَنْ النِّكَاحِ) مَا دَامَتْ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ أَوْ الطَّلَاقِ (فَتَجْتَنِبُهَا كَيْ لَا تَصِيرَ ذَرِيعَةً) أَيْ وَسِيلَةً (إلَى الْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمِ) وَهُوَ النِّكَاحُ (وَقَدْ صَحَّ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْذَنْ لِلْمُعْتَدَّةِ فِي الِاكْتِحَالِ» ) رُوِيَ عَنْ «أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَتْ: إنَّ زَوْجَ ابْنَتِي تُوُفِّيَ وَقَدْ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا أَفَنُكَحِّلُهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا» وَقَوْلُهُ (وَالْمُرَادُ الدَّوَاءُ) يَعْنِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُرَادُهَا بِالِاسْتِعْمَالِ الدَّوَاءَ لَا الزِّينَةَ.

لَا الزِّينَةُ. وَلَوْ اعْتَادَتْ الدُّهْنَ فَخَافَتْ وَجَعًا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا ظَاهِرًا يُبَاحُ لَهَا لِأَنَّ الْغَالِبَ كَالْوَاقِعِ، وَكَذَا لُبْسُ الْحَرِيرِ إذَا احْتَاجَتْ إلَيْهِ لِعُذْرٍ لَا بَأْسَ بِهِ. (وَلَا تَخْتَضِبْ بِالْحِنَّاءِ) لَمَا رَوَيْنَا (وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِعُصْفُرٍ وَلَا بَزَعْفَرَانٍ) لِأَنَّهُ يَفُوحُ مِنْهُ رَائِحَةُ الطِّيبِ. قَالَ (وَلَا حِدَادَ عَلَى كَافِرَةٍ) لِأَنَّهَا غَيْرُ مُخَاطَبَةٍ بِحُقُوقِ الشَّرْعِ (وَلَا عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (لِمَا رَوَيْنَا إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحِنَّاءُ طِيبٌ.» قَالَ وَلَا حِدَادَ عَلَى كَافِرَةٍ) هَذَا بَيَانُ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحِدَادُ وَهُنَّ خَمْسٌ الْكَافِرَةُ وَالصَّغِيرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُعْتَدَّةُ عَنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَالْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ. وَلَمْ يَذْكُرْهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِكَوْنِهَا مَعْلُومَةً مِمَّا تَقَدَّمَ، أَمَّا الْكَافِرَةُ وَهِيَ الْكِتَابِيَّةُ فَلِأَنَّهَا غَيْرُ مُخَاطَبَةٍ بِحُقُوقِ الشَّرْعِ وَالْحِدَادُ مِنْ

صَغِيرَةٍ) لِأَنَّ الْخِطَابَ مَوْضُوعٌ عَنْهَا (وَعَلَى الْأَمَةِ الْإِحْدَادُ) لِأَنَّهَا مُخَاطَبَةٌ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمَوْلَى، بِخِلَافِ الْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّهِ وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ لِحَاجَتِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQحُقُوقِهِ، أَشَارَ إلَى ذَلِكَ «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ» وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ فَلِأَنَّ الْخِطَابَ مَوْضُوعٌ عَنْهَا، وَذَكَرَ الْأَمَةَ فِي أَثْنَائِهَا اسْتِطْرَادًا وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُعْتَدَّةُ عَنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ فَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَا فَاتَهَا نِعْمَةُ النِّكَاحِ لِتُظْهِرَ التَّأَسُّفَ، وَالْأَصْلُ هُوَ الْإِبَاحَةُ فِي الزِّينَةِ لَا سِيَّمَا فِي النِّسَاءِ، قَالَ اللَّهُ

قَالَ (وَلَيْسَ فِي عِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ وَلَا فِي عِدَّةِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إحْدَادٌ) لِأَنَّهَا مَا فَاتَهَا نِعْمَةُ النِّكَاحِ لِتُظْهِرَ التَّأَسُّفَ، وَالْإِبَاحَةُ أَصْلٌ. (وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُخْطَبَ الْمُعْتَدَّةُ وَلَا بَأْسَ بِالتَّعْرِيضِ فِي الْخِطْبَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: 235] إلَى أَنْ قَالَ {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا} [البقرة: 235] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «السِّرُّ النِّكَاحُ» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: التَّعْرِيضُ أَنْ يَقُولَ: إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْقَوْلِ الْمَعْرُوفِ: إنِّي فِيكِ لَرَاغِبٌ وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ نَجْتَمِعَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعَالَى {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [الأعراف: 32] فَإِنْ قِيلَ: قَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ وُجُوبَ الْحِدَادِ لِإِظْهَارِ التَّأَسُّفِ وَكَوْنِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ دَوَاعِيَ الرَّغْبَةِ فِيهَا، فَإِنْ فَاتَ الْأَوَّلُ فِي أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُعْتَدَّةِ عَنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ فَالثَّانِي مَوْجُودٌ فِيهِمَا لِأَنَّهُمَا مَمْنُوعَانِ عَنْ النِّكَاحِ حَالَ قِيَامِ عِدَّتِهِمَا، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْحِدَادُ عَلَيْهِمَا لِلْوَجْهِ الثَّانِي. أُجِيبَ بِأَنَّ الْوَجْهَ الثَّانِيَ حِكْمَةٌ وَلَيْسَ بِعِلَّةٍ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ دَوَرَانِ وُجُوبِ الْحِدَادِ عَلَى فَوَاتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ، وَالْحُكْمُ يَدُورُ عَلَى الْعِلَّةِ دُونَ الْحِكْمَةِ، وَأَرَى أَنَّ قَوْلَهُ وَالْإِبَاحَةُ الْأَصْلِيَّةُ إشَارَةٌ إلَى الْجَوَابِ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا فَاتَ فِيهِمَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ عَارَضَتْ الْإِبَاحَةُ الْأَصْلِيَّةُ الْوَجْهَ الْآخَرَ فَلَمْ تَثْبُتْ الْحُرْمَةُ. (وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُخْطَبَ الْمُعْتَدَّةُ) لِقَوْلِهِ {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235] (وَلَا بَأْسَ بِالتَّعْرِيضِ فِي الْخِطْبَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: 235] إلَى أَنْ قَالَ {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا} [البقرة: 235] وَقَالَ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السِّرُّ النِّكَاحُ» ) وَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ كَانَتْ الْآيَةُ دَلِيلًا عَلَى الْحُكْمَيْنِ جَمِيعًا، وَالتَّعْرِيضُ أَنْ تَذْكُرَ شَيْئًا تَدُلَّ بِهِ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ، وَقَدْ فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الْخِطْبَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ {أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ} [البقرة: 235] أَيْ

(وَلَا يَجُوزُ لِلْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ وَالْمَبْتُوتَةِ الْخُرُوجُ مِنْ بَيْتِهَا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا، وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَخْرُجُ نَهَارًا وَبَعْضَ اللَّيْلِ وَلَا تَبِيتُ فِي غَيْرِ مَنْزِلِهَا) أَمَّا الْمُطَلَّقَةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] قِيلَ الْفَاحِشَةُ نَفْسُ الْخُرُوجِ، وَقِيلَ الزِّنَا، وَيَخْرُجْنَ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ، وَأَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَلِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا فَتَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ نَهَارًا لِطَلَبِ الْمَعَاشِ، وَقَدْ يَمْتَدُّ إلَى أَنْ يَهْجُمَ اللَّيْلُ، وَلَا كَذَلِكَ الْمُطَلَّقَةُ لِأَنَّ النَّفَقَةَ دَارَةٌ عَلَيْهَا مِنْ مَالِ زَوْجِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQسَتَرْتُمْ فِي قُلُوبِكُمْ فَلَمْ تَذْكُرُوهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ لَا مُعَرِّضِينَ وَلَا مُصَرِّحِينَ، وَالْمُسْتَدْرَكُ بِقَوْلِهِ {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ} [البقرة: 235] مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ فَاذْكُرُوهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا: أَيْ وَطْئًا لِأَنَّهُ مِمَّا يُسَرُّ، إلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَهُوَ أَنْ تُعَرِّضُوا وَلَا تُصَرِّحُوا، وَالِاسْتِثْنَاءُ مُتَعَلِّقٌ بِلَا تُوَاعِدُوهُنَّ: أَيْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ مُوَاعَدَةً قَطُّ إلَّا مُوَاعَدَةً مَعْرُوفَةً، كَذَا فِي الْكَشَّافِ، وَقَدْ فَسَّرَ الْقَوْلَ الْمَعْرُوفَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ بِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ. (وَلَا يَجُوزُ لِلْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ وَالْمَبْتُوتَةِ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْمَنْزِلِ) الَّذِي كَانَتْ فِيهِ وَقْتَ الْمُفَارَقَةِ إلَّا إذَا اُضْطُرَّتْ نَحْوَ إنْ خَافَتْ سُقُوطَهُ أَوْ يُغَارُ فِيهِ عَلَى نَفْسِهَا أَوْ مَالِهَا أَوْ أَخْرَجَهَا أَهْلُ الْمَنْزِلِ بِأَنْ كَانَتْ تَسْكُنُ بِكِرَاءٍ وَكَانَ زَوْجُهَا غَائِبًا أَوْ لَا تَقْدِرُ عَلَى الْأُجْرَةِ (وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَخْرُجُ نَهَارًا وَبَعْضَ اللَّيْلِ وَلَا تَبِيتُ فِي غَيْرِ مَنْزِلِهَا، أَمَّا عَدَمُ خُرُوجِ الْمُطَلَّقَةِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الْفَاحِشَةِ فَقِيلَ هِيَ نَفْسُ الْخُرُوجِ، قَالَهُ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ، فَيَكُونُ مَعْنَاهَا: إلَّا أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهَا فَاحِشَةً، كَمَا يُقَالُ لَا يَسُبُّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَّا كَافِرٌ وَلَا يَزْنِي أَحَدٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا (وَقِيلَ هِيَ الزِّنَا وَيَخْرُجْنَ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِنَّ) قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَبِهِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ نُشُوزُهَا وَأَنْ تَكُونَ بَذِيَّةَ اللِّسَانِ تَبْذُو عَلَى أَحْمَاءِ زَوْجِهَا. وَقَوْلُهُ (وَأَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا) وَاضِحٌ.

حَتَّى لَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى نَفَقَةِ عِدَّتِهَا قِيلَ: إنَّهَا تَخْرُجُ نَهَارًا، وَقِيلَ لَا تَخْرُجُ لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ حَقَّهَا فَلَا يَبْطُلُ بِهِ حَقٌّ عَلَيْهَا. . (وَعَلَى الْمُعْتَدَّةِ أَنْ تَعْتَدَّ فِي الْمَنْزِلِ الَّذِي يُضَافُ إلَيْهَا بِالسُّكْنَى حَالَ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ وَالْمَوْتِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وَالْبَيْتُ الْمُضَافُ إلَيْهَا هُوَ الْبَيْتُ الَّذِي تَسْكُنُهُ، وَلِهَذَا لَوْ زَارَتْ أَهْلَهَا وَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا كَانَ عَلَيْهَا أَنْ تَعُودَ إلَى مَنْزِلِهَا فَتَعْتَدَّ فِيهِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلَّتِي قُتِلَ زَوْجُهَا «اُسْكُنِي فِي بَيْتِك حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ» (وَإِنْ كَانَ نَصِيبُهَا مِنْ دَارِ الْمَيِّتِ لَا يَكْفِيهَا فَأَخْرَجَهَا الْوَرَثَةُ مِنْ نَصِيبِهِمْ) انْتَقَلَتْ، لِأَنَّ هَذَا انْتِقَالٌ بِعُذْرٍ، وَالْعِبَادَاتُ تُؤَثِّرُ فِيهَا الْأَعْذَارُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّتِي قُتِلَ زَوْجُهَا هِيَ فُرَيْعَةُ بِنْتُ مَالِكِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ أُخْتُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ لَمَّا قُتِلَ زَوْجُهَا جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَأْذَنَتْ أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَنِي خُدْرَةَ لَا فِي بَيْتِ زَوْجِهَا، فَأَذِنَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا خَرَجَتْ دَعَاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهَا: أَعِيدِي الْمَسْأَلَةَ، فَأَعَادَتْ فَقَالَ لَهَا: لَا حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ» يَعْنِي لَا تَخْرُجِي حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُك. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى حُكْمَيْنِ. عَلَى أَنَّهَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ،

فَصَارَ كَمَا إذَا خَافَتْ عَلَى مَتَاعِهَا أَوْ خَافَتْ سُقُوطَ الْمَنْزِلِ أَوْ كَانَتْ فِيمَا بِأَجْرٍ وَلَا تَجِدُ مَا تُؤَدِّيهِ. (ثُمَّ إنْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِطَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ ثَلَاثٍ لَا بُدَّ مِنْ سُتْرَةٍ بَيْنَهُمَا ثُمَّ لَا بَأْسَ بِهِ) لِأَنَّهُ مُعْتَرَفٌ بِالْحُرْمَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا يُخَافُ عَلَيْهَا مِنْهُ فَحِينَئِذٍ تَخْرُجُ لِأَنَّهُ عُذْرٌ، وَلَا تَخْرُجُ عَمَّا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَخْرُجَ هُوَ وَيَتْرُكَهَا (وَإِنْ جَعَلَا بَيْنَهُمَا امْرَأَةً ثِقَةً تَقْدِرُ عَلَى الْحَيْلُولَةِ فَحَسَنٌ، وَإِنْ ضَاقَ عَلَيْهِمَا الْمَنْزِلُ فَلْتَخْرُجْ، وَالْأَوْلَى خُرُوجُهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَلَى أَنَّ الْخُرُوجَ فِي بَعْضِ النَّهَارِ لِقَضَاءِ حَوَائِجِهَا جَائِزٌ، فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا خُرُوجَهَا لِلِاسْتِفْتَاءِ. وَقَوْلُهُ (وَالْأَوْلَى أَنْ يَخْرُجَ هُوَ وَيَتْرُكَهَا) لِأَنَّ مُكْثَهَا فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَاجِبٌ وَمُكْثَهُ فِيهِ مُبَاحٌ وَرِعَايَةُ الْوَاجِبِ أَوْلَى. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ ضَاقَ عَلَيْهِمَا الْمَنْزِلُ فَلْتَخْرُجْ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ ضِيقَ الْمَنْزِلِ مِنْ جُمْلَةِ الْأَعْذَارِ، فَإِذَا خَرَجَتْ فَإِلَى الزَّوْجِ تَعْيِينُ الْمَوْضِعِ الَّذِي تَنْتَقِلُ إلَيْهِ. بِخِلَافِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا خَرَجَتْ لِعُذْرٍ، فَإِنَّ التَّعْيِينَ إلَيْهَا لِاسْتِبْدَادِهَا

(وَإِذَا خَرَجَتْ الْمَرْأَةُ مَعَ زَوْجِهَا إلَى مَكَّةَ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ مَاتَ عَنْهَا فِي غَيْرِ مِصْرٍ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مِصْرِهَا أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ رَجَعَتْ إلَى مِصْرِهَا) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِابْتِدَاءِ الْخُرُوجِ مَعْنًى بَلْ هُوَ بِنَاءٌ (وَإِنْ كَانَتْ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ وَإِنْ شَاءَتْ مَضَتْ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا وَلِيٌّ أَوْ لَمْ يَكُنْ) مَعْنَاهُ إذَا كَانَ إلَى الْمَقْصِدِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُكْثَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ أَخْوَفُ عَلَيْهَا مِنْ الْخُرُوجِ، إلَّا أَنَّ الرُّجُوعَ أَوْلَى لِيَكُونَ الِاعْتِدَادُ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ. قَالَ (إلَّا أَنْ يَكُونَ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا فِي مِصْرٍ فَإِنَّهَا لَا تَخْرُجُ حَتَّى تَعْتَدَّ ثُمَّ تَخْرُجَ إنْ كَانَ لَهَا مَحْرَمٌ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي أَمْرِ السُّكْنَى. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا خَرَجَتْ الْمَرْأَةُ مَعَ زَوْجِهَا إلَى مَكَّةَ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ مَاتَ عَنْهَا) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مِصْرِهَا أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ رَجَعَتْ إلَى مِصْرِهَا سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَقْصِدِهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ أَوْ دُونُهَا. أَمَّا إذَا كَانَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمُضِيَّ إلَى مَقْصِدِهَا يَكُونُ سَفَرًا وَالرُّجُوعُ لَا يَكُونُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْهَا فَلِأَنَّهَا كَمَا رَجَعَتْ صَارَتْ مُقِيمَةً، وَإِذَا مَضَتْ كَانَتْ مُسَافِرَةً مَا لَمْ تَصِلْ إلَى الْمَقْصِدِ، فَإِذَا قَدَرَتْ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ اسْتِدَامَةِ السَّفَرِ فِي الْعِدَّةِ تَعَيَّنَ ذَلِكَ عَلَيْهَا؛ وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَقْصِدِ أَيْضًا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ أَوْ أَقَلُّ، فَإِنْ كَانَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَهِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ إلَى مِصْرِهَا وَإِنْ شَاءَتْ مَضَتْ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا وَلِيٌّ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الْمُكْثَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ أَخْوَفُ عَلَيْهَا مِنْ الْخُرُوجِ لِأَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْخُرُوجِ إلَى مَكَّةَ وَغَالِبُ طُرُقِهَا مَفَازَةٌ وَمَعْطَشٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْخُرُوجِ. قِيلَ وَيَنْبَغِي أَنْ تَخْتَارَ أَقْرَبَ الْجَانِبَيْنِ وَهِيَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَالَّتِي أَسْلَمَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَهَا أَنْ تُهَاجِرَ مِنْ غَيْرِ مَحْرَمٍ لِأَنَّهَا خَائِفَةٌ عَلَى نَفْسِهَا وَدِينِهَا فَهَذِهِ فِي الْمَفَازَةِ كَذَلِكَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (إلَّا أَنَّ الرُّجُوعَ أَوْلَى لِيَكُونَ الِاعْتِدَادُ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ) وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مَضَتْ إلَى مَقْصِدِهَا لِأَنَّهَا إذَا مَضَتْ لَا تَكُونُ مُنْشِئَةً سَفَرًا وَلَا سَائِرَةً فِي الْعِدَّةِ مُدَّةَ السَّفَرِ، وَإِنْ رَجَعَتْ كَانَتْ مُنْشِئَةً سَفَرًا فَلِهَذَا مَضَتْ إلَى مَقْصِدِهَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ فِي الْكِتَابِ هَذَا الشِّقَّ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ الشِّقِّ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْجَانِبَانِ مُتَسَاوِيَيْنِ كَانَتْ بِالْخِيَارِ. فَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا أَقَلَّ تَعَيَّنَ. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا فِي مِصْرٍ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ إنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ وَإِنْ شَاءَتْ مَضَتْ: يَعْنِي أَنَّ لَهَا

(وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إنْ كَانَ مَعَهَا مَحْرَمٌ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْمِصْرِ قَبْلَ أَنْ تَعْتَدَّ) لَهُمَا أَنَّ نَفْسَ الْخُرُوجِ مُبَاحٌ دَفْعًا لِأَذَى الْغُرْبَةِ وَوَحْشَةِ الْوَحْدَةِ فَهَذَا عُذْرٌ، وَإِنَّمَا الْحُرْمَةُ لِلسَّفَرِ وَقَدْ ارْتَفَعَتْ بِالْمُحْرِمِ. وَلَهُ أَنَّ الْعِدَّةَ أَمْنَعُ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ عَدَمِ الْمُحْرِمِ، فَإِنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْرُجَ إلَى مَا دُونَ السَّفَرِ بِغَيْرِ مُحْرِمٍ وَلَيْسَ لِلْمُعْتَدَّةِ ذَلِكَ، فَلَمَّا حُرِّمَ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ إلَى السَّفَرِ بِغَيْرِ الْمُحْرِمِ فَفِي الْعِدَّةِ أَوْلَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخِيَارَ فِي ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَتْ الْمُفَارَقَةُ فِي مِصْرٍ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ حَتَّى تَعْتَدَّ، ثُمَّ تَخْرُجَ إنْ كَانَ لَهَا مَحْرَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إنْ كَانَ مَعَهَا مَحْرَمٌ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْمِصْرِ قَبْلَ أَنْ تَعْتَدَّ لِأَنَّ نَفْسَ الْخُرُوجِ مُبَاحٌ بِالِاتِّفَاقِ دَفْعًا لِأَذَى الْغُرْبَةِ وَوَحْشَةِ الْوَحْدَةِ، وَإِنَّمَا الْحُرْمَةُ لِلسَّفَرِ وَقَدْ ارْتَفَعَتْ بِالْمَحْرَمِ، وَإِذَا ارْتَفَعَتْ الْحُرْمَةُ عَادَ مُبَاحًا. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا عُذْرٌ) إشَارَةٌ إلَى نُكْتَةٍ أُخْرَى هِيَ أَنَّ التَّرَبُّصَ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ فِي مَنْزِلِهَا وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا لَكِنْ يَجُوزُ لَهَا الِانْتِقَالُ بِعُذْرٍ كَانْهِدَامِ الْمَنْزِلِ وَغَيْرِهِ، وَأَذَى الْقُرْبَةِ وَوَحْشَةُ الْوَحْدَةِ عُذْرٌ فَيَجُوزُ لَهَا الِانْتِقَالُ نَظَرًا إلَى وُجُودِ الْمُقْتَضِي وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ وَهُوَ ارْتِفَاعُ التَّحْرِيمِ الْحَاصِلِ لِلسَّفَرِ بِوُجُودِ الْمَحْرَمِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعِدَّةَ أَمْنَعُ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ عَدَمِ الْمَحْرَمِ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ.

[باب ثبوت النسب]

(وَمَنْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا فَوَلَدَتْ وَلَدًا لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ تَزَوَّجَهَا فَهُوَ ابْنُهُ وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ) أَمَّا النَّسَبُ فَلِأَنَّهَا فِرَاشُهُ، لِأَنَّهَا لَمَّا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ فَقَدْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْهَا مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ فَكَانَ الْعُلُوقُ قَبْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ] لَمَّا ذَكَرَ أَنْوَاعَ الْمُعْتَدَّاتِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ وَالْأَشْهُرِ وَالْأَحْمَالِ ذَكَرَ مَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِدَادِ أُولَاتِ الْأَحْمَالِ وَهُوَ ثُبُوتُ النَّسَبِ فِي هَذَا الْبَابِ (وَمَنْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا فَوَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ تَزَوُّجِهَا) أَيْ مِنْ وَقْتِ تَزَوُّجِهَا لِأَنَّ الْيَوْمَ قُرِنَ بِفِعْلٍ غَيْرِ مُمْتَدٍّ فَيَكُونُ بِمَعْنَى الْوَقْتِ: يَعْنِي مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ (فَهُوَ ابْنُهُ وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ، أَمَّا النَّسَبُ فَلِأَنَّهَا فِرَاشُهُ لِأَنَّهَا لَمَّا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ فَقَدْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْهَا مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَشْرُوطٌ بِالنِّكَاحِ وَالْمَشْرُوطُ يَعْقُبُ الشَّرْطَ بِزَمَانٍ وَإِنْ لَطُفَ فَيَكُونُ الْعُلُوقُ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الطَّلَاقِ

فِي حَالَةِ النِّكَاحِ وَالتَّصَوُّرُ ثَابِتٌ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ يُخَالِطُهَا فَوَافَقَ الْإِنْزَالُ النِّكَاحَ وَالنَّسَبُ يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ، وَأَمَّا الْمَهْرُ فَلِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ جُعِلَ وَاطِئًا حُكْمًا فَتَأَكَّدَ الْمَهْرُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي حَالَةِ النِّكَاحِ) فَإِنْ قِيلَ: هَذَا نِكَاحٌ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْوَطْءُ وَالْإِعْلَاقُ لِأَنَّهُ كَمَا تَزَوَّجَ وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَبِدُونِ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ نَسَبَ وَلَدٍ جَاءَتْ بِهِ امْرَأَةُ الصَّبِيِّ لَا يَثْبُتُ؛ لِذَلِكَ أَجَابَ بِقَوْلِهِ وَالتَّصَوُّرُ ثَابِتٌ بِأَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ عَلَى بَطْنِهَا يُخَالِطُهَا وَالنَّاسُ يَسْمَعُونَ كَلَامَهُمَا فَيَكُونُ الْإِنْزَالُ قَدْ وَافَقَ تَمَامَ النِّكَاحِ مُقَارِنًا لِلطَّلَاقِ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الشَّرْطِ وَزَوَالُ الْفِرَاشِ حُكْمُ الطَّلَاقِ فَيَكُونُ الْعُلُوقُ حَاصِلًا قَبْلَ زَوَالِ الْفِرَاشِ ضَرُورَةً فَيَثْبُتُ النَّسَبُ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا فِي غَايَةِ النُّدْرَةِ. فَكَيْفَ يُبْنَى عَلَيْهِ الْحُكْمُ؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَالنَّسَبُ يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ) يَعْنِي وَإِنْ كَانَ نَادِرًا لَكِنَّ النَّسَبَ يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ فَيَجِبُ بِنَاؤُهُ عَلَى هَذَا النَّادِرِ، هَذَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ، وَأَمَّا إذَا وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْهَا فَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ لِأَنَّ عُلُوقَهُ كَانَ ثَابِتًا عَلَى النِّكَاحِ قَبْلَ ثُبُوتِ الْفِرَاشِ فَلَا يَكُونُ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ إنْ وُلِدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْهَا لِأَنَّهُ حِينَ طَلُقَتْ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ لَهَا لِأَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْخَلْوَةِ، وَلَمْ يُتَيَقَّنْ بُطْلَانُ هَذَا الْحُكْمِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ عَلِقَ مِنْ زَوْجٍ آخَرَ بَعْدَ الطَّلَاقِ، بِخِلَافِ مَا إذَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQجَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ فَقَدْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ فَتَيَقَّنَّا بِقِيَامِ الْوَلَدِ فِي الْبَطْنِ وَقْتَ الطَّلَاقِ، فَبَعْدَ ذَلِكَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، فَجَعَلْنَا الْعُلُوقَ مِنْهُ احْتِيَاطًا لِأَمْرِ النَّسَبِ، إذْ لَوْ جَعَلْنَاهُ مِنْ عُلُوقٍ قَبْلَ النِّكَاحِ مِنْ زَوْجٍ آخَرَ وَذَلِكَ الزَّوْجُ لَيْسَ بِمَعْلُومٍ كَانَ فِيهِ إضَاعَةُ الْوَلَدِ وَإِبْطَالُ النِّكَاحِ الْجَائِزِ وَالطَّلَاقِ الْوَاقِعِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ وَإِحَالَةُ الْوَلَدِ إلَى أَبْعَدِ الْأَوْقَاتِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَجَعَلْنَاهُ مِنْهُ، وَأَمَّا الْمَهْرُ فَلِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الْقِيَاسُ يَلْزَمُهُ مَهْرٌ وَنِصْفُ مَهْرٍ، أَمَّا النِّصْفُ فَلِلطَّلَاقِ

(وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا) لِاحْتِمَالِ الْعُلُوقِ فِي حَالَةِ الْعِدَّةِ لِجَوَازِ أَنَّهَا تَكُونُ مُمْتَدَّةَ الطُّهْرِ (وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ) وَثَبَتَ نَسَبُهُ لِوُجُودِ الْعُلُوقِ فِي النِّكَاحِ أَوْ فِي الْعِدَّةِ فَلَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْعُلُوقَ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَيَحْتَمِلُ بَعْدَهُ فَلَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالشَّكِّ (وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ كَانَتْ رَجْعَةً) لِأَنَّ الْعُلُوقَ بَعْدَ الطَّلَاقِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبْلَ الدُّخُولِ وَأَمَّا الْمَهْرُ فَبِالدُّخُولِ. وَقَوْلُهُ (وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَيُحْتَمَلُ بَعْدَهُ فَلَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالشَّكِّ) قِيلَ عَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يَصِيرَ مُرَاجِعًا لِأَنَّ الْوَطْءَ هَاهُنَا حَلَالٌ فَأُحِيلَ الْعُلُوقُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ وَهِيَ حَالَةُ الْعِدَّةِ فَتَثْبُتُ بِهِ الرَّجْعَةُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي ذَلِكَ حَمْلَ أَمْرِهِ عَلَى خِلَافِ السُّنَّةِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُرَاجِعًا لَهَا بِدُونِ الْإِشْهَادِ بِالْفِعْلِ، وَأُحِيلَ الْعُلُوقُ إلَى مَا قَبْلَ الطَّلَاقِ صِيَانَةً لِحَالِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ حِينَئِذٍ قَوْلُهُ فَلَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالشَّكِّ، وَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يَقُولَ لَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا لِدَلَالَةِ الدَّلِيلِ عَلَى كَوْنِ الْوَطْءِ قَبْلَ الطَّلَاقِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْعُلُوقَ بَعْدَ الطَّلَاقِ) إذْ الْوَلَدُ لَا يَبْقَى فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْهُ وَإِلَّا لَزِمَ الزِّنَا، وَهُوَ مُنْتَفٍ حَمْلًا لِحَالِهَا عَلَى الصَّلَاحِ. قِيلَ لَا يَلْزَمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ كَانَ مِنْ الزِّنَا لِجَوَازِ أَنَّهَا تَزَوَّجَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ زَوْجًا آخَرَ. لَا يُقَالُ: الْفَرْضُ فِيمَا إذَا لَمْ تَتَزَوَّجْ. لِأَنَّا نَقُولُ: الْفَرْضُ أَنَّهُ لَمْ يَطَأْهَا فِي الْعِدَّةِ، إذْ لَوْ وَطِئَهَا لَثَبَتَتْ الرَّجْعَةُ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ هَذَا التَّكَلُّفِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ نَعَمْ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ الْحُكْمَ بِإِبْقَاءِ نِكَاحِ الْأَوَّلِ عِنْدَ الِاحْتِمَالِ أَسْهَلُ مِنْ الْحُكْمِ

مِنْهُ لِانْتِفَاءِ الزِّنَا مِنْهَا فَيَصِيرُ بِالْوَطْءِ مُرَاجِعًا. (وَالْمَبْتُوتَةُ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ قَائِمًا وَقْتَ الطَّلَاقِ فَلَا يَتَيَقَّنُ بِزَوَالِ الْفِرَاشِ قَبْلَ الْعُلُوقِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ احْتِيَاطًا، (فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِتَمَامِ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفُرْقَةِ لَمْ يَثْبُتْ) لِأَنَّ الْحَمْلَ حَادِثٌ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَلَا يَكُونُ مِنْهُ لِأَنَّ وَطْأَهَا حَرَامٌ. قَالَ (إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِإِنْشَاءِ نِكَاحٍ آخَرَ فَيَجِبُ الْقَوْلُ بِهِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ دَافِعٍ بَلْ هُوَ الْتِزَامُ السُّؤَالِ. وَالصَّوَابُ فِي الْجَوَابِ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ لِانْتِفَاءِ الزِّنَا مِنْهَا لَازِمُهُ وَهُوَ تَضْيِيعُ الْوَلَدِ، فَإِنَّ الزِّنَا مَلْزُومُ تَضْيِيعِ الْوَلَدِ فَيَكُونُ ذِكْرَ الْمَلْزُومِ وَإِرَادَةَ اللَّازِمِ وَهُوَ مَجَازٌ وَحِينَئِذٍ يَنْدَفِعُ السُّؤَالُ، لِأَنَّا إذَا جَعَلْنَا الْوَلَدَ مِنْ نِكَاحِ شَخْصٍ آخَرَ مَجْهُولٍ بَقِيَ الْوَلَدُ ضَائِعًا فَكَأَنَّهُ قَالَ لِانْتِفَاءِ التَّضْيِيعِ مِنْهَا بِالزِّنَا أَوْ بِمَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ. قَالَ (وَالْمَبْتُوتَةُ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْهُ) إذَا وَلَدَتْ الْمَبْتُوتَةُ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ قَائِمًا وَقْتَ الطَّلَاقِ فَلَا يُتَيَقَّنُ بِزَوَالِ الْفِرَاشِ قَبْلَ الْعُلُوقِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ احْتِيَاطًا، وَإِنْ وَلَدَتْ لِتَمَامِ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفُرْقَةِ لَمْ يَثْبُتْ لِأَنَّ الْحَمْلَ حَادِثٌ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَإِلَّا لَزَادَ أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ عَلَى سَنَتَيْنِ وَهُوَ بَاطِلٌ (فَلَا يَكُونُ مِنْهُ لِأَنَّ وَطْأَهَا حَرَامٌ) وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لَمْ يَثْبُتْ: يَعْنِي أَنَّهُ إنْ ادَّعَاهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ

لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ. وَلَهُ وَجْهٌ بِأَنْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ فِي الْعِدَّةِ (فَإِنْ كَانَتْ الْمَبْتُوتَةُ صَغِيرَةً يُجَامَعُ مِثْلُهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ حَتَّى تَأْتِيَ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ، ثُمَّ هَلْ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَصْدِيقِ الْمَرْأَةِ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ) أَيْ الْتَزَمَ النَّسَبَ عِنْدَ دَعْوَاهُ (وَلَهُ وَجْهٌ شَرْعِيٌّ بِأَنْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ فِي الْعِدَّةِ) وَالنَّسَبُ يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ فَيَثْبُتُ (فَإِنْ كَانَتْ الْمَبْتُوتَةُ صَغِيرَةً يُجَامَعُ مِثْلُهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ حَتَّى تَأْتِيَ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ إلَى سَنَتَيْنِ) لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا وَلَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَأَشْبَهَتْ الْكَبِيرَةَ. وَلَهُمَا أَنَّ لِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا جِهَةً مُتَعَيِّنَةً وَهُوَ الْأَشْهُرُ فَبِمُضِيِّهَا يَحْكُمُ الشَّرْعُ بِالِانْقِضَاءِ وَهُوَ فِي الدَّلَالَةِ فَوْقَ إقْرَارِهَا لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْخِلَافَ، وَالْإِقْرَارُ يَحْتَمِلُهُ وَإِنْ كَانَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: يَثْبُتُ مِنْهُ النَّسَبُ إلَى سَنَتَيْنِ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا وَلَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَأَشْبَهَتْ الْكَبِيرَةَ) وَبَيَانُ الِاحْتِمَالِ مَا قِيلَ إنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُرَاهِقَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَهِيَ تَحْتَمِلُ الْحَبَلَ سَاعَةً فَسَاعَةً فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا وَقْتَ الطَّلَاقِ فَيَكُونُ انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا حَمَلَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَتْ كَالْبَالِغَةِ إذَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا إلَى سَنَتَيْنِ، وَإِنَّمَا قَالَ وَلَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا إذَا أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ يَثْبُتُ النَّسَبُ لِظُهُورِ بُطْلَانِ إقْرَارِهَا فَصَارَتْ كَأَنَّهَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَائِهَا فَيَثْبُتُ النَّسَبُ (وَلَهُمَا أَنَّ لِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا جِهَةً مُتَعَيِّنَةً وَهِيَ الْأَشْهُرُ) لِأَنَّا عَرَفْنَاهَا صَغِيرَةً بِيَقِينٍ، وَمَا عُرِفَ كَذَلِكَ لَا يُحْكَمُ بِزَوَالِهِ بِالِاحْتِمَالِ فَبِمُضِيِّهَا يَحْكُمُ الشَّرْعُ بِالِانْقِضَاءِ أَقَرَّتْ بِهِ أَوْ لَمْ تُقِرَّ (وَهُوَ) أَيْ حُكْمُ الشَّرْعِ فِي الدَّلَالَةِ فَوْقَ إقْرَارِهَا لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْخِلَافَ وَالْإِقْرَارُ يَحْتَمِلُهُ، فَلَوْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ثُمَّ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ، فَكَذَا إذَا حَكَمَ الشَّرْعُ بِالْمُضِيِّ. وَاعْتُرِضَ بِالْكَبِيرَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَإِنَّ لِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا جِهَةً مُتَعَيِّنَةً، وَهِيَ مُضِيُّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ مَا لَمْ يَكُنْ الْحَبَلُ ظَاهِرًا، ثُمَّ هُنَاكَ يَثْبُتُ النَّسَبُ إلَى سَنَتَيْنِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَلَا يُحْكَمُ بِالِانْقِضَاءِ بِالْأَشْهُرِ هُنَاكَ لِاحْتِمَالِ الِانْقِضَاءِ بِالْوَضْعِ فَمَا بَالُ مَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ. وَالْجَوَابُ سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ إلَّا أَنَّا نَقُولُ: لِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا جِهَةٌ أُخْرَى (وَإِنْ كَانَتْ)

مُطَلَّقَةً طَلَاقًا رَجْعِيًّا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ يَثْبُتُ إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا لِأَنَّهُ يُجْعَلُ وَاطِئًا فِي آخِرِ الْعِدَّةِ وَهِيَ الثَّلَاثَةُ الْأَشْهُرُ ثُمَّ تَأْتِي لِأَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَمْلِ وَهُوَ سَنَتَانِ، وَإِنْ كَانَتْ الصَّغِيرَةُ ادَّعَتْ الْحَبَلَ فِي الْعِدَّةِ فَالْجَوَابُ فِيهَا وَفِي الْكَبِيرَةِ سَوَاءٌ، لِأَنَّ بِإِقْرَارِهَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا. (وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا مَا بَيْنَ الْوَفَاةِ وَبَيْنَ السَّنَتَيْنِ) وَقَالَ زُفَرُ: إذَا جَاءَتْ بِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ لِأَنَّ الشَّرْعَ حَكَمَ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالشُّهُورِ لِتَعَيُّنِ الْجِهَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّتْ بِالِانْقِضَاءِ كَمَا بَيَّنَّا فِي الصَّغِيرَةِ إلَّا أَنَّا نَقُولُ لِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا جِهَةٌ أُخْرَى وَهُوَ وَضْعُ الْحَمْلِ، بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا عَدَمُ الْحَمْلِ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَفِيهِ شَكٌّ. (وَإِذَا اعْتَرَفَتْ الْمُعْتَدَّةُ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ثُمَّ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يَثْبُتُ نَسَبُهُ) لِأَنَّهُ ظَهَرَ كَذِبُهَا بِيَقِينٍ فَبَطَلَ الْإِقْرَارُ (وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَثْبُتْ) لِأَنَّا لَمْ نَعْلَمْ بِبُطْلَانِ الْإِقْرَارِ لِاحْتِمَالِ الْحُدُوثِ بَعْدَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّغِيرَةُ (مُطَلَّقَةً طَلَاقًا رَجْعِيًّا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَهُمَا) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ: يَعْنِي إنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ ثَبَتَ النَّسَبُ وَإِلَّا فَلَا (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَثْبُتُ النَّسَبُ إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا لِأَنَّهُ يُجْعَلُ وَاطِئًا فِي آخِرِ الْعِدَّةِ وَهِيَ: ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ ثُمَّ تَأْتِي بِهِ لِأَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَمْلِ وَهُوَ سَنَتَانِ، وَإِنْ كَانَتْ الصَّغِيرَةُ ادَّعَتْ الْحَبَلَ فِي الْعِدَّةِ فَالْجَوَابُ فِيهَا وَفِي الْكَبِيرَةِ سَوَاءٌ) لِأَنَّهَا أَعْرَفُ بِأَمْرِ عِدَّتِهَا فَيُحْكَمُ بِإِقْرَارِهَا بِبُلُوغِهَا فَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَلِأَقَلَّ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا فِي الرَّجْعِيِّ. وَقَوْلُهُ (وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّا نَقُولُ لِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا جِهَةٌ أُخْرَى) حَاصِلُهُ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْ الْحَامِلِ وَالصَّغِيرَةِ أَمْضَيْنَا الْحُكْمَ عَلَى الْأَصْلِ، وَلَكِنْ الْأَصْلُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ قَدْ اخْتَلَفَ فَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ الَّذِي بُنِيَ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْكَبِيرَةِ الْإِحْبَالُ فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِي حَقِّهَا تَعَيُّنُ جِهَةِ الْعِدَّةِ بِالْأَشْهُرِ، وَالْأَصْلُ فِي الصَّغِيرَةِ عَدَمُ الْإِحْبَالِ فَلِذَلِكَ اعْتَبَرْنَا فِي حَقِّهَا تَعَيُّنَ جِهَةِ الْعِدَّةِ بِالْأَشْهُرِ. لَا يُقَالُ: الْأَصْلُ فِي الْكَبِيرَةِ أَيْضًا عَدَمُ الْإِحْبَالِ. لِأَنَّا نَقُولُ: ذَلِكَ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَنْكُوحَةِ، فَأَمَّا النِّكَاحُ فَلَا يُعْقَدُ إلَّا بِالْإِحْبَالِ. وَقَوْلُهُ (وَفِيهِ) أَيْ فِي الْبُلُوغِ (شَكٌّ) وَالصِّغَرُ كَانَ ثَابِتًا بِيَقِينٍ فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ. (وَإِذَا اعْتَرَفَتْ الْمُعْتَدَّةُ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ) ظَاهِرٌ.

وَهَذَا اللَّفْظُ بِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُ كُلَّ مُعْتَدَّةٍ. (وَإِذَا وَلَدَتْ الْمُعْتَدَّةُ وَلَدًا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ بِوِلَادَتِهَا رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ حَبَلٌ ظَاهِرٌ أَوْ اعْتِرَافٌ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَثْبُتُ فِي الْجَمِيعِ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ) لِأَنَّ الْفِرَاشَ قَائِمٌ بِقِيَامِ الْعِدَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَهَذَا اللَّفْظُ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ فَإِذَا اعْتَرَفَتْ الْمُعْتَدَّةُ (بِإِطْلَاقِهِ) حَيْثُ لَمْ يُقَيَّدْ بِمُعْتَدَّةٍ دُونَ أُخْرَى (يَتَنَاوَلُ كُلَّ مُعْتَدَّةٍ) يَعْنِي كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ أَوْ بَائِنٍ بِالْأَشْهُرِ أَوْ بِالْحِيَضِ. قِيلَ ذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ وَقَاضِي خَانْ أَنَّ الْآيِسَةَ لَوْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ ثَبَتَ نَسَبُ وَلَدِهَا فَلَمْ يَتَنَاوَلْ كُلَّ مُعْتَدَّةٍ إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ كُلُّ مُعْتَدَّةٍ غَيْرَ الْآيِسَةِ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْآيِسَةَ إذَا أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مُفَسَّرَةٌ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ أَوْ مُطْلَقًا فِي مُدَّةٍ تَصْلُحُ لِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ ثُمَّ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ يَثْبُتُ لِلنَّسَبِ وَإِلَّا فَلَا. . قَالَ (وَإِذَا وَلَدَتْ الْمُعْتَدَّةُ وَلَدًا) إذَا وَلَدَتْ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ رَجْعِيٍّ وَلَدًا وَقَدْ أَنْكَرَهُ الزَّوْجُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَا لَمْ يَشْهَدْ بِوِلَادَتِهَا رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ حَبَلٌ ظَاهِرٌ أَوْ اعْتِرَافٌ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ بِلَا شَهَادَةٍ، وَقَالَا: يَثْبُتُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ الْفِرَاشَ وَهُوَ تَعَيُّنُ الْمَرْأَةِ لِمَاءِ الزَّوْجِ بِحَيْثُ يَثْبُتُ مِنْهُ نَسَبُ كُلِّ وَلَدٍ تَلِدُهُ قَائِمٌ بِقِيَامِ الْعِدَّةِ

وَهُوَ مُلْزِمٌ لِلنَّسَبِ وَالْحَاجَةُ إلَى تَعْيِينِ الْوَلَدِ أَنَّهُ مِنْهَا فَيَتَعَيَّنُ بِشَهَادَتِهَا كَمَا فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِإِقْرَارِهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَالْمُنْقَضِي لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى إثْبَاتِ النَّسَبِ ابْتِدَاءً فَيُشْتَرَطُ كَمَالُ الْحُجَّةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ ظَهَرَ الْحَبَلُ أَوْ صَدَرَ الِاعْتِرَافُ مِنْ الزَّوْجِ لِأَنَّ النَّسَبَ ثَابِتٌ قَبْلَ الْوِلَادَةِ وَالتَّعَيُّنَ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهَا (فَإِنْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ وَفَاةٍ فَصَدَّقَهَا الْوَرَثَةُ فِي الْوِلَادَةِ وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَى الْوِلَادَةِ أَحَدٌ فَهُوَ ابْنُهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) وَهَذَا فِي حَقِّ الْإِرْثِ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِمْ فَيُقْبَلُ فِيهِ تَصْدِيقُهُمْ، أَمَّا فِي حَقِّ النَّسَبِ هَلْ يَثْبُتُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ. قَالُوا: إذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ يَثْبُتُ لِقِيَامِ الْحُجَّةِ وَلِهَذَا قِيلَ: تُشْتَرَطُ لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ، وَقِيلَ لَا تُشْتَرَطُ لِأَنَّ الثُّبُوتَ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ تَبَعٌ لِلثُّبُوتِ فِي حَقِّهِمْ بِإِقْرَارِهِمْ، وَمَا ثَبَتَ تَبَعًا لَا يُرَاعَى فِيهِ الشَّرَائِطُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ) أَيْ قِيَامُ الْفِرَاشِ (مُلْزِمٌ لِلنَّسَبِ) فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِهِ (وَ) إنَّمَا (الْحَاجَةُ إلَى تَعْيِينِ الْوَلَدِ) وَهُوَ يَحْصُلُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ أَوْ بِظُهُورِ الْحَبَلِ أَوْ إقْرَارِ الزَّوْجِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ: يَعْنِي سَلَّمْنَا أَنَّ الْفِرَاشَ يَكُونُ قَائِمًا بِقِيَامِ الْعِدَّةِ وَلَكِنَّ الْعِدَّةُ هَاهُنَا لَيْسَتْ بِقَائِمَةٍ (لِأَنَّهَا تَنْقَضِي بِإِقْرَارِهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَالْمُنْقَضِي لَا يَصْلُحُ حُجَّةً فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى إثْبَاتِ النَّسَبِ ابْتِدَاءً بِالْقَضَاءِ فَيُشْتَرَطُ كَمَالُ الْحُجَّةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ النِّكَاحُ قَائِمًا أَوْ الْحَبَلُ ظَاهِرًا أَوْ الِاعْتِرَافُ بِهِ مِنْ الزَّوْجِ صَادِرًا لِأَنَّ النَّسَبَ إذْ ذَاكَ ثَابِتٌ قَبْلَ الْوِلَادَةِ) فَلَا يُحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهِ، وَإِنَّمَا الْحَاجَةُ إلَى التَّعْيِينِ، وَذَلِكَ (يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهَا) قِيلَ لَا يَحِلُّ نَظَرُ الرَّجُلِ إلَى الْعَوْرَةِ فَمَا وَجْهُ اشْتِرَاطِ شَهَادَةِ الرِّجَالِ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ النَّظَرَ لَا يَلْزَمُ، بَلْ إذَا دَخَلَتْ بَيْتًا بَيْنَ الشُّهُودِ وَهْم يَعْلَمُونَ أَنْ لَيْسَ فِيهِ غَيْرُهَا ثُمَّ خَرَجَتْ مَعَ الْوَلَدِ كَفَى لِجَوَازِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ، وَإِذَا وَلَدَتْ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ وَفَاةٍ قَبْلَ تَمَامِ سَنَتَيْنِ وَلَدًا فَصَدَّقَهَا أَيْ أَقَرَّ بِهِ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ أَوْ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ يُقْطَعُ الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِمْ كَرَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ مِنْهُمْ (فَهُوَ ابْنُهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) وَهَذَا فِي حَقِّ الْإِرْثِ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِمْ فَيُقْبَلُ فِيهِ تَصْدِيقُهُمْ (أَمَّا فِي حَقِّ النَّسَبِ) بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِمْ (فَهَلْ يَثْبُتُ أَوْ لَا؟ قَالُوا: إذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ) كَمَا ذَكَرْنَا وَهُمْ عُدُولٌ (يَثْبُتُ لِقِيَامِ الْحُجَّةِ) وَلِهَذَا قِيلَ يُشْتَرَطُ لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ، وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ لِأَنَّ الثُّبُوتَ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ تَبَعٌ لِلثُّبُوتِ فِي حَقِّهِمْ لِإِقْرَارِهِمْ، وَمَا يَثْبُتُ تَبَعًا لَا يُرَاعَى فِيهِ الشَّرَائِطُ كَالْعَبْدِ مَعَ الْمَوْلَى وَالْجُنْدِيِّ مَعَ السُّلْطَانِ فِي حَقِّ الْإِقَامَةِ.

(وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ يَوْمِ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ) لِأَنَّ الْعُلُوقَ سَابِقٌ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً) ظَاهِرٌ

النِّكَاحِ فَلَا يَكُونُ مِنْهُ (وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ اعْتَرَفَ بِهِ الزَّوْجُ أَوْ سَكَتَ) لِأَنَّ الْفِرَاشَ قَائِمٌ وَالْمُدَّةُ تَامَّةٌ (فَإِنْ جَحَدَ الْوِلَادَةَ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ تَشْهَدُ بِالْوِلَادَةِ حَتَّى لَوْ نَفَاهُ الزَّوْجُ يُلَاعِنُ) لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِالْفِرَاشِ الْقَائِمِ، وَاللِّعَانُ إنَّمَا يَجِبُ بِالْقَذْفِ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَتِهِ وُجُودُ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِدُونِهِ (فَإِنْ وَلَدَتْ ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ الزَّوْجُ: تَزَوَّجْتُك مُنْذُ أَرْبَعَةٍ وَقَالَتْ هِيَ: مُنْذُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَهُوَ ابْنُهُ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهَا فَإِنَّهَا تَلِدُ ظَاهِرًا مِنْ نِكَاحِ لَا مِنْ سِفَاحٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَاللِّعَانُ إنَّمَا يَجِبُ بِالْقَذْفِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ اللِّعَانُ هَاهُنَا إنَّمَا يَجِبُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ وَالْوَلَدُ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ فَيَكُونُ اللِّعَانُ ثَابِتًا بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ اللِّعَانَ فِي مَعْنَى الْحَدِّ وَالْحَدُّ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ اللِّعَانَ يَجِبُ بِالْقَذْفِ وَالْقَذْفُ مَوْجُودٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ مِنِّي قَذْفٌ لَهَا بِالزِّنَا مَعْنًى، وَالْقَذْفُ لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِدُونِهِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ الْوَلَدُ الثَّابِتُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ وَإِنَّمَا أُضِيفَ اللِّعَانُ إلَى الْقَذْفِ مُجَرَّدًا عَنْهُ (فَإِنْ وَلَدَتْ) الْمَرْأَةُ (ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ الزَّوْجُ تَزَوَّجْتُك مُنْذُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَقَالَتْ مُنْذُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهَا فَإِنَّهَا تَلِدُ ظَاهِرًا مِنْ نِكَاحٍ لَا مِنْ سِفَاحٍ) . وَاعْتُرِضَ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ تُسْنِدُ الْعُلُوقَ إلَى زَمَانٍ سَابِقٍ وَالزَّوْجُ يُنْكِرُهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَالثَّانِي أَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ أَيْضًا لِأَنَّ النِّكَاحَ حَادِثٌ وَالْأَصْلُ فِي الْحَوَادِثِ أَنْ تُضَافَ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِأَنَّ الزَّوْجَ يَدَّعِي إسْنَادَ الْعُلُوقِ إلَى زَمَانٍ يَسْبِقُ النِّكَاحَ وَهِيَ تُنْكِرُ

وَلَمْ يَذْكُرْ الِاسْتِحْلَافَ وَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ. (وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَشَهِدَتْ امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ لَمْ تَطْلُقْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: تَطْلُقُ) لِأَنَّ شَهَادَتَهَا حُجَّةٌ فِي ذَلِكَ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «شَهَادَةُ النِّسَاءِ جَائِزَةٌ فِيمَا لَا يَسْتَطِيعُ الرِّجَالُ النَّظَرَ إلَيْهِ» وَلِأَنَّهَا لَمَّا قَبِلَتْ فِي الْوِلَادَةِ تَقْبَلُ فِيمَا يَبْتَنِي عَلَيْهَا وَهُوَ الطَّلَاقُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا ادَّعَتْ الْحِنْثَ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ، وَهَذَا لِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ ضَرُورِيَّةٌ فِي حَقِّ الْوِلَادَةِ فَلَا تَظْهَرُ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهَا، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ النَّسَبَ مِمَّا يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ؛ فَإِذَا تَعَارَضَ الظَّاهِرَانِ فِيهِ تَرَجَّحَ الْمُثْبِتُ. عَلَى أَنَّ ظَاهِرَ حَالِهَا يَتَأَيَّدُ بِظَاهِرِ حَالِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُبَاشِرُ النِّكَاحَ بِصِفَةِ الْفَسَادِ فَإِنَّ نِكَاحَ الْحُبْلَى فَاسِدٌ وَهَلْ تَحْرُمُ عَلَى الزَّوْجِ بِهَذَا الْكَلَامِ؟ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَحْرُمَ. فَإِنْ قِيلَ: يَجِبُ أَنْ تَحْرُمَ لِأَنَّ هَذَا إقْرَارٌ مِنْهُ بِتَزَوُّجِهِ وَهِيَ حُبْلَى فَصَارَ كَمَا إذَا ادَّعَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ شُهُودٍ. أُجِيبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ النِّكَاحَ بِغَيْرِ شُهُودٍ فَاسِدٌ لَا مَحَالَةَ وَنِكَاحُ الْحُبْلَى لَيْسَ كَذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ مِنْ الزِّنَا. وَالثَّانِي أَنَّهُ وَإِنْ أَقَرَّ بِالْحُرْمَةِ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ كَذَّبَهُ فِي ذَلِكَ حَيْثُ أَثْبَتَ النَّسَبَ مِنْهُ وَالْإِقْرَارُ إذَا قَابَلَهُ تَكْذِيبٌ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ يَبْطُلُ. وَقَوْلُهُ (وَلَمْ يَذْكُرْ الِاسْتِحْلَافَ وَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ) يَعْنِي الِاخْتِلَافَ الْمَذْكُورَ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (فِيمَا يُبْتَنَى عَلَيْهَا وَهُوَ الطَّلَاقُ) يَعْنِي أَنَّ الطَّلَاقَ حُكْمٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْوِلَادَةِ، وَشَهَادَةُ الْقَابِلَةِ حُجَّةٌ فِي إثْبَاتِ الْوِلَادَةِ فَكَذَلِكَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا ضِمْنًا وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ دَعْوَاهَا لَيْسَتْ الطَّلَاقَ حَتَّى يَثْبُتَ فِي ضِمْنِ الْوِلَادَةِ بِشَهَادَتِهَا) ، وَإِنَّمَا دَعْوَاهَا حِنْثَهُ فِي يَمِينِهِ وَالْحِنْثُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِ الْوِلَادَةِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ كَامِلَةٍ. سَلَّمْنَا أَنَّ دَعْوَاهَا الطَّلَاقَ لَكِنْ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا بِشَهَادَتِهَا ضِمْنًا لِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ ضَرُورِيَّةٌ فِي حَقِّ الْوِلَادَةِ لِعَدَمِ حُصُولِ الرِّجَالِ عِنْدَهَا فَلَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ يَنْفَكُّ عَنْهَا. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: كَلَامُنَا

حَقِّ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ يَنْفَكُّ عَنْهَا (وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ قَدْ أَقَرَّ بِالْحَبَلِ طَلُقَتْ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تُشْتَرَطُ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُجَّةٍ لَدَعْوَاهَا الْحِنْثَ، وَشَهَادَتُهَا حُجَّةٌ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. وَلَهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْحَبَلِ إقْرَارٌ بِمَا يُفْضِي إلَيْهِ وَهُوَ الْوِلَادَةُ، وَلِأَنَّهُ أَقَرَّ بِكَوْنِهَا مُؤْتَمَنَةٌ فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي رَدِّ الْأَمَانَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ بِالْوِلَادَةِ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّيْءِ لَازِمٌ مِنْ لَوَازِمِهِ وَالْوِلَادَةُ تَثْبُتُ بِشَهَادَتِهَا وَالشَّيْءُ إذَا ثَبَتَ ثَبَتَ بِجَمِيعِ لَوَازِمِهِ وَقَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ قَدْ أَقَرَّ بِالْحَبَلِ) يَعْنِي إذْ أَقَرَّ الزَّوْجُ بِالْحَبَلِ ثُمَّ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِالْوِلَادَةِ فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ وَلَدْت وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ إذَا كَانَ الْحَبَلُ ظَاهِرًا ثُمَّ عَلَّقَ الطَّلَاقَ. لَهُمَا أَنَّهَا إذَا ادَّعَتْ الْحِنْثَ فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ حُجَّةٍ وَشَهَادَتُهَا فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى (وَلَهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْحَبَلِ إقْرَارٌ بِمَا يُفْضِي إلَيْهِ الْحَبَلُ وَهُوَ الْوِلَادَةُ) وَلِأَنَّ إقْرَارَهُ بِحَبَلِهَا إقْرَارٌ بِكَوْنِهَا مُؤْتَمَنَةً وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُؤْتَمَنِ فِي دَعْوَى رَدِّ الْأَمَانَةِ، وَهَذَا يُرْشِدُك إلَى أَنَّ وُجُودَ الشَّرْطِ إنَّمَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْجَزَاءِ عِنْدَهُ إذَا كَانَ وُجُودُ الشَّرْطِ بِدَلِيلٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى الْجَزَاءِ عِنْدَ انْفِرَادِهِ عَنْ الشَّرْطِ، وَالْإِقْرَارُ كَذَلِكَ، بِخِلَافِ شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَتَلْمَحُ مِنْهُ جَوَابَ الِاعْتِرَاضِ هُنَاكَ.

[أكثر مدة الحمل]

قَالَ (وَأَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ سَنَتَانِ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - الْوَلَدُ لَا يَبْقَى فِي الْبَطْنِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَلَوْ بِظِلِّ مِغْزَلٍ (وَأَقَلُّهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] ثُمَّ قَالَ {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] فَبَقِيَ لِلْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ] قَالَ (وَأَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ سَنَتَانِ لِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: الْوَلَدُ لَا يَبْقَى فِي الْبَطْنِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَلَوْ بِظِلِّ مِغْزَلٍ) : أَيْ بِقَدْرِ ظِلّ مِغْزَلٍ حَالَ الدَّوَرَانِ، وَالْغَرَضُ تَقْلِيلُ الْمُدَّةِ، فَإِنَّ ظِلَّ الْمِغْزَلِ حَالَةَ الدَّوَرَانِ أَسْرَعُ زَوَالًا مِنْ سَائِرِ الظِّلَالِ. وَرِوَايَةُ الْمَبْسُوطِ وَالْإِيضَاحِ وَبَعْضِ نُسَخِ الْكِتَابِ. وَلَوْ بِفَلْكَةِ مِغْزَلٍ: أَيْ وَلَوْ بِدَوْرِ فَلْكَةِ مِغْزَلٍ وَالْمَعْنَى هُوَ مَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْهُ سَمَاعًا لِأَنَّ الْعَقْلَ لَا يَهْتَدِي إلَى مَعْرِفَةِ الْمَقَادِيرِ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ بَيَانَ أَكْثَرِ الْمُدَّةِ عَلَى أَقَلِّهَا اهْتِمَامًا بِذِكْرِهِ لِكَوْنِهِ مُخْتَلَفًا فِيهِ. (وَأَقَلُّهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] ثُمَّ قَالَ {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] فَبَقِيَ لِلْحَمْلِ سِتَّةُ أَشّ هر) وَهَذَا تَأْوِيلٌ أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ فَقَالَ رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَوَلَدَتْ وَلَدًا لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَهَمَّ عُثْمَانُ بِرَجْمِهَا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَّا إنَّهَا لَوْ خَاصَمَتْكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ لَخَصَمَتْكُمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] وَقَالَ تَعَالَى {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14]

وَالشَّافِعِيُّ يُقَدِّرُ الْأَكْثَرَ بِأَرْبَعِ سِنِينَ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَاهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا قَالَتْهُ سَمَاعًا إذْ الْعَقْلُ لَا يَهْتَدِي إلَيْهِ. (وَمَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً فَطَلَّقَهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا، فَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ يَوْمِ اشْتَرَاهَا لَزِمَهُ وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِذَا ذَهَبَ لِلْفِصَالِ عَامَانِ لَمْ يَبْقَ لِلْحَمْلِ إلَّا سِتَّةُ أَشْهُرٍ، فَدَرَأَ عُثْمَانُ الْحَدَّ عَنْهَا وَأَثْبَتَ النَّسَبَ مِنْ الزَّوْجِ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَهَذَا التَّقْرِيرُ الَّذِي ذُكِرَ هُنَا فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّضَاعِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ هُنَاكَ ثَلَاثِينَ شَهْرًا مُدَّةً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَمْلِ وَالْفِصَالِ، ثُمَّ أَظْهَرَ الْمُنْقِصَ فِي حَقِّ الْحَمْلِ وَهَاهُنَا جَعَلَهَا مُدَّتَهُمَا جَمِيعًا ثُمَّ أَصَابَ مِنْهُمَا الْفِصَالَ عَامَانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ أَنْ يَبْقَى لِلْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ اسْتِدْلَالَهُ هُنَاكَ إنَّمَا كَانَ بِالنَّظَرِ إلَى الْآيَةِ الْأُولَى وَهَاهُنَا بِالنَّظَرِ إلَيْهَا وَإِلَى الْأُخْرَى، وَجَازَ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ نَظَرًا إلَى ذَاتِهَا مُفِيدَةً لِحُكْمٍ، وَبِالنَّظَرِ إلَيْهَا وَإِلَى غَيْرِهَا مُفِيدَةً لِحُكْمٍ آخَرَ فَتَأَمَّلْ. (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقَدَّرُ الْأَكْثَرُ بِأَرْبَعِ سِنِينَ) وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِحِكَايَاتِ مِثْلُ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ مَوْلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ بَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعَ سِنِينَ، وَكَذَلِكَ هَرَمُ بْنُ حَيَّانَ فَسُمِّيَ هَرَمًا لِذَلِكَ، وَالضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ هَكَذَا فَسُمِّيَ ضَحَّاكًا لِأَنَّهُ ضَحِكَ حِينَ وُلِدَ وَغَيْرُهُمْ (وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا قَالَتْهُ سَمَاعًا إذْ الْعَقْلُ لَا يَهْتَدِي إلَيْهِ) أَيْ إلَى مِقْدَارِ مُدَّةِ مَا فِي الرَّحِمِ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً فَطَلَّقَهَا) يَعْنِي بَعْدَ الدُّخُولِ (ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ يَوْمِ اشْتَرَاهَا لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا

لِأَنَّهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَلَدُ الْمُعْتَدَّةِ فَإِنَّ الْعُلُوقَ سَابِقٌ عَلَى الشِّرَاءِ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَلَدُ الْمَمْلُوكَةِ لِأَنَّهُ يُضَافُ الْحَادِثُ إلَى أَقْرَبِ وَقْتِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ دَعْوَةٍ، وَهَذَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ وَاحِدًا بَائِنًا أَوْ خُلْعًا أَوْ رَجْعِيًّا، أَمَّا إذَا كَانَ اثْنَتَيْنِ يَثْبُتُ النَّسَبُ إلَى سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ حُرْمَةً غَلِيظَةً فَلَا يُضَافُ الْعُلُوقُ إلَّا إلَى مَا قَبْلَهُ، لِأَنَّهَا لَا تَحِلُّ بِالشِّرَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ) يَعْنِي إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ (وَلَدُ الْمُعْتَدَّةِ فَإِنَّ الْعُلُوقَ سَابِقٌ عَلَى الشِّرَاءِ) لِأَنَّهَا وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ، وَنَسَبُ وَلَدِ الْمُعْتَدَّةِ يَثْبُتُ بِلَا دَعْوَةٍ لِقِيَامِ الْفِرَاشِ حُكْمًا (وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي) يَعْنِي مَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ (وَلَدُ الْمَمْلُوكَةِ لِأَنَّهُ يُضَافُ الْحَادِثُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ) وَأَقْرَبُهَا وَقْتُ كَوْنِهَا مَمْلُوكَةً فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِالدَّعْوَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (هَذَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ وَاحِدًا بَائِنًا أَوْ خُلْعًا أَوْ رَجْعِيًّا، أَمَّا إذَا كَانَ اثْنَتَيْنِ يَثْبُتُ النَّسَبُ إلَى سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ حُرْمَةً غَلِيظَةً فَلَا يُضَافُ الْعُلُوقُ إلَّا إلَى مَا قَبْلَهُ لِأَنَّهَا لَا تَحِلُّ بِالشِّرَاءِ) لِأَنَّ الْأَمَةَ تَحْرُمُ حُرْمَةً غَلِيظَةً بِتَطْلِيقَتَيْنِ فَلَا تَحِلُّ لَهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَإِذَا لَمْ تَحِلَّ لَا يَقْضِي بِالْعُلُوقِ مِنْ أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ بَلْ مِنْ أَبْعَدِهَا حَمْلًا لِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصَّلَاحِ، وَأَبْعَدُ الْأَزْمَانِ هُوَ مَا قَبْلَ الطَّلَاقِ فَيَلْزَمُهُ الْوَلَدُ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ وَاحِدًا فَيَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَيُضَافُ الْوَلَدُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ، فَحِينَئِذٍ كَانَ وَلَدَ الْأَمَةِ فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِغَيْرِ دَعْوَةٍ. فَإِنْ قِيلَ: وَجَبَ أَنْ تَنْكَشِفَ الْحُرْمَةُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَإِنْ كَانَتْ الْحُرْمَةُ غَلِيظَةً تَمَسُّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] أُجِيبَ بِأَنَّهُ وَجَبَ أَنْ لَا تَنْكَشِفَ تَمَسُّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وَالطَّلْقَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْإِمَاءِ بِمَنْزِلَةِ الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ فِي الْحَرَائِرِ وَالْمَحْرَمُ أَقْوَى.

(وَمَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ كَانَ فِي بَطْنِك وَلَدٌ فَهُوَ مِنِّي فَشَهِدَتْ عَلَى الْوِلَادَةِ امْرَأَةٌ فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ) لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى تَعْيِينِ الْوَلَدِ، وَيَثْبُتُ ذَلِكَ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ بِالْإِجْمَاعِ. (وَمَنْ قَالَ لِغُلَامٍ هُوَ ابْنِي ثُمَّ مَاتَ فَجَاءَتْ أُمُّ الْغُلَامِ وَقَالَتْ أَنَا امْرَأَتُهُ فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَهُوَ ابْنُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ كَانَ فِي بَطْنِك وَلَدٌ فَهُوَ مِنِّي فَشَهِدَتْ امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ) لِأَنَّ سَبَبَ ثُبُوتِ النَّسَبِ وَهِيَ الدَّعْوَةُ قَدْ وُجِدَ مِنْ الْمَوْلَى بِقَوْلِهِ فَهُوَ مِنِّي وَإِنَّمَا الْحَاجَةُ إلَى تَعْيِينِ الْوَلَدِ وَهُوَ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ بِالْإِجْمَاعِ، هَذَا إذَا وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ، فَإِنْ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا لَا يَلْزَمُهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا حَبِلَتْ بَعْدَ مَقَالَةِ الْمَوْلَى فَلَمْ يَكُنْ الْمَوْلَى مُدَّعِيًا هَذَا الْوَلَدَ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّا تَيَقَّنَّا ثَمَّةَ بِقِيَامِ الْوَلَدِ فِي الْبَطْنِ وَقْتَ الْقَوْلِ فَصَحَّتْ الدَّعْوَى. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ قَالَ لِغُلَامٍ هُوَ ابْنِي) وَاضِحٌ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا الْمِيرَاثُ فِي الِاسْتِحْسَانِ

يَرِثَانِهِ) وَفِي النَّوَادِرِ جُعِلَ هَذَا جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا الْمِيرَاثُ لِأَنَّ النَّسَبَ كَمَا يَثْبُتُ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ يَثْبُتُ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَبِالْوَطْءِ عَنْ شُبْهَةٍ وَبِمِلْكِ الْيَمِينِ، فَلَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ إقْرَارًا بِالنِّكَاحِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً بِالْحُرِّيَّةِ وَبِكَوْنِهَا أُمَّ الْغُلَامِ وَالنِّكَاحُ الصَّحِيحُ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ لِذَلِكَ وَضْعًا وَعَادَةً (وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّهَا حُرَّةٌ فَقَالَتْ الْوَرَثَةُ أَنْتِ أُمُّ وَلَدٍ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا) لِأَنَّ ظُهُورَ الْحُرِّيَّةِ بِاعْتِبَارِ الدَّارِ حُجَّةٌ فِي دَفْعِ الرِّقِّ لَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْضًا لِأَنَّ هَذَا النِّكَاحَ يَثْبُتُ لَهُ اقْتِضَاءً فَثَبَتَ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ وَهُوَ تَصْحِيحُ النَّسَبِ دُونَ اسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ النِّكَاحَ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ لَيْسَ بِمُتَنَوِّعٍ إلَى نِكَاحٍ هُوَ سَبَبٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ وَنِكَاحٍ لَيْسَ بِسَبَبٍ لَهُ، فَلَمَّا ثَبَتَ النِّكَاحُ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ ثَبَتَ مَا هُوَ مِنْ لَوَازِمِهِ الَّتِي لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ شَرْعًا، وَإِنَّمَا قَالَ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ لِئَلَّا يَرِدَ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ وَالْأَمَةِ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَوَارِضِ. وَرُدَّ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ ثُبُوتَ النِّكَاحِ بِالِاقْتِضَاءِ لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ إنَّمَا يَثْبُتُ لِتَصْحِيحِ الْمُقْتَضَى لَا مَحَالَةَ، وَالْمُقْتَضِي هَاهُنَا وَهُوَ النَّسَبُ يَصِحُّ بِلَا ثُبُوتِ الْمُقْتَضَى وَهُوَ النِّكَاحُ بِأَنْ يَكُونَ عَنْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ أَوْ يَكُونَ الْوَلَدُ وَلَدَ أُمِّ الْوَلَدِ فَلَمْ يَفْتَقِرْ ثُبُوتُ النَّسَبِ إلَى النِّكَاحِ لَا مَحَالَةَ، وَهَذَا سُؤَالٌ فَاسِدٌ نَشَأَ مِنْ عَدَمِ فَهْمِ وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ الْمَسْأَلَةُ فِيمَا إذَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً بِالْحُرِّيَّةِ فَلَمْ يُمْكِنْ أَنْ تَكُونَ أُمَّ وَلَدٍ، وَقَالَ: وَالنِّكَاحُ الصَّحِيحُ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ لِذَلِكَ وَضْعًا وَعَادَةً، وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ عَنْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ.

[باب الولد من أحق به]

(وَإِذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَالْأُمُّ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً وَزَعَمَ أَبُوهُ أَنَّهُ يَنْزِعُهُ مِنِّي، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجِي» وَلِأَنَّ الْأُمَّ أَشْفَقُ وَأَقْدَرُ عَلَى الْحَضَانَةِ فَكَانَ الدَّفْعُ إلَيْهَا أَنْظَرَ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الصِّدِّيقُ بِقَوْلِهِ: رِيقُهَا خَيْرٌ لَهُ مِنْ شَهْدٍ وَعَسَلٍ عِنْدَك يَا عُمَرُ، قَالَهُ حِينَ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ وَالصَّحَابَةُ حَاضِرُونَ مُتَوَافِرُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْوَلَدِ مَنْ أَحَقُّ بِهِ] مُنَاسَبَةُ هَذَا الْبَابِ لِبَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ ظَاهِرَةٌ لَا تَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ (وَإِذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَالْأُمُّ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً، وَزَعَمَ أَبُوهُ أَنَّهُ يَنْزِعُهُ مِنِّي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجِي» وَلِأَنَّ الْأُمَّ أَشْفَقُ) عَلَيْهِ لِزِيَادَةِ اتِّصَالِهِ بِهَا مِنْ حَيْثُ يُقَصُّ مِنْهَا بِالْمِقَصِّ (وَأَقْدَرُ عَلَى الْحَضَانَةِ) بِلُزُومِهَا الْبَيْتَ فَكَانَ فِي التَّفْوِيضِ إلَيْهَا زِيَادَةُ مَرْحَمَةٍ لِمَنْ هُوَ مَظِنَّتُهَا (وَإِلَيْهِ أَشَارَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) . رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ خَاصَمَ أُمَّ عَاصِمٍ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ لِيَنْزِعَ الْعَاصِمَ مِنْهَا، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: رِيقُهَا خَيْرٌ لَهُ مِنْ شَهْدٍ وَعَسَلٍ عِنْدَك يَا عُمَرُ، قَالَهُ وَالصَّحَابَةُ حَاضِرُونَ مُتَوَافِرُونَ (وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ)

(وَالنَّفَقَةُ عَلَى الْأَبِ) عَلَى مَا نَذْكُرُ (وَلَا تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَيْهِ) لِأَنَّهَا عَسَتْ تَعْجِزُ عَنْ الْحَضَانَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالنَّفَقَةُ عَلَى الْأَبِ) عَلَى مَا سَيَجِيءُ (قَوْلُهُ وَلَا تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَخْذِ الْوَلَدِ إذَا أَبَتْ أَوْ لَمْ تَطْلُبْ لِمَا ذَكَرَهُ، إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ لِلْوَلَدِ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ سِوَى الْأُمِّ فَتُجْبَرُ عَلَى حَضَانَتِهِ لِئَلَّا يَفُوتَ حَقُّ الْوَلَدِ إذْ الْأَجْنَبِيَّةُ لَا شَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ

(فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ أُمٌّ فَأُمُّ الْأُمِّ أَوْلَى مِنْ أُمِّ الْأَبِ وَإِنْ بَعُدَتْ) لِأَنَّ هَذِهِ الْوِلَايَةَ تُسْتَفَادُ مِنْ قِبَلِ الْأُمَّهَاتِ (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ أُمَّ الْأُمِّ فَأُمُّ الْأَبِ أَوْلَى مِنْ الْأَخَوَاتِ) لِأَنَّهَا مِنْ الْأُمَّهَاتِ، وَلِهَذَا تَحَرَّزَ مِيرَاثُهُنَّ السُّدُسُ وَلِأَنَّهَا أَوْفَرُ شَفَقَةً لِلْوِلَادِ (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ جَدَّةٌ فَالْأَخَوَاتُ أَوْلَى مِنْ الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ) لِأَنَّهُنَّ بَنَاتُ الْأَبَوَيْنِ وَلِهَذَا قُدِّمْنَ فِي الْمِيرَاثِ. وَفِي رِوَايَةِ الْخَالَةِ أَوْلَى مِنْ الْأُخْتِ لِأَبٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْخَالَةُ وَالِدَةٌ» وَقِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} [يوسف: 100] أَنَّهَا كَانَتْ خَالَتَهُ (وَتُقَدَّمُ الْأُخْتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ) لِأَنَّهَا أَشْفَقُ (ثُمَّ الْأُخْتُ مِنْ الْأُمِّ ثُمَّ الْأُخْتُ مِنْ الْأَبِ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُنَّ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ (ثُمَّ الْخَالَاتُ أَوْلَى مِنْ الْعَمَّاتِ) تَرْجِيحًا لِقَرَابَةِ الْأُمِّ (وَيَنْزِلْنَ كَمَا نَزَلْنَا الْأَخَوَاتُ) مَعْنَاهُ تَرْجِيحُ ذَاتِ قَرَابَتَيْنِ ثُمَّ قَرَابَةٍ الْأُمِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ أُمٌّ) بِأَنْ مَاتَتْ أَوْ تَزَوَّجَتْ بِأَجْنَبِيٍّ فَإِنَّهَا كَالْمَعْدُومَةِ حِينَئِذٍ (فَأُمُّ الْأُمِّ وَإِنْ بَعُدَتْ) لِأَنَّ هَذِهِ الْوِلَايَةَ تُسْتَفَادُ مِنْ قِبَلِ الْأُمَّهَاتِ لِمَا ذَكَرْنَ مِنْ وُفُورِ شَفَقَتِهِنَّ، فَمَنْ كَانَتْ تُدْلِي إلَيْهِ بِأُمٍّ فَهِيَ أَوْلَى مِمَّنْ تُدْلِي بِأَبٍ، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْمُسْلِمَةُ وَالْكَافِرَةُ لِأَنَّ حَقَّ الْحَضَانَةِ بِاعْتِبَارِ الشَّفَقَةِ وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ عَلَى مَا قِيلَ: كُلُّ شَيْءٍ يُحِبُّ وَلَدَهُ حَتَّى الْحُبَارَى، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ أُمُّ الْأُمِّ بِالتَّفْسِيرِ الْمَارِّ فَأُمُّ الْأَبِ أَوْلَى مِنْ الْأَخَوَاتِ لِأَنَّهَا مِنْ الْأُمَّهَاتِ وَهَذِهِ الْوِلَايَةُ بِالْأُمُومَةِ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ الْجَدَّةِ مِنْ الْأُمَّهَاتِ (تَحْرُزُ مِيرَاثَ الْأُمَّهَاتِ السُّدُسَ وَلِأَنَّهَا أَوْفَرُ شَفَقَةً لِلْوِلَادِ) أَيْ لِأَجْلِ الْوِلَادِ (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ جَدَّةٌ فَالْأَخَوَاتُ أَوْلَى مِنْ الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ لِأَنَّهُنَّ بَنَاتُ الْأَبَوَيْنِ وَلِهَذَا قُدِّمْنَ فِي الْمِيرَاثِ) وَهَذِهِ رِوَايَةُ كِتَابِ النِّكَاحِ اعْتِبَارًا بِقُرْبِ الْقَرَابَةِ وَالْأُخْتُ أَقْرَبُ لِأَنَّهَا وَلَدُ الْأَبِ وَالْخَالَةُ وَلَدُ الْجَدِّ. وَقَالَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ: وَالْخَالَةُ أَوْلَى مِنْ الْأُخْتِ لِأَبٍ اعْتِبَارًا بِالْمُدْلَى بِهِ، فَإِنَّ الْخَالَةَ تُدْلِي بِالْأُمِّ وَقَدْ تَأَيَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْخَالَةُ وَالِدَةٌ» وَقَدْ قِيلَ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} [يوسف: 100] أَنَّهَا كَانَتْ خَالَتَهُ. وَقَوْلُهُ (وَتُقَدَّمُ الْأُخْتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ) ظَاهِرٌ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ ذَاتِ قَرَابَتَيْنِ تُرَجَّحُ عَلَى ذَاتِ قَرَابَةٍ

(ثُمَّ الْعَمَّاتُ يَنْزِلْنَ كَذَلِكَ، وَكُلُّ مَنْ تَزَوَّجَتْ مِنْ هَؤُلَاءِ يَسْقُطُ حَقُّهَا) لِمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّ زَوْجَ الْأُمِّ إذَا كَانَ أَجْنَبِيًّا يُعْطِيهِ نَزْرًا وَيَنْظُرُ إلَيْهِ شَزْرًا فَلَا نَظَرَ. قَالَ (إلَّا الْجَدَّةَ إذَا كَانَ زَوْجُهَا الْجَدُّ) لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ أَبِيهِ فَيَنْظُرُ لَهُ (وَكَذَلِكَ كُلُّ زَوْجٍ هُوَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ) لِقِيَامِ الشَّفَقَةِ نَظَرًا إلَى الْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ (وَمَنْ سَقَطَ حَقُّهَا بِالتَّزَوُّجِ يَعُودُ إذَا ارْتَفَعَتْ الزَّوْجِيَّةُ) لِأَنَّ الْمَانِعَ قَدْ زَالَ. (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لِلصَّبِيِّ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِهِ فَاخْتَصَمَ فِيهِ الرِّجَالُ فَأَوْلَاهُمْ أَقْرَبُهُمْ تَعْصِيبًا) لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لِلْأَقْرَبِ وَقَدْ عُرِفَ التَّرْتِيبُ فِي مَوْضِعِهِ، غَيْرَ أَنَّ الصَّغِيرَةَ لَا تُدْفَعُ إلَى عَصَبَةٍ غَيْرِ مُحَرَّمٍ كَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ وَابْنِ الْعَمِّ تَحَرُّزًا عَنْ الْفِتْنَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاحِدَةٍ لِمَا فِيهَا مِنْ زِيَادَةِ الشَّفَقَةِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَيَجُوزُ التَّرْجِيحُ بِمَا لَا يَكُونُ عِلَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَخَ لِأَبٍ وَأُمٍّ مُقَدَّمٌ فِي الْعُصُوبَةِ عَلَى الْأَخِ لِأَبٍ بِسَبَبِ قَرَابَةِ الْأُمِّ وَقَرَابَةُ الْأُمِّ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِاسْتِحْقَاقِ الْعُصُوبَةِ بِهَا، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَرَابَةَ الْأُمِّ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِاسْتِحْقَاقِ الْعُصُوبَةِ بِهَا أَصْلًا، بِخِلَافِ قَرَابَةِ الْأَبِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْحَضَانَةِ فَإِنَّ لَهَا ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ قَرَابَةِ الْأُمِّ. قَالَ (وَكُلُّ مَنْ تَزَوَّجَتْ مِنْ هَؤُلَاءِ سَقَطَ حَقُّهَا) كُلُّ مَنْ لَهَا حَقُّ الْحَضَانَةِ مِمَّنْ ذَكَرْنَا سَقَطَ حَقُّهَا فِيمَا إذَا تَزَوَّجَتْ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجِي» وَلِأَنَّ حَقَّ الْحَضَانَةِ لِلنَّظَرِ لِلصَّغِيرِ وَقَدْ فَاتَ عِنْدَ التَّزَوُّجِ لِأَنَّ زَوْجَ الْأُمِّ يُعْطِيهِ نَزْرًا: أَيْ قَلِيلًا، وَيَنْظُرُ إلَيْهِ شَزَرًا: أَيْ نَظَرَ الْمُبْغِضِ فَلَا نَظَرَ لَهُ إذْ ذَاكَ (إلَّا الْجَدَّةَ إذَا كَانَ زَوْجُهَا الْجَدَّ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ أَبِيهِ فَيَنْظُرُ لَهُ، وَكَذَا كُلُّ زَوْجٍ هُوَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْوَلَدِ) كَالْعَمِّ إذَا تَزَوَّجَ بِأُمِّ الْوَلَدِ (لِقِيَامِ الشَّفَقَةِ نَظَرًا إلَى الْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ. وَمَنْ سَقَطَ حَقُّهَا بِالتَّزَوُّجِ يَعُودُ إذَا ارْتَفَعَتْ الزَّوْجِيَّةُ لِأَنَّ الْمَانِعَ قَدْ زَالَ) . (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لِلصَّبِيِّ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِهِ فَاخْتَصَمَ فِيهِ الرِّجَالُ فَأَوْلَاهُمْ بِهِ أَقْرَبُهُمْ تَعْصِيبًا لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لِلْأَقْرَبِ وَقَدْ عُرِفَ التَّرْتِيبُ فِي مَوْضِعِهِ) فِي بَابِ الْمِيرَاثِ وَوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ، فَإِنْ اجْتَمَعَ إخْوَةٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَأَصَحُّهُمْ دِينًا وَوَرَعًا أَحَقُّ بِهِ لِأَنَّ ضَمَّهُ إلَيْهِ أَنْفَعُ لِأَنَّهُ

(وَالْأُمُّ وَالْجَدَّةُ أَحَقُّ بِالْغُلَامِ حَتَّى يَأْكُلَ وَحْدَهُ وَيَشْرَبَ وَحْدَهُ وَيَلْبَسَ وَحْدَهُ وَيَسْتَنْجِيَ وَحْدَهُ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: حَتَّى يُسْتَغْنَى فَيَأْكُلُ وَحْدَهُ وَيَشْرَبُ وَحْدَهُ وَيَلْبَسُ وَحْدَهُ) وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ لِأَنَّ تَمَامَ الِاسْتِغْنَاءِ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الِاسْتِنْجَاءِ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا اسْتَغْنَى يَحْتَاجُ إلَى التَّأَدُّبِ وَالتَّخَلُّقِ بِآدَابِ الرِّجَالِ وَأَخْلَاقِهِمْ، وَالْأَبُ أَقْدَرُ عَلَى التَّأْدِيبِ وَالتَّثْقِيفِ، وَالْخَصَّافُ قَدَّرَ الِاسْتِغْنَاءَ بِسَبْعِ سِنِينَ اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ (وَالْأُمُّ وَالْجَدَّةُ أَحَقُّ بِالْجَارِيَةِ حَتَّى تَحِيضَ) لِأَنَّ بَعْدَ الِاسْتِغْنَاءِ تَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ آدَابِ النِّسَاءِ وَالْمَرْأَةُ عَلَى ذَلِكَ أَقْدَرُ وَبَعْدَ الْبُلُوغِ تَحْتَاجُ إلَى التَّحْصِينِ وَالْحِفْظِ وَالْأَبُ فِيهِ أَقْوَى وَأَهْدَى. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا تُدْفَعُ إلَى الْأَبِ إذَا بَلَغَتْ حَدَّ الشَّهْوَةِ لِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ إلَى الصِّيَانَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَتَخَلَّقُ بِأَخْلَاقِهِ، فَإِنْ تَسَاوَوْا فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا أَحَقُّ بِهِ لِأَنَّ حَقَّهُ أَسْبَقُ ثُبُوتًا فَعِنْدَ التَّعَارُضِ يَتَرَجَّحُ بِهِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، غَيْرَ أَنَّ الصَّغِيرَةَ لَا تُدْفَعُ إلَى عَصَبَةِ غَيْرِ مَحْرَمٍ كَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ وَابْنِ الْعَمِّ عِنْدَ وُجُودِ مَحْرَمٍ غَيْرِ عَصَبَةٍ كَالْخَالِ بَلْ تُدْفَعُ إلَى الْخَالِ تَحَرُّزًا عَنْ الْفِتْنَةِ، كَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ. وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْ الْعَصَبَةِ تُدْفَعُ إلَى الْأَخِ لِأُمٍّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا حَقَّ لِذَكَرٍ مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ وَالتَّدْبِيرُ لِلْقَاضِي يَدْفَعُ إلَى ثِقَةٍ تَحْضُنُهُ. وَقَوْلُهُ (وَالْأُمُّ وَالْجَدَّةُ أَحَقُّ بِالْغُلَامِ) وَاضِحٌ. وَذَكَرَ رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِزِيَادَةِ لَفْظِ " يَسْتَغْنِيَ " وَحَذَفَ لَفْظَ " يَسْتَنْجِيَ، وَذَكَرَ أَنَّ الْمَعْنَى وَاحِدٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ) يَعْنِي أَنَّ الصَّبِيَّ فِي الْغَالِبِ إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ يَسْتَغْنِي عَنْ الْحَضَانَةِ وَالتَّرْبِيَةِ فَحِينَئِذٍ يَسْتَنْجِي وَحْدَهُ. وَقَوْلُهُ (تَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ آدَابِ النِّسَاءِ) كَالْغَزْلِ وَالطَّبْخِ وَغَسْلِ الثِّيَابِ وَنَحْوِهَا (وَالْمَرْأَةُ عَلَى ذَلِكَ أَقْدَرُ مِنْ الرَّجُلِ وَبَعْدَ الْبُلُوغِ تَحْتَاجُ إلَى التَّحْصِينِ) بِالتَّزْوِيجِ، وَوِلَايَةُ التَّزْوِيجِ إلَى الْأَبِ وَإِلَى الْحِفْظِ عَنْ وُقُوعِ الْفِتْنَةِ (وَالْأَبُ فِيهِ أَقْوَى وَأَهْدَى)

(وَمَنْ سِوَى الْأُمِّ وَالْجَدَّةِ أَحَقُّ بِالْجَارِيَةِ حَتَّى تَبْلُغَ حَدًّا تُشْتَهَى، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: حَتَّى تَسْتَغْنِيَ) لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى اسْتِخْدَامِهَا، وَلِهَذَا لَا تُؤَاجِرُهَا لِلْخِدْمَةِ فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ، بِخِلَافِ الْأُمِّ وَالْجَدَّةِ لِقُدْرَتِهِمَا عَلَيْهِ شَرْعًا. قَالَ (وَالْأَمَةُ إذَا أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا وَأُمُّ الْوَلَدِ إذَا أُعْتِقَتْ كَالْحُرَّةِ فِي حَقِّ الْوَلَدِ) لِأَنَّهُمَا حُرَّتَانِ أَوْ أَنَّ ثُبُوتَ الْحَقِّ (وَلَيْسَ لَهُمَا قَبْلَ الْعِتْقِ حَقٌّ فِي الْوَلَدِ لِعَجْزِهِمَا) عَنْ الْحَضَانَةِ بِالِاشْتِغَالِ بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى (وَالذِّمِّيَّةُ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا الْمُسْلِمِ مَا لَمْ يَعْقِلْ الْأَدْيَانَ أَوْ يَخَفْ أَنْ يَأْلَفَ الْكُفْرَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ لِلرِّجَالِ مِنْ الْغَيْرَةِ مَا لَيْسَ بِالنِّسَاءِ فَيَتَمَكَّنُ الْأَبُ مِنْ حِفْظِهَا عَلَى وَجْهٍ لَا تَتَمَكَّنُ الْأُمُّ مِنْ ذَلِكَ. وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا إذَا بَلَغَتْ حَدَّ الشَّهْوَةِ تُدْفَعُ إلَى الْأَبِ لِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ إلَى الصِّيَانَةِ، وَحَدُّ الشَّهْوَةِ أَنْ تَبْلُغَ إحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً فِي قَوْلِهِمْ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ. وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: حَدُّ الشَّهْوَةِ أَنْ تَبْلُغَ تِسْعَ سِنِينَ، وَقِيلَ إذَا بَلَغَتْ سِتَّ سِنِينَ أَوْ سَبْعًا أَوْ ثَمَانٍ إنْ كَانَتْ عَبْلَةً وَقَوْلُهُ (وَمَنْ سِوَى الْأُمِّ وَالْجَدَّةِ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ الصَّغِيرَةُ عِنْدَ الْأَخَوَاتِ أَوْ الْخَالَاتِ أَوْ الْعَمَّاتِ فَإِنَّهَا تُتْرَكُ عِنْدَهُنَّ إلَى أَنْ تَبْلُغَ حَدًّا تُشْتَهَى عَلَى رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ، وَحَتَّى تَسْتَغْنِيَ عَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَتَأْكُلَ وَحْدَهَا وَتَلْبَسَ وَحْدَهَا، لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَاجُ إلَى تَعَلُّمِ آدَابِ النِّسَاءِ لَكِنْ فِيهِ نَوْعُ اسْتِخْدَامٍ لِلصَّغِيرَةِ وَلَيْسَ لِغَيْرِ الْأُمِّ وَالْجَدَّتَيْنِ وِلَايَةُ الِاسْتِخْدَامِ (وَلِهَذَا لَا تُؤَاجِرُهَا لِلْخِدْمَةِ فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ وَهُوَ التَّعْلِيمُ، بِخِلَافِ الْأُمِّ وَالْجَدَّةِ) لِقُدْرَتِهِمَا عَلَى الِاسْتِخْدَامِ شَرْعًا. . وَالْأَمَةُ إذَا أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا وَأُمُّ الْوَلَدِ إذَا أُعْتِقَتْ كَالْحُرَّةِ فِي حَقِّ الْوَلَدِ لِأَنَّهُمَا حُرَّتَانِ أَوَانَ ثُبُوتِ الْحَقِّ، وَلَيْسَ لَهُمَا قَبْلَ الْعِتْقِ حَقٌّ فِي الْوَلَدِ لِعَجْزِهِمَا عَنْ الْحَضَانَةِ بِالِاشْتِغَالِ بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى، (وَالذِّمِّيَّةُ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا الْمُسْلِمِ) بِأَنْ كَانَ زَوْجُهَا مُسْلِمًا (مَا لَمْ يَعْقِلْ الْأَدْيَانَ أَوْ يَخَافُ) بِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَبِالْجَزْمِ عَطْفًا عَلَى يَعْقِلُ (أَنْ يَأْلَفَ الْكُفْرَ) لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَيْهَا قَبْلَ ذَلِكَ أَنْظَرُ لِلصَّبِيِّ وَبَعْدَهُ يُحْتَمَلُ الضَّرَرُ بِانْتِقَاشِ

لِلنَّظَرِ قَبْلَ ذَلِكَ وَاحْتِمَالِ الضَّرَرِ بَعْدَهُ (وَلَا خِيَارَ لِلْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهُمَا الْخِيَارُ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَيَّرَ. وَلَنَا أَنَّهُ لِقُصُورِ عَقْلِهِ يَخْتَارُ مَنْ عِنْدَهُ الدَّعَةُ لِتَخْلِيَتِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّعِبِ فَلَا يَتَحَقَّقُ النَّظَرُ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يُخَيِّرُوا، أَمَّا الْحَدِيثُ فَقُلْنَا قَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اللَّهُمَّ اهْدِهِ» فَوُفِّقَ لِاخْتِيَارِهِ الْأَنْظَرَ بِدُعَائِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ بَالِغًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحْوَالِ الْكُفْرِ فِي ذِهْنِهِ (وَلَا خِيَارَ لِلْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ) يَعْنِي بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهُمَا ذَلِكَ) إذَا بَلَغَ سِنَّ التَّمْيِيزِ وَيُسَلَّمُ إلَى مَنْ اخْتَارَهُ، فَإِنْ اخْتَارَ الْأَبَ لَا يُمْنَعُ مِنْ الزِّيَارَةِ، وَإِنْ اخْتَارَ الْأُمَّ فَعَلَى الْأَبِ مُرَاعَاتُهُ وَتَسْلِيمُهُ إلَى الْمَكْتَبِ وَالْحِرْفَةِ (" لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ» ) رَوَى «رَافِعُ بْنُ سِنَانٍ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَأَبَتْ امْرَأَتُهُ أَنْ تُسْلِمَ، فَأَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ ابْنَتِي وَهِيَ فَطِيمٌ، وَقَالَ رَافِعٌ ابْنَتِي فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اُقْعُدْ نَاحِيَةً وَقَالَ لَهَا اُقْعُدِي نَاحِيَةً، فَأَقْعَدَ الصَّبِيَّةَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ قَالَ اُدْعُوَاهَا، فَمَالَتْ الصَّبِيَّةُ إلَى أُمِّهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اللَّهُمَّ اهْدِهَا، فَمَالَتْ إلَى أَبِيهَا فَأَخَذَهَا» (وَلَنَا أَنَّهُ لِقُصُورِ عَقْلِهِ يَخْتَارُ مَنْ عِنْدَهُ الدَّعَةُ) أَيْ الْخَفْضُ وَالرَّاحَةُ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ، وَلَكِنَّ قَوْلَهُ (أَوْ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ بَالِغًا) فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي قِصَّةِ الصَّبِيَّةِ وَقَالَتْ ابْنَتِي وَهِيَ فَطِيمٌ فَكَيْفَ يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ بَالِغًا؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ خَيَّرَ وَلَمْ يَقُلْ غُلَامًا وَلَا غَيْرَهُ لِيَتَنَاوَلَ مَا رَوَيْنَا، وَمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ مَا يَدُلُّ عَلَى الصِّغَرِ» فَأَوَّلَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ قُلْنَا قَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَخْ، وَالثَّانِيَ بِقَوْلِهِ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ بَالِغًا.

[فصل أرادت المطلقة أن تخرج بولدها من المصر]

(وَإِذَا أَرَادَتْ الْمُطَلَّقَةُ أَنْ تَخْرُجَ بِوَلَدِهَا مِنْ الْمِصْرِ فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْأَبِ (إلَّا أَنْ تَخْرُجَ بِهِ إلَى وَطَنِهَا وَقَدْ كَانَ الزَّوْجُ تَزَوَّجَهَا فِيهِ) لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْمَقَامَ فِيهِ عُرْفًا وَشَرْعًا، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَأَهَّلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ أَرَادَتْ الْمُطَلَّقَةُ أَنْ تَخْرُجَ بِوَلَدِهَا مِنْ الْمِصْرِ] فَصْلٌ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ مَنْ لَهُ الْحَضَانَةُ بَيَّنَ مَا يَفْعَلُهُ مِنْ الْإِخْرَاجِ إلَى الْقُرَى وَغَيْرِهِ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ (وَإِذَا أَرَادَتْ الْمُطَلَّقَةُ) بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ (أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْمِصْرِ) فَذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: إمَّا أَنْ تَخْرُجَ إلَى وَطَنِهَا وَقَدْ وَقَعَ الْعَقْدُ فِيهِ، وَإِمَّا أَنْ تَخْرُجَ إلَى مَا لَيْسَ وَطَنَهَا وَلَمْ يَقَعْ فِيهِ الْعَقْدُ، وَإِمَّا أَنْ تَخْرُجَ إلَى وَطَنِهَا وَلَمْ يَقَعْ الْعَقْدُ فِيهِ، وَإِمَّا أَنْ تَخْرُجَ إلَى غَيْرِ وَطَنِهَا وَقَدْ وَقَعَ الْعَقْدُ فِيهِ. فَهِيَ الْأَقْسَامُ الْعَقْلِيَّةُ، فَإِنْ اتَّفَقَ أَمْرَانِ جَمِيعًا بِأَنْ تَخْرُجَ إلَى وَطَنِهَا وَقَدْ وَقَعَ الْعَقْدُ فِيهِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْمُقَامَ فِيهِ عُرْفًا وَشَرْعًا) دَلِيلُ الْمُسْتَثْنَى. وَقَوْلُهُ (وَلِهَذَا

بِبَلْدَةٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» وَلِهَذَا يَصِيرُ الْحَرْبِيُّ بِهِ ذِمِّيًّا، وَإِنْ أَرَادَتْ الْخُرُوجَ إلَى مِصْرٍ غَيْرِ وَطَنِهَا وَقَدْ كَانَ التَّزَوُّجُ فِيهِ أَشَارَ فِي الْكِتَابِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ، وَهَذَا رِوَايَةُ كِتَابِ الطَّلَاقِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ لَهَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَقْدَ مَتَى وُجِدَ فِي مَكَان يُوجِبُ أَحْكَامَهُ فِيهِ كَمَا يُوجِبُ الْبَيْعُ التَّسْلِيمَ فِي مَكَانِهِ، وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ حَقُّ إمْسَاكِ الْأَوْلَادِ. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ التَّزَوُّجَ فِي دَارِ الْغُرْبَةِ لَيْسَ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَصِيرُ الْحَرْبِيُّ) أَيْ الشَّخْصُ الْحَرْبِيُّ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (بِهِ) أَيْ بِالتَّزَوُّجِ فِي بَلْدَةٍ (ذِمِّيًّا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَهَذَا وَقَعَ غَلَطًا لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ فِي السِّيَرِ وَذَكَرَ أَيْضًا فِي سِيَرِ سَائِرِ الْكُتُبِ: إذَا تَزَوَّجَ الْمُسْتَأْمَنُ ذِمِّيَّةً لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَيَرْجِعَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي بِهِ رَاجِعٌ إلَى الْتِزَامِ الْمُقَامِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى أَنْ يُقَالَ إنَّهُ بِالتَّزَوُّجِ فِي بَلَدٍ الْتَزَمَ الْمُقَامَ، وَبِالْتِزَامِ الْمُقَامِ يَصِيرُ الْحَرْبِيُّ ذِمِّيًّا، وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ بِالتَّزَوُّجِ فِي بَلَدٍ يَصِيرُ الْحَرْبِيُّ ذِمِّيًّا فَعَادَ الْمَحْظُورُ، وَإِنْ لَمْ يُجْعَلْ مُتَعَلِّقًا بِذَلِكَ يَنْقَطِعُ الْكَلَامُ عَمَّا قَبْلَهُ وَلَا يَبْقَى لَهُ اتِّصَالٌ فِي مَحَلِّ الْبَحْثِ فَلَا يَلِيقُ ذَلِكَ بِمِثْلِ الْمُصَنِّفِ وَغَيَّرَ بَعْضُهُمْ لَفْظَ الْحَرْبِيِّ إلَى الْحَرْبِيَّةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: لَا حَاجَةَ إلَى تَغْيِيرِ اللَّفْظِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْحَرْبِيُّ صِفَةً لِشَخْصٍ كَمَا قَدَّرْنَا فِي أَوَّلِ الْبَحْثِ، وَحِينَئِذٍ يُرَادُ بِهِ الْحَرْبِيَّةُ، وَلَكِنْ ذَكَرَهُ بِتَأْوِيلِ الشَّخْصِ وَبِهَذَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ غَلَطًا إلَى كَوْنِهِ مُلْبِسًا، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ فَجَعَلَ مَا ذُكِرَ هَاهُنَا وَجْهَ الْقِيَاسِ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ فِي بَلَدٍ يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى الْتِزَامِ الْمُقَامِ فِيهِ شَرْعًا وَعُرْفًا لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَمْنُوعَةً عَنْ الْخُرُوجِ عَنْ تِلْكَ الْبَلْدَةِ، وَمَا ذُكِرَ فِي السِّيَرِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ وَإِنْ صَلَحَ دَلِيلًا عَلَى الْتِزَامِ الْمُقَامِ كَتَزَوُّجِ الْحَرْبِيَّةِ

الْتِزَامًا لِلْمُكْثِ فِيهِ عُرْفًا، وَهَذَا أَصَحُّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا: الْوَطَنُ وَوُجُودُ النِّكَاحِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ بَيْنَ الْمِصْرَيْنِ تَفَاوُتٌ، أَمَّا إذَا تَقَارَبَا بِحَيْثُ يُمْكِنُ لِلْوَالِدِ أَنْ يُطَالِعَ وَلَدَهُ وَيَبِيتَ فِي بَيْتِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَكَذَا الْجَوَابُ فِي الْقَرْيَتَيْنِ، وَلَوْ انْتَقَلَتْ مِنْ قَرْيَةِ الْمِصْرِ إلَى الْمِصْرِ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ حَيْثُ يَتَخَلَّقُ بِأَخْلَاقِ أَهْلِ الْمِصْرِ وَلَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ بِالْأَبِ، وَفِي عَكْسِهِ ضَرَرٌ بِالصَّغِيرِ لِتَخَلُّقِهِ بِأَخْلَاقِ أَهْلِ السَّوَادِ فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلذِّمِّيِّ إلَّا أَنَّ قَبُولَ الْجِزْيَةِ الْمُوجِبَ لِلذُّلِّ وَالصَّغَارِ مَانِعٌ. وَرُدَّ بِأَنَّ هَذَا الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ غَيْرُ مَنْقُولٍ عَنْ السَّلَفِ فَلَا يَصِحُّ بِنَاءُ الْجَوَابِ عَلَى ذَلِكَ. وَأَجَابَ شَيْخُ شَيْخِي الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بِأَنَّهُ لَمَّا وَجَدَ مَعْنَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ لَا وَجْهَ إلَى الْمَنْعِ مِنْ إطْلَاقِ الِاسْمِ عَلَيْهِمَا. وَأَقُولُ: إنْ ثَبَتَ فِي حَرْبِيٍّ يَتَزَوَّجُ فِي بَلَدِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَصِيرَ بِهِ ذِمِّيًّا رِوَايَتَانِ صَحَّ اسْتِخْرَاجُ وَجْهِ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ وَإِلَّا فَلَا. وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ يُرِيدُ بِهِ الْقُدُورِيَّ وَوَجْهُ كُلٍّ مِمَّا فِي الْقُدُورِيِّ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ، وَأَمَّا فِي عَكْسِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ أَنْ تَخْرُجَ إلَى وَطَنِهَا وَلَمْ يَكُنْ الْعَقْدُ بِهَا فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ بِالْأَوْلَادِ إلَيْهَا بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ. وَأَمَّا الْقِسْمُ الْآخَرُ وَهُوَ مَا لَا يَكُونُ وَطَنَهَا وَلَا وَقَعَ الْعَقْدُ فِيهِ فَقَدْ اقْتَصَرَ عَنْ ذِكْرِهِ لِظُهُورِهِ مِنْ الْأَقْسَامِ الْبَاقِيَةِ (قَوْلُهُ وَالْحَاصِلُ) ظَاهِرٌ مِمَّا ذَكَرْنَا. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ بَعْدَ وُجُودِ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ: لَا بُدَّ مِنْ وَصْفٍ آخَرَ هُوَ شَرْطٌ فِيهِ أَيْضًا، وَهُوَ أَنْ لَا يَنْتَقِلَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَإِنْ كَانَتْ وَطَنَهَا وَوَقَعَ الْعَقْدُ فِيهَا، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْحَرْبِيَّةَ بِالتَّزَوُّجِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ تَصِيرُ ذِمِّيَّةً فَأَنَّى يَتَسَنَّى لَهَا الِانْتِقَالُ إلَيْهَا. وَالْجَوَابُ أَنَّ مُرَادَهُ مُسْلِمٌ عَقَدَ عَلَى مُسْلِمَةٍ فِي وَطَنِهَا دَارِ الْحَرْبِ فَخَرَجَا إلَيْنَا وَوَقَعَتْ الْفُرْقَةُ فِيمَا بَيْنَهُمَا فَأَرَادَتْ الْخُرُوجَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ بِوَلَدِهَا لَمْ تُمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ وُجِدَ الْأَمْرَانِ جَمِيعًا وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ.

[باب النفقة]

قَالَ (النَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كَافِرَةً إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا إلَى مَنْزِلِهِ فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا وَسُكْنَاهَا) وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] وقَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ «وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ جَزَاءُ الِاحْتِبَاسِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ النَّفَقَةِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ حَقِّ الْحَضَانَةِ لِلْوَلَدِ وَمَنْ لَهَا الْحَضَانَةُ احْتَاجَ إلَى بَيَانِ النَّفَقَةِ وَمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَطْرَدَ بِذِكْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ السُّكْنَى وَغَيْرِهِ. وَالنَّفَقَةُ اسْمٌ بِمَعْنَى الْإِنْفَاقِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِدْرَارِ عَلَى الشَّيْءِ بِمَا بِهِ يَقُومُ بَقَاؤُهُ. وَنَفَقَةُ الشَّخْصِ عَلَى غَيْرِهِ تَجِبُ بِأَسْبَابٍ: مِنْهَا الزَّوْجِيَّةُ وَمِنْهَا النَّسَبُ وَمِنْهَا الْمِلْكُ. وَفُتِحَ الْبَابُ بِنَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ أَصْلُ النَّسَبِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ وَالنَّسَبُ أَقْوَى مِنْ الْمِلْكِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الْوَلَدِ كَالْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهِ لِكَوْنِهِ جُزْءًا مِنْهُ وَكَذَا عَلَى الْوَالِدَيْنِ. قَالَ (النَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ لِلزَّوْجَةِ عَلَى الزَّوْجِ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كَافِرَةً إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا إلَى مَنْزِلِهِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هَذَا الشَّرْطُ لَيْسَ بِلَازِمٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَعْدَ صِحَّةِ الْعَقْدِ النَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ لَهَا وَإِنْ لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ لَمْ يَطْلُبْ انْتِقَالَهَا إلَى بَيْتِهِ كَانَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِالنَّفَقَةِ. وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ: وَهَذَا لِأَنَّ النَّفَقَةَ حَقُّ الْمَرْأَةِ وَالِانْتِقَالَ حَقُّ الزَّوْجِ، فَإِذَا لَمْ يُطَالِبْهَا بِالنُّقْلَةِ فَقَدْ تَرَكَ حَقَّهُ وَهَذَا لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ حَقِّهَا (وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ قَوْله تَعَالَى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] أَمْرٌ بِالْإِنْفَاقِ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] أَيْ بِالْوَسَطِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ فِي تَفْسِيرِهِ بِمَا يَعْرِفُونَ أَنَّهُ الْعَدْلُ عَلَى قَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَكَلِمَةُ عَلَى لِلْوُجُوبِ (وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ) «أُوصِيكُمْ بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٌ، اتَّخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَإِنَّ لَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا، وَأَنْ لَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِأَحَدٍ تَكْرَهُونَهُ. فَإِذَا فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ» (وَ) إنَّ (لَهُنَّ عَلَيْكُمْ نَفَقَتَهُنَّ وَكِسْوَتَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ جَزَاءُ الِاحْتِبَاسِ

فَكُلُّ مَنْ كَانَ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ مَقْصُودٍ لِغَيْرِهِ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ: أَصَّلَهُ الْقَاضِي وَالْعَامِلُ فِي الصَّدَقَاتِ. وَهَذِهِ الدَّلَائِلُ لَا فَصْلَ فِيهَا فَتَسْتَوِي فِيهَا الْمُسْلِمَةُ وَالْكَافِرَةُ (وَيُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ حَالُهُمَا جَمِيعًا) قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: ـــــــــــــــــــــــــــــQفَكُلُّ مَنْ كَانَ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ مَقْصُودٍ لِغَيْرِهِ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ أَصْلُهُ الْقَاضِي وَالْعَامِلُ فِي الصَّدَقَاتِ) وَنُوقِضَ بِالرَّهْنِ فَإِنَّهُ مَحْبُوسٌ بِحَقٍّ مَقْصُودٍ لِلْمُرْتَهِنِ وَهُوَ الِاسْتِيثَاقُ وَنَفَقَتُهُ لَيْسَتْ عَلَيْهِ بَلْ هِيَ عَلَى الرَّاهِنِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الرَّهْنَ مَحْبُوسٌ بِحَقِّ الرَّاهِنِ أَيْضًا وَهُوَ كَوْنُهُ مُوفِيًا عِنْدَ الْهَلَاكِ وَلِهَذَا لَمْ تَجِبْ النَّفَقَةُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ (وَهَذِهِ الدَّلَائِلُ) يَعْنِي الَّتِي ذَكَرَهَا مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (لَا فَصْلَ فِيهَا فَيَسْتَوِي الْمُسْلِمَةُ وَالْكَافِرَةُ وَيُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ حَالُهُمَا) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ

وَهَذَا اخْتِيَارُ الْخَصَّافِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَتَفْسِيرُهُ أَنَّهُمَا إذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ تَجِبُ نَفَقَةُ الْيَسَارِ، وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ فَنَفَقَةُ الْإِعْسَارِ، وَإِنْ كَانَتْ مُعْسِرَةً وَالزَّوْجُ مُوسِرًا فَنَفَقَتُهَا دُونَ نَفَقَةِ الْمُوسِرَاتِ وَفَوْقَ نَفَقَةِ الْمُعْسِرَاتِ. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: يُعْتَبَرُ حَالُ الزَّوْجِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] وَجْهُ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِهِنْدَ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ «خُذِي مِنْ مَالِ زَوْجِك مَا يَكْفِيك وَوَلَدِك بِالْمَعْرُوفِ» اعْتَبَرَ حَالَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا) أَيْ اعْتِبَارُ حَالِهِمَا فِي ذَلِكَ (اخْتِيَارُ الْخَصَّافِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَتَفْسِيرُهُ) أَيْ تَفْسِيرُ قَوْلِ الْخَصَّافِ وَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمَةٍ عَقْلِيَّةٍ، إمَّا أَنْ يَكُونَا مُوسِرَيْنِ أَوْ مُعْسِرَيْنِ، أَوْ الزَّوْجُ مُوسِرًا وَالزَّوْجَةُ مُعْسِرَةً، أَوْ بِالْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ. فَفِي الْأَوَّلِ تَجِبُ نَفَقَةُ الْيَسَارِ، وَفِي الثَّانِي نَفَقَةُ الْإِعْسَارِ، وَفِي الثَّالِثِ نَفَقَتُهَا دُونَ نَفَقَةِ الْمُوسِرَاتِ وَفَوْقَ نَفَقَةِ الْمُعْسِرَاتِ إذَا كَانَ الزَّوْجُ يَأْكُلُ الْحَلْوَى وَالْحَمَلَ الْمَشْوِيَّ وَالْبَاجَّاتِ، وَالْمَرْأَةُ كَانَتْ تَأْكُلُ فِي بَيْتِهَا خُبْزَ الشَّعِيرِ لَا يُؤْمَرُ الزَّوْجُ بِأَنْ يُطْعِمَهَا مَا يَأْكُلُ بِنَفْسِهِ وَلَا مَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَأْكُلُ فِي بَيْتِهَا وَلَكِنْ يُطْعِمُهَا فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ، يُطْعِمُهَا خُبْزَ الْبُرِّ وَبَاجَّةً أَوْ بَاجَّتَيْنِ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْقِسْمَ الرَّابِعَ لِأَنَّهُ يُعْلَمُ مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، فَإِنَّ الْخَصَّافَ ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ: يَفْرِضُ لَهَا نَفَقَةً صَالِحَةً يَعْنِي وَسَطًا، فَيُقَالُ لَهُ: تُكَلَّفُ أَنْ تُطْعِمَهَا خُبْزَ الْبُرِّ وَبَاجَّةً أَوْ بَاجَّتَيْنِ كَيْ لَا يَلْحَقَهَا الضَّرَرُ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى مَا فُهِمَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ تَوْسِيطِ الْحَالِ. وَقَالَ: وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَقُولُ لَمَّا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ مُعْسِرٍ فَقَدْ رَضِيَتْ بِنَفَقَةِ الْمُعْسِرَيْنِ فَلَا تَسْتَوْجِبُ عَلَى الزَّوْجِ إلَّا بِحَسَبِ حَالِهِ (وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: يُعْتَبَرُ حَالُ الزَّوْجِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ) وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [الطلاق: 7] اعْتَبَرَ حَالَ الرَّجُلِ فِي الْحَالَتَيْنِ جَمِيعًا وَأَمَرَهُ بِالْإِنْفَاقِ فَلَا مَصِيرَ إلَى غَيْرِهِ. وَجْهُ الْأَوَّلِ يَعْنِي قَوْلَ الْخَصَّافِ فِي اعْتِبَارِ حَالِهِمَا (وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِنْدٍ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ) رَوَى

وَهُوَ الْفِقْهُ فَإِنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ بِطَرِيقِ الْكِفَايَةِ، وَالْفَقِيرَةُ لَا تَفْتَقِرُ إلَى كِفَايَةِ الْمُوسِرَاتِ فَلَا مَعْنَى لِلزِّيَادَةِ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِمُوجَبِ النَّصِّ أَنَّهُ يُخَاطِبُ بِقَدْرِ وُسْعِهِ وَالْبَاقِي دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ بِالْمَعْرُوفِ الْوَسَطُ وَهُوَ الْوَاجِبُ وَبِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلتَّقْدِيرِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ عَلَى الْمُوسِرِ مُدَّانِ وَعَلَى الْمُعْسِرِ مُدٌّ وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ مُدٌّ وَنِصْفُ مُدٍّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبُخَارِيُّ بِإِسْنَادِهِ إلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ هِنْدًا بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ لَا يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إلَّا مَا أَخَذْت مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، فَقَالَ: خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ» فَاعْتُبِرَ حَالُهَا وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا الدَّلِيلُ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْمُدَّعِي لِأَنَّ الْمُدَّعَى هُوَ الِاعْتِبَارُ بِحَالِهِمَا. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ حَالِهَا عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُحْتَاجَ إلَيْهِ هُوَ بَيَانُ اعْتِبَارِ حَالِهَا، وَأَمَّا اعْتِبَارُ حَالِهِ فَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَيْهِ وَالْخَصْمُ يَقُولُ بِهِ، فَإِذَنْ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ حَالِهِ وَالْحَدِيثُ عَلَى اعْتِبَارِ حَالِهَا، فَوَجَبَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَكُونَ حَالُهُ مُعْتَبَرًا مِنْ وَجْهٍ وَحَالُهَا كَذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا عَلَى تَقْدِيرِ التَّعَارُضِ وَالْحَدِيثُ لَا يُعَارِضُ الْآيَةَ لِكَوْنِهِ مِنْ الْآحَادِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْحَدِيثَ تَفْسِيرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] فَتَكُونُ الْمُعَارَضَةُ حِينَئِذٍ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ اخْتِيَارًا مِنْهُ لِقَوْلِ الْخَصَّافِ (وَهُوَ) أَيْ اعْتِبَارُ حَالِهِمَا هُوَ (الْفِقْهُ، فَإِنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ بِطَرِيقِ الْكِفَايَةِ وَالْفَقِيرَةُ لَا تَفْتَقِرُ إلَى كِفَايَةِ الْمُوسِرَاتِ فَلَا مَعْنَى لِلزِّيَادَةِ) يَعْنِي عَلَى كِفَايَتِهَا نَظَرًا إلَى حَالِ الزَّوْجِ. وَأَجَابَ عَنْ قَوْله تَعَالَى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] بِقَوْلِهِ (وَنَحْنُ نَقُولُ بِمُوجَبِ النَّصِّ أَنَّهُ يُخَاطَبُ أَنْ يُنْفِقَ بِقَدْرِ وُسْعِهِ) لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّكْلِيفُ بِمَا لَيْسَ فِي الْوُسْعِ، لَكِنْ إنْ زَادَتْ كِفَايَتُهَا عَلَى مَا فِي وُسْعِهِ يَكُونُ لِلْبَاقِي دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ كَمَا مَرَّ وَلَا يُؤَدِّيهِ مَعَ الْعَجْزِ. وَقَوْلُهُ (وَمَعْنَى قَوْلِهِ بِالْمَعْرُوفِ الْوَسَطُ) إشَارَةٌ إلَى مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ تَفْسِيرَ قَوْله تَعَالَى {وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] الْوَسَطُ لِيَكُونَ جَوَابًا عَنْ قَوْلِ الْخَصْمِ إنَّهُ تَعَالَى قَالَ {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ} [البقرة: 233] اعْتَبَرَ الرَّجُلَ، وَقَالَ بِالْمَعْرُوفِ إشَارَةً إلَى أَنْ لَا يُزَادَ عَلَى مَا فِي وُسْعِهِ إنْ كَانَتْ حَالَتُهَا تَقْتَضِيهِ. وَوَجْهُ كَوْنِهِ جَوَابًا أَنَّهُ إذَا كَانَ مُفَسَّرًا بِالْوَسَطِ فَالْوَسَطُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ حَالِ الرَّجُلِ وَحَالِ الْمَرْأَةِ وَهُوَ الْوَاجِبُ (قَوْلُهُ وَبِهِ) أَيْ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِنْدٍ «خُذِي مِنْ مَالِ زَوْجِك مَا يَكْفِيك» (يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلتَّقْدِيرِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ عَلَى الْمُوسِرِ مُدَّانِ وَعَلَى الْمُعْسِرِ مُدٌّ وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ مُدٌّ وَنِصْفٌ،

لِأَنَّ مَا وَجَبَ كِفَايَةً لَا يَتَقَدَّرُ شَرْعًا فِي نَفْسِهِ. (وَإِنْ امْتَنَعَتْ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا حَتَّى يُعْطِيَهَا مَهْرَهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ) لِأَنَّهُ مَنْعٌ بِحَقٍّ فَكَانَ فَوْتُ الِاحْتِبَاسِ لِمَعْنًى مِنْ قِبَلِهِ فَيُجْعَلُ كَلَا فَائِتٍ. (وَإِنْ نَشَزَتْ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا حَتَّى تَعُودَ إلَى مَنْزِلِهِ) لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ مَا وَجَبَ كِفَايَةً. لَا يَتَقَدَّرُ فِي نَفْسِهِ شَرْعًا) لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْتَلِفُ فِيهَا أَحْوَالُ النَّاسِ بِحَسَبِ الشَّبَابِ وَالْهَرَمِ وَبِحَسَبِ الْأَوْقَاتِ وَالْأَمَاكِنِ، فَفِي التَّقْدِيرِ قَدْ يَكُونُ إضْرَارًا. قَالَ (وَإِنْ امْتَنَعَتْ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا) إنْ امْتَنَعَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الِامْتِنَاعُ بِحَقٍّ مِثْلَ أَنْ تَطْلُبَ الْمَهْرَ الْمُعَجَّلَ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَهَا النَّفَقَةُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِهَا، فَمُطَالَبَةُ أَحَدِهِمَا لَا يُسْقِطُ الْآخَرَ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَهِيَ نَاشِزَةٌ لِأَنَّ النَّاشِزَةَ هِيَ الْخَارِجَةُ مِنْ مَنْزِلِ الزَّوْجِ الْمَانِعَةُ مِنْهُ نَفْسَهَا وَهَذِهِ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْخَارِجَةِ مِنْ مَنْزِلِ الزَّوْجِ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ سَاكِنَةً مَعَهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الزَّوْجَ يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا فَلَا تَبْطُلُ النَّفَقَةُ، فَإِنْ كَانَ الْمَنْزِلُ مِلْكًا لَهَا وَهُوَ يَسْكُنُ مَعَهَا فِيهِ فَمَنَعَتْهُ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْخُرُوجِ مِنْ بَيْتِهِ. وَإِذَا كَانَتْ نَاشِزَةً فَلَا نَفَقَةَ لَهَا حَتَّى تَعُودَ إلَى مَنْزِلِهِ لِأَنَّ فَوْتَ الِاحْتِبَاسِ مِنْهَا، وَإِذَا عَادَتْ جَاءَ الِاحْتِبَاسُ فَتَجِبُ النَّفَقَةُ. فَإِنْ قِيلَ: الدَّلَائِلُ الدَّالَّةُ عَلَى وُجُوبِ النَّفَقَةِ لَا تَفْصِلُ بَيْنَ النَّاشِزَةِ وَغَيْرِهَا فَمَا وَجْهُ حِرْمَانِهَا عَنْهَا؟ فَالْجَوَابُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا لَمْ تَفْصِلْ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233] وَذَلِكَ قَدْ يُشِيرُ إلَى تَسْلِيمِ النَّفْسِ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ بِدُونِهِ لَا تُتَصَوَّرُ.

فَوْتَ الِاحْتِبَاسِ مِنْهَا، وَإِنْ عَادَتْ جَاءَ الِاحْتِبَاسُ فَتَجِبُ النَّفَقَةُ، بِخِلَافِ مَا إذَا امْتَنَعَتْ مِنْ التَّمْكِينِ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ لِأَنَّ الِاحْتِبَاسَ قَائِمٌ وَالزَّوْجُ يَقْدِرُ عَلَى الْوَطْءِ كَرْهًا. (وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا يَسْتَمْتِعُ بِهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا) لِأَنَّ امْتِنَاعَ الِاسْتِمْتَاعِ لِمَعْنًى فِيهَا، وَالِاحْتِبَاسُ الْمُوجِبُ مَا يَكُونُ وَسِيلَةً إلَى مَقْصُودٍ مُسْتَحَقٌّ بِالنِّكَاحِ وَلَمْ يُوجَدْ، بِخِلَافِ الْمَرِيضَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ مَا إذَا امْتَنَعَتْ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ فَوْتَ الِاحْتِبَاسِ مِنْهَا. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا يُسْتَمْتَعُ بِهَا) أَيْ لَا تُوطَأُ (فَلَا نَفَقَةَ لَهَا) سَوَاءٌ كَانَتْ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ أَوْ لَمْ تَكُنْ حَتَّى تَصِيرَ إلَى الْحَالَةِ الَّتِي تُطِيقُ الْجِمَاعَ (لِأَنَّ امْتِنَاعَ الِاسْتِمْتَاعِ إنَّمَا هُوَ لِمَعْنًى فِيهَا، وَالِاحْتِبَاسُ الْمُوجِبُ نَفَقَةً هُوَ مَا يَكُونُ وَسِيلَةً إلَى مَقْصُودٍ مُسْتَحَقٍّ بِالنِّكَاحِ) وَهُوَ الْجِمَاعُ أَوْ دَوَاعِيهِ (وَلَمْ يُوجَدْ) لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ الَّتِي لَا تَصْلُحُ لِلْجِمَاعِ لَا تَصْلُحُ لِدَوَاعِيهِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُشْتَهَاةٍ، وَاسْتَشْكَلَ بِالرَّتْقَاءِ وَالْقَرْنَاءِ وَنَحْوِهِمَا، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ الْمُسْتَحَقَّ بِالنِّكَاحِ فَائِتٌ وَلَهُنَّ النَّفَقَةُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الدَّوَاعِيَ غَيْرُ فَائِتَةٍ بِأَنْ يُجَامِعَهُنَّ تَفْخِيذًا أَوْ غَيْرَهُ، بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ لِمَا ذَكَرْنَا، حَتَّى قَالُوا: إنْ كَانَتْ الصَّغِيرَةُ مُشْتَهَاةً وَيُمْكِنُ جِمَاعُهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ تَجِبُ النَّفَقَةُ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهَا النَّفَقَةُ لِأَنَّهَا عِوَضٌ مِنْ الْمِلْكِ عِنْدَهُ كَمَا فِي الْمَمْلُوكَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ. وَلَنَا أَنَّ الْمَهْرَ عِوَضٌ عَنْ الْمِلْكِ وَلَا يَجْتَمِعُ الْعِوَضَانِ عَنْ مُعَوَّضٍ وَاحِدٍ فَلَهَا الْمَهْرُ دُونَ النَّفَقَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهَا النَّفَقَةُ لِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ الْمِلْكِ عِنْدَهُ كَمَا فِي الْمَمْلُوكَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ) وَهَذَا لِأَنَّ وُجُوبَهَا بِسَبَبِ الْحَاجَةِ، وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ فِيهَا سَوَاءٌ كَالْمَمْلُوكَةِ (وَلَنَا أَنَّ الْمَهْرَ عِوَضٌ عَنْ الْمِلْكِ) لِأَنَّ الْعِوَضَ هُوَ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ بِالتَّسْمِيَةِ وَالدَّاخِلُ تَحْتَهُ هُوَ الْمَهْرُ دُونَ النَّفَقَةِ، وَإِذَا كَانَ الْمَهْرُ عِوَضًا لَا تَكُونُ النَّفَقَةُ عِوَضًا لِئَلَّا يَجْتَمِعَ عِوَضَانِ (عَنْ مُعَوَّضٍ وَاحِدٍ فَلَهَا الْمَهْرُ دُونَ النَّفَقَةِ)

(وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَطْءِ وَهِيَ كَبِيرَةٌ فَلَهَا النَّفَقَةُ مِنْ مَالِهِ) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ قَدْ تَحَقَّقَ مِنْهَا، وَإِنَّمَا الْعَجْزُ مِنْ قِبَلِهِ فَصَارَ كَالْمَجْبُوبِ وَالْعِنِّينِ. (وَإِذَا حُبِسَتْ الْمَرْأَةُ فِي دَيْنٍ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا) لِأَنَّ فَوْتَ الِاحْتِبَاسِ مِنْهَا بِالْمُمَاطَلَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا بِأَنْ كَانَتْ عَاجِزَةً فَلَيْسَ مِنْهُ، وَكَذَا إذَا غَصَبَهَا رَجُلٌ كُرْهًا فَذَهَبَ بِهَا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ، وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ فَوْتَ الِاحْتِبَاسِ لَيْسَ مِنْهُ لِيُجْعَلَ بَاقِيًا تَقْدِيرًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا) بَيَانُ ذِكْرِ الْعَجْزِ مِنْ جَانِبِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الْعَجْزِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ بِأَنْ كَانَا صَغِيرَيْنِ لَا يُطِيقَانِ الْجِمَاعَ، فَلَوْ اُعْتُبِرَ جَانِبُ الصَّغِيرِ وَجَبَتْ كَمَا فِي الْكَبِيرَةِ، وَلَوْ اُعْتُبِرَ جَانِبُ الصَّغِيرَةِ لَمْ تَجِبْ كَمَا لَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً وَالزَّوْجُ كَبِيرًا. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: لَا نَفَقَةَ لَهَا لِأَنَّ الْمَنْعَ لِمَعْنًى جَاءَ مِنْ جِهَتِهَا، وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ فِي الْبَابِ أَنْ يَجْعَلَ الْمَنْعَ مِنْ قِبَلِهِ كَالْمَعْدُومِ فَالْمَنْعُ مِنْ قِبَلِهَا قَائِمٌ، وَمَعَ قِيَامِ الْمَنْعِ مِنْ قِبَلِهَا لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الدَّلِيلَ يَقْبَلُ الْقَلْبَ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا حُبِسَتْ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ) . يَعْنِي عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ أَنْ لَا نَفَقَةَ لِلْمَغْصُوبَةِ فِيمَا مَضَى. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ فَوْتَ الِاحْتِبَاسِ لَيْسَ مِنْهُ لِيُجْعَلَ بَاقِيًا تَقْدِيرًا) بَيَانُهُ أَنَّ النَّفَقَةَ عِوَضٌ عَنْ الِاحْتِبَاسِ فِي بَيْتِهِ، فَإِذَا كَانَ الْفَوَاتُ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ جُعِلَ ذَلِكَ الِاحْتِبَاسُ بَاقِيًا، أَمَّا إذَا كَانَ الْفَوَاتُ لَا لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ الِاحْتِبَاسُ بَاقِيًا تَقْدِيرًا وَبِدُونِهِ لَا يَجِبُ النَّفَقَةُ.

وَكَذَا إذَا حَجَّتْ مَعَ مَحْرَمٍ لِأَنَّ فَوْتَ الِاحْتِبَاسِ مِنْهَا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ لِأَنَّ إقَامَةَ الْفَرْضِ عُذْرٌ، وَلَكِنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْحَضَرِ دُونَ السَّفَرِ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُسْتَحِقَّةُ عَلَيْهِ، وَلَوْ سَافَرَ مَعَهَا الزَّوْجُ تَجِبُ النَّفَقَةُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الِاحْتِبَاسَ قَائِمٌ لِقِيَامِهِ عَلَيْهَا وَتَجِبُ نَفَقَةُ الْحَضَرِ دُونَ السَّفَرِ، وَلَا يَجِبُ الْكِرَاءُ لِمَا قُلْنَا (فَإِنْ مَرِضَتْ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ فَلَهَا النَّفَقَةُ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا نَفَقَةَ لَهَا إذَا كَانَ مَرَضًا يَمْنَعُ مِنْ الْجِمَاعِ لِفَوْتِ الِاحْتِبَاسِ لِلِاسْتِمْتَاعِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الِاحْتِبَاسَ قَائِمٌ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِسُ بِهَا وَيَمَسُّهَا وَتَحْفَظُ الْبَيْتَ، وَالْمَانِعُ بِعَارِضٍ فَأَشْبَهَ الْحَيْضَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ مَرِضَتْ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِتَحَقُّقِ التَّسْلِيمِ، وَلَوْ مَرِضَتْ ثُمَّ سَلَّمَتْ لَا تَجِبُ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَمْ يَصِحَّ قَالُوا هَذَا حَسَنٌ. وَفِي لَفْظِ الْكِتَابِ مَا يُشِيرُ إلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَكَذَا إذَا حَجَّتْ مَعَ مَحْرَمٍ) يَعْنِي بِدُونِ الزَّوْجِ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ (لِأَنَّ فَوْتَ الِاحْتِبَاسِ مِنْهَا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ لِأَنَّ إقَامَةَ الْفَرْضِ عُذْرٌ) وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (لِمَا قُلْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُسْتَحَقَّةُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ مَرِضَتْ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ) عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ ظَاهِرٌ، وَهُوَ الْمَوْعُودُ بِقَوْلِهِ قَبْلَ هَذَا بِخِلَافِ الْمَرِيضَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ. وَقَوْلُهُ (وَفِي لَفْظِ الْكِتَابِ) يَعْنِي الْقُدُورِيَّ (مَا يُشِيرُ إلَيْهِ) وَهُوَ قَوْلُهُ فَإِنْ مَرِضَتْ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ فَإِنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّهَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا إلَى مَنْزِلِ الزَّوْجِ فَمَرِضَتْ فِيهِ.

(قَالَ: وَيُفْرَضُ عَلَى الزَّوْجِ النَّفَقَةُ إذَا كَانَ مُوسِرًا وَنَفَقَةُ خَادِمِهَا) الْمُرَادُ بِهَذَا بَيَانُ نَفَقَةِ الْخَادِمِ، وَلِهَذَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَتُفْرَضُ عَلَى الزَّوْجِ إذَا كَانَ مُوسِرًا نَفَقَةُ خَادِمِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ وَيُفْرَضُ عَلَى الزَّوْجِ النَّفَقَةُ) لَمَّا كَانَ قَوْلُهُ وَيُفْرَضُ عَلَى الزَّوْجِ النَّفَقَةُ إذَا كَانَ مُوسِرًا مُكَرَّرًا اعْتَذَرَ بِقَوْلِهِ وَالْمُرَادُ بِهَذَا بَيَانُ نَفَقَةِ الْخَادِمِ وَذِكْرُ وَجْهِ وُجُوبِهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْخَادِمِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ عَلَى الزَّوْجِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْمَمْلُوكُ لَهَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ لَمْ تَكُنْ مَمْلُوكَةً لَهَا لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا نَفَقَةَ الْخَادِمِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الْخَادِمِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا خَادِمٌ لَا يَسْتَوْجِبُهُ كَالْقَاضِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ خَادِمٌ لَا يَسْتَحِقُّ كِفَايَةَ الْخَادِمِ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كُلُّ مَنْ يَخْدُمُهَا حُرَّةً كَانَتْ أَوْ مَمْلُوكَةً لَهَا أَوْ لِغَيْرِهَا تَسْتَحِقُّ

وَوَجْهُهُ أَنَّ كِفَايَتَهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا مِنْ تَمَامِهَا إذْ لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ (وَلَا يُفْرَضُ لِأَكْثَرَ مِنْ نَفَقَةِ خَادِمٍ وَاحِدٍ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلَا يُفْرَضُ لِأَكْثَرَ مِنْ خَادِمٍ وَاحِدٍ) ظَاهِرٌ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تُفْرَضُ لِخَادِمَيْنِ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى أَحَدِهِمَا لِمَصَالِحِ الدَّاخِلِ وَإِلَى الْآخَرِ لِمَصَالِحِ الْخَارِجِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْوَاحِدَ يَقُومُ بِالْأَمْرَيْنِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى اثْنَيْنِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ تَوَلَّى كِفَايَتَهَا بِنَفْسِهِ كَانَ كَافِيًا، فَكَذَا إذَا أَقَامَ الْوَاحِدُ مَقَامَ نَفْسِهِ، وَقَالُوا: إنَّ الزَّوْجَ الْمُوسِرَ يَلْزَمُهُ مِنْ نَفَقَةِ الْخَادِمِ مَا يَلْزَمُ الْمُعْسِرُ مِنْ نَفَقَةِ امْرَأَتِهِ وَهُوَ أَدْنَى الْكِفَايَةِ. وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ إذَا كَانَ مُوسِرًا إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْخَادِمِ عِنْدَ إعْسَارِهِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُعْسِرِ أَدْنَى الْكِفَايَةِ وَهِيَ قَدْ تَكْتَفِي بِخِدْمَةِ نَفْسِهَا. (وَمَنْ أَعْسَرَ بِنَفَقَةِ امْرَأَتِهِ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا وَيُقَالُ لَهَا اسْتَدِينِي عَلَيْهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُفَرَّقُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَقَالُوا) يَعْنِي الْمَشَايِخَ (إنَّ الزَّوْجَ الْمُوسِرَ يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ الْخَادِمِ) وَالْيَسَارُ هَاهُنَا مُقَدَّرٌ بِنِصَابِ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ لَا بِنِصَابِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ. وَقَوْلُهُ (وَهُوَ أَدْنَى الْكِفَايَةِ) يَعْنِي تَنْقُصُ نَفَقَةُ الْخَادِمِ عَنْ نَفَقَتِهَا لَكِنْ فِي حَقِّ الْإِدَامِ دُونَ الْخُبْزِ، وَأَعْلَى الْإِدَامِ اللَّحْمُ وَأَوْسَطُهُ الزَّيْتُ وَأَدْنَاهُ الْمِلْحُ أَوْ اللَّبَنُ. وَقَوْلُهُ (خِلَافًا لِمَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ) يَعْنِي مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ إنَّ الزَّوْجَ إذَا كَانَ مُعْسِرًا وَكَانَ لَهَا خَادِمٌ يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهَا خَادِمٌ فَهَذِهِ الْمَرْأَةُ لَمْ تَكْتَفِ بِخِدْمَةِ نَفْسِهَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ كَمَا لَوْ كَانَ مُوسِرًا. وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُعْسِرِ أَدْنَى الْكِفَايَةِ دَلِيلُ الْأَصَحِّ. (وَمَنْ أَعْسَرَ بِنَفَقَةِ امْرَأَةٍ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا وَيُقَالُ لَهَا اسْتَدِينِي عَلَيْهِ) أَيْ اشْتَرِي الطَّعَامَ نَسِيئَةً عَلَى أَنْ تَقْضِيَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُفَرَّقُ،

لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ فَيَنُوبُ الْقَاضِي مَنَابَهُ فِي التَّفْرِيقِ كَمَا فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ، بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى النَّفَقَةِ أَقْوَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ) فَيَلْزَمُهُ التَّسْرِيحُ بِإِحْسَانٍ، فَإِنْ أَبَى نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ كَمَا فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ،

وَلَنَا أَنَّ حَقَّهُ يَبْطُلُ وَحَقَّهَا يَتَأَخَّرُ، وَالْأَوَّلُ أَقْوَى فِي الضَّرَرِ، وَهَذَا لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَصِيرُ دَيْنًا بِفَرْضِ الْقَاضِي فَتَسْتَوْفِي الزَّمَانَ الثَّانِي، وَفَوْتُ الْمَالِ وَهُوَ تَابِعٌ فِي النِّكَاحِ لَا يَلْحَقُ بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ التَّنَاسُلُ. وَفَائِدَةُ الْأَمْرِ بِالِاسْتِدَانَةِ مَعَ الْفَرْضِ أَنْ يُمَكِّنَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQبَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى النَّفَقَةِ أَقْوَى مِنْ الْجِمَاعِ لِأَنَّ انْقِطَاعَ الْأَوَّلِ مُدَّةً مُهْلِكٌ دُونَ الثَّانِي، وَهَذَا التَّفْرِيقُ عِنْدَهُ فَسْخٌ لَا طَلَاقٌ (وَلَنَا أَنَّ حَقَّهُ) بِالتَّفْرِيقِ (يَبْطُلُ) إذْ لَا يَصِلُ إلَيْهِ إلَّا بِسَبَبٍ جَدِيدٍ، وَحَقُّهَا يَتَأَخَّرُ لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَصِيرُ دَيْنًا بِفَرْضِ الْقَاضِي فَيَسْتَوْفِي فِي الزَّمَانِ الثَّانِي (وَالْأَوَّلُ أَقْوَى فِي الضَّرَرِ) فَيَتَحَمَّلُ أَدْنَى الضَّرَرَيْنِ لِدَفْعِ الْأَعْلَى. وَقَوْلُهُ (وَفَوْتُ الْمَالِ وَهُوَ تَابِعٌ) جَوَابٌ عَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ هَذَا قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ وَهُوَ بَاطِلٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ النَّفَقَةِ إنَّمَا يَكُونُ عَنْ الْمَالِ وَهُوَ تَابِعٌ فِي بَابِ النِّكَاحِ، وَالْعَجْزُ عَنْ الْوُصُولِ إلَى الْمَرْأَةِ بِسَبَبِ الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ إنَّمَا يَكُونُ عَنْ الْمَقْصُودِ بِالنِّكَاحِ وَهُوَ التَّوَالُدُ وَالتَّنَاسُلُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الْفُرْقَةِ بِالْعَجْزِ عَنْ الْمَقْصُودِ جَوَازُهَا بِهِ عَنْ التَّابِعِ. فَإِنْ قِيلَ: لَا فَائِدَةَ فِي الْإِذْنِ لَهَا بِالِاسْتِدَانَةِ بَعْدَ فَرْضِ الْقَاضِي النَّفَقَةَ لَهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ دَيْنًا بِفَرْضِهِ. أَجَابَ بِأَنَّ (فَائِدَةَ الْأَمْرِ بِالِاسْتِدَانَةِ مَعَ الْفَرْضِ أَنْ يُمْكِنَهَا

إحَالَةَ الْغَرِيمِ عَلَى الزَّوْجِ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ الِاسْتِدَانَةُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي كَانَتْ الْمُطَالَبَةُ عَلَيْهَا دُونَ الزَّوْجِ. (وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي لَهَا بِنَفَقَةِ الْإِعْسَارِ ثُمَّ أَيْسَرَ فَخَاصَمَتْهُ تَمَّمَ لَهَا نَفَقَةَ الْمُوسِرِ) لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، وَمَا قَضَى بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإحَالَةُ الْغَرِيمِ عَلَى الزَّوْجِ مِنْ غَيْرِ رِضَا الزَّوْجِ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ الِاسْتِدَانَةُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي كَانَتْ الْمُطَالَبَةُ عَلَيْهَا دُونَ الزَّوْجِ) وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَجْزَ عَنْ النَّفَقَةِ إنَّمَا يَظْهَرُ عِنْدَ حُضُورِ الزَّوْجِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ غَائِبًا غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً وَلَمْ يَخْلُفْ نَفَقَتَهَا فَرَفَعَتْ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ الشَّافِعِيِّ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا. قَالَ مَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ: جَازَ تَفْرِيقُهُ لِأَنَّهُ قَضَى فِي فَصْلَيْنِ مُجْتَهَدٍ فِيهِمَا فِي التَّفْرِيقِ بِالْعَجْزِ عَنْ النَّفَقَةِ وَفِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ. وَقَالَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ لِأَنَّ الْعَجْزَ لَا يُعْرَفُ حَالَ الْغَيْبَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا فَيَكُونُ هَذَا تَرْكَ الْإِنْفَاقِ لَا الْعَجْزَ عَنْهُ، فَإِنْ رَفَعَ هَذَا الْقَضَاءَ إلَى قَاضٍ فَأَمْضَاهُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ لِأَنَّ هَذَا الْقَضَاءَ لَيْسَ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ إذْ الْعَجْزُ لَمْ يَثْبُتْ. وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي لَهَا بِنَفَقَةِ الْإِعْسَارِ ثُمَّ أَيْسَرَ فَخَاصَمَتْهُ تَمَّمَ لَهَا نَفَقَةَ الْمُوسِرِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ. وَقَوْلُهُ (وَمَا قَضَى بِهِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُتَمِّمَ لَهَا نَفَقَةَ الْيَسَارِ لِأَنَّ فِيهِ نَقْضَ الْقَضَاءِ الْأَوَّلِ.

تَقْدِيرٌ لِنَفَقَةٍ لَمْ تَجِبْ، فَإِذَا تَبَدَّلَ حَالُهُ فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِتَمَامِ حَقِّهَا. (وَإِذَا مَضَتْ مُدَّةٌ لَمْ يُنْفِقْ الزَّوْجُ عَلَيْهَا وَطَالَبَتْهُ بِذَلِكَ فَلَا شَيْءَ لَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي فَرَضَ لَهَا النَّفَقَةَ لَوْ صَالَحَتْ الزَّوْجَ عَلَى مِقْدَارٍ فِيهَا فَيَقْضِي لَهَا بِنَفَقَةِ مَا مَضَى) لِأَنَّ النَّفَقَةَ صِلَةٌ وَلَيْسَتْ بِعِوَضٍ عِنْدَنَا عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ فَلَا يُسْتَحْكَمُ الْوُجُوبُ فِيهَا إلَّا بِالْقَضَاءِ كَالْهِبَةِ لَا تُوجِبُ الْمِلْكَ إلَّا بِمُؤَكَّدٍ وَهُوَ الْقَبْضُ وَالصُّلْحُ بِمَنْزِلَةِ الْقَضَاءِ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَقْوَى مِنْ وِلَايَةِ الْقَاضِي، بِخِلَافِ الْمَهْرِ لِأَنَّهُ عِوَضٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَقْرِيرُهُ مَا قَضَى بِهِ تَقْدِيرًا لِنَفَقَةٍ لَمْ تَجِبْ لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا. وَتَقْدِيرُ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ لَا يَكُونُ لَازِمًا لِجَوَازِ تَبَدُّلِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ قَبْلَ وُجُوبِهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَازِمًا لَمْ تَسْتَحْكِمْ فِيهِ حُكْمَ الْحَاكِمِ، فَإِذَا تَبَدَّلَ حَالُهُ جَازَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِتَمَامِ حَقِّهَا فَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ فَرْضِ نَفَقَةِ الْإِعْسَارِ عَلَى الْمُوسِرِ، لِأَنَّ مَا لَا يَكُونُ لَازِمًا فَلِدَوَامِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ عَلَى مَا عُرِفَ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّغْيِيرِ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ عَكْسِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا مَضَتْ مُدَّةٌ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ) يُرِيدُ قَوْلَهُ لِأَنَّ الْمَهْرَ عِوَضٌ عَنْ الْمِلْكِ، وَلَا يَجْتَمِعُ الْعِوَضَانِ عَنْ مُعَوَّضٍ وَاحِدٍ. فَإِنْ قِيلَ: مَا تَقَدَّمَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِعِوَضٍ عَنْ الْبُضْعِ لَكِنْ لَا يُنَافِي أَنْ تَكُونَ عِوَضًا عَنْ الِاسْتِمْتَاعِ وَالْقِيَامِ عَلَيْهَا. قُلْت: يُنَافِيهِ لِأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ الْعَقْدُ كَانَ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا وَالْقِيَامُ عَلَيْهَا تَصَرُّفًا فِي مِلْكِهِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ عَلَى الْمَالِكِ عِوَضًا فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَتْ صِلَةً لَمَا وَجَبَتْ عَلَى الْمُكَاتَبِ. أُجِيبَ بِأَنَّهَا صِلَةٌ مِنْ وَجْهٍ، وَمَا هَذَا شَأْنُهُ يَجِبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ كَالْخَرَاجِ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا صِلَةٌ لَا يَسْتَحْكِمُ الْوُجُوبُ فِيهَا إلَّا بِالْقَضَاءِ كَالْهِبَةِ لَا تُوجِبُ الْمِلْكَ إلَّا بِمُؤَكِّدٍ وَهُوَ الْقَبْضُ

(وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ بَعْدَمَا قَضَى عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ وَمَضَى شُهُورٌ سَقَطَتْ النَّفَقَةُ) وَكَذَا إذَا مَاتَتْ الزَّوْجَةُ لِأَنَّ النَّفَقَةَ صِلَةٌ وَالصِّلَاتُ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ كَالْهِبَةِ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الْقَبْضِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَصِيرُ دَيْنًا قَبْلَ الْقَضَاءِ وَلَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ لِأَنَّهُ عِوَضٌ عِنْدَهُ فَصَارَ كَسَائِرِ الدُّيُونِ، وَجَوَابُهُ قَدْ بَيَّنَّاهُ. (وَإِنْ أَسْلَفَهَا نَفَقَةَ السَّنَةِ) أَيْ عَجَّلَهَا (ثُمَّ مَاتَ) (لَمْ يُسْتَرْجَعْ مِنْهَا شَيْءٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُحْتَسَبُ لَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالصُّلْحُ فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الْقَضَاءِ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَقْوَى مِنْ وِلَايَةِ الْقَاضِي. وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَهْرِ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ وَلَيْسَتْ بِعِوَضٍ. (وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ بَعْدَمَا قُضِيَ عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ) وَمَا كَانَ أَمَرَهَا بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ (وَمَضَتْ شُهُورٌ سَقَطَتْ النَّفَقَةُ وَكَذَلِكَ إذَا مَاتَتْ الزَّوْجَةُ لِأَنَّ النَّفَقَةَ صِلَةٌ وَالصِّلَاتُ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ كَالْهِبَةِ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الْقَبْضِ) وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِقَوْلِهِ وَمَا كَانَ أَمَرَهَا بِالِاسْتِدَانَةِ لِأَنَّهُ إذَا أَمَرَهَا بِذَلِكَ لَمْ تَسْقُطْ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَمَّا أَمَرَهَا بِذَلِكَ كَانَ اسْتِدَانَتُهَا اسْتِدَانَةَ الزَّوْجِ لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ اسْتَدَانَ بِنَفْسِهِ لَمْ تَبْطُلْ بِالْمَوْتِ، فَكَذَا إذَا اسْتَدَانَتْ بِحُكْمِ الْقَاضِي. فَإِنْ قِيلَ: الْقِيَاسُ عَلَى الْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهَا قَبْلَ الْقَبْضِ غَيْرُ مُؤَكَّدَةٍ وَالنَّفَقَةُ بَعْدَ الْقَضَاءِ مُؤَكَّدَةٌ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ سُقُوطِ مَا لَيْسَ بِمُؤَكَّدٍ جَوَازُ سُقُوطِ الْمُؤَكَّدِ. أُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى الصِّلَةِ فِيهَا بَعْدَ الْقَضَاءِ بَاقٍ كَمَا كَانَ قَبْلَهُ لِأَنَّ الْمَعْنَى مِنْ الصِّلَةِ أَنْ يَجِبَ الْمَالُ بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ وَهَذِهِ كَذَلِكَ فَقُلْنَا بِسُقُوطِهَا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْمَوْتِ. قَالَ فِي الْإِيضَاحِ: إنَّهَا وَإِنْ صَارَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ لَكِنْ مَعْنَى الصِّلَةِ لَمْ يَبْطُلْ عَنْهُ وَالصِّلَاتُ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الْقَبْضِ. قَوْلُهُ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ (وَجَوَابُهُ قَدْ بَيَّنَّاهُ) إشَارَةٌ إلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ. وَلَنَا أَنَّ الْمَهْرَ عِوَضٌ عَنْ الْمِلْكِ وَلَا يَجْتَمِعُ الْعِوَضَانِ عَنْ مُعَوَّضٍ وَاحِدٍ فَلَا تَكُونُ النَّفَقَةُ عِوَضًا عَنْ الْبُضْعِ. قَالَ (وَإِنْ أَسْلَفَهَا نَفَقَةَ السَّنَةِ) يَعْنِي إذَا عَجَّلَ لَهَا نَفَقَةَ السَّنَةِ ثُمَّ مَاتَ أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا وَلَا عَلَى تَرِكَتِهَا بِشَيْءٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ

نَفَقَةُ مَا مَضَى وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِلزَّوْجِ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْكِسْوَةُ لِأَنَّهَا اسْتَعْجَلَتْ عِوَضًا عَمَّا تَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهِ بِالِاحْتِبَاسِ، وَقَدْ بَطَلَ الِاسْتِحْقَاقُ بِالْمَوْتِ فَيَبْطُلُ الْعِوَضُ بِقَدْرِهِ كَرِزْقِ الْقَاضِي وَعَطَاءِ الْمُقَاتَلَةِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ صِلَةٌ وَقَدْ اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ وَلَا رُجُوعَ فِي الصِّلَاتِ بَعْدَ الْمَوْتِ لِانْتِهَاءِ حُكْمِهَا كَمَا فِي الْهِبَةِ، وَلِهَذَا لَوْ هَلَكَتْ مِنْ غَيْرِ اسْتِهْلَاكٍ لَا يُسْتَرَدُّ شَيْءٌ مِنْهَا بِالْإِجْمَاعِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا إذَا قَبَضَتْ نَفَقَةَ الشَّهْرِ أَوْ مَا دُونَهُ لَا يُسْتَرْجَعُ مِنْهَا شَيْءٌ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ فَصَارَ فِي حُكْمِ الْحَالِ. (وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ حُرَّةً فَنَفَقَتهَا دِين عَلَيْهِ يُبَاع فِيهَا) وَمَعْنَاهُ إذَا تَزَوَّجَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ وَقَدْ ظَهَرَ وُجُوبُهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ كَدَيْنِ التِّجَارَةِ فِي الْعَبْدِ التَّاجِرِ، وَلَهُ أَنْ يَفْدِيَ لِأَنَّ حَقَّهَا فِي النَّفَقَةِ لَا فِي عَيْنِ الرَّقَبَةِ، فَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ سَقَطَتْ، وَكَذَا إذَا قُتِلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُحْتَسَبُ لَهَا بِنَفَقَةِ مَا مَضَى وَمَا بَقِيَ لِلزَّوْجِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَقِيمَتُهُ إنْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَوَجْهُ كُلٍّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ يَسِيرٌ فَصَارَ فِي حُكْمِ الْحَالِ) يَعْنِي إذَا أَخَذَتْ النَّفَقَةَ الْوَاجِبَةَ فِي الْحَالِ لَا تُسْتَرَدُّ بِالْمَوْتِ، فَكَذَا لَا تُسْتَرَدُّ إذَا عَجَّلَ لَهَا نَفَقَةَ الشَّهْرِ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ حُرَّةً) ظَاهِرٌ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: فَإِنْ بِيعَ ثُمَّ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ مَرَّةً أُخْرَى بِيعَ ثَانِيًا وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ دُيُونِ الْعَبْدِ مَا يُبَاعُ فِيهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إلَّا النَّفَقَةَ، وَهَذَا لِأَنَّ النَّفَقَةَ يَتَجَدَّدُ وُجُودُهَا بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَذَاكَ فِي حُكْمِ دَيْنٍ حَادِثٍ وَلَا كَذَلِكَ سَائِرُ الدُّيُونِ، فَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ سَقَطَتْ النَّفَقَةُ وَلَا يُؤَاخَذُ الْمَوْلَى بِشَيْءٍ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الِاسْتِيفَاءِ،

فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ صِلَةٌ. (وَإِنْ تَزَوَّجَ الْحُرُّ أَمَةً فَبَوَّأَهَا مَوْلَاهَا مَعَهُ مَنْزِلًا فَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ) لِأَنَّهُ تَحَقَّقَ الِاحْتِبَاسُ (وَإِنْ لَمْ يُبَوِّئْهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا) لِعَدَمِ الِاحْتِبَاسِ، وَالتَّبْوِئَةُ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ فِي مَنْزِلِهِ وَلَا يَسْتَخْدِمَهَا، وَلَوْ اسْتَخْدَمَهَا بَعْدَ التَّبْوِئَةِ سَقَطَتْ النَّفَقَةُ لِأَنَّهُ فَاتَ الِاحْتِبَاسُ، وَالتَّبْوِئَةُ غَيْرُ لَازِمَةٍ عَلَى مَا مَرَّ فِي النِّكَاحِ، وَلَوْ خَدَمَتْهُ الْجَارِيَةُ أَحْيَانًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا لَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَخْدِمْهَا لِيَكُونَ اسْتِرْدَادًا، وَالْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ فِي هَذَا كَالْأَمَةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَذَا إذَا قُتِلَ. وَقَوْلُهُ (فِي الصَّحِيحِ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْكَرْخِيِّ إنَّهَا تَكُونُ فِي قِيمَتِهِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْقُدُورِيُّ: الصَّحِيحُ أَنْ تَسْقُطَ لِأَنَّهَا صِلَةٌ وَالصِّلَاتُ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالْقِيمَةُ إنَّمَا تَقُومُ مَقَامَ الرَّقَبَةِ فِي دَيْنٍ لَمْ يَسْقُطْ بِالْمَوْتِ لَا فِي دَيْنٍ يَسْقُطُ بِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُدَبَّرَ وَالْمُكَاتَبَ إذَا تَزَوَّجَا بِإِذْنِ الْمَوْلَى، وَالنَّفَقَةُ فِيهِمَا تَتَعَلَّقُ بِالْكَسْبِ. (وَإِنْ تَزَوَّجَ الْحُرُّ أَمَةً فَبَوَّأَهَا) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (فَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِعَدَمِ الِاحْتِبَاسِ) قِيلَ عَلَيْهِ الِاحْتِبَاسُ مِنْ الْمَوْلَى لِحَقٍّ لَهُ شَرْعًا فَكَانَ كَاحْتِبَاسِ الْحُرَّةِ لِأَجْلِ صَدَاقِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَسْقُطَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحُرَّةَ إذَا حَبَسَتْ نَفْسَهَا لِصَدَاقِهَا فَالتَّفْوِيتُ إنَّمَا جَاءَ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ حِينَ امْتَنَعَ مِنْ إيفَاءِ مَا لَزِمَهُ، وَأَمَّا هَاهُنَا فَالتَّفْوِيتُ لَيْسَ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ. وَقَوْلُهُ وَالتَّبْوِئَةُ غَيْرُ لَازِمَةٍ جَوَابُ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ لَمَّا بَوَّأَهَا مَرَّةً يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَمْضِيَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَنْقُضَهَا بِالِاسْتِخْدَامِ. وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ لِلتَّبْوِئَةِ غَيْرُ لَازِمَةٍ (عَلَى مَا مَرَّ فِي النِّكَاحِ) أَيْ فِي بَابِ نِكَاحِ الرَّقِيقِ حَيْثُ قَالَ: إذَا بَوَّأَهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى لَمْ يَزُلْ بِالتَّبْوِئَةِ كَمَا لَمْ يَزُلْ بِالنِّكَاحِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ خَدَمَتْهُ الْجَارِيَةُ أَحْيَانًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا) ظَاهِرٌ (وَأُمُّ الْوَلَدِ فِي هَذَا) أَيْ فِي عَدَمِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ (وَالْمُدَبَّرَةُ كَالْأَمَةِ) وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُكَاتَبَةَ

[فصل على الزوج أن يسكنها في دار مفردة ليس فيها أحد من أهله]

(وَعَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُسْكِنَهَا فِي دَارٍ مُفْرَدَةٍ لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ إلَّا أَنْ تَخْتَارَ ذَلِكَ) لِأَنَّ السُّكْنَى مِنْ كِفَايَتِهَا فَتَجِبُ لَهَا كَالنَّفَقَةِ، وَقَدْ أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَقْرُونًا بِالنَّفَقَةِ، وَإِذَا وَجَبَ حَقًّا لَهَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُشْرِكَ غَيْرَهَا فِيهِ لِأَنَّهَا تَتَضَرَّرُ بِهِ، فَإِنَّهَا لَا تَأْمَنُ عَلَى مَتَاعِهَا، وَيَمْنَعُهَا ذَلِكَ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ مَعَ زَوْجِهَا وَمِنْ الِاسْتِمْتَاعِ، إلَّا أَنْ تَخْتَارَ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِانْتِقَاصِ حَقِّهَا (وَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ غَيْرِهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسْكِنَهُ مَعَهَا) لِمَا بَيَّنَّا وَلَوْ أَسْكَنَهَا فِي بَيْتٍ مِنْ الدَّارِ مُفْرَدٍ وَلَهُ غَلْقٌ كَفَاهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَدْ حَصَلَ. (وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ وَالِدَيْهَا وَوَلَدَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَأَهْلَهَا مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهَا إذَا تَزَوَّجَتْ بِإِذْنِ الْمَوْلَى، فَهِيَ كَالْحُرَّةِ فَلَا تَحْتَاجُ إلَى التَّبْوِئَةِ لِاسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا عَلَى حُكْمِ مِلْكِهَا لِصَيْرُورَتِهَا أَخَصَّ بِنَفْسِهَا وَبِمَنَافِعِهَا بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ، وَلِهَذَا لَمْ يَبْقَ لِلْمَوْلَى وِلَايَةُ الِاسْتِخْدَامِ فَكَانَتْ كَالْحُرَّةِ [فَصْلٌ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُسْكِنَهَا فِي دَارٍ مُفْرَدَةٍ لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ] (فَصْلٌ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ النَّفَقَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ السُّكْنَى. قَالَ (وَعَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُسْكِنَهَا فِي دَارٍ مُفْرَدَةٍ لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ إلَّا أَنْ تَخْتَارَ ذَلِكَ لِأَنَّ السُّكْنَى مِنْ كِفَايَتِهَا فَتَجِبُ لَهَا كَالنَّفَقَةِ، وَقَدْ أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَقْرُونًا بِالنَّفَقَةِ) حَيْثُ قَالَ {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ " أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ وَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ مِنْ وُجْدِكُمْ " (وَإِذَا وَجَبَ السُّكْنَى حَقًّا لَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُشْرِكَ غَيْرَهَا فِيهَا لِأَنَّهَا تَتَضَرَّرُ بِهِ فَإِنَّهَا لَا تَأْمَنُ عَلَى مَتَاعِهَا وَيَمْنَعُهَا ذَلِكَ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ وَمِنْ الِاسْتِمْتَاعِ) وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. .

لِأَنَّ الْمَنْزِلَ مِلْكُهُ فَلَهُ حَقُّ الْمَنْعِ مِنْ دُخُولِ مِلْكِهِ (وَلَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ النَّظَرِ إلَيْهَا وَكَلَامِهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ اخْتَارُوا) لِمَا فِيهِ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، وَلَيْسَ لَهُ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ، وَقِيلَ: لَا يَمْنَعُهَا مِنْ الدُّخُولِ وَالْكَلَامِ وَإِنَّمَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ الْقَرَارِ وَالدَّوَامِ لِأَنَّ الْفِتْنَةَ فِي اللَّبَاثِ وَتَطْوِيلِ الْكَلَامِ، وَقِيلَ: لَا يَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْوَالِدَيْنِ وَلَا يَمْنَعُهُمَا مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ، وَفِي غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَحَارِمِ التَّقْدِيرُ بِسَنَةٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَهُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ الرَّازِيِّ فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَا يَمْنَعُ الْمَحَارِمَ مِنْ الزِّيَارَةِ فِي كُلِّ شَهْرٍ.

(وَإِذَا غَابَ الرَّجُلُ وَلَهُ مَالٌ فِي يَدِ رَجُلٍ يَعْتَرِفُ بِهِ وَبِالزَّوْجِيَّةِ فَرَضَ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ) لِأَنَّهُ لَمَا أَقَرَّ بِالزَّوْجِيَّةِ الْوَدِيعَةِ فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لَهَا؛ لِأَنَّ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ حَقَّهَا مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ، وَإِقْرَارُ صَاحِبِ الْيَدِ مَقْبُولٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا سِيَّمَا هَاهُنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِذَا غَابَ الرَّجُلُ وَلَهُ فِي يَدِ رَجُلٍ مَالٌ يَعْتَرِفُ بِهِ وَبِالزَّوْجِيَّةِ وَطَلَبَتْ الزَّوْجَةُ النَّفَقَةَ فَرَضَ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ الْمَالِ نَفَقَةَ زَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ الصِّغَارِ وَوَالِدَيْهِ) وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ الرَّجُلُ وَلَكِنْ عَلِمَ الْقَاضِي ذَلِكَ فَكَذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ

فَإِنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ فِيهِ لِأَنَّ الْمُودَعَ لَيْسَ بِخَصْمٍ فِي إثْبَاتِ الزَّوْجِيَّةِ عَلَيْهِ وَلَا الْمَرْأَةُ خَصْمٌ فِي إثْبَاتِ حُقُوقِ الْغَائِبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالزَّوْجِيَّةِ الْوَدِيعَةِ فَقَدْ أَقَرَّ بِأَنَّ لَهَا حَقَّ الْأَخْذِ لِأَنَّ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ حَقَّهَا مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ لِحَدِيثِ هِنْدٍ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ، وَإِقْرَارُ صَاحِبِ الْيَدِ مَقْبُولٌ فِي نَفْسِهِ لَا سِيَّمَا هَاهُنَا، فَإِنَّ إقْرَارَهُ هَاهُنَا أَشَدُّ قَبُولًا مِنْ إقْرَارِ صَاحِبِ الْيَدِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ لِتَعَيُّنِ طَرِيقِ إثْبَاتِ الْحَقِّ فِي إقْرَارِهِ لِعَدَمِ إثْبَاتِهِ بِالْبَيِّنَةِ (فَإِنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الزَّوْجِيَّةِ أَوْ الْوَدِيعَةِ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ فِيهِ) أَيْ فِي أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ لِأَنَّ إقَامَتَهَا إنْ كَانَتْ لِإِثْبَاتِ الزَّوْجِيَّةِ فَالْمُودَعُ لَيْسَ بِخَصْمٍ فِيهِ، وَإِنْ كَانَتْ لِإِثْبَاتِ الْوَدِيعَةِ فَالْمَرْأَةُ لَيْسَتْ بِخَصْمٍ فِي إثْبَاتِ حُقُوقِ الْغَائِبِ، وَإِذَا ثَبَتَ عَلَيْهِ الْحَقُّ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ تَعَدَّى إلَى الْغَائِبِ لِكَوْنِ مَا أَقَرَّ بِهِ مِلْكَهُ، وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَا إذَا أَحْضَرَ صَاحِبُ الدَّيْنِ غَرِيمًا لِلْغَائِبِ أَوْ مُودَعًا لَهُ وَهُمَا مُعْتَرِفَانِ بِثُبُوتِ دَيْنِ الْمُدَّعِي عَلَى الْغَائِبِ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَأْمُرُ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ مِنْ الْوَدِيعَةِ وَالدَّيْنِ.

وَإِذَا ثَبَتَ فِي حَقِّهِ تَعَدَّى إلَى الْغَائِبِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَالُ فِي يَدِهِ مُضَارَبَةً، وَكَذَا الْجَوَابُ فِي الدَّيْنِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمَالُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهَا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً مِنْ جِنْسِ حَقِّهَا، أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ لَا تُفْرَضُ النَّفَقَةُ فِيهِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْبَيْعِ، وَلَا يُبَاعُ مَالُ الْغَائِبِ بِالِاتِّفَاقِ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ عَلَى الْحَاضِرِ وَكَذَا عَلَى الْغَائِبِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ يَقْضِي عَلَى الْحَاضِرِ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ امْتِنَاعَهُ لَا يَقْضِي عَلَى الْغَائِبِ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ امْتِنَاعُهُ. قَالَ (وَيَأْخُذُ مِنْهَا كَفِيلًا بِهَا) نَظَرًا لِلْغَائِبِ لِأَنَّهَا رُبَّمَا اسْتَوْفَتْ النَّفَقَةَ أَوْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمِيرَاثِ إذَا قُسِّمَ بَيْنَ وَرَثَةٍ حُضُورٍ بِالْبَيِّنَةِ وَلَمْ يَقُولُوا: لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا آخَرَ حَيْثُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْكَفِيلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ هُنَاكَ الْمَكْفُولَ لَهُ مَجْهُولٌ وَهَاهُنَا مَعْلُومٌ وَهُوَ الزَّوْجُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأُجِيبَ بِأَنَّ أَمْرَ الْقَاضِي فِي حَقِّ الْغَائِبِ إنَّمَا هُوَ لِلنَّظَرِ لَهُ وَفِي الْأَمْرِ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى الْمَرْأَةِ ذَلِكَ إبْقَاءً لِمِلْكِهِ وَلَيْسَ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ نَظَرٌ، لِأَنَّ فِيهِ قَضَاءً عَلَيْهِ بِقَوْلِ الْغَيْرِ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ، ثُمَّ إذَا جَازَ لِلْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَ الْمُودَعَ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا بِالْبَيِّنَةِ الْمُحْتَمِلَةِ لِلْكَذِبِ فَلَأَنْ يَجُوزَ بِعِلْمِهِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُهُ أَوْلَى، وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَالُ فِي يَدِهِ مُضَارَبَةً لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ مِنْ وَجْهٍ، وَكَذَا إذَا كَانَ دَيْنًا. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا) أَيْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ جَوَازِ فَرْضِ الْقَاضِي النَّفَقَةَ إذَا كَانَ الْمَالُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهَا فِي النَّفَقَةِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ طَعَامًا أَوْ كَانَ ثِيَابًا مِنْ جِنْسِ حَقِّهَا فِي الْكِسْوَةِ، أَمَّا إذَا كَانَ الْمَالُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ فَلَا يَفْرِضُ النَّفَقَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْبَيْعِ وَلَا يُبَاعُ مَالُ الْغَائِبِ هَاهُنَا بِالِاتِّفَاقِ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ عَلَى الْحَاضِرِ لِأَنَّ الْبَيْعَ عَلَيْهِ إنَّمَا يَكُونُ بِطَرِيقِ الْحَجْرِ، وَالْحَجْرُ عَلَى الْحُرِّ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ عِنْدَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَكَذَا عَلَى الْغَائِبِ، بَلْ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى. وَأَمَّا عِنْدَهُمَا إنْ كَانَ يَقْضِي عَلَى الْحَاضِرِ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ امْتِنَاعَهُ الْمَشْرُوطَ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ فَلَا يَقْضِي عَلَى الْغَائِبِ لِعَدَمِ ذَلِكَ. قَالَ (وَيَأْخُذُ مِنْهَا كَفِيلًا بِهَا نَظَرًا لِلْغَائِبِ) مَنْ عِنْدَهُ الْمَالُ إذَا اعْتَرَفَ بِهِ وَبِالزَّوْجِيَّةِ يَنْظُرُ الْقَاضِي فَيُحَلِّفُهَا أَنَّهَا مَا اسْتَوْفَتْ النَّفَقَةَ، فَإِذَا حَلَفَتْ دَفَعَ إلَيْهَا النَّفَقَةَ وَأَخَذَ مِنْهَا كَفِيلًا لِجَوَازِ أَنْ يَحْضُرَ الزَّوْجُ فَيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إيفَاءِ نَفَقَتِهَا، فَإِنْ اتَّفَقَ ذَلِكَ كَانَ الزَّوْجُ مُخَيَّرًا فِي أَخْذِ أَيِّهِمَا شَاءَ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَالْكَفِيلِ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ،

وَيُحَلِّفُهَا بِاَللَّهِ مَا أَعْطَاهَا النَّفَقَةَ نَظَرًا لِلْغَائِبِ. قَالَ (وَلَا يَقْضِي بِنَفَقَةٍ فِي مَالِ غَائِبٍ إلَّا لِهَؤُلَاءِ) وَوَجْهُ الْفَرْقِ هُوَ أَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ وَاجِبَةٌ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي وَلِهَذَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا قَبْلَ الْقَضَاءِ فَكَانَ قَضَاءُ الْقَاضِي إعَانَةً لَهُمْ، أَمَّا غَيْرُهُمْ مِنْ الْمَحَارِمِ فَنَفَقَتُهُمْ إنَّمَا تَجِبُ بِالْقَضَاءِ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ، وَالْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي بِذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِهِ فَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ أَوْ لَمْ يُخَلِّفْ مَالًا فَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ لِيَفْرِضَ الْقَاضِي نَفَقَتَهَا عَلَى الْغَائِبِ وَيَأْمُرَهَا بِالِاسْتِدَانَةِ لَا يَقْضِي الْقَاضِي بِذَلِكَ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ. وَقَالَ زُفَرُ: يَقْضِي فِيهِ لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لَهَا وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْغَائِبِ، فَإِنَّهُ لَوْ حَضَرَ وَصَدَّقَهَا فَقَدْ أَخَذَتْ حَقَّهَا، وَإِنْ جَحَدَ يَحْلِفْ، فَإِنْ نَكَلَ فَقَدْ صَدَقَ، وَإِنْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً فَقَدْ ثَبَتَ حَقُّهَا، وَإِنْ عَجَزَتْ يَضْمَنُ الْكَفِيلُ أَوْ الْمَرْأَةُ، وَعَمَلُ الْقُضَاةِ الْيَوْمَ عَلَى هَذَا أَنَّهُ يَقْضِي بِالنَّفَقَةِ عَلَى الْغَائِبِ لِحَاجَةِ النَّاسِ وَهُوَ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يُقْضَى بِنَفَقَةٍ فِي مَالِ غَائِبٍ إلَّا لِهَؤُلَاءِ) يَعْنِي زَوْجَةَ الْغَائِبِ وَوَلَدَهُ الصِّغَارَ وَوَالِدَيْهِ، أَمَّا غَيْرُهُمْ مِنْ الْمَحَارِمِ كَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ فَلَا يُقْضَى بِنَفَقَتِهِمْ فِيهِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ) قِيلَ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يُوجِبُ النَّفَقَةَ لِغَيْرِ الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودَيْنِ، وَفِيهِ نَظَرٌ سَيَأْتِي. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي بِذَلِكَ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ وَكَذَا إذَا عَلِمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَ) لَوْ (لَمْ يَكُنْ) يَعْنِي الرَّجُلَ (مُقِرًّا بِهِ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ يَعْتَرِفُ بِهِ وَبِالزَّوْجِيَّةِ. وَقَوْلُهُ (فَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ) يَعْنِي فِي الصُّورَتَيْنِ إذَا كَانَ ثَمَّةَ وَدِيعَةٌ وَلَكِنْ يُنْكِرُ الزَّوْجِيَّةَ أَوْ أَقَامَتْهَا لِيَفْرِضَ الْقَاضِي نَفَقَةً فِيمَا إذَا لَمْ يَخْلُفْ مَالًا وَلَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي بِالزَّوْجِيَّةِ وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ.

[فصل وإذا طلق الرجل امرأته فلها النفقة]

وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَقَاوِيلُ مَرْجُوعٌ عَنْهَا فَلَمْ يَذْكُرْهَا. (وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَلَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى فِي عِدَّتِهَا رَجْعِيًّا كَانَ أَوْ بَائِنًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَقَاوِيلُ مَرْجُوعٌ عَنْهَا فَلَمْ يَذْكُرْهَا) مِنْ تِلْكَ الْأَقَاوِيلِ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ قَوْلِهِمْ إذَا جَحَدَ الْمَدْيُونُ أَوْ الْمُودَعُ الزَّوْجِيَّةَ بَيْنَهُمَا وَالْمَالُ فِي يَدِهِ، فَقَدْ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ أَوَّلًا: تُقْبَلُ بَيِّنَتُهَا عَلَى الزَّوْجِيَّةِ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهَا. وَمِنْهَا مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ الْغَائِبِ مَالٌ حَاضِرٌ فَطَلَبَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَسْمَعَ بَيِّنَتَهَا عَلَى النِّكَاحِ لِيَفْرِضَ النَّفَقَةَ عَلَى الْغَائِبِ وَيَأْمُرَهَا بِالِاسْتِدَانَةِ لَمْ يَجِبْ إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْآخَرُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ يُجِيبُهَا إلَى ذَلِكَ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ، وَإِنْ كَانَ لِلْغَائِبِ دَيْنٌ أَوْ وَدِيعَةٌ وَكُلٌّ مِنْ الْمَدْيُونِ وَالْمُودَعِ مُقِرٌّ بِالدَّيْنِ الْوَدِيعَةِ وَالنِّكَاحِ فَالْقَاضِي يَأْمُرُ أَوَّلًا بِالْإِنْفَاقِ مِنْ الْوَدِيعَةِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نُصِّبَ نَاظِرًا وَنَظَرُ الْغَائِبِ فِي الْبُدَاءَةِ الْوَدِيعَةِ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْهَلَاكَ بِخِلَافِ الدَّيْنِ. [فَصْلٌ وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَلَهَا النَّفَقَةُ] (فَصْلٌ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا شَرَعَ فِي بَيَانِهَا بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ (وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَلَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى فِي عِدَّتِهَا رَجْعِيًّا كَانَ أَوْ بَائِنًا.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا نَفَقَةَ لِلْمَبْتُوتَةِ إلَّا إذَا كَانَتْ حَامِلًا، أَمَّا الرَّجْعِيُّ فَلِأَنَّ النِّكَاحَ بَعْدَهُ قَائِمٌ لَا سِيَّمَا عِنْدَنَا فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ الْوَطْءُ، وَأَمَّا الْبَائِنُ فَوَجْهُ قَوْلِهِ مَا رُوِيَ «عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ: طَلَّقَنِي زَوْجِي ثَلَاثًا فَلَمْ يَفْرِضْ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُكْنَى وَلَا نَفَقَةً» وَلِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ وَهِيَ مُرَتَّبَةٌ عَلَى الْمِلْكِ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لِانْعِدَامِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ حَامِلًا لِأَنَّا عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6] الْآيَةَ. وَلَنَا أَنَّ النَّفَقَةَ جَزَاءُ احْتِبَاسٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَالِاحْتِبَاسُ قَائِمٌ فِي حَقِّ حُكْمٍ مَقْصُودٍ بِالنِّكَاحِ وَهُوَ الْوَلَدُ إذْ الْعِدَّةُ وَاجِبَةٌ لِصِيَانَةِ الْوَلَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا نَفَقَةَ لِلْمَبْتُوتَةِ) وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا الزَّوْجُ ثَلَاثًا أَوْ طَلَّقَهَا بِعِوَضٍ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً (إلَّا إذَا كَانَتْ حَامِلًا أَمَّا الرَّجْعِيُّ فَلِأَنَّ النِّكَاحَ بَعْدَهُ قَائِمٌ لَا سِيَّمَا عِنْدَنَا فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ الْوَطْءُ) كَمَا تَقَدَّمَ (وَأَمَّا الْبَائِنُ فَوَجْهُ قَوْلِهِ مَا رُوِيَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ إلَخْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّا عَرَفْنَاهُ) أَيْ وُجُوبَ نَفَقَةِ الْحَامِلِ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6] وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ فِي الْمُطَلَّقَاتِ آخِرُ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَالنَّفَقَةُ فِي غَيْرِ الْمُطَلَّقَاتِ غَيْرُ مُغَيَّاةٍ بِوَضْعِ الْحَمْلِ.

[نفقة المتوفى عنها زوجها]

فَتَجِبُ النَّفَقَةُ وَلِهَذَا كَانَ لَهَا السُّكْنَى بِالْإِجْمَاعِ وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَتْ حَامِلًا. وَحَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ رَدَّهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ قَالَ: لَا نَدَعُ كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا بِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي صَدَقَتْ أَمْ كَذَبَتْ حَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ، سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لِلْمُطَلَّقَةِ الثَّلَاثِ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ» وَرَدَّهُ أَيْضًا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَجَابِرٌ وَعَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. (وَلَا نَفَقَةَ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا) لِأَنَّ احْتِبَاسَهَا لَيْسَ لِحَقِّ الزَّوْجِ بَلْ لِحَقِّ الشَّرْعِ فَإِنَّ التَّرَبُّصَ عِبَادَةٌ مِنْهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَتْ حَامِلًا) اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْحَائِلَ لَوْ كَانَتْ كَالْحَامِلِ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لَمْ يَبْقَ لِتَخْصِيصِ الْحَامِلِ فِي النَّصِّ فَائِدَةٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْفَائِدَةَ رَفْعُ الِاشْتِبَاهِ، وَبَيَانُهُ أَنَّ الْحَائِلَ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ، وَكَانَ يَشْتَبِهَ بِأَنَّ الْحَامِلَ أَيْضًا تَسْتَحِقُّ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ أَوْ زِيَادَةً فَرَفَعَ ذَلِكَ وَقَالَ: لَهَا النَّفَقَةُ فِي جَمِيعِ مُدَّةِ الْحَمْلِ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ. وَقَوْلُهُ (وَلَا نَدَعُ كِتَابَ رَبِّنَا) يُرِيدُ بِهِ قَوْله تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْوُجْدَ هُوَ السَّعَةُ وَالْغِنَى وَذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى مَا يَمْلِكُ بِهِ، أَمَّا الْإِسْكَانُ فَإِنَّهُ قَدْ يَمْلِكُ إسْكَانَهَا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ حَيْثُ يَسْكُنُ هُوَ وَلَا يَمْلِكُ الْإِنْفَاقَ مِنْ غَيْرِ مِلْكِهِ، وَكَانَ تَقْدِيرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا تَلَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ: وَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ مِنْ وُجْدِكُمْ. وَقَوْلُهُ (سُنَّةَ نَبِيِّنَا) يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لِلْمُطَلَّقَةِ الثَّلَاثِ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ» وَقَوْلُهُ (وَرَدَّهُ أَيْضًا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ) هُوَ زَوْجُ فَاطِمَةَ الرَّاوِيَةِ، فَإِنَّ أُسَامَةَ كَانَ إذَا سَمِعَهَا تُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ رَمَاهَا بِكُلِّ شَيْءٍ فِي يَدِهِ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: تِلْكَ الْمَرْأَةُ فَتَنَتْ الْعَالِمَ: أَيْ بِرِوَايَتِهَا هَذَا الْحَدِيثَ. [نَفَقَة الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا] وَقَوْلُهُ (وَلَا نَفَقَةَ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا) ظَاهِرٌ.

أَلَا تَرَى أَنَّ مَعْنَى التَّعَرُّفِ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ لَيْسَ بِمُرَاعًى فِيهِ حَتَّى لَا يُشْتَرَطَ فِيهَا الْحَيْضُ فَلَا تَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَلَا مِلْكَ لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهَا فِي مِلْكِ الْوَرَثَةِ (وَكُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ بِمَعْصِيَةٍ مِثْلَ الرِّدَّةِ وَتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا) لِأَنَّهَا صَارَتْ حَابِسَةً نَفْسَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ فَصَارَتْ كَمَا إذَا كَانَتْ نَاشِزَةً، بِخِلَافِ الْمَهْرِ بَعْدَ الدُّخُولِ لِأَنَّهُ وُجِدَ التَّسْلِيمُ فِي حَقِّ الْمَهْرِ بِالْوَطْءِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا بِغَيْرِ مَعْصِيَةٍ كَخِيَارِ الْعِتْقِ وَخِيَارِ الْبُلُوغِ وَالتَّفْرِيقِ لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ لِأَنَّهَا حَبَسَتْ نَفْسَهَا بِحَقٍّ وَذَلِكَ لَا يُسْقِطُ النَّفَقَةَ كَمَا إذَا حَبَسَتْ نَفْسَهَا لِاسْتِيفَاءِ الْمَهْرِ. (وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا، وَإِنْ مَكَّنَتْ ابْنَ زَوْجِهَا) مِنْ نَفْسِهَا (فَلَهَا النَّفَقَةُ) مَعْنَاهُ: مَكَّنَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَكُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ بِمَعْصِيَةٍ مِثْلِ الرِّدَّةِ وَتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا) إنَّمَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلسُّكْنَى لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ بِأَيِّ فُرْقَةٍ كَانَتْ لِأَنَّ الْقَرَارَ فِي الْبَيْتِ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهَا فَلَا يَسْقُطُ بِمَعْصِيَتِهَا، فَأَمَّا النَّفَقَةُ فَوَاجِبَةٌ لَهَا فَتَسْقُطُ بِمَعْصِيَةٍ مِنْ قِبَلِهَا، وَأَمَّا الرِّدَّةُ فَقَدْ ذَكَرَهَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ وَقَالَ: إنَّمَا تَسْقُطُ نَفَقَةُ الْمُرْتَدَّةِ إذَا أُخْرِجَتْ لِلْحَبْسِ مِنْ بَيْتِ الْعِدَّةِ، وَأَمَّا إذَا اعْتَدَّتْ وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْ بَيْتِ الزَّوْجِ لِلْحَبْسِ فَلَهَا النَّفَقَةُ (وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا، وَإِنْ مَكَّنَتْ ابْنَ زَوْجِهَا مِنْ نَفْسِهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ) وَالْفَرْقُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ

لِأَنَّ الْفُرْقَةَ تَثْبُتُ بِالطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ وَلَا عَمَلَ فِيهَا لِلرِّدَّةِ وَالتَّمْكِينِ، إلَّا أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ تُحْبَسُ حَتَّى تَتُوبَ، وَلَا نَفَقَةَ لِلْمَحْبُوسَةِ، وَالْمُمَكَّنَةُ لَا تُحْبَسُ فَلِهَذَا يَقَعُ الْفَرْقُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ وَاضِحٌ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا كُلَّهُ فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَالطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ، وَأَمَّا الْمُعْتَدَّةُ بِالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ إذَا وَطِئَهَا ابْنُ الزَّوْجِ أَوْ قَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ وَهِيَ مُطَاوِعَةٌ أَوْ ارْتَدَّتْ فَحُبِسَتْ أَوْ لَمْ تُحْبَسْ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يَقَعُ بِهِ الْفُرْقَةُ وَكَانَ وُقُوعُ الْفُرْقَةِ لِسَبَبٍ وُجِدَ مِنْهَا وَهُوَ مَعْصِيَةٌ فَيُوجِبُ ذَلِكَ سُقُوطَ النَّفَقَةِ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ.

[فصل ونفقة الأولاد الصغار على الأب]

(وَنَفَقَةُ الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ عَلَى الْأَبِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ كَمَا لَا يُشَارِكُهُ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ وَنَفَقَةُ الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ عَلَى الْأَبِ] فَصْلٌ) (لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ شَرَعَ فِي بَيَانِ نَفَقَةِ الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ عَلَى الْأَبِ خَاصَّةً لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا غَيْرُهُ) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الْأَبِ وَالْأُمِّ أَثْلَاثًا بِحَسَبِ مِيرَاثِهِمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى

لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} [البقرة: 233] وَالْمَوْلُودُ لَهُ هُوَ الْأَبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] وَوَجْهُ الظَّاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233] قِيلَ فِي وَجْهِ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ رِزْقَ الْوَالِدَاتِ لَمَّا وَجَبَ عَلَى الْأَبِ بِسَبَبِ الْوَلَدِ وَجَبَ عَلَيْهِ رِزْقُ الْوَلَدِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ وُجُوبَ نَفَقَتِهِنَّ عَلَيْهِ كَانَ بِسَبَبِ الْوَلَدِ لِأَنَّ الْحُكْمَ تَرَتَّبَ عَلَى مُشْتَقٍّ، وَتَرَتُّبُهُ عَلَى الْمُشْتَقِّ دَلِيلٌ عَلَى عِلِّيَّةِ الْمُشْتَقِّ مِنْهُ لِذَلِكَ كَمَا فِي السَّارِقِ وَالزَّانِي، وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ عِلَّةَ نَفَقَتِهِنَّ عَلَى الزَّوْجِ هُوَ الِاحْتِبَاسُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ عِلَّةً لِئَلَّا يَتَوَارَدَ عِلَّتَانِ عَلَى مَعْلُولٍ وَاحِدٍ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعِلَّةَ هُوَ الْوِلَادُ لِكَوْنِهِ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ إذْ هُوَ السَّبَبُ لِلْجُزْئِيَّةِ الْحَاصِلَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَالْوَلَدِ، وَكَمَا تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى نَفْسِهِ تَجِبُ عَلَى جُزْئِهِ، وَالِاحْتِبَاسُ عِلَّةُ الْعِلَّةِ وَالْعَقْدُ الصَّحِيحُ سَبَبٌ يُفْضِي إلَيْهِ، فَيَجُوزُ إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَيْهِ قَبْلَ تَحَقُّقِ الْوِلَادِ، فَإِذَا تَحَقَّقَ يُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ اسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ عَلَى نَفْيِ مُشَارَكَةِ أَحَدٍ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ بِتَقْدِيمِ الظَّرْفِ. وَقَاسَ عَلَيْهِ نَفْيَ الْمُشَارَكَةِ فِي نَفَقَةِ الْوَلَدِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَقْبَلُ الِاشْتِرَاكَ، فَكَذَا النَّفَقَةُ الثَّابِتَةُ بِهِمَا؛ وَإِذَا انْتَفَى الِاشْتِرَاكُ فَإِمَّا أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الْأَبِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ لَا سَبِيلَ إلَى

(فَإِنْ كَانَ الصَّغِيرُ رَضِيعًا فَلَيْسَ عَلَى أُمِّهِ أَنْ تُرْضِعَهُ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْكِفَايَةَ عَلَى الْأَبِ وَأُجْرَةَ الرَّضَاعِ كَالنَّفَقَةِ وَلِأَنَّهَا عَسَاهَا لَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ لِعُذْرٍ بِهَا فَلَا مَعْنَى لِلْجَبْرِ عَلَيْهِ. وَقِيلَ فِي تَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} [البقرة: 233] بِإِلْزَامِهَا الْإِرْضَاعَ مَعَ كَرَاهَتِهَا، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا بَيَانُ الْحُكْمِ، وَذَلِكَ إذَا كَانَ يُوجَدُ مَنْ تُرْضِعُهُ، أَمَّا إذَا كَانَ لَا تُوجَدُ مَنْ تُرْضِعُهُ تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَى الْإِرْضَاعِ صِيَانَةً لِلصَّبِيِّ عَنْ الضَّيَاعِ. قَالَ (وَيَسْتَأْجِرُ الْأَبُ مَنْ تُرْضِعُهُ عِنْدَهَا) أَمَّا اسْتِئْجَارُ الْأَبِ فَلِأَنَّ الْأَجْرَ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ عِنْدَهَا مَعْنَاهُ إذَا أَرَادَتْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَجْرَ لَهَا. (وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا وَهِيَ زَوْجَتُهُ أَوْ مُعْتَدَّتُهُ لِتُرْضِعَ وَلَدَهَا) لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْإِرْضَاعَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهَا دِيَانَةً. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة: 233] إلَّا أَنَّهَا عُذِرَتْ لِاحْتِمَالِ عَجْزِهَا، فَإِذَا أَقْدَمَتْ عَلَيْهِ بِالْأَجْرِ ظَهَرَتْ قُدْرَتُهَا فَكَانَ الْفِعْلُ وَاجِبًا عَلَيْهَا فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهِ، وَهَذَا فِي الْمُعْتَدَّةِ عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ رِوَايَةٌ وَاحِدَةً لِأَنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ، وَكَذَا فِي الْمَبْتُوتَةِ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: جَازَ اسْتِئْجَارُهَا لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ زَالَ. وَجْهُ الْأُولَى أَنَّهُ بَاقٍ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ. (وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا وَهِيَ مَنْكُوحَتُهُ أَوْ مُعْتَدَّتُهُ لِإِرْضَاعِ ابْنٍ لَهُ مِنْ غَيْرِهَا جَازَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّانِي فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ (وَإِنْ كَانَ الصَّغِيرُ رَضِيعًا فَلَيْسَ عَلَى الْأُمِّ أَنْ تَرْضِعَهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْكِفَايَةَ عَلَى الْأَبِ وَأُجْرَةَ الرَّضَاعِ كَالنَّفَقَةِ) فَكَمَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ إذَا فُطِمَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ تُرْضِعُهُ إذَا وُجِدَتْ، وَلِأَنَّهَا قَدْ لَا تَقْدِرُ عَلَى الْإِرْضَاعِ لِعُذْرٍ بِهَا فَلَا مَعْنَى لِلْجَبْرِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ قَوْله تَعَالَى {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} [البقرة: 233] مَعْنَاهُ بِإِلْزَامِهَا الْإِرْضَاعَ مَعَ كَرَاهَتِهَا. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا مَعْنَى قَوْله تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] قُلْت: إنْ كَانَ مَعْنَاهُ

لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهَا (وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَاسْتَأْجَرَهَا) يَعْنِي لِإِرْضَاعِ وَلَدِهَا (جَازَ) لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ زَالَ بِالْكُلِّيَّةِ وَصَارَتْ كَالْأَجْنَبِيَّةِ (فَإِنْ قَالَ الْأَبُ لَا أَسْتَأْجِرُهَا وَجَاءَ بِغَيْرِهَا فَرَضِيَتْ الْأُمُّ بِمِثْلِ أَجْرِ الْأَجْنَبِيَّةِ أَوْ رَضِيَتْ بِغَيْرِ أَجْرٍ) كَانَتْ هِيَ أَحَقَّ لِأَنَّهَا أَشْفَقُ فَكَانَ نَظَرًا لِلصَّبِيِّ فِي الدَّفْعِ إلَيْهَا (وَإِنْ الْتَمَسَتْ زِيَادَةً لَمْ يُجْبَرْ الزَّوْجُ عَلَيْهَا) دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: 233] أَيْ بِإِلْزَامِهِ لَهَا أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ. (وَنَفَقَةُ الصَّغِيرِ وَاجِبَةٌ عَلَى أَبِيهِ وَإِنْ خَالَفَهُ فِي دِينِهِ، كَمَا تَجِبُ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ عَلَى الزَّوْجِ وَإِنْ خَالَفَتْهُ فِي دِينِهِ) أَمَّا الْوَلَدُ فَلِإِطْلَاقِ مَا تَلَوْنَا، وَلِأَنَّهُ جُزْؤُهُ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى نَفْسِهِ، وَأَمَّا الزَّوْجَةُ فَلِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْعَقْدُ الصَّحِيحُ فَإِنَّهُ بِإِزَاءِ الِاحْتِبَاسِ الثَّابِتِ بِهِ، وَقَدْ صَحَّ الْعَقْدُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرَةِ وَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الِاحْتِبَاسُ فَوَجَبَتْ النَّفَقَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِخْبَارَ عَنْ فِعْلِهِنَّ حِينَ فَعَلْنَ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى جَوَابٍ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ الْأَمْرَ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَانَ مَحْمُولًا عَلَى النَّدْبِ أَوْ الْوُجُوبِ إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُرْضِعُهُ أَوْ لَمْ يُقْبِلْ الصَّغِيرُ عَلَى ثَدْيِ غَيْرِهَا وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يُوجَدُ مَنْ تُرْضِعُهُ تُجْبَرُ عَلَى الْإِرْضَاعِ صِيَانَةً لِلصَّبِيِّ عَنْ الضَّيَاعِ، أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْوُجُوبِ عَلَيْهَا تَدَيُّنًا، حَتَّى لَا يَجُوزَ اسْتِئْجَارُهَا عَلَى الْإِرْضَاعِ إذَا كَانَتْ فِي عِصْمَتِهِ أَوْ عِدَّتِهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ بِمَعْنَى الْأَمْرِ وَجَبَ أَنْ يَتَنَاوَلَ بِإِطْلَاقِهِ الْمَنْكُوحَةَ وَالْمُبَانَةَ. قُلْت: إنَّ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] فِي الْمُطَلَّقَاتِ، وَأَوْجَبَ إيتَاءَ أُجُورِهِنَّ عِنْدَ الْإِرْضَاعِ، فَلَوْ كَانَ قَوْلُهُ يُرْضِعْنَ عَلَى إطْلَاقِهِ لَوَجَبَ الْإِرْضَاعُ عَلَى الْمُطَلَّقَاتِ، وَفِي ذَلِكَ إبْطَالُ عَمَلِ إحْدَى الْآيَتَيْنِ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْمَنْكُوحَةِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهَا وَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَالْمَبْتُوتَةُ فِي رِوَايَةٍ إذَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَنَفَقَةُ الصَّغِيرِ وَاجِبَةٌ عَلَى أَبِيهِ وَإِنْ خَالَفَهُ فِي دِينِهِ) بِأَنْ أَسْلَمَ الِابْنُ بِنَفْسِهِ وَالْأَبُ كَافِرٌ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ لِمَا أَنَّ إسْلَامَ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ وَارْتِدَادَهُ صَحِيحٌ (كَمَا تَجِبُ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ وَإِنْ خَالَفَتْهُ فِي دِينِهِ، أَمَّا الْوَلَدُ فَلِإِطْلَاقِ مَا تَلَوْنَا) يُرِيدُ بِهِ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} [البقرة: 233] الْآيَةَ (وَلِأَنَّهُ جُزْؤُهُ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى نَفْسِهِ) وَكُفْرُهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي نَفَقَةِ نَفْسِهِ فَكَذَا فِي نَفَقَةِ جُزْئِهِ (وَأَمَّا الزَّوْجَةُ فَلِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْعَقْدُ الصَّحِيحُ، فَإِنَّهُ) يَعْنِي وُجُوبَ النَّفَقَةِ (بِإِزَاءِ الِاحْتِبَاسِ الثَّابِتِ بِهِ) أَيْ بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ، وَالْعَقْدُ الصَّحِيحُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ مَوْجُودٌ،

وَفِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إنَّمَا تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى الْأَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ مَالٌ، أَمَّا إذَا كَانَ فَالْأَصْلُ أَنَّ نَفَقَةَ الْإِنْسَانِ فِي مَالِ نَفْسِهِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا. فَصْلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالِاحْتِبَاسُ مُتَرَتِّبٌ عَلَيْهِ فَيَكُونُ السَّبَبُ مَوْجُودًا فَتَجِبُ النَّفَقَةُ. فَإِنْ قِيلَ: سَلَّمْنَا أَنَّ السَّبَبَ مَوْجُودٌ لَكِنْ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكُفْرُ مَانِعًا كَمَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ مَا كَانَ سَبَبُهُ الْعَقْدَ فَالْكُفْرُ لَا يُنَافِي وُجُوبَهُ كَالْمَهْرِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَغَيْرِهِمَا وَالْمِيرَاثُ لَيْسَ سَبَبُهُ الْعَقْدَ، وَإِنَّمَا مَبْنَاهُ عَلَى الْوِلَايَةِ، وَالْكُفْرُ يُنَافِيهَا. وَأَقُولُ: لَوْ اسْتَدَلَّ عَلَى نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ أَيْضًا بِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ} [البقرة: 233] الْآيَةَ كَانَ أَسْهَلَ تَأَتِّيًا لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى نَفَقَتِهِنَّ بِعِبَارَتِهِ وَعَلَى نَفَقَةِ الْوَلَدِ بِالدَّلَالَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى دَفْعِ مَا يُوهِمُ كَلَامُهُ مِنْ التَّرَدُّدِ فِي سَبَبِ النَّفَقَةِ؛ فَإِنَّهُ جَعَلَهُ هَاهُنَا الْعَقْدَ الصَّحِيحَ وَجَعَلَهُ فِي قَوْلِهِ {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ} [البقرة: 233] الْوِلَادَ وَقَبْلَهُ الِاحْتِبَاسُ الْحَاصِلُ بِالْعَقْدِ وَدَفَعَهُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ. وَقَوْلُهُ (فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا) أَيْ مِنْ نَفَقَةِ الْوَلَدِ مَعَ مُوَافَقَةِ الدِّينِ وَمُخَالَفَتِهِ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى الْأَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ مَالٌ وَتَنْكِيرُ مَالٍ يُشِيرُ إلَى عُمُومِهِ بِوُقُوعِهِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِ النَّفَقَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا أَوْ دُورًا أَوْ عَقَارًا أَوْ ثِيَابًا. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: إذَا كَانَ لِلصَّغِيرِ عَقَارٌ أَوْ ثِيَابٌ وَاحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ لِلنَّفَقَةِ كَانَ لِلْأَبِ أَنْ يَبِيعَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُنْفِقَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي نَفَقَةِ الْإِنْسَانِ أَنْ يَكُونَ فِي مَالِ نَفْسِهِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ نَفَقَةَ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا وَإِنْ كَانَ لَهَا مَالٌ فَالْأَصْلُ مَنْقُوضٌ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَصْلَ عِبَارَةٌ عَنْ حَالَةٍ مُسْتَمِرَّةٍ لَا تَتَغَيَّرُ إلَّا بِأُمُورٍ ضَرُورِيَّةٍ، وَقَدْ تَحَقَّقَ فِي نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ فَيَتَغَيَّرُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْمَرْأَةِ فِي مُقَابَلَةِ الِاحْتِبَاسِ، فَمَا دَامَ الِاحْتِبَاسُ قَائِمًا كَانَتْ النَّفَقَةُ وَاجِبَةً تَحْقِيقًا لِلْمُعَادَلَةِ وَنَفَقَةُ الْوَلَدِ لِلْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ مَعَ الْغِنَى.

[فصل على الرجل أن ينفق على أبويه وأجداده]

(وَعَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى أَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ وَإِنْ خَالَفُوهُ فِي دِينِهِ) أَمَّا الْأَبَوَانِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] نَزَلَتْ الْآيَةُ فِي الْأَبَوَيْنِ الْكَافِرَيْنِ، وَلَيْسَ مِنْ الْمَعْرُوفِ أَنْ يَعِيشَ فِي نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَتْرُكَهُمَا يَمُوتَانِ جُوعًا، وَأَمَّا الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ فَلِأَنَّهُمْ مِنْ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَلِهَذَا يَقُومُ الْجَدُّ مَقَامَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى أَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ نَفَقَةِ الْوَلَدِ شَرَعَ فِي بَيَانِ نَفَقَةِ الْوَالِدِ (وَيَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى أَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ وَإِنْ خَالَفُوهُ فِي دِينِهِ، أَمَّا الْأَبَوَانِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] قِيلَ نَزَلَتْ فِي سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ حِينَ أَسْلَمَ وَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ جَمِيلَةُ: يَا سَعْدُ بَلَغَنِي أَنَّك صَبَوْت، فَوَاَللَّهِ لَا يُظِلُّنِي سَقْفُ بَيْتٍ مِنْ الضِّحِّ وَالرِّيحِ وَلَا آكُلُ وَلَا أَشْرَبُ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ وَتَرْجِعَ إلَى مَا كُنْت عَلَيْهِ وَكَانَ أَحَبَّ وَلَدِهَا إلَيْهَا، فَأَبَى سَعْدٌ وَصَبَرَتْ هِيَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَمْ تَأْكُلْ وَلَمْ تَشْرَبْ وَلَمْ تَسْتَظِلَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهَا، فَأَتَى سَعْدٌ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَكَا إلَيْهِ ذَلِكَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. (وَلَيْسَ مِنْ الْمَعْرُوفِ أَنْ يَعِيشَ الْوَلَدُ فِي نِعَمِ اللَّهِ وَيَتْرُكَ مَا كَانَ سَبَبًا لَهُ فِي تِلْكَ الْمَعِيشَةِ يَمُوتُ مِنْ الْجُوعِ) وَقَدْ قِيلَ فَسَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ وَلِأَنَّهُمْ سَبَّبُوا لِإِحْيَائِهِ فَاسْتَوْجَبُوا عَلَيْهِ الْإِحْيَاءَ بِمَنْزِلَةِ الْأَبَوَيْنِ. وَشُرِطَ الْفَقْرُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَا مَالٍ، فَإِيجَابُ نَفَقَتِهِ فِي مَالِهِ أَوْلَى مِنْ إيجَابِهَا فِي مَالِ غَيْرِهِ، وَلَا يُمْنَعُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ لِمَا تَلَوْنَا (وَلَا تَجِبُ النَّفَقَةُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ إلَّا لِلزَّوْجَةِ وَالْأَبَوَيْنِ وَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ وَالْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ) أَمَّا الزَّوْجَةُ فَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ لَهَا بِالْعَقْدِ لِاحْتِبَاسِهَا لِحَقٍّ لَهُ مَقْصُودٍ، وَهَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِاتِّحَادِ الْمِلَّةِ، وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلِأَنَّ الْجُزْئِيَّةَ ثَابِتَةٌ وَجُزْءَ الْمَرْءِ فِي مَعْنَى نَفْسِهِ، فَكَمَا لَا يُمْتَنَعُ نَفَقَةُ نَفْسِهِ لِكُفْرِهِ لَا يُمْتَنَعُ نَفَقَةُ جُزْئِهِ إلَّا أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا حَرْبِيِّينَ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِ وَإِنْ كَانُوا مُسْتَأْمَنَيْنِ، لِأَنَّا نُهِينَا عَنْ الْبِرِّ فِي حَقِّ مَنْ يُقَاتِلُنَا فِي الدِّينِ. (وَلَا تَجِبُ عَلَى النَّصْرَانِيِّ نَفَقَةُ أَخُوهُ الْمُسْلِمِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQحُسْنَ الْمُصَاحَبَةِ بِأَنْ يُطْعِمَهُمَا إذَا جَاعَا وَيَكْسُوَهُمَا إذَا عَرِيَا وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (لِمَا تَلَوْنَا) أَرَادَ بِهِ قَوْله تَعَالَى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا أَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ هَلْ يُجْبَرُ الْوَلَدُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ أَوْ لَا. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: إذَا كَانَ الْأَبُ كَسُوبًا وَالِابْنُ أَيْضًا كَسُوبًا يُجْبَرُ الِابْنُ عَلَى الْكَسْبِ وَالنَّفَقَةِ عَلَى الْأَبِ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: لَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ، فَاعْتَبَرَهُ بِذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اسْتِحْقَاقَ النَّفَقَةِ لِلْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ وَهِيَ تَنْدَفِعُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ، وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ نَفَقَةِ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ، فَإِنَّ الْوَلَدَ الْبَالِغَ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ لَا تَجِبُ عَلَى الْأَبِ نَفَقَتُهُ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِفَضِيلَةِ الْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ حَيْثُ اُعْتُبِرَتْ حَاجَتُهُ ضَرُورِيَّةً كَانَتْ كَالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ، أَوْ غَيْرَهَا كَشَهْوَةِ الْفَرْجِ فَإِنَّ لِلْوَالِدِ اسْتِحْقَاقَ اسْتِيلَادِ جَارِيَةِ الْوَلَدِ وَلَيْسَ لِلْوَلَدِ اسْتِحْقَاقُ اسْتِيلَادِ جَارِيَةِ الْوَالِدِ، فَلَوْ شُرِطَ هَاهُنَا عَجْزُ الْوَالِدِ عَنْ الْكَسْبِ لِاسْتِحْقَاقِ نَفَقَتِهِ عَلَى وَلَدِهِ كَمَا شُرِطَ فِي حَقِّ الِابْنِ لَوَقَعَتْ الْمُسَاوَاةُ مَعَ قِيَامِ دَلِيلِ الْمُفَاضَلَةِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا تَجِبُ النَّفَقَةُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّا نُهِينَا عَنْ الْبِرِّ فِي حَقِّ مَنْ يُقَاتِلُنَا) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 9] الْآيَةَ. وَاسْتَشْكَلَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] فَإِنَّهُ بِإِطْلَاقِهِ يُوجِبُ النَّفَقَةَ لِلْوَالِدَيْنِ وَإِنْ كَانَا حَرْبِيَّيْنِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعَمَلَ بِإِطْلَاقِهِ يُفْضِي إلَى التَّعَارُضِ الْمُفْضِي إلَى التَّرْكِ الْمُمْتَنِعِ فَحُمِلَ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَهَذَا عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا تَجِبُ عَلَى النَّصْرَانِيِّ نَفَقَةُ أَخُوهُ الْمُسْلِمِ) مِنْ فُرُوعِ قَوْلِهِ وَلَا تَجِبُ النَّفَقَةُ مَعَ

وَكَذَا لَا تَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ نَفَقَةُ أَخُوهُ النَّصْرَانِيِّ لِأَنَّ النَّفَقَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْإِرْثِ بِالنَّصِّ بِخِلَافِ الْعِتْقِ عِنْدَ الْمِلْكِ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَرَابَةِ وَالْمَحْرَمِيَّةَ بِالْحَدِيثِ، وَلِأَنَّ الْقَرَابَةَ مُوجِبَةٌ لِلصِّلَةِ، وَمَعَ الِاتِّفَاقِ فِي الدِّينِ آكَدُ وَدَوَامُ مِلْكِ الْيَمِينِ أَعْلَى فِي الْقَطِيعَةِ مِنْ حِرْمَانِ النَّفَقَةِ، فَاعْتَبَرْنَا فِي الْأَعْلَى أَصْلَ الْعِلَّةِ وَفِي الْأَدْنَى الْعِلَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ فَلِهَذَا افْتَرَقَا (وَلَا يُشَارِكُ الْوَلَدَ فِي نَفَقَةِ أَبَوَيْهِ أَحَدٌ) لِأَنَّ لَهُمَا تَأْوِيلًا فِي مَالِ الْوَلَدِ بِالنَّصِّ، وَلَا تَأْوِيلَ لَهُمَا فِي مَالِ غَيْرِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQاخْتِلَافِ الدِّينِ مُتَضَمِّنًا لِلْفَرْقِ بَيْنَ عَدَمِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَوُقُوعِ الْعِتْقِ عِنْدَ التَّمَلُّكِ، وَكَلَامُهُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ النَّفَقَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْإِرْثِ: يَعْنِي فِي غَيْرِ قَرَابَةِ الْوِلَادِ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] وَالْعِتْقُ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَرَابَةِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ بِالْحَدِيثِ: يَعْنِي قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ» وَبِالْمَعْقُولِ وَاضِحٌ خَلَا قَوْلَهُ: دَوَامُ مِلْكِ الْيَمِينِ أَعْلَى فِي الْقَطِيعَةِ مِنْ حِرْمَانِ النَّفَقَةِ، فَإِنَّ حِرْمَانَ النَّفَقَةِ قَدْ يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ وَدَوَامُ مِلْكِ الْيَمِينِ لَيْسَ كَذَلِكَ فَكَيْفَ يَكُونُ أَعْلَى؟ وَلِأَنَّ الْإِنْفَاقَ صِلَةُ إحْيَاءٍ حَقِيقَةً وَصِلَةُ الْعِتْقِ صِلَةُ إحْيَاءٍ حُكْمًا، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ الْإِحْيَاءَ الْحَقِيقِيَّ أَعْلَى. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى النَّفَقَةِ مَقْدُورَةُ الدَّفْعِ مِنْ غَيْرِهِ بِأَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَوْ يَبَرَّهُ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ، فَإِنَّ الْهَلَاكَ جُوعًا فِي الْعُمْرَانِ مَعَ تَوَفُّرِ أَصْحَابِ الزَّكَوَاتِ وَالصَّدَقَاتِ وَالْمَعْرُوفِ نَادِرٌ، وَأَمَّا الْحَاجَةُ إلَى الْإِعْتَاقِ فَإِنَّهَا لَا تَنْدَفِعُ إلَّا مِنْ جَانِبِهِ، وَأَمَّا كَوْنُ الْإِحْيَاءِ الْحَقِيقِيِّ أَعْلَى مِنْ الْحُكْمِيِّ فَبَعْدَ تَسْلِيمِهِ مَرْدُودٌ بِعَدَمِ تَعَيُّنِ تَحَقُّقِهِ مِنْ جَانِبِهِ لِمَا قُلْنَا. قَالَ (وَلَا يُشَارِكُ الْوَلَدَ فِي نَفَقَةِ أَبَوَيْهِ أَحَدٌ) لَا يُشَارِكُ الْوَلَدَ فِي نَفَقَةِ أَبَوَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْأَعْمَامِ وَغَيْرِهِمْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (لِأَنَّ لَهُمَا تَأْوِيلًا فِي مَالِ الْوَلَدِ بِالنَّصِّ) وَهُوَ قَوْلُهُ

وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِمَا فَكَانَ أَوْلَى بِاسْتِحْقَاقِ نَفَقَتِهِمَا عَلَيْهِ، وَهِيَ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بِالسَّوِيَّةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ الْمَعْنَى يَشْمَلُهُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» فَكَانَا غَنِيَّيْنِ بِمَالِهِ، وَالْغَنِيُّ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ. فَإِنْ قِيلَ: التَّأْوِيلُ ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَلَا يُعَارِضُ إطْلَاقَ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] قُلْت: الْحَدِيثُ مَشْهُورٌ فَتَجُوزُ بِهِ الزِّيَادَةُ. سَلَّمْنَا أَنَّهُ مِنْ الْآحَادِ لَكِنَّ تَرْكَ إطْلَاقِ قَوْلِهِ {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى تَقْيِيدِهَا بِغَيْرِ قَرَابَةِ الْوِلَادِ الْمُسْتَنِدَةِ إلَى قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} [البقرة: 233] الْآيَةَ كَمَا تَقَدَّمَ. فَإِنْ قُلْت: لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} [البقرة: 233] يَقْتَضِي أَنْ يُشَارِكَ الْجَدُّ الِابْنَ، كَمَا أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] يَقْتَضِيهِ: قُلْت: لَمَّا ثَبَتَ لِلْوَالِدِ التَّأْوِيلُ فِي مَالِ الْوَلَدِ بِالْإِجْمَاعِ صَارَ غَنِيًّا بِهِ وَالْغَنِيُّ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى وَالِدِهِ فَلَا يُشَارِكُ الْجَدُّ الِابْنَ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِمَا) أَيْ الْوَلَدُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَى الْوَالِدَيْنِ، وَالْأَقْرَبُ إلَيْهِمَا أَوْلَى لِاسْتِحْقَاقِ نَفَقَتِهِمَا عَلَيْهِ لِأَنَّهَا صِلَةٌ وَجَبَتْ بِالْقَرَابَةِ، فَمَنْ كَانَ أَقْرَبَ فَهُوَ أَوْلَى بِالِاسْتِحْقَاقِ لَهُ وَعَلَيْهِ، وَهِيَ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بِالسَّوِيَّةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّفَقَةَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى أَثْلَاثًا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ عَلَى قِيَاسِ الْمِيرَاثِ وَعَلَى قِيَاسِ نَفَقَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ. وَوَجْهُ الظَّاهِرِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَشْمَلُهُمَا. وَبَيَانُهُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْأَبَوَيْنِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ التَّأْوِيلِ وَحَقِّ الْمِلْكِ لَهُمَا فِي مَالِ الْوَلَدِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» وَهَذَا الْمَعْنَى يَشْمَلُ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ فَيَكُونَانِ سَوَاءً؛ وَلِهَذَا يَثْبُتُ لَهُمَا هَذَا الِاسْتِحْقَاقُ مَعَ اخْتِلَافِ الْمِلَّةِ وَإِنْ انْعَدَمَ التَّوَارُثُ، فَقَوْلُهُ (وَهُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ.

(وَالنَّفَقَةُ لِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ إذَا كَانَ صَغِيرًا فَقِيرًا أَوْ كَانَتْ امْرَأَةً بَالِغَةً فَقِيرَةً أَوْ كَانَ ذَكَرًا بَالِغًا فَقِيرًا زَمِنًا أَوْ أَعْمَى) لِأَنَّ الصِّلَةَ فِي الْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ وَاجِبَةٌ دُونَ الْبَعِيدَةِ، وَالْفَاصِلُ أَنْ يَكُونَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] وَفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ " وَعَلَى الْوَارِثِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِثْلُ ذَلِكَ " ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ الْحَاجَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَالنَّفَقَةُ لِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ: أَيْ النَّفَقَةُ لِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ وَهُوَ مَنْ لَا يَحِلُّ نِكَاحُهُ عَلَى التَّأْبِيدِ وَاجِبَةٌ إذَا كَانَ صَغِيرًا فَقِيرًا أَوْ كَانَتْ امْرَأَةً بَالِغَةً فَقِيرَةً أَوْ كَانَ ذَكَرًا فَقِيرًا. زَمِنًا أَوْ أَعْمَى؛ لِأَنَّ الصِّلَةَ فِي الْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ وَاجِبَةٌ دُونَ الْبَعِيدَةِ، وَالْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا كَوْنُهُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] فَإِنَّ ذَلِكَ لِلْإِشَارَةِ إلَى الْبَعِيدِ فَيَكُونُ إشَارَةً إلَى أَوَّلِ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233] فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلَى الْوَارِثِ النَّفَقَةَ، وَتَقْيِيدُهُ بِذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: وَعَلَى الْوَارِثِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ قِرَاءَتَهُ كَانَتْ مَسْمُوعَةً مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ الْحَاجَةِ لِاسْتِحْقَاقِهَا لِذَلِكَ، وَالصِّفَاتُ الْمَذْكُورَةُ وَهِيَ الصِّغَرُ وَالْأُنُوثَةُ وَالزَّمَانَةُ وَالْعَمَى أَمَارَةُ الْحَاجَةِ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ فَإِنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْكَسْبِ غَنِيٌّ. فَإِنْ قِيلَ: مَا بَالُ الْأَبَوَيْنِ لَمْ يُعَدَّا غَنِيَّيْنِ بِقُدْرَتِهِمَا عَلَى الْكَسْبِ؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ الْأَبَوَيْنِ إلَخْ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ،

وَالصِّغَرِ وَالْأُنُوثَةِ وَالزَّمَانَةِ وَالْعَمَى أَمَارَةُ الْحَاجَةِ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ، فَإِنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْكَسْبِ غَنِيٌّ بِكَسْبِهِ. بِخِلَافِ الْأَبَوَيْنِ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُمَا تَعَبُ الْكَسْبِ وَالْوَلَدُ مَأْمُورٌ بِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمَا فَتَجِبُ نَفَقَتُهُمَا مَعَ قُدْرَتِهِمَا عَلَى الْكَسْبِ. قَالَ (وَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَى مِقْدَارِ الْمِيرَاثِ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ. وَقَوْلُهُ (يَجِبُ ذَلِكَ) يَعْنِي النَّفَقَةَ (عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْإِنْفَاقِ. أَمَّا التَّقْدِيرُ فَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّ عَلَى الْوَارِثِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] تَنْبِيهًا عَلَى اعْتِبَارِ الْمِقْدَارِ لِأَنَّهُ رَتَّبَ الْحُكْمَ عَلَى الْمُشْتَقِّ فَيَكُونُ الْمُشْتَقُّ مِنْهُ هُوَ الْعِلَّةُ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ بِقَدْرِ عِلَّتِهِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَوْصَى لِوَرَثَةِ فُلَانٍ وَلَهُ بَنُونَ وَبَنَاتٌ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لَهُمْ عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ، وَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ الرَّجُلُ زَمِنًا مُعْسِرًا وَلَهُ ابْنٌ مُعْسِرٌ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ زَمِنٌ وَلِلرَّجُلِ ثَلَاثَةُ إخْوَةٍ مُتَفَرِّقُونَ مُوسِرُونَ فَنَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى أَخِيهِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَعَلَى أَخِيهِ لِأُمٍّ أَسْدَاسًا بِحَسَبِ مِيرَاثِهِمَا، فَأَمَّا نَفَقَةُ الْوَلَدِ فَعَلَى الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ خَاصَّةً لِأَنَّ مِيرَاثَ الْوَلَدِ لَهُ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ خَاصَّةً فَإِنَّهُ عَمٌّ لِأَبٍ وَأُمٍّ،

لِأَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الْوَارِثِ تَنْبِيهٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْمِقْدَارِ، وَلِأَنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ وَالْجَبْرَ لِإِيفَاءِ حَقٍّ مُسْتَحَقٍّ. قَالَ (وَتَجِبُ نَفَقَةُ الِابْنَةِ الْبَالِغَةِ وَالِابْنِ الزَّمِنِ عَلَى أَبَوَيْهِ أَثْلَاثًا عَلَى الْأَبِ الثُّلُثَانِ وَعَلَى الْأُمِّ الثُّلُثُ) لِأَنَّ الْمِيرَاثَ لَهُمَا عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ. قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ رِوَايَةُ الْخَصَّافِ وَالْحَسَنِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كُلُّ النَّفَقَةِ عَلَى الْأَبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233] وَصَارَ كَالْوَلَدِ الصَّغِيرِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ اجْتَمَعَتْ لِلْأَبِ فِي الصَّغِيرِ وِلَايَةٌ وَمَئُونَةٌ حَتَّى وَجَبَتْ عَلَيْهِ صَدَقَةُ فِطْرِهِ فَاخْتَصَّ بِنَفَقَتِهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْكَبِيرُ لِانْعِدَامِ الْوِلَايَةِ فِيهِ فَتُشَارِكُهُ الْأُمُّ، وَفِي غَيْرِ الْوَالِدِ يُعْتَبَرُ قَدْرُ الْمِيرَاثِ حَتَّى تَكُونَ نَفَقَةُ الصَّغِيرِ عَلَى الْأُمِّ وَالْجَدِّ أَثْلَاثًا، وَنَفَقَةُ الْأَخِ الْمُعْسِرِ عَلَى الْأَخَوَاتِ الْمُتَفَرِّقَاتِ الْمُوسِرَاتِ أَخْمَاسًا عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يَرِثُ مَعَهُ الْعَمُّ لِأَبٍ وَلَا الْعَمُّ لِأُمٍّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ يَكُونُ مُحْتَاجًا يُجْعَلُ مَعْدُومًا وَتَكُونُ النَّفَقَةُ بَعْدَهُ عَلَى مَنْ يَكُونُ وَارِثًا بِحَسَبِ الْمِيرَاثِ، فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ ابْنَةً كَانَ نَفَقَةُ الْأَبِ وَالِابْنَةِ عَلَى الْأَخِ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ خَاصَّةً، أَمَّا نَفَقَةُ الِابْنَةِ فَلِمَا بَيَّنَّا، وَأَمَّا نَفَقَةُ الْأَبِ فَلِأَنَّ الْوَارِثَ هَاهُنَا الْأَخُ لِأَبٍ وَأُمٍّ خَاصَّةً لِأَنَّ الْأَخَ لِأَبٍ وَأُمٍّ يَرِثُ مَعَ الِابْنَةِ وَالْأَخَ لِأُمٍّ لَا يَرِثُ مَعَهَا فَلَا حَاجَةَ أَنْ يَجْعَلَ الْبِنْتَ كَالْمَعْدُومَةِ، وَلَكِنْ تُعْتَبَرُ صِفَةُ الْوِرَاثَةِ مَعَ بَقَائِهَا، بِخِلَافِ الِابْنِ فَإِنَّهُ لَا يَرِثُ مَعَهُ أَحَدٌ مِنْ الْإِخْوَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُجْعَلَ كَالْمَعْدُومِ؛ فَإِذَا جُعِلَ كَذَلِكَ فَمِيرَاثُ الْأَبِ يَكُونُ بَيْنَ الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَالْأَخِ لِأُمٍّ أَسْدَاسًا فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا بِحَسَبِ ذَلِكَ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمِيرَاثُ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَلَمْ يَتَجَاوَزْ إلَى غَيْرِهِمْ، وَأَمَّا إذَا تَجَاوَزَ عَنْهُمْ إلَى غَيْرِهِمْ كَمَا إذَا كَانَ لِلصَّغِيرِ الْفَقِيرِ خَالٌ مُوسِرٌ وَابْنُ عَمٍّ مُوسِرٌ فَالنَّفَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ الَّذِي لَمْ يَرِثْ لَا عَلَى غَيْرِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ الَّذِي هُوَ وَارِثٌ فَيَكُونُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى الْخَالِ دُونَ ابْنِ الْعَمِّ الَّذِي يُحْرِزُ الْمِيرَاثَ لِأَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَابْنُ الْعَمِّ لَيْسَ كَذَلِكَ وَالْخَالُ كَذَلِكَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِي الْكِتَابِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ النَّفَقَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمِيرَاثِ بِالنَّصِّ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ تَجِبَ النَّفَقَةُ عَلَى ابْنِ الْعَمِّ لِكَوْنِهِ وَارِثًا وَلَا تَجِبُ عَلَى الْخَالِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ وَارِثٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ نَفَقَةَ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَاجِبَةٌ تَحْقِيقًا لِلصِّلَةِ، وَتَحْقِيقُ صِلَةِ قَرَابَةِ ابْنِ الْعَمِّ لَيْسَ بِوَاجِبٍ بِدَلِيلِ جَوَازِ الْمُنَاكَحَةِ فِي حَقِّهِ، بِخِلَافِ الْخَالِ فَإِنَّ صِلَتَهُ وَاجِبَةٌ وَالنَّفَقَةُ مِنْهَا فَتَجِبُ عَلَيْهِ. قَالَ (وَتَجِبُ نَفَقَةُ الِابْنَةِ الْبَالِغَةِ وَالِابْنِ الزَّمِنِ) كَلَامُهُ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَوَجْهُ الْفَرْقِ) يَعْنِي بَيْنَ نَفَقَةِ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ حَيْثُ

غَيْر أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَهْلِيَّةُ الْإِرْثِ فِي الْجُمْلَةِ لَا إحْرَازُهُ، فَإِنَّ الْمُعْسِرَ إذَا كَانَ لَهُ خَالٌ وَابْنُ عَمٍّ تَكُونُ نَفَقَتُهُ عَلَى خَالِهِ وَمِيرَاثُهُ يُحْرِزُهُ ابْنُ عَمِّهِ (وَلَا تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ لِبُطْلَانِ أَهْلِيَّةِ الْإِرْثِ وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ وَلَا تَجِبُ عَلَى الْفَقِيرِ) لِأَنَّهَا تَجِبُ صِلَةً وَهُوَ يَسْتَحِقُّهَا عَلَى غَيْرِهِ فَكَيْفَ تَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهَا بِالْإِقْدَامِ عَلَى الْعَقْدِ، إذْ الْمَصَالِحُ لَا تَنْتَظِمُ دُونَهَا، وَلَا يَعْمَلُ فِي مِثْلِهَا الْإِعْسَارُ. ثُمَّ الْيَسَارُ مُقَدَّرٌ بِالنِّصَابِ فِيمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَدَّرَهُ بِمَا يَفْضُلُ عَلَى نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ شَهْرًا أَوْ بِمَا يَفْضُلُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ كَسْبِهِ الدَّائِمِ كُلَّ يَوْمٍ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ وَإِنَّمَا هُوَ الْقُدْرَةُ دُونَ النِّصَابِ فَإِنَّهُ لِلتَّيْسِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَجَبَتْ بِجُمْلَتِهَا عَلَى الْأَبِ خَاصَّةً وَبَيْنَ نَفَقَةِ الْوَلَدِ الْكَبِيرِ الزَّمِنِ حَيْثُ وَجَبَ ثُلُثَاهَا عَلَى الْأَبِ وَالثُّلُثُ عَلَى الْأُمِّ كَمَا فِي الْإِرْثِ أَنَّهُ اجْتَمَعَتْ لِلْأَبِ فِي الصَّغِيرِ وِلَايَةٌ وَمَئُونَةٌ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ صَدَقَةُ فِطْرِهِ وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ نَفْسِهِ وَغَيْرُهُ لَا يُشَارِكُهُ فِي النَّفَقَةِ عَلَى نَفْسِهِ. فَكَذَا فِي النَّفَقَةِ عَلَى الصَّغِيرِ. وَأَمَّا الْكَبِيرُ فَلَيْسَ لِلْأَبِ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ لِبُلُوغِهِ فَكَانَ كَسَائِرِ الْمَحَارِمِ نَفَقَتُهُ مُعْتَبَرَةٌ بِمِيرَاثِهِ وَمِيرَاثُهُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فَكَذَلِكَ نَفَقَتُهُ. وَقَوْلُهُ أَخْمَاسًا عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ يَعْنِي: ثَلَاثَةُ الْأَخْمَاسِ مِنْ الْمِيرَاثِ تَكُونُ لِلْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَالْخُمُسُ لِلْأُخْتِ لِأَبٍ وَالْخُمُسُ لِلْأُخْتِ لِأُمٍّ بِالْفَرْدِ وَالرَّدِّ، فَكَذَلِكَ النَّفَقَةُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ. وَقَوْلُهُ (غَيْرَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَفِي غَيْرِ الْوَالِدِ تُعْتَبَرُ عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ، وَالْمُرَادُ بِأَهْلِيَّةِ الْإِرْثِ هُوَ أَنْ لَا يَكُونَ مَحْرُومًا. وَفِي كَلَامِهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ حَيْثُ قَالَ: إنَّ الْمُعْتَبَرَ أَهْلِيَّةُ الْإِرْثِ لَا إحْرَازُهُ، ثُمَّ نَشَرَ بِقَوْلِهِ فَإِنَّ الْمُعْسِرَ إذَا كَانَ لَهُ خَالٌ يَعْنِي وَهُوَ مُوسِرٌ وَابْنُ عَمٍّ كَذَلِكَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْخَالِ وَابْنِ الْعَمِّ يُحْرِزُ الْمِيرَاثَ لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ الْخَالَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ دُونَ ابْنِ الْعَمِّ. وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ لَا إحْرَازُهُ. وَقَوْلُهُ (وَلَا تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ الْمُعْتَبَرُ أَهْلِيَّةُ الْإِرْثِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ) أَيْ اعْتِبَارِ الْإِرْثِ بِأَنْ يَكُونَ أَهْلًا لَا مُحْرِزًا، وَلِهَذَا قُلْنَا لَا يَجِبُ عَلَى النَّصْرَانِيِّ نَفَقَةُ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ وَلَا عَكْسُهُ. وَقَوْلُهُ (وَلَا تَجِبُ عَلَى الْفَقِيرِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (بِمَا يَفْضُلُ عَلَى نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ شَهْرًا) قِيلَ: هَذَا إذَا كَانَتْ نَفَقَتُهُ مِنْ مُسْتَغَلَّاتِهِ (أَوْ بِمَا يَفْضُلُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ كَسْبِهِ الدَّائِمِ) إذَا كَانَ مُعْتَمِلًا يُنْفِقُ مِنْ كَسْبِ يَدِهِ.

وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ، لَكِنَّ النِّصَابَ نِصَابُ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ. (وَإِذَا كَانَ لِلِابْنِ الْغَائِبِ مَالٌ قُضِيَ فِيهِ بِنَفَقَةِ أَبَوَيْهِ) وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ فِيهِ (وَإِذَا بَاعَ أَبُوهُ مَتَاعَهُ فِي نَفَقَتِهِ [] جَازَ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ (وَإِنْ بَاعَ الْعَقَارَ لَمْ يَجُزْ) وَفِي قَوْلِهِمَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ، لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ لِانْقِطَاعِهَا بِالْبُلُوغِ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ فِي حَالِ حَضْرَتِهِ وَلَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ فِي دَيْنٍ لَهُ سِوَى النَّفَقَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ) يَعْنِي أَنَّ الْيَسَارَ مُقَدَّرٌ بِالنِّصَابِ، لَكِنَّ النِّصَابَ نِصَابُ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ وَهُوَ مِائَتَا دِرْهَمٍ إذَا كَانَ فَاضِلًا عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ أَشْبَهُ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ لِكَوْنِهَا مَئُونَةً مِنْ وَجْهٍ، صَدَقَةً مِنْ وَجْهٍ، وَالنَّفَقَةُ مَئُونَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَلَمَّا لَمْ يُشْتَرَطْ لِوُجُوبِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ الْغِنَى الْمُوجِبُ لِلزَّكَاةِ فَلَأَنْ لَا يُشْتَرَطَ هَاهُنَا وَهِيَ مَئُونَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْلَى. وَنَقَلَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى عَنْ الْأَجْنَاسِ قَالَ فِي نَوَادِرِ أَبِي يُوسُفَ: يُشْتَرَطُ نِصَابُ الزَّكَاةِ. ثُمَّ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: هَكَذَا قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى إنْ انْتَقَصَ مِنْهُ دِرْهَمٌ لَا يَجِبُ. (وَإِنْ كَانَ لِلِابْنِ الْغَائِبِ مَالٌ قَضَى فِيهِ بِنَفَقَةِ أَبَوَيْهِ) وَقَوْلُهُ (وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ فِيهِ) يُرِيدُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا يَقْضِي بِنَفَقَةٍ فِي مَالِ غَائِبٍ إلَّا لِهَؤُلَاءِ، إلَى قَوْلِهِ: وَلِهَذَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا فَكَانَ قَضَاءُ الْقَاضِي إعَانَةً لَهُمْ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا بَاعَ أَبُوهُ مَتَاعَهُ) ظَاهِرٌ.

وَكَذَا لَا تَمْلِكُ الْأُمُّ فِي النَّفَقَةِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ لِلْأَبِ وِلَايَةَ الْحِفْظِ فِي مَالِ الْغَائِبِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْوَصِيِّ ذَلِكَ فَالْأَبُ أَوْلَى لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ، وَبَيْعُ الْمَنْقُولِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ وَلَا كَذَلِكَ الْعَقَارُ لِأَنَّهَا مُحْصَنَةٌ بِنَفْسِهَا، وَبِخِلَافِ غَيْرِ الْأَبِ مِنْ الْأَقَارِبِ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ أَصْلًا فِي التَّصَرُّفِ حَالَةَ الصِّغَرِ وَلَا فِي الْحِفْظِ بَعْدَ الْكِبَرِ. إذَا جَازَ بَيْعُ الْأَبِ فَالثَّمَنُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَهُوَ النَّفَقَةُ فَلَهُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ، كَمَا لَوْ بَاعَ الْعَقَارَ وَالْمَنْقُولَ عَلَى الصَّغِيرِ جَازَ لِكَمَالِ الْوِلَايَةِ، ثُمَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ بِنَفَقَتِهِ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ (وَإِنْ كَانَ لِلِابْنِ الْغَائِبِ مَالٌ فِي يَدِ أَبَوَيْهِ وَأَنْفَقَا مِنْهُ لَمْ يَضْمَنَا) لِأَنَّهُمَا اسْتَوْفَيَا حَقَّهُمَا لِأَنَّ نَفَقَتَهُمَا وَاجِبَةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ عَلَى مَا مَرَّ وَقَدْ أَخَذَا جِنْسَ الْحَقِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَكَذَا لَا تَمْلِكُ الْأُمُّ فِي النَّفَقَةِ) مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ فِي الْأَقْضِيَةِ وَمَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ لِلْأَبَوَيْنِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ الْأَقْضِيَةِ وَالْقُدُورِيِّ تَمْلِكُ الْأُمُّ الْبَيْعَ كَالْأَبِ لِأَنَّ مَعْنَى الْوِلَادَةِ يَجْمَعُهُمَا وَهُمَا فِي اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ عَلَى السَّوَاءِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَا فِي الْأَقْضِيَةِ وَالْقُدُورِيِّ مُؤَوَّلًا بِأَنَّ الْأَبَ هُوَ الَّذِي يَبِيعُ لَكِنْ لِمَنْفَعَتِهِمَا، فَأَضَافَ الْبَيْعَ إلَيْهِمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ مَنْفَعَةَ الْبَيْعِ تَعُودُ إلَيْهِمَا وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَقَوْلُهُ (إنَّ لِلْأَبِ وِلَايَةَ الْحِفْظِ فِي مَالِ الْغَائِبِ) اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ كَذَلِكَ، لَكِنْ الْفَرْضُ أَنَّهُ يَبِيعُهُ لِنَفَقَتِهِ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ بَيْعُهُ أَنْ لَوْ كَانَ قَصْدُهُ الْبَيْعَ لِلْحِفْظِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ بَيْعُهُ لِلْحِفْظِ حَقِيقَةً فَبِقَصْدِهِ الْإِنْفَاقَ لَا تَتَغَيَّرُ تِلْكَ الْحَقِيقَةُ، إذْ لَا تَأْثِيرَ لِلْعَزِيمَةِ فِي تَغْيِيرِ الْحَقِيقَةِ. لَا يُقَالُ: عَارَضَ جِهَةُ الْحِفْظِ جِهَةَ الْإِتْلَافِ بِالِاتِّفَاقِ. لِأَنَّا نَقُولُ: الْإِتْلَافُ بَعْدَ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَفِي الْحَالِ لَمْ تَجِبْ فَلَا تَعَارُضَ. وَقَوْلُهُ عَلَى مَا مَرَّ إشَارَةٌ إلَى مَا قَالَ وَلِهَذَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا فَكَانَ قَضَاءُ الْقَاضِي إعَانَةً لَهُمْ.

(وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِي يَدِ أَجْنَبِيٍّ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِمَا بِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي [] ضَمِنَ) لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ وِلَايَةٍ لِأَنَّهُ نَائِبٌ فِي الْحِفْظِ لَا غَيْرُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهُ الْقَاضِي لِأَنَّ أَمْرَهُ مُلْزِمٌ لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ. وَإِذَا ضَمِنَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْقَابِضِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ فَظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ مُتَبَرِّعًا بِهِ. (وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي لِلْوَلَدِ وَالْوَالِدَيْنِ وَذَوِي الْأَرْحَامِ بِالنَّفَقَةِ فَمَضَتْ مُدَّةٌ سَقَطَتْ) لِأَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ تَجِبُ كِفَايَةً لِلْحَاجَةِ حَتَّى لَا تَجِبُ مَعَ الْيَسَارِ وَقَدْ حَصَلَتْ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ إذَا قَضَى بِهَا الْقَاضِي لِأَنَّهَا تَجِبُ مَعَ يَسَارِهَا فَلَا تَسْقُطُ بِحُصُولِ الِاسْتِغْنَاءِ فِيمَا مَضَى. قَالَ (إلَّا أَنْ يَأْذَنَ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَهُ وِلَايَةٌ عَامَّةٌ فَصَارَ إذْنُهُ كَأَمْرِ الْغَائِبِ فَيَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ) يَعْنِي أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ مَلَكَ الْمَدْفُوعَ بِالضَّمَانِ فَظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ مُتَبَرِّعًا بِمَالِ نَفْسِهِ. وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ إذَا قَضَى بِهَا الْقَاضِي: يَعْنِي أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ لِأَنَّهَا تَجِبُ مُقَابَلَةُ الِاحْتِبَاسِ لَا بِطَرِيقِ الْحَاجَةِ وَلِهَذَا تَجِبُ مَعَ يَسَارِهَا فَلَا تَسْقُطُ لِحُصُولِ الِاسْتِغْنَاءِ فِيمَا مَضَى. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَأْذَنَ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ)

[فصل وعلى المولى أن ينفق على عبده وأمته]

(وَعَلَى الْمَوْلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَى عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَمَالِيكِ «إنَّهُمْ إخْوَانُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ فَمَضَتْ مُدَّةٌ سَقَطَتْ، وَمَعْنَاهُ إذَا أَذِنَ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ لَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهُمْ أَيْضًا كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَإِنْ مَضَتْ مُدَّةٌ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَهُ وِلَايَةٌ عَامَّةٌ فَصَارَ إذْنُهُ بِالِاسْتِدَانَةِ كَأَمْرِ الْغَائِبِ بِهَا، وَلَوْ أَمَرَ الْغَائِبَ بِالِاسْتِدَانَةِ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ لَا يَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، فَكَذَا إذَا أَذِنَ الْقَاضِي بِذَلِكَ. وَإِذَا تَذَكَّرْت أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ جَزَاءُ الِاحْتِبَاسِ وَنَفَقَةَ الْأَقَارِبِ لِلْكِفَايَةِ ظَهَرَ لَك وَجْهُ مَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إنَّ الْقَاضِيَ إذَا فَرَضَ لِلزَّوْجَةِ فِي الشَّهْرِ مِائَةً فَمَضَتْ الْمُدَّةُ وَفِي يَدِهَا مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يَحْتَسِبْ لِلشَّهْرِ الثَّانِي. وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ حُوسِبَ بِهِ، وَإِنَّ الْقَاضِيَ إذَا فَرَضَ لِلزَّوْجَةِ كِسْوَةً لِمُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ فَسَرَقَتْ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَكْسُوَهَا حَتَّى تَفْرُغَ الْمُدَّةُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْأَقَارِبِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَكْسُوَهُمْ. [فَصْلٌ وَعَلَى الْمَوْلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَى عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ] (فَصْلٌ)

تَعَالَى تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ، وَلَا تُعَذِّبُوا عِبَادَ اللَّهِ» (فَإِنْ امْتَنَعَ وَكَانَ لَهُمَا كَسْبٌ اكْتَسَبَا وَأَنْفَقَا) لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ حَتَّى يَبْقَى الْمَمْلُوكُ حَيًّا وَيَبْقَى فِيهِ مِلْكُ الْمَالِكِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا كَسْبٌ) بِأَنْ كَانَ عَبْدًا زَمِنًا أَوْ جَارِيَةً لَا يُؤَاجَرُ مِثْلُهَا (أُجْبِرَ الْمَوْلَى عَلَى بَيْعِهِمَا) لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ وَفِي الْبَيْعِ إيفَاءُ حَقِّهِمَا وَإِبْقَاءُ حَقِّ الْمَوْلَى بِالْخُلْفِ، بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ لِأَنَّهَا تَصِيرُ دَيْنًا فَكَانَ تَأْخِيرًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَنَفَقَةُ الْمَمْلُوكِ لَا تَصِيرُ دَيْنًا فَكَانَ إبْطَالًا، وَبِخِلَافِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَتِهَا، إلَّا أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ» وَفِيهِ ذَلِكَ، وَنَهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَفِيهِ إضَاعَتُهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُجْبَرُ، وَالْأَصَحُّ مَا قُلْنَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQجَمَعَ فِي هَذَا الْفَصْلِ بَيْنَ نَفَقَةِ الرَّقِيقِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ وَأَخَّرَهُ عَنْ الْجَمِيعِ وَهُوَ فِي مَحَزِّهِ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَى مِلْكِهِ سِوَى الرَّقِيقِ، وَأَمَّا فِي الدَّوَابِّ فَيُفْتَى فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا، وَفِي غَيْرِ الدَّوَابِّ كَالدُّورِ وَالْعَقَارِ فَإِنَّهُ لَا يُفْتَى بِهِ، أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ فِيهِ تَضْيِيعُ الْمَالِ كَانَ تَرْكُ الْإِنْفَاقِ مَكْرُوهًا، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ، وَفَرَّقَ بَيْنَ نَفَقَةِ الزَّوْجِ وَالْمَمْلُوكِ فِي أَنَّ الْمَوْلَى إذَا امْتَنَعَ عَنْ الْإِنْفَاقِ وَهُوَ مِمَّنْ لَا كَسْبَ لَهُ أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِ الْمَمْلُوكِ، وَالزَّوْجُ إذَا عَجَزَ عَنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى الزَّوْجَةِ لَا يُجْبَرُ عَلَى الطَّلَاقِ بِأَنَّ فِي الْإِجْبَارِ عَلَى الْبَيْعِ زَوَالَ مِلْكِ الْمَوْلَى إلَى خَلَفٍ وَهُوَ الثَّمَنُ، وَفِي عَدَمِهِ فَوَاتُ حَقِّ الْمَمْلُوكِ فِي النَّفَقَةِ لَا إلَى خَلَفٍ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْمَمْلُوكِ لَا تَصِيرُ دَيْنًا عَلَى الْمَوْلَى بِحَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ، وَأَمَّا فِي النِّكَاحِ فَفِي الْإِجْبَارِ عَلَى التَّفْرِيقِ فَوَاتُ مِلْكِ الزَّوْجِ بِلَا خَلَفٍ، وَفِي عَدَمِهِ فَوَاتُ حَقِّ الْمَرْأَة فِي الْحَالِ إلَى خَلَفٍ لِصَيْرُورَةِ نَفَقَتِهَا بِقَضَاءِ الْقَاضِي دَيْنًا عَلَى الزَّوْجِ فَكَانَ تَأْخِيرًا. وَقَوْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ إذَا قَضَى بِهَا الْقَاضِي لِأَنَّهَا تَجِبُ مَعَ يَسَارِهَا فَلَا تَسْقُطُ فَكَانَ الضَّرَرُ اللَّاحِقُ بِالزَّوْجِ أَشَدَّ وَكَانَ بِالدَّفْعِ أَوْلَى (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُجْبَرُ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَقَاسَاهُ عَلَى الرَّقِيقِ، وَالْأَصَحُّ مَا قُلْنَا: يَعْنِي مِنْ عَدَمِ الْجَبْرِ لِأَنَّ إجْبَارَ الْقَاضِي الْمَوْلَى عَلَى مَمْلُوكِهِ نَوْعُ قَضَاءٍ وَالْقَضَاءُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَقْضِيٍّ لَهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ وَهَذَا يُوجَدُ فِي الرَّقِيقِ لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَسْتَحِقَّ حَقًّا عَلَى الْمَوْلَى وَعَلَى غَيْرِهِ فِي الْجُمْلَةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ بِالْكِتَابَةِ يَسْتَحِقُّ حُقُوقًا عَلَى الْمَوْلَى وَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا، فَأَمَّا غَيْرُ الرَّقِيقِ فَلَا يَسْتَحِقُّ عَلَى الْمَوْلَى حَقًّا فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَقْضِيًّا لَهُ فَانْعَدَمَ شَرْطُ الْقَضَاءِ فَيَنْعَدِمُ الْقَضَاءُ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[كتاب العتاق]

الْإِعْتَاقُ تَصَرُّفٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا مُسْلِمٍ أَعْتَقَ مُؤْمِنًا أَعْتَقَ اللَّهُ تَعَالَى بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ» وَلِهَذَا اسْتَحَبُّوا أَنْ يُعْتِقَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ وَالْمَرْأَةُ الْأَمَةَ لِيَتَحَقَّقَ مُقَابَلَةُ الْأَعْضَاءِ بِالْأَعْضَاءِ. قَالَ (الْعِتْقُ يَصِحُّ مِنْ الْحُرِّ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ فِي مِلْكِهِ) شَرْطُ الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ وَلَا مِلْكَ لِلْمَمْلُوكِ وَالْبُلُوغِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْعَتَاقِ] ذَكَرَ الْعَتَاقَ بَعْدَ الطَّلَاقِ لِمُنَاسَبَتِهِ لَهُ فِي أَنَّهُ إسْقَاطٌ بُنِيَ عَلَى السِّرَايَةِ وَاللُّزُومِ كَالطَّلَاقِ حَتَّى صَحَّ التَّعْلِيقُ وَصَارَ إعْتَاقُ الْبَعْضِ كَإِعْتَاقِ الْكُلِّ إمَّا إفْسَادًا فِي الْمِلْكِ أَوْ تَحْقِيقًا لِلْعِتْقِ وَلَمْ يَقْبَلْ الْفَسْخَ بَعْدَ الثُّبُوتِ كَالطَّلَاقِ. وَمِنْ مَحَاسِنِهِ، أَنَّهُ إحْيَاءٌ حُكْمِيٌّ يُخْرِجُ الْعَبْدَ عَنْ كَوْنِهِ مُلْحَقًا بِالْجَمَادَاتِ إلَى كَوْنِهِ أَهْلًا لِلْكَرَامَاتِ الْبَشَرِيَّةِ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَالْوِلَايَةِ. وَتَفْسِيرُهُ فِي اللُّغَةِ الْقُوَّةُ، يُقَالُ: عَتَقَ الْفَرْخُ إذَا قَوِيَ وَطَارَ عَنْ وَكْرِهِ. وَفِي الشَّرِيعَةِ: قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ يَصِيرُ الْمَرْءُ بِهَا أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ وَالْوِلَايَةِ وَالْقَضَاءِ. وَأَسْبَابُهُ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا الْإِعْتَاقُ، وَمِنْهَا دَعْوَى النَّسَبِ، وَمِنْهَا الِاسْتِيلَادُ، وَمِنْهَا مِلْكُ الْقَرِيبِ، وَمِنْهَا زَوَالُ يَدِ الْكَافِرِ عَنْهُ كَمَا إذَا اشْتَرَى الْحَرْبِيُّ فِي دَارِنَا عَبْدًا مُسْلِمًا فَدَخَلَ بِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمِنْهَا الْإِقْرَارُ بِحُرِّيَّةِ الْعَبْدِ إذَا اشْتَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَشَرْطُهُ كَوْنُ الْمُعْتِقِ حُرًّا بَالِغًا مَالِكًا مِلْكَ الْيَمِينِ. وَرُكْنُهُ مَا ثَبَتَ بِهِ الْعِتْقُ؛ وَهُوَ نَوْعَانِ: صَرِيحٌ، وَكِنَايَةٌ. وَحُكْمُهُ زَوَالُ الرِّقِّ وَالْمِلْكِ عَنْ الْمَحَلِّ. وَأَنْوَاعُهُ الْمُرْسَلُ وَالْمُعَلَّقُ وَالْمُضَافُ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا بِبَدَلٍ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ سِوَى أَلْفَاظٍ نَذْكُرُهَا. (قَوْلُهُ شَرَطَ الْحُرِّيَّةَ لِأَنَّ الْعِتْقَ) يَعْنِي الْإِعْتَاقَ لِأَنَّهُ قَالَ وَالْبُلُوغُ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ وَالصَّبِيُّ مِنْ أَهْلِ الْعِتْقِ.

لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ لِكَوْنِهِ ضَرَرًا ظَاهِرًا، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُهُ الْوَلِيُّ عَلَيْهِ، وَالْعَقْلِ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلتَّصَرُّفِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ الْبَالِغُ: أَعْتَقْت وَأَنَا صَبِيٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَكَذَا إذَا قَالَ الْمُعْتِقُ أَعْتَقْت وَأَنَا مَجْنُونٌ وَجُنُونُهُ كَانَ ظَاهِرًا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَرِثَ أَخَاهُ عَتَقَ عَلَيْهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ بِالْعِتْقِ الْإِعْتَاقَ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ لِكَوْنِهِ ضَرَرًا مَحْضًا، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلتَّصَرُّفِ فَإِنَّ الْإِعْتَاقَ تَصَرُّفٌ لَا الْعِتْقُ. وَقَوْلُهُ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ شَرْطًا إذَا قَالَ الْبَالِغُ أَعْتَقْت وَأَنَا صَبِيٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أُسْنِدَ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ الْإِعْتَاقَ كَانَ إنْكَارًا مِنْهُ لِلْإِعْتَاقِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ. وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِقَوْلٍ مُلْزِمٍ: يَعْنِي لِأَنَّ الصِّبَا يُوجِبُ الْحَجْرَ

لِوُجُودِ الْإِسْنَادِ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ، وَكَذَا لَوْ قَالَ الصَّبِيُّ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ إذَا احْتَلَمْت لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِقَوْلٍ مُلْزِمٍ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ فِي مِلْكِهِ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَ غَيْرِهِ لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ ابْنُ آدَمَ» . (وَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ مُعْتَقٌ أَوْ عَتِيقٌ أَوْ مُحَرَّرٌ أَوْ قَدْ حَرَّرْتُك أَوْ قَدْ أَعْتَقْتُك فَقَدْ عَتَقَ نَوَى بِهِ الْعِتْقَ أَوْ لَمْ يَنْوِ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ صَرِيحَةٌ فِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ الْأَقْوَالِ. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ بَلْ هُوَ أَهْلٌ لَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ صَبِيًّا لَوْ أَقَرَّ بِالرِّقِّ لَزِمَهُ حَتَّى لَوْ ادَّعَى بَعْدَ الْبُلُوغِ حُرِّيَّةَ الْأَصْلِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُلْزَمَ ثَمَّةَ هُوَ يَدُ صَاحِبِ الْيَدِ وَإِقْرَارُهُ مُؤَكَّدٌ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ أَنْتَ حُرٌّ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: الْأَلْفَاظُ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا الْعِتْقُ نَوْعَانِ: صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ. فَالصَّرِيحُ لَفْظُ الْعِتْقِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْوَلَاءِ سَوَاءٌ ذَكَرَ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ أَوْ الْوَصْفِ أَوْ النِّدَاءِ، أَمَّا صِيغَةُ الْخَبَرِ فَأَنْ يَقُولَ قَدْ أَعْتَقْتُك أَوْ حَرَّرْتُك، وَأَمَّا صِيغَةُ الْوَصْفِ فَأَنْ يَقُولَ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ أَنْتَ

لِأَنَّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِيهِ شَرْعًا وَعُرْفًا فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ النِّيَّةِ وَالْوَضْعِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْإِخْبَارِ فَقَدْ جُعِلَ إنْشَاءً فِي التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْحَاجَةِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِمَا (وَلَوْ قَالَ عَنَيْت بِهِ الْإِخْبَارَ الْبَاطِلَ أَوْ أَنَّهُ حُرٌّ مِنْ الْعَمَلِ صُدِّقَ دِيَانَةً) ـــــــــــــــــــــــــــــQعَتِيقٌ، وَأَمَّا الْمُنَادَى فَأَنْ يَقُولَ يَا حُرُّ يَا عَتِيقُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ هَذَا مَوْلَايَ إلَخْ

لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ (وَلَا يَدِينُ قَضَاءً) لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ (وَلَوْ قَالَ لَهُ يَا حُرُّ يَا عَتِيق يُعْتَقُ) لِأَنَّهُ نِدَاءٌ بِمَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الْعِتْقِ وَهُوَ لِاسْتِحْضَارِ الْمُنَادَى بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ هَذَا هُوَ حَقِيقَتُهُ فَيَقْتَضِي تَحَقُّقَ الْوَصْفِ فِيهِ وَأَنَّهُ يَثْبُتُ مِنْ جِهَتِهِ فَيَقْضِي بِثُبُوتِهِ تَصْدِيقًا لَهُ فِيمَا أَخْبَرَ، وَسَنُقَرِّرُهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا إذَا سَمَّاهُ حُرًّا ثُمَّ نَادَاهُ يَا حُرُّ لِأَنَّ مُرَادَهُ الْإِعْلَامُ بِاسْمٍ عَلِمَهُ وَهُوَ مَا لَقَّبَهُ بِهِ. وَلَوْ نَادَاهُ بِالْفَارِسِيَّةِ يَا آزَادَ وَقَدْ لَقَّبَهُ بِالْحُرِّ قَالُوا يُعْتَقُ، وَكَذَا عَكْسُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنِدَاءٍ بِاسْمٍ عَلِمَهُ فَيُعْتَبَرُ إخْبَارًا عَنْ الْوَصْفِ. (وَكَذَا لَوْ قَالَ رَأْسُكَ حُرٌّ أَوْ وَجْهُكَ أَوْ رَقَبَتُكَ أَوْ بَدَنُكَ أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ فَرْجُك حُرٌّ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَقَدْ مَرَّ فِي الطَّلَاقِ، وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى جُزْءٍ شَائِعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَسَنُقَرِّرُهُ مِنْ بَعْدُ) أَرَادَ بِهِ قَوْلَهُ فِي مَسْأَلَةِ يَا ابْنِي عَلَى مَا سَيَجِيءُ. وَقَوْلُهُ (إلَّا إذَا سَمَّاهُ حُرًّا) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ قَالَ لَهُ يَا حُرٌّ (قَوْلُهُ وَكَذَا عَكْسُهُ) يَعْنِي بِأَنْ نَادَاهُ بِقَوْلِهِ يَا حُرُّ وَكَانَ لَقَبُهُ آزَادَ. وَقَوْلُهُ (فَيُعْتَبَرُ إخْبَارًا عَنْ الْوَصْفِ) قِيلَ فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ " حُرٌّ " عَلَمًا لَهُ كَانَ قَوْلُهُ يَا حُرُّ إنْشَاءً لِلْحُرِّيَّةِ لَا إخْبَارًا عَنْ الْوَصْفِ.

يَقَعُ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ، وَسَيَأْتِيك الِاخْتِلَافُ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى جُزْءٍ مُعَيَّنٍ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ لَا يَقَعُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي الطَّلَاقِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ. (وَلَوْ قَالَ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك وَنَوَى بِهِ الْحُرِّيَّةَ عَتَقَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَمْ يُعْتَقْ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك لِأَنِّي بِعْتُك، وَيُحْتَمَلُ لِأَنِّي أَعْتَقْتُك فَلَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا مُرَادًا إلَّا بِالنِّيَّةِ قَالَ (وَكَذَا كِنَايَاتُ الْعِتْقِ) وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ خَرَجْتِ مِنْ مِلْكِي وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْكِ وَلَا رِقَّ لِي عَلَيْكِ وَقَدْ خَلَّيْتُ سَبِيلَكِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ نَفْيَ السَّبِيلِ وَالْخُرُوجَ عَنْ الْمِلْكِ وَتَخْلِيَةُ السَّبِيلِ بِالْبَيْعِ أَوْ الْكِتَابَةِ كَمَا يَحْتَمِلُ بِالْعِتْقِ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ، وَكَذَا قَوْلُهُ لِأَمَتِهِ قَدْ أَطْلَقْتُك لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ خَلَّيْتُ سَبِيلَكِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِخِلَافِ قَوْلِهِ طَلَّقْتُك عَلَى مَا نُبَيِّنُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلَوْ قَالَ لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْكِ وَنَوَى الْعِتْقَ لَمْ يُعْتَقْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَمًا كَانَ الْمُنَادَى فِي الْحَقِيقَةِ ذَاتًا مَوْصُوفَةً بِصِفَةِ الْحُرِّيَّةِ، وَالْوَصْفُ فِي الْحَقِيقَةِ خَبَرٌ عَنْ الْمَوْصُوفِ، وَكَانَ النِّدَاءُ إخْبَارًا بِأَنَّ الْمُنَادَى مَوْصُوفٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ. وَقَوْلُهُ (وَسَيَأْتِيك الِاخْتِلَافُ فِيهِ) يُرِيدُ الِاخْتِلَافَ فِي تَجَزِّي الْإِعْتَاقِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، وَقَوْلُهُ (وَقَدْ بَيَّنَّاهُ) يَعْنِي فِي الطَّلَاقِ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا قَوْلُهُ لِأَمَتِهِ قَدْ أَطْلَقْتُك) يَعْنِي إنْ نَوَى الْعِتْقَ يَقَعُ لِكَوْنِهِ بِمَنْزِلَةِ خَلَّيْت سَبِيلَك لِمُنَاسَبَةِ الْإِرْسَالِ تَخْلِيَةَ السَّبِيلِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ طَلَّقْتُك فَإِنَّهَا لَا تَعْتِقُ لِأَنَّهُ صَارَ صَرِيحًا فِي الطَّلَاقِ عَنْ النِّكَاحِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْعِتْقُ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ وَقَوْلُهُ لِأَنَّ السُّلْطَانَ عِبَارَةٌ عَنْ الْيَدِ، يُقَالُ لِفُلَانٍ سَلْطَنَةٌ وَيُرَادُ بِهَا الْقُدْرَةُ الثَّابِتَةُ مِنْ حَيْثُ الْيَدُ وَالِاسْتِيلَاءُ فَنَفْيُهُ نَفْيٌ لِلْيَدِ وَكَأَنَّهُ قَالَ لَا يَدَ لِي عَلَيْك، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ وَنَوَى بِهِ الْعِتْقَ لَمْ يَعْتِقْ لِجَوَازِ أَنْ تَزُولَ الْيَدُ وَيَبْقَى الْمِلْكُ كَمَا فِي الْمُكَاتَبِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك لِأَنَّ السَّبِيلَ الْمُضَافَ إلَى الْعَبْدِ كِنَايَةٌ عَنْ الْمِلْكِ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إلَى نَفَاذِ التَّصَرُّفِ فِيهِ. وَلَوْ نَفَى الْمِلْكَ بِأَنْ قَالَ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك وَنَوَى الْعِتْقَ عَتَقَ. فَإِنْ قِيلَ: زَوَالُ الْيَدِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَلْزُومًا لِزَوَالِ الْمِلْكِ أَوْ لَازِمًا لَهُ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلْيَكُنْ مَجَازًا لِأَنَّ الْمَجَازَ ذِكْرُ الْمَلْزُومِ وَإِرَادَةُ اللَّازِمِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلْيَكُنْ كِنَايَةً لِأَنَّ الْكِنَايَةَ ذِكْرُ اللَّازِمِ وَإِرَادَةُ الْمَلْزُومِ. فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَلْزُومٍ لِزَوَالِ الْمِلْكِ لِانْفِكَاكِهِ عَنْهُ كَمَا فِي الْمُكَاتَبِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَلَا بِلَازِمٍ لَهُ لِانْفِكَاكِ زَوَالِ الْمِلْكِ عَنْهُ فَإِنَّ الْمِلْكَ يَزُولُ بِالْبَيْعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَالْيَدَ بَاقٍ إلَى أَنْ يُسَلِّمَ.

لِأَنَّ السُّلْطَانَ عِبَارَةٌ عَنْ الْيَدِ، وَسُمِّيَ السُّلْطَانُ بِهِ لِقِيَامِ يَدِهِ وَقَدْ يَبْقَى الْمِلْكُ دُونَ الْيَدِ كَمَا فِي الْمُكَاتَبِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك لِأَنَّ نَفْيَهُ مُطْلَقًا بِانْتِفَاءِ الْمِلْكِ لِأَنَّ لِلْمَوْلَى عَلَى الْمُكَاتَبِ سَبِيلًا فَلِهَذَا يَحْتَمِلُ الْعِتْقَ. (وَلَوْ قَالَ هَذَا ابْنِي ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (لِأَنَّ لِلْمَوْلَى عَلَى الْمُكَاتَبِ سَبِيلًا) يَعْنِي مِنْ حَيْثُ الْمُطَالَبَةُ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ، حَتَّى إذَا انْتَفَى ذَلِكَ بِالْبَرَاءَةِ عَنْهُ يَعْتِقُ. قَالَ (وَلَوْ قَالَ هَذَا ابْنِي) وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ الَّذِي يُولَدُ

وَثَبَتَ عَلَى ذَلِكَ عَتَقَ) وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ ذَكَرَهُ بَعْدَ هَذَا؛ ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ لِأَنَّ وِلَايَةَ الدَّعْوَةِ بِالْمِلْكِ ثَابِتَةٌ وَالْعَبْدُ مُحْتَاجٌ إلَى النَّسَبِ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَإِذَا ثَبَتَ عَتَقَ لِأَنَّهُ يَسْتَنِدُ النَّسَبُ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ لِلتَّعَذُّرِ وَيُعْتَقُ إعْمَالًا لِلَّفْظِ فِي مَجَازِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ إعْمَالِهِ بِحَقِيقَتِهِ، وَوَجْهُ الْمَجَازِ نَذْكُرُهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلَوْ قَالَ هَذَا مَوْلَايَ أَوْ يَا مَوْلَايَ عَتَقَ) . أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ اسْمَ الْمَوْلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQمِثْلُهُ لِمِثْلِهِ وَلَيْسَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ هَذَا ابْنِي (وَثَبَتَ عَلَى ذَلِكَ) ثَبَتَ النَّسَبُ فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ ثَبَتَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَدَّعِ بِهِ الْكَرَامَةَ وَالشَّفَقَةَ، كَذَا فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ لِأَبِي الْفَضْلِ، حَتَّى لَوْ ادَّعَى ذَلِكَ صُدِّقَ. وَقِيلَ الثَّبَاتُ شَرْطُ النَّسَبِ لِكَوْنِ الرُّجُوعِ عَنْهُ صَحِيحًا دُونَ الْعِتْقِ. وَقِيلَ هُوَ شَرْطٌ اتِّفَاقِيٌّ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ وِلَايَةَ الدَّعْوَةِ بِالْمِلْكِ ثَابِتَةٌ وَالْعَبْدُ مُحْتَاجٌ إلَى النَّسَبِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ (وَإِذَا ثَبَتَ عَتَقَ لِاسْتِنَادِ النَّسَبِ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ وَإِنْ كَانَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ تَعَذَّرَ ثُبُوتُ النَّسَبِ لَكِنَّهُ يَعْتِقُ إعْمَالًا لِلَّفْظِ فِي مَجَازِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ) وَسَيَجِيءُ بَيَانُ تَجَوُّزِ الْمَجَازِ (وَلَوْ قَالَ هَذَا مَوْلَايَ) ظَاهِرٌ. وَقِيلَ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ مَعْنَى الْمَوْلَى هُوَ الْمَشْهُورُ فَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُسْتَعْمَلُ فِي ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ مَعْنًى، ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ. أَمَّا مَجِيئُهُ بِمَعْنَى النَّاصِرِ فَكَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد: 11] وَأَمَّا بِمَعْنَى ابْنِ الْعَمِّ فَكَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي} [مريم: 5]

وَإِنْ كَانَ يَنْتَظِمُ النَّاصِرَ وَابْنَ الْعَمِّ وَالْمُوَالَاةُ فِي الدِّينِ وَالْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ فِي الْعَتَاقَةِ إلَّا أَنَّهُ تَعَيَّنَ الْأَسْفَلُ فَصَارَ كَاسْمٍ خَاصٍّ لَهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَنْصِرُ بِمَمْلُوكِهِ عَادَةً وَلِلْعَبْدِ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ فَانْتَفَى الْأَوَّلُ. وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ نَوْعُ مَجَازٍ، وَالْكَلَامُ لِلْحَقِيقَةِ وَالْإِضَافَةُ إلَى الْعَبْدِ تُنَافِي كَوْنَهُ مُعْتَقًا فَتَعَيَّنَ الْمَوْلَى الْأَسْفَلُ فَالْتَحَقَ بِالصَّرِيحِ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ: هَذِهِ مَوْلَاتِي لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ قَالَ: عَنَيْت بِهِ الْمَوْلَى فِي الدِّينِ أَوْ الْكَذِبَ يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ لِمُخَالَفَتِهِ الظَّاهِرَ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَمَّا تَعَيَّنَ الْأَسْفَلُ مُرَادًا الْتَحَقَ بِالصَّرِيحِ وَبِالنِّدَاءِ بِاللَّفْظِ الصَّرِيحِ يُعْتَقُ بِأَنْ قَالَ: يَا حُرُّ يَا عَتِيقُ فَكَذَا النِّدَاءُ بِهَذَا اللَّفْظِ. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُعْتَقُ فِي الثَّانِي لِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِهِ الْإِكْرَامَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ يَا سَيِّدِي يَا مَالِكِي. قُلْنَا: الْكَلَامُ لِحَقِيقَتِهِ وَقَدْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِ، بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَخْتَصُّ بِالْعِتْقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَالثَّالِثُ نَوْعُ مَجَازٍ) يَعْنِي الْمُوَالَاةَ فِي الدِّينِ لِأَنَّ الْمَوْلَى مُشْتَقٌّ مِنْ الْوَلِيِّ وَهُوَ الْقُرْبُ وَلَا قُرْبَ بَيْنَ الْمَشْرِقِيِّ وَالْمَغْرِبِيِّ مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ وَلَا مِنْ حَيْثُ النَّسَبُ وَلَا مِنْ حَيْثُ الْمَكَانُ فَيُعْتَبَرُ الْقُرْبُ مِنْ حَيْثُ الدِّينُ وَلِهَذَا جَازَ نَفْيُهُ، كَذَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ وَمُصَحَّحُهُ الْفَرْضُ وَالتَّقْدِيرُ. وَقَوْلُهُ (فَالْتَحَقَ بِالصَّرِيحِ) يَعْنِي بِدَلَالَةِ الْحَالِ فِي الْمَحَلِّ وَهُوَ كَوْنُهُ عَبْدًا. وَقَوْلُهُ (وَأَمَّا الثَّانِي) يَعْنِي بِهِ قَوْلَهُ يَا مَوْلَايَ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ) يَعْنِي قَوْلَهُ يَا سَيِّدِي يَا مَالِكِي

فَكَانَ إكْرَامًا مَحْضًا. (وَلَوْ قَالَ يَا ابْنِي أَوْ يَا أَخِي لَمْ يَعْتِقْ) لِأَنَّ النِّدَاءَ لِإِعْلَامِ الْمُنَادَى إلَّا أَنَّهُ إذْ كَانَ بِوَصْفٍ يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَتِهِ كَانَ لِتَحْقِيقِ ذَلِكَ الْوَصْفِ فِي الْمُنَادَى اسْتِحْضَارًا لَهُ بِالْوَصْفِ الْمَخْصُوصِ كَمَا فِي قَوْلِهِ يَا حُرُّ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَإِذَا كَانَ النِّدَاءُ بِوَصْفٍ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَتِهِ كَانَ لِلْإِعْلَامِ الْمُجَرَّدِ دُونَ تَحْقِيقِ الْوَصْفِ فِيهِ لِتَعَذُّرِهِ وَالْبُنُوَّةُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا حَالَةَ النِّدَاءِ مِنْ جِهَتِهِ لِأَنَّهُ لَوْ انْخَلَقَ مِنْ مَاءِ غَيْرِهِ لَا يَكُونُ ابْنًا لَهُ بِهَذَا النِّدَاءِ فَكَانَ لِمُجَرَّدِ الْإِعْلَامِ. وَيُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - شَاذًّا أَنَّهُ يُعْتَقُ فِيهِمَا وَالِاعْتِمَادُ عَلَى الظَّاهِرِ. وَلَوْ قَالَ: يَا ابْنُ لَا يُعْتَقُ لِأَنَّ الْأَمْرَ كَمَا أَخْبَرَ فَإِنَّهُ ابْنُ أَبِيهِ، وَكَذَا إذَا قَالَ: يَا بُنَيَّ أَوْ يَا بُنَيَّةُ لِأَنَّهُ تَصْغِيرُ الِابْنِ وَالْبِنْتِ مِنْ غَيْرِ إضَافَةٍ وَالْأَمْرُ كَمَا أَخْبَرَ. (وَإِنْ قَالَ لِغُلَامٍ لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ هَذَا ابْنِي عَتَقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَقَالَا: لَا يُعْتَقُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَخْتَصُّ بِالْعِتْقِ، مَعْنَاهُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ يَا مَوْلَايَ يَا مَنْ عَلَيْهِ وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ حَيْثُ تَعَيَّنَ الْأَسْفَلُ مُرَادًا فَيَثْبُتُ بِهَذَا الْقَوْلِ مَا يَخْتَصُّ بِالْعِتْقِ وَهُوَ الْوَلَاءُ وَهُوَ يَقْتَضِي سَابِقَةَ الْعِتْقِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ يَا سَيِّدِي يَا مَالِكِي فَإِنَّ مَعْنَاهُ يَا مَنْ لَهُ السِّيَادَةُ وَالْمِلْكُ عَلَيَّ وَلَمْ يَثْبُتْ بِهِ شَيْءٌ يَخْتَصُّ بِالْعِتْقِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمَجَازِ وَهُوَ الْإِكْرَامُ وَالتَّلَطُّفُ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ قَالَ يَا ابْنِي أَوْ يَا أَخِي لَمْ يَعْتِقْ) فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ يَا حُرُّ فِي وُقُوعِ الْعِتْقِ بِهِ دُونَهُمَا لِأَنَّ النِّدَاءَ إذَا كَانَ بِوَصْفٍ يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَتِهِ كَانَ النِّدَاءُ لِتَحَقُّقِ ذَلِكَ الْوَصْفِ فِي الْمُنَادَى اسْتِحْضَارًا لَهُ بِالْوَصْفِ الْمَخْصُوصِ كَمَا هُوَ فِي قَوْلِهِ يَا حُرُّ فَإِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إثْبَاتِ صِفَةِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ مِنْ جِهَتِهِ فِي الْحَالِ (عَلَى مَا بَيَّنَّا) يَعْنِي فِي قَوْلِهِ لِأَنَّهُ نِدَاءٌ بِمَا هُوَ صَرِيحٌ وَهُوَ لِاسْتِحْضَارِ الْمُنَادَى إلَخْ، وَإِذَا كَانَ بِوَصْفٍ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَتِهِ كَانَ لِلْإِعْلَامِ الْمُجَرَّدِ دُونَ تَحْقِيقِ الْوَصْفِ فِيهِ لِتَعَذُّرِهِ، وَالْبُنُوَّةُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا حَالَةَ النِّدَاءِ مِنْ جِهَتِهِ لِأَنَّهُ لَوْ انْخَلَقَ مِنْ مَاءِ غَيْرِهِ لَا يَكُونُ ابْنًا لَهُ بِهَذَا النِّدَاءِ فَكَانَ لِمُجَرَّدِ الْإِعْلَامِ، هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ (وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَعْتِقَ فِيهِمَا) أَيْ فِي قَوْلِهِ يَا ابْنِي يَا أَخِي. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعِتْقَ يَقَعُ بِالنِّدَاءِ بِثَلَاثَةِ أَلْفَاظٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَا حُرُّ يَا عَتِيقُ يَا مَوْلَايَ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بِخَمْسَةِ أَلْفَاظٍ بِالثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ وَبِقَوْلِهِ يَا ابْنِي وَيَا أَخِي وَالِاعْتِمَادُ عَلَى الظَّاهِرِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ قَالَ يَا ابْنُ) ظَاهِرٌ. قَالَ (وَإِنْ قَالَ لِغُلَامٍ لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ) إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ وَهُوَ أَكْبَرُ سِنًّا مِنْهُ (هَذَا ابْنِي عَتَقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَا يَعْتِقُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوَّلًا (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ) وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمَجَازَ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي الْحُكْمِ عِنْدَهُمَا، وَفِي

لَهُمْ أَنَّهُ كَلَامٌ مُحَالُ الْحَقِيقَةِ فَيُرَدُّ فَيَلْغُو كَقَوْلِهِ أَعْتَقْتُك قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ أَوْ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ كَلَامٌ مُحَالٌ بِحَقِيقَتِهِ لَكِنَّهُ صَحِيحٌ بِمَجَازِهِ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ حُرِّيَّتِهِ مِنْ حِينِ مَلَكَهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْبُنُوَّةَ فِي الْمَمْلُوكِ سَبَبٌ لِحُرِّيَّتِهِ، إمَّا إجْمَاعًا أَوْ صِلَةً لِلْقَرَابَةِ، وَإِطْلَاقُ السَّبَبِ وَإِرَادَةُ الْمُسَبَّبِ مُسْتَجَازٌ فِي اللُّغَةِ تَجَوُّزًا، وَلِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ مُلَازِمَةٌ لِلْبُنُوَّةِ فِي الْمَمْلُوكِ وَالْمُشَابَهَةُ فِي وَصْفٍ مُلَازِمٍ مِنْ طُرُقِ الْمَجَازِ عَلَى مَا عُرِفَ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ تَحَرُّزًا عَنْ الْإِلْغَاءِ، بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَهُ فِي الْمَجَازِ فَتَعَيَّنَ الْإِلْغَاءُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ قَطَعْت يَدَك فَأَخْرَجَهُمَا صَحِيحَتَيْنِ حَيْثُ لَمْ يُجْعَلْ مَجَازًا عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ وَالْتِزَامِهِ وَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الْمَالِ لِأَنَّ الْقَطْعَ خَطَأٌ سَبَبٌ لِوُجُوبِ مَالٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ الْأَرْشُ، وَأَنَّهُ يُخَالِفُ مُطْلَقَ الْمَالِ فِي الْوَصْفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّكَلُّمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ فَقَالَا: الْحُكْمُ هَاهُنَا مُحَالٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْمَجَازُ، بِخِلَافِ الْأَصْغَرِ سِنًّا فَإِنَّ الْحَقِيقَةَ فِيهِ مُتَصَوَّرَةٌ لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ الْعُلُوقُ مِنْهُ وَاشْتَهَرَ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ أَعْتَقْتُك قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ أَوْ تُخْلَقَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَصَوُّرُ حُكْمِ الْحَقِيقَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ لِحُرَّةٍ اشْتَرَيْتُك بِكَذَا كَانَ نِكَاحًا صَحِيحًا، وَالْحُرَّةُ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لِلْبَيْعِ بَلْ الشَّرْطُ صِحَّةُ التَّكَلُّمِ. وَقَوْلُهُ هَذَا ابْنِي كَلَامٌ صَحِيحٌ فِي مَحَلِّهِ مِنْ مُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ وَهُوَ مَلْزُومٌ لِقَوْلِهِ هَذَا حُرٌّ مِنْ حِينِ مَلَكْت لِأَنَّ الْبُنُوَّةَ إذَا ثَبَتَتْ فِي الْمَمْلُوكِ كَانَ حُرًّا مِنْ حِينِ الْعُلُوقِ وَذِكْرُ الْمَلْزُومِ وَإِرَادَةُ اللَّازِمِ هُوَ الْمَجَازُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ هَذَا حُرٌّ مِنْ حِينِ مَلَكْته وَذَلِكَ يُوجِبُ الْعِتْقَ لَا مَحَالَةَ فَيُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ تَصْحِيحًا لِكَلَامِهِ، بِخِلَافِ مَا اُسْتُشْهِدَ بِهِ عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلْمَجَازِ إذْ لَيْسَ قَوْلُهُ أَعْتَقْتُك قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ مَلْزُومًا لِقَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ مِنْ حِينِ مَلَكْت لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَقْتَضِي عَدَمَ وُرُودِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ وَالثَّانِيَ يَقْتَضِي وُرُودَهُ أَلْبَتَّةَ، وَالشَّيْءُ لَا يَكُونُ مَلْزُومًا لِمَا يُنَافِيهِ وَإِلَّا لَزِمَ انْفِكَاكُ الْمَلْزُومِ عَنْ اللَّازِمِ وَهُوَ مُحَالٌ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا يُخَالِفُ مَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ قَطَعْت يَدَك فَأَخْرَجَهُمَا صَحِيحَتَيْنِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَوْ كَانَ صِحَّةُ ذِكْرِ الْمَلْزُومِ وَإِرَادَةِ اللَّازِمِ مُجَوِّزَةً لِلْمَجَازِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحُكْمُ مُتَصَوَّرًا لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْأَرْشُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّ الْقَطْعَ خَطَأً سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْمَالِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ قَطَعْت يَدَك مَجَازًا عَنْ قَوْلِهِ لَك عَلَيَّ خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ. وَتَقْرِيرُ جَوَابِهِ أَنَّ الْقَطْعَ خَطَأً لَيْسَ بِسَبَبٍ لِمَالٍ مُطْلَقٍ بَلْ لِمَا يُخَالِفُ الْمَالَ الْمُطْلَقَ فِي الْوَصْفِ وَهُوَ الْأَرْشُ.

حَتَّى وَجَبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَتَيْنِ وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِدُونِ الْقَطْعِ، وَمَا أَمْكَنَ إثْبَاتُهُ فَالْقَطْعُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لَهُ، أَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَلَا تَخْتَلِفُ ذَاتًا وَحُكْمًا فَأَمْكَنَ جَعْلُهُ مَجَازًا عَنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQحَتَّى وَجَبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَتَيْنِ) بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَذَلِكَ الْمَالُ الَّذِي هُوَ مُسَبَّبٌ عَنْ الْقَطْعِ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِدُونِ الْقَطْعِ، فَمَا هُوَ مُسَبَّبٌ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ، وَمَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ لَيْسَ بِمُسَبَّبٍ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ مِمَّا تَعَذَّرَ فِيهِ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ فَيَلْغُو، أَمَّا الْحَقِيقَةُ فَظَاهِرَةٌ، وَأَمَّا الْمَجَازُ فَلِأَنَّ قَطْعَ الْيَدِ خَطَأً مَلْزُومٌ لِلْأَرْشِ الَّذِي هُوَ مَلْزُومٌ لِلْقَطْعِ وَاللَّازِمُ وَهُوَ الْقَطْعُ مُنْتَفٍ فَالْمَلْزُومُ وَهُوَ الْأَرْشُ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (أَمَّا الْحُرِّيَّةُ لَا تَخْتَلِفُ) مَعْنَاهُ الْحُرِّيَّةُ الَّتِي جَعَلْنَا قَوْلَهُ هَذَا ابْنِي وَهِيَ الْحُرِّيَّةُ مِنْ حِينِ مَلَكَ مَجَازًا عَنْهَا لَا تَخْتَلِفُ ذَاتًا وَهُوَ زَوَالُ الرِّقِّ وَلَا حُكْمًا وَهُوَ صَلَاحِيَتُهُ لِلْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ وَالْوِلَايَاتِ كُلِّهَا (فَأَمْكَنَ جَعْلُهُ) أَيْ جَعْلُ قَوْلِهِ هَذَا ابْنِي (مَجَازًا عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْحُرِّيَّةِ عَلَى تَأْوِيلِ الْعِتْقِ

وَلَوْ قَالَ: هَذَا أَبِي أَوْ أُمِّي وَمِثْلُهُ لَا يُولَدُ لِمِثْلِهِمَا فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ قَالَ لِصَبِيٍّ صَغِيرٍ: هَذَا جَدِّي قِيلَ: هُوَ عَلَى الْخِلَافِ. وَقِيلَ: لَا يُعْتَقُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا مُوجِبَ لَهُ فِي الْمِلْكِ إلَّا بِوَاسِطَةٍ وَهُوَ الْأَبُ وَهِيَ غَيْرُ ثَابِتَةٍ فِي كَلَامِهِ فَتَعَذَّرَ أَنْ يُجْعَلَ مَجَازًا عَنْ الْمُوجِبِ. بِخِلَافِ الْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ لِأَنَّ لَهُمَا مُوجِبًا فِي الْمِلْكِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ الْمَذْكُورِ (وَلَوْ قَالَ هَذَا أَبِي أَوْ أُمِّي وَمِثْلُهُ لَا يُولَدُ لِمِثْلِهِمَا فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ) وَهُوَ الْأَظْهَرُ. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) يَعْنِي مِنْ الْوَجْهِ فِي الْجَانِبَيْنِ فِي قَوْلِهِ هَذَا ابْنِي (وَلَوْ قَالَ لِصَبِيٍّ صَغِيرٍ هَذَا جَدِّي قِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ) وَالْوَجْهُ مَا تَقَدَّمَ (وَقِيلَ لَا يَعْتِقُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا مُوجِبَ لَهُ فِي الْمِلْكِ مِنْ بُنُوَّةٍ أَوْ حُرِّيَّةٍ) إلَّا بِوَاسِطَةٍ وَهُوَ الْأَبُ وَهِيَ غَيْرُ ثَابِتَةٍ فِي كَلَامِهِ (فَتَعَذَّرَ أَنْ يُجْعَلَ مَجَازًا عَنْ الْمُوجِبِ) وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْوَاسِطَةَ لَوْ كَانَتْ مَذْكُورَةً مِثْلَ أَنْ يَقُولَ هَذَا جَدِّي أَبُو أَبِي عَتَقَ وَقَدْ ذَكَرَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ (بِخِلَافِ الْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ) لِأَنَّ لَهُمَا مُوجِبًا فِي الْمِلْكِ بِلَا وَاسِطَةٍ

وَلَوْ قَالَ: هَذَا أَخِي لَا يُعْتَقُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُعْتَقُ. وَوَجْهُ الرِّوَايَتَيْنِ مَا بَيَّنَّاهُ. وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ هَذَا ابْنَتِي فَقَدْ قِيلَ عَلَى الْخِلَافِ، وَقِيلَ هُوَ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ قَالَ هَذَا أَخِي لَا يَعْتِقُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَعْتِقُ، وَوَجْهُ الرِّوَايَتَيْنِ مَا بَيَّنَّا) أَمَّا وَجْهُ رِوَايَةِ الْعِتْقِ فَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْبُنُوَّةَ فِي الْمَمْلُوكِ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ إلَخْ، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا الْأُخُوَّةُ فِي الْمِلْكِ تُوجِبُ الْعِتْقَ، وَأَمَّا وَجْهُ رِوَايَةِ عَدَمِ الْعِتْقِ فَلِقَوْلِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْجَدِّ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا مُوجِبَ لَهُ فِي الْمِلْكِ إلَّا بِوَاسِطَةٍ، وَكَذَلِكَ هَاهُنَا الْأُخُوَّةُ لَا تَكُونُ إلَّا بِوَاسِطَةِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ مُجَاوَرَةٍ فِي صُلْبٍ أَوْ رَحِمٍ وَهَذِهِ الْوَاسِطَةُ غَيْرُ مَذْكُورَةٍ. وَلَا مُوجِبَ لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ بِدُونِ هَذِهِ الْوَاسِطَةِ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: إنَّ اخْتِلَافَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْأَخِ إنَّمَا كَانَ إذَا ذَكَرَهُ مُطْلَقًا بِأَنْ قَالَ هَذَا أَخِي، فَأَمَّا إذَا ذَكَرَهُ مُقَيَّدًا وَقَالَ هَذَا أَخِي لِأَبِي أَوْ لِأُمِّي فَيَعْتِقُ مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ لِمَا أَنَّ مُطْلَقَ الْأُخُوَّةِ مُشْتَرَكٌ قَدْ يُرَادُ بِهَا الْأُخُوَّةُ فِي الدِّينِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] وَقَدْ يُرَادُ بِهَا الِاتِّحَادُ فِي الْقَبِيلَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [الأعراف: 65] وَقَدْ يُرَادُ بِهَا الْأُخُوَّةُ فِي النَّسَبِ، وَالْمُشْتَرَكُ لَا يَكُونُ حُجَّةً. فَإِنْ قِيلَ: الْبُنُوَّةُ أَيْضًا تَخْتَلِفُ بَيْنَ نَسَبٍ وَرَضَاعٍ فَكَيْفَ يَثْبُتُ الْعِتْقُ بِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ هَذَا ابْنِي؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْبُنُوَّةَ مِنْ الرَّضَاعِ مَجَازٌ، وَالْمَجَازُ لَا يُعَارِضُ الْحَقِيقَةَ (وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ هَذَا ابْنَتِي فَقَدْ قِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ. وَقِيلَ هُوَ) أَيْ عَدَمُ الْعِتْقِ (بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى) لِأَنَّ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ مِنْ بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ

بِالْمُسَمَّى وَهُوَ مَعْدُومٌ فَلَا يُعْتَبَرُ وَقَدْ حَقَقْنَاهُ فِي النِّكَاحِ. (وَإِنْ قَالَ لِأَمَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ بَائِنٌ أَوْ تَخَمَّرِي وَنَوَى بِهِ الْعِتْقَ لَمْ تُعْتَقْ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تُعْتَقُ إذَا نَوَى، وَكَذَا عَلَى هَذَا الْخِلَافِ سَائِرُ أَلْفَاظِ الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ عَلَى مَا قَالَ مَشَايِخُهُمْ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لَهُ أَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ لِأَنَّ بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ مُوَافَقَةً إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِلْكُ الْعَيْنِ، أَمَّا مِلْكُ الْيَمِينِ فَظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ مِلْكُ النِّكَاحِ فِي حُكْمِ مِلْكِ الْعَيْنِ حَتَّى كَانَ التَّأْبِيدُ مِنْ شَرْطِهِ وَالتَّأْقِيتُ مُبْطِلًا لَهُ وَعَمَلُ اللَّفْظَيْنِ فِي إسْقَاطِ مَا هُوَ حَقُّهُ وَهُوَ الْمِلْكُ وَلِهَذَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ فِيهِ بِالشَّرْطِ، أَمَّا الْأَحْكَامُ فَتَثْبُتُ سَبَبٌ سَابِقٌ وَهُوَ كَوْنُهُ مُكَلَّفًا، وَلِهَذَا يَصْلُحُ لَفْظَةُ الْعِتْقِ وَالتَّحْرِيرُ كِنَايَةً عَنْ الطَّلَاقِ فَكَذَا عَكْسُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمُخْتَلِفَانِ؛ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْمُشَارُ إلَيْهِ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِالْمُسَمَّى لِمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ، وَالْمُسَمَّى هَاهُنَا مَعْدُومٌ فَلَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا عَنْ الِابْنِ لِعَدَمِ الْمُلَازَمَةِ بَيْنَهُمَا. (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ لِأَمَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ بَائِنٌ) ظَاهِرٌ إلَى قَوْلِهِ وَعَمَلُ اللَّفْظَيْنِ وَهُوَ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْإِعْتَاقُ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ وَلِهَذَا تَثْبُتُ بِهِ الْأَحْكَامُ مِثْلُ الْأَهْلِيَّةِ وَالْوِلَايَةِ وَالشَّهَادَةِ فَأَنَّى يُشْبِهُ الطَّلَاقَ الَّذِي هُوَ إسْقَاطٌ مَحْضٌ. وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ الْإِعْتَاقَ أَيْضًا إسْقَاطٌ بِدَلِيلِ صِحَّةِ التَّعْلِيقِ فِيهِمَا، وَأَمَّا الْأَحْكَامُ فَلَيْسَتْ بِوَارِدَةٍ لِأَنَّهَا ثَابِتَةٌ بِسَبَبٍ سَابِقٍ وَهُوَ كَوْنُهُ آدَمِيًّا مُكَلَّفًا غَيْرَ أَنَّ الْإِعْتَاقَ إزَالَةُ الْمَانِعِ فَاسْتَوَى الْإِعْتَاقُ وَالطَّلَاقُ. وَقَوْلُهُ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ الْعِتْقِ مُحْتَمَلَ لَفْظِهِ (يَصْلُحُ لَفْظَةُ الْعِتْقِ وَالتَّحْرِيرِ كِتَابَةً عَنْ الطَّلَاقِ فَكَذَا عَكْسُهُ) لِأَنَّ مَبْنَى الْمَجَازِ عَلَى الْمُنَاسَبَةِ وَالشَّيْءُ لَا يُنَاسِبُ شَيْئًا إلَّا الشَّيْءَ الْآخَرَ يُنَاسِبُهُ، وَإِنَّمَا قَالَ عَلَى مَا قَالَهُ مَشَايِخُهُمْ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَنْ الشَّافِعِيِّ لَفْظَةُ الطَّلَاقِ فَحَسْبُ وَأَصْحَابُهُ قَاسُوا عَلَيْهَا سَائِرَ أَلْفَاظِ الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ

وَلَنَا أَنَّهُ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لُغَةً إثْبَاتُ الْقُوَّةِ وَالطَّلَاقَ رَفْعُ الْقَيْدِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعَبْدَ أُلْحِقَ بِالْجَمَادَاتِ وَبِالْإِعْتَاقِ يَحْيَا فَيَقْدِرُ، وَلَا كَذَلِكَ الْمَنْكُوحَةُ فَإِنَّهَا قَادِرَةٌ إلَّا أَنَّ قَيْدَ النِّكَاحِ مَانِعٌ وَبِالطَّلَاقِ يَرْتَفِعُ الْمَانِعُ فَتَظْهَرُ الْقُوَّةُ وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْأَوَّلَ أَقْوَى، وَلِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ فَوْقَ مِلْكِ النِّكَاحِ فَكَانَ إسْقَاطُهُ أَقْوَى وَاللَّفْظُ يَصْلُحُ مَجَازًا عَمَّا هُوَ دُونَ حَقِيقَتِهِ لَا عَمَّا هُوَ فَوْقَهُ، فَلِهَذَا امْتَنَعَ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَانْسَاغَ فِي عَكْسِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَنَا أَنَّهُ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ) لِأَنَّهُ لَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَهُمَا تُجَوِّزُ الِاسْتِعَارَةَ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لُغَةً إثْبَاتُ الْقُوَّةِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ عَتَقَ الطَّيْرُ: إذَا قَوَى وَطَارَ عَنْ وَكْرِهِ، وَفِي الشَّرْعِ أَيْضًا كَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَبْدَ أُلْحِقَ بِالْجَمَادَاتِ وَبِالْإِعْتَاقِ يَحْيَا فَيَقْدِرُ. وَالطَّلَاقُ فِي اللُّغَةِ رَفْعُ الْقَيْدِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ أَطْلَقْت الْبَعِيرَ عَنْ الْقَيْدِ إذَا حَلَلْته وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الْمَانِعِ عَنْ الِانْطِلَاقِ لَا إثْبَاتِ قُوَّةِ الِانْطِلَاقِ، وَكَذَلِكَ فِي الشَّرْعِ لِأَنَّ الْمَنْكُوحَةَ لَمْ تَزَلْ مَالِكِيَّتَهُ فَإِنَّهَا قَادِرَةٌ إلَّا أَنَّ قَيْدَ النِّكَاحِ مَانِعٌ وَبِالطَّلَاقِ يَرْتَفِعُ الْمَانِعُ فَتَظْهَرُ الْقُوَّةُ وَلَيْسَ بَيْنَ إثْبَاتِ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فِي مَحَلٍّ لَمْ يَكُنْ وَبَيْنَ رَفْعِ الْمَانِعِ لِتَعْمَلَ الْقُوَّةُ الثَّابِتَةُ فِي مَحَلِّهَا مُنَاسَبَةٌ. وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْأَوَّلَ أَقْوَى وَالْأَدْنَى لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَعَارًا لِلْأَعْلَى عَلَى مَا نَذْكُرُ، وَلِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ فَوْقَ مِلْكِ النِّكَاحِ لِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ قَدْ يَسْتَلْزِمُ مِلْكَ الْمُتْعَةِ إذَا صَادَفَ الْجَوَارِيَ الْخَالِيَةَ عَمَّا يَمْنَعُ عَنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهِنَّ، وَأَمَّا مِلْكُ النِّكَاحِ فَلَا يَسْتَلْزِمُ مِلْكَ الْيَمِينِ أَصْلًا، وَكُلُّ مَا كَانَ هُوَ أَقْوَى فَإِسْقَاطُهُ أَقْوَى فَمِلْكُ الْيَمِينِ إسْقَاطُهُ أَقْوَى وَاللَّفْظُ يَصْلُحُ مَجَازًا عَمَّا دُونَ حَقِيقَتِهِ لَا عَمَّا هُوَ فَوْقَهُ، وَهَذَا لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْمَجَازِ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا إذَا وَجَدْت وَصْفًا مُشْتَرَكًا بَيْنَ مَلْزُومَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ فِي أَحَدِهِمَا أَقْوَى مِنْهُ فِي الْآخَرِ. وَأَنْتَ تَرَى إلْحَاقَ الْأَضْعَفِ بِالْأَقْوَى عَلَى وَجْهِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فَتَدَّعِي أَنَّ مَلْزُومَ الْأَضْعَفِ مِنْ جِنْسِ مَلْزُومِ الْأَقْوَى وَتُطْلِقُ عَلَيْهِ اسْمَ الْأَقْوَى كَمَا إذَا كَانَ عِنْدَك شُجَاعٌ وَأَنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُلْحِقَ جُرْأَتَهُ وَقُوَّتَهُ بِجُرْأَةِ الْأَسَدِ وَقُوَّتِهِ فَتَدَّعِي الْأَسْدِيَةَ لَهُ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الْأَسَدِ عَلَيْهِ. وَهَذَا كَمَا تَرَى إنَّمَا يَكُونُ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ دُونَ الْعَكْسِ. وَإِذَا ظَهَرَ هَذَا بَعْدَ الْعِلْمِ بِأَنَّ إزَالَةَ مِلْكِ الْيَمِينِ أَقْوَى ظَهَرَ لَك جَوَازُ اسْتِعَارَةِ أَلْفَاظِ الْعَتَاقِ لِلطَّلَاقِ دُونَ عَكْسِهِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ النُّكْتَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِي الْكِتَابِ أَنَّ فِي الْأُولَى مَنْعَ الْمُنَاسَبَةِ وَإِظْهَارَ السَّنَدِ بِأَنَّ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتٌ وَالطَّلَاقَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQرَفْعٌ فَأَنَّى يَتَنَاسَبَانِ، وَفِي الثَّانِي تَسْلِيمَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إسْقَاطٌ لَكِنَّ الْإِعْتَاقَ أَقْوَى وَهُوَ يُنَافِي الِاسْتِعَارَةَ.

[فصل ومن ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه]

(وَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ مِثْلُ الْحُرِّ لَمْ يُعْتَقْ) لِأَنَّ الْمِثْلَ يُسْتَعْمَلُ لِلْمُشَارَكَةِ فِي بَعْضِ الْمَعَانِي عُرْفًا فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي الْحُرِّيَّةِ (وَلَوْ قَالَ: مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ عَتَقَ) لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ (وَلَوْ قَالَ رَأْسُك رَأْسُ حُرٍّ لَا يُعْتَقُ) لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِحَذْفِ حَرْفِهِ (وَلَوْ قَالَ رَأْسُك رَأْسُ حُرّ عَتَقَ) لِأَنَّهُ إثْبَاتُ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ إذْ الرَّأْسُ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ مِثْلَ الْحُرِّ) إطْلَاقُهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ نَوَى الْعِتْقَ أَوْ لَمْ يَنْوِ لَمْ يَعْتِقْ. وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ لَمْ يَعْتِقْ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَفِي تَعْلِيلِهِ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ لِأَنَّ الْمِثْلَ يُسْتَعْمَلُ لِلْمُشَارَكَةِ فِي بَعْضِ الْمَعَانِي عُرْفًا فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي الْحُرِّيَّةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا نَوَى الْحُرِّيَّةَ زَالَ الشَّكُّ. وَقَوْلُهُ (عُرْفًا) يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْعُرْفُ الْعَامُّ، فَإِنَّ الْعَامَّةَ يَسْتَعْمِلُونَهُ لِلْمُشَارَكَةِ فِي بَعْضِ الْأَوْصَافِ يَقُولُونَ زَيْدٌ مِثْلُ عَمْرٍو مَثَلًا إلَّا إذَا كَانَ عَمْرٌو مَشْهُورًا بِصِفَةٍ كَعِلْمٍ أَوْ خَطٍّ أَوْ جُودٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْعُرْفُ الْخَاصُّ فَإِنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَسْتَعْمِلُونَهُ فِي الِاتِّحَادِ بِالْحَقِيقَةِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ قَالَ مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ إلَخْ) ظَاهِرٌ. [فَصْلٌ وَمَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ] (فَصْلٌ)

(وَمَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ) وَهَذَا اللَّفْظُ مَرْوِيٌّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَهُوَ حُرٌّ " وَاللَّفْظُ بِعُمُومِهِ يَنْتَظِمُ كُلَّ قَرَابَةٍ مُؤَيَّدَةٍ بِالْمَحْرَمِيَّةِ وِلَادًا أَوْ غَيْرَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمَّا ذَكَرَ الْعِتْقَ الْحَاصِلَ بِالْإِعْتَاقِ الِاخْتِيَارِيِّ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ عَامَّةَ مَسَائِلِ الْعِتْقِ الَّذِي يَحْصُلُ بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ كَإِرْثِ قَرِيبِهِ. وَخُرُوجِ عَبْدِ الْحَرْبِيِّ إلَيْنَا مُسْلِمًا وَوَلَدِ الْأَمَةِ مِنْ مَوْلَاهَا، وَالرَّحِمُ فِي الْأَصْلِ وِعَاءُ الْوَلَدِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، ثُمَّ سُمِّيَتْ الْقَرَابَةُ وَصْلَةُ مَنْ جِهَةِ الْوِلَادِ رَحِمًا، وَمِنْهُ ذُو الرَّحِمِ، وَالْمَحْرَمُ هُوَ الَّذِي لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذَكَرًا وَالْآخَرُ أُنْثَى «وَمَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ» ، وَهَذَا اللَّفْظُ مَرْوِيٌّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) رَوَاهُ عُمَرُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَهُوَ حُرٌّ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيَّ، وَاللَّفْظُ بِعُمُومِهِ يَتَنَاوَلُ كُلَّ قَرَابَةٍ مُؤَيَّدَةٍ بِالْمَحْرَمِيَّةِ وِلَادًا أَوْ غَيْرَهُ، فَإِنْ قِيلَ الضَّمِيرُ فِي مِثْلِهِ يَعُودُ إلَى مَنْ كَمَا فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ» وَأَمْثَالِهِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً. أُجِيبَ بِأَنَّ وُقُوعَهُ جَزَاءً لِقَوْلِهِ " مَنْ مَلَكَ " يَنْبُو عَنْ ذَلِكَ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ فَإِنَّ تَمَلُّكَهُ يَدُلُّ عَلَى حُرِّيَّتِهِ إذْ الْمَمْلُوكُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا فَقَوْلُهُ فَهُوَ حُرٌّ لَوْ عَادَ إلَيْهِ كَانَ تَكْرَارًا غَيْرَ مُفِيدٍ، فَإِنْ قِيلَ: صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَنْ يَجْزِيَ وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» عَطَفَهُ بِالْفَاءِ الَّتِي لِلتَّعْقِيبِ فَلَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يُعْتِقْهُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ دَلِيلُ أَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِلُزُومِ التَّعَارُضِ،

وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُخَالِفُنَا فِي غَيْرِهِ. لَهُ أَنَّ ثُبُوتَ الْعِتْقِ مِنْ غَيْرِ مَرْضَاةِ الْمَالِكِ يَنْفِيهِ الْقِيَاسُ أَوْ لَا يَقْتَضِيه، وَالْأُخُوَّةُ وَمَا يُضَاهِيهَا نَازِلَةٌ عَنْ قَرَابَةٍ الْوِلَادَةِ فَامْتَنَعَ الْإِلْحَاقُ أَوْ الِاسْتِدْلَال بِهِ، وَلِهَذَا امْتَنَعَ التَّكَاتُبُ عَلَى الْمَكَاتِبِ فِي غَيْرِ الْوِلَادِ وَلَمْ يَمْتَنِعُ فِيهِ. وَلَنَا مَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّهُ مَلَكَ قَرِيبَهُ قَرَابَةً مُؤَثِّرَةً فِي الْمَحْرَمِيَّةِ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَهَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَحْمَلُهُ أَنَّ مِثْلَهُ يُسْتَعْمَلُ فِي حُصُولِ الثَّانِي بِالْأَوَّلِ لَا بِسَبَبٍ آخَرَ كَمَا يُقَالُ أَطْعَمَهُ فَأَشْبَعَهُ وَسَقَاهُ فَأَرْوَاهُ وَضَرَبَهُ فَأَوْجَعَهُ وَأَمْثَالٌ لَهُ. قَوْلُهُ (وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِي غَيْرِهِ) أَيْ فِي غَيْرِ الْوِلَادِ، وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ ثُبُوتَ الْعِتْقِ مِنْ غَيْرِ مَرْضَاةِ الْمَالِكِ يَنْفِيهِ الْقِيَاسُ أَوْ لَا يَقْتَضِيهِ، وَكُلُّ مَا يَنْفِيهِ الْقِيَاسُ لَا يَلْحَقُ بِهِ شَيْءٌ آخَرُ بِالْقِيَاسِ، وَكُلُّ مَا لَا يَقْتَضِيهِ لَا يَدْخُلُ غَيْرُهُ فِيهِ بِالِاسْتِدْلَالِ: أَيْ بِدَلَالَةِ النَّصِّ إلَّا إذَا كَانَ الْمُلْحَقُ فِي مَعْنَى الْمُلْحَقِ بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ قَرَابَةَ الْأُخُوَّةِ وَمَا يُضَاهِيهَا نَازِلَةٌ عَنْ قَرَابَةِ الْوِلَادِ وَلِهَذَا امْتَنَعَ التَّكَاتُبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ فِي غَيْرِ الْوِلَادِ وَلَا يَمْتَنِعُ فِيهِ.

هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْأَصْلِ، وَالْوِلَادُ مَلْغِيٌّ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي يُفْتَرَضُ وَصْلُهَا وَيَحْرُمُ قَطْعُهَا حَتَّى وَجَبَتْ النَّفَقَةُ وَحَرُمَ النِّكَاحُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ» وَلِأَنَّهُ مَلَكَ قَرِيبَهُ قَرَابَةً مُؤَثِّرَةً فِي الْمَحْرَمِيَّةِ. وَكُلُّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَتَقَ عَلَيْهِ، أَمَّا أَنَّهُ مَلَكَ ذَلِكَ فَبِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا أَنَّ كُلَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَتَقَ عَلَيْهِ فَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْوِلَادِ لِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ تَمَلُّكُ الْقَرِيبِ الْمَحْرَمِ هُوَ الْعِلَّةُ الْمُؤَثِّرَةُ فِي الْوِلَادِ وَالْوِلَادُ مُلْغًى لِأَنَّهَا أَيْ الْقَرَابَةَ الْمُؤَثِّرَةَ فِي الْمَحْرَمِيَّةِ هِيَ الَّتِي يُفْتَرَضُ وَصْلُهَا، وَيَحْرُمُ قَطْعُهَا حَتَّى وَجَبَتْ النَّفَقَةُ وَحَرُمَ النِّكَاحُ. أَمَّا حُرْمَةُ النِّكَاحِ فَبِالْإِجْمَاعِ. وَأَمَّا وُجُوبُ النَّفَقَةِ فَمَذْهَبُنَا، لَكِنْ لَمَّا أَثْبَتَ ذَلِكَ مِنْ قَبْلُ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] كَانَ ثَابِتًا أَلْبَتَّةَ فَاسْتَدَلَّ بِهِ. وَلِمَشَايِخِنَا هُنَا نُكْتَةٌ وَهُوَ قَوْلُهُ هَذِهِ قَرَابَةٌ صِينَتْ عَنْ أَدْنَى الذُّلَّيْنِ وَهُوَ ذُلُّ النِّكَاحِ فَلَأَنْ تُصَانَ عَنْ أَعْلَاهُمَا أَوْلَى. فَإِنْ ادَّعَى أَنَّ ذُلَّ النِّكَاحِ أَعْلَى فَتِلْكَ مُكَابَرَةٌ تَسْتَدْعِي تَفْضِيلَ الْإِمَاءِ عَلَى الْحَرَائِرِ وَهُوَ بَاطِلٌ قَطْعًا، وَإِجْمَاعُنَا عَلَى أَنَّ الرَّضَاعَ يَرْفَعُ ذُلَّ النِّكَاحِ دُونَ الرِّقِّ مِمَّا يَحْسِمُ مَادَّةَ هَذِهِ الْمُكَابَرَةِ فَإِنَّ رَافِعَ الْأَعْلَى يَرْفَعُ الْأَدْنَى لَا مَحَالَةَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَالِكُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، وَكَذَلِكَ الْمَمْلُوكُ لِعُمُومِ الْعِلَّةِ وَهِيَ الْقَرَابَةُ الْمُحَرِّمَةُ لِلنِّكَاحِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ الْقَرَابَةُ إنْ أَوْجَبَتْ الْعِتْقَ أَوْجَبَتْ بِاعْتِبَارِ الصِّلَةِ عَلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ هِيَ الَّتِي يُفْتَرَضُ وَصْلُهَا وَقَرَابَةُ الْأُخُوَّةِ لَا تُوجِبُ الصِّلَةَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الدِّينِ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ فَلَا تُوجِبُ الْإِعْتَاقَ أَيْضًا. أُجِيبَ بِأَنَّ عِلَّةَ النَّفَقَةِ لَيْسَتْ الْقَرَابَةَ الْمُجَرَّدَةَ فِي الْأُخُوَّةِ بَلْ بِصِفَةِ الْوِرَاثَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] وَاخْتِلَافُ الدِّينِ يَمْنَعُ الْإِرْثَ فَكَذَا مَا يُبْنَى عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَالَ أَوْ كَافِرًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ مَلَكَ فِي دَارِ الْحَرْبِ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لَمْ يَعْتِقْ، فَإِنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ، فَكَذَا لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ. فَإِنْ قِيلَ: عَدَمُ إنْفَاذِ الْعِتْقِ بِالْإِعْتَاقِ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْعِتْقِ بِالْمِلْكِ فَإِنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ إذْ أَعْتَقَا لَمْ يَنْفُذْ، وَأَمَّا إذَا مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَا يَقَعُ مِنْ الْعِتْقِ بِالْمِلْكِ يَقَعُ بِالْإِعْتَاقِ أَيْضًا لِأَنَّ الْوُقُوعَ بِالْمِلْكِ إنَّمَا هُوَ بِإِلْزَامِ الشَّرْعِ لِعَدَمِ التَّصَرُّفِ مِنْهُ، وَمَا لَزِمَ بِإِلْزَامِهِ يَلْزَمُ بِالِالْتِزَامِ أَيْضًا بِالِاسْتِقْرَاءِ، إلَّا أَنَّا تَرَكْنَا هَذَا الْأَصْلَ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ بِالْمَانِعِ، وَهُوَ أَنَّ الْإِعْتَاقَ تَصَرُّفٌ ضَارٌّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِهِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَكَذَا إذَا أَعْتَقَ الْمُسْلِمُ عَبْدًا حَرْبِيًّا فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي الْكِتَابِ مُتَعَلِّقٌ بِمَجْمُوعِ مَا ذُكِرَ قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْمَالِكُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا لَا يَنْحَصِرُ تَعَلُّقُهُ

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْمَالِكُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِعُمُومِ الْعِلَّةِ. وَالْمَكَاتِبُ إذَا اشْتَرَى أَخَاهُ وَمَنْ يَجْرِي مَجْرَاهُ لَا يَتَكَاتَبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِلْكٌ تَامٌّ يُقْدِرُهُ عَلَى الْإِعْتَاقِ وَالِافْتِرَاضِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ، بِخِلَافِ الْوِلَادِ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِيهِ مِنْ مَقَاصِدِ الْكِتَابَةِ فَامْتَنَعَ الْبَيْعُ فَيَعْتِقُ تَحْقِيقًا لِمَقْصُودِ الْعَقْدِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَتَكَاتَبُ عَلَى الْأَخِ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُهُمَا قُلْنَا أَنْ نَمْنَعَ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا مَلَكَ ابْنَةَ عَمِّهِ وَهِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ لِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ مَا ثَبَتَتْ بِالْقَرَابَةِ وَالصَّبِيُّ جُعِلَ أَهْلًا لِهَذَا الْعِتْقِ، وَكَذَا الْمَجْنُونُ حَتَّى عَتَقَ الْقَرِيبُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِقَوْلِهِ أَوْ كَافِرًا. وَقَوْلُهُ (وَالْمُكَاتَبُ إذَا اشْتَرَى أَخَاهُ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَلِهَذَا امْتَنَعَ التَّكَاتُبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ فِي غَيْرِ الْوِلَادِ. وَتَقْرِيرُهُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَتَكَاتَبُ عَلَيْهِ، بَلْ قَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ كَانَ يَتَكَاتَبُ عَلَى الْأَخِ أَيْضًا. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَإِنَّمَا لَا يَتَكَاتَبُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَيْسَ لَهُ مِلْكٌ تَامٌّ يُقَدِّرُهُ عَلَى الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، وَإِنَّمَا أُلْحِقَ بِالْمُلَّاكِ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْكِتَابَةِ، وَمَنْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْإِعْتَاقِ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا عَتَقَ عَلَيْهِ قَرَابَةُ الْوِلَادِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ الْوِلَادِ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِيهِ مِنْ مَقَاصِدِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ عِتْقَ نَفْسِهِ كَمَا كَانَ مَقْصُودًا بِالْكِتَابَةِ لِكَوْنِهِ يَتَغَيَّرُ بِالرِّقِّ فَكَذَلِكَ رِقُّ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ، فَإِذَا كَانَ مِنْ مَقَاصِدِهَا امْتَنَعَ الْبَيْعُ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ تَحْقِيقًا لِمَقْصُودِ الْعَقْدِ، وَأَمَّا حُرِّيَّةُ الْأَخِ فَلَيْسَتْ مِنْ مَقَاصِدِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ لِعَدَمِ لُحُوقِ الْعَارِ بِرِقِّهِ لُحُوقَهُ بِرِقِّ ابْنِهِ أَوْ أَبِيهِ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا مَلَكَ بِنْتَ عَمِّهِ) جَوَابُ نَقْضٍ إجْمَالِيٍّ. تَقْرِيرُهُ: لَوْ كَانَ تَمَلُّكُ

فَشَابَهَ النَّفَقَةَ. (وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلشَّيْطَانِ أَوْ لِلصَّنَمِ عَتَقَ) لِوُجُودِ رُكْنِ الْإِعْتَاقِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ وَوَصْفُ الْقُرْبَةِ فِي اللَّفْظِ الْأَوَّلِ زِيَادَةٌ فَلَا يَخْتَلُّ الْعِتْقُ بِعَدَمِهِ فِي اللَّفْظَيْنِ الْآخَرَيْنِ. (وَعِتْقُ الْمُكْرَهِ وَالسَّكْرَانِ وَاقِعٌ) لِصُدُورِ الرُّكْنِ مِنْ الْأَهْلِ فِي الْمَحَلِّ كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ. (وَإِنْ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى مِلْكٍ أَوْ شَرْطٍ صَحَّ كَمَا فِي الطَّلَاقِ) أَمَّا الْإِضَافَةُ إلَى الْمِلْكِ فَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ، وَأَمَّا التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ فَلِأَنَّهُ إسْقَاطٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ عِلَّةً لِعِتْقِهِ عَلَى مَنْ يَمْلِكُ لَعَتَقَتْ ابْنَةُ الْعَمِّ الَّتِي هِيَ أُخْتٌ مِنْ الرَّضَاعَةِ عَلَى ابْنِ عَمِّهَا إذَا اشْتَرَاهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَحْرَمِيَّةِ مَحْرَمِيَّةٌ أَثَّرَتْ فِيهَا الْقَرَابَةُ وَهَذِهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ لِأَنَّ الرَّضَاعَ هُوَ الْمُؤَثِّرُ، وَذِكْرُ هَذَا الْجَوَابِ إنَّمَا هُوَ لِزِيَادَةِ الْإِيضَاحِ لِأَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا مِنْ أَصْلِ دَلِيلِهِ حَيْثُ قَالَ: وَلِأَنَّهُ مَلَكَ قَرِيبَهُ قَرَابَةً مُؤَثِّرَةً فِي الْمَحْرَمِيَّةِ وَهَذِهِ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ، وَالصَّبِيُّ جُعِلَ أَهْلًا لِهَذَا الْعِتْقِ وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ، فَإِذَا دَخَلَ قَرِيبُهُمَا فِي مِلْكِهِمَا بِغَيْرِ صُنْعٍ مِنْهُمَا كَالْإِرْثِ وَالْهِبَةِ عَتَقَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الْعِلَّةَ وَهِيَ تَمَلُّكُ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ قَدْ وُجِدَتْ وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ فَيَعْتِقُ وَكَانَ كَالنَّفَقَةِ. قَالَ (وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى) وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلشَّيْطَانِ أَوْ لِلصَّنَمِ عَتَقَ لِوُجُودِ رُكْنِ الْإِعْتَاقِ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ شَرْعِيٍّ فَيَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ، وَوَصْفُ الْقُرْبَةِ وَهُوَ كَوْنُهُ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ زِيَادَةٌ فَلَا يَخْتَلُّ الْعِتْقُ بِعَدَمِهِ فِي اللَّفْظَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ يَعْنِي الشَّيْطَانَ وَالصَّنَمَ. وَقَوْلُهُ (وَعِتْقُ الْمُكْرَهِ) وَاضِحٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ. (وَإِنْ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى مِلْكٍ) بِأَنْ يَقُولَ لِعَبْدِ الْغَيْرِ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ (صَحَّ كَمَا فِي الطَّلَاقِ) وَإِنْ عَلَّقَ بِشَرْطٍ كَقَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَكَذَلِكَ.

فَيُجْرَى فِيهِ التَّعْلِيقُ بِخِلَافِ التَّمْلِيكَاتِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. (وَإِذَا خَرَجَ عَبْدُ الْحَرْبِيِّ إلَيْنَا مُسْلِمًا عَتَقَ) «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عَبِيدِ الطَّائِفِ حِينَ خَرَجُوا إلَيْهِ مُسْلِمِينَ هُمْ عُتَقَاءُ اللَّهِ تَعَالَى» ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمَّا الْإِضَافَةُ فَفِيهِ خِلَافٌ لِلشَّافِعِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَأَمَّا التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ فَلِأَنَّ الْإِعْتَاقَ إسْقَاطٌ وَالْإِسْقَاطُ (يَجْرِي فِيهِ التَّعْلِيقُ) بِالِاتِّفَاقِ بِخِلَافِ التَّمْلِيكَاتِ. وَالْخِلَافُ فِيهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ بِوَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ عِنْدَهُ يُبْطِلُ الْيَمِينَ وَعِنْدَنَا لَا يُبْطِلُهُ، فَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَدَخَلَ الدَّارَ عَتَقَ عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ. وَقَدْ عُرِفَ فِي الْأُصُولِ (وَإِذَا خَرَجَ عَبْدُ الْحَرْبِيِّ إلَيْنَا مُسْلِمًا عَتَقَ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عَبِيدِ الطَّائِفِ حِينَ خَرَجُوا إلَيْهِ مُسْلِمِينَ هُمْ عُتَقَاءُ اللَّهِ» ) رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «أَنَّ عَبْدَيْنِ مِنْ الطَّائِفِ خَرَجَا فَأَسْلَمَا

وَلِأَنَّهُ أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ وَلَا اسْتِرْقَاقَ عَلَى الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً. (وَإِنْ أَعْتَقَ حَامِلًا عَتَقَ حَمْلُهَا تَبَعًا لَهَا) إذْ هُوَ مُتَّصِلٌ بِهَا (وَلَوْ أَعْتَقَ الْحَمْلَ خَاصَّةً عَتَقَ دُونَهَا) لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى إعْتَاقِهَا مَقْصُودًا لِعَدَمِ الْإِضَافَةِ إلَيْهَا وَلَا إلَيْهِ تَبَعًا لِمَا فِيهِ مِنْ قَلْبِ الْمَوْضُوعِ، ثُمَّ إعْتَاقُ الْحَمْلِ صَحِيحٌ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ نَفْسَهُ شَرْطٌ فِي الْهِبَةِ وَالْقُدْرَةُ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْجَنِينِ وَشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْإِعْتَاقِ فَافْتَرَقَا. (وَلَوْ أَعْتَقَ الْحَمْلَ عَلَى مَالٍ صَحَّ) وَلَا يَجِبُ الْمَالُ إذْ لَا وَجْهَ إلَى إلْزَامِ الْمَالِ عَلَى الْجَنِينِ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ، وَلَا إلَى إلْزَامِهِ الْأُمَّ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ الْعِتْقِ نَفْسٌ عَلَى حِدَةٍ، وَاشْتِرَاطُ بَدَلِ الْعِتْقِ عَلَى غَيْرِ الْمُعْتِقِ لَا يَجُوزُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَأَعْتَقَهُمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (وَلِأَنَّهُ أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ وَلَا اسْتِرْقَاقَ عَلَى الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً) وَقَيَّدَ بِالِابْتِدَاءِ لِجَوَازِهِ عَلَيْهِ بَقَاءً لِأَنَّهُ فِي الْبَقَاءِ مِنْ الْأُمُورِ الْحُكْمِيَّةِ دُونَ الْجُزْئِيَّةِ فَيَجُوزُ بَقَاؤُهُ كَبَقَاءِ الْأَمْلَاكِ بَعْدَ وُجُودِ أَسْبَابِهَا. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ أَعْتَقَ حَامِلًا) ظَاهِرٌ. وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ تُعْتَقْ أُمُّهُ لَجَازَ بَيْعُهَا وَهُوَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْهِبَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِهَا لَمْ يَبْقَ الْجَنِينُ عَلَى مِلْكِهِ فَهِبَةُ الْأُمِّ بَعْدَ ذَلِكَ صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ هِبَةِ الْأَمَةِ، وَاسْتِثْنَاءُ الْحَمْلِ فِي الْهِبَةِ شَرْطٌ فَاسِدٌ، وَالْهِبَةُ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ. وَقَوْلُهُ (وَاشْتِرَاطُ بَدَلِ الْعِتْقِ عَلَى غَيْرِ الْمُعْتَقِ لَا يَجُوزُ) قِيلَ عَلَيْهِ سَلَّمْنَا ذَلِكَ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَوَقَّفَ الْعِتْقُ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الْحَمْلُ إلَى حَدٍّ يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْقَبُولِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا يَعْقِلُ الْعَقْدَ كَمَا مَرَّ فِي خُلْعِ الصَّغِيرَةِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: وَإِنْ شَرَطَ الْأَلْفَ عَلَيْهَا تَوَقَّفَ عَلَى قَبُولِهَا إنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْقَبُولِ بِأَنْ كَانَتْ عَاقِلَةً تَعْقِلُ الْعَقْدَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ

عَلَى مَا مَرَّ فِي الْخُلْعِ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ قِيَامُ الْحَبَلِ وَقْتَ الْعِتْقِ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْهُ، لِأَنَّهُ أَدْنَى مُدَّةِ الْحَمْلِ. . قَالَ (وَوَلَدُ الْأَمَةِ مِنْ مَوْلَاهَا حُرٌّ) لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ، هَذَا هُوَ الْأَصْلُ، وَلَا مُعَارِضَ لَهُ فِيهِ لِأَنَّ وَلَدَ الْأَمَةِ لِمَوْلَاهَا. (وَوَلَدُهَا مِنْ زَوْجِهَا مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِهَا) لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الْأُمِّ بِاعْتِبَارِ الْحَضَانَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ فِي صَرِيحِ الشَّرْطِ، وَأَمَّا هَاهُنَا فَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ بِكَلِمَةِ عَلَى وَكَانَ ذِكْرُ الْمَالِ هَاهُنَا وَصْفًا لِلْإِعْتَاقِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ الْوَصْفِ بُطْلَانُ الْأَصْلِ فَيَثْبُتُ الْعِتْقُ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ كَمَا فِي طَلَاقِ الصَّغِيرَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إنْ ذُكِرَ بِكَلِمَةِ الشَّرْطِ تَوَقَّفَ، وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ رِوَايَةٍ، وَاعْتِبَارُهُ بِخُلْعِ الصَّغِيرَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ: وَإِنْ شَرَطَ الْأَلْفَ عَلَيْهَا تَوَقَّفَ عَلَى قَبُولِهَا إنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْقَبُولِ، فَالتَّوَقُّفُ فِيهِ مَشْرُوطٌ بِكَوْنِهَا مِنْ أَهْلِ الْقَبُولِ وَالْحَمْلُ لَيْسَ مِنْهُ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: لَمَّا عَلِمَ الْمُعْتَقُ عَدَمَ كَوْنِ الْحَمْلِ أَهْلًا لِلْخِطَابِ وَقَبُولَ الشَّرْطِ وَأَقْدَمَ عَلَى الْعِتْقِ كَانَ قَاصِدًا لِلْإِعْتَاقِ بِلَا مَالٍ أَوْ يُحْمَلُ حَالُهُ عَلَى ذَلِكَ صَوْنًا لِكَلَامِهِ عَنْ الْإِلْغَاءِ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا مَرَّ فِي الْخُلْعِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هَذِهِ حَوَالَةٌ غَيْرُ رَائِجَةٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ مَسْأَلَةَ الْخُلْعِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، فَإِنَّ فِي شُرُوحِهِ فَرَّقَ بَيْنَ الْخُلْعِ وَالْإِعْتَاقِ لِجَوَازِ وُجُوبِ بَدَلِ الْخُلْعِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ دُونَ الْإِعْتَاقِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْخُلْعِ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ فِي مَعْنَى الْمَرْأَةِ فِي عَدَمِ حُصُولِ شَيْءٍ لَهُمَا بِمُقَابَلَةِ الْمَالِ، فَكَمَا جَازَ عَلَيْهَا جَازَ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ، وَالْإِعْتَاقُ يُثْبِتُ الْقُوَّةَ الْحُكْمِيَّةَ الَّتِي لَمْ تَكُنْ لِلْعَبْدِ قَبْلَهُ، وَكَانَ فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ يَحْصُلُ لَهُ، وَالْأَجْنَبِيُّ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ فَيَكُونُ اشْتِرَاطُ الْمَالِ عَلَيْهِ كَاشْتِرَاطِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ عَلَى غَيْرِ الْمُشْتَرِي. وَقَوْلُهُ (وَإِنَّمَا يُعْرَفُ قِيَامُ الْحَبَلِ) وَاضِحٌ لِأَنَّ التَّيَقُّنَ بِوُجُودِ الْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ وَقْتِ الْعِتْقِ. قَالَ (وَوَلَدُ الْأَمَةِ مِنْ مَوْلَاهَا حُرٌّ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ) يَعْنِي أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يُخْلَقَ الْوَلَدُ مِنْ مَاءِ صَاحِبِ الْمَاءِ (وَلَا مُعَارِضَ لَهُ فِيهِ) .

أَوْ لِاسْتِهْلَاكِ مَائِهِ بِمَائِهَا وَالْمُنَافَاةُ مُتَحَقِّقَةٌ وَالزَّوْجُ قَدْ رَضِيَ بِهِ، بِخِلَافِ وَلَدِ الْمَغْرُورِ لِأَنَّ الْوَالِدَ مَا رَضِيَ بِهِ. (وَوَلَدُ الْحُرَّةِ حُرٌّ عَلَى كُلِّ حَالٍ) لِأَنَّ جَانِبَهَا رَاجِحٌ فَيَتَّبِعُهَا فِي وَصْفِ الْحُرِّيَّةِ كَمَا يَتَّبِعُهَا فِي الْمَمْلُوكِيَّةِ والمرقوقية ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ فِي الْوَلَدِ لِأَنَّ مَاءَ الْأَمَةِ لَا يُعَارِضُ مَاءَهُ لِأَنَّ مَاءَهَا مَمْلُوكٌ لَهُ فَيَكُونُ الْمَاءَانِ لَهُ، بِخِلَافِ أَمَةِ الْغَيْرِ لِأَنَّ مَاءَهَا مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِهَا فَتَحَقَّقَتْ الْمُعَارَضَةُ، وَوَلَدُهَا مِنْ زَوْجِهَا مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِهَا لِتَعَارُضِ الْمَاءَيْنِ. وَيُرَجَّحُ جَانِبُ الْأُمِّ بِأُمُورٍ: مِنْهَا الْحَضَانَةُ، وَفِيهِ نَظَرُ لِأَنَّ حَقَّ الْحَضَانَةِ إنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَجِّحًا لِمَا هُوَ قَبْلَهَا. وَمِنْهَا اسْتِهْلَاكُ مَائِهِ بِمَائِهَا لِكَوْنِ مَائِهَا فِي مَوْضِعِهِ. وَمِنْهَا تَيَقُّنُ كَوْنِهِ مَخْلُوقًا مِنْ مَائِهَا بِخِلَافِ مَاءِ الزَّوْجِ وَكَانَ الْفِرَاشُ مِنْ جَانِبِهَا حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَمِنْ جَانِبِهِ حُكْمًا فَقَطْ وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ لَا مَحَالَةَ. وَمِنْهَا أَنَّ الْوَلَدَ مَا دَامَ جَنِينًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا كَيَدِهَا وَرِجْلِهَا إلَى أَنْ يَنْفَصِلَ حِسًّا وَشَرْعًا، أَمَّا حِسًّا فَإِنَّهُ يَتَنَفَّسُ بِنَفَسِهَا وَيَنْتَقِلُ بِانْتِقَالِهَا حَتَّى يُقْرَضَ بِالْمِقْرَاضِ عِنْدَ انْفِصَالِهِ مِنْهَا، وَأَمَّا شَرْعًا فَلِأَنَّهُ يَعْتِقُ بِعِتْقِهَا وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي إثْبَاتِهِ فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (وَالْمُنَافَاةُ مُتَحَقِّقَةٌ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ التَّرْجِيحُ يُحْتَاجُ إلَيْهِ بَعْدَ التَّعَارُضِ وَتَقْرِيرُهُ: التَّعَارُضُ مَوْجُودٌ لِأَنَّ الْمُنَافَاةَ مُتَحَقِّقَةٌ، فَإِنَّهُ لَوْ اعْتَبَرَ جَانِبَ الْأُمِّ كَانَ مَمْلُوكًا لِسَيِّدِهَا، وَلَوْ اعْتَبَرَ جَانِبَ الْأَبِ لَا يَكُونُ مَمْلُوكًا لِسَيِّدِهَا فَثَبَتَتْ الْمُنَافَاةُ بِخِلَافِ الْوَلَدِ مِنْ الْمَوْلَى فَإِنَّهُ لِلْمَوْلَى: أَيُّ جَانِبٍ اُعْتُبِرَ. وَقَوْلُهُ (وَالزَّوْجُ قَدْ رَضِيَ بِهِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إذَا اُعْتُبِرَ جَانِبُ الْأَمَةِ حَتَّى يَكُونَ الْوَلَدُ مَمْلُوكًا لِمَوْلَاهَا يَتَضَرَّرُ الْأَبُ وَالضَّرَرُ مَدْفُوعٌ شَرْعًا. وَتَقْرِيرُهُ: الزَّوْجُ قَدْ رَضِيَ بِرِقِّ الْوَلَدِ حَيْثُ أَقْدَمَ عَلَى تَزَوُّجِ الْأَمَةِ عَالِمًا بِأَنَّ الْوَلَدَ يُرَقُّ بِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِكَوْنِ الْوَلَدِ رَقِيقًا بِتَزَوُّجِ الْأَمَةِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ ثُبُوتِ هَذَا الْحُكْمِ فِي الشَّرْعِ وَكَلَامُنَا فِي شَرْعِيَّتِهِ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ وَلَدِ الْمَغْرُورِ) ظَاهِرٌ (وَوَلَدُ الْحُرَّةِ حُرٌّ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِأَنَّ جَانِبَهَا رَاجِحٌ) عَلَى مَا ذَكَرْنَا (فَيَتْبَعُهَا فِي وَصْفِ الْحُرِّيَّةِ) كَمَا يَتْبَعُهَا فِي الْمَمْلُوكِيَّةِ والمرقوقية

[باب العبد يعتق بعضه]

وَالتَّدْبِيرِ وَأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ وَالْكِتَابَةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَإِذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى بَعْضَ عَبْدِهِ) عَتَقَ ذَلِكَ الْقَدْرُ وَيَسْعَى فِي بَقِيَّةِ قِيمَتِهِ لِمَوْلَاهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنَّمَا أَوْرَدَ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ لِتَغَايُرِهِمَا مِنْ حَيْثُ الْكَمَالُ وَالنُّقْصَانُ، فَإِنَّ فِي الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ الْمِلْكَ كَامِلٌ وَالرِّقَّ نَاقِصٌ وَفِي الْمُكَاتَبِ عَلَى عَكْسِهِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ (وَالتَّدْبِيرُ وَأُمِّيَّةُ الْوَلَدِ وَالْكِتَابَةُ كَالتَّفْسِيرِ لِذَلِكَ) وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الْعَبْدِ يَعْتِقُ بَعْضُهُ] أَخَّرَ إعْتَاقَ الْبَعْضِ عَنْ إعْتَاقِ الْكُلِّ لِكَوْنِهِ مُخْتَلَفًا فِيهِ وَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ (وَإِذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى بَعْضَ عَبْدِهِ عَتَقَ ذَلِكَ الْقَدْرُ وَيَسْعَى فِي بَقِيَّةِ قِيمَتِهِ لِمَوْلَاهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ

(يَعْتِقُ كُلُّهُ) وَأَصْلُهُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَا أَعْتَقَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَإِضَافَتُهُ إلَى الْبَعْضِ كَإِضَافَتِهِ إلَى الْكُلِّ فَلِهَذَا يَعْتِقُ كُلُّهُ. لَهُمْ أَنَّ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْعِتْقِ وَهُوَ قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ، وَإِثْبَاتُهَا بِإِزَالَةِ ضِدِّهَا وَهُوَ الرِّقُّ الَّذِي هُوَ ضَعْفٌ حُكْمِيٌّ وَهُمَا لَا يَتَجَزَّآنِ فَصَارَ كَالطَّلَاقِ وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ وَالِاسْتِيلَادِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْعِتْقِ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ، أَوْ هُوَ إزَالَةُ الْمِلْكِ لِأَنَّ الْمِلْكَ حَقُّهُ وَالرِّقَّ حَقُّ الشَّرْعِ أَوْ حَقُّ الْعَامَّةِ. وَحُكْمُ التَّصَرُّفِ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ وِلَايَةِ الْمُتَصَرِّفِ وَهُوَ إزَالَةُ حَقِّهِ لَا حَقِّ غَيْرِهِ. وَالْأَصْلُ أَنَّ التَّصَرُّفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَا: يَعْتِقُ كُلُّهُ. وَأَصْلُهُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَا أَعْتَقَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ وَاحِدًا أَوْ مُوسِرًا إنْ كَانَ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ مُعْسِرًا فَمِلْكُ السَّاكِتِ بَاقٍ كَمَا كَانَ حَتَّى جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ وَيَهَبَ عَلَى مَا يَجِيءُ، وَكُلُّ مَا لَا يَتَجَزَّأُ (فَإِضَافَتُهُ إلَى الْبَعْضِ كَإِضَافَتِهِ إلَى الْكُلِّ فَلِهَذَا يَعْتِقُ كُلُّهُ) قَالَ صَاحِبُ الْمِيزَانِ: الْمَعْنَى مِنْ قَوْلِنَا الْإِعْتَاقُ يَتَجَزَّأُ لَيْسَ هُوَ أَنَّ ذَاتِ الْقَوْلِ يَتَجَزَّأُ أَوْ حُكْمَهُ يَتَجَزَّأُ لِأَنَّهُ مُحَالٌ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْمَحَلَّ فِي قَبُولِ حُكْمِ الْإِعْتَاقِ يَتَجَزَّأُ فَيُتَصَوَّرُ ثُبُوتُهُ فِي النِّصْفِ دُونَ النِّصْفِ. وَحَاصِلُ الْخِلَافِ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ إعْتَاقَ النِّصْفِ هَلْ يُوجِبُ زَوَالَ الرِّقِّ عَنْ الْمَحَلِّ كُلِّهِ أَمْ لَا؟ عِنْدَهُ لَا يُوجِبُ بَلْ يَبْقَى كُلُّ الْمَحَلِّ رَقِيقًا وَلَكِنْ زَالَ الْمِلْكُ بِقَدْرِهِ. وَعِنْدَهُمَا يُوجِبُ زَوَالَ الرِّقِّ عَنْ الْكُلِّ (لَهُمْ أَنَّ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْعِتْقِ الَّذِي هُوَ قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ وَإِثْبَاتُهَا بِإِزَالَةِ ضِدِّهَا الَّذِي هُوَ الرِّقُّ) لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَا يَخْلُو عَنْ أَحَدِهِمَا، فَإِزَالَةُ أَحَدِهِمَا تُوجِبُ إثْبَاتَ الْآخَرِ وَهُمَا لَا يَتَجَزَّآنِ بِالِاتِّفَاقِ، فَكَذَلِكَ الْإِعْتَاقُ وَإِلَّا لَزِمَ تَخَلُّفُ الْمَعْلُولِ عَنْ الْعِلَّةِ أَوْ تَجَزِّي الْعِتْقِ، لِأَنَّهُ إذَا تَجَزَّأَ فَإِمَّا أَنْ يَثْبُتَ بِإِعْتَاقِ الْبَعْضِ عِتْقُ كُلِّ الرَّقَبَةِ أَوْ لَا يَثْبُتَ شَيْءٌ أَوْ يَثْبُتَ بَعْضُهُ، وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الْأَوَّلَيْنِ يَلْزَمُ تَخَلُّفُ الْمَعْلُولِ عَنْ الْعِلَّةِ وَعَلَى الْأَخِيرِ يَلْزَمُ تَجَزِّي الْعِتْقِ (فَصَارَ) الْإِعْتَاقُ (كَالطَّلَاقِ وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ وَالِاسْتِيلَادِ) فِي عَدَمِ التَّجَزُّؤِ. فَإِنْ قُلْت: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِعْتَاقَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إسْقَاطٌ كَالطَّلَاقِ فَكَيْفَ جَعَلَهُ هَاهُنَا إثْبَاتًا لِلْعِتْقِ. قُلْت: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَعَلَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ التَّغْلِيبِ غَلَّبَ جِهَتَهُمَا عَلَى جِهَتِهِ فَقَالَ لَهُمْ إنَّ الْإِعْتَاقَ إلَخْ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْعِتْقِ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ) وَهُوَ الْوَصْفُ الشَّرْعِيُّ الْمُطْلَقُ لِلتَّصَرُّفِ (أَوْ هُوَ) أَيْ الْإِعْتَاقُ (إزَالَةُ الْمِلْكِ) لَا إثْبَاتُ الْعِتْقِ بِإِزَالَةِ ضِدِّهِ الَّذِي هُوَ الرِّقُّ وَلَا هُوَ إزَالَةُ الرِّقِّ لِيَلْزَمَ عَدَمُ التَّجَزُّؤِ (لِأَنَّ الْمِلْكَ حَقُّهُ) أَيْ حَقُّ الْمُعْتِقِ (وَالرِّقَّ حَقُّ الشَّرْعِ) لِأَنَّ الْكَافِرَ لَمَّا اسْتَنْكَفَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ جَازَاهُ اللَّهُ فَصَيَّرَهُ عَبْدَ عَبْدِهِ (أَوْ حَقُّ الْعَامَّةِ) لِأَنَّ الْغَانِمِينَ كَمَا يَقْتَسِمُونَ غَيْرَ الرَّقِيقِ يَقْتَسِمُونَهُ (وَحُكْمُ التَّصَرُّفِ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ وِلَايَةِ الْمُتَصَرِّفِ وَهُوَ إزَالَةُ حَقِّهِ لَا حَقِّ غَيْرِهِ) وَهَذَا كَمَا تَرَى بِنَاءً لِكَلَامِهِ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَقِلٌّ بِإِفَادَةِ الْمَطْلُوبِ، وَتَقْرِيرُهُ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْعِتْقِ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ وَالْمِلْكُ مُتَجَزٍّ فَالْإِعْتَاقُ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا بِأَنَّهُ إثْبَاتُ الْعِتْقِ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ لَا بِإِزَالَةِ الرِّقِّ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ تَصَرُّفٌ، وَكُلُّ مَا هُوَ تَصَرُّفٌ لَا يَتَعَدَّى وِلَايَةَ الْمُتَصَرِّفِ فَالْإِعْتَاقُ لَا يَتَعَدَّى وِلَايَةَ الْمُتَصَرِّفِ، وَوِلَايَةُ الْمُتَصَرِّفِ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى مَا هُوَ حَقُّهُ وَحَقُّهُ الْمِلْكُ فَوِلَايَتُهُ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى الْمِلْكِ، وَأَمَّا أَنَّ الْمِلْكَ مُتَجَزٍّ فَذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ

يَقْتَصِرُ عَلَى مَوْضِعِ الْإِضَافَةِ وَالتَّعَدِّي إلَى مَا وَرَاءَهُ ضَرُورَةَ عَدَمِ التَّجْزِيءِ، وَالْمِلْكُ مُتَجَزِّئٌ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ، وَتَجِبُ السِّعَايَةُ لِاحْتِبَاسِ مَالِيَّةِ الْبَعْضِ عِنْدَ الْعَبْدِ، وَالْمُسْتَسْعَى بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْبَعْضِ تُوجِبُ ثُبُوتَ الْمَالِكِيَّةِ فِي كُلِّهِ، وَبَقَاءُ الْمِلْكِ فِي بَعْضِهِ يَمْنَعُهُ، فَعَمِلْنَا بِالدَّلِيلَيْنِ بِإِنْزَالِهِ مُكَاتَبًا إذْ هُوَ مَالِكُ يَدٍ إلَّا رَقَبَةً، وَالسِّعَايَةُ كَبَدَلِ الْكِتَابَةِ، فَلَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَهُ. وَلَهُ خِيَارُ أَنْ يُعْتِقَهُ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ قَابِلٌ لِلْإِعْتَاقِ، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا عَجَزَ لَا يُرَدُّ إلَى الرِّقِّ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لَا إلَى أَحَدٍ فَلَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ، بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ الْمَقْصُودَةِ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يُقَالُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَكِنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ أَمْرٌ غَيْرُ مُتَجَزٍّ وَهُوَ الْعِتْقُ وَتَعَلُّقُهُ بِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ تَجْزِئَتَهُ وَلَا تَجْزِئَةَ عِلَّتِهِ كَجَوَازِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ غَيْرُ مُتَجَزٍّ تَعَلَّقَ بِمُتَجَزٍّ وَهُوَ الْأَرْكَانُ، وَكَذَلِكَ الطَّهَارَةُ أَمْرٌ غَيْرُ مُتَجَزٍّ تَعَلَّقَ بِمُتَجَزٍّ وَهُوَ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ الْمَفْرُوضَةِ وَلَمْ يَسْتَلْزِمْ تَجْزِئَتَهَا وَلَا عِلَّتَهَا وَهِيَ إرَادَةُ الصَّلَاةِ. هَذَا تَقْرِيرُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ. وَتَقْرِيرُ الْآخَرِ: الْإِعْتَاقُ إزَالَةُ الْمِلْكِ وَالْمِلْكُ مُتَجَزٍّ، فَالْإِعْتَاقُ إزَالَةُ مُتَجَزٍّ وَإِزَالَةُ الْمُتَجَزِّئِ مُتَجَزٍّ. وَبَيَانُ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَهَذَا أَسْهَلُ مَأْخَذًا، ثُمَّ إذَا تَجَزَّى الْإِعْتَاقُ بِزَوَالِ بَعْضِ الْمِلْكِ احْتَبَسَ مَالِيَّةُ نِصْفِ الْعَبْدِ عِنْدَهُ فَتَجِبُ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ (وَالْمُسْتَسْعَى بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (لِأَنَّ الْإِضَافَةَ) أَيْ إضَافَةَ الْإِعْتَاقِ (إلَى الْبَعْضِ تُوجِبُ ثُبُوتَ الْمَالِكِيَّةِ) لِلْعَبْدِ (فِي الْكُلِّ) بِاعْتِبَارِ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ (وَبَقَاءُ الْمِلْكِ فِي بَعْضِهِ يَمْنَعُهُ) عَنْ ثُبُوتِ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْكُلِّ بِاعْتِبَارِ الرِّقِّ فَإِنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ، فَقَدْ اجْتَمَعَ فِي الْعَبْدِ مَا يُوجِبُ ثُبُوتَ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْكُلِّ وَمَا يُوجِبُ بَقَاءَ الْمِلْكِ فِي الْكُلِّ، وَالْعَمَلُ بِالدَّلِيلَيْنِ مُمْكِنٌ بِإِنْزَالِهِ مُكَاتَبًا فَعَمِلْنَا بِهِمَا وَجَعَلْنَاهُ مُكَاتَبًا لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ مَالِكٌ يَدًا وَمَمْلُوكٌ رَقَبَةً كَالْمُسْتَسْعَى، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ إذْ هُوَ أَيْ مُعْتَقُ الْبَعْضِ مَالِكٌ يَدًا لِأَجْلِ السِّعَايَةِ مَمْلُوكٌ رَقَبَةً كَالْمُكَاتَبِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: إضَافَةُ الْعِتْقِ إلَى الْبَعْضِ تُوجِبُ ثُبُوتَ مَالِكِيَّتِهِ فِي الْكُلِّ كَمَا هُوَ قَوْلُهُمَا، وَبَقَاءُ الْمِلْكِ فِي بَعْضِهِ يَمْنَعُهُ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، فَقُلْنَا إنَّهُ حُرٌّ يَدًا مَمْلُوكٌ رَقَبَةً كَالْمُكَاتَبِ عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ. وَإِذَا كَانَ الْمُسْتَسْعَى كَالْمُكَاتَبِ كَانَتْ السِّعَايَةُ كَبَدَلِ الْكِتَابَةِ (فَلَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَهُ وَلَهُ خِيَارُ أَنْ يُعْتِقَهُ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ قَابِلٌ لِلْإِعْتَاقِ) فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ لَعَادَ رَقِيقًا إذَا عَجَزَ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (غَيْرَ أَنَّهُ إذَا عَجَزَ لَا يُرَدُّ رَقِيقًا لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لَا إلَى أَحَدٍ) وَالْإِسْقَاطُ لَا إلَى أَحَدٍ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ لَا أَنَّهَا إنَّمَا تَتَحَقَّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَإِذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ فِيهِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ (بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ الْمَقْصُودَةِ) فَإِنَّهَا إسْقَاطٌ مِنْ الْمَوْلَى إلَى الْمُكَاتَبِ إقْدَارًا عَلَى تَحْصِيلِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَكَانَ فِيهَا مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فَيُقَالُ وَيُفْسَخُ، وَفِي بَعْضِ

وَيُفْسَخُ، وَلَيْسَ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ حَالَةً مُتَوَسِّطَةً، فَأَثْبَتْنَاهُ فِي الْكُلِّ تَرْجِيحًا لِلْمُحَرَّمِ، وَالِاسْتِيلَادُ مُتَجَزِّئٌ عِنْدَهُ، حَتَّى لَوْ اسْتَوْلَدَ نَصِيبَهُ مِنْ مُدَبَّرَةٍ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ. وَفِي الْقِنَّةِ لَمَّا ضَمِنَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِالْإِفْسَادِ مَلَكَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنُّسَخِ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لَا إلَى أَجَلٍ: يَعْنِي بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ الْمَقْصُودَةِ فَإِنَّ الْإِسْقَاطَ فِيهَا إلَى أَجَلٍ وَهُوَ وَقْتُ أَدَاءِ الْبَدَلِ. وَقَوْلُهُ (وَلَيْسَ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ حَالَةٌ مُتَوَسِّطَةٌ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمْ فَصَارَ كَالطَّلَاقِ وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ. وَوَجْهُهُ أَنَّا لَمْ نُثْبِتْ الْعِتْقَ فِي الْكُلِّ لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِالدَّلِيلَيْنِ بِوُجُودِ حَالَةٍ مُتَوَسِّطَةٍ بَيْنَ الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ وَهِيَ الْكِتَابَةُ يُصَارُ إلَيْهَا، وَلَيْسَ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَفْوِ ذَلِكَ (فَأَثْبَتْنَاهُ فِي الْكُلِّ تَرْجِيحًا لِلْمَحْرَمِ، وَأَمَّا الِاسْتِيلَادُ فَهُوَ مُتَجَزٍّ عِنْدَهُ حَتَّى لَوْ اسْتَوْلَدَ نَصِيبَهُ مِنْ مُدَبَّرَةٍ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ) حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمُسْتَوْلَدُ عَتَقَ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ الِاسْتِيلَادُ مُتَجَزِّئًا لَاطَّرَدَ فِي الْقِنَّةِ أَيْضًا. أَجَابَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَتَجَزَّأْ فِي الْقِنَّةِ لِأَنَّ الْمُسْتَوْلِدَ لَمَّا ضَمِنَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِالْإِفْسَادِ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ فَكَمَّلَ الِاسْتِيلَادَ وَصَارَ كَأَنَّهُ اسْتَوْلَدَ جَارِيَةَ نَفْسِهِ لَا أَنَّ الِاسْتِيلَادَ عِنْدَهُ غَيْرُ مُتَجَزٍّ

بِالضَّمَانِ فَكَمُلَ الِاسْتِيلَادُ. (وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ عَتَقَ) ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا فَشَرِيكُهُ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَعْتَقَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ شَرِيكَهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ،. فَإِنْ ضَمِنَ رَجَعَ الْمُعْتِقُ عَلَى الْعَبْدِ (وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ، وَإِنْ أَعْتَقَ أَوْ اسْتَسْعَى فَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا فَالشَّرِيكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ) وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا فِي الْوَجْهَيْنِ. وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ عَتَقَ) وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَنُوقِشَ مُنَاقَشَةً لَفْظِيَّةً، وَهِيَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يَثْبُتُ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ الْعِتْقِ فَمَا وَجْهُ صِحَّةِ قَوْلِهِ عَتَقَ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ ثَبَتَ اسْتِحْقَاقُ الْعِتْقِ أَوْ زَالَ مِلْكُ الشَّرِيكِ مَعَ بَقَاءِ الرِّقِّ فِي كُلِّ الْعَبْدِ. وَقَوْلُهُ (فَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي صِفَةِ السَّبَبِ بِأَنْ يَكُونَ إعْتَاقُ أَحَدِهِمَا بِمَالٍ وَإِعْتَاقُ الْآخَرِ بِدُونِهِ لَا يُنَافِي ثُبُوتَ الْوَلَاءِ بَيْنَهُمَا جَمِيعًا.

(وَقَالَا: لَيْسَ لَهُ إلَّا الضَّمَانُ مَعَ الْيَسَارِ وَالسِّعَايَةُ مَعَ الْإِعْسَارِ، وَلَا يَرْجِعُ الْمُعْتِقُ عَلَى الْعَبْدِ وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ) وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُبْتَنَى عَلَى حَرْفَيْنِ: أَحَدُهُمَا: تَجْزِيءُ الْإِعْتَاقِ وَعَدَمُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَالثَّانِي: أَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ لَا يَمْنَعُ سِعَايَةَ الْعَبْدِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَمْنَعُ. لَهُمَا فِي الثَّانِي قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الرَّجُلِ يُعْتِقُ نَصِيبَهُ، إنْ كَانَ غَنِيًّا ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا سَعَى فِي حِصَّةِ الْآخَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (لَهُمَا فِي الثَّانِي) يَعْنِي أَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ يَمْنَعُ السِّعَايَةَ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الرَّجُلِ يَعْتِقُ نَصِيبَهُ إنْ كَانَ غَنِيًّا ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا سَعَى فِي حِصَّةِ الْآخَرِ» وَالْقِيَاسُ فِيهِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ، إمَّا وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُعْتِقِ

قُسِّمَ وَالْقِسْمَةُ تُنَافِي الشَّرِكَةَ. وَلَهُ أَنَّهُ احْتَبَسَتْ مَالِيَّةُ نَصِيبِهِ عِنْدَ الْعَبْدِ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ كَمَا إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ فِي ثَوْبِ إنْسَانٍ وَأَلْقَتْهُ فِي صَبْغِ غَيْرِهِ حَتَّى انْصَبَغَ بِهِ فَعَلَى صَاحِبِ الثَّوْبِ قِيمَةُ صَبْغِ الْآخَرِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا لِمَا قُلْنَا فَكَذَا هَاهُنَا، إلَّا أَنَّ الْعَبْدَ فَقِيرٌ فَيَسْتَسْعِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا لِأَنَّهُ بِإِعْتَاقِ نَصِيبِهِ مُفْسِدٌ عَلَى الشَّرِيكِ نَصِيبَهُ بِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ اسْتِدَامَةُ مِلْكِهِ وَالتَّصَرُّفُ فِي نَصِيبِهِ وَضَمَانُ الْإِفْسَادِ لَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، وَإِمَّا عَدَمُ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُعْتِقِ بِحَالٍ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ وَالْمُتَصَرِّفُ فِي مِلْكِهِ لَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا وَلَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ، وَإِنْ تَعَدَّى ضَرَرُ تَصَرُّفِهِ إلَى مِلْكِ الْغَيْرِ كَمَنْ سَقَى أَرْضَهُ فَنَزَّتْ أَرْضُ جَارِهِ أَوْ أَحْرَقَ الْحَصَائِدَ فِي أَرْضِهِ فَاحْتَرَقَ شَيْءٌ مِنْ مِلْكِ جَارِهِ، وَلَكِنَّهُمَا تَرَكَا الْقِيَاسَ بِالْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ، رَوَاهُ نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَمِثْلُهُ رَوَى عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ. وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ (قَسْمٌ وَالْقِسْمَةُ تُنَافِي الشَّرِكَةَ) وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (لِمَا قُلْنَا) يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ وَلَهُ أَنَّهُ احْتَبَسَتْ مَالِيَّةُ نَصِيبِهِ. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّ الْعَبْدَ فَقِيرٌ فَيَسْتَسْعِيهِ) قِيلَ عَلَيْهِ إذَا سَعَى، فَالْقِيَاسُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُعْتِقِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي وَرَّطَهُ وَصَارَ كَالْعَبْدِ الْمَرْهُونِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا سَعَى. وَأُجِيبَ بِأَنَّ عُسْرَةَ الْمُعْتِقِ تَمْنَعُ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ لِلسَّاكِتِ فَكَذَلِكَ تَمْنَعُهُ لِلْعَبْدِ، وَالْعَبْدُ إنَّمَا سَعَى فِي بَدَلِ رَقَبَتِهِ وَمَالِيَّتِهِ وَقَدْ سَلِمَ لَهُ ذَلِكَ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ، بِخِلَافِ الْمَرْهُونِ فَإِنَّ سِعَايَتَهُ لَيْسَتْ فِي بَدَلِ رَقَبَتِهِ بَلْ فِي الدَّيْنِ الثَّابِتِ فِي ذِمَّةِ الرَّاهِنِ، وَمَنْ كَانَ مُجْبَرًا عَلَى قَضَاءِ دَيْنٍ فِي ذِمَّةِ الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ الْتِزَامٍ مِنْ جِهَتِهِ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ بِهِ عَلَيْهِ كَمَا فِي مُعِيرِ الرَّهْنِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا ذُكِرَ مِنْ وَجْهِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّمَا هُوَ قِيَاسٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ وَهُوَ بَاطِلٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَسَمَ عَلَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَجْهِ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّقَ الِاسْتِسْعَاءَ بِفَقْرِ الْمُعْتِقِ، وَهُوَ لَا يُنَافِي الِاسْتِسْعَاءَ عِنْدَ عَدَمِهِ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ

ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ يَسَارُ التَّيْسِيرِ، وَهُوَ أَنْ يَمْلِكَ مِنْ الْمَالِ قَدْرَ قِيمَةِ نَصِيبِ الْآخَرِ لَا يَسَارُ الْغِنَى، لِأَنَّ بِهِ يَعْتَدِلُ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِتَحْقِيقِ مَا قَصَدَهُ الْمُعْتِقُ مِنْ الْقُرْبَةِ وَإِيصَالِ بَدَلِ حَقِّ السَّاكِتِ إلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالشَّرْطِ يَقْتَضِي الْوُجُودَ عِنْدَ الْوُجُودِ وَلَا يَقْتَضِي الْعَدَمَ عِنْدَ الْعَدَمِ، فَجَازَ أَنْ تَثْبُتَ السِّعَايَةُ عِنْدَ وُجُودِ الدَّلِيلِ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ وَجْهِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ يَسَارُ التَّيْسِيرِ وَهُوَ أَنْ يَمْلِكَ مِنْ الْمَالِ قَدْرَ قِيمَةِ نَصِيبِ الْآخَرِ لَا يَسَارَ الْغَنِيِّ وَهُوَ مِلْكُ النِّصَابِ) هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَلَمْ يَسْتَثْنِ الْكَفَافَ وَهُوَ الْمَنْزِلُ وَالْخَادِمُ وَثِيَابُ الْبَدَنِ، وَالْحَسَنُ قَدْ رَوَى اسْتِثْنَاءَهُ. وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْعَبْدِ فِي الضَّمَانِ وَالسِّعَايَةِ يَوْمَ الْعِتْقِ، وَكَذَا حَالُ الْمُعْتِقِ فِي يَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ، فَإِنْ قَالَ الْمُعْتِقُ أَعْتَقْت وَأَنَا مُعْسِرٌ وَقَالَ السَّاكِتُ بِخِلَافِهِ نَظَرَ إلَيْهِ يَوْمَ ظَهَرَ الْعِتْقُ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ إذَا اخْتَلَفَا فِي انْقِطَاعِ الْمَاءِ وَجَرَيَانِهِ. وَقَوْلُهُ لَا يَسَارُ الْغَنِيِّ إشَارَةٌ إلَى نَفْيِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ الشَّرْطَ يَسَارُ الْغَنِيِّ، حَتَّى لَوْ مَلَكَ قَدْرَ نَصِيبِ الشَّرِيكِ وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ النِّصَابِ كَانَ مُعْسِرًا اعْتِبَارًا لِلْيَسَارِ الْمَعْهُودِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ بِهِ) أَيْ بِيَسَارِ التَّيْسِيرِ (يَعْتَدِلُ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ) جَانِبِ الْمُعْتِقِ وَالسَّاكِتِ (بِتَحْقِيقِ مَا قَصَدَهُ الْمُعْتِقُ مِنْ الْقُرْبَةِ وَإِيصَالِ بَدَلِ حَقِّ السَّاكِتِ إلَيْهِ) وَهَذَا لِأَنَّ قَصْدَ الْمُعْتِقِ بِالْإِعْتَاقِ الْقُرْبَةُ، وَتَمَامُ ذَلِكَ بِعِتْقِ مَا بَقِيَ وَذَلِكَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِإِيصَالِ حَقِّ السَّاكِتِ إلَيْهِ، وَإِذَا مَلَكَ مِقْدَارَ حَقِّهِ مِنْ الْمَالِ تَمَكَّنَ مِنْ إتْمَامِ قَصْدِهِ

ثُمَّ التَّخْرِيجُ عَلَى قَوْلِهِمَا ظَاهِرٌ، فَعَدَمُ رُجُوعِ الْمُعْتِقِ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْعَبْدِ لِعَدَمِ السِّعَايَةِ عَلَيْهِ فِي حَالَةِ الْيَسَارِ وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ كُلَّهُ مِنْ جِهَتِهِ لِعَدَمِ التَّجْزِيءِ. وَأَمَّا التَّخْرِيجُ عَلَى قَوْلِهِ فَخِيَارُ الْإِعْتَاقِ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِي الْبَاقِي إذْ الْإِعْتَاقُ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ، وَالتَّضْمِينُ لِأَنَّ الْمُعْتِقَ جَانٍ عَلَيْهِ بِإِفْسَادِهِ نَصِيبَهُ حَيْثُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا سِوَى الْإِعْتَاقِ وَتَوَابِعِهِ، وَالِاسْتِسْعَاءُ لِمَا بَيَّنَّا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِيصَالِ بَدَلِ حَقِّ السَّاكِتِ إلَيْهِ فَلَا مَعْنَى لِلْعُدُولِ إلَى غَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ التَّخْرِيجُ عَلَى قَوْلِهِمَا ظَاهِرٌ) يَعْنِي إذَا عَلِمَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى حَرْفَيْنِ: أَيْ أَصْلَيْنِ. بَقِيَ الْكَلَامُ فِي التَّخْرِيجِ وَهُوَ عَلَى قَوْلِهِمَا ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَجَزِّئًا كَانَ الْمُعْتِقُ مُوقِعًا لِلْعِتْقِ فِي النَّصِيبَيْنِ جَمِيعًا وَيَسَارُهُ مَانِعٌ عَنْ السِّعَايَةِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَانْتَفَتْ السِّعَايَةُ فَلَا يَرْجِعُ الْمُعْتِقُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْعَبْدِ لِعَدَمِ السِّعَايَةِ عَلَيْهِ فِي حَالِ الْيَسَارِ لِلْأَصْلِ الثَّانِي، فَلَوْ رَجَعَ لَكَانَ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ (وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ كُلَّهُ مِنْ جِهَتِهِ) لِلْأَصْلِ الْأَوَّلِ (وَأَمَّا التَّخْرِيجُ عَلَى قَوْلِهِ فَخِيَارُ الْإِعْتَاقِ) لِلشَّرِيكِ بِنَاءً عَلَى الْحَرْفِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ إذَا كَانَ مُتَجَزِّئًا كَانَ مِلْكُهُ فِي الْبَاقِي قَائِمًا فَجَازَ إعْتَاقُهُ، وَأَمَّا التَّضْمِينُ فَلِأَنَّ الْمُعْتِقَ جَانٍ عَلَيْهِ بِإِفْسَادِ نَصِيبِهِ حَيْثُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا سِوَى الْإِعْتَاقِ وَتَوَابِعِهِ مِنْ التَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: التَّضْمِينُ عَلَى مَذْهَبِهِ لَا يَعْتَمِدُ عَلَى أَحَدِ الْأَصْلَيْنِ. أَمَّا عَلَى الْأَصْلِ الثَّانِي فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى الْأَصْلِ الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ التَّجَزُّؤَ إنْ لَمْ يَكُنْ مَانِعًا عَنْ الضَّمَانِ فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا لَهُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْحَرْفَيْنِ مَبْنَى الْمَسْأَلَةِ مِنْ حَيْثُ الْمَذْهَبَانِ لَا مِنْ حَيْثُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَالضَّمَانُ فِي مَذْهَبِهِمَا مُعْتَمِدٌ عَلَى عَدَمِ التَّجَزُّؤِ لَا مَحَالَةَ. عَلَى أَنَّا نَقُولُ: إنَّ التَّجَزُّؤَ إنْ لَمْ يُوجِبْ الضَّمَانَ مِنْ حَيْثُ هُوَ تَجَزٍّ يُوجِبُهُ مِنْ حَيْثِيَّةٍ أُخْرَى وَهُوَ إفْسَادُ النَّصِيبِ فَكَانَ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ. وَقَوْلُهُ (وَالِاسْتِسْعَاءُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَالتَّضْمِينُ. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَلَهُ

وَيَرْجِعُ الْمُعْتِقُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ السَّاكِتِ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ وَقَدْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ بِالِاسْتِسْعَاءِ فَكَذَلِكَ لِلْمُعْتِقِ وَلِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ ضِمْنًا فَيَصِيرُ كَأَنَّ الْكُلَّ لَهُ وَقَدْ عَتَقَ بَعْضُهُ فَلَهُ أَنْ يُعْتِقَ الْبَاقِيَ أَوْ يَسْتَسْعِيَ إنْ شَاءَ، وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ فِي هَذَا الْوَجْهِ لِأَنَّ الْعِتْقَ كُلَّهُ مِنْ جِهَتِهِ حَيْثُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ. وَفِي حَالِ إعْسَارِ الْمُعْتِقِ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى لِمَا بَيَّنَّا، وَالْوَلَاءُ لَهُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْعِتْقَ مِنْ جِهَتِهِ، وَلَا يَرْجِعُ الْمُسْتَسْعِي عَلَى الْمُعْتِقِ بِمَا أَدَّى بِإِجْمَاعٍ بَيْنَنَا لِأَنَّهُ يَسْعَى لِفِكَاكِ رَقَبَتِهِ أَوْ لَا يَقْضِي دَيْنًا عَلَى الْمُعْتَقِ إذْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِعُسْرَتِهِ، بِخِلَافِ الْمَرْهُونِ إذَا أَعْتَقَهُ الرَّاهِنُ الْمُعْسِرُ لِأَنَّهُ يَسْعَى فِي رَقَبَةٍ قَدْ فُكَّتْ أَوْ يَقْضِي دَيْنًا عَلَى الرَّاهِنِ فَلِهَذَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمُوسِرِ كَقَوْلِهِمَا. وَقَالَ فِي الْمُعْسِرِ: يَبْقَى نَصِيبُ السَّاكِتِ عَلَى مِلْكِهِ يُبَاعُ وَيُوهَبُ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى تَضْمِينِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ اُحْتُبِسَتْ مَالِيَّةُ نَصِيبِهِ عِنْدَ الْعَبْدِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَصْلِ الثَّانِي. (وَيَرْجِعُ الْمُعْتِقُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ السَّاكِتِ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ وَقَدْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ) أَيْ أَخْذُ الْقِيمَةِ (بِالِاسْتِسْعَاءِ) بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ الثَّانِي، فَكَذَا مَنْ قَامَ مَقَامَهُ كَالْمُدَبَّرِ إذَا قُتِلَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَضَمِنَ الْقِيمَةَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْقَاتِلِ (وَلِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ ضِمْنًا فَصَارَ كَأَنَّ الْكُلَّ لَهُ وَقَدْ أَعْتَقَ بَعْضَهُ فَلَهُ أَنْ يُعْتِقَ الْبَاقِيَ أَوْ يَسْتَسْعِي إنْ شَاءَ) وَقَوْلُهُ ضِمْنًا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْمُكَاتَبُ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ وَالْمُسْتَسْعَى كَالْمُكَاتَبِ فَكَيْفَ قِيلَ ذَلِكَ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ ذَلِكَ ضِمْنِيٌّ وَالضِّمْنِيَّاتُ لَا تُعْتَبَرُ. وَقَوْلُهُ (وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ فِي هَذَا الْوَجْهِ) يَعْنِي إذَا ضَمِنَ الْمُعْتِقُ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ احْتَبَسَتْ مَالِيَّةُ نَصِيبِهِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يَرْجِعُ الْمُسْتَسْعَى عَلَى الْمُعْتِقِ) ظَاهِرٌ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ جَوَابًا لِسُؤَالٍ. قَوْلُهُ (وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُوسِرِ) بَيَانٌ لِمَوْضِعِ خِلَافِ الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهُ ذُكِرَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ مُطْلَقًا فَاحْتَاجَ إلَى أَنْ يُبَيِّنَهُ هَاهُنَا. وَقَوْلُهُ

الشَّرِيكِ لِإِعْسَارِهِ وَلَا إلَى السِّعَايَةِ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ بِجَانٍ وَلَا رَاضٍ بِهِ، وَلَا إلَى إعْتَاقِ الْكُلِّ لِلْإِضْرَارِ بِالسَّاكِتِ فَتَعَيَّنَ مَا عَيَّنَاهُ. قُلْنَا: إلَى الِاسْتِسْعَاءِ سَبِيلٌ لِأَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْجِنَايَةِ بَلْ تُبْتَنَى السِّعَايَةُ عَلَى احْتِبَاسِ الْمَالِيَّةِ فَلَا يُصَارُ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْقُوَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِكِيَّةِ وَالضَّعْفِ السَّالِبِ لَهَا فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ. قَالَ (وَلَوْ شَهِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ بِالْعِتْقِ سَعَى الْعَبْدُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِهِ مُوسِرَيْنِ كَانَا أَوْ مُعْسِرَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَكَذَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّ صَاحِبَهُ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ فَصَارَ مُكَاتِبًا فِي زَعْمِهِ عِنْدَهُ وَحَرُمَ عَلَيْهِ الِاسْتِرْقَاقُ فَيَصْدُقُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَيُمْنَعُ مِنْ اسْتِرْقَاقِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا رَاضٍ بِهِ) أَيْ بِالْإِعْتَاقِ لِأَنَّ الرِّضَا إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بَعْدَ الْعِلْمِ وَالْمَوْلَى مُنْفَرِدٌ بِالْإِعْتَاقِ وَلَا يَكُونُ الْعَبْدُ عَالِمًا بِهِ فَلَا يَكُونُ رَاضِيًا. وَقَوْلُهُ (فَتَعَيَّنَ مَا عَيَّنَّاهُ) يَعْنِي عِتْقَ مَا عَتَقَ وَرِقَّ مَا رُقَّ (وَقُلْنَا إلَى الِاسْتِسْعَاءِ سَبِيلٌ لِأَنَّ الِاسْتِسْعَاءَ لَا يَفْتَقِرُ فِي وُجُودِهِ إلَى الْجِنَايَةِ) كَمَا فِي إعْتَاقِ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ إذَا كَانَ الرَّاهِنُ مُعْسِرًا (بَلْ يَنْبَنِي عَلَى احْتِبَاسِ الْمَالِيَّةِ) وَهُوَ مَوْجُودٌ كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَإِذَا كَانَ إلَى الِاسْتِسْعَاءِ سَبِيلٌ لَا يُصَارُ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْقُوَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِكِيَّةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ إعْتَاقِ الْبَعْضِ وَالضَّعْفِ السَّالِبِ لَهَا بِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَأَمْثَالِهِ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ. قَالَ (وَلَوْ شَهِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ إلَّا مَا نُنَبِّهُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (بِالْعِتْقِ) أَيْ بِالْإِعْتَاقِ. وَقَوْلُهُ (فِي زَعْمِهِ) أَيْ فِي زَعْمِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَقَوْلُهُ (فَيُصَدَّقُ) يَعْنِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ.

وَيَسْتَسْعِيه لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِحَقِّ الِاسْتِسْعَاءِ كَاذِبًا كَانَ أَوْ صَادِقًا لِأَنَّهُ مُكَاتَبُهُ أَوْ مَمْلُوكُهُ فَلِهَذَا يَسْتَسْعِيَانِهِ، وَلَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْحَالَيْنِ فِي أَحَدِ شَيْئَيْنِ، لِأَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ لَا يَمْنَعُ السِّعَايَةَ عِنْدَهُ، وَقَدْ تَعَذَّرَ التَّضْمِينُ لِإِنْكَارِ الشَّرِيكِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ مُكَاتَبُهُ) أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ الصِّدْقِ. وَقَوْلُهُ (أَوْ مَمْلُوكُهُ) يَعْنِي عَلَى تَقْدِيرِ الْكَذِبِ فَهُوَ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ، وَإِنَّمَا تَيَقَّنَّا بِحَقِّ الِاسْتِسْعَاءِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لِأَنَّ الْمَوْلَى إذَا كَانَ كَاذِبًا فِي قَوْلِهِ أَعْتَقَ شَرِيكِي نَصِيبَهُ يَكُونُ الْكَسْبُ لِلْمَوْلَى، وَالْمُرَادُ بِالِاسْتِسْعَاءِ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْكَسْبُ لِلْمَوْلَى، وَإِذَا كَانَ صَادِقًا فِي قَوْلِهِ أَعْتَقَ الشَّرِيكُ يَكُونُ مُقِرًّا بِأَنَّ الْعَبْدَ صَارَ مُكَاتَبًا بِاعْتِبَارِ تَجَزِّي الْإِعْتَاقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَكَانَ الِاسْتِسْعَاءُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ أَخْذِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَذَلِكَ أَيْضًا جَائِزٌ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْحَالَيْنِ) أَيْ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى فِي حَالِ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ (فِي أَحَدِ شَيْئَيْنِ) أَيْ التَّضْمِينِ أَوْ الِاسْتِسْعَاءِ. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ تَعَذَّرَ التَّضْمِينُ لِإِنْكَارِ الشَّرِيكِ) اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَذَّرْ التَّضْمِينُ عَلَى تَقْدِيرِ التَّحْلِيفِ فَإِنَّهُ لَمَّا أَنْكَرَ يَحْلِفُ، فَإِذَا نَكَلَ وَجَبَ الضَّمَانُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ اعْتِقَادِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ أَعْتَقَهُ صَاحِبُهُ يَحْلِفُ وَلَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ عَلَى تَقْدِيرِ الْحَلِفِ فَتَتَعَيَّنُ السِّعَايَةُ فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّحْلِيفِ بَلْ تَتَعَيَّنُ السِّعَايَةُ بِلَا تَحْلِيفٍ لِأَنَّ

فَتَعَيَّنَ الْآخَرُ وَهُوَ السِّعَايَةُ، وَالْوَلَاءُ لَهُمَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَقُولُ عَتَقَ نَصِيبُ صَاحِبِي عَلَيْهِ بِإِعْتَاقِهِ وَوَلَاؤُهُ لَهُ، وَعَتَقَ نَصِيبِي بِالسِّعَايَةِ وَوَلَاؤُهُ لِي. (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ فَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَبْرَأُ عَنْ سِعَايَتِهِ بِدَعْوَى الْعَتَاقِ عَلَى صَاحِبِهِ لِأَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ يَمْنَعُ السِّعَايَةَ عِنْدَهُمَا، إلَّا أَنَّ الدَّعْوَى لَمْ تَثْبُتْ لِإِنْكَارِ الْآخَرِ وَالْبَرَاءَةُ عَنْ السِّعَايَةِ قَدْ ثَبَتَتْ لِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ (وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ سَعَى لَهُمَا) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي السِّعَايَةَ عَلَيْهِ صَادِقًا كَانَ أَوْ كَاذِبًا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ إذْ الْمُعْتِقُ مُعْسِرٌ (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا سَعَى لِلْمُوسِرِ مِنْهُمَا) لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ لِإِعْسَارِهِ، وَإِنَّمَا يَدَّعِي عَلَيْهِ السِّعَايَةَ فَلَا يَتَبَرَّأُ عَنْهُ (وَلَا يَسْعَى لِلْمُعْسِرِ مِنْهُمَا) لِأَنَّهُ يَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ لِيَسَارِهِ فَيَكُونُ مُبَرِّئًا لِلْعَبْدِ عَنْ السِّعَايَةِ، وَالْوَلَاءُ مَوْقُوفٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُحِيلُهُ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQمَآلُهُ إلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِحَقِّ الِاسْتِسْعَاءِ كَاذِبًا كَانَ أَوْ صَادِقًا، كَذَا فِي النِّهَايَةِ.

صَاحِبِهِ وَهُوَ يَتَبَرَّأُ عَنْهُ فَيَبْقَى مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى إعْتَاقِ أَحَدِهِمَا. (وَلَوْ قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ فُلَانٌ هَذِهِ الدَّارَ غَدًا فَهُوَ حُرٌّ، وَقَالَ الْآخَرُ: إنْ دَخَلَ فَهُوَ حُرٌّ فَمَضَى الْغَدُ وَلَا يُدْرَى أَدَخَلَ أَمْ لَا عَتَقَ النِّصْفُ وَسَعَى لَهُمَا فِي النِّصْفِ الْآخَرِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَسْعَى فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ) لِأَنَّ الْمُقْضَى عَلَيْهِ بِسُقُوطِ السِّعَايَةِ مَجْهُولٌ، وَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ عَلَى الْمَجْهُولِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقِيلَ هُوَ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ مُكَاتَبُهُ أَوْ مَمْلُوكُهُ. (وَلَوْ قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ فُلَانٌ هَذِهِ الدَّارَ غَدًا فَهُوَ حُرٌّ وَقَالَ الْآخَرُ إنْ دَخَلَ فَهُوَ حُرٌّ فَمَضَى الْغَدُ وَلَا يَدْرِي أَدَخَلَ أَمْ لَا عَتَقَ النِّصْفُ وَسَعَى لَهُمَا فِي النِّصْفِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) لَكِنْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا مُوسِرَيْنِ أَوْ مُعْسِرَيْنِ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا لِأَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ عِنْدَهُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ السِّعَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ، فَحَالُهُمَا فِي اسْتِحْقَاقِ النِّصْفِ الْبَاقِي عَلَى السَّوَاءِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: إنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ لَمْ يَسْعَ الْوَاحِدُ مِنْهُمَا فِي شَيْءٍ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتَبَرَّأُ عَنْ السِّعَايَةِ وَيَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى شَرِيكِهِ لِأَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ يَمْنَعُ السِّعَايَةَ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا يَسْعَى فِي رُبُعِ قِيمَتِهِ الْمُوسِرُ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْمُعْسِرَ يَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى شَرِيكِهِ وَيَتَبَرَّأُ عَنْ سِعَايَةِ الْعَبْدِ فَتَسْقُطُ حِصَّتُهُ عَنْهُ، وَالْمُوسِرُ يَدَّعِي السِّعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ فَيَسْعَى لَهُ فِي حِصَّتِهِ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَسْعَى فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ) بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ إنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ وَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ لَمْ يَسْعَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي شَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا

فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ لَك عَلَى أَحَدِنَا أَلْفُ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ لِلْجَهَالَةِ، كَذَا هَذَا. وَلَهُمَا أَنَّا تَيَقَّنَّا بِسُقُوطِ نِصْفِ السِّعَايَةِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا حَانِثٌ بِيَقِينٍ، وَمَعَ التَّيَقُّنِ بِسُقُوطِ النِّصْفِ كَيْفَ يُقْضَى بِوُجُوبِ الْكُلِّ، وَالْجَهَالَةُ تَرْتَفِعُ بِالشُّيُوعِ وَالتَّوْزِيعِ، كَمَا إذَا أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ لَا بِعَيْنِهِ أَوْ بِعَيْنِهِ وَنَسِيَهُ وَمَاتَ قَبْلَ التَّذَكُّرِ أَوْ الْبَيَانِ، وَيَتَأَتَّى التَّفْرِيعُ فِيهِ عَلَى أَنَّ الْيَسَارَ يَمْنَعُ السِّعَايَةَ أَوْ لَا يَمْنَعُهَا عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي سَبَقَ. (وَلَوْ حَلَفَا عَلَى عَبْدَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْآخَرُ مُعْسِرًا سَعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِلْمُوسِرِ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْمُعْسِرَ يَتَبَرَّأُ عَنْ السِّعَايَةِ وَالْمُوسِرُ يَدَّعِيهَا، فَإِنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ عِنْدَهُ أَيْضًا يَمْنَعُ وُجُوبَ السِّعَايَةِ. وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا كَانَا مُعْسِرَيْنِ وَأَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ بِسُقُوطِ حَقِّهِ فِي السِّعَايَةِ وَهُوَ الْحَانِثُ مِنْهُمَا مَجْهُولٌ. وَالْمَجْهُولُ لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ (فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ لَك عَلَى أَحَدِنَا أَلْفُ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ لِلْجَهَالَةِ كَذَا هَذَا. وَلَهُمَا أَنَّا تَيَقَّنَّا بِسُقُوطِ نِصْفِ السِّعَايَةِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا حَانِثٌ بِيَقِينٍ، وَمَعَ التَّيَقُّنِ بِسُقُوطِ النِّصْفِ كَيْفَ يُقْضَى بِوُجُوبِ الْكُلِّ، وَالْجَهَالَةُ تَرْتَفِعُ بِالشُّيُوعِ وَالتَّوْزِيعِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ مَجْهُولٌ. فَإِنْ قِيلَ: فِي التَّوْزِيعِ فَسَادٌ وَهُوَ إسْقَاطُ السِّعَايَةِ عَنْ غَيْرِ الْمُعْتِقِ وَإِيجَابُهُ لِلْمُعْتَقِ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ مُتَحَمِّلٌ ضَرُورَةَ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْعَبْدِ، وَذَلِكَ لِأَنَّا لَوْ لَمْ نَقُلْ بِالتَّوْزِيعِ وَقُلْنَا بِوُجُوبِ كُلِّ السِّعَايَةِ كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ كَانَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْعَبْدِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَأَمَّا إذَا قُلْنَا بِالتَّوْزِيعِ فَقَدْ كَانَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ غَيْرِ الْمُعْتِقِ مِنْ وَجْهٍ فَكَانَ التَّوْزِيعُ أَوْلَى. وَقَوْلُهُ (وَيَتَأَتَّى التَّفْرِيعُ فِيهِ) قَدْ أَمْضَيْنَاهُ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ حَلَفَا عَلَى عَبْدَيْنِ) ظَاهِرٌ،

مِنْهُمَا لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا) لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ مَجْهُولٌ، وَكَذَلِكَ الْمَقْضِيَّ لَهُ فَتَفَاحَشَتْ الْجَهَالَةُ فَامْتَنَعَ الْقَضَاءُ، وَفِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَقْضِيَّ لَهُ وَالْمَقْضِيِّ بِهِ مَعْلُومٌ فَغَلَبَ الْمَعْلُومُ الْمَجْهُولَ. (وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلَانِ ابْنَ أَحَدِهِمَا عَتَقَ نَصِيبُ الْأَبِ) لِأَنَّهُ مَلَكَ شِقْصَ قَرِيبِهِ وَشِرَاؤُهُ إعْتَاقٌ عَلَى مَا مَرَّ (وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) عَلِمَ الْآخَرُ أَنَّهُ ابْنُ شَرِيكِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ (وَكَذَا إذَا وَرِثَاهُ، وَالشَّرِيكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَا: فِي الشِّرَاءِ يَضْمَنُ الْأَبُ نِصْفَ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَى الِابْنُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِشَرِيكِ أَبِيهِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا مَلَكَا، بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، وَعَلَى هَذَا إذَا اشْتَرَاهُ رَجُلَانِ وَأَحَدُهُمَا قَدْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ إنْ اشْتَرَى نِصْفَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلَانِ إلَّا مَا نَذْكُرُهُ. قَوْلُهُ (وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْأَبِ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا لَوْ وَرِثَاهُ) يَعْنِي بِالِاتِّفَاقِ. وَصُورَتُهُ امْرَأَةٌ اشْتَرَتْ ابْنَ زَوْجِهَا فَمَاتَتْ عَنْ أَخٍ وَزَوْجٍ كَانَ النِّصْفُ لِلزَّوْجِ وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ، أَوْ امْرَأَةٌ لَهَا زَوْجٌ وَأَبٌ وَلَهَا غُلَامٌ وَهُوَ أَبُو زَوْجِهَا فَمَاتَتْ الْمَرْأَةُ صَارَ غُلَامُهَا مِيرَاثًا بَيْنَ زَوْجِهَا وَأَبِيهَا. وَقَوْلُهُ (وَقَالَا فِي الشِّرَاءِ) إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الِاتِّفَاقِ فِي صُورَةِ الْإِرْثِ. وَقَوْلُهُ (قَدْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ إنْ اشْتَرَى نِصْفَهُ) إنَّمَا قَيَّدَ

لَهُمَا أَنَّهُ أَبْطَلَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِالْإِعْتَاقِ لِأَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ، وَصَارَ هَذَا كَمَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ أَجْنَبِيَّيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ، وَلَهُ أَنَّهُ رَضِيَ بِإِفْسَادِ نَصِيبِهِ فَلَا يُضَمِّنُهُ، كَمَا إذَا أَذِنَ لَهُ بِإِعْتَاقِ نَصِيبِهِ صَرِيحًا، وَدَلَالَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ شَارَكَهُ فِيمَا هُوَ عِلَّةُ الْعِتْقِ وَهُوَ الشِّرَاءُ لِأَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ حَتَّى يَخْرُجَ بِهِ عَنْ عُهْدَةِ الْكَفَّارَةِ عِنْدَنَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالنِّصْفِ، لِأَنَّهُ إذَا حَلَفَ بِعِتْقِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِشَرِكَةِ الْآخَرِ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الشَّرْطَ شِرَاءُ كُلِّ الْعَبْدِ وَلَمْ يُوجَدْ. وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ ظَاهِرٌ. وَوَجْهُ قَوْلِهِ مَا ذَكَرَهُ فِيهِ. وَتَقْرِيرُهُ: الشَّرِيكُ الْآخَرَ رَضِيَ بِإِفْسَادِ نَصِيبِهِ وَمَنْ رَضِيَ بِذَلِكَ لَا يَضْمَنُ الْمُفْسَدَ (كَمَا إذَا أَذِنَ لَهُ بِإِعْتَاقِ نَصِيبِهِ صَرِيحًا وَدَلَالَةُ ذَلِكَ) أَيْ الدَّلِيلُ عَلَى رِضَاهُ بِإِفْسَادِ نَصِيبِهِ (أَنَّهُ شَارَكَهُ فِيمَا هُوَ عِلَّةُ الْعِتْقِ، وَهُوَ الشِّرَاءُ لِأَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ حَتَّى يَخْرُجَ بِهِ عَنْ عُهْدَةِ الْكَفَّارَةِ عِنْدَنَا) وَالْمُشَارَكَةُ فِي عِلَّةِ الْعِتْقِ رِضًا بِالْعِتْقِ لَا مَحَالَةَ. وَالْمُرَادُ بِالْعِلَّةِ عِلَّةُ الْعِلَّةِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ عِلَّةُ التَّمَلُّكِ وَالتَّمَلُّكُ فِي الْقَرِيبِ عِلَّةُ الْعِتْقِ، وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ إذَا لَمْ تَصْلُحْ الْعِلَّةُ لِلْإِضَافَةِ إلَيْهَا، وَهَاهُنَا كَذَلِكَ لِأَنَّ التَّمَلُّكَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ

وَهَذَا ضَمَانُ إفْسَادٍ فِي ظَاهِرِ قَوْلِهِمَا حَتَّى يَخْتَلِفَ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَيَسْقُطَ بِالرِّضَا، وَلَا يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى السَّبَبِ، كَمَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ: كُلْ هَذَا الطَّعَامَ وَهُوَ مَمْلُوكٌ لِلْآمِرِ وَلَا يَعْلَمُ الْآمِرُ بِمِلْكِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَثْبُتُ بَعْدَ مُبَاشَرَةِ عِلَّتِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ، بِخِلَافِ الْإِرْثِ فَإِنَّهُ لَا إعْتَاقَ هُنَاكَ وَلِهَذَا لَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا ضَمَانُ إفْسَادٍ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا عَمَّا يُقَالُ إنَّمَا كَانَ الرِّضَا مُسْقِطًا لِلضَّمَانِ أَنْ لَوْ كَانَ ضَمَانَ إفْسَادٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ ضَمَانَ تَمَلُّكٍ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ كَمَا إذَا اسْتَوْلَدَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْجَارِيَةَ بِإِذْنِهِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِهِ الضَّمَانُ لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ إذْ الِاسْتِيلَادُ مَوْضُوعٌ لِطَلَبِ الْوَلَدِ لَا لِلْعِتْقِ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْوَاجِبُ بِهِ ضَمَانَ عِتْقٍ وَهُوَ غَيْرُ مَوْضُوعٍ لَهُ فَكَانَ ضَمَانَ تَمَلُّكٍ. وَوَجْهُ الْجَوَابِ أَنَّهُ ضَمَانُ إفْسَادٍ فِي ظَاهِرِ قَوْلِهِمَا حَتَّى يَخْتَلِفَ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَيَسْقُطَ بِالرِّضَا، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي ظَاهِرِ قَوْلِهِمَا لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ هَذَا ضَمَانُ تَمَلُّكٍ فَلَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الضَّمَانُ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ بَيْنَ الْعِلْمِ) أَيْ بِالْقَرَابَةِ (وَعَدَمِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى السَّبَبِ) أَيْ الْعِلَّةِ (كَمَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ كُلْ هَذَا الطَّعَامَ وَهُوَ مَمْلُوكٌ لِلْآمِرِ وَلَا يَعْلَمُ الْآمِرُ بِمِلْكِهِ) وَالسَّبَبُ قَدْ وُجِدَ بِمَا مَرَّ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ فَصَلَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْقَرَابَةِ وَبَيْنَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا

(وَإِنْ بَدَأَ الْأَجْنَبِيُّ فَاشْتَرَى نِصْفَهُ ثُمَّ اشْتَرَى الْأَبُ نِصْفَهُ الْآخَرَ وَهُوَ مُوسِرٌ فَالْأَجْنَبِيُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَبَ) لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِإِفْسَادِ نَصِيبِهِ (وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الِابْنَ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ) لِاحْتِبَاسِ مَالِيَّتِهِ عِنْدَهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ لَا يَمْنَعُ السِّعَايَةَ عِنْدَهُ. وَقَالَا: لَا خِيَارَ لَهُ وَيَضْمَنُ الْأَبُ نِصْفَ قِيمَتِهِ لِأَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ يَمْنَعُ السِّعَايَةَ عِنْدَهُمَا. (وَمَنْ اشْتَرَى نِصْفَ ابْنِهِ وَهُوَ مُوسِرٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: يَضْمَنُ إذَا كَانَ مُوسِرًا) وَمَعْنَاهُ إذَا اشْتَرَى نِصْفَهُ مِمَّنْ يَمْلِكُ كُلَّهُ فَلَا يَضْمَنُ لِبَائِعِهِ شَيْئًا عِنْدَهُ، وَالْوَجْهُ قَدْ ذَكَرْنَاهُ. (وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ فَدَبَّرَهُ أَحَدُهُمْ وَهُوَ مُوسِرٌ ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْآخَرُ وَهُوَ مُوسِرٌ) فَأَرَادُوا الضَّمَانَ فَلِلسَّاكِتِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُدَبِّرَ ثُلُثَ قِيمَتِهِ قِنًّا وَلَا يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهَا فِي حُكْمِ الضَّمَانِ لِأَنَّ الرِّضَا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا إذَا كَانَ عَالِمًا بِهَا. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ بَدَأَ الْأَجْنَبِيُّ) ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ (وَمَنْ اشْتَرَى نِصْفَ ابْنِهِ وَهُوَ مُوسِرٌ) وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ مِمَّنْ يَمْلِكُ كُلَّهُ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى نَصِيبَ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْهُ ضَمِنَ لِلسَّاكِتِ بِالْإِجْمَاعِ. وَقَوْلُهُ (وَالْوَجْهُ قَدْ ذَكَرْنَاهُ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لَهُمَا أَنَّهُ أَبْطَلَ وَلَهُ أَنَّهُ رَضِيَ. قَالَ (وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمْ وَهُوَ مُوسِرٌ ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْآخَرُ وَهُوَ مُوسِرٌ فَأَرَادُوا الضَّمَانَ) أَيْ أَرَادَا، لِأَنَّ مُرِيدَ الضَّمَانِ إنَّمَا هُوَ السَّاكِتُ وَالْمُدَبَّرُ دُونَ الْمُعْتَقِ، فَكَانَ الْمُرَادُ بِالْجَمْعِ التَّثْنِيَةَ، أَوْ أَطْلَقَ الْجَمْعَ بِطَرِيقِ التَّغْلِيبِ (فَلِلسَّاكِتِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُدَبَّرَ وَلَا يُضَمِّنَ الْمُعْتَقَ) .

(وَلِلْمُدَبِّرِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ ثُلُثَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا وَلَا يُضَمِّنَهُ الثُّلُثَ الَّذِي ضَمِنَ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا الْعَبْدُ كُلُّهُ لِلَّذِي دَبَّرَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَيَضْمَنُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لِشَرِيكَيْهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا) وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ التَّدْبِيرَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافًا لَهُمَا كَالْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِهِ فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِهِ، وَلَمَّا كَانَ مُتَجَزِّئًا عِنْدَهُ اقْتَصَرَ عَلَى نَصِيبِهِ، وَقَدْ أَفْسَدَ بِالتَّدْبِيرِ نَصِيبَ الْآخَرَيْنِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُدَبِّرَ نَصِيبَهُ أَوْ يُعْتِقَ أَوْ يُكَاتِبَ أَوْ يُضَمِّنَ الْمُدَبِّرَ أَوْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ أَوْ يَتْرُكَهُ عَلَى حَالِهِ لِأَنَّ نَصِيبَهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ فَاسِدٌ بِإِفْسَادِ شَرِيكِهِ حَيْثُ سَدَّ عَلَيْهِ طُرُقَ الِانْتِفَاعِ بِهِ بَيْعًا وَهِبَةً عَلَى مَا مَرَّ، فَإِذَا اخْتَارَ أَحَدُهُمَا الْعِتْقَ تَعَيَّنَ حَقُّهُ فِيهِ وَسَقَطَ اخْتِيَارُهُ غَيْرَهُ فَتَوَجَّهَ لِلسَّاكِتِ سَبَبُ ضَمَانِ تَدْبِيرِ الْمُدَبَّرِ وَإِعْتَاقِ هَذَا الْمُعْتَقِ، غَيْرَ أَنَّ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُدَبِّرَ لِيَكُونَ الضَّمَانُ ضَمَانَ مُعَاوَضَةٍ إذْ هُوَ الْأَصْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِلْمُدَبَّرِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ ثُلُثَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا وَلَا يُضَمِّنَهُ الثُّلُثَ الَّذِي ضَمِنَ) وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ إنْ كَانَتْ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ دِينَارًا مَثَلًا فَإِنَّ السَّاكِتَ يُضَمِّنُ الْمُدَبَّرَ تِسْعَةً وَالْمُدَبَّرَ يُضَمِّنُ الْمُعْتَقَ سِتَّةً، وَذَلِكَ لِأَنَّ قِيمَةَ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَا قِيمَةِ الْقِنِّ لِمَا نَذْكُرُ، فَبِالتَّدْبِيرِ تَلِفَتْ مِنْهُ تِسْعَةٌ فَكَانَ الْإِتْلَافُ بِالْإِعْتَاقِ وَاقِعًا عَلَى قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ وَهِيَ ثُلُثَا قِيمَةِ الْقِنِّ وَهِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَثُلُثُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سِتَّةٌ، فَيُضَمِّنُ الْمُدَبَّرُ الْمُعْتِقَ تِلْكَ السِّتَّةَ فَقَطْ وَلَا يُضَمِّنُهُ التِّسْعَةَ الَّتِي هِيَ نَصِيبُ السَّاكِتِ مَعَ تِلْكَ السِّتَّةِ الَّتِي يُضَمِّنُهُ إيَّاهَا (وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: الْعَبْدُ لِلْمُدَبَّرِ وَيَضْمَنُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لِشَرِيكَيْهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا) قَوْلُهُ (وَأَصْلُ هَذَا) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا مَرَّ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الْمُعْتِقَ جَانٍ عَلَيْهِ بِإِفْسَادِ نَصِيبِهِ حَيْثُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ إلَخْ. وَقَوْلُهُ (غَيْرَ أَنَّ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُدَبَّرَ) بَيَانُ حَصْرِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُدَبَّرِ بَعْدَمَا كَانَ الْإِعْتَاقُ أَيْضًا سَبَبَ ضَمَانٍ، وَتَقْرِيرُ ذَلِكَ أَنَّ ضَمَانَ الْمُدَبَّرِ ضَمَانُ مُعَاوَضَةٍ

حَتَّى جُعِلَ الْغَصْبُ ضَمَانَ مُعَاوَضَةٍ عَلَى أَصْلِنَا، وَأَمْكَنَ ذَلِكَ فِي التَّدْبِيرِ لِكَوْنِهِ قَابِلًا لِلنَّقْلِ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ وَقْتَ التَّدْبِيرِ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ مُكَاتَبٌ أَوْ حُرٌّ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ، وَلَا بُدَّ مِنْ رِضَا الْمَكَاتِبِ بِفَسْخِهِ حَتَّى يَقْبَلَ الِانْتِقَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَضَمَانَ الْمُعْتِقِ ضَمَانُ جِنَايَةٍ وَإِتْلَافٍ، وَالْأَصْلُ فِي الضَّمَانِ هُوَ ضَمَانُ الْمُعَاوَضَةِ فَلَا يُعْدَلُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ؛ أَمَّا أَنَّ ضَمَانَ الْمُدَبَّرِ ضَمَانُ مُعَاوَضَةٍ فَلِأَنَّهُ يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَهُ بِالتَّدْبِيرِ وَهُوَ كَانَ قَابِلًا لِلنَّقْلِ فَكَانَ ضَمَانُهُ مُقَابَلًا بِذَلِكَ فَانْعَقَدَ سَبَبُ الضَّمَانِ مُوجِبًا لِمِلْكِ الْمَضْمُونِ، بِخِلَافِ ضَمَانِ الْإِعْتَاقِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَهُ، وَمَا أَتْلَفَهُ كَانَ بَعْدَ تَدْبِيرِ الْمُدَبَّرِ وَذَلِكَ غَيْرُ قَابِلٍ لِلنَّقْلِ فَكَانَ ضَمَانُهُ ضَمَانًا مِنْ غَيْرِ تَمَلُّكِ الْمَضْمُونِ وَذَلِكَ خَالِصُ ضَمَانِ الْجِنَايَةِ، وَأَمَّا أَنَّ الْأَصْلَ فِي الضَّمَانِ ضَمَانُ الْمُعَاوَضَةِ فَوَاضِحٌ (وَلِهَذَا جَعَلَ الْغَصْبَ ضَمَانَ مُعَاوَضَةٍ عَلَى أَصْلِنَا) وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ضَمَانَ الْمُدَبَّرِ ضَمَانُ مُعَاوَضَةٍ أَنَّ مَنْ غَصَبَ مُدَبَّرًا فَاكْتَسَبَ عِنْدَ الْغَاصِبِ كَسْبًا ثُمَّ أَبَقَ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ إبَاقِهِ حَتَّى مَاتَ كَانَ ذَلِكَ الْكَسْبُ لِلْغَاصِبِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ، وَالْمَسْأَلَةُ فِي آخِرِ بَابِ النَّهْيِ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْكَسْبُ لَهُ إذَا كَانَ الْمُدَبَّرُ مِلْكًا لِلْغَاصِبِ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ، فَلَمَّا اُعْتُبِرَ ضَمَانُ الْمُدَبَّرِ وَهُوَ غَيْرُ قَابِلٍ لِلنَّقْلِ ضَمَانَ مُعَاوَضَةٍ فَلَأَنْ يُعْتَبَرَ ضَمَانُ الْمُدَبَّرِ وَمَا أَتْلَفَهُ بِتَدْبِيرِهِ قَابِلٌ لِلنَّقْلِ ضَمَانَ مُعَاوَضَةٍ كَانَ أَوْلَى. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ مُكَاتَبٌ أَوْ حُرٌّ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ) قَالَ الْإِمَامُ جَلَالُ الدِّينِ بْنُ الْمُصَنِّفِ: هَذَا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ

فَلِهَذَا يَضْمَنُ الْمُدَبِّرُ، ثُمَّ لِلْمُدَبِّرِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ ثُلُثَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا لِأَنَّهُ أَفْسَدَ عَلَيْهِ نَصِيبَهُ مُدَبَّرًا، وَالضَّمَانُ يَتَقَدَّرُ بِقِيمَةِ الْمُتْلَفِ، وَقِيمَةُ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَا قِيمَتِهِ قِنًّا عَلَى مَا قَالُوا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَذَا قَوْلُهُ لَا بُدَّ مِنْ رِضَا الْمُكَاتَبِ بِفَسْخِهِ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْإِعْتَاقِ لَيْسَ بِمُكَاتَبٍ وَلَا حُرٍّ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ كَذَلِكَ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ، وَالْمُسْتَسْعَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَفْسَخُ بِالْعَجْزِ وَلَا بِالتَّفَاسُخِ، وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ أَنْ يُقَالَ لِأَنَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ مُدَبَّرٌ. وَأَقُولُ: لِلسَّاكِتِ حَقُّ الِاسْتِسْعَاءِ وَكُلُّ مَنْ فِيهِ حَقُّ الِاسْتِسْعَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ، كَمَا أَنَّ مَنْ فِيهِ حَقُّ الْبَيَانِ كَذَلِكَ عَلَى مَا سَيَجِيءُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي مَسْأَلَةِ الثَّابِتِ وَالْخَارِجِ وَالدَّاخِلِ أَنَّ لِلْمَوْلَى بَيَانَ حَقِّ الْإِيجَابِ الْأَوَّلِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّابِتِ وَالْخَارِجِ، فَمَا دَامَ لَهُ حَقُّ الْبَيَانِ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا حُرًّا مِنْ وَجْهٍ عَبْدًا مِنْ وَجْهٍ، فَكَانَ الثَّابِتُ كَالْمُكَاتَبِ، فَكَذَا هَاهُنَا مَا دَامَ لَهُ حَقُّ السِّعَايَةِ فِي الْمُدَبَّرِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ، وَأَمَّا أَنَّ الْكِتَابَةَ تَقْبَلُ الْفَسْخَ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي فَصْلِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ أَنَّهَا تَنْفَسِخُ بِمُقْتَضَى الْإِعْتَاقِ فَكَذَلِكَ تَنْفَسِخُ بِالتَّرَاضِي وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا قَالُوا) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافًا. قَالَ بَعْضُهُمْ: نِصْفُ قِيمَةِ الْقِنِّ لِأَنَّ قَبْلَ التَّدْبِيرِ كَانَ لَهُ فِيهِ نَوْعُ مَنْفَعَةِ الْبَيْعِ وَمَا شَاكَلَهُ وَمَنْفَعَةُ الْإِجَارَةِ وَمَا شَاكَلَهَا وَقَدْ زَالَ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْبَيْعُ وَبَقِيَ الْآخَرُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قِيمَتُهُ قِيمَةُ الْخِدْمَةِ يَنْظُرُ بِكَمْ يُسْتَخْدَمُ وَهُوَ مُدَّةُ عُمُرِهِ مِنْ حَيْثُ الْحَزْرُ وَالظَّنُّ. وَالْأَصَحُّ مَا قَالَهُ فِي الْكِتَابِ لِأَنَّ

وَلَا يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ مَا مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ مِنْ جِهَةِ السَّاكِتِ لِأَنَّ مِلْكَهُ يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا وَهُوَ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ التَّضْمِينِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنْفَعَةَ الْوَطْءِ وَالسِّعَايَةِ بَاقِيَةٌ وَمَنْفَعَةَ الْبَيْعِ زَائِلَةٌ، وَقِيلَ الْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يُضَمِّنُهُ قِيمَةَ مَا مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ) يَعْنِي أَنَّ الْمُدَبَّرَ لَمَّا أَدَّى ضَمَانَ نَصِيبِ السَّاكِتِ وَهُوَ ثُلُثُ قِيمَتِهِ قِنًّا مَلَكَ الْمُدَبَّرُ نَصِيبَ السَّاكِتِ وَاجْتَمَعَ فِي مِلْكِ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَا الْعَبْدِ، وَلَهُ أَنْ يَضْمَنَ قِيمَةَ مَا كَانَ لَهُ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الثُّلُثُ مُدَبَّرًا، فَإِنَّ نَصِيبَهُ بَعْدَ تَدْبِيرِهِ كَانَ مُنْتَفَعًا بِهِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا وَفَسَدَ بِالْإِعْتَاقِ فَيُضْمَنُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ قِيمَةَ الثُّلُثِ الَّذِي تَمَلَّكَ عَلَى السَّاكِتِ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَلَكَ الْمَضْمُونَ مُسْتَنِدًا وَالْمُسْتَنِدُ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ التَّضْمِينِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ لَمَّا انْتَقَلَ نَصِيبُ السَّاكِتِ إلَى الْمُدَبَّرِ قَامَ الْمُدَبَّرُ مَقَامَ السَّاكِتِ فِي ذَلِكَ الثُّلُثِ، وَالسَّاكِتُ لَا يَمْلِكُ تَضْمِينَ الْمُعْتِقِ فَكَذَلِكَ مَنْ قَامَ مَقَامَهُ. وَبِالْوَجْهِ الثَّانِي يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ وَهُوَ مُوسِرٌ يَضْمَنُ لِلسَّاكِتِ قِيمَةَ نَصِيبِهِ وَيَرْجِعُ الْمُعْتِقُ عَلَى الْعَبْدِ وَإِنْ ثَبَتَ لَهُ الْمِلْكُ مُسْتَنِدًا وَهُوَ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُدَبَّرَ قَامَ مَقَامَ السَّاكِتِ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ، وَلَيْسَ لِلسَّاكِتِ تَضْمِينُ الْمُعْتِقِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَعَيُّنِ تَضْمِينِ الْمُدَبَّرِ لِيَكُونَ الضَّمَانُ ضَمَانَ مُعَاوَضَةٍ لِكَوْنِهِ الْأَصْلَ، فَكَذَلِكَ مَنْ قَامَ مَقَامَهُ. وَأَمَّا الْمُعْتِقُ فَلَمَّا قَامَ مَقَامَ السَّاكِتِ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ وَكَانَ لِلسَّاكِتِ وِلَايَةُ الِاسْتِسْعَاءِ كَانَ لِلْمُعْتِقِ أَيْضًا تِلْكَ

وَالْوَلَاءُ بَيْنَ الْمُعْتِقِ وَالْمُدَبِّرِ أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِلْمُدَبِّرِ وَالثُّلُثُ لِلْمُعْتِقِ لِأَنَّ الْعَبْدَ عَتَقَ عَلَى مِلْكِهِمَا عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوِلَايَةُ. وَقَوْلُهُ (وَالْوَلَاءُ بَيْنَ الْمُعْتَقِ وَالْمُدَبَّرِ) أَيْ بَيْنَ عَصَبَةِ الْمُدَبَّرِ (أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِلْمُدَبَّرِ وَالثُّلُثُ لِلْمُعْتَقِ لِأَنَّ الْعَبْدَ عَتَقَ عَلَى مِلْكِهِمَا عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ) فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ أَدَاءُ الضَّمَانِ يُثْبِتُ مِلْكَ نَصِيبِ الْآخَرِ كَانَ لِلْمُعْتِقِ ثُلُثَا الْوَلَاءِ أَيْضًا لِأَنَّهُ أَدَّى إلَى الْمُدَبَّرِ ثُلُثَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا. أُجِيبَ بِأَنَّ ضَمَانَ الْمُعْتِقِ إلَى الْمُدَبَّرِ ضَمَانَ إتْلَافٍ لَا ضَمَانَ مُعَاوَضَةٍ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُدَبَّرَ غَيْرُ قَابِلٍ لِلنَّقْلِ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَلَمْ يَمْلِكْ الْمُعْتِقُ شَيْئًا بِمُقَابَلَةِ مَا ضَمِنَ، وَأَمَّا الْمُدَبَّرُ فَقَدْ مَلَكَ نَصِيبَ السَّاكِتِ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ التَّدْبِيرِ عَلَى مَا مَرَّ فَصَارَ كَأَنَّهُ دَبَّرَ ثُلُثَيْهِ مِنْ الِابْتِدَاءِ مُسْتَنِدًا فَثَبَتَ لَهُ ثُلُثَا

وَإِذَا لَمْ يَكُنْ التَّدْبِيرُ مُتَجَزِّئًا عِنْدَهُمَا صَارَ كُلُّهُ مُدَبَّرًا لِلْمُدَبِّرِ وَقَدْ أَفْسَدَ نَصِيبَ شَرِيكَيْهِ لِمَا بَيَّنَّا فَيَضْمَنُهُ، وَلَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ فَأَشْبَهَ الِاسْتِيلَادَ، بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ جِنَايَةٍ، وَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلْمُدَبِّرِ وَهَذَا ظَاهِرٌ. قَالَ (وَإِذَا كَانَتْ جَارِيَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ زَعَمَ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لِصَاحِبِهِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْآخَرُ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ يَوْمًا وَيَوْمًا تَخْدُمُ الْمُنْكِرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: إنْ شَاءَ الْمُنْكِرُ اسْتَسْعَى الْجَارِيَةَ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا ثُمَّ تَكُونُ حُرَّةً لَا سَبِيلَ عَلَيْهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَلَاءِ وَلِلْمُعْتَقِ الثُّلُثُ لِمَا أَنَّ نَصِيبَ السَّاكِتِ بَعْدَمَا انْتَقَلَ إلَى الْمُدَبَّرِ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْمُعْتَقِ. . وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ) أَيْ لِأَنَّ ضَمَانَ التَّدْبِيرِ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ كَسْبَهُ وَخِدْمَتَهُ فَلَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ كَضَمَانِ الِاسْتِيلَادِ (بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ جِنَايَةٍ) وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ قَوْلَكُمْ ضَمَانُ الْجِنَايَةِ يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ أَرَدْتُمْ بِهِ مُطْلَقَ ضَمَانِ الْجِنَايَةِ أَوْ الْجِنَايَةَ بِالْإِعْتَاقِ، وَالْأَوَّلُ مَرْدُودٌ بِأَنَّ مَنْ كَسَرَ جَرَّةَ إنْسَانٍ مَثَلًا أَوْ أَتْلَفَ مِلْكًا مِنْ أَمْلَاكِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا، وَالثَّانِي تَحَكُّمٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ الثَّانِي، وَالتَّحَكُّمُ مَدْفُوعٌ لِثُبُوتِهِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي الرَّجُلِ يُعْتِقُ نَصِيبَهُ: إنْ كَانَ غَنِيًّا ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا سَعَى الْعَبْدُ فِي حِصَّةِ الْآخَرِ» فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ لِكَوْنِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ. قَالَ (وَإِنْ كَانَ جَارِيَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ) إذَا كَانَتْ الْجَارِيَةُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ (زَعَمَ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لِصَاحِبِهِ وَأَنْكَرَ صَاحِبُهُ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ يَوْمًا) أَيْ تُرْفَعُ عَنْهَا الْخِدْمَةُ يَوْمًا (وَتَخْدُمُ الْمُنْكِرَ يَوْمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَا: إنْ شَاءَ الْمُنْكِرُ اسْتَسْعَى الْجَارِيَةَ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا ثُمَّ تَكُونُ حُرَّةً) كُلَّهَا (لَا سَبِيلَ عَلَيْهَا) يَعْنِي لِلْمُقِرِّ بِالِاسْتِسْعَاءِ

لَهُمَا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُصَدِّقْهُ صَاحِبُهُ انْقَلَبَ إقْرَارُ الْمُقِرِّ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ أَنَّهُ أَعْتَقَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْبَيْعِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ أَعْتَقَ كَذَا هَذَا فَتَمْتَنِعُ الْخِدْمَةُ وَنَصِيبُ الْمُنْكِرِ عَلَى مِلْكِهِ فِي الْحُكْمِ فَتَخْرُجُ إلَى الْعَتَاقِ بِالسِّعَايَةِ كَأُمِّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَتْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُمَا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُصَدِّقْهُ) وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمُقِرَّ لَوْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاسْتِيلَادِ صَحَّ، فَإِذَا أَضَافَهُ إلَى مَنْ يَمْلِكُهُ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ ذَلِكَ انْقَلَبَ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ، وَإِذَا انْقَلَبَ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ صَارَ كَأَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ أَنَّهُ أَعْتَقَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ، وَإِذَا انْقَلَبَ إقْرَارُ الْمُقِرِّ عَلَى نَفْسِهِ امْتَنَعَ الْخِدْمَةُ لِلْمُنْكِرِ لِأَنَّ الْمُقِرَّ صَارَ بِإِقْرَارِهِ كَالْمُسْتَوْلِدِ لَهَا، وَلَا يُمْكِنُ لِلْمُنْكِرِ تَضْمِينُ الْمُقِرِّ، لِأَنَّهُ مَا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاسْتِيلَادِ فَكَانَ نَصِيبُ الْمُنْكِرِ عَلَى مِلْكِهِ فِي الْحُكْمِ مُحْتَبَسًا عِنْدَ الْجَارِيَةِ (فَتَخْرُجُ إلَى الْعَتَاقِ بِالسِّعَايَةِ كَأُمِّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَتْ) تَخْرُجُ إلَى الْعِتْقِ بِالسِّعَايَةِ لِتَعَذُّرِ إبْقَائِهَا فِي يَدِ الْمَوْلَى وَمِلْكِهِ بَعْدَ إسْلَامِهَا وَإِصْرَارِهِ عَلَى الْكُفْرِ

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُقِرَّ لَوْ صَدَقَ كَانَتْ الْخِدْمَةُ كُلُّهَا لِلْمُنْكِرِ، وَلَوْ كَذَبَ كَانَ لَهُ نِصْفُ الْخِدْمَةِ فَيَثْبُتُ مَا هُوَ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ وَهُوَ النِّصْفُ، وَلَا خِدْمَةَ لِلشَّرِيكِ الشَّاهِدِ وَلَا اسْتِسْعَاءَ لِأَنَّهُ يَتَبَرَّأُ عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ بِدَعْوَى الِاسْتِيلَادِ وَالضَّمَانِ، وَالْإِقْرَارُ بِأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِالنَّسَبِ وَهُوَ أَمْرٌ لَازِمٌ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْمُقِرُّ كَالْمُسْتَوْلِدِ. (وَإِنْ كَانَتْ أُمُّ وَلَدٍ بَيْنَهُمَا فَأَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُوسِرٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا) لِأَنَّ مَالِيَّةَ أُمِّ الْوَلَدِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَهُ وَمُتَقَوِّمَةٌ عِنْدَهُمَا، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ تُبْتَنَى عِدَّةٌ مِنْ الْمَسَائِلِ أَوْرَدْنَاهَا فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُقِرَّ لَوْ صُدِّقَ) تَقْرِيرُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى مُقَدِّمَةٍ هِيَ أَنَّ الْخَبَرَ يَنْقَسِمُ إلَى صَادِقٍ وَكَاذِبٍ قِسْمَةً حَقِيقِيَّةً لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يَرْتَفِعَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ صِدْقَ الْخَبَرِ وَكَذِبَهُ رَاجِعَانِ إلَى مُطَابَقَةِ الْوَاقِعِ وَعَدَمِهَا، فَالْمُقِرُّ إمَّا أَنْ يَكُونَ صَادِقًا فِي إقْرَارِهِ أَوْ كَاذِبًا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ (كَانَتْ الْخِدْمَةُ كُلُّهَا لِلْمُنْكِرِ) وَإِنْ كَانَ الثَّانِي (كَانَ لَهُ نِصْفُ الْخِدْمَةِ فَيَثْبُتُ مَا هُوَ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ وَهُوَ النِّصْفُ، وَلَا خِدْمَةَ لِلشَّرِيكِ الشَّاهِدِ وَلَا اسْتِسْعَاءَ لِأَنَّهُ يَتَبَرَّأُ عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ) أَمَّا عَنْ الْخِدْمَةِ فَبِدَعْوَى الِاسْتِيلَادِ، وَأَمَّا عَنْ الِاسْتِسْعَاءِ فَبِدَعْوَى الضَّمَانِ فَفِي كَلَامِهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ عَلَى مَا تَرَى. وَقَوْلُهُ (وَالْإِقْرَارُ بِأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِالنَّسَبِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا كَأَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا: يَعْنِي أَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ وَالْإِقْرَارُ بِهَا يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِالنَّسَبِ وَالْإِقْرَارُ بِالنَّسَبِ أَمْرٌ لَازِمٌ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ حَتَّى أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَقَرَّ بِنَسَبِ صَغِيرٍ لِرَجُلٍ فَكَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ ثُمَّ أَقَرَّ الْمُقِرُّ بِنَسَبِ ذَلِكَ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ (فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْمُقِرُّ كَالْمُسْتَوْلِدِ) . (وَإِنْ كَانَتْ أُمُّ وَلَدٍ بَيْنَهُمَا) بِأَنْ وَلَدَتْ جَارِيَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَلَدًا فَادَّعَيَاهُ (فَأَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُوسِرٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا لِأَنَّ مَالِيَّةَ أُمِّ الْوَلَدِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَهُ) خِلَافًا لَهُمَا، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ عِدَّةُ مَسَائِلَ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى: مِنْهَا أَنَّهُ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا حَتَّى عَتَقَتْ

وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهَا مُنْتَفَعٌ بِهَا وَطْئًا وَإِجَارَةً وَاسْتِخْدَامًا، وَهَذَا هُوَ دَلَالَةُ التَّقَوُّمِ، وَبِامْتِنَاعِ بَيْعِهَا لَا يَسْقُطُ تَقَوُّمُهَا كَمَا فِي الْمُدَبَّرِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ أُمَّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَتْ عَلَيْهَا السِّعَايَةُ، وَهَذَا آيَةُ التَّقَوُّمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ تَسْعَ لِلْآخَرِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا تَسْعَى. وَمِنْهَا أَنَّهَا إذَا وَلَدَتْ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِشَرِيكِهِ مِنْ الضَّمَانِ وَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْوَلَدِ عِنْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ لِشَرِيكِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَيَسْتَسْعِي الْوَلَدُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُعْسِرًا. وَمِنْهَا أَنَّهُ إذَا غَصَبَ أُمَّ وَلَدٍ فَهَلَكَتْ عِنْدَهُ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا (وَجْهُ قَوْلِهِمَا) فِي تَقَوُّمِ أُمِّ الْوَلَدِ (أَنَّهَا مُنْتَفَعٌ بِهَا وَطْئًا وَإِجَارَةً وَاسْتِخْدَامًا) بِالِاتِّفَاقِ، وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ مُتَقَوِّمٌ لِأَنَّ حِلَّ الْوَطْءِ لَا يَكُونُ إلَّا بِمِلْكِ الْيَمِينِ عِنْدَ عَدَمِ النِّكَاحِ (أَلَا تَرَى أَنَّ أُمَّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَتْ عَلَيْهَا السِّعَايَةُ) وَلَوْلَا تَقَوُّمُهَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، فَإِنْ عُورِضَ بِأَنَّ بَيْعَهَا مُمْتَنِعٌ وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ التَّقَوُّمِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ وَبِامْتِنَاعِ بَيْعِهَا لَا يَسْقُطُ تَقَوُّمُهَا كَمَا فِي الْمُدَبَّرِ. وَقَوْلُهُ (غَيْرَ أَنَّ قِيمَتَهَا) بَيَانٌ لِمِقْدَارِ الْقِيمَةِ وَهُوَ وَاضِحٌ

غَيْرَ أَنَّ قِيمَتَهَا ثُلُثُ قِيمَتِهَا قِنَّةً عَلَى مَا قَالُوا لِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْبَيْعِ وَالسِّعَايَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ لِأَنَّ الْفَائِتَ مَنْفَعَةُ الْبَيْعِ، أَمَّا السِّعَايَةُ وَالِاسْتِخْدَامُ بَاقِيَانِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ التَّقَوُّمَ بِالْإِحْرَازِ وَهِيَ مُحْرَزَةٌ لِلنَّسَبِ لَا لِلتَّقَوُّمِ وَالْإِحْرَازُ لِلتَّقَوُّمِ تَابِعٌ، وَلِهَذَا لَا تَسْعَى لِغَرِيمٍ وَلَا لِوَارِثٍ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّقَوُّمَ بِالْإِحْرَازِ) لِلتَّمَوُّلِ وَلَا إحْرَازَ لِلتَّمَوُّلِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ لِأَنَّهَا مُحْرَزَةٌ لِلنَّسَبِ لَا لِلتَّمَوُّلِ. وَقَوْلُهُ (لَا لِلتَّقَوُّمِ) مَعْنَاهُ لِلتَّمَوُّلِ وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ (وَالْإِحْرَازُ لِلتَّقَوُّمِ تَابِعٌ) أَيْ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ لِأَنَّهُ إذَا حَصَّنَهَا وَاسْتَوْلَدَهَا ظَهَرَ أَنَّ إحْرَازَهَا لِلِاسْتِمْتَاعِ بِمِلْكِ الْمُتْعَةِ لَا لِقَصْدِ التَّمَوُّلِ. وَقَوْلُهُ (وَلِهَذَا لَا تَسْعَى لِغَرِيمٍ) جَازَ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا وَتَوْضِيحًا لِقَوْلِهِ وَالْإِحْرَازُ لِلتَّقَوُّمِ تَابِعٌ، يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَقْصُودًا لَسَعَتْ لِغَرِيمٍ أَوْ وَارِثٍ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لَكِنْ اللَّازِمُ بَاطِلٌ فَكَذَلِكَ الْمَلْزُومُ، وَجَازَ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِقَوْلِهِ وَهِيَ مُحْرَزَةٌ لِلنَّسَبِ لَا لِلتَّقَوُّمِ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا كَمَا فِي الْمُدَبَّرِ: يَعْنِي بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُحْرِزٍ لِلنَّسَبِ وَلِهَذَا تَتَعَلَّقُ بِهِ

[باب عتق أحد العبدين]

وَهَذَا لِأَنَّ السَّبَبَ فِيهَا مُتَحَقِّقٌ فِي الْحَالِ وَهُوَ الْجُزْئِيَّةُ الثَّابِتَةُ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُظْهِرْ عَمَلُهُ فِي حَقِّ الْمِلْكِ ضَرُورَةَ الِانْتِفَاعِ فَعَمِلَ السَّبَبُ فِي إسْقَاطِ التَّقَوُّمِ، وَفِي الْمُدَبَّرِ يَنْعَقِدُ السَّبَبُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَامْتِنَاعُ الْبَيْعِ فِيهِ لِتَحْقِيقِ مَقْصُودِهِ فَافْتَرَقَا. وَفِي أُمِّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ قَضَيْنَا بِتَكَاتُبِهَا عَلَيْهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْجَانِبَيْنِ، وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ لَا يَفْتَقِرُ وُجُوبُهُ إلَى التَّقَوُّمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQحَقُّ الْغُرَمَاءِ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا) إشَارَةٌ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ أُمِّ الْوَلَدِ وَبَيْنَ الْمُدَبَّرِ وَبَيَانُهُ (أَنَّ السَّبَبَ فِيهَا) أَيْ فِي أُمِّ الْوَلَدِ (مُتَحَقِّقٌ فِي الْحَالِ) وَهُوَ الْجُزْئِيَّةُ الثَّابِتَةُ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ وَكَانَ ذَلِكَ يَقْتَضِي سُقُوطَ الْمِلْكِ وَالتَّقَوُّمِ جَمِيعًا (إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُظْهِرْ عَمَلُهُ فِي حَقِّ) زَوَالِ (الْمِلْكِ ضَرُورَةَ الِانْتِفَاعِ) كَمَا لَمْ يُظْهِرْ فِي زَوَالِ مِلْكِ النِّكَاحِ لِذَلِكَ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي إسْقَاطِ التَّقَوُّمِ فَعَمِلَ فِيهِ السَّبَبُ، وَأَمَّا فِي الْمُدَبَّرِ فَإِنَّ السَّبَبَ يَنْعَقِدُ بَعْدَ الْمَوْتِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ إنْ مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ تَعْلِيقٌ مَحْضٌ، وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ لَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا عِنْدَنَا قَبْلَ وُجُودِهِ عَلَى مَا عُرِفَ. وَقَوْلُهُ (وَامْتِنَاعُ الْبَيْعِ فِيهِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا وَبِامْتِنَاعِ بَيْعِهَا لَا يَسْقُطُ تَقَوُّمُهَا. وَتَقْرِيرُهُ: كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَمْتَنِعَ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ، إلَّا أَنَّهُ إنَّمَا امْتَنَعَ تَحْقِيقًا لِمَقْصُودِهِ، إذْ لَوْ جَازَ الْبَيْعُ لَامْتَنَعَ مَقْصُودُ الْمُدَبَّرِ وَهُوَ الْعِتْقُ بَعْدَ مَوْتِهِ. وَقَوْلُهُ (وَفِي أُمِّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ) جَوَابٌ عَمَّا قَاسَا عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (قَضَيْنَا بِتَكَاتُبِهَا عَلَيْهِ) لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ حَقِيقَةَ التَّكَاتُبِ، وَلَكِنْ لَمَّا حَكَمْنَا بِأَنَّهَا تَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ كَانَتْ فِي مَعْنَى الْمُكَاتَبَةِ، وَإِنَّمَا فَعَلْنَا هَكَذَا (دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْجَانِبَيْنِ) أَمَّا فِي حَقِّ أُمِّ الْوَلَدِ فَلِئَلَّا تَبْقَى تَحْتَ يَدِ نَصْرَانِيٍّ وَهِيَ مُسْلِمَةٌ، وَأَمَّا فِي حَقِّ النَّصْرَانِيِّ فَلِئَلَّا يَبْطُلَ مِلْكُهُ مَجَّانًا فَلَمَّا كَانَتْ هِيَ فِي مَعْنَى الْمُكَاتَبَةِ كَانَ مَا أَدَّتْهُ فِي مَعْنَى بَدَلِ الْكِتَابَةِ، وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ لَا يَفْتَقِرُ وُجُوبُهُ إلَى تَقَوُّمِ مَا يُقَابِلُهُ لِأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ مُقَابَلٌ بِفَكِّ الْحَجْرِ وَفَكُّ الْحَجْرِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ، فَلِذَلِكَ قُلْنَا إنَّ تَكَاتُبَهَا لَمْ يَقْتَضِ تَقَوُّمَ أُمِّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ فَاطَّرَدَ مَا قُلْنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ عِتْقِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ]

(وَمَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ دَخَلَ عَلَيْهِ اثْنَانِ فَقَالَ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ ثُمَّ خَرَجَ وَاحِدٌ وَدَخَلَ آخَرُ فَقَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ عِتْقَ مَنْ الَّذِي أُعِيدَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ وَنِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْآخَرَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَذَلِكَ إلَّا فِي الْعَبْدِ الْآخَرِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ رُبُعُهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ عِتْقِ بَعْضِ الْعَبْدَيْنِ عِتْقَ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ لِأَنَّ الْوَاحِدَ قَبْلَ الِاثْنَيْنِ (وَمَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ دَخَلَ عَلَيْهِ اثْنَانِ فَقَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ ثُمَّ خَرَجَ وَاحِدٌ وَدَخَلَ آخَرُ فَقَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ) وَلَمْ يُسَمِّ كُلًّا مِنْهُمْ بِاسْمِ الْفِعْلِ الَّذِي اتَّصَفَ بِهِ مِنْ كَوْنِهِ خَارِجًا وَدَاخِلًا وَثَابِتًا يُؤْمَرُ الْمَوْلَى بِالْبَيَانِ مَا دَامَ حَيًّا لِأَنَّهُ هُوَ الْمُجْمِلُ فَيَرْجِعُ فِي الْبَيَانِ إلَيْهِ وَيَعْتِقُ الَّذِي عَيَّنَهُ، فَإِنْ بَيَّنَ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ فِي الْخَارِجِ عَتَقَ الْخَارِجُ، وَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ فِي الْكَلَامِ الثَّانِي وَيَعْتِقُ مَنْ عَيَّنَهُ، وَإِنْ بَيَّنَ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ فِي الثَّابِتِ عَتَقَ الثَّابِتُ وَبَطَلَ الْكَلَامُ الثَّانِي لِأَنَّهُ صَارَ خَبَرًا فَلَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْعِتْقَ، كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَقَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ لَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ. وَإِنْ بَدَأَ بِبَيَانِ الْكَلَامِ الثَّانِي وَقَالَ عَنَيْت بِالْكَلَامِ الثَّانِي الدَّاخِلَ عَتَقَ الدَّاخِلُ وَيُؤْمَرُ بِبَيَانِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ قَالَ عَنَيْت بِالْكَلَامِ الثَّانِي الثَّابِتَ عَتَقَ الثَّابِتُ بِالْكَلَامِ الثَّانِي وَتَعَيَّنَ الْخَارِجُ لِلْكَلَامِ الْأَوَّلِ فَيَعْتِقُ الْخَارِجُ أَيْضًا (وَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ عَتَقَ مِنْ الَّذِي أُعِيدَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) يَعْنِي الثَّابِتَ أُعِيدَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ أَحَدُكُمَا حُرٌّ (ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ وَنِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْآخَرَيْنِ) يَعْنِي الْخَارِجَ وَالدَّاخِلَ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ كَذَلِكَ) يَعْنِي يَعْتِقُ مِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ وَمِنْ الْخَارِجِ نِصْفُهُ (إلَّا فِي الْعَبْدِ الْآخَرِ) وَهُوَ الدَّاخِلُ (فَإِنَّهُ يَعْتِقُ رُبُعُهُ) بِاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ. وَالْأَصْلُ فِي اعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ فِي حَالَةِ الِاشْتِبَاهِ مَا رُوِيَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ أُنَاسًا إلَى بَنِي خَثْعَمَ لِلْقِتَالِ، فَاعْتَصَمَ نَاسٌ مِنْهُمْ بِالسُّجُودِ فَقَتَلَهُمْ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِنِصْفِ الْعَقْلِ» بِاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ السُّجُودَ مِنْهُمْ كَانَ مُحْتَمَلًا أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ تَعَالَى فَكَانَ إسْلَامًا. وَيَجِبُ بِقَتْلِهِمْ جَمِيعُ الدِّيَةِ، وَأَنْ يَكُونَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَقِيَّةً مِنْ الْقَتْلِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ عَادَتُهُمْ مِنْ السُّجُودِ لِتَعْظِيمِ عُظَمَائِهِمْ تَوَقِّيًا مِنْ شَرِّهِمْ فَلَا تَجِبُ بِقَتْلِهِمْ

أَمَّا الْخَارِجُ فَلِأَنَّ الْإِيجَابَ الْأَوَّلَ دَائِرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّابِتِ، وَهُوَ الَّذِي أُعِيدَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ فَأَوْجَبَ عِتْقَ رَقَبَةٍ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فَيُصِيبُ كُلًّا مِنْهُمَا النِّصْفُ، غَيْرَ أَنَّ الثَّابِتَ اسْتَفَادَ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي رُبُعًا آخَرَ لِأَنَّ الثَّانِيَ دَائِرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّاخِلِ، وَهُوَ الَّذِي سَمَّاهُ فِي الْكِتَابِ آخِرًا فَيَتَنَصَّفُ بَيْنَهُمَا، غَيْرَ أَنَّ الثَّابِتَ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْحُرِّيَّةِ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ فَشَاعَ النِّصْفُ الْمُسْتَحَقُّ بِالثَّانِي فِي نِصْفَيْهِ، فَمَا أَصَابَ الْمُسْتَحِقَّ بِالْأَوَّلِ لَغَا، وَمَا أَصَابَ الْفَارِغَ بَقِيَ فَيَكُونُ لَهُ الرُّبُعُ فَتَمَّتْ لَهُ ثَلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ وَلِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ هُوَ بِالثَّانِي يَعْتِقُ نِصْفُهُ، وَلَوْ أُرِيدَ بِهِ الدَّاخِلُ لَا يَعْتِقُ هَذَا النِّصْفُ فَيَنْتَصِفُ فَيَعْتِقُ مِنْهُ الرُّبُعُ بِالثَّانِي وَالنِّصْفُ بِالْأَوَّلِ، وَأَمَّا الدَّاخِلُ فَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: لَمَّا دَارَ الْإِيجَابُ الثَّانِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّابِتِ وَقَدْ أَصَابَ الثَّابِتَ مِنْهُ الرُّبُعُ فَكَذَلِكَ يُصِيبُ الدَّاخِلَ وَهُمَا يَقُولَانِ إنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَهُمَا، وَقَضِيَّتُهُ التَّنْصِيفُ وَإِنَّمَا نَزَلَ إلَى الرُّبُعِ فِي حَقِّ الثَّابِتِ لِاسْتِحْقَاقِهِ النِّصْفَ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَلَا اسْتِحْقَاقَ لِلدَّاخِلِ مِنْ قَبْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالدِّيَةُ، فَلَمَّا وَجَبَتْ مِنْ وَجْهٍ وَلَمْ تَجِبْ مِنْ وَجْهٍ أَوْجَبَ النِّصْفَ وَأَسْقَطَ النِّصْفَ، وَعَلَى هَذَا مَسَائِلُ أَصْحَابِنَا. فَإِنْ قِيلَ: مَا بَالُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْخُنْثَى يُعْطِيهِ أَقَلَّ النَّصِيبَيْنِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَى

فَيَثْبُتُ فِيهِ النِّصْفُ. قَالَ (فَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ مِنْهُ فِي الْمَرَضِ قُسِمَ الثُّلُثُ عَلَى هَذَا) وَشَرْحُ ذَلِكَ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ سِهَامِ الْعِتْقِ وَهِيَ سَبْعَةٌ عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّا نَجْعَلُ كُلَّ رَقَبَةٍ عَلَى أَرْبَعَةٍ لِحَاجَتِنَا إلَى ثَلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ فَنَقُولُ: يَعْتِقُ مِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَمِنْ الْآخَرَيْنِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَهْمَانِ فَيَبْلُغُ سِهَامُ الْعِتْقِ سَبْعَةً، وَالْعِتْقُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ وَمَحَلُّ نَفَاذِهَا الثُّلُثُ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُجْعَلَ سِهَامُ الْوَرَثَةِ ضِعْفَ ذَلِكَ فَيُجْعَلَ كُلُّ رَقَبَةٍ عَلَى سَبْعَةٍ وَجَمِيعُ الْمَالِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ فَيَعْتِقُ مِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةٌ وَيَسْعَى فِي أَرْبَعَةٍ وَيَعْتِقُ مِنْ الْبَاقِيَيْنِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا سَهْمَانِ وَيَسْعَى فِي خَمْسَةٍ، فَإِذَا تَأَمَّلْت وَجَمَعْت اسْتَقَامَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُجْعَلُ كُلُّ رَقَبَةٍ عَلَى سِتَّةٍ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ مِنْ الدَّاخِلِ عِنْدَهُ سَهْمٌ فَنَقَصَتْ سِهَامُ الْعِتْقِ بِسَهْمٍ وَصَارَ جَمِيعُ الْمَالِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَبَاقِي التَّخْرِيجِ مَا مَرَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ فِي مَوْضِعٍ يَتَحَقَّقُ فِيهِ الِاشْتِبَاهُ بِصِفَةِ الِاسْتِمْرَارِ كَاَلَّذِي نَحْنُ فِيهِ، وَالْخُنْثَى لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا بَلَغَ مَبْلَغَ الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ لَا بُدَّ أَنْ يَتَفَلَّكَ لَهَا ثَدْيٌ أَوْ تَنْبُتَ لَهُ لِحْيَةٌ وَحِينَئِذٍ يَرْتَفِعُ الِاشْتِبَاهُ، وَالْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ. هَذَا إذَا كَانَ فِي الصِّحَّةِ (فَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ مِنْهُ فِي الْمَرَضِ) فَإِنْ كَانُوا يَخْرُجُونَ مِنْ الثُّلُثِ فَالْجَوَابُ كَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجُوا كَانَ الثُّلُثَ وَهُوَ عِتْقُ رَقَبَةٍ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ سِهَامِ وَصَايَاهُمْ لِأَنَّ الْعِتْقَ حِينَئِذٍ وَصِيَّةٌ وَالْوَصِيَّةُ تَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ فَيَضْرِبُ كُلٌّ بِقَدْرِ وَصِيَّتِهِ، فَيَجْعَلُ أَوَّلًا كُلَّ رَقَبَةٍ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ (لِحَاجَتِنَا إلَى ثَلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ) فَالْخَارِجُ يَضْرِبُ بِنِصْفِ الرَّقَبَةِ وَهُوَ سَهْمَانِ، فَكَذَا الدَّاخِلُ وَيَضْرِبُ الثَّابِتُ بِثَلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ فَمَجْمُوعُ سِهَامِ الْوَصَايَا سَبْعَةٌ فَإِذَا كَانَ الثُّلُثُ سَبْعَةً كَانَ الْجَمِيعُ أَحَدًا وَعِشْرِينَ وَثُلُثَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ لَا مَحَالَةَ فَيَعْتِقُ مِنْ الْخَارِجِ سَهْمَانِ وَيَسْعَى فِي خَمْسَةٍ، وَكَذَلِكَ الدَّاخِلُ، وَيَعْتِقُ مِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَيَسْعَى فِي الْأَرْبَعَةِ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَيَضْرِبُ الْخَارِجَ بِسَهْمَيْنِ وَالثَّابِتِ بِثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ وَالدَّاخِلِ بِسَهْمٍ، فَكَانَتْ

(وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي الطَّلَاقِ وَهُنَّ غَيْرُ مَدْخُولَاتٍ وَمَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْبَيَانِ سَقَطَ مِنْ مَهْرِ الْخَارِجَةِ رُبُعُهُ وَمِنْ مَهْرِ الثَّابِتَةِ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِهِ وَمِنْ مَهْرِ الدَّاخِلَةِ ثُمُنُهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQسِهَامُ الْوَصَايَا سِتَّةً، فَإِذَا كَانَ الثُّلُثُ سِتَّةً كَانَ جَمِيعُ الْمَالِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَالْخَارِجُ يَعْتِقُ مِنْهُ سَهْمَانِ وَيَسْعَى فِي أَرْبَعَةٍ وَالثَّابِتُ يَعْتِقُ مِنْهُ ثَلَاثَةٌ وَيَسْعَى فِي ثَلَاثَةٍ، وَالدَّاخِلُ يَعْتِقُ مِنْهُ سَهْمٌ وَيَسْعَى فِي خَمْسَةٍ، فَكَانَ نَصِيبُ السِّعَايَةِ وَهُوَ نَصِيبُ الْوَرَثَةِ اثْنَيْ عَشَرَ وَسِهَامُ الْوَصَايَا سِتَّةً. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَعْتِقُوا وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِمْ أَصْلًا أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ أَوْ لَمْ يُجِيزُوا عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِعْتَاقَ عِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ إذَا صَادَفَ مَحَلًّا مَعْلُومًا، أَمَّا إذَا كَانَ بِطَرِيقِ التَّوْزِيعِ وَالِانْقِسَامِ بِاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ فَلَا لِأَنَّ ثُبُوتَهُ حِينَئِذٍ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَتَعَدَّى مَوْضِعَهَا. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ هَذَا) أَيْ وَلَوْ كَانَ هَذَا الْكَلَامُ (فِي الطَّلَاقِ وَهُنَّ غَيْرُ مَدْخُولَاتٍ وَمَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْبَيَانِ سَقَطَ مِنْ مَهْرِ الْخَارِجَةِ رُبُعُهُ. وَمِنْ مَهْرِ الثَّابِتَةِ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِهِ وَمِنْ مَهْرِ الدَّاخِلَةِ ثُمُنُهُ) وَهِيَ مَسْأَلَةُ الزِّيَادَاتِ يَحْتَجُّ بِهَا مُحَمَّدٌ عَلَيْهِمَا حَيْثُ اخْتَلَفَ فِيهَا نَصِيبُ الدَّاخِلَةِ وَالْخَارِجَةِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ وَاحِدَةٌ وَالثُّمُنُ فِي الصَّدَاقِ بِمَنْزِلَةِ الرُّبُعِ مِنْ الْعَتَاقِ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالطَّلَاقِ سُقُوطًا عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعِتْقِ ثُبُوتًا فِي الْإِيجَابِ

قِيلَ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خَاصَّةً، وَعِنْدَهُمَا يَسْقُطُ رُبُعُهُ، وَقِيلَ هُوَ قَوْلُهُمَا أَيْضًا، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْفَرْقَ وَتَمَامَ تَفْرِيعَاتِهَا فِي الزِّيَادَاتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّانِي (فَقِيلَ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ) فَلَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِمَا لِأَنَّ عِنْدَهُمَا يَسْقُطُ رُبُعُهُ (وَقِيلَ هُوَ قَوْلُهُمَا أَيْضًا) فَلَا بُدَّ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ، وَفُرِّقَ بِأَنَّ الثَّابِتَ فِي الْعِتْقِ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ حِينَ تَكَلَّمَ كَانَ لَهُ حَقُّ الْبَيَانِ وَصَرْفُ الْعِتْقِ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ مِنْ الثَّابِتِ وَالْخَارِجِ، فَمَا دَامَ لَهُ حَقُّ الْبَيَانِ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَبْدَيْنِ حُرًّا مِنْ وَجْهٍ عَبْدًا مِنْ وَجْهٍ، فَإِذَا كَانَ الثَّابِتُ كَالْمُكَاتَبِ كَانَ الْكَلَامُ الثَّانِي صَحِيحًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَ الْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ إلَّا أَنَّهُ أَصَابَ الثَّابِتُ مِنْهُ الرُّبُعَ وَالدَّاخِلُ النِّصْفَ لِمَا قُلْنَا: فَأَمَّا الثَّابِتَةُ فِي الطَّلَاقِ فَمُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مَنْكُوحَةً وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ أَجْنَبِيَّةً لِأَنَّ الْخَارِجَةَ إذَا كَانَتْ مُرَادَةً بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ كَانَتْ الثَّابِتَةُ مَنْكُوحَةً فَيَصِحُّ الْإِيجَابُ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَتْ الثَّابِتَةُ هِيَ الْمُرَادَةُ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ كَانَتْ أَجْنَبِيَّةً فَيَلْغُو الْإِيجَابُ الثَّانِي، فَجُعِلَتْ أَجْنَبِيَّةً مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَيَصِحُّ الْإِيجَابُ الثَّانِي مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَيَسْقُطُ نِصْفُ النِّصْفِ وَهُوَ الرُّبُعُ مُوَزَّعًا بَيْنَ مَهْرِ الدَّاخِلَةِ وَالثَّابِتَةِ فَيُصِيبُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الثُّمُنَ. وَأَمَّا التَّفْرِيعَاتُ فَمِنْهَا مَا ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ الْبَحْثِ إذَا كَانَ الْمَوْلَى وَالْعَبِيدُ أَحْيَاءً. وَمِنْهَا إذَا كَانَ الْمَوْلَى حَيًّا وَمَاتَ أَحَدُ الْعَبِيدِ، فَإِنْ مَاتَ الثَّابِتُ عَتَقَ الْخَارِجُ وَالدَّاخِلُ، أَمَّا الْخَارِجُ فَلِأَنَّ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ أَوْجَبَ عِتْقَ رَقَبَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّابِتِ فَبَطَلَتْ بِمَوْتِهِ مُزَاحَمَتُهُ، وَكَذَلِكَ الْكَلَامُ الثَّانِي أَوْجَبَ عِتْقَ رَقَبَةٍ بَيْنَ الثَّابِتِ وَالدَّاخِلِ، وَبَطَلَتْ مُزَاحَمَةُ الثَّابِتِ هَذَا عِنْدَهُمَا، وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَإِنَّمَا يَعْتِقُ الْخَارِجُ لِمَا قُلْنَا، وَأَمَّا الدَّاخِلُ فَلِأَنَّ الثَّابِتَ لَمَّا تَعَيَّنَ لِلرِّقِّ بِمَوْتِهِ ظَهَرَ أَنَّ الْكَلَامَ الثَّانِيَ صَحِيحٌ بِكُلِّ حَالٍ فَصَارَ قَوْلُهُ كَقَوْلِهِمَا وَإِنْ مَاتَ الدَّاخِلُ قِيلَ لِلْمَوْلَى أَوْقِعْ الْعِتْقَ عَلَى أَيِّهِمَا شِئْت مِنْ الْخَارِجِ وَالثَّابِتِ، فَإِنْ أَوْقَعَهُ عَلَى الْخَارِجِ عَتَقَ الثَّابِتُ أَيْضًا لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا عِنْدَ الْإِيجَابِ الثَّانِي وَبَطَلَ مُزَاحَمَةُ الدَّاخِلِ بِمَوْتِهِ، وَإِنْ أَوْقَعَهُ عَلَى الثَّابِتِ لَمْ يَعْتِقْ الْخَارِجُ بِلَا شُبْهَةٍ، وَكَذَا الدَّاخِلُ لِأَنَّ الْمَضْمُومَ إلَيْهِ حُرٌّ. قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ: هَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ، فَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَيَجِبُ أَنْ يُعْتِقَ الْخَارِجَ وَالثَّابِتَ لِأَنَّ الْكَلَامَ الثَّانِيَ صَحِيحٌ تَعَيَّنَ لَهُ الثَّابِتُ بِمَوْتِ الدَّاخِلِ فَأَوْجَبَ تَعْيِينُهُ تَعَيُّنَ الْخَارِجِ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ مَاتَ الْخَارِجُ تَعَيَّنَ الثَّابِتُ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ وَبَطَلَ الْكَلَامُ الثَّانِي لِأَنَّ الْمَضْمُومَ إلَيْهِ حُرٌّ، هَذِهِ تَفْرِيعَاتُ الْعَتَاقِ. وَأَمَّا تَفْرِيعَاتُ الطَّلَاقِ: فَمِنْهَا أَنَّ الزَّوْجَ إذَا كَانَ حَيًّا وَالنِّسْوَةُ أَحْيَاءً وَأَوْقَعَ الطَّلَاقَ الْأَوَّلَ عَلَى الْخَارِجَةِ صَحَّ الْكَلَامُ الثَّانِي، وَلَهُ الْخِيَارُ فِي تَعْيِينِ الثَّابِتَةِ أَوْ الدَّاخِلَةِ بِالثَّانِي، وَإِنْ أَوْقَعَهُ عَلَى الثَّابِتَةِ لَغَا الْكَلَامُ الثَّانِي، وَإِنْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ الثَّانِيَ عَلَى الدَّاخِلَةِ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ فِي تَعْيِينِ الْخَارِجَةِ أَوْ الثَّابِتَةِ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ. وَمِنْهَا أَنَّ الثَّابِتَةَ لَوْ مَاتَتْ وَالزَّوْجُ حَيٌّ طَلُقَتْ الْخَارِجَةُ وَالدَّاخِلَةُ لِمَا قُلْنَا مِنْ بُطْلَانِ الْمُزَاحَمَةِ بِمَوْتِهَا وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَهْرِ، وَإِنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَاتَتْ الدَّاخِلَةُ كَانَ مُخَيَّرًا فِي الْأُخْرَيَيْنِ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ أَوْقَعَهُ عَلَى الْخَارِجَةِ طَلُقَتْ الثَّابِتَةُ أَيْضًا لِانْعِدَامِ مُزَاحَمَةِ الدَّاخِلَةِ بِالْمَوْتِ، وَإِنْ أَوْقَعَهُ عَلَى الثَّابِتَةِ لَمْ تَطْلُقْ الْخَارِجَةُ، فَإِنْ مَاتَتْ الْخَارِجَةُ طَلُقَتْ الثَّابِتَةُ وَلَمْ تَطْلُقْ الدَّاخِلَةُ لِمَا مَرَّ فِي مَسْأَلَة الْعَتَاقِ. وَمِنْهَا أَنَّ مِيرَاثَ النِّسَاءِ وَهُوَ الرُّبُعُ أَوْ الثُّمُنُ يَنْقَسِمُ بَيْنَ الدَّاخِلَةِ وَالْأُولَيَيْنِ نِصْفَيْنِ، نِصْفُهُ لِلدَّاخِلَةِ لِأَنَّهُ لَا يُزَاحِمُهَا إلَّا إحْدَى الْأُولَيَيْنِ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بَيْنَ الْأُولَيَيْنِ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا لَيْسَتْ بِأَوْلَى بِهِ. قَالَ

(وَمَنْ قَالَ لِعَبْدَيْهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا أَوْ مَاتَ أَوْ قَالَ لَهُ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي عَتَقَ الْآخَرُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْعِتْقِ أَصْلًا بِالْمَوْتِ وَلِلْعِتْقِ مِنْ جِهَتِهِ بِالْبَيْعِ وَلِلْعِتْقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِالتَّدْبِيرِ فَتَعَيَّنَ لَهُ الْآخَرُ، وَلِأَنَّهُ بِالْبَيْعِ قَصَدَ الْوُصُولَ إلَى الثَّمَنِ وَبِالتَّدْبِيرِ إبْقَاءَ الِانْتِفَاعِ إلَى مَوْتِهِ، وَالْمَقْصُودَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَنْ قَالَ لِعَبْدَيْهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ) كَلَامُهُ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَاضِحٌ، خَلَا أَنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْعِتْقِ أَصْلًا بِالْمَوْتِ. أَوْرَدَ عَلَيْهِ مَا لَوْ قَالَ لِأَمَتَيْهِ إحْدَى هَاتَيْنِ ابْنَتِي أَوْ أُمُّ وَلَدِي وَمَاتَتْ إحْدَاهُمَا لَمْ تَتَعَيَّنْ الْحُرِّيَّةُ وَالِاسْتِيلَادُ

يُنَافِيَانِ الْعِتْقَ الْمُلْتَزَمَ فَتَعَيَّنَ لَهُ الْآخَرُ دَلَالَةً وَكَذَا إذَا اسْتَوْلَدَ إحْدَاهُمَا لِلْمَعْنَيَيْنِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ مَعَ الْقَبْضِ وَبِدُونِهِ وَالْمُطْلَقِ وَبِشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِإِطْلَاقِ جَوَابِ الْكِتَابِ وَالْمَعْنَى مَا قُلْنَا، وَالْعَرْضُ عَلَى الْبَيْعِ مُلْحَقٌ بِهِ فِي الْمَحْفُوظِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَالْهِبَةُ وَالتَّسْلِيمُ وَالصَّدَقَةُ وَالتَّسْلِيمُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ؛. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْحَيَّةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَيْسَ بِإِيقَاعٍ بِصِيغَتِهِ بَلْ هُوَ إخْبَارٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يُخْبِرَ بِهَذَا عَنْ الْمَيِّتِ وَالْحَيِّ فَيَرْجِعَ إلَى بَيَانِ الْمَوْلَى وَأَمَّا الْإِنْشَاءُ فَلَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْحَيِّ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا لِلْحُرِّيَّةِ إذَا مَاتَ الْآخَرُ لِأَنَّ الْبَيَانَ قَائِمٌ بِوَصْفَيْنِ، بِوَصْفِ الْإِنْشَاءِ، وَبِوَصْفِ الْإِظْهَارِ، وَهَذَا لِأَنَّ قَوْلَهُ أَحَدُكُمَا حُرٌّ لَا يُثْبِتُ الْعِتْقَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهِ، وَلِهَذَا قِيلَ فِيهِ الْعِتْقُ غَيْرُ ثَابِتٍ، فَبِالنَّظَرِ إلَى هَذَا يَكُونُ الْبَيَانُ إنْشَاءً، وَمِنْ حَيْثُ إنَّ الْعِتْقَ لَا يَعْدُوهُمَا كَانَ الْبَيَانُ إظْهَارًا، وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ الْبَيَانُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ إنْ كَانَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ لِوُجُودِ الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ فِي الصِّحَّةِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَإِنَّمَا يَصِحُّ الْبَيَانُ فِي مَحَلٍّ يَحْتَمِلُ الْإِنْشَاءَ وَالْمَيِّتُ لَا يَحْتَمِلُ الْإِنْشَاءَ فَتَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلْعِتْقِ ضَرُورَةً. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا إذَا اسْتَوْلَدَ إحْدَاهُمَا) يَعْنِي إذَا وَطِئَ إحْدَاهُمَا فَعَلِقَتْ مِنْهُ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، فَمِنْ ضَرُورَةِ صِحَّةِ أُمَيَّةِ الْوَلَدِ وَاسْتِحْقَاقِ الْعِتْقِ بِهَا انْتِفَاءُ الْعِتْقِ الْمُنَجَّزِ عَنْهَا، وَإِذَا انْتَفَى عَنْ إحْدَاهُمَا تَعَيَّنَ فِي الْأُخْرَى لِزَوَالِ الْمُزَاحَمَةِ. وَقَوْلُهُ (لِلْمَعْنَيَيْنِ) يَعْنِي عَدَمَ مَحَلِّيَّةِ الْعِتْقِ بِالِاسْتِيلَادِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَإِبْقَاءَ الِانْتِفَاعِ إلَى مَوْتِهِ (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ مَعَ الْقَبْضِ وَبِدُونِهِ وَ) (الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ) عَنْ الْخِيَارِ (وَ) الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (لِإِطْلَاقِ جَوَابِ الْكِتَابِ) يَعْنِي الْجَامِعَ الصَّغِيرَ حَيْثُ قَالَ فِيهِ بَاعَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِشَيْءٍ (وَالْمَعْنَى مَا قُلْنَا) وَهُوَ أَنَّهُ قَصَدَ الْوُصُولَ إلَى الثَّمَنِ وَالْوُصُولُ إلَيْهِ يُنَافِي الْعِتْقَ فَتَعَيَّنَ الْآخَرُ لَهُ (وَالْعَرْضُ عَلَى الْبَيْعِ مُلْحَقٌ بِالْبَيْعِ فِي الْمَحْفُوظِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: إذَا سَاوَمَ أَحَدَهُمَا كَانَ بَيَانًا: يَعْنِي لِتَعَيُّنِ الْعِتْقِ فِي الْآخَرِ قِيلَ مِثْلُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا سُمِعَ وَحُفِظَ وَلَمْ تَثْبُتْ الرِّوَايَةُ عَنْهُ مَكْتُوبَةً. وَقَوْلُهُ (وَالْهِبَةُ وَالتَّسْلِيمُ وَالصَّدَقَةُ وَالتَّسْلِيمُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ) قِيلَ التَّسْلِيمُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ تَأْكِيدًا لِأَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ فِي الْإِمْلَاءِ: إذَا وَهَبَ أَحَدَهُمَا وَأَقْبَضَهُ أَوْ تَصَدَّقَ وَأَقْبَضَ

وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثُمَّ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا لِمَا قُلْنَا، وَكَذَلِكَ لَوْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا لِمَا نُبَيِّنُ (وَلَوْ قَالَ لِأَمَتَيْهِ إحْدَاكُمَا حُرَّةٌ ثُمَّ جَامَعَ إحْدَاهُمَا) لَمْ تَعْتِقْ الْأُخْرَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَا تَعْتِقُ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَحِلُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ وَإِحْدَاهُمَا حُرَّةٌ فَكَانَ بِالْوَطْءِ مُسْتَبْقِيًا الْمِلْكَ فِي الْمَوْطُوءَةِ فَتَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِزَوَالِهِ بِالْعِتْقِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَلَهُ أَنَّ الْمِلْكَ قَائِمٌ فِي الْمَوْطُوءَةِ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ فِي الْمُنَكَّرَةِ وَهِيَ مُعَيَّنَةٌ فَكَانَ وَطْؤُهَا حَلَالًا فَلَا يُجْعَلُ بَيَانًا وَلِهَذَا حَلَّ وَطْؤُهُمَا عَلَى مَذْهَبِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُفْتِي بِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَتَقَ الْآخَرُ، وَلِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ يُعَيِّنُ الْآخَرَ لِلْعِتْقِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَ، فَكَذَلِكَ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ بِدُونِ الْقَبْضِ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّعْيِينَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِوُجُودِ تَصَرُّفٍ يَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ وَقَدْ وُجِدَ. (وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثُمَّ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا لِمَا بَيَّنَّا) أَنَّ الْمَيِّتَ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْعِتْقِ فَكَذَلِكَ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ فَتُعَيَّنُ الْأُخْرَى لَهُ (وَكَذَا لَوْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا لِمَا نُبَيِّنُ) فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ (وَلَوْ قَالَ لِأَمَتَيْهِ إحْدَاكُمَا حُرَّةٌ ثُمَّ جَامَعَ إحْدَاهُمَا لَمْ تَعْتِقْ الْأُخْرَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: تَعْتِقُ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَحِلُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ وَإِحْدَاهُمَا حُرَّةٌ) لَا مِلْكَ فِيهَا فَالْوَطْءُ لَا يَحِلُّ فِيهَا، فَإِذَا وَطِئَ إحْدَاهُمَا جُعِلَ مُسْتَبْقِيًا لِلْمِلْكِ فِيهَا لِيَقَعَ الْوَطْءُ حَلَالًا حَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الصَّلَاحِ، فَإِذَا تَعَيَّنَتْ تِلْكَ لِلْمِلْكِ تَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِزَوَالِهِ بِالْعِتْقِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمِلْكَ قَائِمٌ فِي الْمَوْطُوءَةِ) أَيْ فِي الَّتِي تُوطَأُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَإِذَا كَانَ الْمِلْكُ قَائِمًا كَانَ وَطْؤُهَا حَلَالًا، أَمَّا أَنَّ الْمِلْكَ قَائِمٌ فَلِأَنَّ إيقَاعَ الْعِتْقِ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُنْكِرَةِ (وَهِيَ) أَيْ الْمَوْطُوءَةُ غَيْرُ مُنْكِرَةٍ بَلْ هِيَ (مَعْنِيَّةٌ) فَلَا يَكُونُ الْإِيقَاعُ فِيهَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْإِيقَاعُ فِيهَا لَا يَكُونُ الْمِلْكُ عَنْهَا زَائِلًا، وَأَمَّا أَنَّ الْمِلْكَ إذَا كَانَ قَائِمًا كَانَ الْوَطْءُ حَلَالًا فَظَاهِرٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ، وَإِذَا كَانَ الْوَطْءُ حَلَالًا لَمْ يَكُنْ بَيَانًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ (وَلِهَذَا حَلَّ وَطْؤُهُمَا عَلَى مَذْهَبِهِ) وَهَذَا فِي غَايَةِ الدِّقَّةِ وَيَلُوحُ مِنْهُ سِيَّمَا التَّحْقِيقُ (إلَّا أَنَّهُ لَا يُفْتَى بِهِ) قِيلَ لِأَنَّ الْمُنْكِرَةَ الَّتِي يَثْبُتُ فِيهَا الْعِتْقُ لَا تَخْلُو عَنْهُمَا، وَمَبْنَى الْحِلِّ

ثُمَّ يُقَالُ الْعِتْقُ غَيْرُ نَازِلٍ قَبْلَ الْبَيَانِ لِتَعَلُّقِهِ بِهِ أَوْ يُقَالُ نَازِلٌ فِي الْمُنَكَّرَةِ فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ حُكْمِ تَقَبُّلِهِ وَالْوَطْءُ يُصَادِفُ الْمُعَيَّنَةَ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ مِنْ النِّكَاحِ الْوَلَدُ، وَقَصْدُ الْوَلَدِ بِالْوَطْءِ يَدُلُّ عَلَى اسْتِبْقَاءِ الْمِلْكِ فِي الْمَوْطُوءَةِ صِيَانَةً لِلْوَلَدِ، أَمَّا الْأَمَةُ فَالْمَقْصُودُ مِنْ وَطْئِهَا قَضَاءُ الشَّهْوَةِ دُونَ الْوَلَدِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِبْقَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْحُرْمَةِ عَلَى الِاحْتِيَاطِ، وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّ فِيهِ تَلْوِيحًا إلَى تَرْكِ أَبِي حَنِيفَةَ الِاحْتِيَاطَ، وَأَرَى أَنَّهُ لَا يُفْتَى بِهِ لِئَلَّا يُتَّخَذَ مَغْمَزًا لِأَبِي حَنِيفَةَ بِتَرْكِ الِاحْتِيَاطِ. فَإِنْ قِيلَ: الْعِتْقُ إمَّا أَنْ يَكُونَ نَازِلًا أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ نَازِلٍ كَانَ إهْمَالًا لِلَّفْظِ عَنْ مَدْلُولِهِ، وَإِنْ كَانَ نَازِلًا لَا يَجُوزُ وَطْؤُهُمَا. أَجَابَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشِّقَّيْنِ فَقَالَ عَلَى الشِّقِّ الثَّانِي (ثُمَّ يُقَالُ الْعِتْقُ غَيْرُ نَازِلٍ قِيلَ الْبَيَانُ لِتَعَلُّقِهِ بِهِ) أَيْ لِتَعَلُّقِ الْعِتْقِ بِالْبَيَانِ فَكَانَ كَالْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ بِدُخُولِ الدَّارِ وَهُوَ غَيْرُ نَازِلٍ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَكَذَا هَذَا، وَقَالَ عَلَى الشِّقِّ الْأَوَّلِ (أَوْ يُقَالُ نَازِلٌ) أَيْ الْعِتْقُ نَازِلٌ (فِي الْمُنْكِرَةِ فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ حُكْمٍ تَقْبَلُهُ) كَالْبَيْعِ فَإِنَّ الْمُنْكِرَ يَقْبَلُهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ فِيهِمَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ (وَالْوَطْءُ) لَا تَقْبَلُهُ الْمُنْكِرَةُ لِأَنَّهُ (يُصَادِفُ الْمُعَيَّنَةَ) إذْ هُوَ أَمْرٌ حِسِّيٌّ لَا يَقَعُ إلَّا فِي الْمُعَيَّنِ، وَوَطْءُ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَلَا يَكُونُ الْوَطْءُ بَيَانًا فِي الْأُخْرَى. فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ وَقَعَ بَيَانًا فِي الطَّلَاقِ؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ (بِخِلَافِ الطَّلَاقِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ مِنْ النِّكَاحِ الْوَلَدُ، وَقَصْدُ الْوَلَدِ بِالْوَطْءِ يَدُلُّ عَلَى اسْتِبْقَاءِ الْمِلْكِ فِي الْمَوْطُوءَةِ صِيَانَةً لِلْوَلَدِ أَمَّا الْأَمَةُ فَالْمَقْصُودُ مِنْ وَطْئِهَا قَضَاءُ الشَّهْوَةِ دُونَ الْوَلَدِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِبْقَاءِ) وَهَذَا عَلَى طَرِيقَةِ تَخْصِيصِ الْعِلَلِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُصَنِّفُ اخْتَارَ جِوَارَهُ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى الْمَخْلَصِ الْمَعْرُوفِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ أَوْ فِي تَقْرِيرٍ.

(وَمَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً وَلَا يَدْرِي أَيَّهمَا وُلِدَ أَوَّلًا عَتَقَ نِصْفُ الْأُمِّ وَنِصْفُ الْجَارِيَةِ وَالْغُلَامُ عَبْدٌ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَعْتِقُ فِي حَالٍ وَهُوَ مَا إذَا وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلَ مَرَّةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَمَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ) كَلَامُهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ وَاضِحٌ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ

الْأُمُّ بِشَرْطٍ وَالْجَارِيَةُ لِكَوْنِهَا تَبَعًا لَهَا، إذْ الْأُمُّ حُرَّةٌ حِينَ وَلَدَتْهَا، وَتَرِقُّ فِي حَالٍ وَهُوَ مَا إذَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةَ أَوَّلًا لِعَدَمِ الشَّرْطِ فَيَعْتِقُ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَتَسْعَى فِي النِّصْفِ، أَمَّا الْغُلَامُ يَرِقُّ فِي الْحَالَيْنِ فَلِهَذَا يَكُونُ عَبْدًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْمَبْسُوطِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْكَيْسَانِيَّاتِ هَذَا الْجَوَابُ الَّذِي ذُكِرَ لَيْسَ جَوَابَ هَذَا الْفَصْلِ، بَلْ فِي هَذَا الْفَصْلِ لَا يُحْكَمُ بِعِتْقِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَلَكِنْ يَحْلِفُ الْمَوْلَى بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهَا وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَنُكُولُهُ كَإِقْرَارِهِ، وَإِنْ حَلَفَ فَهُمْ أَرِقَّاءٌ. وَأَمَّا جَوَابُ الْكِتَابِ فَفِي فَصْلٍ آخَرَ، وَهُوَ مَا إذَا قَالَ الْمَوْلَى لِأَمَتِهِ إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ، وَإِنْ كَانَ جَارِيَةً فَهِيَ حُرَّةٌ، فَوَلَدَتْهُمَا جَمِيعًا وَلَا يَدْرِي أَيُّهُمَا أَوَّلُ فَالْغُلَامُ رَقِيقٌ وَالِابْنَةُ حُرَّةٌ، وَيَعْتِقُ نِصْفُ الْأُمِّ لِأَنَّهَا إنْ وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا فَهِيَ حُرَّةٌ وَالْغُلَامُ رَقِيقٌ، وَإِنْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةَ أَوَّلًا فَالْجَارِيَةُ حُرَّةٌ وَالْغُلَامُ وَالْأُمُّ رَقِيقَانِ، فَالْأُمُّ تَعْتِقُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ، فَيَعْتِقُ نِصْفُهَا وَالْغُلَامُ عَبْدٌ بِيَقِينٍ وَالْجَارِيَةُ حُرَّةٌ بِيَقِينٍ إمَّا بِعِتْقِ نَفْسِهَا وَإِمَّا بِعِتْقِ الْأُمِّ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَيْسَانِيَّاتِ هُوَ الصَّحِيحُ لِمَا أَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي لَمْ يَتَيَقَّنْ بِوُجُودِهِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ فِي طَرَفٍ وَاحِدٍ كَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ مَنْ يُنْكِرُ وُجُودَهُ بِالْيَمِينِ، كَمَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ غَدًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَمَضَى الْغَدُ وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهُ دَخَلَ الدَّارَ أَمْ لَا لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ وَقَعَ الشَّكُّ فِي شَرْطِ الْعِتْقِ، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي شَرْطِ الْعِتْقِ وَهُوَ وِلَادَةُ الْغُلَامِ أَوَّلًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ الشَّرْطُ مَذْكُورًا فِي طَرَفَيْ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ كَانَ أَحَدُهُمَا مَوْجُودًا لَا مَحَالَةَ فَحِينَئِذٍ يَحْتَاجُ إلَى اعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ كَمَا

وَإِنْ ادَّعَتْ الْأُمُّ أَنَّ الْغُلَامَ هُوَ الْمَوْلُودُ أَوَّلًا وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى وَالْجَارِيَةُ صَغِيرَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ لِإِنْكَارِهِ شَرْطَ الْعِتْقِ، فَإِذَا حَلَفَ يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ نَكَلَ عَتَقَتْ الْأُمُّ وَالْجَارِيَةُ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْأُمِّ حُرِّيَّةَ الصَّغِيرَةِ مُعْتَبَرَةٌ لِكَوْنِهَا نَفْعًا مَحْضًا فَاعْتُبِرَ النُّكُولُ فِي حَقِّ حُرِّيَّتِهِمَا فَعَتَقَتَا، وَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ كَبِيرَةً وَلَمْ تَدَّعِ شَيْئًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا عَتَقَتْ الْأُمُّ بِنُكُولِ الْمَوْلَى خَاصَّةً دُونَ الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْأُمِّ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي حَقِّ الْجَارِيَةِ الْكَبِيرَةِ، وَصِحَّةُ النُّكُولِ تُبْتَنَى عَلَى الدَّعْوَى فَلَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ الْجَارِيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ الْكَبِيرَةُ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ لِسَبْقِ وِلَادَةِ الْغُلَامِ وَالْأُمُّ سَاكِتَةٌ يَثْبُتُ عِتْقُ الْجَارِيَةِ بِنُكُولِ الْمَوْلَى دُونَ الْأُمِّ لِمَا قُلْنَا، وَالتَّحْلِيفُ عَلَى الْعِلْمِ فِيمَا ذَكَرْنَا لِأَنَّهُ اسْتِحْلَافٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ، وَبِهَذَا الْقَدْرِ يُعْرَفُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي مَسْأَلَةِ الْكَيْسَانِيَّاتِ. وَقَوْلُهُ (وَبِهَذَا الْقَدْرِ يُعْرَفُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوُجُوهِ فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى) قِيلَ هِيَ سِتَّةُ أَوْجُهٍ فَصَّلُوهَا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: أَحَدُهَا أَنْ يَتَصَادَقُوا أَنَّهُمْ لَا يَدْرُونَ أَيُّهُمَا وُلِدَ أَوَّلًا وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ أَوَّلًا، وَجَوَابُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِيهِ أَنْ يَعْتِقَ نِصْفُ الْأُمِّ وَالْجَارِيَةِ وَيُسْتَسْعَيَانِ فِي النِّصْفِ وَالْغُلَامُ رَقِيقٌ لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ. وَالثَّانِي أَنْ تَدَّعِيَ الْأُمُّ أَنَّ الْغُلَامَ هُوَ الْمَوْلُودُ أَوَّلًا وَيُنْكِرُ الْمَوْلَى ذَلِكَ وَالْجَارِيَةُ صَغِيرَةٌ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ ثَانِيًا؛ وَجَوَابُهُ وَوَجْهُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ. وَالثَّالِثُ أَنْ تَدَّعِيَ الْأُمُّ أَنَّ الْغُلَامَ أَوَّلٌ وَالْجَارِيَةَ كَبِيرَةٌ وَلَمْ تَدَّعِ شَيْئًا وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ ثَالِثًا؛ وَجَوَابُهُ وَوَجْهُهُ مَا ذَكَرَهُ أَيْضًا فِيهِ. وَالرَّابِعُ أَنْ تَدَّعِيَ الْجَارِيَةُ وَهِيَ كَبِيرَةٌ وَالْأُمُّ سَاكِتَةٌ أَنَّ الْغُلَامَ وُلِدَ أَوَّلًا وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ رَابِعًا بِجَوَابِهِ وَوَجْهِهِ. وَالْخَامِسُ أَنْ يَتَصَادَقُوا أَنَّ الْجَارِيَةَ هِيَ الَّتِي وُلِدَتْ أَوَّلًا وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لِعَدَمِ شَرْطِ الْعِتْقِ. وَالسَّادِسُ أَنْ يَتَصَادَقُوا أَنَّ الْغُلَامَ وُلِدَ أَوَّلًا، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْأُمَّ تَعْتِقُ لِوُجُودِ شَرْطِ الْعِتْقِ وَكَذَلِكَ الْجَارِيَةُ تَبَعًا لِلْأُمِّ، وَالْغُلَامُ عَبْدًا لِأَنَّهُ قَدْ انْفَصَلَ عَنْ الْأُمِّ فِي حَالِ الرِّقِّ لِكَوْنِ وِلَادَتِهِ شَرْطَ عِتْقِهَا وَالشَّرْطُ يَسْبِقُ الْمَشْرُوطَ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ تَابِعًا لَهَا

الْوَجْهِ فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى قَالَ (وَإِذَا شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي وَصِيَّةٍ) اسْتِحْسَانًا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ (وَإِنْ شُهِدَ أَنَّهُ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ جَازَتْ الشَّهَادَةُ وَيُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ إحْدَاهُنَّ) وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: الشَّهَادَةُ فِي الْعِتْقِ مِثْلُ ذَلِكَ) وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى عِتْقِ الْعَبْدِ لَا تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى الْعَبْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى عِتْقِ الْأَمَةِ وَطَلَاقِ الْمَنْكُوحَةِ مَقْبُولَةٌ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى بِالِاتِّفَاقِ وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْهُمَا فِي الْكِتَابِ لِظُهُورِهِمَا. قَالَ (وَإِذَا شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ) الشَّهَادَةُ عَلَى طَلَاقِ إحْدَى نِسَائِهِ جَائِزَةٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَيُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ وَعَلَى إعْتَاقِ أَحَدِ عَبْدَيْهِ، كَذَلِكَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هِيَ بَاطِلَةٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ فِي وَصِيَّةٍ اسْتِحْسَانًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ (وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى عِتْقِ الْعَبْدِ لَا تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى عِتْقِ الْأَمَةِ وَطَلَاقِ الْمَنْكُوحَةِ مَقْبُولَةٌ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى بِالِاتِّفَاقِ) وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْحُكْمُ عَلَى هَذَا الطَّرِيقِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ عِنْدَهُ وَمِنْ حُقُوقِ الشَّرْعِ عِنْدَهُمَا. وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى قَبُولِ الْعَبْدِ وَلَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ بِهِ وَيَصِحُّ إيجَابُهُ فِي الْمَجْهُولِ وَكُلُّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ حَقُّ الشَّرْعِ. وَوَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ قُوَّةِ الْمَالِكِيَّةِ وَفِيهِ انْتِفَاءُ ذُلِّ الرِّقِّ وَالْمَمْلُوكِيَّة وَكُلُّ ذَلِكَ حَقُّ الْعَبْدِ لَا مَحَالَةَ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُودُ بِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ بِغَيْرِهِ لِكَوْنِهِ مِنْ ثَمَرَاتِهِ، فَمَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ فِيهِ بِدُونِ الدَّعْوَى، وَمَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ الشَّرْعِ تُقْبَلُ بِدُونِهَا، وَعِتْقُ الْأَمَةِ مِنْ حُقُوقِهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالِاتِّفَاقِ فَلِذَلِكَ تُقْبَلُ بِدُونِهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ عِتْقَهَا يَتَضَمَّنُ تَحْرِيمَ فَرْجِهَا عَلَى مَوْلَاهَا، وَذَلِكَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الشَّرْعِ فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ فِيهِ كَالشَّهَادَةِ بِهِلَالِ رَمَضَانَ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَاكْتَفَى بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ لِكَوْنِ خَبَرِ الْوَاحِدِ حُجَّةً فِي الْأَمْرِ الدِّينِيِّ وَلَمَا قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى عِتْقِ أَمَةٍ وَهِيَ أُخْتُ مَوْلَاهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ إذَا جَحَدَتْهُ، إذْ لَيْسَ فِيهَا تَحْرِيمُ الْفَرْجِ لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ ثَابِتٌ بِحُكْمِ الرَّضَاعِ قَبْلَ شَهَادَتِهِمَا بِالْإِعْتَاقِ. أُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ حُجَّةٌ فِي الْأَمْرِ الدِّينِيِّ إذَا لَمْ تَقَعْ الْحَاجَةُ إلَى إلْزَامِ الْمُنْكِرِ، وَهَاهُنَا وَقَعَتْ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الزِّنَا لِأَنَّ فِعْلَ الْمَوْلَى بِهَا قَبْلَ الْعِتْقِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَبَعْدَهُ يُوجِبُهُ لِكَوْنِ بُضْعِهَا مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى وَإِنْ كَانَ هُوَ مَمْنُوعًا عَنْ وَطْئِهَا بِالْمَحْرَمِيَّةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ جَازَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَبَدَلُ بُضْعِهَا يَكُونُ لَهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ فِيهِ تَحْرِيمُ الْفَرْجِ، وَإِذَا ثَبَتَ الْأَصْلُ

وَإِذَا كَانَ دَعْوَى الْعَبْدِ شَرْطًا عِنْدَهُ لَمْ تَتَحَقَّقْ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى مِنْ الْمَجْهُولِ لَا تَتَحَقَّقُ فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ. وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ بِشَرْطٍ فَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ وَإِنْ انْعَدَمَ الدَّعْوَى. أَمَّا فِي الطَّلَاقِ فَعَدَمُ الدَّعْوَى لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِي الشَّهَادَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِيهَا. وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ إحْدَى أَمَتَيْهِ لَا تُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الدَّعْوَى شَرْطًا فِيهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا لَا تُشْتَرَطُ الدَّعْوَى لِمَا أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَحْرِيمَ الْفَرْجِ فَشَابَهُ الطَّلَاقَ، وَالْعِتْقُ الْمُبْهَمُ لَا يُوجِبُ تَحْرِيمَ الْفَرْجِ عِنْدَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فَصَارَ كَالشَّهَادَةِ عَلَى عِتْقِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَبَيَّنَ وَجْهُ الِاخْتِلَافِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَإِذَا كَانَ دَعْوَى الْعَبْدِ شَرْطًا عِنْدَهُ) إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الدَّعْوَى مِنْ الْمَجْهُولِ لَا تَتَحَقَّقُ) قِيلَ عَلَيْهِ إذَا ادَّعَيَا ذَلِكَ وَجَبَ أَنْ تُقْبَلَ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّ الدَّعْوَى حَصَلَتْ مِنْ مُعَيَّنٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ، فَدَعْوَاهُمَا دَعْوَى غَيْرِ صَاحِبِ الْحَقِّ، وَبِأَنَّ الدَّعْوَى حِينَئِذٍ لَا تَكُونُ مُطَابِقَةً لِلشَّهَادَةِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ لَا عَلَى الْعَبْدَيْنِ. قَوْلُهُ (وَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ أَعْتَقَ إحْدَى أَمَتَيْهِ) كَصُورَةِ نَقْضٍ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الدَّعْوَى لَيْسَتْ شَرْطًا فِي حَقِّ الْأَمَةِ وَلَمْ تُسْمَعْ الْبَيِّنَةُ هَاهُنَا. وَوَجْهُ دَفْعِهِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّهُ إنَّمَا لَا تُشْتَرَطُ الدَّعْوَى لِمَا أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَحْرِيمَ الْفَرْجِ فَشَابَهَ الطَّلَاقَ، وَالْعِتْقُ الْمُبْهَمُ لَا يُوجِبُ تَحْرِيمَ الْفَرْجِ عِنْدَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ) يَعْنِي قَوْلَهُ لَهُ أَنَّ الْمِلْكَ قَائِمٌ فِي الْمَوْطُوءَةِ إلَى قَوْلِهِ وَلِهَذَا حَلَّ وَطْؤُهُمَا، وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَحْرِيمَ الْفَرْجِ أَنَّ الْعِتْقَ إذَا حَصَلَ اسْتَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ الْوَطْءُ بَعْدَهُ زِنًا. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ عِتْقَ الْعَبْدِ الْمُعَيَّنِ يَسْتَلْزِمُ تَحْرِيمَ اسْتِرْقَاقِهِ، وَذَلِكَ أَيْضًا حَقُّ اللَّهِ فَوَجَبَ أَنْ تُسْتَغْنَى الشَّهَادَةُ فِيهِ عَنْ الدَّعْوَى. وَالْجَوَابُ أَنَّ لَازِمَ عِتْقِهَا مِنْ أَعْظَمِ الْكَبَائِرِ وَلَازَمَ عِتْقِهِ حُرْمَةٌ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهَا الشَّرْعُ فَضْلًا عَنْ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْكَبَائِرِ فَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا خَطَأٌ.

وَهَذَا كُلُّهُ إذَا شَهِدَا فِي صِحَّتِهِ عَلَى أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ. أَمَّا إذَا شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ شَهِدَا عَلَى تَدْبِيرِهِ فِي صِحَّتِهِ أَوْ فِي مَرَضِهِ وَأَدَاءُ الشَّهَادَةِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ بَعْدَ الْوَفَاةِ تُقْبَلُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ حَيْثُمَا وَقَعَ وَقَعَ وَصِيَّةً، وَكَذَا الْعِتْقُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ، وَالْخَصْمُ فِي الْوَصِيَّةِ إنَّمَا هُوَ الْمُوصِي وَهُوَ مَعْلُومٌ. وَعَنْهُ خَلَفٌ وَهُوَ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَارِثُ، وَلِأَنَّ الْعِتْقَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ يَشِيعُ بِالْمَوْتِ فِيهِمَا فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَصْمًا مُتَعَيَّنًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (أَمَّا إذَا شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ) بَيَانُ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ فِي وَصِيَّةٍ اسْتِحْسَانًا. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ التَّدْبِيرَ حَيْثُمَا وَقَعَ وَقَعَ وَصِيَّةً) يَعْنِي سَوَاءٌ وَقَعَ فِي حَالِ الصِّحَّةِ أَوْ فِي حَالِ الْمَرَضِ. وَلِلِاسْتِحْسَانِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ: أَحَدُهُمَا أَنَّ التَّدْبِيرَ مُطْلَقًا وَالْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ (وَالْخَصْمُ فِي الْوَصِيَّةِ إنَّمَا هُوَ الْمُوصِي) لِأَنَّ تَنْفِيذَ الْوَصَايَا حَقُّ الْمَيِّتِ فَكَانَ الْمَيِّتُ مُدَّعِيًا تَقْدِيرًا (وَعَنْهُ خَلَفٌ وَهُوَ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَارِثُ) فَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ وَالثَّانِي أَنَّ الْعِتْقَ يَشِيعُ بِالْمَوْتِ فِيهِمَا لِأَنَّهُ أَوْجَبَ الْعِتْقَ فِي أَحَدِهِمَا فِي حَالِ عَجْزِهِ عَنْ الْبَيَانِ فَكَانَ إيجَابًا لَهُمَا وَلِهَذَا يَعْتِقُ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَصْمًا مُتَعَيِّنًا) وَلَمْ يَذْكُرْ وَجْهَ الْقِيَاسِ، وَهُوَ أَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ مَجْهُولٌ وَالدَّعْوَى مِنْ الْمَجْهُولِ لِظُهُورِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ.

وَلَوْ شَهِدَا بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ قَالَ فِي صِحَّتِهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَقَدْ قِيلَ: لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ. وَقِيلَ تُقْبَلُ لِلشُّيُوعِ هُوَ الصَّحِيحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ شَهِدَا بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ قَالَ فِي صِحَّتِهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ) قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: لَا نَصَّ فِيهِ، وَاخْتَلَفَ فِيهِ مَشَايِخُنَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ (لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ) حَتَّى يَكُونَ الْخَصْمُ هُوَ الْمُوصِي وَهُوَ مَعْلُومٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تُقْبَلُ لِشُيُوعِ الْعِتْقِ فِيهِمَا، فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَصْمًا مُتَعَيَّنًا فَكَانَتْ دَعْوَاهُمَا صَحِيحَةً وَهُوَ يَقْتَضِي قَبُولَ الشَّهَادَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(بَابُ الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ) : ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

[باب الحلف بالعتق]

(وَمَنْ قَالَ إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي يَوْمَئِذٍ فَهُوَ حُرٌّ وَلَيْسَ لَهُ مَمْلُوكٌ فَاشْتَرَى مَمْلُوكًا ثُمَّ دَخَلَ عَتَقَ) لِأَنَّ قَوْلَهُ يَوْمَئِذٍ تَقْدِيرُهُ يَوْمَ إذْ دَخَلْت، إلَّا أَنَّهُ أَسْقَطَ الْفِعْلَ وَعَوَّضَهُ بِالتَّنْوِينِ فَكَانَ الْمُعْتَبَرُ قِيَامَ الْمِلْكِ وَقْتَ الدُّخُولِ وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ عَبْدٌ فَبَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ حَتَّى دَخَلَ عَتَقَ لِمَا قُلْنَا. قَالَ (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ قَالَ فِي يَمِينِهِ يَوْمَئِذٍ لَمْ يَعْتِقْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ] الْحَلِفُ بِالْعِتْقِ هُوَ أَنْ يَجْعَلَ الْعِتْقَ جُزْءَ الشَّرْطِ وَلَمَّا كَانَ الْمُعَلَّقُ قَاصِرًا فِي السَّبَبِيَّةِ أَخَّرَ التَّعْلِيقَ عَنْ التَّنْجِيزِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ قَالَ إذَا دَخَلْت الدَّارَ) ظَاهِرٌ. وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ لَا يَعْتِقَ عَلَيْهِ مَا يَشْتَرِيهِ بَعْدَ الْيَمِينِ وَإِنْ قَالَ يَوْمئِذٍ لِأَنَّهُ مَا أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى الْمِلْكِ وَلَا إلَى سَبَبِهِ فَكَانَ كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِ الْغَيْرِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ ثُمَّ دَخَلَ الدَّارَ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ لِذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ وُجِدَتْ الْإِضَافَةُ إلَى الْمِلْكِ دَلَالَةً لِأَنَّ قَوْلَهُ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي يَوْمئِذٍ مَعْنَاهُ إنْ مَلَكْت مَمْلُوكًا وَقْتَ دُخُولِي الدَّارَ فَهُوَ حُرٌّ، بِخِلَافِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ الْإِضَافَةُ فِيهَا لَا صَرِيحًا وَلَا دَلَالَةً. وَقَوْلُهُ (لِمَا قُلْنَا) يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ فَكَانَ الْمُعْتَبَرُ قِيَامَ الْمِلْكِ وَقْتَ الدُّخُولِ.

لِأَنَّ قَوْلَهُ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي لِلْحَالِ وَالْجَزَاءُ حُرِّيَّةُ الْمَمْلُوكِ فِي الْحَالِ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ الشَّرْطُ عَلَى الْجَزَاءِ تَأَخَّرَ إلَى وُجُودٍ فَيَعْتِقُ إذَا بَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ إلَى وَقْتِ الدُّخُولِ وَلَا يَتَنَاوَلُ مَنْ اشْتَرَاهُ بَعْدَ الْيَمِينِ. (وَمَنْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي ذَكَرٍ فَهُوَ حُرٌّ وَلَهُ جَارِيَةٌ حَامِلٌ فَوَلَدَتْ ذَكَرًا لَمْ يَعْتِقْ) وَهَذَا إذَا وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا ظَاهِرٌ، لِأَنَّ اللَّفْظَ لِلْحَالِ، وَفِي قِيَامِ الْحَمْلِ وَقْتَ الْيَمِينِ احْتِمَالٌ لِوُجُودِ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ بَعْدَهُ، وَكَذَا إذَا وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ الْمَمْلُوكَ الْمُطْلَقَ، وَالْجَنِينُ مَمْلُوكٌ تَبَعًا لِلْأُمِّ لَا مَقْصُودًا، وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ مِنْ وَجْهٍ وَاسْمُ الْمَمْلُوكِ يَتَنَاوَلُ الْأَنْفُسَ دُونَ الْأَعْضَاءِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ مُنْفَرِدًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (لِأَنَّ قَوْلَهُ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي لِلْحَالِ) قِيلَ لِأَنَّ اللَّامَ لِلِاخْتِصَاصِ، وَالِاخْتِصَاصُ إنَّمَا يَكُونُ بِمَمْلُوكٍ لَهُ فِي الْحَالِ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمِلْكُ لَهُ فِي الْحَالِ كَانَ هُوَ وَغَيْرُهُ سَوَاءً. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي ذَكَرٍ فَهُوَ حُرٌّ) ظَاهِرٌ، وَمَعْنَاهُ

قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: وَفَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِوَصْفِ الذُّكُورَةِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي تَدْخُلُ الْحَامِلُ فَيَدْخُلُ الْحَمْلُ تَبَعًا لَهَا. (وَإِنْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ حُرٌّ بَعْدَ غَدٍ، أَوْ قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي فَهُوَ حُرٌّ بَعْدَ غَدٍ وَلَهُ مَمْلُوكٌ فَاشْتَرَى آخَرَ ثُمَّ جَاءَ بَعْدُ غَدٍ عَتَقَ الَّذِي فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ) لِأَنَّ قَوْلَهُ أَمْلِكُهُ لِلْحَالِ حَقِيقَةً يُقَالُ: أَنَا أَمْلِكُ كَذَا وَكَذَا وَيُرَادُ بِهِ الْحَالُ، وَكَذَا يُسْتَعْمَلُ لَهُ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ وَالِاسْتِقْبَالُ بِقَرِينَةِ السِّينِ أَوْ سَوْفَ فَيَكُونُ مُطْلَقُهُ لِلْحَالِ فَكَانَ الْجَزَاءُ حُرِّيَّةَ الْمَمْلُوكِ فِي الْحَالِ مُضَافًا إلَى مَا بَعْدَ الْغَدِ فَلَا يَتَنَاوَلُ مَا يَشْتَرِيهِ بَعْدَ الْيَمِينِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الْمَمْلُوكَ مُطْلَقٌ وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَالْجَنِينُ لَيْسَ بِكَامِلٍ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (وَفَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِوَصْفِ الذُّكُورَةِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي تَدْخُلُ الْحَامِلُ) فَيَدْخُلُ الْحَمْلُ تَبَعًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ يَتَنَاوَلُ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ حَتَّى الْمُدَبَّرِينَ وَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ. حَتَّى لَوْ قَالَ نَوَيْت الرِّجَالَ دُونَ النِّسَاءِ لَمْ يَصْدُقْ قَضَاءً (وَإِنْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي أَمْلِكُهُ حُرٌّ بَعْدَ غَدٍ أَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي فَهُوَ حُرٌّ بَعْدَ غَدٍ وَلَهُ مَمْلُوكٌ فَاشْتَرَى مَمْلُوكًا آخَرَ ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ غَدٍ عَتَقَ الَّذِي فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ) لَا الَّذِي اشْتَرَاهُ بَعْدَهُ. وَقَوْلُهُ بَعْدَ غَدٍ ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ حُرٌّ لَا لِقَوْلِهِ أَمْلِكُهُ فَإِنَّ أَمْلِكُهُ لِلْحَالِ، وَقَوْلُهُ ثُمَّ جَاءَ بَعْدُ غَدٍ بِالرَّفْعِ لِيَكُونَ فَاعِلُ جَاءَ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ، وَقَوْلُهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَمْلِكُهُ لِلْحَالِ حَقِيقَةً بِالرَّفْعِ لِيَكُونَ خَبَرَانِ وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى التَّمْيِيزِ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَهَذَا التَّقْرِيرُ يُخَالِفُ رِوَايَةَ النَّحْوِ وَهِيَ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْحَالِ وَالْمُسْتَقْبَلِ، وَظَاهِرُ تَقْرِيرِ الْمُصَنِّفِ يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ. وَقَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ لَا نُسَلِّمُ الْمُخَالَفَةَ لِأَنَّ كَوْنَهُ لِلْحَالِ حَقِيقَةً لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَوْنَهُ لِلِاسْتِقْبَالِ لَيْسَ بِحَقِيقَةٍ لِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ حَقِيقَةً وَيَدُلُّ عَلَيْهِمَا عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ وَيُرَجَّحُ أَحَدُهُمَا بِالدَّلِيلِ إذَا وُجِدَ وَقَدْ وُجِدَ هُنَا دَلِيلٌ عَلَى إرَادَةِ الْحَالِ لِأَنَّ الْحَالَ مَوْجُودٌ فَلَا يُعَارِضُهُ الْمُسْتَقْبَلُ الْمَعْدُومُ. وَأَقُولُ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَكَذَا يُسْتَعْمَلُ لَهُ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ يَأْبَى قَوْلَ هَذَا الشَّارِحِ لِأَنَّ

(وَلَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ، أَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَلَهُ مَمْلُوكٌ فَاشْتَرَى مَمْلُوكًا آخَرَ فَاَلَّذِي كَانَ عِنْدَ وَقْتَ الْيَمِينِ مُدَبَّرٌ وَالْآخَرُ لَيْسَ بِمُدَبَّرٍ، وَإِنْ مَاتَ عَتَقَا مِنْ الثُّلُثِ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي النَّوَادِرِ: يَعْتِقُ مَا كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ وَلَا يَعْتِقُ مَا اسْتَفَادَ بَعْدَ يَمِينِهِ، وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي إذَا مِتّ فَهُوَ حُرٌّ. لَهُ أَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةً لِلْحَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَلَا يَعْتِقُ بِهِ مَا سَيَمْلِكُهُ وَلِهَذَا صَارَ هُوَ مُدَبَّرًا دُونَ الْآخَرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُشْتَرَكَ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ بِعَيْنِهِ إلَّا بِقَرِينَةٍ وَلَيْسَ النَّحْوِيُّونَ مُجْمِعِينَ عَلَى أَنَّ الْمُضَارِعَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا بَلْ مِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الِاسْتِقْبَالِ مَجَازٌ فِي الْحَالِ وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى عَكْسِ ذَلِكَ وَلَعَلَّهُ مُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ لِتَبَادُرِ الْفَهْمِ إلَيْهِ وَعَلَى هَذَا كَانَ الْجَزَاءُ حُرِّيَّةَ الْمَمْلُوكِ فِي الْحَالِ مُضَافًا إلَى مَا بَعْدَ الْغَدِ فَلَا يَتَنَاوَلُ مَا يَشْتَرِيهِ بَعْدَ الْيَمِينِ. (وَلَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ أَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي فَهُوَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَلَهُ مَمْلُوكٌ فَاشْتَرَى آخَرَ فَاَلَّذِي كَانَ عِنْدَهُ مُدَبَّرٌ) مُطْلَقٌ (وَالْآخَرُ لَيْسَ بِمُدَبَّرٍ) مُطْلَقٍ بَلْ هُوَ مُدَبَّرٌ مُقَيَّدٌ جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ (وَإِنْ مَاتَ عَتَقَا مِنْ الثُّلُثِ) مُشْتَرَكَيْنِ فِيهِ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي النَّوَادِرِ: يَعْتِقُ مَا كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ) بِطَرِيقِ التَّدْبِيرِ (وَلَا يَعْتِقُ مَا اسْتَفَادَ بَعْدَ يَمِينِهِ) لِأَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ لِلْحَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَهُوَ مُرَادٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ مُرَادًا عَلَى أَصْلِنَا

وَلَهُمَا أَنَّ هَذَا إيجَابُ عِتْقٍ وَإِيصَاءٌ حَتَّى اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ وَفِي الْوَصَايَا تُعْتَبَرُ الْحَالَةُ الْمُنْتَظَرَةُ وَالْحَالَةُ الرَّاهِنَةُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ مَا يَسْتَفِيدُهُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ وَفِي الْوَصِيَّةِ لِأَوْلَادِ فُلَانٍ مَنْ يُولَدُ لَهُ بَعْدَهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَهُمَا أَنَّ هَذَا إيجَابُ عِتْقٍ وَإِيصَاءٍ) أَمَّا إنَّهُ إيجَابُ عِتْقٍ فَبِقَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ أَوْلَى فَهُوَ حُرٌّ، وَأَمَّا إنَّهُ إيصَاءٌ فَبِقَوْلِهِ بَعْدَ مَوْتِي، وَلِهَذَا اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ (فَفِي الْوَصَايَا تُعْتَبَرُ الْحَالَةُ الْمُنْتَظَرَةُ أَيْ الْمُتَرَبِّصَةُ) وَالْحَالَةُ الرَّاهِنَةُ أَيْ الْحَاضِرَةُ؛ سُمِّيَتْ بِالرَّاهِنَةِ لِأَنَّ الرَّهْنَ هُوَ الْحَبْسُ وَالْمُرْتَهِنُ مَحْبُوسٌ فِيهَا لَا فِيمَا قَبْلَهَا وَلَا فِيمَا بَعْدَهَا، كَذَا فِي الشُّرُوحِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ مَا يَسْتَفِيدُهُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ وَفِي الْوَصِيَّةِ لِأَوْلَادِ فُلَانٍ دَخَلَ فِيهَا الْمَوْجُودُ عِنْدَهَا، وَمَنْ يُولَدُ بَعْدَهَا إذَا عَاشَ إلَى وَقْتِ مَوْتِ الْمُوصِي. وَالْإِيجَابُ إنَّمَا يَصِحُّ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ أَوْ إلَى سَبَبِهِ، فَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إيجَابُ الْعِتْقِ يَتَنَاوَلُ الْعَبْدَ الْمَمْلُوكَ اعْتِبَارًا لِلْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ لِيَصِيرَ الْإِيجَابُ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ فَيَصِيرُ مُدَبَّرًا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ إيصَاءٌ يَتَنَاوَلُ الَّذِي يَشْتَرِيهِ اعْتِبَارًا لِلْحَالَةِ الْمُتَرَبِّصَةِ

وَالْإِيجَابُ إنَّمَا يَصِحُّ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ أَوْ إلَى سَبَبِهِ، فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ إيجَابُ الْعِتْقِ يَتَنَاوَلُ الْعَبْدَ الْمَمْلُوكَ اعْتِبَارًا لِلْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ فَيَصِيرُ مُدَبَّرًا حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُهُ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ إيصَاءٌ يَتَنَاوَلُ الَّذِي يَشْتَرِيهِ اعْتِبَارًا لِلْحَالَةِ الْمُتَرَبِّصَةِ وَهِيَ حَالَةُ الْمَوْتِ، وَقَبْلَ الْمَوْتِ حَالَةُ التَّمَلُّكِ اسْتِقْبَالٌ مَحْضٌ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ اللَّفْظِ، وَعِنْدَ الْمَوْتِ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي أَوْ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ بَعْدَ غَدٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ وَاحِدٌ وَهُوَ إيجَابُ الْعِتْقِ وَلَيْسَ فِيهِ إيصَاءٌ وَالْحَالَةُ مَحْضُ اسْتِقْبَالٍ فَافْتَرَقَا. وَلَا يُقَالُ: إنَّكُمْ جَمَعْتُمْ بَيْنَ الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ. لِأَنَّا نَقُولُ: نَعَمْ لَكِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهِيَ حَالَةُ الْمَوْتِ وَيَصِيرُ مُدَبَّرًا بَعْدَهُ وَلَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا قَبْلَهُ كَاَلَّذِي كَانَ فِي مِلْكِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْكَلَامُ حَالَةَ التَّمَلُّكِ لَا مِنْ حَيْثُ الْإِيجَابُ لِعَدَمِ الْإِضَافَةِ إلَى الْمِلْكِ وَإِلَى سَبَبِهِ، وَلَا مِنْ حَيْثُ الْإِيصَاءُ لِأَنَّهُ يَكُونُ عِنْدَ الْمَوْتِ، فَكَانَ حَالُ التَّمَلُّكِ اسْتِقْبَالًا مَحْضًا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ اللَّفْظُ فَلَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا حَالَ التَّمَلُّكِ، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْمَوْتِ إذَا كَانَ مَوْجُودًا فِي مِلْكِهِ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي أَوْ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ لِدُخُولِهِ حِينَئِذٍ تَحْتَ الْحَالِ الْمُتَرَبِّصَةِ فَيَصِيرُ مُدَبَّرًا لِكَوْنِ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةً، بِخِلَافِ قَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي أَمْلِكُهُ أَوْ لِي حُرٌّ بَعْدَ غَدٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ وَاحِدٌ وَهُوَ إيجَابُ الْعِتْقِ وَلَيْسَ فِيهِ إيصَاءٌ، وَالْحَالَةُ مَحْضُ اسْتِقْبَالٍ لَا يَتَنَاوَلُهَا الْإِيجَابُ لِعَدَمِ الْإِضَافَةِ إلَى الْمِلْكِ وَإِلَى سَبَبِهِ فَافْتَرَقَا، وَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ (وَالْإِيجَابُ إنَّمَا يَصِحُّ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَفِي الْوَصَايَا مَعْنَى لَا أَنْ يَكُونَ جَوَابَ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الشَّارِحِينَ. قَالَ. وَهُوَ أَنْ يُقَالَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ الْإِيجَابُ الْمُشْتَرِيَ أَصْلًا فِي الْحَالِ وَلَا فِي الْمَآلِ، لِأَنَّ التَّنَاوُلَ إنَّمَا يَكُونُ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ أَوْ إلَى سَبَبِهِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا فِي حَقِّهِ بِمَوْجُودٍ. فَأَجَابَ بِأَنَّ تَنَاوُلَهُ بِاعْتِبَارِ الْإِيصَاءِ لَا الْإِيجَابِ الْحَالِيِّ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يُقَالُ إنَّكُمْ جَمَعْتُمْ بَيْنَ الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ) إشَارَةٌ إلَى جَوَابِ أَبِي يُوسُفَ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ إيجَابَ عِتْقٍ وَوَصِيَّةَ الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ فِي طَرَفَيْ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ مِنْ صِفَاتِ اللَّفْظِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ التَّنَافِيَ بَيْنَ طَرَفَيْ كَلَامٍ وَاحِدٍ إنْ كَانَ الْمُرَادُ إيجَابَ عِتْقٍ فِي الْحَالِ أَوْ كَوْنَهُ إيصَاءً فَقَطْ إنْ كَانَ الْمُرَادُ إيجَابَ عِتْقٍ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَوْ قَالَ هَذَا الْكَلَامُ تَدْبِيرٌ وَالتَّدْبِيرُ حَيْثُمَا وَقَعَ وَقَعَ وَصِيَّةً وَالْوَصِيَّةُ تُعْتَبَرُ فِيهَا الْحَالَةُ الرَّاهِنَةُ وَالْمُنْتَظَرَةُ فَيَدْخُلُ تَحْتَهُ مَا كَانَ فِي مِلْكِهِ وَمَا يُوجَدُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَمَّا مَا بَيْنَهُمَا فَلَيْسَ بِدَاخِلٍ تَحْتَهُ فَلَا يَصِيرُ الْمُسْتَحْدَثُ مُدَبَّرًا حَتَّى يَمُوتَ لَعَلَّهُ كَانَ أَسْهَلَ تَأَتِّيًا

بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ إيجَابِ عِتْقٍ وَوَصِيَّةٍ، وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَسْلَمَ مِنْ الِاعْتِرَاضِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[باب العتق على جعل]

وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ فَقَبِلَ الْعَبْدُ عَتَقَ) وَذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَإِنَّمَا يُعْتَقُ بِقَبُولِهِ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةُ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ إذْ الْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ وَمِنْ قَضِيَّةِ الْمُعَاوَضَةِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِقَبُولِ الْعِوَضِ لِلْحَالِ كَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْعِتْقِ عَلَى جُعْلٍ] الْجُعْلُ بِالضَّمِّ مَا جُعِلَ لِلْإِنْسَانِ مِنْ شَيْءٍ عَلَى شَيْءٍ يَفْعَلُهُ، وَكَذَلِكَ الْجِعَالَةُ بِالْكَسْرِ، وَإِنَّمَا أَخَّرَ هَذَا الْبَابَ لِكَوْنِ الْمَالِ غَيْرِ أَصْلٍ فِي بَابِ الْعِتْقِ (وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ) أَيِّ مَالٍ كَانَ مِنْ عُرُوضٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ غَيْرِهِمَا (مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ) أَوْ عَلَى أَنَّ لِي عَلَيْك أَلْفًا أَوْ عَلَى أَلْفٍ تُؤَدِّيهَا أَوْ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي أَلْفًا أَوْ عَلَى أَنْ تَجِيئَنِي بِأَلْفٍ (فَقَبِلَ الْعَبْدُ عَتَقَ) سَاعَةَ قَبُولِهِ. لَا يُقَالُ كَلِمَةُ عَلَى لِلشَّرْطِ فَيَكُونُ الْعِتْقُ مُعَلَّقًا بِشَرْطِ أَدَاءِ الْأَلْفِ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا لَا لِمَا قِيلَ إنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ لِلشَّرْطِ إذَا دَخَلَتْ فِيمَا يَكُونُ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ وَذَلِكَ فِي الْأَفْعَالِ دُونَ الْأَعْيَانِ لِأَنَّ بَعْضَ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ دَخَلَتْ فِيهِ عَلَى الْأَفْعَالِ، بَلْ لِمَا قِيلَ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا كَانَ مُرَادُهُ التَّنْجِيزَ بِعِوَضٍ لَا التَّعْلِيقَ فَكَانَ الصَّارِفُ عَنْ الشَّرْطِيَّةِ دَلَالَةَ الْحَالِ (وَإِنَّمَا يُعْتَقُ الْعَبْدُ بِقَبُولِهِ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةُ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ إذْ الْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ) فَقَوْلُهُ إذْ الْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِهِ مُعَاوَضَةً بِغَيْرِ مَالٍ

فِي الْبَيْعِ، فَإِذَا قَبِلَ صَارَ حُرًّا، وَمَا شَرَطَ دَيْنٌ عَلَيْهِ حَتَّى تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِهِ، بِخِلَافِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ مَعَ الْمُنَافِي وَهُوَ قِيَامُ الرِّقِّ عَلَى مَا عُرِفَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا: أَحَدَهَا أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ لِأَنَّهُ مَالٌ فَلَا يَمْلِكُ الْمَالَ، وَإِذَا لَمْ يَمْلِكْهُ كَانَ مَا بَذَلَهُ مِنْ الْعِوَضِ فِي مُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَمْلِكُهُ؛ فَكَانَ مَا بَذَلَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْمَالِ وَالثَّانِي الْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى نَفْسِهِ لِكَوْنِهِ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، وَلِهَذَا صَحَّ إقْرَارُهُ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَغَيْرِهِمَا. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ سَقَطَ مِلْكُ الْمَوْلَى فِي ذَاتِهِ بِالْإِعْتَاقِ أَوْ بِبَيْعِ نَفْسِهِ مِنْهُ فَكَانَ مَا بَذَلَهُ فِي مُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ. ذُكِرَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ، وَهَذَا أَيْضًا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَالٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَوْلَاهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا بِالنِّسْبَةِ إلَى نَفْسِهِ فَكَانَ مَا بَذَلَهُ فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ عِنْدَ الْمَوْلَى. وَالثَّالِثَ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ بِهَذَا الْعَقْدِ لِكَوْنِهِ إسْقَاطًا فَلَمْ يَدْخُلْ بِهِ فِي يَدِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ. غَايَةُ مَا يُقَالُ إنَّهُ ثَبَتَ لَهُ بِهِ قُوَّةٌ شَرْعِيَّةٌ وَهِيَ لَيْسَتْ بِمَالٍ لَا مَحَالَةَ، فَكَانَ مَا بَذَلَهُ فِي مُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ بَلْ مَا هُوَ قُوَّةٌ شَرْعِيَّةٌ، وَهَذَا أَقْرَبُ مِنْهُمَا. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ فَمِنْ قَضِيَّةِ الْمُعَاوَضَةِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِقَبُولِ الْعِوَضِ لِلْحَالِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، فَإِذَا قَبِلَ صَارَ حُرًّا، وَإِنْ رَدَّ أَوْ أَعْرَضَ عَنْ الْمَجْلِسِ بِالْقِيَامِ أَوْ بِالِاشْتِغَالِ بِمَا يُعْلَمُ بِهِ قَطْعُ الْمَجْلِسِ بَطَلَ، فَإِذَا قَبِلَ صَارَ مَا شَرَطَ دَيْنًا عَلَيْهِ حَتَّى تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِهِ لِأَنَّهُ يَسْعَى وَهُوَ حُرٌّ، بِخِلَافِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ حَيْثُ لَا تَصِحُّ بِهِ الْكَفَالَةُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ مَعَ الْمُنَافِي وَهُوَ قِيَامُ الرِّقِّ، فَكَانَ ثُبُوتُهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، إذْ الْقِيَاسُ يَنْفِي أَنْ يَسْتَوْجِبَ الْمَوْلَى الدَّيْنَ عَلَى عَبْدِهِ، فَلَمَّا ثَبَتَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ ضَرُورَةُ حُصُولِ الْحُرِّيَّةِ لِلْمُكَاتَبِ وَحُصُولُ الْمَالِ لِلْمَوْلَى اقْتَصَرَ عَلَى مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَلَمْ يَعُدْ إلَى الْكَفَالَةِ. وَقَوْلُهُ (وَإِطْلَاقُ لَفْظِ الْمَالِ يَنْتَظِمُ أَنْوَاعَهُ مِنْ النَّقْدِ) يَعْنِي فِي قَوْلِهِ وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ.

وَإِطْلَاقُ لَفْظِ الْمَالِ يَنْتَظِمُ أَنْوَاعَهُ مِنْ النَّقْدِ وَالْعَرَضِ وَالْحَيَوَانِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةُ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ فَشَابَهَ النِّكَاحَ وَالطَّلَاقَ وَالصُّلْحَ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَكَذَا الطَّعَامُ وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ إذَا كَانَ مَعْلُومَ الْجِنْسِ، وَلَا تَضُرُّهُ جَهَالَةُ الْوَصْفِ؛ لِأَنَّهَا يَسِيرَةٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (فَشَابَهَ النِّكَاحَ) يَعْنِي إذَا شَابَهَ ذَلِكَ جَازَ أَنْ يَثْبُتَ الْحَيَوَانُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ هُنَا كَمَا جَازَ ذَلِكَ فِي تِلْكَ الْعُقُودِ (وَكَذَلِكَ الطَّعَامُ وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ إذَا كَانَ مَعْلُومَ الْجِنْسِ) كَمَا إذَا أَعْتَقَهُ عَلَى مِائَةِ قَفِيزِ حِنْطَةٍ (وَلَا يَضُرُّهُ جَهَالَةُ الْوَصْفِ) بِأَنْ لَمْ يَقُلْ إنَّهَا جَيِّدَةٌ أَوْ رَدِيئَةٌ رَبِيعِيَّةٌ أَوْ خَرِيفِيَّةٌ، فَإِنَّ جَهَالَةَ الْوَصْفِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ لِكَوْنِهَا يَسِيرَةً.

قَالَ (وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِأَدَاءِ الْمَالِ صَحَّ وَصَارَ مَأْذُونًا) وَذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْتَ حُرٌّ؛ وَمَعْنَى قَوْلِهِ صَحَّ أَنَّهُ يُعْتَقُ عِنْدَ الْأَدَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ مُكَاتَبًا؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي تَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فِي الِانْتِهَاءِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِنَّمَا صَارَ مَأْذُونًا؛ لِأَنَّهُ رَغَّبَهُ فِي الِاكْتِسَابِ بِطَلَبِهِ الْأَدَاءَ مِنْهُ، وَمُرَادُهُ التِّجَارَةُ دُونَ التَّكَدِّي فَكَانَ إذْنًا لَهُ دَلَالَةً. (وَإِنْ أَحْضَرَ الْمَالَ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى قَبْضِهِ وَعَتَقَ الْعَبْدُ) وَمَعْنَى الْإِجْبَارِ فِيهِ وَفِي سَائِرِ الْحُقُوقِ أَنَّهُ يَنْزِلُ قَابِضًا بِالتَّخْلِيَةِ. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفُ يَمِينٍ إذْ هُوَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالشَّرْطِ لَفْظًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِأَدَاءِ الْمَالِ صَحَّ) لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ: أَعْنِي قَوْلَهُ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْتَ حُرٌّ صِيغَةُ التَّعْلِيقِ فَيَتَعَلَّقُ عِتْقُهُ بِأَدَاءِ الْمَالِ كَالتَّعْلِيقِ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ، وَلِهَذَا لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى قَبُولِ الْعَبْدِ وَلَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ، وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ كَمَا فِي التَّعْلِيقِ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ. وَقَوْلُهُ (مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ مُكَاتَبًا) يَعْنِي لَا تَثْبُتُ أَحْكَامُ الْمُكَاتَبِينَ، حَتَّى لَوْ مَاتَ وَتَرَكَ وَفَاءً فَالْمَالُ لِمَوْلَاهُ وَلَا يُؤَدِّي عَنْهُ، وَلَوْ مَاتَ الْمَوْلَى فَالْعَبْدُ رَقِيقٌ يُورَثُ عَنْهُ مَعَ مَا فِي يَدِهِ مِنْ أَكْسَابِهِ، وَلَوْ كَاتَبَ أَمَةً فَوَلَدَتْ ثُمَّ أَدَّتْ لَمْ يُعْتَقْ وَلَدُهَا، وَلَوْ حَطَّ الْمَالَ أَوْ أَبْرَأَهُ الْمَوْلَى لَمْ يُعْتَقْ، وَلَوْ كَانَ مُكَاتَبًا لَكَانَ الْحُكْمُ عَلَى عَكْسِ مَا ذُكِرَ فِي الْجَمِيعِ. وَقَوْلُهُ (وَمُرَادُهُ التِّجَارَةُ) يَعْنِي مِنْ التَّرْغِيبِ فِي الِاكْتِسَابِ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَشْرُوعَةُ عِنْدَ الِاخْتِيَارِ (دُونَ التَّكَدِّي) لِأَنَّهُ يُدْنِئُ الْمَرْءَ وَيَخُسُّهُ. وَقَوْلُهُ (وَفِي سَائِرِ الْحُقُوقِ) يُرِيدُ بِهِ الثَّمَنَ وَبَدَلَ الْخُلْعِ وَبَدَلَ الْكِتَابَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا. وَقَوْلُهُ (أَنَّهُ) يَعْنِي الْمَوْلَى (يَنْزِلُ قَابِضًا بِالتَّخْلِيَةِ) بِرَفْعِ الْمَانِعِ سَوَاءٌ قَبَضَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِجْبَارِ مَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْهُ عِنْدَ النَّاسِ مِنْ الْإِكْرَاهِ بِالضَّرْبِ أَوْ الْحَبْسِ، وَقَوْلُهُ (إذْ هُوَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالشَّرْطِ لَفْظًا) احْتِرَازٌ عَنْ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِتَعْلِيقٍ لَفْظِيٍّ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ كَاتَبْتُك

وَلِهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ الْعَبْدِ وَلَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَلَا جَبْرَ عَلَى مُبَاشَرَةِ شُرُوطِ الْأَيْمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا اسْتِحْقَاقَ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ، بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ وَالْبَدَلُ فِيهَا وَاجِبٌ. وَلَنَا أَنَّهُ تَعْلِيقٌ نَظَرًا إلَى اللَّفْظِ وَمُعَاوَضَةٌ نَظَرًا إلَى الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّهُ مَا عَلَّقَ عِتْقَهُ بِالْأَدَاءِ إلَّا لِيَحُثَّهُ عَلَى دَفْعِ الْمَالِ فَيَنَالَ الْعَبْدُ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ وَالْمَوْلَى الْمَالَ بِمُقَابَلَتِهِ بِمَنْزِلَةِ الْكِتَابَةِ، وَلِهَذَا كَانَ عِوَضًا فِي الطَّلَاقِ فِي مِثْلِ هَذَا اللَّفْظِ حَتَّى كَانَ بَائِنًا فَجَعَلْنَاهُ تَعْلِيقًا فِي الِابْتِدَاءِ عَمَلًا بِاللَّفْظِ وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمَوْلَى حَتَّى لَا يَمْتَنِعَ عَلَيْهِ بَيْعُهُ، وَلَا يَكُونُ الْعَبْدُ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ وَلَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ قَبْلَ الْأَدَاءِ، وَجَعَلْنَاهُ مُعَاوَضَةً فِي الِانْتِهَاءِ عِنْدَ الْأَدَاءِ دَفْعًا لِلْغُرُورِ عَنْ الْعَبْدِ حَتَّى يُجْبَرَ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى كَذَا مِنْ الْمَالِ صَحَّتْ الْكِتَابَةُ وَلَيْسَ فِيهِ تَعْلِيقٌ لَفْظِيٌّ. لِعَدَمِ أَلْفَاظِ الشَّرْطِ فِيهِ. وَقَوْلُهُ (وَلِهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ الْعَبْدِ) تَوْضِيحٌ لِكَوْنِهِ تَصَرُّفَ يَمِينٍ. وَقَوْلُهُ (وَلَا جَبْرَ عَلَى مُبَاشَرَةِ شُرُوطِ الْأَيْمَانِ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ تَصَرُّفُ يَمِينٍ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ لَا اسْتِحْقَاقَ) تَقْرِيرُهُ: لَا جَبْرَ إلَّا بِاسْتِحْقَاقٍ وَلَا اسْتِحْقَاقَ (قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ) وَلِهَذَا يُمْكِنُهُ الْبَيْعُ قَبْلَ الْأَدَاءِ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ إذْ هُوَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالشَّرْطِ لَفْظًا. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ (مُعَاوَضَةٌ وَالْبَدَلُ فِيهَا وَاجِبٌ) فَكَانَ الْجَبْرُ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ (وَلَنَا أَنَّهُ تَعْلِيقٌ نَظَرًا إلَى اللَّفْظِ) كَمَا ذَكَرْنَا (وَمُعَاوَضَةٌ نَظَرًا إلَى الْمَقْصُودِ لِأَنَّهُ مَا عَلَّقَ عِتْقَهُ بِالْأَدَاءِ إلَّا لِيَحُثَّهُ عَلَى دَفْعِ الْمَالِ فَيَنَالُ الْعَبْدُ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ وَالْمَوْلَى الْمَالَ بِمُقَابَلَتِهِ بِمَنْزِلَةِ الْكِتَابَةِ وَلِهَذَا كَانَ عِوَضًا فِي الطَّلَاقِ فِي مِثْلِ هَذَا اللَّفْظِ) بِأَنْ يَقُولَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ (حَتَّى) لَوْ طَلَّقَهَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ (كَانَ بَائِنًا فَجَعَلْنَاهُ تَعْلِيقًا فِي الِابْتِدَاءِ عَمَلًا بِاللَّفْظِ وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمَوْلَى حَتَّى لَا يَمْتَنِعَ عَلَيْهِ بَيْعُهُ وَلَا يَكُونَ الْعَبْدُ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ وَلَا يَسْرِيَ إلَى الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ قَبْلَ الْأَدَاءِ، وَجَعَلْنَاهُ مُعَاوَضَةً فِي الِانْتِهَاءِ عِنْدَ الْأَدَاءِ دَفْعًا لِلْغُرُورِ عَنْ الْعَبْدِ) فَإِنَّهُ مَا تَحَمَّلَ الْمَشَقَّةَ فِي اكْتِسَابِ الْمَالِ إلَّا لِيَنَالَ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ. فَإِنْ قِيلَ: لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ مُعَاوَضَةً أَصْلًا لِأَنَّ الْبَدَلَ وَالْمُبْدَلَ كِلَاهُمَا عِنْدَ الْأَدَاءِ مِلْكٌ لِلْمَوْلَى، لِأَنَّهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ عَبْدٌ وَهُوَ وَمَا فِي يَدِهِ لِمَوْلَاهُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ عِنْدَ الْأَدَاءِ مَعْنَى الْكِتَابَةِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا ثَبَتَ شَرْطُ صِحَّتِهِ اقْتِضَاءً وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ الْعَبْدُ أَحَقَّ بِالْمُؤَدَّى فَيَثْبُتُ هَذَا سَابِقًا عَلَى الْأَدَاءِ مَتَى وُجِدَ الْأَدَاءُ وَصَارَ كَمَا إذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَكَانَ اكْتَسَبَ مَالًا قَبْلَ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ أَحَقَّ بِذَلِكَ الْمَالِ، حَتَّى لَوْ أَدَّى ذَلِكَ عَتَقَ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهِ مَنْسُوبًا إلَى مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّ ثُبُوتَ مَعْنَى الْكِتَابَةِ هُوَ الْمُعَارِضُ فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِهِ. وَالثَّانِي أَنَّ حُصُولَ شَرْطِ صِحَّةِ الشَّيْءِ عِبَارَةٌ لَا يَقْتَضِي صِحَّتَهُ فَضْلًا عَنْ حُصُولِهِ اقْتِضَاءً، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: لَمَّا صَحَّتْ الْكِتَابَةُ وَالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْتُمْ قَائِمٌ فِيهَا وَهِيَ مُعَاوَضَةٌ لَيْسَ فِيهَا مَعْنَى التَّعْلِيقِ، فَلَأَنْ يَصِحَّ الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ وَفِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ أَوْلَى فَيَكُونُ مُلْحَقًا بِالْكِتَابَةِ دَلَالَةً

فَعَلَى هَذَا يَدُورُ الْفِقْهُ وَتَخْرُجُ الْمَسَائِلُ نَظِيرُهُ الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ. وَلَوْ أَدَّى الْبَعْضَ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يُؤَدِّ الْكُلَّ لِعَدَمِ الشَّرْطِ كَمَا إذَا حَطَّ الْبَعْضَ وَأَدَّى الْبَاقِيَ. ثُمَّ لَوْ أَدَّى أَلْفًا اكْتَسَبَهَا قَبْلَ التَّعْلِيقِ رَجَعَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ وَعَتَقَ لِاسْتِحْقَاقِهَا، وَلَوْ كَانَ اكْتَسَبَهَا بَعْدَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ مِنْ جِهَتِهِ بِالْأَدَاءِ مِنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (فَعَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى الْعَمَلِ بِالشَّبَهَيْنِ (يَدُورُ الْمَعْنَى الْفِقْهِيُّ وَتَخْرِيجُ الْمَسَائِلِ) الْمُتَعَارِضَةِ: يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْتَ حُرٌّ أَلْحَقَ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ بِمَحْضِ التَّعْلِيقِ وَهِيَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ مَسَائِلِ الْقِيَاسِ مِنْ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، وَأَلْحَقَ فِي بَعْضِهَا بِالْكِتَابَةِ مِنْ جَبْرِ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ هَذَا اللَّفْظُ تَعْلِيقًا نَظَرًا إلَى اللَّفْظِ وَمُعَاوَضَةً نَظَرًا إلَى الْمَقْصُودِ عَمِلْنَا بِالشَّبَهَيْنِ: شَبَهِ التَّعْلِيقِ فِي حَالَةِ الِابْتِدَاءِ وَشَبَهِ الْمُعَاوَضَةِ فِي حَالَةِ

ثُمَّ الْأَدَاءُ فِي قَوْلِهِ إنْ أَدَّيْت يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ تَخْيِيرٌ، وَفِي قَوْلِهِ إذَا أَدَّيْت لَا يَقْتَصِرُ؛ لِأَنَّ إذَا تُسْتَعْمَلُ لِلْوَقْتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالِانْتِهَاءِ. كَمَا فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَإِنَّهَا هِبَةٌ ابْتِدَاءً حَتَّى لَمْ تَجُزْ فِي الْمُشَاعِ، وَاشْتَرَطَ الْقَبْضَ فِي الْمَجْلِسِ وَبِيعَ انْتِهَاءً حَتَّى لَمْ يَتَمَكَّنْ الْوَاهِبُ مِنْ الرُّجُوعِ وَجَرَتْ الشُّفْعَةُ فِي الْعَقَارِ وَيَرُدُّ بِالْعَيْبِ، وَلَوْ أَدَّى الْبَعْضَ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ لِأَنَّ الَّذِي أَتَى بِهِ بَعْضُ تِلْكَ الْجُمْلَةِ، فَإِذَا ثَبَتَ الْإِجْبَارُ عَلَى قَبُولِ الْكُلِّ ثَبَتَ فِي الْبَعْضِ كَمَا فِي الْكِتَابَةِ، وَهَذِهِ رِوَايَةُ الزِّيَادَاتِ، وَقِيلَ هُوَ اسْتِحْسَانٌ. وَمَا ذُكِرَ فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ الْبَعْضِ لِأَنَّ مَعْنَى الْكِتَابَةِ عِنْدَنَا يَثْبُتُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَتَقَ بِمَا أَدَّاهُ إلَى الْمَوْلَى، وَإِنَّمَا يُعْتَقُ بِأَدَاءِ الْجَمِيعِ، فَمَا لَمْ يُوجَدْ أَدَاءُ جَمِيعِ الْمَالِ لَا يَثْبُتُ مَعْنَى الْكِتَابَةِ هُوَ الْقِيَاسُ، لَا أَنَّهُ بِأَدَاءِ الْبَعْضِ لَا يُعْتَقُ مَا لَمْ يُؤَدِّ الْكُلَّ لِعَدَمِ الشَّرْطِ، كَمَا إذَا حَطَّ الْبَعْضَ وَأَدَّى الْبَعْضَ الْبَاقِيَ، لِأَنَّ الشَّرْطَ وُجُودُ الْجَمِيعِ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ بَعْضُهُ كَانَ كَمَا إذَا لَمْ يُوجَدْ كُلُّهُ، وَإِذَا حَطَّ الْجَمِيعَ لَمْ يُعْتَقْ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ فَكَذَلِكَ هَذَا، بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ الْمَالَ هُنَاكَ وَاجِبٌ عَلَى الْمُكَاتَبِ فَيَتَحَقَّقُ إبْرَاؤُهُ عَنْهُ سَوَاءٌ أَبْرَأَهُ عَنْ الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ، وَلَوْ أَدَّى أَلْفًا اكْتَسَبَهَا قَبْلَ الْعِتْقِ رَجَعَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ وَعَتَقَ، أَمَّا الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِأَلْفٍ أُخْرَى مِثْلِهَا فَلِأَنَّ الْأَلْفَ الَّتِي أَدَّاهَا كَانَتْ مُسْتَحَقَّةً مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِأَدَائِهِ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ أَنْ يَحُثَّهُ عَلَى الِاكْتِسَابِ لِيُؤَدِّيَ مِنْ كَسْبِهِ فَيَمْلِكُ الْمَوْلَى مَا لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ قَبْلَ هَذَا وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَأَمَّا أَنَّهُ عَتَقَ فَلِوُجُودِ شَرْطِ الْحِنْثِ لِمَا أَنَّ كَوْنَ الْأَلْفِ مُسْتَحَقَّةً لَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ شَرْطَ الْحِنْثِ كَمَا لَوْ غَصَبَ مَالَ إنْسَانٍ وَأَدَّاهُ (ثُمَّ الْأَدَاءُ فِي قَوْلِهِ إنْ أَدَّيْت يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ) وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ كَمَا فِي التَّعْلِيقِ

بِمَنْزِلَةِ مَتَى. (وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَالْقَبُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ) لِإِضَافَةِ الْإِيجَابِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ أَنْتَ حُرٌّ غَدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنْتَ مُدَبَّرٌ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ حَيْثُ يَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِسَائِرِ الشُّرُوطِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ يُخَيَّرُ الْعَبْدُ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالِامْتِنَاعِ عَنْهُ فَكَانَ كَالتَّخْيِيرِ بِمَشِيئَةِ الْعَبْدِ إذَا قَالَ أَنْتَ حُرٌّ إنْ شِئْت. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَصِيرُ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَكَيْفَ يَكُونُ الْأَدَاءُ مُقْتَصِرًا عَلَى الْمَجْلِسِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِذْنَ يَكُونُ فِي صُورَةِ إذَا أَدَّيْت أَوْ مَتَى أَدَّيْت، فَإِنَّ الْأَدَاءَ فِيهِمَا لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا بِالتِّجَارَةِ، وَيَقْتَصِرُ الْأَدَاءُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَيَتَّجِرُ فِيهِ وَيُؤَدِّي الْمَالَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ بِالْأَبْدَانِ (وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَالْقَبُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ) لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ إضَافَةُ إيجَابِ حَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْقَبُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِئَلَّا يَقَعَ الْقَبُولُ قَبْلَ الْإِيجَابِ (فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ أَنْتَ حُرٌّ غَدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ) لِأَنَّهُ إضَافَةُ إيجَابِ حَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ إلَى زَمَانٍ وَالْقَبُولُ مُتَأَخِّرٌ إلَيْهِ لِئَلَّا يَقَعَ قَبْلَ الْإِيجَابِ (بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنْتَ مُدَبَّرٌ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ حَيْثُ يَكُونُ

الْقَبُولُ إلَيْهِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ إيجَابَ التَّدْبِيرِ فِي الْحَالِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْمَالُ لِقِيَامِ الرِّقِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَبُولُ إلَيْهِ فِي الْحَالِ لِأَنَّ إيجَابَ التَّدْبِيرِ فِي الْحَالِ) عَلَى مَا سَيَجِيءُ فَيَكُونُ الْقَبُولُ كَذَلِكَ (إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْمَالُ) مَعَ قَبُولِهِ (لِقِيَامِ الرِّقِّ) إذْ التَّدْبِيرُ يُوجِبُ حَقَّ الْحُرِّيَّةِ لَا حَقِيقَتَهَا فَيَكُونُ الرِّقُّ قَائِمًا وَالْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ دَيْنًا عَلَى عَبْدِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ حَقِيقَةُ الْحُرِّيَّةِ وَالْمَالُ يَجِبُ عَلَى الْحُرِّ وَالْمَوْلَى قَدْ يَسْتَوْجِبُ مَالًا عَلَى مُعْتَقِهِ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَا لَمْ يَجِبْ الْمَالُ فِي الْمُدَبَّرِ عَلَى أَلْفٍ مَا الْفَائِدَةُ فِي تَعْلِيقِ التَّدْبِيرِ بِالْقَبُولِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّهَا بَيَانُ أَنَّهُ يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِالْقَبُولِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ الْمَالُ.

قَالُوا: لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ، وَإِنْ قَبِلَ بَعْدِ الْمَوْتِ مَا لَمْ يُعْتِقْهُ الْوَارِثُ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْإِعْتَاقِ، وَهَذَا صَحِيحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (قَالُوا) يَعْنِي الْمَشَايِخَ (لَا يُعْتَقُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ) أَيْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهِيَ قَوْلُهُ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ (وَإِنْ قَبِلَ بَعْدَ الْمَوْتِ مَا لَمْ يُعْتِقْهُ الْوَارِثُ) أَوْ الْوَصِيُّ أَوْ الْقَاضِي (لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْإِعْتَاقِ) فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا) أَيْ قَوْلُهُمْ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَقُ مَا لَمْ يُعْتِقْهُ الْوَارِثُ (صَحِيحٌ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إيجَابٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَأَهْلِيَّةُ الْمُوجِبِ شَرْطٌ عِنْدَ الْإِيجَابِ وَقَدْ عُدِمَتْ بِالْمَوْتِ، بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ فَإِنَّهُ إيجَابٌ فِي الْحَالِ وَالْأَهْلِيَّةُ ثَابِتَةٌ وَالْمَوْتُ شَرْطٌ وَالْأَهْلِيَّةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عِنْدَهُ، كَمَا لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَوُجِدَ الشَّرْطُ وَهُوَ مَجْنُونٌ، وَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَالتَّدْبِيرِ بِوَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُعْتَقْ إلَّا بِالْقَبُولِ بَعْدَ الْمَوْتِ لَمْ يَكُنْ الْعِتْقُ مُعَلَّقًا بِمُطْلَقِ الْمَوْتِ، وَفِي مِثْلِ هَذَا لَا يُعْتَقُ إلَّا بِإِعْتَاقِ الْوَارِثِ لِانْتِقَالِ الْعَبْدِ إلَى مِلْكِ الْوَارِثِ

قَالَ: (وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى خِدْمَتِهِ أَرْبَعَ سِنِينَ فَقَبِلَ الْعَبْدُ فَعَتَقَ ثُمَّ مَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ فِي مَالِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ قِيمَةُ خِدْمَتِهِ أَرْبَعَ سِنِينَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبْلَ الْقَبُولِ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ، بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ لِأَنَّ عِتْقَهُ تَعَلَّقَ بِنَفْسِ الْمَوْتِ فَلَا يُشْتَرَطُ إعْتَاقُ الْوَارِثِ. فَإِنْ قِيلَ: أَنْتَ مُدَبَّرٌ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ مَعْنَاهُ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي عَلَى أَلْفٍ فَيَكُونُ كَمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ مَعْنًى فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْإِيجَابُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فِي الْحَالِ حَتَّى يُشْتَرَطَ الْقَبُولُ أَيْضًا فِيهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا يَمِينٌ مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى حَتَّى لَا يَتَمَكَّنَ مِنْ الرُّجُوعِ، وَفِي الْأَيْمَانِ يُعْتَبَرُ اللَّفْظُ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ أَنْتَ مُدَبَّرٌ عَلَى أَلْفٍ إضَافَةُ الْحُرِّيَّةِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ لَفْظًا فَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ بَعْدَهُ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَضَافَ الْحُرِّيَّةَ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ لَفْظًا فَيُشْتَرَطُ الْقَبُولُ بَعْدَهُ. قَالَ (وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى خِدْمَتِهِ أَرْبَعَ سِنِينَ) أَيْ وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي أَرْبَعَ سِنِينَ (فَقَبِلَ الْعَبْدُ عَتَقَ، فَلَوْ مَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ فِي مَالِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: الْأَوَّلُ عَلَيْهِ قِيمَةُ خِدْمَتِهِ أَرْبَعَ سِنِينَ.

أَمَّا الْعِتْقُ فَلِأَنَّهُ جَعَلَ الْخِدْمَةَ فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ عِوَضًا فَيَتَعَلَّقُ الْعِتْقُ بِالْقَبُولِ، وَقَدْ وُجِدَ وَلَزِمَهُ خِدْمَةُ أَرْبَعِ سِنِينَ؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ عِوَضًا فَصَارَ كَمَا إذَا أَعْتَقَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ إذَا مَاتَ الْعَبْدُ فَالْخِلَافِيَّةُ فِيهِ بِنَاءً عَلَى خِلَافِيَّةٍ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ مَنْ بَاعَ نَفْسَ الْعَبْدِ مِنْهُ بِجَارِيَةٍ بِعَيْنِهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الْجَارِيَةُ أَوْ هَلَكَتْ يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْعَبْدِ بِقِيمَةِ نَفْسِهِ عِنْدَهُمَا وَبِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ عِنْدَهُ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ. وَوَجْهُ الْبِنَاءِ أَنَّهُ كَمَا يَتَعَذَّرُ تَسْلِيمُ الْجَارِيَةِ بِالْهَلَاكِ وَالِاسْتِحْقَاقِ يَتَعَذَّرُ الْوُصُولُ إلَى الْخِدْمَةِ بِمَوْتِ الْعَبْدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمَّا الْعِتْقُ فَلِأَنَّ الْخِدْمَةَ فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ جُعِلَتْ عِوَضًا عَنْ الْعِتْقِ) وَكُلُّ مَا جُعِلَ عِوَضًا عَنْ الْعِتْقِ فَالْعِتْقُ يَتَعَلَّقُ بِقَبُولِهِ لِأَنَّهُ الْحُكْمُ فِي الْأَعْوَاضِ كُلِّهَا، وَقَدْ وُجِدَ الْقَبُولُ فَنَزَلَ الْعِتْقُ وَلَزِمَهُ خِدْمَةُ أَرْبَعِ سِنِينَ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ عِوَضًا لِحُدُوثِ حُكْمِ الْمَالِيَّةِ بِالْعَقْدِ وَلِهَذَا صَلُحَتْ صَدَاقًا مَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ ابْتِغَاءَ الْأَبْضَاعِ بِالْأَمْوَالِ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] (فَصَارَ كَمَا إذَا أَعْتَقَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ إذَا مَاتَ الْعَبْدُ فَالْخِلَافِيَّةُ بِنَاءً عَلَى خِلَافِيَّةٍ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ مَنْ بَاعَ نَفْسَ الْعَبْدِ مِنْهُ بِجَارِيَةٍ بِعَيْنِهَا ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْجَارِيَةَ أَوْ هَلَكَتْ يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْعَبْدِ بِقِيمَةِ نَفْسِهِ عِنْدَهُمَا وَبِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ عِنْدَهُ وَهِيَ) أَيْ مَسْأَلَةُ بَيْعِ نَفْسِ الْعَبْدِ مِنْهُ بِالْجَارِيَةِ إذَا اُسْتُحِقَّتْ (مَعْرُوفَةٌ) فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ، وَذَكَرَ فِي الْكِتَابِ وَجْهَ الْبِنَاءِ وَلَمْ يَذْكُرْ وَجْهَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ ذَلِكَ. وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْخِدْمَةَ بَدَلُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ وَهُوَ الْعِتْقُ وَلَا قِيمَةَ لِلْعِتْقِ، وَقَدْ حَصَلَ الْعَجْزُ عَنْ تَسْلِيمِ الْخِدْمَةِ بِمَوْتِهِ فَوَجَبَ تَسْلِيمُ قِيمَتِهَا. وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْخِدْمَةَ بَدَلُ مَالٍ لِأَنَّهَا بَدَلُ نَفْسِ الْعَبْدِ لَكِنْ الْبَدَلُ لَمَّا تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ وَجَبَ تَسْلِيمُ الْمُبْدَلِ وَهُوَ الْعَبْدُ، لَكِنْ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ فَوَجَبَ تَسْلِيمُ قِيمَتِهِ لِإِمْكَانِ ذَلِكَ هَذَا فِي الْمَبْنِيِّ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا مُنَاقِضٌ لِمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ مِنْ أَنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ عَلَى مَالٍ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ مِنْ وَجْهٍ لِمَا ذَكَرْنَا، وَشَابَهَ بِذَلِكَ النِّكَاحَ وَالطَّلَاقَ وَغَيْرَهُمَا حَتَّى صَحَّ بِأَيِّ مَالٍ كَانَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمُعَاوَضَةُ مَالٍ بِمَالٍ مِنْ وَجْهٍ بِالنَّظَرِ إلَى مَوْلَاهُ وَشَابَهَ بِذَلِكَ بَيْعَ عَبْدٍ بِجَارِيَةٍ، فَإِنَّهُ إذَا مَاتَ الْعَبْدُ وَوَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى الْجَارِيَةِ يَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْعَبْدِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ. وَأَمَّا الْمَبْنِيُّ عَلَيْهِ فَوَجْهُ مُحَمَّدٍ أَنَّ هَذَا بَدَلُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ وَهُوَ الْعِتْقُ، لِأَنَّ بَيْعَ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ إعْتَاقٌ وَقَدْ عَجَزَ عَنْ إيفَاءِ الْبَدَلِ، وَلَيْسَ لِلْمُبْدَلِ وَهُوَ الْعِتْقُ قِيمَةٌ فَيَجِبُ قِيمَةُ الْبَدَلِ. وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْجَارِيَةَ بَدَلُ نَفْسِ الْعَبْدِ بِالْعِتْقِ فَيَجِبُ تَسْلِيمُ

وَكَذَا بِمَوْتِ الْمَوْلَى فَصَارَ نَظِيرَهَا. (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ: أَعْتِقْ أَمَتَك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ تُزَوِّجْنِيهَا فَفَعَلَ فَأَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ فَالْعِتْقُ جَائِزٌ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْآمِرِ) ؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ أَعْتِقْ عَبْدَك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَيَّ فَفَعَلَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَيَقَعُ الْعِتْقُ عَلَى الْمَأْمُورِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ طَلِّقْ امْرَأَتَك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَيَّ فَفَعَلَ حَيْثُ يَجِبُ الْأَلْفُ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْبَدَلِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ فِي الطَّلَاقِ جَائِزٌ وَفِي الْعَتَاقِ لَا يَجُوزُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقِيمَتِهِ، كَمَا إذَا تَبَايَعَا عَبْدًا بِجَارِيَةٍ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ فَتَفَاسَخَا الْعَقْدَ عَلَى الْجَارِيَةِ يَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْعَبْدِ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا بِمَوْتِ الْمَوْلَى) يَعْنِي أَنَّ مَوْتَ الْمَوْلَى فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَمَوْتِ الْعَبْدِ فَصَارَ نَظِيرَ الْمَسْأَلَةِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِمَا سَوَاءً. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ أَعْتِقْ أَمَتَك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَيَّ) لَمْ يَذْكُرْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَلَيَّ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ عَلَيَّ عَلَى الْوُجُوبِ

وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ. (وَلَوْ قَالَ: أَعْتِقْ أَمَتَك عَنِّي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا قُسِّمَتْ الْأَلْفُ عَلَى قِيمَتِهَا وَمَهْرُ مِثْلِهَا، فَمَا أَصَابَ الْقِيمَةَ أَدَّاهُ الْآمِرُ، وَمَا أَصَابَ الْمَهْرَ بَطَلَ عَنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ عَنِّي تَضَمَّنَ الشِّرَاءُ اقْتِضَاءً عَلَى مَا عُرِفَ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَابَلَ الْأَلْفَ بِالرَّقَبَةِ شِرَاءً وَبِالْبُضْعِ نِكَاحًا فَانْقَسَمَ عَلَيْهِمَا، وَوَجَبَتْ حِصَّةُ مَا سَلَّمَ لَهُ وَهُوَ الرَّقَبَةُ وَبَطَلَ عَنْهُ مَا لَمْ يُسَلِّمْ وَهُوَ الْبُضْعُ، فَلَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ لَمْ يَذْكُرْهُ. وَجَوَابُهُ أَنَّ مَا أَصَابَ قِيمَتَهَا سَقَطَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَهِيَ لِلْمَوْلَى فِي الْوَجْهِ الثَّانِي، وَمَا أَصَابَ مَهْرَ مِثْلِهَا كَانَ مَهْرًا لَهَا فِي الْوَجْهَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَذَكَرَ فِي بَعْضِهَا لِلتَّأْكِيدِ وَالْمَسْأَلَةُ ظَاهِرَةٌ: وَقَوْلُهُ (وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ) يَعْنِي فِي الْخُلْعِ فِي مَسْأَلَةِ خُلْعِ الْأَبِ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ عَلَى وَجْهِ الْإِشَارَةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ فِي بَابِ الطَّلَاقِ كَالْمَرْأَةِ فِي عَدَمِ ثُبُوتِ شَيْءٍ لَهُمَا بِالطَّلَاقِ، إذْ الثَّابِتُ بِهِ سُقُوطُ مِلْكِ الزَّوْجِ عَنْهَا لَا غَيْرُ، فَكَمَا جَازَ الْتِزَامُ الْمَرْأَةِ بِالْمَالِ فَكَذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ، بِخِلَافِ الْعَتَاقِ فَإِنَّهُ يُثْبِتُ لِلْعَبْدِ بِالْإِعْتَاقِ قُوَّةً حُكْمِيَّةً لَمْ تَكُنْ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَكَانَ الْمَالُ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ الْأَجْنَبِيُّ كَالْعَبْدِ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ بِهِ لَهُ شَيْءٌ أَصْلًا فَكَانَ اشْتِرَاطُ الْبَدَلِ عَلَيْهِ كَاشْتِرَاطِ الثَّمَنِ عَلَى غَيْرِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَجُوزُ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ قَالَ أَعْتِقْ أَمَتَك عَنِّي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا) أَيْ قَالَ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِيهَا فَفَعَلَ فَأَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ (قَسَمَتْ الْأَلْفَ عَلَى قِيمَتِهَا وَمَهْرِ مِثْلِهَا، فَمَا أَصَابَ الْقِيمَةَ أَدَّاهُ الْآمِرُ، وَمَا أَصَابَ الْمَهْرَ بَطَلَ عَنْهُ) وَالْوَجْهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا عُرِفَ) يَعْنِي فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَفِيهِ شُبْهَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّ هَذَا الْبَيْعَ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ بَيْعٌ بِمَا يَخُصُّهَا مِنْ الْأَلْفِ لَوْ قَسَمَ عَلَيْهَا وَعَلَى مَنَافِعِ بُضْعِهَا وَهُوَ فَاسِدٌ، وَلِأَنَّهُ إدْخَالُ صَفْقَةِ النِّكَاحِ فِي صَفْقَةِ الْبَيْعِ وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ بِدُونِ الْقَبْضِ وَلَا مِلْكَ هَاهُنَا فَيَجِبُ أَنْ لَا يَقَعَ الْعِتْقُ إذْ لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ ابْنُ آدَمَ، وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الْبَيْعَ إذَا كَانَ فَاسِدًا وَيَجِبُ فِيهِ الْعِوَضُ تَجِبُ قِيمَةُ الْمَبِيعِ كَامِلَةً، وَالْقَوْلُ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الثَّمَنِ إنَّمَا هُوَ مُوجِبُ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ، كَمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَبْدٍ وَمُدَبَّرٍ وَبَيْنَ عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ فَإِنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ فِي الْعَبْدِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا سَيَأْتِي. وَأَجَابَ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ عَنْ الْأُولَى بِأَنَّ الْأَمَةَ تَنْتَفِعُ بِهَذَا الْإِعْتَاقِ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ تَصِيرُ قَابِضَةً نَفْسَهَا أَدْنَى قَبْضٍ، وَأَدْنَى الْقَبْضِ يَكْفِي فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ كَالْقَبْضِ مَعَ الشُّيُوعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، وَالْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَنْ الثَّانِيَةِ بِأَنَّ الْبَيْعَ مُنْدَرِجٌ فِي الْإِعْتَاقِ، فَأَخَذَ حُكْمَ الْإِعْتَاقِ فِي عَدَمِ الْفَسَادِ بِالشَّرْطِ فَلَمْ يَبْطُلْ الْبَيْعُ بِشَرْطِ النِّكَاحِ فَيَجِبُ الْقَوْلُ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الثَّمَنِ. وَقَوْلُهُ (فَلَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ) يَعْنِي فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ) فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ مَا أَصَابَ قِيمَتَهَا سَقَطَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَقُلْ فِيهِ عَنِّي لِعَدَمِ صِحَّةِ الضَّمَانِ وَهِيَ لِلْمَوْلَى فِي الْوَجْهِ الَّذِي قَالَ فِيهِ عَنِّي، وَمَا أَصَابَ مَهْرَ مِثْلِهَا كَانَ مَهْرًا لِلْأَمَةِ فِي الْوَجْهَيْنِ.

[باب التدبير]

(بَابُ التَّدْبِيرِ) : ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ التَّدْبِيرِ] ذِكْرُ الْإِعْتَاقِ الْوَاقِعِ بَعْدَ الْمَوْتِ عَقِيبَ الْإِعْتَاقِ الْوَاقِعِ فِي الْحَيَاةِ ظَاهِرُ الْمُنَاسَبَةِ. وَالتَّدْبِيرُ فِي اللُّغَةِ: هُوَ النَّظَرُ إلَى عَاقِبَةِ الْأَمْرِ. وَفِي الشَّرِيعَةِ هُوَ إيجَابُ الْعِتْقِ الْحَاصِلِ بَعْدَ مَوْتِ الْإِنْسَانِ بِأَلْفَاظٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ صَرِيحًا كَقَوْلِهِ دَبَّرْتُكَ أَوْ أَنْتَ مُدَبَّرٌ أَوْ دَلَالَةً كَقَوْلِهِ إذَا مِتّ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ مَعَ مَوْتِي أَوْ فِي مَوْتِي، وَكَقَوْلِهِ أَوْصَيْت لَك بِنَفْسِك

(إذَا قَالَ الْمَوْلَى لِمَمْلُوكِهِ إذْ مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ عَنْ دُبُرٍ مِنِّي أَوْ أَنْتِ مُدَبَّرٌ أَوْ قَدْ دَبَّرْتُك فَقَدْ صَارَ مُدَبَّرًا) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ صَرِيحٌ فِي التَّدْبِيرِ فَإِنَّهُ إثْبَاتُ الْعِتْقِ عَنْ دُبُرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ بِرَقَبَتِك أَوْ بِثُلُثِ مَالِي. وَحُكْمُ التَّدْبِيرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ عَنْ مِلْكِهِ إلَّا إلَى الْحُرِّيَّةِ كَمَا فِي الْكِتَابَةِ،

(ثُمَّ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ وَلَا إخْرَاجُهُ عَنْ مِلْكِهِ إلَّا إلَى الْحُرِّيَّةِ) كَمَا فِي الْكِتَابَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالشَّرْطِ فَلَا يَمْتَنِعُ بِهِ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ كَمَا فِي سَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ وَكَمَا فِي الْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ وَلِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ وَهِيَ غَيْرُ مَانِعَةٍ مِنْ ذَلِكَ. وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُدَبَّرُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ وَهُوَ حُرٌّ مِنْ الثُّلُثِ» وَلِأَنَّهُ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ تَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَا سَبَبَ غَيْرَهُ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِذَا مَاتَ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ عَتَقَ ثُلُثُهُ وَسَعَى فِي ثُلُثَيْهِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالشَّرْطِ فَلَا يَمْتَنِعُ بِهِ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ كَمَا فِي سَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ) مِنْ دُخُولِ الدَّارِ وَمَجِيءِ رَأْسِ الشَّهْرِ وَغَيْرِهِمَا (وَكَمَا فِي الْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ) فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ (وَلِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ) حَتَّى يُعْتَبَرَ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ وَالْوَصِيَّةُ لَا تَمْنَعُ الْمُوصِيَ مِنْ التَّصَرُّفِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ كَمَا أَوْصَى بِرَقَبَتِهِ لِإِنْسَانٍ (وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُدَبَّرُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ وَهُوَ حُرٌّ مِنْ الثُّلُثِ» ) رَوَاهُ نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ (وَلِأَنَّهُ) أَيْ التَّدْبِيرُ (سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ تَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ) فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ (وَلَا سَبَبَ غَيْرُهُ) ثُمَّ إمَّا أَنْ يَكُونَ سَبَبًا فِي الْحَالِ أَوْ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ حَالَ بُطْلَانِ الْأَهْلِيَّةِ فَلَا يُمْكِنُ تَأْخِيرُ السَّبَبِيَّةِ إلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ فِي الْحَالِ مَوْجُودٌ وَبَعْدَ الْمَوْتِ مَعْدُومٌ لِكَوْنِ كَلَامِهِ عَرَضًا لَا يَبْقَى فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا فِي الْحَالِ: وَاعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مُنَاقِضٌ

ثُمَّ جَعَلَهُ سَبَبًا فِي الْحَالِ أَوْلَى لِوُجُودِهِ فِي الْحَالِ وَعَدَمِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ؛ وَلِأَنَّ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ حَالُ بُطْلَانِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ فَلَا يُمْكِنُ تَأْخِيرُ السَّبَبِيَّةِ إلَى زَمَانِ بُطْلَانِ الْأَهْلِيَّةِ، بِخِلَافِ سَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ السَّبَبِيَّةِ قَائِمٌ قَبْلَ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ يَمِينٌ وَالْيَمِينُ مَانِعٌ وَالْمَنْعُ هُوَ الْمَقْصُودُ، وَأَنَّهُ يُضَادُّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَا ذُكِرَ فِي آخِرِ بَابِ الْعَبْدِ يُعْتَقُ بَعْضُهُ حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْمُدَبَّرِ يَنْعَقِدُ السَّبَبُ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَأَقُولُ قَوْلُهُ (ثُمَّ جَعْلُهُ سَبَبًا فِي الْحَالِ أَوْلَى) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَعْلَهُ سَبَبًا فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا لَيْسَ بِمُتَعَيَّنٍ، فَيُحْمَلُ مَا ذَكَرَهُ هُنَاكَ عَلَى غَيْرِ الْأَوْلَى فَيَنْدَفِعُ التَّنَاقُضُ وَيَكُونُ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى رِوَايَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا بَعْدَ الْمَوْتِ أَوْ اخْتَارَ جَوَازَهُ بِاجْتِهَادِهِ وَجَعْلُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَصْحَابُ أَوْلَى. فَإِنْ قِيلَ: فِي التَّدْبِيرِ تَعْلِيقٌ، وَلَيْسَ فِي التَّعْلِيقِ شَيْءٌ مِنْ السَّبَبِ ثَابِتًا فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَمَا بَالُ التَّدْبِيرِ خَالَفَ سَائِرَ التَّعْلِيقَاتِ وَهُوَ مُؤَدَّى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ كَمَا فِي سَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ سَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ السَّبَبِيَّةِ قَائِمٌ فِيهِ قَبْلَ الشَّرْطِ. وَاعْلَمْ أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ غُمُوضًا لَا يَنْكَشِفُ عَلَى وَجْهِ التَّحْصِيلِ إلَّا بِزِيَادَةِ بَيَانٍ فَلَا بُدَّ مِنْهَا، فَنَقُولُ: الْمَانِعُ هُوَ مَا يَنْتَفِي بِهِ الشَّيْءُ مَعَ قِيَامِ مُقْتَضِيهِ، وَكُلُّ مَا يُنَافِي اللَّازِمَ يُنَافِي الْمَلْزُومَ، وَإِذَا ظَهَرَ هَذَا قُلْنَا الْقِيَاسُ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ سَائِرُ التَّعْلِيقَاتِ أَسْبَابًا فِي الْحَالِ لَكِنْ الْمَانِعُ عَنْ السَّبَبِيَّةِ فِي الْحَالِ وَهُوَ صِفَةُ كَوْنِ تَصَرُّفِ التَّعْلِيقِ يَمِينًا قَائِمٌ لِأَنَّ الْيَمِينَ مَانِعٌ عَنْ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ اللَّازِمِ لِلْحُكْمِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْيَمِينِ هُوَ الْمَنْعُ مِنْ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ، وَمَا كَانَ مَانِعًا عَنْ تَحَقُّقِ اللَّازِمِ الَّذِي هُوَ الشَّرْطُ كَانَ مَانِعًا عَنْ تَحَقُّقِ الْمَلْزُومِ الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ وَهُوَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَإِنَّهُ يُضَادُّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَمَا كَانَ مَانِعًا لِلْحُكْمِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لَهُ فَصِفَةُ كَوْنِ تَصَرُّفِ التَّعْلِيقِ يَمِينًا تَمْنَعُ عَنْ كَوْنِهِ سَبَبًا لِلْحُكْمِ وَهُوَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ. فَإِنْ قُلْت: قَدْ يَكُونُ الْيَمِينُ يُعْقَدُ لِلْحَمْلِ كَمَا فِي قَوْلِ الرَّجُلِ إنْ لَمْ تَدْخُلْ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَقَدْ نَصَّ فِي الْكُتُبِ أَنَّ الْيَمِينَ تُعْقَدُ لِلْمَنْعِ أَوْ الْحَمْلِ فَكَيْفَ قَالَ: وَالْمَنْعُ هُوَ الْمَقْصُودُ وَإِنَّهُ يَقْتَضِي الْحَصْرَ عِنْدَ الْبُلَغَاءِ؟ قُلْت: لَا يُقْصَدُ بِالْيَمِينِ إلَّا مَنْعُ الشَّرْطِ، وَالشَّرْطُ فِيمَا ذَكَرْتُمْ هُوَ النَّفْيُ وَالْمَقْصُودُ هُوَ الْمَنْعُ مِنْهُ وَيَلْزَمُهُ الْحَمْلُ. فَإِنْ قُلْت: التَّدْبِيرُ يَمِينٌ أَوْ لَيْسَ بِيَمِينٍ، فَإِنْ كَانَ يَمِينًا وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ سَبَبًا لِقِيَامِ الْمَانِعِ عَلَى مَا قَرَّرْتُمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا لَمْ يَسْتَقِمْ قَوْلُهُ بِخِلَافِ سَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ إذْ السَّائِرُ بِمَعْنَى الْبَاقِي.

وَأَمْكَنَ تَأْخِيرُ السَّبَبِيَّةِ إلَى زَمَانِ الشَّرْطِ؛ لِقِيَامِ الْأَهْلِيَّةِ عِنْدَهُ فَافْتَرَقَا؛ وَلِأَنَّهُ وَصِيَّةُ خِلَافَةٍ فِي الْحَالِ كَالْوِرَاثَةِ وَإِبْطَالُ السَّبَبِ لَا يَجُوزُ، وَفِي الْبَيْعِ وَمَا يُضَاهِيهِ ذَلِكَ. قَالَ: (وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ وَيُؤَاجِرَهُ وَإِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقُلْت: لَيْسَ بِيَمِينٍ لِتَعَلُّقِ عِتْقِهِ بِأَمْرٍ كَائِنٍ، وَاسْتِقَامَةُ إطْلَاقِ سَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ بِطَرِيقِ الْمُشَاكَلَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ الْيَمِينُ أَخَصَّ مِنْ التَّعْلِيقِ. وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا جَاءَ غَدٌ فَإِنَّهُ تَعْلِيقٌ بِأَمْرٍ كَائِنٍ وَلَيْسَ بِسَبَبٍ فِي الْحَالِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إضَافَةٌ لَا تَعْلِيقٌ. وَقَوْلُهُ (وَأَمْكَنَ تَأْخِيرُ السَّبَبِيَّةِ إلَى زَمَانِ الشَّرْطِ) لِقِيَامِ الْأَهْلِيَّةِ فَرْقٌ آخَرُ بَيْنَ التَّدْبِيرِ وَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يُمْكِنُ فِيهِ تَأْخِيرُ السَّبَبِيَّةِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ انْتِفَاءِ أَهْلِيَّةِ الْإِيجَابِ حِينَئِذٍ. وَأَمَّا سَائِرُ التَّعْلِيقَاتِ فَتَأْخِيرُ السَّبَبِيَّةِ فِيهِ إلَى زَمَانِ الشَّرْطِ مُمْكِنٌ لِقِيَامِ الْأَهْلِيَّةِ عِنْدَهُ فَافْتَرَقَا. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ قِيَامَ الْأَهْلِيَّةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَمَنْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ جُنَّ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَالْجَوَابُ أَنَّ قِيَامَ أَهْلِيَّتِهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ إذَا لَمْ يَكُنْ التَّعْلِيقُ ابْتِدَاءً بِحَالِ بُطْلَانِ الْأَهْلِيَّةِ كَمَا ذَكَرْتُمْ فِي صُورَةِ الْمَجْنُونِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْأَهْلِيَّةَ إذْ ذَاكَ غَيْرُ شَرْطٍ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ وَالْوَصِيَّةُ خِلَافَةٌ فِي الْحَالِ) فَرْقٌ آخَرُ بَيْنَهُمَا. وَتَقْرِيرُهُ: التَّدْبِيرُ الْمُطْلَقُ وَصِيَّةٌ، وَالْوَصِيَّةُ سَبَبُ الْخِلَافَةِ فِي الْحَالِ لِأَنَّ الْمُوصِيَ يَجْعَلُ الْمُوصَى لَهُ خَلَفًا فِي بَعْضِ مَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ كَالْوِرَاثَةِ فَإِنَّهَا سَبَبُ خِلَافَةٍ فِي الْحَالِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَصِيَّةً لَبَطَلَ إذَا قَتَلَ الْمُدَبَّرُ سَيِّدَهُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ لَا تَجُوزُ وَإِنْ كَانَ الْجُرْحُ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا، وَلَجَازَ الْبَيْعُ لِأَنَّ الْمُوصِيَ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ الْمُوصَى بِهِ وَيَكُونُ رُجُوعًا عَنْ الْوَصِيَّةِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. وَالْجَوَابُ عَنْهُمَا جَمِيعًا أَنَّ ذَلِكَ فِي وَصِيَّةٍ لَمْ تَكُنْ عَلَى وَجْهِ التَّعْلِيقِ لِأَنَّهَا الْوَصِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ وَالتَّدْبِيرُ لَيْسَ كَذَلِكَ. وَوَجْهُ اخْتِصَاصِ ذَلِكَ أَنَّ بُطْلَانَ الْوَصِيَّةِ بِالْقَتْلِ وَجَوَازَ الْبَيْعِ وَكَوْنَهُ رُجُوعًا إنَّمَا يَصِحُّ فِي مُوصًى بِهِ يَقْبَلُ الْفَسْخَ وَالْبُطْلَانَ وَالتَّدْبِيرَ لِكَوْنِهِ إعْتَاقًا لَا يَقْبَلُ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَإِبْطَالُ السَّبَبِ لَا يَجُوزُ) تَتِمَّةُ الدَّلِيلِ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ وَلِأَنَّهُ سَبَبُ الْحُرِّيَّةُ وَمَا بَيْنَهُمَا لِإِثْبَاتِ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ وَتَرْكِيبِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ، هَكَذَا التَّدْبِيرُ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ، وَسَبَبُ الْحُرِّيَّةِ لَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ، وَفِي الْبَيْعِ وَمَا يُشَابِهُهُ مِنْ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِمْهَارِ ذَلِكَ أَيْ إبْطَالُ سَبَبِ الْحُرِّيَّةِ فَلَا يَجُوزُ. قَالَ (وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ وَيُؤَاجِرَهُ) التَّدْبِيرُ لَا يُثْبِتُ الْحُرِّيَّةَ فِي الْحَالِ وَإِنَّمَا

كَانَتْ أَمَةً وَطِئَهَا وَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ ثَابِتٌ لَهُ وَبِهِ تُسْتَفَادُ وِلَايَةُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُثْبِتُ اسْتِحْقَاقَ الْحُرِّيَّةِ فَكَانَ الْمِلْكُ فِيهِ ثَابِتًا، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي فَهُوَ حُرٌّ دَخَلَ فِيهِ الْمُدَبَّرُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ وَيُؤَاجِرَهُ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً وَطِئَهَا وَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا لِأَنَّ وِلَايَةَ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ بِالْمِلْكِ وَهُوَ ثَابِتٌ

(فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَ الْمُدَبَّرُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ) لِمَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ مُضَافٌ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ وَالْحُكْمُ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي الْحَالِ فَيَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ يَسْعَى فِي ثُلُثَيْهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَوْلَى دَيْنٌ يَسْعَى فِي كُلِّ قِيمَتِهِ؛ لِتَقَدُّمِ الدَّيْنِ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَلَا يُمْكِنُ نَقْضُ الْعِتْقِ فَيَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهِ. (وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ مُدَبَّرٌ) وَعَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَ الْمُدَبَّرُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ لِمَا رَوَيْنَا) يَعْنِي مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَهُوَ حُرٌّ مِنْ الثُّلُثِ» (وَلِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ لِكَوْنِهِ تَبَرُّعًا مُضَافًا إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ) وَلَا نَعْنِي بِالْوَصِيَّةِ إلَّا ذَلِكَ، وَالْحُكْمُ يَعْنِي الْعِتْقَ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ يُفِيدُ اسْتِحْقَاقَ الْحُرِّيَّةِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا، وَكُلُّ وَصِيَّةٍ تَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ يَسْعَى فِي ثُلُثَيْ رَقَبَتِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَوْلَى دَيْنٌ يَسْعَى فِي كُلِّ قِيمَتِهِ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَالْعِتْقُ لَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ قِيمَتِهِ. وَقَوْلُهُ (وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ مُدَبَّرٌ) هَذِهِ هِيَ النُّسْخَةُ

ذَلِكَ نُقِلَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّحِيحَةُ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَوَلَدُ الْمُدَبَّرِ مُدَبَّرٌ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ وَلَدَ الْمُدَبَّرِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَمَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَالْأَوَّلُ رَقِيقٌ لِمَوْلَاهَا، وَالثَّانِي يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي التَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ وَغَيْرِهِمَا دُونَ الْأَبِ. وَأَمَّا وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ فَهُوَ مُدَبَّرٌ نَقَلَ عَلَى ذَلِكَ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَخُوصِمَ إلَى عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي أَوْلَادِ مُدَبَّرَةٍ فَقَضَى بِأَنَّ مَا وَلَدَتْهُ قَبْلَ التَّدْبِيرِ عَبْدٌ يُبَاعُ، وَمَا وَلَدَتْهُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ فَهُوَ مِثْلُهَا لَا يُبَاعُ، وَكَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ خِلَافٌ

(وَإِنْ عَلَّقَ التَّدْبِيرَ بِمَوْتِهِ عَلَى صِفَةٍ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا أَوْ سَفَرِي هَذَا أَوْ مِنْ مَرَضِ كَذَا فَلَيْسَ بِمُدَبَّرٍ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ) ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لَمْ يَنْعَقِدْ فِي الْحَالِ لِتَرَدُّدٍ فِي تِلْكَ الصِّفَةِ، بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ عِتْقُهُ بِمُطْلَقِ الْمَوْتِ وَهُوَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ (فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا عَتَقَ كَمَا يُعْتَقُ الْمُدَبَّرُ) مَعْنَاهُ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ حُكْمُ التَّدْبِيرِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ؛ لِتَحَقُّقِ تِلْكَ الصِّفَةِ فِيهِ فَلِهَذَا يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (فَإِنْ عَلَّقَ التَّدْبِيرَ بِمَوْتِهِ) بَيَانٌ لِلْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ وَهُوَ أَنْ يُعَلِّقَ التَّدْبِيرَ بِمَوْتِهِ عَلَى صِفَةٍ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي أَوْ سَفَرِي أَوْ مَرَضِ كَذَا فَلَيْسَ بِمُدَبَّرٍ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَنَّ السَّبَبَ لَمْ يَنْعَقِدْ فِي الْحَالِ لِلتَّرَدُّدِ فِي تِلْكَ الصِّفَاتِ فَرُبَّمَا يَرْجِعُ مِنْ ذَلِكَ السَّفَرِ وَيَبْرَأُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ، بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ عِتْقُهُ بِمُطْلَقِ الْمَوْتِ وَهُوَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ. وَتَحْقِيقُهُ يُسْتَفَادُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِهِ إذَا كَانَ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ كَانَ بِمَعْنَى الْيَمِينِ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ صِفَةَ كَوْنِهِ يَمِينًا يَمْنَعُ عَنْ السَّبَبِيَّةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ أَمْرًا كَائِنًا لَا مَحَالَةَ لَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الْيَمِينِ فَكَانَ سَبَبًا. فَإِنْ قِيلَ: إذَا لَمْ يَنْعَقِدْ السَّبَبُ فِي الْحَالِ فَفِي أَيِّ وَقْتٍ يَنْعَقِدُ إذَا انْعَقَدَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَيْسَ بِحَالِ أَهْلِيَّةِ الْإِيجَابِ، وَإِنْ انْعَقَدَ قَبْلَهُ كَيْفَ يَجُوزُ بَيْعُهُ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا عَتَقَ كَمَا يُعْتَقُ الْمُدَبَّرُ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ حُكْمُ التَّدْبِيرِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ لِتَحَقُّقِ تِلْكَ الصِّفَةِ حِينَئِذٍ، وَإِنْ عَاشَ بَطَلَ التَّدْبِيرُ

وَمِنْ الْمُقَيَّدِ أَنْ يَقُولَ إنْ مِتُّ إلَى سَنَةٍ أَوْ عَشْرِ سِنِينَ لِمَا ذَكَرْنَا، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ وَمِثْلُهُ لَا يَعِيشُ إلَيْهِ فِي الْغَالِبِ؛ لِأَنَّهُ كَالْكَائِنِ لَا مَحَالَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمِنْ الْمُقَيَّدِ أَنْ يَقُولَ إنْ مِتّ إلَى سَنَةٍ أَوْ عَشْرَةِ سِنِينَ لِمَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي قَوْلَهُ لِلتَّرَدُّدِ فِي تِلْكَ الصِّفَاتِ (بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ، وَمِثْلُهُ لَا يَعِيشُ إلَيْهِ فِي الْغَالِبِ لِأَنَّهُ كَالْكَائِنِ لَا مَحَالَةَ) وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُنْتَقَى، وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي نَوَازِلِهِ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ إنْ مِتّ إلَى مِائَتَيْ سَنَةٍ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ: هَذَا مُدَبَّرٌ مُقَيَّدٌ، وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ مُدَبَّرٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ مِتّ فَأَنْتَ حُرٌّ، ثُمَّ لَوْ مَاتَ قَبْلَ السَّنَةِ فِي الْأَوَّلِ أَوْ قَبْلَ عَشْرِ سِنِينَ فِي الثَّانِي عَتَقَ، وَلَوْ مَاتَ بَعْدَهُمَا لَمْ يُعْتَقْ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ فِي الْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[باب الاستيلاد]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الِاسْتِيلَادِ]

(وَإِذَا وَلَدَتْ الْأَمَةُ مِنْ مَوْلَاهَا فَقَدْ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلَا تَمْلِيكُهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» أَخْبَرَ عَنْ إعْتَاقِهَا فَيَثْبُتُ بَعْضُ مَوَاجِبِهِ وَهُوَ حُرْمَةُ الْبَيْعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ التَّدْبِيرِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الِاسْتِيلَادِ عَقِيبَهُ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقَّ الْحُرِّيَّةِ لَا حَقِيقَتَهَا. وَالِاسْتِيلَادُ: طَلَبُ الْوَلَدِ، فَأُمُّ الْوَلَدِ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْغَالِبَةِ كَالصَّغِيرَةِ فِي الصِّفَاتِ الْغَالِبَةِ (إذَا وَلَدَتْ الْأَمَةُ مِنْ مَوْلَاهَا فَقَدْ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا) وَلَا هِبَتُهَا (وَلَا تَمْلِيكُهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا وَلَدَتْ مَارِيَةُ إبْرَاهِيمَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيلَ لَهُ أَلَا تُعْتِقُهَا أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» أَخْبَرَ عَنْ إعْتَاقِهَا فَيَثْبُتُ بَعْضُ مُوجَبِهِ وَهُوَ حُرْمَةُ الْبَيْعِ) لِأَنَّ الْحَدِيثَ وَإِنْ دَلَّ عَلَى تَنْجِيزِ الْحُرِّيَّةِ لَكِنْ عَارَضَهُ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا رَجُلٍ وَلَدَتْ أَمَتُهُ مِنْهُ فَهِيَ مُعْتَقَةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ» فَعَلِمْنَا بِهِمَا جَمِيعًا وَمَنَعْنَا الْبَيْعَ بِالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَالتَّنْجِيزَ بِالْحَدِيثِ الثَّانِي. وَلَا يُقَالُ مَحَلِّيَّةُ الْبَيْعِ مَعْلُومَةٌ فِيهَا بِيَقِينٍ فَلَا تَرْتَفِعُ إلَّا بِيَقِينٍ مِثْلِهِ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ لَا يُوجِبُهُ. لِأَنَّا نَقُولُ: الْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى عِتْقِهَا مِنْ الْمَشَاهِيرِ، وَقَدْ انْضَمَّ إلَيْهَا الْإِجْمَاعُ اللَّاحِقُ فَرَفَعَتْهَا.

وَلِأَنَّ الْجُزْئِيَّةَ قَدْ حَصَلَتْ بَيْنَ الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ فَإِنَّ الْمَاءَيْنِ قَدْ اخْتَلَطَا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الْمَيْزُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ، إلَّا أَنَّ بَعْدَ الِانْفِصَالِ تَبْقَى الْجُزْئِيَّةُ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً فَضَعُفَ السَّبَبُ فَأَوْجَبَ حُكْمًا مُؤَجَّلًا إلَى مَا بَعْدِ الْمَوْتِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِأَنَّ الْجُزْئِيَّةَ قَدْ حَصَلَتْ بَيْنَ الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ فَإِنَّ الْمَاءَيْنِ قَدْ اخْتَلَطَا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ) وَهِيَ تَمْنَعُ بَيْعَهَا وَهِبَتَهَا لِأَنَّ بَيْعَ جُزْءِ الْحُرِّ وَهِبَتَهُ حَرَامٌ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْجُزْئِيَّةُ مُعْتَبَرَةً لَتَنَجَّزَ الْعِتْقُ لِأَنَّ الْجُزْئِيَّةَ تُوجِبُهُ وَلَسْتُمْ بِقَائِلِينَ بِهِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (إلَّا أَنَّ بَعْدَ الِانْفِصَالِ) يَعْنِي أَنَّ الْوَلَدَ إنَّمَا يَعْلَمُ بَعْدَ الِانْفِصَالِ، وَبَعْدَ الِانْفِصَالِ (تَبْقَى الْجُزْئِيَّةُ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً فَضَعُفَ السَّبَبُ فَأَوْجَبَ حُكْمًا مُؤَجَّلًا إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ) فَتَعَاضَدَ الْمَنْقُولُ بِالْمَعْقُولِ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ الْمُؤَجَّلِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ الْعِتْقُ فَيَحْرُمُ بَيْعُهَا فِي الْحَالِ لِثُبُوتِ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ فِيهَا. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَتْ الْجُزْئِيَّةُ بَاقِيَةً حُكْمًا لَعَتَقَ مَنْ مَلَكَتْهُ امْرَأَتُهُ الَّتِي

وَبَقَاءُ الْجُزْئِيَّةِ حُكْمًا بِاعْتِبَارِ النَّسَبِ وَهُوَ مِنْ جَانِبِ الرِّجَالِ. فَكَذَا الْحُرِّيَّةُ تَثْبُتُ فِي حَقِّهِمْ لَا فِي حَقِّهِنَّ، حَتَّى إذَا مَلَكَتْ الْحُرَّةُ زَوْجَهَا وَقَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ لَمْ يُعْتَقْ الزَّوْجُ الَّذِي مَلَكَتْهُ بِمَوْتِهَا، وَبِثُبُوتِ عِتْقٍ مُؤَجَّلٍ يَثْبُتُ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ فَيُمْنَعُ جَوَازُ الْبَيْعِ وَإِخْرَاجُهَا لَا إلَى الْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ وَيُوجِبُ عِتْقَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ بَعْضُهَا مَمْلُوكًا لَهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ لَا يَتَجَزَّأُ فَإِنَّهُ فَرْعُ النَّسَبِ فَيُعْتَبَرُ بِأَصْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَدَتْ مِنْهُ بَعْدَ مَوْتِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَبَقَاءُ الْجُزْئِيَّةِ حُكْمًا) وَمَعْنَاهُ أَنَّ بَقَاءَ الْجُزْئِيَّةِ حُكْمًا عِبَارَةٌ عَنْ ثَبَاتِ النَّسَبِ، وَالْأَصْلُ فِي ثَبَاتِ النَّسَبِ هُوَ الْأَبُ لِأَنَّ الْوَلَدَ يُنْسَبُ إلَيْهِ وَالْأُمُّ أَيْضًا بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ يُقَالُ أُمُّ وَلَدِ فُلَانٍ (فَكَذَلِكَ الْحُرِّيَّةُ تَثْبُتُ فِي حَقِّهِمْ لَا فِي حَقِّهِنَّ) . وَقَوْلُهُ (وَكَذَا إذَا كَانَ بَعْضُهَا مَمْلُوكًا لَهُ) يَعْنِي لَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَاسْتَوْلَدَهَا أَحَدُهُمَا كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ لَا يَتَجَزَّأُ لِأَنَّهُ فَرْعُ مَا لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ النَّسَبُ فَيُعْتَبَرُ بِأَصْلِهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ ذَكَرَ فِي بَابِ الْعَبْدِ يُعْتَقُ بَعْضُهُ وَالِاسْتِيلَادُ مُتَجَزِّئٌ عِنْدَهُ حَتَّى لَوْ اسْتَوْلَدَ نَصِيبَهُ مِنْ مُدَبَّرَةٍ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ إلَخْ فَمَا وَجْهُ التَّوْفِيقِ بَيْنَ كَلَامَيْهِ؟ .

قَالَ: (وَلَهُ وَطْؤُهَا وَاسْتِخْدَامُهَا وَإِجَارَتُهَا وَتَزْوِيجُهَا) لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا قَائِمٌ فَأَشْبَهَتْ الْمُدَبَّرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا يَتَجَزَّأُ يَتَمَلَّكُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِالضَّمَانِ مَعَ مِلْكِ نَصِيبِهِ فَيَكْمُلُ الِاسْتِيلَادُ عَلَى مَا يَجِيءُ بَعْدَ هَذَا فِي هَذَا الْبَابِ لِأَنَّ نَصِيبَ صَاحِبِهِ قَابِلٌ لِلنَّقْلِ بِضَمَانِ الْمُسْتَوْلِدِ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ وَقَعَ فِي الْقِنَّةِ وَهِيَ قَابِلَةٌ لِلِانْتِقَالِ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ وَمَا ذَكَرَهُ هُنَاكَ مِنْ تَجَزُّؤِ الِاسْتِيلَادِ فَإِنَّمَا فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمُدَبَّرَةِ وَهِيَ غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلنَّقْلِ فَكَانَ الِاسْتِيلَادُ مُقْتَصِرًا عَلَى نَصِيبِهِ فَيَتَجَزَّأُ الِاسْتِيلَادُ ضَرُورَةً فَكَانَ دَفْعُ التَّنَاقُضِ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ وَالْمُحَالِ وَبِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا جَعَلَا الِاسْتِيلَادَ مَقِيسًا عَلَيْهِ فِي أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ فَكَانَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ. ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِأَنَّهُ مُتَجَزِّئٌ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ الْبَابِ، وَمِثْلُ هَذَا كَانَ لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ. قَالَ (وَلَهُ وَطْؤُهَا وَاسْتِخْدَامُهَا وَإِجَارَتُهَا وَتَزْوِيجُهَا) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الِاسْتِيلَادَ يُوجِبُ حَقَّ الْحُرِّيَّةِ لَا حَقِيقَتَهَا، فَكَانَ الْمِلْكُ فِيهَا قَائِمًا كَالْمُدَبَّرَةِ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا وَيَسْتَخْدِمَهَا وَيُؤَجِّرَهَا وَيُزَوِّجَهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا. فَإِنْ قِيلَ: شَغْلُ الرَّحِمِ بِمَائِهِ مُحْتَمَلٌ وَاحْتِمَالُ ذَلِكَ يَمْنَعُ جَوَازَ النِّكَاحِ كَمَا فِي الْمُعْتَدَّةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلِّيَّةَ جَوَازِ النِّكَاحِ كَانَتْ ثَابِتَةً قَبْلَ الْوَطْءِ وَقَدْ وَقَعَ الشَّكُّ فِي زَوَالِهَا فَلَا تَرْتَفِعُ بِهِ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّ الْمَنْكُوحَةَ خَرَجَتْ عَنْ مَحَلِّيَّةِ نِكَاحِ الْغَيْرِ فَلَا تَعُودُ إلَيْهَا إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ حَقِيقَةً وَذَلِكَ بَعْدَ الْعِدَّةِ.

(وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا إلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ بِهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ؛ لِأَنَّهُ لَمَا ثَبَّتَ النَّسَبُ بِالْعَقْدِ فَلَأَنْ يَثْبُتَ بِالْوَطْءِ وَأَنَّهُ أَكْثَرُ إفْضَاءً أَوْلَى. وَلَنَا أَنَّ وَطْءَ الْأَمَةِ يُقْصَدُ بِهِ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ دُونَ الْوَلَدِ؛ لِوُجُودِ الْمَانِعِ عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا) أَيْ وَلَدِ الْأَمَةِ رُجُوعٌ إلَى مَا ابْتَدَأَ بِهِ أَوَّلَ الْبَابِ بِقَوْلِهِ: إذَا وَلَدَتْ الْأَمَةُ مِنْ مَوْلَاهَا لِمَا أَنَّ وَلَدَ أُمِّ الْوَلَدِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ جَاءَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِوَلَدٍ يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِغَيْرِ إقْرَارٍ، وَحُكْمُ الْمُدَبَّرَةِ كَحُكْمِ الْأَمَةِ فِي أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهَا بِدُونِ دَعْوَةِ الْمَوْلَى. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ بِهِ) أَيْ بِالْوَلَدِ وَالِاعْتِرَافُ بِالْوَطْءِ غَيْرُ مُلْزِمٍ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ النَّسَبُ بِالْعَقْدِ) أَيْ بِالنِّكَاحِ الَّذِي هُوَ مُفْضٍ إلَى الْوَطْءِ (فَلَأَنْ يَثْبُتَ بِهِ وَهُوَ أَكْثَرُ إفْضَاءً أَوْلَى. وَلَنَا أَنَّ وَطْءَ الْأَمَةِ يُقْصَدُ بِهِ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ دُونَ الْوَلَدِ لِوُجُودِ الْمَانِعِ عَنْهُ) أَيْ عَنْ طَلَبِ الْوَلَدِ وَهُوَ سُقُوطُ التَّقَوُّمِ عِنْدَهُ وَنُقْصَانُ الْقِيمَةِ عِنْدَهُمَا أَوْ عَدَمُ نَجَابَةِ

فَلَا بُدَّ مِنْ الدَّعْوَةِ بِمَنْزِلَةِ مَالِكِ الْيَمِينِ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ، بِخِلَافِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتَعَيَّنُ مَقْصُودًا مِنْهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الدَّعْوَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْلَادِ الْإِمَاءِ عِنْدَهُمْ (فَلَا بُدَّ مِنْ الدَّعْوَةِ بِمَنْزِلَةِ الْيَمِينِ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ) فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فِيهِ بِغَيْرِ الدَّعْوَةِ (بِخِلَافِ الْعَقْدِ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتَعَيَّنُ مَقْصُودًا مِنْهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الدَّعْوَةِ) لَا يُقَالُ: النَّسَبُ بِاعْتِبَارِ الْجُزْئِيَّةِ أَوْ بِمَا وُضِعَ لَهَا وَالْقَصْدُ وَعَدَمُهُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي ذَلِكَ. لِأَنَّا نَقُولُ: لَوْ كَانَ ذَلِكَ مَدَارَهُ لَثَبَتَ مِنْ الزَّانِي وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا النَّظَرُ إلَى الْمَوْضُوعَاتِ الْأَصْلِيَّةِ وَالْعَقْدُ مَوْضُوعٌ لِذَلِكَ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الدَّعْوَةِ وَوَطْءُ الْأَمَةِ لَيْسَ بِمَوْضُوعٍ لَهَا فَيَحْتَاجُ إلَيْهَا.

(فَإِنْ) (جَاءَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِوَلَدٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ بِغَيْرِ إقْرَارِ) مَعْنَاهُ بَعْدَ اعْتِرَافٍ مِنْهُ بِالْوَلَدِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ بِدَعْوَى الْوَلَدِ الْأَوَّلِ تَعَيَّنَ الْوَلَدُ مَقْصُودًا مِنْهَا فَصَارَتْ فِرَاشًا كَالْمَعْقُودَةِ (إلَّا أَنَّهُ إذَا نَفَاهُ يَنْتَفِي بِقَوْلِهِ) ؛ لِأَنَّ فِرَاشَهَا ضَعِيفٌ حَتَّى يَمْلِكَ نَقْلَهُ بِالتَّزْوِيجِ، بِخِلَافِ الْمَنْكُوحَةِ حَيْثُ لَا يَنْتَفِي الْوَلَدُ بِنَفْيِهِ إلَّا بِاللِّعَانِ؛ لِتَأَكُّدِ الْفِرَاشِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ إبْطَالَهُ بِالتَّزْوِيجِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ جَاءَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِوَلَدٍ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ إقْرَارٍ إذَا كَانَ قَدْ اعْتَرَفَ بِالْوَلَدِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ بِدَعْوَى الْأَوَّلِ تَعَيَّنَ الْوَلَدُ مَقْصُودًا مِنْهَا فَصَارَتْ فِرَاشًا كَالْمَعْقُودَةِ إلَّا أَنَّهُ إذَا نَفَاهُ يَنْتَفِي بِقَوْلِهِ) مِنْ غَيْرِ لِعَانٍ مَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِهِ أَوْ لَمْ تَتَطَاوَلْ الْمُدَّةُ، فَأَمَّا بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي فَقَدْ أَلْزَمَهُ بِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ، وَكَذَلِكَ بَعْدَ التَّطَاوُلِ لِأَنَّهُ يُوجَدُ مِنْهُ دَلِيلُ الْإِقْرَارِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ مِنْ قَبُولِ التَّهْنِئَةِ وَنَحْوِهِ، وَذَلِكَ كَالتَّصْرِيحِ بِالْإِقْرَارِ، وَاخْتِلَافُهُمْ فِي مُدَّةِ التَّطَاوُلِ قَدْ سَبَقَ فِي اللِّعَانِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ فِرَاشَهَا ضَعِيفٌ) وَاضِحٌ.

وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ حُكْمٌ. فَأَمَّا الدَّيَّانَةُ، فَإِنْ كَانَ وَطِئَهَا وَحَصَّنَهَا وَلَمْ يَعْزِلْ عَنْهَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَعْتَرِفَ بِهِ وَيَدَّعِي؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ، وَإِنْ عَزَلَ عَنْهَا أَوْ لَمْ يُحَصِّنْهَا جَازَ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الظَّاهِرَ يُقَابِلُهُ ظَاهِرٌ آخَرُ، هَكَذَا رُوِيَ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ (وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ) أَيْ عَدَمَ ثُبُوتِ نَسَبِ وَلَدِ الْأَمَةِ بِدُونِ الدَّعْوَةِ (حُكْمُ) قَضَاءِ الْقَاضِي (فَأَمَّا الدِّيَانَةُ) يَعْنِي فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَالِاعْتِرَافُ بِهِ وَالدَّعْوَى إنْ وَطِئَهَا وَحَصَّنَهَا وَلَمْ يَعْزِلْ عَنْهَا، وَالْمُرَادُ بِالتَّحْصِينِ هُوَ أَنْ يَحْفَظَهَا عَمَّا يُوجِبُ رِيبَةَ الزِّنَا. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ هَذَا الظَّاهِرَ) وَهُوَ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ عِنْدَ التَّحْصِينِ وَعَدَمِ الْعَزْلِ (يُقَابِلُهُ) أَيْ يُعَارِضُهُ (ظَاهِرٌ آخَرُ) وَهُوَ الْعَزْلُ أَوْ تَرْكُ التَّحْصِينِ.

أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ أُخْرَيَانِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ذَكَرْنَاهُمَا فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى. (فَإِنْ زَوَّجَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَهُوَ فِي حُكْمِ أُمِّهِ) ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحُرِّيَّةِ يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ كَالتَّدْبِيرِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ وَلَدَ الْحُرَّةِ حُرٌّ وَوَلَدَ الْقِنَّةِ رَقِيقٌ وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ مِنْ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا إذْ الْفَاسِدُ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ، وَلَوْ ادَّعَاهُ الْمَوْلَى لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَفِيهِ رِوَايَتَانِ أُخْرَيَانِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَخْرَوَانِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ. وَقَوْلُهُ (عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ) قِيلَ فَائِدَةُ تَكْرَارِ " عَنْ " دَفْعُ وَهْمِ مَنْ يَتَوَهَّمُ أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا بِاتِّفَاقِهِمَا فَإِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رِوَايَةٌ تُخَالِفُ رِوَايَةَ الْآخَرِ، فَأَمَّا رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ فَهِيَ أَنَّهُ إذَا وَطِئَهَا وَلَمْ يَسْتَبْرِئْهَا بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَدَّعِيَهُ سَوَاءٌ عَزَلَ عَنْهَا أَوْ لَمْ يَعْزِلْ، حَصَّنَهَا أَوْ لَمْ يُحْصِنْهَا تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِهَا وَحَمْلًا لِأَمْرِهَا عَلَى الصَّلَاحِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ خِلَافُهُ، وَأَمَّا رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ فَهِيَ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مِنْهُ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعْتِقَ الْوَلَدَ وَيَسْتَمْتِعَ بِهَا وَيُعْتِقَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَنَّ اسْتِلْحَاقَ نَسَبٍ لَيْسَ مِنْهُ لَا يَحِلُّ شَرْعًا فَيُحْتَاطُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَذَلِكَ فِي أَنْ لَا يَدَّعِيَ النَّسَبَ، وَلَكِنْ يُعْتَقُ الْوَلَدُ وَيُعْتِقُهَا بَعْدَ مَوْتِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ. وَمَا ذَكَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ الْأَصْلُ لِأَنَّهُ إذَا وَطِئَهَا وَلَمْ يَعْزِلْ وَحَصَّنَهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَدَّعِيَ، وَإِنْ لَمْ يُحْصِنْ أَوْ عَزَلَ فَقَدْ وَقَعَ الِاحْتِمَالُ فَلَا يَلْزَمُهُ الِاعْتِرَافُ بِالشَّكِّ. (فَإِنْ زَوَّجَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَهُوَ فِي حُكْمِ أُمِّهِ) لِأَنَّ الْأَوْصَافَ الْقَارَّةَ فِي الْأُمَّهَاتِ تَسْرِي إلَى الْأَوْلَادِ وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ مِنْ الزَّوْجِ لِأَنَّ الْفِرَاشَ لَهُ بِالنِّكَاحِ وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا بَعْدَمَا اتَّصَلَ بِهِ الدُّخُولُ لِأَنَّ الْفَاسِدَ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ، وَمِنْ الْأَحْكَامِ ثُبُوتُ النَّسَبِ وَعَدَمُ جَوَازِ الْبَيْعِ وَالْوَصِيَّةِ، وَإِذَا كَانَ الْفَاسِدُ مِنْهُ مُلْحَقًا بِالصَّحِيحِ كَانَ أَقْوَى مِنْ فِرَاشِ أُمِّ الْوَلَدِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ ادَّعَاهُ الْمَوْلَى) مَعْنَاهُ إذَا زَوَّجَ الْمَوْلَى أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ فَادَّعَاهُ الْمَوْلَى لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ لِأَنَّهُ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ، وَيُعْتَقُ الْوَلَدُ وَتَصِيرُ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِإِقْرَارِهِ، وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا كَلَامَهُ بِذَلِكَ لِيَسْتَقِيمَ قَوْلُهُ وَتَصِيرُ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِأَنَّ أُمُومِيَّةَ أُمِّ الْوَلَدِ ثَابِتَةٌ قَبْلَ هَذِهِ الدَّعْوَةِ فَلَا يَسْتَقِيمُ حِينَئِذٍ قَوْلُهُ وَتَصِيرُ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، هَكَذَا نُقِلَ عَنْ فَوَائِدِ مَوْلَانَا حُمَيْدِ الدِّينِ الضَّرِيرِ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا تَصِيرَ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ لِمَوْلَاهُ لِأَنَّ أُمِّيَّةَ الْوَلَدِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ بِدَعْوَةِ الْوَلَدِ، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْأَصْلُ مِنْهُ كَيْفَ يَثْبُتُ الْفَرْعُ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ مُجَرَّدَ الْإِقْرَارِ بِالِاسْتِيلَادِ كَافٍ لِثُبُوتِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْإِقْرَارُ فِي ضِمْنِ شَيْءٍ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ الشَّيْءُ لِمُصَادَفَةِ إقْرَارِ الْمَوْلَى فِي مَحَلِّهِ وَهُوَ الْمِلْكُ، وَهَذَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْ الْمَوْلَى بِعُلُوقٍ سَبَقَ النِّكَاحَ أَوْ بِشُبْهَةٍ بَعْدَ النِّكَاحِ، إلَّا أَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي حَقِّ النَّسَبِ لِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْ الزَّوْجِ وَاسْتِغْنَائِهِ عَنْ النَّسَبِ فَبَقِيَ

وَيُعْتَقُ الْوَلَدُ وَتَصِيرُ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِإِقْرَارِهِ. (وَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَتْ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ) لِحَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِعِتْقِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَأَنْ لَا يُبَعْنَ فِي دَيْنٍ وَلَا يُجْعَلْنَ مِنْ الثُّلُثِ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQمُعْتَبَرًا فِي حَقِّ الْأُمِّ لِاحْتِيَاجِهَا إلَى أَنْ تَصِيرَ أُمَّ وَلَدٍ. قَالَ (وَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَتْ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ) سَوَاءٌ كَانَ زَوْجُهَا أَوْ لَا لِمَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِعِتْقِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَأَنْ لَا يُبَعْنَ فِي دَيْنٍ وَلَا يُجْعَلْنَ مِنْ الثُّلُثِ» وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَمَرَ حَكَمَ لَا الْأَمْرُ الْمُصْطَلَحُ فَإِنَّهُنَّ يُعْتَقْنَ بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنَّمَا نَكَّرَ الدَّيْنَ نَفْيًا لِلسِّعَايَةِ لِلْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ وَلَا يُجْعَلُ مِنْ الثُّلُثِ تَأْكِيدٌ لِأَنَّهُ فُهِمَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ وَأَنْ لَا يُبَعْنَ

وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْوَلَدِ أَصْلِيَّةٌ فَتُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الْوَرَثَةِ وَالدَّيْنِ كَالتَّكْفِينِ، بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِمَا هُوَ مِنْ زَوَائِدِ الْحَوَائِجِ (وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا فِي دَيْنِ الْمَوْلَى لِلْغُرَمَاءِ) لَمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ حَتَّى لَا تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ الْغُرَمَاءِ كَالْقِصَاصِ، بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي دَيْنٍ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْوَلَدِ أَصْلِيَّةٌ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَحْتَاجُ إلَى إبْقَاءِ نَسْلِهِ كَمَا أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إبْقَاءِ نَفْسِهِ، وَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ يُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الْوَرَثَةِ وَالْغُرَمَاءِ كَالتَّجْهِيزِ وَالتَّكْفِينِ (بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِمَا هُوَ مِنْ زَوَائِدِ الْحَوَائِجِ) . وَقَوْلُهُ (وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ (فِي دَيْنِ الْمَوْلَى لِلْغُرَمَاءِ لِمَا بَيَّنَّا) أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْوَلَدِ أَصْلِيَّةٌ إلَخْ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لِمَا رَوَيْنَا يَعْنِي مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ " وَلَا يُبَعْنَ " دَلَّ عَلَى انْتِفَاءِ الْمَالِيَّةِ، وَإِذَا عُدِمَتْ مَالِيَّتُهَا لَمْ يَبْقَ عَلَيْهَا سِعَايَةٌ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهَا) يَعْنِي أُمَّ الْوَلَدِ (لَيْسَتْ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ) حَتَّى لَوْ غَصَبَهَا رَجُلٌ وَمَاتَتْ عِنْدَهُ لَا يَضْمَنُهَا الْغَاصِبُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ مَالِيَّتَهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ (فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ الْغُرَمَاءِ كَالْقِصَاصِ) فَإِنَّ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ إذَا مَاتَ وَهُوَ مَدْيُونٌ لَيْسَ لِأَرْبَابِ الدُّيُونِ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصَ بِدَيْنِهِمْ وَيَسْتَوْفُوا مِنْهُ دُيُونَهُمْ بِمُقَابَلَةِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ مِنْ مَدْيُونِهِمْ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ حَتَّى يَأْخُذُوا مِنْهُ بِمُقَابَلَتِهِ شَيْئًا مُتَقَوِّمًا، وَكَذَا إذَا قَتَلَ الْمَدْيُونُ شَخْصًا لَا يَقْدِرُ الْغُرَمَاءُ عَلَى مَنْعِ وَلِيِّ الْقِصَاصِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ، وَكَذَا إذَا قَتَلَ رَجُلٌ مَدْيُونًا وَالْمَدْيُونُ قَدْ عَفَا لَا يَقْدِرُ الْغُرَمَاءُ عَلَى مَنْعِ الْمَدْيُونِ عَنْ

(وَإِذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ فَعَلَيْهَا أَنْ تَسْعَى فِي قِيمَتِهَا) وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ لَا تُعْتَقُ حَتَّى تُؤَدِّيَ السِّعَايَةَ. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تُعْتَقُ فِي الْحَالِ وَالسِّعَايَةُ دَيْنٌ عَلَيْهَا، وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا عُرِضَ عَلَى الْمَوْلَى الْإِسْلَامُ فَأَبَى، فَإِنْ أَسْلَمَ تَبْقَى عَلَى حَالِهَا. لَهُ أَنَّ إزَالَةَ الذُّلِّ عَنْهَا بَعْدَمَا أَسْلَمَتْ وَاجِبَةٌ وَذَلِكَ بِالْبَيْعِ أَوْ الْإِعْتَاقِ وَقَدْ تَعَذَّرَ الْبَيْعُ فَتَعَيَّنَ الْإِعْتَاقُ. وَلَنَا أَنَّ النَّظَرَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي جَعْلِهَا مُكَاتَبَةً؛ لِأَنَّهُ يَنْدَفِعُ الذُّلُّ عَنْهَا بِصَيْرُورَتِهَا حُرَّةً يَدًا وَالضَّرَرُ عَنْ الذِّمِّيِّ لِانْبِعَاثِهَا عَلَى الْكَسْبِ نَيْلًا لِشَرَفِ الْحُرِّيَّةِ فَيَصِلُ الذِّمِّيُّ إلَى بَدَلِ مِلْكِهِ، أَمَّا لَوْ أُعْتِقَتْ وَهِيَ مُفْلِسَةٌ تَتَوَانَى فِي الْكَسْبِ وَمَالِيَّةُ أُمُّ الْوَلَدِ يَعْتَقِدُهَا الذِّمِّيُّ مُتَقَوِّمَةً فَيُتْرَكُ وَمَا يَعْتَقِدُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَفْوِ. (وَإِذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ فَعَلَيْهَا أَنْ تَسْعَى فِي قِيمَتِهَا) وَهِيَ ثُلُثُ قِيمَتِهَا قِنَّةً عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَاسْتَشْكَلَ الْقَوْلَ بِالسِّعَايَةِ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ أَنَّ مَالِيَّةَ أُمِّ الْوَلَدِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَهُ، فَإِنَّ الْقَوْلَ بِالسِّعَايَةِ قَوْلٌ بِالتَّقَوُّمِ إذْ السِّعَايَةُ بَدَلُ مَا ذَهَبَ مِنْ مَالِيَّتِهَا. قَوْلُهُ (وَمَالِيَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ يَعْتَقِدُهَا الذِّمِّيُّ مُتَقَوِّمَةً فَيُتْرَكُ وَمَا يَعْتَقِدُهُ) جَوَابٌ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ.

وَلِأَنَّهَا إنْ لَمْ تَكُنْ مُتَقَوِّمَةً فَهِيَ مُحْتَرَمَةٌ، وَهَذَا يَكْفِي لِوُجُوبِ الضَّمَانِ كَمَا فِي الْقِصَاصِ الْمُشْتَرَكِ إذَا عَفَا أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ يَجِبُ الْمَالُ لِلْبَاقِينَ. (وَلَوْ مَاتَ مَوْلَاهَا عَتَقَتْ بِلَا سِعَايَةٍ) ؛ لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لَهُ، وَلَوْ عَجَزَتْ فِي حَيَاتِهِ لَا تُرَدُّ قِنَّةً؛ لِأَنَّهَا لَوْ رُدَّتْ قِنَّةً أُعِيدَتْ مُكَاتَبَةً لِقِيَامِ الْمُوجِبِ (وَمَنْ اسْتَوْلَدَ أَمَةَ غَيْرِهِ بِنِكَاحٍ ثُمَّ مَلَكهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهَا) يَعْنِي مَالِيَّةَ أُمِّ الْوَلَدِ (إنْ لَمْ تَكُنْ مُتَقَوِّمَةً فَهِيَ مُحْتَرَمَةٌ وَهَذَا) أَيْ كَوْنُهَا مُحْتَرَمَةً (يَكْفِي لِوُجُوبِ الضَّمَانِ) جَوَابٌ آخَرُ لِذَلِكَ الْإِشْكَالِ. وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الِاحْتِرَامَ لَوْ كَانَ كَافِيًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ لَوَجَبَ عَلَى غَاصِبِ أُمِّ الْوَلَدِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَبْنَى الضَّمَانِ فِي الْغَصْبِ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ، وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ مَالِيَّتِهَا لِانْتِفَاءِ تَقَوُّمِهَا وَبَيْنَ مَا يَضْمَنُ بِهِ مِنْ الْمَالِ الْمُتَقَوِّمِ، وَهَذَا عَلَى طَرِيقَةِ تَخْصِيصِ الْعِلَلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي مِثْلِهِ. وَقَوْلُهُ (كَمَا فِي الْقِصَاصِ الْمُشْتَرَكِ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْقِصَاصُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ جَمَاعَةٍ وَعَفَا أَحَدُهُمْ يَجِبُ الْمَالُ لِلْبَاقِينَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْقِصَاصُ مَالًا مُتَقَوِّمًا لَكِنَّهُ حَقٌّ مُحْتَرَمٌ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ لِاحْتِبَاسِ نَصِيبِ الْآخَرِينَ عِنْدَهُ بِعَفْوِ أَحَدِهِمْ. (وَلَوْ مَاتَ مَوْلَاهَا) وَهُوَ النَّصْرَانِيُّ (عَتَقَتْ بِلَا سِعَايَةٍ لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ وَلَوْ عَجَزَتْ فِي حَيَاتِهِ لَا تُرَدُّ قِنَّةً، لِأَنَّهَا لَوْ رُدَّتْ قِنَّةً أُعِيدَتْ مُكَاتَبَةً لِقِيَامِ الْمُوجِبِ) وَهُوَ إسْلَامُهَا مَعَ كُفْرِ مَوْلَاهَا.

وَلَوْ اسْتَوْلَدَهَا بِمِلْكِ يَمِينٍ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ ثُمَّ مَلَكَهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ عِنْدَنَا، وَلَهُ فِيهِ قَوْلَانِ وَهُوَ وَلَدُ الْمَغْرُورِ. لَهُ أَنَّهَا عَلِقَتْ بِرَقِيقٍ فَلَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ كَمَا إذَا عَلِقْت مِنْ الزِّنَا ثُمَّ مَلَكَهَا الزَّانِي، وَهَذَا؛ لِأَنَّ أُمُومِيَّةَ الْوَلَدِ بِاعْتِبَارِ عُلُوقِ الْوَلَدِ حُرًّا؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ الْأُمِّ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَالْجُزْءُ لَا يُخَالِفُ الْكُلَّ. وَلَنَا أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْجُزْئِيَّةُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ، وَالْجُزْئِيَّةُ إنَّمَا تَثْبُتُ بَيْنَهُمَا بِنِسْبَةِ الْوَلَدِ الْوَاحِدِ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمُلَا وَقَدْ ثَبَتَ النَّسَبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلَوْ اسْتَوْلَدَهَا) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ ظَاهِرَةٌ. وَتَقْرِيرُ وَجْهِ الشَّافِعِيِّ هَذِهِ عَلِقَتْ بِرَقِيقٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ: وَمَنْ عَلِقَتْ بِرَقِيقٍ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِمَنْ عَلِقَتْ مِنْهُ، لِأَنَّ أُمُومِيَّةَ الْوَلَدِ بِاعْتِبَارِ عُلُوقِ الْوَلَدِ حُرًّا لِأَنَّهُ جُزْءُ الْأُمِّ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ: أَيْ فِي حَالَةِ الْعُلُوقِ وَالْجُزْءُ لَا يُخَالِفُ الْكُلَّ. وَفِي صُورَةِ النِّزَاعِ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْأُمَّ رَقِيقَةٌ لِمَوْلَاهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ: أَيْ فِي حَالَةِ الْعُلُوقِ، فَلَوْ انْعَلَقَ الْوَلَدُ حُرًّا كَانَ الْجُزْءُ مُخَالِفًا لِلْكُلِّ. وَقَوْلُهُ (كَمَا إذَا عَلِقَتْ مِنْ الزِّنَا ثُمَّ مَلَكَهَا الزَّانِي) أَنَّهَا لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لِكَوْنِ الْعُلُوقِ لَيْسَ مِنْ مَوْلَاهَا، قِيلَ فِي كَلَامِهِ تَسَامُحٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ الِاسْتِيلَادِ كَوْنُ الْعُلُوقِ مِنْ مَوْلَاهَا وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ إذَا عَلِقَتْ مِنْ الزِّنَا. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا لِأَنَّ أُمُومِيَّةَ الْوَلَدِ بِاعْتِبَارِ عُلُوقِ الْوَلَدِ حُرًّا) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْعِلَّةُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ وَذَلِكَ مُغَايِرٌ لِلْأَوَّلِ، وَهَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّ الْعِلَّةَ هُوَ عُلُوقُ الْوَلَدِ حُرًّا عِنْدَهُ لَيْسَ إلَّا، وَفِي صُورَةِ الزِّنَا إنَّمَا لَمْ تَثْبُتْ أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ لِأَنَّ الْوَلَدَ انْعَلَقَ رَقِيقًا لِأَنَّ الْمَزْنِيَّ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مِلْكُ مَوْلَاهَا (وَلَنَا أَنَّ سَبَبَ الِاسْتِيلَادِ هُوَ الْجُزْئِيَّةُ الْحَاصِلَةُ بَيْنَ الْوَالِدَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ) أَوَّلَ الْبَابِ حَيْثُ قَالَ وَلِأَنَّ الْجُزْئِيَّةَ قَدْ حَصَلَتْ بَيْنَ الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ، وَالْجُزْئِيَّةُ إنَّمَا تَثْبُتُ بَيْنَهُمَا بِنِسْبَةِ الْوَلَدِ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَلًا، وَقَدْ

فَتَثْبُتُ الْجُزْئِيَّةُ بِهَذِهِ الْوَاسِطَةِ، بِخِلَافِ الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ لَا نَسَبَ فِيهِ لِلْوَلَدِ إلَى الزَّانِي، وَإِنَّمَا يُعْتَقُ عَلَى الزَّانِي إذَا مَلَكَهُ؛ لِأَنَّهُ جُزْؤُهُ حَقِيقَةً بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ. نَظِيرُهُ مَنْ اشْتَرَى أَخَاهُ مِنْ الزِّنَا لَا يُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ يُنْسَبُ إلَيْهِ بِوَاسِطَةِ نِسْبَتِهِ إلَى الْوَالِدِ وَهِيَ غَيْرُ ثَابِتَةٍ. (وَإِذَا وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQثَبَتَ النَّسَبُ بِالنِّكَاحِ فَثَبَتَتْ الْجُزْئِيَّةُ بِهَذِهِ الْوَاسِطَةِ، وَإِذَا ثَبَتَتْ الْجُزْئِيَّةُ ثَبَتَتْ أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الزِّنَا) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ كَمَا إذَا عَلِقَتْ بِالزِّنَا لِأَنَّهُ لَا نَسَبَ فِيهِ: أَيْ فِي الزِّنَا (لِلْوَلَدِ إلَى الزَّانِي) فَلَا تَثْبُتُ الْجُزْئِيَّةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْبَابِ وَهُوَ الْجُزْئِيَّةُ الْحُكْمِيَّةُ فَلَا تَثْبُتُ أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ. فَإِنْ قِيلَ: لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْ الزَّانِي فَعَلَامَ يُعْتَقُ عَلَيْهِ الْوَلَدُ مِنْ الزِّنَا إذَا مَلَكَهُ؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَإِنَّمَا يُعْتَقُ عَلَى الزَّانِي إذَا مَلَكَهُ لِأَنَّهُ جُزْؤُهُ حَقِيقَةً بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ) ، بِخِلَافِ أُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ فَإِنَّهَا تَثْبُتُ بِوَاسِطَةِ نِسْبَةِ الْوَلَدِ وَالنِّسْبَةُ عَنْ الزَّانِي مُنْقَطِعَةٌ فَكَانَ أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ مِنْ الزِّنَا (نَظِيرُ مَنْ اشْتَرَى أَخَاهُ مِنْ الزِّنَا لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ) أَيْ الْأَخُ (يُنْسَبُ إلَيْهِ بِوَاسِطَةِ نِسْبَتِهِ إلَى الْوَالِدِ وَهِيَ غَيْرُ ثَابِتَةٍ) وَالْمُرَادُ بِالْأَخِ الْأَخُ لِأَبٍ، وَأَمَّا الْأَخُ لِأُمٍّ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ إذَا مَلَكَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ الزِّنَا لِأَنَّ النِّسْبَةَ بَيْنَهُمَا ثَابِتَةٌ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ) ظَاهِرٌ.

وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ عُقْرُهَا وَلَا قِيمَةُ وَلَدِهَا) وَقَدْ ذَكَرْنَا الْمَسْأَلَةَ بِدَلَائِلِهَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، وَإِنَّمَا لَا يَضْمَنُ قِيمَةَ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ انْعَلَقَ حُرَّ الْأَصْلِ لِاسْتِنَادِ الْمِلْكِ إلَى مَا قَبْلَ الِاسْتِيلَادِ. (وَإِنْ وَطِئَ أَبُو الْأَبِ مَعَ بَقَاءِ الْأَبِ لَمْ يَثْبُتُ النَّسَبُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْجَدِّ حَالَ قِيَامِ الْأَبِ (وَلَوْ كَانَ الْأَبُ مَيِّتًا ثَبَتَ مِنْ الْجَدِّ كَمَا يَثْبُتُ مِنْ الْأَبِ) ؛ لِظُهُورِ وِلَايَتِهِ عِنْدَ فَقْدِ الْأَبِ، وَكُفْرُ الْأَبِ وَرِقُهُ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ قَاطِعٌ لِلْوِلَايَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(وَإِذَا كَانَتْ الْجَارِيَةُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا ثَبَتَ نَسُبُّهُ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ النَّسَبُ فِي نِصْفِهِ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ ثَبَتَ فِي الْبَاقِي ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ؛ لِمَا أَنَّ سَبَبَهُ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ الْعُلُوقُ إذْ الْوَلَدُ الْوَاحِدُ لَا يَنْعَلِقُ مِنْ مَاءَيْنِ. (وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا (وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصِيرُ نَصِيبُهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ثُمَّ يَتَمَلَّكُ نَصِيبَ صَاحِبَهُ إذْ هُوَ قَابِلٌ لِلْمِلْكِ وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا) ؛ لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ لَمَّا اسْتَكْمَلَ الِاسْتِيلَادَ وَيَضْمَنُ نِصْفَ عُقْرِهَا؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً، إذْ الْمِلْكُ يَثْبُتُ حُكْمًا لِلِاسْتِيلَادِ فَيَتَعَقَّبُهُ الْمِلْكُ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ بِخِلَافِ الْأَبِ إذَا اسْتَوْلَدَ جَارِيَةَ ابْنِهِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ هُنَالِكَ يَثْبُتُ شَرْطًا لِلِاسْتِيلَادِ فَيَتَقَدَّمُهُ فَصَارَ وَاطِئًا مِلْكَ نَفْسِهِ (وَلَا يَغْرَمُ قِيمَةَ وَلَدِهَا) ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَتْ الْجَارِيَةُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ مَرَّ ذِكْرُهَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ حَيْثُ قَالَ: وَكَذَا إذَا كَانَ بَعْضُهَا مَمْلُوكًا، وَلَكِنْ كَانَ ذِكْرُهَا هُنَاكَ مِنْ حَيْثُ إنَّ الِاسْتِيلَادَ يُخْرِجُ الْأَمَةَ إلَى حَقِّ الْحُرِّيَّةِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَإِلَى حَقِيقَتِهَا بَعْدَهُ، وَذِكْرُهَا هُنَا بِاعْتِبَارِ ثُبُوتِ النَّسَبِ وَبَيَانُ مَا أُرِيدَ بِعَدَمِ تَجَزِّي الِاسْتِيلَادِ الْمَذْكُورِ هُنَاكَ وَتَمَلُّكِ نَصِيبِ صَاحِبِهِ وَضَمَانِ نِصْفِ الْعُقْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرَهُ فَلَا يُعَدُّ تَكْرَارًا وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ خَلَا مَا نُنَبِّهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا) لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ فِي نِصْفِهِ إلَخْ) يَرِدُ عَلَيْهِ الْقَلْبُ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: لِمَا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْهُ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَ غَيْرِهِ لَا يَثْبُتُ فِي الْبَاقِي ضَرُورَةً أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ. وَيُجَابُ عَنْهُ بِتَغْلِيبِ جَانِبِ الْمُثْبِتِ لِلنَّسَبِ احْتِيَاطًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَيَجِبُ الْعُقْرُ، فَكَذَلِكَ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ بِالدَّعْوَةِ. وَقَوْلُهُ (فَيَتَعَقَّبُهُ الْمِلْكُ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هَذَا عَلَى اخْتِيَارِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَأَمَّا الْأَصَحُّ مِنْ الْمَذْهَبِ فَالْحُكْمُ مَعَ عِلَّتِهِ يَفْتَرِقَانِ لِمَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ. وَأَقُولُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِالتَّعَقُّبِ التَّعَقُّبَ الذَّاتِيَّ دُونَ الزَّمَانِيِّ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ وَارِدًا عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْأَبِ إذَا اسْتَوْلَدَ جَارِيَةَ ابْنِهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ هُنَاكَ يَثْبُتُ شَرْطًا لِلِاسْتِيلَادِ فَيَتَقَدَّمُهُ) وَهَذِهِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الشَّرِيكِ وَالْوَالِدِ مِنْ حَيْثُ إنَّ مِلْكَ الشَّرِيكِ فِي النِّصْفِ قَائِمٌ وَقْتَ الْعُلُوقِ، وَذَلِكَ يَكْفِي فِي الِاسْتِيلَادِ فَيَجْعَلُ تَمَلُّكَ نَصِيبِ صَاحِبِهِ حُكْمًا لِلِاسْتِيلَادِ فَيَكُونُ الْوَطْءُ وَاقِعًا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ وَذَلِكَ يُوجِبُ الْحَدَّ لَكِنَّهُ سَقَطَ بِشُبْهَةِ

فَلَمْ يَتَعَلَّقْ شَيْءٌ مِنْهُ عَلَى مِلْكِ الشَّرِيكِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّرِيكِ فَيَجِبُ الْعُقْرُ، وَأَمَّا الْأَبُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِلْكٌ فِي الْجَارِيَةِ وَقَدْ اسْتَوْلَدَهَا فَيَجْعَلُ مِلْكَهُ فِيهَا شَرْطًا لِلِاسْتِيلَادِ فِي مِلْكِهِ حَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الصَّلَاحِ فَيَكُونُ الْوَطْءُ فِي مِلْكِهِ وَالْوَطْءُ فِيهِ لَا يُوجِبُ الْعُقْرَ. وَالْمُرَادُ بِالْعُقْرِ مَهْرُ الْمِثْلِ فَيَكُونُ الشَّرِيكُ ضَامِنًا لِنِصْفِ مَهْرِ مِثْلِهَا، هَكَذَا فِي مَبْسُوطِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ. وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَالْمُحِيطِ: الْعُقْرُ قَدْرُ مَا تُسْتَأْجَرُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ لَوْ كَانَ الِاسْتِئْجَارُ لِلزِّنَا حَلَالًا. وَقَوْلُهُ (فَلَمْ يَنْعَلِقْ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى مِلْكِ الشَّرِيكِ) لِأَنَّهُ كَمَا عَلِقَ انْعَلَقَ حُرُّ الْأَصْلِ لِأَنَّ نِصْفَهُ انْعَلَقَ عَلَى مِلْكِهِ وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ ثُبُوتُ الرِّقِّ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَرْجِيحِ مُثْبَتِ النَّسَبِ.

(وَإِنْ ادَّعَيَاهُ مَعًا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُمَا) مَعْنَاهُ إذَا حَمَلَتْ عَلَى مِلْكِهِمَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُرْجَعُ إلَى قَوْلِ الْقَافَةِ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ النَّسَبِ مِنْ شَخْصَيْنِ مَعَ عِلْمِنَا أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَتَخَلَّقُ مِنْ مَاءَيْنِ مُتَعَذِّرٌ فَعَمِلْنَا بِالشَّبَهِ، وَقَدْ سُرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِ الْقَائِفِ فِي أُسَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ ادَّعَيَاهُ مَعًا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُمَا) قَالَ الْمُصَنِّفُ (مَعْنَاهُ إذَا حَمَلَتْ عَلَى مِلْكِهِمَا) وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْحَمْلُ عَلَى مِلْكِ أَحَدِهِمَا نِكَاحًا ثُمَّ اشْتَرَاهَا هُوَ وَآخَرُ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ لِأَنَّ نَصِيبَهُ مِنْهَا صَارَ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَالِاسْتِيلَادُ لَا يَتَجَزَّأُ فَيَثْبُتُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ أَيْضًا (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَرْجِعُ إلَى قَوْلِ الْقَافَةِ) وَهِيَ جَمْعُ الْقَائِفِ كَالْبَاعَةِ فِي جَمْعِ الْبَائِعِ، وَهُوَ الَّذِي يَتْبَعُ آثَارَ الْآبَاءِ فِي الْأَبْنَاءِ، مِنْ قَافَ أَثَرَهُ: إذَا اتَّبَعَهُ، وَالْقِيَافَةُ فِي بَنِي مُدْلِجٍ مِنْهُمْ الْمُجَزِّزُ (لِأَنَّ إثْبَاتَ النَّسَبِ مِنْ شَخْصَيْنِ مَعَ عِلْمِنَا أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَتَخَلَّقُ مِنْ مَاءَيْنِ) أَيْ مِنْ مَاءِ فَحْلَيْنِ (مُتَعَذَّرٌ، فَعَمِلْنَا بِالشَّبَهِ وَقَدْ سُرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِ الْقَائِفِ فِي أُسَامَةَ) رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ وَأَسَارِيرُ وَجْهِهِ تَبْرُقُ مِنْ السُّرُورِ فَقَالَ: أَمَا عَلِمْت أَنَّ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِيَّ مَرَّ بِأُسَامَةَ وَزَيْدٍ وَهُمَا تَحْتَ قَطِيفَةٍ قَدْ غَطَّيَا وُجُوهَهُمَا وَأَرْجُلُهُمَا بَادِيَةٌ فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ» وَلَوْ كَانَ الْحُكْمُ بِالشَّبَهِ بَاطِلًا لَمَا جَازَ إظْهَارُ السُّرُورِ وَلَوَجَبَ عَلَيْهِ الرَّدُّ وَالْإِنْكَارُ

وَلَنَا كِتَابُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلَى شُرَيْحٍ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ: لَبَّسَا فَلُبِّسَ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ بَيَّنَا لَبُيِّنَ لَهُمَا، هُوَ ابْنُهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَنَا كِتَابُ عُمَرَ إلَى شُرَيْحٍ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ: لَبَّسَا فَلُبِّسَ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ بَيَّنَا لَبُيِّنَا لَهُمَا، هُوَ ابْنُهُمَا

يَرِثُهُمَا وَيَرِثَانِهِ وَهُوَ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ، وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِثْلُ ذَلِكَ. وَلِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَسْتَوِيَانِ فِيهِ، وَالنَّسَبُ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَجَزَّأُ وَلَكِنْ تَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ مُتَجَزِّئَةٌ، فَمَا يَقْبَلُ التَّجْزِئَةَ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِمَا عَلَى التَّجْزِئَةِ، وَمَا لَا يَقْبَلُهَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمُلَا كَأَنْ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَرِثَانِهِ وَيَرِثُهُمَا، وَهُوَ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا) أَيْ الْوَلَدُ يَكُونُ لِلْأَبِ الْبَاقِي مِنْ الْأَبَوَيْنِ اللَّذَيْنِ كَانَا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا حَتَّى يَكُونَ كُلُّ الْمِيرَاثِ لِلْأَبِ الْحَيِّ دُونَ أَنْ يَكُونَ نِصْفُهُ لِوَرَثَةِ الْأَبِ الْمَيِّتِ. وَقَوْلُهُ (وَكَانَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ) يَرُومُ بِهِ إبْرَازُهُ فِي مُبْرَزِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ) يَعْنِي الْمِلْكَ، وَقِيلَ: الدَّعْوَةُ. وَقَوْلُهُ (أَحْكَامٌ مُتَجَزِّئَةٌ) يُرِيدُ بِهَا مِثْلَ النَّفَقَةِ وَوِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ وَالْحَضَانَةَ وَالْمِيرَاثَ، فَمَا يَقْبَلُ التَّجْزِئَةَ كَالْمِيرَاثِ يَثْبُتُ عَلَى التَّجْزِئَةِ فِي حَقِّهِمَا، وَمَا لَا يَقْبَلُهَا كَثُبُوتِ النَّسَبِ وَوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ يَثْبُتُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَلًا كَأَنْ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ.

إلَّا إذَا كَانَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَبًا لِلْآخِرِ، أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَالْآخَرُ ذِمِّيًّا لِوُجُودِ الْمُرَجِّحِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ وَفِي حَقِّ الْأَبِ وَهُوَ مَا لَهُ مِنْ الْحَقِّ فِي نَصِيبِ الِابْنِ، وَسُرُورُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا رُوِيَ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا يَطْعَنُونَ فِي نَسَبِ أُسَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَكَانَ قَوْلُ الْقَائِفِ مُقْطِعًا لِطَعْنِهِمْ فَسُرَّ بِهِ (وَكَانَتْ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا) ؛ لِصِحَّةِ دَعْوَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِهِ فِي الْوَلَدِ فَيَصِيرُ نَصِيبُهُ مِنْهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ تَبَعًا لِوَالِدِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (إلَّا إذَا كَانَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَمَا لَا يَقْبَلُهَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَلًا. وَقَوْلُهُ (وَسُرُورُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَقَدْ سُرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا ادَّعَى الْوَلَدَ أَكْثَرُ مِنْ اثْنَيْنِ، فَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَنَفَاهُ أَبُو يُوسُفَ، وَجَوَّزَهُ مُحَمَّدٌ إلَى الثَّلَاثَةِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَثْبُتُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِقَضِيَّةِ عُمَرَ فَلَا يَتَعَدَّاهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: الثَّلَاثَةُ قَرِيبَةٌ مِنْ اثْنَيْنِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: سَبَبُ الْجَوَازِ الْمِلْكُ وَالدَّعْوَةُ وَقَدْ وُجِدَا. وَقَوْلُهُ (فَيَصِيرُ نَصِيبُهُ مِنْهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ تَبَعًا لِوَلَدِهَا) يَعْنِي تَخْدُمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَوْمًا كَمَا كَانَتْ تَفْعَلُهُ قَبْلَ هَذَا لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِلِاسْتِيلَادِ فِي إبْطَالِ مِلْكِ الْخِدْمَةِ، وَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا عَتَقَتْ وَلَا ضَمَانَ لِلشَّرِيكِ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ بِالِاتِّفَاقِ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْهُمَا بِعِتْقِهِمَا عِنْدَ الْمَوْتِ، وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَتَسْعَى

(وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْعُقْرِ قِصَاصًا بِمَا لَهُ عَلَى الْآخَرِ، وَيَرِثُ الِابْنُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِيرَاثَ ابْنٍ كَامِلٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِمِيرَاثِهِ كُلِّهِ وَهُوَ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ (وَيَرِثَانِ مِنْهُ مِيرَاثَ أَبٍ وَاحِدٍ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي النَّسَبِ كَمَا إذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ. (وَإِذَا وَطِئَ الْمَوْلَى جَارِيَةَ مُكَاتَبِهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُكَاتَبُ ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ تَصْدِيقُهُ اعْتِبَارًا بِالْأَبِ يَدَّعِي وَلَدَ جَارِيَةِ ابْنِهِ. وَوَجْهُ الظَّاهِرِ وَهُوَ الْفَرْقُ أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي أَكْسَابِ مُكَاتَبِهِ حَتَّى لَا يَتَمَلَّكَهُ وَالْأَبُ يَمْلِكُ تَمَلُّكَهُ فَلَا مُعْتَبَرَ بِتَصْدِيقِ الِابْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي نِصْفِ قِيمَتِهَا لِلشَّرِيكِ الْحَيِّ عِنْدَهُمَا، وَلَوْ أَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا فِي حَالِ حَيَاتِهِ عَتَقَتْ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُعْتِقِ لِشَرِيكِهِ وَلَا سِعَايَةَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْمُعْتِقُ نِصْفَ قِيمَتِهَا أُمَّ وَلَدٍ لِشَرِيكِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَتَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا إنْ كَانَ مُعْسِرًا (وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْعُقْرِ قِصَاصًا بِمَا لَهُ عَلَى الْآخَرِ) بِفَتْحِ اللَّامِ: أَيْ بِاَلَّذِي لَهُ. وَقَوْلُهُ (كَمَا إذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ) يَعْنِي إذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى شَيْءٍ يَكُونُ ذَلِكَ الشَّيْءُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ فَكَذَلِكَ هُنَا. وَإِذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى ابْنٍ مَجْهُولِ النَّسَبِ كَانَ الْحُكْمُ هَكَذَا فَكَذَا هَاهُنَا. وَمَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ مُكَاتَبِهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ فَإِمَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُكَاتَبُ أَوْ لَا، فَإِنْ صَدَّقَهُ ثَبَتَ النَّسَبُ وَلَا تَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمَوْلَى، وَإِنْ كَذَّبَهُ فَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ أَيْضًا (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ تَصْدِيقُهُ بَلْ يَثْبُتُ) نَسَبُهُ مِنْهُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَةِ الْمَوْلَى النَّسَبَ كَمَا فِي الْأَبِ. وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ جَارِيَةَ الْمُكَاتَبِ كَسْبُ كَسْبِ الْمَوْلَى، وَجَارِيَةَ الِابْنِ كَسْبُ كَسْبُ الْأَبِ (وَوَجْهُ الظَّاهِرِ وَهُوَ الْفَرْقُ) بَيْنَ اسْتِيلَادِ جَارِيَةِ الِابْنِ حَيْثُ يَثْبُتُ فِيهِ النَّسَبُ بِغَيْرِ تَصْدِيقٍ وَجَارِيَةِ الْمُكَاتَبِ حَيْثُ يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّصْدِيقُ أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي أَكْسَابِ مُكَاتَبِهِ بِحَجْرِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ كَسْبَ الْمُكَاتَبِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَالدَّعْوَةُ

قَالَ: (وَعَلَيْهِ عُقْرُهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَقَدَّمُهُ الْمِلْكُ؛ لِأَنَّ مَا لَهُ مِنْ الْحَقِّ كَافٍ لِصِحَّةِ الِاسْتِيلَادِ لَمَا نَذْكُرُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَصَرُّفٌ فَلَا يَمْلِكُهَا الْمَوْلَى إلَّا بِتَصْدِيقِهِ، وَالْأَبُ يَمْلِكُ تَمَلُّكَ مَالِ ابْنِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْجُرْ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِتَصْدِيقِهِ، وَإِنَّمَا لَا تَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدِهِ إذَا صَدَّقَهُ الْمُكَاتَبُ لِأَنَّ حَقَّ الْمِلْكِ ثَابِتٌ لَهُ فِي كَسْبِهِ، وَذَلِكَ كَافٍ لِإِثْبَاتِ نَسَبِ الْوَلَدِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ بِعَجْزِهِ يَنْقَلِبُ حَقِيقَةَ مِلْكٍ فَلَا حَاجَةَ بِهِ إلَى التَّمَلُّكِ، وَلَيْسَ لِلْأَبِ فِي مَالِ الْوَلَدِ مِلْكٌ وَلَا حَقُّ مِلْكٍ، وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ النَّسَبِ مِنْهُ إلَّا بِاعْتِبَارِ تَمَلُّكِ الْجَارِيَةِ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ سَابِقًا وَوَقَعَ الْوَطْءُ فِي مِلْكِهِ وَوَلَدَتْ مِنْهُ فَكَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ. وَقَوْلُهُ (وَعَلَيْهِ عُقْرُهَا) أَيْ عَلَى الْمَوْلَى عُقْرُ جَارِيَةِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَتَقَدَّمُ الْوَطْءَ لِأَنَّ مَا لَهُ مِنْ حَقِّ الْمِلْكِ كَافٍ لِصِحَّةِ الِاسْتِيلَادِ فَكَانَ الْوَطْءُ وَاقِعًا فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ الْحَدَّ أَوْ الْعُقْرَ وَقَدْ سَقَطَ الْأَوَّلُ بِالشُّبْهَةِ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي. وَقَوْلُهُ (لِمَا نَذْكُرُهُ) أَيْ نَذْكُرُ الْحَقَّ الَّذِي لِلْمَوْلَى عَلَى الْمُكَاتَبِ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ، قِيلَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ قَالَ مَا لَهُ مِنْ الْحَقِّ كَافٍ لِصِحَّةِ الِاسْتِيلَادِ، وَالْمَفْهُومُ مِنْهُ ثُبُوتُ اسْتِيلَادِ جَارِيَةِ الْمُكَاتَبِ وَالْمَنْصُوصُ فِي الْكُتُبِ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الِاسْتِيلَادَ لَا يَثْبُتُ وَهُوَ نَفْسُهُ يُصَرِّحُ بِهَذَا بَعْدَ خَطَّيْنِ بِقَوْلِهِ وَلَا تَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ: أَيْ لِلْمَوْلَى، فَإِذَا لَمْ تَصِرْ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَمِنْ أَيْنَ يَصِحُّ الِاسْتِيلَادُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ دَلَالَةَ لَفْظِ الِاسْتِيلَادِ عَلَى طَلَبِ نَسَبِ الْوَلَدِ أَقْوَى مِنْ دَلَالَتِهِ عَلَى كَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ فَكَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لِصِحَّةِ الِاسْتِيلَادِ لِصِحَّةِ نَسَبِ الْوَلَدِ

قَالَ: (وَقِيمَةُ وَلَدِهَا) ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَغْرُورِ حَيْثُ إنَّهُ اعْتَمَدَ دَلِيلًا وَهُوَ أَنَّهُ كَسْبُ كَسْبِهِ فَلَمْ يَرْضَ بِرِقِّهِ فَيَكُونُ حُرًّا بِالْقِيمَةِ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْهُ (وَلَا تَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهَا حَقِيقَةً كَمَا فِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ (وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمَكَاتِبُ فِي النَّسَبِ لَمْ يَثْبُتْ) ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِهِ (فَلَوْ مَلَكَهُ يَوْمًا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ) ؛ لِقِيَامِ الْمُوجِبِ وَزَوَالِ حَقِّ الْمُكَاتَبِ إذْ هُوَ الْمَانِعُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِدَلَالَةِ مَا بَعْدَهُ فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ أَجَلُّ قَدْرًا مِنْ أَنْ يَقَعَ بَيْنَ كَلَامَيْهِ فِي سَطْرَيْنِ تَنَاقُضٌ. وَقَوْلُهُ (وَقِيمَةُ وَلَدِهَا) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ عُقْرُهَا. وَقَوْلُهُ (وَهُوَ أَنَّهُ) قِيلَ أَيْ الْوَلَدُ: يَعْنِي أَنَّ الْوَلَدَ حَصَلَ لَهُ (مِنْ كَسْبِ كَسْبِهِ) فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ كَسْبُهُ، وَجَارِيَةَ الْمُكَاتَبِ كَسْبُ كَسْبِهِ، وَفِيهِ نَوْعُ تَكَلُّفٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَنَّهُ: أَيْ الْجَارِيَةُ كَسْبُ كَسْبِهِ، وَذَكَرَ الضَّمِيرَ نَظَرًا إلَى الْخَبَرِ وَهُوَ كَسْبُ الضَّمِيرِ فِي رِقِّهِ يَعُودُ إلَى الْوَلَدِ. قِيلَ فِي قَوْلِهِ كَمَا فِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ نَظَرٌ، وَحَقُّ الْكَلَامِ كَمَا فِي الْمَغْرُورِ بِدُونِ ذِكْرِ الْوَلَدِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْجَارِيَةَ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمَوْلَى لِعَدَمِ الْمِلْكِ فِيهَا حَقِيقَةً كَمَا أَنَّ الْجَارِيَةَ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدِ الْمَغْرُورِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ فِيهَا. وَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ كَمَا فِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَيَكُونُ حُرًّا بِالْقِيمَةِ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْهُ وَحِينَئِذٍ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْوَلَدِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ وَلَا تَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهَا حَقِيقَةً، فَتَقْدِيرُهُ كَمَا فِي أُمِّ وَلَدِ الْمَغْرُورِ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ كَذَّبَهُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُكَاتَبُ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ مَلَكَهُ) يَعْنِي وَلَدَ الْجَارِيَةِ الَّذِي ادَّعَاهُ وَكَذَّبَهُ الْمُكَاتَبُ (يَوْمًا) مِنْ الدَّهْرِ (ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ لِقِيَامِ الْمُوجِبِ) وَهُوَ الْإِقْرَارُ بِالِاسْتِيلَادِ (وَزَوَالُ الْمَانِعِ) وَهُوَ حَقُّ الْمُكَاتَبِ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَإِذَا مَلَكَ الْمَوْلَى.

[كتاب الأيمان]

كِتَابُ الْأَيْمَانِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجَارِيَةَ: أَيْ فِي صُورَةِ التَّصْدِيقِ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ ثَابِتُ النَّسَبِ، وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمُكَاتَبُ ثُمَّ مَلَكَهُ يَوْمًا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ لِأَنَّ حَقَّ الْمِلْكِ لَهُ فِي الْمَحَلِّ كَانَ مُثْبِتًا لِلنَّسَبِ مِنْهُ عِنْدَ صِحَّةِ الدَّعْوَةِ: إلَّا أَنَّ بِمُعَارَضَةِ الْمُكَاتَبِ إيَّاهُ بِالتَّكْذِيبِ امْتَنَعَ صِحَّةُ دَعْوَتِهِ، وَقَدْ زَالَتْ هَذِهِ الْمُعَارَضَةُ حِينَ مَلَكَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَآبُ. [كِتَابُ الْأَيْمَانِ] الْمُنَاسَبَاتُ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا بَيْنَ الْكُتُبِ إلَى هَاهُنَا اقْتَضَتْ التَّرْتِيبَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَذَكَرَ الْأَيْمَانَ عَقِيبَ الْعَتَاقِ

قَالَ: (الْأَيْمَانُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ) الْيَمِينُ الْغَمُوسُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمُنَاسَبَتِهَا لَهُ فِي عَدَمِ تَأْثِيرِ الْهَزْلِ وَالْإِكْرَاهِ فِيهِمَا. وَالْيَمِينُ فِي اللُّغَةِ الْقُوَّةُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى " {لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} [الحاقة: 45] " وَفِي الشَّرِيعَةِ: عَقْدٌ قَوِيَ بِهِ عَزْمُ الْحَالِفِ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ. وَشَرْطُهَا كَوْنُ الْحَالِفِ مُكَلَّفًا. وَسَبَبُهَا إرَادَةُ تَحْقِيقِ مَا قَصَدَهُ. وَرُكْنُهَا اللَّفْظُ الَّذِي يَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ. وَحُكْمُهُ الْبَرُّ فِيمَا يَجِبُ فِيهِ الْبَرُّ وَالْكَفَّارَةُ عِنْدَ فَوَاتِهِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِيمَا يَجِبُ الْبَرُّ فِيهِ لِأَنَّ مِنْ الْأَيْمَانِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْحِنْثُ عَلَى مَا سَيَأْتِي (وَالْأَيْمَانُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ) لِأَنَّ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ إمَّا أَنْ

وَيَمِينٌ مُنْعَقِدَةٌ، وَيَمِينُ لَغْوٍ. (فَالْغَمُوسُ هُوَ الْحَلِفُ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ فِيهِ، فَهَذِهِ الْيَمِينُ يَأْثَمُ فِيهَا صَاحِبُهَا) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ كَاذِبًا أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ» (وَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا إلَّا التَّوْبَةَ وَالِاسْتِغْفَارَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ: فِيهَا الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِرَفْعِ ذَنْبٍ هَتَكَ حُرْمَةَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ تَحَقَّقَ بِالِاسْتِشْهَادِ بِاَللَّهِ كَاذِبًا فَأَشْبَهَ الْمَعْقُودَةَ. وَلَنَا أَنَّهَا كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونَ فِيهَا مُؤَاخَذَةٌ أَوْ لَا؛ فَإِنْ كَانَتْ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ دُنْيَوِيَّةً فَهِيَ الْمُنْعَقِدَةُ، أَوْ أُخْرَوِيَّةً فَهِيَ الْغَمُوسُ؛ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَهِيَ اللَّغْوُ (فَالْغَمُوسُ هِيَ الْحَلِفُ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ فِيهِ) وَذِكْرُ الْمُضِيِّ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ هُوَ بِنَاءٌ عَلَى الْغَالِبِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ إنَّهُ لَزَيْدٌ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِزَيْدٍ كَانَ غَمُوسًا (فَهَذِهِ الْيَمِينُ يَأْثَمُ فِيهَا صَاحِبُهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ كَاذِبًا أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ» ) وَلَوْلَا الْإِثْمُ لَمَا كَانَ كَذَلِكَ، وَاسْمُهُ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَاهُ لِأَنَّهُ مَا سُمِّيَ غَمُوسًا إلَّا لِأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي الْإِثْمِ ثُمَّ فِي النَّارِ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: الْيَمِينُ الْغَمُوسُ لَيْسَتْ بِيَمِينٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ، لِأَنَّ الْيَمِينَ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ وَهَذِهِ كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ، وَالْكَبِيرَةُ ضِدُّ الْمَشْرُوعِ، وَلَكِنْ سَمَّاهُ يَمِينًا مَجَازًا لِأَنَّ ارْتِكَابَ هَذِهِ الْكَبِيرَةِ بِاسْتِعْمَالِ صُورَةِ الْيَمِينِ كَمَا سَمَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْعَ الْحُرِّ بَيْعًا مَجَازًا لِأَنَّ ارْتِكَابَ تِلْكَ الْكَبِيرَةِ بِاسْتِعْمَالِ صُورَةِ الْبَيْعِ وَالتَّعْرِيفُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ (وَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا، لَكِنْ فِيهَا التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِيهَا الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ شُرِعَتْ لِرَفْعِ ذَنْبِ هَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ تَحَقَّقَ) ذَلِكَ الذَّنْبُ (بِالِاسْتِشْهَادِ بِاَللَّهِ كَاذِبًا) فَلَا بُدَّ مِنْ رَفْعِهِ وَذَلِكَ بِالْكَفَّارَةِ كَمَا فِي الْمَعْقُودَةِ (وَلَنَا أَنَّهَا) أَيْ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ (كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " خَمْسٌ مِنْ الْكَبَائِرِ لَا كَفَّارَةَ فِيهِنَّ وَذَكَرَ مِنْهَا الْغَمُوسَ، وَكُلُّ مَا هُوَ كَبِيرَةٌ

وَالْكَفَّارَةُ عِبَادَةٌ تَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّةُ فَلَا تُنَاطُ بِهَا، بِخِلَافِ الْمَعْقُودَةِ لِأَنَّهَا مُبَاحَةٌ، وَلَوْ كَانَ فِيهَا ذَنْبٌ فَهُوَ مُتَأَخِّرٌ مُتَعَلِّقٌ بِاخْتِيَارٍ مُبْتَدَإٍ، وَمَا فِي الْغَمُوسِ مُلَازِمٌ فَيَمْتَنِعُ الْإِلْحَاقُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَحْضَةٌ لَا تُنَاطُ بِهَا الْعِبَادَةُ لِمَا أَنَّ أَسْبَابَ الْعِبَادَاتِ لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ أُمُورًا مُبَاحَةً كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ (وَالْكَفَّارَةُ عِبَادَةٌ حَتَّى تَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّةُ فَلَا تُنَاطُ الْغَمُوسُ بِهَا، بِخِلَافِ الْمَعْقُودَةِ لِأَنَّهَا مُبَاحَةٌ) فَجَازَ أَنْ تُنَاطَ بِهَا الْعِبَادَةُ. وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلِ لَوْ كَانَ مَا ذَكَرْتُمْ صَحِيحًا لَمَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْمُظَاهِرِ لِكَوْنِ الظِّهَارِ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا وَهَذَا نَقْضٌ إجْمَالِيٌّ. الثَّانِي لَمَّا وَجَبَتْ بِالْأَدْنَى وَجَبَتْ بِالْأَعْلَى بِطَرِيقِ الْأَوْلَى الثَّالِثِ الْكَبِيرَةُ سَيِّئَةٌ وَالْعِبَادَةُ حَسَنَةٌ وَاتِّبَاعُهَا إيَّاهَا مُبَاحٌ لَهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا» وَهَاتَانِ مُعَارَضَتَانِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَمْ تَجِبْ بِالظِّهَارِ بَلْ بِالْعَوْدِ الَّذِي هُوَ الْعَزْمُ عَلَى الْوَطْءِ وَهُوَ مُبَاحٌ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ رَفْعِ الْأَضْعَفِ بِشَيْءٍ رَفْعُ الْأَقْوَى بِهِ وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّ الْحَسَنَةَ تَمْحُو السَّيِّئَةَ الْمُقَابِلَةَ لَهَا، وَمُقَابَلَةُ هَذِهِ الْحَسَنَةِ لِهَذِهِ السَّيِّئَةِ مَمْنُوعَةٌ بَلْ الْمَظْنُونُ خِلَافُ الْمُقَابَلَةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " خَمْسٌ مِنْ الْكَبَائِرِ لَا كَفَّارَةَ فِيهِنَّ " الْحَدِيثَ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ كَانَ فِيهَا ذَنْبٌ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْمُبَاحُ هُوَ مَا لَا يَكُونُ فِيهِ ذَنْبٌ وَالْمُنْعَقِدَةُ فِيهَا ذَنْبٌ فَلَا تَكُونُ مُبَاحَةً فَلَا تُنَاطُ بِهَا الْعِبَادَةُ كَمَا ذَكَرْتُمْ. وَتَقْرِيرُهُ: لَوْ كَانَ فِي الْمُنْعَقِدَةِ ذَنْبٌ لَهَتَكَ حُرْمَةَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ وَقْتِ الِانْعِقَادِ بِاخْتِيَارٍ مُبْتَدَإٍ لَمْ يَدْخُلْ فِي السَّيِّئَةِ وَيَرْفَعُهَا عِنْدَ الطَّرَيَانِ، بِخِلَافِ الْغَمُوسِ فَإِنَّ الذَّنْبَ فِيهَا لَازِمٌ لَا يُفَارِقُهُ لَا ابْتِدَاءً وَلَا انْتِهَاءً (فَيَمْتَنِعُ الْإِلْحَاقُ) أَيْ إلْحَاقُ الْغَمُوسِ بِالْمُنْعَقِدَةِ. وَفِي هَذَا الْجَوَابِ

(وَالْمُنْعَقِدَةُ مَا يَحْلِفُ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَنْ يَفْعَلَهُ أَوْ لَا يَفْعَلَهُ وَإِذَا حَنِثَ فِي ذَلِكَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: 89] وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQتَلْوِيحٌ إلَى الْجَوَابِ عَنْ قَوْلِهِ فَأَشْبَهَ الْمَعْقُودَةَ. (وَالْمُنْعَقِدَةُ مَا يَحْلِفُ عَلَى أَمْرِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ) وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ.

(وَالْيَمِينُ اللَّغْوُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ كَمَا قَالَ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ فَهَذِهِ الْيَمِينُ نَرْجُو أَنْ لَا يُؤَاخِذَ اللَّهُ بِهِ صَاحِبَهَا) وَمِنْ اللَّغْوِ أَنْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ إنَّهُ لَزَيْدٌ وَهُوَ يَظُنُّهُ زَيْدًا وَإِنَّمَا هُوَ عَمْرٌو، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ} [المائدة: 89] الْآيَةَ، إلَّا أَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالرَّجَاءِ لِلِاخْتِلَافِ فِي تَفْسِيرِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالرَّجَاءِ) إشَارَةٌ إلَى مَا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا مَعْنَى تَعْلِيقِ مُحَمَّدٍ نَفْيَ الْمُؤَاخَذَةِ فِي هَذَا النَّوْعِ بِالرَّجَاءِ بِقَوْلِهِ نَرْجُو أَنْ لَا يُؤَاخِذَ اللَّهُ بِهَا صَاحِبَهَا وَعَدَمُ الْمُؤَاخَذَةِ فِي الْيَمِينِ اللَّغْوِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ وَمَا عُرِفَ بِالنَّصِّ فَهُوَ مَقْطُوعٌ بِهِ؟ قُلْنَا نَعَمْ، وَلَكِنْ صُورَةُ تِلْكَ الْيَمِينِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا، وَإِنَّمَا عَلَّقَ بِالرَّجَاءِ نَفْيَ الْمُؤَاخَذَةِ فِي اللَّغْوِ بِالصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا، وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ بِالنَّصِّ، وَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ تَفْسِيرِ اللَّغْوِ مَرْوِيٌّ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَبِي أَوْفَى، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ فِي كَلَامِهِ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَإِنَّ عِنْدَهُ اللَّغْوَ مَا يَجْرِي عَلَى اللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَاضِي أَوْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَرَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ فِي تَفْسِيرِ اللَّغْوِ: لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ. وَتَأْوِيلُهُ عِنْدَنَا فِيمَا يَكُونُ خَبَرًا عَنْ الْمَاضِي، فَإِنَّ اللَّغْوَ مَا يَكُونُ خَالِيًا عَنْ الْفَائِدَةِ وَالْخَبَرُ فِي الْمَاضِي خَالٍ عَنْ فَائِدَةِ الْيَمِينِ لِأَنَّ فَائِدَتَهَا الْمَنْعُ أَوْ الْحَمْلُ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمَاضِي فَكَانَ لَغْوًا، أَمَّا فِي الْخَبَرِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَعَدَمُ الْقَصْدِ لَا يَعْدَمُ فَائِدَةَ الْيَمِينِ، وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِأَنَّ الْهَزْلَ وَالْجِدَّ فِي الْيَمِينِ سَوَاءٌ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ فِي حَصْرِ الْأَيْمَانِ عَلَى الثَّلَاثَةِ عَلَى التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ نَظَرٌ، لِأَنَّ قَوْلَ الرَّجُلِ وَاَللَّهِ إنِّي لَقَائِمٌ الْآنَ فِي حَالِ قِيَامِهِ مَثَلًا يَمِينٌ، وَلَيْسَ مِنْ الضُّرُوبِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ عَلَى التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَلْتَزِمَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ عَلَى هَذَا الِاصْطِلَاحِ لِمَا مَرَّ مِنْ تَعْرِيفِهَا، وَإِنَّمَا

قَالَ: (وَالْقَاصِدُ فِي الْيَمِينِ وَالْمُكْرَهِ وَالنَّاسِي سَوَاءٌ) حَتَّى تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْيَمِينُ» ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا قَسَمٌ وَهُوَ جُمْلَةٌ إنْشَائِيَّةٌ أُكِّدَتْ بِهَا جُمْلَةٌ أُخْرَى. (وَالْقَاصِدُ فِي الْيَمِينِ وَالْمُكْرَهُ وَالنَّاسِي) وَهُوَ أَنْ يَذْهَلَ عَنْ التَّلَفُّظِ بِالْيَمِينِ ثُمَّ يَتَذَكَّرَ أَنَّهُ تَلَفَّظَ بِالْيَمِينِ نَاسِيًا. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ ذِكْرُ الْخَاطِئِ مَكَانَ النَّاسِي، وَهُوَ أَنْ يُرِيدَ أَنْ يُسَبِّحَ مَثَلًا فَيَجْرِيَ عَلَى لِسَانِهِ الْيَمِينُ (سَوَاءٌ حَتَّى تَجِبَ الْكَفَّارَةُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْيَمِينُ» ) فَإِنْ قُلْت: الْيَمِينُ عَقْدٌ يَقْوَى بِهَا عَزْمُ الْحَالِفِ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ فَهُوَ مِنْ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ فَكَيْفَ يَكُونُ النَّاسِي فِيهِ كَالْقَاصِدِ؟ قُلْت: ذَلِكَ هُوَ الْقِيَاسُ وَقَدْ تُرِكَ بِالنَّصِّ. لَا يُقَالُ: النَّصُّ مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» الْحَدِيثَ لِأَنَّهُ مُجْمَلٌ وَنَصُّ الْيَمِينِ مُفَسِّرٌ.

وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُخَالِفُنَا فِي ذَلِكَ، وَسَنُبَيِّنُ فِي الْإِكْرَاهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَنْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا فَهُوَ سَوَاءٌ) ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْحَقِيقِيَّ لَا يَنْعَدِمُ بِالْإِكْرَاهِ وَهُوَ الشَّرْطُ، وَكَذَا إذَا فَعَلَهُ وَهُوَ مَغْمِيٌّ عَلَيْهِ أَوْ مَجْنُونٌ لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ حَقِيقَةً، وَلَوْ كَانَتْ الْحِكْمَةُ رَفْعَ الذَّنْبِ فَالْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِهِ وَهُوَ الْحِنْثُ لَا عَلَى حَقِيقَةِ الذَّنْبِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِي ذَلِكَ) يَعْنِي فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْمُكْرَهِ وَالنَّاسِي (وَسَنُبَيِّنُ فِي الْإِكْرَاهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) . (وَمَنْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا فَهُوَ سَوَاءٌ) أَيْ فَهُوَ وَمَنْ فَعَلَهُ مُخْتَارًا سَوَاءٌ. تَرَكَهُ لِدَلَالَةِ فَحْوَى الْكَلَامِ عَلَيْهِ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ وُجُودُ الْفِعْلِ حَقِيقَةً وَقَدْ وُجِدَ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَدِمُ بِالْإِكْرَاهِ، (وَكَذَا إذَا فَعَلَهُ وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مَجْنُونٌ لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ حَقِيقَةً) وَهُوَ وُجُودُ الْفِعْلِ الْحِسِّيِّ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ كَانَتْ الْحِكْمَةُ رَفْعَ الذَّنْبِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْحِكْمَةُ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ رَفْعُ الذَّنْبِ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَجْنُونُ لَا ذَنْبَ لَهُمَا لِعَدَمِ فَهْمِ الْخِطَابِ فَكَيْفَ تَجِبُ عَلَيْهِمَا الْكَفَّارَةُ. وَتَقْرِيرُهُ: الْحُكْمُ وَهُوَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ دَائِرٌ مَعَ دَلِيلِ الذَّنْبِ وَهُوَ الْحِنْثُ لَا مَعَ حَقِيقَةِ الذَّنْبِ، كَوُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ دَائِرٌ مَعَ دَلِيلِ شَغْلِ الرَّحِمِ وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ لَا مَعَ حَقِيقَةِ الشَّغْلِ حَتَّى أَنَّهُ يَجِبُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الشَّغْلُ أَصْلًا بِأَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِكْرًا أَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ امْرَأَةٍ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إقَامَةُ الدَّلِيلِ مَقَامَ الْمَدْلُولِ لِدَوَرَانِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ الْمَدْلُولُ أَمْرًا خَفِيًّا فِي الْأَصْلِ فَيَدُورُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُتَصَوَّرْ

[باب ما يكون يمينا وما لا يكون يمينا]

(بَابُ مَا يَكُونُ يَمِينًا وَمَا لَا يَكُونُ يَمِينًا) قَالَ: (وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِاسْمٍ آخَرَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى كَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ الَّتِي يُحْلَفُ بِهَا عُرْفًا كَعِزَّةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ) لِأَنَّ الْحَلِفَ بِهَا مُتَعَارَفٌ، وَمَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ الْقُوَّةُ حَاصِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ تَعْظِيمَ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ فَصَلُحَ ذِكْرُهُ حَامِلًا وَمَانِعًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَدْلُولُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَمَا ذَكَرْت مِنْ شَغْلِ الرَّحِمِ، وَالْمَدْلُولُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَهُوَ الذَّنْبُ عِنْدَ الْحِنْثِ مُحَقَّقٌ ظَاهِرٌ فَلَا يَصِحُّ إقَامَةُ الدَّلِيلِ مَقَامَ الْمَدْلُولِ. [بَابُ مَا يَكُونُ يَمِينًا وَمَا لَا يَكُونُ يَمِينًا] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ ضُرُوبِ الْأَيْمَانِ بَيَّنَ مَا يَكُونُ يَمِينًا مِنْ الْأَلْفَاظِ وَمَا لَا يَكُونُ يَمِينًا (وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ) أَيْ بِهَذَا الِاسْمِ (أَوْ بِاسْمٍ آخَرَ مِنْ أَسْمَائِهِ كَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ الَّتِي يُحْلَفُ بِهَا عُرْفًا كَعِزَّةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ) وَالْمُرَادُ بِالِاسْمِ هَاهُنَا لَفْظٌ دَالٌّ عَلَى الذَّاتِ الْمَوْصُوفَةِ بِصِفَةٍ كَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ وَبِالصِّفَةِ الْمَصَادِرُ الَّتِي تَحْصُلُ عَنْ وَصْفِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَسْمَاءِ فَاعِلِيهَا كَالرَّحْمَةِ وَالْعِلْمِ وَالْعِزَّةِ. وَالصِّفَةُ عَلَى نَوْعَيْنِ: صِفَةِ ذَاتٍ وَصِفَةِ فِعْلٍ، لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَجُوزَ الْوَصْفُ بِهِ وَبِضِدِّهِ أَوْ لَا. وَالثَّانِي صِفَةِ الذَّاتِ كَالْعِزَّةِ وَالْعَظَمَةِ وَالْعِلْمِ. وَالْأَوَّلُ صِفَةُ الْفِعْلِ كَالرَّحْمَةِ وَالْغَضَبِ لِجَوَازِ أَنْ يُقَالَ رَحِمَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَلَمْ يَرْحَمْ الْكَافِرِينَ وَغَضِبَ عَلَى الْيَهُودِ دُونَ الْمُسْلِمِينَ، وَمَشَايِخُنَا الْعِرَاقِيُّونَ عَلَى أَنَّ الْحَلِفَ بِصِفَاتِ الذَّاتِ يَمِينٌ وَبِصِفَاتِ الْفِعْلِ لَيْسَ بِيَمِينٍ، وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَكُونَ وَعِلْمُ اللَّهِ يَمِينًا، وَاعْتَذَرُوا بِأَنَّهُ الْقِيَاسُ وَلَكِنَّهُ تُرِكَ لِمَجِيئِهِ بِمَعْنَى الْمَعْلُومِ، وَمَشَايِخُ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ عَلَى أَنَّ الْحَلِفَ بِكُلِّ صِفَةٍ تَعَارَفَ النَّاسُ الْحَلِفَ بِهَا يَمِينٌ وَبِكُلِّ صِفَةٍ لَمْ يَتَعَارَفُوهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ، وَهُوَ مُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ يُحْلَفُ بِهَا عُرْفًا. وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الْحَلِفَ بِهَا مُتَعَارَفٌ (قَوْلُهُ وَمَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ الْقُوَّةُ إلَخْ) ذَكَرَهُ اسْتِظْهَارًا لِأَنَّهُ لَمَّا بَنَى الْأَيْمَانَ عَلَى

قَالَ (إلَّا قَوْلَهُ وَعِلْمِ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ. وَلِأَنَّهُ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْمَعْلُومُ، يُقَالُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ عِلْمَك فِينَا: أَيْ مَعْلُومَك (وَلَوْ قَالَ وَغَضَبِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ لَمْ يَكُنْ حَالِفًا) وَكَذَا وَرَحْمَةِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ بِهَا غَيْرُ مُتَعَارَفٍ؛ وَلِأَنَّ الرَّحْمَةَ قَدْ يُرَادُ بِهَا أَثَرُهُ، وَهُوَ الْمَطَرُ أَوْ الْجَنَّةُ وَالْغَضَبُ وَالسَّخَطُ يُرَادُ بِهِمَا الْعُقُوبَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعُرْفِ كَانَ وُجُودُهُ مُغْنِيًا عَنْ النَّظَرِ إلَى غَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ (إلَّا قَوْلَهُ وَعِلْمُ اللَّهِ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ الَّتِي يُحْلَفُ بِهَا عُرْفًا. فَإِنَّ الْيَمِينَ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَارَفًا كَانَ اسْتِثْنَاؤُهُ عَنْ الْعُرْفِ مُنْقَطِعًا، وَالْكَلَامُ فِي قَوْلِهِ وَلِأَنَّهُ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْمَعْلُومُ كَالْكَلَامِ فِي قَوْلِهِ وَمَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ الْقُوَّةُ حَاصِلٌ فِي أَنَّهُ مَذْكُورٌ لِلِاسْتِظْهَارِ. نَعَمْ الْعِرَاقِيُّونَ يَحْتَاجُونَ إلَى ذِكْرِ مَعْذِرَةٍ عَنْ وُرُودِهِ عَلَى أَصْلِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الرَّحْمَةَ قَدْ يُرَادُ بِهَا أَثَرُهَا) مَنْقُوضٌ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ يُقَالُ اُنْظُرْ إلَى قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمُرَادُ أَثَرُهُ، وَإِلَّا لَكَانَ بِمَعْنَى الْمَقْدُورِ لِكَوْنِ الْقُدْرَةِ غَيْرِ مَرْئِيَّةٍ فَتَكُونُ كَالْعِلْمِ وَمَعَ ذَلِكَ يُحْلَفُ بِهَا. وَالْحَقُّ أَنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ، فَمَا تَعَارَفَ النَّاسُ الْحَلِفَ بِهِ كَانَ يَمِينًا. وَالْحَلِفُ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى مُتَعَارَفٌ، وَبِعِلْمِهِ وَرَحْمَتِهِ وَغَضَبِهِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ وَلِهَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَمَانَةُ اللَّهِ يَمِينٌ، ثُمَّ لَمَّا سُئِلَ عَنْ مَعْنَاهُ قَالَ: لَا أَدْرِي، فَكَأَنَّهُ وَجَدَ الْعَرَبَ تَحْلِفُ بِأَمَانَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَادَةً فَجَعَلَهُ يَمِينًا كَأَنَّهُ قَالَ

(وَمَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ حَالِفًا كَالنَّبِيِّ وَالْكَعْبَةِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَذَرْ» (وَكَذَا إذَا حَلَفَ بِالْقُرْآنِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ، قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ وَالنَّبِيِّ وَالْقُرْآنِ، أَمَّا لَوْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْهُمَا يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ التَّبَرِّي مِنْهُمَا كُفْرٌ. قَالَ (وَالْحَلِفُ بِحُرُوفِ الْقَسَمِ، وَحُرُوفُ الْقَسَمِ الْوَاوُ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ وَالْبَاءُ كَقَوْلِهِ بِاَللَّهِ وَالتَّاءُ كَقَوْلِهِ تَاللَّهِ) لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَعْهُودٌ فِي الْأَيْمَانِ وَمَذْكُورٌ فِي الْقُرْآنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاَللَّهِ الْأَمِينِ. (وَمَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ حَالِفًا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ وَالنَّبِيُّ وَالْقُرْآنُ وَالْكَعْبَةُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَذَرْ» ) رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَدْرَكَ عُمَرَ وَهُوَ يَسِيرُ فِي رَكْبٍ وَهُوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَمَّا لَوْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْهُ يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ التَّبَرِّي مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ النَّبِيِّ وَالْقُرْآنِ (كُفْرٌ) وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: سَلَّمْنَا أَنَّ التَّبَرِّي مِنْهُمَا وَكَذَا مِنْ كُلِّ كِتَابٍ سَمَاوِيٍّ كُفْرٌ، لَكِنْ كَوْنُهُ كُفْرًا لَيْسَ بِيَمِينٍ وَلَا يَسْتَلْزِمُهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِحَيَاتِك لَأَفْعَلَن كَذَا وَاعْتَقَدَ أَنَّ الْبَرَّ بِهِ وَاجِبٌ كَفَرَ وَلَيْسَ بِيَمِينٍ. وَالْجَوَابُ سَيَجِيءُ عِنْدَ قَوْلِهِ إنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ. قَالَ (وَالْحَلِفُ بِحُرُوفِ الْقَسَمِ) الْحَلِفُ بِاَللَّهِ إنَّمَا يَكُونُ بِحَرْفِ الْقَسَمِ ظَاهِرًا أَوْ مُضْمَرًا، وَبَحْثُ حُرُوفِ الْقَسَمِ وَكَوْنِ

(وَقَدْ يُضْمِرُ الْحَرْفَ فَيَكُونُ حَالِفًا كَقَوْلِهِ اللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا) لِأَنَّ حَذْفَ الْحَرْفِ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ إيجَازًا، ثُمَّ قِيلَ يُنْصَبُ لِانْتِزَاعِ الْحَرْفِ الْخَافِضِ، وَقِيلَ يُخْفَضُ فَتَكُونُ الْكَسْرَةُ دَالَّةً عَلَى الْمَحْذُوفِ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِلَّهِ فِي الْمُخْتَارِ لِأَنَّ الْبَاءَ تُبَدَّلُ بِهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {آمَنْتُمْ لَهُ} [طه: 71] . أَيْ آمَنْتُمْ بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَاءِ أَصْلًا وَغَيْرِهَا بَدَلًا وَجَوَازُ إضْمَارِ الْحُرُوفِ وَالنَّصْبِ بَعْدَ الْإِضْمَارِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْبَصْرِيُّونَ أَوْ الْجَرُّ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْكُوفِيُّونَ كُلُّهُ وَظِيفَةٌ نَحْوِيَّةٌ فِي الْأَصْلِ، وَالْأُصُولِيُّ يَبْحَثُ عَنْهَا مِنْ حَيْثُ اسْتِنْبَاطُ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ مِنْهَا وَالْوَاصِلُ إلَى حَدِّ الِاشْتِغَالِ بِكِتَابِ الْهِدَايَةِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ قَدْ حَلَفَ ذَلِكَ وَرَآهُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِضْمَارِ وَالْحَذْفِ بَقَاءُ أَثَرِ الْمُضْمَرِ دُونَ الْمَحْذُوفِ. وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ الْإِضْمَارَ فِي الرِّوَايَةِ وَالْحَذْفَ فِي التَّعْلِيلِ بِطَرِيقِ الْمُسَاهَلَةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ أَطْلَقَ الْإِضْمَارَ بِالنَّظَرِ إلَى الْجَرِّ وَالْحَذْفَ بِالنَّظَرِ إلَى النَّصْبِ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا إذَا قَالَ لِلَّهِ فِي الْمُخْتَارِ) احْتِرَازٌ عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ لَا أُكَلِّمَ فُلَانًا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِيَمِينٍ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ لِأَنَّ الصِّيغَةَ صِيغَةُ النَّذْرِ وَيَحْتَمِلُ مَعْنَى الْيَمِينِ، وَلَا أَثَرَ لِتَغْيِيرِ الْإِعْرَابِ فِي الْمُقْسَمِ بِهِ نَصْبًا وَجَرًّا فِي مَنْعِ صِحَّةِ الْقَسَمِ لِأَنَّ الْعَوَامَّ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا قَالَ وَحَقِّ اللَّهِ فَلَيْسَ بِحَالِفٍ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ الْحَقَّ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ حَقِيَتُهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ وَاَللَّهِ الْحَقِّ وَالْحَلِفُ بِهِ مُتَعَارَفٌ. وَلَهُمَا أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ طَاعَةُ اللَّهِ تَعَالَى، إذْ الطَّاعَاتُ حُقُوقُهُ فَيَكُونُ حَلِفًا بِغَيْرِ اللَّهِ، قَالُوا: وَلَوْ قَالَ وَالْحَقِّ يَكُونُ يَمِينًا، وَلَوْ قَالَ حَقًّا لَا يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمُنَكَّرُ يُرَادُ بِهِ تَحْقِيقُ الْوَعْدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوُجُوهِ الْإِعْرَابِ. وَقَوْلُهُ (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَالْمُنْكَرُ يُرَادُ بِهِ تَحْقِيقُ الْوَعْدِ) يُرِيدُ الْفَرْقَ بَيْنَ وَالْحَقِّ

(وَلَوْ قَالَ أُقْسِمُ أَوْ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ أَوْ أَحْلِفُ أَوْ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَوْ أَشْهَدُ أَوْ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ فَهُوَ حَالِفٌ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْحَلِفِ وَهَذِهِ الصِّيغَةُ لِلْحَالِ حَقِيقَةً وَتُسْتَعْمَلُ لِلِاسْتِقْبَالِ بِقَرِينَةٍ فَجُعِلَ حَالِفًا فِي الْحَالِ، وَالشَّهَادَةُ يَمِينٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: 1] ثُمَّ قَالَ {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المجادلة: 16] وَالْحَلِفُ بِاَللَّهِ هُوَ الْمَعْهُودُ الْمَشْرُوعُ وَبِغَيْرِهِ مَحْظُورٌ فَصُرِفَ إلَيْهِ. وَلِهَذَا قِيلَ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ. وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْهَا لِاحْتِمَالِ الْعِدَّةِ وَالْيَمِينِ بِغَيْرِ اللَّهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَحَقًّا بِأَنَّ الْمُعَرَّفَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ} [المؤمنون: 71] وَالْحَلِفُ بِهِ مُتَعَارَفٌ فَيَكُونُ يَمِينًا. وَأَمَّا الْمُنَكَّرُ فَهُوَ مَصْدَرٌ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَفْعَلُ هَذَا الْفِعْلَ لَا مَحَالَةَ، وَلَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الْحَلِفِ فَضْلًا عَنْ الْيَمِينِ. (وَلَوْ قَالَ أُقْسِمُ أَوْ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ أَوْ أَحْلِفُ أَوْ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ) ظَاهِرٌ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْيَمِينَ مَا كَانَ حَامِلًا عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ أَوْ تَرْكِهِ مُوجِبًا لِلْبَرِّ، وَعِنْدَ فَوَاتِهِ يَكُونُ مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ عَلَى وَجْهِ الْخِلَافَةِ عَنْ الْبَرِّ. ثُمَّ قَوْلُهُ أُقْسِمُ لَا يَكُونُ مُوجِبًا مِنْ الْبَرِّ شَيْئًا بِمُجَرَّدِهِ لِأَنَّهُ لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ أَوْ تَرْكِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ يَمِينًا، وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَكُونُ لِسَتْرِ الذَّنْبِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ بِسَبَبِ هَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ فِي أُقْسِمُ مُجَرَّدًا هَتْكُ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَيْفَ يَكُونُ مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ أُقْسِمُ صِيغَةُ فِعْلٍ مُضَارِعٍ فَكَمَا تَكُونُ هِيَ لِلْحَالِ كَذَلِكَ تَكُونُ لِلِاسْتِقْبَالِ، فَلَوْ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا لِلْحَالِ لَمْ تَجِبْ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا لِلِاسْتِقْبَالِ وَلَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً قَبْلَ هَذَا فَلَا تَجِبُ بِالشَّكِّ لَا سِيَّمَا فِي حَقِّ الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالْحُدُودِ حَتَّى إنَّهَا إذَا اجْتَمَعَتْ تَدَاخَلَتْ كَالْحُدُودِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَلْحَقَ بِقَوْلِهِ عَلَيَّ يَمِينٌ وَهُوَ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ كَلِمَةَ عَلَيَّ لِلْإِيجَابِ وَالْيَمِينُ لَا يُوصَفُ بِالْوُجُوبِ، وَإِنَّمَا مُوجِبُهُ يُوصَفُ بِذَلِكَ وَمُوجِبُهُ الْبَرُّ وَهُوَ غَيْرُ مُمْكِنٍ هُنَا أَوْ خَلْفَهُ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ فَيُجْعَلُ كَلَامُهُ إقْرَارًا بِالْكَفَّارَةِ صَوْنًا لِكَلَامِهِ عَنْ الْإِلْغَاءِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ أُقْسِمُ إخْبَارٌ عَنْ الْقَسَمِ فِي الْحَالِ وَمَا ثَمَّ قَسَمٌ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ جُمْلَةٍ إنْشَائِيَّةٍ يُؤَكِّدُ بِهَا جُمْلَةً أُخْرَى كَمَا تَقَدَّمَ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ شَيْءٌ فَيُجْعَلُ إقْرَارًا عَنْ مُوجِبِ مُوجِبِ الْيَمِينِ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ لِذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ إقْرَارًا بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى وُجُوبِ الْبَرِّ ابْتِدَاءً وَلَا إلَى تَصْوِيرِ هَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ وَلَا إلَى جَعْلِ تِلْكَ الصِّيغَةِ لِلِاسْتِقْبَالِ، وَهَذَا كَمَا تَرَى يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ يَمِينٌ أَوْ أُقْسِمُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمَّا إذَا قَالَ أُقْسِمُ لَأَفْعَلَن كَذَا أَوْ عَلَيَّ يَمِينٌ أَنْ أَفْعَلَ كَذَا لَا يَصِحُّ إقْرَارًا فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْيَمِينَ عَقْدٌ قَوِيَ بِهِ عَزْمُ الْحَالِفِ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ وَهُوَ مَوْجُودٌ، وَالْعَادَةُ قَدْ جَرَتْ بِالْيَمِينِ بِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} [القلم: 17] وَقَالَ تَعَالَى {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} [الأنعام: 109] وَقَالَ تَعَالَى {يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ} [التوبة: 96] وَقَالَ تَعَالَى {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ} [التوبة: 62] وَقَالَ تَعَالَى {قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: 1] وَقَالَ تَعَالَى {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6] فَكَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ حَرْفُ الْقَسَمِ مُضْمَرًا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْمُقْسَمُ بِهِ أَيْضًا كَذَلِكَ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى زُفَرَ فِي عَدَمِ جَوَازِهِ بِدُونِ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ. ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي النِّيَّةِ إذَا لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى، فَقِيلَ: لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا، وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْهَا لِاحْتِمَالِ الْعِدَّةِ وَالْيَمِينِ بِغَيْرِ اللَّهِ.

(وَلَوْ قَالَ بِالْفَارِسِيَّةِ سوكند ميخورم بخداي يَكُونُ يَمِينًا) ؛ لِأَنَّهُ لِلْحَالِ. وَلَوْ قَالَ سوكند خورم قِيلَ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَلَوْ قَالَ بِالْفَارِسِيَّةِ سوكند خورم بِطَلَاقِ زنم لَا يَكُونُ يَمِينًا؛ لِعَدَمِ التَّعَارُفِ. قَالَ: (وَكَذَا قَوْلُهُ لَعَمْرُ اللَّهِ وَأَيْمُ اللَّهِ) لِأَنَّ عَمْرَ اللَّهِ بَقَاءُ اللَّهِ، وَأَيْمُ اللَّهِ مَعْنَاهُ أَيْمَنُ اللَّهِ وَهُوَ جَمْعُ يَمِينٍ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ وَأَيْمُ صِلَةٌ كَالْوَاوِ، وَالْحَلِفُ بِاللَّفْظَيْنِ مُتَعَارَفٌ. (وَكَذَا قَوْلُهُ وَعَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ) لِأَنَّ الْعَهْدَ يَمِينٌ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ} [النحل: 91] وَالْمِيثَاقُ عِبَارَةٌ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَكَذَا قَوْلُهُ لَعَمْرُ اللَّهِ) هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ أُقْسِمُ إلَخْ، وَالْعَمْرُ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ الْبَقَاءُ إلَّا أَنَّ الْفَتْحَ غَلَبَ فِي الْقَسَمِ لَا يَجُوزُ فِيهِ الضَّمُّ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: لَعَمْرُ اللَّهِ يَمِينٌ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لَعَمْرُكَ} [الحجر: 72] وَالْعَمْرُ هُوَ الْبَقَاءُ وَالْبَقَاءُ صِفَاتُ الذَّاتِ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَاَللَّهِ الْبَاقِي (وَأَيْمُ اللَّهِ) مَعْنَاهُ أَيْمَنُ اللَّهِ وَهُوَ جَمْعُ يَمِينٍ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ. وَقَالَ الْبَصْرِيُّونَ: مَعْنَاهُ وَاَللَّهِ وَكَلِمَةُ أَيْمٌ صِلَةٌ: أَيْ كَلِمَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ كَالْوَاوِ وَالْبَحْثُ فِي قَطْعِ هَمْزَتِهِ وَوَصْلِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ وَظِيفَةٌ نَحْوِيَّةٌ. قَوْلُهُ (وَالْحَلِفُ بِاللَّفْظَيْنِ) يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ لَعَمْرُك وَأَيْمُ اللَّهِ (مُتَعَارَفٌ) يُحْلَفُ بِهِمَا فِي الْعَادَةِ وَلَمْ يَرِدْ نَهْيٌ مِنْ الشَّرْعِ فَيَكُونُ يَمِينًا. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا قَوْلُهُ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ) ظَاهِرٌ. وَمَنْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ نَذْرُ اللَّهِ أَنْ لَا أَفْعَلَ كَذَا كَانَ يَمِينًا.

الْعَهْدِ (وَكَذَا إذَا قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ نَذْرُ اللَّهِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَذَرَ نَذْرًا وَلَمْ يُسَمِّ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» ـــــــــــــــــــــــــــــQلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " مَنْ نَذَرَ نَذْرًا وَلَمْ يُسَمِّ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ") .

(وَإِنْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَهُوَ يَهُودِيُّ أَوْ نَصْرَانِيُّ أَوْ كَافِرٌ تَكُونُ يَمِينًا) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الشَّرْطَ عَلَمًا عَلَى الْكُفْرِ فَقَدْ اعْتَقَدَهُ وَاجِبَ الِامْتِنَاعِ، وَقَدْ أَمْكَنَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهِ لِغَيْرِهِ بِجَعْلِهِ يَمِينًا كَمَا تَقُولُ فِي تَحْرِيمِ الْحَلَالِ. وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لِشَيْءٍ عَقَدَ فِعْلَهُ فَهُوَ الْغَمُوسُ، وَلَا يَكْفُرُ اعْتِبَارًا بِالْمُسْتَقْبَلِ. وَقِيلَ يَكْفُرُ؛ لِأَنَّهُ تَنْجِيزُ مَعْنًى فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ فِيهِمَا إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَمِينٌ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّهُ يَكْفُرُ بِالْحَلِفِ يَكْفُرُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْكُفْرِ حَيْثُ أَقْدَمَ عَلَى الْفِعْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَنْ قَالَ إنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ كَافِرٌ أَوْ مَجُوسِيٌّ كَانَ يَمِينًا، لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الشَّرْطَ عَلَمًا عَلَى الْكُفْرِ فَقَدْ اعْتَقَدَهُ وَاجِبَ الِامْتِنَاعِ، وَقَدْ أَمْكَنَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهِ لِغَيْرِهِ بِجَعْلِهِ يَمِينًا كَمَا تَقُولُ فِي تَحْرِيمِ الْحَلَالِ) وَهَذَا جَوَابُ. مَنْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْكَعْبَةِ أَوْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كُفْرًا لِأَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّهُ الْبَرَاءَةُ عَنْ وَاجِبِ الِامْتِنَاعِ، وَقَدْ أَمْكَنَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهِ لِغَيْرِهِ فَكَانَ يَمِينًا، هَذَا هُوَ الْمَوْعُودُ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا قَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا هُوَ نَصْرَانِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا فَهُمَا يَمِينَانِ، وَإِنْ قَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّفْظَيْنِ تَامٌّ بِذِكْرِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، وَفِي الثَّانِي كَلَامٌ وَاحِدٌ حِينَ ذَكَرَ الشَّرْطَ مَرَّةً وَاحِدَةً. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لِشَيْءٍ قَدْ فَعَلَهُ) يَعْنِي لَوْ حَلَفَ بِهَذَا اللَّفْظِ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ، فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّهُ صَادِقٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ (فَهُوَ الْغَمُوسُ وَلَا يَكْفُرُ اعْتِبَارًا بِالْمُسْتَقْبَلِ) يَعْنِي كَمَا لَوْ حَلَفَ بِهِ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنَّهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَانَ يَمِينًا يَكْفُرُ، وَلَا يَكْفُرُ الْحَالِفُ كَذَلِكَ إذَا كَانَ فِي الْمَاضِي (وَقِيلَ) وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ (يَكْفُرُ لِأَنَّهُ) عَلَّقَ الْكُفْرَ بِمَا هُوَ مَوْجُودٌ وَالتَّعْلِيقُ بِالْمَوْجُودِ (تَنْجِيزٌ) فَكَأَنَّهُ قَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَالِمًا يَعْرِفُ أَنَّهُ يَمِينٌ فَلَا يَكْفُرُ بِهِ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ عِنْدَهُ أَنَّهُ يَكْفُرُ بِالْحَلِفِ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقْدَمَ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ وَعِنْدَهُ أَنَّهُ يَكْفُرُ فَقَدْ رَضِيَ بِالْكُفْرِ.

(وَلَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ أَوْ سَخَطُ اللَّهِ فَلَيْسَ بِحَلِفٍ) لِأَنَّهُ دُعَاءٌ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ ذَلِكَ بِالشَّرْطِ؛ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ (وَكَذَا إذَا قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا زَانٍ أَوْ سَارِقٌ أَوْ شَارِبُ خَمْرٍ أَوْ آكُلُ رِبًا) ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَحْتَمِلُ النَّسْخَ وَالتَّبْدِيلَ فَلَمْ تَكُنْ فِي مَعْنَى حُرْمَةِ الِاسْمِ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَارَفٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (لِأَنَّ حُرْمَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَحْتَمِلُ النَّسْخَ وَالتَّبْدِيلَ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَمَّا الزِّنَا وَالسَّرِقَةُ فَإِنَّهُمَا لَا يَحْتَمِلَانِ النَّسْخَ، وَلَكِنْ ذَلِكَ الْفِعْلُ الْمَقْصُودُ بِالزِّنَا وَالْعَيْنُ الْمَقْصُودَةُ بِالسَّرِقَةِ بِعَيْنِهِ جَازَ أَنْ يَكُونَ حَلَالًا لَهُ بِوَجْهِ النِّكَاحِ وَمِلْكِ الْيَمِينِ فَسَمَّى احْتِمَالَ انْقِلَابِهِمَا مِنْ الْحُرْمَةِ إلَى الْحِلِّ بِالسَّبَبِ الشَّرْعِيِّ نَسْخًا وَتَبْدِيلًا، وَأَمَّا الْخَمْرُ وَالرِّبَا فَيَحْتَمِلَانِ النَّسْخَ. أَمَّا الْخَمْرُ فَظَاهِرٌ أَنَّهَا كَانَتْ حَلَالًا ثُمَّ انْتَسَخَ، وَأَمَّا الرِّبَا فَيَحْتَمِلُ النَّسْخَ فِي نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَرِدْ النَّسْخُ فِي حَقِّهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَحِلُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ. وَأَقُولُ: فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَفٌّ وَنَشْرٌ عَلَى غَيْرِ السَّنَنِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ نَسْخًا مُتَعَلِّقٌ بِشُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ الرِّبَا. وَقَوْلُهُ تَبْدِيلًا بِالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَيُرَادُ بِالتَّبْدِيلِ انْقِلَابُ الْمَحَلِّ عَلَى مَا ذَكَرَ، وَهَذَا إفَادَةٌ وَالْحَمْلُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ إعَادَةٌ، وَالْحَمْلُ عَلَى الْأُولَى أَوْلَى، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تَكُنْ حُرْمَةُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي مَعْنَى حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ حُرْمَتَهُ لَا تَحِلُّ فِي حَالٍ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْيَمِينُ بِذِكْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ (وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَارَفٍ) فَلَا يَكُونُ يَمِينًا.

[فصل في الكفارة]

(فَصْلٌ فِي الْكَفَّارَةِ) قَالَ (كَفَّارَةُ الْيَمِينِ عِتْقُ رَقَبَةٍ يُجْزِي فِيهَا مَا يُجْزِي فِي الظِّهَارِ وَإِنْ شَاءَ كَسَا عَشَرَةَ مَسَاكِينَ كُلَّ وَاحِدٍ ثَوْبًا فَمَا زَادَ، وَأَدْنَاهُ مَا يَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَإِنْ شَاءَ أَطْعَمَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ كَالْإِطْعَامِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الْكَفَّارَةِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْمُوجِبِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْمُوجَبِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ، لَكِنْ هِيَ مُوجَبُ الْعَيْنِ عِنْدَ الِانْقِلَابِ

وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: 89] الْآيَةَ، وَكَلِمَةُ أَوْ لِلتَّخَيُّرِ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَحَدَ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ. قَالَ (فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَحَدِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُخَيَّرُ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ. وَلَنَا قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ وَهِيَ كَالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْيَمِينَ لَمْ تُشْرَعْ لِلْكَفَّارَةِ بَلْ تَنْقَلِبُ مُوجِبَةً لَهَا عِنْدَ انْتِقَاضِهَا بِالْحِنْثِ، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ، وَكَوْنُ الْوَاجِبِ أَحَدَ الْأَشْيَاءِ عَلَى التَّخْيِيرِ أَوْ وَاحِدًا مُعَيَّنًا عِنْدَ اللَّهِ إنْ كَانَ مَجْهُولًا عِنْدَنَا، وَعَدَمُ حَمْلِ الشَّافِعِيِّ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ عَلَى مَا هُوَ مِنْ

[أدنى الكسوة في كفارة اليمين]

[أَدْنَى الْكِسْوَةِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ] ثُمَّ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ فِي بَيَانِ أَدْنَى الْكِسْوَةِ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ أَدْنَاهُ مَا يَسْتُرُ عَامَّةَ بَدَنِهِ حَتَّى لَا يَجُوزَ السَّرَاوِيلَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ لَابِسَهُ يُسَمَّى عُرْيَانًا فِي الْعُرْفِ، لَكِنَّ مَا لَا يُجْزِيهِ عَنْ الْكِسْوَةِ يُجْزِيه عَنْ الطَّعَامِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَذْهَبِهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مُقَرَّرٌ فِي التَّقْرِيرِ فَلْيُطْلَبْ ثَمَّةَ. وَقَوْلُهُ (وَهُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا رُوِيَ فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى إنْ أَعْطَى السَّرَاوِيلَ الْمَرْأَةَ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ أَعْطَى الرَّجُلَ يَجُوزُ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ رَدُّ الْعُرْيِ بِقَدْرِ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ، لِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ فَرْضٌ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ، أَمَّا مَا زَادَ عَلَيْهِ فَفَضْلٌ يُعْتَبَرُ لِلتَّجَمُّلِ أَوْ لِلتَّدَثُّرِ فَلَا يُؤَاخَذُ عَلَيْهِ فِي الْكِسْوَةِ كَمَا لَا يُؤَاخَذُ عَلَيْهِ الْإِدَامُ فِي الطَّعَامِ. وَقَوْلُهُ (لَكِنْ مَا لَا يَجْزِيهِ عَنْ الْكِسْوَةِ يَجْزِيهِ عَنْ الطَّعَامِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ) يَعْنِي لَوْ أَعْطَى كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ ثَوْبٍ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الْكِسْوَةِ لِأَنَّ الِاكْتِسَاءَ لَا يَحْصُلُ بِهِ وَلَكِنَّهُ

(وَإِنْ قَدَّمَ الْكَفَّارَةَ عَلَى الْحِنْثِ لَمْ يُجْزِهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُجْزِيهِ بِالْمَالِ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا بَعْدَ السَّبَبِ وَهُوَ الْيَمِينُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَجْزِيهِ مِنْ الطَّعَامِ إذَا كَانَ نِصْفَ ثَوْبٍ يُسَاوِي نِصْفَ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْطَى عَشَرَةَ مَسَاكِينَ ثَوْبًا بَيْنَهُمْ وَهُوَ ثَوْبٌ كَثِيرُ الْقِيمَةِ يُصِيبُ كُلًّا مِنْهُمْ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ ثَوْبٍ لَمْ يُجْزِهِ مِنْ الْكِسْوَةِ لِأَنَّهُ لَا يَكْتَسِي بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَكِنْ يَجْزِيهِ مِنْ الطَّعَامِ. وَهَلْ يُشْتَرَطُ النِّيَّةُ أَوْ لَا؟ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَجْزِيهِ نَوَى أَنْ يَكُونَ بَدَلًا عَنْ الطَّعَامِ أَوْ لَمْ يَنْوِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: إذَا نَوَى أَنْ يَكُونَ عَنْ الطَّعَامِ يَجْزِيهِ عَنْ الطَّعَامِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَمْ يُجْزِهِ. (وَإِنْ قَدَّمَ الْكَفَّارَةَ عَلَى الْحِنْثِ لَمْ يُجْزِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجْزِيهِ بِالْمَالِ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا بَعْدَ السَّبَبِ وَهُوَ الْيَمِينُ) لِأَنَّهَا تُضَافُ إلَى

فَأَشْبَهَ التَّكْفِيرَ بَعْدَ الْجَرْحِ. وَلَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ لِسَتْرِ الْجِنَايَةِ وَلَا جِنَايَةَ هَاهُنَا، وَلَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِأَنَّهُ مَانِعٌ غَيْرُ مُفْضٍ، بِخِلَافِ الْجَرْحِ لِأَنَّهُ مُفْضٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْيَمِينِ، يُقَالُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ، وَالْوَاجِبَاتُ تُضَافُ إلَى أَسْبَابِهَا حَقِيقَةً، وَالْأَدَاءُ بَعْدَ السَّبَبِ جَائِزٌ لَا مَحَالَةَ (فَأَشْبَهَ التَّكْفِيرَ بَعْدَ الْجُرْحِ. وَلَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ لِسَتْرِ الْجِنَايَةِ وَلَا جِنَايَةَ هَاهُنَا) لِأَنَّهَا تَحْصُلُ بِهَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ بِالْحِنْثِ. وَقَوْلُهُ (وَالْيَمِينُ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا بَعْدَ السَّبَبِ وَهُوَ الْيَمِينُ. وَوَجْهُهُ أَنَّ السَّبَبَ مَا يَكُونُ مُفْضِيًا، وَالْيَمِينُ غَيْرُ مُفْضٍ إلَى الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهَا تَجِبُ بَعْدَ نَقْضِهَا بِالْحِنْثِ، وَإِنَّمَا أُضِيفَتْ إلَيْهَا لِأَنَّهَا تَجِبُ بِحِنْثٍ بَعْدَ الْيَمِينِ كَمَا تُضَافُ الْكَفَّارَةُ إلَى الصَّوْمِ (بِخِلَافِ الْجُرْحِ لِأَنَّهُ مُفْضٍ) إلَى الْمَوْتِ.

(ثُمَّ لَا يَسْتَرِدُّ مِنْ الْمِسْكِينِ) لِوُقُوعِهِ صَدَقَةً. قَالَ (وَمَنْ حَلَفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ مِثْلَ أَنْ لَا يُصَلِّيَ أَوْ لَا يُكَلِّمَ أَبَاهُ أَوْ لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا يَنْبَغِي أَنْ يُحْنِثَ نَفْسَهُ وَيُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلِيَأْتِ بِاَلَّذِي هُوَ خَيْرٌ ثُمَّ لِيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (ثُمَّ لَا يَسْتَرِدُّ مِنْ الْمِسْكِينِ) قِيلَ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَمْ يُجْزِهِ: يَعْنِي وَإِنْ لَمْ يَقَعْ كَفَّارَةً إذَا دَفَعَ إلَى الْمِسْكِينِ قَبْلَ الْحِنْثِ لَكِنْ لَا يَسْتَرِدُّ مِنْهُ لِأَنَّهُ قَصَدَ شَيْئَيْنِ سَتْرَ الْجِنَايَةِ وَحُصُولَ الثَّوَابِ، وَلَمْ يَحْصُلْ الْأَوَّلُ لِعَدَمِ الْجِنَايَةِ فَيَحْصُلُ الثَّانِي فَتَكُونُ قَدْ وَقَعَتْ صَدَقَةً فَلَا رُجُوعَ فِيهَا. (وَمَنْ حَلَفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ مِثْلَ أَنْ لَا يُصَلِّيَ أَوْ لَا يُكَلِّمَ أَبَاهُ أَوْ لَيَقْتُلَن فُلَانًا يَنْبَغِي أَنْ يُحَنِّثَ نَفْسَهُ وَيُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ بِاَلَّذِي هُوَ خَيْرٌ ثُمَّ لِيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» ) مَعْنَاهُ مَنْ حَلَفَ عَلَى مُقْسَمٍ عَلَيْهِ مِنْ فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ لِأَنَّ الْيَمِينَ مُرَكَّبَةٌ مِنْ

وَلِأَنَّ فِيمَا قُلْنَاهُ تَفْوِيتُ الْبِرِّ إلَى جَابِرٍ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ وَلَا جَابِرَ لِلْمَعْصِيَةِ فِي ضِدِّهِ. (وَإِذَا حَلَفَ الْكَافِرُ ثُمَّ حَنِثَ فِي حَالِ كُفْرِهِ أَوْ بَعْدَ إسْلَامِهِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْيَمِينِ لِأَنَّهَا تُعْقَدُ لِتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَعَ الْكُفْرِ لَا يَكُونُ مُعَظِّمًا وَلَا هُوَ أَهْلُ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمُقْسَمٍ بِهِ وَهُوَ بِاَللَّهِ وَمُقْسَمٍ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ لَأَفْعَلَن أَوْ لَا أَفْعَلُ فَكَانَ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْكُلِّ وَإِرَادَةِ الْبَعْضِ. وَفِي وَجْهِ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ قَالَ «وَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا» فَالْمُدَّعِي مُطْلَقٌ، وَالدَّلِيلُ مَشْرُوطٌ بِرُؤْيَةِ غَيْرِهِ خَيْرًا. وَالْجَوَابُ أَنَّ حَالَ الْمُسْلِمِ يَقْتَضِي أَنْ يَرَى تَرْكَ الْمَعْصِيَةِ خَيْرًا مِنْهَا فَيَجْعَلَ الشَّرْطَ مَوْجُودًا نَظَرًا إلَى حَالِهِ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ فِيمَا قُلْنَا) يَعْنِي أَدَاءَ الْكَفَّارَةِ بَعْدَ الْحِنْثِ (تَفْوِيتَ الْبَرِّ إلَى جَابِرٍ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ) لِمَا أَنَّ الْجَابِرَ يَقْتَضِي سَبْقَ خَلَلِ الْمَجْبُورِ وَهُوَ خَلَلُ الْيَمِينِ بِالْحِنْثِ فِيمَا قُلْنَا فَتَصْلُحُ الْكَفَّارَةُ جَابِرَةً (وَلَا جَابِرَ لِلْمَعْصِيَةِ فِي ضِدِّهِ) أَيْ فِي ضِدِّ مَا قُلْنَا أَيْ لَا جَابِرَ لِمَعْصِيَةِ الْحِنْثِ فِيمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّ الْحِنْثَ لَمَّا تَأَخَّرَ عَنْ الْكَفَّارَةِ لَمْ تَصْلُحْ الْكَفَّارَةُ السَّابِقَةُ جَابِرَةً لِذَلِكَ الْحِنْثِ لِأَنَّ الْجَابِرَ لَا يَتَقَدَّمُ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ. وَقَالَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ: وَلِأَنَّ فِيمَا قُلْنَا: أَيْ فِي تَحْنِيثِ النَّفْسِ وَالتَّكْفِيرِ بَعْدَ ذَلِكَ تَفْوِيتُ الْبَرِّ إلَى جَابِرٍ وَالْجَابِرُ هُوَ الْكَفَّارَةُ، وَالْفَوَاتُ إلَى جَابِرٍ كَلَا فَوَاتٍ فَتَكُونُ الْمَعْصِيَةُ الْحَاصِلَةُ بِتَفْوِيتِ الْبَرِّ كَلَا مَعْصِيَةٍ لِوُجُودِ الْجَابِرِ، أَمَّا إذَا أَتَى بِالْبَرِّ وَهُوَ تَرْكُ الصَّلَاةِ وَقَطْعُ الْكَلَامِ عَنْ الْأَبِ وَقَتْلُ فُلَانٍ بِغَيْرِ حَقٍّ تَحْصُلُ الْمَعْصِيَةُ بِلَا جَبْرٍ لَهَا فَتَكُونُ الْمَعْصِيَةُ قَائِمَةً لَا مَحَالَةَ، فَلِهَذَا قُلْنَا يُحَنِّثُ نَفْسَهُ وَيُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ، وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ صَحِيحٌ وَالثَّانِي أَنْسَبُ. (وَإِذَا حَلَفَ الْكَافِرُ ثُمَّ حَنِثَ فِي حَالِ كُفْرِهِ أَوْ بَعْدَ إسْلَامِهِ فَلَا حِنْثَ) أَيْ لَا كَفَّارَةَ (عَلَيْهِ) وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: يُكَفِّرُ بِالْمَالِ لِأَنَّ الْيَمِينَ تُعْقَدُ لِلْبَرِّ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ تَعْظِيمَ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ وَهُوَ يَعْتَقِدُ ذَلِكَ فَكَانَ اعْتِقَادُهُ يَحْمِلُهُ عَلَى الْبَرِّ وَلِهَذَا يُسْتَحْلَفُ فِي الدَّعَاوَى وَالْخُصُومَاتِ (وَلَنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْيَمِينِ لِأَنَّهَا تُعْقَدُ لِتَعْظِيمِ اللَّهِ وَمَعَ الْكُفْرِ لَا يَكُونُ مُعَظَّمًا) إذْ الْكُفْرُ إهَانَةٌ وَاسْتِخْفَافٌ بِالْخَالِقِ وَهُوَ يُنَافِي التَّعَظُّمَ (وَلَا هُوَ أَهْلٌ لِلْكَفَّارَةِ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ) بِخِلَافِ الِاسْتِحْلَافِ فِي الدَّعَاوَى وَالْخُصُومَاتِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ ظُهُورُ حَقِّ الْمُدَّعِي بِالنُّكُولِ أَوْ الْإِقْرَارِ، وَالْكُفْرُ لَا يُنَافِي ذَلِكَ.

(وَمَنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا مِمَّا يَمْلِكُهُ لَمْ يَصِرْ مُحَرَّمًا وَعَلَيْهِ إنْ اسْتَبَاحَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَمَنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا مِمَّا يَمْلِكُهُ) مِثْلَ أَنْ يَقُولَ حَرَّمْت عَلَى نَفْسِي ثَوْبِي هَذَا أَوْ طَعَامِي هَذَا، (لَمْ يَصِرْ مُحَرَّمًا لِعَيْنِهِ وَعَلَيْهِ إنْ اسْتَبَاحَهُ) أَيْ إنْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا حَرَّمَهُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا حَنِثَ وَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ قَلْبُ الْمَشْرُوعِ فَلَا يَنْعَقِدُ بِهِ تَصَرُّفٌ مَشْرُوعٌ وَهُوَ الْيَمِينُ. وَلَنَا أَنَّ اللَّفْظَ يُنْبِئُ عَنْ إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ، وَقَدْ أَمْكَنَ إعْمَالُهُ بِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ لِغَيْرِهِ بِإِثْبَاتِ مُوجِبِ الْيَمِينِ فَيُصَارُ إلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ قَلْبُ الْمَشْرُوعِ) وَقَلْبُ الْمَشْرُوعِ (لَا يَنْعَقِدُ بِهِ تَصَرُّفٌ مَشْرُوعٌ وَهُوَ الْيَمِينُ) كَعَكْسِهِ وَهُوَ تَحْلِيلُ الْحَرَامِ (وَلَنَا أَنَّ اللَّفْظَ يُنْبِئُ عَنْ إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ) فَإِمَّا أَنْ تَثْبُتَ بِهِ حُرْمَةٌ لِعَيْنِهَا وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّهُ قَلْبُ الْمَشْرُوعِ كَمَا ذَكَرْتُمْ أَوْ لِغَيْرِهَا (بِإِثْبَاتِ مُوجِبِ الْيَمِينِ) وَفِي إعْمَالِ اللَّفْظِ وَالْمَصِيرِ إلَى إعْمَالِ اللَّفْظِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَاجِبٌ فَيُصَارُ إلَيْهِ. وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ إنَّ بَيْنَ قَوْلِهِ لَمْ يَصِرْ مُحَرَّمًا وَبَيْنَ قَوْلِهِ وَعَلَيْهِ إنْ اسْتَبَاحَهُ تَنَافِيًا لِأَنَّ الِاسْتِبَاحَةَ إنَّمَا تُسْتَعْمَلُ فِيمَا إذَا كَانَ ثَمَّةَ تَحْرِيمٌ. وَقَوْلُهُ لَمْ يَصِرْ مُحَرَّمًا يُنَافِيهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَمْ يَصِرْ مُحَرَّمًا مَعْنَاهُ مُحَرَّمًا لِعَيْنِهِ. وَقَوْلُهُ إنْ اسْتَبَاحَهُ إشَارَةٌ إلَى الْحُرْمَةِ لِغَيْرِهِ. وَعُورِضَ بِأَنَّ الْيَمِينَ إمَّا أَنْ يُذْكَرَ مُقْسَمٌ بِهِ

ثُمَّ إذَا فَعَلَ مِمَّا حَرَّمَهُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا حَنِثَ وَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَهُوَ الْمَعْنَى مِنْ الِاسْتِبَاحَةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ إذَا ثَبَتَ تَنَاوَلَ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ عِنْدَ ذِكْرِ اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، أَوْ بِأَنْ يُذْكَرَ شَرْطٌ وَجَزَاءٌ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُمَا بِمَوْجُودٍ فَكَيْفَ صَارَ يَمِينًا. وَأُجِيبَ بِسُقُوطِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] بَعْدَ قَوْلِهِ {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] فِي تَحْرِيمِ الْعَسَلِ أَوْ تَحْرِيمِ مَارِيَةَ، أَطْلَقَ الْأَيْمَانَ عَلَى تَحْرِيمِ الْحَلَالِ وَفَرَضَ تَحِلَّةَ الْأَيْمَانِ، وَالرَّأْيُ لَا يُعَارِضُ النُّصُوصَ السَّمْعِيَّةَ.

(وَلَوْ قَالَ كُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ فَهُوَ عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ ذَلِكَ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ كَمَا فَرَغَ لِأَنَّهُ بَاشَرَ فِعْلًا مُبَاحًا وَهُوَ التَّنَفُّسُ وَنَحْوُهُ، هَذَا قَوْلُ زَفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ الْبِرُّ لَا يَتَحَصَّلُ مَعَ اعْتِبَارِ الْعُمُومِ، وَإِذَا سَقَطَ اعْتِبَارُهُ يَنْصَرِفُ إلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لِلْعُرْفِ فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يَتَنَاوَلُ عَادَةً. وَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَرْأَةَ إلَّا بِالنِّيَّةِ لِإِسْقَاطِ اعْتِبَارِ الْعُمُومِ. وَإِذَا نَوَاهَا كَانَ إيلَاءً وَلَا تُصْرَفُ الْيَمِينُ عَنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ، وَهَذَا كُلُّهُ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَمَشَايِخُنَا قَالُوا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ عَنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ قَالَ كُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ فَهُوَ عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ ذَلِكَ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ كَمَا فَرَغَ) لِأَنَّ قَوْلَهُ هَذَا فِي قُوَّةِ أَنْ يُقَالَ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ فِعْلًا حَلَالًا وَقَدْ فَعَلَ فِعْلًا حَلَالًا وَهُوَ التَّنَفُّسُ وَفَتْحُ الْعَيْنَيْنِ فَيَحْنَثُ (وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْيَمِينَ تُعْقَدُ لِلْبَرِّ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ مَعَ اعْتِبَارِ الْعُمُومِ) لِامْتِنَاعِ أَنْ لَا يَتَنَفَّسَ وَأَنْ لَا يَفْتَحَ الْعَيْنَيْنِ فَيَعْلَمَ بِدَلَالَةِ الْحَالِ عَدَمَ إرَادَةِ الْعُمُومِ فَيُصَارُ إلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ وَهُوَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ لِلْعُرْفِ فَإِنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِاسْتِعْمَالِهِ فِي الْمُتَنَاوَلَاتِ (وَ) إذَا لَمْ يَكُنْ الْعُمُومُ مُرَادًا (لَا يَتَنَاوَلُ الْمَرْأَةَ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَإِذَا نَوَاهَا كَانَ إيلَاءً) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ يَمِينٌ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك، وَهُوَ مِنْ صُوَرِ الْإِيلَاءِ (وَهَذَا جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَمَشَايِخُ بَلْخِي) كَأَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ وَالْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ وَبَعْضِ مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ (قَالُوا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى)

وَكَذَا يَنْبَغِي فِي قَوْلِهِ حَلَالٌ يُرْوَى حَرَامٌ لِلْعُرْفِ. وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ هرجه بردست رَاسَتْ كيرم بِرِوَيْ وَخِيَارْ أَنَّهُ هَلْ تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُجْعَلُ طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لِلْعُرْفِ. (وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا مُطْلَقًا فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَكَذَا يَنْبَغِي) ظَاهِرٌ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا لَوْ قَالَ هرجه بدست جُبْ كيرم بِرِوَيْ وَخِيَارْ فَقَدْ قِيلَ لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ وَإِنْ نَوَى. وَلَوْ قَالَ هرجه بدست كيرم كَانَ طَلَاقًا قِيلَ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ. وَقِيلَ لَا يَقَعُ إلَّا بِالنِّيَّةِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا مُطْلَقًا) مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ سَنَةٍ وَلَمْ يُعَلِّقْهُ بِشَيْءٍ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ

لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَذَرَ وَسَمَّى فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمَا سَمَّى» . (وَإِنْ عَلَّقَ النَّذْرَ بِشَرْطٍ فَوُجِدَ الشَّرْطُ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِنَفْسِ النَّذْرِ) لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَذَرَ وَسَمَّى فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمَا سَمَّى» ) . (وَإِنْ عَلَّقَ النَّذْرَ بِشَرْطٍ) سَوَاءٌ كَانَ شَرْطًا أَرَادَ كَوْنَهُ أَوْ لَمْ يُرِدْ (فَوُجِدَ الشَّرْطُ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِنَفْسِ النَّذْرِ) وَلَا تَنْفَعُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ (لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ) فَإِنَّهُ لَمْ يَفْصِلْ

وَلِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَهُ (وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ وَقَالَ: إذَا قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ حَجَّةٌ أَوْ صَوْمُ سَنَةٍ أَوْ صَدَقَةُ مَا أَمْلِكُهُ أَجْزَأَهُ مِنْ ذَلِكَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَيَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالْوَفَاءِ بِمَا سَمَّى أَيْضًا. وَهَذَا إذَا كَانَ شَرْطًا لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ الْمَنْعُ وَهُوَ بِظَاهِرِهِ نَذْرٌ فَيَتَخَيَّرُ وَيَمِيلُ إلَى أَيِّ الْجِهَتَيْنِ شَاءَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ شَرْطًا يُرِيدُ كَوْنَهُ كَقَوْلِهِ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي لِانْعِدَامِ مَعْنَى الْيَمِينِ فِيهِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الصَّحِيحُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْنَ كَوْنِ النَّذْرِ مُطْلَقًا أَوْ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ (وَلِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَهُ) وَلَوْ نَجَّزَ النَّذْرَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَمْ تُجْزِهِ الْكَفَّارَةُ فَكَذَا هَاهُنَا (وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ تَعْيِينِ الْوَفَاءِ بِنَفْسِ النَّذْرِ إلَى الْقَوْلِ بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَبَيْنَ الْوَفَاءِ بِذَلِكَ (وَقَالَ إذَا قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ حَجَّةٌ أَوْ صَوْمُ شَهْرٍ أَوْ صَدَقَةُ مَا أَمْلِكُهُ أَجْزَأَهُ مِنْ ذَلِكَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَيَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالْوَفَاءِ بِمَا سَمَّى أَيْضًا) حَتَّى لَوْ كَانَ مُعْسِرًا كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَأَنْ يَصُومَ شَهْرًا. وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي النَّوَادِرِ. وَوَجْهُهُ مَا رُوِيَ فِي السُّنَنِ مُسْنَدًا إلَى عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ» قَالُوا (هَذَا إذَا كَانَ شَرْطًا لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ) لِأَنَّ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ كَمَا تَرَى تَعَارُضًا. فَحَمَلْنَا الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ عَلَى النَّذْرِ الْمُرْسَلِ وَعَلَى مُقَيَّدٍ أَرَادَ الْحَالِفُ كَوْنَهُ. وَالثَّانِيَ عَلَى مُقَيَّدٍ لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ جَمْعًا بَيْنَ الْآثَارِ، وَالْمَعْنَى الْفِقْهِيُّ فِي ذَلِكَ أَنَّ فِي الشَّرْطِ الَّذِي لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ كَلَامَهُ يَشْتَمِلُ عَلَى مَعْنَى النَّذْرِ وَالْيَمِينِ جَمِيعًا، أَمَّا مَعْنَى النَّذْرِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا مَعْنَى الْيَمِينِ فَلِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ الْمَنْعَ عَنْ إيجَادِ الشَّرْطِ (فَيَتَخَيَّرُ وَيَمِيلُ إلَى أَيِّ الْجِهَتَيْنِ شَاءَ) وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ جَائِزٌ كَالْعَبْدِ إذَا أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ بِالْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَدَاءِ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ وَبَيْنَ أَدَاءِ الظُّهْرِ أَرْبَعًا. وَالنَّذْرُ وَالْيَمِينُ مَعْنَيَانِ مُخْتَلِفَانِ لِأَنَّ النَّذْرَ قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ وَاجِبٌ لِعَيْنِهِ، وَالْيَمِينُ قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ وَاجِبٌ لِغَيْرِهِ وَهُوَ صِيَانَةُ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى (بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ شَرْطًا يُرِيدُ كَوْنَهُ كَقَوْلِهِ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي لِانْعِدَامِ مَعْنَى الْيَمِينِ فِيهِ) وَهُوَ الْمَنْعُ لِأَنَّ قَصْدَهُ إظْهَارُ الرَّغْبَةِ فِيمَا جَعَلَهُ شَرْطًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا التَّفْصِيلُ) أَيْ الَّذِي ذَكَرْنَا بَيْنَ شَرْطٍ لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ وَبَيْنَ شَرْطٍ يُرِيدُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ) وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ حَصْرَ الصِّحَّةِ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَإِنْ أَرَادَ حَصْرَهَا فِيهِ مِنْ حَيْثُ الدِّرَايَةُ لِدَفْعِ التَّعَارُضِ فَالدَّفْعُ مُمْكِنٌ مِنْ حَيْثُ حَمْلُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْمُرْسَلِ وَالْآخَرِ عَلَى الْمُعَلَّقِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِقَةٍ بَيْنَ مَا يُرِيدُ كَوْنَهُ وَمَا لَا يُرِيدُهُ، عَلَى أَنَّ فِيهِ إيمَاءً إلَى الْقُصُورِ فِي الذَّهَابِ إلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.

قَالَ (وَمَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا بِيَمِينِهِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ» إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الِاتِّصَالِ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ رُجُوعٌ وَلَا رُجُوعَ فِي الْيَمِينِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ) أَيْ عَلَى مُقْسَمٍ عَلَيْهِ مِنْ فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ وَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا بِيَمِينِهِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ» رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَقَدْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ» ) مَعْنَاهُ لَا يَحْنَثُ أَبَدًا لِعَدَمِ انْعِقَادِ الْيَمِينِ (وَقَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الِاتِّصَالِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ (لِأَنَّهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ رُجُوعٌ وَلَا رُجُوعَ فِي الْيَمِينِ) فَإِنْ قُلْت: هَذَا تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَإِنَّ الْحَدِيثَ بِإِطْلَاقِهِ لَا يَفْصِلُ بَيْنَ الْمُنْفَصِلِ وَالْمُتَّصِلِ. قُلْت: الدَّلَائِلُ الدَّالَّةُ مِنْ النُّصُوصِ وَغَيْرِهَا عَلَى لُزُومِ الْعُقُودِ هِيَ الَّتِي تُوجِبُ الِاتِّصَالَ، فَإِنَّ جَوَازَ الِاسْتِثْنَاءِ مُنْفَصِلًا يُفْضِي إلَى إخْرَاجِ الْعُقُودِ كُلِّهَا مِنْ الْبُيُوعِ وَالْأَنْكِحَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَنْ تَكُونَ مُلْزِمَةً، وَفِي ذَلِكَ مِنْ الْفَسَادِ مَا لَا يَخْفَى،

[باب اليمين في الدخول والسكنى]

(بَابُ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ وَالسُّكْنَى) : ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا التَّعْلِيلُ يُوَافِقُ تِلْكَ الْأَدِلَّةَ، فَيُحْمَلُ حَدِيثُ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى الِاتِّصَالِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ جَوَازُ الِاسْتِثْنَاءِ مُنْفَصِلًا وَفِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ وَالسُّكْنَى] لَمَّا كَانَ انْعِقَادُ الْيَمِينِ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ أَوْ تَرْكِهِ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ ذِكْرِ أَنْوَاعِ الْأَفْعَالِ الْوَارِدَةِ فِي الْيَمِينِ فَذَكَرَهَا فِي أَبْوَابٍ وَقَدَّمَ الدُّخُولَ وَالسُّكْنَى عَلَى غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَنَحْوِهِمَا لِأَنَّ أَوَّلَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْإِنْسَانُ الَّذِي يَتَحَقَّقُ مِنْهُ الْيَمِينُ بَعْدَ وُجُودِهِ مَسْكَنٌ يَدْخُلُ فِيهِ وَيَسْكُنُهُ ثُمَّ يَتَوَارَدُ عَلَيْهِ سَائِرُ الْأَفْعَالِ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَغَيْرِهِ، وَإِلَيْهِ وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ - الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} [البقرة: 21 - 22] الْآيَةَ، وَالدُّخُولُ عِبَارَةٌ عَنْ الِانْتِقَالِ مِنْ الظَّاهِرِ إلَى الْبَاطِنِ، وَالسُّكْنَى

(وَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فَدَخَلَ الْكَعْبَةَ أَوْ الْمَسْجِدَ أَوْ الْبِيعَةَ أَوْ الْكَنِيسَةَ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ الْبَيْتَ مَا أُعِدَّ لِلْبَيْتُوتَةِ وَهَذِهِ الْبِقَاعُ مَا بُنِيَتْ لَهَا (وَكَذَا إذَا دَخَلَ دِهْلِيزًا أَوْ ظُلَّةَ بَابِ الدَّارِ) لِمَا ذَكَرْنَا، وَالظُّلَّةُ مَا تَكُونُ عَلَى السِّكَّةِ، وَقِيلَ إذَا كَانَ الدِّهْلِيزُ بِحَيْثُ لَوْ أُغْلِقَ الْبَابُ يَبْقَى دَاخِلًا وَهُوَ مُسْقَفٌ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ يُبَاتُ فِيهِ عَادَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQعِبَارَةٌ عَنْ الْكَوْنِ فِي مَكَان عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْرَارِ مَبِيتًا لِأَهْلِهِ (قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا) ظَاهِرٌ وَالْبِيعَةُ مُتَعَبَّدُ النَّصَارَى وَالْكَنِيسَةُ لِلْيَهُودِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْبَيْتَ مَا أُعِدَّ لِلْبَيْتُوتَةِ وَهَذِهِ الْبِقَاعُ مَا أُعِدَّتْ لَهَا) اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ اللَّهَ سَمَّى الْكَعْبَةَ بَيْتًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 96] الْآيَةَ، وَسَمَّى الْمَسَاجِدَ بُيُوتًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ} [النور: 36] الْآيَةَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنَاهَا عَلَى الْعُرْفِ لَا عَلَى أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ: أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى بَيْتَ الْعَنْكَبُوتِ بَيْتًا وَمُطْلَقُ اسْمِ الْبَيْتِ فِي الْيَمِينِ لَا يَتَنَاوَلُهُ. وَاسْتُشْكِلَ بِمَا قَالَهُ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ إذَا حَلَفَ لَا يَهْدِمُ بَيْتًا فَهَدَمَ بَيْتَ الْعَنْكَبُوتِ حَنِثَ، وَسَيَجِيءُ الْجَوَابُ إنْ شَاءَ اللَّهُ (وَكَذَا إذَا دَخَلَ دِهْلِيزَ أَوْ ظُلَّةَ بَابِ الدَّارِ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: ظُلَّةُ الْبَابِ هِيَ السُّدَّةُ الَّتِي فَوْقَ الْبَابِ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَالظُّلَّةُ تَكُونُ عَلَى السِّكَّةِ) أَرَادَ بِهَا السَّابَاطَ الَّذِي يَكُونُ عَلَى بَابِ الدَّارِ وَلَا يَكُونُ فَوْقَهُ بِنَاءٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْبَيْتِ وَلِعَدَمِ الْبَيْتُوتَةِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ فَوْقَهُ بِنَاءٌ، إلَّا أَنَّ مِفْتَحَهُ إلَى الطَّرِيقِ لَا يَحْنَثُ إذَا كَانَ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى بَيْتِ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جُمْلَةِ بَيْتِهِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ إذَا كَانَ الدِّهْلِيزُ) ظَاهِرٌ

(وَإِنْ دَخَلَ صُفَّةً حَنِثَ) لِأَنَّهَا تُبْنَى لِلْبَيْتُوتَةِ فِيهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَصَارَ كَالشَّتْوِيِّ وَالصَّيْفِيِّ. وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَتْ الصُّفَّةُ ذَاتَ حَوَائِطَ أَرْبَعَةٍ، وَهَكَذَا كَانَتْ صِفَافُهُمْ. وَقِيلَ الْجَوَابُ مُجْرًى عَلَى إطْلَاقِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا فَدَخَلَ دَارًا خَرِبَةً لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَهَا بَعْدَمَا انْهَدَمَتْ وَصَارَتْ صَحْرَاءَ حَنِثَ) لِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، يُقَالُ دَارٌ عَامِرَةٌ، وَدَارٌ غَامِرَةٌ وَقَدْ شَهِدَتْ أَشْعَارُ الْعَرَبِ بِذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِنْ دَخَلَ صُفَّةً حَنِثَ لِأَنَّهَا تُبْنَى لِلْبَيْتُوتَةِ فِيهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَصَارَ كَالشَّتْوِيِّ وَالصَّيْفِيِّ) الَّذِي يُبْنَى لِلْبَيْتُوتَةِ فِيهِ شِتَاءً أَوْ صَيْفًا، وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَتْ الصُّفَّةُ ذَاتَ حَوَائِطَ أَرْبَعَةٍ (وَهَكَذَا كَانَتْ صِفَافُهُمْ) أَيْ صِفَافُ أَهْلِ الْكُوفَةِ. ذُكِرَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ الْقَاضِي أَنَّ هَذِهِ أَشْكَلَتْ عَلَيَّ حَتَّى دَخَلْت الْكُوفَةَ، فَرَأَيْت صِفَافَهُمْ مُبَوَّبَةً فَعَلِمْت أَنَّ الْأَيْمَانَ وَضْعُهَا عَلَى تَعَارُفِهِمْ (وَقِيلَ الْجَوَابُ مُجْرًى عَلَى إطْلَاقِهِ) يَعْنِي سَوَاءً كَانَتْ ذَاتَ حَوَائِطَ أَرْبَعَةٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ (وَهُوَ الصَّحِيحُ) دُونَ الْحَمْلِ عَلَى عُرْفِهِمْ لِأَنَّ الْبَيْتَ اسْمٌ لِمَبْنًى مُسْقَفٍ مَدْخَلُهُ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ بُنِيَ لِلْبَيْتُوتَةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الصُّفَّةِ، إلَّا أَنَّ مَدْخَلَهَا أَوْسَعُ فَيَتَنَاوَلُهَا اسْمُ الْبَيْتِ فَيَحْنَثُ. (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا فَدَخَلَ دَارًا خَرِبَةً لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَهَا بَعْدَمَا انْهَدَمَتْ وَصَارَتْ صَحْرَاءَ حَنِثَ) لِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، يُقَالُ دَارٌ عَامِرَةٌ وَدَارٌ غَامِرَةٌ، وَقَدْ شَهِدَتْ أَشْعَارُ الْعَرَبِ بِذَلِكَ فَمِنْهَا مَا قَالَ لَبِيدٌ: عَفَتْ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا فَمُقَامُهَا ... بِمِنًى تَأَبَّدَ غُولُهَا فَرِجَامُهَا عَفَا يَعْفُو مُتَعَدٍّ وَلَازِمٌ وَهُنَا لَازِمٌ، وَتَأَبَّدَ الْمَنْزِلُ: أَيْ أَقْفَرَ فَأَلِفَتْهُ الْوُحُوشُ، وَالْغُولُ وَالرِّجَامُ مَوْضِعَانِ. يَقُولُ: عَفَتْ دِيَارُ الْأَحْبَابِ مَا كَانَ مِنْهَا لِلْحُلُولِ وَمَا كَانَ مِنْهَا لِلْإِقَامَةِ، وَهَذِهِ الدِّيَارُ كَانَتْ بِمِنًى وَقَدْ تَوَحَّشَتْ الدِّيَارُ الْغُولِيَّةُ وَالرِّجَامِيَّةُ. وَقَالَ قَائِلُهُمْ: الدَّارُ دَارٌ وَإِنْ زَالَتْ حَوَائِطُهَا ... وَالْبَيْتُ لَيْسَ بِبَيْتٍ بَعْدَ تَهْدِيمِ

وَالْبِنَاءُ وَصْفٌ فِيهَا غَيْرَ أَنَّ الْوَصْفَ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ وَفِي الْغَائِبِ مُعْتَبَرٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَالْبِنَاءُ وَصْفٌ فِيهَا غَيْرَ أَنَّ الْوَصْفَ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ وَفِي الْغَائِبِ مُعْتَبَرٌ) لِمَا ذُكِرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ مَعْلُومًا. فَإِذَا كَانَ مُشَارًا إلَيْهَا كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مَعْلُومًا فَلَا حَاجَةَ إلَى مُعَرَّفٍ بِخِلَافِ الْمُنَكَّرِ فَإِنَّهُ لَا مُعَرِّفَ لَهُ سِوَى الْوَصْفِ فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا. وَاعْتُرِضَ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّ الصِّفَةَ لَوْ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً فِي الْمُنَكَّرِ لَمَا وَقَعَ الْمُشْتَرَاةُ لِلْمُوَكِّلِ إذَا وَكَّلَ رَجُلًا بِشِرَاءِ دَارٍ فَاشْتَرَى دَارًا خَرِبَةً لِأَنَّهَا غَيْرُ مَوْصُوفَةٍ وَهَذَا نَقْضٌ إجْمَالِيٌّ. وَالثَّانِي أَنَّ الْبِنَاءَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي الْمُسَمَّى أَوْ لَمْ يَكُنْ، فَإِنْ كَانَ دَاخِلًا وَجَبَ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ الْحَالُ بِالْغَيْبَةِ وَالْحُضُورِ فِي الدُّخُولِ كَالْعَرْصَةِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا وَجَبَ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ الْحَالُ أَيْضًا فِي عَدَمِ الدُّخُولِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ رَجُلًا لَا يَتَقَيَّدُ يَمِينُهُ بِرَجُلٍ قَاعِدٍ عَالِمٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الصِّفَاتِ الْخَارِجِيَّةِ عَنْهُ وَهَذِهِ مُعَارَضَةٌ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الدَّارَ فِي الْوَكَالَةِ تُعُرِّفَتْ بِوَجْهٍ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِشِرَائِهَا إنَّمَا يَصِحُّ عِنْدَ بَيَانِ الثَّمَنِ وَالْمَحَلَّةِ وَلَيْسَتْ فِي الْيَمِينِ كَذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ انْعِقَادِ الْوَكَالَةِ صِحَّةُ انْعِقَادِ الْيَمِينِ بِلَا صِفَةٍ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْبِنَاءَ صِفَةٌ مُتَعَيِّنَةٌ لِلدَّارِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِحُكْمِ الْعُرْفِ لِتَعَيُّنِهِ وَفِي الرِّجَالِ التَّزَاحُمُ فِي الصِّفَاتِ ثَابِتٌ مِنْ الْعِلْمِ وَالْعَقْلِ وَالْقُدْرَةِ وَالصِّنَاعَةِ وَالْحُسْنِ وَالْجَمَالِ، وَهَذِهِ الصِّفَاتُ بِأَسْرِهَا تَمْتَنِعُ إرَادَتُهَا عَادَةً، وَلَيْسَ الْبَعْضُ أَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ فِي الْإِرَادَةِ فَتَمْتَنِعُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِرَادَةُ أَصْلًا، كَذَا فِي النِّهَايَةِ مُحَالًا عَلَى الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ. وَرُدَّ بِأَنَّ الْبِنَاءَ ضِدُّهُ الْخَرَابُ فَكَانَ الدَّارُ مَحَلَّ تَوَارُدِهِمَا فَكَيْفَ صَارَ الْبِنَاءُ صِفَةً مُتَعَيِّنَةً فَهُوَ فِي حَيِّزِ النِّزَاعِ. وَأَقُولُ فِي جَوَابِ الْمُعَارَضَةِ الْمَذْكُورُ مِنْ التَّقْسِيمِ غَيْرُ حَاضِرٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي الْمُنَكَّرِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى التَّعْرِيفِ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْمُعَرَّفِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ.

(وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَخَرِبَتْ ثُمَّ بُنِيَتْ أُخْرَى فَدَخَلَهَا يَحْنَثُ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الِاسْمَ بَاقٍ بَعْدَ الِانْهِدَامِ، (وَإِنْ جُعِلَتْ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا أَوْ بُسْتَانًا أَوْ بَيْتًا فَدَخَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ دَارًا لِاعْتِرَاضِ اسْمٍ آخَرَ عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا دَخَلَهُ بَعْدَ انْهِدَامِ الْحَمَّامِ وَأَشْبَاهِهِ لِأَنَّهُ لَا يَعُودُ اسْمَ الدَّارِيَةِ. (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْبَيْتَ فَدَخَلَهُ بَعْدَمَا انْهَدَمَ وَصَارَ صَحْرَاءَ لَمْ يَحْنَثْ) لِزَوَالِ اسْمِ الْبَيْتِ لِأَنَّهُ لَا يُبَاتُ فِيهِ، حَتَّى لَوْ بَقِيَتْ الْحِيطَانُ وَسَقَطَ السَّقْفُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ يُبَاتُ فِيهِ وَالسَّقْفُ وَصْفٌ فِيهِ (وَكَذَا إذَا بَنَى بَيْتًا آخَرَ فَدَخَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ الِاسْمَ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ الِانْهِدَامِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَخَرِبَتْ ثُمَّ بُنِيَتْ أُخْرَى فَدَخَلَهَا حَنِثَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الِاسْمَ بَاقٍ بَعْدَ الِانْهِدَامِ، وَإِنْ جُعِلَتْ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا أَوْ بُسْتَانًا أَوْ بَيْتًا فَدَخَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ) لِاعْتِرَاضِ اسْمٍ آخَرَ عَلَيْهِ وَمِنْ ضَرُورَةِ حُدُوثِ هَذَا الِاسْمِ زَوَالُ ذَلِكَ الِاسْمِ، وَالْيَمِينُ قَدْ انْعَقَدَتْ بِمَا يُسَمَّى دَارًا وَلَمْ يَبْقَ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا إذَا دَخَلَ بَعْدَ انْهِدَامِ الْحَمَّامِ) ظَاهِرٌ. قَالَ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْبَيْتَ فَدَخَلَهُ بَعْدَمَا انْهَدَمَ وَصَارَ صَحْرَاءَ لَمْ يَحْنَثْ لِزَوَالِ اسْمِ الْبَيْتِ فَإِنَّهُ لَا يُبَاتُ فِيهِ، حَتَّى لَوْ بَقِيَتْ الْحِيطَانُ وَسَقَطَ السَّقْفُ حَنِثَ لِبَقَاءِ الِاسْمِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً} [النمل: 52] فِي بُيُوتٍ مُنْهَدِمَةِ السُّقُوفِ (وَلِأَنَّهُ يُبَاتُ فِيهِ فَكَانَ السَّقْفُ وَصْفًا فِيهِ وَكَذَا إذَا بَنَى بَيْتًا آخَرَ فَدَخَلَهُ لِأَنَّ الِاسْمَ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ الِانْهِدَامِ)

قَالَ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَوَقَفَ عَلَى سَطْحِهَا حَنِثَ) لِأَنَّ السَّطْحَ مِنْ الدَّارِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُعْتَكِفَ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ بِالْخُرُوجِ إلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ. وَقِيلَ فِي عُرْفِنَا لَا يَحْنَثُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ. قَالَ (وَكَذَا إذَا دَخَلَ دِهْلِيزَهَا) وَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي تَقَدَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَنَّهُ صَارَ بَيْتًا بِسَبَبٍ حَادِثٍ، وَاخْتِلَافُ السَّبَبِ يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْعَيْنِ فَلَا يَكُونُ دَاخِلًا فِي الْبَيْتِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَلَا يَحْنَثُ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَوَقَفَ عَلَى سَطْحِهَا) بِالصُّعُودِ إلَيْهِ مِنْ خَارِجٍ (حَنِثَ لِأَنَّ السَّطْحَ مِنْ الدَّارِ) لِأَنَّ الدَّارَ عِبَارَةٌ عَمَّا أَحَاطَ بِهِ الدَّائِرَةُ وَهُوَ حَاصِلٌ فِي عُلُوِّهَا وَسُفْلِهَا (أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُعْتَكِفَ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ بِالْخُرُوجِ إلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ) وَلَا يَجُوزُ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ، وَلَا يُظَنُّ أَنَّ السَّقْفَ مِنْ الْبِنَاءِ فَيُتَوَهَّمُ التَّنَاقُضُ بَيْنَ كَلَامَيْهِ لِأَنَّهُ قَالَ مِنْ قَبْلُ وَالْبِنَاءُ وَصْفٌ فِيهَا، وَقِيلَ إذَا وَقَفَ عَلَى السَّطْحِ لَا يَحْنَثُ فِي عُرْفِنَا. قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي النَّوَازِلِ: إنْ كَانَ الْحَالِفُ مِنْ بِلَادِ الْعَجَمِ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَدْخُلْ الدَّارَ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يَعْرِفُونَ ذَلِكَ دُخُولًا فِي الدَّارِ (وَكَذَا إذَا دَخَلَ دِهْلِيزَهَا يَحْنَثُ) ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ مُطْلَقًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي تَقَدَّمَ) يَعْنِي بِهِ قَوْلَهُ وَإِذَا أَغْلَقَ الْبَابَ يَبْقَى دَاخِلًا وَهُوَ مُسْقَفٌ.

(وَإِنْ وَقَفَ فِي طَاقِ الْبَابِ بِحَيْثُ إذَا أُغْلِقَ الْبَابُ كَانَ خَارِجًا لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ الْبَابَ لِإِحْرَازِ الدَّارِ وَمَا فِيهَا فَلَمْ يَكُنْ الْخَارِجُ مِنْ الدَّارِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ (وَإِنْ وَقَفَ فِي طَاقِ الْبَابِ) ظَاهِرٌ.

قَالَ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ فِيهَا لَمْ يَحْنَثْ بِالْقُعُودِ حَتَّى يَخْرُجَ ثُمَّ يَدْخُلَ) اسْتِحْسَانًا. وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ لِأَنَّ الدَّوَامَ لَهُ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الدُّخُولَ لَا دَوَامَ لَهُ لِأَنَّهُ انْفِصَالٌ مِنْ الْخَارِجِ إلَى الدَّاخِلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ) تَقْرِيرُهُ الْقَوْلَ بِالْمُوجِبِ: يَعْنِي سَلَّمْنَا أَنَّ لِلدَّوَامِ حُكْمَ الِابْتِدَاءِ لَكِنْ فِيمَا لَهُ دَوَامٌ، وَالدُّخُولُ لَا دَوَامَ لَهُ لِأَنَّهُ انْفِصَالٌ مِنْ الْخَارِجِ إلَى الدَّاخِلِ وَلَيْسَ لَهُ دَوَامٌ، وَإِطْلَاقُ الِانْتِقَالِ بَدَلَ الِانْفِصَالِ أَوْلَى لِكَوْنِهِ حَرَكَةَ أَبْنِيَةٍ تُسَمَّى نُقْلَةً.

(وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ وَهُوَ لَابِسُهُ فَنَزَعَهُ فِي الْحَالِ لَمْ يَحْنَثْ) وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَرْكَبُ هَذِهِ الدَّابَّةَ وَهُوَ رَاكِبُهَا فَنَزَلَ مِنْ سَاعَتِهِ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ سَاكِنُهَا فَأَخَذَ فِي النَّقْلَةِ مِنْ سَاعَتِهِ. وَقَالَ زُفَرُ: يَحْنَثُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَإِنْ قَلَّ. وَلَنَا أَنَّ الْيَمِينَ تُعْقَدُ لِلْبِرِّ فَيُسْتَثْنَى مِنْهُ زَمَانُ تَحْقِيقِهِ (فَإِنْ لَبِثَ عَلَى حَالِهِ سَاعَةً حَنِثَ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفَاعِيلَ لَهَا دَوَامٌ بِحُدُوثِ أَمْثَالِهَا؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ يُضْرَبُ لَهَا مُدَّةٌ يُقَالُ رَكِبْت يَوْمًا وَلَبِسْت يَوْمًا بِخِلَافِ الدُّخُولِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ دَخَلْت يَوْمًا بِمَعْنَى الْمُدَّةِ وَالتَّوْقِيتِ وَلَوْ نَوَى الِابْتِدَاءَ الْخَالِصَ يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ) ظَاهِرٌ وَقَوْلُ زُفَرَ قِيَاسٌ وَقَوْلُهُمْ اسْتِحْسَانٌ. وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ الْأَفْعَالَ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٍ يَقْبَلُ الِامْتِدَادَ وَضَرْبٍ لَا يَقْبَلُهُ وَالْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا قَبُولُ التَّأْقِيتِ وَعَدَمِهِ فَمَا قَبِلَ التَّأْقِيتَ قَبِلَ الِامْتِدَادَ وَمَا لَا فَلَا. وَالِاسْتِدَامَةُ عَلَى الْمُمْتَدِّ بِمَنْزِلَةِ الْإِنْشَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68] أَيْ فَلَا تَمْكُثْ قَاعِدًا لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعِظُ النَّاسَ قَاعِدًا، وَعَلَى هَذَا قَالُوا: إذَا قَالَ لَهَا كُلَّمَا رَكِبْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَمَكَثَتْ سَاعَةً يُمْكِنُهَا النُّزُولُ فِيهَا طَلُقَتْ، وَإِنْ مَكَثَتْ مِثْلَهَا طَلُقَتْ أُخْرَى لِأَنَّ لِلدَّوَامِ حُكْمَ الِابْتِدَاءِ، وَكَلِمَةُ كُلَّمَا تَعُمُّ الْأَفْعَالَ فَيَتَكَرَّرُ الْجَزَاءُ بِتَكَرُّرِ الشَّرْطِ. وَنُوقِضَ بِمَا لَوْ قَالَ كُلَّمَا رَكِبْت دَابَّةً فَعَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ فَرَكِبَ دَابَّةً فَعَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَإِنْ طَالَ مُكْثُهُ فِي الرُّكُوبِ، وَلَوْ كَانَ مَا ذَكَرْتُمْ صَحِيحًا لَلَزِمَهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الِاسْتِدَامَةَ فِيمَا يَمْتَدُّ بِمَنْزِلَةِ الْإِنْشَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْإِنْشَاءُ الْخَالِصُ غَيْرَ مُرَادٍ، وَلِهَذَا قُلْنَا فِي هَذَا الْفَصْلِ إذَا كَانَ رَاكِبًا وَقْتَ الْيَمِينِ لَزِمَهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ يُمْكِنُهُ النُّزُولُ وَالرُّكُوبُ دِرْهَمٌ لِكَوْنِ الْإِنْشَاءِ الْخَالِصِ غَيْرَ مُرَادٍ، وَإِنَّمَا قَالَ بِمَعْنَى الْمُدَّةِ وَالتَّوْقِيتِ احْتِرَازٌ عَمَّا يُقَالُ فِي مَجَارِي كَلَامِهِمْ دَخَلْت يَوْمًا وَخَرَجْت يَوْمًا وَلَكِنْ لَا بِمَعْنَى الْمُدَّةِ وَالتَّوْقِيتِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ نَوَى الِابْتِدَاءَ الْخَالِصَ يَصْدُقُ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامٍ) سَمَّاهُ مُحْتَمَلًا وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ لَا يَرْكَبُ حَقِيقَةً فِي الِابْتِدَاءِ لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِ إذَا لَمْ يَكُنْ رَاكِبًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ رَاكِبًا فَالِابْتِدَاءُ مِنْ مُحْتَمَلَاتِهِ.

قَالَ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَتَاعِهِ وَأَهْلِهِ فِيهَا وَلَمْ يُرِدْ الرُّجُوعَ إلَيْهَا حَنِثَ) لِأَنَّهُ يُعَدُّ سَاكِنَهَا بِبَقَاءِ أَهْلِهِ وَمَتَاعِهِ فِيهَا عُرْفًا، فَإِنَّ السُّوقِيَّ عَامَّةَ نَهَارِهِ فِي السُّوقِ وَيَقُولُ أَسْكُنُ سِكَّةَ كَذَا، وَالْبَيْتُ وَالْمَحَلَّةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ) يَعْنِي وَهُوَ مُتَأَهِّلٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فَخَرَجَ وَمَتَاعُهُ وَأَهْلُهُ فِيهَا. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَأَهِّلًا بَلْ هُوَ مِمَّنْ يَعُولُهُ غَيْرُهُ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ لَمْ يَحْنَثْ؛ وَالْمُتَأَهِّلُ إذَا حَلَفَ، فَأَمَّا إنْ حَلَفَ عَلَى الدَّارِ أَوْ الْمِصْرِ أَوْ الْقَرْيَةِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَلَا بُدَّ مِنْ نَقْلِ أَهْلِهِ وَمَتَاعِهِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ يَكْتَفِي بِنَقْلِهِ إلَى مِصْرٍ آخَرَ عَلَى مَا رُوِيَ

بِمَنْزِلَةِ الدَّارِ. وَلَوْ كَانَ الْيَمِينُ عَلَى الْمِصْرِ لَا يَتَوَقَّفُ الْبِرُّ عَلَى نَقْلِ الْمَتَاعِ وَالْأَهْلِ فِيمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاكِنًا فِي الَّذِي انْتَقَلَ عَنْهُ عُرْفًا. بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَالْقَرْيَةُ بِمَنْزِلَةِ الْمِصْرِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْجَوَابِ. ثُمَّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا بُدَّ مِنْ نَقْلِ كُلِّ الْمَتَاعِ، حَتَّى لَوْ بَقِيَ وَتَدٌ يَحْنَثُ لِأَنَّ السُّكْنَى قَدْ ثَبَتَ بِالْكُلِّ فَيَبْقَى مَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَيْهِ. يُعْتَبَرُ نَقْلُ الْأَكْثَرِ لِأَنَّ نَقْلَ الْكُلِّ قَدْ يَتَعَذَّرُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ: يُعْتَبَرُ نَقْلُ مَا يَقُومُ بِهِ كَدَخْدَائِيَّتِهِ لِأَنَّ مَا وَرَاء ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ السُّكْنَى. قَالُوا: هَذَا أَحْسَنُ وَأَرْفَقُ بِالنَّاسِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَإِنْ كَانَ الثَّالِثَ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ حَمَلَهَا بَعْضُهُمْ عَلَى الدَّارِ وَبَعْضُهُمْ عَلَى الْمِصْرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَالْحَاكِمُ فِي ذَلِكَ الْعُرْفُ لَيْسَ إلَّا. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ النَّقْلِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ. وَاعْتُرِضَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ سُكْنَاهُ كَانَ بِجَمِيعِ مَا كَانَ مَعَهُ مِنْ الْأَهْلِ وَالْمَتَاعِ، فَإِذَا أَخْرَجَ بَعْضَهُ انْتَفَى سُكْنَاهُ لِأَنَّ الْكُلَّ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ الْبَعْضِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْكُلَّ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ جُزْءٍ حَقِيقِيٍّ لَا اعْتِبَارِيٍّ، وَمَا ذَكَرْتُمْ لَيْسَ كَذَلِكَ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى مَنْزِلٍ آخَرَ بِلَا تَأْخِيرٍ حَتَّى يَبَرَّ، فَإِنْ انْتَقَلَ إلَى السِّكَّةِ أَوْ إلَى الْمَسْجِدِ قَالُوا لَا يَبَرُّ، دَلِيلُهُ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ مَنْ خَرَجَ بِعِيَالِهِ مِنْ مِصْرِهِ فَمَا لَمْ يَتَّخِذْ وَطَنًا آخَرَ يَبْقَى وَطَنُهُ الْأَوَّلُ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ كَذَا هَذَا. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَنْبَغِي أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى مَنْزِلٍ آخَرَ بِلَا تَأْخِيرٍ حَتَّى يَبَرَّ) وَقَالَ فِي الشَّافِي: إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ النَّقْلُ مِنْ سَاعَتِهِ بِعُذْرِ اللَّيْلِ أَوْ بِمَنْعِ ذِي سُلْطَانٍ أَوْ عَدَمِ مَوْضِعٍ آخَرَ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ حَالَةَ الضَّرُورَةِ مُسْتَثْنَاةٌ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَكَذَلِكَ لَوْ سَدَّ عَلَيْهِ الْبَابَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى النُّقْلَةِ أَوْ كَانَ شَرِيفًا أَوْ ضَعِيفًا لَا يَقْدِرُ عَلَى نَقْلِ الْمَتَاعِ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا يَنْقُلُهَا لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَجِدَ مَنْ يَنْقُلُهَا وَيَلْحَقُ الْمَوْجُودُ بِالْمَعْدُومِ لِلْعَذَارِ. وَنُوقِضَ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ أَنَّ مَنْ قَالَ إنْ لَمْ أَخْرُجْ مِنْ هَذَا الْمَنْزِلِ الْيَوْمَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَقَيَّدَ وَمَنَعَ مِنْ الْخُرُوجِ يَحْنَثُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ فِي مَنْزِلِ وَالِدِهَا إنْ لَمْ تَحْضُرِي اللَّيْلَةَ مَنْزِلِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَمَنَعَهَا الْوَالِدُ عَنْ الْحُضُورِ حَنِثَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ شَرْطَ الْحِنْثِ السُّكْنَى، وَأَنَّهُ فِعْلٌ وُجُودِيٌّ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ الِاخْتِيَارِ. وَلَا يَحْصُلُ الِاخْتِيَارُ مَعَ وُجُودِ الْمَوَانِعِ الْمَذْكُورَةِ. وَأَمَّا فِي صُورَةِ النَّقْضِ فَشَرْطُ الْحِنْثِ عَدَمُ الْخُرُوجِ وَالْعَدَمُ لَا يَحْتَاجُ إلَى اخْتِيَارٍ (فَإِنْ انْتَقَلَ إلَى السِّكَّةِ أَوْ الْمَسْجِدِ قَالُوا: لَا يَبَرُّ) وَقِيلَ يَبَرُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ سَاكِنًا، وَدَلِيلُ الْأَوَّلِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ مَنْ خَرَجَ بِعِيَالِهِ مِنْ مِصْرِهِ فَمَا لَمْ يَتَّخِذْ وَطَنًا آخَرَ يَبْقَى وَطَنُهُ الْأَوَّلُ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ كَذَا هَذَا. وَصُورَتُهُ: كُوفِيٌّ نَقَلَ عِيَالَهُ إلَى

[باب اليمين في الخروج والإتيان والركوب وغير ذلك]

(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْخُرُوجِ وَالْإِتْيَانِ وَالرُّكُوبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ) : قَالَ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ فَأَمَرَ إنْسَانًا فَحَمَلَهُ فَأَخْرَجَهُ حَنِثَ) لِأَنَّ فِعْلَ الْمَأْمُورِ مُضَافٌ إلَى الْآمِرِ فَصَارَ كَمَا إذَا رَكِبَ دَابَّةً فَخَرَجَتْ (وَلَوْ أَخْرَجَهُ مُكْرَهًا لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ الْفِعْلَ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَيْهِ لِعَدَمِ الْأَمْرِ (وَلَوْ حَمَلَهُ بِرِضَاهُ لَا بِأَمْرِهِ لَا يَحْنَثُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَكَّةَ لِيَتَوَطَّنَ بِهَا فَلَمَّا دَخَلَهَا وَتَوَطَّنَ بِهَا بَدَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى خُرَاسَانَ فَمَرَّ بِالْكُوفَةِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِهَا رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّ وَطَنَهُ بِالْكُوفَةِ انْتَقَضَ بِوَطَنِهِ بِمَكَّةَ، وَإِنْ بَدَا لَهُ فِي الطَّرِيقِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ أَنْ لَا يَسْتَوْطِنَ مَكَّةَ وَيَرْجِعَ إلَى خُرَاسَانَ فَمَرَّ بِالْكُوفَةِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِالْكُوفَةِ أَرْبَعًا لِأَنَّ وَطَنَهُ بِالْكُوفَةِ قَائِمٌ مَا لَمْ يَتَّخِذْ وَطَنًا آخَرَ، فَكَذَا هَذَا. وَفِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ قَوْلُهُ قَالُوا لَا يَبَرُّ مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي طَلَبِ مَسْكَنٍ آخَرَ، أَمَّا إذَا كَانَ وَبَقِيَ عَلَى ذَلِكَ أَيَّامًا فَلَا يَحْنَثُ فِي الصَّحِيحِ وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِلْ إلَى السِّكَّةِ أَوْ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ طَرْحُ الْأَمْتِعَةِ فِي السِّكَّةِ فَيَصِيرُ ذَلِكَ الْقَدْرُ مُسْتَثْنًى لِلضَّرُورَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْيَمِينِ فِي الْخُرُوجِ وَالْإِتْيَانِ وَالرُّكُوبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ] ذِكْرُ الْخُرُوجِ هَاهُنَا ظَاهِرُ التَّنَاسُبِ لِأَنَّ لَهُ مُنَاسَبَةَ الْمُضَادَّةِ بِالدُّخُولِ، وَأَمَّا الْإِتْيَانُ وَالرُّكُوبُ فَمَا يَتَحَقَّقُ بَعْدَ الْخُرُوجِ فَاسْتَصْحَبَهُمَا ذِكْرُ الْخُرُوجِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ) ظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الدَّارِ وَالْبَيْتِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ أَخْرَجَهُ مُكْرَهًا) صُورَتُهُ أَنْ يَحْمِلَهُ إنْسَانٌ فَيُخْرِجَهُ مُكْرَهًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْفِعْلُ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا، وَأَمَّا إذَا هَدَّدَهُ غَيْرُهُ فَخَرَجَ خَوْفًا مِنْ الْمُكْرِهِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِوُجُودِ الْفِعْلِ مِنْهُ، ثُمَّ هَلْ تَنْحَلُّ الْيَمِينُ إذَا حَمَلَ مُكْرَهًا، قِيلَ تَنْحَلُّ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَهَبَّتْ بِهِ الرِّيحُ وَأَلْقَتْهُ فِيهَا لَمْ يَحْنَثْ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ، وَقِيلَ لَا تَنْحَلُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ.

فِي الصَّحِيحِ، لِأَنَّ الِانْتِقَالَ بِالْأَمْرِ لَا بِمُجَرَّدِ الرِّضَا. قَالَ (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ دَارِهِ إلَّا إلَى جِنَازَةٍ فَخَرَجَ إلَيْهَا ثُمَّ أَتَى حَاجَةً أُخْرَى لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ الْمَوْجُودَ خُرُوجٌ مُسْتَثْنًى، وَالْمُضِيَّ بَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ بِخُرُوجٍ. (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ إلَى مَكَّةَ فَخَرَجَ يُرِيدُهَا ثُمَّ رَجَعَ حَنِثَ) لِوُجُودِ الْخُرُوجِ عَلَى قَصْدِ مَكَّةَ وَهُوَ الشَّرْطُ، إذْ الْخُرُوجُ هُوَ الِانْفِصَالُ مِنْ الدَّاخِلِ إلَى الْخَارِجِ (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْتِيهَا لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَدْخُلَهَا) لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْوُصُولِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا} [الشعراء: 16] وَلَوْ حَلَفَ لَا يَذْهَبُ إلَيْهَا قِيلَ هُوَ كَالْإِتْيَانِ، وَقِيلَ هُوَ كَالْخُرُوجِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (فِي الصَّحِيحِ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إنَّهُ يَحْنَثُ لِمَا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الِامْتِنَاعِ فَلَمْ يَمْتَنِعْ صَارَ كَالْآمِرِ بِالْإِخْرَاجِ. وَقَوْلُهُ (وَالْمُضِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ بِخُرُوجٍ) يَعْنِي أَنَّ الْخُرُوجَ عِبَارَةٌ عَنْ الِانْتِقَالِ مِنْ الدَّاخِلِ إلَى الْخَارِجِ وَلَمْ يُوجَدْ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ إلَى مَكَّةَ) هَاهُنَا ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ: الْخُرُوجُ وَالْإِتْيَانُ وَالذَّهَابُ وَالْأَوَّلُ شَرْطُ الْحِنْثِ بِهِ الِانْفِصَالُ بِمُجَاوَزَةِ عِمْرَانِ مِصْرِهِ قَاصِدًا لِذَلِكَ دُونَ الْوُصُولِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النساء: 100] وَأَرَادَ بِهِ الِانْفِصَالَ. وَالثَّانِي شَرْطُهُ الْوُصُولُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ} [الشعراء: 16] فَإِذَا وَصَلَ حَنِثَ سَوَاءٌ كَانَ قَاصِدًا أَوْ لَمْ يَكُنْ. وَالثَّالِثُ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ قَالَ نَصْرُ بْنُ يَحْيَى هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْإِتْيَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ} [طه: 43] وَالْمُرَادُ بِهِ الْإِتْيَانُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْخُرُوجِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ} [الأحزاب: 33]

وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الزَّوَالِ. (وَإِنْ حَلَفَ لَيَأْتِيَنَّ الْبَصْرَةَ فَلَمْ يَأْتِهَا حَتَّى مَاتَ حَنِثَ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ) لِأَنَّ الْبِرَّ قَبْلَ ذَلِكَ مَرْجُوٌّ. (وَلَوْ حَلَفَ لَيَأْتِيَنَّهُ غَدًا إنْ اسْتَطَاعَ فَهَذَا عَلَى اسْتِطَاعَةِ الصِّحَّةِ دُونَ الْقُدْرَةِ، وَفَسَّرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَالَ: إذَا لَمْ يَمْرَضْ وَلَمْ يَمْنَعْهُ السُّلْطَانُ وَلَمْ يَجِئْ أَمْرٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى إتْيَانِهِ فَلَمْ يَأْتِهِ حَنِثَ، وَإِنْ عَنَى اسْتِطَاعَةَ الْقَضَاءِ دَيْنٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى) وَهَذَا لِأَنَّ حَقِيقَةَ الِاسْتِطَاعَةِ فِيمَا يُقَارِنُ الْفِعْلَ وَيُطْلَقُ الِاسْمُ عَلَى سَلَامَةِ الْآلَاتِ وَصِحَّةِ الْأَسْبَابِ فِي الْمُتَعَارَفِ. فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَتَصِحُّ نِيَّةُ الْأَوَّلِ دِيَانَةً لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ ثُمَّ قِيلَ وَتَصِحُّ قَضَاءً أَيْضًا لِمَا بَيَّنَّا، وَقِيلَ لَا تَصِحُّ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْإِذْهَابُ الْإِزَالَةُ، فَيَكُونُ الذَّهَابُ زَوَالًا فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْوُصُولُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الزَّوَالِ) . (وَلَوْ حَلَفَ لَيَأْتِيَنَّهُ غَدًا إنْ اسْتَطَاعَ فَهَذَا عَلَى اسْتِطَاعَةِ الصِّحَّةِ دُونَ الْقُدْرَةِ) اعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ تُطْلَقُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ: أَحَدِهِمَا صِحَّةُ الْأَسْبَابِ وَالْآلَاتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] وَفَسَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ. وَالثَّانِي الْقُدْرَةُ الْحَقِيقِيَّةُ وَهِيَ نَوْعٌ عَلَى حِدَةٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْفِعْلُ عِنْدَ إرَادَتِهِ إرَادَةً جَازِمَةً يَخْلُقُهُ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ الْفِعْلِ لَا قَبْلَهُ عِنْدَنَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ} [هود: 20] إذَا عَرَفْت هَذَا فَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ كَلَامُهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ، وَإِنْ عَنَى الثَّانِيَ وَقَدْ عَبَّرَ عَنْهُ بِاسْتِطَاعَةِ الْقَضَاءِ صَدَقَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ نَوَى أَيْ أَرَادَ حَقِيقَةَ كَلَامِهِ. وَقِيلَ يَصْدُقُ قَضَاءً أَيْضًا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ. وَقِيلَ لَا يَصِحُّ قَضَاءً لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمُتَعَارَفُ وَفِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَى نَفْسِهِ.

(وَمَنْ حَلَفَ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ لَهَا مَرَّةً فَخَرَجَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ مَرَّةً أُخْرَى بِغَيْرِ إذْنِهِ حَنِثَ وَلَا بُدَّ مِنْ الْإِذْنِ فِي كُلِّ خُرُوجٍ) لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى خُرُوجٌ مَقْرُونٌ بِالْإِذْنِ، وَمَا وَرَاءَهُ دَاخِلٌ فِي الْحَظْرِ الْعَامِّ. وَلَوْ نَوَى الْإِذْنَ مَرَّةً يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ حَلَفَ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ احْتَاجَ إلَى الْإِذْنِ لِكُلِّ خُرْجَةٍ) حَتَّى لَوْ أَذِنَ لَهَا مَرَّةً فَخَرَجَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ بِلَا إذْنٍ حَنِثَ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى خُرُوجٌ مَقْرُونٌ بِالْإِذْنِ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ وَاَللَّهِ لَا تَخْرُجِي إلَّا خُرُوجًا مُلْصَقًا بِإِذْنِي لِأَنَّ الْبَاءَ لِلْإِلْصَاقِ فَيَقْتَضِي مُلْصَقًا وَمُلْصَقًا بِهِ فَيَكُونُ مَا وَرَاءَهُ: أَيْ مَا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى دَاخِلًا تَحْتَ الْحَظْرِ الْعَامِّ (وَلَوْ نَوَى الْإِذْنَ مَرَّةً صَدَقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ) لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِمُقْتَضَى الْبَاءِ. وَلَوْ قَالَ إلَّا أَنْ

(وَلَوْ قَالَ إلَّا أَنْ آذَنَ لَك فَأَذِنَ لَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً فَخَرَجَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ بَعْدَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ هَذِهِ كَلِمَةُ غَايَةٍ فَتَنْتَهِي الْيَمِينُ بِهِ كَمَا إذَا قَالَ حَتَّى آذَنَ لَك. ـــــــــــــــــــــــــــــQآذَنَ لَك كَفَى إذْنٌ وَاحِدٌ لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ. وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} [الأحزاب: 53] وَكَانَ تَكْرَارُ الْإِذْنِ لَازِمًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ بِدَلِيلٍ خَارِجِيٍّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ} [الأحزاب: 53] وَتَمَامُ التَّقْدِيرِ فِيهِ ذَكَرْنَاهُ فِي الْأَنْوَارِ وَالتَّقْدِيرِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ لِأَنَّ هَذِهِ كَلِمَةُ غَايَةٍ: أَيْ كَلِمَةٌ تُفِيدُ مَعْنَى الْغَايَةِ لِأَنَّ إلَّا أَنَّ لَيْسَ مَوْضُوعًا لَهَا بَلْ لِلِاسْتِثْنَاءِ، وَتَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّ صَدْرَ الْكَلَامِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْإِذْنِ حَتَّى يُسْتَثْنَى الْإِذْنُ مِنْهُ فَيُجْعَلُ مَجَازًا عَنْ حَتَّى لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ أَنَّ حُكْمَ مَا قَبْلَ الْغَايَةِ مُخَالِفٌ لِمَا بَعْدَهَا، كَمَا أَنَّ حُكْمَ مَا قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ يُخَالِفُ حُكْمَ مَا بَعْدَهُ.

(وَلَوْ أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ الْخُرُوجَ فَقَالَ إنْ خَرَجْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَجَلَسَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ لَمْ يَحْنَثْ) وَكَذَلِكَ إذَا أَرَادَ رَجُلٌ ضَرْبَ عَبْدِهِ فَقَالَ لَهُ آخَرُ إنْ ضَرَبْته فَعَبْدِي حُرٌّ فَتَرَكَهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ وَهَذِهِ تُسَمَّى يَمِينَ فَوْرٍ. وَتَفَرَّدَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِإِظْهَارِهِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ مُرَادَ الْمُتَكَلِّمِ الرَّدُّ عَنْ تِلْكَ الضَّرْبَةِ وَالْخُرْجَةِ عُرْفًا، وَمَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَيْهِ. (وَلَوْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَلَوْ أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ الْخُرُوجَ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ ظَاهِرَةٌ (وَتُسَمَّى هَذِهِ الْيَمِينُ يَمِينَ فَوْرٍ) وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ فَارَتْ الْقِدْرُ إذَا غَلَتْ، فَاسْتُعِيرَ لِلسُّرْعَةِ ثُمَّ سُمِّيَتْ بِهِ الْحَالَةُ الَّتِي لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَا لَبْثَ، فَقِيلَ جَاءَ فُلَانٌ وَخَرَجَ فُلَانٌ مِنْ فَوْرِهِ: أَيْ مِنْ سَاعَتِهِ (وَتَفَرَّدَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِإِظْهَارِهِ) أَيْ بِاسْتِنْبَاطِهِ، وَكَانَ النَّاسُ قَبْلَهُ يَعْلَمُونَ الْيَمِينَ عَلَى نَوْعَيْنِ: مُؤَبَّدَةٍ، وَمُؤَقَّتَةٍ لَفْظًا. ثُمَّ اسْتَنْبَطَ أَبُو حَنِيفَةَ هَذَا النَّوْعَ الثَّالِثَ وَهُوَ الْمُؤَبَّدُ لَفْظًا وَالْمُؤَقَّتُ مَعْنًى، وَقَدْ أَخَذَهُ مِنْ

اجْلِسْ فَتَغَدَّ عِنْدِي قَالَ إنْ تَغَدَّيْت فَعَبْدِي حُرٌّ فَخَرَجَ فَرَجَعَ إلَى مَنْزِلِهِ وَتَغَدَّى لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ كَلَامَهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْجَوَابِ فَيَنْطَبِقُ عَلَى السُّؤَالِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْغَدَاءِ الْمَدْعُوِّ إلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ تَغَدَّيْت الْيَوْمَ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى حَرْفِ الْجَوَابِ فَيُجْعَلُ مُبْتَدَأً. (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ فَرَكِبَ دَابَّةَ عَبْدٍ مَأْذُونٍ لَهُ مَدْيُونٍ أَوْ غَيْرِ مَدْيُونٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَدِيثِ جَابِرٍ وَابْنِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حِينَ دُعِيَا إلَى نُصْرَةِ رَجُلٍ فَحَلَفَا أَنْ لَا يَنْصُرَاهُ ثُمَّ نَصَرَاهُ وَلَمْ يَحْنَثَا، وَاعْتُبِرَ فِي ذَلِكَ الْعُرْفُ فَإِنَّ الْحَالِفَ فِي الْعَادَةِ يَقْصِدُ بِهَذَا اللَّفْظِ مَنْعَهُمَا عَنْ الْخُرْجَةِ الَّتِي تَهَيَّأَتْ لَهَا إلَّا مِنْ الْخُرُوجِ عَلَى التَّأْيِيدِ، فَإِذَا عَادَتْ فَقَدْ تَرَكَتْ تِلْكَ الْخُرْجَةَ وَانْتَهَتْ الْيَمِينُ فَلَا يَحْنَثُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ خَرَجَتْ وَالْعُرْفُ لَهُ اعْتِبَارٌ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ؛ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَرَادَ الرَّجُلُ ضَرْبَ عَبْدِهِ فَقَالَ آخَرُ إنْ ضَرَبْته فَعَبْدِي حُرٌّ يَتَقَيَّدُ بِتِلْكَ الضَّرْبَةِ، وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ لَهُ اجْلِسْ تَغَدَّ عِنْدِي فَقَالَ إنْ تَغَدَّيْت فَعَبْدِي حُرٌّ وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ. وَلَوْ قَالَ إنْ تَغَدَّيْت الْيَوْمَ يُجْعَلُ مُبْتَدِئًا لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى مِقْدَارِ الْجَوَابِ. فَفِي تَطْبِيقِهِ عَلَى السُّؤَالِ إلْغَاءُ الزِّيَادَةِ. فَإِنْ قِيلَ: الزِّيَادَةُ لَا تَضُرُّ كَوْنُهُ جَوَابًا لِلسُّؤَالِ؛ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [طه: 18] فِي جَوَابِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه: 17] كَيْفَ زَادَ عَلَى مِقْدَارِ الْجَوَابِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ عَصَايَ وَلَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ كَوْنِهِ جَوَابًا. أُجِيبَ بِأَنَّ كَلِمَةَ " مَا " تُسْتَعْمَلُ لِلسُّؤَالِ عَنْ الذَّاتِ وَالسُّؤَالِ عَنْ الصِّفَاتِ، وَحَيْثُ وَقَعَتْ فِي حَيِّزِ السُّؤَالِ اشْتَبَهَ عَلَى مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ عَنْ الذَّاتِ أَوْ الصِّفَةِ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا لِيَكُونَ مُجِيبًا عَلَى كُلِّ حَالٍ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: إلَى هَذَا أَشَارَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ أَهْلَ الْبَلَاغَةِ قَالُوا: إنَّ " مَا " يُسْأَلُ بِهَا عَنْ وَصْفِ الْعُقَلَاءِ وَالْعَصَا لَمْ تَكُنْ عَاقِلَةً سَلَّمْنَا، وَلَكِنْ الْأَفْعَالُ الْمُسْنَدَةُ إلَى مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا تَكُونُ أَوْصَافًا؛ وَلَئِنْ كَانَتْ لَا تَكُونُ أَوْصَافًا لِلْعَصَا. وَأَقُولُ: الزِّيَادَةُ عَلَى حَرْفِ الْجَوَابِ لَا تَصْرِفُهُ عَنْ كَوْنِهِ جَوَابًا لَهُ أَلْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا يُجْعَلُ كَلَامًا مُبْتَدَأً إذَا كَانَ ثَمَّةَ مَصْرِفٌ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ إعْمَالًا لِلزِّيَادَةِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ ذَلِكَ فَلَمْ يُصْرَفْ عَنْ كَوْنِهِ جَوَابًا يَلُوحُ إلَى هَذَا قَوْلُهُ فَيُجْعَلُ مُبْتَدِئًا. (قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ) الدَّابَّةُ فِي اللُّغَةِ كُلُّ مَا يَدِبُّ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ:

لَمْ يَحْنَثْ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَا يَحْنَثُ وَإِنَّ نَوَى لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْمَوْلَى فِيهِ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَنْوِهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لِلْمَوْلَى لَكِنَّهُ يُضَافُ إلَى الْعَبْدِ عُرْفًا، وَكَذَا شَرْعًا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَهُوَ لِلْبَائِعِ» الْحَدِيثَ فَتَخْتَلُّ الْإِضَافَةُ إلَى الْمَوْلَى فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا: يَحْنَثُ إذَا نَوَاهُ لِاخْتِلَالِ الْإِضَافَةِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَحْنَثُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ لِاعْتِبَارِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ إذْ الدَّيْنُ لَا يَمْنَعُ وُقُوعَهُ لِلسَّيِّدِ عِنْدَهُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ يَتَحَرَّكُ مَشْيًا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] وَيَتَعَلَّقُ الرُّكُوبُ بِهَا بِعَيْنِ مَا يَرْكَبُ مِنْهَا مُرَادًا كَالْبَغْلِ وَالْفَرَسِ وَالْبَعِيرِ وَالْحِمَارِ وَالْبَقَرِ وَالْجَامُوسِ وَالْفِيلِ فِي الْقِيَاسِ. وَاسْتَحْسَنَ الْعُلَمَاءُ فِي عَقْدِ الْيَمِينِ عَلَى مَا يُرْكَبُ فِي غَالِبِ الْبُلْدَانِ وَهُوَ الْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ أَخْذًا مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا} [النحل: 8] ذَكَرَ مِنَّةَ الرُّكُوبِ فِي هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ: فَأَمَّا فِي الْأَنْعَامِ فَقَدْ ذَكَرَ مَنْفَعَةَ الْأَكْلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ} [النحل: 5] الْآيَةَ، وَبِالْعُرْفِ؛ فَإِنَّهُ إذَا قِيلَ رَكِبَ فُلَانٌ دَابَّةً لَمْ يَفْهَمْ مِنْهُ أَحَدٌ أَنَّهُ رَكِبَ الْبَقَرَ أَوْ الْفِيلَ وَإِنْ كَانَ يَرْكَبُ فِي بِلَادِ الْهِنْدِ، إلَّا إذَا نَوَى جَمِيعَ ذَلِكَ فَيَكُونُ عَلَى مَا نَوَى لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ، وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَيْهِ. وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَمَنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ فَرَكِبَ دَابَّةَ عَبْدٍ مَأْذُونٍ لَهُ مَدْيُونٍ أَوْ غَيْرِ مَدْيُونٍ لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ، فَأَمَّا إذَا نَوَى وَرَكِبَ دَابَّةَ الْعَبْدِ فَيَحْنَثُ، إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ نَوَى لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْمَوْلَى فِيهِ عِنْدَهُ: أَيْ فِيمَا مَلَكَهُ الْعَبْدُ الْمَدْيُونُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَ عَبْدِهِ لَا يُعْتَقُ وَتَلْمَحُ مِمَّا ذَكَرْنَا الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فِي قَوْلِهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي أَظْهَرْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَنْوِهَا لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لِلْمَوْلَى لَكِنَّهُ يُضَافُ إلَى الْعَبْدِ عُرْفًا حَيْثُ يُقَالُ دَابَّةُ عَبْدِ فُلَانٍ وَلَمْ يَقُلْ دَابَّةَ فُلَانٍ. وَشَرْعًا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِمَوْلَاهُ» فَتَخْتَلُّ الْإِضَافَةُ إلَى الْمَوْلَى فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَحْنَثُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا، وَهِيَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَكَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ غَيْرُ مُسْتَغْرِقٍ أَوْ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ إذَا نَوَى. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ دَيْنَ الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْنَعُ وُقُوعَ الْمِلْكِ لِلْمَوْلَى عِنْدَهُ إلَّا أَنَّهُ يُضَافُ إلَى الْعَبْدِ فَتَخْتَلُّ الْإِضَافَةُ إلَى الْمَوْلَى فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ الْإِضَافَةِ إلَّا بِالنِّيَّةِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَحْنَثُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ لِاعْتِبَارِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ لِلسَّيِّدِ إذْ الدَّيْنُ لَا يَمْنَعُ وُقُوعَهُ لِلسَّيِّدِ عِنْدَهُمَا.

[باب اليمين في الأكل والشرب]

(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ) : ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ] قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ أَوَّلَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْإِنْسَانُ الْمَسْكَنُ ثُمَّ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ، وَهَذَا الْبَابُ لِبَيَانِ الْيَمِينِ عَلَيْهِمَا. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا يَصِلُ إلَى جَوْفِ الْإِنْسَانِ لَا يَخْلُو عَنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: مَأْكُولٍ، وَمَشْرُوبٍ. وَمَمْصُوصٍ، وَمَلْعُوقٍ؛ فَالْمَأْكُولُ مَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْمَضْغُ وَالْهَشْمُ لَا الْمَمْضُوغُ، حَتَّى لَوْ ابْتَلَعَ مَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْمَضْغُ مِنْ غَيْرِ مَضْغٍ يُسَمَّى آكِلًا. وَالْمَشْرُوبُ مَا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ ذَلِكَ، فَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَبَنًا فَشَرِبَهُ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُهُ فَثَرَدَ فِيهِ وَأَكَلَ لَمْ يَحْنَثْ.

قَالَ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ فَهُوَ عَلَى ثَمَرِهَا) لِأَنَّهُ أَضَافَ الْيَمِينَ إلَى مَا لَا يُؤْكَلُ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهُ وَهُوَ الثَّمَرُ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لَهُ فَيَصْلُحُ مَجَازًا عَنْهُ، لَكِنَّ الشَّرْطَ أَنْ لَا يَتَغَيَّرَ بِصُنْعِهِ جَدِيدَةً حَتَّى لَا يَحْنَثَ بِالنَّبِيذِ وَالْخَلِّ وَالدِّبْسِ الْمَطْبُوخِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمَمْصُوصُ هُوَ مَا يَحْصُلُ بِعِلَاجِ اللَّهَاةِ؛ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ عِنَبًا أَوْ رُمَّانًا فَمَضَغَهُ وَرَمَى ثِقَلَهُ وَابْتَلَعَ مَاءً لَمْ يَحْنَثْ لَا فِي الْأَكْلِ وَلَا فِي الشُّرْبِ. وَالْمَعْلُوقُ هُوَ مَا يُتَنَاوَلُ بِالْجَسِّ بِالْأُصْبُعِ وَالشِّفَاهِ، فَإِذَا عُرِفَ هَذَا رَجَعْنَا إلَى مَا فِي الْكِتَابِ، فَقَوْلُهُ فَهُوَ عَلَى ثَمَرِهَا: يَعْنِي إذَا كَانَتْ لَهَا ثَمَرَةٌ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فَالْيَمِينُ تَقَعُ عَلَى ثَمَنِهَا لِأَنَّهُ أَضَافَ الْيَمِينَ إلَى مَا لَا يُؤْكَلُ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهُ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ إذَا تَعَذَّرَتْ يُصَارُ إلَى الْمَجَازِ، وَمَا يَخْرُجُ مِنْهُ صَالِحٌ لِكَوْنِهِ

(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْبُسْرِ فَصَارَ رُطَبًا فَأَكَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ. وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الرُّطَبِ أَوْ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ فَصَارَ تَمْرًا أَوْ صَارَ اللَّبَنُ شِيرَازًا لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ صِفَةَ الْبُسُورَةِ وَالرُّطُوبَةِ دَاعِيَةٌ إلَى الْيَمِينِ، وَكَذَا كَوْنُهُ لَبَنًا فَيَتَقَيَّدُ بِهِ، وَلِأَنَّ اللَّبَنَ مَأْكُولٌ فَلَا يَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إلَى مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الصَّبِيَّ أَوْ هَذَا الشَّابَّ فَكَلَّمَهُ بَعْدَمَا شَاخَ لِأَنَّ هِجْرَانَ الْمُسْلِمِ بِمَنْعِ الْكَلَامِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَلَمْ يُعْتَبَرْ الدَّاعِي دَاعِيًا فِي الشَّرْعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَجَازًا؛ لِأَنَّهُ: أَيْ مَا لَا يُؤْكَلُ سَبَبٌ لَهُ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهُ، وَذِكْرُ السَّبَبِ وَإِرَادَةُ الْمُسَبَّبِ مَجَازٌ شَائِعٌ، وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَتَغَيَّرَ بِصَنْعَةٍ جَدِيدَةٍ لِأَنَّ مَا يُصْنَعُ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَرِ لَيْسَ بِثَمَرٍ فَلَا يَحْنَثُ بِالنَّبِيذِ وَالْخَلِّ وَالدِّبْسِ الْمَطْبُوخِ، وَقَيَّدَ بِالْمَطْبُوخِ وَإِنْ كَانَ الدِّبْسُ لَا يَكُونُ إلَّا مَطْبُوخًا احْتِرَازًا عَمَّا إذَا أَطْلَقَ اسْمَ الدِّبْسِ عَلَى مَا يَسِيلُ مِنْ الرُّطَبِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مِنْ الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْبُسْرِ) ظَاهِرٌ، وَكَلَامُهُ يُشِيرُ إلَى قَاعِدَةٍ هِيَ أَنَّ الْيَمِينَ إذَا انْعَقَدَتْ عَلَى عَيْنٍ بِوَصْفٍ يَدْعُو ذَلِكَ الْوَصْفُ إلَى الْيَمِينِ فَيَتَقَيَّدُ الْيَمِينُ بِبَقَاءِ ذَلِكَ الْوَصْفِ فَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الِاسْمِ؛ وَلِذَلِكَ لَا يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْبُسْرِ أَوْ الرُّطَبِ أَوْ اللَّبَنِ فَتَغَيَّرَ ذَلِكَ الْوَصْفُ بِصَيْرُورَةِ الْبُسْرِ رُطَبًا وَالرُّطَبِ تَمْرًا وَاللَّبَنِ شِيرَازًا وَهُوَ الَّذِي اُسْتُخْرِجَ مَاؤُهُ فَصَارَ كَالْفَالُوذَجِ الْخَاثِرِ. فَإِنْ قِيلَ:

(وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ هَذَا الْحَمَلِ فَأَكَلَ بَعْدَمَا صَارَ كَبْشًا حَنِثَ) لِأَنَّ صِفَةَ الصِّغَرِ فِي هَذَا لَيْسَتْ بِدَاعِيَةٍ إلَى الْيَمِينِ فَإِنَّ الْمُمْتَنِعَ عَنْهُ أَكْثَرُ امْتِنَاعًا عَنْ لَحْمِ الْكَبْشِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَعَلَى هَذَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الصَّبِيَّ أَوْ هَذَا الشَّابَّ فَكَلَّمَهُ بَعْدَ مَا شَاخَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ لِأَنَّ الصِّبَا مَظِنَّةُ السَّفَهِ وَالشَّبَابُ شُعْبَةٌ مِنْ الْجُنُونِ فَكَانَا وَصْفَيْنِ دَاعِيَيْنِ إلَى الْيَمِينِ وَقَدْ زَالَا عِنْدَ الشَّيْخُوخَةِ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يَحْنَثَ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الصَّبِيَّ إلَخْ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقَاعِدَةَ الْمَذْكُورَةَ تَقْتَضِي ذَلِكَ لَكِنْ الشَّرْعُ أَسْقَطَ اعْتِبَارَهَا لِأَنَّهُ نَهَى عَنْ هِجْرَانِ الْمُسْلِمِ بِمَنْعِ الْكَلَامِ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَلَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا» الْحَدِيثَ. وَالْمَهْجُورُ شَرْعًا كَالْمَهْجُورِ عَادَةً، فَانْعَقَدَتْ الْيَمِينُ عَلَى الذَّاتِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ حَالَةَ الشَّيْخُوخَةِ فَيَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ. وَاعْتُرِضَ عَلَى دَلِيلِ الْكِتَابِ بِأَنَّا سَلَّمْنَا أَنَّ هِجْرَانَ الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، لَكِنْ الْحَرَامُ يَقَعُ مَحْلُوفًا عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَيَشْرَبَنَّ الْيَوْمَ خَمْرًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أَنَّ الْحَقِيقَةَ يَجُوزُ أَنْ تُتْرَكَ بِهِجْرَانِ الشَّرْعِ فِيمَا إذَا كَانَ الْكَلَامُ مُحْتَمِلًا لِلْمَجَازِ حَمْلًا لِأَمْرِ الْمُسْلِمِ عَلَى الصَّلَاحِ، وَأَمَّا أَنَّ الْيَمِينَ تَنْعَقِدُ عَلَى الْحَرَامِ الْمَحْضِ فَلَا كَلَامَ فِيهِ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ هَذَا الْحَمَلِ) ظَاهِرٌ.

قَالَ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ رُطَبًا لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبُسْرٍ. (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا أَوْ بُسْرًا أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا وَلَا بُسْرًا فَأَكَلَ مُذَنِّبًا حَنِثَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَا يَحْنَثُ فِي الرُّطَبِ) يَعْنِي بِالْبُسْرِ الْمُذَنِّبِ وَلَا فِي الْبُسْرِ بِالرُّطَبِ الْمُذَنِّبِ لِأَنَّ الرُّطَبَ الْمُذَنِّبَ يُسَمَّى رُطَبًا وَالْبُسْرَ الْمُذَنِّبَ يُسَمَّى بُسْرًا فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ الْيَمِينُ عَلَى الشِّرَاءِ. وَلَهُ أَنَّ الرُّطَبَ الْمُذَنِّبَ مَا يَكُونُ فِي ذَنَبِهِ قَلِيلُ بُسْرٍ، وَالْبُسْرَ الْمُذَنِّبَ عَلَى عَكْسِهِ فَيَكُونُ آكِلُهُ آكِلَ الْبُسْرِ وَالرُّطَبِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مَقْصُودٌ فِي الْأَكْلِ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ يُصَادِفُ الْجُمْلَةَ فَيَتْبَعُ الْقَلِيلُ فِيهِ الْكَثِيرَ. (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي رُطَبًا فَاشْتَرَى كِبَاسَةَ بُسْرٍ فِيهَا رُطَبٌ لَا يَحْنَثُ) لِأَنَّ الشِّرَاءَ يُصَادِفُ الْجُمْلَةَ وَالْمَغْلُوبَ تَابِعٌ (وَلَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْأَكْلِ يَحْنَثُ) لِأَنَّ الْأَكْلَ يُصَادِفُهُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَقْصُودًا وَصَارَ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي شَعِيرًا أَوْ لَا يَأْكُلُهُ فَاشْتَرَى حِنْطَةً فِيهَا حَبَّاتُ شَعِيرٍ وَأَكَلَهَا يَحْنَثُ فِي الْأَكْلِ دُونَ الشِّرَاءِ لِمَا قُلْنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ بُسْرًا مُذْنِبًا بِكَسْرِ النُّونِ وَهُوَ مَا بَدَا الْإِرْطَابُ مِنْ قِبَلِ ذَنَبِهِ وَهُوَ مَا سَفَلَ مِنْ جَانِبِ الْقِمْعِ وَالْعَلَّاقَةِ وَتَفْسِيرُهُ هُوَ الَّذِي عَامَّتُهُ بُسْرٌ وَفِيهِ شَيْءٌ مِنْ الرُّطَبِ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ فِي قَوْلِهِمْ. وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا مُذْنِبًا وَهُوَ الَّذِي عَامَّتُهُ رُطَبٌ وَفِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْبُسْرِ حَنِثَ فِي قَوْلِهِمْ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ رُطَبًا فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْبُسْرِ حَنِثَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا يَحْنَثُ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا فَأَكَلَ بُسْرًا فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الرُّطَبِ حَنِثَ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا عَلَى رِوَايَةِ الْكِتَابِ. وَذَكَرَ فِي الْإِيضَاحِ وَشُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَنَّهُ يَحْنَثُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ. وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ: لَهُمَا أَنَّ الرُّطَبَ الْمُذْنِبَ يُسَمَّى رُطَبًا، فَإِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا وَأَكَلَ الرُّطَبَ الْمُذْنِبَ فَقَدْ أَكَلَ الرُّطَبَ لَا الْبُسْرَ فَلَا يَحْنَثُ، وَكَذَلِكَ بِالْعَكْسِ وَصَارَ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي رُطَبًا فَاشْتَرَى بُسْرًا مُذْنِبًا لَا يَحْنَثُ. (وَلَهُ أَنَّ الرُّطَبَ الْمُذْنِبَ مَا يَكُونُ فِي ذَنَبِهِ قَلِيلُ بُسْرٍ وَالْبُسْرُ الْمُذْنِبُ عَلَى عَكْسِهِ فَيَكُونُ آكِلُهُ آكِلَ الْبُسْرِ وَالرُّطَبِ) فَيَحْنَثُ فِي الصُّورَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَالِبًا وَالْآخَرُ مَغْلُوبًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ مَيَّزَهُ فَأَكَلَهُ حَنِثَ بِالِاتِّفَاقِ. فَكَذَا إذَا أَكَلَهُ مَعَ غَيْرِهِ. وَاسْتُشْكِلَ بِمَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ هَذَا اللَّبَنَ فَصَبَّ فِيهِ مَاءً وَالْمَاءُ غَالِبٌ فَشَرِبَهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ شَرِبَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَزِيَادَةً، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى الْجَوَابِ عَنْهُ بِقَوْلِهِ (وَكُلُّ وَاحِدٍ مَقْصُودٌ فِي الْأَكْلِ) يَعْنِي بِخِلَافِ صُورَةِ اللَّبَنِ، فَإِنَّ اللَّبَنَ لَمَّا صُبَّ فِيهِ الْمَاءُ شَاعَ وَمَاعَ فِي جَمِيعِ. أَجْزَاءِ. اللَّبَنِ فَصَارَ مُسْتَهْلَكًا. وَلِهَذَا لَا يُرَى مَكَانُهُ فَلَمْ يَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْصُودًا بِالشُّرْبِ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الشِّرَاءِ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِهِمَا صُورَةَ النِّزَاعِ عَلَى الشِّرَاءِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي رُطَبًا)

(وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ لَحْمَ السَّمَكِ لَا يَحْنَثُ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ لِأَنَّهُ يُسَمَّى لَحْمًا فِي الْقُرْآنِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّسْمِيَةَ مَجَازِيَّةٌ لِأَنَّ اللَّحْمَ مُنْشَؤُهُ مِنْ الدَّمِ وَلَا دَمَ فِيهِ لِسُكُونِهِ فِي الْمَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالْبَيَانِ لِلْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ لَحْمَ السَّمَكِ لَا يَحْنَثُ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ اللَّفْظَ إذَا تَنَاوَلَ أَفْرَادًا وَفِي بَعْضِهَا نَوْعُ قَصْرٍ لَا يَدْخُلُ الْقَاصِرُ تَحْتَهُ، وَلَحْمُ السَّمَكِ فِيهِ قُصُورٌ لِأَنَّ اللَّحْمَ مِنْ الِالْتِحَامِ وَالِالْتِحَامُ بِالِاشْتِدَادِ وَالِاشْتِدَادُ بِالدَّمِ وَالدَّمُ فِي السَّمَكِ ضَعِيفٌ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: لَا دَمَ فِيهِ، جَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَعْدُومِ

(وَإِنْ أَكَلَ لَحْمَ خِنْزِيرٍ أَوْ لَحْمَ إنْسَانٍ يَحْنَثُ) لِأَنَّهُ لَحْمٌ حَقِيقِيٌّ إلَّا أَنَّهُ حَرَامٌ. وَالْيَمِينُ قَدْ تُعْقَدُ لِلْمَنْعِ مِنْ الْحَرَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِكَوْنِهِ يَسْكُنُ الْمَاءَ فَكَانَ مَعْنَى اللَّحْمِ قَاصِرًا فِيهِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ اللَّفْظِ الْمُطْلَقِ وَمَوْضُوعُهُ أُصُولُ الْفِقْهِ (وَإِنْ أَكَلَ لَحْمَ خِنْزِيرٍ أَوْ إنْسَانٍ حَنِثَ لِأَنَّهُ لَحْمٌ حَقِيقِيٌّ إلَّا أَنَّهُ حَرَامٌ، وَالْيَمِينُ قَدْ تُعْقَدُ لِلْمَنْعِ مِنْ الْحَرَامِ) وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْكَفَّارَةَ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ فَلَا يُنَاطُ وُجُوبُهَا بِمَا هُوَ حَرَامٌ مَحْضٌ، وَأَكْلُ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالْإِنْسَانِ حَرَامٌ مَحْضٌ فَكَيْفَ يَتَعَلَّقُ وُجُوبُهَا بِهِ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ مُغَالَطَةٌ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ بَعْدَ يَمِينٍ نُقِضَتْ بِالْحِنْثِ وَقَدْ وُجِدَتْ، وَكَوْنُ الْحِنْثِ بِأَمْرٍ مُبَاحٍ

(وَكَذَا إذَا أَكَلَ كَبِدًا أَوْ كَرِشًا) لِأَنَّهُ لَحْمٌ حَقِيقَةً فَإِنَّ نُمُوَّهُ مِنْ الدَّمِ وَيُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ اللَّحْمِ. وَقِيلَ فِي عُرْفِنَا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ لَحْمًا. (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ أَوْ لَا يَشْتَرِي شَحْمًا لَمْ يَحْنَثْ إلَّا فِي شَحْمِ الْبَطْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: يَحْنَثُ فِي شَحْمِ الظَّهْرِ أَيْضًا) وَهُوَ اللَّحْمُ السَّمِينُ لِوُجُودِ خَاصِّيَّةِ الشَّحْمِ فِيهِ وَهُوَ الذَّوْبُ بِالنَّارِ. وَلَهُ أَنَّهُ لَحْمٌ حَقِيقَةً؛ أَلَا تَرَاهُ أَنَّهُ يَنْشَأُ مِنْ الدَّمِ وَيُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَهُ وَتَحْصُلُ بِهِ قُوَّتُهُ وَلِهَذَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ فِي الْيَمِينِ عَلَى أَكْلِ اللَّحْمِ، وَلَا يَحْنَثُ بِبَيْعِهِ فِي الْيَمِينِ عَلَى بَيْعِ الشَّحْمِ، وَقِيلَ هَذَا بِالْعَرَبِيَّةِ، فَأَمَّا اسْمُ بِيه بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَقَعُ عَلَى شَحْمِ الظَّهْرِ بِحَالٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ حَرَامٍ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي ذَلِكَ أَشَارَ إلَى هَذَا قَوْلُهُ وَالْيَمِينُ قَدْ تُعْقَدُ لِلْمَنْعِ مِنْ الْحَرَامِ. قَوْلُهُ (وَكَذَا إذَا أَكَلَ كَبِدًا) ظَاهِرٌ.

(وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي أَوْ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا أَوْ شَحْمًا فَاشْتَرَى أَلْيَةً أَوْ أَكَلَهَا لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ نَوْعٌ ثَالِثٌ حَتَّى لَا يُسْتَعْمَلَ اسْتِعْمَالَ اللُّحُومِ وَالشُّحُومِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَقْضِمَهَا، وَلَوْ أَكَلَ مِنْ خُبْزِهَا لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: إنْ أَكَلَ مِنْ خُبْزِهَا حَنِثَ أَيْضًا) لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ مِنْهُ عُرْفًا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لَهُ حَقِيقَةً مُسْتَعْمَلَةً فَإِنَّهَا تُقْلَى وَتُغْلَى وَتُؤْكَلُ قَضْمًا وَهِيَ قَاضِيَةٌ عَلَى الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَهُ. وَلَوْ قَضَمَهَا حَنِثَ عِنْدَهُمَا هُوَ الصَّحِيحُ لِعُمُومِ الْمَجَازِ، كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي دَارِ فُلَانٍ. وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ فِي الْخُبْزِ حَنِثَ أَيْضًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَقْضِمَهَا) وَالْقَضْمُ: الْأَكْلُ بِأَطْرَافِ الْأَسْنَانِ مِنْ بَابِ لَبِسَ، وَإِنَّمَا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْحِنْطَةِ الْمُعَيَّنَةِ لِأَنَّهُ إذَا عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى أَكْلِ حِنْطَةٍ لَا بِعَيْنِهَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَالْجَوَابِ عِنْدَهُمَا. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هَكَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي أَيْمَانِ الْأَصْلِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَوْجُهٍ: أَحَدِهَا أَنْ لَا يَأْكُلَ حَبًّا كَمَا هِيَ فَأَكَلَ مِنْ خُبْزِهَا أَوْ سَوِيقِهَا لَا يَحْنَثُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ أَرَادَ حَقِيقَةَ كَلَامِهِ فَيَتَقَيَّدُ الْيَمِينُ بِهَا. وَالثَّانِي أَنْ يَنْوِيَ أَنْ لَا يَأْكُلَ مَا يُتَّخَذُ مِنْهَا لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ عَيْنِهَا كَذَلِكَ. وَالثَّالِثِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ فَأَكَلَ

(وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الدَّقِيقِ فَأَكَلَ مِنْ خُبْزِهِ حَنِثَ) لِأَنَّ عَيْنَهُ غَيْرُ مَأْكُولٍ فَانْصَرَفَ إلَى مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ (وَلَوْ اسْتَفَّهُ كَمَا هُوَ لَا يَحْنَثُ) هُوَ الصَّحِيحُ لِتَعَيُّنِ الْمَجَازِ مُرَادًا. (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا فَيَمِينُهُ عَلَى مَا يُعْتَادُ أَهْلُ الْمِصْرِ أَكْلَهُ خُبْزًا) وَذَلِكَ خُبْزُ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُعْتَادُ فِي غَالِبِ الْبُلْدَانِ (وَلَوْ أَكَلَ مِنْ خُبْزِ الْقَطَائِفِ لَا يَحْنَثُ) لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى خُبْزًا مُطْلَقًا إلَّا إذَا نَوَاهُ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ (وَكَذَا لَوْ أَكَلَ خُبْزَ الْأُرْزِ بِالْعِرَاقِ لَمْ يَحْنَثْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ خُبْزِهَا لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا. وَالْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ. وَمَبْنَاهُ عَلَى أَنَّ الْحَقِيقَةَ الْمُسْتَعْمَلَةَ عِنْدَهُ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ وَعِنْدَهُمَا بِالْعَكْسِ وَمَوْضِعُهُ أُصُولُ الْفِقْهِ. (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الدَّقِيقِ فَأَكَلَ مِنْ خُبْزِهِ حَنِثَ) بِالِاتِّفَاقِ (لِأَنَّ عَيْنَهُ غَيْرُ مَأْكُولٍ) فَكَانَتْ الْحَقِيقَةُ مُتَعَذِّرَةً فَيُصَارُ إلَى الْمَجَازِ وَهُوَ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ (وَلَوْ اسْتَفَّهُ) أَيْ أَكَلَهُ مِنْ غَيْرِ مَضْغٍ (لَا يَحْنَثُ هُوَ الصَّحِيحُ) وَإِنَّمَا قَالَ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ بَعْضِ مَشَايِخِنَا أَنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ أَكَلَ الدَّقِيقَ حَقِيقَةً، وَالْعُرْفُ وَإِنْ اُعْتُبِرَ فَالْحَقِيقَةُ لَا تَسْقُطُ بِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ عَيْنَ الدَّقِيقِ مَأْكُولٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ هَذِهِ الْحَقِيقَةَ مَهْجُورَةٌ، وَلَمَّا انْصَرَفَتْ الْيَمِينُ إلَى مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ لِلْعُرْفِ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْحَقِيقَةِ، كَمَنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ نَكَحْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ فَزَنَى بِهَا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ يَمِينَهُ لَمَّا انْصَرَفَ إلَى الْعَقْدِ لَمْ يَتَنَاوَلْ حَقِيقَةَ الْوَطْءِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا) عَلَى مَا ذَكَرَهُ ظَاهِرٌ. وَطَبَرِسْتَانُ هِيَ آمُلُ وَوِلَايَتُهَا، وَقِيلَ أَصْلُهَا

لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَادٍ عِنْدَهُمْ حَتَّى لَوْ كَانَ بِطَبَرِسْتَانَ أَوْ فِي بَلْدَةٍ طَعَامُهُمْ ذَلِكَ يَحْنَثُ. (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الشِّوَاءَ فَهُوَ عَلَى اللَّحْمِ دُونَ الْبَاذِنْجَانِ وَالْجَزَرِ) لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ اللَّحْمُ الْمَشْوِيُّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَا يُشْوَى مِنْ بِيضٍ أَوْ غَيْرِهِ لِمَكَانِ الْحَقِيقَةِ. (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الطَّبِيخَ فَهُوَ عَلَى مَا يُطْبَخُ مِنْ اللَّحْمِ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّعْمِيمَ مُتَعَذِّرٌ فَيُصْرَفُ إلَى خَاصٍّ هُوَ مُتَعَارَفٌ وَهُوَ اللَّحْمُ الْمَطْبُوخُ بِالْمَاءِ إلَّا إذَا نَوَى غَيْرَ ذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ تَشْدِيدًا، وَإِنْ أَكَلَ مِنْ مَرَقِهِ يَحْنَثْ لِمَا فِيهِ مِنْ أَجْزَاءِ اللَّحْمِ وَلِأَنَّهُ يُسَمَّى طَبِيخًا. (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الرُّءُوسَ فَيَمِينُهُ عَلَى مَا يُكْبَسُ فِي التَّنَانِيرِ وَيُبَاعُ فِي الْمِصْرِ) وَيُقَالُ يُكْنَسُ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رَأْسًا فَهُوَ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQتَبَرِسْتَانُ لِأَنَّ أَهْلَهَا يُحَارِبُونَ بِالتِّبْرِ وَهُوَ الْفَاسُ فَعَرَّبُوهُ إلَى طَبَرِسْتَانَ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الشِّوَاءَ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا لِأَنَّ التَّعْمِيمَ مُتَعَذِّرٌ) لِأَنَّ الدَّوَاءَ الْمُسْهِلَ مَطْبُوخٌ وَنَحْنُ نَعْلَمُ بِيَقِينٍ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ (فَيُصْرَفُ إلَى خَاصٍّ هُوَ مُتَعَارَفٌ وَهُوَ اللَّحْمُ الْمَطْبُوخُ بِالْمَاءِ) قَالُوا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِالْمَاءِ لِأَنَّ الْقَلِيلَةَ الْيَابِسَةَ فَلَا تُسَمَّى مَطْبُوخًا فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهَا. (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الرُّءُوسَ فَيَمِينُهُ عَلَى مَا يُكْبَسُ فِي التَّنَانِيرِ) أَيْ يُطَمُّ بِهِ التَّنُّورُ: يَعْنِي يَدْخُلُ فِيهِ مِنْ كَبَسَ الرَّجُلُ رَأْسَهُ فِي جَيْبِ قَمِيصِهِ إذَا أَدْخَلَهُ فِيهِ (وَيُبَاعُ فِي الْمِصْرِ) لِأَنَّ رَأْسَ الْجَرَادِ رَأْسٌ حَقِيقَةً وَلَيْسَ بِمُرَادٍ فَيُصْرَفُ

رُءُوسِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ عَلَى الْغَنَمِ خَاصَّةً، وَهَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ كَانَ الْعُرْفُ فِي زَمَنِهِ فِيهِمَا وَفِي زَمَنِهِمَا فِي الْغَنَمِ خَاصَّةً وَفِي زَمَانِنَا يُفْتَى عَلَى حَسَبِ الْعَادَةِ كَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمُخْتَصَرِ. (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ فَاكِهَةً فَأَكَلَ عِنَبًا أَوْ رُمَّانًا أَوْ رُطَبًا أَوْ قِثَّاءً أَوْ خِيَارًا لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ أَكَلَ تُفَّاحًا أَوْ بِطِّيخًا أَوْ مِشْمِشًا حَنِثَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ، وَفَسَّرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ. وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذَا بِأَنَّ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَالْإِنْسَانِ لَا يُبَاعُ فِي الْأَسْوَاقِ وَمَعَ ذَلِكَ يَحْنَثُ بِالْأَكْلِ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا، وَأُجِيبَ بِمَا حَاصِلُهُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الرَّأْسَ غَيْرُ مَأْكُولٍ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ لِأَنَّ مِنْهَا الْعَظْمَ فَكَانَتْ الْحَقِيقَةُ مُتَعَذِّرَةً فَيُصَارُ إلَى الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ وَهُوَ مَا يُكْبَسُ فِي التَّنَانِيرِ وَيُبَاعُ فِي الْأَسْوَاقِ، وَأَمَّا اللَّحْمُ فَيُؤْكَلُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ فَكَانَتْ الْحَقِيقَةُ مُمْكِنَةً فَلَا تُتْرَكُ فَيَحْنَثُ بِأَكْلِ لَحْمِ الْإِنْسَانِ وَالْخِنْزِيرِ. فَإِنْ قُلْت: الْحَقِيقَةُ إنْ لَمْ تَكُنْ مُتَعَذِّرَةً فَهِيَ مَهْجُورَةٌ شَرْعًا، وَالْمَهْجُورُ شَرْعًا كَالْمَهْجُورِ عَادَةً، وَفِي الْمَهْجُورِ شَرْعًا يُصَارُ إلَى الْمَجَازِ كَمَا فِي الْمَهْجُورِ عَادَةً. قُلْت: الْمَهْجُورُ شَرْعًا هُوَ الَّذِي لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ أَفْرَادِهِ مَعْمُولًا بِهِ كَالْحَلِفِ عَلَى تَرْكِ كَلَامِ الصَّبِيِّ وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: سَلَّمْنَا ذَلِكَ لَكِنْ لَا يَطَّرِدُ فِي الشِّرَاءِ فَإِنَّ الرَّأْسَ يُشْتَرَى بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ فَلَمْ تَكُنْ الْحَقِيقَةُ مُتَعَذِّرَةً. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مِنْ الرُّءُوسِ مَا لَا يَجُوزُ إضَافَةُ الشِّرَاءِ إلَيْهِ كَرَأْسِ النَّمْلِ وَالذُّبَابِ وَالْآدَمِيِّ فَكَانَتْ مُتَعَذِّرَةً. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ فَاكِهَةً فَأَكَلَ عِنَبًا أَوْ رُمَّانًا أَوْ رُطَبًا أَوْ قِثَّاءً أَوْ خِيَارًا لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ أَكَلَ تُفَّاحًا أَوْ بِطِّيخًا أَوْ مِشْمِشًا حَنِثَ،

وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: حَنِثَ فِي الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ وَالرُّمَّانِ أَيْضًا) وَالْأَصْلُ أَنَّ الْفَاكِهَةَ اسْمٌ لِمَا يُتَفَكَّهُ بِهِ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ: أَيْ يُتَنَعَّمُ بِهِ زِيَادَةً عَلَى الْمُعْتَادِ، وَالرُّطَبُ وَالْيَابِسُ فِيهِ سَوَاءً بَعْدَ أَنْ يَكُونَ التَّفَكُّهُ بِهِ مُعْتَادًا حَتَّى لَا يَحْنَثَ بِيَابِسِ الْبِطِّيخِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي التُّفَّاحِ وَأَخَوَاتِهِ فَيَحْنَثُ بِهَا وَغَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْبُقُولِ بَيْعًا وَأَكْلًا فَلَا يَحْنَثُ بِهِمَا. وَأَمَّا الْعِنَبُ وَالرُّطَبُ وَالرُّمَّانُ فَهُمَا يَقُولَانِ إنَّ مَعْنَى التَّفَكُّهِ مَوْجُودٌ فِيهَا فَإِنَّهَا أَعَزُّ الْفَوَاكِهِ وَالتَّنَعُّمُ بِهَا يَفُوقُ التَّنَعُّمَ بِغَيْرِهَا، وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: إنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِمَّا يُتَغَذَّى بِهَا وَيُتَدَاوَى بِهَا فَأَوْجَبَ قُصُورًا فِي مَعْنَى التَّفَكُّهِ لِلِاسْتِعْمَالِ فِي حَاجَةِ الْبَقَاءِ وَلِهَذَا كَانَ الْيَابِسُ مِنْهَا مِنْ التَّوَابِلِ أَوْ مِنْ الْأَقْوَاتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَحْنَثُ فِي الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ وَالرُّمَّانِ أَيْضًا) يَعْنِي لَا فِي الْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ وَكَانَتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: فِي وَجْهٍ يَحْنَثُ بِالِاتِّفَاقِ، وَهُوَ أَنْ يَقَعَ يَمِينُهُ عَلَى ثَمَرِ كُلِّ شَجَرٍ سِوَى الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ وَالرُّمَّانِ، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الرَّطْبُ وَالْيَابِسُ. وَفِي وَجْهٍ لَا يَحْنَثُ بِالِاتِّفَاقِ، وَهُوَ أَنْ يَأْكُلَ الْخِيَارَ وَالْقِثَّاءَ لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ مَعَ الْبُقُولِ. وَفِي وَجْهٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُوَ الْعِنَبُ وَالرُّطَبُ وَالرُّمَّانُ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ إلَّا مَا نَذْكُرُهُ، فَقَوْلُهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْمُعْتَادِ: أَيْ عَلَى الْغَدَاءِ الْأَصْلِيِّ حَتَّى تُسَمَّى النَّارُ فَاكِهَةً وَالْمِزَاحُ فَاكِهَةً لِوُجُودِ زِيَادَةِ التَّنَعُّمِ فِيهَا. وَقَوْلُهُ (وَالرَّطْبُ وَالْيَابِسُ فِيهِ سَوَاءٌ) يَعْنِي أَنَّ مَا كَانَ فَاكِهَةً لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ رَطْبِهِ وَيَابِسِهِ، وَيَابِسُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَا يُعَدُّ فَاكِهَةً فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ رَطْبُهَا كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُمَا مِنْ الْبُقُولِ بَيْعًا) فَإِنَّ بَائِعَ الْبُقُولِ هُوَ الَّذِي يَبِيعُهَا لَا غَيْرُ، وَأَمَّا أَكْلًا فَإِنَّهُمَا يُوضَعَانِ عَلَى الْمَوَائِدِ حَيْثُ يُوضَعُ النَّعْنَاعُ وَالْبَصَلُ. وَقَوْلُهُ (إنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِمَّا يُتَغَذَّى بِهَا) يَعْنِي الْعِنَبَ وَالرُّطَبَ (وَيُتَدَاوَى بِهَا) يَعْنِي الرُّمَّانَ (وَلِهَذَا كَانَ الْيَابِسُ مِنْهَا مِنْ التَّوَابِلِ) كَيَابِسِ الرُّمَّانِ (أَوْ مِنْ الْأَقْوَاتِ) كَيَابِسِ الْعِنَبِ، فَالتَّوَابِلُ جَمْعُ التَّابَلِ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ اللَّفْظَ إذَا أُطْلِقَ عَلَى أَفْرَادٍ فِي بَعْضِهَا دَلَالَةٌ عَلَى زِيَادَةِ مَعْنًى لَيْسَ فِي مَفْهُومِ اشْتِقَاقِهِ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي صُورَةِ النُّقْصَانِ فِي اللَّحْمِ.

(وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْتَدِمُ فَكُلُّ شَيْءٍ اُصْطُبِغَ بِهِ فَهُوَ إدَامٌ وَالشِّوَاءُ لَيْسَ بِإِدَامٍ وَالْمِلْحُ إدَامٌ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: كُلُّ مَا يُؤْكَلُ مَعَ الْخُبْزِ غَالِبًا فَهُوَ إدَامٌ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْإِدَامَ مِنْ الْمُوَادَمَةِ وَهِيَ الْمُوَافَقَةُ وَكُلُّ مَا يُؤْكَلُ مَعَ الْخُبْزِ مُوَافِقٌ لَهُ كَاللَّحْمِ وَالْبِيضِ وَنَحْوِهِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْإِدَامَ مَا يُؤْكَلُ تَبَعًا، وَالتَّبَعِيَّةُ فِي الِاخْتِلَاطِ حَقِيقَةٌ لِيَكُونَ قَائِمًا بِهِ، وَفِي أَلَّا يُؤْكَلَ عَلَى الِانْفِرَادِ حُكْمًا، وَتَمَامُ الْمُوَافَقَةِ فِي الِامْتِزَاجِ أَيْضًا، وَالْخَلُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَائِعَاتِ لَا يُؤْكَلُ وَحْدَهُ بَلْ يُشْرَبُ، وَالْمِلْحُ لَا يُؤْكَلُ بِانْفِرَادِهِ عَادَةً وَلِأَنَّهُ يَذُوبُ فَيَكُونُ تَبَعًا، بِخِلَافِ اللَّحْمِ وَمَا يُضَاهِيهِ لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ وَحْدَهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشْدِيدِ، وَالْعِنَبُ وَالْبِطِّيخُ لَيْسَا بِإِدَامٍ هُوَ الصَّحِيحُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْتَدِمُ فَكُلُّ شَيْءٍ اُصْطُبِغَ بِهِ) اصْطَبَغَ عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ كَذَا كَانَ مُقَيَّدًا بِخَطِّ الثِّقَاتِ وَهُوَ اُفْتُعِلَ مِنْ الصَّبْغِ، وَيُقَالُ اُصْطُبِخَ بِالْخَلِّ وَفِي الْخَلِّ وَلَا يُقَالُ اصْطَبَغَ الْخُبْزُ بِالْخَلِّ (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْتَدِمُ) أَيْ لَا يَأْكُلُ إدَامًا (فَكُلُّ شَيْءٍ اُصْطُبِغَ بِهِ فَهُوَ إدَامٌ) وَلَا يَنْعَكِسُ فَالْخَلُّ وَالزَّيْتُ وَاللَّبَنُ وَالْمِلْحُ وَالزُّبْدُ إدَامٌ، وَالشِّوَاءُ لَيْسَ بِإِدَامٍ (وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: مَا يُؤْكَلُ مَعَ الْخُبْزِ غَالِبًا فَهُوَ إدَامٌ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) وَحَاصِلُ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: مَا يُصْطَبَغُ بِهِ فَهُوَ إدَامٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَالْبِطِّيخُ وَالْعِنَبُ وَالتَّمْرُ وَأَمْثَالُهَا مِمَّا يُؤْكَلُ وَحْدَهُ غَالِبًا لَيْسَ بِإِدَامٍ بِالِاتِّفَاقِ. وَفِي الْبَيْضِ وَاللَّحْمِ وَالْجُبْنِ اخْتِلَافٌ، جَعَلَهَا مُحَمَّدٌ إدَامًا خِلَافًا لَهُمَا. لِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْإِدَامَ مِنْ الْمُؤَادَمَةِ وَهِيَ الْمُوَافَقَةُ وَكُلُّ مَا يُؤْكَلُ مَعَ الْخُبْزِ مُوَافِقٌ لَهُ كَاللَّحْمِ وَالْبَيْضِ وَنَحْوِهِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْإِدَامَ مَا يُؤْكَلُ تَبَعًا فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ. وَالتَّبَعِيَّةُ عَلَى نَوْعَيْنِ: حَقِيقِيَّةٍ وَذَلِكَ فِي الِاخْتِلَاطِ لِتَكُونَ قَائِمَةً بِهِ. وَحُكْمِيَّةٍ وَهِيَ أَنْ لَا تُؤْكَلَ عَلَى الِانْفِرَادِ، وَاللَّحْمُ لَا يَخْتَلِطُ فَلَا يَكُونُ تَبَعًا حَقِيقَةً وَيُؤْكَلُ مُنْفَرِدًا فَلَا يَكُونُ تَبَعًا حُكْمًا فَلَا يَكُونُ إدَامًا. وَقَوْلُهُ (وَتَمَامُ الْمُوَافَقَةِ بِالِامْتِزَاجِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ الْإِدَامَ مِنْ الْمُؤَادَمَةِ: يَعْنِي سَلَّمْنَاهُ وَلَكِنْ الْمُؤَادَمَةُ التَّامَّةُ الْكَامِلَةُ فِي الِامْتِزَاجِ أَيْضًا وَلَمْ تُوجَدْ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشْدِيدِ، بِخِلَافِ الْخَلِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ فَإِنَّهَا لَا تُؤْكَلُ وَحْدَهَا بَلْ تُشْرَبُ وَالْمِلْحُ لَا يُؤْكَلُ وَحْدَهُ وَيَذُوبُ فَيَتْبَعُ فَكَانَ إدَامًا (وَالْعِنَبُ وَالْبِطِّيخُ لَيْسَا بِإِدَامٍ) يَعْنِي بِالِاتِّفَاقِ لِمَا ذَكَرْنَا (هُوَ الصَّحِيحُ) كَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ. وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إنَّهُ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ.

(وَإِذَا حَلَفَ لَا يَتَغَدَّى فَالْغَدَاءُ الْأَكْلُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الظُّهْرِ وَالْعَشَاءُ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ) لِأَنَّ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ يُسَمَّى عِشَاءً وَلِهَذَا تُسَمَّى الظُّهْرُ إحْدَى صَلَاتَيْ الْعِشَاءِ فِي الْحَدِيثِ (وَالسُّحُورُ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ) لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ السَّحَرِ وَيُطْلَقُ عَلَى مَا يَقْرُبُ مِنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَإِذَا حَلَفَ لَا يَتَغَدَّى فَالْغَدَاءُ الْأَكْلُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الظُّهْرِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هَذَا تَوَسُّعٌ فِي الْعِبَارَةِ، وَمَعْنَاهُ أَكْلُ الْغَدَاءِ وَالْعِشَاءِ وَالسُّحُورِ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْغَدَاءَ اسْمٌ لِطَعَامِ الْغَدَاةِ لَا اسْمُ أَكْلٍ. وَقَوْلُهُ (وَلِهَذَا تُسَمَّى الظُّهْرُ إحْدَى صَلَاتَيْ الْعِشَاءِ فِي الْحَدِيثِ) ذَكَرَ فِي الْإِيضَاحِ فِي بَابِ الْحَلِفِ عَلَى الْغَدَاءِ فَقَالَ فَإِنَّهُ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إحْدَى صَلَاتَيْ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ» يُرِيدُ بِهِ الرَّاوِي الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ.

ثُمَّ الْغَدَاءُ وَالْعَشَاءُ مَا يُقْصَدُ بِهِ الشِّبَعُ عَادَةً وَتُعْتَبَرُ عَادَةُ أَهْلِ كُلِّ بَلْدَةٍ فِي حَقِّهِمْ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الشِّبَعِ. (وَمَنْ قَالَ إنْ لَبِسْت أَوْ أَكَلْت أَوْ شَرِبْت فَعَبْدِي حُرٌّ، وَقَالَ عَنَيْت شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ لَمْ يُدَنْ فِي الْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ) لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَصِحُّ فِي الْمَلْفُوظِ وَالثَّوْبُ وَمَا يُضَاهِيهِ غَيْرُ مَذْكُورٍ تَنْصِيصًا وَالْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ فَلَغَتْ نِيَّةَ التَّخْصِيصِ فِيهِ (وَإِنْ قَالَ إنْ لَبِسْت ثَوْبًا أَوْ أَكَلْت طَعَامًا أَوْ شَرِبْت شَرَابًا لَمْ يُدَنْ فِي الْقَضَاءِ خَاصَّةً) لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي مَحَلِّ الشَّرْطِ فَتَعُمُّ فَعُمِلَتْ نِيَّةُ التَّخْصِيصِ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَتُعْتَبَرُ عَادَةُ أَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ فِي حَقِّهِمْ) يَعْنِي إنْ كَانَتْ خُبْزًا فَخُبْزٌ، وَإِنْ كَانَتْ لَحْمًا فَلَحْمٌ، حَتَّى أَنَّ الْحَضَرِيَّ إذَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِ الْغَدَاءِ فَشَرِبَ اللَّبَنَ لَمْ يَحْنَثْ، وَالْبَدَوِيُّ بِخِلَافِهِ، لِأَنَّهُ غِذَاءٌ فِي الْبَادِيَةِ. وَقَوْلُهُ (وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الشِّبَعِ) رَوَاهُ الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ صَحِيحٌ لِأَنَّ مَنْ أَكَلَ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ مَا تَغَدَّيْت وَمَا تَعَشَّيْت. (وَمَنْ قَالَ إنْ أَكَلْت أَوْ شَرِبْت أَوْ لَبِسْت فَعَبْدِي حُرٌّ وَقَالَ عَنَيْت شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ لَمْ يَصْدُقْ قَضَاءً) وَلَا دِيَانَةً (لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَصِحُّ فِي الْمَلْفُوظِ) لِأَنَّهَا لِتَعْيِينِ بَعْضِ مُحْتَمَلَاتِ اللَّفْظِ (وَالثَّوْبُ وَمَا يُضَاهِيهِ غَيْرُ مَلْفُوظٍ) فَلَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ. فَإِنْ قِيلَ: هَبْ أَنَّهُ غَيْرُ مَلْفُوظٍ تَنْصِيصًا أَلَيْسَ أَنَّهُ ثَابِتٌ مُقْتَضًى وَالْمُقْتَضَى كَالْمَلْفُوظِ؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَالْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ فَلَغَتْ نِيَّةُ التَّخْصِيصِ فِيهِ) فَإِنْ قِيلَ: الْمُقْتَضَى أَمْرٌ شَرْعِيٌّ وَافْتِقَارُ الْأَكْلِ إلَى الطَّعَامِ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَعْرِفُهُ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ الشَّرْعَ. قُلْنَا: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُصَنِّفُ اخْتَارَ مَا اخْتَارَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَنَّ الْمُقْتَضَى هُوَ الَّذِي لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ وَلَا يَكُونُ مَنْطُوقًا بِهِ، لَكِنْ يَكُونُ مِنْ ضَرُورَةِ اللَّفْظِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ شَرْعِيًّا أَوْ عَقْلِيًّا. فَإِنْ قِيلَ: سَلَّمْنَا ذَلِكَ لَكِنْ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا قَالَ إنْ خَرَجْت فَعَبْدِي حُرٌّ وَنَوَى السَّفَرَ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ دِيَانَةً مَعَ أَنَّ السَّفَرَ أَوْ الْخُرُوجَ غَيْرُ مَذْكُورٍ لَفْظًا وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا وَنَوَى بِهِ أَنْ لَا يُسَاكِنَهُ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ النِّيَّةَ صَحِيحَةٌ مَعَ أَنَّ الْمَسْكَنَ غَيْرُ مَذْكُورٍ لَفْظًا، حَتَّى لَوْ سَكَنَ مَعَهُ فِي الدَّارِ لَا يَحْنَثُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْأُولَى مَمْنُوعَةٌ مَنَعَهَا الْقُضَاةُ الْأَرْبَعُ أَبُو هُشَيْمٍ وَأَبُو خَازِمٍ وَأَبُو طَاهِرٍ الدَّبَّاسُ وَالْقَاضِي الْقُمِّيُّ. وَلَئِنْ سَلِمَ فَقَوْلُهُ إنْ خَرَجْت وَلَا يُسَاكِنُ فِعْلَانِ يَدُلَّانِ عَلَى الْمَصْدَرِ لُغَةً، وَقَدْ وَقَعَ الثَّانِي فِي صَرِيحِ النَّفْيِ وَالْأَوَّلُ فِي مَعْنَاهُ فَتَنَاوَلَا بِعُمُومِهِمَا الْخُرُوجَ فِي السَّفَرِ وَالسَّكَنَ فَجَازَ تَخْصِيصُهُمَا إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ.

(وَمَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ دِجْلَةَ فَشَرِبَ مِنْهَا بِإِنَاءٍ لَمْ يَحْنَثْ) حَتَّى يَكْرَعَ مِنْهَا كَرْعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: إذَا شَرِبَ مِنْهَا بِإِنَاءٍ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ مُتَعَارَفُ الْمَفْهُومِ. وَلَهُ أَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَحَقِيقَتُهُ فِي الْكَرْعِ وَهِيَ مُسْتَعْمَلَةٌ، وَلِهَذَا يَحْنَثُ بِالْكَرْعِ إجْمَاعًا فَمُنِعَتْ الْمَصِيرَ إلَى الْمَجَازِ وَإِنْ كَانَ مُتَعَارَفًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ دِجْلَةَ فَشَرِبَ مِنْهَا بِإِنَاءٍ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَكْرَعَ مِنْهَا كَرْعًا) أَيْ حَتَّى يَضَعَ فَاهُ عَلَى دِجْلَةَ بِعَيْنِهَا وَيَشْرَبَ يُقَالُ كَرَعَ فِي الْمَاءِ إذَا مَدَّ عُنُقَهُ نَحْوَهُ لِيَشْرَبَ مِنْهُ وَمِنْهُ كَرِهَ عِكْرِمَةُ الْكَرْعَ فِي النَّهْرِ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْبَهِيمَةِ تُدْخِلُ فِيهِ أَكَارِعَهَا، وَالْكُرَاعُ مُسْتَدَقُّ السَّاقِ، وَهَذَا (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا: إذَا شَرِبَ مِنْهَا بِإِنَاءٍ حَنِثَ) وَمَبْنَاهُ عَلَى أَنَّ الْحَقِيقَةَ الْمُسْتَعْمَلَةَ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا بِالْعَكْسِ، أَمَّا كَوْنُ الْمَجَازِ مُتَعَارَفًا فَظَاهِرٌ، فَإِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِهِمْ أَهْلُ فُلَانٍ يَشْرَبُونَ مِنْ دِجْلَةَ أَنَّهُمْ يَشْرَبُونَ مِنْ مَائِهَا، وَأَمَّا أَنَّ الْحَقِيقَةَ مُسْتَعْمَلَةٌ فَلِأَنَّ النَّاسَ يَكْرَعُونَ مِنْ الْأَنْهَارِ وَالْأَوْدِيَةِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْمٍ نَزَلَ عِنْدَهُمْ «هَلْ عِنْدَكُمْ مَاءٌ بَاتَ فِي شَنٍّ، وَإِلَّا كَرَعْنَا» وَلِهَذَا إذَا كَرَعَ حَنِثَ بِالْإِجْمَاعِ. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحِنْثَ فِي الْكَرْعِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِ الْحَقِيقَةِ مُسْتَعْمَلَةً بَلْ بِاعْتِبَارِ الْعَمَلِ بِعُمُومِ الْمَجَازِ كَمَا فِي قَوْلِهِ لَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي دَارِ فُلَانٍ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ أَنْ يَحْنَثَ بِالشُّرْبِ بِالْإِنَاءِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي عُمُومِ الْمَجَازِ كَذَلِكَ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَصِيرَ إلَى عُمُومِ الْمَجَازِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ تَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ أَوْ هِجْرَانِهَا، وَقَدْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى كَوْنِهَا مُسْتَعْمَلَةً فَلَا مَصِيرَ إلَيْهِ.

(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ فَشَرِبَ مِنْهَا بِإِنَاءٍ حَنِثَ) لِأَنَّهُ بَعْدَ الِاعْتِرَافِ بَقِيَ مَنْسُوبًا إلَيْهِ وَهُوَ الشَّرْطُ فَصَارَ كَمَا إذَا شَرِبَ مِنْ مَاءِ نَهْرٍ يَأْخُذُ مِنْ دِجْلَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ) ظَاهِرٌ.

(مَنْ قَالَ إنْ لَمْ أَشْرَبْ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَلَيْسَ فِي الْكُوزِ مَاءٌ لَمْ يَحْنَثْ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَأُهْرِيقَ قَبْلَ اللَّيْلِ لَمْ يَحْنَثْ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَحْنَثُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ) يَعْنِي إذَا مَضَى الْيَوْمُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا كَانَ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى. وَأَصْلُهُ أَنَّ مِنْ شَرْطِ انْعِقَادِ الْيَمِينِ وَبَقَائِهِ تُصَوَّرُ الْبِرِّ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تُعْقَدُ لِلْبِرِّ فَلَا بُدَّ مِنْ تَصَوُّرِ الْبِرِّ لِيُمْكِنَ إيجَابُهُ. وَلَهُ أَنَّهُ أَمْكَنَ الْقَوْلُ بِانْعِقَادِهِ مُوجِبًا لِلْبِرِّ عَلَى وَجْهٍ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْخُلْفِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ. قُلْنَا: لَا بُدَّ مِنْ تَصَوُّرِ الْأَصْلِ لِيَنْعَقِدَ فِي حَقِّ الْخُلْفِ وَلِهَذَا لَا يَنْعَقِدُ الْغَمُوسُ مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ (وَلَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ مُطْلَقَةً؛ فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحْنَثُ فِي الْحَالِ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يَحْنَثُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَمَنْ قَالَ إنْ لَمْ أَشْرَبْ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَلَيْسَ فِي الْكُوزِ مَاءٌ لَمْ يَحْنَثْ) عَلِمَ عَدَمَ الْمَاءِ فِي الْكُوزِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ (فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَأُهْرِيقَ قَبْلَ اللَّيْلِ لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَحْنَثُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ فِيهِ الْمَاءُ وَفِيمَا لَمْ يَكُنْ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْوَجْهِ لِلْجَانِبَيْنِ فَوَاضِحٌ. وَاعْتُرِضَ عَلَى وَجْهِهِمَا بِأَنَّ الْبَرَّ مُتَصَوَّرٌ فِي صُورَةِ الْإِرَاقَةِ، لِأَنَّ إعَادَةَ الْقَطَرَاتِ الْمِهْرَاقَةِ مُمْكِنَةٌ فَكَانَ مُتَصَوَّرًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْبَرَّ إنَّمَا يَجِبُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْيَوْمِ بِحَيْثُ لَا يَسَعُ فِيهِ غَيْرَهُ فَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ فِيهِ بِإِعَادَةِ الْمَاءِ فِي الْكُوزِ وَشُرْبِهِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ مُطْلَقَةً) أَيْ عَنْ ذِكْرِ الْيَوْمِ (فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ) يَعْنِي فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْكُوزِ مَاءٌ (لَا يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ يَحْنَثُ فِي الْحَالِ. وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي) وَهُوَ أَنْ يَكُونُ فِيهِ مَاءٌ فَأُهْرِيقَ (يَحْنَثُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا.

فَأَبُو يُوسُفَ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُوَقَّتِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ التَّوْقِيتَ لِلتَّوْسِعَةِ فَلَا يَجِبُ الْفِعْلُ إلَّا فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَلَا يَحْنَثُ قَبْلَهُ، وَفِي الْمُطْلَقِ يَجِبُ الْبِرُّ كَمَا فُرِغَ وَقَدْ عَجَزَ فَيَحْنَثُ فِي الْحَالِ وَهُمَا فَرَّقَا بَيْنَهُمَا. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ فِي الْمُطْلَقِ يَجِبُ الْبِرُّ كَمَا فُرِغَ، فَإِذَا فَاتَ الْبِرُّ بِفَوَاتِ مَا عُقِدَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ كَمَا إذَا مَاتَ الْحَالِفُ وَالْمَاءُ بَاقٍ؛ أَمَّا فِي الْمُؤَقَّتِ فَيَجِبُ الْبِرُّ فِي الْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْ الْوَقْتِ وَعِنْدَ ذَلِكَ لَمْ تَبْقَ مَحَلِّيَّةُ الْبِرِّ لِعَدَمِ التَّصَوُّرِ فَلَا يَجِبُ الْبِرُّ فِيهِ فَتَبْطُلُ الْيَمِينُ كَمَا إذَا عَقَدَهُ ابْتِدَاءً فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَأَبُو يُوسُفَ فَرَّقَ) فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَكُنْ فِي الْكُوزِ مَاءٌ بَيْنَ الْمُطْلَقِ عَنْ ذِكْرِ الْيَوْمِ وَبَيْنَ الْمُؤَقَّتِ بِهِ، فَقَالَ فِي الْمُطْلَقِ إنَّهُ يَحْنَثُ فِي الْحَالِ، وَفِي الْمُؤَقَّتِ حِنْثُهُ إلَى آخِرِ الْيَوْمِ إلَى غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ. وَوَجْهُهُ مَا ذُكِرَ أَنَّ التَّوْقِيتَ لِلتَّوْسِعَةِ فَلَا يَجِبُ الْفِعْلُ إلَّا فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَلَا يَحْنَثُ قَبْلَهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْيَمِينَ مَتَى عُقِدَتْ عَلَى فِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ مُؤَقَّتَةً بِوَقْتٍ مُمْتَدٍّ يَتَعَيَّنُ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ لِلِانْعِقَادِ لِأَنَّ الْوَقْتَ ظَرْفٌ لَهُ فَيَلْزَمُ فِي جُزْءٍ مِنْهُ وَيَتَعَيَّنُ آخِرُهُ، وَفِي الْمُطْلَقِ يَجِبُ الْبَرُّ كَمَا فَرَغَ وَقَدْ عَجَزَ فَيَحْنَثُ فِي الْحَالِ، كَذَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: فَأَبُو يُوسُفَ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُؤَقَّتِ: أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا كَانَ فِي الْكُوزِ مَاءٌ فَأُهْرِيقَ قَبْلَ اللَّيْلِ فَقَالَ فِي الْمُطْلَقِ يَحْنَثُ حَالَ وَقْتِ الْإِرَاقَةِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ إلَى اللَّيْلِ، وَفِي الْمُؤَقَّتِ لَا يَحْنَثُ فِي الْحَالِ بَلْ يَتَوَقَّفُ حِنْثُهُ إلَى آخِرِ الْيَوْمِ، وَهُمَا فَرَّقَا بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُؤَقَّتِ: يَعْنِي فِي هَذَا الْوَجْهِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ كَمَا إذَا مَاتَ الْحَالِفُ وَالْمَاءُ بَاقٍ إلَى أَنَّ بَقَاءَ الْمَحَلِّ شَرْطٌ لِلْبَرِّ كَبَقَاءِ الْحَالِفِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ كَمَا إذَا عَقَدَهُ ابْتِدَاءً فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إلَّا أَنَّ وُجُودَ الْمَحَلِّ كَمَا هُوَ شَرْطٌ لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ كَذَلِكَ لِبَقَائِهَا.

قَالَ (وَمَنْ حَلَفَ لَيَصْعَدَن السَّمَاءَ أَوْ لَيَقْلِبَن هَذَا الْحَجَرَ ذَهَبًا انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ وَحَنِثَ عَقِيبَهَا) وَقَالَ زُفَرُ: لَا تَنْعَقِدُ لِأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ عَادَةً فَأَشْبَهَ الْمُسْتَحِيلَ حَقِيقَةً فَلَا يَنْعَقِدُ. وَلَنَا أَنَّ الْبِرَّ مُتَصَوَّرٌ حَقِيقَةً لِأَنَّ الصُّعُودَ إلَى السَّمَاءِ مُمْكِنٌ حَقِيقَةً؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَصْعَدُونَ السَّمَاءَ وَكَذَا تَحَوُّلُ الْحَجَرِ ذَهَبًا بِتَحْوِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِذَا كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَيَصْعَدَن السَّمَاءَ) عَلَى مَا ذَكَرَهُ ظَاهِرٌ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ تَصَوُّرَ الْبَرِّ لَوْ كَانَ كَافِيًا فِي خَلْفِيَّةِ الْكَفَّارَةِ لَوَجَبَتْ فِي الْغَمُوسِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إعَادَةِ الزَّمَانِ الْمَاضِي وَقَدْ فَعَلَهَا لِسُلَيْمَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُجِيبَ بِأَنَّ تَصَوُّرَ الْبَرِّ فِي الْغَمُوسِ بِأَنْ يَجْعَلَ الْفِعْلَ الَّذِي لَمْ يُوجَدْ مَوْجُودًا مِنْهُ وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ

[باب اليمين في الكلام]

مُتَصَوَّرًا يَنْعَقِدُ الْيَمِينُ مُوجِبًا لِخُلْفِهِ ثُمَّ يَحْنَثُ بِحُكْمِ الْعَجْزِ الثَّابِتِ عَادَةً. كَمَا إذَا مَاتَ الْحَالِفُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ مَعَ احْتِمَالِ إعَادَةِ الْحَيَاةِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ، لِأَنَّ شُرْبَ الْمَاءِ الَّذِي فِي الْكُوزِ وَقْتَ الْحَلِفِ وَلَا مَاءَ فِيهِ لَا يُتَصَوَّرُ فَلَمْ يَنْعَقِدْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمُتَصَوَّرًا يَنْعَقِدُ الْيَمِينُ) إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِيجَابُ اللَّهِ تَعَالَى يَعْتَمِدُ التَّصَوُّرَ دُونَ الْقُدْرَةِ فِيمَا لَهُ حَلَفَ أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّوْمَ وَاجِبٌ عَلَى الشَّيْخِ الْفَانِي وَلَمْ تَكُنْ لَهُ قُدْرَةٌ لِمَكَانِ التَّصَوُّرِ وَالْحَلِفِ وَكَذَلِكَ هَهُنَا حَنِثَ عَقِيبَ وُجُوبِ الْبَرِّ فَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ لِلْعَجْزِ الثَّابِتِ عَادَةً كَمَا وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ هُنَاكَ عَقِيبَ وُجُوبِ الصَّوْمِ. [بَابُ الْيَمِينِ فِي الْكَلَامِ] لَمَّا ذَكَرَ بَيَانَ أَيْمَانِ السُّكْنَى وَالدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا شَرَعَ فِي بَيَانِ الْفِعْلِ الْجَامِعِ الَّذِي يَسْتَتْبِعُ الْأَبْوَابَ الْمُتَفَرِّقَةَ وَهُوَ الْكَلَامُ؛ إذْ الْيَمِينُ فِي الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْيَمِينُ فِي الْحَجِّ

(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْكَلَامِ) : قَالَ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا فَكَلَّمَهُ وَهُوَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ إلَّا أَنَّهُ نَائِمٌ حَنِثَ) لِأَنَّهُ قَدْ كَلَّمَهُ وَوَصَلَ إلَى سَمْعِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ لِنَوْمِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا نَادَاهُ وَهُوَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ لَكِنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ لِتَغَافُلِهِ. وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْمَبْسُوطِ شَرْطٌ أَنْ يُوقِظَهُ، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَنَبَّهْ كَانَ كَمَا إذَا نَادَاهُ مِنْ بَعِيدٍ وَهُوَ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ صَوْتَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَلَامِ، فَذِكْرُ الْجِنْسِ مُقَدَّمٌ عَلَى ذِكْرِ النَّوْعِ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا فَكَلَّمَهُ وَهُوَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ إلَّا أَنَّهُ نَائِمٌ حَنِثَ) نَقَلَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّ التَّكْلِيمَ عِبَارَةٌ عَنْ إسْمَاعِ كَلَامِهِ كَمَا فِي تَكْلِيمِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ إسْمَاعِ نَفْسِهِ، إلَّا أَنَّ إسْمَاعَ الْغَيْرِ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فَأُقِيمَ السَّبَبُ الْمُؤَدِّي إلَيْهِ مَقَامَهُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ أَصْغَى إلَيْهِ أُذُنَهُ وَلَمْ يَكُنْ بِهِ مَانِعٌ مِنْ السَّمَاعِ لَسَمِعَ وَدَار الْحُكْمُ مَعَهُ وَسَقَطَ اعْتِبَارُ حَقِيقَةِ الْإِسْمَاعِ، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (لِتَغَافُلِهِ) أَيْ لِغَفْلَتِهِ. وَقَوْلُهُ (وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْمَبْسُوطِ) يُرِيدُ مَا رُوِيَ فِي رِوَايَةٍ فَنَادَاهُ وَأَيْقَظَهُ يَحْنَثُ فِيهِ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُشِيرُ إلَى اشْتِرَاطِ الْإِيقَاظِ لِلْحِنْثِ. وَذَكَرَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فَنَادَاهُ أَوْ أَيْقَظَهُ، وَهَذِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَتَى نَادَاهُ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ يَقْظَانَ لَسَمِعَ صَوْتَهُ حَنِثَ وَإِنْ لَمْ يُوقِظْهُ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ. وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا، وَالْوَجْهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ.

(وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ لَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْإِذْنِ حَتَّى كَلَّمَهُ حَنِثَ) لِأَنَّ الْإِذْنَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْأَذَانِ الَّذِي هُوَ الْإِعْلَامُ، أَوْ مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْإِذْنِ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالسَّمَاعِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْإِذْنَ هُوَ الْإِطْلَاقُ، وَأَنَّهُ يَتِمُّ بِالْآذِنِ كَالرِّضَا. قُلْنَا: الرِّضَا مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ، وَلَا كَذَلِكَ الْإِذْنُ عَلَى مَا مَرَّ. قَالَ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ شَهْرًا فَهُوَ مِنْ حِينِ حَلَفَ) لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الشَّهْرَ لَتَأَبَّدَ الْيَمِينُ فَذَكَرَ الشَّهْرَ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهُ فَبَقِيَ الَّذِي يَلِي يَمِينَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَأَنَّهُ يَتِمُّ بِالْإِذْنِ كَالرِّضَا) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَّا بِرِضَاهُ فَرَضِيَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْحَالِفُ فَكَلَّمَهُ لَا يَحْنَثُ لِمَا أَنَّ الرِّضَا يَتِمُّ بِالرَّاضِي، فَكَذَلِكَ الْإِذْنُ يَتِمُّ بِالْآذِنِ. قُلْنَا: الرِّضَا مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ فَيَتِمُّ بِالرَّاضِي وَلَا كَذَلِكَ الْإِذْنُ عَلَى مَا مَرَّ أَنَّهُ إمَّا مِنْ الْأَذَانِ الَّذِي هُوَ الْإِعْلَامُ، أَوْ مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْإِذْنِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي السَّمَاعَ وَلَمْ يُوجَدْ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا صَارَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا إذَا أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ لَكِنَّهُ يَصِيرُ مَأْذُونًا فَلَمْ يَكُنْ الْإِذْنُ مُحْتَاجًا إلَى الْوُقُوعِ فِي الْإِذْنِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْإِذْنَ هَذَا فَكُّ الْحَجْرِ فِي حَقِّ الْعَبْدِ وَالْعَبْدُ يَتَصَرَّفُ بِأَهْلِيَّةِ نَفْسِهِ وَمَالِكِيَّتِهِ فَيَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْإِذْنِ، وَأَمَّا فِي الْيَمِينِ فَلَمَّا حَرَّمَ كَلَامَهُ بِالْيَمِينِ إلَّا عِنْدَ الْإِذْنِ صَارَ الْإِذْنُ مُثْبِتًا لِإِبَاحَةِ الْكَلَامِ لِلْحَالِفِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِعْلَامِ بِذَلِكَ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ وَأَمْرُهُ وَاضِحٌ عِنْدَ الْأُصُولِيِّ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ شَهْرًا فَهُوَ مِنْ حِينِ حَلَفَ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الشَّهْرَ لِتَأَبُّدِ الْيَمِينِ) لِأَنَّ مَا يَلِي الْيَمِينَ صَالِحٌ لِمَحَلِّيَّةِ الْبَرِّ: أَيِّ جُزْءٍ كَانَ مِنْ أَجْزَاءِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَقَدْ وَقَعَتْ النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ كَانَ الْيَمِينُ مُؤَبَّدًا فَذَكَرَ الشَّهْرَ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهُ عَمَلًا بِدَلَالَةِ الْحَالِ وَهِيَ الْغَيْظُ الَّذِي لَحِقَهُ فِي الْحَالِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَأَصُومَن شَهْرًا لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الشَّهْرَ لَمْ تَتَأَبَّدْ الْيَمِينُ، إمَّا لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ، وَإِمَّا لِأَنَّ الصَّوْمَ غَيْرُ صَالِحٍ لِلتَّأْبِيدِ لِتَخَلُّلِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا لِلصَّوْمِ، فَكَانَ ذِكْرُهُ لِتَقْدِيرِ الصَّوْمِ

دَخْلًا عَمَلًا بِدَلَالَةِ حَالِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَأَصُومَنَّ شَهْرًا لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الشَّهْرَ لَمْ تَتَأَبَّدْ الْيَمِينُ فَكَانَ ذِكْرُهُ لِتَقْدِيرِ الصَّوْمِ بِهِ وَأَنَّهُ مُنَكِّرٌ فَالتَّعْيِينُ إلَيْهِ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ فَقَرَأَ الْقُرْآنَ فِي صَلَاتِهِ لَا يَحْنَثُ. وَإِنْ قَرَأَ فِي غَيْرِ صَلَاتِهِ حَنِثَ) وَعَلَى هَذَا التَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ وَالتَّكْبِيرُ، وَفِي الْقِيَاسِ يَحْنَثُ فِيهِمَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ كَلَامٌ حَقِيقَةٌ. وَلَنَا أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَ بِكَلَامٍ عُرْفًا وَلَا شَرْعًا، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ» وَقِيلَ فِي عُرْفِنَا لَا يَحْنَثُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُتَكَلِّمًا بَلْ قَارِئًا وَمُسَبِّحًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَنَّهُ مُنَكَّرٌ فَالنِّيَّةُ تُعَيِّنُهُ . وَقَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ فَقَرَأَ الْقُرْآنَ) ظَاهِرٌ.

(وَلَوْ قَالَ يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَأَمْرَأَتْهُ طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) لِأَنَّ اسْمَ الْيَوْمِ إذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ يُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16] وَالْكَلَامُ لَا يَمْتَدُّ (وَإِنْ عَنِيَ النَّهَارَ خَاصَّةً دِينَ فِي الْقَضَاءِ) لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِ أَيْضًا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمُتَعَارَفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلَوْ قَالَ يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا) هَاهُنَا ثَلَاثُ عِبَارَاتٍ نَهَارَ أُكَلِّمُ فُلَانًا وَلَيْلَةَ أُكَلِّمُ فُلَانًا وَيَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا، فَالْأُولَى لِبَيَاضِ النَّهَارِ خَاصَّةً. فَلَوْ كَلَّمَهُ لَيْلًا لَمْ يَحْنَثْ.

(وَلَوْ قَالَ لَيْلَةَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَهُوَ عَلَى اللَّيْلِ خَاصَّةً) لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ كَالنَّهَارِ لِلْبَيَاضِ خَاصَّةً، وَمَا جَاءَ اسْتِعْمَالُهُ فِي مُطْلَقِ الْوَقْتِ (وَلَوْ قَالَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا إلَّا أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ أَوْ قَالَ حَتَّى يَقْدَمَ فُلَانٌ أَوْ قَالَ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ فُلَانٌ أَوْ حَتَّى يَأْذَنَ فُلَانٌ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَكَلَّمَهُ قَبْلَ الْقُدُومِ وَالْإِذْنِ حَنِثَ، وَلَوْ كَلَّمَهُ بَعْدَ الْقُدُومِ وَالْإِذْنِ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ غَايَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالثَّانِيَةُ لِسَوَادِهِ خَاصَّةً، فَلَوْ كَلَّمَهُ نَهَارًا لَمْ يَحْنَثْ. وَمَا جَاءَ اسْتِعْمَالُهُ فِي مُطْلَقِ الْوَقْتِ وَمَا جَاءَ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ: وَكُنَّا حَسِبْنَا كُلَّ سَوْدَاءَ تَمْرَةً ... لَيَالِي لَاقَيْنَا جُذَامًا وَحَمِيرًا مُرَادًا بِهِ الْوَقْتُ فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا ذُكِرَ بِلَفْظِ الْمُفْرَدِ وَمَا فِي الشِّعْرِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَذِكْرُ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ بِعِبَارَةِ الْجَمْعِ يَقْتَضِي دُخُولَ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الْعَدَدِ الْآخَرِ وَذَلِكَ أَصْلٌ آخَرُ غَيْرُ مَا نَحْنُ فِيهِ. وَالثَّالِثَةُ يُعْتَبَرُ بِمَا قُرِنَ بِهِ، إنْ قُرِنَ بِفِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ يُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16] وَالْكَلَامُ مِمَّا لَا يَمْتَدُّ، وَإِنْ قُرِنَ بِهِ مَا يَمْتَدُّ كَالصَّوْمِ يُرَادُ بَيَاضُ النَّهَارِ، وَالْبَحْثُ فِيهِ وَظِيفَةٌ أُصُولِيَّةٌ، وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ، فَإِنْ عَنَى فِي قَوْلِهِ يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا النَّهَارَ خَاصَّةً صَدَقَ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِ أَيْضًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] وَالْمُرَادُ بِهِ بَيَاضُ النَّهَارِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ غَايَةٌ) أَمَّا فِي كَلِمَةِ حَتَّى فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي إلَّا أَنْ فَلِمَا تَقَدَّمَ مِنْ مُنَاسَبَةِ مَعْنَى

وَالْيَمِينُ بَاقِيَةٌ قَبْلَ الْغَايَةِ وَمُنْتَهِيَةٌ بَعْدَهَا فَلَا يَحْنَثُ بِالْكَلَامِ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْيَمِينِ (وَإِنْ مَاتَ فُلَانٌ سَقَطَتْ الْيَمِينُ) خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْمَمْنُوعَ عَنْهُ كَلَامٌ يَنْتَهِي بِالْإِذْنِ وَالْقُدُومِ وَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ الْمَوْتِ مُتَصَوَّرُ الْوُجُودِ فَسَقَطَتْ الْيَمِينُ. وَعِنْدَهُ التَّصَوُّرُ لَيْسَ بِشَرْطٍ، فَعِنْدَ سُقُوطِ الْغَايَةِ تَتَأَبَّدُ الْيَمِينُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاسْتِثْنَاءِ مَعْنَى الْغَايَةِ وَكَوْنُهُ مَجَازًا لِلْغَايَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَ فُلَانٌ) يَعْنِي الَّذِي أَسْنَدَ إلَيْهِ الْقُدُومَ أَوْ الْإِذْنَ سَقَطَ الْيَمِينُ لِانْتِفَاءِ تَصَوُّرِ الْبَرِّ. فَإِنْ قِيلَ: إعَادَةُ الْحَيَاةِ مُمْكِنَةٌ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يَبْطُلَ الْيَمِينُ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْيَمِينَ انْعَقَدَتْ عَلَى الْقُدُومِ أَوْ الْإِذْنِ فِي حَيَاتِهِ الْقَائِمَةِ لَا الْمُعَادَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَهِيَ غَيْرُ الْمُعَادَةِ لَا مَحَالَةَ، وَلِهَذَا قُلْنَا: إذَا قَالَ لَأَقْتُلَن فُلَانًا

(وَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ عَبْدَ فُلَانٍ وَلَمْ يَنْوِ عَبْدًا بِعَيْنِهِ أَوْ امْرَأَةَ فُلَانٍ أَوْ صَدِيقَ فُلَانٍ فَبَاعَ فُلَانٌ عَبْدَهُ أَوْ بَانَتْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ أَوْ عَادَى صَدِيقَهُ فَكَلَّمَهُمْ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى فِعْلٍ وَاقِعٍ فِي مَحَلٍّ مُضَافٍ إلَى فُلَانٍ، إمَّا إضَافَةُ مِلْكٍ أَوْ إضَافَةُ نِسْبَةٍ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يَحْنَثُ، قَالَ هَذَا فِي إضَافَةِ الْمِلْكِ بِالِاتِّفَاقِ. وَفِي إضَافَةِ النِّسْبَةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحْنَثُ كَالْمَرْأَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفُلَانٌ مَيِّتٌ وَلَمْ يَعْلَمْ الْحَالِفُ بِمَوْتِهِ لَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ عَلَى الْحَيَاةِ الْقَائِمَةِ. قَالَ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ عَبْدَ فُلَانٍ) إذَا وَقَعَتْ الْيَمِينُ عَلَى فِعْلٍ يَتَعَلَّقُ بِمُرَكَّبٍ إضَافِيٍّ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ الْإِضَافَةِ إشَارَةٌ أَوْ لَا، وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ تَكُونَ الْإِضَافَةُ إلَيْهِ إضَافَةَ مِلْكٍ أَوْ إضَافَةَ نِسْبَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعَ الْإِضَافَةِ إشَارَةٌ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ عَبْدَ فُلَانٍ وَلَمْ يَنْوِ عَبْدًا بِعَيْنِهِ أَوْ امْرَأَةً أَوْ صَدِيقَ فُلَانٍ فَالْمُعْتَبَرُ وُجُودُ الْمِلْكِ عِنْدَ وُجُودِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِي إضَافَةِ الْمِلْكِ بِالِاتِّفَاقِ،

وَالصِّدِّيقِ. قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ: لِأَنَّ هَذِهِ الْإِضَافَةِ لِلتَّعْرِيفِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ وَالصَّدِيقَ مَقْصُودَانِ بِالْهِجْرَانِ فَلَا يُشْتَرَطُ دَوَامُهَا فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِعَيْنِهِ كَمَا فِي الْإِشَارَةِ. وَوَجْهُ مَا ذُكِرَ هَاهُنَا وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ غَرَضُهُ هِجْرَانَهُ لِأَجْلِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَلِهَذَا لَمْ يُعَيِّنْهُ فَلَا يَحْنَثُ بَعْدَ زَوَالِ الْإِضَافَةِ بِالشَّكِّ (وَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى عَبْدٍ بِعَيْنِهِ بِأَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَذَا فِي إضَافَةِ النِّسْبَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُعْتَبَرُ وُجُودُ النِّسْبَةِ وَقْتَ الْحَلِفِ، فَعَلَى هَذَا إذَا بَاعَ فُلَانٌ عَبْدَهُ فَكَلَّمَهُ لَمْ يَحْنَثْ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَذَا إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَوْ عَادَى صَدِيقَهُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحْنَثُ كَذَا قَالَهُ فِي الزِّيَادَاتِ. وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ هَذِهِ الْإِضَافَةَ لِلتَّعْرِيفِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ وَالصَّدِيقَ قَدْ يُهْجَرَانِ لِذَاتِهِمَا مَقْصُودًا لَا لِأَجْلِ الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَمَا كَانَ لِلتَّعْرِيفِ لَا يُشْتَرَطُ دَوَامُهُ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بَعْدَ التَّعْرِيفِ فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِعَيْنِهِ، أَيْ بِعَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. كَمَا فِي الْإِشَارَةِ بِأَنْ قَالَ لَا أُكَلِّمُ صَدِيقَ فُلَانٍ هَذَا أَوْ زَوْجَةَ فُلَانٍ هَذِهِ (وَوَجْهُ مَا ذُكِرَ هَاهُنَا) يَعْنِي عَدَمَ الْحِنْثِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ) فَإِنَّهُ ذَكَرَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فِي الزِّيَادَاتِ وَقَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَلَمْ يُذْكَرْ لِأَبِي يُوسُفَ قَوْلٌ. وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ غَرَضُهُ هِجْرَانَهُ أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَرْأَةِ وَالصَّدِيقِ لِأَجْلِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَلِهَذَا لَمْ يُعَيِّنْهُ، وَيُحْتَمَلُ

قَالَ عَبْدُ فُلَانٍ هَذَا أَوْ امْرَأَةُ فُلَانٍ بِعَيْنِهَا أَوْ صَدِيقُ فُلَانٍ بِعَيْنِهِ لَمْ يَحْنَثْ فِي الْعَبْدِ وَحَنِثَ فِي الْمَرْأَةِ وَالصَّدِيقِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَحْنَثُ فِي الْعَبْدِ أَيْضًا) وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ هَذِهِ فَبَاعَهَا ثُمَّ دَخَلَهَا فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ) وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ أَنَّ الْإِضَافَةَ لِلتَّعْرِيفِ وَالْإِشَارَةِ أَبْلَغُ مِنْهَا فِيهِ لِكَوْنِهَا قَاطِعَةً لِلشَّرِكَةِ، بِخِلَافِ الْإِضَافَةِ فَاعْتُبِرَتْ الْإِشَارَةُ وَلُغِيَتْ الْإِضَافَةُ وَصَارَ كَالصَّدِيقِ وَالْمَرْأَةِ. وَلَهُمَا أَنَّ الدَّاعِي إلَى الْيَمِينِ مَعْنًى فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ لَا تُهْجَرُ وَلَا تُعَادَى لِذَوَاتِهَا، وَكَذَا الْعَبْدُ لِسُقُوطِ مَنْزِلَتِهِ بَلْ لِمَعْنًى فِي مُلَّاكِهَا فَتَتَقَيَّدُ الْيَمِينُ بِحَالِ قِيَامِ الْمِلْكِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْإِضَافَةُ إضَافَةَ نِسْبَةٍ كَالصَّدِيقِ وَالْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ يُعَادَى لِذَاتِهِ فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ لِلتَّعْرِيفِ وَالدَّاعِي الْمَعْنَى فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِعَدَمِ التَّعْيِينِ، بِخِلَافِ، مَا تَقَدَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ لَا يَكُونَ فَلَا يَحْنَثُ بَعْدَ زَوَالِ الْإِضَافَةِ بِالشَّكِّ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْإِضَافَةِ إشَارَةٌ بِأَنْ قَالَ عَبْدَ فُلَانٍ هَذَا أَوْ امْرَأَةُ فُلَانٍ هَذِهِ أَوْ صَدِيقُ فُلَانٍ بِعَيْنِهِ لَمْ يَحْنَثْ فِي الْعَبْدِ، وَحَنِثَ فِي الْمَرْأَةِ وَالصَّدِيقِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَحْنَثُ فِي الْعَبْدِ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْإِضَافَةَ لِلتَّعْرِيفِ. وَتَقْرِيرُهُ: الْإِضَافَةُ لِلتَّعْرِيفِ وَمَا هُوَ لِلتَّعْرِيفِ يَلْغُو عِنْدَ وُجُودِ مَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْهُ فِيهِ، وَالْإِشَارَةُ أَبْلَغُ مِنْهَا فِيهِ لِكَوْنِهَا قَاطِعَةً لِلشَّرِكَةِ لِكَوْنِهَا بِمَنْزِلَةِ وَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْإِضَافَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِفُلَانٍ عَبِيدٌ فَاعْتُبِرَتْ الْإِشَارَةُ وَلَغَتْ الْإِضَافَةُ وَصَارَ كَالصَّدِيقِ وَالْمَرْأَةِ. وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الدَّاعِيَ إلَى الْيَمِينِ مَعْنًى فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَتَقْرِيرُهُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِضَافَةَ لِلتَّعْرِيفِ بَلْ لِبَيَانِ أَنَّ الدَّاعِيَ إلَى الْيَمِينِ مَعْنَى فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ: أَيْ الدَّارُ وَالدَّابَّةُ وَالثَّوْبُ لَا تُهْجَرُ وَلَا تُعَادَى لِذَوَاتِهَا، وَكَذَا الْعَبْدُ لِسُقُوطِ مَنْزِلَتِهِ بَلْ لِمَعْنًى فِي مُلَّاكِهَا فَتَتَقَيَّدُ الْيَمِينُ بِحَالِ قِيَامِ الْمِلْكِ لِقِيَامِ الْمَعْنَى الدَّاعِي إذْ ذَاكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْإِضَافَةُ إضَافَةَ نِسْبَةٍ كَالصَّدِيقِ وَالْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ يُعَادَى لِذَاتِهِ فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ لِلتَّعْرِيفِ، وَالدَّاعِي لِمَعْنًى فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِعَدَمِ التَّعَيُّنِ: أَيْ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْمُضَافِ إلَيْهِ لِلْهِجْرَانِ لِكَوْنِ الْمُضَافِ أَيْضًا صَالِحًا لِذَلِكَ. وَإِذَا كَانَ لِلتَّعْرِيفِ لَمْ يَشْتَرِطْ دَوَامَهَا لِمَا ذَكَرْنَا، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ، يَعْنِي إضَافَةَ الْمِلْكِ لِتَعْيِينِ الْمُضَافِ إلَيْهِ لِذَلِكَ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الدَّابَّةَ وَالدَّارَ وَالْمَرْأَةَ يَجُوزُ أَنْ تُهْجَرَ لِذَاتِهَا لِشُؤْمِهَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ احْتِمَالٌ

قَالَ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ صَاحِبَ هَذَا الطَّيْلَسَانِ فَبَاعَهُ ثُمَّ كَلَّمَهُ حَنِثَ) لِأَنَّ هَذِهِ الْإِضَافَةَ لَا تَحْتَمِلُ إلَّا التَّعْرِيفَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُعَادَى لِمَعْنًى فِي الطَّيْلَسَانِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَشَارَ إلَيْهِ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الشَّابَّ فَكَلَّمَهُ وَقَدْ صَارَ شَيْخًا حَنِثَ) لِأَنَّ الْحُكْمَ تَعَلَّقَ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ إذْ الصِّفَةُ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ، وَهَذِهِ الصِّفَةُ لَيْسَتْ بِدَاعِيَةٍ إلَى الْيَمِينِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ عُرْفٌ فَلَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا . وَقَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ صَاحِبَ هَذَا الطَّيْلَسَانِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَهَذِهِ الصِّفَةُ لَيْسَتْ بِدَاعِيَةٍ إلَى الْيَمِينِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَوْ كَانَتْ الصِّفَةُ فِي الْحَاضِرِ لَغْوًا لَحَنِثَ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الرُّطَبَ فَأَكَلَهُ بَعْدَمَا صَارَ تَمْرًا. وَتَقْرِيرُهُ: الصِّفَةُ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ إذَا لَمْ تَكُنْ دَاعِيَةً إلَى الْيَمِينِ، وَهَذِهِ كَذَلِكَ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ: يَعْنِي فِي أَوَّلِ بَابِ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، بِخِلَافِ الرُّطَبِ فَإِنَّ صِفَتَهَا دَاعِيَةٌ إلَى الْيَمِينِ.

[فصل فيمن حلف لا يكلم حينا أو زمانا]

(فَصْلٌ) قَالَ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ حِينًا أَوْ زَمَانًا أَوْ الْحِينَ أَوْ الزَّمَانَ فَهُوَ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ) لِأَنَّ الْحِينَ قَدْ يُرَادُ بِهِ الزَّمَانُ الْقَلِيلُ وَقَدْ يُرَادُ بِهِ أَرْبَعُونَ سَنَةً، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: 1] وَقَدْ يُرَادُ بِهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 25] وَهَذَا هُوَ الْوَسَطُ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْيَسِيرَ لَا يُقْصَدُ بِالْمَنْعِ لِوُجُودِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ حِينًا أَوْ زَمَانًا] فَصْلٌ) لَمَّا كَانَتْ الْمَسَائِلُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا الْفَصْلِ مِنْ نَوْعِ الْكَلَامِ مُتَعَلِّقَةً بِالْأَزْمَانِ سَمَّاهُ فَصْلًا (وَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا حِينًا أَوْ زَمَانًا أَوْ الْحِينَ أَوْ الزَّمَانَ وَلَا نِيَّةَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْوَقْتِ فَهُوَ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّ الْحِينَ قَدْ يُرَادُ بِهِ الزَّمَانُ الْقَلِيلُ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17] وَالْمُرَادُ بِهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ أَرْبَعُونَ سَنَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: 1] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: الْمُرَادُ بِهِ أَرْبَعُونَ سَنَةً، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 25] أَيْ كُلَّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَمِنْ وَقْتِ الطَّلْعِ إلَى وَقْتِ الرُّطَبِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَمِنْ وَقْتِ الرُّطَبِ إلَى وَقْتِ الطَّلْعِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ لَا يَنْقَطِعُ نَفْعُهَا أَلْبَتَّةَ (وَهَذَا هُوَ الْوَسَطُ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ) إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا) أَيْ الِانْصِرَافُ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ (لِأَنَّ الْقَصِيرَ لَا يُقْصَدُ بِالْمَنْعِ) لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الْيَمِينِ فِي الِامْتِنَاعِ عَنْ الْكَلَامِ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ فِيهَا عَادَةً بِلَا يَمِينٍ، وَالْمَدِيدُ لَا يُقْصَدُ غَالِبًا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَبَدِ لِأَنَّ مَنْ أَرَادَ ذَلِكَ يَقُولُ أَبَدًا فِي الْعُرْفِ، فَلَوْ كَانَ مُرَادُهُ ذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ الْحِينَ، وَلَوْ سَكَتَ تَأَبَّدَ الْيَمِينُ

الِامْتِنَاعِ فِيهِ عَادَةً، وَالْمُؤَبَّدُ لَا يُقْصَدُ غَالِبًا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَبَدِ، وَلَوْ سَكَتَ عَنْهُ يَتَأَبَّدُ فَيَتَعَيَّنُ مَا ذَكَرْنَا. وَكَذَا الزَّمَانُ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْحِينِ، يُقَالُ مَا رَأَيْتُك مُنْذُ حِينٍ وَمُنْذُ زَمَانٍ بِمَعْنَى وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، أَمَّا إذَا نَوَى شَيْئًا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ (وَكَذَلِكَ الدَّهْرُ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الدَّهْرُ لَا أَدْرِي مَا هُوَ) وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الْمُنَكَّرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، أَمَّا الْمُعَرَّفُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يُرَادُ بِهِ الْأَبَدُ عُرْفًا. لَهُمَا أَنَّ دَهْرًا يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْحِينِ وَالزَّمَانِ يُقَالُ مَا رَأَيْتُك مُنْذُ حِينٍ وَمُنْذُ دَهْرٍ بِمَعْنَى وَأَبُو حَنِيفَةَ تَوَقَّفَ فِي تَقْدِيرِهِ لِأَنَّ اللُّغَاتِ لَا تُدْرَكُ قِيَاسًا وَالْعُرْفُ لَمْ يُعْرَفْ اسْتِمْرَارُهُ لِاخْتِلَافٍ فِي الِاسْتِعْمَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَحَيْثُ ذُكِرَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ فَائِدَةٍ سِوَى الْمُسْتَفَادِ عِنْدَ عَدَمِ ذِكْرِهِ وَإِلَّا لَا يَكُونُ لِذِكْرِهِ فَائِدَةٌ فَتَعَيَّنَ الْأَوْسَطُ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا الزَّمَانُ) ظَاهِرٌ (وَكَذَلِكَ الدَّهْرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ) يَعْنِي يَقَعُ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ الْمُنَكَّرُ وَالْمُعَرَّفُ سَوَاءٌ (وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الدَّهْرُ لَا أَدْرِي مَا هُوَ) وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الْمُنَكَّرِ. وَقَوْلُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةِ بِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ لَا فَرْقَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ قَوْلِهِ دَهْرًا وَبَيْنَ قَوْلِهِ الدَّهْرِ، وَإِذَا كَانَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاخْتِلَافُ فِي الْمُنَكَّرِ فَالْمُعَرَّفُ يَكُونُ مُتَّفِقًا عَلَيْهِ؛ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ كَمَا قَالَا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ يَقَعُ عَلَى الْأَبَدِ كَمَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إنَّ الدَّهْرَ فَاللَّامُ التَّعْرِيفِ يَقَعُ عَلَى الْأَبَدِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَهُمْ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ أَمَّا الْمُعَرَّفُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فَيُرَادُ بِهِ الْأَبَدُ عُرْفًا. وَوَجْهُ الْجَانِبَيْنِ فِي الْمُنَكَّرِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ. فَإِنْ قِيلَ: ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَأَجْمَعُوا فِيمَنْ قَالَ إنْ كَلَّمْتُك دُهُورًا أَوْ أَزْمِنَةً أَوْ شُهُورًا أَوْ سِنِينَ أَوْ جُمَعًا أَوْ أَيَّامًا يَقَعُ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ لِأَنَّهَا أَدْنَى الْجَمْعِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ أَيْضًا قَائِلًا فِي دُهُورٍ مُنَكَّرَةٍ بِثَلَاثَةٍ مِنْهَا، فَكُلُّ دَهْرٍ سِتَّةُ أَشْهُرٍ كَمَا هُوَ قَوْلُهُمَا، وَالْحُكْمُ فِي الْجَمْعِ مَوْقُوفٌ عَلَى مَعْرِفَةِ الْإِفْرَادِ فَكَيْفَ حَكَمَ فِي الْجَمْعِ وَتَوَقَّفَ فِي الْمُفْرَدِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ تَفْرِيعٌ لِمَسْأَلَةِ الدَّهْرِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَدَّعِي مَعْرِفَةَ الدَّهْرِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: مَنْ وَقَفَ عَلَى مَعْنَى الدَّهْرِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ فِي الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ مِنْهُ بِثَلَاثَةٍ كَمَا فِي الْأَزْمِنَةِ وَالشُّهُورِ كَمَا فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْمُزَارَعَةِ. وَبَيَانُ اخْتِلَافِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ أَنَّ مُعَرَّفَهُ يَقَعُ الْأَبَدُ بِخِلَافِ الْحِينِ وَالزَّمَانِ، وَيُقَالُ دَهْرِيٌّ لِمَنْ قَالَ الدَّهْرُ وَأَنْكَرَ الصَّانِعَ. وَحَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ} [الجاثية: 24] قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَسُبُّوا بِالدَّهْرِ فَإِنَّ الدَّهْرَ هُوَ اللَّهُ» فَهَذَا اسْمٌ لَمْ يُوقَفْ عَلَى مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ؛ وَالتَّوَقُّفُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ كَمَالِ الْعِلْمِ وَالْوَرَعِ.

(وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ أَيَّامًا فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) لِأَنَّهُ اسْمُ جَمْعٍ ذُكِرَ مُنَكَّرًا فَيُتَنَاوَلُ أَقَلَّ الْجَمْعِ وَهُوَ الثَّلَاثُ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الْأَيَّامَ فَهُوَ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: عَلَى أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الشُّهُورَ فَهُوَ عَلَى عَشَرَةِ أَشْهُرٍ عِنْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا لِأَنَّ اللَّامَ لِلْمَعْهُودِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا، لِأَنَّهُ يَدُورُ عَلَيْهَا. وَلَهُ أَنَّهُ جَمْعٌ مُعَرَّفٌ فَيَنْصَرِفُ إلَى أَقْصَى مَا يُذْكَرُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَذَلِكَ عَشَرَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ أَيَّامًا فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ بِالِاتِّفَاقِ، وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ أَنَّهُ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ عِنْدَهُ كَمَا فِي الْمُعَرَّفِ. قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: وَالْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ أَصَحُّ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْأَيَّامَ بِالتَّنْكِيرِ، وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْجِنْسِ وَالْعَهْدِ فَيَقَعُ عَلَى أَقَلِّ الْجَمْعِ وَهُوَ الثَّلَاثَةُ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الْأَيَّامَ فَهُوَ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ: عَلَى أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ. وَالْأَصْلُ أَنَّ حَرْفَ التَّعْرِيفِ إذَا دَخَلَ عَلَى اسْمِ الْجَمْعِ يَنْصَرِفُ إلَى أَقْصَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْعَشَرَةُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ فِي الْعُرْفِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَأَرْبَعَةَ أَيَّامٍ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَقُولُونَ: أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا وَمِائَةَ يَوْمٍ وَأَلْفَ يَوْمٍ، فَلَمَّا كَانَتْ الْعَشَرَةُ أَقْصَى مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ لَفْظُ الْجَمْعِ كَانَتْ هِيَ الْمُرَادَةُ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ حَيْثُ يَقَعُ الْيَمِينُ عَلَى الْوَاحِدَةِ لِتَعَذُّرِ صَرْفِهِ إلَى أَقْصَى مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ اسْمُ النِّسَاءِ، وَعِنْدَهُمَا يُنْظَرُ إنْ كَانَ ثَمَّةَ مَعْهُودٌ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَإِلَّا يَنْصَرِفُ إلَى جَمِيعِ الْعُمُرِ، وَفِي الْأَيَّامِ الْمَعْهُودِ فِي عُرْفِ النَّاسِ أَيَّامُ الْأُسْبُوعِ فَكَانَتْ مُرَادَةً، وَفِي الشُّهُورِ الْمَعْهُودُ شُهُورُ السَّنَةِ فَكَانَتْ مُرَادَةً وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، وَلَا مَعْهُودَ فِي الْجَمْعِ وَالسِّنِينَ فَيَنْصَرِفُ يَمِينُهُ إلَى جَمِيعِ الْعُمُرِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ يَدُورُ عَلَيْهَا) قِيلَ أَيْ لِأَنَّ الشُّهُورَ تَدُورُ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ: لِأَنَّهَا تَدُورُ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ أَوَّلَ بِالْمَذْكُورِ فِي الْأَوَّلِ وَبِالْإِفْرَادِ فِي الثَّانِي.

(وَكَذَا الْجَوَابُ عِنْدَهُ فِي الْجُمَعِ وَالسِّنِينَ) وَعِنْدَهُمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْعُمُرِ لِأَنَّهُ لَا مَعْهُودَ دُونَهُ (وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ خَدَمْتنِي أَيَّامًا كَثِيرَةً فَأَنْتَ حُرٌّ فَالْأَيَّامُ الْكَثِيرَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَشَرَةُ أَيَّامٍ) لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْأَيَّامِ، وَقَالَا: سَبْعَةُ أَيَّامٍ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهَا تَكْرَارٌ. وَقِيلَ لَوْ كَانَ الْيَمِينُ بِالْفَارِسِيَّةِ يَنْصَرِفُ إلَى سَبْعَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّهُ يُذْكَرُ فِيهَا بِلَفْظِ الْفَرْدِ دُونَ الْجَمْعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَقِيلَ لَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ بِالْفَارِسِيَّةِ) يَعْنِي مِثْلَ أَنْ يَقُول اكر خدمت كنى مراروزهاي بِسَيَّارِ توازاذي غَرْمُ خُدِمَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَقَ لِأَنَّ فِي لِسَانِنَا يُسْتَعْمَلُ فِي جَمِيعِ الْأَعْدَادِ لَفْظَةَ روز فَلَا يَجِيءُ مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْعَرَبِيَّةِ مِنْ انْتِهَاءِ لَفْظِ الْجَمْعِ إلَى عَشَرَةٍ؛ فَلِذَلِكَ أُرِيدَ فِي الْعَرَبِيَّةِ أَكْثَرُ مَا يَنْطَلِقُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ اسْمُ الْأَيَّامِ، لِأَنَّ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُقَالُ أَيَّامٌ بَلْ يُقَالُ إحْدَى عَشَرَ يَوْمًا وَمِائَةَ يَوْمٍ وَأَلْفَ يَوْمٍ. وَقِيلَ فِي تَعْلِيلِ الْمُصَنِّفِ نَظَرٌ لِأَنَّ لَفْظَ الْفَرْدِ بِالْفَارِسِيَّةِ إمَّا أَنْ يُفْهَمَ مِنْهُ مَعْنَى الْجَمْعِ أَوْ لَا، فَإِنْ فُهِمَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْعَرَبِيُّ وَالْفَارِسِيُّ سَوَاءً وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ الْأُسْبُوعُ مُرَادًا أَيْضًا. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ مَعْنَى الْجَمْعِ. وَقَوْلُهُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْعَرَبِيُّ وَالْفَارِسِيُّ سَوَاءً، قُلْنَا: مَمْنُوعٌ لِأَنَّ لَفْظَ الْفَارِسِيِّ وَإِنْ أَفَادَ مَعْنَى الْجَمْعِ لَكِنْ لَا يَنْتَهِي إلَى الْعَشَرَةِ وَتَخْصِيصُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ لِكَوْنِهِ الْمَعْهُودَ أَوْ لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ.

[باب اليمين في العتق والطلاق]

(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ) : (وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا طَلُقَتْ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ) لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مَوْلُودٌ فَيَكُونُ وَلَدًا حَقِيقَةً وَيُسَمَّى بِهِ فِي الْعُرْفِ، وَيُعْتَبَرُ وَلَدًا فِي الشَّرْعِ حَتَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْيَمِينِ فِي الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ] قَدَّمَ هَذَا الْبَابَ عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّ الْحَلِفَ بِهِمَا أَكْثَرُ وُقُوعًا فَكَانَ مَعْرِفَةُ أَحْكَامِهِ أَهَمَّ مِنْ غَيْرِهِ (وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا طَلُقَتْ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لِأَمَتِهِ وَعَلَّقَ بِهِ الْحُرِّيَّةَ عَتَقَتْ) لِأَنَّ الشَّرْطَ وِلَادَةُ الْوَلَدِ وَقَدْ تَحَقَّقَتْ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مَوْلُودٌ حَقِيقَةً وَعُرْفًا وَحُكْمًا؛ أَمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ عُرْفًا لِأَنَّهُ يُسَمَّى فِي الْعُرْفِ وَلَدًا، وَأَمَّا شَرْعًا فَلِأَنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَهُ وَلَدًا حَتَّى تَنْقَضِيَ بِهِ الْعِدَّةُ وَالدَّمُ بَعْدَهُ نِفَاسٌ وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ، وَإِذَا تَحَقَّقَ الشَّرْطُ

تَنْقَضِيَ بِهِ الْعِدَّةُ، وَالدَّمُ بَعْدَهُ نِفَاسٌ وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ فَتَحَقَّقَ الشَّرْطُ وَهُوَ وِلَادَةُ الْوَلَدِ (وَلَوْ قَالَ إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا ثُمَّ آخَرَ حَيًّا عَتَقَ الْحَيُّ وَحْدَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا يُعْتَقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا) لِأَنَّ الشَّرْطَ قَدْ تَحَقَّقَ بِوِلَادَةِ الْمَيِّتِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ لَا إلَى جَزَاءٍ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْحُرِّيَّةِ وَهِيَ الْجَزَاءُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مُطْلَقَ اسْمِ الْوَلَدِ مُقَيَّدٌ بِوَصْفِ الْحَيَاةِ لِأَنَّهُ قَصَدَ إثْبَاتَ الْحُرِّيَّةِ جَزَاءً وَهِيَ قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ تَظْهَرُ فِي دَفْعِ تَسَلُّطِ الْغَيْرِ وَلَا تَثْبُتُ فِي الْمَيِّتِ فَيَتَقَيَّدُ بِوَصْفِ الْحَيَاةِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ إذَا وَلَدْت وَلَدًا حَيًّا، بِخِلَافِ جَزَاءِ الطَّلَاقِ وَحُرِّيَّةِ الْأُمِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQثَبَتَ الْحُكْمُ (وَلَوْ قَالَ إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا ثُمَّ آخَرَ حَيًّا عَتَقَ الْحَيُّ وَحْدَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا يُعْتَقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِأَنَّ الشَّرْطَ قَدْ تَحَقَّقَ بِوِلَادَةِ الْمَيِّتِ عَلَى مَا بَيَّنَّا) أَنَّ الْمَوْجُودَ مَوْلُودٌ إلَخْ لَكِنْ الْمَيِّتُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِلْحُرِّيَّةِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ لَكِنْ لَا إلَى جَزَاءٍ كَمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ الدَّارَ بَعْدَمَا أَبَانَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ لَا إلَى جَزَاءٍ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مُطْلَقَ اسْمِ الْوَلَدِ مُقَيَّدٌ بِوَصْفِ الْحَيَاةِ) يَعْنِي أَنَّ الْوَلَدَ وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا فِي اللَّفْظِ لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِوَصْفِ الْحَيَاةِ دَلَالَةً؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ إثْبَاتَ الْحُرِّيَّةِ لَهُ جَزَاءً وَالْمَيِّتُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لَهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ إذَا وَلَدْت وَلَدًا حَيًّا وَلَمْ يُوجَدْ، بِخِلَافِ جَزَاءِ الطَّلَاقِ وَحُرِّيَّةِ الْأُمِّ لِأَنَّهُ أَيْ الْجَزَاءُ لَا يَصْلُحُ مُقَيَّدًا لِاسْتِغْنَائِهِمَا عَنْ حَيَاةِ الْوَلَدِ فَلَمْ يَكُنْ الشَّرْطُ إلَّا وِلَادَةَ الْوَلَدِ وَقَدْ تَحَقَّقَتْ عَلَى مَا بَيَّنَّا. وَاسْتُشْكِلَ بِمَا لَوْ قَالَ إذَا اشْتَرَيْت عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدًا لِغَيْرِهِ انْحَلَّتْ يَمِينُهُ، حَتَّى لَوْ اشْتَرَى بَعْدَ ذَلِكَ عَبْدًا لِنَفْسِهِ لَمْ يُعْتَقْ مَعَ أَنَّهُ جَعَلَ شِرَاءَ الْعَبْدِ شَرْطًا لِحُرِّيَّتِهِ وَعَبْدُ الْغَيْرِ لَيْسَ مَحَلًّا لِلْحُرِّيَّةِ عَنْ الْمُشْتَرِي لِعَدَمِ مِلْكِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْإِضْمَارَ إنَّمَا يَكُونُ لِتَصْحِيحِ الْكَلَامِ، وَالْحَاجَةُ إلَى إضْمَارِ الْمِلْكِ لِتَصْحِيحِهِ لَيْسَتْ كَالْحَاجَةِ إلَى إضْمَارِ الْحَيَاةِ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ بِدُونِ الْحَيَاةِ لَا تُتَصَوَّرُ أَصْلًا، وَفِي مِلْكِ الْغَيْرِ تُتَصَوَّرُ مَوْقُوفَةً عَلَى الْإِجَازَةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ إضْمَارِ

لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ مُقَيَّدًا (وَإِذَا قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدًا عَتَقَ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْمٌ لِفَرْدٍ سَابِقٍ (فَإِنْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ مَعًا ثُمَّ آخَرَ لَمْ يُعْتَقْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ) لِانْعِدَامِ التَّفَرُّدِ فِي الْأَوَّلَيْنِ وَالسَّبَقِ فِي الثَّالِثِ فَانْعَدَمَتْ الْأَوَّلِيَّةُ (وَإِنْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيه وَحْدَهُ فَهُوَ حُرٌّ عَتَقَ الثَّالِثُ) لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّفَرُّدُ فِي حَالَةِ الشِّرَاءِ لِأَنَّ وَحْدَهُ لِلْحَالِ لُغَةً وَالثَّالِثُ سَابِقٌ فِي هَذَا الْوَصْفِ (وَإِنْ قَالَ آخِرُ عَبْدٍ أَشْتَرِيه فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ مَاتَ لَمْ يُعْتَقْ) لِأَنَّ الْآخَرَ اسْمٌ لِفَرْدٍ لَاحِقٍ وَلَا سَابِقَ لَهُ فَلَا يَكُونُ لَاحِقًا (وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَ عَتَقَ الْآخَرُ) لِأَنَّهُ فَرْدٌ لَاحِقٌ فَاتَّصَفَ بِالْآخِرِيَّةِ (وَيُعْتَقُ يَوْمَ اشْتَرَاهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَتَّى يَعْتَبِرَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَقَالَا: يُعْتَقُ يَوْمَ مَاتَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَيَاةِ إضْمَارُ الْمِلْكِ (وَلَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ) عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ ظَاهِرٌ، وَكَذَا قَوْلُهُ أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ وَحْدَهُ وَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ. وَاسْتُشْكِلَ بِمَا لَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ وَاحِدًا فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدَيْنِ مَعًا ثُمَّ اشْتَرَى آخَرَ لَا يُعْتَقُ الثَّالِثُ مَعَ أَنَّ مَعْنَى التَّفَرُّدِ فِيهِمَا عَلَى طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ؛ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ وَاحِدًا يَقْتَضِي نَفْيَ الْمُشَارَكَةِ فِي الذَّاتِ، وَوَحْدُهُ يَقْتَضِيهِ فِي الْفِعْلِ الْمَقْرُونِ بِهِ دُونَ الذَّاتِ وَلِهَذَا صَدَقَ الرَّجُلُ فِي قَوْلِهِ فِي الدَّارِ رَجُلٌ وَاحِدٌ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ فِيهَا صَبِيٌّ أَوْ امْرَأَةٌ وَكَذَبَ فِي ذَلِكَ إذَا قَالَ وَحْدَهُ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ قُلْنَا: إذَا قَالَ وَاحِدًا أَنَّهُ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى أَوَّلِ عَبْدٍ مُطْلَقٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَاحِدًا لَمْ يُفِدْ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى مَا أَفَادَهُ لَفْظُ أَوَّلُ فَكَانَ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ، وَإِذَا قَالَ وَحْدَهُ فَقَدْ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى أَوَّلِ عَبْدٍ لَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فِي التَّمَلُّكِ وَالثَّالِثُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَيُعْتَقُ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ آخِرُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ) وَاضِحٌ. قَوْلُهُ (وَيُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ) يَعْنِي إذَا كَانَ اشْتَرَاهُ فِي الصِّحَّةِ

حَتَّى يُعْتَبَرَ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّ الْآخِرِيَّةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِعَدَمِ شِرَاءِ غَيْرِهِ بَعْدَهُ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالْمَوْتِ فَكَانَ الشَّرْطُ مُتَحَقِّقًا عِنْدَ الْمَوْتِ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَوْتَ مُعَرَّفٌ فَأَمَّا اتِّصَافُهُ بِالْآخِرِيَّةِ فَمِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ فَيَثْبُتُ مُسْتَنِدًا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ تَعْلِيقُ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ بِهِ، وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِي جَرَيَانِ الْإِرْثِ وَعَدَمِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (حَتَّى يُعْتَبَرَ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ) يَعْنِي عَلَى كُلِّ حَالٍ لِأَنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ آخِرِيَّةُ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى وَهِيَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِعَدَمِ شِرَاءِ غَيْرِهِ بَعْدَهُ وَعَدَمُ شِرَاءِ غَيْرِهِ يَتَحَقَّقُ بِالْمَوْتِ فَكَانَ الشَّرْطُ مُتَحَقِّقًا عِنْدَهُ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَوْتَ مُعَرَّفٌ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَى الثَّانِيَ بَعْدَ الْأَوَّلِ تَثْبُتُ صِفَةُ الْآخِرِيَّةِ فِيهِ، لَكِنْ كَانَتْ بِعَرَضِيَّةِ أَنْ يَزُولَ بِشِرَاءِ غَيْرِهِ فَلَا يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ؛ فَإِذَا مَاتَ وَلَمْ يَشْتَرِ غَيْرَهُ عَرَفْنَا تَقَرُّرَ صِفَةِ الْآخِرِيَّةِ عَلَيْهِ فَيُعْتَقُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، كَمَا لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ إذَا حِضْت فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَرَأَتْ الدَّمَ لَا تُعْتَقُ لِجَوَازِ أَنْ يَنْقَطِعَ الدَّمُ فِيمَا دُونَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَإِذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عَتَقَتْ مِنْ حِينِ رَأَتْ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا رَأَتْهُ كَانَ حَيْضًا حِينَ رَأَتْ الدَّمَ، إلَى هَذَا أَشَارَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ، ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ؛ وَفِيهِ تَسَامُحٌ لِأَنَّ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ بَابِ الِاسْتِنَادِ وَمَا مَثَّلَ بِهِ مِنْ بَابِ التَّبْيِينِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْغَرَضُ مِنْ التَّمْثِيلِ بَيَانُ عَدَمِ الِاقْتِصَارِ وَالِاسْتِنَادُ وَالتَّبْيِينُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. وَقَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ تَعْلِيقُ الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ بِهِ) أَيْ بِوَصْفِ الْآخِرِيَّةِ كَمَا إذَا قَالَ آخِرُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ امْرَأَةً ثُمَّ مَاتَ عِنْدَهُمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مَقْصُورًا عَلَى الْمَوْتِ حَتَّى تَسْتَحِقَّ الْمِيرَاثَ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَقَعُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ التَّزَوُّجِ فَلَا تَسْتَحِقُّهُ، وَفَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِالثَّلَاثِ جَازَ أَنْ

(وَمَنْ قَالَ كُلُّ عَبْدٍ بَشَّرَنِي بِوِلَادَةِ فُلَانَةَ فَهُوَ حُرٌّ فَبَشَّرَهُ ثَلَاثَةٌ مُتَفَرِّقِينَ عَتَقَ الْأَوَّلُ) لِأَنَّ الْبِشَارَةَ اسْمٌ لِخَبَرٍ يُغَيِّرُ بَشَرَةَ الْوَجْهِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ سَارًّا بِالْعُرْفِ، وَهَذَا إنَّمَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الْأَوَّلِ (وَإِنْ بَشَّرُوهُ مَعًا عَتَقُوا) لِأَنَّهَا تَحَقَّقَتْ مِنْ الْكُلِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونَ بَيَانَ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ فَإِنَّ بِهِ يَكُونُ الزَّوْجُ فَارًّا وَتَرِثُ الْمَرْأَةُ عِنْدَهُمَا. قَالَ (وَمَنْ قَالَ كُلُّ عَبْدٍ بَشَّرَنِي بِوِلَادَةِ فُلَانَةَ) الْبِشَارَةُ اسْمٌ لِخَبَرٍ غَابَ عَنْ الْمُخْبَرِ عِلْمُهُ وَقَدْ يَكُونُ بِالْخَيْرِ وَقَدْ يَكُونُ بِالشَّرِّ إلَّا أَنَّهُ فِي الْعُرْفِ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يَسُرُّ وَيَنْفِي الْحُزْنَ وَيَتَحَقَّقُ مِنْ وَاحِدٍ فَأَكْثَرَ؛ فَإِذَا قَالَ كُلُّ عَبْدٍ بَشَّرَنِي بِوِلَادَةِ فُلَانَةَ (فَبَشَّرَهُ ثَلَاثَةٌ) فَإِنْ أَخْبَرُوهُ مَعًا عَتَقُوا لِأَنَّ الْبِشَارَةَ حَصَلَتْ مِنْهُمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات: 28] وَإِنْ أَخْبَرُوا مُتَفَرِّقِينَ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ عَتَقَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْبِشَارَةَ حَصَلَتْ مِنْهُ، وَيُعَضِّدُهُ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَقَالَ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا طَرِيًّا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْهُ بِقِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ، فَابْتَدَرَ إلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لِلْبِشَارَةِ، فَسَبَقَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ بِهَا، وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ إذَا ذَكَرَ ذَلِكَ يَقُولُ بَشَّرَنِي أَبُو بَكْرٍ وَأَخْبَرَنِي عُمَرُ» وَإِنْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت فُلَانًا فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ يَنْوِي بِهِ كَفَّارَةَ يَمِينِهِ لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّ الشَّرْطَ: أَيْ شَرْطَ الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ التَّكْفِيرِ قِرَانُ نِيَّةِ التَّكْفِيرِ بِعِلَّةِ الْعِتْقِ وَهِيَ الْيَمِينُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَإِنَّمَا وُجِدَ عِنْدَ الشِّرَاءِ وَهُوَ شَرْطُ الْعِتْقِ لَا عِلَّتُهُ فَلَا يَكُونُ مُفِيدًا، حَتَّى لَوْ كَانَتْ النِّيَّةُ مُقَارِنَةً لِلْيَمِينِ أَجْزَأَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَإِنْ اشْتَرَى أَبَاهُ يَنْوِي بِهِ كَفَّارَةَ يَمِينِهِ أَجْزَأَهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ. وَوَجْهُ قَوْلِهِمْ أَنَّ النِّيَّةَ تُشْتَرَطُ عِنْدَ الْعِلَّةِ وَالشِّرَاءُ

(وَلَوْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت فُلَانًا فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ يَنْوِي بِهِ كَفَّارَةَ يَمِينِهِ لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّ الشَّرْطَ قِرَانُ النِّيَّةِ بِعِلَّةِ الْعِتْقِ وَهِيَ الْيَمِينُ، فَأَمَّا الشِّرَاءُ فَشَرْطُهُ (وَإِنْ اشْتَرَى أَبَاهُ يَنْوِي عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِهِ أَجْزَأَهُ عِنْدَنَا) خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ. لَهُمَا أَنَّ الشِّرَاءَ شَرْطُ الْعِتْقِ، فَأَمَّا الْعِلَّةُ فَهِيَ الْقَرَابَةُ وَهَذَا لِأَنَّ الشِّرَاءَ إثْبَاتُ الْمِلْكِ وَالْإِعْتَاقُ إزَالَتُهُ وَبَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ. وَلَنَا أَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَنْ يَجْزِيَ وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيهِ فَيُعْتِقَهُ» جَعَلَ نَفْسَ الشِّرَاءِ إعْتَاقًا لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ غَيْرُهُ وَصَارَ نَظِيرُ قَوْلِهِ سَقَاهُ فَأَرْوَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQشَرْطُ الْعِتْقِ لَا عِلَّتُهُ، وَإِنَّمَا الْعِلَّةُ هِيَ الْقَرَابَةُ فَلَا تُفِيدُ النِّيَّةُ عِنْدَ الشِّرَاءِ (وَهَذَا) أَيْ كَوْنُ الشِّرَاءِ شَرْطًا لَا عِلَّةً لِأَنَّ الشِّرَاءَ إثْبَاتُ الْمِلْكِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَالْإِعْتَاقُ لَيْسَ إثْبَاتًا لِلْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ إزَالَتُهُ فَكَانَ بَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ فَلَا يَكُونُ الشِّرَاءُ إعْتَاقًا. وَلَنَا أَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَنْ يَجْزِيَ وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ جَعَلَ نَفْسَ الشِّرَاءِ إعْتَاقًا لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ غَيْرَهُ. وَقَوْلُهُ (وَصَارَ نَظِيرَ قَوْلِهِ سَقَاهُ فَأَرْوَاهُ)

(وَلَوْ اشْتَرَى أُمَّ وَلَدِهِ لَمْ يُجِزْهُ) وَمَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ لِأَمَةٍ قَدْ اسْتَوْلَدَهَا بِالنِّكَاحِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQجَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ عَطَفَ الْإِعْتَاقَ عَلَى الشِّرَاءِ بِالْفَاءِ وَهُوَ يَقْتَضِي التَّرَاخِيَ بِزَمَانٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَإِنْ لَطَفَ فَلَا يَكُونُ نَفْسَهُ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْفِعْلَ إذَا عُطِفَ عَلَى فِعْلٍ آخَرَ بِالْفَاءِ كَانَ الثَّانِي ثَابِتًا بِالْأَوَّلِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ؛ يُقَالُ: ضَرَبَهُ فَأَوْجَعَهُ وَأَطْعَمَهُ فَأَشْبَعَهُ وَسَقَاهُ فَأَرْوَاهُ: أَيْ بِذَلِكَ الْفِعْلِ لَا بِغَيْرِهِ. وَفِيهِ بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ هَلْ يُثْبِتُ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي الْقَرِيبِ أَوْ لَا؟ فَإِنْ أَثْبَتَهُ لَا يُزِيلُهُ لِأَنَّ الْمُثْبَتَ بِعَيْنِهِ لَا يَكُونُ مُزِيلًا، وَإِنْ لَمْ يُثْبِتْهُ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ ابْنُ آدَمَ. لَا يُقَالُ: شِرَاءُ الْقَرِيبِ يُثْبِتُ الْمِلْكَ لَكِنْ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِي تَقْرِيبِ إعْتَاقٍ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ إزَالَةُ الْمِلْكِ وَكَوْنُ ثُبُوتِ الشَّيْءِ إزَالَةً لَهُ مُحَالٌ بِالْبَدِيهَةِ. وَلَا يُقَالُ: شِرَاءُ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ بِوَاسِطَةِ مُوجِبِهِ وَهُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِأَنَّهُ أَشَدُّ اسْتِحَالَةً لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُثْبِتُ الشَّيْءِ وَنَفْسُ ثُبُوتِهِ إزَالَةً لَهُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُمْ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِي الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّرْعَ أَخْرَجَ الْقَرِيبَ عَنْ مَحَلِّيَّةِ الْمِلْكِ بَقَاءً كَمَا أَنَّهُ أَخْرَجَ الْحُرَّ عَنْ مَحَلِّيَّتِهِ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً، وَهَذَا لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَقَعُ إلَّا فِي الْمِلْكِ، فَلَوْ لَمْ يَقُلْ بِثُبُوتِ الْمِلْكِ ابْتِدَاءً لَمْ يُتَصَوَّرْ زَوَالُهُ، وَمَنْ قَالَ لِأَمَةٍ قَدْ اسْتَوْلَدَهَا بِالنِّكَاحِ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِي فَإِنَّهَا تُعْتَقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَلَا يَجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ حُرِّيَّتَهَا

إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِي ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَإِنَّهَا تُعْتَقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَلَا يَجْزِيه عَنْ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ حُرِّيَّتَهَا مُسْتَحَقَّةٌ بِالِاسْتِيلَادِ فَلَا تَنْضَافُ إلَى الْيَمِينِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِقِنَّةٍ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِي حَيْثُ يَجْزِيه عَنْهَا إذَا اشْتَرَاهَا لِأَنَّ حُرِّيَّتَهَا غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ بِجِهَةٍ أُخْرَى فَلَمْ تَخْتَلَّ الْإِضَافَةُ إلَى الْيَمِينِ وَقَدْ قَارَنَتْهُ النِّيَّةُ (وَمَنْ) (قَالَ إنْ تَسَرَّيْت جَارِيَةً فَهِيَ حُرَّةٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمُسْتَحَقَّةٌ بِالِاسْتِيلَادِ فَلَا تُضَافُ إلَى الْيَمِينِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالْوَاجِبُ بِالْيَمِينِ مَا يَسْتَحِقُّ حُرِّيَّتَهُ بِهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْقَرِيبُ مُسْتَحِقٌّ لِلْعِتْقِ بِالْقَرَابَةِ كَمَا أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ مُسْتَحِقَّةٌ لَهُ بِالِاسْتِيلَادِ فَمَا بَالُهَا لَمْ تُعْتَقْ إذَا اشْتَرَاهَا بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ بَعْدَ التَّعْلِيقِ كَمَا عَتَقَ الْقَرِيبُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الِاسْتِيلَادَ فِعْلٌ اخْتِيَارِيٌّ مِنْ جِهَةِ الْمُسْتَوْلِدِ فَكَانَتْ الْحُرِّيَّةُ مِنْ جِهَتَيْنِ: جِهَةِ الِاسْتِيلَادِ وَالشِّرَاءِ فَلَمْ يَقَعْ عَنْ الْكَفَّارَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بِخِلَافِ الْقَرَابَةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ جِهَةِ الْقَرِيبِ جِهَةٌ فِي حُرِّيَّتِهِ سِوَى الشِّرَاءِ، فَإِذَا اشْتَرَاهُ نَاوِيًا لِلْكَفَّارَةِ كَانَتْ الْحُرِّيَّةُ عَنْ الْكَفَّارَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ مَا إذَا) (قَالَ لِقِنَّةٍ) ظَاهِرٌ. قَالَ (وَمَنْ قَالَ إنْ تَسَرَّيْت جَارِيَةً فَهِيَ حُرَّةٌ) مَعْنَى تَسَرَّيْت اتَّخَذَتْ سُرِّيَّةً، وَهِيَ فِعْلِيَّةٌ مَنْسُوبَةٌ إلَى السِّرِّ وَهُوَ الْجِمَاعُ أَوْ الْإِخْفَاءُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُسِرُّهُ، وَإِنَّمَا ضُمَّتْ سِينُهُ لِأَنَّ الْأَبْنِيَةَ قَدْ تَتَغَيَّرُ فِي النِّسْبَةِ كَمَا قَالُوا فِي النِّسْبَةِ إلَى الدَّهْرِ دُهْرِيٌّ بِضَمِّ الدَّالِ لِلْمُعَمَّرِ. وَالتَّسَرِّي عِبَارَةٌ عَنْ التَّحْصِينِ وَالْجِمَاعِ طَلَبَ الْوَلَدَ أَوْ لَمْ يَطْلُبْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا بُدَّ مِنْ طَلَبِ الْوَلَدِ مَعَ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ وَطِئَهَا وَعَزَلَ عَنْهَا لَا يَكُونُ تَسَرِّيًا عِنْدَهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَسْتَلْزِمْ مِلْكَ الرَّقَبَةِ، وَإِنَّمَا يَسْتَلْزِمُ مِلْكَ الْمُتْعَةِ سَوَاءٌ كَانَ بِالنِّكَاحِ

فَتَسَرَّى جَارِيَةً كَانَتْ فِي مِلْكِهِ عَتَقَتْ لِأَنَّ الْيَمِينَ انْعَقَدَتْ فِي حَقِّهَا لِمُصَادَفَتِهَا الْمِلْكَ وَهَذَا لِأَنَّ الْجَارِيَةَ مُنَكَّرَةٌ فِي هَذَا الشَّرْطِ فَتَتَنَاوَلُ كُلَّ جَارِيَةٍ عَلَى الِانْفِرَادِ (وَإِنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَتَسَرَّاهَا لَمْ تُعْتَقْ) خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنَّهُ يَقُولُ: التَّسَرِّي لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ فَكَانَ ذِكْرُهُ ذِكْرَ الْمِلْكِ وَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ طَلَّقْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ يَصِيرُ التَّزَوُّجُ مَذْكُورًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ، فَإِذَا قَالَ إنْ تَسَرَّيْت جَارِيَةً فَهِيَ حُرَّةٌ (فَتَسَرَّى جَارِيَةً كَانَتْ فِي مِلْكِهِ عَتَقَتْ لِأَنَّ الْيَمِينَ انْعَقَدَتْ فِي حَقِّهَا لِمُصَادَفَتِهَا الْمِلْكَ) وَكُلُّ مَا انْعَقَدَ فِي حَقِّهِ الْيَمِينُ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ فِيهِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا لِأَنَّ الْجَارِيَةَ) تَوْضِيحٌ لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ فِي حَقِّهَا (وَإِنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَتَسَرَّاهَا لَمْ تُعْتَقْ خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنَّهُ يَقُولُ: التَّسَرِّي لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ، فَكَانَ ذِكْرُهُ ذِكْرَ الْمِلْكِ، وَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ طَلَّقْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ يَصِيرُ التَّزَوُّجُ مَذْكُورًا) فَإِنْ قِيلَ: هَذَا قَوْلٌ بِالِاقْتِضَاءِ وَزُفَرُ لَا يَقُولُ بِالِاقْتِضَاءِ. أُجِيبَ بِأَنَّ إثْبَاتَ الْمِلْكِ هَاهُنَا بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ لَا بِالِاقْتِضَاءِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الثَّابِتَ دَلَالَةً مَا يَكُونُ مَفْهُومًا مِنْ اللَّفْظِ بِلَا تَأَمُّلٍ وَاجْتِهَادٍ كَمَا كَانَ النَّهْيُ عَنْ الضَّرْبِ وَالشَّتْمِ وَسَائِرِ الْأَفْعَالِ الْمُؤْذِيَةِ مَفْهُومًا مِنْ النَّهْيِ عَنْ التَّأْفِيفِ، وَلَا كَذَلِكَ الْمُقْتَضِي لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لَا يُفْهَمُ

وَلَنَا أَنَّ الْمِلْكَ يَصِيرُ مَذْكُورًا ضَرُورَةٌ صِحَّةُ التَّسَرِّي وَهُوَ شَرْطٌ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ وَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ صِحَّةِ الْجَزَاءِ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ ذِكْرِ الْمُقْتَضَى، ثُمَّ إذَا قِيلَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ عِنْدَ فُلَانٍ سُرِّيَّةٌ يُرَادُ بِهَا جَارِيَةٌ مَمْلُوكَةٌ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ، فَلَمَّا كَانَ الْمِلْكُ مَفْهُومًا مِنْ التَّسَرِّي بِلَا تَأَمُّلٍ وَاجْتِهَادٍ كَانَ الْمِلْكُ ثَابِتًا بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ لَا بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ، هَكَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَبَقِيَّةُ الشَّارِحِينَ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالدَّلَالَةِ هُوَ مَا يَكُونُ بِطَرِيقِ إلْحَاقِ صُورَةٍ بِأُخْرَى بِأَمْرٍ جَامِعٍ كَالضَّرْبِ الْمُلْحَقِ بِالتَّأْفِيفِ بِوَاسِطَةِ الْأَذَى؛ وَلِهَذَا ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إلَى أَنَّ الدَّلَالَةَ قِيَاسٌ لِوُجُودِ أَصْلٍ وَفَرْعٍ وَعِلَّةٍ جَامِعَةٍ بَيْنَهُمَا، وَالْمِلْكُ مِنْ التَّسَرِّي لَيْسَ كَذَلِكَ. وَأَقُولُ: هَذَا اللَّفْظُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْعُرْفِ بِمَعْنَى إنْ وَطِئْت مَمْلُوكَةً لِي فَكَانَتْ الدَّلَالَةُ بِطَرِيقِ الْعِبَارَةِ مَجَازًا. أَوْ نَقُولُ هَذَا الْحُكْمُ إذَا ثَبَتَ عَنْ زُفَرَ وَلَمْ يَقُلْ بِالِاقْتِضَاءِ كَانَ مُنَاقِضًا فَكُفِينَا مَئُونَةَ الْجِدَالِ مَعَهُ (وَلَنَا أَنَّ الْمِلْكَ يَصِيرُ مَذْكُورًا ضَرُورَةَ صِحَّةِ التَّسَرِّي) وَتَقْرِيرُهُ: سَلَّمْنَا أَنَّ ذِكْرَهُ ذِكْرُ الْمِلْكِ، وَلَكِنْ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ ضَرُورَةَ صِحَّةِ التَّسَرِّي لِكَوْنِهِ شَرْطًا، وَمَا يَثْبُتُ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا (وَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ صِحَّةِ الْجَزَاءِ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ لَوَازِمِ الْمِلْكِ الثَّابِتِ اقْتِضَاءً

وَفِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّرْطِ دُونَ الْجَزَاءِ، حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا وَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً لَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا فَهَذِهِ وِزَانُ مَسْأَلَتِنَا (وَمَنْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ تُعْتَقُ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرُوهُ وَعَبِيدُهُ) لِوُجُودِ الْإِضَافَةِ الْمُطْلَقَةِ فِي هَؤُلَاءِ، إذْ الْمِلْكُ ثَابِتٌ فِيهِمْ رَقَبَةً وَيَدًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَفِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ كَمَا إذَا قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ. وَتَقْرِيرُهُ مَا ذَكَرْت مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فَالْأَمْرُ فِيهِ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِيهَا مِلْكُ النِّكَاحِ ضَرُورَةَ صِحَّةِ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ وَلَا يَتَعَدَّى إلَى صِحَّةِ الْجَزَاءِ (حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا وَطَلَّقَهَا لَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا فَهَذِهِ وِزَانُ مَسْأَلَتِنَا) مِنْ حَيْثُ إنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا ثَبَتَ شَرْطُ الشَّرْطِ لِصِحَّةِ الشَّرْطِ وَلَا يَتَعَدَّى إلَى صِحَّةِ الْجَزَاءِ، وَأَمَّا وِزَانُ مَسْأَلَةِ زُفَرَ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ إنْ تَسَرَّيْت جَارِيَةً فَعَبْدِي حُرٌّ فَاشْتَرَى جَارِيَةً فَتَسَرَّى بِهَا عَتَقَ الْعَبْدُ لِقِيَامِ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ فِي الْعَبْدِ فَيَصِحُّ تَعْلِيقُ عِتْقِهِ بِشَرْطٍ سَيُوجَدُ (وَمَنْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ عَتَقَ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرُوهُ وَعَبِيدُهُ لِوُجُودِ الْإِضَافَةِ الْمُطْلَقَةِ فِي هَؤُلَاءِ) يَعْنِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ فِي الْإِضَافَةِ إلَى نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ لِي كَامِلٌ (إذْ الْمِلْكُ ثَابِتٌ فِيهِمْ رَقَبَةً وَيَدًا) وَإِذَا كَانَ الْمِلْكُ كَذَلِكَ دَخَلُوا تَحْتَ كَلِمَةِ كُلِّ فَيُعْتَقُونَ، وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الرِّجَالَ خَاصَّةً صَدَقَ دِيَانَةً خَاصَّةً، أَمَّا تَصْدِيقُهُ دِيَانَةً فَلِأَنَّ لَفْظَ الْمَمْلُوكِ وُضِعَ لِلْمُذَكَّرِ، وَأَمَّا عَدَمُ تَصْدِيقِهِ قَضَاءً فَلِأَنَّهُمْ عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ يُسْتَعْمَلُ فِيهِمْ لَفْظُ الْمُذَكَّرِ عُرْفًا، وَلَوْ نَوَى الْإِنَاثَ لَغَتْ نِيَّتُهُ، وَإِنْ قَالَ لَمْ أَنْوِ الْمُدَبَّرِينَ لَمْ يَصْدُقْ فِي الْقَضَاءِ عَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الْعَتَاقِ وَلَمْ يَصْدُقْ

(وَلَا يُعْتَقُ مُكَاتَبُوهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُمْ) لِأَنَّ الْمِلْكَ غَيْرُ ثَابِتٍ يَدًا وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ أَكْسَابَهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ الْمُكَاتَبَةِ، بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةِ فَاخْتَلَّتْ الْإِضَافَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ (وَمَنْ قَالَ لِنِسْوَةٍ لَهُ هَذِهِ طَالِقٌ أَوْ هَذِهِ وَهَذِهِ طَلُقَتْ الْأَخِيرَةُ وَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْأَوَّلِيَّيْنِ) لِأَنَّ كَلِمَةَ أَوْ لِإِثْبَاتِ أَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ وَقَدْ أَدْخَلَهَا بَيْنَ الْأَوَّلِيَّيْنِ ثُمَّ عَطَفَ الثَّالِثَةَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ لِأَنَّ الْعَطْفَ لِلْمُشَارَكَةِ فِي الْحُكْمِ فَيَخْتَصُّ بِمَحَلِّهِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَهَذِهِ (وَكَذَا إذَا قَالَ لِعَبِيدِهِ هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَا وَهَذَا عَتَقَ الْأَخِيرُ وَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْأَوَّلَيْنِ) لِمَا بَيَّنَّا. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً عَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ (وَلَا يُعْتَقُ مُكَاتَبُوهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُمْ لِأَنَّ الْمِلْكَ غَيْرُ ثَابِتٍ يَدًا وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ أَكْسَابَهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ) الْأَمَةِ (الْمُكَاتَبَةِ) فَكَانَ الْمُكَاتَبُ مَمْلُوكًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ (بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةِ فَاخْتَلَّتْ الْإِضَافَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ) وَقَوْلُهُ (وَمَنْ قَالَ لِنِسْوَةٍ لَهُ هَذِهِ طَالِقٌ أَوْ هَذِهِ وَهَذِهِ) عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (فَيَخْتَصُّ بِمَحَلِّهِ) أَيْ بِمَحَلِّ الْحُكْمِ وَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ لِأَنَّ الْكَلَامَ سِيقَ لِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْعَطْفَ كَمَا يَصِحُّ عَلَى مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ يَصِحُّ أَيْضًا عَلَى مَنْ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الْحُكْمُ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْحُكْمِ فَيُعْطَفُ عَلَى مَنْ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الْحُكْمُ كَمَا فِي قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا أَوْ فُلَانًا وَفُلَانًا، فَإِنَّهُ إنْ كَلَّمَ الْأَوَّلَ حَنِثَ، وَإِنْ كَلَّمَ أَحَدَ الْآخَرِينَ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُكَلِّمَهُمَا، وَيَكُونُ الثَّالِثُ مَعْطُوفًا عَلَى الثَّانِي الَّذِي لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الْحُكْمُ مُنْفَرِدًا وَهَذَا لِأَنَّ الْجَمْعَ بِحَرْفِ الْجَمْعِ كَالْجَمْعِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ هَذِهِ طَالِقٌ أَوْ هَاتَانِ فَحِينَئِذٍ كَانَ هُوَ مُخَيَّرًا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، إنْ شَاءَ أَوْقَعَ عَلَى الْأُولَى، وَإِنْ شَاءَ أَوْقَعَ عَلَى الْأُخْرَيَيْنِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرْته هُوَ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ، فَأَمَّا الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ فَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ جَوَابِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا أَوْ فُلَانًا وَفُلَانًا فِي أَنَّ الثَّالِثَ مَعْطُوفٌ عَلَى الثَّانِي الَّذِي لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الْحُكْمُ، وَهُوَ مَسْأَلَةُ الْجَامِعِ هُوَ أَنَّ كَلِمَةَ أَوْ إذَا دَخَلَتْ بَيْنَ شَيْئَيْنِ تَتَنَاوَلُ أَحَدَهُمَا نَكِرَةً، إلَّا أَنَّ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ الْإِثْبَاتِ، وَالنَّكِرَةُ فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ تَخُصُّ فَتَتَنَاوَلُ أَحَدَهُمَا، فَإِذَا عَطَفَ الثَّالِثَ عَلَى أَحَدِهِمَا صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَهَذِهِ، وَلَوْ نَصَّ عَلَى هَذَا كَانَ الْحُكْمُ مَا قُلْنَا، أَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ فَالْمَوْضِعُ مَوْضِعُ النَّفْيِ وَهِيَ فِيهِ

[باب اليمين في البيع والشراء والتزوج وغير ذلك]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعُمُّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا وَلَا فُلَانًا، فَلَمَّا ذَكَرَ الثَّالِثَ بِحَرْفِ الْوَاوِ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَوْ هَذَيْنِ، وَلَوْ نَصَّ عَلَى هَذَا كَانَ الْحُكْمُ هَكَذَا فَكَذَا هَاهُنَا [بَابُ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّزَوُّجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ] يُرِيدُ بِغَيْرِ ذَلِكَ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ وَالضَّرْبَ، وَهَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ فِي الْأَيْمَانِ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا بَعْدَهُ فَلِذَلِكَ قَدَّمَهُ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: ثُمَّ الضَّابِطُ فِي هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لِأَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِيمَا يَحْنَثُ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ، وَفِيمَا لَا يَحْنَثُ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ تَرْجِعُ الْحُقُوقُ فِيهِ إلَى الْمُبَاشِرِ، فَالْحَالِفُ لَا يَحْنَثُ بِمُبَاشَرَةِ الْمَأْمُورِ، وَكُلُّ فِعْلٍ تَرْجِعُ الْحُقُوقُ فِيهِ إلَى مَنْ وَقَعَ حُكْمُ الْفِعْلِ لَهُ يَحْنَثُ. وَالثَّانِي أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ يَحْتَمِلُ حُكْمُهُ الِانْتِقَالَ إلَى غَيْرِهِ، فَالْحَالِفُ فِيهِ لَا يَحْنَثُ بِمُبَاشَرَةِ الْمَأْمُورِ، وَكُلُّ فِعْلٍ لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ يَحْنَثُ. قِيلَ وَكُلُّ مَا يَسْتَغْنِي الْمَأْمُورُ فِي مُبَاشَرَتِهِ عَنْ إضَافَتِهِ إلَى الْآمِرِ فَالْآمِرُ لَا يَحْنَثُ بِمُبَاشَرَةِ الْمَأْمُورِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ هَذِهِ الْإِضَافَةِ يَحْنَثُ. وَالْفِقْهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْعَقْدَ مَتَى رَجَعَتْ حُقُوقُهُ إلَى مَنْ وَقَعَ حُكْمُ الْعَقْدِ لَهُ فَمَقْصُودُ الْحَالِفِ مِنْ الْحَلِفِ التَّوَقِّي عَنْ حُكْمِ الْعَقْدِ لَهُ وَعَنْ حُقُوقِهِ وَكِلَاهُمَا يَرْجِعَانِ إلَيْهِ، وَمَتَى رَجَعَتْ حُقُوقُهُ إلَى الْعَاقِدِ لَا إلَى مَنْ وَقَعَ حُكْمُ الْعَقْدِ لَهُ فَمَقْصُودُهُ مِنْ الْحَلِفِ التَّوَقِّي مِنْ رُجُوعِ الْحُقُوقِ إلَيْهِ وَهِيَ لَا تَرْجِعُ إلَيْهِ فَلَا يَحْنَثُ. ثُمَّ مِمَّا يَحْنَثُ الْحَالِفُ بِمُبَاشَرَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ النِّكَاحُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْقَرْضُ وَالِاسْتِقْرَاضُ وَضَرْبُ الْعَبْدِ وَالذَّبْحُ وَالْإِيدَاعُ وَقَبُولُ الْوَدِيعَةِ وَالْإِعَارَةُ وَالِاسْتِعَارَةُ وَخِيَاطَةُ الثَّوْبِ وَالْبِنَاءُ، فَإِنَّ الْحَالِفَ كَمَا يَحْنَثُ فِيهَا بِفِعْلِ نَفْسِهِ يَحْنَثُ أَيْضًا

(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّزَوُّجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ) : (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ أَوْ لَا يَشْتَرِي أَوْ لَا يُؤَاجِرُ فَوَكَّلَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ الْعَقْدَ وُجِدَ لَهُ مِنْ الْعَاقِدِ حَتَّى كَانَتْ الْحُقُوقُ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْعَاقِدُ هُوَ الْحَالِفُ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ فَلَمْ يُوجَدْ مَا هُوَ الشَّرْطُ وَهُوَ الْعَقْدُ مِنْ الْآمِرِ، وَإِنَّمَا الثَّابِتُ لَهُ حُكْمُ الْعَقْدِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ تَشْدِيدًا أَوْ يَكُونَ الْحَالِفُ ذَا سُلْطَانٍ لَا يَتَوَلَّى الْعَقْدَ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ نَفْسَهُ عَمَّا يَعْتَادُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ أَوْ لَا يُطَلِّقُ أَوْ لَا يُعْتِقُ فَوَكَّلَ بِذَلِكَ حَنِثَ) لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي هَذَا سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ وَلِهَذَا لَا يُضِيفُهُ إلَى نَفْسِهِ بَلْ إلَى الْآمِرِ، وَحُقُوقُ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَى الْآمِرِ لَا إلَيْهِ (وَلَوْ قَالَ عَنَيْت أَنْ لَا أَتَكَلَّمَ بِهِ لَمْ يَدِينَ فِي الْقَضَاءِ خَاصَّةً) وَسَنُشِيرُ إلَى الْمَعْنَى فِي الْفَرْقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQبِفِعْلِ الْمَأْمُورِ. وَأَمَّا مَا لَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ بِمُبَاشَرَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَهُوَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَالْإِجَارَةُ وَالِاسْتِئْجَارُ وَالصُّلْحُ عَنْ الْمَالِ وَكَذَلِكَ الْقِسْمَةُ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ أَلْحَقَ الْخُصُومَةَ بِهَذَا الْقِسْمِ. وَإِذَا عُرِفَ هَذَا ظَهَرَ مَعْنَى كَلَامِهِ إلَّا أَلْفَاظًا نُنَبِّهُ عَلَيْهَا. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَنْوِيَ) اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ فَوَكَّلَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ: أَيْ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنْ لَا يَأْمُرَ غَيْرَهُ أَيْضًا فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ. وَقَوْلُهُ (أَوْ يَكُونُ الْحَالِفُ ذَا سُلْطَانٍ) يَعْنِي إذَا بَاشَرَهُ الْمَأْمُورُ

(لَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ عَبْدَهُ أَوْ لَا يَذْبَحُ شَاتَه فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَفَعَلَ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ) لِأَنَّ الْمَالِكَ لَهُ وِلَايَةُ ضَرْبِ عَبْدِهِ وَذَبْحِ شَاتِه فَيَمْلِكُ تَوْلِيَتَهُ غَيْرَهُ ثُمَّ مَنْفَعَتَهُ رَاجِعَةً إلَى الْآمِرِ فَيَجْعَلُ هُوَ مُبَاشِرًا إذْ لَا حُقُوقَ لَهُ تَرْجِعُ إلَى الْمَأْمُورِ (وَلَوْ قَالَ عَنَيْت أَنْ لَا أَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِي دِينَ فِي الْقَضَاءِ) بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ إلَّا تَكَلُّمًا بِكَلَامٍ يُفْضِي إلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا، وَالْأَمْرُ بِذَلِكَ مِثْلُ التَّكَلُّمِ بِهِ وَاللَّفْظُ يَنْتَظِمُهُمَا، فَإِذَا نَوَى التَّكَلُّمَ بِهِ فَقَدْ نَوَى الْخُصُوصَ فِي الْعَامِّ فَيَدِينُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً، أَمَّا الذَّبْحُ وَالضَّرْبُ فَفِعْلٌ حِسِّيٌّ يُعْرَفُ بِأَثَرِهِ، وَالنِّسْبَةُ إلَى الْآمِرِ بِالتَّسْبِيبِ مَجَازٌ، فَإِذَا نَوَى الْفِعْلَ بِنَفْسِهِ فَقَدْ نَوَى الْحَقِيقَةَ فَيُصَدَّقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً ـــــــــــــــــــــــــــــQحَنِثَ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ مِنْ الْيَمِينِ مَنْعُ نَفْسِهِ عَمَّا هُوَ مُعْتَادُهُ وَمُعْتَادُهُ الْأَمْرُ لِلْغَيْرِ، فَلَمَّا أَمَرَ غَيْرَهُ وَفَعَلَ الْمَأْمُورَ حَنِثَ، وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ حَنِثَ أَيْضًا لِوُجُودِ الْبَيْعِ مِنْهُ حَقِيقَةً. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْمَالِكَ لَهُ وِلَايَةُ ضَرْبِ عَبْدِهِ) يَلُوحُ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِضَرْبِ حُرٍّ وَقَدْ حَلَفَ عَلَى ضَرْبِهِ فَضَرَبَهُ الْمَأْمُورُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ فَلَا يُعْتَبَرُ أَمْرُهُ فِيهِ. وَقَوْلُهُ (وَوَجْهُ الْفَرْقِ) هُوَ الْفَرْقُ الْمَوْعُودُ بِقَوْلِهِ سَنُشِيرُ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا نَوَى الْخُصُوصَ فِي الْعُمُومِ يَصْدُقُ دِيَانَةً

(وَمَنْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ وَلَدَهُ فَأَمَرَ إنْسَانًا فَضَرَبَهُ لَمْ يَحْنَثْ) فِي يَمِينِهِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ ضَرْبِ الْوَلَدِ عَائِدَةٌ إلَيْهِ وَهُوَ التَّأَدُّبُ وَالتَّثَقُّفُ فَلَمْ يَنْسِبْ فَعَلَهُ إلَى الْآمِرِ، بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِضَرْبِ الْعَبْدِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الِائْتِمَارِ بِأَمْرِهِ عَائِدَةٌ إلَى الْآمِرِ فَيُضَافُ الْفِعْلُ إلَيْهِ (وَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ إنْ بِعْت لَك هَذَا الثَّوْبَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَدَسَّ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ ثَوْبَهُ فِي ثِيَابِ الْحَالِفِ فَبَاعَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ حَرْفَ اللَّامِ دَخَلَ عَلَى الْبَيْعِ فَيَقْتَضِي اخْتِصَاصَهُ بِهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَفْعَلَهُ بِأَمْرِهِ إذْ الْبَيْعُ تَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ وَلَمْ تُوجَدْ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ بِعْت ثَوْبًا لَك حَيْثُ يَحْنَثُ إذَا بَاعَ ثَوْبًا مَمْلُوكًا لَهُ، سَوَاءٌ كَانَ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ عَلِمَ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، لِأَنَّ حَرْفَ اللَّامِ دَخَلَ عَلَى الْعَيْنِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَيْهِ فَيَقْتَضِي الِاخْتِصَاصَ بِهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لَهُ، وَنَظِيرُهُ الصِّيَاغَةُ وَالْخِيَاطَةُ وَكُلُّ مَا تَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ، بِخِلَافِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَضَرْبِ الْغُلَامِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ النِّيَابَةَ فَلَا يَفْتَرِقُ الْحُكْمُ فِيهِ فِي الْوَجْهَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا قَضَاءً لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَفِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَيْهِ. وَإِذَا نَوَى الْحَقِيقَةَ الْمُسْتَعْمَلَةَ صَدَقَ قَضَاءً وَدِيَانَةً، وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ تَخْفِيفٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْكَلَامَ يُصْرَفُ إلَى حَقِيقَتِهِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ؛ فَإِذَا وُجِدَتْ النِّيَّةُ كَانَ الصَّرْفُ إلَيْهَا أَوْلَى. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ مَنْفَعَةَ ضَرْبِ الْوَلَدِ عَائِدَةٌ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْوَلَدِ، وَذَكَرَ ضَمِيرَ الْمَنْفَعَةِ نَظَرًا إلَى الْخَبَرِ وَهُوَ التَّأَدُّبُ وَالتَّثَقُّفُ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ قَالَ إنْ بِعْت لَك هَذَا الثَّوْبَ) عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَاضِحٌ. وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ لَامَ الِاخْتِصَاصِ إذَا اتَّصَلَ بِضَمِيرٍ عَقِيبَ فِعْلٍ مُتَعَدٍّ، فَإِمَّا أَنْ يَتَوَسَّطَ بَيْنَ الْفِعْلِ وَمَفْعُولِهِ أَوْ يَتَأَخَّرَ عَنْ الْمَفْعُولِ. وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَإِمَّا أَنْ يَحْتَمِلَ الْفِعْلُ النِّيَابَةَ أَوْ لَا، فَإِنْ احْتَمَلَهَا وَتَوَسَّطَ بَيْنَهُمَا كَانَ اللَّامُ لِاخْتِصَاصِ الْفِعْلِ، وَشَرَطَ حِنْثَ وُقُوعِ الْفِعْلِ لِأَجْلِ مَنْ لَهُ الضَّمِيرُ سَوَاءٌ كَانَتْ الْعَيْنُ مَمْلُوكَةً لَهُ أَوْ لَمْ تَكُنْ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْأَمْرِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ الْمَفْعُولِ كَانَ اخْتِصَاصُ الْعَيْنِ بِهِ وَشَرْطُ كَوْنِهَا مَمْلُوكَةً لَهُ سَوَاءً كَانَ الْفِعْلُ وَقَعَ لِأَجْلِهِ أَوْ لَمْ يَقَعْ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْهَا لَا يَفْتَرِقُ الْحُكْمُ فِي الْوَجْهَيْنِ: أَيْ فِي التَّوَسُّطِ وَالتَّأَخُّرِ بَلْ يَحْنَثُ إذَا فَعَلَهُ سَوَاءٌ كَانَ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ إذَا لَمْ يَحْتَمِلْ النِّيَابَةَ لَمْ يُمْكِنْ انْتِقَالُهُ إلَى غَيْرِ الْفَاعِلِ فَيَكُونُ الْأَمْرُ وَعَدَمُهُ سَوَاءً فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ لِاخْتِصَاصِ الْعَيْنِ صَوْنًا لِلْكَلَامِ عَنْ الْإِلْغَاءِ، وَمَعْنَى دَسَّ أَخْفَى، وَالْمُرَادُ بِالْغُلَامِ إمَّا الْعَبْدُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ وَإِمَّا الْوَلَدُ

(وَمَنْ قَالَ هَذَا الْعَبْدُ حُرٌّ إنْ بِعْته فَبَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ عَتَقَ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْبَيْعُ وَالْمِلْكُ فِيهِ قَائِمٌ فَيَنْزِلُ الْجَزَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا ذَكَرَهُ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ ضَرْبَ الْعَبْدِ يَحْتَمِلُ النِّيَابَةَ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ عَبْدَهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ بِضَرْبِهِ حَنِثَ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَعُودُ إلَيْهِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قُبَيْلَ هَذَا، وَمِنْ الشَّارِحِينَ مَنْ وَجَّهَ الْأَوَّلَ، بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَكَالَةِ وَالنِّيَابَةِ وَكَالَةٌ يَتَعَلَّقُ بِهَا حُقُوقٌ يَرْجِعُ بِهَا الْوَكِيلُ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْعُهْدَةِ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَلَيْسَ لِلضَّرْبِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَكَانَ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَأَجَابَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ بِأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَذْكُرْهَا، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَتَخْطِئَةٌ لَهُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا حُقُوقَ لَهُ تَرْجِعُ إلَى الْمَأْمُورِ، وَمَعَ ذَلِكَ جَعَلَهُ مِمَّا يَحْتَمِلُ النِّيَابَةَ. قَالَ (وَمَنْ قَالَ هَذَا الْعَبْدُ حُرٌّ إنْ بِعْته فَبَاعَهُ وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ عَتَقَ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْبَيْعُ وَالْمِلْكُ فِيهِ قَائِمٌ) لِأَنَّ خِيَارَهُ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ بِالِاتِّفَاقِ (فَيَنْزِلُ الْجَزَاءُ) قِيلَ لَوْ كَانَ الْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ إفَادَةِ الْحُكْمِ كَافِيًا لِوُقُوعِ مَا عُلِّقَ بِهِ لَكَانَ النِّكَاحُ كَذَلِكَ، فَإِذَا عَلَّقَ الْعِتْقَ بِالنِّكَاحِ وَوَجَدَ النِّكَاحَ فَاسِدًا وَجَبَ أَنْ يَنْزِلَ الْجَزَاءُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ جَوَازَ الْبَيْعِ لَيْسَ مِنْ الْمُنَافِي، وَجَوَازُ النِّكَاحِ مَعَ الْمُنَافِي؛ لِأَنَّهُ رِقٌّ وَالْإِنْسَانِيَّة تُنَافِيهِ، فَإِذَا كَانَ النِّكَاحُ

(وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي إنْ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ عَتَقَ) أَيْضًا لِأَنَّ الشَّرْطَ قَدْ تَحَقَّقَ وَهُوَ الشِّرَاءُ وَالْمِلْكُ قَائِمٌ فِيهِ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِمَا ظَاهِرٌ، وَكَذَا عَلَى أَصْلِهِ لِأَنَّ هَذَا الْعِتْقَ بِتَعْلِيقِهِ وَالْمُعَلَّقُ كَالْمُنْجَزِ، وَلَوْ نَجَّزَ الْعِتْقَ يَثْبُتُ الْمِلْكُ سَابِقًا عَلَيْهِ فَكَذَا هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفَاسِدًا اُعْتُضِدَ فَسَادُهُ بِمَا يُخَالِفُ الدَّلِيلَ فَتَرَجَّحَ جَانِبُ الْعَدَمِ فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلدَّلِيلِ فَكَانَ مَوْجُودًا بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْمَحَلِّ وَإِنْ لَمْ يُفِدْ الْحُكْمَ؛ وَلَوْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت هَذَا الْعَبْدَ فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ عَتَقَ أَيْضًا لِأَنَّ الشَّرْطَ قَدْ تَحَقَّقَ وَهُوَ الشِّرَاءُ وَالْمِلْكُ قَائِمٌ فِيهِ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِمَا ظَاهِرٌ لِأَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ لَهُ عِنْدَهُمَا، وَكَذَا عَلَى أَصْلِهِ لِأَنَّ هَذَا الْعِتْقَ مُعَلَّقٌ بِتَعْلِيقِهِ وَالْمُعَلَّقُ كَالْمُنَجَّزِ، وَلَوْ نَجَّزَ الْعِتْقَ بَعْدَ الشِّرَاءِ بِخِيَارِ الشَّرْطِ انْفَسَخَ الْخِيَارُ وَثَبَتَ الْمِلْكُ وَوَقَعَ الْعِتْقُ فَكَذَلِكَ إذَا عَلَّقَ. وَرُدَّ بِأَنَّ فِي التَّنْجِيزِ لَوْ لَمْ يَنْفَسِخْ الْخِيَارُ لَبَطَلَ التَّنْجِيزُ أَصْلًا لِعَدَمِ احْتِمَالِهِ التَّأْخِيرَ، وَفِي التَّعْلِيقِ لَوْ لَمْ يَنْفَسِخْ لَمْ يَبْطُلْ لِثُبُوتِ الْعِتْقِ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْخِيَارِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ التَّنْجِيزِ بِفَسْخِ الْخِيَارِ صِحَّةُ حُكْمِ التَّعْلِيقِ بِهِ فِي الْحَالِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعِتْقَ يُحْتَاطُ فِي تَعْجِيلِهِ وَهُوَ مُمْكِنٌ بِإِيقَاعِهِ فِي الْحَالِ بِفَسْخِ الْخِيَارِ فَلَا يُؤَخَّرُ إلَى مُضِيِّ مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَطُولِبَ هَاهُنَا فَرْقَانِ: فَرْقٌ بَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَهَا وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَإِنَّهُ قَدْ اشْتَرَاهُ وَلَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ. وَفَرْقٌ بَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَا إذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ قَرِيبَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَسْقُطْ الْخِيَارُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَفَرْقٌ بَيْنَ الْأُولَيَيْنِ بِأَنَّ الْخِيَارَ إذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي يَتَمَكَّنُ مِنْ إسْقَاطِهِ، وَمَتَى كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إسْقَاطِهِ وَبَيْنَ الثَّانِيَتَيْنِ بِأَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ كَلِمَةُ الْإِعْتَاقِ بَعْدَ الشِّرَاءِ حَتَّى يَسْقُطَ بِهَا الْخِيَارُ فَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُسْقِطْهُ، وَأَمَّا فِي الْإِيجَابِ الْمُعَلَّقِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ قَائِلًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ أَنْتَ حُرٌّ فَيَسْقُطُ الْخِيَارُ ضَرُورَةً لِوُجُودِ مَا يَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ، وَوَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ يُفِيدُ أَنَّ الْبَيْعَ إذَا كَانَ بَاتًّا لَا يُعْتَقُ وَإِنْ وُجِدَ الْبَيْعُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ مَعَ الْمَعْلُولِ فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ، فَكَمَا تَمَّ الْبَيْعُ زَالَ الْعَبْدُ عَنْ مِلْكِهِ وَالْجَزَاءُ لَا يَنْزِلُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ، بِخِلَافِ مَا فِيهِ الشَّرْطُ فَإِنَّهُمَا

(وَمَنْ قَالَ إنْ لَمْ أَبِعْ هَذَا الْعَبْدَ أَوْ هَذِهِ الْأَمَةَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَأَعْتَقَ أَوْ دَبَّرَ طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ) لِأَنَّ الشَّرْطَ قَدْ تَحَقَّقَ وَهُوَ عَدَمُ الْبَيْعِ لِفَوَاتِ مَحَلِّيَّةِ الْبَيْعِ (وَإِذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا تَزَوَّجْت عَلِيَّ فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ ثَلَاثًا طَلُقَتْ هَذِهِ الَّتِي حَلَّفَتْهُ فِي الْقَضَاءِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيَتَعَاقَبَانِ فِيهِ (وَمَنْ قَالَ إنْ لَمْ أَبِعْ هَذَا الْعَبْدَ أَوْ هَذِهِ الْأَمَةَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَأَعْتَقَ أَوْ دَبَّرَ طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ لِأَنَّ الشَّرْطَ قَدْ تَحَقَّقَ وَهُوَ عَدَمُ الْبَيْعِ لِفَوَاتِ مَحَلِّيَّةِ الْبَيْعِ) وَهَذَا فِي إعْتَاقِ الْعَبْدِ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي التَّدْبِيرِ وَالْأَمَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانٍ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ يَجُوزُ بَيْعُهُ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِهِ، وَالْأَمَةُ يَجُوزُ أَنْ تَرْتَدَّ فَتُسْبَى بَعْدَ اللِّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُدَبَّرِ مَا دَامَ مُدَبَّرًا، وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِهِ يُفْسَخُ التَّدْبِيرُ وَيَكُونُ الْبَيْعُ حِينَئِذٍ بَيْعَ الْقِنِّ لَا بَيْعَ الْمُدَبَّرِ، وَفَوَاتُ الْمَحَلِّيَّةِ إنَّمَا كَانَ بِاعْتِبَارِ بَقَاءِ التَّدْبِيرِ، وَهَذَا كَمَا تَرَى غَيْرُ مَخْلَصٍ لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ فَوَاتَ الْمَحَلِّيَّةِ بِبَقَاءِ التَّدْبِيرِ وَالتَّدْبِيرُ قَدْ يَزُولُ فَلَا تَفُوتُ الْمَحَلِّيَّةُ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يَقَعَ الطَّلَاقُ، وَالْأَوْلَى فِي الْبَيَانِ أَنْ يُقَالَ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ لَا يَجُوزُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ؛ فَإِنْ أَقْدَمَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُقْدِمُ عَلَى الْقَضَاءِ بِمَا لَا يَجُوزُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَالْأَصْلُ عَدَمُ مَا يَحْدُثُ فَكَانَ عَدَمُ فَوَاتِ الْمَحَلِّيَّةِ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الْقَضَاءِ بِبَيْعِهِ مُخَالِفًا لِلظَّاهِرِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا، وَأَمَّا الْأَمَةُ فَإِنَّ مِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ لَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ فِي التَّعْلِيقِ بِعَدَمِ بَيْعِهَا بِاعْتِبَارِ هَذَا الِاحْتِمَالِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَطْلُقُ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الْبَيْعِ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْمِلْكِ وَقَدْ انْتَهَى ذَلِكَ الْمِلْكُ بِالْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ) (قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا) ظَاهِرٌ.

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ جَوَابًا فَيَنْطَبِقُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ غَرَضَهُ إرْضَاؤُهَا وَهُوَ بِطَلَاقِ غَيْرِهَا فَيَتَقَيَّدُ بِهِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ عُمُومُ الْكَلَامِ وَقَدْ زَادَ عَلَى حَرْفِ الْجَوَابِ فَيُجْعَلُ مُبْتَدِئًا، وَقَدْ يَكُونُ غَرَضُهُ إيحَاشُهَا حِينَ اعْتَرَضَتْ عَلَيْهِ فِيمَا أَحَلَّهُ الشَّرْعُ وَمَعَ التَّرَدُّدِ لَا يَصْلُحُ مُقَيَّدًا، وَإِنْ نَوَى غَيْرَهَا يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ تَخْصِيصُ الْعَامِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى حَرْفِ الْجَوَابِ) أَيْ أَصْلِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْجَوَابَ الْمُطَابِقَ لَقَالَ إنْ فَعَلْت فَهِيَ طَالِقٌ: فَلَمَّا ذَكَرَ كَلِمَةَ كُلَّ دَلَّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ الْعُمُومُ فَيَعْمَلُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ دُونَ خُصُوصِ السَّبَبِ فَكَانَ مُبْتَدِئًا. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ يَكُونُ غَرَضُهُ إيحَاشَهَا) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ بِأَنَّ الْغَرَضَ إرْضَاؤُهَا

[باب اليمين في الحج والصلاة والصوم]

(وَمَنْ قَالَ وَهُوَ فِي الْكَعْبَةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ إلَى الْكَعْبَةِ فَعَلَيْهِ حِجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ مَاشِيًا وَإِنْ شَاءَ رَكِبَ وَأَهْرَاقَ دَمًا) وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ مَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ وَاجِبَةٍ وَلَا مَقْصُودَةٍ فِي الْأَصْلِ، مَأْثُورٌ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَلِأَنَّ النَّاسَ تَعَارَفُوا إيجَابَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِهَذَا اللَّفْظِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ عَلَيَّ زِيَارَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْيَمِينِ فِي الْحَجِّ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ] قَدَّمَ هَذَا الْبَابَ عَلَى بَابِ اللُّبْسِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ فِي هَذَا ذِكْرَ الْعِبَادَاتِ وَذِكْرُهَا مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِهَا، وَإِنَّمَا تَأَخَّرَ عَمَّا تَقَدَّمَ لِكَثْرَةِ وُقُوعِ ذَلِكَ. وَمَسَائِلُ هَذَا الْفَصْلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: فِي وَجْهٍ يَلْزَمُهُ إمَّا حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، وَفِي وَجْهٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَذَلِكَ، وَفِي وَجْهٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ. أَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فَفِيمَا إذَا قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ إلَى الْكَعْبَةِ أَوْ إلَى مَكَّةَ. وَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ أَوْ إلَى بَكَّةَ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْكَعْبَةِ أَوْ فِي مَكَّةَ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَزِمَهُ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ مَاشِيًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ بِهَا وَاخْتَارَ الْحَجَّ يُحْرِمُ مِنْ الْحَرَمِ وَيَخْرُجُ إلَى عَرَفَاتٍ مَاشِيًا، فَإِنْ رَكِبَ لَزِمَهُ شَاةٌ، وَإِنْ اخْتَارَ الْعُمْرَةَ خَرَجَ إلَى التَّنْعِيمِ وَيُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ يَخْرُجُ إلَى التَّنْعِيمِ مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا. وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: جَازَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَ وَقْتَ الرَّوَاحِ إلَى التَّنْعِيمِ لِأَنَّ الرَّوَاحَ إلَيْهِ لَيْسَ بِمَشْيٍ إلَى بَيْتِ اللَّهِ وَإِنَّمَا الْمَشْيُ إلَيْهِ وَقْتَ الرُّجُوعِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَمْشِي وَقْتَ الرَّوَاحِ أَيْضًا لِأَنَّ الرَّوَاحَ إلَيْهِ لِلْإِحْرَامِ فَكَانَ مَشْيًا إلَى بَيْتِ اللَّهِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ بِهَذَا النَّذْرِ شَيْءٌ (لِأَنَّهُ الْتَزَمَ مَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ وَاجِبَةٍ) لِأَنَّ الْمَشْيَ أَمْرٌ مُبَاحٌ (وَلَا مَقْصُودَةَ فِي الْأَصْلِ) يَعْنِي لِذَاتِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ شَيْءٌ آخَرُ لَا نَفْسُهُ فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ النَّذْرُ بِهِ بَاطِلًا لَكِنْ تَرَكْنَاهُ بِالْأَثَرِ وَالْعُرْفِ. أَمَّا الْأَثَرُ فَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ: بَلَغَنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: مَنْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ الْحَجَّ مَاشِيًا حَجَّ رَاكِبًا وَذَبَحَ شَاةً لِرُكُوبِهِ. كَذَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ، وَلَيْسَ بِمُطَابِقٍ لِمَا نَحْنُ فِيهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِيمَنْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ الْحَجَّ مَاشِيًا بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ. وَقَالَ آخَرُونَ:

الْبَيْتِ مَاشِيًا فَيَلْزَمُهُ مَاشِيًا، وَإِنْ شَاءَ رَكِبَ وَأَرَاقَ دَمًا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَنَاسِكِ (وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ الْخُرُوجُ أَوْ الذَّهَابُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْتِزَامَ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ بِهَذَا اللَّفْظِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ (وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْحَرَمِ أَوْ إلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْحَرَمِ حِجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ) وَلَوْ قَالَ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ. لَهُمَا أَنَّ الْحَرَمَ شَامِلٌ عَلَى الْبَيْتِ، وَكَذَا الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ فَصَارَ ذِكْرُهُ كَذِكْرِهِ، بِخِلَافِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِأَنَّهُمَا مُنْفَصِلَانِ عَنْهُ. وَلَهُ أَنَّ الْتِزَامَ الْإِحْرَامِ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهُ بِاعْتِبَارِ حَقِيقَةِ اللَّفْظِ فَامْتَنَعَ أَصْلًا ـــــــــــــــــــــــــــــQرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أَجَابَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ عَلَيْهِ حَجَّةً أَوْ عُمْرَةً وَهَذَا مُطَابِقٌ. وَقَدْ رَوَى شَيْخِي فِي شَرْحِهِ «أَنَّ أُخْتَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُحْرِمَ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ» . وَأَمَّا الْعُرْفُ فَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ أَنَّ النَّاسَ تَعَارَفُوا إيجَابَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِهَذَا اللَّفْظِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ عَلَيَّ زِيَارَةُ الْبَيْتِ مَاشِيًا فَيَلْزَمُهُ مَاشِيًا، وَإِنْ رَكِبَ وَأَرَاقَ دَمًا فَلَهُ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَنَاسِكِ. وَإِيجَابُ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ بِهَذَا النَّذْرِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ مِنْ بَابِ ذِكْرِ السَّبَبِ وَإِرَادَةِ الْمُسَبَّبِ، وَلِهَذَا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ النَّاذِرُ فِي الْكَعْبَةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا. فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَ هَذَا اللَّفْظُ اسْتِعَارَةً لِالْتِزَامِ الْحَجِّ كَانَ اللَّفْظُ غَيْرَ مَنْظُورٍ إلَيْهِ، كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَضْرِبَ بِثَوْبِهِ حَطِيمَ الْكَعْبَةِ فَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَهُ الْمَشْيُ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ هُنَاكَ ضَرْبُ الْحَطِيمِ بِثَوْبِهِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ إهْدَاءُ الثَّوْبِ إلَى مَكَّةَ لِكَوْنِ اللَّفْظِ عِبَارَةً عَنْهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ لِلْحَجِّ مَاشِيًا فَضِيلَةً لَيْسَتْ لَهُ رَاكِبًا، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَجَّ مَاشِيًا فَلَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ حَسَنَةٌ مِنْ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ، قِيلَ: وَمَا حَسَنَاتُ الْحَرَمِ؟ قَالَ: وَاحِدَةٌ بِسَبْعِمِائَةٍ» فَاعْتُبِرَ لَفْظُهُ لِإِيجَابِ الْمَشْيِ لِإِحْرَازِ تِلْكَ الْفَضِيلَةِ، وَمَعْنَاهُ فِي إيجَابِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ الْمُتَعَارَفِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي الْعُرْفِ تُسْتَعْمَلُ لِلْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ مَاشِيًا لَا أَنَّ الْحَقِيقَةَ مُرَادَةٌ بِلَفْظِهِ وَمَجَازُهُ بِمَعْنَاهُ. وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي فَفِيمَا إذَا قَالَ عَلَيَّ الْخُرُوجُ أَوْ الذَّهَابُ أَوْ السَّعْيُ أَوْ السَّفَرُ أَوْ الرُّكُوبُ أَوْ الْإِتْيَانُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ الْمَشْيُ إلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِعَدَمِ الْأَثَرِ وَالْعُرْفِ فِيهِ فَكَانَ بَاقِيًا عَلَى الْقِيَاسِ. وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ فَفِيمَا إذَا قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْحَرَمِ أَوْ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. كَمَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَزِمَهُ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ لِأَنَّ الْحَرَمَ شَامِلٌ لِلْبَيْتِ (وَكَذَا الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ فَصَارَ ذِكْرُهُ كَذِكْرِهِ، بِخِلَافِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِأَنَّهُمَا مُنْفَصِلَانِ عَنْهُ. وَلَهُ أَنَّ الْتِزَامَ الْإِحْرَامِ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ) حَتَّى يَصِيرَ مَجَازًا (وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهُ بِاعْتِبَارِ حَقِيقَةِ اللَّفْظِ فَامْتَنَعَ أَصْلًا)

(وَمَنْ قَالَ عَبْدِي حُرٌّ إنْ لَمْ أَحُجَّ الْعَامَ، وَقَالَ: حَجَجْتُ وَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ ضَحَّى الْعَامَ بِالْكُوفَةِ لَمْ يُعْتَقْ عَبْدُهُ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَنْ قَالَ عَبْدِي حُرٌّ إنْ لَمْ أَحُجَّ الْعَامَ) ظَاهِرٌ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُعْتَقُ لِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ قَامَتْ عَلَى أَمْرٍ مَعْلُومٍ وَهُوَ التَّضْحِيَةُ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ انْتِفَاءُ الْحَجِّ فَيَتَحَقَّقُ الشَّرْطُ. وَلَهُمَا أَنَّهَا قَامَتْ عَلَى النَّفْيِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا نَفْيُ الْحَجِّ لَا إثْبَاتُ التَّضْحِيَةِ لِأَنَّهُ لَا مَطَالِبَ لَهَا فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ لَمْ يَحُجَّ الْعَامَ. غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ هَذَا النَّفْيَ مِمَّا يُحِيطُ عِلْمُ الشَّاهِدِ بِهِ وَلَكِنَّهُ لَا يُمَيَّزُ بَيْنَ نَفْيٍ وَنَفْيٍ تَيْسِيرًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (لَكِنْ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ نَفْيٍ وَنَفْيٍ تَيْسِيرًا) نُوقِضَ بِمَسْأَلَةِ السَّيْرِ الْكَبِيرِ: رَجُلَانِ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّا سَمِعْنَاهُ يَقُولُ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ وَلَمْ يَقُلْ قَوْلَ النَّصَارَى فَبَانَتْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ، وَالرَّجُلُ يَقُولُ وَصَلْت بِقَوْلِي قَوْلَ النَّصَارَى جَازَتْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ، وَإِنْ قَامَتْ عَلَى النَّفْيِ لِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى نَفْيِ شَيْءٍ أَحَاطَ بِهِ عِلْمُ الشَّاهِدِ. وَأَجَابَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ بِأَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ شَهَادَةٌ قَامَتْ عَلَى أَمْرٍ وُجُودِيٍّ وَهُوَ سُكُوتُ الزَّوْجِ عَقِيبَ قَوْلِهِ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، وَلَكِنْ قَالَ الْإِمَامَانِ الْعَلَمَانِ فِي التَّحْقِيقِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ: إذَا قَالَ الشَّاهِدَانِ الزَّوْجُ لَمْ يَقُلْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ لِأَنَّ قَوْلَهُمَا هَذَا بَيَانٌ مِنْهُمَا لِإِحَاطَةِ عِلْمِهِمَا بِذَلِكَ، فَكَانَ التَّمْيِيزُ بَيْنَ نَفْيٍ وَنَفْيٍ مُعْتَبَرًا، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مُخْتَارَ الْمُصَنِّفِ لِإِفْضَائِهِ إلَى الْحَرَجِ.

(وَمَنْ حَلَفَ لَا يَصُومُ فَنَوَى الصَّوْمَ وَصَامَ سَاعَةً ثُمَّ أَفْطَرَ مِنْ يَوْمِهِ حَنِثَ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ إذْ الصَّوْمُ هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ عَلَى قَصْدِ التَّقَرُّبِ (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَصُومُ يَوْمًا أَوْ صَوْمًا فَصَامَ سَاعَةً ثُمَّ أَفْطَرَ لَا يَحْنَثُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَصُومُ) ظَاهِرٌ.

لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الصَّوْمُ التَّامُّ الْمُعْتَبَرُ شَرْعًا وَذَلِكَ بِإِنْهَائِهِ إلَى آخِرِ الْيَوْمِ، وَالْيَوْمُ صَرِيحٌ فِي تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ بِهِ (وَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي فَقَامَ وَقَرَأَ وَرَكَعَ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ سَجَدَ مَعَ ذَلِكَ ثُمَّ قَطَعَ حَنِثَ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ بِالِافْتِتَاحِ اعْتِبَارًا بِالشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الصَّلَاةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَرْكَانِ الْمُخْتَلِفَةِ، فَمَا لَمْ يَأْتِ بِجَمِيعِهَا لَا يُسَمَّى صَلَاةً، بِخِلَافِ الصَّوْمِ لِأَنَّهُ رُكْنٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ وَيَتَكَرَّرُ فِي الْجُزْءِ الثَّانِي ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الصَّوْمُ التَّامُّ الْمُعْتَبَرُ شَرْعًا) أَوْرَدَ عَلَيْهِ مَا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَأَصُومَن هَذَا الْيَوْمَ وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ بَعْدَ الزَّوَالِ صَحَّ يَمِينُهُ بِالِاتِّفَاقِ، وَالصَّوْمُ مَقْرُونٌ بِالْيَوْمِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُرِدْ بِهِ الصَّوْمَ الشَّرْعِيَّ فَإِنَّ الصَّوْمَ الشَّرْعِيَّ بَعْدَ الْأَكْلِ أَوْ الشُّرْبِ أَوْ بَعْدَ الزَّوَالِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الدَّلَالَةَ قَامَتْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ لَيْسَ الصَّوْمَ الشَّرْعِيَّ وَهُوَ كَوْنُ الْيَمِينِ بَعْدَ الْأَكْلِ أَوْ بَعْدَ الزَّوَالِ فَانْصَرَفَ إلَى الصَّوْمِ اللُّغَوِيِّ وَانْعَقَدَتْ يَمِينُهُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَمْنَعُهُ عَنْ الصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي) ظَاهِرٌ.

(وَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي صَلَاةً لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ) لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الصَّلَاةُ الْمُعْتَبَرَةُ شَرْعًا وَأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ لِلنَّهْيِ عَنْ الْبُتَيْرَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ) قِيلَ عَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ بِمُجَرَّدِ الْإِتْيَانِ بِالرَّكْعَتَيْنِ مَا لَمْ يَأْتِ بِالْقَعْدَةِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَكُونُ مُعْتَبَرَةً بِدُونِ الْقَعْدَةِ شَرْعًا، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ عِبَارَةٌ عَنْ صَلَاةٍ تَامَّةٍ، وَتَمَامُهَا شَرْعًا إنَّمَا يَكُونُ بِالْقَعْدَةِ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ تَعْلِيلُهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الصَّلَاةُ الْمُعْتَبَرَةُ شَرْعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[باب اليمين في لبس الثياب والحلي وغير ذلك]

(وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ لَبِسْتِ مِنْ غَزْلِكِ فَهُوَ هَدْيٌ فَاشْتَرَى قُطْنًا فَغَزَلَتْهُ وَنَسَجَتْهُ فَلَبِسَهُ فَهُوَ هَدْيٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَ حَتَّى تَغْزِلَ مِنْ قُطْنٍ مَلَكَهُ يَوْمَ حَلَفَ) وَمَعْنَى الْهَدْيِ التَّصَدُّقُ بِهِ بِمَكَّةَ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى إلَيْهَا. لَهُمَا أَنَّ النَّذْرَ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ وَلَمْ يُوجَدْ لِأَنَّ اللُّبْسَ وَغَزْلَ الْمَرْأَةِ لَيْسَا مِنْ أَسْبَابِ مِلْكِهِ. وَلَهُ أَنَّ غَزْلَ الْمَرْأَةِ عَادَةً يَكُونُ مِنْ قُطْنِ الزَّوْجِ وَالْمُعْتَادُ هُوَ الْمُرَادُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْيَمِينِ فِي لُبْسِ الثِّيَابِ وَالْحُلِيِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ] قَدَّمَ يَمِينَ لُبْسِ الثِّيَابِ وَغَيْرَهُ عَلَى الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ، إمَّا لِأَنَّ يَمِينَ لُبْسِ الثِّيَابِ أَكْثَرُ مِنْهُ وُجُودًا، وَإِمَّا لِأَنَّ الْيَمِينَ بِهِ مَشْرُوعٌ وُجُودًا وَعَدَمًا، بِخِلَافِ الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ (وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَبِسْت مِنْ غَزْلِك فَهُوَ هَدْيٌ) أَيْ صَدَقَةٌ أَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى فُقَرَاءِ مَكَّةَ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَالْمُعْتَادُ هُوَ الْمُرَادُ) يَعْنِي فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ مِنْ قُطْنِي

وَذَلِكَ سَبَبٌ لِمِلْكِهِ، وَلِهَذَا يَحْنَثُ إذَا غَزَلَتْ مِنْ قُطْنٍ مَمْلُوكٍ لَهُ وَقْتَ النَّذْرِ لِأَنَّ الْقُطْنَ لَمْ يَصِرْ مَذْكُورًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ مِنْ قُطْنٍ سَأَمْلِكُهُ (وَذَلِكَ) أَيْ الْغَزْلُ مِنْ قُطْنِ الزَّوْجِ (سَبَبٌ لِمِلْكِ الزَّوْجِ لِمَا غَزَلَتْهُ) يَعْنِي مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ وَقَوْلُهُ (وَلِهَذَا) إيضَاحٌ لِقَوْلِهِ وَذَلِكَ سَبَبٌ لِمِلْكِهِ: يَعْنِي أَنَّهَا إذَا غَزَلَتْ مِنْ قُطْنٍ مَمْلُوكٍ لِلزَّوْجِ وَقْتَ الْحَلِفِ كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لَأَنْ يَمْلِكَ الزَّوْجُ غَزْلَهَا مَعَ أَنَّ الْقُطْنَ لَيْسَ بِمَذْكُورٍ هُنَاكَ، وَمَا ذَاكَ إلَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّ غَزْلَ الْمَرْأَةِ سَبَبٌ لِمِلْكِ

(وَمَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا فَلَبِسَ خَاتَمَ فِضَّةٍ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُلِيٍّ عُرْفًا وَلَا شَرْعًا حَتَّى أُبِيحَ اسْتِعْمَالُهُ لِلرِّجَالِ وَالتَّخَتُّمُ بِهِ لِقَصْدِ الْخَتْمِ (وَإِنْ كَانَ مِنْ ذَهَبٍ حَنِثَ) لِأَنَّهُ حُلِيٌّ وَلِهَذَا لَا يَحِلُّ اسْتِعْمَالُهُ لِلرِّجَالِ. (وَلَوْ لَبِسَ عِقْدَ لُؤْلُؤٍ غَيْرِ مُرَصَّعٍ لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يَحْنَثُ) لِأَنَّهُ حُلِيٌّ حَقِيقَةً حَتَّى سُمِّيَ بِهِ فِي الْقُرْآنِ. وَلَهُ أَنَّهُ لَا يَتَحَلَّى بِهِ عُرْفًا إلَّا مُرَصَّعًا، وَمَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ. وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالزَّوْجِ لِمَا غَزَلَتْهُ فِي الْعُرْفِ، وَالْعُرْفُ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْقُطْنُ مَمْلُوكًا وَقْتَ الْحَلِفِ أَوْ لَمْ يَكُنْ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حَلْيًا) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَهُوَ مَا يَتَحَلَّى بِهِ النِّسَاءُ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ جَوْهَرٍ، وَاسْتَدَلَّ بِإِبَاحَةِ اسْتِعْمَالِهِ لِلرِّجَالِ عَلَى أَنَّ الْخَاتَمَ مِنْ فِضَّةٍ لَيْسَ بِحَلْيٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَلْيًا لَحَرُمَ عَلَى الرِّجَالِ لِأَنَّ التَّزَيُّنَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ، وَلَمَّا جَازَ التَّخَتُّمُ بِالْفِضَّةِ لَهُمْ لِقَصْدِ الْخَتْمِ أَوْ لِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ حَلْيًا أَوْ كَانَ نَاقِصًا فِي كَوْنِهِ حَلْيًا فَكَانَ مُبَاحًا (وَإِنْ كَانَ مِنْ ذَهَبٍ حَنِثَ) يَعْنِي كَيْفَمَا كَانَ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ فَصٌّ أَوْ لَمْ يَكُنْ. قِيلَ الْخَوَاتِيمُ ثَلَاثَةٌ، الذَّهَبُ مُطْلَقًا، وَالْفِضَّةُ الْمَفْصُوصَةُ وَالْحَالِفُ أَنْ لَا يَلْبَسَ حَلْيًا يَحْنَثُ بِلُبْسِهِمَا، وَالْفِضَّةُ الْغَيْرُ الْمَفْصُوصَةُ وَالْحَالِفُ لَا يَحْنَثُ بِلُبْسِهِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ لَبِسَ عِقْدَ لُؤْلُؤٍ) ظَاهِرٌ، وَالْعِقْدُ بِالْكَسْرِ هُوَ الْقِلَادَةُ، وَالتَّرْصِيعُ التَّرْكِيبُ، يُقَالُ تَاجٌ مُرَصَّعٌ بِالْجَوَاهِرِ. وَقَوْلُهُ (حَتَّى سُمِّيَ بِهِ فِي الْقُرْآنِ) أَيْ بِالْحَلْيِ يُرِيدُ بِهِ قَوْله تَعَالَى {وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [النحل: 14] وقَوْله تَعَالَى {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا} [الحج: 23] جَعَلَ اللُّؤْلُؤَ حَلْيًا بِجَعْلِهِ تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى " {يُحَلَّوْنَ} [الحج: 23] "

وَيُفْتَى بِقَوْلِهِمَا لِأَنَّ التَّحَلِّيَ بِهِ عَلَى الِانْفِرَادِ مُعْتَادٌ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ فَنَامَ عَلَيْهِ وَفَوْقَهُ قِرَامٌ حَنِثَ) لِأَنَّهُ تَبَعُ الْفِرَاشِ فَيُعَدُّ نَائِمًا عَلَيْهِ (وَإِنْ جَعَلَ فَوْقَهُ فِرَاشًا آخَرَ فَنَامَ عَلَيْهِ لَا يَحْنَثُ) لِأَنَّ مِثْلَ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ تَبَعًا لَهُ فَقَطَعَ النِّسْبَةَ عَنْ الْأَوَّلِ (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى الْأَرْضِ فَجَلَسَ عَلَى بِسَاطٍ أَوْ حَصِيرٍ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى جَالِسًا عَلَى الْأَرْضِ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْضِ لِبَاسُهُ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ فَلَا يُعْتَبَرُ حَائِلًا (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى سَرِيرٍ فَجَلَسَ عَلَى سَرِيرٍ فَوْقَهُ بِسَاطٌ أَوْ حَصِيرٌ حَنِثَ) لِأَنَّهُ يُعَدُّ جَالِسًا عَلَيْهِ، وَالْجُلُوسُ عَلَى السَّرِيرِ فِي الْعَادَةِ كَذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا جَعَلَ فَوْقَهُ سَرِيرًا آخَرَ لِأَنَّهُ مِثْلُ الْأَوَّلِ فَقَطَعَ النِّسْبَةَ عَنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَمَنْ) (حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ) يُرِيدُ عَلَى فِرَاشٍ بِعَيْنِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَإِنْ جَعَلَ فَوْقَهُ فِرَاشًا آخَرَ فَنَامَ عَلَيْهِ لَا يَحْنَثُ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى حَقِيقَتِهِ مُنَكَّرًا لَحَنِثَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا لِأَنَّهُ نَامَ عَلَى فِرَاشٍ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ فَلَا يُعْتَبَرُ حَائِلًا) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ نَزَعَ ثَوْبَهُ وَطَرَحَهُ عَلَى الْأَرْضِ وَجَلَسَ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَبْقَ ثَوْبُهُ تَبَعًا لَهُ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْبِسَاطِ وَالْحَصِيرِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى سَرِيرٍ) ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ.

[باب اليمين في الضرب والقتل وغيره]

(بَابُ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِهِ) (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ إنْ ضَرَبْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ فَمَاتَ فَضَرَبَهُ فَهُوَ عَلَى الْحَيَاةِ) لِأَنَّ الضَّرْبَ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُؤْلِمٍ يَتَّصِلُ بِالْبَدَنِ، وَالْإِيلَامُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمَيِّتِ، وَمَنْ يُعَذَّبُ فِي الْقَبْرِ تُوضَعُ فِيهِ الْحَيَاةُ فِي قَوْلِ الْعَامَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِهِ] يُرِيدُ بِالْغَيْرِ الْغُسْلَ وَالْكِسْوَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ وَجْهِ الْمُنَاسَبَةِ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ إنْ ضَرَبْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ فَمَاتَ فَضَرَبَهُ فَهُوَ عَلَى الْحَيَاةِ لِأَنَّ الضَّرْبَ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُؤْلِمٍ يَتَّصِلُ بِالْبَدَنِ) وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمَيِّتِ لِانْتِفَاءِ الْإِيلَامِ فِيهِ، وَنُوقِضَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} [ص: 44] فَقَدْ بَرَّ أَيُّوبُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي يَمِينِهِ بِالضَّرْبِ بِهَذَا الَّذِي ذُكِرَ، وَلَمْ يُوجَدْ الْإِيلَامُ لِمَا أَنَّ الضِّغْثَ عِبَارَةٌ عَنْ الْحُزْمَةِ الصَّغِيرَةِ مِنْ رَيْحَانٍ أَوْ حَشِيشٍ فَلَمْ يَكُنْ لِمَجْمُوعِهِ إيلَامٌ فَكَيْفَ لِأَجْزَائِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ جَازَ أَنْ يَكُونَ هَذَا حُكْمًا ثَابِتًا بِالنَّصِّ فِي حَقِّ أَيُّوبَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَاصَّةً إكْرَامًا لَهُ فِي حَقِّ امْرَأَتِهِ تَخْفِيفًا عَلَيْهَا لِعَدَمِ جِنَايَتِهَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِأَجْزَاءِ الضِّغْثِ إيلَامٌ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي تَفْسِيرِ الضِّغْثِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الضِّغْثَ عِبَارَةٌ عَنْ الْقَبْضَةِ مِنْ الشَّجَرِ فَجَازَ أَنْ يُصِيبَهَا أَلَمُ أَجْزَائِهَا فَكَانَ حُكْمُهُ بَاقِيًا فِي شَرِيعَتِنَا أَيْضًا، وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِيهِ فِي الْكَشَّافِ وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: وَمَنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَن فُلَانًا مِائَةَ سَوْطٍ فَضَرَبَهُ بِهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً إنْ وَصَلَ إلَيْهِ كُلُّ سَوْطٍ بِحِيَالِهِ بَرَّ فِي يَمِينِهِ، وَالْإِيلَامُ شَرْطٌ فِيهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الضَّرْبِ الْإِيلَامُ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ يُعَذَّبُ فِي الْقَبْرِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ

وَكَذَلِكَ الْكِسْوَةُ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَمِنْهُ الْكِسْوَةُ فِي الْكَفَّارَةِ وَهُوَ مِنْ الْمَيِّتِ لَا يَتَحَقَّقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُكُمْ الْإِيلَامُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمَيِّتِ يُشْكِلُ بِعَذَابِ الْمَيِّتِ فِي الْقَبْرِ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِ الْعَامَّةِ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ أَبِي الْحُسَيْنِ الصَّالِحِيِّ، فَإِنَّ الْمَيِّتَ عِنْدَهُ يُعَذَّبُ مِنْ غَيْرِ حَيَاةٍ وَلَا يَشْتَرِطُ الْحَيَاةَ لِتَعْذِيبِ الْمَيِّتِ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ الْكِسْوَةُ) يَعْنِي إنْ قَالَ إنْ كَسَوْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ فَكَسَاهُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَحْنَثُ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ) أَيْ الْكِسْوَةِ عَلَى تَأْوِيلِ الْإِكْسَاءِ (التَّمْلِيكُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَمِنْهُ الْكِسْوَةُ فِي الْكَفَّارَةِ وَهُوَ مِنْ الْمَيِّتِ لَا يَتَحَقَّقُ

إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ السَّتْرَ، وَقِيلَ بِالْفَارِسِيَّةِ يَنْصَرِفُ إلَى اللُّبْسِ (وَكَذَا الْكَلَامُ وَالدُّخُولُ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكَلَامِ الْإِفْهَامُ وَالْمَوْتُ يُنَافِيهِ، وَالْمُرَادُ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهِ زِيَارَتُهُ وَبَعْدَ الْمَوْتِ يُزَارُ قَبْرُهُ لَا هُوَ (وَلَوْ قَالَ: إنْ غَسَّلْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ فَغَسَّلَهُ بَعْدَ مَا مَاتَ يَحْنَثُ) لِأَنَّ الْغُسْلَ هُوَ الْإِسَالَةُ وَمَعْنَاهُ التَّطْهِيرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ) أَيْ الْكِسْوَةِ (السَّتْرَ) فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ لِأَنَّ فِيهِ تَشْدِيدًا عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (وَقِيلَ بِالْفَارِسِيَّةِ يَنْصَرِفُ إلَى اللُّبْسِ) دُونَ التَّمْلِيكِ وَهُوَ قَوْلُ الْفَقِيهِ أَبُو اللَّيْثِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ فُلَانًا فَأَلْبَسَهُ وَهُوَ مَيِّتٌ حَنِثَ لِأَنَّ الْإِلْبَاسَ عِبَارَةٌ عَنْ السَّتْرِ وَالتَّغْطِيَةِ وَالْمَيِّتُ مَحَلٌّ لِذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا الْكَلَامُ وَالدُّخُولُ) يَعْنِي إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا أَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ فَكَلَّمَهُ أَوْ دَخَلَ عَلَيْهِ بَعْدَمَا مَاتَ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ (لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكَلَامِ الْإِفْهَامُ وَالْمَوْتُ يُنَافِيهِ، وَالْمُرَادُ بِالدُّخُولِ عَلَيْهِ زِيَارَتُهُ وَبَعْدَ الْمَوْتِ يُزَارُ قَبْرُهُ لَا هُوَ) فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رُوِيَ

وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الْمَيِّتِ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ فَمَدَّ شَعْرَهَا أَوْ خَنَقَهَا أَوْ عَضَّهَا حَنِثَ) لِأَنَّهُ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُؤْلِمٍ وَقَدْ تَحَقَّقَ الْإِيلَامُ، (وَقِيلَ لَا يَحْنَثُ فِي حَالِ الْمُلَاعَبَةِ) لِأَنَّهُ يُسَمَّى مُمَازَحَةً لَا ضَرْبًا ـــــــــــــــــــــــــــــQ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَلَّمَ أَصْحَابَ الْقَلِيبِ حَيْثُ سَمَّاهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَقَالَ: هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا فَقَدْ وَجَدْت مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا؟» أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مُعْجِزَةً لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَوْلُهُ (وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ) يَعْنِي التَّطْهِيرَ (فِي الْمَيِّتِ) أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ صَلَّى وَهُوَ يَحْمِلُ مَيِّتًا مُسْلِمًا لَمْ يُغَسَّلْ لَا تَجُوزُ وَإِنْ كَانَ مَغْسُولًا جَازَتْ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ فَمَدَّ شَعْرَهَا أَوْ خَنَقَهَا أَوْ عَضَّهَا حَنِثَ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُؤْلِمٍ) يَتَّصِلُ بِالْبَدَنِ (وَقَدْ تَحَقَّقَ الْإِيلَامُ) مِنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ (وَقِيلَ لَا يَحْنَثُ فِي حَالِ الْمُلَاعَبَةِ) وَإِنْ أَوْجَعَهَا وَآلَمَهَا لِأَنَّهُ يُسَمَّى فِي الْعُرْفِ مُمَازَحَةً لَا ضَرْبًا، وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ الْإِمَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ قَالَ إنْ لَمْ أَقْتُلْ فُلَانًا) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ كَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَقَالَ فِيهِ: وَلَوْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْكُوزَ لَا مَاءَ فِيهِ فَحَلَفَ وَقَالَ إنْ لَمْ أَشْرَبْ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ حَنِثَ بِالِاتِّفَاقِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَهُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّهُ عَقَدَ الْيَمِينَ عَلَى شُرْبِ الْمَاءِ الْمَوْجُودِ فِي الْكُوزِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَإِنْ أَحْدَثَ فِي الْكُوزِ مَاءً فَلَيْسَ هُوَ الْمَاءُ الَّذِي كَانَ مَوْجُودًا فِي الْكُوزِ وَقْتَ الْيَمِينِ لِأَنَّ الْمَاءَ الَّذِي أُضِيفَ إلَيْهِ الشُّرْبُ لَا يَحْتَمِلُ الْوُجُودَ إذْ الْحَادِثُ غَيْرُهُ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْقَتْلِ إذْ كَانَ يَعْلَمُ بِمَوْتِ فُلَانٍ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى فِعْلِ الْقَتْلِ فِي فُلَانٍ، فَإِذَا أَحْيَاهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ فُلَانٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ} [البقرة: 259] وَكَانَ مَا عَقَدَ عَلَيْهِ الْيَمِينَ مُتَوَهَّمًا، وَالْعَادِيُّ مَنْسُوبٌ إلَى الْعَادَةِ كَالْإِرَادِيِّ مَنْسُوبٌ إلَى الْإِرَادَةِ، فَإِنَّ تَاءَ التَّأْنِيثِ تُحْذَفُ فِي النِّسْبَةِ.

[باب اليمين في تقاضي الدراهم]

(وَمَنْ قَالَ: إنْ لَمْ أَقْتُلْ فُلَانًا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَفُلَانٌ مَيِّتٌ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ حَنِثَ) لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى حَيَاةٍ يُحْدِثُهَا اللَّهُ فِيهِ وَهُوَ مُتَصَوَّرٌ فَيَنْعَقِدُ ثُمَّ يَحْنَثُ لِلْعَجْزِ الْعَادِيِّ (فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَا يَحْنَثُ) لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى حَيَاةٍ كَانَتْ فِيهِ وَلَا تُتَصَوَّرُ فَيَصِيرُ قِيَاسُ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَلَيْسَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلُ الْعِلْمِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْيَمِينِ فِي تَقَاضِي الدَّرَاهِمِ] لَمَّا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ مِنْ الْوَسَائِلِ دُونَ الْمَقَاصِدِ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَغَيْرِهَا أَخَّرَ الْيَمِينَ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَا وَخَصَّ الدَّرَاهِمَ

(وَمَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ إلَى قَرِيبٍ فَهُوَ عَلَى مَا دُونَ الشَّهْرِ، وَإِنْ قَالَ إلَى بَعِيدٍ فَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ الشَّهْرِ) لِأَنَّ مَا دُونَهُ يُعَدُّ قَرِيبًا، وَالشَّهْرُ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ يُعَدُّ بَعِيدًا، وَلِهَذَا يُقَالُ عِنْدَ بُعْدِ الْعَهْدِ مَا لَقِيتُك مُنْذُ شَهْرٍ (وَمَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا دَيْنَهُ الْيَوْمَ فَقَضَاهُ ثُمَّ وَجَدَ فُلَانٌ بَعْضَهَا زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً أَوْ مُسْتَحَقَّةً لَمْ يَحْنَثْ الْحَالِفُ) لِأَنَّ الزِّيَافَةَ عَيْبٌ وَالْعَيْبُ لَا يُعْدِمُ الْجِنْسَ، وَلِهَذَا لَوْ تَجُوزُ بِهِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالذِّكْرِ لِكَوْنِهَا أَكْثَرَ اسْتِعْمَالًا، وَلَقَّبَ الْبَابَ بِالتَّقَاضِي وَالْمَسَائِلَ الْمَذْكُورَةَ فِيهِ بِلَفْظِ الْقَضَاءِ وَالْقَبْضِ وَالْعَدَدِ لِأَنَّ التَّقَاضِيَ سَبَبٌ لِلْقَضَاءِ وَالْقَبْضِ فَلُقِّبَ بِمَا هُوَ سَبَبٌ لِمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِيهِ، هَذَا مَا قَالَهُ الشَّارِحُونَ. وَأَقُولُ: جَمِيعُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ مِنْ الْمَسَائِلِ مَبْنَاهُ عَلَى التَّقَاضِي عَلَى مَا أُصَرِّحُ بِذِكْرِهِ عِنْدَ رَأْسِ كُلِّ مَسْأَلَةٍ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا، وَأَنَّ الْعَيْبَ لَا يَعْدَمُ الْجِنْسَ، وَأَنَّ مَا دُونَ الشَّهْرِ قَرِيبٌ وَمَا فَوْقَهُ بَعِيدٌ. قَالَ (وَمَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ) . تَقَاضَى الرَّجُلُ دَيْنَهُ وَأَلَحَّ فَحَلَفَ غَرِيمُهُ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ (إلَى قَرِيبٍ فَهُوَ مَا دُونَ الشَّهْرِ، وَإِنْ قَالَ إلَى بَعِيدٍ فَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ الشَّهْرِ) لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ، وَجَعَلَ الشَّهْرَ أَيْضًا بَعِيدًا لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ يُعَدُّ بَعِيدًا وَإِنْ زَادَ فِي التَّقَاضِي (فَحَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ الْيَوْمَ فَقَضَاهُ ثُمَّ وَجَدَ فُلَانٌ بَعْضَهَا زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً أَوْ مُسْتَحَقَّةً بَرَّ فِي يَمِينِهِ) لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ، وَالزَّيْفُ مَا يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ، وَالنَّبَهْرَجُ مَا يَرُدُّهُ التُّجَّارُ، وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ.

فَوُجِدَ شَرْطُ الْبِرِّ وَقَبْضُ الْمُسْتَحَقَّةِ صَحِيحٌ وَلَا يَرْتَفِعُ بِرَدِّهِ الْبِرَّ الْمُتَحَقِّقَ (وَإِنْ وَجَدَهَا رَصَاصًا أَوْ سَتُّوقَةً حَنِثَ) لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ حَتَّى لَا يَجُوزَ التَّجَوُّزُ بِهِمَا فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ (وَإِنْ بَاعَهُ بِهَا عَبْدًا وَقَبَضَهُ بَرَّ فِي يَمِينِهِ) لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ طَرِيقُهُ الْمُقَاصَّةُ وَقَدْ تَحَقَّقَتْ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ فَكَأَنَّهُ شَرَطَ الْقَبْضَ لِيَتَقَرَّرَ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (فَوُجِدَ شَرْطُ بَرِّهِ) يَعْنِي قَضَاءَ دَيْنِهِ فِي الْيَوْمِ (وَقَبْضُ الْمُسْتَحَقَّةِ صَحِيحٌ) أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى بِهَا شَيْئًا فَأَخَذَهَا الْمُسْتَحَقُّ بَقِيَ الْبَيْعُ صَحِيحًا، وَلَوْ لَمْ يَصِحَّ قَبْضُ الْمُسْتَحَقَّةِ لَبَطَلَ الْبَيْعُ لِكَوْنِهِ بِلَا ثَمَنٍ (وَلَا يَرْتَفِعُ بِرَدِّهِ) أَيْ بِرَدِّ مَا قَضَى مِنْ الزُّيُوفِ أَوْ النَّبَهْرَجَةِ أَوْ الْمُسْتَحَقَّةِ (الْبَرُّ الْمُتَحَقَّقُ) لِأَنَّ الْيَمِينَ لَمَّا انْحَلَّتْ بِوُجُودِ الشَّرْطِ لَمْ يَقْبَلْ الْفَسْخَ وَالِانْتِفَاضَ كَالْكِتَابَةِ، فَإِنَّ مَوْلَى الْمُكَاتَبِ إذَا رَدَّ الْبَدَلَ لِكَوْنِهِ زَيْفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً أَوْ اسْتَرَدَّ بِالِاسْتِحْقَاقِ لَا يُنْتَقَضُ الْعِتْقُ، بِخِلَافِ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يُنْتَقَضُ بِرَدِّ الْمَقْبُوضِ لِعَيْبٍ أَوْ اسْتِحْقَاقٍ لِأَنَّ مَبْنَاهُ الْمُقَاصَّةُ وَقَدْ زَالَتْ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَجَدَهَا رَصَاصًا) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ طَرِيقُهُ الْمُقَاصَّةُ) بَيَانُهُ أَنَّ مَا يَقْبِضُهُ رَبُّ الدَّيْنِ يَصِيرُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَقْبِضُهُ لِنَفْسِهِ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ، وَلِرَبِّ الدَّيْنِ عَلَى الْمَدْيُونِ مِثْلُهُ، أَيْ مِثْلُ مَا فِي ذِمَّتِهِ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا (وَقَدْ تَحَقَّقَتْ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ) لِأَنَّ ثَمَنَ الْعَبْدِ آخِرُ الدَّيْنَيْنِ فَيَكُونُ قَضَاءً عَنْ الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا كَانَ طَرِيقُ قَضَاءِ الدَّيْنِ الْمُقَاصَّةَ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ حَقِيقَةً لَا يُتَصَوَّرُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يُصَادِفُ الْعَيْنَ وَحَقُّ صَاحِبِ الدَّيْنِ فِي وَصْفٍ فِي الذِّمَّةِ وَلِهَذَا قَالُوا الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا. وَقَوْلُهُ (فَكَأَنَّهُ شَرَطَ الْقَبْضَ) كَأَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى الْجَوَابِ عَمَّا يُقَالُ لَوْ تَحَقَّقَتْ الْمُقَاصَّةُ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ لَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَيَقْبِضُهُ. وَوَجْهُهُ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْقَبْضِ لِيَكُونَ هَذَا الدَّيْنُ مِثْلَ الدَّيْنِ الَّذِي لِلْمُشْتَرِي عَلَيْهِ لِأَنَّ مَالَهُ مِنْ الدَّيْنِ عَلَيْهِ مُتَقَرِّرٌ وَثَمَنُ الْعَبْدِ غَيْرُ مُتَقَرِّرٍ قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ بِمَوْتِهِ،

(وَإِنْ وَهَبَهَا لَهُ) يَعْنِي الدَّيْنَ (لَمْ يَبَرَّ) لِعَدَمِ الْمُقَاصَّةِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ فَعَلَهُ، وَالْهِبَةُ إسْقَاطٌ مِنْ صَاحِبِ الدَّيْنِ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَقْبِضُ دَيْنَهُ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ فَقَبَضَ بَعْضَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِذَا قَبَضَهُ صَارَ مُتَقَرِّرًا فَيَكُونُ مِثْلَهُ فَيَتَقَاصَّانِ (وَإِنْ وَهَبَهَا لَهُ) أَيْ إنْ وَهَبَ الدَّائِنُ دَيْنَهُ لِلْمَدْيُونِ (لَمْ يَبَرَّ) الْحَالِفُ (لِعَدَمِ الْمُقَاصَّةِ) لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ وَهُوَ الْقَضَاءُ (وَالْهِبَةُ) لَيْسَتْ فِعْلَهُ لِأَنَّهَا (إسْقَاطٌ مِنْ صَاحِبِ الدَّيْنِ) وَإِنَّمَا قَالَ لَمْ يَبَرَّ لِأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ الْحِنْثِ، فَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَبَرَّ وَلَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِفَوَاتِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَهُوَ الدَّيْنُ، وَفَوَاتُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا جِهَةٌ فِي بُطْلَانِ الْيَمِينِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ: وَلَنَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَلْزَمُ ارْتِفَاعُ النَّقِيضَيْنِ، وَهُوَ فَاسِدٌ بِمَرَّةٍ لِأَنَّ الْبَرَّ نَقِيضُ الْحِنْثِ، فَمِنْ وُجُودِ أَحَدِهِمَا يَلْزَمُ ارْتِفَاعُ الْآخَرِ وَمِنْ ارْتِفَاعِ أَحَدِهِمَا يَلْزَمُ وُجُودُ الْآخَرِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْتَفِعَا جَمِيعًا. وَأَقُولُ: لَيْسَا بِنَقِيضَيْنِ عَلَى اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْمَعْقُولِ وَغَيْرُ الْحَالِفِ لَا يَتَّصِفُ بِأَحَدِهِمَا وَشَأْنُ النَّقِيضَيْنِ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِذَا بَطَلَ الْيَمِينُ بِفَوَاتِ تَصَوُّرِ الْبَرِّ صَارَ كَغَيْرِ الْحَالِفِ مِنْ النَّاسِ فَيَجُوزُ أَنْ لَا يَتَّصِفَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَإِذَا تَقَاضَى دَيْنَهُ فَقَالَ أَقْضِيهَا مُنَجَّمًا فَحَلَفَ (لَا يَقْبِضُ دَيْنَهُ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ فَقَبَضَ بَعْضَهُ

لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَقْبِضَ جَمِيعَهُ) لِأَنَّ الشَّرْطَ قَبْضُ الْكُلِّ وَلَكِنَّهُ بِوَصْفِ التَّفَرُّقِ، أَلَا يُرَى أَنَّهُ أَضَافَ الْقَبْضَ إلَى دَيْنٍ مُعَرَّفٍ مُضَافٍ إلَيْهِ فَيَنْصَرِفُ إلَى كُلِّهِ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِهِ (فَإِنْ قَبَضَ دَيْنَهُ فِي وَزَنَيْنَ لَمْ يَتَشَاغَلْ بَيْنَهُمَا إلَّا بِعَمَلِ الْوَزْنِ لَمْ يَحْنَثْ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِتَفْرِيقٍ) لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ قَبْضُ الْكُلِّ دُفْعَةً وَاحِدَةً عَادَةً فَيَصِيرُ هَذَا الْقَدْرُ مُسْتَثْنًى مِنْهُ (وَمَنْ قَالَ: إنْ كَانَ لِي إلَّا مِائَةُ دِرْهَمٍ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَلَا يَمْلِكُ إلَّا خَمْسِينَ دِرْهَمًا لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ عُرْفًا نَفْيُ مَا زَادَ عَلَى الْمِائَةِ وَلِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمِائَةِ اسْتِثْنَاؤُهَا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا (وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ غَيْرَ مِائَةٍ أَوْ سِوَى مِائَةٍ) لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ أَدَاةُ الِاسْتِثْنَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَقْبِضَ الْجَمِيعَ) مُتَفَرِّقًا لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ أَمْرٌ مُرَكَّبٌ مِنْ قَبْضِ الْكُلِّ بِوَصْفِ التَّفَرُّقِ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْقَبْضَ إلَى دَيْنٍ مُعَرَّفٍ مُضَافٍ إلَيْهِ، وَهُوَ اسْمٌ لِكُلِّ مَا لَهُ عَلَيْهِ (فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ) وَالْمُرَكَّبُ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ جُزْئِهِ، فَإِذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَحْنَثْ، وَهَاهُنَا إنْ فَاتَ عَدَمُ التَّفَرُّقِ لَمْ يُوجَدْ قَبْضُ الْجَمِيعِ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ قَبَضَ دَيْنَهُ فِي وَزْنَيْنِ) ظَاهِرٌ. وَمَنْ تَقَاضَى مِنْ غَرِيمِهِ مِائَتَيْنِ فَقَالَ لَا أَمْلِكُ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ فَلَمْ يُصَدِّقْهُ فَقَالَ (إنْ كَانَ لِي إلَّا مِائَةُ دِرْهَمٍ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَلَمْ يَمْلِكْ إلَّا خَمْسِينَ دِرْهَمًا لَمْ يَحْنَثْ) لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ. قَوْلُهُ (وَلِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمِائَةِ اسْتِثْنَاؤُهَا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا) يَعْنِي فَكَانَ اسْتِثْنَاءُ الْخَمْسِينَ دَاخِلًا تَحْتَ اسْتِثْنَاءِ الْمِائَةِ لِأَنَّ الْخَمْسِينَ مِنْ أَجْزَاءِ الْمِائَةِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ

[مسائل متفرقة في اليمين]

(وَإِذَا حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا تَرَكَهُ أَبَدًا) لِأَنَّهُ نَفَى الْفِعْلَ مُطْلَقًا فَعَمَّ الِامْتِنَاعُ ضَرُورَةَ عُمُومِ النَّفْيِ (وَإِنْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا فَفَعَلَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً بَرَّ فِي يَمِينِهِ) لِأَنَّ الْمُلْتَزَمَ فِعْلٌ وَاحِدٌ غَيْرُ عَيْنٍ، إذْ الْمَقَامُ مَقَامُ الْإِثْبَاتِ فَيَبَرُّ بِأَيِّ فِعْلٍ فَعَلَهُ، وَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِوُقُوعِ الْيَأْسِ عَنْهُ وَذَلِكَ بِمَوْتِهِ أَوْ بِفَوْتِ مَحَلِّ الْفِعْلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَة فِي الْيَمِين] مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ] أَيْ هَذِهِ الْمَسَائِلُ الَّتِي أَذْكُرُهَا مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ، وَمِنْ دَأْبِ الْمُصَنِّفِينَ ذِكْرُ مَا شَذَّ مِنْ الْأَبْوَابِ فِي آخِرِ الْكِتَابِ (وَإِذَا حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا تَرَكَهُ أَبَدًا) الْيَمِينُ عَلَى فِعْلِ الشَّيْءِ أَوْ تَرْكِهِ لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ مُؤَقَّتَةً بِوَقْتٍ كَيَوْمٍ وَشَهْرٍ أَوْ مُطْلَقَةٍ، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى التَّرْكِ تَرَكَهُ أَبَدًا، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْفِعْلِ بَرَّ بِفِعْلِهِ مَرَّةً عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا مُخْتَارًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ بِطَرِيقِ التَّوْكِيلِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَصْدَرِهِ اشْتِمَالَ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ، وَهُوَ مُنَكَّرٌ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى التَّعْرِيفِ، وَالنَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ فَيُوجِبُ عُمُومَ الِامْتِنَاعِ، وَفِي الْإِثْبَاتِ تَخُصُّ، فَإِنْ فَعَلَهُ فِي صُورَةِ النَّفْيِ مَرَّةً حَنِثَ، وَإِنْ فَعَلَهُ فِي صُورَةِ الْإِثْبَاتِ مَرَّةً بَرَّ (وَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِوُقُوعِ الْيَأْسِ عَنْهُ وَذَلِكَ بِمَوْتِ الْحَالِفِ أَوْ بِفَوْتِ مَحَلِّ الْفِعْلِ) فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِيهِ قَبْلَ مُضِيِّ الْوَقْتِ وَإِنْ وَقَعَ الْيَأْسُ بِمَوْتِهِ أَوْ بِفَوْتِ الْمَحَلِّ لِأَنَّ الْوَقْتَ مَانِعٌ مِنْ الِانْحِلَالِ، إذْ لَوْ

(وَإِذَا اسْتَحْلَفَ الْوَالِي رَجُلًا لِيُعْلِمَنَّهُ بِكُلِّ دَاعِرٍ دَخَلَ الْبَلَدَ فَهَذَا عَلَى حَالِ وِلَايَتِهِ خَاصَّةً) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ دَفْعُ شَرِّهِ أَوْ شَرِّ غَيْرِهِ بِزَجْرِهِ فَلَا يُفِيدُ فَائِدَتَهُ بَعْدَ زَوَالِ سَلْطَنَتِهِ، وَالزَّوَالُ بِالْمَوْتِ وَكَذَا بِالْعَزْلِ إلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (وَمَنْ حَلَفَ أَنْ يَهَبَ عَبْدَهُ لِفُلَانٍ فَوَهَبَهُ وَلَمْ يَقْبَلْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ) خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنَّهُ يَعْتَبِرُهُ بِالْبَيْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQانْحَلَّ قَبْلَ مُضِيِّ الْوَقْتِ لَمْ يَكُنْ لِلتَّوْقِيتِ فَائِدَةٌ (وَإِذَا اسْتَحْلَفَ الْوَالِي رَجُلًا لِيُعْلِمَنهُ بِكُلِّ دَاعِرٍ) أَيْ مُفْسِدٍ خَبِيثٍ مِنْ الدَّعَارَةِ وَهِيَ الْخُبْثُ وَالْفَسَادُ (دَخَلَ الْبَلَدَ كَانَ الْإِعْلَامُ وَاجِبًا حَالَ وِلَايَتِهِ خَاصَّةً) وَلَيْسَ يَلْزَمُ الْإِعْلَامُ حَالَ دُخُولِهِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ أَنْ لَا يُؤَخِّرَ الْإِعْلَامَ إلَى مَا بَعْدَ مَوْتِ الْوَالِي أَوْ عَزْلِهِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْإِعْلَامِ (دَفْعُ شَرِّهِ) أَيْ شَرُّ نَفْسِ الدَّاعِرِ (أَوْ شَرُّ غَيْرِهِ بِزَجْرِهِ) فَإِنَّ الْوَالِيَ إذَا زَجَرَهُ وَأَدَّبَهُ لِدِعَارَتِهِ يَنْزَجِرُ غَيْرُهُ مِنْ الدَّعَارَةِ لَوْ كَانَتْ فِي قَصْدِهِ أَوْ نِيَّتِهِ، وَهَذَا الْمَقْصُودُ إنَّمَا يُفِيدُ فَائِدَتَهُ إذَا كَانَ الْوَالِي قَادِرًا عَلَى تَنْفِيذِهِ وَذَلِكَ بِالسَّلْطَنَةِ وَالسَّلْطَنَةُ تَزُولُ بِالْمَوْتِ لَا مَحَالَةَ (وَكَذَلِكَ بِالْعَزْلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ احْتِرَازٌ عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجِبُ الْإِعْلَامُ عَلَى الْحَالِفِ بَعْدَ عَزْلِ الْمُسْتَحْلَفِ أَيْضًا لِأَنَّهُ مُفِيدٌ فِي الْجُمْلَةِ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ) (حَلَفَ أَنْ يَهَبَ) عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَاضِحٌ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ قَبْلَ الْقَبُولِ، فَمِنْهُمْ مَنْ

لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ مِثْلُهُ. وَلَنَا أَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَيَتِمُّ بِالْمُتَبَرِّعِ وَلِهَذَا يُقَالُ وُهِبَ وَلَمْ يَقْبَلْ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ إظْهَارُ السَّمَاحَةِ وَذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ بِثُبُوتِهِ إلَّا أَنَّهُ بِالرَّدِّ يُنْتَقَضُ دَفْعًا لِضَرَرِ الْمِنَّةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِعَدَمِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَوْهُوبُ مَحْرَمًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ فَلَا يُمْكِنُ دَفْعُ الضَّرَرِ فَيَتَوَقَّفُ الثُّبُوتُ عَلَى الْقَبُولِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَكُلِّ عَقْدٍ فِيهِ بَدَلٌ لِأَنَّهُ

يَتِمُّ بِهِ، أَمَّا الْبَيْعُ فَمُعَاوَضَةٌ فَاقْتَضَى الْفِعْلَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ (وَمَنْ حَلَفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَمَلُّكٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَكَانَ تَمَامُهُ بِهِمَا (وَمَنْ

لَا يَشُمُّ رَيْحَانًا فَشَمَّ وَرْدًا أَوْ يَاسَمِينًا لَا يَحْنَثُ) لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا لَا سَاقَ لَهُ وَلَهُمَا سَاقٌ (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَنَفْسَجًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهُوَ عَلَى دُهْنِهِ) اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ وَلِهَذَا يُسَمَّى بَائِعُهُ بَائِعَ الْبَنَفْسَجِ وَالشِّرَاءُ يَنْبَنِي عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَلَفَ لَا يَشُمُّ رَيْحَانًا فَشَمَّ وَرْدًا أَوْ يَاسَمِينًا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا لَا سَاقَ لَهُ وَلَهُمَا سَاقٌ) قِيلَ هَذَا تَفْسِيرُ الْإِمَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَقَلَّدَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَالْمُصَنِّفُ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي قَوَانِينِ اللُّغَةِ الرَّيْحَانُ بِهَذَا التَّفْسِيرِ أَصْلًا. وَجَوَابُهُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ اسْمٌ لِمَا لَا سَاقَ لَهُ أَنَّ لِسَاقِهِ رَائِحَةً طَيِّبَةً كَمَا لِوَرَقِهِ اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِي اللُّغَةِ، عَلَى أَنَّ نَفْيَهُ فِي اللُّغَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الِاسْتِقْرَاءِ التَّامِّ فِي أَوْضَاعِ اللُّغَةِ وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ. وَقِيلَ فِي الضَّابِطِ بَيْنَ الْوَرْدِ وَالرَّيْحَانِ أَنَّ مَا يَنْبُتُ مِنْ بِزْرِهِ مِمَّا لَا شَجَرَ لَهُ وَلِعَيْنِهِ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ مُسْتَلَذَّةٌ فَهُوَ رَيْحَانٌ، وَمَا يَنْبُتُ مِنْ الشَّجَرِ وَلِوَرَقِهِ رَائِحَةٌ مُسْتَلَذَّةٌ فَهُوَ وَرْدٌ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَنَفْسَجًا فَاشْتَرَى دُهْنَ بَنَفْسَجٍ حَنِثَ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ وَلِهَذَا يُسَمَّى بَائِعُهُ بَائِعَ الْبَنَفْسَجِ وَالشِّرَاءُ يَنْبَنِي عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْبَيْعِ وَهَذَا فِي عُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ

وَقِيلَ فِي عُرْفِنَا يَقَعُ عَلَى الْوَرَقِ (وَإِنْ حَلَفَ عَلَى الْوَرْدِ فَالْيَمِينُ عَلَى الْوَرَقِ) لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِ وَالْعُرْفُ مُقَرِّرٌ لَهُ، وَفِي الْبَنَفْسَجِ قَاضٍ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقِيلَ فِي عُرْفِنَا يَقَعُ عَلَى الْوَرَقِ، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى الْوَرْدِ فَالْيَمِينُ عَلَى الْوَرَقِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْوَرْدَ (حَقِيقَةٌ فِيهِ) أَيْ فِي الْوَرَقِ (وَالْعُرْفُ مُقَرِّرٌ لَهُ) أَيْ لِوُقُوعِ الْيَمِينِ عَلَى الْحَقِيقَةِ: يَعْنِي أَنَّ اسْمَ الْوَرْدِ عَلَى الْوَرَقِ حَقِيقَةٌ، وَفِي الْعُرْفِ أَيْضًا يُفْهَمُ مِنْهُ ذَلِكَ فَكَانَ الْعُرْفُ مُقَرِّرًا لِلْوُقُوعِ عَلَى الْحَقِيقَةِ (وَفِي الْبَنَفْسَجِ قَاضٍ عَلَيْهِ) أَيْ غَالِبٌ رَاجِحٌ: يَعْنِي أَنَّ اسْمَ الْبَنَفْسَجِ يَقَعُ عَلَى عَيْنِ الْبَنَفْسَجِ حَقِيقَةً كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لَا عَلَى دُهْنِهِ، وَلَكِنْ الْعُرْفُ غَيْرُ تِلْكَ الْحَقِيقَةِ مِنْ عَيْنِهِ إلَى دُهْنِهِ فَكَانَ الْعُرْفُ غَالِبًا وَرَاجِحًا فِي اسْمِ الْبَنَفْسَجِ عَلَى حَقِيقَتِهِ

[كتاب الحدود]

كِتَابُ الْحُدُودِ) : ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْحُدُودِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الْأَيْمَانِ وَكَفَّارَتِهَا الدَّائِرَةِ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ أَوْرَدَ عَقِيبَهَا الْعُقُوبَاتِ الْمَحْضَةَ. وَمَحَاسِنُ الْحُدُودِ كَثِيرَةٌ لِمَا أَنَّهَا تَرْفَعُ الْفَسَادَ الْوَاقِعَ فِي الْعَالَمِ وَتَحْفَظُ النُّفُوسَ وَالْأَعْرَاضَ وَالْأَمْوَالَ سَالِمَةً عَنْ الِابْتِذَالِ. وَأَمَّا سَبَبُهَا فَسَبَبُ كُلٍّ مِنْهَا مَا أُضِيفَ إلَيْهِ مِثْلَ حَدِّ الزِّنَا وَحَدِّ الْقَذْفِ وَغَيْرِهِمَا. وَأَمَّا تَفْسِيرُهُ لُغَةً وَشَرِيعَةً وَالْمَقْصِدُ الْأَصْلِيُّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ شَرْعِهِ وَهُوَ الْحُكْمُ فَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ 1

قَالَ: الْحَدُّ لُغَةً: هُوَ الْمَنْعُ، وَمِنْهُ الْحَدَّادُ لِلْبَوَّابِ. وَفِي الشَّرِيعَةِ: هُوَ الْعُقُوبَةُ الْمُقَدَّرَةُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى حَتَّى لَا يُسَمَّى الْقِصَاصُ حَدًّا لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ وَلَا التَّعْزِيرُ لِعَدَمِ التَّقْدِيرِ. وَالْمَقْصِدُ الْأَصْلِيُّ مِنْ شَرْعِهِ الِانْزِجَارُ عَمَّا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْعِبَادُ، وَالطَّهَارَةُ لَيْسَتْ أَصْلِيَّةً فِيهِ بِدَلِيلِ شَرْعِهِ فِي حَقِّ الْكَافِرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (الِانْزِجَارُ عَمَّا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْعِبَادُ) يُرِيدُ بِهِ إفْسَادَ الْفُرُشِ وَإِضَاعَةَ الْأَنْسَابِ وَإِتْلَافَ الْأَعْرَاضِ وَالْأَمْوَالِ، وَكَلَامُهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْحُدُودَ تَشْتَمِلُ عَلَى مَقْصِدٍ أَصْلِيٍّ يَتَحَقَّقُ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّاسِ كَافَّةً وَهُوَ الِانْزِجَارُ عَمَّا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْعِبَادُ. وَغَيْرُ أَصْلِيٍّ وَهُوَ الطَّهَارَةُ عَنْ الذُّنُوبِ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ يُجَوِّزُ زَوَالَ الذُّنُوبِ عَنْهُ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَلِهَذَا شُرِعَ فِي حَقِّ الْكَافِرِ الذِّمِّيِّ وَلَا يَطْهُرُ عَنْ ذَنْبِهِ بِإِجْرَاءِ الْحَدِّ عَلَيْهِ.

قَالَ (الزِّنَا يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ) وَالْمُرَادُ ثُبُوتُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ، وَكَذَا الْإِقْرَارُ لِأَنَّ الصِّدْقَ فِيهِ مُرَجَّحٌ لَا سِيَّمَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِثُبُوتِهِ مَضَرَّةٌ وَمَعَرَّةٌ، وَالْوُصُولُ إلَى الْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ مُتَعَذِّرٌ، فَيُكْتَفَى بِالظَّاهِرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (الزِّنَا يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ) الزِّنَا يُمَدُّ وَيُقْصَرُ، فَالْقَصْرُ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَالْمَدُّ لِأَهْلِ نَجْدٍ. قَالَ الْفَرَزْدَقُ: أَبَا حَاضِرٍ مَنْ يَزْنِ يُعْرَفُ زِنَاؤُهُ ... وَمَنْ يَشْرَبْ الْخُرْطُومَ يُصْبِحُ مُسْكَرًا يُخَاطِبُ رَجُلًا يُكَنَّى أَبَا حَاضِرٍ، وَالْخُرْطُومُ الْخَمْرُ، وَالْمُسْكَرُ بِفَتْحِ الْكَافِ الْمَخْمُورُ. وَتَفْسِيرُهُ فِي الشَّرْعِ قَضَاءُ الْمُكَلَّفِ شَهْوَتَهُ فِي قُبُلِ امْرَأَةٍ خَالِيَةٍ عَنْ الْمِلْكَيْنِ وَشُبْهَتِهِمَا لَا شُبْهَةَ الِاشْتِبَاهِ وَتَمْكِينِ الْمَرْأَةِ مِنْ ذَلِكَ. وَاخْتِيرَ لَفْظُ الْقَضَاءِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مُجَرَّدَ الْإِيلَاجِ زِنًا، وَلِهَذَا يَثْبُتُ بِهِ الْغُسْلُ، وَالْمُكَلَّفُ لِيَخْرُجَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ، وَالْمُرَادُ بِالْمِلْكَيْنِ مِلْكُ النِّكَاحِ وَمِلْكُ الْيَمِينِ وَبِشُبْهَةِ مِلْكِ النِّكَاحِ مَا إذَا وَطِئَ امْرَأَةً تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ شُهُودٍ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا وَمَا أَشْبَهَهُ. وَبِشُبْهَةِ مِلْكِ الْيَمِينِ، مَا إذَا وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ أَوْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ، وَبِشُبْهَةِ الِاشْتِبَاهِ مَا إذَا وَطِئَ الِابْنُ جَارِيَةَ أَبِيهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ. وَالزِّنَا يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْمُرَادُ ثُبُوتُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ) وَإِنَّمَا قَالَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الزِّنَا عَلَى التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ يَثْبُتُ بِفِعْلِهِمَا وَيَتَحَقَّقُ فِي الْخَارِجِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ لَا بَيِّنَةَ وَلَا إقْرَارَ، وَإِنَّمَا انْحَصَرَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ ثُبُوتُهُ بِعِلْمِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: 13] وَقَوْلُهُ (مَعَرَّةً وَمَضَرَّةً) الْمَضَرَّةُ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ عَلَى

قَالَ (فَالْبَيِّنَةُ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَةٌ مِنْ الشُّهُودِ عَلَى رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ بِالزِّنَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] «وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلَّذِي قَذَفَ امْرَأَتَهُ ائْتِ بِأَرْبَعَةٍ يَشْهَدُونَ عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِك» وَلِأَنَّ فِي اشْتِرَاطِ الْأَرْبَعَةِ يَتَحَقَّقُ مَعْنَى السَّتْرِ وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَالْإِشَاعَةُ ضِدُّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَدَنِ، وَالْمَعَرَّةُ ضَرَرٌ يَتَّصِلُ بِبَدَنِهِ وَيَسْرِي إلَى بَاطِنِهِ مِنْ لُحُوقِ الْعَارِ بِانْتِسَابِهِ إلَى الزِّنَا. وَقَوْلُهُ (فَالْبَيِّنَةُ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَةٌ مِنْ الشُّهُودِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ فِي اشْتِرَاطِ الْأَرْبَعَةِ تَحْقِيقَ مَعْنَى السَّتْرِ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّمَا اشْتَرَطَ الْأَرْبَعَ لِأَنَّ الزِّنَا لَا يَتِمُّ إلَّا بِاثْنَيْنِ، وَفِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ فَإِنَّهُ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْوَاحِدِ كَمَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ كَذَلِكَ يَثْبُتُ بِهَا فِعْلُ الِاثْنَيْنِ، وَإِنَّمَا الصَّوَابُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَبَّ السَّتْرَ عَلَى عِبَادِهِ وَشَرَطَ زِيَادَةَ الْعَدَدِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى السَّتْرِ. وَقَوْلُهُ (وَهُوَ) أَيْ السَّتْرُ (مَنْدُوبٌ إلَيْهِ) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَصَابَ مِنْكُمْ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسَتْرِ اللَّهِ» وَقَالَ «مَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» (وَالْإِشَاعَةُ ضِدُّهُ) أَيْ إظْهَارُ الزِّنَا ضِدُّ سَتْرِ الزِّنَا، فَكَانَ وَصْفُ الْإِشَاعَةِ عَلَى ضِدِّ وَصْفِ السَّتْرِ لَا مَحَالَةَ. ثُمَّ لَمَّا

(وَإِذَا شَهِدُوا سَأَلَهُمْ الْإِمَامُ عَنْ الزِّنَا مَا هُوَ وَكَيْفَ هُوَ وَأَيْنَ زَنَى وَمَتَى زَنَى وَبِمَنْ زَنَى؟) لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اسْتَفْسَرَ مَاعِزًا عَنْ الْكَيْفِيَّةِ وَعَنْ الْمُزَنِيَّةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ السَّتْرُ أَمْرًا مَنْدُوبًا إلَيْهِ كَانَتْ الْإِشَاعَةُ أَمْرًا مَذْمُومًا (وَإِذَا شَهِدُوا سَأَلَهُمْ الْإِمَامُ عَنْ الزِّنَا مَا هُوَ) احْتِرَازًا عَنْ الْغَلَطِ فِي الْمَاهِيَّةِ (وَكَيْفَ هُوَ) احْتِرَازًا عَنْ الْغَلَطِ فِي الْكَيْفِيَّةِ (وَأَيْنَ زَنَى) احْتِرَازًا عَنْهُ فِي الْمَكَانِ وَمَتَى زَنَى احْتِرَازًا عَنْهُ فِي الزَّمَانِ (وَعَنْ الْمُزَنِيَّةِ) احْتِرَازًا عَنْهُ فِي الْمَفْعُولِ بِهِ، وَيَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ السُّؤَالِ عَنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ النَّقْلُ وَالْعَقْلُ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَ مَاعِزًا» إلَى أَنْ ذَكَرَ الْكَافَ وَالنُّونَ ": يَعْنِي كَلِمَةَ نُكْت

وَلِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي ذَلِكَ وَاجِبٌ لِأَنَّهُ عَسَاهُ غَيْرُ الْفِعْلِ فِي الْفَرْجِ عَنَاهُ أَوْ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي الْمُتَقَادِمِ مِنْ الزَّمَانِ أَوْ كَانَتْ لَهُ شُبْهَةٌ لَا يَعْرِفُهَا هُوَ وَلَا الشُّهُودُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِكَوْنِهِ صَرِيحًا فِي الْبَابِ وَالْبَاقِي كِنَايَةٌ، وَأَمَّا الْعَقْلُ فَلِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي ذَلِكَ وَاجِبٌ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ الْفِعْلُ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ عَنَاهُ فَلَا يَكُونُ مَاهِيَّةُ الزِّنَا وَلَا كَيْفِيَّتُهُ مَوْجُودَةً، أَوْ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ وَهُوَ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ، أَوْ فِي الْمُتَقَادِمِ مِنْ الزَّمَانِ وَذَلِكَ يُسْقِطُ الْحَدَّ، أَوْ كَانَ لَهُ فِي الْمُزَنِيَّةِ شُبْهَةٌ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا الشُّهُودُ كَوَطْءِ جَارِيَةِ الِابْنِ فَيَسْتَقْصِي فِي ذَلِكَ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ؛ فَإِذَا بَيَّنُوا ذَلِكَ وَقَالُوا رَأَيْنَاهُ وَطِئَهَا فِي فَرْجِهَا بَيَانًا لِمَاهِيَّتِه وَالْمَزْنِيِّ بِهَا كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ بَيَانَ كَيْفِيَّتِهِ وَسَأَلَ الْقَاضِي عَنْهُمْ فَعَدَلُوا فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمْ وَلَمْ يَكْتَفِ بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِذَلِكَ وَقَالَ «ادْرَءُوا الْحُدُودَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ اكْتَفَى

كَوَطْءِ جَارِيَةِ الِابْنِ فَيَسْتَقْصِي فِي ذَلِكَ احْتِيَاطًا لِلدَّرْءِ (فَإِذَا بَيَّنُوا ذَلِكَ وَقَالُوا رَأَيْنَاهُ وَطِئَهَا فِي فَرْجِهَا كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ وَسَأَلَ الْقَاضِي عَنْهُمْ فَعُدِّلُوا فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمْ) وَلَمْ يَكْتَفِ بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ فِي الْحُدُودِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ، «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ادْرَءُوا الْحُدُودَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَتَعْدِيلُ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ نُبَيِّنُهُ فِي الشَّهَادَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ فِي الْأَصْلِ: يَحْبِسُهُ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ لِلِاتِّهَامِ بِالْجِنَايَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ، وَتَعْدِيلُ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ يَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ فِي الْأَصْلِ (يَحْبِسُهُ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ) لِأَنَّهُ لَوْ خَلَّى سَبِيلَهُ هَرَبَ فَلَا يَظْفَرُ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَا وَجْهَ لِأَخْذِ الْكَفِيلِ مِنْهُ لِأَنَّ أَخْذَ الْكَفِيلِ نَوْعُ احْتِيَاطٍ فَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا فِيمَا بُنِيَ عَلَى الدَّرْءِ. فَإِنْ قِيلَ: الِاحْتِيَاطُ فِي الْحَبْسِ أَظْهَرُ. أُجِيبَ بِأَنَّ حَبْسَهُ لَيْسَ بِطَرِيقِ الِاحْتِيَاطِ بَلْ بِطَرِيقِ التَّعْزِيرِ لِلِاتِّهَامِ بِالْجِنَايَةِ وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَبَسَ رَجُلًا بِالتُّهْمَةِ»

وَقَدْ حَبَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا بِالتُّهْمَةِ، بِخِلَافِ الدُّيُونِ حَيْثُ لَا يُحْبَسُ فِيهَا قَبْلَ ظُهُورِ الْعَدَالَةِ، وَسَيَأْتِيك الْفَرْقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ (وَالْإِقْرَارُ أَنْ يُقِرَّ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ مِنْ مَجَالِسِ الْمُقِرِّ، كَمَا أَقَرَّ رَدَّهُ الْقَاضِي) فَاشْتِرَاطُ الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ لِأَنَّ قَوْلَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ أَوْ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْحَدِّ. وَاشْتِرَاطُ الْأَرْبَعِ مَذْهَبُنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَكْتَفِي بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً وَاحِدَةً اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْحُقُوقِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ مُظْهِرٌ، وَتَكْرَارُ الْإِقْرَارِ لَا يُفِيدُ زِيَادَةَ الظُّهُورِ بِخِلَافِ زِيَادَةِ الْعَدَدِ فِي الشَّهَادَةِ. وَلَنَا حَدِيثُ مَاعِزٍ «فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَخَّرَ الْإِقَامَةَ إلَى أَنْ تَمَّ الْإِقْرَارُ مِنْهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ» فَلَوْ ظَهَرَ بِمَا دُونَهَا لَمَا أَخَّرَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدْيُونِ سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ (وَالْإِقْرَارُ أَنْ يُقِرَّ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ ظَاهِرَةٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ (قَوْلُهُ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْحُقُوقِ) يَعْنِي فِي سَائِرِ الْعَدَدِ مُعْتَبَرٌ فِي الشَّهَادَةِ دُونَ الْإِقْرَارِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ زِيَادَةِ الْعَدَدِ فِي الشَّهَادَةِ) يَعْنِي أَنَّهَا تُفِيدُ زِيَادَةً فِي طُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ، وَتَكْرَارُ الْكَلَامِ لَيْسَ كَذَلِكَ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَنَا حَدِيثُ «مَاعِزٍ فَإِنَّهُ جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ زَنَيْت فَطَهِّرْنِي، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَجَاءَ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ وَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَجَاءَ إلَى الْجَانِبِ الثَّالِثِ وَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَجَاءَ إلَى الْجَانِبِ الرَّابِعِ وَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ فِي الْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْآنَ أَقْرَرْت أَرْبَعًا فَبِمَنْ زَنَيْت قَالَ بِفُلَانَةَ، قَالَ لَعَلَّك قَبَّلْتهَا لَعَلَّك بَاشَرْتهَا، فَأَبَى إلَّا أَنْ يُقِرَّ بِصَرِيحِ الزِّنَا، فَقَالَ أَبِكَ خَبَلٌ أَبِكَ جُنُونٌ وَفِي رِوَايَةٍ بَعَثَ إلَى أَهْلِهِ فَقَالَ هَلْ تُنْكِرُونَ مِنْ عَقْلِهِ شَيْئًا؟ فَقَالُوا: لَا، فَسَأَلَ عَنْ إحْصَانِهِ فَأُخْبِرَ أَنَّهُ مُحْصَنٌ، فَأَمَرَ بِرَجْمِهِ» وَعَنْ أَبِي بُرَيْدَةَ قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ مَاعِزًا لَوْ قَعَدَ فِي بَيْتِهِ بَعْدَ الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ وَلَمْ يُقِرَّ لَمْ يَرْجُمْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ كَانَ مُتَعَارَفًا فِيمَا بَيْنَهُمْ. وَوَجْهُ الِاسْتِلَالِ بِحَدِيثِ مَاعِزٍ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ أَخَّرَ الْإِقَامَةَ. وَبَيَانُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَّرَ إقَامَةَ الْحَدِّ إلَى أَنْ تَمَّ الْإِقْرَارُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَلَوْ كَانَ الْإِقْرَارُ مَرَّةً وَاحِدَةً كَافِيًا لَمْ يُؤَخِّرْ لِأَنَّ إقَامَةَ الْحَدِّ عِنْدَ ظُهُورِهِ وَاجِبَةٌ، وَتَأْخِيرُ الْوَاجِبِ لَا يُظَنُّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إذَا لَمْ يَثْبُتْ الْحَدُّ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَقَدْ اعْتَرَفَ بِوَطْءٍ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ فَيَجِبُ الْمَهْرُ، وَإِذَا وَجَبَ الْمَهْرُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ مِنْ بَعْدُ لِأَنَّ الْمَهْرَ وَالْحَدَّ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي وَطْءٍ وَاحِدٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِقْرَارَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ لَمَّا اُعْتُبِرَ حُجَّةً لِإِثْبَاتِ الزِّنَا لَمْ يَتَعَلَّقْ وُجُوبُ الْمَهْرِ بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَإِنَّمَا الْحُكْمُ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ تَمَّتْ الْحُجَّةُ وَجَبَ الْحَدُّ، وَإِنْ لَمْ تَتِمَّ وَجَبَ الْمَهْرُ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا أَعْرَضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ اسْتَرَابَ فِي عَقْلِهِ فَقَدْ جَاءَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ مُتَغَيِّرَ اللَّوْنِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا أَصَرَّ عَلَى الْإِقْرَارِ وَدَامَ عَلَى نَهْجِ الْعُقَلَاءِ قَبِلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَزَالَ الشُّبْهَةَ بِالسُّؤَالِ فَقَالَ أَبِكَ خَبَلٌ أَبِكَ جُنُونٌ. أُجِيبَ أَمَّا تَغَيُّرُ الْحَالِ فَإِنَّهُ دَلِيلُ التَّوْبَةِ وَالْخَوْفِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَا دَلِيلُ الْجُنُونِ، وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبِكَ جُنُونٌ تَلْقِينًا لِمَا يَدْرَأُ بِهِ الْحَدَّ كَمَا قَالَ لَعَلَّك قَبَّلْت وَطِئْتهَا لِيَرْجِعَ عَنْ الزِّنَا إلَى الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ فَيَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْهُ، وَكَمَا قَالَ لِلسَّارِقِ أَسَرَقْت مَا أَخَالُهُ سَرَقَ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لِمَاعِزٍ لَمَّا أَقَرَّ ثَلَاثًا إنْ أَقْرَرْت الرَّابِعَةَ رَجَمَك، فَثَبَتَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ هَذَا الْعَدَدَ كَانَ ظَاهِرًا عِنْدَهُمْ.

لِثُبُوتِ الْوُجُوبِ وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ اخْتَصَّتْ فِيهِ بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ، فَكَذَا الْإِقْرَارُ إعْظَامًا لِأَمْرِ الزِّنَا وَتَحْقِيقًا لِمَعْنَى السَّتْرِ، وَلَا بُدَّ مِنْ اخْتِلَافِ الْمَجَالِسِ لِمَا رَوَيْنَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ) دَلِيلٌ مَعْقُولٌ يَتَضَمَّنُ الْجَوَابَ عَنْ اعْتِبَارِهِ بِسَائِرِ الْحُقُوقِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ سَائِرَ الْحُقُوقِ لَيْسَ نِصَابُ الشَّهَادَةِ فِيهِ أَرْبَعَةً وَنِصَابُهَا هُنَا ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَتْ إحْدَى الْحُجَّتَيْنِ مُخْتَصَّةً بِزِيَادَةٍ لَيْسَتْ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ فَكَذَلِكَ فِي الْحُجَّةِ الْأُخْرَى إعْظَامًا لِأَمْرِ الزِّنَا وَتَحْقِيقًا لِمَعْنَى السَّتْرِ، وَلَا بُدَّ مِنْ اخْتِلَافِ الْمَجَالِسِ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَّرَ الْإِقَامَةَ إلَى أَنْ تَمَّ الْإِقْرَارُ مِنْهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ

وَلِأَنَّ لِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ أَثَرًا فِي جَمْعِ الْمُتَفَرِّقَاتِ؛ فَعِنْدَهُ يَتَحَقَّقُ شُبْهَةُ الِاتِّحَادِ فِي الْإِقْرَارِ، وَالْإِقْرَارُ قَائِمٌ بِالْمُقِرِّ فَيُعْتَبَرُ اخْتِلَافُ مَجْلِسِهِ دُونَ مَجْلِسِ الْقَاضِي. وَالِاخْتِلَافُ بِأَنْ يَرُدَّهُ الْقَاضِي كُلَّمَا أَقَرَّ فَيَذْهَبَ حَيْثُ لَا يَرَاهُ ثُمَّ يَجِيءَ فَيُقِرَّ، هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - طَرَدَ مَاعِزًا فِي كُلِّ مَرَّةٍ حَتَّى تَوَارَى بِحِيطَانِ الْمَدِينَةِ. قَالَ (فَإِذَا تَمَّ إقْرَارُهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ سَأَلَهُ عَنْ الزِّنَا مَا هُوَ وَكَيْفَ هُوَ وَأَيْنَ زَنَى وَبِمَنْ زَنَى، فَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ لَزِمَهُ الْحَدُّ) لِتَمَامِ الْحُجَّةِ، وَمَعْنَى السُّؤَالِ عَنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بَيَّنَّاهُ فِي الشَّهَادَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ السُّؤَالَ فِيهِ عَنْ الزَّمَانِ، وَذَكَرَهُ فِي الشَّهَادَةِ لِأَنَّ تَقَادُمَ الْعَهْدِ يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ دُونَ الْإِقْرَارِ. وَقِيلَ لَوْ سَأَلَهُ جَازَ لِجَوَازِ أَنَّهُ زَنَى فِي صِبَاهُ (فَإِنْ رَجَعَ الْمُقِرُّ عَنْ إقْرَارِهِ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ أَوْ فِي وَسَطِهِ قُبِلَ رُجُوعُهُ وَخُلِّيَ سَبِيلُهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِأَنَّ لِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ أَثَرًا فِي جَمْعِ الْمُتَفَرِّقَاتِ، فَعِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الِاتِّحَادِ (تَتَحَقَّقُ شُبْهَةُ الِاتِّحَادِ فِي الْإِقْرَارِ) أَلَا تَرَى إلَى مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ مَاعِزٍ مِنْ إقْرَارِهِ خَمْسَ مَرَّاتٍ وَكَانَ مِنْهَا مَرَّتَانِ فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَمْ نَعْتَبِرْ ذَلِكَ وَلَمْ يَذْهَبْ إلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ (وَالْإِقْرَارُ قَائِمٌ بِالْمُقِرِّ فَيُعْتَبَرُ اتِّحَادُ مَجْلِسِهِ) فِي دَفْعِ الْحَدِّ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَيُعْتَبَرُ اخْتِلَافُ مَجْلِسِهِ أَيْ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ مَجْلِسُ الْقَاضِي، وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ دُونَ مَجْلِسِ الْقَاضِي. وَقَوْلُهُ (وَالِاخْتِلَافُ بِأَنْ يَرُدَّهُ الْقَاضِي) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ تَقَادُمَ الْعَهْدِ يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ دُونَ الْإِقْرَارِ) دَلِيلُهُ أَنَّ التَّقَادُمَ فِي الشَّهَادَةِ مَانِعٌ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى يُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ لِأَنَّهُ وَجَبَ الْحَدُّ بِإِقْرَارِهِ فَلَا يَبْطُلُ بِرُجُوعِهِ وَإِنْكَارِهِ كَمَا إذَا وَجَبَ بِالشَّهَادَةِ وَصَارَ كَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ. وَلَنَا أَنَّ الرُّجُوعَ خَبَرٌ مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ كَالْإِقْرَارِ وَلَيْسَ أَحَدٌ يُكَذِّبُهُ فِيهِ فَتَتَحَقَّقُ الشُّبْهَةُ فِي الْإِقْرَارِ. بِخِلَافِ مَا فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ وَهُوَ الْقِصَاصُ وَحَدُّ الْقَذْفِ لِوُجُودِ مَنْ يُكَذِّبُهُ، وَلَا كَذَلِكَ مَا هُوَ خَالِصُ حَقِّ الشَّرْعِ (وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُلَقِّنَ الْمُقِرَّ الرُّجُوعَ فَيَقُولَ لَهُ: لَعَلَّك لَمَسْت أَوْ قَبَّلْت) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمَاعِزٍ لَعَلَّك لَمَسْتهَا أَوْ قَبَّلْتهَا» قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لَهُ الْإِمَامُ: لَعَلَّك تَزَوَّجْتهَا أَوْ وَطِئْتهَا بِشُبْهَةٍ، وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ فِي الْمَعْنَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِتُهْمَةِ الْحِقْدِ وَهِيَ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي الْإِقْرَارِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ التَّقَادُمِ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا. وَقَوْلُهُ (كَمَا إذَا وَجَبَ بِالشَّهَادَةِ) يَعْنِي أَنَّ الْحَدَّ لَا يَبْطُلُ بِإِنْكَارِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بَعْدَ شَهَادَةِ الشُّهُودِ عَلَيْهِ، فَكَذَا لَا يَبْطُلُ بِإِنْكَارِهِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ لِأَنَّهُمَا حُجَّتَانِ فِيهِ فَتُعْتَبَرُ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى فَصَارَ كَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ لَا يَقْبَلَانِ الرُّجُوعَ بَعْدَ الثُّبُوتِ بِالْإِقْرَارِ. وَقَوْلُهُ (فَتَتَحَقَّقُ الشُّبْهَةُ فِي الْإِقْرَارِ) يَعْنِي بِالتَّعَارُضِ الْوَاقِعِ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ الْمُحْتَمِلَيْنِ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ لِأَحَدِهِمَا. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ فِي الْمَعْنَى) أَيْ قَوْلُهُ لَعَلَّك تَزَوَّجْتهَا وَوَطِئْتهَا بِشُبْهَةٍ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِهِ لَعَلَّك مَسِسْتهَا فِي الْمَعْنَى مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَلْقِينٌ لِلرُّجُوعِ، كَمَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَعَمْ سَقَطَ الْحَدُّ.

[فصل في كيفية الحد وإقامته]

(وَإِذَا وَجَبَ الْحَدُّ وَكَانَ الزَّانِي مُحْصَنًا رَجَمَهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَ) «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَجَمَ مَاعِزًا وَقَدْ أُحْصِنَ» . وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ «وَزِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ» ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْحَدِّ وَإِقَامَتِهِ] ذَكَرَ هَذَا الْفَصْلَ عَقِيبَ ذِكْرِ وُجُوبِ الْحَدِّ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْحَدِّ بَعْدَ وُجُوبِهِ وُقُوعًا فَأَخَّرَهُ ذِكْرًا وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ.

وَعَلَى هَذَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. قَالَ (وَيُخْرِجُهُ إلَى أَرْضٍ فَضَاءٍ وَيَبْتَدِئُ الشُّهُودُ بِرَجْمِهِ ثُمَّ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ) كَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلِأَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يَتَجَاسَرُ عَلَى الْأَدَاءِ ثُمَّ يَسْتَعْظِمُ الْمُبَاشَرَةَ فَيَرْجِعُ فَكَانَ فِي بُدَاءَتِهِ احْتِيَالٌ لِلدَّرْءِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تُشْتَرَطُ بُدَاءَتُهُ اعْتِبَارًا بِالْجَلْدِ. قُلْنَا: كُلُّ أَحَدٍ لَا يُحْسِنُ الْجَلْدَ فَرُبَّمَا يَقَعُ مُهْلِكًا وَالْإِهْلَاكُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ، وَلَا كَذَلِكَ الرَّجْمُ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ) أَيْ عَلَى وُجُوبِ الرَّجْمِ إذَا كَانَ الزَّانِي مُحْصَنًا، وَذَهَبَ الْخَوَارِجُ إلَى أَنَّ الْحَدَّ فِي الزِّنَا الْجَلْدُ لَيْسَ إلَّا لِأَنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ أَخْبَارَ الْآحَادِ، وَذَلِكَ خَرْقٌ مِنْهُمْ لِلْإِجْمَاعِ، عَلَى أَنَّ حَدِيثَ مَاعِزٍ مَشْهُورٌ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQتَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ بِالْقَبُولِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْكِتَابِ بِمِثْلِهِ جَائِزَةٌ

(فَإِنْ امْتَنَعَ الشُّهُودُ مِنْ الِابْتِدَاءِ سَقَطَ الْحَدُّ) لِأَنَّهُ دَلَالَةُ الرُّجُوعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (فَإِنْ امْتَنَعَ الشُّهُودُ) قَالَ فِي الْإِيضَاحِ: وَلَوْ امْتَنَعَ الشُّهُودُ أَوْ بَعْضُهُمْ أَوْ كَانُوا غُيَّبًا أَوْ مَاتُوا أَوْ مَاتَ بَعْضُهُمْ أَوْ عَمِيَ بَعْضُهُمْ أَوْ خَرِسَ أَوْ جُنَّ أَوْ ارْتَدَّ أَوْ قَذَفَ فَحُدَّ لَمْ يُرْجَمْ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُمْ إذَا امْتَنَعُوا أَوْ غَابُوا رَجَمَ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ، وَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا، فَعَلَى هَذَا مَا قَيَّدَهُ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ رَاجِعٌ إلَى امْتِنَاعِ الشُّهُودِ عَنْ الرَّجْمِ بَعْدَ الْحُضُورِ إلَخْ، وَلَيْسَ بِمُخْتَصٍّ بِقَوْلِهِ وَكَذَا إذَا مَاتُوا أَوْ غَابُوا، وَإِذَا سَقَطَ بِامْتِنَاعِ أَحَدِهِمْ هَلْ تُحَدُّ الشُّهُودُ أَوْ لَا؟ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ لَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الشُّهُودِ لِأَنَّهُمْ ثَابِتُونَ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ بَعْضُهُمْ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا

وَكَذَا إذَا مَاتُوا أَوْ غَابُوا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ (وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا ابْتَدَأَ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ) كَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. «وَرَمَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْغَامِدِيَّةَ بِحَصَاةٍ مِثْلِ الْحِمَّصَةِ وَكَانَتْ قَدْ اعْتَرَفَتْ بِالزِّنَا» (وَيُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي مَاعِزٍ اصْنَعُوا بِهِ كَمَا تَصْنَعُونَ بِمَوْتَاكُمْ» وَلِأَنَّهُ قُتِلَ بِحَقٍّ فَلَا يَسْقُطُ الْغُسْلُ كَالْمَقْتُولِ قِصَاصًا «وَصَلَّى النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى الْغَامِدِيَّةِ بَعْدَمَا رُجِمَتْ» ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ يُفْضِي إلَى اعْتِبَارِ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فَتَأَمَّلْ، وَالْغَامِدِيَّةُ امْرَأَةٌ مِنْ غَامِدٍ حَيٌّ مِنْ الْأَزْدِ، وَفِي حَدِيثِهَا «لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ» .

(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْصَنًا وَكَانَ حُرًّا فَحَدُّهُ مِائَةُ جَلْدَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] إلَّا أَنَّهُ انْتَسَخَ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ فَبَقِيَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ مَعْمُولًا بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّهُ انْتَسَخَ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ) بَيَانُهُ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [النور: 2] الْآيَةَ عَامٌّ فِي الْمُحْصَنِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُ انْتَسَخَ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ بِآيَةٍ أُخْرَى نَسَخَتْ تِلَاوَتَهَا وَبَقِيَ حُكْمُهَا. رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَطَبَ فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَكَانَ فِيمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةُ الرَّجْمِ فَقَرَأْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا، وَرَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَجَمْنَا مِنْ بَعْدِهِ، وَإِنِّي خَشِيت إنْ طَالَ بِالنَّاسِ الزَّمَانُ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَالرَّجْمُ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إذَا كَانَ مُحْصَنًا إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ حَمْلٌ أَوْ اعْتِرَافٌ، وَأَيْمُ اللَّهِ لَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَكَتَبْتهَا يُرِيدُ بِهِ: الشَّيْخَ وَالشَّيْخَةَ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ نَكَالًا مِنْ اللَّهِ وَاَللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، وَكَانَتْ خُطْبَتُهُ هَذِهِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَكَأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَسَخَتْ حُكْمَ عُمُومِ قَوْله تَعَالَى {فَاجْلِدُوا} [النور: 2] فِي غَيْرِ الْمُحْصَنِ،

قَالَ (يَأْمُرُ الْإِمَامُ بِضَرْبِهِ بِسَوْطٍ لَا ثَمَرَةَ لَهُ ضَرْبًا مُتَوَسِّطًا) لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ كَسَرَ ثَمَرَتَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَانْتَسَخَتْ تِلَاوَتُهَا بِصَرْفِهَا عَنْ الْقُلُوبِ لِحِكْمَةٍ يَعْلَمُهَا اللَّهُ. وَقَوْلُهُ (بِسَوْطٍ لَا ثَمَرَةَ لَهُ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ: ثَمَرُ السِّيَاطِ عُقَدُ أَطْرَافِهَا، وَمِنْهُ يَأْمُرُ الْإِمَامُ بِضَرْبِهِ بِسَوْطٍ لَا ثَمَرَةَ لَهُ: يَعْنِي الْعُقْدَةَ. وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالثَّمَرَةِ ذَنَبُهُ وَطَرَفُهُ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ تَصِيرُ الضَّرْبَةُ ضَرْبَتَيْنِ، وَهَذَا أَصَحُّ. لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَلَدَ الْوَلِيدَ بِسَوْطٍ لَهُ طَرَفَانِ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ ذَنَبَانِ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً، فَكَانَتْ الضَّرْبَةُ ضَرْبَتَيْنِ. وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْكُتُبِ. الْمُبَرِّحُ مَأْخُوذٌ مِنْ بُرَحَاءِ الْحُمَّى وَغَيْرِهَا، يُقَالُ: بَرِحَ بِهِ الْأَمْرُ تَبْرِيحًا: أَيْ غَلُظَ عَلَيْهِ وَاشْتَدَّ. وَالْمَذَاكِيرُ جَمْعُ الذَّكَرِ الَّذِي هُوَ الْعُضْوُ، وَهُوَ جَمْعٌ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، كَأَنَّهُمْ فَرَّقُوا بِذَلِكَ الْجَمْعِ بَيْنَ الذَّكَرِ الَّذِي هُوَ الْفَحْلُ وَبَيْنَ الذَّكَرِ الَّذِي هُوَ الْعُضْوُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ هَاهُنَا مَعَ إفْرَادِ قَرِينِهِ وَهُوَ الْوَجْهُ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ ذَلِكَ الْعُضْوَ الْمُعَيَّنَ وَمَا حَوْلَهُ، كَقَوْلِهِمْ: شَابَتْ مَفَارِقُ رَأْسِهِ كَذَا فِي الصِّحَاحِ.

وَالْمُتَوَسِّطُ بَيْنَ الْمُبَرِّحِ وَغَيْرِ الْمُؤْلِمِ لِإِفْضَاءِ الْأَوَّلِ إلَى الْهَلَاكِ وَخُلُوِّ الثَّانِي عَنْ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الِانْزِجَارُ (وَتُنْزَعُ عَنْهُ ثِيَابُهُ) مَعْنَاهُ دُونَ الْإِزَارِ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَأْمُرُ بِالتَّجْرِيدِ فِي الْحُدُودِ، وَلِأَنَّ التَّجْرِيدَ أَبْلَغُ فِي إيصَالِ الْأَلَمِ إلَيْهِ. وَهَذَا الْحَدُّ مَبْنَاهُ عَلَى الشِّدَّةِ فِي الضَّرْبِ وَفِي نَزْعِ الْإِزَارِ كَشْفُ الْعَوْرَةِ فَيَتَوَقَّاهُ (وَيُفَرَّقُ الضَّرْبُ عَلَى أَعْضَائِهِ) لِأَنَّ الْجَمْعَ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ قَدْ يُفْضِي إلَى التَّلَفِ وَالْحَدُّ زَاجِرٌ لَا مُتْلِفٌ. قَالَ (إلَّا رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ وَفَرْجَهُ) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلَّذِي أَمَرَهُ بِضَرْبِ الْحَدِّ اتَّقِ الْوَجْهَ وَالْمَذَاكِيرَ» وَلِأَنَّ الْفَرْجَ مَقْتَلٌ وَالرَّأْسَ مَجْمَعُ الْحَوَاسِّ، وَكَذَا الْوَجْهُ وَهُوَ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ أَيْضًا فَلَا يُؤْمَنُ فَوَاتُ شَيْءٍ مِنْهَا بِالضَّرْبِ وَذَلِكَ إهْلَاكٌ مَعْنًى فَلَا يُشْرَعُ حَدًّا. ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَضْرِبُ الرَّأْسَ أَيْضًا رَجَعَ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَضْرِبُ سَوْطًا لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ: اضْرِبُوا الرَّأْسَ فَإِنَّ فِيهِ شَيْطَانًا. قُلْنَا: تَأْوِيلُهُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِيمَنْ أُبِيحَ قَتْلُهُ. وَيُقَالُ: إنَّهُ وَرَدَ فِي حَرْبِيٍّ كَانَ مِنْ دُعَاةِ الْكَفَرَةِ وَالْإِهْلَاكُ فِيهِ مُسْتَحَقٌّ (وَيُضْرَبُ فِي الْحُدُودِ كُلِّهَا قَائِمًا غَيْرَ مَمْدُودٍ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يُضْرَبُ الرِّجَالُ فِي الْحُدُودِ قِيَامًا وَالنِّسَاءُ قُعُودًا، وَلِأَنَّ مَبْنَى إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى التَّشْهِيرِ، وَالْقِيَامُ أَبْلَغُ فِيهِ. ثُمَّ قَوْلُهُ: غَيْرَ مَمْدُودٍ، فَقَدْ قِيلَ الْمَدُّ أَنْ يُلْقَى عَلَى الْأَرْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (مِنْ دُعَاةِ الْكَفَرَةِ) الدُّعَاةُ جَمْعُ دَاعٍ كَالْقُضَاةِ جَمْعُ قَاضٍ: أَيْ كَانَ يَدْعُو النَّاسَ إلَيْهِمْ.

وَيُمَدَّ كَمَا يُفْعَلُ فِي زَمَانِنَا، وَقِيلَ أَنْ يَمُدَّ السَّوْطَ فَيَرْفَعَهُ الضَّارِبُ فَوْقَ رَأْسِهِ، وَقِيلَ أَنْ يَمُدَّهُ بَعْدَ الضَّرْبِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ لَا يُفْعَلُ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْمُسْتَحَقِّ (وَإِنْ كَانَ عَبْدًا جَلَدَهُ خَمْسِينَ جَلْدَةً) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] نَزَلَتْ فِي الْإِمَاءِ، وَلِأَنَّ الرِّقَّ مُنْقِصٌ لِلنِّعْمَةِ فَيَكُونُ مُنْقِصًا لِلْعُقُوبَةِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عِنْدَ تَوَافُرِ النِّعَمِ أَفْحَشُ فَيَكُونُ أَدْعَى إلَى التَّغْلِيظِ (وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ) ؛ لِأَنَّ النُّصُوصَ تَشْمَلُهُمَا (غَيْرَ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يُنْزَعُ مِنْ ثِيَابِهَا إلَّا الْفَرْوُ وَالْحَشْوُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْمُسْتَحَقِّ) قَالُوا: إلَّا أَنْ يُعْجِزَهُمْ عَنْ الضَّرْبِ قَائِمًا فَلَا بَأْسَ. حِينَئِذٍ أَنْ يَشُدُّوا بِسَارِيَةٍ وَنَحْوِهَا. قَالَ (وَإِنْ كَانَ عَبْدًا) أَوْ أَمَةً (جَلَدَهُ) أَيْ إنْ كَانَ مَنْ زَنَى عَبْدًا أَوْ أَمَةً جَلَدَهُ الْإِمَامُ (خَمْسِينَ جَلْدَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى) {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] نَزَلَتْ فِي الْإِمَاءِ وَدَخَلَ تَحْتَ حُكْمِهَا الْعَبِيدُ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَعْهُودِ لِأَنَّ الْمَعْهُودَ أَنْ تَدْخُلَ النِّسَاءُ تَحْتَ حُكْمِ الرِّجَالِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ، وَكَأَنَّ هَذَا الْأُسْلُوبَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَسْبَابَ السِّفَاحِ فِيهِنَّ وَدَعْوَتَهُنَّ إلَيْهِ غَالِبَةٌ كَمَا فِي تَقْدِيمِهِنَّ فِي قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] ثُمَّ الْعَذَابُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ الْجَلْدُ دُونَ الرَّجْمِ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَصَّفُ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عِنْدَ تَوَافُرِ النِّعَمِ أَفْحَشُ) أَصْلُهُ

لِأَنَّ فِي تَجْرِيدِهَا كَشْفُ الْعَوْرَةِ وَالْفَرْوُ وَالْحَشْوُ يَمْنَعَانِ وُصُولَ الْأَلَمِ إلَى الْمَضْرُوبِ وَالسَّتْرُ حَاصِلٌ بِدُونِهِمَا فَيُنْزَعَانِ (وَتُضْرَبُ جَالِسَةً) لِمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا (وَإِنْ حُفِرَ لَهَا فِي الرَّجْمِ جَازَ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَفَرَ لِلْغَامِدِيَّةِ إلَى ثُنْدُوَتِهَا، وَحَفَرَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِشُرَاحَةَ الْهَمْدَانِيَّةِ وَإِنْ تَرَكَ لَا يَضُرُّهُ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ وَهِيَ مَسْتُورَةٌ بِثِيَابِهَا، وَالْحَفْرُ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ وَيُحْفَرُ إلَى الصَّدْرِ لِمَا رَوَيْنَا (وَلَا يُحْفَرُ لِلرَّجُلِ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا حَفَرَهُ لِمَاعِزٍ، وَلِأَنَّ مَبْنَى الْإِقَامَةِ عَلَى التَّشْهِيرِ فِي الرِّجَالِ، وَالرَّبْطُ وَالْإِمْسَاكُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْله تَعَالَى {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب: 30] وَقَوْلُهُ (لِمَا رَوَيْنَا) يَعْنِي مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يُضْرَبُ الرِّجَالُ فِي الْحُدُودِ قِيَامًا وَالنِّسَاءُ قُعُودًا. وَالثَّنْدُوَةُ بِفَتْحِ الثَّاءِ وَالْوَاوِ وَبِالضَّمِّ وَالْهَمْزِ مَكَانَ الْوَاوِ وَالدَّالُ فِي الْحَالَتَيْنِ مَضْمُومَةٌ: ثَدْيُ الرَّجُلِ أَوْ لَحْمُ الثَّدْيَيْنِ. والهمدانية بِسُكُونِ الْمِيمِ مَنْسُوبَةٌ إلَى هَمْدَانَ بِسُكُونِ الْمِيمِ حَيٍّ مِنْ الْعَرَبِ. وَقَوْلُهُ (لِمَا رَوَيْنَا) يَعْنِي مِنْ حَدِيثِ الْغَامِدِيَّةِ حَيْثُ حُفِرَ لَهَا إلَى الثَّنْدُوَةِ وَقَوْلُهُ (وَالرَّبْطُ وَالْإِمْسَاكُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ) يَعْنِي إلَّا أَنْ يُعْجِزَهُمْ كَمَا ذَكَرْنَاهُ.

(وَلَا يُقِيمُ الْمَوْلَى الْحَدَّ عَلَى عَبْدِهِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهُ أَنْ يُقِيمَهُ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً مُطْلَقَةً عَلَيْهِ كَالْإِمَامِ، بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَمْلِكُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ مَا لَا يَمْلِكُهُ الْإِمَامُ فَصَارَ كَالتَّعْزِيرِ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَرْبَعٌ إلَى الْوُلَاةِ وَذَكَرَ مِنْهَا الْحُدُودَ» وَلِأَنَّ الْحَدَّ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْمَقْصِدَ مِنْهَا إخْلَاءُ الْعَالِمِ عَنْ الْفَسَادِ، وَلِهَذَا لَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ الْعَبْدِ فَيَسْتَوْفِيهِ مَنْ هُوَ نَائِبٌ عَنْ الشَّرْعِ وَهُوَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ، بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ وَلِهَذَا يُعَزَّرُ الصَّبِيُّ، وَحَقُّ الشَّرْعِ مَوْضُوعٌ عَنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَرْبَعٌ إلَى الْوُلَاةِ» وَذَكَرَ مِنْهَا الْحُدُودَ) رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَالثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ: الصَّدَقَاتُ، وَالْجُمُعَاتُ، وَالْفَيْءُ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الْحُدُودَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى) حَقُّ اللَّهِ مَشْرُوعٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ نَفْعُ الْعَالَمِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالتَّنْكِيرُ لِيَتَنَاوَلَ مَا لَنَا وَمَا عَلَيْنَا، وَقَوْلِي عَلَى الْإِطْلَاقِ لِإِخْرَاجِ حَقِّ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ مَشْرُوعٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ نَفْعُ الْعَالَمِ بِالتَّخْصِيصِ كَحُرْمَةِ مَالِ الْغَيْرِ مَثَلًا فَإِنَّهَا حَقُّ الْعَبْدِ لِتَعَلُّقِ صِيَانَةِ مَا لَهُ بِهَا فَلِهَذَا يُبَاحُ بِإِبَاحَةِ الْمَالِكِ وَلَا يُبَاحُ الزِّنَا بِإِبَاحَةِ الْمَرْأَةِ وَلَا بِإِبَاحَةِ أَهْلِهَا، وَتَمَامُ التَّقْرِيرِ فِيهِ مَذْكُورٌ فِي التَّقْرِيرِ.

قَالَ (وَإِحْصَانُ الرَّجُلِ أَنْ يَكُونَ حُرًّا عَاقِلًا بَالِغًا مُسْلِمًا قَدْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا صَحِيحًا وَدَخَلَ بِهَا وَهُمَا عَلَى صِفَةِ الْإِحْصَانِ) فَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ شَرْطٌ لِأَهْلِيَّةِ الْعُقُوبَةِ إذْ لَا خِطَابَ دُونَهُمَا، وَمَا وَرَاءَهُمَا يُشْتَرَطُ لِتَكَامُلِ الْجِنَايَةِ بِوَاسِطَةِ تَكَامُلِ النِّعْمَةِ إذْ كُفْرَانُ النِّعْمَةِ يَتَغَلَّظُ عِنْدَ تَكَثُّرِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَإِحْصَانُ الرَّجْمِ) إنَّمَا قَيَّدَ الْإِحْصَانَ بِالرَّجْمِ احْتِرَازًا عَنْ إحْصَانِ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ غَيْرُ هَذَا عَلَى مَا يَجِيءُ إنْ شَاءَ اللَّهُ. إحْصَانُ الرَّجْمِ مَشْرُوطٌ بِسَبْعِ شَرَائِطَ (أَنْ يَكُونَ حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا مُسْلِمًا قَدْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا صَحِيحًا وَدَخَلَ بِهَا وَهُمَا عَلَى صِفَةِ الْإِحْصَانِ) هَذَا عَلَى قَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ. وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ فَقَدْ قَالُوا: شَرَائِطُ الْإِحْصَانِ عَلَى الْخُصُوصِ مِنْهَا شَيْئَانِ: الْإِسْلَامُ، وَالدُّخُولُ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ بِامْرَأَةٍ هِيَ مِثْلُهُ. وَهَذَا الشَّرْطُ الثَّانِي مُرَكَّبٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ فَشَرْطٌ لِأَهْلِيَّةِ الْعُقُوبَةِ لِعَدَمِ الْخِطَابِ بِدُونِهِمَا، وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَشَرْطُ تَكْمِيلِ الْعُقُوبَةِ بِوَاسِطَةِ تَكَامُلِ النِّعْمَةِ، وَالْمُصَنِّفُ وَافَقَ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي جَعْلِ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ شَرْطًا لِأَهْلِيَّةِ الْعُقُوبَةِ، وَجَعَلَ الْبَاقِيَةَ شَرْطًا لِتَكَامُلِ الْجِنَايَةِ بِوَاسِطَةِ تَكَامُلِ النِّعْمَةِ لِأَنَّ كُفْرَانَ النِّعْمَةِ يَتَغَلَّظُ عِنْدَ تَكَثُّرِهَا وَتَغَلُّظُهُ يَسْتَدْعِي أَغْلَظَ الْعُقُوبَاتِ

وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْ جَلَائِلِ النِّعَمِ. وَقَدْ شُرِعَ الرَّجْمُ بِالزِّنَا عِنْدَ اسْتِجْمَاعِهَا فَيُنَاطُ بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْ جَلَائِلِ النِّعَمِ) فَكُفْرَانُهَا يَكُونُ سَبَبًا لِأَفْحَشِ الْعُقُوبَاتِ وَهُوَ الرَّجْمُ بِالْحِجَارَةِ إلَى الْمَوْتِ لِيَكُونَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِقَدْرِ سَبَبِهِ، وَانْحَصَرَ الشَّرَائِطُ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ لِأَنَّ الرَّجْمَ بِالزِّنَا قَدْ شُرِعَ عِنْدَ اسْتِجْمَاعِهَا فَيُنَاطُ بِهَا، وَالشَّرَفُ وَالْعِلْمُ وَالْجَمَالُ وَالْحَسَبُ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ جَلَائِلِ النِّعَمِ أَيْضًا إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِاعْتِبَارِهَا

بِخِلَافِ الشَّرَفِ وَالْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ مَا وَرَدَ بِاعْتِبَارِهِمَا وَنَصْبُ الشَّرْعِ بِالرَّأْيِ مُتَعَذِّرٌ، وَلِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ مُمْكِنَةٌ مِنْ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَالنِّكَاحُ الصَّحِيحُ مُمْكِنٌ مِنْ الْوَطْءِ الْحَلَالِ، وَالْإِصَابَةُ شِبَعٌ بِالْحَلَالِ، وَالْإِسْلَامُ يُمَكِّنُهُ مِنْ نِكَاحِ الْمُسْلِمَةِ وَيُؤَكِّدُ اعْتِقَادَ الْحُرْمَةِ فَيَكُونُ الْكُلُّ مَزْجَرَةً عَنْ الزِّنَا. وَالْجِنَايَةُ بَعْدَ تَوَفُّرِ الزَّوَاجِرِ أَغْلَظُ وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِي اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ وَكَذَا أَبُو يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ لَهُمَا مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ قَدْ زَنَيَا» قُلْنَا: كَانَ ذَلِكَ بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ ثُمَّ نُسِخَ، يُؤَيِّدُهُ «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَنَصْبُ الشَّرْعِ بِالرَّأْيِ مُتَعَذِّرٌ) وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ دَلِيلٌ عَلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى تِلْكَ الشَّرَائِطِ يَتَضَمَّنُ أَنَّ لَهَا مَدْخَلًا فِي الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الزِّنَا دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الْعِلْمِ وَالشَّرَفِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ مُمَكِّنَةٌ مِنْ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ) لِأَنَّ الْحُرَّ يَتَوَلَّى أُمُورَ نَفْسِهِ لَيْسَ تَحْتَ وِلَايَةِ أَحَدٍ. (وَالنِّكَاحُ الصَّحِيحُ مُمَكِّنٌ مِنْ الْوَطْءِ الْحَلَالِ) لَا مَحَالَةَ وَالدُّخُولُ بِهِ شِبَعٌ بِالْحَلَالِ (وَالْإِسْلَامُ مُمَكِّنٌ مِنْ نِكَاحِ الْمُسْلِمَةِ وَمُؤَكِّدٌ اعْتِقَادَ الْحُرْمَةِ فَيَكُونُ الْكُلُّ مَزْجَرَةً عَنْ الزِّنَا، وَالْجِنَايَةُ عِنْدَ تَوَافُرِ الزَّوَاجِرِ أَغْلَظُ) وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ فِي الْعِلْمِ بِأَحْوَالِ الْآخِرَةِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الزِّنَا مِنْ الْفَسَادِ عَاجِلًا وَالْعُقُوبَةِ آجِلًا مِنْ الزَّوَاجِرِ لَا مَحَالَةَ، وَالْجَمَالُ فِي الْمَنْكُوحَةِ مُقْنِعٌ لِلزَّوْجِ عَنْ النَّظَرِ إلَى غَيْرِهَا، وَالشَّرَفُ يَرْدَعُ عَنْ لُحُوقِ مَعَرَّةِ الزِّنَا وَعِقَابِهِ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنْ شَرَائِطِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُسْلِمَ النَّاشِئَ قَلَّمَا يَخْلُو عَنْ الْعِلْمِ بِمَا ذَكَرْت، وَالْجَمَالُ وَالشَّرَفُ لَيْسَ لَهُمَا حَدٌّ مَعْلُومٌ يُضْبَطَانِ بِهِ فَلَا تَكُونُ مُعْتَبَرَةً. وَأَمَّا وَجْهُ اشْتِرَاطِ كَوْنِهِمَا عَلَى صِفَةِ الْإِحْصَانِ عِنْدَ الدُّخُولِ فَسَنَذْكُرُهُ (وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِي اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ، وَكَذَا أَبُو يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ) مُسْتَدِلِّينَ بِمَا رَوَى مُسْنَدًا إلَى ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الزِّنَا؟ فَقَالُوا: نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: كَذَبْتُمْ إنَّ فِيهَا الرَّجْمَ، فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا فَجَعَلَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ ثُمَّ جَعَلَ يَقْرَأُ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: ارْفَعْ يَدَك، فَرَفَعَهَا فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَالَ: صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرُجِمَا» قُلْنَا كَانَ ذَلِكَ بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ ثُمَّ نُسِخَ، يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِهِمْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ»

وَالْمُعْتَبَرُ فِي الدُّخُولِ إيلَاجٌ فِي الْقُبُلِ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ الْغُسْلَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَالْمُعْتَبَرُ فِي الدُّخُولِ إيلَاجٌ فِي الْقُبُلِ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ الْغُسْلَ) لِبَيَانِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِحْصَانُ مِنْ الْجِمَاعِ،

وَشَرْطُ صِفَةِ الْإِحْصَانِ فِيهِمَا عِنْدَ الدُّخُولِ، حَتَّى لَوْ دَخَلَ بِالْمَنْكُوحَةِ الْكَافِرَةِ أَوْ الْمَمْلُوكَةِ أَوْ الْمَجْنُونَةِ أَوْ الصَّبِيَّةِ لَا يَكُونُ مُحْصَنًا، وَكَذَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ مَوْصُوفًا بِإِحْدَى هَذِهِ الصِّفَاتِ وَهِيَ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ عَاقِلَةٌ بَالِغَةٌ؛ لِأَنَّ النِّعْمَةَ بِذَلِكَ لَا تَتَكَامَلُ إذْ الطَّبْعُ يَنْفِرُ عَنْ صُحْبَةِ الْمَجْنُونَةِ، وَقَلَّمَا يَرْغَبُ فِي الصَّبِيَّةِ لِقِلَّةِ رَغْبَتِهَا فِيهِ وَفِي الْمَمْلُوكَةِ حَذَرًا عَنْ رِقِّ الْوَلَدِ وَلَا ائْتِلَافَ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي الدِّينِ. وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُخَالِفُهُمَا فِي الْكَافِرَةِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُحْصِنُ الْمُسْلِمَ الْيَهُودِيَّةُ وَلَا النَّصْرَانِيَّةُ وَلَا الْحُرَّ الْأَمَةُ وَلَا الْحُرَّةَ الْعَبْدُ» قَالَ (وَلَا يُجْمَعُ فِي الْمُحْصَنِ بَيْنَ الرَّجْمِ وَالْجَلْدِ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَجْمَعْ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَالْإِصَابَةُ شِبَعٌ بِالْحَلَالِ، فَإِنَّ الشِّبَعَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْإِنْزَالِ دُونَ الْإِيلَاجِ عُرِفَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ رِفَاعَةَ حَيْثُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا حَتَّى تَذُوقِي مِنْ عُسَيْلَتِهِ وَيَذُوقَ مِنْ عُسَيْلَتِك» بِالتَّصْغِيرِ. وَقَوْلُهُ (وَشَرْطُ صِفَةِ الْإِحْصَانِ فِيهِمَا) ظَاهِرٌ. وَقِيلَ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ كَافِرًا وَالْمَرْأَةُ مُسْلِمَةً؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ صُورَتَهُ أَنْ يَكُونَا كَافِرَيْنِ فَأَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يُفَرِّقْ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بِالْإِبَاءِ عِنْدَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ فَهُمَا زَوْجَانِ وَقَدْ مَرَّ (وَأَبُو يُوسُفَ يُخَالِفُهُمَا فِي الْكَافِرَةِ) فِي أَنَّ إسْلَامَ الْمَنْكُوحَةِ وَقْتُ الدُّخُولِ بِهَا شَرْطُ إحْصَانِ الزَّانِي. فَعِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلَ بِالْمَنْكُوحَةِ الْكَافِرَةِ يَصِيرُ مُحْصَنًا (وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَبِي يُوسُفَ (مَا ذَكَرْنَاهُ) يَعْنِي مِنْ قَوْلِهِ وَلَا ائْتِلَافَ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي الدِّينِ. وَقَوْلُهُ (وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ " «لَا تُحْصِنُ الْمُسْلِمَ الْيَهُودِيَّةُ وَلَا النَّصْرَانِيَّةُ وَلَا الْحُرَّ الْأَمَةُ وَلَا الْحُرَّةُ الْعَبْدَ» ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ مُرْسَلًا فِي مَبْسُوطِهِ. قَالَ (وَلَا يَجْمَعُ فِي الْمُحْصَنِ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ) وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا لِمَا رَوَى عُبَادَةَ بْنُ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَرَمْيٌ بِالْحِجَارَةِ وَالْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ» وَلَنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا فِي مَاعِزٍ وَلَا فِي الْغَامِدِيَّةِ وَلَا الصَّحَابَةِ بَعْدَهُ. وَحَدِيثُ عُبَادَةَ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} [النساء: 15] وَحَدِيثُ مَاعِزٍ بَعْدَهُ فَيَكُونُ نَاسِخًا.

وَلِأَنَّ الْجَلْدَ يَعْرَى عَنْ الْمَقْصُودِ مَعَ الرَّجْمِ؛ لِأَنَّ زَجْرَ غَيْرِهِ يَحْصُلُ بِالرَّجْمِ إذْ هُوَ فِي الْعُقُوبَةِ أَقْصَاهَا وَزَجْرُهُ لَا يَحْصُلُ بَعْدَ هَلَاكِهِ. قَالَ (وَلَا يُجْمَعُ فِي الْبِكْرِ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالنَّفْيِ) وَالشَّافِعِيُّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا حَدًّا «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ» وَلِأَنَّ فِيهِ حَسْمَ بَابِ الزِّنَا لِقِلَّةِ الْمَعَارِفِ. وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَاجْلِدُوا} [النور: 2] جَعَلَ الْجَلْدَ كُلَّ الْمُوجَبِ رُجُوعًا إلَى حَرْفِ الْفَاءِ وَإِلَى كَوْنِهِ كُلَّ الْمَذْكُورِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الْجَلْدَ يَعْرَى) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَالشَّافِعِيُّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا حَدًّا) أَيْ فِي حَدِّ الزِّنَا بِنَفْيِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ جَمِيعًا (لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ» ) وَلِأَنَّ التَّغْرِيبَ مِنْ تَتِمَّةِ الْحَدِّ، فَكَمَا أَنَّ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ فِي حَقِّ الْجَلْدِ سَوَاءٌ فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ التَّغْرِيبِ (وَلِأَنَّ فِيهِ) أَيْ فِي التَّغْرِيبِ (حَسْمَ مَادَّةِ الزِّنَا لِقِلَّةِ الْمَعَارِفِ) أَيْ لِقِلَّةِ مَنْ يَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونَهُ مِنْ الْأَحِبَّاءِ وَالْحَبِيبَاتِ، لِمَا أَنَّ الزِّنَا إنَّمَا يَنْشَأُ مِنْ الصُّحْبَةِ وَالْمُؤَانَسَةِ وَالتَّغْرِيبُ قَاطِعٌ لِذَلِكَ (وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَاجْلِدُوا} [النور: 2] جَعَلَ الْجَلْدَ كُلَّ الْمُوجِبِ رُجُوعًا إلَى حَرْفِ الْفَاءِ) وَرُجُوعًا نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْفَاءَ لِلْجَزَاءِ، وَإِذَا ذُكِرَ الْجَزَاءُ بَعْدَ الشَّرْطِ بِالْفَاءِ دَلَّ اسْتِقْرَاءُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ هُوَ الْجَزَاءُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لَيْسَ جَزَاءُ الشَّرْطِ إلَّا مَا هُوَ الْمَذْكُورُ بَعْدَ الْفَاءِ. وَقَوْلُهُ (وَإِلَى كَوْنِهِ كُلَّ الْمَذْكُورِ) أَيْ رُجُوعًا إلَى كَوْنِهِ كُلَّ الْمَذْكُورِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ ذَكَرَ الْجَلْدَ دُونَ النَّفْيِ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ فَكَانَ مَا ذَكَرَهُ كُلُّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْبَيَانِ، فَلَوْ بَقِيَ شَيْءٌ يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَزِمَ الْإِخْلَالُ فِي الْبَيَانِ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ

وَلِأَنَّ فِي التَّغْرِيبِ فَتْحَ بَابِ الزِّنَا لِانْعِدَامِ الِاسْتِحْيَاءِ مِنْ الْعَشِيرَةِ ثُمَّ فِيهِ قَطْعُ مَوَادِّ الْبَقَاءِ، فَرُبَّمَا تَتَّخِذُ زِنَاهَا مَكْسَبَةً وَهُوَ مِنْ أَقْبَحِ وُجُوهِ الزِّنَا، وَهَذِهِ الْجِهَةُ مُرَجَّحَةٌ لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: كَفَى بِالنَّفْيِ فِتْنَةٌ، وَالْحَدِيثُ مَنْسُوخٌ كَشَطْرِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْعَمَلُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ نَسْخٌ لِلْكِتَابِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ فِي التَّغْرِيبِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ فِيهِ) أَيْ فِي التَّغْرِيبِ (قَطْعَ مَادَّةِ الْبَقَاءِ) يَعْنِي مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَلْبُوسِ (فَرُبَّمَا تَتَّخِذُ زِنَاهَا مَكْسَبَةً وَهُوَ مِنْ أَقْبَحِ وُجُوهِ الزِّنَا) لَا زِيَادَةَ شَهْوَةٍ. وَقَوْلُهُ (وَهَذِهِ الْجِهَةُ مُرَجِّحَةٌ لِقَوْلِ عَلِيٍّ) نُقِلَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا؛ فَوَجْهُ الْفَتْحِ أَنَّ هَذِهِ الْجِهَةَ مِنْ الْعِلَّةِ أَقْوَى مِنْ عِلَّةِ الْخَصْمِ بِشَهَادَةِ قَوْلِ عَلِيٍّ لِصِحَّةِ مَا قُلْنَاهُ. وَوَجْهُ الْكَسْرِ أَنَّ الْخَصْمَ يُنْكِرُ صِحَّةَ نَقْلِ قَوْلِ عَلِيٍّ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْجِهَةُ مِنْ جِهَاتِ الْعِلَلِ تُؤَيِّدُ صِحَّةَ قَوْلِ عَلِيٍّ، فَكَانَتْ اللَّامُ لِلصِّلَةِ دَاخِلَةً عَلَى الْمَفْعُولِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} [المؤمنون: 4] وَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ كَانَتْ لِلتَّعْلِيلِ. فَإِنْ قِيلَ: الْأَصْلُ أَنَّ مَا يَصْلُحُ عِلَّةً لَا يَصْلُحُ مُرَجِّحًا وَهَذِهِ الْجِهَةُ عِلَّةٌ فَكَيْفَ صَلَحَتْ مُرَجِّحَةً. أُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ الْجِهَةَ لَيْسَتْ بِمُثْبِتَةٍ لِلْحَدِّ بَلْ هِيَ نَافِيَةٌ، مَعَ أَنَّ النَّفْيَ لَيْسَ بِحُكْمٍ وَاجِبٍ فِي الْحَدِّ فَيَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ، فَفِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ تُذْكَرُ الْعِلَلُ مُوَضِّحًا بَعْضُهَا بَعْضًا، وَمَا أَرَى اخْتِيَارَ الْمُصَنِّفِ لَفْظَ الْجِهَةِ عَلَى لَفْظِ الْعِلَّةِ إلَّا لِهَذَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ. وَقَوْلُهُ (وَالْحَدِيثُ) يَعْنِي قَوْلَهُ «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ» (مَنْسُوخٌ كَشَطْرِهِ

وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَرَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ» وَقَدْ عُرِفَ طَرِيقُهُ فِي مَوْضِعِهِ. قَالَ (إلَّا أَنْ يَرَى الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً فَيُغَرِّبَهُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى) وَذَلِكَ تَعْزِيرٌ وَسِيَاسَةٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُفِيدُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ فَيَكُونُ الرَّأْيُ فِيهِ إلَى الْإِمَامِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ النَّفْيُ الْمَرْوِيُّ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَرَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ» وَقَدْ عُرِفَ طَرِيقُهُ فِي مَوْضِعِهِ) قِيلَ يَعْنِي فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا إثْبَاتُ النَّسْخِ: بِالْقِيَاسِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ بَيَانٌ لِكَوْنِ الْحَدِيثِ مَنْسُوخًا بِنَاسِخٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ النَّاسِخَ مَا هُوَ. وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ حُكْمَ الزِّنَا فِي الِابْتِدَاءِ كَانَ إمْسَاكَ الزَّوَانِي فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ وَالْإِيذَاءَ بِاللِّسَانِ، فَانْتُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا» ثُمَّ اُنْتُسِخَ هَذَا الْحَدِيثُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] . وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ مُقَدَّمٌ عَلَى قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «خُذُوا عَنِّي» وَلَوْ كَانَ انْتِسَاخُ إمْسَاكِ الزَّوَانِي فِي الْبُيُوتِ بِقَوْلِهِ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] لَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خُذُوا عَنْ اللَّهِ. وَهَذِهِ الدَّلَالَةُ الَّتِي هِيَ دَلَالَةُ التَّقَدُّمِ هَاهُنَا مِثْلُ دَلَالَةِ التَّقَدُّمِ فِي حَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ وَقَدْ عُرِفَ طَرِيقُهُ فِي مَوْضِعِهِ: أَيْ دَلَّ فِي حَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْتَنْزِهُوا الْبَوْلَ» وَهُوَ جَوَازُ الْمُثْلَةِ، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا دَلَّ الدَّالُّ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ مُقَدَّمٌ عَلَى قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا، هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَتَبِعَهُ غَيْرُهُ مِنْ الشَّارِحِينَ. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَرَى ذَلِكَ مَصْلَحَةً) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يَجْمَعُ فِي الْبِكْرِ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالنَّفْيِ يَعْنِي إذَا رَأَى الْإِمَامُ تَغْرِيبَ الزَّانِي مَصْلَحَةً لِدِعَارَتِهِ فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَاهُ بِطَرِيقِ التَّعْزِيرِ وَالسِّيَاسَةِ (لِأَنَّهُ قَدْ يُفِيدُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ فَيَكُونُ الرَّأْيُ فِيهِ إلَى الْإِمَامِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ النَّفْيُ الْمَرْوِيُّ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ) رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَلَدَ بِكْرَيْنِ وَنَفَاهُمَا إلَى فَدَكَ، وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَمِعَ قَائِلَةً تَقُولُ:

(وَإِذَا زَنَى الْمَرِيضُ وَحَدُّهُ الرَّجْمُ رُجِمَ) ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ مُسْتَحَقٌّ فَلَا يَمْتَنِعُ بِسَبَبِ الْمَرَضِ (وَإِنْ كَانَ حَدُّهُ الْجَلْدَ لَمْ يُجْلَدْ حَتَّى يَبْرَأَ) كَيْلَا يُفْضِيَ إلَى الْهَلَاكِ وَلِهَذَا لَا يُقَامُ الْقَطْعُ عِنْدَ شِدَّةِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ (وَإِنْ زَنَتْ الْحَامِلُ لَمْ تُحَدَّ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا) كَيْلَا يُؤَدِّيَ إلَى هَلَاكِ الْوَلَدِ وَهُوَ نَفْسٌ مُحْتَرَمَةٌ (وَإِنْ كَانَ حَدُّهَا الْجَلْدَ لَمْ تُجْلَدْ حَتَّى تَتَعَالَى مِنْ نِفَاسِهَا) أَيْ تَرْتَفِعَ يُرِيدُ بِهِ تَخْرُجُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ النِّفَاسَ نَوْعُ مَرَضٍ فَيُؤَخَّرُ إلَى زَمَانِ الْبُرْءِ. بِخِلَافِ الرَّجْمِ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ لِأَجْلِ الْوَلَدِ وَقَدْ انْفَصَلَ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُؤَخَّرُ إلَى أَنْ يَسْتَغْنِيَ وَلَدُهَا عَنْهَا إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقُومُ بِتَرْبِيَتِهِ؛ لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQهَلْ مِنْ سَبِيلٍ إلَى خَمْرٍ فَأَشْرَبُهَا ... أَوْ مِنْ سَبِيلٍ إلَى نَصْرِ بْنِ حَجَّاجِ إلَى فَتًى مَاجِدِ الْأَعْرَاقِ مُقْتَبِلٍ ... سَهْلِ الْمُحَيَّا كَرِيمٍ غَيْرِ مِلْجَاجِ فَطَلَبَ نَصْرًا وَنَفَاهُ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ النَّفْيَ، وَلَكِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةٍ ظَهَرَتْ لَهُ، فَقَالَ: مَا ذَنْبِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: لَا ذَنْبَ لَك، وَإِنَّمَا الذَّنْبُ لِي حَيْثُ لَا أُطَهِّرُ دَارَ الْهِجْرَةِ مِنْكَ. وَعُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَلَدَ زَانِيًا وَنَفَاهُ إلَى مِصْرَ، وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَلَدَ وَنَفَى ثُمَّ قَالَ: كَفَى بِالنَّفْيِ فِتْنَةً، وَكُلُّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ وَالتَّعْزِيرِ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا زَنَى الْمَرِيضُ إلَخْ) ظَاهِرٌ.

[باب الوطء الذي يوجب الحد والذي لا يوجبه]

صِيَانَةَ الْوَلَدِ عَنْ الضَّيَاعِ، وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِلْغَامِدِيَّةِ بَعْدَمَا وَضَعَتْ ارْجِعِي حَتَّى يَسْتَغْنِيَ وَلَدُك» ثُمَّ الْحُبْلَى تُحْبَسُ إلَى أَنْ تَلِدَ إنْ كَانَ الْحَدُّ ثَابِتًا بِالْبَيِّنَةِ كَيْ لَا تَهْرُبَ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَنْهُ عَامِلٌ فَلَا يُفِيدُ الْحَبْسُ. (بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ) : ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (قَالَ لِلْغَامِدِيَّةِ) رُوِيَ «أَنَّ الْغَامِدِيَّةَ لَمَّا أَقَرَّتْ بِالزِّنَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَتْ حَامِلًا قَالَ لَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: ارْجِعِي حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِك، فَلَمَّا وَضَعَتْ جَاءَتْ ثَانِيًا وَأَقَرَّتْ، فَقَالَ: لَهَا ارْجِعِي حَتَّى يَسْتَغْنِيَ وَلَدُك، فَقَالَتْ: أَخَافُ أَنْ أَمُوتَ قَبْلَ أَنْ أُحَدَّ، فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا أَقُومُ بِتَرْبِيَةِ وَلَدِهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَجْمِهَا» فَدَلَّ أَنَّ الْحُكْمَ هُوَ التَّأْخِيرُ عَنْ هَذَا الزَّمَانِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِهَا مُرَبٍّ [بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ إقَامَةِ الْحَدِّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَمَا لَا يُوجِبُهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا تَعْرِيفَ الزِّنَا فِي أَوَّلِ

قَالَ (الْوَطْءُ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ هُوَ الزِّنَا) وَإِنَّهُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ وَاللِّسَانِ: وَطْءُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ فِي الْقُبُلِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ، وَشُبْهَةِ الْمِلْكِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مَحْظُورٌ، وَالْحُرْمَةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ عِنْدَ التَّعَرِّي عَنْ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQكِتَابِ الْحُدُودِ، وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ لِأَنَّ الزِّنَا يَصْدُقُ فِي فِعْلِ الْمَرْأَةِ هَذَا الْفِعْلَ وَلِهَذَا لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا بِالزِّنَا حَدَّ الْقَذْفِ، وَهَذَا التَّعْرِيفُ وَهُوَ قَوْلُهُ وَطْءُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ فِي الْقُبُلِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَشُبْهَةِ الْمِلْكِ لَيْسَ بِصَادِقٍ عَلَيْهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَصْلِ وَالْمَرْأَةُ تَدْخُلُ فِيهِ تَبَعًا لِمَا سَيَجِيءُ بَعْدَ هَذَا

يُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» ثُمَّ الشُّبْهَةُ نَوْعَانِ: شُبْهَةٌ فِي الْفِعْلِ وَتُسَمَّى شُبْهَةَ اشْتِبَاهٍ، وَشُبْهَةٌ فِي الْمَحَلِّ وَتُسَمَّى شُبْهَةً حُكْمِيَّةً. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ عَلَى الرَّجُلِ يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ لَا يَجِبُ فِيهِ عَلَى الرَّجُلِ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ. فَإِنْ قُلْت: قَوْلُهُ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مَحْظُورٌ تَعْلِيلٌ وَاقِعٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ لِأَنَّهُ فِي التَّصَوُّرَاتِ. قُلْت: التَّعْلِيلُ لَيْسَ لِإِثْبَاتِ التَّعْرِيفِ وَإِنَّمَا هُوَ لِبَيَانِ اعْتِبَارِهِمْ انْتِفَاءَ الشُّبْهَةِ فِي تَحْقِيقِ الزِّنَا. وَتَقْرِيرُ كَلَامِهِ أَنَّ مَا اعْتَبَرُوا أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ شُبْهَةِ الْمِلْكِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مَحْظُورٌ يُوجِبُ الْحَدَّ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْكَمَالُ، لِأَنَّ النَّاقِصَ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَلَا يُوجِبُ عُقُوبَةً كَامِلَةً وَالْكَمَالُ فِي الْحَظْرِ عِنْدَ التَّعَرِّي عَنْ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ (يُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» ثُمَّ الشُّبْهَةُ) وَهِيَ مَا يُشْبِهُ الثَّابِتَ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ عَلَى مَا قَالُوا (نَوْعَانِ: شُبْهَةٌ فِي الْفِعْلِ وَتُسَمَّى شُبْهَةَ اشْتِبَاهٍ) أَيْ هِيَ شُبْهَةٌ فِي حَقِّ مَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ وَلَيْسَتْ بِشُبْهَةٍ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَشْتَبِهْ عَلَيْهِ، حَتَّى لَوْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيَّ حُدَّ (وَشُبْهَةٌ فِي الْمَحَلِّ وَتُسَمَّى شُبْهَةً حُكْمِيَّةً) وَتُسَمَّى شُبْهَةَ مِلْكٍ أَيْضًا فَإِنَّهَا لَا تُوجِبُ الْحَدَّ، وَإِنْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيَّ

فَالْأُولَى تَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ مَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يُظَنَّ غَيْرُ الدَّلِيلِ دَلِيلًا وَلَا بُدَّ مِنْ الظَّنِّ لِيَتَحَقَّقَ الِاشْتِبَاهُ. وَالثَّانِيَةُ تَتَحَقَّقُ بِقِيَامِ الدَّلِيلِ النَّافِي لِلْحُرْمَةِ فِي ذَاتِهِ وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى ظَنِّ الْجَانِي وَاعْتِقَادِهِ. وَالْحَدُّ يَسْقُطُ بِالنَّوْعَيْنِ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ. وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ فِي الثَّانِيَةِ إذَا ادَّعَى الْوَلَدَ، وَلَا يَثْبُتُ فِي الْأُولَى وَإِنْ ادَّعَاهُ لِأَنَّ الْفِعْلَ تَمَحَّضَ زِنًا فِي الْأُولَى؛ وَإِنْ سَقَطَ الْحَدُّ لِأَمْرٍ رَاجِعٍ إلَيْهِ وَهُوَ اشْتِبَاهُ الْأَمْرِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتَمَحَّضْ فِي الثَّانِيَةِ فَشُبْهَةُ الْفِعْلِ فِي ثَمَانِيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالْأُولَى تَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ مَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يَظُنَّ غَيْرَ الدَّلِيلِ دَلِيلًا) كَمَا إذَا ظَنَّ أَنَّ جَارِيَةَ امْرَأَتِهِ تَحِلُّ لَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَطْءَ نَوْعُ اسْتِخْدَامٍ وَاسْتِخْدَامُ الْجَارِيَةِ يَحِلُّ فَكَذَا الْوَطْءُ فَيَكُونُ تَحَقُّقُهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الظَّانِّ (وَالثَّانِيَةُ تَتَحَقَّقُ بِقِيَامِ الدَّلِيلِ النَّافِي لِلْحُرْمَةِ فِي ذَاتِهِ) لَكِنْ لَا يَكُونُ عَامِلًا لِمَانِعٍ اتَّصَلَ بِهَا (وَ) هَذِهِ (لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى ظَنِّ الْجَانِي وَاعْتِقَادِهِ وَالْحَدُّ يَسْقُطُ بِالنَّوْعَيْنِ) جَمِيعًا (لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ) لَكِنْ فِي الْأُولَى عِنْدَ الظَّنِّ وَفِي الثَّانِيَةِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ (وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ فِي الثَّانِي) أَيْ فِي الْوَطْءِ الثَّانِي، وَقِيلَ أَيْ فِي الْمَذْكُورِ الثَّانِي، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ فِي النَّوْعِ الثَّانِي (إذَا ادَّعَى الْوَلَدَ وَلَا يَثْبُتُ فِي الْأَوَّلِ وَإِنْ ادَّعَاهُ لِأَنَّ الْفِعْلَ تَمَحَّضَ) أَيْ خَلَصَ (زِنًا فِي) الشُّبْهَةِ (الْأُولَى وَإِنْ سَقَطَ الْحَدُّ لِأَمْرٍ رَاجِعٍ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْوَاطِئِ. وَقِيلَ هَذَا لَيْسَ بِمُجْرًى عَلَى عُمُومِهِ، فَإِنَّ الْمُطَلَّقَةَ الثَّلَاثَ يَثْبُتُ فِيهَا النَّسَبُ لِأَنَّ هَذَا وَطْءٌ فِي شُبْهَةِ

مَوَاضِعَ: جَارِيَةُ أَبِيهِ وَأُمُّهُ وَزَوْجَتُهُ، وَالْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، وَبَائِنًا بِالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، وَأُمُّ وَلَدٍ أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، وَجَارِيَةُ الْمَوْلَى فِي حَقِّ الْعَبْدِ، وَالْجَارِيَةُ الْمَرْهُونَةُ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْحُدُودِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَقْدِ فَيَكْفِي لِإِثْبَاتِ النَّسَبِ. وَفِي الْإِيضَاحِ: الْمُخْتَلِعَةُ وَالْمُطَلَّقَةُ بِعِوَضٍ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا، وَعَدَّ شُبْهَةَ الْفِعْلِ وَهِيَ فِي ثَمَانِيَةِ مَوَاضِعَ كَمَا ذَكَرَ، فَإِذَا قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي فَلَا حَدَّ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَنْتَفِعُ بِمَالِ هَؤُلَاءِ حَسْبَ انْتِفَاعِهِ بِمَالِ نَفْسِهِ فَكَانَ هَذَا ظَنًّا فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ فَيَمْتَنِعُ الْحَدُّ، وَإِنْ قَالَ الرَّجُلُ عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيَّ وَقَالَتْ الْجَارِيَةُ ظَنَنْت أَنَّهُ يَحِلُّ لِي لَا يُحَدُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا. أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلِدَعْوَى الشُّبْهَةِ، وَأَمَّا الرَّجُلُ فَلِأَنَّ الزِّنَا يَقُومُ بِهِمَا، فَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْمَرْأَةِ سَقَطَ عَنْ الرَّجُلِ لِمَكَانِ الشَّرِكَةِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ. فَإِنْ قِيلَ: مَا وَجْهُ الِاشْتِبَاهِ فِي الْمُطَلَّقَةِ الثَّلَاثِ حَتَّى لَا يُحَدَّ إذَا قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي. أُجِيبَ بِأَنَّ وَجْهَهُ بَقَاءُ بَعْضِ الْأَحْكَامِ بَعْدَ الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ مِنْ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى وَحُرْمَةِ نِكَاحِ الْأُخْتِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ حَتَّى لَوْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ يَثْبُتُ النَّسَبُ إلَى سَنَتَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: بَيْنَ النَّاسِ اخْتِلَافٌ فِي أَنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا هَلْ يَقَعُ أَوْ لَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ خِلَافٌ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ حَتَّى لَوْ قَضَى بِهِ الْقَاضِي لَمْ يَنْفُذْ قَضَاؤُهُ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ الطَّلَاقَ الْبَائِنَ بِالْمَالِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى مَالٍ فَوَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ عَلَى مَا يَجِيءُ، وَشُبْهَةُ أُمِّ وَلَدٍ أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا هِيَ مَا قُلْنَا فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ مِنْ قِيَامِ أَثَرِ الْفِرَاشِ فَكَانَ الظَّنُّ فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ، وَشُبْهَةُ الْعَبْدِ فِي جَارِيَةِ الْمَوْلَى انْبِسَاطُ يَدِ الْعَبْدِ فِي مَالِ مَوْلَاهُ وَالْجَارِيَةُ مِنْ مَالِهِ فَجَازَ أَنْ يَظُنَّ حِلَّ الِانْبِسَاطِ فِيهَا بِالْوَطْءِ (وَالْجَارِيَةُ الْمَرْهُونَةُ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْحُدُودِ) يَعْنِي إذَا قَالَ الْمُرْتَهِنُ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي لَا يُحَدُّ، وَعَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الرَّهْنِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ سَوَاءٌ ادَّعَى الظَّنَّ أَوْ لَمْ يَدَّعِ كَمَا فِي الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ جَارِيَةً انْعَقَدَ لَهُ فِيهَا سَبَبُ الْمِلْكِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَشْتَبِهْ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ وَطِئَ جَارِيَةً اشْتَرَاهَا عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا انْعَقَدَ لَهُ فِيهَا سَبَبُ الْمِلْكِ

فَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ إذَا قَالَ: ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي. وَلَوْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ وَجَبَ الْحَدُّ. وَالشُّبْهَةُ فِي الْمَحَلِّ فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ: جَارِيَةُ ابْنِهِ، وَالْمُطَلَّقَةُ طَلَاقًا بَائِنًا بِالْكِنَايَاتِ، وَالْجَارِيَةُ الْمَبِيعَةُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَالْمَمْهُورَةُ فِي حَقِّ الزَّوْجِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالْمُشْتَرِكَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَالْمَرْهُونَةُ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الرَّهْنِ. فَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ وَإِنْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ بِالْهَلَاكِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ مِنْ وَقْتِ الرَّهْنِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ انْعَقَدَ لَهُ فِيهَا سَبَبُ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ وَيَحْصُلُ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ عِنْدَ الْهَلَاكِ. وَوَجْهُ مَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ هُوَ أَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ عَقْدٌ لَا يُفِيدُ مِلْكَ الْمُتْعَةِ بِحَالٍ فَقِيَامُهُ لَا يُورِثُ شُبْهَةً حُكْمِيَّةً قِيَاسًا عَلَى الْإِجَارَةِ فَإِنَّهَا لَا تُفِيدُ مِلْكَ الْمُتْعَةِ بِحَالٍ، فَمَا أَوْرَثَ قِيَامَهَا فِي الْمَحَلِّ شُبْهَةٌ حُكْمِيَّةٌ وَعَلَى هَذَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ اشْتَبَهَ أَوْ لَمْ يَشْتَبِهْ كَمَا فِي الْجَارِيَةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ لِلْخِدْمَةِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ إذَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ اشْتِبَاهٍ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَالِ فِي الْجُمْلَةِ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا فِي الرَّهْنِ وَقَدْ انْعَقَدَ لَهُ سَبَبُ مِلْكٍ فِي حَقِّ الْمَالِ فَيَشْتَبِهُ أَنَّهُ هَلْ يَثْبُتُ لَهُ بِهَذَا الْقَدْرِ مِلْكُ الْمُتْعَةِ أَوْ لَا، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّ الثَّابِتَ بِهَا مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ سَبَبَ مِلْكِ الْمُتْعَةِ بِحَالٍ فَقَدْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ مَا لَا يَشْتَبِهُ، وَبِخِلَافِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُفِيدُ الْمِلْكَ حَالَ قِيَامِ الْجَارِيَةِ وَمِلْكُ الْمَالِ حَالَ قِيَامِ الْجَارِيَةِ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ فَقَدْ انْعَقَدَ لَهُ سَبَبُ مِلْكِ الْمُتْعَةِ، وَهَاهُنَا إنَّمَا يَمْلِكُ مَالِيَّةَ الْمَرْهُونِ عِنْدَ الْهَلَاكِ وَمِلْكُ الْمَالِ بَعْدَ الْهَلَاكِ لَا يُفِيدُ مِلْكَ الْمُتْعَةِ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ. ثُمَّ عَدَّ الشُّبْهَةَ فِي الْمَحَلِّ وَهِيَ فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ عَلَى مَا ذَكَرَهَا (جَارِيَةُ ابْنِهِ) لِقِيَامِ الْمُقْتَضَى لِلْمِلْكِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» (وَالْمُطَلَّقَةُ طَلَاقًا بَائِنًا بِالْكِنَايَاتِ) لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي كَوْنِهَا رَجْعِيَّةً أَوْ بَائِنَةً (وَالْجَارِيَةُ الْمَبِيعَةُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ) لِأَنَّ الْيَدَ الَّتِي كَانَ بِهَا مُتَسَلِّطًا عَلَى الْوَطْءِ بَاقِيَةٌ بَعْدُ فَصَارَتْ شُبْهَةً فِي الْمَحَلِّ (وَالْمَمْهُورَةُ فِي حَقِّ الزَّوْجِ قَبْلَ الْقَبْضِ) لِقِيَامِ مِلْكِ الْيَدِ (وَالْمُشْتَرَكَةُ) لِقِيَامِ الْمِلْكِ فِي النِّصْفِ (وَالْمَرْهُونَةُ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الرَّهْنِ) وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَهُ (فَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَا يُحَدُّ) بِكُلِّ تَقْدِيرٍ، وَهَذَانِ النَّوْعَانِ

ثُمَّ الشُّبْهَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَثْبُتُ بِالْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ مُتَّفَقًا عَلَى تَحْرِيمِهِ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ، وَعِنْدَ الْبَاقِينَ لَا تَثْبُتُ إذَا عَلِمَ بِتَحْرِيمِهِ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِي نِكَاحِ الْمَحَارِمِ عَلَى مَا يَأْتِيك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، إذَا عَرَفْنَا هَذَا (وَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ وَقَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ حُدَّ) لِزَوَالِ الْمِلْكِ الْمُحَلَّلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَتَكُونُ الشُّبْهَةُ مُنْتَفِيَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الشُّبْهَةِ هُوَ مَا كَانَ رَاجِعًا إلَى الْفَاعِلِ وَالْقَائِلِ. وَثَمَّ شُبْهَةٌ أُخْرَى وَهِيَ الَّتِي تَثْبُتُ بِالْعَقْدِ فَإِنَّهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَثْبُتُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْعَقْدُ حَلَالًا أَوْ حَرَامًا مُتَّفَقًا عَلَيْهِ أَوْ مُخْتَلَفًا فِيهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَاطِئُ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ أَوْ جَاهِلًا بِهَا (وَعِنْدَ) الْعُلَمَاءِ (الْبَاقِينَ لَا تَثْبُتُ إذَا عَلِمَ بِتَحْرِيمِهِ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِي نِكَاحِ الْمَحَارِمِ عَلَى مَا يَأْتِيك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. إذَا عَرَفْنَا هَذَا) أَيْ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ بَيَانِ نَوْعَيْ الشُّبْهَةِ سَهْلُ تَخْرِيجِ الْفُرُوعِ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ وَاضِحٌ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ.

وَقَدْ نَطَقَ الْكِتَابُ بِانْتِفَاءِ الْحِلِّ وَعَلَى ذَلِكَ الْإِجْمَاعُ، وَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُ الْمُخَالِفِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافٌ لَا اخْتِلَافٌ، وَلَوْ قَالَ: ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي لَا يُحَدُّ لِأَنَّ الظَّنَّ فِي مَوْضِعِهِ لِأَنَّ أَثَرَ الْمِلْكِ قَائِمٌ فِي حَقِّ النَّسَبِ وَالْحَبْسِ وَالنَّفَقَةِ فَاعْتُبِرَ ظَنُّهُ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ، وَأُمُّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا وَالْمُخْتَلِعَةُ وَالْمُطَلَّقَةُ عَلَى مَالٍ بِمَنْزِلَةِ الْمُطَلَّقَةِ الثَّلَاثَ لِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَقِيَامِ بَعْضِ الْآثَارِ فِي الْعِدَّةِ (وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِّيَّةٌ أَوْ أَمْرُك بِيَدِك فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ وَقَالَ: عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ لَمْ يُحَدَّ) لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِيهِ؛ فَمِنْ مَذْهَبِ عُمَرَ أَنَّهَا تَطْلِيقَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَكَذَا الْجَوَابُ فِي سَائِرِ الْجِنَايَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَقَدْ نَطَقَ الْكِتَابُ) يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ} [البقرة: 230] وَقَوْلُهُ (وَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُ الْمُخَالِفِ فِيهِ) يُرِيدُ بِهِ قَوْلَ الزَّيْدِيَّةِ وَالْإِمَامِيَّةِ، فَإِنَّ الزَّيْدِيَّةَ تَقُولُ إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا جُمْلَةً لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ، وَالْإِمَامِيَّةُ تَقُولُ إنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ أَصْلًا لِكَوْنِهِ خِلَافَ السُّنَّةِ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (لِأَنَّهُ خِلَافٌ لَا اخْتِلَافٌ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الِاخْتِلَافَ أَنْ يَكُونَ الطَّرِيقُ مُخْتَلِفًا وَالْمَقْصِدُ وَاحِدًا، وَالْخِلَافُ أَنْ يَكُونَ كِلَاهُمَا مُخْتَلِفًا. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (فِي حَقِّ النَّسَبِ) يَعْنِي النَّسَبَ بِاعْتِبَارِ الْعُلُوقِ السَّابِقِ عَلَى الطَّلَاقِ لَا النَّسَبِ بِهَذَا الْوَطْءِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ.

وَكَذَا إذَا نَوَى ثَلَاثًا لِقِيَامِ الِاخْتِلَافِ مَعَ ذَلِكَ (وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَإِنْ قَالَ: عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ) لِأَنَّ الشُّبْهَةَ حُكْمِيَّةٌ لِأَنَّهَا نَشَأَتْ عَنْ دَلِيلٍ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنْتِ وَمَالُك لِأَبِيك» وَالْأُبُوَّةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَكَذَا إذَا نَوَى ثَلَاثًا لِقِيَامِ الِاخْتِلَافِ مَعَ ذَلِكَ) أَيْ كَذَلِكَ الْحُكْمُ إذَا نَوَى مِنْ أَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ ثَلَاثًا ثُمَّ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ لَا يُحَدُّ وَإِنْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الصَّحَابَةِ لَا يَرْتَفِعُ بِنِيَّةِ الثَّلَاثِ فَكَانَتْ الشُّبْهَةُ قَائِمَةً فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ. وَقَوْلُهُ (وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ) يَعْنِي وَإِنْ كَانَ وَلَدُهُ حَيًّا، وَقَدْ يُشِيرُ إلَى ذَلِكَ

قَائِمَةٌ فِي حَقِّ الْجَدِّ. قَالَ (وَيَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ (وَإِذَا وَطِئَ جَارِيَةَ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ زَوْجَتِهِ وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى قَاذِفِهِ، وَإِنْ قَالَ: عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ حُدَّ، وَكَذَا الْعَبْدُ إذَا وَطِئَ جَارِيَةَ مَوْلَاهُ) لِأَنَّ بَيْنَ هَؤُلَاءِ انْبِسَاطًا فِي الِانْتِفَاعِ فَظَنَّهُ فِي الِاسْتِمْتَاعِ فَكَانَ شُبْهَةَ اشْتِبَاهٍ إلَّا أَنَّهُ زِنًا ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعْلِيلُ الْكِتَابِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَالْأُبُوَّةُ قَائِمَةٌ فِي حَقِّ الْجَدِّ. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ) أَيْ فِي بَابِ نِكَاحِ الرَّقِيقِ.

حَقِيقَةً فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ، وَكَذَا إذَا قَالَتْ الْجَارِيَةُ: ظَنَنْت أَنَّهُ يَحِلُّ لِي وَالْفَحْلُ لَمْ يَدَّعِ فِي الظَّاهِرِ لِأَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ (وَإِنْ وَطِئَ جَارِيَةَ أَخِيهِ أَوْ عَمِّهِ وَقَالَ: ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي حُدَّ) لِأَنَّهُ لَا انْبِسَاطَ فِي الْمَالِ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَكَذَا سَائِرُ الْمَحَارِمِ سِوَى الْوِلَادِ لِمَا بَيَّنَّا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ (وَكَذَا إذَا قَالَتْ الْجَارِيَةُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ. وَقَوْلُهُ (فِي الظَّاهِرِ) يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ وَكَذَا أَيْ لَا حَدَّ عَلَى الْعَبْدِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (لِأَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ) فَوُرُودُ الشُّبْهَةِ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ يَكْفِي لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ عَنْ الْآخَرِ. فَإِنْ قِيلَ: يُشْكِلُ هَذَا بِمَا إذَا زَنَى الْبَالِغُ بِصَبِيَّةٍ حَيْثُ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْبَالِغِ دُونَ الصَّبِيَّةِ مَعَ أَنَّ الْفِعْلَ هُنَاكَ أَيْضًا وَاحِدٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ سُقُوطَ الْحَدِّ فِي جَانِبِ الصَّبِيَّةِ لَمْ يَكُنْ بِاعْتِبَارِ الشُّبْهَةِ بَلْ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ لِلْعُقُوبَاتِ وَكَلَامُنَا فِيمَا إذَا تَمَكَّنَتْ فِي فِعْلٍ وَاحِدٍ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ شُبْهَةٌ فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤَثِّرُ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ (وَإِنْ وَطِئَ جَارِيَةَ أَخِيهِ أَوْ عَمِّهِ وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي حُدَّ لِأَنَّهُ لَا انْبِسَاطَ فِي الْمَالِ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَكَذَا سَائِرُ الْمَحَارِمِ سِوَى الْوِلَادِ لِمَا بَيَّنَّا) يَعْنِي قَوْلَهُ لَا انْبِسَاطَ فِي الْمَالِ فِيمَا بَيْنَهُمَا. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يُجْعَلْ هَذَا كَالسَّرِقَةِ يَعْنِي إذَا سَرَقَ مَالَ أَخُوهُ أَوْ أُخْتِهِ لَا يُقْطَعُ. أُجِيبَ بِأَنَّ بَعْضَهُمْ هُنَاكَ يَدْخُلُ بَيْتَ بَعْضٍ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَلَا حِشْمَةٍ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ هُنَاكَ الْحِرْزُ وَالْقَطْعُ دَائِرٌ مَعَ هَتْكِ الْحِرْزِ، وَأَمَّا هُنَا فَالْحِلُّ دَائِرٌ مَعَ الْمِلْكِ أَوْ الْعَقْدِ وَلَمْ يُوجَدْ الْمِلْكُ وَلَا شُبْهَتُهُ وَلَا الْعَقْدُ فَيَجِبُ الْحَدُّ.

(وَمَنْ زُفَّتْ إلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ وَقَالَتْ النِّسَاءُ: إنَّهَا زَوْجَتُك فَوَطِئَهَا لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ) قَضَى بِذَلِكَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبِالْعِدَّةِ، وَلِأَنَّهُ اعْتَمَدَ دَلِيلًا وَهُوَ الْإِخْبَارُ فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ، إذْ الْإِنْسَانُ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَبَيْنَ غَيْرِهَا فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ فَصَارَ كَالْمَغْرُورِ، وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْمِلْكَ مُنْعَدِمٌ حَقِيقَةً (وَمَنْ وَجَدَ امْرَأَةً عَلَى فِرَاشِهِ فَوَطِئَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ) لِأَنَّهُ لَا اشْتِبَاهَ بَعْدَ طُولِ الصُّحْبَةِ فَلَمْ يَكُنْ الظَّنُّ مُسْتَنِدًا إلَى دَلِيلٍ، وَهَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَمَنْ زُفَّتْ إلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ) هَذَا مِنْ بَابِ الشُّبْهَةِ فِي الْمَحَلِّ لِأَنَّ الْفِعْلَ صَدَرَ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى دَلِيلٍ أَطْلَقَ الشَّرْعُ لَهُ الْعَمَلَ بِهِ وَهُوَ الْإِخْبَارُ بِأَنَّهَا امْرَأَتُهُ فَجَعَلَ الْمِلْكَ كَالثَّابِتِ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْغُرُورِ كَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ اُعْتُبِرَ الْمِلْكُ كَالثَّابِتِ لِدَفْعِ الْغُرُورِ كَذَلِكَ هَاهُنَا، وَلِهَذَا إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ يَثْبُتُ النَّسَبُ، وَلَوْ كَانَتْ الشُّبْهَةُ فِي الْفِعْلِ لَمَا ثَبَتَ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. قَوْلُهُ (وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) يَعْنِي أَنَّهُ يَقُولُ فِيهَا إنَّ إحْصَانَهُ لَمْ يَسْقُطْ بِهَذَا الْفِعْلِ لِأَنَّهُ بَنَى الْحُكْمَ عَلَى الظَّاهِرِ فَقَدْ كَانَ هَذَا الْوَطْءُ حَلَالًا فِي الظَّاهِرِ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ إحْصَانُهُ. وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْمِلْكَ مُنْعَدِمٌ حَقِيقَةً فَلَمْ يَبْقَ الظَّاهِرُ إلَّا شُبْهَةً وَبِهَا يَسْقُطُ الْحَدُّ وَلَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى قَاذِفِهِ.

لِأَنَّهُ قَدْ يَنَامُ عَلَى فِرَاشِهَا غَيْرُهَا مِنْ الْمَحَارِمِ الَّتِي فِي بَيْتِهَا، وَكَذَا إذَا كَانَ أَعْمَى لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّمْيِيزُ بِالسُّؤَالِ وَغَيْرِهِ، إلَّا إنْ كَانَ دَعَاهَا فَأَجَابَتْهُ أَجْنَبِيَّةٌ وَقَالَتْ: أَنَا زَوْجَتُك فَوَاقَعَهَا لِأَنَّ الْإِخْبَارَ دَلِيلٌ (وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا فَوَطِئَهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَلَكِنْ يُوجَعُ عُقُوبَةً إذَا كَانَ عَلِمَ بِذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ: عَلَيْهِ الْحَدُّ إذَا كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ فَيَلْغُو كَمَا إذَا أُضِيفَ إلَى الذُّكُورِ، وَهَذَا لِأَنَّ مَحَلَّ التَّصَرُّفِ مَا يَكُونُ مَحَلًّا لِحُكْمِهِ، وَحُكْمُهُ الْحِلُّ وَهِيَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْعَقْدَ صَادَفَ مَحَلَّهُ لِأَنَّ مَحَلَّ التَّصَرُّفِ مَا يُقْبَلُ مَقْصُودُهُ، وَالْأُنْثَى مِنْ بَنَاتِ آدَمَ قَابِلَةٌ لِلتَّوَالُدِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ قَدْ يَنَامُ عَلَى فِرَاشِهَا غَيْرُهَا مِنْ الْمَحَارِمِ الَّتِي فِي بَيْتِهَا) يَعْنِي فَلَا يَصْلُحُ مُجَرَّدُ النَّوْمِ عَلَى فِرَاشِهَا دَلِيلًا شَرْعِيًّا فَكَانَ مُقَصِّرًا فَيَجِبُ الْحَدُّ. وَإِنَّمَا قَالَ (وَقَالَتْ أَنَا زَوْجَتُك) لِأَنَّهَا إذَا أَجَابَتْ بِالْفِعْلِ وَلَمْ تَقُلْ ذَلِكَ فَوَاقَعَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ كَذَا فِي الْإِيضَاحِ (وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا فَوَطِئَهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَكِنْ يُوجَعُ عُقُوبَةً إذَا كَانَ عَلِمَ بِذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ: يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إذَا كَانَ عَلِمَ بِذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ) وَكُلُّ عَقْدٍ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ يَلْغُو (كَمَا إذَا أُضِيفَ إلَى الذُّكُورِ) قَوْلُهُ (وَهَذَا لِأَنَّ مَحَلَّ التَّصَرُّفِ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ عَقْدٌ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ لِأَنَّ مَحَلَّ التَّصَرُّفِ (مَا يَكُونُ مَحَلًّا لِحُكْمِهِ) وَهَذَا الْمَحَلُّ لَيْسَ مَحَلًّا لِحُكْمِهِ (لِأَنَّ حُكْمَهُ الْحِلُّ وَهِيَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَقْدَ صَادَفَ مَحَلَّهُ لِأَنَّ مَحَلَّ التَّصَرُّفِ مَا يَكُونُ قَابِلًا لِمَقْصُودِهِ) وَهُوَ التَّوَالُدُ هَاهُنَا (وَبَنَاتُ آدَمَ قَابِلَةٌ لِذَلِكَ) قَوْلُهُ وَهَذَا الْمَحَلُّ لَيْسَ مَحَلًّا لِحُكْمِهِ. قُلْنَا: لَيْسَ مَحَلًّا لِحُكْمِهِ أَصْلًا أَوْ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، وَالْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ كَانَ مَحَلًّا لَهُ فِي شَرِيعَةِ مَنْ قَبْلِنَا. وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ كَوْنُهُ مَحَلًّا فِي الْجُمْلَةِ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ فَإِنَّ الْفِعْلَ لَمْ يَقَعْ زِنًا لَا لُغَةً وَلَا عُرْفًا، فَإِنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ لَا يَفْصِلُونَ بَيْنَ الزِّنَا وَغَيْرِهِ إلَّا بِالْعَقْدِ

وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْعَقِدَ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إلَّا أَنَّهُ تَقَاعَدَ عَنْ إفَادَةِ حَقِيقَةِ الْحِلِّ فَيُورِثُ الشُّبْهَةَ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ مَا يُشْبِهُ الثَّابِتَ لَا نَفْسَ الثَّابِتِ، إلَّا أَنَّهُ ارْتَكَبَ جَرِيمَةً وَلَيْسَ فِيهَا حَدٌّ مُقَدَّرٌ فَيُعَزَّرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْفَرْضُ وُجُودُهُ، وَأَوْلَادُ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ مَحَارِمِهِمْ لَا تُنْسَبُ إلَى الزِّنَا فِي الْعُرْفِ وَهُمْ يُقَرُّونَ عَلَى نِكَاحِ الْمَحَارِمِ وَلَا يُقَرُّونَ عَلَى الزِّنَا بَلْ يُحَدُّونَ عَلَيْهِ (وَ) إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْعَقْدَ صَادَفَ مَحَلَّهُ (كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْعَقِدَ فِي حَقِّ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إلَّا أَنَّهُ تَقَاعَدَ عَنْ إفَادَةِ حَقِيقَةِ الْحِلِّ) بِتَحْرِيمِ الشَّرْعِ فِي دِينِنَا (فَيُورِثُ الشُّبْهَةَ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ مَا يُشْبِهُ الثَّابِتَ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ إلَّا أَنَّهُ ارْتَكَبَ جَرِيمَةً وَلَيْسَ فِيهَا حَدٌّ مُقَدَّرٌ فَيُعَزَّرُ)

(وَمَنْ وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ يُعَزَّرُ) لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ (وَمَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي الْمَوْضِعِ الْمَكْرُوهِ أَوْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُعَزَّرُ، وَزَادَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَيُودَعُ فِي السِّجْنِ، وَقَالَا: هُوَ كَالزِّنَا فَيُحَدُّ) وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ (وَمَنْ وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ) أَيْ فِي غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ كَالتَّفْخِيذِ وَالتَّبْطِينِ (عُزِّرَ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُنْكَرٌ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ) قَوْلُهُ (وَمَنْ أَتَى امْرَأَةً) قِيلَ يُرِيدُ أَجْنَبِيَّةً لِأَنَّهُ إذَا أَتَى امْرَأَتَهُ أَوْ مَمْلُوكَتَهُ (فِي الْمَوْضِعِ الْمَكْرُوهِ) أَيْ الدُّبُرِ لَا يُحَدُّ حَدَّ الزِّنَا عِنْدَهُمَا أَيْضًا وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الزِّيَادَاتِ لِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَسْتَحِلُّهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ مَحَلٍّ وَمَحَلٍّ (أَوْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُعَزَّرُ. وَزَادَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَيُودَعُ فِي السِّجْنِ، وَقَالَا: هُوَ كَالزِّنَا فَيُحَدُّ) حَدَّ الزِّنَا جَلْدًا إنْ كَانَ غَيْرَ مُحْصَنٍ وَرَجْمًا إنْ كَانَ مُحْصَنًا (وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

وَقَالَ فِي قَوْلٍ يُقْتَلَانِ بِكُلِّ حَالٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اُقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ» وَيُرْوَى «فَارْجُمُوا الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ» وَلَهُمَا أَنَّهُ فِي مَعْنَى الزِّنَا لِأَنَّهُ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ فِي مَحَلٍّ مُشْتَهًى عَلَى سَبِيلِ الْكَمَالِ عَلَى وَجْهٍ تَمَحَّضَ حَرَامًا لِقَصْدِ سَفْحِ الْمَاءِ. وَلَهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي مُوجِبِهِ مِنْ الْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ وَهَدْمِ الْجِدَارِ وَالتَّنْكِيسِ مِنْ مَكَان مُرْتَفِعٍ بِاتِّبَاعِ الْأَحْجَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الزِّنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إضَاعَةُ الْوَلَدِ وَاشْتِبَاهُ الْأَنْسَابِ، وَكَذَا هُوَ أَنْدَرُ وُقُوعًا لِانْعِدَامِ الدَّاعِي مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَالدَّاعِي إلَى الزِّنَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ. وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ أَوْ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ إلَّا أَنَّهُ يُعَزَّرُ عِنْدَهُ لِمَا بَيَّنَّاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ فِي قَوْلٍ آخَرَ: يُقْتَلَانِ بِكُلِّ حَالٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَا مُحْصَنَيْنِ أَوْ لَمْ يَكُونَا (لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ» وَيُرْوَى «فَارْجُمُوا الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ» وَلَهُمَا أَنَّهُ) أَيْ اللِّوَاطَ (فِي مَعْنَى الزِّنَا) وَقِيلَ أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَمَلِ فِي الْمَوْضِعِ الْمَكْرُوهِ وَفِعْلِ اللِّوَاطِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: إنَّهُمَا فِي مَعْنَى الزِّنَا (لِأَنَّهُ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ فِي مَحَلٍّ مُشْتَهًى عَلَى سَبِيلِ الْكَمَالِ عَلَى وَجْهٍ تَمَحَّضَ حَرَامًا لِقَصْدِ سَفْحِ الْمَاءِ وَهُوَ مَنَاطُ الْحَدِّ فِي الزِّنَا) فَيَلْحَقُ بِهِ اللِّوَاطُ فِي الدَّلَالَةِ لَا بِالْقِيَاسِ، لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَدْخُلُ فِيمَا يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ (وَلَهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي مُوجِبِهِ مِنْ الْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ وَهَدْمِ الْجِدَارِ عَلَيْهِ وَالتَّنْكِيسِ مِنْ مَكَان مُرْتَفِعٍ بِإِتْبَاعِ الْأَحْجَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ) مِنْ الْحَبْسِ فِي أَنْتَنِ الْمَوَاضِعِ حَتَّى يَمُوتَا وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي مُوجِبِ الزِّنَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا (وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الزِّنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إضَاعَةُ الْوَلَدِ وَاشْتِبَاهُ الْأَنْسَابِ) بِخِلَافِ الزِّنَا (وَكَذَا هُوَ أَنْدَرُ وُقُوعًا) مِنْ الزِّنَا (لِانْعِدَامِ الدَّاعِي فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ) يَعْنِي عَلَى مَا هُوَ الْجِبِلَّةُ السَّلِيمَةُ (وَالدَّاعِي إلَى الزِّنَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ) وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَاهُ لَا يُلْحَقُ بِهِ دَلَالَةً فَبَقِيَ الْقِيَاسُ وَالْقِيَاسُ فِي مِثْلِهِ بَاطِلٌ (وَمَا رَوَاهُ) مِنْ قَتْلِهِمَا أَوْ رَجْمِهِمَا (مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ أَوْ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ) لِلْكُفْرِ بِذَلِكَ (إلَّا أَنَّهُ يُعَزَّرُ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (لِمَا بَيَّنَّا) أَنَّهُ ارْتَكَبَ جَرِيمَةً وَلَيْسَ فِيهِ حَدٌّ مُقَدَّرٌ. قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ: وَالرَّأْيُ فِيهِ إلَى الْإِمَامِ إنْ شَاءَ قَتَلَهُ إنْ اعْتَادَ ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ ضَرَبَهُ وَحَبَسَهُ؛ فَقَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الزِّنَا.

(وَمَنْ وَطِئَ بَهِيمَةً لَا حَدَّ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الزِّنَا فِي كَوْنِهِ جِنَايَةً وَفِي وُجُودِ الدَّاعِي لِأَنَّ الطَّبْعَ السَّلِيمَ يَنْفِرُ عَنْهُ وَالْحَامِلُ عَلَيْهِ نِهَايَةُ السَّفَهِ أَوْ فَرْطُ الشَّبَقِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ سَتْرُهُ إلَّا أَنَّهُ يُعَزَّرُ لِمَا بَيَّنَّاهُ، وَاَلَّذِي يُرْوَى أَنَّهُ تُذْبَحُ الْبَهِيمَةُ وَتُحْرَقُ فَذَلِكَ لِقَطْعِ التَّحَدُّثِ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَنْ وَطِئَ بَهِيمَةً فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الزِّنَا فِي كَوْنِهِ جِنَايَةً) إذْ لَيْسَ فِيهِ تَضْيِيعُ الْوَلَدِ وَلَا إفْسَادُ الْفِرَاشِ (وَ) لَا (فِي وُجُودِ الدَّاعِي لِأَنَّ الطَّبْعَ السَّلِيمَ يَنْفِرُ عَنْهُ، وَإِنَّمَا يَحْمِلُهُ عَلَى ذَلِكَ نِهَايَةُ السَّفَهِ أَوْ فَرْطُ الشَّبَقِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ سَتْرُهُ) أَيْ سَتْرُ فَرْجِ الْبَهِيمَةِ، وَإِنَّمَا أُضْمِرَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ ذِكْرُهُ لِأَنَّ ذِكْرَ الْبَهِيمَةِ يَسْتَلْزِمُهُ فَكَانَ مَرْجِعُهُ حُكْمِيًّا (إلَّا أَنَّهُ يُعَزَّرُ لِمَا بَيَّنَّا) أَنَّهُ ارْتَكَبَ جَرِيمَةً وَلَيْسَ فِيهَا حَدٌّ مُقَدَّرٌ، وَمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَاقْتُلُوهُ» شَاذٌّ لَا يُعْمَلُ بِهِ، وَلَوْ ثَبَتَ فَتَأْوِيلُهُ مُسْتَحِلُّ ذَلِكَ الْفِعْلِ (وَاَلَّذِي يُرْوَى أَنْ تُذْبَحَ الْبَهِيمَةُ) وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّهُ أَتَى بِرَجُلٍ أَتَى بَهِيمَةً فَأَمَرَ بِالْبَهِيمَةِ فَذُبِحَتْ وَأُحْرِقَتْ بِالنَّارِ (فَذَلِكَ لِقَطْعِ التَّحَدُّثِ بِهِ)

وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ (وَمَنْ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ الْبَغْيِ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ) . وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُحَدُّ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِإِسْلَامِهِ أَحْكَامَهُ أَيْنَمَا كَانَ مَقَامُهُ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي دَارِ الْحَرْبِ» وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الِانْزِجَارُ وَوِلَايَةُ الْإِمَامِ مُنْقَطِعَةٌ فِيهِمَا فَيُعَرَّى الْوُجُوبُ عَنْ الْفَائِدَةِ، وَلَا تُقَامُ بَعْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَيْ لَا يُعَيَّرَ بِهَا الرَّجُلُ إذَا كَانَتْ الْبَهِيمَةُ بَاقِيَةً (لَا أَنَّهُ وَاجِبٌ) قَالَ (وَمَنْ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ الْبَغْيِ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا) وَأَقَرَّ عِنْدَ الْإِمَامِ بِالزِّنَا (لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُحَدُّ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِإِسْلَامِهِ أَحْكَامَهُ أَيْنَمَا كَانَ مُقَامُهُ. وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي دَارِ الْحَرْبِ» ) . وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُرِدْ بِهِ حَقِيقَةَ عَدَمِ الْإِقَامَةِ حِسًّا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَعْرِفُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْحَدِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِانْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْإِمَامِ عَنْهَا فَكَانَ الْمُرَادُ بِعَدَمِ الْإِقَامَةِ عَدَمَ وُجُوبِ الْحَدِّ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا الْحَدِيثُ مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ {فَاجْلِدُوا} [النور: 2] فَلَا يُقْبَلُ. أُجِيبَ بِأَنَّ مَوَاضِعَ الشُّبْهَةِ خُصَّتْ مِنْ ذَلِكَ فَيَجُوزُ التَّخْصِيصُ بَعْدَ ذَلِكَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ حُجَّةً قَطْعِيَّةً عَلَى هَذَا أَطْبَقَ الشَّارِحُونَ، وَفِيهِ نَظَرٌ يُعْرَفُ بِاسْتِحْضَارِ قَوَاعِدِ الْأُصُولِ. وَهُوَ أَنَّ التَّخْصِيصَ بِهِمَا إنَّمَا يَصِحُّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ بِلَفْظٍ مُقَارَنٍ وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ بِمَوْجُودٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ حَصَلَ التَّخْصِيصُ بِلَفْظٍ مُقَارَنٍ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا} [النور: 2] فَإِنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إلَى الزَّانِي وَالزَّانِيَةِ. وَالزِّنَا وَطْءُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ فِي الْقُبُلِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فَخَرَجَ مِنْهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ رَجُلًا. وَإِذَا خَصَّ مُقَارَنًا جَازَ التَّخْصِيصُ بَعْدَهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الِانْزِجَارُ) يَعْنِي أَنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ لَيْسَ لِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا هُوَ لِلِانْزِجَارِ، وَالِانْزِجَارُ يَحْصُلُ بِالِاسْتِيفَاءِ، وَالِاسْتِيفَاءُ مُتَعَذَّرٌ لِانْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْإِمَامِ. فَلَوْ وَجَبَ الْحَدُّ لَعَرَى عَنْ الْفَائِدَةِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَإِذَا لَمْ يَنْعَقِدْ مُوجِبًا لَا يُقَامُ بَعْدَمَا خَرَجَ لِئَلَّا يَقَعَ الْحُكْمُ بِغَيْرِ سَبَبٍ، وَأَنَّثَ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّهَا لَمْ تَنْعَقِدْ بِتَأْوِيلِ الْفَاحِشَةِ،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} [الإسراء: 32] أَوْ بِتَأْوِيلِ الْوَطْأَةِ

مَا خَرَجَ لِأَنَّهَا لَمْ تَنْعَقِدْ مُوجِبَةً فَلَا تَنْقَلِبُ مُوجِبَةً. وَلَوْ غَزَا مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِقَامَةِ بِنَفْسِهِ كَالْخَلِيفَةِ وَأَمِيرِ مِصْرَ يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى مَنْ زَنَى فِي مُعَسْكَرِهِ لِأَنَّهُ تَحْتَ يَدِهِ، بِخِلَافِ أَمِيرِ الْعَسْكَرِ وَالسَّرِيَّةِ لِأَنَّهُ لَمْ تُفَوَّضْ إلَيْهِمَا الْإِقَامَةُ. (وَإِذَا دَخَلَ حَرْبِيٌّ دَارَنَا بِأَمَانٍ فَزَنَى بِذِمِّيَّةٍ أَوْ زَنَى ذِمِّيٌّ بِحَرْبِيَّةٍ يُحَدُّ الذِّمِّيُّ وَالذِّمِّيَّةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا يُحَدُّ الْحَرْبِيُّ وَالْحَرْبِيَّةُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الذِّمِّيِّ) يَعْنِي إذَا زَنَى بِحَرْبِيَّةٍ، فَأَمَّا إذَا زَنَى الْحَرْبِيُّ بِذِمِّيَّةٍ لَا يُحَدَّانِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوَّلًا (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُحَدُّونَ كُلُّهُمْ) وَهُوَ قَوْلُهُ الْآخَرُ. لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ الْتَزَمَ أَحْكَامَنَا مُدَّةَ مُقَامِهِ فِي دَارِنَا فِي الْمُعَامَلَاتِ، كَمَا أَنَّ الذِّمِّيَّ الْتَزَمَهَا مُدَّةَ عُمُرِهِ وَلِهَذَا يُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ وَيُقْتَلُ قِصَاصًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلَوْ غَزَا) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (فِي مُعَسْكَرِهِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ مِنْ مُعَسْكَرِهِ وَدَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ وَزَنَى فِيهَا ثُمَّ خَرَجَ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ (وَالسَّرِيَّةُ) قِيلَ هُمْ الَّذِينَ يَسِيرُونَ بِاللَّيْلِ وَيَخْتَفُونَ بِالنَّهَارِ، وَمِنْهُ «خَيْرُ السَّرَايَا أَرْبَعُمِائَةٍ» وَقَوْلُهُ (وَإِذَا دَخَلَ حَرْبِيٌّ دَارَنَا بِأَمَانٍ) حَاصِلُ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ شُمُولُ الْوُجُوبِ فِي الذِّمِّيِّ وَالذِّمِّيَّةِ وَشُمُولُ الْعَدَمِ فِي الْحَرْبِيِّ وَالْحَرْبِيَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهَذَا الشُّمُولُ لَا يَتَغَيَّرُ بِمُغَايَرَةِ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ لِلْآخَرِ بِكَوْنِهِ حَرْبِيًّا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَدَمُ التَّغَيُّرِ ثَابِتٌ فِي جَانِبِ الْحَرْبِيِّ وَالْحَرْبِيَّةِ. وَأَمَّا فِي جَانِبِ الذِّمِّيِّ فَيَتَفَاوَتُ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ حَالُهُمَا حَيْثُ يُحَدُّ الذِّمِّيُّ وَلَا تُحَدُّ الْحَرْبِيَّةُ، وَفِي الْعَكْسِ لَا يُحَدَّانِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا، وَقَالَ آخِرًا بِشُمُولِ الْوُجُوبِ فِي الْأَنْوَاعِ كُلِّهَا (لَهُ أَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ الْتَزَمَ أَحْكَامَنَا مُدَّةَ مُقَامِهِ فِي دَارِنَا كَمَا أَنَّ الذِّمِّيَّ الْتَزَمَهَا مُدَّةَ عُمُرِهِ) وَمَنْ الْتَزَمَ أَحْكَامَنَا تَنْفُذُ عَلَيْهِ كَالْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ (وَلِهَذَا يُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ وَيُقْتَلُ قِصَاصًا) فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَأُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ الشُّرْبِ لِأَنَّهُ

بِخِلَافِ حَدِّ الشُّرْبِ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ إبَاحَتَهُ. وَلَهُمَا أَنَّهُ مَا دَخَلَ لِلْقَرَارِ بَلْ لِحَاجَةٍ كَالتِّجَارَةِ وَنَحْوِهَا فَلَمْ يَصِرْ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا وَلِهَذَا يُمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَلَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ وَلَا الذِّمِّيُّ بِهِ، وَإِنَّمَا الْتَزَمَ مِنْ الْحُكْمِ مَا يَرْجِعُ إلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ حُقُوقُ الْعِبَادِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا طَمِعَ فِي الْإِنْصَافِ يَلْتَزِمْ الِانْتِصَافَ، وَالْقِصَاصُ وَحَدُّ الْقَذْفِ مِنْ حُقُوقِهِمْ، أَمَّا حَدُّ الزِّنَا فَمَحْضُ حَقِّ الشَّرْعِ. وَلِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ الْفَرْقُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي بَابِ الزِّنَا فِعْلُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ تَابِعَةٌ لَهُ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَامْتِنَاعُ الْحَدِّ فِي حَقِّ الْأَصْلِ يُوجِبُ امْتِنَاعَهُ فِي حَقِّ التَّبَعِ، أَمَّا الِامْتِنَاعُ فِي حَقِّ التَّبَعِ لَا يُوجِبُ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّ الْأَصْلِ. نَظِيرُهُ إذَا زَنَى الْبَالِغُ بِصَبِيَّةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ وَتَمْكِينُ الْبَالِغَةِ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ أَحْكَامِنَا. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (بِخِلَافِ حَدِّ الشُّرْبِ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ إبَاحَتَهُ) فَإِنْ قُلْت: فَهُوَ يَعْتَقِدُ إبَاحَةَ قَتْلِ الْمُسْلِمِ وَقَذْفِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْتَصَّ مِنْهُ وَلَا يُحَدُّ لِقَذْفِهِ. قُلْت: الْمَعْنَى بِاعْتِقَادِ الْإِبَاحَةِ هُوَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ دَيْنًا، وَقَتْلُ النَّفْسِ وَالْقَذْفِ حَرَامٌ فِي دِينِهِمْ، فَإِبَاحَتُهُمْ ذَلِكَ لَيْسَتْ بِدَيْنٍ، وَإِنَّمَا هُوَ هَوًى وَتَعَصُّبٌ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الْتِزَامَ الْأَحْكَامِ إنَّمَا هُوَ بِالْتِزَامِ الْقَرَارِ فِي الدَّارِ، لِأَنَّ الِاتِّصَافَ بِكَوْنِهِ مِنْ دَارِنَا إنَّمَا يَكُونُ بِذَلِكَ، وَالْحَرْبِيُّ مَا الْتَزَمَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ دَخَلَ لِحَاجَةٍ كَالتِّجَارَةِ وَنَحْوِهَا فَلَمْ يَصِرْ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا، وَلِهَذَا يُمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَلَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ وَلَا الذِّمِّيُّ بِهِ) وَإِذَا لَمْ يَصِرْ مِنْ دَارِنَا وَكَانَ دُخُولُهُ لِحَاجَةٍ (كَانَ مُلْتَزِمًا مِنْ الْأَحْكَامِ مَا يَرْجِعُ إلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ حُقُوقُ الْعِبَادِ) لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَدْخُلْ إلَّا طَامِعًا فِي الْإِنْصَافِ: أَيْ الْعَدْلِ لِأَجْلِهِ عَلَى غَيْرِهِ (يَلْتَزِمُ الِانْتِصَافَ) أَيْ الْعَدْلَ لِغَيْرِهِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْغُرْمَ بِإِزَاءِ الْغُنْمِ. (وَالْقِصَاصُ وَحَدُّ الْقَذْفِ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ) فَكَانَ دَاخِلًا فِي الِانْتِصَافِ (وَأَمَّا حَدُّ الزِّنَا فَمَحْضُ حَقِّ الشَّرْعِ) فَلَا يَكُونُ دَاخِلًا فِيهِ، فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ الْجَوَابِ عَنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ شَرَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي إثْبَاتِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ (الْأَصْلُ فِي بَابِ الزِّنَا فِعْلُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةُ تَابِعَةٌ لَهُ عَلَى مَا يَأْتِي؛ فَامْتِنَاعُ الْحَدِّ فِي حَقِّ الْأَصْلِ) فِيمَا إذَا زَنَى الْحَرْبِيُّ بِذِمِّيَّةٍ (يُوجِبُ امْتِنَاعَهُ فِي حَقِّ التَّبَعِ) وَإِلَّا لَا يَكُونُ تَبَعًا فَكَانَ خَلَفًا (وَأَمَّا الِامْتِنَاعُ فِي حَقِّ التَّبَعِ) فِيمَا إذَا زَنَى الذِّمِّيُّ بِحَرْبِيَّةٍ (فَلَا يُوجِبُ امْتِنَاعَهُ فِي حَقِّ الْأَصْلِ) وَإِلَّا لَكَانَ مُسْتَتْبَعًا فَكَانَ أَصْلًا، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ تَبَعٌ وَذَلِكَ خَلَفٌ بَاطِلٌ (نَظِيرُ ذَلِكَ إذَا زَنَى الْبَالِغُ بِصَبِيَّةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ) فَإِنَّهُ يُحَدُّ الْبَالِغُ دُونَهُمَا لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّ التَّبَعِ لَا يَسْتَلْزِمُهُ فِي حَقِّ الْأَصْلِ (وَتَمْكِينُ الْبَالِغَةِ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ) فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ أَنَّ فِعْلَ الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ زِنًا لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْحُرُمَاتِ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِالشَّرَائِعِ عَلَى أَصْلِنَا وَالتَّمْكِينُ مِنْ فِعْلٍ هُوَ زِنًا مُوجِبٌ لِلْحَدِّ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِأَنَّهُمَا لَا يُخَاطَبَانِ، وَنَظِيرُ هَذَا الِاخْتِلَافِ إذَا زَنَى الْمُكْرَهُ بِالْمُطَاوِعَةِ تُحَدُّ الْمُطَاوِعَةُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ لَا تُحَدُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالِامْتِنَاعَ فِي حَقِّ الْأَصْلِ يَسْتَلْزِمُهُ فِي حَقِّ التَّبَعِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ فِعْلَ الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ زِنًا حَقِيقَةً لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْحُرُمَاتِ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِالشَّرَائِعِ عَلَى أَصْلِنَا) وَلِهَذَا لَوْ قَذَفَهُ قَاذِفٌ بِهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَدُّ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِوُجُوبِ تَبْلِيغِهِ مَأْمَنَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: 6] وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ تَمْكِينُ الْمَرْأَةِ مِنْهُ زِنًا لِأَنَّ التَّمْكِينَ مِنْ فِعْلِ الزِّنَا زِنًا يُوجِبُ الْحَدَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [النور: 2] فَيَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهَا لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ، بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ لِتَحَقُّقِ الْمَانِعِ وَهُوَ تَبْلِيغُهُ مَأْمَنَهُ، وَالْمُرَادُ بِالْحُرُمَاتِ تَرْكُ الِامْتِثَالِ بِالْأَوَامِرِ وَالِانْتِهَاءِ عَنْ النَّوَاهِي، فَإِنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِالْعِبَادَاتِ مِنْ حَيْثُ التَّرْكُ تَضْعِيفًا لِلْعَذَابِ عَلَيْهِمْ (قَوْلُهُ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِ مَشَايِخِنَا الْعِرَاقِيِّينَ فَإِنَّهُمْ قَالُوا بِكَوْنِهِمْ مُخَاطَبِينَ بِالشَّرَائِعِ كُلِّهَا بِالْعِبَادَاتِ وَالْحُرُمَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِالشَّرَائِعِ عَلَى أَصْلِنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا فَإِنَّهُمْ قَالُوا الْكُفَّارُ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِالشَّرَائِعِ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: وَمَشَايِخُ دِيَارِنَا يَقُولُونَ: إنَّهُمْ لَا يُخَاطَبُونَ بِأَدَاءِ مَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ مِنْ الْعِبَادَاتِ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ) جَوَابٌ عَنْ مُسْتَشْهَدِ مُحَمَّدٍ عَلَى أَنَّ سُقُوطَ الْحَدِّ مِنْ الْأَصْلِ يُوجِبُ السُّقُوطَ مِنْ التَّبَعِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ نَظِيرَ مَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَا يُخَاطَبَانِ فَلَا يَكُونُ فِعْلُهُمَا زِنًا، وَالتَّمْكِينُ مِنْ غَيْرِ الزِّنَا لَيْسَ بِزِنًا فَلَا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَالْحَرْبِيُّ مُخَاطَبٌ فَفِعْلُهُ زِنًا، وَالتَّمْكِينُ مِنْ الزِّنَا زِنًا يُوجِبُ الْحَدَّ (وَنَظِيرُ هَذَا الِاخْتِلَافِ إذَا زَنَى الْمُكْرَهُ بِالْمُطَاوِعَةِ تُحَدُّ الْمُطَاوِعَةُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تُحَدُّ) .

قَالَ (وَإِذَا زَنَى الصَّبِيُّ أَوْ الْمَجْنُونُ بِامْرَأَةٍ طَاوَعَتْهُ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهَا) . وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى: يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهَا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ (وَإِنْ زَنَى صَحِيحٌ بِمَجْنُونَةٍ أَوْ صَغِيرَةٍ يُجَامَعُ مِثْلُهَا حُدَّ الرَّجُلُ خَاصَّةً) وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ. لَهُمَا أَنَّ الْعُذْرَ مِنْ جَانِبِهَا لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الْحَدِّ مِنْ جَانِبِهِ فَكَذَا الْعُذْرُ مِنْ جَانِبِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُؤَاخَذٌ بِفِعْلِهِ. وَلَنَا أَنَّ فِعْلَ الزِّنَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا هِيَ مَحَلُّ الْفِعْلِ وَلِهَذَا يُسَمَّى هُوَ وَاطِئًا وَزَانِيًا وَالْمَرْأَةُ مَوْطُوءَةً وَمَزْنِيًّا بِهَا، إلَّا أَنَّهَا سُمِّيَتْ زَانِيَةً مَجَازًا تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِاسْمِ الْفَاعِلِ كَالرَّاضِيَةِ فِي مَعْنَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَإِذَا زَنَى الصَّبِيُّ أَوْ الْمَجْنُونُ) صُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ظَاهِرَةٌ، وَوَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ قِيَاسُ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ بِالْآخَرِ قَالَا: (الْعُذْرُ مِنْ جَانِبِهَا) كَمَا فِي صُورَةِ الْإِجْمَاعِ (لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الْحَدِّ مِنْ جَانِبِهِ فَكَذَا الْعُذْرُ مِنْ جَانِبِهِ) وَهُوَ فِي الصُّورَةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا لَا يُوجِبُ سُقُوطَهُ مِنْ جَانِبِهَا، وَالْجَامِعُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُؤَاخَذٌ بِفِعْلِهِ، وَدَلِيلُنَا ظَاهِرٌ مِمَّا ذَكَرْنَا آنِفًا لِمُحَمَّدٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّكْرَارِ. وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّ غَيْرَ الْمُحْصَنِ إذَا زَنَى بِالْمُحْصَنَةِ يَجِبُ الرَّجْمُ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَى الرَّجُلِ فَعَدَمُ الرَّجْمِ عَلَى الْأَصْلِ لَا يُوجِبُ عَدَمَهُ عَلَى التَّبَعِ فَلْيَكُنْ نَفْسُ الْحَدِّ كَذَلِكَ. وَالثَّانِي أَنَّ الصَّبِيَّ أَوْ الْمَجْنُونَ إذَا زَنَى بِالْمُطَاوِعَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْمَهْرُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَخْلُو عَنْ

الْمَرْضِيَّةِ، أَوْ لِكَوْنِهَا مُسَبِّبَةً بِالتَّمْكِينِ فَتَعَلَّقَ الْحَدُّ فِي حَقِّهَا بِالتَّمْكِينِ مِنْ قَبِيحِ الزِّنَا وَهُوَ فِعْلُ مَنْ هُوَ مُخَاطَبٌ بِالْكَفِّ عَنْهُ وَمُؤْتَمٌّ عَلَى مُبَاشَرَتِهِ، وَفِعْلُ الصَّبِيِّ لَيْسَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا يُنَاطُ بِهِ الْحَدُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَدِ الْمُوجِبَيْنِ: إمَّا الْحَدُّ أَوْ الْمَهْرُ. وَقَدْ أَوْرَدَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ فِيمَا إذَا طَاوَعَتْهُ الْمَرْأَةُ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إحْصَانِ الزَّانِي إحْصَانُ الزَّانِيَةِ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ مَوْقُوفٌ عَلَى شَرَائِطَ أُخَرَ، وَيَلْزَمُ مِنْ تَحْقِيقِ فِعْلِ الزِّنَا مِنْهُ تَحْقِيقُهُ مِنْهَا بِسَبَبِ التَّمْكِينِ لِأَنَّ تَمْكِينَهَا سَبَبٌ لِفِعْلِ الرَّجُلِ فَيُقَامُ السَّبَبُ مَقَامَ الْمُسَبَّبِ فِي حَقِّهَا. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا الْمَهْرَ عَلَى الصَّبِيِّ فِيمَا إذَا طَاوَعَتْهُ لَخَلَا الْإِيجَابُ عَنْ الْفَائِدَةِ، لِأَنَّ لِوَلِيِّ الصَّبِيِّ الرُّجُوعَ عَلَيْهَا فِي الْحَالِ بِمِثْلِ ذَلِكَ لِأَنَّهَا لَمَّا طَاوَعَتْهُ صَارَتْ آمِرَةً لِلصَّبِيِّ بِالزِّنَا مَعَهَا وَقَدْ لَحِقَهُ بِذَلِكَ غُرْمٌ، وَصَحَّ الْأَمْرُ مِنْ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ لَهَا وِلَايَةً عَلَى نَفْسِهَا فَلَا يُفِيدُ الْإِيجَابَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مُكْرَهَةً أَوْ صَبِيَّةً فَإِنَّ الْمُكْرَهَةَ لَيْسَتْ بِآمِرَةٍ وَالصَّبِيَّةَ لَا يَصِحُّ أَمْرُهَا لِعَدَمِ وِلَايَتِهَا عَلَى نَفْسِهَا فَكَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الْمُكْرَهَةِ، فَإِيجَابُ الْمَهْرِ كَانَ مُفِيدًا ثَمَّةَ، إذْ لَيْسَ لِوَلِيِّ الصَّبِيِّ حِينَئِذٍ أَنْ

قَالَ (وَمَنْ أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ حَتَّى زَنَى فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ) وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ أَوَّلًا يُحَدُّ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّ الزِّنَا مِنْ الرَّجُلِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بَعْدَ انْتِشَارِ الْآلَةِ وَذَلِكَ دَلِيلُ الطَّوَاعِيَةِ. ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ فَقَالَ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ سَبَبَهُ الْمُلْجِئَ قَائِمٌ ظَاهِرًا، وَالِانْتِشَارُ دَلِيلٌ مُتَرَدِّدٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ قَصْدٍ لِأَنَّ الِانْتِشَارَ قَدْ يَكُونُ طَبْعًا لَا طَوْعًا كَمَا فِي النَّائِمِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً، وَإِنْ أَكْرَهَهُ غَيْرُ السُّلْطَانِ حُدَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: لَا يُحَدُّ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ عِنْدَهُمَا قَدْ يَتَحَقَّقُ مِنْ غَيْرِ السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ خَوْفُ الْهَلَاكِ وَأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ مِنْ غَيْرِهِ. وَلَهُ أَنَّ الْإِكْرَاهَ مِنْ غَيْرِهِ لَا يَدُومُ إلَّا نَادِرًا لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِاسْتِعَانَةِ بِالسُّلْطَانِ أَوْ بِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَيُمْكِنُهُ دَفْعُهُ بِنَفْسِهِ بِالسِّلَاحِ، وَالنَّادِرُ لَا حُكْمَ لَهُ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْحَدُّ، بِخِلَافِ السُّلْطَانِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِاسْتِعَانَةُ بِغَيْرِهِ وَلَا الْخُرُوجُ بِالسِّلَاحِ عَلَيْهِ فَافْتَرَقَا (وَمَنْ أَقَرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي مَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٍ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ وَقَالَتْ هِيَ: تَزَوَّجَنِي أَوْ أَقَرَّتْ بِالزِّنَا وَقَالَ الرَّجُلُ تَزَوَّجْتهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ فِي ذَلِكَ) لِأَنَّ دَعْوَى النِّكَاحِ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَهُوَ يَقُومُ بِالطَّرَفَيْنِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً، وَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ وَجَبَ الْمَهْرُ تَعْظِيمًا ـــــــــــــــــــــــــــــQيَرْجِعَ عَلَيْهَا بِمِثْلِ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ إلَخْ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ فِي ذَلِكَ) يَعْنِي فِي كِلْتَا

لِخَطَرِ الْبُضْعِ (وَمَنْ زَنَى بِجَارِيَةٍ فَقَتَلَهَا فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ) مَعْنَاهُ: قَتَلَهَا بِفِعْلِ الزِّنَا لِأَنَّهُ جَنَى جِنَايَتَيْنِ فَيُوَفِّرُ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالصُّورَتَيْنِ: دَعْوَى الرَّجُلِ النِّكَاحَ وَدَعْوَاهُ الْمَرْأَةَ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ الْمَهْرُ فِيمَا إذَا أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ بِالزِّنَا لِأَنَّهَا تَنْفِي وُجُوبَ الْمَهْرِ فَكَيْفَ وَجَبَ لَهَا الْمَهْرُ وَهِيَ مُنْكِرَةٌ لِلنِّكَاحِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ النِّكَاحَ يَقُومُ بِالطَّرَفَيْنِ وَالزَّوْجُ يَدَّعِي النِّكَاحَ فَبِدَعْوَاهُ النِّكَاحَ انْتَفَى الْحَدُّ عَنْهُ فِي هَذَا الْوَطْءِ لِأَنَّهُ فِي دَعْوَاهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُصَدَّقًا أَوْ مُكَذَّبًا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ أَثْبَتَ النِّكَاحَ حَقِيقَةً، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَاحْتِمَالُ الصِّدْقِ قَائِمٌ لَا مَحَالَةَ، وَالِاحْتِمَالُ فِي بَابِ الْحُدُودِ مُلْحَقٌ بِالْيَقِينِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ فَيَسْقُطُ الْحَدُّ، وَسُقُوطُهُ يَسْتَلْزِمُ وُجُوبَ الْمَهْرِ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَخْلُو عَنْ غَرَامَةٍ أَوْ عُقُوبَةٍ، فَإِذَا تَحَقَّقَ الْمَلْزُومُ بِدُونِ اخْتِيَارِهَا تَحَقَّقَ اللَّازِمُ كَذَلِكَ فَيَثْبُتُ لَهَا الْمَهْرُ وَإِنْ رَدَّتْهُ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ زَنَى بِجَارِيَةٍ فَقَتَلَهَا فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ) إنَّمَا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْجَارِيَةِ وَإِنْ كَانَ هَذَا الْحُكْمُ وَهُوَ وُجُوبُ الْحَدِّ مَعَ الضَّمَانِ لَا يَتَفَاوَتُ بَيْنَ الْحُرَّةِ

كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمَهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ تَقَرُّرَ ضَمَانِ الْقِيمَةِ سَبَبٌ لَمِلْكِ الْأَمَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا اشْتَرَاهَا بَعْدَ مَا زَنَى بِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْجَارِيَةِ، فَإِنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ الْحُرَّةِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِمَا أَنَّ شُبْهَةَ عَدَمِ وُجُوبِ الْحَدِّ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ إنَّمَا تَرِدُ فِي حَقِّ الْجَارِيَةِ لَا فِي حَقِّ الْحُرَّةِ، لِأَنَّ الْأَمَةَ تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مِلْكًا لِلزَّانِي عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ بِشُبْهَةِ أَنْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ، كَمَا إذَا زَنَى بِهَا فَأَذْهَبَ عَيْنَهَا وَهُوَ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

وَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ، وَاعْتِرَاضُ سَبَبِ الْمِلْكِ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ يُوجِبُ سُقُوطَهُ، كَمَا إذَا مَلَكَ الْمَسْرُوقَ قَبْلَ الْقَطْعِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ ضَمَانُ قَتْلٍ فَلَا يُوجِبُ الْمِلْكَ لِأَنَّهُ ضَمَانُ دَمٍ، وَلَوْ كَانَ يُوجِبُهُ فَإِنَّمَا يُوجِبُهُ فِي الْعَيْنِ كَمَا فِي هِبَةِ الْمَسْرُوقِ لَا فِي مَنَافِعِ الْبُضْعِ لِأَنَّهَا اُسْتُوْفِيَتْ وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا فَلَا يَظْهَرُ فِي الْمُسْتَوْفَى لِكَوْنِهَا مَعْدُومَةً، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى بِهَا فَأَذْهَبَ عَيْنَهَا حَيْثُ تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا، وَيَسْقُطُ الْحَدُّ لِأَنَّ الْمِلْكَ هُنَالِكَ يَثْبُتُ فِي الْجُثَّةِ الْعَمْيَاءِ وَهِيَ عَيْنٌ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ) أَيْ شِرَاءُ الْجَارِيَةِ بَعْدَ الزِّنَا بِهَا قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ يُحَدُّ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فَكَانَ رَدُّ الْمُخْتَلَفِ إلَى الْمُخْتَلِفِ، لَكِنْ الْخِلَافُ فِي الْمُشْتَرَاةِ بَعْدَ الزِّنَا مَذْكُورٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ (وَلَهُمَا أَنَّ هَذَا الضَّمَانَ ضَمَانُ قَتْلٍ وَضَمَانَ الْقَتْلِ لَا يُوجِبُ الْمِلْكَ لِأَنَّهُ ضَمَانُ دَمٍ) وَالدَّمُ بِمَا لَا يَمْلِكُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَرَّرُ هَكَذَا لِأَنَّهُ ضَمَانُ دَمٍ، وَضَمَانُ الدَّمِ يَجِبُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْمَوْتُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْمِلْكِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ كَانَ يُوجِبُهُ) يَعْنِي سَلَّمْنَا أَنَّ ضَمَانَ الْقَتْلِ يُوجِبُ الْمِلْكَ لَكِنْ إنَّمَا يُوجِبُهُ فِي الْعَيْنِ كَمَا ذَكَرْتُمْ فِي هَيْئَةِ الْمَسْرُوقِ لَا فِي مَنَافِعِ الْبُضْعِ لِأَنَّهَا اُسْتُوْفِيَتْ وَتَلَاشَتْ فَلَمْ تَكُنْ قَابِلَةً لِلْمِلْكِ حَالَةَ الضَّمَانِ وَلَا مُسْتَنِدَةً لِأَنَّ الْمُسْتَنِدَ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَعْدُومِ وَالْمَنَافِعُ الْمُسْتَوْفَاةُ مَعْدُومَةٌ. قِيلَ فَلْيَكُنْ الْمِلْكُ ثَابِتًا بِطَرِيقِ التَّبَيُّنِ لِئَلَّا يُشْتَرَطَ الْوُجُودُ كَمَا فِي الْحَيْضِ دَرْءًا فِي بَابِ الْحُدُودِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّبَيُّنَ إنَّمَا يَكُونُ فِي حُكْمٍ مُغَيَّا بِغَايَةٍ يُنْتَظَرُ الْوُصُولُ إلَيْهَا، فَإِنْ وَصَلَ حُكِمَ بِثُبُوتِهِ وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي الْحَيْضِ، وَلَيْسَ مَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى بِهَا) جَوَابٌ لِصُورَةٍ يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَشْهِدَ بِهَا أَبُو يُوسُفَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الزَّانِيَ بِالضَّمَانِ يَمْلِكُ الْجُثَّةَ الْعَمْيَاءَ لِكَوْنِهَا قَابِلَةً لِلْمِلْكِ إذْ هِيَ مَوْجُودَةٌ فَتُورِثُ الشُّبْهَةَ، وَهَذَا الْجَوَابُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى أَصْلِ الْجَوَابِ دُونَ التَّنَزُّلِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْمِلْكُ يَثْبُتُ فِي الْجُثَّةِ الْعَمْيَاءِ مُسْتَنِدًا فَلَا يَظْهَرُ فِي الْمُسْتَوْفِي: أَعْنِي الْمَنَافِعَ لِكَوْنِهَا مَعْدُومَةً، وَأَمَّا إذَا نَظَرْت إلَى أَصْلِ الْجَوَابِ وَهُوَ قَوْلُهُ إنَّهُ ضَمَانُ قَتْلٍ فَلَا يُوجِبُ الْمِلْكَ لِأَنَّهُ ضَمَانُ دَمٍ وَهُوَ لَيْسَ بِعَيْنٍ تُمْلَكُ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ. وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ

قَالَ (وَكُلُّ شَيْءٍ صَنَعَهُ الْإِمَامُ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ إمَامٌ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ إلَّا الْقِصَاصُ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِهِ وَبِالْأَمْوَالِ) لِأَنَّ الْحُدُودَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَإِقَامَتُهَا إلَيْهِ لَا إلَى غَيْرِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ، بِخِلَافِ حُقُوقِ الْعِبَادِ لِأَنَّهُ يَسْتَوْفِيهِ وَلِيُّ الْحَقِّ إمَّا بِتَمْكِينِهِ أَوْ بِالِاسْتِعَانَةِ بِمَنَعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَالْقِصَاصُ وَالْأَمْوَالُ مِنْهَا. وَأَمَّا حَدُّ الْقَذْفِ قَالُوا الْمُغَلَّبُ فِيهِ حَقُّ الشَّرْعِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ سَائِرِ الْحُدُودِ الَّتِي هِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالنَّظَرِ إلَى التَّنَزُّلِ أَيْضًا بِأَنَّ الْمِلْكَ وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا فِيهِ أَيْضًا لَكِنْ فِيهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ فَتَكُونُ فِي الْمَنَافِعِ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ، وَلَا كَذَلِكَ فِي الْجُثَّةِ الْعَمْيَاءِ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ فِيهَا حَقِيقَةً فَيَكُونُ فِي الْمَنَافِعِ الشُّبْهَةُ وَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ، لَكِنْ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يُشِيرُ إلَى هَذَا أَصْلًا (وَكُلُّ شَيْءٍ صَنَعَهُ الْإِمَامُ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ إمَامٌ) وَفَسَّرَهُ أَبُو اللَّيْثِ بِالْخَلِيفَةِ (فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ إلَّا الْقِصَاصُ، فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِهِ وَبِالْأَمْوَالِ لِأَنَّ الْحُدُودَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَإِقَامَتُهَا إلَيْهِ لَا إلَى غَيْرِهِ) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَرْبَعٌ إلَى الْوُلَاةِ» وَعَدَّ مِنْهَا إقَامَةَ الْحُدُودِ، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَأَمَّا حَدُّ الْقَذْفِ فَالْمُغَلَّبُ فِيهِ حَقُّ الشَّرْعِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ سَائِرِ الْحُدُودِ الَّتِي هِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَوْ كَانَ الْمُغَلَّبُ فِيهِ حَقَّ الشَّرْعِ لَوَجَبَ أَنْ لَا يُحَدَّ الْمُسْتَأْمَنُ إذَا قَذَفَ كَمَا لَوْ زَنَى، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُحَدُّ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ يَشْتَمِلُ عَلَى الْحَقَّيْنِ لَا مَحَالَةَ فَيُعْمَلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ، وَمَا يَلِيقُ بِالْحَرْبِيِّ أَنْ يَكُونَ حَقَّ الْعَبْدِ لِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ، وَمَا يَلِيقُ بِالْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ لَيْسَ فَوْقَهُ إمَامٌ يَسْتَوْفِيهِ مِنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[باب الشهادة على الزنا والرجوع عنها]

(بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَالرُّجُوعِ عَنْهَا) : (وَإِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ بِحَدٍّ مُتَقَادِمٍ لَمْ يَمْنَعْهُمْ عَنْ إقَامَتِهِ بُعْدُهُمْ عَنْ الْإِمَامِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ إلَّا فِي حَدِّ الْقَذْفِ خَاصَّةً) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَالرُّجُوعِ عَنْهَا] قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ ثُبُوتَ الزِّنَا عِنْدَ الْإِمَامِ إنَّمَا يَكُونُ بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ لَا غَيْرُ، وَهُمَا الشَّهَادَةُ وَالْإِقْرَارُ، وَأَخَّرَ الشَّهَادَةَ هَاهُنَا عَنْ الْإِقْرَارِ لِقِلَّةِ ثُبُوتِ الزِّنَا بِالشَّهَادَةِ وَنُدْرَتِهِ حَتَّى لَمْ يُنْقَلْ عَنْ السَّلَفِ ثُبُوتُ الزِّنَا عِنْدَ الْإِمَامِ بِالشَّهَادَةِ، إذْ رُؤْيَةُ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ عُدُولٍ عَلَى الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ كَمَا فِي الْكِلَابِ فِي غَايَةِ النُّدْرَةِ. قَالَ (وَإِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ بِحَدٍّ مُتَقَادِمٍ وَلَمْ يَكُونُوا بِعِيدَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ إلَّا فِي حَدِّ الْقَذْفِ خَاصَّةً) وَأَعَادَ لَفْظَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى زِيَادَةِ إيضَاحٍ وَهِيَ تَعْدِيدُ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ صَرِيحًا مِنْ السَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا، وَزِيَادَةِ الْحِينِ الَّذِي اسْتَفَادَ مِنْهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ قَدْرَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فِي التَّقَادُمِ، وَزِيَادَةِ إثْبَاتِ الضَّمَانِ فِي السَّرِقَةِ؛ ثُمَّ كَمَا

وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: (وَإِذَا شَهِدَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ بِسَرِقَةٍ أَوْ بِشُرْبِ خَمْرٍ أَوْ بِزِنًا بَعْدَ حِينٍ لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ وَضَمِنَ السَّرِقَةَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُحَدُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ لَا تُحَدُّ الشُّهُودُ أَيْضًا حَدَّ الْقَذْفِ فِي الشَّهَادَةِ بِالزِّنَا لِأَنَّ عَدَدَهُمْ مُتَكَامِلٌ وَالْأَهْلِيَّةُ لِلشَّهَادَةِ مَوْجُودَةٌ

وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْحُدُودَ الْخَالِصَةَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى تَبْطُلُ بِالتَّقَادُمِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، هُوَ يَعْتَبِرُهَا بِحُقُوقِ الْعِبَادِ وَبِالْإِقْرَارِ الَّذِي هُوَ إحْدَى الْحُجَّتَيْنِ. وَلَنَا أَنَّ الشَّاهِدَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ حِسْبَتَيْنِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَالسَّتْرِ، فَالتَّأْخِيرُ إنْ كَانَ لِاخْتِيَارِ السَّتْرِ فَالْإِقْدَامُ عَلَى الْأَدَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ لِضَغِينَةٍ هَيَّجَتْهُ أَوْ لِعَدَاوَةٍ حَرَّكَتْهُ فَيُتَّهَمُ فِيهَا وَإِنْ كَانَ التَّأْخِيرُ لَا لِلسَّتْرِ يَصِيرُ فَاسِقًا آثِمًا فَتَيَقَّنَّا بِالْمَانِعِ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُعَادِي نَفْسَهُ، فَحَدُّ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالسَّرِقَةِ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَصِحَّ الرُّجُوعُ عَنْهَا بَعْدَ الْإِقْرَارِ فَيَكُونَ التَّقَادُمُ فِيهِ مَانِعًا، وَحَدُّ الْقَذْفِ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ لِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ الْعَارِ عَنْهُ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ، وَالتَّقَادُمُ غَيْرُ مَانِعٍ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَلِأَنَّ الدَّعْوَى فِيهِ شَرْطٌ فَيُحْمَلُ تَأْخِيرُهُمْ عَلَى انْعِدَامِ الدَّعْوَى فَلَا يُوجِبُ تَفْسِيقَهُمْ، بِخِلَافِ حَدِّ السَّرِقَةِ لِأَنَّ الدَّعْوَى لَيْسَتْ بِشَرْطٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَذَلِكَ يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُمْ قَذْفًا وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ حِسْبَتَيْنِ أَجْرَيْنِ مَطْلُوبَيْنِ لَهُ يُقَالُ احْتَسَبْت بِكَذَا أَجْرًا، وَالِاسْمُ الْحِسْبَةُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَهِيَ الْأَجْرُ وَالْجَمْعُ الْحِسَبُ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ حَدِّ السَّرِقَةِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الدَّعْوَى شَرْطٌ فِي السَّرِقَةِ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ بِسَرِقَةٍ مُتَقَادِمَةٍ لَمْ تُقْبَلْ، فَعَلِمَ بِهَذَا أَنَّ قَبُولَ الشَّهَادَةِ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ بَعْدَ التَّقَادُمِ لَمْ يَكُنْ لِاشْتِرَاطِ الدَّعْوَى. وَوَجْهُهُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الدَّعْوَى شَرْطٌ لِلْحَدِّ لِأَنَّهُ

لِلْحَدِّ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا مَرَّ، وَإِنَّمَا شُرِطَتْ لِلْمَالِ، وَلِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى كَوْنِ الْحَدِّ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يُعْتَبَرُ وُجُودُ التُّهْمَةِ فِي كُلِّ فَرْدٍ، وَلِأَنَّ السَّرِقَةَ تُقَامُ عَلَى الِاسْتِسْرَارِ عَلَى غِرَّةٍ مِنْ الْمَالِكِ فَيَجِبُ عَلَى الشَّاهِدِ إعْلَامُهُ فَبِالْكِتْمَانِ يَصِيرُ فَاسِقًا آثِمًا، ثُمَّ التَّقَادُمُ كَمَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ فِي الِابْتِدَاءِ يَمْنَعُ الْإِقَامَةَ بَعْدَ الْقَضَاءِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ حَتَّى لَوْ هَرَبَ بَعْدَ مَا ضُرِبَ بَعْضَ الْحَدِّ ثُمَّ أُخِذَ بَعْدَ مَا تَقَادَمَ الزَّمَانُ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي بَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــQخَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا مَرَّ، وَالدَّعْوَى لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِيهِ وَإِنَّمَا هِيَ شَرْطٌ لِلْمَالِ وَهُوَ حَقُّ الْعَبْدِ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ) جَوَابٌ آخَرُ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمَعْنَى الْمُبْطِلَ لِلشَّهَادَةِ فِي التَّقَادُمِ فِي الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى هُوَ تُهْمَةُ الضَّغِينَةِ وَالْعَدَاوَةِ، وَذَلِكَ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى كَوْنِ الْحَدِّ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى سَوَاءٌ وُجِدَ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي كُلِّ فَرْدٍ أَوْ لَا، كَمَا أُدِيرَ الرُّخْصَةُ عَلَى السَّفَرِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى وُجُودِ الْمَشَقَّةِ فِي كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ السَّرِقَةَ) جَوَابٌ آخَرُ. وَوَجْهُهُ أَنَّ السَّرِقَةَ (تُقَامُ عَلَى الِاسْتِسْرَارِ) لِأَنَّهَا تُوجَدُ فِي ظُلْمِ اللَّيَالِيِ غَالِبًا (عَلَى غَفْلَةٍ مِنْ الْمَالِكِ) فَلَا يَكُونُ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ عَارِفًا بِالشَّهَادَةِ حَتَّى يَسْتَشْهِدَ بِالشَّاهِدِ (فَيَجِبُ عَلَى الشَّاهِدِ إعْلَامُهُ) فَإِذَا كَتَمَهُ صَارَ آثِمًا. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ التَّقَادُمُ كَمَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ) أَيْ الِاسْتِيفَاءَ (مِنْ الْقَضَاءِ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ إمَّا إعْلَامُ مَنْ لَهُ الْقَضَاءُ أَوْ التَّمْكِينُ لِمَنْ لَهُ الْقَضَاءُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ بِالْقَضَاءِ،

الْحُدُودِ. وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ التَّقَادُمِ، وَأَشَارَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ حِينٍ، وَهَكَذَا أَشَارَ الطَّحَاوِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ لَمْ يُقَدِّرْ فِي ذَلِكَ وَفَوَّضَهُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي فِي كُلِّ عَصْرٍ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَدَّرَهُ بِشَهْرٍ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ عَاجِلٌ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْقَاضِي وَبَيْنَهُمْ مَسِيرَةُ شَهْرٍ، أَمَّا إذَا كَانَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ بُعْدُهُمْ عَنْ الْإِمَامِ فَلَا تَتَحَقَّقُ التُّهْمَةُ. وَالتَّقَادُمُ فِي حَدِّ الشُّرْبِ كَذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَانِ الْمَعْنَيَانِ يَحْصُلَانِ بِمُجَرَّدِ الْقَضَاءِ فَلَمْ يَتَوَقَّفْ تَمَامُهُ إلَى الِاسْتِيفَاءِ، وَأَمَّا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي حُقُوقِهِ فَمُسْتَغْنٍ عَنْ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ، فَكَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا النِّيَابَةَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي الِاسْتِيفَاءِ، فَلِذَلِكَ كَانَ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ تَتِمَّةِ الْقَضَاءِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى (وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ التَّقَادُمِ، وَأَشَارَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ حِينٍ) كَمَا ذَكَرْنَا (وَهَكَذَا أَشَارَ الطَّحَاوِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ لَمْ يُقَدَّرْ فِي ذَلِكَ) نَقَلَ النَّاطِفِيُّ فِي الْأَجْنَاسِ عَنْ نَوَادِرِ الْمُعَلَّى. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: جَهَدْنَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يُوَقِّتَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا فَأَبَى، وَفَوَّضَهُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي فِي كُلِّ عَصْرٍ (وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَدَّرَهُ بِشَهْرٍ لِأَنَّ مَا دُونَهُ عَاجِلٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ) ذَكَرَ فِي الْمُجَرَّدِ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَوْ سَأَلَ الْقَاضِي مَتَى زَنَى بِهَا فَقَالُوا مُنْذُ أَقَلَّ مِنْ شَهْرٍ أُقِيمَ الْحَدُّ، وَإِنْ قَالُوا شَهْرٌ أَوْ أَكْثَرُ دُرِئَ الْحَدُّ. قَالَ النَّاطِفِيُّ: فَقَدْ قَدَّرَهُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِشَهْرٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَصْلُهُ مَسْأَلَةُ الْيَمِينِ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَ فُلَانٍ عَاجِلًا فَقَضَاهُ فِيمَا دُونَ الشَّهْرِ بَرَّ فِي يَمِينِهِ. وَقَوْلُهُ (وَهُوَ الْأَصَحُّ) يَعْنِي تَقْدِيرَ التَّقَادُمِ بِشَهْرٍ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا) أَيْ الَّذِي قُلْنَا مِنْ تَقْدِيرِ التَّقَادُمِ بِشَهْرٍ (إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْقَاضِي وَبَيْنَهُمْ مَسِيرَةُ شَهْرٍ، أَمَّا إذَا كَانَ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ لِأَنَّ الْمَانِعَ بَعْدَهُمْ عَنْ الْإِمَامِ فَلَمْ تَتَحَقَّقْ التُّهْمَةُ)

عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَهُمَا يُقَدَّرُ بِزَوَالِ الرَّائِحَةِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِذَا شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ وَفُلَانَةُ غَائِبَةٌ فَإِنَّهُ يُحَدُّ، وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ فُلَانٍ وَهُوَ غَائِبٌ لَمْ يُقْطَعْ) وَالْفَرْقُ أَنَّ بِالْغَيْبَةِ تَنْعَدِمُ الدَّعْوَى وَهِيَ شَرْطٌ فِي السَّرِقَةِ دُونَ الزِّنَا، وَبِالْحُضُورِ يُتَوَهَّمُ دَعْوَى الشُّبْهَةِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْمَوْهُومِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَإِذَا شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ وَفُلَانَةُ غَائِبَةٌ فَإِنَّهُ يُحَدُّ) وَكَذَا إذَا أَقَرَّ بِذَلِكَ (وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ فُلَانٍ وَهُوَ غَائِبٌ لَمْ يُقْطَعْ. وَالْفَرْقُ أَنَّ بِالْغَيْبَةِ تَنْعَدِمُ الدَّعْوَى) لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ عَلَى الْغَائِبِ (وَهِيَ شَرْطٌ فِي السَّرِقَةِ دُونَ الزِّنَا وَبِالْحُضُورِ يُتَوَهَّمُ دَعْوَى الشُّبْهَةِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْمَوْهُومِ) لِأَنَّهُ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ، فَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الشُّبْهَةُ دُونَ النَّازِلِ عَنْهَا لِئَلَّا يَنْسَدَّ بَابُ إقَامَةِ الْحُدُودِ. وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَاضِرَةً وَادَّعَتْ النِّكَاحَ سَقَطَ الْحَدُّ لِمَكَانِ شُبْهَةِ الصِّدْقِ مَعَ احْتِمَالِ الْكَذِبِ، فَإِذَا كَانَتْ غَائِبَةً كَانَ الثَّابِتُ عِنْدَ غَيْبَتِهَا احْتِمَالَ وُجُودِ الشُّبْهَةِ وَهُوَ الْمَعْنَى بِشُبْهَةِ الشُّبْهَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ أَحَدُ أَوْلِيَاءِ الْقِصَاصِ غَائِبًا فَإِنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَحْضُرَ الْغَائِبُ فَيُقِرُّ بِالْعَفْوِ، لِأَنَّهُ لَوْ حَضَرَ وَأَقَرَّ بِهِ سَقَطَ الْقِصَاصُ بِحَقِيقَةِ الْعَفْوِ لَا بِشُبْهَتِهِ، فَإِذَا كَانَ غَائِبًا تَثْبُتُ

(وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ لَا يَعْرِفُونَهَا لَمْ يُحَدَّ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ (وَإِنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ حُدَّ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَمَتُهُ أَوْ امْرَأَتُهُ (وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ فَاسْتَكْرَهَهَا وَآخَرَانِ أَنَّهَا طَاوَعَتْهُ دُرِئَ الْحَدُّ عَنْهُمَا جَمِيعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ (وَقَالَا: يُحَدُّ الرَّجُلُ خَاصَّةً) لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْمُوجِبِ وَتَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِزِيَادَةِ جِنَايَةٍ وَهُوَ الْإِكْرَاهُ، بِخِلَافِ جَانِبِهَا؛ لِأَنَّ طَوَاعِيَتَهَا شَرْطُ تَحَقُّقِ الْمُوجِبِ فِي حَقِّهَا وَلَمْ يَثْبُتْ لِاخْتِلَافِهِمَا. وَلَهُ أَنَّهُ اخْتَلَفَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الزِّنَا فِعْلٌ وَاحِدٌ يَقُومُ بِهِمَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQشُبْهَةُ الْعَفْوِ لَا شُبْهَةُ شُبْهَتِهِ (وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ لَا يَعْرِفُونَهَا لَمْ يُحَدَّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ أَنْ لَا يَزْنِيَ، وَالشُّهُودُ لَا يَفْصِلُونَ بَيْنَ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا إلَّا بِالْمَعْرِفَةِ، فَإِذَا لَمْ يَعْرِفُوهَا لَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْحَدِّ بِشَهَادَتِهِمْ (وَإِنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ) أَيْ بِالزِّنَا بِامْرَأَةٍ لَا يَعْرِفُهَا (حُدَّ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ) . (وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ فَاسْتَكْرَهَهَا وَآخَرَانِ أَنَّهَا طَاوَعَتْهُ دُرِئَ الْحَدُّ عَنْهُمَا جَمِيعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَقَالَا: يُحَدُّ الرَّجُلُ خَاصَّةً لِاتِّفَاقِهِمَا) أَيْ لِاتِّفَاقِ الْفَرِيقَيْنِ (عَلَى الْمُوجِبِ) لِلْحَدِّ (وَتَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِزِيَادَةِ جِنَايَةٍ وَهُوَ الْإِكْرَاهُ، بِخِلَافِ جَانِبِهَا) فَإِنَّ الْمُوجِبَ لَمْ يَتَحَقَّقْ (لِأَنَّ طَوَاعِيَتَهَا شَرْطُ تَحَقُّقِ الْمُوجِبِ فِي حَقِّهَا فَلَمْ يَثْبُتْ لِاخْتِلَافِهِمَا) فِيهَا وَعَدَمُ الْوُجُوبِ فِي حَقِّهَا لِمَعْنًى غَيْرِ مُشْتَرَكٍ لَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ فِي حَقِّ الرَّجُلِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُوجِبِ فِي حَقِّهِ كَمَا فِي وَطْءِ الصَّغِيرَةِ الْمُشْتَهَاةِ أَوْ الْمَجْنُونَةِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ قَدْ اخْتَلَفَ لِأَنَّ الزِّنَا فِعْلٌ وَاحِدٌ يَقُومُ بِهِمَا) وَكُلُّ مَا هُوَ فِعْلٌ وَاحِدٌ يَقُومُ بِهِمَا لَا يَتَّصِفُ بِوَصْفَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ، وَهَؤُلَاءِ أَثْبَتُوا لَهُ وَصْفَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ، لِأَنَّ الطَّوْعَ يُوجِبُ اشْتِرَاكَهُمَا فِي الزِّنَا وَالْكُرْهَ يُوجِبُ انْفِرَادَ الرَّجُلِ بِهِ وَاجْتِمَاعُهُمَا مُتَعَذَّرٌ، فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِعْلًا

وَلِأَنَّ شَاهِدَيْ الطَّوَاعِيَةِ صَارَا قَاذِفَيْنِ لَهَا. وَإِنَّمَا يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْهُمَا بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْ الْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّ زِنَاهَا مُكْرَهَةً يُسْقِطُ إحْصَانَهَا فَصَارَا خَصْمَيْنِ فِي ذَلِكَ (وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ بِالْكُوفَةِ وَآخَرَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا بِالْبَصْرَةِ دُرِئَ الْحَدُّ عَنْهُمَا جَمِيعًا) ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ فِعْلُ الزِّنَا وَقَدْ اخْتَلَفَ بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ وَلَمْ يَتِمَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابُ الشَّهَادَةِ وَلَا يُحَدُّ الشُّهُودُ خِلَافًا لِزُفَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQخِلَافَ الْآخَرِ فَاخْتَلَفَ الْمَشْهُودُ بِهِ وَلَمْ يَتِمَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابُ الشَّهَادَةِ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ شَاهِدَيْ الطَّوَاعِيَةِ) دَلِيلٌ آخَرُ. وَتَقْرِيرُهُ لِأَنَّ شَاهِدَيْ الطَّوَاعِيَةِ (صَارَا قَاذِفَيْنِ) لِعَدَمِ نِصَابِ الشَّهَادَةِ وَالْقَاذِفُ خَصْمٌ وَلَا شَهَادَةَ لِلْخَصْمِ وَإِذَا انْتَفَتْ شَهَادَتُهُمَا نَقَصَ نِصَابُ الشَّهَادَةِ فَلَا يُقَامُ بِهَا الْحَدُّ وَكَانَ ذَلِكَ يَقْتَضِي إقَامَةَ حَدِّ الْقَذْفِ عَلَى شَاهِدَيْ الطَّوَاعِيَةِ (وَلَكِنْ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُمَا بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْ الْإِكْرَاهِ لِأَنَّ زِنَاهَا مُكْرَهَةً يَسْقُطُ إحْصَانُهَا) لِوُجُودِ حَقِيقَةِ الزِّنَا مِنْهَا لَكِنْ لَا تَأْثَمُ بِسَبَبِ الْإِكْرَاهِ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ بِالْكُوفَةِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (خِلَافًا لِزُفَرَ)

لِشُبْهَةِ الِاتِّحَادِ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ الصُّورَةِ وَالْمَرْأَةِ (وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ حُدَّ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ) مَعْنَاهُ: أَنْ يَشْهَدَ كُلُّ اثْنَيْنِ عَلَى الزِّنَى فِي زَاوِيَةٍ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ الْحَدُّ لِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ حَقِيقَةً. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ فِي زَاوِيَةٍ وَالِانْتِهَاءُ فِي زَاوِيَةٍ أُخْرَى بِالِاضْطِرَابِ، أَوْ لِأَنَّ الْوَاقِعَ فِي وَسَطِ الْبَيْتِ فَيَحْسِبُهُ مَنْ فِي الْمُقَدَّمِ فِي الْمُقَدَّمِ وَمَنْ فِي الْمُؤَخَّرِ فِي الْمُؤَخَّرِ فَيَشْهَدُ بِحَسَبِ مَا عِنْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي أَنَّهُ يَقُولُ يُحَدُّونَ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ لَمْ تُقْبَلْ لِنُقْصَانِ الْعَدَدِ فَصَارَ كَلَامُهُمْ قَذْفًا، كَثَلَاثَةٍ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَإِنَّهُمْ يُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ. وَلَنَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (لِشُبْهَةِ الِاتِّحَادِ) يُرِيدُ شُبْهَةَ اتِّحَادِ الْمَشْهُودِ بِهِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الشُّبْهَةَ دَارِئَةٌ فِي الْحُدُودِ بِالْحَدِيثِ وَقَدْ وُجِدَتْ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا وَلَهُمْ أَهْلِيَّةٌ كَامِلَةٌ وَعَدَدٌ كَامِلٌ عَلَى زِنَا وَاحِدٍ صُورَةً فِي زَعْمِهِمْ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ صُورَةِ النِّسْبَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْهُمْ وَاتِّحَادِ الْمَرْأَةِ، وَإِنَّمَا جَاءَ الِاخْتِلَافُ بِذِكْرِ الْمَكَانِ فَيَثْبُتُ شُبْهَةُ الِاتِّحَادِ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ فَيَدْرَأُ الْحَدَّ. قِيلَ وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا شَهَادَةٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ؛ فَبِالنَّظَرِ إلَى الْأَوَّلِ لَمْ تُحَدَّ الشُّهُودُ، وَبِالنَّظَرِ إلَى الثَّانِي لَمْ يُحَدَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ حُدَّ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ) ظَاهِرٌ. وَلَا يُقَالُ: إنَّ ذَلِكَ احْتِيَالٌ لِوُجُوبِ الْحَدِّ وَالْحُدُودُ يُحْتَالُ لِدَرْئِهَا لَا لِإِثْبَاتِهَا، لِأَنَّ هَذَا احْتِيَالٌ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ وَالشَّهَادَةُ حُجَّةٌ يَجِبُ تَصْحِيحُهَا مَا أَمْكَنَ، ثُمَّ إذَا قُبِلَتْ كَانَ مِنْ ضَرُورَةِ قَبُولِهَا وُجُوبُ الْحَدِّ. فَإِنْ قِيلَ: فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَمَا بَالُكُمْ لَمْ تُصَحِّحُوا الشَّهَادَةَ فِي مَسْأَلَةِ الْإِكْرَاهِ وَالطَّوَاعِيَةُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ عَنْ إكْرَاهٍ وَانْتِهَاؤُهُ عَنْ طَوْعٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ كُلَّ مَا ذُكِرَ فِي مَسْأَلَةِ الْإِكْرَاهِ وَالطَّوَاعِيَةِ لَا يَتَفَاوَتُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ إكْرَاهًا مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُهُ إكْرَاهًا وَآخِرُهُ طَوْعًا لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ مُسْقِطٌ لِلْحَدِّ عَنْ الْمَرْأَةِ سَوَاءٌ كَانَ فِعْلُ الزِّنَا مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ إكْرَاهًا أَوْ أَوَّلُهُ إكْرَاهًا وَآخِرُهُ طَوْعًا، فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ فِي شَهَادَتِهِمْ اخْتِلَافُ الْمَشْهُودِ بِهِ

(وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ بِالنُّخَيْلَةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَأَرْبَعَةٌ أَنَّهُ زَنَى بِهَا عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِدَيْرِ هِنْدٍ دُرِئَ الْحَدُّ عَنْهُمْ جَمِيعًا) أَمَّا عَنْهُمَا فَلِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِكَذِبِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ غَيْرِ عَيْنٍ، وَأَمَّا عَنْ الشُّهُودِ فَلِاحْتِمَالِ صِدْقِ كُلِّ فَرِيقٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا ذَكَرْنَا. قَالَ (وَإِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ بِالنُّخَيْلَةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَأَرْبَعَةٌ زَنَى بِهَا عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِدَيْرِ هِنْدٍ دُرِئَ الْحَدُّ عَنْهُمْ جَمِيعًا) النُّخَيْلَةُ تَصْغِيرُ نَخْلَةٍ الَّتِي هِيَ وَاحِدَةُ النَّخْلِ: مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنْ الْكُوفَةِ، وَالْبَاءُ الْمُوَحَّدَةُ الْمَفْتُوحَةُ وَالْجِيمُ تَصْحِيفٌ لِأَنَّهُ اسْمُ حَيٍّ مِنْ الْيَمَنِ، وَدَيْرُ هِنْدٍ لَا يُسَاعِدُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَيْضًا مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنْ الْكُوفَةِ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (فَلِاحْتِمَالِ صِدْقِ كُلِّ فَرِيقٍ) يَعْنِي أَنَّ احْتِمَالَ الصِّدْقِ فِي كَلَامِ كُلٍّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ

(وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى امْرَأَةٍ بِالزِّنَا وَهِيَ بِكْرٌ دُرِئَ الْحَدُّ عَنْهُمَا وَعَنْهُمْ) ؛ لِأَنَّ الزِّنَا لَا يَتَحَقَّقُ مَعَ بَقَاءِ الْبَكَارَةِ، وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّ النِّسَاءَ نَظَرْنَ إلَيْهَا فَقُلْنَا إنَّهَا بِكْرٌ، وَشَهَادَتُهُنَّ حُجَّةٌ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ وَلَيْسَتْ بِحُجَّةٍ فِي إيجَابِهِ فَلِهَذَا سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُمَا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ (وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا وَهُمْ عُمْيَانٌ أَوْ مَحْدُودُونَ فِي قَذْفٍ أَوْ أَحَدُهُمْ عَبْدٌ أَوْ مَحْدُودٌ فِي قَذْفٍ فَإِنَّهُمْ يُحَدُّونَ) وَلَا يُحَدُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمْ الْمَالُ فَكَيْفَ يَثْبُتُ الْحَدُّ وَهُمْ لَيْسُوا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَائِمٌ، وَشُبْهَةُ الزِّنَا تَمْنَعُ وُجُوبَ الْحَدِّ عَلَى الْقَاذِفِ. وَقَوْلُهُ (دُرِئَ الْحَدُّ عَنْهُمَا وَعَنْهُمْ) تَوْضِيحُهُ أَنَّ الزِّنَا لَا يَتَحَقَّقُ مَعَ الْبَكَارَةِ، وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ حُجَّةٌ فِيمَا لَا اطِّلَاعَ لِلرِّجَالِ عَلَيْهِ خُصُوصًا فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ فَيَسْقُطُ عَنْهُمَا، وَأَمَّا عَنْهُمْ فَلِأَنَّهُ تَكَامَلَ نِصَابُ الشَّهَادَةِ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ حُكْمُهَا بِقَوْلِ النِّسَاءِ وَلَا مَدْخَلَ لِقَوْلِهِنَّ فِي إثْبَاتِ الْحُدُودِ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا وَهُمْ عُمْيَانٌ) ظَاهِرٌ.

مِنْ أَهْلِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ، وَالْعَبْدُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلتَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ فَلَمْ تَثْبُتْ شُبْهَةُ الزِّنَا؛ لِأَنَّ الزِّنَا يَثْبُتُ بِالْأَدَاءِ (وَإِنْ شَهِدُوا بِذَلِكَ وَهُمْ فُسَّاقٌ أَوْ ظَهَرَ أَنَّهُمْ فُسَّاقٌ لَمْ يُحَدُّوا) ؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ وَالتَّحَمُّلِ وَإِنْ كَانَ فِي أَدَائِهِ نَوْعُ قُصُورٍ لِتُهْمَةِ الْفِسْقِ. وَلِهَذَا لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَةِ فَاسِقٍ يَنْفُذُ عِنْدَنَا، وَيَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمْ شُبْهَةُ الزِّنَا، وَبِاعْتِبَارِ قُصُورٍ فِي الْأَدَاءِ لِتُهْمَةِ الْفِسْقِ يَثْبُتُ شُبْهَةُ عَدَمِ الزِّنَا فَلِهَذَا امْتَنَعَ الْحَدَّانِ، وَسَيَأْتِي فِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْفَاسِقَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فَهُوَ كَالْعَبْدِ عِنْدَهُ (وَإِنْ نَقَصَ عَدَدُ الشُّهُودِ عَنْ أَرْبَعَةٍ حُدُّوا) ؛ لِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ إذْ لَا حِسْبَةَ عِنْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الزِّنَا يَثْبُتُ بِالْأَدَاءِ) أَيْ يَظْهَرُ عِنْدَ الْإِمَامِ بِأَدَاءِ الشُّهُودِ الشَّهَادَةَ، وَلَا أَدَاءَ لِلْعُمْيَانِ وَالْعَبِيدِ وَالْمَحْدُودِينَ فِي الْقَذْفِ لَا كَامِلًا وَلَا نَاقِصًا، فَانْقَلَبَتْ شَهَادَتُهُمْ قَذْفًا لِأَنَّهُمْ نَسَبُوهُمَا إلَى الزِّنَا وَلَمْ تَكُنْ نِسْبَتُهُمَا إلَى الزِّنَا شَهَادَةً فَكَانَتْ قَذْفًا ضَرُورَةً. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْفَاسِقَ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ وَالتَّحَمُّلِ) يَعْنِي بِالنَّصِّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَثَبَّتُوا فَالْأَمْرُ بِالتَّثَبُّتِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفَاسِقَ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لَمَا أُمِرَ بِالتَّثَبُّتِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ إذَا شَهِدَ يُؤْمَرُ بِالرَّدِّ لَا بِالتَّثَبُّتِ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ أَنَّ الشُّهُودَ ثَلَاثَةٌ: شَاهِدٌ لَهُ أَهْلِيَّةُ التَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ بِصِفَةِ الْكَمَالِ وَهُوَ الْعَدْلُ، وَشَاهِدٌ لَهُ أَهْلِيَّةُ التَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ لَكِنْ بِصِفَةِ النُّقْصَانِ وَالْقُصُورِ وَهُوَ الْفَاسِقُ، وَشَاهِدٌ لَهُ أَهْلِيَّةُ التَّحَمُّلِ وَلَيْسَ لَهُ أَهْلِيَّةُ الْأَدَاءِ كَالْأَعْمَى وَالْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِهِمَا (وَإِنْ نَقَصَ عَدَدُ الشُّهُودِ عَنْ أَرْبَعَةٍ حُدُّوا لِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ، إذْ لَا حِسْبَةَ عِنْدَ

نُقْصَانِ الْعَدَدِ وَخُرُوجِ الشَّهَادَةِ عَنْ الْقَذْفِ بِاعْتِبَارِهَا (وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَضُرِبَ بِشَهَادَتِهِمْ ثُمَّ وُجِدَ أَحَدُهُمْ عَبْدًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ فَإِنَّهُمْ يُحَدُّونَ) ؛ لِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ إذْ الشُّهُودُ ثَلَاثَةٌ (وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ أَرْشُ الضَّرْبِ، وَإِنْ رُجِمَ فَدِيَتُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: أَرْشُ الضَّرْبِ أَيْضًا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ) قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ عَصَمَهُ اللَّهُ: مَعْنَاهُ إذَا كَانَ جَرَحَهُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَاتَ مِنْ الضَّرْبِ، وَعَلَى هَذَا إذَا رَجَعَ الشُّهُودُ لَا يَضْمَنُونَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُونَ. لَهُمَا أَنَّ الْوَاجِبَ بِشَهَادَتِهِمْ مُطْلَقُ الضَّرْبِ، إذْ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْجَرْحِ خَارِجٌ عَنْ الْوُسْعِ فَيَنْتَظِمُ الْجَارِحُ وَغَيْرُهُ فَيُضَافُ إلَى شَهَادَتِهِمْ فَيَضْمَنُونَ بِالرُّجُوعِ، وَعِنْدَ عَدَمِ الرُّجُوعِ تَجِبُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ فِعْلُ الْجَلَّادِ إلَى الْقَاضِي وَهُوَ عَامِلٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَتَجِبُ الْغَرَامَةُ فِي مَالِهِمْ فَصَارَ كَالرَّجْمِ وَالْقِصَاصِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQنُقْصَانِ الْعَدَدِ) فَإِنَّ الشَّاهِدَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ حِسْبَتَيْنِ عَلَى مَا مَرَّ وَهَاهُنَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ حِسْبَةُ السَّتْرِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا حِسْبَةَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ أَيْضًا لِنُقْصَانِ عَدَدِهِمْ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] وَإِذَا لَمْ تُوجَدْ الْحِسْبَةُ ثَبَتَ الْقَذْفُ لِأَنَّ خُرُوجَ الشَّهَادَةِ عَنْ الْقَذْفِ إنَّمَا كَانَ بِاعْتِبَارِ الْحِسْبَةِ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُونَ) أَيْ أَرْشَ الْجِرَاحَةِ إذَا لَمْ يَمُتْ وَالدِّيَةُ إنْ مَاتَ. (قَوْلُهُ فَصَارَ كَالرَّجْمِ وَالْقِصَاصِ) يَعْنِي إذَا شَهِدُوا الشُّهُودُ فَرُجِمَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَوْ قُتِلَ ثُمَّ رَجَعُوا يَضْمَنُونَ الدِّيَةَ. وَوَجْهُ

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْجَلْدُ وَهُوَ ضَرْبٌ مُؤْلِمٌ غَيْرُ جَارِحٍ وَلَا مُهْلِكٍ، فَلَا يَقَعُ جَارِحًا ظَاهِرًا إلَّا لِمَعْنًى فِي الضَّارِبِ وَهُوَ قِلَّةُ هِدَايَتِهِ فَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ فِي الصَّحِيحِ كَيْ لَا يَمْتَنِعَ النَّاسُ عَنْ الْإِقَامَةِ مَخَافَةَ الْغَرَامَةِ (وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا لَمْ يُحَدَّ) لَمَا فِيهَا مِنْ زِيَادَةِ الشُّبْهَةِ وَلَا ضَرُورَةَ إلَى تَحَمُّلِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبِي حَنِيفَةَ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (فِي الصَّحِيحِ) يَعْنِي فِي الصَّحِيحِ مِنْ الرِّوَايَةِ، ذَكَرَ فِي مَبْسُوطِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ: وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْجَلَّادِ فَلَهُ وَجْهٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَأْمُورٍ بِهَذَا الْوَجْهِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِضَرْبٍ مُؤْلِمٍ لَا جَارِحٍ وَلَا كَاسِرٍ وَلَا قَاتِلٍ، فَإِذَا وُجِدَ مِنْهُ الضَّرْبُ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ يَقَعُ فِعْلُهُ تَعَدِّيًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ. وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْإِيضَاحِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَجْهًا حَسَنًا، وَهُوَ أَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الشُّهُودِ مِنْ حَيْثُ الْإِيجَابُ دُونَ الْإِيجَادِ، وَالْأَثَرُ الْحَاصِلُ مُوجِبٌ وُجُودَ الضَّرْبِ لَا مُوجِبٌ وُجُوبَهُ فَلَمْ يَكُنْ مُضَافًا إلَى الشَّهَادَةِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الضَّمَانُ. وَقَوْلُهُ (لِمَا فِيهَا مِنْ زِيَادَةِ الشُّبْهَةِ) مَعْنَاهُ لِمَا فِيهَا مِنْ شُبْهَةٍ زَادَتْ عَلَى الْأَصْلِ لَمْ تَكُنْ فِيهِ، فَإِنَّ الْكَلَامَ إذَا تَدَاوَلَتْهُ الْأَلْسِنَةُ يُمْكِنُ

(فَإِنْ جَاءَ الْأَوَّلُونَ فَشَهِدُوا عَلَى الْمُعَايَنَةِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ لَمْ يُحَدَّ أَيْضًا) مَعْنَاهُ شَهِدُوا عَلَى ذَلِكَ الزِّنَا بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ قَدْ رُدَّتْ مِنْ وَجْهٍ بِرَدِّ شَهَادَةِ الْفُرُوعِ فِي عَيْنِ هَذِهِ الْحَادِثَةِ إذْ هُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُمْ بِالْأَمْرِ وَالتَّحْمِيلِ، وَلَا يُحَدُّ الشُّهُودُ؛ لِأَنَّ عَدَدَهُمْ مُتَكَامِلٌ وَامْتِنَاعُ الْحَدِّ عَلَى الشُّهُودِ عَلَيْهِ لِنَوْعِ شُبْهَةٍ. وَهِيَ كَافِيَةٌ لِدَرْءِ الْحَدِّ لَا لِإِيجَابِهِ (وَإِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَرُجِمَ فَكُلَّمَا رَجَعَ وَاحِدٌ حُدَّ الرَّاجِعُ وَحْدَهُ وَغَرِمَ رُبْعَ الدِّيَةِ) أَمَّا الْغَرَامَةُ فَلِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْحَقِّ فَيَكُونُ التَّالِفُ بِشَهَادَةِ الرَّاجِعِ رُبْعَ الْحَقِّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ الْقَتْلُ دُونَ الْمَالِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي شُهُودِ الْقِصَاصِ، وَسَنُبَيِّنُهُ فِي الدِّيَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَمَّا الْحَدُّ فَمَذْهَبُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ. وَقَالَ زُفَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ زِيَادَةٌ وَنُقْصَانٌ. قَوْلُهُ (إذْ هُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُمْ) أَيْ الْفُرُوعُ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْأَصْلِ، فَكَانَ الرَّدُّ لِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ رَدًّا لِشَهَادَةِ الْأُصُولِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْفُرُوعِ تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْأُصُولِ، وَفِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تَرِدُ يَتَعَدَّى رَدُّهَا إلَى شَهَادَةِ الْأُصُولِ مِنْ وَجْهٍ وَذَلِكَ شُبْهَةٌ. وَقَوْلُهُ (وَلَا تُحَدُّ الشُّهُودُ) يَعْنِي الْأُصُولَ وَالْفُرُوعَ (لِأَنَّ عَدَدَهُمْ مُتَكَامِلٌ) وَالْأَهْلِيَّةُ مَوْجُودَةٌ (وَامْتِنَاعُ الْحَدِّ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لِنَوْعِ شُبْهَةٍ) وَهُوَ شُبْهَةُ عَدَمِ التَّحْمِيلِ فِي الْفُرُوعِ، وَشُبْهَةُ الرَّدِّ فِي الْأُصُولِ (وَهِيَ كَافِيَةٌ لِلدَّرْءِ لَا لِإِيجَابِهِ) لِأَنَّ الشُّبْهَةَ مُسْقِطَةٌ لِلْحَدِّ لَا مُوجِبَةٌ لَهُ. قَالَ (وَإِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا) هَذَا شُرُوعٌ فِي بَيَانِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ فِي الزِّنَا وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ

لَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الرَّاجِعُ قَاذِفَ حَيٍّ فَقَدْ بَطَلَ بِالْمَوْتِ، وَإِنْ كَانَ قَاذِفَ مَيِّتٍ فَهُوَ مَرْجُومٌ بِحُكْمِ الْقَاضِي فَيُورِثُ ذَلِكَ شُبْهَةً. وَلَنَا أَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تَنْقَلِبُ قَذْفًا بِالرُّجُوعِ؛ لِأَنَّ بِهِ تُفْسَخُ شَهَادَتُهُ فَجُعِلَ لِلْحَالِ قَذْفًا لِلْمَيِّتِ وَقَدْ انْفَسَخَتْ الْحُجَّةُ فَيَنْفَسِخُ مَا يَبْتَنِي عَلَيْهِ وَهُوَ الْقَضَاءُ فِي حَقِّهِ فَلَا يُورِثُ الشُّبْهَةَ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَذَفَهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْصَنٍ فِي حَقِّ غَيْرِهِ لِقِيَامِ الْقَضَاءِ فِي حَقِّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ إنْ كَانَ قَاذِفٌ حَيٌّ فَقَدْ بَطَلَ بِالْمَوْتِ) يَعْنِي لِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ لَا يُورَثُ (وَإِنْ كَانَ قَاذِفٌ مَيِّتٌ فَهُوَ مَرْجُومٌ بِحُكْمِ الْقَاضِي) وَذَلِكَ إنْ لَمْ يُسْقِطْ الْإِحْصَانَ فَلَا أَقَلَّ مِنْ إيرَاثِ الشُّبْهَةِ وَالْحَدُّ يَسْقُطُ بِهَا (وَلَنَا أَنَّ الشَّهَادَةَ تَنْقَلِبُ قَذْفًا بِالرُّجُوعِ) عَنْهَا لِأَنَّهَا تَنْفَسِخُ بِهِ، وَإِذَا انْفَسَخَتْ كَانَتْ قَذْفًا لِانْتِفَاءِ الْحِسْبَتَيْنِ جَمِيعًا (فَجُعِلَ لِلْحَالِ قَذْفًا لِلْمَيِّتِ) وَإِذَا انْقَلَبَتْ قَذْفًا فَقَدْ انْفَسَخَتْ حُجِّيَّتُهَا، وَإِذَا انْفَسَخَتْ حُجِّيَّتُهَا انْفَسَخَ مَا يُبْنَى عَلَيْهَا وَهُوَ الْقَضَاءُ، وَإِذَا انْفَسَخَ الْقَضَاءُ انْدَفَعَ الْقَوْلُ بِكَوْنِهِ مَرْجُومًا بِحُكْمِ الْقَاضِي فَلَا يَسْقُطُ الْإِحْصَانُ وَلَا يُورِثُ الشُّبْهَةَ فَيَجِبُ حَدُّ قَاذِفِهِ، لَكِنْ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي حَقِّهِ لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ شَهَادَتَهُ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ وَزَعْمُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ مُعْتَبَرٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَذَفَ غَيْرَهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْصَنٍ فِي حَقِّ غَيْرِهِ لِقِيَامِ الْقَضَاءِ فِي حَقِّهِ، لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي فِي زَعْمِهِ صَحِيحٌ مُتَقَرَّرٌ، فَكَانَ قَذْفُهُ وَاقِعًا فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُحْصَنِ فَلَا يَجِبُ حَدُّ الْقَذْفِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْقَضَاءُ لَوْ كَانَ قَائِمًا فِي زَعْمِهِمْ وَجَبَ الْحَدُّ لَا مَحَالَةَ، فَإِذَا كَانَ قَائِمًا فِي زَعْمٍ دُونَ زَعْمٍ كَانَ قَائِمًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، وَمِثْلُهُ يُورِثُ الشُّبْهَةَ الدَّارِئَةَ لِلْحَدِّ. وَاعْتُرِضَ أَيْضًا بِأَنَّ أَحَدَ الشُّهُودِ لَوْ ظَهَرَ عَبْدًا بَعْدَ الرَّجْمِ لَمْ يُحَدَّ الشُّهُودُ حَدَّ الْقَذْفِ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ ظَهَرَ أَحَدُهُمْ عَبْدًا بَعْدَ الْجَلْدِ حُدَّ وَمَا ذَلِكَ إلَّا لِأَنَّ الْقَذْفَ إنْ ثَبَتَ بِالشَّهَادَةِ ثَبَتَ مِنْ وَقْتِ الشَّهَادَةِ كَمَا قَالَ زُفَرُ. وَمَنْ قَذَفَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ الْمَقْذُوفُ لَا يُحَدُّ الْقَاذِفُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ أَحَدَهُمْ إذَا ظَهَرَ عَبْدًا عُلِمَ أَنَّ شَهَادَتَهُمْ لَمْ تَكُنْ شَهَادَةً بَلْ كَانَتْ قَذْفًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا شَهَادَةَ لَهُ، فَإِنْ كَانَ الْحَدُّ جَلْدًا فَقَدْ قَذَفَ حَيًّا فَيُحَدُّ، وَإِنْ كَانَ رَجْمًا قَذَفَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَلَا يُحَدُّ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهَا كَانَتْ شَهَادَةً فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَبِالرُّجُوعِ انْقَلَبَتْ قَذْفًا بَعْدَ الْمَوْتِ فَكَانَ

(فَإِنْ لَمْ يُحَدَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ حَتَّى رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ حُدُّوا جَمِيعًا وَسَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حُدَّ الرَّاجِعُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَأَكَّدَتْ بِالْقَضَاءِ فَلَا يَنْفَسِخُ إلَّا فِي حَقِّ الرَّاجِعِ، كَمَا إذَا رَجَعَ بَعْدَ الْإِمْضَاءِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فَصَارَ كَمَا إذَا رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَلِهَذَا سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ. وَلَوْ رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قَبْلَ الْقَضَاءِ حُدُّوا جَمِيعًا. وَقَالَ زُفَرُ: يُحَدُّ الرَّاجِعُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ عَلَى غَيْرِهِ. وَلَنَا أَنَّ كَلَامَهُمْ قَذْفٌ فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ شَهَادَةً بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ، فَإِذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ بَقِيَ قَذْفًا فَيُحَدُّونَ (فَإِنْ كَانُوا خَمْسَةً فَرَجَعَ أَحَدُهُمْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ كُلُّ الْحَقِّ وَهُوَ شَهَادَةُ الْأَرْبَعَةِ (فَإِنْ رَجَعَ آخَرُ حُدَّا وَغَرِمَا رُبْعَ الدِّيَةِ) أَمَّا الْحَدُّ فَلِمَا ذَكَرْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَاذِفًا لِلْمَيِّتِ فَيُحَدُّ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يُحَدَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَلَنَا أَنَّ كَلَامَهُمْ قَذْفٌ فِي الْأَصْلِ) يَعْنِي لِكَوْنِهِ صَرِيحًا فِيهِ لَكِنْ سُلِبَ عَنْهُ ذَلِكَ إذَا صَارَ شَهَادَةً (وَإِنَّمَا يَصِيرُ شَهَادَةً بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ، فَإِذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ بَقِيَ قَذْفًا) وَهَذَا يُنَاقِضُ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ هُنَاكَ: إنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تَنْقَلِبُ قَذْفًا بِالرُّجُوعِ وَهَاهُنَا قَالَ: إنَّهَا قَذْفٌ، وَإِنَّمَا تَصِيرُ شَهَادَةً بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ قَذْفٌ فِي الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ شَهَادَةً بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ ثُمَّ يَعُودُ إلَى مَا كَانَ بِالرُّجُوعِ، وَعَلَى هَذَا لَا يَرِدُ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: إنَّ فِيمَا قَالَ أَصْحَابُنَا مُؤَاخَذَةَ مَنْ لَمْ يَرْجِعْ بِذَنْبِ مَنْ رَجَعَ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] لِأَنَّ الْكُلَّ قَذَفَةٌ عِنْدَ عَدَمِ اتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِالشَّهَادَةِ، فَكُلٌّ مِنْهُمْ مُؤَاخَذٌ بِذَنْبِهِ لَا بِذَنْبِ غَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ كَانُوا خَمْسَةً فَرَجَعَ أَحَدُهُمْ) يَعْنِي بَعْدَ الرَّجْمِ لِأَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِي ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (فَلِمَا ذَكَرْنَا) إشَارَةٌ إلَى مَا قَالَ مِنْ قَبْلُ. وَلَنَا أَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تَنْقَلِبُ قَذْفًا إلَخْ،

وَأَمَّا الْغَرَامَةُ فَلِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْحَقِّ، وَالْمُعْتَبَرُ بَقَاءُ مَنْ بَقِيَ لَا رُجُوعُ مَنْ رَجَعَ عَلَى مَا عُرِفَ (وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَزُكُّوا فَرُجِمَ فَإِذَا الشُّهُودُ مَجُوسٌ أَوْ عَبِيدٌ فَالدِّيَةُ عَلَى الْمُزَكِّينَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) مَعْنَاهُ إذَا رَجَعُوا عَنْ التَّزْكِيَةِ (وَقَالَا هُوَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ) وَقِيلَ هَذَا إذَا قَالُوا تَعَمَّدْنَا التَّزْكِيَةَ مَعَ عِلْمِنَا بِحَالِهِمْ، لَهُمَا أَنَّهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَعْنَاهُ يُحَدَّانِ جَمِيعًا، لِأَنَّهُ لَمَّا رَجَعَ الثَّانِي لَمْ يَبْقَ مِنْ الشُّهُودِ مَنْ تَتِمُّ بِهِ الْحُجَّةُ، وَقَدْ انْفَسَخَتْ الشَّهَادَةُ فِي حَقِّهِمَا بِالرُّجُوعِ فَيُحَدَّانِ. فَإِنْ قِيلَ: الْأَوَّلُ مِنْهُمَا حِينَ رَجَعَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ حَدٌّ وَلَا ضَمَانٌ، فَلَوْ لَزِمَهُ ذَلِكَ لَكَانَ لُزُومُهُ بِرُجُوعِ الثَّانِي وَرُجُوعُ غَيْرِهِ لَا يَكُونُ مُلْزِمًا إيَّاهُ بِالْحَدِّ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَدَّ لَمْ يَجِبْ لَا لِانْعِدَامِ السَّبَبِ بَلْ لِوُجُودِ الْمَانِعِ وَهُوَ بَقَاءُ الْحُجَّةِ التَّامَّةِ، فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ بِرُجُوعِ الثَّانِي وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى الْأَوَّلِ بِالسَّبَبِ الْمُتَقَرَّرِ لَا بِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَلَوْ اعْتَبَرْنَا هَذَا الْمَعْنَى لَوَجَبَ الْقَوْلُ بِأَنَّهُمْ لَوْ رَجَعُوا مَعًا لَمْ يُحَدَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لِأَنَّ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِرُجُوعِهِ وَحْدَهُ لَوْ ثَبَتَ أَصْحَابُهُ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَهَذَا بَعِيدٌ. قَالَ (وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَزُكُّوا) التَّزْكِيَةُ مِنْ زَكَّى نَفْسَهُ إذَا مَدَحَهَا، وَتَزْكِيَةُ الشُّهُودِ الْوَصْفُ بِكَوْنِهِمْ أَزْكِيَاءَ، وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَزُكُّوا (فَرُجِمَ فَظَهَرَ الشُّهُودُ مَجُوسًا أَوْ عَبِيدًا فَالدِّيَةُ عَلَى الْمُزَكِّينَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، مَعْنَاهُ إذَا رَجَعُوا عَنْ التَّزْكِيَةِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: هُوَ) أَيْ الضَّمَانُ (عَلَى بَيْتِ الْمَالِ) وَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُ رَجَعُوا عَنْ التَّزْكِيَةِ مُحْتَمِلًا أَنْ يَكُونَ الرُّجُوعُ بِأَنْ يَقُولُوا أَخْطَأْنَا وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ بِالِاتِّفَاقِ وَأَنْ يَكُونَ بِأَنْ يَقُولُوا تَعَمَّدْنَا التَّزْكِيَةَ مَعَ عِلْمِنَا بِحَالِهِمْ وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ. قَالَ (وَقِيلَ هَذَا إذَا قَالُوا) يَعْنِي لَوْ قَالُوا أَخْطَأْنَا لَمَا وَجَبَ الضَّمَانُ بِالِاتِّفَاقِ، قَالَا: الْمُزَكُّونَ مَا أَثْبَتُوا سَبَبَ الْإِتْلَافِ لِأَنَّهُ هُوَ الزِّنَا وَمَا تَعَرَّضُوا لَهُ، وَإِنَّمَا أَثْنَوْا عَلَى الشُّهُودِ خَيْرًا فَكَانَ كَمَا إذَا أَثْنَوْا عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ خَيْرًا فَكَانُوا فِي الْمَعْنَى كَشُهُودِ الْإِحْصَانِ، إذْ إنَّ أُولَئِكَ أَثْبَتُوا خِصَالًا حَمِيدَةً فِي الزَّانِي وَهَؤُلَاءِ أَثْبَتُوا

أَثْنَوْا عَلَى الشُّهُودِ خَيْرًا فَصَارَ كَمَا إذَا أَثْنَوْا عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ خَيْرًا بِأَنْ شَهِدُوا بِإِحْصَانِهِ. وَلَهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تَصِيرُ حُجَّةً عَامِلَةً بِالتَّزْكِيَةِ، فَكَانَتْ التَّزْكِيَةُ فِي مَعْنَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهَا بِخِلَافِ شُهُودِ الْإِحْصَانِ؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ الشَّرْطِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا شَهِدُوا بِلَفْظَةِ الشَّهَادَةِ أَوْ أَخْبَرُوا، وَهَذَا إذَا أَخْبَرُوا بِالْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، أَمَّا إذَا قَالُوا هُمْ عُدُولٌ وَظَهَرُوا عَبِيدًا لَا يَضْمَنُونَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ قَدْ يَكُونُ عَدْلًا، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الشُّهُودِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ كَلَامُهُمْ شَهَادَةً، وَلَا يُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُمْ قَذَفُوا حَيًّا وَقَدْ مَاتَ فَلَا يُورَثُ عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQخِصَالًا حَمِيدَةً فِي الشَّاهِدِ، فَكَمَا لَا ضَمَانَ عَلَى أُولَئِكَ كَذَلِكَ لَا ضَمَانَ عَلَى هَؤُلَاءِ. وَقَوْلُهُ (وَلَهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا) يَعْنِي وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ كَلَامُهُمْ شَهَادَةً) فِيهِ نَظَرٌ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ كَلَامَ كُلٍّ مِنْهُمْ يَصِيرُ شَهَادَةً بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ وَقَدْ اتَّصَلَ بِهِ الْقَضَاءُ، فَمَا وَجْهُ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ كَلَامُهُمْ شَهَادَةً؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْقَضَاءَ لَمَّا ظَهَرَ خَطَؤُهُ بِيَقِينٍ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَلَمْ يَتَّصِلْ الْقَضَاءُ بِكَلَامِهِمْ فَلَمْ يَصِرْ شَهَادَةً. فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَا تَحُدُّ الشُّهُودَ؟ قُلْت: لِأَنَّهُمْ قَذَفُوا حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَلَا يُورَثُ عَنْهُ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ فِي الْكِتَابِ. لَا يُقَالُ: لِمَ لَمْ يُجْعَلْ قَذْفًا لِلْمَيِّتِ لِلْحَالِ بِطَرِيقِ الِانْقِلَابِ كَمَا فِي صُورَةِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ. لِأَنَّا نَقُولُ: عِلَّةُ الِانْقِلَابِ الرُّجُوعُ عَنْ الشَّهَادَةِ وَلَمْ يُوجَدْ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا يَكُونُ ظُهُورُهُمْ عَبِيدًا أَوْ مَجُوسًا عِلَّةً لِلِانْقِلَابِ كَالرُّجُوعِ؟

(وَإِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَأَمَرَ الْقَاضِي بِرَجْمِهِ فَضَرَبَ رَجُلٌ عُنُقَهُ ثُمَّ وَجَدَ الشُّهُودَ عَبِيدًا فَعَلَى الْقَاتِلِ الدِّيَةُ) وَفِي الْقِيَاسِ يَجِبُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً بِغَيْرِ حَقٍّ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْقَضَاءَ صَحِيحٌ ظَاهِرًا وَقْتَ الْقَتْلِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَهُ قَبْلَ الْقَضَاء؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ تَصِرْ حُجَّةً بَعْدُ، وَلِأَنَّهُ ظَنَّهُ مُبَاحَ الدَّمِ مُعْتَمِدًا عَلَى دَلِيلٍ مُبِيحٍ فَصَارَ كَمَا إذَا ظَنَّهُ حَرْبِيًّا وَعَلَيْهِ عَلَامَتُهُمْ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ عَمْدٌ، وَالْعَوَاقِلُ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ، وَيَجِبُ ذَلِكَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِنَفْسِ الْقَتْلِ (وَإِنْ رُجِمَ ثُمَّ وُجِدُوا عَبِيدًا فَالدِّيَةُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ) ؛ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ أَمْرَ الْإِمَامِ فَنَقَلَ فِعْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالْجَوَابُ أَنَّ الِانْقِلَابَ صَيْرُورَةُ الشَّهَادَةِ قَذْفًا، وَكَلَامُهُمْ لَمْ يَقَعْ شَهَادَةً. وَقَوْلُهُ (وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْقَضَاءَ صَحِيحٌ ظَاهِرًا وَقْتَ الْقَتْلِ) يَعْنِي أَنَّ الْقَضَاءَ وُجِدَ صُورَةً وَصُورَةُ قَضَاءِ الْقَاضِي تَكْفِي لِإِيرَاثِ الشُّبْهَةِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَقِيقَةً كَانَ مُبِيحًا لِلدَّمِ، فَصُورَتُهُ تَكُونُ شُبْهَةً كَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ يُجْعَلُ شُبْهَةً فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ، وَلِهَذَا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْوَلِيِّ إذَا جَاءَ الْمَشْهُودُ بِقَتْلِهِ حَيًّا. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ رَجَمَ) عَلَى بِنَاءِ الْفَاعِلِ: أَيْ الرَّجُلُ الَّذِي ضَرَبَ عُنُقَهُ لَمْ يَضْرِبْهُ وَإِنَّمَا رَجَمَهُ (ثُمَّ وُجِدُوا) أَيْ الشُّهُودُ (عَبِيدًا فَالدِّيَةُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ أَمْرَ الْإِمَامِ فَنَقَلَ فِعْلَهُ)

إلَيْهِ، وَلَوْ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِمَا ذَكَرْنَا كَذَا هَذَا، بِخِلَافِ مَا إذَا ضَرَبَ عُنُقَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِرْ أَمْرَهُ (وَإِذَا شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا وَقَالُوا تَعَمَّدْنَا النَّظَرَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ) ؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ النَّظَرُ لَهُمْ ضَرُورَةَ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ فَأَشْبَهَ الطَّبِيبَ وَالْقَابِلَةَ (وَإِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَأَنْكَرَ الْإِحْصَانَ وَلَهُ امْرَأَةٌ قَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُرْجَمُ) مَعْنَاهُ أَنْ يُنْكِرَ الدُّخُولَ بَعْدَ وُجُودِ سَائِرِ الشَّرَائِطِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِثَبَاتِ النَّسَبِ مِنْهُ حُكْمٌ بِالدُّخُولِ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا لَوْ طَلَّقَهَا يُعْقِبُ الرَّجْعَةَ وَالْإِحْصَانَ يَثْبُتُ بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ فِعْلَ الرَّاجِمِ (إلَى الْإِمَامِ، وَلَوْ بَاشَرَهُ) الْإِمَامُ (بِنَفْسِهِ وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِمَا ذَكَرْنَا) أَنَّ فِعْلَ الْجَلَّادِ يَنْتَقِلُ إلَى الْقَاضِي وَهُوَ عَامِلٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَتَجِبُ الْغَرَامَةُ فِي مَالِهِمْ (كَذَا هَذَا، بِخِلَافِ مَا إذَا ضَرَبَ عُنُقَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِرْ أَمْرَهُ) لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالرَّجْمِ دُونَ حَزِّ الرَّقَبَةِ فَلَمْ يَنْتَقِلْ فِعْلُهُ إلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا وَقَالُوا تَعَمَّدْنَا النَّظَرَ) إلَى مَوْضِعِ الزِّنَا مِنْ الزَّانِيَيْنِ (قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ) لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ لِإِقْرَارِهِمْ بِالْفِسْقِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَإِنَّ النَّظَرَ إلَى عَوْرَةِ الْغَيْرِ قَصْدًا فِسْقٌ، وَإِنَّمَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ إذَا لَمْ يُبَيِّنُوا كَيْفِيَّةَ النَّظَرِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَقَعَ اتِّفَاقًا لَا قَصْدًا، وَلَكِنَّا نَقُولُ: النَّظَرُ إلَى عَوْرَةِ الْغَيْرِ عِنْدَ الْحَاجَةِ يَجُوزُ شَرْعًا، فَإِنَّ الْخَتَّانَ يَنْظُرُ وَالْقَابِلَةَ تَنْظُرُ وَالنِّسَاءَ يَنْظُرْنَ لِمَعْرِفَةِ الْبَكَارَةِ، وَبِالشُّهُودِ حَاجَةٌ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ مَا لَمْ يَرَوْا كَالرِّشَاءِ فِي الْبِئْرِ وَالْمَيْلِ فِي الْمُكْحُلَةِ لَا يَسَعُهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَالْإِحْصَانُ يَثْبُتُ بِمِثْلِهِ) أَيْ بِمِثْلِ هَذَا الدَّلِيلِ الَّذِي فِيهِ شُبْهَةٌ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عِنْدَنَا، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا يَثْبُتُ الدُّخُولُ الَّذِي هُوَ مِنْ شُرُوطِ الْإِحْصَانِ بِالْحُكْمِ بِثُبُوتِ النَّسَبِ.

(فَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَلَدَتْ مِنْهُ وَشَهِدَ عَلَيْهِ بِالْإِحْصَانِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ رُجِمَ) خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ؛ فَالشَّافِعِيُّ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ شَهَادَتَهُنَّ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ، وَزُفَرُ يَقُولُ إنَّهُ شَرْطٌ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَتَغَلَّظُ عِنْدَهُ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ فَأَشْبَهَ حَقِيقَةَ الْعِلَّةِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيهِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ، فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَ ذِمِّيَّانِ عَلَى ذِمِّيٍّ زَنَى عَبْدُهُ الْمُسْلِمُ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الزِّنَا لَا تُقْبَلُ لِمَا ذَكَرْنَا. وَلَنَا أَنَّ الْإِحْصَانَ عِبَارَةٌ عَنْ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ، وَأَنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ الزِّنَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ وَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدُوا بِهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ، فَالشَّافِعِيُّ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ، وَزُفَرُ جَعَلَ الْإِحْصَانَ شَرْطًا فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَتَغَلَّظُ عِنْدَهُ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ فَأَشْبَهَ حَقِيقَةَ الْعِلَّةِ) وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ بِأَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ لَا تُقْبَلُ فِيهِ. وَالثَّانِي أَنَّ شُهُودَ الْإِحْصَانِ إذَا رَجَعُوا بَعْدَ الرَّجْمِ يَضْمَنُونَ عِنْدَهُ عَلَى مَا سَيَأْتِي، لِأَنَّ شُهُودَ الْعِلَّةِ يَضْمَنُونَ عِنْدَ الرُّجُوعِ بِالِاتِّفَاقِ. وَقَوْلُهُ (فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَ ذِمِّيَّانِ عَلَى ذِمِّيٍّ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الزَّانِيَ لَوْ كَانَ مَمْلُوكًا لِذِمِّيٍّ وَهُوَ مُسْلِمٌ فَشَهِدَ ذِمِّيَّانِ أَنَّ مَوْلَاهُ الذِّمِّيَّ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الزِّنَا يُرْجَمُ مَعَ أَنَّ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى الذِّمِّيِّ بِالْعِتْقِ مَقْبُولَةٌ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ هَاهُنَا تَكْمِيلَ الْعُقُوبَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَهَذَا مِثْلُهُ. وَقَوْلُهُ (لِمَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي أَنَّ الْإِحْصَانَ شَرْطٌ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ (وَلَنَا أَنَّ الْإِحْصَانَ عِبَارَةٌ عَنْ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ) بَعْضُهَا لَيْسَ مِنْ صُنْعِ الْمَرْءِ كَالْحُرِّيَّةِ وَالْعَقْلِ، وَبَعْضُهَا فُرِضَ عَلَيْهِ كَالْإِسْلَامِ، وَبَعْضُهَا مَنْدُوبٌ إلَيْهِ كَالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَالدُّخُولِ بِالْمَنْكُوحَةِ (وَالْحَالُ أَنَّهُ مَانِعٌ عَنْ الزِّنَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا) قَبْلَ بَابِ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ فَيَكُونُ الْكُلُّ مَزْجَرَةً، وَكُلُّ مَا يَكُونُ مَانِعًا عَنْ الزِّنَا لَا يَكُونُ عِلَّةً لِلْعُقُوبَةِ الْغَلِيظَةِ (وَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدُوا بِهِ) أَيْ بِالنِّكَاحِ (فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ) يَعْنِي

بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمَا، وَإِنَّمَا لَا يَثْبُتُ سَبْقُ التَّارِيخِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُهُ الْمُسْلِمُ أَوْ يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُسْلِمُ (فَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الْإِحْصَانِ لَا يَضْمَنُونَ) عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَهُوَ فَرْعُ مَا تَقَدَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَنَّ فُلَانًا تَزَوَّجَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ وَدَخَلَ بِهَا فِي غَيْرِ حَالَةِ الزِّنَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا (بِخِلَافِ مَا ذَكَرَ) يَعْنِي زُفَرَ مِنْ شَهَادَةِ الذِّمِّيَّيْنِ عَلَى ذِمِّيٍّ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ قَبْلَ الزِّنَا (لِأَنَّ الْعِتْقَ) هُنَاكَ (يَثْبُتُ) أَيْضًا (بِشَهَادَتِهِمَا وَإِنَّمَا لَا يَثْبُتُ سَبْقُ التَّارِيخِ لِأَنَّهُ) تَارِيخٌ (يُنْكِرُهُ الْمُسْلِمُ أَوْ يَتَضَرَّرُ بِهِ) مِنْ حَيْثُ إقَامَةُ الْعُقُوبَةِ الْكَامِلَةِ عَلَيْهِ، وَمَا يُنْكِرُهُ الْمُسْلِمُ أَوْ يَتَضَرَّرُ بِهِ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ. فَلَوْ قُلْنَا بِجَوَازِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ كَانَ ذَلِكَ قَوْلًا بِجَوَازِ شَهَادَةِ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الْإِحْصَانِ لَا يَضْمَنُونَ) أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ الْمُتَرَتِّبَيْنِ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[باب حد الشرب]

(بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ) (وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَأُخِذَ وَرِيحُهَا مَوْجُودَةٌ أَوْ جَاءُوا بِهِ سَكْرَانَ فَشَهِدَ الشُّهُودُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ] إنَّمَا أَخَّرَ حَدَّ الشُّرْبِ عَنْ حَدِّ الزِّنَا؛ لِأَنَّ جَرِيمَةَ الزِّنَا أَشَدُّ مِنْ جَرِيمَةِ شُرْبِ الْخَمْرِ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَتْلِ النَّفْسِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَرَنَ ذِكْرَهُ بِعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَقَتْلِ النَّفْسِ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان: 68] وَلِهَذَا لَمْ يَحِلَّ فِي دَيْنٍ مِنْ الْأَدْيَانِ وَأَخَّرَ حَدَّ الْقَذْفِ عَنْ حَدِّ الشُّرْبِ لِمَا أَنَّ جَرِيمَةَ الشُّرْبِ مُتَيَقَّنٌ بِهَا، بِخِلَافِ جَرِيمَةِ الْقَذْفِ فَإِنَّ الْقَذْفَ خَبَرٌ مُحْتَمَلٌ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، وَلِهَذَا كَانَ ضَرْبُ حَدِّ الْقَذْفِ أَخَفَّ مِنْ ضَرْبِ حَدِّ الشُّرْبِ لِضَعْفٍ فِي ثُبُوتِ الْقَذْفِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا فِي نِسْبَتِهِ إلَى الزِّنَا فَلَا يَكُونُ قَذْفًا (وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَأُخِذَ وَرِيحُهَا مَوْجُودَةٌ أَوْ جَاءُوا بِهِ سَكْرَانَ فَشَهِدَ الشُّهُودُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الشَّارِبِ (بِذَلِكَ) أَيْ بِشُرْبِ الْخَمْرِ وَوُجُودِ الرَّائِحَةِ مِنْ بَابِ قَوْله تَعَالَى {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [البقرة: 68] (أَوْ شَهِدُوا عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ مَعَ مَجِيئِهِمْ بِهِ وَهُوَ سَكْرَانُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ) وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا تُشْتَرَطَ الرَّائِحَةُ بَعْدَمَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَيْهِ بِالسُّكْرِ مِنْ الْخَمْرِ، وَلَكِنْ الرِّوَايَاتُ فِي الشُّرُوحِ مُقَيَّدَةٌ بِوُجُودِ الرَّائِحَةِ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى شَارِبِ الْخَمْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ

وَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ وَرِيحُهَا مَوْجُودَةٌ) لِأَنَّ جِنَايَةَ الشُّرْبِ قَدْ ظَهَرَتْ وَلَمْ يَتَقَادَمْ الْعَهْدُ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ» . (وَإِنْ أَقَرَّ بَعْدَ ذَهَابِ رَائِحَتِهَا لَمْ يُحَدَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُحَدُّ) وَكَذَلِكَ إذَا شَهِدُوا عَلَيْهِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ رِيحُهَا وَالسُّكْرُ لَمْ يُحَدَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُحَدُّ، فَالتَّقَادُمُ يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ بِالِاتِّفَاقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَبِي يُوسُفَ سَوَاءٌ ثَبَتَ وُجُوبُ الْحَدِّ بِالشَّهَادَةِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ (وَالْأَصْلُ فِيهِ) أَيْ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ» قِيلَ تَمَامُ الْحَدِيثِ «فَإِنْ عَادَ فَاقْتُلُوهُ» وَهُوَ مَتْرُوكُ الْعَمَلِ بِهِ فَلْيَكُنْ الْبَاقِي كَذَلِكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ تُرِكَ الْعَمَلُ بِذَلِكَ لِمُعَارِضٍ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ» وَلَيْسَ شُرْبُ الْخَمْرِ مِنْهَا، فَبَقِيَ الْبَاقِي مَعْمُولًا بِهِ لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ أَقَرَّ بَعْدَ ذَهَابِ رَائِحَتِهَا) وَاضِحٌ.

غَيْرَ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالزَّمَانِ عِنْدَهُ اعْتِبَارًا بِحَدِّ الزِّنَا، وَهَذَا لِأَنَّ التَّأْخِيرَ يَتَحَقَّقُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَالرَّائِحَةُ قَدْ تَكُونُ مِنْ غَيْرِهِ، كَمَا قِيلَ: يَقُولُونَ لِي انْكَهْ شَرِبْت مُدَامَةً ... فَقُلْت لَهُمْ لَا بَلْ أَكَلْت السَّفَرْجَلَا وَعِنْدَهُمَا يُقَدَّرُ بِزَوَالِ الرَّائِحَةِ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَإِنْ وَجَدْتُمْ رَائِحَةَ الْخَمْرِ فَاجْلِدُوهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (غَيْرَ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالزَّمَانِ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الشَّهْرُ (اعْتِبَارًا بِحَدِّ الزِّنَا) وَقَوْلُهُ (وَهَذَا) يَعْنِي تَقْدِيرَ الزَّمَانِ وَعَدَمَ اعْتِبَارِ الرَّائِحَةِ (لِأَنَّ التَّأْخِيرَ يَتَحَقَّقُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ) فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ زَمَانٍ، وَأَمَّا أَنَّ ذَلِكَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ أَوْ شَهْرٌ وَاحِدٌ فَيُعْلَمُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ (وَأَمَّا عَدَمُ اعْتِبَارِ الرَّائِحَةِ فَلِأَنَّهَا مُحْتَمَلَةٌ أَنْ تَكُونَ مِنْ غَيْرِهَا كَمَا قِيلَ: يَقُولُونَ لِي انْكِهِ قَدْ شَرِبْت مُدَامَةً فَقُلْت لَهُمْ لَا بَلْ أَكَلْت السَّفَرْجَلَا) وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ وَهِيَ رِوَايَةُ الْمُطَرِّزِيِّ بِكَلِمَةِ قَدْ، وَقَدْ رُوِيَ بِدُونِهَا وَهِيَ رِوَايَةُ الْفُقَهَاءِ، فَعَلَى الْأُولَى تَسْقُطُ هَمْزَةُ الْوَصْلِ مِنْ انْكِهِ فِي اللَّفْظِ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ تُحَرَّكُ بِالْكَسْرِ لِضَرُورَةِ الشِّعْرِ وَالْمُدَامَةُ بِمَعْنَى الْمُدَامِ وَهُوَ الْخَمْرُ (وَعِنْدَهُمَا يُقَدَّرُ بِزَوَالِ الرَّائِحَةِ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَإِنْ وَجَدْتُمْ رَائِحَةَ الْخَمْرِ فَاجْلِدُوهُ)

وَلِأَنَّ قِيَامَ الْأَثَرِ مِنْ أَقْوَى دَلَالَةٍ عَلَى الْقُرْبِ، وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى التَّقْدِيرِ بِالزَّمَانِ عِنْدَ تَعَذُّرِ اعْتِبَارِهِ، وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَ الرَّوَائِحِ مُمْكِنٌ لِلْمُسْتَدِلِّ، وَإِنَّمَا تَشْتَبِهُ عَلَى الْجُهَّالِ. وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَالتَّقَادُمُ لَا يُبْطِلُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي حَدِّ الزِّنَا عَلَى مَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ. وَعِنْدَهُمَا لَا يُقَامُ الْحَدُّ إلَّا عِنْدَ قِيَامِ الرَّائِحَةِ، لِأَنَّ حَدَّ الشُّرْبِ ثَبَتَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَلَا إجْمَاعَ إلَّا بِرَأْيِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَدْ شَرَطَ قِيَامَ الرَّائِحَةِ عَلَى مَا رَوَيْنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِأَنَّ) الْمُعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ الْقُرْبُ وَ (قِيَامُ الْأَثَرِ) وَهُوَ الرَّائِحَةُ (مِنْ أَقْوَى الدَّلَائِلِ عَلَى الْقُرْبِ) وَقَوْلُهُ (وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى التَّقْدِيرِ بِالزَّمَانِ) جَوَابٌ عَنْ الِاعْتِبَارِ بِالزَّمَانِ: أَيْ إنَّمَا يُصَارُ إلَى التَّقْدِيرِ بِالزَّمَانِ عِنْدَ تَعَذُّرِ اعْتِبَارِ الْأَثَرِ. وَقَوْلُهُ (وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَ الرَّوَائِحِ مُمْكِنٌ لِلْمُسْتَدِلِّ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَالرَّائِحَةُ قَدْ تَكُونُ مِنْ غَيْرِهِ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِثْبَاتِ بِالْبَيِّنَةِ (وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَالتَّقَادُمُ لَا يُبْطِلُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي حَدِّ الزِّنَا عَلَى مَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ) أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَكُونُ مُتَّهَمًا بِالنِّسْبَةِ إلَى نَفْسِهِ (وَعِنْدَهُمَا لَا يُقَامُ الْحَدُّ إلَّا عِنْدَ قِيَامِ الرَّائِحَةِ، لِأَنَّ حَدَّ الشُّرْبِ ثَبَتَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَلَا إجْمَاعَ إلَّا بِرَأْيِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَدْ شَرَطَ قِيَامَ الرَّائِحَةِ عَلَى مَا رَوَيْنَا) يَعْنِي قَوْلَهُ " فَإِنْ وَجَدْتُمْ رَائِحَةَ الْخَمْرِ فَاجْلِدُوهُ " وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ عَلَى ثُبُوتِ حَدِّ الشُّرْبِ بِاتِّفَاقِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَكِنْ لَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي شَرَطَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَهُوَ

(وَإِنْ أَخَذَهُ الشُّهُودُ وَرِيحُهَا تُوجَدُ مِنْهُ أَوْ سَكْرَانُ فَذَهَبُوا بِهِ مِنْ مِصْرٍ إلَى مِصْرٍ فِيهِ الْإِمَامُ فَانْقَطَعَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْتَهُوا بِهِ حُدَّ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) لِأَنَّ هَذَا عُذْرٌ كَبُعْدِ الْمَسَافَةِ فِي حَدِّ الزِّنَا وَالشَّاهِدُ لَا يُتَّهَمُ فِي مِثْلِهِ. (وَمَنْ سَكِرَ مِنْ النَّبِيذِ حُدَّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقِيَامُ الرَّائِحَةِ أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْبَاقُونَ، وَأَيْضًا كَلَامُ ابْنِ مَسْعُودٍ شَرْطِيَّةٌ وَالشَّرْطِيَّةُ تُفِيدُ الْوُجُودَ عِنْدَ الْوُجُودِ لَا غَيْرُ. وَجَوَابُ الْإِمَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ بِأَنَّ الْعَدَمَ عِنْدَ الْعَدَمِ لَيْسَ مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ بَلْ مِنْ انْتِفَاءِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ مَدْفُوعٌ بِمَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا، وَأَيْضًا ذَكَرَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ أَنَّهُ ثَابِتٌ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ» وَقَالَ هَاهُنَا إنَّهُ ثَابِتٌ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَهُمَا مُتَنَافِيَانِ، وَأَيْضًا اشْتِرَاطُ الرَّائِحَةِ مُنَافٍ لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ» وَقَوْلُهُ (وَرِيحُهَا تُوجَدُ مِنْهُ) ظَاهِرٌ. قَالَ (وَمَنْ سَكِرَ مِنْ النَّبِيذِ حُدَّ) النَّبِيذُ يَقَعُ عَلَى نَبِيذِ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ، وَمَا يُتَّخَذُ مِنْ الزَّبِيبِ شَيْئَانِ: نَقِيعٌ وَنَبِيذٌ. فَالنَّقِيعُ أَنْ يُنْقَعَ الزَّبِيبُ فِي الْمَاءِ وَيُتْرَكَ أَيَّامًا حَتَّى تَخْرُجَ حَلَاوَتُهُ إلَى الْمَاءِ ثُمَّ يُطْبَخَ أَدْنَى طَبْخٍ، فَمَا دَامَ حُلْوًا يَحِلُّ شُرْبُهُ، وَإِذَا غَلَا وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ يَحْرُمُ. وَأَمَّا النَّبِيذُ فَهُوَ الَّذِي مِنْ مَاءِ الزَّبِيبِ إذَا طُبِخَ أَدْنَى طَبْخٍ يَحِلُّ شُرْبُهُ مَا دَامَ حُلْوًا فَإِذَا غَلَا وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ يَحِلُّ شُرْبُهُ مَا دُونَ السُّكْرِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ لَا يَحِلُّ شُرْبُهُ. وَمَا يُتَّخَذُ مِنْ التَّمْرِ ثَلَاثَةٌ: السُّكْرُ وَالْفَضِيخُ وَالنَّبِيذُ. فَالنَّبِيذُ هُوَ مَاءُ التَّمْرِ إذَا طُبِخَ أَدْنَى طَبْخٍ يَحِلُّ شُرْبُهُ فِي قَوْلِهِمْ مَا دَامَ حُلْوًا، وَإِذَا غَلَا وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَحِلُّ شُرْبُهُ لِلتَّدَاوِي وَالتَّقَوِّي إلَّا الْقَدَحَ الْمُسْكِرَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَحِلُّ. وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْحَدِّ، وَسَيَجِيءُ بَيَانُهُ فِي الْأَشْرِبَةِ.

لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ أَقَامَ الْحَدَّ عَلَى أَعْرَابِيٍّ سَكِرَ مِنْ النَّبِيذِ. وَسَنُبَيِّنُ الْكَلَامَ فِي حَدِّ السُّكْرِ وَمِقْدَارِ حَدِّهِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا الْكَلَامُ فِي حَدِّ السُّكْرِ وَمِقْدَارِ حَدِّهِ فَسَيُذْكَرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ وُجِدَ مِنْهُ رَائِحَةُ الْخَمْرِ أَوْ تَقَيَّأَهَا) لِأَنَّ الرَّائِحَةَ مُحْتَمَلَةٌ، وَكَذَا الشُّرْبُ قَدْ يَقَعُ عَنْ إكْرَاهٍ أَوْ اضْطِرَارٍ (وَلَا يُحَدُّ السَّكْرَانُ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ سَكِرَ مِنْ النَّبِيذِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ وُجِدَ مِنْهُ رَائِحَةُ الْخَمْرِ أَوْ تَقَيَّأَهَا) يَعْنِي إذَا لَمْ يُشَاهَدْ مِنْهُ الشُّرْبُ (لِأَنَّ الرَّائِحَةَ مُحْتَمَلَةٌ) فَإِنْ قِيلَ: هَذَا التَّعْلِيلُ مُنَاقِضٌ لِمَا ذُكِرَ قَبْلَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَ الرَّوَائِحِ مُمْكِنٌ لِلْمُسْتَدِلِّ. أُجِيبَ بِأَنَّ الِاحْتِمَالَ فِي نَفْسِ الرَّوَائِحِ قَبْلَ الِاسْتِدْلَالِ وَالتَّمْيِيزُ بَعْدَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِقْصَاءِ أَوْ التَّمْيِيزُ مُمْكِنٌ لِمَنْ عَايَنَ الشُّرْبَ وَالِاحْتِمَالُ لِمَنْ لَمْ يُعَايِنْهُ. وَأَقُولُ: وَالْجَوَابُ الثَّانِي أَحْسَنُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى تَفْسِيرِ الْمُسْتَدِلِّ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَدِلَّ هُوَ مَنْ مَعَهُ دَلِيلٌ وَهُوَ مُعَايَنَةُ الشُّرْبِ وَالْجَاهِلُ هُوَ مَنْ لَيْسَ مَعَهُ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ لِأَنَّ الرَّائِحَةَ مُحْتَمَلَةٌ عَلَى مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ وَقَوْلُهُ (وَكَذَا الشُّرْبُ قَدْ يَقَعُ عَنْ إكْرَاهٍ أَوْ اضْطِرَارٍ) عَلَى قَوْلِهِمَا. وَلَا يُحَدُّ السَّكْرَانُ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ سَكِرَ مِنْ النَّبِيذِ

وَشَرِبَهُ طَوْعًا) لِأَنَّ السُّكْرَ مِنْ الْمُبَاحِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ كَالْبَنْجِ وَلَبَنِ الرِّمَاكِ، وَكَذَا شُرْبُ الْمُكْرَهِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ (وَلَا يُحَدُّ حَتَّى يَزُولَ عَنْهُ السُّكْرُ) تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِ الِانْزِجَارِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَشَرِبَهُ طَوْعًا لِأَنَّ السُّكْرَ مِنْ الْمُبَاحِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ كَالْبَنْجِ وَلَبَنِ الرِّمَاكِ) وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ إبَاحَةِ الْبَنْجِ مُوَافِقٌ لِعَامَّةِ الْكُتُبِ خَلَا رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ، فَإِنَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى حُرْمَةِ الْأَشْرِبَةِ الْمُتَّخَذِ مِنْ الْحُبُوبِ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ وَالْعَسَلِ وَغَيْرِهَا، وَقَالَ: السُّكْرُ مِنْ هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ السُّكْرَ مِنْ الْبَنْجِ حَرَامٌ مَعَ أَنَّهُ مَأْكُولٌ فَمِنْ الْمَشْرُوبِ أَوْلَى. كَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّكْرَ الْحَاصِلَ مِنْ الْبَنْجِ حَرَامٌ لَا عَلَى أَنَّ الْبَنْجَ حَرَامٌ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَنْجَ مُبَاحٌ وَلَا

(وَحَدُّ الْخَمْرِ وَالسُّكْرِ فِي الْحُرِّ ثَمَانُونَ سَوْطًا) لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنَافِيَ بَيْنَهُمَا (وَحَدُّ الْخَمْرِ وَ) حَدُّ (السُّكْرِ) مِنْ غَيْرِ الْخَمْرِ (فِي الْحُرِّ ثَمَانُونَ سَوْطًا لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -،

(يُفَرَّقُ عَلَى بَدَنِهِ كَمَا فِي حَدِّ الزِّنَا عَلَى مَا مَرَّ) ثُمَّ يُجَرَّدُ فِي الْمَشْهُودِ مِنْ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يُجَرَّدُ إظْهَارًا لِلتَّخْفِيفِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ. وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّا أَظْهَرْنَا التَّخْفِيفَ مَرَّةً فَلَا يُعْتَبَرُ ثَانِيًا (وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَحَدُّهُ أَرْبَعُونَ سَوْطًا) لِأَنَّ الرِّقَّ مُتَّصِفٌ عَلَى مَا عُرِفَ. (وَمَنْ أَقَرَّ بِشُرْبِ الْخَمْرِ وَالسَّكَرِ ثُمَّ رَجَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُفَرَّقُ عَلَى بَدَنِهِ كَمَا فِي حَدِّ الزِّنَا عَلَى مَا مَرَّ) فِي أَنَّهُ يُضْرَبُ كُلُّ الْبَدَنِ مَا خَلَا الْوَجْهَ وَالرَّأْسَ وَالْفَرْجَ (ثُمَّ يُجَرَّدُ) عَنْ ثِيَابِهِ (فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يُجَرَّدُ عَنْ ثِيَابِهِ إظْهَارًا لِلتَّخْفِيفِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ) أَيْ بِالْحَدِّ (نَصٌّ) قَاطِعٌ أَوْ بِالتَّجْرِيدِ (وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّا أَظْهَرْنَا التَّخْفِيفَ مَرَّةً) يَعْنِي مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ حَيْثُ لَمْ نَجْعَلْهُ مِائَةً كَمَا فِي الزِّنَا (فَلَا يُعْتَبَرُ ثَانِيًا) وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ، الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُجْمِعِينَ التَّصَرُّفُ فِي الْمُقَدَّرَاتِ الشَّرْعِيَّةِ. وَالثَّانِي أَنَّ الثَّمَانِينَ تَغْلِيظٌ لَا تَخْفِيفٌ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُمْ ضَرَبُوا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْأَكْمَامِ وَبِالْأَيْدِي وَغَيْرِ ذَلِكَ ثُمَّ جَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ ثُمَّ جَلَدَ عُمَرُ أَرْبَعِينَ، فَالتَّقْدِيرُ بَعْدَ ذَلِكَ بِثَمَانِينَ تَغْلِيظٌ لَا تَخْفِيفٌ. وَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ إنَّا أَظْهَرْنَا التَّخْفِيفَ كَلَامٌ عَنْ لِسَانِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَالتَّخْفِيفُ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَازَ لَهُ أَنْ يُقَدِّرَ حَدَّ الشُّرْبِ مِائَةً كَحَدِّ الزِّنَا إذْ هُوَ الْفَاعِلُ الْمُخْتَارُ، وَحَيْثُ لَمْ يَنُصَّ عَلَى مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ كَانَ تَخْفِيفًا مِنْهُ، وَلَمَا جَعَلَهُ الصَّحَابَةُ مُعْتَبَرًا بِحَدِّ الْمُفْتَرِينَ ظَهَرَ التَّخْفِيفُ فَلَمْ يُقَدِّرُوا بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا أَظْهَرُوا التَّخْفِيفَ الَّذِي كَانَ ثَابِتًا بِتَرْكِ التَّنْصِيصِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ أَظْهَرْنَا التَّخْفِيفَ، وَلِلَّهِ دَرُّ لَطَائِفِهِ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ أَقَرَّ بِشُرْبِ الْخَمْرِ وَالسَّكَرِ) بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ عَصِيرُ الرُّطَبِ

لَمْ يُحَدَّ) لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. (وَيَثْبُتُ الشُّرْبُ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ وَ) يَثْبُتُ (بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً وَاحِدَةً) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَشْتَرِطُ الْإِقْرَارَ مَرَّتَيْنِ وَهُوَ نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِي السَّرِقَةِ، وَسَنُبَيِّنُهَا هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ (وَلَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ) لِأَنَّ فِيهَا شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ وَتُهْمَةَ الضَّلَالِ وَالنِّسْيَانِ. (وَالسَّكْرَانُ الَّذِي يُحَدُّ هُوَ الَّذِي لَا يَعْقِلُ مَنْطِقًا لَا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا وَلَا يَعْقِلُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ) قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ (وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: هُوَ الَّذِي يَهْذِي وَيَخْتَلِطُ كَلَامُهُ) لِأَنَّهُ هُوَ السَّكْرَانُ فِي الْعُرْفِ، وَإِلَيْهِ مَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا اشْتَدَّ، وَقِيلَ السُّكْرُ كُلُّ شَرَابٍ مُسْكِرٍ (وَيَثْبُتُ الشُّرْبُ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ وَيَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً وَاحِدَةً) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ: يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ مَرَّتَيْنِ فِي مَجْلِسَيْنِ اعْتِبَارًا لِعَدَدِ الْإِقْرَارِ بِعَدَدِ الشُّهُودِ (وَهُوَ نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِي السَّرِقَةِ، وَسَنُبَيِّنُهَا هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) قَالَ (وَلَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ) فِي حَدِّ الشُّرْبِ أَيْضًا (لِأَنَّ فِيهَا شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ وَتُهْمَةَ الضَّلَالِ وَالنِّسْيَانِ) يُشِيرُ إلَى ذَلِكَ كُلِّهِ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] إلَى قَوْلِهِ {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: 282] وَإِنَّمَا قَالَ شُبْهَةُ الْبَدَلِيَّةِ دُونَ حَقِيقَةِ الْبَدَلِيَّةِ، لِأَنَّ اسْتِشْهَادَ النِّسَاءِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي جَازَتْ شَهَادَتُهُنَّ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةِ الْعَجْزِ عَنْ اسْتِشْهَادِ الرِّجَالِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَبْدَالِ، وَلَكِنْ فِيهِ صُورَةُ الْبَدَلِيَّةِ مِنْ حَيْثُ النَّظْمُ " (وَالسَّكْرَانُ الَّذِي يُحَدُّ هُوَ الَّذِي لَا يَعْقِلُ مَنْطِقًا لَا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا وَلَا يَعْقِلُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ) هَذَا لَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَيْسَ فِيهِ بَيَانُ الْخِلَافِ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: هُوَ الَّذِي يَهْذِي وَيَخْتَلِفُ كَلَامُهُ) أَيْ يَكُونُ غَالِبُ كَلَامِهِ الْهَذَيَانَ، فَإِنْ كَانَ نِصْفُهُ مُسْتَقِيمًا فَلَيْسَ بِسَكْرَانَ (لِأَنَّهُ السَّكْرَانُ فِي الْعُرْفِ وَإِلَيْهِ) أَيْ إلَى قَوْلِهِمَا (مَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ) وَعَنْ ابْنِ الْوَلِيدِ قَالَ: سَأَلْت

وَلَهُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ فِي أَسْبَابِ الْحُدُودِ بِأَقْصَاهَا دَرْءًا لِلْحَدِّ. وَنِهَايَةُ السَّكْرَانِ يَغْلِبُ السُّرُورُ عَلَى الْعَقْلِ فَيَسْلُبُهُ التَّمْيِيزَ بَيْنَ شَيْءٍ وَشَيْءٍ، وَمَا دُونَ ذَلِكَ لَا يَعْرَى عَنْ شُبْهَةِ الصَّحْوِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْقَدَحِ الْمُسْكِرُ فِي حَقِّ الْحُرْمَةِ مَا قَالَاهُ بِالْإِجْمَاعِ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبَا يُوسُفَ عَنْ السَّكْرَانِ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ قَالَ: أَنْ يُسْتَقْرَأَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَقُلْت لَهُ: كَيْفَ عَيَّنْت هَذِهِ السُّورَةَ وَرُبَّمَا أَخْطَأَ فِيهَا الصَّاحِي؟ قَالَ: لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ نَزَلَ فِيمَنْ شُرِعَ فِيهَا فَلَمْ يَسْتَطِعْ قِرَاءَتَهَا. وَحُكِيَ أَنَّ أَئِمَّةَ بَلْخِي اتَّفَقُوا عَلَى اسْتِقْرَاءِ هَذِهِ السُّورَةِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحُدُودَ يُؤْخَذُ فِي أَسْبَابِهَا بِأَقْصَاهَا دَرْءًا لِلْحَدِّ، وَنِهَايَةُ السُّكْرِ أَنْ يَغْلِبَ السُّرُورُ عَلَى الْعَقْلِ فَيَسْلُبُهُ التَّمْيِيزَ بَيْنَ شَيْءٍ وَشَيْءٍ، وَمَا دُونَ ذَلِكَ لَا يَعْرَى عَنْ شُبْهَةِ الصَّحْوِ) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا كَانَ يُمَيِّزُ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ عَرَفْنَا أَنَّهُ مُسْتَعْمِلٌ لِعَقْلِهِ مَعَ مَا بِهِ مِنْ السُّرُورِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ نِهَايَةً فِي السُّكْرِ وَفِي النُّقْصَانِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ، وَالْحُدُودُ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَلِهَذَا وَافَقَهُمَا فِي السُّكْرِ الَّذِي يَحْرُمُ عِنْدَهُ الْقَدَحُ الْمُسْكِرُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ هُوَ اخْتِلَاطُ الْكَلَامِ لِأَنَّ اعْتِبَارَ النِّهَايَةِ فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَالْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ يُؤْخَذُ بِالِاحْتِيَاطِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ (وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْقَدَحِ الْمُسْكِرِ فِي حَقِّ الْحُرْمَةِ مَا قَالَاهُ بِالْإِجْمَاعِ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ) لِأَنَّهُ لَمَّا اعْتَقَدَ حُرْمَةَ الْقَدَحِ الَّذِي يَلْزَمُ الْهَذَيَانُ وَاخْتِلَاطُ الْكَلَامِ عِنْدَهُ يَمْتَنِعُ عَنْهُ، فَلَمَّا امْتَنَعَ عَنْهُ وَهُوَ الْأَدْنَى فِي حَدِّ السُّكْرِ كَانَ مُمْتَنِعًا

وَالشَّافِعِيُّ يَعْتَبِرُ ظُهُورَ أَثَرِهِ فِي مِشْيَتِهِ وَحَرَكَاتِهِ وَأَطْرَافِهِ وَهَذَا مِمَّا يَتَفَاوَتُ فَلَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِهِ. (وَلَا يُحَدُّ السَّكْرَانُ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ) لِزِيَادَةِ احْتِمَالِ الْكَذِبِ فِي إقْرَارِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ الْأَعْلَى فِيهِ وَهُوَ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا) أَيْ ظُهُورُ الْأَثَرِ فِي مِشْيَتِهِ (مِمَّا يَخْتَلِفُ) فَإِنَّ السَّكْرَانَ رُبَّمَا يَتَمَايَلُ فِي مِشْيَتِهِ وَالصَّاحِيَ رُبَّمَا يَزْلَقُ أَوْ يَعْثِرُ فِي مِشْيَتِهِ فَيُرَى التَّمَايُلُ مِنْهُ فَلَا يَكُونُ دَلِيلًا. وَقَوْلُهُ (وَلَا يُحَدُّ السَّكْرَانُ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ) يَعْنِي فِي الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالسَّرِقَةِ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ خَبَرٌ

فَيَحْتَالُ لِدَرْئِهِ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ وَالسَّكْرَانُ فِيهِ كَالصَّاحِي عُقُوبَةً عَلَيْهِ كَمَا فِي سَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ، وَلَوْ ارْتَدَّ السَّكْرَانُ لَا تَبِينُ مِنْهُ امْرَأَتُهُ لِأَنَّ الْكُفْرَ مِنْ بَابِ الِاعْتِقَادِ فَلَا يَتَحَقَّقُ مَعَ السُّكْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَحْتَمِلُ الْكَذِبَ، فَإِذَا صَدَرَ مِنْ سَكْرَانَ مِهْذَارٍ زَادَ احْتِمَالُهُ (فَيَحْتَالُ لِدَرْئِهِ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ، وَالسَّكْرَانُ فِيهِ كَالصَّاحِي عُقُوبَةً عَلَيْهِ) بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَإِنَّهُمْ قَالُوا إذَا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افْتَرَى، وَحَدُّ الْمُفْتَرِينَ ثَمَانُونَ. فَهَذَا إجْمَاعٌ مِنْهُمْ عَلَى وُجُوبِ حَدِّ الْقَذْفِ. فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ حَقًّا لِلْعَبْدِ فَكَذَلِكَ سَائِرُ الْحُقُوقِ كَالْقِصَاصِ وَغَيْرِهِ (وَلَوْ ارْتَدَّ السَّكْرَانُ لَا تَبِينُ مِنْهُ امْرَأَتُهُ لِمَا ذُكِرَ أَنَّ الْكُفْرَ مِنْ بَابِ الْإِعْتَاقِ فَلَا يَتَحَقَّقُ مَعَ السُّكْرِ) وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ صَنَعَ طَعَامًا فَدَعَا بَعْضَ الصَّحَابَةِ فَأَكَلُوا وَسَقَاهُمْ خَمْرًا وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا، فَأَمَّهُمْ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَوْ غَيْرُهُ وَقَرَأَ سُورَةَ الْكَافِرُونَ بِطَرْحِ اللَّاءَاتِ مَعَ أَنَّ اعْتِقَادَهَا كُفْرٌ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كُفْرًا مِنْ ذَلِكَ الْقَارِئِ، فَعُلِمَ أَنَّ السَّكْرَانَ لَا يَكْفُرُ بِمَا جَرَى عَلَى لِسَانِهِ مِنْ لَفْظِ الْكُفْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[باب حد القذف]

(بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ) : (وَإِذَا قَذَفَ الرَّجُلُ رَجُلًا مُحْصَنًا أَوْ امْرَأَةً مُحْصَنَةً بِصَرِيحِ الزِّنَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ] الْقَذْفُ فِي اللُّغَةِ الرَّمْيُ، وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ نِسْبَةٌ مِنْ أَحْصَنَ إلَى الزِّنَا صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً (إذَا قَذَفَ الرَّجُلُ رَجُلًا مُحْصَنًا أَوْ امْرَأَةً مُحْصَنَةً بِصَرِيحِ الزِّنَا) الْخَالِي عَنْ الشُّبْهَةِ الَّذِي لَوْ أَقَامَ الْقَاذِفُ عَلَيْهِ أَرْبَعَةً مِنْ الشُّهُودِ، أَوْ أَقَرَّ بِهِ

وَطَالَبَ الْمَقْذُوفُ بِالْحَدِّ حَدَّهُ الْحَاكِمُ ثَمَانِينَ سَوْطًا إنْ كَانَ حُرًّا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] إلَى أَنْ قَالَ {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] الْآيَةَ، وَالْمُرَادُ الرَّمْيُ بِالزِّنَا بِالْإِجْمَاعِ، وَفِي النَّصِّ إشَارَةٌ إلَيْهِ وَهُوَ اشْتِرَاطُ أَرْبَعَةٍ مِنْ الشُّهَدَاءِ إذْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالزِّنَا، وَيُشْتَرَطُ مُطَالَبَةُ الْمَقْذُوفِ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّهُ مِنْ حَيْثُ دَفْعُ الْعَارِ وَإِحْصَانُ الْمَقْذُوفِ لِمَا تَلَوْنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَقْذُوفُ لَزِمَهُ حَدُّ الزِّنَا (وَطَالَبَ الْمَقْذُوفُ بِالْحَدِّ) وَعَجَزَ الْقَاذِفُ عَنْ إثْبَاتِ مَا قَذَفَهُ بِهِ (حَدَّهُ الْحَاكِمُ ثَمَانِينَ سَوْطًا إنْ كَانَ حُرًّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] إلَى أَنْ قَالَ {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] الْآيَةَ، وَالْمُرَادُ) بِقَوْلِهِ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ} [النور: 6] (الرَّمْيُ بِالزِّنَا بِالْإِجْمَاعِ) وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ فِي النَّصِّ لِأَنَّهُ شَرَطَ أَرْبَعَةً مِنْ الشُّهَدَاءِ وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالزِّنَا. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِصَرِيحِ الزِّنَا غَيْرُ مُفِيدٍ لِتَحَقُّقِهِ بِدُونِهِ بِأَنْ قَالَ لَسْت لِأَبِيك، وَبِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا تَجِبَ الْمُطَالَبَةُ لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ فِيهِ غَالِبٌ، وَالْمَقْلُوبُ فِي مُقَابَلَتِهِ كَالْمُسْتَهْلَكِ، وَلَئِنْ وَجَبَتْ فَلَيْسَتْ مُطَالَبَةُ الْمَقْذُوفِ بِلَازِمَةٍ، فَإِنَّ ابْنَهُ إذَا طَالَبَهُ حُدَّ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إذَا قَذَفَهُ بِصَرِيحِ الزِّنَا وَوَجَدَ الشَّرْطَ وَجَبَ الْحَدُّ لَا مَحَالَةَ فَتِلْكَ قَضِيَّةٌ صَادِقَةٌ، وَأَمَّا إذَا قَذَفَهُ بِنَفْيِ النَّسَبِ لَا يَجِبُ فَلَيْسَ بِلَازِمٍ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِهِ لِإِخْرَاجِ مَا كَانَ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: يَا زَانِي فَقَالَ آخَرُ صَدَقْت لَا لِإِخْرَاجِ مَا ذَكَرْتُمْ، وَحَقُّ الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا لَكِنْ يَصْلُحُ اشْتِرَاطُ مُطَالَبَتِهِ احْتِيَاطًا لِلدَّرْءِ، وَابْنُ الْمَقْذُوفِ إنَّمَا يَقْدِرُ عَلَى الْمُطَالَبَةِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمَقْذُوفِ، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ إلَّا إذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ مَيِّتًا لِيَتَحَقَّقَ قِيَامُهُ مَقَامَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ

قَالَ (وَيُفَرَّقُ عَلَى أَعْضَائِهِ) لِمَا مَرَّ فِي حَدِّ الزِّنَا (وَلَا يُجَرَّدُ مِنْ ثِيَابِهِ) لِأَنَّ سَبَبَهُ غَيْرُ مَقْطُوعٍ فَلَا يُقَامُ عَلَى الشِّدَّةِ، بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا (غَيْرَ أَنَّهُ يُنْزَعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ وَيُفَرَّقُ) يَعْنِي الضَّرْبَ (عَلَى أَعْضَاءِ الْقَاذِفِ عَلَى مَا مَرَّ فِي حَدِّ الزِّنَا) وَهُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّ الْجَمْعَ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ يُفْضِي إلَى التَّلَفِ (وَلَا يُجَرَّدُ مِنْ ثِيَابِهِ لِأَنَّ سَبَبَهُ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْقَاذِفُ صَادِقًا فِي نِسْبَتِهِ إلَى الزِّنَا وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّهَا عَلَى الْوَصْفِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ لَا تَكَادُ تَحْصُلُ (فَلَا يُقَامُ عَلَى الشِّدَّةِ بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا) حَيْثُ يُجَرَّدُ فِيهِ مِنْ ثِيَابِهِ لِأَنَّ سَبَبَهُ مُعَايَنٌ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ، وَهَاهُنَا بَعْدَ ثُبُوتِ الْقَذْفِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ يَتَوَقَّفُ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى مَعْنًى آخَرَ وَهُوَ كَذِبُهُ فِي النِّسْبَةِ إلَى الزِّنَا وَهُوَ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ بِهِ. وَقَوْلُهُ (غَيْرَ أَنَّهُ يُنْزَعُ

عَنْهُ الْفَرْوُ وَالْحَشْوُ) لِأَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ إيصَالَ الْأَلَمِ بِهِ (وَإِنْ كَانَ الْقَاذِفُ عَبْدًا جُلِدَ أَرْبَعِينَ سَوْطًا لِمَكَانِ الرِّقِّ. وَالْإِحْصَانُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْذُوفُ حُرًّا عَاقِلًا بَالِغًا مُسْلِمًا عَفِيفًا عَنْ فِعْلِ الزِّنَا) أَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَلِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْإِحْصَانِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] أَيْ الْحَرَائِرِ، وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ لِأَنَّ الْعَارَ لَا يَلْحَقُ بِالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ فِعْلِ الزِّنَا مِنْهُمَا، وَالْإِسْلَامُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ» وَالْعِفَّةُ لِأَنَّ غَيْرَ الْعَفِيفِ لَا يَلْحَقُهُ الْعَارُ، وَكَذَا الْقَاذِفُ صَادِقٌ فِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْهُ الْحَشْوُ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يُجَرَّدُ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ ذَلِكَ) يَعْنِي الْفَرْوَ وَالْحَشْوَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [البقرة: 68] وَقَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الْقَاذِفُ عَبْدًا) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَالْإِحْصَانُ) بَيَانُ شَرْطِهِ. وَقَوْلُهُ (لِعَدَمِ تَحَقُّقِ فِعْلِ الزِّنَا مِنْهُمَا) قِيلَ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَحُدَّ مَنْ قَذَفَ الْمَجْنُونَ الَّذِي زَنَى فِي حَالِ جُنُونِهِ وَلَا يُحَدُّ وَإِنْ قَذَفَهُ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ فِعْلِ الزِّنَا مِنْهُمَا الزِّنَا الَّذِي يُؤَثِّمُ صَاحِبَهُ وَيُوجِبُ الْحَدَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُمَا، وَأَمَّا الْوَطْءُ الَّذِي هُوَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ فَقَدْ تَحَقَّقَ مِنْهُمَا، وَبِالنَّظَرِ إلَى هَذَا كَانَ الْقَاذِفُ صَادِقًا فِي قَذْفِهِ فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْقَاذِفِ وَلَا عَلَى الْمَقْذُوفِ كَمَنْ قَذَفَ رَجُلًا بِوَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ وَطِئَ جَارِيَتَهُ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ: وَالْإِسْلَامُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ» تَقْرِيرُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ حَدَّ الْقَذْفِ بِقَذْفِ الْمُحْصَنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْآيَةَ. وَالْكَافِرُ لَيْسَ بِمُحْصَنٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ» فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ

(وَمَنْ نَفَى نَسَبَ غَيْرِهِ فَقَالَ لَسْت لِأَبِيك فَإِنَّهُ يُحَدُّ) وَهَذَا إذَا كَانَتْ أُمُّهُ حُرَّةً مُسْلِمَةً، لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ قَذْفٌ لِأُمِّهِ لِأَنَّ النَّسَبَ إنَّمَا يُنْفَى عَنْ الزَّانِي لَا عَنْ غَيْرِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَنْ نَفَى نَسَبَ غَيْرِهِ فَقَالَ لَسْت لِأَبِيك يُحَدُّ إنْ كَانَتْ أُمُّهُ حُرَّةً مُسْلِمَةً لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ قَذَفَ أُمَّهُ) لِأَنَّهُ نَفَى النَّسَبَ (وَالنَّسَبُ إنَّمَا يُنْفَى عَنْ الزَّانِي لَا عَنْ غَيْرِهِ) وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَ أَبُوهُ وَأُمُّهُ مَعْرُوفَيْنِ وَنَسَبُهُ مِنْ الْأُمِّ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ وَنَفَاهُ عَنْ الْأَبِ الْمَعْرُوفِ فَكَانَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ زَنَى بِأُمِّهِ وَفِي ذَلِكَ قَذْفٌ لِأُمِّهِ لَا مَحَالَةَ. قِيلَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَالَّتِي بَعْدَهَا. وَقِيلَ يَجِبُ أَنْ لَا يَجِبَ الْحَدُّ هَاهُنَا وَإِنْ كَانَ قَذَفَهُ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ لِجَوَازِ أَنْ يَنْفِيَ النَّسَبَ عَنْ أَبِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ الْأُمُّ زَانِيَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِأَنْ تَكُونَ مَوْطُوءَةً بِشُبْهَةٍ وَلَدَتْ فِي عِدَّةِ الْوَاطِئِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَا ذَكَرْته وَجْهُ الْقِيَاسِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَوُجُوبُ الْحَدِّ فِيهَا بِالِاسْتِحْسَانِ بِالْأَثَرِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَإِنَّمَا تَرَكْنَا هَذَا الْقِيَاسَ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «لَا حَدَّ إلَّا فِي قَذْفِ مُحْصَنَةٍ أَوْ نَفْيِ رَجُلٍ عَنْ أَبِيهِ» .

(وَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ فِي غَضَبٍ لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ لِأَبِيهِ الَّذِي يُدْعَى لَهُ يُحَدُّ، وَلَوْ قَالَ فِي غَيْرِ غَضَبٍ لَا يُحَدُّ) لِأَنَّ عِنْدَ الْغَضَبِ يُرَادُ بِهِ حَقِيقَتُهُ سَبًّا لَهُ، وَفِي غَيْرِهِ يُرَادُ بِهِ الْمُعَاتَبَةُ بِنَفْيِ مُشَابَهَتِهِ أَبَاهُ فِي أَسْبَابِ الْمُرُوءَةِ (وَلَوْ قَالَ لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ يَعْنِي جَدَّهُ لَمْ يُحَدَّ) لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي كَلَامِهِ، وَلَوْ نَسَبَهُ إلَى جَدِّهِ لَا يُحَدُّ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَدْ يُنْسَبُ إلَيْهِ مَجَازًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ فِي غَضَبٍ إلَخْ) ظَاهِرٌ، وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ أَوْ غَيْرِهَا لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ وَلَا بِابْنِ فُلَانَةَ وَهِيَ أُمُّهُ الَّتِي تُدْعَى لَهُ حَيْثُ لَا يَكُونُ قَذْفًا مَعَ أَنَّ الْقَذْفَ يُرَادُ بِهَذَا اللَّفْظِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ وَلَا بِابْنِ فُلَانَةَ نَفْيٌ عَنْهَا، وَإِنَّمَا يَنْتَفِي عَنْ أُمِّهِ بِانْتِفَاءِ الْوِلَادَةِ فَكَانَ نَفْيًا لِلْوِلَادَةِ، وَنَفْيُ الْوِلَادَةِ نَفْيُ الْوَطْءِ وَنَفْيُ الْوَطْءِ نَفْيُ الزِّنَا، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ نَفَى عَنْ الْوَالِدِ، وَوِلَادَةُ الْوَلَدِ ثَابِتَةٌ مِنْ أُمِّهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ أَنْتَ وَلَدُ

(وَلَوْ قَالَ لَهُ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَأُمُّهُ مَيِّتَةٌ مُحْصَنَةٌ فَطَالَبَ الِابْنُ بِحَدِّهِ حُدَّ الْقَاذِفُ) لِأَنَّهُ قَذَفَ مُحْصَنَةً بَعْدَ مَوْتِهَا (وَلَا يُطَالِبُ بِحَدِّ الْقَذْفِ لِلْمَيِّتِ إلَّا مَنْ يَقَعُ الْقَدْحُ فِي نَسَبِهِ بِقَذْفِهِ وَهُوَ الْوَالِدُ وَالْوَلَدُ) لِأَنَّ الْعَارَ يَلْتَحِقُ بِهِ لِمَكَانِ الْجُزْئِيَّةِ فَيَكُونُ الْقَذْفُ مُتَنَاوِلًا لَهُ مَعْنًى. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَثْبُتُ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ لِكُلِّ وَارِثٍ لِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ يُورَثُ عِنْدَهُ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالزِّنَا. قَالَ (وَلَوْ قَالَ لَهُ يَا ابْنَ الزَّانِيَةَ وَأُمُّهُ مَيِّتَةٌ مُحْصَنَةٌ فَطَالَبَ الِابْنُ بِحَدِّهِ حُدَّ الْقَاذِفُ لِأَنَّهُ قَذَفَ مُحْصَنَةً بَعْدَ مَوْتِهَا) بِخِلَافِ مَا إذَا قَذَفَهَا ثُمَّ مَاتَتْ فَإِنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ (وَلَا يُطَالِبُ بِحَدِّ الْقَذْفِ لِلْمَيِّتِ إلَّا مَنْ يَقَعُ الْقَدْحُ فِي نَسَبِهِ بِقَذْفِهِ وَهُوَ الْوَالِدُ وَالْوَلَدُ) يَعْنِي الْأَبَ وَالْجَدَّ وَإِنْ عَلَا، وَالْوَلَدُ وَوَلَدُ الْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ، نَقَلَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ، ثُمَّ قَالَ: كَذَا وَجَدْت بِخَطِّ شَيْخِي، وَنَقَلَ غَيْرُهُ مِنْ الشَّارِحِينَ عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (لِأَنَّ الْعَارَ يُلْتَحَقُ بِهِ) أَيْ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ (لِمَكَانِ الْجُزْئِيَّةِ فَيَكُونُ الْقَذْفُ مُتَنَاوِلًا لَهُ مَعْنًى) وَرُدَّ بِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْجُزْئِيَّةِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِتَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْهَا إذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ حَيًّا غَائِبًا فَإِنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ بِحَدِّهِ إذْ ذَاكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَابِ هُوَ الْمَقْذُوفُ لَا مَحَالَةَ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ جُزْئِيَّةٌ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَإِنَّمَا يَقُومُ الشَّيْءُ مَقَامَ غَيْرِهِ إذَا وَقَعَ الْيَأْسُ مِنْ الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ الْيَأْسُ بِمَوْتِهِ فَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ. وَقَوْلُهُ (وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ)

مَا نُبَيِّنُ، وَعِنْدَنَا وِلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ لَيْسَتْ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ بَلْ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَلِهَذَا يَثْبُتُ عِنْدَنَا لِلْمَحْرُومِ عَنْ الْمِيرَاثِ بِالْقَتْلِ، وَيَثْبُتُ لِوَلَدِ الْبِنْتِ كَمَا يَثْبُتُ لِوَلَدِ الِابْنِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَيَثْبُتُ لِوَلَدِ الْوَلَدِ حَالَ قِيَامِ الْوَلَدِ خِلَافًا لِزُفَرَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (لِمَا ذَكَرْنَاهُ) يَعْنِي قَوْلَهُ لِأَنَّ الْعَارَ يُلْتَحَقُ بِهِ. وَقَوْلُهُ (كَمَا يَثْبُتُ لِوَلَدِ الِابْنِ) يَعْنِي بِالِاتِّفَاقِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ حَقَّ الْمُطَالَبَةِ لَا يَثْبُتُ لِوَلَدِ الْبِنْتِ لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ. إلَى أَبِيهِ لَا إلَى أُمِّهِ فَلَا يَلْحَقُهُ الشَّيْنُ بِزِنَا أَبِي أُمِّهِ. وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ: النَّسَبُ يَثْبُتُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَيَصِيرُ الْوَلَدُ بِهِ كَرِيمَ الطَّرَفَيْنِ (وَيَثْبُتُ لِوَلَدِ الْوَلَدِ حَالَ قِيَامِ الْوَلَدِ) وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَيْسَ لِوَلَدِ الْوَلَدِ حَالَ قِيَامِ الْوَلَدِ أَنْ يُخَاصِمَ، لِأَنَّ الشَّيْنَ الَّذِي يَلْحَقُ الْوَلَدَ فَوْقَ الَّذِي يَلْحَقُ وَلَدَ الْوَلَدِ، فَصَارَ وَلَدُ الْوَلَدِ مَعَ قِيَامِ الْوَلَدِ كَالْوَلَدِ مَعَ بَقَاءِ الْمَقْذُوفِ، وَاعْتُبِرَ هَذَا بِطَلَبِ الْكَفَاءَةِ فَإِنَّهُ لَا خُصُومَةَ فِيهِ مَعَ بَقَاءِ الْأَقْرَبِ. وَلَكِنَّا نَقُولُ: حَقُّ الْخُصُومَةِ بِاعْتِبَارِ مَا لَحِقَهُ مِنْ الشَّيْنِ بِنِسْبَتِهِ إلَيْهِ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي حَقِّ وَلَدِ الْوَلَدِ كَوُجُودِهِ فِي حَقِّ الْوَالِدِ، فَأَيُّهُمَا خَاصَمَ يُقَامُ الْحَدُّ لِخُصُومَتِهِ، بِخِلَافِ الْمَقْذُوفِ فَإِنَّ حَقَّ الْخُصُومَةِ. لَهُ. بِاعْتِبَارِ تَنَاوُلِ الْقَاذِفِ مِنْ عِرْضِهِ مَقْصُودًا، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي حَقِّ وَلَدِهِ، وَبِخِلَافِ الْكَفَاءَةِ فَإِنَّ طَلَبَهَا إنَّمَا يَثْبُتُ لِلْأَقْرَبِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْإِنْكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ» وَفِي الْحُكْمِ الْمُرَتَّبِ عَلَى الْعُصُوبَةِ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ عَلَى الْأَبْعَدِ.

(وَإِذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ مُحْصَنًا جَازَ لِابْنِهِ الْكَافِرِ وَالْعَبْدِ أَنْ يُطَالِبَ بِالْحَدِّ) خِلَافًا لِزُفَرَ. هُوَ يَقُولُ: الْقَذْفُ يَتَنَاوَلُهُ مَعْنًى لِرُجُوعِ الْعَارِ إلَيْهِ، وَلَيْسَ طَرِيقُهُ الْإِرْثَ عِنْدَنَا فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ مُتَنَاوِلًا لَهُ صُورَةً وَمَعْنًى. وَلَنَا أَنَّهُ عَيَّرَهُ بِقَذْفِ مُحْصَنٍ فَيَأْخُذُهُ بِالْحَدِّ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِحْصَانَ فِي الَّذِي يُنْسَبُ إلَى الزِّنَا شَرْطٌ لِيَقَعَ تَعْيِيرًا عَلَى الْكَمَالِ ثُمَّ يَرْجِعُ هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ مُحْصَنًا) وَهُوَ مَيِّتٌ (جَازَ لِابْنِهِ الْكَافِرِ وَالْعَبْدِ أَنْ يُطَالِبَ بِالْحَدِّ، خِلَافًا لِزُفَرَ. هُوَ يَقُولُ: الْقَذْفُ تَنَاوَلَهُ مَعْنًى لِرُجُوعِ الْعَارِ إلَيْهِ، وَلَيْسَ طَرِيقُهُ الْإِرْثَ عِنْدَنَا) لِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ لَا يُورَثُ (فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ مُتَنَاوِلًا لَهُ صُورَةً وَمَعْنًى) فِي رُجُوعِ الْعَارِ إلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ مُتَنَاوِلًا لَهُ صُورَةً وَمَعْنًى بِأَنْ قَذَفَهُ قَاذِفٌ ابْتِدَاءً لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِعَدَمِ إحْصَانِ الْمَقْذُوفِ، فَكَذَا إذَا تَنَاوَلَهُ مَعْنًى. قِيلَ قَوْلُهُ وَلَيْسَ طَرِيقُهُ الْإِرْثَ غَيْرُ مُفِيدٍ لَهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ طَرِيقُهُ الْإِرْثَ أَيْضًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ، لِأَنَّ الْمَانِعَ عَنْ الْإِرْثِ مَوْجُودٌ وَهُوَ الْكُفْرُ أَوْ الرِّقُّ. وَقِيلَ تَحْرِيرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْحَدَّ إمَّا أَنْ يَجِبَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى الْقَاذِفِ لِقَذْفِهِ أُمَّ الْمَقْذُوفِ أَوْ لِقَذْفِ نَفْسِ هَذَا الِابْنِ الْكَافِرِ، لَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ لِأَجْلِ أُمِّهِ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يُورَثُ وَلَا أَنْ يَكُونَ لِأَجْلِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُحْصَنٍ وَهُوَ كَمَا تَرَى (وَلَنَا أَنَّهُ عَيَّرَهُ بِقَذْفِ مُحْصَنٍ) وَهُوَ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِيهِ وَكُلُّ مَنْ عَيَّرَ بِقَذْفِ مُحْصَنٍ جَازَ أَنْ يَأْخُذَ بِحَدِّهِ لِأَنَّهُ تَعْيِيرٌ عَلَى الْكَمَالِ فَيَقْتَضِي زَاجِرًا. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى هَذَا الْكَلَامِ بِقَوْلِهِ (وَهَذَا لِأَنَّ الْإِحْصَانَ فِي الَّذِي يُنْسَبُ إلَى الزِّنَا شَرْطٌ لِيَقَعَ تَعْيِيرًا عَلَى الْكَمَالِ ثُمَّ يَرْجِعُ هَذَا،

التَّعْيِيرُ الْكَامِلُ إلَى وَلَدِهِ، وَالْكُفْرُ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الِاسْتِحْقَاقِ، بِخِلَافِ إذَا تَنَاوَلَ الْقَذْفُ نَفْسَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ التَّعْيِيرُ عَلَى الْكَمَالِ لِفَقْدِ الْإِحْصَانِ فِي الْمَنْسُوبِ إلَى الزِّنَا (وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يُطَالِبَ مَوْلَاهُ بِقَذْفِ أُمِّهِ الْحُرَّةِ، وَلَا لِلِابْنِ أَنْ يُطَالِبَ أَبَاهُ بِقَذْفِ أُمِّهِ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ) لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يُعَاقَبُ بِسَبَبِ عَبْدِهِ، وَكَذَا الْأَبُ بِسَبَبِ ابْنِهِ، وَلِهَذَا لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ وَلَا السَّيِّدُ بِعَبْدِهِ، وَلَوْ كَانَ لَهَا ابْنٌ مِنْ غَيْرِهِ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ وَانْعِدَامِ الْمَانِعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّعْيِيرُ الْكَامِلُ إلَى وَلَدِهِ) فَجَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالْحَدِّ. فَإِنْ قِيلَ: جَازَ أَنْ يَكُونَ الْمَانِعُ مَوْجُودًا فَلَا يَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ عَلَى الْمُقْتَضَى. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَالْكُفْرُ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الِاسْتِحْقَاقِ) أَيْ اسْتِحْقَاقَ أَهْلِيَّةِ الْخُصُومَةِ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا بِاعْتِبَارِ لُحُوقِ الشَّيْنِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الْوَلَدِ الْكَافِرِ وَالْمَمْلُوكِ لِأَنَّ النِّسْبَةَ لَا تَنْقَطِعُ بِالرِّقِّ وَالْكُفْرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَنَاوَلَ الْقَذْفَ نَفْسَهُ فَإِنَّهُ لَا يُوجَدُ التَّعْيِيرُ عَلَى الْكَمَالِ لِفَقْدِ الْإِحْصَانِ فِي الْمَنْسُوبِ إلَى الزِّنَا. قَالَ (وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يُطَالِبَ مَوْلَاهُ بِقَذْفِ أُمِّهِ الْحُرَّةِ وَلَا لِلِابْنِ أَنْ يُطَالِبَ أَبَاهُ) أَوْ جَدَّهُ وَإِنْ عَلَا (بِقَذْفِ أُمِّهِ) وَجَدَّتِهِ وَإِنْ عَلَتْ، وَلَا أُمَّهُ وَلَا جَدَّتَهُ وَإِنْ عَلَتْ بِقَذْفِ نَفْسِهِ (لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يُعَاقَبُ بِسَبَبِ عَبْدِهِ) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ وَلَا السَّيِّدُ بِعَبْدِهِ» فَلَمَّا لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ وَالْمُغَلَّبُ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ وَسَبَبُهُ مُتَيَقَّنٌ بِهِ فَلَأَنْ لَا يَجِبَ حَدُّ الْقَذْفِ وَالْمُغَلَّبُ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ وَسَبَبُهُ وَهُوَ الْقَذْفُ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ بِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا فِيمَا نَسَبَهُ إلَيْهِ أَوْلَى. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ كَانَ لَهَا ابْنٌ مِنْ غَيْرِهِ) وَاضِحٌ.

(وَمَنْ قَذَفَ غَيْرَهُ فَمَاتَ الْمَقْذُوفُ بَطَلَ الْحَدُّ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَبْطُلُ (وَلَوْ مَاتَ بَعْدَمَا أُقِيمَ بَعْضُ الْحَدِّ بَطَلَ الْبَاقِي) عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُورَثُ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا لَا يُورَثُ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ فِيهِ حَقَّ الشَّرْعِ وَحَقَّ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ شُرِعَ لِدَفْعِ الْعَارِ عَنْ الْمَقْذُوفِ وَهُوَ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهِ عَلَى الْخُصُوصِ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ حَقُّ الْعَبْدِ، ثُمَّ إنَّهُ شُرِعَ زَاجِرًا وَمِنْهُ سُمِّيَ حَدًّا، وَالْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِ الزَّاجِرِ إخْلَاءُ الْعَالَمِ عَنْ الْفَسَادِ، وَهَذَا آيَةُ حَقِّ الشَّرْعِ وَبِكُلِّ ذَلِكَ تَشْهَدُ الْأَحْكَامُ. وَإِذَا تَعَارَضَتْ الْجِهَتَانِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَبِكُلِّ ذَلِكَ تَشْهَدُ الْأَحْكَامُ) أَمَّا الْأَحْكَامُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ فَهُوَ أَنَّهُ يُسْتَوْفَى بِالْبَيِّنَةِ بَعْدَ تَقَادُمِ الْعَهْدِ وَلَا يَعْمَلُ فِيهِ الرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ، وَكَذَلِكَ لَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِخُصُومَةٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَوْفَى بِخُصُومَةٍ مَا هُوَ حَقُّهُ، بِخِلَافِ السَّرِقَةِ فَإِنَّ خُصُومَتَهُ هُنَاكَ لِلْمَالِ دُونَ الْحَدِّ، حَتَّى لَوْ بَطَلَ الْحَدُّ لِمَعْنَى الشُّبْهَةِ لَا يَبْطُلُ الْمَالُ، وَيُقَامُ هَذَا الْحَدُّ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ الْمُسْتَأْمَنُ بِمَا هُوَ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَيُقَدَّمُ اسْتِيفَاؤُهُ عَلَى حَدِّ الزِّنَا وَحَدِّ السَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ، حَتَّى أَنَّ رَجُلًا لَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ الزِّنَا وَالسَّرِقَةُ وَشُرْبُ الْخَمْرِ وَالْقَذْفُ وَفَقْءُ عَيْنِ رَجُلٍ يُبْدَأُ بِالْقِصَاصِ فِي الْعَيْنِ لِأَنَّهُ مَحْضُ حَقِّ الْعَبْدِ، وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ فِي الِاسْتِيفَاءِ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الضَّرَرِ بِالتَّأْخِيرِ لِأَنَّهُ يَخَافُ الْفَوْتَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى لَا يَفُوتُهُ شَيْءٌ، إذَا بَرِئَ مِنْ ذَلِكَ يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ. وَأَمَّا الْأَحْكَامُ الَّتِي تَشْهَدُ عَلَى أَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَهِيَ

فَالشَّافِعِيُّ مَالَ إلَى تَغْلِيبِ حَقِّ الْعَبْدِ تَقْدِيمًا لِحَقِّ الْعَبْدِ بِاعْتِبَارِ حَاجَتِهِ وَغِنَى الشَّرْعِ، وَنَحْنُ صِرْنَا إلَى تَغْلِيبِ حَقِّ الشَّرْعِ لِأَنَّ مَا لِلْعَبْدِ مِنْ الْحَقِّ يَتَوَلَّاهُ مَوْلَاهُ فَيَصِيرُ حَقُّ الْعَبْدِ مَرْعِيًّا بِهِ، وَلَا كَذَلِكَ عَكْسُهُ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْعَبْدِ فِي اسْتِيفَاءِ حُقُوقِ الشَّرْعِ إلَّا نِيَابَةً عَنْهُ، وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ الْمَشْهُورُ الَّذِي يَتَخَرَّجُ عَلَيْهِ الْفُرُوعُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا مِنْهَا الْإِرْثُ، إذْ الْإِرْثُ يَجْرِي فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ لَا فِي حُقُوقِ الشَّرْعِ. وَمِنْهَا الْعَفْوُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عَفْوُ الْمَقْذُوفِ عِنْدَنَا وَيَصِحُّ عِنْدَهُ. وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ وَيَجْرِي فِيهِ التَّدَاخُلُ وَعِنْدَهُ لَا يَجْرِي. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْعَفْوِ مِثْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ؛ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: إنَّ الْغَالِبَ حَقُّ الْعَبْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ إلَى الْإِمَامِ، وَالْإِمَامُ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ نَائِبًا فِي اسْتِيفَاءِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَمَّا حَقُّ الْعَبْدِ فَاسْتِيفَاؤُهُ إلَيْهِ، وَلَا يَحْلِفُ فِيهِ الْقَاذِفُ وَلَا يَنْقَلِبُ مَالًا عِنْدَ السُّقُوطِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ مَا لِلْعَبْدِ مِنْ الْحَقِّ إلَخْ) قِيلَ فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ حَقُّ الْعَبْدِ غَالِبًا إذَا اجْتَمَعَ الْحَقَّانِ أَصْلًا. وَهُوَ خِلَافُ الْأُصُولِ وَالْمَنْقُولِ، فَإِنَّ الْقِصَاصَ مِمَّا اجْتَمَعَا فِيهِ وَحَقُّ الْعَبْدِ غَالِبٌ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ مِنْ الْأَحْكَامِ مَا يُنَافِي الْحَقَّيْنِ جَمِيعًا وَهُوَ أَنَّهُ يَسْقُطُ بِمَوْتِ الْمَقْذُوفِ وَشَيْءٌ مِنْ الْحَقَّيْنِ لَا يَسْقُطُ بِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّا لَا نَقُولُ إنَّهُ يَسْقُطُ بِمَوْتِهِ وَلَكِنْ يَتَعَذَّرُ اسْتِيفَاؤُهُ لِعَدَمِ شَرْطِهِ، فَإِنَّ الشَّرْطَ خُصُومَةُ الْمَقْذُوفِ وَلَا يَتَحَقَّقُ بِهِ الْخُصُومَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ. وَقَوْلُهُ (وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ) يُرِيدُ بِهِ صَدْرَ الْإِسْلَامِ أَبَا الْيُسْرِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي مَبْسُوطِهِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، لِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَحْكَامِ تَدُلُّ عَلَيْهِ، وَالْمَعْقُولُ

[أقر بالقذف ثم رجع]

وَخَرَّجَ الْأَحْكَامَ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. قَالَ (وَمَنْ أَقَرَّ بِالْقَذْفِ ثُمَّ رَجَعَ لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ) لِأَنَّ لِلْمَقْذُوفِ فِيهِ حَقًّا فَيُكَذِّبُهُ فِي الرُّجُوعِ، بِخِلَافِ مَا هُوَ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ لِأَنَّهُ لَا مُكَذِّبَ لَهُ فِيهِ. (وَمَنْ قَالَ لِعَرَبِيٍّ يَا نَبَطِيُّ لَمْ يُحَدَّ) لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي الْأَخْلَاقِ أَوْ عَدَمِ الْفَصَاحَةِ، وَكَذَا إذَا قَالَ لَسْت بِعَرَبِيٍّ لِمَا قُلْنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَشْهَدُ لَهُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْعَبْدَ مُنْتَفِعٌ بِهِ عَلَى الْخُصُوصِ. وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ حَقُّ الْعَبْدِ كَالْقِصَاصِ إلَّا أَنَّهُ فَوَّضَ إقَامَتَهُ إلَى الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَا يَهْتَدِي كُلُّ أَحَدٍ إلَى إقَامَةِ الْجَلْدِ. وَقَوْلُهُ (وَخَرَّجَ الْأَحْكَامَ) أَيْ أَجَابَ عَنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ بِجَوَابٍ يُوَافِقُ الْمَذْهَبَ فَقَالَ فِي التَّفْوِيضِ إلَى الْإِمَامِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَهْتَدِي إلَى إقَامَةِ الْجَلْدِ. وَقَالَ فِي عَدَمِ الْإِرْثِ إنَّ عَدَمَهُ لَا يَسْتَوْجِبُ كَوْنَهُ حَقَّ اللَّهِ كَالشُّفْعَةِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ لِأَنَّ الْإِرْثَ يَجْرِي فِي الْأَعْيَانِ. وَأَجَابَ عَنْ كَوْنِ الْقِصَاصِ يُورَثُ بِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مِلْكِ الْعَيْنِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إتْلَافَ الْعَيْنِ وَمِلْكُ الْإِتْلَافِ مِلْكُ الْعَيْنِ عِنْدَ النَّاسِ. فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَمْلِكُ شِرَاءَ الطَّعَامِ إلَّا لِلْإِتْلَافِ وَهُوَ الْأَكْلُ، فَصَارَ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ كَالْمَمْلُوكِ لِمَنْ لَهُ الْقِصَاصُ وَهُوَ بَاقٍ فَيَمْلِكُهُ الْوَارِثُ فِي حَقِّ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ. وَقَوْلُهُ (وَالْأَوَّلُ) وَهُوَ أَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ (أَظْهَرُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ دَلِيلِ غَلَبَةِ حَقِّ اللَّهِ فِيهِ، وَلِأَنَّ عَامَّةَ أَصْحَابِنَا عَلَيْهِ فَكَانَ الْأَخْذُ بِقَوْلِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ أَظْهَرَ، وَالثَّانِي أَظْهَرُ. [أَقَرَّ بِالْقَذْفِ ثُمَّ رَجَعَ] وَقَوْلُهُ (وَمَنْ أَقَرَّ بِالْقَذْفِ) مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَشْهَدُ بِكَوْنِهِ حَقَّ الْعَبْدِ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ قَالَ لِعَرَبِيٍّ يَا نَبَطِيُّ) ظَاهِرٌ. وَالنِّبْطُ جِيلٌ مِنْ النَّاسِ بِسَوَادِ الْعِرَاقِ. وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِقُرَشِيٍّ يَا نَبَطِيُّ فَقَالَ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (لِمَا قُلْنَا) يَعْنِي قَوْلَهُ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ إلَخْ.

(وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ فَلَيْسَ بِقَاذِفٍ) لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي الْجُودِ وَالسَّمَاحَةِ وَالصَّفَاءِ، لِأَنَّ مَاءَ السَّمَاءِ لُقِّبَ بِهِ لِصَفَائِهِ وَسَخَائِهِ (وَإِنْ نَسَبَهُ إلَى عَمِّهِ أَوْ خَالِهِ أَوْ إلَى زَوْجِ أُمِّهِ فَلَيْسَ بِقَذْفٍ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ يُسَمَّى أَبًا، أَمَّا الْأَوَّلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (لِأَنَّ مَاءَ السَّمَاءِ لُقِّبَ بِهِ) أَيْ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَمَاءُ السَّمَاءِ هُوَ لَقَبُ أَبِي الْمُزَيْقِيَاءِ، وَالْمُزَيْقِيَاءُ هُوَ عَمْرُو بْنُ عَامِرٍ، لُقِّبَ بِالْمُزَيْقِيَاءِ لِأَنَّهُ كَانَ يُمَزِّقُ فِي كُلِّ يَوْمٍ حُلَّتَيْنِ يَلْبَسُهُمَا وَيَكْرَهُ أَنْ يَعُودَ فِيهِمَا وَيَأْنَفَ أَنْ يَلْبَسَهُمَا غَيْرُهُ، وَأَبُوهُ عَامِرُ بْنُ حَارِثَةَ الْأَزْدِيُّ كَانَ يُلَقَّبُ بِمَاءِ السَّمَاءِ لِأَنَّهُ وَقْتَ الْقَحْطِ كَانَ يُقِيمُ مَالَهُ مَقَامَ الْقَطْرِ عَطَاءً وَجُودًا

فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [البقرة: 133] وَإِسْمَاعِيلُ كَانَ عَمًّا لَهُ. وَالثَّانِي لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْخَالُ أَبٌ» . وَالثَّالِثُ لِلتَّرْبِيَةِ. (وَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ زَنَأْتَ فِي الْجَبَلِ وَقَالَ عَنَيْتُ صُعُودَ الْجَبَلِ حُدَّ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُحَدُّ) لِأَنَّ الْمَهْمُوزَ مِنْهُ لِلصُّعُودِ حَقِيقَةٌ قَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْعَرَبِ: وَارْقَ إلَى الْخَيْرَاتِ زَنَأَ فِي الْجَبَلِ ... وَذِكْرُ الْجَبَلِ يُقَرِّرُهُ مُرَادًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَإِسْمَاعِيلُ كَانَ عَمًّا لَهُ) أَيْ لِيَعْقُوبَ، فَإِنَّ إسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ابْنَا إبْرَاهِيمَ وَيَعْقُوبَ بْنَ إِسْحَاقَ فَكَانَ إسْمَاعِيلُ عَمًّا لَهُ فَأَدْخَلُوهُ تَحْتَ الْآبَاءِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَمَّ يُسَمَّى أَبًا. قَالَ (وَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ زَنَأَتْ فِي الْجَبَلِ) بِالْهَمْزِ (وَقَالَ عَنَيْت صُعُودَ الْجَبَلِ حُدَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُحَدُّ لِأَنَّ الْمَهْمُوزَ مِنْهُ لِلصُّعُودِ حَقِيقَةً) وَاسْتَشْهَدَ الْمُصَنِّفُ لِذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ: وَارْقَ إلَى الْخَيْرَاتِ زَنَأَ فِي الْجَبَلِ قَالَ (وَذِكْرُ الْجَبَلِ يُقَرِّرُهُ) أَيْ يُقَرِّرُ الصُّعُودَ (مُرَادًا) تَأْكِيدًا لِكَوْنِ الْمَهْمُوزِ لِلصُّعُودِ حَقِيقَةً

وَلَهُمَا أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْفَاحِشَةِ مَهْمُوزًا أَيْضًا لِأَنَّ مِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَهْمِزُ الْمُلَيَّنَ كَمَا يُلَيِّنُ الْمَهْمُوزَ، وَحَالَةُ الْغَضَبِ وَالسِّبَابِ تُعَيِّنُ الْفَاحِشَةَ مُرَادًا بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا قَالَ يَا زَانِي أَوْ قَالَ زَنَأْت، وَذِكْرُ الْجَبَلِ إنَّمَا يُعَيِّنُ الصُّعُودَ مُرَادًا إذَا كَانَ مَقْرُونًا بِكَلِمَةِ عَلَى إذْ هُوَ لِلْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ، وَلَوْ قَالَ زَنَأْت عَلَى الْجَبَلِ لَا يُحَدُّ لِمَا قُلْنَا، وَقِيلَ يُحَدُّ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ يَا زَانِي فَقَالَ لَا بَلْ أَنْتَ فَإِنَّهُمَا يُحَدَّانِ) لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا بَلْ أَنْتَ زَانٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلَهُمَا أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ إلَخْ) وَاضِحٌ. وَقِيلَ كَلَامُهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْمَهْمُوزَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْفَاحِشَةِ وَالصُّعُودِ، وَحَالَةِ الْغَضَبِ وَالسِّبَابِ تُعَيِّنُ أَحَدَ الْمُحْتَمَلَيْنِ عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الصُّعُودِ مَجَازٌ فِي الْفَاحِشَةِ وَحِينَئِذٍ يَتَرَجَّحُ قَوْلُهُ لِأَنَّ اللَّفْظَ إذَا دَارَ بَيْنَ كَوْنِهِ مُشْتَرَكًا وَحَقِيقَةً وَمَجَازًا فَالثَّانِي يَتَرَجَّحُ عَلَى الْأَوَّلِ لِعَدَمِ إخْلَالِهِ بِالْفَهْمِ وَلِأَنَّ الْبَابَ بَابُ الْحَدِّ فَيَحْتَالُ لِلدَّرْءِ. وَقَوْلُهُ (لِمَا قُلْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ إذَا كَانَ مَقْرُونًا بِكَلِمَةِ عَلَى. وَقَوْلُهُ (لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَحَالَةُ الْغَضَبِ وَالسِّبَابِ تُعَيِّنُ الْفَاحِشَةَ مُرَادًا (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ يَا زَانِي) ظَاهِرٌ. وَاعْتُرِضَ عَلَى قَوْلِهِ فَيَصِيرُ الْخَبَرُ الْمَذْكُورُ فِي الْأَوَّلِ مَذْكُورًا فِي الثَّانِي بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ هُوَ قَوْلُهُ يَا زَانِي وَمَا ثَمَّةَ خَبَرٌ أَصْلًا.

إذْ هِيَ كَلِمَةُ عَطْفٍ يُسْتَدْرَكُ بِهَا الْغَلَطُ فَيَصِيرُ الْخَبَرُ الْمَذْكُورُ فِي الْأَوَّلِ مَذْكُورًا فِي الثَّانِي. (وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ لَا بَلْ أَنْتَ حُدَّتْ الْمَرْأَةُ وَلَا لِعَانَ) لِأَنَّهُمَا قَاذِفَانِ وَقَذْفُهُ يُوجِبُ اللِّعَانَ وَقَذْفُهَا الْحَدَّ، وَفِي الْبُدَاءَةِ بِالْحَدِّ إبْطَالُ اللِّعَانِ؛ لِأَنَّ الْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ لَيْسَ بِأَهْلٍ لَهُ وَلَا إبْطَالَ فِي عَكْسِهِ أَصْلًا فَيُحْتَالُ لِلدَّرْءِ، إذْ اللِّعَانُ فِي مَعْنَى الْحَدِّ (وَلَوْ قَالَتْ زَنَيْت بِك فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ) مَعْنَاهُ قَالَتْ بَعْدَمَا قَالَ لَهَا يَا زَانِيَةُ لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا أَرَادَتْ الزِّنَا قَبْلَ النِّكَاحِ فَيَجِبُ الْحَدُّ دُونَ اللِّعَانِ لِتَصْدِيقِهَا إيَّاهُ وَانْعِدَامِهِ مِنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَبَرِ الْجُزْءُ، وَحِينَئِذٍ يَسْتَقِيمُ الْكَلَامُ لِأَنَّ الْخَبَرَ جُزْءٌ أَخَصُّ فَيَجُوزُ أَنْ يُسْتَعَارَ لِلْأَعَمِّ (وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ لَا بَلْ أَنْتَ) عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلِّعَانِ) دَلِيلُهُ أَنَّ أَهْلِيَّةَ اللِّعَانِ تَعْتَمِدُ أَهْلِيَّةَ الشَّهَادَةِ وَإِقَامَةُ حَدِّ الْقَذْفِ تُبْطِلُ أَهْلِيَّةَ شَهَادَةِ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا إبْطَالَ فِي عَكْسِهِ أَصْلًا) يَعْنِي لَوْ قَدَّمْنَا اللِّعَانَ لَا يَبْطُلُ حَدُّ الْقَذْفِ عَنْ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ إحْصَانَ الرَّجُلِ لَا يَبْطُلُ بِجَرَيَانِ اللِّعَانِ بَيْنَهُمَا، غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ اللِّعَانَ فِي حَقِّ الرَّجُلِ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ وَلَكِنْ لَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ عَفِيفًا عَنْ فِعْلِ الزِّنَا فَيَجِبُ حَدُّ الْقَذْفِ عَلَى الْمَرْأَةِ احْتِيَالًا لِدَرْءِ اللِّعَانِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْحَدِّ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ قَالَتْ زَنَيْت بِك) يَعْنِي فِي جَوَابِ قَوْلِهِ لَهَا يَا زَانِيَةُ. وَقَوْلُهُ (وَانْعِدَامُهُ) أَيْ انْعِدَامُ التَّصْدِيقِ مِنْ الزَّوْجِ.

وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا أَرَادَتْ زِنَايَ مَا كَانَ مَعَك بَعْدَ النِّكَاحِ لِأَنِّي مَا مَكَّنْت أَحَدًا غَيْرَك. وَهُوَ الْمُرَادُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ، وَعَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ يَجِبُ اللِّعَانُ دُونَ الْحَدِّ عَلَى الْمَرْأَةِ لِوُجُودِ الْقَذْفِ مِنْهُ وَعَدَمِهِ مِنْهَا فَجَاءَ مَا قُلْنَا. (وَمَنْ أَقَرَّ بِوَلَدٍ ثُمَّ نَفَاهُ فَإِنَّهُ يُلَاعَنُ) لِأَنَّ النَّسَبَ لَزِمَهُ بِإِقْرَارِهِ وَبِالنَّفْيِ بَعْدَهُ صَارَ قَاذِفًا فَيُلَاعَنُ (وَإِنْ نَفَاهُ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ حُدَّ) لِأَنَّهُ لَمَّا أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَطَلَ اللِّعَانُ لِأَنَّهُ حَدٌّ ضَرُورِيٌّ صُيِّرَ إلَيْهِ ضَرُورَةَ التَّكَاذُبِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدُّ الْقَذْفِ. فَإِذَا بَطَلَ التَّكَاذُبُ يُصَارُ إلَى الْأَصْلِ، وَفِيهِ خِلَافٌ ذَكَرْنَاهُ فِي اللِّعَانِ (وَالْوَلَدُ وَلَدُهُ) فِي الْوَجْهَيْنِ لِإِقْرَارِهِ بِهِ سَابِقًا أَوْ لَاحِقًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا أَرَادَتْ زِنَايَ مَا كَانَ مَعَك بَعْدَ النِّكَاحِ) اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْوَطْءَ بَعْدَ النِّكَاحِ لَا يُسَمَّى زِنًا فَلَا يَصْلُحُ مَحْمَلًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الزِّنَا يُطْلَقُ عَلَى ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْمُشَاكَلَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64] حَمَلَهَا عَلَى ذَلِكَ لِتَرْكِيبِ فَرْطِ غَيْظِهَا بِإِطْلَاقِ تِلْكَ الْكَلِمَةِ، وَعَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ لَا تَكُونُ مُصَدِّقَةً لِزَوْجِهَا فَيَجِبُ اللِّعَانُ عَلَى الزَّوْجِ وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْمَرْأَةِ، فَفِي حَالٍ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهَا وَيَجِبُ اللِّعَانُ عَلَى الزَّوْجِ، وَفِي حَالٍ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهَا وَلَا يَجِبُ اللِّعَانُ، فَوَقَعَ الشَّكُّ وَجَاءَ مَا قُلْنَا أَنَّهُ لَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ. قَوْلُهُ (لِأَنَّهُ) أَيْ اللِّعَانَ (حَدٌّ ضَرُورِيٌّ صَيَّرَ إلَيْهِ ضَرُورَةُ التَّكَاذُبِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدُّ الْقَذْفِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] الْآيَةَ (وَإِذَا بَطَلَ التَّكَاذُبُ) بِإِكْذَابِ الرَّجُلِ نَفْسَهُ (يُصَارُ إلَى الْأَصْلِ وَالْوَلَدُ وَلَدُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ) أَيْ فِي الْوَجْهِ الَّذِي أَقَرَّ ثُمَّ نَفَى وَعَكْسِهِ. قَوْلُهُ (لِإِقْرَارِهِ بِهِ سَابِقًا أَوْ لَاحِقًا) أَيْ لِإِقْرَارِ الزَّوْجِ بِالْوَلَدِ سَابِقًا عَلَى النَّفْيِ فِيمَا إذَا أَقَرَّ ثُمَّ نَفَى أَوْ لَاحِقًا

وَاللِّعَانُ يَصِحُّ بِدُونِ قَطْعِ النَّسَبِ كَمَا يَصِحُّ بِدُونِ الْوَلَدِ (وَإِنْ قَالَ لَيْسَ بِابْنِي وَلَا بِابْنِك فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ) لِأَنَّهُ أَنْكَرَ الْوِلَادَةَ وَبِهِ لَا يَصِيرُ قَاذِفًا. (وَمَنْ قَذَفَ امْرَأَةً وَمَعَهَا أَوْلَادٌ لَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ أَبٌ أَوْ قَذَفَ الْمُلَاعَنَةَ بِوَلَدٍ وَالْوَلَدُ حَيٌّ أَوْ قَذَفَهَا بَعْدَ مَوْتِ الْوَلَدِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ) لِقِيَامِ أَمَارَةِ الزِّنَا مِنْهَا وَهِيَ وِلَادَةُ وَلَدٍ لَا أَبَ لَهُ فَفَاتَتْ الْعِفَّةُ نَظَرًا إلَيْهَا وَهِيَ شَرْطُ الْإِحْصَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيمَا إذَا نَفَاهُ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ. وَقَوْلُهُ (وَاللِّعَانُ يَصِحُّ بِدُونِ قَطْعِ النَّسَبِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ سَبَبَ اللِّعَانِ هُنَا هُوَ نَفْيُ الْوَلَدِ فَلَمَّا لَمْ يَنْتِفْ الْوَلَدُ وَجَبَ أَنْ لَا يَجْرِيَ بَيْنَهُمَا اللِّعَانُ لِأَنَّ بُطْلَانَ الْمُتَضَمِّنِ يَقْتَضِي بُطْلَانَ الْمُتَضَمَّنِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ قَطْعَ النَّسَبِ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ اللِّعَانِ فَاعْتُبِرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَيْ مِنْ نِسْبَتِهِ إلَى الزِّنَا وَمَنْ نَفَى الْوَلَدَ مُنْفَصِلًا عَنْ الْآخَرِ فَصَارَ كَأَنَّهُ نَسَبَهَا إلَى الزِّنَا مِنْ غَيْرِ نَفْيِ الْوَلَدِ بِأَنْ قَالَ يَا زَانِيَةُ وَفِيهِ اللِّعَانُ، فَكَذَا هَاهُنَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا تَطَاوَلَتْ مُدَّةُ وِلَادَةِ مَنْكُوحَتِهِ عَلَى حَسَبِ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ثُمَّ قَالَ لَيْسَ بِابْنِي فَإِنَّهُ يُلَاعِنُ مَعَ أَنَّ سَبَبَ اللِّعَانِ نَفْيُ الْوَلَدِ، وَلَمْ يَنْتِفْ الْوَلَدُ لِأَنَّهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ أَنْتِ زَانِيَةٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لَيْسَ بِابْنِي وَلَا بِابْنِك) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (أَوْ قَذَفَ الْمُلَاعَنَةَ بِوَلَدٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ كَذَا نَقَلَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ بِخَطِّ شَيْخِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَمَعْنَاهُ الَّتِي لَاعَنَتْ بِوَلَدٍ كَذَا فِي الْكَافِي. وَقَوْلُهُ (بِوَلَدٍ) يَتَّصِلُ بِالْمُلَاعَنَةِ. وَقَوْلُهُ (فَفَاتَتْ الْعِفَّةُ نَظَرَ إلَيْهَا) أَيْ إلَى إمَارَةِ الزِّنَا (وَهُوَ) أَيْ الْعِفَّةُ وَذَكَرَهُ نَظَرًا إلَى قَوْلِهِ شَرْطٌ وَمَعْنَاهُ الْعِفَّةُ شَرْطُ وُجُوبِ حَدِّ الْقَذْفِ عَلَى الْقَاذِفِ وَهِيَ فَائِتَةٌ فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ.

(وَلَوْ قَذَفَ امْرَأَةً لَاعَنَتْ بِغَيْرِ وَلَدٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ) لِانْعِدَامِ أَمَارَةِ الزِّنَا. فَقَالَ (وَمَنْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهُ) لِفَوَاتِ الْعِفَّةِ وَهِيَ شَرْطُ الْإِحْصَانِ، وَلِأَنَّ الْقَاذِفَ صَادِقٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلَوْ قَذَفَ امْرَأَةً لَاعَنَتْ بِغَيْرِ وَلَدٍ) ظَاهِرٌ. فَإِنْ قِيلَ: اللِّعَانُ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فِي حَقِّهَا فَقَدْ وَجَدَ أَمَارَةَ الزِّنَا مِنْهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ نَظَرًا إلَى هَذَا. قُلْنَا: بَلَى لَكِنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي جَانِبِ الزَّوْجِ فَبِالنَّظَرِ إلَى هَذَا الْوَجْهِ تَكُونُ الْمَرْأَةُ مُحْصَنَةً فَتَعَارَضَ الْوَجْهَانِ فَتَسَاقَطَا فَبَقِيَ الْقَذْفُ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ فَوَجَبَ الْحَدُّ عَلَى الْقَاذِفِ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَوَجَدْت بِخَطِّ شَيْخِي فِي جَوَابِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ. قُلْنَا: نَعَمْ إنَّ اللِّعَانَ فِي جَانِبِهَا قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الزِّنَا، لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزَّوْجِ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ، فَكَانَتْ هِيَ مُحْصَنَةً بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ الزَّوْجِ فَيَجِبُ الْحَدُّ عَلَى قَاذِفِهَا. قَالَ (وَمَنْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ) اعْلَمْ أَنَّ الْوَطْءَ الْحَرَامَ بِالْقِسْمَةِ الْأَوَّلِيَّةِ عَلَى نَوْعَيْنِ:

وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَنْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا لِعَيْنِهِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِقَذْفِهِ؛ لِأَنَّ الزِّنَا هُوَ الْوَطْءُ الْمُحَرَّمُ لِعَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا لِغَيْرِهِ يُحَدُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا فَالْوَطْءُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ مِنْ وَجْهٍ حَرَامٌ لِعَيْنِهِ وَكَذَا الْوَطْءُ فِي الْمِلْكِ، وَالْحُرْمَةُ مُؤَبَّدَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ الْحُرْمَةُ مُؤَقَّتَةً فَالْحُرْمَةُ لِغَيْرِهِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَشْتَرِطُ أَنْ تَكُونَ الْحُرْمَةُ الْمُؤَبَّدَةُ ثَابِتَةً بِالْإِجْمَاعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَدُهُمَا حَرَامٌ لِعَيْنِهِ، وَالْآخَرُ لِغَيْرِهِ، وَالْأَوَّلُ مَنْشَأُ حُرْمَتِهِ شَيْئَانِ: حُصُولُهُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَوَطْءِ الْأَجْنَبِيَّةِ، أَوْ مِنْ وَجْهٍ كَوَطْءِ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَحُصُولُهُ فِي امْرَأَةٍ هِيَ حَرَامٌ عَلَى الْوَاطِئِ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً كَوَطْءِ أَمَتِهِ وَهِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ النَّوْعِ الثَّانِي كَوَطْءِ أَمَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ وَوَطْءِ أَمَتَيْهِ الْأُخْتَيْنِ، وَالْقَاذِفُ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ بِوَجْهَيْهِ لَا يُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ لِفَوَاتِ الْعِفَّةِ وَهُوَ شَرْطُ الْإِحْصَانِ، وَلِأَنَّ الْقَاذِفَ صَادِقٌ لِأَنَّ الزِّنَا هُوَ الْوَطْءُ الْحَرَامُ لِعَيْنِهِ (وَأَبُو حَنِيفَةَ شَرَطَ أَنْ تَكُونَ الْحُرْمَةُ الْمُؤَبَّدَةُ ثَابِتَةً بِالْإِجْمَاعِ) كَمَوْطُوءَةٍ لِلْأَبِ بَعْدَ مِلْكِ النِّكَاحِ أَوْ مِلْكِ الْيَمِينِ إذَا اشْتَرَاهَا ابْنُهُ فَوَطِئَهَا لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ

أَوْ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ لِتَكُونَ ثَابِتَةً مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ (وَبَيَانُهُ أَنَّ مَنْ قَذَفَ رَجُلًا وَطِئَ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ) لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ مِنْ وَجْهٍ (وَكَذَا إذَا قَذَفَ امْرَأَةً زَنَتْ فِي نَصْرَانِيَّتِهَا) لِتَحَقُّقِ الزِّنَا مِنْهَا شَرْعًا لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ وَلِهَذَا وَجَبَ عَلَيْهَا الْحَدُّ. (وَلَوْ قَذَفَ رَجُلًا أَتَى أَمَتَهُ وَهِيَ مَجُوسِيَّةٌ أَوْ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ أَوْ مُكَاتَبَةً لَهُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ) لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مَعَ قِيَامِ الْمِلْكِ وَهِيَ مُؤَقَّتَةٌ فَكَانَتْ الْحُرْمَةُ لِغَيْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ زِنًا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ وَطْءَ الْمُكَاتَبَةِ يُسْقِطُ الْإِحْصَانَ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّ الْمِلْكَ زَائِلٌ فِي حَقِّ الْوَطْءِ وَلِهَذَا يَلْزَمُهُ الْعُقْرُ بِالْوَطْءِ، وَنَحْنُ نَقُولُ مِلْكُ الذَّاتِ بَاقٍ وَالْحُرْمَةُ لِغَيْرِهِ إذْ هِيَ مُؤَقَّتَةٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ) كَحُرْمَةِ وَطْءِ الْمَنْكُوحَةِ بِلَا شُهُودٍ فَإِنَّهَا ثَابِتَةٌ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا نِكَاحَ إلَّا بِالشُّهُودِ» وَهُوَ مَشْهُورٌ. وَفِي النَّوْعِ الثَّانِي يُحَدُّ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ فِيهِ بِعَارِضٍ عَلَى وَجْهِ الزَّوَالِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَجُوسِيَّةَ إذَا أَسْلَمَتْ

(وَلَوْ قَذَفَ رَجُلًا وَطِئَ أَمَتَهُ وَهِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ لَا يُحَدُّ) لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مُؤَبَّدَةٌ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ (وَلَوْ قَذَفَ مُكَاتَبًا مَاتَ وَتَرَكَ وَفَاءً لَا حَدَّ عَلَيْهِ) لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ فِي الْحُرِّيَّةِ لِمَكَانِ اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ. (وَلَوْ قَذَفَ مَجُوسِيًّا تَزَوَّجَ بِأُمِّهِ ثُمَّ أَسْلَمَ يُحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: لَا حَدَّ عَلَيْهِ) وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَزَوُّجَ الْمَجُوسِيِّ بِالْمَحَارِمِ لَهُ حُكْمُ الصِّحَّةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا. وَقَدْ مَرَّ فِي النِّكَاحِ. (وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَنَا بِأَمَانٍ فَقَذَفَ مُسْلِمًا حُدَّ) لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ وَقَدْ الْتَزَمَ إيفَاءَ حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَلِأَنَّهُ طَمِعَ فِي أَنْ لَا يُؤْذِيَ فَيَكُونَ مُلْتَزَمًا أَنْ لَا يُؤْذِيَ وَمُوجِبُ أَذَاهُ الْحَدُّ (وَإِذَا حُدَّ الْمُسْلِمُ فِي قَذْفٍ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ وَإِنْ تَابَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُقْبَلُ إذَا تَابَ وَهِيَ تُعْرَفُ فِي الشَّهَادَاتِ (وَإِذَا حُدَّ الْكَافِرُ فِي قَذْفٍ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ) لِأَنَّ لَهُ الشَّهَادَةَ عَلَى جِنْسِهِ فَتُرَدُّ تَتِمَّةً لَحَدِّهِ (فَإِنْ أَسْلَمَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ اسْتَفَادَهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَلَمْ تَدْخُلْ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ أَخْرَجَ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ عَنْ مِلْكِهِ حَلَّ لَهُ الْوَطْءُ فَلَمْ يَكُنْ زِنًا فَيُحَدُّ قَاذِفُهُ، وَبَقِيَّةُ كَلَامِهِ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ الْكَرْخِيِّ فَإِنَّهُ يَقُولُ: بِوَطْئِهَا لَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْفِعْلِ مَعَ قِيَامِ الْمِلْكِ الَّذِي هُوَ الْمُبِيحُ لَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ كَوَطْءِ امْرَأَتِهِ الْحَائِضِ أَوْ الْمَجُوسِيَّةِ أَوْ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا أَوْ الْمُحَرَّمَةُ أَوْ أَمَتُهُ الَّتِي زَوَّجَهَا وَهِيَ فِي عِدَّةٍ مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّ مِلْكَ الْحِلِّ قَائِمٌ بِبَقَاءِ سَبَبِهِ. وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ تَنَافِيًا، فَمِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ أَحَدِهِمَا يَنْتَفِي الْآخَرُ، وَالْحُرْمَةُ الْمُؤَبَّدَةُ ثَابِتَةٌ فَيَنْتَفِي الْحِلُّ. وَقَوْلُهُ لِأَنَّ مَالِكَ الْحِلِّ قَائِمٌ بِبَقَاءِ سَبَبِهِ، قُلْنَا: السَّبَبُ لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ إلَّا فِي مَحَلٍّ قَابِلٍ لَهُ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْمَحَلُّ قَابِلًا لِلْحِلِّ فِي حَقِّهِ لَا يَثْبُتُ مِلْكُ الْحِلِّ فَكَانَ فِعْلُهُ فِي مَعْنَى الزِّنَا وَقَوْلُهُ (لِمَكَانِ اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ) يَعْنِي فِي أَنَّهُ مَاتَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا عَلَى مَا يَجِيءُ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ مَرَّ فِي النِّكَاحِ) أَيْ فِي بَابِ نِكَاحِ أَهْلِ الشِّرْكِ. وَقَوْلُهُ (فَقَذَفَ مُسْلِمًا حُدَّ) جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَوَّلًا لَا يُحَدُّ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ حَدِّ الزِّنَا. وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ اسْتَفَادَهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَلَمْ تَدْخُلْ

تَحْتَ الرَّدِّ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ إذَا حُدَّ حَدَّ الْقَذْفِ ثُمَّ أُعْتِقَ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لَهُ أَصْلًا فِي حَالِ الرِّقِّ فَكَانَ رَدُّ شَهَادَتِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ مِنْ تَمَامِ حَدِّهِ. (وَإِنْ ضُرِبَ سَوْطًا فِي قَذْفٍ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ ضُرِبَ مَا بَقِيَ جَازَتْ شَهَادَتُهُ) لِأَنَّ رَدَّ الشَّهَادَةِ مُتَمِّمٌ لِلْحَدِّ فَيَكُونُ صِفَةً لَهُ وَالْمُقَامُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَحْتَ الرَّدِّ) رُدَّ بِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَفَادَ أَهْلِيَّةَ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَأَمَّا عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ فَقَدْ كَانَتْ الْأَهْلِيَّةُ مَوْجُودَةً وَقَدْ صَارَتْ مَجْرُوحَةً بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ اسْتَفَادَ بِالْإِسْلَامِ أَهْلِيَّةَ الشَّهَادَةِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ تَبَعًا لِأَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَهَذِهِ غَيْرُ مَا كَانَتْ حِينَ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، فَإِنَّ تِلْكَ كَانَتْ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَهَذِهِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ أَهْلِيَّةَ الشَّهَادَةِ عَلَى الْأَشْرَافِ تَقْتَضِي أَهْلِيَّتَهَا عَلَى الْأَخَسِّ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: سَلَّمْنَا وُجُودَ الْمُقْتَضِي لَكِنْ الْمَانِعُ وَهُوَ الرَّدُّ أَوَّلًا مَوْجُودٌ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْعَبْدِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْعَبْدُ إذَا قَذَفَ فَضُرِبَ الْحَدَّ ثُمَّ أُعْتِقَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فَكَيْفَ قُبِلَتْ شَهَادَةُ الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ؟ وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمَعْقُولَ هُنَا انْعِكَاسُ حُكْمِهِمَا. لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِلْكَافِرِ شَهَادَةٌ فِي جِنْسِهِ يَجِبُ أَنْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ بِحَدِّ الْقَذْفِ تَتْمِيمًا لِحَدِّ الْقَذْفِ ثُمَّ يَدُومُ ذَلِكَ الرَّدُّ إلَى مَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ شَهَادَةٌ فِي شَيْءٍ أَصْلًا لَمْ يَنْعَقِدْ الْحَدُّ حَالَ وُجُودِهِ مُوجِبًا لِرَدِّ الشَّهَادَةِ فَكَيْفَ يَنْقَلِبُ مُوجِبًا لِلرَّدِّ بَعْدَ ذَلِكَ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ شَهَادَتَهُ الَّتِي كَانَتْ فِي جِنْسِهِ مَرْدُودَةٌ بِحَدِّ الْقَذْفِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَبَعْدَهُ، وَالشَّهَادَةُ الْمَقْبُولَةُ هِيَ شَهَادَةُ الْمُسْلِمِ اكْتَسَبَهَا بِالْإِسْلَامِ فَلَا تُرَدُّ، وَلَمْ نَقُلْ فِي الْعَبْدِ بِأَنَّ غَيْرَ الْمُوجِبِ انْقَلَبَ مُوجِبًا، وَإِنَّمَا تَوَقَّفْنَا فِي إيجَابِهِ إلَى حِينِ إمْكَانِ الْمُوجِبِ وَهُوَ الرَّدُّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ضُرِبَ سَوْطًا فِي قَذْفٍ) ظَاهِرٌ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمَقَامَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ إنْ كَانَ بَعْضَ الْحَدِّ فَالْمَقَامُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ كَذَلِكَ، فَكَمَا لَا يَكُونُ رَدُّ الشَّهَادَةِ صِفَةً لِمَا أُقِيمَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَكَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِمَا أُقِيمَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، بَلْ جَعْلُهُ صِفَةً لِمَا أُقِيمَ بَعْدَ

بَعْضُ الْحَدِّ فَلَا يَكُونُ رَدُّ الشَّهَادَةِ صِفَةً لَهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ إذْ الْأَقَلُّ تَابِعٌ لِلْأَكْثَرِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. قَالَ (وَمَنْ زَنَى أَوْ شَرِبَ أَوْ قَذَفَ غَيْرَ مَرَّةٍ فَحُدَّ فَهُوَ لِذَلِكَ كُلِّهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِسْلَامِ أَوْلَى لِمَا أَنَّ الْعِلَّةَ إذَا كَانَتْ ذَاتَ وَصْفَيْنِ فَالِاعْتِبَارُ لِلْوَصْفِ الْأَخِيرِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّا لَمْ نَجْعَلْ الرَّدَّ صِفَةً لَا لِلْمَقَامِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَلَا لِلْمَقَامِ بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الرَّدَّ صِفَةٌ لِلْحَدِّ وَالْحَدُّ ثَمَانُونَ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَمْ تَتَرَتَّبْ التَّتِمَّةُ. وَقِيلَ فِي الْجَوَابِ النَّصُّ. وَرَدَ بِالْأَمْرِ بِالْحَدِّ وَالنَّهْيِ عَنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَكُلُّ. وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ مُرَتَّبٍ عَلَى الْآخَرِ نَصًّا فَيَتَعَلَّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا يُمْكِنُ، وَالْمُمْكِنُ زَمَانَ النَّهْيِ رَدُّ شَهَادَةٍ قَائِمَةٍ لِلْحَالِ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ وَالْأَقَلُّ تَابِعٌ لِلْأَكْثَرِ) فَكَأَنَّ الْكُلَّ وُجِدَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا (وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِالْأَمْرِ بِالْحَدِّ وَالنَّهْيِ عَنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ إلَخْ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ قَذَفَ أَوْ زَنَى إلَخْ) ظَاهِرٌ. وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ: لَوْ قَذَفَ جَمَاعَةً فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ بِأَنْ قَالَ يَا أَيُّهَا الزُّنَاةُ، أَوْ كَلِمَاتٍ

أَمَّا الْأَوَّلَانِ فَلِأَنَّ الْمَقْصِدَ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى الِانْزِجَارُ، وَاحْتِمَالُ حُصُولِهِ بِالْأَوَّلِ قَائِمٌ فَتَتَمَكَّنُ شُبْهَةُ فَوَاتِ الْمَقْصُودِ فِي الثَّانِي، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى وَقَذَفَ وَسَرَقَ وَشَرِبَ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ غَيْرُ الْمَقْصُودِ مِنْ الْآخَرِ فَلَا يَتَدَاخَلُ. وَأَمَّا الْقَذْفُ فَالْمُغَلَّبُ فِيهِ عِنْدَنَا حَقُّ اللَّهِ فَيَكُونُ مُلْحَقًا بِهِمَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ اخْتَلَفَ الْمَقْذُوفُ أَوْ الْمَقْذُوفُ بِهِ وَهُوَ الزِّنَا لَا يَتَدَاخَلُ، لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ عِنْدَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمُتَفَرِّقَةٍ بِأَنْ قَالَ يَا زَيْدُ أَنْتَ زَانٍ وَيَا عَمْرُو أَنْتَ زَانٍ وَيَا خَالِدُ أَنْتَ زَانٍ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ إلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إنْ قَذَفَهُمْ بِكَلَامٍ وَاحِدٍ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ، وَإِنْ قَذَفَهُمْ بِكَلِمَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ يُحَدُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِأَنَّهُ حَقُّ الْمَقْذُوفِ عِنْدَهُ فَلَا يَجْرِي فِيهِ التَّدَاخُلُ عِنْدَ اخْتِلَافِ السَّبَبِ، وَعِنْدَنَا أَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ وَهُوَ مَشْرُوعٌ لِلزَّجْرِ فَيَجْرِي فِيهِ التَّدَاخُلُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ.

[فصل في التعزير]

فَصْلٌ فِي التَّعْزِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي التَّعْزِيرِ] ِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الزَّوَاجِرِ الْمُقَدَّرَةِ الثَّابِتَةِ بِالْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ الزَّوَاجِرَ الَّتِي دُونَهَا فِي الْقَدْرِ وَقُوَّةِ الدَّلِيلِ وَهُوَ التَّعْزِيرُ، وَهُوَ تَأْدِيبٌ دُونَ الْحَدِّ، وَأَصْلُهُ مِنْ الْعَزْرِ بِمَعْنَى الرَّدِّ وَالرَّدْعِ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ مَنْ قَذَفَ غَيْرَهُ بِكَبِيرَةٍ لَيْسَ فِيهَا حَدٌّ مُقَدَّرٌ يَجِبُ التَّعْزِيرُ. قَالَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ: اعْلَمْ أَنَّ التَّعْزِيرَ قَدْ يَكُونُ بِالْحَبْسِ وَقَدْ يَكُونُ بِالصَّفْعِ وَتَعْرِيكِ الْأُذُنِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْكَلَامِ الْعَنِيفِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالضَّرْبِ، وَقَدْ يَكُونُ بِنَظَرِ الْقَاضِي إلَيْهِ بِوَجْهٍ عَبُوسٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ التَّعْزِيرَ بِأَخْذِ الْمَالِ، وَقَدْ قِيلَ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّعْزِيرَ مِنْ السُّلْطَانِ بِأَخْذِ الْمَالِ جَائِزٌ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّ التَّعْزِيرَ الَّذِي يَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى يَلِي إقَامَتَهُ كُلُّ

(وَمَنْ قَذَفَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ كَافِرًا بِالزِّنَا عُزِّرَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَدٍ بِعِلَّةِ النِّيَابَةِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ قَذَفَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً) ظَاهِرٌ.

لِأَنَّهُ جِنَايَةُ قَذْفٍ، وَقَدْ امْتَنَعَ وُجُوبُ الْحَدِّ لِفَقْدِ الْإِحْصَانِ فَوَجَبَ التَّعْزِيرُ (وَكَذَا إذَا قَذَفَ مُسْلِمًا بِغَيْرِ الزِّنَا فَقَالَ يَا فَاسِقُ أَوْ يَا كَافِرُ أَوْ يَا خَبِيثُ أَوْ يَا سَارِقُ) لِأَنَّهُ آذَاهُ وَأَلْحَقَ الشَّيْنَ بِهِ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِي الْحُدُودِ فَوَجَبَ التَّعْزِيرُ، إلَّا أَنَّهُ يَبْلُغُ بِالتَّعْزِيرِ غَايَتَهُ فِي الْجِنَايَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ، وَفِي الثَّانِيَةِ: الرَّأْيُ إلَى الْإِمَامِ (وَلَوْ قَالَ يَا حِمَارُ أَوْ يَا خِنْزِيرُ لَمْ يُعَزَّرْ) لِأَنَّهُ مَا أُلْحِقَ الشَّيْنُ بِهِ لِلتَّيَقُّنِ بِنَفْيِهِ. وَقِيلَ فِي عُرْفِنَا يُعَزَّرُ لِأَنَّهُ يُعَدُّ شَيْنًا، وَقِيلَ إنْ كَانَ الْمَسْبُوبُ مِنْ الْأَشْرَافِ كَالْفُقَهَاءِ وَالْعَلَوِيَّةِ يُعَزَّرُ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُمْ الْوَحْشَةُ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَامَّةِ لَا يُعَزَّرُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (فِي الْجِنَايَةِ الْأُولَى) يَعْنِي مَا إذَا قَذَفَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ بِالزِّنَا (لِأَنَّهُ) أَيْ الْقَذْفَ بِالزِّنَا (مِنْ جِنْسِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ) وَقَوْلُهُ (فِي الثَّانِيَةِ) يَعْنِي قَوْلَهُ يَا فَاسِقُ إلَخْ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ مَا أَلْحَقَ الشَّيْنَ بِهِ لِلتَّيَقُّنِ بِنَفْيِهِ) قِيلَ بَلْ يَلْحَقُ الشَّيْنُ بِالْقَاذِفِ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ أَنَّهُ آدَمِيٌّ، وَأَنَّ الْقَاذِفَ كَاذِبٌ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ بَلَغَ حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِينَ» نُقِلَ بِتَخْفِيفِ بَلَغَ مِنْ الْبُلُوغِ وَهُوَ السَّمَاعُ. وَأَمَّا مَا يَجْرِي عَلَى أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ مِنْ التَّثْقِيلِ إنْ

[أكثر التعزير]

وَهَذَا أَحْسَنُ. وَالتَّعْزِيرُ أَكْثَرُهُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ سَوْطًا وَأَقَلُّهُ ثَلَاثُ جَلَدَاتٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَبْلُغُ بِالتَّعْزِيرِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ بَلَغَ حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِينَ» وَإِذَا تَعَذَّرَ تَبْلِيغُهُ حَدًّا فَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ نَظَرَا إلَى أَدْنَى الْحَدِّ وَهُوَ حَدُّ الْعَبْدِ فِي الْقَذْفِ فَصَرَفَاهُ إلَيْهِ وَذَلِكَ أَرْبَعُونَ سَوْطًا فَنَقَصَا مِنْهُ سَوْطًا. وَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ أَقَلَّ الْحَدِّ فِي الْأَحْرَارِ إذْ الْأَصْلُ هُوَ الْحُرِّيَّةُ ثُمَّ نَقَصَ سَوْطًا فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ نَقَصَ خَمْسَةً وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ عَلِيٍّ فَقَلَّدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQصَحَّ فَعَلَى حَذْفِ الْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ، وَالتَّقْدِيرُ مَنْ بَلَّغَ التَّعْزِيرَ حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ، وَفِيهِ نَبْوَةٌ تُعْرَفُ بِالتَّأَمُّلِ الصَّحِيحِ، وَأَرَى أَنْ يَكُونَ تَقْدِيرُهُ مَنْ بَلَّغَ الضَّرْبَ حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِينَ. [أَكْثَر التَّعْزِير] (فَإِذَا تَعَذَّرَ تَبْلِيغُهُ حَدًّا فَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ نَظَرَا إلَى أَدْنَى الْحَدِّ) وَهُوَ حَدُّ الْعَبْدِ فِي الْقَذْفِ (فَصَرَفَاهُ إلَيْهِ وَذَلِكَ أَرْبَعُونَ فَنَقَصَا مِنْهُ سَوْطًا) وَهَذَا حَقٌّ لِأَنَّ مَنْ اعْتَبَرَ حَدَّ الْأَحْرَارِ فَقَدْ بَلَغَ حَدًّا وَهُوَ حَدُّ الْعَبْدِ، وَالتَّنْكِيرُ فِي الْحَدِيثِ يُنَافِيهِ. وَوَجْهُ نُقْصَانِ السَّوْطِ الْوَاحِدِ فِي الْمَذْهَبَيْنِ جَمِيعًا هُوَ أَنَّ الْبُلُوغَ إلَى تَمَامِ الْحَدِّ تَعَذَّرَ وَلَيْسَ بَعْدَهُ قَدْرٌ مُعَيَّنٌ كَرُبُعٍ أَوْ ثُلُثٍ أَوْ عُشْرٍ فَيُصَارُ إلَى أَقَلِّ مَا يُمْكِنُ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ وَنَظِيرُهُ وَقْتُ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ الْكُلَّ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا وَلَيْسَ بَعْدَهُ جُزْءٌ مُعَيَّنٌ صُيِّرَ إلَى أَقَلَّ مَا يُمْكِنُ وَهُوَ الْجُزْءُ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ.

ثُمَّ قَدَّرَ الْأَدْنَى فِي الْكِتَابِ بِثَلَاثِ جَلَدَاتٍ لِأَنَّ مَا دُونَهَا لَا يَقَعُ بِهِ الزَّجْرُ، وَذَكَرَ مَشَايِخُنَا أَنَّ أَدْنَاهُ عَلَى مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ فَيُقَدَّرُ بِقَدْرِ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ يَنْزَجِرُ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ عَلَى قَدْرِ عِظَمِ الْجُرْمِ وَصِغَرِهِ، وَعَنْهُ أَنْ يُقَرَّبَ كُلُّ نَوْعٍ مِنْ بَابِهِ؛ فَيُقَرَّبُ الْمَسُّ وَالْقُبْلَةُ مِنْ حَدِّ الزِّنَا، وَالْقَذْفُ بِغَيْرِ الزِّنَا مِنْ حَدِّ الْقَذْفِ. قَالَ (وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يَضُمَّ إلَى الضَّرْبِ فِي التَّعْزِيرِ الْحَبْسَ فَعَلَ) لِأَنَّهُ صَلُحَ تَعْزِيرًا وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ حَتَّى جَازَ أَنْ يَكْتَفِيَ بِهِ فَجَازَ أَنْ يُضَمَّ إلَيْهِ، وَلِهَذَا لَمْ يُشْرَعْ فِي التَّعْزِيرِ بِالتُّهْمَةِ قَبْلَ ثُبُوتِهِ كَمَا شُرِعَ فِي الْحَدِّ لِأَنَّهُ مِنْ التَّعْزِيرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (فَيَقْرَبُ اللَّمْسُ وَالْقُبْلَةُ مِنْ حَدِّ الزِّنَا) يَعْنِي فَيَكُونُ فِيهِ أَكْثَرُ الْجَلَدَاتِ. وَقَوْلُهُ (وَالْقَذْفُ بِغَيْرِ الزِّنَا مِنْ حَدِّ الْقَذْفِ) يَعْنِي فَيَكُونُ فِيهِ أَقَلُّ الْجَلَدَاتِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ) يَعْنِي الْحَبْسَ (صَلَحَ تَعْزِيرًا) وَقَوْلُهُ (وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ) أَيْ بِالْحَبْسِ وَهُوَ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَبَسَ رَجُلًا لِلتَّعْزِيرِ» (وَقَوْلُهُ وَلِهَذَا لَمْ يَشْرَعْ فِي التَّعْزِيرِ بِالتُّهْمَةِ) لِإِيضَاحِ أَنَّ الْحَبْسَ يَصْلُحُ لِلتَّعْزِيرِ فِيمَا يَجِبُ فِيهِ التَّعْزِيرُ: أَيْ لَمْ يُشْرَعْ الْحَبْسُ بِسَبَبِ التُّهْمَةِ فِي الشَّيْءِ الَّذِي يُوجِبُ التَّعْزِيرَ لَوْ ثَبَتَ قَبْلَ ثُبُوتِهِ بِأَنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ مَسْتُورَانِ عَلَى أَنَّهُ قَذَفَ مُحْصَنًا فَقَالَ يَا فَاسِقُ أَوْ يَا كَافِرُ فَلَا يُحْبَسُ الْمُتَّهَمُ قَبْلَ تَعْدِيلِ الشُّهُودِ. وَفِي فَصْلِ الْحَدِّ يُحْبَسُ بِالتُّهْمَةِ لِأَنَّ فِي بَابِ الْحَدِّ شَيْئًا آخَرَ فَوْقَ الْحَبْسِ وَهُوَ إقَامَةُ الْحَدِّ عِنْدَ وُجُودِ مُوجِبِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يُحْبَسَ فِي تُهْمَتِهِ لِتَنَاسُبِ إقَامَةِ الْعُقُوبَةِ الْأَدْنَى بِمُقَابَلَةِ الذَّنْبِ الْأَدْنَى. وَفِي بَابِ الْأَمْوَالِ وَالتَّعْزِيرِ لَا يُحْبَسُ بِالتُّهْمَةِ لِأَنَّ الْأَقْصَى فِيهِمَا عُقُوبَةُ الْحَبْسِ، فَلَوْ حُبِسَا بِالتُّهْمَةِ فِيهِمَا لَكَانَ إقَامَةُ الْعُقُوبَةِ الْأَعْلَى بِمُقَابَلَةِ الذَّنْبِ الْأَدْنَى وَهُوَ مِمَّا يَأْبَاهُ الشَّرْعُ، وَلَمَّا لَمْ يُشْرَعْ الْحَبْسُ عِنْدَ تُهْمَةِ مُوجِبِ التَّعْزِيرِ عُلِمَ أَنَّ الْحَبْسَ مِنْ التَّعْزِيرِ، إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْحَبْسُ مِنْ التَّعْزِيرِ لَحُبِسَ عِنْدَ تُهْمَةِ مُوجِبِ التَّعْزِيرِ كَمَا يُحْبَسُ عِنْدَ تُهْمَةِ مُوجِبِ الزِّنَا فَلَمَّا كَانَ الْحَبْسُ مِنْ التَّعْزِيرِ بِهَذَا الدَّلِيلِ جَازَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَضُمَّهُ إلَى الضَّرْبِ إنْ رَأَى ذَلِكَ، كَمَا أَنَّ لِلْإِمَامِ الرَّأْيَ

قَالَ (وَأَشَدُّ الضَّرْبِ التَّعْزِيرُ) لِأَنَّهُ جَرَى التَّخْفِيفُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ فَلَا يُخَفَّفُ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى فَوَاتِ الْمَقْصُودِ، وَلِهَذَا لَمْ يُخَفَّفْ مِنْ حَيْثُ التَّفْرِيقُ عَلَى الْأَعْضَاءِ قَالَ (ثُمَّ حَدُّ الزِّنَا) لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ، وَحَدُّ الشُّرْبِ ثَبَتَ بِقَوْلِ الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّهُ أَعْظَمُ جِنَايَةً حَتَّى شُرِعَ فِيهِ الرَّجْمُ (ثُمَّ حَدُّ الشُّرْبِ) لِأَنَّ سَبَبَهُ مُتَيَقَّنٌ بِهِ (ثُمَّ حَدُّ الْقَذْفِ) لِأَنَّ سَبَبَهُ مُحْتَمِلٌ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ صَادِقًا وَلِأَنَّهُ جَرَى فِيهِ التَّغْلِيظُ مِنْ حَيْثُ رَدُّ الشَّهَادَةِ فَلَا يُغَلَّظُ مِنْ حَيْثُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي تَقْدِيرِ الضَّرَبَاتِ فَكَذَلِكَ فِي ضَمِّ الْحَبْسِ إلَى الضَّرْبِ. قَالَ: وَأَشَدُّ الضَّرْبِ التَّعْزِيرُ. قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي: وَضَرْبُ التَّعْزِيرِ أَشَدُّ مِنْ ضَرْبِ الزَّانِي، وَضَرْبُ الزَّانِي أَشَدُّ مِنْ ضَرْبِ الشَّارِبِ، وَضَرْبُ الشَّارِبِ أَشَدُّ مِنْ ضَرْبِ الْقَاذِفِ، وَضَرْبُ الْقَاذِفِ أَخَفُّ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَانَ ضَرْبُ التَّعْزِيرِ أَشَدَّ لِأَنَّهُ نَاقِصُ الْمِقْدَارِ وَهُوَ تَخْفِيفٌ. (فَلَا يُخَفَّفُ ثَانِيًا فِي وَصْفِهِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَفْوِيتِ الْمَقْصُودِ) وَهُوَ الزَّجْرُ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي شِدَّتِهِ، قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الْجَمْعُ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ بِجَمْعِ الْأَسْوَاطِ بِعُضْوٍ وَاحِدٍ وَلَا يُفَرَّقُ عَلَى الْأَعْضَاءِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُدُودِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا بَلْ شِدَّتُهُ فِي الضَّرْبِ لَا فِي الْجَمْعِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَى أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ أَنَّ رَجُلًا أَقْسَمَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَضَرَبَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثَلَاثِينَ سَوْطًا كُلُّهَا يُبْضِعُ وَيَحْدُرُ: أَيْ يَشُقُّ وَيُوَرِّمُ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ضَرَبَهُ بِطَرِيقِ التَّعْزِيرِ، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اخْتَارَهُ يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَمْ يُخَفَّفْ مِنْ حَيْثُ التَّفْرِيقُ عَلَى الْأَعْضَاءِ، فَلَوْ كَانَ الشِّدَّةُ عِبَارَةً عَنْ عَدَمِ التَّفْرِيقِ لَزِمَ تَوْضِيحُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ حَدُّ الزِّنَا) ظَاهِرٌ.

[حده الإمام أو عزره فمات]

الْوَصْفُ. (وَمَنْ حَدَّهُ الْإِمَامُ أَوْ عَزَّرَهُ فَمَاتَ فَدَمُهُ هَدَرٌ) لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا فَعَلَ بِأَمْرِ الشَّرْعِ، وَفِعْلُ الْمَأْمُورِ لَا يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَالْفِصَادِ وَالْبَزَّاغِ، بِخِلَافِ الزَّوْجِ إذَا عَزَّرَ زَوْجَتَهُ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ فِيهِ، وَالْإِطْلَاقَاتُ تَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَالْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ خَطَأٌ فِيهِ، إذْ التَّعْزِيرُ لِلتَّأْدِيبِ غَيْرَ أَنَّهُ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ نَفْعَ عَمَلِهِ يَرْجِعُ عَلَى عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ الْغُرْمُ فِي مَالِهِمْ. قُلْنَا لَمَّا اسْتَوْفَى حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى بِأَمْرِهِ صَارَ كَأَنَّ اللَّهَ أَمَاتَهُ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [حَدَّهُ الْإِمَامُ أَوْ عَزَّرَهُ فَمَاتَ] وَقَوْلُهُ (وَمَنْ حَدَّهُ الْإِمَامُ أَوْ عَزَّرَهُ فَمَاتَ فَدَمُهُ هَدَرٌ) ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْأَمْرِ وَهُوَ لَا يَقْتَضِي السَّلَامَةَ فِي إتْيَانِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَالْأُخْرَى عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ نَقِيضُهَا. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأَمْرَ لِطَلَبِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَهُوَ مِنْ الْإِثْبَاتَاتِ وَهِيَ لَا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُشْبِهُ الْقِمَارَ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ عَلَى الْمَأْمُورِ ذَلِكَ الْفِعْلُ بِالْأَمْرِ فَيَأْتِي الْمَأْمُورُ بِمَا فِي وُسْعِهِ غَيْرَ مُرَاقِبٍ لِلسَّلَامَةِ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَتَحَقَّقُ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ فَيَبْقَى الْمَأْمُورُ فِي ضَرْبِ الْوُجُوبِ، وَأَمَّا الْإِطْلَاقُ فَإِسْقَاطٌ لِكَوْنِهِ رَفْعُ الْقَيْدِ وَهُوَ قَابِلٌ لِلتَّعْلِيقِ فَيَتَقَيَّدُ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ، وَلِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُطْلَقَ فِي اخْتِيَارِ فَاعِلِهِ لِأَنَّهُ حَقُّ الْفَاعِلِ إنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَقَيَّدَ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِي تَرْكِ وَصْفِ السَّلَامَةِ كَالْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي التَّعْزِيرِ: تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ خَطَأٌ فِيهِ إذْ التَّعْزِيرُ لِلتَّأْدِيبِ، غَيْرَ أَنَّهُ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ نَفْعَ عَمَلِهِ يَعُودُ إلَى عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ الْغُرْمُ فِي مَالِهِمْ. قُلْنَا: إنَّهُ لَمَّا اسْتَوْفَى حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى بِأَمْرِهِ صَارَ كَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَاتَهُ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[كتاب السرقة]

كِتَابُ السَّرِقَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ السَّرِقَةِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الزَّوَاجِرِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِصِيَانَةِ النُّفُوسِ شَرَعَ فِي ذِكْرِ الزَّوَاجِرِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِصِيَانَةِ الْأَمْوَالِ،

السَّرِقَةُ فِي اللُّغَةِ أَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ الْغَيْرِ عَلَى سَبِيلِ الْخُفْيَةِ وَالِاسْتِسْرَارِ، وَمِنْهُ اسْتِرَاقُ السَّمْعِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ} [الحجر: 18] وَقَدْ زِيدَتْ عَلَيْهِ أَوْصَافٌ فِي الشَّرِيعَةِ عَلَى مَا يَأْتِيك بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ مُرَاعًى فِيهَا ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً أَوْ ابْتِدَاءً لَا غَيْرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ صِيَانَةَ النَّفْسِ أَقْدَمُ مِنْ صِيَانَةِ الْمَالِ، وَالسَّرِقَةُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَمَّا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وقَوْله تَعَالَى {إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ} [الحجر: 18] مَعْنَاهُ اسْتَمَعَ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْخُفْيَةِ. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ زِيدَتْ عَلَيْهِ أَوْصَافٌ فِي الشَّرِيعَةِ) هِيَ أَنْ يُقَالَ: السَّرِقَةُ أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ عَلَى سَبِيلِ الْخُفْيَةِ نِصَابًا مُحْرَزًا لِلتَّمَوُّلِ غَيْرَ مُتَسَارِعٍ إلَيْهِ الْفَسَادُ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ وَلَا شُبْهَةٍ (وَالْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ) وَهُوَ أَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ الْغَيْرِ عَلَى سَبِيلِ الْخُفْيَةِ وَالِاسْتِسْرَارِ أَمْرٌ (مُرَاعًى فِيهَا) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: اعْلَمْ أَنَّ

كَمَا إذَا نَقَبَ الْجِدَارَ عَلَى الِاسْتِسْرَارِ وَأَخَذَ الْمَالَ مِنْ الْمَالِكِ مُكَابَرَةً عَلَى الْجِهَارِ. وَفِي الْكُبْرَى: أَعْنِي قَطْعَ الطَّرِيقِ مُسَارَقَةُ عَيْنِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَصَدِّي لِحِفْظِ الطَّرِيقِ بِأَعْوَانِهِ. وَفِي الصُّغْرَى: مُسَارَقَةُ عَيْنِ الْمَالِكِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ. قَالَ (وَإِذَا سَرَقَ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ مَا يَبْلُغُ قِيمَتُهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةً مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَجَبَ الْقَطْعُ) وَالْأَصْلُ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا نَقَلَهُ الشَّارِعُ إلَيْنَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا مَا هُوَ الْمُقَرَّرُ عَلَى مَا أَنْبَأَنَا بِهِ اللُّغَةُ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ} [يوسف: 58] {وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ} [يوسف: 59] وَالثَّانِي مَا هُوَ الْمَعْدُولُ عَمَّا أَنْبَأَنَا بِهِ اللُّغَةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ شَرْعًا عِبَارَةٌ عَنْ الْأَرْكَانِ الْمَعْهُودَةِ وَلَيْسَ لَهَا إنْبَاءٌ لُغَوِيٌّ وَكَذَلِكَ فِي غَيْرِهَا. وَالثَّالِثُ مَا أَنْبَأَنَا بِهِ اللُّغَةُ مُقَرَّرٌ مَعَ زِيَادَةِ شَيْءٍ فِيهِ شَرْعًا كَالسَّرِقَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي اللُّغَةِ الدُّعَاءُ وَهِيَ مُقَرَّرَةٌ فِي الشَّرْعِ مَعَ زِيَادَةِ أَوْصَافٍ، وَكَذَلِكَ الصَّوْمُ هُوَ الْإِمْسَاكُ وَالزَّكَاةُ هُوَ النَّمَاءُ وَالْحَجُّ هُوَ الْقَصْدُ، وَالْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةُ فِي كُلِّ ذَلِكَ مَوْجُودَةٌ مَعَ زِيَادَةِ أَوْصَافٍ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ نَظَرٌ عَلَى الْمِثَالِ وَهُوَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ عِنْدَ الْمُحَصِّلِينَ وَقَوْلُهُ (كَمَا إذَا نَقَبَ الْجِدَارَ عَلَى الِاسْتِسْرَارِ) نَظِيرُ مَا يَكُونُ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ مَوْجُودًا فِيهِ ابْتِدَاءً وَتَرَكَ نَظِيرَ الْأَوَّلِ لِظُهُورِهِ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَقْطَعَ فِيمَا إذَا نَقَبَ الْجِدَارَ عَلَى الِاسْتِسْرَارِ وَأَخَذَ الْمَالَ مِنْ الْمَالِكِ مُكَابَرَةً: أَيْ مُقَاتَلَةً بِسِلَاحٍ لِأَنَّ رُكْنَ السَّرِقَةِ الْأَخْذُ عَلَى سَبِيلِ الْخُفْيَةِ وَالِاسْتِسْرَارِ، وَالْخُفْيَةُ إنْ وُجِدَتْ وَقْتَ الدُّخُولِ لَمْ تُوجَدْ وَقْتَ الْأَخْذِ فَإِنَّ الْأَخْذَ حَصَلَ بِطَرِيقِ الْمُغَالَبَةِ لَكِنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا وَقَالُوا بِوُجُوبِ الْقَطْعِ لِأَنَّهُمْ لَوْ اعْتَبَرُوا الْخُفْيَةَ وَقْتَ الْأَخْذِ لَامْتَنَعَ الْقَطْعُ فِي أَكْثَرِ السَّرِقَاتِ لِأَنَّ أَكْثَرَهَا فِي اللَّيَالِيِ يَصِيرُ مُغَالَبَةً فِي الِانْتِهَاءِ لِأَنَّهُ وَقْتٌ لَا يَلْحَقُ الْغَوْثُ وَقَوْلُهُ (أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ) يَعْنِي الْمُودِعَ وَالْمُسْتَعِيرَ وَالْمُضَارِبَ وَالْغَاصِبَ وَالْمُرْتَهِنَ. قَالَ (وَإِذَا سَرَقَ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ مَا يَبْلُغُ قِيمَتُهُ ذَلِكَ مَضْرُوبَةً مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ) عَلَى مَا سَيَظْهَرُ لَك مَعْنَاهُ (وَجَبَ الْقَطْعُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى

قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] الْآيَةَ وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ لَا تَتَحَقَّقُ دُونَهُمَا وَالْقَطْعُ جَزَاءُ الْجِنَايَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ التَّقْدِيرِ بِالْمَالِ الْخَطِيرِ لِأَنَّ الرَّغَبَاتِ تَفْتُرُ فِي الْحَقِيرِ، وَكَذَا أَخْذُهُ لَا يَخْفَى فَلَا يَتَحَقَّقُ رُكْنُهُ وَلَا حِكْمَةُ الزَّجْرِ لِأَنَّهَا فِيمَا يَغْلِبُ، وَالتَّقْدِيرُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَذْهَبُنَا. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ التَّقْدِيرُ بِرُبْعِ دِينَارٍ. وَعِنْدَ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ. لَهُمَا أَنَّ الْقَطْعَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا كَانَ إلَّا فِي ثَمَنِ الْمِجَنِّ، وَأَقَلُّ مَا نُقِلَ فِي تَقْدِيرِهِ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ، وَالْأَخْذُ بِالْأَقَلِّ الْمُتَيَقَّنِ بِهِ أَوْلَى، ـــــــــــــــــــــــــــــQ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] فَإِنَّ الْحُكْمَ إذَا تَرَتَّبَ عَلَى صِفَةٍ كَانَ مَصْدَرُهَا عِلَّةً لَهُ كَمَا عُرِفَ، وَالْآيَةُ كَمَا تَرَى عَامٌّ، لَكِنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لِأَنَّهُ خِطَابُ الشَّرْعِ فَهُوَ تَكْلِيفٌ، وَلَا تَكْلِيفَ إلَّا مَعَ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِهِمَا لِتَحَقُّقِ الْجِنَايَةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِلْجَزَاءِ. وَأَمَّا تَقْدِيرُ الْمَالِ فَلِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ قَوْلُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ. وَأَمَّا أَصْحَابُ الظَّوَاهِرِ فَلَا يَعْتَبِرُونَ النِّصَابَ وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُسْتَدِلًّا بِظَاهِرِ الْآيَةِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى النِّصَابِ أَصْلًا، بِخِلَافِ كَوْنِهِ مَالًا مُحْرَزًا فَإِنَّ لَفْظَ السَّرِقَةِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْمُبَاحِ يُسَمَّى اصْطِيَادًا أَوْ احْتِطَابًا لَا سَرِقَةً، وَكَذَلِكَ مَا لَيْسَ بِمُحْرَزٍ فَأَخْذُهُ لَا يُسَمَّى سَرِقَةً لِانْعِدَامِ مُسَارَقَةِ عَيْنِ الْحَافِظِ. وَقُلْنَا: مَعْنَى اسْمِ السَّارِقِ يَدُلُّ عَلَى خَطَرِ الْمَأْخُوذِ لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ السَّرِقَةِ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنْ الْحَرِيرِ فَلَا بُدَّ

غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: «كَانَتْ قِيمَةُ الدِّينَارِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا» وَالثَّلَاثَةُ رُبْعُهَا. وَلَنَا أَنَّ الْأَخْذَ بِالْأَكْثَرِ فِي هَذَا الْبَابِ أَوْلَى احْتِيَالًا لِدَرْءِ الْحَدِّ. وَهَذَا لِأَنَّ فِي الْأَقَلِّ شُبْهَةَ عَدَمِ الْجِنَايَةِ وَهِيَ دَارِئَةٌ لِلْحَدِّ، وَقَدْ تَأَيَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا قَطْعَ إلَّا فِي دِينَارٍ، أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ» ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ التَّقْدِيرِ بِالْمَالِ الْخَطِيرِ مُحَافَظَةً عَلَى الْمَفْهُومِ اللُّغَوِيِّ، وَالتَّقْدِيرُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا قَطْعَ

وَاسْمُ الدَّرَاهِمِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْمَضْرُوبَةِ عُرْفًا فَهَذَا يُبَيِّنُ لَك اشْتِرَاطَ الْمَضْرُوبِ كَمَا قَالَ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ رِعَايَةً لِكَمَالِ الْجِنَايَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا فِي دِينَارٍ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَقَوْلُهُ (وَاسْمُ الدَّرَاهِمِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْمَضْرُوبَةِ عُرْفًا) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةٌ. وَاسْتِدْلَالٌ عَلَيْهِ بِلَفْظِ الدَّرَاهِمِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ، وَالْمُرَادُ بِالْكِتَابِ الْقُدُورِيُّ. وَقَوْلُهُ (وَهُوَ الْأَصَحُّ) احْتِرَازٌ عَمَّا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَضْرُوبَةَ وَغَيْرَهَا سَوَاءٌ، وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ. فَإِنْ قُلْت: رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ يَدَ السَّارِقِ لَمْ تُقْطَعْ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

حَتَّى لَوْ سَرَقَ عَشَرَةً تِبْرًا قِيمَتُهَا أَنْقَصُ مِنْ عَشَرَةٍ مَضْرُوبَةٍ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ، وَالْمُعْتَبَرُ وَزْنُ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي عَامَّةِ الْبِلَادِ. وَقَوْلُهُ أَوْ مَا يَبْلُغُ قِيمَتُهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ غَيْرَ الدَّرَاهِمِ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ بِهَا وَإِنْ كَانَ ذَهَبًا، وَلَا بُدَّ مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ دَارِئَةٌ، وَسَنُبَيِّنُهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا فِي ثَمَنِ مِجَنِّ حَجَفَةٍ أَوْ تُرْسٍ» ، وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَطَعَ سَارِقًا فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ» . وَقَدْ أَخَذَ بِهِ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَرَوَتْ عَمْرَةُ عَنْ عَائِشَةَ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْطَعُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» ، وَبِهِ أَخَذَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَمَا وَجْهُ دَفْعِ ذَلِكَ؟ قُلْت: مَدْلُولُ الْحَدِيثَيْنِ وَاحِدٌ لِأَنَّ قِيمَةَ الدِّينَارِ كَانَتْ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَثَلَاثُ دَرَاهِمَ كَانَتْ رُبُعَ دِينَارٍ، وَيُعَارِضُهُمَا مَا رُوِيَ فِي السُّنَنِ وَشَرْحِ الْآثَارِ مُسْنَدًا إلَى عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ رَجُلًا فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ دِينَارٌ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ» ، وَلَمَّا تَعَارَضَا وَلَا مُرَجِّحَ صِرْنَا إلَى إطْلَاقِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قَطَعَ إلَّا فِي دِينَارٍ» الْحَدِيثَ، وَإِلَى الْمَعْقُولِ وَهُوَ أَنَّ الْعَمَلَ بِمَذْهَبِنَا يَسْتَلْزِمُ الْعَمَلَ بِمَذْهَبِهِمَا مَعَ اشْتِمَالِهِ عَلَى الِاحْتِيَالِ لِلدَّرْءِ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ.

قَالَ (وَالْعَبْدُ وَالْحُرُّ فِي الْقَطْعِ سَوَاءٌ) لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يُفَصِّلْ، وَلِأَنَّ التَّنْصِيفَ مُتَعَذِّرٌ فَيَتَكَامَلُ صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ. (وَيَجِبُ الْقَطْعُ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُقْطَعُ إلَّا بِالْإِقْرَارِ مَرَّتَيْنِ) وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُمَا فِي مَجْلِسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِأَنَّهُ إحْدَى الْحُجَّتَيْنِ فَيُعْتَبَرُ بِالْأُخْرَى وَهِيَ الْبَيِّنَةُ كَذَلِكَ اعْتَبَرْنَا فِي الزِّنَا. وَلَهُمَا أَنَّ السَّرِقَةَ قَدْ ظَهَرَتْ بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَالْعَبْدُ وَالْحُرُّ فِي الْقَطْعِ سَوَاءٌ) قَدَّمَ ذِكْرَ الْعَبْدِ عَلَى الْحُرِّ لِكَوْنِهِ أَهَمَّ لِأَنَّ عَدَمَ التَّسَاوِي إنَّمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ جِهَتِهِ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ وَبَيَانٌ. قَوْلُهُ (أَنَّ السَّرِقَةَ، قَدْ ظَهَرَتْ بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً) السَّرِقَةُ ظَهَرَتْ بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً وَاحِدَةً لِأَنَّهَا تَظْهَرُ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ، وَكُلُّ مَا يَظْهَرُ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ يَظْهَرُ بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً وَاحِدَةً كَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَغَيْرِهِمَا، وَكُلُّ مَا يَظْهَرُ بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً وَاحِدَةً يُكْتَفَى بِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الزِّيَادَةِ، وَإِذَا تَلَمَّحْتَ هَذَا الْبَيَانَ وَجَدْت الِاعْتِرَاضَ بِأَنَّ الزِّنَا أَيْضًا يَظْهَرُ بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً سَاقِطًا

فَيُكْتَفَى بِهِ كَمَا فِي الْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَلَا اعْتِبَارَ بِالشَّهَادَةِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تُفِيدُ فِيهَا تَقْلِيلَ تُهْمَةِ الْكَذِبِ وَلَا تُفِيدُ فِي الْإِقْرَارِ شَيْئًا لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ. وَبَابُ الرُّجُوعِ فِي حَقِّ الْحَدِّ لَا يَنْسَدُّ بِالتَّكْرَارِ وَالرُّجُوعُ فِي حَقِّ الْمَالِ لَا يَصِحُّ أَصْلًا لِأَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ يُكَذِّبُهُ، وَاشْتِرَاطُ الزِّيَادَةِ فِي الزِّنَا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَا اعْتِبَارَ بِالشَّهَادَةِ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ إحْدَى الْحُجَّتَيْنِ بِالْأُخْرَى بِبَيَانِ الْفَارِقِ، وَهُوَ مَا ذُكِرَ أَنَّ الزِّيَادَةَ تُفِيدُ فِيهَا تَقْلِيلُ تُهْمَةِ الْكَذِبِ وَلَا تُفِيدُ فِي الْإِقْرَارِ شَيْئًا لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهِ. وَقَوْلُهُ (وَبَابُ الرُّجُوعِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّمَا يُشْتَرَطُ التَّكْرَارُ لِقَطْعِ احْتِمَالِ الرُّجُوعِ كَمَا فِي الزِّنَا. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ مِرَارًا كَثِيرَةً ثُمَّ رَجَعَ صَحَّ رُجُوعُهُ فِي حَقِّ الْحَدِّ لِأَنَّهُ لَا مُكَذِّبَ لَهُ فِيهِ، بِخِلَافِ الرُّجُوعِ عَنْ الْمَالِ فَإِنَّ لَهُ فِيهِ مُكَذِّبًا وَهُوَ صَاحِبُ الْمَالِ فَلَا يَصِحُّ، فَظَهَرَ بِهَذَا أَنْ لَا فَائِدَةَ فِي تَكْرَارِ الْإِقْرَارِ لَا فِي حَقِّ الْقَطْعِ وَلَا فِي حَقِّ إسْقَاطِ ضَمَانِ الْمَالِ بِالْإِقْرَارِ. وَقَوْلُهُ (وَاشْتِرَاطُ الزِّيَادَةِ فِي الزِّنَا) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَكَذَلِكَ اعْتَبَرْنَا فِي الزِّنَا،

قَالَ (وَيَجِبُ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ) لِتَحَقُّقِ الظُّهُورِ كَمَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَهُمَا الْإِمَامُ عَنْ كَيْفِيَّةِ السَّرِقَةِ وَمَاهِيَّتِهَا وَزَمَانِهَا وَمَكَانِهَا لِزِيَادَةِ الِاحْتِيَاطِ كَمَا مَرَّ فِي الْحُدُودِ، وَيَحْبِسُهُ إلَى أَنْ يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ لِلتُّهْمَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ (وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَهُمَا الْإِمَامُ عَنْ كَيْفِيَّةِ السَّرِقَةِ) فَيَقُولَ لَهُ كَيْفَ سَرَقْت لِجَوَازِ أَنَّهُ نَقَبَ الْبَيْتَ وَأَدْخَلَ يَدَهُ وَأَخْرَجَ الْمَتَاعَ فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ (وَعَنْ مَاهِيَّتِهَا) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ شَيْئًا تَافِهًا وَلَا قَطْعَ فِيهِ، وَهَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّ مَاهِيَّةَ السَّرِقَةِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا لَا يَذْكُرُهَا إلَّا آحَادُ الْفُقَهَاءِ فَيَحْتَاجُ إلَى حُضُورِ الْفُقَهَاءِ شَرْطًا لِظُهُورِهِ، وَفِي ذَلِكَ سَدُّ بَابِ الْقَطْعِ (وَعَنْ زَمَانِهَا) فِيمَا يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ لِجَوَازِ تَقَادُمِ الْعَهْدِ الْمَانِعِ عَنْ الْقَطْعِ لِوُجُودِ التُّهْمَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ، فَإِنَّ التَّقَادُمَ فِيهِ لَيْسَ بِمَانِعٍ لِعَدَمِهَا فَلَا يَسْأَلُ عَنْ الزَّمَانِ. فَإِنْ قِيلَ: الشَّاهِدُ فِي تَأْخِيرِ الشَّهَادَةِ هُنَا غَيْرُ مُتَّهَمٍ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ بِدُونِ الدَّعْوَى فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْأَلَ فِيمَا إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ كَمَا لَا يَسْأَلُ فِيمَا إذَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ. قُلْنَا: إنَّ الْجَوَابَ قَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا (وَعَنْ مَكَانِهَا) لِجَوَازِ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ غَيْرِ الْحِرْزِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ. وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَيَسْأَلُهُمَا عَنْ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ أَيْضًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ أَوْ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ، وَلَعَلَّهُ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ لِأَنَّ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ حَاضِرٌ يُخَاصِمُ وَالشُّهُودُ تَشْهَدُ بِالسَّرِقَةِ مِنْهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى السُّؤَالِ عَنْ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ (وَيَحْبِسُهُ) أَيْ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا بِالسَّرِقَةِ فَيُحْبَسُ لِمَا رَوَيْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حَبَسَ رَجُلًا بِالتُّهْمَةِ» .

[باب ما يقطع فيه وما لا يقطع]

(قَالَ وَإِذَا اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي سَرِقَةٍ فَأَصَابَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ قُطِعَ، وَإِنْ أَصَابَهُ أَقَلُّ لَا يُقْطَعُ) لِأَنَّ الْمُوجِبَ سَرِقَةُ النِّصَابِ وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِجِنَايَتِهِ فَيُعْتَبَرُ كَمَالُ النِّصَابِ فِي حَقِّهِ بَابُ مَا يُقْطَعُ فِيهِ وَمَا لَا يُقْطَعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَإِذَا اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ) ظَاهِرٌ. وَاسْتُشْكِلَ بِمَا إذَا قَتَلَ جَمَاعَةٌ وَاحِدًا فَإِنَّهُمْ يُقْتَلُونَ كُلُّهُمْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْقَتْلُ عَلَى الْكَمَالِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقِصَاصَ يَتَعَلَّقُ بِإِخْرَاجِ الرُّوحِ وَهُوَ لَا يَتَجَزَّأُ فَيُضَافُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَمَلًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ مَا يُقْطَعُ فِيهِ وَمَا لَا يُقْطَعُ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ تَفْسِيرِ السَّرِقَةِ وَشُرُوطِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ مَسْرُوقًا يُوجِبُ الْقَطْعَ وَمَسْرُوقًا لَا يُوجِبُهُ وَإِنْ وُجِدَ فِيهِ النِّصَابُ، وَلَا يَرِدُ مَا قِيلَ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَذْكُرَ قَوْلَهُ وَإِذَا اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي سَرِقَةٍ فِي هَذَا الْبَابِ،

(وَلَا قَطْعَ فِيمَا يُوجَدُ تَافِهًا مُبَاحًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَالْخَشَبِ وَالْحَشِيشِ وَالْقَصَبِ وَالسَّمَكِ وَالطَّيْرِ وَالصَّيْدِ وَالزِّرْنِيخِ وَالْمَغَرَةِ وَالنُّورَةِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ «عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَتْ الْيَدُ لَا تُقْطَعُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ» ، أَيْ الْحَقِيرِ، وَمَا يُوجَدُ جِنْسُهُ مُبَاحًا، فِي الْأَصْلِ بِصُورَتِهِ غَيْرُ مَرْغُوبٍ فِيهِ حَقِيرٌ تَقِلُّ الرَّغَبَاتُ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ. إنْ أَصَابَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابٌ كَانَ مِمَّا يُقْطَعُ فِيهِ، وَإِنْ أَصَابَهُ أَقَلُّ كَانَ مِمَّا لَا يُقْطَعُ فِيهِ لِأَنَّ هَذَا الْبَابَ لِبَيَانِ مَا يُقْطَعُ فِيهِ وَمَا لَا يُقْطَعُ بَعْدَ وُجُودِ النِّصَابِ (قَوْلُهُ لَا قَطْعَ فِيمَا يُوجَدُ تَافِهًا) ظَاهِرٌ، وَالْمَغَرَةُ بِالْفَتَحَاتِ الثَّلَاثِ الطِّينُ الْأَحْمَرُ، وَتَسْكِينُ الْغَيْنِ فِيهِ لُغَةٌ. وَقَوْلُهُ (وَمَا يُوجَدُ جِنْسُهُ) مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ حَقِيرٌ خَبَرُهُ. وَقَوْلُهُ (بِصُورَتِهِ) احْتِرَازٌ عَنْ الْأَبْوَابِ وَالْأَوَانِي الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْخَشَبِ وَالْحُصْرِ الْبَغْدَادِيَّةِ، فَإِنَّ فِي سَرِقَتِهَا الْقَطْعَ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهَا مِنْ الْخَشَبِ، وَأَصْلُ الْحَصِيرِ يُوجَدُ مُبَاحًا لِتَغَيُّرِهَا عَنْ صُورَتِهَا الْأَصْلِيَّةِ بِالصَّنْعَةِ الْمُتَقَوِّمَةِ. وَقَوْلُهُ (غَيْرَ مَرْغُوبٍ فِيهِ) نُصِبَ عَلَى الْحَالِ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْجَوَاهِرِ فَإِنَّهَا تُوجَدُ مُبَاحًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَكِنَّهَا مَرْغُوبٌ فِيهَا وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ: إذَا سَرَقَهَا عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي تُوجَدُ مُبَاحَةً وَهِيَ أَنْ تَكُونَ مُخْتَلِطَةً بِالْحَجَرِ وَالتُّرَابِ لَا يُقْطَعُ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِتَافِهٍ جِنْسًا، فَإِنَّ كُلَّ مَنْ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهِ لَا يَتْرُكُهُ عَادَةً. وَقَوْلُهُ (تَقِلُّ الرَّغَبَاتُ فِيهِ) جُمْلَةٌ اسْتِئْنَافِيَّةٌ.

وَالطِّبَاعُ لَا تَضَنُّ بِهِ، فَقَلَّمَا يُوجَدُ أَخْذُهُ عَلَى كُرْهٍ مِنْ الْمَالِكِ فَلَا حَاجَةَ إلَى شَرْعِ الزَّاجِرِ، وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ فِي سَرِقَةِ مَا دُونَ النِّصَابِ وَلِأَنَّ الْحِرْزَ فِيهَا نَاقِصٌ؛ أَلَا يُرَى أَنَّ الْخَشَبَ يُلْقَى عَلَى الْأَبْوَابِ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي الدَّارِ لِلْعِمَارَةِ لَا لِلْإِحْرَازِ وَالطَّيْرُ يَطِيرُ وَالصَّيْدُ يَفِرُّ وَكَذَا الشَّرِكَةُ الْعَامَّةُ الَّتِي كَانَتْ فِيهِ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ تُورِثُ الشُّبْهَةَ، وَالْحَدُّ يَنْدَرِئُ بِهَا. وَيَدْخُلُ فِي السَّمَكِ الْمَالِحُ وَالطَّرِيُّ، وَفِي الطَّيْرِ الدَّجَاجُ وَالْبَطُّ وَالْحَمَامُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قَطْعَ فِي الطَّيْرِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَالطِّبَاعُ لَا تَضَنُّ بِهِ) أَيْ لَا تَبْخَلُ بِفَتْحِ الضَّادِ وَهُوَ الْأَصْلُ وَجَاءَ بِالْكَسْرِ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ (فَقَلَّمَا يُوجَدُ أَخْذُهُ عَلَى كُرْهٍ مِنْ الْمَالِكِ) أَيْ قَلِيلٌ وُجُودُ لُحُوقِ الْمَلَالَةِ بِالْمَالِكِ عِنْدَ أَخْذِ الْأَشْيَاءِ مِنْهُ، بَلْ يَرْضَى بِالْأَخْذِ تَوَقِّيًا عَنْ لُحُوقِ سِمَةِ خَسَاسَةِ الْهِمَّةِ وَتَفَادِيًا عَنْ نِسْبَتِهِ إلَى دَنَاءَةِ الطَّبِيعَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى شَرْعِ الزَّوَاجِرِ. وَقَوْلُهُ (وَالطَّيْرُ يَطِيرُ وَالصَّيْدُ يَفِرُّ) يَعْنِي لَمَّا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ قَلَّتْ الرَّغْبَةُ فَلَا تُشْرَعُ الزَّوَاجِرُ فِي مِثْلِهِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ الْخَشَبُ يُلْقَى عَلَى الْأَبْوَابِ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا الشَّرِكَةُ الْعَامَّةُ الَّتِي كَانَتْ فِيهِ) أَيْ فِيمَا يُوجَدُ جِنْسُهُ مُبَاحًا (وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ) أَيْ الصِّفَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا وَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ الْأَبْوَابِ وَالْأَوَانِي الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْخَشَبِ كَمَا ذَكَرْنَا (تُورِثُ الشُّبْهَةَ) أَيْ شُبْهَةَ الْإِبَاحَةِ بَعْدَ إحْرَازِهِ (وَالْحَدُّ يَنْدَرِئُ بِهَا) وَفِي التَّعْبِيرِ بِالشَّرِكَةِ الْعَامَّةِ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ: فِي الْكَلَأِ، وَالْمَاءِ، وَالنَّارِ» وَقَوْلُهُ (لِمَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي قَوْلَهُ وَالطَّيْرُ يَطِيرُ وَالصَّيْدُ يَفِرُّ وَالسَّمَكُ الْمَالِحُ هُوَ الْمُقَدَّدُ الَّذِي فِيهِ الْمِلْحُ.

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجِبُ الْقَطْعُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا الطِّينَ وَالتُّرَابَ وَالسِّرْقِينَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا مَا ذَكَرْنَا. قَالَ: (وَلَا قَطْعَ فِيمَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ كَاللَّبَنِ وَاللَّحْمِ وَالْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا فِي كَثَرٍ» وَالْكَثَرُ الْجُمَّارُ، وَقِيلَ الْوَدِيُّ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قَطْعَ فِي الطَّعَامِ» وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ كَالْمُهَيَّإِ لِلْأَكْلِ مِنْهُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَاللَّحْمِ وَالثَّمَرِ لِأَنَّهُ يُقْطَعُ فِي الْحِنْطَةِ وَالسُّكَّرِ إجْمَاعًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقْطَعُ فِيهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ فَإِذَا آوَاهُ الْجَرِينُ أَوْ الْجِرَانُ قُطِعَ» ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا مَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي حَدِيثَ عَائِشَةَ وَمَا ذُكِرَ بَعْدَهُ وَالْجِمَارُ شَحْمُ النَّخْلِ وَهُوَ شَيْءٌ أَبْيَضُ يُقْطَعُ مِنْ رُءُوسِ النَّخْلِ وَيُؤْكَلُ، وَالْوَدْيُ صِغَارُ النَّخْلِ. وَقَوْلُهُ (كَالْمُهَيَّإِ لِلْأَكْلِ) يَعْنِي مِثْلَ الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَأَمْثَالَهُمَا لِأَنَّهُ يُقْطَعُ فِي الْحِنْطَةِ وَالسُّكَّرِ بِالْإِجْمَاعِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْعَامُ عَامَ مَجَاعَةٍ وَقَحْطٍ، أَمَّا إذَا كَانَ فَلَا قَطْعَ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ أَوْ لَا. وَقَوْلُهُ (كَاللَّحْمِ وَالثَّمَرِ) اللَّحْمُ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ كَالْمُهَيَّإِ لِلْأَكْلِ مِنْهُ، وَالثَّمَرُ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ فَكَانَ كَلَامُهُ لَفًّا وَنَشْرًا (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يُقْطَعُ فِيهَا) أَيْ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ اللَّبَنِ وَاللَّحْمِ وَالْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ وَالطَّعَامِ (وَالْجَرِينُ) الْمِرْبَدُ: وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُلْقَى فِيهِ الرُّطَبُ لِيَجِفَّ، وَقِيلَ هُوَ مَوْضِعٌ يُدَّخَرُ فِيهِ التَّمْرُ (وَالْجِرَانُ) مُقَدَّمُ عُنُقِ الْبَعِيرِ مِنْ مَذْبَحِهِ إلَى مَنْخَرِهِ، وَالْجَمْعُ جُرُنٌ فَجَازَ أَنْ يُسَمَّى الْجِرَابُ الْمُتَّخَذُ مِنْهُ فَكَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ أَحَدَ الظَّرْفَيْنِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشَّكُّ مِنْ الرَّاوِي

قُلْنَا: أَخْرَجَهُ عَنْ وِفَاقِ الْعَادَةِ، وَاَلَّذِي يُؤْوِيهِ الْجَرِينُ فِي عَادَتِهِمْ هُوَ الْيَابِسُ مِنْ الثَّمَرِ وَفِيهِ الْقَطْعُ. قَالَ (وَلَا قَطْعَ فِي الْفَاكِهَةِ عَلَى الشَّجَرِ وَالزَّرْعِ الَّذِي لَمْ يُحْصَدْ) لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقُلْنَا: أَخْرَجَهُ عَلَى وِفَاقِ الْعَادَةِ) فَإِنَّ فِي عَادَتِهِمْ أَنَّ الْجَرِينَ لَا يُؤْوِي إلَّا الْيَابِسَ مِنْ الثَّمَرِ وَفِيهِ الْقَطْعُ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ. قَالَ (وَلَا قَطْعَ فِي الْفَاكِهَةِ عَلَى الشَّجَرِ وَالزَّرْعِ) وَكَانَ هَذَا مَعْلُومًا مِنْ قَوْلِهِ وَالْفَاكِهَةُ الرَّطْبَةُ، لَكِنْ أَعَادَهُ تَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ وَالزَّرْعُ الَّذِي لَمْ يُحْصَدْ لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ فِيهَا.

(وَلَا قَطْعَ فِي الْأَشْرِبَةِ الْمُطْرِبَةِ) لِأَنَّ السَّارِقَ يَتَأَوَّلُ فِي تَنَاوُلِهَا الْإِرَاقَةَ، وَلِأَنَّ بَعْضَهَا لَيْسَ بِمَالٍ، وَفِي مَالِيَّةِ بَعْضِهَا اخْتِلَافٌ فَتَتَحَقَّقُ شُبْهَةُ عَدَمِ الْمَالِيَّةِ. قَالَ (وَلَا فِي الطُّنْبُورِ) لِأَنَّهُ مِنْ الْمَعَازِفِ (وَلَا فِي سَرِقَةِ الْمُصْحَفِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حِلْيَةٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقْطَعُ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ حَتَّى يَجُوزُ بَيْعُهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُهُ. وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ يُقْطَعُ إذَا بَلَغَتْ الْحِلْيَةُ نِصَابًا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْمُصْحَفِ فَتُعْتَبَرُ بِانْفِرَادِهَا. وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْآخِذَ يَتَأَوَّلُ فِي أَخْذِهِ الْقِرَاءَةَ وَالنَّظَرَ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ لَا مَالِيَّةَ لَهُ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَكْتُوبِ وَإِحْرَازُهُ لِأَجْلِهِ لَا لِلْجِلْدِ وَالْأَوْرَاقِ وَالْحِلْيَةِ وَإِنَّمَا هِيَ تَوَابِعُ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّبَعِ، كَمَنْ سَرَقَ آنِيَةً فِيهَا خَمْرٌ وَقِيمَةُ الْآنِيَةِ تَرْبُو عَلَى النِّصَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا قَطْعَ فِي الْأَشْرِبَةِ الْمُطْرِبَةِ) أَيْ الْمُسْكِرَةِ: قَالَ فِي الصِّحَاحِ: الطَّرَبُ خِفَّةٌ تُصِيبُ الْإِنْسَانَ لِشِدَّةِ حُزْنٍ أَوْ سُرُورٍ، وَفَسَّرَ السُّكْرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ بِأَنَّهُ غَلَبَةُ سُرُورٍ فِي الْعَقْلِ فَالْتَقَيَا فِي مَعْنَى السُّرُورِ فَلِذَلِكَ اُسْتُعِيرَ الْإِطْرَابُ لِلْإِسْكَارِ. قَالَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ: لَا قَطْعَ فِي الْأَشْرِبَةِ الْمُطْرِبَةِ الْمُسْكِرَةِ وَهُوَ يُؤْذِنُ بِصِحَّةِ تَفْسِيرِ الْمُطْرِبَةِ بِالْمُسْكِرَةِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ بَعْضَهَا لَيْسَ بِمَالٍ) أَيْ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ كَالْخَمْرِ (وَفِي مَالِيَّةِ بَعْضِهَا اخْتِلَافٌ) يَعْنِي كَالْمُنَصَّفِ وَالْبَاذِقِ وَمَاءِ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ لِأَنَّهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُتَقَوِّمَةٌ خِلَافًا لَهُمَا، وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْأَشْرِبَةَ بِكَوْنِهَا مُطْرِبَةً لِمَا أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْإِيضَاحِ، وَيُقْطَعُ فِي الْخَلِّ لِأَنَّهُ لَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ. وَنَقَلَ النَّاطِفِيُّ عَنْ كِتَابِ الْمُجَرَّدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: لَا قَطْعَ فِي الْخَلِّ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ خَمْرًا مَرَّةً (وَلَا فِي الطُّنْبُورِ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَعَازِفِ) وَالْمَعَازِفُ آلَاتُ اللَّهْوِ الَّتِي يُضْرَبُ بِهَا الْوَاحِدُ عَزْفٌ رِوَايَةٌ عَنْ الْعَرَبِ. قَوْلُهُ (وَلَا فِي سَرِقَةِ الْمُصْحَفِ) ظَاهِرٌ.

(وَلَا قَطْعَ فِي أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ) لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ فَصَارَ كَبَابِ الدَّارِ بَلْ أَوْلَى، لِأَنَّهُ يُحَرَّزُ بِبَابِ الدَّارِ مَا فِيهَا وَلَا يُحَرَّزُ بِبَابِ الْمَسْجِدِ مَا فِيهِ حَتَّى لَا يَجِبُ الْقَطْعُ بِسَرِقَةِ مَتَاعِهِ. قَالَ (وَلَا الصَّلِيبِ مِنْ الذَّهَبِ وَلَا الشِّطْرَنْجِ وَلَا النَّرْدِ) لِأَنَّهُ يَتَأَوَّلُ مَنْ أَخَذَهَا الْكَسْرَ نَهْيًا عَنْ الْمُنْكَرِ، بِخِلَافِ الدِّرْهَمِ الَّذِي عَلَيْهِ التِّمْثَالُ لِأَنَّهُ مَا أُعِدَّ لِلْعِبَادَةِ فَلَا تَثْبُتُ شُبْهَةُ إبَاحَةِ الْكَسْرِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الصَّلِيبُ فِي الْمُصَلَّى لَا يُقْطَعُ لِعَدَمِ الْحِرْزِ، وَإِنْ كَانَ فِي بَيْتٍ آخَرَ يُقْطَعُ لِكَمَالِ الْمَالِيَّةِ وَالْحِرْزِ. (وَلَا قَطْعَ عَلَى سَارِقِ الصَّبِيِّ الْحُرِّ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حُلِيٌّ) لِأَنَّ الْحُرَّ لَيْسَ بِمَالٍ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ الْحُلِيِّ تَبَعٌ لَهُ، وَلِأَنَّهُ يَتَأَوَّلُ فِي أَخْذِهِ الصَّبِيَّ إسْكَاتَهُ أَوْ حَمْلَهُ إلَى مُرْضِعَتِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالصَّلِيبُ) شَيْءٌ مُثَلَّثٌ كَالتِّمْثَالِ يَعْبُدُهُ النَّصَارَى (وَالشِّطْرَنْجُ) بِكَسْرِ الشِّينِ (وَالنَّرْدُ) مَعْرُوفَانِ، وَلَا قَطْعَ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ. وَقَوْلُهُ (إنْ كَانَ الصَّلِيبُ فِي الْمُصَلَّى) أَيْ فِي مَوْضِعِ صَلَاةِ النَّصَارَى وَهُوَ مَعْبَدُهُمْ. وَقَوْلُهُ (وَمَا عَلَيْهِ مِنْ الْحُلِيِّ تَابِعٌ) لَا يُقَالُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُهُ مِنْ الْأَخْذِ هُوَ الْحُلِيُّ فَلَا يَكُونُ تَابِعًا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ مَقْصُودَهُ لَأَخَذَ الْحُلِيَّ وَتَرَكَ الصَّبِيَّ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُقْطَعُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ حُلِيٌّ هُوَ نِصَابٌ لِأَنَّهُ يَجِبُ الْقَطْعُ بِسَرِقَتِهِ وَحْدَهُ فَكَذَا مَعَ غَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا إذَا سَرَقَ إنَاءَ فِضَّةٍ فِيهِ نَبِيذٌ أَوْ ثَرِيدٌ. وَالْخِلَافُ فِي الصَّبِيِّ لَا يَمْشِي وَلَا يَتَكَلَّمُ كَيْ لَا يَكُونَ فِي يَدِ نَفْسِهِ. (وَلَا قَطْعَ فِي سَرِقَةِ الْعَبْدِ الْكَبِيرِ) لِأَنَّهُ غَصْبٌ أَوْ خِدَاعٌ (وَيُقْطَعُ فِي سَرِقَةِ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ) لِتَحَقُّقِهَا بِحَدِّهَا إلَّا إذَا كَانَ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ هُوَ وَالْبَالِغُ سَوَاءٌ فِي اعْتِبَارِ يَدِهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُقْطَعُ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ وَلَا يَتَكَلَّمُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ مِنْ وَجْهٍ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ يَجِبُ الْقَطْعُ بِسَرِقَتِهِ وَحْدَهُ فَكَذَا مَعَ غَيْرِهِ) مَعْنَاهُ سَرَقَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ وَمَا لَا يَجِبُ، وَضَمُّ مَا لَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ إلَى مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ لَا يُسْقِطُهُ، كَمَا لَوْ سَرَقَ ثَوْبًا خَلَقًا لَا يُسَاوِي نِصَابًا وَفِيهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةٌ. وَقَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا إذَا سَرَقَ إنَاءَ فِضَّةٍ) ظَاهِرٌ.

وَلَهُمَا أَنَّهُ مَالٌ مُطْلَقٌ لِكَوْنِهِ مُنْتَفَعًا بِهِ أَوْ بِعَرْضِ أَنْ يَصِيرَ مُنْتَفَعًا بِهِ إلَّا أَنَّهُ انْضَمَّ إلَيْهِ مَعْنَى الْآدَمِيَّةِ. (وَلَا قَطْعَ فِي الدَّفَاتِرِ كُلِّهَا) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَا فِيهَا وَذَلِكَ لَيْسَ بِمَالٍ (إلَّا فِي دَفَاتِرِ الْحِسَابِ) لِأَنَّ مَا فِيهَا لَا يُقْصَدُ بِالْأَخْذِ فَكَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْكَوَاغِدَ. قَالَ (وَلَا فِي سَرِقَةِ كَلْبٍ وَلَا فَهْدٍ) لِأَنَّ مِنْ جِنْسِهَا يُوجَدُ مُبَاحُ الْأَصْلِ غَيْرُ مَرْغُوبٍ فِيهِ وَلِأَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ظَاهِرٌ فِي مَالِيَّةِ الْكَلْبِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً. (وَلَا قَطْعَ فِي دُفٍّ وَلَا طَبْلٍ وَلَا بِرَبْطٍ وَلَا مِزْمَارٍ) لِأَنَّ عِنْدَهُمَا لَا قِيمَةَ لَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQ (وَالدَّفَاتِرُ) جَمْعُ دَفْتَرٍ وَهِيَ الْكَرَارِيسُ، وَلَا قَطْعَ فِيهَا كُلِّهَا سَوَاءٌ كَانَتْ لِلتَّفْسِيرِ أَوْ لِلْحَدِيثِ أَوْ لِلْفِقْهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا مَا فِيهَا وَذَلِكَ لَيْسَ بِمَالٍ إلَّا فِي دَفَاتِرِ الْحِسَابِ؛ لِأَنَّ مَا فِيهَا لَا يُقْصَدُ بِالْأَخْذِ فَكَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْأَوْرَاقُ وَهُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ، فَإِذَا بَلَغَ قِيمَتُهُ نِصَابًا يُقْطَعُ. وَعُمُومُ كَلَامِهِ يُشْعِرُ بِأَنَّ دَفَاتِرَ الْأَشْعَارِ كَدَفَاتِرِ الْفِقْهِ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْقَطْعِ لِكَوْنِهَا مُحْتَاجًا إلَيْهَا لِمَعْرِفَةِ اللُّغَةِ وَمَعَانِي الْقُرْآنِ، وَالْحَاجَةُ وَإِنْ قَلَّتْ كَفَتْ لِإِيرَاثِ الشُّبْهَةِ. وَمِنْ النَّاسِ مَنْ أَلْحَقَهَا بِدَفَاتِرِ الْحِسَابِ لِكَوْنِهَا غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَيْهَا فِي مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ (وَلَا قَطْعَ فِي سَرِقَةِ كَلْبٍ وَلَا فَهْدٍ) وَهُوَ ظَاهِرٌ. (وَلَا فِي دُفٍّ وَلَا طَبْلٍ) وَالدُّفُّ بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِهَا الَّذِي يُلْعَبُ بِهِ، وَهُوَ نَوْعَانِ مُدَوَّرٌ وَمُرَبَّعٌ، وَالْمُرَادُ بِالطَّبْلِ طَبْلُ اللَّهْوِ، وَأَمَّا طَبْلُ الْغُزَاةِ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ. وَاخْتَارَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ عَدَمَ وُجُوبِ الْقَطْعِ لِأَنَّهُ كَمَا يَصْلُحُ لِلْغَزْوِ يَصْلُحُ لِغَيْرِهِ فَتَتَمَكَّنُ فِيهِ الشُّبْهَةُ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ عِنْدَهُمَا لَا قِيمَةَ لَهَا)

وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ آخِذُهَا يَتَأَوَّلُ الْكَسْرَ فِيهَا. (وَيُقْطَعُ فِي السَّاجِ وَالْقَنَا وَالْآبَنُوسِ وَالصَّنْدَلِ) لِأَنَّهَا أَمْوَالٌ مُحَرَّزَةٌ لِكَوْنِهَا عَزِيزَةً عِنْدَ النَّاسِ وَلَا تُوجَدُ بِصُورَتِهَا مُبَاحَةً فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. قَالَ (وَيُقْطَعُ فِي الْفُصُوصِ الْخُضْرِ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ) لِأَنَّهَا مِنْ أَعَزِّ الْأَمْوَالِ وَأَنْفَسِهَا وَلَا تُوجَدُ مُبَاحَةَ الْأَصْلِ بِصُورَتِهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ غَيْرَ مَرْغُوبٍ فِيهَا فَصَارَتْ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. (وَإِذَا اتَّخَذَ مِنْ الْخَشَبِ أَوَانِيَ وَأَبْوَابًا قُطِعَ فِيهَا) لِأَنَّهُ بِالصَّنْعَةِ الْتَحَقَ بِالْأَمْوَالِ النَّفِيسَةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُحَرَّزُ بِخِلَافِ الْحَصِيرِ لِأَنَّ الصَّنْعَةَ فِيهِ لَمْ تَغْلِبْ عَلَى الْجِنْسِ حَتَّى يُبْسَطُ فِي غَيْرِ الْحِرْزِ، وَفِي الْحُصْرِ الْبَغْدَادِيَّةِ قَالُوا يَجِبُ الْقَطْعُ فِي سَرِقَتِهَا لِغَلَبَةِ الصَّنْعَةِ عَلَى الْأَصْلِ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقَطْعُ فِي غَيْرِ الْمُرَكَّبِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ إذَا كَانَ خَفِيفًا لَا يَثْقُلُ عَلَى الْوَاحِدِ حَمْلُهُ لِأَنَّ الثَّقِيلَ مِنْهُ لَا يُرْغَبُ فِي سَرِقَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِدَلِيلِ أَنَّ مُتْلِفَهُ لَا يَضْمَنُهُ (وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَإِنْ كَانَ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُتْلِفِ فَهِيَ مُتَقَوِّمَةٌ، لَكِنْ (آخِذُهَا يَتَأَوَّلُ الْكَسْرَ فِيهَا) فَكَانَ ذَلِكَ شُبْهَةً. (وَالسَّاجُ) خَشَبٌ يُجْلَبُ مِنْ الْهِنْدِ (وَالْقِنَاءُ) بِالْكَسْرِ جَمْعُ قَنَاةٍ وَهِيَ خَشَبَةُ الرُّمْحِ (وَالْآبَنُوسُ) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْبَاءِ مَعْرُوفٌ. وَقَوْلُهُ (وَلَا تُوجَدُ بِصُورَتِهَا مُبَاحَةً فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْأَمْوَالَ كُلَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى الْإِبَاحَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا اُتُّخِذَ مِنْ الْخَشَبِ أَوَانٌ) فَرَّقَ بَيْنَ الْعَمَلِ الْمُتَّصِلِ بِالْخَشَبِ وَالْعَمَلِ الْمُتَّصِلِ بِالْحَشِيشِ بِغَلَبَةِ الصَّنْعَةِ عَلَى الْأَصْلِ فَفِي الْخَشَبِ تَغْلِبُ الصَّنْعَةُ عَلَى الْجِنْسِ فَتُخْرِجُهُ عَنْ الْجِنْسِ الْمُبَاحِ بِازْدِيَادٍ يَحْصُلُ فِي قِيمَتِهِ وَيُعَزِّزُهُ بِحَيْثُ إنَّهُمْ يُدْخِلُونَهُ فِي الْحِرْزِ. وَأَمَّا فِي الْحَشِيشِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلِهَذَا يَفْرِشُونَهُ فِي غَيْرِ الْحِرْزِ، حَتَّى لَوْ غَلَبَ الصَّنْعَةُ عَلَى الْأَصْلِ كَالْحُصْرِ الْبَغْدَادِيَّةِ يَجِبُ الْقَطْعُ. وَقَوْلُهُ (وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقَطْعُ) أَيْ فِي الْأَبْوَابِ (فِي غَيْرِ الْمُرَكَّبِ) بِالْجِدَارِ، أَمَّا إذَا كَانَتْ مُرَكَّبَةً فِي الْجِدَارِ فَقَلَعَهَا فَأَخَذَهَا فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ الْقَطْعَ إنَّمَا يَكُونُ فِي مَالٍ مُحْرَزٍ لَا فِيمَا يُحْرَزُ بِهِ، وَمَا فِي الْبَيْتِ مِنْ الْمَتَاعِ فَإِنَّمَا يُحْرَزُ بِالْأَبْوَابِ الْمُرَكَّبَةِ فَلَا تَكُونُ مُحْرَزَةً، قِيلَ هَذَا فِي الْبَابِ الْبَرَانِيِّ، وَأَمَّا فِي الْبَابِ الثَّانِي فِي الدَّاخِلِ فَفِيهِ الْقَطْعُ لِأَنَّهُ مُحْرَزٌ بِالْبَرَانِيِّ. وَقَوْلُهُ (وَإِنَّمَا يَجِبُ إذَا كَانَ خَفِيفًا) ظَاهِرٌ.

(وَلَا قَطْعَ عَلَى خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ) لِقُصُورٍ فِي الْحِرْزِ (وَلَا مُنْتَهِبٍ وَلَا مُخْتَلِسٍ) لِأَنَّهُ يُجَاهِرُ بِفِعْلِهِ، كَيْفَ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قَطْعَ فِي مُخْتَلِسٍ وَلَا مُنْتَهِبٍ وَلَا خَائِنٍ» ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلَا قَطْعَ عَلَى خَائِنٍ) الْخِيَانَةُ هُوَ أَنْ يَخُونَ الْمُودِعُ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الشَّيْءِ الْمَأْمُونِ. وَالِانْتِهَابُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى وَجْهِ الْعَلَانِيَةِ قَهْرًا مِنْ ظَاهِرِ بَلْدَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ. وَالِاخْتِلَاسُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْبَيْتِ سُرْعَةً جَهْرًا، وَالْوَجْهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ.

(وَلَا قَطْعَ عَلَى النَّبَّاشِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ: عَلَيْهِ الْقَطْعُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ نَبَشَ قَطَعْنَاهُ» وَلِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مُحْرَزٌ يُحْرَزُ مِثْلُهُ فَيُقْطَعُ فِيهِ. وَلَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَلَا قَطْعَ عَلَى النَّبَّاشِ) اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي مَسْأَلَةِ النَّبَّاشِ؛ فَقَالَ عُمَرُ وَعَائِشَةُ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِوُجُوبِ الْقَطْعِ عَلَى النَّبَّاشِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا قَطْعَ عَلَيْهِ، وَقَدْ اتَّفَقَ عَلَى ذَلِكَ مَنْ بَقِيَ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي عَهْدِ مَرْوَانَ عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّ نَبَّاشًا أَتَى بِهِ مَرْوَانُ. فَسَأَلَ الصَّحَابَةَ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَثْبُتُوا فِيهِ شَيْئًا، فَعَزَّرَهُ أَسْوَاطًا وَلَمْ يَقْطَعْهُ. وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ. وَبِالْأَوَّلِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ (لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَمَنْ نَبَشَ قَطَعْنَاهُ» وَلِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مُحْرَزٌ بِحِرْزٍ مِثْلِهِ فَيُقْطَعُ فِيهِ) أَمَّا أَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فَلَا شُبْهَةَ فِيهِ، فَإِنَّ إلْبَاسَ الثَّوْبِ لِلْمَيِّتِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ التَّقَوُّمِ، وَأَمَّا أَنَّهُ مُحْرَزٌ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُضَيِّعٍ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ إذَا كَفَّنَا الصَّبِيَّ مِنْ مَالِهِ لَا يَضْمَنَانِ، وَمَا لَا يَكُونُ مُحْرَزًا يَكُونُ مُضَيَّعًا وَفِيهِ الضَّمَانُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ (بِحِرْزٍ مِثْلِهِ) بِحَرْفِ الْجَرِّ، فَلِمَا بَيَّنَهُ الطَّحَاوِيُّ: حِرْزُ كُلِّ شَيْءٍ مُعْتَبَرٌ بِحِرْزِ مِثْلِهِ، حَتَّى أَنَّهُ إذَا سَرَقَ دَابَّةً مِنْ إصْطَبْلٍ يُقْطَعُ، وَلَوْ سَرَقَ لُؤْلُؤَةً مِنْ الْإِصْطَبْلِ لَمْ يُقْطَعْ. وَإِذَا سَرَقَ شَاةً مِنْ الْحَظِيرَةِ يُقْطَعُ، وَلَوْ كَانَ فِيهَا ثَوْبٌ فَسَرَقَهُ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ الشَّاةَ لَا تُحْرَزُ بِأَحْصَنَ مِنْهَا إذَا كَانَ بَابُهَا بِحَيْثُ يَمْنَعُ إخْرَاجَ الشَّاةِ دُونَ دُخُولِ الْآدَمِيِّ وَإِخْرَاجِ سَائِرِ الْأَمْوَالِ. وَقَوْلُهُ (وَلَهُمَا) أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ

«لَا قَطْعَ عَلَى الْمُخْتَفِي» وَهُوَ النَّبَّاشُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَلِأَنَّ الشُّبْهَةَ تَمَكَّنَتْ فِي الْمِلْكِ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْمَيِّتِ حَقِيقَةً وَلَا لِلْوَارِثِ لِتَقَدُّمِ حَاجَةِ الْمَيِّتِ، وَقَدْ تَمَكَّنَ الْخَلَلُ فِي الْمَقْصُودِ وَهُوَ الِانْزِجَارُ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ فِي نَفْسِهَا نَادِرَةُ الْوُجُودِ وَمَا رَوَاهُ غَيْرُ مَرْفُوعٍ أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ الْقَبْرُ فِي بَيْتٍ مُقْفَلٍ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ لِمَا قُلْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمُحَمَّدٍ، وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْحٍ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الْقَبْرُ فِي بَيْتٍ مُقْفَلٍ) بِسُكُونِ الْقَافِ مِنْ أَقْفَلَ الْبَابَ. وَقَوْلُهُ (فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ) بَيَانُهُ مَا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيمَا إذَا كَانَ الْقَبْرُ فِي بَيْتٍ مُقْفَلٍ ثُمَّ قَالَ: وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ سَوَاءٌ كَانَ نَبْشُ الْقَبْرِ لِلْكَفَنِ أَوْ سَرَقَ مَالًا آخَرَ مِنْ ذَلِكَ الْبَيْتِ لِأَنَّ بِوَضْعِ الْقَبْرِ فِيهِ اخْتَلَّ صِفَةُ الْحِرْزِ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ، فَإِنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ تَأْوِيلًا بِالدُّخُولِ فِيهِ لِزِيَارَةِ الْقَبْرِ. وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا سَرَقَ مِنْ تَابُوتٍ فِي الْقَافِلَةِ وَفِيهِ الْمَيِّتُ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ مُحْرَزٌ بِالْقَافِلَةِ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ لِاخْتِلَالِ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْمَمْلُوكِيَّة فِي الْكَفَنِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي قَرَّرْنَاهُ.

وَكَذَا إذَا سَرَقَ مِنْ تَابُوتٍ فِي الْقَافِلَةِ وَفِيهِ الْمَيِّتُ لِمَا بَيَّنَّاهُ. (وَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّهُ مَالُ الْعَامَّةِ وَهُوَ مِنْهُمْ. قَالَ (وَلَا مِنْ مَالٍ لِلسَّارِقِ فِيهِ شَرِكَةٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّاهُ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا قَطْعَ عَلَى الْمُخْتَفِي» وَالْمَعْقُولُ وَهُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْمَيِّتِ حَقِيقَةً. وَقَوْلُهُ (وَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) ظَاهِرٌ.

لِمَا قُلْنَا. (وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ دَرَاهِمُ فَسَرَقَ مِنْهُ مِثْلَهَا لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ لِحَقِّهِ) ، وَالْحَالُّ وَالْمُؤَجَّلُ فِيهِ سَوَاءٌ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ التَّأْجِيلَ لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ، وَكَذَا إذَا سَرَقَ زِيَادَةً عَلَى حَقِّهِ لِأَنَّهُ بِمِقْدَارِ حَقِّهِ يَصِيرُ شَرِيكًا فِيهِ (وَإِنْ سَرَقَ مِنْهُ عُرُوضًا قُطِعَ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ إلَّا بَيْعًا بِالتَّرَاضِي. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ قَضَاءً مِنْ حَقِّهِ أَوْ رَهْنًا بِحَقِّهِ. قُلْنَا: هَذَا قَوْلٌ لَا يَسْتَنِدُ إلَى دَلِيلٍ ظَاهِرٍ فَلَا يُعْتَبَرُ بِدُونِ اتِّصَالِ الدَّعْوَى بِهِ، حَتَّى لَوْ ادَّعَى ذَلِكَ دُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ لِأَنَّهُ ظَنٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ، وَلَوْ كَانَ حَقُّهُ دَرَاهِمَ فَسَرَقَ مِنْهُ دَنَانِيرَ قِيلَ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ، وَقِيلَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ النُّقُودَ جِنْسٌ وَاحِدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (لِمَا قُلْنَا) إشَارَةٌ إلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ مَالُ الْعَامَّةِ وَهُوَ مِنْهُمْ، فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ لِلسَّارِقِ فِيهِ حَقًّا وَلِمَا قُلْنَا إشَارَةٌ إلَيْهِ. قَالَ (وَالْحَالُّ وَالْمُؤَجَّلُ فِيهِ) أَيْ فِي عَدَمِ الْقَطْعِ (سَوَاءٌ) أَمَّا إذَا كَانَ حَالًّا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا فَلِأَنَّ التَّأْجِيلَ لَيْسَ إلَّا لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ، وَأَمَّا نَفْسُ وُجُوبِ الدَّيْنِ فَثَابِتٌ قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ أَيْضًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقْطَعَ لِأَنَّهُ سَرَقَ مَا لَا يُبَاحُ لَهُ الْأَخْذُ كَمَا لَوْ سَرَقَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْأَخْذَ إنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا لِمَكَانِ الْأَجَلِ كَانَ لَهُ شُبْهَةُ الْأَخْذِ وَهِيَ كَافِيَةٌ لِلدَّرْءِ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا إذَا سَرَقَ زِيَادَةً عَلَى حَقِّهِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ) يُرِيدُ بِهِ ابْنَ أَبِي لَيْلَى فَإِنَّهُ يَقُولُ: وَإِنْ ظَفِرَ بِخِلَافِ جِنْسِ حَقِّهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ لِوُجُودِ الْمُجَانَسَةِ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْمَالِيَّةِ. وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَقُولُ: لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ رَهْنًا بِحَقِّهِ، وَاخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ يُورِثُ الشُّبْهَةَ (قُلْنَا: هَذَا الْقَوْلُ لَا يَسْتَنِدُ إلَى دَلِيلٍ ظَاهِرٍ) الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَأْخُذَ جِنْسَ حَقِّهِ فِي الدَّيْنِ الْحَالِّ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْوَصْفِ فِي الْحَقِيقَةِ. وَهَذَا عَيْنٌ لَكِنْ تَرَكْنَاهُ فِيهِ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا، وَلَا كَذَلِكَ خِلَافُ الْجِنْسِ لِفُحْشِ التَّفَاوُتِ فَلَا يُتْرَكُ الْقِيَاسُ (وَلَا يُعْتَبَرُ بِدُونِ اتِّصَالِ الدَّعْوَى بِهِ، حَتَّى لَوْ ادَّعَى ذَلِكَ) أَيْ أَنَّهُ أَخَذَهُ قَضَاءً لِحَقِّهِ أَوْ رَهْنًا بِهِ (دُرِئَ الْحَدُّ عَنْهُ) لِأَنَّ فِعْلَهُ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ شُبْهَةٍ وَإِنْ كَانَ هُوَ مُخْطِئًا فِي ذَلِكَ التَّأْوِيلِ عِنْدَنَا. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ كَانَ حَقُّهُ دَرَاهِمَ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَقِيلَ لَا يُقْطَعُ) قِيلَ: هُوَ الْأَصَحُّ (لِأَنَّ النُّقُودَ جِنْسٌ وَاحِدٌ) كَمَا فِي الزَّكَاةِ وَالشُّفْعَةِ.

(وَمَنْ سَرَقَ عَيْنًا فَقُطِعَ فِيهَا فَرَدَّهَا ثُمَّ عَادَ فَسَرَقَهَا وَهِيَ بِحَالِهَا لَمْ يُقْطَعْ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقْطَعَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَلِأَنَّ الثَّانِيَةَ مُتَكَامِلَةٌ كَالْأُولَى بَلْ أَقْبَحُ لِتَقَدُّمِ الزَّاجِرِ، وَصَارَ كَمَا إذَا بَاعَهُ الْمَالِكُ مِنْ السَّارِقِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ ثُمَّ كَانَتْ السَّرِقَةُ. وَلَنَا أَنَّ الْقَطْعَ أَوْجَبَ سُقُوطَ عِصْمَةِ الْمَحَلِّ عَلَى مَا يُعْرَفُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَبِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ إنْ عَادَتْ حَقِيقَةُ الْعِصْمَةِ بَقِيَتْ شُبْهَةُ السُّقُوطِ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ الْمِلْكِ وَالْمَحَلِّ، وَقِيَامُ الْمُوجِبِ وَهُوَ الْقَطْعُ فِيهِ، بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ اخْتَلَفَ بِاخْتِلَافِ سَبَبِهِ، وَلِأَنَّ تَكْرَارَ الْجِنَايَةِ مِنْهُ نَادِرٌ لِتَحَمُّلِهِ مَشَقَّةَ الزَّاجِرِ فَتُعَرَّى الْإِقَامَةُ عَنْ الْمَقْصُودِ وَهُوَ تَقْلِيلُ الْجِنَايَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَمَنْ سَرَقَ عَيْنًا) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الثَّانِيَةَ مُتَكَامِلَةٌ كَالْأُولَى) وَجْهُ التَّشْبِيهِ هُوَ أَنَّ الْمَتَاعَ بَعْدَ رَدِّهِ عَلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ فِي حَقِّ السَّارِقِ كَعَيْنٍ أُخْرَى فِي حُكْمِ الضَّمَانِ، حَتَّى لَوْ غَصَبَهَا أَوْ أَتْلَفَهَا كَانَ ضَامِنًا، فَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ الْقَطْعِ لِمَا أَنَّهُ مَالٌ مَعْصُومٌ كَامِلُ الْمِقْدَارِ أُخِذَ مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ. وَبِهَذِهِ الْأَوْصَافِ لَزِمَهُ الْقَطْعُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى فَكَذَلِكَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ. وَأَمَّا كَوْنُهُ أَقْبَحَ فَظَاهِرٌ لِتَقَدُّمِ الزَّاجِرِ. وَقَوْلُهُ (وَلَنَا أَنَّ الْقَطْعَ أَوْجَبَ سُقُوطَ عِصْمَةِ الْمَحَلِّ عَلَى مَا يُعْرَفُ مِنْ بَعْدُ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ بَعْدَ أَوْرَاقٍ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا غُرْمَ عَلَى السَّارِقِ بَعْدَمَا قُطِعَتْ يَمِينُهُ» إلَخْ. وَسُقُوطُ عِصْمَةِ الْمَحَلِّ يُوجِبُ انْتِفَاءَ الْقَاطِعِ، فَإِنْ قِيلَ: الْعِصْمَةُ وَإِنْ سَقَطَتْ بِالْقَطْعِ لَكِنَّهَا عَادَتْ بِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ، أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَبِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ إنْ عَادَتْ حَقِيقَةُ الْعِصْمَةِ بَقِيَتْ شُبْهَةُ السُّقُوطِ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ الْمِلْكِ وَالْمَحَلِّ وَقِيَامِ الْمُوجِبِ وَهُوَ الْقَطْعُ فِيهِ) فَقَوْلُهُ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ الْمِلْكِ احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ تَبَدَّلَ الْمِلْكُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ كَمَا إذَا بَاعَهُ الْمَالِكُ مِنْ السَّارِقِ إلَخْ. وَقَوْلُهُ وَالْمَحَلُّ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا تَبَدَّلَ الْمَحَلُّ كَمَا فِي صُورَةِ الْغَزْلِ وَهُوَ قَوْلُهُ فِيمَا يَجِيءُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ تَغَيَّرَتْ عَنْ حَالِهَا مِثْلَ أَنْ يَكُونَ غَزْلًا إلَخْ (وَقَوْلُهُ وَقِيَامُ الْمُوجِبِ) أَيْ مُوجِبُ سُقُوطِ الْعِصْمَةِ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَمَّا كَانَ قَبْلَ الْقَطْعِ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ) يَعْنِي أَبَا يُوسُفَ مِنْ صُورَةِ الْبَيْعِ (لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ اخْتَلَفَ بِاخْتِلَافِ سَبَبِهِ) ، وَأَصْلُهُ حَدِيثُ بَرِيرَةَ وَهُوَ مَعْرُوفٌ. وَقَوْلُهُ (أَوْ لِأَنَّ تَكْرَارَ الْجِنَايَةِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَنَا

وَصَارَ كَمَا إذَا قَذَفَ الْمَحْدُودُ فِي قَذْفٍ الْمَقْذُوفَ الْأَوَّلَ. قَالَ (فَإِنْ تَغَيَّرَتْ عَنْ حَالِهَا مِثْلُ أَنْ يَكُونَ غَزْلًا فَسَرَقَهُ وَقُطِعَ فَرَدَّهُ ثُمَّ نُسِجَ فَعَادَ فَسَرَقَهُ قُطِعَ) لِأَنَّ الْعَيْنَ قَدْ تَبَدَّلَتْ وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الْغَاصِبُ بِهِ، وَهَذَا هُوَ عَلَامَةُ التَّبَدُّلِ فِي كُلِّ مَحَلٍّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الْقَطْعَ فَهُوَ دَلِيلٌ آخَرُ. وَتَقْرِيرُهُ تَكْرَارُ الْجِنَايَةِ مِنْهُ بِالْعَوْدِ إلَى سَرِقَةِ مَا قُطِعَ فِيهِ نَادِرٌ جِدًّا لِتَحَمُّلِهِ مَشَقَّةَ الزَّاجِرِ، وَالنَّادِرُ يَعْرَى عَنْ مَقْصُودِ الْإِقَامَةِ وَهُوَ تَقْلِيلُ الْجِنَايَةِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا (وَصَارَ كَمَا إذَا قَذَفَ الْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ الْمَقْذُوفَ الْأَوَّلَ) بِالزِّنَا الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ نَظَرًا إلَى عَرَائِهِ عَنْ مَقْصُودِ الْإِقَامَةِ. فَإِنْ قِيلَ: نَظِيرُ مَسْأَلَتِنَا حَدُّ الزِّنَا فِي كَوْنِ الْحَدِّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ حَدُّ الزِّنَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، حَتَّى أَنَّ مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَحُدَّ ثُمَّ زَنَى بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ مَرَّةً أُخْرَى يُحَدُّ ثَانِيًا، بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ فَإِنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ خُصُوصًا عَلَى أَصْلِ الْخَصْمِ، وَخُصُومَةُ الْمَقْذُوفِ فِي الْحَدِّ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إظْهَارُ كَذِبِ الْقَاذِفِ وَدَفْعُ الْعَارِ عَنْ نَفْسِهِ وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ بِالْمَرَّةِ الْأُولَى. أُجِيبَ بِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ نَظِيرُ مَسْأَلَتِنَا مِنْ حَيْثُ إنَّ هَذَا حَدٌّ لَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِخُصُومَةٍ فَلَا يَتَكَرَّرُ إلَّا بِتَكْرَارِ الْخُصُومَةِ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ كَحَدِّ الْقَذْفِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَصُورَةِ الزِّنَا أَنَّ الْحَدَّ فِي الزِّنَا إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الْمُسْتَوْفَى، وَالْمُسْتَوْفَى فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ غَيْرُ الْمُسْتَوْفَى فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، لِأَنَّ الْأَوَّلَ تَلَاشَى وَاضْمَحَلَّ. وَالْمَسْرُوقُ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ هُوَ بِعَيْنِهِ الْمَسْرُوقُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ تَغَيَّرَتْ عَنْ حَالِهَا) ظَاهِرٌ، وَالْقَطْعِ بِالْجَرِّ عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ اتِّحَادِ.

[فصل في الحرز والأخذ منه]

وَإِذَا تَبَدَّلَتْ انْتَفَتْ الشُّبْهَةُ النَّاشِئَةُ مِنْ اتِّحَادِ الْمَحَلِّ، وَالْقَطْعُ فِيهِ فَوَجَبَ الْقَطْعُ ثَانِيًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. فَصْلٌ فِي الْحِرْزِ وَالْأَخْذِ مِنْهُ (وَمَنْ سَرَقَ مِنْ أَبَوَيْهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لَمْ يُقْطَعْ) فَالْأَوَّلُ وَهُوَ الْوِلَادُ لِلْبُسُوطَةِ فِي الْمَالِ وَفِي ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الْحِرْزِ وَالْأَخْذِ مِنْهُ] لَمَّا كَانَ تَحَقُّقُ السَّرِقَةِ مَوْقُوفًا عَلَى كَوْنِ الْمَسْرُوقِ مَالًا مُحْرَزًا وَفَرَغَ عَنْ ذِكْرِ الْمَوْصُوفِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْحِرْزِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْوَصْفُ، ثُمَّ الْعِلَّةُ فِي سُقُوطِ الْقَطْعِ عَنْ قَرَابَةِ الْوِلَادِ أَمْرَانِ: الْبُسُوطَةُ فِي الْمَالِ وَفِي حَقِّ الدُّخُولِ

الدُّخُولِ فِي الْحِرْزِ. وَالثَّانِي لِلْمَعْنَى الثَّانِي، وَلِهَذَا أَبَاحَ الشَّرْعُ النَّظَرَ إلَى مَوَاضِعِ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ مِنْهَا، بِخِلَافِ الصَّدِيقَيْنِ لِأَنَّهُ عَادَاهُ بِالسَّرِقَةِ. وَفِي الثَّانِي خِلَافُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ أَلْحَقَهَا بِالْقَرَابَةِ الْبَعِيدَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْعَتَاقِ (وَلَوْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مَتَاعَ غَيْرِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ، وَلَوْ سَرَقَ مَالَهُ مِنْ بَيْتِ غَيْرِهِ يُقْطَعُ) اعْتِبَارًا لِلْحِرْزِ وَعَدَمِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْحِرْزِ وَعَنْ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ أَمْرٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْبُسُوطَةُ فِي الدُّخُولِ فِي الْحِرْزِ. (وَلِهَذَا أَبَاحَ الشَّرْعُ النَّظَرَ إلَى مَوَاضِعِ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ) الْوَجْهِ وَالْكَفِّ عَلَى مَا سَيَجِيءُ فِي كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَوْلُهُ (وَفِي الثَّانِي) يَعْنِي وَفِي ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ (خِلَافُ الشَّافِعِيِّ) فَإِنَّهُ يَقُولُ فِي غَيْرِ الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودَيْنِ يَجِبُ الْقَطْعُ (لِأَنَّهُ أَلْحَقَهَا بِالْغَرَابَةِ الْبَعِيدَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْعَتَاقِ) وَلَوْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مَتَاعَ غَيْرِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ لِعَدَمِ الْحِرْزِ (وَلَوْ سَرَقَ مَالَهُ) أَيْ مَالَ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ (مِنْ بَيْتِ غَيْرِهِ قُطِعَ) لِوُجُودِ الْحِرْزِ.

(وَإِنْ سَرَقَ مِنْ أُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ قُطِعَ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَحِشْمَةٍ، بِخِلَافِ الْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعِ لِانْعِدَامِ هَذَا الْمَعْنَى فِيهَا عَادَةً. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ لَا قَرَابَةَ وَالْمَحْرَمِيَّةُ بِدُونِهَا لَا تُحْتَرَمُ كَمَا إذَا ثَبَتَتْ بِالزِّنَا وَالتَّقْبِيلِ عَنْ شَهْوَةٍ، وَأَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْأُخْتُ مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الرَّضَاعَ قَلَّمَا يَشْتَهِرُ فَلَا بُسُوطَةَ تَحَرُّزًا عَنْ مَوْقِفِ التُّهْمَةِ بِخِلَافِ النَّسَبِ. (وَإِذَا سَرَقَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الْآخَرِ أَوْ الْعَبْدُ مِنْ سَيِّدِهِ أَوْ مِنْ امْرَأَةِ سَيِّدِهِ أَوْ مِنْ زَوْجِ سَيِّدَتِهِ لَمْ يُقْطَعْ) لِوُجُودِ الْإِذْنِ بِالدُّخُولِ عَادَةً، وَإِنْ سَرَقَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ حِرْزٍ الْآخَرِ خَاصَّةً لَا يَسْكُنَانِ فِيهِ فَكَذَلِكَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِبُسُوطَةٍ بَيْنَهُمَا فِي الْأَمْوَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَإِنْ سَرَقَ مِنْ أُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَالْمَحْرَمِيَّةُ بِدُونِهَا) أَيْ بِدُونِ الْقَرَابَةِ (لَا تُحْتَرَمُ) أَيْ لَا تُجْعَلُ حُرْمَةً قَوِيَّةً عَادَةً (كَمَا إذَا ثَبَتَتْ) يَعْنِي الْمَحْرَمِيَّةَ (بِالزِّنَا) فَإِنَّهُ إذَا سَرَقَ مِنْ بَيْتِ بِنْتِ الْمَرْأَةِ الَّتِي زَنَى بِهَا لَا يُعَدُّ شُبْهَةً فِي قَطْعِ الْيَدِ بَلْ تُقْطَعُ وَإِنْ كَانَتْ الْمَحْرَمِيَّةُ مَوْجُودَةً، وَكَذَلِكَ إذَا ثَبَتَتْ بِالتَّقْبِيلِ عَنْ شَهْوَةٍ. وَقَوْلُهُ (وَأَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ الْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ بِالزِّنَا (الْأُخْتُ مِنْ الرَّضَاعَةِ) يَعْنِي: أَنَّ الْأُمَّ مِنْ الرَّضَاعِ أَشْبَهُ إلَى الْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعِ فِي إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ مِنْ الْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ بِالزِّنَا، ثُمَّ السَّرِقَةُ مِنْ بَيْتِ الْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعِ مُوجِبَةٌ لِلْقَطْعِ بِالْإِجْمَاعِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَيْتِ أُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعِ كَذَلِكَ. وَوَجْهُ الْأَقْرَبِيَّةِ أَنَّ إلْحَاقَ الرَّضَاعِ بِالرَّضَاعِ أَقْرَبُ مِنْ إلْحَاقِهِ بِالزِّنَا. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا) أَيْ الْقَطْعُ مَعَ الدُّخُولِ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَحِشْمَةٍ (لِأَنَّ الرَّضَاعَ قَلَّمَا يُشْتَهَرُ فَلَا بُسُوطَةَ تَحَرُّزًا عَنْ مَوْقِفِ التُّهْمَةِ بِخِلَافِ النَّسَبِ) . وَقَوْلُهُ (وَإِذَا سَرَقَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الْآخَرِ) ظَاهِرٌ.

عَادَةً وَدَلَالَةً وَهُوَ نَظِيرُ الْخِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ. (وَلَوْ سَرَقَ الْمَوْلَى مِنْ مُكَاتَبِهِ لَمْ يُقْطَعْ) لِأَنَّ لَهُ فِي أَكْسَابِهِ حَقًّا (وَكَذَلِكَ السَّارِقُ مِنْ الْمَغْنَمِ) لِأَنَّ لَهُ فِيهِ نَصِيبًا، وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - دَرْءًا وَتَعْلِيلًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَدَلَالَةُ) مَعْنَاهُ أَنَّهَا لَمَّا بَذَلَتْ نَفْسَهَا وَهِيَ أَنْفَسُ مِنْ الْأَمْوَالِ فَلَأَنْ تَبْذُلَ الْمَالَ أَوْلَى (وَهُوَ نَظِيرُ الْخِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ) فَإِنَّ شَهَادَةَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ لَا تُقْبَلُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ تُقْبَلُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ بَلْ هَذَا أَوْلَى لِأَنَّ هَذِهِ الْبُسُوطَةَ لَمَّا مَنَعَتْ قَبُولَ الشَّهَادَةِ فَلَأَنْ تَمْنَعَ الْقَطْعَ وَهُوَ مِمَّا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ أَوْلَى. (قَوْلُهُ وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دَرْءًا وَتَعْلِيلًا) يُرِيدُ بِهِ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ سَرَقَ مِنْ الْمَغْنَمِ فَدَرَأَ عَنْهُ الْحَدَّ وَقَالَ إنَّ لَهُ فِيهِ نَصِيبًا.

وَقَالَ (وَالْحِرْزُ عَلَى نَوْعَيْنِ حِرْزٌ لِمَعْنًى فِيهِ كَالْبُيُوتِ وَالدُّورِ. وَحِرْزٌ بِالْحَافِظِ) قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: الْحِرْزُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّ الِاسْتِسْرَارَ لَا يَتَحَقَّقُ دُونَهُ، ثُمَّ هُوَ قَدْ يَكُونُ بِالْمَكَانِ وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُعَدُّ لِإِحْرَازِ الْأَمْتِعَةِ كَالدُّورِ وَالْبُيُوتِ وَالصُّنْدُوقِ وَالْحَانُوتِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْحَافِظِ كَمَنْ جَلَسَ فِي الطَّرِيقِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ وَعِنْدَهُ مَتَاعُهُ فَهُوَ مُحَرَّزٌ بِهِ، وَقَدْ «قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ سَرَقَ رِدَاءَ صَفْوَانَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ وَهُوَ نَائِمٌ فِي الْمَسْجِدِ» (وَفِي الْمُحَرَّزِ بِالْمَكَانِ لَا يُعْتَبَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَالْحِرْزُ عَلَى نَوْعَيْنِ) الْحِرْزُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَكَانِ الْحَصِينِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ هُوَ مَا يُرَادُ بِهِ حِفْظُ الْأَمْوَالِ. وَهُوَ عَلَى نَوْعَيْنِ (حِرْزٍ لِمَعْنًى فِيهِ) وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْمَكَانِ الْمُعَدِّ لِحِفْظِ الْأَمْتِعَةِ وَالْأَمْوَالِ، وَيَخْتَلِفُ، ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَمْوَالِ (كَالدُّورِ وَالْبُيُوتِ وَالصُّنْدُوقِ وَالْحَانُوتِ) وَالْحَظِيرَةِ لِلْغَنَمِ وَالْبَقَرِ (وَحِرْزٍ بِالْحَافِظِ كَمَنْ جَلَسَ فِي الطَّرِيقِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ وَعِنْدَهُ مَتَاعُهُ فَإِنَّهُ مُحْرَزٌ بِهِ) وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْفَكُّ عَنْ الْآخَرِ (وَقَدْ ثَبَتَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ مَنْ سَرَقَ رِدَاءَ صَفْوَانَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ وَهُوَ نَائِمٌ فِي الْمَسْجِدِ» ) وَهُوَ لَيْسَ بِحِرْزٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْإِحْرَازَ، وَإِذَا سَرَقَ مِنْ الْبَيْتِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَابٌ أَوْ لَهُ بَابٌ وَلَكِنَّهُ مَفْتُوحٌ وَصَاحِبُهُ لَيْسَ عِنْدَهُ يُقْطَعُ (فَفِي الْحِرْزِ بِالْمَكَانِ لَا يُعْتَبَرُ،

الْإِحْرَازُ بِالْحَافِظِ هُوَ الصَّحِيحُ) لِأَنَّهُ مُحَرَّزٌ بِدُونِهِ وَهُوَ الْبَيْتُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَابٌ أَوْ كَانَ وَهُوَ مَفْتُوحٌ حَتَّى يُقْطَعَ السَّارِقُ مِنْهُ، لِأَنَّ الْبِنَاءَ لِقَصْدِ الْإِحْرَازِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ إلَّا بِالْإِخْرَاجِ مِنْهُ لِقِيَامِ يَدِهِ فِيهِ قَبْلَهُ. بِخِلَافِ الْمُحَرَّزِ بِالْحَافِظِ حَيْثُ يَجِبُ الْقَطْعُ فِيهِ، كَمَا أُخِذَ لِزَوَالِ يَدِ الْمَالِكِ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ فَتَتِمُّ السَّرِقَةُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحَافِظُ مُسْتَيْقِظًا أَوْ نَائِمًا وَالْمَتَاعُ تَحْتَهُ أَوْ عِنْدَهُ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَدُّ النَّائِمُ عِنْدَ مَتَاعِهِ حَافِظًا لَهُ فِي الْعَادَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِحْرَازُ بِالْحَافِظِ) فَلَوْ سَرَقَ مِنْ بَيْتٍ مَأْذُونٍ لَهُ بِالدُّخُولِ فِيهِ لَكِنْ مَالِكُهُ يَحْفَظُهُ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْحِرْزُ بِالْمَكَانِ. وَقَوْلُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا ذُكِرَ فِي الْعُيُونِ أَنَّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُقْطَعُ فِيهِ. وَوَجْهُ الصَّحِيحِ أَنَّ الْحِرْزَ الْحَقِيقِيَّ هُوَ الْحِرْزُ بِالْمَكَانِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ وُصُولَ الْيَدِ إلَى الْمَالِ وَيَكُونُ الْمَالُ مُخْتَفِيًا بِهِ، وَأَمَّا الْحِرْزُ بِالْحَافِظِ فَإِنَّهُ وَإِنْ مَنَعَ وُصُولَ الْيَدِ إلَيْهِ لَكِنْ الْمَالُ لَا يَخْتَفِي بِهِ، ثُمَّ الْمُحْرَزُ بِالْمَكَانِ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ بِهَتْكِهِ إلَّا بِإِخْرَاجِ الْمَتَاعِ مِنْهُ لِقِيَامِ يَدِهِ قَبْلَهُ، وَالْمُحْرَزُ بِالْحَافِظِ يَجِبُ الْقَطْعُ فِيهِ إذَا أَخَذَ الْمَالَ (لِزَوَالِ يَدِ الْمَالِكِ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ فَتَتِمُّ السَّرِقَةُ) وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا يَدُلُّك عَلَى أَنَّ الْحِرْزَ بِالْمَكَانِ أَقْوَى (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحَافِظُ مُسْتَيْقِظًا أَوْ نَائِمًا وَالْمَتَاعُ عِنْدَهُ أَوْ تَحْتَهُ) هُوَ الصَّحِيحُ (لِأَنَّ النَّائِمَ عِنْدَ مَتَاعِهِ يُعَدُّ حَافِظًا لِمَتَاعِهِ) وَقَوْلُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِ مَشَايِخِنَا إنَّ صَاحِبَ الْمَتَاعِ إنَّمَا يَكُونُ مُحْرِزًا لِمَتَاعِهِ فِي حَالِ نَوْمِهِ إذَا جَعَلَ الْمَتَاعَ تَحْتَ رَأْسِهِ أَوْ تَحْتَ جَنْبِهِ، أَمَّا إذَا كَانَ مَوْضُوعًا بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَكُونُ مُحْرِزًا فِي حَالِ نَوْمِهِ، أَخَذُوا ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْأَصْلِ الْمُسَافِرُ يَنْزِلُ فِي الصَّحْرَاءِ فَيَجْمَعُ مَتَاعَهُ وَيَبِيتُ عَلَيْهِ فَسَرَقَ مِنْهُ رَجُلٌ قُطِعَ. قَالُوا: قَوْلُهُ يَبِيتُ عَلَيْهِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا يُقْطَعُ إذَا نَامَ عَلَيْهِ، وَمَالَ إلَى الْأَوَّلِ

وَعَلَى هَذَا لَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ وَالْمُسْتَعِيرُ بِمِثْلِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَضْيِيعٍ، بِخِلَافِ مَا اخْتَارَهُ فِي الْفَتَاوَى. قَالَ (وَمَنْ سَرَقَ شَيْئًا مِنْ حِرْزٍ أَوْ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ يَحْفَظُهُ قُطِعَ) لِأَنَّهُ سَرَقَ مَالًا مُحَرَّزًا بِأَحَدِ الْحِرْزَيْنِ (وَلَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مَالًا مِنْ حَمَّامٍ أَوْ مِنْ بَيْتٍ أُذِنَ لِلنَّاسِ فِي دُخُولِهِ) لِوُجُودِ الْإِذْنِ عَادَةً أَوْ حَقِيقَةً فِي الدُّخُولِ فَاخْتَلَّ الْحِرْزُ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ حَوَانِيتُ التُّجَّارِ وَالْخَانَاتُ، إلَّا إذَا سَرَقَ مِنْهَا لَيْلًا لِأَنَّهَا بُنِيَتْ لِإِحْرَازِ الْأَمْوَالِ، وَإِنَّمَا الْإِذْنُ يَخْتَصُّ بِالنَّهَارِ (وَمَنْ سَرَقَ مِنْ الْمَسْجِدِ مَتَاعًا وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ قُطِعَ) لِأَنَّهُ مُحَرَّزٌ بِالْحَافِظِ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQشَمْسُ الْأَئِمَّةِ. وَقَالَ (الْمُودِعُ وَالْمُسْتَعِيرُ لَا يَضْمَنَانِ بِمِثْلِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَضْيِيعٍ، بِخِلَافِ مَا قَالَهُ فِي الْفَتَاوَى) يَعْنِي قَالَ فِيهَا إنَّهُمَا يَضْمَنَانِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَلَكِنْ ذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ مِثْلَ مَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ ثُمَّ قَالَ: وَقَالُوا إنَّمَا لَا يَجِبُ الضَّمَانُ إذَا وَضَعَ الْوَدِيعَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَنَامَ فِيمَا إذَا نَامَ قَاعِدًا، وَأَمَّا إذَا نَامَ مُضْطَجِعًا فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَهَذَا إذَا كَانَ فِي الْحَضَرِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي السَّفَرِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ نَامَ قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا، كَذَا فِي النِّهَايَةِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ حَمَّامٍ) يَعْنِي فِي الْوَقْتِ الَّذِي أُذِنَ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ فِيهِ (أَوْ مِنْ بَيْتٍ أُذِنَ لِلنَّاسِ فِي دُخُولِهِ لِوُجُودِ الْإِذْنِ عَادَةً) يَعْنِي فِي الْحَمَّامِ (أَوْ حَقِيقَةً) يَعْنِي فِي الْبَيْتِ الَّذِي أُذِنَ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ فِيهِ. وَقَوْلُهُ (وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ أَوْ مِنْ بَيْتٍ أُذِنَ لِلنَّاسِ فِي دُخُولِهِ. وَقَوْلُهُ (إلَّا إذَا سَرَقَ مِنْهَا لَيْلًا) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا قَطْعَ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ سَرَقَ مِنْ الْمَسْجِدِ مَتَاعًا) ظَاهِرٌ.

مَا بُنِيَ لِإِحْرَازِ الْأَمْوَالِ فَلَمْ يَكُنْ الْمَالُ مُحَرَّزًا بِالْمَكَانِ، بِخِلَافِ الْحَمَّامِ وَالْبَيْتِ الَّذِي أُذِنَ لِلنَّاسِ فِي دُخُولِهِ حَيْثُ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ بُنِيَ لِلْإِحْرَازِ فَكَانَ الْمَكَانُ حِرْزًا فَلَا يُعْتَبَرُ الْإِحْرَازُ بِالْحَافِظِ. (وَلَا قَطْعَ عَلَى الضَّيْفِ إذَا سَرَقَ مِمَّنْ أَضَافَهُ) لِأَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يَبْقَ حِرْزًا فِي حَقِّهِ لِكَوْنِهِ مَأْذُونًا فِي دُخُولِهِ، وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الدَّارِ فَيَكُونُ فِعْلُهُ خِيَانَةً لَا سَرِقَةً. (وَمَنْ سَرَقَ سَرِقَةً فَلَمْ يُخْرِجْهَا مِنْ الدَّارِ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ الدَّارَ كُلَّهَا حِرْزٌ وَاحِدٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِخْرَاجِ مِنْهَا، وَلِأَنَّ الدَّارَ وَمَا فِيهَا فِي يَدِ صَاحِبِهَا مَعْنًى فَتَتَمَكَّنُ شُبْهَةُ عَدَمِ الْأَخْذِ فَإِنْ كَانَتْ دَارٌ فِيهَا مَقَاصِيرُ فَأَخْرَجَهَا مِنْ الْمَقْصُورَةِ إلَى صَحْنِ الدَّارِ قُطِعَ) لِأَنَّ كُلَّ مَقْصُورَةٍ بِاعْتِبَارِ سَاكِنِهَا حِرْزٌ عَلَى حِدَةٍ (وَإِنْ أَغَارَ إنْسَانٌ مِنْ أَهْلِ الْمَقَاصِيرِ عَلَى مَقْصُورَةٍ فَسَرَقَ مِنْهَا قُطِعَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَمَنْ سَرَقَ سَرِقَةً) أَيْ مَالًا وَسَمَّى الشَّيْءَ الْمَسْرُوقَ سَرِقَةً مَجَازًا، وَمِنْهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ: إذَا كَانَتْ السَّرِقَةُ مُصْحَفًا. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ فِيهَا) أَيْ فِي الدَّارِ (مَقَاصِيرُ) يَعْنِي حُجُرَاتٌ وَبُيُوتٌ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ أَغَارَ إنْسَانٌ) أَيْ دَخَلَ بِسُرْعَةٍ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ نَاقِلًا عَنْ الْمُغْرِبِ: إنْ أَغَارَ لَفْظُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ وَالضَّمْرِيِّ، وَأَمَّا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فَهُوَ وَإِنْ أَعَانَ إنْسَانٌ مِنْ أَهْلِ الْمَقَاصِيرِ إنْسَانًا عَلَى مَتَاعِ مَنْ يَسْكُنُ مَقْصُورَةً أُخْرَى. وَلَفْظُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ كَذَلِكَ، وَكَأَنَّهُ أَصَحُّ لِأَنَّ الْإِغَارَةَ فِي بَابِ السَّرِقَةِ غَيْرُ لَائِقَةٍ، لِأَنَّ السَّرِقَةَ أَخْذُ مَالٍ فِي خَفَاءٍ وَحِيلَةٍ فَلِذَلِكَ سَمَّى السَّارِقَ بِهِ لِأَنَّهُ يُسَارِقُ عَيْنَ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَالْإِغَارَةُ أَخْذٌ فِي الْمُجَاهَرَةِ مُكَابَرَةً وَمُغَالَبَةً. وَقِيلَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَقَاصِيرِ يَدْخُلُ عَلَى بَعْضٍ آخَرَ بِاللَّيْلِ جَهْرًا وَمُكَابَرَةً وَمُخْتَفِيًا عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ، وَمِثْلُ هَذَا الْمَعْنَى لَا يَلِيقُ بِهِ

لِمَا بَيَّنَّا. (وَإِذَا نَقَبَ اللِّصُّ الْبَيْتَ فَدَخَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ وَنَاوَلَهُ آخَرَ خَارِجَ الْبَيْتِ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِمَا) لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْإِخْرَاجُ لِاعْتِرَاضِ يَدٍ مُعْتَبَرَةٍ عَلَى الْمَالِ قَبْلَ خُرُوجِهِ. وَالثَّانِي لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ هَتْكُ الْحِرْزِ فَلَمْ تَتِمَّ السَّرِقَةُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ أَخْرَجَ الدَّاخِلُ يَدَهُ وَنَاوَلَهَا الْخَارِجَ فَالْقَطْعُ عَلَى الدَّاخِلِ، وَإِنْ أَدْخَلَ الْخَارِجُ يَدَهُ فَتَنَاوَلَهَا مِنْ يَدِ الدَّاخِلِ فَعَلَيْهِمَا الْقَطْعُ. وَهِيَ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةٍ تَأْتِي بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَإِنْ أَلْقَاهُ فِي الطَّرِيقِ وَخَرَجَ فَأَخَذَهُ قُطِعَ) وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ الْإِلْقَاءَ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْقَطْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا الْإِغَارَةُ، وَإِذَا صَحَّ الْمَعْنَى جَازَ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الْإِغَارَةِ مَرْوِيًّا عَنْ مُحَمَّدٍ، وَكَانَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَسَرَقَ مِنْهَا بَعْدَ قَوْلِهِ أَغَارَ إشَارَةٌ إلَى هَاتَيْنِ الْجِهَتَيْنِ. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ كُلَّ مَقْصُورَةٍ إلَخْ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا نَقَبَ اللِّصُّ الْبَيْتَ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَهِيَ بِنَاءٌ عَلَى مَسْأَلَةٍ تَأْتِي بَعْدَ هَذَا) إشَارَةٌ إلَى مَسْأَلَةِ نَقْبِ الْبَيْتِ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَلْقَاهُ فِي الطَّرِيقِ) وَاضِحٌ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ يَدَهُ تَثْبُتُ عَلَيْهِ بِالْأَخْذِ ثُمَّ بِالرَّمْيِ إلَى الطَّرِيقِ لَمْ تَزُلْ يَدُهُ حُكْمًا لِعَدَمِ اعْتِرَاضِ

كَمَا لَوْ خَرَجَ وَلَمْ يَأْخُذْ، وَكَذَا الْأَخْذُ مِنْ السِّكَّةِ كَمَا لَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ. وَلَنَا أَنَّ الرَّمْيَ حِيلَةٌ يَعْتَادُهَا السُّرَّاقُ لِتَعَذُّرِ الْخُرُوجِ مَعَ الْمَتَاعِ، أَوْ لِيَتَفَرَّغَ لِقِتَالِ صَاحِبِ الدَّارِ أَوْ لِلْفِرَارِ وَلَمْ تَعْتَرِضْ عَلَيْهِ يَدٌ مُعْتَبَرَةٌ فَاعْتُبِرَ الْكُلُّ فِعْلًا وَاحِدًا، فَإِذَا خَرَجَ وَلَمْ يَأْخُذْهُ فَهُوَ مُضَيِّعٌ لَا سَارِقٌ. قَالَ (وَكَذَلِكَ إنْ حَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ فَسَاقَهُ وَأَخْرَجَهُ) لِأَنَّ سَيْرَهُ مُضَافٌ إلَيْهِ لِسَوْقِهِ. (وَإِذَا دَخَلَ الْحِرْزَ جَمَاعَةٌ فَتَوَلَّى بَعْضُهُمْ الْأَخْذَ قُطِعُوا جَمِيعًا) قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقْطَعَ الْحَامِلُ وَحْدَهُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَدٍ أُخْرَى عَلَى يَدِهِ. وَإِذَا بَقِيَتْ يَدُهُ حُكْمًا وَقَدْ تَقَرَّرَ ذَلِكَ بِالْأَخْذِ الثَّانِي وَجَبَ الْقَطْعُ (قَوْلُهُ وَلَمْ تَعْتَرِضْ عَلَيْهِ يَدٌ مُعْتَبَرَةٌ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ كَمَا لَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ فَإِنَّ هُنَاكَ يَدًا مُعْتَبَرَةً اعْتَرَضَتْ عَلَيْهِ فَأَوْجَبَتْ سُقُوطَ الْيَدِ الْحُكْمِيَّةِ لِلسَّارِقِ فَلَمَّا لَمْ تَسْقُطْ الْيَدُ الْحُكْمِيَّةُ هُنَا لَمْ يَرِدْ مَا ذَكَرَهُ زُفَرُ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْحِرْزِ وَلَا مَالَ فِي يَدِهِ. وَقَوْلُهُ (فَاعْتُبِرَ الْكُلُّ) أَيْ إلْقَاؤُهُ فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ أَخْذُهُ مِنْهُ (فِعْلًا وَاحِدًا) كَمَا إذَا أَخَذَ الْمَالَ وَخَرَجَ مَعَهُ مِنْ الْحِرْزِ فَإِنَّهُ فِعْلٌ وَاحِدٌ كَذَلِكَ. هَذَا وَقَوْلُهُ (فَإِذَا خَرَجَ وَلَمْ يَأْخُذْهُ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ كَمَا لَوْ خَرَجَ وَلَمْ يَأْخُذْ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا إنْ حَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ) ظَاهِرٌ. قَالَ (وَإِذَا دَخَلَ الْحِرْزَ جَمَاعَةٌ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَإِنَّمَا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي دُخُولِ جَمِيعِهِمْ لِأَنَّهُمْ إذَا اشْتَرَكُوا وَاتَّفَقُوا عَلَى فِعْلِ السَّرِقَةِ لَكِنْ دَخَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ الْبَيْتَ وَأَخْرَجَ الْمَتَاعَ وَلَمْ يَدْخُلْ غَيْرُهُ فَالْقَطْعُ عَلَى مَنْ دَخَلَ الْبَيْتَ وَأَخْرَجَ الْمَتَاعَ إنْ عُرِفَ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ فَعَلَيْهِمْ التَّعْزِيرُ، وَلَا يُقْطَعُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُ الدَّاخِلِ يُعِينُ الدَّاخِلَ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يَدْخُلُوا الْبَيْتَ لَمْ يَتَأَكَّدْ مُعَاوَنَتُهُمْ بِهَتْكِ الْحِرْزِ بِالدُّخُولِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ اشْتِرَاكُهُمْ لِمَا أَنَّ كَمَالَ هَتْكِ الْحِرْزِ إنَّمَا يَكُونُ بِالدُّخُولِ وَقَدْ وُجِدَ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فَاعْتُبِرَ اشْتِرَاكُهُمْ، قَالُوا: هَذَا إذَا كَانَ الْآخِذُ الْحَامِلُ مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ عِنْدَ الِانْفِرَادِ بِأَنْ كَانَ عَاقِلًا بَالِغًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْآخِذُ الْحَامِلُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا فَلَا يُقْطَعُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لِأَنَّ غَيْرَ الْحَامِلِ فِي هَذَا الْفِعْلِ تَبَعٌ لِلْآخِذِ الْحَامِلِ، فَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ عَلَى مَنْ هُوَ أَصْلٌ لَا يَجِبُ عَلَى مَنْ هُوَ تَبَعٌ وَإِنْ كَانَ الَّذِي تَوَلَّى الْحَمْلَ وَالْإِخْرَاجَ كَبِيرًا لَكِنْ فِيهِمْ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، لِأَنَّ الْفِعْلَ مِنْ الْكُلِّ وَاحِدٌ وَقَدْ تَمَكَّنَتْ الشُّبْهَةُ

لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ وُجِدَ مِنْهُ فَتَمَّتْ السَّرِقَةُ بِهِ. وَلَنَا أَنَّ الْإِخْرَاجَ مِنْ الْكُلِّ مَعْنًى لِلْمُعَاوَنَةِ كَمَا فِي السَّرِقَةِ الْكُبْرَى، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُعْتَادَ فِيمَا بَيْنَهُمْ أَنْ يَحْمِلَ الْبَعْضُ الْمَتَاعَ وَيَتَشَمَّرَ الْبَاقُونَ لِلدَّفْعِ، فَلَوْ امْتَنَعَ الْقَطْعُ لَأَدَّى إلَى سَدِّ بَابِ الْحَدِّ. قَالَ (وَمَنْ نَقَبَ الْبَيْتَ وَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ وَأَخَذَ شَيْئًا لَمْ يُقْطَعْ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ الْمَالَ مِنْ الْحِرْزِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ فَلَا يُشْتَرَطُ الدُّخُولُ فِيهِ، كَمَا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي صُنْدُوقِ الصَّيْرَفِيِّ فَأَخْرَجَ الْغِطْرِيفِيَّ. وَلَنَا أَنَّ هَتْكَ الْحِرْزِ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْكَمَالُ تَحَرُّزًا عَنْ شُبْهَةِ الْعَدَمِ وَالْكَمَالِ فِي الدُّخُولِ، وَقَدْ أَمْكَنَ اعْتِبَارُهُ وَالدُّخُولُ هُوَ الْمُعْتَادُ. بِخِلَافِ الصُّنْدُوقِ لِأَنَّ الْمُمْكِنَ فِيهِ إدْخَالُ الْيَدِ دُونَ الدُّخُولِ، وَبِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَمْلِ الْبَعْضِ الْمَتَاعَ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُعْتَادُ. قَالَ (وَإِنْ طَرَّ صُرَّةً خَارِجَةً مِنْ الْكُمِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي فِعْلِ بَعْضِهِمْ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْبَاقِينَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجِبُ الْقَطْعُ إلَّا عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ نَقَبَ الْبَيْتَ) وَاضِحٌ. وَالْغِطْرِيفِيُّ هُوَ الدِّرْهَمُ الْمَنْسُوبُ إلَى غِطْرِيفِ بْنِ عَطَاءٍ الْكِنْدِيِّ أَمِيرِ خُرَاسَانَ أَيَّامَ الرَّشِيدِ، وَالدَّرَاهِمُ الْغِطْرِيفِيَّةُ كَانَتْ مِنْ أَعَزِّ النُّقُودِ بِبُخَارَى كَذَا فِي الْمُغْرِبِ. وَيُؤَيِّدُ وَجْهَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: اللِّصُّ إذَا كَانَ ظَرِيفًا لَا يُقْطَعُ، قِيلَ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَنْ يَنْقُبَ الْبَيْتَ وَيُدْخِلَ يَدَهُ وَيُخْرِجَ الْمَتَاعَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْخُلَ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الصُّنْدُوقِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ كَمَا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي صُنْدُوقِ الصَّيْرَفِيِّ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ الْكَمَالُ فِي هَتْكِ الْحِرْزِ شَرْطًا تَحَرُّزًا عَنْ شُبْهَةِ الْعَدَمِ لَمَا وَجَبَ الْقَطْعُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَمْلِ بَعْضِ الْقَوْمِ الْمَتَاعَ دُونَ بَعْضٍ لِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ الْعَدَمِ. أَجَابَ بِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُعْتَادُ (وَإِنْ طَرَّ صُرَّةً) الطَّرَّارُ هُوَ الَّذِي يَطُرُّ الْهِمْيَانَ: أَيْ

لَمْ يُقْطَعْ، وَإِنْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْكُمِّ يُقْطَعُ) لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الرِّبَاطَ مِنْ خَارِجٍ، فَبِالطَّرِّ يَتَحَقَّقُ الْأَخْذُ مِنْ الظَّاهِرِ فَلَا يُوجَدُ هَتْكُ الْحِرْزِ. وَفِي الثَّانِي الرِّبَاطُ مِنْ دَاخِلٍ، فَبِالطَّرِّ يَتَحَقَّقُ الْأَخْذُ مِنْ الْحِرْزِ وَهُوَ الْكُمُّ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الطَّرِّ حَلُّ الرِّبَاطِ، ثُمَّ الْأَخْذُ فِي الْوَجْهَيْنِ يَنْعَكِسُ الْجَوَابُ لِانْعِكَاسِ الْعِلَّةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُقْطَعُ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُ مُحَرَّزٌ إمَّا بِالْكُمِّ أَوْ بِصَاحِبِهِ. قُلْنَا: الْحِرْزُ هُوَ الْكُمُّ لِأَنَّهُ يَعْتَمِدُهُ، وَإِنَّمَا قَصْدُهُ قَطْعُ الْمَسَافَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَشُقُّهَا وَيَقْطَعُهَا، وَالصُّرَّةُ وِعَاءُ الدَّرَاهِمِ، يُقَالُ صَرَرْت الصُّرَّةَ: أَيْ شَدَدْتهَا، وَالْمُرَادُ بِالصُّرَّةِ هُنَا نَفْسُ الْكُمِّ الْمَشْدُودِ فِيهِ الدَّرَاهِمُ. وَفِي هَذَا التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ بِأَنَّ الطَّرَّارَ يُقْطَعُ لَيْسَ بِمُجْرًى عَلَى عُمُومِهِ بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ، وَهِيَ مَا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْكُمِّ فَطَرَّهَا (قَوْلُهُ فَلَا يُوجَدُ هَتْكُ الْحِرْزِ) يَعْنِي إدْخَالَ الْيَدِ فِي الْكُمِّ وَإِخْرَاجَ الدَّرَاهِمِ مِنْهُ. وَقَوْلُهُ (فِي الْوَجْهَيْنِ) أَيْ مِنْ الْخَارِجِ وَالدَّاخِلِ. وَقَوْلُهُ (يَنْعَكِسُ الْجَوَابُ) يَعْنِي فِيمَا إذَا كَانَ حَلَّ الرِّبَاطَ خَارِجَ الْكُمِّ يَجِبُ الْقَطْعُ، لِأَنَّهُ لَمَّا حَلَّ الرِّبَاطَ الَّذِي كَانَ خَارِجَ الْكُمِّ وَقَعَتْ الدَّرَاهِمُ فِي الْكُمِّ فَاحْتَاجَ فِي أَخْذِ الدَّرَاهِمِ إلَى إدْخَالِ الْيَدِ فِي الْكُمِّ، فَلَمَّا أَخْرَجَ الدَّرَاهِمَ مِنْ الْكُمِّ فَقَدْ هَتَكَ الْحِرْزَ. بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ حَلَّ الرِّبَاطَ فِي دَاخِلِ الْكُمِّ فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ، لِأَنَّهُ لَمَّا حَلَّ الرِّبَاطَ فِي دَاخِلِ الْكُمِّ بَقِيَتْ الدَّرَاهِمُ خَارِجَ الْكُمِّ ظَاهِرَةً مَحْلُولَةً، فَكَانَ الْأَخْذُ مِنْ خَارِجِ الْكُمِّ فَلَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّهُ لَمْ يَهْتِكْ الْحِرْزَ فِي أَخْذِ الْمَالِ، لِأَنَّهُ وَإِنْ أَدْخَلَ الْيَدَ فِي الْكُمِّ إلَّا أَنَّهُ أَدْخَلَهَا لِحَلِّ الرِّبَاطِ لَا لِأَخْذِ الْمَالِ مِنْ الْكُمِّ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ يَنْعَكِسُ الْجَوَابُ لِانْعِكَاسِ الْعِلَّةِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ يَعْتَمِدُهُ) أَيْ لِأَنَّ صَاحِبَ الْكُمِّ يَعْتَمِدُ الْكُمَّ فِي حِفْظِ الْمَالِ لَا قِيَامَ

أَوْ الِاسْتِرَاحَةِ فَأَشْبَهَ الْجُوَالِقَ. (وَإِنْ سَرَقَ مِنْ الْقِطَارِ بَعِيرًا أَوْ حِمْلًا لَمْ يُقْطَعْ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُحَرَّزٍ مَقْصُودًا فَتَتَمَكَّنُ شُبْهَةُ الْعَدَمِ، وَهَذَا لِأَنَّ السَّائِقَ وَالْقَائِدَ وَالرَّاكِبَ يَقْصِدُونَ قَطْعَ الْمَسَافَةِ وَنَقْلَ الْأَمْتِعَةِ دُونَ الْحِفْظِ. حَتَّى لَوْ كَانَ مَعَ الْأَحْمَالِ مَنْ يَتْبَعُهَا لِلْحِفْظِ قَالُوا يُقْطَعُ (وَإِنْ شَقَّ الْحِمْلَ وَأَخَذَ مِنْهُ قُطِعَ) لِأَنَّ الْجُوَالِقَ فِي مِثْلِ هَذَا حِرْزٌ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِوَضْعِ الْأَمْتِعَةِ فِيهِ صِيَانَتَهَا كَالْكُمِّ فَوُجِدَ الْأَخْذُ مِنْ الْحِرْزِ فَيُقْطَعُ (وَإِنْ سَرَقَ جُوَالِقًا فِيهِ مَتَاعٌ وَصَاحِبُهُ يَحْفَظُهُ أَوْ نَائِمٌ عَلَيْهِ قُطِعَ) وَمَعْنَاهُ إنْ كَانَ الْجُوَالِقُ فِي مَوْضِعٍ هُوَ لَيْسَ بِحِرْزٍ كَالطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ حَتَّى يَكُونَ مُحَرَّزًا بِصَاحِبِهِ لِكَوْنِهِ مُتَرَصِّدًا لِحِفْظِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْحِفْظُ الْمُعْتَادُ وَالْجُلُوسُ عِنْدَهُ وَالنَّوْمُ عَلَيْهِ يُعَدُّ حِفْظًا عَادَةً وَكَذَا النَّوْمُ بِقُرْبٍ مِنْهُ عَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQنَفْسِهِ عِنْدَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ قَصْدَ صَاحِبِ الْكُمِّ مِنْ وُجُودِهِ عِنْدَ الْمَالِ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: قَطْعِ الْمَسَافَةِ، أَوْ الِاسْتِرَاحَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَالَةِ الْمَشْيِ أَوْ فِي غَيْرِ حَالَتِهِ، فَفِي الْأَوَّلِ قَصْدُهُ قَطْعُ الْمَسَافَةِ لَا حِفْظُ الْمَالِ، وَفِي الثَّانِي قَصْدُهُ الِاسْتِرَاحَةُ، وَالْمَقْصُودُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي هَذَا الْبَابِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ شَقَّ الْجُوَالِقَ الَّذِي عَلَى إبِلٍ تَسِيرُ وَأَخَذَ الدَّرَاهِمَ مِنْهُ يُقْطَعُ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ اعْتَمَدَ الْجُوَالِقَ حِرْزًا لَهَا فَكَانَ سَارِقُ الدَّرَاهِمِ مِنْ الْجُوَالِقِ هَاتِكًا لِلْحِرْزِ فَيُقْطَعُ. وَمَنْ سَرَقَ الْجُوَالِقَ بِمَا فِيهِ وَالْجُوَالِقُ عَلَى إبِلٍ تَسِيرُ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ السَّائِقَ وَالْقَائِدَ إنَّمَا يَقْصِدُ بِفِعْلِهِ قَطْعَ الْمَسَافَةِ وَالسَّوْقَ لَا الْحِفْظَ فَلَمْ يَصِرْ الْجُوَالِقُ مُحْرَزًا بِهِ مَقْصُودًا عَلَى مَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ سَرَقَ مِنْ الْقِطَارِ بَعِيرًا) الْقِطَارُ: الْإِبِلُ تَقْطُرُ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ وَالْجَمْعُ قُطُرٌ، وَمِنْهُ تَقَاطَرَ الْقَوْمُ إذَا جَاءُوا أَرْسَالًا.

[فصل في كيفية القطع وإثباته]

وَذُكِرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَصَاحِبُهُ نَائِمٌ عَلَيْهِ أَوْ حَيْثُ يَكُونُ حَافِظًا لَهُ، وَهَذَا يُؤَكِّدُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ قَالَ (وَيُقْطَعُ يَمِينُ السَّارِقِ مِنْ الزَّنْدِ وَيُحْسَمُ) فَالْقَطْعُ لِمَا تَلَوْنَاهُ مِنْ قَبْلُ، وَالْيَمِينُ بِقِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمِنْ الزَّنْدِ لِأَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُ الْيَدَ إلَى الْإِبِطِ، وَهَذَا الْمَفْصِلُ: أَعْنِي الرُّسْغَ مُتَيَقَّنٌ بِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَهَذَا يُؤَكِّدُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ) يُرِيدُ قَوْلَهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحَافِظُ مُسْتَيْقِظًا إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ] لَمَّا ذَكَرَ وُجُوبَ قَطْعِ الْيَدِ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ بَيَانِ كَيْفِيَّتِهِ وَهَذَا الْفَصْلُ فِي بَيَانِهِ. الزَّنْدُ مَفْصِلُ طَرَفِ الذِّرَاعِ مِنْ الْكَفِّ. وَالْحَسْمُ مِنْ حَسَمَ الْعِرْقَ: كَوَاهُ بِحَدِيدَةٍ مُحْمَاةٍ لِئَلَّا يَسِيلَ دَمُهُ (فَالْقَطْعُ لِمَا تَلَوْنَاهُ) يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] الْآيَةَ (وَالْيَمِينُ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ) فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا وَهِيَ مَشْهُورَةٌ جَازَتْ الزِّيَادَةُ بِهَا عَلَى الْكِتَابِ وَقَدْ عُرِفَ فِي الْأُصُولِ (وَمِنْ الزَّنْدِ لِأَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُ الْيَدَ إلَى الْإِبِطِ، وَهَذَا الْمَفْصِلُ: أَعْنِي الرُّسْغَ مُتَيَقَّنٌ بِهِ) مِنْ حَيْثُ الْقَطْعُ وَالْمَقْطُوعُ لِكَوْنِهِ أَقَلَّ، فَقَوْلُنَا مِنْ حَيْثُ الْقَطْعُ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِ النَّاسِ إنَّ الْمُسْتَحَقَّ قَطْعُ الْأَصَابِعِ فَقَطْ لِأَنَّ بَطْشَهُ كَانَ بِالْأَصَابِعِ فَتُقْطَعُ أَصَابِعُهُ لِيَزُولَ تَمَكُّنُهُ مِنْ الْبَطْشِ بِهَا؛ لِأَنَّ فِيهِ قَطْعًا مُكَرَّرًا، وَفِيمَا قُلْنَا قَطْعٌ وَاحِدٌ عَلَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ الْيَدُ، وَقَوْلُنَا مِنْ حَيْثُ الْمَقْطُوعُ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْخَوَارِجِ تُقْطَعُ يَمِينُ السَّارِقِ مِنْ الْمَنْكِبِ لِأَنَّ الْيَدَ اسْمٌ لِلْجَارِحَةِ مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى الْآبَاطِ لِأَنَّ فِيهِ

كَيْفَ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ مِنْ الزَّنْدِ، وَالْحَسْمُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَاقْطَعُوهُ وَاحْسِمُوهُ» وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْسَمْ يُفْضِي إلَى التَّلَفِ وَالْحَدُّ زَاجِرٌ لَا مُتْلِفٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَكْثِيرًا لِلْمَقْطُوعِ. وَقَوْلُهُ (كَيْفَ وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقَطْعِ السَّارِقِ مِنْ الزَّنْدِ وَالْحَسْمِ» ) رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِسَارِقٍ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ هَذَا سَرَقَ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: مَا إخَالُهُ سَرَقَ. فَقَالَ السَّارِقُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ اذْهَبُوا بِهِ فَاقْطَعُوهُ. ثُمَّ احْسِمُوهُ» الْحَدِيثَ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْسَمْ) ظَاهِرٌ.

(فَإِنْ سَرَقَ ثَانِيًا قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى، فَإِنْ سَرَقَ ثَالِثًا لَمْ يُقْطَعْ وَخُلِّدَ فِي السِّجْنِ حَتَّى يَتُوبَ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَيُعَزَّرُ أَيْضًا، ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فِي الثَّالِثَةِ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى، وَفِي الرَّابِعَةِ تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُمْنَى لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ» وَيُرْوَى مُفَسَّرًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ، وَلِأَنَّ الثَّالِثَةَ مِثْلُ الْأُولَى فِي كَوْنِهَا جِنَايَةً بَلْ فَوْقَهَا فَتَكُونُ أَدْعَى إلَى شَرْعِ الْحَدِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَخُلِّدَ فِي السِّجْنِ حَتَّى يَتُوبَ) حَاصِلُهُ أَنَّ السَّارِقَ لَا يُؤْتَى عَلَى أَطْرَافِهِ الْأَرْبَعَةِ بِالْقَطْعِ؛ وَإِنَّمَا يُقْطَعُ يَمِينُهُ أَوَّلَ سَرِقَةٍ. وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى ثَانِيهَا، ثُمَّ يُعَزَّرُ بَعْدَ ذَلِكَ وَيُحْبَسُ عِنْدَنَا. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بَعْدَ الرَّابِعَةِ يُحْبَسُ. وَعِنْدَ أَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ فِي الْمَرَّةِ الْخَامِسَةِ يُقْتَلُ. وَقَوْلُهُ (وَيُرْوَى مُفَسَّرًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ هُوَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى. وَفِي الثَّانِيَةِ الرِّجْلُ الْيُسْرَى، وَفِي الثَّالِثَةِ الْيَدُ الْيُسْرَى، وَفِي الرَّابِعَةِ الرِّجْلُ الْيُمْنَى» (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الثَّالِثَةَ) ظَاهِرٌ.

وَلَنَا قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيهِ: إنِّي لَأَسْتَحِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ لَا أَدَعَ لَهُ يَدًا يَأْكُلُ بِهَا وَيَسْتَنْجِي بِهَا وَرِجْلًا يَمْشِي ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عَلَيْهَا، وَبِهَذَا حَاجَّ بَقِيَّةَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَحَجَّهُمْ فَانْعَقَدَ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّهُ إهْلَاكٌ مَعْنًى لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ وَالْحَدُّ زَاجِرٌ، وَلِأَنَّهُ نَادِرُ الْوُجُودِ وَالزَّجْرُ فِيمَا يَغْلِبُ وُقُوعُهُ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ فَيُسْتَوْفَى مَا أَمْكَنَ جَبْرًا لِحَقِّهِ. وَالْحَدِيثُ طَعَنَ فِيهِ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوْ نَحْمِلُهُ عَلَى السِّيَاسَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَحَجَّهُمْ) أَيْ غَلَبَهُمْ فِي الْحُجَّةِ، يُقَالُ حَاجَّهُ فَحَجَّهُ: أَيْ نَاظَرَهُ فِي الْحُجَّةِ فَغَلَبَهُ بِهَا (وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ) جَوَابُ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ: لَوْ قَطَعَ رَجُلٌ أَرْبَعَةَ أَطْرَافٍ اُقْتُصَّ مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَجَمِيعُ مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ هُنَاكَ مَوْجُودٌ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى لَهُ يَدٌ يَأْكُلُ بِهَا وَيَسْتَنْجِي بِهَا وَرِجْلٌ يَمْشِي عَلَيْهَا. وَفِيهِ تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ وَنَادِرُ الْوُجُودِ. وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنَّ الْقِصَاصَ حَقُّ الْعِبَادِ، وَحَقُّ الْعَبْدِ يُرَاعَى فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ بِالنَّصِّ (وَالْحَدِيثُ) الَّذِي رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ دَلِيلًا عَلَى دَعْوَاهُ هَذِهِ (طَعَنَ فِيهِ الطَّحَاوِيُّ) قَالَ: تَتَبَّعْنَا هَذِهِ الْآثَارَ فَلَمْ نَجِدْ لِشَيْءٍ مِنْهَا أَصْلًا أَشَارَ بِهَا إلَى مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ الْبَغْدَادِيُّ: قَالَ الطَّحَاوِيُّ: إنَّهُ حَدِيثٌ لَا أَصْلَ لَهُ، لِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَقِينَاهُ مِنْ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ يُنْكِرُونَهُ وَيَقُولُونَ: لَمْ نَجِدْ لَهُ أَصْلًا (أَوْ نَحْمِلُهُ عَلَى السِّيَاسَةِ) بِدَلِيلِ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ مِنْ الْأَمْرِ بِالْقَتْلِ فِي الْمَرَّةِ الْخَامِسَةِ.

(وَإِذَا كَانَ السَّارِقُ أَشَلَّ الْيَدِ الْيُسْرَى أَوْ أَقْطَعَ أَوْ مَقْطُوعَ الرِّجْلِ الْيُمْنَى لَمْ يُقْطَعْ) لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ بَطْشًا أَوْ مَشْيًا، وَكَذَا إذَا كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ لِمَا قُلْنَا (وَكَذَا إذَا كَانَتْ إبْهَامُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً أَوْ شَلَّاءَ أَوْ الْأُصْبُعَانِ مِنْهَا سِوَى الْإِبْهَامِ) لِأَنَّ قِوَامَ الْبَطْشِ بِالْإِبْهَامِ (فَإِنْ كَانَتْ أُصْبُعٌ وَاحِدَةٌ سِوَى الْإِبْهَامِ مَقْطُوعَةً أَوْ شَلَّاءَ قُطِعَ) لِأَنَّ فَوَاتَ الْوَاحِدَةِ لَا يُوجِبُ خَلَلًا ظَاهِرًا فِي الْبَطْشِ، بِخِلَافِ فَوَاتِ الْأُصْبُعَيْنِ لِأَنَّهُمَا يَتَنَزَّلَانِ مَنْزِلَةَ الْإِبْهَامِ فِي نُقْصَانِ الْبَطْشِ. قَالَ (وَإِذَا قَالَ الْحَاكِمُ لِلْحَدَّادِ اقْطَعْ يَمِينَ هَذَا فِي سَرِقَةٍ سَرَقَهَا فَقَطَعَ يَسَارَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَالَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْخَطَأِ وَيَضْمَنُ فِي الْعَمْدِ) وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَضْمَنُ فِي الْخَطَأِ أَيْضًا وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَالْمُرَادُ بِالْخَطَأِ هُوَ الْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ بَطْشًا) يَعْنِي إنْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى مُؤَفَّةً (أَوْ مَشْيًا) إنْ كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى كَذَلِكَ وَبَاقِي كَلَامِهِ ظَاهِرٌ. قَالَ (وَإِذَا قَالَ الْحَاكِمُ لِلْحَدَّادِ اقْطَعْ يَمِينَ هَذَا السَّارِقِ) الْحَدَّادُ هُوَ الَّذِي يُقِيمُ الْحَدَّ فَعَّالٌ مِنْهُ كَالْجَلَّادِ مِنْ الْجَلْدِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ يَمِينَ هَذَا لِأَنَّهُ إذَا قَالَ اقْطَعْ يَدَهُ مُطْلَقًا فَقَطَعَ الْحَدَّادُ يَدَهُ الْيُسْرَى فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا أَمَرَهُ بِهِ. فَإِنَّهُ أَمَرَهُ بِقَطْعِ الْيَدِ وَالْيُسْرَى يَدٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ مَا إذَا قَطَعَ الْيَمِينَ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ اقْطَعْ. وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْيَدِ قَدْ سَقَطَتْ بِقَضَاءِ الْإِمَامِ عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ. فَالْقَاطِعُ اسْتَوْفَى يَدًا لَا قِيمَةَ لَهَا فَلَمْ يَكُنْ ضَامِنًا، لَكِنْ أَدَّبَهُ الْإِمَامُ لِأَنَّهُ أَسَاءَ الْأَدَبَ حِينَ قَطَعَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ الْإِمَامُ بِهِ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ.

وَأَمَّا الْخَطَأُ فِي مَعْرِفَةِ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ لَا يُجْعَلُ عَفْوًا. وَقِيلَ يُجْعَلُ عُذْرًا أَيْضًا. لَهُ أَنَّهُ قَطَعَ يَدًا مَعْصُومَةً وَالْخَطَأُ فِي حَقِّ الْعِبَادِ غَيْرُ مَوْضُوعٍ فَيَضْمَنَا. قُلْنَا إنَّهُ أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ، إذْ لَيْسَ فِي النَّصِّ تَعْيِينُ الْيَمِينِ، وَالْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ مَوْضُوعٌ. وَلَهُمَا أَنَّهُ قَطَعَ طَرَفًا مَعْصُومًا بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا تَأْوِيلٍ لِأَنَّهُ تَعَمَّدَ الظُّلْمَ فَلَا يُعْفَى وَإِنْ كَانَ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ إلَّا أَنَّهُ امْتَنَعَ لِلشُّبْهَةِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ أَتْلَفَ وَأَخْلَفَ مِنْ جِنْسِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ فَلَا يُعَدُّ إتْلَافًا كَمَنْ شَهِدَ عَلَى غَيْرِهِ بِبَيْعِ مَالِهِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَطَعَهُ غَيْرُ الْحَدَّادِ لَا يَضْمَنُ أَيْضًا هُوَ الصَّحِيحُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (بِغَيْرِ حَقٍّ) دَلِيلُهُ أَنَّ الْحَقَّ فِي الْيَمِينِ فِي السَّرِقَةِ وَهُوَ أَيْضًا لَمْ يَقْطَعْ يَسَارَ أَحَدٍ لِيَكُونَ حَقُّ الْقَطْعِ الْيَسَارِ قِصَاصًا (وَلَا تَأْوِيلَ) حَيْثُ لَمْ يُخْطِئْ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا تَعَمَّدَ فِي قَطْعِ الْيَسَارِ (فَلَا يُعْفَى) كَمَا لَوْ قَطَعَ رِجْلَهُ أَوْ أَنْفَهُ (وَإِنْ كَانَ فِي الْمُجْتَهِدَاتِ) لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُعَذَّرُ فِيمَا إذَا أَخْطَأَ إذَا كَانَ الدَّلِيلُ ظَاهِرًا كَالْحُكْمِ بِحِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا (وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ إلَّا أَنَّهُ امْتَنَعَ لِلشُّبْهَةِ) وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] فَإِنَّ ظَاهِرَهُ يُوجِبُ تَنَاوُلَ الْيَدَيْنِ جَمِيعًا فَصَارَ شُبْهَةً فِي حَقِّ الْقِصَاصِ، إذْ الْقِصَاصُ لَا يَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ، بِخِلَافِ ضَمَانِ الْمَالِ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ) تَقْرِيرُهُ الْقَوْلَ بِالْمُوجِبِ. سَلَّمْنَا أَنَّهُ قَطَعَ طَرَفًا مَعْصُومًا بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا تَأْوِيلَ، لَكِنَّهُ أَخْلَفَ مِنْ جِنْسِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ فَلَا يُعَدُّ إتْلَافًا (وَعَلَى هَذَا) التَّقْرِيرِ (لَوْ قَطَعَهُ غَيْرُ الْحَدَّادِ) أَيْ لَوْ قَطَعَ يَسَارَ السَّارِقِ غَيْرُ الْحَدَّادِ بَعْدَ حُكْمِ الْقَاضِي بِقَطْعِ يَمِينِهِ (لَا يَضْمَنُ) شَيْئًا لِأَنَّ امْتِنَاعَ قَطْعِ الْيَمِينِ بَعْدَ قَطْعِ الْيَسَارِ لَا يَتَفَاوَتُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَاطِعُ الْيَسَارِ مَأْمُورَ الْحَاكِمِ أَوْ أَجْنَبِيًّا غَيْرَ مَأْمُورٍ (وَقَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَقَالَ فِيهِ: وَلَوْ قَطَعَ غَيْرُهُ يَدَهُ الْيُسْرَى فَإِنَّ فِي الْعَمْدِ الْقِصَاصَ وَفِي الْخَطَإِ الدِّيَةَ، وَسَقَطَ الْقَطْعُ عَنْهُ فِي الْيَمِينِ لِأَنَّهُ لَوْ قَطَعَ أَدَّى إلَى الِاسْتِهْلَاكِ، وَيَرُدُّ السَّرِقَةَ إنْ كَانَ قَائِمًا وَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ فِي الْهَالِكِ

وَلَوْ أَخْرَجَ السَّارِقُ يَسَارَهُ وَقَالَ هَذِهِ يَمِينِي لَا يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ قَطْعَهُ بِأَمْرِهِ. ثُمَّ فِي الْعَمْدِ عِنْدَهُ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْمَالِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ حَدًّا. وَفِي الْخَطَأِ كَذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ، وَعَلَى طَرِيقَةِ الِاجْتِهَادِ لَا يَضْمَنُ (وَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ فَيُطَالِبُ بِالسَّرِقَةِ) لِأَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ لِظُهُورِهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَارِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي الْإِقْرَارِ، لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ لَا تَظْهَرُ إلَّا بِخُصُومَتِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَوْ أَخْرَجَ السَّارِقُ يَسَارَهُ) ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ فِي الْعَمْدِ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى السَّارِقِ (ضَمَانُ الْمَالِ) الْمَسْرُوقِ إنْ كَانَ هَالِكًا (لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ حَدًّا) وَإِنَّمَا خَصَّ أَبَا حَنِيفَةَ بِالذِّكْرِ وَإِنْ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى السَّارِقِ بِالِاتِّفَاقِ دَفْعًا لِمَا عَسَى أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ قَطْعَ الْيَسَارِ وَقَعَ حَدًّا عِنْدَهُ حَيْثُ لَمْ يُوجِبْ الضَّمَانَ عَلَى الْحَدَّادِ، فَأَزَالَ ذَلِكَ بِبَيَانِ وُجُوبِ الضَّمَانِ إيذَانًا بِأَنَّ الْقَطْعَ لَمْ يَقَعْ حَدًّا، إذْ الْقَطْعُ حَدًّا وَالضَّمَانُ لَا يَجْتَمِعَانِ وَعَدَمُ الضَّمَانِ عَلَى الْحَدَّادِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ أَخْلَفَ خَيْرًا لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْقَطْعَ وَقَعَ حَدًّا، وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِهِمَا فَظَاهِرٌ لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ لِأَنَّهُمَا يَضْمَنَانِ الْحَدَّادَ فِي الْعَمْدِ فَلَا يَقَعُ الْقَطْعُ حَدًّا لَا مَحَالَةَ فَيَضْمَنُ السَّارِقُ لِعَدَمِ لُزُومِ الْجَمْعِ بَيْنَ الضَّمَانِ وَالْقَطْعِ حَدًّا. وَقَوْلُهُ (وَفِي الْخَطَإِ كَذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ) أَيْ عَلَى طَرِيقَةِ أَنَّ الْقَطْعَ لَمْ يَقَعْ حَدًّا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقَعْ حَدًّا لَمْ يُوجَدْ مَا يُنَافِي الضَّمَانَ وَالْمُقْتَضِي وَهُوَ الْإِتْلَافُ مَوْجُودٌ فَيَجِبُ الضَّمَانُ أَلْبَتَّةَ (وَعَلَى طَرِيقَةِ الِاجْتِهَادِ) الَّذِي قُلْنَا فِي طَرِيقِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ ضَمَانَ الْيَدِ عَلَى الْحَدَّادِ بَطَلَ بِطَرِيقِ الِاجْتِهَادِ (لَا يَضْمَنُ) السَّارِقُ الْمَالَ لِوُقُوعِ الْقَطْعِ مَوْقِعَ الْحَدِّ بِالِاجْتِهَادِ وَالضَّمَانُ وَالْقَطْعُ حَدًّا لَا يَجْتَمِعَانِ. قَالَ (وَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي اشْتِرَاطِ حُضُورِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَطَلَبِهِ السَّرِقَةَ لِلْقَطْعِ، فَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، لَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى السَّرِقَةِ حِسْبَةً

وَكَذَا إذَا غَابَ عِنْدَ الْقَطْعِ عِنْدَنَا، لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي بَابِ الْحُدُودِ (وَلِلْمُسْتَوْدَعِ وَالْغَاصِبِ وَصَاحِبِ الرِّبَا أَنْ يَقْطَعُوا السَّارِقَ مِنْهُمْ) وَلِرَبِّ الْوَدِيعَةِ أَنْ يَقْطَعَهُ أَيْضًا، وَكَذَا الْمَغْصُوبُ مِنْهُ. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْغَاصِبِ وَالْمُسْتَوْدَعِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمُسْتَعِيرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ وَالْمُضَارِبُ وَالْمُسْتَبْضِعُ وَالْقَابِضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَالْمُرْتَهِنُ وَكُلُّ مَنْ لَهُ يَدٌ حَافِظَةٌ سِوَى الْمَالِكِ، وَيُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ فِي السَّرِقَةِ مِنْ هَؤُلَاءِ إلَّا أَنَّ الرَّاهِنَ إنَّمَا يُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالزِّنَا، لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ أَقَرَّ السَّارِقُ بِالسَّرِقَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ، وَإِنْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَنْبَنِي عَلَى الدَّعْوَى فِي الْحَالِ، فَمَا لَمْ يَحْضُرْ هُوَ أَوْ نَائِبُهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ غَابَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَتَعَذَّرُ اسْتِيفَاءُ الْقَطْعِ. وَعِنْدَنَا حُضُورُهُ شَرْطٌ فِي الْإِقْرَارِ وَالشَّهَادَةِ جَمِيعًا عِنْدَ الْأَدَاءِ وَعِنْدَ الْقَطْعِ، لِأَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ لِظُهُورِ السَّرِقَةِ لِقِيَامِ احْتِمَالِ رَدِّ الْإِقْرَارِ وَالْإِقْرَارُ لَهُ بِالْمِلْكِ بَعْدَ الشَّهَادَةِ وَبِهِ تَنْتَفِي السَّرِقَةُ، وَكُلُّ مَا هُوَ شَرْطُ الشَّيْءِ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِهِ فَكَانَ الْقَطْعُ قَبْلَ حُضُورِهِ اسْتِيفَاءَ الْحَدِّ مَعَ قِيَامِ الشُّبْهَةِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ، وَكَلَامُهُ فِي الْكِتَابِ وَاضِحٌ خَلَا أَنَّ فِيهِ تَوَهُّمَ التَّكْرَارِ، لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ لَا تَظْهَرُ إلَّا بِخُصُومَةٍ هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ لِظُهُورِهَا: أَيْ لِظُهُورِ السَّرِقَةِ وَهِيَ الْجِنَايَةُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُدْفَعَ بِأَنَّ الْأَوَّلَ تَعْلِيلٌ لِاشْتِرَاطِ الْحُضُورِ، وَالثَّانِيَ لِعَدَمِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَالشَّهَادَةِ وَإِنْ كَانَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ؛ وَمَعْنَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي بَابِ الْحُدُودِ قَدْ تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ وَصَاحِبُ الرِّبَا) قِيلَ صُورَتُهُ: رَجُلٌ بَاعَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا وَقَبَضَهُ فَسُرِقَ مِنْهُ يُقْطَعُ السَّارِقُ بِخُصُومَتِهِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْعَاقِدَ الْآخَرَ مِنْ عَاقِدَيْ الرِّبَا فَكَأَنَّهُ بِالتَّسْلِيمِ لَمْ يَبْقَ لَهُ مِلْكٌ وَلَا يَدٌ فَلَا يَكُونُ لَهُ وِلَايَةُ الْخُصُومَةِ، بِخِلَافِ رَبِّ الْوَدِيعَةِ وَالْمَغْصُوبِ مِنْهُ فَإِنَّ الْمِلْكَ لَهُمَا بَاقٍ (قَوْلُهُ وَكُلُّ مَنْ لَهُ يَدٌ حَافِظَةٌ) يُرِيدُ مُتَوَلِّيَ الْوَقْفِ وَالْأَبَ وَالْوَصِيَّ، وَلَوْ سَرَقَ سَارِقٌ مِنْ أَحَدِ هَؤُلَاءِ وَخَاصَمَ الْمَالِكُ قُطِعَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ السَّرِقَةُ مِنْ عِنْدِهِ لِقِيَامِ الْمِلْكِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ الرَّاهِنَ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ. وَقَدْ اخْتَلَفَ نُسَخُ الْهِدَايَةِ فِيهِ، فَفِي بَعْضِهَا إلَّا أَنَّ الرَّاهِنَ إنَّمَا يُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ حَالَ قِيَامِ الرَّهْنِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ بَعْدَهُ، وَفِي بَعْضِهَا حَالَ قِيَامِ الرَّهْنِ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ. وَاسْتَصْوَبَهُ الشَّارِحُونَ نَقْلًا وَعَقْلًا؛ أَمَّا نَقْلًا فَلِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ

حَالَ قِيَامِ الرَّهْنِ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمُطَالَبَةِ بِالْعَيْنِ بِدُونِهِ. وَالشَّافِعِيُّ بَنَاهُ عَلَى أَصْلِهِ أَنْ لَا خُصُومَةَ لِهَؤُلَاءِ فِي الِاسْتِرْدَادِ عِنْدَهُ. وَزُفَرُ يَقُولُ: وِلَايَةُ الْخُصُومَةِ فِي حَقِّ الِاسْتِرْدَادِ ضَرُورَةُ الْحِفْظِ فَلَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الْقَطْعِ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ الصِّيَانَةِ. وَلَنَا أَنَّ السَّرِقَةَ مُوجِبَةٌ لِلْقَطْعِ فِي نَفْسِهَا، وَقَدْ ظَهَرَتْ عِنْدَ الْقَاضِي بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ وَهِيَ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ عَقِيبَ خُصُومَةٍ مُعْتَبَرَةٍ مُطْلَقًا إذْ الِاعْتِبَارُ لِحَاجَتِهِمْ إلَى الِاسْتِرْدَادِ فَيَسْتَوْفِي الْقَطْعَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِيضَاحِ وَالْمُحِيطِ. قَالَ فِي الْمُحِيطِ: إذَا سُرِقَ الرَّهْنُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَقْطَعَهُ وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَقْطَعَهُ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى أَخْذِ الرَّهْنِ. قَالَ: وَإِنْ قَضَى الرَّاهِنُ الدَّيْنَ فَلَهُ أَنْ يَقْطَعَهُ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ. وَكَذَا فِي الْإِيضَاحِ. وَأَمَّا عَقْلًا فَلِأَنَّ السَّارِقَ إنَّمَا تُقْطَعُ يَدُهُ بِخُصُومَةِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِرْدَادِ وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ ذَلِكَ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَالْمُرَادُ بِالرَّهْنِ الْمَرْهُونُ، وَالضَّمِيرُ فِي (بِدُونِهِ) رَاجِعٌ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَعَلَى النُّسْخَةِ الْأُولَى إلَى قِيَامِ الرَّهْنِ فَكَانَ شَرْطُ جَوَازِ الْقَطْعِ بِخُصُومَةِ الرَّاهِنِ أَمْرَيْنِ: قِيَامَ الْمَرْهُونِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ لَا سَبِيلَ لِلرَّاهِنِ عَلَيْهِ لِبُطْلَانِ دَيْنِهِ عَنْهُ. وَقَضَاءُ الدَّيْنِ لِحُصُولِ وِلَايَةِ الِاسْتِرْدَادِ حِينَئِذٍ، وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ اتَّفَقَا فِي الْحُكْمِ وَاخْتَلَفَا فِي تَخْرِيجِ الْمَنَاطِ (فَالشَّافِعِيُّ بَنَاهُ عَلَى أَصْلِهِ أَنْ لَا خُصُومَةَ لِهَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ فِي الِاسْتِرْدَادِ عِنْدَهُ) إذَا جَحَدَ مَنْ فِي يَدِهِ الْمَالُ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْمَالِكُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وِلَايَةُ الِاسْتِرْدَادِ لَا يُلْتَفَتُ إلَى خُصُومِهِمْ (وَزُفَرُ يَقُولُ: وِلَايَةُ الْخُصُومَةِ فِي الِاسْتِرْدَادِ ضَرُورَةُ الْحِفْظِ) وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا (فَلَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الْقَطْعِ لِأَنَّ فِيهِ) أَيْ فِي ظُهُورِهَا فِي حَقِّ الْقَطْعِ (تَفْوِيتَ الصِّيَانَةِ) لِأَنَّ الْمَالَ مَضْمُونٌ عَلَى السَّارِقِ، فَلَوْ اسْتَوْفَى الْقَطْعَ سَقَطَ الضَّمَانُ فَيَكُونُ فِيهِ تَضْيِيعٌ لَا صِيَانَةٌ وَهُمْ مَأْمُورُونَ بِالْحِفْظِ وَالصِّيَانَةِ (وَلَنَا أَنَّ السَّرِقَةَ مُوجِبَةٌ لِلْقَطْعِ فِي نَفْسِهَا) وَهَذَا ظَاهِرٌ (وَ) السَّرِقَةُ (قَدْ ظَهَرَتْ عِنْدَ الْقَاضِي بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ وَهِيَ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ عَقِيبَ خُصُومَةٍ مُعْتَبَرَةٍ مُطْلَقًا) أَيْ غَيْرِ ضَرُورِيَّةٍ، فَالْمُوجِبُ لِلْقَطْعِ قَدْ ظَهَرَ عِنْدَ الْقَاضِي بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ، وَإِنَّمَا قَالَ إنَّ الْخُصُومَةَ غَيْرُ ضَرُورِيَّةٍ (لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ لِحَاجَتِهِمْ إلَى اسْتِرْدَادِ الْيَدِ)

وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْخُصُومَةِ إحْيَاءُ حَقِّهِ وَسُقُوطُ الْعِصْمَةِ ضَرُورَةُ الِاسْتِيفَاءِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِشُبْهَةٍ مَوْهُومَةِ الِاعْتِرَاضِ كَمَا إذَا حَضَرَ الْمَالِكُ وَغَابَ الْمُؤْتَمَنُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُمْ فِي ذَلِكَ كَالْمَالِكِ، لِأَنَّ اعْتِبَارَ خُصُومَةِ الْمَالِكِ لِحَاجَتِهِ إلَى إظْهَارِ السَّرِقَةِ لِإِعَادَةِ الْيَدِ عَلَى الْمَحَلِّ تَحْصِيلًا لِلْأَغْرَاضِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْيَدِ. وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي هَؤُلَاءِ، أَمَّا الْمُسْتَأْجِرُ وَالْمُسْتَعِيرُ فَلِاحْتِيَاجِهِمَا إلَى الِانْتِفَاعِ بِالْمَحَلِّ، وَأَمَّا الْمُرْتَهِنُ وَالْمُودَعُ فَلِلرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ تَخْلِيصًا لِلذِّمَّةِ عَنْ عُهْدَةِ الضَّمَانِ وَالْتِزَامِ الْحِفْظِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْخُصُومَةَ مُطْلَقَةٌ انْدَفَعَ مَا قَالَ زُفَرُ إنَّهَا ضَرُورَةُ الْحِفْظِ فَلَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الْقَطْعِ. وَقَوْلُهُ (وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْخُصُومَةِ) أَيْ مَقْصُودُ صَاحِبِ الْيَدِ (إحْيَاءُ حَقِّ الْمَالِكِ وَسُقُوطُ) الضَّمَانِ بِسُقُوطِ (الْعِصْمَةِ) مِنْ ضَرُورَةِ الْقَطْعِ فَكَانَ ضِمْنِيًّا وَالضِّمْنِيُّ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَهَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ زُفَرَ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ الصِّيَانَةِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا مُعْتَبَرَ بِشُبْهَةٍ مَوْهُومَةِ الِاعْتِرَاضِ) جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ أَنْ يُقَالَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ السَّارِقُ بِدُونِ حَضْرَةِ الْمَالِكِ كَمَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةٍ قُبَيْلَ هَذَا الِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَوْ حَضَرَ أَقَرَّ لِلسَّارِقِ بِالْمَسْرُوقِ. وَتَوْجِيهُ الْجَوَابِ هَذِهِ شُبْهَةٌ مَوْهُومَةُ الِاعْتِرَاضِ فَلَا تُعْتَبَرُ (كَمَا إذَا حَضَرَ الْمَالِكُ وَغَابَ الْمُؤْتَمَنُ) فَإِنَّ فِيهِ شُبْهَةً مَوْهُومَةً أَيْضًا وَهُوَ أَنْ يَحْضُرَ الْمُؤْتَمَنُ وَيَقُولَ إنَّهُ كَانَ ضَيْفًا عِنْدِي فِي الْوَقْتِ الَّذِي سُرِقَ ذَلِكَ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَشْتَرِطْ حُضُورَ الْمُؤْتَمَنِ بَلْ يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ

فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنْ كَانَتْ شُبْهَةُ الْإِذْنِ فِي دُخُولِ الْحِرْزِ ثَابِتَةً (وَإِنْ قُطِعَ سَارِقٌ بِسَرِقَةٍ فَسُرِقَتْ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَا لِرَبِّ السَّرِقَةِ أَنْ يَقْطَعَ السَّارِقَ الثَّانِي) لِأَنَّ الْمَالَ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّ السَّارِقِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِالْهَلَاكِ فَلَمْ تَنْعَقِدْ مُوجِبَةً فِي نَفْسِهَا، وَلِلْأَوَّلِ وِلَايَةُ الْخُصُومَةِ فِي الِاسْتِرْدَادِ فِي رِوَايَةٍ لِحَاجَتِهِ إذْ الرَّدُّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) وَقَيَّدَ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ احْتِرَازًا عَنْ رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمَالِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْطَعَهُ حَالَ غَيْبَةِ الْمُودِعِ لِأَنَّ السَّارِقَ لَمْ يَسْرِقْ مِنْ الْمَالِكِ وَإِنَّمَا سُرِقَ مِنْ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُطَالِبَ بِذَلِكَ غَيْرُهُ. فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَبَيْنَ مَا إذَا أَقَرَّ السَّارِقُ بِالسَّرِقَةِ فِي غَيْبَةِ الْمَالِكِ حَيْثُ لَا يُقْطَعُ مَا لَمْ يَحْضُرْ مَعَ أَنَّ الْعِلَّةَ الْمَذْكُورَةَ وَهُوَ قَوْلُهُ إنَّ السَّرِقَةَ مُوجِبَةٌ لِلْقَطْعِ فِي نَفْسِهَا وَقَدْ ظَهَرَتْ عِنْدَ الْقَاضِي بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ وَهِيَ الْإِقْرَارُ مَوْجُودَةٌ وَشُبْهَةُ الْإِذْنِ بِالدُّخُولِ فِي الْحِرْزِ أَوْ الْإِقْرَارِ بِالْمَسْرُوقِ لِلسَّارِقِ مَوْهُومَةُ الِاعْتِرَاضِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُقْطَعُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْفَرْقَ مِنْ حَيْثُ إنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ قَدْ ظَهَرَتْ فِيهِ السَّرِقَةُ عَقِيبَ خُصُومَةٍ مُعْتَبَرَةٍ فَلَمْ تُؤَثِّرْ الشُّبْهَةُ فِي دَفْعِ الْعِلَّةِ عَنْ مُقْتَضَاهَا لِقُوَّتِهَا، بِخِلَافِ صُورَةِ الْإِقْرَارِ فَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ. . قَالَ (وَإِنْ قُطِعَ سَارِقٌ بِسَرِقَةٍ) الْمَسْرُوقُ إذَا سُرِقَ مِنْ السَّارِقِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ أَنْ قُطِعَ يَدُهُ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ لَمْ يَكُنْ لَهُ: أَيْ لِلسَّارِقِ وَلَا لِلْمَالِكِ أَنْ يَقْطَعَ يَدَ السَّارِقِ الثَّانِي، أَمَّا السَّارِقُ فَلِوَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا (أَنَّ الْمَالَ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّهِ حَتَّى لَا يَجِبَ الضَّمَانُ بِالْهَلَاكِ فَلَمْ تَنْعَقِدْ مُوجِبَةً فِي نَفْسِهَا) وَالثَّانِيَ أَنَّ يَدَهُ لَمْ تَبْقَ مِنْ الْأَيْدِي الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنْ مِلْكٍ وَضَمَانٍ الْوَدِيعَةٍ وَخُصُومَةٍ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ لَا تُعْتَبَرُ فِي الْقَطْعِ وَأَمَّا الْمَالِكُ فَلِلْوَجْهِ الْأَوَّلِ. وَقَوْلُهُ (وَلِلْأَوَّلِ) أَيْ السَّارِقِ الْأَوَّلِ (وِلَايَةُ الْخُصُومَةِ فِي الِاسْتِرْدَادِ فِي رِوَايَةٍ لِحَاجَتِهِ إذْ الرَّدُّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ) وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ لِكَوْنِ الْيَدِ الصَّحِيحَةِ عِبَارَةً عَنْ أَنْ تَكُونَ يَدَ مَالِكٍ أَوْ ضَمَانٍ أَوْ أَمَانَةٍ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ سُقُوطَ التَّقَوُّمِ كَانَ لِضَرُورَةِ الْقَطْعِ، وَكَذَا خُرُوجُ يَدِهِ عَنْ كَوْنِهَا يَدَ ضَمَانٍ كَانَ لِذَلِكَ وَقَدْ انْتَفَى ذَلِكَ فَصَارَ كَالْغَاصِبِ وَالدَّرْءُ بِالشُّبْهَةِ

(وَلَوْ سَرَقَ الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يُقْطَعَ الْأَوَّلُ أَوْ بَعْدَ مَا دُرِئَ الْحَدُّ بِشُبْهَةٍ يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْأَوَّلِ) لِأَنَّ سُقُوطَ التَّقَوُّمِ ضَرُورَةُ الْقَطْعِ وَلَمْ يُوجَدْ فَصَارَ كَالْغَاصِبِ (وَمَنْ سَرَقَ سَرِقَةً فَرَدَّهَا عَلَى الْمَالِكِ قَبْلَ الِارْتِفَاعِ) إلَى الْحَاكِمِ (لَمْ يُقْطَعْ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُقْطَعُ اعْتِبَارًا بِمَا إذَا رَدَّهُ بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ لِظُهُورِ السَّرِقَةِ، لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا جُعِلَتْ حُجَّةَ ضَرُورَةِ قَطْعِ الْمُنَازَعَةِ وَقَدْ انْقَطَعَتْ الْخُصُومَةُ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ لِانْتِهَاءِ الْخُصُومَةِ لِحُصُولِ مَقْصُودِهَا فَتَبْقَى تَقْدِيرًا ـــــــــــــــــــــــــــــQلِعَدَمِ الْقَطْعِ هَاهُنَا وَلِهَذَا قَرَنَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَهُمَا. (وَمَنْ سَرَقَ سَرِقَةً فَرَدَّهَا عَلَى الْمَالِكِ) فَإِمَّا أَنْ يَرُدَّهَا (قَبْلَ الِارْتِفَاعِ إلَى الْحَاكِمِ) أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ لَمْ يُقْطَعْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُقْطَعُ اعْتِبَارًا بِمَا إذَا رَدَّهُ بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ) بِجَامِعِ أَنَّ الْقَطْعَ حَقُّ اللَّهِ فَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْخُصُومَةِ فَكَانَ مَا قَبْلَ الِارْتِفَاعِ وَمَا بَعْدَهُ سَوَاءً (وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ لِظُهُورِ السَّرِقَةِ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا جُعِلَتْ حُجَّةً ضَرُورَةَ قَطْعِ الْمُنَازَعَةِ) يَعْنِي أَنَّ السَّرِقَةَ تَظْهَرُ بِالْبَيِّنَةِ وَالْبَيِّنَةُ حُجَّةُ ضَرُورَةِ قَطْعِ الْخُصُومَةِ وَقَطْعُ الْخُصُومَةِ بِدُونِهَا غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ، فَثَبَتَ أَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ لِظُهُورِ السَّرِقَةِ (وَالْخُصُومَةُ قَدْ انْقَطَعَتْ) بِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ فَشَرْطُ ظُهُورِ السَّرِقَةِ قَدْ انْقَطَعَ، وَإِذَا انْقَطَعَ شَرْطُ ظُهُورِهَا

(وَإِذَا قُضِيَ عَلَى رَجُلٍ بِالْقَطْعِ فِي سَرِقَةٍ فَوُهِبَتْ لَهُ لَمْ يُقْطَعْ) مَعْنَاهُ إذَا سُلِّمَتْ إلَيْهِ (وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَهَا الْمَالِكُ إيَّاهُ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: يُقْطَعُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، لِأَنَّ السَّرِقَةَ قَدْ تَمَّتْ انْعِقَادًا وَظُهُورًا، وَبِهَذَا الْعَارِضِ لَمْ يَتَبَيَّنْ قِيَامُ الْمِلْكِ وَقْتَ السَّرِقَةِ فَلَا شُبْهَةَ. وَلَنَا أَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي هَذَا الْبَابِ لِوُقُوعِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِالِاسْتِيفَاءِ، إذْ الْقَضَاءُ لِلْإِظْهَارِ وَالْقَطْعُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ ظَاهِرٌ عِنْدَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQانْقَطَعَ ظُهُورُهَا وَلَا قَطْعَ بِدُونِ ظُهُورِهَا، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ قُطِعَ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَنْقَطِعْ بَلْ انْتَهَى بِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ وَهُوَ اسْتِرْدَادُ الْمَالِ إلَى الْمَالِكِ، وَالشَّيْءُ يَتَقَرَّرُ بِانْتِهَائِهِ لَا أَنَّهُ يَبْطُلُ كَالنِّكَاحِ يَتَقَرَّرُ بِالْمَوْتِ لَا أَنَّهُ يَبْطُلُ، لَكِنَّهَا أَعْنِي الْخُصُومَةَ تُجْعَلُ بَاقِيَةً تَقْدِيرًا لِاسْتِيفَاءِ الْقَطْعِ، وَالرَّدُّ إلَى ابْنِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَإِلَى أَخِيهِ وَعَمِّهِ وَخَالِهِ وَهُمْ فِي عِيَالِهِ وَكَذَا إلَى امْرَأَتِهِ أَوْ أَجِيرِهِ مُشَاهَرَةً أَوْ عَبْدِهِ، وَكَذَا الرَّدُّ إلَى أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ جَدِّهِ سَوَاءٌ كَانُوا فِي عِيَالِهِ أَوْ لَمْ يَكُونُوا كَالرَّدِّ إلَى نَفْسِهِ اسْتِحْسَانًا. (وَإِذَا قَضَى عَلَى رَجُلٍ بِالْقَطْعِ فِي سَرِقَةٍ فَوَهَبَهُ الْمَالِكُ) وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ (أَوْ بَاعَهُ إيَّاهُ لَمْ يُقْطَعْ) وَإِنَّمَا فَسَّرَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِقَوْلِهِ مَعْنَاهُ إذَا سُلِّمَتْ لِأَنَّ الْهِبَةَ إذَا لَمْ تَتَّصِلْ بِالتَّسْلِيمِ وَالْقَبْضِ لَا تُثْبِتُ الْمِلْكَ (وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: يُقْطَعُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، قَالُوا: لِأَنَّ السَّرِقَةَ قَدْ تَمَّتْ انْعِقَادًا) بِأَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الْخُفْيَةِ مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ إذْ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي ذَلِكَ (وَظُهُورًا) لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ قَضَى عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ ظُهُورِهَا (وَبِهَذَا الْعَارِضِ) يَعْنِي ثُبُوتَ الْمِلْكِ لِلسَّارِقِ بِسَبَبِ الْهِبَةِ أَوْ الْبَيْعِ (لَمْ يَتَبَيَّنْ قِيَامُ الْمِلْكِ وَقْتَ السَّرِقَةِ) لِأَنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ بِهِمَا إنَّمَا يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِصَارِ عَلَى وَقْتِ ثُبُوتِ الْهِبَةِ وَالْبَيْعِ، وَهَذَا احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا أَقَرَّ بِهِ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ لِلسَّارِقِ، فَإِنَّ الْإِقْرَارَ يَظْهَرُ مَا كَانَ ثَابِتًا لِلْمُقِرِّ لَهُ مِنْ الْمِلْكِ، فَيَلْزَمُ مِنْهُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلسَّارِقِ وَقْتَ وُجُودِ السَّرِقَةِ فَيَكُونُ شُبْهَةً (وَلَنَا أَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ) يَعْنِي أَنَّ اسْتِيفَاءَ الْحَدِّ مِنْ تَتِمَّةِ قَوْلِ الْقَاضِي حَكَمْت أَوْ قَضَيْت بِالْقَطْعِ أَوْ بِالرَّجْمِ أَوْ بِالْحَدِّ (فِي هَذَا الْبَابِ) يَعْنِي بَابَ الْحُدُودِ (لِوُقُوعِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْقَضَاءِ (بِالِاسْتِيفَاءِ) يَعْنِي أَنَّ الْقَضَاءَ فِي هَذَا الْبَابِ لَا يُغْنِي غِنَاءَهُ: أَيْ لَا يُفِيدُ فَائِدَتَهُ إلَّا بِالِاسْتِيفَاءِ (لِأَنَّ الْقَضَاءَ لِلْإِظْهَارِ) وَلَا إظْهَار هَاهُنَا (لِأَنَّ الْقَطْعَ حَقُّ اللَّهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ عِنْدَهُ) فَلَوْ لَمْ يُجْعَلْ الِاسْتِيفَاءُ قَضَاءً فِي هَذَا

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يُشْتَرَطُ قِيَامُ الْخُصُومَةِ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ وَصَارَ كَمَا إذَا مَلَكَهَا مِنْهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ. قَالَ (وَكَذَا إذَا نَقَصَتْ قِيمَتُهَا مِنْ النِّصَابِ) يَعْنِي قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ بَعْدَ الْقَضَاءِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُقْطَعُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ اعْتِبَارًا بِالنُّقْصَانِ فِي الْعَيْنِ. وَلَنَا أَنَّ كَمَالَ النِّصَابِ لَمَّا كَانَ شَرْطًا يُشْتَرَطُ قِيَامُهُ عِنْدَ الْإِمْضَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا، بِخِلَافِ النُّقْصَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَابِ لَعَرَى عَنْ الْفَائِدَةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَهُوَ بَاطِلٌ. بِخِلَافِ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَإِنَّ الْقَضَاءَ فِيهَا يُفِيدُ إظْهَارَ الْحَقِّ لِلطَّالِبِ عَلَى الْمَطْلُوبِ فَلَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِ الْإِمْضَاءِ مِنْ تَتِمَّةِ الْقَضَاءِ، وَهَذَا فِقْهُ تَفْوِيضِ اسْتِيفَاءِ الْحُدُودِ إلَى الْأَئِمَّةِ دُونَ سَائِرِ الْحُقُوقِ (وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ) أَيْ إذَا كَانَ الْإِمْضَاءُ مِنْ الْقَضَاءِ (يُشْتَرَطُ قِيَامُ الْخُصُومَةِ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ) كَمَا يُشْتَرَطُ وَقْتَ ابْتِدَاءِ الْقَاضِي الْقَضَاءَ وَقَدْ انْتَفَى ذَلِكَ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَهَذَا لِأَنَّ مَا يَكُونُ شَرْطًا لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ يُرَاعَى وُجُودُهُ إلَى وَقْتِ الِاسْتِيفَاءِ لِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ كَالْمُقْتَرِنِ بِأَصْلِ السَّبَبِ بِدَلِيلِ الْعَمَى وَالْخَرَسِ وَالرِّدَّةِ وَالْفِسْقِ فِي الشُّهُودِ، فَإِنَّ الْحُدُودَ لَا تُسْتَوْفَى إذَا كَانَتْ الشُّهُودُ عَلَى هَذِهِ الْأَوْصَافِ وَقْتَ الِاسْتِيفَاءِ بِالْإِجْمَاعِ ذَكَرَهُ فِي الْأَسْرَارِ (وَقَوْلُهُ وَصَارَ كَمَا إذَا مَلَكَهَا قَبْلَ الْقَضَاءِ) يَعْنِي صَارَ الْمِلْكُ الْحَادِثُ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ كَالْمِلْكِ الْحَادِثِ قَبْلَ الْقَضَاءِ، لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْضِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقْضِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: جَعَلْتُمْ الْخُصُومَةَ بَاقِيَةً تَقْدِيرًا فِي صُورَةِ رَدِّ الْمَسْرُوقِ بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ وَلَمْ يَكُنْ الِاسْتِيفَاءُ ثَمَّةَ مِنْ الْقَضَاءِ حَتَّى أَوْجَبْتُمْ الْقَطْعَ، وَهَاهُنَا جَعَلْتُمْ الِاسْتِيفَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي بَابِ الْحَدِّ وَجَعَلْتُمْ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ دَافِعًا لِوُجُوبِ الْحَدِّ وَمَا ذَلِكَ إلَّا تَنَاقُضٌ صِرْفٌ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي بَابِ الْحُدُودِ مُطْلَقًا، لَكِنْ فِي صُورَةِ الرَّدِّ لَمْ يَحْصُلْ بِالرَّدِّ سَرَى الْوَاجِبُ عَلَيْهِ بِالْأَخْذِ، وَهَاهُنَا حَدَثَ بَيْنَهُمَا تَصَرُّفٌ مَوْضُوعٌ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ وَكَانَ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ. (وَكَذَلِكَ إذَا نَقَصَتْ قِيمَتُهَا مِنْ النِّصَابِ) هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَوَهَبْت لَهُ. وَقَوْلُهُ (يَعْنِي قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ بَعْدَ الْقَضَاءِ) بَيَانٌ لِذَلِكَ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ كَانَ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ. وَقَوْلُهُ (اعْتِبَارًا بِالنُّقْصَانِ فِي الْعَيْنِ) يَعْنِي بِأَنْ هَلَكَ دِرْهَمٌ مِنْ الْعَشَرَةِ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي قِيمَةِ الْمَسْرُوقِ أَنْ يَكُونَ يَوْمَ السَّرِقَةِ وَيَوْمَ الْقَطْعِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، فَإِنْ نَقَصَ عَنْ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَطْعِ فِي الْعَيْنِ لَمْ يَمْنَعْ عَنْ الِاسْتِيفَاءِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ لِتَرَاجُعِ السِّعْرِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اعْتِبَارًا بِالْأَوَّلِ بِجَامِعِ وُجُودِ سَرِقَةِ النِّصَابِ فِيهِمَا. وَوَجْهُ الظَّاهِرِ (أَنَّ كَمَالَ النِّصَابِ لَمَّا كَانَ شَرْطًا) فِي الِابْتِدَاءِ (يُشْتَرَطُ قِيَامُهُ عِنْدَ الْإِمْضَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا) أَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النُّقْصَانِ

فِي الْعَيْنِ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فَكَمُلَ النِّصَابُ عَيْنًا وَدَيْنًا، كَمَا إذَا اُسْتُهْلِكَ كُلُّهُ، أَمَّا نُقْصَانُ السِّعْرِ فَغَيْرُ مَضْمُونٍ فَافْتَرَقَا. (وَإِذَا ادَّعَى السَّارِقُ أَنَّ الْعَيْنَ الْمَسْرُوقَةَ مِلْكُهُ سَقَطَ الْقَطْعُ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً) مَعْنَاهُ بَعْدَمَا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ بِالسَّرِقَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَسْقُطُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لِأَنَّهُ لَا يَعْجِزُ عَنْهُ سَارِقٌ فَيُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِ الْحَدِّ. وَلَنَا أَنَّ الشُّبْهَةَ دَارِئَةٌ وَتَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لِلِاحْتِمَالِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِمَا قَالَ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الرُّجُوعِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ (وَإِذَا أَقَرَّ رَجُلَانِ بِسَرِقَةٍ ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا هُوَ مَالِي لَمْ يُقْطَعَا) لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَامِلٌ فِي حَقِّ الرَّاجِعِ وَمُورِثٌ لِلشُّبْهَةِ فِي حَقِّ الْآخَرِ، لِأَنَّ السَّرِقَةَ تَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْعَيْنِ (أَنَّ النُّقْصَانَ فِي الْعَيْنِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى السَّارِقِ وَالضَّمَانُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَضْمُونِ فَكَانَ النِّصَابُ كَامِلًا عَيْنًا وَقْتَ الْأَخْذِ وَدَيْنًا وَقْتَ الِاسْتِيفَاءِ (كَمَا إذَا اسْتَهْلَكَ كُلَّهُ، أَمَّا نُقْصَانُ السِّعْرِ فَغَيْرُ مَضْمُونٍ) فَكَانَ النِّصَابُ نَاقِصًا عِنْدَ الْقَطْعِ فَصَارَ شُبْهَةً (فَافْتَرَقَا) . (وَإِذَا ادَّعَى السَّارِقُ أَنَّ الْعَيْنَ الْمَسْرُوقَةَ مِلْكُهُ سَقَطَ الْقَطْعُ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ) وَفَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (مَعْنَاهُ بَعْدَمَا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ بِالسَّرِقَةِ) وَإِنَّمَا فَسَّرَهُ بِذَلِكَ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِالسَّرِقَةِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْقَطْعُ بِالِاتِّفَاقِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَسْقُطُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لِإِفْضَائِهِ إلَى سَدِّ بَابِ الْحَدِّ حَيْثُ لَا يَعْجِزُ سَارِقٌ عَنْ ذَلِكَ. وَلَنَا أَنَّ الشُّبْهَةَ دَارِئَةٌ وَ) الشُّبْهَةُ (تَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى) لِاحْتِمَالِ الصِّدْقِ (وَلَا مُعْتَبَرَ بِمَا قَالَ) إنَّهُ لَا يَعْجِزُ عَنْهُ سَارِقٌ (بِدَلِيلِ أَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالسَّرِقَةِ صَحِيحٌ) وَمَا مِنْ مُقِرٍّ إلَّا وَيَتَمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ، وَكَانَ ذَلِكَ مُعْتَبَرًا فِي إيرَاثِ الشُّبْهَةِ فَكَذَا هَذَا، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ وَالْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ كَامِلَةٌ لِمَا عُرِفَ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُورِثُ الشُّبْهَةِ فِي الْحُجَّةِ الْقَاصِرَةِ مُورِثًا لَهَا فِي الْكَامِلَةِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْكَمَالَ وَالْقُصُورَ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّعَدِّي إلَى الْغَيْرِ وَعَدَمِهِ وَلَيْسَ كَلَامُنَا فِيهِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُقِرِّ فَهُمَا سَوَاءٌ. (قَوْلُهُ وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلَانِ بِسَرِقَةٍ) مَبْنَاهُ عَلَى صِحَّةِ الرُّجُوعِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَامِلٌ فِي حَقِّ الرَّاجِعِ) يَعْنِي لِعَدَمِ الْمُكَذِّبِ (وَمُورِثٌ لِلشُّبْهَةِ فِي حَقِّ الْآخَرِ لِأَنَّ السَّرِقَةَ تَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِمَا

عَلَى الشَّرِكَةِ (فَإِنْ سَرَقَا ثُمَّ غَابَ أَحَدُهُمَا وَشَهِدَ الشَّاهِدَانِ عَلَى سَرِقَتِهِمَا قُطِعَ الْآخَرُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا) وَكَانَ يَقُولُ أَوَّلًا: لَا يُقْطَعُ، لِأَنَّهُ لَوْ حَضَرَ رُبَّمَا يَدَّعِي الشُّبْهَةَ. وَجْهُ قَوْلِهِ الْآخَرِ أَنَّ الْغَيْبَةَ تَمْنَعُ ثُبُوتَ السَّرِقَةِ عَلَى الْغَائِبِ فَيَبْقَى مَعْدُومًا وَالْمَعْدُومُ لَا يُورِثُ الشُّبْهَةَ وَلَا مُعْتَبَرَ بِتَوَهُّمِ حُدُوثِ الشُّبْهَةِ عَلَى مَا مَرَّ (وَإِذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَرِقَةِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ بِعَيْنِهَا فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَتُرَدُّ السَّرِقَةُ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُقْطَعُ وَالْعَشَرَةُ لِلْمَوْلَى. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُقْطَعُ وَالْعَشَرَةُ لِلْمَوْلَى وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ. وَمَعْنَاهُ إذَا كَذَّبَهُ الْمَوْلَى (وَلَوْ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مَالٍ مُسْتَهْلَكٍ قُطِعَتْ يَدُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الشَّرِكَةِ) فَيَكُونُ فِعْلًا وَاحِدًا. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ حَضَرَ رُبَّمَا يَدَّعِي الشُّبْهَةَ) يَعْنِي وَهِيَ دَارِئَةٌ لِلْحَدِّ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ الْحَاضِرِ، فَلَوْ قَطَعْنَا الْحَاضِرَ قَطَعْنَاهُ مَعَ الشُّبْهَةِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ (وَجْهُ الْقَوْلِ الْآخَرِ أَنَّ الْغَيْبَةَ تَمْنَعُ ثُبُوتَ السَّرِقَةِ عَلَى الْغَائِبِ) لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ، وَلِأَنَّ الْغَائِبَ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ كَأَنَّهُ مَعْدُومٌ (وَالْمَعْدُومُ لَا يُورِثُ الشُّبْهَةَ) فِي حَقِّ الْمَوْجُودِ وَهَذَا لِأَنَّ الشُّبْهَةَ هِيَ الْمُحَقَّقَةُ الْمَوْجُودَةُ لَا الْمَوْهُومَةُ (عَلَى مَا مَرَّ) يُرِيدُ قَوْلَهُ وَلَا مُعْتَبَرَ بِشُبْهَةٍ مَوْهُومَةِ الِاعْتِرَاضِ. قَالَ (وَإِذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَرِقَةِ مَالٍ) إذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ بِسَرِقَةٍ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا لَهُ أَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَالُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ أَوْ مُسْتَهْلَكًا، وَكُلٌّ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ كَذَّبَهُ الْمَوْلَى أَوْ صَدَّقَهُ، فَإِنْ صَدَّقَهُ يُقْطَعُ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ، وَإِنْ كَذَّبَهُ وَهُوَ مَأْذُونٌ لَهُ قُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ فَالثَّلَاثَةُ سَوَاءٌ كَانَ الْإِقْرَارُ بِمَالٍ قَائِمٍ أَوْ مُسْتَهْلَكٍ، وَيُرَدُّ الْقَائِمُ عَلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ. وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِمَالٍ مُسْتَهْلَكٍ قُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِمَالٍ قَائِمٍ بِعَيْنِهِ فِي يَدِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُقْطَعُ يَدُهُ وَيُرَدُّ الْمَالُ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تُقْطَعُ يَدُهُ وَالْمَالُ لِلْمَوْلَى، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تُقْطَعُ يَدُهُ وَالْمَالُ لِلْمَوْلَى. حُكِيَ عَنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت أُسْتَاذِي ابْنَ أَبِي عِمْرَانَ يَقُولُ: الْأَقَاوِيلُ الثَّلَاثَةُ كُلُّهَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. فَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ أَخَذَ بِهِ مُحَمَّدٌ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ، فَأَخَذَ بِهِ أَبُو يُوسُفَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ وَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ. وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ الْقَطْعَ أَصْلٌ أَوْ الْمَالَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْقَطْعُ أَصْلٌ وَالْمَالُ تَابِعٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِالتَّقَادُمِ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَبْغِي الْمَالَ

وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا لَهُ يُقْطَعُ فِي الْوَجْهَيْنِ) وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُقْطَعُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُ أَنَّ إقْرَارَ الْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَى نَفْسِهِ وَطَرَفِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ مَالُ الْمَوْلَى، وَالْإِقْرَارُ عَلَى الْغَيْرِ غَيْرُ مَقْبُولٍ إلَّا أَنَّ الْمَأْذُونَ لَهُ يُؤَاخَذُ بِالضَّمَانِ وَالْمَالِ لِصِحَّةِ إقْرَارِهِ بِهِ لِكَوْنِهِ مُسَلَّطًا عَلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ. وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ أَيْضًا، وَنَحْنُ نَقُولُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا أَبْغِي الْقَطْعَ لَمْ يَسْقُطْ الْقَطْعُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: كُلٌّ مِنْهُمَا أَصْلٌ، أَمَّا أَصَالَةُ الْقَطْعِ فِيمَا قَالُوا فِي الْحُرِّ إذَا أَقَرَّ وَقَالَ سَرَقْت هَذَا الْمَالَ مِنْ زَيْدٍ وَهُوَ فِي يَدِ عَمْرٍو وَكَذَّبَهُ عَمْرٌو، وَيَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ الْقَطْعِ دُونَ الْمَالِ، وَأَمَّا أَصَالَةُ الْمَالِ فَلِأَنَّهُ إذَا سَرَقَ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ لَا يُقْطَعُ وَالْخُصُومَةُ شَرْطٌ، وَلَوْلَا أَنَّ الْمَالَ أَصْلٌ لَوَجَبَ الْقَطْعُ بِدُونِهَا لِأَنَّهُ مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ يُسْتَوْفَى بِلَا طَلَبٍ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَالُ أَصْلٌ وَالْقَطْعُ تَبَعٌ، وَوَجْهُهُ وَجْهُ أَبِي يُوسُفَ فِي أَصَالَةِ الْمَالِ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا ظَهَرَ مَا فِي الْكِتَابِ سِوَى أَلْفَاظٍ نُبَيِّنُهَا، فَقَوْلُهُ (فِي الْوَجْهَيْنِ) يَعْنِي فِيمَا إذَا كَانَ الْمَالُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ أَوْ مُسْتَهْلَكًا. وَقَوْلُهُ (فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَوْ مَأْذُونًا لَهُ، وَفِيمَا إذَا كَانَ الْمَالُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ أَوْ مُسْتَهْلَكًا. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى نَفْسِهِ) يَعْنِي فِيمَا إذَا أَقَرَّ بِقَتْلِ الْغَيْرِ عَمْدًا (أَوْ طَرَفِهِ) يَعْنِي فِيمَا إذَا أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ. وَقَوْلُهُ (يُؤَاخَذُ بِالضَّمَانِ) يَعْنِي فِي الْمُسْتَهْلَكِ. وَقَوْلُهُ (وَالْمَالُ) يَعْنِي إذَا كَانَ قَائِمًا فِي يَدِهِ. وَقَوْلُهُ (مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ آدَمِيٌّ مُخَاطَبٌ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَالٌ مَمْلُوكٌ، وَالْعَبْدُ فِي ذَلِكَ كَالْحُرِّ

ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى الْمَالِيَّةِ فَيَصِحُّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ، وَلِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ لِمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَضْرَارِ، وَمِثْلُهُ مَقْبُولٌ عَلَى الْغَيْرِ. لِمُحَمَّدٍ فِي الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ أَنَّ إقْرَارَهُ بِالْمَالِ بَاطِلٌ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْإِقْرَارُ بِالْغَصْبِ فَيَبْقَى مَالُ الْمَوْلَى، وَلَا قَطْعَ عَلَى الْعَبْدِ فِي سَرِقَةِ مَالِ الْمَوْلَى. يُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمَالَ أَصْلٌ فِيهَا وَالْقَطْعُ تَابِعٌ حَتَّى تُسْمَعَ الْخُصُومَةُ فِيهِ بِدُونِ الْقَطْعِ وَيَثْبُتُ الْمَالُ دُونَهُ، وَفِي عَكْسِهِ لَا تُسْمَعُ وَلَا يَثْبُتُ، وَإِذَا بَطَلَ فِيمَا هُوَ الْأَصْلُ بَطَلَ فِي التَّبَعِ، بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْمَالِ الَّذِي فِي يَدِهِ صَحِيحٌ فَيَصِحُّ فِي حَقِّ الْقَطْعِ تَبَعًا. وَلِأَبِي يُوسُف أَنَّهُ أَقَرَّ بِشَيْئَيْنِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِقْرَارُهُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى اسْتِحْقَاقِ الْحُرِّ كَإِقْرَارِ الْحُرِّ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى الْإِقْرَارَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَمَا لَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى الْإِقْرَارَ بِهِ عَلَى عَبْدِهِ فَالْعَبْدُ فِيهِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْحُرِّ كَالطَّلَاقِ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى الْمَالِيَّةِ فَيَصِحُّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ) يَعْنِي لَمَا صَحَّ إقْرَارُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ يَصِحُّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ أَيْضًا بِالسِّرَايَةِ إلَيْهَا لِأَنَّ آدَمِيَّتَهُ لَا تَنْفَكُّ عَنْ مَالِيَّتِهِ. وَقَوْلُهُ (لِمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْعَبْدِ (مِنْ الْأَضْرَارِ) لِأَنَّ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ الضَّرَرِ بِاسْتِيفَاءِ الْعُقُوبَةِ مِنْهُ فَوْقَ مَا يَلْحَقُ الْمَوْلَى (وَمِثْلُهُ مَقْبُولٌ عَلَى الْغَيْرِ) أَيْ وَمِثْلُ مَا كَانَ ضَرَرُ الْإِقْرَارِ فِيهِ سَارِيًا إلَى الْمُقِرِّ وَإِلَى الْغَيْرِ يُسْمَعُ عَلَى الْغَيْرِ أَيْضًا بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لِانْعِدَامِ تُهْمَةِ الْكَذِبِ فِي ذَلِكَ الْإِقْرَارِ، كَمَا إذَا شَهِدَ الْوَاحِدُ عِنْدَ الْإِمَامِ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ وَفِي السَّمَاءِ عِلَّةٌ يَقْبَلُ الْإِمَامُ شَهَادَتَهُ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهَا فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ حَيْثُ يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ كَمَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ، وَكَذَلِكَ الْحُرُّ الْمَدْيُونُ الْمُفْلِسُ إذَا أَقَرَّ بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ إبْطَالُ دُيُونِ الْغُرَمَاءِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا قَطْعَ عَلَى الْعَبْدِ فِي سَرِقَتِهِ) أَيْ فِي سَرِقَةِ مَالِ مَوْلَاهُ. وَقَوْلُهُ (يُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمَالَ أَصْلٌ فِيهَا) إشَارَةٌ إلَى مَا مَهَّدْنَا مِنْ الْأَصْلِ. وَقَوْلُهُ (حَتَّى تُسْمَعَ فِيهِ الْخُصُومَةُ بِدُونِ الْقَطْعِ) مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَطْلُبُ مِنْهُ الْمَالَ دُونَ الْقَطْعِ وَيَثْبُتُ الْمَالُ دُونَهُ كَمَا إذَا شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ رَجَعَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْمَالَ وَلَا يُقْطَعُ (وَفِي عَكْسِهِ) بِأَنْ قَالَ أَطْلُبُ الْقَطْعَ دُونَ الْمَالِ (لَا تُسْمَعُ) الْخُصُومَةُ (وَلَا يَثْبُتُ) الْقَطْعُ دُونَ الْمَالِ.

بِالْقَطْعِ وَهُوَ عَلَى نَفْسِهِ فَيَصِحُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. وَبِالْمَالِ وَهُوَ عَلَى الْمَوْلَى فَلَا يَصِحُّ فِي حَقِّهِ فِيهِ، وَالْقَطْعُ يُسْتَحَقُّ بِدُونِهِ؛ كَمَا إذَا قَالَ الْحُرُّ الثَّوْبُ الَّذِي فِي يَدِ زَيْدٍ سَرَقْته مِنْ عَمْرٍو وَزَيْدٌ يَقُولُ هُوَ ثَوْبِي يُقْطَعُ يَدُ الْمُقِرِّ وَإِنْ كَانَ لَا يُصَدَّقُ فِي تَعْيِينِ الثَّوْبِ حَتَّى لَا يُؤْخَذَ مِنْ زَيْدٍ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْقَطْعِ قَدْ صَحَّ مِنْهُ لِمَا بَيَّنَّا فَيَصِحُّ بِالْمَالِ بِنَاءً عَلَيْهِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ يُلَاقِي حَالَةَ الْبَقَاءِ، وَالْمَالُ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ تَابِعٌ لِلْقَطْعِ حَتَّى تَسْقُطَ عِصْمَةُ الْمَالِ بِاعْتِبَارِهِ وَيُسْتَوْفَى الْقَطْعُ بَعْدَ اسْتِهْلَاكِهِ. بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْحُرِّ لِأَنَّ الْقَطْعَ إنَّمَا يَجِبُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ الْمُودَعِ. أَمَّا لَا يَجِبُ بِسَرِقَةِ الْعَبْدِ مَالَ الْمَوْلَى فَافْتَرَقَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (فَلَا يَصِحُّ فِي حَقِّهِ فِيهِ) أَيْ فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْعَبْدِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فِي الْمَالِ. وَقَوْلُهُ (وَالْقَطْعُ يُسْتَحَقُّ بِدُونِهِ) أَيْ بِدُونِ الْمَالِ لِأَنَّ أَحَدَ الْحُكْمَيْنِ يَنْفَصِلُ عَنْ الْآخَرِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ يَثْبُتُ الْمَالُ دُونَ الْقَطْعِ كَمَا إذَا شَهِدَ بِهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، وَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ الْقَطْعُ دُونَ الْمَالِ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مَالٍ مُسْتَهْلَكٍ. قَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَنَحْنُ نَقُولُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ. وَقَوْلُهُ (فَيَصِحُّ بِالْمَالِ بِنَاءً عَلَيْهِ) أَيْ لِمَا صَحَّ إقْرَارُهُ بِالْقَطْعِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ آدَمِيٌّ مُكَلَّفٌ صَحَّ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ أَنَّهُ لِغَيْرِ الْمَوْلَى بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ إقْرَارِهِ بِالْقَطْعِ لِمَا مَهَّدْنَاهُ مِنْ أَصْلِهِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْإِقْرَارَ يُلَاقِي حَالَةَ الْبَقَاءِ) يُرِيدُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالشَّيْءِ إظْهَارُ أَمْرٍ قَدْ كَانَ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْمُخْبَرِ بِهِ سَابِقًا عَلَى الْإِخْبَارِ. وَقَوْلُهُ (حَتَّى تَسْقُطُ) بِالرَّفْعِ لِأَنَّ حَتَّى بِمَعْنَى الْفَاءِ. قَوْلُهُ (بِاعْتِبَارِهِ) أَيْ بِاعْتِبَارِ الْقَطْعِ لِمَا يَجِيءُ مِنْ أَصْلِنَا أَنَّ الْقَطْعَ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ الضَّمَانِ، ثُمَّ سُقُوطُ الْعِصْمَةِ وَالتَّقَوُّمُ فِي حَقِّ السَّارِقِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَالَ تَابِعٌ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَصْلًا لَمَا تَغَيَّرَ حَالُهُ مِنْ التَّقَوُّمِ إلَى غَيْرِهِ لِأَنَّ مَقْصُودِيَّتَهُ إنَّمَا تَكُونُ بِالتَّقَوُّمِ، وَكَذَلِكَ اسْتِيفَاءُ الْقَطْعِ بَعْدَ اسْتِهْلَاكِ الْمَالِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، إذْ لَا وُجُودَ لِلتَّابِعِ مَعَ عَدَمِ وُجُودِ الْأَصْلِ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْحُرِّ) جَوَابٌ عَمَّا اسْتَشْهَدَ بِهِ أَبُو يُوسُفَ بِقَوْلِهِ إذَا قَالَ الْحُرُّ الثَّوْبُ الَّذِي فِي يَدِ زَيْدٍ إلَخْ. وَبَيَانُهُ أَنَّ الْحُرَّ لَمَّا لَمْ يَسْمَعْ قَوْلَهُ سَرَقْته مِنْ عَمْرٍو فِي حَقِّ الرَّدِّ إلَى عَمْرٍو لَا يَلْزَمُهُ عَدَمُ الْقَطْعِ، بَلْ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الْمُقَرَّ لَهُ وَهُوَ عَمْرٌو بِمَنْزِلَةِ الْمُودِعِ فَلَا يُوجِبُ رَدَّ الْمَالِ إلَيْهِ لِمَا مَرَّ أَنَّ السَّارِقَ إذَا سَرَقَ الْمَالَ مِنْ الْمُودَعِ يُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ إلَيْهِ الْمَالَ، وَأَمَّا هَاهُنَا فَلَوْ لَمْ يَرُدَّ الْمَالَ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَالُ مَالَ الْمَوْلَى. فَحِينَئِذٍ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ لِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا سَرَقَ مَالَ الْمَوْلَى لَا تُقْطَعُ يَدُهُ.

وَلَوْ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى يُقْطَعُ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا لِزَوَالِ الْمَانِعِ. قَالَ (وَإِذَا قُطِعَ السَّارِقُ وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ رُدَّتْ عَلَى صَاحِبِهَا) لِبَقَائِهَا عَلَى مِلْكِهِ (وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً لَمْ يَضْمَنْ) وَهَذَا الْإِطْلَاقُ يَشْمَلُ الْهَلَاكَ وَالِاسْتِهْلَاكَ، وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِالِاسْتِهْلَاكِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَضْمَنُ فِيهِمَا لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ قَدْ اخْتَلَفَ سَبَبَاهُمَا فَلَا يَمْتَنِعَانِ فَالْقَطْعُ حَقُّ الشَّرْعِ وَسَبَبُهُ تَرْكُ الِانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَى عَنْهُ. وَالضَّمَانُ حَقُّ الْعَبْدِ وَسَبَبُهُ أَخْذُ الْمَالِ فَصَارَ كَاسْتِهْلَاكِ صَيْدٍ مَمْلُوكٍ فِي الْحَرَمِ أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ مَمْلُوكَةٍ لِذِمِّيٍّ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ اتَّفَقَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ عَلَى قَطْعِ يَدِ الْعَبْدِ، فَقَدْ جَعَلَاهُ سَارِقًا مَالَ غَيْرِ الْمَوْلَى فَيَرُدُّ إلَى الَّذِي أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ مِنْهُ. (قَوْلُهُ وَلَوْ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى) قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْبَحْثِ. قَالَ (وَإِذَا قُطِعَ السَّارِقُ وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (كَاسْتِهْلَاكِ صَيْدٍ مَمْلُوكٍ فِي الْحَرَمِ) يَعْنِي مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَجِبُ قِيمَتُهُ لِلْمَالِكِ وَقِيمَةٌ أُخْرَى جَزَاءَ ارْتِكَابِ الْمَحْظُورِ لِلَّهِ تَعَالَى. وَقَوْلُهُ (أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ لِلذِّمِّيِّ) يَعْنِي عَلَى أَصْلِكُمْ، فَإِنَّ ضَمَانَ الْخَمْرِ بِالِاسْتِهْلَاكِ لَا يَجِبُ عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ لِلذِّمِّيِّ (وَلَنَا مَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

«لَا غُرْمَ عَلَى السَّارِقِ بَعْدَمَا قُطِعَتْ يَمِينُهُ» وَلِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ يُنَافِي الْقَطْعَ لِأَنَّهُ يَتَمَلَّكُهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْأَخْذِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ وَرَدَ عَلَى مِلْكِهِ فَيَنْتَفِي الْقَطْعُ لِلشُّبْهَةِ وَمَا يُؤَدِّي إلَى انْتِفَائِهِ فَهُوَ الْمُنْتَفِي، وَلِأَنَّ الْمَحَلَّ لَا يَبْقَى مَعْصُومًا حَقًّا لِلْعَبْدِ، إذْ لَوْ بَقِيَ لَكَانَ مُبَاحًا فِي نَفْسِهِ فَيَنْتَفِي الْقَطْعُ لِلشُّبْهَةِ فَيَصِيرُ مُحَرَّمًا حَقًّا لِلشَّرْعِ كَالْمَيْتَةِ وَلَا ضَمَانَ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ «لَا غُرْمَ عَلَى السَّارِقِ بَعْدَمَا قُطِعَتْ يَمِينُهُ» ) لَا يُقَالُ: هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَيْنَ إذَا كَانَتْ قَائِمَةً لَا تُرَدُّ إلَى صَاحِبِهَا لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى غُرْمًا. وَقَوْلُهُ (وَمَا يُؤَدِّي إلَى انْتِفَائِهِ) إنَّمَا كَانَ مَا يُؤَدِّي إلَى انْتِفَائِهِ هُوَ الْمُنْتَفِي لِكَوْنِهِ ثَابِتًا بِالْإِجْمَاعِ. وَقَوْلُهُ (إذْ لَوْ بَقِيَ) يَعْنِي مَعْصُومًا حَقًّا لِلْعَبْدِ (لَكَانَ مُبَاحًا فِي نَفْسِهِ) لِأَنَّهُ عَرَفَ بِالِاسْتِقْرَاءِ أَنَّ مَا هُوَ حَرَامٌ فِي حَقِّ الْعَبْدِ فَهُوَ مُبَاحٌ فِي نَفْسِهِ وَكَانَ الْمَالُ لِلسَّارِقِ حَرَامًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ (فَيَنْتَفِي الْقَطْعُ لِلشُّبْهَةِ) إذْ الشُّبْهَةُ هُوَ أَنْ تَكُونَ الْحُرْمَةُ ثَابِتَةً مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَحِينَئِذٍ يُدْرَأُ بِالْحَدِيثِ، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ مَعْصُومًا حَقًّا لِلْعَبْدِ يَصِيرُ مُحَرَّمًا (حَقًّا لِلشَّرْعِ كَالْمَيْتَةِ وَلَا ضَمَانَ فِيهِ) وَهَذَا مَعْنَى مَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ إذَا صَارَتْ الْمَالِيَّةُ لِلَّهِ تَعَالَى فِي هَذَا الْمَحَلِّ لَمْ يَبْقَ لِلْعَبْدِ فَالْتُحِقَ فِي حَقِّ الْعَبْدِ بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ، وَلَكِنْ هَذَا لَا يَتَقَرَّرُ إلَّا بِاسْتِيفَاءِ الْقَطْعِ لَا مَا يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى، فَتَمَامُهُ بِالِاسْتِيفَاءِ، فَكَانَ حُكْمُ الْأَخْذِ مُرَاعًى إنْ اسْتَوْفَى بِهِ الْقَطْعَ يَتَبَيَّنُ بِهِ أَنَّ حُرْمَةَ الْمَحَلِّ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ كَانَتْ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجِبُ ضَمَانُ الْعَبْدِ، وَإِنْ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ تَبَيَّنَ أَنَّ حُرْمَةَ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ كَانَ لِلْعَبْدِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ

إلَّا أَنَّ الْعِصْمَةَ لَا يَظْهَرُ سُقُوطُهَا فِي حَقِّ الِاسْتِهْلَاكِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ آخَرُ غَيْرِ السَّرِقَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّهِ، وَكَذَا الشُّبْهَةُ تُعْتَبَرُ فِيمَا هُوَ السَّبَبُ دُونَ غَيْرِهِ. وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ إتْمَامُ الْمَقْصُودِ فَتُعْتَبَرُ الشُّبْهَةُ فِيهِ، وَكَذَا يَظْهَرُ سُقُوطُ الْعِصْمَةِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِ سُقُوطِهَا فِي حَقِّ الْهَلَاكِ لِانْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّ الْعِصْمَةَ) جَوَابُ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ الْعِصْمَةُ لَمَّا انْتَقَلَتْ لِلَّهِ تَعَالَى وَصَارَ الْمَالُ الْمَسْرُوقُ كَالْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ وَجَبَ أَنْ لَا يَجِبَ الضَّمَانُ عِنْدَ الِاسْتِهْلَاكِ. وَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وُجُوبَ الضَّمَانِ فِيهِ، وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنَّ سُقُوطَ الْعِصْمَةِ إنَّمَا كَانَ ضَرُورَةَ تَحَقُّقِ الْقَطْعِ، وَمَا ثَبَتَ بِالضَّرُورَةِ يَقْتَصِرُ عَلَى مَحَلِّهَا فَلَا يَتَعَدَّى إلَى فِعْلٍ آخَرَ هُوَ الِاسْتِهْلَاكُ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْقَطْعَ وَلَا مِنْ لَوَازِمِهِ (وَكَذَا الشُّبْهَةُ) وَهُوَ كَوْنُهُ حَرَامًا لِغَيْرِهِ (تُعْتَبَرُ فِيمَا هُوَ السَّبَبُ) وَهُوَ السَّرِقَةُ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الشُّبْهَةِ إنَّمَا يَكُونُ بِجَعْلِ السَّبَبِ فِي الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ غَيْرَ مُوجِبٍ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ وَالِاسْتِهْلَاكُ لَيْسَ بِسَبَبٍ فَلَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الشُّبْهَةُ (وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ) وَهُوَ عَدَمُ وُجُوبِ الضَّمَانِ فِي الِاسْتِهْلَاكِ كَمَا فِي الْهَلَاكِ (أَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ إتْمَامُ الْمَقْصُودِ) بِالسَّبَبِ وَهُوَ السَّرِقَةُ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَرَقَ لِيَصْرِفَهُ إلَى بَعْضِ حَوَائِجِهِ فَكَانَ تَتِمَّةً لِلسَّبَبِ لَا أَنَّهُ فِعْلٌ آخَرُ (فَتُعْتَبَرُ الشُّبْهَةُ فِيهِ) لِإِسْقَاطِ الضَّمَانِ كَاعْتِبَارِهَا فِي نَفْسِ السَّبَبِ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا يَظْهَرُ سُقُوطُ الْعِصْمَةِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِ سُقُوطِهَا فِي حَقِّ الْهَلَاكِ لِانْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَيْ لِأَنَّ سُقُوطَ الْعِصْمَةِ فِي فَصْلِ الِاسْتِهْلَاكِ مِنْ ضَرُورَةِ سُقُوطِ الْعِصْمَةِ فِي فَصْلِ الْهَلَاكِ. وَأَقُولُ: مَعْنَاهُ سُقُوطُ الْعِصْمَةِ فِي الِاسْتِهْلَاكِ لَازِمٌ مِنْ لَوَازِمِ سُقُوطِهَا فِي الْهَلَاكِ وَالْمَلْزُومُ ثَابِتٌ فَاللَّازِمُ كَذَلِكَ، وَبَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَانَتْ الْعِصْمَةُ بَاقِيَةً فِي الِاسْتِهْلَاكِ مُوجِبَةً وَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ يَسْتَوْجِبُ الْمُمَاثَلَةَ بَيْنَ الْمَضْمُونِ وَالْمَضْمُونِ بِهِ بِالنَّصِّ، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ بِهِ مَالٌ مَعْصُومٌ فِي الْهَلَاكِ وَالِاسْتِهْلَاكِ، حَتَّى لَوْ غَصَبَهُ أَحَدٌ ضَمِنَهُ هَلَكَ عِنْدَهُ أَوْ اسْتَهْلَكَ، وَالْمَضْمُونُ وَهُوَ الْمَسْرُوقُ مَعْصُومٌ فِي الِاسْتِهْلَاكِ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ دُونَ الْهَلَاكِ، وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الْمَعْصُومِ فِي الْحَالَتَيْنِ وَالْمَعْصُومِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ. وَمِنْ الشَّارِحِينَ مَنْ قَالَ لِأَنَّهُ أَيْ لِأَنَّ سُقُوطَ الضَّمَانِ مِنْ

قَالَ (وَمَنْ سَرَقَ سَرِقَاتٍ فَقُطِعَ فِي إحْدَاهَا فَهُوَ لِجَمِيعِهَا، وَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا: يَضْمَنُ كُلَّهَا إلَّا الَّتِي قُطِعَ لَهَا) وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا حَضَرَ أَحَدُهُمْ، فَإِنْ حَضَرُوا جَمِيعًا وَقُطِعَتْ يَدُهُ لِخُصُومَتِهِمْ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا بِالِاتِّفَاقِ فِي السَّرِقَاتِ كُلِّهَا. لَهُمَا أَنَّ الْحَاضِرَ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْ الْغَائِبِ. وَلَا بُدَّ مِنْ الْخُصُومَةِ لِتَظْهَرَ السَّرِقَةُ فَلَمْ تَظْهَرْ السَّرِقَةُ مِنْ الْغَائِبَيْنِ فَلَمْ يَقَعْ الْقَطْعُ لَهَا فَبَقِيَتْ أَمْوَالُهُمْ مَعْصُومَةً. وَلَهُ أَنَّ الْوَاجِبَ بِالْكُلِّ قَطْعٌ وَاحِدٌ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ مَبْنَى الْحُدُودِ عَلَى التَّدَاخُلِ وَالْخُصُومَةُ شَرْطٌ لِلظُّهُورِ عِنْدَ الْقَاضِي، فَإِذَا اسْتَوْفَى فَالْمُسْتَوْفَى كُلُّ الْوَاجِبِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ يَرْجِعُ نَفْعُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQضَرُورَاتِ سُقُوطِ الْعِصْمَةِ: يَعْنِي أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ سُقُوطِ الْعِصْمَةِ سُقُوطُ الضَّمَانِ. وَهَذَا لِأَنَّ ضَمَانَ الْعُدْوَانِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الْمَسْرُوقِ وَضَمَانِهِ فَيَنْتَفِي الضَّمَانُ لِأَنَّ الْمَسْرُوقَ سَاقِطُ الْعِصْمَةِ حَرَامٌ لِعَيْنِهِ حَقًّا لِلشَّرْعِ غَيْرَ مُنْتَفَعٍ بِهِ كَالدَّمِ وَالْمَيْتَةِ. وَاَلَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ السَّارِقِ مَالٌ مَعْصُومٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ لَيْسَ بِحَرَامٍ لِعَيْنِهِ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ لِانْتِفَاءِ الْمُعَادَلَةِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ لَا يُسَاعِدُهُ فَتَأَمَّلْ. قَالَ (وَمَنْ سَرَقَ سَرِقَاتٍ فَقُطِعَ فِي إحْدَاهَا فَهُوَ بِجَمِيعِهَا) كَلَامُهُ وَاضِحٍ (وَقَوْلُهُ لَهُمَا أَنَّ الْحَاضِرَ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْ الْغَائِبِ) تَقْرِيرُهُ الْحَاضِرُ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْ الْغَائِبِ، وَمَنْ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْ الْغَائِبِ لَيْسَ لَهُ الْخُصُومَةُ فِي حَقِّ الْغَائِبِ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْخُصُومَةِ لِأَنَّهَا شَرْطُ ظُهُورِ السَّرِقَةِ فَلَمْ تَظْهَرْ السَّرِقَةُ مِنْ الْغَائِبِينَ فَلَمْ يَقَعْ الْقَطْعُ لَهَا، وَإِذَا لَمْ يَقَعْ الْقَطْعُ لَهَا بَقِيَتْ أَمْوَالُهُمْ مَعْصُومَةً وَالْمَالُ الْمَعْصُومُ مَضْمُونٌ لَا مَحَالَةَ (وَلَهُ أَنَّ الْوَاجِبَ بِالْكُلِّ) أَيْ بِكُلِّ السَّرِقَاتِ (قَطْعٌ وَاحِدٌ) لِأَنَّهُ يَجِبُ (حَقًّا لِلَّهِ) وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ يَتَدَاخَلُ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ (وَالْخُصُومَةُ شَرْطُ الظُّهُورِ عِنْدَ الْحَاكِمِ) وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ أَيْضًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْجَمِيعِ لِأَنَّ الشَّرْطَ يُرَاعَى وُجُودُهُ لَا وُجُودُهُ قَصْدًا (فَإِذَا اسْتَوْفَى) يَعْنِي ذَلِكَ الْقَطْعَ الْوَاحِدَ (فَالْمُسْتَوْفَى كُلُّ الْوَاجِبِ، أَلَا تَرَى أَنَّ نَفْعَهُ) وَهُوَ الِانْزِجَارُ يَرْجِعُ إلَى الْكُلِّ. فَإِنْ قِيلَ: الْحُكْمُ الثَّابِتُ ضِمْنًا لَا يَرْبُو عَلَى الثَّابِتِ صَرِيحًا، وَالْقَطْعُ يَتَضَمَّنُ الْبَرَاءَةَ عَنْ ضَمَانِ الْمَسْرُوقِ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ الْوَاحِدُ عَنْ ضَمَانِ الْكُلِّ نَصًّا لَمْ يَبْرَأْ فَكَيْفَ يَبْرَأُ إذَا ثَبَتَ ضِمْنًا؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ كَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا كَبَيْعِ الشُّرْبِ وَوَقْفِ الْمَنْقُولِ، ثُمَّ هَاهُنَا لَمَّا وَقَعَ الْقَطْعُ فِي حَقِّ الْكُلِّ بِالْإِجْمَاعِ تَبِعَهُ مَا هُوَ الثَّابِتُ فِي ضِمْنِهِ وَهُوَ سُقُوطُ الضَّمَانِ. وَاعْلَمْ أَنَّ وُقُوعَ الْقَطْعِ بِجَمِيعِ السَّرِقَاتِ بِالْإِجْمَاعِ، فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْقَطْعَ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ الضَّمَانِ. فَالْقَوْلُ بِالضَّمَانِ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ الْقَطْعِ وَالضَّمَانِ فَذَلِكَ تَنَاقُضٌ.

[باب ما يحدث السارق في السرقة]

إلَى الْكُلِّ فَيَقَعُ عَنْ الْكُلِّ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا كَانَتْ النُّصُبُ كُلُّهَا لِوَاحِدٍ فَخَاصَمَ فِي الْبَعْضِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (بَابُ مَا يُحْدِثُ السَّارِقُ فِي السَّرِقَةِ) (وَمَنْ سَرَقَ ثَوْبًا فَشَقَّهُ فِي الدَّارِ بِنِصْفَيْنِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ وَهُوَ يُسَاوِي عَشَرَةُ دَرَاهِمَ قُطِعَ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ سَبَبَ الْمِلْكِ وَهُوَ الْخَرْقُ الْفَاحِشُ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْقِيمَةَ وَتَمَلُّكَ الْمَضْمُونِ وَصَارَ كَالْمُشْتَرِي إذَا سَرَقَ مَبِيعًا فِيهِ خِيَارٌ لِلْبَائِعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا كَانَ النُّصُبُ كُلُّهَا لِوَاحِدٍ) يَعْنِي لَوْ سَرَقَ النُّصُبَ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ مِرَارًا فَخَاصَمَ فِي الْبَعْضِ فَقُطِعَ لِأَجْلِ ذَلِكَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَضْمَنُ النُّصُبَ الْبَاقِيَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [بَابُ مَا يُحْدِثُ السَّارِقُ فِي السَّرِقَةِ] لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ السَّرِقَةِ وَكَيْفِيَّةَ الْقَطْعِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ مَا يَسْقُطُ بِهِ الْقَطْعُ بِسَبَبِ إحْدَاثِ الصَّنْعَةِ لِلشُّبْهَةِ وَالشُّبْهَةُ أَبَدًا تَتْلُو الثَّابِتَ ذِكْرًا (وَمَنْ سَرَقَ ثَوْبًا فَشَقَّهُ فِي الدَّارِ بِنِصْفَيْنِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ وَهُوَ يُسَاوِي) بَعْدَ الشَّقِّ (عَشَرَةَ دَرَاهِمَ قُطِعَ) قَيَّدَ بِقَيْدَيْنِ: أَنْ يَكُونَ الشَّقُّ فِي الدَّارِ، وَأَنْ يُسَاوِيَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بَعْدَ الشَّقِّ فِي الدَّارِ، لِأَنَّهُ إذَا أَخْرَجَهُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ وَهُوَ يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ثُمَّ شَقَّهُ وَنَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِالشَّقِّ مِنْ الْعَشَرَةِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ قَوْلًا وَاحِدًا؛ وَلِأَنَّهُ إذَا شَقَّ فِي الدَّارِ وَنَقَصَتْ قِيمَتُهُ عَنْ الْعَشَرَةِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ السَّرِقَةَ قَدْ تَمَّتْ عَلَى النِّصَابِ الْكَامِلِ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ لَهُ فِي شُبْهَةِ الْمِلْكِ وَهُوَ الْخَرْقُ الْفَاحِشُ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْقِيمَةَ وَتَمَلُّكَ الْمَضْمُونِ) وَلِهَذَا قُلْنَا الْمَالِكُ بَعْدَ الشَّقِّ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ مَلَّكَهُ الثَّوْبَ بِالضَّمَانِ لِانْعِقَادِ سَبَبِ الْمِلْكِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْعَقِدْ لَمَا وَجَبَ التَّمْلِيكُ بِكُرْهٍ مِنْ السَّارِقِ (وَصَارَ كَالْمُشْتَرِي إذَا سَرَقَ مَبِيعًا فِيهِ خِيَارٌ لِلْبَائِعِ) ثُمَّ فَسَخَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ هُنَاكَ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ السَّرِقَةَ تَمَّتْ عَلَى عَيْنٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ لِلسَّارِقِ لَكِنْ وَرَدَ عَلَيْهِ سَبَبُ الْمِلْكِ

(وَلَهُمَا أَنَّ الْأَخْذَ وُضِعَ سَبَبًا لِلضَّمَانِ لَا لِلْمِلْكِ، وَإِنَّمَا الْمِلْكُ يُثْبِتُ ضَرُورَةَ أَدَاءِ الضَّمَانِ كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ، وَمِثْلُهُ لَا يُوَرِّثُ) الشُّبْهَةَ كَنَفْسِ الْأَخْذِ، وَكَمَا إذَا سَرَقَ الْبَائِعُ مَعِيبًا بَاعَهُ، بِخِلَافِ مَا ذَكَرَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَوْضُوعٌ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ النُّقْصَانِ وَأَخْذَ الثَّوْبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَهُمَا أَنَّ الْأَخْذَ) أَيْ هَذَا الْأَخْذَ الَّذِي فِيهِ خَرْقٌ فَاحِشٌ، وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَمِثْلُهُ لَا يُورِثُ الشُّبْهَةَ كَنَفْسِ الْأَخْذِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ لَهُ فِيهِ سَبَبَ الْمِلْكِ لِأَنَّ الْأَخْذَ الْمَعْهُودَ لَيْسَ بِمَوْضُوعٍ لَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مَوْضُوعٌ سَبَبًا لِلضَّمَانِ فَكَانَ لَهُ سَبَبُ الضَّمَانِ لَا سَبَبُ الْمِلْكِ (وَإِنَّمَا الْمِلْكُ يُثْبِتُ لَهُ ضَرُورَةَ أَدَاءِ الضَّمَانِ كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ وَمِثْلُهُ) أَيْ وَمِثْلُ هَذَا الْأَخْذِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الضَّمَانِ (لَا يُورِثُ الشُّبْهَةَ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْضُوعٍ لِلْمِلْكِ (كَنَفْسِ الْأَخْذِ) فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَصِيرَ سَبَبًا بَعْدَ الضَّمَانِ وَمَعَ هَذَا فَلَمْ تُعْتَبَرْ شُبْهَةً (وَكَمَا إذَا سَرَقَ الْبَائِعُ مَعِيبًا بَاعَهُ) وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَإِنْ انْعَقَدَ سَبَبُ الرَّدِّ وَهُوَ الْعَيْبُ، وَكَذَلِكَ هَاهُنَا يُقْطَعُ وَإِنْ انْعَقَدَ سَبَبُ الضَّمَانِ وَهُوَ الشَّقُّ (بِخِلَافِ مَا ذَكَرَ) أَيْ أَبُو يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُهُ كَالْمُشْتَرِي إذَا سَرَقَ مَبِيعًا فِيهِ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ مَوْجُودٌ فِيهِ (إذْ الْبَيْعُ مَوْضُوعٌ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ النُّقْصَانِ وَأَخَذَ الثَّوْبَ) لَا يُقَالُ: الْأَصْلُ عِنْدَكُمْ أَنَّ الْقَطْعَ وَالضَّمَانَ لَا يَجْتَمِعَانِ؛ فَإِذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ النُّقْصَانِ كَيْفَ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْقَطْعِ لِأَنَّ ضَمَانَ النُّقْصَانِ وَجَبَ بِجِنَايَةٍ أُخْرَى قَبْلَ الْإِخْرَاجِ وَهِيَ مَا فَاتَ مِنْ الْعَيْنِ وَالْقَطْعِ بِإِخْرَاجِ الْبَاقِي كَمَا لَوْ أَخَذَ ثَوْبَيْنِ، فَأَحْرَقَ أَحَدَهُمَا فِي الْبَيْتِ وَأَخْرَجَ الْآخَرَ وَقِيمَتُهُ نِصَابٌ. وَأَوْرَدَ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ الِاسْتِهْلَاكَ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ

فَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْقِيمَةِ وَتَرْكَ الثَّوْبِ عَلَيْهِ لَا يُقْطَعُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْأَخْذِ فَصَارَ كَمَا إذَا مَلَكَهُ بِالْهِبَةِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ النُّقْصَانُ فَاحِشًا، فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا يُقْطَعُ بِالِاتِّفَاقِ لِانْعِدَامِ سَبَبِ الْمِلْكِ إذْ لَيْسَ لَهُ اخْتِيَارُ تَضْمِينِ كُلِّ الْقِيمَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّهُ فِعْلٌ غَيْرُ السَّرِقَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ. وَعَنْ هَذَا ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ إنْ اخْتَارَ الْقَطْعَ لَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْقَطْعَ لِلْبَاقِي بَعْدَ الْحَرْقِ وَلَيْسَ فِيهِ ضَمَانٌ، بِخِلَافِ الْمُسْتَهْلَكِ فَإِنَّ الْقَطْعَ كَانَ لِأَجْلِهِ لَا لِشَيْءٍ آخَرَ (فَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَ قِيمَةِ الثَّوْبِ كُلَّهَا وَتَرَكَ الثَّوْبَ عَلَيْهِ لَا يُقْطَعُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْأَخْذِ فَصَارَ كَمَا إذَا مَلَكَهُ بِالْهِبَةِ) فَإِنَّهُ إذَا وَهَبَ لَهُ بَعْدَ تَمَامِ السَّرِقَةِ يَسْقُطُ الْقَطْعُ فَلَأَنْ لَا يَجِبَ إذَا مَلَكَهُ قَبْلَ تَمَامِ السَّرِقَةِ أَوْلَى (وَهَذَا كُلُّهُ) أَيْ هَذَا الْخِلَافُ مَعَ هَذِهِ التَّفْصِيلَاتِ (إذَا كَانَ النُّقْصَانُ فَاحِشًا) وَهُوَ الَّذِي يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ (فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا) وَهُوَ مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْمَنْفَعَةِ فِي الصَّحِيحِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ تَمَامُ الْكَلَامِ فِي تَفْسِيرِ الْفَاحِشِ وَالْيَسِيرِ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ (يُقْطَعُ بِالِاتِّفَاقِ لِانْعِدَامِ سَبَبِ الْمِلْكِ إذْ لَيْسَ لَهُ اخْتِيَارُ تَضْمِينِ كُلِّ الْقِيمَةِ)

(وَإِنْ سَرَقَ شَاةً فَذَبَحَهَا ثُمَّ أَخْرَجَهَا لَمْ يُقْطَعْ) لِأَنَّ السَّرِقَةَ تَمَّتْ عَلَى اللَّحْمِ وَلَا قَطْعَ فِيهِ (وَمَنْ سَرَقَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ فَصَنَعَهُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ قُطِعَ فِيهِ وَتَرَكَ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: لَا سَبِيلَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ عَلَيْهِمَا) وَأَصْلُهُ فِي الْغَصْبِ فَهَذِهِ صَنْعَةٌ مُتَقَوِّمَةٌ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ، ثُمَّ وُجُوبُ الْحَدِّ لَا يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ، وَقِيلَ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ قَبْلَ الْقَطْعِ، وَقِيلَ يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِالصَّنْعَةِ شَيْئًا آخَرَ فَلَمْ يَمْلِكْ عَيْنَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِنْ سَرَقَ شَاةً فَذَبَحَهَا) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ سَرَقَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ) أَيْ يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ (فَصَنَعَهُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ قُطِعَ فِيهِ) وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ وَأَصْلُهُ فِي الْغَصْبِ) يُرِيدُ أَنَّ مَا يَقْطَعُ حَقَّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَنْ الْمَغْصُوبِ مِنْ الصَّنْعَةِ يَقْطَعُ حَقَّ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ مِنْ الْمَسْرُوقِ، وَهَذِهِ الصَّنْعَةُ تَقْطَعُهُ (عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ) لَهُمَا أَنَّ هَذِهِ الصَّنْعَةَ تُبَدَّلُ الْعَيْنَ اسْمًا وَحُكْمًا وَمَقْصُودًا، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ، كَمَا إذَا كَانَ الْمَغْصُوبُ صُفْرًا فَضَرَبَهُ قَمْقَمَةً أَوْ حَدِيدًا فَجَعَلَهُ ذِرَاعًا فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ. وَلَهُ أَنَّ عَيْنَ الْمَسْرُوقِ بَاقٍ وَالصَّنْعَةُ الْحَادِثَةُ وَالِاسْمُ الْحَادِثُ لَيْسَا بِلَازِمَيْنِ، فَإِنَّ إعَادَتَهَا إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى مُمْكِنَةٌ، وَالصَّنْعَةُ هَاهُنَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ حَتَّى لَوْ كَسَرَ إبْرِيقَ فِضَّةٍ لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ أَخْذُهُ وَتَضْمِينُ الصَّنْعَةِ وَالْعَيْنُ الْمَسْرُوقَةُ مُتَقَوِّمَةٌ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ اعْتِبَارُ الْبَاقِي الْمُتَقَوِّمِ أَوْلَى مِنْ الزَّائِلِ الْغَيْرِ الْمُتَقَوِّمِ (قَوْلُهُ فَلَمْ يَمْلِكْ عَيْنَهُ) أَيْ عَيْنَ الْمَسْرُوقِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَيْنَهُمَا أَيْ عَيْنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. وَإِنَّمَا مَلَكَ شَيْئًا غَيْرَهُمَا فَإِنَّ الْأَعْيَانَ تَتَبَدَّلُ بِتَبَدُّلِ الصِّفَاتِ أَصْلُهُ حَدِيثُ بَرِيرَةَ.

(فَإِنْ سَرَقَ ثَوْبًا فَصَبْغَهُ أَحْمَرَ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ الثَّوْبُ وَلَمْ يَضْمَنْ قِيمَةَ الثَّوْبِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُؤْخَذُ مِنْهُ الثَّوْبُ وَيُعْطَى مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ) اعْتِبَارًا بِالْغَصْبِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا كَوْنُ الثَّوْبِ أَصْلًا قَائِمًا وَكَوْنُ الصَّبْغِ تَابِعًا. وَلَهُمَا أَنَّ الصَّبْغَ قَائِمٌ صُورَةً وَمَعْنًى، حَتَّى لَوْ أَرَادَ أَخْذَهُ مَصْبُوغًا يَضْمَنُ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ، وَحَقُّ الْمَالِكِ فِي الثَّوْبِ قَائِمٌ صُورَةً لَا مَعْنًى؛ أَلَّا تَرَى أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى السَّارِقِ بِالْهَلَاكِ فَرَجَّحْنَا جَانِبَ السَّارِقِ، بِخِلَافِ الْغَصْبِ، لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَائِمٌ صُورَةً وَمَعْنًى فَاسْتَوَيَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَرَجَّحْنَا جَانِبَ الْمَالِكِ بِمَا ذَكَرْنَا (وَإِنْ صَبَغَهُ أَسْوَدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (فَإِنْ سَرَقَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ سَرَقَ ثَوْبًا فَقُطِعَ فِيهِ ثُمَّ صَبَغَهُ أَحْمَرَ إلَخْ، فَإِنَّ لَفْظَ رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي السَّارِقِ يَسْرِقُ الثَّوْبَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ وَقَدْ صَبَغَ الثَّوْبَ أَحْمَرَ قَالَ: لَيْسَ لِصَاحِبِهِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَى السَّارِقِ. وَهَذَا كَمَا تَرَى لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى قَوْلِهِ ثُمَّ صَبَغَهُ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْحَالِ وَهِيَ لَا تَدُلُّ عَلَى التَّعْقِيبِ، وَلَكِنْ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (أَلَا تَرَى أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ إلَى آخِرِهِ) إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا كَانَتْ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ مَا قَالَ، وَتَحْرِيرُ الْمَذْهَبَيْنِ وَاعْتِبَارُ مُحَمَّدٍ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَلَهُمَا) أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (أَنَّ الصَّبْغَ قَائِمٌ صُورَةً وَمَعْنًى) أَمَّا صُورَةً فَظَاهِرٌ فَإِنَّ الْحُمْرَةَ فِيهِ مَحْسُوسَةٌ، وَأَمَّا مَعْنًى فَلِأَنَّ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ لَوْ أَخَذَ الثَّوْبَ مَصْبُوغًا ضَمِنَ الصَّبْغَ (وَحَقُّ الْمَالِكِ فِي الثَّوْبِ قَائِمٌ صُورَةً) لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ (لَا مَعْنًى) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى السَّارِقِ بِالْهَلَاكِ أَوْ الِاسْتِهْلَاكِ، فَكَانَ جَانِبُ السَّارِقِ مُرَجَّحًا كَالْمَوْهُوبِ لَهُ إذَا صَبَغَ فَإِنَّ حَقَّ الْوَاهِبِ يَنْقَطِعُ عَنْهُ (بِخِلَافِ) مَسْأَلَةِ (الْغَصْبِ) يَعْنِي الَّتِي اعْتَبَرَ بِهَا صُورَةَ النِّزَاعِ (لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَائِمٌ صُورَةً وَمَعْنًى فَاسْتَوَيَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) يَعْنِي الْوُجُودَ (فَرَجَّحْنَا جَانِبَ الْمَالِكِ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ كَوْنِ الثَّوْبِ أَصْلًا قَائِمًا وَكَوْنِ الصَّبْغِ تَابِعًا) وَإِنْ صَبَغَهُ أَسْوَدَ

[باب قطع الطريق]

أُخِذَ مِنْهُ فِي الْمَذْهَبَيْنِ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ لِأَنَّ السَّوَادَ زِيَادَةٌ عِنْدَهُ كَالْحُمْرَةِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ زِيَادَةٌ أَيْضًا كَالْحُمْرَةِ وَلَكِنَّهُ لَا يَقْطَعُ حَقَّ الْمَالِكِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ السَّوَادُ نُقْصَانٌ فَلَا يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّ الْمَالِكِ. (بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ) : قَالَ (وَإِذَا خَرَجَ جَمَاعَةٌ مُمْتَنِعِينَ أَوْ وَاحِدٌ يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ فَقَصَدُوا قَطْعَ الطَّرِيقِ فَأُخِذُوا قَبْلَ أَنْ يَأْخُذُوا ـــــــــــــــــــــــــــــQأُخِذَ مِنْهُ الثَّوْبُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَلَا يُؤْخَذُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ السَّوَادَ زِيَادَةٌ عِنْدَهُ كَالْحُمْرَةِ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ السَّوَادَ عِنْدَهُ نُقْصَانٌ فَلَمْ يَكُنْ حَقُّ السَّارِقِ قَائِمًا فِيهِ مَعْنًى (فَلَا يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّ الْمَالِكِ) وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَإِنَّ السَّوَادَ وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ أَيْضًا كَالْحُمْرَةِ لَكِنْ لَا يَقْطَعُ حَقَّ الْمَالِكِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ] اعْلَمْ أَنَّ قَطْعَ الطَّرِيقِ يُسَمَّى سَرِقَةً كُبْرَى، أَمَّا تَسْمِيَتُهَا سَرِقَةً فَلِأَنَّ قَاطِعَ الطَّرِيقِ يَأْخُذُ الْمَالَ سِرًّا مِمَّنْ إلَيْهِ حِفْظُ الطَّرِيقِ وَهُوَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ، كَمَا أَنَّ السَّارِقَ يَأْخُذُ الْمَالَ سِرًّا مِمَّنْ إلَيْهِ حِفْظُ الْمَكَانِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ وَهُوَ الْمَالِكُ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَأَمَّا تَسْمِيَتُهَا كُبْرَى فَلِأَنَّ ضَرَرَ قَطْعِ الطَّرِيقِ عَلَى أَصْحَابِ الْأَمْوَالِ وَعَلَى عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ بِانْقِطَاعِ الطَّرِيقِ، وَضَرَرَ السَّرِقَةِ الصُّغْرَى يَخُصُّ الْمُلَّاكَ بِأَخْذِ مَالِهِمْ وَهَتْكِ حِرْزِهِمْ وَلِهَذَا غَلَّظَ الْحَدَّ فِي حَقِّ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَإِنَّمَا أَخَّرَهُ عَنْ السَّرِقَةِ الصُّغْرَى لِأَنَّهَا أَكْثَرُ وُجُودًا مِنْهُ. قَوْلُهُ (وَإِذَا خَرَجَ جَمَاعَةٌ) قِيلَ ذَكَرَ لَفْظَ الْجَمَاعَةِ لِيَتَنَاوَلَ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ وَالْحَرْبِيَّ وَالْحُرَّ وَالْعَبْدَ، وَأَرَادَ بِالِامْتِنَاعِ أَنْ يَكُونَ قَاطِعُ الطَّرِيقِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ لَهُ أَنْ يُدَافِعَ تَعَرُّضَ الْغَيْرِ

مَالًا وَيَقْتُلُوا نَفْسًا حَبَسَهُمْ الْإِمَامُ حَتَّى يُحْدِثُوا تَوْبَةً، وَإِنْ أَخَذُوا مَالَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، وَالْمَأْخُوذُ إذَا قُسِّمَ عَلَى جَمَاعَتِهِمْ أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا أَوْ مَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ ذَلِكَ قَطَعَ الْإِمَامُ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلَافٍ، وَإِنْ قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا قَتَلَهُمْ الْإِمَامُ حَدًّا) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33] الْآيَةَ. وَالْمُرَادُ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ التَّوْزِيعُ عَلَى الْأَحْوَالِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ: هَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ، وَالرَّابِعَةُ نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهِ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ نَفْسِهِ بِقُوَّتِهِ وَشَجَاعَتِهِ، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (قَتَلَهُمْ حَدًّا) أَيْ لَا يَسْقُطُ الْقَتْلُ بِعَفْوِ الْأَوْلِيَاءِ وَيُسَمَّى قُطَّاعُ الطَّرِيقِ مُحَارَبِينَ لِأَنَّ الْمَالَ فِي الْبَرَارِيِّ مَحْفُوظٌ بِحِفْظِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِذَا أَخَذُوهُ عَلَى سَبِيلِ الْمُغَالَبَةِ كَانَ فِي صُورَةِ الْمُحَارَبِ (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ مِنْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ التَّوْزِيعُ عَلَى الْأَحْوَالِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى نَفْيِ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ نَظَرًا إلَى ظَاهِرِ كَلِمَةِ أَوْ. وَقَوْلُهُ (وَهِيَ أَرْبَعَةٌ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ) يَعْنِي قَوْلَهُ فَأُخِذُوا قَبْلَ أَنْ يَأْخُذُوا مَالًا وَيَقْتُلُوا نَفْسًا، وَقَوْلُهُ وَإِنْ أَخَذُوا مَالَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، وَقَوْلُهُ وَإِنْ قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا. وَالرَّابِعَةُ مَا يُذْكَرُ بُعَيْدَ هَذَا مِنْ الْقَتْلِ وَأَخْذِ الْمَالِ.

وَلِأَنَّ الْجِنَايَاتِ تَتَفَاوَتُ عَلَى الْأَحْوَالِ فَاللَّائِقُ تَغَلُّظُ الْحُكْمِ بِتَغَلُّظِهَا. أَمَّا الْحَبْسُ فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهُ الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ نَفْيٌ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ بِدَفْعِ شَرِّهِمْ عَنْ أَهْلِهَا، وَيُعَزَّرُونَ أَيْضًا لِمُبَاشَرَتِهِمْ مُنْكَرَ الْإِخَافَةِ. وَشَرْطُ الْقُدْرَةِ عَلَى الِامْتِنَاعِ؛ لِأَنَّ الْمُحَارَبَةَ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْمَنَعَةِ. وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ كَمَا بَيَّنَّاهَا لِمَا تَلَوْنَاهُ. وَشَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ مَالَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لِتَكُونَ الْعِصْمَةُ مُؤَبَّدَةً، وَلِهَذَا لَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ. وَشَرْطُ كَمَالِ النِّصَابِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ كَيْ لَا يُسْتَبَاحَ طَرَفُهُ إلَّا بِتَنَاوُلِهِ مَالَهُ خَطَرٌ، وَالْمُرَادُ قَطْعُ الْيَدِ الْيُمْنَى وَالرِّجْلِ الْيُسْرَى كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ. وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ كَمَا بَيَّنَّاهَا لِمَا تَلَوْنَاهُ (وَيُقْتَلُونَ حَدًّا، حَتَّى لَوْ عَفَا الْأَوْلِيَاءُ عَنْهُمْ لَا يُلْتَفَت إلَى عَفْوِهِمْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الْجِنَايَاتِ تَتَفَاوَتُ عَلَى الْأَحْوَالِ) أَيْ عَلَى حَسَبِ الْأَحْوَالِ الْوَاقِعَةِ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ (فَاللَّائِقُ تَغَلُّظُ الْحُكْمِ) أَيْ الْجَزَاءِ (بِتَغَلُّظِ الْجِنَايَةِ) بِتَفَاوُتِ الْأَحْوَالِ لَا التَّخْيِيرِ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ مُقَابَلَةَ الْجِنَايَةِ الْغَلِيظَةِ بِجَزَاءٍ خَفِيفٍ أَوْ بِالْعَكْسِ، وَهُوَ خِلَافُ مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ، وَالْكَلَامُ فِي هَذَا الْبَحْثِ قَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ مُسْتَوْفًى (قَوْلُهُ فَلِأَنَّهُ الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ الْمَذْكُورِ) يَعْنِي عِنْدَنَا، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: الْمُرَادُ بِهِ الطَّلَبُ لِيَهْرُبُوا مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ، وَمَا قُلْنَاهُ أَوْلَى لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ بِالْحَبْسِ مَشْرُوعَةٌ وَالْأَخْذُ بِمَا يُوجَدُ لَهُ نَظِيرٌ فِي الشَّرْعِ أَوْلَى مِنْ الْأَخْذِ بِمَا لَا نَظِيرَ لَهُ (قَوْلُهُ وَشَرْطُ كَمَالِ النِّصَابِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ إلَخْ) قَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: الشَّرْطُ أَنْ يَكُونَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا فَصَاعِدًا، لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِالْعَشَرَةِ فِي مَوْضِعٍ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ بِأَخْذِهَا عُضْوًا وَاحِدًا وَهَا هُنَا الْمُسْتَحَقُّ عُضْوَانِ، وَلَا يُقْطَعُ عُضْوَانِ فِي السَّرِقَةِ إلَّا فِي عِشْرِينَ دِرْهَمًا. وَقُلْنَا: يُغَلَّظُ الْحَدُّ هَاهُنَا بِاعْتِبَارِ تَغَلُّظِ فِعْلِهِمْ بِاعْتِبَارِ

لِأَنَّهُ حَقُّ الشَّرْعِ. (وَ) الرَّابِعَةُ (إذَا قَتَلُوا وَأَخْذُو الْمَالَ فَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلَافٍ وَقَتَلَهُمْ وَصَلَبَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ صَلَبَهُمْ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُقْتَلُ أَوْ يُصْلَبُ وَلَا يُقْطَعُ) لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا تُوجِبُ حَدَّيْنِ، وَلِأَنَّ مَا دُونَ النَّفْسِ يَدْخُلُ فِي النَّفْسِ فِي بَابِ الْحَدِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُحَارَبَةِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ لَا بِاعْتِبَارِ كَثْرَةِ الْمَالِ الْمَأْخُوذِ، فَفِي النِّصَابِ هَذَا الْحَدُّ وَحَدُّ السَّرِقَةِ سَوَاءٌ. وَقَوْلُهُ (كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ) حَتَّى إذَا كَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى شَلَّاءَ أَوْ مَقْطُوعَةً لَمْ تُقْطَعْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةً فَإِنَّهُ تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى. وَقَوْلُهُ (فَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْإِمَامَ بِالْخِيَارِ فِي جَمْعِ الْعُقُوبَتَيْنِ بَيْنَ قَطْعِ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ مَعَ الْقَتْلِ أَوْ الصَّلْبِ وَبَيْنَ الْقَتْلِ أَوْ الصَّلْبِ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ قَطْعِ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ، وَكَذَلِكَ لِلْإِمَامِ الْخِيَارُ عِنْدَ اخْتِيَارِ تَرْكِ قَطْعِ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالصَّلْبِ، وَكَانَ الْخِيَارُ لِلْإِمَامِ فِي مَوْضِعَيْنِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَذَكَرَ فِي الْكِتَابِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَهُ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُقْتَلُ أَوْ يُصْلَبُ وَلَا يُقْطَعُ) وَذَكَرَ فِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَهُ (لِأَنَّهُ) أَيْ قَطْعَ الطَّرِيقِ (جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا تُوجِبُ حَدَّيْنِ، وَلِأَنَّ مَا دُونَ النَّفْسِ دَخَلَ فِي النَّفْسِ فِي بَابِ الْحَدِّ

كَحَدِّ السَّرِقَةِ وَالرَّجْمِ. وَلَهُمَا أَنَّ هَذِهِ عُقُوبَةٌ وَاحِدَةٌ تَغَلَّظَتْ لِتَغَلُّظِ سَبَبِهَا، وَهُوَ تَفْوِيتُ الْأَمْنِ عَلَى التَّنَاهِي بِالْقَتْلِ وَأَخْذِ الْمَالِ، وَلِهَذَا كَانَ قَطْعُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مَعًا فِي الْكُبْرَى حَدًّا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَا فِي الصُّغْرَى حَدَّيْنِ، وَالتَّدَاخُلُ فِي الْحُدُودِ لَا فِي حَدٍّ وَاحِدٍ. ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ التَّخْيِيرَ بَيْن الصَّلْبِ وَتَرْكِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَتْرُكُهُ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، وَالْمَقْصُودُ التَّشْهِيرُ لِيَعْتَبِرَ بِهِ غَيْرُهُ. وَنَحْنُ نَقُولُ أَصْلُ التَّشْهِيرِ بِالْقَتْلِ وَالْمُبَالَغَةِ بِالصَّلْبِ فَيُخَيَّرُ فِيهِ. ثُمَّ قَالَ (وَيُصْلَبُ حَيًّا وَيُبْعَجُ بَطْنُهُ بِرُمْحٍ إلَى أَنْ يَمُوتَ) وَمِثْلَهُ عَنْ الْكَرْخِيِّ. وَعَنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يُقْتَلُ ثُمَّ يُصْلَبُ تَوَقِّيًا عَنْ الْمُثْلَةِ. وَجْهُ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ الصَّلْبَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَبْلَغُ فِي الرَّدْعِ وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَحَدِّ السَّرِقَةِ وَالرَّجْمِ) فَإِنَّ السَّارِقَ إذَا زَنَى وَهُوَ مُحْصَنٌ فَإِنَّهُ يُرْجَمُ لَا غَيْرُ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ. قَوْلُهُ (وَلَهُمَا) أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ (وَالتَّدَاخُلُ فِي الْحُدُودِ لَا فِي حَدٍّ وَاحِدٍ) أَلَا تَرَى أَنَّ الْجَلَدَاتِ فِي الزِّنَا لَا تَتَدَاخَلُ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ حَدًّا وَاحِدًا لَمَا جَازَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَدَعَ الْقَطْعَ كَمَا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ بَعْضَ الْجَلَدَاتِ. أُجِيبَ بِأَنَّ وِلَايَةَ تَرْكِ الْقَطْعِ لَيْسَ بِطَرِيقِ التَّدَاخُلِ بَلْ لِأَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عَلَيْهِ فِي إجْزَاءِ حَدٍّ وَاحِدٍ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْقَتْلِ لِذَلِكَ، ثُمَّ إذَا قَتَلَهُ فَلَا فَائِدَةَ فِي اشْتِغَالِهِ بِالْقَطْعِ بَعْدَهُ كَمَا إذَا ضَرَبَ الزَّانِيَ، خَمْسِينَ جَلْدَةً فَمَاتَ فَإِنَّهُ يَتْرُكُ مَا بَقِيَ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي إقَامَتِهِ وَالْبَعْجُ الشَّقُّ مِنْ حَدٍّ مُنِعَ. قَوْلُهُ (وَعَنْ الْكَرْخِيِّ مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ مَا نُقِلَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: يُصْلَبُ وَهُوَ حَيٌّ وَيُطْعَنُ بِالرُّمْحِ حَتَّى يَمُوتَ. وَقَوْلُهُ (تَوَقِّيًا عَنْ الْمُثْلَةِ) لِأَنَّهَا مَنْهِيٌّ عَنْهَا «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُثْلَةِ وَلَوْ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ» .

الْمَقْصُودُ بِهِ. قَالَ (وَلَا يُصْلَبُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) لِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ بَعْدَهَا فَيَتَأَذَّى النَّاسُ بِهِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُتْرَكُ عَلَى خَشَبَةٍ حَتَّى يَتَقَطَّعَ فَيَسْقُطَ لِيَعْتَبِرَ بِهِ غَيْرُهُ. قُلْنَا: حَصَلَ الِاعْتِبَارُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَالنِّهَايَةُ غَيْرُ مَطْلُوبَةٍ. قَالَ (وَإِذَا قَتَلَ الْقَاطِعُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي مَالٍ أَخَذَهُ) اعْتِبَارًا بِالسَّرِقَةِ الصُّغْرَى وَقَدْ بَيَّنَّاهُ (فَإِنْ بَاشَرَ الْقَتْلَ أَحَدُهُمْ أَجْرَى الْحَدَّ عَلَيْهِمْ بِأَجْمَعِهِمْ) لِأَنَّهُ جَزَاءَ الْمُحَارَبَةِ، وَهِيَ تَتَحَقَّقُ بِأَنْ يَكُونَ الْبَعْضُ رِدْءًا لِلْبَعْضِ حَتَّى إذَا زَلَّتْ أَقْدَامُهُمْ انْحَازُوا إلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا الشَّرْطُ الْقَتْلُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَقَدْ تَحَقَّقَ. قَالَ (وَالْقَتْلُ وَإِنْ كَانَ بِعَصًا أَوْ بِحَجَرٍ أَوْ بِسَيْفٍ فَهُوَ سَوَاءٌ) لِأَنَّهُ يَقَعُ قَطْعًا لِلطَّرِيقِ بِقَطْعِ الْمَارَّةِ (وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ الْقَاطِعُ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا وَقَدْ جَرَحَ اُقْتُصَّ مِنْهُ فِيمَا فِيهِ الْقِصَاصُ، وَأُخِذَ الْأَرْشُ مِنْهُ فِيمَا فِيهِ الْأَرْشُ وَذَلِكَ إلَى الْأَوْلِيَاءِ) لِأَنَّهُ لَا حَدَّ فِي هَذِهِ الْجِنَايَةِ فَظَهَرَ حَقُّ الْعَبْدِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَيَسْتَوْفِيهِ الْوَلِيُّ (وَإِنْ أَخَذَ مَالًا ثُمَّ جَرَحَ قُطِعَتْ يَدُهُ وَرَجْلُهُ وَبَطَلَتْ الْجِرَاحَاتُ) لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ الْحَدُّ حَقًّا لِلَّهِ سَقَطَتْ عِصْمَةُ النَّفْسِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (بِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ بِالصَّلْبِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. قَالَ (وَإِذَا قَتَلَ الْقَاطِعَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) إذَا قَتَلَ قَاطِعَ الطَّرِيقِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي مَالٍ أَخَذَهُ كَمَا لَوْ سَرَقَ فَقَطَعَ يَدَهُ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (انْحَازُوا إلَيْهِمْ) أَيْ انْضَمُّوا. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ الْقَاطِعُ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا وَقَدْ جَرَحَ) جَعَلَهُ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ حَالَةً خَامِسَةً مِنْ أَحْوَالِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْإِجْمَالِ بَلْ قَالَ هِيَ أَرْبَعَةٌ لِأَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ الْأَحْوَالُ الَّتِي يَدُلُّ عَلَيْهَا الْأَجْزِيَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي النَّصِّ حَدًّا وَهِيَ أَرْبَعَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ. قَوْلُهُ (سَقَطَتْ عِصْمَةُ النَّفْسِ

حَقًّا لِلْعَبْدِ كَمَا تَسْقُطُ عِصْمَةُ الْمَالِ (وَإِنْ أُخِذَ بَعْدَ مَا تَابَ وَقَدْ قَتَلَ عَمْدًا فَإِنْ شَاءَ الْأَوْلِيَاءُ قَتَلُوهُ وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا عَنْهُ) لِأَنَّ الْحَدَّ فِي هَذِهِ الْجِنَايَةِ لَا يُقَامُ بَعْدَ التَّوْبَةِ لِلِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ فِي النَّصِّ، وَلِأَنَّ التَّوْبَةَ تَتَوَقَّفُ عَلَى رَدِّ الْمَالِ وَلَا قَطْعَ فِي مِثْلِهِ، فَظَهَرَ حَقُّ الْعَبْدِ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْوَلِيُّ الْقِصَاصَ أَوْ يَعْفُوَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQحَقًّا لِلْعَبْدِ كَمَا تَسْقُطُ عِصْمَةُ الْمَالِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا دُونَ النَّفْسِ يَجْرِي مَجْرَى الْأَمْوَالِ فَكَانَ سُقُوطُ الْعِصْمَةِ فِي حَقِّ الْمَالِ سُقُوطَ الْعِصْمَةِ فِي حَقِّ الْجُرْحِ لِأَنَّ مُوجِبَ الْأَرْشِ هُوَ الْمَالُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْقُطْ لَصَارَتْ شُبْهَةً فِي وُجُوبِ الْقَطْعِ؛ إذْ الْجِنَايَةُ وَاحِدَةٌ وَهِيَ قَطْعُ الطَّرِيقِ، فَإِذَا ظَهَرَ حَقُّ الْعَبْدِ عُلِمَ أَنَّ حَقَّ اللَّهِ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِيهِ وَقَدْ ظَهَرَ حَقُّ اللَّهِ حَيْثُ وَجَبَ الْقَطْعُ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ شَاءَ الْأَوْلِيَاءُ قَتَلُوهُ) يَعْنِي قِصَاصًا. وَقَوْلُهُ (لِلِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ فِي النَّصِّ) يُرِيدُ بِهِ قَوْله تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] الْآيَةَ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ قَوْلَهُ {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [المائدة: 34] هَاهُنَا نَظِيرُهُ {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5] قِيلَ: هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ {وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33] إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا جُمْلَتَانِ كَامِلَتَانِ عُطِفَتَا عَلَى جُمْلَتَيْنِ كَامِلَتَيْنِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] لَا يَصْلُحُ جَزَاءً، وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ {وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33] وَاعْتُرِضَ أَيْضًا بِأَنَّ التَّوْبَةَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى أَدَاءِ الْمَالِ أَوَّلًا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي لَا يَسْتَقِيمُ التَّعْلِيلُ بِقَوْلِهِ وَلِأَنَّ التَّوْبَةَ تَتَوَقَّفُ عَلَى رَدِّ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ كَانَ الْوَجْهُ الثَّانِي دَاخِلًا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَلَا يَكُونُ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً، إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ جُزْءَ عِلَّةٍ وَعِلَّةً مُسْتَقِلَّةً بِالنِّسْبَةِ إلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ بِنَفْسِ التَّوْبَةِ وَهِيَ الْإِقْلَاعُ فِي الْحَالِ وَالِاجْتِنَابُ فِي الْمَآلِ وَالنَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى وَالْعَزْمُ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ إلَيْهِ أَبَدًا، وَلَمْ يَجْعَلُوا التَّوْبَةَ بِهَذَا الْمَعْنَى مَوْقُوفَةً عَلَى رَدِّ الْمَالِ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ الْحَدَّ لَا يَسْقُطُ مَا لَمْ يَرُدَّ الْمَالَ فَجَعَلُوا الرَّدَّ مِنْ تَمَامِهَا، فَالْمُصَنِّفُ جَمَعَ بَيْنَ قَوْلَيْ الْمَشَايِخِ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ، ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا قَطْعَ فِي مِثْلِهِ) أَيْ فِي مِثْلِ مَا إذَا رَدَّ الْمَالَ إلَى الْمَالِكِ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ تَنْقَطِعُ بِرَدِّ الْمَالِ إلَيْهِ وَهِيَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْقَطْعِ. وَقَوْلُهُ (فَظَهَرَ حَقُّ الْعَبْدِ) يَعْنِي لَمَّا انْتَفَى حَقُّ الشَّرْعِ وَهُوَ الْقَطْعُ بِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْخُصُومَةُ بِرَدِّ الْمَالِ (ظَهَرَ حَقُّ الْعَبْدِ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْوَلِيُّ الْقِصَاصَ أَوْ يَعْفُوَ)

وَيَجِبُ الضَّمَانُ إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ (وَإِنْ كَانَ مِنْ الْقُطَّاعِ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْبَاقِينَ) فَالْمَذْكُورُ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَوْ بَاشَرَ الْعُقَلَاءُ يُحَدُّ الْبَاقُونَ وَعَلَى هَذَا السَّرِقَةُ الصُّغْرَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَيَجِبُ الضَّمَانُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ وَلِيُّ الْقِصَاصِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ وُجُودَ الضَّمَانِ لِسُقُوطِ الْحَدِّ وَسُقُوطُ الْحَدِّ بِالتَّوْبَةِ وَالتَّوْبَةُ تَتَوَقَّفُ عَلَى رَدِّ الْمَالِ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْهَلَاكُ أَوْ الِاسْتِهْلَاكُ بَعْدَ الرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّا نَفْرِضُ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا تَابَ رَدَّ بَعْضَ الْمَالِ بِأَنْ يَرُدَّ مَالَ بَعْضِ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ

لَهُ أَنَّ الْمُبَاشِرَ أَصْلٌ، وَالرَّدُّ تَابِعٌ وَلَا خَلَلَ فِي مُبَاشَرَةِ الْعَاقِلِ وَلَا اعْتِبَارَ بِالْخَلَلِ فِي التَّبَعِ، وَفِي عَكْسِهِ يَنْعَكِسُ الْمَعْنَى وَالْحُكْمُ. وَلَهُمَا أَنَّهُ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ قَامَتْ بِالْكُلِّ، فَإِذَا لَمْ يَقَعْ فِعْلُ بَعْضِهِمْ مُوجِبًا كَانَ فِعْلُ الْبَاقِينَ بَعْضَ الْعِلَّةِ وَبِهِ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ فَصَارَ كَالْخَاطِئِ مَعَ الْعَامِدِ. وَأَمَّا ذُو الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَقَدْ قِيلَ تَأْوِيلُهُ إذَا كَانَ الْمَالُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُطْلَقٌ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ وَاحِدَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالطَّرِيقُ وَاسْتَهْلَكَ مَالَ الْبَعْضِ الْآخَرِ أَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ حَيْثُ تَصِحُّ تَوْبَتُهُ وَيَجِبُ الضَّمَانُ. وَأَقُولُ: هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ أَنْ لَوْ كَانَتْ التَّوْبَةُ مُتَوَقِّفَةً عَلَى رَدِّ الْمَالِ فِي الْجُمْلَةِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُتَوَقِّفَةً عَلَى رَدِّ جَمِيعِ الْأَمْوَالِ فَلَا يَتِمُّ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ هَذَا الْوَضْعُ إنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ الْآخَرِ مِنْ الْمَشَايِخِ. وَقَوْلُهُ (وَفِي عَكْسِهِ يَنْعَكِسُ الْمَعْنَى وَالْحُكْمُ) يَعْنِي إذَا بَاشَرَ غَيْرُ الْعُقَلَاءِ صَارَ الْخَلَلُ فِي الْأَصْلِ، وَلَهُ الِاعْتِبَارُ فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْكُلِّ. وَقَوْلُهُ (فَصَارَ كَالْخَاطِئِ مَعَ الْعَامِدِ) يَعْنِي إذَا رَمَى بِسَهْمٍ إلَى إنْسَانٍ عَمْدًا وَرَمَاهُ آخَرُ خَطَأً وَأَصَابَهُ السَّهْمَانِ مَعًا وَمَاتَ مِنْهُمَا فَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْعَامِدِ لِأَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ فَيَكُونُ فِعْلُ الْخَاطِئِ شُبْهَةً فِي حَقِّ الْعَامِدِ. وَقَوْلُهُ (فَقَدْ قِيلَ تَأْوِيلُهُ) ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ إلَى أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَالُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ، وَفِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ أَحَدِهِمْ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْبَاقِينَ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ شَيْءٌ وَاحِدٌ؛ فَإِذَا امْتَنَعَ عَنْ أَحَدِهِمْ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ امْتَنَعَ عَنْ الْبَاقِينَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَالٌ مُفْرَدٌ فَالْحَدُّ يَجْرِي عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِغَيْرِهِ، كَمَا لَوْ سَرَقُوا مِنْ حِرْزِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِنْ أَحَدِهِمْ مَالًا وَمِنْ حِرْزِ أَجْنَبِيٍّ مَالًا آخَرَ، بِخِلَافِ مَا إذَا سَرَقُوا مِنْ حِرْزِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مَالَهُ وَمَالَ غَيْرِهِ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ هُنَاكَ فِي الْحِرْزِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْحِرْزِ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ فَكُلُّ وَاحِدٍ حَافِظٌ لِمَالِهِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُطْلَقٌ) أَيْ لَيْسَ بِمُقَيَّدٍ بِكَوْنِ الْمَالِ مُشْتَرَكًا (لِأَنَّ الْجِنَايَةَ وَاحِدَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ)

فَالِامْتِنَاعُ فِي حَقِّ الْبَعْضِ يُوجِبُ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّ الْبَاقِينَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِيهِمْ مُسْتَأْمَنٌ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّهِ لِخَلَلٍ فِي الْعِصْمَةِ وَهُوَ يَخُصُّهُ، أَمَّا هُنَا الِامْتِنَاعُ لِخَلَلٍ فِي الْحِرْزِ، وَالْقَافِلَةُ حِرْزٌ وَاحِدٌ (وَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ صَارَ الْقَتْلُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ) لِظُهُورِ حَقِّ الْعَبْدِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ (فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا) (وَإِذَا قَطَعَ بَعْضُ الْقَافِلَةِ الطَّرِيقَ عَلَى الْبَعْضِ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ) لِأَنَّ الْحِرْزَ وَاحِدٌ فَصَارَتْ الْقَافِلَةُ كَدَارٍ وَاحِدَةٍ (وَمَنْ قَطَعَ الطَّرِيقَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فِي الْمِصْرِ أَوْ بَيْنَ الْكُوفَةِ وَالْحِيرَةِ فَلَيْسَ بِقَاطِعِ الطَّرِيقِ) اسْتِحْسَانًا. وَفِي الْقِيَاسِ يَكُونُ قَاطِعَ الطَّرِيقِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِوُجُودِهِ حَقِيقَةً. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجِبُ الْحَدُّ إذَا كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ إنْ كَانَ بِقُرْبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ (فَالِامْتِنَاعُ فِي حَقِّ الْبَعْضِ يُوجِبُ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّ الْبَاقِينَ) بِخِلَافِ السَّرِقَةِ مِنْ حِرْزٍ ثُمَّ مِنْ حِرْزٍ آخَرَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْفِعْلَيْنِ يَنْفَصِلُ عَنْ الْآخَرِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِيهِمْ مُسْتَأْمَنٌ) جَوَابُ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ قَطْعُ الطَّرِيقِ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ كَالْقَطْعِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ، ثُمَّ وُجُودُ هَذَا فِي الْقَافِلَةِ يُسْقِطُ الْحَدَّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ وُجُودُ الْمُسْتَأْمَنِ فِيهِمْ أَيْضًا. وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ (أَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّ الْمُسْتَأْمَنِ لِخَلَلٍ فِي الْعِصْمَةِ وَهُوَ) أَيْ الْخَلَلُ (يَخُصُّ الْمُسْتَأْمَنَ) فَلَا يَصِيرُ شُبْهَةً لِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِي غَيْرِ الْحِرْزِ لَا تُؤَثِّرُ فِي الَّذِي لَا شُبْهَةَ فِيهِ

وَعَنْهُ إنْ قَاتَلُوا نَهَارًا بِالسِّلَاحِ أَوْ لَيْلًا بِهِ أَوْ بِالْخَشَبِ فَهُمْ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ لِأَنَّ السِّلَاحَ لَا يَلْبَثُ وَالْغَوْثُ يُبْطِئُ بِاللَّيَالِيِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ قَطْعَ الطَّرِيقِ بِقَطْعِ الْمَارَّةِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الْمِصْرِ وَيَقْرُبُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لُحُوقُ الْغَوْثِ، إلَّا أَنَّهُمْ يُؤْخَذُونَ بِرَدِّ الْمَالِ أَيْضًا لَا لِلْحَقِّ إلَى الْمُسْتَحِقِّ، وَيُؤَدَّبُونَ وَيُحْبَسُونَ لِارْتِكَابِهِمْ الْجِنَايَةَ، وَلَوْ قَتَلُوا فَالْأَمْرُ فِيهِ إلَى الْأَوْلِيَاءِ لِمَا بَيَّنَّا (وَمَنْ خَنَقَ رَجُلًا حَتَّى قَتَلَهُ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ، وَسَنُبَيِّنُ فِي بَابِ الدِّيَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِنْ خَنَقَ فِي الْمِصْرِ غَيْرَ مَرَّةٍ قُتِلَ بِهِ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ سَاعِيًا فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ فَيُدْفَعُ شَرُّهُ بِالْقَتْلِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا إذَا سَرَقَ الْخَمْرَ وَعَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَأَمَّا وُجُودُ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِنْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ فَيُورِثُ شُبْهَةً فِي الْحِرْزِ؛ لِأَنَّ الْقَافِلَةَ بِمَنْزِلَةِ بَيْتٍ وَاحِدٍ فَكَانَ هَذَا كَقَرِيبٍ سَرَقَ مَالَ الْقَرِيبِ وَمَالَ الْأَجْنَبِيِّ مِنْ بَيْتِ الْقَرِيبِ فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ لِشُبْهَةٍ تَمَكَّنَتْ فِي الْحِرْزِ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ قَطَعَ الطَّرِيقَ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الْمِصْرِ وَبِقُرْبٍ مِنْهُ) قَدْرُ الْبُعْدِ بَيْنَ الْمِصْرَيْنِ وَبَيْنَ الْقُطَّاعِ مَسِيرَةُ سَفَرٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِظُهُورِ حَقِّ الْعَبْدِ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ خَنَقَ رَجُلًا) بِالتَّخْفِيفِ مِنْ خَنَقَهُ إذَا عَصَرَ حَلْقَهُ، وَالْخِنَاقُ فَاعِلُهُ وَمَصْدَرُهُ الْخَنِقُ بِكَسْرِ النُّونِ وَلَا يُقَالُ بِالسُّكُونِ، كَذَا عَنْ الْفَارَابِيِّ

[كتاب السير]

(كِتَابُ السِّيَرِ) السِّيَرُ جَمْعُ سِيرَةٍ، وَهِيَ الطَّرِيقَةُ فِي الْأُمُورِ، وَفِي الشَّرْعِ تَخْتَصُّ بِسِيَرِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي مَغَازِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ السِّيَرِ] قَدَّمَ الْحُدُودَ عَلَى السِّيَرِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَسَنٌ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ، وَذَلِكَ الْغَيْرُ يَتَأَدَّى بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ إلَّا أَنَّ الْحُدُودَ مُعَامَلَةٌ مَعَ الْمُسْلِمِينَ غَالِبًا أَوْ عَلَى الْخُصُوصِ فِي حَدِّ الشُّرْبِ. وَفِي السِّيَرِ الْمُعَامَلَةُ مَعَ الْكُفَّارِ وَتَقْدِيمُ مَا بِالْمُسْلِمِينَ أَوْلَى (وَالسِّيَرُ جَمْعُ سِيرَةٍ) وَهِيَ فِعْلَةٌ مِنْ السِّيَرِ (وَهِيَ الطَّرِيقَةُ فِي الْأُمُورِ. وَفِي الشَّرْعِ تَخْتَصُّ بِسِيَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَغَازِيهِ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: أَصْلُ السِّيرَةِ حَالَةُ السَّيْرِ، إلَّا أَنَّهَا غَلَبَتْ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ عَلَى أُمُورِ الْمَغَازِي وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا كَالْمَنَاسِكِ عَلَى أُمُورِ الْحَجِّ، وَالْمَغَازِي جَمْعُ الْمَغْزَاةِ مِنْ غَزَوْت الْعَدُوَّ قَصَدْته لِلْقِتَالِ، وَهِيَ الْغَزْوَةُ وَالْغُزَاةُ وَالْمَغْزَاةُ.

قَالَ (الْجِهَادُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (الْجِهَادُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ)

إذَا قَامَ بِهِ فَرِيقٌ مِنْ النَّاسِ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ) أَمَّا الْفَرْضِيَّةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] ـــــــــــــــــــــــــــــQقِيلَ: الْجِهَادُ هُوَ الدُّعَاءُ إلَى الدِّينِ الْحَقِّ وَالْقِتَالُ مَعَ مَنْ امْتَنَعَ عَنْ الْقَبُولِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ. وَسَبَبُهُ كَوْنُ الْكُفَّارِ حَرْبًا عَلَيْنَا، وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ (إذَا قَامَ بِهِ فَرِيقٌ مِنْ النَّاسِ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ. أَمَّا الْفَرْضِيَّةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] وَهُوَ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ فَيُفِيدُ الْفَرْضِيَّةَ

وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْجِهَادُ مَاضٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَأَرَادَ بِهِ فَرْضًا بَاقِيًا، وَهُوَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ؛ لِأَنَّهُ مَا فُرِضَ لِعَيْنِهِ إذْ هُوَ إفْسَادٌ فِي نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا فُرِضَ لِإِعْزَازِ دِينِ اللَّهِ وَدَفْعِ الشَّرِّ عَنْ الْعِبَادِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْجِهَادُ مَاضٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» أَيْ نَافِذٌ، مِنْ مَضَى فِي الْأَرْضِ مُضِيًّا إذَا نَفَذَ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَصِحُّ التَّمَسُّكُ عَلَى دَعْوَى الْفَرْضِيَّةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ. أُجِيبَ بِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ إذَا تَأَيَّدَ بِالْحُجَّةِ الْقَطْعِيَّةِ صَحَّ إضَافَةُ الْفَرْضِيَّةِ إلَيْهِ، وَهَاهُنَا تَأَيَّدَ هَذَا الْحَدِيثُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْتُلُوا} [التوبة: 5] وَبِالْإِجْمَاعِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إذَا تَأَيَّدَ بِالْقَطْعِيِّ أَفَادَ الْفَرْضِيَّةَ، فَإِنَّ الْفَرْضِيَّةَ حِينَئِذٍ تَكُونُ ثَابِتَةً بِذَلِكَ الْقَطْعِيِّ لَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْخَبَرُ لَمْ يَذْكُرْهُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْفَرْضِيَّةِ بَلْ لِبَيَانِ دَوَامِهِ وَبَقَائِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ فَإِنَّ الدَّلَائِلَ الْقَطْعِيَّةَ فِي الْبَابِ لَيْسَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَخَبَرُ الْوَاحِدِ جَازَ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِمَا احْتَمَلَهُ النَّصُّ (وَأَمَّا كَوْنُهُ فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَةِ فَلِأَنَّهُ مَا فُرِضَ لِعَيْنِهِ لِكَوْنِهِ إفْسَادًا فِي نَفْسِهِ) بِتَخْرِيبِ الْبِلَادِ وَإِفْنَاءِ الْعِبَادِ، لَكِنْ (لِإِعْزَازِ دِينِ اللَّهِ وَدَفْعِ الشَّرِّ عَنْ الْعِبَادِ

فَإِذَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِالْبَعْضِ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَرَدِّ السَّلَامِ (فَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ أَحَدٌ أَثِمَ جَمِيعُ النَّاسِ بِتَرْكِهِ) لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْكُلِّ، وَلِأَنَّ فِي اشْتِغَالِ الْكُلِّ بِهِ قَطْعَ مَادَّةِ الْجِهَادِ مِنْ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ فَيَجِبُ عَلَى الْكِفَايَةِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ النَّفِيرُ عَامًّا) فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ مِنْ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِذَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِالْبَعْضِ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَرَدِّ السَّلَامِ) وَالْمُرَادُ بِكُرَاعِ الْخَيْلِ.

لِقَوْلِهِ تَعَالَى {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} [التوبة: 41] الْآيَةَ. وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: الْجِهَادُ وَاجِبٌ إلَّا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ فِي سَعَةٍ حَتَّى يُحْتَاجَ إلَيْهِمْ، فَأَوَّلُ هَذَا الْكَلَامِ إشَارَةٌ إلَى الْوُجُوبِ عَلَى الْكِفَايَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوقَوْله تَعَالَى {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} [التوبة: 41] أَيْ رُكْبَانًا وَمُشَاةً أَوْ شُبَّانًا وَشُيُوخًا أَوْ مَهَازِيلَ وَسِمَانًا أَوْ صِحَاحًا وَمِرَاضًا. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} [التوبة: 41] عَامٌّ فَمَا وَجْهُ تَقْيِيدِهِ بِالنَّفِيرِ الْعَامِّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ رَفْعُ الْحَرَجِ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَخْرُجُ مَعَ تَخَلُّفِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ اخْتِصَاصُهُ بِالنَّفِيرِ الْعَامِّ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد: 10] وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَ الْقَاعِدِينَ عَنْ الْجِهَادِ الْحُسْنَى، وَلَوْ كَانَ الْجِهَادُ فَرْضَ عَيْنٍ لَاسْتَحَقَّ الْقَاعِدُ الْوَعِيدَ لَا الْوَعْدَ. ثُمَّ الْجِهَادُ يَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ عِنْدَ النَّفِيرِ الْعَامِّ عَلَى مَنْ يَقْرَبُ مِنْ الْعَدُوِّ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَنْ وَرَاءَهُمْ فَلَا يَكُونُ فَرْضًا عَلَيْهِمْ إلَّا إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِمْ، إمَّا لِعَجْزِ الْقَرِيبِ عَنْ الْمُقَاوَمَةِ مَعَ الْعَدُوِّ، وَإِمَّا لِلتَّكَاسُلِ فَحِينَئِذٍ يُفْرَضُ عَلَى مَنْ يَلِيهِمْ ثُمَّ وَثُمَّ إلَى أَنْ يُفْتَرَضَ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ شَرْقًا وَغَرْبًا عَلَى هَذَا التَّدْرِيجِ. وَقَوْلُهُ (فَأَوَّلُ هَذَا الْكَلَامِ إشَارَةٌ إلَى الْوُجُوبِ عَلَى الْكِفَايَةِ) أَرَادَ بِالْأَوَّلِ قَوْلَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْجِهَادُ وَاجِبٌ، إلَّا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ فِي سِعَةٍ، إذْ الِاسْتِثْنَاءُ

وَآخِرُهُ إلَى النَّفِيرِ الْعَامِّ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ عِنْدَ ذَلِكَ لَا يَتَحَصَّلُ إلَّا بِإِقَامَةِ الْكُلِّ فَيُفْتَرَضُ عَلَى الْكُلِّ (وَقِتَالُ الْكُفَّارِ وَاجِبٌ) وَإِنْ لَمْ يَبْدَءُوا لِلْعُمُومَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثَّنِيَّا فَكَانَ فِي مَجْمُوعِ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ (وَآخِرُهُ) وَهُوَ قَوْلُهُ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَيْهِمْ إلَى النَّفِيرِ الْعَامِّ. قَالَ (وَقِتَالُ الْكُفَّارِ) الَّذِينَ امْتَنَعُوا عَنْ الْإِسْلَامِ وَأَدَاءِ الْجِزْيَةِ (وَاجِبٌ وَإِنْ لَمْ يَبْدَءُوا بِالْقِتَالِ لِلْعُمُومَاتِ) الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193] {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} [البقرة: 216] وَغَيْرُهَا. فَإِنْ قِيلَ الْعُمُومَاتُ مُعَارَضَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [البقرة: 191] فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قِتَالَ الْكُفَّارِ إنَّمَا يَجِبُ إذَا بَدَءُوا بِالْقِتَالِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَبَيَانُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ مَأْمُورًا بِالصَّفْحِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ الْمُشْرِكِينَ بِقَوْلِهِ {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر: 85] {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 106] ثُمَّ أُمِرَ بِالدُّعَاءِ إلَى الدِّينِ بِالْمَوْعِظَةِ وَالْمُجَادَلَةِ بِالْأَحْسَنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ} [النحل: 125] الْآيَةَ ثُمَّ أَذِنَ بِالْقِتَالِ إذَا كَانَتْ الْبُدَاءَةُ مِنْهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ} [الحج: 39] الْآيَةَ، وَبِقَوْلِهِ {فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [البقرة: 191] ثُمَّ أُمِرَ بِالْقِتَالِ ابْتِدَاءً فِي بَعْضِ الْأَزْمَانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] الْآيَةَ، ثُمَّ أُمِرَ بِالْبُدَاءَةِ بِالْقِتَالِ مُطْلَقًا فِي الْأَزْمَانِ كُلِّهَا وَفِي الْأَمَاكِنِ بِأَسْرِهَا فَقَالَ تَعَالَى {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193] الْآيَةَ {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة: 29] الْآيَةَ.

(وَلَا يَجِبُ الْجِهَادُ عَلَى صَبِيٍّ) ؛ لِأَنَّ الصِّبَا مَظِنَّةُ الْمَرْحَمَةِ (وَلَا عَبْدٍ وَلَا امْرَأَةٍ) التَّقَدُّمُ حَقُّ الْمَوْلَى وَالزَّوْجِ (وَلَا أَعْمَى وَلَا مُقْعَدٍ وَلَا أَقْطَعَ لِعَجْزِهِمْ، فَإِنْ هَجَمَ الْعَدُوُّ عَلَى بَلَدٍ وَجَبَ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ الدَّفْعُ تَخْرُجُ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا وَالْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى) لِأَنَّهُ صَارَ فَرْضَ عَيْنٍ، وَمِلْكُ الْيَمِينِ وَرِقُ النِّكَاحِ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ النَّفِيرِ؛ لِأَنَّ بِغَيْرِهِمَا مَقْنَعًا فَلَا ضَرُورَةَ إلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلَا يَجِبُ الْجِهَادُ عَلَى صَبِيٍّ) ظَاهِرٌ.

إبْطَالِ حَقِّ الْمَوْلَى وَالزَّوْجِ (وَيُكْرَهُ الْجُعَلُ مَا دَامَ لِلْمُسْلِمِينَ فَيْءٌ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْأَجْرَ، وَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ مُعَدٌّ لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ (فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُقَوِّيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا) لِأَنَّ فِيهِ دَفْعَ الضَّرَرِ الْأَعْلَى بِإِلْحَاقِ الْأَدْنَى، يُؤَيِّدُهُ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَخَذَ دُرُوعًا مِنْ صَفْوَانَ» وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُغْزِي الْأَعْزَبَ عَنْ ذِي الْحَلِيلَةِ، وَيُعْطِي الشَّاخِصَ فَرَسَ الْقَاعِدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ الْجُعْلُ مَا دَامَ لِلْمُسْلِمِينَ فَيْءٌ) أَرَادَ بِالْجُعْلِ مَا يَضْرِبُهُ الْإِمَامُ لِلْغُزَاةِ عَلَى النَّاسِ بِمَا يَتَقَوَّى بِهِ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ إلَى الْجِهَادِ (لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْأُجْرَةَ) وَحَقِيقَةُ الْأُجْرَةِ حَرَامٌ فَمَا يُشْبِهُ الْأُجْرَةَ يَكُونُ مَكْرُوهًا. وَقَوْلُهُ (يُغْزِي الْأَعْزَبُ) يُقَالُ أَغْزَى الْأَمِيرُ الْجَيْشَ إذَا بَعَثَهُ إلَى الْعَدُوِّ، وَيُقَالُ رَجُلٌ عَزَبٌ بِالتَّحْرِيكِ لِمَنْ لَا زَوْجَ لَهُ، وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ «وَهُوَ شَابٌّ أَعْزَبُ» وَالشُّخُوصُ الذَّهَابُ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[باب كيفية القتال]

(بَابُ كَيْفِيَّةِ الْقِتَالِ) : (وَإِذَا دَخَلَ الْمُسْلِمُونَ دَارَ الْحَرْبِ فَحَاصَرُوا مَدِينَةً أَوْ حِصْنًا دَعَوْهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ كَيْفِيَّةِ الْقِتَالِ] لَمَّا كَانَ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ الْقِتَالَ بَدَأَ بِبَيَانِ كَيْفِيَّتِهِ وَالْمَدِينَةُ مَعْرُوفَةٌ وَالْحِصْنُ بِكَسْرِ الْحَاءِ كُلُّ مَكَان مَحْمِيٍّ مُحْرَزٍ لَا يُتَوَصَّلُ إلَى مَا فِي جَوْفِهِ فَالْمَدِينَةُ أَكْبَرُ مِنْ الْحِصْنِ (قَوْلُهُ دَعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ) قِيلَ: لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يُقَاتِلُوا قَوْمًا بَلَغَتْهُمْ الدَّعْوَةُ أَوْ لَمْ تَبْلُغْهُمْ، فَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ لَا يَحِلُّ الْقِتَالُ حَتَّى يُدْعَوْا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: 15] وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَالْأَفْضَلُ ذَلِكَ، «وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَاتَلَ قَوْمًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ دَعَاهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ ثُمَّ اشْتَغَلَ بِالصَّلَاةِ، وَإِذَا فَرَغَ جَدَّدَ الدَّعْوَةَ ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِتَالِ» .

مَا قَاتَلَ قَوْمًا حَتَّى دَعَاهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ» قَالَ (فَإِنْ أَجَابُوا كَفُّوا عَنْ قِتَالِهِمْ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» الْحَدِيثَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (كَفُّوا عَنْ قِتَالِهِمْ) أَيْ امْتَنَعُوا عَنْ قِتَالِهِمْ أَوْ مَنَعُوا أَنْفُسَهُمْ عَنْهُ فَكَفَّ لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ.

(وَإِنْ امْتَنَعُوا دَعَوْهُمْ إلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ) بِهِ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أُمَرَاءَ الْجُيُوشِ، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ مَا يَنْتَهِي بِهِ الْقِتَالُ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ النَّصُّ، وَهَذَا فِي حَقِّ مَنْ تُقْبَلُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ، وَمَنْ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ كَالْمُرْتَدِّينَ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ لَا فَائِدَةَ فِي دُعَائِهِمْ إلَى قَبُولِ الْجِزْيَةِ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} [الفتح: 16] (فَإِنْ بَذَلُوهَا فَلَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِيَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا، وَالْمُرَادُ بِالْبَذْلِ الْقَبُولُ وَكَذَا الْمُرَادُ بِالْإِعْطَاءِ الْمَذْكُورِ فِيهِ فِي الْقُرْآنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاتِلَ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ إلَى الْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ يَدْعُوهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي وَصِيَّةِ أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ «فَادْعُهُمْ إلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» وَلِأَنَّهُمْ بِالدَّعْوَةِ يَعْلَمُونَ أَنَّا نُقَاتِلُهُمْ عَلَى الدِّينِ لَا عَلَى سَلْبِ الْأَمْوَالِ وَسَبْيِ الذَّرَارِيِّ فَلَعَلَّهُمْ يُجِيبُونَ فَنُكْفَى مُؤْنَةُ الْقِتَالِ، وَلَوْ قَاتَلَهُمْ قَبْلَ الدَّعْوَةِ أَثِمَ لِلنَّهْيِ، وَلَا غَرَامَةَ لِعَدَمِ الْعَاصِمِ وَهُوَ الدِّينُ أَوْ الْإِحْرَازُ بِالدَّارِ فَصَارَ كَقَتْلِ النِّسْوَانِ وَالصِّبْيَانِ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ) مُبَالَغَةً فِي الْإِنْذَارِ، وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ» . «وَعَهِدَ إلَى أُسَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يُغِيرَ عَلَى أُبْنَى صَبَاحًا ثُمَّ يُحَرِّقَ» وَالْغَارَةُ لَا تَكُونُ بِدَعْوَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ النَّصُّ) يُرِيدُ قَوْله تَعَالَى {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: 29] إلَى قَوْلِهِ {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ} [التوبة: 29] (قَوْلُهُ وَهَذَا فِي حَقِّ مَنْ تُقْبَلُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ) ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ فَنُكْفَى) بِالنُّونِ عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ مُؤْنَةَ الْقِتَالِ بِنَصْبِ مُؤْنَةِ عَلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي (قَوْلُهُ لِلنَّهْيِ) إشَارَةٌ إلَى مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ عَلِيًّا فِي سَرِيَّةٍ، وَقَالَ: لَا تُقَاتِلُوهُمْ حَتَّى تَدْعُوَهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ» . وَقَوْلُهُ (لِعَدَمِ الْعَاصِمِ) أَيْ الْمُوجِبِ لِلْغَرَامَةِ (وَهُوَ الدِّينُ) عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ (أَوْ الْإِحْرَازُ بِالدَّارِ) عَلَى مَذْهَبِنَا. وَقَوْلُهُ (مُبَالَغَةً فِي الْإِنْذَارِ) «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا قَاتَلَ قَوْمًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ دَعَا ثُمَّ اشْتَغَلَ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ عَادَ بَعْدَ الْفَرَاغِ جَدَّدَ الدَّعْوَةَ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ» . وَقَوْلُهُ (أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ) أَيْ أَخْرَجَهُمْ مِنْ خِبَائِهِمْ بِهُجُومِهِ عَلَيْهِمْ (وَهْم غَارُّونَ) أَيْ غَافِلُونَ. وَأُبْنَى عَلَى وَزْنِ حُبْلَى مَوْضِعٌ بِالشَّامِ، وَقِيلَ اسْمُ قَبِيلَةٍ (وَالْغَارَةُ لَا تَكُونُ بِدَعْوَةٍ) لِأَنَّ فِيهَا سَتْرَ الْأَمْرِ وَالْإِسْرَاعَ، لِأَنَّهَا اسْمُ مَصْدَرٍ لِلْإِغَارَةِ الَّتِي هِيَ مَصْدَرُ أَغَارَ الثَّعْلَبُ أَوْ الْفَرَسُ إغَارَةً وَغَارَةً: إذَا أَسْرَعَ فِي الْعَدْوِ.

قَالَ (فَإِنْ أَبَوْا ذَلِكَ اسْتَعَانُوا بِاَللَّهِ عَلَيْهِمْ وَحَارَبُوهُمْ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ «فَإِنَّ أَبَوْا ذَلِكَ فَادْعُهُمْ إلَى إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ، إلَى أَنْ قَالَ: فَإِنْ أَبَوْهَا فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ عَلَيْهِمْ وَقَاتِلْهُمْ» وَلِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ النَّاصِرُ لِأَوْلِيَائِهِ وَالْمُدَمِّرُ عَلَى أَعْدَائِهِ فَيُسْتَعَانُ بِهِ فِي كُلِّ الْأُمُورِ. قَالَ (وَنَصَبُوا عَلَيْهِمْ الْمَجَانِيقَ) كَمَا نَصَبَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى الطَّائِفِ (وَحَرَّقُوهُمْ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَحْرَقَ الْبُوَيْرَةَ. قَالَ (وَأَرْسَلُوا عَلَيْهِمْ الْمَاءَ وَقَطَّعُوا أَشْجَارَهُمْ وَأَفْسَدُوا زُرُوعَهُمْ) لِأَنَّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلْحَاقَ الْكَبْتِ وَالْغَيْظِ بِهِمْ وَكَسْرَةَ شَوْكَتِهِمْ وَتَفْرِيقَ جَمْعِهِمْ فَيَكُونُ مَشْرُوعًا، (وَلَا بَأْسَ بِرَمْيِهِمْ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مُسْلِمٌ أَسِيرٌ أَوْ تَاجِرٌ) لِأَنَّ فِي الرَّمْيِ دَفْعَ الضَّرَرِ الْعَامِّ بِالذَّبِّ عَنْ بَيْضَةِ الْإِسْلَامِ، وَقَتْلُ الْأَسِيرِ وَالتَّاجِرِ ضَرَرٌ خَاصٌّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (الْبُوَيْرَةُ) عَلَى وَزْنِ الدُّوَيْرَةِ مُصَغَّرُ الدَّارِ وَالْكَبْتُ هُوَ الذُّلُّ وَالْهَوَانُ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ أَسِيرٌ مُسْلِمُ أَوْ تَاجِرٌ) رُدَّ لِمَا قَالَهُ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ فِيهِمْ مُسْلِمًا وَأَنَّهُ يَتْلَفُ بِهَذَا الصُّنْعِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى قَتْلِ الْمُسْلِمِ حَرَامٌ وَتَرْكُ قَتْلِ الْكَافِرِ جَائِزٌ؛ أَلَا يُرَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ لَا يَقْتُلَ الْأَسَارَى لِمَنْفَعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ مُرَاعَاةُ جَانِبِ الْمُسْلِمِ أَوْلَى مِنْ هَذَا الْوَجْهِ (وَقُلْنَا فِي رَمْيِهِمْ دَفْعُ الضَّرَرِ الْعَامِّ بِالذَّبِّ عَنْ بَيْضَةِ الْإِسْلَامِ) أَيْ مُجْتَمَعِهِ لِلشَّبَهِ الْمَعْنَوِيِّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَيْضَةِ النَّعَامَةِ وَغَيْرِهَا، لِأَنَّ الْبَيْضَةَ مُجْتَمَعُ الْوَلَدِ (وَقَتْلُ الْأَسِيرِ وَالتَّاجِرِ ضَرَرٌ خَاصٌّ) وَإِذَا

وَلِأَنَّهُ قَلَّمَا يَخْلُو حِصْنٌ عَنْ مُسْلِمٍ، فَلَوْ امْتَنَعَ بِاعْتِبَارِهِ لَانْسَدَّ بَابُهُ (وَإِنَّ تَتَرَّسُوا بِصِبْيَانِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ بِالْأُسَارَى لَمْ يَكُفُّوا عَنْ رَمْيِهِمْ) لِمَا بَيَّنَّاهُ (وَيَقْصِدُونَ بِالرَّمْيِ الْكُفَّارَ) لِأَنَّهُ إنْ تَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ فِعْلًا فَلَقَدْ أُمْكِنَ قَصْدًا، وَالطَّاعَةُ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ، وَمَا أَصَابُوهُ مِنْهُمْ لَا دِيَةَ عَلَيْهِمْ وَلَا كَفَّارَةَ لِأَنَّ الْجِهَادَ فَرْضٌ وَالْغَرَامَاتُ لَا تُقْرَنُ بِالْفُرُوضِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQاجْتَمَعَا يُقَدَّمُ دَفْعُ الضَّرَرِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ (وَلِأَنَّهُ قَلَّمَا يَخْلُو حِصْنٌ مِنْ حُصُونِهِمْ عَنْ مُسْلِمٍ) أَسِيرٍ أَوْ تَاجِرٍ (فَلَوْ امْتَنَعَ) عَنْ الرَّمْيِ (بِاعْتِبَارِهِ لَانْسَدَّ بَابُهُ) أَيْ بَابُ الْجِهَادِ. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ فِي الرَّمْيِ دَفْعَ الضَّرَرِ الْعَامِّ إلَخْ. وَقَوْلُهُ (وَمَا أَصَابُوهُ مِنْهُمْ لَا دِيَةَ عَلَيْهِمْ وَلَا كَفَّارَةَ) يَعْنِي عِنْدَنَا. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ؛ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ لِأَنَّ هَذَا هُوَ عَيْنُ صُورَةِ قَتْلِ الْخَطَإِ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِالرَّمْيِ الْكَافِرَ فَيُصِيبُ الْمُسْلِمَ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَالِمًا بِحَقِيقَةِ حَالِ مَنْ يُصِيبُهُ عِنْدَ الرَّمْيِ لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ خَطَأً بَلْ كَانَ مُبَاحًا مَحْضًا، وَلَا دِيَةَ وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ. وَلَنَا أَنَّ الْجِهَادَ فَرْضٌ وَكُلُّ مَا هُوَ فَرْضٌ (فَالْغَرَامَاتُ لَا تُقْرَنُ بِهِ) لِأَنَّ الْفَرْضَ مَأْمُورٌ بِهِ لَا مَحَالَةَ، وَسَبَبُ الْغَرَامَاتِ عُدْوَانٌ مَحْضٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَبَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا تَعْلِيلٌ فِي مُعَارَضَةِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ فِي الْإِسْلَامِ دَمٌ مُفْرَجٌ» أَيْ مُهْدَرٌ، وَالتَّعْلِيلُ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ بَاطِلٌ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ عَامٌّ خَصَّ مِنْهُ الْبُغَاةَ وَقُطَّاعَ الطَّرِيقِ فَتُخَصُّ صُورَةُ النِّزَاعِ بِمَا قُلْنَاهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْقِرَانَ شَرْطٌ وَهُوَ مَمْنُوعٌ. وَأَقُولُ: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ فِي الْإِسْلَامِ» مَعْنَاهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ

بِخِلَافِ حَالَةِ الْمَخْمَصَةِ لِأَنَّهُ لَا يُمْتَنَعُ مَخَافَةَ الضَّمَانِ لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَاءِ نَفْسِهِ. أَمَّا الْجِهَادُ فَمَبْنِيٌّ عَلَى إتْلَافِ النَّفْسِ فَيُمْتَنَعُ حِذَارَ الضَّمَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ حَالَةِ الْمَخْمَصَةِ) جَوَابٌ عَمَّا قَاسَ عَلَيْهِ الْحَسَنُ، وَقَالَ: إطْلَاقُ الرَّمْيِ لِضَرُورَةِ إقَامَةِ الْجِهَادِ لَا يَنْفِي الضَّمَانَ كَتَنَاوُلِ مَالِ الْغَيْرِ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ يُطْلَقُ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ وَيَجِبُ الضَّمَانُ. وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنَّ الْجَائِعَ يُقَدَّمُ عَلَى التَّنَاوُلِ عِنْدَ دَفْعِ الْخَطَرِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَمَانٌ (لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَاءِ نَفْسِهِ) وَهُوَ مَنْفَعَةٌ عَظِيمَةٌ يَتَحَمَّلُ بِسَبَبِهَا ضَرَرَ الضَّمَانِ (أَمَّا الْجِهَادُ فَمَبْنِيٌّ عَلَى إتْلَافِ النَّفْسِ) أَيْ نَفْسِ سَوَادِ الْكُفَّارِ وَقَدْ يَكُونُ فِيهَا مُسْلِمٌ، فَلَوْ وَجَبَ الضَّمَانُ بِقِتَالِهِمْ لَامْتَنَعُوا عَنْ الْجِهَادِ الَّذِي هُوَ فَرْضٌ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، كَمَا لَا يَجُوزُ إيجَابُ الدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ عَلَى الْإِمَامِ فِيمَا إذَا مَاتَ الزَّانِي الْبِكْرُ مِنْ الْجَلْدِ لِئَلَّا يَمْتَنِعَ الْقَاضِي عَنْ تَقَلُّدِ الْقَضَاءِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ الْجِهَادَ مَبْنِيٌّ عَلَى إتْلَافِ النَّفْسِ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْمُجَاهِدَ إمَّا أَنْ يَقْتُلَ وَقَدْ يُصَادِفُ الْمُسْلِمَ أَوْ يُقْتَلَ، فَلَوْ أَلْزَمْنَا الضَّمَانَ امْتَنَعَ عَنْ الْجِهَادِ الْفَرْضِ لِكَوْنِهِ خَاسِرًا فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَضْمَنْ. وَقَوْلُهُ (حِذَارَ الضَّمَانِ) مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِ لَهُ.

قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِإِخْرَاجِ النِّسَاءِ وَالْمَصَاحِفِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إذَا كَانُوا عَسْكَرًا عَظِيمًا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْغَالِبَ هُوَ السَّلَامَةُ وَالْغَالِبُ كَالْمُتَحَقِّقِ (وَيُكْرَهُ إخْرَاجُ ذَلِكَ فِي سَرِيَّةً لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا) لِأَنَّ فِيهِ تَعْرِيضَهُنَّ عَلَى الضَّيَاعِ وَالْفَضِيحَةِ وَتَعْرِيضَ الْمَصَاحِفِ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ فَإِنَّهُمْ يَسْتَخِفُّونَ بِهَا مُغَايَظَةً لِلْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ التَّأْوِيلُ الصَّحِيحُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ» وَلَوْ دَخَلَ مُسْلِمٌ إلَيْهِمْ بِأَمَانٍ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ الْمُصْحَفَ إذَا كَانُوا قَوْمًا يَفُونَ بِالْعَهْدِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ التَّعَرُّضِ، وَالْعَجَائِزُ يَخْرُجْنَ فِي الْعَسْكَرِ الْعَظِيمِ لِإِقَامَةِ عَمَلٍ يَلِيقُ بِهِنَّ كَالطَّبْخِ وَالسَّقْيِ وَالْمُدَاوَاةِ، فَأَمَّا الشَّوَابُّ فَمَقَامُهُنَّ فِي الْبُيُوتِ أَدْفَعُ لِلْفِتْنَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلَا بَأْسَ بِإِخْرَاجِ النِّسَاءِ وَالْمَصَاحِفِ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ سِوَى مَا نُنَبِّهُ عَلَيْهِ. السَّرِيَّةُ عَدَدٌ قَلِيلٌ يَسِيرُونَ بِاللَّيْلِ وَيَكْمُنُونَ بِالنَّهَارِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَقَلُّ السَّرِيَّةِ مِائَةٌ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ: أَفْضَلُ مَا يُبْعَثُ فِي السَّرِيَّةِ أَدْنَاهُ ثَلَاثَةٌ، وَلَوْ بَعَثَ بِمَا دُونَهُ جَازَ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ مِنْ قَوْلِ نَفْسِهِ: أَقَلُّ السَّرِيَّةِ أَرْبَعُمِائَةٍ، وَأَقَلُّ الْجَيْشِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ. وَقَوْلُهُ (وَهُوَ التَّأْوِيلُ الصَّحِيحُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ» ) رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ، وَأَمَّا قَيْدُ التَّأْوِيلِ بِالصَّحِيحِ احْتِرَازًا عَمَّا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْقُمِّيُّ: النَّهْيُ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ عِنْدَ قِلَّةِ الْمَصَاحِفِ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ الطَّحَاوِيِّ.

وَلَا يُبَاشِرْنَ الْقِتَالَ لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى ضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا عِنْدَ ضَرُورَةٍ، وَلَا يُسْتَحَبُّ إخْرَاجُهُنَّ لِلْمُبَاضَعَةِ وَالْخِدْمَةِ، فَإِنْ كَانُوا لَا بُدَّ مُخْرَجِينَ فَبِالْإِمَاءِ دُونَ الْحَرَائِرِ (وَلَا تُقَاتِلُ الْمَرْأَةُ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا وَلَا الْعَبْدُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) لِمَا بَيَّنَّا (إلَّا أَنْ يَهْجُمَ الْعَدُوُّ عَلَى بَلَدٍ لِلضَّرُورَةِ) وَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يَغْدِرُوا وَلَا يَغْلُوا وَلَا يُمَثِّلُوا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَغْلُو وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تُمَثِّلُوا» وَالْغُلُولُ: السَّرِقَةُ مِنْ الْمَغْنَمِ، وَالْغَدْرُ: الْخِيَانَةُ وَنَقْضُ الْعَهْدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ فِي الْبَابِ السَّابِقِ لِتَقَدُّمِ حَقِّ الْمَوْلَى وَالزَّوْجِ. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَهْجُمَ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لَا تُقَاتِلْ: يَعْنِي عِنْدَ الضَّرُورَةِ يُقَاتِلُونَ لِأَنَّ الْجِهَادَ حِينَئِذٍ يَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ وَلَا يَظْهَرُ حَقُّ الْمَوْلَى وَالزَّوْجِ عِنْدَهُ.

وَالْمُثْلَةُ الْمَرْوِيَّةُ فِي قِصَّةِ الْعُرَنِيِّينَ مَنْسُوخَةٌ بِالنَّهْيِ الْمُتَأَخِّرِ هُوَ الْمَنْقُولُ (وَلَا يَقْتُلُوا امْرَأَةً وَلَا صَبِيًّا وَلَا شَيْخًا فَانِيًا وَلَا مُقْعَدًا وَلَا أَعْمَى) لِأَنَّ الْمُبِيحَ لِلْقَتْلِ عِنْدَنَا هُوَ الْحِرَابُ وَلَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُمْ، وَلِهَذَا لَا يُقْتَلُ يَابِسُ الشَّقِّ وَالْمَقْطُوعُ الْيُمْنَى وَالْمَقْطُوعُ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ. وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَيْهِ يُخَالِفُنَا فِي الشَّيْخِ الْفَانِي وَالْمُقْعَدِ وَالْأَعْمَى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَالْمُثْلَةُ الْمَرْوِيَّةُ) يُقَالُ مَثَّلْت بِالرَّجُلِ أُمَثِّلُ بِهِ مَثَلًا وَمُثْلَةً إذَا سَوَّدْت وَجْهَهُ أَوْ قَطَعْت أَنْفَهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَقِصَّةُ مُثْلَةِ الْعُرَنِيِّينَ مَشْهُورَةٌ وَقَدْ اُنْتُسِخَتْ بِالنَّهْيِ الْمُتَأَخِّرِ. رَوَى عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا قَامَ فِينَا خَطِيبًا بَعْدَمَا مُثِّلَ بِالْعُرَنِيِّينَ إلَّا كَانَ يَحُثُّنَا عَلَى الصَّدَقَةِ وَيَنْهَانَا عَنْ الْمُثْلَةِ» فَتَخْصِيصُهُ بِالذِّكْرِ فِي كُلِّ خُطْبَةٍ دَلِيلٌ عَلَى تَأْكِيدِ الْحُرْمَةِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا شَيْخًا فَانِيًا) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: هَذَا الْجَوَابُ فِي الشَّيْخِ الْكَبِيرِ الْفَانِي الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِتَالِ وَلَا عَلَى الصِّيَاحِ عِنْدَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِحْبَالِ وَلَا يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ وَالتَّدْبِيرِ، أَمَّا إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ يُقْتَلُ لِأَنَّهُ بِقِتَالِهِ مُحَارِبٌ وَبِصِيَاحِهِ مُحَرِّضٌ عَلَى الْقِتَالِ وَبِالْإِحْبَالِ يَكْثُرُ الْمُحَارِبُ،

لِأَنَّ الْمُبِيحَ عِنْدَهُ الْكُفْرُ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّا، وَقَدَّ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ قَتْلِ الصِّبْيَانِ وَالذَّرَارِيِّ» «وَحِينَ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرَأَةً مَقْتُولَةٌ قَالَ: هَاهْ، مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتِلُ فَلِمَ قُتِلَتْ؟» قَالَ (إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ لَهُ رَأْيٌ فِي الْحَرْبِ أَوْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مَلِكَةً) لِتَعَدِّي ضَرَرِهَا إلَى الْعِبَادِ، وَكَذَا يُقْتَلُ مَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْمُبِيحَ عِنْدَهُ) أَيْ لِلْقِتَالِ هُوَ (الْكُفْرُ) وَعِنْدَنَا هُوَ الْحِرَابُ. وَقَوْلُهُ (مَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَلِهَذَا لَا يُقْتَلُ يَابِسُ الشِّقِّ وَهُوَ الْمَفْلُوجُ. قِيلَ وَالْمُرَادُ بِالذَّرَارِيِّ هُنَا النِّسَاءُ. وَقَوْلُهُ (هَاهْ) كَلِمَةُ تَنْبِيهٍ أُلْحِقَتْ بِآخِرِهَا هَاءُ السَّكْتِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ لَهُ رَأْيٌ فِي الْحَرْبِ) لِمَا صَحَّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

قَاتَلَ مِنْ هَؤُلَاءِ دَفْعَا لِشَرِّهِ، وَلِأَنَّ الْقِتَالَ مُبِيحٌ حَقِيقَةً (وَلَا يَقْتُلُ مَجْنُونًا) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ إلَّا أَنْ يُقَاتِلَ فَيُقْتَلَ دَفْعًا لِشَرِّهِ، غَيْرَ أَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ يُقْتَلَانِ مَا دَامَا يُقَاتِلَانِ، وَغَيْرُهُمَا لَا بَأْسَ بِقَتْلِهِ بَعْدَ الْأَسْرِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ لِتَوَجُّهِ الْخِطَابِ نَحْوَهُ، وَإِنْ كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَهُوَ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ كَالصَّحِيحِ (وَيُكْرَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ الرَّجُلُ أَبَاهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَيَقْتُلَهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] وَلِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إحْيَاؤُهُ بِالْإِنْفَاقِ فَيُنَاقِضُهُ الْإِطْلَاقُ فِي إفْنَائِهِ (فَإِنْ أَدْرَكَهُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ حَتَّى يَقْتُلَهُ غَيْرُهُ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ اقْتِحَامِهِ الْمَأْثَمَ، وَإِنْ قَصَدَ الْأَبُ قَتْلَهُ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الدَّفْعُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ شَهَرَ الْأَبُ الْمُسْلِمُ سَيْفَهُ عَلَى ابْنِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ يَقْتُلهُ لِمَا بَيَّنَّا فَهَذَا أَوْلَى، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَتَلَ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ وَكَانَ ابْنَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً» وَفِي رِوَايَةٍ «ابْنَ مِائَةٍ وَسِتِّينَ سَنَةً» لِأَنَّهُ كَانَ صَاحِبَ رَأْيٍ (قَوْلُهُ فَهُوَ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ كَالصَّحِيحِ) يَعْنِي يُقْتَلُ سَوَاءٌ قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ كَالصَّحِيحِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ، لَكِنَّهُ إنَّمَا يُقْتَلُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ لِأَنَّهُ مِمَّنْ يُقَاتِلُ وَيُخَاطِبُ. (قَوْلُهُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ) أَيْ يَقِفُ عِنْدَهُ وَيُعَالِجُهُ فَيَضْرِبُ قَوَائِمَ فَرَسِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الدَّفْعُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[باب الموادعة ومن يجوز أمانه]

(بَابُ الْمُوَادَعَةِ وَمَنْ يَجُوزُ أَمَانَهُ) : (وَإِذَا رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يُصَالِحَ أَهْلَ الْحَرْبِ أَوْ فَرِيقًا مِنْهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا بَأْسَ بِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [الأنفال: 61] «وَوَادَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ مَكَّةَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يَضَعَ الْحَرْبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَشْرَ سِنِينَ» ، وَلِأَنَّ الْمُوَادَعَةَ جِهَادٌ مَعْنًى إذَا كَانَ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْمُوَادَعَةِ وَمَنْ يَجُوزُ أَمَانَهُ] وَالْمُوَادَعَةُ الْمُصَالَحَةُ، وَسُمِّيَتْ بِهَا لِأَنَّهَا مُتَارَكَةٌ وَهِيَ مِنْ الْوَدْعِ وَهُوَ التَّرْكُ، وَذِكْرُ تَرْكِ الْقِتَالِ بَعْدَ ذِكْرِ الْقِتَالِ ظَاهِرُ الْمُنَاسَبَةِ (قَوْلُهُ وَكَانَ ذَلِكَ مَصْلَحَةً) قِيلَ عَلَيْهِ بِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ} [الأنفال: 61] لَيْسَ بِمُقَيَّدٍ بِالْمَصْلَحَةِ فَكَانَ الِاسْتِدْلَال بِهِ مُخَالِفًا لِلْمُدَّعِي. وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ فِي الْمُصَالَحَةِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ بِدَلِيلِ آيَةٍ أُخْرَى وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ} [محمد: 35] وَبِدَلِيلِ الْآيَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلْقِتَالِ وَإِلَّا لَزِمَ التَّنَاقُضُ لِمَا أَنَّ مُوجِبَ الْأَمْرِ بِالْقِتَالِ مُخَالِفٌ لِمُوجِبِ الْأَمْرِ بِالْمُصَالَحَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوْفِيقِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ بِمَا

دَفْعُ الشَّرِّ حَاصِلٌ بِهِ، وَلَا يُقْتَصَرُ الْحُكْمُ عَلَى الْمُدَّةِ الْمَرْوِيَّةِ لِتَعَدِّي الْمَعْنَى إلَى مَا زَادَ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ خَيْرًا؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْجِهَادَ صُورَةً وَمَعْنًى ـــــــــــــــــــــــــــــQذَكَرْنَا بِدَلِيلِ «مُوَادَعَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ مَكَّةَ» عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ (وَلَا يَقْتَصِرُ الْحُكْمُ عَلَى الْمُدَّةِ الْمَرْوِيَّةِ) وَهِيَ عَشْرُ سِنِينَ فَكَانَتْ هَذِهِ الْمُدَّةُ الْمَرْوِيَّةُ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ الَّتِي لَا تَمْنَعُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ لِأَنَّ مُدَّةَ الْمُوَادَعَةِ تَدُورُ مَعَ الْمَصْلَحَةِ وَهِيَ قَدْ تَزِيدُ وَقَدْ تَنْقُصُ. وَقَوْلُهُ (لِتَعَدِّي الْمَعْنَى) وَهُوَ دَفْعُ الشَّرِّ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ خَيْرًا) حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُوَادِعَهُمْ عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ} [محمد: 35] وَلِأَنَّ الْمُوَادَعَةَ تَرْكُ الْجِهَادِ صُورَةً وَمَعْنًى، أَمَّا صُورَةً فَظَاهِرٌ حَيْثُ تَرَكُوا الْقِتَالَ، وَأَمَّا مَعْنًى فَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ لَمْ يَكُنْ فِي تِلْكَ الْمُوَادَعَةِ دَفْعُ الشَّرِّ فَلَمْ يَحْصُلْ الْجِهَادُ مَعْنًى أَيْضًا. وَقَوْلُهُ نَبَذَ إلَيْهِمْ. نَبَذَ الشَّيْءَ مِنْ يَدِهِ: طَرَحَهُ وَرَمَى بِهِ نَبْذًا

(وَإِنْ صَالَحَهُمْ مُدَّةً ثُمَّ رَأَى نَقْضَ الصُّلْحِ أَنْفَعَ نَبَذَ إلَيْهِمْ وَقَاتَلَهُمْ) «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَبَذَ الْمُوَادَعَةَ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ» ، وَلِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ لَمَّا تَبَدَّلَتْ كَانَ النَّبْذُ جِهَادًا وَإِيفَاءُ الْعَهْدِ تَرْكُ الْجِهَادِ صُورَةً وَمَعْنًى، وَلَا بُدَّ مِنْ النَّبْذِ تَحَرُّزًا عَنْ الْغَدْرِ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي الْعُهُودِ وَفَاءٌ لَا غَدْرٌ» وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ مُدَّةٍ يَبْلُغُ فِيهَا خَبَرُ النَّبْذِ إلَى جَمِيعِهِمْ، وَيَكْتَفِي فِي ذَلِكَ بِمُضِيِّ مُدَّةٍ يَتَمَكَّنُ مَلِكُهُمْ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالنَّبْذِ مِنْ إنْفَاذِ الْخَبَرِ إلَى أَطْرَافِ مَمْلَكَتِهِ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَنْتَفِي الْغَدْرُ. قَالَ (وَإِنَّ بَدَءُوا بِخِيَانَةٍ قَاتَلَهُمْ وَلَمْ يُنْبِذْ إلَيْهِمْ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِهِمْ) لِأَنَّهُمْ صَارُوا نَاقِضِينَ لِلْعَهْدِ فَلَا حَاجَةَ إلَى نَقْضِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ فَقَطَعُوا الطَّرِيقَ وَلَا مَنَعَةَ لَهُمْ حَيْثُ لَا يَكُونُ هَذَا نَقْضًا لِلْعَهْدِ، وَلَوْ كَانَتْ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَقَاتَلُوا الْمُسْلِمِينَ عَلَانِيَةً يَكُونُ نَقْضًا لِلْعَهْدِ فِي حَقِّهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ إذْنِ مَلِكِهِمْ فَفِعْلُهُمْ لَا يُلْزِمُ غَيْرَهُمْ حَتَّى لَوْ كَانَ بِإِذْنِ مَلِكِهِمْ صَارُوا نَاقِضِينَ لِلْعَهْدِ لِأَنَّهُ بِاتِّفَاقِهِمْ مَعْنًى. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَنَبَذَ الْعَهْدَ نَقَضَهُ، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ طَرْحٌ لَهُ. وَقَوْلُهُ (نَبَذَ إلَيْهِمْ) أَيْ بَعَثَ إلَيْهِمْ مَنْ يُعْلِمُهُمْ بِنَقْضِ الْعَهْدِ. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي الْعُهُودِ وَفَاءٌ لَا غَدْرٌ» أَيْ هِيَ وَفَاءٌ. (قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ مُدَّةٍ إلَخْ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال: 58] أَيْ عَلَى سَوَاءٍ مِنْكُمْ وَمِنْهُمْ فِي الْعِلْمِ بِذَلِكَ، فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ قِتَالُهُمْ قَبْلَ النَّبْذِ وَقَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِذَلِكَ لِيَعُودُوا إلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ التَّحَصُّنِ وَكَانَ ذَلِكَ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الْغَدْرِ.

(وَإِذَا رَأَى الْإِمَامُ مُوَادَعَةَ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَنْ يَأْخُذَ عَلَى ذَلِكَ مَالًا فَلَا بَأْسَ بِهِ) لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَتْ الْمُوَادَعَةُ بِغَيْرِ الْمَالِ فَكَذَا بِالْمَالِ، لَكِنْ هَذَا إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ، أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ لَا يَجُوزُ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ، وَالْمَأْخُوذُ مِنْ الْمَالِ يُصْرَفُ مَصَارِفَ الْجِزْيَةِ، هَذَا إذَا لَمْ يَنْزِلُوا بِسَاحَتِهِمْ بَلْ أَرْسَلُوا رَسُولًا؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْجِزْيَةِ، أَمَّا إذَا أَحَاطَ الْجَيْشُ بِهِمْ ثُمَّ أَخَذُوا الْمَالَ فَهُوَ غَنِيمَةٌ يُخَمِّسُهَا وَيُقَسِّمُ الْبَاقِيَ بَيْنَهُمْ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِالْقَهْرِ مَعْنًى (وَأَمَّا الْمُرْتَدُّونَ فَيُوَادِعُهُمْ الْإِمَامُ حَتَّى يَنْظُرَ فِي أَمْرِهِمْ) لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مَرْجُوٌّ مِنْهُمْ فَجَازَ تَأْخِيرُ قِتَالِهِمْ طَمَعًا فِي إسْلَامِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ) يَعْنِي قَوْلَهُ إنَّهُ تَرْكُ الْجِهَادِ صُورَةً وَمَعْنًى. وَقَوْلُهُ (إذَا لَمْ يَنْزِلُوا بِسَاحَتِهِمْ) أَيْ إذَا لَمْ يَنْزِلْ الْمُسْلِمُونَ بِدَارِ الْكُفَّارِ لِلْحَرْبِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِالْقَهْرِ مَعْنًى) يَعْنِي فَيَكُونُ كَالْمَأْخُوذِ قَهْرًا صُورَةً وَمَعْنًى،

(وَلَا يَأْخُذُ عَلَيْهِ مَالًا) لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ لِمَا نُبَيِّنُ (وَلَوْ أَخَذَهُ لَمْ يَرُدَّهُ) لِأَنَّهُ مَالٌ غَيْرُ مَعْصُومٍ وَلَوْ حَاصَرَ الْعَدُوُّ الْمُسْلِمِينَ وَطَلَبُوا الْمُوَادَعَةَ عَلَى مَالٍ يَدْفَعُهُ الْمُسْلِمُونَ إلَيْهِمْ لَا يَفْعَلُهُ الْإِمَامُ لِمَا فِيهِ مِنْ إعْطَاءِ الدَّنِيَّةِ وَإِلْحَاقِ الْمَذَلَّةِ بِأَهْلِ الْإِسْلَامِ إلَّا إذَا خَافَ الْهَلَاكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ الْمَأْخُوذُ بَعْدَ الْفَتْحِ بِالْقِتَالِ. وَقَوْلُهُ (لِمَا فِيهِ مِنْ إعْطَاءِ الدَّنِيَّةِ) أَيْ النَّقِيصَةِ. وَقَوْلُهُ (إلَّا إذَا خَافَ الْهَلَاكَ) يَعْنِي عَلَى نَفْسِهِ وَنَفْسِ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَحِينَئِذٍ لَا بَأْسَ بِدَفْعِ الْمَالِ؛ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا أَحَاطُوا بِالْخَنْدَقِ وَصَارَ الْمُسْلِمُونَ إلَى مَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى» هُنَالِكَ اُبْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ وَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَنْ مَعَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثَ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ، فَأَبَى إلَّا النِّصْفَ، فَلَمَّا حَضَرَ رُسُلُهُ لِيَكْتُبُوا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ سَيِّدَا الْأَنْصَارِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ كَانَ عَنْ وَحْيٍ فَامْضِ لِمَا أُمِرْت بِهِ، وَإِنْ كَانَ رَأْيًا رَأَيْته فَقَدْ كُنَّا نَحْنُ وَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَكُنْ لَنَا وَلَا لَهُمْ دِينٌ وَكَانُوا لَا يَطْمَعُونَ فِي ثِمَارِ الْمَدِينَةِ إلَّا بِشِرَاءٍ أَوْ قِرًى؛ فَإِذَا أَعَزَّنَا اللَّهُ بِالدِّينِ وَبَعَثَ إلَيْنَا رَسُولَهُ نُعْطِيهِمْ الدَّنِيَّةَ، لَا نُعْطِيهِمْ إلَّا السَّيْفَ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: إنِّي رَأَيْت الْعَرَبَ رَمَتْكُمْ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ فَأَحْبَبْت أَنْ أَصْرِفَهُمْ عَنْكُمْ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ ذَلِكَ فَأَنْتُمْ وَذَاكَ، اذْهَبُوا فَلَا نُعْطِيكُمْ إلَّا السَّيْفَ» فَقَدْ مَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الصُّلْحِ فِي الِابْتِدَاءِ لَمَّا أَحَسَّ الضَّعْفَ بِالْمُسْلِمِينَ، فَحِينَ رَأَى الْقُوَّةَ

لِأَنَّ دَفْعَ الْهَلَاكِ وَاجِبٌ بِأَيِّ طَرِيقٍ يُمْكِنُ (وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُبَاعَ السِّلَاحُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَلَا يُجَهَّزُ إلَيْهِمْ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعِ السِّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَحَمْلِهِ إلَيْهِمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِمْ بِمَا قَالَ السَّعْدَانُ امْتَنَعَ عَنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ بِأَيِّ طَرِيقٍ يُمْكِنُ) قِيلَ فِي هَذَا التَّعْمِيمِ شُبْهَةٌ، وَهِيَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُ الْهَلَاكِ عَنْ نَفْسِهِ إلَّا بِإِجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ أَوْ بِقَتْلِ غَيْرِهِ أَوْ بِالزِّنَا، فَإِنَّ دَفْعَ الْهَلَاكِ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ غَيْرُ وَاجِبٍ بَلْ هُوَ مُرَخَّصٌ فِيهِ حَتَّى لَوْ قُتِلَ فِيهَا بِصَبْرِهِ عَنْهَا كَانَ شَهِيدًا. وَأُجِيبَ عَنْهَا بِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ بِأَيِّ طَرِيقٍ يُمْكِنُ سِوَى الْأُمُورِ الَّتِي رُخِّصَ فِيهَا وَلَمْ يَجِبْ الْإِقْدَامُ عَلَيْهَا. وَأَقُولُ: الْوَاجِبُ بِمَعْنَى الثَّابِتِ فَتَنْدَفِعُ بِهِ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ (وَلَا يُجْهِزُ إلَيْهِمْ)

وَلِأَنَّ فِيهِ تَقْوِيَتَهُمْ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ فَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَكَذَا الْكُرَاعُ لِمَا بَيَّنَّا، وَكَذَلِكَ الْحَدِيدُ لِأَنَّهُ أَصْلُ السِّلَاحِ، وَكَذَا بَعْدَ الْمُوَادَعَةِ؛ لِأَنَّهَا عَلَى شَرَفِ النَّقْضِ أَوْ الِانْقِضَاءِ فَكَانُوا حَرْبًا عَلَيْنَا، وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ فِي الطَّعَامِ وَالثَّوْبِ، إلَّا أَنَّا عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ «فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمْرَ ثُمَامَةَ أَنْ يَمِيرَ أَهْلَ مَكَّةَ وَهُمْ حَرْبٌ عَلَيْهِ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ لَا يَبْعَثُ التُّجَّارَ إلَيْهِمْ بِالْجِهَازِ وَهُوَ فَاخِرُ الْمَتَاعِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هَاهُنَا السِّلَاحُ وَالْكُرَاعُ وَالْحَدِيدُ. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) يَعْنِي قَوْلَهُ وَلِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَهُمْ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ وَيُقَالُ مَارَ أَهْلَهُ: أَيْ أَتَاهُمْ بِالطَّعَامِ.

[فصل في الأمان]

فَصْلٌ) (إذَا أَمَّنَ رَجُلٌ حُرٌّ أَوْ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ كَافِرًا أَوْ جَمَاعَةً أَوْ أَهْلَ حِصْنٍ أَوْ مَدِينَةٍ صَحَّ أَمَانُهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قِتَالُهُمْ) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ» أَيْ أَقَلُّهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الْأَمَانِ] فَصْلٌ: لَمَّا كَانَ الْأَمَانُ نَوْعًا مِنْ الْمُوَادَعَةِ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ الْقِتَالِ كَالْمُوَادَعَةِ ذَكَرَهُ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ) أَيْ بِعَهْدِهِمْ وَأَمَانِهِمْ (أَدْنَاهُمْ: أَيْ أَقَلُّهُمْ

وَهُوَ الْوَاحِدُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ الْوَاحِدُ) لِأَنَّهُ لَا أَقَلَّ مِنْهُ، وَإِنَّمَا فَسَّرَ الْأَدْنَى هَاهُنَا بِالْأَقَلِّ احْتِرَازًا عَنْ تَفْسِيرِ مُحَمَّدٍ حَيْثُ فَسَّرَهُ بِالْعَبْدِ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ الدَّنَاءَةِ وَالْعَبْدُ أَدْنَى الْمُسْلِمِينَ.

وَلِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ فَيَخَافُونَهُ إذْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْمَنَعَةِ فَيَتَحَقَّقُ الْأَمَانُ مِنْهُ لِمُلَاقَاتِهِ مَحَلَّهُ ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ سَبَبَهُ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ الْإِيمَانُ، وَكَذَا الْأَمَانُ لَا يَتَجَزَّأُ فَيَتَكَامَلُ كَوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ. قَالَ (إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ. فَيَنْبِذُ إلَيْهِمْ) كَمَا إذَا أَمِّنَ الْإِمَامُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي النَّبْذِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ) أَيْ وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ (مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ) أَمَّا الرَّجُلُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَبِالتَّسَبُّبِ بِالْمَالِ أَوْ الْعَبِيدِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتِلُ» مَعْنَاهُ بِنَفْسِهَا. وَقَوْلُهُ (لِمُلَاقَاتِهِ) أَيْ لِمُلَاقَاةِ الْأَمَانِ (مَحَلَّهُ) لِأَنَّ مَحَلَّهُ هُوَ مَحَلُّ الْخَوْفِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِيهِمَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ يَتَعَدَّى) أَيْ الْأَمَانُ (إلَى غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الَّذِي أَمِنَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي شَهَادَةِ رَمَضَانَ، فَإِنَّ الصَّوْمَ يَلْزَمُ مَنْ شَهِدَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ ثُمَّ يَتَعَدَّى مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ سَبَبَهُ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ الْإِيمَانُ) أَيْ التَّصْدِيقُ بِالْقَلْبِ (فَكَذَا الْأَمَانُ لَا يَتَجَزَّأُ) فَإِذَا تَحَقَّقَ مِنْ الْبَعْضِ فَإِمَّا أَنْ يَبْطُلَ أَوْ يَكْمُلَ، لَا يَجُوزُ الْأَوَّلُ بَعْدَ تَحَقُّقِ السَّبَبِ فَيَتَحَقَّقُ الثَّانِي، كَمَا إذَا وُجِدَ الْإِنْكَاحُ مِنْ بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ الْمُتَسَاوِيَةِ فِي الدَّرَجَةِ صَحَّ النِّكَاحُ فِي حَقِّ الْكُلِّ لِأَنَّ سَبَبَ وِلَايَتِهِ وَهُوَ الْقَرَابَةُ غَيْرُ مُتَجَزِّئٍ فَلَا تَتَجَزَّأُ الْوِلَايَةُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ اسْتَدَلَّ بِالْمَعْقُولِ عَلَى وَجْهَيْنِ: جَعَلَ الْمَنَاطَ فِي أَحَدِهِمَا كَوْنَ مَنْ يُعْطِي الْأَمَانَ مِمَّنْ يَخَافُونَهُ وَفِي الْآخَرِ الْإِيمَانَ، وَالْأَوَّلُ يَقْتَضِي عَدَمَ جَوَازِ أَمَانِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ وَالتَّاجِرِ وَالْأَسِيرِ، وَالثَّانِي يَقْتَضِي جَوَازَهُ، وَلَوْ جَعَلَهُمَا عِلَّةً وَاحِدَةً بِحَذْفِ الْوَاوِ مِنْ الثَّانِي لِيَقَعَ عِلَّةً لِقَوْلِهِ ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ كَانَ أَوْلَى، وَيُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ الْأَوَّلَ عِلَّةً وَالثَّانِيَ شَرْطًا وَسَمَّاهُ سَبَبًا مَجَازًا، وَالشَّيْءُ يَبْقَى عَلَى عَدَمِهِ عِنْدَ عَدَمِ شَرْطِهِ وَسَيَجِيءُ فِي كَلَامِهِ إشَارَةٌ إلَى هَذَا. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ صَحَّ أَمَانُهُمْ. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ بَيَّنَّاهُ)

وَلَوْ حَاصَرَ الْإِمَامُ حِصْنًا وَأَمِنَ وَاحِدٌ مِنْ الْجَيْشِ وَفِيهِ مَفْسَدَةٌ يَنْبِذُ الْإِمَامُ لِمَا بَيَّنَّا، وَيُؤَدِّبُهُ الْإِمَامُ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى رَأْيِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ رُبَّمَا تَفُوتُ الْمَصْلَحَةُ بِالتَّأْخِيرِ فَكَانَ مَعْذُورًا (وَلَا يَجُوزُ أَمَانُ ذِمِّيٍّ) لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِهِمْ، وَكَذَا لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. قَالَ (وَلَا أَسِيرٍ وَلَا تَاجِرٍ يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ) لِأَنَّهُمَا مَقْهُورَانِ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ فَلَا يَخَافُونَهُمَا وَالْأَمَانُ يَخْتَصُّ بِمَحَلِّ الْخَوْفِ وَلِأَنَّهُمَا يُجْبَرَانِ عَلَيْهِ فِيهِ فَيَعْرَى الْأَمَانُ عَنْ الْمَصْلَحَةِ، وَلِأَنَّهُمْ كُلَّمَا اشْتَدَّ الْأَمْرُ عَلَيْهِمْ يَجِدُونَ أَسِيرًا أَوْ تَاجِرًا فَيَتَخَلَّصُونَ بِأَمَانِهِ فَلَا يَنْفَتِحُ لَنَا بَابُ الْفَتْحِ. وَمَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا لَا يَصِحُّ أَمَانُهُ لِمَا بَيَّنَّا (وَلَا يَجُوزُ أَمَانُ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ مَوْلَاهُ فِي الْقِتَالِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَصِحُّ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبُو يُوسُفَ مَعَهُ فِي رِوَايَةٍ، وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي فِي بَابِ الْمُوَادَعَةِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ صَالَحَهُمْ مُدَّةً إلَخْ وَإِلَيْهِ أَيْضًا أَشَارَ بِقَوْلِهِ (لِمَا بَيَّنَّا) قِيلَ قَوْلُهُ (وَلَوْ حَاصَرَ الْإِمَامُ حِصْنًا وَأَمِنَ وَاحِدٌ مِنْ الْجَيْشِ) تَكْرَارٌ مَحْضٌ لِأَنَّهُ عَلِمَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ. وَأَقُولُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُحَاصِرَ الْإِمَامُ وَهَذَا بَعْدَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَعَادَهُ تَمْهِيدًا وَتَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ وَيُؤَدِّبُهُ الْإِمَامُ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى رَأْيِهِ: أَيْ لِسَبْقِهِ عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ، وَحَقِيقَةُ الِافْتِيَاتِ الِاسْتِبْدَادُ بِالرَّأْيِ وَهُوَ افْتِعَالٌ مِنْ الْفَوْتِ وَهُوَ السَّبْقُ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ أَمَانُ ذِمِّيٍّ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِهِمْ) أَيْ بِالْكُفَّارِ لِلِاتِّحَادِ فِي الِاعْتِقَادِ. وَقَوْلُهُ (لَا يَصِحُّ أَمَانُهُ لِمَا بَيَّنَّا) يَعْنِي قَوْلَهُ وَالْأَمَانُ يَخْتَصُّ بِمَحَلِّ الْخَوْفِ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ أَمَانُ الْعَبْدِ إلَخْ) اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ أَمَانَ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ صَحِيحٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدًا كَتَبَ عَلَى سَهْمِهِ بِالْفَارِسِيَّةِ مترسيت وَرَمَى بِهِ إلَى قَوْمٍ مَحْصُورِينَ، فَرُفِعَ إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَجَازَ أَمَانَهُ وَقَالَ إنَّهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا الْعَبْدُ كَانَ مُقَاتِلًا لِأَنَّ الرَّمْيَ فِعْلُ الْمُقَاتِلِ، وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَنْ الْقِتَالِ فَلَا يَصِحُّ أَمَانُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَيَصِحُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ. وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ

لِمُحَمَّدٍ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَمَانُ الْعَبْدِ أَمَانٌ» رَوَاهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَلِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ مُمْتَنِعٌ فَيَصِحُّ أَمَانُهُ اعْتِبَارًا بِالْمَأْذُونِ لَهُ فِي الْقِتَالِ وَبِالْمُؤَيَّدِ مِنْ الْأَمَانِ، فَالْإِيمَانُ لِكَوْنِهِ شَرْطًا لِلْعِبَادَةِ، وَالْجِهَادُ عِبَادَةٌ، وَالِامْتِنَاعُ لِتَحَقُّقِ إزَالَةِ الْخَوْفِ بِهِ، وَالتَّأْثِيرُ إعْزَازُ الدِّينِ وَإِقَامَةُ الْمَصْلَحَةِ فِي حَقِّ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ؛ إذْ الْكَلَامُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ، وَإِنَّمَا لَا يَمْلِكُ الْمُسَايَفَةُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْطِيلِ مَنَافِعِ الْمُوَلَّى وَلَا تَعْطِيلَ فِي مُجَرَّدِ الْقَوْلِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَحْجُورٌ عَنْ الْقِتَالِ فَلَا يَصِحُّ أَمَانُهُ لِأَنَّهُمْ لَا يَخَافُونَهُ فَلَمْ يُلَاقِ الْأَمَانُ مَحَلَّهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الظَّاهِرُ عَنْهُ، وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْأَسْرَارِ، وَاسْتِدْلَالُ مُحَمَّدٍ بِالْحَدِيثِ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ مُمْتَنِعٌ) أَيْ ذُو قُوَّةٍ وَامْتِنَاعٍ إشَارَةٌ إلَى شَرْطِ جَوَازِ الْأَمَانِ وَهُوَ الْإِيمَانُ وَإِلَى عِلَّتِهِ وَهُوَ الْخَوْفُ لِأَنَّ الْخَوْفَ إنَّمَا يَحْصُلُ مِمَّنْ لَهُ قُوَّةٌ وَامْتِنَاعٌ. وَقَوْلُهُ (وَبِالْمُؤَبَّدِ مِنْ الْأَمَانِ) يَعْنِي عَقْدَ الذِّمَّةِ، فَإِنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا عَقَدَ عَقْدَ الذِّمَّةِ مَعَ الْعَبْدِ وَقَبِلَ الْجِزْيَةَ وَقَبِلَ الْعَبْدُ مِنْهُ هَذَا الْعَقْدَ يَصِحُّ هَذَا الْعَقْدُ وَالْقَبُولُ مِنْ الْعَبْدِ وَيَصِيرُ ذِمِّيًّا بِالِاتِّفَاقِ حَتَّى تَجْرِيَ عَلَيْهِ أَحْكَامُ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ الْمَنْعِ عَنْ الْخُرُوجِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَقِصَاصِ قَاتِلِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (فَالْإِيمَانُ لِكَوْنِهِ شَرْطًا لِلْعِبَادَةِ) يَعْنِي شَرَطْنَا الْإِيمَانَ فِي قَوْلِنَا وَلِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ مُمْتَنِعٌ فَيَصِحُّ أَمَانُهُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لِلْعِبَادَةِ (وَالْجِهَادُ عِبَادَةٌ) وَهَذَا هُوَ الْمَوْعُودُ بِقَوْلِنَا فِيمَا تَقَدَّمَ وَسَيَجِيءُ فِي كَلَامِهِ إشَارَةٌ إلَى هَذَا. وَقَوْلُهُ (وَالِامْتِنَاعُ) يَعْنِي وَشَرَطْنَا الِامْتِنَاعَ لِيَتَحَقَّقَ إزَالَةُ الْخَوْفِ بِهِ. وَقَوْلُهُ (وَالتَّأْثِيرُ إعْزَازُ الدِّينِ) يَعْنِي الْعِلَّةَ الْجَامِعَةَ فِي قِيَاسِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَى الْمَأْذُونِ لَهُ إعْزَازُ الدِّينِ وَإِقَامَةُ الْمَصْلَحَةِ إلَخْ. وَتَحْقِيقُ هَذَا أَنَّ الْوَصْفَ الْمُؤَثِّرَ فِي أَمَانِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ الِامْتِنَاعُ وَشَرْطُهُ الْإِيمَانُ، وَهَذَا الْوَصْفُ مُعَلَّلٌ بِظُهُورِهِ أَثَرِهِ وَهُوَ إعْزَازُ الدِّينِ وَإِقَامَةُ الْمَصْلَحَةِ فِي حَقِّ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي عَيْنِ هَذَا الْحُكْمِ وَهُوَ الْأَمَانُ فِي الْحُرِّ، فَإِذَا وُجِدَ فِي الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ صَحَّ تَعْدِيَتُهُ إلَيْهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَقْيِسَةِ. وَقَوْلُهُ (وَإِنَّمَا لَا يَمْلِكُ الْمُسَايَفَةَ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْأَصْلُ فِي الْجِهَادِ هُوَ الْمُسَايَفَةُ وَهُوَ لَا يَمْلِكُهُ فَلَا يَمْلِكُ الْأَمَانَ أَيْضًا، وَتَقْرِيرُهُ إنَّمَا لَا يَمْلِكُ الْمُسَايَفَةَ (لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْطِيلِ مَنَافِعِ الْمَوْلَى) وَهُوَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ (وَلَا تَعْطِيلَ) لِمَنَافِعِهِ (فِي مُجَرَّدِ الْقَوْلِ) وَقَوْلُهُ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَحْجُورٌ عَنْ الْقِتَالِ) يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُمَانِعَهُ. وَتَقْرِيرُهُ لَا نُسَلِّمُ وُجُودَ الِامْتِنَاعِ لِأَنَّ

بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي الْقِتَالِ لِأَنَّ الْخَوْفَ مِنْهُ مُتَحَقِّقٌ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يَمْلِكُ الْمُسَايَفَةَ لِمَا أَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ الْمُوَلَّى عَلَى وَجْهٍ لَا يُعْرِي عَنْ احْتِمَالِ الضَّرَرِ فِي حَقِّهِ، وَالْأَمَانُ نَوْعُ قِتَالٍ وَفِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُخْطِئُ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ، وَفِيهِ سَدُّ بَابِ الِاسْتِغْنَامِ، بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ وَالْخَطَأُ نَادِرٌ لِمُبَاشَرَتِهِ الْقِتَالَ، وَبِخِلَافِ الْمُؤَبَّدِ لِأَنَّهُ خَلَفَ عَنْ الْإِسْلَامِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّعْوَةِ إلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ مُقَابَلٌ بِالْجِزْيَةِ وَلِأَنَّهُ مَفْرُوضٌ عِنْدَ مَسْأَلَتِهِمْ ذَلِكَ، وَإِسْقَاطُ الْفَرْضِ نَفْعٌ فَافْتَرَقَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالِامْتِنَاعَ إنَّمَا يَكُونُ لِتَحَقُّقِ إزَالَةِ الْخَوْفِ وَهُمْ لَا يَخَافُونَهُ، وَأَنْ يَكُونَ مُعَارَضَةً وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُ مَحْجُورٌ عَنْ الْقِتَالِ وَكُلُّ مَحْجُورٍ عَنْ الْقِتَالِ لَا يَصِحُّ أَمَانُهُ لِأَنَّهُمْ لَا يَخَافُونَهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْخَوْفَ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا دَلِيلَ عَلَى وُجُودِهِ وَلَا عَدَمِهِ، فَالْكُفَّارُ مِنْ أَيْنَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ عَبْدٌ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَخَافُونَهُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ يُعْلَمُ بِتَرْكِ الْمُسَايَفَةِ فَإِنَّهُمْ لَمَّا رَأَوْا شَابًّا مُقْتَدِرًا عَلَى الْقِتَالِ مَعَ الْمُقَاتِلِينَ وَلَا يَحْمِلُ سِلَاحًا وَلَا يُقَاتِلُهُمْ عَلِمُوا أَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ ذَلِكَ مِمَّنْ لَهُ الْمَنْعُ. وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ إنَّهُ مَحْجُورٌ عَنْ الْقِتَالِ وَالْأَمَانُ نَوْعُ قِتَالٍ لَكَانَ أَسْهَلَ إثْبَاتًا لِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَتَأَمَّلْ. وَقَوْلُهُ (وَفِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ) يُرِيدُ أَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ الْمَوْلَى عَلَى وَجْهٍ لَا يَعْرَى عَنْ احْتِمَالِ الضَّرَرِ. وَقَوْلُهُ (وَفِيهِ سَدُّ بَابِ الِاسْتِغْنَامِ) أَيْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ ضَرَرٌ فِي حَقِّهِمْ، فَإِذَا كَانَ مَمْنُوعًا عَنْ الضَّرَرِ لِلْمَوْلَى فَكَيْفَ يَصِحُّ مِنْهُ مَا يَضُرُّ الْمَوْلَى وَالْمُسْلِمِينَ. وَقَوْلُهُ (وَبِخِلَافِ الْمُؤَبَّدِ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ مُحَمَّدٍ صُورَةَ النِّزَاعِ عَلَى عَقْدِ الذِّمَّةِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْأَمَانَ الْمُؤَبَّدَ (خَلَفٌ عَنْ الْإِسْلَامِ) مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَنْتَهِي بِهِ الْقِتَالُ الْمَطْلُوبُ بِهِ إسْلَامُ الْحَرْبِيِّ (فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّعْوَةِ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْإِسْلَامِ وَهِيَ نَفْعٌ (وَلِأَنَّهُ مُقَابَلٌ بِالْجِزْيَةِ) وَهِيَ نَفْعٌ (وَلِأَنَّهُ مَفْرُوضٌ عِنْدَ مَسْأَلَتِهِمْ ذَلِكَ) يَعْنِي أَنَّ الْكُفَّارَ إذَا طَلَبُوا عَقْدَ الذِّمَّةِ يُفْتَرَضُ عَلَى الْإِمَامِ إجَابَتُهُمْ إلَيْهِ (وَإِسْقَاطُ الْفَرْضِ نَفْعٌ فَافْتَرَقَا)

وَلَوْ أَمِنَ الصَّبِيُّ وَهُوَ لَا يَعْقِلُ لَا يَصِحُّ كَالْمَجْنُونِ وَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَنْ الْقِتَالِ فَعَلَى الْخِلَافِ، وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْقِتَالِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ) يَعْنِي عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَصِحُّ أَمَانُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَصِحُّ. وَقَوْلُهُ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ) أَيْ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا لَيْسَ عَلَى الْخِلَافِ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ دَائِرٌ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ كَالْبَيْعِ فَيَمْلِكُهُ الصَّبِيُّ بَعْدَ الْإِذْنِ.

[باب الغنائم وقسمتها]

(بَابُ الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتِهَا) (وَإِذَا فَتَحَ الْإِمَامُ بَلْدَةً عَنْوَةً) أَيْ قَهْرًا (فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَسَّمَهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ) كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَيْبَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتِهَا] أَخَّرَ بَابَ الْغَنَائِمِ وَحُكْمَهَا عَنْ فَصْلِ الْأَمَانِ لِأَنَّ الْإِمَامَ بَعْدَ الْمُحَاصَرَةِ إمَّا أَنْ يُؤَمِّنَهُمْ أَوْ يَقْتُلَهُمْ وَيَسْتَغْنِمَ أَمْوَالَهُمْ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الْأَمَانِ ذَكَرَ الْغَنَائِمَ وَقِسْمَتَهَا. وَالْغَنِيمَةُ مَا نِيلَ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ عَنْوَةً وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ. وَحُكْمُهَا أَنْ تُخَمَّسَ وَالْبَاقِي بَعْدَ الْخُمُسِ لِلْغَانِمِينَ خَاصَّةً (وَإِذَا فَتَحَ الْإِمَامُ بَلْدَةً عَنْوَةً أَيْ قَهْرًا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: قَوْلُهُ قَهْرًا لَيْسَ بِتَفْسِيرٍ لَهُ لُغَةً لِأَنَّ عَنَا عُنُوًّا بِمَعْنَى ذَلَّ وَخَضَعَ وَهُوَ لَازِمٌ وَقَهَرَ مُتَعَدٍّ، بَلْ يَكُونُ هُوَ تَفْسِيرُهُ مِنْ طَرِيقِ شُعُورِ الذِّهْنِ لِأَنَّ مِنْ الذِّلَّةِ يَلْزَمُ الْقَهْرُ أَوْ أَنَّ الْفَتْحَ بِالذِّلَّةِ يَسْتَلْزِمُ الْقَهْرَ (فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَسَمَهُ) أَيْ قَسَمَ الْبَلْدَةَ بِتَأْوِيلِ الْبَلَدِ (بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَيْبَرَ،

(وَإِنْ شَاءَ أَقَرَّ أَهْلَهُ عَلَيْهِ وَوَضَعَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ وَعَلَى أَرَاضِيهمْ الْخَرَاجَ) كَذَلِكَ فَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِسَوَادِ الْعِرَاقِ بِمُوَافَقَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُحْمَدْ مَنْ خَالَفَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ شَاءَ أَقَرَّ أَهْلَهُ عَلَيْهِ وَوَضَعَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ وَعَلَى أَرَاضِيهِمْ الْخَرَاجَ، كَذَا فَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِسَوَادِ الْعِرَاقِ بِمُوَافَقَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ) فَإِنْ قِيلَ: قَدْ خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ جَمَاعَةٌ، أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَلَمْ يَحْمَدْ مَنْ خَالَفَهُ) يُرِيدُ بِهِ نَفَرًا يَسِيرًا مِنْهُمْ بِلَالٌ حَتَّى دَعَا عَلَيْهِمْ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِلَالًا وَأَصْحَابَهُ فَمَا حَالَ الْحَوْلُ وَفِيهِمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ: أَيْ مَاتُوا

وَفِي كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ قُدْوَةٌ فَيَتَخَيَّرُ. وَقِيلَ الْأَوْلَى هُوَ الْأَوَّلُ عِنْدَ حَاجَةِ الْغَانِمِينَ، وَالثَّانِي عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ لِيَكُونَ عِدَّةً فِي الزَّمَانِ الثَّانِي، وَهَذَا فِي الْعَقَارِ. أَمَّا فِي الْمَنْقُولِ الْمُجَرَّدِ لَا يَجُوزُ الْمَنُّ بِالرَّدِّ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ فِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQجَمِيعًا (وَفِي كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ قُدْوَةٌ فَيَتَخَيَّرُ) وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ وَاحِدًا مِنْ الصَّحَابَةِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ يَصِيرُ قُدْوَةً عَلَى خِلَافِ مَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ لَمْ يَصِلْ إلَى حَدِّ الْإِجْمَاعِ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ فِعْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى أَيِّ جِهَةٍ فَعَلَهُ يُحْمَلُ عَلَى أَدْنَى مَنَازِلِ أَفْعَالِهِ وَهُوَ الْإِبَاحَةُ وَحِينَئِذٍ لَا يَسْتَوْجِبُ الْعَمَلَ لَا مَحَالَةَ، فَإِذَا ظَهَرَ دَلِيلُ الصَّحَابِيِّ جَازَ أَنْ يَعْمَلَ بِخِلَافِهِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ ذَلِكَ وُجُوبًا، فَإِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَعَلَ مَا فَعَلَ مُسْتَنْبِطًا مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: 10] بَعْدَ قَوْله تَعَالَى {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الحشر: 7] فَيَكُونُ ثَابِتًا بِإِشَارَةِ النَّصِّ وَهِيَ تُفِيدُ الْقَطْعَ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ أَحَدَهُمَا يَتَعَيَّنُ بِفِعْلِ الْإِمَامِ كَالْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ كَمَا فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ، فَفَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدَهُمَا وَعُمَرُ الْآخَرَ (وَقِيلَ) فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ (الْأَوْلَى هُوَ الْأَوَّلُ عِنْدَ حَاجَةِ الْغَانِمِينَ) كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ كَانَ عِنْدَ حَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ (وَالثَّانِي عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ) كَمَا فَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (لِيَكُونَ عُدَّةً فِي الزَّمَانِ الثَّانِي، وَهَذَا) أَيْ إقْرَارُ أَهْلِ بَلَدٍ عَلَى بَلَدِهِمْ بِالْمَنِّ عَلَيْهِمْ (فِي الْعَقَارِ، أَمَّا فِي الْمَنْقُولِ الْمُجَرَّدِ فَلَا يَجُوزُ الْمَنُّ بِالرَّدِّ) بِأَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِمْ مَجَّانًا وَيُنْعِمَ بِهِ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْمَنْقُولَ بِالْمُجَرَّدِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْمَنُّ عَلَيْهِمْ بِالْمَنْقُولِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لِلْعَقَارِ وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ بَعْدَ هَذَا وَإِنْ مَنَّ عَلَيْهِمْ بِالرِّقَابِ وَالْأَرَاضِي يَدْفَعُ إلَيْهِمْ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ بِقَدْرِ مَا يَتَهَيَّأُ لَهُمْ الْعَمَلُ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ) أَيْ بِالْمَنِّ (الشَّرْعُ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَنْقُولِ الْمُجَرَّدِ

وَفِي الْعَقَارِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ فِي الْمَنِّ إبْطَالَ حَقِّ الْغَانِمِينَ أَوْ مِلْكِهِمْ فَلَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ يُعَادِلُهُ، وَالْخَرَاجُ غَيْرُ مُعَادَلٍ لِقَتْلِهِ، بِخِلَافِ الرِّقَابِ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّهُمْ رَأْسًا بِالْقَتْلِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَاهُ، وَلِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا؛ لِأَنَّهُمْ كَالْأُكْرَةِ الْعَامِلَةِ لِلْمُسْلِمِينَ الْعَالِمَةِ بِوُجُوهِ الزِّرَاعَةِ وَالْمُؤَنِ مُرْتَفِعَةٌ مَعَ مَا أَنَّهُ يَحْظَى بِهِ الَّذِينَ يَأْتُونَ مِنْ بَعْدُ، وَالْخَرَاجُ وَإِنْ قَلَّ حَالًا فَقَدْ جَلَّ مَآلًا لِدَوَامِهِ، وَإِنْ مَنَّ عَلَيْهِمْ بِالرِّقَابِ وَالْأَرَاضِيِ يَدْفَعُ إلَيْهِمْ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ بِقَدْرِ مَا يَتَهَيَّأُ لَهُمْ الْعَمَلُ لِيَخْرُجَ عَنْ حَدِّ الْكَرَاهَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي الْعَقَارِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ) فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَنُّ فِيهِ. قَالَ (لِأَنَّ فِي الْمَنِّ إبْطَالَ حَقِّ الْغَانِمِينَ) عِنْدَكُمْ لِأَنَّ حَقَّهُمْ قَدْ ثَبَتَ وَتَأَكَّدَ بِالْإِحْرَازِ فَقَدْ صَارَ مُحْرَزًا بِفَتْحِ الْبَلْدَةِ وَإِجْرَاءِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ فِيهَا وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ ذَلِكَ (أَوْ مَلَكَهُمْ) يَعْنِي عِنْدِي، فَإِنَّ الْمِلْكَ قَدْ ثَبَتَ لَهُمْ بِنَفْسِ الْإِحْرَازِ (فَلَا يَجُوزُ) يَعْنِي إبْطَالَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَقِّ وَالْمِلْكِ (مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ يُعَادِلُهُ) فَإِنْ قِيلَ: الْخَرَاجُ يُعَادِلُهُ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَالْخَرَاجُ غَيْرُ مُعَادِلٍ لِقَتْلِهِ) فَإِنْ قِيلَ: فَالْحَقُّ أَوْ الْمِلْكُ ثَبَتَ فِي رِقَابِهِمْ أَيْضًا وَجَازَ لَهُ أَنْ لَا يَقْسِمَهَا. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (بِخِلَافِ الرِّقَابِ) يَعْنِي أَنَّ حَقَّهُمْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا (وَلِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّهُمْ رَأْسًا بِالْقَتْلِ) فَكَذَا لَهُ أَنْ يُبْطِلَهُ بِالْخَلْفِ وَهُوَ الْجِزْيَةُ، وَهَذَا لِأَنَّهَا خُلِقَتْ فِي الْأَصْلِ أَحْرَارًا وَالْمِلْكُ ثَبَتَ بِعَارِضٍ، فَالْإِمَامُ إذَا اسْتَرَقَّهُمْ فَقَدْ بَدَّلَ حُكْمَ الْأَصْلِ، فَإِذَا جَعَلَهُمْ أَحْرَارًا فَقَدْ بَقِيَ حُكْمُ الْأَصْلِ فَكَانَ جَائِزًا (وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا) يَعْنِي مِنْ فِعْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا) يَعْنِي أَنَّ تَصَرُّفَ الْإِمَامِ وَقَعَ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ فِي إقْرَارِ أَهْلِهَا عَلَيْهَا لِأَنَّهُ لَوْ قَسَمَهَا بَيْنَهُمْ اشْتَغَلُوا بِالزِّرَاعَةِ وَقَعَدُوا عَنْ الْجِهَادِ فَكَانَ يَكُرُّ عَلَيْهِمْ الْعَدُوُّ، وَرُبَّمَا لَا يَهْتَدُونَ لِذَلِكَ الْعَمَلِ أَيْضًا، فَإِذَا تَرَكَهَا فِي أَيْدِيهِمْ وَهُمْ عَارِفُونَ بِالْعَمَلِ صَارُوا (كَالْأُكْرَةِ) أَيْ الْمُزَارِعِينَ (الْعَامِلَةِ لِلْمُسْلِمِينَ الْعَالِمَةِ بِوُجُوهِ الزِّرَاعَةِ وَالْمُؤَنُ مُرْتَفِعَةٌ مَعَ مَا أَنَّهُ يَحْظَى بِهِ الَّذِينَ يَأْتُونَ مِنْ بَعْدُ) كَانَ فِيهِ نَظَرٌ لَا مَحَالَةَ فَيَكُونُ جَائِزًا. قَوْلُهُ (وَالْخَرَاجُ وَإِنْ قَلَّ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَالْخَرَاجُ غَيْرُ مُعَادِلٍ لِقَتْلِهِ وَتَقْرِيرِهِ الْخَرَاجَ وَإِنْ قَلَّ (حَالًا) لِكَوْنِهِ بَعْضَ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَخْرُجَ فِي سَنَةٍ (فَقَدْ جَلَّ مَآلًا لِدَوَامِهِ) بِوُجُوبِهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ مَنَّ عَلَيْهِمْ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (لِيَخْرُجَ عَنْ حَدِّ الْكَرَاهَةِ) مَعْنَاهُ مَا قَالَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ، فَإِنْ مَنَّ عَلَيْهِمْ

قَالَ (وَهُوَ فِي الْأُسَارَى بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ) «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدْ قَتَلَ» ، وَلِأَنَّ فِيهِ حَسْمَ مَادَّةِ الْفَسَادِ (وَإِنْ شَاءَ اسْتَرَقَّهُمْ) لِأَنَّ فِيهَا دَفْعَ شَرِّهِمْ مَعَ وُفُورِ الْمَنْفَعَةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ (وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُمْ أَحْرَارًا ذِمَّةً لِلْمُسْلِمِينَ) لِمَا بَيَّنَّاهُ (إلَّا مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَالْمُرْتَدِّينَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِرِقَابِهِمْ وَأَرَاضِيهِمْ وَقَسَمَ النِّسَاءَ وَالذُّرِّيَّةَ وَسَائِرَ الْأَمْوَالِ جَازَ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ لِأَنَّهُمْ لَا يَنْتَفِعُونَ بِالْأَرَاضِيِ بِدُونِ الْمَالِ، وَلَا بَقَاءَ لَهُمْ بِدُونِ مَا يُمْكِنُ بِهِ تَرْجِيَةُ الْعُمُرِ إلَّا أَنْ يَدَعَ لَهُمْ مَا يُمْكِنُهُمْ بِهِ الْعَمَلُ فِي الْأَرَاضِي، قَالَ (وَهُوَ فِي الْأَسَارَى بِالْخِيَارِ) الْإِمَامُ فِيمَا حَصَلَ تَحْتَ يَدِهِ مِنْ الْأَسَارَى مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ: إنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَتَلَ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ بَعْدَمَا حَصَلَا فِي يَدِهِ، وَقَتَلَ بَنِي قُرَيْظَةَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْيَدِ عَلَيْهِمْ» ، فَإِنْ أَسْلَمُوا سَقَطَ عَنْهُمْ الْقَتْلُ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ وَجَبَتْ لِلْبَقَاءِ عَلَى الْكُفْرِ، فَإِذَا زَالَ الْكُفْرُ سَقَطَ الْقَتْلُ (وَإِنْ شَاءَ اسْتَرَقَّهُمْ لِأَنَّ فِيهِ دَفْعَ شَرِّهِمْ مَعَ وُفُورِ الْمَنْفَعَةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ) فَإِنْ أَسْلَمُوا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُمْ الرِّقُّ لِأَنَّ الرِّقَّ جَزَاءُ الْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ عَلَى مَا عُرِفَ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمُوا قَبْلَ الِاسْتِيلَاءِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ الْقَتْلُ وَالِاسْتِرْقَاقُ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ أَوْلَى النَّاسِ بِنَفْسِهِ قَبْلَ انْعِقَادِ سَبَبِ الْمِلْكِ وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ وَالْأَخْذُ (وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُمْ أَحْرَارًا ذِمَّةً لِلْمُسْلِمِينَ لِمَا بَيَّنَّا) مِنْ فِعْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. فَإِنْ قِيلَ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] يُنَافِي تَرْكَ قَتْلِهِمْ فَلَا يَجُوزُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ تَرَكَ الْعَمَلَ بِهِ فِي حَقِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْمُسْتَأْمَنِ فَكَذَا فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ بِفِعْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَقَوْلُهُ (إلَّا مُشْرِكِي الْعَرَبِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُمْ أَحْرَارًا. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذِهِ الْأَدِلَّةُ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ، وَالْأَدِلَّةُ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا لِأَنَّهُ قَالَ: لِأَنَّ فِيهِ حَسْمَ مَادَّةِ الْقِتَالِ وَذَلِكَ وَاجِبٌ لَا مَحَالَةَ، ثُمَّ قَالَ: لِأَنَّ فِيهِ دَفْعَ شَرِّهِمْ مَعَ وُفُورِ الْمَنْفَعَةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ كَالْأَوَّلِ وَأَقْوَى. ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِمَا فَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ لِمَا بَيَّنَّا، وَهُوَ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مَا فَعَلَهُ وَاجِبًا وَإِلَّا لَزِمَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْوَاجِبِ

عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرُدَّهُمْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ) لِأَنَّ فِيهِ تَقْوِيَتَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ أَسْلَمُوا لَا يَقْتُلُهُمْ لِانْدِفَاعِ الشَّرِّ بِدُونِهِ (وَلَهُ أَنْ يَسْتَرِقَّهُمْ) تَوْفِيرًا لِلْمَنْفَعَةِ بَعْدَ انْعِقَادِ سَبَبِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ إسْلَامِهِمْ قَبْلَ الْأَخْذِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ السَّبَبُ بَعْدُ (وَلَا يُفَادَى بِالْأُسَارَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يُفَادَى بِهِمْ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ فِيهِ تَخْلِيصَ الْمُسْلِمِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَتْلِ الْكَافِرِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ. وَلَهُ أَنَّ فِيهِ مَعُونَةً لِلْكَفَرَةِ؛ لِأَنَّهُ يَعُودُ حَرْبًا عَلَيْنَا، وَدَفْعُ شَرِّ حَرْبِهِ خَيْرٌ مِنْ اسْتِنْقَاذِ الْأَسِيرِ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَقِيَ فِي أَيْدِيهِمْ كَانَ ابْتِلَاءً فِي حَقِّهِ غَيْرَ مُضَافٍ إلَيْنَا، وَالْإِعَانَةُ بِدَفْعِ أَسِيرِهِمْ إلَيْهِمْ مُضَافٌ إلَيْنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَغَيْرِهِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأُمُورِ وَاجِبٌ وَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ بَيْنَهَا كَمَا فِي الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرُدَّهُمْ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يُفَادِي بِالْأَسَارَى) وَالْمُفَادَاةُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، يُقَالُ فَادَاهُ إذَا أَطْلَقَهُ وَأَخَذَ فِدْيَتَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ وَلَا يُفَادِي بِالْأَسَارَى: أَيْ لَا يُعْطَى أَسَارَى الْكُفَّارِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ أَسَارَى الْمُسْلِمِينَ أَوْ الْمَالُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يُفَادِي بِهِمْ أَسَارَى الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَجُوزُ الْفِدْيَةُ بِالْمَالِ. وَجَعَلَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ قَوْلَهُمَا أَظْهَرَ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ فِيهِ تَخْلِيصَ الْمُسْلِمِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَتْلِ الْكَافِرِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ. وَقَوْلُهُ (وَلَهُ أَنَّ فِيهِ تَقْوِيَةً) فِي بَعْضِ النُّسَخِ مَعُونَةٌ ظَاهِرٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَبْرُزَ هَذَا فِي مُبْرِزِ دَفْعِ الضَّرَرِ الْعَامِّ بِتَحَمُّلِ الضَّرَرِ الْخَاصِّ كَمَا مَرَّ فِي صُورَةِ الرَّمْيِ عِنْدَ التَّتَرُّسِ بِالْمُسْلِمِينَ.

أَمَّا الْمُفَادَاةُ بِمَالٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ لَا يَجُوزُ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ لِمَا بَيَّنَّا. وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ اسْتَدَلَّا بِأُسَارَى بَدْرٍ، وَلَوْ كَانَ أَسْلَمَ الْأَسِيرُ فِي أَيْدِينَا لَا يُفَادَى بِمُسْلِمٍ أَسِيرٌ فِي أَيْدِيهِمْ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ إلَّا إذَا طَابَتْ نَفْسُهُ بِهِ وَهُوَ مَأْمُونٌ عَلَى إسْلَامِهِ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ الْمَنُّ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى الْأُسَارَى خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ يَقُولُ «مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى بَعْضِ الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ. وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] » وَلِأَنَّهُ بِالْأَسْرِ وَالْقَسْرِ ثَبَتَ حَقُّ الِاسْتِرْقَاقِ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا الْمُفَادَاةُ بِأَخْذِ الْمَالِ مِنْهُمْ) فِي إطْلَاقِ أَسْرَاهُمْ (فَلَا تَجُوزُ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا لِمَا بَيَّنَّا) أَنَّ فِيهِ تَقْوِيَةً أَوْ مَعُونَةً لِلْكَفَرَةِ بِعَوْدِهِمْ حَرْبًا عَلَيْنَا (وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ اسْتِدْلَالًا بِأُسَارَى بَدْرٍ) وَسَيَجِيءُ جَوَابُهُ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ الْمَنُّ عَلَيْهِمْ) الْمُرَادُ بِالْمَنِّ عَلَيْهِمْ هُوَ الْإِنْعَامُ عَلَيْهِمْ بِأَنْ يَتْرُكَهُمْ مَجَّانًا مِنْ غَيْرِ اسْتِرْقَاقٍ وَلَا ذِمَّةٍ وَلَا قَتْلٍ (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ يَقُولُ: «مَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى بَعْضِ الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ يَعْنِي أَبَا عَزَّةَ الْجُمَحِيَّ» (وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] وَلِأَنَّهُ بِالْأَسْرِ وَالْقَسْرِ ثَبَتَ حَقُّ الِاسْتِرْقَاقِ فِيهِ) لِلْغَانِمِينَ.

فَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُهُ بِغَيْرِ مَنْفَعَةٍ وَعِوَضٍ، وَمَا رَوَاهُ مَنْسُوخٌ بِمَا تَلَوْنَا (وَإِذَا أَرَادَ الْإِمَامُ الْعَوْدَ وَمَعَهُ مَوَاشٍ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى نَقْلِهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ذَبَحَهَا وَحَرَقَهَا وَلَا يَعْقِرُهَا وَلَا يَتْرُكْهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَتْرُكُهَا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ ذَبْحِ الشَّاةِ إلَّا لِمَأْكَلَةٍ» . وَلَنَا أَنَّ ذَبْحَ الْحَيَوَانِ يَجُوزُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُهُ بِغَيْرِ مَنْفَعَةٍ وَعِوَضٍ) كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الْمَغْنُومَةِ (وَمَا رَوَاهُ) مِنْ الْمَنِّ عَلَى أَبِي عَزَّةَ فَهُوَ (مَنْسُوخٌ بِمَا تَلَوْنَا) وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] وَكَذَلِكَ قِصَّةُ أُسَارَى بَدْرٍ، لِأَنَّ سُورَةَ بَرَاءَةٌ كَانَتْ آخِرَ مَا نَزَلَ، وَقَدْ تَضَمَّنَتْ وُجُوبَ الْقَتْلِ عَلَى كُلِّ حَالٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] فَكَانَ نَاسِخًا لِمَا تَقَدَّمَ كُلِّهِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مَخْصُوصٌ خَصَّ مِنْهُ الذِّمِّيَّ وَالْمُسْتَأْمَنَ فَجَازَ أَنْ يَخُصَّ مِنْهُ الْأَسِيرَ قِيَاسًا عَلَيْهِمْ أَوْ بِحَدِيثِ أَبِي عَزَّةَ أَوْ غَيْرِهِمَا. وَالْجَوَابُ أَنَّ قِيَاسَ الْأَسِيرِ عَلَى الذِّمِّيِّ فَاسِدٌ لِوُجُودِ الذِّمَّةِ فِيهِ دُونَ

وَلَا غَرَضَ أَصَحُّ مِنْ كَسْرِ شَوْكَةِ الْأَعْدَاءِ، ثُمَّ يُحْرَقُ بِالنَّارِ لِيَنْقَطِعَ مَنْفَعَتُهُ عَنْ الْكُفَّارِ وَصَارَ كَتَخْرِيبِ الْبُنْيَانِ بِخِلَافِ التَّحْرِيقِ قَبْلَ الذَّبْحِ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَبِخِلَافِ الْعَقْرِ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ، وَتُحْرَقُ الْأَسْلِحَةُ أَيْضًا، وَمَا لَا يَحْتَرِقُ مِنْهَا يُدْفَنُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَقِفُ عَلَيْهِ الْكُفَّارُ إبْطَالًا لِلْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَسِيرِ وَهِيَ الْمَنَاطُ، وَكَذَا عَنْ الْمُسْتَأْمَنِ لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِ رَقَبَتِهِ، وَحَدِيثُ أَبِي عَزَّةَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْآيَةِ، وَغَيْرُهُمَا غَيْرُ مَوْجُودٍ أَوْ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَلَا يَصِحُّ التَّخْصِيصُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَالْمَوَاشِي جَمْعُ مَاشِيَةٍ وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ وَالْمَأْكُلَةُ بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِهَا بِمَعْنًى، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ.

(وَلَا يُقَسِّمُ غَنِيمَةً فِي دَارِ الْحَرْبِ حَتَّى يُخْرِجَهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ. وَأَصْلُهُ أَنَّ الْمِلْكَ لِلْغَانِمِينَ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ يَثْبُتُ وَيَبْتَنِي عَلَى هَذَا الْأَصْلِ عِدَّةٌ مِنْ الْمَسَائِلِ ذَكَرْنَاهَا فِي الْكِفَايَةِ. لَهُ أَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ الِاسْتِيلَاءُ إذَا وَرَدَ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ فِي الصَّيُودِ، وَلَا مَعْنَى لِلِاسْتِيلَاءِ سِوَى إثْبَاتِ الْيَدِ وَقَدْ تَحَقَّقَ. وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ» ، وَالْخِلَافُ ثَابِتٌ فِيهِ، وَالْقِسْمَةُ بَيْعٌ مَعْنًى فَتَدْخُلُ تَحْتَهُ، وَلِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ إثْبَاتُ الْيَدِ الْحَافِظَةِ وَالنَّاقِلَةِ وَالثَّانِي مُنْعَدِمٌ لِقُدْرَتِهِمْ عَلَى الِاسْتِنْقَاذِ وَوُجُودِهِ ظَاهِرًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَلَا يَقْسِمُ غَنِيمَةً فِي دَارِ الْحَرْبِ) قِسْمَةُ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا تَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ جَازَ، وَالتَّأْخِيرُ إلَى الْخُرُوجِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَحَبُّ إلَيَّ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ. وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ لِلْغَانِمِينَ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ يَثْبُتُ. وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْأَصْلِ عِدَّةٌ مِنْ الْمَسَائِلِ ذَكَرْنَاهَا فِي الْكِفَايَةِ) أَيْ كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى. مِنْهَا أَنَّ الْإِمَامَ إذَا بَاعَ شَيْئًا مِنْ الْغَنَائِمِ لَا لِحَاجَةِ الْغُزَاةِ أَوْ بَاعَ أَحَدُ الْغُزَاةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا لِعَدَمِ الْمِلْكِ، وَكَذَا لَوْ أَتْلَفَ أَحَدُهُمْ شَيْئًا فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَضْمَنْ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمْ لَا يُورَثُ سَهْمُهُ، وَلَوْ لَحِقَ الْجَيْشَ مَدَدٌ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ شَارَكُوهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ. وَقَوْلُهُ (لَهُ أَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ) ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ (وَالثَّانِي) أَيْ إثْبَاتُ الْيَدِ النَّاقِلَةِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ (مُنْعَدِمٌ لِقُدْرَتِهِمْ) أَيْ لِقُدْرَةِ الْكَفَرَةِ عَلَى الِاسْتِنْقَاذِ (وَوُجُودِهِ) أَيْ وُجُودِ الِاسْتِنْقَاذِ (ظَاهِرًا) لِكَوْنِ الْمُسْلِمِينَ فِي دِيَارِهِمْ.

ثُمَّ قِيلَ: مَوْضِعُ الْخِلَافِ تَرَتُّبُ الْأَحْكَامِ عَلَى الْقِسْمَةِ إذَا قَسَّمَ الْإِمَامُ لَا عَنْ اجْتِهَادٍ، لِأَنَّ حُكْمَ الْمِلْكِ لَا يَثْبُتُ بِدُونِهِ. وَقِيلَ الْكَرَاهَةُ، وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ قَالَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا تَجُوزُ الْقِسْمَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْأَفْضَلُ أَنْ يُقَسِّمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. وَوَجْهُ الْكَرَاهَةِ أَنَّ دَلِيلَ الْبُطْلَانِ رَاجِحٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (ثُمَّ قِيلَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ) أَيْ أَنَّ مَوْضِعَ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا صَدَرَتْ الْقِسْمَةُ عَنْ الْإِمَامِ بِدُونِ الِاجْتِهَادِ هَلْ يَثْبُتُ حُكْمُ الْمِلْكِ لِمَنْ وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ فِي نَصِيبِهِ مِنْ الْأَكْلِ وَالْوَطْءِ وَسَائِرِ الِانْتِفَاعِ أَوْ لَا؟ فَعِنْدَهُ يَثْبُتُ. وَعِنْدَنَا لَا يَثْبُتُ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ حُكْمَ الْمِلْكِ لَا يَثْبُتُ بِدُونِهِ) أَيْ بِدُونِ الْمِلْكِ. مَعْنَاهُ أَنَّ تَرَتُّبَ هَذِهِ الْأَحْكَامِ دَلِيلُ ثُبُوتِ الْمِلْكِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلْعِلْمِ بِجَوَازِ الْقِسْمَةِ. فَعِنْدَهُ مُتَرَتِّبَةٌ بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ الصَّادِرَةِ لَا عَنْ اجْتِهَادٍ فَيَلْزَمُ مِنْهُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ. وَعِنْدَنَا لَيْسَتْ بِمُتَرَتِّبَةٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا وَهَذَا لِأَنَّ الْمِلْكَ عِلَّةٌ لِتَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ وَقَدْ وُجِدَ الْمَعْلُولُ فَيَلْزَمُ وُجُودُ الْعِلَّةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَخَلُّفُ الْمَعْلُولِ عَنْ الْعِلَّةِ وَعِنْدَنَا لَمْ يُوجَدْ الْمَعْلُولُ فَيَلْزَمُ عَدَمُ وُجُودِ الْعِلَّةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَخَلُّفُ الْعِلَّةِ عَنْ الْمَعْلُولِ. وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْقِسْمَةَ بِقَوْلِهِ لَا عَنْ اجْتِهَادٍ لِيَظْهَرَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ، فَإِنَّهُ إذَا قَسَمَ مُجْتَهِدًا جَازَ بِالِاتِّفَاقِ. قَوْلُهُ (وَقِيلَ الْكَرَاهَةُ) أَيْ حُكْمُ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ عَلَى مَذْهَبِنَا الْكَرَاهَةُ لَا عَدَمُ الْجَوَازِ لِمَا فِي الْقِسْمَةِ مِنْ قَطْعِ شَرِكَةِ الْمَدَدِ فَيَقِلُّ بِهَا رَغْبَتُهُمْ فِي اللُّحُوقِ بِالْجَيْشِ وَلِأَنَّهُ إذَا قَسَمَ تَفَرَّقُوا فَرُبَّمَا يَكُرُّ الْعَدُوُّ عَلَى بَعْضِهِمْ وَهَذَا أَمْرٌ وَرَاءَ مَا تَتِمُّ بِهِ الْقِسْمَةُ فَلَا يَمْنَعُ جَوَازَهَا (وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) فَإِنَّهُ قَالَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا تَجُوزُ الْقِسْمَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْأَفْضَلُ

إلَّا أَنَّهُ تَقَاعَدَ عَنْ سَلَبِ الْجَوَازِ فَلَا يَتَقَاعَدُ عَنْ إيرَاثِ الْكَرَاهَةِ. (وَالرِّدْءُ وَالْمُقَاتِلُ فِي الْعَسْكَرِ سَوَاءٌ) لِاسْتِوَائِهِمْ فِي السَّبَبِ وَهُوَ الْمُجَاوَزَةُ أَوْ شُهُودُ الْوَقْعَةِ عَلَى مَا عُرِفَ، وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يُقَاتِلْ لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ لِمَا ذَكَرْنَا (وَإِذَا لَحِقَهُمْ الْمَدَدُ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجُوا الْغَنِيمَةَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ شَارَكُوهُمْ فِيهَا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَقْسِمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ هَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْقِسْمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَيْسَ بِمَشْهُورٍ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَفِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْأَفْضَلِيَّةُ مَنْقُولَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ. وَأَيْضًا قَوْلُهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا تَجُوزُ الْقِسْمَةُ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَقِيلَ الْكَرَاهَةُ. وَفِي الْجُمْلَةِ هَذَا الْمَوْضِعُ لَا يَخْلُو عَنْ تَسَامُحٍ. وَالْمَخْلَصُ عَنْهُ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ وَلَا يَقْسِمُ غَنِيمَةً فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: الْمُرَادُ بِهِ عَدَمُ جَوَازِ الْقِسْمَةِ حَتَّى لَا تَثْبُتَ الْأَحْكَامُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى الْقِسْمَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ بِهِ الْكَرَاهَةُ، وَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا تَجُوزُ الْقِسْمَةُ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى قَوْلِ الْأَوَّلِينَ. وَوَجْهُ الْكَرَاهَةِ أَنَّ دَلِيلَ الْبُطْلَانِ رَاجِحٌ لِكَوْنِهِ مُحَرِّمًا وَالْمُحَرِّمُ رَاجِحٌ عَلَى الْمُبِيحِ (إلَّا أَنْ تَقَاعَدَ عَنْ سَلْبِ الْجَوَازِ) بِالِاتِّفَاقِ، أَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَيَجُوزُ مُطْلَقًا، وَأَمَّا عِنْدَنَا فَيَجُوزُ إذَا احْتَاجَ الْغُزَاةُ إلَى الثَّوْبِ وَالدَّابَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (فَلَا يَتَقَاعَدُ عَنْ إيرَاثِ الْكَرَاهَةِ) لِأَنَّ الدَّلِيلَ الْمَرْجُوحَ لَمَّا لَمْ يَبْطُلْ بِالْكُلِّيَّةِ حَصَلَ مِنْ مُعَارَضَةِ الدَّلِيلِ الرَّاجِحِ وَالْمَرْجُوحِ الْكَرَاهَةُ كَمَا فِي سُؤْرِ الْحِمَارِ. قَالَ (وَالرِّدْءُ وَالْمُقَاتِلُ فِي الْعَسْكَرِ سَوَاءٌ) الرِّدْءُ هُوَ الْعَوْنُ، وَالْمُقَاتِلُ هُوَ الْمُبَاشِرُ فِي الْعَسْكَرِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْغَنِيمَةِ سَوَاءٌ (لِاسْتِوَائِهِمْ فِي السَّبَبِ) وَهُوَ مُجَاوَزَةُ الدَّرْبِ بِنِيَّةِ الْقِتَالِ عِنْدَنَا (أَوْ شُهُودِ الْوَقْعَةِ) عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (عَلَى مَا عُرِفَ. وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يُقَاتِلْ لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ لِمَا ذَكَرْنَا) مِنْ الِاسْتِوَاءِ فِي السَّبَبِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا لَحِقَهُمْ الْمَدَدُ) ظَاهِرٌ.

وَهُوَ بِنَاءً عَلَى مَا مَهَّدْنَاهُ مِنْ الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ عِنْدَنَا بِالْإِحْرَازِ أَوْ بِقِسْمَةِ الْإِمَامِ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ بِبَيْعِهِ الْمَغَانِمَ فِيهَا، لِأَنَّ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَتِمُّ الْمِلْكُ فَيَنْقَطِعُ حَقُّ شَرِكَةِ الْمَدَدِ. قَالَ (وَلَا حَقَّ لِأَهْلِ سُوقِ الْعَسْكَرِ فِي الْغَنِيمَةِ إلَّا أَنْ يُقَاتِلُوا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: يُسْهِمُ لَهُمْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ» وَلِأَنَّهُ وَجَدَ الْجِهَادَ مَعْنًى بِتَكْثِيرِ السَّوَادِ. وَلَنَا أَنَّهُ لَمْ تُوجَدُ الْمُجَاوَزَةُ عَلَى قَصْدِ الْقِتَالِ فَانْعَدَمَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ فَيُعْتَبَرُ السَّبَبُ الْحَقِيقِيُّ وَهُوَ الْقِتَالُ فَيُفِيدُ الِاسْتِحْقَاقَ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ فَارِسًا أَوْ رَاجِلًا عِنْدَ الْقِتَالِ، وَمَا رَوَاهُ مَوْقُوفٌ عَلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (بِنَاءً عَلَى مَا مَهَّدْنَاهُ مِنْ الْأَصْلِ) يُرِيدُ مَا مَرَّ أَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ عِنْدَهُ هُوَ الْأَخْذُ وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ بِهِ، وَعِنْدَنَا أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْإِحْرَازُ. فَإِذَا شَارَكَ الْمَدَدُ الْجَيْشَ فِي الْإِحْرَازِ الَّذِي يَتِمُّ بِهِ السَّبَبُ شَارَكُوهُ فِي تَأَكُّدِ الْحَقِّ بِهِ كَمَا لَوْ الْتَحَقُوا بِهِمْ فِي حَالَةِ الْقِتَالِ (وَإِنَّمَا تَنْقَطِعُ الْمُشَارَكَةُ بِالْإِحْرَازِ أَوْ بِقِسْمَةِ الْإِمَامِ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ بِبَيْعِهِ الْمَغَانِمَ فِيهَا لِأَنَّ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَتِمُّ الْمِلْكُ فَتَنْقَطِعُ شَرِكَةُ الْمَدَدِ) (وَلَا حَقَّ لِأَهْلِ سُوقِ الْعَسْكَرِ فِي الْغَنِيمَةِ) بِإِطْلَاقِهِ يُفِيدُ نَفْيَ السَّهْمِ الْكَامِلِ وَالرَّضْخِ. وَكَذَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ. وَعُلِّلَ بِأَنَّ قَصْدَهُمْ التِّجَارَةُ لَا إعْزَازُ دِينِ اللَّهِ وَإِرْهَابُ الْعَدُوِّ (إلَّا أَنْ يُقَاتِلُوا) فَلَهُمْ السَّهْمُ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُسْهَمُ لَهُمْ فِي قَوْلٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ» وَلِأَنَّهُ وُجِدَ الْجِهَادُ مَعْنًى بِتَكْثِيرِ السَّوَادِ) وَقَوْلُهُ (وَلَنَا أَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ الْمُجَاوَزَةُ) وَاضِحٌ (وَمَا رَوَاهُ) مِنْ قَوْلِهِ: «الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ» (مَوْقُوفٌ عَلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) وَمِثْلُهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ لَا يَرَى تَقْلِيدَ الصَّحَابِيِّ

أَنَّ تَأْوِيلَهُ أَنْ يُشْهِدَهَا عَلَى قَصْدِ الْقِتَالِ. (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لِلْإِمَامِ حَمُولَةٌ تُحْمَلُ عَلَيْهَا الْغَنَائِمُ قَسَّمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ قِسْمَةَ إيدَاعٍ لِيَحْمُوَهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ يَرْتَجِعَهَا مِنْهُمْ فَيُقَسِّمَهَا) قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ رِضَاهُمْ وَهُوَ رِوَايَةُ السِّيَرِ الْكَبِيرِ. وَالْجُمْلَةُ فِي هَذَا أَنَّ الْإِمَامَ إذَا وَجَدَ فِي الْمَغْنَمِ حَمُولَةً يَحْمِلُ الْغَنَائِمَ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْحَمُولَةَ وَالْمَحْمُولَ مَالُهُمْ. وَكَذَا إذَا كَانَ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَضْلُ حَمُولَةٍ لِأَنَّهُ مَالُ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ كَانَ لِلْغَانِمِينَ أَوْ لِبَعْضِهِمْ لَا يُجْبِرُهُمْ فِي رِوَايَةِ السِّيَرِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ إجَارَةٍ وَصَارَ كَمَا إذَا نَفَقَتْ دَابَّتُهُ فِي مَفَازَةٍ وَمَعَ رَفِيقِهِ فَضْلُ حَمُولَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ تَأْوِيلُهُ أَنْ يَشْهَدَهَا عَلَى قَصْدِ الْقِتَالِ) أَلَا تَرَى أَنَّ الْكُفَّارَ يَشْهَدُونَهَا وَلَيْسَ لَهُمْ شَيْءٌ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ حَمُولَةٌ) بِفَتْحِ الْحَاءِ مَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ مِنْ بَعِيرٍ أَوْ فَرَسٍ أَوْ بَغْلٍ أَوْ حِمَارٍ (قَسَمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ قِسْمَةَ إيدَاعٍ) وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ إجَارَةٍ) أَيْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَهَذَا احْتِرَازٌ عَنْ إجَارَةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ، فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْإِجَارَةِ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ السَّفِينَةِ، فَإِنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ سَفِينَةً شَهْرًا فَمَضَتْ الْمُدَّةُ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ عَلَيْهَا إجَارَةٌ أُخْرَى بِأَجْرِ الْمِثْلِ بِغَيْرِ رِضَا الْمَالِكِ. وَقَوْلُهُ (وَصَارَ كَمَا إذَا نَفَقَتْ دَابَّتُهُ) يَعْنِي فِي كَوْنِهِ ابْتِدَاءَ إجَارَةٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.

وَيُجْبِرُهُمْ فِي رِوَايَةِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ لِأَنَّهُ دَفْعُ الضَّرَرِ الْعَامِّ بِتَحْمِيلِ ضَرَرٍ خَاصٍّ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْغَنَائِمِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ) لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ قَبْلَهَا، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْأَصْلَ (وَمَنْ مَاتَ مِنْ الْغَانِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْغَنِيمَةِ، وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ بَعْدَ إخْرَاجِهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَنَصِيبُهُ لِوَرَثَتِهِ) لِأَنَّ الْإِرْثَ يَجْرِي فِي الْمِلْكِ، وَلَا مِلْكَ قَبْلَ الْإِحْرَازِ، وَإِنَّمَا الْمِلْكُ بَعْدَهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْهَزِيمَةِ يُورَثُ نَصِيبُهُ لِقِيَامِ الْمِلْكِ فِيهِ عِنْدَهُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ. . قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَعْلِفَ الْعَسْكَرُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَيَأْكُلُوا مَا وَجَدُوهُ مِنْ الطَّعَامِ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَرْسَلَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْحَاجَةِ، وَقَدْ شَرَطَهَا فِي رِوَايَةٍ وَلَمْ يَشْتَرِطْهَا فِي أُخْرَى. وَجْهُ الْأُولَى أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْغَانِمِينَ فَلَا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا لِحَاجَةٍ كَمَا فِي الثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ. وَجْهُ الْأُخْرَى قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي طَعَامِ خَيْبَرَ كُلُوهَا وَاعْلِفُوهَا وَلَا تَحْمِلُوهَا» وَلِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِ الْحَاجَةِ وَهُوَ كَوْنُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، لِأَنَّ الْغَازِيَ لَا يَسْتَصْحِبُ قُوتَ نَفْسِهِ وَعَلَفَ ظَهْرِهِ مُدَّةَ مُقَامِهِ فِيهَا وَالْمِيرَةُ مُنْقَطِعَةٌ، فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ لِلْحَاجَةِ بِخِلَافِ السِّلَاحِ لِأَنَّهُ يَسْتَصْحِبُهُ فَانْعَدَمَ دَلِيلُ الْحَاجَةِ، وَقَدْ تُمَسُّ إلَيْهِ الْحَاجَةُ فَتُعْتَبَرُ حَقِيقَتُهَا فَيَسْتَعْمِلُهُ ثُمَّ يَرُدُّهُ فِي الْمَغْنَمِ إذَا اسْتَغْنَى عَنْهُ، وَالدَّابَّةُ مِثْلُ السِّلَاحِ، وَالطَّعَامُ كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَمَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ كَالسَّمْنِ وَالزَّيْتِ. قَالَ (وَيَسْتَعْمِلُوا الْحَطَبَ) وَفِي بَعْضِ النَّسْخِ: الطِّيبَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَيُجْبِرُهُمْ فِي رِوَايَةِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ) ظَاهِرٌ، وَيَكُونُ الْأَجْرُ مِنْ الْغَنَائِمِ يُبْتَدَأُ بِهِ قَبْلَ الْخُمُسِ، لِأَنَّ فِي هَذَا الِاسْتِئْجَارِ مَنْفَعَةً لِلْغَانِمِينَ فَهُوَ كَالِاسْتِئْجَارِ لِسَوْقِ الْغَنَمِ وَالرَّمَكِ، وَحَقُّ أَصْحَابِ الْحَمُولَةِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاسْتِئْجَارِ لِأَنَّ شَرِكَةَ الْمِلْكِ هِيَ الَّتِي لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الِاسْتِئْجَارِ لَا شَرِكَةَ الْحَقِّ كَمَا فِي مَالِ بَيْتِ الْمَالِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْغَنَائِمِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ) وَاضِحٌ مِمَّا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ (وَلَا مِلْكَ قَبْلَ الْإِحْرَازِ) فِيهَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُنَاقِضُ قَوْلَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ بِكُلٍّ مِنْهَا يَتِمُّ الْمِلْكُ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ تَرَكَ ذِكْرَ الْقِسْمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَبَيْعِ الْغَنَائِمِ فِيهَا هَاهُنَا اعْتِمَادًا عَلَى ذِكْرِهِ هُنَاكَ أَوْ لِأَنَّ ذَلِكَ لِعَارِضِ الْحَاجَةِ وَالِاعْتِبَارُ لِلْأُمُورِ الْأَصْلِيَّةِ. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ بَيَّنَّاهُ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ. قَوْلُهُ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَعْلِفَ الْعَسْكَرُ) أَيْ دَوَابَّهُمْ الْعَلَفَ (فِي دَارِ الْحَرْبِ) وَقَوْلُهُ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْحَاجَةِ يَعْنِي الْقُدُورِيَّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَقَدْ شَرَطَهَا) يَعْنِي مُحَمَّدًا (فِي رِوَايَةٍ) هِيَ رِوَايَةُ السِّيَرِ الصَّغِيرِ (وَلَمْ يَشْتَرِطْهَا فِي أُخْرَى) وَهِيَ رِوَايَةُ السِّيَرِ الْكَبِيرِ، وَوَجْهُ كُلٍّ مِنْهُمَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَعَلَفَ ظَهْرِهِ) أَيْ دَابَّتَهُ وَاسْتَعَارَ لَفْظَ الظَّهْرِ لَهَا وَالْمِيرَةُ الطَّعَامُ (فَيُعْتَبَرُ حَقِيقَتُهَا) أَيْ حَقِيقَةُ الْحَاجَةِ فِي السِّلَاحِ. وَقَوْلُهُ (وَالدَّابَّةُ مِثْلُ السِّلَاحِ) يَعْنِي فِي اعْتِبَارِ حَقِيقَةِ الْحَاجَةِ لَكِنْ إذَا اُعْتُبِرَ حَاجَةُ الرُّكُوبِ، أَمَّا إذَا اُعْتُبِرَ فِيهَا الْأَكْلُ فَهِيَ كَالطَّعَامِ (وَيَسْتَعْمِلُوا الْحَطَبَ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الطِّيبُ) قِيلَ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الْقُدُورِيَّ نَفْسَهُ قَالَ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ بِعَدَمِ

(وَيُدْهِنُوا بِالدُّهْنِ وَيُوقِحُوا بِهِ الدَّابَّةَ) لِمَسَاسِ الْحَاجَةِ إلَى جَمِيعِ ذَلِكَ (وَيُقَاتِلُوا بِمَا يَجِدُونَهُ مِنْ السِّلَاحِ، كُلُّ ذَلِكَ بِلَا قِسْمَةٍ) وَتَأْوِيلُهُ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِلَاحٌ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا وَلَا يَتَمَوَّلُونَهُ) لِأَنَّ الْبَيْعَ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمِلْكِ وَلَا مِلْكَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِنَّمَا هُوَ إبَاحَةٌ وَصَارَ كَالْمُبَاحِ لَهُ الطَّعَامُ، وَقَوْلُهُ وَلَا يَتَمَوَّلُونَهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُمْ لَا يَبِيعُونَهُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْعُرُوضِ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَى ذَلِكَ، فَإِنْ بَاعَهُ أَحَدُهُمْ رَدَّ الثَّمَنَ إلَى الْغَنِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ عَيْنٍ كَانَتْ لِلْجَمَاعَةِ. وَأَمَّا الثِّيَابُ وَالْمَتَاعُ فَيُكْرَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ لِلِاشْتِرَاكِ، إلَّا أَنَّهُ يُقَسِّمُ الْإِمَامُ بَيْنَهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ إذَا احْتَاجُوا إلَى الثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَالْمَتَاعِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ يُسْتَبَاحُ لِلضَّرُورَةِ فَالْمَكْرُوهُ أَوْلَى، وَهَذَا لِأَنَّ حَقَّ الْمَدَدِ مُحْتَمَلٌ، وَحَاجَةُ هَؤُلَاءِ مُتَيَقَّنٌ بِهَا فَكَانَ أَوْلَى بِالرِّعَايَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْقِسْمَةَ فِي السِّلَاحِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهُ إذَا احْتَاجَ وَاحِدٌ يُبَاحُ لَهُ الِانْتِفَاعُ فِي الْفَصْلَيْنِ، وَإِنْ احْتَاجَ الْكُلُّ يُقَسِّمُ فِي الْفَصْلَيْنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا احْتَاجُوا إلَى السَّبْيِ حَيْثُ لَا يُقَسِّمُ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهِ مِنْ فُضُولِ الْحَوَائِجِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQجَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِالطِّيبِ، أَمَّا الْحَطَبُ فَلِتَعَذُّرِ النَّقْلِ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ جَازَ اسْتِعْمَالُهُ كَمَا فِي الْعَلَفِ. وَأَمَّا الْإِدْهَانُ بِالدُّهْنِ فَالْمُرَادُ بِهِ الدُّهْنُ الْمَأْكُولُ كَالزَّيْتِ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَأْكُولًا كَانَ صَرْفُهُ إلَى بَدَنِهِ كَصَرْفِهِ إلَى أَكْلِهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَأْكُولًا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ بَلْ يَرُدُّهُ إلَى الْغَنِيمَةِ. قَوْلُهُ (وَيُوقِحُوا بِهِ الدَّابَّةَ) التَّوْقِيحُ تَصْلِيبُ حَافِرِهَا بِالشَّحْمِ الْمُذَابِ إذَا خَفَى مِنْ كَثْرَةِ الْمَشْيِ، وَنُقِلَ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِالرَّاءِ مِنْ التَّرْقِيحِ وَهُوَ الْإِصْلَاحُ، قَالَ: هَكَذَا قَرَأْنَا عَلَى الْمَشَايِخِ. قَالَ صَاحِبُ الْمُغْرِبِ: وَالرَّاءُ خَطَأٌ لِأَنَّ الْأَوَّلَ هَاهُنَا أَوْلَى وَأَلْيَقُ. قُلْت: هَذَا التَّعْلِيلُ إنْ كَانَ مَنْقُولًا عَنْهُ فَهُوَ مُنَاقَضٌ لِأَنَّ تَرْكَ الْأَوْلَى لَا يُسَمَّى خَطَأً. وَقَوْلُهُ (وَتَأْوِيلُهُ إلَخْ) إنَّمَا احْتَاجَ الْمُصَنِّفُ إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا احْتَاجَ الْغَازِي إلَى اسْتِعْمَالِ سِلَاحِ الْغَنِيمَةِ بِسَبَبِ صِيَانَةِ سِلَاحِهِ لَا يَجُوزُ. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ بَيَّنَّاهُ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ بِخِلَافِ السِّلَاحِ لِأَنَّهُ يَسْتَصْحِبُهُ إلَخْ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعُوا) أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعُوا بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (وَلَا يَتَمَوَّلُونَهُ) أَيْ يَبِيعُونَهُ بِالْعُرُوضِ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ) يَعْنِي أَنَّهُ لَا مِلْكَ قَبْلَ الْإِحْرَازِ، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (يُبَاحُ لَهُ الِانْتِفَاعُ فِي الْفَصْلَيْنِ) أَيْ فِي فَصْلِ السِّلَاحِ وَفَصْلِ الثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ.

قَالَ (وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ) مَعْنَاهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ) إنَّمَا احْتَاجَ الْمُصَنِّفُ إلَى قَوْلِهِ مَعْنَاهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِيَقَعَ الِاحْتِرَازُ بِهِ عَنْ مُسْتَأْمَنٍ دَخَلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ فَأَسْلَمَ فِيهَا ثُمَّ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّ أَوْلَادَهُ وَأَمْوَالَهُ كُلَّهَا فَيْءٌ، وَالْفَيْءُ مَا نِيلَ مِنْ الْكُفَّارِ بَعْدَمَا تَضَعُ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا وَتَصِيرُ الدَّارُ دَارَ الْإِسْلَامِ.

(أَحْرَزَ بِإِسْلَامِهِ نَفْسَهُ) لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يُنَافِي ابْتِدَاءَ الِاسْتِرْقَاقِ (وَأَوْلَادَهُ الصِّغَارَ) لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا (وَكُلُّ مَالٍ هُوَ فِي يَدِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مَالٍ فَهُوَ لَهُ» وَلِأَنَّهُ سَبَقَتْ يَدَهُ الْحَقِيقِيَّةَ إلَيْهِ يَدُ الظَّاهِرِينَ عَلَيْهِ (أَوْ وَدِيعَةً فِي يَدِ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يُنَافِي ابْتِدَاءَ الِاسْتِرْقَاقِ) لِأَنَّهُ يَقَعُ جَزَاءً لِاسْتِنْكَافِهِ عَنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّهُ لَمَّا اسْتَنْكَفَ عَنْ عُبُودِيَّةِ رَبِّهِ جَازَاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ صَيَّرَهُ عَبْدَ عَبِيدِهِ، وَلَمَّا كَانَ مُسْلِمًا وَقْتَ الِاسْتِيلَاءِ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الِاسْتِرْقَاقِ وَهُوَ الِاسْتِنْكَافُ فَلَا يُوجَدُ الْمَشْرُوطُ، وَاحْتُرِزَ بِذَلِكَ عَنْ الِاسْتِرْقَاقِ حَالَةَ الْبَقَاءِ، فَإِنَّ الْإِسْلَامَ لَا يُنَافِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ (وَأَوْلَادَهُ الصِّغَارَ وَكُلَّ مَالٍ) مَنْصُوبَانِ بِالْعَطْفِ عَلَى مَفْعُولِ أَحْرَزَ.

لِأَنَّهُ فِي يَدٍ صَحِيحَةٍ مُحْتَرَمَةٍ وَيَدُهُ كَيَدِهِ (فَإِنْ ظَهَرْنَا عَلَى دَارِ الْحِرَابِ فَعَقَارُهُ فَيْءٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ لَهُ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ فَصَارَ كَالْمَنْقُولِ. وَلَنَا أَنَّ الْعَقَارَ فِي يَدِ أَهْلِ الدَّارِ وَسُلْطَانُهَا إذَا هُوَ مِنْ جُمْلَةِ دَارِ الْحَرْبِ فَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً، وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ. وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ هُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْيَدَ حَقِيقَةً لَا تَثْبُتُ عَلَى الْعَقَارِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَثْبُتُ (وَزَوْجَتُهُ فَيْءٌ) لِأَنَّهَا كَافِرَةٌ حَرْبِيَّةٌ لَا تَتْبَعُهُ فِي الْإِسْلَامِ (وَكَذَا حَمْلُهَا فَيْءٌ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. هُوَ يَقُولُ إنَّهُ مُسْلِمٌ تَبَعًا كَالْمُنْفَصِلِ. وَلَنَا أَنَّهُ جُزْؤُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (فِي يَدٍ صَحِيحَةٍ) احْتِرَازٌ عَنْ يَدِ الْغَاصِبِ. وَقَوْلُهُ (مُحْتَرَمَةٍ) احْتِرَازٌ عَنْ يَدِ الْحَرْبِيِّ. قَوْلُهُ (وَقِيلَ هَذَا) أَيْ كَوْنُ عَقَارِهِ (فَيْئًا) قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ، فَمَا كَانَ فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ فَهُوَ لَهُ إلَّا الْعَقَارَ فَإِنَّهُ فَيْءٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: أَسْتَحْسِنُ فِي الْعَقَارِ أَنْ أَجْعَلَهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ مُحْتَرَمٌ لَهُ كَالْمَنْقُولِ، وَهَذَا كَمَا تَرَى مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْكِتَابِ بِاعْتِبَارِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ، إلَّا إنْ كَانَ عَنْهُ أَيْضًا رِوَايَتَانِ فَقَدْ هَانَ الْخَطْبُ إذْ ذَاكَ. قَوْلُهُ (عِنْدَهُمَا) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْيَدَ عَلَى الْبِقَاعِ إنَّمَا تَثْبُتُ حُكْمًا وَدَارُ الْحَرْبِ لَيْسَتْ بِدَارِ الْأَحْكَامِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِيَدِهِ فِيهَا قَبْلَ ظُهُورِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهَا وَبَعْدَ الظُّهُورِ يَدُ الْغَانِمِينَ فِيهَا أَقْوَى مِنْ يَدِهِ لِغَلَبَتِهِمْ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَثْبُتُ (وَزَوْجَتُهُ فَيْءٌ) لِأَنَّهَا كَافِرَةٌ لَا تَتْبَعُهُ فِي الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ يَتَزَوَّجُ الْكِتَابِيَّةَ وَتَبْقَى كِتَابِيَّةً وَلَا تَصِيرُ مُسْلِمَةً تَبَعًا لِزَوْجِهَا إذْ هُوَ مِنْ بَابِ الِاعْتِقَادِ (وَكَذَا حَمْلُهَا فَيْءٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) فِي الْحَمْلِ (هُوَ يَقُولُ إنَّهُ) أَيْ الْحَمْلَ (مُسْلِمٌ) بِتَبَعِيَّةِ أَبِيهِ وَالْمُسْلِمُ لَا يُسْتَرَقُّ كَالْوَلَدِ الْمُنْفَصِلِ (وَلَنَا أَنَّهُ جُزْؤُهَا) وَهِيَ قَدْ صَارَتْ فَيْئًا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَثْنَى الْجَنِينُ

فَيَرِقُّ بِرِقِّهَا وَالْمُسْلِمُ مَحَلٌّ لِلتَّمَلُّكِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلِ لِأَنَّهُ حُرٌّ لِانْعِدَامِ الْجُزْئِيَّةِ عِنْدَ ذَلِكَ (وَأَوْلَادُهُ الْكِبَارُ فَيْءٌ) لِأَنَّهُمْ كُفَّارٌ حَرْبِيُّونَ وَلَا تَبَعِيَّةَ (وَمَنْ قَاتَلَ مِنْ عَبِيدِهِ فَيْءٌ) لِأَنَّهُ لَمَّا تَمَرَّدَ عَلَى مَوْلَاهُ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ فَصَارَ تَبَعًا لِأَهْلِ دَارِهِمْ (وَمَا كَانَ مِنْ مَالِهِ فِي يَدِ حَرْبِيٍّ فَهُوَ فَيْءٌ) غَصْبًا كَانَ أَوْ وَدِيعَةً؛ لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِمُحْتَرَمَةٍ (وَمَا كَانَ غَصْبًا فِي يَدِ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فَهُوَ فَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَكُونُ فَيْئًا) قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي إعْتَاقِ الْأُمِّ كَمَا لَا يُسْتَثْنَى سَائِرُ أَجْزَائِهَا؛ فَكَمَا أَنَّ الْحَمْلَ لَا يَصِيرُ عَبْدًا عِنْدَ إعْتَاقِ الْأُمِّ مُسْتَثْنًى بِحَالٍ، فَكَذَا فِي الِاسْتِرْقَاقِ لَا يَصِيرُ الْجَنِينُ مُسْتَثْنًى بَعْدَمَا ثَبَتَ الرِّقُّ فِي الْأُمِّ. وَقَوْلُهُ (وَالْمُسْلِمُ مَحَلٌّ لِلتَّمَلُّكِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ إنَّهُ مُسْلِمٌ تَبَعًا. وَتَقْرِيرُهُ سَلَّمْنَا أَنَّهُ مُسْلِمٌ تَبَعًا لَكِنْ الْمُسْلِمُ مَحَلُّ التَّمَلُّكِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ، كَمَا إذَا تَزَوَّجَ الْمُسْلِمُ أَمَةَ الْغَيْرِ يَكُونُ الْوَلَدُ رَقِيقًا بِتَبَعِيَّةِ الْأُمِّ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أَبِيهِ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ كَالْمُنْفَصِلِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ (وَأَوْلَادُهُ الْكِبَارُ فَيْءٌ، وَمَنْ قَاتَلَ مِنْ عَبِيدِهِ فَيْءٌ لِأَنَّهُ لَمَّا تَمَرَّدَ عَلَى مَوْلَاهُ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ وَصَارَ تَبَعًا لِأَهْلِ الدَّارِ) وَأَهْلُ الدَّارِ فَيْءٌ، وَمَنْ لَمْ يُقَاتِلْ فَلَيْسَ بِفَيْءٍ لِأَنَّهُمْ أَتْبَاعُهُ. وَقَوْلُهُ (وَمَا كَانَ مِنْ مَالِهِ فِي يَدِ حَرْبِيٍّ فَهُوَ فَيْءٌ غَصْبًا كَانَ أَوْ وَدِيعَةً لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِمُحْتَرَمَةٍ) اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ مَا قَامَ مَقَامَ غَيْرِهِ إنَّمَا يَعْمَلُ بِوَصْفِ الْأَصْلِ لَا بِوَصْفِ نَفْسِهِ كَالتُّرَابِ مَعَ الْمَاءِ فِي التَّيَمُّمِ، وَلَمَّا كَانَ الْحَرْبِيُّ مَقَامَ الْمُودَعِ الْمُسْلِمِ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ تَكُونَ يَدُهُ كَيَدِ الْمُسْلِمِ مُحْتَرَمًا نَظَرًا إلَى نَفْسِهِ لَا غَيْرَ مُحْتَرَمٍ نَظَرًا إلَى الْحَرْبِيِّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ قِيَامَ يَدِ الْمُودَعِ عَلَى الْوَدِيعَةِ حَقِيقِيٌّ وَقِيَامَ يَدِ الْمَالِكِ عَلَيْهَا حُكْمِيٌّ، وَاعْتِبَارُ الْحُكْمِيِّ إنْ أَوْجَبَ الْعِصْمَةَ فَاعْتِبَارُ الْحَقِيقِيِّ يَمْنَعُهَا، وَالْعِصْمَةُ لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً لِأَنَّ الْمَالَ فِي أَصْلِهِ عَلَى صِفَةِ الْإِبَاحَةِ وَعِصْمَتُهُ تَابِعَةٌ لِعِصْمَةِ الْمَالِكِ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ التَّبَعِيَّةُ أَنْ لَوْ ثَبَتَ يَدُ الْمَالِكِ الْمَعْصُومِ لَهُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا مَعَ الِاحْتِرَامِ، لِأَنَّهُ بِدُونِ الِاحْتِرَامِ يُعَارِضُهَا جِهَةُ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ فَلَا تَثْبُتُ بِالشَّكِّ. وَقَوْلُهُ (وَمَا كَانَ غَصْبًا فِي يَدِ مُسْلِمٍ) اخْتَلَفَ نُسَخُ الْهِدَايَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَبَعْضُهَا وَقَعَ هَكَذَا (وَمَا كَانَ غَصْبًا فِي يَدِ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فَهُوَ فَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَا يَكُونُ فَيْئًا، قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:

كَذَا ذُكِرَ الِاخْتِلَافُ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ. وَذَكَرُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ. لَهُمَا أَنَّ الْمَالَ تَابِعٌ لِلنَّفْسِ، وَقَدْ صَارَتْ مَعْصُومَةً بِإِسْلَامِهِ فَيَتْبَعُهَا مَالُهُ فِيهَا. وَلَوْ أَنَّهُ مَالٌ مُبَاحٌ فَيُمْلَكُ بِالِاسْتِيلَاءِ وَالنَّفْسُ لَمْ تَصِرْ مَعْصُومَةً بِالْإِسْلَامِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُتَقَوِّمَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَذَا ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ. وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ) وَهُوَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَذْكُورٍ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ بِلَفْظٍ قَالَا، بَلْ لَيْسَ لِأَبِي يُوسُفَ فِيهِ ذِكْرٌ وَبَعْضُهَا وَقَعَ هَكَذَا، وَذَكَرَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ أَيْضًا لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مَعَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَبَعْضُهَا وَقَعَ هَكَذَا فَهُوَ فَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَكُونُ فَيْئًا. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كَذَا ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ، وَذَكَرُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُطَابِقُ لِرِوَايَةِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَشَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (لَهُمَا أَنَّ الْمَالَ تَابِعٌ لِلنَّفْسِ) لِكَوْنِهِ وِقَايَةً لَهَا (وَالنَّفْسُ صَارَتْ مَعْصُومَةً بِالْإِسْلَامِ فَيَبِعْهَا مَالَهُ فِيهَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ) أَيْ الْمَالَ الَّذِي غَصَبَهُ الْمُسْلِمُ أَوْ الذِّمِّيُّ مِنْ الْحَرْبِيِّ الَّذِي أَسْلَمَ (مَالٌ مُبَاحٌ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا؛ أَمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا حُكْمًا فَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِ نَائِبِهِ لِكَوْنِهِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَهُوَ لَيْسَ بِنَائِبٍ. بِخِلَافِ الْمُودَعِ وَكُلُّ مَالٍ مُبَاحٍ يُمْلَكُ بِالِاسْتِيلَاءِ بِلَا خِلَافٍ. وَقَوْلُهُ (وَالنَّفْسُ لَمْ تَصِرْ مَعْصُومَةً بِإِسْلَامِهِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا وَقَدْ صَارَتْ مَعْصُومَةً بِإِسْلَامِهِ. وَتَقْرِيرُهُ: لَا نُسَلِّمُ صَارَتْ مَعْصُومَةً بِإِسْلَامِهِ (أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُتَقَوِّمَةٍ) حَتَّى لَا يَجِبَ الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ عَلَى قَاتِلِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ لَمْ تَكُنْ مَعْصُومَةً لَمَا كَانَتْ مُحَرَّمَ التَّعَرُّضِ كَالْحَرْبِيِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.

إلَّا أَنَّهُ مُحَرَّمٌ التَّعَرُّضُ فِي الْأَصْلِ لِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا وَإِبَاحَةُ التَّعَرُّضِ بِعَارِضِ شَرِّهِ وَقَدْ انْدَفَعَ بِالْإِسْلَامِ، بِخِلَافِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ خُلِقَ عُرْضَةً لِلِامْتِهَانِ فَكَانَ مَحَلًّا لِلتَّمَلُّكِ وَلَيْسَتْ فِي يَدِهِ حُكْمًا فَلَمْ تَثْبُتْ الْعِصْمَةُ. (وَإِذَا خَرَجَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْلِفُوا مِنْ الْغَنِيمَةِ وَلَا يَأْكُلُوا مِنْهَا) لِأَنَّ الضَّرُورَةَ قَدْ ارْتَفَعَتْ، وَالْإِبَاحَةُ بِاعْتِبَارِهَا، وَلِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ تَأَكَّدَ حَتَّى يُوَرِّثَ نَصِيبَهُ وَلَا كَذَلِكَ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ (وَمَنْ فَضَلَ مَعَهُ عَلَفٌ أَوْ طَعَامٌ رَدَّهُ إلَى الْغَنِيمَةِ) مَعْنَاهُ إذَا لَمْ تُقَسَّمْ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ مِثْلُ قَوْلِنَا. وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ اعْتِبَارًا بِالْمُتَلَصِّصِ. وَلَنَا أَنَّ الِاخْتِصَاصَ ضَرُورَةُ الْحَاجَةِ وَقَدْ زَالَتْ، بِخِلَافِ الْمُتَلَصِّصِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَحَقَّ بِهِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ فَكَذَا بَعْدَهُ، وَبَعْدَ الْقِسْمَةِ تَصَدَّقُوا بِهِ إنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ، وَانْتَفَعُوا بِهِ إنْ كَانُوا مَحَاوِيجَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَجَابَ بِقَوْلِهِ (إلَّا أَنَّهَا مُحَرَّمُ التَّعَرُّضِ فِي الْأَصْلِ) يَعْنِي أَنَّ حُرْمَةَ التَّعَرُّضِ لَيْسَتْ لِكَوْنِهَا مَعْصُومَةً. وَإِنَّمَا هِيَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ النَّفْسَ عَلَى الْإِطْلَاقِ مُحَرَّمُ التَّعَرُّضِ فِي الْأَصْلِ لِكَوْنِهَا مُكَلَّفَةً لِتَقُومَ بِمَا كُلِّفَتْ بِهِ (وَإِبَاحَةُ التَّعَرُّضِ) إنَّمَا هِيَ (بِعَارِضِ شَرِّهِ. وَقَدْ انْدَفَعَ بِالْإِسْلَامِ) فَعَادَتْ إلَى أَصْلِهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا مَعْصُومَةٌ (بِخِلَافِ الْمَالِ لِأَنَّهُ خُلِقَ عُرْضَةً لِلِامْتِهَانِ فَكَانَ مَحَلًّا لِلتَّمَلُّكِ) فَكَانَ الْمُقْتَضِي مَوْجُودًا وَالْمَانِعُ مُنْتَفِيًا لِأَنَّ الْمَانِعَ كَوْنُهُ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا مَعَ الِاحْتِرَامِ، وَهَذَا لَيْسَ فِي يَدِهِ حُكْمًا لِأَنَّ يَدَ الْغَاصِبِ لَيْسَتْ بِنَائِبَةٍ عَنْ يَدِ الْمَالِكِ فَلَمْ تَثْبُتْ الْعِصْمَةُ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِ أَحَدٍ فَكَانَ فَيْئًا. قَوْلُهُ (وَإِذَا خَرَجَ الْمُسْلِمُونَ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (مَعْنَاهُ إذَا لَمْ تُقْسَمْ) يَعْنِي الْغَنِيمَةَ. وَقَوْلُهُ (اعْتِبَارًا بِالْمُتَلَصِّصِ) فَإِنَّهُ إذَا دَخَلَ الْوَاحِدُ أَوْ الِاثْنَانِ دَارَ الْحَرْبِ مُغِيرِينَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَأَخَذُوا شَيْئًا فَهُوَ لَهُمْ، وَلَا يُخَمَّسُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِغَنِيمَةٍ إذْ الْغَنِيمَةُ هُوَ الْمَأْخُوذُ قَهْرًا بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَهُوَ مُبَاحٌ سَبَقَتْ أَيْدِيهِمْ إلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَبَعْدَ الْقِسْمَةِ تَصَدَّقُوا بِهِ) أَيْ إذَا جَاءُوا بِمَا فَضَلَ مِنْ طَعَامٍ أَوْ عَلَفٍ أَخَذُوا مِنْ الْغَنِيمَةِ بَعْدَ قِسْمَةِ الْإِمَامِ

[فصل في كيفية القسمة]

لِأَنَّهُ صَارَ فِي حُكْمِ اللُّقَطَةِ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ عَلَى الْغَانِمِينَ، وَإِنْ كَانُوا انْتَفَعُوا بِهِ بَعْدَ الْإِحْرَازِ تُرَدُّ قِيمَتُهُ إلَى الْمَغْنَمِ إنْ كَانَ لَمْ يُقَسَّمْ، وَإِنْ قُسِّمَتْ الْغَنِيمَةُ فَالْغَنِيُّ يَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهِ وَالْفَقِيرُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِقِيَامِ الْقِيمَةِ مَقَامِ الْأَصْلِ فَأَخَذَ حُكْمَهُ. (فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ) قَالَ (وَيُقَسِّمُ الْإِمَامُ الْغَنِيمَةَ فَيُخْرِجُ خُمُسَهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] اسْتَثْنَى الْخُمُسَ (وَيُقَسِّمُ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ) «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَسَّمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ» ـــــــــــــــــــــــــــــQالْغَنِيمَةَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ تَصَدَّقُوا بِهِ. وَيُقَالُ رَجُلٌ مَحُوجٌ: أَيْ مُحْتَاجٌ، وَقَوْمٌ مَحَاوِيجُ. وَقَوْلُهُ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ عَلَى الْغَانِمِينَ يَعْنِي لِتَفَرُّقِهِمْ. وَقَوْلُهُ (فَأَخَذَ حُكْمَهُ) أَيْ أَخَذَتْ الْغَنِيمَةُ حُكْمَ الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ ضَمِيرَ الْغَنِيمَةِ عَلَى تَأْوِيلِ مَا يَقُومُ أَوْ عَلَى تَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ: يَعْنِي لَوْ كَانَ فَاضِلُ الْغَنِيمَةِ الَّذِي كَانَ مَعَهُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ وَهُوَ فَقِيرٌ فَقَدْ حَلَّ لَهُ التَّنَاوُلُ مِنْهُ فَكَذَا يَحِلُّ لَهُ التَّنَاوُلُ مِنْ قِيمَتِهِ لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ تَقُومُ مَقَامَ الْأَصْلِ. [فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ] لَمَّا بَيَّنَ أَحْكَامَ الْغَنَائِمِ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ كَيْفِيَّةِ قِسْمَتِهَا، وَالْقِسْمَةُ عِبَارَةٌ عَنْ جَمْعِ النَّصِيبِ الشَّائِعِ فِي مَكَان مُعَيَّنٍ (وَيَقْسِمُ الْإِمَامُ الْغَنِيمَةَ فَيُخْرِجُ خُمُسَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] اسْتَثْنَى الْخُمُسَ) أَيْ أَخْرَجَهُ، اسْتَعَارَ الِاسْتِثْنَاءَ لِلْإِخْرَاجِ لِوُجُودِ مَعْنَاهُ فِيهِ (وَيَقْسِمُ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ) بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، أَمَّا الْكِتَابُ فَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41] أَضَافَ الْغَنِيمَةَ إلَى الْغَانِمِينَ وَهُمْ الْغُزَاةُ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] فَكَانَ بَيَانَ ضَرُورَةِ أَنَّ بَقِيَّةَ الْأَخْمَاسِ لِلْغُزَاةِ، وَقَدْ عُرِفَ ذَلِكَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ. وَأَمَّا السُّنَّةُ فَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ، وَلِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسَ لِلْغَانِمِينَ بِالْإِجْمَاعِ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ أَيْضًا إيصَالًا لِلْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ.

(ثُمَّ لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَقَالَا: لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَسْهَمَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا» وَلِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْغِنَاءِ وَغِنَاؤُهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْثَالِ الرَّاجِلِ؛ لِأَنَّهُ لِلْكَرِّ وَالْفَرِّ وَالثَّبَاتِ، وَالرَّاجِلُ لِلثَّبَاتِ لَا غَيْرُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ وَالرَّاجِلَ سَهْمًا» فَتَعَارَضَ فِعْلَاهُ، فَيُرْجَعُ إلَى قَوْلِهِ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ» كَيْفَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَسَّمَ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ كَيْفِيَّةُ الْقِسْمَةِ أَنْ يُعْطِيَ الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ وَالرَّاجِلَ سَهْمًا (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَقَالَا: وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِلْفَارِسِ: ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ) وَرَوَوْا فِي ذَلِكَ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَالْغِنَاءِ بِالْمَدِّ وَالْفَتْحِ الْإِجْزَاءُ وَالْكِفَايَةُ وَالْكَرُّ الْحَمَلَةُ وَالْفَرُّ بِمَعْنَى الْفِرَارِ، وَالْفِرَارُ إذَا كَانَ لِأَجْلِ أَنْ يَكُونَ الْكَرُّ أَشَدَّ كَانَ مِنْ الْجِهَادِ، وَالْفِرَارُ فِي مَوْضِعِهِ مَحْمُودٌ لِئَلَّا يَرْتَكِبَ الْمَنْهِيَّ الْمَذْكُورَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَكِنْ طَرِيقَةُ اسْتِدْلَالِهِ مُخَالِفَةٌ لِقَوَاعِدِ الْأُصُولِ، فَإِنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الدَّلِيلَيْنِ إذَا تَعَارَضَا وَتَعَذَّرَ التَّوْفِيقُ وَالتَّرْجِيحُ يُصَارُ إلَى مَا بَعْدَهُ لَا إلَى مَا قَبْلَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ فَتَعَارَضَ فِعْلَاهُ فَيَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ وَالْمَسْلَكُ الْمَعْهُودُ فِي مِثْلِهِ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ وَيَقُولُ فِعْلُهُ لَا يُعَارِضُ قَوْلَهُ لِكَوْنِ الْقَوْلِ أَقْوَى بِالِاتِّفَاقِ.

وَإِذَا تَعَارَضَتْ رِوَايَتَاهُ تُرَجَّحَ رِوَايَةُ غَيْرِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَإِذَا تَعَارَضَتْ رِوَايَتَاهُ تُرَجَّحُ رِوَايَةُ غَيْرِهِ) أَيْ سَلِمَتْ عَنْ الْمُعَارَضَةِ فَيُعْمَلُ بِهَا: يَعْنِي رِوَايَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ

وَلِأَنَّ الْكَرَّ وَالْفَرَّ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَيَكُونُ غِنَاؤُهُ مِثْلَيْ غِنَاءِ الرَّاجِلِ فَيَفْضُلُ عَلَيْهِ بِسَهْمٍ وَلِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ مِقْدَارِ الزِّيَادَةِ لِتَعَذُّرِ مَعْرِفَتِهِ فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى سَبَبٍ ظَاهِرٍ، وَلِلْفَارِسِ سَبَبَانِ النَّفْسُ وَالْفَرَسُ، وَلِلرَّاجِلِ سَبَبٌ وَاحِدٌ فَكَانَ اسْتِحْقَاقُهُ عَلَى ضَعْفِهِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (فَيَكُونُ غِنَاؤُهُ مِثْلَ غِنَاءِ الرَّجُلِ) لِأَنَّ نَفْسَ الْفِرَارِ لَيْسَ بِمَحْمُودٍ، بَلْ الْفِرَارُ إنَّمَا يَحْسُنُ إذَا فُعِلَ لِأَجْلِ الْكَرِّ، فَيَكُونَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ (وَلِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ مِقْدَارِ الزِّيَادَةِ لِتَعَذُّرِ مَعْرِفَتِهِ) يَعْنِي قَدْ يَزِيدُ الْفَارِسُ عَلَى فَارِسٍ آخَرَ وَالرَّاجِلُ عَلَى رَاجِلٍ آخَرَ فِي الْغِنَاءِ، وَالْوُقُوفُ عَلَى تِلْكَ الزِّيَادَةِ مُتَعَذَّرٌ لِأَنَّهَا تَظْهَرُ عِنْدَ الْمُسَايَفَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمْ مَشْغُولٌ بِرُوحِهِ، وَإِذَا كَانَ مُتَعَذِّرًا وَلَهُ سَبَبٌ ظَاهِرٌ أُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ (وَلِلْفَارِسِ سَبَبَانِ نَفْسُهُ وَالْفَرَسُ، وَلِلرَّاجِلِ سَبَبٌ وَاحِدٌ) وَهُوَ نَفْسُهُ (فَكَانَ اسْتِحْقَاقُ الْفَارِسِ عَلَى ضِعْفِهِ)

(وَلَا يُسْهِمُ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُسْهِمُ لِفَرَسَيْنِ، لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْهَمَ لِفَرَسَيْنِ» وَلِأَنَّ الْوَاحِدَ قَدْ يَعْيَا فَيَحْتَاجُ إلَى الْآخَرِ، وَلَهُمَا «أَنَّ الْبَرَاءَ بْنَ أَوْسٍ قَادَ فَرَسَيْنِ فَلَمْ يُسْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ» وَلِأَنَّ الْقِتَالَ لَا يَتَحَقَّقُ بِفَرَسَيْنِ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَلَا يَكُونُ السَّبَبُ الظَّاهِرُ مُفْضِيًا إلَى الْقِتَالِ عَلَيْهِمَا فَيُسْهِمُ لِوَاحِدٍ، وَلِهَذَا لَا يُسْهِمُ لِثَلَاثَةِ أَفْرَاسٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَا يُسْهَمُ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ) وَاضِحٌ. حَاصِلُ الدَّلِيلَيْنِ وُقُوعُ التَّعَارُضِ بَيْنَ رِوَايَتَيْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالرُّجُوعُ إلَى مَا بَعْدَهُمَا وَهُوَ الْقِيَاسُ بِقَوْلِهِ (وَلِأَنَّ الْقِتَالَ لَا يَتَحَقَّقُ بِفَرَسَيْنِ دَفْعَةً وَاحِدَةً) فَلَا يَكُونُ السَّبَبُ الظَّاهِرُ وَهُوَ مُجَاوَزَةُ الدَّرْبِ مُفْضِيًا إلَى زِيَادَةِ الْغِنَاءِ بِالْقِتَالِ عَلَيْهِمَا فَيُسْهَمُ لِوَاحِدٍ وَلِهَذَا لَا يُسْهَمُ لِثَلَاثَةِ أَفْرَاسٍ.

وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْفِيلِ كَمَا أَعْطَى سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ سَهْمَيْنِ وَهُوَ رَاجِلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْفِيلِ إلَخْ) اسْتِظْهَارٌ فِي تَقْوِيَةِ الدَّلِيلِ لِأَنَّ مَا رَوَاهُ لَمَّا سَقَطَ بِالْمُعَارَضَةِ لَا يَحْتَاجُ إلَى

(وَالْبَرَاذِينُ وَالْعَتَاقُ سَوَاءٌ) لِأَنَّ الْإِرْهَابَ مُضَافٌ إلَى جِنْسِ الْخَيْلِ فِي الْكِتَابِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60] وَاسْمُ الْخَيْلِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْبَرَاذِينِ وَالْعِرَابِ وَالْهَجِينِ وَالْمَقْرِفِ إطْلَاقًا وَاحِدًا، وَلِأَنَّ الْعَرَبِيَّ إنْ كَانَ فِي الطَّلَبِ وَالْهَرَبِ أَقْوَى فَالْبِرْذَوْنُ أَصَبْرُ وَأَلْيَنُ عَطْفًا، فَفِي كُلِّ وَاحِدِ مِنْهُمَا مَنْفَعَةٌ مُعْتَبَرَةٌ فَاسْتَوَيَا. (وَمَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَارِسًا فَنَفَقَ فَرَسُهُ اسْتَحَقَّ سَهْمَ الْفُرْسَانِ، وَمَنْ دَخَلَ رَاجِلًا فَاشْتَرَى فَرَسًا اسْتَحَقَّ سَهْمَ رَاجِلٍ) وَجَوَابُ الشَّافِعِيِّ عَلَى عَكْسِهِ فِي الْفَصْلَيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQجَوَابٍ عَنْهُ أَوْ تَأْوِيلٍ لَهُ (وَالْبَرَاذِينُ وَالْعَتَاقُ سَوَاءٌ) الْبَرَاذِينُ جَمْعُ بِرْذَوْنٍ وَهُوَ فَرَسُ الْعَجَمِ، وَالْعَتَاقُ الْكَرَائِمُ. يُقَالُ عَتَاقُ الْخَيْلِ وَالطَّيْرِ لِكَرَائِمِهِمَا، وَالْعِرَابُ خِلَافُ فَرَسِ الْعَجَمِ. وَالْهَجِينُ مَا يَكُونُ أَبُوهُ مِنْ الْكَوَادِنِ وَأُمُّهُ عَرَبِيَّةً، وَالْكَوْدَنُ الْبِرْذَوْنُ وَيُشْبِهُ بِهِ الْبَلِيدُ، وَالْمَقْرِفُ عَكْسُ الْهَجِينِ، وَإِنَّمَا تَصَدَّى لِذِكْرِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْبِرْذَوْنِ وَالْعَتَاقِ لِأَنَّ أَهْلَ الشَّامِ يَقُولَانِ لَا يُسْهَمُ لِلْبَرَاذِينِ وَرَوَوْا فِيهِ حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَاذًّا، وَحُجَّتُنَا مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (أَلْيَنَ عَطْفًا) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا، فَمَعْنَى الْفَتْحِ الْإِمَالَةُ، وَمَعْنَى الْكَسْرِ الْجَانِبُ. قَالَ (وَمَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَارِسًا) هَذَا الْبَيَانُ وَقْتَ إقَامَةِ السَّبَبِ الظَّاهِرِ مَقَامَ مَا يُوجِبُ زِيَادَةَ السَّهْمِ وَهُوَ

وَهَكَذَا رَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفُرْسَانِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَنَا حَالَةُ الْمُجَاوَزَةِ، وَعِنْدَهُ حَالَةُ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ لَهُ أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْقَهْرُ وَالْقِتَالُ فَيُعْتَبَرُ حَالُ الشَّخْصِ عِنْدَهُ وَالْمُجَاوَزَةُ وَسِيلَةٌ إلَى السَّبَبِ كَالْخُرُوجِ مِنْ الْبَيْتِ، وَتَعْلِيقِ الْأَحْكَامِ بِالْقِتَالِ يَدُلُّ عَلَى إمْكَانِ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ، وَلَوْ تَعَذَّرَ أَوْ تَعَسَّرَ تَعَلَّقَ بِشُهُودِ الْوَقْعَةِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْقِتَالِ. وَلَنَا أَنَّ الْمُجَاوَزَةَ نَفْسَهَا قِتَالٌ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُمْ الْخَوْفُ بِهَا وَالْحَالُ بَعْدَهَا حَالَةُ الدَّوَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقْتُ مُجَاوَزَةِ الدَّرْبِ عِنْدَنَا. وَقَوْلُهُ (وَهَكَذَا) أَيْ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (رَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْفَصْلِ الثَّانِي) يَعْنِي مَا إذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ رَاجِلًا ثُمَّ اشْتَرَى فَرَسًا وَقَاتَلَ فَارِسًا، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفُرْسَانِ (وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَنَا فِي وَقْتِ إقَامَةِ السَّبَبِ مَقَامَ ذَلِكَ حَالَةَ الْمُجَاوَزَةِ) أَيْ مُجَاوَزَةِ الدَّرْبِ. قَالَ الْخَلِيلُ: الدَّرْبُ الْبَابُ الْوَاسِعُ عَلَى السِّكَّةِ وَعَلَى كُلِّ مَدْخَلٍ مِنْ مَدَاخِلِ الرُّومِ دَرْبٌ مِنْ دُرُوبِهَا، لَكِنْ الْمُرَادُ بِالدَّرْبِ هَاهُنَا هُوَ الْبَرْزَخُ الْحَاجِزُ بَيْنَ الدَّارَيْنِ دَارِ الْإِسْلَامِ وَدَارِ الْحَرْبِ، حَتَّى لَوْ جَاوَزْت الدَّرْبَ دَخَلْت فِي حَدِّ دَارِ الْحَرْبِ، وَلَوْ جَاوَزَ أَهْلُ دَارِ الْحَرْبِ الدَّرْبَ دَخَلُوا فِي حَدِّ دَارِ الْإِسْلَامِ (وَعِنْدَهُ حَالَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ) أَيْ تَمَامُهَا وَهَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْهُ، وَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ مُجَرَّدَ شُهُودِ الْوَقْعَةِ، وَدَلِيلُهُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ الْمُصَنِّفُ أَشَارَ بِقَوْلِهِ حَالَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ إلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَبِالدَّلِيلِ إلَى الْأُخْرَى لِأَنَّ قَوْلَهُ (يُعْتَبَرُ حَالُ الشَّخْصِ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الْقِتَالِ إشَارَةٌ إلَى حَالِ شُهُودِ الْوَقْعَةِ لَا إلَى حَالِ انْقِضَائِهَا. وَقَوْلُهُ (وَالْمُجَاوَزَةُ وَسِيلَةٌ) رَدٌّ لِمَذْهَبِنَا. وَقَوْلُهُ (كَالْخُرُوجِ مِنْ مَبِيتٍ) يَعْنِي لِلْقِتَالِ، فَإِنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى السَّبَبِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ فِي اعْتِبَارِ حَالِ الْغَازِي مِنْ كَوْنِهِ رَاجِلًا أَوْ فَارِسًا، وَكَذَلِكَ فِي هَذِهِ الْوَسِيلَةِ. وَقَوْلُهُ (وَتَعْلِيقُ الْأَحْكَامِ) جَوَابٌ عَمَّا سَنَذْكُرُ فِي تَعْلِيلِنَا أَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى حَقِيقَةِ الْقِتَالِ مُتَعَسِّرٌ. وَبَيَانُهُ أَنَّ الْأَحْكَامَ تَعَلَّقَتْ بِوُجُودِ الْقِتَالِ حَقِيقَةً كَإِعْطَاءِ الرَّضْخِ لِلصَّبِيِّ إذَا قَاتَلَ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ وَالذِّمِّيُّ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُتَعَسِّرًا لَمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا عُسْرَهُ لَكِنْ يَجِبُ تَعَلُّقُ حُكْمِ كَوْنِهِ رَاجِلًا أَوْ فَارِسًا بِحَالَةٍ هِيَ أَقْرَبُ إلَى الْقِتَالِ وَهِيَ شُهُودُ الْوَقْعَةِ لَا مُجَاوَزَةُ الدَّرْبِ (وَلَنَا أَنَّ الْمُجَاوَزَةَ نَفْسَهَا قِتَالٌ) لِأَنَّ الْقِتَالَ اسْمٌ لِفِعْلٍ يَقَعُ بِهِ لِلْعَدُوِّ خَوْفٌ، وَمُجَاوَزَةُ الدَّرْبِ قَهْرًا، وَشَوْكَةٌ تَحْصُلُ لَهُمْ الْخَوْفُ فَكَانَ قِتَالًا. وَإِذَا وُجِدَ أَصْلُ الْقِتَالِ فَارِسًا لَمْ يَتَغَيَّرْ حُكْمُهُ بِتَغَيُّرِ أَحْوَالِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ (حَالَةُ دَوَامِ الْقِتَالِ

وَلَا مُعْتَبَرَ بِهَا؛ وَلِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى حَقِيقَةِ الْقِتَالِ مُتَعَسِّرٌ؛ وَكَذَا عَلَى شُهُودِ الْوَقْعَةِ لِأَنَّ حَالَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ فَتُقَامُ الْمُجَاوَزَةُ مَقَامَهُ إذْ هُوَ السَّبَبُ الْمُفْضِي إلَيْهِ ظَاهِرًا إذَا كَانَ عَلَى قَصْدِ الْقِتَالِ فَيُعْتَبَرُ حَالُ الشَّخْصِ بِحَالَةِ الْمُجَاوَزَةِ فَارِسًا كَانَ أَوْ رَاجِلًا. وَلَوْ دَخَلَ فَارِسًا وَقَاتَلَ رَاجِلًا لِضِيقِ الْمَكَانِ يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفُرْسَانِ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَوْ دَخَلَ فَارِسًا ثُمَّ بَاعَ فَرَسَهُ أَوْ وَهَبَ أَوْ أَجَّرَ أَوْ رَهَنَ فَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفُرْسَانِ اعْتِبَارًا لِلْمُجَاوَزَةِ. وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الرَّجَّالَةِ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ بِالْمُجَاوَزَةِ الْقِتَالُ فَارِسًا. وَلَوْ بَاعَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ لَمْ يَسْقُطْ سَهْمُ الْفُرْسَانِ، وَكَذَا إذَا بَاعَ فِي حَالَةِ الْقِتَالِ عِنْدَ الْبَعْضِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْقُطُ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَرَضَهُ التِّجَارَةُ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ يَنْتَظِرُ عِزَّتَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا مُعْتَبَرَ بِهَا) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِدَوَامِ الْقِتَالِ لِأَنَّ الْفَارِسَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُقَاتِلَ فَارِسًا دَائِمًا لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَنْزِلَ فِي بَعْضِ الْمَضَايِقِ خُصُوصًا فِي الْمَشْجَرَةِ أَوْ فِي الْحِصْنِ أَوْ فِي الْبَحْرِ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى حَقِيقَةِ الْقِتَالِ) وَاضِحٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا.

(وَلَا يُسْهِمُ لِمَمْلُوكٍ وَلَا امْرَأَةٍ وَلَا صَبِيٍّ وَلَا ذِمِّيٍّ وَلَكِنْ يَرْضَخُ لَهُمْ عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى الْإِمَامُ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ لَا يُسْهِمُ لِلنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْعَبِيدِ وَكَانَ يَرْضَخُ لَهُمْ» وَلَمَّا اسْتَعَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْيَهُودِ عَلَى الْيَهُودِ لَمْ يُعْطِهِمْ شَيْئًا مِنْ الْغَنِيمَةِ: يَعْنِي أَنَّهُ لَمْ يُسْهِمْ لَهُمْ، وَلِأَنَّ الْجِهَادَ عِبَادَةٌ، وَالذِّمِّيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ، وَالصَّبِيُّ وَالْمَرْأَةُ عَاجِزَانِ عَنْهُ وَلِهَذَا لَمْ يَلْحَقْهُمَا فَرْضُهُ، وَالْعَبْدُ لَا يُمْكِنُهُ الْمُوَلَّى وَلَهُ مَنْعُهُ، إلَّا أَنَّهُ يَرْضَخُ لَهُمْ تَحْرِيضًا عَلَى الْقِتَالِ مَعَ إظْهَارِ انْحِطَاطِ رُتْبَتِهِمْ، وَالْمُكَاتَبُ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ لِقِيَامِ الرِّقِّ وَتَوَهُّمِ عَجْزِهِ فَيَمْنَعُهُ الْمُوَلَّى عَنْ الْخُرُوجِ إلَى الْقِتَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ (وَتَوَهُّمِ عَجْزِهِ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَعْجِزَ الْمُكَاتَبُ عَنْ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَيَعُودَ إلَى الرِّقِّ، وَحِينَئِذٍ كَانَ لِلْمَوْلَى وِلَايَةُ الْمَنْعِ فَيُمْنَعُ فِي الْحَالِ لِوُجُودِ التَّوَهُّمِ.

ثُمَّ الْعَبْدُ إنَّمَا يَرْضَخُ لَهُ إذَا قَاتَلَ لِأَنَّهُ دَخَلَ لِخِدْمَةِ الْمُوَلَّى فَصَارَ كَالتَّاجِرِ، وَالْمَرْأَةُ يَرْضَخُ لَهَا إذَا كَانَتْ تُدَاوِي الْجَرْحَى، وَتَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى لِأَنَّهَا عَاجِزَةٌ عَنْ حَقِيقَةِ الْقِتَالِ فَيُقَامُ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْإِعَانَةِ مَقَامَ الْقِتَالِ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى حَقِيقَةِ الْقِتَالِ، وَالذِّمِّيُّ إنَّمَا يَرْضَخُ لَهُ إذَا قَاتَلَ أَوْ دَلَّ عَلَى الطَّرِيقِ، وَلَمْ يُقَاتِلْ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً لِلْمُسْلِمِينَ، إلَّا أَنَّهُ يُزَادُ عَلَى السَّهْمِ فِي الدَّلَالَةِ إذَا كَانَتْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ عَظِيمَةٌ، وَلَا يَبْلُغُ بِهِ السَّهْمَ إذَا قَاتَلَ؛ لِأَنَّهُ جِهَادٌ، وَالْأَوَّلُ لَيْسَ مِنْ عَمَلِهِ وَلَا يُسَوِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ فِي حُكْمِ الْجِهَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّهَا عَاجِزَةٌ عَنْ حَقِيقَةِ الْقِتَالِ) ظَاهِرٌ. وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَاجِزَةً لَمَا صَحَّ أَمَانُهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ مِمَّنْ يُخَافُ مِنْهُ الْقِتَالُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْقِتَالِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَمَانَ صِحَّتُهُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْقُدْرَةِ عَلَى حَقِيقَةِ الْقِتَالِ، بَلْ تَثْبُتُ بِشُبْهَةِ الْقِتَالِ لِأَنَّهُ مِمَّا يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ وَهِيَ لَيْسَتْ بِعَاجِزَةٍ عَنْ شُبْهَةِ الْقِتَالِ بِمَالِهَا وَعَبِيدِهَا، وَأَمَّا السَّهْمُ مِنْ الْغَنِيمَةِ فَإِنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِحَقِيقَةِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِتَالِ وَهِيَ عَاجِزَةٌ عَنْهَا (وَلَا يَبْلُغُ بِهِ السَّهْمُ إذَا قَاتَلَ لِأَنَّهُ جِهَادٌ) فَلَا يَبْلُغُ بِسَهْمِهِ سَهْمَ الْمُجَاهِدِينَ (وَالْأَوَّلُ لَيْسَ مِنْ عَمَلِهِ) أَيْ الدَّلَالَةُ لَيْسَتْ مِنْ عَمَلِ الْجِهَادِ فَكَانَتْ عَمَلًا كَسَائِرِ الْأَعْمَالِ فَيَبْلُغُ

(وَأَمَّا الْخُمُسُ فَيُقَسَّمُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ: سَهْمٌ لِلْيَتَامَى وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ وَسَهْمٌ لِابْنِ السَّبِيلِ يَدْخُلُ فُقَرَاءُ ذَوِي الْقُرْبَى فِيهِمْ وَيُقَدَّمُونَ، وَلَا يُدْفَعُ إلَى أَغْنِيَائِهِمْ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهُمْ خُمُسُ الْخُمُسِ يَسْتَوِي فِيهِ غَنِيُّهُمْ وَفَقِيرُهُمْ، وَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَيَكُونُ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ دُونَ غَيْرِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَجْرُهُ بَالِغًا مَا بَلَغَ. قَالَ (وَأَمَّا الْخُمُسُ فَيُقْسَمُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ سَهْمٍ لِلْيَتَامَى وَسَهْمٍ لِلْمَسَاكِينِ وَسَهْمٍ لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ يَدْخُلُ فُقَرَاءُ ذَوِي الْقُرْبَى فِيهِمْ) أَيْ فِي الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ، وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ أَيْتَامَ ذَوِي الْقُرْبَى يَدْخُلُونَ فِي سَهْمِ الْيَتَامَى وَيُقَدَّمُونَ عَلَيْهِمْ، وَمَسَاكِينُ ذَوِي الْقُرْبَى يَدْخُلُونَ فِي سَهْمِ الْمَسَاكِينِ، وَأَبْنَاءُ السَّبِيلِ مِنْهُمْ يَدْخُلُونَ فِي أَبْنَاءِ السَّبِيلِ وَسَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ فِي هَذِهِ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ الِاحْتِيَاجُ، غَيْرَ أَنَّ سَبَبَهُ مُخْتَلِفٌ فِي نَفْسِهِ مِنْ الْيُتْمِ وَالْمَسْكَنَةِ وَكَوْنُهُ ابْنَ السَّبِيلِ، ثُمَّ إنَّهُمْ مَصَارِفُ لَا مُسْتَحِقُّونَ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ صَرَفَ إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَازَ عِنْدَنَا كَمَا فِي الصَّدَقَاتِ (وَلَا يَدْفَعُ إلَى أَغْنِيَائِهِمْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَهُمْ خُمُسُ الْخُمُسِ يَسْتَوِي فِيهِ غَنِيُّهُمْ وَفَقِيرُهُمْ، وَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَيَكُونُ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ دُونَ غَيْرِهِمْ) مِنْ بَنِي عَبْدَ شَمْسٍ وَبَنِي نَوْفَلٍ

لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ. وَلَنَا أَنَّ الْخُلَفَاءَ الْأَرْبَعَةَ الرَّاشِدِينَ قَسَّمُوهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ عَلَى نَحْوِ مَا قُلْنَاهُ وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةً. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَا مَعْشَرَ بَنِي هَاشِمٍ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَرِهَ لَكُمْ غُسَالَةَ النَّاسِ وَأَوْسَاخَهُمْ وَعَوَّضَكُمْ مِنْهَا بِخُمُسِ الْخُمُسِ» وَالْعِوَضُ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ مَنْ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ الْمُعَوَّضُ وَهُمْ الْفُقَرَاءُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ) فَيَشْتَرِكَانِ (وَلَنَا أَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَسَمُوا الْخُمُسَ عَلَى ثَلَاثَةٍ عَلَى نَحْوِ مَا قُلْنَا وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةً) وَلَمْ يُخَالِفْهُمْ أَحَدٌ فَكَانَ إجْمَاعًا. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُصْرَفْ إلَى أَغْنِيَائِهِمْ شَيْءٌ لِأَنَّهُ قَالَ «يَا بَنِي هَاشِمٍ إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ غُسَالَةَ أَيْدِي النَّاسِ وَأَوْسَاخَهُمْ وَعَوَّضَكُمْ مِنْهَا بِخُمُسِ الْخُمُسِ» وَالْعِوَضُ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ مَنْ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ الْمُعَوَّضُ وَهُمْ الْفُقَرَاءُ) يَعْنِي أَنَّ الْمُعَوَّضَ وَهُوَ الزَّكَاةُ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى الْأَغْنِيَاءِ، فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عِوَضَ الزَّكَاةِ وَهُوَ خُمُسُ

وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعْطَاهُمْ لِلنُّصْرَةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَّلَ فَقَالَ: «إنَّهُمْ لَنْ يَزَالُوا مَعِي هَكَذَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ النَّصْرِ قُرْبُ النُّصْرَةِ لَا قُرْبُ الْقَرَابَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْغَنَائِمِ لَا يَدْفَعُ إلَيْهِمْ لِأَنَّ الْعِوَضَ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ مَنْ فَاتَ عَنْهُ الْمُعَوَّضُ وَإِلَّا لَا يَكُونُ عِوَضًا لِذَلِكَ الْمُعَوَّضِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا الْحَدِيثُ إمَّا أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا صَحِيحًا أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ وَجَبَ أَنْ يَقْسِمَ الْخُمُسَ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ وَأَنْتُمْ تَقْسِمُونَهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ وَهُوَ مُخَالَفَةٌ مِنْكُمْ لِلْحَدِيثِ الثَّابِتِ الصَّحِيحِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ لَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ لِهَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا إثْبَاتُ الْعِوَضِ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي فَاتَ عَنْهُ الْمُعَوَّضُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. وَالثَّانِيَةُ جَعْلُهُ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ، وَلَكِنْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى انْتِفَاءِ الْخُمُسِ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ وَهُوَ فِعْلُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَمْ يَقُمْ الدَّلِيلُ عَلَى تَغْيِيرِ الْعِوَضِ مِمَّنْ فَاتَ عَنْهُ الْمُعَوَّضُ فَقُلْنَا بِهِ، كَمَا تَمَسَّكَ الْخَصْمُ عَلَى تَكْرَارِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ بِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى حَمْزَةَ سَبْعِينَ صَلَاةً» وَهُوَ لَا يَقُولُ بِالصَّلَاةِ عَلَى الشَّهِيدِ، وَلَكِنْ يَقُولُ لِلْحَدِيثِ دَلَالَتَانِ، فَإِحْدَاهُمَا بَاقِيَةٌ وَإِنْ انْتَفَتْ الْأُخْرَى. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ مَا ذَكَرْتُمْ صَحِيحًا بِجَمِيعِ مُقَدِّمَاتِهِ لَمَا أَعْطَاهُمْ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهُمْ لِلنُّصْرَةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَّلَ فَقَالَ: «إنَّهُمْ لَنْ يَزَالُوا مَعِي هَكَذَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» ) وَقِصَّتُهُ مَا رُوِيَ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّهُ قَالَ «لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَتَرَكَ بَنِي نَوْفَلٍ وَبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، فَانْطَلَقْت أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ حَتَّى أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَؤُلَاءِ بَنُو هَاشِمٍ لَا نُنْكِرُ فَضْلَهُمْ لِلْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعَك اللَّهُ بِهِ فِيهِمْ، فَمَا بَالُ إخْوَانِنَا بَنِي الْمُطَّلِبِ أَعْطَيْتهمْ وَتَرَكْتنَا وَقَرَابَتُنَا وَاحِدَةٌ؟ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَنَا وَبَنُو الْمُطَّلِبِ لَا نَفْتَرِقُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ وَإِنَّمَا نَحْنُ وَهُمْ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ وَأَشَارَ إلَى نُصْرَتِهِمْ» وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ (دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّصِّ) أَعْنِي قَوْلَهُ وَلِذِي الْقُرْبَى (قُرْبُ النُّصْرَةِ لَا قُرْبُ الْقَرَابَةِ) وَالْمُرَادُ بِالنُّصْرَةِ نُصْرَةُ الِاجْتِمَاعِ فِي الشُّعَبِ لَا نُصْرَةُ الْقِتَالِ، يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ «لَا نَفْتَرِقُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ» وَلِهَذَا يَصْرِفُ لِلنِّسَاءِ وَالذَّرَارِيِّ. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهُمْ لِلنُّصْرَةِ لَا لِلْقَرَابَةِ وَقَدْ انْتَهَتْ النُّصُرَاتُ انْتَهَى الْإِعْطَاءُ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَنْتَهِي بِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ.

قَالَ (فَأَمَّا ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْخُمُسِ فَإِنَّهُ لِافْتِتَاحِ الْكَلَامِ تَبَرُّكًا بِاسْمِهِ، وَسَهْمُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَقَطَ بِمَوْتِهِ كَمَا سَقَطَ الصَّفِيُّ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَسْتَحِقُّهُ بِرِسَالَتِهِ وَلَا رَسُولَ بَعْدَهُ وَالصَّفِيُّ شَيْءٌ كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَصْطَفِيهِ لِنَفْسِهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ مِثْلَ دِرْعٍ أَوْ سَيْفٍ أَوْ جَارِيَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (فَأَمَّا ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْخُمُسِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ وَجْهِ سُقُوطِ سَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى بَيَّنَ وَجْهَ سُقُوطِ مَا سِوَى الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي النَّصِّ فَقَالَ: فَأَمَّا ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْخُمُسِ يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] (فَإِنَّهُ لِافْتِتَاحِ الْكَلَامِ تَبَرُّكًا بِذِكْرِهِ، وَسَهْمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَقَطَ بِمَوْتِهِ كَمَا سَقَطَ الصَّفِيُّ) بِالْإِجْمَاعِ (لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْتَحِقُّهُ بِرِسَالَتِهِ) لِأَنَّ الْحُكْمَ مَتَى تَرَتَّبَ عَلَى الْمُشْتَقِّ فَيَكُونُ الْمُشْتَقُّ مِنْهُ عِلَّةً (وَلَا رَسُولَ بَعْدَهُ. وَالصَّفِيُّ شَيْءٌ كَانَ يَصْطَفِيهِ لِنَفْسِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَ دِرْعٍ أَوْ سَيْفٍ أَوْ جَارِيَةٍ) اصْطَفَى ذَا الْفَقَارِ مِنْ غَنَائِمِ بَدْرٍ، وَاصْطَفَى

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُصْرَفُ سَهْمُ الرَّسُولِ إلَى الْخَلِيفَةِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ (وَسَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى كَانُوا يَسْتَحِقُّونَهُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنُّصْرَةِ) لِمَا رَوَيْنَا. قَالَ (وَبَعْدَهُ بِالْفَقْرِ) قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ عَصَمَهُ اللَّهُ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: سَهْمُ الْفَقِيرِ مِنْهُمْ سَاقِطٌ أَيْضًا لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الصَّدَقَةِ نَظَرًا إلَى الْمَصْرِفِ فَيُحَرِّمُهُ كَمَا حَرَّمَ الْعِمَالَةَ. وَجْهُ الْأَوَّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQصَفِيَّةَ مِنْ غَنَائِمِ خَيْبَرَ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يُصْرَفُ سَهْمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْخَلِيفَةِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ) أَنَّهُ كَانَ يَسْتَحِقُّهُ بِرِسَالَتِهِ (وَسَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى كَانُوا يَسْتَحِقُّونَهُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنُّصْرَةِ لِمَا رَوَيْنَا) أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهُمْ لِلنُّصْرَةِ. لَا يُقَالُ: قَوْلُهُ وَسَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى وَقَعَ مُكَرَّرًا حُكْمًا وَتَعْلِيلًا. لِأَنَّا نَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا كَانَ فِي حَيِّزِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْقِسْمَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ، وَهَذَا نَقْلٌ لِكَلَامِ صَاحِبِ الْقُدُورِيِّ. قَالَ: أَيْ الْقُدُورِيُّ (وَبَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (بِالْفَقْرِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا) أَيْ اسْتِحْقَاقُهُمْ بِالْفَقْرِ (قَوْلُ الْكَرْخِيِّ: وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ سَهْمُ الْفَقِيرِ مِنْهُمْ سَاقِطٌ أَيْضًا لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْإِجْمَاعِ) يَعْنِي قَوْلَهُ: وَلَنَا أَنَّ الْخُلَفَاءَ الْأَرْبَعَةَ الرَّاشِدِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَسَمُوهُ عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَلَا يُظَنُّ بِهِمْ أَنَّهُ خَفِيَ عَلَيْهِمْ النَّصُّ أَوْ مَنَعُوا حَقَّ ذَوِي الْقُرْبَى فَكَانَ إجْمَاعُهُمْ دَالًّا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ اسْتِحْقَاقٌ لِأَغْنِيَائِهِمْ وَفُقَرَائِهِمْ. وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْإِجْمَاعَ، وَسَنَدُهُ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالَ: كَانَ رَأْيُ عَلِيٍّ فِي الْخُمُسِ رَأْيَ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَلَكِنْ كَرِهَ أَنْ يُخَالِفَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَالْإِجْمَاعُ بِدُونِ أَهْلِ الْبَيْتِ لَا يَنْعَقِدُ. وَقُلْنَا: لَا يَحِلُّ لِلْمُجْتَهِدِ أَنْ يَتْرُكَ رَأْيَ نَفْسِهِ بِرَأْيِ مُجْتَهِدٍ آخَرَ احْتِشَامًا لَهُ، فَإِنْ ثَبَتَ مَا رُوِيَ دَلَّ أَنَّهُ كَرِهَ الْمُخَالَفَةَ لِأَنَّهُ رَأَى الْحُجَّةَ مَعَهُمَا فَقَدْ خَالَفَهُمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ حِينَ ظَهَرَ الدَّلِيلُ عِنْدَهُ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ فِيهِ) أَيْ فِي سَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى (مَعْنَى الصَّدَقَةِ) لِأَنَّ الْهَاشِمِيَّ الَّذِي يُصْرَفُ إلَيْهِ فَقِيرٌ، إذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فَقِيرًا لَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَيْهِ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَصْحَابِنَا، فَلَمَّا كَانَ فِيهِ مَعْنَى الصَّدَقَةِ حُرِمَ ذَوُو الْقُرْبَى إيَّاهُ كَمَا حُرِمَ الْهَاشِمِيُّ الْعَامِلُ عَلَى الصَّدَقَةِ الْعِمَالَةُ وَهُوَ مَا يُعْطَى عَلَى عَمَلِهِ، وَقَدْ مَرَّ فِي بَابِ الزَّكَاةِ، وَهَذَا الدَّلِيلُ إنْ كَانَ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَصْحَابِنَا فَهُوَ تَامٌّ، وَإِنْ كَانَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلَيْسَ بِذَاكَ، لِأَنَّ كَوْنَ الْمَصْرِفِ فَقِيرًا لَيْسَ إلَّا فِي حَيِّزِ النِّزَاعِ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يُسَوِّي بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ (وَجْهُ الْأَوَّلِ) يَعْنِي قَوْلَ الْكَرْخِيِّ،

وَقِيلَ هُوَ الْأَصَحُّ مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَعْطَى الْفُقَرَاءَ مِنْهُمْ، وَالْإِجْمَاعُ انْعَقَدَ عَلَى سُقُوطِ حَقِّ الْأَغْنِيَاءِ، أَمَّا فُقَرَاؤُهُمْ فَيَدْخُلُونَ فِي الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ. (وَإِذَا دَخَلَ الْوَاحِدُ أَوْ الِاثْنَانِ دَارَ الْحَرْبِ مُغِيرَيْنِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَأَخَذُوا شَيْئًا لَمْ يُخَمَّسْ) لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ هُوَ الْمَأْخُوذُ قَهْرًا وَغَلَبَةً لَا اخْتِلَاسًا وَسَرِقَةً، وَالْخُمُسُ وَظِيفَتُهَا، وَلَوْ دَخَلَ الْوَاحِدُ أَوْ الِاثْنَانِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُخَمَّسُ لِأَنَّهُ لَمَّا أَذِنَ لَهُمْ الْإِمَامُ فَقَدْ الْتَزَمَ نُصْرَتَهُمْ بِالْإِمْدَادِ فَصَارَ كَالْمَنَعَةِ (فَإِنْ دَخَلَتْ جَمَاعَةٌ لَهَا مَنَعَةٌ فَأَخَذُوا شَيْئًا خُمِّسَ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ الْإِمَامُ) لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ قَهْرًا وَغَلَبَةً فَكَانَ غَنِيمَةً، وَلِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَنْصُرَهُمْ إذْ لَوْ خَذَلَهُمْ كَانَ فِيهِ وَهْنُ الْمُسْلِمِينَ، بِخِلَافِ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نُصْرَتُهُمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقِيلَ هُوَ الْأَصَحُّ مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَعْطَى الْفُقَرَاءَ مِنْهُمْ، وَالْإِجْمَاعُ انْعَقَدَ عَلَى سُقُوطِ حَقِّ الْأَغْنِيَاءِ) يَعْنِي إجْمَاعَ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ الرَّاشِدِينَ كَمَا مَرَّ (أَمَّا فُقَرَاؤُهُمْ فَيَدْخُلُونَ فِي الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَحْثِ، وَكَرَّرَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لِلْإِيضَاحِ، وَإِنَّمَا قَالَ: وَقِيلَ هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمَبْسُوطِ اخْتَارَ قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ أَنَّ الْفُقَرَاءَ لَمْ يَكُونُوا مُسْتَحِقِّينَ، وَإِنَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْرِفُ إلَيْهِمْ مُجَازَاةً عَلَى النُّصْرَةِ الَّتِي كَانَتْ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَبْقَ ذَلِكَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُخْتَارُ الْقُدُورِيِّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ: وَسَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى كَانُوا يَسْتَحِقُّونَهُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنُّصْرَةِ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا دَخَلَ الْوَاحِدُ أَوْ الِاثْنَانِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُخَمَّسُ) ظَاهِرٌ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ الْعَدَدَ الْيَسِيرَ إنَّمَا يَدْخُلُونَ لِاكْتِسَابِ الْمَالِ لَا لِإِعْزَازِ الدِّينِ، فَصَارَ كَتَاجِرٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ. فَإِنْ قُلْت: قَوْله تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41] مُطْلَقٌ فَيَجِبُ الْخُمُسُ وُجِدَ الْإِذْنُ أَوْ لَمْ يُوجَدْ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْغَنِيمَةَ اسْمٌ لِمَا هُوَ الْمَأْخُوذُ قَهْرًا وَغَلَبَةً وَمَا أَخَذَهُ اللِّصُّ سَرِقَةً وَمَا أَخَذَهُ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ خِلْسَةً فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْغَنِيمَةِ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ دَخَلَ جَمَاعَةٌ لَهَا مَنَعَةٌ) الْمَنَعَةُ السَّرِيَّةُ. نَقَلَ النَّاطِفِيُّ عَنْ كِتَابِ الْخَرَاجِ لِابْنِ شُجَاعٍ: كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ: إذَا دَخَلَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ فَغَنِمَ وَلَا عَسْكَرَ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ لِلْمُسْلِمِينَ لَا يُخَمَّسُ مَا أَخَذَهُ حَتَّى يَصِيرُوا تِسْعَةً، فَإِذَا بَلَغُوا ذَلِكَ فَهُمْ سَرِيَّةٌ (قَوْلُهُ إذَا لَوْ خَذَلَهُمْ) أَيْ تَرَكَ عَوْنَهُمْ (كَانَ فِيهِ وَهَنُ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ ضَعْفُهُمْ.

[فصل في التنفيل]

(فَصْلٌ فِي التَّنْفِيلِ) قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُنَفِّلَ الْإِمَامُ فِي حَالِ الْقِتَالِ وَيُحَرِّضَ بِهِ عَلَى الْقِتَالِ فَيَقُولَ " مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ " وَيَقُولَ لِلسَّرِيَّةِ قَدْ جَعَلْت لَكُمْ الرُّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ) مَعْنَاهُ بَعْدَمَا رَفَعَ الْخُمُسَ لِأَنَّ التَّحْرِيضَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي التَّنْفِيلِ] التَّنْفِيلُ نَوْعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْغَنَائِمِ، فَفُصِلَ عَمَّا قَبْلَهُ بِفَصْلٍ، يُقَالُ نَفَلَ الْإِمَامُ الْغَازِيَ. أَيْ أَعْطَاهُ زَائِدًا عَلَى سَهْمِهِ بِقَوْلِهِ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» (قَوْلُهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَنْفُلَ الْإِمَامُ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: كَلِمَةُ لَا بَأْسَ تُسْتَعْمَلُ فِيمَا يَكُونُ تَرْكُهُ أَوْلَى لَيْسَ بِمُجْرًى عَلَى عُمُومِهِ، فَإِنَّ التَّنْفِيلَ قَبْلَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ مُسْتَحَبٌّ لِأَنَّهُ تَحْرِيضٌ وَالتَّحْرِيضُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: 65] فَإِنْ قِيلَ: الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ لِلْوُجُوبِ فَمَا الصَّارِفُ عَنْهُ إلَى الِاسْتِحْبَابِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ يُعَارِضُهُ دَلِيلُ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ فَانْصَرَفَ إلَى الِاسْتِحْبَابِ (قَوْلُهُ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا) تَسْمِيَةُ الشَّيْءِ بِاسْمِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: 65] وَهَذَا نَوْعُ تَحْرِيضٍ، ثُمَّ قَدْ يَكُونُ التَّنْفِيلُ بِمَا ذَكَرَ وَقَدْ يَكُونُ بِغَيْرِهِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُنَفِّلَ بِكُلِّ الْمَأْخُوذِ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْكُلِّ، فَإِنْ فَعَلَهُ مَعَ السَّرِيَّةِ جَازَ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ إلَيْهِ وَقَدْ يَكُونُ الْمَصْلَحَةُ فِيهِ (وَلَا يُنَفِّلُ بَعْدَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ) لِأَنَّ حَقَّ الْغَيْرِ قَدْ تَأَكَّدَ فِيهِ بِالْإِحْرَازِ. قَالَ (إلَّا مِنْ الْخُمُسِ) لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْغَانِمِينَ فِي الْخُمُسِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ ثُمَّ قَدْ يَكُونُ التَّنْفِيلُ بِمَا ذُكِرَ) يَعْنِي التَّنْفِيلَ بِالسَّلْبِ (وَقَدْ يَكُونُ بِغَيْرِهِ) نَحْوَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَلَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَوْمَ بَدْرٍ بِسَيْفِ أَبِي جَهْلٍ وَكَانَ عَلَيْهِ فِضَّةٌ» (وَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْفُلَ بِكُلِّ الْمَأْخُوذِ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْكُلِّ، وَإِنْ فَعَلَهُ مَعَ السَّرِيَّةِ جَازَ) لِمَا ذُكِرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ: إذَا قَالَ الْإِمَامُ لِلْعَسْكَرِ جَمِيعًا مَا أَصَبْتُمْ فَهُوَ لَكُمْ نَفْلًا بِالسَّوِيَّةِ بَعْدَ الْخُمُسِ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّنْفِيلِ التَّحْرِيضُ عَلَى الْقِتَالِ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إذَا خَصَّ الْبَعْضَ بِالتَّنْفِيلِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ مَا أَصَبْتُمْ فَهُوَ لَكُمْ، وَلَمْ يَقُلْ بَعْدَ الْخُمُسِ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ الْخُمُسِ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْغَنِيمَةِ وَإِبْطَالَ حَقِّ ضُعَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ: وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْغَانِمِينَ فِي الْخُمُسِ) فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْغَانِمِينَ فَفِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْأَصْنَافِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ جَوَازَهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُنْفَلَ لَهُ جُعِلَ وَاحِدًا مِنْ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ فَلَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ إبْطَالُ حَقِّهِمْ إذْ يَجُوزُ صَرْفُ الْخُمُسِ عَلَى أَحَدِ الْأَصْنَافِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُمْ مَصَارِفُ لَا مُسْتَحِقُّونَ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُنْفَلُ لَهُ الَّذِي جُعِلَ وَاحِدًا مِنْ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ فَقِيرًا لِأَنَّ الْخُمُسَ حَقُّ الْمُحْتَاجِينَ لَا حَقُّ الْأَغْنِيَاءِ فَجَعْلُهُ لِلْغَنِيِّ إبْطَالُ حَقِّ الْمُحْتَاجِينَ

(وَإِذَا لَمْ يَجْعَلْ السَّلْبَ لِلْقَاتِلِ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ، وَالْقَاتِلُ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: السَّلْبُ لِلْقَاتِلِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يُسْهِمَ لَهُ وَقَدْ قَتَلَهُ مُقْبِلًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ نَصْبُ شَرْعٍ لِأَنَّهُ بَعَثَهُ لَهُ، وَلِأَنَّ الْقَاتِلَ مُقْبِلًا أَكْثَرَ غِنَاءً فَيَخْتَصُّ بِسَلَبِهِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ. وَلَنَا أَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِقُوَّةِ الْجَيْشِ فَيَكُونُ غَنِيمَةً فَيُقَسِّمُ الْغَنَائِمَ كَمَا نَطَقَ بِهِ النَّصُّ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِحَبِيبِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ «لَيْسَ لَك مِنْ سَلَبِ قَتِيلِك إلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِك» وَمَا رَوَاهُ يَحْتَمِلُ نَصْبَ الشَّرْعِ وَيَحْتَمِلُ التَّنْفِيلَ فَنَحْمِلُهُ عَلَى الثَّانِي لِمَا رَوَيْنَاهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَمَا رَوَاهُ يَحْتَمِلُ نَصْبَ الشَّرِّ وَيَحْتَمِلُ التَّنْفِيلَ) قِيلَ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ نَصْبَ الشَّرْعِ إذَا قَالَ بِالْمَدِينَةِ فِي مَسْجِده وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ ذَلِكَ إلَّا يَوْمَ بَدْرٍ وَحُنَيْنٍ لِلْحَاجَةِ إلَى التَّحْرِيضِ، وَكَمَا قَالَ ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ فَقَدْ قَالَ «مَنْ أَخَذَ أَسِيرًا فَهُوَ لَهُ» ثُمَّ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ التَّنْفِيلِ فَكَذَلِكَ فِي السَّلَبِ (فَيُحْمَلُ عَلَى الثَّانِي) يَعْنِي عَلَى التَّنْفِيلِ (لِمَا رَوَيْنَا) مِنْ حَدِيثِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ دَفْعًا لِلتَّعَارُضِ.

وَزِيَادَةُ الْغِنَاءِ لَا تُعْتَبَرُ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ كَمَا ذَكَرْنَاهُ. (وَالسَّلَبُ مَا عَلَى الْمَقْتُولِ مِنْ ثِيَابِهِ وَسِلَاحِهِ وَمَرْكَبِهِ، وَكَذَا مَا كَانَ عَلَى مَرْكَبِهِ مِنْ السَّرْجِ وَالْآلَةِ، وَكَذَا مَا مَعَهُ عَلَى الدَّابَّةِ مِنْ مَالِهِ فِي حَقِيبَتِهِ أَوْ عَلَى وَسَطِهِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَلَيْسَ بِسَلَبٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَزِيَادَةُ الْغِنَاءِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ الْقَاتِلَ مُقْبِلًا أَكْثَرُ غِنَاءً (قَوْلُهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ) إشَارَةٌ إلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَلِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ مِقْدَارِ الزِّيَادَةِ، أَوْ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ الْكَرَّ وَالْفَرَّ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فِي فَصْلِ كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ

وَمَا كَانَ مَعَ غُلَامِهِ عَلَى دَابَّةٍ أُخْرَى فَلَيْسَ بِسَلَبِهِ، ثُمَّ حُكْمُ التَّنْفِيلِ قَطَعَ حَقَّ الْبَاقِينَ، فَأَمَّا الْمِلْكُ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ لِمَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ، حَتَّى لَوْ قَالَ الْإِمَامُ مَنْ أَصَابَ جَارِيَةً فَهِيَ لَهُ فَأَصَابَهَا مُسْلِمٌ وَاسْتَبْرَأَهَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا، وَكَذَا لَا يَبِيعُهَا. وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهُ أَنْ يَطَأَهَا وَيَبِيعَهَا، لِأَنَّ التَّنْفِيلَ يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ عِنْدَهُ كَمَا يَثْبُتُ بِالْقِسْمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَبِالشِّرَاءِ مِنْ الْحَرْبِيِّ، وَوُجُوبُ الضَّمَانِ بِالْإِتْلَافِ قَدْ قِيلَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِمَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ) إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتِهَا بِقَوْلِهِ وَلِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ إثْبَاتُ الْيَدِ الْحَافِظَةِ وَالنَّافِلَةِ فَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ الْإِحْرَازُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ تَثْبُتْ النَّافِلَةُ فَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِيلَاءُ، وَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِيلَاءُ لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ التَّنْفِيلَ يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ عِنْدَهُ) دَلِيلُهُ أَنَّ الْمَدَدَ لَا يُشَارِكُونَهُ فِيهَا (كَمَا يَثْبُتُ بِالْقِسْمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ) وَهُوَ لَيْسَ بِمُتَّفَقٍ عَلَيْهِ لِأَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ قِسْمَةُ الْإِمَامِ لَا تَعْدَمُ الْمَانِعَ مِنْ تَمَامِ الْقَهْرِ وَهُوَ كَوْنُهُمْ مَقْهُورِينَ دَارًا وَكَأَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ ذَلِكَ الِاخْتِلَافَ لِعَدَمِ شُهْرَتِهِ. وَقَوْلُهُ (وَوُجُوبُ الضَّمَانِ) مُرَاعٍ عَلَى الِابْتِدَاءِ. وَقَوْلُهُ (قَدْ قِيلَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ) خَبَرُهُ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَقَدْ قِيلَ بِالْوَاوِ فَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ الْمِلْكُ: أَيْ يَثْبُتُ الْمِلْكُ وَوُجُوبُ الضَّمَانِ لِلْمُنْفَلِ لَهُ عَلَى مَنْ أَتْلَفَ مِنْ الْغُزَاةِ سَلَبَهُ الَّذِي أَصَابَهُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ دَفْعًا لِشُبْهَةٍ تَرِدُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ الْمُتْلِفَ لِسَلَبِ مَنْ نَفَلَهُ الْإِمَامُ يَضْمَنُ لِأَنَّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَقَّ مُتَأَكَّدٌ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْخِلَافَ، فَوَرَدَ الضَّمَانُ شُبْهَةً عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الضَّمَانَ دَلِيلُ تَمَامِ الْمِلْكِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ الْوَطْءُ عَلَى مَذْهَبِهِمَا أَيْضًا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ، فَقَالَ فِي دَفْعِ ذَلِكَ إنَّهُ أَيْضًا عَلَى الِاخْتِلَافِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَضْمَنُ. وَعِنْدَهُمَا لَا يَضْمَنُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[باب استيلاء الكفار]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (بَابُ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ) (وَإذَا غَلَبَ التُّرْكُ عَلَى الرُّومِ فَسَبَوْهُمْ وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ مَلَكُوهَا) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ قَدْ تَحَقَّقَ فِي مَالٍ مُبَاحٍ وَهُوَ السَّبَبُ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَإِنْ غَلَبْنَا عَلَى التُّرْكِ حَلَّ لَنَا مَا نَجِدُهُ مِنْ ذَلِكَ) اعْتِبَارًا بِسَائِرِ أَمْلَاكِهِمْ. (وَإِذَا غَلَبُوا عَلَى أَمْوَالِنَا وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَأَحْرَزُوهَا بِدَارِهِمْ مَلَكُوهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ اسْتِيلَائِنَا عَلَى الْكُفَّارِ أَعْقَبَهُ بِذِكْرِ عَكْسِهِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى أَحْكَامٍ مُخْتَلِفَةٍ فَكَانَ خَلِيقًا بِتَبْوِيبِ بَابٍ لَهُ، وَافْتَتَحَ بِذِكْرِ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ كَرَاهَةَ أَنْ يَفْتَتِحَ بِذِكْرِ غَلَبَةِ الْكُفَّارِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَالتُّرْكُ جَمْعُ التُّرْكِيِّ، وَالرُّومُ جَمْعُ الرُّومِيِّ: أَيْ الرِّجَالُ الْمَنْسُوبُونَ إلَى بِلَادِهِمْ، وَالْمُرَادُ بِهِ كُفَّارُ التُّرْكِ وَنَصَارَى الرُّومِ، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (حَلّ لَنَا مَا نَجِدُهُ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِمَّا أَخَذَهُ التُّرْكُ مِنْ أَهْلِ الرُّومِ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ صَارَ مِلْكًا لِلتُّرْكِ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَمْلِكُونَهَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ مَحْظُورٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً وَالْمَحْظُورُ لَا يَنْتَهِضُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ قَاعِدَةِ الْخَصْمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَسَائِرِ أَمْوَالِهِمْ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ مَحْظُورٌ ابْتِدَاءً) أَيْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ (وَانْتِهَاءً) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ الْإِحْرَازِ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ قَاعِدَةِ الْخَصْمِ) أَنَّ الْمَحْظُورَ وَلَوْ بِوَجْهٍ لَا يَنْتَهِضُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ؛ وَأَمَّا الْمَحْظُورُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِأَنْ يَكُونَ مَحْظُورًا بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْبَاطِلِ كَالْبَيْعِ بِالْمَيْتَةِ أَوْ الدَّمِ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ

وَلَنَا أَنَّ الِاسْتِيلَاءَ وَرَدَ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ فَيَنْعَقِدُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ دَفْعًا لِحَاجَةِ الْمُكَلَّفِ كَاسْتِيلَائِنَا عَلَى أَمْوَالِهِمْ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعِصْمَةَ تَثْبُتُ عَلَى مُنَافَاةِ الدَّلِيلِ ضَرُورَةَ تَمَكُّنِ الْمَالِكِ مِنْ الِانْتِفَاعِ، فَإِذَا زَالَتْ الْمُكْنَةُ عَادَ مُبَاحًا كَمَا كَانَ، غَيْرَ أَنَّ الِاسْتِيلَاءَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْإِحْرَازِ بِالدَّارِ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الِاقْتِدَارِ عَلَى الْمَحَلِّ حَالًا وَمَآلًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمِلْكَ بِالِاتِّفَاقِ (وَلَنَا أَنَّ الِاسْتِيلَاءَ وَرَدَ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ) وَوُرُودُ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ (يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ دَفْعًا لِحَاجَةِ الْمُكَلَّفِ كَاسْتِيلَائِنَا عَلَى أَمْوَالِهِمْ) وَقَوْلُهُ (وَهَذَا) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الِاسْتِيلَاءَ وَرَدَ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ، وَبَيَانُهُ أَنَّ الْعِصْمَةَ فِي الْمَالِ لِكُلِّ مَنْ تَثْبُتُ لَهُ مِنْ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ إنَّمَا تَثْبُتُ عَلَى مُنَافَاةِ الدَّلِيلِ، فَإِنَّ الدَّلِيلَ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ مَالٌ مَا مَعْصُومًا لِشَخْصٍ مَا، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ الْعِصْمَةُ (لِضَرُورَةِ تَمَكُّنِ الْمَالِكِ مِنْ الِانْتِفَاعِ، فَإِذَا زَالَتْ الْمُكْنَةُ) بِالِاسْتِيلَاءِ (عَادَ مُبَاحًا كَمَا كَانَ. غَيْرَ أَنَّ الِاسْتِيلَاءَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْإِحْرَازِ بِالدَّارِ، لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ (عِبَارَةٌ عَنْ الِاقْتِدَارِ عَلَى الْمَحَلِّ حَالًا وَمَآلًا) وَالْكُفَّارُ مَا دَامُوا

وَالْمَحْظُورُ لِغَيْرِهِ إذَا صَلُحَ سَبَبًا لِكَرَامَةٍ تَفُوقُ الْمِلْكَ وَهُوَ الثَّوَابُ الْآجِلُ فَمَا ظَنُّك بِالْمِلْكِ الْعَاجِلِ؟ . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي دَارِ الْإِسْلَامِ اقْتَدَرُوا عَلَى الْمَحَلِّ حَالًا، وَإِنَّمَا يَقْتَدِرُونَ عَلَيْهِ مَآلًا بِالْإِحْرَازِ لِأَنَّهُمْ مَا دَامُوا فِي دَارِنَا فَهُمْ مَقْهُورُونَ بِالدَّارِ، وَالِاسْتِرْدَادُ بِالنُّصْرَةِ مُحْتَمَلٌ. وَقَوْلُهُ (وَالْمَحْظُورُ لِغَيْرِهِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الْخَصْمِ إنَّ الِاسْتِيلَاءَ مَحْظُورٌ. وَتَقْرِيرُهُ: سَلَّمْنَا أَنَّهُ مَحْظُورٌ لَكِنَّهُ مَحْظُورٌ لِغَيْرِهِ مُبَاحٌ فِي نَفْسِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَالْمَحْظُورُ لِغَيْرِهِ (إذَا صَلُحَ سَبَبًا لِكَرَامَةٍ تَفُوقُ الْمِلْكَ) كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ فَإِنَّهَا تَصْلُحُ سَبَبًا لِاسْتِحْقَاقِ أَعْلَى النِّعَمِ وَهُوَ الثَّوَابُ فِي الْآخِرَةِ، فَلَأَنْ تَصْلُحَ سَبَبًا لِلْمِلْكِ فِي الدُّنْيَا أَوْلَى. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْكَافِرِ بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَى مَالِ الْمُسْلِمِ لَمَا ثَبَتَ وِلَايَةُ الِاسْتِرْدَادِ لِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ مِنْ الْغَازِي الَّذِي وَقَعَ فِي قِسْمَتِهِ أَوْ مِنْ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ بِدُونِ رِضَا الْغَازِي. أُجِيبَ بِأَنَّ بَقَاءَ حَقِّ الِاسْتِرْدَادِ لِحَقِّ الْمَالِكِ الْقَدِيمِ لَا يَدُلُّ عَلَى قِيَامِ الْمِلْكِ لِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ، أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ وَالْإِعَادَةَ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ بِدُونِ رِضَا الْمَوْهُوبِ لَهُ مَعَ زَوَالِ مِلْكِ الْوَاهِبِ فِي الْحَالِ، وَكَذَا الشَّفِيعُ يَأْخُذُ الدَّارَ مِنْ

(فَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ فَوَجَدَهَا الْمَالِكُونَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَهِيَ لَهُمْ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَإِنْ وَجَدُوهَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَخَذُوهَا بِالْقِيمَةِ إنْ أَحَبُّوا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِ «إنْ وَجَدْته قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ لَك بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَإِنْ وَجَدْته بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ لَك بِالْقِيمَةِ» وَلِأَنَّ الْمَالِكَ الْقَدِيمَ زَالَ مِلْكُهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَكَانَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ نَظَرًا لَهُ، إلَّا أَنَّ فِي الْأَخْذِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ ضَرَرًا بِالْمَأْخُوذِ مِنْهُ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ الْخَاصِّ فَيَأْخُذُهُ بِالْقِيمَةِ؛ لِيَعْتَدِلَ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَالشَّرِكَةُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ عَامَّةٌ فَيَقِلُّ الضَّرَرُ فَيَأْخُذُهُ بِغَيْرِ قِيمَةٍ. (وَإِنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ تَاجِرٌ فَاشْتَرَى ذَلِكَ وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَمَالِكُهُ الْأَوَّلُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ) ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِالْأَخْذِ مَجَّانًا؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ دَفَعَ الْعِوَضَ بِمُقَابَلَتِهِ فَكَانَ اعْتِدَالُ النَّظَرِ فِيمَا قُلْنَاهُ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِعَرَضٍ يَأْخُذُهُ بِقِيمَةِ الْعَرَضِ، وَلَوْ وَهَبُوهُ لِمُسْلِمٍ يَأْخُذُهُ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ مِلْكٌ خَاصٌّ فَلَا يُزَالُ إلَّا بِالْقِيمَةِ، وَلَوْ كَانَ مَغْنُومًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُشْتَرِي بِحَقِّ الشُّفْعَةِ بِدُونِ رِضَا الْمُشْتَرِي مَعَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ) وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ مِلْكٌ خَاصٌّ فَلَا يُزَالُ إلَّا بِالْقِيمَةِ) قِيلَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمِلْكَ ثَبَتَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ مَجَّانًا فَلَا يَتَضَرَّرُ بِالْأَخْذِ مِنْهُ مَجَّانًا، بِخِلَافِ مَا ثَبَتَ لِأَحَدِ الْغُزَاةِ بِالْقِسْمَةِ لِأَنَّ هَذَا الْحَقَّ إنَّمَا تَعَيَّنَ لَهُ بِإِزَاءِ مَا انْقَطَعَ مِنْ حَقِّهِ عَمَّا فِي أَيْدِي الْبَاقِينَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمِلْكَ هَاهُنَا أَيْضًا ثَبَتَ بِالْعِوَضِ مَعْنًى لِمَا أَنَّ الْمُكَافَأَةَ مَقْصُودَةٌ فِي الْهِبَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَشْرُوطَةً فَجُعِلَ ذَلِكَ مُعْتَبَرًا فِي إثْبَاتِ حَقِّهِ فِي الْقِيمَةِ وَقَوْلُهُ (وَلَوْ كَانَ مَغْنُومًا) يَعْنِي لَوْ كَانَ مَا أَخَذَهُ الْكُفَّارُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَغْنُومًا: أَيْ

وَهُوَ مِثْلِيٌّ يَأْخُذُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَلَا يَأْخُذُهُ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالْمِثْلِ غَيْرُ مُفِيدٍ، وَكَذَا إذَا كَانَ مَوْهُوبًا لَا يَأْخُذُهُ لِمَا بَيَّنَّا. وَكَذَا إذَا كَانَ مُشْتَرًى بِمِثْلِهِ قَدْرًا وَوَصْفًا. قَالَ: (فَإِنْ أَسَرُوا عَبْدًا فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَفُقِئَتْ عَيْنُهُ وَأَخَذَ أَرْشَهَا فَإِنَّ الْمَوْلَى يَأْخُذُهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي أُخِذَ بِهِ مِنْ الْعَدُوِّ) أَمَّا الْأَخْذُ بِالثَّمَنِ فَلِمَا قُلْنَا (وَلَا يَأْخُذُ الْأَرْشَ) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ صَحِيحٌ، فَلَوْ أَخَذَهُ أَخَذَهُ بِمِثْلِهِ وَهُوَ لَا يُفِيدُ وَلَا يُحَطُّ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، بِخِلَافِ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ لَمَّا تَحَوَّلَتْ إلَى الشَّفِيعِ صَارَ الْمُشْتَرَى فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِمَنْزِلَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَأْخُوذًا بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ (وَهُوَ مِثْلِيٌّ) كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ (يَأْخُذُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ) وَلَا يَأْخُذُهُ بَعْدَهَا (لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالْمِثْلِ غَيْرُ مُفِيدٍ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مَوْهُوبًا لَا يَأْخُذُهُ لِمَا بَيَّنَّاهُ) أَنَّ الْأَخْذَ بِالْمِثْلِ غَيْرُ مُفِيدٍ (وَكَذَا إذَا كَانَ مُشْتَرًى بِمِثْلِهِ قَدْرًا وَوَصْفًا) يَعْنِي إذَا كَانَ مَا أَخَذَهُ الْكُفَّارُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِثْلِيًّا فَاشْتَرَاهُ مِنْ مُسْلِمٍ بِمِثْلِهِ قَدْرًا وَوَصْفًا ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهُ الْقَدِيمُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ قَدْرًا وَوَصْفًا احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ اشْتَرَاهُ الْمُسْلِمُ بِأَقَلَّ قَدْرًا مِنْهُ أَوْ بِجِنْسٍ آخَرَ أَوْ بِجِنْسِهِ وَلَكِنَّهُ أَرْدَأُ مِنْهُ وَصْفًا فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِمِثْلِ مَا أَعْطَاهُ الْمُشْتَرِي وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ رِبًا لِأَنَّهُ إنَّمَا فَدَى لِيَسْتَخْلِصَ مِلْكَهُ وَيُعِيدَهُ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ لَا أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ ابْتِدَاءً. قَالَ (فَإِنْ أَسَرُوا عَبْدًا) إذَا أَخَذَ الْكُفَّارُ عَبْدًا وَدَخَلُوا بِهِ دَارَ الْحَرْبِ (فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَفُقِئَتْ عَيْنُهُ وَأُخِذَ أَرْشُهَا فَإِنَّ الْمَوْلَى يَأْخُذُهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي أُخِذَ بِهِ مِنْ الْعَدُوِّ، أَمَّا الْأَخْذُ بِالثَّمَنِ فَلِمَا قُلْنَا) إنَّ الْمُشْتَرِيَ يَتَضَرَّرُ بِالْأَخْذِ مَجَّانًا (وَلَا يَأْخُذُ الْأَرْشَ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي صَحِيحٍ) فَكَانَ الْأَرْشُ حَاصِلًا فِي مِلْكِهِ وَلَيْسَ فِيهِ الْإِعَادَةُ إلَى قَدِيمِ الْمِلْكِ حَتَّى يَكُونَ الْمَوْلَى أَحَقَّ بِهِ كَالرَّقَبَةِ، وَمَعَ هَذَا لَوْ أَخَذَهُ فَإِنَّمَا يَأْخُذُهُ بِمِثْلِهِ لِأَنَّ الْأَرْشَ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ وَهُوَ لَا يُفِيدُ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ صَحِيحٌ) احْتِرَازٌ عَنْ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا، فَإِنَّ الْأَوْصَافَ هُنَاكَ مَضْمُونَةٌ (وَلَا يَحُطُّ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ) . وَاسْتَشْكَلَ هَذَا التَّعْلِيلُ هَاهُنَا لِأَنَّ الْأَوْصَافَ إنَّمَا لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ

الْمُشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا، وَالْأَوْصَافُ تُضْمَنُ فِيهِ كَمَا فِي الْغَصْبِ، أَمَّا هَاهُنَا الْمِلْكُ صَحِيحٌ فَافْتَرَقَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا لَمْ يَصِرْ التَّنَاوُلُ مَقْصُودًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَفُقِئَتْ عَيْنُهُ وَأَخَذَ الْأَرْشَ ثُمَّ قَصَدَ بَيْعَهُ مُرَابَحَةً فَإِنَّهُ يُحَطُّ مِنْ الثَّمَنِ مَا يَخُصُّ الْعَيْنَ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَقْصُودَةً بِالتَّنَاوُلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اعْوَرَّتْ. وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ إنَّمَا يُحَطُّ فِي الْمُرَابَحَةِ لِلشُّبْهَةِ لِأَنَّهُ صَارَ كَأَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ بِأَلْفٍ ثُمَّ بَاعَ أَحَدُهُمَا بِذَلِكَ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْآخَرِ مُرَابَحَةً لِمَا أَنَّ الشُّبْهَةَ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ تَحَرُّزًا عَنْ شُبْهَةِ الْخِيَانَةِ، وَلَا كَذَلِكَ هَاهُنَا لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِلشُّبْهَةِ فِيهِ، بِخِلَافِ الشُّفْعَةِ فَإِنَّ الْأَوْصَافَ يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فِيهَا، حَتَّى لَوْ اسْتَهْلَكَ الْمُشْتَرِي شَيْئًا مِنْ الدَّارِ سَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ فِي الَّذِي وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ شِرَاءِ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاجِبُ الرَّدِّ، وَالْأَوْصَافُ تُضْمَنُ فِي الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا كَمَا فِي الْغَصْبِ، فَإِنَّ مَنْ غَصَبَ جَارِيَةً فَذَهَبَتْ إحْدَى عَيْنَيْهَا ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهَا. فَإِنْ قِيلَ: شِرَاءُ التَّاجِرِ هَاهُنَا بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا فِي الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَهُوَ وُجُوبُ الرَّدِّ. أُجِيبَ بِأَنَّ إلْحَاقَ مَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ بِالْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا مِنْ حَيْثُ وُجُوبُ الرَّدِّ إلَى الشَّفِيعِ، وَمِنْ حَيْثُ وُجُوبُ عَرْضِ الْبَائِعِ الدَّارَ عَلَى الْجَارِ أَوَّلًا، ثُمَّ الْبَيْعُ إنْ رَغِبَ عَنْهُ الْجَارُ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ صَارَ ذَلِكَ مَكْرُوهًا فَصَارَ كَتَمَكُّنِ الْفَسَادِ فِي الْعَقْدِ، وَلَا كَذَلِكَ بَيْعُ الْكَافِرِ مِنْ التَّاجِرِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَرْضُ عَلَى الْمَالِكِ. قِيلَ فِي مَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ أَيْضًا إذَا كَانَ هَلَاكُ بَعْضِ الْمُشْتَرِي بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لَا يُقَابِلُ الْأَوْصَافَ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَلَمْ تَكُنْ مُخَالِفَةً لِمَسْأَلَةِ التَّاجِرِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا مُخَالِفَةٌ فِي صُورَةِ الْعَمْدِ، فَإِنَّ التَّاجِرَ إذَا فَقَأَ عَيْنَ الْجَارِيَةِ لَا يَلْزَمُهُ حَطُّ شَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَهْلَكَ

(وَإِنْ أَسَرُوا عَبْدًا فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَسَرُوهُ ثَانِيًا وَأَدْخَلُوهُ دَارَ الْحَرْبِ فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ آخَرُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَيْسَ لِلْمَوْلَى الْأَوَّلِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الثَّانِي بِالثَّمَنِ) ؛ لِأَنَّ الْأَسْرَ مَا وَرَدَ عَلَى مِلْكِهِ (وَلِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الثَّانِي بِالثَّمَنِ) ؛ لِأَنَّ الْأَسْرَ وَرَدَ عَلَى مِلْكِهِ (ثُمَّ يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ بِأَلْفَيْنِ إنْ شَاءَ) ؛ لِأَنَّهُ قَامَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنَيْنِ فَيَأْخُذُهُ بِهِمَا، وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَأْسُورُ مِنْهُ الثَّانِي غَائِبًا لَيْسَ لِلْأَوَّلِ أَنْ يَأْخُذَهُ اعْتِبَارًا بِحَالِ حَضْرَتِهِ (وَلَا يَمْلِكُ عَلَيْنَا أَهْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُشْتَرِي بَعْضَ الْأَشْجَارِ فِي الشُّفْعَةِ فَإِنَّهُ يَحُطُّ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ أَسَرُوا عَبْدًا) صُورَتُهُ ظَاهِرَةٌ. وَاعْتُرِضَ عَلَى قَوْلِهِ وَلِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الثَّانِي بِالثَّمَنِ بِأَنَّا لَوْ أَثْبَتْنَا حَقَّ الْأَخْذِ لِلَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ الْعَدُوِّ أَوَّلًا تَضَرَّرَ الْمَالِكُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَأْخُذُهُ بِالثَّمَنَيْنِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ رِعَايَةَ حَقِّ مَنْ اشْتَرَاهُ مِنْ الْعَدُوِّ أَوَّلًا أَوْلَى، لِأَنَّ حَقَّهُ يَعُودُ فِي الْأَلْفِ الَّتِي نَقَدَهَا بِلَا عِوَضٍ يُقَابِلُهَا، وَالْمَالِكُ الْقَدِيمُ يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ وَلَكِنْ بِعِوَضٍ يُقَابِلُهُ وَهُوَ الْعَبْدُ، فَكَانَ مَا قُلْنَاهُ أَوْلَى

الْحَرْبِ بِالْغَلَبَةِ مُدَبَّرِينَا وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِنَا وَمُكَاتَبِينَا وَأَحْرَارَنَا وَنَمْلِكُ عَلَيْهِمْ جَمِيعَ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ إنَّمَا يُفِيدُ الْمِلْكَ فِي مَحَلِّهِ، وَالْمَحَلُّ الْمَالُ الْمُبَاحُ، وَالْحُرُّ مَعْصُومٌ بِنَفْسِهِ، وَكَذَا مَنْ سِوَاهُ؛ لِأَنَّهُ تَثْبُتُ الْحُرِّيَّةُ فِيهِ مِنْ وَجْهٍ، بِخِلَافِ رِقَابِهِمْ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَسْقَطَ عِصْمَتَهُمْ جَزَاءً عَلَى جِنَايَتِهِمْ وَجَعَلَهُمْ أَرِقَّاءَ وَلَا جِنَايَةَ مِنْ هَؤُلَاءِ. (وَإِذَا أَبَقَ عَبْدٌ لِمُسْلِمٍ فَدَخَلَ إلَيْهِمْ فَأَخَذُوهُ لَمْ يَمْلِكُوهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يَمْلِكُونَهُ) ؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ لِحَقِّ الْمَالِكِ لِقِيَامِ يَدِهِ وَقَدْ زَالَتْ، وَلِهَذَا لَوْ أَخَذُوهُ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ مَلَكُوهُ. وَلَهُ أَنَّهُ ظَهَرَتْ يَدُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْخُرُوجِ مِنْ دَارِنَا؛ لِأَنَّ سُقُوطَ اعْتِبَارِهِ لِتَحَقُّقِ يَدِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ تَمْكِينًا لَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَقَدْ زَالَتْ يَدُ الْمَوْلَى فَظَهَرَتْ يَدُهُ عَلَى نَفْسِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَكَذَا مَنْ سِوَاهُ) أَيْ مَنْ سِوَى الْحُرِّ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ رِقَابِهِمْ) أَيْ رِقَابِ أَحْرَارِ الْكُفَّارِ وَمُدَبَّرِيهِمْ وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِمْ. وَقَوْلُهُ (وَلَا جِنَايَةَ مِنْ هَؤُلَاءِ) أَيْ مِنْ مُدَبَّرِينَا وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِنَا وَمُكَاتَبِينَا وَأَحْرَارِنَا فَلَا يَمْلِكُهُمْ الْكُفَّارُ وَإِنْ اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِمْ، وَإِذَا لَمْ يَمْلِكْهُمْ الْكُفَّارُ لَمْ يَمْلِكْهُمْ الْغُزَاةُ أَيْضًا، حَتَّى لَوْ كَانَ أَخَذَهُمْ أَهْلُ دَارِ الْحَرْبِ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَهُمْ لِمُلَّاكِهِمْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ. قَالَ (وَإِذَا أَبَقَ عَبْدٌ لِمُسْلِمٍ فَدَخَلَ إلَيْهِمْ) إذَا أَبَقَ عَبْدٌ لِمُسْلِمٍ قَالُوا: قَيْدُ " لِمُسْلِمٍ " اتِّفَاقِيٌّ لِأَنَّ عَبْدَ الذِّمِّيِّ كَذَلِكَ (فَدَخَلَ إلَيْهِمْ فَأَخَذُوهُ لَمْ يَمْلِكُوهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَا: يَمْلِكُونَهُ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ لِحَقِّ الْمَالِكِ) وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ سُقُوطَ اعْتِبَارِهِ) أَيْ اعْتِبَارِ يَدِ الْعَبْدِ (لِتَحَقُّقِ يَدِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ تَمْكِينًا لَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَقَدْ زَالَتْ يَدُ الْمَوْلَى فَظَهَرَتْ يَدُهُ عَلَى نَفْسِهِ) لِأَنَّهُ حِينَ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَقَدْ زَالَتْ يَدُ الْمَوْلَى عَنْهُ لَا إلَى مَنْ يَخْلُفُهُ، لِأَنَّ يَدَ الْمَوْلَى عِبَارَةٌ عَنْ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الْمَحَلِّ كَيْفَ شَاءَ، وَلَمْ يَبْقَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ فَيَصِيرُ فِي يَدِ نَفْسِهِ وَهِيَ يَدٌ مُحْتَرَمَةٌ تَمْنَعُ الْإِحْرَازَ فَتَمْنَعُ الْمِلْكَ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ بِدُونِ الْإِحْرَازِ. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا زَالَتْ

وَصَارَ مَعْصُومًا بِنَفْسِهِ فَلَمْ يَبْقَ مَحِلًّا لِلْمِلْكِ، بِخِلَافِ الْمُتَرَدِّدِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَوْلَى بَاقِيَةٌ عَلَيْهِ لِقِيَامِ يَدِ أَهْلِ الدَّارِ فَمَنَعَ ظُهُورَ يَدِهِ. وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ لَهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ بِغَيْرِ شَيْءٍ مَوْهُوبًا كَانَ أَوْ مُشْتَرًى أَوْ مَغْنُومًا قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَ الْقِسْمَةِ يُؤَدَّى عِوَضُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إعَادَةُ الْقِسْمَةِ لِتَفَرُّقِ الْغَانِمِينَ وَتَعَذُّرِ اجْتِمَاعِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا إلَى مَنْ يَخْلُفُهُ فَإِنَّ يَدَ الْكَفَرَةِ قَدْ خَلَفَتْ يَدَ الْمَوْلَى لِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ فِي أَيْدِيهِمْ. أُجِيبَ بِأَنَّ بَيْنَ الدَّارَيْنِ حَدًّا لَا يَكُونُ فِي يَدِ أَحَدٍ، وَعِنْدَ ذَلِكَ تَظْهَرُ يَدُ الْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ، وَلِأَنَّ يَدَ الدَّارِ يَدٌ حُكْمِيَّةٌ وَيَدَ الْعَبْدِ يَدٌ حَقِيقِيَّةٌ فَلَا تَنْدَفِعُ بِيَدِ الدَّارِ، إلَيْهِ أَشَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ حُصُولَ الْيَدِ الْحَقِيقِيَّةِ لِلْعَبْدِ فِي حَيِّزِ النِّزَاعِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْيَدَ كَمَا ذَكَرْنَا عِبَارَةٌ عَنْ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الْمَحَلِّ كَيْفَ شَاءَ، وَعِنْدَ دُخُولِ الْعَبْدِ فِي دَارِ الْحَرْبِ يَحْصُلُ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ اسْتِيلَاءِ الْكَفَرَةِ عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ حَصَلَ لَهُ يَدٌ حَقِيقِيَّةٌ لَعَتَقَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. أُجِيبَ بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ لِأَنَّ ظُهُورَ يَدِهِ عَلَى نَفْسِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ زَوَالَ مِلْكِ الْمَوْلَى، فَإِنَّهُ لَمَّا ظَهَرَتْ يَدُهُ عَلَى نَفْسِهِ صَارَ غَاصِبًا مِلْكَ الْمَوْلَى، وَجَازَ أَنْ تُوجَدَ الْيَدُ بِلَا مِلْكٍ كَمَا فِي الْمَغْصُوبِ وَالْمُشْتَرَى قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ الْمِلْكَ لِلْمَوْلَى وَالْيَدَ لِغَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْمُتَرَدِّدِ) يَعْنِي فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ يَدَ الْمَوْلَى بَاقِيَةٌ عَلَيْهِ حُكْمًا لِقِيَامِ يَدِ أَهْلِ الدَّارِ فَمَنَعَ ظُهُورَ يَدِهِ، وَلِهَذَا لَوْ وَهَبَهُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ كَانَ قَابِضًا لَهُ. فَبَقَاءُ الْيَدِ حُكْمًا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْيَدِ لَهُ، فَإِنْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ مَلَكُوهُ (وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ لَهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ بِغَيْرِ شَيْءٍ إذَا كَانَ مَوْهُوبًا أَوْ مُشْتَرًى) أَمَّا إذَا كَانَ مَوْهُوبًا فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَلَا يَتَضَرَّرُ بِالْأَخْذِ مِنْهُ، وَأَمَّا الْمُشْتَرِي فَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ تَمَلَّكَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَكَانَ مُتَبَرِّعًا، حَتَّى لَوْ أَمَرَهُ بِذَلِكَ رَجَعَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ مَغْنُومًا فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بَعْدَهَا فَيُؤَدِّي عِوَضَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ نَصِيبَهُ قَدْ اُسْتُحِقَّ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى شُرَكَائِهِ فِي الْغَنِيمَةِ وَقَدْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ لِتَفَرُّقِهِمْ وَتَعَذُّرِ اجْتِمَاعِهِمْ فَيُعَوَّضُ

وَلَيْسَ لَهُ عَلَى الْمَالِكِ جُعْلُ الْآبِقِ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ إذْ فِي زَعْمِهِ أَنَّهُ مِلْكُهُ. (وَإِنْ نَدَّ بَعِيرٌ إلَيْهِمْ فَأَخَذُوهُ مَلَكُوهُ) لِتَحَقُّقِ الِاسْتِيلَاءِ إذْ لَا يَدَ لِلْعَجْمَاءِ لِتَظْهَرَ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْ دَارِنَا، بِخِلَافِ الْعَبْدِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. (وَإِنْ اشْتَرَاهُ رَجُلٌ وَأَدْخَلَهُ دَارَ الْإِسْلَامِ فَصَاحِبُهُ يَأْخُذُهُ بِالثَّمَنِ إنْ شَاءَ) لِمَا بَيَّنَّا (فَإِنْ أَبَقَ عَبْدٌ إلَيْهِمْ وَذَهَبَ مَعَهُ بِفَرَسٍ وَمَتَاعٍ فَأَخَذَ الْمُشْرِكُونَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَاشْتَرَى رَجُلٌ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّ الْمَوْلَى يَأْخُذُ الْعَبْدَ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَالْفَرَسَ وَالْمَتَاعَ بِالثَّمَنِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَأْخُذُ الْعَبْدَ وَمَا مَعَهُ بِالثَّمَنِ إنْ شَاءَ) اعْتِبَارًا لِحَالَةِ الِاجْتِمَاعِ بِحَالَةِ الِانْفِرَادِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْحُكْمَ فِي كُلِّ فَرْدٍ (وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَنَا بِأَمَانٍ وَاشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا وَأَدْخَلَهُ دَارَ الْحَرْبِ عَتَقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا يُعْتَقُ) ؛ لِأَنَّ الْإِزَالَةَ كَانَتْ مُسْتَحَقَّةً بِطَرِيقٍ مُعَيَّنٍ وَهُوَ الْبَيْعُ وَقَدْ انْقَطَعَتْ وِلَايَةُ الْجَبْرِ عَلَيْهِ فَبَقِيَ فِي يَدِهِ عَبْدًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ هَذِهِ مِنْ نَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ وَمَالُ بَيْتِ الْمَالِ مُعَدٌّ لِذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلْغَازِي أَوْ لِلتَّاجِرِ (جَعْلُ الْآبِقِ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ إذْ فِي زَعْمِهِ أَنَّهُ مِلْكُهُ) وَالْجُعْلُ إنَّمَا يَجِبُ إذَا أَخَذَهُ الْآخِذُ عَلَى قَصْدِ الرَّدِّ إلَى مَالِكِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَدَّ إلَيْهِمْ بَعِيرٌ) ظَاهِرٌ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ (فَإِنْ أَبَقَ عَبْدٌ إلَيْهِمْ وَذَهَبَ مَعَهُ بِفَرَسٍ وَمَتَاعٍ) . وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ الْمَالِكُ الْمَتَاعَ أَيْضًا بِغَيْرِ شَيْءٍ، لِأَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَتْ يَدُ الْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ ظَهَرَتْ عَلَى الْمَالِ أَيْضًا لِانْقِطَاعِ يَدِ الْمَوْلَى عَنْ الْمَالِ لِأَنَّهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَيَدُ الْعَبْدِ أَسْبَقُ مِنْ يَدِ الْكُفَّارِ عَلَيْهِ فَلَا يَصِيرُ مِلْكًا لَهُمْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ يَدَ الْعَبْدِ ظَهَرَتْ عَلَى نَفْسِهِ مَعَ الْمُنَافِي وَهُوَ الرِّقُّ فَكَانَتْ ظَاهِرَةً مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَجَعَلْنَاهَا ظَاهِرَةً فِي حَقِّ نَفْسِهِ غَيْرَ ظَاهِرَةٍ فِي حَقِّ الْمَالِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَنَا بِأَمَانٍ وَاشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا) أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ أَسْلَمَ

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ تَخْلِيصَ الْمُسْلِمِ عَنْ ذُلِّ الْكَافِرِ وَاجِبٌ، فَيُقَامُ الشَّرْطُ وَهُوَ تَبَايُنُ الدَّارَيْنِ مَقَامَ الْعِلَّةِ وَهُوَ الْإِعْتَاقُ تَخْلِيصًا لَهُ، كَمَا يُقَامُ مُضِيُّ ثَلَاثِ حِيَضٍ مَقَامَ التَّفْرِيقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَدٌ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ الْعَبِيدِ أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَالذِّمِّيِّ يُسْلِمُ عَبْدُهُ. فَإِنْ قِيلَ: الذِّمِّيُّ مُلْتَزِمٌ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ فَجَازَ إجْبَارُهُ عَلَى بَيْعِ عَبْدِهِ الَّذِي أَسْلَمَ وَالْحَرْبِيُّ لَيْسَ كَذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَمَانَ يُنَافِي إبْقَاءَهُمْ فِي مِلْكِهِ لِأَنَّ فِيهِ اسْتِذْلَالًا لِلْمُسْلِمِ وَإِعْطَاءُ الْأَمَانِ عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ فَكَانَ الْأَمَانُ مُلْتَزِمًا تَرْكَ إذْلَالِ الْمُسْلِمِينَ فَيَلْزَمُهُ. وَوَجْهُهُمَا ظَاهِرٌ. وَوَجْهُ أَبِي حَنِيفَةَ (أَنَّ تَخْلِيصَ الْمُسْلِمِ عَنْ ذُلِّ الْكَافِرِ وَاجِبٌ) عَلَى الْإِمَامِ، فَإِنْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَبِالْجَبْرِ عَلَى الْبَيْعِ لِلْمُسْلِمِينَ دُونَ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّ مَالَ الْمُسْتَأْمَنِ مَعْصُومٌ مَا دَامَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بِمُقْتَضَى الْأَمَانِ، فَإِذَا أَدْخَلَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ زَالَتْ عِصْمَةُ مَالِهِ، فَلَوْ كَانَ لِلْإِمَامِ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ وَجَبَ عَلَيْهِ إجْبَارُهُ عَلَى الْعِتْقِ لِإِزَالَةِ عِصْمَةِ مَالِهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وِلَايَةٌ يُقِيمُ شَرْطَ زَوَالِ عِصْمَةِ الْمَالِ وَهُوَ تَبَايُنُ الدَّارَيْنِ مَقَامَ عِلَّةِ الْإِزَالَةِ وَهِيَ الْإِعْتَاقُ لِأَنَّ الشَّرْطَ قَدْ يُقَامُ مَقَامَ الْعِلَّةِ إذَا لَمْ يَكُنْ إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَيْهَا كَحَفْرِ الْبِئْرِ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ. فَإِنْ قِيلَ: إقَامَةُ الشَّرْطِ هَاهُنَا مَقَامَ الْعِلَّةِ يَسْتَلْزِمُ جَعْلَ الْمُثْبِتِ لِلشَّيْءِ مُزِيلًا لَهُ وَهُوَ بَاطِلٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ إذَا اسْتَوْلَوْا عَلَى عَبْدٍ مُسْلِمٍ بِالْإِحْرَازِ بِدَارِهِمْ مَلَكُوهُ، فَكَانَ تَبَايُنُ الدَّارَيْنِ عِلَّةً لِثُبُوتِ الْمِلْكِ فِيهِ وَهَاهُنَا جَعَلْتُمُوهُ مُزِيلًا لَهُ، وَفِيهِ أَيْضًا نَقْضٌ لِقَاعِدَةٍ مُطَّرِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَإِنَّ هَذَا يُفِيدُ ابْتِدَاءَ الْمِلْكِ دُونَ بَقَائِهِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ تَبَايُنَ الدَّارَيْنِ مُثْبِتٌ لِلْمِلْكِ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا، وَالْمِلْكُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ ثَابِتٌ بِالشِّرَاءِ دُونَ التَّبَايُنِ فَجُعِلَ مُزِيلًا فِي مَحَلٍّ خَاصٍّ تَخْلِيصًا لِلْمُسْلِمِ عَنْ ذُلِّ الْكَافِرِ. عَلَى أَنَّ مَا جَعَلْنَاهُ مُزِيلًا وَإِنَّمَا جَعَلْنَاهُ قَائِمًا مَقَامَ الْمُزِيلِ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ فَلَمْ يَكُنْ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ مُزِيلًا غَيْرَ مُزِيلٍ وَهُوَ الْمُمْتَنِعُ، وَبَقَاءُ الشَّيْءِ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ إذَا لَمْ يَعْتَرِ الْبَقَاءَ مَا يُزِيلُ سُهُولَتَهُ وَهَاهُنَا بَقَاءُ الْمُسْلِمِ فِي يَدِ الْكَافِرِ صَعْبٌ يُزِيلُ سُهُولَتَهُ. وَقَوْلُهُ (كَمَا يُقَامُ مُضِيُّ ثَلَاثِ حِيَضٍ) تَمْثِيلٌ لِلْمَسْأَلَةِ فِي قِيَامِ الشَّرْطِ مَقَامَ الْعِلَّةِ، فَإِنَّ انْقِضَاءَ ثَلَاثِ حِيَضٍ شَرْطُ الْبَيْنُونَةِ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ أُقِيمَ مَقَامَ عِلَّةِ الْبَيْنُونَةِ وَهِيَ عَرْضُ الْقَاضِي الْإِسْلَامَ وَتَفْرِيقُهُ بَعْدَ

فِيمَا إذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ. (وَإِذَا أَسْلَمَ عَبْدٌ لِحَرْبِيٍّ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا أَوْ ظُهِرَ عَلَى الدَّارِ فَهُوَ حُرٌّ، وَكَذَلِكَ إذَا خَرَجَ عَبِيدُهُمْ إلَى عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ فَهُمْ أَحْرَارٌ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ عَبِيدًا مِنْ عَبِيدِ الطَّائِفِ أَسْلَمُوا وَخَرَجُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَضَى بِعِتْقِهِمْ وَقَالَ: هُمْ عُتَقَاءُ اللَّهِ» وَلِأَنَّهُ أَحْرَزَ نَفْسَهُ بِالْخُرُوجِ إلَيْنَا مُرَاغِمًا لِمَوْلَاهُ أَوْ بِالِالْتِحَاقِ بِمَنَعَةِ الْمُسْلِمِينَ، إذَا ظُهِرَ عَلَى الدَّارِ، وَاعْتِبَارُ يَدِهِ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ يَدِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهَا أَسْبَقُ ثُبُوتًا عَلَى نَفْسِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِبَاءِ لِعَجْزِ الْقَاضِي عَنْ حَقِيقَةِ الْعِلَّةِ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِدَارِ الْحَرْبِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا أَسْلَمَ عَبْدٌ لِحَرْبِيٍّ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ (أَنَّ عَبِيدًا مِنْ عَبِيدِ الطَّائِفِ أَسْلَمُوا) رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا حَاصَرَ الطَّائِفَ قَالَ: أَيُّمَا عَبْدٍ خَرَجَ إلَيْنَا فَهُوَ حُرٌّ فَخَرَجَ سِتَّةُ أَعْبُدٍ أَوْ سَبْعَةٌ مِنْهَا، فَلَمَّا فُتِحَتْ جَاءَ مَوَالِيهِمْ وَتَكَلَّمُوا فِيهِمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هُمْ عُتَقَاءُ اللَّهِ» . وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ أَحْرَزَ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا. وَقَوْلُهُ (أَوْ بِالِالْتِحَاقِ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ أَوْ ظَهَرَ عَلَى الدَّارِ. وَقِيلَ بِقَوْلِهِ مُرَاغِمًا: أَيْ مُغَاضِبًا وَمُنَابِذًا لِأَنَّهُ إذَا خَرَجَ طَائِعًا لِمَوْلَاهُ يُبَاعُ

فَالْحَاجَةُ فِي حَقِّهِ إلَى زِيَادَةِ تَوْكِيدٍ وَفِي حَقِّهِمْ إلَى إثْبَاتِ الْيَدِ ابْتِدَاءً فَلِهَذَا كَانَ أَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ وَثَمَنُهُ لِلْحَرْبِيِّ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَلَى سَبِيلِ التَّغَلُّبِ فَصَارَ كَمَالِ الْحَرْبِيِّ الَّذِي دَخَلَ بِهِ مُسْتَأْمَنًا إلَى دَارِنَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[باب المستأمن]

(بَابُ الْمُسْتَأْمَنِ) (وَإِذَا دَخَلَ الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ تَاجِرًا فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَلَا مِنْ دِمَائِهِمْ) ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لَهُمْ بِالِاسْتِئْمَانِ، فَالتَّعَرُّضُ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ غَدْرًا وَالْغَدْرُ حَرَامٌ، إلَّا إذَا غَدَرَ بِهِمْ مَلِكُهُمْ فَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ أَوْ حَبَسَهُمْ أَوْ فَعَلَ غَيْرُهُ بِعِلْمِ الْمَلِكِ وَلَمْ يَمْنَعْهُ؛ لِأَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ نَقَضُوا الْعَهْدَ بِخِلَافِ الْأَسِيرِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَأْمَنٍ فَيُبَاحُ لَهُ التَّعَرُّضُ، وَإِنْ أَطْلَقُوهُ طَوْعًا (فَإِنْ غَدَرَ بِهِمْ) أَعْنِي التَّاجِرُ (فَأَخَذَ شَيْئًا وَخَرَجَ بِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْمُسْتَأْمَنِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الِاسْتِيلَاءِ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الِاقْتِدَارِ عَلَى الْمَحَلِّ قَهْرًا وَغَلَبَةً شَرَعَ فِي بَيَانِ الِاسْتِئْمَانِ، لِأَنَّ طَلَبَ الْأَمَانِ إنَّمَا يَكُونُ حَيْثُ يَكُونُ فِيهِ قَهْرٌ وَغَلَبَةٌ، وَقَدَّمَ اسْتِئْمَانَ الْمُسْلِمِ تَعْظِيمًا لَهُ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ (قَوْلُهُ وَالْغَدْرُ حَرَامٌ) دَلِيلُهُ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحَابِ السَّرَايَا وَلَا تَغْدِرُوا» . وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْأَسِيرِ) يَعْنِي أَنَّ الْغَدْرَ لَيْسَ بِحَرَامٍ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْأُسَرَاءَ إذَا تَمَكَّنُوا مِنْ قَتْلِ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ غِيلَةً وَأَخْذِ أَمْوَالِهِمْ وَفَعَلُوا ذَلِكَ وَخَرَجُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَا مَنَعَةَ لَهُمْ فَكُلُّ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً (فَيُبَاحُ لَهُمْ التَّعَرُّضُ وَإِنْ أَطْلَقُوهُمْ طَوْعًا) لِأَنَّهُ

(مَلَكَهُ مِلْكًا مَحْظُورًا) لِوُرُودِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ، إلَّا أَنَّهُ حَصَلَ بِسَبَبِ الْغَدْرِ فَأَوْجَبَ ذَلِكَ خُبْثًا فِيهِ (فَيُؤْمَرُ بِالتَّصَدُّقِ بِهِ) وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحَظْرَ لِغَيْرِهِ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ السَّبَبِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ. (وَإِذَا دَخَلَ الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَأَدَانَهُ حَرْبِيٌّ أَوْ أَدَانَ هُوَ حَرْبِيًّا أَوْ غَصَبَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا وَاسْتَأْمَنَ الْحَرْبِيُّ لَمْ يُقْضَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ) أَمَّا الْإِدَانَةُ فَلِأَنَّ الْقَضَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَسْتَأْمِنْ صَرِيحًا حَتَّى يَكُونَ غَادِرًا بِأَخْذِ أَمْوَالِهِمْ (قَوْلُهُ مَلَكَهُ مِلْكًا مَحْظُورًا) أَيْ خَبِيثًا، حَتَّى لَوْ كَانَتْ جَارِيَةً كُرِهَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَطَأَهَا لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْبَائِعِ، وَوَطْؤُهَا لِلْبَائِعِ كَانَ مَكْرُوهًا فَكَذَا الْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ وَهَذَا) إشَارَةً إلَى قَوْلِهِ مَلَكَهُ مِلْكًا مَحْظُورًا: يَعْنِي أَنَّ مَالَ أَهْلِ الْحَرْبِ مُبَاحٌ فِي نَفْسِهِ وَالْحَظْرُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ الْأَمَانُ فَلَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ سَبَبِ الْمِلْكِ وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ (عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) يَعْنِي فِي أَوَائِلِ بَابِ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ بِقَوْلِهِ وَالْمَحْظُورُ لِغَيْرِهِ إذَا صَلُحَ سَبَبًا لِكَرَامَةٍ تَفُوقُ الْمِلْكَ إلَخْ. (وَإِذَا دَخَلَ الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَأَدَانَهُ حَرْبِيٌّ) أَيْ بَاعَ بِالدَّيْنِ فَإِنَّ الْإِدَانَةَ الْبَيْعُ بِالدَّيْنِ وَالِاسْتِدَانَةُ الِابْتِيَاعُ بِالدَّيْنِ

يَعْتَمِدُ الْوِلَايَةَ وَلَا وِلَايَةَ وَقْتَ الْإِدَانَةِ أَصْلًا وَلَا وَقْتَ الْقَضَاءِ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ؛ لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَ حُكْمَ الْإِسْلَامِ فِيمَا مَضَى مِنْ أَفْعَالِهِ وَإِنَّمَا الْتَزَمَ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَأَمَّا الْغَصْبُ فَلِأَنَّهُ صَارَ مِلْكًا لِلَّذِي غَصَبَهُ وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِ لِمُصَادَفَتِهِ مَالًا غَيْرَ مَعْصُومٍ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَا حَرْبِيَّيْنِ فَعَلَا ذَلِكَ ثُمَّ خَرَجَا مُسْتَأْمَنَيْنِ لِمَا قُلْنَا (وَلَوْ خَرَجَا مُسْلِمَيْنِ قُضِيَ بِالدَّيْنِ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يُقْضَ بِالْغَصْبِ) أَمَّا الْمُدَايَنَةُ فَلِأَنَّهَا وَقَعَتْ صَحِيحَةً لِوُقُوعِهَا بِالتَّرَاضِي، وَالْوِلَايَةُ ثَابِتَةٌ حَالَةَ الْقَضَاءِ لِالْتِزَامِهِمَا الْأَحْكَامَ بِالْإِسْلَامِ. وَأَمَّا الْغَصْبُ فَلِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ مِلْكُهُ وَلَا خُبْثَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَا وِلَايَةَ وَقْتَ الْإِدَانَةِ أَصْلًا) أَيْ لَا عَلَى الْمُسْلِمِ وَلَا عَلَى الْحَرْبِيِّ (وَلَا وَقْتَ الْقَضَاءِ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ) وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَإِذَا لَمْ يَقْضِ عَلَى الْحَرْبِيِّ لَمْ يَقْضِ عَلَى الْمُسْلِمِ أَيْضًا تَحْقِيقًا لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا. وَقَوْلُهُ (وَأَمَّا الْغَصْبُ فَلِأَنَّهُ صَارَ مِلْكًا لِلَّذِي غَصَبَهُ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْغَاصِبُ كَافِرًا فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ مُسْلِمًا مُسْتَأْمَنًا فِيهَا لِأَنَّ مَالَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَ مُبَاحًا وَقْتَ الْغَصْبِ فِي حَقِّهِ فَمَلَكَهُ بِالْغَصْبِ، إلَّا أَنَّ الْغَاصِبَ إنْ كَانَ هُوَ الْمُسْلِمُ يُفْتَى بِرَدِّ الْمَغْصُوبِ عَلَى الْمَالِكِ وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ دَارَهُمْ بِأَمَانٍ الْتَزَمَ أَنْ لَا يَغْدِرَ بِهِمْ، وَفِي أَخْذِ أَمْوَالِهِمْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ غَدْرٌ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا بَيَّنَّا) يَعْنِي فِيمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا غَصْبُ الْكَافِرِ فَقَدْ ذُكِرَ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِيلَاءِ بِقَوْلِهِ إنَّ الِاسْتِيلَاءَ وَرَدَ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ، وَأَمَّا غَصْبُ الْمُسْلِمِ فَقَدْ ذَكَرَهُ فِيمَا إذَا دَخَلَ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ مُغِيرَيْنِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَأَخَذُوا شَيْئًا فَإِنَّهُمْ يَمْلِكُونَهُ. وَقَوْلُهُ (لِمَا قُلْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ مِنْ قَبْلُ إنَّ الْقَضَاءَ يَعْتَمِدُ الْوِلَايَةَ إلَخْ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ خَرَجَا مُسْلِمَيْنِ) ظَاهِرٌ.

فِي مِلْكِ الْحَرْبِيِّ حَتَّى يُؤْمَرَ بِالرَّدِّ. (وَإِذَا دَخَلَ الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَغَصَبَ حَرْبِيًّا ثُمَّ خَرَجَا مُسْلِمَيْنِ أُمِرَ بِرَدِّ الْغَصْبِ وَلَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ) أَمَّا عَدَمُ الْقَضَاءِ فَلِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ مَلَكَهُ، وَأَمَّا الْأَمْرُ بِالرَّدِّ وَمُرَادُهُ الْفَتْوَى بِهِ فَلِأَنَّهُ فَسَدَ الْمِلْكُ لِمَا يُقَارِنُهُ مِنْ الْمُحَرَّمِ وَهُوَ نَقْصُ الْعَهْدِ (وَإِذَا دَخَلَ مُسْلِمَانِ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَعَلَى الْقَاتِلِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَإِ) أَمَّا الْكَفَّارَةُ فَلِإِطْلَاقِ الْكِتَابِ، وَأَمَّا الدِّيَةُ فَلِأَنَّ الْعِصْمَةَ الثَّابِتَةَ بِالْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ لَا تَبْطُلُ بِعَارِضِ الدُّخُولِ بِالْأَمَانِ، وَإِنَّمَا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ إلَّا بِمَنَعَةٍ، وَلَا مَنَعَةَ دُونَ الْإِمَامِ وَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (فَغَصَبَ حَرْبِيًّا) أَيْ غَصَبَ شَيْئًا مِنْ حَرْبِيٍّ وَلَيْسَ هَذَا مُنْحَصِرًا فِي خُرُوجِهِمَا مُسْلِمَيْنِ، بَلْ لَوْ خَرَجَ الْمُسْلِمُ الْغَاصِبُ وَالْحَرْبِيُّ مُسْتَأْمَنًا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (فَعَلَى الْقَاتِلِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ) يَعْنِي فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، هَكَذَا ذَكَرَهُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ فِي عَامَّةِ النُّسَخِ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ لِأَنَّهُ قَتَلَ شَخْصًا مَعْصُومًا لَيْسَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ فَيَجِبُ بِقَتْلِهِ مَا يَجِبُ بِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ تَكْثِيرَ سَوَادِهِمْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِتَوَطُّنِهِ فِيهِمْ كَانَ يُسْقِطُ الْعِصْمَةَ، فَتَكْثِيرُهُ مِنْ وَجْهٍ يُورِثُ الشُّبْهَةَ فَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ. وَقَوْلُهُ (أَمَّا الْكَفَّارَةُ فَلِإِطْلَاقِ الْكِتَابِ) يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] (وَأَمَّا الدِّيَةُ فَلِأَنَّ الْعِصْمَةَ الثَّابِتَةَ بِالْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ لَا تَبْطُلُ بِعَارِضِ الدُّخُولِ بِالْأَمَانِ) لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَلَى قَصْدِ الرُّجُوعِ كَانَ كَأَنَّهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ تَقْدِيرًا حَتَّى أَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ مِنْهُمْ لَمَّا كَانَ عَلَى قَصْدِ الرُّجُوعِ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ حَتَّى لَا يُقْتَلَ الذِّمِّيُّ بِهِ، وَكَانَ الْقِيَاسُ وُجُوبَ الْقِصَاصِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ لِمَا ذُكِرَ

وَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ؛ وَفِي الْخَطَإِ لِأَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَى الصِّيَانَةِ مَعَ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ وَالْوُجُوبُ عَلَيْهِمْ عَلَى اعْتِبَارِ تَرْكِهَا. (وَإِنْ كَانَا أَسِيرَيْنِ فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ أَوْ قَتَلَ مُسْلِمٌ تَاجِرٌ أَسِيرًا) فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاتِلِ إلَّا الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَإِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: (فِي الْأَسِيرَيْنِ الدِّيَةُ فِي الْخَطَإِ وَالْعَمْدِ) ؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ لَا تَبْطُلُ بِعَارِضِ الْأَسْرِ كَمَا لَا تَبْطُلْ بِعَارِضِ الِاسْتِئْمَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَامْتِنَاعُ الْقِصَاصِ؛ لِعَدَمِ الْمَنَعَةِ وَيَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لِمَا قُلْنَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ بِالْأَسْرِ صَارَ تَبَعًا لَهُمْ؛ لِصَيْرُورَتِهِ مَقْهُورًا فِي أَيْدِيهِمْ، وَلِهَذَا يَصِيرُ مُقِيمًا بِإِقَامَتِهِمْ وَمُسَافِرًا بِسَفَرِهِمْ فَيَبْطُلُ بِهِ الْإِحْرَازُ أَصْلًا وَصَارَ كَالْمُسْلِمِ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْعِصْمَةَ الثَّابِتَةَ بِالْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ لَا تَبْطُلُ بِعَارِضِ الدُّخُولِ بِالْأَمَانِ. وَقَوْلُهُ (لِمَا قُلْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ بِالْأَسْرِ صَارَ تَبَعًا لَهُمْ) يَعْنِي وَأَهْلُ الْحَرْبِ أُصُولٌ وَالْأُصُولُ غَيْرُ مَعْصُومِينَ فَكَذَلِكَ الْأَتْبَاعُ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا) تَوْضِيحٌ لِلتَّبَعِيَّةِ. وَقَوْلُهُ (فَيَبْطُلُ بِهِ الْإِحْرَازُ أَصْلًا) أَيْ يَبْطُلُ الْإِحْرَازُ بِالْعِصْمَةِ الْمُقَوَّمَةِ بِالْكُلِّيَّةِ (وَصَارَ كَالْمُسْلِمِ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا)

[فصل الحربي إذا دخل إلينا مستأمنا]

وَخَصَّ الْخَطَأَ بِالْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِي الْعَمْدِ عِنْدَنَا. فَصْلٌ قَالَ: (وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ إلَيْنَا مُسْتَأْمَنًا لَمْ يُمَكَّنْ أَنْ يُقِيمَ فِي دَارِنَا سَنَةً وَيَقُولُ لَهُ الْإِمَامُ: إنْ أَقَمْتَ تَمَامَ السَّنَةِ وَضَعْتُ عَلَيْك الْجِزْيَةُ) وَالْأَصْلُ أَنَّ الْحَرْبِيَّ لَا يُمَكَّنُ مِنْ إقَامَةٍ دَائِمَةٍ فِي دَارِنَا إلَّا بِالِاسْتِرْقَاقِ أَوْ الْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ عَيْنًا لَهُمْ وَعَوْنًا عَلَيْنَا فَتَلْتَحِقُ الْمَضَرَّةُ بِالْمُسْلِمِينَ، وَيُمَكَّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ الْيَسِيرَةِ؛ لِأَنَّ فِي مَنْعِهَا قَطْعَ الْمِيرَةِ وَالْجَلَبِ وَسَدَّ بَابِ التِّجَارَةِ، فَفَصَلْنَا بَيْنَهُمَا بِسَنَةٍ؛ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ تَجِبُ فِيهَا الْجِزْيَةُ فَتَكُونُ الْإِقَامَةُ لِمَصْلَحَةِ الْجِزْيَةِ، ثُمَّ إنْ رَجَعَ بَعْدَ مَقَالَةِ الْإِمَامِ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ إلَى وَطَنِهِ فَلَا سَبِيلَ عَلَيْهِ، وَإِذَا مَكَثَ سَنَةً فَهُوَ ذِمِّيٌّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَامَ سَنَةً بَعْدَ تَقَدُّمِ الْإِمَامِ إلَيْهِ صَارَ مُلْتَزِمًا الْجِزْيَةَ فَيَصِيرُ ذِمِّيًّا، وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُؤَقِّتَ فِي ذَلِكَ مَا دُونَ السَّنَةِ كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ (وَإِذَا أَقَامَهَا بَعْدَ مَقَالَةِ الْإِمَامِ يَصِيرُ ذِمِّيًّا) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِجَامِعِ تَبَعِيَّةِ أَهْلِ الدَّارِ بِالتَّوَطُّنِ فَلَمْ تَجِبْ الدِّيَةُ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى تِلْكَ الْعِصْمَةِ، بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهَا تَجِبُ بِالْعِصْمَةِ الْمُؤَثِّمَةِ وَهِيَ بِالْإِسْلَامِ. [فَصْلٌ الْحَرْبِيُّ إذَا دَخَلَ إلَيْنَا مُسْتَأْمَنًا] (فَصْلٌ) : فَصَلَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ عَمَّا قَبْلَهَا لِاخْتِلَافِ أَحْكَامِهَا، وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ، وَالْعَيْنُ: هُوَ الْجَاسُوسُ، وَالْعَوْنُ: الظَّهِيرُ عَلَى الْأَمْرِ وَالْجَمْعُ الْأَعْوَانُ، وَالْمِيرَةُ: الطَّعَامُ يَمْتَارُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ مَارَ يَمِيرُ، وَالْجَلَبُ وَالْأَجْلَابُ الَّذِينَ يَجْلِبُونَ الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ لِلْبَيْعِ. وَقَوْلُهُ (بَعْدَ تَقَدُّمِ الْإِمَامِ) يُقَالُ تَقَدَّمَ إلَيْهِ الْأَمِيرُ بِكَذَا أَوْ فِي كَذَا إذَا أَمَرَهُ بِهِ. وَقَوْلُهُ (وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُوَقِّتَ فِي ذَلِكَ مَا دُونَ السَّنَةِ) يَعْنِي أَنَّ تَقْدِيرَ الْحَوْلِ لَيْسَ بِلَازِمٍ، بَلْ لَوْ قَدَّرَ الْإِمَامُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ مَا يَرَاهُ جَازَ لَكِنْ إنْ لَمْ يُقَدِّرْ لَهُ مُدَّةً فَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْحَوْلُ (فَإِذَا أَقَامَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي دَارِنَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا) قَالَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ:

لِمَا قُلْنَا (ثُمَّ لَا يُتْرَكُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ) ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ لَا يُنْقَضُ، كَيْفَ وَأَنَّ فِيهِ قَطْعَ الْجِزْيَةِ وَجَعْلَ وَلَدِهِ حَرْبًا عَلَيْنَا وَفِيهِ مَضَرَّةٌ بِالْمُسْلِمِينَ. (فَإِنْ دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَنَا بِأَمَانٍ وَاشْتَرَى أَرْضَ خَرَاجٍ فَإِذَا وُضِعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ فَهُوَ ذِمِّيٌّ) ؛ لِأَنَّ خَرَاجَ الْأَرْضِ بِمَنْزِلَةِ خَرَاجِ الرَّأْسِ، فَإِذَا الْتَزَمَهُ صَارَ مُلْتَزِمًا الْمَقَامَ فِي دَارِنَا، أَمَّا بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَرِيهَا لِلتِّجَارَةِ، وَإِذَا لَزِمَهُ خَرَاجُ الْأَرْضِ فَبَعْدَ ذَلِكَ تَلْزَمُهُ الْجِزْيَةُ لِسَنَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ ذِمِّيًّا بِلُزُومِ الْخَرَاجِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِذَا مَضَتْ سَنَةٌ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ الْمَضْرُوبَةِ كَانَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا بِمُجَاوَزَةِ الْمُدَّةِ الْمَضْرُوبَةِ فَيُعْتَبَرُ الْحَوْلُ بَعْدَمَا صَارَ ذِمِّيًّا إلَّا أَنْ يَكُونَ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا جَاوَزَ السَّنَةَ يَأْخُذُ الْخَرَاجَ فَحِينَئِذٍ يَأْخُذُ مِنْهُ. وَقَوْلُهُ (لِمَا قُلْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَامَ سَنَةً بَعْدَ تَقَدُّمِ الْإِمَامِ صَارَ مُلْتَزِمًا لِلْجِزْيَةِ. وَقَوْلُهُ (فَإِذَا وُضِعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ فَهُوَ ذِمِّيٌّ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَكَذَلِكَ لَوْ لَزِمَهُ عَشْرٌ فِي قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِأَنْ اشْتَرَى أَرْضًا عُشْرِيَّةً لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا مِنْ مُؤَنِ الْأَرْضِ (لِأَنَّ خَرَاجَ الْأَرْضِ بِمَنْزِلَةِ خَرَاجِ الرَّأْسِ) إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ أَحْكَامِ دَارِنَا، فَلَمَّا رَضِيَ بِوُجُوبِ الْخَرَاجِ عَلَيْهِ

فَتُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ مِنْ وَقْتِ وُجُوبِهِ. وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ فَإِذَا وُضِعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ فَهُوَ ذِمِّيٌّ تَصْرِيحٌ بِشَرْطِ الْوَضْعِ فَيَتَخَرَّجُ عَلَيْهِ أَحْكَامٌ جَمَّةٌ فَلَا تَغْفُلْ عَنْهُ. (وَإِذَا دَخَلَتْ حَرْبِيَّةٌ بِأَمَانٍ فَتَزَوَّجَتْ ذِمِّيًّا صَارَتْ ذِمِّيَّةً) ؛ لِأَنَّهَا الْتَزَمَتْ الْمُقَامَ تَبَعًا لِلزَّوْجِ (وَإِذَا دَخَلَ حَرْبِيٌّ بِأَمَانٍ فَتَزَوَّجَ ذِمِّيَّةً لَمْ يَصِرْ ذِمِّيًّا) ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَيَرْجِعُ إلَى بَلَدِهِ فَلَمْ يَكُنْ مُلْتَزِمًا الْمُقَامَ. (وَلَوْ أَنَّ حَرْبِيًّا دَخَلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ ثُمَّ عَادَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَتَرَكَ وَدِيعَةً عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِمْ فَقَدْ صَارَ دَمُهُ مُبَاحًا بِالْعَوْدِ) ؛ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ أَمَانَهُ (وَمَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مِنْ مَالِهِ عَلَى خَطَرٍ، فَإِنْ أُسِرَ أَوْ ظُهِرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQرَضِيَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا، وَقَوْلُهُ (فَتُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ مِنْ وَقْتِ وُجُوبِهِ) أَيْ وُجُوبِ الْخَرَاجِ (وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ) أَيْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (فَإِذَا وُضِعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ فَهُوَ ذِمِّيٌّ تَصْرِيحٌ مِنْ مُحَمَّدٍ بِشَرْطِ الْوَضْعِ) أَيْ بِأَنَّ وَضْعَ الْخَرَاجِ عَلَيْهِ شَرْطٌ فِي جَعْلِهِ ذِمِّيًّا، وَالْمُرَادُ مِنْ وَضْعِ الْخَرَاجِ الْتِزَامُ خَرَاجِ أَرْضٍ بِمُبَاشَرَةِ سَبَبِهِ وَهُوَ الزِّرَاعَةُ أَوْ تَعْطِيلُهَا عَنْهَا مَعَ التَّمَكُّنِ، وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ. وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ: يَصِيرُ ذِمِّيًّا بِنَفْسِ الشِّرَاءِ، لِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَى أَرْضَ خَرَاجٍ وَحَكَمَ الشَّرْعُ فِيهَا بِوُجُوبِ الْخَرَاجِ صَارَ مُلْتَزِمًا حُكْمًا مِنْ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ، كَذَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَرِيهَا لِلتِّجَارَةِ. وَقَوْلُهُ (فَيَتَخَرَّجُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَنَّ الْوَضْعَ شَرْطٌ (أَحْكَامٌ جَمَّةٌ فَلَا تَغْفُلْ عَنْهُ) أَيْ عَنْ شَرْطِ الْوَضْعِ وَهِيَ الْمَنْعُ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَجَرَيَانِ الْقِصَاصِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ وَوُجُوبِ الضَّمَانِ فِي إتْلَافِ خَمْرِهِ وَخِنْزِيرِهِ وَوُجُوبِ الدِّيَةِ بِقَتْلِهِ خَطَأً، وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ إنَّمَا تَثْبُتُ بَعْدَ كَوْنِهِ ذِمِّيًّا لَا قَبْلَهُ، وَبِوَضْعِ الْخَرَاجِ يَصِيرُ ذِمِّيًّا فَلِذَلِكَ يَجِبُ أَنْ لَا يُغْفَلَ عَنْ شَرْطِ الْوَضْعِ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا دَخَلَتْ حَرْبِيَّةٌ بِأَمَانٍ) ظَاهِرٌ، وَكَذَا عَكْسُهُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ (وَلَوْ أَنَّ حَرْبِيًّا دَخَلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ)

عَلَى الدَّارِ فَقُتِلَ سَقَطَتْ دُيُونُهُ وَصَارَتْ الْوَدِيعَةُ فَيْئًا) أَمَّا الْوَدِيعَةُ فَلِأَنَّهَا فِي يَدِهِ تَقْدِيرًا؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُودَعِ كَيَدِهِ فَيَصِيرُ فَيْئًا تَبَعًا لِنَفْسِهِ، وَأَمَّا الدَّيْنُ فَلِأَنَّ إثْبَاتَ الْيَدِ عَلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْمُطَالَبَةِ وَقَدْ سَقَطَتْ، وَيَدُ مَنْ عَلَيْهِ أَسْبَقُ إلَيْهِ مِنْ يَدِ الْعَامَّةِ فَيَخْتَصُّ بِهِ فَيَسْقُطُ (وَإِنْ قُتِلَ وَلَمْ يُظْهَرْ عَلَى الدَّارِ فَالْقَرْضُ الْوَدِيعَةُ لِوَرَثَتِهِ) وَكَذَلِكَ إذَا مَاتَ؛ لِأَنَّ نَفْسَهُ لَمْ تَصِرْ مَغْنُومَةً فَكَذَلِكَ مَالُهُ، وَهَذَا لِأَنَّ حُكْمَ الْأَمَانِ بَاقٍ فِي مَالِهِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى وَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ. قَالَ: (وَمَا أَوْجَفَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ بِغَيْرِ قِتَالٍ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا يُصْرَفُ الْخَرَاجُ) قَالُوا: هُوَ مِثْلُ الْأَرَاضِي الَّتِي أَجْلَوْا أَهْلَهَا عَنْهَا وَالْجِزْيَةِ وَلَا خُمُسَ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِيهِمَا الْخُمُسُ اعْتِبَارًا بِالْغَنِيمَةِ. وَلَنَا مَا رُوِيَ " أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَخَذَ الْجِزْيَةَ " وَكَذَا عُمَرُ وَمُعَاذٌ، وَوُضِعَ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَمْ يُخَمَّسْ ـــــــــــــــــــــــــــــQخَلَا أَنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّ يَدَ الْمُودِعِ كَيَدِهِ مَنْقُوضٌ بِمَا إذَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَهُ وَدِيعَةٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى الدَّارِ فَإِنَّهَا تَكُونُ فَيْئًا فَلَمْ تَكُنْ يَدُ الْمُودَعِ كَيَدِ الْمُودِعِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ يَدَ الْمُودَعِ كَيَدِ الْمُودِعِ إذَا اتَّفَقَا عِصْمَةً وَقْتَ الْإِيدَاعِ، وَفِي صُورَةِ النَّقْضِ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ لَيْسَتْ دَارَ عِصْمَةٍ. قَالَ (وَمَا أَوْجَفَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ) يُقَالُ وَجَفَ الْفَرَسُ أَوْ الْبَعِيرُ غَدَا وَجِيفًا وَأَوْجَفَهُ صَاحِبُهُ إيجَافًا. وَقَوْلُهُ (وَمَا أَوْجَفَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ) أَيْ أَعْمَلُوا خَيْلَهُمْ وَرِكَابَهُمْ فِي تَحْصِيلِهِ. وَالْجَلَاءُ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ الْخُرُوجُ عَنْ الْوَطَنِ أَوْ الْإِخْرَاجُ، يُقَالُ جَلَا السُّلْطَانُ الْقَوْلَ عَلَى أَوْطَانِهِمْ وَأَجْلَاهُمْ فَجَلَوْا: أَيْ أَخْرَجَهُمْ فَخَرَجُوا، كِلَاهُمَا يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى. وَقَوْلُهُ (وَالْجِزْيَةِ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ الْأَرَاضِي أَيْ هُوَ مِثْلُ الْأَرَاضِي الَّتِي أَجْلَوْا عَنْهَا أَهْلَهَا وَمِثْلُ الْجِزْيَةِ. وَقَوْلُهُ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيهِمَا) أَيْ فِي الْأَرَاضِيِ الَّتِي أَجْلَوْا عَنْهَا أَهْلَهَا وَفِي الْجِزْيَةِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: فِيهَا

وَلِأَنَّهُ مَالٌ مَأْخُوذٌ بِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ، بِخِلَافِ الْغَنِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ بِمُبَاشَرَةِ الْغَانِمِينَ وَبِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَحَقَّ الْخُمُسَ بِمَعْنًى وَاسْتَحَقَّهُ الْغَانِمُونَ بِمَعْنًى، وَفِي هَذَا السَّبَبِ وَاحِدٌ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَلَا مَعْنَى لِإِيجَابِ الْخُمُسِ. (وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَنَا بِأَمَانٍ وَلَهُ امْرَأَةٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَأَوْلَادٌ صِغَارٌ وَكِبَارٌ وَمَالٌ أَوْدَعَ بَعْضَهُ ذِمِّيًّا وَبَعْضَهُ حَرْبِيًّا وَبَعْضَهُ مُسْلِمًا فَأَسْلَمَ هَاهُنَا ثُمَّ ظُهِرَ عَلَى الدَّارِ فَذَلِكَ كُلُّهُ فَيْءٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ فِي الْأَرَاضِي وَالْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ) أَيْ وَلِأَنَّ مَا أَوْجَفَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْمَالِ. وَقَوْلُهُ (مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ) يَعْنِي بَلْ بِوُقُوعِ الرُّعْبِ فِي قُلُوبِ الْكُفَّارِ مِنْ قُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ (بِخِلَافِ الْغَنِيمَةِ لِأَنَّهُ) أَيْ الْغَنِيمَةَ بِتَأْوِيلِ الْمَغْنُومِ (مَمْلُوكٌ) بِسَبَبَيْنِ وَهُمَا مُبَاشَرَةُ الْغَانِمِينَ وَقُوَّةُ الْمُسْلِمِينَ (فَاسْتَحَقَّ الْخُمُسَ بِمَعْنًى) وَهُوَ الرُّعْبُ (وَاسْتَحَقَّ الْغَانِمُونَ الْبَاقِيَ بِمَعْنًى) وَهُوَ مُبَاشَرَةُ الْغَانِمِينَ الْقِتَالَ (وَفِي هَذَا) أَيْ فِيمَا أَوْجَفَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ (السَّبَبُ وَاحِدٌ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ)

أَمَّا الْمَرْأَةُ وَأَوْلَادُهُ الْكِبَارُ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُمْ حَرْبِيُّونَ كِبَارٌ وَلَيْسُوا بِأَتْبَاعٍ، وَكَذَلِكَ مَا فِي بَطْنِهَا لَوْ كَانَتْ حَامِلًا لِمَا قُلْنَا مِنْ قَبْلُ. وَأَمَّا أَوْلَادُهُ الصِّغَارُ فَلِأَنَّ الصَّغِيرَ إنَّمَا يَصِيرُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِإِسْلَامِ أَبِيهِ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ وَتَحْتَ وِلَايَتِهِ، وَمَعَ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ لَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ، وَكَذَا أَمْوَالُهُ لَا تَصِيرُ مُحْرَزَةً بِإِحْرَازِهِ نَفْسَهُ لِاخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ فَبَقِيَ الْكُلُّ فَيْئًا وَغَنِيمَةً (وَإِنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ جَاءَ فَظُهِرَ عَلَى الدَّارِ فَأَوْلَادُهُ الصِّغَارُ أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ) تَبَعًا لِأَبِيهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا تَحْتَ وِلَايَتِهِ حِينَ أَسْلَمَ إذْ الدَّارُ وَاحِدَةٌ (وَمَا كَانَ مِنْ مَالٍ أَوْدَعَهُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا فَهُوَ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدٍ مُحْتَرَمَةٍ وَيَدُهُ كَيَدِهِ (وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَيْءٌ) أَمَّا الْمَرْأَةُ وَأَوْلَادُهُ الْكِبَارُ فَلِمَا قُلْنَا. وَأَمَّا الْمَالُ الَّذِي فِي يَدِ الْحَرْبَى؛ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مَعْصُومًا؛ لِأَنَّ يَدَ الْحَرْبِيِّ لَيْسَتْ يَدًا مُحْتَرَمَةً. (وَإِذَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَقَتَلَهُ مُسْلِمٌ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَلَهُ وَرَثَةٌ مُسْلِمُونَ هُنَاكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَأِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَجِبُ الدِّيَةُ فِي الْخَطَإِ وَالْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ؛ لِأَنَّهُ أَرَاقَ دَمًا مَعْصُومًا (لِوُجُودِ الْعَاصِمِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ) لِكَوْنِهِ مُسْتَجْلِبًا لِلْكَرَامَةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ أَصْلُهَا الْمُؤْثِمَةُ؛ لِحُصُولِ أَصْلِ الزَّجْرِ بِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي قَوْلَهُ أَنَّهُ مَالٌ مَأْخُوذٌ بِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا مَعْنَى لِإِيجَابِ الْخُمُسِ (قَوْلُهُ لِمَا قُلْنَا مِنْ قَبْلُ) أَيْ فِي بَابِ الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتِهَا وَهُوَ قَوْلُهُ وَزَوْجَتُهُ فَيْءٌ لِأَنَّهَا كَافِرَةٌ حَرْبِيَّةٌ إلَخْ. وَقَوْلُهُ (وَأَمَّا أَوْلَادُهُ الصِّغَارُ) ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ وَمَا كَانَ مِنْ مَالٍ أَوْدَعَهُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا) إنَّمَا قَيَّدَ بِالْإِيدَاعِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ غَصْبًا فِي أَيْدِيهِمَا يَكُونُ فَيْئًا لِعَدَمِ النِّيَابَةِ (قَوْلُهُ فَلِمَا قُلْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ حَرْبِيُّونَ كِبَارٌ وَلَيْسُوا بِأَتْبَاعٍ. (قَوْلُهُ وَإِذَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَقَتَلَهُ مُسْلِمٌ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَلَهُ وَرَثَةٌ مُسْلِمُونَ هُنَاكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا الْكَفَّارَةَ فِي الْخَطَإِ. وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: تَجِبُ الدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ وَالْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ لِأَنَّهُ أَرَاقَ دَمًا مَعْصُومًا لِوُجُودِ الْعَاصِمِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ لِكَوْنِهِ مُسْتَجْلِبًا لِلْكَرَامَةِ) وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْعِصْمَةَ تَثْبُتُ نِعْمَةً وَكَرَامَةً فَتُعَلَّقَ بِمَا لَهُ أَثَرٌ فِي اسْتِحْقَاقِ الْكَرَامَةِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ إذْ بِهِ تَحْصُلُ السَّعَادَةُ الْأَبَدِيَّةُ لَا بِالدَّارِ الَّتِي هِيَ جَمَادٌ لَا أَثَرَ لَهَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْكَرَامَةِ، وَمَنْ أَرَاقَ دَمًا مَعْصُومًا إنْ كَانَ خَطَأً فَفِيهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَفِيهِ الْقِصَاصُ كَمَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ (وَهَذَا) أَيْ وُجُوبُ الدِّيَةِ فِي الْخَطَأِ، وَالْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ إنَّمَا كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى وُجُودِ الْعَاصِمِ الَّذِي هُوَ الْإِسْلَامُ (لِأَنَّ الْعِصْمَةَ أَصْلُهَا الْمُؤَثِّمَةُ لِحُصُولِ أَصْلِ الزَّجْرِ بِهَا)

وَهِيَ ثَابِتَةٌ إجْمَاعًا، وَالْمُقَوَّمَةُ كَمَالٍ فِيهِ لِكَمَالِ الِامْتِنَاعِ بِهِ فَيَكُونُ وَصْفًا فِيهِ فَتَتَعَلَّقُ بِمَا عُلِّقَ بِهِ الْأَصْلُ. وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] الْآيَةَ. جَعَلَ التَّحْرِيرَ كُلَّ الْمُوجِبِ رُجُوعًا إلَى حَرْفِ الْفَاءِ أَوْ إلَى كَوْنِهِ كُلَّ الْمَذْكُورِ فَيَنْتَفِي غَيْرُهُ، وَلِأَنَّ الْعِصْمَةَ الْمُؤْثِمَةَ بِالْآدَمِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِقَتْلٍ يَنْزَجِرُ عَنْهُ نَظَرًا إلَى الْجِبِلَّةِ السَّلِيمَةِ عَنْ الْمَيْلِ عَنْ الِاعْتِدَالِ (وَهِيَ ثَابِتَةٌ) فِيمَا نَحْنُ فِيهِ (إجْمَاعًا) فَإِنَّهُ لَا قَائِلَ بِعَدَمِ الْإِثْمِ عَلَى مَنْ قَتَلَ مُسْلِمًا فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ (وَالْعِصْمَةُ الْمُقَوِّمَةُ كَمَالٍ فِيهِ) أَيْ فِي أَصْلِ الْعِصْمَةِ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ الْإِثْمُ وَالْمَالُ كَانَ ذَلِكَ أَكْمَلَ وَأَتَمَّ فِي الْمَنْعِ مِنْ الَّذِي وَجَبَ فِيهِ الْإِثْمُ دُونَ الْمَالِ، فَكَانَتْ الْعِصْمَةُ الْمُقَوِّمَةُ وَصْفًا زَائِدًا عَلَى الْعِصْمَةِ الَّتِي هِيَ الْمُؤَثِّمَةُ (فَتُعَلَّقُ بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ الْأَصْلُ) وَهُوَ الْعِصْمَةُ الْمُؤَثِّمَةُ وَالْعِصْمَةُ الْمُؤَثِّمَةُ تَعَلَّقَتْ بِالْإِسْلَامِ، فَالْعِصْمَةُ الْمُقَوِّمَةُ كَذَلِكَ، فَتَجِبُ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ فِي قَتْلِ الْحَرْبِيِّ الَّذِي أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا (وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُؤَوِّلُ هَذِهِ الْآيَةَ بِاَلَّذِينَ أَسْلَمُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرُوا، وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ بَعْضِ أَئِمَّةِ التَّفْسِيرِ أَيْضًا. وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَيَّزَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ الَّذِي فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِ الَّذِي هُوَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَنَا فِي حَقِّ الْحُكْمِ الْمُخْتَصِّ بِالْقَتْلِ، فَجَعَلَ الْحُكْمَ فِي الْأَوَّلِ الدِّيَةَ وَالْكَفَّارَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] وَفِي الثَّانِي الْكَفَّارَةُ دُونَ الدِّيَةِ وَذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ذُكِرَ بِحَرْفِ الْفَاءِ فَإِنَّهُ لِلْجَزَاءِ وَالْجَزَاءُ اسْمٌ لِمَا يَكُونُ كَافِيًا، فَإِذَا كَانَ كَافِيًا كَانَ كُلُّ الْمُوجِبِ ضَرُورَةً. وَالثَّانِي أَنَّهُ كُلُّ الْمَذْكُورِ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي انْتِفَاءَ غَيْرِهِ لِأَنَّ قَصْدَ الشَّارِعِ فِي مِثْلِهِ إخْرَاجُ الْعَبْدِ عَنْ عُهْدَةِ الْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْحَادِثَةِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِبَيَانِ كُلِّ الْحُكْمِ بِلَا إخْلَالٍ، فَلَوْ كَانَ غَيْرُهُ مِنْ تَتِمَّةِ هَذَا الْحُكْمِ لَذَكَرَهُ فِي مَوْضِعِ الْبَيَانِ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الْعِصْمَةَ الْمُؤَثِّمَةَ بِالْآدَمِيَّةِ) دَلِيلٌ مَعْقُولٌ عَلَى عَدَمِ الْعِصْمَةِ الْمُقَوِّمَةِ الْمُوجِبَةِ لِلدِّيَةِ

لِأَنَّ الْآدَمِيَّ خُلِقَ مُتَحَمِّلًا أَعْبَاءَ التَّكْلِيفِ، وَالْقِيَامَ بِهَا بِحُرْمَةِ التَّعَرُّضِ، وَالْأَمْوَالُ تَابِعَةٌ لَهَا. أَمَّا الْمُقَوَّمَةُ فَالْأَصْلُ فِيهَا الْأَمْوَالُ؛ لِأَنَّ التَّقَوُّمَ يُؤْذِنُ بِجَبْرِ الْفَائِتِ وَذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ دُونَ النُّفُوسِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ التَّمَاثُلَ، وَهُوَ فِي الْمَالِ دُونَ النَّفْسِ فَكَانَتْ النُّفُوسُ تَابِعَةً، ثُمَّ الْعِصْمَةُ الْمُقَوَّمَةُ فِي الْأَمْوَالِ بِالْإِحْرَازِ بِالدَّارِ؛ لِأَنَّ الْعِزَّةَ بِالْمَنَعَةِ فَكَذَلِكَ فِي النُّفُوسِ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ أَسْقَطَ اعْتِبَارَ مَنَعَةِ الْكَفَرَةِ؛ لِمَا أَنَّهُ أَوْجَبَ إبْطَالَهَا. وَالْمُرْتَدُّ وَالْمُسْتَأْمَنُ فِي دَارِنَا مِنْ أَهْلِ دَارِهِمْ حُكْمًا لِقَصْدِهِمَا الِانْتِقَالَ إلَيْهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي دَارِ الْحَرْبِ وَمُشْتَمِلٌ عَلَى بَيَانِ أَنَّ الْعِصْمَةَ الْمُقَوِّمَةَ لَيْسَتْ بِوَصْفِ كَمَالٍ فِي الْعِصْمَةِ الْمُؤَثِّمَةِ فَتَكُونُ تَابِعَةً لَهَا. وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْعِصْمَةَ الْمُؤَثِّمَةَ بِالْآدَمِيَّةِ (لِأَنَّ الْآدَمِيَّ خُلِقَ مُتَحَمِّلًا أَعْبَاءَ التَّكَالِيفِ) أَيْ أَثْقَالَهَا، وَمَنْ خُلِقَ لِشَيْءٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ بِهِ فَالْآدَمِيُّ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ بِأَعْبَاءِ التَّكَالِيفِ (وَالْقِيَامُ بِهَا بِحُرْمَةِ التَّعَرُّضِ) أَيْ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ لَهُ الْقِيَامُ بِهَا إذَا كَانَ حَرَامَ التَّعَرُّضِ، فَالْآدَمِيُّ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ حَرَامَ التَّعَرُّضِ مُطْلَقًا، إلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبْطَلَ ذَلِكَ فِي الْكَافِرِ بِعَارِضِ الْكُفْرِ، فَإِذَا زَالَ الْكُفْرُ بِالْإِسْلَامِ عَادَ إلَى الْأَصْلِ (وَالْأَمْوَالُ تَابِعَةٌ لَهَا) أَيْ لِلْآدَمِيَّةِ الَّتِي تَثْبُتُ الْعِصْمَةُ الْمُؤَثِّمَةُ لَهَا لِأَنَّهَا خُلِقَتْ فِي الْأَصْلِ مُبَاحَةً، وَإِنَّمَا صَارَتْ مَعْصُومَةً لِتَمَكُّنِ الْآدَمِيِّ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا فِي حَاجَتِهِ فَكَانَتْ تَابِعَةً لِلْآدَمِيَّةِ (أَمَّا الْعِصْمَةُ الْمُقَوِّمَةُ فَالْأَصْلُ فِيهَا الْأَمْوَالُ لِأَنَّ التَّقَوُّمَ يُؤْذِنُ بِجَبْرِ الْفَائِتِ) لِأَنَّ الْمُتَقَوِّمَ هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي يَكُونُ وَاجِبَ الْإِبْقَاءِ وَالدَّوَامِ بِالْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ (وَذَلِكَ) أَيْ جَبْرُ الْفَائِتِ (فِي الْأَمْوَالِ دُونَ النُّفُوسِ) لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْمِثْلِ صُورَةً وَمَعْنًى أَوْ مَعْنًى فَقَطْ، وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ النُّفُوسِ وَمَا يُجْبَرُ بِهِ لَا صُورَةً وَلَا مَعْنًى عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ (فَكَانَتْ النُّفُوسُ تَابِعَةً) لِلْأَمْوَالِ فِي الْعِصْمَةِ، وَمِنْ هَذَا عُلِمَ أَنَّ الْعِصْمَةَ الْمُؤَثِّمَةَ أَصْلٌ مُسْتَقِلٌّ فِي شَيْءٍ وَالْعِصْمَةُ الْمُقَوِّمَةُ أَصْلٌ مُسْتَقِلٌّ فِي شَيْءٍ آخَرَ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِكَمَالٍ فِي الْآخَرِ وَلَا وَصْفٍ زَائِدٍ عَلَيْهِ، ثُمَّ الْعِصْمَةُ الْمُقَوِّمَةُ فِي الْأَمْوَالِ بِالْإِحْرَازِ بِالدَّارِ لِأَنَّهَا عِزَّةٌ وَالْعِزَّةُ بِالْمَنَعَةِ، فَالْعِصْمَةُ الْمُقَوِّمَةُ فِي الْأَمْوَالِ بِالْمَنَعَةِ وَالدَّارُ إنَّمَا تَكُونُ بِالْمَنَعَةِ فَلِهَذَا تَعَرَّضَ لِذِكْرِهَا، وَإِذَا كَانَتْ الْعِصْمَةُ الْمُقَوِّمَةُ فِي الْأَمْوَالِ بِالْمَنَعَةِ فَكَذَلِكَ فِي النُّفُوسِ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهَا لِمَا ذَكَرْنَا، لَكِنْ لَا مَنَعَةَ لِدَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَسْقَطَ اعْتِبَارَ مَنَعَةِ الْكُفْرِ لِمَا أَنَّهُ أَوْجَبَ إبْطَالَهَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَنَعَةٌ لَا يُوجَدُ الْإِحْرَازُ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ الْإِحْرَازُ لَا تُوجَدُ الْعِصْمَةُ الْمُقَوِّمَةُ، وَإِذَا لَمْ تُوجَدْ الْعِصْمَةُ الْمُقَوِّمَةُ لَا تَجِبُ الدِّيَةُ، وَهَذَا فِي غَايَةِ التَّحْقِيقِ، خَلَا أَنَّهُ تَوَهَّمَ أَنْ لَا يَمْلِكُوا أَمْوَالَنَا بِالْإِحْرَازِ إلَى الدَّارِ كَمَا قَالَ بِهِ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَدَفَعَهُ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِنَا إنَّ الشَّرْعَ أَسْقَطَ اعْتِبَارَ مَنَعَتِهِمْ حَالَ كَوْنِهِمْ فِي دَارِهِمْ، وَأَمَّا إذَا وَقَعَ خُرُوجُهُمْ إلَى دَارِنَا وَأَحْرَزُوا أَمْوَالَنَا بِالْيَدِ الْحَافِظَةِ وَالنَّاقِلَةِ فَقَدْ اسْتَوْلَوْا عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ كَمَا مَرَّ، وَذَلِكَ يُوجِبُ الْمِلْكَ لَا مَحَالَةَ. وَقَوْلُهُ (وَالْمُرْتَدُّ وَالْمُسْتَأْمَنُ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّهُمَا مُحْرَزَانِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ ذَاتًا فَيَجِبُ أَنْ يَتَقَوَّمَا وَلَمْ يَتَقَوَّمَا حَتَّى لَا تَجِبُ الدِّيَةُ

(وَمَنْ قَتَلَ مُسْلِمًا خَطَأً لَا وَلِيَّ لَهُ أَوْ قَتَلَ حَرْبِيًّا دَخَلَ إلَيْنَا بِأَمَانٍ فَأَسْلَمَ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِلْإِمَامِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً خَطَأً فَتُعْتَبَرُ بِسَائِرِ النُّفُوسِ الْمَعْصُومَةِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ لِلْإِمَامِ أَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ (وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ قَتَلَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ) ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ مَعْصُومَةٌ، وَالْقَتْلَ عَمْدٌ، وَالْوَلِيَّ مَعْلُومٌ وَهُوَ الْعَامَّةُ أَوْ السُّلْطَانُ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» وَقَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ مَعْنَاهُ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْعَمْدِ وَهُوَ الْقَوَدُ عَيْنًا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ أَنْفَعُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْقَوَدِ فَلِهَذَا كَانَ لَهُ وِلَايَةُ الصُّلْحِ عَلَى الْمَالِ (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْعَامَّةِ وَوِلَايَتُهُ نَظَرِيَّةٌ وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ إسْقَاطُ حَقِّهِمْ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِقَتْلِهِمَا وَكَوْنُ الْمُسْتَأْمَنِ مِنْ أَهْلِ دَارِهِمْ حُكْمًا لِقَصْدِهِ الِانْتِقَالَ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَقْصِدُهُ هَرَبًا مِنْ الْقَتْلِ وَقَوْلُهُ (وَمَنْ قَتَلَ مُسْلِمًا خَطَأً إلَخْ) وَاضِحٌ. وَاعْتُرِضَ عَلَى قَوْلِهِ وَهُوَ الْعَامَّةُ أَوْ السُّلْطَانُ بِأَنَّ التَّرَدُّدَ فِيمَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْقِصَاصِ يُوجِبُ سُقُوطَهُ كَمَا فِي الْمُكَاتَبِ إذَا قَتَلَ عَنْ وَفَاءٍ وَلَهُ وَارِثٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْإِمَامَ هَاهُنَا نَائِبٌ عَنْ الْعَامَّةِ فَصَارَ كَأَنَّ الْوَلِيَّ وَاحِدٌ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ.

[باب العشر والخراج]

(بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ) قَالَ: (أَرْضُ الْعَرَبِ كُلُّهَا أَرْضُ عُشْرٍ، وَهِيَ مَا بَيْنَ الْعُذَيْبِ إلَى أَقْصَى حَجَرٍ بِالْيَمَنِ بِمَهْرَةَ إلَى حَدِّ الشَّامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ] لَمَّا ذَكَرَ مَا يَصِيرُ بِهِ الْحَرْبِيُّ ذِمِّيًّا شَرَعَ فِي بَيَانِ الْخَرَاجِ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ الْعُشْرَ اسْتِطْرَادًا لِأَنَّ سَبَبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هُوَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ، وَقَدَّمَهُ عَلَى الْخَرَاجِ لِكَوْنِهِ مِنْ الْوَظَائِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ. وَالْعُشْرُ بِضَمِّ الْعَيْنِ أَحَدُ أَجْزَاءِ الْعَشَرَةِ، وَالْخَرَاجُ اسْمٌ لَمَا يُخْرَجُ مِنْ غَلَّةِ الْأَرْضِ أَوْ الْغُلَامِ، ثُمَّ سُمِّيَ مَا يَأْخُذُهُ السُّلْطَانُ خَرَاجًا فَيُقَالُ أَدَّى فُلَانٌ خَرَاجَ أَرْضِهِ وَأَدَّى أَهْلُ الذِّمَّةِ خَرَاجَ رُءُوسِهِمْ: يَعْنِي الْجِزْيَةَ. وَالْعُذَيْبُ مَاءٌ لِتَمِيمٍ، وَالْحَجَرُ بِفَتْحَتَيْنِ بِمَعْنَى الصَّخْرِ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي أَمَالِي أَبِي يُوسُفَ: الصَّخْرُ مَوْضِعُ الْحَجَرِ، وَيَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ رَوَى بِسُكُونِ الْجِيمِ وَفَسَّرَهُ بِالْجَانِبِ فَقَدْ حَرَّفَ. وَمَهْرَةُ بِالْفَتْحِ وَالسُّكُونِ اسْمُ رَجُلٍ، وَقِيلَ اسْمُ قَبِيلَةٍ يُنْسَبُ إلَيْهَا الْإِبِلُ الْمَهْرِيَّةُ سُمِّيَ ذَلِكَ الْمَقَامُ بِهِ فَيَكُونُ بِمَهْرَةَ بَدَلًا مِنْ قَوْلِهِ بِالْيَمَنِ، وَهَذَا طُولُهَا، وَمِنْ يَبْرِينَ وَالدَّهْنَاءِ وَرَمْلِ عَالِجٍ أَسْمَاءُ مَوَاضِعَ إلَى مَشَارِفِ الشَّامِ: أَيْ قُرَاهَا عَرْضُهَا، وَالسَّوَادُ: أَيْ أَرَاضِي سَوَادِ الْعِرَاقِ: أَيْ قُرَاهَا سُمِّيَ بِالسَّوَادِ لِخُضْرَةِ أَشْجَارِهِ وَزُرُوعِهِ، وَحَدُّهُ عَرْضًا مِنْ الْعُذَيْبِ إلَى عُقْبَةِ حُلْوَانَ وَهُوَ اسْمُ بَلَدٍ، وَمِنْ الثَّعْلَبِيَّةِ وَهِيَ مَنَازِلُ الْبَادِيَةِ إلَى عَبَّادَانِ وَهُوَ حِصْنٌ صَغِيرٌ عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ طُولُهُ. وَقِيلَ فِي مَوْضِعٍ الثَّعْلَبِيَّةُ الْعَلْثُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ اللَّامِ، وَهِيَ قَرْيَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى

وَالسَّوَادُ أَرْضُ خَرَاجٍ، وَهُوَ مَا بَيْنَ الْعُذَيْبِ إلَى عَقَبَةِ حُلْوَانَ، وَمِنْ الثَّعْلَبِيَّةِ وَيُقَالُ مِنْ الْعَلَثِ إلَى عَبَّادَانَ) ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ لَمْ يَأْخُذُوا الْخَرَاجَ مِنْ أَرَاضِي الْعَرَبِ، وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْفَيْءِ فَلَا يَثْبُتُ فِي أَرَاضِيِهِمْ كَمَا لَا يَثْبُتُ فِي رِقَابِهِمْ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْخَرَاجِ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يُقَرَّ أَهْلُهَا عَلَى الْكُفْرِ كَمَا فِي سَوَادِ الْعِرَاقِ وَمُشْرِكُو الْعَرَبِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ، وَعُمَرُ حِينَ فَتَحَ السَّوَادَ وَضَعَ الْخَرَاجَ عَلَيْهَا بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَوَضَعَ عَلَى مِصْرَ حِينَ افْتَتَحَهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَكَذَا اجْتَمَعَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى وَضْعِ الْخَرَاجِ عَلَى الشَّامِ. قَالَ: (وَأَرْضُ السَّوَادِ مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا يَجُوزُ بَيْعُهُمْ لَهَا وَتَصَرُّفُهُمْ فِيهَا) ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ إذَا فَتَحَ أَرْضًا عَنْوَةً وَقَهْرًا لَهُ أَنْ يُقِرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا وَيَضَعَ عَلَيْهَا وَعَلَى رُءُوسِهِمْ الْخَرَاجَ فَتَبْقَى الْأَرَاضِي مَمْلُوكَةً لِأَهْلِهَا وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَبْلُ. قَالَ (: وَكُلُّ أَرْضٍ أَسْلَمَ أَهْلُهَا أَوْ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَقُسِّمَتْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ فَهِيَ أَرْضُ عُشْرٍ) ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى ابْتِدَاءِ التَّوْظِيفِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَالْعُشْرُ أَلْيَقُ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ، وَكَذَا هُوَ أَخَفُّ حَيْثُ يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْخَارِجِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَلَوِيَّةِ وَهُوَ أَوَّلُ الْعِرَاقِ شَرْقِيَّ دِجْلَةَ، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَبْلُ) يَعْنِي فِي أَوَّلِ بَابِ الْغَنَائِمِ.

(وَكُلُّ أَرْضٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً فَأُقِرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا فَهِيَ أَرْضُ خَرَاجٍ) وَكَذَا إذَا صَالَحَهُمْ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى ابْتِدَاءِ التَّوْظِيفِ عَلَى الْكَافِرِ وَالْخَرَاجُ أَلْيَقُ بِهِ، وَمَكَّةُ مَخْصُوصَةٌ مِنْ هَذَا، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَحَهَا عَنْوَةً وَتَرَكَهَا لِأَهْلِهَا، وَلَمْ يُوَظِّفْ الْخَرَاجَ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كُلُّ أَرْضٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً فَوَصَلَ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ فَهِيَ أَرْضُ خَرَاجٍ، وَمَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ وَاسْتُخْرِجَ مِنْهَا عَيْنٌ فَهِيَ أَرْضُ عُشْرٍ) ؛ لِأَنَّ الْعُشْرَ يَتَعَلَّقُ بِالْأَرْضِ النَّامِيَةِ، وَنَمَاؤُهَا بِمَائِهَا فَيُعْتَبَرُ السَّقْيُ بِمَاءِ الْعُشْرِ أَوْ بِمَاءِ الْخَرَاجِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَالْخَرَاجُ أَلْيَقُ بِهِ) يَعْنِي مِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهِ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ، وَإِنَّ فِيهِ تَغْلِيظًا لِوُجُوبِهِ وَإِنْ لَمْ يُزْرَعْ، وَالْكَافِرُ أَلْيَقُ بِالْعُقُوبَةِ وَالتَّغْلِيظِ. وَكَانَ الْقِيَاسُ «فِي أَرْضِ مَكَّةَ أَنْ تَكُونَ خَرَاجِيَّةً لِأَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً: أَيْ قَهْرًا، لَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُوَظِّفْ عَلَيْهَا الْخَرَاجَ» ، وَكَمَا لَا رِقَّ عَلَى الْعَرَبِ فَكَذَا لَا خَرَاجَ فِي أَرْضِهِمْ (قَوْلُهُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، إلَى قَوْلِهِ: فَهِيَ أَرْضُ خَرَاجٍ) يَعْنِي سَوَاءٌ قُسِمَتْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ أَوْ أُقِرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا، وَذُكِرَ لَفْظُ

قَالَ: (وَمَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا فَهِيَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مُعْتَبَرَةٌ بِحَيِّزِهَا، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَيِّزِ أَرْضِ الْخَرَاجِ) وَمَعْنَاهُ بِقُرْبِهِ (فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ) ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَيِّزِ أَرْضِ الْعُشْرِ فَهِيَ عُشْرِيَّةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِهَذِهِ الْفَائِدَةِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا فَهِيَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مُعْتَبَرَةٌ بِحَيِّزِهَا) قِيلَ هَذَا الْإِطْلَاقُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْمُحْيِي مُسْلِمًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ ذِمِّيًّا فَعَلَيْهِ الْخَرَاجُ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَيِّزِ أَرْضِ

(وَالْبَصْرَةُ عِنْدَهُ عُشْرِيَّةٌ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ) ؛ لِأَنَّ حَيِّزَ الشَّيْءِ يُعْطَى لَهُ حُكْمُهُ، كَفِنَاءِ الدَّارِ يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الدَّارِ حَتَّى يَجُوزَ لِصَاحِبِهَا الِانْتِفَاعُ بِهِ. وَكَذَا لَا يَجُوزُ أَخْذُ مَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ، وَكَانَ الْقِيَاسُ فِي الْبَصْرَةِ أَنْ تَكُونَ خَرَاجِيَّةً؛ لِأَنَّهَا مِنْ حَيِّزِ أَرْضِ الْخَرَاجِ، إلَّا أَنَّ الصَّحَابَةَ وَظَّفُوا عَلَيْهَا الْعُشْرَ فَتُرِكَ الْقِيَاسُ لِإِجْمَاعِهِمْ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ أَحْيَاهَا بِبِئْرٍ حَفَرَهَا أَوْ بِعَيْنٍ اسْتَخْرَجَهَا أَوْ مَاءِ دِجْلَةَ أَوْ الْفُرَاتِ أَوْ الْأَنْهَارِ الْعِظَامِ الَّتِي لَا يَمْلِكُهَا أَحَدٌ فَهِيَ عُشْرِيَّةٌ) وَكَذَا إنْ أَحْيَاهَا بِمَاءِ السَّمَاءِ (وَإِنْ أَحْيَاهَا بِمَاءِ الْأَنْهَارِ الَّتِي احْتَفَرَهَا الْأَعَاجِمُ) مِثْلَ نَهْرِ الْمَلِكِ وَنَهْرِ يَزْدَجْرِدْ (فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ) لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ اعْتِبَارِ الْمَاءِ إذْ هُوَ السَّبَبُ لِلنَّمَاءِ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَوْظِيفُ الْخَرَاجِ ابْتِدَاءً عَلَى الْمُسْلِمِ كَرْهًا فَيُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ الْمَاءُ؛ لِأَنَّ السَّقْيَ بِمَاءِ الْخَرَاجِ دَلَالَةُ الْتِزَامِهِ. قَالَ (: وَالْخَرَاجُ الَّذِي وَضَعَهُ عُمَرُ عَلَى أَهْلِ السَّوَادِ مِنْ كُلِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعُشْرِ، وَإِذَا كَانَ هَذَا مُقَيَّدًا بِكَوْنِهِ مُسْلِمًا وَجَبَ أَنْ يُقَيَّدَ قَوْلُهُمْ الْمُسْلِمُ لَا يُبْتَدَأُ بِتَوْظِيفِ الْخَرَاجِ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ صَنِيعٌ يَقْتَضِي ذَلِكَ وَهُوَ السَّقْيُ مِنْ مَاءِ الْخَرَاجِ، إذْ الْخَرَاجُ يَجِبُ جَبْرًا لِلْمُقَاتِلَةِ فَيَخْتَصُّ وُجُوبُ الْخَرَاجِ بِمَا يُسْقَى بِمَاءٍ حَمَتْهُ الْمُقَاتِلَةُ، وَالْمَاءُ الَّذِي حَمَتْهُ الْمُقَاتِلَةُ مَاءُ الْخَرَاجِ، فَلِهَذَا يَجِبُ الْخَرَاجُ إذَا سَقَاهُ بِمَاءِ الْخَرَاجِ، إلَى هَذَا أَشَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ (قَوْلُهُ وَالْبَصْرَةُ عِنْدَهُ عُشْرِيَّةٌ) جَوَابُ إشْكَالٍ يَرُدُّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا ذُكِرَ أَنَّ الْإِحْيَاءَ فِي حَيِّزِ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ يَجْعَلُ الْأَرْضَ خَرَاجِيَّةً، وَالْبَصْرَةُ فِي حَيِّزِ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ وَإِنْ أَحْيَا فِيهَا مُسْلِمٌ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعُشْرُ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ ذَلِكَ لَكِنْ تُرِكَ ذَلِكَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ حَيِّزَ الشَّيْءِ يُعْطِي لَهُ حُكْمَهُ) دَلِيلُ أَبِي يُوسُفَ عَلَى مَذْهَبِهِ (قَوْلُهُ كَفِنَاءِ الدَّارِ) يَعْنِي فِنَاءَ الدَّارِ يُعْطِي لَهُ حُكْمَ الدَّارِ فِي حَقِّ الِانْتِفَاعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْفِنَاءُ مَمْلُوكًا لِصَاحِبِ الدَّارِ لِاتِّصَالِهِ بِمِلْكِهِ، فَكَذَا هَاهُنَا تُعْطَى هَذِهِ الْأَرْضُ الْمُحْيَاةُ حُكْمَ جِوَارِهَا لِاتِّصَالِهَا بِهِ، وَلَا يُظَنُّ فِي إعَادَةِ قَوْلِهِ: " وَكَانَ الْقِيَاسُ فِي الْبَصْرَةِ أَنْ تَكُونَ خَرَاجِيَّةً " تَكْرَارٌ لِأَنَّ الْأَوَّلَ رِوَايَةُ الْقُدُورِيِّ وَالثَّانِي ذَكَرَهُ شَرْحًا لِذَلِكَ. وَنَهْرُ الْمَلِكِ عَلَى طَرِيقِ الْكُوفَةِ مِنْ بَغْدَادَ، وَيَزْدَجْرِدُ مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِ الْعَجَمِ (قَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا) مِنْ قَبْلُ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الْعُشْرَ يَتَعَلَّقُ بِالْأَرْضِ النَّامِيَةِ وَنَمَاؤُهَا بِمَائِهَا. قَالَ (وَالْخَرَاجُ الَّذِي وَضَعَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) اعْلَمْ أَنَّ الْخَرَاجَ عَلَى نَوْعَيْنِ: خَرَاجُ وَظِيفَةٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ فِي الذِّمَّةِ يَتَعَلَّقُ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْأَرْضِ (فِي كُلِّ

جَرِيبٍ يَبْلُغُهُ الْمَاءُ قَفِيزٌ هَاشِمِيٌّ وَهُوَ الصَّاعُ وَدِرْهَمٌ، وَمِنْ جَرِيبِ الرَّطْبَةِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَمِنْ جَرِيبِ الْكَرْمِ الْمُتَّصِلِ وَالنَّخِيلِ الْمُتَّصِلِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ) وَهَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ عُمَرَ، فَإِنَّهُ بَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ حَتَّى يَمْسَحَ سَوَادَ الْعِرَاقِ، وَجَعَلَ حُذَيْفَةَ مُشْرِفًا عَلَيْهِ، فَمَسَحَ فَبَلَغَ سِتًّا وَثَلَاثِينَ أَلْفَ أَلْفِ جَرِيبٍ وَوَضَعَ عَلَى ذَلِكَ مَا قُلْنَا، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ إجْمَاعًا مِنْهُمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQجَرِيبٍ) وَهُوَ أَرْضٌ طُولُهَا سِتُّونَ ذِرَاعًا وَعَرْضُهَا سِتُّونَ بِذِرَاعِ الْمَلِكِ كِسْرَى وَهُوَ يَزِيدُ عَلَى ذِرَاعِ الْعَامَّةِ بِقَبْضَةٍ (قَفِيزٌ هَاشِمِيٌّ وَهُوَ الصَّاعُ) مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ عَلَى مَا قَالَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي فَتْوَاهُ أَوْ مِمَّا يُزْرَعُ فِيهَا عَلَى مَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ (وَدِرْهَمٌ)

وَلِأَنَّ الْمُؤَنَ مُتَفَاوِتَةٌ فَالْكَرْمُ أَخَفُّهَا مُؤْنَةً وَالْمَزَارِعَ أَكْثَرُهَا مُؤْنَةً وَالرُّطَبُ بَيْنَهُمَا، وَالْوَظِيفَةُ تَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِهَا فَجُعِلَ الْوَاجِبُ فِي الْكَرْمِ أَعْلَاهَا وَفِي الزَّرْعِ أَدْنَاهَا وَفِي الرُّطَبَةِ أَوْسَطَهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَالْكَرْمُ أَخَفُّهَا) يَعْنِي وَأَكْثَرُهَا رِيعًا لِأَنَّهُ يَبْقَى عَلَى الْأَبَدِ بِلَا مُؤْنَةٍ (وَالْمَزَارِعُ أَكْثَرُهَا مُؤْنَةً) لِاحْتِيَاجِهَا إلَى الزِّرَاعَةِ وَإِلْقَاءُ الْبَذْرِ فِي كُلِّ عَامٍ (وَالرُّطَبُ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّهَا تَبْقَى أَعْوَامًا وَلَا تَدُومُ دَوَامَ الْكُرُومِ فَكَانَتْ مُؤْنَتُهَا فَوْقَ مُؤْنَةِ الْكُرُومِ وَدُونَ مُؤْنَةِ الْمَزَارِعِ. وَخَرَاجُ مُقَاسَمَةٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ شَيْئًا مِنْ الْخَارِجِ كَالْخُمُسِ وَالسُّدُسِ

قَالَ: (وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَصْنَافِ كَالزَّعْفَرَانِ وَالْبُسْتَانِ وَغَيْرِهِ يُوضَعُ عَلَيْهَا بِحَسَبِ الطَّاقَةِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَوْظِيفُ عُمَرَ وَقَدْ اعْتَبَرَ الطَّاقَةَ فِي ذَلِكَ فَنَعْتَبِرُهَا فِيمَا لَا تَوْظِيفَ فِيهِ. قَالُوا: وَنِهَايَةُ الطَّاقَةِ أَنْ يَبْلُغَ الْوَاجِبُ نِصْفَ الْخَارِجِ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّنْصِيفَ عَيْنُ الْإِنْصَافِ لِمَا كَانَ لَنَا أَنْ نُقَسِّمَ الْكُلَّ بَيْنَ الْغَانِمِينَ. وَالْبُسْتَانُ كُلُّ أَرْضٍ يَحُوطُهَا حَائِطٌ وَفِيهَا نَخِيلٌ مُتَفَرِّقَةٌ وَأَشْجَارٌ أُخَرُ، وَفِي دِيَارِنَا وَظَّفُوا مِنْ الدَّرَاهِمِ فِي الْأَرَاضِي كُلِّهَا وَتُرِكَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ. قَالَ (فَإِنْ لَمْ تُطِقْ مَا وُضِعَ عَلَيْهَا نَقَصَهُمْ الْإِمَامُ) وَالنُّقْصَانُ عِنْدَ قِلَّةِ الرِّيعِ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ عُمَرَ: لَعَلَّكُمَا حَمَّلْتُمَا الْأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ، فَقَالَا: لَا بَلْ حَمَّلْنَاهَا مَا تُطِيقُ، وَلَوْ زِدْنَا لَأَطَاقَتْ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ النُّقْصَانِ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عِنْدَ زِيَادَةِ الرِّيعِ يَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ اعْتِبَارًا بِالنُّقْصَانِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ عُمَرَ لَمْ يَزِدْ حِينَ أُخْبِرَ بِزِيَادَةِ الطَّاقَةِ، (وَإِنْ غَلَبَ عَلَى أَرْضِ الْخَرَاجِ الْمَاءُ أَوْ انْقَطَعَ الْمَاءُ عَنْهَا أَوْ اصْطَلَمَ الزَّرْعَ آفَةٌ فَلَا خَرَاجَ عَلَيْهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَنَحْوِ ذَلِكَ (لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَوْظِيفُ عُمَرَ) فَنَعْتَبِرُ فِيهِ الطَّاقَةَ كَمَا اعْتَبَرَهَا فِي الْمُوَظَّفِ، وَمِنْ الْإِنْصَافِ أَنْ لَا يُزَادَ عَلَى النِّصْفِ (قَوْلُهُ وَالْبُسْتَانُ كُلُّ أَرْضٍ يَحُوطُهَا حَائِطٌ) ظَاهِرٌ (وَإِنْ غَلَبَ عَلَى أَرْضِ الْخَرَاجِ الْمَاءُ أَوْ انْقَطَعَ عَنْهَا فَلَا خَرَاجَ عَلَيْهِ) بِالِاتِّفَاقِ

لِأَنَّهُ فَاتَ التَّمَكُّنُ مِنْ الزِّرَاعَةِ، وَهُوَ النَّمَاءُ التَّقْدِيرِيُّ الْمُعْتَبَرُ فِي الْخَرَاجِ، وَفِيمَا إذَا اصْطَلَمَ الزَّرْعَ آفَةٌ فَاتَ النَّمَاءُ التَّقْدِيرِيُّ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ وَكَوْنُهُ نَامِيًا فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ شَرْطٌ كَمَا فِي مَالِ الزَّكَاةِ أَوْ يُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى الْحَقِيقَةِ عِنْدَ خُرُوجِ الْخَارِجِ. قَالَ (وَإِنْ عَطَّلَهَا صَاحِبُهَا فَعَلَيْهِ الْخَرَاجُ) ؛ لِأَنَّ التَّمَكُّنَ كَانَ ثَابِتًا وَهُوَ الَّذِي فَوَّتَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ فَاتَ التَّمَكُّنُ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَهُوَ النَّمَاءُ التَّقْدِيرِيُّ الْمُعْتَبَرُ فِي الْخَرَاجِ، وَفِيمَا إذَا اصْطَلَمَ الزَّرْعَ آفَةٌ) أَيْ اسْتَأْصَلَهُ حَرٌّ شَدِيدٌ أَوْ بَرْدٌ شَدِيدٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَلَا خَرَاجَ أَيْضًا (لِأَنَّهُ فَاتَ النَّمَاءُ التَّقْدِيرِيُّ) الَّذِي أُقِيمَ مَقَامَ النَّمَاءِ الْحَقِيقِيِّ (فِي بَعْضِ الْحَوْلِ وَكَوْنُهُ نَامِيًا فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ شَرْطٌ كَمَا فِي مَالِ الزَّكَاةِ) فَإِنَّ مَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً لِلتِّجَارَةِ فَمَضَى عَلَيْهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ ثُمَّ نَوَاهَا لِلْخِدْمَةِ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ لِأَنَّهَا لَمْ تَبْقَ نَامِيَةً فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ (أَوْ) يُقَالُ (يُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى الْحَقِيقَةِ عِنْدَ خُرُوجِ الْخَارِجِ) يَعْنِي أَنَّ النَّمَاءَ التَّقْدِيرِيَّ كَانَ قَائِمًا مَقَامَ الْحَقِيقِيِّ، فَلَمَّا وُجِدَ الْحَقِيقِيُّ تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهِ لِكَوْنِهِ الْأَصْلَ وَقَدْ هَلَكَ فَيَهْلَكُ مَعَهُ الْخَرَاجُ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ فَاصْطَلَمَ الزَّرْعَ آفَةٌ لَمْ تَسْقُطْ الْأُجْرَةُ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَرَاجِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَجْرَ يَجِبُ إلَى وَقْتِ هَلَاكِ الزَّرْعِ لَا بَعْدَهُ، وَلَيْسَ الْأَجْرُ كَالْخَرَاجِ لِأَنَّهُ وُضِعَ عَلَى مِقْدَارِ الْخَارِجِ إذَا صَلُحَتْ الْأَرْضُ لِلزِّرَاعَةِ، فَإِذَا لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ جَازَ إسْقَاطُهُ وَالْأَجْرُ لَمْ يُوضَعْ عَلَى مِقْدَارِ الْخَارِجِ فَجَازَ إيجَابُهُ وَإِنْ لَمْ تُخْرِجْ. ثُمَّ قَالَ مَشَايِخُنَا: مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْخَرَاجَ يَسْقُطُ بِالِاصْطِلَامِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ السَّنَةِ مِقْدَارُ مَا يُمْكِنُ أَنْ تُزْرَعَ الْأَرْضُ ثَانِيًا، أَمَّا إذَا بَقِيَ فَلَا يَسْقُطُ الْخَرَاجُ. قَالَ (وَإِنْ عَطَّلَهَا صَاحِبُهَا فَعَلَيْهِ الْخَرَاجُ) إذَا عَطَّلَ الْأَرْضَ الْخَرَاجِيَّةَ صَاحِبُهَا فَعَلَيْهِ الْخَرَاجُ لِأَنَّ التَّمَكُّنَ كَانَ ثَابِتًا وَهُوَ الَّذِي فَوَّتَهُ. قِيلَ هَذَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ وَالْمَالِكُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَعَطَّلَهَا، أَمَّا إذَا عَجَزَ الْمَالِكُ عَنْ الزِّرَاعَةِ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ قُوَّتِهِ وَأَسْبَابِهِ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ مُزَارَعَةً وَيَأْخُذَ الْخَرَاجَ مِنْ نَصِيبِ الْمَالِكِ وَيُمْسِكَ الْبَاقِيَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ آجَرَهَا وَأَخَذَ ذَلِكَ مِنْ الْأُجْرَةِ، وَإِنْ شَاءَ

قَالُوا: مَنْ انْتَقِلْ إلَى أَخَسِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ خَرَاجُ الْأَعْلَى؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي ضَيَّعَ الزِّيَادَةَ، وَهَذَا يُعْرَفُ وَلَا يُفْتَى بِهِ كَيْ لَا يَتَجَرَّأَ الظَّلَمَةُ عَلَى أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ. (وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْخَرَاجِ أُخِذَ مِنْهُ الْخَرَاجُ عَلَى حَالِهِ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ فَيُعْتَبَرُ مُؤْنَةً فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ فَأَمْكَنَ إبْقَاؤُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ (وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمُسْلِمُ أَرْضَ الْخَرَاجِ مِنْ الذِّمِّيِّ وَيُؤْخَذَ مِنْهُ الْخَرَاجُ لِمَا قُلْنَا) ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الصَّحَابَةَ اشْتَرَوْا أَرَاضِيَ الْخَرَاجِ وَكَانُوا يُؤَدُّونَ خَرَاجَهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQزَرَعَهَا بِنَفَقَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَقْبَلُ ذَلِكَ بَاعَهَا وَأَخَذَ الْخَرَاجَ مِنْ ثَمَنِهَا، وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَوْعُ حَجْرٍ وَهُوَ ضَرَرٌ وَلَكِنَّهُ إلْحَاقُ ضَرَرٍ بِوَاحِدٍ لِلْعَامَّةِ (قَوْلُهُ قَالُوا) يَعْنِي الْمَشَايِخَ (مَنْ انْتَقَلَ إلَى أَخَسِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ) بِأَنْ كَانَتْ الْأَرْضُ صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ لِلْأَعْلَى وَهُوَ الزَّعْفَرَانُ مَثَلًا فَزَرَعَ الشَّعِيرَ مَثَلًا (وَجَبَ خَرَاجُ الزَّعْفَرَانِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي ضَيَّعَ الزِّيَادَةَ، وَهَذَا يُعْرَفُ وَلَا يُفْتَى بِهِ كَيْ لَا يَتَجَرَّأَ الظَّلَمَةُ عَلَى أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ) وَرُدَّ بِأَنَّهُ كَيْفَ يَجُوزُ الْكِتْمَانُ وَأَنَّهُمْ لَوْ أَخَذُوا كَانَ فِي مَوْضِعِهِ لِكَوْنِهِ وَاجِبًا، وَأُجِيبَ بِأَنَّا لَوْ أَفْتَيْنَا بِذَلِكَ لَادَّعَى كُلُّ ظَالِمٍ فِي أَرْضٍ لَيْسَ شَأْنُهَا ذَلِكَ أَنَّهَا قَبْلَ هَذَا كَانَتْ تُزْرَعُ الزَّعْفَرَانَ فَيَأْخُذُ خَرَاجَ ذَلِكَ وَهُوَ ظُلْمٌ وَعُدْوَانٌ. (قَوْلُهُ وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْخَرَاجِ) ظَاهِرٌ.

فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ الشِّرَاءِ وَأَخْذِ الْخَرَاجِ وَأَدَائِهِ لِلْمُسْلِمِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ (وَلَا عُشْرَ فِي الْخَارِجِ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ مُخْتَلِفَانِ وَجَبَا فِي مَحِلَّيْنِ بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَلَا يَتَنَافَيَانِ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَجْتَمِعُ عُشْرٌ وَخَرَاجٌ فِي أَرْضِ مُسْلِمٍ» ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ) احْتِرَازٌ عَمَّا يَقُولُهُ الْمُتَقَشِّفَةُ وَهْم طَائِفَةٌ مِنْ الصُّوفِيَّةِ إنَّهُ مَكْرُوهٌ، لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى شَيْئًا مِنْ آلَاتِ الْحِرَاثَةِ فَقَالَ: مَا دَخَلَ هَذَا بَيْتَ قَوْمٍ إلَّا ذَلُّوا» ظَنُّوا أَنَّ الْمُرَادَ بِالذُّلِّ الْتِزَامُ الْخَرَاجِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إذَا اشْتَغَلُوا بِالزِّرَاعَةِ وَاتَّبَعُوا أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَقَعَدُوا عَنْ الْجِهَادِ كَرَّ عَلَيْهِمْ عَدُوُّهُمْ وَجَعَلَهُمْ أَذِلَّةً، وَلِأَنَّ الصَّغَارَ إنْ كَانَ قَائِمًا يَكُونُ فِي الْوَضْعِ ابْتِدَاءً وَأَمَّا بَقَاءً فَلَا، بِخِلَافِ خَرَاجِ الرُّءُوسِ فَإِنَّهُ ذُلٌّ وَصَغَارٌ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً فَلِذَلِكَ لَا يَبْقَى بَعْدَ الْإِسْلَامِ. (قَوْلُهُ وَجَبَا فِي مَحَلَّيْنِ بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ) يَعْنِي وَلِمَصْرِفَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، أَمَّا اخْتِلَافُ الْمَحَلِّ فَلِأَنَّ الْخَرَاجَ فِي ذِمَّةِ الْمَالِكِ وَالْعُشْرَ فِي الْخَارِجِ، وَأَمَّا اخْتِلَافُ السَّبَبِ فَلِأَنَّ سَبَبَ الْخَرَاجِ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ تَقْدِيرًا، وَسَبَبُ الْعُشْرِ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ تَحْقِيقًا. وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْمَصْرِفِ فَإِنَّ مَصْرِفَ الْخَرَاجِ الْمُقَاتِلَةُ وَمَصْرِفَ الْعُشْرِ الْفُقَرَاءُ (فَلَا يَتَنَافَيَانِ) لِأَنَّ التَّنَافِيَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِاتِّحَادِ الْمَحَلِّ (وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَجْتَمِعُ عُشْرٌ وَخَرَاجٌ فِي أَرْضِ مُسْلِمٍ» ) رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَلِأَنَّ أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ الْعَدْلِ وَالْجَوْرِ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا، وَكَفَى بِإِجْمَاعِهِمْ حُجَّةً؛ وَلِأَنَّ الْخَرَاجَ يَجِبُ فِي أَرْضٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً قَهْرًا، وَالْعُشْرُ فِي أَرْضٍ أَسْلَمَ أَهْلُهَا طَوْعًا، وَالْوَصْفَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ، وَسَبَبُ الْحَقَّيْنِ وَاحِدٌ وَهُوَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ إلَّا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْعُشْرِ تَحْقِيقًا وَفِي الْخَرَاجِ تَقْدِيرًا، وَلِهَذَا يُضَافَانِ إلَى الْأَرْضِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَالْوَصْفَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ) لِأَنَّ الطَّوْعَ ضِدُّ الْكُرْهِ الْحَاصِلِ مِنْ الْقَهْرِ، وَإِذَا لَمْ يَجْتَمِعْ السَّبَبَانِ لَمْ يَثْبُتْ الْحُكْمَانِ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا يُضَافَانِ إلَى الْأَرْضِ) يُقَالُ عُشْرُ الْأَرْضِ وَخَرَاجُ الْأَرْضِ.

[باب الجزية]

وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الزَّكَاةُ مَعَ أَحَدِهِمَا. (وَلَا يَتَكَرَّرُ الْخَرَاجُ بِتَكَرُّرِ الْخَارِجِ فِي سَنَةٍ) ؛ لِأَنَّ عُمَرَ لَمْ يُوَظِّفْهُ مُكَرَّرًا، بِخِلَافِ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ عُشْرًا إلَّا بِوُجُوبِهِ فِي كُلِّ خَارِجٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْجِزْيَةِ] ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الزَّكَاةُ مَعَ أَحَدِهِمَا) أَيْ الْعُشْرُ أَوْ الْخَرَاجُ. صُورَتُهُ: رَجُلٌ اشْتَرَى أَرْضَ عُشْرٍ أَوْ خَرَاجٍ لِلتِّجَارَةِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ زَكَاةُ التِّجَارَةِ مَعَ الْعُشْرِ أَوْ الْخَرَاجِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَنَّ عَلَيْهِ زَكَاةَ التِّجَارَةِ مَعَ الْعُشْرِ أَوْ الْخَرَاجِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَمَفْرَعُهُمَا تَوَهُّمُ اخْتِلَافِ الْمَحَلَّيْنِ أَنَّ مَحَلَّ الْعُشْرِ الْخَارِجُ وَمَحَلَّ الزَّكَاةِ عَيْنُ مَالِ التِّجَارَةِ وَهُوَ الْأَرْضُ فَلَمْ يَجْتَمِعَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، فَوُجُوبُ أَحَدِهِمَا لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْآخَرِ كَالدَّيْنِ مَعَ الْعُشْرِ. وَلَنَا أَنَّ الْمَحَلَّ وَاحِدٌ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُؤْنَةُ الْأَرْضِ النَّامِيَةِ، وَكَذَلِكَ الزَّكَاةُ وَظِيفَةُ الْمَالِ النَّامِي وَهُوَ الْأَرْضُ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجِبُ بِسَبَبِ مِلْكِ مَالٍ وَاحِدٍ حَقَّانِ لِلَّهِ تَعَالَى، كَمَا لَا تَجِبُ زَكَاةُ السَّائِمَةِ وَزَكَاةُ التِّجَارَةِ بِاعْتِبَارِ مَالٍ وَاحِدٍ. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا. قُلْنَا الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ صَارَا وَظِيفَتَيْنِ لَازِمَتَيْنِ لِهَذِهِ الْأَرْضِ فَلَا يَسْقُطَانِ بِإِسْقَاطِ الْمَالِكِ وَهُوَ أَسْبَقُ ثُبُوتًا مِنْ زَكَاةِ التِّجَارَةِ الَّتِي كَانَ وُجُوبُهَا بِنِيَّةٍ فَلِهَذَا بَقِيَتْ عُشْرِيَّةً وَخَرَاجِيَّةً كَمَا كَانَتْ وَبِقَوْلِهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ وُجُوبِ الدَّيْنِ مَعَ الْعُشْرِ، فَإِنَّ الدَّيْنَ يَجِبُ لِلْعَبْدِ وَالْعُشْرَ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا فَيَجِبَانِ وَإِنْ كَانَا بِسَبَبِ مِلْكٍ وَاحِدٍ، وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ. بَابُ الْجِزْيَةِ: لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ خَرَاجِ الْأَرَاضِي ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ خَرَاجَ الرُّءُوسِ وَهُوَ الْجِزْيَةُ، إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ الْأَوَّلَ لِأَنَّ

(وَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: جِزْيَةٌ تُوضَعُ بِالتَّرَاضِي وَالصُّلْحِ فَتَتَقَدَّرُ بِحَسَبِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقُ) كَمَا «صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ نَجْرَانَ عَلَى أَلْفٍ وَمِائَتَيْ حُلَّةٍ» ، وَلِأَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ التَّرَاضِي فَلَا يَجُوزُ التَّعَدِّي إلَى غَيْرِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعُشْرَ يُشَارِكُهُ فِي سَبَبِهِ، وَفِي الْعُشْرِ مَعْنَى الْقُرْبَةِ وَبَيَانُ الْقُرُبَاتِ مُقَدَّمٌ. وَالْجِزْيَةُ اسْمٌ لِمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْجَمْعُ الْجِزَى كَاللِّحْيَةِ وَاللِّحَى، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ بِهَا لِأَنَّهَا تُجْزِي عَنْ الذِّمِّيِّ: أَيْ تَقْضِي وَتَكْفِي عَنْ الْقَتْلِ، فَإِنَّهُ إذَا قَبِلَهَا سَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: 29] إلَى قَوْلِهِ {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] فَإِنْ قِيلَ الْكُفْرُ مَعْصِيَةٌ وَهُوَ أَعْظَمُ الْكَبَائِرِ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَخْذُ الْبَدَلِ عَلَى تَقْرِيرِهِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْجِزْيَةَ لَمْ تَكُنْ بَدَلًا عَنْ تَقْرِيرِ الْكُفْرِ، وَإِنَّمَا هِيَ عِوَضٌ عَنْ تَرْكِ الْقَتْلِ وَالِاسْتِرْقَاقِ الْوَاجِبَيْنِ فَجَازَ كَإِسْقَاطِ الْقِصَاصِ بِعِوَضٍ، أَوْ هِيَ عُقُوبَةٌ عَلَى الْكُفْرِ فَيَجُوزُ كَالِاسْتِرْقَاقِ (قَوْلُهُ وَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ) ظَاهِرٌ. وَنَجْرَانُ بِلَادٌ وَأَهْلُهَا نَصَارَى، وَالْحُلَّةُ إزَارٌ وَرِدَاءٌ هُوَ الْمُخْتَارُ، وَلَا تُسَمَّى حُلَّةً حَتَّى تَكُونَ ثَوْبَيْنِ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ التَّرَاضِي) أَيْ الْمُوجِبُ لِتَقْرِيرِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقُ مِنْ الْمَالِ هُوَ التَّرَاضِي لَا الْمُوجِبُ لِوُجُوبِ الْجِزْيَةِ، فَإِنَّ مُوجِبَهُ فِي الْأَصْلِ

(وَجِزْيَةٌ يَبْتَدِئُ الْإِمَامُ وَضْعَهَا إذَا غَلَبَ الْإِمَامُ عَلَى الْكُفَّارِ، وَأَقَرَّهُمْ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ، فَيَضَعُ عَلَى الْغَنِيِّ الظَّاهِرِ الْغِنَى فِي كُلِّ سَنَةٍ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا يَأْخُذُ مِنْهُمْ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ. وَعَلَى وَسَطِ الْحَالِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا فِي كُلِّ شَهْرٍ دِرْهَمَيْنِ، وَعَلَى الْفَقِيرِ الْمُعْتَمِلِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا فِي كُلِّ شَهْرٍ دِرْهَمًا) وَهَذَا عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَضَعُ عَلَى كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ مَا يَعْدِلُ الدِّينَارَ، وَالْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمُعَاذٍ خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ وَحَالِمَةٍ دِينَارًا ـــــــــــــــــــــــــــــQاخْتِيَارُهُمْ الْبَقَاءَ عَلَى الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ غَلَبُوا. وَقَوْلُهُ (فَيَضَعُ عَلَى الْغَنِيِّ الظَّاهِرِ الْغِنَى) قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: مَنْ مَلَكَ مَا دُونَ الْمِائَتَيْنِ أَوْ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا لَكِنَّهُ مُعْتَمِلٌ فَعَلَيْهِ اثْنَا عَشَرَ، وَمَنْ مَلَكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا إلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَهُوَ مُعْتَمِلٌ أَيْضًا فَعَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا، وَمَنْ مَلَكَ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا إلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ وَهُوَ مُعْتَمِلٌ أَيْضًا فَعَلَيْهِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ. ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا شَرْطُ الْمُعْتَمِلِ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ عُقُوبَةٌ فَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ حَتَّى لَا يَلْزَمَ الزَّمِنَ مِنْهُمْ جِزْيَةٌ وَإِنْ كَانَ مُفْرِطًا فِي الْيَسَارِ. قَالَ: وَالْمُعْتَمِلُ هُوَ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ حِرْفَةً. وَكَانَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ يَقُولُ: يُنْظَرُ إلَى عَادَةِ كُلِّ بَلَدٍ لِأَنَّ عَادَةَ الْبُلْدَانِ مُخْتَلِفَةٌ فِي الْغِنَى، أَلَا تَرَى أَنَّ صَاحِبَ خَمْسِينَ أَلْفًا بِبَلْخٍ يُعَدُّ مِنْ الْمُكْثِرِينَ وَإِنْ كَانَ بِبَغْدَادَ أَوْ بِالْبَصْرَةِ لَا يُعَدُّ مِنْ الْمُكْثِرِينَ، وَفِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ صَاحِبُ عَشَرَةِ آلَافٍ يُعَدُّ مِنْ الْمُكْثِرِينَ، فَيَعْتَبِرُ عَادَةُ كُلِّ بَلَدٍ وَذُكِرَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ أَبِي نَصْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ

أَوْ عِدْلَهُ مَعَافِرَ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ. وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ الْقَتْلِ حَتَّى لَا تَجِبَ عَلَى مَنْ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ بِسَبَبِ الْكُفْرِ كَالذَّرَارِيِّ وَالنِّسْوَانِ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَنْتَظِمُ الْفَقِيرَ وَالْغَنِيَّ. وَمَذْهَبُنَا مَنْقُولٌ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ؛ وَلِأَنَّهُ وَجَبَ نُصْرَةً لِلْمُقَاتِلَةِ فَتَجِبُ عَلَى التَّفَاوُتِ بِمَنْزِلَةِ خَرَاجِ الْأَرْضِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مِنْ كُلِّ حَالِمٍ وَحَالِمَةٍ» مَعْنَاهُ بَالِغٌ وَبَالِغَةٌ (أَوْ عِدْلَهُ مَعَافِرَ) أَيْ أَوْ خُذْ مِثْلَ دِينَارٍ بُرْدًا مِنْ هَذَا الْجِنْسِ يُقَالُ ثَوْبٌ مَعَافِرِيٌّ مَنْسُوبٌ إلَى مَعَافِرِ بْنِ مُرٍّ ثُمَّ صَارَ لَهُ اسْمًا بِغَيْرِ نِسْبَةٍ. وَذُكِرَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ مَعَافِرٌ حَيٌّ مِنْ هَمْدَانَ يُنْسَبُ إلَيْهِ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الثِّيَابِ وَعَدْلُ الشَّيْءِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ مِثْلُهُ إذَا كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ وَبِالْكَسْرِ مِثْلُهُ مِنْ جِنْسِهِ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ وَجَبَ نُصْرَةً لِلْمُقَاتِلَةِ) وَكُلُّ مَا وَجَبَ نُصْرَةً لِلْمُقَاتِلَةِ وَجَبَ مُتَفَاوِتًا (كَمَا فِي خَرَاجِ الْأَرْضِ)

وَهَذَا لِأَنَّهُ وَجَبَ بَدَلًا عَنْ النُّصْرَةِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ وَذَلِكَ يَتَفَاوَتُ بِكَثْرَةِ الْوَفْرِ وَقِلَّتِهِ، فَكَذَا أُجْرَتُهُ هُوَ بَدَلُهُ، وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ صُلْحًا، وَلِهَذَا أَمَرَهُ بِالْأَخْذِ مِنْ الْحَالِمَةِ وَإِنْ كَانَتْ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا الْجِزْيَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَهَذَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَلِأَنَّهُ وَجَبَ نُصْرَةً لِلْمُقَاتِلَةِ: يَعْنِي وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الْجِزْيَةَ وَجَبَتْ نُصْرَةً لِلْمُقَاتِلَةِ لِأَنَّهَا تَجِبُ بَدَلًا عَنْ النُّصْرَةِ لِلْمُسْلِمِينَ بِبَذْلِ النَّفْسِ وَالْمَالِ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ تَجِبُ عَلَيْهِ النُّصْرَةُ لِلدَّارِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الصف: 10] {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الصف: 11] لَكِنَّ الْكَافِرَ لَمَّا لَمْ يَصْلُحْ لِنُصْرَتِنَا لِمَيْلِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ اعْتِقَادًا قَامَ الْخَرَاجُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ الْمَصْرُوفُ إلَى الْغُزَاةِ مَقَامَ النُّصْرَةِ بِالنَّفْسِ، ثُمَّ النُّصْرَةُ مِنْ الْمُسْلِمِ تَتَفَاوَتُ إذْ الْفَقِيرُ يَنْصُرُ دَارَنَا رَاجِلًا، وَمُتَوَسِّطُ الْحَالِ يَنْصُرُهَا رَاكِبًا وَرَاجِلًا وَالْمُوسِرُ بِالرُّكُوبِ بِنَفْسِهِ وَإِرْكَابِ غَيْرِهِ. ثُمَّ الْأَصْلُ لَمَّا كَانَ مُتَفَاوِتًا تَفَاوَتَ الْخَرَاجُ الَّذِي قَامَ مَقَامَهُ. فَإِنْ قِيلَ: النُّصْرَةُ طَاعَةُ اللَّهِ وَهَذِهِ عُقُوبَةٌ فَكَيْفَ تَكُونُ الْعُقُوبَةُ خَلَفًا عَنْ الطَّاعَةِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْخَلِيفَةَ عَنْ النُّصْرَةِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْقُوَّةِ لِلْمُسْلِمِينَ وَهُمْ يُثَابُونَ عَلَى تِلْكَ الزِّيَادَةِ الْحَاصِلَةِ بِسَبَبِ أَمْوَالِهِمْ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَعَارُوا دَوَابَّهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ (وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ صُلْحًا) وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ أُمِرَ بِالْأَخْذِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْجِزْيَةُ لَا تَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ.

قَالَ (وَتُوضَعُ الْجِزْيَةُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوس) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29] الْآيَةَ، «وَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجِزْيَةَ عَلَى الْمَجُوسِ» . قَالَ: (وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَجَمِ) وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ. هُوَ يَقُولُ: إنَّ الْقِتَالَ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَاتِلُوهُمْ} [البقرة: 193] إلَّا أَنَّا عَرَفْنَا جَوَازَ تَرْكِهِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ وَفِي حَقِّ الْمَجُوسِ بِالْخَبَرِ فَبَقِيَ مَنْ وَرَاءَهُمْ عَلَى الْأَصْلِ. وَلَنَا أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ فَيَجُوزُ ضَرْبُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَشْتَمِلُ عَلَى سَلْبِ النَّفْسِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ يَكْتَسِبُ وَيُؤَدِّي إلَى الْمُسْلِمِينَ وَنَفَقَتُهُ فِي كَسْبِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَتُوضَعُ الْجِزْيَةُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ) سَوَاءٌ كَانُوا مِنْ الْعَرَبِ أَوْ مِنْ الْعَجَمِ (لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29] وَعَلَى الْمَجُوسِ لِأَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضَعَ الْجِزْيَةَ عَلَى الْمَجُوسِ» رَوَى الْبُخَارِيُّ «أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَكُنْ يَأْخُذُ الْجِزْيَةَ مِنْ الْمَجُوسِ حَتَّى شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ» وَهَجَرُ اسْمُ بَلَدٍ فِي الْبَحْرَيْنِ (وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَجَمِ) وَهُوَ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ مِنْ الْعَجَمِ احْتِرَازًا عَنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ فَإِنَّهُ لَا تُوضَعُ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةُ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ (وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ (وَلَنَا أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ) وَكُلُّ مَنْ يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ يَجُوزُ ضَرْبُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ (لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَشْتَمِلُ عَلَى سَلْبِ النَّفْسِ مِنْهُمْ) أَمَّا الِاسْتِرْقَاقُ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ نَفْعَ الرَّقِيقِ يَعُودُ إلَيْنَا جُمْلَةً، وَأَمَّا الْجِزْيَةُ فَلِأَنَّ الْكَافِرَ يُؤَدِّيهَا مِنْ كَسْبِهِ، وَالْحَالُ أَنَّ نَفَقَتَهُ فِي كَسْبِهِ فَكَانَ إذًا كَسْبُهُ الَّذِي هُوَ سَبَبُ حَيَاتِهِ إلَى الْمُسْلِمِينَ دَارَّةً رَاتِبَةً فِي مَعْنَى أَخْذِ النَّفْسِ مِنْهُ حُكْمًا. وَنُوقِضَ بِأَنَّ مَنْ جَازَ اسْتِرْقَاقُهُ

(وَإِنْ ظُهِرَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ وَصِبْيَانُهُمْ فَيْءٌ) ؛ لِجَوَازِ اسْتِرْقَاقِهِمْ (وَلَا تُوضَعُ عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ وَلَا الْمُرْتَدِّينَ) لِأَنَّ كُفْرَهُمَا قَدْ تَغَلُّظَ، أَمَّا مُشْرِكُو الْعَرَبِ فَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَشَأَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَالْقُرْآنُ نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ فَالْمُعْجِزَةُ فِي حَقِّهِمْ أَظْهَرُ. وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ؛ فَلِأَنَّهُ كَفَرَ بِرَبِّهِ بَعْدَمَا هُدِيَ لِلْإِسْلَامِ وَوَقَفَ عَلَى مَحَاسِنِهِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ زِيَادَةً فِي الْعُقُوبَةِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُسْتَرَقُّ مُشْرِكُو الْعَرَبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَوْ جَازَ ضَرْبُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ لَجَازَ ضَرْبُهَا عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لِمَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْجِزْيَةَ بَدَلُ النُّصْرَةِ وَلَا نُصْرَةَ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ فَكَذَا بَدَلُهُ، وَهَذَا لَيْسَ بِدَافِعٍ بَلْ هُوَ مُقَرِّرٌ لِلنَّقْضِ. وَالصَّوَابُ أَنَّ قَبُولَ الْمَحَلِّ شَرْطُ تَأْثِيرِ الْمُؤَثِّرِ فَكَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَكُلُّ مَنْ يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ يَجُوزُ ضَرْبُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ إذَا كَانَ الْمَحَلُّ قَابِلًا، وَالْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ لَيْسَا كَذَلِكَ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ إنَّمَا تَكُونُ مِنْ الْكَسْبِ وَهُمَا عَاجِزَانِ عَنْهُ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسِ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَجَمِ (قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ قَبْلَ وَضْعِ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ (فَهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ وَصِبْيَانُهُمْ فَيْءٌ) أَيْ غَنِيمَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ لِجَوَازِ اسْتِرْقَاقِهِمْ (وَلَا تُوضَعُ عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ وَلَا الْمُرْتَدِّينَ لِأَنَّ كُفْرَهُمَا قَدْ تَغَلُّظَ) عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَكُلُّ مَنْ تَغَلُّظَ كُفْرُهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا السَّيْفُ أَوْ الْإِسْلَامُ. (زِيَادَةً فِي الْعُقُوبَةِ) عَلَيْهِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا مَنْقُوضٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ تَغَلُّظَ كُفْرُهُمْ، فَإِنَّهُمْ عَرَفُوا النَّبِيَّ مَعْرِفَةً تَامَّةً مُمَيِّزَةً مُشَخِّصَةً وَمَعَ ذَلِكَ أَنْكَرُوهُ وَغَيَّرُوا اسْمَهُ وَنَعْتَهُ مِنْ الْكُتُبِ وَقَدْ قَبِلَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ. وَأَيْضًا الْفَصْلُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ بِجَوَازِ اسْتِرْقَاقِهِمْ دُونَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أَوْطَاسٍ «لَوْ جَرَى رِقٌّ عَلَى عَرَبِيٍّ لَجَرَى الْيَوْمَ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَأَهْلِ الْكِتَابِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْقِيَاسَ كَانَ يَقْتَضِي أَنْ لَا تُقْبَلَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ إلَّا أَنَّهُ تُرِكَ بِالْكِتَابِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: 29] الْآيَةَ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ مُرَادَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَرَبِيُّ الْأَصْلِ، وَأَهْلُ الْكِتَابِ وَإِنْ سَكَنُوا فِيمَا بَيْنَ الْعَرَبِ

وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا (وَإِذَا ظُهِرَ عَلَيْهِمْ فَنِسَاؤُهُمْ وَصِبْيَانُهُمْ فَيْءٌ) لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَرَقَّ نِسْوَانَ بَنِي حَنِيفَةَ وَصِبْيَانِهِمْ لَمَّا ارْتَدُّوا وَقَسَّمَهُمْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ (وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ مِنْ رِجَالِهِمْ قُتِلَ) لِمَا ذَكَرْنَا. (وَلَا جِزْيَةَ عَلَى امْرَأَةٍ وَلَا صَبِيٍّ) لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ الْقَتْلِ أَوْ عَنْ الْقِتَالِ وَهُمَا لَا يُقْتَلَانِ وَلَا يُقَاتِلَانِ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ. قَالَ (وَلَا زَمِنٍ وَلَا أَعْمَى) وَكَذَا الْمَفْلُوجُ وَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَوَالَدُوا فَهُمْ لَيْسُوا بِعَرَبٍ فِي الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا الْعَرَبُ فِي الْأَصْلِ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ فَإِنَّهُمْ أُمِّيُّونَ. وَقَوْلُهُ (وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا) يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ لِأَنَّ كُفْرَهُمَا قَدْ تَغَلُّظَ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ وَالْمُرْتَدِّينَ (فَنِسَاؤُهُمْ وَصِبْيَانُهُمْ فَيْءٌ) إلَّا أَنَّ ذَرَارِيَّ الْمُرْتَدِّينَ وَنِسَاءَهُمْ يُجْبَرُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ دُونَ ذَرَارِيِّ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَنِسَائِهِمْ، لِأَنَّ الْإِجْبَارَ عَلَى الْإِسْلَامِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ ثُبُوتِ حُكْمِ الْإِسْلَامِ فِي حَقِّهِ، وَذَرَارِيُّ الْمُرْتَدِّينَ قَدْ ثَبَتَ فِي حَقِّهِمْ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ فَيُجْبَرُونَ عَلَيْهِ. وَالْمُرْتَدَّاتُ كُنَّ مُقِرَّاتٍ بِالْإِسْلَامِ فَيُجْبَرْنَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ ذَرَارِيِّ الْعَبَدَةِ وَنِسَائِهِمْ. وَحَنِيفَةُ أَبُو حَيٍّ مِنْ الْعَرَبِ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِبَنِي حَنِيفَةَ رَهْطُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ (وَقَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ زِيَادَةً فِي الْعُقُوبَةِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ الْقَتْلِ) يَعْنِي فِي حَقِّ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ (أَوْ عَنْ الْقِتَالِ) أَيْ عَنْ النُّصْرَةِ فِي حَقِّنَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَا يَجِبُ الْبَدَلُ إلَّا عَلَى مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ

لِمَا بَيَّنَّا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تَجِبُ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ فِي الْجُمْلَةِ إذَا كَانَ لَهُ رَأْيٌ (وَلَا عَلَى فَقِيرٍ غَيْرِ مُعْتَمِلٍ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. لَهُ إطْلَاقُ حَدِيثِ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَلَنَا أَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُوَظِّفْهَا عَلَى فَقِيرٍ غَيْرِ مُعْتَمِلٍ وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلِأَنَّ خَرَاجَ الْأَرْضِ لَا يُوَظَّفُ عَلَى أَرْضٍ لَا طَاقَةَ لَهَا فَكَذَا هَذَا الْخَرْجُ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُعْتَمِلِ (وَلَا تُوضَعُ عَلَى الْمَمْلُوكِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ) لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْقَتْلِ فِي حَقِّهِمْ وَعَنْ النُّصْرَةِ فِي حَقِّنَا، وَعَلَى اعْتِبَارِ الثَّانِي لَا تَجِبُ فَلَا تَجِبُ بِالشَّكِّ (وَلَا يُؤَدِّي عَنْهُمْ مَوَالِيهِمْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَصْلُ، وَالْأَصْلُ وَهُوَ الْقَتْلُ أَوْ الْقِتَالُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ فَكَذَا الْبَدَلُ. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) يَعْنِي قَوْلَهُ وَهُمَا لَا يُقْتَلَانِ وَلَا يُقَاتِلَانِ. وَقَوْلُهُ (لَهُ إطْلَاقُ حَدِيثِ مُعَاذٍ) هُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ وَحَالِمَةٍ» وَقَوْلُهُ (وَعَلَى اعْتِبَارِ الثَّانِي لَا تَجِبُ) يَعْنِي أَنَّ الْجِزْيَةَ بَدَلٌ عَنْ الْأَمْرَيْنِ كَمَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ، وَعَلَى اعْتِبَارِ الْأَوَّلِ يَجِبُ وَضْعُ الْجِزْيَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ الْمَمَالِيكِ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ الْحَرْبِيَّ يُقْتَلُ فَيَتَحَقَّقُ الْبَدَلُ أَيْضًا،

لِأَنَّهُمْ تَحَمَّلُوا الزِّيَادَةَ بِسَبَبِهِمْ (وَلَا تُوضَعُ عَلَى الرُّهْبَانِ الَّذِينَ لَا يُخَالِطُونَ النَّاسَ) كَذَا ذَكَرَ هَاهُنَا. وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُوضَعُ عَلَيْهِمْ إنْ كَانُوا يَقْدِرُونَ عَلَى الْعَمَلِ، وَهُوَ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ. وَجْهُ الْوَضْعِ عَلَيْهِمْ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْعَمَلِ هُوَ الَّذِي ضَيَّعَهَا فَصَارَ كَتَعْطِيلِ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ. وَوَجْهُ الْوَضْعِ عَنْهُمْ أَنَّهُ لَا قَتْلَ عَلَيْهِمْ إذَا كَانُوا لَا يُخَالِطُونَ النَّاسَ، وَالْجِزْيَةُ فِي حَقِّهِمْ لِإِسْقَاطِ الْقَتْلِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَمِلُ صَحِيحًا وَيَكْتَفِي بِصِحَّتِهِ فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ. (وَمَنْ أَسْلَمَ وَعَلَيْهِ جِزْيَةٌ سَقَطَتْ عَنْهُ) وَكَذَلِكَ إذَا مَاتَ كَافِرًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِيهِمَا. لَهُ أَنَّهَا وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ الْعِصْمَةِ أَوْ عَنْ السُّكْنَى وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ الْمُعَوَّضُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَلَى اعْتِبَارِ الثَّانِي لَا يَجِبُ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَقْدِرُ عَلَى النُّصْرَةِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَدَلُهُ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُمْ تَحَمَّلُوا الزِّيَادَةَ بِسَبَبِهِمْ) أَيْ صَارَ مَوَالِيهِمْ بِسَبَبِهِمْ مِنْ صِنْفِ الْأَغْنِيَاءِ أَوْ وَسَطِ الْحَالِ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِمْ زِيَادَةٌ عَلَى مِقْدَارِ الْوَاجِبِ عَلَى الْفَقِيرِ الْمُعْتَمِلِ، فَلَوْ قُلْنَا بِوُجُوبِهَا عَلَى الْمَوَالِي بِسَبَبِهِمْ لَكَانَ وُجُوبُ الْجِزْيَةِ مَرَّتَيْنِ بِسَبَبِ شَيْءٍ وَاحِدٍ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ. وَقَوْلُهُ (وَلَا تُوضَعُ عَلَى الرُّهْبَانِ) وَاضِحٌ. قَالَ (وَمَنْ أَسْلَمَ وَعَلَيْهِ جِزْيَةٌ سَقَطَتْ عَنْهُ) إذَا أَسْلَمَ مَنْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ أَوْ مَاتَ كَافِرًا أَوْ عَمِيَ أَوْ صَارَ زَمِنًا أَوْ مُقْعَدًا أَوْ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ الْعَمَلَ أَوْ فَقِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَبَقِيَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ سَقَطَتْ عَنْهُ عِنْدَنَا سَوَاءٌ كَانَتْ هَذِهِ الْعَوَارِضُ قَبْلَ اسْتِكْمَالِ السَّنَةِ أَوْ بَعْدَهَا (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. لَهُ أَنَّهَا وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ الْعِصْمَةِ أَوْ عَنْ السُّكْنَى وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ الْمُعَوَّضُ) وَكُلُّ مَا وَجَبَ بَدَلًا عَنْ شَيْءٍ

فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْعِوَضُ بِهَذَا الْعَارِضِ كَمَا فِي الْأُجْرَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ عَلَى مُسْلِمٍ جِزْيَةٌ» ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ الْمُعَوَّضُ (لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْعِوَضُ بِهَذَا الْعَارِضِ) أَيْ بِالْإِسْلَامِ أَوْ الْمَوْتِ (كَمَا فِي الْأُجْرَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ) فَإِنَّ الذِّمِّيَّ إذَا اسْتَوْفَى مَنَافِعَ الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ ثُمَّ أَسْلَمَ أَوْ مَاتَ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْأُجْرَةُ لِأَنَّ الْمُعَوَّضَ قَدْ وَصَلَ إلَيْهِ وَهِيَ مَنَافِعُ الدَّارِ، وَكَذَا إذَا قَتَلَ الذِّمِّيُّ رَجُلًا عَمْدًا ثُمَّ صَالَحَ عَنْ الدَّمِ عَلَى بَدَلٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ أَسْلَمَ أَوْ مَاتَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْبَدَلُ لِأَنَّ الْمُعَوَّضَ وَهُوَ نَفْسُهُ قَدْ سُلِّمَ لَهُ، وَإِنَّمَا رَدَّدَ فِي قَوْلِهِ بَدَلًا عَنْ الْعِصْمَةِ أَوْ السُّكْنَى لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ الْجِزْيَةَ وَجَبَتْ بَدَلًا عَمَّا ذَا؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ الْعِصْمَةِ الثَّابِتَةِ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْقِتَالِ وَمَدَّهُ إلَى غَايَةٍ وَهِيَ إعْطَاءُ الْجِزْيَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ السُّكْنَى فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُمْ مَعَ الْإِصْرَارِ عَلَى الشِّرْكِ لَا يَكُونُونَ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ وَإِنَّمَا يَصِيرُونَ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا بِمَا يُؤَدُّونَ مِنْ الْجِزْيَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ النُّصْرَةِ الَّتِي فَاتَتْ بِإِصْرَارِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَأُعِيدُهُ هَاهُنَا تَوْضِيحًا وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَمَّا صَارُوا مِنْ أَهْلِ دَارِنَا بِقَبُولِ الذِّمَّةِ وَلِهَذِهِ الدَّارِ دَارٌ مُعَادِيَةٌ وَجَبَ عَلَيْهِمْ الْقِيَامُ بِنُصْرَتِهَا، وَلَا تَصْلُحُ أَبْدَانُهُمْ لِهَذِهِ النُّصْرَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمْ يَمِيلُونَ إلَى أَهْلِ الدَّارِ الْمُعَادِيَةِ لِاتِّحَادِهِمْ فِي الِاعْتِقَادِ فَأَوْجَبَ عَلَيْهِمْ الشَّرْعُ الْجِزْيَةَ لِتُؤْخَذَ مِنْهُمْ فَتُصْرَفَ إلَى الْمُقَاتِلَةِ فَتَكُونَ خَلَفًا عَنْ النُّصْرَةِ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ الْأَصَحُّ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تُؤْخَذُ مِنْ الْأَعْمَى وَالشَّيْخِ الْفَانِي وَالْمَعْتُوهِ وَالْمُقْعَدِ مَعَ أَنَّهُمْ مُشَارِكُونَ فِي السُّكْنَى لِأَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُمْ أَصْلُ النُّصْرَةِ بِأَبْدَانِهِمْ لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ، فَكَذَلِكَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ مَا هُوَ خَلَفٌ عَنْهُ. وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ عَلَى مُسْلِمٍ جِزْيَةٌ» رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَهُوَ مُطْلَقٌ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ، بَلْ الْإِنْصَافُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا تَكُونُ عَلَيْهِ جِزْيَةٌ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهَا تَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ، إذْ لَوْ لَمْ تَسْقُطْ لَصَدَقَ أَنَّ عَلَى هَذَا الْمُسْلِمِ جِزْيَةً.

وَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ عُقُوبَةً عَلَى الْكُفْرِ وَلِهَذَا تُسَمَّى جِزْيَةً وَهِيَ وَالْجَزَاءُ وَاحِدٌ، وَعُقُوبَةُ الْكُفْرِ تَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ وَلَا تُقَامُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلِأَنَّ شَرْعَ الْعُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا لَا يَكُونُ إلَّا لِدَفْعِ الشَّرِّ وَقَدْ انْدَفَعَ بِالْمَوْتِ وَالْإِسْلَامِ؛ وَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ النُّصْرَةِ فِي حَقِّنَا وَقَدْ قَدَرَ عَلَيْهَا بِنَفْسِهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ. وَالْعِصْمَةُ تَثْبُتُ بِكَوْنِهِ آدَمِيًّا وَالذِّمِّيُّ يَسْكُنُ مِلْكَ نَفْسِهِ فَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ عُقُوبَةً إلَخْ) ظَاهِرٌ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ أَلْحَقَ ضَرْبَ الْجِزْيَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ بِالِاسْتِرْقَاقِ بِالْمَعْنَى الْجَامِعِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: وَلَنَا أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ فَيَجُوزُ ضَرْبُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَشْتَمِلُ عَلَى سَلْبِ النَّفْسِ مِنْهُمْ فَكَيْفَ افْتَرَقَا فِي الْبَقَاءِ حَيْثُ يَبْقَى الْعَبْدُ رَقِيقًا بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَلَا تَبْقَى الْجِزْيَةُ بَعْدَهُ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِي الِابْتِدَاءِ يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الْمُجَازَاةِ لِكُفْرِهِمْ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ أَدَاءَ الْجِزْيَةِ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا بِوَصْفِ الصَّغَارِ، وَمَا شُرِعَ بِوَصْفٍ لَا يَبْقَى بِدُونِهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَالْإِسْلَامُ يُنَافِي الصَّغَارَ فَتَسْقُطُ الْجِزْيَةُ بِهِ، بِخِلَافِ الِاسْتِرْقَاقِ فَإِنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَالْعِصْمَةُ تَثْبُتُ بِكَوْنِهِ آدَمِيًّا) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ إنَّهَا وَجَبَتْ بَدَلًا مِنْ الْعِصْمَةِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْعِصْمَةَ ثَابِتَةٌ لِلْآدَمِيِّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ خُلِقَ مُتَحَمِّلًا أَعْبَاءَ التَّكَالِيفِ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ الْجِزْيَةُ الطَّارِئَةُ بَدَلًا عَنْهَا. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: سَلَّمْنَا أَنَّهَا ثَابِتَةٌ لِلْآدَمِيَّةِ وَلَكِنَّهَا سَقَطَتْ بِالْكُفْرِ، فَالْجِزْيَةُ تُعِيدُهَا عَلَى مَا كَانَتْ فَكَانَتْ بَدَلًا. وَالْجَوَابُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بَدَلًا عَنْ الْعِصْمَةِ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ عَنْ عِصْمَةٍ فِيمَا مَضَى أَوْ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ، لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا إلَى الثَّانِي لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يُغْنِي عَنْهَا. وَقَوْلُهُ (وَالذِّمِّيُّ يَسْكُنُ مِلْكَ نَفْسِهِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ أَوْ السُّكْنَى، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الذِّمِّيَّ يَمْلِكُ مَوْضِعَ السُّكْنَى بِالشِّرَاءِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَسْبَابِ، فَلَا يَجُوزُ إيجَابُ الْبَدَلِ بِسُكْنَاهُ فِي مَوْضِعٍ مَمْلُوكٍ لَهُ، فَلَوْ كَانَتْ الْجِزْيَةُ أُجْرَةً كَانَ وُجُوبُهَا بِالْإِجَارَةِ لَا مَحَالَةَ، وَيُشْتَرَطُ فِيهَا

مَعْنَى لِإِيجَابِ بَدَلِ الْعِصْمَةِ وَالسُّكْنَى. (وَإِنْ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْحَوْلَانِ تَدَاخَلَتْ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَمَنْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ خَرَاجُ رَأْسِهِ حَتَّى مَضَتْ السَّنَةُ وَجَاءَتْ سَنَةٌ أُخْرَى لَمْ يُؤْخَذْ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: يُؤْخَذُ مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ مَاتَ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ فِي بَعْضِ السَّنَةِ) أَمَّا مَسْأَلَةُ الْمَوْتِ فَقَدْ ذَكَرْنَاهَا. وَقِيلَ خَرَاجُ الْأَرْضِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ. وَقِيلَ لَا تَدَاخُلَ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ. لَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ الْخَرَاجَ وَجَبَ عِوَضًا، وَالْأَعْوَاضُ إذَا اجْتَمَعَتْ وَأَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهَا تُسْتَوْفَى، وَقَدْ أَمْكَنَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بَعْدَ تَوَالِي السِّنِينَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّأْقِيتُ لِأَنَّ الْإِبْهَامَ يُبْطِلُهَا، وَحَيْثُ لَمْ يُشْتَرَطْ التَّأْقِيتُ فِي السُّكْنَى دَلَّ عَلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ لَمْ تَكُنْ بِطَرِيقِ الْإِجَارَةِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بَدَلًا عَنْ الْعِصْمَةِ وَالسُّكْنَى فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بَدَلًا عَنْ النُّصْرَةِ أَيْضًا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ اسْتَعَانَ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ فَقَاتَلُوا مَعَهُ لَا تَسْقُطُ عَنْهُمْ جِزْيَةُ تِلْكَ السَّنَةِ، فَلَوْ كَانَتْ بَدَلًا عَنْهَا لَسَقَطَتْ لِأَنَّهُ قَدْ نُصِرَ بِنَفْسِهِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّهَا إنَّمَا لَمْ تَسْقُطْ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَلْزَمُ تَغْيِيرُ الْمَشْرُوعِ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ ذَلِكَ، وَهَذَا لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ طَرِيقَ النُّصْرَةِ فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ الْمَالَ دُونَ النَّفْسِ. قَالَ (فَإِنْ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْحَوْلَانِ) أَنَّثَ فِعْلَ الْحَوْلَيْنِ، إمَّا بِاعْتِبَارِ حَذْفِ الْمُضَافِ: أَيْ اجْتَمَعَتْ جِزْيَةُ الْحَوْلَيْنِ، وَإِمَّا بِتَأْوِيلِ السَّنَتَيْنِ، وَأَتَى بِعِبَارَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِتَفْصِيلٍ فِي اللَّفْظِ وَلِإِبْهَامٍ فِي قَوْلِهِ وَجَاءَتْ سَنَةٌ أُخْرَى عَلَى مَا بَيَّنَهُ، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ وَقَوْلُهُ (وَقِيلَ لَا تَدَاخُلَ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ) يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْخَرَاجَ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ مُؤْنَةٌ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إلَى مَعْنَى الْعُقُوبَةِ، وَلِهَذَا إذَا اشْتَرَى الْمُسْلِمُ أَرْضًا خَرَاجِيَّةً يَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ فَجَازَ أَنْ لَا يَتَدَاخَلَ، بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ فَإِنَّهَا عُقُوبَةٌ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً وَلِهَذَا لَمْ تُشْرَعْ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ أَصْلًا وَالْعُقُوبَاتُ تَتَدَاخَلُ. وَقَوْلُهُ (لَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ) أَيْ فِيمَا إذَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْحَوْلَانِ (أَنَّ الْخَرَاجَ وَجَبَ عِوَضًا) عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَكُلُّ مَا وَجَبَ عِوَضًا إذَا اجْتَمَعَ وَأَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهُ يُسْتَوْفَى كَمَا فِي سَائِرِ الْأَعْوَاضِ

بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا وَجَبَتْ عُقُوبَةً عَلَى الْإِصْرَارِ عَلَى الْكُفْرِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ مِنْهُ لَوْ بَعَثَ عَلَى يَدِ نَائِبِهِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ، بَلْ يُكَلَّفُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ بِنَفْسِهِ فَيُعْطِيَ قَائِمًا، وَالْقَابِضُ مِنْهُ قَاعِدٌ. وَفِي رِوَايَةٍ: يَأْخُذُ بِتَلْبِيبِهِ وَيَهُزُّهُ هَزًّا وَيَقُولُ: أَعْطِ الْجِزْيَةَ يَا ذِمِّيُّ فَثَبَتَ أَنَّهُ عُقُوبَةٌ، وَالْعُقُوبَاتُ إذَا اجْتَمَعَتْ تَدَاخَلَتْ كَالْحُدُودِ؛ وَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ الْقَتْلِ فِي حَقِّهِمْ وَعَنْ النُّصْرَةِ فِي حَقِّنَا كَمَا ذَكَرْنَا، لَكِنْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا فِي الْمَاضِي؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ إنَّمَا يُسْتَوْفَى لِحِرَابٍ قَائِمٍ فِي الْحَالِ لَا لِحِرَابٍ مَاضٍ، وَكَذَا النُّصْرَةُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّ الْمَاضِيَ وَقَعَتْ الْغُنْيَةُ عَنْهُ. ثُمَّ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي الْجِزْيَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَجَاءَتْ سَنَةٌ أُخْرَى، حَمَلَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ عَلَى الْمُضِيِّ مَجَازًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدْ أَمْكَنَ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ حَيٌّ، وَاسْتِيفَاءُ الْمَالِ مِنْ الْحَيِّ مُمْكِنٌ إذَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ الْإِسْلَامُ (بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ) وَقَوْلُهُ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) أَرَادَ بِهِ مَا ذَكَرَهُ قَبْلَ هَذَا بِقَوْلِهِ وَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ عُقُوبَةً عَلَى الْكُفْرِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: قَدْ تَكَرَّرَ فِي كَلَامِهِمْ أَنَّهَا وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ النُّصْرَةِ أَوْ السُّكْنَى أَوْ الْعِصْمَةِ، وَتَكَرَّرَ أَيْضًا فِيهِ أَنَّهَا وَجَبَتْ عُقُوبَةً عَلَى الْكُفْرِ؛ وَمَعْنَى الْعُقُوبَةِ غَيْرُ مَعْنَى الْبَدَلِيَّةِ عَنْ شَيْءٍ فَيَلْزَمُ تَوَارُدُ عِلَّتَيْنِ عَلَى مَعْلُولٍ وَاحِدٍ بِالشَّخْصِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ. وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ كَوْنَهَا عُقُوبَةً لَازِمٌ مِنْ لَوَازِمِ كَوْنِهِ بَدَلًا عَنْ النُّصْرَةِ لِأَنَّ إيجَابَ النُّصْرَةِ لِغَيْرِ أَهْلِ دِينِهِ يَسْتَلْزِمُ عُقُوبَةً لَا مَحَالَةَ. وَقَوْلُهُ (وَلِهَذَا) تَوْضِيحٌ لِقَوْلِهِ وَجَبَتْ عُقُوبَةً عَلَى الْإِصْرَارِ عَلَى الْكُفْرِ وَالتَّلْبِيبُ أَخْذُ مَوْضِعِ اللَّبَبِ مِنْ الثِّيَابِ، وَاللَّبَبُ مَوْضِعُ الْقِلَادَةِ مِنْ الصَّدْرِ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ الْقَتْلِ) اسْتِدْلَالٌ مِنْ جِهَةِ الْمَلْزُومِ، وَمَا تَقَدَّمَ كَانَ مِنْ جِهَةِ اللَّازِمِ وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ. وَقَوْلُهُ (حَمَلَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ عَلَى الْمُضِيِّ مَجَازًا) قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: اخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِي قَوْلِهِ جَاءَتْ سَنَةٌ أُخْرَى؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ مَضَتْ حَتَّى يَتَحَقَّقَ اجْتِمَاعُهُمَا لِأَنَّهَا عِنْدَ آخِرِ الْحَوْلِ تَجِبُ، وَهَذَا ضَرْبٌ مِنْ الْمَجَازِ لِأَنَّ مَجِيءَ كُلِّ شَهْرٍ بِمَجِيءِ أَوَّلِهِ. وَأَقُولُ فِي مُجَوِّزِ الْمَجَازِ أَنَّ مَجِيءَ الشَّهْرِ يَسْتَلْزِمُ مَجِيءَ الْآخَرِ لَا مَحَالَةَ وَذِكْرُ الْمَلْزُومِ وَإِرَادَةُ اللَّازِمِ مَجَازٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ دُخُولُ أَوَّلِهَا لِأَنَّ الْجِزْيَةَ تَجِبُ بِأَوَّلِ الْحَوْلِ وَالتَّأْخِيرُ إلَى آخِرِهِ تَخْفِيفٌ وَتَأْجِيلٌ

[فصل لا يجوز إحداث بيعة ولا كنيسة في دار الإسلام]

وَقَالَ: الْوُجُوبُ بِآخِرِ السَّنَةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُضِيِّ لِيَتَحَقَّقَ الِاجْتِمَاعُ فَتَتَدَاخَلَ. وَعِنْدَ الْبَعْضِ هُوَ مُجْرًى عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَالْوُجُوبُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَوَّلِ الْحَوْلِ فَيَتَحَقَّقُ الِاجْتِمَاعُ بِمُجَرَّدِ الْمَجِيءِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْوُجُوبَ عِنْدَنَا فِي ابْتِدَاءِ الْحَوْلِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي آخِرِهِ اعْتِبَارًا بِالزَّكَاةِ. وَلَنَا أَنَّ مَا وَجَبَ بَدَلًا عَنْهُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِي الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فَتَعَذَّرَ إيجَابُهُ بَعْدَ مُضِيِّ الْحَوْلِ فَأَوْجَبْنَاهُ فِي أَوَّلِهِ. (فَصْلٌ) (وَلَا يَجُوزُ إحْدَاثُ بِيعَةٍ وَلَا كَنِيسَةٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا خِصَاءَ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا كَنِيسَةَ» وَالْمُرَادُ إحْدَاثُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَلَى هَذَا يَتَحَقَّقُ التَّدَاخُلُ عِنْدَ مُضِيِّ شَهْرٍ بِلَا ارْتِكَابِ الْمَجَازِ، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الْقَتْلَ إنَّمَا يُسْتَوْفَى لِحِرَابٍ قَائِمٍ فِي الْحَالِ لَا لِحِرَابٍ مَاضٍ إلَخْ، وَيَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ عَنْ الزَّكَاةِ، وَهُوَ أَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ فِي آخِرِ الْحَوْلِ لِأَنَّهَا تَجِبُ فِي الْمَالِ النَّامِي وَحَوَلَانُ الْحَوْلِ هُوَ الْمُمْكِنُ مِنْ الِاسْتِنْمَاءِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى مَا مَرَّ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْحَوْلِ لِيَتَحَقَّقَ شَرْطُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ. [فَصْلٌ لَا يَجُوزُ إحْدَاثُ بِيعَةٍ وَلَا كَنِيسَةٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ] فَصْلٌ: لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ مَا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ بِسُكْنَاهُمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالسُّكْنَى (وَلَا يَجُوزُ إحْدَاثُ بِيعَةٍ وَلَا كَنِيسَةٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا خِصَاءَ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا كَنِيسَةَ» ) وَالْخِصَاءُ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَالْمَدِّ عَلَى وَزْنِ فِعَالٍ مَصْدَرُ خَصَاهُ: إذَا نَزَعَ خُصْيَتَيْهِ، وَالْإِخْصَاءُ فِي مَعْنَاهُ خَطَأٌ

(وَإِنْ انْهَدَمَتْ الْبِيَعُ وَالْكَنَائِسُ الْقَدِيمَةُ أَعَادُوهَا) لِأَنَّ الْأَبْنِيَةَ لَا تَبْقَى دَائِمًا، وَلَمَّا أَقَرَّهُمْ الْإِمَامُ فَقَدْ عَهِدَ إلَيْهِمْ الْإِعَادَةَ إلَّا أَنَّهُمْ لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ نَقْلِهَا؛ لِأَنَّهُ إحْدَاثٌ فِي الْحَقِيقَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQذَكَرَهُ فِي الْمُغْرِبِ، وَالْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ ذِكْرِ الْخِصَاءِ وَالْكَنِيسَةُ هِيَ أَنَّ إحْدَاثَ الْكَنِيسَةِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إزَالَةٌ لِفُحُولِيَّةِ أَهْلِ دَارِهِ مَعْنًى، كَمَا أَنَّ الْخِصَاءَ إزَالَةٌ لِفُحُولِيَّةِ الْحَيَوَانِ إنْ كَانَ الْخِصَاءُ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ التَّبَتُّلَ وَالِامْتِنَاعَ عَنْ النِّسَاءِ بِمُلَازَمَةِ الْكَنَائِسِ فَالْمُنَاسَبَةُ ظَاهِرَةٌ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " وَلَا كَنِيسَةَ " إحْدَاثُهَا فَهُوَ نَفْيٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ: أَيْ لَا تُحْدَثُ كَنِيسَةٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَيُقَالُ كَنِيسَةُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لِمُتَعَبَّدِهِمْ، وَكَذَا الْبِيعَةُ كَانَ مُطْلَقًا فِي الْأَصْلِ،

وَالصَّوْمَعَةُ لِلتَّخَلِّي فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الْبِيعَةِ، بِخِلَافِ مَوْضِعِ الصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلسُّكْنَى، وَهَذَا فِي الْأَمْصَارِ دُونَ الْقُرَى؛ لِأَنَّ الْأَمْصَارَ هِيَ الَّتِي تُقَامُ فِيهَا الشَّعَائِرُ فَلَا تُعَارَضُ بِإِظْهَارِ مَا يُخَالِفُهَا. وَقِيلَ فِي دِيَارِنَا يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْقُرَى أَيْضًا؛ لِأَنَّ فِيهَا بَعْضَ الشَّعَائِرِ، وَالْمَرْوِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ فِي قُرَى الْكُوفَةِ لِأَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِهَا أَهْلُ الذِّمَّةِ. وَفِي أَرْضِ الْعَرَبِ يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ فِي أَمْصَارِهَا وَقُرَاهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ غَلَبَ اسْتِعْمَالُ الْكَنِيسَةِ لِمُتَعَبَّدِ الْيَهُودِ وَالْبِيعَةِ لِمُتَعَبَّدِ النَّصَارَى. وَقَوْلُهُ (وَالصَّوْمَعَةُ لِلتَّخَلِّي فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الْبِيعَةِ) أَيْ لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ إحْدَاثِ الصَّوْمَعَةِ الَّتِي يَتَخَلَّوْنَ فِيهَا أَيْضًا لِلْعِبَادَةِ (بِخِلَافِ مَوْضِعِ الصَّلَاةِ) أَيْ صَلَاةِ الذِّمِّيِّ (فِي الْبَيْتِ) فَإِنَّهُمْ يُمَكَّنُونَ مِنْ ذَلِكَ (لِأَنَّهُ تَبَعُ السُّكْنَى) وَقَوْلُهُ (وَالْمَرْوِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ) أَيْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» . قَالَ (وَيُؤْخَذُ أَهْلُ الذِّمَّةِ بِالتَّمَيُّزِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ فِي زِيِّهِمْ وَمَرَاكِبِهِمْ وَسُرُوجِهِمْ وَقَلَانِسِهِمْ فَلَا يَرْكَبُونَ الْخَيْلَ وَلَا يَعْمَلُونَ بِالسِّلَاحِ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَيُؤْخَذُ أَهْلُ الذِّمَّةِ بِإِظْهَارِ الْكُسْتِيجَاتِ وَالرُّكُوبِ عَلَى السُّرُوجِ الَّتِي هِيَ كَهَيْئَةِ الْأَكُفِّ) وَإِنَّمَا يُؤْخَذُونَ بِذَلِكَ إظْهَارًا لِلصَّغَارِ عَلَيْهِمْ وَصِيَانَةً لِضَعَفَةِ الْمُسْلِمِينَ؛ وَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ يُكْرَمُ، وَالذِّمِّيُّ يُهَانُ، وَلَا يُبْتَدَأُ بِالسَّلَامِ وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ الطَّرِيقُ، فَلَوْ لَمْ تَكُنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُرَادُ بِالْمَرْوِيِّ هُوَ مَا ذَكَرَهُ آنِفًا بِقَوْلِهِ وَهَذَا فِي الْأَمْصَارِ دُونَ الْقُرَى. وَقَوْلُهُ (فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ) قِيلَ: إنَّمَا سُمِّيَتْ أَرْضُ الْعَرَبِ بِالْجَزِيرَةِ لِأَنَّ بَحْرَ فَارِسَ وَبَحْرَ الْحَبَشِ وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتَ قَدْ أَحَاطَتْ بِهَا. وَقَوْلُهُ (وَيُؤْخَذُ أَهْلُ الذِّمَّةِ بِالتَّمَيُّزِ) ظَاهِرٌ. وَذَكَرَ رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِكَوْنِهَا كَالتَّفْسِيرِ لِمَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ كَأَنَّهُ قَالَ: وَكَيْفِيَّةُ التَّمَيُّزِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إلَخْ. وَالْكِسْتِيجُ خَيْطٌ غَلِيظٌ بِقَدْرِ الْأُصْبُعِ يَشُدُّهُ الذِّمِّيُّ فَوْقَ ثِيَابِهِ دُونَ مَا يَتَزَيَّنُونَ بِهِ مِنْ الزَّنَانِيرِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْإِبْرَيْسَمِ. وَقَوْلُهُ (صِيَانَةً لِضَعَفَةِ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ الضَّعَفَةِ فِي الدِّينِ لَا الْبَدَنِ: أَيْ يُفْعَلُ

عَلَامَةٌ مُمَيِّزَةٌ فَلَعَلَّهُ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ وَالْعَلَامَةُ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ خَيْطًا غَلِيظًا مِنْ الصُّوفِ يَشُدُّهُ عَلَى وَسَطِهِ دُونَ الزُّنَّارِ مِنْ الْإِبْرَيْسَمِ فَإِنَّهُ جَفَاءٌ فِي حَقِّ أَهْلِ الْإِسْلَامِ. وَيَجِب أَنْ يَتَمَيَّزَ نِسَاؤُهُمْ عَنْ نِسَائِنَا فِي الطُّرُقَاتِ وَالْحَمَّامَاتِ، وَيُجْعَلُ عَلَى دُورِهِمْ عَلَامَاتٌ كَيْ لَا يَقِفَ عَلَيْهَا سَائِلٌ يَدْعُوَ لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ. قَالُوا: الْأَحَقُّ أَنْ لَا يُتْرَكُوا أَنْ يَرْكَبُوا إلَّا لِلضَّرُورَةِ. وَإِذَا رَكِبُوا لِلضَّرُورَةِ فَلِيَنْزِلُوا فِي مَجَامِعِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ لَزِمَتْ الضَّرُورَةُ اتَّخَذُوا سُرُوجًا ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ بِهِمْ لِكَيْ يَكُونُوا فِي أَعْيُنِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَمْ يَتَصَلَّبُوا فِي دِينِ الْإِسْلَامِ أَذِلَّاءَ صَاغِرِينَ حَتَّى لَا يَمِيلُوا إلَى الْكُفْرِ بِسَبَبِ سِعَتِهِمْ فِي الرِّزْقِ وَالْمَلَابِسِ وَالْمَرَاكِبِ وَرَوْنَقِ حَالِهِمْ. فَإِنْ قِيلَ: لَمْ يَأْخُذْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ وَلَا نَصَارَى نَجْرَانَ وَلَا مَجُوسِ هَجَرَ بِذَلِكَ فَيَكُونَ بِدْعَةً. أُجِيبَ بِأَنَّهُمْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا مَعْرُوفِينَ فِي الْمَدِينَةِ لَا يَشْتَبِهُ حَالُهُمْ فَلَمْ يَقَعْ الِاحْتِيَاجُ إلَى ذَلِكَ، ثُمَّ فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا كَثُرَ النَّاسُ مِمَّنْ يُعْرَفُ مِمَّنْ لَا يُعْرَفُ وَقَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ، فَأَمَرَ بِذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَكَانَ صَوَابًا. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَيْنَمَا دَارَ عُمَرُ فَالْحَقُّ مَعَهُ» وَقَوْلُهُ (فَإِنَّهُ جَفَاءٌ فِي حَقِّ أَهْلِ الْإِسْلَامِ) أَيْ تَرْكُ حُسْنِ الْعِشْرَةِ بِأَهْلِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ فِي الْأَمْرِ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ بِتَمَيُّزِهِمْ بِمَا يُوجِبُ إعْزَازَهُمْ مِنْ اتِّخَاذِ الزُّنَّارِ مِنْ الْإِبْرَيْسَمِ إهَانَةً لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ مَنْ أَعَزَّ عَدُوَّ صَدِيقِهِ فَقَدْ أَهَانَ صَدِيقَهُ مَعْنًى. وَقَوْلُهُ (أَنْ لَا يَرْكَبُوا إلَّا لِلضَّرُورَةِ) يَعْنِي كَالْخُرُوجِ إلَى الرُّسْتَاقِ وَذَهَابِ الْمَرِيضِ

بِالصِّفَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ، وَيُمْنَعُونَ مِنْ لِبَاسٍ يَخْتَصُّ بِهِ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالزُّهْدِ وَالشَّرَفِ. (وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ الْجِزْيَةِ أَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا أَوْ سَبَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُ) لِأَنَّ الْغَايَةَ الَّتِي يَنْتَهِي بِهَا الْقِتَالُ الْتِزَامُ الْجِزْيَةِ لَا أَدَاؤُهَا وَالِالْتِزَامُ بَاقٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: سَبُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكُونُ نَقْضًا؛ لِأَنَّهُ يَنْقُضُ إيمَانَهُ فَكَذَا يَنْقُضُ أَمَانَهُ إذْ عَقْدُ الذِّمَّةِ خَلَفٌ عَنْهُ. وَلَنَا أَنَّ سَبَّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفْرٌ مِنْهُ، وَالْكُفْرُ الْمُقَارِنُ لَا يَمْنَعُهُ فَالطَّارِئُ لَا يَرْفَعُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى مَوْضِعٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (بِالصِّفَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ) يَعْنِي كَهَيْئَةِ الْأَكُفِّ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ يَنْقُضُ إيمَانَهُ) يَعْنِي لَوْ كَانَ مُسْلِمًا وَيَسُبُّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ نُقِضَ إيمَانُهُ (فَكَذَا يُنْقَضُ أَمَانُهُ) وَذِمَّتُهُ.

[فصل نصارى بني تغلب]

قَالَ (وَلَا يُنْقَضُ الْعَهْدُ إلَّا أَنْ يَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ يَغْلِبُوا عَلَى مَوْضِعٍ فَيُحَارِبُونَنَا) ؛ لِأَنَّهُمْ صَارُوا حَرْبًا عَلَيْنَا فَيُعَرَّى عَقْدُ الذِّمَّةِ عَنْ الْفَائِدَةِ وَهُوَ دَفْعُ شَرِّ الْحِرَابِ. (وَإِذَا نَقَضَ الذِّمِّيُّ الْعَهْدَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَدِّ) مَعْنَاهُ فِي الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ بِاللَّحَاقِ؛ لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِالْأَمْوَاتِ، وَكَذَا فِي حُكْمِ مَا حَمَلَهُ مِنْ مَالِهِ، إلَّا أَنَّهُ لَوْ أُسِرَ يُسْتَرَقُّ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ. (فَصْلٌ) (وَنَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ يُؤْخَذُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الزَّكَاةِ) ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَالَحَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ (وَيُؤْخَذُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ صِبْيَانِهِمْ) لِأَنَّ الصُّلْحَ وَقَعَ عَلَى الصَّدَقَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ (وَكَذَا فِي حُكْمِ مَا حَمَلَهُ مِنْ مَالِهِ) يَعْنِي أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا نَقَضَ الْعَهْدَ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَفِي يَدِهِ مَالٌ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى دَارِ الْحَرْبِ يَكُونُ فَيْئًا، كَالْمُرْتَدِّ إذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بِمَالِهِ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى الدَّارِ كَانَ مَالُهُ فَيْئًا. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّهُ لَوْ أُسِرَ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَدِّ: يَعْنِي بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَرَقُّ بَلْ يُقْتَلُ إنْ أَصَرَّ عَلَى ارْتِدَادِهِ. [فَصْلٌ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ] فَصْلٌ: ذَكَرَ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ، لِأَنَّ لَهُمْ أَحْكَامًا مَخْصُوصَةً بِهِمْ تُخَالِفُ أَحْكَامَ سَائِرِ النَّصَارَى،

الْمُضَاعَفَةِ، وَالصَّدَقَةُ تَجِبُ عَلَيْهِنَّ دُونَ الصِّبْيَانِ فَكَذَا الْمُضَاعَفُ. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُؤْخَذُ مِنْ نِسَائِهِمْ أَيْضًا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ جِزْيَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى مَا قَالَ عُمَرُ: هَذِهِ جِزْيَةٌ فَسَمُّوهَا مَا شِئْتُمْ، وَلِهَذَا تُصْرَفُ مَصَارِفَ الْجِزْيَةِ وَلَا جِزْيَةَ عَلَى النِّسْوَانِ. وَلَنَا أَنَّهُ مَالٌ وَجَبَ بِهِ الصُّلْحُ، وَالْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ مِثْلِهِ عَلَيْهَا وَالْمَصْرِفُ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ وَذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِالْجِزْيَةِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ بِإِسْنَادِهِ إلَى دَاوُد بْنِ كُرْدُوسٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ التَّغْلِبِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ بَنِي تَغْلِبَ مَنْ قَدْ عَلِمْت شَوْكَتَهُمْ وَإِنَّهُمْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، فَإِنْ ظَاهَرُوا عَلَيْك الْعَدُوَّ اشْتَدَّتْ الْمُؤْنَةُ، فَإِنْ رَأَيْت أَنْ تُعْطِيَهُمْ شَيْئًا فَافْعَلْ، قَالَ: فَصَالَحَهُمْ عُمَرُ عَلَى أَنْ لَا يَغْمِسُوا أَحَدًا مِنْ أَوْلَادِهِمْ فِي النَّصْرَانِيَّةِ، وَتُضَاعَفُ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ، وَعَلَى أَنْ تَسْقُطَ الْجِزْيَةُ عَنْ رُءُوسِهِمْ، فَكُلُّ نَصْرَانِيٍّ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ لَهُ غَنَمٌ سَائِمَةٌ فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ شَاةً سَائِمَةً فَفِيهَا شَاتَانِ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا أَرْبَعٌ مِنْ الْغَنَمِ، وَعَلَى هَذَا الْحِسَابِ تُؤْخَذُ صَدَقَاتُهُمْ، وَكَذَلِكَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ إذَا وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِ شَيْءٌ فِي ذَلِكَ فَعَلَى التَّغْلِبِيِّ مِثْلُهُ مَرَّتَيْنِ، وَنِسَاؤُهُمْ كَرِجَالِهِمْ فِي الصَّدَقَةِ، وَأَمَّا الصِّبْيَانُ فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ وَكَذَلِكَ أَرَاضِيِهِمْ الَّتِي كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمْ يَوْمَ صُولِحُوا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ الضِّعْفُ مِمَّا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَقَوْلُهُ (وَالْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ مِثْلِهِ) أَيْ مِثْلِ مَالٍ وَجَبَ بِالصُّلْحِ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُهَا (وَيُوضَعُ عَلَى مَوْلَى التَّغْلِبِيِّ الْخَرَاجُ) أَيْ الْجِزْيَةُ (وَخَرَاجُ الْأَرْضِ بِمَنْزِلَةِ مَوْلَى الْقُرَشِيِّ) وَقَالَ زُفَرُ: يُضَاعَفُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَوْلَى الْهَاشِمِيِّ يَلْحَقُ بِهِ فِي حَقِّ حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ. وَلَنَا أَنَّ هَذَا تَخْفِيفٌ وَالْمَوْلَى لَا يَلْحَقُ بِالْأَصْلِ فِيهِ، وَلِهَذَا تُوضَعُ الْجِزْيَةُ عَلَى مَوْلَى الْمُسْلِمِ إذَا كَانَ نَصْرَانِيًّا، بِخِلَافِ حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ لِأَنَّ الْحُرُمَاتِ تَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ فَأُلْحِقَ الْمَوْلَى بِالْهَاشِمِيِّ فِي حَقِّهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُهَا) أَيْ فِيمَا أُخِذَ مِنْهُمْ مِنْ الْمُضَاعَفَةِ شَرَائِطُ الْجِزْيَةِ مِنْ وَصْفِ الصِّغَارِ كَعَدَمِ الْقَبُولِ مِنْ يَدِ النَّائِبِ وَالْإِعْطَاءِ قَائِمًا وَالْقَابِضُ قَاعِدٌ، وَأَخْذِ التَّلْبِيبِ عَلَى مَا مَرَّ. قَوْلُهُ (وَيُوضَعُ عَلَى مَوْلَى التَّغْلِبِيِّ الْخَرَاجُ: أَيْ الْجِزْيَةُ وَخَرَاجُ الْأَرْضِ بِمَنْزِلَةِ مَوْلَى الْقُرَشِيِّ) أَيْ لَا تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ وَخَرَاجُ الْأَرْضِ مِنْ الْقُرَشِيِّ وَتُؤْخَذُ مِنْ مُعْتَقِهِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ مُعْتَقِ التَّغْلِبِيِّ وَإِنْ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْ التَّغْلِبِيِّ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ هَذَا) أَيْ أَخْذَ مُضَاعَفِ الزَّكَاةِ (تَخْفِيفٌ) يَعْنِي لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ وَصْفُ الصَّغَارِ بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ (وَالْمَوْلَى لَا يُلْحَقُ بِالْأَصْلِ فِيهِ) أَيْ فِي التَّخْفِيفِ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ الْمَوْلَى لَا يَلْحَقُ بِالْأَصْلِ فِي التَّخْفِيفِ (تُوضَعُ الْجِزْيَةُ عَلَى مَوْلَى الْمُسْلِمِ إذَا كَانَ نَصْرَانِيًّا) وَلَمْ يَلْحَقْ بِمَوْلَاهُ فِي تَرْكِ الْجِزْيَةِ وَإِنْ كَانَ الْإِسْلَامُ أَعْلَى أَسْبَابِ التَّخْفِيفِ وَأَوْلَاهَا. فَإِنْ قِيلَ: حُرْمَةُ الصَّدَقَةِ لَيْسَتْ بِتَغْلِيظٍ بَلْ هِيَ تَخْفِيفٌ بِالتَّخْلِيصِ عَنْ التَّدَنُّسِ بِالْآثَامِ وَقَدْ أُلْحِقَ مَوْلَى الْهَاشِمِيِّ فِيهَا بِالْهَاشِمِيِّ أَجَابَ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ إلَخْ. وَقَوْلُهُ (فِي حَقِّهِ) أَيْ فِيمَا هُوَ حَقُّ مَوْلَاهُ وَهُوَ حُرْمَةُ الصَّدَقَةِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا بَالُ مَوْلَى الْغَنِيِّ لَمْ يُلْحَقْ بِهِ فِي حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ وَالْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ وَهِيَ أَنَّ الْحُرُمَاتِ تَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ مَوْجُودَةٌ؟ .

وَلَا يَلْزَمُ مَوْلَى الْغَنِيِّ حَيْثُ لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ، لِأَنَّ الْغَنِيَّ مِنْ أَهْلِهَا، وَإِنَّمَا الْغَنِيُّ مَانِعٌ وَلَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الْمَوْلَى، أَمَّا الْهَاشِمِيُّ فَلَيْسَ بِأَهْلٍ لِهَذِهِ الصِّلَةِ أَصْلًا لِأَنَّهُ صِينَ لِشَرَفِهِ وَكَرَامَتِهِ عَنْ أَوْسَاخِ النَّاسِ فَأُلْحِقَ بِهِ مَوْلَاهُ. قَالَ: (وَمَا جَبَاهُ الْإِمَامُ مِنْ الْخَرَاجِ وَمِنْ أَمْوَالِ بَنِي تَغْلِبَ وَمَا أَهْدَاهُ أَهْلُ الْحَرْبِ إلَى الْإِمَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَجَابَ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ الْغَنِيَّ مِنْ أَهْلِهَا) أَيْ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ فِي الْجُمْلَةِ وَلِهَذَا حَلَّتْ لَهُ إذَا كَانَ عَامِلًا (وَإِنَّمَا الْغَنِيُّ مَانِعٌ وَلَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الْمَوْلَى، وَأَمَّا الْهَاشِمِيُّ فَلَيْسَ بِأَهْلٍ لَهَا أَصْلًا لِأَنَّهُ صِينَ لِشَرَفِهِ. وَكَرَامَتِهِ عَنْ أَوْسَاخِ النَّاسِ فَأُلْحِقَ بِهِ مَوْلَاهُ) وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: حُرْمَةُ الصَّدَقَةِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ تَشْرِيفٌ لَهُمْ، وَفِي إلْحَاقِ الْمَوَالِي بِهِمْ زِيَادَةٌ فِي التَّشْرِيفِ وَحُرْمَتُهَا عَلَى الْغَنِيِّ لِغِنَاهُ، وَفِي إلْحَاقِ مَوْلَاهُ بِهِ لَا يَزْدَادُ غِنًى، وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَوَابَ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ زُفَرُ مِنْ الْحَدِيثِ وَهُوَ أَنَّهُ غَيْرُ مُجْرًى عَلَى عُمُومِهِ، فَإِنَّ مَوْلَى الْهَاشِمِيِّ لَيْسَ كَهُوَ فِي الْكَفَاءَةِ بِالْإِجْمَاعِ فَوَجَبَ التَّأْوِيلُ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّعَاوُنِ وَالتَّنَاصُرِ لِأَنَّهُ مِنْ لَوَازِمِهِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ مِنْ الْقَوْمِ يَقُومُ بِنُصْرَتِهِمْ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: الْقِيَاسُ فِي الْكُلِّ سَوَاءٌ، وَهُوَ أَنْ لَا يَلْحَقَ مَوْلَى الْقَوْمِ بِهِمْ إلَّا أَنَّ وُرُودَ الْحَدِيثِ كَانَ فِي حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَهُوَ مَا رُوِيَ: «أَنَّ أَبَا رَافِعٍ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَتَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا، أَنْتَ مَوْلَانَا وَمَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» وَالْمَخْصُوصُ مِنْ الْقِيَاسِ بِالنَّصِّ لَا يَلْحَقُ بِهِ مَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَهَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِإِظْهَارِ فَضِيلَةِ قَرَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إلْحَاقِهِمْ مَوْلَاهُمْ بِهِمْ وَمَوْلَى التَّغْلِبِيِّ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ. وَقَوْلُهُ (وَمَا جَبَاهُ الْإِمَامُ) أَيْ جَمْعُهُ، وَالثُّغُورُ جَمْعُ

وَالْجِزْيَةُ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَسَدِّ الثُّغُورِ وَبِنَاءِ الْقَنَاطِرِ وَالْجُسُورِ، وَيُعْطَى قُضَاةُ الْمُسْلِمِينَ وَعُمَّالُهُمْ وَعُلَمَاؤُهُمْ مِنْهُ مَا يَكْفِيهِمْ، وَيُدْفَعُ مِنْهُ أَرْزَاقُ الْمُقَاتِلَةِ وَذَرَارِيِّهِمْ) ؛ لِأَنَّهُ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنَّهُ وَصَلَ إلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ وَهُوَ مُعَدٌّ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَهَؤُلَاءِ عَمَلَتُهُمْ وَنَفَقَةُ الذَّرَارِيِّ عَلَى الْآبَاءِ، فَلَوْ لَمْ يُعْطَوْا كِفَايَتَهُمْ لَاحْتَاجُوا إلَى الِاكْتِسَابِ فَلَا يَتَفَرَّغُونَ لِلْقِتَالِ (وَمَنْ مَاتَ فِي نِصْفِ السَّنَةِ فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْعَطَاءِ) لِأَنَّهُ نَوْعُ صِلَةٍ وَلَيْسَ بِدَيْنٍ؛ وَلِهَذَا سُمِّيَ عَطَاءً فَلَا يُمْلَكُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَيَسْقُطُ بِالْمَوْتِ، وَأَهْلُ الْعَطَاءِ فِي زَمَانِنَا مِثْلُ الْقَاضِي وَالْمُدَرِّسِ وَالْمُفْتِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQثَغْرٍ وَهُوَ مَوْضِعُ مَخَافَةِ الْبُلْدَانِ، وَالْقَنْطَرَةُ مَا لَا يُرْفَعُ، وَالْجِسْرُ مَا يُرْفَعُ. (قَوْلُهُ وَهَؤُلَاءِ عَمَلَتُهُمْ) أَيْ الْقُضَاةُ وَعُمَّالُهُمْ وَالْعُلَمَاءُ عَمَلَةُ الْمُسْلِمِينَ وَالْعَمَلَةُ جَمْعُ عَامِلٍ (قَوْلُهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْعَطَاءِ) الْعَطَاءُ مَا يُكْتَبُ لِلْغُزَاةِ فِي الدِّيوَانِ وَلِكُلِّ مَنْ قَامَ بِأَمْرٍ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ كَالْقَاضِي وَالْمُفْتِي وَالْمُدَرِّسِ، وَفِي الِابْتِدَاءِ كَانَ يُعْطِي كُلَّ مَنْ كَانَ لَهُ ضَرْبُ مَزِيَّةٍ فِي الْإِسْلَامِ كَأَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَوْلَادِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ فِي آخِرِ السَّنَةِ لَا يُورَثُ الْعَطَاءُ لِأَنَّهُ صِلَةٌ فَلَا يُمْلَكُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِنَّمَا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي نِصْفِ السَّنَةِ، لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ فِي آخِرِ السَّنَةِ يُسْتَحَبُّ صَرْفُ ذَلِكَ إلَى قَرِيبِهِ لِأَنَّهُ قَدْ أَوْفَى عَنَاءَهُ فَيُسْتَحَبُّ الصَّرْفُ إلَى قَرِيبِهِ لِيَكُونَ أَقْرَبَ إلَى الْوَفَاءِ.

[باب أحكام المرتدين]

بَابُ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّينَ قَالَ (وَإِذَا ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ شُبْهَةٌ كُشِفَتْ عَنْهُ) لِأَنَّهُ عَسَاهُ اعْتَرَتْهُ شُبْهَةٌ فَتُزَاحُ، وَفِيهِ دَفْعُ شَرِّهِ بِأَحْسَنِ الْأَمْرَيْنِ، إلَّا أَنَّ الْعَرْضَ عَلَى مَا قَالُوا غَيْرُ وَاجِبٍ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ بَلَغَتْهُ. قَالَ (وَيُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ أَسْلَمَ وَإِلَّا قُتِلَ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: الْمُرْتَدُّ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فَإِنْ أَبَى قُتِلَ) وَتَأْوِيلُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَسْتَمْهِلُ فَيُمْهَلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّينَ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ أَحْكَامَ الْكُفْرِ الطَّارِئِ، لِأَنَّ الطَّارِئَ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ وُجُودِ الْأَصْلِيِّ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّ الْعَرْضَ عَلَى مَا قَالُوا غَيْرُ وَاجِبٍ) ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْإِيضَاحِ: وَيُسْتَحَبُّ عَرْضُ الْإِسْلَامِ عَلَى الْمُرْتَدِّينَ، هَكَذَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ لِأَنَّ رَجَاءَ الْعَوْدِ إلَى الْإِسْلَامِ ثَابِتٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الرِّدَّةَ كَانَتْ بِاعْتِرَاضِ شُبْهَةٍ. وَقَوْلُهُ (وَتَأْوِيلُ الْأَوَّلِ) يَعْنِي بِهِ قَوْلَهُ وَيُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (أَنَّهُ يُسْتَمْهَلُ) أَيْ يَطْلُبُ الْمُهْلَةَ فَيُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَطْلُبْ فَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ مُتَعَنِّتٌ فِي ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِقَتْلِهِ، إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسْتَتَابَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ كَافِرٍ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ. فَإِنْ قِيلَ: تَقْدِيرُ الْمُدَّةِ هَاهُنَا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ نَصَبَ الْحُكْمَ بِالرَّأْيِ فِيمَا لَا مَدْخَلَ لَهُ فِيهِ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَقَادِيرِ. أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ إثْبَاتِ الْحُكْمِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ، لِأَنَّ وُرُودَ النَّصِّ فِي خِيَارِ الْبَيْعِ بِثَلَاثَةِ

لِأَنَّهَا مُدَّةٌ ضُرِبَتْ لِإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَجِّلَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ طَلَبَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَطْلُبْ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُؤَجِّلَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ارْتِدَادَ الْمُسْلِمِ يَكُونُ عَنْ شُبْهَةٍ ظَاهِرًا فَلَا بُدَّ مِنْ مُدَّةٍ يُمْكِنُهُ التَّأَمُّلُ فَقَدَّرْنَاهَا بِالثَّلَاثَةِ. وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] مِنْ غَيْرِ قَيْدِ الْإِمْهَالِ، وَكَذَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» وَلِأَنَّهُ كَافِرٌ حَرْبِيٌّ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ فَيُقْتَلُ لِلْحَالِ مِنْ غَيْرِ اسْتِمْهَالٍ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْوَاجِبِ لِأَمْرٍ مَوْهُومٍ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ لِإِطْلَاقِ الدَّلَائِلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيَّامٍ وَرَدَ فِيهِ، لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ هُنَاكَ إنَّمَا كَانَ لِلتَّأَمُّلِ، وَالتَّقْدِيرُ بِهَا هَاهُنَا أَيْضًا لِلتَّأَمُّلِ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ كَافِرٌ حَرْبِيٌّ) بَيَانُهُ أَنَّهُ كَافِرٌ حَرْبِيٌّ لَا مَحَالَةَ وَلَيْسَ بِمُسْتَأْمَنٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَطْلُبْ الْأَمَانَ وَلَا ذِمِّيٍّ لِأَنَّهُ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ الْجِزْيَةُ فَكَانَ حَرْبِيًّا. وَقَوْلُهُ (لِإِطْلَاقِ الدَّلَائِلِ) يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

وَكَيْفِيَّةُ تَوْبَتِهِ أَنْ يَتَبَرَّأَ عَنْ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا سِوَى الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا دِينَ لَهُ، وَلَوْ تَبَرَّأَ عَمَّا انْتَقَلَ إلَيْهِ كَفَاهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» (وَكَيْفِيَّةُ تَوْبَتِهِ أَنْ يَتَبَرَّأَ عَنْ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا) يَعْنِي بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِالشَّهَادَتَيْنِ

قَالَ (فَإِنْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ كُرِهَ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاتِلِ) وَمَعْنَى الْكَرَاهِيَةِ هَاهُنَا تَرْكُ الْمُسْتَحَبِّ وَانْتِفَاءُ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ مُبِيحٌ لِلْقَتْلِ، وَالْعَرْضُ بَعْدَ بُلُوغِ الدَّعْوَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ. (وَأَمَّا الْمُرْتَدَّةُ فَلَا تُقْتَلُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُقْتَلُ لِمَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّ رِدَّةَ الرَّجُلِ مُبِيحَةٌ لِلْقَتْلِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جِنَايَةٌ مُتَغَلَّظَةٌ فَتُنَاطُ بِهَا عُقُوبَةٌ مُتَغَلَّظَةٌ وَرِدَّةُ الْمَرْأَةِ تُشَارِكُهَا فِيهَا فَتُشَارِكُهَا فِي مُوجِبِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQ (وَأَمَّا الْمُرْتَدَّةُ فَلَا تُقْتَلُ) فَإِنْ قَتَلَهَا رَجُلٌ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. وَقَوْلُهُ (لِمَا رَوَيْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ تَعُمُّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185]

وَلَنَا «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ» ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ تَأْخِيرُ الْأَجْزِيَةِ إلَى دَارِ الْآخِرَةِ إذْ تَعْجِيلُهَا يُخِلُّ بِمَعْنَى الِابْتِلَاءِ، وَإِنَّمَا عُدِلَ عَنْهُ دَفْعًا لِشَرٍّ نَاجِزٍ وَهُوَ الْحِرَابُ، وَلَا يَتَوَجَّهُ ذَلِكَ مِنْ النِّسَاءِ؛ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّةِ الْبِنْيَةِ، بِخِلَافِ الرِّجَالِ فَصَارَتْ الْمُرْتَدَّةُ كَالْأَصْلِيَّةِ قَالَ (وَلَكِنْ تُحْبَسُ حَتَّى تُسْلِمَ) ؛ لِأَنَّهَا امْتَنَعَتْ عَنْ إيفَاءِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ الْإِقْرَارِ فَتُجْبَرُ عَلَى إيفَائِهِ بِالْحَبْسِ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَتُجْبَرُ الْمَرْأَةُ عَلَى الْإِسْلَامِ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِأَنَّ رِدَّةَ الرَّجُلِ مُبِيحَةٌ لِلْقَتْلِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا جِنَايَةٌ مُتَغَلِّظَةٌ) وَكُلُّ مَا هُوَ جِنَايَةٌ مُتَغَلِّظَةٌ (يُنَاطُ بِهَا عُقُوبَةٌ مُتَغَلِّظَةٌ، وَرِدَّةُ الْمَرْأَةِ تُشَارِكُ رِدَّةَ الرَّجُلِ فِي هَذِهِ الْعِلَّةِ فَيَجِبُ أَنْ تُشَارِكَهَا فِي مُوجَبِهَا) لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي الْعِلَّةِ يُوجِبُ الِاشْتِرَاكَ فِي الْمَعْلُولِ وَصَارَ كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالسَّرِقَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إثْبَاتُ مَا يُدْرَأُ بِالرَّأْيِ وَلَنَا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ» وَلِأَنَّ الْقَتْلَ جَزَاءُ الْكُفْرِ (وَالْأَصْلُ فِي الْأَجْزِيَةِ تَأْخِيرُهَا إلَى دَارِ الْجَزَاءِ وَهِيَ الْآخِرَةُ لِأَنَّ تَعْجِيلَهَا يُخِلُّ بِمَعْنَى الِابْتِلَاءِ) الَّذِي هُوَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى إظْهَارُ عِلْمِهِ لِأَنَّ النَّاسَ يَمْتَنِعُونَ خَوْفًا مِنْ لُحُوقِهِ فَصَارُوا فِي الْمَعْنَى كَالْمَجْبُورِينَ وَفِيهِ إخْلَالٌ بِالِابْتِلَاءِ (وَإِنَّمَا عُدِلَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ إلَى تَعْجِيلِ بَعْضِهَا (دَفْعًا لِشَرٍّ نَاجِزٍ وَهُوَ الْحِرَابُ، وَلَا يَتَوَجَّهُ ذَلِكَ فِي النِّسَاءِ) لِأَنَّ بِنْيَتَهُنَّ غَيْرُ صَالِحَةٍ لِذَلِكَ (بِخِلَافِ الرِّجَالِ فَصَارَتْ الْمُرْتَدَّةُ كَالْأَصْلِيَّةِ) وَالْكَافِرَةُ الْأَصْلِيَّةُ لَا تُقْتَلُ فَكَذَا الْمُرْتَدَّةُ. وَمَا قِيلَ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَتَلَ مُرْتَدَّةً» فَقَدْ قِيلَ إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَقْتُلْهَا بِمُجَرَّدِ الرِّدَّةِ بَلْ لِأَنَّهَا كَانَتْ سَاحِرَةً شَاعِرَةً تَهْجُو رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ لَهَا ثَلَاثُونَ ابْنًا وَهِيَ تُحَرِّضُهُمْ عَلَى قِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَ بِقَتْلِهَا. وَالْجَوَابُ عَمَّا رُوِيَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُجْرًى عَنْ ظَاهِرِهِ لِأَنَّ التَّبْدِيلَ يَتَحَقَّقُ مِنْ الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ، فَعَرَفْنَا أَنَّهُ عَامٌّ لِحَقِّهِ خُصُوصٌ فَيُخَصَّصُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ بِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَعْنَى، وَقَوْلُهُ (وَلَكِنْ تُحْبَسُ) ظَاهِرٌ وَأَعَادَ رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى ذِكْرِ الْجَبْرِ وَالْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ.

وَالْأَمَةُ يُجْبِرُهَا مَوْلَاهَا) أَمَّا الْجَبْرُ فَلِمَا ذَكَرْنَا، وَمِنْ الْمَوْلَى؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ، وَيُرْوَى تُضْرَبُ فِي كُلِّ أَيَّامٍ مُبَالَغَةً فِي الْحَمْلِ عَلَى الْإِسْلَامِ. قَالَ (وَيَزُولُ مِلْكُ الْمُرْتَدِّ عَنْ أَمْوَالِهِ بِرِدَّتِهِ زَوَالًا مُرَاعًى، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَالْأَمَةُ يُجْبِرُهَا مَوْلَاهَا) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا ارْتَدَّتْ الْأَمَةُ وَاحْتَاجَ الْمَوْلَى إلَى خِدْمَتِهَا دُفِعَتْ إلَيْهِ وَأَمَرَهُ الْقَاضِي أَنْ يُجْبِرَهَا عَلَى الْإِسْلَامِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (أَمَّا الْجَبْرُ فَلِمَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي أَنَّهَا امْتَنَعَتْ عَنْ إيفَاءِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ الْإِقْرَارِ (وَمِنْ الْمَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ) أَيْ الْجَبْرِ وَالِاسْتِخْدَامِ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ فِي الْكِتَابِ حَاجَةُ الْمَوْلَى إلَى خِدْمَتِهَا وَهِيَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَشَرَطَهَا فِي رِوَايَةٍ. قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تُدْفَعُ إلَى الْمَوْلَى احْتَاجَ إلَيْهَا أَوْ اسْتَغْنَى. وَقَالَ: وَكَذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ طَلَبُ الْمَوْلَى. فَإِنْ قِيلَ: لِلْمَوْلَى حَقُّ الِاسْتِخْدَامِ فِي الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ جَمِيعًا فَكَيْفَ دُفِعَتْ إلَيْهِ الْأَمَةُ دُونَ الْعَبْدِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا أَبَى قُتِلَ فَلَا فَائِدَةَ فِي الدَّفْعِ إلَى الْمَوْلَى قَالَ (وَيَزُولُ مِلْكُ الْمُرْتَدِّ عَنْ أَمْوَالِهِ بِرِدَّتِهِ زَوَالًا مُرَاعًى) أَيْ مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ حَالُهُ،

فَإِنْ أَسْلَمَ عَادَتْ عَلَى حَالِهَا، قَالُوا: هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَزُولُ مِلْكُهُ) ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ مُحْتَاجٌ، فَإِلَى أَنْ يُقْتَلَ يَبْقَى مِلْكُهُ كَالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِالرَّجْمِ وَالْقِصَاصِ. وَلَهُ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ مَقْهُورٌ تَحْتَ أَيْدِينَا حَتَّى يُقْتَلَ، وَلَا قَتْلَ إلَّا بِالْحِرَابِ، وَهَذَا يُوجِبُ زَوَالَ مِلْكِهِ وَمَالِكِيَّتِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ مَدْعُوٌّ إلَى الْإِسْلَامِ بِالْإِجْبَارِ عَلَيْهِ وَيُرْجَى عَوْدُهُ إلَيْهِ فَتَوَقَّفْنَا فِي أَمْرِهِ، فَإِنْ أَسْلَمَ جُعِلَ الْعَارِضُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ وَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا وَلَمْ يَعْمَلْ السَّبَبُ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَحُكِمَ بِلَحَاقِهِ اسْتَقَرَّ كُفْرُهُ فَيَعْمَلُ السَّبَبُ عَمَلَهُ وَزَالَ مِلْكُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ أَسْلَمَ عَادَتْ عَلَى حَالِهَا، قَالُوا) أَيْ الْمَشَايِخُ (هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَزُولُ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ مُحْتَاجٌ) وَكُلُّ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ يَجِبُ عَدَمُ زَوَالِ مِلْكِهِ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إقَامَةِ مُوجَبِ التَّكْلِيفِ إلَّا بِالْمِلْكِ، فَيَبْقَى مِلْكُهُ (إلَى أَنْ يُقْتَلَ كَالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِالرَّجْمِ وَالْقِصَاصِ) وَالْجَامِعُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ مُكَلَّفٌ مُبَاحُ الدَّمِ (وَلَهُ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ مَقْهُورٌ تَحْتَ أَيْدِينَا) بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُقْتَلُ (وَلَا قَتْلَ إلَّا بِالْحِرَابِ) فَكَانَ الْقَتْلُ هَاهُنَا مُسْتَلْزِمًا لِلْحِرَابِ لِأَنَّ نَفْسَ الْكُفْرِ لَيْسَ بِمُبِيحٍ لَهُ وَلِهَذَا لَا يُقْتَلُ الْأَعْمَى وَالْمُقْعَدُ وَالشَّيْخُ الْفَانِي، وَقَدْ تَحَقَّقَ الْمَلْزُومُ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ كَوْنُهُ مِمَّنْ يَقْتُلُ فَلَا بُدَّ مِنْ لَازِمِهِ وَهُوَ كَوْنُهُ حَرْبِيًّا (وَهَذَا) أَيْ كَوْنُهُ حَرْبِيًّا مَقْهُورًا تَحْتَ أَيْدِينَا (يُوجِبُ زَوَالَ مِلْكِهِ وَمَالِكِيَّتِهِ) لِأَنَّ الْمَقْهُورِيَّةَ أَمَارَةُ الْمَمْلُوكِيَّةِ، فَإِذَا كَانَ مَقْهُورًا ارْتَفَعَتْ مَالِكِيَّتُهُ، وَارْتِفَاعُهَا يَسْتَلْزِمُ ارْتِفَاعَ الْمِلْكِ لِأَنَّ ارْتِفَاعَ الْمَالِكِيَّةِ مَعَ بَقَاءِ الْمِلْكِ مُحَالٌ (غَيْرَ أَنَّهُ مَدْعُوٌّ إلَى الْإِسْلَامِ بِالْإِجْبَارِ عَلَيْهِ وَعَوْدُهُ مَرْجُوٌّ) وَذَلِكَ يُوجِبُ بَقَاءَ الْمَالِكِيَّةِ لِأَنَّهُ حَيٌّ مُكَلَّفٌ يَحْتَاجُ إلَى مَا يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ أَدَاءِ مَا كُلِّفَ بِهِ، فَبِالنَّظَرِ إلَى الْأَوَّلِ يَزُولُ مِلْكُهُ، وَبِالنَّظَرِ إلَى الثَّانِي لَا يَزُولُ (فَتَوَقَّفْنَا فِي أَمْرِهِ) وَقُلْنَا بِزَوَالٍ مَوْقُوفٍ (فَإِنْ أَسْلَمَ جُعِلَ الْعَارِضُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ وَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا وَلَمْ يَعْمَلْ السَّبَبُ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَحُكِمَ بِلَحَاقِهِ اسْتَقَرَّ كُفْرُهُ فَعَمِلَ السَّبَبُ عَمَلَهُ وَزَالَ مِلْكُهُ) لَا يُقَالُ: إذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يَخْرُجَ الْمَالُ عَنْ مِلْكِهِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى هَذَا الدَّلِيلِ

قَالَ (وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ انْتَقَلَ مَا اكْتَسَبَهُ فِي إسْلَامِهِ إلَى وَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ مَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ فَيْئًا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: كِلَاهُمَا لِوَرَثَتِهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: كِلَاهُمَا فَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ كَافِرًا وَالْمُسْلِمُ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ، ثُمَّ هُوَ مَالُ حَرْبِيٍّ لَا أَمَانَ لَهُ فَيَكُونُ فَيْئًا. وَلَهُمَا أَنَّ مِلْكَهُ فِي الْكَسْبَيْنِ بَعْدَ الرِّدَّةِ بَاقٍ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَيَنْتَقِلُ بِمَوْتِهِ إلَى وَرَثَتِهِ وَيَسْتَنِدُ إلَى مَا قُبَيْلَ رِدَّتِهِ إذْ الرِّدَّةُ سَبَبُ الْمَوْتِ فَيَكُونُ تَوْرِيثَ الْمُسْلِمِ مِنْ الْمُسْلِمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. لِأَنَّا نَقُولُ: ذَلِكَ مُقْتَضَاهُ إذَا تَسَاوَى الْجِهَتَانِ وَأَفْضَى إلَى الشَّكِّ، وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ جِهَةَ الْخُرُوجِ ظَنٌّ وَجِهَةُ عَدَمِهِ دُونَهُ فَيَلْزَمُ التَّوَقُّفُ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ احْتِرَازًا عَنْ إحْبَاطِ طَاعَاتِهِ وَوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ وَتَجْدِيدِ الْإِيمَانِ، فَإِنَّ الِارْتِدَادَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا قَدْ عَمِلَ عَمَلَهُ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ) أَعَادَهُ لِأَنَّهُ لَفْظُ الْقُدُورِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالْأَوَّلُ كَانَ لَفْظُهُ ذَكَرَهُ شَرْحًا لِلْكَلَامِ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ هُوَ مَالُ حَرْبِيٍّ فَيَكُونُ فَيْئًا) يَعْنِي يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِيَكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَالٌ ضَائِعٌ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ مُحْتَاجٌ إلَخْ. وَقَوْلُهُ (وَيَسْتَنِدُ) يَعْنِي التَّوْرِيثَ (إلَى مَا قُبَيْلَ رِدَّتِهِ) فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ فَوَرِثَهُ وَرَثَتُهُ مِنْهُ مِنْ وَقْتِ الْإِسْلَامِ

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُمْكِنُ الِاسْتِنَادُ فِي كَسْبِ الْإِسْلَامِ لِوُجُودِهِ قَبْلَ الرِّدَّةِ، وَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِنَادُ فِي كَسْبِ الرِّدَّةِ لِعَدَمِهِ قَبْلَهَا وَمِنْ شَرْطِهِ وُجُودُهُ، ثُمَّ إنَّمَا يَرِثُهُ مَنْ كَانَ وَارِثًا لَهُ حَالَةَ الرِّدَّةِ وَبَقِيَ وَارِثًا إلَى وَقْتِ مَوْتِهِ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارًا لِلِاسْتِنَادِ. وَعَنْهُ أَنَّهُ يَرِثُهُ مَنْ كَانَ وَارِثًا لَهُ عِنْدَ الرِّدَّةِ، وَلَا يَبْطُلُ اسْتِحْقَاقُهُ بِمَوْتِهِ بَلْ يَخْلُفُهُ وَارِثُهُ؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ. وَعَنْهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ وُجُودُ الْوَارِثِ عِنْدَ الْمَوْتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُمْكِنُ الِاسْتِنَادُ) أَيْ اسْتِنَادُ التَّوْرِيثِ (فِي كَسْبِ الْإِسْلَامِ لِوُجُودِهِ) أَيْ لِوُجُودِ الْكَسْبِ (قَبْلَ الرِّدَّةِ، وَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِنَادُ فِي كَسْبِ الرِّدَّةِ لِعَدَمِهِ قَبْلَهَا) أَيْ لِعَدَمِ الْكَسْبِ قَبْلَ الرِّدَّةِ (وَمِنْ شَرْطِهِ وُجُودُهُ) قَبْلَهَا أَيْ وَمِنْ شَرْطِ اسْتِنَادِ التَّوْرِيثِ وُجُودُ الْكَسْبِ قَبْلَ الرِّدَّةِ لِيَكُونَ فِيهِ تَوْرِيثُ الْمُسْلِمِ مِنْ الْمُسْلِمِ. لِأَنَّا لَوْ قُلْنَا بِالتَّوْرِيثِ فِيمَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ الرِّدَّةِ لَزِمَ تَوْرِيثُ الْمُسْلِمِ مِنْ الْكَافِرِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ (ثُمَّ إنَّمَا يَرِثُهُ مَنْ كَانَ وَارِثًا لَهُ حَالَةَ الرِّدَّةِ وَبَقِيَ وَارِثًا إلَى وَقْتِ مَوْتِهِ) حَتَّى لَوْ حَدَثَ لَهُ وَارِثٌ بَعْدَ الرِّدَّةِ بِأَنْ أَسْلَمَ بَعْضُ قَرَابَتِهِ أَوْ وَلَدٌ لَهُ مِنْ عُلُوقٍ حَادِثٍ بَعْدَ رِدَّتِهِ لَا يَرِثُهُ (فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْهُ (اعْتِبَارًا لِلِاسْتِنَادِ) يَعْنِي أَنَّ الرِّدَّةَ يَثْبُتُ بِهَا الْإِرْثُ بَعْدَ وُجُودِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ الْمَوْتِ وَالْقَتْلِ وَالْحُكْمِ بِلَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ قَبْلَ وُجُودِهَا، فَإِذَا وُجِدَتْ صَارَ كَأَنَّ الْوَارِثَ وَرِثَهُ حِينَ الرِّدَّةِ فَلِأَجْلِ هَذَا شَرَطَ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا إلَى وُجُودِ أَحَدِهِمَا (وَعَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (أَنَّهُ يَرِثُهُ مَنْ كَانَ وَارِثًا لَهُ عِنْدَ الرِّدَّةِ ثُمَّ لَا يَبْطُلُ اسْتِحْقَاقُهُ بِمَوْتِهِ) أَيْ بِمَوْتِ الْوَارِثِ (بَلْ يَخْلُفُهُ وَارِثُهُ لِأَنَّ الرِّدَّةَ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ) فِي التَّوْرِيثِ، وَمَنْ مَاتَ مِنْ الْوَرَثَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ قَبْلَ قِسْمَةِ مِيرَاثِهِ لَا يَبْطُلُ اسْتِحْقَاقُهُ وَلَكِنْ يَخْلُفُهُ وَارِثُهُ فِيهِ فَهَذَا كَذَلِكَ (وَعَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ، قِيلَ وَهُوَ الْأَصَحُّ (أَنَّهُ يُعْتَبَرُ وُجُودُ الْوَارِثِ عِنْدَ الْمَوْتِ) يَعْنِي أَحَدَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ سَوَاءٌ كَانَ مَوْجُودًا

لِأَنَّ الْحَادِثَ بَعْدَ انْعِقَادِ السَّبَبِ قَبْلَ تَمَامِهِ كَالْحَادِثِ قَبْلَ انْعِقَادِهِ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ الْحَادِثِ مِنْ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ. وَتَرِثُهُ امْرَأَتُهُ الْمُسْلِمَةُ إذَا مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فَارًّا، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا وَقْتَ الرِّدَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقْتَ الرِّدَّةِ أَوْ حَدَثَ بَعْدَهُ (لِأَنَّ الْحَادِثَ بَعْدَ انْعِقَادِ السَّبَبِ قَبْلَ تَمَامِهِ كَالْحَادِثِ قَبْلَ انْعِقَادِهِ كَمَا فِي الْوَلَدِ الْحَادِثِ مِنْ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ) فِي أَنَّهُ يَصِيرُ مَعْقُودًا عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ فَيَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ يُشْتَرَطُ الْوَصْفَانِ وَهُمَا كَوْنُهُ وَارِثًا وَقْتَ الرِّدَّةِ وَكَوْنُهُ بَاقِيًا إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ أَوْ الْقَتْلِ؛ حَتَّى لَوْ كَانَ وَارِثًا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُرْتَدِّ أَوْ حَدَثَ وَارِثٌ بَعْدَ الرِّدَّةِ فَإِنَّهُمَا لَا يَرِثَانِ. وَعَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُشْتَرَطُ الْوَصْفُ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي. وَعَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ يُشْتَرَطُ الْوَصْفُ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ (وَتَرِثُهُ امْرَأَتُهُ الْمُسْلِمَةُ إذَا مَاتَ أَوْ قُتِلَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فَارًّا وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا) لِأَنَّهَا سَبَبٌ لِلْهَلَاكِ كَالْمَرَضِ فَأَشْبَهَ رِدَّتَهُ الَّتِي حَصَلَتْ بِهَا الْبَيْنُونَةُ لِلطَّلَاقِ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ، وَالطَّلَاقُ الْبَائِنُ حَالَةَ الْمَرَضِ يُوجِبُ الْإِرْثَ إذَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ. فَإِنْ قِيلَ: أَبُو حَنِيفَةَ يُسْنِدُ التَّوْرِيثَ إلَى مَا قَبْلَ الرِّدَّةِ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ أَنْ لَا يَتَفَاوَتَ الْحُكْمُ بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا لِأَنَّ الرِّدَّةَ مَوْتٌ وَامْرَأَةُ الْمَيِّتِ تَرِثُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ لَمْ تَكُنْ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَوْتَ الْحَقِيقِيَّ سَبَبٌ لِلْإِرْثِ حَقِيقَةً فَيَسْتَوِي فِيهِ الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُهَا، وَأَمَّا الرِّدَّةُ فَإِنَّهَا جُعِلَتْ مَوْتًا حُكْمًا لِيَكُونَ تَوْرِيثُ الْمُسْلِمِ مِنْ الْمُسْلِمِ فَهِيَ ضَعِيفَةٌ فِي السَّبَبِيَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْوِيَتِهَا بِمَا هُوَ مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ مِنْ الدُّخُولِ وَقِيَامِ الْعِدَّةِ. .

وَالْمُرْتَدَّةُ كَسْبُهَا لِوَرَثَتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا حِرَابَ مِنْهَا فَلَمْ يُوجَدْ سَبَبُ الْفَيْءِ، بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَيَرِثُهَا زَوْجُهَا الْمُسْلِمُ إنْ ارْتَدَّتْ وَهِيَ مَرِيضَةٌ لِقَصْدِهَا إبْطَالَ حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً لَا يَرِثُهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهُ بِمَالِهَا بِالرِّدَّةِ، بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ. قَالَ: (وَإِنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِلَحَاقِهِ عَتَقَ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَحَلَّتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) فَإِنَّ مَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ فَهُوَ فَيْءٌ عِنْدَهُ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَا حِرَابَ مِنْهَا، وَمَعْنَاهُ فَلَا قَتْلَ إذْ ذَاكَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمُلَازَمَةِ. وَحَاصِلُ الْفَرْقِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُقْتَلُ وَالرَّجُلُ يُقْتَلُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ عِصْمَةَ الْمَالِ تَبَعٌ لِعِصْمَةِ النَّفْسِ، وَبِالرِّدَّةِ لَا تَزُولُ عِصْمَةُ نَفْسِهَا حَتَّى لَا تُقْتَلَ فَكَذَلِكَ عِصْمَةُ مَالِهَا بِخِلَافِ الرَّجُلِ، فَلَمَّا كَانَتْ عِصْمَةُ مَالِهَا بَاقِيَةً بَعْدَ رِدَّتِهَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْكَسْبَيْنِ مِلْكَهَا فَيَكُونُ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهَا (وَيَرِثُهَا زَوْجُهَا الْمُسْلِمُ إنْ ارْتَدَّتْ وَهِيَ مَرِيضَةٌ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَرِثَهَا لِأَنَّ فِرَارَ الزَّوْجِ إنَّمَا كَانَ يَتَحَقَّقُ إذَا مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فِي مَرَضِهِ لَمْ يَكُنْ لَهَا الْمِيرَاثُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي عِدَّتِهِ ثُمَّ هَاهُنَا لَا عِدَّةَ عَلَى الرَّجُلِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَرِثَهَا الزَّوْجُ. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (لِقَصْدِهَا إبْطَالَ حَقِّهِ) وَبَيَانُهُ أَنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِمَالِهَا بِمَرَضِهَا فَكَانَتْ بِالرِّدَّةِ قَاصِدَةً إبْطَالَ حَقِّهِ فَارَّةً عَنْ مِيرَاثِهِ فَيُرَدُّ عَلَيْهَا قَصْدُهَا كَمَا فِي جَانِبِ الزَّوْجِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ صَحِيحَةً حِينَ ارْتَدَّتْ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِنَفْسِ الرِّدَّةِ فَلَمْ تَصِرْ مُشْرِفَةً عَلَى الْهَلَاكِ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ، بِخِلَافِ الرَّجُلِ فَلَا يَكُونُ فِي حُكْمِ الْفَارَّةِ الْمَرِيضَةِ فَلَا يَرِثُ زَوْجُهَا مِنْهَا (قَوْلُهُ وَإِنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا) إنْ لَحِقَ الْمُرْتَدُّ بِدَارِ الْحَرْبِ وَحَكَمَ الْقَاضِي بِلِحَاقِهِ (عَتَقَ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَحَلَّتْ

الدُّيُونُ الَّتِي عَلَيْهِ وَنُقِلَ مَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ إلَى وَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَبْقَى مَالُهُ مَوْقُوفًا كَمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ غَيْبَةٍ فَأَشْبَهَ الْغَيْبَةَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. وَلَنَا أَنَّهُ بِاللَّحَاقِ صَارَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَهُمْ أَمْوَاتٌ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ لِانْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْإِلْزَامِ كَمَا هِيَ مُنْقَطِعَةٌ عَنْ الْمَوْتَى فَصَارَ كَالْمَوْتِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ لَحَاقُهُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي لِاحْتِمَالِ الْعَوْدِ إلَيْنَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ، وَإِذَا تَقَرَّرَ مَوْتُهُ ثَبَتَتْ الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهِ وَهِيَ مَا ذَكَرْنَاهَا كَمَا فِي الْمَوْتِ الْحَقِيقِيِّ، ثُمَّ يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا عِنْدَ لَحَاقِهِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ اللَّحَاقَ هُوَ السَّبَبُ وَالْقَضَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالدُّيُونُ الَّتِي عَلَيْهِ، وَنُقِلَ مَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ إلَى وَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ) عِنْدَنَا (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يَبْقَى مَالُهُ مَوْقُوفًا) وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالِهِ (لِأَنَّهُ نَوْعُ غَيْبَةٍ فَأَشْبَهَ الْغَيْبَةَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) وَالْجَامِعُ كَوْنُهُ غَيْبَةً كَمَا تَرَى وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا (وَلَنَا أَنَّهُ بِاللِّحَاقِ صَارَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا) أَمَّا حَقِيقَةً فَلِأَنَّهُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَاعْتِقَادُهُ كَاعْتِقَادِهِمْ، وَأَمَّا حُكْمًا فَلِأَنَّهُ لَمَّا أَبْطَلَ إحْرَازَهُ نَفْسَهُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ حِينَ عَادَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ صَارَ حَرْبًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَأُعْطِيَ حُكْمَ أَهْلِ الْحَرْبِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَهُمْ كَالْمَيِّتِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ تَعَالَى {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: 122] وَلِأَنَّ وِلَايَةَ الْإِلْزَامِ مُنْقَطِعَةٌ عَنْهُمْ (كَمَا هِيَ مُنْقَطِعَةٌ عَنْ الْمَوْتَى إلَّا أَنَّ لِحَاقَهُ لَا يَسْتَقِرُّ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي لِاحْتِمَالِ الْعَوْدِ إلَيْنَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ، فَإِذَا تَقَرَّرَ مَوْتُهُ الْحُكْمِيُّ تَثْبُتُ الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهِ وَهِيَ مَا ذَكَرْنَاهَا) يَعْنِي قَوْلَهُ عَتَقَ مُدَبَّرُوهُ إلَخْ (كَمَا فِي الْمَوْتِ الْحَقِيقِيِّ) (قَوْلُهُ ثُمَّ يُعْتَبَرُ) ظَاهِرٌ، وَالضَّمِيرُ فِي لِتَقَرُّرِهِ لِلِّحَاقِ، وَقِيلَ

لِتَقَرُّرِهِ بِقَطْعِ الِاحْتِمَالِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: وَقْتَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَوْتًا بِالْقَضَاءِ، وَالْمُرْتَدَّةُ إذَا لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ فَهِيَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ. (وَتُقْضَى الدُّيُونُ الَّتِي لَزِمَتْهُ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ مِمَّا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ، وَمَا لَزِمَهُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ مِنْ الدُّيُونِ يُقْضَى مِمَّا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ) قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ عَصَمَهُ اللَّهُ: هَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَنْهُ أَنَّهُ يُبْدَأُ بِكَسْبِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ لَمْ يَفِ بِذَلِكَ يُقْضَى مِنْ كَسْبِ الرِّدَّةِ وَعَنْهُ عَلَى عَكْسِهِ. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالسَّبَبَيْنِ مُخْتَلِفٌ. وَحُصُولُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْكَسْبَيْنِ بِاعْتِبَارِ السَّبَبِ الَّذِي وَجَبَ بِهِ الدَّيْنُ فَيُقْضَى كُلُّ دَيْنٍ مِنْ الْكَسْبِ الْمُكْتَسَبِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لِيَكُونَ الْغُرْمُ بِالْغُنْمِ. وَجْهُ الثَّانِي أَنَّ كَسْبَ الْإِسْلَامِ مِلْكُهُ حَتَّى يَخْلُفَهُ الْوَارِثُ فِيهِ، وَمِنْ شَرْطِ هَذِهِ الْخِلَافَةِ الْفَرَاغُ عَنْ حَقِّ الْمُوَرِّثِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلسَّبَبِ وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ (قَوْلُهُ هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ) هُوَ رِوَايَةُ زُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَوْلُهُ (وَعَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (أَنَّهُ يُبْدَأُ بِكَسْبِ الْإِسْلَامِ) وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (قَوْلُهُ وَعَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ عَنْهُ (عَلَى عَكْسِهِ) وَهُوَ أَنْ يَبْدَأَ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ بِكَسْبِ الرِّدَّةِ (قَوْلُهُ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالسَّبَبَيْنِ) أَيْ الْمُدَايَنَتَيْنِ (مُخْتَلِفٌ) وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالسَّبَبَيْنِ مُخْتَلِفٌ وَالْمُؤَدَّى مِنْ كَسْبٍ وَاحِدٍ غَيْرُ مُخْتَلِفٍ، فَالْمُسْتَحَقُّ بِالسَّبَبَيْنِ غَيْرُ مُؤَدًّى مِنْ كَسْبٍ وَاحِدٍ فَلَا بُدَّ مِنْ أَدَائِهِ مِنْ كَسْبَيْنِ تَحْقِيقًا لِلِاخْتِلَافِ وَحُصُولِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْكَسْبَيْنِ بِاعْتِبَارِ السَّبَبِ الَّذِي وَجَبَ بِهِ الْمُسْتَحَقُّ وَهُوَ الدَّيْنُ فَيُضَافُ أَدَاؤُهُ إلَيْهِ لِيَكُونَ الْغُرْمُ بِإِزَاءِ الْغُنْمِ وَقَوْلُهُ (وَجْهُ الثَّانِي) تَقْرِيرُهُ أَنَّ كَسْبَ الْإِسْلَامِ مِلْكُهُ وَكُلُّ مَا هُوَ مِلْكُهُ يَخْلُفُهُ الْوُرَّاثُ فِيهِ، وَمِنْ شَرْطِ هَذِهِ الْخِلَافَةِ

فَيُقَدَّمُ بِالدَّيْنِ عَلَيْهِ، أَمَّا كَسْبُ الرِّدَّةِ فَلَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ؛ لِبُطْلَانِ أَهْلِيَّةِ الْمِلْكِ بِالرِّدَّةِ عِنْدَهُ فَلَا يُقْضَى دَيْنُهُ مِنْهُ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ قَضَاؤُهُ مِنْ مَحِلٍّ آخَرَ فَحِينَئِذٍ يُقْضَى مِنْهُ، كَالذِّمِّيِّ إذَا مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ يَكُونُ مَالُهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُقْضَى مِنْهُ كَذَلِكَ هَاهُنَا. وَجْهُ الثَّالِثِ أَنَّ كَسْبَ الْإِسْلَامِ حَقُّ الْوَرَثَةِ وَكَسْبَ الرِّدَّةِ خَالِصُ حَقِّهِ، فَكَانَ قَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُ أَوْلَى إلَّا إذَا تَعَذَّرَ بِأَنْ لَمْ يَفِ بِهِ فَحِينَئِذٍ يُقْضَى مِنْ كَسْبِ الْإِسْلَامِ تَقْدِيمًا لِحَقِّهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَرَاغُ عَنْ حَقِّ الْمُوَرِّثِ فَيُقَدَّمُ الدَّيْنُ، وَأَمَّا كَسْبُ الرِّدَّةِ فَلَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ لِبُطْلَانِ أَهْلِيَّةِ الْمِلْكِ بِالرِّدَّةِ عِنْدَهُ فَلَا يُقْضَى دَيْنُهُ مِنْهُ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ قَضَاؤُهُ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبُ الْإِسْلَامِ. فَإِنْ قِيلَ: لَمَّا لَمْ يَكُنْ مِلْكَهُ كَيْفَ يُؤَدَّى مِنْهُ دَيْنُهُ؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ (كَالذِّمِّيِّ إذَا مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ) فَلَمْ يَبْقَ لَهُ مِلْكٌ فِيمَا اكْتَسَبَهُ بَلْ يَكُونُ مَالُهُ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُقْضَى مِنْهُ. وَقَوْلُهُ (وَجْهُ الثَّالِثِ أَنَّ كَسْبَ الْإِسْلَامِ حَقُّ الْوَرَثَةِ) تَقْرِيرُهُ: كَسْبُ الْإِسْلَامِ حَقُّ الْوَرَثَةِ وَكَسْبُ الرِّدَّةِ خَالِصُ حَقِّهِ، وَقَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْ خَالِصِ حَقِّهِ أَوْلَى مِنْهُ مِنْ حَقِّ غَيْرِهِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ بِأَنْ لَمْ يَفِ بِهِ فَحِينَئِذٍ يُقْضَى دَيْنُهُ مِنْ كَسْبِ الْإِسْلَامِ تَقْدِيمًا لِحَقِّهِ. وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ مَا قِيلَ إنَّ هَذَا يُنَاقِضُ قَوْلَهُ: أَمَّا كَسْبُ الرِّدَّةِ فَلَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ لِبُطْلَانِ أَهْلِيَّةِ الْمِلْكِ بِالرِّدَّةِ. وَالثَّانِي أَنَّ كَوْنَ كَسْبِ الْإِسْلَامِ حَقَّ الْوَرَثَةِ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ حَقَّهُمْ إنَّمَا يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِالتَّرِكَةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ عَنْ حَقِّ الْمُوَرِّثِ. وَالثَّالِثُ أَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ خَالِصِ حَقِّهِ وَاجِبٌ وَمِنْ حَقِّ غَيْرِهِ مُمْتَنِعٌ، فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ فَكَانَ قَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُ أَوْلَى. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمَعْنَى مِنْ خُلُوصِ الْحَقِّ هَاهُنَا هُوَ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ حَقُّ الْغَيْرِ بِهِ كَمَا ثَبَتَ التَّعَلُّقُ فِي مَالِ الْمَرِيضِ، ثُمَّ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ خَالِصَ حَقِّهِ كَوْنُهُ مِلْكًا لَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ كَسْبَ الْمُكَاتَبِ خَالِصُ حَقِّهِ وَلَيْسَ بِمِلْكٍ لَهُ، وَكَذَلِكَ الذِّمِّيُّ إذَا مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا آنِفًا. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الدَّيْنَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ، لَا بِمَا زَالَ مِنْ قَبْلُ، وَكَسْبُ الْإِسْلَامِ قَدْ زَالَ وَانْتَقَلَ بِالرِّدَّةِ إلَى الْوَرَثَةِ، وَكَسْبُهُ فِي الرِّدَّةِ هُوَ مَالُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيَتَعَلَّقُ الدَّيْنُ بِهِ. وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّ كَسْبَ الْإِسْلَامِ بِعَرْضِيَّةِ أَنْ يَصِيرَ خَالِصَ حَقِّهِ بِالتَّوْبَةِ، فَكَانَ أَحَدُهُمَا خَالِصَ حَقِّهِ، وَالْآخَرُ بِعَرْضِيَّةِ أَنْ يَصِيرَ خَالِصَ حَقِّهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْلَى. هَذَا عَلَى طَرِيقَةِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَعِنْدَهُمَا يُقْضَى دَيْنُهُ مِنْ الْكَسْبَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: تُقْضَى دُيُونُهُ مِنْ الْكَسْبَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا مِلْكُهُ حَتَّى يَجْرِيَ الْإِرْثُ فِيهِمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (وَمَا بَاعَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ مِنْ أَمْوَالِهِ فِي حَالِ رِدَّتِهِ فَهُوَ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ أَسْلَمَ صَحَّتْ عُقُودُهُ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَجُوزُ مَا صَنَعَ فِي الْوَجْهَيْنِ. اعْلَمْ أَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ عَلَى أَقْسَامٍ: نَافِذٌ بِالِاتِّفَاقِ كَالِاسْتِيلَادِ وَالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى حَقِيقَةِ الْمِلْكِ وَتَمَامِ الْوِلَايَةِ. وَبَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ كَالنِّكَاحِ وَالذَّبِيحَةِ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَمِدُ الْمِلَّةَ وَلَا مِلَّةَ لَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِلْكُهُ حَتَّى يَجْرِيَ الْإِرْثُ فِيهِمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَذْهَبِهِمَا. قَالَ (وَمَا بَاعَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ) ذَكَرَ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي اخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي نَفَاذِهِ وَتَوَقُّفِهِ وَقَالَ: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنَّمَا قَالَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مِنْ مَسَائِلِ الْقُدُورِيِّ، وَلَيْسَ الْخِلَافُ فِيهِ مَذْكُورًا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَبَيَّنَ أَقْسَامَ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ وَهُوَ وَاضِحٌ إلَّا مَا نَذْكُرُهُ، فَقَوْلُهُ يَجُوزُ مَا صُنِعَ فِي الْوَجْهَيْنِ يُرِيدُ بِأَحَدِهِمَا الْإِسْلَامَ وَبِالثَّانِي الْقَتْلَ وَالْمَوْتَ وَاللِّحَاقَ. وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى حَقِيقَةِ الْمِلْكِ وَتَمَامِ الْوِلَايَةِ نَشْرٌ لِقَوْلِهِ كَالِاسْتِيلَادِ وَالطَّلَاقِ، فَقَوْلُهُ إلَى حَقِيقَةِ الْمِلْكِ: يَعْنِي فِي الِاسْتِيلَادِ، فَلَوْ وُلِدَتْ جَارِيَتُهُ وَادَّعَى نَسَبَهُ يَثْبُتُ مِنْهُ وَيَرِثُهُ هَذَا الْوَلَدُ مَعَ وَرَثَتِهِ وَكَانَتْ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي مَالِهِ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الْأَبِ فِي جَارِيَةِ الِابْنِ وَاسْتِيلَادُ الْأَبِ صَحِيحٌ، فَكَذَلِكَ اسْتِيلَادُهُ حَيْثُ لَا يَحْتَاجُ إلَى حَقِيقَةِ الْمِلْكِ، وَإِنَّمَا يُكْتَفَى فِيهِ بِحَقِّ الْمِلْكِ. وَقَوْلُهُ (وَتَمَامُ الْوِلَايَةِ) يَعْنِي فِي الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مِنْ الْعَبْدِ مَعَ قُصُورِ الْوِلَايَةِ عَلَى نَفْسِهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْفُرْقَةُ تَقَعُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِالِارْتِدَادِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ الطَّلَاقُ مِنْ الْمُرْتَدِّ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرْتَدَّ يَقَعُ طَلَاقُهُ كَمَا لَوْ أَبَانَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا عَلَى مَا عُرِفَ، عَلَى أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُوجَدَ الِارْتِدَادُ وَلَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ كَمَا لَوْ ارْتَدَّا مَعًا (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ النِّكَاحِ وَالذَّبِيحَةِ (يَعْتَمِدُ الْمِلَّةَ وَلَا مِلَّةَ لَهُ) لِأَنَّهُ تَرْكُ مَا كَانَ عَلَيْهِ وَلَا يُقَرُّ عَلَى مَا دَخَلَ فِيهِ لِوُجُوبِ الْقَتْلِ. وَاسْتَشْكَلَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِلَّةِ إنْ كَانَ الْإِسْلَامُ يَنْتَقِضُ بِنِكَاحِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَذَبَائِحِهِمْ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهَا الْمِلَّةَ السَّمَاوِيَّةَ يَنْتَقِضُ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْمَجُوسِ وَالْمُشْرِكِينَ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَإِنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ مِلَّةٌ سَمَاوِيَّةٌ لَا مُقَرَّرَةٌ

وَمَوْقُوفٌ بِالِاتِّفَاقِ كَالْمُفَاوَضَةِ؛ لِأَنَّهَا تَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْمُرْتَدِّ مَا لَمْ يُسْلِمْ. وَمُخْتَلَفٌ فِي تَوَقُّفِهِ وَهُوَ مَا عَدَدْنَاهُ. لَهُمَا أَنَّ الصِّحَّةَ تَعْتَمِدُ الْأَهْلِيَّةَ وَالنَّفَاذَ يَعْتَمِدُ الْمِلْكَ، وَلَا خَفَاءَ فِي وُجُودِ الْأَهْلِيَّةِ لِكَوْنِهِ مُخَاطَبًا، وَكَذَا الْمِلْكُ لِقِيَامِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ، وَلِهَذَا لَوْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ بَعْدَ الرِّدَّةِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ يَرِثُهُ وَلَوْ مَاتَ وَلَدُهُ بَعْدَ الرِّدَّةِ قَبْلَ الْمَوْتِ لَا يَرِثُهُ فَتَصِحُّ تَصَرُّفَاتُهُ. إلَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَصِحُّ كَمَا تَصِحُّ مِنْ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَوْدُهُ إلَى الْإِسْلَامِ، إذْ الشُّبْهَةُ تُزَاحُ فَلَا يُقْتَلُ وَصَارَ كَالْمُرْتَدَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا مُحَرَّفَةٌ، وَقَدْ حُكِمَ بِصِحَّةِ نِكَاحِهِمْ وَلِهَذَا يَحْكُمُ الْقَاضِي بِالنَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى وَجَرَيَانِ التَّوَارُثِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مِنْهُمْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِلَّةِ مَا يَتَدَيَّنُونَ بِهِ نِكَاحًا يُقَرُّونَ عَلَيْهِ وَيَجْرِي بِهِ التَّوَارُثُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ لِأَنَّ مَا هُوَ الْغَرَضُ مِنْ النِّكَاحِ يَحْصُلُ عِنْدَ ذَلِكَ وَهُوَ التَّوَالُدُ وَالتَّنَاسُلُ، وَالْمُرْتَدُّ وَالْمُرْتَدَّةُ لَيْسَا عَلَى تِلْكَ الْمِلَّةِ فَلَا يَصِحُّ نِكَاحُهُمَا، لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ يُقْتَلُ وَالْمُرْتَدَّةُ تُحْبَسُ فَكَيْفَ يَتِمُّ لَهُمَا هَذِهِ الْأَغْرَاضُ مِنْ النِّكَاحِ، بِخِلَافِ الْمَجُوسِ وَأَهْلِ الشِّرْكِ فَإِنَّهُمْ دَانُوا دِينًا يُقَرُّونَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَبَعْدَهُ إنْ لَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ مِنْ مَحَارِمِهِ فَكَانَتْ الْمَصَالِحُ مُنْتَظِمَةً. وَقَوْلُهُ (كَالْمُفَاوَضَةِ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُرْتَدَّ إنْ فَاوَضَ مُسْلِمًا تَوَقَّفَ، فَإِنْ أَسْلَمَ نَفَذَتْ الْمُفَاوَضَةُ وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ قَضَى بِلِحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ الْمُفَاوَضَةُ بِالِاتِّفَاقِ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَا عَدَدْنَاهُ) يَعْنِي قَوْلَهُ وَمَا بَاعَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ إلَخْ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ يَحْتَاجُ إلَخْ. وَقَوْلُهُ (وَلِهَذَا لَوْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ بَعْدَ الرِّدَّةِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ) تَوْضِيحٌ لِوُجُودِ مِلْكِ الْمُرْتَدِّ: يَعْنِي فَلَوْ كَانَ الْمِلْكُ زَائِلًا لِمَا وَرِثَهُ هَذَا الْوَلَدُ لِكَوْنِ عُلُوقِهِ بَعْدَ الِارْتِدَادِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ مَاتَ وَلَدُهُ بَعْدَ الرِّدَّةِ) يَعْنِي لَوْ مَاتَ وَلَدُهُ الْمَوْلُودُ قَبْلَ الرِّدَّةِ بَعْدَهَا قَبْلَ مَوْتِ الْمُرْتَدِّ لَا يَرِثُهُ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِلْكُهُ قَائِمًا بَعْدَ الرِّدَّةِ لَوَرِثَهُ هَذَا الْوَلَدُ لِأَنَّهُ كَانَ حَيًّا وَقْتَ رِدَّةِ الْأَبِ، فَإِذَا ثَبَتَ وُجُودُ الْأَهْلِيَّةِ وَقِيَامُ الْمِلْكِ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ لَكِنْ عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ.

وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَصِحُّ كَمَا تَصِحُّ مِنْ الْمَرِيضِ؛ لِأَنَّ مَنْ انْتَحَلَ إلَى نِحْلَةٍ لَا سِيَّمَا مُعْرِضًا عَمَّا نَشَأَ عَلَيْهِ قَلَّمَا يَتْرُكُهُ فَيُفْضِي إلَى الْقَتْلِ ظَاهِرًا، بِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ مَقْهُورٌ تَحْتَ أَيْدِينَا عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِي تَوَقُّفِ الْمِلْكِ وَتَوَقُّفُ التَّصَرُّفَاتِ بِنَاءً عَلَيْهِ، وَصَارَ كَالْحَرْبِيِّ يَدْخُلُ دَارَنَا بِغَيْرِ أَمَانٍ فَيُؤْخَذُ وَيُقْهَرُ وَتَتَوَقَّفُ تَصَرُّفَاتُهُ؛ لِتَوَقُّفِ حَالِهِ، فَكَذَا الْمُرْتَدُّ، وَاسْتِحْقَاقُهُ الْقَتْلَ لِبُطْلَانِ سَبَبِ الْعِصْمَةِ فِي الْفَصْلَيْنِ فَأَوْجَبَ خَلَلًا فِي الْأَهْلِيَّةِ، بِخِلَافِ الزَّانِي وَقَاتِلِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ فِي ذَلِكَ جَزَاءٌ عَلَى الْجِنَايَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِي تَوَقُّفِ الْمِلْكِ) إشَارَةٌ إلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَلَهُ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ مَقْهُورٌ تَحْتَ أَيْدِينَا (وَتَوَقُّفِ التَّصَرُّفَاتِ بِنَاءً عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى تَوَقُّفِ الْمِلْكِ. وَقَوْلُهُ (لِتَوَقُّفِ حَالِهِ) أَيْ حَالِ الْحَرْبِيِّ بَيْنَ الِاسْتِرْقَاقِ وَالْقَتْلِ وَالْمَنِّ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا الْمُرْتَدُّ) يَعْنِي: حَالُهُ يَتَوَقَّفُ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالْإِسْلَامِ، ثُمَّ هُنَاكَ إنْ اُسْتُرِقَّ أَوْ قُتِلَ بَطَلَ وَإِنْ تُرِكَ نَفَذَ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا. وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْحَرْبِيَّ الَّذِي دَخَلَ دَارَنَا بِغَيْرِ أَمَانٍ يَكُونُ فَيْئًا فَكَيْفَ تَتَوَقَّفُ تَصَرُّفَاتُهُ، وَالِاعْتِرَافُ بِجَوَازِ الْمَنِّ يُسْقِطُ الِاعْتِرَاضَ. وَقَوْلُهُ (وَاسْتِحْقَاقُهُ الْقَتْلَ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا وَلَا خَفَاءَ فِي الْأَهْلِيَّةِ. وَتَقْرِيرُهُ: لَا نُسَلِّمُ وُجُودَ الْأَهْلِيَّةِ لِأَنَّ الصِّحَّةَ تَقْتَضِي أَهْلِيَّةً كَامِلَةً وَلَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ فِي الْمُرْتَدِّ، كَمَا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ فِي الْحَرْبِيِّ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَحِقُّ الْقَتْلَ لِبُطْلَانِ سَبَبِ الْعِصْمَةِ وَهُوَ كَوْنُهُ آدَمِيًّا مُسْلِمًا وَذَلِكَ يُوجِبُ الْخَلَلَ فِي الْأَهْلِيَّةِ. وَقَوْلُهُ (فِي الْفَصْلَيْنِ) يُرِيدُ بِهِ فَصْلَ الْحَرْبِيِّ وَفَصْلَ الْمُرْتَدِّ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ اسْتِحْقَاقُ الْقَتْلِ مُوجِبًا لِخَلَلٍ فِي الْأَهْلِيَّةِ مُؤَثِّرًا فِي تَوَقُّفِ التَّصَرُّفَاتِ لَكَانَ تَصَرُّفَاتُ الزَّانِي الْمُحْصَنِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الرَّجْمَ وَقَاتِلِ الْعَمْدِ مَوْقُوفَةً لِاسْتِحْقَاقِهِمَا الْقَتْلَ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ فِي ذَلِكَ) يَعْنِي أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ الْمُوجِبَ لِلْخَلَلِ وَهُوَ مَا كَانَ بِاعْتِبَارِ بُطْلَانِ سَبَبِ الْعِصْمَةِ، وَالزَّانِي وَالْقَاتِلُ لَيْسَا كَذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ فِيهِمَا (جَزَاءٌ عَلَى الْجِنَايَةِ) وَقَوْلُهُ

وَبِخِلَافِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ حَرْبِيَّةً؛ وَلِهَذَا لَا تُقْتَلُ. (فَإِنْ عَادَ الْمُرْتَدُّ بَعْدَ الْحُكْمِ بِلَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مُسْلِمًا فَمَا وَجَدَهُ فِي يَدِ وَرَثَتِهِ مِنْ مَالِهِ بِعَيْنِهِ أَخَذَهُ) ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ إنَّمَا يَخْلُفُهُ فِيهِ لِاسْتِغْنَائِهِ، وَإِذَا عَادَ مُسْلِمًا احْتَاجَ إلَيْهِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا أَزَالَهُ الْوَارِثُ عَنْ مِلْكِهِ، وَبِخِلَافِ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرِيهِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ قَدْ صَحَّ بِدَلِيلٍ مُصَحَّحٍ فَلَا يُنْقَضُ، وَلَوْ جَاءَ مُسْلِمًا قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي بِذَلِكَ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا لِمَا ذَكَرْنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبِخِلَافِ الْمَرْأَةِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا وَصَارَ كَالْمُرْتَدَّةِ. قَالَ (فَإِنْ عَادَ الْمُرْتَدُّ بَعْدَ الْحُكْمِ بِلِحَاقِهِ) أَيْ إذَا عَادَ الْمُرْتَدُّ بَعْدَ الْحُكْمِ بِلِحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ (مُسْلِمًا فَمَا وَجَدَهُ فِي يَدِ وَرَثَتِهِ مِنْ مَالِهِ بِعَيْنِهِ أَخَذَهُ) لِأَنَّ الْوَارِثَ إنَّمَا يَخْلُفُهُ فِيهِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ حَيْثُ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ (وَإِذَا عَادَ مُسْلِمًا احْتَاجَ إلَيْهِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوَارِثِ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذَا: وَلَوْ كَانَ هَذَا بَعْدَ مَوْتِهِ حَقِيقَةً بِأَنْ أَحْيَاهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَعَادَهُ إلَى الدُّنْيَا كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ هَكَذَا إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الْعَادَةِ (بِخِلَافِ مَا إذَا أَزَالَهُ الْوَارِثُ عَنْ مِلْكِهِ) فَإِنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُ لِأَنَّهُ أَزَالَهُ فِي وَقْتٍ كَانَ فِيهِ بِسَبِيلٍ مِنْ الْإِزَالَةِ فَنَفَذَتْ (وَبِخِلَافِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَالْمُدَبَّرِينَ) فَإِنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهِمْ (لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِعِتْقِهِمْ قَدْ صَحَّ بِدَلِيلٍ مُصَحَّحٍ) وَهُوَ قَضَاءُ الْقَاضِي بِلِحَاقِهِ عَنْ وِلَايَةٍ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَانَ لَهُ أَنْ يُمِيتَهُ حَقِيقَةً، فَإِذَا خَرَجَ عَنْ وِلَايَتِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يُمِيتَهُ حُكْمًا، فَإِذَا كَانَ قَضَاؤُهُ عَنْ وِلَايَةٍ نَفَذَ، وَالْعِتْقُ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ (وَلَوْ جَاءَ مُسْلِمًا قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِذَلِكَ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا) فَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرُوهُ عَلَى حَالِهِمْ لَا يَعْتِقُونَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الدُّيُونِ فَهُوَ إلَى أَجَلِهِ كَمَا كَانَتْ (لِمَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي مِنْ قَوْلِهِ

(وَإِذَا وَطِئَ الْمُرْتَدُّ جَارِيَةً نَصْرَانِيَّةً كَانَتْ لَهُ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ ارْتَدَّ فَادَّعَاهُ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ وَالْوَلَدُ حُرٌّ وَهُوَ ابْنُهُ وَلَا يَرِثُهُ، وَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ مُسْلِمَةً وَرِثَهُ الِابْنُ إنْ مَاتَ عَلَى الرِّدَّةِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ) أَمَّا صِحَّةُ الِاسْتِيلَادِ فَلِمَا قُلْنَا، وَأَمَّا الْإِرْثُ فَلِأَنَّ الْأُمَّ إذَا كَانَتْ نَصْرَانِيَّةً وَالْوَلَدُ تَبَعٌ لَهُ لِقُرْبِهِ إلَى الْإِسْلَامِ لِلْجَبْرِ عَلَيْهِ فَصَارَ فِي حُكْمِ الْمُرْتَدِّ وَالْمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ الْمُرْتَدَّ، أَمَّا إذَا كَانَتْ مُسْلِمَةً فَالْوَلَدُ مُسْلِمٌ تَبَعًا لَهَا؛ لِأَنَّهَا خَيْرُهُمَا دِينًا وَالْمُسْلِمُ يَرِثُ الْمُرْتَدَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا أَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ لِحَاقُهُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا وَطِئَ الْمُرْتَدُّ جَارِيَةً نَصْرَانِيَّةً) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (فَلِمَا قُلْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى حَقِيقَةِ الْمِلْكِ ثُمَّ حُكْمُ تَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ حُكْمُ الْأَكْثَرِ مِنْهَا، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِنَّ الْوَلَدَ يَرِثُ أَبَاهُ الْمُرْتَدَّ وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ نَصْرَانِيَّةً، لِأَنَّا تَيَقَّنَّا حِينَئِذٍ بِوُجُودِهِ فِي الْبَطْنِ قَبْلَ الرِّدَّةِ فَيَكُونُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِأَبِيهِ، وَأَمَّا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الرِّدَّةِ

(وَإِذَا لَحِقَ الْمُرْتَدُّ بِمَالِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ ظُهِرَ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ فَهُوَ فَيْءٌ، فَإِنْ لَحِقَ ثُمَّ رَجَعَ وَأَخَذَ مَالًا وَأَلْحَقَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ فَظُهِرَ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ فَوَجَدَتْهُ الْوَرَثَةُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ رُدَّ عَلَيْهِمْ) ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَالٌ لَمْ يَجْرِ فِيهِ الْإِرْثُ، وَالثَّانِيَ انْتَقَلَ إلَى الْوَرَثَةِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ فَكَانَ الْوَارِثُ مَالِكًا قَدِيمًا. (وَإِذَا لَحِقَ الْمُرْتَدُّ بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَهُ عَبْدٌ فَقُضِيَ بِهِ لِابْنِهِ وَكَاتَبَهُ الِابْنُ ثُمَّ جَاءَ الْمُرْتَدُّ مُسْلِمًا فَالْكِتَابَةُ جَائِزَةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَتَيَقَّنْ بِعُلُوقِ الْوَلَدِ قَبْلَ الرِّدَّةِ فَلَا يُجْعَلُ الْوَلَدُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ الْأَبِ قَبْلَ الرِّدَّةِ (وَإِذَا لَحِقَ الْمُرْتَدُّ بِمَالِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ فَهُوَ فَيْءٌ) أَيْ الْمَالُ فَيْءٌ دُونَ نَفْسِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ فَيْئًا دُونَ نَفْسِهِ كَمُشْرِكِي الْعَرَبِ (وَإِنْ لَحِقَ ثُمَّ رَجَعَ) يَعْنِي وَإِنْ لَحِقَ وَحَكَمَ الْقَاضِي بِلِحَاقِهِ ثُمَّ رَجَعَ (وَأَخَذَ مَالًا وَأَلْحَقَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ فَظَهَرَ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ فَوَجَدَتْهُ الْوَرَثَةُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ رُدَّ عَلَيْهِمْ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ الْأَوَّلَ مَالٌ لَمْ يَجْرِ فِيهِ الْإِرْثُ فَهُوَ مَالُ الْحَرْبِيِّ، وَإِذَا ظَهَرَ عَلَى مَالِ الْحَرْبِيِّ فَهُوَ فَيْءٌ لَا مَحَالَةَ (وَالثَّانِي انْتَقَلَ إلَى وَرَثَتِهِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِلِحَاقِهِ فَكَانَ الْوَارِثُ مَالِكًا قَدِيمًا) وَالْمَالِكُ الْقَدِيمُ إذَا وَجَدَ مَالَهُ فِي الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَخَذَهُ مَجَّانًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي حَكَمَ بِلِحَاقِهِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا؛ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُرَدُّ عَلَى الْوَرَثَةِ أَيْضًا لِأَنَّهُ مَتَى لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَعُودُ فَكَانَ مَيِّتًا ظَاهِرًا. وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ السِّيَرِ يَكُونُ فَيْئًا لَا حَقَّ لِلْوَرَثَةِ فِيهِ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَثْبُتُ لَهُمْ إلَّا بِالْقَضَاءِ (وَإِذَا لَحِقَ الْمُرْتَدُّ بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَهُ عَبْدٌ فَقَضَى بِهِ لِابْنِهِ فَكَاتَبَهُ الِابْنُ ثُمَّ جَاءَ الْمُرْتَدُّ مُسْلِمًا فَالْكِتَابَةُ جَائِزَةٌ،

وَالْمُكَاتَبَةُ وَالْوَلَاءُ لِلْمُرْتَدِّ الَّذِي أَسْلَمَ) ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى بُطْلَانِ الْكِتَابَةِ لِنُفُوذِهَا بِدَلِيلٍ مُنَفِّذٍ، فَجَعَلْنَا الْوَارِثَ الَّذِي هُوَ خَلَفُهُ كَالْوَكِيلِ مِنْ جِهَتِهِ، وَحُقُوقُ الْعَقْدِ فِيهِ تَرْجِعُ إلَى الْمُوَكِّلِ، وَالْوَلَاءُ لِمَنْ يَقَعُ الْعِتْقُ عَنْهُ. (وَإِذَا قَتَلَ الْمُرْتَدُّ رَجُلًا خَطَأً ثُمَّ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ قَتَلَ عَلَى رِدَّتِهِ فَالدِّيَةُ فِي مَالٍ اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ خَاصَّةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: الدِّيَةُ فِيمَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ وَالرِّدَّةِ جَمِيعًا) ؛ لِأَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ الْمُرْتَدَّ؛ لِانْعِدَامِ النُّصْرَةِ فَتَكُونُ فِي مَالِهِ. وَعِنْدَهُمَا الْكَسْبَانِ جَمِيعًا مَالُهُ؛ لِنُفُوذِ تَصَرُّفَاتِهِ فِي الْحَالَيْنِ، وَلِهَذَا يَجْرِي الْإِرْثُ فِيهِمَا عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَهُ مَالُهُ الْمُكْتَسَبُ فِي الْإِسْلَامِ؛ لِنَفَاذِ تَصَرُّفِهِ فِيهِ دُونَ الْمَكْسُوبِ فِي الرِّدَّةِ؛ لِتَوَقُّفِ تَصَرُّفِهِ، وَلِهَذَا كَانَ الْأَوَّلُ مِيرَاثًا عَنْهُ، وَالثَّانِي فَيْئًا عِنْدَهُ. (وَإِذَا قُطِعَتْ يَدُ الْمُسْلِمِ عَمْدًا فَارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُكَاتَبَةُ وَالْوَلَاءُ لِلْمُرْتَدِّ الَّذِي أَسْلَمَ) أَمَّا جَوَازُ الْكِتَابَةِ (فَلِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى بُطْلَانِهَا لِنُفُوذِهَا بِدَلِيلٍ مُنَفَّذٍ) وَهُوَ قَضَاءُ الْقَاضِي بِاللِّحَاقِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إمَّا أَنْ يَبْقَى الْمُكَاتَبُ عَلَى مِلْكِ الِابْنِ أَوْ يَنْتَقِلَ إلَى الْأَبِ، لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تُخِلُّ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُرْتَدَّ إذَا عَادَ مُسْلِمًا أَخَذَ مَا وَجَدَهُ بِعَيْنِهِ فِي يَدِ وَارِثِهِ، وَلَا إلَى الثَّانِي لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَجَعَلْنَا الْوَارِثَ الَّذِي هُوَ خَلَفُهُ كَالْوَكِيلِ مِنْ جِهَتِهِ لِأَنَّ فِي الْوَكَالَةِ خِلَافَةً احْتِيَالًا لِبَقَاءِ حُكْمِ الْحَاكِمِ فِي صِحَّةِ الْكِتَابَةِ فَكَأَنَّهُ وَكَّلَهُ فِي كِتَابَةِ عَبْدِهِ (وَحُقُوقُ الْعَقْدِ فِيهِ) أَيْ فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ (تَرْجِعُ إلَى الْمُوَكِّلِ) وَأَمَّا أَنَّ الْوَلَاءَ لِلْمُرْتَدِّ الَّذِي أَسْلَمَ فَلِأَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ، وَالْعِتْقُ إنَّمَا يَحْصُلُ مِنْهُ بَعْدَ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا رَجَعَ مُسْلِمًا بَعْدَ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ الْمِلْكَ الَّذِي كَانَ لَهُ لَمْ يَبْقَ قَائِمًا حِينَئِذٍ. قَالَ (وَإِذَا قَتَلَ الْمُرْتَدُّ رَجُلًا) كَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (لِانْعِدَامِ النُّصْرَةِ) يَعْنِي أَنَّ التَّعَاقُلَ إنَّمَا يَكُونُ بِاعْتِبَارِ التَّنَاصُرِ، وَأَحَدٌ لَا يَنْصُرُ الْمُرْتَدَّ فَتَكُونُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ كَسَائِرِ دُيُونِهِ وَمَالُهُ هُوَ الْمُكْتَسَبُ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ دُونَ الرِّدَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (وَعِنْدَهُمَا الْكَسْبَانِ جَمِيعًا مَالُهُ) فَقَوْلُهُ وَعِنْدَهُ مَالُهُ الْمُكْتَسَبُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ، وَكَانَ الْمَقَامُ مُقْتَضِيًا لِضَمِيرِ الْفَصْلِ لِيَفْصِلَهُ

ثُمَّ جَاءَ مُسْلِمًا فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَى الْقَاطِعِ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ لِلْوَرَثَةِ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ السِّرَايَةَ حَلَّتْ مَحَلًّا غَيْرَ مَعْصُومٍ فَأُهْدِرَتْ، بِخِلَافِ مَا إذَا قُطِعَتْ يَدُ الْمُرْتَدِّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِهْدَارَ لَا يَلْحَقُهُ الِاعْتِبَارُ، أَمَّا الْمُعْتَبَرُ قَدْ يُهْدَرُ بِالْإِبْرَاءِ فَكَذَا بِالرِّدَّةِ. وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا لَحِقَ وَمَعْنَاهُ إذَا قُضِيَ بِلَحَاقِهِ فَلِأَنَّهُ صَارَ مَيِّتًا تَقْدِيرًا، وَالْمَوْتُ يَقْطَعُ السِّرَايَةَ، وَإِسْلَامُهُ حَيَاةٌ حَادِثَةٌ فِي التَّقْدِيرِ فَلَا يَعُودُ حُكْمُ الْجِنَايَةِ الْأُولَى، فَإِذَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ (فَإِنْ لَمْ يَلْحَقْ وَأَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ: فِي جَمِيعِ ذَلِكَ نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ اعْتِرَاضَ الرِّدَّةِ أَهْدَرَ السِّرَايَةَ فَلَا يَنْقَلِبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ الصِّفَةِ (قَوْلُهُ أَمَّا الْأَوَّلُ) يَعْنِي مَا إذَا مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ (قَوْلُهُ فَأُهْدِرَتْ) يَعْنِي السِّرَايَةَ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تُهْدَرْ لَوَجَبَ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةُ الْكَامِلَةُ فِي الْخَطَإِ لِأَنَّ قَطْعَ الْيَدِ صَارَ نَفْسًا (بِخِلَافِ مَا إذَا قُطِعَتْ يَدُ الْمُرْتَدِّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ) فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ الْقَاطِعُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مَعْصُومًا وَقْتَ السِّرَايَةِ (لِأَنَّ الْإِهْدَارَ لَا يَلْحَقُهُ الِاعْتِبَارُ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَقَعْ مُعْتَبَرًا ابْتِدَاءً لَا يَنْقَلِبُ مُعْتَبَرًا بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُوجِبِ لَا يَنْقَلِبُ مُوجِبًا (أَمَّا الْمُعْتَبَرُ فَقَدْ يُهْدَرُ بِالْإِبْرَاءِ فَكَذَلِكَ بِالرِّدَّةِ. قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَلْحَقْ وَأَسْلَمَ) يَعْنِي إذَا قَطَعَ يَدَ الْمُسْلِمِ ثُمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يَلْحَقْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ (قَوْلُهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ) أَيْ فِيمَا إذَا مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ لَحِقَ ثُمَّ جَاءَ مُسْلِمًا أَوْ لَمْ يَلْحَقْ وَأَسْلَمَ وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ اعْتِرَاضَ الرِّدَّةِ أَهْدَرَ السِّرَايَةَ فَلَا يَنْقَلِبُ

بِالْإِسْلَامِ إلَى الضَّمَانِ، كَمَا إذَا قَطَعَ يَدَ مُرْتَدٍّ فَأَسْلَمَ. وَلَهُمَا أَنَّ الْجِنَايَةَ وَرَدَتْ عَلَى مَحَلٍّ مَعْصُومٍ وَتَمَّتْ فِيهِ فَيَجِبُ ضَمَانُ النَّفْسِ، كَمَا إذَا لَمْ تَتَخَلَّلْ الرِّدَّةُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِقِيَامِ الْعِصْمَةِ فِي حَالِ بَقَاءِ الْجِنَايَةِ، وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ قِيَامُهَا فِي حَالِ انْعِقَادِ السَّبَبِ وَفِي حَالِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ، وَحَالَةُ الْبَقَاءِ بِمَعْزِلٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَصَارَ كَقِيَامِ الْمِلْكِ فِي حَالِ بَقَاءِ الْيَمِينِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْإِسْلَامِ إلَى الضَّمَانِ) دَلِيلُهُ أَنَّ الرِّدَّةَ مَعْنًى لَوْ مَاتَ عَلَيْهِ لَمْ يَجِبْ بِالسِّرَايَةِ شَيْءٌ فَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَمُتْ عَلَيْهِ كَعَبْدٍ قُطِعَتْ يَدُهُ ثُمَّ بَاعَهُ الْمَوْلَى ثُمَّ اشْتَرَاهُ أَوْ تَفَاسَخَا الْبَيْعَ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ لَمْ يَجِبْ إلَّا دِيَةُ الْيَدِ كَمَا لَوْ مَاتَ عَلَى الْبَيْعِ، لِأَنَّ الْبَيْعَ مَعْنًى لَوْ مَاتَ عَلَيْهِ لَمْ يَجِبْ بِالسِّرَايَةِ شَيْءٌ، لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الْبَيْعِ إبْرَاءٌ عَنْ الْجِنَايَةِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَصَارَ كَمَا إذَا قَطَعَ يَدَ مُرْتَدٍّ فَأَسْلَمَ سَوَاءٌ مَاتَ مِنْ الْقَطْعِ أَوْ لَمْ يَمُتْ حَيْثُ لَا يَجِبُ ضَمَانُ النَّفْسِ فِي الْأَوَّلِ وَلَا ضَمَانُ الْيَدِ فِي الثَّانِي بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ الْمَارِّ أَنَّ الْمُهْدَرَ لَا يَلْحَقُهُ الِاعْتِبَارُ (وَلَهُمَا أَنَّ الْجِنَايَةَ وَرَدَتْ عَلَى مَحَلٍّ مَعْصُومٍ) لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ قَطَعَ يَدَهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ وَتَمَّتْ عَلَى مَحَلٍّ مَعْصُومٍ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ لَمْ يَلْحَقْ وَأَسْلَمَ فَيَجِبُ ضَمَانُ النِّصْفِ وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ (وَصَارَ كَقِيَامِ الْمِلْكِ فِي حَالِ بَقَاءِ الْيَمِينِ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ ثُمَّ دَخَلَ الدَّارَ عَتَقَ، أَمَّا لَوْ عُدِمَ الْمِلْكُ عِنْدَ الْيَمِينِ أَوْ عِنْدَ الْحِنْثِ لَمْ يَعْتِقْ. وَفَرَّقَ بَيْنَ الرِّدَّةِ وَالْبَيْعِ بِأَنَّ الرِّدَّةَ لَيْسَتْ بِإِبْرَاءٍ وَلَا مُسْتَلْزِمَةً لَهُ لِأَنَّهَا وُضِعَتْ لِتَبْدِيلِ الدِّينِ وَتَصِحُّ مِنْ غَيْرِ إبْرَاءٍ، إلَّا أَنَّهُ إذَا مَاتَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ لِهَدْرِ دَمِهِ بِالرِّدَّةِ، بِخِلَافِ بَيْعِ الْعَبْدِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْبَيْعَ وُضِعَ لِقَطْعِ مِلْكِهِ وَالضَّمَانُ بَدَلُ مِلْكِهِ، فَإِذَا قُطِعَ الْأَصْلُ قَصْدًا فَقَدْ قُطِعَ الْبَدَلُ أَيْضًا فَصَارَ كَالْإِبْرَاءِ. وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قِيَاسٌ، وَقَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - اسْتِحْسَانٌ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَا إذَا

(وَاذَا ارْتَدَّ الْمُكَاتَبُ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَاكْتَسَبَ مَالًا فَأُخِذَ بِمَالِهِ وَأَبَى أَنْ يُسْلِمَ فَقُتِلَ فَإِنَّهُ يُوَفِّي مَوْلَاهُ مُكَاتَبَتَهُ وَمَا بَقِيَ فَلِوَرَثَتِهِ) وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى أَصْلِهِمَا؛ لِأَنَّ كَسْبَ الرِّدَّةِ مِلْكُهُ إذَا كَانَ حُرًّا، فَكَذَا إذَا كَانَ مُكَاتَبًا. وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّ الْمُكَاتَبَ إنَّمَا يَمْلِكُ أَكْسَابَهُ بِالْكِتَابَةِ، وَالْكِتَابَةُ لَا تَتَوَقَّفُ بِالرِّدَّةِ فَكَذَا أَكْسَابُهُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ تَصَرُّفُهُ بِالْأَقْوَى وَهُوَ الرِّقُّ، فَكَذَا بِالْأَدْنَى بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ الْقَاطِعُ هُوَ الَّذِي ارْتَدَّ فَقُتِلَ وَمَاتَ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ بِالسِّرَايَةِ مُسْلِمًا. وَحُكْمُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَمْدًا فَلَا شَيْءَ لَهُ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْعَمْدِ الْقَوَدُ، وَقَدْ فَاتَ مَحَلُّهُ حِين قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ مَاتَ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَةِ الْقَاطِعِ دِيَةُ النَّفْسِ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْجِنَايَةِ كَانَ مُسْلِمًا، وَجِنَايَةُ الْمُسْلِمِ إذَا كَانَتْ خَطَأً عَلَى عَاقِلَتِهِ وَتَبِينُ بِالسِّرَايَةِ أَنَّ جِنَايَتَهُ كَانَتْ قَتْلًا فَلِهَذَا كَانَتْ عَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَةُ النَّفْسِ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مِنْهُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ كَانَتْ الدِّيَةُ فِي الْخَطَإِ فِي مَالِهِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يَعْقِلُ جِنَايَتَهُ أَحَدٌ. وَقَوْلُهُ (وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُرْتَدِّ الْحُرِّ وَالْمُكَاتَبِ حَيْثُ لَمْ يَجْعَلْ كَسْبَهُ مِلْكًا لَهُ إذَا كَانَ حُرًّا وَجَعَلَهُ مِلْكًا لَهُ إذَا كَانَ مُكَاتَبًا. وَجْهُ الْفَرْقِ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ الْمُكَاتَبَ يَمْلِكُ أَكْسَابَهُ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ وَعَقْدُ الْكِتَابَةِ لَا يَتَوَقَّفُ بِالرِّدَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ بِحَقِيقَةِ الْمَوْتِ فَكَذَا بِاللِّحَاقِ الَّذِي هُوَ شِبْهُ الْمَوْتِ، وَإِذَا لَمْ يَتَوَقَّفْ الْعَقْدُ لَمْ تَتَوَقَّفْ الْأَكْسَابُ الْحَاصِلَةُ بِسَبَبِهِ وَاسْتَوْضَحَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (أَلَا تَرَى أَنَّهُ) أَيْ الْمُكَاتَبَ (لَا يَتَوَقَّفُ تَصَرُّفُهُ بِالْأَقْوَى وَهُوَ الرِّقُّ فَكَذَا بِالْأَدْنَى) يَعْنِي الرِّدَّةَ (بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى) وَإِنَّمَا كَانَ الرِّقُّ أَقْوَى مِنْ الرِّدَّةِ فِي الْمَانِعِيَّةِ عَنْ التَّصَرُّفِ لِأَنَّ بَعْضَ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ نَافِذٌ بِالْإِجْمَاعِ كَالِاسْتِيلَادِ وَالطَّلَاقِ. وَعِنْدَهُمَا عَامَّةُ تَصَرُّفَاتِهِ نَافِذَةٌ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَغَيْرِهِمَا، وَأَمَّا الْعَبْدُ فَمَمْنُوعٌ عَنْ التَّصَرُّفَاتِ كُلِّهَا، ثُمَّ لَمَّا لَمْ يَتَوَقَّفْ تَصَرُّفُ الْمُكَاتَبِ مَعَ كَوْنِهِ رَقِيقًا لَمْ يَتَوَقَّفْ تَصَرُّفُهُ أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ مُرْتَدٌّ أَوْلَى. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قُلْت لِشَيْخِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذَا لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ مَنْعِ الرِّقِّ الْمُكَاتَبَ عَنْ التَّصَرُّفِ عَدَمُ مَنْعِ الرِّدَّةِ عَنْهُ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَمْنَعْهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ جَازَ أَنْ يَمْنَعَاهُ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ، لِأَنَّ لِلِاجْتِمَاعِ تَأْثِيرًا كَمَا فِي الشَّاهِدَيْنِ، ثُمَّ اجْتَمَعَ هَاهُنَا لِلْمُكَاتَبِ ثَلَاثَةُ أَوْصَافٍ كَوْنُهُ مُكَاتَبًا وَرَقِيقًا وَمُرْتَدًّا، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مَمْنُوعًا عِنْدَ اجْتِمَاعِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَمَّا الْكِتَابَةُ فَهِيَ مُطْلَقَةٌ لِلتَّصَرُّفِ لَا مَانِعَةٌ، وَأَمَّا الرِّقُّ وَالرِّدَّةُ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِلَّةٌ فِي الْمَنْعِ عَنْ التَّصَرُّفِ بِانْفِرَادِهِ فَلَا

(وَإِذَا ارْتَدَّ الرَّجُلُ وَامْرَأَتُهُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَلَحِقَا بِدَارِ الْحَرْبِ فَحَبِلَتْ الْمَرْأَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَوَلَدَتْ وَلَدًا وَوُلِدَ لِوَلَدِهِمَا وَلَدٌ فَظُهِرَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا فَالْوَلَدَانِ فَيْءٌ) ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّةَ تُسْتَرَقُّ فَيَتْبَعُهَا وَلَدُهَا، وَيُجْبَرُ الْوَلَدُ الْأَوَّلُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَلَا يُجْبَرُ وَلَدُ الْوَلَدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَثْبُتُ الرُّجْحَانُ بِزِيَادَةِ الْعِلَّةِ، كَمَا إذَا أَقَامَ أَحَدُ الْمُدَّعِينَ أَرْبَعَةً مِنْ الشُّهُودِ، بَلْ الرُّجْحَانُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِوَصْفٍ فِي الْعِلَّةِ لَا بِالْعِلَّةِ نَفْسِهَا إلَى هَذَا لَفْظُهُ. وَأَرَى أَنَّ الْجَوَابَ بِحَسَبِ النَّظَرِ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلسُّؤَالِ لِأَنَّهُ مَا أُبْرِزَ السُّؤَالُ مِنْ حَيْثُ إنَّ إحْدَى عِلَّتَيْ الْمَنْعِ تُعَارِضُ عِلَّةَ الْإِطْلَاقِ وَتَتَرَجَّحُ بِالْأُخْرَى، بَلْ أُبْرِزَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا مَانِعًا عَنْ التَّصَرُّفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْهَيْئَةَ بِالِاجْتِمَاعِيَّةِ لَهَا مِنْ الْخَوَاصِّ مَا لَيْسَ لِكُلٍّ عَلَى الِانْفِرَادِ، وَلَعَلَّ الْهَيْئَةَ الِاجْتِمَاعِيَّةَ إنَّمَا يَكُونُ لَهَا زِيَادَةُ تَأْثِيرٍ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يَحْصُلَ مِنْ تَرْكِيبِهَا أَمْرٌ خَارِجِيٌّ أَوْ اعْتِبَارٌ حَقِيقِيٌّ لَا فَرْضِيٌّ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ مِنْ الرِّقِّ وَالرِّدَّةِ. قَالَ (وَإِذَا ارْتَدَّ الرَّجُلُ وَامْرَأَتُهُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ) قِيلَ قَوْلُهُ فَحَبِلَتْ الْمَرْأَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ تَقْيِيدُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ اتِّفَاقِيٌّ فَإِنَّهَا إنْ حَبِلَتْ فِي دَارِنَا ثُمَّ لَحِقَتْ بِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَالْجَوَابُ كَذَلِكَ، وَلَعَلَّهُ ذَكَرَهُ لِفَائِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ الْعُلُوقَ إذَا كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَانَ أَبْعَدَ عَنْ الْإِسْلَامِ، وَإِذَا كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَانَ أَقْرَبَ إلَيْهِ بِاعْتِبَارِ الدَّارِ لِكَوْنِ الدَّارِ جِهَةً فِي الِاسْتِتْبَاعِ، فَالْجَبْرُ هُنَاكَ يَكُونُ جَبْرًا هَاهُنَا بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى، وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يُجْبَرُ وَلَدُ الْوَلَدِ) وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْلِمًا تَبَعًا لِلْجَدِّ كَانَ تَبَعًا لِلْجَدِّ جَدُّهُ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ النَّاسُ كُلُّهُمْ مُسْلِمِينَ بِتَبَعِيَّةِ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَوْ كَانَ تَبَعًا لِأَبِيهِ وَهُوَ تَبَعٌ لَكَانَ التَّبَعُ مُسْتَتْبِعًا لِغَيْرِهِ

وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُجْبَرُ تَبَعًا لِلْجَدِّ، وَأَصْلُهُ التَّبَعِيَّةُ فِي الْإِسْلَام وَهِيَ رَابِعَةُ أَرْبَعِ مَسَائِلَ كُلُّهَا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَالثَّانِيَةُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ. وَالثَّالِثَةُ جَرُّ الْوَلَاءِ. وَالْأُخْرَى الْوَصِيَّةُ لِلْقَرَابَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ يُجْبَرُ تَبَعًا لِلْجَدِّ) لِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ فِي حَقِّ الْأَبِ لِلتَّفَرُّعِ، وَالتَّفَرُّعُ ثَابِتٌ فِي حَقِّ الْجَدِّ وَلِهَذَا كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِي النِّكَاحِ وَبَيْعِ مَالِ الصَّغِيرِ. وَقَوْلُهُ (كُلُّهَا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ) يَعْنِي فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَمْ يُجْعَلْ الْجَدُّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ جُعِلَ الْجَدُّ فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ، أَمَّا صَيْرُورَةُ الْوَلَدِ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ جَدِّهِ فَهِيَ مَا ذَكَرْنَا، وَأَمَّا صُورَةُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَهِيَ أَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ فَقِيرًا أَوْ عَبْدًا وَالْجَدُّ مُوسِرٌ هَلْ تَجِبُ فِطْرَةُ الْحَافِدِ عَلَيْهِ أَوْ لَا؟ وَأَمَّا صُورَةُ جَرِّ الْوَلَاءِ فَلِأَنَّهُ إذَا أُعْتِقَ الْجَدُّ وَالْحَافِدُ حُرٌّ وَالْأَبُ رَقِيقٌ هَلْ يَكُونُ وَلَاءُ الْحَافِدِ لِمَوَالِي الْجَدِّ أَوْ لَا يَكُونُ. وَصُورَةُ الْوَصِيَّةِ لِلْقَرَابَةِ إذَا أَوْصَى رَجُلٌ لِذِي قَرَابَتِهِ لَا يَدْخُلُ الْوَالِدَانِ فِيهَا، وَهَلْ يَدْخُلُ الْجَدُّ أَوْلَى عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَذَكَرْنَا هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي شَرْحِ الْفَرَائِضِ السِّرَاجِيَّةِ

قَالَ (وَارْتِدَادُ الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ ارْتِدَادٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يُقْتَلُ، وَإِسْلَامُهُ إسْلَامٌ لَا يَرِثُ أَبَوَيْهِ إنْ كَانَا كَافِرَيْنِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: ارْتِدَادُهُ لَيْسَ بِارْتِدَادٍ وَإِسْلَامُهُ إسْلَامٌ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: إسْلَامُهُ لَيْسَ بِإِسْلَامٍ وَارْتِدَادُهُ لَيْسَ بِارْتِدَادٍ. لَهُمَا فِي الْإِسْلَامِ أَنَّهُ تَبَعٌ لِأَبَوَيْهِ فِيهِ فَلَا يُجْعَلُ أَصْلًا. وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَحْكَامًا تَشُوبُهَا الْمَضَرَّةُ فَلَا يُؤَهَّلُ لَهُ. وَلَنَا فِيهِ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَسْلَمَ فِي صِبَاهُ، وَصَحَّحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إسْلَامَهُ، وَافْتِخَارُهُ بِذَلِكَ مَشْهُورٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَشَرْحِ رِسَالَتِنَا. وَقَوْلُهُ (وَارْتِدَادُ الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ ارْتِدَادٌ) يَعْنِي يَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ فَيَبْطُلُ نِكَاحُهُ وَيَحْرُمُ عَنْ الْمِيرَاثِ وَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يُقْتَلُ وَإِنْ أُدْرِكَ كَافِرًا وَيُحْبَسُ، وَتَوْجِيهُ تَحْرِيرِ الْمَذَاهِبِ فِي الْكِتَابِ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (لَهُمَا) أَيْ لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ (أَنَّهُ) أَيْ الصَّبِيَّ الَّذِي يَعْقِلُ (تَبَعٌ لِأَبَوَيْهِ فِيهِ) أَيْ فِي الْإِسْلَامِ (فَلَا يُجْعَلُ أَصْلًا) يَعْنِي يَصِحُّ إسْلَامُهُ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لِلْأَبَوَيْنِ فَلَا يَصِحُّ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ، إذْ التَّبَعِيَّةُ دَلِيلُ الْعَجْزِ وَالْأَصَالَةُ دَلِيلُ الْقُدْرَةِ، وَبَيْنَ الْقُدْرَةِ وَالْعَجْزِ تَنَافٍ وَأَحَدُ الْمُتَنَافِيَيْنِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ مَوْجُودٌ بِالْإِجْمَاعِ فَيَنْتَفِي الْآخَرُ ضَرُورَةً. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ) دَلِيلٌ آخَرُ وَهُوَ وَاضِحٌ (قَوْلُهُ وَافْتِخَارُهُ بِذَلِكَ مَشْهُورٌ) يُشِيرُ إلَى مَا قَالَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: سَبَقْتُكُمُو إلَى الْإِسْلَامِ طُرًّا ... غُلَامًا مَا بَلَغْتُ أَوَانَ حُلْمِي وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي سِنِّهِ حِين أَسْلَمَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَحِينَ مَاتَ. قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: أَسْلَمَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَاهُ إلَى الْإِسْلَامِ فِي أَوَّلِ مَبْعَثِهِ وَمُدَّةُ الْبَعْثِ ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً وَالْخِلَافَةُ بَعْدَهُ ثَلَاثُونَ انْتَهَتْ بِمَوْتِ عَلِيٍّ، فَإِذَا ضَمَمْت خَمْسًا إلَى ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ صَارَ ثَمَانِيًا

وَلِأَنَّهُ أَتَى بِحَقِيقَةِ الْإِسْلَامِ وَهِيَ التَّصْدِيقُ وَالْإِقْرَارُ مَعَهُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ عَنْ طَوْعٍ دَلِيلٌ عَلَى الِاعْتِقَادِ عَلَى مَا عُرِفَ وَالْحَقَائِقُ لَا تُرَدُّ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ سَعَادَةٌ أَبَدِيَّةٌ وَنَجَاةٌ عَقْبَاوِيَّةٌ، وَهِيَ مِنْ أَجَلِّ الْمَنَافِعِ وَهُوَ الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ، ثُمَّ يُبْتَنَى عَلَيْهِ غَيْرُهَا فَلَا يُبَالِي بِشَوْبِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَخَمْسِينَ. وَقَالَ الْقُتَبِيُّ: أَسْلَمَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعٍ وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ سِتِّينَ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ أَتَى بِحَقِيقَةِ الْإِسْلَامِ) دَلِيلٌ آخَرُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ سَعَادَةٌ أَبَدِيَّةٌ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى التَّصْدِيقِ: أَيْ هُوَ التَّصْدِيقُ الْأَصْلِيُّ وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً وَخَبَرُهُ قَوْلُهُ هُوَ الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ وَاوٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مُبْتَدَأً، وَقَوْلُهُ سَعَادَةٌ أَبَدِيَّةٌ خَبَرَهُ وَهُوَ الْأَوْلَى، وَهُوَ جَوَابٌ

وَلَهُمْ فِي الرِّدَّةِ أَنَّهَا مَضَرَّةٌ مَحْضَةٌ، بِخِلَافِ الْإِسْلَامِ عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ أَعْلَى الْمَنَافِعِ عَلَى مَا مَرَّ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فِيهَا أَنَّهَا مَوْجُودَةٌ حَقِيقَةً، وَلَا مَرَدَّ لِلْحَقِيقَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ قَوْلِهِ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَحْكَامًا تَشُوبُهَا الْمَضَرَّةُ. وَعُورِضَ بِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ إسْلَامُهُ بِنَفْسِهِ وَقَعَ فَرْضًا لِأَنَّهُ لَا نَفْلَ فِي الْإِيمَانِ وَمِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِهِ فَرْضًا أَنْ يَكُونَ مُخَاطَبًا بِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِالِاتِّفَاقِ، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ تَصْحِيحُهُ فَرْضًا لَمْ يَصِحَّ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ فَإِنَّهُ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ. وَالْجَوَابُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِهِ فَرْضًا أَنْ يَكُونَ مُخَاطَبًا. فَإِنَّ الْمُسَافِرَ إذَا حَضَرَ الْجُمُعَةَ وَصَلَّى وَقَعَ فَرْضًا وَلَيْسَ بِمُخَاطَبٍ بِهِ، وَمَنْ صَلَّى فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَقَعَ فَرْضًا وَهُوَ لَيْسَ بِمُخَاطَبٍ بِهِ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمَا إنَّهُ تَبَعٌ لِأَبَوَيْهِ فِيهِ فَلَا يُجْعَلُ أَصْلًا أَنَّ إحْدَى الْجِهَتَيْنِ مُؤَيَّدَةٌ بِالْأُخْرَى فَلَا يَكُونَانِ مُتَنَافِيَيْنِ، وَذَلِكَ كَالْجُنْدِيِّ إذَا سَافَرَ مَعَ السُّلْطَانِ وَنَوَى السَّفَرَ فَهُوَ مُسَافِرٌ بِنِيَّةٍ مَقْصُودَةٍ وَتَبَعًا لِلسُّلْطَانِ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَلَهُمْ) أَيْ لِأَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمْ اللَّهُ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِيهَا) أَيْ فِي الرِّدَّةِ (أَنَّهَا مَوْجُودَةٌ حَقِيقَةً وَلَا مَرَدَّ لِلْحَقِيقَةِ

كَمَا قُلْنَا فِي الْإِسْلَامِ، إلَّا أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ لِمَا فِيهِ مِنْ النَّفْعِ لَهُ، وَلَا يُقْتَلُ؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ، وَالْعُقُوبَاتُ مَوْضُوعَةٌ عَنْ الصِّبْيَانِ مَرْحَمَةً عَلَيْهِمْ. وَهَذَا فِي الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا قُلْنَا فِي الْإِسْلَامِ) فَإِنَّ رَدَّ الرِّدَّةِ يَكُونُ بِالْعَفْوِ عَنْهَا وَذَلِكَ قَبِيحٌ، كَمَا أَنَّ رَدَّ الْإِسْلَامِ إنَّمَا يَكُونُ بِالْحَجْرِ عَنْهُ وَهُوَ كَذَلِكَ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذَا اعْتِبَارُ مَا هُوَ مَضَرَّةٌ مَحْضَةٌ بِمَا هُوَ مَنْفَعَةٌ مَحْضَةٌ وَذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ بِالْقِيَاسِ، وَفَرَّقَ الشَّارِعُ بَيْنَهُمَا، وَمِثْلُهُ فَاسِدٌ فِي الْوَضْعِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا قِيَاسٌ مِنَّا بِوُجُودِ شَيْءٍ وَتَحَقُّقِهِ بِوُجُودِ شَيْءٍ آخَرَ وَتَحَقُّقِهِ فِي عَدَمِ جَوَازِ الرَّدِّ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الشَّارِعَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ) هَذَا جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ وَفِي الْقِيَاسِ يُقْتَلُ لِرِدَّتِهِ بَعْدَ إسْلَامِهِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ وَالْعُقُوبَاتُ مَوْضُوعَةٌ عَنْ الصِّبْيَانِ مَرْحَمَةٌ عَلَيْهِمْ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ عُقُوبَةَ الْقَتْلِ عَنْ الصَّبِيِّ الْمُرْتَدِّ مَرْحَمَةً لِصِبَاهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وَهُوَ لَمْ يَرْحَمْ عَلَيْهِ حَتَّى عَاقَبَهُ فِي النَّارِ مُخَلَّدًا كَسَائِرِ الْكُفَّارِ، وَذَلِكَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْأَسْرَارِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ التُّمُرْتَاشِيِّ

وَمَنْ لَا يَعْقِلُ مِنْ الصِّبْيَانِ لَا يَصِحُّ ارْتِدَادُهُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى تَغَيُّرِ الْعَقِيدَةِ، وَكَذَا الْمَجْنُونُ وَالسَّكْرَانُ الَّذِي لَا يَعْقِلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمُشَارٌ إلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ. ثُمَّ قَالَ: وَأَوْلَى مَا يُعَلَّلُ بِهِ فِي عَدَمِ قَتْلِ الصَّبِيِّ الْمُرْتَدِّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَعْلِيلِ الْمَبْسُوطِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَإِنَّمَا لَا يُقْتَلُ لِقِيَامِ الشُّبْهَةِ بِسَبَبِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي صِحَّةِ إسْلَامِهِ فِي الصِّغَرِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[باب البغاة]

[بَابُ الْبُغَاةِ] ـــــــــــــــــــــــــــــQ (بَابُ الْبُغَاةِ) أَخَّرَ هَذَا الْبَابَ عَنْ بَابِ الْمُرْتَدِّ لِقِلَّةِ وُجُودِهِ، وَالْبُغَاةُ جَمْعُ بَاغٍ كَالْقُضَاةِ جَمْعُ قَاضٍ،

(وَإِذَا تَغَلَّبَ قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى بَلَدٍ وَخَرَجُوا مِنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ دَعَاهُمْ إلَى الْعَوْدِ إلَى الْجَمَاعَةِ وَكَشَفَ عَنْ شُبْهَتِهِمْ) ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا فَعَلَ كَذَلِكَ بِأَهْلِ حَرُورَاءَ قَبْلَ قِتَالِهِمْ، وَلِأَنَّهُ أَهْوَنُ الْأَمْرَيْنِ. وَلَعَلَّ الشَّرَّ يَنْدَفِعُ بِهِ فَيُبْدَأُ بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِذَا تَغَلَّبَ قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى بَلَدٍ وَخَرَجُوا مِنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ دَعَاهُمْ إلَى الْعَوْدِ إلَى الْجَمَاعَةِ وَكَشَفَ عَنْ شُبْهَتِهِمْ) وَذَلِكَ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ، فَإِنَّ أَهْلَ الْعَدْلِ لَوْ قَاتَلُوا مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ إلَى الْعَوْدِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا مَا يُقَاتِلُونَ عَلَيْهِ. فَحَالُهُمْ فِي ذَلِكَ كَحَالِ الْمُرْتَدِّينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ الَّذِينَ بَلَغَتْهُمْ الدَّعْوَةُ (لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَعَلَ ذَلِكَ بِأَهْلِ حَرُورَاءَ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مَمْدُودًا وَمَقْصُورًا: قَرْيَةٌ بِالْكُوفَةِ كَانَ بِهَا أَوَّلُ تَحْكِيمِ الْخَوَارِجِ وَاجْتِمَاعُهُمْ بِسَبَبِ تَحْكِيمِ عَلِيٍّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ قَائِلِينَ إنَّ الْقِتَالَ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [الحجرات: 9] الْآيَةَ. وَعَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ بِالتَّحْكِيمِ وَهُوَ كُفْرٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] وَذَلِكَ أَنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْفَذَ ابْنَ عَبَّاسٍ لِيَكْشِفَ شُبْهَتَهُمْ وَيَدْعُوَهُمْ إلَى الْعَوْدِ، فَلَمَّا ذَكَرُوا شُبْهَتَهُمْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -

(وَلَا يَبْدَأُ بِقِتَالٍ حَتَّى يَبْدَءُوهُ، فَإِنْ بَدَءُوهُ قَاتَلَهُمْ حَتَّى يُفَرِّقَ جَمْعَهُمْ) قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّ عِنْدَنَا يَجُوزُ أَنْ يَبْدَأَ بِقِتَالِهِمْ إذَا تَعَسْكَرُوا وَاجْتَمَعُوا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ حَتَّى يَبْدَءُوا بِالْقِتَالِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُ الْمُسْلِمِ إلَّا دَفْعًا وَهُمْ مُسْلِمُونَ، بِخِلَافِ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْكُفْرِ مُبِيحٌ عِنْدَهُ. وَلَنَا أَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى الدَّلِيلِ وَهُوَ الِاجْتِمَاعُ وَالِامْتِنَاعُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْتَظَرَ الْإِمَامُ حَقِيقَةَ قِتَالِهِمْ رُبَّمَا لَا يُمْكِنُهُ الدَّفْعُ فَيُدَارُ عَلَى الدَّلِيلِ ضَرُورَةَ دَفْعِ شَرِّهِمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذِهِ الْحَادِثَةُ لَيْسَتْ بِأَدْنَى مِنْ بَيْضِ حَمَامٍ، وَفِيهِ التَّحْكِيمُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] فَكَانَ تَحْكِيمُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُوَافِقًا لِلنَّصِّ فَأَلْزَمَهُمْ الْحُجَّةَ، فَتَابَ الْبَعْضُ وَأَصَرَّ الْبَعْضُ، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ.

وَإِذَا بَلَغَهُ أَنَّهُمْ يَشْتَرُونَ السِّلَاحَ وَيَتَأَهَّبُونَ لِلْقِتَالِ يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَهُمْ وَيَحْبِسَهُمْ حَتَّى يُقْلِعُوا عَنْ ذَلِكَ وَيُحْدِثُوا تَوْبَةً دَفْعًا لِلشَّرِّ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ لُزُومِ الْبَيْتِ مَحْمُولٌ عَلَى حَالِ عَدَمِ الْإِمَامِ، أَمَّا إعَانَةُ الْإِمَامِ الْحَقِّ فَمِنْ الْوَاجِبِ عِنْدَ الْغَنَاءِ وَالْقُدْرَةِ. (فَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ فِئَةٌ أُجْهِزَ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَأُتْبِعَ مُوَلِّيهِمْ) دَفْعًا لِشَرِّهِمْ كَيْ لَا يَلْحَقُوا بِهِمْ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ لَمْ يُجْهَزْ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَلَمْ يُتْبَعْ مُوَلِّيهِمْ) لِانْدِفَاعِ الشَّرِّ دُونَهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْحَالَيْنِ؛ لِأَنَّ الْقِتَالَ إذَا تَرَكُوهُ لَمْ يَبْقَ قَتْلُهُمْ دَفْعًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ لُزُومِ الْبَيْتِ) يُرِيدُ بِهِ مَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْفِتْنَةَ إذَا وَقَعَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَعْتَزِلَ الْفِتْنَةَ وَيَقْعُدَ فِي بَيْتِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ فَرَّ مِنْ الْفِتْنَةِ أَعْتَقَ اللَّهُ رَقَبَتَهُ مِنْ النَّارِ» (مَحْمُولٌ عَلَى حَالِ عَدَمِ الْإِمَامِ) أَمَّا إذَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ مُجْتَمِعِينَ عَلَى إمَامٍ وَكَانُوا آمِنِينَ بِهِ وَالسُّبُلُ آمِنَةٌ فَخَرَجَ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ يَقْوَى عَلَى الْقِتَالِ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ نَصْرًا لِإِمَامِ الْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [الحجرات: 9] فَإِنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ. وَقَوْلُهُ (أُجْهِزَ وَأُتْبِعَ) عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ،

وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ دَلِيلُهُ لَا حَقِيقَتُهُ. (وَلَا يُسْبَى لَهُمْ ذُرِّيَّةٌ وَلَا يُقَسَّمُ لَهُمْ مَالٌ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ يَوْمَ الْجَمَلِ: وَلَا يُقْتَلُ أَسِيرٌ وَلَا يُكْشَفُ سِتْرٌ وَلَا يُؤْخَذُ مَالٌ، وَهُوَ الْقُدْوَةُ فِي هَذَا الْبَابِ. وَقَوْلُهُ فِي الْأَسِيرِ تَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ يَقْتُلُ الْإِمَامُ الْأَسِيرَ، وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ وَالْإِسْلَامُ يَعْصِمُ النَّفْسَ وَالْمَالَ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُقَاتِلُوا بِسِلَاحِهِمْ إنْ احْتَاجَ الْمُسْلِمُونَ إلَيْهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ، وَالْكُرَاعُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ. لَهُ أَنَّهُ مَالُ مُسْلِمٍ فَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا بِرِضَاهُ. وَلَنَا أَنَّ عَلِيًّا قَسَّمَ السِّلَاحَ فِيمَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ بِالْبَصْرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيُقَالُ أَجْهَزْت عَلَى الْجَرِيحِ إذَا أَسْرَعْت قَتْلَهُ وَتَمَّمْت عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَلَا يُقْتَلُ أَسِيرٌ) هُوَ مَقُولُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (وَلَا يُكْشَفُ سِتْرٌ) أَيْ لَا تُسْبَى نِسَاؤُهُمْ، أَلَا تَرَى أَنَّ أَصْحَابَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَأَلُوهُ قِسْمَةَ ذَلِكَ فَقَالَ: فَإِذَا قُسِمَتْ فَلِمَنْ تَكُونُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. وَالْقُدْوَةُ اسْمٌ لِلِاقْتِدَاءِ كَالْأُسْوَةِ اسْمٌ لِلِائْتِسَاءِ، يُقَالُ فُلَانٌ قُدْوَةٌ: أَيْ يُقْتَدَى بِهِ (قَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا) إشَارَةٌ، إلَى قَوْلِهِ وَيَحْبِسُهُمْ إلَى قَوْلِهِ دَفْعًا لِلشَّرِّ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ) مَعْطُوفٌ عَلَى

وَكَانَتْ قِسْمَتُهُ لِلْحَاجَةِ لَا لِلتَّمْلِيكِ، وَلِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي مَالِ الْعَادِلِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، فَفِي مَالِ الْبَاغِي أَوْلَى وَالْمَعْنَى فِيهِ إلْحَاقُ الضَّرَرِ الْأَدْنَى لِدَفْعِ الْأَعْلَى. (وَيَحْبِسُ الْإِمَامُ أَمْوَالَهُمْ فَلَا يَرُدُّهَا عَلَيْهِمْ وَلَا يُقَسِّمُهَا حَتَّى يَتُوبُوا فَيَرُدَّهَا عَلَيْهِمْ) أَمَّا عَدَمُ الْقِسْمَةِ فَلِمَا بَيَّنَّاهُ. وَأَمَّا الْحَبْسُ فَلِدَفْعِ شَرِّهِمْ بِكَسْرِ شَوْكَتِهِمْ وَلِهَذَا يَحْبِسُهَا عَنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا، إلَّا أَنَّهُ يَبِيعُ الْكُرَاعَ؛ لِأَنَّ حَبْسَ الثَّمَنِ أَنْظَرُ وَأَيْسَرُ، وَأَمَّا الرَّدُّ بَعْدَ التَّوْبَةِ فَلِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ وَلَا اسْتِغْنَامَ فِيهَا. قَالَ: (وَمَا جَبَاهُ أَهْلُ الْبَغْيِ مِنْ الْبِلَادِ الَّتِي غَلَبُوا عَلَيْهَا مِنْ الْخَرَاجِ وَالْعُشْرِ لَمْ يَأْخُذْهُ الْإِمَامُ ثَانِيًا) ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَخْذِ لَهُ بِاعْتِبَارِ الْحِمَايَةِ وَلَمْ يَحْمِهِمْ (فَإِنْ كَانُوا صَرَفُوهُ فِي حَقِّهِ أَجْزَأَ مَنْ أُخِذَ مِنْهُ) لِوُصُولِ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ (وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا صَرَفُوهُ فِي حَقِّهِ فَعَلَى أَهْلِهِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُعِيدُوا ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى مُسْتَحِقِّهِ. قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: قَالُوا الْإِعَادَةُ عَلَيْهِمْ فِي الْخَرَاجِ؛ لِأَنَّهُمْ مُقَاتِلَةٌ فَكَانُوا مَصَارِفَ، وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ، وَفِي الْعُشْرِ إنْ كَانُوا فُقَرَاءَ، فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْفُقَرَاءِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الزَّكَاةِ. وَفِي الْمُسْتَقْبَلِ يَأْخُذُهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ يَحْمِيهِمْ فِيهِ؛ لِظُهُورِ وِلَايَتِهِ. (وَمَنْ قَتَلَ رَجُلًا وَهُمَا مِنْ عَسْكَرِ أَهْلِ الْبَغْيِ ثُمَّ ظُهِرَ عَلَيْهِمْ فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِإِمَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلِهِ لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَقَوْلُهُ (أَمَّا عَدَمُ الْقِسْمَةِ فَلِمَا بَيَّنَّاهُ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ: وَلَا يُؤْخَذُ مَالٌ، وَقَوْلُهُ

الْعَدْلِ حِينَ الْقَتْلِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ مُوجِبًا كَالْقَتْلِ فِي دَارِ الْحَرْبِ. (وَإِنْ غَلَبُوا عَلَى مِصْرٍ فَقَتَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ عَمْدًا ثُمَّ ظُهِرَ عَلَى الْمِصْرِ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ) وَتَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يَجْرِ عَلَى أَهْلِهِ أَحْكَامُهُمْ وَأُزْعِجُوا قَبْلَ ذَلِكَ، وَفِي ذَلِكَ لَمْ تَنْقَطِعْ وِلَايَةُ الْإِمَامِ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ. (وَإِذَا قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ بَاغِيًا فَإِنَّهُ يَرِثُهُ، فَإِنْ قَتَلَهُ الْبَاغِي وَقَالَ قَدْ كُنْت عَلَى حَقٍّ وَأَنَا الْآنَ عَلَى حَقٍّ وَرِثَهُ، وَإِنْ قَالَ قَتَلْته وَأَنَا أَعْلَمُ أَنِّي عَلَى الْبَاطِلِ لَمْ يَرِثْهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَرِثُ الْبَاغِي فِي الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَأَصْلُهُ أَنَّ الْعَادِلَ إذَا أَتْلَفَ نَفْسَ الْبَاغِي أَوْ مَالَهُ لَا يَضْمَنُ وَلَا يَأْثَمُ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِقِتَالِهِمْ دَفْعًا لِشَرِّهِمْ، وَالْبَاغِي إذَا قَتَلَ الْعَادِلَ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ عِنْدَنَا وَيَأْثَمُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْقَدِيمِ: إنَّهُ يَجِبُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا تَابَ الْمُرْتَدُّ، وَقَدْ أَتْلَفَ نَفْسًا أَوْ مَالًا. لَهُ أَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا مَعْصُومًا أَوْ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً فَيَجِبُ الضَّمَانُ اعْتِبَارًا بِمَا قَبْلَ الْمَنَعَةِ. وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ. قَوْلُهُ (وَأُزْعِجُوا) يَعْنِي أُقْلِعَ أَهْلُ الْبَغْيِ مِنْ الْمِصْرِ (قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ قَبْلَ إجْرَاءِ أَحْكَامِهِمْ عَلَى أَهْلِهِ. وَقَوْلُهُ (فِي الْوَجْهَيْنِ) أَيْ فِي الْوَجْهِ الَّذِي قَالَ أَنَا عَلَى الْحَقِّ وَفِي الْوَجْهِ الَّذِي قَالَ أَنَا عَلَى الْبَاطِلِ وَقَوْلُهُ (رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ) قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَقَعَتْ الْفِتْنَةُ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا مُتَوَافِرِينَ، فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ

[بيع السلاح من أهل الفتنة]

وَلِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَنْ تَأْوِيلٍ فَاسِدٍ، وَالْفَاسِدُ مِنْهُ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ إذَا ضُمَّتْ إلَيْهِ الْمَنَعَةُ فِي حَقِّ الدَّفْعِ كَمَا فِي مَنَعَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَتَأْوِيلِهِمْ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْإِلْزَامِ أَوْ الِالْتِزَامِ، وَلَا الْتِزَامَ لِاعْتِقَادِ الْإِبَاحَةِ عَنْ تَأْوِيلٍ، وَلَا إلْزَامَ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ لِوُجُودِ الْمَنَعَةِ، وَالْوِلَايَةُ بَاقِيَةٌ قَبْلَ الْمَنَعَةِ وَعِنْدَ عَدَمِ التَّأْوِيلِ ثَبَتَ الِالْتِزَامُ اعْتِقَادًا، بِخِلَافِ الْإِثْمِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنَعَةَ فِي حَقِّ الشَّارِعِ، إذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: قَتْلُ الْعَادِلِ الْبَاغِيَ قَتْلٌ بِحَقٍّ فَلَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ. وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَتْلِ الْبَاغِي الْعَادِلَ أَنَّ التَّأْوِيلَ الْفَاسِدَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الدَّفْعِ وَالْحَاجَةُ هَاهُنَا إلَى اسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ فَلَا يَكُونُ التَّأْوِيلُ مُعْتَبَرًا فِي حَقِّ الْإِرْثِ. وَلَهُمَا فِيهِ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى دَفْعِ الْحِرْمَانِ أَيْضًا، إذْ الْقَرَابَةُ سَبَبُ الْإِرْثِ فَيُعْتَبَرُ الْفَاسِدُ فِيهِ، إلَّا أَنَّ مِنْ شَرْطِهِ بَقَاءَهُ عَلَى دِيَانَتِهِ، فَإِذَا قَالَ: كُنْت عَلَى الْبَاطِلِ لَمْ يُوجَدْ الدَّافِعُ فَوَجَبَ الضَّمَانُ. قَالَ (وَيُكْرَهُ بَيْعُ السِّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ وَفِي عَسَاكِرِهِمْ) ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ (وَلَيْسَ بِبَيْعِهِ بِالْكُوفَةِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ بَأْسٌ) ؛ لِأَنَّ الْغَلَبَةَ فِي الْأَمْصَارِ لِأَهْلِ الصَّلَاحِ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ بَيْعُ نَفْسِ السِّلَاحِ لَا بَيْعُ مَا لَا يُقَاتَلُ بِهِ إلَّا بِصَنْعَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQكُلَّ دَمٍ أُرِيقَ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ فَهُوَ مَوْضُوعٌ، وَكُلُّ فَرْجٍ اُسْتُحِلَّ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ فَهُوَ مَوْضُوعٌ، وَكُلُّ مَالٍ أُتْلِفَ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ فَهُوَ مَوْضُوعٌ. قَوْلُهُ (وَلَا الْتِزَامَ لِاعْتِقَادِ الْإِبَاحَةِ) يَعْنِي أَنَّ الْبَاغِيَ اعْتَقَدَ إبَاحَةَ أَمْوَالِ الْعَادِلِ بِأَنَّ الْعَادِلَ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَمْ يَعْمَلْ بِمُوجَبِ الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (وَلَهُمَا فِيهِ) أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي قَتْلِ الْبَاغِي الْعَادِلِ. وَقَوْلُهُ (فَيُعْتَبَرُ الْفَاسِدُ) أَيْ يُعْتَبَرُ التَّأْوِيلُ الْفَاسِدُ فِي دَفْعِ الْحِرْمَانِ. وَقَوْلُهُ (لَمْ يُوجَدْ الدَّافِعُ) أَيْ التَّأْوِيلُ الدَّافِعُ لِلضَّمَانِ. [بَيْعُ السِّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ] وَقَوْلُهُ (وَلَيْسَ بِبَيْعِهِ بِالْكُوفَةِ) تَقْيِيدُهُ بِالْكُوفَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْبُغَاةَ خَرَجُوا فِيهَا أَوَّلًا وَإِلَّا فَالْحُكْمُ فِي غَيْرِهَا كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (إلَّا بِالصَّنْعَةِ) بِهِ يُرِيدُ الْحَدِيدَ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ سِلَاحًا بِفِعْلِ غَيْرِهِ فَلَا يُنْسَبُ إلَيْهِ

أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُكْرَهُ بَيْعُ الْمَعَازِفِ وَلَا يُكْرَهُ بَيْعُ الْخَشَبِ، وَعَلَى هَذَا الْخَمْرُ مَعَ الْعِنَبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَلَا تَرَى أَنَّهُ يُكْرَهُ بَيْعُ الْمَعَازِفِ) قِيلَ جَمْعُ مِعْزَفٍ ضَرْبٌ مِنْ الطَّنَابِيرِ يَتَّخِذُهُ أَهْلُ الْيَمِينِ (وَلَا يُكْرَهُ بَيْعُ الْخَشَبِ) لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ مِعْزَفًا بِفِعْلِ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا بَيْعُ الْخَمْرِ مَعَ الْعِنَبِ) أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْخَمْرِ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعِنَبِ، وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَيْنَ كَرَاهَةِ بَيْعِ السِّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ وَعَدَمِ كَرَاهَةِ بَيْعِ الْعَصِيرِ مِمَّنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْكَرَاهَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.

[كتاب اللقيط]

كِتَابُ اللَّقِيطِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ اللَّقِيطِ] ِ لَمَّا كَانَ فِي الِالْتِقَاطِ دَفْعُ الْهَلَاكِ عَنْ نَفْسِ الْمُلْتَقِطِ ذَكَرَهُ عَقِيبَ الْجِهَادِ الَّذِي فِيهِ دَفْعُ الْهَلَاكِ عَنْ نَفْسِ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَاللَّقِيطُ: اسْمٌ لِشَيْءٍ مَنْبُوذٍ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَالْجَرِيحِ وَفِي الشَّرِيعَةِ اسْمٌ لِحَيٍّ مَوْلُودٍ طَرَحَهُ أَهْلُهُ

اللَّقِيطُ سُمِّيَ بِهِ بِاعْتِبَارِ مَآلِهِ لِمَا أَنَّهُ يُلْقَطُ. وَالِالْتِقَاطُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَائِهِ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ضَيَاعُهُ فَوَاجِبٌ. قَالَ (اللَّقِيطُ حُرٌّ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي بَنِي آدَمَ إنَّمَا هُوَ الْحُرِّيَّةُ، وَكَذَا الدَّارُ دَارُ الْأَحْرَارِ؛ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْغَالِبِ (وَنَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ) هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQخَوْفًا مِنْ الْعَيْلَةِ أَوْ فِرَارًا مِنْ تُهْمَةِ الزِّنَا، مُضَيِّعُهُ آثِمٌ وَمُحْرِزُهُ غَانِمٌ لِأَنَّ فِيهِ الْإِحْيَاءَ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32] فَإِذَا كَانَ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ كَانَ تَسْمِيَةَ الشَّيْءِ بِاسْمِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ لِمَا أَنَّهُ يُلْتَقَطُ وَهُوَ حُرٌّ أَيْ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ حَتَّى أَنَّ قَاذِفَهُ يُحَدُّ وَقَاذِفَ أُمِّهِ لَا يُحَدُّ، كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي بَنِي آدَمَ الْحُرِّيَّةُ) لِأَنَّهُمْ مِنْ آدَمَ وَحَوَّاءَ وَهُمَا حُرَّانِ. وَالرِّقُّ إنَّمَا هُوَ لِعَارِضِ الْكُفْرِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْعَارِضِ، وَلِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْغَالِبِ وَالْغَالِبُ فِيمَنْ يَسْكُنُ بِلَادَ الْإِسْلَامِ الْحُرِّيَّةُ. وَقَوْلُهُ (هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: اللَّقِيطُ حُرٌّ وَعَقْلُهُ وَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ. وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِثْلُهُ.

وَلِأَنَّهُ مُسْلِمٌ عَاجِزٌ عَنْ التَّكَسُّبِ، وَلَا مَالَ لَهُ وَلَا قَرَابَةَ فَأَشْبَهَ الْمُقْعَدَ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ وَلَا قَرَابَةَ؛ وَلِأَنَّ مِيرَاثَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَالْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ وَلِهَذَا كَانَتْ جِنَايَتُهُ فِيهِ. وَالْمُلْتَقِطُ مُتَبَرِّعٌ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ؛ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْقَاضِي بِهِ لِيَكُونَ دَيْنًا عَلَيْهِ لِعُمُومِ الْوِلَايَةِ. قَالَ (فَإِنْ الْتَقَطَهُ رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ حَقُّ الْحِفْظِ لَهُ لِسَبْقِ يَدِهِ (فَإِنْ ادَّعَى مُدَّعٍ أَنَّهُ ابْنُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَالْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ) أَيْ لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ، كَغَلَّةِ الْعَبْدِ الْمَعِيبِ لِلْمُشْتَرِي قَبْلَ الرَّدِّ لِأَنَّهُ قَبْلَ الرَّدِّ فِي ضَمَانِهِ، يُقَالُ خَرَاجُ غُلَامِهِ: إذَا اتَّفَقَا عَلَى ضَرِيبَةٍ يُؤَدِّيهَا عَلَيْهِ فِي وَقْتٍ مَعْلُومٍ. وَقَوْلُهُ (فِيهِ) أَيْ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَيُقَالُ بَرَعَ الرَّجُلُ وَبَرُعَ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ: إذَا فَضُلَ عَلَى أَقْرَانِهِ، وَمِنْهُ يُقَالُ لِلْمُتَفَضِّلِ الْمُتَبَرِّعُ. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْقَاضِي لِيَكُونَ دَيْنًا عَلَيْهِ لِعُمُومِ الْوِلَايَةِ) فِي قَوْلِهِ لِيَكُونَ دَيْنًا عَلَيْهِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ دَيْنًا إذَا قَالَ ذَلِكَ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: مُجَرَّدُ أَمْرِ الْقَاضِي بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ يَكْفِي، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ عَلَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَيْهِ، لِأَنَّ أَمْرَ الْقَاضِي نَافِذٌ عَلَيْهِ كَأَمْرِهِ بِنَفْسِهِ أَنْ لَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ وَأَمَرَ غَيْرَهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ كَانَ مَا يُنْفِقُ دَيْنًا عَلَيْهِ، فَكَذَا إذَا أَمَرَهُ الْقَاضِي. وَالْأَصَحُّ أَنْ لَا يَرْجِعَ مَا لَمْ يَقُلْ الْقَاضِي ذَلِكَ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ مُحْتَمَلٌ قَدْ يَكُونُ لِلْحَثِّ وَالتَّرْغِيبِ فِي إتْمَامِ

مَعْنَاهُ: إذَا لَمْ يَدَّعِ الْمُلْتَقِطُ نَسَبَهُ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّ الْمُلْتَقِطِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ إقْرَارٌ لِلصَّبِيِّ بِمَا يَنْفَعُهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَشَرَّفُ بِالنَّسَبِ وَيُعَيَّرُ بِعَدَمِهِ. ثُمَّ قِيلَ يَصِحُّ فِي حَقِّهِ دُونَ إبْطَالِ يَدِ الْمُلْتَقِطِ. وَقِيلَ يُبْتَنَى عَلَيْهِ بُطْلَانُ يَدِهِ، وَلَوْ ادَّعَاهُ الْمُلْتَقِطُ قِيلَ يَصِحُّ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ وَقَدْ عُرِفَ فِي الْأَصْلِ. (وَإِنْ ادَّعَاهُ اثْنَانِ وَوَصَفَ أَحَدُهُمَا عَلَامَةً فِي جَسَدِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا شَرَعَ فِيهِ مِنْ التَّبَرُّعِ، وَإِنَّمَا يَزُولُ هَذَا الِاحْتِمَالُ إذَا شُرِطَ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (مَعْنَاهُ: إذَا لَمْ يَدَّعِ الْمُلْتَقِطُ نَسَبَهُ) يَعْنِي إذَا ادَّعَاهُ الْمُلْتَقِطُ وَرَجُلٌ آخَرُ فَالْمُلْتَقِطُ أَوْلَى لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي الدَّعْوَى وَلِأَحَدِهِمَا يَدٌ فَكَانَ صَاحِبُ الْيَدِ أَوْلَى. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ قِيلَ يَصِحُّ فِي حَقِّهِ) أَيْ فِي حَقِّ النَّسَبِ، وَقِيلَ يُبْتَنَى عَلَيْهِ بُطْلَانُ يَدِهِ لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ النَّسَبِ أَنْ يَكُونَ هُوَ أَحَقَّ بِحِفْظِ وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ ادَّعَاهُ الْمُلْتَقِطُ) أَيْ وَلَوْ ادَّعَى الْمُلْتَقِطُ نَسَبَ اللَّقِيطِ وَقَالَ هُوَ ابْنِي بَعْدَمَا قَالَ إنَّهُ لَقِيطٌ، قِيلَ يَصِحُّ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ لَمْ يَبْطُلْ بِدَعْوَاهُ حَقُّ أَحَدٍ وَلَا مُنَازِعَ لَهُ فِي ذَلِكَ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ) أَيْ عَلَى اخْتِلَافِ حُكْمِ الْقِيَاسِ مَعَ حُكْمِ الِاسْتِحْسَانِ: يَعْنِي فِي الْقِيَاسِ لَا يَصِحُّ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَصِحُّ كَمَا فِي دَعْوَى غَيْرِ الْمُلْتَقِطِ، لَكِنَّ وَجْهَ الْقِيَاسِ هَاهُنَا غَيْرُ وَجْهِ الْقِيَاسِ فِي دَعْوَى غَيْرِ الْمُلْتَقِطِ. وَوَجْهُ الْقِيَاسِ فِي دَعْوَى غَيْرِ الْمُلْتَقِطِ هُوَ تَضَمُّنُ إبْطَالِ حَقِّ الْمُلْتَقِطِ فَلِذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَاهُ. وَوَجْهُ الْقِيَاسِ فِي دَعْوَى الْمُلْتَقِطِ هُوَ تَنَاقُضُ كَلَامِهِ بِأَنَّهُ لَمَّا زَعَمَ أَنَّهُ لَقِيطٌ كَانَ نَافِيًا نَسَبَهُ لِأَنَّ ابْنَهُ لَا يَكُونُ لَقِيطًا فِي يَدِهِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ ابْنُهُ فَكَانَ مُنَاقِضًا. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَصِحُّ دَعْوَاهُ لِأَنَّ هَذَا إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ حَيْثُ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْفَظَهُ فَهُوَ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ يَكْتَسِبُ لَهُ مَا يَنْفَعُهُ، وَبِالِالْتِقَاطِ يَثْبُتُ لَهُ هَذِهِ الْوِلَايَةُ. وَقَوْلُهُ (إنَّهُ مُتَنَاقِضٌ) قُلْنَا نَعَمْ وَلَكِنْ فِيمَا طَرِيقُهُ الْخَفَاءُ قَدْ يَشْتَبِهُ عَلَى النَّاسِ حَالُ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَقِيطٌ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ وَلَدُهُ، وَالتَّنَاقُضُ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ النَّسَبِ كَالْمُلَاعِنِ إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ (وَإِنْ ادَّعَاهُ اثْنَانِ وَوَصَفَ أَحَدُهُمَا عَلَامَةً فِي جَسَدِهِ

فَهُوَ أَوْلَى بِهِ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ لِمُوَافَقَةِ الْعَلَامَةِ كَلَامَهُ، وَإِنْ لَمْ يَصِفْ أَحَدُهُمَا عَلَامَةً فَهُوَ ابْنُهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي السَّبَبِ. وَلَوْ سَبَقَتْ دَعْوَةُ أَحَدِهِمَا فَهُوَ ابْنُهُ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي زَمَانٍ لَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهِ إلَّا إذَا أَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ أَقْوَى. (وَإِذَا وُجِدَ فِي مِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَاهُمْ فَادَّعَى ذِمِّيٌّ أَنَّهُ ابْنُهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَهُوَ أَوْلَى بِهِ) أَيْ يَجِبُ عَلَى الْمُلْتَقِطِ أَنْ يَدْفَعَ اللَّقِيطَ إلَى الَّذِي وَصَفَ عَلَامَةً فِي جَسَدِهِ وَأَصَابَ فِي وَصْفِهِ لِأَنَّ الْوَاصِفَ أَوْلَى بِذَلِكَ اللَّقِيطِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ اللَّقِيطِ وَاللُّقَطَةِ فَإِنَّ اللُّقَطَةَ إذَا تَنَازَعَ فِيهِ اثْنَانِ وَوَصَفَ أَحَدُهُمَا وَأَصَابَ وَلَمْ يَصِفْ الْآخَرُ فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى لِصَاحِبِ الْوَصْفِ، بَلْ إذَا انْفَرَدَ الْوَاصِفُ يَحِلُّ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُهُ وَهَاهُنَا يَلْزَمُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا هُوَ أَنَّ الْإِصَابَةَ بِوَصْفِ أَمْرٍ مُحْتَمَلٍ، يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَصَابَ لِأَنَّهُ لَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَصَابَ لِأَنَّهُ رَأَى فِي يَدِ غَيْرِهِ، وَالْمُحْتَمَلُ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْغَيْرِ لَكِنَّهُ يَصْلُحُ مُرَجِّحًا لِسَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ كَالْيَدِ فِي دَعْوَى النِّتَاجِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ فِي فَصْلِ اللَّقِيطِ: قَدْ وُجِدَ مَا هُوَ سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ الدَّعْوَةُ لِأَنَّهَا سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ فِي حَقِّ اللَّقِيطِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ انْفَرَدَ بِدَعْوَى اللَّقِيطِ قَضَى لَهُ بِهِ كَمَا لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَيُعْتَبَرُ الْوَصْفُ لِيَتَرَجَّحَ سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ، وَأَمَّا فِي اللُّقَطَةِ فَالدَّعْوَى لَيْسَتْ بِسَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ حَتَّى يَتَرَجَّحَ بِالْوَصْفِ، فَلَوْ اُعْتُبِرَ الْوَصْفُ اُعْتُبِرَ لِأَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْوَصْفُ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لَهُ فَافْتَرَقَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ وُجِدَ فِي مِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ) عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ ظَاهِرٌ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْحَاصِلِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَجِدَهُ مُسْلِمٌ فِي مَكَانِ الْمُسْلِمِينَ كَالْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ فَيَكُونُ مَحْكُومًا لَهُ بِالْإِسْلَامِ. وَالثَّانِي أَنْ يَجِدَهُ كَافِرٌ فِي مَكَانِ أَهْلِ الْكُفْرِ

مِنْهُ وَكَانَ مُسْلِمًا) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ تَضْمَنُ النَّسَبَ وَهُوَ نَافِعٌ لِلصَّغِيرِ، وَإِبْطَالُ الْإِسْلَامِ الثَّابِتِ بِالدَّارِ وَهُوَ يَضُرُّهُ فَصَحَّتْ دَعْوَتُهُ فِيمَا يَنْفَعُهُ دُونَ مَا يَضُرُّهُ. (وَإِنْ وُجِدَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ فِي بِيعَةٍ أَوْ كَنِيسَةٍ كَانَ ذِمِّيًّا) وَهَذَا الْجَوَابُ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَاجِدُ ذِمِّيًّا رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ كَانَ الْوَاجِدُ مُسْلِمًا فِي هَذَا الْمَكَانِ أَوْ ذِمِّيًّا فِي مَكَانِ الْمُسْلِمِينَ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِيهِ، فَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ اللَّقِيطِ اُعْتُبِرَ الْمَكَانُ لِسَبْقِهِ، وَفِي كِتَابِ الدَّعْوَى فِي بَعْضِ النُّسَخِ اُعْتُبِرَ الْوَاجِدُ وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ لِقُوَّةِ الْيَدِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ تَبَعِيَّةَ الْأَبَوَيْنِ فَوْقَ تَبَعِيَّةِ الدَّارِ حَتَّى إذَا سُبِيَ مَعَ الصَّغِيرِ أَحَدُهُمَا يُعْتَبَرُ كَافِرًا، وَفِي بَعْضِ نُسَخِهِ اُعْتُبِرَ الْإِسْلَامُ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالْبِيعَةِ وَالْكَنِيسَةِ فَيَكُونُ مَحْكُومًا لَهُ بِالْكُفْرِ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ إذَا مَاتَ. وَالثَّالِثُ أَنْ يَجِدَهُ كَافِرٌ فِي مَكَانِ الْمُسْلِمِينَ وَالرَّابِعُ أَنْ يَجِدَهُ مُسْلِمٌ فِي مَكَانِ الْكَافِرِينَ، فَفِي هَذَيْنِ الْفَصْلَيْنِ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ. فَفِي كِتَابِ اللَّقِيطِ يَقُولُ: الْعِبْرَةُ لِلْمَكَانِ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْوَاجِدِ بِالْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. وَقَوْلُهُ (فِي بَعْضِ النُّسَخِ) أَيْ فِي بَعْضِ نُسَخِ دَعْوَى الْمَبْسُوطِ.

(وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ اللَّقِيطَ عَبْدُهُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ ظَاهِرًا إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ (فَإِنْ ادَّعَى عَبْدٌ أَنَّهُ ابْنُهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَعُهُ (وَكَانَ حُرًّا) ؛ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ قَدْ تَلِدُ لَهُ الْحُرَّةُ فَلَا تَبْطُلُ الْحُرِّيَّةُ الظَّاهِرَةُ بِالشَّكِّ (وَالْحُرُّ فِي دَعْوَتِهِ اللَّقِيطَ أَوْلَى مِنْ الْعَبْدِ، وَالْمُسْلِمُ أَوْلَى مِنْ الذِّمِّيِّ) تَرْجِيحًا لِمَا هُوَ الْأَنْظَرُ فِي حَقِّهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ اللَّقِيطَ عَبْدُهُ) ظَاهِرٌ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تُقْبَلُ إلَّا عَلَى خَصْمٍ مُنْكِرٍ وَلَا خَصْمَ هَاهُنَا لِأَنَّ الْمُلْتَقِطَ لَيْسَ بِوَلِيٍّ فَلَا يَكُونُ خَصْمًا عَنْهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْخَصْمَ هُوَ الْمُلْتَقِطُ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُهُ عَنْهُ، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ أَحَقُّ بِحِفْظِهِ فَلَا يَتَوَصَّلُ الْمُدَّعِي إلَى اسْتِحْقَاقِ يَدِهِ عَلَيْهِ إلَّا بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، فَإِنْ ادَّعَى عَبْدٌ أَنَّهُ ابْنُهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ لِأَنَّ دَعْوَاهُ تَضَمَّنَتْ شَيْئَيْنِ: النَّسَبُ وَهُوَ نَفْعٌ لِلصَّبِيِّ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ الشَّرَفُ بِثُبُوتِ النَّسَبِ، وَالرِّقُّ وَهُوَ مَضَرَّةٌ فَيَثْبُتُ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَسْتَلْزِمُهُ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ قَدْ تَلِدُ لَهُ الْحُرَّةُ فَلَا تَبْطُلُ لَهُ الْحُرِّيَّةُ الظَّاهِرَةُ بِالشَّكِّ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَرَّرَ بِجَعْلِ كَلَامِهِ دَلِيلَيْنِ عَلَى مَطْلُوبَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ لِأَنَّهُ يَنْفَعُهُ، وَكُلُّ مَا يَنْفَعُهُ يَثْبُتُ لَهُ. وَالثَّانِي أَنَّهُ حُرٌّ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ قَدْ تَلِدُ لَهُ الْحُرَّةُ فَلَا يَكُونُ عَبْدًا، وَقَدْ تَلِدُ لَهُ الْأَمَةُ فَيَكُونُ عَبْدًا، وَالظَّاهِرُ فِي بَنِي آدَمَ الْحُرِّيَّةُ فَلَا تَبْطُلُ بِالشَّكِّ. قَالَ (وَالْحُرُّ فِي دَعْوَتِهِ اللَّقِيطَ أَوْلَى مِنْ الْعَبْدِ) إذَا ادَّعَى اللَّقِيطَ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَهُمَا خَارِجَانِ أَوْ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ وَهُمَا خَارِجَانِ دَعْوَى مُجَرَّدَةً فَالْحُرُّ أَوْلَى مِنْ الْعَبْدِ وَالْمُسْلِمُ أَوْلَى مِنْ الذِّمِّيِّ، وَكَذَلِكَ إذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا أَكْثَرَ إثْبَاتًا، حَتَّى لَوْ شَهِدَ لِلْمُسْلِمِ ذِمِّيَّانِ وَلِلذِّمِّيِّ مُسْلِمَانِ كَانَ لِلْمُسْلِمِ لِأَنَّ بَيِّنَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُجَّةٌ فِي حَقِّ الْآخَرِ وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا أَكْثَرَ إثْبَاتًا فَكَانَ الْمُسْلِمُ أَوْلَى. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ بَيِّنَةُ الَّذِي أَكْثَرَ إثْبَاتًا فَلَا يُعْتَبَرُ التَّرْجِيحُ بِالْإِسْلَامِ، فَلَوْ ادَّعَى الذِّمِّيُّ صَبِيًّا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ ابْنُهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ شَاهِدَيْنِ مُسْلِمَيْنِ وَأَقَامَ عَبْدٌ مُسْلِمٌ بَيِّنَةً أَنَّهُ ابْنُهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَمَةِ قُضِيَ لِلذِّمِّيِّ بِالصَّبِيِّ، وَلَمْ يَتَرَجَّحْ الْعَبْدُ بِالْإِسْلَامِ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الذِّمِّيِّ أَكْثَرُ إثْبَاتًا لِأَنَّهَا تُثْبِتُ

(وَإِنْ وُجِدَ مَعَ اللَّقِيطِ مَالٌ مَشْدُودٌ عَلَيْهِ فَهُوَ لَهُ) اعْتِبَارًا لِلظَّاهِرِ. وَكَذَا إذَا كَانَ مَشْدُودًا عَلَى دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَيْهَا لِمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ يَصْرِفُهُ الْوَاجِدُ إلَيْهِ بِأَمْرِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ مَالٌ ضَائِعٌ وَلِلْقَاضِي وِلَايَةُ صَرْفِ مِثْلِهِ إلَيْهِ. وَقِيلَ يَصْرِفُهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لِلَّقِيطِ ظَاهِرًا (وَلَهُ وِلَايَةُ الْإِنْفَاقِ وَشِرَاءُ مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ) كَالطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْإِنْفَاقِ. (وَلَا يَجُوزُ تَزْوِيجُ الْمُلْتَقِطِ) لِانْعِدَامِ سَبَبِ الْوِلَايَةِ مِنْ الْقَرَابَةِ وَالْمِلْكِ وَالسَّلْطَنَةِ. قَالَ (وَلَا تَصَرُّفُهُ فِي مَالِ الْمُلْتَقِطِ) اعْتِبَارًا بِالْأُمِّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ لِتَثْمِيرِ الْمَالِ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالرَّأْيِ الْكَامِلِ وَالشَّفَقَةِ الْوَافِرَةِ وَالْمَوْجُودُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَحَدُهُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّسَبَ بِجَمِيعِ أَحْكَامِهِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ النِّزَاعُ بَيْنَ الْمُلْتَقِطِ وَالْخَارِجِ فَالتَّرْجِيحُ بِالْيَدِ لِقُوَّتِهَا، فَإِنَّ الْمُلْتَقِطَ إذَا كَانَ ذِمِّيًّا فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْمُسْلِمِ الْخَارِجِ (وَإِذَا وُجِدَ مَعَ اللَّقِيطِ مَالٌ مَشْدُودٌ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى دَابَّةٍ هُوَ عَلَيْهَا فَهُوَ لَهُ) وَكَذَا الدَّابَّةُ (اعْتِبَارًا لِلظَّاهِرِ) لِأَنَّ اللَّقِيطَ لَمَّا كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَانَ حُرًّا مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ، فَمَا كَانَ مَعَهُ فَهُوَ لَهُ ظَاهِرًا لِعَدَمِ الْيَدِ الثَّابِتَةِ عَلَيْهِ كَالْقَمِيصِ الَّذِي عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: الظَّاهِرُ يَكْفِي لِلدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ، فَلَوْ ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلَّقِيطِ بِهَذَا الظَّاهِرِ كَانَ الظَّاهِرُ حُجَّةً مُثْبِتَةً وَلَيْسَ كَذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا الظَّاهِرَ يَدْفَعُ دَعْوَى الْغَيْرِ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَصْرِفُهُ الْوَاجِدُ إلَيْهِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَالْمَوْجُودُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْمُلْتَقِطِ وَالْأُمِّ (أَحَدُهُمَا) لِأَنَّ لِلْمُلْتَقِطِ رَأْيًا كَامِلًا

قَالَ: (وَيَجُوزُ أَنْ يَقْبِضَ لَهُ الْهِبَةَ) ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الصَّغِيرُ بِنَفْسِهِ إذَا كَانَ عَاقِلًا وَتَمْلِكُهُ الْأُمُّ وَوَصِيُّهَا. قَالَ (وَيُسَلِّمُهُ فِي صِنَاعَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ تَثْقِيفِهِ وَحِفْظِ حَالِهِ. قَالَ (وَيُؤَاجِرُهُ) قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: وَهَذَا رِوَايَةُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ، ذَكَرَهُ فِي الْكَرَاهِيَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَثْقِيفِهِ. وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إتْلَافَ مَنَافِعِهِ فَأَشْبَهَ الْعَمَّ. بِخِلَافِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِكُهُ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي الْكَرَاهِيَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا شَفَقَةَ لَهُ، وَلِلْأُمِّ شَفَقَةٌ كَامِلَةٌ وَلَا رَأْيَ لَهَا (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ تَثْقِيفِهِ) التَّثْقِيفُ تَقْوِيمُ الْمُعْوَجِّ بِالثِّقَافِ وَهُوَ مَا يُسَوَّى بِهِ الرِّمَاحُ وَيُسْتَعَارُ لِلتَّأْدِيبِ وَالتَّهْذِيبِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأُمِّ لِأَنَّهَا تَمْلِكُهُ) أَيْ تَمْلِكُ إتْلَافَ مَنَافِعِهِ فَإِنَّهَا تَمْلِكُ اسْتِخْدَامَ وَلَدِهَا وَإِجَارَتَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[كتاب اللقطة]

كِتَابُ اللُّقَطَةِ قَالَ (اللُّقَطَةُ أَمَانَةٌ إذَا أَشْهَدَ الْمُلْتَقِطُ أَنَّهُ يَأْخُذُهَا لِيَحْفَظَهَا وَيَرُدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ اللُّقَطَةِ] اللَّقِيطُ وَاللُّقَطَةُ مُتَقَارِبَانِ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَخُصَّ اللَّقِيطُ بِبَنِي آدَمَ وَاللُّقَطَةُ بِغَيْرِهِمْ لِلتَّمْيِيزِ بَيْنَهُمَا، وَقُدِّمَ الْأَوَّلُ لِشَرَفِ بَنِي آدَمَ عَلَى اللُّقَطَةِ وَهِيَ الشَّيْءُ الَّذِي يَجِدُهُ مُلْقًى فَيَأْخُذُهُ أَمَانَةً (إذَا أَشْهَدَ الْمُلْتَقِطُ أَنَّهُ يَأْخُذُهَا لِيَحْفَظَهَا وَيَرُدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا) لِأَنَّ الْأَخْذَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا بَلْ هُوَ الْأَفْضَلُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ

لِأَنَّ الْأَخْذَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا بَلْ هُوَ الْأَفْضَلُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ الْوَاجِبُ إذَا خَافَ الضَّيَاعَ عَلَى مَا قَالُوا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا تَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إذَا تَصَادَقَا أَنَّهُ أَخَذَهَا لِلْمَالِكِ لِأَنَّ تَصَادُقَهُمَا حُجَّةٌ فِي حَقِّهِمَا فَصَارَ كَالْبَيِّنَةِ، وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَبِغَيْرِ إذْنِ الشَّرْعِ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ الشُّهُودُ عَلَيْهِ وَقَالَ الْآخِذُ أَخَذْته لِلْمَالِكِ وَكَذَّبَهُ الْمَالِكُ يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَضْمَنُ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ لِاخْتِيَارِهِ الْحِسْبَةَ دُونَ الْمَعْصِيَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ بَلْ هُوَ أَفْضَلُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ وَذَلِكَ حَرَامٌ شَرْعًا وَعَنْ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ أَخْذُهُ جَائِزٌ وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ لِأَنَّ صَاحِبَهَا إنَّمَا يَطْلُبُهَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي سَقَطَتْ مِنْهُ، فَإِذَا تَرَكَهَا وَجَدَهَا صَاحِبُهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْوَاجِبُ إذَا خَافَ الضَّيَاعَ عَلَى مَا قَالُوا) وَالْحَاصِلُ أَنَّ اللُّقَطَةَ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ عَلَى نَوْعَيْنِ: مَا يَكُونُ أَخْذُهُ وَاجِبًا وَهُوَ مَا إذَا خَافَ الضَّيَاعَ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71] وَإِذَا كَانَ وَلِيًّا وَجَبَ عَلَيْهِ حِفْظُ مَالِهِ، وَبِأَنَّ حُرْمَةَ مَالِ الْمُسْلِمِ كَحُرْمَةِ مَالِهِ، فَإِذَا خَافَ عَلَى مَالِهِ الضَّيَاعَ وَجَبَ حِفْظُهُ، فَكَذَلِكَ إذَا خَافَ عَلَى مَالِ غَيْرِهِ وَمَا لَا يَكُونُ أَخْذُهُ وَاجِبًا، وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَخَفْ الضَّيَاعَ فَقِيلَ رَفْعُهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وَلِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَصِلَ إلَيْهَا يَدٌ خَائِنَةٌ فَتَمْنَعَهَا عَنْ مَالِكِهَا. وَقِيلَ تَرْكُهُ أَفْضَلُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ صَاحِبَهَا إنَّمَا يَطْلُبُهَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي سَقَطَتْ مِنْهُ وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ (وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ) أَيْ إذَا كَانَ أَخْذُهَا مَأْذُونًا فِيهِ شَرْعًا (لَا تَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ) كَذَا وَكَذَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ وَهُوَ لَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ إذَا تَصَادَقَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَاهُ وَإِذَا أَشْهَدَ الْمُلْتَقِطُ أَنَّهُ يَأْخُذُهَا إلَخْ لَا تَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ لِنَفْسِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ وَإِذَا كَانَتْ أَمَانَةً لَا تَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا تَصَادَقَ الْمُلْتَقِطُ وَالْمَالِكُ أَنَّهُ أَخَذَهَا لِلْمَالِكِ لِأَنَّ تَصَادُقَهُمَا حُجَّةٌ فِي حَقِّهِمَا وَصَارَ كَمَا إذَا أَقَامَ الْمُلْتَقِطُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَخَذَهَا لِيُوَصِّلَهَا إلَى الْمَالِكِ (وَلَوْ أَقَرَّ) الْمُلْتَقِطُ (أَنَّهُ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ أَخْذُ مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَبِغَيْرِ إذْنِ الشَّرْعِ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ الشُّهُودُ عَلَيْهِ وَقَالَ الْآخِذُ أَخَذْتهَا لِلْمَالِكِ وَكَذَّبَهُ الْمَالِكُ يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَضْمَنُ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) أَمَّا عَدَمُ الضَّمَانِ فَلِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ لِاخْتِيَارِهِ الْحِسْبَةَ دُونَ الْمَعْصِيَةِ لِأَنَّ فِعْلَ

وَلَهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ وَادَّعَى مَا يُبَرِّئُهُ وَهُوَ الْأَخْذُ لِمَالِكِهِ وَفِيهِ وَقَعَ الشَّكُّ فَلَا يَبْرَأُ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ الظَّاهِرِ يُعَارِضُهُ مِثْلُهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنْ يَكُونَ الْمُتَصَرِّفُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ وَيَكْفِيهِ فِي الْإِشْهَادِ أَنْ يَقُولَ مَنْ سَمِعْتُمُوهُ يَنْشُدُ لُقَطَةً فَدُلُّوهُ عَلَيَّ وَاحِدَةً كَانَتْ اللُّقَطَةُ أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُسْلِمِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يَحِلُّ لَهُ شَرْعًا، وَاَلَّذِي يَحِلُّ لَهُ شَرْعًا الْأَخْذُ لِلرَّدِّ لَا لِنَفْسِهِ فَيُحْمَلُ مُطْلَقُ فِعْلِهِ عَلَيْهِ، وَهَذَا الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ قَائِمٌ مَقَامَ الْإِشْهَادِ مِنْهُ، وَأَمَّا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فَلِأَنَّ صَاحِبَهَا يَدَّعِي عَلَيْهِ سَبَبَ الضَّمَانِ وَوُجُوبَ الْقِيمَةِ فِي ذِمَّتِهِ وَهُوَ مُنْكِرٌ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْغَصْبَ. وَقَوْلُهُ (وَلَهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ) ظَاهِرٌ، قِيلَ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الْإِشْهَادِ فِيمَا إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَشْهَدَ، أَمَّا إذَا لَمْ يَجِدْ أَحَدًا يُشْهِدُهُ عِنْدَ الرَّفْعِ أَوْ خَافَ أَنَّهُ لَوْ أَشْهَدَ عِنْدَ الرَّفْعِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ الظَّالِمُ فَتَرَكَ الْإِشْهَادَ لَا يَكُونُ ضَامِنًا بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ وَجَدَ مَنْ يُشْهِدُهُ فَلَمْ يُشْهِدْهُ حَتَّى جَاوَزَهُ ضَمِنَ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْإِشْهَادَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (وَيَكْفِي فِي الْإِشْهَادِ أَنْ يَقُولَ) ظَاهِرٌ.

قَالَ (فَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَرَّفَهَا أَيَّامًا، وَإِنْ كَانَتْ عَشْرَةً فَصَاعِدًا عَرَّفَهَا حَوْلًا) قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: وَهَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَوْلُهُ أَيَّامًا مَعْنَاهُ عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى. وَقَدَّرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ بِالْحَوْلِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ الْتَقَطَ شَيْئًا فَلْيُعَرِّفْهُ سَنَةً مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ» . وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ التَّقْدِيرَ بِالْحَوْلِ وَرَدَ فِي لُقَطَةٍ كَانَتْ مِائَةَ دِينَارٍ تُسَاوِي أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَالْعَشَرَةُ وَمَا فَوْقَهَا فِي مَعْنَى الْأَلْفِ فِي تَعَلُّقِ الْقَطْعِ بِهِ فِي السَّرِقَةِ وَتَعَلُّقِ اسْتِحْلَالِ الْفَرْجِ بِهِ وَلَيْسَتْ فِي مَعْنَاهَا فِي حَقِّ تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ، فَأَوْجَبْنَا التَّعْرِيفَ بِالْحَوْلِ احْتِيَاطًا، وَمَا دُونَ الْعَشَرَةِ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْأَلْفِ بِوَجْهٍ مَا فَفَوَّضْنَا إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ وَهَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ، فَإِنَّ الطَّحَاوِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: وَإِذَا الْتَقَطَ لُقَطَةً فَإِنَّهُ يُعَرِّفُهَا سَنَةً سَوَاءٌ كَانَ الشَّيْءُ نَفِيسًا أَوْ خَسِيسًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (وَقَوْلُهُ كَانَتْ مِائَةَ دِينَارٍ تُسَاوِي أَلْفَ دِرْهَمٍ) يُرِيدُ مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الصَّحِيحِ مُسْنَدًا إلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «أَخَذْت صُرَّةً مِائَةَ دِينَارٍ، فَأَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: عَرِّفْهَا حَوْلًا، فَعَرَّفْتهَا فَلَمْ أَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا، ثُمَّ أَتَيْته ثَانِيًا فَقَالَ عَرِّفْهَا حَوْلًا، فَعَرَّفْتهَا فَلَمْ أَجِدْ، ثُمَّ أَتَيْته ثَالِثًا فَقَالَ: احْفَظْ وِعَاءَهَا وَوِكَاءَهَا وَعَدَدَهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَاسْتَمْتِعْ بِهَا» . وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ. وَأَقُولُ: هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّعْرِيفَ

وَقِيلَ الصَّحِيحُ أَنَّ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْمَقَادِيرِ لَيْسَ بِلَازِمٍ، وَيُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْمُلْتَقِطِ يُعَرِّفُهَا إلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهَا بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ شَيْئًا لَا يَبْقَى عَرَّفَهُ حَتَّى إذَا خَافَ أَنْ يَفْسُدَ تَصَدَّقَ بِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَرِّفَهَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَصَابَهَا. وَفِي الْجَامِعِ: فَإِنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلَى الْوُصُولِ إلَى صَاحِبِهَا، وَإِنْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ شَيْئًا يَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهَا كَالنَّوَاةِ وَقُشُورِ الرُّمَّانِ يَكُونُ إلْقَاؤُهُ إبَاحَةً حَتَّى جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفٍ وَلَكِنَّهُ مُبْقًى عَلَى مِلْكِ مَالِكِهِ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونُ حَوْلَيْنِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَرْطٍ بِالْإِجْمَاعِ فَيَكُونُ سَاقِطَ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمُرَادِ (وَقَوْلُهُ وَقِيلَ الصَّحِيحُ أَنَّ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْمَقَادِيرِ) إشَارَةٌ إلَى مَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَوْلُهُ (كَالنَّوَاةِ وَقُشُورِ الرُّمَّانِ) يَعْنِي إذَا كَانَ فِي مَوَاضِعَ مُخْتَلِفَةٍ فَجَمَعَهَا وَصَارَ بِحُكْمِ الْكَثْرَةِ لَهَا قِيمَةً فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا لِأَنَّ الْقِيمَةَ ظَهَرَتْ بِالِاجْتِمَاعِ وَالِاجْتِمَاعُ حَصَلَ بِصُنْعِهِ وَلَكِنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا، حَتَّى أَنَّ صَاحِبَهَا إذَا وَجَدَهَا فِي يَدِهِ بَعْدَمَا جَمَعَهَا جَازَ أَنْ يَأْخُذَهَا لِأَنَّ الْإِلْقَاءَ مُتَفَرِّقًا دَلِيلٌ عَلَى الْإِذْنِ لَا عَلَى التَّمْلِيكِ، لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ. ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ

قَالَ (فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهَا) إيصَالًا لِلْحَقِّ إلَى الْمُسْتَحِقِّ وَهُوَ وَاجِبٌ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَذَلِكَ بِإِيصَالِ عَيْنِهَا عِنْدَ الظَّفَرِ بِصَاحِبِهَا وَإِيصَالِ الْعِوَضِ وَهُوَ الثَّوَابُ عَلَى اعْتِبَارِ إجَازَةِ التَّصَدُّقِ بِهَا، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا رَجَاءَ الظُّفْرِ بِصَاحِبِهَا قَالَ (فَإِنْ) (جَاءَ صَاحِبُهَا) يَعْنِي بَعْدَمَا تَصَدَّقَ بِهَا (فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَمْضَى الصَّدَقَةَ) وَلَهُ ثَوَابُهَا لِأَنَّ التَّصَدُّقَ وَإِنْ حَصَلَ بِإِذْنِ الشَّرْعِ لَمْ يَحْصُلْ بِإِذْنِهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ، وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ لِلْفَقِيرِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قِيَامِ الْمَحِلِّ، بِخِلَافِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ لِثُبُوتِهِ بَعْدَ الْإِجَازَةِ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُجْتَمِعَةً فِي مَوْضِعٍ فَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا لِأَنَّ صَاحِبَهَا لَمَّا جَمَعَهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَا أَلْقَاهَا (قَوْلُهُ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا تَصَدَّقْ بِهَا) يَعْنِي إنْ جَاءَ صَاحِبُهَا بَعْدَ التَّعْرِيفِ دَفَعَهَا إلَيْهِ أَيْضًا لَا لِعَيْنِ حَقِّهِ الْمُسْتَحَقِّ الدَّفْعُ إلَيْهِ كَمَا فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَجِئْ فَهُوَ بِالْخِيَارِ (إنْ شَاءَ) تَصَدَّقَ بِهَا أَيْضًا لَا لِعِوَضِ الْمُسْتَحَقِّ وَهُوَ الثَّوَابُ عَلَى اعْتِبَارِ إجَازَتِهِ التَّصَدُّقَ بِهَا عَلَى مُسْتَحِقِّهِ (وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا رَجَاءً) لِلظَّفَرِ بِصَاحِبِهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا بَعْدَمَا تَصَدَّقَ بِهَا

(وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمُلْتَقِطُ لِأَنَّهُ سَلَّمَ مَالَهُ إلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ) إلَّا أَنَّهُ بِإِبَاحَةٍ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي الضَّمَانَ حَقًّا لِلْعَبْدِ كَمَا فِي تَنَاوُلِ مَالِ الْغَيْرِ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمِسْكِينُ إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ قَبَضَ مَالَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا أَخَذَهُ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ. قَالَ (وَيَجُوزُ الِالْتِقَاطُ فِي الشَّاةِ وَالْبَقَرِ وَالْبَعِيرِ) وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: إذَا وُجِدَ الْبَعِيرُ وَالْبَقَرُ فِي الصَّحْرَاءِ فَالتَّرْكُ أَفْضَلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُلْتَقِطُ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَمْضَى الصَّدَقَةَ وَلَهُ ثَوَابُهَا لِأَنَّ التَّصَدُّقَ إنْ حَصَلَ بِإِذْنِ الشَّرْعِ لَمْ يَحْصُلْ بِإِذْنِهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ. فَإِنْ قِيلَ التَّوَقُّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ يَقْتَضِي قِيَامَ الْمَحَلِّ عِنْدَهَا كَمَا فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَلَيْسَ بِلَازِمٍ؛ حَتَّى لَوْ أَجَازَ الْمَالِكُ بَعْدَ هَلَاكِهَا صَحَّتْ الْإِجَازَةُ. وَأَجَابَ بِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْفَقِيرِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ لِأَنَّ الْمُلْتَقِطَ لَمَّا كَانَ مَأْذُونًا فِي التَّصَدُّقِ شَرْعًا مَلَكَ الْفَقِيرُ بِنَفْسِ الْأَخْذِ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ فَلَمْ يَتَوَقَّفْ ثُبُوتُ الْمِلْكِ عَلَى وُجُودِ الْمَحَلِّ عِنْدَ الْإِجَازَةِ: فَإِنْ قِيلَ: لَوْ ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْفَقِيرِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ لَمَا ثَبَتَ لِلْمَالِكِ حَقُّ الْأَخْذِ إذَا كَانَ قَائِمًا فِي يَدِ الْفَقِيرِ. أُجِيبَ بِأَنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاسْتِرْدَادِ كَالْوَاهِبِ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ، وَكَالْمُرْتَدِّ إذَا عَادَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ مُسْلِمًا بَعْدَمَا قُسِمَتْ أَمْوَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مَا وَجَدَهُ قَائِمًا بَعْدَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُمْ، بِخِلَافِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ فَإِنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لِلْمُشْتَرِي إنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ إجَازَةِ الْمَالِكِ بَيْعَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ الْمَحَلِّ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ الْمَعْدُومَةِ وَكَمَا يُشْتَرَطُ قِيَامُ الْمَحَلِّ يُشْتَرَطُ قِيَامُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَالْمَالِكِ أَيْضًا، وَسَيَجِيءُ تَمَامُهُ فِي الْبُيُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُلْتَقِطَ وَهُوَ ظَاهِرٌ. فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَصِحُّ تَضْمِينُهُ وَقَدْ تَصَدَّقَ بِهَا بِإِذْنِ الشَّرْعِ؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ (إلَّا أَنَّهُ بِإِبَاحَةٍ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ) يَعْنِي أَنَّ الْإِذْنَ كَانَ إبَاحَةً مِنْهُ لَا إلْزَامًا، وَمِثْلُ ذَلِكَ الْإِذْنِ يُسْقِطُ الْإِثْمَ وَلَا يُنَافِي الضَّمَانَ حَقًّا لِلْعَبْدِ كَمَا فِي تَنَاوُلِ مَالِ الْغَيْرِ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ (وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمِسْكِينَ) لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ (وَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ قَائِمَةً أَخَذَهَا لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ) وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَالِكَ إنْ لَمْ يُجِزْ الصَّدَقَةَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ قَائِمَةً فِي يَدِ الْفَقِيرِ أَوْ هَالِكَةً، فَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً أَخَذَهَا، وَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً فَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُلْتَقِطَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْفَقِيرَ، وَأَيَّهُمَا ضَمَّنَهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ضَامِنٌ بِفِعْلِهِ: الْمُلْتَقِطُ بِالتَّسْلِيمِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ وَالْفَقِيرُ بِالتَّسْلِيمِ بِدُونِهِ. لَا يُقَالُ: الْفَقِيرُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَةِ الْمُلْتَقِطِ فَيُرْجَعُ عَلَيْهِ لِأَنَّ التَّغْرِيرَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ضِمْنِ عَقْدٍ لَا يُوجِبُ شَيْئًا. وَقَوْلُهُ (وَيَجُوزُ الِالْتِقَاطُ فِي الشَّاةِ وَالْبَقَرِ وَالْبَعِيرِ) ظَاهِرٌ

وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْفَرَسُ. لَهُمَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي أَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ الْحُرْمَةُ وَالْإِبَاحَةُ مَخَافَةَ الضَّيَاعِ، وَإِذَا كَانَ مَعَهَا مَا تَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهَا يَقِلُّ الضَّيَاعُ وَلَكِنَّهُ يُتَوَهَّمُ فَيَقْضِي بِالْكَرَاهَةِ وَالنَّدْبُ إلَى التَّرْكِ. وَلَنَا أَنَّهَا لُقَطَةٌ يُتَوَهَّمُ ضَيَاعُهَا فَيُسْتَحَبُّ أَخْذُهَا وَتَعْرِيفُهَا صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ كَمَا فِي الشَّاةِ (فَإِنْ أَنْفَقَ الْمُلْتَقِطُ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْحَاكِمِ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ) لِقُصُورِ وِلَايَتِهِ عَنْ ذِمَّةِ الْمَالِكِ، وَإِنْ أَنْفَقَ بِأَمْرِهِ كَانَ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَى صَاحِبِهَا لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً فِي مَالِ الْغَائِبِ نَظَرًا لَهُ وَقَدْ يَكُونُ النَّظَرُ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ ـــــــــــــــــــــــــــــQسِوَى أَلْفَاظٍ نَذْكُرُهَا. وَقَوْلُهُ (وَالْإِبَاحَةُ) أَيْ إبَاحَةُ الْأَخْذِ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَ مَعَهَا) أَيْ مَعَ اللُّقَطَةِ مَا تَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهَا: يَعْنِي مَا يُهْلِكُهَا كَالْقَرْنِ فِي الْبَقَرِ وَزِيَادَةِ الْقُوَّةِ فِي الْبَعِيرِ بِكَدْمِهِ وَنَفْحِهِ وَكَذَلِكَ فِي الْفَرَسِ. وَقَوْلُهُ (فَيُقْضَى بِالْكَرَاهَةِ) أَيْ كَرَاهَةِ الْأَخْذِ.

(وَإِذَا رُفِعَ ذَلِكَ إلَى الْحَاكِمِ نَظَرَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ لِلْبَهِيمَةِ مَنْفَعَةٌ آجَرَهَا وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْ أُجْرَتِهَا) لِأَنَّ فِيهِ إبْقَاءَ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ إلْزَامِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ يُفْعَلُ بِالْعَبْدِ الْآبِقِ (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهَا مَنْفَعَةٌ وَخَافَ أَنْ تَسْتَغْرِقَ النَّفَقَةُ قِيمَتَهَا بَاعَهَا وَأَمَرَ بِحِفْظِ ثَمَنِهَا) إبْقَاءً لَهُ مَعْنًى عِنْدَ تَعَذُّرِ إبْقَائِهِ صُورَةً (وَإِنْ كَانَ الْأَصْلَحُ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهَا أَذِنَ فِي ذَلِكَ وَجَعَلَ النَّفَقَةَ دَيْنًا عَلَى مَالِكِهَا) لِأَنَّهُ نَصَبَ نَاظِرًا وَفِي هَذَا نَظَرٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، قَالُوا: إنَّمَا يَأْمُرُ بِالْإِنْفَاقِ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى رَجَاءَ أَنْ يَظْهَرَ مَالِكُهَا، فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ يَأْمُرُ بِبَيْعِهَا لِأَنَّ دَارَّةَ النَّفَقَةِ مُسْتَأْصَلَةٌ فَلَا نَظَرَ فِي الْإِنْفَاقِ مُدَّةً مَدِيدَةً. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَفِي الْأَصْلِ شَرْطُ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ غَصْبًا فِي يَدِهِ فَلَا يَأْمُرُ فِيهِ بِالْإِنْفَاقِ وَإِنَّمَا يَأْمُرُ بِهِ فِي الْوَدِيعَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ لِكَشْفِ الْحَالِ وَلَيْسَتْ الْبَيِّنَةُ تُقَامُ لِلْقَضَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَفِي هَذَا نَظَرٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ) أَيْ مِنْ جَانِبِ الْمَالِكِ بِإِبْقَاءِ عَيْنِ مَالِهِ، وَمِنْ جَانِبِ الْمُلْتَقِطِ بِالرُّجُوعِ عَلَى الْمَالِكِ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى اللُّقَطَةِ. وَقَوْلُهُ (فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ يَأْمُرُهُ بِبَيْعِهَا) قِيلَ فَإِذَا أَمَرَ بِبَيْعِهَا فَبِيعَتْ أَعْطَى الْقَاضِي مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ مَا أَنْفَقَ بِأَمْرِهِ فِي الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ لِأَنَّ الثَّمَنَ مَالُ صَاحِبِهَا وَالنَّفَقَةُ دَيْنٌ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَهُوَ مَعْلُومٌ لِلْقَاضِي فَيُعِينُهُ عَلَى أَخْذِ حَقِّهِ، لِأَنَّ الْغَرِيمَ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ فَكَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يُعِينَهُ عَلَى ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَفِي الْأَصْلِ شَرْطُ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ) يَعْنِي أَنَّ الْمُلْتَقِطَ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الدَّابَّةَ لُقَطَةٌ عِنْدَهُ. فَإِنْ قِيلَ: الْبَيِّنَةُ إنَّمَا تُقَامُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُنْكِرِ وَلَيْسَ بِمَوْجُودٍ هُنَا. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَلَيْسَتْ تُقَامُ لِلْقَضَاءِ) أَيْ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ تُقَامُ

وَإِنْ قَالَ لَا بَيِّنَةَ لِي بِقَوْلِ الْقَاضِي لَهُ أَنْفِقْ عَلَيْهِ إنْ كُنْت صَادِقًا فِيمَا قُلْت حَتَّى تَرْجِعَ عَلَى الْمَالِكِ إنْ كَانَ صَادِقًا، وَلَا يَرْجِعُ إنْ كَانَ غَاصِبًا. وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ وَجَعَلَ النَّفَقَةَ دَيْنًا عَلَى صَاحِبِهَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَالِكِ بَعْدَ مَا حَضَرَ وَلَمْ تُبَعْ اللُّقَطَةُ إذَا شَرَطَ الْقَاضِي الرُّجُوعَ عَلَى الْمَالِكِ، وَهَذِهِ رِوَايَةٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ. قَالَ (وَإِذَا حَضَرَ) يَعْنِي (الْمَالِكُ فَلِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْهُ حَتَّى يُحْضِرَ النَّفَقَةَ) لِأَنَّهُ حَيٌّ بِنَفَقَتِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ اسْتَفَادَ الْمِلْكَ مِنْ جِهَتِهِ فَأَشْبَهَ الْمَبِيعَ؛ وَأَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ رَادُّ الْآبِقِ فَإِنَّ لَهُ الْحَبْسَ لِاسْتِيفَاءِ الْجُعَلِ لِمَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ لَا يَسْقُطُ دَيْنُ النَّفَقَةِ بِهَلَاكِهِ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ قَبْلَ الْحَبْسِ، وَيَسْقُطُ إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْحَبْسِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِالْحَبْسِ شَبِيهَ الرَّهْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِاسْتِكْشَافِ الْحَالِ بِأَنَّهُ لُقَطَةٌ لَا لِلْقَضَاءِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لَا بَيِّنَةَ لِي) أَيْ الْمُلْتَقِطُ قَالَ لَا بَيِّنَةَ لِي عَلَى أَنَّهَا لُقَطَةٌ عِنْدِي وَلَكِنَّهَا لُقَطَةٌ يَقُولُ الْقَاضِي لِلْمُلْتَقِطِ أَنْفِقْ عَلَيْهَا إنْ كُنْت صَادِقًا فِيمَا قُلْت، وَإِنَّمَا يَقُولُ بِهَذَا التَّرْدِيدِ حَذَرًا عَنْ لُزُومِ أَحَدِ الضَّرَرَيْنِ، لِأَنَّهُ لَوْ أَمَرَ قَطْعًا تَضَرَّرَ الْمَالِكُ بِسُقُوطِ الضَّمَانِ عَلَى تَقْدِيرِ الْغَصْبِ، وَلَوْ لَمْ يَأْمُرْ تَضَرَّرَ الْمُلْتَقِطُ عَلَى تَقْدِيرِ اللُّقَطَةِ وَقَدْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا. وَقَوْلُهُ (إذَا شَرَطَ الْقَاضِي الرُّجُوعَ عَلَى الْمَالِكِ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ إنَّمَا يَرْجِعُ: أَيْ إنَّمَا يَرْجِعُ الْمُلْتَقِطُ عَلَى الْمَالِكِ إذَا شَرَطَ الْقَاضِي الرُّجُوعَ عَلَى الْمَالِكِ، وَهَذِهِ هِيَ الرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي مَسَائِلِ اللَّقِيطِ بِقَوْلِهِ وَالْأَصَحُّ أَنْ يَأْمُرَ الْقَاضِي الْمُلْتَقِطَ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى أَنْ يَكُونَ دَيْنًا عَلَى اللَّقِيطِ، فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ عَلَى اللَّقِيطِ وَإِلَّا فَلَا، فَهَذَا احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا إنَّ مُجَرَّدَ أَمْرِ الْقَاضِي بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ يَكْفِي لِلرُّجُوعِ. قَالَ (وَإِذَا حَضَرَ: يَعْنِي الْمَالِكَ) كَلَامُهُ ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ (لِمَا ذَكَرْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ حَيٌّ بِنَفَقَتِهِ، يُقَالُ

قَالَ (وَلُقَطَةُ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ سَوَاءٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ التَّعْرِيفُ فِي لُقَطَةِ الْحَرَمِ إلَى أَنْ يَجِيءَ صَاحِبُهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْحَرَمِ «وَلَا يَحِلُّ لُقَطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ» وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَلِأَنَّهَا لُقَطَةٌ، وَفِي التَّصَدُّقِ بَعْدَ مُدَّةِ التَّعْرِيفِ إبْقَاءُ مِلْكِ الْمَالِكِ مِنْ وَجْهٍ فَيَمْلِكُهُ كَمَا فِي سَائِرِهَا، وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ الِالْتِقَاطُ إلَّا لِلتَّعْرِيفِ، وَالتَّخْصِيصُ بِالْحُرْمِ لِبَيَانِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ التَّعْرِيفُ فِيهِ لِمَكَانِ أَنَّهُ لِلْغُرَبَاءِ ظَاهِرًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQنَشَدْت الضَّالَّةَ: أَيْ عَرَّفْتهَا، وَأَنْشَدْتهَا: أَيْ طَلَبْتهَا. وَمَعْنَى الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - «لَا تَحِلُّ لُقَطَةُ مَكَّةَ إلَّا لِمُنْشِدِهَا» أَيْ طَالِبِهَا، وَهُوَ الْمَالِكُ عِنْدَهُ وَالْمُعَرَّفُ عِنْدَنَا الْعِفَاصُ وَهُوَ الْوِعَاءُ الَّذِي تَكُونُ فِيهِ النَّفَقَةُ مِنْ جِلْدٍ أَوْ خِرْقَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَالْوِكَاءُ الرِّبَاطُ، يُقَالُ أَوْكَى السِّقَاءَ: شَدَّهُ بِالْوِكَاءِ وَهُوَ الرِّبَاطُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ. وَقَوْلُهُ (إبْقَاءُ مِلْكِ الْمَالِكِ مِنْ وَجْهٍ) يَعْنِي مِنْ حَيْثُ تَحْصِيلُ الثَّوَابِ (فَيَمْلِكُهُ كَمَا فِي سَائِرِهَا) أَيْ فِي سَائِرِ اللُّقَطَاتِ (وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ) مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدِهَا» أَيْ لَا يَحِلُّ الْتِقَاطُهَا إلَّا لِلتَّعْرِيفِ. فَإِنْ قِيلَ مَا وَجْهُ تَخْصِيصِ هَذَا الْمَعْنَى بِالْحَرَمِ؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَالتَّخْصِيصُ بِالْحَرَمِ) وَبَيَانُهُ أَنَّ مَكَّةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى مَكَانُ

(وَإِذَا حَضَرَ رَجُلٌ فَادَّعَى اللُّقَطَةَ لَمْ تُدْفَعْ إلَيْهِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ. فَإِنْ أَعْطَى عَلَامَتَهَا حَلَّ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ) . وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى: يُجْبَرُ، وَالْعَلَامَةُ مِثْلُ أَنْ يُسَمِّيَ وَزْنَ الدَّرَاهِمِ وَعَدَدَهَا وَوِكَاءَهَا وَوِعَاءَهَا. لَهُمَا أَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ يُنَازِعُهُ فِي الْيَدِ وَلَا يُنَازِعُهُ فِي الْمِلْكِ، فَيُشْتَرَطُ الْوَصْفُ لِوُجُودِ الْمُنَازَعَةِ مِنْ وَجْهٍ، وَلَا تُشْتَرَطُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ لِعَدَمِ الْمُنَازَعَةِ مِنْ وَجْهٍ. وَلَنَا أَنَّ الْيَدَ حَقٌّ مَقْصُودٌ كَالْمِلْكِ فَلَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِحُجَّةٍ وَهُوَ الْبَيِّنَةُ اعْتِبَارًا بِالْمِلْكِ إلَّا أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ الدَّفْعُ عِنْدَ إصَابَةِ الْعَلَامَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَعَرَفَ عِفَاصَهَا وَعَدَدَهَا فَادْفَعْهَا إلَيْهِ» وَهَذَا لِلْإِبَاحَةِ عَمَلًا بِالْمَشْهُورِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» الْحَدِيثَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْغُرَبَاءِ، لِأَنَّ النَّاسَ يَأْتُونَ إلَيْهَا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ثُمَّ يَتَفَرَّقُونَ بِحَيْثُ يَنْدُرُ الرُّجُوعُ إلَيْهَا، فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لِلْغُرَبَاءِ لَا يُظَنُّ عَوْدُهُمْ فِي سَنَةٍ وَأَكْثَرَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ التَّعْرِيفُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، فَأَزَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ الْوَهْمَ بِقَوْلِهِ «لَا يَحِلُّ رَفْعُ لُقَطَتِهَا إلَّا لِمُعَرِّفِهَا» كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْبِلَادِ. وَقَوْلُهُ (لَهُمَا) أَيْ لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُلْتَقِطَ مُنَازَعٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَيُكْتَفَى فِي الْحُجَّةِ بِذِكْرِ الْوَصْفِ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ (وَلَنَا أَنَّ الْيَدَ حَقٌّ مَقْصُودٌ كَالْمِلْكِ) بِدَلِيلِ وُجُوبِ الضَّمَانِ فِي غَصْبِ الْمُدَبَّرِ بِاعْتِبَارِ إزَالَةِ الْيَدِ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَابِلٍ لِلنَّقْلِ مِلْكًا. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا) أَيْ هَذَا الْحَدِيثُ الْأَمْرُ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُهُ فَادْفَعْهَا (لِلْإِبَاحَةِ) أَيْ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْإِبَاحَةِ (لِأَجْلِ الْعَمَلِ بِالْمَشْهُورِ) وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَحُمِلَ عَلَى الْوُجُوبِ لَزِمَ التَّعَارُضُ الْمُسْتَلْزِمُ لِلتَّرْكِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْحَمْلُ عَلَى الْإِبَاحَةِ عَمَلًا بِالْمَشْهُورِ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ جَوَازِ الرَّفْعِ أَيْضًا، لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْوُجُوبِ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْجَوَازِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمْ يَقُلْ

وَيَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا إذَا كَانَ يَدْفَعُهُ إلَيْهِ اسْتِيثَاقًا، وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ، لِأَنَّهُ يَأْخُذُ الْكَفِيلَ لِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ التَّكْفِيلِ لِوَارِثٍ غَائِبٍ عِنْدَهُ. وَإِذَا صُدِّقَ قِيلَ لَا يُجْبَرُ عَلَى الدَّفْعِ كَالْوَكِيلِ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ إذَا صَدَّقَهُ. وَقِيلَ يُجْبَرُ لِأَنَّ الْمَالِكَ هَاهُنَا غَيْرُ ظَاهِرٍ وَالْمُودِعُ مَالِكٌ ظَاهِرًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِانْتِفَاءِ الْجَوَازِ لِانْتِفَاءِ الْوُجُوبِ، وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَاهُنَا فِي مَقَامِ الرَّفْعِ فَجَازَ أَنْ يَدْفَعَهُ عَلَى طَرِيقٍ يَلْتَزِمُهُ الْخَصْمُ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْكَفِيلِ لِوَارِثٍ غَائِبٍ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنَّمَا وَرَدَ الضَّمِيرُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ ذِكْرٌ لِشُهْرَةِ حُكْمِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ، هَذَا إذَا دَفَعَ اللُّقَطَةَ بِذِكْرِ الْعَلَامَةِ، أَمَّا إذَا دَفَعَهَا بِإِقَامَةِ الْحَاضِرِ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهَا لَهُ فَفِي أَخْذِ الْكَفِيلِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ كَفِيلًا. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْمَالِكَ هَاهُنَا غَيْرُ ظَاهِرٍ) يَعْنِي فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْمَالِكُ هُوَ الَّذِي حَضَرَ، فَلَمَّا أَقَرَّ الْمُلْتَقِطُ أَنَّهُ هُوَ الْمَالِكُ كَانَ إقْرَارُهُ مُلْزِمًا لِلدَّفْعِ إلَيْهِ (وَأَمَّا الْمُودِعُ فَإِنَّهُ مَالِكٌ ظَاهِرًا) فَبِالْإِقْرَارِ بِالْوَكَالَةِ لَا يَلْزَمُهُ الدَّفْعُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ بِيَقِينٍ، ثُمَّ فِي الْوَدِيعَةِ إذَا دَفَعَ إلَيْهِ بَعْدَمَا صَدَّقَهُ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ ثُمَّ حَضَرَ الْمُودِعُ وَأَنْكَرَ الْوَكَالَةَ وَضَمِنَ الْمُودَعَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْوَكِيلِ بِشَيْءٍ وَهَاهُنَا لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْقَابِضِ لِأَنَّ هُنَاكَ فِي زَعْمِ الْمُودِعِ أَنَّ الْوَكِيلَ عَامِلٌ لِلْمُودِعِ فِي قَبْضِهِ لَهُ بِأَمْرِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِضَامِنٍ بَلْ الْمُودِعُ ظَالِمٌ فِي تَضْمِينِهِ إيَّاهُ، وَمَنْ ظُلِمَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَظْلِمَ غَيْرَهُ وَهَاهُنَا فِي زَعْمِهِ أَنَّ الْقَابِضَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ

وَلَا يَتَصَدَّقُ بِاللُّقَطَةِ عَلَى غَنِيٍّ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ هُوَ التَّصَدُّقُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِنْ لَمْ يَأْتِ» يَعْنِي صَاحِبَهَا، «فَلْيَتَصَدَّقْ بِهِ» وَالصَّدَقَةُ لَا تَكُونُ عَلَى غَنِيٍّ فَأَشْبَهَ الصَّدَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ (وَإِنْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ غَنِيًّا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ أُبَيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَادْفَعْهَا إلَيْهِ وَإِلَّا فَانْتَفِعْ بِهَا» وَكَانَ مِنْ الْمَيَاسِيرِ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يُبَاحُ لِلْفَقِيرِ حَمْلًا لَهُ عَلَى رَفْعِهَا صِيَانَةً لَهَا وَالْغَنِيُّ يُشَارِكُهُ فِيهِ. وَلَنَا مَالُ الْغَيْرِ فَلَا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا بِرِضَاهُ لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ وَالْإِبَاحَةُ لِلْفَقِيرِ لِمَا رَوَيْنَاهُ، أَوْ بِالْإِجْمَاعِ فَيَبْقَى مَا وَرَاءَهُ عَلَى الْأَصْلِ، وَالْغَنِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَخْذِ لِاحْتِمَالِ افْتِقَارِهِ فِي مُدَّةِ التَّعْرِيفِ، وَالْفَقِيرُ قَدْ يَتَوَانَى لِاحْتِمَالِ اسْتِغْنَائِهِ فِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَنَّهُ ضَامِنٌ بَعْدَمَا ثَبَتَ الْمِلْكُ لِغَيْرِهِ بِالْبَيِّنَةِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمَا ضَمِنَ بِهَذَا، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. وَقَوْلُهُ (وَكَانَ مِنْ الْمَيَاسِيرِ) أَيْ الْأَغْنِيَاءِ جَمْعُ الْمَيْسُورِ ضِدُّ الْمَعْسُورِ. وَقَوْلُهُ (حَمْلًا لَهُ عَلَى رَفْعِهَا) أَيْ لِيَكُونَ حَامِلًا (وَبَاعِثًا عَلَى رَفْعِهَا) وَقَوْلُهُ (لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ) يُرِيدُ بِهِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] إلَخْ وقَوْله تَعَالَى {وَلا تَعْتَدُوا} [البقرة: 190] وَقَوْلُهُ {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] (قَوْلُهُ وَالْإِبَاحَةُ لِلْفَقِيرِ لِمَا رَوَيْنَاهُ) يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَلْيَتَصَدَّقْ بِهِ» (قَوْلُهُ وَالْغَنِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَخْذِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يُبَاحُ لِلْفَقِيرِ (حَمْلًا لَهُ عَلَى رَفْعِهَا) .

وَانْتِفَاعُ أُبَيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَهُوَ جَائِزٌ بِإِذْنِهِ (وَإِنْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ فَقِيرًا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا) لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْقِيقِ النَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلِهَذَا جَازَ الدَّفْعُ إلَى فَقِيرٍ غَيْرِهِ (وَكَذَا إذَا كَانَ الْفَقِيرُ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ وَإِنْ كَانَ هُوَ غَنِيًّا) لِمَا ذَكَرْنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ وَانْتِفَاعُ أُبَيِّ) جَوَابٌ عَنْ اسْتِدْلَالِهِ بِحَدِيثِ أُبَيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَقَوْلُهُ (وَهُوَ جَائِزٌ) أَيْ الِانْتِفَاعُ لِلْغَنِيِّ جَائِزٌ بِإِذْنِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ فِي مَحَلٍّ مُجْتَهَدٍ فِيهِ. وَقَوْلُهُ (لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْقِيقِ النَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ) يَعْنِي نَظَرَ الثَّوَابِ لِلْمَالِكِ وَنَظَرَ الِانْتِفَاعِ لِلْمُلْتَقِطِ. وَقَوْلُهُ (لِمَا ذَكَرْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْقِيقِ النَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[كتاب الإباق]

كِتَابُ الْإِبَاقِ (الْآبِقُ أَخْذُهُ أَفْضَلُ فِي حَقِّ مَنْ يَقْوَى عَلَيْهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْإِبَاقِ] قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذِهِ الْكُتُبُ، أَعْنِي اللَّقِيطَ وَاللُّقَطَةَ وَالْإِبَاقَ وَالْمَفْقُودَ كُتُبٌ يُجَانِسُ بَعْضُهَا بَعْضًا مِنْ حَيْثُ إنَّ فِي كُلٍّ مِنْهَا عُرْضَةُ الزَّوَالِ وَالْهَلَاكِ. وَالْإِبَاقُ: هُوَ الْهَرَبُ، وَالْآبِقُ: هُوَ الْهَارِبُ مِنْ مَالِكِهِ قَصْدًا (وَالْآبِقُ أَخْذُهُ أَفْضَلُ فِي حَقِّ مَنْ يَقْوَى) أَيْ يَقْدِرُ (عَلَيْهِ

لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَائِهِ، وَأَمَّا الضَّالُّ فَقَدْ قِيلَ كَذَلِكَ، وَقَدْ قِيلَ تَرْكُهُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ لَا يَبْرَحُ مَكَانَهُ فَيَجِدُهُ الْمَالِكُ وَلَا كَذَلِكَ الْآبِقُ ثُمَّ آخِذُ الْآبِقِ يَأْتِي بِهِ إلَى السُّلْطَانِ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى حِفْظِهِ بِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ، ثُمَّ إذَا رُفِعَ الْآبِقُ إلَيْهِ يَحْبِسُهُ، وَلَوْ رُفِعَ الضَّالُّ لَا يَحْبِسُهُ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَى الْآبِقِ الْإِبَاقُ ثَانِيًا، بِخِلَافِ الضَّالِّ قَالَ (وَمَنْ رَدَّ الْآبِقَ عَلَى مَوْلَاهُ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا فَلَهُ عَلَيْهِ جُعْلُهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَإِنْ رَدَّهُ لِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَبِحِسَابِهِ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ شَيْءٌ إلَّا بِالشَّرْطِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِمَنَافِعِهِ فَأَشْبَهَ الْعَبْدَ الضَّالَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَائِهِ) إذْ الْآبِقُ هَالِكٌ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَيَكُونُ الرَّدُّ إحْيَاءً لَهُ (وَأَمَّا الضَّالُّ) هُوَ الَّذِي لَمْ يَهْتَدِ إلَى طَرِيقِ مَنْزِلِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَقِيلَ إنَّهُ كَذَلِكَ، وَقِيلَ تَرْكُهُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ لَا يَبْرَحُ مَكَانَهُ فَيَجِدُهُ الْمَالِكُ، وَلَا كَذَلِكَ الْآبِقُ، ثُمَّ آخِذُ الْآبِقِ يَأْتِي بِهِ إلَى السُّلْطَانِ لِأَنَّهُ (لَا يَقْدِرُ عَلَى حِفْظِهِ بِنَفْسِهِ) وَهَذَا اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ، وَأَمَّا اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ فَهُوَ أَنَّ الرَّادَّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ حَفِظَهُ بِنَفْسِهِ وَإِنْ شَاءَ دَفَعَهُ إلَى الْإِمَامِ، وَكَذَلِكَ الضَّالُّ وَالضَّالَّةُ الْوَاجِدُ فِيهِمَا بِالْخِيَارِ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ إذَا دُفِعَ الْآبِقُ إلَيْهِ يَحْبِسُهُ) ظَاهِرٌ.

وَلَنَا أَنَّ الصَّحَابَةَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ أَصْلِ الْجُعْلِ، إلَّا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ أَرْبَعِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ مَا دُونَهَا، فَأَوْجَبْنَا الْأَرْبَعِينَ فِي مَسِيرَةِ السَّفَرِ وَمَا دُونَهَا فِيمَا دُونَهُ تَوْفِيقًا وَتَلْفِيقًا بَيْنَهُمَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلَنَا أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ أَصْلِ الْجُعْلِ، إلَّا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ أَرْبَعِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ مَا دُونَهَا) قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي جُعْلِ الْآبِقِ دِينَارٌ أَوْ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا. وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي جُعْلِ الْآبِقِ دِينَارٌ وَعَشَرَةُ دَرَاهِمَ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا. وَقَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنْ رَدَّهُ فِي الْمِصْرِ فَلَهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَإِنْ رَدَّهُ فِي خَارِجِ الْمِصْرِ اسْتَحَقَّ أَرْبَعِينَ (فَأَوْجَبْنَا الْأَرْبَعِينَ فِي مَسِيرَةِ السَّفَرِ وَمَا دُونَهَا فِيمَا دُونَهُ تَوْفِيقًا وَتَلْفِيقًا) أَيْ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ الْمُتَعَارِضَةِ. فَإِنْ قِيلَ: كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يُؤْخَذَ بِأَقَلِّ الْمَقَادِيرِ لِتَيَقُّنِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمْ يُؤْخَذْ بِالْأَقَلِّ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ بَيْنَ أَقَاوِيلِهِمْ مُمْكِنٌ بِأَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ مَنْ أَفْتَى بِالْأَقَلِّ عَلَى مَا إذَا رَدَّهُ مِمَّا دُونَ مَسِيرَةِ السَّفَرِ، وَقَوْلُ مَنْ أَفْتَى بِالْأَكْثَرِ عَلَى مَا إذَا رَدَّهُ مِنْ مَسِيرَةِ السَّفَرِ، وَهَذَا أَوْلَى

وَلِأَنَّ إيجَابَ الْجُعْلِ أَصْلُهُ حَامِلٌ عَلَى الرَّدِّ إذْ الْحِسْبَةُ نَادِرَةٌ فَتَحْصُلُ صِيَانَةُ أَمْوَالِ النَّاسِ وَالتَّقْدِيرُ بِالسَّمْعِ وَلَا سَمْعَ فِي الضَّالِّ فَامْتَنَعَ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى صِيَانَةِ الضَّالِّ دُونَهَا إلَى صِيَانَةِ الْآبِقِ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَارَى وَالْآبِقُ يَخْتَفِي، وَيُقَدَّرُ الرَّضْخُ فِي الرَّدِّ عَمَّا دُونَ السَّفَرِ بِاصْطِلَاحِهِمَا أَوْ يُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَقِيلَ تُقَسَّمُ الْأَرْبَعُونَ عَلَى الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ إذْ هِيَ أَقَلُّ مُدَّةِ السَّفَرِ. قَالَ (وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ يُقْضَى لَهُ بِقِيمَتِهِ إلَّا دِرْهَمًا) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِهَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ فَلَا يَنْقُصُ عَنْهَا وَلِهَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ يُعْمَلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا. وَقَوْلُهُ (وَالتَّقْدِيرُ بِالسَّمْعِ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ الْآبِقِ عَلَى الضَّالِّ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْجُعْلِ. وَفِي قَوْلِهِ (وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ) إشَارَةٌ إلَى نَفْيِ الْإِلْحَاقِ دَلَالَةً لِأَنَّهَا تَقْتَضِي التَّسَاوِيَ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْمُلْحَقِ وَلَيْسَ بِمَوْجُودٍ. وَقَوْلُهُ (وَيُقَدَّرُ الرَّضْخُ) تَفْصِيلٌ لِقَوْلِهِ وَإِنْ رَدَّهُ لِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَبِحِسَابِهِ، فَإِنْ عَمِلُوا بِالْقِسْمَةِ كَانَ لِكُلِّ يَوْمٍ ثَلَاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَثُلُثُ دِرْهَمٍ. قِيلَ وَالْأَشْبَهُ التَّفْوِيضُ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ.

لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى الزِّيَادَةِ، بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَلَى الْأَقَلِّ لِأَنَّهُ حَطَّ مِنْهُ. وَمُحَمَّدٌ أَنَّ الْمَقْصُودَ حَمْلُ الْغَيْرِ عَلَى الرَّدِّ لِيَحْيَا مَالُ الْمَالِكِ فَيَنْقُصُ دِرْهَمٌ لِيَسْلَمَ لَهُ شَيْءٌ تَحْقِيقًا لِلْفَائِدَةِ، وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْقِنِّ إذَا كَانَ الرَّدُّ فِي حَيَاةٍ الْمَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَاءِ مِلْكِهِ؛ وَلَوْ رَدَّ بَعْدَ مَمَاتِهِ لَا جُعْلَ فِيهِمَا لِأَنَّهُمَا يُعْتَقَانِ بِالْمَوْتِ بِخِلَافِ الْقِنِّ، وَلَوْ كَانَ الرَّادُّ أَبَا الْمَوْلَى أَوْ ابْنَهُ وَهُوَ فِي عِيَالِهِ أَوْ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فَلَا جُعْلَ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ يَتَبَرَّعُونَ بِالرَّدِّ عَادَةً وَلَا يَتَنَاوَلُهُمْ إطْلَاقُ الْكِتَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ (وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرُ فِي هَذَا) أَيْ فِي وُجُوبِ الْجُعْلِ (بِمَنْزِلَةِ الْقِنِّ) لِأَنَّهُمَا مَمْلُوكَانِ لِلْمَوْلَى وَهُوَ يَسْتَكْسِبُهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْقِنِّ، وَتَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ (لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَاءِ مِلْكِهِ) أَوْلَى مِنْ تَعْلِيلِ غَيْرِهِ بِقَوْلِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَاءِ الْمَالِيَّةِ، لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَا مَالِيَّةَ فِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُمَا يَعْتِقَانِ بِالْمَوْتِ) بِإِطْلَاقِهِ ظَاهِرًا فِي أُمِّ الْوَلَدِ وَفِي حَقِّ الْمُدَبَّرِ الَّذِي لَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الَّذِي عَلَيْهِ السِّعَايَةُ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلَى مَالٌ سِوَاهُ فَكَذَلِكَ لَا يَسْتَوْجِبُ الْجُعْلَ عَلَى الْوَرَثَةِ لِأَنَّ الْمُسْتَسْعَى كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ وَحُرٌّ مَدْيُونٌ عِنْدَهُمَا، وَلَا جُعْلَ لِرَادِّ الْمُكَاتَبِ أَوْ الْحُرِّ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الرَّادُّ أَبَا الْمَوْلَى أَوْ ابْنَهُ وَهُوَ فِي عِيَالِهِ) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي عِيَالِهِ ظَاهِرًا، وَلَمْ يَذْكُرْ جَوَابَ مَا إذَا لَمْ يَكُونَا فِي عِيَالِهِ. وَالْقِيَاسُ أَنْ يَسْتَحِقَّ كُلٌّ مِنْ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ الْجُعْلَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ، لَكِنْ اُسْتُحْسِنَ فَقِيلَ إذَا وَجَدَ عَبْدَ أَبِيهِ وَلَيْسَ فِي عِيَالِهِ فَلَا جُعْلَ لَهُ لِأَنَّ رَدَّ الْآبِقِ عَلَى أَبِيهِ مِنْ جُمْلَةِ الْخِدْمَةِ، وَخِدْمَةُ الْأَبِ مُسْتَحَقَّةٌ عَلَيْهِ فَلَا جُعْلَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا وَجَدَ الْأَبُ عَبْدَ ابْنِهِ وَلَيْسَ فِي عِيَالِهِ فَلَهُ الْجُعْلُ لِأَنَّ خِدْمَةَ الِابْنِ غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ عَلَى الْأَبِ. وَقَوْلُهُ (فَلَا يَتَنَاوَلُهُمْ إطْلَاقُ الْكِتَابِ) أَيْ الْقُدُورِيِّ وَهُوَ قَوْلُهُ وَمَنْ رَدَّ الْآبِقَ عَلَى مَوْلَاهُ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَالَ

قَالَ (وَإِنْ أَبَقَ مِنْ الَّذِي رَدَّهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ لَكِنَّ هَذَا إذَا أَشْهَدَ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي اللُّقَطَةِ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَذُكِرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَائِعِ مِنْ الْمَالِكِ، وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْآبِقَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْجُعْلَ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ بِحَبْسِ الْمَبِيعِ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ، وَكَذَا إذَا مَاتَ فِي يَدِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا. قَالَ (وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى كَمَا لَقِيَهُ صَارَ قَابِضًا بِالْإِعْتَاقِ) كَمَا فِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى، وَكَانَ إذَا بَاعَهُ مِنْ الرَّادِّ لِسَلَامَةِ الْبَدَلِ لَهُ، وَالرَّادُّ وَإِنْ كَانَ لَهُ حُكْمُ الْبَيْعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ أَبَقَ مِنْ الَّذِي رَدَّهُ) أَيْ إذَا أَبَقَ الْآبِقُ مِنْ الَّذِي أَخَذَهُ لِيَرُدَّهُ (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ (لَكِنْ هَذَا إذَا أَشْهَدَ) عِنْدَ الْأَخْذِ، وَقَدْ (ذَكَرْنَاهُ فِي اللُّقَطَةِ) أَنَّ الْأَخْذَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَذُكِرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ) أَيْ نُسَخِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ (لَا شَيْءَ لَهُ) أَيْ لَا جُعْلَ لِلرَّادِّ إذَا أَبَقَ الْآبِقُ مِنْهُ (وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ) أَيْ الرَّادَّ (فِي مَعْنَى الْبَائِعِ مِنْ الْمَالِكِ) لِأَنَّ عَامَّةَ مَنَافِعِ الْعَبْدِ زَالَتْ بِالْإِبَاقِ، وَإِنَّمَا يَسْتَفِيدُهَا الْمَوْلَى بِالرَّدِّ بِمَالٍ يَجِبُ عَلَيْهِ، وَالْبَائِعُ إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ الْمَبِيعُ سَقَطَ الثَّمَنُ، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا يَسْقُطُ الْجُعْلُ، وَاسْتُوْضِحَ ذَلِكَ بِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ (وَكَذَا إذَا مَاتَ فِي يَدِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا) إنَّهُ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ (وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى) أَيْ أَعْتَقَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ (وَقْتَ لِقَائِهِ صَارَ قَابِضًا بِالْإِعْتَاقِ) فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْجُعْلُ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ بِالْإِعْتَاقِ إلَى أَنَّهُ لَوْ دَبَّرَ مَكَانَ الْإِعْتَاقِ لَمْ يَصِرْ قَابِضًا. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْإِعْتَاقَ إتْلَافٌ لِلْمَالِيَّةِ فَيَصِيرُ بِهِ قَابِضًا كَمَا لَوْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ الْمُشْتَرَى قَبْلَ الْقَبْضِ، وَأَمَّا التَّدْبِيرُ فَلَيْسَ بِإِتْلَافٍ لِلْمَالِيَّةِ فَلَا يَصِيرُ بِهِ الْمَوْلَى قَابِضًا إلَّا أَنْ يَصِلَ إلَى يَدِهِ (وَكَذَا إذَا بَاعَهُ مِنْ الرَّادِّ لِسَلَامَةِ الْبَدَلِ لَهُ) وَهَذَا بِخِلَافِ الْهِبَةِ، فَإِنَّ الْمَوْلَى لَا يَصِيرُ بِهَا قَابِضًا قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى يَدِهِ لِأَنَّ فِي الْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَصِلْ الْعَبْدُ إلَى يَدِ الْمَوْلَى وَلَا يَدَ لَهُ فَلَا يَكُونُ لَهَا حُكْمُ الْقَبْضِ. وَقَوْلُهُ وَالرَّدُّ وَإِنْ

لَكِنَّهُ بَيْعٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ النَّهْيِ الْوَارِدِ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ فَجَازَ. قَالَ (وَيَنْبَغِي إذَا أَخَذَهُ أَنْ يُشْهِدَ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ لِيَرُدَّهُ) فَالْإِشْهَادُ حَتْمٌ فِيهِ عَلَيْهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، حَتَّى لَوْ رَدَّهُ مَنْ لَمْ يُشْهِدْ وَقْتَ الْأَخْذِ لَا جُعْلَ لَهُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ تَرْكَ الْإِشْهَادِ أَمَارَةٌ أَنَّهُ أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ وَصَارَ كَمَا إذَا اشْتَرَاهُ مِنْ الْآخِذِ أَوْ اتَّهَبَهُ أَوْ وَرِثَهُ فَرَدَّهُ عَلَى مَوْلَاهُ لَا جُعْلَ لَهُ لِأَنَّهُ رَدَّهُ لِنَفْسِهِ، إلَّا إذَا أَشْهَدَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِيَرُدَّهُ فَيَكُونُ لَهُ الْجُعْلُ وَهُوَ مُتَبَرِّعٌ فِي أَدَاءِ الثَّمَنِ (وَإِنْ كَانَ الْآبِقُ رَهْنًا فَالْجُعْلُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ) لِأَنَّهُ أَحْيَا مَالِيَّتَهُ بِالرَّدِّ وَهِيَ حَقُّهُ، إذْ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهَا وَالْجُعْلُ بِمُقَابِلَةِ إحْيَاءِ الْمَالِيَّةِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ، وَالرَّدُّ فِي حَيَاةِ الرَّاهِنِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ، لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ فَبِقَدْرِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ وَالْبَاقِي عَلَى الرَّاهِنِ لِأَنَّ حَقَّهُ بِالْقَدْرِ الْمَضْمُونِ فَصَارَ كَثَمَنِ الدَّوَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ لَهُ حُكْمُ الْبَيْعِ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ قَدْ قُلْتُمْ مِنْ قَبْلُ إنَّ الرَّدَّ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ مِنْ الْمَالِكِ ثُمَّ جَوَّزْتُمْ بَيْعَ الْمَالِكِ مِنْ الرَّادِّ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِدُخُولِهِ تَحْتَ النَّهْيِ الْوَارِدِ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ، وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ مُطْلَقٌ وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ، وَالرَّدُّ لَيْسَ بِبَيْعٍ كَامِلٍ بَلْ هُوَ بَيْعٌ مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ إعَادَةُ مِلْكِ التَّصَرُّفِ إلَيْهِ فَقَطْ، لِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ لَا يَزُولُ عَنْ الْمَوْلَى بِالْإِبَاقِ فَلَا يَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ النَّهْيِ فَيَكُونُ جَائِزًا. وَقَوْلُهُ (وَيَنْبَغِي إذَا أَخَذَهُ أَنْ يُشْهِدَ أَنَّهُ أَخَذَهُ لِيَرُدَّهُ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ الْآبِقُ رَهْنًا) سَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ فِي الرَّهْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَوْلُهُ (وَالْجُعْلُ بِمُقَابَلَةِ إحْيَاءِ الْمَالِيَّةِ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إذَا رَدَّ أُمَّ الْوَلَدِ وَمَا ثَمَّةَ إحْيَاءُ الْمَالِيَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مَالِيَّةَ فِيهَا بِاعْتِبَارِ الرَّقَبَةِ، وَلَهَا مَالِيَّةٌ بِاعْتِبَارِ كَسْبِهَا لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِكَسْبِهَا وَقَدْ أَحْيَا الرَّادُّ ذَلِكَ بِرَدِّهِ.

وَتَخْلِيصُهُ عَنْ الْجِنَايَةِ بِالْفِدَاءِ، وَإِنْ كَانَ مَدْيُونًا فَعَلَى الْمَوْلَى إنْ اخْتَارَ قَضَاءَ الدَّيْنِ، وَإِنْ بِيعَ بُدِئَ بِالْجُعْلِ وَالْبَاقِي لِلْغُرَمَاءِ لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ وَالْمِلْكُ فِيهِ كَالْمَوْقُوفِ فَتَجِبُ عَلَى مَنْ يَسْتَقِرُّ لَهُ، وَإِنْ كَانَ جَانِيًا فَعَلَى الْمَوْلَى إنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ لِعَوْدِ الْمَنْفَعَةِ إلَيْهِ، وَعَلَى الْأَوْلِيَاءِ إنْ اخْتَارَ الدَّفْعَ لِعَوْدِهَا إلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ مَوْهُوبًا فَعَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَإِنْ رَجَعَ الْوَاهِبُ فِي هِبَتِهِ بَعْدَ الرَّدِّ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لِلْوَاهِبِ مَا حَصَلَتْ بِالرَّدِّ بَلْ بِتَرْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ التَّصَرُّفَ فِيهِ بَعْدَ الرَّدِّ، وَإِنْ كَانَ لِصَبِيٍّ فَالْجُعْلُ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ مِلْكِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مَدْيُونًا) أَيْ الْعَبْدُ الْآبِقُ إذَا كَانَ مَدْيُونًا بِأَنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فَلَحِقَهُ الدَّيْنُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ اسْتَهْلَكَ مَالَ الْغَيْرِ وَأَقَرَّ بِهِ مَوْلَاهُ (قَوْلُهُ كَالْمَوْقُوفِ) يَعْنِي بَيْنَ أَنْ يَسْتَقِرَّ عَلَى الْمَوْلَى مَتَى اخْتَارَ قَضَاءَ الدَّيْنِ وَبَيْنَ أَنْ يَصِيرَ لِلْغُرَمَاءِ مَتَى اخْتَارَ الْبَيْعَ، وَلَمَّا تَوَقَّفَ الْمِلْكُ فِي الْعَبْدِ تَوَقَّفَ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ وَهُوَ الْجُعْلُ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ) أَيْ الْآبِقُ مَوْهُوبًا فَالْجُعْلُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ وَإِنْ (رَجَعَ الْوَاهِبُ فِي هِبَتِهِ بَعْدَ الرَّدِّ) وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَنَّ الْوَاصِلَةَ هَذِهِ لِدَفْعِ شُبْهَةٍ تُرَدُّ عَلَى مَا ذُكِرَ قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ فَتَجِبُ عَلَى مَنْ يَسْتَقِرُّ الْمِلْكُ لَهُ وَبِقَوْلِهِ فَعَلَى الْمَوْلَى إنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ، فَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ عَلَى الْوَاهِبِ لِوُجُودِ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ فِي حَقِّهِ. وَوَجْهُ الدَّفْعِ (أَنَّ الْمَنْفَعَةَ لِلْوَاهِبِ مَا حَصَلَتْ بِالرَّدِّ) أَيْ بِرَدِّ الْآبِقِ (بَلْ بِتَرْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ التَّصَرُّفَ فِيهِ بَعْدَ الرَّدِّ) مِنْ الْهِبَةِ وَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ التَّصَرُّفِ الَّذِي يَمْنَعُ الْوَاهِبَ عَنْ الرُّجُوعِ فِي هِبَتِهِ فَلَا يَجِبُ الْجُعْلُ عَلَى الْوَاهِبِ لِذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: الْمَنْفَعَةُ حَصَلَتْ لِلْوَاهِبِ بِالْمَجْمُوعِ وَهُوَ تَرْكُ الْمَوْهُوبِ لَهُ الْفِعْلَ وَرَدُّ الرَّادِّ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ كَانَ كَذَلِكَ، لَكِنَّ تَرْكَ الْمَوْهُوبِ لَهُ الْفِعْلَ آخِرُهُمَا وُجُودًا فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ كَمَا فِي الْقَرَابَةِ مَعَ الْمِلْكِ فَيُضَافُ الْعِتْقُ إلَى آخِرِهِمَا وُجُودًا، كَذَا هَذَا. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ لِصَبِيٍّ إلَى آخِرِهِ) ظَاهِرٌ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

[كتاب المفقود]

وَإِنْ رَدَّهُ وَصِيُّهُ فَلَا جُعْلَ لَهُ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى الرَّدَّ فِيهِ. كِتَابُ الْمَفْقُودِ (إذَا غَابَ الرَّجُلُ فَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَوْضِعٌ وَلَا يُعْلَمُ أَحَيٌّ هُوَ أَمْ مَيِّتٌ نَصَّبَ الْقَاضِي مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ وَيَقُومُ عَلَيْهِ وَيَسْتَوْفِي حَقَّهُ) لِأَنَّ الْقَاضِي نَصَّبَ نَاظِرًا لِكُلِّ عَاجِزٍ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ وَالْمَفْقُودُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَصَارَ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَفِي نَصْبِ الْحَافِظِ لِمَالِهِ وَالْقَائِمِ عَلَيْهِ نَظَرٌ لَهُ. وَقَوْلُهُ يَسْتَوْفِي حَقَّهُ لِإِخْفَاءِ أَنَّهُ يَقْبِضُ غَلَّاتِهِ وَالدَّيْنَ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ غَرِيمٌ مِنْ غُرَمَائِهِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ، وَيُخَاصِمُ فِي دَيْنٍ وَجَبَ بِعَقْدِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْمَفْقُودِ] قَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُ مُنَاسَبَةِ ذِكْرِ هَذَا الْكِتَابِ هُنَا، وَالْمَفْقُودُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْفَقْدِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ مِنْ الْأَضْدَادِ، يُقَالُ فَقَدْت الشَّيْءَ: أَيْ أَضْلَلْته، وَفَقَدْته: أَيْ طَلَبْته، وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ مُتَحَقِّقٌ فِي الْمَفْقُودِ فَقَدْ ضَلَّ عَنْ أَهْلِهِ وَهُمْ فِي طَلَبِهِ. وَذُكِرَ فِي الْكِتَابِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَفْهُومِهِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ قَوْلُهُ (إذَا غَابَ الرَّجُلُ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَوْضِعٌ وَلَمْ يُعْلَمْ أَحَيٌّ هُوَ أَمْ مَيِّتٌ) وَقَوْلُهُ (نَصَّبَ الْقَاضِي مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ وَيَقُومُ عَلَيْهِ وَيَسْتَوْفِي حَقَّهُ) إشَارَةٌ إلَى بَيَانِ حُكْمِهِ فِي الشَّرْعِ،

لِأَنَّهُ أَصِيلٌ فِي حُقُوقِهِ، وَلَا يُخَاصِمُ فِي الَّذِي تَوَلَّاهُ الْمَفْقُودُ وَلَا فِي نَصِيبٍ لَهُ فِي عَقَارٍ أَوْ عُرُوضٍ فِي يَدِ رَجُلٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا نَائِبٍ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ بِلَا خِلَافٍ، إنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ فِي الدَّيْنِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِهِ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا رَآهُ الْقَاضِي وَقَضَى بِهِ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ، ثُمَّ مَا كَانَ يَخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادَ يَبِيعُهُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ حِفْظُ صُورَتِهِ وَمَعْنَاهُ فَيَنْظُرُ لَهُ بِحِفْظِ الْمَعْنَى (وَلَا يَبِيعُ مَا لَا يَخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادَ فِي نَفَقَةٍ وَلَا غَيْرِهَا) لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ إلَّا فِي حِفْظِ مَالِهِ فَلَا يَسُوغُ لَهُ تَرْكُ حِفْظِ السُّورَةِ وَهُوَ مُمْكِنٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَلَامُهُ وَاضِحٌ (قَوْلُهُ وَلَا فِي نَصِيبٍ لَهُ فِي عَقَارٍ أَوْ عُرُوضٍ فِي يَدِ رَجُلٍ) بِأَنْ كَانَ الشَّيْءُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمَفْقُودِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَأَنَّهُ) أَيْ الْوَكِيلَ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي (لَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ بِلَا خِلَافٍ، إنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ فِي الدَّيْنِ) فَإِنَّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَمْلِكُهَا (وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ) يَعْنِي أَنَّ وَكِيلَ الْقَاضِي لَمَّا لَمْ يَمْلِكْ الْخُصُومَةَ كَانَ حُكْمُ الْقَاضِي بِتَنْفِيذِ الْخُصُومَةِ قَضَاءً بِالدَّيْنِ لِلْغَائِبِ، وَالْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ وَلِلْغَائِبِ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ وَالْخُصُومَةُ مِنْ الْغَائِبِ غَيْرُ مُتَصَوَّرَةٍ (إلَّا إذَا رَآهُ الْقَاضِي) أَيْ جَعَلَ ذَلِكَ رَأْيًا لَهُ وَحَكَمَ بِهِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ إذَا لَاقَى فَصْلًا مُجْتَهَدًا فِيهِ نَفَّذَهُ. فَإِنْ قِيلَ: الْمُجْتَهَدُ فِيهِ نَفْسُ الْقَضَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَوَقَّفَ نَفَاذُهُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ كَمَا لَوْ كَانَ الْقَاضِي مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُجْتَهَدَ فِيهِ سَبَبٌ لِلْقَضَاءِ وَهُوَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ هَلْ تَكُونُ حُجَّةً مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ أَوْ لَا، فَإِذَا رَآهَا الْقَاضِي حُجَّةً وَقَضَى بِهَا نَفَذَ قَضَاؤُهُ كَمَا لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ (قَوْلُهُ ثُمَّ مَا كَانَ يُخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادُ يَبِيعُهُ الْقَاضِي) ظَاهِرٌ.

قَالَ (وَيُنْفِقُ عَلَى زَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ مِنْ مَالِهِ) وَلَيْسَ هَذَا الْحُكْمُ مَقْصُورًا عَلَى الْأَوْلَادِ بَلْ يَعُمُّ جَمِيعَ قَرَابَةِ الْوِلَادِ. وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ فِي مَالِهِ حَالَ حَضْرَتِهِ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ عِنْدَ غَيْبَتِهِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ حِينَئِذٍ يَكُونُ إعَانَةً، وَكُلُّ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا فِي حَضْرَتِهِ إلَّا بِالْقَضَاءِ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ فِي غَيْبَتِهِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ حِينَئِذٍ تَجِبُ بِالْقَضَاءِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ مُمْتَنِعٌ، فَمِنْ الْأَوَّلِ الْأَوْلَادُ الصِّغَارُ وَالْإِنَاثُ مِنْ الْكِبَارِ وَالزَّمِنِيُّ مِنْ الذُّكُورِ الْكِبَارِ، وَمِنْ الثَّانِي الْأَخُ وَالْأُخْتُ وَالْخَالُ وَالْخَالَةُ. وَقَوْلُهُ مِنْ مَالِهِ مُرَادُهُ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي الْمَطْعُومِ وَالْمَلْبُوسِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي مَالِهِ يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ وَهِيَ النَّقْدَانِ وَالتِّبْرُ بِمَنْزِلَتِهِمَا فِي هَذَا الْحُكْمِ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ قِيمَةً كَالْمَضْرُوبِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ فِي يَدِ الْقَاضِي، فَإِنْ كَانَتْ وَدِيعَةً أَوْ دَيْنًا يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مِنْهُمَا إذَا كَانَ الْمُودِعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَمِنْ الثَّانِي الْأَخُ وَالْأُخْتُ) إنَّمَا كَانَ مِنْ الثَّانِي لِأَنَّهَا نَفَقَةُ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ (وَهِيَ مُجْتَهَدٌ فِيهَا فَلَا تَجِبُ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا) وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ الْأَخْذُ بِدُونِ الْقَضَاءِ وَالرِّضَا. وَقَوْلُهُ (فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ) يَعْنِي الْمَلْبُوسَ وَالْمَطْعُومَ فِي مَالِهِ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ إنْفَاقِ الْقَاضِي عَلَيْهِمْ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ (إذَا كَانَتْ فِي يَدِ الْقَاضِي)

وَالْمَدْيُونُ مُقِرِّينَ بِالدَّيْنِ الْوَدِيعَةِ وَالنِّكَاحِ وَالنَّسَبِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُونَا ظَاهِرَيْنِ عِنْدَ الْقَاضِي، فَإِنْ كَانَا ظَاهِرَيْنِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِقْرَارِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ظَاهِرَ الْوَدِيعَةِ وَالدَّيْنِ أَوْ النِّكَاحِ وَالنَّسَبِ يَشْتَرِطُ الْإِقْرَارَ بِمَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. فَإِنْ دَفَعَ الْمُودِعُ بِنَفْسِهِ أَوْ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي يَضْمَنُ الْمُودِعُ وَلَا يُبَرَّأُ الْمَدْيُونُ لِأَنَّهُ مَا أَدَّى إلَى صَاحِبِ الْحَقِّ وَلَا إلَى نَائِبِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَ بِأَمْرِ الْقَاضِي لِأَنَّ الْقَاضِي نَائِبٌ عَنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا) أَيْ الِاحْتِيَاجُ إلَى الْإِقْرَارِ إنَّمَا هُوَ (إذَا لَمْ يَكُونَا) أَيْ الدَّيْنُ الْوَدِيعَةُ أَوْ النِّكَاحُ، وَالنَّسَبُ جَعْلُ الدَّيْنِ الْوَدِيعَةِ شَيْئًا وَاحِدًا، وَالنِّكَاحُ وَالنَّسَبُ كَذَلِكَ فَلِذَلِكَ ذَكَرَهُمَا بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ (قَوْلُهُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ جَوَابِ الْقِيَاسِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ إنَّهُ لَا يُنْفِقُ مِنْهُمَا عَلَيْهِمْ بِالْإِقْرَارِ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمُودَعِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الْغَائِبِ، وَهُوَ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْ الْغَائِبِ وَلَا يُقْضَى عَلَى الْغَائِبِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَنْهُ خَصْمٌ حَاضِرٌ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْمُودَعُ مُقِرٌّ بِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ مِلْكُ الْغَائِبِ، وَأَنَّ لِلزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ حَقَّ الْإِنْفَاقِ مِنْهُ، وَإِقْرَارُ الْإِنْسَانِ فِيمَا فِي يَدِهِ مُعْتَبَرٌ فَيَنْتَصِبُ هُوَ خَصْمًا بِاعْتِبَارِ مَا فِي يَدِهِ ثُمَّ يَتَعَدَّى الْقَضَاءُ مِنْهُ إلَى الْمَفْقُودِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَائِبٌ عَنْهُ) اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْقَاضِيَ نَائِبٌ عَنْ الْغَائِبِ

وَإِنْ كَانَ الْمُودِعُ وَالْمَدْيُونُ جَاحِدَيْنِ أَصْلًا أَوْ كَانَا جَاحِدَيْنِ الزَّوْجِيَّةَ وَالنَّسَبَ لَمْ يَنْتَصِبْ أَحَدٌ مِنْ مُسْتَحِقِّي النَّفَقَةِ خَصْمًا فِي ذَلِكَ لِأَنَّ مَا يَدَّعِيه لِلْغَائِبِ لَمْ يَتَعَيَّنْ سَبَبًا لِثُبُوتِ حَقِّهِ وَهُوَ النَّفَقَةُ، لِأَنَّهَا كَمَا تَجِبُ فِي هَذَا الْمَالِ تَجِبُ فِي مَالٍ آخَرَ لِلْمَفْقُودِ. قَالَ (وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ) وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا مَضَى أَرْبَعُ سِنِينَ يُفَرِّقُ الْقَاضِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ وَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ ثُمَّ تَتَزَوَّجُ مَنْ شَاءَتْ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَكَذَا قَضَى فِي الَّذِي اسْتَهْوَاهُ الْجِنُّ بِالْمَدِينَةِ وَكَفَى ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْقَبْضِ لِلْحِفْظِ وَلَا حِفْظَ فِي الْقَبْضِ لِلْإِنْفَاقِ عَلَى هَؤُلَاءِ فَلَا يَكُونُ نَائِبًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقَاضِيَ نَائِبٌ عَنْهُ فِي إيفَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْحُقُوقِ كَمَا هُوَ نَائِبٌ عَنْهُ فِي الْحِفْظِ وَلِهَذَا جَازَ لَهُ أَنْ يُوفِيَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ إذَا عَلِمَ بِوُجُوبِهِ بِخِلَافِ الْمُودَعِ فَإِنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ فِي الْحِفْظِ فَقَطْ. فَإِنْ قُلْت: إذَا دَفَعَ الْمُودَعُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي وَجَبَ أَنْ لَا يَضْمَنَ لِأَنَّهُ دَفَعَهَا إلَى مَنْ فِي عِيَالِ الْمُودَعِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ الدَّفْعَ إلَيْهِمْ لَا يُوجِبُهُ إذَا كَانَ لِلْحِفْظِ وَالدَّفْعُ لِلْإِنْفَاقِ دَفْعٌ لِلْإِتْلَافِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ مَا يَدَّعِيهِ لِلْغَائِبِ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْخُصُومَةَ لَا تُسْمَعُ إلَّا مِنْ الْمَالِكِ أَوْ نَائِبِهِ وَالْمَالِكُ غَائِبٌ وَلَا نَائِبَ لَهُ حَقِيقَةً لِأَنَّهُ لَمْ يُوَكَّلْ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا حُكْمًا لِأَنَّ مَا يَدَّعِيهِ لِلْغَائِبِ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ سَبَبًا لِثُبُوتِ حَقِّهِ (وَهُوَ النَّفَقَةُ لِأَنَّهَا كَمَا تَجِبُ فِي هَذَا الْمَالِ تَجِبُ فِي مَالٍ آخَرَ لِلْمَفْقُودِ) وَلَا يَكُونُ الثَّابِتُ حُكْمًا إلَّا فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَسَيَجِيءُ تَمَامُهُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ (وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ، وَقِصَّةُ مَنْ اسْتَهْوَتْهُ الْجِنُّ: أَيْ جَرَّتْهُ إلَى الْمَهَاوِي وَهِيَ الْمَهَالِكُ مَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى قَالَ: أَنَا لَقِيت الْمَفْقُودَ فَحَدَّثَنِي حَدِيثَهُ قَالَ: أَكَلْت خَزِيرًا فِي أَهْلِي فَخَرَجْت فَأَخَذَنِي نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ فَمَكَثْت فِيهِمْ، ثُمَّ بَدَا لَهُمْ فِي عِتْقِي فَأَعْتَقُونِي ثُمَّ أَتَوْا بِي قَرِيبًا مِنْ الْمَدِينَةِ فَقَالُوا: أَتَعْرِفُ الْخَلِيلَ؟ فَقُلْت: نَعَمْ، فَخَلُّوا عَنِّي، فَجِئْت فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَدْ أَبَانَ امْرَأَتِي بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ وَحَاضَتْ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَتَزَوَّجَتْ، فَخَيَّرَنِي عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَيْنَ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيَّ وَبَيْنَ الْمَهْرِ. قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا مِمَّا لَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمَسْمُوعِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

بِهِ إمَامًا، وَلِأَنَّهُ مَنَعَ حَقَّهَا بِالْغَيْبَةِ فَيُفَرِّقُ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ اعْتِبَارًا بِالْإِيلَاءِ وَالْعُنَّةِ، وَبَعْدَ هَذَا الِاعْتِبَارِ أَخَذَ الْمِقْدَارَ مِنْهُمَا الْأَرْبَعَ مِنْ الْإِيلَاءِ وَالسِّنِينَ مِنْ الْعُنَّةِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ. وَلَنَا قَوْلُهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ حَتَّى يَأْتِيَهَا الْبَيَانُ» . وَقَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيهَا: هِيَ امْرَأَةٌ اُبْتُلِيَتْ فَلْتَصْبِرْ حَتَّى يَسْتَبِينَ مَوْتٌ أَوْ طَلَاقٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِأَنَّهُ مَنَعَ حَقَّهَا بِالْغَيْبَةِ فَيُفَرِّقُ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ اعْتِبَارٍ بِالْإِيلَاءِ وَالْعُنَّةِ) وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا مَنْعُ الزَّوْجِ حَقَّ الْمَرْأَةِ وَرَفْعُ الضَّرَرِ عَنْهَا، فَإِنَّ الْعِنِّينَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ بَعْدَ مُضِيِّ سَنَةٍ لِرَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهَا، وَبَيْنَ الْمَوْلَى وَامْرَأَتِهِ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لِرَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهَا، وَلَكِنَّ عُذْرَ الْمَفْقُودِ أَظْهَرُ مِنْ عُذْرِ الْمَوْلَى وَالْعِنِّينِ، فَيَتَعَيَّنُ فِي حَقِّهِ الْمُدَّتَانِ فِي التَّرَبُّصِ بِأَنْ تُجْعَلَ السُّنُونَ مَكَانَ الشُّهُورِ فَتَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ (عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ) (قَوْلُهُ وَلَنَا) ظَاهِرٌ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْبَيَانَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ إلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُجْمَلٌ، وَقَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

خَرَجَ بَيَانًا لِلْبَيَانِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَرْفُوعِ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ عُرِفَ ثُبُوتُهُ وَالْغَيْبَةُ لَا تُوجِبُ الْفُرْقَةَ وَالْمَوْتُ فِي حَيِّزِ الِاحْتِمَالِ فَلَا يُزَالُ النِّكَاحُ بِالشَّكِّ، وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَجَعَ إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْإِيلَاءِ لِأَنَّهُ كَانَ طَلَاقًا مُعَجَّلًا فَاعْتُبِرَ فِي الشَّرْعِ مُؤَجَّلًا فَكَانَ مُوجِبًا لِلْفُرْقَةِ، وَلَا بِالْعُنَّةِ لِأَنَّ الْغَيْبَةَ تَعْقُبُ الْأَوَدَةَ، وَالْعُنَّةُ قَلَّمَا تَنْحَلُّ بَعْدَ اسْتِمْرَارِهَا سَنَةً. قَالَ (وَإِذَا تَمَّ لَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً مِنْ يَوْمِ وُلِدَ حَكَمْنَا بِمَوْتِهِ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذِهِ رِوَايَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQخَرَجَ بَيَانًا لِذَلِكَ الْمُبْهَمِ (قَوْلُهُ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَجَعَ إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) رَوَاهُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى (قَوْلُهُ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْإِيلَاءِ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ مَالِكٍ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ عَلَى الْإِيلَاءِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، فَإِنَّ الْإِيلَاءَ إذَا كَانَ طَلَاقًا كَانَ مُزِيلًا لِلْمِلْكِ، بِخِلَافِ الْمَفْقُودِ فَإِنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ طَلَاقٌ لَا مُعَجَّلٌ وَلَا مُؤَجَّلٌ (قَوْلُهُ وَلَا بِالْعُنَّةِ) جَوَابٌ عَنْ الْقِيَاسِ بِالْعُنَّةِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْعُنَّةَ بَعْدَ مَا اسْتَمَرَّتْ سَنَةً كَانَتْ طَبِيعَةً وَالطَّبِيعَةُ لَا تَنْحَلُّ فَفَاتَ حَقُّهَا عَلَى التَّأْبِيدِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ سَنَةٍ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا، بِخِلَافِ امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ فَإِنَّ حَقَّهَا مَرْجُوٌّ قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعِ سِنِينَ وَبَعْدَهُ. (قَوْلُهُ وَإِذَا تَمَّ لَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً) اخْتَلَفَتْ رِوَايَاتُ أَصْحَابِنَا فِي مُدَّةِ الْمَفْقُودِ؛ فَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ

الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: وَفِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ يُقَدَّرُ بِمَوْتِ الْأَقْرَانِ، وَفِي الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ بِمِائَةِ سَنَةٍ، وَقَدَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِتِسْعِينَ، وَالْأَقْيَسُ أَنْ لَا يُقَدَّرَ بِشَيْءٍ. وَالْأَرْفَقُ أَنْ يُقَدَّرَ بِتِسْعِينَ، وَإِذَا حُكِمَ بِمَوْتِهِ اعْتَدَّتْ امْرَأَتُهُ عِدَّةَ الْوَفَاةِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ (وَيُقْسَمُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ الْمَوْجُودِينَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ) كَأَنَّهُ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُعَايَنَةً إذْ الْحُكْمِيُّ مُعْتَبَرٌ بِالْحَقِيقِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهَا مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً مِنْ يَوْمِ وُلِدَ، فَإِذَا مَضَتْ هَذِهِ الْمُدَّةُ حَكَمْنَا بِمَوْتِهِ. قِيلَ: وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى قَوْلِ أَهْلِ الطَّبَائِعِ وَالنُّجُومِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَعِيشَ أَحَدٌ أَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُقَدَّرُ بِمَوْتِ الْأَقْرَانِ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ أَقْرَانِهِ حَيًّا حُكِمَ بِمَوْتِهِ لِأَنَّ مَا تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى مَعْرِفَتِهِ فَطَرِيقُهُ فِي الشَّرْعِ الرُّجُوعُ إلَى أَمْثَالِهِ كَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ وَمَهْرِ مِثْلِ النِّسَاءِ، وَبَقَاؤُهُ بَعْدَ مَوْتِ جَمِيعِ أَقْرَانِهِ نَادِرٌ وَبِنَاءُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى الظَّاهِرِ دُونَ النَّادِرِ، وَهَلْ يُعْتَبَرُ بِأَقْرَانِهِ فِي جَمِيعِ الدُّنْيَا أَوْ فِي الْإِقْلِيمِ الَّذِي هُوَ فِيهِ ذَكَرْنَاهُ فِي شَرْحِ الْفَرَائِضِ السِّرَاجِيَّةِ، وَفِي الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ بِمِائَةِ سَنَةٍ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنْ لَا يَعِيشَ أَحَدٌ فِي زَمَانِنَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ سَنَةٍ، وَقَدَّرَ بَعْضُهُمْ بِتِسْعِينَ لِأَنَّهُ مُتَوَسِّطٌ لَيْسَ بِغَالِبٍ وَلَا نَادِرٍ، وَالْأَقْيَسُ أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ لِلْمَفْعُولِ وَهُوَ الْمَقِيسُ عَلَى طَرِيقِ الشُّذُوذِ كَقَوْلِهِمْ: أَشْغَلُ مِنْ ذَاتِ النَّحْيَيْنِ أَنْ لَا يُقَدَّرَ بِشَيْءٍ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ كَالْمِائَةِ وَالتِّسْعِينَ وَلَكِنَّهُ يُقَدَّرُ بِمَوْتِ الْأَقْرَانِ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقَدَّرْ بِشَيْءٍ أَصْلًا لَتَعَطَّلَ حُكْمُ الْمَفْقُودِ، وَالْأَرْفَقُ أَنْ يُقَدَّرَ بِتِسْعِينَ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا ذُكِرَ فِيهِ مِنْ الْمَقَادِيرِ (قَوْلُهُ وَإِذَا حُكِمَ بِمَوْتِهِ) ظَاهِرٌ.

(وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَرِثْ مِنْهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يُحْكَمْ بِمَوْتِهِ فِيهَا فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَتْ حَيَاتُهُ مَعْلُومَةً (وَلَا يَرِثُ الْمَفْقُودُ أَحَدًا مَاتَ فِي حَالِ فَقْدِهِ) لِأَنَّ بَقَاءَهُ حَيًّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً فِي الِاسْتِحْقَاقِ (وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى لِلْمَفْقُودِ وَمَاتَ الْمُوصِي) ثُمَّ الْأَصْلُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَ الْمَفْقُودِ وَارِثٌ لَا يُحْجَبُ بِهِ وَلَكِنَّهُ يُنْتَقَصُ حَقُّهُ بِهِ يُعْطَى أَقَلَّ النَّصِيبَيْنِ وَيُوقَفُ الْبَاقِي ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى لِلْمَفْقُودِ وَمَاتَ الْمُوصِي) أَيْ لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بَلْ تُوقَفُ. وَذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَإِذَا أَوْصَى

وَإِنْ كَانَ مَعَهُ وَارِثٌ يُحْجَبُ بِهِ لَا يُعْطَى أَصْلًا. بَيَانُهُ: رَجُلٌ مَاتَ عَنْ ابْنَتَيْنِ وَابْنِ مَفْقُودٍ وَابْنِ ابْنٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَالْمَالُ فِي يَدِ الْأَجْنَبِيِّ وَتَصَادَقُوا عَلَى فَقْدِ الِابْنِ وَطَلَبَتْ الِابْنَتَانِ الْمِيرَاثَ تُعْطَيَانِ النِّصْفَ لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ بِهِ وَيُوقَفُ النِّصْفُ الْآخَرُ وَلَا يُعْطَى وَلَدَ الِابْنِ لِأَنَّهُمْ يُحْجَبُونَ بِالْمَفْقُودِ، وَلَوْ كَانَ حَيًّا فَلَا يَسْتَحِقُّونَ الْمِيرَاثَ بِالشَّكِّ (وَلَا يُنْزَعُ مِنْ يَدِ الْأَجْنَبِيِّ إلَّا إذَا ظَهَرَتْ مِنْهُ خِيَانَةٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQرَجُلٌ لِلْمَفْقُودِ بِشَيْءٍ فَإِنِّي لَا أَقْضِي بِهَا وَلَا أُبْطِلُهَا حَتَّى يَظْهَرَ حَالُ الْمَفْقُودِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ، وَفِي الْمِيرَاثِ تُحْبَسُ حِصَّةُ الْمَفْقُودِ إلَى أَنْ يَظْهَرَ حَالُهُ، فَكَذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ، وَالْأَصْلُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ وَتَصَادَقُوا) أَيْ الْوَرَثَةُ الْمَذْكُورُونَ وَالْأَجْنَبِيُّ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالتَّصَادُقِ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ الَّذِي فِي يَدِهِ الْمَالُ إذَا قَالَ قَدْ مَاتَ الْمَفْقُودُ قَبْلَ أَبِيهِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ الثُّلُثَيْنِ إلَى الْبِنْتَيْنِ، لِأَنَّ إقْرَارَ ذِي الْيَدِ فِيمَا فِي يَدِهِ مُعْتَبَرٌ، وَقَدْ أَقَرَّ بِأَنَّ ثُلُثَيْ مَا فِي يَدِهِ لَهُمَا فَيُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ ذَلِكَ إلَيْهِمَا. وَقَوْلُ أَوْلَادِ الِابْنِ أَبُونَا مَفْقُودٌ لَا يَمْنَعُ إقْرَارَ ذِي الْيَدِ لِأَنَّهُمْ لَا يَدَّعُونَ لِأَنْفُسِهِمْ شَيْئًا بِهَذَا الْقَوْلِ وَيُوقَفُ الْبَاقِي عَلَى يَدِ ذِي الْيَدِ حَتَّى يَظْهَرَ مُسْتَحِقُّهُ، هَذَا إذَا أَقَرَّ مَنْ فِي يَدِهِ الْمَالُ، أَمَّا لَوْ جَحَدَ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ فِي يَدِهِ لِلْمَيِّتِ فَأَقَامَتْ الْبِنْتَانِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُمَا مَاتَ وَتَرَكَ الْمَالَ مِيرَاثًا لَهُمَا وَلِأَخِيهِمَا الْمَفْقُودِ، فَإِنْ كَانَ حَيًّا فَهُوَ الْوَارِثُ مَعَهُمَا، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَوَلَدُهُ الْوَارِثُ مَعَهُمَا فَإِنَّهُ يَدْفَعُ إلَى الْبِنْتَيْنِ النِّصْفَ لِأَنَّهُمَا بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ تُثْبِتَانِ الْمِلْكَ لِأَبِيهِمَا فِي هَذَا الْمَالِ وَالْأَبُ مَيِّتٌ وَأَحَدُ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ لَهُ بِالْبَيِّنَةِ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ يُدْفَعُ إلَيْهِمَا الْمُتَيَقَّنُ وَهُوَ النِّصْفُ، وَيُوقَفُ النِّصْفُ الْبَاقِي عَلَى يَدِ عَدْلٍ، لِأَنَّ الَّذِي فِي يَدِهِ جَحَدَ وَهُوَ غَيْرُ مُؤْتَمَنٍ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَالْمَالُ فِي يَدِ أَجْنَبِيٍّ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي يَدِ الِابْنَتَيْنِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحَوِّلَ الْمَالَ مِنْ مَوْضِعِهِ وَلَا يَقِفَ مِنْهُ شَيْئًا لِلْمَفْقُودِ، وَمُرَادُهُ بِهَذَا اللَّفْظِ أَنَّهُ لَا يُخْرِجُ شَيْئًا مِنْ أَيْدِيهِمَا لِأَنَّ النِّصْفَ صَارَ بَيْنَهُمَا بِيَقِينٍ وَالنِّصْفُ الْبَاقِي لِلْمَفْقُودِ مِنْ وَجْهٍ. وَيُرِيدُ بِقَوْلِهِ وَلَا يَقِفُ مِنْهُ شَيْئًا لِلْمَفْقُودِ أَنْ لَا يَجْعَلَ شَيْئًا مِمَّا فِي يَدِ الِابْنَتَيْنِ مِلْكًا لِلْمَفْقُودِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ وَلَدَيْ الِابْنِ الْمَفْقُودِ فَطَلَبَتْ

وَنَظِيرُ هَذَا الْحَمْلُ فَإِنَّهُ يُوقَفُ لَهُ مِيرَاثُ ابْنِ وَاحِدٍ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ وَارِثٌ آخَرُ إنْ كَانَ لَا يَسْقُطُ بِحَالٍ وَلَا يَتَغَيَّرُ بِالْحَمْلِ يُعْطَى كُلٌّ نَصِيبَهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَسْقُطُ بِالْحَمْلِ لَا يُعْطَى، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَتَغَيَّرُ بِهِ يُعْطِي الْأَقَلَّ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ كَمَا فِي الْمَفْقُودِ وَقَدْ شَرَحْنَاهُ فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبِنْتَانِ مِيرَاثَهُمَا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الِابْنَ مَفْقُودٌ فَإِنَّهُ تُعْطَى الْبِنْتَانِ النِّصْفَ وَهُوَ أَدْنَى مَا يُصِيبُهُمَا وَتُرِكَ الْبَاقِي فِي يَدِ وَلَدَيْ الِابْنِ الْمَفْقُودِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقْضَى بِهِ لَهُمَا وَلَا لِأَبِيهِمَا، لِأَنَّا لَوْ قَدَّرْنَا الِابْنَ الْمَفْقُودَ مَيِّتًا كَانَ نَصِيبُهُمَا الثُّلُثَيْنِ فَكَانَ النِّصْفُ مُتَيَقَّنًا بِهِ. قَوْلُهُ (وَنَظِيرُ هَذَا) يَعْنِي الْمَفْقُودَ الْحَمْلُ فِي حَقِّ تَوَقُّفِ النِّصْفِ فَإِنَّهُ يُوقَفُ لَهُ مِيرَاثُ ابْنٍ وَاحِدٍ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الرِّسَالَةِ وَشَرْحِهَا وَشَرْحِ الْفَرَائِضِ السِّرَاجِيَّةِ فِي عِلْمِ الْفَرَائِضِ. قَوْلُهُ (وَلَوْ كَانَ مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْحَمْلِ (وَارِثٌ آخَرُ) إنْ كَانَ لَا يَسْقُطُ بِحَالٍ وَلَا يَتَغَيَّرُ بِالْحَمْلِ يُعْطَى كُلٌّ نَصِيبَهُ، كَمَا إذَا تَرَكَ امْرَأَةً حَامِلًا وَجَدَّةً فَإِنَّ لِلْجَدَّةِ السُّدُسَ لِأَنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ فَرْضُهَا بِالْحَمْلِ، وَكَذَلِكَ إذَا تَرَكَ ابْنًا وَامْرَأَةً حَامِلًا فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تُعْطَى الثُّمُنَ لِأَنَّهُ لَا تَتَغَيَّرُ فَرِيضَتُهَا وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَسْقُطُ بِالْحَمْلِ لَا تُعْطَى كَابْنِ الِابْنِ وَالْأَخِ أَوْ الْعَمِّ، فَإِنَّهُ لَوْ تَرَكَ امْرَأَةً حَامِلًا وَأَخًا أَوْ عَمًّا لَا يُعْطَى الْأَخُ وَالْعَمُّ شَيْئًا، لِأَنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ ابْنًا فَيَسْقُطَ مَعَهُ الْأَخُ وَالْعَمُّ، فَلَمَّا كَانَ مِمَّنْ يَسْقُطُ بِحَالٍ كَانَ أَصْلُ الِاسْتِحْقَاقِ لَهُ مَشْكُوكًا فَلَا يُعْطَى شَيْئًا لِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَتَغَيَّرُ بِهِ يُعْطَى الْأَقَلَّ الْمُتَيَقَّنَ بِهِ كَالزَّوْجَةِ وَالْأُمِّ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ الْحَمْلُ حَيًّا تَرِثُ الزَّوْجَةُ الثُّمُنَ وَالْأُمُّ السُّدُسَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَيًّا فَهُمَا يَرِثَانِ الرُّبْعَ وَالثُّلُثَ فَتُعْطَيَانِ الثُّمُنَ وَالسُّدُسَ لِلتَّيَقُّنِ كَمَا فِي الْمَفْقُودِ: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ جَدَّةً وَابْنًا مَفْقُودًا فَلِلْجَدَّةِ السُّدُسُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْحَمْلِ لِأَنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ نَصِيبُهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ تَرَكَ أَخًا وَابْنًا مَفْقُودًا لَا يُعْطَى الْأَخُ شَيْئًا، وَكَذَلِكَ لَوْ تَرَكَ أُمًّا وَابْنًا مَفْقُودًا فَإِنَّهُ إنْ كَانَ الْمَفْقُودُ حَيًّا تَسْتَحِقُّ الْأُمُّ السُّدُسَ، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا تَسْتَحِقُّ الثُّلُثَ كَمَا فِي الْحَمْلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[كتاب الشركة]

كِتَابُ الشِّرْكَةِ (الشِّرْكَةُ جَائِزَةٌ) «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُعِثَ وَالنَّاسُ يَتَعَامَلُونَ بِهَا فَقَرَّرَهُمْ عَلَيْهِ» ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الشِّرْكَةِ] مُنَاسَبَةُ تَرْتِيبِ الْأَبْوَابِ الْمَارَّةِ انْسَاقَتْ إلَى هَاهُنَا عَلَى الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ. وَلَمَّا كَانَ لِلشَّرِكَةِ مُنَاسَبَةٌ خَاصَّةٌ بِالْمَفْقُودِ مِنْ حَيْثُ إنَّ نَصِيبَ الْمَفْقُودِ مِنْ مَالِ مُوَرِّثِهِ مُخْتَلِطٌ بِنَصِيبِ غَيْرِهِ كَاخْتِلَاطِ الْمَالَيْنِ فِي الشَّرِكَةِ ذَكَرَهَا عَقِيبَهُ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ اخْتِلَاطِ نَصِيبَيْنِ فَصَاعِدًا بِحَيْثُ لَا يُعْرَفُ أَحَدُ النَّصِيبَيْنِ مِنْ الْآخَرِ ثُمَّ سُمِّيَ الْعَقْدُ الْخَاصُّ بِهَا وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ اخْتِلَاطُ النَّصِيبَيْنِ لِأَنَّ الْعَقْدَ سَبَبٌ لَهُ، وَالشَّرِكَةُ جَائِزَةٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بُعِثَ وَالنَّاسُ يَتَعَامَلُونَ بِهَا فَقَرَّرَهُمْ عَلَيْهِ وَتَعَامَلَهَا النَّاسُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرِ مُنْكِرٍ.

قَالَ (الشِّرْكَةُ ضَرْبَانِ: شِرْكَةُ أَمْلَاكٍ، وَشِرْكَةُ عُقُودٍ. فَشِرْكَةُ الْأَمْلَاكِ: الْعَيْنُ يَرِثُهَا رَجُلَانِ أَوْ يَشْتَرِيَانِهَا فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ) وَهَذِهِ الشِّرْكَةُ تَتَحَقَّقُ فِي غَيْرِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ كَمَا إذَا اتَّهَبَ رَجُلَانِ عَيْنًا أَوْ مَلَكَاهَا بِالِاسْتِيلَاءِ أَوْ اخْتَلَطَ مَالُهُمَا مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: شَرِكَةُ أَمْلَاكٍ، وَشَرِكَةُ عُقُودٍ، وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ.

أَوْ بِخَلْطِهِمَا خَلْطًا يَمْنَعُ التَّمْيِيزَ رَأْسًا أَوْ إلَّا بِحَرَجٍ، وَيَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا نَصِيبَهُ مِنْ شَرِيكِهِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ وَمِنْ غَيْرِ شَرِيكِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ إلَّا فِي صُورَةِ الْخَلْطِ وَالِاخْتِلَاطِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى (وَالضَّرْبُ الثَّانِي: شِرْكَةُ الْعُقُودِ، وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا شَارَكْتُك فِي كَذَا وَكَذَا وَيَقُولُ الْآخَرُ قَبِلْت) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (خَلْطًا يَمْنَعُ التَّمْيِيزَ رَأْسًا) كَخَلْطِ الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ، أَوْ إلَّا بِحَرَجٍ كَخَلْطِهَا بِالشَّعِيرِ. وَقَوْلُهُ (فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ) يَعْنِي الْبَيْعَ (مِنْ الْأَجْنَبِيِّ) إلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى) قِيلَ الْفَرْقُ أَنَّ خَلْطَ الْجِنْسِ بِالْجِنْسِ عَلَى سَبِيلِ التَّعَدِّي سَبَبٌ لِزَوَالِ الْمِلْكِ عَنْ الْمَخْلُوطِ إلَى الْخَالِطِ، فَإِذَا حَصَلَ بِغَيْرِ تَعَدٍّ كَانَ سَبَبُ الزَّوَالِ ثَابِتًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، فَاعْتُبِرَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ زَائِلًا إلَى الشَّرِيكِ فِي حَقِّ الْبَيْعِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ غَيْرَ زَائِلٍ فِي حَقِّ الْبَيْعِ مِنْ الشَّرِيكِ كَأَنَّهُ يَبِيعُ مِلْكَ نَفْسِهِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ.

[أقسام شركة العقود]

وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ التَّصَرُّفُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ عَقْدَ الشِّرْكَةِ قَابِلًا لِلْوَكَالَةِ لِيَكُونَ مَا يُسْتَفَادُ بِالتَّصَرُّفِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَيَتَحَقَّقُ حُكْمُهُ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ (ثُمَّ هِيَ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: مُفَاوَضَةٌ، وَعِنَانٌ، وَشِرْكَةُ الصَّنَائِعِ، وَشِرْكَةُ الْوُجُوهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (قَابِلًا لِلْوَكَالَةِ) احْتِرَازٌ عَنْ الشَّرِكَةِ فِي التَّكَدِّي وَالِاحْتِشَاشِ وَالِاحْتِطَابِ وَالِاصْطِيَادِ، فَإِنَّ الْمِلْكَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ يَقَعُ لِمَنْ بَاشَرَ سَبَبَهُ خَاصًّا لَا عَلَى وَجْهِ الِاشْتِرَاكِ: أَيْ شَرِكَةُ الْعُقُودِ كُلُّهَا مُتَضَمِّنَةٌ لِعَقْدِ الْوَكَالَةِ، ثُمَّ شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ مِنْ بَيْنِهَا مَخْصُوصَةٌ بِتَضَمُّنِ عَقْدِ الْكَفَالَةِ. ثُمَّ عُلِّلَ تَضَمُّنُ هَذِهِ الْعُقُودِ الْكَفَالَةَ بِقَوْلِهِ (لِيَكُونَ مَا يُسْتَفَادُ بِالتَّصَرُّفِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَيَتَحَقَّقُ حُكْمُهُ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ عَقْدِ الشَّرِكَةِ، وَشَرْحُ هَذَا أَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ إنَّمَا تَضَمَّنَتْ الْوَكَالَةَ لِأَنَّ مِنْ حُكْمِ الشَّرِكَةِ ثُبُوتَ الِاشْتِرَاكِ فِي الْمُسْتَفَادِ بِالتِّجَارَةِ، وَلَا يَصِيرُ الْمُسْتَفَادُ بِالتِّجَارَةِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ فِي النِّصْفِ وَفِي النِّصْفِ عَامِلًا لِنَفْسِهِ حَتَّى يَصِيرَ الْمُسْتَفَادُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ بِمُقْتَضَى عَقْدِ الشَّرِكَةِ. [أَقْسَام شَرِكَة الْعُقُود] وَقَوْلُهُ (ثُمَّ هِيَ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ) ذُكِرَ فِي وَجْهِ الْحَصْرِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الشَّرِيكَيْنِ إمَّا أَنْ يَذْكُرَا الْمَالَ فِي الْعَقْدِ أَوْ لَا. فَإِنْ ذَكَرَا، فَإِمَّا أَنْ يَلْزَمَ اشْتِرَاطُ الْمُسَاوَاةِ فِي ذَلِكَ الْمَالِ فِي رَأْسِهِ وَرِبْحِهِ أَوْ لَا. فَإِنْ لَزِمَ فَهِيَ الْمُفَاوَضَةُ وَإِلَّا فَالْعِنَانُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرَاهُ فَإِمَّا أَنْ يُشْتَرَطَ الْعَمَلُ فِيمَا بَيْنَهُمَا فِي مَالِ الْغَيْرِ أَوْ لَا، فَالْأَوَّلُ الصَّنَائِعُ وَالثَّانِي الْوُجُوهُ. وَمَعْنَى الْبَيْتِ: لَا يَصْلُحُ أُمُورُ النَّاسِ حَالَ كَوْنِهِمْ مُتَسَاوِينَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أُمَرَاءُ وَسَادَاتٌ، فَإِنَّهُمْ إذَا كَانُوا مُتَسَاوِينَ تَتَحَقَّقُ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَهُمْ، وَالسُّرَاةُ جَمْعُ السَّرِيِّ

فَأَمَّا شِرْكَةُ الْمُفَاوَضَةِ فَهِيَ أَنْ يَشْتَرِكَ الرَّجُلَانِ فَيَتَسَاوَيَانِ فِي مَالِهِمَا وَتَصَرُّفِهِمَا وَدَيْنِهِمَا) لِأَنَّهَا شِرْكَةٌ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ التِّجَارَاتِ يُفَوِّضُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمْرَ الشِّرْكَةِ إلَى صَاحِبِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ إذْ هِيَ مِنْ الْمُسَاوَاةِ، قَالَ قَائِلُهُمْ: لَا يُصْلِحُ النَّاسَ فَوْضَى لَا سُرَاةَ لَهُمْ وَلَا سُرَاةَ إذَا جُهَّالُهُمْ سَادُوا أَيْ مُتَسَاوِيِينَ. فَلَا بُدَّ مِنْ تَحْقِيقِ الْمُسَاوَاةِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ جَمْعٌ عَزِيزٌ لَا يُعْرَفُ غَيْرُهُ. وَقِيلَ هُوَ اسْمُ جَمْعٍ لِلسَّرِيِّ. وَقَوْلُهُ (فَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ الْمُسَاوَاةِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً) أَمَّا ابْتِدَاءً فَظَاهِرٌ بِنَاءً عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ مَأْخَذِ اشْتِقَاقِهِ، وَأَمَّا انْتِهَاءً فَلِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ، فَإِنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وِلَايَةَ الِامْتِنَاعِ بَعْدَ عَقْدِ الشَّرِكَةِ فَكَانَ لِدَوَامِهَا حُكْمُ الِابْتِدَاءِ، وَفِي ابْتِدَاءِ الْمُفَاوَضَةِ تُشْتَرَطُ الْمُسَاوَاةُ فَكَذَا فِي الِانْتِهَاءِ

وَذَلِكَ فِي الْمَالِ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا تَصِحُّ الشِّرْكَةُ فِيهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ التَّفَاضُلُ فِيمَا لَا يَصِحُّ الشِّرْكَةُ فِيهِ، وَكَذَا فِي التَّصَرُّفِ، لِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَ أَحَدُهُمَا تَصَرُّفًا لَا يَمْلِكُ الْآخَرُ لَفَاتَ التَّسَاوِي، وَكَذَلِكَ فِي الدَّيْنِ لِمَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهَذِهِ الشِّرْكَةُ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا. وَفِي الْقِيَاسِ لَا تَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا أَعْرِفُ مَا الْمُفَاوَضَةُ. وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهَا تَضَمَّنَتْ الْوَكَالَةَ بِمَجْهُولِ الْجِنْسِ وَالْكَفَالَةُ بِمَجْهُولٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِانْفِرَادِهِ فَاسِدٌ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَاوِضُوا فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ وَذَلِكَ) أَيْ تَحَقُّقُ الْمُسَاوَاةِ فِي الْمَالِ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ فِيهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ التَّفَاضُلُ فِيمَا لَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ كَالْعُرُوضِ وَالدُّيُونِ وَالْعَقَارِ، حَتَّى لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عُرُوضٌ أَوْ دُيُونٌ عَلَى النَّاسِ لَا تَبْطُلُ الْمُفَاوَضَةُ مَا لَمْ تُقْبَضْ الدُّيُونُ. وَقَوْلُهُ (كُلُّ ذَلِكَ بِانْفِرَادِهِ فَاسِدٌ) أَيْ كُلٌّ مِنْ الْوَكَالَةِ وَالْكَفَالَةِ فِي الْمَجْهُولِ فَاسِدٌ، حَتَّى لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا وَقَالَ وَكَّلْتُك بِالشِّرَاءِ أَوْ بِشِرَاءِ الثَّوْبِ كَانَ فَاسِدًا، وَكَذَلِكَ الْكَفَالَةُ لِلْمَجْهُولِ بِالْمَعْلُومِ بَاطِلٌ، فَالْكَفَالَةُ لِلْمَجْهُولِ بِالْمَجْهُولِ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ. فَإِنْ قِيلَ: الْوَكَالَةُ الْعَامَّةُ جَائِزَةٌ كَمَا إذَا قَالَ لِآخَرَ وَكَّلْتُك فِي مَالِي اصْنَعْ مَا شِئْت فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْعُمُومَ لَيْسَ بِمُرَادٍ هَاهُنَا، فَإِنَّهُ لَا تَثْبُتُ الْوَكَالَةُ فِي حَقِّ شِرَاءِ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ لِأَهْلِهِ،

وَكَذَا النَّاسُ يُعَامِلُونَهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَبِهِ يُتْرَكُ الْقِيَاسُ وَالْجَهَالَةُ مُتَحَمَّلَةٌ تَبَعًا كَمَا فِي الْمُضَارَبَةِ وَلَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظَةِ الْمُفَاوَضَةُ لِبُعْدِ شَرَائِطِهَا عَنْ عِلْمِ الْعَوَامّ، حَتَّى لَوْ بَيَّنَّا جَمِيعَ مَا تَقْتَضِيه تَجُوزُ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْمَعْنَى. قَالَ (فَتَجُوزُ بَيْنَ الْحُرَّيْنِ الْكَبِيرَيْنِ مُسْلِمَيْنِ أَوْ ذِمِّيَّيْنِ لِتَحَقُّقِ التَّسَاوِي، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَامًّا كَانَ تَوْكِيلًا بِمَجْهُولِ الْجِنْسِ فَلَا يَجُوزُ (قَوْلُهُ وَالْجَهَالَةُ مُتَحَمَّلَةٌ تَبَعًا كَمَا فِي الْمُضَارَبَةِ) يَعْنِي: الْوَكَالَةُ بِمَجْهُولِ الْجِنْسِ مَوْجُودَةٌ فِي الْمُضَارَبَةِ وَهِيَ جَائِزَةٌ هُنَاكَ تَبَعًا فَكَذَلِكَ هَاهُنَا، أَلَا تَرَى أَنَّ شَرِكَةَ الْعِنَانِ تَصِحُّ وَإِنْ تَضَمَّنَتْ ذَلِكَ لِأَنَّ مَا يَشْتَرِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ مُسَمًّى عِنْدَ الْعَقْدِ فَكَذَلِكَ الْمُفَاوَضَةُ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ) يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ حَوَالَةٌ، وَالْحَوَالَةُ بِشَرْطِ ضَمَانِ الْأَصِيلِ كَفَالَةٌ.

وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كِتَابِيًّا وَالْآخَرُ مَجُوسِيًّا تَجُوزُ أَيْضًا) لِمَا قُلْنَا (وَلَا تَجُوزُ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ وَلَا بَيْنَ الصَّبِيِّ وَالْبَالِغِ) لِانْعِدَامِ الْمُسَاوَاةِ، لِأَنَّ الْحُرَّ الْبَالِغَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ وَالْكَفَالَةَ، وَالْمَمْلُوكُ لَا يَمْلِكُ وَاحِدًا مِنْهُمَا إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى، وَالصَّبِيُّ لَا يَمْلِكُ الْكَفَالَةَ وَلَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ إلَّا بِإِذْنِ الْوَلِيِّ. قَالَ (وَلَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجُوزُ لِلتَّسَاوِي بَيْنَهُمَا فِي الْوَكَالَةِ وَالْكَفَالَةِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِزِيَادَةِ تَصَرُّفٍ يَمْلِكُهُ أَحَدُهُمَا كَالْمُفَاوَضَةِ بَيْنَ الشَّفْعَوِيِّ وَالْحَنَفِيِّ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ. وَيَتَفَاوَتَانِ فِي التَّصَرُّفِ فِي مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ، إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ لَا يَهْتَدِي إلَى الْجَائِزِ مِنْ الْعُقُودِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا تَسَاوِي فِي التَّصَرُّفِ، فَإِنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ اشْتَرَى بِرَأْسِ الْمَالِ خُمُورًا أَوْ خَنَازِيرَ صَحَّ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا مُسْلِمٌ لَا يَصِحُّ (وَلَا يَجُوزُ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (لِمَا قُلْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِتَحَقُّقِ التَّسَاوِي: أَيْ فِي كَوْنِهِمَا ذِمِّيَّيْنِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا تَجُوزُ) أَيْ الْمُفَاوَضَةُ بَيْنَ الْحُرِّ وَبَيْنَ الْمَمْلُوكِ ظَاهِرٌ. وَاعْتُرِضَ عَلَى قَوْلِهِ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا تَسَاوِيَ فِي التَّصَرُّفِ بِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ تَصِحُّ بَيْنَ الْكِتَابِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ مَعَ أَنَّهُمَا لَا يَتَسَاوَيَانِ فِي التَّصَرُّفِ، فَإِنَّ الْمَجُوسِيَّ يَتَصَرَّفُ فِي الْمَوْقُوذَةِ لِاعْتِقَادِهِ الْمَالِيَّةَ فِيهَا، وَالْكِتَابِيُّ لَا يَتَصَرَّفُ فِيهَا، وَكَذَلِكَ الْكِتَابِيُّ يُؤَاجِرُ نَفْسَهُ لِلذَّبْحِ دُونَ الْمَجُوسِيِّ لِأَنَّ ذَبِيحَتَهُ لَا تَحِلُّ، وَكَذَلِكَ تَصِحُّ بَيْنَ الْحَنَفِيِّ وَالشَّافِعِيِّ مَعَ وُجُودِ التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ عَدَمَ الْمُسَاوَاةِ مُبْطِلٌ لِلْعَقْدِ لَا مَحَالَةَ، وَالتَّفَاوُتُ فِي الْمَوْقُوذَةِ لَمْ يُعْتَبَرْ لِأَنَّ مَنْ جَعَلَ الْمَوْقُوذَةَ مَالًا مُتَقَوِّمًا لَا يُفْصَلُ فِيهِ بَيْنَ الْكِتَابِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ فَتَتَحَقَّقُ الْمُسَاوَاةُ، وَأَمَّا مُؤَاجَرَةُ نَفْسِهِ لِلذَّبْحِ فَإِنَّ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا ثَابِتَةٌ فِي ذَلِكَ مَعْنًى لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْكِتَابِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَتَقَبَّلَ

وَلَا بَيْنَ الصَّبِيَّيْنِ وَلَا بَيْنَ الْمُكَاتَبَيْنِ) لِانْعِدَامِ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ تَصِحَّ الْمُفَاوَضَةُ لِفَقْدِ شَرْطِهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الْعِنَانِ كَانَ عِنَانًا لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ الْعِنَانِ، إذْ هُوَ قَدْ يَكُونُ خَاصًّا وَقَدْ يَكُون عَامًّا. قَالَ (وَتَنْعَقِدُ عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْكَفَالَةِ) أَمَّا الْوَكَالَةُ فَلِتَحَقُّقِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الشِّرْكَةُ فِي الْمَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَأَمَّا الْكَفَالَةُ: فَلِتَحَقُّقِ الْمُسَاوَاةِ فِيمَا هُوَ مِنْ مُوَاجِبِ التِّجَارَاتِ وَهُوَ تَوَجُّهُ الْمُطَالَبَةِ نَحْوَهُمَا جَمِيعًا. قَالَ (وَمَا يَشْتَرِيه كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكُونُ عَلَى الشِّرْكَةِ إلَّا طَعَامَ أَهْلِهِ وَكِسْوَتَهُمْ) وَكَذَا كِسْوَتُهُ، وَكَذَا الْإِدَامُ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْعَقْدِ الْمُسَاوَاةُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ الْعَمَلَ عَلَى أَنْ يُقِيمَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِبِهِ، وَإِجَارَةُ الْمَجُوسِيِّ لِلذَّبْحِ صَحِيحَةٌ يَسْتَوْجِبُ بِهَا الْأَجْرَ وَإِنْ كَانَ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْحَنَفِيِّ وَالشَّافِعِيِّ فَإِنَّ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا ثَابِتَةٌ، لِأَنَّ الدَّلَالَةَ قَامَتْ عَلَى أَنَّ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ، وَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ لِلْحَنَفِيِّ وَالشَّافِعِيِّ جَمِيعًا لِثُبُوتِ وِلَايَةِ الْإِلْزَامِ بِالْمُحَاجَّةِ فَتَتَحَقَّقُ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا فِي الْمَالِ وَالتَّصَرُّفِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا بَيْنَ الصَّبِيَّيْنِ) يَعْنِي وَإِنْ أَذِنَ لَهُمَا أَبُوهُمَا لِأَنَّ مَبْنَى الْمُفَاوَضَةِ عَلَى الْكَفَالَةِ وَهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبَانِ. وَقَوْلُهُ (إذْ هُوَ) أَيْ الْعِنَانُ قَدْ يَكُونُ خَاصًّا وَقَدْ يَكُونُ عَامًّا: يَعْنِي قَدْ يَكُونُ عَامًّا فِي أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ وَقَدْ يَكُونُ فِي نَوْعٍ خَاصٍّ مِنْهَا، وَالْمُفَاوَضَةُ عَامَّةٌ فِيهَا فَجَازَ أَنْ يَذْكُرَ لَفْظَ الْمُفَاوَضَةِ وَيُرَادَ مَعْنَى الْعِنَانِ، كَمَا يَجُوزُ إثْبَاتُ مَعْنَى الْخُصُوصِ بِلَفْظِ الْعُمُومِ. (قَوْلُهُ وَتَنْعَقِدُ عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْكَفَالَةِ) أَيْ تَنْعَقِدُ شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ عَلَى الْوَكَالَةِ كَعَامَّةِ الشَّرِكَاتِ لِيَتَحَقَّقَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الشَّرِكَةُ فِي الْمَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّا: يَعْنِي قَوْلَهُ لِيَكُونَ مَا يُسْتَفَادُ بِالتَّصَرُّفِ مُشْتَرَكًا، وَعَلَى الْكَفَالَةِ هُوَ عَلَى مَعْنَى أَنْ يُطَالَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ شَرِيكَيْ الْمُفَاوَضَةِ بِمَا بَاشَرَهُ الْآخَرُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: لِتَتَحَقَّقَ الْمُسَاوَاةُ فِيمَا هُوَ مِنْ مُوجَبَاتِ التِّجَارَةِ وَهُوَ تَوَجُّهُ الْمُطَالَبَةِ نَحْوَهُمَا جَمِيعًا. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ مُقْتَضَى الْعَقْدِ تَعْلِيلُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ) وَهُوَ قَوْلُهُ قَدْ يَكُونُ عَلَى الشَّرِكَةِ.

قَائِمٌ مَقَامَ صَاحِبِهِ فِي التَّصَرُّفِ، وَكَانَ شِرَاءُ أَحَدِهِمَا كَشِرَائِهِمَا، إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى عَنْ الْمُفَاوَضَةِ لِلضَّرُورَةِ، فَإِنَّ الْحَاجَةَ الرَّاتِبَةَ مَعْلُومَةُ الْوُقُوعِ، وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَلَا التَّصَرُّفُ مِنْ مَالِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ الشِّرَاءِ فَيَخْتَصُّ بِهِ ضَرُورَةً. وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الشِّرْكَةِ لِمَا بَيَّنَّا (وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ بِالثَّمَنِ أَيَّهمَا شَاءَ) الْمُشْتَرِي بِالْأَصَالَةِ وَصَاحِبُهُ بِالْكَفَالَةِ، وَيَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِحِصَّتِهِ مِمَّا أَدَّى لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنًا عَلَيْهِ مِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا. قَالَ (وَمَا يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الدُّيُونِ بَدَلًا عَمَّا يَصِحُّ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ فَالْآخَرُ ضَامِنٌ لَهُ) تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ، فَمِمَّا يَصِحُّ الِاشْتِرَاكُ فِيهِ الشِّرَاءُ وَالْبَيْعُ وَالِاسْتِئْجَارُ، وَمِنْ الْقِسْمِ الْآخَرِ الْجِنَايَةُ وَالنِّكَاحُ وَالْخُلْعُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَعَنْ النَّفَقَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى هَذَا التَّعْلِيلِ. وَقَوْلُهُ (وَلِلْبَائِعِ) أَيْ لِبَائِعِ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ (قَوْلُهُ فَمِمَّا يَصِحُّ الِاشْتِرَاكُ فِيهِ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَالِاسْتِئْجَارُ) أَمَّا صُورَةُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَظَاهِرَةٌ، وَأَمَّا صُورَةُ الِاسْتِئْجَارِ فَهُوَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ أَجِيرًا فِي تِجَارَتِهِمَا أَوْ دَابَّةً أَوْ شَيْئًا مِنْ الْأَشْيَاءِ لِلْمُؤَجَّرِ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهمَا شَاءَ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مِنْ عُقُودِ التِّجَارَةِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ بِمَا يَلْزَمُهُ بِالتِّجَارَةِ، وَكَذَلِكَ إنْ اسْتَأْجَرَهُ لِحَاجَةِ نَفْسِهِ أَوْ اسْتَأْجَرَ إبِلًا إلَى مَكَّةَ يَحُجُّ عَلَيْهَا فَلِلْمُكَارِي أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهمَا شَاءَ، إلَّا أَنَّ شَرِيكَهُ إذَا أَدَّى مِنْ خَالِصِ مَالِهِ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَدَّى مَا كَفَلَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ، وَإِنْ أَدَّى مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنَصِيبٍ مِنْ الْمُؤَدَّى، وَأَمَّا فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ غَيْرُ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُلْتَزِمُ بِالْعَقْدِ وَصَاحِبُهُ لَيْسَ بِكَفِيلٍ عَنْهُ. وَمِنْ الْقِسْمِ الْآخَرِ الْجِنَايَةُ عَلَى بَنِي آدَمَ وَالنِّكَاحُ وَالْخُلْعُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَعَنْ النَّفَقَةِ، فَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى أَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ جِرَاحَةً خَطَأً لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ وَاسْتَحْلَفَهُ فَحَلَفَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَسْتَحْلِفَ شَرِيكَهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلَا خُصُومَةَ لَهُ مَعَ شَرِيكِهِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ فِيمَا لَزِمَهُ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ، فَأَمَّا مَا يَلْزَمُهُ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ فَلَا يَكُونُ الْآخَرُ كَفِيلًا بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِمُعَايَنَةِ السَّبَبِ لَمْ يَكُنْ عَلَى الشَّرِيكِ مِنْ مُوجَبِهَا شَيْءٌ وَلَا خُصُومَةَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مَعَهُ، وَكَذَا الْمَهْرُ وَالْخُلْعُ وَالصُّلْحُ عَنْ جِنَايَةِ الْعَمْدِ وَالنَّفَقَةِ إذَا ادَّعَاهُ عَلَى أَحَدِهِمَا وَحَلَّفَهُ عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْآخَرَ لِمَا بَيَّنَّا وَصُورَةُ الْخُلْعِ مَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ عَقَدَتْ عَقْدَ الْمُفَاوَضَةِ ثُمَّ خَالَعَتْ مَعَ زَوْجِهَا فَمَا لَزِمَ عَلَيْهَا مِنْ بَدَلِ الْخُلْعِ لَا يَلْزَمُ شَرِيكَهَا، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّتْ بِبَدَلِ الْخُلْعِ لَا يَلْزَمُ عَلَى شَرِيكِهَا، وَمِنْ هَذَا يَتَبَيَّنُ صُورَةُ غَيْرِهِ

قَالَ (وَلَوْ كُفِّلَ أَحَدُهُمَا بِمَالٍ عَنْ أَجْنَبِيٍّ لَزِمَ صَاحِبَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا يَلْزَمُهُ) لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ، وَلَوْ صَدَرَ مِنْ الْمَرِيضِ يَصِحُّ مِنْ الثُّلُثِ وَصَارَ كَالْإِقْرَاضِ وَالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً وَمُعَاوَضَةُ بَقَاءً لِأَنَّهُ يَسْتَوْجِبُ الضَّمَانَ بِمَا يُؤَدِّي عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ، فَبِالنَّظَرِ إلَى الْبَقَاءِ تَتَضَمَّنُهُ الْمُفَاوَضَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَوْ كَفَلَ أَحَدُهُمَا) ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ صَدَرَ) يَعْنِي عَقْدُ الْكَفَالَةِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِحَالِ الْمَرَضِ لِأَنَّ الْمَرِيضَ لَوْ أَقَرَّ بِالْكَفَالَةِ السَّابِقَةِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِهَا يُلَاقِي حَالَ بَقَائِهَا، وَفِي حَالِ الْبَقَاءِ الْكَفَالَةُ مُعَاوَضَةٌ. (قَوْلُهُ فَبِالنَّظَرِ إلَى الْبَقَاءِ تَتَضَمَّنُهُ الْمُفَاوَضَةُ) يَعْنِي وَحَاجَتُنَا هَاهُنَا إلَى الْبَقَاءِ إذْ الْمُطَالَبَةُ تَتَوَجَّهُ بَعْدَ الْكَفَالَةِ لِأَنَّهَا حُكْمُهَا

وَبِالنَّظَرِ إلَى الِابْتِدَاءِ لَمْ تَصِحَّ مِمَّنْ ذَكَرَهُ وَتَصِحُّ مِنْ الثُّلُثِ مِنْ الْمَرِيضِ، بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً. وَأَمَّا الْإِقْرَاضُ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَلْزَمُ صَاحِبَهُ، وَلَوْ سَلِمَ فَهُوَ إعَارَةٌ فَيَكُونُ لِمِثْلِهَا حُكْمُ عَيْنِهَا لَا حُكْمُ الْبَدَلِ حَتَّى لَا يَصِحَّ فِيهِ الْأَجَلُ فَلَا يَتَحَقَّقُ مُعَاوَضَةً، وَلَوْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ تَلْزَمْ صَاحِبَهُ فِي الصَّحِيحِ لِانْعِدَامِ مَعْنَى الْمُفَاوَضَةِ. وَمُطْلَقُ الْجَوَابِ فِي الْكِتَابِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَضَمَانُ الْغَصْبِ وَالِاسْتِهْلَاكُ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ عِنْد أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ انْتِهَاءً. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَمَّا لَزِمَ الْمَالُ عَلَى الشَّرِيكِ الضَّامِنِ لَزِمَ عَلَى الْآخَرِ وَهَذَا هُوَ حَالَةُ الْبَقَاءِ، بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ كَلَامَنَا ثَمَّةَ فِي الِابْتِدَاءِ بِأَنَّهُ هَلْ يَلْزَمُهُ أَوْ لَا، فَاعْتَبَرْنَا جِهَةَ التَّبَرُّعِ فِيهِ وَلَمْ نَعْتَبِرْ هُنَا لِأَنَّ الِابْتِدَاءَ ثَمَّةَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ، وَلَا كَذَلِكَ هُنَا لِصِحَّةِ الِابْتِدَاءِ لِكَوْنِ الضَّامِنِ مِنْ أَهْلِ الضَّمَانِ دُونَ الصَّبِيِّ (قَوْلُهُ لَمْ يَصِحَّ مِمَّنْ ذَكَرَهُ يُرِيدُ بِهِ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ إلَخْ) وَأَمَّا الْإِقْرَاضُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: يَعْنِي أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: إنْ أَقْرَضَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ يَلْزَمُ شَرِيكَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ وَعِنْدَهُمَا لَا يَلْزَمُ شَرِيكَهُ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ (قَوْلُهُ وَلَئِنْ سَلَّمَ فَهُوَ إعَارَةٌ) أَيْ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ إقْرَاضَ أَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ لَا يَلْزَمُ صَاحِبَهُ فَإِنَّمَا لَا يَلْزَمُ لِأَنَّ الْإِقْرَاضَ إعَارَةٌ لَا مُعَاوَضَةٌ بِدَلِيلِ جَوَازِهِ، إذْ لَوْ كَانَ مُعَاوَضَةً لَكَانَ فِيهِ بَيْعُ النَّقْدِ بِالنَّسِيئَةِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ، فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْمُقْرِضُ بَعْدَ الْإِقْرَاضِ حُكْمُ عَيْنِ مَا أَقْرَضَهُ لَا حُكْمُ بَدَلِهِ كَمَا فِي الْإِعَارَةِ الْحَقِيقِيَّةِ (قَوْلُهُ حَتَّى لَا يَصِحَّ فِيهِ الْأَجَلُ) أَيْ لَا يَلْزَمُ لِأَنَّ تَأْجِيلَ الْإِقْرَاضِ وَالْعَارِيَّةِ جَائِزٌ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ الْمُضِيُّ عَلَى ذَلِكَ التَّأْجِيلِ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ (قَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ) إشَارَةٌ

قَالَ (وَإِنْ وَرِثَ أَحَدُهُمَا مَا لَا يَصِحُّ فِيهِ الشِّرْكَةُ أَوْ وَهَبَ لَهُ وَوَصَلَ إلَى يَدِهِ بَطَلَتْ الْمُفَاوَضَةُ وَصَارَتْ عِنَانًا) لِفَوَاتِ الْمُسَاوَاةِ فِيمَا يَصْلُحُ رَأْسَ الْمَالِ إذْ هِيَ شَرْطٌ فِيهِ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً، وَهَذَا لِأَنَّ الْآخَرَ لَا يُشَارِكُهُ فِيمَا أَصَابَهُ لِانْعِدَامِ السَّبَبِ فِي حَقِّهِ، إلَّا أَنَّهَا تَنْقَلِبُ عِنَانًا لِلْإِمْكَانِ، فَإِنَّ الْمُسَاوَاةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِيهِ، وَلِدَوَامِهِ حُكْمَ الِابْتِدَاءِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ لَازِمٍ (وَإِنْ وَرِثَ أَحَدُهُمَا عَرَضًا فَهُوَ لَهُ وَلَا تَفْسُدُ الْمُفَاوَضَةُ) وَكَذَا الْعَقَارُ لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ فِيهِ الشِّرْكَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى نَفْيِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ عَدَمِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ مَا إذَا كَانَتْ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لِإِطْلَاقِ جَوَابِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْمُصَنِّفُ تَابَعَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا. وَأَجَابَ عَنْ إطْلَاقِ جَوَابِ الْكِتَابِ: أَيْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَهُوَ الْكَفَالَةُ بِالْأَمْرِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَكُونُ مُعَاوَضَةَ انْتِهَاءٍ وَإِلَّا فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً فَلَا يَلْزَمُ شَرِيكَهُ، وَضَمَانُ الْغَصْبِ وَالِاسْتِهْلَاكِ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: يَعْنِي فِي أَنَّهُ يَلْزَمُ شَرِيكَهُ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ ضَمَانُ الْغَصْبِ وَالِاسْتِهْلَاكِ بِمَنْزِلَةِ التِّجَارَةِ فِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَيْضًا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الشَّرِيكَ، وَتَلَمُّحُ تَحْرِيرِ الْمَذَاهِبِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يُظْهِرُ لَك سُقُوطَ مَا اُعْتُرِضَ بِهِ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ مُحَمَّدًا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي لُزُومِ ضَمَانِ الْغَصْبِ وَالِاسْتِهْلَاكِ الشَّرِيكَ فَلَا يَكُونُ لِتَخْصِيصِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا لِقَوْلِهِ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ وَجْهٌ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ وَالِاسْتِهْلَاكِ ضَمَانٌ وَجَبَ بِسَبَبٍ لَيْسَ هُوَ بِتِجَارَةٍ فَلَا يَلْزَمُ شَرِيكَهُ كَأَرْشِ الْجِنَايَةِ. وَلَهُمَا أَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ وَالِاسْتِهْلَاكِ ضَمَانُ تِجَارَةٍ لِأَنَّهُ بَدَلُ مَالٍ مُحْتَمَلٍ لِلشَّرِكَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ بِأَصْلِ السَّبَبِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ الْمَحَلِّ قَابِلٌ لِلْمِلْكِ وَلِهَذَا مَلَكَ الْمَغْصُوبَ وَالْمُسْتَهْلَكَ بِالضَّمَانِ، وَكَذَلِكَ يَصِحُّ إقْرَارُ الْمَأْذُونِ لَهُ وَيُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ، وَكَذَلِكَ يَصِحُّ إقْرَارُ الصَّبِيِّ وَالْمَأْذُونِ لَهُ وَالْمُكَاتَبِ بِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ضَمَانَ تِجَارَةٍ لَمَا صَحَّ وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ انْتِهَاءً. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ وَرِثَ أَحَدُهُمَا مَالًا) بِالتَّنْوِينِ أَيْ الْمَالَ الَّذِي تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ بَطَلَتْ الْمُفَاوَضَةُ لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (فَإِنَّ الْمُسَاوَاةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِيهِ) أَيْ فِي الْعِنَانِ ابْتِدَاءً، وَكُلُّ

فَلَا تُشْتَرَطُ الْمُسَاوَاةُ فِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا لَيْسَ بِشَرْطٍ ابْتِدَاءً لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهِ دَوَامًا، لِأَنَّ لِدَوَامِهِ حُكْمَ الِابْتِدَاءِ لِكَوْنِهِ عَقْدًا غَيْرَ لَازِمٍ، فَإِنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا امْتَنَعَ عَنْ الْمُضِيِّ عَلَى مُوجَبِ الْعَقْدِ لَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَى ذَلِكَ، وَتَأَمَّلْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَأَمُّلَ عَالِمٍ بِالتَّحْقِيقِ تُدْرِكْ سُقُوطَ مَا اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ عَقْدٌ لَازِمٌ، وَمَعَ هَذَا فَلِدَوَامِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ حَتَّى أَنَّهَا لَا تَبْقَى بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، فَحِينَئِذٍ كَيْفَ يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِعَدَمِ اللُّزُومِ لِإِثْبَاتِ مُدَّعَاهُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِدَوَامِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ، وَذَلِكَ لِأَنَّا قَدْ قُلْنَا: كُلُّ مَا هُوَ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ فَلِدَوَامِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ وَهُوَ ثَابِتٌ بِالِاسْتِقْرَاءِ وَنَضُمُّ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ إلَى قَوْلِنَا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الشَّرِكَةِ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ فَيَحْصُلُ لَنَا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الشَّرِكَةِ لِدَوَامِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ، وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ أَيْضًا لِدَوَامِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ بِدَلِيلٍ فَلَا يَضُرُّ فِي مَطْلُوبِنَا لِأَنَّ الْمُوجَبَةَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكُلِّيَّةَ لَا تَنْعَكِسُ كَنَفْسِهَا، وَإِنْ وَرِثَ أَحَدُهُمَا عَرْضًا فَهُوَ لَهُ، وَلَا تَفْسُدُ الْمُفَاوَضَةَ لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الْمُفَاوَضَةَ لَا تَمْنَعُ ابْتِدَاءً فَكَذَا لَا تَفْسُدُ بَقَاءً.

[فصل المال الذي تنعقد به الشركة]

(فَصْلٌ) : (وَلَا تَنْعَقِدُ الشَّرِكَةُ إلَّا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ) وَقَالَ مَالِكٌ: تَجُوزُ بِالْعُرُوضِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ الْمَالُ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِ الشَّرِكَةُ] (فَصْلٌ) لَمَّا كَانَ الْبَحْثُ عَمَّا تَنْعَقِدُ بِهِ شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ غَيْرَ الْبَحْثِ عَنْهَا فُصِلَ عَمَّا قَبْلَهُ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَتِهِ. وَقَالَ (وَلَا تَنْعَقِدُ الشَّرِكَةُ) أَيْ شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا ذُكِرَ فِيهَا الْمَالُ إلَّا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ. وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِنَا إذَا ذُكِرَ فِيهَا الْمَالُ لِأَنَّ ذِكْرَ الْمَالِ لَيْسَ بِحَتْمٍ فِيهَا فَإِنَّ الْمُفَاوَضَةَ تَجُوزُ فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ وَالتَّقَبُّلِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا الْمَالُ، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ، غَيْرَ أَنَّ فِي ذِكْرِ خِلَافِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَظَرًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا أَعْرِفُ مَا الْمُفَاوَضَةُ إلَّا

أَيْضًا إذَا كَانَ الْجِنْسُ وَاحِدًا؛ لِأَنَّهَا عُقِدَتْ عَلَى رَأْسِ مَالٍ مَعْلُومٍ فَأَشْبَهَ النُّقُودَ، بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَاهَا لِمَا فِيهَا مِنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا ثَبَتَ عَنْهُ رِوَايَتَانِ، أَوْ يَكُونُ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِهَا صَنِيعُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُزَارَعَةِ. ثُمَّ قَوْلُهُ (لِأَنَّهَا عُقِدَتْ) يَعْنِي الشَّرِكَةَ بِالْعُرُوضِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ يَقْتَضِي جَوَازَهَا. وَإِنْ كَانَ الْجِنْسُ مُخْتَلِفًا وَلَمْ يَقُلْ بِهِ مَالِكٌ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ) يَعْنِي أَنَّ الْمُضَارَبَةَ مُخْتَصَّةٌ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى جَوَازَهَا لِمَا فِيهَا مِنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ فَإِنَّ الْمَالَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمُضَارِبِ، فَكَأَنَّ مَا حَصَلَ مِنْ الرِّبْحِ مَالٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ رَبُّ الْمَالِ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ فِي ذَلِكَ الرِّبْحِ فَلَا تَصِحُّ إلَّا فِيمَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ وَهُوَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ، وَأَمَّا فِي الشَّرِكَةِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ

فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ. وَلَنَا أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَأْسَ مَالِهِ وَتَفَاضَلَ الثَّمَنَانِ فَمَا يَسْتَحِقُّهُ أَحَدُهُمَا مِنْ الزِّيَادَةِ فِي مَالِ صَاحِبِهِ رِبْحُ مَا لَمْ يَمْلِكْ وَمَا لَمْ يَضْمَنْ، بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِأَنَّ ثَمَنَ مَا يَشْتَرِيهِ فِي ذِمَّتِهِ إذْ هِيَ لَا تَتَعَيَّنُ فَكَانَ رِبْحُ مَا يَضْمَنُ، وَلِأَنَّ أَوَّلَ التَّصَرُّفِ فِي الْعُرُوضِ الْبَيْعُ وَفِي النُّقُودِ الشِّرَاءُ، وَبَيْعُ أَحَدِهِمَا مَالَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ شَرِيكًا فِي ثَمَنِهِ لَا يَجُوزُ، وَشِرَاءُ أَحَدِهِمَا شَيْئًا بِمَالِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ جَائِزٌ. وَأَمَّا الْفُلُوسُ النَّافِقَةُ فَلِأَنَّهَا تَرُوجُ رَوَاجَ الْأَثْمَانِ فَالْتَحَقَتْ بِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الشَّرِيكَيْنِ يَعْمَلُ فِي ذَلِكَ الْمَالِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْعُرُوض وَالنُّقُودُ كَمَا لَوْ عَمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَالِ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ شَرِكَةٍ فَتَصِحُّ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ) وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَيْنِ إذَا عَقَدَا الشَّرِكَةَ فِي الْعُرُوضِ ثُمَّ بَاعَ أَحَدُهُمَا رَأْسَ مَالِهِ بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ وَبَاعَ الْآخَرُ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ وَصَحَّتْ الشَّرِكَةُ كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي الرِّبْحِ الَّذِي حَصَلَ فِي مَبِيعِ أَحَدِهِمَا فَحِينَئِذٍ يَأْخُذُ الَّذِي بَاعَ رَأْسَ مَالِهِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْمَالُ رِبْحَ مَا لَمْ يُضْمَنْ وَلَمْ يُمْلَكْ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِأَنَّ مَا يَشْتَرِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِرَأْسِ الْمَالِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْبَيْعُ، بَلْ يَثْبُتُ وُجُوبُ الثَّمَنِ فِي الذِّمَّةِ إذْ الْأَثْمَانُ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، فَلَمَّا كَانَ الثَّمَنُ وَاجِبًا عَلَيْهِمَا فِي ذِمَّتِهِمَا كَانَ الثَّمَنُ وَالرِّبْحُ الْحَاصِلُ مِنْهُ بَيْنَهُمَا ضَرُورَةً فَكَانَ الرِّبْحُ رِبْحَ مَا ضُمِنَ وَمَعْنَى قَوْلِهِ (وَتَفَاضَلَ الثَّمَنَانِ) أَيْ فَضَلَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَأَمَّا تَفَاضُلُهُمَا مَعًا فَمُحَالٌ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ أَوَّلَ التَّصَرُّفِ فِي الْعُرُوضِ) دَلِيلٌ آخَرُ وَقَدْ قَرَّرَهُ فِي النِّهَايَةِ عَلَى وَجْهٍ يَجُرُّهُ إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ لِأَنَّ صِحَّةَ الشَّرِكَةِ بِاعْتِبَارِ الْوَكَالَةِ، فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا تَجُوزُ الْوَكَالَةُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ لَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ، وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ يَكُونُ أَمِينًا، فَإِذَا شُرِطَ لَهُ جُزْءٌ مِنْ الرِّبْحِ كَانَ هَذَا رِبْحَ مَا لَمْ يُضْمَنْ، فَأَمَّا الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ فَهُوَ ضَامِنٌ بِالثَّمَنِ فِي ذِمَّتِهِ، فَإِذَا شُرِطَ لَهُ جُزْءٌ مِنْ الرِّبْحِ كَانَ رِبْحَ مَا قَدْ ضُمِنَ.

قَالُوا: هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالنُّقُودِ عِنْدَهُ حَتَّى لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ بِأَعْيَانِهَا عَلَى مَا عُرِفَ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ وَالْمُضَارَبَةُ بِهَا لِأَنَّ ثُمْنِيَّتَهَا تَتَبَدَّلُ سَاعَةً فَسَاعَةً وَتَصِيرُ سِلْعَةً. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ وَأَظْهَرُ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ صِحَّةُ الْمُضَارَبَةِ بِهَا. قَالَ (وَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ بِمَا سِوَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَتَعَامَلَ النَّاسُ بِالتِّبْرِ) وَالنُّقْرَةُ فَتَصِحُّ الشَّرِكَةُ بِهِمَا، هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَلَا تَكُونُ الْمُفَاوَضَةُ بِمَثَاقِيلِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ) وَمُرَادُهُ التِّبْرُ، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ التِّبْرُ سِلْعَةٌ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَلَا تَصْلُحُ رَأْسَ الْمَالِ فِي الْمُضَارَبَاتِ وَالشَّرِكَاتِ. وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ أَنَّ النُّقْرَةَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ حَتَّى لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِهَا بِهَلَاكِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، فَعَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ تَصْلُحُ رَأْسَ الْمَالِ فِيهِمَا، وَهَذَا لِمَا عُرِفَ أَنَّهُمَا خُلِقَا ثَمَنَيْنِ فِي الْأَصْلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (قَالُوا هَذَا) أَيْ جَوَازُ الشَّرِكَةِ بِالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ (قَوْلُ مُحَمَّدٍ) وَقَيَّدَ (بِأَعْيَانِهَا) لِتَظْهَرَ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ، فَإِنَّهُ لَوْ بَاعَ فَلْسَيْنِ بِوَاحِدٍ مِنْ الْفُلُوسِ نَسِيئَةً لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ الْمُرَكَّبِ. وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِوُجُودِ النَّسِيئَةِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلِهَذَا وَلِمَعْنَى الثَّمَنِيَّةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ بِأَعْيَانِهِمَا فَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ، وَسَيَجِيءُ تَمَامُ الْبَحْثِ فِيهِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَوْلُهُ (وَالْأَوَّلُ) يَعْنِي قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ (أَقْيَسُ) لِأَنَّهُمَا لَمَّا اتَّفَقَا عَلَى جَوَازِ بَيْعِ فَلْسٍ بِعَيْنِهِ بِفَلْسَيْنِ بِعَيْنِهِمَا كَانَا مُتَّفِقَيْنِ أَيْضًا فِي عَدَمِ جَوَازِ الشَّرِكَةِ بِالْفُلُوسِ وَإِنْ كَانَتْ نَافِقَةً لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ، لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ بَيْعُ الْوَاحِدِ بِالِاثْنَيْنِ فِي الْفُلُوسِ عِنْدَهُمَا كَانَ لِلْفُلُوسِ حُكْمُ الْعُرُوضِ، وَالْعُرُوضُ لَا تَصْلُحُ رَأْسَ مَالِ الشَّرِكَةِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ بِهَا: أَيْ بِالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ. قَالَ (وَلَا تَجُوزُ بِمَا سِوَى ذَلِكَ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ مُخْتَصَرُ الْقُدُورِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ تَصْلُحُ رَأْسُ الْمَالِ فِيهِمَا) أَيْ فِي الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ (قَوْلُهُ وَهَذَا لِمَا عُرِفَ) إشَارَةٌ إلَى (أَنَّ النُّقْرَةَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ لِأَيِّهِمَا)

إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ خُلِقَتْ لِلتِّجَارَةِ فِي الْأَصْلِ لَكِنَّ الثَّمَنِيَّةَ تَخْتَصُّ بِالضَّرْبِ الْمَخْصُوصِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ لَا تُصْرَفُ إلَى شَيْءٍ آخَرَ ظَاهِرًا إلَّا أَنْ يَجْرِيَ التَّعَامُلُ بِاسْتِعْمَالِهِمَا ثَمَنًا فَنَزَلَ التَّعَامُلُ بِمَنْزِلَةِ الضَّرْبِ فَيَكُونُ ثَمَنًا وَيَصْلُحُ رَأْسُ الْمَالِ. ثُمَّ قَوْلُهُ وَلَا تَجُوزُ بِمَا سِوَى ذَلِكَ يَتَنَاوَلُ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ وَالْعَدَدِيَّ الْمُتَقَارِبَ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَنَا قَبْلَ الْخَلْطِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رِبْحُ مَتَاعِهِ وَعَلَيْهِ وَضِيعَتُهُ، وَإِنْ خَلَطَا ثُمَّ اشْتَرَكَا فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَالشَّرِكَةُ شَرِكَةُ مِلْكٍ لَا شَرِكَةُ عَقْدٍ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَصِحُّ شَرِكَةُ الْعَقْدِ. وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي الْمَالَيْنِ وَاشْتِرَاطِ التَّفَاضُلِ فِي الرِّبْحِ، فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ مَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ بَعْدَ الْخَلْطِ كَمَا تَعَيَّنَ قَبْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ) يَعْنِي رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (أَصَحُّ) وَجُعِلَ ذَلِكَ فِي الْمَبْسُوطِ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا) أَيْ لِأَنَّ مَثَاقِيلَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَجْرِيَ التَّعَامُلُ بِاسْتِعْمَالِهِمَا) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ. يَعْنِي أَنَّ عَدَمَ جَوَازِ الشَّرِكَةِ بِمَثَاقِيلِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَصَحُّ، إلَّا عِنْدَ جَرَيَانِ التَّعَامُلِ بِاسْتِعْمَالِهِمَا فَحِينَئِذٍ تَجُوزُ الشَّرِكَةُ بِهِمَا كَذَا قِيلَ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ اسْتِثْنَاءً مِنْ قَوْلِهِ لَكِنَّ الثَّمَنِيَّةَ تَخْتَصُّ بِالضَّرْبِ الْمَخْصُوصِ بِدَلَالَةِ السِّيَاقِ (قَوْلُهُ وَلَا خِلَافَ فِيهِ) أَيْ فِي عَدَمِ جَوَازِ الشَّرِكَةِ بِالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ قَبْلَ الْخَلْطِ فِيمَا بَيَّنَّا، وَإِنْ خُلِطَ ثُمَّ اشْتَرَكَا فَفِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ. وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي الْمَالَيْنِ وَاشْتِرَاطِ التَّفَاضُلِ فِي الرِّبْحِ، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَسْتَحِقُّ زِيَادَةَ الرِّبْحِ بَلْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الرِّبْحِ بِقَدْرِ مِلْكِهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا (فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ مَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ) لِأَنَّهُ أَيْ الْمَذْكُورَ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ (يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ بَعْدَ الْخَلْطِ كَمَا يَتَعَيَّنُ قَبْلَهُ) وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَشَرْطُ جَوَازِ الشَّرِكَةِ أَنْ

وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّهَا ثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى جَازَ الْبَيْعُ بِهَا دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ. وَمَبِيعٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، فَعَمِلْنَا بِالشَّبَهَيْنِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْحَالَيْنِ، بِخِلَافِ الْعُرُوضِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ ثَمَنًا بِحَالٍ وَلَوْ اخْتَلَفَا جِنْسًا كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّيْتِ وَالسَّمْنِ فَخُلِطَا لَا تَنْعَقِدُ الشَّرِكَةُ بِهَا بِالِاتِّفَاقِ. وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْمَخْلُوطَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَمِنْ جِنْسَيْنِ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ فَتَتَمَكَّنُ الْجَهَالَةُ كَمَا فِي الْعُرُوضِ، وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ الشَّرِكَةُ فَحُكْمُ الْخَلْطِ قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ لِئَلَّا يَلْزَمَ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ (وَوَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا) أَيْ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ وَالْعَدَدِيَّ الْمُتَقَارِبَ (ثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى جَازَ الْبَيْعُ بِهَا دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَمَبِيعٌ) مِنْ وَجْهٍ (مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَعَمِلْنَا بِالشَّبَهَيْنِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْحَالَيْنِ) يَعْنِي الْخَلْطَ وَعَدَمَهُ فَلِشَبَهِهِمَا بِالْمَبِيعِ. قُلْنَا: لَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ بِهَا قَبْلَ الْخَلْطِ، وَلِشَبَهِهَا بِالثَّمَنِ قُلْنَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ بِهَا بَعْدَ الْخَلْطِ، وَهَذَا لِأَنَّ إضَافَةَ الْعَقْدِ إلَيْهَا تَضْعُفُ بِاعْتِبَارِ الشَّبَهَيْنِ فَيَتَوَقَّفُ ثُبُوتُهَا عَلَى مَا يُقَوِّيهَا وَهُوَ الْخَلْطُ، لِأَنَّ بِالْخَلْطِ تَثْبُتُ شَرِكَةُ الْمِلْكِ فَتَتَأَكَّدُ بِهِ شَرِكَةُ الْعَقْدِ لَا مَحَالَةَ، بِخِلَافِ الْعُرُوضِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ ثَمَنًا بِحَالٍ. فَلَوْ اخْتَلَفَا جِنْسًا كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّيْتِ وَالسَّمْنِ فَخُلِطَ لَا تَنْعَقِدُ الشَّرِكَةُ بِهَا بِالِاتِّفَاقِ، فَمُحَمَّدٌ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ الْمَخْلُوطَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، حَتَّى أَنَّ مَنْ أَتْلَفَهُ يَضْمَنُ مِثْلَهُ فَيُمْكِنُ تَحْصِيلُ رَأْسِ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقْتَ الْقِسْمَةِ بِاعْتِبَارِ الْمِثْلِ فَتَزُولُ الْجَهَالَةُ وَمِنْ جِنْسَيْنِ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ، فَإِنَّ مَنْ أَتْلَفَهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ، وَإِذَا كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْعُرُوضِ فَتُمْكِنُ الْجَهَالَةُ كَمَا فِي الْعُرُوضِ، وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ الشَّرِكَةُ كَحُكْمِ الْخَلْطِ قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ: أَيْ قَضَاءِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَأَمَّا فِي هَذَا الْكِتَابِ فَقَدْ بَيَّنَهُ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ قَضَاءُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَوْلُهُ قَدْ بَيَّنَّاهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي: يَعْنِي وَلَوْ كَانَ مُرَادُهُ كِتَابَ الْقَضَاءِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ لَقَالَ سَنُبَيِّنُهُ، وَاَلَّذِي بَيَّنَهُ هُنَا فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ أَنَّ الْحِنْطَةَ إذَا كَانَتْ وَدِيعَةً عِنْدَ رَجُلٍ فَخَلَطَهَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّجُلُ بِشَعِيرِ نَفْسِهِ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ إلَى الضَّمَانِ.

[الشركة بالعروض]

قَالَ (وَإِذَا أَرَادَ الشَّرِكَةَ بِالْعُرُوضِ بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ مَالِهِ بِنِصْفِ مَالِ الْآخَرِ، ثُمَّ عَقَدَ الشَّرِكَةَ) قَالَ (وَهَذِهِ الشَّرِكَةُ مِلْكٌ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْعُرُوضَ لَا تَصْلُحُ رَأْسَ مَالِ الشَّرِكَةِ، وَتَأْوِيلُهُ إذَا كَانَ قِيمَةُ مَتَاعِهِمَا عَلَى السَّوَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الشَّرِكَةَ بِالْعُرُوضِ] قَالَ (وَإِذَا أَرَادَ الشَّرِكَةَ بِالْعُرُوضِ) لَمَّا كَانَ جَوَازُ عَقْدِ الشَّرِكَةِ مُنْحَصِرًا فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ وَفِي ذَلِكَ تَضْيِيقٌ عَلَى النَّاسِ ذَكَرَ الْحِيلَةَ فِي تَجْوِيزِ الْعَقْدِ بِالْعُرُوضِ تَوْسِعَةً عَلَى النَّاسِ فَقَالَ (وَإِذَا أَرَادَ الشَّرِكَةَ بِالْعُرُوضِ بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ مَالِهِ بِنِصْفِ مَا لِلْآخَرِ ثُمَّ عَقَدَا الشَّرِكَةَ) لِأَنَّهُ إذَا بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ مَالِهِ بِنِصْفِ مَا لِلْآخَرِ صَارَ نِصْفُ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَضْمُونًا عَلَى الْآخَرِ بِالثَّمَنِ فَكَانَ الرِّبْحُ الْحَاصِلُ رِبْحَ مَالٍ مَضْمُونٍ فَيَكُونُ الْعَقْدُ صَحِيحًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهَذِهِ شَرِكَةُ مِلْكٍ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْعُرُوضَ لَا تَصْلُحُ رَأْسَ مَالِ شَرِكَةٍ) وَاسْتَشْكَلَهُ الشَّارِحُونَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالشَّرِكَةِ شَرِكَةَ الْمِلْكِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى قَوْلِهِ ثُمَّ عَقَدَا الشَّرِكَةَ، وَبِأَنَّ الْعُرُوضَ لَا تَصْلُحُ رَأْسَ مَالِ الشَّرِكَةِ إذَا لَمْ يَبِعْ أَحَدُهُمَا نِصْفَ عَرْضِهِ بِنِصْفِ عَرْضِ الْآخَرِ، أَمَّا إذَا بَاعَ فَهُوَ الْحِيلَةُ فِي جَوَازِهِ. ثُمَّ أَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ ثُمَّ عَقْدُ الشَّرِكَةِ عَقْدُ شَرِكَةِ مِلْكٍ حَتَّى يَصِحَّ قَوْلُهُ وَهَذِهِ شَرِكَةُ مِلْكٍ وَهُوَ بَعِيدٌ، لِأَنَّ غَرَضَ الْقُدُورِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيَانُ الْحِيلَةِ فِي تَجْوِيزِ عَقْدِ الشَّرِكَةِ بِالْعُرُوضِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ أَنَّهَا شَرِكَةُ مِلْكٍ وَإِنْ عَقَدَا الشَّرِكَةَ، لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ كَلَا عَقْدَ لِكَوْنِ رَأْسِ الْمَالِ عَرْضًا، وَنَظْمُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَا يُسَاعِدُهُ، وَأَنَا أَذْكُرُ لَك مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ شَيْخِي الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي هَذَا الْمَقَامِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ لِأَنَّهُ حَلٌّ مُفِيدٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى. قَالَ: عَدَمُ جَوَازِ الشَّرِكَةِ بِالْعُرُوضِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ كَمَا بَيَّنَّا، وَالثَّانِي جَهَالَةُ رَأْسِ الْمَالِ، فَإِذَا بَاعَ أَحَدُهُمَا نِصْفَ عَرْضِهِ بِنِصْفِ عَرْضِ الْآخَرِ ثُمَّ عَقَدَا الشَّرِكَةَ قَالَ الْقُدُورِيُّ يَجُوزُ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبُ الذَّخِيرَةِ وَصَاحِبُ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْمُزَنِيُّ مِنْ

وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ يَبِيعُ صَاحِبُ الْأَقَلِّ بِقَدْرِ مَا تَثْبُتُ بِهِ الشَّرِكَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ صَارَ مَعْلُومًا وَصَارَ نِصْفُ مَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْبَيْعِ مَضْمُونًا عَلَى صَاحِبِهِ بِالثَّمَنِ فَكَانَ الرِّبْحُ الْحَاصِلُ مِنْ مَالَيْهِمَا رِبْحَ مَالٍ مَضْمُونٍ عَلَيْهِمَا فَيَجُوزُ وَلِهَذَا لَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا عَرْضَهُ بِنِصْفِ دَرَاهِمِ صَاحِبِهِ ثُمَّ عَقَدَا شَرِكَةَ عِنَانٍ أَوْ مُفَاوَضَةٍ يَجُوزُ لِزَوَالِ الْجَهَالَةِ لِصَيْرُورَةِ الْعُرُوضِ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا فَكَذَا هَذَا. وَقِيلَ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ كَمَا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ بَعْدَ الْخَلْطِ، وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُضَافًا إلَى الْمُسْتَقْبَلِ وَعَقْدُ الشَّرِكَةِ يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ لِأَنَّهُ عَقْدُ تَوْكِيلٍ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْعَقْدُ عَلَى الدَّرَاهِمِ. وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَقْدُ الشَّرِكَةِ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْفِقْهِ لِبَقَاءِ جَهَالَةِ رَأْسِ الْمَالِ وَالرِّبْحِ عِنْدَ الْقِسْمَةِ، بِخِلَافِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ بَعْدَ الْخَلْطِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِزَوَالِ الْجَهَالَةِ أَصْلًا لِأَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ نِصْفَ عَرْضِهِ بِنِصْفِ دَرَاهِمِ صَاحِبِهِ ثُمَّ اشْتَرَكَا لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ بِهَذَا الْعَقْدِ صَارَتْ نِصْفَيْنِ بَيْنَهُمَا فَيَكُونُ ذَلِكَ رَأْسَ مَالِهِمَا ثُمَّ يَثْبُتُ حُكْمُ الشَّرِكَةِ فِي الْعُرُوضِ تَبَعًا، وَقَدْ يَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ تَبَعًا مَا لَا يَجُوزُ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ كَبَيْعِ الشِّرْبِ تَبَعًا لِلْأَرْضِ. ثُمَّ الْمُصَنِّفُ اخْتَارَ عَدَمَ الْجَوَازِ وَعَدَلَ عَمَّا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فَقَالَ: وَهَذِهِ شَرِكَةُ مِلْكٍ عِنْدِي لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ شَرِكَةُ عَقْدٍ وَلَا اعْتِبَارَ بِهَذَا الْعَقْدِ بَعْدَ الْبَيْعِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْعُرُوضَ لَا تَصْلُحُ رَأْسَ مَالِ الشَّرِكَةِ، وَنَظِيرُهُ مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُتَوَضِّئِ أَنْ يَنْوِيَ الطَّهَارَةَ، ثُمَّ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَالنِّيَّةُ فِي الْوُضُوءِ سُنَّةٌ، وَلَهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ. وَقَوْلُهُ (يَبِيعُ صَاحِبُ الْأَقَلِّ بِقَدْرِ مَا تَثْبُتُ بِهِ الشَّرِكَةُ) نَظِيرُهُ مَا إذَا كَانَ قِيمَةُ عُرُوضِ أَحَدِهِمَا أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ مَثَلًا وَقِيمَةُ عُرُوضِ الْآخَرِ مِائَةَ دِرْهَمٍ يَبِيعُ صَاحِبُ الْأَقَلِّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ عَرْضِهِ بِخُمُسِ عَرْضِ الْآخَرِ فَيَصِيرُ الْمَتَاعُ كُلُّهُ أَخْمَاسًا وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ رَأْسِ مَالَيْهِمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[شركة العنان]

قَالَ (وَأَمَّا شَرِكَةُ الْعِنَانِ فَتَنْعَقِدُ عَلَى الْوَكَالَةِ دُونَ الْكَفَالَةِ، وَهِيَ أَنْ يَشْتَرِكَ اثْنَانِ فِي نَوْعِ بُرٍّ أَوْ طَعَامٍ، أَوْ يَشْتَرِكَانِ فِي عُمُومِ التِّجَارَاتِ وَلَا يَذْكُرَانِ الْكَفَالَةَ) ، وَانْعِقَادُهُ عَلَى الْوَكَالَةِ لِتَحَقُّقِ مَقْصُودِهِ كَمَا بَيَّنَّاهُ، وَلَا تَنْعَقِدُ عَلَى الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْأَعْرَاضِ يُقَالُ عَنَّ لَهُ: أَيْ عَرَضَ، وَهَذَا لَا يُنْبِئُ عَنْ الْكَفَالَةِ وَحُكْمُ التَّصَرُّفِ لَا يَثْبُتُ بِخِلَافِ مُقْتَضَى اللَّفْظِ. (وَيَصِحُّ التَّفَاضُلُ فِي الْمَالِ) لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ وَلَيْسَ مِنْ قَضِيَّةِ اللَّفْظِ الْمُسَاوَاةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [شَرِكَةُ الْعِنَانِ] قَالَ (وَأَمَّا شَرِكَةُ الْعِنَانِ) هَذَا عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الشَّرِكَةِ، فَأَمَّا شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ وَالْعِنَانِ مَأْخُوذٌ مِنْ عَنَّ إذَا عَرَضَ، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ شَيْءٌ عَرَضَ فِي هَذَا الْقَدْرِ لَا عَلَى عُمُومِ الْوَكَالَةِ وَالْكَفَالَةِ. وَقِيلَ إنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ عِنَانِ الْفَرَسِ لِأَنَّ الْفَارِسَ يُمْسِكُ الْعِنَانَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ وَيَتَصَرَّفُ بِالْأُخْرَى، فَكَذَلِكَ الشَّرِيكُ هُنَا شَارَكَ فِي بَعْضِ مَالِهِ وَانْفَرَدَ بِالْبَاقِي وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (كَمَا بَيَّنَّاهُ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ مِنْ قَبْلُ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ التَّصَرُّفُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ عَقْدَ الشَّرِكَةِ قَابِلًا لِلْوَكَالَةِ لِيَكُونَ مَا يُسْتَفَادُ بِالتَّصَرُّفِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَيَتَحَقَّقُ حُكْمُهُ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ.

(وَيَصِحُّ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الْمَالِ وَيَتَفَاضَلَا فِي الرِّبْحِ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا تَجُوزُ لِأَنَّ التَّفَاضُلَ فِيهِ يُؤَدِّي إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ، فَإِنَّ الْمَالَ إذَا كَانَ نِصْفَيْنِ وَالرِّبْحَ أَثْلَاثًا فَصَاحِبُ الزِّيَادَةِ يَسْتَحِقُّهَا بِلَا ضَمَانٍ، إذْ الضَّمَانُ بِقَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ، وَلِأَنَّ الشَّرِكَةَ عِنْدَهُمَا فِي الرِّبْحِ لِلشَّرِكَةِ فِي الْأَصْلِ، وَلِهَذَا يَشْتَرِطَانِ الْخَلْطَ، فَصَارَ رِبْحُ الْمَالِ بِمَنْزِلَةِ نَمَاءِ الْأَعْيَانِ فَيُسْتَحَقُّ بِقَدْرِ الْمِلْكِ فِي الْأَصْلِ. وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «الرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَا، وَالْوَضِيعَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ» وَلَمْ يَفْصِلْ، وَلِأَنَّ الرِّبْحَ كَمَا يُسْتَحَقُّ بِالْمَالِ يُسْتَحَقُّ بِالْعَمَلِ كَمَا فِي الْمُضَارَبَةِ؛ وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَحْذَقَ وَأَهْدَى وَأَكْثَرَ عَمَلًا وَأَقْوَى فَلَا يَرْضَى بِالْمُسَاوَاةِ فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى التَّفَاضُلِ، بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ جَمِيعِ الرِّبْحِ لِأَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ يَخْرُجُ الْعَقْدُ بِهِ مِنْ الشَّرِكَةِ وَمِنْ الْمُضَارَبَةِ أَيْضًا إلَى قَرْضٍ بِاشْتِرَاطِهِ لِلْعَامِلِ أَوْ إلَى بِضَاعَةٍ بِاشْتِرَاطِهِ لِرَبِّ الْمَالِ، وَهَذَا الْعَقْدُ يُشْبِهُ الْمُضَارَبَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَعْمَلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَصِحُّ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الْمَالِ وَيَتَفَاضَلَا فِي الرِّبْحِ. وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا إنْ شَرَطَا الْعَمَلَ عَلَيْهِمَا وَشَرَطَا التَّفَاوُتَ فِي الرِّبْحِ مَعَ التَّسَاوِي فِي رَأْسِ الْمَالِ جَازَ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شُرِطَ وَإِنْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ. وَأَمَّا إذَا شَرَطَا الْعَمَلَ عَلَى أَحَدِهِمَا، فَإِنْ شَرَطَا الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ رَأْسِ مَالِهِمَا جَازَ وَيَكُونُ مَالُ الَّذِي لَا عَمَلَ عَلَيْهِ بِضَاعَةً عِنْدَ الْعَامِلِ لَهُ رِبْحُهُ وَعَلَيْهِ وَضِيعَتُهُ، وَإِنْ شَرَطَا الرِّبْحَ لِلْعَامِلِ أَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ جَازَ أَيْضًا عَلَى الشَّرْطِ وَيَكُونُ مَالُ الدَّافِعِ عِنْدَ الْعَامِلِ مُضَارَبَةً؛ وَلَوْ شَرَطَا الرِّبْحَ لِلدَّافِعِ أَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ لَا يَصِحُّ الشَّرْطُ وَيَكُونُ مَالُ الدَّافِعِ عِنْدَ الْعَامِلِ بِضَاعَةً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رِبْحُ مَالِهِ وَالْوَضِيعَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ رَأْسِ مَالِهِمَا أَبَدًا (قَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ) وَاضِحٌ (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَ الْعَاقِدَانِ، وَالْوَضِيعَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَالِ» ) رَوَاهُ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِهِمْ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ) يَعْنِي بَيْنَ التَّفَاضُلِ وَالتَّسَاوِي (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْمُضَارَبَةِ) اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ إذَا أَلْحَقْتُمْ هَذَا الْعَقْدَ بِالْمُضَارَبَةِ صَارَ فِي التَّقْدِيرِ كَأَنَّهُ قَالَ: اعْمَلْ فِي مَالِكَ وَرِبْحُهُ لَك، وَاعْمَلْ فِي مَالِي وَرِبْحُهُ بَيْنَنَا وَفِي الْمُضَارَبَةِ إذَا شُرِطَ عَمَلُ رَبِّ الْمَالِ فِيهَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ وَقَدْ جَوَّزْتُمْ هَذِهِ الشَّرِكَةَ وَإِنْ شُرِطَ عَمَلُهُمَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ هَذَا الْعَقْدُ مُضَارَبَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ أَنَّهُ يُشْبِهُهَا مِنْ وَجْهٍ، وَمَا أَشْبَهَ الشَّيْءَ مِنْ وَجْهٍ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَأْخُذَ حُكْمَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ جَمِيعِ الرِّبْحِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إذَا شُرِطَ جَمِيعُ الرِّبْحِ لِأَحَدِهِمَا لَا يَجُوزُ، فَكَذَا إذَا شُرِطَ الْفَضْلُ وَالْجَامِعُ الْعُدُولُ بِالرِّبْحِ عَنْ التَّقْسِيطِ عَلَى قَدْرِ الْمَالِ. وَوَجْهُ الْجَوَابِ أَنَّ بِشَرْطِ جَمِيعِ الرِّبْحِ يَخْرُجُ الْعَقْدُ مِنْ الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ إلَى قَرْضٍ أَوْ بِضَاعَةٍ،

فِي مَالِ الشَّرِيكِ، وَيُشْبِهُ الشَّرِكَةَ اسْمًا وَعَمَلًا فَإِنَّهُمَا يَعْمَلَانِ فَعَمِلْنَا بِشَبَهِ الْمُضَارَبَةِ. وَقُلْنَا: يَصِحُّ اشْتِرَاطُ الرِّبْحِ مِنْ غَيْرِ ضَمَانٍ وَيُشْبِهُ الشَّرِكَةَ حَتَّى لَا تَبْطُلُ بِاشْتِرَاطِ الْعَمَلِ عَلَيْهَا. قَالَ (وَيَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِبَعْضِ مَالِهِ دُونَ الْبَعْضِ) لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي الْمَالِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِيهِ إذْ اللَّفْظُ لَا يَقْتَضِيهِ (وَلَا يَصِحُّ إلَّا بِمَا بَيَّنَّا) أَنَّ الْمُفَاوَضَةَ تَصِحُّ بِهِ لِلْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَا وَمِنْ جِهَةِ أَحَدِهِمَا دَنَانِيرُ وَمِنْ الْآخَرِ دَرَاهِمُ، وَكَذَا مِنْ أَحَدِهِمَا دَرَاهِمُ بِيضٌ وَمِنْ الْآخَرِ سُودٌ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ الْخَلْطِ وَعَدَمِهِ فَإِنَّ عِنْدَهُمَا شَرْطٌ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي مُخْتَلِفِي الْجِنْسِ، وَسَنُبَيِّنُهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ (وَمَا اشْتَرَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلشَّرِكَةِ طُولِبَ بِثَمَنِهِ دُونَ الْآخَرِ لِمَا بَيَّنَّا) أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ دُونَ الْكَفَالَةِ، وَالْوَكِيلُ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْحُقُوقِ. قَالَ (ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْهُ) مَعْنَاهُ إذَا أَدَّى مِنْ مَالِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ جِهَتِهِ فِي حِصَّتِهِ فَإِذَا نَقَدَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ فَعَلَيْهِ الْحُجَّةُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي وُجُوبَ الْمَالِ فِي ذِمَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ إنْ شُرِطَ الْجَمِيعُ لِلْعَامِلِ صَارَ قَرْضًا، وَإِنْ شُرِطَ لِرَبِّ الْمَالِ صَارَ بِضَاعَةً، وَهَذَا الْعَقْدُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْهُمَا لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمُضَارَبَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَعْمَلُ فِي مَالِ الشَّرِيكِ وَيُشْبِهُ الشَّرِكَةَ أَيْ شَرِكَةَ الْمُفَاوَضَةِ اسْمًا وَعَمَلًا فَإِنَّهُمَا يَعْمَلَانِ مَعًا فَعَمِلْنَا بِشَبَهِ الْمُضَارَبَةِ. وَقُلْنَا: يَصِحُّ اشْتِرَاطُ الرِّبْحِ مِنْ غَيْرِ ضَمَانٍ، فَإِنَّ اشْتِرَاطَ زِيَادَةِ الرِّبْحِ مَوْجُودٌ فِي الْمُضَارَبَةِ وَهُوَ جَائِزٌ مَعَ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ، وَهَذَا يَتَضَمَّنُ الْجَوَابَ عَنْ قَوْلِهِمَا إنَّ اشْتِرَاطَ زِيَادَةِ الرِّبْحِ لِأَحَدِهِمَا يُؤَدِّي إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَعَمِلْنَا بِشَبَهِ الشَّرِكَةِ حَتَّى لَا يَبْطُلَ بِاشْتِرَاطِ الْعَمَلِ عَلَيْهِمَا. قَالَ (وَيَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَهَا كُلُّ وَاحِدٍ إلَخْ) أَيْ يَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ شَرِكَةَ الْعِنَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِبَعْضِ مَالِهِ دُونَ الْبَعْضِ، لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي الْمَالِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِيهِ: أَيْ فِي هَذَا الْعَقْدِ، إذْ اللَّفْظُ: أَيْ لَفْظُ الْعِنَانِ لَا يَقْتَضِيهِ: أَيْ لَا يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ بِتَأْوِيلِ الِاسْتِوَاءِ، بِخِلَافِ لَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ (قَوْلُهُ لِلْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ) يَعْنِي مَا ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ. وَقَوْلُهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَا) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ لَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ) يَعْنِي إذَا لَمْ يُعْرَفْ أَنَّهُ أَدَّى الثَّمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ

الْآخَرِ وَهُوَ يُنْكِرُ، وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ قَالَ (وَإِذَا هَلَكَ مَالُ الشَّرِكَةِ أَوْ أَحَدُ الْمَالَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَا شَيْئًا بَطَلَتْ الشَّرِكَةُ) لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ الْمَالُ، فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ فِيهِ كَمَا فِي الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ، وَبِهَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَبْطُلُ الْعَقْدُ كَمَا فِي الْبَيْعِ، بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ وَالْوَكَالَةِ الْمُفْرَدَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الثَّمَنَانِ فِيهِمَا بِالتَّعْيِينِ، وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنَانِ بِالْقَبْضِ عَلَى مَا عُرِفَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا هَلَكَ الْمَالَانِ، وَكَذَا إذَا هَلَكَ أَحَدُهُمَا؛ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِشَرِكَةِ صَاحِبِهِ فِي مَالِهِ إلَّا لِيُشْرِكَهُ فِي مَالِهِ، فَإِذَا فَاتَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِشَرِكَتِهِ فَيَبْطُلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ إلَّا بِقَوْلِهِ فَعَلَيْهِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ لِصَاحِبِهِ مَعَ يَمِينِهِ. (قَوْلُهُ فَإِذَا هَلَكَ مَالُ الشَّرِكَةِ) ظَاهِرٌ، وَقَيَّدَ الْوَكَالَةَ بِالْمُفْرَدَةِ احْتِرَازًا عَنْ الْوَكَالَةِ الثَّابِتَةِ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الشَّرِكَةِ وَفِي ضِمْنِ عَقْدِ الرَّهْنِ فَإِنَّهَا فِيهِمَا تَبْطُلُ بِبُطْلَانِ مَا تَضَمَّنَهَا مِنْ الشَّرِكَةِ وَالرَّهْنِ لِأَنَّ الْمُتَضَمَّنَ يَبْطُلُ بِبُطْلَانِ الْمُتَضَمِّنِ تَبَعًا، وَأَمَّا الْوَكَالَةُ الْمُفْرَدَةُ كَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِشِرَاءِ عَبْدٍ وَدَفَعَ إلَيْهِ دَرَاهِمَ فَهَلَكَتْ فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ، وَأَمَّا الْمُضَارَبَةُ فَقَدْ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ: بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ فَإِنَّهَا تَتَعَيَّنُ، حَتَّى إذَا هَلَكَتْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ بَطَلَتْ الْمُضَارَبَةُ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِيهَا بِالْقَبْضِ فَلَعَلَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ، (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِشَرِكَةِ صَاحِبِهِ فِي مَالِهِ) أَيْ الشَّرِيكُ الَّذِي لَمْ يَهْلَكْ مَالُهُ مَا رَضِيَ بِشَرِكَةِ صَاحِبِهِ الَّذِي هَلَكَ مَالُهُ إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ بَقَاءِ مَالِهِ بِشَرِكَتِهِ فِي مَالِهِ

الْعَقْدُ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ، وَأَيُّهُمَا هَلَكَ هَلَكَ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ؛ إنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا إذَا كَانَ هَلَكَ فِي يَدِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْخَلْطِ حَيْثُ يَهْلِكُ عَلَى الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ فَيُجْعَلُ الْهَالِكُ مِنْ الْمَالَيْنِ. (وَإِنْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِمَالِهِ وَهَلَكَ مَالُ الْآخَرِ قَبْلَ الشِّرَاءِ فَالْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا) لِأَنَّ الْمِلْكَ حِينَ وَقَعَ وَقَعَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا لِقِيَامِ الشَّرِكَةِ وَقْتَ الشِّرَاءِ فَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ بِهَلَاكِ مَالِ الْآخَرِ بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ الشَّرِكَةُ شَرِكَةُ عَقْدٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِلْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ، حَتَّى إنَّ أَيَّهُمَا بَاعَ جَازَ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ قَدْ تَمَّتْ فِي الْمُشْتَرَى فَلَا يُنْتَقَضُ بِهَلَاكِ الْمَالِ بَعْدَ تَمَامِهَا. قَالَ (وَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّةٍ مِنْ ثَمَنِهِ) لِأَنَّهُ اشْتَرَى نِصْفَهُ بِوَكَالَتِهِ وَنَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ، هَذَا إذَا اشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِأَحَدِ الْمَالَيْنِ أَوَّلًا ثُمَّ هَلَكَ مَالُ الْآخَرِ. أَمَّا إذَا هَلَكَ مَالُ أَحَدِهِمَا ثُمَّ اشْتَرَى الْآخَرُ بِمَالِ الْآخَرِ، إنْ صَرَّحَا بِالْوَكَالَةِ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ فَالْمُشْتَرَى مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ إنْ بَطَلَتْ فَالْوَكَالَةُ الْمُصَرَّحُ بِهَا قَائِمَةٌ فَكَانَ مُشْتَرَكًا بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ، وَيَكُونُ شَرِكَةَ مِلْكٍ وَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا يَشْتَرِكُ هُوَ فِي مَالِ هَذَا (قَوْلُهُ وَأَيُّهُمَا هَلَكَ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ الشَّرِكَةُ شَرِكَةُ عَقْدٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِلْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ) فَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِي حَقِّ جَوَازِ بَيْعِ الْكُلِّ. فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَيُّهُمَا بَاعَهُ جَازَ بَيْعُهُ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ قَدْ تَمَّتْ فِي الْمُشْتَرَى فَلَا تَنْتَقِضُ بِهَلَاكِ الْمَالِ بَعْدَ تَمَامِهَا كَمَا لَوْ كَانَ الْهَلَاكُ بَعْدَ الشِّرَاءِ بِالْمَالَيْنِ جَمِيعًا. وَعِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ لَا يَنْفُذُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا إلَّا فِي حِصَّتِهِ لِأَنَّ شَرِكَةَ الْعَقْدِ قَدْ بَطَلَتْ بِهَلَاكِ الْمَالِ كَمَا لَوْ هَلَكَ قَبْلَ الشِّرَاءِ بِمَالِ الْآخَرِ، وَإِنَّمَا بَقِيَ مَا هُوَ حُكْمُ الشِّرَاءِ وَهُوَ الْمِلْكُ فَكَانَتْ شَرِكَتُهُمَا فِي الْمَتَاعِ شَرِكَةَ مِلْكٍ (قَوْلُهُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ مَعْنَاهُ إذَا أَدَّى مِنْ مَالِ نَفْسِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ أَمَّا إذَا هَلَكَ مَالُ أَحَدِهِمَا ثُمَّ اشْتَرَى الْآخَرُ) وَاضِحٌ.

[شركة التقبل والأعمال]

لِمَا بَيَّنَّاهُ، وَإِنْ ذَكَرَا مُجَرَّدَ الشَّرِكَةِ وَلَمْ يَنُصَّا عَلَى الْوَكَالَةِ فِيهَا كَانَ الْمُشْتَرَى لِلَّذِي اشْتَرَاهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْوُقُوعَ عَلَى الشَّرِكَةِ حُكْمُ الْوَكَالَةِ الَّتِي تَضَمَّنَتْهَا الشَّرِكَةُ، فَإِذَا بَطَلَتْ يَبْطُلُ مَا فِي ضِمْنِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا صَرَّحَ بِالْوَكَالَةِ لِأَنَّهَا مَقْصُودَةٌ. قَالَ (وَتَجُوزُ الشَّرِكَةُ وَإِنْ لَمْ يَخْلِطَا الْمَالَ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا تَجُوزُ لِأَنَّ الرِّبْحَ فَرْعُ الْمَالِ، وَلَا يَقَعُ الْفَرْعُ عَلَى الشَّرِكَةِ إلَّا بَعْدَ الشَّرِكَةِ فِي الْأَصْلِ وَأَنَّهُ بِالْخَلْطِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَحَلَّ هُوَ الْمَالُ وَلِهَذَا يُضَافُ إلَيْهِ، وَيُشْتَرَطُ تَعْيِينُ رَأْسِ الْمَالِ، بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرِكَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ يَعْمَلُ لِرَبِّ الْمَالِ فَيَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ عِمَالَةً عَلَى عَمَلِهِ، أَمَّا هُنَا بِخِلَافِهِ، وَهَذَا أَصْلٌ كَبِيرٌ لَهُمَا حَتَّى يُعْتَبَرُ اتِّحَادُ الْجِنْسِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِمَا بَيَّنَّاهُ) إشَارَةً إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ جِهَتِهِ (قَوْلُهُ وَأَنَّهُ بِالْخَلْطِ) أَيْ الشَّرِكَةِ فِي الْأَصْلِ عَلَى تَأْوِيلِ الِاشْتِرَاكِ (قَوْلُهُ وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الرِّبْحَ فَرْعُ الْمَالِ) يَعْنِي وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الرِّبْحَ فَرْعُ الْمَالِ لِأَنَّ الْمَحَلَّ: أَيْ مَحَلَّ الشَّرِكَةِ هُوَ الْمَالُ وَلِهَذَا يُضَافُ إلَيْهِ، وَيُقَالُ عَقْدُ شَرِكَةِ الْمَالِ وَيُشْتَرَطُ تَعْيِينُ رَأْسِ الْمَالِ وَمَا اُعْتُبِرَ التَّعْيِينُ إلَّا لِتَكُونَ الشَّرِكَةُ فِي الثَّمَنِ مُسْتَنِدَةً إلَى الْمَالِ بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ بِدُونِ الْخَلْطِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرِكَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ عَامِلٌ لِرَبِّ الْمَالِ فَيَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ عِمَالَةً عَلَى قَدْرِ عَمَلِهِ (قَوْلُهُ وَهَذَا أَصْلٌ كَبِيرٌ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الرِّبْحَ فَرْعُ الْمَالِ (قَوْلُهُ حَتَّى يُعْتَبَرَ اتِّحَادُ الْجِنْسِ) يَعْنِي بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمَا ذَلِكَ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ رَأْسُ مَالِ أَحَدِهِمَا دَرَاهِمَ وَالْآخَرِ دَنَانِيرَ تَنْعَقِدُ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا صَحِيحَةً عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ رَأْسُ مَالِ أَحَدِهِمَا بِيضًا وَالْآخَرِ سُودًا. [شَرِكَةُ التَّقَبُّلِ وَالْأَعْمَالِ] وَلَا تَجُوزُ شَرِكَةُ التَّقَبُّلِ: أَيْ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ لِانْعِدَامِ الْمَالِ. وَلَنَا أَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الرِّبْحِ مُسْتَنِدَةٌ إلَى الْعَقْدِ دُونَ الْمَالِ، وَكُلُّ مَا هُوَ مُسْتَنِدٌ إلَيْهِ هُوَ الْأَصْلُ، أَمَّا أَنَّهَا مُسْتَنِدَةٌ إلَى الْعَقْدِ فَلِأَنَّ الْعَقْدَ يُسَمَّى شَرِكَةً لَا الْمَالَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحْقِيقِ مَعْنَى الِاسْمِ فِيهِ، وَأَمَّا أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ مُسْتَنِدٌ إلَيْهِ فَهُوَ الْأَصْلُ فَلِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُسْتَنَدِ إلَيْهِ هُوَ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ مَبْنِيًّا عَلَيْهِ وَذَلِكَ حَدُّ الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ لِأَنَّ الرِّبْحَ فِي الْحَقِيقَةِ يَحْصُلُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَالتَّصَرُّفُ يَحْصُلُ مِنْ الْعَقْدِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتَصَرَّفُ فِي الْكُلِّ فِي بَعْضِهِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَفِي بَعْضِهِ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ، فَكَانَ الْعَقْدُ عِلَّةَ الْعِلَّةِ، وَجَازَ أَنْ يُضَافَ الْحُكْمُ إلَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ كَمَا جَازَ أَنْ يُضَافَ إلَى عَيْنِ الْعِلَّةِ، وَإِذَا كَانَ الْأَصْلُ هُوَ الْعَقْدُ وَهُوَ مَوْجُودٌ يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ وَهُوَ الرِّبْحُ وَإِنْ لَمْ يَخْتَلِطْ الْمَالَانِ. وَالدَّلِيلُ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا تَتَعَيَّنَانِ كَالشَّرْحِ لِلدَّلِيلِ الْأَوَّلِ.

وَيُشْتَرَطُ الْخَلْطُ وَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الرِّبْحِ مَعَ التَّسَاوِي فِي الْمَالِ. وَلَا تَجُوزُ شَرِكَةُ التَّقَبُّلِ وَالْأَعْمَالِ لِانْعِدَامِ الْمَالِ. وَلَنَا أَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الرِّبْحِ مُسْتَنِدَةٌ إلَى الْعَقْدِ دُونَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يُسَمَّى شَرِكَةً فَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ مَعْنَى هَذَا الِاسْمِ فِيهِ فَلَمْ يَكُنْ الْخَلْطُ شَرْطًا، وَلِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ فَلَا يُسْتَفَادُ الرِّبْحُ بِرَأْسِ الْمَالِ، وَإِنَّمَا يُسْتَفَادُ بِالتَّصَرُّفِ لِأَنَّهُ فِي النِّصْفِ أَصِيلٌ وَفِي النِّصْفِ وَكِيلٌ. وَإِذَا تَحَقَّقَتْ الشَّرِكَةُ فِي التَّصَرُّفِ بِدُونِ الْخَلْطِ تَحَقَّقَتْ فِي الْمُسْتَفَادِ بِهِ وَهُوَ الرِّبْحُ بِدُونِهِ، وَصَارَ كَالْمُضَارَبَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ الْعَقْدُ هُوَ الْأَصْلُ دُونَ الْمَالِ لَمَا بَطَلَتْ الشَّرِكَةُ بِهَلَاكِ الْمَالِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَا بِهِ شَيْئًا لِأَنَّ هَلَاكَ الْمَالِ وَبَقَاءَهُ إذْ ذَاكَ بِمَنْزِلَةٍ لِكَوْنِ الْأَصْلِ وَهُوَ الْعَقْدُ قَدْ وُجِدَ وَالْمَالُ مَوْجُودٌ فَلَا يُبَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بِبَقَائِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ بَقَاءَ الْأَصْلِ شَرْطٌ لِوُجُودِ الْفَرْعِ وَالْأَصْلُ قَدْ انْتَفَى بِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْمَحَلُّ فَكَذَلِكَ الْفَرْعُ. وَاعْتُرِضَ أَيْضًا بِأَنَّ الْمَالَيْنِ إذَا لَمْ يَخْتَلِطَا بَقِيَا مُتَمَيِّزَيْنِ وَلَا شَرِكَةَ مَعَ التَّمْيِيزِ كَمَا فِي الْعُرُوضِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ عِلَّةَ فَسَادِ الشَّرِكَةِ فِي الْعُرُوضِ لَيْسَتْ التَّمْيِيزَ بَلْ هِيَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْإِفْضَاءِ إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ. وَقَوْلُهُ (وَصَارَ كَالْمُضَارَبَةِ) يَعْنِي لَمَّا ظَهَرَ أَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْعَقْدُ دُونَ الْمَالِ كَانَ الرِّبْحُ مُسْتَحَقًّا بِالْعَقْدِ دُونَ الْمَالِ كَمَا فِي الْمُضَارَبَةِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ خَلْطُ الْمَالَيْنِ وَالرِّبْحُ مُشْتَرَكٌ بِسَبَبِ الْعَقْدِ، وَإِذَا بَطَلَ ذَلِكَ الْأَصْلُ بَطَلَ الْفُرُوعُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَيْهِ فَلَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الْجِنْسِ وَالتَّسَاوِي

فَلَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الْجِنْسِ وَالتَّسَاوِي فِي الرِّبْحِ، وَتَصِحُّ شَرِكَةُ التَّقَبُّلِ. قَالَ (وَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ إذَا شُرِطَ لِأَحَدِهِمَا دَرَاهِمُ مُسَمَّاةً مِنْ الرِّبْحِ) لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُوجِبُ انْقِطَاعَ الشَّرِكَةِ فَعَسَاهُ لَا يُخْرِجُ إلَّا قَدْرَ الْمُسَمَّى لِأَحَدِهِمَا، وَنَظِيرُهُ فِي الْمُزَارَعَةِ. قَالَ (وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَفَاوِضَيْنِ وَشَرِيكَيْ الْعِنَانِ أَنْ يُبْضِعَ الْمَالَ) لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ، وَلِأَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَى الْعَمَلِ، وَالتَّحْصِيلُ بِغَيْرِ عِوَضٍ دُونَهُ فَيَمْلِكَهُ، وَكَذَا لَهُ أَنْ يُودِعَهُ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ وَلَا يَجِدُ التَّاجِرُ مِنْهُ بُدًّا. قَالَ (وَيَدْفَعُهُ مُضَارَبَةً) ؛ لِأَنَّهَا دُونَ الشَّرِكَةِ فَتَتَضَمَّنَهَا. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ نَوْعُ شَرِكَةٍ، وَالْأَصَحُّ هُوَ الْأَوَّلُ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ تَحْصِيلُ الرِّبْحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الرِّبْحِ وَتَصِحُّ شَرِكَةُ التَّقَبُّلِ (قَوْلُهُ وَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ) وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَنَظِيرُهُ فِي الْمُزَارَعَةِ) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا شُرِطَ لِأَحَدِهِمَا قُفْزَانٌ مُسَمَّاةٌ كَانَتْ فَاسِدَةً لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَنْقَطِعُ بِهِ، وَمِنْ شَرْطِ الْمُزَارَعَةِ أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا شَائِعًا. قَالَ: وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَفَاوِضَيْنِ. هَذَا بَيَانُ مَا يَجُوزُ لِلشَّرِيكِ شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ أَوْ عِنَانٍ أَنْ يَفْعَلَ وَأَنْ لَا يَفْعَلَ، يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُبْضِعَ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ، وَالْمُعْتَادُ جَازَ لَهُ الْعَمَلُ بِهِ، وَلِأَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَى الْعَمَلِ بِتَحْصِيلِ الرِّبْحِ بِلَا خِلَافٍ، وَكُلُّ مَنْ جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ لِتَحْصِيلِ الرِّبْحِ جَازَ لَهُ أَنْ يُبْضِعَ لِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ تَحْصِيلٌ بِعِوَضٍ وَالْإِبْضَاعُ بِدُونِهِ فَكَانَ الِاسْتِئْجَارُ أَعْلَى وَمَنْ مَلَكَ الْأَعْلَى مَلَكَ الْأَدْنَى، وَأَنْ يُودِعَ الْمَالُ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ وَلَا يَجِدُ التَّاجِرُ مِنْهُ بُدًّا، وَأَنْ يَدْفَعَ مُضَارَبَةً لِأَنَّهَا دُونَ الشَّرِكَةِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْمُضَارِبِ شَيْءٌ مِنْ الْوَضِيعَةِ وَأَنَّ الْمُضَارَبَةَ لَوْ فَسَدَتْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُضَارِبِ شَيْءٌ مِنْ الرِّبْحِ فَيُمْكِنُ جَعْلُ الْمُضَارَبَةِ مُسْتَفَادَةً بِعَقْدِ الشَّرِكَةِ لِأَنَّهَا دُونَ الشَّرِكَةِ فَتَضَمَّنَتْهَا الشَّرِكَةُ، هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ (وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ) أَيْ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ (نَوْعُ شَرِكَةٍ) لِأَنَّهُ إيجَابُ الشَّرِكَةِ لِلْمُضَارِبِ فِي الرِّبْحِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ عَقْدِ الشَّرِكَةِ وَلَيْسَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُشَارِكَ مَعَ غَيْرِهِ بِمَالِ الشَّرِكَةِ فَكَذَا لَا يَدْفَعُهُ مُضَارَبَةً (وَالْأَوَّلُ) أَيْ جَوَازُ الدَّفْعِ مُضَارَبَةً (أَصَحُّ وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ) يَعْنِي فِي الْمُضَارَبَةِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ تَحْصِيلُ الرِّبْحِ

كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ بِأَجْرٍ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ تَحْصِيلٌ بِدُونِ ضَمَانٍ فِي ذِمَّتِهِ، بِخِلَافِ الشَّرِكَةِ حَيْثُ لَا يَمْلِكُهَا لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ. قَالَ (وَيُوَكِّلُ مَنْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ) لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ وَالشَّرِكَةُ انْعَقَدَتْ لِلتِّجَارَةِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ حَيْثُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ لِأَنَّهُ عَقْدٌ خَاصٌّ طُلِبَ مِنْهُ تَحْصِيلَ الْعَيْنِ فَلَا يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ ثَابِتٌ بِالْمُضَارَبَةِ فَيَمْلِكُهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَعْمَلَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا، فَهَذَا أَوْلَى لِأَنَّهُ تَحْصِيلٌ بِدُونِ ضَمَانٍ فِي ذِمَّتِهِ، فَإِنَّ الْمُضَارِبَ إذَا عَمِلَ وَلَمْ يَحْصُلْ الرِّبْحُ لَا يَجِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ شَيْءٌ، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّ الْأَجِيرَ إذَا عَمِلَ فِي التِّجَارَةِ وَلَمْ يَحْصُلْ شَيْءٌ مِنْ الرِّبْحِ يَكُونُ الْمُسْتَأْجِرُ ضَامِنًا لِلْأُجْرَةِ، بِخِلَافِ الشَّرِكَةِ حَيْثُ لَا يَمْلِكُهَا لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مَنْقُوضٌ بِالْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ جَازَ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ، وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِعَبْدِهِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِتْبَاعِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُطْلِقَ فِي الْكَسْبِ وَأَسْبَابِهِ، وَهَذَا مِنْ أَسْبَابِ الْكَسْبِ الْمُطْلَقَةِ لَهُمَا لَا أَنَّهُ مِنْ الْمُسْتَتْبَعَاتِ، وَأَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ.

قَالَ (وَيَدُهُ فِي الْمَالِ يَدُ أَمَانَةٍ) لِأَنَّهُ قَبَضَ الْمَالَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ لَا عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ وَالْوَثِيقَةِ فَصَارَ كَالْوَدِيعَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْحُكْمَ الثَّابِتَ مَقْصُودًا أَعْلَى حَالًا مِنْ الْحُكْمِ الثَّابِتِ فِي ضِمْنِ شَيْءٍ آخَرَ لَا مَحَالَةَ، وَالْوَكِيلُ الَّذِي كَانَتْ وَكَالَتُهُ مَقْصُودَةً لَيْسَ لَهُ تَوْكِيلُ غَيْرِهِ، فَالْوَكِيلُ الَّذِي تَثْبُتُ وَكَالَتُهُ فِي ضِمْنِ الشَّرِكَةِ كَيْفَ جَازَ لَهُ تَوْكِيلُ غَيْرِهِ. وَأُجِيبَ بِذَلِكَ الْجَوَابِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ قَوْلُهُمْ: كَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا كَبَيْعِ الشِّرْبِ وَغَيْرِهِ، وَالشُّبْهَةُ وَجْهُ الْقِيَاسِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَجَوَابُهَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ. وَقَوْلُهُ (لَا عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ) احْتِرَازٌ عَنْ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ قَبْضٌ لِأَجْلِ أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ (قَوْلُهُ وَالْوَثِيقَةُ) احْتِرَازٌ عَنْ الرَّهْنِ فَإِنَّ الْمَرْهُونَ مَقْبُوضٌ لِأَجْلِ الْوَثِيقَةِ.

[شركة الصنائع]

قَالَ (وَأَمَّا شَرِكَةُ الصَّنَائِعِ) وَتُسَمَّى شَرِكَةَ التَّقَبُّلِ (كَالْخَيَّاطِينَ وَالصَّبَّاغِينَ يَشْتَرِكَانِ عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَا الْأَعْمَالَ وَيَكُونَ الْكَسْبُ بَيْنَهُمَا فَيَجُوزُ ذَلِكَ) وَهَذَا عِنْدَنَا. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا تَجُوزُ لِأَنَّ هَذِهِ شَرِكَةٌ لَا تُفِيدُ مَقْصُودَهَا وَهُوَ التَّثْمِيرُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَهَذَا لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الرِّبْحِ تُبْتَنَى عَلَى الشَّرِكَةِ فِي الْمَالِ عَلَى أَصْلِهِمَا عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ. وَلَنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّحْصِيلُ وَهُوَ مُمْكِنٌ بِالتَّوْكِيلِ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ وَكِيلًا فِي النِّصْفِ أَصِيلًا فِي النِّصْفِ تَحَقَّقَتْ الشَّرِكَةُ فِي الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [شَرِكَةُ الصَّنَائِعِ] قَالَ (وَأَمَّا شَرِكَةُ الصَّنَائِعِ) كَلَامُهُ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (لَا تُفِيدُ مَقْصُودَهُمَا) أَيْ مَقْصُودَ الشَّرِيكَيْنِ وَهُوَ التَّثْمِيرُ ظَاهِرٌ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: لَا تُفِيدُ مَقْصُودَهَا، أَضَافَ الْمَقْصُودَ إلَى الشَّرِكَةِ وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ لِلشَّرِيكَيْنِ بِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَهُوَ تَلَبُّسُ الشَّرِيكَيْنِ بِعَقْدِ الشَّرِكَةِ. (قَوْلُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الْعَقْدِ اتِّحَادُ الْعَمَلِ وَالْمَكَانِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَمَالِكٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، قَالَا: إنْ اتَّفَقَتْ الْأَعْمَالُ كَالْقَصَّارَيْنِ اشْتَرَكَا أَوْ صَبَّاغَيْنِ جَازَ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ كَصَبَّاغٍ

اتِّحَادُ الْعَمَلِ وَالْمَكَانِ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَزُفَرَ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُجَوِّزَ لِلشَّرِكَةِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ لَا يَتَفَاوَتُ (وَلَوْ شَرَطَا الْعَمَلَ نِصْفَيْنِ وَالْمَالَ أَثْلَاثًا جَازَ) وَفِي الْقِيَاسِ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ بِقَدْرِ الْعَمَلِ، فَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ فَلَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ لِتَأْدِيَتِهِ إلَيْهِ، وَصَارَ كَشَرِكَةِ الْوُجُوهِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: مَا يَأْخُذُهُ لَا يَأْخُذُهُ رِبْحًا لِأَنَّ الرِّبْحَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ عَمَلٌ وَالرِّبْحَ مَالٌ فَكَانَ بَدَلَ الْعَمَلِ وَالْعَمَلُ يُتَقَوَّمُ بِالتَّقْوِيمِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ مَا قُوِّمَ بِهِ فَلَا يَحْرُمُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَصَّارٍ اشْتَرَكَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَاجِزٌ عَنْ الْعَمَلِ الَّذِي يَتَقَبَّلُهُ صَاحِبُهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ صَنْعَتِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ مَقْصُودُ الشَّرِكَةِ. وَلَنَا أَنَّ الْمَعْنَى الْمُجَوِّزَ لِلشَّرِكَةِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّحْصِيلُ وَهُوَ مُمْكِنٌ بِالتَّوْكِيلِ لَا تَتَفَاوَتُ بِاتِّحَادِ الْعَمَلِ وَالْمَكَانِ أَوْ اخْتِلَافِهِمَا، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِتَقَبُّلِ الْعَمَلِ صَحِيحٌ مِمَّنْ يُحْسِنُ مُبَاشَرَةَ ذَلِكَ الْعَمَلِ وَمِمَّنْ لَا يُحْسِنُ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُتَقَبِّلِ إقَامَةُ الْعَمَلِ بِيَدَيْهِ، بَلْ لَهُ أَنْ يُقِيمَ بِأَعْوَانِهِ وَأُجَرَائِهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ عَاجِزٍ عَنْ ذَلِكَ فَكَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ لَوْ عَمِلَ فِي دُكَّانٍ وَالْآخَرُ فِي دُكَّانٍ آخَرَ لَا يَتَفَاوَتُ الْحَالُ وَهُوَ ظَاهِرٌ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ الْفُرُوعِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى أَصْلِ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الْخَلْطِ أَنَّ شَرِكَةَ التَّقَبُّلِ لَا تَجُوزُ فَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُ زُفَرَ مَعَ مَالِكٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي جَوَازِهَا إذَا كَانَتْ الْأَعْمَالُ مُتَّفِقَةً؟ أُجِيبَ بِأَنَّ زُفَرَ لَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي الْخَلْطَ قَوْلَانِ، فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ حُكْمَ الرِّوَايَةِ الَّتِي يُشْتَرَطُ فِيهَا خَلْطُ الْمَالِ، وَذَكَرَ هُنَا حُكْمَ الرِّوَايَةِ الَّتِي لَا يُشْتَرَطُ وَلَكِنْ أَطْلَقَ فِي اللَّفْظِ وَلَمْ يَذْكُرْ اخْتِلَافَ الرِّوَايَتَيْنِ فَيُرَى ظَاهِرُهُ مُتَنَاقِضًا. (قَوْلُهُ وَلَوْ شَرَطَا الْعَمَلَ نِصْفَيْنِ) أَيْ إذَا شَرَطَا فِي شَرِكَةِ التَّقَبُّلِ وَلَمْ يَكُنْ مُفَاوَضَةٌ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ نِصْفَيْنِ وَالرِّبْحُ الْحَاصِلُ أَثْلَاثًا جَازَ اسْتِحْسَانًا. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَصِحَّ لِأَنَّ الضَّمَانَ بِقَدْرِ مَا شُرِطَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ فَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ فَلَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ لِتَأْدِيَتِهِ إلَيْهِ: أَيْ إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ فَصَارَ كَشَرِكَةِ الْوُجُوهِ فِي أَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهَا فِي الرِّبْحِ لَا يَجُوز إذَا كَانَ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ، وَأَمَّا إذَا اشْتَرَطَا التَّفَاوُتَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرَى فَيَجُوزُ التَّفَاوُتُ حِينَئِذٍ فِي الرِّبْحِ فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ (وَلَكِنَّا نَقُولُ) بَيَانُ وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ مَا يَأْخُذُهُ كُلٌّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ لَا يَأْخُذُ رِبْحًا، لِأَنَّ الرِّبْحَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَلِهَذَا قَالُوا: لَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ثُمَّ آجَرَهَا بِثَوْبٍ يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ جَازَ لِمَا أَنَّ الرِّبْحَ لَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَالْجِنْسُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ يَتَّحِدْ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ عَمَلٌ وَالرِّبْحَ مَالٌ فَكَانَ مَا يَأْخُذُهُ بَدَلَ الْعَمَلِ وَالْعَمَلُ يَتَقَوَّمُ بِالتَّقْوِيمِ، فَإِذَا رَضِيَا بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمَا تَقْوِيمًا لِلْعَمَلِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ مَا قُوِّمَ بِهِ وَلَا يَحْرُمُ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ، بِخِلَافِ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ لِأَنَّ جِنْسَ الْمَالِ مُتَّفِقٌ وَهُوَ الثَّمَنُ الْوَاجِبُ فِي ذِمَّتِهِمَا دَرَاهِمَ كَانَتْ أَوْ دَنَانِيرَ وَالرِّبْحُ يَتَحَقَّقُ فِي الْجِنْسِ الْمُتَّفِقِ.

بِخِلَافِ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّ جِنْسَ الْمَالِ مُتَّفِقٌ وَالرِّبْحُ يَتَحَقَّقُ فِي الْجِنْسِ الْمُتَّفِقِ، وَرِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي الْمُضَارَبَةِ. قَالَ (وَمَا يَتَقَبَّلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْعَمَلِ يَلْزَمُهُ وَيَلْزَمُ شَرِيكَهُ) حَتَّى إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُطَالَبُ بِالْعَمَلِ وَيُطَالِبُ بِالْأَجْرِ (وَيَبْرَأُ الدَّافِعُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ) وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْمُفَاوَضَةِ وَفِي غَيْرِهَا اسْتِحْسَانٌ. وَالْقِيَاسُ خِلَافُ ذَلِكَ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ وَقَعَتْ مُطْلَقَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَرِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ) تَقْدِيرُهُ لَوْ جَازَ اشْتِرَاطُ زِيَادَةِ الرِّبْحِ كَانَ رِبْحَ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي الْمُضَارَبَةِ، وَإِنَّمَا جَازَ فِيهَا لِوُقُوعِهِ بِمُقَابَلَةِ الْعَمَلِ فِي جَانِبِ الْمُضَارِبِ وَبِمُقَابَلَةِ الْمَالِ فِي جَانِبِ رَبِّ الْمَالِ وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ وَلَا الضَّمَانِ بِمُقَابَلَةِ الرِّبْحِ مَوْجُودًا فَيَلْزَمُ فِيهَا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ فَلَا يَجُوزُ. (قَوْلُهُ وَمَا يَتَقَبَّلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْعَمَلِ يَلْزَمُهُ وَيَلْزَمُ شَرِيكَهُ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَيَبْرَأُ الدَّافِعُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ) أَيْ يَبْرَأُ دَافِعُ الْأُجْرَةِ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ، قِيلَ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ وَيَبْرَأُ الدَّافِعُ مِنْ كُلٍّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ: أَيْ إلَى صَاحِبِ الثَّوْبِ مَثَلًا لَوْ أَخَذَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ثَوْبًا لِلصَّبْغِ ثُمَّ دَفَعَ الْآخَرُ الثَّوْبَ مَصْبُوغًا إلَى صَاحِبِهِ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا) إشَارَةٌ إلَى لُزُومِ الْعَمَلِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهُوَ مَعْنَى الْكَفَالَةِ (ظَاهِرٌ فِي الْمُفَاوَضَةِ وَفِي غَيْرِهَا) وَهُوَ الْعِنَانُ (اسْتِحْسَانٌ) أَيْ مَعْنَى الْكَفَالَةِ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْسَانِ. وَالْقِيَاسُ خِلَافُ ذَلِكَ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ وَقَعَتْ مُطْلَقَةً عَنْ ذِكْرِ الْكَفَالَةِ وَلَيْسَتْ الْكَفَالَةُ

[شركة الوجوه]

وَالْكَفَالَةُ مُقْتَضَى الْمُفَاوَضَةِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ الشَّرِكَةَ (مُقْتَضِيَةٌ لِلضَّمَانِ) ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَا يَتَقَبَّلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْعَمَلِ مَضْمُونٌ عَلَى الْآخَرِ، وَلِهَذَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِسَبَبِ نَفَاذِ تَقَبُّلِهِ عَلَيْهِ فَجَرَى مَجْرَى الْمُفَاوَضَةِ فِي ضَمَانِ الْعَمَلِ وَاقْتِضَاءِ الْبَدَلِ. قَالَ (وَأَمَّا شَرِكَةُ الْوُجُوهِ فَالرَّجُلَانِ يَشْتَرِكَانِ وَلَا مَالَ لَهُمَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا بِوُجُوهِهِمَا وَيَبِيعَا فَتَصِحَّ الشَّرِكَةُ عَلَى هَذَا) سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَشْتَرِي بِالنَّسِيئَةِ إلَّا مَنْ كَانَ لَهُ وَجَاهَةٌ عِنْدَ النَّاسِ، وَإِنَّمَا تَصِحُّ مُفَاوَضَةً لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَحْقِيقُ الْكَفَالَةِ وَالْوَكَالَةِ فِي الْأَبْدَالِ، وَإِذَا أُطْلِقَتْ تَكُونُ عِنَانًا لِأَنَّ مُطْلَقَهُ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَهِيَ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَالْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي شَرِكَةِ التَّقَبُّلِ. قَالَ (وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلُ الْآخَرِ فِيمَا يَشْتَرِيهِ) لِأَنَّ التَّصَرُّفَ عَلَى الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِوَكَالَةٍ أَوْ بِوِلَايَةٍ وَلَا وِلَايَةَ فَتَتَعَيَّنُ الْوَكَالَةُ (فَإِنْ شَرَطَا أَنَّ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ مُقْتَضَاهَا حَتَّى تَثْبُتَ وَإِنْ لَمْ تُذْكَرْ، وَإِنَّمَا هِيَ مُقْتَضَى الْمُفَاوَضَةِ فَلَا يَثْبُتُ مَعَهَا مَا لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَاهَا بِدُونِ التَّصْرِيحِ بِذِكْرِهِ (وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ الشَّرِكَةَ مُقْتَضِيَةٌ لِلضَّمَانِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَا يَتَقَبَّلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْعَمَلِ مَضْمُونٌ عَلَى الْآخَرِ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ الْعَمَلِ مَضْمُونًا (يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِسَبَبِ نَفَاذِ تَقَبُّلِهِ) أَيْ تَقَبُّلِ صَاحِبِهِ (عَلَيْهِ) وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَيْهِ لَمَا اُسْتُحِقَّ الْأَجْرُ لِأَنَّ الْغُرْمَ بِإِزَاءِ الْغُنْمِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ (جَرَى) هَذَا الْعَقْدُ (مَجْرَى الْمُفَاوَضَةِ فِي ضَمَانِ الْعَمَلِ وَاقْتِضَاءِ الْبَدَلِ) وَفِي وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ مُصَادَرَةٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ فَتَأَمَّلْ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِجَرَيَانِهِ مَجْرَى الْمُفَاوَضَةِ فِي هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ لِأَنَّ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ لَمْ يَجْرِ هَذَا الْعَقْدُ مَجْرَاهَا حَتَّى قَالُوا: إذَا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِدَيْنٍ مِنْ ثَمَنِ أُشْنَانٍ أَوْ صَابُونٍ أَوْ أَجْرِ أَجِيرٍ أَوْ أُجْرَةِ بَيْتٍ لِمُدَّةٍ مَضَتْ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى صَاحِبِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَتَلْزَمُهُ خَاصَّةً لِأَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الْمُفَاوَضَةِ لَمْ يُوجَدْ، وَنَفَاذُ الْإِقْرَارِ يُوجِبُ الْمُفَاوَضَةَ. [شَرِكَةُ الْوُجُوهِ] قَالَ (وَأَمَّا شَرِكَةُ الْوُجُوهِ فَالرَّجُلَانِ يَشْتَرِكَانِ شَرِكَةَ الْوُجُوهِ) وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِكَ الرَّجُلَانِ وَلَا مَالَ لَهُمَا (عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا بِوُجُوهِهِمَا) أَيْ بِوَجَاهَتِهِمَا وَأَمَانَتِهِمَا عِنْدَ النَّاسِ صَحِيحَةٌ عِنْدَنَا (عَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى كَوْنِهِمَا يَشْتَرِيَانِ بِوُجُوهِهِمَا: أَيْ سُمِّيَتْ شَرِكَةَ الْوُجُوهِ لِأَنَّهُ

وَالرِّبْحَ كَذَلِكَ يَجُوزُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَفَاضَلَا فِيهِ، وَإِنْ شَرَطَا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فَالرِّبْحُ كَذَلِكَ) ، وَهَذَا لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِالْمَالِ أَوْ الْعَمَلِ أَوْ بِالضَّمَانِ فَرَبُّ الْمَالِ يَسْتَحِقُّهُ بِالْمَالِ، وَالْمُضَارِبُ يَسْتَحِقُّهُ بِالْعَمَلِ، وَالْأُسْتَاذُ الَّذِي يُلْقِي الْعَمَلَ عَلَى التِّلْمِيذِ بِالنِّصْفِ بِالضَّمَانِ، وَلَا يُسْتَحَقُّ بِمَا سِوَاهَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ تَصَرَّفْ فِي مَالِكِ عَلَى أَنَّ لِي رِبْحَهُ لَمْ يَحُزْ لِعَدَمِ هَذِهِ الْمَعَانِي. وَاسْتِحْقَاقُ الرِّبْحِ فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ بِالضَّمَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالضَّمَانُ عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ فِي الْمُشْتَرَى وَكَانَ الرِّبْحُ الزَّائِدُ عَلَيْهِ رِبْحَ مَا لَمْ يُضْمَنْ فَلَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ إلَّا فِي الْمُضَارَبَةِ وَالْوُجُوهُ لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهَا، بِخِلَافِ الْعِنَانِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهَا مِنْ حَيْثُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعْمَلُ فِي مَالِ صَاحِبِهِ فَيُلْحَقُ بِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَشْتَرِي بِالنَّسِيئَةِ إلَّا مَنْ لَهُ وَجَاهَةٌ عِنْدَ النَّاسِ، وَإِنَّمَا تَصِحُّ مُفَاوَضَةً إذَا كَانَ الرَّجُلَانِ مِنْ أَهْلِ الْكَفَالَةِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُمْكِنُ تَحْقِيقُ الْوَكَالَةِ وَالْكَفَالَةُ فِي الْأَبْدَالِ: أَيْ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ، فَيَكُونُ ثَمَنُ الْمُشْتَرَى عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ وَيَكُونُ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَلَا بُدَّ مِنْ التَّلَفُّظِ بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ أَوْ بِمَا قَامَ مَقَامَهُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَإِذَا أُطْلِقَتْ كَانَتْ عِنَانًا لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ الْمُعْتَادَ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ وَهِيَ أَيْ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَا بَيَّنَّاهُ فِي شَرِكَةِ التَّقَبُّلِ وَهِيَ أَنَّ الرِّبْحَ عِنْدَهُ فَرْعُ الْمَالِ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ الْمَالُ لَمْ تَنْعَقِدْ الشَّرِكَةُ. وَقُلْنَا إنَّ الشَّرِكَةَ فِي الرِّبْحِ مُسْتَنِدَةٌ إلَى الْعَقْدِ إلَى آخِرِهِ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَفَاضَلَا فِيهِ) أَيْ فِي الرِّبْحِ، وَإِنْ شُرِطَ لِأَحَدِهِمَا الْفَضْلُ بَطَلَ الشَّرْطُ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ ضَمَانِهِمَا (قَوْلُهُ وَهَذَا) إشَارَةٌ إلَى تَحَتُّمِ الْمُسَاوَاةِ فِي اشْتِرَاطِ الرِّبْحِ (قَوْلُهُ بِالنِّصْفِ) قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُلْقِيَ بِأَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ وَلَا يَسْتَحِقُّ بِمَا سِوَاهَا. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ الزِّيَادَةَ لِزِيَادَةِ اهْتِدَائِهِ وَمَتَانَةِ رَأْيِهِ وَتَدْبِيرِهِ فِي الْأُمُورِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ وَعِلْمِهِ بِالتِّجَارَةِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ اشْتِرَاطَ الزِّيَادَةِ فِي الرِّبْحِ بِزِيَادَةِ الْعَمَلِ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ فِي مَالٍ مَعْلُومٍ كَمَا فِي الْعِنَانِ وَالْمُضَارَبَةِ وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا (وَقَوْلُهُ أَلَا تَرَى) تَوْضِيحٌ لِقَوْلِهِ وَلَا يَسْتَحِقُّ بِمَا سِوَاهَا (قَوْلُهُ وَاسْتِحْقَاقُ الرِّبْحِ فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ) عَوْدٌ إلَى الْمَبْحَثِ لِإِتْمَامِ الْمَطْلُوبِ يَعْنِي أَنَّ صُورَةَ النِّزَاعِ اسْتِحْقَاقُ الرِّبْحِ فِيهَا بِالضَّمَانِ لَا بِالْمَالِ وَلَا بِالْعَمَلِ (قَوْلُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) قِيلَ هُوَ إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي شَرِكَةِ التَّقَبُّلِ بِقَوْلِهِ

[فصل في الشركة الفاسدة]

(فَصْلٌ فِي الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ) (وَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ فِي الِاحْتِطَابِ وَالِاصْطِيَادِ، وَمَا اصْطَادَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ احْتَطَبَهُ فَهُوَ لَهُ دُونَ صَاحِبِهِ) ، وَعَلَى هَذَا الِاشْتِرَاكُ فِي أَخْذِ كُلِّ شَيْءٍ مُبَاحً؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ مُتَضَمِّنَةٌ مَعْنَى الْوَكَالَةِ، وَالتَّوْكِيلُ فِي أَخْذِ الْمَالِ الْمُبَاحِ بَاطِلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الضَّمَانَ بِقَدْرِ الْعَمَلِ، فَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ. وَقِيلَ هُوَ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ بِخِلَافِ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ لِأَنَّ جِنْسَ الْمَالِ مُتَّفِقٌ إلَخْ. وَتَقْرِيرُ كَلَامِهِ: اسْتِحْقَاقُ الرِّبْحِ فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ بِالضَّمَانِ وَالضَّمَانُ عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ فِي الْمُشْتَرَى فَكَانَ الرِّبْحُ الزَّائِدُ عَلَيْهِ رِبْحَ مَا لَمْ يُضْمَنْ فَلَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ إلَّا فِي الْمُضَارَبَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِيهَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ وُجُوهِ مُقَابَلَتِهِ بِالْمَالِ وَالْعَمَلِ وَالْوُجُوهِ: أَيْ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهَا لِأَنَّ الْمَالَ فِيهَا مَضْمُونٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ، وَأَمَّا الْمَالُ فِي الْمُضَارَبَةِ فَلَيْسَ بِمَضْمُونٍ عَلَى الْمُضَارِبِ وَلَا الْعَمَلُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، بِخِلَافِ الْعِنَانِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهَا مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَعْمَلُ فِي مَالِ صَاحِبِهِ كَالْمُضَارِبِ يَعْمَلُ فِي مَالِ رَبِّ الْمَالِ فَيُلْحَقُ بِهَا. قِيلَ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ رِبْحَ مَا لَمْ يُضْمَنْ لَوْ جَازَ فِي الْعِنَانِ لِشُبْهَةِ الْمُضَارَبَةِ لَصَحَّتْ الشَّرِكَةُ بِالْعُرُوضِ فِي الْعِنَانِ لِأَنَّ الْعِنَانَ مُشَبَّهٌ بِالْمُضَارَبَةِ فَكَانَ عِلَّةُ تَجْوِيزِ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ مَوْجُودَةً، لَكِنْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعِنَانَ بِالْعُرُوضِ لَوْ كَانَ مُؤَدِّيًا إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ فَقَطْ لَاغْتَفَرْنَاهُ، وَلَكِنْ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ جَهَالَةُ رَأْسِ الْمَالِ وَالرِّبْحِ عِنْدَ الْقِسْمَةِ، وَلَيْسَ فِي الْمُضَارَبَةِ مَا يَقْتَضِي اعْتِقَادَهُ حَتَّى يُلْحَقَ بِهِ، وَهَذَا الْجَوَابُ يَنْزِعُ إلَى تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ: فَإِمَّا أَنْ يَلْتَزِمَ مَسَاغَهُ. أَوْ يُصَارَ إلَى مُخَلِّصِهِ الْمَعْلُومِ فِي الْأُصُولِ. [فَصْلٌ فِي الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ] وَجْهُ فَصْلِ الْفَاسِدِ عَنْ الصَّحِيحِ وَتَأْخِيرُهُ عَنْهُ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ.

لِأَنَّ أَمْرَ الْمُوَكِّلِ بِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَالْوَكِيلُ يَمْلِكُهُ بِدُونِ أَمْرِهِ فَلَا يَصْلُحُ نَائِبًا عَنْهُ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُمَا بِالْأَخْذِ وَإِحْرَازِ الْمُبَاحِ، فَإِنْ أَخَذَاهُ مَعًا فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَإِنْ أَخَذَهُ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَعْمَلْ الْآخَرُ شَيْئًا فَهُوَ لِلْعَامِلِ، وَإِنْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا وَأَعَانَهُ الْآخَرُ فِي عَمَلِهِ بِأَنْ قَلَعَهُ أَحَدُهُمَا وَجَمَعَهُ الْآخَرُ، أَوْ قَلَعَهُ وَجَمَعَهُ وَحَمَلَهُ الْآخَرُ فَلِلْمُعِينِ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُجَاوَزُ بِهِ نِصْفُ ثَمَنِ ذَلِكَ، وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّ أَمْرَ الْمُوَكَّلِ بِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ) وَالْوَكِيلُ يَمْلِكُهُ دَلِيلَانِ عَلَى الْمَطْلُوبِ. تَقْرِيرُ الْأَوَّلِ الْمُدَّعِي أَنَّ التَّوْكِيلَ فِي أَخْذِ الْمُبَاحِ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي صِحَّةَ أَمْرِ الْمُوَكِّلِ بِمَا وُكِّلَ بِهِ وَهُوَ أَخْذُ الْمُبَاحِ، وَأَمْرُ الْمُوَكِّلِ بِأَخْذِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ صَادَفَ غَيْرَ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ. وَتَقْرِيرُ الثَّانِي التَّوْكِيلَ بِأَخْذِ الْمُبَاحِ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَمْلِكُهُ بِدُونِ أَمْرِ الْمُوَكِّلِ، وَمَنْ تَمَلَّكَ شَيْئًا بِدُونِ أَمْرِ الْمُوَكِّلِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ نَائِبًا عَنْهُ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ إثْبَاتُ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ فِيمَا هُوَ ثَابِتٌ لِلْمُوَكِّلِ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ لِلْوَكِيلِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَحَقَّقُ فِيمَنْ يَمْلِكُ بِدُونِ أَمْرِهِ لِئَلَّا يَلْزَمَ إثْبَاتُ الثَّابِتِ. وَنُوقِضَ الثَّانِي بِالتَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ يَمْلِكُهُ بِدُونِ أَمْرِ الْمُوَكِّلِ بِالشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ قَبْلَ التَّوْكِيلِ وَبَعْدَهُ وَمَعَ ذَلِكَ صَلُحَ أَنْ يَكُونَ نَائِبًا عَنْ الْمُوَكِّلِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مَعْنَاهُ يَمْلِكُهُ بِدُونِ أَمْرِ الْمُوَكِّلِ بِلَا عَقْدٍ، وَصُورَةُ النَّقْضِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالشِّرَاءِ. وَقَوْلُهُ (فَلِلْمُعَيَّنِ أَجْرُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَتَجَاوَزُ بِهِ نِصْفَ ثَمَنِ ذَلِكَ وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ) أَيْ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ مِنْ الْمَبْسُوطِ. قِيلَ تَقْدِيمُ ذِكْرِ مُحَمَّدٍ عَلَى أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي الْكِتَابِ، وَكَذَا تَقْدِيمُ دَلِيلِ أَبِي يُوسُفَ

قَالَ (وَإِذَا اشْتَرَكَا وَلِأَحَدِهِمَا بَغْلٌ وَلِلْآخَرِ رَاوِيَةٌ يَسْتَقِي عَلَيْهَا الْمَاءَ فَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا لَمْ تَصِحَّ الشَّرِكَةُ، وَالْكَسْبُ كُلُّهُ لِلَّذِي اسْتَقَى، وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الرَّاوِيَةِ إنْ كَانَ الْعَامِلُ صَاحِبَ الْبَغْلِ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ الرَّاوِيَةِ فَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الْبَغْلِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى دَلِيلِ مُحَمَّدٍ فِي الْمَبْسُوطِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ اخْتَارُوا قَوْلَ مُحَمَّدٍ. وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ رَضِيَ بِنِصْفِ الْمَجْمُوعِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَجْهُولًا فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ يُعْلَمُ فِي الْمَآلِ وَكَانَتْ جَهَالَتُهُ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَإِنَّهُ بِعَرْضِيَّةِ أَنْ يَصِيرَ مَعْلُومًا عِنْدَ الْجَمْعِ، فَإِذَا كَانَ رَاضِيًا فِي الِابْتِدَاءِ بِنِصْفِ الْمَجْمُوعِ وَقَدْ فَسَدَ الْعَقْدُ كَانَ رَاضِيًا بِنِصْفِ ثَمَنِ الْمَجْمُوعِ فِي الِانْتِهَاءِ فَلَا يُجَاوِزُ بِهِ نِصْفَهُ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ رِضَاهُ فِي إسْقَاطِ حَقِّهِ عَنْ مُطَالَبَةِ الزِّيَادَةِ. وَوَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَقْرِيرُهُ أَيْ تَقْرِيرُ أَجْرِ الْمِثْلِ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْمَجْمُوعِ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ جَهَالَةً مُتَفَاحِشَةً جِنْسًا وَقَدْرًا حَيْثُ لَا يُدْرَى أَيَّ نَوْعٍ مِنْ الْحَطَبِ يُصِيبَانِ وَأَيَّ قَدْرٍ مِنْهُ يَجْمَعَانِ، وَلَا يَدْرِيَانِ أَيْضًا هَلْ يَجِدَانِ مَا عَقَدَا عَلَيْهِ عَقْدَ الشَّرِكَةِ أَوْ لَا يَجِدَانِهِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُعَيَّنَ رَضِيَ بِنِصْفِ الْمُسَمَّى مِنْ الْحَطَبِ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّ الرِّضَا بِالْمَجْهُولِ لَا يَتَحَقَّقُ فَيَجِبُ الْأَجْرُ بَالِغًا مَا بَلَغَ، أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ أَعَانَهُ عَلَيْهِ فَلَمْ يُصِيبَا شَيْئًا كَانَ لَهُ الْأَجْرُ بَالِغًا مَا بَلَغَ فَهَاهُنَا أَوْلَى لِأَنَّهُمَا أَصَابَا. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا اشْتَرَكَا وَلِأَحَدِهِمَا بَغْلٌ وَلِلْآخَرِ رَاوِيَةٌ) الرَّاوِيَةُ فِي الْأَصْلِ بَعِيرُ السِّقَاءِ لِأَنَّهُ يَرْوِي الْمَاءَ: أَيْ يَحْمِلُهُ ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى اُسْتُعْمِلَ فِي الْمَزَادَةِ وَهِيَ الْمُرَادَةُ هُنَا. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْمَزَادَةُ

أَمَّا فَسَادُ الشَّرِكَةِ فَلِانْعِقَادِهَا عَلَى إحْرَازِ الْمُبَاحِ وَهُوَ الْمَاءُ، وَأَمَّا وُجُوبُ الْأَجْرِ فَلِأَنَّ الْمُبَاحَ إذَا صَارَ مِلْكًا لِلْمُحْرِزِ وَهُوَ الْمُسْتَقِي، وَقَدْ اسْتَوْفَى مَنَافِعَ مِلْكِ الْغَيْرِ وَهُوَ الْبَغْلُ أَوْ الرَّاوِيَةُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَيَلْزَمُهُ أَجْرُهُ (وَكُلُّ شَرِكَةٍ فَاسِدَةٍ فَالرِّبْحُ فِيهِمَا عَلَى قَدْرِ الْمَالِ، وَيَبْطُلُ شَرْطُ التَّفَاضُلِ) لِأَنَّ الرِّبْحَ فِيهِ تَابِعٌ لِلْمَالِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ، كَمَا أَنَّ الرِّيعَ تَابِعٌ لِلْبَذْرِ فِي الزِّرَاعَةِ، وَالزِّيَادَةُ إنَّمَا تُسْتَحَقُّ بِالتَّسْمِيَةِ، وَقَدْ فَسَدَتْ فَبَقِيَ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَى قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ (وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ الشَّرِكَةُ) لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ، وَلَا بُدَّ مِنْهَا لِتَتَحَقَّقَ الشَّرِكَةُ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا تَكُونُ إلَّا مِنْ جِلْدَيْنِ يُقَامُ بِجِلْدٍ ثَالِثٍ بَيْنَهُمَا لِيَتَّسِعَ وَالْجَمْعُ مَزَادٌ وَمَزَايِدُ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الرِّبْحَ فِيهِ تَابِعٌ لِلْمَالِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ) فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الرِّبْحَ عِنْدَنَا فَرْعٌ لِلْعَقْدِ كَمَا مَرَّ، وَكُلُّ فَرْعٍ تَابِعٌ، وَكَوْنُهُ تَابِعًا لِلْمَالِ إنَّمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا تَقَدَّمَ فَكَانَ الْكَلَامُ مُتَنَاقِضًا. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ تَابِعٌ لِلْعَقْدِ إذَا كَانَ الْعَقْدُ مَوْجُودًا، وَهَاهُنَا قَدْ فَسَدَ الْعَقْدُ فَيَكُونُ تَابِعًا لِلْمَالِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ، فَإِنَّ الْعِلَّةَ إذَا لَمْ تَصْلُحْ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا تُضَافُ إلَى الشَّرْطِ. وَالرِّيعُ

مَا مَرَّ، وَالْوَكَالَةُ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ، وَكَذَا بِالِالْتِحَاقِ مُرْتَدًّا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا عَلِمَ الشَّرِيكُ بِمَوْتِ صَاحِبِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ، وَإِذَا بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ بَطَلَتْ الشَّرِكَةُ، بِخِلَافِ مَا إذَا فَسَخَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الشَّرِكَةَ وَمَالُ الشَّرِكَةِ دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ حَيْثُ يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ عَزْلٌ قَصْدِيٌّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعِبَارَةٌ عَنْ الزِّيَادَةِ، يُقَالُ: أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ رِيعًا: أَيْ غَلَّةً لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ) إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّينَ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا وَحُكِمَ بِلِحَاقِهِ إلَى قَوْلِهِ وَلَنَا أَنَّهُ بِاللِّحَاقِ صَارَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَهْم أَمْوَاتٌ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ إلَخْ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَوْتَ (عَزْلٌ حُكْمِيٌّ) لِكَوْنِ مَوْتِ الْمُوَكِّلِ يُوجِبُ عَزْلَ الْوَكِيلِ حُكْمًا لِتَحْوِيلِ مِلْكِهِ إلَى وَرَثَتِهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ حُكْمُهُ عَلَى ثُبُوتِ الْعِلْمِ بِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيلَ يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ بِمَوْتِهِ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ بَطَلَتْ الشَّرِكَةُ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ وَالْوَكَالَةُ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَكَالَةَ تَثْبُتُ فِي ضِمْنِ الشَّرِكَةِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَتْ تَابِعَةً لَهَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ التَّابِعِ بُطْلَانُ الْمَتْبُوعِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَابِعَةٌ لِلشَّرِكَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا شَرْطُهَا لَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ بِدُونِ الْوَكَالَةِ، أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى ذَلِكَ آنِفًا بِقَوْلِهِ وَلَا بُدَّ مِنْهَا أَيْ الْوَكَالَةِ لِتَتَحَقَّقَ الشَّرِكَةُ، وَإِذَا كَانَتْ شَرْطًا لَا يَتَحَقَّقُ بَقَاءُ الْمَشْرُوطِ بِدُونِهِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْفَسْخَ (عَزْلٌ قَصْدِيٌّ) فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ.

[فصل لا يؤدي أحد الشريكين زكاة مال الآخر إلا بإذنه]

(فَصْلٌ) وَلَيْسَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ مَالِ الْآخَرِ إلَّا بِإِذْنِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ التِّجَارَةِ، فَإِنْ أَذِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاتَهُ. فَإِنْ أَدَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَالثَّانِي ضَامِنٌ عَلِمَ بِأَدَاءِ الْأَوَّلِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةِ. وَقَالَا: لَا يَضْمَنُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ وَهَذَا إذَا أَدَّيَا عَلَى التَّعَاقُبِ، أَمَّا إذَا أَدَّيَا مَعًا ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ. وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ الْمَأْمُورُ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ إذَا تَصَدَّقَ عَلَى الْفَقِيرِ بَعْدَمَا أَدَّى الْآمِرُ بِنَفْسِهِ. لَهُمَا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّمْلِيكِ مِنْ الْفَقِيرِ، وَقَدْ أَتَى بِهِ فَلَا يَضْمَنُ لِلْمُوَكِّلِ، وَهَذَا لِأَنَّ فِي وُسْعِهِ التَّمْلِيكَ لَا وُقُوعَهُ زَكَاةً لِتَعَلُّقِهِ بِنِيَّةِ الْمُوَكِّلِ، وَإِنَّمَا يَطْلُبُ مِنْهُ مَا فِي وُسْعِهِ وَصَارَ كَالْمَأْمُورِ بِذَبْحِ دَمِ الْإِحْصَارِ إذَا ذَبَحَ بَعْدَمَا زَالَ الْإِحْصَارُ وَحَجَّ الْآمِرُ لَمْ يَضْمَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ لَا يُؤَدِّي أَحَد الشَّرِيكَيْنِ زَكَاةَ مَالِ الْآخَرِ إلَّا بِإِذْنِهِ] فَصْلٌ) وَلَمَّا كَانَتْ أَحْكَامُ هَذَا الْفَصْلِ أَبْعَدَ عَنْ مَسَائِلِ الشَّرِكَةِ مِنْ قَبِيلِ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ مَسَائِلِ التِّجَارَةِ أَخَّرَهَا فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْحٍ سِوَى مَا نَذْكُرُهُ. وَقَوْلُهُ (أَمَّا إذَا أَدَّيَا مَعًا ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا

الْمَأْمُورُ عَلِمَ أَوْ لَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَالْمُؤَدَّى لَمْ يَقَعْ زَكَاةً فَصَارَ مُخَالِفًا، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَمْرِ إخْرَاجُ نَفْسِهِ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَلْتَزِمُ الضَّرَرَ إلَّا لِدَفْعِ الضَّرَرِ، وَهَذَا الْمَقْصُودُ حَصَلَ بِأَدَائِهِ وَعَرَّى أَدَاءَ الْمَأْمُورِ عَنْهُ فَصَارَ مَعْزُولًا عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ. وَأَمَّا دَمُ الْإِحْصَارِ فَقَدْ قِيلَ هُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ، وَقِيلَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الدَّمَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى يَزُولَ الْإِحْصَارُ. وَفِي مَسْأَلَتِنَا الْأَدَاءُ وَاجِبٌ فَاعْتُبِرَ الْإِسْقَاطُ مَقْصُودًا فِيهِ دُونَ دَمِ الْإِحْصَارِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَلْتَزِمُ الضَّرَرَ) يَعْنِي أَدَاءَ بَعْضِ مَالِهِ عَلَى يَدِ الْوَكِيلِ إلَّا لِدَفْعِ الضَّرَرِ: أَيْ بَقَاءِ الْوَاجِبِ فِي ذِمَّتِهِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ) اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يُشْكِلُ بِالْوَكِيلِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ، فَإِنَّ هُنَاكَ إذَا قَضَى الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ قَضَى الْوَكِيلُ، فَإِنْ عَلِمَ بِأَدَاءِ الْمُوَكِّلِ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا، فَقَدْ فَرَّقَ هُنَاكَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ مَعَ أَنَّهُ حَصَلَ الْعَزْلُ الْحُكْمِيُّ هُنَاكَ أَيْضًا بِأَدَاءِ الْمُوَكِّلِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوَكِيلَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مَأْمُورٌ بِأَنْ يُجْعَلَ الْمُؤَدَّى مَضْمُونًا عَلَى الْقَابِضِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ، لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا، وَذَلِكَ يُتَصَوَّرُ بَعْدَ أَدَاءِ الْمُوَكِّلِ فَلَمْ يَكُنْ أَدَاؤُهُ مُوجِبًا عَزْلَ الْوَكِيلِ حُكْمًا فَوَضَحَ الْفَرْقُ أَنَّ هُنَاكَ لَوْ لَمْ يُوجِبْ الضَّمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ بِجَهْلِهِ بِأَدَاءِ الْمُوَكِّلِ لَلَحِقَ الْمُوَكِّلَ فِيهِ ضَرَرٌ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِرْدَادِ الْمَقْبُوضِ مِنْ الْقَابِضِ وَتَضْمِينِهِ إنْ كَانَ هَالِكًا، وَهَاهُنَا لَوْ لَمْ يُوجِبْ الضَّمَانَ أَدَّى إلَى لِحَاقِ الضَّرَرِ بِالْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِرْدَادِ الصَّدَقَةِ مِنْ الْفَقِيرِ وَلَا تَضْمِينِهِ، وَالضَّرَرُ مَدْفُوعٌ فَلِهَذَا وَجَبَ الضَّمَانُ بِكُلِّ حَالٍ. وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ أَيْضًا بِأَنَّ زَكَاةَ كُلِّ وَاحِدٍ تَسْقُطُ عَنْهُ بَعْدَ أَدَائِهِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ عَزْلُ وَكِيلِهِ، وَحَالَ مَا يُؤَدِّي عَنْهُ الْوَكِيلُ لَمْ يَحْكُمْ بِسُقُوطِ الزَّكَاةِ عَنْ مُوَكِّلِهِ فَلَمْ يُوجِبْ عَزْلَ الْوَكِيلِ عَنْ الْأَدَاءِ. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ عَنْهُ فِي حَالِ اسْتِقْرَارِ الزَّكَاةِ عَلَى الْآمِرِ، وَعِنْدَمَا يُؤَدِّي الْمُوَكِّلُ عَنْ نَفْسِهِ الزَّكَاةَ الْحَالَّةَ حَالَةَ زَوَالِ الزَّكَاةِ وَسُقُوطِهَا عَنْهُ فَلَا تُوصَفُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنَّهَا حَالَةُ اسْتِقْرَارِ الزَّكَاةِ فَكَانَ أَدَاؤُهَا عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الْمَأْذُونِ فَكَانَ مُخَالِفًا لِمَا أَمَرَهُ فَلِذَلِكَ ضَمِنَ. وَقَوْلُهُ وَأَمَّا دَمُ الْإِحْصَارِ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ فَصَارَ كَالْمَأْمُورِ بِذَبْحِ دَمِ الْإِحْصَارِ، وَتَقْدِيرُهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِذَبْحِ دَمِ الْإِحْصَارِ لَا يَضْمَنُ إذَا ذَبَحَ بَعْدَ زَوَالِ الْإِحْصَارِ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ دَمَ الْإِحْصَارِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ أَلْبَتَّةَ لِأَنَّهُ

قَالَ (وَإِذَا أَذِنَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً فَيَطَأَهَا فَفَعَلَ فَهِيَ لَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ) لِأَنَّهُ أَدَّى دَيْنًا عَلَيْهِ خَاصَّةً مِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ بِنَصِيبِهِ كَمَا فِي شِرَاءِ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ (وَهَذَا) لِأَنَّ الْمِلْكَ وَاقِعٌ لَهُ خَاصَّةً وَالثَّمَنُ بِمُقَابَلَةِ الْمِلْكِ. وَلَهُ أَنَّ الْجَارِيَةَ دَخَلَتْ فِي الشَّرِكَةِ عَلَى الْبَتَاتِ جَرْيًا عَلَى مُقْتَضَى الشَّرِكَةِ إذْ هُمَا لَا يَمْلِكَانِ تَغْيِيرَهُ فَأَشْبَهَ حَالَ عَدَمِ الْإِذْنِ، غَيْرَ أَنَّ الْإِذْنَ يَتَضَمَّنُ هِبَةَ نَصِيبِهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالْمِلْكِ، وَلَا وَجْهَ إلَى إثْبَاتِهِ بِالْبَيْعِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ مُخَالِفٌ مُقْتَضَى الشَّرِكَةِ فَأَثْبَتْنَاهُ بِالْهِبَةِ الثَّابِتَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَوْ صَبَرَ إلَى أَنْ يَزُولَ الْإِحْصَارُ لَمْ يُطَالَبْ بِدَمِ الْإِحْصَارِ فَلَمْ يَكُنْ أَمْرًا مَقْصُودًا فَلَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمَقْصُودَ حَصَلَ بِفِعْلِ الْمُحْصَرِ قَبْلَ فِعْلِ الْمَأْمُورِ فَعَرِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورِ عَنْ الْمَقْصُودِ، بِخِلَافِ أَدَاءِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ وَكَانَ إسْقَاطُ الْوَاجِبِ أَمْرًا مَقْصُودًا، وَقَدْ حَصَلَ هَذَا الْمَقْصُودُ بِأَدَاءِ الْآمِرِ نَفْسِهِ فَعَرِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورِ عَنْ الْمَقْصُودِ فَيَضْمَنُ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا أَذِنَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ ظَاهِرَةٌ، وَتَقْرِيرُ دَلِيلِهِمَا أَنَّهُ أَدَّى دَيْنًا عَلَيْهِ خَاصَّةً مِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ، وَكُلُّ مَنْ فَعَلَ كَذَلِكَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ بِنَصِيبِهِ كَمَا فِي شِرَاءِ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ إنَّهُ أَدَّى دَيْنًا عَلَيْهِ خَاصَّةً لِأَنَّ الْمِلْكَ وَاقِعٌ لَهُ خَاصَّةً بِدَلِيلِ حِلِّ وَطْئِهَا، وَالثَّمَنُ بِمُقَابَلَةِ الْمِلْكِ فَكَانَ الدَّيْنُ عَلَيْهِ خَاصَّةً. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْجَارِيَةَ دَخَلَتْ فِي الشَّرِكَةِ عَلَى الْبَتَاتِ وَأَدَّى الْمُشْتَرِي ثَمَنَهَا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ، وَكُلُّ مَا دَخَلَ فِي الشَّرِكَةِ وَأَدَّى الْمُشْتَرِي ثَمَنَهَا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ بِشَيْءٍ، كَمَا لَوْ اشْتَرَاهَا قَبْلَ الْإِذْنِ وَأَدَّى ثَمَنَهَا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، وَبَيَّنَ دُخُولَهَا فِي الشَّرِكَةِ بِقَوْلِهِ (جَرْيًا عَلَى مُقْتَضَى الشَّرِكَةِ) أَيْ شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي دُخُولَ مَا لَيْسَ بِمُسْتَثْنًى كَالطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ تَحْتَهَا، وَشِرَاءُ الْجَارِيَةِ لَيْسَ بِمُسْتَثْنًى فَيَدْخُلُ تَحْتَهَا لِأَنَّهُمَا لَا يَمْلِكَانِ تَغْيِيرَ مُقْتَضَى الشَّرِكَةِ مَعَ بَقَائِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ شَرَطَا التَّفَاوُتَ بَيْنَهُمَا فِي مِلْكِ الْمُشْتَرَى لَمْ يُعْتَبَرْ مَعَ بَقَاءِ عَقْدِ الشَّرِكَةِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَتْ وَاقِعَةً عَلَى الشَّرِكَةِ كَيْفَ كَانَ يَحِلُّ وَطْؤُهَا؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ كَانَ يَحِلُّ وَطْؤُهَا كَمَا يَحِلُّ إذَا وَهَبَهُ نَصِيبَهُ بَعْدَ الشِّرَاءِ بِغَيْرِ إذْنٍ، وَقَوْلُهُ (غَيْرَ أَنَّ الْإِذْنَ يَتَضَمَّنُ هِبَةَ نَصِيبِهِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ فَأَشْبَهَ حَالَ عَدَمِ الْإِذْنِ فَإِنَّهُ كَانَ مِمَّا يُوهِمُ أَنْ يُقَالَ كَيْفَ يُشْبِهُ حَالَ عَدَمِ الْإِذْنِ وَهُنَاكَ لَمْ يَحِلَّ وَطْؤُهَا وَبَعْدَ الْإِذْنِ يَحِلُّ، فَأَزَالَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ غَيْرَ أَنَّ الْإِذْنَ يَتَضَمَّنُ هِبَةَ نَصِيبِهِ مِنْهُ، لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالْمِلْكِ، وَلَا وَجْهَ إلَى إثْبَاتِهِ بِالْبَيْعِ: يَعْنِي لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ حَلَّ الْوَطْءُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ اشْتَرَى جَمِيعَهَا لِنَفْسِهِ

[كتاب الوقف]

فِي ضِمْنِ الْإِذْنِ، بِخِلَافِ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَثْنًى عَنْهَا لِلضَّرُورَةِ فَيَقَعُ الْمِلْكُ لَهُ خَاصَّةً بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَكَانَ مُؤَدِّيًا دَيْنًا عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ. وَفِي مَسْأَلَتِنَا قَضَى دَيْنًا عَلَيْهِمَا لِمَا بَيَّنَّا (وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ بِالثَّمَنِ أَيَّهُمَا شَاءَ) بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَجَبَ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ، وَالْمُفَاوَضَةُ تَضَمَّنَتْ الْكَفَالَةَ فَصَارَ كَالطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ. كِتَابُ الْوَقْفِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الشَّرِكَةِ يُرِيدُ بِهِ مَا ذَكَرَهُ آنِفًا مِنْ قَوْلِهِ جَرْيًا عَلَى مُقْتَضَى الشَّرِكَةِ فَأَثْبَتْنَاهُ بِالْهِبَةِ الثَّابِتَةِ فِي ضِمْنِ الْإِذْنِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ اشْتَرِ جَارِيَةً بَيْنَنَا وَقَدْ وَهَبْت نَصِيبِي مِنْهَا لَك فَجَازَتْ الْهِبَةُ فِي الشَّائِعِ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ مِمَّا لَا تُقْسَمُ، بِخِلَافِ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ حَيْثُ يَقَعُ لِلْمُشْتَرِي خَاصَّةً لِأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَثْنًى عَنْهَا لِلضَّرُورَةِ فَيَقَعُ الْمِلْكُ لَهُ خَاصَّةً بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَكَانَ مُؤَدِّيًا دَيْنًا عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا قَضَى دَيْنًا عَلَيْهِمَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهَا دَخَلَتْ فِي الشَّرِكَةِ. وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ مَنْ قَالَ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَالَ فَفَعَلَ لَا يَصِيرُ هِبَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَالْعِتْقُ يَقَعُ عَنْ الْمَأْمُورِ لِانْتِفَاءِ الْقَبْضِ الَّذِي هُوَ شَرْطُ الْهِبَةِ فَكَيْفَ صَارَ هِبَةً فِيمَا نَحْنُ فِيهِ. وَالثَّانِي أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ فِي نَصِيبِ الشَّرِكَةِ بِالْهِبَةِ حُكْمًا لِلْإِذْنِ بِالْوَطْءِ، وَالْمِلْكُ لَا يَثْبُتُ فِي الْجَارِيَةِ بِالْهِبَةِ حُكْمًا لِلْإِحْلَالِ، فَإِنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ أَحْلَلْت لَك وَطْءَ هَذِهِ الْجَارِيَةِ لَا تَصِيرُ مِلْكًا لِلْمُخَاطَبِ حُكْمًا لِلْهِبَةِ بِالْإِحْلَالِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا لَا يَصِيرُ هِبَةً لِانْتِفَاءِ الْقَبْضِ الَّذِي هُوَ شَرْطُهَا، وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَقْبِضُ بَعْدَ الشِّرَاءِ عَلَى الشَّرِكَةِ وَهُوَ وَكِيلٌ ثُمَّ يَقْبِضُهُ لِنَفْسِهِ. وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي ضِمْنِ الْإِذْنِ، وَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ الشَّيْءُ ضِمْنًا وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا. قَوْلُهُ (وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ بِالثَّمَنِ أَيَّهمَا شَاءَ) ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ. [كِتَابُ الْوَقْفِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمُنَاسَبَةُ ذِكْرِ الْوَقْفِ بَعْدَ الشَّرِكَةِ هِيَ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا الِانْتِفَاعُ بِمَا يَزِيدُ عَلَى أَصْلِ الْمَالِ، وَهُوَ مَصْدَرُ وَقَفْت الدَّابَّةِ وُقُوفًا وَوَقَفْتهَا أَنَا يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى، وَوَقَفْت الدَّارَ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَقْفًا وَأَوْقَفْتهَا لُغَةٌ رَدِيئَةٌ، وَعَرَّفَهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّهُ حَبْسُ الْمَمْلُوكِ التَّمْلِيكَ عَنْ الْغَيْرِ. وَسَبَبُهُ طَلَبُ الزُّلْفَى. وَشَرْطُهُ كَوْنُ الْوَاقِفِ حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا وَكَوْنُ الْمَحَلِّ غَيْرَ مَنْقُولٍ. وَرُكْنُهُ أَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ مُؤَبَّدَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ. وَحُكْمُهُ خُرُوجُ الْوَقْفِ: أَيْ الْمَوْقُوفِ عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ وَعَدَمُ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ، وَمَا عَرَّفَهُ بِهِ

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَزُولُ مِلْكُ الْوَاقِفِ عَنْ الْوَقْفِ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهِ الْحَاكِمُ أَوْ يُعَلِّقَهُ بِمَوْتِهِ فَيَقُولَ إذَا مِتُّ فَقَدْ وَقَفْت دَارِي عَلَى كَذَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ (يَزُولُ مِلْكُهُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَزُولُ حَتَّى يَجْعَلَ لِلْوَقْفِ وَلِيًّا وَيُسَلِّمَهُ إلَيْهِ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْوَقْفُ لُغَةً. هُوَ الْحَبْسُ تَقُولُ وَقَفْت الدَّابَّةَ وَأَوْقَفْتهَا بِمَعْنًى. وَهُوَ فِي الشَّرْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَالتَّصَدُّقُ بِالْمَنْفَعَةِ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ. ثُمَّ قِيلَ الْمَنْفَعَةُ مَعْدُومَةٌ فَالتَّصَدُّقُ بِالْمَعْدُومِ لَا يَصِحُّ، فَلَا يَجُوزُ الْوَقْفُ أَصْلًا عِنْدَهُ، وَهُوَ الْمَلْفُوظُ فِي الْأَصْلِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَهُ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ، وَعِنْدَهُمَا حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى حُكْمِ مُلْكِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَزُولُ مِلْكُ الْوَاقِفِ عَنْهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهٍ تَعُودُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقْتَضِي أَنْ لَا يَصِحَّ الْوَقْفُ لِأَنَّهُ قَالَ: وَالتَّصَدُّقُ بِالْمَنْفَعَةِ وَالتَّصَدُّقُ بِالْمَعْدُومِ لَا يَصِحُّ. وَقَوْلُهُ (وَهُوَ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ (فَلَا يَجُوزُ الْوَقْفُ أَصْلًا عِنْدَهُ وَهُوَ الْمَلْفُوظُ فِي الْأَصْلِ) يَعْنِي الْمَبْسُوطَ، وَلَكِنَّهُ نَقَلَهُ بِالْمَعْنَى لَا بِعَيْنِ لَفْظِهِ، فَإِنَّ لَفْظَ الْمَبْسُوطِ: فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَكَانَ لَا يُجِيزُ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: فَمُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يَجْعَلُهُ لَازِمًا، فَأَمَّا أَصْلُ الْجَوَازِ فَثَابِتٌ عِنْدَهُ كَالْعَارِيَّةِ تُصْرَفُ الْمَنْفَعَةُ إلَى جِهَةِ الْوَقْفِ وَتَبْقَى الْعَيْنُ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَيُورَثُ عَنْهُ، وَلَا يَلْزَمُ إلَّا بِطَرِيقَيْنِ: قَضَاءُ الْقَاضِي بِلُزُومِهِ لِكَوْنِهِ مُجْتَهَدًا فِيهِ، وَإِخْرَاجُهُ مَخْرَجَ الْوَصِيَّةِ بِأَنْ يَقُولَ: أَوْصَيْت بِغَلَّةِ دَارِي، فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ. وَعِنْدَهُمَا هُوَ حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى، فَيَزُولُ

مَنْفَعَتُهُ إلَى الْعِبَادِ فَيَلْزَمُ وَلَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ. وَاللَّفْظُ يَنْتَظِمُهُمَا وَالتَّرْجِيحُ بِالدَّلِيلِ. لَهُمَا «قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ أَرَادَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِأَرْضٍ لَهُ تُدْعَى ثَمْغًا: تَصَدَّقْ بِأَصْلِهَا لَا يُبَاعُ وَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمِلْكُ الْوَاقِفِ عَنْهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهٍ تَعُودُ الْمَنْفَعَةُ إلَى الْعِبَادِ فَيَلْزَمُ وَلَا يُبَاعُ وَلَا يُورَثُ (قَوْلُهُ وَاللَّفْظُ) أَيْ لَفْظُ الْوَقْفِ (يَنْتَظِمُهُمَا) : أَيْ يَتَنَاوَلُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ، وَمَا قَالَاهُ وَهُوَ حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى انْتِظَامًا وَاحِدًا مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ مُرَجَّحٍ. ثُمَّ ابْتَدَأَ بِبَيَانِ دَلِيلِهِمَا بِقَوْلِهِ: لَهُمَا

يُورَثُ وَلَا يُوهَبُ» وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إلَى أَنْ يَلْزَمَ الْوَقْفُ مِنْهُ لِيَصِلَ ثَوَابُهُ إلَيْهِ عَلَى الدَّوَامِ، وَقَدْ أَمْكَنَ دَفْعُ حَاجَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. رَوَى صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ تُدْعَى ثَمْغًا وَكَانَتْ نَخْلًا نَفِيسًا، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي اسْتَفَدْت مَالًا وَهُوَ عِنْدِي نَفِيسٌ أَفَأَتَصَدَّقُ بِهِ؟ قَالَ: تَصَدَّقْ بِأَصْلِهِ، لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ، وَلَكِنْ لِيُنْفَقْ مِنْ ثَمَرَتِهِ» ، فَتَصَدَّقَ بِهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفِي الرِّقَابِ وَالضَّيْفِ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَلِذِي الْقُرْبَى مِنْهُ " وَلَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهُ أَنْ يَأْكُلَ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ يُؤْكِلَ صَدِيقًا لَهُ غَيْرَ مُتَمَوَّلٍ عَنْهُ، وَهَذِهِ الْأَرْضُ كَانَتْ سَهْمَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِخَيْبَرَ حِينَ قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْبَرَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ، وَثَمْغٌ لَقَبٌ لَهَا وَهِيَ بِفَتْحِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَالْغَيْنِ

بِإِسْقَاطِ الْمِلْكِ وَجَعْلِهِ لِلَّهِ تَعَالَى. إذْ لَهُ نَظِيرٌ فِي الشَّرْعِ وَهُوَ الْمَسْجِدُ فَيُجْعَلُ كَذَلِكَ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا حَبْسَ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى» وَعَنْ شُرَيْحٍ: جَاءَ مُحَمَّدٌ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِبَيْعِ الْحَبِيسِ لِأَنَّ الْمِلْكَ بَاقٍ فِيهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ زِرَاعَةً وَسُكْنَى وَغَيْرَ ذَلِكَ وَالْمِلْكُ فِيهِ لِلْوَاقِفِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِصَرْفِ غَلَّاتِهِ إلَى مَصَارِفِهَا وَنَصْبِ الْقَوَّامِ فِيهَا إلَّا أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِمَنَافِعِهِ فَصَارَ شَبِيهَ الْعَارِيَّةِ، وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى التَّصَدُّقِ بِالْغَلَّةِ دَائِمًا وَلَا تَصَدُّقَ عَنْهُ إلَّا بِالْبَقَاءِ عَلَى مِلْكِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُزَالَ مِلْكُهُ، لَا إلَى مَالِكٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ مَعَ بَقَائِهِ كَالسَّائِبَةِ. بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُعْجَمَةِ. وَقَوْلُهُ (إذْ لَهُ نَظِيرٌ فِي الشَّرْعِ وَهُوَ الْمَسْجِدُ) لِبَيَانِ نَفْيِ اسْتِبْعَادِ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ وَلَا تَدْخُلَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، فَإِنَّ اتِّخَاذَ الْمَسْجِدِ لَازِمٌ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ إخْرَاجٌ لِتِلْكَ الْبُقْعَةِ عَنْ مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَدْخُلَ فِي مِلْكِ أَحَدٍ وَلَكِنَّهَا تَصِيرُ مَحْبُوسَةً لِنَوْعِ قُرْبَةٍ قَصَدَهَا فَكَذَلِكَ فِي الْوَقْفِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا حَبْسَ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ» أَيْ لَا مَالَ يُحْبَسُ بَعْدَ مَوْتِ صَاحِبِهِ عَنْ الْقِسْمَةِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ، لَكِنَّهُمْ يَحْمِلُونَ هَذَا الْأَثَرَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِي، وَيَقُولُونَ الشَّرْعُ أَبْطَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: النَّكِرَةُ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ تَعُمُّ فَتَتَنَاوَلُ كُلَّ طَرِيقٍ يَكُونُ فِيهِ حَبْسٌ عَنْ الْمِيرَاثِ إلَّا مَا قَامَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ. وَقَوْلُهُ (جَاءَ مُحَمَّدٌ بِبَيْعِ الْحَبِيسِ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لُزُومَ الْوَقْفِ كَانَ فِي شَرِيعَةِ مَنْ قَبْلَنَا وَأَنَّ شَرِيعَتَنَا نَاسِخَةٌ لِذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (كَالسَّائِبَةِ) هِيَ النَّاقَةُ الَّتِي تُسَيَّبُ لِنَذْرٍ، وَكَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ: إذَا قَدِمْت مِنْ سَفَرِي أَوْ بَرِئْت مِنْ مَرَضِي فَنَاقَتِي سَائِبَةٌ. وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْوَقْفَ بِمَنْزِلَةِ تَسْيِيبِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَيْنَ لَا تَخْرُجُ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَمْلُوكَةً لَهُ مُنْتَفَعًا بِهَا، فَإِنَّهُ لَوْ سَيَّبَ دَابَّتَهُ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ، فَكَذَا إذَا وَقَفَ أَرْضَهُ أَوْ دَارِهِ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَوْ كَانَ إزَالَةُ الْمِلْكِ لَا إلَى مَالِكٍ غَيْرَ مَشْرُوعٍ لَمَا جَازَ الْعِتْقُ فَإِنَّهُ إزَالَةُ الْمِلْكِ الثَّابِتِ فِي الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ تَمْلِيكٍ لِأَحَدٍ.

وَبِخِلَافِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ جُعِلَ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ، وَهُنَا لَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ الْعَبْدِ عَنْهُ فَلَمْ يَصِرْ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قَالَ فِي الْكِتَابِ: لَا يَزُولُ مِلْكُ الْوَاقِفِ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهِ الْحَاكِمُ أَوْ يُعَلِّقَهُ بِمَوْتِهِ، وَهَذَا فِي حُكْمِ الْحَاكِمِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ، أَمَّا فِي تَعْلِيقِهِ بِالْمَوْتِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ إلَّا أَنَّهُ تَصَدُّقٌ بِمَنَافِعِهِ مُؤَبَّدًا فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ مُؤَبَّدًا فَيَلْزَمُ، وَالْمُرَادُ بِالْحَاكِمِ الْمَوْلَى، فَأَمَّا الْمُحَكِّمُ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَبِخِلَافِ الْمَسْجِدِ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِهِمْ الْوَقْفَ عَلَى الْمَسْجِدِ. وَقَوْلُهُ (قَالَ فِي الْكِتَابِ) يَعْنِي مُخْتَصَرَ الْقُدُورِيِّ: لَا يَزُولُ مِلْكُ الْوَاقِفِ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهِ الْحَاكِمُ أَوْ يُعَلِّقَهُ بِمَوْتِهِ. صُورَةُ الْحُكْمِ أَنْ يُسَلِّمَ الْوَاقِفُ مَا وَقَفَهُ إلَى الْمُتَوَلِّي ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ فَيُنَازِعَهُ بَعْدَ اللُّزُومِ فَيَخْتَصِمَانِ إلَى الْقَاضِي فَيَقْضِي بِلُزُومِهِ. وَقَوْلُهُ (فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ) يَعْنِي أَنَّ الْمَشَايِخَ اخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَقِيلَ يَزُولُ الْمِلْكُ بِالتَّعْلِيقِ بِالْمَوْتِ لِأَنَّهُ وَقْتُ خُرُوجِ الْأَمْلَاكِ عَنْ مِلْكِهِ فَالتَّعْلِيقُ بِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ الْخُرُوجُ مِنْ الْمِلْكِ. وَقِيلَ لَا يَزُولُ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْوَاقِفَ تَصَدَّقَ بِالْغَلَّةِ وَهُوَ لَا يَسْتَدْعِي زَوَالَ أَصْلِ الْمِلْكِ، وَلِأَنَّهُ تَصَدَّقَ بِالْغَلَّةِ دَائِمًا، وَلَا يُمْكِنُ التَّصَدُّقُ بِهَا هَكَذَا إلَّا إذَا بَقِيَ أَصْلُ الْمَوْقُوفِ عَلَى مِلْكِهِ، إلَّا أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِمَنَافِعِهِ مُؤَبَّدًا فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ مُؤَبَّدًا فَيَلْزَمُهُ. وَالْمُرَادُ بِالْحَاكِمِ الْمُوَلَّى أَيْ الَّذِي وَلَّاهُ الْخَلِيفَةُ عَمَلَ الْقَضَاءِ. وَأَمَّا الْمُحَكَّمُ وَهُوَ الَّذِي يُفَوَّضُ إلَيْهِ الْحُكْمُ فِي حَادِثَةٍ مُعَيَّنَةٍ بِاتِّفَاقِ الْمُتَخَاصِمَيْنِ فَفِيهِ

وَلَوْ وَقَفَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ إلَّا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَالْوَقْفُ فِي الصِّحَّةِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَإِذَا كَانَ الْمِلْكُ يَزُولُ عِنْدَهُمَا يَزُولُ بِالْقَوْلِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ الْمِلْكِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بُدَّ مِنْ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُتَوَلِّي ـــــــــــــــــــــــــــــQاخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ. قَالَ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ مِنْ خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى: وَأَمَّا حُكْمُ الْمُحَكَّمِ فِي الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ وَسَائِرِ الْمُجْتَهَدَاتِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُنَفَّذُ وَلَكِنْ لَا يُفْتَى بِهِ (قَوْلُهُ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ) يَعْنِي يَلْزَمُ الْوَقْفُ حِينَئِذٍ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، بِخِلَافِ الْوَقْفِ فِي الصِّحَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ عِنْدَهُ. ثُمَّ قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ مِنْهُ فِي مَرَضِهِ كَمَا لَا يَجُوزُ فِي صِحَّتِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى أُصُولِهِ.

لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ فِيهِ فِي ضِمْنِ التَّسْلِيمِ إلَى الْعَبْدِ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مَالِكُ الْأَشْيَاءِ لَا يَتَحَقَّقُ مَقْصُودًا، وَقَدْ يَكُونُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ فَيَأْخُذُ حُكْمَهُ فَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ فِي الْمَرَضِ كَالْمُبَاشَرَةِ فِي الصِّحَّةِ حَتَّى لَا يَلْزَمَ وَلَا يَمْنَعَ الْإِرْثَ كَالْعَارِيَّةِ، وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُ إلَّا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَالْوَقْفُ فِي الصِّحَّةِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ (قَوْلُهُ وَقَدْ يَكُونُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ فَيَأْخُذُ حُكْمَهُ) أَيْ يَثْبُتُ التَّمْلِيكُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ضِمْنًا لِلتَّمْلِيكِ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ التَّمْلِيكُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى قَصْدًا فَيَأْخُذُ التَّمْلِيكُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى حُكْمَ التَّمْلِيكِ مِنْ غَيْرِهِ حَتَّى يُشْتَرَطَ فِيهِ التَّسْلِيمُ وَالْقَبْضُ (قَوْلُهُ فَيُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَةِ) يَعْنِي يُنَزَّلُ التَّمْلِيكُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْوَقْفِ فِي ضِمْنِ التَّسْلِيمِ إلَى الْعَبْدِ مَنْزِلَةَ تَمْلِيكِ الْمَالِ مِنْ اللَّهِ

قَالَ (وَإِذَا صَحَّ الْوَقْفُ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَإِذَا اُسْتُحِقَّ مَكَانَ قَوْلِهِ إذَا صَحَّ (خَرَجَ مِنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ فِي مِلْكِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ بَلْ يَنْفُذُ بَيْعُهُ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَهُ لَمَا انْتَقَلَ عَنْهُ بِشَرْطِ الْمَالِكِ الْأَوَّلِ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قَوْلُهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي سَبَقَ تَقْرِيرُهُ. قَالَ (وَوَقْفُ الْمُشَاعِ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعَالَى فِي الزَّكَاةِ حَيْثُ يَتَحَقَّقُ التَّمْلِيكُ مِنْهُ فِي ضِمْنِ التَّسْلِيمِ إلَى الْفَقِيرِ. قَالَ (وَإِذَا صَحَّ الْوَقْفُ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ) أَيْ إذَا صَحَّ الْوَقْفُ عَلَى مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَصِحُّ عِنْدَهُمَا وَلَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا هُوَ الْمَلْفُوظُ فِي الْأَصْلِ، وَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ عِنْدَ الْكُلِّ خَرَجَ مِنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ: يَعْنِي عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ جَازَ لَهُ إخْرَاجُهُ مِنْ مِلْكِهِ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ، وَلَمَا انْتَقَلَ إلَى مَنْ بَعْدَهُ مِمَّنْ شَرَطَهُ الْوَاقِفُ لَكِنْ لَيْسَ كَذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ. وَقَوْلُهُ (يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي سَبَقَ تَقْرِيرُهُ) اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا لَا يَزُولُ مِلْكُ الْوَاقِفِ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهِ الْحَاكِمُ، وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي حَقِّ زَوَالِ الْوَقْفِ عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَإِنَّ الْمِلْكَ يَزُولُ بِدُونِ حُكْمِ الْحَاكِمِ، ثُمَّ الدَّلِيلُ الصَّحِيحُ يَقْتَضِي عَدَمَ جَوَازِ الْخُرُوجِ عَنْ الْمِلْكِ لِأَنَّ الْخُرُوجَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَصِحَّ شَرْطُهُ فِي صَرْفِ الْغَلَّةِ كَمَا إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَصْرِفَ غَلَّتَهُ إلَى كَذَا أَوْ جَعَلَ أَرْضَهُ مَسْجِدًا بِشَرْطِ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ فُلَانٌ دُونَ فُلَانٍ، فَإِنَّ التَّصَرُّفَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ هَاهُنَا إنَّمَا هُوَ فِي الصِّحَّةِ، وَمَا ذَكَرَهُ قَبْلَ هَذَا فَإِنَّمَا هُوَ فِي اللُّزُومِ، وَالصِّحَّةُ لَا تَسْتَلْزِمُ اللُّزُومَ فَكَانَ الْقَوْلُ بِخُرُوجِ الْوَقْفِ عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ إذَا صَحَّ الْوَقْفُ قَوْلَهُمَا لَا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ، إلَّا إذَا حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ خُرُوجُ الْوَقْفِ عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ قَوْلَ الْكُلِّ. سَلَّمْنَا أَنَّ الصِّحَّةَ هَاهُنَا بِمَعْنَى اللُّزُومِ وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ اللُّزُومِ الْخُرُوجُ عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْوَقْفَ عِنْدَهُ مُعَرَّفٌ بِحَبْسِ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَالتَّصَدُّقِ بِالْمَنْفَعَةِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ عَنْ الْخُرُوجِ لَا مَحَالَةَ.

لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ وَالْقَبْضُ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَكَذَا تَتِمَّتُهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ أَصْلَ الْقَبْضِ عِنْدَهُ شَرْطٌ فَكَذَا مَا يَتِمُّ بِهِ، وَهَذَا فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، وَأَمَّا فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَيَجُوزُ مَعَ الشُّيُوعِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَيْضًا لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ الْمُنَفَّذَةِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ وَالْمَقْبَرَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَتِمُّ مَعَ الشُّيُوعِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، لِأَنَّ بَقَاءَ الشَّرِكَةِ يَمْنَعُ الْخُلُوصَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ فِيهِمَا فِي غَايَةِ الْقُبْحِ بِأَنْ يُقْبَرَ فِيهِ الْمَوْتَى سَنَةً، وَيُزْرَعَ سَنَةً وَيُصَلَّى فِيهِ فِي وَقْتٍ وَيُتَّخَذَ إصْطَبْلًا فِي وَقْتٍ، بِخِلَافِ الْوَقْفِ لِإِمْكَانِ الِاسْتِغْلَالِ وَقِسْمَةِ الْغَلَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ خُرُوجَ الْمِلْكِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى قُرْبَةٌ لَا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ فِيهِ مِمَّنْ خَرَجَ عَنْهُ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْقُرُبَاتِ تَصِيرُ بِالْإِرَاقَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ إنَّ صَاحِبَهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِالْأَكْلِ وَالْإِطْعَامِ وَالتَّصَدُّقِ بِهِ بِتَوْلِيَةِ الشَّرْعِ لِكَوْنِهِ الْمُتَقَرَّبَ بِهِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ أَمْرُ الْوَاقِفِ كَذَلِكَ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مَالِكًا لِمَنَافِعِهِ فَلَا يَعْمَلُ فِيهِ تَصَرُّفُ غَيْرِهِ، وَأَمَّا الْمَسْجِدُ فَالْأَصْلُ الْكَعْبَةُ وَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ فِيهِ سَوَاءٌ الْعَاكِفُ وَالْبَادِ، فَعَلِمْنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوَلِّ التَّخْصِيصَ إلَى الَّذِي جَعَلَهُ مَسْجِدًا، وَإِنَّمَا أَلْحَقَهُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْكَعْبَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ) بَيَانُهُ أَنَّ الْقَبْضَ لِلْحِيَازَةِ وَالْحِيَازَةُ فِيمَا يُقْسَمُ إنَّمَا هِيَ بِالْقِسْمَةِ (قَوْلُهُ وَوَقْفُ الْمُشَاعِ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) لَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْقِسْمَةَ فِيمَا يُقْسَمُ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي أَنَّ أَصْلَ الْقَبْضِ شَرْطٌ أَوْ لَا، عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَكَذَا تَمَامُهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ شَرْطٌ فَكَذَا تَمَامُهُ، وَأَمَّا فِيمَا لَا يُقْسَمُ فَمُحَمَّدٌ أَيْضًا يُجَوِّزُهُ وَيَعْتَبِرُهُ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ الْمُنَفَّذَةِ: أَيْ الصَّدَقَةِ الْخَاضِعَةِ الْمُسَلَّمَةِ إلَى الْفَقِيرِ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الصَّدَقَةِ الْمَوْقُوفَةِ وَهِيَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ (قَوْلُهُ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ وَالْمَقْبَرَةِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَوَقْفُ الْمُشَاعِ

وَلَوْ وَقَفَهُ الْكُلَّ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ جُزْءٌ مِنْهُ بَطَلَ فِي الْبَاقِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الشُّيُوعَ مُقَارَنٌ كَمَا فِي الْهِبَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا رَجَعَ الْوَاهِبُ فِي الْبَعْضِ أَوْ رَجَعَ الْوَارِثُ فِي الثُّلُثَيْنِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَرِيضِ وَقَدْ وَهَبَهُ أَوْ أَوْقَفَهُ فِي مَرَضِهِ وَفِي الْمَالِ ضِيقٌ، لِأَنَّ الشُّيُوعَ فِي ذَلِكَ طَارِئٌ. وَلَوْ اُسْتُحِقَّ جُزْءٌ مُمَيَّزٌ بِعَيْنِهِ لَمْ يَبْطُلْ فِي الْبَاقِي لِعَدَمِ الشُّيُوعِ وَلِهَذَا جَازَ فِي الِابْتِدَاءِ، وَعَلَى هَذَا الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ الْمَمْلُوكَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQجَائِزٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، فَإِنَّهُ لَا يَتِمُّ مَعَ الشُّيُوعِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ بِأَنْ كَانَ الْمَوْضِعُ صَغِيرًا لَا يَصْلُحُ لِمَا أَرَادَهُ الْوَاقِفُ مِنْ اتِّخَاذِ الْمَسْجِدِ وَالْمَقْبَرَةِ عَلَى تَقْدِيرِ الْقِسْمَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ جَعْلَ الْمَسْجِدِ وَالْمَقْبَرَةِ فِي الْمُشَاعِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ لَا يَجُوزُ أَصْلًا لَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَهُوَ حَالَ كَوْنِهِ مُشَاعًا وَلَا بَعْدَهَا، أَمَّا قَبْلَهَا فَإِنَّ بَقَاءَ الشَّرِكَةِ يَمْنَعُ الْخُلُوصَ عَلَى مَا سَيَجِيءُ، وَأَمَّا بَعْدَهَا فَلِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَضْعُ غَيْرَ صَالِحٍ لِذَلِكَ لِصِغَرِهِ فَبَقِيَ أَنْ يَكُونَ بِطَرِيقِ

قَالَ: وَلَا يَتِمُّ الْوَقْفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ حَتَّى يَجْعَلَ آخِرَهُ بِجِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ أَبَدًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا سَمَّى فِيهِ جِهَةً تَنْقَطِعُ جَازَ وَصَارَ بَعْدَهَا لِلْفُقَرَاءِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِمْ. لَهُمَا أَنَّ مُوجَبَ الْوَقْفِ زَوَالُ الْمِلْكِ بِدُونِ التَّمْلِيكِ وَأَنَّهُ يَتَأَبَّدُ كَالْعِتْقِ، فَإِذَا كَانَتْ الْجِهَةُ يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُهَا لَا يَتَوَفَّرُ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ، فَلِهَذَا كَانَ التَّوْقِيتُ مُبْطِلًا لَهُ كَالتَّوْقِيتِ فِي الْبَيْعِ. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مُوَفَّرٌ عَلَيْهِ، لِأَنَّ التَّقَرُّبَ تَارَةً يَكُونُ فِي الصَّرْفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُهَايَأَةِ، وَالْمُهَايَأَةُ فِيهِمَا فِي غَايَةِ الْقُبْحِ إلَخْ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. قَالَ (وَلَا يَتِمُّ الْوَقْفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ حَتَّى يَجْعَلَ آخِرَهُ لِجِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ حَيْثُمَا وُجِدُوا مَثَلًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا سَمَّى جِهَةً تَنْقَطِعُ مِثْلُ أَنْ يَقِفَ عَلَى أَوْلَادِهِ أَوْ عَلَى أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ جَازَ وَصَارَ بَعْدَهَا لِلْفُقَرَاءِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِمْ. لَهُمَا أَنَّ مُوجَبَ الْوَقْفِ زَوَالُ الْمِلْكِ بِدُونِ التَّمْلِيكِ: يَعْنِي لَا إلَى مَالِكٍ، وَكُلُّ مَا كَانَ زَوَالَ الْمِلْكِ بِدُونِ التَّمْلِيكِ فَإِنَّهُ يَتَأَبَّدُ كَالْعِتْقِ فَمُوجَبُ الْوَقْفِ يَتَأَبَّدُ، وَإِذَا كَانَتْ الْجِهَةُ يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُهَا لَا يَتَوَفَّرُ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْوَقْفِ مُقْتَضَاهُ، وَلِهَذَا كَانَ التَّوْقِيتُ مُبْطِلًا لَهُ لِأَنَّهُ يُنَافِي مُوجَبَهُ كَالتَّوْقِيتِ فِي الْبَيْعِ. قِيلَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَنَاقُضٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوَقْفِ أَنَّ الْوَقْفَ عِنْدَهُ حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ فَكَانَ مُوجَبُهُ عَدَمَ زَوَالِ الْمِلْكِ عَنْ الْوَاقِفِ، ثُمَّ قَالَ هُنَا: مُوجَبُهُ زَوَالُ الْمِلْكِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْمَذْكُورُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أُخْرَى، فَيَكُونُ عَنْهُ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ. وَقِيلَ أَرَادَ هَاهُنَا مَا إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ وَلُزُومِهِ فَحِينَئِذٍ يَخْرُجُ الْوَقْفُ عَنْ مِلْكِ

إلَى جِهَةٍ تَنْقَطِعُ وَمَرَّةً بِالصَّرْفِ إلَى جِهَةٍ تَتَأَبَّدُ فَيَصِحُّ فِي الْوَجْهَيْنِ وَقِيلَ إنَّ التَّأْبِيدَ شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ، إلَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ التَّأْبِيدِ لِأَنَّ لَفْظَةَ الْوَقْفِ وَالصَّدَقَةِ مُنْبِئَةٌ عَنْهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ إزَالَةُ الْمِلْكِ بِدُونِ التَّمْلِيكِ كَالْعِتْقِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْكِتَابِ فِي بَيَانِ قَوْلِهِ وَصَارَ بَعْدَهَا لِلْفُقَرَاءِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِمْ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ ذِكْرُ التَّأْبِيدِ شَرْطٌ لِأَنَّ هَذَا صَدَقَةٌ بِالْمَنْفَعَةِ أَوْ بِالْغَلَّةِ، وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ مُؤَقَّتًا وَقَدْ يَكُونُ مُؤَبَّدًا فَمُطْلَقُهُ لَا يَنْصَرِفُ إلَى التَّأْبِيدِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّنْصِيصِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَاقِفِ بِالِاتِّفَاقِ وَهَذَا أَوْفَقُ. وَأَقُولُ: هَذَا لَيْسَ بِمُنَاسِبٍ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي سَبَقَ تَقْرِيرُهُ. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْوَقْفِ هُوَ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ مُوَفَّرٌ عَلَيْهِ فِيمَا إذَا جُعِلَ عَلَى جِهَةٍ تَنْقَطِعُ لِأَنَّ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى تَارَةً فِي الصَّرْفِ إلَى جِهَةٍ تَنْقَطِعُ وَأُخْرَى إلَى جِهَةٍ تَتَأَبَّدُ فَيَصِحُّ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ انْقَطَعَتْ الْجِهَةُ عَادَ الْوَقْفُ إلَى مِلْكِهِ إنْ كَانَ حَيًّا، وَإِلَى مِلْكِ وَرَثَتِهِ إنْ كَانَ مَيِّتًا. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا التَّعْلِيلُ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِمَا ذُكِرَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ قَالَ وَصَارَ بَعْدَهَا لِلْفُقَرَاءِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِمْ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّأْبِيدَ شَرْطٌ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَرْوِيَّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّأْبِيدُ أَصْلًا. وَالثَّانِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ بِاللِّسَانِ. وَالْمُصَنِّفُ أَشَارَ إلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِالتَّعْلِيلِ،

قَالَ (وَيَجُوزُ وَقْفُ الْعَقَارِ) لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - وَقَفُوهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِلَى الثَّانِي بِذِكْرِ الْمَذْهَبِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَقِيلَ إنَّ التَّأْبِيدَ شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ إلَخْ، وَفِي كَلَامِهِ تَعْقِيدٌ لَا مَحَالَةَ.

(وَلَا يَجُوزُ وَقْفُ مَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذَا عَلَى الْإِرْسَالِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا وَقَفَ ضَيْعَةً بِبَقَرِهَا وَأُكْرَتِهَا وَهُمْ عَبِيدُهُ جَازَ) وَكَذَا سَائِرُ آلَاتِ الْحِرَاسَةِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْأَرْضِ فِي تَحْصِيلِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ، وَقَدْ يَثْبُتُ مِنْ الْحُكْمِ تَبَعًا مَا لَا يَثْبُتُ مَقْصُودًا كَالشُّرْبِ فِي الْبَيْعِ وَالْبِنَاءِ فِي الْوَقْفِ، وَمُحَمَّدٌ مَعَهُ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ إفْرَادُ بَعْضِ الْمَنْقُولِ بِالْوَقْفِ عِنْدَهُ فَلَأَنْ يَجُوزَ الْوَقْفُ فِيهِ تَبَعًا أَوْلَى. (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجُوزُ حَبْسُ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ) وَمَعْنَاهُ وَقْفُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَبُو يُوسُفَ مَعَهُ فِيهِ عَلَى مَا قَالُوا، وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ الْآثَارُ الْمَشْهُورَةُ فِيهِ: مِنْهَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَأَمَّا خَالِدٌ فَقَدْ حَبَسَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَهَذَا عَلَى الْإِرْسَالِ) أَيْ مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ مِنْ قَوْلِهِ (وَلَا يَجُوزُ وَقْفُ مَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ) عَلَى الْإِطْلَاقِ مَقْصُودًا أَوْ تَبَعًا، كُرَاعًا أَوْ غَيْرَهُ، تَعَامَلُوا فِيهِ أَوْ لَا. قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَالْأَكَرَةُ جَمْعُ أَكَّارٍ وَهُوَ الذِّرَاعُ كَأَنَّهَا جَمْعُ آكِرٍ تَقْدِيرًا. وَقَوْلُهُ (وَالْبِنَاءُ فِي الْوَقْفِ) أَيْ فِي وَقْفِ الْأَرْضِ الَّتِي عَلَيْهَا ذَلِكَ الْبِنَاءُ كَوَقْفِ الْخَانَاتِ وَالرِّبَاطَاتِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ إفْرَادُ بَعْضِ الْمَنْقُولِ) يَعْنِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجْعَلَ تَبَعًا لِشَيْءٍ كَمَا فِي الْمُتَعَارَفِ مِثْلِ الْفَأْسِ وَالْقَدُومِ وَالْمَرَاجِلِ (عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ (فَلَأَنْ يَجُوزَ الْوَقْفُ) أَيْ وَقْفُ الْمَنْقُولِ (تَبَعًا أَوْلَى) وَالْمُرَادُ بِالْكُرَاعِ هُنَا هُوَ الْخَيْلُ لِمُنَاسَبَةِ ذِكْرِ السِّلَاحِ. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ) يَعْنِي مَا مَرَّ أَنَّ مِنْ شَرْطِهِ التَّأْبِيدَ، وَالتَّأْبِيدُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمَنْقُولِ

أَدْرُعًا وَأَفْرَاسًا لَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَطَلْحَةُ حَبَسَ دُرُوعَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى» وَيُرْوَى أَكْرَاعَهُ. وَالْكُرَاعُ: الْخَيْلُ. وَيَدْخُلُ فِي حُكْمِهِ الْإِبِلُ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ يُجَاهِدُونَ عَلَيْهَا، وَكَذَا السِّلَاحُ يُحْمَلُ عَلَيْهَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجُوزُ وَقْفُ مَا فِيهِ تَعَامُلٌ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ كَالْفَأْسِ وَالْمَرِّ وَالْقَدُومِ وَالْمِنْشَارِ وَالْجِنَازَةِ وَثِيَابِهَا وَالْقُدُورِ وَالْمَرَاجِلِ وَالْمَصَاحِفِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ إنَّمَا يُتْرَكُ بِالنَّصِّ، وَالنَّصُّ وَرَدَ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: الْقِيَاسُ قَدْ يُتْرَكُ بِالتَّعَامُلِ كَمَا فِي الِاسْتِصْنَاعِ، وَقَدْ وُجِدَ التَّعَامُلُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ. وَعَنْ نُصَيْرِ بْنِ يَحْيَى أَنَّهُ وَقَفَ كُتُبَهُ إلْحَاقًا لَهَا بِالْمَصَاحِفِ، وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُمْسَكُ لِلدِّينِ تَعْلِيمًا وَتَعَلُّمًا وَقِرَاءَةً، وَأَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَقْفُهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: كُلُّ مَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ أَصْلِهِ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ يَجُوزُ وَقْفُهُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ، فَأَشْبَهَ الْعَقَارَ وَالْكُرَاعَ وَالسِّلَاحَ. وَلَنَا أَنَّ الْوَقْفَ فِيهِ لَا يَتَأَبَّدُ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَصَارَ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، بِخِلَافِ الْعَقَارِ، وَلَا مُعَارِضَ مِنْ حَيْثُ السَّمْعُ وَلَا مِنْ حَيْثُ التَّعَامُلُ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمَرَاجِلُ: قُدُورُ النُّحَاسِ. وَقَوْلُهُ (إلْحَاقًا لَهَا بِالْمَصَاحِفِ) يَعْنِي أَنَّ وَقْفَ الْمَصَاحِفِ صَحِيحٌ، فَكَذَا الْكُتُبُ. ذَكَرَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي وَقْفِ الْكُتُبِ جَوَّزَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَقَوْلُهُ (كُلُّ مَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ أَصْلِهِ) احْتِرَازٌ عَنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، فَإِنَّ الِانْتِفَاعَ الَّذِي خُلِقَتْ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ لِأَجْلِهِ وَهُوَ الثَّمَنِيَّةُ لَا يُمْكِنُ بِهِمَا مَعَ بَقَاءِ أَصْلِهِ فِي مِلْكِهِ. وَقَوْلُهُ (وَيَجُوزُ بَيْعُهُ) احْتِرَازٌ عَنْ حَمْلِ النَّاقَةِ وَالْجَارِيَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَكَذَا وَقْفُهُ عِنْدَهُ أَيْضًا. وَلَنَا أَنَّ الْوَقْفَ فِي الْمَنْقُولِ لَا يَتَأَبَّدُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَمَا لَا يَتَأَبَّدُ لَا يَجُوزُ وَقْفُهُ لِأَنَّ التَّأْبِيدَ لَا بُدَّ مِنْهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَصَارَتْ الْمَنْقُولَاتُ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْعَقَارِ) جَوَابٌ عَنْ اعْتِبَارِهِ بِالْعَقَارِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا مُعَارِضَ مِنْ حَيْثُ السَّمْعُ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ فَأَشْبَهَ الْكُرَاعَ وَالسِّلَاحَ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا يَجُوزَ وَقْفُ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ أَيْضًا كَالدَّرَاهِمِ، إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ بِمُعَارِضٍ رَاجِحٍ مِنْ حَيْثُ السَّمْعُ. وَقَوْلُهُ (وَلَا مِنْ حَيْثُ التَّعَامُلُ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ تَرْكُ الْأَصْلِ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ بِمُعَارِضٍ مِنْ حَيْثُ السَّمْعُ وَهُوَ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي الْمَرَاجِلِ وَالْقَدُومِ وَغَيْرِهِمَا، فَلْتَكُنْ صُورَةُ النِّزَاعِ مَقِيسَةً عَلَى ذَلِكَ. وَوَجْهُهُ أَنَّ لَهُمَا مُعَارِضًا مِنْ حَيْثُ التَّعَامُلُ وَلَيْسَ

وَهَذَا لِأَنَّ الْعَقَارَ يَتَأَبَّدُ، وَالْجِهَادُ سَنَامُ الدِّينِ، فَكَانَ مَعْنَى الْقُرْبَةِ فِيهِمَا أَقْوَى فَلَا يَكُونُ غَيْرُهُمَا فِي مَعْنَاهُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَوْجُودٍ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ كَالْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ وَالثِّيَابِ وَالْبُسُطِ وَأَمْثَالِهَا فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا) اسْتِظْهَارٌ عَلَى أَنَّ إلْحَاقَ غَيْرِ الْعَقَارِ وَالْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ بِهِمَا غَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّ غَيْرَهُمَا لِقُوَّتِهِمَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُمَا، وَلَمْ يَذْكُرْ

قَالَ (وَإِذَا صَحَّ الْوَقْفُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ وَلَا تَمْلِيكُهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَشَاعًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَيَطْلُبُ الشَّرِيكُ الْقِسْمَةَ فَيَصِحُّ مُقَاسَمَتُهُ) أَمَّا امْتِنَاعُ التَّمْلِيكِ فَلِمَا بَيَّنَّا. وَأَمَّا جَوَازُ الْقِسْمَةِ فَلِأَنَّهَا تَمْيِيزٌ وَإِفْرَازٌ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْغَالِبَ فِي غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ، إلَّا أَنَّ فِي الْوَقْفِ جَعَلْنَا الْغَالِبَ مَعْنَى الْإِفْرَازِ نَظَرًا لِلْوَقْفِ فَلَمْ تَكُنْ بَيْعًا وَتَمْلِيكًا؛ ثُمَّ إنْ وَقَفَ نَصِيبَهُ مِنْ عَقَارٍ مُشْتَرَكٍ فَهُوَ الَّذِي يُقَاسِمُ شَرِيكَهُ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لِلْوَاقِفِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ إلَى وَصِيَّةٍ، وَإِنْ وَقَفَ نِصْفَ عَقَارٍ خَالِصٍ لَهُ فَاَلَّذِي يُقَاسِمُهُ الْقَاضِي أَوْ يَبِيعُ نَصِيبَهُ الْبَاقِي مِنْ رَجُلٍ، ثُمَّ يُقَاسِمُهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ يَشْتَرِي ذَلِكَ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّعَامُلَ اعْتِمَادًا عَلَى شُهْرَةِ كَوْنِ التَّعَامُلِ أَقْوَى مِنْ الْقِيَاسِ فَجَازَ أَنْ يُتْرَكَ بِهِ. قَالَ (وَإِذَا صَحَّ الْوَقْفُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ) أَيْ إذَا لَزِمَ الْوَقْفُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ وَلَا تَمْلِيكُهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُشَاعًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَيَطْلُبَ الشَّرِيكُ الْقِسْمَةَ فَتَصِحَّ مُقَاسَمَتُهُ، فَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُشَاعًا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ أَوْ مُتَّصِلٌ، لِأَنَّ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِي قِسْمَةِ الْعَقَارِ رَاجِحٌ فَجُعِلَ كَأَنَّهُ بَيْعٌ اتِّسَاعًا، أَمَّا امْتِنَاعُ التَّمْلِيكِ فَلِمَا بَيَّنَّا: يَعْنِي مَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَصَدَّقْ بِأَصْلِهَا لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ» وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إلَخْ. وَقَوْلُهُ (وَأَمَّا جَوَازُ الْقِسْمَةِ) فَظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (فَهُوَ الَّذِي يُقَاسِمُ) أَيْ الْوَاقِفُ هُوَ الَّذِي يُقَاسِمُ شَرِيكَهُ لَا الْقَاضِي. وَقَوْلُهُ (خَالِصٌ) صِفَةُ عَقَارٍ: أَيْ لَوْ كَانَ لَهُ عَقَارٌ مِائَةُ ذِرَاعٍ وَهُوَ خَالِصٌ لَهُ لَا شَرِكَةَ لِغَيْرِهِ فِيهِ فَوَقَفَ مِنْهُ خَمْسِينَ ذِرَاعًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَاسِمُ هَاهُنَا غَيْرَ الْوَاقِفِ لِئَلَّا يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ الشَّخْصُ الْوَاحِدُ مُطَالَبًا وَمُطَالِبًا، فَإِنَّ مُقَاسِمَ النِّصْفِ الَّذِي هُوَ الْوَقْفُ مُطَالَبٌ مِنْ مَالِكِ النِّصْفِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ وَقْفٍ وَمَالِكُ النِّصْفِ مُطَالَبٌ وَهُوَ الْوَاقِفُ بِعَيْنِهِ الْمُقَاسِمُ لِنِصْفِ الْوَقْفِ فَكَانَ مُطَالَبًا وَمُطَالِبًا، وَهُوَ لَا يَجُوزُ فَيُرْفَعُ أَمْرُهُ إلَى الْقَاضِي لِيُقَاسِمَهُ، أَوْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ الْبَاقِيَ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ يُقَاسِمَ الْمُشْتَرِيَ ثُمَّ يَشْتَرِيَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ فِي الْقِسْمَةِ فَضْلُ دَرَاهِمَ بِأَنْ كَانَ أَحَدُ النَّصِيبَيْنِ أَجْوَدَ فَدَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَى إدْخَالِ الدَّرَاهِمِ فِي الْقِسْمَةِ أَوْ تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ إدْخَالَ الدَّرَاهِمِ فِي الْقِسْمَةِ لَا يَجُوزُ إلَّا لِضَرُورَةٍ أَوْ بِالتَّرَاضِي عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْوَاقِفُ يَأْخُذُ الدَّرَاهِمَ أَوْ يُعْطِيهَا، فَإِنْ كَانَ

لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُقَاسِمًا وَمُقَاسَمًا، وَلَوْ كَانَ فِي الْقِسْمَةِ فَضْلُ دَرَاهِمَ إنْ أَعْطَى الْوَاقِفَ لَا يَجُوزُ لِامْتِنَاعِ بَيْعِ الْوَقْفِ، وَإِنْ أَعْطَى الْوَاقِفَ جَازَ وَيَكُونُ بِقَدْرِ الدَّرَاهِمِ شِرَاءً قَالَ (وَالْوَاجِبُ أَنْ يُبْتَدَأَ مِنْ ارْتِفَاعِ الْوَقْفِ بِعِمَارَتِهِ شَرَطَ ذَلِكَ الْوَاقِفُ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ) لِأَنَّ قَصْدَ الْوَاقِفِ صَرْفُ الْغَلَّةِ مُؤَبَّدًا، وَلَا تَبْقَى دَائِمَةً إلَّا بِالْعِمَارَةِ فَيَثْبُتُ شَرْطُ الْعِمَارَةِ اقْتِضَاءً ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَوَّلَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ يُعْطِي بِمُقَابَلَةِ الدَّرَاهِمِ شَيْئًا مِنْ الْوَقْفِ، وَبَيْعُ الْوَقْفِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ جَازَ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ

وَلِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ وَصَارَ كَنَفَقَةِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ، فَإِنَّهَا عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِهَا. ثُمَّ إنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ لَا يَظْفَرُ بِهِمْ، وَأَقْرَبُ أَمْوَالِهِمْ هَذِهِ الْغَلَّةُ فَتَجِبُ فِيهَا. وَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَآخِرُهُ لِلْفُقَرَاءِ فَهُوَ فِي مَالِهِ: أَيِّ مَالٍ شَاءَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ. وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ الْغَلَّةِ؛ لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ يُمْكِنُ مُطَالَبَتُهُ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْعِمَارَةَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا يَبْقَى الْمَوْقُوفُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي وَقَفَهُ، وَإِنْ خَرِبَ يَبْنِي عَلَى ذَلِكَ الْوَصْفِ؛ لِأَنَّهَا بِصِفَتِهَا صَارَتْ غَلَّتُهَا مَصْرُوفَةً إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. فَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ فَلَيْسَتْ بِمُسْتَحَقَّةٍ عَلَيْهِ وَالْغَلَّةُ مُسْتَحَقَّةٌ فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى شَيْءٍ آخَرَ إلَّا بِرِضَاهُ، وَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْبَعْضِ، وَعِنْدَ الْآخَرِينَ يَجُوزُ ذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ الصَّرْفَ إلَى الْعِمَارَةِ ضَرُورَةُ إبْقَاءِ الْوَقْفِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي الزِّيَادَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَشْتَرِي شَيْئًا بِمُقَابَلَةِ الدَّرَاهِمِ وَيَقِفُهُ وَهُوَ جَائِزٌ. وَقَوْلُهُ لِأَنَّ «الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ» هَذَا لَفْظُ الْحَدِيثِ، وَهُوَ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ، وَلِإِحْرَازِهِ مَعَانِيَ جَمَّةً جَرَى مَجْرَى الْمِثْلِ وَاسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ مَضَرَّةٍ بِمُقَابَلَةِ مَنْفَعَةٍ، وَمَعْنَاهُ هَاهُنَا: أَنَّ غَلَّةَ الْوَقْفِ لَمَّا كَانَتْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ كَانَتْ الْعِمَارَةُ عَلَيْهِمْ أَيْضًا. ثُمَّ إنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ لَا يَظْفَرُ بِهِمْ: أَيْ لَا يَفُوزُ الْمُتَوَلِّي بِهِمْ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِمْ وَعُسْرَتِهِمْ، وَأَقْرَبُ أَمْوَالِهِمْ إلَى الْمُتَوَلِّي هَذِهِ الْغَلَّةُ فَتَجِبُ فِيهَا. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ الْغَلَّةِ) يَعْنِي حَتْمًا لِأَنَّهُ قَالَ فَهُوَ فِي مَالِهِ أَيَّ مَالٍ شَاءَ، وَهَذِهِ الْغَلَّةُ أَيْضًا مِنْ مَالِهِ، فَلَوْ لَمْ يُقَيَّدْ بِذَلِكَ تَنَاقَضَ كَلَامُهُ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ) يَعْنِي لَا عَلَى رَجُلٍ

قَالَ (فَإِنْ وَقَفَ دَارًا عَلَى سُكْنَى وَلَدِهِ فَالْعِمَارَةُ عَلَى مَنْ لَهُ سُكْنَى) لِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ عَلَى مَا مَرَّ فَصَارَ كَنَفَقَةِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ (فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ كَانَ فَقِيرًا آجَرَهَا الْحَاكِمُ وَعَمَّرَهَا بِأُجْرَتِهَا، وَإِذَا عَمَّرَهَا رَدَّهَا إلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى) لِأَنَّ فِي ذَلِكَ رِعَايَةَ الْحَقَّيْنِ حَقِّ الْوَاقِفِ وَحَقِّ صَاحِبِ السُّكْنَى، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعَمِّرْهَا تَفُوتُ السُّكْنَى أَصْلًا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَلَا يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَى الْعِمَارَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ إتْلَافِ مَالِهِ فَأَشْبَهَ امْتِنَاعَ صَاحِبِ الْبَذْرِ فِي الْمُزَارَعَةِ فَلَا يَكُونُ امْتِنَاعُهُ رِضًا مِنْهُ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ لِأَنَّهُ فِي حَيِّزِ التَّرَدُّدِ، وَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ مَنْ لَهُ السُّكْنَى لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِعَيْنِهِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْبَعْضِ: أَيْ لَا تُصْرَفُ غَلَّةُ الْوَقْفِ إلَى زِيَادَةِ عِمَارَةٍ لَمْ تَكُنْ فِي ابْتِدَاءِ الْوَقْفِ بَلْ تُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ. وَعِنْدَ آخَرِينَ يَجُوزُ ذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْبِنَاءُ الثَّانِي مِثْلَ الْأَوَّلِ لَا زَائِدًا عَلَيْهِ أَصَحُّ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ وَقَفَ دَارًا عَلَى سُكْنَى وَلَدِهِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَالْأَوَّلُ أَوْلَى) يُرِيدُ بِهِ إجَارَةَ الْحَاكِمِ وَعِمَارَتَهَا بِأُجْرَتِهَا ثُمَّ رَدَّهَا إلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى. وَالثَّانِي هُوَ تَرْكُ الْعِمَارَةِ. وَاسْتُفِيدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْمُرْهَا تَفُوتُ السُّكْنَى أَصْلًا. وَقَوْلُهُ (فِي حَيِّزِ التَّرَدُّدِ) بَيَانُهُ أَنَّ الِامْتِنَاعَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِبُطْلَانِ حَقِّهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نُقْصَانُ مَالِهِ فِي الْحَالِ وَلِرَجَائِهِ إصْلَاحَ الْقَاضِي وَعِمَارَتَهُ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ مَنْ لَهُ السُّكْنَى) إضَافَةُ الْمَصْدَرِ إلَى فَاعِلِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ وَلَا تَمْلِيكَ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ، وَمَنْ لَهُ السُّكْنَى لَيْسَ بِمَالِكٍ. وَنُوقِضَ بِالْمُسْتَأْجِرِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ الدَّارَ وَلَيْسَ بِمَالِكِهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ وَلِهَذَا أُقِيمَتْ الْعَيْنُ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ الْمَعْدُومَةِ، وَمَنْ لَهُ السُّكْنَى أُبِيحَتْ لَهُ الْمَنْفَعَةُ وَلِهَذَا لَمْ تَقُمْ الْعَيْنُ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ

قَالَ (وَمَا انْهَدَمَ مِنْ بِنَاءِ الْوَقْفِ وَآلَتِهِ) صَرَفَهُ الْحَاكِمُ فِي عِمَارَةِ الْوَقْفِ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ، وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهُ أَمْسَكَهُ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى عِمَارَتِهِ فَيَصْرِفَهُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْعِمَارَةِ لِيَبْقَى عَلَى التَّأْبِيدِ فَيَحْصُلَ مَقْصُودُ الْوَاقِفِ. فَإِنْ مَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ فِي الْحَالِ صَرَفَهَا فِيهَا، وَإِلَّا أَمْسَكَهَا حَتَّى لَا يَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَوَانَ الْحَاجَةِ فَيَبْطُلُ الْمَقْصُودُ، وَإِنْ تَعَذَّرَ إعَادَةُ عَيْنِهِ إلَى مَوْضِعِهِ بِيعَ وَصُرِفَ ثَمَنُهُ إلَى الْمَرَمَّةِ صَرْفًا لِلْبَدَلِ إلَى مَصْرِفِ الْمُبْدَلِ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْسِمَهُ) يَعْنِي النَّقْضَ (بَيْنَ مُسْتَحَقِّي الْوَقْفِ) لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْعَيْنِ وَلَا حَقَّ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ فِيهِ: وَإِنَّمَا حَقُّهُمْ فِي الْمَنَافِعِ، وَالْعَيْنُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَصْرِفُ إلَيْهِمْ غَيْرَ حَقِّهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي ابْتِدَاءِ الْوَقْفِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ تَمْلِيكِ الْمَالِكِ جَوَازُ تَمْلِيكِ غَيْرِهِ. قَالَ (وَمَا انْهَدَمَ مِنْ بِنَاءِ الْوَقْفِ وَآلَتِهِ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: قَوْلُهُ وَآلَتِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَجْرُورًا بِالْعَطْفِ عَلَى الْبِنَاءِ: يَعْنِي مَا انْهَدَمَ مِنْ آلَةِ الْوَقْفِ بِأَنْ بَلِيَ خَشَبُ الْوَقْفِ وَفَسَدَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا بِالْعَطْفِ عَلَى مَا الْمَوْصُولَةِ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ الثِّقَاتِ، لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ انْهَدَمَتْ الْآلَةُ، وَالنَّقْضُ بِضَمِّ النُّونِ الْبِنَاءُ الْمَنْقُوضُ، وَفِي الصِّحَاحِ ذَكَرَهُ بِكَسْرِ النُّونِ لَا غَيْرُ.

قَالَ (وَإِذَا جَعَلَ الْوَاقِفُ غَلَّةَ الْوَقْفِ لِنَفْسِهِ أَوْ جَعَلَ الْوِلَايَةَ إلَيْهِ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ذَكَرَ فَصْلَيْنِ شَرْطَ الْغَلَّةِ لِنَفْسِهِ وَجَعْلَ الْوِلَايَةِ إلَيْهِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَلَا يَجُوزُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ هِلَالٍ الرَّازِيِّ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقِيلَ إنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمَا بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ وَالْإِفْرَازِ. وَقِيلَ هِيَ مَسْأَلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ، وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا شَرَطَ الْبَعْضَ لِنَفْسِهِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ لِلْفُقَرَاءِ، وَفِيمَا إذَا شَرَطَ الْكُلَّ لِنَفْسِهِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ لِلْفُقَرَاءِ سَوَاءٌ؛ وَلَوْ وَقَفَ وَشَرَطَ الْبَعْضَ أَوْ الْكُلَّ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرِيهِ مَا دَامُوا أَحْيَاءً، فَإِذَا مَاتُوا فَهُوَ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، فَقَدْ قِيلَ يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ، وَقَدْ قِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ اشْتِرَاطَهُ لَهُمْ فِي حَيَاتِهِ كَاشْتِرَاطِهِ لِنَفْسِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّسْلِيمَ إلَى الْمُتَوَلِّي شَرْطٌ عِنْدَهُ وَلَمْ يُوجَدْ. قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ تَرْغِيبًا لِلنَّاسِ فِي الْوَقْفِ. وَقَوْلُهُ (فَقَدْ قِيلَ يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ) وَهُوَ رِوَايَةُ الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ وَالتَّتِمَّةِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ، فَإِنَّهُ لَوْ شَرَطَ بَعْضَ الْغَلَّةِ أَوْ كُلَّهَا لِنَفْسِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ جَازَ فَلِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ أَوْلَى، وَإِنَّمَا الْإِشْكَالُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ وَاشْتِرَاطُهُ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ فِي حَيَاتِهِ بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاطِهِ لِنَفْسِهِ، وَلَكِنْ جَوَّزَ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا لِلْعُرْفِ، وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَصْحِيحِ هَذَا الشَّرْطِ لَهُنَّ لِأَنَّهُنَّ يَعْتِقْنَ بِمَوْتِهِ، فَاشْتِرَاطُهُ لَهُنَّ كَاشْتِرَاطِهِ لِسَائِرِ الْأَجَانِبِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ أَيْضًا تَبَعًا لِمَا بَعْدَ الْوَفَاةِ، وَقَدْ قِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا وَهُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ اشْتِرَاطَهُ لَهُمْ فِي حَيَاتِهِ: أَيْ اشْتِرَاطُ صَرْفِ الْغَلَّةِ فِي ابْتِدَاءِ الْوَقْفِ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرِيهِ، وَذَكَّرَ الضَّمِيرَ تَغْلِيبًا لِلْمُدَبَّرِينَ عَلَى أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ كَاشْتِرَاطِهِ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ اشْتِرَاطُ صَرْفِ الْغَلَّةِ لِنَفْسِهِ فِي ابْتِدَاءِ الْوَقْفِ جَائِزٌ بِدُونِ وَاسِطَةٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، فَكَذَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ صَرْفِ الْغَلَّةِ إلَى نَفْسِهِ انْتِهَاءً بِوَاسِطَةِ اشْتِرَاطِ صَرْفِ الْغَلَّةِ إلَى أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرِيهِ. وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْوَقْفَ تَبَرُّعٌ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ بِالطَّرِيقِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ: أَيْ بِطَرِيقِ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَاشْتِرَاطُهُ الْكُلَّ أَوْ الْبَعْضَ

وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْوَقْفَ تَبَرُّعٌ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ بِالطَّرِيقِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ، فَاشْتِرَاطُهُ الْبَعْضَ أَوْ الْكُلَّ لِنَفْسِهِ يُبْطِلُهُ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ نَفْسِهِ لَا يَتَحَقَّقُ فَصَارَ كَالصَّدَقَةِ الْمُنَفِّذَةِ، وَشَرْطَ بَعْضِ بُقْعَةِ الْمَسْجِدِ لِنَفْسِهِ. وَلِأَبِي يُوسُفَ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَأْكُلُ مِنْ صَدَقَتِهِ» وَالْمُرَادُ مِنْهَا صَدَقَتُهُ الْمَوْقُوفَةُ، وَلَا يَحِلُّ الْأَكْلُ مِنْهَا إلَّا بِالشَّرْطِ، فَدَلَّ عَلَى صِحَّتِهِ، وَلِأَنَّ الْوَقْفَ إزَالَةُ الْمِلْكِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، فَإِذَا شَرَطَ الْبَعْضَ أَوْ الْكُلَّ لِنَفْسِهِ، فَقَدْ جَعَلَ مَا صَارَ مَمْلُوكًا لِلَّهِ تَعَالَى لِنَفْسِهِ لَا أَنَّهُ يَجْعَلُ مِلْكَ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، وَهَذَا جَائِزٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِنَفْسِهِ يُبْطِلُهُ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ نَفْسِهِ لَا يَتَحَقَّقُ فَصَارَ كَالصَّدَقَةِ الْمُنَفَّذَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّمَ قَدْرًا مِنْ مَالِهِ لِلْفَقِيرِ عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُ لَهُ وَشَرْطِ بَعْضِ بُقْعَةِ الْمَسْجِدِ لِنَفْسِهِ، فَقَوْلُهُ وَشَرْطِ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ كَالصَّدَقَةِ الْمُنَفَّذَةِ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يَجْعَلَ بَعْضَ الْمَسْجِدِ لِنَفْسِهِ كَانَ مَانِعًا عَنْ الْجَوَازِ فِي الْكُلِّ، فَكَذَا إذَا جَعَلَ بَعْضَ الْغَلَّةِ لِنَفْسِهِ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَبِي يُوسُفَ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْكُلُ مِنْ صَدَقَتِهِ» ) ذَكَرَ الْحَدِيثَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ الصَّدَقَةُ الْمَوْقُوفَةُ، وَلَا يَحِلُّ الْأَكْلُ مِنْهُ إلَّا بِالشَّرْطِ بِالْإِجْمَاعِ فَدَلَّ عَلَى صِحَّتِهِ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) إشَارَةٌ إلَى مَا ذُكِرَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا يَتِمُّ الْوَقْفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ حَتَّى يَجْعَلَ آخِرَهُ إلَى جِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ أَبَدًا بِقَوْلِهِ لَهُمَا إنَّ مُوجَبَ الْوَقْفِ زَوَالُ الْمِلْكِ بِدُونِ التَّمْلِيكِ، وَإِلَى قَوْلِهِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ

كَمَا إذَا بَنَى خَانًا أَوْ سِقَايَةً أَوْ جَعَلَ أَرْضَهُ مَقْبَرَةً، وَشَرَطَ أَنْ يَنْزِلَهُ أَوْ يَشْرَبَ مِنْهُ أَوْ يُدْفَنَ فِيهِ، وَلِأَنَّ مَقْصُودَهُ الْقُرْبَةُ وَفِي الصَّرْفِ إلَى نَفْسِهِ ذَلِكَ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى نَفْسِهِ صَدَقَةٌ» . وَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ بِهِ أَرْضًا أُخْرَى إذَا شَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْوَقْفُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّقَرُّبُ، فَعُلِمَ مِنْ هَذَا الْمَجْمُوعِ أَنَّ الْوَقْفَ إزَالَةُ الْمِلْكِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ. وَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ بِهِ أَرْضًا أُخْرَى إذَا شَاءَ ذَلِكَ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ فِي التَّوَسُّعِ فِي الْوَقْفِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْوَقْفُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَنْعِ مِنْ زَوَالِهِ، وَالْوَقْتُ يَتِمُّ بِذَلِكَ وَلَا يَنْعَدِمُ بِهِ مَعْنَى التَّأْبِيدِ فِي أَصْلِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَقْفِ، فَيَتِمُّ الْوَقْفُ بِشُرُوطِهِ وَيَبْقَى الِاسْتِبْدَالُ شَرْطًا فَاسِدًا فَيَكُونُ بَاطِلًا فِي نَفْسِهِ كَالْمَسْجِدِ إذَا شُرِطَ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ أَوْ شُرِطَ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ قَوْمٌ دُونَ قَوْمٍ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَاِتِّخَاذُ الْمَسْجِدِ صَحِيحٌ فَهَذَا مِثْلُهُ. وَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ فِي الْوَقْفِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ جَازَ الْوَقْفُ، وَالْخِيَارُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى التَّوْسِعَةِ كَمَا مَرَّ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْوَقْفُ بَاطِلٌ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِتَكُونَ مُدَّةُ الْخِيَارِ مَعْلُومَةً، حَتَّى لَوْ كَانَتْ مَجْهُولَةً لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا

وَلَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ فِي الْوَقْفِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ جَازَ الْوَقْفُ وَالشَّرْطُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْوَقْفُ بَاطِلٌ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ الْخِلَافُ (بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ جَعْلَ غَلَّةِ الْوَقْفِ لِنَفْسِهِ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ فَإِنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ الْوَاقِفُ الْغَلَّةَ لِنَفْسِهِ مَا دَامَ حَيًّا فَكَذَلِكَ يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ لِنَفْسِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِيُرَوَّى النَّظَرُ فِيهِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَمَّا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ لِنَفْسِهِ أَيْضًا، وَبِهَذَا الْبِنَاءِ صَرَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ. ثُمَّ لَمَّا لَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَمْ يَنْقَلِبْ الْوَقْفُ جَائِزًا بِإِبْطَالِ الْخِيَارِ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يَجُوزُ إلَّا مُؤَبَّدًا وَشَرْطُ

وَأَمَّا فَصْلُ الْوِلَايَةِ فَقَدْ نَصَّ فِيهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخِيَارِ يَمْنَعُ التَّأْبِيدَ فَكَانَ شَرْطُ الْخِيَارِ شَرْطًا فَاسِدًا فِي نَفْسِ الْعَقْدِ فَكَانَ الْمُفْسِدُ قَوِيًّا. (قَوْلُهُ وَأَمَّا فَصْلُ الْوِلَايَةِ فَقَدْ نَصَّ فِيهِ) أَيْ فَقَدْ نَصَّ الْقُدُورِيُّ فِي فَصْلِ الْوِلَايَةِ بِالْجَوَازِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِقَوْلِهِ وَإِذَا جَعَلَ الْوَاقِفُ إلَى قَوْلِهِ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ هِلَالٍ أَيْضًا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَذَكَرَ هِلَالٌ فِي وَقْفِهِ، وَقَالَ أَقْوَامٌ: إنَّ شَرْطَ الْوَاقِفِ الْوِلَايَةَ لِنَفْسِهِ كَانَتْ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ لَمْ تَكُنْ لَهُ وِلَايَةٌ، وَهَذَا بِظَاهِرِهِ لَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ لَهُ الْوِلَايَةَ شَرَطَ أَوْ سَكَتَ، وَلَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ إلَى الْمُتَوَلِّي شَرْطُ صِحَّةِ الْوَقْفِ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْوَاقِفُ الْوِلَايَةَ لِنَفْسِهِ وَهُوَ يَمْنَعُ التَّسْلِيمَ إلَى الْمُتَوَلِّي، فَلِهَذَا أَوَّلَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وَقَالُوا: الْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ التَّسْلِيمَ إلَخْ، وَمَعْنَاهُ إذَا سَلَّمَهُ إلَى الْمُتَوَلِّي وَقَدْ شَرَطَ الْوِلَايَةَ لِنَفْسِهِ حِينَ وَقَفَهُ كَانَ لَهُ الْوِلَايَةُ بَعْدَمَا سَلَّمَهُ إلَى الْمُتَوَلِّي، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ إذَا وَقَفَ ضَيْعَةً وَأَخْرَجَهَا إلَى الْقَيِّمِ لَا تَكُونُ لَهُ الْوِلَايَةُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْوِلَايَةَ لِنَفْسِهِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ فِي ابْتِدَاءِ الْوَقْفِ فَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ بَعْدَ التَّسْلِيمِ.

وَهُوَ قَوْلُ هِلَالٍ أَيْضًا وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَ هِلَالٌ فِي وَقْفِهِ وَقَالَ أَقْوَامٌ: إنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ الْوِلَايَةَ لِنَفْسِهِ كَانَتْ لَهُ وِلَايَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَمْ تَكُنْ لَهُ وِلَايَةٌ. قَالَ مَشَايِخُنَا: الْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ، لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ التَّسْلِيمَ إلَى الْقَيِّمِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْوَقْفِ، فَإِذَا سَلَّمَ لَمْ يَبْقَ لَهُ وِلَايَةٌ فِيهِ. وَلَنَا أَنَّ الْمُتَوَلِّي إنَّمَا يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْ جِهَتِهِ بِشَرْطِهِ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ الْوِلَايَةُ وَغَيْرُهُ يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْهُ، وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَى هَذَا الْوَقْفِ فَيَكُونُ أَوْلَى بِوِلَايَتِهِ، كَمَنْ اتَّخَذَ مَسْجِدًا يَكُونُ أَوْلَى بِعِمَارَتِهِ وَنَصْبِ الْمُؤَذِّنِ فِيهِ، وَكَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا كَانَ الْوَلَاءُ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ قَاضِي خَانْ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ التَّسْلِيمُ إلَى الْمُتَوَلِّي شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْوَقْفِ فَلَا تَبْقَى لَهُ وِلَايَةٌ بَعْدَ التَّسْلِيمِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْوِلَايَةَ لِنَفْسِهِ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَالتَّسْلِيمُ إلَى الْمُتَوَلِّي لَيْسَ بِشَرْطٍ فَكَانَتْ الْوِلَايَةُ لِلْوَاقِفِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْوِلَايَةَ لِنَفْسِهِ. وَقَوْلُهُ (وَلَنَا أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ إنَّمَا يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْ جِهَتِهِ) اسْتِدْلَالٌ لِأَبِي يُوسُفَ، وَعَبَّرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: " وَلَنَا " إشَارَةً إلَى أَنَّهُ الْمُخْتَارُ، وَكَلَامُهُ الْبَاقِي ظَاهِرٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْحٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فصل إذا بنى مسجدا لم يزل ملكه عنه]

لِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ. وَلَوْ أَنَّ الْوَاقِفَ شَرَطَ وِلَايَتَهُ لِنَفْسِهِ وَكَانَ الْوَاقِفُ غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَى الْوَقْفِ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَنْزِعَهَا مِنْ يَدِهِ نَظَرًا لِلْفُقَرَاءِ، كَمَا لَهُ أَنْ يُخْرِجَ الْوَصِيَّ نَظَرًا لِلصِّغَارِ، وَكَذَا إذَا شَرَطَ أَنْ لَيْسَ لِلسُّلْطَانِ وَلَا لِقَاضٍ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ يَدِهِ وَيُوَلِّيَهَا غَيْرَهُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الشَّرْعِ فَبَطَلَ (فَصْلٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ إذَا بَنَى مَسْجِدًا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ] فَصْلٌ) فَصَلَ أَحْكَامَ الْمَسْجِدِ عَمَّا قَبْلَهُ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ لِمُخَالَفَةِ أَحْكَامِهِ لِمَا قَبْلَهُ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُتَوَلِّي عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَمَنْعِ الشُّيُوعِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ الْحَاكِمُ فَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالْمَسْجِدِ، فَإِنَّ الْوَقْفَ إذَا لَمْ يَحْكُمْ بِهِ حَاكِمٌ وَلَمْ يَكُنْ مُوصًى بِهِ وَلَا مُضَافًا إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ، وَأَمَّا الْمَسْجِدُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ وَلَا يَبِيعَهُ، وَلَا يُورَثُ عَنْهُ لِأَنَّ الْوَقْفَ اجْتَمَعَ فِيهِ مَعْنَيَانِ: الْحَبْسُ، وَالصَّدَقَةُ، فَإِذَا قَالَ وَقَفْت فَكَأَنَّهُ قَالَ حَبَسْت الْعَيْنَ عَلَى مِلْكِي وَتَصَدَّقْت بِالْغَلَّةِ، وَلَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يُوصِ بِهِ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ بِالْغَلَّةِ الْمَعْدُومَةِ لَا يَصِحُّ، فَإِذَا أَوْصَى بِهِ أَوْ أَضَافَهُ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ كَانَ لَازِمًا بَعْدَ مَوْتِهِ،

(وَإِذَا بَنَى مَسْجِدًا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ حَتَّى يَفْرِزَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِطَرِيقِهِ وَيَأْذَنَ لِلنَّاسِ بِالصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِذَا صَلَّى فِيهِ وَاحِدٌ زَالَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ مِلْكِهِ) أَمَّا الْإِفْرَازُ فَلِأَنَّهُ لَا يَخْلُصُ لِلَّهِ تَعَالَى إلَّا بِهِ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فِيهِ فَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّسْلِيمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَيُشْتَرَطُ تَسْلِيمُ نَوْعِهِ، وَذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ بِالصَّلَاةِ فِيهِ، أَوْ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْقَبْضُ فَقَامَ تَحَقُّقُ الْمَقْصُودِ مَقَامَهُ ثُمَّ يُكْتَفَى بِصَلَاةِ الْوَاحِدِ فِيهِ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْجِنْسِ مُتَعَذِّرٌ فَيُشْتَرَطُ أَدْنَاهُ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الصَّلَاةُ بِالْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ بُنِيَ لِذَلِكَ فِي الْغَالِبِ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَزُولُ مِلْكُهُ بِقَوْلِهِ جَعَلْته مَسْجِدًا) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِمِلْكِ الْعَبْدِ فَيَصِيرُ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا إذَا قَالَ جَعَلْت أَرْضِي مَسْجِدًا فَلَيْسَ فِيهِ مَا يُوجِبُ الْبَقَاءَ عَلَى مِلْكِهِ، فَلَوْ أَزَالَهُ لِلَّهِ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ كَمَا لَوْ أَزَالَهُ بِالْإِعْتَاقِ، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الصَّلَاةُ فِيهِ بِالْجَمَاعَةِ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا، وَيُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ جَهْرِيَّةً بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، حَتَّى لَوْ صَلَّى جَمَاعَةٌ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ سِرًّا لَا يَصِيرُ مَسْجِدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، فَإِنْ أَذَّنَ رَجُلٌ وَاحِدٌ وَأَقَامَ وَصَلَّى وَحْدَهُ صَارَ مَسْجِدًا بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ صَلَاتَهُ عَلَى

بِسُقُوطِ حَقِّ الْعَبْدِ وَصَارَ كَالْإِعْتَاقِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ. قَالَ: وَمَنْ جَعَلَ مَسْجِدًا تَحْتَهُ سِرْدَابٌ أَوْ فَوْقَهُ بَيْتٌ وَجَعَلَ بَابَ الْمَسْجِدِ إلَى الطَّرِيقِ، وَعَزَلَهُ عَنْ مِلْكِهِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ، وَإِنْ مَاتَ يُورَثُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْلُصْ لِلَّهِ تَعَالَى لِبَقَاءِ حَقِّ الْعَبْدِ مُتَعَلِّقًا بِهِ، وَلَوْ كَانَ السِّرْدَابُ لِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ جَازَ كَمَا فِي مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إذَا جَعَلَ السُّفْلَ مَسْجِدًا وَعَلَى ظَهْرِهِ مَسْكَنٌ فَهُوَ مَسْجِدٌ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مِمَّا يَتَأَبَّدُ، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ فِي السُّفْلِ دُونَ الْعُلُوِّ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ عَلَى عَكْسِ هَذَا؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مُعَظَّمٌ، وَإِذَا كَانَ فَوْقَهُ مَسْكَنٌ أَوْ مُسْتَغَلٌّ يَتَعَذَّرُ تَعْظِيمُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا الْوَصْفِ كَالْجَمَاعَةِ. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ) إشَارَةٌ إلَى مَا قَالَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا يُتَمَّمُ الْوَقْفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ بِقَوْلِهِ لَهُمَا أَنَّ مُوجِبَ الْوَقْفِ زَوَالُ الْمِلْكِ بِدُونِ التَّمْلِيكِ وَأَنَّهُ يَتَأَبَّدُ كَالْعِتْقِ، وَالسِّرْدَابُ بِكَسْرِ السِّينِ مُعَرَّبُ سِرْدَابَةَ. وَهُوَ بَيْتٌ يُتَّخَذُ تَحْتَ الْأَرْضِ لِلتَّبْرِيدِ. وَقَوْلُهُ (فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ) أَيْ لَا يَكُونُ مَسْجِدًا وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَا يَكُونُ خَالِصًا لَهُ تَعَالَى، قَالَ تَعَالَى {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} [الجن: 18] أَضَافَ الْمَسَاجِدَ إلَى ذَاتِهِ مَعَ أَنَّ جَمِيعَ الْأَمَاكِنِ لَهُ،

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ جَوَّزَ فِي الْوَجْهَيْنِ حِينَ قَدِمَ بَغْدَادَ وَرَأَى ضِيقَ الْمَنَازِلِ فَكَأَنَّهُ اعْتَبَرَ الضَّرُورَةَ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ حِينَ دَخَلَ الرَّيَّ أَجَازَ ذَلِكَ كُلَّهُ لِمَا قُلْنَا. قَالَ (وَكَذَلِكَ إنْ اتَّخَذَ وَسَطَ دَارِهِ مَسْجِدًا وَأَذِنَ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ فِيهِ) يَعْنِي لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ وَيُورَثُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَا لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ فِيهِ حَقُّ الْمَنْعِ، وَإِذَا كَانَ مِلْكُهُ مُحِيطًا بِجَوَانِبِهِ كَانَ لَهُ حَقُّ الْمَنْعِ فَلَمْ يَصِرْ مَسْجِدًا، وَلِأَنَّهُ أَبْقَى الطَّرِيقَ لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَخْلُصْ لِلَّهِ تَعَالَى (وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُورَثُ وَلَا يُوهَبُ) اعْتَبَرَهُ مَسْجِدًا، وَهَكَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَصِيرُ مَسْجِدًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا رَضِيَ بِكَوْنِهِ مَسْجِدًا وَلَا يَصِيرُ مَسْجِدًا إلَّا بِالطَّرِيقِ دَخَلَ فِيهِ الطَّرِيقُ وَصَارَ مُسْتَحَقًّا كَمَا يَدْخُلُ فِي الْإِجَارَةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ. قَالَ (وَمَنْ اتَّخَذَ أَرْضَهُ مَسْجِدًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ وَلَا يَبِيعَهُ وَلَا يُورَثُ عَنْهُ) لِأَنَّهُ تَجَرَّدَ عَنْ حَقِّ الْعِبَادِ وَصَارَ خَالِصًا لِلَّهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا لِلَّهِ تَعَالَى، وَإِذَا أَسْقَطَ الْعَبْدُ مَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ الْحَقِّ رَجَعَ إلَى أَصْلِهِ فَانْقَطَعَ تَصَرُّفُهُ عَنْهُ كَمَا فِي الْإِعْتَاقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَاقْتَضَى ذَلِكَ خُلُوصَ الْمَسَاجِدِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَمَعَ بَقَاءِ حَقِّ الْعِبَادِ فِي أَسْفَلِهِ أَوْ فِي أَعْلَاهُ لَا يَتَحَقَّقُ الْخُلُوصُ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ جَوَّزَ فِي الْوَجْهَيْنِ) يَعْنِي فِيمَا إذَا كَانَ تَحْتَهُ سِرْدَابٌ أَوْ فَوْقَهُ بَيْتٌ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ أَجَازَ ذَلِكَ كُلَّهُ: أَيْ مَا تَحْتَهُ سِرْدَابٌ وَفَوْقَهُ بَيْتٌ مُسْتَغَلٌّ أَوْ دَكَاكِينُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَلَمْ يَقُلْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مَعَ أَنَّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ مِنْهُمَا فِي الْحُكْمِ سَوَاءٌ لِيَتَهَيَّأَ لَهُ مَا ذُكِرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ دُخُولٍ مَخْصُوصٍ فِي مِصْرٍ مَخْصُوصٍ، وَلِأَنَّهُ ذَكَرَ زِيَادَةَ التَّعْمِيمِ بِلَفْظِ الْكُلِّ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَقَوْلُهُ لِمَا قُلْنَا يَعْنِي مِنْ الضَّرُورَةِ. قَالَ (وَكَذَلِكَ إنْ اتَّخَذَ وَسْطَ دَارِهِ مَسْجِدًا) وَسْطَ بِالسُّكُونِ لِأَنَّهُ اسْمٌ مُبْهَمٌ لِدَاخِلِ صَحْنِ الدَّارِ لَا لِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ بَيْنَ طَرَفَيْ الصَّحْنِ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ أَبْقَى الطَّرِيقَ لِنَفْسِهِ) فَلَمْ يَخْلُصْ لِلَّهِ تَعَالَى، حَتَّى لَوْ عُزِلَ بَابُهُ

وَلَوْ خَرِبَ مَا حَوْلَ الْمَسْجِدِ وَاسْتُغْنِيَ عَنْهُ يَبْقَى مَسْجِدًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ مِنْهُ فَلَا يَعُودُ إلَى مِلْكِهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَعُودُ إلَى مِلْكِ الْبَانِي، أَوْ إلَى وَارِثِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَهُ لِنَوْعِ قُرْبَةٍ، وَقَدْ انْقَطَعَتْ فَصَارَ كَحَصِيرِ الْمَسْجِدِ وَحَشِيشِهِ إذَا اُسْتُغْنِيَ عَنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ صَارَ مَسْجِدًا. (قَوْلُهُ وَلَوْ خَرِبَ مَا حَوْلَ الْمَسْجِدِ وَاسْتُغْنِيَ عَنْهُ) عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ (يَبْقَى مَسْجِدًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) إلَى أَنْ قَالَ: وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَعُودُ إلَى مِلْكِ الْبَانِي. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَفِي الْحَقِيقَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ لَا يَشْتَرِطُ فِي الِابْتِدَاءِ إقَامَةَ الصَّلَاةِ فِيهِ لِيَصِيرَ مَسْجِدًا فَكَذَلِكَ فِي الِانْتِهَاءِ، وَإِنْ تَرَكَ النَّاسُ الصَّلَاةَ فِيهِ لَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَسْجِدًا وَمُحَمَّدٌ يَشْتَرِطُ فِي الِابْتِدَاءِ إقَامَةَ الصَّلَاةِ فِيهِ بِالْجَمَاعَةِ لِيَصِيرَ مَسْجِدًا فَكَذَلِكَ فِي الِانْتِهَاءِ، وَإِذَا تَرَكَ النَّاسُ الصَّلَاةَ فِيهِ بِالْجَمَاعَةِ يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَسْجِدًا. وَحُكِيَ أَنَّ مُحَمَّدًا مَرَّ بِمَزْبَلَةٍ فَقَالَ: هَذَا مَسْجِدُ أَبِي يُوسُفَ، يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَقُلْ بِعَوْدِهِ إلَى مِلْكِ الْبَانِي يَصِيرُ مَزْبَلَةً عِنْدَ تَطَاوُلِ الْمُدَّةِ، وَمَرَّ أَبُو يُوسُفَ بِإِصْطَبْلٍ فَقَالَ: هَذَا مَسْجِدُ مُحَمَّدٍ: يَعْنِي أَنَّهُ لَمَّا قَالَ يَعُودُ مِلْكًا فَرُبَّمَا يَجْعَلُهُ الْمَالِكُ إصْطَبْلًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مَسْجِدًا، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْتَبْعَدَ مَذْهَبَ صَاحِبِهِ لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ. اسْتَدَلَّ أَبُو يُوسُفَ بِأَنَّهُ سَقَطَ مِلْكُهُ فِي ذَلِكَ الْمِقْدَارِ فَلَا يَعُودُ إلَى مِلْكِهِ وَاسْتُظْهِرَ بِالْكَعْبَةِ، فَإِنَّ فِي زَمَانِ الْفَتْرَةِ قَدْ كَانَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ عَبَدَةُ الْأَصْنَامِ، ثُمَّ لَمْ يَخْرُجْ مَوْضِعُ الْكَعْبَةِ بِهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعًا لِلطَّاعَةِ وَالْقُرْبَةِ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى، فَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ. وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: عُيِّنَ هَذَا الْجُزْءُ مِنْ مِلْكِهِ مَصْرُوفًا إلَى قُرْبَةٍ بِعَيْنِهَا، فَإِذَا انْقَطَعَ ذَلِكَ عَادَ إلَى مِلْكِهِ أَوْ مِلْكِ وَارِثِهِ وَصَارَ كَحَشِيشِ الْمَسْجِدِ

إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ فِي الْحَصِيرِ وَالْحَشِيشِ إنَّهُ يُنْقَلُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَحَصِيرِهِ إذَا اُسْتُغْنِيَ عَنْهُ. إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ فِي الْحَصِيرِ وَالْحَشِيشِ يُنْقَلُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ.

قَالَ (وَمَنْ بَنَى سِقَايَةً لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ خَانًا يَسْكُنُهُ بَنُو السَّبِيلِ أَوْ رِبَاطًا أَوْ جَعَلَ أَرْضَهُ مَقْبَرَةً لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى يَحْكُمَ بِهِ الْحَاكِمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْ حَقِّ الْعَبْدِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ فَيَسْكُنَ فِي الْخَانِ وَيَنْزِلَ فِي الرِّبَاطِ وَيَشْرَبَ مِنْ السِّقَايَةِ، وَيُدْفَنَ فِي الْمَقْبَرَةِ فَيُشْتَرَطُ حُكْمُ الْحَاكِمِ أَوْ الْإِضَافَةُ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا فِي الْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ، بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ حَقُّ الِانْتِفَاعِ بِهِ فَخَلَصَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ حُكْمِ الْحَاكِمِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَزُولُ مِلْكُهُ بِالْقَوْلِ) كَمَا هُوَ أَصْلُهُ، إذْ التَّسْلِيمُ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَالْوَقْفُ لَازِمٌ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا اسْتَقَى النَّاسُ مِنْ السِّقَايَةِ وَسَكَنُوا الْخَانَ وَالرِّبَاطَ وَدُفِنُوا فِي الْمَقْبَرَةِ زَالَ الْمِلْكُ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ عِنْدَهُ شَرْطٌ وَالشَّرْطُ تَسْلِيمُ نَوْعِهِ، وَذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَيُكْتَفَى بِالْوَاحِدِ لِتَعَذُّرِ فِعْلِ الْجِنْسِ كُلِّهِ، وَعَلَى هَذَا الْبِئْرُ الْمَوْقُوفَةُ وَالْحَوْضُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَمَنْ بَنَى سِقَايَةً أَوْ خَانًا) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ) يَعْنِي أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ وَالْإِضَافَةَ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ لَيْسَا بِشَرْطٍ فِي الْمَسْجِدِ. وَقَوْلُهُ (وَذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ) يَعْنِي أَنَّ التَّسْلِيمَ يَحْصُلُ بِالِاسْتِقَاءِ وَالسُّكْنَى وَالنُّزُولِ وَالدَّفْنِ فِي السِّقَايَةِ وَالْخَانِ وَالرِّبَاطِ وَالْمَقْبَرَةِ

وَلَوْ سُلِّمَ إلَى الْمُتَوَلِّي صَحَّ التَّسْلِيمُ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَفِعْلُ النَّائِبِ كَفِعْلِ الْمَنُوبِ عَنْهُ، وَأَمَّا فِي الْمَسْجِدِ فَقَدْ قِيلَ لَا يَكُونُ تَسْلِيمًا؛ لِأَنَّهُ لَا تَدْبِيرَ لِلْمُتَوَلِّي فِيهِ، وَقِيلَ يَكُونُ تَسْلِيمًا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَكْنُسُهُ وَيُغْلِقُ بَابَهُ، فَإِذَا سُلِّمَ إلَيْهِ صَحَّ التَّسْلِيمُ، وَالْمَقْبَرَةُ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمَسْجِدِ عَلَى مَا قِيلَ؛ لِأَنَّهُ لَا مُتَوَلِّيَ لَهُ عُرْفًا. وَقِيلَ هِيَ بِمَنْزِلَةِ السِّقَايَةِ وَالْخَانِ فَيَصِحُّ التَّسْلِيمُ إلَى الْمُتَوَلِّي؛ لِأَنَّهُ لَوْ نُصِّبَ الْمُتَوَلِّي يَصِحُّ، وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِ الْعَادَةِ، وَلَوْ جَعَلَ دَارًا لَهُ بِمَكَّةَ سُكْنَى لِحَاجِّ بَيْتِ اللَّهِ وَالْمُعْتَمِرِينَ، أَوْ جَعَلَ دَارِهِ فِي غَيْرِ مَكَّةَ سُكْنَى لِلْمَسَاكِينِ، أَوْ جَعَلَهَا فِي ثَغْرٍ مِنْ الثُّغُورِ سُكْنَى لِلْغُزَاةِ وَالْمُرَابِطِينَ. أَوْ جَعَلَ غَلَّةَ أَرْضِهِ لِلْغُزَاةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَدَفَعَ ذَلِكَ إلَى وَالٍ يَقُومُ عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَلَا رُجُوعَ فِيهِ لِمَا بَيَّنَّا إلَّا أَنَّ فِي الْغَلَّةِ تَحِلُّ لِلْفُقَرَاءِ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ، وَفِيمَا سِوَاهُ مِنْ سُكْنَى الْخَانِ وَالِاسْتِقَاءِ مِنْ الْبِئْرِ وَالسِّقَايَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ يَسْتَوِي فِيهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ) أَيْ فِي السِّقَايَةِ وَالْخَانِ وَالرِّبَاطِ وَالْمَقْبَرَةِ. وَقَوْلُهُ (وَيُكْتَفَى بِالْوَاحِدِ) ظَاهِرٌ، وَقَوْلُهُ (سُكْنَى الْحَاجِّ بَيْتُ اللَّهِ تَعَالَى) الْحَاجُّ اسْمُ جَمْعٍ بِمَعْنَى الْحُجَّاجِ كَالسَّامِرِ بِمَعْنَى السُّمَّارِ فِي قَوْله تَعَالَى {سَامِرًا تَهْجُرُونَ} [المؤمنون: 67]

وَالْفَارِقُ هُوَ الْعُرْفُ فِي الْفَصْلَيْنِ. فَإِنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ يُرِيدُونَ بِذَلِكَ فِي الْغَلَّةِ الْفُقَرَاءَ، وَفِي غَيْرِهَا التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَشْمَلُ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ فِي الشُّرْبِ وَالنُّزُولِ. وَالْغَنِيُّ لَا يَحْتَاجُ إلَى صَرْفِ هَذَا الْغَلَّةِ لِغِنَاهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالثَّغْرُ مَوْضِعُ الْمَخَافَةِ مِنْ فُرُوجِ الْبُلْدَانِ، وَيُقَالُ رَابِطُ الْجَيْشِ: أَقَامَ فِي الثَّغْرِ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ مُرَابَطَةً وَرِبَاطًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[كتاب البيوع]

كِتَابُ الْبُيُوعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْبُيُوعِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ أَنْوَاعِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَذَكَرَ بَعْضَ حُقُوقِ الْعِبَادِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا بَقِيَ مِنْهَا، وَذَكَرَ الْبُيُوعَ بَعْدَ الْوَقْفِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُزِيلٌ لِلْمِلْكِ وَالْبَيْعُ فِي اللُّغَةِ تَمْلِيكُ الْمَالِ بِالْمَالِ، وَزِيدَ عَلَيْهِ فِي الشَّرْعِ فَقِيلَ: هُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِالتَّرَاضِي بِطَرِيقِ الِاكْتِسَابِ. وَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ لُغَةً. وَاصْطِلَاحًا يُقَالُ: بَاعَ الشَّيْءَ إذَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQشَرَاهُ، وَيُقَالُ بَاعَهُ الشَّيْءَ وَبَاعَ مِنْهُ، وَلِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْأَنْوَاعِ الْآتِي ذِكْرُهَا جَمَعُوهُ، وَجَوَازُهُ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وَبِالسُّنَّةِ «فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُعِثَ وَالنَّاسُ يَتَبَايَعُونَ فَقَرَّرَهُمْ عَلَى ذَلِكَ» ، وَالتَّقْرِيرُ أَحَدُ وُجُوهِ السُّنَّةِ، وَبِالْإِجْمَاعِ فَإِنَّهُ لَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ مِنْ الْمُلَبِّينَ وَغَيْرِهِمْ، وَبِالْمَعْقُولِ وَهُوَ سَلْبُ شَرْعِيَّتِهِ، فَإِنَّ تَعَلُّقَ الْبَقَاءِ الْمَقْدُورِ بِتَعَاطِيهَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي التَّقْرِيرِ وَرُكْنُهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ أَوْ مَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ. وَشَرْطُهُ مِنْ جِهَةِ الْعَاقِدَيْنِ الْعَقْلُ وَالتَّمْيِيزُ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَحَلِّ كَوْنُهُ مَالًا مُتَقَوِّمًا مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ. وَحُكْمُهُ إفَادَةُ الْمِلْكِ وَهُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الْمَحَلِّ شَرْعًا، فَلَا يُشْكِلُ بِتَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِالْبَيْعِ فَإِنَّهُ مُمْتَنِعٌ مَعَ كَوْنِهِ مِلْكًا لَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ التَّصَرُّفَ لَيْسَ بِشَرْعِيٍّ مُطْلَقًا لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ هَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِيَّةِ الْبَيْعِ، وَقَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ كَوُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ وَثُبُوتِ الشُّفْعَةِ وَعِتْقِ الْقَرِيبِ وَمِلْكِ الْمُتْعَةِ فِي الْجَارِيَةِ وَالْخِيَارَاتِ بِطَرِيقِ الضِّمْنِ. وَأَنْوَاعُهُ بِاعْتِبَارِ الْمَبِيعِ أَرْبَعَةٌ: بَيْعُ السِّلَعِ بِمِثْلِهَا وَيُسَمَّى مُقَايَضَةً. وَبَيْعُهَا بِالدَّيْنِ: أَعْنِي الثَّمَنَ.

قَالَ (الْبَيْعُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبَيْعُ الثَّمَنِ بِالثَّمَنِ كَبَيْعِ النَّقْدَيْنِ وَيُسَمَّى الصَّرْفَ. وَبَيْعُ الدَّيْنِ بِالْعَيْنِ وَيُسَمَّى سَلَمًا. وَبِاعْتِبَارِ الثَّمَنِ كَذَلِكَ الْمُسَاوَمَةُ، وَهِيَ الَّتِي لَا تَلْتَفِتُ إلَى الثَّمَنِ السَّابِقِ، وَالْمُرَابَحَةِ، وَالتَّوْلِيَةِ، وَالْوَضِيعَةِ وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْبَيْعُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ) الِانْعِقَادُ هَاهُنَا تَعَلُّقُ كَلَامِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ بِالْآخَرِ شَرْعًا عَلَى وَجْهٍ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْمَحَلِّ. وَالْإِيجَابُ الْإِثْبَاتُ. وَيُسَمَّى مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الْعَاقِدَيْنِ إيجَابًا لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لِلْآخَرِ خِيَارُ الْقَبُولِ، فَإِذَا قَبِلَ يُسَمَّى كَلَامُهُ قَبُولًا وَحِينَئِذٍ لَا خَفَاءَ فِي وَجْهِ تَسْمِيَةِ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ إيجَابًا وَالْمُتَأَخِّرِ قَبُولًا. وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ بِلَفْظَيْنِ

إذَا كَانَا بِلَفْظَيْ الْمَاضِي) مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا بِعْت وَالْآخَرُ اشْتَرَيْت؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنْشَاءُ تَصَرُّفٍ، وَالْإِنْشَاءُ يُعْرَفُ بِالشَّرْعِ وَالْمَوْضُوعُ لِلْإِخْبَارِ قَدْ اُسْتُعْمِلَ فِيهِ فَيَنْعَقِدُ بِهِ. وَلَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ أَحَدُهُمَا لَفْظُ الْمُسْتَقْبَلِ وَالْآخَرُ لَفْظُ الْمَاضِي، ـــــــــــــــــــــــــــــQمَاضِيَيْنِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الْمُوجِبُ بِعْت وَالْمُجِيبُ اشْتَرَيْت لِأَنَّ الْبَيْعَ إنْشَاءُ تَصَرُّفٍ شَرْعِيٍّ، وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ يُعْرَفُ بِالشَّرْعِ، فَالْبَيْعُ يُعْرَفُ بِهِ، أَمَّا أَنَّ الْبَيْعَ إنْشَاءٌ فَلِأَنَّ الْإِنْشَاءَ إثْبَاتُ مَا لَمْ يَكُنْ، وَهُوَ صَادِقٌ عَلَى الْبَيْعِ لَا مَحَالَةَ؛ وَأَمَّا كَوْنُهُ شَرْعِيًّا فَلِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمَبِيعِ شَرْعًا، وَأَمَّا أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ يُعْرَفُ بِالشَّرْعِ لِأَنَّ تَلَقِّي الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْهُ وَالشَّرْعُ قَدْ اسْتَعْمَلَ الْمَوْضُوعَ لِلْإِخْبَارِ لُغَةً فِي الْإِنْشَاءِ فَيَنْعَقِدُ بِهِ، هَذَا تَقْرِيرُ كَلَامِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَا بُدَّ مِنْ ضَمِّ شَيْءٍ إلَى ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: وَكَانَ اسْتِعْمَالُهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي وَإِلَّا لَا يَتِمُّ الدَّلِيلُ وَهُوَ ظَاهِرٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ. أَحَدُهُمَا الْمَاضِي، وَالْآخَرُ بِلَفْظِ الْمُسْتَقْبَلِ) وَإِنَّمَا لَا يَنْعَقِدُ بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْمَلَ فِيهِ لَفْظَ الْمَاضِي الَّذِي يَدُلُّ عَلَى تَحَقُّقِ وُجُودِهِ فَكَانَ الِانْعِقَادُ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ لَفْظَ

بِخِلَافِ النِّكَاحِ، وَقَدْ مَرَّ الْفَرْقُ هُنَاكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُسْتَقْبَلِ إنْ كَانَ مِنْ جَانِبِ الْبَائِعِ كَانَ عِدَةً لَا بَيْعًا، وَإِنْ كَانَ مِنْ جَانِبِ الْمُشْتَرِي كَانَ مُسَاوَمَةً. وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَ اللَّفْظَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا مُسْتَقْبَلًا بِدُونِ نِيَّةِ الْإِيجَابِ فِي الْحَالِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُرَادُ ذَلِكَ فَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَأُسْنِدَ ذَلِكَ إلَى تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. ثُمَّ قِيلَ فِي تَعْلِيلِهِ؛ لِأَنَّ صِيغَةَ الِاسْتِقْبَالِ تَحْتَمِلُ الْحَالَ فَصَحَّتْ النِّيَّةُ. وَقِيلَ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ وُضِعَ لِلْحَالِ وَفِي وُقُوعِهِ لِلِاسْتِقْبَالِ ضَرْبُ تَجَوُّزٍ، وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ لَفْظُ الْمُسْتَقْبَلِ، وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بِالسِّينِ أَوْ سَوْفَ وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ الْحَالَ وَلَا وُضِعَ لَهُ، فَإِنْ أَرَادَ الشَّيْخُ مِنْ لَفْظِ الْمُسْتَقْبَلِ ذَلِكَ فَلَا خَفَاءَ فِي عَدَمِ انْعِقَادِ الْبَيْعِ بِهِ، وَنِيَّةُ الْحَالِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ لِعَدَمِ مُصَادَفَتِهَا الْمَحَلَّ، وَإِنْ أَرَادَ مَا يَحْتَمِلُ الِاسْتِقْبَالَ وَهُوَ صِيغَةُ الْمُضَارِعِ فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِالْجَوَازِ بِهِ وَإِنْ كَانَ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَعْمَلُ فِي الْمُحْتَمَلَاتِ لَا فِي الْمَوْضُوعَاتِ الْأَصْلِيَّةِ، وَالْفِعْلُ الْمُضَارِعُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ عَلَى مَا عُرِفَ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَلَا يَنْعَقِدُ بِهِ لِمَا مَرَّ مِنْ الْأَثَرِ وَالْمَعْقُولِ، لَا يُقَالُ: سَلَّمْنَا أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ لَكِنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا هِيَ لِدَفْعِ الْمُحْتَمَلِ وَهُوَ الْعِدَةُ لَا لِإِرَادَةِ الْحَقِيقَةِ، لِأَنَّ الْمَعْهُودَ أَنَّ الْمَجَازَ يَحْتَاجُ إلَى مَا يَنْفِي إرَادَةَ الْحَقِيقَةِ لَا أَنَّ الْحَقِيقَةَ تَحْتَاجُ إلَى مَا يَنْفِي إرَادَةَ الْمَجَازِ عَلَى أَنَّهُ دَافِعٌ لِلْمَعْقُولِ دُونَ الْأَثَرِ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا وَجْهُ مَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ؟ فَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: الْمُضَارِعُ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ فِي غَيْرِ الْبُيُوعِ وَالْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ فِيهَا هُوَ اللَّفْظُ الْمَاضِي وَالْمُضَارِعُ فِيهَا مَجَازٌ فَيَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ فَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ النِّكَاحِ) يَعْنِي أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِذَلِكَ،

وَقَوْلُهُ رَضِيت بِكَذَا أَوْ أَعْطَيْتُك بِكَذَا أَوْ خُذْهُ بِكَذَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ بِعْت وَاشْتَرَيْت؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي مَعْنَاهُ، وَالْمَعْنَى هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ أَحَدَهُمَا إذَا قَالَ زَوِّجْنِي فَقَالَ الْآخَرُ زَوَّجْتُك انْعَقَدَ، وَقَدْ مَرَّ الْفَرْقُ هُنَاكَ، وَهُوَ مَا قَالَ إنَّ هَذَا تَوْكِيلٌ بِالنِّكَاحِ وَالْوَاحِدُ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ النِّكَاحِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَوْلُهُ (رَضِيت أَوْ أَعْطَيْتُك) هَذَا لِبَيَانِ أَنَّ انْعِقَادَ الْبَيْعِ لَا يَنْحَصِرُ فِي لَفْظِ بِعْت وَاشْتَرَيْت، بَلْ كُلُّ مَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ يَنْعَقِدُ بِهِ، فَإِذَا قَالَ بِعْت مِنْك هَذَا بِكَذَا فَقَالَ رَضِيت أَوْ أَعْطَيْتُك الثَّمَنَ أَوْ قَالَ اشْتَرَيْت مِنْك هَذَا بِكَذَا فَقَالَ رَضِيت أَوْ أَعْطَيْت: أَيْ الْمَبِيعَ بِذَلِكَ الثَّمَنِ انْعَقَدَ لِإِفَادَةِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ، وَكَذَا إذَا قَالَ اشْتَرَيْت هَذَا مِنْك بِكَذَا فَقَالَ خُذْهُ: يَعْنِي بِعْت بِذَلِكَ فَخُذْهُ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْأَخْذِ بِالْبَدَلِ وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْبَيْعِ فَقَدَّرَ الْبَيْعَ اقْتِضَاءً فَصَارَ كُلُّ مَا يُؤَدِّي مَعْنَى بِعْت وَاشْتَرَيْت سَوَاءٌ فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ بِهِ لِأَنَّ الْمَعْنَى هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ، وَقَيَّدَهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ بَعْضَ الْعُقُودِ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى اللَّفْظِ وَلَا يَنْعَقِدُ بِدُونِهِ كَمَا فِي الْمُفَاوَضَةِ إذَا

وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي فِي النَّفِيسِ وَالْخَسِيسِ هُوَ الصَّحِيحُ لِتَحَقُّقِ الْمُرَاضَاةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يُبَيِّنَا جَمِيعَ مَا تَقْتَضِيهِ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ الْمَعْنَى هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ (يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِالتَّعَاطِي فِي النَّفِيسِ وَالْخَسِيسِ لِتَحَقُّقِ) الْمَقْصُودِ وَهُوَ التَّرَاضِي. وَقَوْلُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْكَرْخِيِّ الْبَيْعُ يَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي فِي الْخَسِيسِ كَالْبَقْلِ وَأَمْثَالِهِ، ثُمَّ إنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَشَارَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إلَى أَنَّ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ يَكْفِي فِي تَحَقُّقِهِ

قَالَ (وَإِذَا أَوْجَبَ) أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْبَيْعَ فَالْآخَرُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَبِلَ فِي الْمَجْلِسِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ، وَهَذَا خِيَارُ الْقَبُولِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْخِيَارُ يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ، وَإِذَا لَمْ يَفْسُدْ لِحُكْمٍ بِدُونِ قَبُولِ الْآخَرِ فَلِلْمُوجِبِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ قَبْلَ قَبُولِهِ لِخُلُوِّهِ عَنْ إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ، وَإِنَّمَا يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ جَامِعُ الْمُتَفَرِّقَاتِ فَاعْتُبِرَتْ سَاعَاتُهُ سَاعَةً وَاحِدَةً دَفْعًا لِلْعُسْرِ وَتَحْقِيقًا لِلْيُسْرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِذَا أَوْجَبَ) إذَا قَالَ الْبَائِعُ مَثَلًا بِعْتُك هَذَا بِكَذَا فَالْآخَرُ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ قَالَ فِي الْمَجْلِسِ قَبِلْت، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ، وَهَذَا يُسَمَّى خِيَارَ الْقَبُولِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُخْتَارًا فِي الرَّدِّ وَالْقَبُولِ لَكَانَ مَجْبُورًا عَلَى أَحَدِهِمَا وَانْتَفَى التَّرَاضِي، فَمَا فَرَضْنَاهُ بَيْعًا لَمْ يَكُنْ بَيْعًا هَذَا خَلَفٌ، وَإِذَا كَانَ إيجَابُ أَحَدِهِمَا غَيْرَ مُفِيدٍ لِلْحُكْمِ بِدُونِ قَبُولِ الْآخَرِ كَانَ لِلْمُوجِبِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ إيجَابِهِ لِخُلُوِّهِ عَنْ إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ. فَإِنْ قِيلَ: سَلَّمْنَا أَنَّ إيجَابَ أَحَدِهِمَا غَيْرُ مُفِيدٍ لِلْحُكْمِ وَهُوَ الْمِلْكُ لَكِنَّ حَقَّ الْغَيْرِ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ حَقَّ التَّمَلُّكِ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي بِإِيجَابِ الْبَائِعِ وَهُوَ حَقٌّ لِلْمُشْتَرِي فَلَا يَكُونُ الرُّجُوعُ خَالِيًا عَنْ إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِيجَابَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُفِيدًا لِلْحُكْمِ وَهُوَ الْمِلْكُ كَانَ الْمِلْكُ حَقِيقَةً لِلْبَائِعِ وَحَقُّ التَّمَلُّكِ لِلْمُشْتَرِي إنْ سَلِمَ ثُبُوتُهُ بِإِيجَابِ الْبَائِعِ لَا يَمْنَعُ الْحَقِيقَةَ لِكَوْنِهَا أَقْوَى مِنْ الْحَقِّ لَا مَحَالَةَ وَلَا يَنْتَقِضُ بِمَا إذَا دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَى السَّاعِي قَبْلَ الْحَوْلِ، فَإِنَّ الْمُزَكِّيَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِاسْتِرْدَادِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْفَقِيرِ بِالْمَدْفُوعِ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ زَالَتْ مِنْ الْمُزَكِّي فَعَمِلَ الْحَقُّ عَمَلَهُ لِانْتِفَاءِ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا عَمَّا يُقَالُ مَا وَجْهُ اخْتِصَاصِ خِيَارِ الرَّدِّ وَالْقَبُولِ بِالْمَجْلِسِ وَلِمَ لَا يَبْطُلُ الْإِيجَابُ عَقِيبَ خُلُوِّهِ عَنْ الْقَبُولِ أَوْ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ. وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنَّ فِي إبْطَالِهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمَجْلِسِ عُسْرًا بِالْمُشْتَرِي، وَفِي إبْقَائِهِ فِيمَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ عُسْرًا بِالْبَائِعِ، وَفِي التَّوَقُّفِ عَلَى الْمَجْلِسِ يُسْرًا بِهِمَا جَمِيعًا. وَالْمَجْلِسُ جَامِعٌ

وَالْكِتَابُ كَالْخِطَابِ، وَكَذَا الْإِرْسَالُ حَتَّى اُعْتُبِرَ مَجْلِسُ بُلُوغِ الْكِتَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْمُتَفَرِّقَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فَجُعِلَتْ سَاعَاتُهُ سَاعَةً وَاحِدَةً دَفْعًا لِلْعُسْرِ وَتَحْقِيقًا لِلْيُسْرِ. فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَا يَكُونُ الْخُلْعُ وَالْعِتْقُ عَلَى مَالٍ كَذَلِكَ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُمَا اشْتَمَلَا عَلَى الْيَمِينِ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى فَكَانَ ذَلِكَ مَانِعًا عَنْ الرُّجُوعِ فِي الْمَجْلِسِ فَيَتَوَقَّفُ الْإِيجَابُ فِيهِمَا عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْكِتَابُ كَالْخِطَابِ) إذَا كَتَبَ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بِعْتُك عَبْدِي فُلَانًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ قَالَ لِرَسُولِهِ بِعْت هَذَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَاذْهَبْ فَأَخْبِرْهُ بِذَلِكَ فَوَصَلَ الْكِتَابُ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَأَخْبَرَ الرَّسُولُ الْمُرْسَلَ إلَيْهِ فَقَالَ فِي مَجْلِسِ بُلُوغِ الْكِتَابِ وَالرِّسَالَةِ اشْتَرَيْت أَوْ قَبِلْت تَمَّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا. لِأَنَّ الْكِتَابَ مِنْ الْغَائِبِ كَالْخِطَابِ مِنْ الْحَاضِرِ. «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وَأَدَاءِ الرِّسَالَةِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ وَلَا أَنْ يَقْبَلَ الْمُشْتَرِي بِبَعْضِ الثَّمَنِ لِعَدَمِ رِضَا الْآخَرِ بِتَفَرُّقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ يُبَلِّغُ تَارَةً بِالْكِتَابِ وَتَارَةً بِالْخِطَابِ» ، وَكَانَ ذَلِكَ سَوَاءً فِي كَوْنِهِ مُبَلِّغًا. وَكَذَلِكَ الرَّسُولُ مُعَبِّرٌ وَسَفِيرٌ فَنُقِلَ كَلَامُهُ إلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ) يَعْنِي إذَا أَوْجَبَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ فِي شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا وَأَرَادَ الْمُشْتَرِي قَبُولَ الْعَقْدِ فِي أَحَدِهِمَا لَا غَيْرُ. فَإِنْ كَانَتْ الصَّفْقَةُ وَاحِدَةً فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِتَضَرُّرِ الْبَائِعِ بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُمْ يَضُمُّونَ الْجَيِّدَ إلَى الرَّدِيءِ فِي الْبِيَاعَاتِ وَيُنْقِصُونَ عَنْ ثَمَنِ الْجَيِّدِ لِتَرْوِيجِ الرَّدِيءِ بِهِ، فَلَوْ ثَبَتَ خِيَارُ قَبُولِ الْعَقْدِ فِي أَحَدِهِمَا لَقَبِلَ الْمُشْتَرِي الْعَقْدَ فِي الْجَيِّدِ وَتَرَكَ الرَّدِيءَ فَزَالَ الْجَيِّدُ عَنْ يَدِ الْبَائِعِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِهِ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْبَائِعِ لَا مَحَالَةَ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ فِي الصُّورَةِ الْمَوْضُوعَةِ صَحِيحٌ، وَأَمَّا إذَا وُضِعَتْ الْمَسْأَلَةُ فِيمَا إذَا بَاعَ عَبْدًا بِأَلْفٍ مَثَلًا وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي فِي نِصْفِهِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ. وَالصَّحِيحُ فِيهِ أَنْ يُقَالَ: يَتَضَرَّرُ الْبَائِعُ بِسَبَبِ الشَّرِكَةِ. فَإِنْ قِيلَ: فَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ فِي الْمَجْلِسِ هَلْ يَصِحُّ أَوْ لَا؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْقُدُورِيَّ قَالَ: إنَّهُ يَصِحُّ وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ

الصَّفْقَةِ، إلَّا إذَا بَيَّنَ كُلُّ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ صَفَقَاتُ مَعْنًى. قَالَ (وَأَيُّهُمَا قَامَ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ الْقَبُولِ بَطَلَ الْإِيجَابُ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ) وَالرُّجُوعِ، وَلَهُ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُشْتَرِي فِي الْحَقِيقَةِ اسْتِئْنَافَ إيجَابٍ لَا قَبُولٍ، وَرِضَا الْبَائِعِ قَبُولًا. قَالَ: وَإِنَّمَا يَصِحُّ مِثْلُ هَذَا إذَا كَانَ لِلْبَعْضِ الَّذِي قَبِلَهُ الْمُشْتَرِي حِصَّةٌ مَعْلُومَةٌ مِنْ الثَّمَنِ كَالصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَفِي الْقَفِيزَيْنِ بَاعَهُمَا بِعَشَرَةٍ لِأَنَّ الثَّمَنَ يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ فَتَكُونُ حِصَّةُ كُلِّ بَعْضٍ مَعْلُومَةً، فَأَمَّا إذَا أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى عَبْدَيْنِ أَوْ ثَوْبَيْنِ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ بِقَبُولِ أَحَدِهِمَا وَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْبَيْعُ بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً. وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا سَيَأْتِي، وَإِنْ كَانَتْ الصَّفْقَةُ مُتَفَرِّقَةً كَانَ لَهُ ذَلِكَ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ عَنْ الْبَائِعِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (إلَّا إذَا بَيَّنَ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ لِأَنَّهَا صَفَقَاتٌ مَعْنًى) وَالصَّفْقَةُ ضَرْبُ الْيَدِ عَلَى الْيَدِ فِي الْبَيْعِ وَالْبَيْعَةِ. ثُمَّ جُعِلَتْ عِبَارَةً عَنْ الْعَقْدِ نَفْسِهِ، وَالْعَقْدُ يَحْتَاجُ إلَى مَبِيعٍ وَثَمَنٍ وَبَائِعٍ وَمُشْتَرٍ وَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ، وَبِاتِّحَادِ بَعْضِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَعَ بَعْضٍ وَتَفَرُّقِهَا يَحْصُلُ اتِّحَادُ الصَّفْقَةِ وَتَفْرِيقُهَا، فَإِذَا اتَّحَدَ الْجَمْعُ اتَّحَدَتْ الصَّفْقَةُ، وَكَذَا إذَا اتَّحَدَ سِوَى الْمَبِيعِ كَقَوْلِهِ بِعْتهمَا بِمِائَةٍ فَقَالَ قَبِلْت، وَاتِّحَادُ الْجَمِيعِ سِوَى الثَّمَنِ لَا يُتَصَوَّرُ فَيَكُونُ مَعَ تَعَدُّدِ الْمَبِيعِ كَأَنْ قَالَ بِعْتهمَا بِمِائَةٍ فَقَالَ قَبِلْت أَحَدَهُمَا بِسِتِّينَ وَالْآخَرَ بِأَرْبَعِينَ وَذَلِكَ يَكُونُ صَفْقَةً وَاحِدَةً أَيْضًا كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَاتِّحَادُ الْجَمِيعِ سِوَى الْبَائِعِ كَأَنْ قَالَ بِعْنَا هَذَا مِنْك بِمِائَةٍ فَقَالَ قَبِلْت يُوجِبُ اتِّحَادَ الصَّفْقَةِ، وَاتِّحَادُ الْجَمِيعِ سِوَى الْمُشْتَرِي كَأَنْ قَالَ بِعْته مِنْكُمَا بِمِائَةٍ فَقَالَا قَبِلْنَا كَذَلِكَ وَتَفَرُّقُ الْجَمِيعِ يُوجِبُ تَفَرُّقَ الصَّفْقَةِ وَتَفَرُّقَ الْمَبِيعِ. وَالثَّمَنُ إنْ كَانَ بِتَكْرِيرِ لَفْظِ الْمَبِيعِ فَكَذَلِكَ، وَكَذَا تَفَرُّقُهُمَا بِتَكْرِيرِ لَفْظِ الشِّرَاءِ، هَذَا كُلُّهُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا، وَأَمَّا تَعَدُّدُ الْبَائِعِ مَعَ تَعَدُّدِ الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ بِلَا تَكْرِيرِ لَفْظِ الْبَيْعِ فَكَذَا تَفَرُّقُ الْمُشْتَرِي مَعَ تَفَرُّقِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ بِدُونِ تَكْرِيرِ لَفْظِ الشِّرَاءِ فَيُوجِبُ التَّفَرُّقَ قِيَاسًا لَا اسْتِحْسَانًا. وَقِيلَ لَا يُوجِبُ التَّفَرُّقَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُوجِبُهُ عَلَى قَوْلِ صَاحِبَيْهِ، قَالَ: وَأَيُّهُمَا قَامَ مِنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ الْقَبُولِ بَطَلَ الْإِيجَابُ، هَذَا مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ إنْ شَاءَ قَبِلَ فِي الْمَجْلِسِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ، وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ رَدَّ الْإِيجَابِ تَارَةً يَكُونُ صَرِيحًا وَأُخْرَى دَلَالَةً، فَإِنَّ الْقِيَامَ دَلِيلٌ لِلْإِعْرَاضِ وَالرُّجُوعِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُوجِبَ الرُّجُوعُ صَرِيحًا، وَالدَّلَالَةُ تَعْمَلُ عَمَلَ الصَّرِيحِ. فَإِنْ قِيلَ: الدَّلَالَةُ تَعْمَلُ عَمَلَ الصَّرِيحِ إذَا لَمْ يُوجَدْ صَرِيحٌ يُعَارِضُهَا وَهَاهُنَا لَوْ قَالَ بَعْدَ الْقِيَامِ قَبِلْت وُجِدَ الصَّرِيحُ فَيَتَرَجَّحُ عَلَى الدَّلَالَةِ.

وَإِذَا حَصَلَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ لَزِمَ الْبَيْعُ وَلَا خِيَارَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا مِنْ عَيْبٍ أَوْ عَدَمِ رُؤْيَةٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» وَلَنَا أَنَّ فِي الْفَسْخِ إبْطَالُ حَقِّ الْآخَرِ فَلَا يَجُوزُ. وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى خِيَارِ الْقَبُولِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأُجِيبَ بِأَنَّ الصَّرِيحَ إنَّمَا وُجِدَ بَعْدَ عَمَلِ الدَّلَالَةِ فَلَا يُعَارِضُهَا (وَإِذَا حَصَلَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ ثُمَّ الْبَيْعُ وَلَزِمَ، وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْخِيَارُ إلَّا مِنْ عَيْبٍ أَوْ عَدَمِ رُؤْيَةٍ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ أَثْبَتَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا خِيَارَ الْمَجْلِسِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ أَنْ يَرُدَّ الْعَقْدَ بِدُونِ رِضَا صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا بِالْأَبْدَانِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ (بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» ) فَإِنَّ التَّفَرُّقَ عَرْضٌ فَيُقَوَّمُ بِالْجَوْهَرِ وَهُوَ الْأَبْدَانُ (وَلَنَا أَنَّ فِي الْفَسْخِ إبْطَالَ حَقِّ الْآخَرِ) وَهُوَ لَا يَجُوزُ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى خِيَارِ الْقَبُولِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَحْوَالَ ثَلَاثٌ: قَبْلَ قَبُولِهِمَا. وَبَعْدَ قَبُولِهِمَا، وَبَعْدَ كَلَامِ الْمُوجِبِ قَبْلَ قَوْلِ

وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَيْهِ فَإِنَّهُمَا مُتَبَايِعَانِ حَالَةَ الْمُبَاشَرَةِ لَا بَعْدَهَا أَوْ يَحْتَمِلَهُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُجِيبِ. وَإِطْلَاقُ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي الْأَوَّلَيْنِ مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ أَوْ مَا كَانَ عَلَيْهِ. وَالثَّالِثُ حَقِيقَةٌ فَيَكُونُ مُرَادًا، أَوْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ أَحَدَهُمَا مُرَادٌ وَالْآخَرَ مُحْتَمِلٌ لِلْإِرَادَةِ. لَا يُقَالُ: الْعُقُودُ الشَّرْعِيَّةُ فِي حُكْمِ الْجَوَاهِرِ فَيَكُونَانِ مُتَبَايِعَيْنِ بَعْدَ وُجُودِ كَلَامِهِمَا، لِأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ كَلَامِهِمَا حُكْمُ كَلَامِهِمَا شَرْعًا لَا حَقِيقَةُ

وَالتَّفَرُّقُ فِيهِ تَفَرُّقُ الْأَقْوَالِ. قَالَ (وَالْأَعْوَاضُ الْمُشَارُ إلَيْهَا لَا يُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ مِقْدَارِهَا فِي جَوَازِ الْبَيْعِ) لِأَنَّ بِالْإِشَارَةِ كِفَايَةٌ فِي التَّعْرِيفِ وَجَهَالَةُ الْوَصْفِ فِيهِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَلَامِهِمَا، وَالْكَلَامُ فِي حَقِيقَةِ الْكَلَامِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ مَنْقُولٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ. وَقَوْلُهُ (وَالتَّفَرُّقُ تَفَرُّقُ الْأَقْوَالِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ التَّفَرُّقُ عَرْضٌ فَيُقَوَّمُ بِالْجَوْهَرِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: حَمْلُ التَّفَرُّقِ عَلَى ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ قِيَامَ الْعَرْضِ بِالْعَرْضِ وَهُوَ مُحَالٌ بِإِجْمَاعِ مُتَكَلِّمِي أَهْلِ السُّنَّةِ فَيَكُونُ إسْنَادُ التَّفَرُّقِ إلَيْهَا مَجَازًا، فَمَا وَجْهُ تَرْجِيحِ مَجَازِكُمْ عَلَى مَجَازِهِمْ؟ . وَأُجِيبَ بِأَنَّ إسْنَادَ التَّفْرِيقِ وَالتَّفَرُّقِ إلَى غَيْرِ الْأَعْيَانِ سَائِغٌ شَائِعٌ، فَصَارَ بِسَبَبِ فَشْوِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْحَقِيقَةِ، قَالَ تَعَالَى {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [البينة: 4] الْآيَةَ وَقَالَ {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة: 285] وَالْمُرَادُ التَّفَرُّقُ فِي الِاعْتِقَادِ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً» وَهُوَ أَيْضًا فِي الِاعْتِقَادِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمَجَازَ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ أَوْ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَيْضًا كَذَلِكَ، عَلَى أَنَّ ذَلِكَ يَصِحُّ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّ الْحَقِيقَةَ الْمُسْتَعْمَلَةَ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ عِنْدَهُ، وَلَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: حَمْلُهُ عَلَى التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ رَدٌّ إلَى الْجَهَالَةِ، إذْ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مَعْلُومٌ وَلَا غَايَةَ مَعْرُوفَةٌ فَيَصِيرُ مِنْ أَشْبَاهِ بَيْعِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ وَهُوَ مَقْطُوعٌ بِفَسَادِهِ عَادَةً، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَيْسَ لِهَذَا الْحَدِيثِ حَدٌّ مَعْرُوفٌ. أَوْ نَقُولُ: التَّفَرُّقُ يُطْلَقُ عَلَى الْأَعْيَانِ وَالْمَعَانِي بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ. وَتَتَرَجَّحُ جِهَةُ التَّفَرُّقِ بِالْأَقْوَالِ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَدَاءِ حَمْلِهِ عَلَى التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ إلَى الْجَهَالَةِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ: أَعْنِي حَمْلَ التَّفَرُّقِ عَلَى الْأَقْوَالِ مَنْقُولٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَعْوَاضُ الْمُشَارُ إلَيْهَا لَا يُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ مِقْدَارِهَا) الْأَعْوَاضُ الْمُشَارُ إلَيْهَا ثَمَنًا كَانَتْ أَوْ مُثَمَّنًا لَا يُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ مِقْدَارِهَا

(وَالْأَثْمَانُ الْمُطْلَقَةُ) لَا تَصِحُّ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَعْرُوفَةَ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ وَالتَّسَلُّمَ وَاجِبٌ بِالْعَقْدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي جَوَازِ الْبَيْعِ، لِأَنَّ بِالْإِشَارَةِ كِفَايَةً فِي التَّعْرِيفِ الْمُنَافِي لِلْجَهَالَةِ الْمُفْضِيَةِ إلَى الْمُنَازَعَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ اللَّذَيْنِ أَوْجَبَهُمَا عَقْدُ الْبَيْعِ، فَإِنَّ جَهَالَةَ الْوَصْفِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِوُجُودِ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ فِي التَّعْرِيفِ، وَكَوْنُ التَّقَابُضِ نَاجِزًا فِي الْبَيْعِ بِخِلَافِ السَّلَمِ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَهَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا لَمْ تَكُنْ الْأَعْرَاضُ رِبَوِيَّةً، أَمَّا إذَا كَانَتْ رِبَوِيَّةً فَجَهَالَةُ الْمِقْدَارِ تَمْنَعُ الصِّحَّةَ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا، وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيَّدْ فِي الْكِتَابِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالرِّبَا وَهَذَا الْبَابُ لَيْسَ لِبَيَانِهِ. قَالَ (وَالْأَثْمَانُ الْمُطْلَقَةُ لَا تَصِحُّ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَعْرُوفَةَ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ) الْأَثْمَانُ الْمُطْلَقَةُ عَنْ الْإِشَارَةِ لَا يَصِحُّ بِهَا الْعَقْدُ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةَ الْقَدْرِ كَعَشَرَةٍ وَنَحْوِهَا، وَالصِّفَةُ كَكَوْنِهَا بُخَارِيًّا أَوْ سَمَرْقَنْدِيًّا لِأَنَّ التَّسْلِيمَ وَاجِبٌ

[البيع بثمن حال ومؤجل]

وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ مُفْضِيَةٌ إلَى الْمُنَازَعَةِ فَيَمْتَنِعُ التَّسْلِيمُ وَالتَّسَلُّمُ، وَكُلُّ جَهَالَةٍ هَذِهِ صِفَتُهَا تَمْنَعُ الْجَوَازَ، هَذَا هُوَ الْأَصْلُ قَالَ (وَيَجُوزُ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ حَالٍّ وَمُؤَجَّلٍ إذَا كَانَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا) لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْعَقْدِ، وَكُلُّ مَا هُوَ وَاجِبٌ بِالْعَقْدِ يَمْتَنِعُ حُصُولُهُ بِالْجَهَالَةِ الْمُفْضِيَةِ إلَى النِّزَاعِ فَالتَّسْلِيمُ يَمْتَنِعُ بِهَا (وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ مُفْضِيَةٌ إلَى الْمُنَازَعَةِ فَيَمْتَنِعُ التَّسْلِيمُ وَالتَّسَلُّمُ) وَيَفُوتُ الْغَرَضُ الْمَطْلُوبُ مِنْ الْبَيْعِ. [الْبَيْعُ بِثَمَنٍ حَالٍّ وَمُؤَجَّلٍ] قَالَ (وَيَجُوزُ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ حَالٍّ) قَالَ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْمَبِيعُ مَا تَعَيَّنَ فِي الْعَقْدِ وَالثَّمَنِ مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ، وَهَذَا عَلَى الْمَذْهَبِ، فَإِنَّ الدَّرَاهِمَ تَتَعَيَّنُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي الْبَيْعِ وَهُوَ ثَمَنٌ بِالِاتِّفَاقِ. وَقَالَ أَبُو الْفَضْلِ الْكَرْمَانِيُّ فِي الْإِيضَاحِ: الثَّمَنُ مَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ نَقَلَهُ عَنْ الْفَرَّاءِ وَهُوَ مَنْقُوضٌ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ وَلَيْسَ بِثَمَنٍ. وَقِيلَ الْمَبِيعُ مَا يَحِلُّهُ الْعَقْدُ مِنْ الْأَعْيَانِ ابْتِدَاءً، وَقَوْلُهُ ابْتِدَاءً احْتِرَازٌ عَنْ الْمُسْتَأْجَرِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَحِلُّهُ الْعَقْدُ، بِاعْتِبَارِ قِيَامِهِ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ عَلَى أَحَدِ طَرِيقَيْ أَصْحَابِنَا فِي الْإِجَارَةِ، وَالثَّمَنُ مَا يُقَابِلُهُ وَيَنْقَسِمُ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى مَحْضٍ وَمُتَرَدِّدٍ، فَالْمَبِيعُ الْمَحْضُ هُوَ الْأَعْيَانُ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ إلَّا الثِّيَابَ الْمَوْصُوفَةَ وَقَعَتْ فِي الذِّمَّةِ إلَى أَجَلٍ بَدَلًا عَنْ عَيْنٍ فَإِنَّهَا أَثْمَانٌ، وَلَيْسَ اشْتِرَاطُ الْأَجَلِ لِكَوْنِهِ ثَمَنًا بَلْ لِيَصِيرَ مُلْحَقًا بِالسَّلَمِ فِي كَوْنِهَا دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ، وَالثَّمَنُ الْمَحْضُ هُوَ مَا خُلِقَ لِلثَّمَنِيَّةِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمُتَرَدِّدُ بَيْنَهُمَا كَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَقَارِبَةِ فَإِنَّهَا مَبِيعَةٌ نَظَرًا إلَى الِانْتِفَاعِ بِأَعْيَانِهَا، أَثْمَانٌ نَظَرًا إلَى أَنَّهَا مِثْلِيَّةٌ كَالنَّقْدَيْنِ، فَإِنْ قَابَلَهَا النَّقْدَانِ فَهِيَ مُعَيَّنَةٌ، وَإِنْ قَابَلَهَا عَيْنٌ وَهِيَ مُعَيَّنَةٌ فَهِيَ مَبِيعَةٌ وَأَثْمَانٌ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُمَا وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِأَنْ يُجْعَلَ مَبِيعًا مِنْ الْآخَرِ فَجُعِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مَبِيعًا وَثَمَنًا وَإِنْ كَانَتْ أَعْنِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ، فَإِنْ دَخَلَتْ

{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وَعَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ» . وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهِ مَانِعَةٌ مِنْ التَّسْلِيمِ الْوَاجِبِ بِالْعَقْدِ، فَهَذَا يُطَالِبُهُ بِهِ فِي قَرِيبِ الْمُدَّةِ، وَهَذَا يُسَلِّمُهُ فِي بِعِيدِهَا. قَالَ (وَمَنْ أَطْلَقَ الثَّمَنَ فِي الْبَيْعِ كَانَ عَلَى غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ، وَفِيهِ التَّحَرِّي لِلْجَوَازِ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهَا الْبَاءُ مِثْلُ أَنْ يُقَالَ اشْتَرَيْت هَذَا الْعَبْدَ بِكُرِّ حِنْطَةٍ وَقَدْ وَصَفَهَا كَانَتْ ثَمَنًا، وَإِنْ دَخَلَتْ فِي غَيْرِهَا كَأَنْ يُقَالَ: اشْتَرَيْت الْكُرَّ بِهَذَا الْعَبْدِ كَانَ مَبِيعًا وَلَا يَصِحُّ إلَّا سَلَمًا بِشُرُوطِهِ. هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِهِمْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَأَقُولُ: الْأَعْيَانُ ثَلَاثَةٌ: نُقُودٌ أَعْنِي الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ، وَسِلَعٌ كَالثِّيَابِ وَالدُّورِ وَالْعَبِيدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَمُقَدَّرَاتٌ كَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَقَارِبَةِ، وَبَيْعُ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ بِالنَّقْدَيْنِ يَشْتَمِلُ عَلَى الْمَبِيعِ الْمَحْضِ وَالثَّمَنِ الْمَحْضِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ كَوْنِهِ مَبِيعًا وَثَمَنًا، وَالتَّمْيِيزُ فِي اللَّفْظِ بِدُخُولِ الْبَاءِ وَعَدَمِهِ قَالَ (وَالْبَيْعُ بِالثَّمَنِ الْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ جَائِزٌ) لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وَلِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا إلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ» لَكِنْ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى مَا يَمْنَعُ الْوَاجِبَ بِالْعَقْدِ وَهُوَ التَّسْلِيمُ وَالتَّسَلُّمُ، فَرُبَّمَا يُطَالَبُ الْبَائِعُ فِي مُدَّةٍ قَرِيبَةٍ وَالْمُشْتَرِي يُؤَخِّرُ إلَى بَعِيدِهَا. قَالَ (وَمَنْ أَطْلَقَ الثَّمَنَ كَانَ عَلَى غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ) وَمَنْ أَطْلَقَ الثَّمَنَ عَنْ ذِكْرِ الصِّفَةِ دُونَ الْقَدْرِ كَأَنْ قَالَ اشْتَرَيْت بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَقُلْ بُخَارِيًّا أَوْ سَمَرْقَنْدِيًّا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْعَقْدُ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ أَحَدَهَا. وَاعْلَمْ أَنِّي أَذْكُرُ لَك فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْأَقْسَامَ الْعَقْلِيَّةَ الْمُتَصَوَّرَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إجْمَالًا ثُمَّ أَنْزِلْهَا عَلَى مَتْنِ الْكِتَابِ حَلًّا لَهُ، فَإِنِّي مَا وَجَدْت مِنْ الشَّارِحِينَ مَنْ تَصَدَّى لِذَلِكَ عَلَى مَا يَنْبَغِي فَأَقُولُ: إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الِاخْتِلَافُ فِي الْمَالِيَّةِ وَالرَّوَاجِ، أَوْ فِي الْمَالِيَّةِ دُونَ الرَّوَاجِ، أَوْ فِي الرَّوَاجِ دُونَ الْمَالِيَّةِ، أَوْ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ

(فَإِنْ كَانَتْ النُّقُودُ مُخْتَلِفَةً فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ أَحَدُهُمَا) وَهَذَا إذَا كَانَ الْكُلُّ فِي الرَّوَاجِ سَوَاءً؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ مُفْضِيَةٌ إلَى الْمُنَازَعَةِ إلَّا أَنْ تَرْتَفِعَ الْجَهَالَةُ بِالْبَيَانِ أَوْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَغْلَبَ وَأَرْوَجَ فَحِينَئِذٍ يُصْرَفُ إلَيْهِ تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ مُخْتَلِفَةً فِي الْمَالِيَّةِ، فَإِنْ كَانَتْ سَوَاءً فِيهَا كَالثُّنَائِيِّ وَالثُّلَاثِيِّ وَالنُّصْرُتِيِّ الْيَوْمَ بِسَمَرْقَنْدَ وَالِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْعَدَالَى بِفَرْغَانَةَ جَازَ الْبَيْعُ إذَا أُطْلِقَ اسْمُ الدِّرْهَمِ، كَذَا قَالُوا، وَيَنْصَرِفُ إلَى مَا قَدَّرَ بِهِ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ كَانَ؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَازَعَةَ وَلَا اخْتِلَافَ فِي الْمَالِيَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهُمَا بَلْ فِي مُجَرَّدِ الِاسْمِ كَالْمِصْرِيِّ وَالدِّمَشْقِيِّ مَثَلًا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ جَازَ الْبَيْعُ وَانْصَرَفَ إلَى الْأَرْوَجِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمُنَازَعَةِ تُوقِعُهُمَا فِي الْمُنَازَعَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ، وَإِنْ كَانَ الثَّالِثُ يَجُوزُ وَيَتَصَرَّفُ إلَى الْأَرْوَجِ تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ، وَإِنْ كَانَ الرَّابِعُ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ لَيْسَتْ مُوقَعَةً فِي الْمُنَازَعَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ. وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَقَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَتْ النُّقُودُ مُخْتَلِفَةً) يَعْنِي فِي الْمَالِيَّةِ كَالذَّهَبِ الْمِصْرِيِّ وَالْمَغْرِبِيِّ، فَإِنَّ الْمِصْرِيَّ أَفْضَلُ فِي الْمَالِيَّةِ مِنْ الْمَغْرِبِيِّ إذَا فُرِضَ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي الرَّوَاجِ (فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ) لِأَنَّ الْجَهَالَةَ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ إشَارَةً إلَى الْقِسْمِ الثَّانِي، إلَّا أَنْ تَرْتَفِعَ الْجَهَالَةُ بِبَيَانِ أَحَدِهِمَا. فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ. وَقَوْلُهُ (أَوْ يَكُونُ أَحَدُهَا أَغْلَبَ وَأَرْوَجَ فَحِينَئِذٍ يُصْرَفُ الْبَيْعُ إلَيْهِ تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ) إشَارَةً إلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ أَوْ إلَى الْقِسْمِ الثَّالِثِ، لِأَنَّ كَوْنَ أَحَدِهَا أَرْوَجَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْمَالِيَّةِ أَوْ مَعَ اسْتِوَاءٍ وَالْبَيْعُ جَائِزٌ فِيهِمَا. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا) أَيْ فَسَادُ الْبَيْعِ إذَا كَانَتْ مُخْتَلِفَةً فِي الْمَالِيَّةِ: يَعْنِي مَعَ الِاسْتِوَاءِ فِي الرَّوَاجِ إشَارَةً إلَى الْقِسْمِ الثَّانِي. أَعَادَهُ لِلتَّمْثِيلِ بِقَوْلِهِ كَالثُّنَائِيِّ وَهُوَ مَا يَكُونُ الِاثْنَانِ مِنْهُ دَانَقًا وَالثُّلَاثِيِّ وَهُوَ مَا يَكُونُ الثَّلَاثَةُ مِنْهُ دَانَقًا وَالنُّصْرُتِيِّ الْيَوْمَ بِسَمَرْقَنْدَ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّاصِرِيِّ بِبُخَارَى، وَالِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْعَدَالَى بِفَرْغَانَةَ وَفُقَهَاءُ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ يُسَمُّونَ الدِّرْهَمَ عَدْلِيًّا، وَكُلُّ هَذَا يَخْتَلِفُ فِي الْمَالِيَّةِ مَعَ التَّسَاوِي فِي الرَّوَاجِ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَتْ سَوَاءً فِيهَا) أَيْ فِي الْمَالِيَّةِ: يَعْنِي مَعَ الِاسْتِوَاءِ فِي الرَّوَاجِ إشَارَةً إلَى الْقِسْمِ الرَّابِعِ وَجَزَاءُ الشَّرْطِ قَوْلُهُ (جَازَ الْبَيْعُ إذَا أَطْلَقَ اسْمَ الدَّرَاهِمِ كَذَا قَالُوا) أَيْ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الْمَشَايِخِ (وَيَنْصَرِفُ) اسْمُ الدَّرَاهِمِ (إلَى مَا قُدِّرَ بِهِ) مِنْ الْمِقْدَارِ كَعَشَرَةٍ وَنَحْوِهَا (مِنْ أَيِّ نَوْعٍ كَانَ) مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِنَوْعٍ مُعَيَّنٍ لِأَنَّهُ لَا مُنَازَعَةَ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الرَّوَاجِ (وَلَا اخْتِلَافَ فِي الْمَالِيَّةِ) وَظَهَرَ مِنْ هَذَا تَعْقِيدُ كَلَامِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فَإِنَّهُ فَصَلَ بَيْنَ قَوْلِهِ إذَا كَانَتْ مُخْتَلِفَةً فِي الْمَالِيَّةِ وَمِثَالُهُ وَهُوَ قَوْلُهُ كَالثُّنَائِيِّ بِالشَّرْطِ وَهُوَ قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَتْ سَوَاءً وَفَصَلَ بَيْنَ الشَّرْطِ هَذَا وَبَيْنَ جَزَائِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ جَازَ الْبَيْعُ بِقَوْلِهِ كَالثُّنَائِيِّ إلَى قَوْلِهِ جَازَ، وَلَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ كَالثُّنَائِيِّ إلَخْ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ فَإِنْ كَانَتْ سَوَاءً لِأَنَّ مَا كَانَ اثْنَانِ مِنْهُ نِقَادًا وَثَلَاثَةٌ مِنْهُ دَانَقًا لَا يَكُونَانِ فِي الْمَالِيَّةِ سَوَاءً، لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَا فِي الرَّوَاجِ سَوَاءً، هَذَا

[بيع الطعام والحبوب مكايلة ومجازفة]

قَالَ (وَيَجُوزُ بَيْعُ الطَّعَامِ وَالْحُبُوبِ مُكَايَلَةً وَمُجَازَفَةً) وَهَذَا إذَا بَاعَهُ بِخِلَافِ جِنْسِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ» بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ بِجِنْسِهِ مُجَازَفَةً لِمَا فِيهِ مِنْ احْتِمَالِ الرِّبَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا سَنَحَ لِي فِي حَلِّ هَذَا الْمَوْضِعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَيْعُ الطَّعَامِ وَالْحُبُوبِ مُكَايَلَةً وَمُجَازَفَةً] قَالَ (وَيَجُوزُ بَيْعُ الطَّعَامِ وَالْحُبُوبِ مُكَايَلَةً) الْمُرَادُ بِالطَّعَامِ الْحِنْطَةُ وَدَقِيقُهَا لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِمَا عُرْفًا، وَسَيَأْتِي فِي الْوَكَالَةِ، وَبِالْحُبُوبِ غَيْرُهُمَا كَالْعَدَسِ وَالْحِمَّصِ وَأَمْثَالِهِمَا، كُلُّ ذَلِكَ إذَا بِيعَ مُكَايَلَةً جَازَ الْعَقْدُ سَوَاءٌ كَانَ الْبَيْعُ بِجِنْسِهِ أَوْ بِخِلَافِهِ. وَإِذَا بِيعَ (مُجَازَفَةً) فَإِنْ كَانَ شَيْئًا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْكَيْلِ فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَهُ لَا يَجُوزُ إلَّا (بِخِلَافِ جِنْسِهِ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ» ) لَا يُقَالُ: لَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الْمَنْعِ عِنْدَ اتِّفَاقِ النَّوْعَيْنِ لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ مِنْ الشَّرْطِ. وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ

وَلِأَنَّ الْجَهَالَةَ غَيْرُ مَانِعَةٍ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ فَشَابَهَ جَهَالَةَ الْقِيمَةِ. قَالَ (وَيَجُوزُ بِإِنَاءٍ بِعَيْنِهِ لَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهُ وَبِوَزْنِ حَجَرٍ بِعَيْنِهِ لَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهُ) ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِمَا أَنَّهُ يَتَعَجَّلُ فِيهِ التَّسْلِيمَ فَيُنْدَرُ هَلَاكُهُ قَبْلَهُ بِخِلَافِ السَّلَمِ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِيهِ مُتَأَخِّرٌ وَالْهَلَاكَ لَيْسَ بِنَادِرٍ قَبْلَهُ فَتَتَحَقَّقُ الْمُنَازَعَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى ذَلِكَ صَدْرُ الْحَدِيثِ. وَلِأَنَّ الْجَهَالَةَ مَانِعَةٌ إذَا مَنَعَتْ التَّسْلِيمَ، وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ غَيْرُ مَانِعَةٍ فَصَارَ كَمَا إذَا بَاعَ شَيْئًا لَمْ يَعْلَمْ الْعَاقِدَانِ قِيمَتَهُ بِدِرْهَمٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ بِجِنْسِهِ مُجَازَفَةً لِمَا فِيهِ مِنْ احْتِمَالِ الرِّبَا قَالَ (وَيَجُوزُ) بِإِنَاءٍ بِعَيْنِهِ إذَا بَاعَ الطَّعَامَ أَوْ الْحُبُوبَ (بِإِنَاءٍ بِعَيْنِهِ أَوْ بِوَزْنِ حَجَرٍ بِعَيْنِهِ لَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهُمَا جَازَ) لِأَنَّ الْجَهَالَةَ الْمَانِعَةَ مَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَهَذِهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِي الْبَيْعِ مُتَعَجِّلٌ فَيَنْدُرُ هَلَاكُ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الْإِنَاءِ وَالْحَجَرِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ. وَقِيلَ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا إذَا بَاعَ أَحَدَ الْعَبِيدِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَأْخُذُ أَيَّهُمْ شَاءَ وَيَرُدُّ الْبَاقِينَ، أَوْ اشْتَرَى بِأَيِّ ثَمَنٍ شَاءَ فَإِنَّ الْجَهَالَةَ لَمْ تُفْضِ إلَى الْمُنَازَعَةِ وَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَلَيْسَ بِوَارِدٍ لِأَنَّا قُلْنَا إنَّ الْجَهَالَةَ الْمُفْضِيَةَ إلَى النِّزَاعِ مُفْسِدَةٌ لِلْعَقْدِ وَهَذَا لَا نِزَاعَ فِيهِ، وَلَمْ نَقُلْ إنَّ كُلَّ مَا هُوَ بَاطِلٌ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ لِلْجَهَالَةِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بَاطِلًا لِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ عَدَمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فِي الْأُولَى وَلِعَدَمِ الثَّمَنِ فِي الثَّانِيَةِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْجَوَازَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمِكْيَالُ لَا يَنْكَبِسُ بِالْكَبْسِ كَالْقَصْعَةِ وَنَحْوِهَا، أَمَّا إذَا كَانَ مِمَّا يَنْكَبِسُ كَالزِّنْبِيلِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، بِخِلَافِ السَّلَمِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بِإِنَاءٍ مَجْهُولِ الْقَدْرِ وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا، وَكَذَا الْحَجَرُ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِيهِ مُتَأَخِّرٌ، وَالْهَلَاكُ لَيْسَ بِنَادِرٍ قَبْلَهُ فَتَتَحَقَّقُ الْمُنَازَعَةُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّ الْبَيْعَ أَيْضًا لَا يَجُوزُ كَالسَّلَمِ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُجَازَفَةً أَوْ يَذْكُرَ الْقَدْرَ، فَفِي الْمُجَازَفَةِ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُوَ مَا يُشَارُ إلَيْهِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْمِعْيَارِ، وَفِي غَيْرِهَا هُوَ مَا يُسَمَّى مِنْ الْقَدْرِ وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْهُمَا فَإِنَّ " الْفَرْضَ عَدَمُ

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ أَيْضًا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَظْهَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُجَازَفَةِ، وَالْمِكْيَالُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا لَمْ يُسَمَّ شَيْءٌ مِنْ الْقَدْرِ (وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ) يَعْنِي مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ فَإِنَّ الْمِعْيَارَ الْمُعَيَّنَ لَمْ يَتَقَاعَدْ عَنْ الْمُجَازَفَةِ (وَأَظْهَرُ) يَعْنِي مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ.

(قَالَ وَمَنْ بَاعَ صُبْرَةَ طَعَامٍ كُلُّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ جَازَ الْبَيْعُ فِي قَفِيزٍ وَاحِدٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ جُمْلَةَ قُفْزَانِهَا وَقَالَا يَجُوزُ فِي الْوَجْهَيْنِ) لَهُ أَنَّهُ تَعَذَّرَ الصَّرْفُ إلَى الْكُلِّ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ فَيُصْرَفُ إلَى الْأَقَلِّ وَهُوَ مَعْلُومٌ، وَإِلَّا أَنْ تَزُولَ الْجَهَالَةُ بِتَسْمِيَةِ جَمِيعِ الْقُفْزَانِ أَوْ بِالْكَيْلِ فِي الْمَجْلِسِ، وَصَارَ هَذَا كَمَا لَوْ أَقَرَّ وَقَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كُلُّ دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ بِالْإِجْمَاعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَمَنْ بَاعَ صُبْرَةَ طَعَامٍ) إذَا قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُك هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ، فَإِمَّا أَنْ يَعْلَمَ مِقْدَارَهَا فِي الْمَجْلِسِ بِتَسْمِيَةِ جُمْلَةِ الْقُفْزَانِ أَوْ بِالْكَيْلِ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَالْمَبِيعُ عِلَّةُ مَا فِيهَا مِنْ الْقُفْزَانِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَالْمَبِيعُ قَفِيزٌ وَاحِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجُمْلَةُ الْقُفْزَانِ كَالْأَوَّلِ عِنْدَهُمَا. لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ صَرْفَ اللَّفْظِ إلَى الْكُلِّ مُتَعَذِّرٌ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ جَهَالَةً تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَطْلُبُ تَسْلِيمَ الثَّمَنِ أَوَّلًا وَالثَّمَنُ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَيَقَعُ النِّزَاعُ وَإِذَا تَعَذَّرَ الصَّرْفُ إلَى الْكُلِّ صُرِفَ إلَى الْأَقَلِّ وَهُوَ مَعْلُومٌ إلَّا أَنْ تَزُولَ الْجَهَالَةُ فِي الْمَجْلِسِ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فَيَجُوزُ، لِأَنَّ سَاعَاتِ الْمَجْلِسِ بِمَنْزِلَةِ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ. فَإِنْ قِيلَ: سَلَّمْنَا انْعِقَادُهُ فَاسِدًا لَكِنْ يَنْقَلِبُ جَائِزًا كَمَا إذَا كَانَ فَاسِدًا بِحُكْمِ أَجَلٍ مَجْهُولٍ

وَلَهُمَا أَنَّ الْجَهَالَةَ بِيَدِهِمَا إزَالَتُهَا وَمِثْلُهَا غَيْرُ مَانِعٍ، وَكَمَا إذَا بَاعَ عَبْدًا مِنْ عَبْدَيْنِ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ. ثُمَّ إذَا جَازَ فِي قَفِيزٍ وَاحِدٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ شُرِطَ الْخِيَارُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ أُجِيبَ بِأَنَّ الْفَسَادَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ قَوِيٌّ يَمْنَعُ مِنْ الِانْقِلَابِ وَيُقَيِّدُهُ بِالْمَجْلِسِ، وَمَا ذَكَرْتُمْ فَالْفَسَادُ فِيهِ لَيْسَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ بَلْ لِأَمْرٍ عَارِضٍ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ لِضَعْفِهِ لِظُهُورِ أَثَرِهِ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَبِامْتِدَادِ الْأَجَلِ (وَلَهُمَا أَنَّ هَذِهِ جَهَالَةٌ إزَالَتُهَا فِي أَيْدِيهِمَا وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ غَيْرُ مَانِعٍ) أَمَّا أَنَّ إزَالَتَهَا بِأَيْدِيهِمَا فَلِأَنَّهَا تَرْتَفِعُ بِكَيْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِيَدِهِمَا احْتِرَازًا عَنْ الْبَيْعِ بِالرَّقْمِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ إزَالَتَهَا إمَّا بِيَدِ الْبَائِعِ إنْ كَانَ هُوَ الرَّاقِمُ، أَوْ بِيَدِ الْغَيْرِ إنْ كَانَ الرَّاقِمُ غَيْرَهُ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَالْمُشْتَرِي لَا يَقْدِرُ عَلَى إزَالَتِهَا، وَأَمَّا أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ غَيْرُ مَانِعٍ فَكَمَا إذَا بَاعَ عَبْدًا مِنْ عَبْدَيْنِ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ وَأُجِيبَ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقِيَاسَ فِيهِ الْفَسَادُ أَيْضًا، إلَّا أَنَّا جَوَّزْنَاهُ اسْتِحْسَانًا بِالنَّصِّ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ عَلَى مَا سَيَأْتِي فَيَكُونُ ثَابِتًا بِدَلَالَةِ النَّصِّ وَالِاسْتِحْسَانُ لَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ، وَلِهَذَا لَمْ يُجَوِّزْهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا، ثُمَّ إذَا جَازَ فِي قَفِيزٍ وَاحِدٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَانَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ دُونَ الْبَائِعِ، لِأَنَّ التَّفْرِيقَ وَإِنْ كَانَ فِي حَقِّهِ أَيْضًا لَكِنَّهُ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ تَسْمِيَةِ جُمْلَةِ الْقُفْزَانِ فَكَانَ رَاضِيًا بِهِ، وَهَذَا صَحِيحٌ إذَا عَلِمَهَا وَلَمْ يُسَمِّ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهَا فَالْوَجْهُ أَنَّهُ نُزِّلَ مَنْزِلَةَ مَنْ بَاعَ مَا لَمْ يَرَاهُ لِمَا يَأْتِي فَلَا خِيَارَ لَهُ، وَفِيهِ بَحْثٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ لَوْ

وَكَذَا إذَا كِيلَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ سَمَّى جُمْلَةَ قُفْزَانِهَا؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ ذَلِكَ الْآنَ فَلَهُ الْخِيَارُ، كَمَا إذَا رَآهُ وَلَمْ يَكُنْ رَآهُ وَقْتَ الْبَيْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتَلْزَمَ الْخِيَارَ لَاطَّرَدَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ إذَا بَاعَ الرَّجُلَانِ عَبْدًا مُشْتَرَكًا بِأَلْفٍ ثُمَّ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا الْكُلَّ بِخَمْسِمِائَةٍ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ وَلَا يَجُوزُ فِي نَصِيبِهِ وَلَا خِيَارَ لَهُ، فَهَاهُنَا تَفَرَّقَتْ الصَّفْقَةُ وَلَمْ يُوجَدْ الْخِيَارُ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قِيَاسَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ لَا يُخَيَّرَ الْمُشْتَرِي لِلُزُومِ انْصِرَافِ الْبَيْعِ إلَى الْوَاحِدِ لِعِلْمِهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى قِنًّا مَعَ مُدَبَّرٍ فَإِنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ فِي الْقِنِّ لِعِلْمِهِ أَنَّ الْبَيْعَ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْخِيَارَ يُوجِبُ التَّفْرِيقَ وَالتَّفْرِيقُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ أَنْ لَوْ كَانَ الْعَقْدُ وَارِدًا عَلَى الْكُلِّ وَالْمُشْتَرِي يَقْبَلُ الْبَعْضَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ هَاهُنَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَمْ يَقَعْ عَلَى الْكُلِّ حَتَّى يَكُونَ صَرْفُهُ إلَى الْبَعْضِ تَفْرِيقًا، وَإِنَّمَا وَقَعَ عَلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ لَا غَيْرُ لِأَنَّ فِي وُقُوعِهِ عَلَى نَصِيبِهِ يَلْزَمُ شِرَاءُ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَصَارَ كَمَنْ اشْتَرَى قِنًّا وَمُدَبَّرًا فَإِنَّ الْبَيْعَ يَنْصَرِفُ إلَى الْقِنِّ فَقَطْ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ وَلَا خِيَارَ لَهُ فِي الْقِنِّ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ انْصِرَافَ الْبَيْعِ إلَى قَفِيزٍ وَاحِدٍ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، وَالْعَوَامُّ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِأَحْكَامِ الْمَسَائِلِ الْمُجْتَهَدِ فِيهَا فَيَلْزَمُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ عَلَى قَوْلِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ قَوْلَهُمَا إنَّ الْكُلَّ مَبِيعٌ فَمِنْ أَيْنَ التَّفْرِيقُ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ لِأَنَّ الصِّيغَةَ مَوْضُوعَةٌ لِلْكَثْرَةِ وَقَصْدُهُمَا أَيْضًا الْكَثْرَةُ وَمَا ثَمَّةَ مَانِعٌ شَرْعِيٌّ عَنْ الصَّرْفِ إلَى الْجَمِيعِ، وَلِهَذَا لَوْ عُلِمَ الْمِقْدَارُ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ، وَالصَّرْفُ إلَى الْأَقَلِّ بِاعْتِبَارِ تَعَذُّرِ الْكُلِّ لِلْجَهَالَةِ صَرْفُ الْعَقْدِ إلَى بَعْضِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ مِنْ الْمَبِيعِ وَقَصَدَهُ الْعَاقِدَانِ، وَلَيْسَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ إلَى ذَلِكَ. بَقِيَ أَنْ يُقَالَ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَثْبُتَ الْخِيَارُ لِلْعَاقِدَيْنِ جَمِيعًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ فِي صَدْرِ هَذَا الْبَحْثِ عَنْهُ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا كِيلَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ سُمِّيَ جَمِيعُ قُفْزَانِهَا) يَعْنِي كَانَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ لَكِنْ لَا بِذَلِكَ التَّعْلِيلِ بَلْ بِمَا قَالَ لِأَنَّهُ عُلِمَ ذَلِكَ الْآنَ، فَرُبَّمَا كَانَ فِي حَدْسِهِ أَوْ ظَنِّهِ أَنَّ الصُّبْرَةَ تَأْتِي بِمِقْدَارِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَزَادَتْ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ مَا يُقَابِلُهُ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِ الزَّائِدِ مَجَّانًا، وَفِي تَرْكِهِ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ أَوْ نَقَصَتْ فَيَحْتَاجُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ مَكَان آخَرَ وَهَلْ يُوَافِقُ أَوْ لَا فَصَارَ كَمَا إذَا رَآهُ وَلَمْ يَكُنْ رَآهُ وَقْتَ الْبَيْعِ، وَهَكَذَا فِي الْمَوْزُونَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ الْمُتَقَارِبَةِ.

قَالَ (وَمَنْ بَاعَ قَطِيعَ غَنَمٍ كُلُّ شَاةٍ بِدِرْهَمٍ فَسَدَ الْبَيْعُ فِي جَمِيعِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَلِكَ مَنْ بَاعَ ثَوْبًا مُذَارَعَةً كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَلَمْ يُسَمِّ جُمْلَةَ الذِّرَاعَانِ، وَكَانَ كُلُّ مَعْدُودٍ مُتَفَاوِتٍ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ فِي الْكُلِّ لِمَا قُلْنَا، وَعِنْدَهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْوَاحِدِ) لِمَا بَيَّنَّا غَيْرَ أَنَّ بَيْعَ شَاةٍ مِنْ قَطِيعِ غَنَمٍ وَذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ لَا يَجُوزُ لِلتَّفَاوُتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا إذَا بَاعَ قَطِيعَ غَنَمٍ كُلَّ شَاةٍ بِدِرْهَمٍ فَالْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَمِيعِ فَاسِدٌ، وَقِيَاسُ قَوْلِهِ الصَّرْفُ إلَى الْوَاحِدِ كَمَا فِي الْمَكِيلَاتِ) إلَّا أَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ الشِّيَاهِ مَوْجُودٌ وَفِي ذَلِكَ جَهَالَةً تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، بِخِلَافِ الْمَكِيلَاتِ وَحُكْمُ الْمَذْرُوعَاتِ إذَا بِيعَتْ مُزَارَعَةً حُكْمُ الْغَنَمِ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ جُمْلَةَ الذُّرْعَانِ وَجُمْلَةَ الثَّمَنِ، وَأَمَّا إذَا بَيَّنَهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ وَهُوَ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ، أَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ

وَبَيْعُ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ يَجُوزُ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ فَلَا تُفْضِي الْجَهَالَةُ إلَى الْمُنَازَعَةِ فِيهِ، وَتَقْضِي إلَيْهَا فِي الْأَوَّلِ فَوَضَحَ الْفَرْقُ قَالَ (وَمَنْ ابْتَاعَ صُبْرَةَ طَعَامٍ عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ قَفِيزٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَوَجَدَهَا أَقَلَّ كَانَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْمَوْجُودَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ) لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّمَامِ، فَلَمْ يَتِمَّ رِضَاهُ بِالْمَوْجُودِ، وَإِنْ وَجَدَهَا أَكْثَرَ فَالزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ عَلَى مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ وَالْقَدْرُ لَيْسَ بِوَصْفٍ (وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ عَشْرَةُ أَذْرُعٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ، أَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَصَحِيحٌ. أَمَّا الْأُولَى فَظَاهِرَةٌ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَعْلُومٌ، وَجُمْلَةُ الثَّمَنِ صَارَتْ مَعْلُومَةً بِبَيَانِ ذُرْعَانِ الثَّوْبِ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَلِأَنَّهُ لَمَّا سَمَّى لِكُلِّ ذِرَاعٍ دِرْهَمًا وَبَيَّنَ جُمْلَةَ الثَّمَنِ صَارَ جَمِيعُ الذُّرْعَانِ مَعْلُومًا، وَكَذَا كُلُّ مَعْدُودٍ مُتَفَاوِتٌ كَالْخَشَبِ وَالْأَوَانِي، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَهُوَ جَائِزٌ فِي الْكُلِّ لِمَا قُلْنَا. قَالَ (وَمَنْ ابْتَاعَ صُبْرَةَ طَعَامٍ عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ قَفِيزٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ) فَلَا يَخْلُو عِنْدَ الْكَيْلِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ ذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَذَاكَ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي خُيِّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ أَخْذِ الْمَوْجُودِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَبَيْنَ الْفَسْخِ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ الْمُوجِبِ لِانْتِفَاءِ الْبَيْعِ بِانْتِفَاءِ الرِّضَا، وَإِنْ كَانَ الثَّالِثُ

أَوْ أَرْضًا عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ ذِرَاعٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَوَجَدَهَا أَقَلَّ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِجُمْلَةِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ) ؛ لِأَنَّ الذِّرَاعَ وَصْفٌ فِي الثَّوْبِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الطُّولِ وَالْعَرْضِ، وَالْوَصْفُ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَأَطْرَافِ الْحَيَوَانِ فَلِهَذَا يَأْخُذُهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ، بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمِقْدَارَ يُقَابِلُهُ الثَّمَنُ فَلِهَذَا يَأْخُذُهُ بِحِصَّتِهِ، إلَّا أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ لِتَغَيُّرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيَخْتَلُّ الرِّضَا. قَالَ (وَإِنْ وَجَدَهَا أَكْثَرَ مِنْ الذِّرَاعِ الَّذِي سَمَّاهُ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالزَّائِدُ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ عَلَى مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ وَهُوَ الْمِائَةُ وَكُلُّ مَا وَقَعَ عَلَى مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ لَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ إلَّا إذَا كَانَ وَصْفًا، وَالْقَدْرُ أَيْ الْقَدْرُ الزَّائِدُ عَلَى الْمِقْدَارِ الْمُعَيَّنِ لَيْسَ بِوَصْفٍ فَالْبَيْعُ لَا يَتَنَاوَلُهُ فَكَانَ لِلْبَائِعِ لَا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِصَفْقَةٍ عَلَى حِدَةٍ، وَكَذَا قَبْضُ الْمُشْتَرِي وَكَانَ كُلٌّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ مُخَيَّرًا فِيهَا إنْ شَاءَ بَاشَرَهَا أَوْ تَرَكَهَا وَإِذَا كَانَ الْمُشْتَرِي مَذْرُوعًا كَأَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ أَرْضًا عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ ذِرَاعٍ فَوَجَدَهَا أَقَلَّ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ أَخْذِ الْمَوْجُودِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى وَبَيْنَ تَرْكِهِ لِأَنَّ الذِّرَاعَ وَصْفٌ فِي الثَّوْبِ الْمَبِيعِ، وَكُلُّ مَا هُوَ وَصْفٌ فِي الْبَيْعِ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَالذِّرَاعُ فِي الثَّوْبِ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، أَمَّا أَنَّهُ وَصْفٌ فَقَدْ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَهُمَا مِنْ الْأَعْرَاضِ، وَأَمَّا أَنَّ الْوَصْفَ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَقَدْ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ كَأَطْرَافِ الْحَيَوَانِ، فَإِنَّ مَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَاعْوَرَّتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا يُنْقَضُ مِنْ الثَّمَنِ شَيْءٌ، فَلِهَذَا أَيْ فَلِكَوْنِ الذَّرْعِ وَصْفًا لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ يَأْخُذُ الْمَوْجُودَ بِكُلِّ الثَّمَنِ، بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ: يَعْنِي الْمَكِيلَ لِأَنَّ الْمِقْدَارَ لَيْسَ بِوَصْفٍ فَيُقَابِلُهُ الثَّمَنُ فَلِهَذَا يَأْخُذُهُ بِحِصَّتِهِ (وَقَالَ إلَّا أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ يَأْخُذُ بِكُلِّ الثَّمَنِ، وَعَلَى هَذَا إذَا وَجَدَهَا أَكْثَرَ مِنْ الذِّرَاعِ الَّذِي سَمَّاهُ كَانَ الزَّائِدُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ وَصْفٌ تَابِعٌ لِلْمَبِيعِ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، فَصَارَ كَمَا إذَا بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ أَعْمَى فَإِذَا هُوَ بَصِيرٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ أَشْكَلِ مَسَائِلِ الْفِقْهِ، وَقَدْ مُنِعَ أَنْ يَكُونَ الذِّرَاعُ فِي الْمَذْرُوعَاتِ وَصْفًا، وَالِاسْتِدْلَالُ بِقَوْلِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الطُّولِ وَالْعَرْضِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ. لِأَنَّهُ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ شَيْءٌ طَوِيلٌ وَعَرِيضٌ يُقَالُ شَيْءٌ قَلِيلٌ أَوْ كَثِيرٌ، ثُمَّ عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ أَكْثَرُ مِنْ تِسْعَةٍ لَا مَحَالَةَ، فَكَيْفَ جُعِلَ الذِّرَاعُ الزَّائِدُ وَصْفًا دُونَ الْقَفِيزِ؟ وَجَوَابُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى مَعْرِفَةِ اصْطِلَاحِ الْقَوْمِ فِي الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ، وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا تَعَيَّبَ بِالتَّنْقِيصِ فَالزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ فِيهِ وَصْفٌ،

وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ) ؛ لِأَنَّهُ صِفَةٌ، فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا بَاعَهُ مَعِيبًا، فَإِذَا هُوَ سَلِيمٌ (وَلَوْ قَالَ بِعْتُكهَا عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ ذِرَاعٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَوَجَدَهَا نَاقِصَةً، فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ) ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ وَإِنْ كَانَ تَابِعًا لَكِنَّهُ صَارَ أَصْلًا بِإِفْرَادِهِ بِذَكَرِ الثَّمَنِ فَيَنْزِلُ كُلُّ ذِرَاعٍ مَنْزِلَةَ ثَوْبٍ؛ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَالزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ فِيهِ أَصْلٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا لِوُجُودِهِ تَأْثِيرٌ فِي تَقَدُّمِ غَيْرِهِ وَلِعَدَمِهِ تَأْثِيرٌ فِي نُقْصَانِ غَيْرِهِ فَهُوَ وَصْفٌ، وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَهُوَ أَصْلٌ. وَقِيلَ مَا لَا يَنْقُصُ الْبَاقِي بِفَوَاتِهِ فَهُوَ أَصْلٌ، وَمَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ فَهُوَ وَصْفٌ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الثَّانِي. وَالْمَكِيلُ لَا يَتَعَيَّبُ بِالتَّبْعِيضِ، وَالْمَذْرُوعُ يَتَعَيَّبُ، وَعَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ إذَا انْتَقَصَ مِنْهَا الْقَفِيزُ فَالتِّسْعَةُ تُشْتَرَى بِالثَّمَنِ الَّذِي يَخُصُّهَا مَعَ الْقَفِيزِ الْوَاحِدِ فِيمَا إذَا قَالَ اشْتَرَيْت هَذِهِ الصُّبْرَةَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ، وَأَمَّا الذِّرَاعُ الْوَاحِدُ مِنْ الثَّوْبِ أَوْ الدَّارِ إذَا انْتَقَصَ فَإِنَّ الْبَاقِيَ لَا يُشْتَرَى بِالثَّمَنِ الَّذِي كَانَ يُشْتَرَى مَعَهُ، فَإِنَّ الثَّوْبَ الْعَتَّابِيَّ إذَنْ مَثَلًا إذَا كَانَ خَمْسَ عَشَرَةَ ذِرَاعًا فَالْخَمْسَةُ الزَّائِدَةُ عَلَى الْعَشَرَةِ تَزِيدُ فِي قِيمَةِ الْخَمْسَةِ وَفِي قِيمَةِ الْعَشَرَةِ أَيْضًا. وَإِذَا عُرِفَ هَذَا عُرِفَ أَنَّ الْقِلَّةَ وَالْكَثْرَةَ مِنْ حَيْثُ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ أَصْلٌ وَمِنْ حَيْثُ الذَّرْعِ وَصْفٌ، وَهُوَ اصْطِلَاحٌ يَقَعُ عَلَى مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ التُّجَّارِ. فَإِنْ قِيلَ: سَلَّمْنَا أَنَّ الذَّرْعَ وَصْفٌ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَإِنَّ الْمَبِيعَ الْمَعِيبَ إذَا امْتَنَعَ رَدُّهُ رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ، كَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا وَأَعْتَقَهُ أَوْ مَاتَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى نُقْصَانِ أُصْبُعٍ يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِالنُّقْصَانِ، وَكَمَالُ الْأَصَابِعِ وَصْفٌ فِيهِ لِدُخُولِهِ تَحْتَ حَدِّ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ، أُجِيبَ بِأَنَّ كَلَامَنَا فِي الْوَصْفِ الْمَقْصُودِ لَا فِي الْوَصْفِ الْمَقْصُودِ بِالتَّنَاوُلِ، فَإِنَّهُ إذَا صَارَ مَقْصُودًا بِالتَّنَاوُلِ حَقِيقَةً كَمَا إذَا قَطَعَ الْبَائِعُ يَدَ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَوْ حُكْمًا كَمَا إذَا امْتَنَعَ الرَّدُّ لِحَقِّ الْبَائِعِ كَمَا إذَا تَعَيَّبَ الْمَبِيعُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْ لِحَقِّ الشَّرْعِ بِأَنْ كَانَ ثَوْبًا فَخَاطَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ أَخَذَ شَبَهًا بِالْأَصْلِ فَأَخَذَ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ، وَلَوْ قَالَ بِعْتُكهَا: يَعْنِي الثِّيَابَ أَوْ الْمَذْرُوعَاتِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَفِي نَظَرٍ لِأَنَّ الْمَبِيعَ إنْ كَانَ ثِيَابًا لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: يَعْنِي الْأَرْضَ فَإِذَا بَاعَهَا عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ ذِرَاعٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَإِنْ وُجِدَتْ نَاقِصَةً أَخَذَهَا الْمُشْتَرِي بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ أَوْ تُرِكَ، لِأَنَّ الْوَصْفَ وَإِنْ كَانَ تَابِعًا لَكِنَّهُ صَارَ أَصْلًا بِإِفْرَادِهِ بِذِكْرِ الثَّمَنِ فَنُزِّلَ كُلُّ ذِرَاعٍ بِمَنْزِلَةِ ثَوْبٍ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ إنَّ الْوَصْفَ يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ إذَا كَانَ مَقْصُودًا بِالتَّنَاوُلِ، وَهَذَا: أَيْ أَخْذُهَا بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ إنَّمَا هُوَ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي آخِذًا كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَهُوَ لَمْ يَبِعْ إلَّا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ، لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَى تَأْتِي لِلشَّرْطِ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. وَنُوقِضَ بِالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّ الذِّرَاعَ لَوْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ أَصْلًا بِذِكْرِ الثَّمَنِ كَانَ أَصْلًا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَيْضًا لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي مُقَابَلَةِ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ، وَمُقَابَلَةُ الْجُمْلَةِ بِالْجُمْلَةِ تَقْتَضِي انْقِسَامَ الْآحَادِ عَلَى الْآحَادِ: وَأُجِيبَ بِأَنَّ الذِّرَاعَ أَصْلٌ مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْعَيْنِ الَّتِي هِيَ مَبِيعَةٌ كَالْقَفِيزِ، وَوُصِفَ مِنْ وَجْهٍ

بِكُلِّ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ آخِذًا لِكُلِّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ (وَإِنْ وَجَدَهَا زَائِدَةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْجَمِيعَ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ) لِأَنَّهُ إنْ حَصَلَ لَهُ الزِّيَادَةُ فِي الذَّرْعِ تَلْزَمُهُ زِيَادَةُ الثَّمَنِ فَكَانَ نَفْعًا يَشُوبُهُ ضَرَرٌ فَيَتَخَيَّرُ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ صَارَ أَصْلًا، وَلَوْ أَخَذَهُ بِالْأَقَلِّ لَمْ يَكُنْ آخِذًا بِالْمَشْرُوطِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَالْجَمَالِ وَالْكِتَابَةِ ثُمَّ لَوْ جَعَلْنَا عَشَرَةَ أَذْرُعٍ مُنْقَسِمَةً عَلَى الْإِفْرَادِ عِنْدَ ذِكْرِ كُلِّ ذِرَاعٍ لَزِمَ إلْغَاءُ جِهَةِ الْوَصْفِيَّةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَقُلْنَا بِالْوَصْفِيَّةِ عِنْدَ تَرْكِ ذِكْرِهِ، وَبِالْأَصْلِيَّةِ عِنْدَ ذِكْرِهِ عَمَلًا بِالشَّبِيهَيْنِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ مَعْلُولٌ لِلْوَصْفِيَّةِ فَلَا يَكُونُ عِلَّةً لَهَا. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إذَا لَمْ يُفْرَدْ كُلُّ ذِرَاعٍ بِالذِّكْرِ كَانَ كَوْنُ كُلِّ ذِرَاعٍ مَبِيعًا ضِمْنًا، وَلَا مُعْتَبَرَ بِذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَصْفَ يَصِيرُ أَصْلًا إذَا كَانَ مَقْصُودًا بِالتَّنَاوُلِ، وَإِنْ وُجِدَتْ زَائِدَةً أَخَذَ الْمُشْتَرِي الْجَمِيعَ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ فُسِخَ، أَمَّا خِيَارُ الْفَسْخِ فَلِأَنَّهُ إنْ حَصَلَ لَهُ الزِّيَادَةُ فِي الذَّرْعِ لَزِمَهُ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ فَكَانَ فِي مَعْنَى خِيَارِ الرُّؤْيَةِ فِي دَفْعِ الضَّرَرِ فَيَتَخَيَّرُ، وَأَمَّا لُزُومُ الزِّيَادَةِ فَلِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ صَارَ أَصْلًا مَشْرُوطًا، وَلَوْ أَخَذَهُ بِالْأَقَلِّ لَمْ يَكُنْ آخِذًا بِالْمَشْرُوطِ. وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ أَنَّ كُلَّ ذِرَاعٍ إنْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ ثَوْبٍ عَلَى حِدَةٍ فَسَدَ الْبَيْعُ إذَا وَجَدَهَا أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ، كَمَا لَوْ كَانَ الْعَقْدُ وَارِدًا عَلَى أَثْوَابٍ عَشَرَةٍ وَقَدْ وُجِدَتْ أَحَدَ عَشَرَ أَوْ تِسْعَةً عَلَى مَا سَيَأْتِي. وَأَمَّا الثَّانِي فَهُوَ أَنَّ الذِّرَاعَ لَوْ كَانَ أَصْلًا بِإِفْرَادِ ذِكْرِ الثَّمَنِ امْتَنَعَ دُخُولُ الزِّيَادَةِ فِي الْعَقْدِ، كَمَا إذَا بَاعَ صُبْرَةً عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ فَإِذَا هِيَ أَحَدَ عَشَرَ، فَإِنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَدْخُلُ إلَّا بِصَفْقَةٍ عَلَى حِدَةٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ وَهَاهُنَا دَخَلَتْ فِي تِلْكَ الصَّفْقَةِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْأَثْوَابَ مُخْتَلِفَةٌ فَتَكُونُ الْعَشَرَةُ الْمَبِيعَةُ مَجْهُولَةً جَهَالَةً تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَالذُّرْعَانُ مِنْ ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَتْ كَذَلِكَ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الذِّرَاعَ الزَّائِدَ لَوْ لَمْ يَدْخُلْ كَانَ بَائِعًا بَعْضَ الثَّوْبِ وَفَسَدَ الْبَيْعُ فَحَكَمْنَا بِالدُّخُولِ تَحَرِّيًا فِي الْجَوَازِ وَالْقَفِيزُ

قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى عَشْرَةَ أَذْرُعٍ مِنْ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ دَارٍ أَوْ حَمَّامٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: هُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ اشْتَرَى عَشْرَةَ أَسْهُمٍ مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ جَازَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) لَهُمَا أَنَّ عَشْرَةَ أَذْرُعٍ مِنْ مِائَةِ ذِرَاعٍ عُشْرُ الدَّارِ فَأَشْبَهَ عَشْرَةَ أَسْهُمٍ. وَلَهُ أَنَّ الذِّرَاعَ اسْمٌ لِمَا يَذْرَعُ بِهِ، وَاسْتُعِيرَ لِمَا يَحِلُّهُ الذِّرَاعُ وَهُوَ الْمُعَيَّنُ دُونَ الْمَشَاعِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ، بِخِلَافِ السَّهْمِ. وَلَا فَرْقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ مَا إذَا عَلِمَ مِنْ جُمْلَةِ الذِّرَاعَانِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ هُوَ الصَّحِيحُ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ الْخَصَّافُ لِبَقَاءِ الْجَهَالَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالزَّائِدُ لَيْسَ كَذَلِكَ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى عَشَرَةَ أَذْرُعٍ) شِرَاءُ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ (مِنْ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ دَارٍ أَوْ حَمَّامٍ) أَعْنِي أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مِمَّا يَنْقَسِمُ أَوْ مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا هُوَ جَائِزٌ إذَا كَانَتْ الدَّارُ مِائَةَ ذِرَاعٍ وَشِرَاءُ عَشَرَةِ أَسْهُمٍ مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ (وَلَهُمَا أَنَّ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ مِنْ مِائَةِ ذِرَاعٍ) كَعَشَرَةِ أَسْهُمٍ مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ فِي كَوْنِهَا عُشْرًا فَتَخْصِيصُ الْجَوَازِ بِأَحَدِهِمَا تَحَكُّمٌ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الذِّرَاعَ حَقِيقَةٌ فِي الْآلَةِ الَّتِي يُذْرَعُ بِهَا وَإِرَادَتُهَا هَاهُنَا مُتَعَذِّرَةٌ فَيَصِيرُ مَجَازًا لِمَا يَحِلُّهُ بِطَرِيقِ ذِكْرِ الْحَالِّ وَإِرَادَةِ الْمَحَلِّ، وَمَا يَحِلُّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مُعَيَّنًا مُشَخَّصًا لِأَنَّهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ يَقْتَضِي مَحَلًّا حِسِّيًّا، وَالْمُشَاعُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَمَا يَحِلُّهُ لَا يَكُونُ مُشَاعًا فَلَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ الذِّرَاعُ لِعَدَمِ مُجَوِّزِ الْمَجَازِ (وَذَلِكَ) أَيْ الْعَشَرَةُ الْأَذْرُعُ غَيْرُ مَعْلُومٍ هُنَا، إذْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ الْعَشَرَةَ مِنْ أَيِّ جَانِبٍ مِنْ الدَّارِ فَيَكُونُ مَجْهُولًا جَهَالَةً تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، بِخِلَافِ السَّهْمِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ عَقْلِيٌّ لَا يَقْتَضِي مَحَلًّا حِسِّيًّا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الشَّائِعِ فَالْجَهَالَةُ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَإِنَّ صَاحِبَ عَشَرَةِ أَسْهُمٍ يَكُونُ شَرِيكًا لِصَاحِبِ تِسْعِينَ سَهْمًا فِي جَمِيعِ الدَّارِ عَلَى قَدْرِ نَصِيبِهِمَا مِنْهَا، وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْكَثِيرِ أَنْ يَدْفَعَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ مِنْ جَمِيعِ الدَّارِ فِي قَدْرِ نَصِيبٍ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ، وَلَا فَرْقَ عِنْدَهُ بَيْنَ مَا إذَا عَلِمَ جُمْلَةَ الذُّرْعَانِ كَمَا إذَا قَالَ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ مِنْ مِائَةِ ذِرَاعٍ، وَبَيْنَ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ، كَمَا إذَا قَالَ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ ذُرْعَانِ جَمِيعِ الدَّارِ فِي الصَّحِيحِ لِبَقَاءِ الْجَهَالَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ الْجَوَازِ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ الْخَصَّافُ أَنَّ الْفَسَادَ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ جَهَالَةِ جُمْلَةِ الذُّرْعَانِ. وَأَمَّا إذَا عُرِفَتْ مِسَاحَتُهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ جَعْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظِيرَ

وَلَوْ اشْتَرَى عِدْلًا عَلَى أَنَّهُ عَشْرَةُ أَثْوَابٍ فَإِذَا هُوَ تِسْعَةٌ أَوْ أَحَدَ عَشَرَ فَسَدَ الْبَيْعُ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ (وَلَوْ بَيَّنَ لِكُلِّ ثَوْبٍ ثَمَنًا جَازَ فِي فَصْلِ النُّقْصَانِ بِقَدْرِهِ وَلَهُ الْخِيَارُ، وَلَمْ يَجُزْ فِي الزِّيَادَةِ) لِجَهَالَةِ الْعَشَرَةِ الْمَبِيعَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا لَوْ بَاعَ كُلَّ شَاةٍ مِنْ الْقَطِيعِ بِدِرْهَمٍ إذَا كَانَ عَدَدُ جُمْلَةِ الشِّيَاهِ مَعْلُومًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى عِدْلًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَثْوَابٍ) عِدْلُ الشَّيْءِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ مِثْلُهُ مِنْ جِنْسِهِ فِي مِقْدَارِهِ وَمِنْهُ عِدْلُ الْحِمْلِ إذَا اشْتَرَى عِدْلًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَثْوَابٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَكَانَ تِسْعَةً أَوْ أَحَدَ عَشَرَ فَسَدَ الْبَيْعُ. أَمَّا إذَا زَادَ فَلِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ لِأَنَّ الزَّائِدَ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْعَقْدِ فَيَجِبُ رَدُّهُ، وَالْأَثْوَابُ مُخْتَلِفَةٌ فَكَانَ الْمَبِيعُ مَجْهُولًا جَهَالَةً تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ. وَأَمَّا إذَا نَقَصَ فَلِوُجُوبِ سُقُوطِ حِصَّةِ النَّاقِصِ عَنْ ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي وَهِيَ مَجْهُولَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَنَّهُ كَانَ جَيِّدًا أَوْ وَسَطًا أَوْ رَدِيئًا، وَحِينَئِذٍ لَا تُدْرَى قِيمَتَهُ بِيَقِينٍ حَتَّى تَسْقُطَ فَكَانَتْ جَهَالَتُهَا تُوجِبُ جَهَالَةَ الْبَاقِي مِنْ الثَّمَنِ فَلَا يُشَكُّ فِي فَسَادِهِ، وَإِذَا بَيَّنَ لِكُلِّ ثَوْبٍ ثَمَنًا بِقَوْلِهِ كُلُّ ثَوْبٍ بِدِرْهَمٍ جَازَ الْبَيْعُ فِي فَصْلِ النُّقْصَانِ لِكَوْنِ الثَّمَنِ مَعْلُومًا، وَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْمَوْجُودَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ لِأَنَّهُ تَغَيَّرَ شَرْطُ عَقْدِهِ وَلَمْ يَجُزْ فِي فَصْلِ الزِّيَادَةِ لِجَهَالَةِ الْعَشَرَةِ الْمَبِيعَةِ. وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ: إنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي فَصْلِ النُّقْصَانِ أَيْضًا لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَوْجُودِ وَالْمَعْدُومِ فِي صَفْقَةٍ فَكَانَ قَبُولُ الْبَيْعِ فِي الْمَعْدُومِ شَرْطًا لِقَبُولِهِ فِي الْمَوْجُودِ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ كَمَا لَوْ جُمِعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ فِي صَفْقَةٍ وَسَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَمَنًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ عِنْدَهُ فِي الْقِنِّ خِلَافًا لَهُمَا كَذَلِكَ هَذَا. وَاسْتَدَلَّ بِمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: رَجُلٌ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ

وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ فِي فَصْلِ النُّقْصَانِ أَيْضًا وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ عَلَى أَنَّهُمَا هَرَوِيَّانِ فَإِذَا أَحَدُهُمَا مَرْوِيٌّ حَيْثُ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا، وَإِنْ بَيَّنَ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْقَبُولَ فِي الْمَرْوِيِّ شَرْطًا لِجَوَازِ الْعَقْدِ فِي الْهَرَوِيِّ، وَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ وَلَا قَبُولَ يُشْتَرَطُ فِي الْمَعْدُومِ فَافْتَرَقَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى أَنَّهُمَا هَرَوِيَّانِ كُلُّ ثَوْبٍ بِعَشَرَةٍ، فَإِذَا أَحَدُهُمَا هَرَوِيٌّ وَالْآخَرُ مَرْوِيٌّ، فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فِي الْهَرَوِيِّ وَالْمَرْوِيِّ جَمِيعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمْ يَجُوزُ فِي الْهَرَوِيِّ. وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ الْفَائِتَ فِي الصِّفَةِ مَسْأَلَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا أَصْلُ الثَّوْبِ، فَإِذَا كَانَ فَوَاتُ الصِّفَةِ فِي أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ عَلَى مَذْهَبِهِ فَفَوَاتُ أَحَدِهِمَا مِنْ الْأَصْلِ أَوْلَى أَنْ يَفْسُدَ. قَالَ الشَّيْخُ: وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ ثَمَنَ النَّاقِصِ مَعْلُومٌ قَطْعًا فَلَا يَضُرُّ الْبَاقِي. وَفَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَسْأَلَةِ الْجَامِعِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْقَبُولَ فِي الْمَرْوِيِّ شَرْطًا لِلْعَقْدِ فِي الْهَرَوِيِّ، وَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ لِأَنَّ الْمَرْوِيَّ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي الْعَقْدِ فَشَرْطُ قَبُولِهِ مِمَّا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ فَكَانَ فَاسِدًا، وَهَذَا لَا يُوجَدُ هَاهُنَا فَإِنَّهُ مَا شَرَطَ قَبُولَ الْعَقْدِ فِي الْمَعْدُومِ وَلَا قَصَدَ إيرَادَ الْعَقْدِ عَلَى الْمَعْدُومِ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ ذَلِكَ فِيهِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ إيرَادَهُ عَلَى الْمَوْجُودِ فَقَطْ وَلَكِنَّهُ غَلِطَ فِي الْعَدَدِ.

(وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا وَاحِدًا عَلَى أَنَّهُ عَشْرَةُ أَذْرُعٍ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَإِذَا هُوَ عَشْرَةٌ وَنِصْفٌ أَوْ تِسْعَةٌ وَنِصْفٌ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَأْخُذُهُ بِعَشْرَةٍ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يَأْخُذُهُ بِتِسْعَةٍ إنْ شَاءَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَأْخُذُهُ بِأَحَدَ عَشَرَ إنْ شَاءَ، وَفِي الثَّانِي يَأْخُذُ بِعَشْرَةٍ إنْ شَاءَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَأْخُذُ فِي الْأَوَّلِ بِعَشْرَةٍ وَنِصْفٍ إنْ شَاءَ، وَفِي الثَّانِي بِتِسْعَةٍ وَنِصْفٍ وَيُخَيَّرُ) ؛ لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَرَوِيٌّ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَمَرْوِيٌّ بِسُكُونِهَا مَنْسُوبٌ إلَى هَرَاةَ وَمَرْوَ قَرْيَتَانِ بِخُرَاسَانَ قَالَ (وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا وَاحِدًا) إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا وَاحِدًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَزَادَ أَوْ نَقَصَ نِصْفُ ذِرَاعٍ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا زَادَ أَخَذَهُ بِعَشَرَةٍ بِلَا خِيَارٍ، وَفِي النُّقْصَانِ بِتِسْعَةٍ إنْ شَاءَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: وَإِذَا زَادَ أَخَذَهُ بِأَحَدَ عَشَرَ إنْ شَاءَ، وَإِنْ نَقَصَ بِعَشَرَةٍ إنْ شَاءَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَخَذَهُ فِي الْأَوَّلِ بِعَشَرَةٍ وَنِصْفٍ، وَفِي الثَّانِي بِتِسْعَةٍ وَنِصْفٍ إنْ شَاءَ لِأَنَّهُ قَابَلَ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ، وَمِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ مُقَابَلَةُ نِصْفِ الذِّرَاعِ بِنِصْفِ الدِّرْهَمِ.

مُقَابَلَةِ الذِّرَاعِ بِالدِّرْهَمِ مُقَابَلَةُ نِصْفِهِ بِنِصْفِهِ فَيَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُهَا. وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَمَّا أَفْرَدَ كُلَّ ذِرَاعٍ بِبَدَلٍ نَزَلَ كُلُّ ذِرَاعٍ مَنْزِلَةَ ثَوْبٍ عَلَى حِدَةٍ وَقَدْ انْتَقَضَ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الذِّرَاعَ وَصْفٌ فِي الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا أَخَذَ حُكْمَ الْمِقْدَارِ بِالشَّرْطِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِالذِّرَاعِ، فَعِنْدَ عَدَمِهِ عَادَ الْحُكْمُ إلَى الْأَصْلِ. وَقِيلَ فِي الْكِرْبَاسِ الَّذِي لَا يَتَفَاوَتُ جَوَانِبُهُ لَا يَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي مَا زَادَ عَلَى الْمَشْرُوطِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْزُونِ حَيْثُ لَا يَضُرُّهُ الْفَصْلُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالُوا: يَجُوزُ بَيْعُ ذِرَاعٍ مِنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيُجَزَّأُ عَلَيْهِ) مِنْ التَّجْزِئَةِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يَجْرِي عَلَيْهِ أَيْ عَلَى النِّصْفِ حُكْمُ الْمُقَابَلَةِ، وَيُخَيَّرُ كَمَا لَوْ بَاعَ عَشَرَةً بِعَشَرَةٍ فَنَقَصَ ذِرَاعٌ (وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ بِإِفْرَادِ الْبَدَلِ صَارَ كُلُّ ذِرَاعٍ) كَثَوْبٍ عَلَى حِدَةٍ وَالثَّوْبُ إذَا بِيعَ عَلَى أَنَّهُ كَذَا ذِرَاعًا فَنَقَصَ ذِرَاعٌ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَلَكِنْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الذِّرَاعَ وَصْفٌ فِي الْأَصْلِ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنَّمَا أَخَذَ حُكْمَ الْأَصْلِ بِالشَّرْطِ وَالشَّرْطُ مُقَيَّدٌ بِالذِّرَاعِ وَنِصْفُ الذِّرَاعِ لَيْسَ بِذِرَاعٍ، فَكَانَ الشَّرْطُ مَعْدُومًا وَزَالَ مُوجِبُ كَوْنِهِ أَصْلًا فَعَادَ الْحُكْمُ إلَى الْأَصْلِ وَهُوَ الْوَصْفُ فَصَارَتْ الزِّيَادَةُ عَلَى الْعَشَرَةِ وَالتِّسْعَةُ كَزِيَادَةِ صِفَةِ الْجَوْدَةِ فَسُلِّمَ لَهُ مَجَّانًا. وَقِيلَ هَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ فِي الثَّوْبِ الَّذِي تَتَفَاوَتُ جَوَانِبُهُ كَالسَّرَاوِيلِ وَالْقَمِيصِ وَالْأَقْبِيَةِ، أَمَّا فِي الْكِرْبَاسِ الَّذِي لَا يَتَفَاوَتُ جَوَانِبُهُ لَا تُسَلَّمُ الزِّيَادَةُ لَهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ اتَّصَلَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لِعَدَمِ تَضَرُّرِهِ بِالْقَطْعِ، وَعَلَى هَذَا قَالَ الْمَشَايِخُ: إذَا بَاعَ ذِرَاعًا مِنْهُ وَلَمْ يُعَيِّنْ مَوْضِعَهُ جَازَ كَمَا فِي الْحِنْطَةِ إذَا بَاعَ قَفِيزًا مِنْهَا.

[فصل من باع دارا دخل بناؤها في البيع]

(فَصْلٌ) . (وَمَنْ بَاعَ دَارًا دَخَلَ بِنَاؤُهَا فِي الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ، لِأَنَّ اسْمَ الدَّارِ يَتَنَاوَلُ الْعَرْصَةَ وَالْبِنَاءَ فِي الْعُرْفِ) وَلِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِهَا اتِّصَالَ قَرَارٍ فَيَكُونُ تَبَعًا لَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ مَنْ بَاعَ دَارًا دَخَلَ بِنَاؤُهَا فِي الْبَيْعِ] (فَصْلٌ) مَسَائِلُ هَذَا الْفَصْلِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى قَاعِدَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ مُتَنَاوِلٌ اسْمَ الْمَبِيعِ عُرْفًا دَخَلَ فِي الْمَبِيعِ وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ صَرِيحًا. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ مَا كَانَ مُتَّصِلًا بِالْمَبِيعِ اتِّصَالَ إقْرَارٍ كَانَ تَابِعًا لَهُ فِي الدُّخُولِ، وَنَعْنِي بِالْقَرَارِ الْحَالَ الثَّانِيَ عَلَى مَعْنَى أَنَّ مَا وُضِعَ لَأَنْ يَفْصِلَهُ الْبَشَرُ فِي ثَانِي الْحَالِ لَيْسَ بِاتِّصَالِ قَرَارٍ، وَمَا وُضِعَ لَا لَأَنْ يَفْصِلَهُ فِيهِ فَهُوَ اتِّصَالُ قَرَارٍ، وَعَلَى هَذَا (دَخَلَ بِنَاءُ الدَّارِ فِي بَيْعِهَا وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ لِأَنَّ اسْمَ الدَّارِ يَتَنَاوَلُ الْعَرْصَةَ وَالْبِنَاءَ فِي الْعُرْفِ) لَا يُقَالُ: لَا نُسَلِّمُ تَنَاوُلَهُ الْبِنَاءَ فِي الْعُرْفِ فَإِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ الَّتِي مَبْنَاهَا عَلَى الْعُرْفِ كَمَا تَقَدَّمَ (لِأَنَّ بِتَنَاوُلِهِ إيَّاهُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ صِفَةً لَهَا) وَهِيَ إذَا لَمْ تَكُنْ دَاعِيَةً لِلْيَمِينِ لَا يَتَقَيَّدُ بِهَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْبِنَاءُ لَيْسَ بِدَاعٍ إلَى الْيَمِينِ فَلَمْ يَتَقَيَّدْ بِهِ وَحَنِثَ بِالدُّخُولِ بَعْدَ الِانْهِدَامِ (وَلِأَنَّ الْبِنَاءَ مُتَّصِلٌ بِهِ) أَيْ بِالْأَرْضِ عَلَى تَأْوِيلِ الْمَكَانِ (اتِّصَالَ قَرَارٍ) فَيَكُونُ تَابِعًا لَهُ.

(وَمَنْ بَاعَ أَرْضًا دَخَلَ مَا فِيهَا مِنْ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ) لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِهَا لِلْقَرَارِ فَأَشْبَهَ الْبِنَاءَ (وَلَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ) لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِهَا لِلْفَصْلِ فَشَابَهَ الْمَتَاعَ الَّذِي فِيهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِذَا بَاعَ أَرْضًا دَخَلَ مَا فِيهَا مِنْ النَّخْلِ وَالشَّجَرَةِ) كَبِيرَةً كَانَتْ أَوْ صَغِيرَةً مُثْمِرَةً أَوْ غَيْرَهَا عَلَى الْأَصَحِّ (وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ لِلِاتِّصَالِ فَأَشْبَهَ الْبِنَاءَ وَلَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِهِ لِلْفَصْلِ فَأَشْبَهَ الْمَتَاعَ الْمَوْضُوعَ فِي الدَّارِ) وَنُوقِضَ بِالْحَمْلِ فَإِنَّهُ مُتَّصِلٌ بِالْأُمِّ لِلْفَصْلِ وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأُمِّ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ غَيْرُ وَارِدٍ عَلَى التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ، فَإِنَّ الْبَشَرَ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ فَصْلُ الْحَمْلِ عَنْ الْأُمِّ.

(وَمَنْ بَاعَ نَخْلًا أَوْ شَجَرًا فِيهِ ثَمَرٌ فَثَمَرَتُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ اشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا نَخْلٌ فَالثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ» وَلِأَنَّ الِاتِّصَالَ وَإِنْ كَانَ خِلْقَةً فَهُوَ لِلْقَطْعِ لَا لِلْبَقَاءِ فَصَارَ كَالزَّرْعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَمَنْ بَاعَ نَخْلًا) بَاعَ نَخْلًا (أَوْ شَجَرًا عَلَيْهِ ثَمَرٌ فَثَمَرَتُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا) أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْته مَعَ ثَمَرَتِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا نَخْلٌ فَالثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ، إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ الْمُبْتَاعُ» وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَا وُضِعَ لِلْقَرَارِ يَدْخُلُ وَمَا وُضِعَ لِلْفَصْلِ لَا يَدْخُلُ، لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ أَرْضٌ فِيهَا نَخْلٌ عَلَيْهِ ثَمَرٌ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ» وَلَمْ يَذْكُرْ النَّخْلَ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الِاتِّصَالَ وَإِنْ كَانَ خِلْقَةً) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْحَالِ الثَّانِي وَالْحَالُ الْأُولَى لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ خِلْقَةً أَوْ مَوْضُوعًا

(وَيُقَالُ لِلْبَائِعِ اقْطَعْهَا وَسَلِّمْ الْمَبِيعَ) وَكَذَا إذَا كَانَ فِيهَا زَرْعٌ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي مَشْغُولٌ بِمِلْكِ الْبَائِعِ فَكَانَ عَلَيْهِ تَفْرِيغُهُ وَتَسْلِيمُهُ، كَمَا إذَا كَانَ فِيهِ مَتَاعٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُتْرَكُ حَتَّى يَظْهَرَ صَلَاحُ الثَّمَرِ وَيُسْتَحْصَدُ الزَّرْعُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ إنَّمَا هُوَ التَّسْلِيمُ الْمُعْتَادُ، وَالْمُعْتَادُ أَنْ لَا يُقْطَعَ كَذَلِكَ وَصَارَ كَمَا إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ وَفِي الْأَرْضِ زَرْعٌ. قُلْنَا: هُنَاكَ التَّسْلِيمُ وَاجِبٌ أَيْضًا حَتَّى يُتْرَكَ بِأَجْرٍ، وَتَسْلِيمُ الْعِوَضِ كَتَسْلِيمِ الْمُعَوَّضِ،. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيُقَالُ لِلْبَائِعِ سَلِّمْ الْمَبِيعَ) فَارِغًا لِوُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَيُؤْمَرُ بِتَفْرِيغِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي عَنْ مِلْكِهِ بِقَطْعِ الثَّمَرَةِ وَرَفْعِ الزَّرْعِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُتْرَكُ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُ الثَّمَرِ، وَيَسْتَحْصِدَ الزَّرْعُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ التَّسْلِيمُ الْمُعْتَادُ، وَالْمُعْتَادُ أَنْ لَا يُقْطَعَ) وَقَاسَهُ عَلَى مَا إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ وَفِي الْأَرْضِ زَرْعٌ فَإِنَّهُ يُؤَخَّرُ إلَى الْحَصَادِ. وَالْجَوَابُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُعْتَادَ عَدَمُ الْقَطْعِ إلَى وَقْتِ الْبُدُوِّ وَالِاسْتِحْصَادِ؛ سَلَّمْنَاهُ لَكِنَّهُ مُشْتَرَكٌ فَإِنَّهُمْ قَدْ يَبِيعُونَ لِلْقَطْعِ سَلَّمْنَاهُ، وَلَكِنَّ الْوَاجِبَ ذَلِكَ مَا لَمْ يُعَارِضْهُ مَا يُسْقِطُهُ وَقَدْ عَارَضَهُ دَلَالَةُ الرِّضَا بِذَلِكَ وَهِيَ إقْدَامُهُ عَلَى بَيْعِهَا مَعَ عِلْمِهِ بِمُطَالَبَةِ الْمُشْتَرِي تَفْرِيغَ مِلْكِهِ وَتَسْلِيمَهُ إيَّاهُ فَارِغًا (قَوْلُهُ هُنَاكَ) إشَارَةٌ إلَى الْجَوَابِ عَنْ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَتَقْرِيرِهِ (التَّسْلِيمُ وَاجِبٌ) فِي صُورَةِ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ أَيْضًا (وَلَا يَتْرُكُهُ إلَّا بِأَجْرٍ وَتَسْلِيمُ الْعِوَضِ تَسْلِيمُ الْمُعَوَّضِ) لَا يُقَالُ: فَلْيَكُنْ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ لِمَا سَيَأْتِي،

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الثَّمَرُ بِحَالٍ لَهُ قِيمَةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الصَّحِيحِ وَيَكُونُ فِي الْحَالَيْنِ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ يَجُوزُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى مَا تَبَيَّنَ فَلَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الشَّجَرِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ. وَأَمَّا إذَا بِيعَتْ الْأَرْضُ وَقَدْ بَذَرَ فِيهَا صَاحِبُهَا وَلَمْ يَنْبُتْ بَعْدُ لَمْ يَدْخُلُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُودَعٌ فِيهَا كَالْمَتَاعِ،. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَرُ بِحَالٍ لَهُ قِيمَةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ) فِي كَوْنِهِ لِلْبَائِعِ (فِي الصَّحِيحِ) وَقِيلَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِي. وَجْهُ الصَّحِيحِ أَنَّ بَيْعَهُ مُنْفَرِدًا يَصِحُّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَمَا صَحَّ بَيْعُهُ مُنْفَرِدًا لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَوْضُوعًا لِلْقَرَارِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا بِيعَتْ الْأَرْضُ) يَعْنِي مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ وَلَا فَرْقَ: يَعْنِي: الثَّمَرُ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ (وَأَمَّا الْأَرْضُ إذَا بِيعَتْ وَقَدْ بَذَرَ فِيهَا صَاحِبُهَا وَلَمْ يَنْبُتْ فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهُ مُودَعٌ فِيهَا كَالْمَتَاعِ) وَذُكِرَ فِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْفَنْ الْبَذْرُ فِي الْأَرْضِ، وَأَمَّا إذَا عَفِنَ فِيهَا فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي وَهَذَا لِأَنَّ بَيْعَ الْعَفَنِ بِانْفِرَادِهِ لَا يَصِحُّ فَكَانَ تَابِعًا

وَلَوْ نَبَتَ وَلَمْ تَصِرْ لَهُ قِيمَةٌ فَقَدْ قِيلَ لَا يَدْخُلُ فِيهِ، وَقَدْ قِيلَ يَدْخُلُ فِيهِ، وَكَأَنَّ هَذَا بِنَاءٌ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ قَبْلَ أَنْ تَنَالَهُ الْمَشَافِرُ وَالْمَنَاجِلُ، وَلَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ وَالثَّمَرُ بِذِكْرِ الْحُقُوقِ وَالْمَرَافِقِ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْهُمَا. وَلَوْ قَالَ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ لَهُ فِيهَا وَمِنْهَا مِنْ حُقُوقِهَا أَوْ قَالَ مِنْ مَرَافِقِهَا لَمْ يَدْخُلَا فِيهِ لِمَا قُلْنَا، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ مِنْ حُقُوقِهَا أَوْ مِنْ مَرَافِقِهَا دَخَلَا فِيهِ. وَأَمَّا الثَّمَرُ الْمَجْذُوذُ وَالزَّرْعُ الْمَحْصُودُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَتَاعِ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِالتَّصْرِيحِ بِهِ. قَالَ (وَمَنْ بَاعَ ثَمَرَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ نَبَتَ وَلَمْ يَصِرْ لَهُ قِيمَةٌ) قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ لَا يَدْخُلُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ يَدْخُلُ. قَالَ الشَّيْخُ (وَكَأَنَّ) وَصَحَّحَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ تَشْدِيدَ النُّونِ (هَذَا بِنَاءٌ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ) يَعْنِي فَمَنْ جَوَّزَ بَيْعَهُ قَبْلَ أَنْ تَنَالَهُ الْمَشَافِرُ وَالْمَنَاجِلُ لَمْ يَجْعَلْهُ تَابِعًا لِغَيْرِهِ، وَمَنْ لَمْ يُجَوِّزْهُ جَعَلَهُ تَابِعًا مُشَفَّرًا كَبَعِيرٍ شَفَّتْهُ وَالْجَمْعُ مَشَافِرُ. وَالْمِنْجَلُ مَا يُحْصَدُ بِهِ الزَّرْعُ وَالْجَمْعُ مَنَاجِلُ. قَالَ (وَلَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ وَالثَّمَرُ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَلْفَاظَ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ وَالشَّجَرَةِ الْمُثْمِرَةِ أَرْبَعَةٌ: الْأَوَّلُ أَنْ يَقُولَ بِعْت الْأَرْضَ أَوْ الشَّجَرَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ. وَالثَّانِي بِعْت بِحُقُوقِهَا وَمَرَافِقِهَا. وَالثَّالِثُ بِعْت بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ لَهُ فِيهَا وَمِنْهَا مِنْ حُقُوقِهَا أَوْ مِنْ مَرَافِقِهَا. وَالرَّابِعُ بِعْت بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ لَهُ فِيهَا وَلَمْ يَقُلْ مِنْ حُقُوقِهَا أَوْ مِنْ مَرَافِقِهَا، وَفِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ لَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ وَالثَّمَرُ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الْعَادَةِ يُذْكَرُ لِمَا هُوَ تَبَعٌ لَا بُدَّ لِلْمَبِيعِ مِنْهُ كَالطَّرِيقِ وَالشِّرْبِ. وَالْمَرَافِقُ مَا يَرْتَفِقُ بِهِ وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالتَّوَابِعِ كَمَسِيلِ الْمَاءِ وَالزَّرْعِ وَالثَّمَرِ لَيْسَا كَذَلِكَ فَلَا يَدْخُلَانِ. وَفِي الرَّابِعِ يَدْخُلَانِ لِعُمُومِ اللَّفْظِ، وَهَذَا إذَا كَانَ فِي الْأَرْضِ أَوْ عَلَى الشَّجَرِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الثَّمَرُ مَجْذُوذًا وَالزَّرْعُ مَحْصُودًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَتَاعِ لَا يَدْخُلَانِ إلَّا بِالتَّصْرِيحِ بِهِ. قَالَ (وَمَنْ بَاعَ ثَمَرَةً

لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا أَوْ قَدْ بَدَا جَازَ الْبَيْعُ) ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ، إمَّا لِكَوْنِهِ مُنْتَفَعًا بِهِ فِي الْحَالِ أَوْ فِي الثَّانِي، وَقَدْ قِيلَ لَا يَجُوزُ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ (وَعَلَى الْمُشْتَرِي قَطْعُهَا فِي الْحَالِ) تَفْرِيغًا لَمِلْكِ الْبَائِعِ، وَهَذَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا) بَيْعُ الثَّمَرِ عَلَى الشَّجَرِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الظُّهُورِ أَوْ بَعْدَهُ، وَالْأَوَّلُ لَا يَجُوزُ، وَالثَّانِي جَائِزٌ بَدَا صَلَاحُهَا بِصَلَاحِهَا لِانْتِفَاعِ بَنِي آدَمَ أَوْ عَلَفِ الدَّوَابِّ، أَوْ لَمْ يَبْدُ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ لِكَوْنِهِ مُنْتَفَعًا بِهِ فِي الْحَالِ أَوْ فِي الزَّمَانِ الثَّانِي فَصَارَ كَمَبِيعِ الْجَحْشِ وَالْمُهْرِ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّ الْبَيْعَ قَبْلَ أَنْ يُنْتَفَعَ بِهِ لَا يَجُوزُ «لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ» ، وَلِأَنَّ الْبَيْعَ يَخْتَصُّ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ، وَالثَّمَرُ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لَيْسَ كَذَلِكَ. قَالَ الشَّيْخُ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ: يَعْنِي رِوَايَةً وَدِرَايَةً، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِمَا أَشَارَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَابِ الْعُشْرِ، وَلَوْ بَاعَ الثِّمَارَ فِي أَوَّلِ مَا تَطْلُعُ وَتَرَكَهَا بِإِذْنِ الْبَائِعِ حَتَّى أَدْرَكَ فَالْعُشْرُ عَلَى الْمُشْتَرِي، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الشِّرَاءُ جَائِزًا فِي أَوَّلِ مَا تَطْلُعُ لَمَا وَجَبَ الْعُشْرُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي الزَّمَانِ الثَّانِي، وَنَفْيُ جَوَازِهِ مُفْضٍ إلَى نَفْيِ جَوَازِ بَيْعِ الْمُهْرِ وَالْجَحْشِ وَهُوَ ثَابِتٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ أَنَّ تَأْوِيلَهُ إذَا بَاعَهُ بِشَرْطِ التَّرْكِ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِهَا سَلَمًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَرَأَيْت لَوْ أَذْهَبَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ بِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟» وَإِنَّمَا يُتَوَهَّمُ هَذَا إذَا اشْتَرَى بِشَرْطِ التَّرْكِ إلَى أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا أَوْ بِطَرِيقِ السَّلَمِ، وَإِذَا جَازَ الْبَيْعُ وَجَبَ عَلَى الْمُشْتَرِي قَطْعُهَا فِي الْحَالِ تَفْرِيغًا لِمِلْكِ الْبَائِعِ. قَوْلُهُ (وَهَذَا) إشَارَةٌ إلَى الْجَوَازِ:

إذَا اشْتَرَاهَا مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطِ الْقَطْعِ (وَإِنْ شَرَطَ تَرْكَهَا عَلَى النَّخِيلِ فَسَدَ الْبَيْعُ) ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَهُوَ شَغْلُ مِلْكِ الْغَيْرِ أَوْ هُوَ صَفْقَةٌ فِي صَفْقَةٍ وَهُوَ إعَارَةٌ أَوْ إجَارَةٌ فِي بَيْعٍ، وَكَذَا بَيْعُ الزَّرْعِ بِشَرْطِ التَّرْكِ لِمَا قُلْنَا، وَكَذَا إذَا تَنَاهَى عِظَمُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِمَا قُلْنَا، وَاسْتَحْسَنَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِلْعَادَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَتَنَاهَ عِظَمُهَا؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِيهِ الْجُزْءُ الْمَعْدُومُ وَهُوَ الَّذِي يَزِيدُ لِمَعْنًى مِنْ الْأَرْضِ أَوْ الشَّجَرِ. وَلَوْ اشْتَرَاهَا مُطْلَقًا وَتَرَكَهَا بِإِذْنِ الْبَائِعِ طَابَ لَهُ الْفَضْلُ، وَإِنْ تَرَكَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ تَصَدَّقَ بِمَا زَادَ فِي ذَاتِهِ لِحُصُولِهِ بِجِهَةٍ مَحْظُورَةٍ، وَإِنْ تَرَكَهَا بَعْدَمَا تَنَاهَى عِظَمُهَا لَمْ يَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ الْجَوَازِ إذَا (اشْتَرَاهَا مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطِ الْقَطْعِ) أَمَّا إذَا قَالَ اشْتَرَيْته عَلَى أَنِّي أَتْرُكُهُ عَلَى النَّخْلِ فَقَدْ فَسَدَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْبَيْعِ يَقْتَضِي تَسْلِيمَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَهُوَ وَشَرْطُ الْقَطْعِ سَوَاءٌ فَكَانَ تَرْكُهَا عَلَى النَّخِيلِ شُغْلَ مِلْكِ الْغَيْرِ، أَوْ أَنَّ فِي هَذَا الْبَيْعِ صَفْقَةً فِي صَفْقَةٍ لِأَنَّهُ إعَارَةٌ فِي بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٌ فِيهِ، لِأَنَّ تَرْكَهَا عَلَى النَّخْلِ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِأَجْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَالثَّانِي إعَارَةٌ وَالْأَوَّلُ إجَارَةٌ وَذَلِكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَفِيهِ تَأَمُّلٌ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ صَفْقَةً أَنْ لَوْ جَازَتْ إعَارَةُ الْأَشْجَارِ أَوْ إجَارَتُهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، نَعَمْ هُوَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا بَاعَ الزَّرْعَ بِشَرْطِ التَّرْكِ،

لِأَنَّ هَذَا تَغَيُّرُ حَالَةٍ لَا تَحَقُّقُ زِيَادَةٍ، وَإِنْ اشْتَرَاهَا مُطْلَقًا وَتَرَكَهَا عَلَى النَّخِيلِ وَقَدْ اسْتَأْجَرَ النَّخِيلَ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ طَابَ لَهُ الْفَضْلُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ بَاطِلَةٌ لِعَدَمِ التَّعَارُفِ وَالْحَاجَةِ فَبَقِيَ الْإِذْنُ مُعْتَبَرًا، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى الزَّرْعَ وَاسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ إلَى أَنْ يُدْرِكَ وَتَرَكَهُ حَيْثُ لَا يَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ لِلْجَهَالَةِ فَأَوْرَثَتْ خُبْثًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ إعَارَتَهَا وَإِجَارَتَهَا جَائِزَةٌ فَيَلْزَمُ صَفْقَةٌ فِي صَفْقَةٍ، هَذَا إذَا كَانَتْ الثَّمَرَةُ لَمْ تَتَنَاهَ فِي عِظَمِهَا وَأَمَّا إذَا تَنَاهَى عِظَمُهَا فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ شَرْطَ التَّرْكِ مِمَّا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، وَأَمَّا مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَدْ اسْتَحْسَنَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَقَالَ: لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ لِتَعَارُفِ النَّاسِ بِذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَتَنَاهَ عِظَمُهَا لِأَنَّهُ شُرِطَ فِيهِ الْجُزْءُ الْمَعْدُومُ وَهُوَ الَّذِي يَزِيدُ لِمَعْنًى فِي الْأَرْضِ أَوْ الشَّجَرِ. وَالْجَوَابُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّعَامُلَ جَرَى فِي اشْتِرَاطِ التَّرْكِ وَلَكِنَّ الْمُعْتَادَ فِي مِثْلِهِ الْإِذْنُ فِي تَرْكِهِ بِلَا شَرْطٍ فِي الْعَقْدِ، وَلَوْ اشْتَرَى الثَّمَرَةَ الَّتِي لَمْ يَتَنَاهَ عِظَمُهَا وَلَمْ يَشْتَرِطْ التَّرْكَ وَتَرَكَهَا، فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ طَابَ لَهُ الْفَضْلُ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ تَصَدَّقَ بِمَا زَادَ فِي ذَاتِهِ بِأَنْ يُقَوَّمَ ذَلِكَ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ وَيُقَوَّمَ بَعْدَهُ وَيَتَصَدَّقَ بِفَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا، لِأَنَّ مَا زَادَ حَصَلَ بِجِهَةٍ مَحْظُورَةٍ وَهِيَ حُصُولُهَا بِقُوَّةِ الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ. وَإِذَا تَرَكَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ بَعْدَمَا تَنَاهَى لَمْ يَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ لِأَنَّ هَذَا تَغَيُّرُ حَالَةٍ مِنْ النِّيءِ إلَى النُّضْجِ لَا تَحَقُّقُ زِيَادَةٍ فِي الْجِسْمِ، فَإِنَّ الثَّمَرَةَ إذَا صَارَتْ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ لَا يَزْدَادُ فِيهَا مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ بِغَيْرِ إذْنِهِ شَيْءٌ، بَلْ الشَّمْسُ تُنْضِجُهَا وَالْقَمَرُ يُلَوِّنُهَا وَالْكَوَاكِبُ تُعْطِيهَا الطَّعْمَ، وَإِنْ اشْتَرَاهَا مُطْلَقًا عَنْ التَّرْكِ وَالْقَطْعِ وَتَرَكَهَا عَلَى النَّخِيلِ بِاسْتِئْجَارِ النَّخِيلِ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ طَابَ لَهُ الْفَضْلُ لِبُطْلَانِ إجَارَةِ النَّخِيلِ لِعَدَمِ التَّعَارُفِ، فَإِنَّ التَّعَارُفَ لَمْ يَجْرِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ بِاسْتِئْجَارِ الْأَشْجَارِ، وَلِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى التَّرْكِ بِالْإِجَارَةِ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُخَلِّصٌ سِوَاهَا، وَهَاهُنَا يُمْكِنُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَشْتَرِيَ الثِّمَارَ مَعَ أُصُولِهَا عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ. وَإِذَا بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ بَقِيَ الْإِذْنُ مُعْتَبَرًا فَيَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ بَقَاءَ الْإِذْنِ فَإِنْ ثَبَتَ فِي ضِمْنِ الْإِجَارَةِ، وَفِي بُطْلَانِ الْمُتَضَمَّنِ بُطْلَانُ الْمُتَضَمِّنِ كَالْوَكَالَةِ الثَّانِيَةِ فِي ضِمْنِ الرَّهْنِ تَبْطُلُ بِبُطْلَانِ الرَّهْنِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْبَاطِلَ مَعْدُومٌ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي لَا تَحَقُّقَ لَهُ أَصْلًا وَلَا وَصْفًا شَرْعًا عَلَى مَا عُرِفَ، وَالْمَعْدُومُ لَا يَتَضَمَّنُ شَيْئًا حَتَّى يَبْطُلَ بِبُطْلَانِهِ، بَلْ كَانَ ذَلِكَ الْكَلَامُ ابْتِدَاءً عِبَارَةً عَنْ الْإِذْنِ فَكَانَ مُعْتَبَرًا، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى الزَّرْعَ وَاسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ إلَى أَنْ يُدْرِكَ الزَّرْعُ وَتَرَكَهُ حَيْثُ لَا يَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ لِجَهَالَةِ وَقْتِ الزَّرْعِ، فَإِنَّ الْإِدْرَاكَ قَدْ يَتَقَدَّمُ لِشِدَّةِ الْحَرِّ وَقَدْ يَتَأَخَّرُ لِلْبَرْدِ، وَالْفَاسِدُ مَا لَهُ تَحَقُّقٌ مِنْ حَيْثُ

وَلَوْ اشْتَرَاهَا مُطْلَقًا فَأَثْمَرَتْ ثَمَرًا آخَرَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَسَدَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ لِتَعَذُّرِ التَّمْيِيزِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَصْلُ فَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مُتَضَمِّنًا لِشَيْءٍ وَيَفْسُدُ ذَلِكَ الشَّيْءُ لِفَسَادِ الْمُتَضَمَّنِ، وَإِذَا انْتَفَى الْإِذْنُ كَانَ الْفَضْلُ خَبِيثًا وَسَبِيلُهُ التَّصَدُّقُ. وَلَوْ اشْتَرَى الثِّمَارَ مُطْلَقًا عَنْ الْقَطْعِ وَالتَّرْكِ عَلَى النَّخِيلِ وَتَرَكَهَا وَأَثْمَرَتْ مُدَّةَ التَّرْكِ ثَمَرَةً أُخْرَى فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ: يَعْنِي قَبْلَ تَخْلِيَةِ الْبَائِعِ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَالثِّمَارِ فَسَدَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ لِتَعَذُّرِ التَّمْيِيزِ، وَإِنْ

وَلَوْ أَثْمَرَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ يَشْتَرِكَانِ فِيهِ لِلِاخْتِلَاطِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فِي مِقْدَارِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ، وَكَذَا فِي الْبَاذِنْجَانِ وَالْبِطِّيخِ، وَالْمَخْلَصُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْأُصُولَ لِتَحْصُلَ الزِّيَادَةُ عَلَى مِلْكِهِ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَةً وَيَسْتَثْنِيَ مِنْهَا، أَرْطَالًا مَعْلُومَةً) خِلَافًا لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ مَجْهُولٌ،. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَمْ يَفْسُدْ الْبَيْعُ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ قَدْ وُجِدَ وَحَدَثَ مِلْكٌ لِلْبَائِعِ وَاخْتَلَطَ بِمِلْكِ الْمُشْتَرِي فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ لِلِاخْتِلَاطِ، وَالْقَوْلُ فِي مِقْدَارِ الزَّائِدِ قَوْلُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْمَبِيعَ فِي يَدِهِ فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَكَانَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ يُفْتِي بِجَوَازِهِ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَحُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْجَلِيلِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْبُخَارِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِجَوَازِهِ وَيَقُولُ اجْعَلْ الْمَوْجُودَ أَصْلًا وَمَا يَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ تَبَعًا، وَلِهَذَا شُرِطَ أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ أَكْثَرَ (قَوْلُهُ وَكَذَا فِي الْبَاذِنْجَانِ وَالْبِطِّيخِ) يَعْنِي أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ إذَا حَدَثَ شَيْءٌ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِذَا حَدَثَ بَعْدَهُ يَشْتَرِكَانِ (وَالْمُخَلِّصُ) أَيْ الْحِيلَةُ فِي جَوَازِهِ فِيمَا إذَا حَدَثَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَنْ يَشْتَرِيَ الْأُصُولَ لِتَحْصُلَ الزِّيَادَةُ عَلَى مِلْكِهِ، وَلِهَذَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: إنَّمَا يَجُوزُ بِجَعْلِ الْمَوْجُودِ أَصْلًا وَالْحَادِثِ تَبَعًا إذَا كَانَ ثَمَّةَ ضَرُورَةٌ، وَلَا ضَرُورَةَ هَاهُنَا لِانْدِفَاعِهَا بِبَيْعِ الْأُصُولِ (قَالَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَةً) إذَا بَاعَ ثَمَرَةً (وَاسْتَثْنَى مِنْهَا أَرْطَالًا مَعْلُومَةً لَمْ يَجُزْ خِلَافًا لِمَالِكٍ) وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ مُرَادَهُ الثَّمَرَةُ عَلَى رُءُوسِ النَّخِيلِ أَوْ ثَمَرَةٌ مَجْذُوذَةٌ، وَذُكِرَ فِي بَعْضِ فَوَائِدِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ مُرَادَهُ مَا كَانَ عَلَى النَّخِيلِ. وَأَمَّا بَيْعُ الْمَجْذُوذِ فَجَائِزٌ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا بَاعَ الثَّمَرَ عَلَى رُءُوسِ النَّخِيلِ إلَّا صَاعًا مِنْهَا يَجُوزُ الْبَيْعُ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مَعْلُومٌ، كَمَا إذَا كَانَ الثَّمَرُ مَجْذُوذًا مَوْضُوعًا عَلَى الْأَرْضِ فَبَاعَ الْكُلَّ إلَّا صَاعًا يَجُوزُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمَا سَوَاءٌ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ مَجْهُولٌ) وَالْمَجْهُولُ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، وَهَذَا يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمَا سَوَاءٌ

بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ وَاسْتَثْنَى نَخْلًا مُعَيَّنًا؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قَالُوا هَذِهِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ وَهُوَ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ؛ أَمَّا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَا يَجُوزُ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ بِانْفِرَادِهِ يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الْعَقْدِ، وَبَيْعُ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ جَائِزٌ فَكَذَا اسْتِثْنَاؤُهُ، بِخِلَافِ اسْتِثْنَاءِ الْحِمْلِ وَأَطْرَافِ الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، فَكَذَا اسْتِثْنَاؤُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَثْنَى نَخْلًا مُعَيَّنًا لِأَنَّ الْبَاقِيَ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ) كَمْ هِيَ نَخْلَةٌ، قَالَ الْمُصَنِّفُ (قَالُوا هَذِهِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ وَهُوَ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ) وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْجَهَالَةَ الْمَانِعَةَ مِنْ الْجَوَازِ مَا كَانَتْ مُفْضِيَةً إلَى النِّزَاعِ، وَهَذِهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ لِتَرَاضِيهِمَا بِذَلِكَ فَلَا تَكُونُ مَانِعَةً. وَأُجِيبَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَرُبَّمَا كَانَ الْبَائِعُ يَطْلُبُ صَاعًا مِنْ الثَّمَرِ أَحْسَنَ مَا يَكُونُ وَالْمُشْتَرِي يَدْفَعُ إلَيْهِ مَا هُوَ أَرَادَ الثَّمَرَ فَيُفْضِي إلَى النِّزَاعِ. سَلَّمْنَا ذَلِكَ لَكِنْ بِجَوَازِ تَرَاضِيهِمَا عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ قَدْ لَا يَكُونُ الثَّمَرُ إلَّا قَدْرَ الْمُسْتَثْنَى فَيَخْلُو الْعَقْدُ عَنْ الْفَائِدَةِ فَلَا يَصِحُّ، كَمَا لَا يَصِحُّ مِثْلُهُ فِي الْمُضَارَبَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَعَنْ هَذَا قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ يُشِيرُ إلَى هَذَا قَوْلُهُ أَرْطَالًا مَعْلُومَةً. وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُسْتَثْنَى صَاعًا وَاحِدًا أَوْ رِطْلًا وَاحِدًا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَبِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنَّهُ بَقِيَ شَيْءٌ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ أَوْ لَا، وَكُلٌّ مِنْ التَّقْدِيرَيْنِ يَقْتَضِي صِحَّةَ الْعَقْدِ؛ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ مَعْلُومٌ لِكَوْنِ الْمُسْتَثْنَى مَعْلُومًا، سَلَّمْنَا أَنَّ الْبَاقِيَ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَزْنًا لَكِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ إلَّا إذَا بَاعَ مُوَازَنَةً وَلَيْسَ الْفَرْضُ ذَلِكَ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ فِي الْبَاقِي مُجَازَفَةً وَهُوَ مَعْلُومٌ مُشَاهَدَةً. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ فَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ وَيَجُوزُ الْبَيْعُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا بِاعْتِبَارِ الْمَآلِ، وَأَمَّا فِي الْحَالِ فَلَا يُعْرَفُ هَلْ يَبْقَى بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ شَيْءٌ أَوْ لَا فَصَارَ مَجْهُولًا، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُفْضِيَةً إلَى النِّزَاعِ فَهُوَ أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ، ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ (أَمَّا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ) يُرِيدُ بِهِ عَلَى قِيَاسِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، فَإِنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَمْ يُذْكَرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ صَرِيحًا وَلِهَذَا قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَا يَجُوزُ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ بِانْفِرَادِهِ يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الْعَقْدِ وَبَيْعُ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ جَائِزٌ فَكَذَا اسْتِثْنَاؤُهُ، وَيَنْعَكِسُ إلَى أَنَّ مَا لَا يَجُوزُ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ بِانْفِرَادِهِ لَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ، وَفِي بَيْعِ أَطْرَافِ الْحَيَوَانِ فِيهِ وَحَمْلِهِ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْعَقْدُ بِانْفِرَادِهِ فَكَذَا لَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى مَقْصُودًا مَعْلُومًا، وَإِفْرَادُ الْعَقْدِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ

[بيع الحنطة في سنبلها والباقلاء في قشره]

(وَيَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا وَالْبَاقِلَاءِ فِي قِشْرِهِ) وَكَذَا الْأُرْزُ وَالسِّمْسِمُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْبَاقِلَاءِ الْأَخْضَرِ، وَكَذَا الْجَوْزُ وَاللَّوْزُ وَالْفُسْتُقُ فِي قِشْرِهِ الْأَوَّلِ عِنْدَهُ. وَلَهُ فِي بَيْعِ السُّنْبُلَةِ قَوْلَانِ، وَعِنْدَنَا يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ. لَهُ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَسْتُورٌ بِمَا لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِيهِ فَأَشْبَهَ تُرَابَ الصَّاغَةِ إذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ مَقْصُودًا مَعْلُومًا فَتَشَارَكَا فِي الْقَصْدِ وَالْعِلْمِ، فَمَا جَازَ أَنْ يَقَعَ مَعْقُودًا عَلَيْهِ بِانْفِرَادِهِ جَازَ أَنْ يُسْتَثْنَى وَبِالْعَكْسِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الصُّبْرَةَ بِكَذَا إلَّا قَفِيزًا مِنْهَا بِدِرْهَمٍ صَحَّ فِي جَمِيعِ الصُّبْرَةِ إلَّا فِي قَفِيزٍ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى مَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا الْقَطِيعَ مِنْ الْغَنَمِ إلَّا شَاةً مِنْهَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى مَا لَا يَجُوزُ إفْرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ إلَّا هَذِهِ الشَّاةَ بِعَيْنِهَا جَازَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ إفْرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ فَيَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي جَمِيعِ الْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ كَالثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ، بِخِلَافِ الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ فَإِنَّ اسْتِثْنَاءَ قَدْرٍ مِنْهُ وَإِيرَادَ الْعَقْدِ عَلَيْهِ جَائِزٌ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ. قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِهِ بِعْتُك هَذَا الْقَطِيعَ مِنْ الْغَنَمِ إلَّا هَذِهِ الشَّاةَ بِعَيْنِهَا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَبَيْنَ قَوْلِهِ بِعْتُك هَذَا الْقَطِيعَ مِنْ الْغَنَمِ كُلَّهُ عَلَى أَنَّ لِي هَذِهِ الشَّاةَ الْوَاحِدَةَ مِنْهُ بِعَيْنِهَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ مَعَ أَنَّهُ قَدْ اسْتَثْنَى الشَّاةَ الْمُعَيَّنَةَ مِنْ الْقَطِيعِ مَعْنًى. وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُسْتَثْنَى لِبَيَانِ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ فَلَمْ يَكُنْ إفْرَادُهَا إخْرَاجًا بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ فَلَا جَهَالَةَ فِيهِ، وَأَمَّا فِي الشَّرْطِ فَلِأَنَّ الشَّاةَ دَخَلَتْ أَوَّلًا فِي الْجُمْلَةِ ثُمَّ خَرَجَتْ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ، وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ إلَّا عُشْرَهُ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ فِي تِسْعَةِ أَعْشَارِهِ، وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنَّ لِي عُشْرَهُ لَمْ يَصِحَّ. قِيلَ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: سَلَّمْنَا أَنَّ إيرَادَ الْعَقْدِ عَلَى الْأَرْطَالِ الْمَعْلُومَةِ وَاسْتِثْنَاءَهَا جَائِزٌ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ جَوَازَ بَيْعِ الْبَاقِي وَهُوَ مَجْهُولٌ. وَالْجَوَابُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْبَاقِيَ مَجْهُولٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُسْتَثْنَى إذَا كَانَ مَعْلُومًا لَمْ تَسْرِ مِنْهُ جَهَالَةٌ إلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ إلَّا بِحَسَبِ الْوَزْنِ فَيَكُونُ الْبَيْعُ فِي الْبَاقِي مُجَازَفَةً وَهِيَ لَا تَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ الْمَبِيعِ. [بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا وَالْبَاقِلَاءِ فِي قِشْرِهِ] قَالَ (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا) بَيْعُ الشَّيْءِ فِي غِلَافِهِ لَا يَجُوزُ إلَّا بَيْعَ الْحُبُوبِ كَالْحِنْطَةِ وَالْبَاقِلَاءِ (وَالْأُرْزِ وَالسِّمْسِمِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْبَاقِلَاءِ الْأَخْضَرِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْفُسْتُقِ فِي قِشْرِهِ فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ) وَكَذَا بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي قَوْلِهِ الْجَدِيدِ، وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَسْتُورٌ بِمَا لَا مَنْفَعَةَ لَهُ، وَالْعَقْدُ فِي مِثْلِهِ لَا يَصِحُّ كَمَا إذَا بِيعَ تُرَابُ الصَّاغَةِ بِمِثْلِهِ.

وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ، وَعَنْ بَيْعِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ» ؛ وَلِأَنَّهُ حَبٌّ مُنْتَفَعٌ بِهِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ فِي سُنْبُلِهِ كَالشَّعِيرِ وَالْجَامِعُ كَوْنُهُ مَالًا مُتَقَوِّمًا، بِخِلَافِ تُرَابِ الصَّاغَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِجِنْسِهِ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا، حَتَّى لَوْ بَاعَهُ بِخِلَافِ جِنْسِهِ جَازَ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَوْ بَاعَهُ بِجِنْسِهِ لَا يَجُوزُ أَيْضًا لِشُبْهَةِ الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي قَدْرَ مَا فِي السَّنَابِلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَنَا مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " أَنَّهُ «نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ، وَعَنْ بَيْعِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ» ، وَحُكْمُ مَا بَعْدَ الْغَايَةِ خِلَافُ حُكْمِ مَا قَبْلَهَا. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بِمَفْهُومِ الْغَايَةِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ نَهَى فَإِنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْمَشْرُوعِيَّةَ كَمَا عُرِفَ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ حَبٌّ مُنْتَفَعٌ بِهِ) كَأَنَّهُ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ مَسْتُورٌ بِمَا لَا مَنْفَعَةَ لَهُ. وَتَقْرِيرُهُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ بَلْ هُوَ أَيْ الْمَبِيعُ بِقِشْرِهِ حَبٌّ مُنْتَفَعٌ بِهِ، وَمَنْ أَكَلَ الْفُولِيَّةَ شَهِدَ بِذَلِكَ وَأَنَّ الْحُبُوبَ الْمَذْكُورَةَ تُدَّخَرُ فِي قِشْرِهَا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ} [يوسف: 47] وَهُوَ انْتِفَاعٌ لَا مَحَالَةَ. فَجَازَ الْبَيْعُ كَبَيْعِ الشَّعِيرِ بِجَامِعِ كَوْنِهِمَا مَالَيْنِ مُتَقَوِّمَيْنِ يُنْتَفَعُ بِهِمَا. وَبَيْعُ تُرَابِ الصَّاغَةِ إنَّمَا لَا يَجُوزُ إذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا حَتَّى إذَا بِيعَ بِخِلَافِ جِنْسِهِ جَازَ. وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَوْ بِيعَ بِجِنْسِهِ لَا يَجُوزُ أَيْضًا لِشُبْهَةِ الرِّبَا لِجَهَالَةِ قَدْرِ مَا فِي السُّنْبُلَةِ. فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَسْأَلَتِنَا وَبَيْنَ مَا إذَا بَاعَ حَبَّ قُطْنٍ فِي قُطْنٍ بِعَيْنِهِ أَوْ نَوَى تَمْرٍ فِي تَمْرٍ بِعَيْنِهِ وَهُمَا سِيَّانِ فِي كَوْنِ الْمَبِيعِ مُغَلَّفًا؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْغَالِبَ فِي السُّنْبُلَةِ الْحِنْطَةُ، يُقَالُ هَذِهِ حِنْطَةٌ وَهِيَ فِي سُنْبُلِهَا وَلَا يُقَالُ

(وَمَنْ بَاعَ دَارًا دَخَلَ فِي الْبَيْعِ مَفَاتِيحُ إغْلَاقِهَا) ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الْإِغْلَاقُ؛ لِأَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ فِيهَا لِلْبَقَاءِ وَالْمِفْتَاحُ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْغَلْقِ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ بَعْضٍ مِنْهُ إذْ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ بِدُونِهِ. قَالَ (وَأُجْرَةُ الْكَيَّالِ وَنَاقِدِ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ) أَمَّا الْكَيْلُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ لِلتَّسْلِيمِ وَهُوَ عَلَى الْبَائِعِ وَمَعْنَى هَذَا إذَا بِيعَ مُكَايَلَةً، وَكَذَا أُجْرَةُ الْوَزَّانِ وَالزَّرَّاعِ وَالْعَدَّادِ، وَأَمَّا النَّقْدُ فَالْمَذْكُورُ رِوَايَةُ ابْنِ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ النَّقْدَ يَكُونُ بَعْدَ التَّسْلِيمِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَكُونُ بَعْدَ الْوَزْنِ وَالْبَائِعُ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ لِيُمَيِّزَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ لِيَعْرِفَ الْمَعِيبَ لِيَرُدَّهُ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْهُ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَسْلِيمِ الْجَيِّدِ الْمُقَدَّرِ، وَالْجُودَةُ تُعْرَفُ بِالنَّقْدِ كَمَا يُعْرَفُ الْقَدْرُ بِالْوَزْنِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ. قَالَ (وَأُجْرَةُ وَزَّانِ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ وَبِالْوَزْنِ يَتَحَقَّقُ التَّسْلِيمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا حَبٌّ وَهُوَ فِي الْقُطْنِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ هَذَا قُطْنٌ وَكَذَلِكَ فِي التَّمْرِ إلَيْهِ أَشَارَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ (وَمَنْ بَاعَ دَارًا إلَخْ) الْإِغْلَاقُ جَمْعُ غَلَقٍ بِفَتْحِ اللَّامِ وَهُوَ مَا يُغْلَقُ وَيُفْتَحُ بِالْمِفْتَاحِ إذَا بَاعَ دَارًا دَخَلَ فِي الْبَيْعِ إغْلَاقُهَا بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّ مَا كَانَ مَوْضُوعًا فِيهِ لِلْقَرَارِ كَانَ دَاخِلًا، وَالْإِغْلَاقُ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ فِيهَا لِلْبَقَاءِ، وَالْمِفْتَاحُ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْغَلَقِ بِلَا تَسْمِيَةٍ لِأَنَّهُ كَالْجُزْءِ مِنْهُ إذْ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ بِدُونِهِ، وَالدَّاخِلُ فِي الدَّاخِلِ فِي الشَّيْءِ دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ. فَإِنْ قِيلَ: عَدَمُ الِانْتِفَاعِ بِدُونِ شَيْءٍ لَا يَسْتَلْزِمُ دُخُولَهُ فِي بَيْعِهِ فَإِنَّ الِانْتِفَاعَ بِالدَّارِ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِطَرِيقٍ وَلَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الدَّاخِلَ فِي الدَّاخِلِ فِي الشَّيْءِ دَاخِلٌ لَا مَحَالَةَ، وَقَوْلُهُ الِانْتِفَاعُ بِالدَّارِ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِالطَّرِيقِ قُلْنَا: الِانْتِفَاعُ بِهَا لَا يُمْكِنُ إلَّا بِالطَّرِيقِ مُطْلَقًا أَوْ مِنْ حَيْثُ السُّكْنَى، وَالْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُشْتَرِي أَخْذَ الشُّفْعَةِ بِسَبَبِ مِلْكِ الدَّارِ وَهُوَ انْتِفَاعٌ بِهَا لَا مَحَالَةَ، وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ وَلِهَذَا دَخَلَ الطَّرِيقُ فِي الْإِجَارَةِ وَلَكِنْ

قَالَ (وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ قِيلَ لِلْمُشْتَرِي ادْفَعْ الثَّمَنَ أَوَّلًا) ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي تَعَيَّنَ فِي الْمَبِيعِ فَيُقَدَّمُ دَفْعُ الثَّمَنِ لِيَتَعَيَّنَ حَقُّ الْبَائِعِ بِالْقَبْضِ لِمَا أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْسَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ، وَالْقُفْلُ وَمِفْتَاحُهُ لَا يَدْخُلَانِ وَالسُّلَّمُ إنْ اتَّصَلَ بِالْبِنَاءِ مِنْ خَشَبٍ كَانَ أَوْ حَجَرٍ يَدْخُلُ، وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ لَا يَدْخُلُ. قَالَ: وَأُجْرَةُ الْكَيَّالِ وَنَاقِدُ الثَّمَنِ إذَا بَاعَ الْمَكِيلَ مُكَايَلَةً أَوْ الْمَوْزُونَ مُوَازَنَةً أَوْ الْمَعْدُودَ عَدَدًا وَاحْتَاجَ إلَى أُجْرَةِ الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ وَالْعَدَّادِ فَهِيَ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهَذِهِ الْأَفْعَالِ وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ. وَأَمَّا أُجْرَةُ نَاقِدِ الثَّمَنِ فَفِي رِوَايَةِ ابْنِ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ هِيَ عَلَى الْبَائِعِ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْهُ عَلَى الْمُشْتَرِي. وَجْهُ الْأُولَى أَنَّ النَّقْدَ يَكُونُ بَعْدَ التَّسْلِيمِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْوَزْنِ وَبِهِ يَحْصُلُ التَّسْلِيمُ وَالْبَائِعُ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَى النَّقْدِ لِتَمْيِيزِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ يَعْرِفُ الْمَعِيبَ لِيَرُدَّهُ. وَوَجْهُ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَى تَسْلِيمِ الْجَيِّدِ الْمُقَدَّرِ، وَالْجَوْدَةُ تُعْرَفُ بِالنَّقْدِ كَمَا يُعْرَفُ الْقَدْرُ بِالْوَزْنِ، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَأُجْرَةُ وَزْنِ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ الْمُحْتَاجُ إلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ وَبِالْوَزْنِ يَتَحَقَّقُ التَّسْلِيمُ.

قَالَ (وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِسِلْعَةٍ أَوْ ثَمَنًا بِثَمَنٍ قِيلَ لَهُمَا سُلِّمَا مَعًا) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي التَّعَيُّنِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيمِ أَحَدِهِمَا فِي الدَّفْعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ: (وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً) بَيْعُ السِّلْعَةِ مُعَجَّلًا إمَّا أَنْ يَكُونَ بِثَمَنٍ أَوْ بِسِلْعَةٍ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي ادْفَعْ الثَّمَنَ أَوَّلًا لِأَنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي تَعَيَّنَ فِي الْمَبِيعِ فَيُقَدَّمُ دَفْعُ الثَّمَنِ لِيَتَعَيَّنَ حَقُّ الْبَائِعِ بِالْقَبْضِ لِكَوْنِهِ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعَيُّنِ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ فِي تَعَيُّنِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَفِي الْمَالِيَّةِ أَيْضًا لِأَنَّ الدَّيْنَ أَنْقَصُ مِنْ الْعَيْنِ، وَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ غَائِبًا عَنْ حَضْرَتِهِمَا فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ حَتَّى يُحْضَرَ الْمَبِيعُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ قَبْضِهِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي يُقَالُ لَهُمَا سَلِّمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي التَّعْيِينِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَقْدِيمِ أَحَدِهِمَا بِالدَّفْعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[باب خيار الشرط]

(بَابُ خِيَارِ الشَّرْطِ) قَالَ: (خِيَارُ الشَّرْطِ جَائِزٌ فِي الْبَيْعِ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ خِيَارِ الشَّرْطِ] قَالَ (خِيَارُ الشَّرْطِ جَائِزُ الْبَيْعِ، تَارَةً يَكُونُ لَازِمًا وَأُخْرَى غَيْرَ لَازِمٍ) وَاللَّازِمُ مَا لَا خِيَارَ فِيهِ بَعْدَ وُجُودِ شَرَائِطِهِ وَغَيْرُ اللَّازِمِ مَا فِيهِ الْخِيَارُ، وَلَمَّا كَانَ اللَّازِمُ أَقْوَى فِي كَوْنِهِ بَيْعًا قَدَّمَهُ عَلَى غَيْرِهِ، ثُمَّ قَدَّمَ خِيَارَ الشَّرْطِ عَلَى سَائِرِ

وَلَهُمَا الْخِيَارُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَمَا دُونَهَا) وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ: «أَنَّ حِبَّانَ بْنَ مُنْقِذِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُغْبَنُ فِي الْبِيَاعَاتِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا بَايَعْت فَقُلْ لَا خِلَابَةَ وَلِيَ الْخِيَارُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخِيَارَاتِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْحُكْمِ، ثُمَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ تَمَامَ الْحُكْمِ، ثُمَّ خِيَارَ الْعَيْبِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ لُزُومَ الْحُكْمِ، وَإِنَّمَا كَانَ عَمَلُهُ فِي مَنْعِ الْحُكْمِ دُونَ السَّبَبِ لِأَنَّ مِنْ حَقِّهِ أَنْ لَا يَدْخُلَ فِي الْبَيْعِ لِكَوْنِهِ فِي مَعْنَى الْقِمَارِ، وَلَكِنْ لَمَّا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ الْعَمَلِ بِهِ فَأَظْهَرْنَا عَمَلَهُ فِي مَنْعِ الْحُكْمِ تَقْلِيلًا لِعَمَلِهِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ لِأَنَّ دُخُولَهُ فِي السَّبَبِ مُسْتَلْزِمٌ الدُّخُولَ فِي الْحُكْمِ دُونَ الْعَكْسِ، وَهُوَ عَلَى أَنْوَاعٍ: فَاسِدٌ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا إذَا قَالَ اشْتَرَيْت عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ أَوْ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ أَيَّامًا أَوْ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ أَبَدًا. وَجَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَمَا دُونَهَا. وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ، فَإِنَّهُ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ، جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ سَوَاءٌ كَانَ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ لَهُمَا جَمِيعًا أَوْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا الْخِيَارَ لِغَيْرِهِ. وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْخِلَافِيَّةِ مَا رُوِيَ: «أَنَّ حِبَّانَ بْنَ مُنْقِذٍ كَانَ يُغْبَنُ فِي الْبِيَاعَاتِ لِمَأْمُومَةٍ أَصَابَتْ رَأْسَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا بَايَعْت فَقُلْ لَا خِلَابَةَ وَلِيَ الْخِيَارُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» وَالْخِلَابَةُ: الْخِدَاعُ. وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ شَرْطٌ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ اللُّزُومُ، وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ مُفْسِدٌ إلَّا أَنَّا جَوَّزْنَاهُ بِهَذَا النَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ جَازَ لِلْبَائِعِ وَالْمَذْكُورُ فِي النَّصِّ هُوَ الْمُشْتَرِي فَكَمَا عَدَّيْتُمْ فِيمَنْ لَهُ الْخِيَارُ فَلْيَتَعَدَّ فِي مُدَّتِهِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ فِي النَّصِّ إشَارَةً إلَى ذَلِكَ وَهُوَ لَفْظُ الْمُفَاعَلَةِ، وَلِأَنَّ الْبَائِعَ فِي مَعْنَى الْمُشْتَرِي فِي مَعْنَى الْمَنَاطِ فَيُلْحَقُ بِهِ دَلَالَةً، وَكَثِيرُ الْمُدَّةِ كَقَلِيلِهَا لِأَنَّ مَعْنَى الْفَرْقِ يَتَمَكَّنُ بِزِيَادَةِ الْمُدَّةِ فَيَزْدَادُ الْغَرَرُ وَهُوَ مُفْسِدٌ وَلَهُمَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَازَ الْخِيَارَ إلَى شَهْرَيْنِ» وَلِأَنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا شُرِعَ لِلْحَاجَةِ إلَى التَّأَمُّلِ لِيَنْدَفِعَ الْغَبْنُ وَقَدْ تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَى الْأَكْثَرِ فَكَانَ كَثِيرُ الْمُدَّةِ كَقَلِيلِهَا فَيُلْحَقُ بِهِ وَصَارَ كَالتَّأْجِيلِ فِي الثَّمَنِ، فَإِنَّهُ

(وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَا (يَجُوزُ إذَا سَمَّى مُدَّةً مَعْلُومَةً لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - " أَنَّهُ أَجَازَ الْخِيَارَ إلَى شَهْرَيْنِ ") ؛ وَلِأَنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا شُرِعَ لِلْحَاجَةِ إلَى التَّرَوِّي لِيَنْدَفِعَ الْغَبْنُ، وَقَدْ تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَى الْأَكْثَرِ فَصَارَ كَالتَّأْجِيلِ فِي الثَّمَنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQجَائِزٌ قَلَّتْ الْمُدَّةُ أَوْ كَثُرَتْ لِلْحَاجَةِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ حَدِيثَ حِبَّانَ مَشْهُورٌ فَلَا يُعَارِضُهُ حِكَايَةُ حَالِ ابْنِ عُمَرَ، سَلَّمْنَا أَنَّهُمَا سَوَاءٌ لَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مُطْلَقُ الْخِيَارِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ، وَأَنَّهُ أَجَازَ الرَّدَّ بِهِمَا بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ كَثِيرَ الْمُدَّةِ كَالْقَلِيلِ فِي الْحَاجَةِ، فَإِنَّ صَاحِبَ الْخِلَابَةِ كَانَ مُصَابًا

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ اللُّزُومُ، وَإِنَّمَا جَوَّزْنَاهُ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لِمَا رَوَيْنَاهُ مِنْ النَّصِّ، فَيُقْتَصَرُ عَلَى الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ وَانْتَفَتْ الزِّيَادَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الرَّأْسِ فَكَانَ أَحْوَجَ إلَى الزِّيَادَةِ، فَلَوْ زَادَتْ كَانَ أَوْلَى بِهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُقَدَّرَ لِنَفْيِ الزِّيَادَةِ سَلَّمْنَاهُ، لَكِنْ فِي الْكَثِيرِ مَعْنَى الْغَرَرِ أَزْيَدُ وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَالْقِيَاسُ عَلَى التَّأْجِيلِ فِي الثَّمَنِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْأَجَلَ يُشْتَرَطُ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْأَدَاءِ.

(إلَّا أَنَّهُ إذَا أَجَازَ فِي الثَّلَاثِ) جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِزُفَرِ، هُوَ يَقُولُ: إنَّهُ انْعَقَدَ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا. وَلَهُ أَنَّهُ أَسْقَطَ الْمُفْسِدَ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ فَيَعُودُ جَائِزًا كَمَا إذَا بَاعَ بِالرَّقْمِ وَأَعْلَمَهُ فِي الْمَجْلِسِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهِيَ إنَّمَا تَكُونُ بِالْكَسْبِ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ فِي كُلِّ مُدَّةٍ فَقَدْ يُحْتَاجُ إلَى مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ إذَا أَجَازَ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاءً مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْهَا، وَمَعْنَاهُ: لَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْهَا، لَكِنْ لَوْ ذُكِرَ أَكْثَرُ مِنْهَا وَأَجَازَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ فِي الثَّلَاثِ جَازَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِهِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ بِالتَّوْجِيهِ الْمَذْكُورِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِقَوْلِهِ خِلَافًا لِزُفَرَ فَتَأَمَّلْ، وَزُفَرُ يَقُولُ: إنَّ هَذَا عَقْدٌ قَدْ انْعَقَدَ فَاسِدًا وَالْفَاسِدُ لَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا لِأَنَّ الْبَقَاءَ عَلَى وَفْقِ الثُّبُوتِ، فَكَانَ كَمَنْ بَاعَ الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ أَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفٍ وَرِطْلِ خَمْرٍ ثُمَّ أَسْقَطَ الدِّرْهَمَ الزَّائِدَ وَأَبْطَلَ الْخَمْرَ؛ وَكَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَتَحْتَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ ثُمَّ طَلَّقَ الرَّابِعَةَ لَا يُحْكَمُ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْخَامِسَةِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَسْقَطَ الْمُفْسِدَ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَشَايِخَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ هَذَا الْعَقْدِ فِي الِابْتِدَاءِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَذَهَبَ الْعِرَاقِيُّونَ إلَى أَنَّهُ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا ثُمَّ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِحَذْفِ خِيَارِ الشَّرْطِ قَبْلَ الْيَوْمِ الرَّابِعِ، وَذَهَبَ أَهْلُ خُرَاسَانَ وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ إلَى أَنَّهُ مَوْقُوفٌ، فَإِذَا مَضَى جُزْءٌ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ فَسَدَ، فَقَوْلُهُ إنَّهُ أَسْقَطَ الْمُفْسِدَ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ

وَلِأَنَّ الْفَسَادَ بِاعْتِبَارِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ، فَإِذَا أَجَازَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَتَّصِلْ الْمُفْسِدُ بِالْعَقْدِ، وَلِهَذَا قِيلَ: إنَّ الْعَقْدَ يَفْسُدُ بِمُضِيِّ جُزْءٍ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ، وَقِيلَ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا ثُمَّ يَرْتَفِعُ الْفَسَادُ بِحَذْفِ الشَّرْطِ، وَهَذَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ. (وَلَوْ اشْتَرَى عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا جَازَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ قَبْلَ مُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ تَعْلِيلٌ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْعَقْدَ فَاسِدٌ فِي الْحَالِ بِحُكْمِ الظَّاهِرِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ دَوَامُهَا عَلَى الشَّرْطِ، فَإِذَا أَسْقَطَ الْخِيَارَ قَبْلَ دُخُولِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ زَالَ الْمُوجِبُ لِلْفَسَادِ فَيَعُودُ جَائِزًا، وَهَذَا لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ لَمْ يَكُنْ فَاسِدًا لِعَيْنِهِ بَلْ لِمَا فِيهِ مِنْ تَغْيِيرِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ، فَإِذَا زَالَ الْمُغَيَّرُ عَادَ جَائِزًا فَصَارَ كَمَا إذَا بَاعَ بِالرَّقْمِ وَهُوَ أَنْ يُعَلِّمَ الْبَائِعُ عَلَى الثَّوْبِ بِعَلَامَةٍ كَالْكِتَابَةِ يَعْلَمُ بِهَا الدَّلَّالُ أَوْ غَيْرُهُ ثَمَنَ الثَّوْبِ وَلَا يَعْلَمُ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ، فَإِذَا قَالَ بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ بِرَقْمِهِ وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ الْمِقْدَارَ انْعَقَدَ الْبَيْعُ فَاسِدًا، فَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي قَدْرَ الرَّقْمِ فِي الْمَجْلِسِ وَقَبِلَهُ انْقَلَبَ جَائِزًا بِالِاتِّفَاقِ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْفَسَادَ بِاعْتِبَارِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ) تَعْلِيلٌ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلْعَقْدِ، وَإِنَّمَا الْمُفْسِدُ اتِّصَالُ الْيَوْمِ الرَّابِعِ بِالْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ، فَإِذَا جَازَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَتَّصِلْ الْمُفْسِدُ بِالْعَقْدِ فَكَانَ صَحِيحًا. وَالْجَوَابُ عَمَّا قَاسَ عَلَيْهِ زُفَرُ مِنْ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْفَسَادَ فِيهَا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَهُوَ الْبَدَلُ فَلَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُ وَفِي مَسْأَلَتِنَا فِي شَرْطِهِ فَأَمْكَنَ. قَالَ (وَلَوْ اشْتَرَى عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ) إذَا اشْتَرَى عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا فَهُوَ عَلَى وُجُوهٍ، فَأَمَّا إنْ قَالَ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ فَلَا بَيْعَ، أَوْ قَالَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ أَيَّامًا فَلَا بَيْعَ وَهُمَا فَاسِدَانِ، أَوْ قَالَ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ. وَالْقِيَاسُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ أَنْ لَا يَجُوزَ لِمَا أَنَّهُ بَيْعُ شَرْطٍ فِيهِ إقَالَةٌ فَاسِدَةٌ لِتُعَلِّقهَا بِالشَّرْطِ وَهُوَ عَدَمُ النَّقْدِ، وَاشْتِرَاطُ الْإِقَالَةِ فِي الْبَيْعِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ بِعْتُك هَذَا بِشَرْطِ أَنْ تُقِيلَ الْبَيْعَ مُفْسِدٌ لِكَوْنِهِ عَلَى خِلَافِ الْعَقْدِ، فَاشْتِرَاطُ فَاسِدِهَا أَوْلَى أَنْ يَفْسُدَ، وَاسْتَحْسَنَ الْعُلَمَاءُ جَوَازَهُ. وَوَجْهُهُ أَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى شَرْطِ الْخِيَارِ مِنْ حَيْثُ الْحَاجَةُ، إذْ الْحَاجَةُ مَسَّتْ إلَى

وَإِلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجُوزُ إلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ نَقَدَ فِي الثَّلَاثِ جَازَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ إذْ الْحَاجَةُ مَسَّتْ إلَى الِانْفِسَاخِ عِنْدَ عَدَمِ النَّقْدِ تَحَرُّزًا عَنْ الْمُمَاطَلَةِ فِي الْفَسْخِ فَيَكُونُ مُلْحَقًا بِهِ. وَقَدْ مَرَّ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْمُلْحَقِ بِهِ، وَنَفَى الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّلَاثِ وَكَذَا مُحَمَّدٌ فِي تَجْوِيزِ الزِّيَادَةِ. وَأَبُو يُوسُفَ أَخَذَ فِي الْأَصْلِ بِالْأَثَرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالِانْفِسَاخِ عِنْدَ عَدَمِ النَّقْدِ تَحَرُّزًا عَنْ الْمُمَاطَلَةِ فِي الْفَسْخِ، وَإِذَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ كَانَ مُلْحَقًا بِهِ. وَرُدَّ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّ هُنَاكَ لَوْ سَكَتَ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ تَمَّ الْعَقْدُ وَهَاهُنَا لَوْ سَكَتَ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ بَطَلَ الْعَقْدُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ النَّظَرَ فِي الْإِلْحَاقِ إنَّمَا هُوَ إلَى الْمَعْنَى الْمُنَاطِ لِلْحُكْمِ وَهِيَ الْحَاجَةُ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِيهَا، وَأَمَّا الزَّائِدُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ. فَإِنْ قِيلَ: الْحَاجَةُ تَنْدَفِعُ بِاشْتِرَاطِ الْخِيَارِ لِنَفْسِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ انْفَسَخَ الْعَقْدُ حَتَّى يَجُوزَ الْبَيْعُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ فِيهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْفَسْخِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ إلَّا بِحَضْرَةِ الْآخَرِ. وَعَسَى يَتَعَذَّرُ ذَلِكَ فَكَانَتْ الْحَاجَةُ بَاقِيَةً. وَأَمَّا إذَا زَادَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ: لَمْ يُجَوِّزْهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ. وَجَوَّزَهُ مُحَمَّدٌ. أَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَقَدْ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْمُلْحَقِ بِهِ وَنَفَى الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّلَاثِ، وَكَذَلِكَ مُحَمَّدٌ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ فِي تَجْوِيزِ الزِّيَادَةِ فِي الْمُلْحَقِ بِهِ، وَأَبُو يُوسُفَ احْتَاجَ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُلْحَقِ وَالْمُلْحَقِ بِهِ فِي جَوَازِ الزِّيَادَةِ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَأَبُو يُوسُفَ أَخَذَ فِي الْأَصْلِ بِالْأَثَرِ، وَفِي هَذَا بِالْقِيَاسِ. وَتَفْسِيرُهُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَصْلِ شَرْطُ الْخِيَارِ، وَبِقَوْلِهِ فِي هَذَا قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَالْمُرَادَ بِالْأَثَرِ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ أَجَازَ الْخِيَارَ إلَى شَهْرَيْنِ " وَمَعْنَاهُ: تَرَكْنَا الْقِيَاسَ فِي الْمُلْحَقِ بِهِ وَهُوَ شَرْطُ الْخِيَارِ بِأَثَرِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَمِلْنَا بِالْقِيَاسِ فِي الْمُلْحَقِ وَهُوَ التَّعْلِيقُ بِنَقْدِ الثَّمَنِ لِعَدَمِ النَّصِّ فِيهِ.

وَفِي هَذَا بِالْقِيَاسِ، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قِيَاسٌ آخَرُ وَإِلَيْهِ مَال زُفَرُ وَهُوَ أَنَّهُ بَيْعٌ شُرِطَ فِيهِ إقَالَةٌ فَاسِدَةٌ لِتَعَلُّقِهَا بِالشَّرْطِ، وَاشْتِرَاطُ الصَّحِيحِ مِنْهَا فِيهِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ، فَاشْتِرَاطُ الْفَاسِدِ أَوْلَى وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا بَيَّنَّا. قَالَ (وَخِيَارُ الْبَائِعِ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ) ؛ لِأَنَّ تَمَامَ هَذَا السَّبَبِ بِالْمُرَاضَاةِ وَلَا يَتِمُّ مَعَ الْخِيَارِ وَلِهَذَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَخْذُ أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَصْلِ: أَيْ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِأَثَرِ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بَاعَ نَاقَةً لَهُ مِنْ رَجُلٍ بِشَرْطِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا " (وَفِي هَذَا) أَيْ فِي الزَّائِدِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (بِالْقِيَاسِ) وَهُوَ يَقْتَضِي عَدَمَ الْجَوَازِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قِيَاسٌ آخَرُ) تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ. قَالَ (وَخِيَارُ الْبَائِعِ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ قَدْ يَكُونُ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَقَدْ يَكُونُ لَهُمَا جَمِيعًا، فَإِذَا كَانَ لِلْبَائِعِ فَالْمَبِيعُ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِالِاتِّفَاقِ وَالثَّمَنُ يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِالِاتِّفَاقِ، وَإِذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَالْمَبِيعُ يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَالثَّمَنُ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ، فَإِذَا كَانَ لَهُمَا لَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي بِالِاتِّفَاقِ، فَإِذَا خَرَجَ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَالثَّمَنُ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي هَلْ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعِ؟ فِيهِ خِلَافٌ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَدْخُلُ، وَقَالَا: يَدْخُلُ. أَمَّا دَلِيلُ عَدَمِ خُرُوجِ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَلِمَا ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِهِ (لِأَنَّ تَمَامَ هَذَا السَّبَبِ) أَيْ الْعِلَّةِ (بِالْمُرَاضَاةِ) لِكَوْنِ الرِّضَا دَاخِلًا فِي حَقِيقَتِهِ الشَّرْعِيَّةِ. وَلَا تَتِمُّ الْمُرَاضَاةُ بِالْخِيَارِ لِأَنَّ الْبَيْعَ بِهِ يَصِيرُ عِلَّةً اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا فَمَنَعَ ابْتِدَاءَ الْحُكْمِ وَهُوَ الْمِلْكُ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ (وَلِهَذَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ) وَلَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي التَّصَرُّفَ فِيهِ وَإِنْ قَبَضَهُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ، فَإِنْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي فَهَلَكَ فِي يَدِهِ فِي مُدَّةِ

وَلَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي التَّصَرُّفَ فِيهِ وَإِنْ قَبَضَهُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ (وَلَوْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَهَلَكَ فِي يَدِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ ضَمِنَهُ بِالْقِيمَةِ) ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِالْهَلَاكِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْقُوفًا، وَلَا نَفَاذَ بِدُونِ الْمَحَلِّ فَبَقِيَ مَقْبُوضًا فِي يَدِهِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَفِيهِ الْقِيمَةُ، وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ الصَّحِيحِ الْمُطْلَقِ. قَالَ (وَخِيَارُ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ) ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِي جَانِبِ الْآخَرِ لَازِمٌ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا يَمْنَعُ خُرُوجَ الْبَدَلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخِيَارِ ضَمِنَهُ بِالْقِيمَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا، خِلَافًا لِابْنِ أَبِي لَيْلَى هُوَ يَقُولُ: قَبَضَ مِلْكَ الْبَائِعِ بِإِذْنِهِ فَكَانَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: الْبَيْعُ يَنْفَسِخُ بِالْهَلَاكِ وَالْمُنْفَسِخُ بِهِ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ بِالْهَلَاكِ صَارَ إلَى حَالَةٍ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ فِيهَا فَلَا تَلْحَقُهَا الْإِجَازَةُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ (لِأَنَّهُ كَانَ مَوْقُوفًا) وَلَا نَفَاذَ بِدُونِ الْمَحَلِّ وَقَدْ فَاتَ بِالْهَلَاكِ، وَأَمَّا أَنَّ الْمُنْفَسِخَ بِهِ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ فَلِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِجِهَةِ الْعَقْدِ، وَذَلِكَ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الضَّمَانَ الْأَصْلِيَّ الثَّابِتَ بِالْعَقْدِ فِي الْقِيَمِيَّاتِ هُوَ الْقِيمَةُ، وَإِنَّمَا يَتَحَوَّلُ مِنْهَا إلَى الثَّمَنِ عِنْدَ تَمَامِ الرِّضَا، وَلَمْ يُوجَدْ حِينَ شَرَطَ الْبَائِعُ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ فَبَقِيَ الضَّمَانُ الْأَصْلِيُّ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَأَمَّا إذَا هَلَكَ بَعْدَهَا فَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ لَا الْقِيمَةُ لِبُطْلَانِ الْخِيَارِ إذْ ذَاكَ بِتَمَامِ الرِّضَا، وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي

عَنْ مِلْكِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ نَظَرًا لَهُ دُونَ الْآخَرِ. قَالَ: إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَمْلِكُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ فَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي يَكُونُ زَائِلًا لَا إلَى مَالِكٍ وَلَا عَهْدَ لَنَا بِهِ فِي الشَّرْعِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَخْرُجْ الثَّمَنُ عَنْ مِلْكِهِ فَلَوْ قُلْنَا بِأَنَّهُ يَدْخُلُ الْمَبِيعُ فِي مِلْكِهِ لَاجْتَمَعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ حُكْمًا لِلْمُعَاوَضَةِ، وَلَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ؛ وَلِأَنَّ الْخِيَارَ شُرِعَ نَظَرًا لِلْمُشْتَرِي لِيَتَرَوَّى فَيَقِفَ عَلَى الْمَصْلَحَةِ، وَلَوْ ثَبَتَ الْمِلْكُ رُبَّمَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِ بِأَنْ كَانَ قَرِيبَهُ فَيَفُوتُ النَّظَرُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا لَوْ كَانَ الْبَيْعُ صَحِيحًا مُطْلَقًا عَنْ الْخِيَارِ. قِيلَ: وَإِنَّمَا ذُكِرَ الصَّحِيحُ مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْفَاسِدِ كَذَلِكَ حَمْلًا لِحَالِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصَّلَاحِ. وَأَمَّا دَلِيلُ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَهُوَ أَنَّ الْبَيْعَ لَازِمٌ مِنْ جَانِبِهِ. وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا يَمْنَعُ خُرُوجَ الْبَدَلِ عَنْ مِلْكِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ شُرِعَ نَظَرًا لَهُ دُونَ الْآخَرِ، وَأَمَّا أَنَّ الْبَدَلَ إذَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِ مَنْ لَيْسَ لَهُ الْخِيَارُ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ مَنْ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَخْرُجْ مَالُهُ عَنْ مِلْكِهِ لَوْ دَخَلَ لَزِمَ اجْتِمَاعُ الْبَدَلَيْنِ فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ حُكْمًا لِلْمُعَاوَضَةِ، وَلَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرْعِ لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ وَنُوقِضَ بِالْمُدَبَّرِ، فَإِنَّ غَاصِبَهُ إذَا ضَمِنَ لِصَاحِبِهِ مِلْكَ الْبَدَلِ وَلَمْ يَخْرُجْ الْمُدَبَّرُ عَنْ مِلْكِهِ فَكَانَ الْبَدَلَانِ مُجْتَمِعَيْنِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ (حُكْمًا لِلْمُعَاوَضَةِ) يَدْفَعُ النَّقْضَ، فَإِنَّ ضَمَانَ الْمُدَبَّرِ ضَمَانُ جِنَايَةٍ وَلَيْسَ كَلَامُنَا فِيهِ، وَيَدْخُلُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ فَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْآخَرِ يَكُونُ زَائِلًا لَا إلَى مَالِكٍ، يَعْنِي سَائِبَةً وَلَا عَهْدَ لَنَا

قَالَ (فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ هَلَكَ بِالثَّمَنِ، وَكَذَا إذَا دَخَلَهُ عَيْبٌ) بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّهُ إذَا دَخَلَهُ عَيْبٌ يَمْتَنِعُ الرَّدُّ، وَالْهَلَاكُ لَا يَعْرَى عَنْ مُقَدِّمَةِ عَيْبٍ فَيَهْلِكُ، وَالْعَقْدُ قَدْ انْبَرَمَ فَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ بِدُخُولِ الْعَيْبِ لَا يَمْتَنِعُ الرَّدُّ حُكْمًا بِخِيَارِ الْبَائِعِ فَيَهْلِكُ وَالْعَقْدُ مَوْقُوفٌ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى امْرَأَتَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِ فِي الشَّرْعِ. وَنُوقِضَ بِمَا إذَا اشْتَرَى مُتَوَلِّي الْكَعْبَةِ عَبْدًا لِسَدَانَةِ الْكَعْبَةِ يَخْرُجُ الْعَبْدُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي. وَأُجِيبَ بِأَنَّ كَلَامَنَا فِي التِّجَارَةِ وَمَا ذَكَرْتُمْ لَيْسَ مِنْهَا بَلْ هُوَ مُلْحَقٌ بِتَوَابِعِ الْأَوْقَافِ، وَحُكْمُ الْأَوْقَافِ قَدْ تَقَدَّمَ، وَرُجِّحَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ شَرْعِيَّةَ الْخِيَارِ نَظَرًا لِلْمُشْتَرِي لِيَتَرَوَّى فَيَقِفَ عَلَى الْمَصْلَحَةِ، فَلَوْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ رُبَّمَا يَكُونُ عَلَيْهِ لَا لَهُ بِأَنْ كَانَ الْمَبِيعُ قَرِيبَهُ فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَعَادَ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ (قَوْلُهُ فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ) أَيْ إنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِيمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُ هَلَكَ بِالثَّمَنِ، وَكَذَا إذَا دَخَلَهُ عَيْبٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا. وَمُرَادُهُ عَيْبٌ لَا يَرْتَفِعُ كَأَنْ قُطِعَتْ يَدَاهُ. وَأَمَّا مَا جَازَ ارْتِفَاعُهُ كَالْمَرَضِ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ إذَا زَالَ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ بَعْدَ الِارْتِفَاعِ. وَأَمَّا إذَا مَضَتْ وَالْعَيْبُ قَائِمٌ لَزِمَ الْعَقْدُ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ، وَتَبَيَّنَ بِمَا ذُكِرَ أَنَّ هَلَاكَ الْمَبِيعِ وَتَعَيُّبَهُ يُوجِبُ الْقِيمَةَ عَلَى الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ، وَيُوجِبُ الثَّمَنَ إذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَاحْتَاجَ إلَى التَّصْرِيحِ بِبَيَانِ الْفَرْقِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا تَعَيَّبَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لَهُ تَعَذَّرَ الرَّدُّ كَمَا قُبِضَ، وَكَذَلِكَ إذَا هَلَكَ وَالْهَلَاكُ لَا يَعْرَى عَنْ مُقَدِّمَةِ عَيْبٍ فَيَهْلَكُ وَالْعَقْدُ قَدْ لَزِمَ وَتَمَّ فَيَلْزَمُ الثَّمَنُ الْمُسَمَّى. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَلَمْ يَمْتَنِعْ الرَّدُّ عَلَى الْمُشْتَرِي بِدُخُولِ الْعَيْبِ لِأَنَّ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ لَا لَهُ فَيَهْلَكُ وَالْمَبِيعُ مَوْقُوفٌ فَيَلْزَمُ الْقِيمَةُ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى امْرَأَتَهُ) هَذِهِ مَسَائِلُ تَتَرَتَّبُ عَلَى الْأَصْلِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ، وَهُوَ أَنَّ الْخِيَارَ إذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي

عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَمْ يَفْسُدْ النِّكَاحُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا لِمَا لَهُ مِنْ الْخِيَارِ (وَإِنْ وَطِئَهَا لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا) ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ بِحُكْمِ النِّكَاحِ (إلَّا إذَا كَانَتْ بِكْرًا) ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ يُنْقِصُهَا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَقَالَا: يَفْسُدُ النِّكَاحُ) ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا (وَإِنْ وَطِئَهَا لَمْ يَرُدَّهَا) ؛ لِأَنَّ وَطْأَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَيَمْتَنِعُ الرَّدُّ وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا؛ وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَخَوَاتٌ كُلُّهَا تَبْتَنِي عَلَى وُقُوعِ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَعَدَمِهِ: مِنْهَا عِتْقُ الْمُشْتَرَى عَلَى الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ قَرِيبًا لَهُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَمِنْهَا: عِتْقُهُ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي حَلَفَ إنْ مَلَكْت عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَخْرُجُ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَدْخُلُ، فَعَلَى هَذَا إذَا اشْتَرَى امْرَأَتَهُ (عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يُفْسَخُ النِّكَاحُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا، وَإِنْ وَطِئَهَا لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا لِأَنَّ الْوَطْءَ لَمْ يَكُنْ بِمِلْكِ الْيَمِينِ حَتَّى يَسْقُطَ الْخِيَارُ، إلَّا إذَا كَانَتْ بِكْرًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا لِأَنَّ الْوَطْءَ يَنْقُصُهَا، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ (وَإِنْ وَطِئَهَا لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا) مَعْنَاهُ: إذَا لَمْ يَنْقُصْهَا الْوَطْءُ، فَأَمَّا إذَا نَقَصَهَا فَلَا يَرُدَّهَا وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا. إلَيْهِ أُشِيرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. وَعِنْدَهُمَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ وَإِنْ وَطِئَهَا لَمْ يَرُدَّهَا وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا لِأَنَّهُ مَلَكَهَا وَوَطِئَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ. وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُ فِي كَوْنِهَا مُتَرَتِّبَةً عَلَى الْأَصْلِ الْمُتَقَدِّمِ مِنْهَا عِتْقُ الْمُشْتَرَى عَلَى الْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ إذَا كَانَ قَرِيبًا لِلْمُشْتَرِي لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا. وَمِنْهَا مَا إذَا قَالَ إنْ مَلَكْت عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى بِالْخِيَارِ لَا يَعْتِقُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا،

بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: إنْ اشْتَرَيْت فَهُوَ حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْمُنْشِئِ لِلْعِتْقِ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَيَسْقُطُ الْخِيَارُ، وَمِنْهَا أَنَّ حَيْضَ الْمُشْتَرَاةِ فِي الْمُدَّةِ لَا يُجْتَزَأُ بِهِ عَنْ الِاسْتِبْرَاءِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يُجْتَزَأُ؛ وَلَوْ رُدَّتْ بِحُكْمِ الْخِيَارِ إلَى الْبَائِعِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ إذَا رُدَّتْ بَعْدَ الْقَبْضِ. وَمِنْهَا إذَا وَلَدَتْ الْمُشْتَرَاةُ فِي الْمُدَّةِ بِالنِّكَاحِ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا،. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ اشْتَرَيْت، لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْمُنْشِئِ لِلْعِتْقِ بَعْدَ الشِّرَاءِ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُرْسَلِ عِنْدَهُ، وَلَوْ أَنْشَأَ الْعِتْقَ بَعْدَ شِرَائِهِ بِالْخِيَارِ عَتَقَ وَسَقَطَ الْخِيَارُ كَذَا هَذَا. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ كَالْمُنْشِئِ وَجَبَ أَنْ يَنُوبَ عَنْ الْكَفَّارَةِ إذَا اشْتَرَى الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بِعِتْقِهِ نَاوِيًا عَنْ الْكَفَّارَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ جُعِلَ كَالْمُنْشِئِ تَصْحِيحًا لِقَوْلِهِ فَهُوَ حُرٌّ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْوُقُوعِ عَنْ الْكَفَّارَةِ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِهِ الْحُرِّيَّةَ وَقْتَ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ كَالْمُدَبَّرِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَفِيهِ يَعْمَلُ الْإِنْشَاءُ لِلْعِتْقِ لَا عَنْ الْكَفَّارَةِ كَذَلِكَ هَذَا. وَمِنْهَا أَنَّ الْمُشْتَرَاةَ إذَا حَاضَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ حَيْضَةً أَوْ بَعْضَهَا فَاخْتَارَهَا لَا يَجْتَزِئُ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَلَوْ رَدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ عِنْدَهُ سَوَاءٌ كَانَ الرَّدُّ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا إذَا كَانَ الرَّدُّ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ الِاسْتِبْرَاءُ اسْتِحْسَانًا. وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ لِتَجَدُّدِ الْمِلْكِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ عَلَى الْبَائِعِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا، وَأَجْمَعُوا فِي الْبَيْعِ الْبَاتِّ يُفْسَخُ بِإِقَالَةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ وَاجِبٌ عَلَى الْبَائِعِ إذَا كَانَ الْفَسْخُ قَبْلَ الْقَبْضِ قِيَاسًا وَبَعْدَهُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا. وَمِنْهَا إذَا وُلِدَتْ الْمُشْتَرَاةُ فِي الْمُدَّةِ بِالنِّكَاحِ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ عِنْدَهُ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: لَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ تَأْوِيلَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ اشْتَرَى مَنْكُوحَتَهُ وَوَلَدَتْ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي بِشَرْطِ الْخِيَارِ، أَوْ يَكُونَ اشْتَرَى الْأَمَةَ الَّتِي كَانَتْ مَنْكُوحَتَهُ وَوَلَدَتْ مِنْهُ وَلَدًا قَبْلَ الشِّرَاءِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَعَلَى هَذَا كَانَ قَوْلُهُ فِي الْمُدَّةِ ظَرْفًا لِقَوْلِهِ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لَا ظَرْفَ الْوِلَادَةِ. وَتَقْرِيرُ كَلَامِهِ: إذَا وَلَدَتْ الْمُشْتَرَاةُ بِالنِّكَاحِ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَفِيهِ تَعْقِيدٌ لَفْظِيٌّ كَمَا تَرَى. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَإِنَّمَا احْتَجْنَا إلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ. لِأَنَّا لَوْ أَجْرَيْنَا عَلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ وَقُلْنَا إنَّهُ إذَا اشْتَرَى مَنْكُوحَتَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَقَبَضَهَا ثُمَّ وَلَدَتْ فِي مُدَّةِ

وَمِنْهَا إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ ثُمَّ أَوْدَعَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ فِي الْمُدَّةِ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ لِارْتِفَاعِ الْقَبْضِ بِالرَّدِّ لِعَدَمِ الْمِلْكِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي لِصِحَّةِ الْإِيدَاعِ بِاعْتِبَارِ قِيَامِ الْمِلْكِ. وَمِنْهَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ فَأَبْرَأَهُ الْبَائِعُ مِنْ الثَّمَنِ فِي الْمُدَّةِ بَقِيَ عَلَى خِيَارِهِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ امْتِنَاعٌ عَنْ التَّمَلُّكِ وَالْمَأْذُونُ لَهُ يَلِيهِ، وَعِنْدَهُمَا بَطَلَ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَهُ كَانَ الرَّدُّ مِنْهُ تَمْلِيكًا بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخِيَارِ يَلْزَمُ الْبَيْعُ بِالِاتِّفَاقِ وَيَبْطُلُ خِيَارُ الشَّرْطِ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ عَيْبٌ فَلَا يُمْكِنُ رَدُّهَا بَعْدَمَا تَعَيَّنَتْ الْجَارِيَةُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِشَرْطِ الْخِيَارِ. وَمِنْهَا إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ ثُمَّ أَوْدَعَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ فَهَلَكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ أَوْ بَعْدَهَا هَلَكَ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ الْقَبْضَ قَدْ ارْتَفَعَ بِالرَّدِّ إذْ الْوَدِيعَةُ لَمْ تَصِحَّ لِعَدَمِ مِلْكِ الْمُودَعِ، وَإِذَا ارْتَفَعَ الْقَبْضُ كَانَ هَلَاكُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَأَنَّهُ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ، وَعِنْدَهُمَا لَمَّا مَلَكَهُ الْمُشْتَرِي صَحَّتْ الْوَدِيعَةُ وَصَارَ هَلَاكُهُ فِي يَدِ الْمُودَعِ كَهَلَاكِهِ فِي يَدِهِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ فَأَبْرَأَهُ الْبَائِعُ عَنْ الثَّمَنِ فِي الْمُدَّةِ بَقِيَ خِيَارُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْلِكْهُ كَانَ الرَّدُّ امْتِنَاعًا مِنْهُ عَنْ التَّمَلُّكِ وَلِلْمَأْذُونِ لَهُ وِلَايَةُ ذَلِكَ، وَعِنْدَهُمَا بَطَلَ خِيَارُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَهُ كَانَ الرَّدُّ مِنْهُ تَمْلِيكًا بِغَيْرِ عِوَضٍ وَالْمَأْذُونُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ. فَإِنْ قُلْت: إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَالثَّمَنُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فَمَا وَجْهُ إبْرَاءِ الْبَائِعِ عَنْ الثَّمَنِ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهُ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْقِيَاسَ يَنْفِي صِحَّةَ هَذَا الْإِبْرَاءِ، وَجَوَازُهُ اسْتِحْسَانٌ لِحُصُولِهِ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ الْمِلْكِ وَهُوَ الْعَقْدُ. وَمِنْهَا إذَا اشْتَرَى ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا بِالْخِيَارِ ثُمَّ أَسْلَمَ بَطَلَ الْخِيَارُ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ بَطَلَ الْخِيَارُ وَالْبَيْعُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ؛ وَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَأَسْلَمَ يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِالْإِجْمَاعِ؛ وَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَأَسْلَمَ الْبَائِعُ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْعَقْدَ مِنْ جَانِبِهِ بَاتٌّ، فَإِنْ اخْتَارَهُ الْمُشْتَرِي صَارَ لَهُ،

وَمِنْهَا إذَا اشْتَرَى ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثُمَّ أَسْلَمَ بَطَلَ الْخِيَارُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا فَلَا يَمْلِكُ رَدَّهَا وَهُوَ مُسْلِمٌ. وَعِنْدَهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا فَلَا يَتَمَلَّكُهَا بِإِسْقَاطِ الْخِيَارِ بَعْدَهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ. قَالَ (وَمَنْ شُرِطَ لَهُ الْخِيَارُ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ فِي الْمُدَّةِ وَلَهُ أَنْ يُجِيزَ، فَإِنْ أَجَازَهُ بِغَيْرِ حَضْرَةِ صَاحِبِهَا جَازَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ رُدَّ صَارَ الْخَمْرُ لِلْبَائِعِ وَالْمُسْلِمُ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَتَمَلَّكَ الْخَمْرَ حُكْمًا. قَالَ (وَمَنْ شُرِطَ لَهُ الْخِيَارُ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ فِي الْمُدَّةِ) هَذَا الْعُمُومُ يَتَنَاوَلُ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ وَالْأَجْنَبِيَّ، لِأَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ يَصِحُّ مِنْهُمْ جَمِيعًا، فَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَالْإِجَازَةُ تَحْصُلُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: بِأَنْ يَقُولَ أَجَزْت وَبِمَوْتِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لِأَنَّهُ لَا يُورَثُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فَيَكُونُ الْعَقْدُ بِهِ نَافِذًا، وَبِأَنْ تَمْضِيَ مُدَّةُ الْخِيَارِ مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ وَإِذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَبِذَلِكَ، وَبِأَنْ يَصِيرَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي إلَى حَالٍ لَا يَمْلِكُ فَسْخَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ كَهَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَانْتِقَاصِهِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا الْفَسْخُ فَقَدْ يَكُونُ حَقِيقَةً وَقَدْ يَكُونُ حُكْمًا. وَالثَّانِي هُوَ مَا يَكُونُ بِالْفِعْلِ كَأَنْ يَتَصَرَّفَ الْبَائِعُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ، كَمَا إذَا أَعْتَقَ الْمَبِيعَ أَوْ بَاعَهُ أَوْ كَانَتْ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ عَيْنًا فَتَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي فِيهِ تَصَرُّفُ الْمُلَّاكِ فِيمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ حُضُورُ الْآخَرِ وَعَدَمُهُ لِأَنَّهُ فَسْخٌ حُكْمِيٌّ، وَالشَّيْءُ قَدْ يَثْبُتُ حُكْمًا وَإِنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ يَبْطُلُ قَصْدًا. وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ مَا يَكُونُ بِالْقَوْلِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي فَسَخْتُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الْآخَرِ أَيْ بِعِلْمِهِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ مُسَلَّطٌ

وَإِنْ فَسَخَ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ حَاضِرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجُوزُ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالشَّرْطُ هُوَ الْعِلْمُ، وَإِنَّمَا كَنَّى بِالْحَضْرَةِ عَنْهُ. لَهُ أَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَى الْفَسْخِ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ فَلَا يُتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ كَالْإِجَازَةِ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ وَصَارَ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ الْغَيْرِ وَهُوَ الْعَقْدُ بِالرَّفْعِ، وَلَا يَعْرَى عَنْ الْمَضَرَّةِ؛ لِأَنَّهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى فَسْخِ الْعَقْدِ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ، وَكُلُّ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ لَا يَتَوَقَّفُ فِعْلُهُ عَلَى عِلْمِ صَاحِبِهِ كَالْإِجَازَةِ، وَهُوَ قِيَاسٌ مِنْهُ لِأَحَدِ شَطْرَيْ الْعَقْدِ عَلَى الْآخَرِ، وَوَضَحَ ذَلِكَ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الرِّضَا، وَجُعِلَ ذَلِكَ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا وُكِّلَ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ غَائِبًا لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ مِنْ جِهَتِهِ (وَلَهُمَا أَنَّ الْفَسْخَ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ الْغَيْرِ وَهُوَ الْعَقْدُ بِالرَّفْعِ وَ) هُوَ (لَا يَعْرَى عَنْ الْمَضَرَّةِ) أَمَّا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَالْمُشْتَرِي عَسَاهُ يَعْتَمِدُ تَمَامَ الْبَيْعِ السَّابِقِ فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ فَيَلْزَمُهُ غَرَامَةُ الْقِيمَةِ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ وَقَدْ تَكُونُ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ وَلَا خَفَاءَ فِي كَوْنِهِ ضَرَرًا. وَأَمَّا إذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَالْبَائِعُ عَسَى يَعْتَمِدُ تَمَامَهُ فَلَا يَطْلُبُ لِسِلْعَتِهِ مُشْتَرِيًا، وَقَدْ تَكُونُ الْمُدَّةُ أَيَّامَ رَوَاجِ بَيْعِ الْمَبِيعِ وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ لَا يَخْفَى، وَالتَّصَرُّفُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى ضَرَرٍ فِي حَقِّ الْغَيْرِ يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ لَا مَحَالَةَ كَمَا فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ. وَالْقِيَاسُ عَلَى شَطْرِ الْآخَرِ فَاسِدٌ

عَسَاهُ يَعْتَمِدُ تَمَامَ الْبَيْعِ السَّابِقِ فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ فَتَلْزَمُهُ غَرَامَةُ الْقِيمَةِ بِالْهَلَاكِ فِيمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ، أَوْ لَا يَطْلُبُ لِسِلْعَتِهِ مُشْتَرِيًا فِيمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي، وَهَذَا نَوْعُ ضَرَرٍ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ وَصَارَ كَعَزْلِ الْوَكِيلِ، بِخِلَافِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِقِيَامِ الْفَارِقِ وَهُوَ الْإِلْزَامُ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مُسَلَّطٌ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ عَلَى الْفَسْخِ لِأَنَّ التَّسْلِيطَ عَلَى الْفَسْخِ مِمَّنْ لَا يَمْلِكُهُ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَلَا مَشْرُوعٍ كَالتَّمْلِيكِ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ، وَعَدَمُ اشْتِرَاطِ الرِّضَا لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ لِأَنَّ مَبْنَى الْإِلْزَامِ عَلَى الْعِلْمِ لَا عَلَى الرِّضَا، وَكَوْنُهُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْبِيَاعَاتِ لِأَنَّهُ لَا إلْزَامَ فِيهَا، وَعُورِضَ بِأَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ إلْزَامِ الضَّرَرِ وَإِنْ دَلَّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ وَلَكِنْ عِنْدَنَا مَا يَنْفِيهِ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْفَرِدْ بِالْفَسْخِ لَرُبَّمَا اخْتَفَى مَنْ لَيْسَ لَهُ الْخِيَارُ إلَى مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَيَلْزَمُ الْبَيْعُ، وَفِيهِ مِنْ الضَّرَرِ مَا لَا يَخْفَى. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ ضَرَرٌ مَرْضِيٌّ بِهِ مِنْهُ حَيْثُ تَرَكَ الِاسْتِيثَاقَ بِأَخْذِ الْكَفِيلِ مَخَافَةَ الْغَيْبَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَدَارَ دَلِيلِهِمَا إلْزَامُ ضَرَرٍ زَائِدٍ غَيْرِ مَرْضِيٍّ بِهِ، فَإِذَا فَاتَ الْمَجْمُوعُ أَوْ بَعْضُهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لَا يَكُونُ نَقْضًا، فَلَا يُرَدُّ مَا قِيلَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ يَلْزَمُ مِنْهَا فِي حَقِّ غَيْرِ الْفَاعِلِ إلْزَامٌ، وَهُوَ مُسَوِّغٌ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْإِسْقَاطَاتِ، وَمَا هُوَ كَذَلِكَ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْإِلْزَامِ كَإِسْقَاطِ الْحِمْلِ عَنْ الدَّابَّةِ، وَلَا مَا قِيلَ الزَّوْجُ يَنْفَرِدُ بِالرَّجْعَةِ وَحُكْمُهَا يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إلْزَامٌ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يَرْفَعُ

الْإِجَازَةِ لِأَنَّهُ لَا إلْزَامَ فِيهِ، وَلَا نَقُولُ إنَّهُ مُسَلَّطٌ، وَكَيْفَ يُقَالُ ذَلِكَ وَصَاحِبُهُ لَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ وَلَا تَسْلِيطَ فِي غَيْرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالنِّكَاحَ حَتَّى تَكُونَ الرَّجْعَةُ إلْزَامَ أَمْرٍ جَدِيدٍ، سَلَّمْنَاهُ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ إلْزَامُ ضَرَرٍ لِأَنَّ النِّكَاحَ مِنْ عَوَالِي النِّعَمِ فَاسْتِدَامَتُهُ بِالرَّجْعَةِ لَا تَكُونُ ضَرَرًا وَلَا مَا قِيلَ اخْتِيَارُ الْمُخَيَّرَةِ يَنْفُذُ عَلَى زَوْجِهَا وَفِيهِ إلْزَامُ حُكْمِ الِاخْتِيَارِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ لِعَدَمِ الْإِلْزَامِ بَلْ لِذَلِكَ بِالْتِزَامِهِ أَوْ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ، فَإِنَّ الْإِيجَابَ فِيهِ حَصَلَ مِنْهُ، وَلَوْ رَأَى ضَرَرًا مَا أَقْدَمَ عَلَيْهِ أَوْ لِأَنَّهُ غَيْرُ زَائِدٍ عَلَى مُوجِبِ التَّخْيِيرِ وَلَا مَا قِيلَ اخْتِيَارُ الْأَمَةِ الْمُعْتَقَةِ الْفُرْقَةَ يَلْزَمُ الزَّوْجَ بِدُونِ عِلْمِهِ وَفِيهِ إلْزَامٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ زَائِدٍ عَلَى مُوجَبِ نِكَاحِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ أَوْ هُوَ مَرْضِيٌّ بِهِ بِالْإِقْدَامِ عَلَى سَبَبِهِ، وَلَا مَا قِيلَ اخْتِيَارُ الْمَالِكِ رَفْعَ عَقْدِ الْفُضُولِيِّ يَلْزَمُ الْعَاقِدَيْنِ بِلَا عِلْمٍ، وَفِيهِ إلْزَامٌ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ امْتِنَاعٌ عَنْ الْعَقْدِ لَا إلْزَامٌ مِنْهُ، وَلَا مَا قِيلَ الطَّلَاقُ يَلْزَمُ الْعِدَّةُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي الْعِدَّةِ أَوْ لِكَوْنِهِ بِإِيجَابِ الشَّرْعِ نَصًّا دُونَ الطَّلَاقِ، بِخِلَافِ الضَّرَرِ الْمَذْكُورِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ زَائِدٌ عَلَى مُوجَبِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَهُوَ الرَّدُّ أَوْ الْإِجَازَةُ، وَهُوَ غَيْرُ مَرْضِيٍّ بِهِ مِنْ جَانِبِ الْآخَرِ فَلَا يَلْزَمُهُ

مَا يَمْلِكُهُ الْمُسَلَّطُ، وَلَوْ كَانَ فَسَخَ فِي حَالِ غَيْبَةِ صَاحِبِهِ وَبَلَغَهُ فِي الْمُدَّةِ تَمَّ الْفَسْخُ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِهِ، وَلَوْ بَلَغَهُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ تَمَّ الْعَقْدُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ قَبْلَ الْفَسْخِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا بِعِلْمِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ فُسِخَ فِي حَالِ غَيْبَةِ صَاحِبِهِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْعِلْمُ دُونَ الْحُضُورِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ

قَالَ: (وَإِذَا مَاتَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ بَطَلَ خِيَارُهُ وَلَمْ يَنْتَقِلْ إلَى وَرَثَتِهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُورَثُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَازِمٌ ثَابِتٌ فِي الْبَيْعِ فَيَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَالتَّعْيِينِ. وَلَنَا أَنَّ الْخِيَارَ لَيْسَ إلَّا مَشِيئَةً وَإِرَادَةً وَلَا يُتَصَوَّرُ انْتِقَالُهُ، وَالْإِرْثُ فِيمَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِقَوْلِهِ " كَنَّى " الْكِنَايَةَ الِاصْطِلَاحِيَّةَ لِأَرْبَابِ الْبَلَاغَةِ لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا اسْتَتَرَ بِهِ الْمُرَادُ قَالَ (وَإِذَا مَاتَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ بَطَلَ خِيَارُهُ) إذَا مَاتَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ سَوَاءٌ كَانَ الْبَائِعَ أَوْ الْمُشْتَرِيَ أَوْ غَيْرَهُمَا سَقَطَ الْخِيَارُ وَلَزِمَ الْبَيْعُ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ الْخِيَارُ فَإِنَّهُ بَاقٍ بِالْإِجْمَاعِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا مَاتَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ انْتَقَلَ الْخِيَارُ إلَى وَارِثِهِ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ لَازِمٌ فِي الْبَيْعِ فَيَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَكَخِيَارِ تَعْيِينِ الْمَبِيعِ بِأَنْ اشْتَرَى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ يَأْخُذُ أَيَّهمَا شَاءَ. وَلَنَا أَنَّ الْخِيَارَ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ لِأَنَّهُ لَيْسَ إلَّا مَشِيئَةً وَإِرَادَةً وَهُمَا عَرْضَانِ، وَالْعَرْضُ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ، وَالْإِرْثُ فِيمَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ لِأَنَّهُ خِلَافَةٌ عَنْ الْمُوَرَّثِ بِنَقْلِ الْأَعْيَانِ إلَى الْوَارِثِ، وَهَذَا مَعْقُولٌ لَا مُعَارِضَ لَهُ مِنْ الْمَنْقُولِ فَيَكُونُ مَعْمُولًا بِهِ لَا يُقَالُ: قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَرَكَ مَالًا أَوْ حَقًّا فَلِوَرَثَتِهِ» وَالْخِيَارُ حَقٌّ فَيَكُونُ لِوَرَثَتِهِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ حَقٌّ قَابِلٌ لِلِانْتِقَالِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ «فَلِوَرَثَتِهِ» عَلَى مَا مَرَّ، وَالْخِيَارُ لَيْسَ كَذَلِكَ. قِيلَ: الْمَالِكِيَّةُ صِفَةٌ تَنْتَقِلُ مِنْ الْمَوْرُوثِ إلَيْهِ فِي الْأَعْيَانِ فَهَلَّا يَكُونُ الْخِيَارُ كَذَلِكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُنْتَقِلَ هُوَ الْعَيْنُ وَنَقْلُ الْمَالِكِيَّةِ ضِمْنِيٌّ. قِيلَ: فَلْيَكُنْ خِيَارُ الشَّرْطِ كَذَلِكَ بِأَنْ يَنْتَقِلَ الْمَبِيعُ مِنْ الْمُوَرِّثِ إلَى الْوَارِثِ ثُمَّ الْخِيَارُ يَتْبَعُهُ ضِمْنًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْخِيَارَ لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ الْمَبِيعِ بَلْ الْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَكَمْ مِنْ مَبِيعٍ لَا خِيَارَ فِيهِ، بِخِلَافِ الْمَمْلُوكِ فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ مَالِكِيَّةَ مَالِكٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي الْمَبِيعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَا فِي مُطْلَقِهِ، وَالْخِيَارُ يَلْزَمُهُ، وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: الْغَرَضُ الْأَصْلِيُّ مِنْ نَقْلِ الْأَعْيَانِ مِلْكِيَّتُهَا، وَلَيْسَ الْخِيَارُ فِي الْمَبِيعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ كَذَلِكَ، فَلَا يَلْزَمُهُ مِنْ انْتِقَالِ مَا هُوَ الْغَرَضُ الْأَصْلِيُّ انْتِقَالُ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: الْقِصَاصُ يَنْتَقِلُ مِنْ الْمُوَرَّثِ إلَى الْوَارِثِ بِذَاتِهِ مِنْ غَيْرِ

بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الْمُوَرِّثَ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعِ سَلِيمًا فَكَذَا الْوَارِثُ، فَأَمَّا نَفْسُ الْخِيَارِ لَا يُوَرَّثُ، وَأَمَّا خِيَارُ التَّعْيِينِ يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً لِاخْتِلَاطِ مِلْكِهِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ لَا أَنْ يُوَرَّثَ الْخِيَارُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَبَعِيَّةِ الْعَيْنِ فَلْيَكُنْ الْخِيَارُ كَذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ ثَبَتَ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلتَّشَفِّي، وَهُمَا فِي ذَلِكَ سِيَّانِ، إلَّا أَنَّ الْمُوَرَّثَ مُتَقَدِّمٌ فَإِذَا مَاتَ زَالَ التَّقَدُّمُ وَثَبَتَ لِلْوَارِثِ بِمَا ثَبَتَ لِلْمُوَرَّثِ: أَعْنِي التَّشَفِّيَ، وَالْخِيَارُ يَثْبُتُ بِالْعَقْدِ وَالشَّرْطِ، وَالْوَارِثُ لَيْسَ بِعَاقِدٍ وَلَا شَارِطٍ. لَا يُقَالُ: الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ غَيْرُ لَازِمٍ فَيُورَثُ كَذَلِكَ لَا بِطَرِيقِ النَّقْلِ فَلَا يَنْفِيه مَا ذَكَرْتُمْ لِأَنَّ كَلَامَنَا مَعَ مَنْ يَقُولُ بِالنَّقْلِ، وَمَا ذَكَرْنَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَائِهِ وَلَوْ الْتَزَمَ مُلْتَزِمٌ مَا ذَكَرْتُمْ قُلْنَا: الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ غَيْرُ لَازِمٍ فِي حَقِّ الْعَاقِدِ أَوْ فِي حَقِّ الْوَارِثِ، وَالْأَوَّلُ مُسَلَّمٌ وَلَا كَلَامَ فِيهِ، وَالثَّانِي عَيْنُ النِّزَاعِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ) جَوَابٌ عَمَّا قَاسَ عَلَيْهِ. وَتَقْرِيرُهُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ بِطَرِيقِ النَّقْلِ بَلْ الْمُوَرِّثُ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ سَلِيمًا، فَكَذَا الْوَارِثُ فَكَانَ ذَلِكَ نَقْلًا فِي الْأَعْيَانِ دُونَ الْخِيَارِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ سَبَبَ خِيَارِ الْعَيْبِ اسْتِحْقَاقُ الْمُطَالَبَةِ بِتَسْلِيمِ الْجُزْءِ الْفَائِتِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْجُزْءَ مِنْ الْمَالِ مُسْتَحَقٌّ لِلْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ، فَإِذَا طَالَبَ الْبَائِعُ بِالتَّسْلِيمِ وَعَجَزَ عَنْ التَّسْلِيمِ فُسِخَ الْعَقْدُ لِأَجْلِهِ، وَقَدْ وُجِدَ هَذَا الْمَعْنَى فِي حَقِّ الْوَارِثِ لِأَنَّهُ يَخْلُفُ الْمُشْتَرِيَ فِي مِلْكِ ذَلِكَ الْجُزْءِ، بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ

قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِغَيْرِهِ فَأَيُّهُمَا أَجَازَ الْخِيَارَ وَأَيُّهُمَا نَقَضَ انْتَقَضَ) وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ لِغَيْرِهِ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ مِنْ مَوَاجِبِ الْعَقْدِ وَأَحْكَامِهِ، فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ لِغَيْرِهِ كَاشْتِرَاطِ الثَّمَنِ عَلَى غَيْرِ الْمُشْتَرِي. . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ السَّبَبَ وَهُوَ الشَّرْطُ لَا يُوجَدُ فِي حَقِّ الْوَارِثِ، وَكَذَا خِيَارُ التَّعْيِينِ لَا يَنْتَقِلُ بَلْ الْخِيَارُ سَقَطَ بِالْمَوْتِ، لَكِنَّ الْوَارِثَ وَرِثَ الْمَبِيعَ وَهُوَ مَجْهُولٌ فَثَبَتَ لَهُ خِيَارُ التَّعْيِينِ، وَكَمَنْ اخْتَلَطَ مَالُهُ بِمَالِ رَجُلٍ ثَبَتَ لَهُ خِيَارُ التَّعْيِينِ، وَهَذَا الْخِيَارُ غَيْرُ ذَلِكَ الْخِيَارِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُوَرِّثَ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ قَوْلَهُ وَكَانَ خِيَارُهُ مُؤَقَّتًا، وَالْوَارِثُ لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ وَلَيْسَ خِيَارُهُ بِمُؤَقَّتٍ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِغَيْرِهِ) تَقْرِيرُ كَلَامِهِ: وَمَنْ اشْتَرَى وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِغَيْرِهِ جَازَ حَذْفُهُ لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ فَأَيَّهُمَا أَجَازَ جَازَ: يَعْنِي مِنْ الْمُشْتَرِي وَذَلِكَ الْغَيْرِ عَلَى الْمَحْذُوفِ، وَاشْتِرَاطُ الْخِيَارِ لِلْغَيْرِ لَا يَجُوزُ فِي الْقِيَاسِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، لِأَنَّ الْخِيَارَ إذَا شُرِطَ فِي الْعَقْدِ صَارَ حَقًّا مِنْ حُقُوقِهِ وَاجِبًا مِنْ وَاجِبَاتِهِ بِمُقْتَضَى الشَّرْطِ الْمُسَوِّغِ شَرْعًا، وَمَا كَانَ مِنْ مَوَاجِبِ الْعَقْدِ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَى غَيْرِ الْعَاقِدِ كَاشْتِرَاطِ الثَّمَنِ عَلَى غَيْرِ الْمُشْتَرِي أَوْ اشْتِرَاطِ تَسْلِيمِهِ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ اشْتِرَاطِ الْمِلْكِ لِغَيْرِهِ، لَكِنَّ الْعُلَمَاءَ الثَّلَاثَةَ اسْتَحْسَنُوا جَوَازَهُ لِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ تَدْعُو إلَى اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ لِلْأَجْنَبِيِّ لِكَوْنِهِ أَعْرَفَ بِالْمَبِيعِ أَوْ بِالْعَقْدِ فَصَارَ كَالِاحْتِيَاجِ إلَى نَفْسِ الْخِيَارِ. وَطَرِيقُ ذَلِكَ أَنْ يَثْبُتَ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْ الْعَاقِدِ اقْتِضَاءً، إذْ لَا وَجْهَ لِإِثْبَاتِهِ لِلْغَيْرِ أَصَالَةً فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ شَرَطَهُ لِنَفْسِهِ وَجُعِلَ الْأَجْنَبِيُّ نَائِبًا عَنْهُ فِي التَّصَرُّفِ تَصْحِيحًا لَهُ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ شَرْطَ الِاقْتِضَاءِ أَنْ يَكُونَ الْمُقْتَضِي أَدْنَى مَنْزِلَةً مِنْ الْمُقْتَضَى، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِعَبْدٍ لَهُ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ كَفِّرْ عَنْ يَمِينِك بِالْمَالِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ تَحْرِيرًا اقْتِضَاءً لِأَنَّ

وَلَنَا أَنَّ الْخِيَارَ لِغَيْرِ الْعَاقِدِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْ الْعَاقِدِ فَيُقَدَّرُ الْخِيَارُ لَهُ اقْتِضَاءً ثُمَّ يُجْعَلُ هُوَ نَائِبًا عَنْهُ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ، فَأَيُّهُمَا أَجَازَ جَازَ، وَأَيُّهُمَا نَقَضَ انْتَقَضَ (وَلَوْ أَجَازَ أَحَدُهُمَا وَفَسَخَ الْآخَرُ يُعْتَبَرُ السَّابِقُ) لِوُجُودِهِ فِي زَمَانٍ لَا يُزَاحِمُهُ فِيهِ غَيْرُهُ، وَلَوْ خَرَجَ الْكَلَامَانِ مِنْهُمَا مَعًا يُعْتَبَرُ تَصَرُّفُ الْعَاقِدِ فِي رِوَايَةٍ وَتَصَرُّفُ الْفَاسِخِ فِي أُخْرَى. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ تَصَرُّفَ الْعَاقِدِ أَقْوَى؛ لِأَنَّ النَّائِبَ يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّحْرِيرَ أَقْوَى مِنْ تَصَرُّفِ التَّكْفِيرِ لِكَوْنِهِ أَصْلًا فَلَا يَثْبُتُ تَبَعًا لِفَرْعِهِ، وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْعَاقِدَ أَعْلَى مَرْتَبَةً فَكَيْفَ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لَهُ اقْتِضَاءً. وَالثَّانِي أَنَّ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ لِلْغَيْرِ لَوْ جَازَ اقْتِضَاءً تَصْحِيحًا لَجَازَ اشْتِرَاطُ وُجُوبِ الثَّمَنِ عَلَى الْغَيْرِ بِطَرِيقِ الْكَفَالَةِ بِأَنْ يَجِبَ الثَّمَنُ عَلَى الْعَاقِدِ أَوَّلًا ثُمَّ عَلَى الْغَيْرِ كَفَالَةً عَنْهُ كَذَلِكَ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْمَقَاصِدِ، وَالْغَيْرُ هُوَ الْمَقْصُودُ بِاشْتِرَاطِ الْخِيَارِ فَكَانَ هُوَ الْأَصْلَ نَظَرًا إلَى الْخِيَارِ وَالْعَاقِدُ أَصْلٌ مِنْ حَيْثُ التَّمَلُّكُ لَا مِنْ حَيْثُ الْخِيَارُ فَلَا يَلْزَمُ ثُبُوتُ الْأَصْلِ بِتَبَعِيَّةِ فَرْعِهِ. وَأَمَّا التَّحْرِيرُ فَإِنَّهُ الْأَصْلُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ الْمَالِيَّةِ فَلَا يَثْبُتُ تَبَعًا لِفَرْعِهِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ فِي الصَّحِيحِ بَلْ هِيَ الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ، وَالْمَذْكُورُ هَاهُنَا هُوَ الثَّمَنُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَثُبُوتُ الْمُقْتَضِي لِتَصْحِيحِ الْمُقْتَضَى، وَلَوْ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ كَانَ مُبْطِلًا لِلْمُقْتَضَى وَعَادَ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ. فَإِنْ قِيلَ: فَلْيَكُنْ بِطَرِيقِ الْحَوَالَةِ فَإِنَّ الْحَوَالَةَ فِيهَا الْمُطَالَبَةُ بِالدَّيْنِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَصْلٌ فِي وُجُوبِ الثَّمَنِ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَابِعًا لِفَرْعِهِ وَهُوَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ (وَإِذَا ثَبَتَ الْخِيَارُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَأَيَّهُمَا أَجَازَ جَازَ وَأَيَّهُمَا نَقَضَ انْتَقَضَ) وَلَوْ اخْتَلَفَ فِعْلُهُمَا فِي الْإِجَازَةِ وَالنَّقْضِ اُعْتُبِرَ السَّابِقُ لِعَدَمِ مَا يُزَاحِمُهُ (وَلَوْ خَرَجَ الْكَلَامَانِ مَعًا اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ) فَفِي رِوَايَةِ بُيُوعِ الْمَبْسُوطِ (يُعْتَبَرُ تَصَرُّفُ الْعَاقِدِ) فَسْخًا كَانَ أَوْ إجَازَةً (وَ) فِي رِوَايَةِ مَا دُونَ الْمَبْسُوطِ يُعْتَبَرُ (تَصَرُّفُ الْفَسْخِ) سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْعَاقِدِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ (وَجْهُ) الْقَوْلِ (الْأَوَّلِ أَنَّ تَصَرُّفَ الْعَاقِدِ أَقْوَى)

وَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْفَسْخَ أَقْوَى؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ وَالْمَفْسُوخُ لَا تَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ، وَلَمَّا مَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّصَرُّفَ رَجَّحْنَا بِحَالِ التَّصَرُّفِ. وَقِيلَ الْأَوَّلُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالثَّانِي قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَاسْتِخْرَاجُ ذَلِكَ مِمَّا إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ مِنْ رَجُلٍ وَالْمُوَكِّلُ مِنْ غَيْرِهِ مَعًا؛ فَمُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُوَكِّلِ، وَأَبُو يُوسُفَ يَعْتَبِرُهُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْأَقْوَى: يُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ، وَفِقْهُ ذَلِكَ أَنَّ تَصَرُّفَ النَّائِبِ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ عِنْدَ انْتِفَاءِ تَصَرُّفِ الْمَنُوبِ، وَأَمَّا عِنْدَ وُجُودِهِ فَلَا احْتِيَاجَ إلَيْهِ. وَاسْتَشْكَلَ بِمَا إذَا وَكَّلَ رَجُلًا آخَرَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ لِلسُّنَّةِ فَطَلَّقَهَا الْوَكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ مَعًا فَإِنَّ الْوَاقِعَ طَلَاقُ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّرْجِيحَ يُحْتَاجُ إلَيْهِ عِنْدَ تَنَافِي الْفِعْلَيْنِ كَالْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ، وَأَمَّا إذَا اتَّحَدَا فَالْمَطْلُوبُ حَاصِلٌ بِدُونِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ. (وَوَجْهُ) الْقَوْلِ (الثَّانِي أَنَّ الْفَسْخَ أَوْلَى لِأَنَّ الْمَجَازَ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ) كَمَا لَوْ أَجَازَ وَالْمَبِيعُ هَلَكَ عِنْدَ الْبَائِعِ (وَالْمَفْسُوخُ لَا تَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ) فَإِنَّ الْعَقْدَ إذَا انْفَسَخَ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ عِنْدَ الْبَائِعِ لَا تَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ، وَلَا خَفَاءَ فِي قُوَّةِ مَا يَطْرَأُ عَلَى غَيْرِهِ فَيُزِيلُهُ عَلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَنُوقِضَ بِمَا إذَا لَاقَى مَنْ لَهُ الْخِيَارُ غَيْرَهُ فَتَنَاقَضَا الْمَبِيعَ ثُمَّ هَلَكَ الْمَبِيعُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ قَبْضِ الْبَائِعِ بِحُكْمِ الْإِقَالَةِ فَإِنَّ عَلَى الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ، وَالْقِيمَةَ إنْ كَانَ لِلْبَائِعِ فَكَانَ ذَلِكَ فَسْخًا لِلْفَسْخِ وَهُوَ إجَازَةٌ لِلْمَفْسُوخِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أَنَّ الْإِجَازَةَ لَا تَلْحَقُ الْمَفْسُوخَ وَمَا ذَكَرْتُمْ فَسْخٌ لَا إجَازَةٌ (وَقِيلَ الْأَوَّلُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَالثَّانِي قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ) فِي الْمَبْسُوطِ. قِيلَ وَالثَّانِي أَصَحُّ، وَلَعَلَّ قَوْلَهُ وَلَمَّا مَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّصَرُّفَ رَجَّحْنَا بِحَالِ التَّصَرُّفِ إشَارَةً إلَى ذَلِكَ: يَعْنِي لَمَّا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَصْلًا فِي التَّصَرُّفِ مِنْ وَجْهٍ: الْعَاقِدُ مِنْ حَيْثُ التَّمَلُّكُ وَالْأَجْنَبِيُّ مِنْ حَيْثُ شَرْطُ الْخِيَارِ لَهُ لَمْ يَتَرَجَّحْ الْأَمْرُ مِنْ حَيْثُ التَّصَرُّفُ فَرَجَّحْنَا مِنْ حَيْثُ حَالُ التَّصَرُّفِ. لَا يُقَالُ: الْفَسْخُ وَالْإِجَازَةُ مِنْ تَوَابِعِ الْخِيَارِ فَكَانَ الْقِيَاسُ تَرْجِيحَ تَصَرُّفِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّ جِهَةَ تَمَلُّكِ الْعَقْدِ عَارَضَتْهُ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَاسْتُخْرِجَ ذَلِكَ) يَعْنِي أَنَّ الْمَنْسُوبَ إلَيْهِمَا لَيْسَ بِمَنْقُولٍ عَنْهُمَا (وَ) إنَّمَا (اُسْتُخْرِجَ بِمَا إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ مِنْ أَحَدٍ وَالْمُوَكِّلُ مِنْ غَيْرِهِ مَعًا، فَمُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُوَكِّلِ، وَأَبُو يُوسُفَ يَعْتَبِرُ تَصَرُّفَهُمَا) وَيُجْعَلُ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا بِالنِّصْفِ وَيُخَيَّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ، إنْ شَاءَ أَخَذَ النِّصْفَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ. وَوَجْهُ الِاسْتِخْرَاجِ أَنَّ تَصَرُّفَ الْفَاسِخِ أَقْوَى عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَمْ يُرَجِّحْ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ كَمَا رَجَّحَهُ مُحَمَّدٌ، فَلَمَّا لَمْ يُرَجِّحْ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ ظَهَرَ أَثَرُ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْمُوَكِّلِ

قَالَ (وَمَنْ بَاعَ عَبْدَيْنِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ، وَإِنْ بَاعَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ جَازَ الْبَيْعُ) وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنْ لَا يُفَصِّلَ الثَّمَنَ وَلَا يُعَيِّنَ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ وَهُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فِي الْكِتَابِ وَفَسَادُهُ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ كَالْخَارِجِ عَنْ الْعَقْدِ، إذْ الْعَقْدُ مَعَ الْخِيَارِ لَا يَنْعَقِدُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ فَبَقِيَ الدَّاخِلُ فِيهِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يُفَصِّلَ الثَّمَنَ وَيُعَيِّنَ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ ثَانِيًا فِي الْكِتَابِ، وَإِنَّمَا جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَعْلُومٌ وَالثَّمَنَ مَعْلُومٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْوَكِيلِ يَكُونُ الْعَبْدُ بَيْنَ الْمُشْتَرِيَيْنِ بِالنِّصْفِ، فَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ الرُّجْحَانُ هُنَاكَ لِتَصَرُّفِ الْمَالِكِ لِمَالِكِيَّتِهِ وَالرُّجْحَانُ ثَابِتٌ هُنَا لِتَصَرُّفِ الْفَسْخِ فِي نَفْسِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ وَارِدٌ عَلَى الْإِجَازَةِ لَا عَلَى الْعَكْسِ رَجَّحْنَا بِحَالِ التَّصَرُّفِ وَهُوَ تَصَرُّفُ الْفَسْخِ لِأَنَّهُ لَا مُعَارِضَ لِهَذَا الرُّجْحَانِ بَعْدَ مُسَاوَاةِ تَصَرُّفِ الْمَالِكِ مَعَ تَصَرُّفِ غَيْرِ الْمَالِكِ فَقُلْنَا بِهِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ. وَهُوَ كَلَامٌ لَا وُضُوحَ فِيهِ لِأَنَّ عَدَمَ رُجْحَانِ تَصَرُّفِ الْمَالِكِ لِمَالِكِيَّتِهِ هُنَاكَ لَا يَسْتَلْزِمُ رُجْحَانَ الْفَسْخِ هُنَا وَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، نَعَمْ هُوَ يَدُلُّ عَلَى تَرْجِيحِ الْفَسْخِ عَلَى الْإِجَازَةِ لَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِخْرَاجِ، وَلَعَلَّ الْأَوْضَحَ فِي وَجْهِ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: الْوَكِيلُ مِنْ الْمُوَكِّلِ هُنَاكَ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ مِنْ الْعَاقِدِ هَاهُنَا فِي كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْ غَيْرِهِ فَيَتَرَجَّحُ تَصَرُّفُ الْعَاقِدِ مِنْ مُحَمَّدٍ كَتَرْجِيحِ تَصَرُّفِ الْمُوَكِّلِ مِنْهُ وَتُرِكَ تَرْجِيحُ تَصَرُّفِ الْمَالِكِ مِنْ أَبِي يُوسُفَ، وَاعْتِبَارُهُمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُنْظَرُ إلَى أَحْوَالِ الْمُتَصَرِّفِينَ لِتَسَاوِيهِمَا فِيهِ فَبَقِيَ النَّظَرُ فِي حَالِ التَّصَرُّفِ نَفْسِهِ، وَالْفَسْخُ أَقْوَى لِمَا ذَكَرْنَا. قَالَ (وَمَنْ بَاعَ عَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ لِأَنَّ فِيهَا تَفْصِيلَ الثَّمَنِ وَتَعْيِينَ مَنْ فِيهِ الْخِيَارُ فَإِمَّا أَنْ لَا يَحْصُلَا أَوْ حَصَلَا جَمِيعًا، أَوْ حَصَلَ التَّفْصِيلُ دُونَ التَّعْيِينِ، أَوْ الْعَكْسُ مِنْ ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ بِأَنْ بَاعَ عَبْدَيْنِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَسَدَ الْبَيْعُ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ وَجَهَالَةُ أَحَدِهِمَا مُفْسِدَةٌ فَجَهَالَتُهُمَا أَوْلَى، وَذَلِكَ لِأَنَّ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ كَالْخَارِجِ عَنْ الْعَقْدِ إذْ الْعَقْدُ مَعَ الْخِيَارِ لَا يَنْعَقِدُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ فَكَانَ الدَّاخِلُ فِي الْعَقْدِ أَحَدَهُمَا وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَمَا هُوَ كَذَلِكَ فَثَمَنُهُ مِثْلُهُ. وَإِنْ كَانَ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا

وَقَبُولُ الْعَقْدِ فِي الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ وَإِنْ كَانَ شَرْطًا لِانْعِقَادِ الْعَقْدِ فِي الْآخَرِ وَلَكِنَّ هَذَا غَيْرُ مُكْسِدٍ لِلْعَقْدِ لِكَوْنِهِ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ كَمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ قِنٍّ وَمُدَبَّرٍ. وَالثَّالِثُ أَنْ يُفَصِّلَ وَلَا يُعَيِّنَ. وَالرَّابِعُ أَنْ يُعَيِّنَ وَلَا يُفَصِّلَ، فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ فِي الْوَجْهَيْنِ: إمَّا لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ أَوْ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِخَمْسِمِائَةٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ جَازَ الْبَيْعُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ مَعْلُومٌ، فَإِنْ قِيلَ: الْعَبْدُ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْحُكْمِ وَقَبُولُ الْعَقْدِ فِيهِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ الْآخَرِ وَهُوَ شَرْطٌ مُفْسِدٌ كَقَبُولِ الْحُرِّ فِي عَقْدِ الْقِنِّ إذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْبَيْعِ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلْعَقْدِ لِكَوْنِ مَنْ فِيهِ الْخِيَارُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ فَكَانَ دَاخِلًا فِي الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْحُكْمِ، فَصَارَ كَمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ قِنٍّ وَمُدَبَّرٍ فِي الْبَيْعِ، فَإِنَّ الْمُدَبَّرَ مَحَلٌّ لِلْبَيْعِ فَلَمْ يَكُنْ شَرْطُ قَبُولِ الْعَقْدِ فِيهِ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ فِي الْآخَرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَقِنٍّ فَإِنَّ الْحُرَّ لَيْسَ بِمَحَلِّ الْبَيْعِ أَصْلًا فَلَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِي الْعَقْدِ وَلَا فِي الْحُكْمِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: فِي الْجُمْلَةِ هُوَ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ فَكَانَ مُفْسِدًا. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَفْعٌ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ وَلَا لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ مُفْسِدًا. وَلَهُ لِمَظِنَّةِ فَضْلِ تَأَمُّلٍ مِنْك فَاحْتَطْ. وَإِنْ كَانَ الثَّالِثُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ بِعْتهمَا بِأَلْفٍ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ أَيْضًا لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ، وَإِنْ كَانَ الرَّابِعُ فَلِجَهَالَةِ الثَّمَنِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ عَدَمُ التَّفْصِيلِ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ فِي الْآخَرِ لَفَسَدَ فِي الْقِنِّ إذَا جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَبَّرِ أَوْ أُمِّ الْوَلَدِ وَلَمْ يُفَصِّلْ الثَّمَنَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ عَدَمَ التَّفْصِيلِ مُفْسِدٌ إذَا أَدَّى إلَى الْبَيْعِ بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً فِيمَا إذَا مَنَعَ عَنْ انْعِقَادِ الْعَقْدِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ مَانِعٌ كَشَرْطِ الْخِيَارِ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ الْعَقْدَ فِيمَا شُرِطَ فِيهِ الْخِيَارُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ كَالْمَعْدُومِ، فَلَوْ انْعَقَدَ فِي حَقِّ الْآخَرِ انْعَقَدَ بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً وَهِيَ مَجْهُولَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْقَنِّ وَالْمُدَبَّرِ مَا يَمْنَعُ عَنْ انْعِقَادِهِ

قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهمَا شَاءَ بِعَشْرَةٍ وَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَهُوَ جَائِزٌ، وَكَذَا الثَّلَاثَةُ، فَإِنْ كَانَتْ أَرْبَعَةَ أَثْوَابٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَفْسُدَ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ شَرْعَ الْخِيَارِ لِلْحَاجَةِ إلَى دَفْعِ الْغَبْنِ لِيَخْتَارَ مَا هُوَ الْأَرْفَقُ وَالْأَوْفَقُ، وَالْحَاجَةُ إلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْبَيْعِ مُتَحَقِّقَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى اخْتِيَارِ مَنْ يَثِقُ بِهِ أَوْ اخْتِيَارِ مَنْ يَشْتَرِيهِ لِأَجْلِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي حَقِّ الْحُكْمِ، وَلِهَذَا لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِهِ نَفَذَ فَكَانَ قِسْمَةُ الثَّمَنِ فِي الْبَقَاءِ صِيَانَةً لِحَقٍّ مُحْتَرَمٍ عِنْدَ فَسْخِ الْعَقْدِ عَلَى الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ لَا ابْتِدَاءً بِالْحِصَّةِ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهمَا شَاءَ) وَمَنْ قَالَ اشْتَرَيْت أَحَدَ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ عَلَى أَنَّ لِي أَنْ آخُذَ أَيَّهمَا شِئْت بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا، وَكَذَا الْأَثْوَابُ الثَّلَاثَةُ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْأَثْوَابُ أَرْبَعَةً فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَفْسُدَ الْبَيْعُ فِي الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ فَسَادَهُ فِي الْأَرْبَعَةِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ أَحَدُ الْأَثْوَابِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فَهُوَ مَجْهُولٌ جَهَالَةً مُفْضِيَةً إلَى النِّزَاعِ لِتَفَاوُتِهَا فِي نَفْسِهَا، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مُفْسِدٌ لِلْبَيْعِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ فِيهِ الشَّرْعُ وَهُوَ خِيَارُ الشَّرْطِ فَجَازَ إلْحَاقًا بِهِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ شَرْعَ خِيَارِ الشَّرْطِ لِلْحَاجَةِ إلَى دَفْعِ الْغَبْنِ لِيَخْتَارَ مَا هُوَ الْأَوْفَقُ لَهُ وَالْأَوْفَقُ وَالْحَاجَةُ إلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْبَيْعِ مُتَحَقِّقَةٌ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا (يَحْتَاجُ إلَى اخْتِيَارِ مَنْ يَثِقُ بِهِ) لِخِبْرَتِهِ أَوْ اخْتِيَارِ مَنْ يَشْتَرِيهِ لِأَجْلِهِ

وَلَا يُمَكِّنُهُ الْبَائِعُ مِنْ الْحَمْلِ إلَيْهِ إلَّا بِالْبَيْعِ فَكَانَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ، غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ الْحَاجَةُ تَنْدَفِعُ بِالثَّلَاثِ لِوُجُودِ الْجَيِّدِ وَالْوَسَطِ وَالرَّدِيءِ فِيهَا، وَالْجَهَالَةُ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فِي الثَّلَاثَةِ لِتَعْيِينِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ، وَكَذَا فِي الْأَرْبَعِ، إلَّا أَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهَا غَيْرُ مُتَحَقِّقَةٍ وَالرُّخْصَةُ ثُبُوتُهَا بِالْحَاجَةِ وَكَوْنُ الْجَهَالَةِ غَيْرَ مُفْضِيَةٍ إلَى الْمُنَازَعَةِ فَلَا تَثْبُتُ بِأَحَدِهِمَا. ثُمَّ قِيلَ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي هَذَا الْعَقْدِ خِيَارُ الشَّرْطِ مَعَ خِيَارِ التَّعْيِينِ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. (وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ) ، فَيَكُونُ ذِكْرُهُ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ وِفَاقًا لَا شَرْطًا؛ وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ خِيَارَ الشَّرْطِ لَا بُدَّ مِنْ تَوْقِيتِ خِيَارِ التَّعْيِينِ بِالثَّلَاثِ عِنْدَهُ وَبِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ أَيَّتُهَا كَانَتْ عِنْدَهُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَامْرَأَتِهِ وَبِنْتِهِ (وَالْبَائِعُ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ الْحَمْلِ إلَيْهِ إلَّا بِالْبَيْعِ) فَكَانَ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ (فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ) وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ (الْجَهَالَةَ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ) لِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ اسْتَبَدَّ بِالتَّعْيِينِ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ مُنَازِعٌ فَكَانَ عِلَّةُ جَوَازِهِ مُرَكَّبَةً مِنْ الْحَاجَةِ وَعَدَمِ كَوْنِ الْجَهَالَةِ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، فَأَمَّا عَدَمُ الْمُنَازَعَةِ فَإِنَّهُ ثَابِتٌ بِاشْتِرَاطِ الْخِيَارِ لِنَفْسِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْأَثْوَابُ ثَلَاثَةً أَوْ أَكْثَرَ، وَأَمَّا الْحَاجَةُ فَإِنَّمَا تَتَحَقَّقُ فِي الثَّلَاثَةِ لِوُجُودِ الْجَيِّدِ وَالْوَسَطِ وَالرَّدِيءِ فِيهِ، وَالزَّائِدُ يَقَعُ مُكَرَّرًا غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فَانْتَفَى عَنْهُ جُزْءُ الْعِلَّةِ، وَالْحُكْمُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِتَمَامِ عِلَّتِهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفِي الْمَأْذُونِ وَقَالَ وَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَسَكَتَ عَنْ ذَلِكَ. وَعَلَى ذَلِكَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ؛ فَقَالَ أَكْثَرُهُمْ: لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ مَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ وَقْتًا مَعْلُومًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَمَا دُونَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَزِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ فِي قَوْلِهِمَا، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَصِحُّ الْعَقْدُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الزِّيَادَةَ، وَذِكْرُهَا فِيمَا ذُكِرَ كَانَ اتِّفَاقًا لَا قَصْدًا وَهُوَ اخْتِيَارُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ حُجَّةِ الْأَوَّلِينَ أَنَّ جَوَازَهُ بِطَرِيقِ الْإِلْحَاقِ بِمَوْضِعِ السُّنَّةِ فَلَا يَصِحُّ بِدُونِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ عَدَمَ انْفِكَاكِ الْمُلْحَقِ عَنْ الْمُلْحَقِ بِهِ لَيْسَ

ثُمَّ ذَكَرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ وَفِي بَعْضِهَا اشْتَرَى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ فِي الْحَقِيقَةِ أَحَدُهُمَا وَالْآخَرُ أَمَانَةٌ، وَالْأَوَّلُ تَجَوُّزٌ وَاسْتِعَارَةٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِشَرْطٍ فِي الْإِلْحَاقِ، كَمَا أَنَّ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ يَحْتَاجَانِ إلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ عَامِدًا فِي رَمَضَانَ مِنْ جِمَاعٍ مَعَ أَنَّ النَّصَّ إنَّمَا وَرَدَ بِهِ، وَحُجَّةُ الْآخَرِينَ أَنَّ خِيَارَ التَّعْيِينِ مِمَّا لَا يَتَوَقَّفُ فَلَا يَتَعَلَّقُ جَوَازُ الْعَقْدِ بِتَمَلُّكِ الزِّيَادَةِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْعَقْدَ فِي خِيَارِ التَّعْيِينِ مَعَ خِيَارِ الشَّرْطِ لَازِمٌ فِي غَيْرِ عَيْنٍ مِنْ غَيْرِ تَوْقِيتٍ عَلَى الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِيَارِ الشَّرْطِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحَالَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَذْكُرَ خِيَارَ الشَّرْطِ مَعَ خِيَارِ التَّعْيِينِ أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فَلَا بُدَّ مِنْ تَوْقِيتِ خِيَارِ التَّعْيِينِ بِالثَّلَاثَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَبِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ أَيَّ مُدَّةٍ كَانَتْ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْمُلْحَقِ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ خِيَارُ التَّعْيِينِ فِي الزَّائِدِ عَلَى الثَّلَاثَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ أَخَذَ بِالْقِيَاسِ فِي قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا. أُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ تَعْلِيقٌ فَلَا يُلْحَقُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ فَلَا يَكُونُ الْأَثَرُ الْوَارِدُ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَارِدًا فِيهِ، بِخِلَافِ خِيَارِ التَّعْيِينِ فَإِنَّهُ مِنْ جِنْسِ خِيَارِ الشَّرْطِ لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا خِيَارًا بِغَيْرِ

وَلَوْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا أَوْ تَعَيَّبَ لَزِمَهُ الْبَيْعُ فِيهِ بِثَمَنِهِ وَتَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلْأَمَانَةِ لِامْتِنَاعِ الرَّدِّ بِالتَّعَيُّبِ، وَلَوْ هَلَكَا جَمِيعًا مَعًا يَلْزَمُهُ نِصْفُ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِشُيُوعِ الْبَيْعِ وَالْأَمَانَةِ فِيهِمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQحَرْفِ التَّعْلِيقِ، فَكَانَ الْأَثَرُ الْوَارِدُ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَارِدًا فِيهِ (وَلَوْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا أَوْ تَعَيَّبَ لَزِمَ الْبَيْعُ فِيهِ بِثَمَنِهِ وَتَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلْأَمَانَةِ) حَتَّى إذَا هَلَكَ الْآخَرُ بَعْدَ هَلَاكِ الْأَوَّلِ أَوْ تَعَيَّبَ لَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ قِيمَتِهِ شَيْءٌ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَعِيبَ مُمْتَنِعُ الرَّدِّ لِأَنَّ رَدَّهُ إنَّمَا يَكُونُ إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ مَبِيعًا وَهُوَ فِي دَعْوَاهُ ذَلِكَ مُتَّهَمٌ فَكَانَ التَّعَيُّبُ اخْتِيَارًا دَلَالَةً. فَإِنْ قِيلَ: قَبْضُ الْآخَرِ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَهُنَا تَجِبُ الْقِيمَةُ عِنْدَ الْهَلَاكِ، أُجِيبَ بِأَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ مَقْبُوضٌ عَلَى جِهَةِ الْبَيْعِ، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ الْآخَرَ لِيَشْتَرِيَهُ وَقَدْ قَبَضَهُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ فَكَانَ أَمَانَةً. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ انْعَكَسَ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ أَوْ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ فَمَاتَتْ إحْدَاهُمَا فَإِنَّ الْبَاقِيَةَ تَتَعَيَّنُ لِلطَّلَاقِ دُونَ الْهَالِكَةِ، وَكَذَلِكَ فِي الْعَتَاقِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَشْرَفَتْ عَلَى الْهَلَاكِ خَرَجَتْ عَنْ مَحَلِّيَّةِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فَتَعَيَّنَتْ الْبَاقِيَةُ لِذَلِكَ، وَالثَّوْبُ إذَا أَشْرَفَ عَلَيْهِ خَرَجَ عَنْ مَحَلِّيَّةِ الرَّدِّ لِتَعَيُّبِهِ فَتَعَيَّنَ لِكَوْنِهِ مَبِيعًا، وَلَوْ هَلَكَا جَمِيعًا مَعًا لَزِمَهُ نِصْفُ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِعَدَمِ أَوْلَوِيَّةِ أَحَدِهِمَا لِكَوْنِهِ مَبِيعًا فَشَاعَ الْبَيْعُ

وَلَوْ كَانَ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُمَا جَمِيعًا. وَلَوْ مَاتَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ فَلِوَارِثِهِ أَنْ يَرُدَّ أَحَدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ خِيَارُ التَّعْيِينِ لِلِاخْتِلَاطِ، وَلِهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ فِي حَقِّ الْوَارِثِ. وَأَمَّا خِيَارُ الشَّرْطِ لَا يُورَثُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْأَمَانَةُ فِيهِمَا وَأَمَّا إذَا ذُكِرَ خِيَارُ الشَّرْطِ، فَيَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الشَّرْطِ، وَخِيَارُ التَّعْيِينِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْأَيَّامِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُمَا بِخِيَارِ الشَّرْطِ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِي أَحَدِهِمَا فَيَرُدُّهُ بِحُكْمِ الْأَمَانَةِ، وَفِي الْآخَرِ مُشْتَرٍ قَدْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ رَدِّهِ، فَإِذَا مَضَتْ الْأَيَّامُ بَطَلَ خِيَارُ الشَّرْطِ فَلَا يَمْلُكُ رَدَّهُمَا وَبَقِيَ لَهُ خِيَارُ التَّعْيِينِ فَيَرُدُّ أَحَدَهُمَا، وَإِنْ اخْتَارَ أَحَدَهُمَا لَزِمَهُ ثَمَنُهُ لِأَنَّهُ عَيْنُ الْمَبِيعِ فِيهِ وَلَزِمَهُ وَكَانَ فِي الْآخَرِ أَمِينًا، فَإِنْ ضَاعَ عِنْدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْ. وَلَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ بَطَلَ خِيَارُ الشَّرْطِ، وَبَقِيَ لِلْوَارِثِ خِيَارُ التَّعْيِينِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ أَحَدَهُمَا، أَمَّا بُطْلَانُ خِيَارِ الشَّرْطِ فَلِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَا يُورَثُ، وَأَمَّا بَقَاءُ خِيَارِ التَّعْيِينِ فَلِاخْتِلَاطِ مِلْكِهِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ. فَإِنْ قِيلَ: هَلْ لِعُمُومِ قَوْلِهِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ فَائِدَةٌ؟ قُلْت: كَأَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ خِيَارَ التَّعْيِينِ قَدْ يَكُونُ لِلْبَائِعِ، فَإِنَّ الْكَرْخِيَّ ذَكَرَ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا. قَالُوا: وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِي الْمَأْذُونِ لِأَنَّ هَذَا بَيْعٌ يَجُوزُ مَعَ خِيَارِ الْمُشْتَرِي فَيَجُوزُ مَعَ خِيَارِ الْبَيْعِ قِيَاسًا

قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى دَارًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فَبِيعَتْ دَارٌ أُخْرَى بِجَنْبِهَا فَأَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ فَهُوَ رِضًا) ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الشُّفْعَةِ يَدُلُّ عَلَى اخْتِيَارِهِ الْمِلْكَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ مَا ثَبَتَ إلَّا لِدَفْعِ ضَرَرِ الْجِوَارِ وَذَلِكَ بِالِاسْتِدَامَةِ فَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ سُقُوطَ الْخِيَارِ سَابِقًا عَلَيْهِ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الْجِوَارَ كَانَ ثَابِتًا، وَهَذَا التَّقْرِيرُ يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى خِيَارِ الشَّرْطِ، وَذُكِرَ فِي الْمُجَرَّدِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ هَذَا الْبَيْعَ مَعَ خِيَارِ الْمُشْتَرِي إنَّمَا جُوِّزَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ إلَى اخْتِيَارِ مَا هُوَ الْأَرْفَقُ بِحَضْرَةِ مَنْ يَقَعُ الشِّرَاءُ لَهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَأَتَّى فِي جَانِبِ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَهُ إلَى اخْتِيَارِ الْأَرْفَقِ، إذْ الْمَبِيعُ كَانَ مَعَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ، فَيُرَدُّ جَانِبُ الْبَائِعِ إلَى مُقْتَضَى الْقِيَاسِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ لَا فِي بُيُوعِ الْأَصْلِ وَلَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَتَبَيَّنَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَبِيعَ أَحَدُ الثَّوْبَيْنِ وَالْآخَرَ أَمَانَةٌ، وَالتَّرْكِيبُ الدَّالُّ عَلَى ذَلِكَ حَقِيقَةً: وَمَنْ اشْتَرَى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ نُسَخُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، فَفِي بَعْضِهَا اشْتَرَى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى مَعْذِرَةٍ، وَفِي بَعْضِهَا ثَوْبَيْنِ وَهُوَ مَجَازٌ، وَأَثْبَتَهَا فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَقَالَ فِي وَجْهِ الْمَجَازِ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمَّا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مَبِيعًا قَالَ: اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] أَضَافَ الْخُرُوجَ إلَيْهِمَا وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ أَحَدِهِمَا. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى دَارًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ) رَجُلٌ اشْتَرَى دَارًا بِخِيَارِ الشَّرْطِ (فَبِيعَتْ دَارٌ أُخْرَى بِجَانِبِهَا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَأَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ فَذَلِكَ الْأَخْذُ رِضًا) يَسْقُطُ بِهِ الْخِيَارُ لِأَنَّ أَخْذَهُ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ وَطَلَبُهُ الشُّفْعَةَ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِيَارِ الْمِلْكِ، لِأَنَّ طَلَبَ الشُّفْعَةِ لَا يَثْبُتُ إلَّا لِدَفْعِ ضَرَرِ الْجِوَارِ، وَالْجِوَارُ يَثْبُتُ بِاسْتِدَامَةِ الْمِلْكِ، وَاسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ تَقْتَضِي الْمِلْكَ وَلَا مِلْكَ مَعَ الْخِيَارِ فَيَسْقُطُ الْخِيَارُ، وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ فَكَانَ الْجِوَارُ ثَابِتًا عِنْدَ بَيْعِ الدَّارِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ مُوجَبُ الشُّفْعَةِ، وَهَذَا التَّقْرِيرُ يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً لِأَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ دُخُولَ الْمَبِيعِ فِي مِلْكِهِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ لِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَإِنَّ الْمَبِيعَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ وَيَسْقُطَ بِذَلِكَ خِيَارُهُ، لِأَنَّ الشُّفْعَةَ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْجَارِ الدَّخِيلِ وَالْإِنْسَانُ لَا يَدْفَعُ ضَرَرَ الْجَارِ فِي دَارٍ يُرِيدُ رَدَّهَا. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: أَمَّا وُجُوبُ الشُّفْعَةِ لِلْمُشْتَرِي فَوَاضِحٌ عَلَى مَذْهَبِهِمَا لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلدَّارِ الْمَبِيعَةِ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّهُ صَارَ أَحَقَّ بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا وَذَلِكَ يَكْفِيهِ لِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ بِهَا كَالْمَأْذُونِ الْمُسْتَغْرَقِ بِالدَّيْنِ وَالْمُكَاتَبِ إذَا بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِ دَارِهِمَا

قَالَ (وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلَانِ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا فَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يَرُدَّهُ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ خِيَارُ الْعَيْبِ وَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ، لَهُمَا أَنَّ إثْبَاتَ الْخِيَارِ لَهُمَا إثْبَاتُهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ صَاحِبِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِ. وَلَهُ أَنَّ الْمَبِيعَ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ غَيْرَ مَعِيبٍ بِعَيْبِ الشَّرِكَةِ، فَلَوْ رَدَّهُ أَحَدُهُمَا رَدَّهُ مَعِيبًا بِهِ وَفِيهِ إلْزَامُ ضَرَرٍ زَائِدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّهُمَا يَسْتَحِقَّانِ الشُّفْعَةَ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكَا رَقَبَةَ دَارِهِمَا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَصِرْ أَحَقَّ بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا. وَلَوْ اشْتَرَى دَارًا لَمْ يَرَهَا فَبِيعَتْ بِجَنْبِهَا دَارٌ أُخْرَى فَأَخَذَ بِالشُّفْعَةِ لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ بِصَرِيحِ الْإِسْقَاطِ بِدُونِ الرُّؤْيَةِ فَكَذَا بِدَلَالَتِهِ وَسَيَأْتِي. قَالَ (وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلَانِ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يَرُدَّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ) وَكَذَا إذَا اشْتَرَيَاهُ وَرَضِيَ أَحَدُهُمَا بِعَيْبٍ فِيهِ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَيَاهُ وَلَمْ يَرَيَاهُ ثُمَّ رَأَيَاهُ (لَهُمَا أَنَّ إثْبَاتَ الْخِيَارِ لَهُمَا إثْبَاتُ الْخِيَارِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) وَكُلُّ مَا هُوَ ثَابِتٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ صَاحِبِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ إثْبَاتَ الْخِيَارِ لَهُمَا إثْبَاتٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ أَثْبَتَ الْوَكَالَةَ لَهُمَا وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ دُونَ الْآخَرِ. وَلَهُ أَنَّ الْمَبِيعَ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ غَيْرَ مَعِيبٍ بِعَيْبِ الشَّرِكَةِ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْأَعْيَانِ الْمُجْتَمِعَةِ عَيْبٌ

وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ إثْبَاتِ الْخِيَارِ لَهُمَا الرِّضَا بِرَدِّ أَحَدِهِمَا لِتَصَوُّرِ اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى الرَّدِّ. قَالَ (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ أَوْ كَاتِبٌ وَكَانَ بِخِلَافِهِ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ) ؛ لِأَنَّ هَذَا وَصْفٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ الْبَائِعَ قَبْلَ الْبَيْعِ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الِانْتِفَاعِ مَتَى شَاءَ، وَبَعْدَهُ إذَا رَدَّ الْبَعْضَ لَا يَتَمَكَّنُ إلَّا مُهَايَأَةً، وَالْخِيَارُ يَثْبُتُ نَظَرًا لِمَنْ هُوَ لَهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَلْحَقُ الضَّرَرُ مِنْهُ بِغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ الضَّرَرَ بِالزَّائِدِ لِأَنَّ فِي امْتِنَاعِ الرَّدِّ ضَرَرًا أَيْضًا لِلرَّادِّ، لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْغَيْرِ بَلْ لِعَجْزِهِ عَنْ إيجَادِ شَرْطِ الرَّدِّ كَانَ دُونَ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ الضَّرَرَ الْحَاصِلَ مِنْ الْغَيْرِ أَقْطَعُ وَأَفْجَعُ مِنْ الْحَاصِلِ مِنْ نَفْسِهِ. فَإِنْ قِيلَ: بَيْعُهُ مِنْهُمَا رِضًا مِنْهُ لِعَيْبِ التَّبْعِيضِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنْ سَلَّمَ فَهُوَ رِضًا بِهِ فِي مِلْكِهِمَا لَا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ. فَإِنْ قِيلَ: حَصَلَ الْعَيْبُ فِي يَدِ الْبَائِعِ بِفِعْلِهِ لِأَنَّ تَفَرُّقَ الْمِلْكِ إنَّمَا هُوَ بِالْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ قُلْنَا: بَلْ حَصَلَ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي بِرَدِّ نِصْفِهِ، وَالْمُشْتَرِي إذَا عَيَّبَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِحُكْمِ خِيَارِهِ، لَكِنَّ هَذَا الْعَيْبَ بِعَرْضِ الزَّوَالِ لِمُسَاعَدَةِ الْآخَرِ عَلَى الرَّدِّ فَإِذَا امْتَنَعَ ظَهَرَ عَمَلُهُ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ إثْبَاتِ الْخِيَارِ) جَوَابٌ لَهُمَا. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ إثْبَاتَ الْخِيَارِ لَهُمَا لَيْسَ عَيْنَ الرِّضَا بِرَدِّ أَحَدِهِمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا الرِّضَا بِرَدِّ أَحَدِهِمَا لَازِمٌ مِنْ لَوَازِمِ إثْبَاتِ الْخِيَارِ لَهُمَا لِتَصَوُّرِ الِانْفِكَاكِ بِتَصَوُّرِ اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى الرَّدِّ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ إثْبَاتِ الْخِيَارِ لَهُمَا الرِّضَا بِرَدِّ أَحَدِهِمَا. قَالَ (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ أَوْ كَاتِبٌ) رَجُلٌ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ أَوْ كَاتِبٌ فَكَانَ بِخِلَافِهِ بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ مِنْ الْخُبْزِ وَالْكِتَابَةِ مَا يُسَمَّى بِهِ الْفَاعِلُ خَبَّازًا أَوْ كَاتِبًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَخْذِهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَبَيْنَ رَدِّهِ إذَا لَمْ يَمْتَنِعْ الرَّدُّ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ، فَإِنْ امْتَنَعَ بِذَلِكَ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُقَوَّمُ الْعَبْدُ كَاتِبًا أَوْ خَبَّازًا عَلَى أَدْنَى مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ إذْ هُوَ الْمُسْتَحَقُّ بِمُطْلَقِ الشَّرْطِ لَا النِّهَايَةِ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي وَصْفِ السَّلَامَةِ الْمُسْتَحَقِّ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ وَيُقَوَّمُ غَيْرُ كَاتِبٍ وَخَبَّازٍ فَيُنْظَرُ إلَى تَفَاوُتِ مَا بَيْنَهُمَا فَيُرْجَعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ،

فَيُسْتَحَقُّ فِي الْعَقْدِ بِالشَّرْطِ، ثُمَّ فَوَاتُهُ يُوجِبُ التَّخْيِيرَ؛ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِهِ دُونَهُ، وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى اخْتِلَافِ النَّوْعِ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ فِي الْأَغْرَاضِ، فَلَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ بِعَدَمِهِ بِمَنْزِلَةِ وَصْفِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ فِي الْحَيَوَانَاتِ وَصَارَ كَفَوَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمَّا رَدُّهُ فَلِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ وَصْفٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَهُوَ احْتِرَازٌ عَمَّا لَيْسَ بِمَرْغُوبٍ فِيهِ كَمَا إذَا بَاعَ عَلَى أَنَّهُ أَعْوَرُ فَإِذَا هُوَ سَلِيمٌ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ الْخِيَارَ، وَكُلُّ مَا هُوَ وَصْفٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ يُسْتَحَقُّ فِي الْعَقْدِ بِالشَّرْطِ لِأَنَّهُ لِرُجُوعِهِ إلَى صِفَةِ الثَّمَنِ أَوْ الْمُثَمَّنِ كَانَ مُلَائِمًا لِلْعَقْدِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا فِي الْمَبِيعِ لَدَخَلَ فِي الْعَقْدِ بِلَا ذِكْرٍ فَلَا يَكُونُ مُفْسِدًا لَهُ، وَنُوقِضَ بِمَا إذَا بَاعَ شَاةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ أَوْ عَلَى أَنَّهَا تَحْلُبُ كَذَا فَإِنَّ الْبَيْعَ فِيهِ وَفِي أَمْثَالِهِ فَاسِدٌ وَالْوَصْفُ مَرْغُوبٌ فِيهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَصْفٍ بَلْ اشْتِرَاطُ مِقْدَارٍ مِنْ الْمَبِيعِ مَجْهُولٌ وَضَمُّ الْمَعْلُومِ إلَى الْمَجْهُولِ يُصَيِّرُ الْكُلَّ مَجْهُولًا، وَلِهَذَا لَوْ شَرَطَ أَنَّهَا حَلُوبٌ أَوْ لَبُونٌ لَا يَفْسُدُ لِكَوْنِهِ وَصْفًا مَرْغُوبًا فِيهِ ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ، سَلَّمْنَاهُ لَكِنَّهُ مَجْهُولٌ لَيْسَ فِي وُسْعِ الْبَائِعِ تَحْصِيلُهُ وَلَا إلَى مَعْرِفَتِهِ سَبِيلٌ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْخَبْزِ وَالْكِتَابَةِ فَيَظْهَرُ حَالُهُ، وَأَمَّا انْتِفَاخُ الْبَطْنِ فَقَدْ يَكُونُ مِنْ رِيحٍ، وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ وَلِذَا لَا نَعْلَمُ حَيَاتَهُ وَمَوْتَهُ وَلَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَفَوَاتُهُ يُوجِبُ التَّخْيِيرَ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَا رَضِيَ بِالْمَبِيعِ دُونَ ذَلِكَ الْوَصْفِ فَيَتَخَيَّرُ وَلَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ لِأَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ أَيْ الَّذِي يَكُونُ مِنْ حَيْثُ فَوَاتُ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ هُنَا رَاجِعٌ إلَى اخْتِلَافِ النَّوْعِ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ فِي الْأَغْرَاضِ فَلَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ بِعَدَمِ ذَلِكَ الْوَصْفِ، كَمَا إذَا اشْتَرَى شَاةً عَلَى أَنَّهَا نَعْجَةٌ فَإِذَا هِيَ حَمَلٌ فَصَارَ الْأَصْلُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ الْحَاصِلَ بِالْوَصْفِ إنْ كَانَ مِمَّا يُوجِبُ التَّفَاوُتَ الْفَاحِشَ فِي الْأَغْرَاضِ كَانَ رَاجِعًا إلَى الْجِنْسِ، كَمَا إذَا بَاعَ عَبْدًا فَإِذَا هِيَ جَارِيَةٌ وَيَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُوجِبُهُ كَانَ رَاجِعًا إلَى النَّوْعِ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمِثَالِ فَلَا

وَصْفِ السَّلَامَةِ، وَإِذَا أَخَذَهُ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ لِكَوْنِهَا تَابِعَةً فِي الْعَقْدِ عَلَى مَا عُرِفَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيُفْسِدُهُ، لَكِنَّهُ يُوجِبُ التَّخْيِيرَ لِفَوَاتِ وَصْفِ السَّلَامَةِ، وَأَمَّا أَخْذُهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فَلِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ لِكَوْنِهَا تَابِعَةً فِي الْعَقْدِ تَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ عَلَى مَا عُرِفَ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[باب خيار الرؤية]

(بَابُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ) قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ، وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ، إنْ شَاءَ أَخَذَهُ) بِجَمِيعِ الثَّمَنِ (وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ] (بَابُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ) قَدَّمَ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ عَلَى خِيَارِ الْعَيْبِ لِكَوْنِهِ أَقْوَى مِنْهُ، إذْ كَانَ تَأْثِيرُهُ فِي مَنْعِ تَمَامِ الْبَيْعِ وَتَأْثِيرُ خِيَارِ الْعَيْبِ فِي مَنْعِ لُزُومِ الْحُكْمِ، قَالَ الْقُدُورِيُّ: مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ، مَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِغَيْرِهِ بِعْتُك الثَّوْبَ الَّذِي فِي كُمِّي هَذَا وَصِفَتُهُ كَذَا أَوْ الذُّرَةَ الَّتِي فِي كُمِّي هَذِهِ وَصِفَتُهَا كَذَا أَوْ لَمْ يَذْكُرْ الصِّفَةَ أَوْ يَقُولَ بِعْت مِنْك هَذِهِ الْجَارِيَةَ الْمُنْتَقِبَةَ فَإِنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَنَا، وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ وَكَذَا الْعَيْبُ الْغَائِبُ الْمُشَارُ إلَى مَكَانِهِ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ بِذَلِكَ الِاسْمِ غَيْرُ مَا سَمَّى وَالْمَكَانُ مَعْلُومٌ بِاسْمِهِ وَالْعَيْنُ مَعْلُومَةٌ. قَالَ صَاحِبُ الْأَسْرَارِ: لِأَنَّ كَلَامَنَا فِي عَيْنٍ هُوَ بِحَالٍ لَوْ كَانَتْ الرُّؤْيَةُ حَاصِلَةً لَكَانَ الْبَيْعُ جَائِزًا: أَيْ بِالْإِجْمَاعِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْمَبِيعُ مَجْهُولٌ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَجْهُولٌ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ» ؛ وَلِأَنَّ الْجَهَالَةَ بِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوَافِقْهُ يَرُدُّهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمَجْهُولُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ كَالْبَيْعِ بِالرَّقْمِ (وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ» ) وَهُوَ نَصٌّ فِي الْبَابِ فَلَا يُتْرَكُ بِلَا مُعَارِضٍ، فَإِنْ قِيلَ: هُوَ مُعَارَضٌ بِحَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك» وَالْمُرَادُ مَا لَيْسَ بِمَرْئِيٍّ لِلْمُشْتَرِي لِإِجْمَاعِنَا عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا كَانَ قَدْ رَآهُ فَالْعَقْدُ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا عِنْدَ الْعَقْدِ. قُلْنَا: بَلْ الْمُرَادُ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ بِدَلِيلِ قِصَّةِ الْحَدِيثِ، فَإِنَّ «حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ الرَّجُلَ يَطْلُبُ مِنِّي سِلْعَةً لَيْسَتْ عِنْدِي فَأَبِيعُهَا مِنْهُ ثُمَّ أَدْخُلُ السُّوقَ فَأَسْتَجِيدُهَا فَأَشْتَرِيهَا فَأُسَلِّمُهَا إلَيْهِ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك» وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَيْنًا مَرْئِيًّا لَمْ يَمْلِكْهُ ثُمَّ مَلَكَهُ فَلِمَ لَمْ يَجُزْ؟ وَذَلِكَ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ، وَالْمَعْقُولُ وَهُوَ أَنَّ الْجَهَالَةَ بِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ مَعَ وُجُودِ الْخِيَارِ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُوَافِقْهُ رَدَّهُ وَلَا نِزَاعَ ثَمَّةَ يَقْتَضِي خِيَارَهُ، وَإِنَّمَا أَفْضَتْ إلَيْهَا لَوْ قُلْنَا بِانْبِرَامِ الْعَقْدِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ فَصَارَ ذَلِكَ كَجَهَالَةِ الْوَصْفِ فِي الْمُعَايَنِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِأَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا مُشَارًا إلَيْهِ غَيْرَ مَعْلُومٍ عَدَدُ ذُرْعَانِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِكَوْنِهِ مَعْلُومَ الْعَيْنِ، وَإِنْ كَانَ ثَمَّةَ جَهَالَةٌ لِكَوْنِهَا لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ،

فَصَارَ كَجَهَالَةِ الْوَصْفِ فِي الْمُعَايِنِ الْمُشَارِ إلَيْهِ. (وَكَذَا إذَا قَالَ رَضِيت ثُمَّ رَآهُ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ) لِأَنَّ الْخِيَارَ مُعَلَّقٌ بِالرُّؤْيَةِ لِمَا رَوَيْنَا فَلَا يَثْبُتُ قَبْلَهَا، وَحَقُّ الْفَسْخِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ بِحُكْمِ أَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ لَا بِمُقْتَضَى الْحَدِيثِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعُورِضَ بِأَنَّ الْبَيْعَ نَوْعَانِ: بَيْعُ عَيْنٍ، وَبَيْعُ دَيْنٍ، وَطَرِيقُ الْمَعْرِفَةِ فِي الثَّانِي هُوَ الْوَصْفُ وَفِي الْأَوَّلِ الْمُشَاهَدَةُ، ثُمَّ مَا هُوَ طَرِيقٌ إلَى الثَّانِي إذَا تَرَاخَى عَنْ حَالَةِ الْعَقْدِ فَسَدَ الْعَقْدُ، وَكَذَلِكَ مَا هُوَ طَرِيقٌ إلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمُشَاهَدَةُ إذَا تَرَاخَى فَسَدَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُعَارَضَةَ سَاقِطَةٌ لِأَنَّ السَّلَمَ إنَّمَا لَا يَجُوزُ عِنْدَ تَرْكِ الْوَصْفِ لِإِفْضَاءِ الْجَهَالَةِ إلَى الْمُنَازَعَةِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا قَالَ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الْقُدُورِيِّ: يَعْنِي كَمَا أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ إذَا لَمْ يَقُلْ رَضِيت فَكَذَا إذَا قَالَ ذَلِكَ وَلَمْ يَرَهُ ثُمَّ رَآهُ، لِأَنَّ الْخِيَارَ مُعَلَّقٌ بِالرُّؤْيَةِ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّيْءِ لَا يَثْبُتُ قَبْلَهُ لِئَلَّا يَلْزَمَ وُجُودُ الْمَشْرُوطِ بِدُونِ الشَّرْطِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَ الْعَقْدُ بِالرِّضَا قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لَزِمَ امْتِنَاعُ الْخِيَارِ عِنْدَهَا، وَهُوَ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ عِنْدَهَا فَمَا أَدَّى إلَى إبْطَالِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ (قَوْلُهُ وَحَقُّ الْفَسْخِ) جَوَابُ سُؤَالٍ تَقْرِيرُهُ: لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْخِيَارُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لَمَا كَانَ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ مِنْ نَتَائِجِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهُ كَالْقَبُولِ فَكَانَ مُعَلَّقًا بِهَا فَلَا يُوجَدُ قَبْلَهَا. وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنَّ حَقَّ الْفَسْخِ بِحُكْمِ أَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مُنْبَرِمًا فَجَازَ فَسْخُهُ لِوَهَاءٍ فِيهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ فِي عَقْدِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ يَمْلِكُ الْفَسْخَ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ لُزُومِ الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خِيَارٌ لَا شَرْطًا وَلَا شَرْعًا، بِخِلَافِ الرِّضَا فَإِنَّهُ ثَابِتٌ بِمُقْتَضَى الْحَدِيثِ فَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُهُ عَلَى وَجْهٍ يُؤَدِّي إلَى

وَلِأَنَّ الرِّضَا بِالشَّيْءِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِأَوْصَافِهِ لَا يَتَحَقَّقُ فَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ رَضِيت قَبْلَ الرُّؤْيَةِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ رَدَدْت. ـــــــــــــــــــــــــــــQبُطْلَانِهِ كَمَا مَرَّ آنِفًا، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ عَدَمَ لُزُومِ هَذَا الْعَقْدِ بِاعْتِبَارِ الْخِيَارِ فَهُوَ مَلْزُومٌ لِلْخِيَارِ وَالْخِيَارُ مُعَلَّقٌ بِالرُّؤْيَةِ لَا يُوجَدُ بِدُونِهَا فَكَذَا مَلْزُومُهُ لِأَنَّ مَا هُوَ شَرْطُ اللَّازِمِ فَهُوَ شَرْطٌ لِلْمَلْزُومِ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الرِّضَا بِالشَّيْءِ) جَوَابُ سُؤَالٍ آخَرَ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْإِمْضَاءَ لِلرِّضَا وَالرِّضَا بِالشَّيْءِ (لَا يَتَحَقَّقُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِأَوْصَافِهِ) لِأَنَّ الرِّضَا اسْتِحْسَانُ الشَّيْءِ وَاسْتِحْسَانُ مَا لَمْ يُعْلَمْ مَا يُحَسِّنُهُ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ. وَأَمَّا الْفَسْخُ فَإِنَّمَا هُوَ لِعَدَمِ الرِّضَا، وَهُوَ لَا يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ الْمُحْسِنَاتِ. لَا يُقَالُ: عَدَمُ الرِّضَا لِاسْتِقْبَاحِ الشَّيْءِ وَاسْتِقْبَاحُ مَا لَمْ يُعْلَمْ مَا يُقَبِّحُهُ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ، لِأَنَّ عَدَمَ الرِّضَا قَدْ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ مَا بَدَا لَهُ مِنْ انْتِفَاءِ احْتِيَاجِهِ إلَى الْمَبِيعِ أَوْ ضَيَاعِ ثَمَنِهِ أَوْ اسْتِغْلَائِهِ فَلَا يَلْزَمُ الِاسْتِقْبَاحُ. ذَكَرَ فِي التُّحْفَةِ أَنَّ جَوَازَ الْفَسْخِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لَا رِوَايَةَ فِيهِ، وَلَكِنَّ الْمَشَايِخَ اخْتَلَفُوا؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَصِحُّ قِيَاسًا عَلَى الْإِجَازَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَصِحُّ

قَالَ: (وَمَنْ بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ) وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: أَوَّلًا لَهُ الْخِيَارُ اعْتِبَارًا بِخِيَارِ الْعَيْبِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ لُزُومَ الْعَقْدِ بِتَمَامِ الرِّضَا زَوَالًا وَثُبُوتًا وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِالْعِلْمِ بِأَوْصَافِ الْمَبِيعِ، وَذَلِكَ بِالرُّؤْيَةِ فَلَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ رَاضِيًا بِالزَّوَالِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ أَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالشِّرَاءِ لِمَا رَوَيْنَا فَلَا يَثْبُتُ دُونَهُ. وَرُوِيَ أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQدُونَ الْإِجَازَةِ وَهُوَ مُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ. قَالَ (وَمَنْ بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ) مَنْ وَرِثَ شَيْئًا فَبَاعَهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ صَحَّ الْبَيْعُ وَلَا خِيَارَ لَهُ عِنْدَنَا. وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ أَوَّلًا: لَهُ الْخِيَارُ اعْتِبَارًا بِخِيَارِ الْعَيْبِ فَإِنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِجَانِبِ الْمُشْتَرِي، بَلْ إذَا وَجَدَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ زَيْفًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ جَوَّزَهُ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ كَالْمُشْتَرِي وَإِذَا وَجَدَ الْمَبِيعَ مَعِيبًا، لَكِنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ بِرَدِّ الثَّمَنِ وَيَنْفَسِخُ بِرَدِّ الْمَبِيعِ لِأَنَّهُ أَصْلٌ دُونَ الثَّمَنِ، وَبِخِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَهَذَا) أَيْ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ (أَنَّ لُزُومَ الْعَقْدِ بِتَمَامِ الرِّضَا زَوَالًا) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ (وَثُبُوتًا) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي (وَتَمَامُ الرِّضَا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْعِلْمِ بِأَوْصَافِ الْمَبِيعِ وَذَلِكَ بِالرُّؤْيَةِ) فَإِنَّ بِالرُّؤْيَةِ يَحْصُلُ بِالِاطِّلَاعِ عَلَى دَقَائِقَ لَا تَحْصُلُ بِالْعِبَارَةِ (فَلَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ رَاضِيًا بِالزَّوَالِ) فَيَكُونُ الْعَقْدُ غَيْرَ لَازِمٍ مِنْ جِهَتِهِ فَلَهُ الْفَسْخُ. (وَجْهُ الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ أَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالشِّرَاءِ فَلَا يَثْبُتُ دُونَهُ) كَمَا تَقَدَّمَ. فَإِنْ قِيلَ: الْبَائِعُ مِثْلُ الْمُشْتَرِي فِي الِاحْتِيَاجِ لِتَمَامِ الرِّضَا فَيُلْحَقُ بِهِ دَلَالَةً. أُجِيبَ بِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِسَبَبَيْنِ فِيهِ، لِأَنَّ الرَّدَّ مِنْ جَانِبِ الْمُشْتَرِي بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ كَانَ يَظُنُّهُ خَيْرًا مِمَّا اشْتَرَى فَيَرُدُّهُ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ، وَالْبَائِعُ لَوْ رَدَّ لَرَدَّهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَبِيعَ أَزْيَدُ مِمَّا ظُنَّ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِشَرْطِ أَنَّهُ مَعِيبٌ فَإِذَا هُوَ صَحِيحٌ لَمْ يَثْبُتْ لِلْبَائِعِ خِيَارٌ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَاهُ لَا يُلْحَقُ بِهِ، قِيلَ الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ يُوجَدُ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ بِسَبَبٍ آخَرَ وَهَاهُنَا وُجِدَ الْقِيَاسُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارَيْنِ فَلْيَجُزْ مِنْ الْبَائِعِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى فَلَا يَجُوزُ فِيهِ الْقِيَاسُ، سَلَّمْنَاهُ لَكِنَّ الْقِيَاسَ عَلَى مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ بَاطِلٌ، وَتَحْكِيمُ جُبَيْرٍ بَيْنَ عُثْمَانَ وَطَلْحَةَ كَانَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ فَكَانَ إجْمَاعًا عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْمَتْنِ فَبَطَلَ الْإِلْحَاقُ

[خيار الرؤية]

عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بَاعَ أَرْضًا لَهُ بِالْبَصْرَةِ مِنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فَقِيلَ لِطَلْحَةَ: إنَّك قَدْ غُبِنْت، فَقَالَ: لِي الْخِيَارُ؛ لِأَنِّي اشْتَرَيْت مَا لَمْ أَرَهُ. وَقِيلَ لِعُثْمَانَ: إنَّك قَدْ غُبِنْت، فَقَالَ: لِي الْخِيَارُ؛ لِأَنِّي بِعْت مَا لَمْ أَرَهُ. فَحَكَّمَا بَيْنَهُمَا جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ. فَقَضَى بِالْخِيَارِ لِطَلْحَةَ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. ثُمَّ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ بَلْ يَبْقَى إلَى أَنْ يُوجَدَ مَا يُبْطِلُهُ، وَمَا يُبْطِلُ خِيَارَ الشَّرْطِ مِنْ تَعَيُّبٍ أَوْ تَصَرُّفٍ يُبْطِلُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ، ثُمَّ إنْ كَانَ تَصَرُّفًا لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ كَالْإِعْتَاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQدَلَالَةً وَقِيَاسًا، وَلِهَذَا رَجَعَ أَبُو حَنِيفَةَ حِينَ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ. [خِيَارُ الرُّؤْيَةِ] قَالَ (ثُمَّ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ غَيْرُ مُوَقَّتٍ) قِيلَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ يُوَقَّتُ بِوَقْتِ إمْكَانِ الْفَسْخِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ، حَتَّى لَوْ وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَفْسَخْ سَقَطَ حَقُّهُ لِأَنَّهُ خِيَارٌ تَعَلَّقَ بِالِاطِّلَاعِ عَلَى حَالِ الْمَبِيعِ فَأَشْبَهَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ. وَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَنَّهُ بَاقٍ مَا لَمْ يُوجَدْ مَا يُبْطِلُهُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ حُكْمًا لِانْعِدَامِ الرِّضَا فَيَبْقَى إلَى أَنْ يُوجَدَ مَا يُبْطِلُ عَدَمَ الرِّضَا، ثُمَّ مَا يُبْطِلُ خِيَارَ الشَّرْطِ مِنْ تَعَيُّبٍ أَوْ تَصَرُّفٍ يُبْطِلُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ. وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يُبْطِلُ خِيَارَ الشَّرْطِ فِي بَابِهِ. وَالضَّابِطُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ إذَا فَعَلَ فِي الْمَبِيعِ مَا يُمْتَحَنُ بِهِ مَرَّةً وَيَحِلُّ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ بِحَالٍ لَا يَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلَ الِاخْتِيَارِ، وَإِلَّا لَبَطَلَتْ فَائِدَةُ الْخِيَارِ لِأَنَّهَا إمْكَانُ الرَّدِّ عِنْدَ عَدَمِ الْمُوَافَقَةِ بَعْدَ الِامْتِحَانِ، فَإِنْ لَزِمَهُ الْبَيْعُ بِفِعْلٍ مَا يُمْتَحَنُ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاتَتْ فَائِدَةُ الْخِيَارِ. وَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا فَعَلَ مَا لَا يُمْتَحَنُ بِهِ أَوْ يُمْتَحَنُ بِهِ لَكِنَّهُ لَا يَحِلُّ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ بِحَالٍ أَوْ يُمْتَحَنُ بِهِ وَيَحِلُّ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ لَكِنْ فَعَلَهُ مَرَّةً ثَانِيَةً كَانَ دَلِيلَ الِاخْتِيَارِ، فَعَلَى هَذَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً لِلْخِدْمَةِ بِالْخِيَارِ فَاسْتَخْدَمَهَا مَرَّةً لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ لِأَنَّهُ مِمَّا يُمْتَحَنُ بِهِ وَيَحِلُّ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فِي الْجُمْلَةِ، فَلَوْ اسْتَخْدَمَهَا مَرَّةً ثَانِيَةً فِي ذَلِكَ النَّوْعِ مِنْ الْخِدْمَةِ كَانَ اخْتِيَارًا لِلْمِلْكِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَلِحُصُولِ الِامْتِحَانِ بِالْأُولَى، وَلَوْ وَطِئَهَا بَطَلَ خِيَارُهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُمْتَحَنُ بِهِ لِأَنَّ صَلَاحَهَا لِلْوَطْءِ قَدْ لَا يُعْلَمُ بِالنَّظَرِ، لَكِنْ لَا يَحِلُّ الْوَطْءُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَكَانَ اخْتِيَارًا لَهُ. قِيلَ: يُشْكِلُ عَلَى هَذَا الْكُلِّيِّ مَسْأَلَتَانِ: إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى دَارًا لَمْ يَرَهَا فَبِيعَتْ بِجَنْبِهَا دَارٌ فَأَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَبَطَلَ خِيَارُ الشَّرْطِ. وَالثَّانِيَةُ إذَا عَرَضَ الْمَبِيعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ عَلَى الْبَيْعِ بَطَلَ خِيَارُ الشَّرْطِ وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ. وَالْمَسْأَلَتَانِ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِمَا هُوَ أَنَّ

وَالتَّدْبِيرِ أَوْ تَصَرُّفًا يُوجِبُ حَقًّا لِلْغَيْرِ كَالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَالرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ يُبْطِلُهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَبَعْدَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَزِمَ تَعَذُّرُ الْفَسْخِ فَبَطَلَ الْخِيَارُ وَإِنْ كَانَ تَصَرُّفًا لَا يُوجِبُ حَقًّا لِلْغَيْرِ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، وَالْمُسَاوَمَةُ وَالْهِبَةُ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ لَا يُبْطِلُهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْبُو عَلَى صَرِيحِ الرِّضَا وَيُبْطِلُهُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ لِوُجُودِ دَلَالَةِ الرِّضَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQخِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَا يَبْطُلُ بِصَرِيحِ الرِّضَا قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لِمَا ذَكَرْنَا فَلَا يَبْطُلُ بِدَلِيلِ الرِّضَا بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ دُونَهُ. ثُمَّ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ وَالْعَرْضُ عَلَى الْبَيْعِ دَلِيلُ الرِّضَا فَلِذَلِكَ لَا يَعْمَلَانِ فِي إبْطَالِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَافِعٍ. وَالْحَقُّ أَنَّ الْإِشْكَالَ لَيْسَ بِوَارِدٍ لِأَنَّهُ قَالَ: وَمَا يُبْطِلُ خِيَارَ الشَّرْطِ مِنْ تَعَيُّبٍ أَوْ تَصَرُّفٍ يُبْطِلُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ، وَهُوَ لَيْسَ بِكُلِّيٍّ مُطْلَقٍ بَلْ مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَكُونَ تَعَيُّبًا أَوْ تَصَرُّفًا: يَعْنِي فِي الْمَبِيعِ، وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ وَالْعَرْضُ عَلَى الْبَيْعِ لَيْسَا مِنْهُمَا فَلَا يَكُونَانِ وَارِدَيْنِ. ثُمَّ التَّصَرُّفُ الَّذِي يُبْطِلُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: تَصَرُّفٌ يُبْطِلُهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَبَعْدَهَا، وَتَصَرُّفٌ لَا يُبْطِلُهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَيُبْطِلُهُ بَعْدَهَا. فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ الَّذِي لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ كَالْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ، أَوْ الَّذِي يُوجِبُ حَقًّا لِلْغَيْرِ كَالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ عَنْ خِيَارِ الشَّرْطِ، وَالْبَيْعِ بِخِيَارِ الشَّرْطِ لِلْمُشْتَرِي وَالرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ هَذَا التَّصَرُّفَ يَعْتَمِدُ الْمِلْكَ وَمِلْكُ الْمُتَصَرِّفِ فِي الْعَيْنِ قَائِمٌ فَصَادَفَ الْمَحَلَّ وَنَفَذَ وَبَعْدَ نُفُوذِهِ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ وَالرَّفْعَ فَتَعَذَّرَ الْفَسْخُ وَبَطَلَ الْخِيَارُ ضَرُورَةً، وَكَذَلِكَ تَعَلُّقُ حَقِّ الْغَيْرِ مَانِعٌ مِنْ الْفَسْخِ فَيَبْطُلُ الْخِيَارُ، حَتَّى لَوْ افْتَكَّ الرَّهْنَ أَوْ مَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ أَوْ رَدَّ الْمُشْتَرَى عَلَيْهِ بِخِيَارِ الشَّرْطِ ثُمَّ رَآهُ لَا يَكُونُ لَهُ الرَّدُّ. وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا قِيلَ إنَّ بُطْلَانَ الْخِيَارِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ النَّصِّ الَّذِي رَوَيْنَاهُ. وَالثَّانِي أَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ إمَّا أَنْ تَكُونَ صَرِيحَ الرِّضَا أَوْ دَلَالَتَهُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يُبْطِلُ الْخِيَارَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ فَكَيْفَ أَبْطَلَتْهُ؟ وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ ذَاكَ فِيمَا أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِحُكْمِ النَّصِّ، وَهَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ لِصُدُورِهَا عَنْ أَهْلِهَا مُضَافَةً إلَى مَحَلِّهَا انْعَقَدَتْ صَحِيحَةً، وَبَعْدَ صِحَّتِهَا لَا يُمْكِنُ رَفْعُهَا فَيَسْقُطُ الْخِيَارُ ضَرُورَةً. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ دَلَالَةَ الرِّضَا لَا تَرْبُو عَلَى صَرِيحِهِ إذَا لَمْ تَكُنْ مِنْ ضَرُورَاتِ صَرِيحٍ آخَرَ، وَهَاهُنَا هَذِهِ الدَّلَالَةُ مِنْ ضَرُورَةِ صِحَّةِ التَّصَرُّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَالْقَوْلُ بِصِحَّتِهَا مَعَ انْتِفَاءِ اللَّازِمِ مُحَالٌ. وَأَمَّا الثَّانِي فَهُوَ الَّذِي لَا يُوجِبُ حَقًّا لِلْغَيْرِ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِنَفْسِهِ وَالْمُسَاوَمَةُ وَالْهِبَةُ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ لَا يُبْطِلُ الْخِيَارَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ لَا يَرْبُو عَلَى صَرِيحِ الرِّضَا: أَيْ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ، وَصَرِيحُ الرِّضَا لَا يُبْطِلُهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ فَدَلَالَتُهُ أَوْلَى: يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ

(قَالَ: وَمَنْ نَظَرَ إلَى وَجْهِ الصُّبْرَةِ، أَوْ إلَى ظَاهِرِ الثَّوْبِ مَطْوِيًّا أَوْ إلَى وَجْهِ الْجَارِيَةِ أَوْ إلَى وَجْهِ الدَّابَّةِ وَكَفَلِهَا فَلَا خِيَارَ لَهُ) وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ رُؤْيَةَ جَمِيعِ الْمَبِيعِ غَيْرُ مَشْرُوطٍ لِتَعَذُّرِهِ فَيَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQضَرُورَاتِ الْغَيْرِ وَيُبْطِلُهُ بَعْدَهَا لِوُجُودِ الدَّلَالَةِ مَعَ عَدَمِ الْمَانِعِ (قَالَ وَمَنْ نَظَرَ إلَى وَجْهِ الصُّبْرَةِ) اعْلَمْ أَنَّ الْمَبِيعَ إمَّا أَنْ يَكُونَ شَيْئًا وَاحِدًا أَوْ أَشْيَاءَ مُتَعَدِّدَةً، وَالثَّانِي إمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَفَاوِتَ الْآحَادِ أَوْ لَا، فَذَلِكَ أَقْسَامٌ ثَلَاثَةٌ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ رُؤْيَةُ الْجَمِيعِ شَرْطًا لِبُطْلَانِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ، لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْجَمِيعِ قَدْ تَكُونُ مُتَعَذِّرَةً كَمَا إذَا كَانَ عَبْدًا أَوْ جَارِيَةً فَإِنَّ فِي رُؤْيَةِ جَمِيعِ بَدَنِهِمَا رُؤْيَةَ عَوْرَتِهِمَا، وَذَلِكَ فِي الْعَبْدِ لَا يَجُوزُ أَصْلًا فُسِخَ الْعَقْدُ أَوْ لَمْ يُفْسَخْ، وَفِي الْأَمَةِ لَوْ فُسِخَ الْعَقْدُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ بَعْدَ رُؤْيَةِ عَوْرَتِهَا كَانَ النَّظَرُ فِي عَوْرَتِهَا وَاقِعًا فِي غَيْرِ الْمِلْكِ لِأَنَّ الْعَقْدَ ارْتَفَعَ بِالْفَسْخِ مِنْ أَصْلِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَكَانَ النَّظَرُ الْوَاقِعُ حَرَامًا، وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ ثَوْبًا مَطْوِيًّا فَإِنَّ الْبَائِعَ يَتَضَرَّرُ بِانْكِسَارِ ثَوْبِهِ بِالطَّيِّ وَالنَّشْرِ فَيُكْتَفَى بِرُؤْيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ. وَإِنْ كَانَ الثَّانِي كَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَالْبَيْضِ وَالْجَوْزِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ كُلِّ وَاحِدٍ، لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْبَعْضِ لَا تُعَرِّفُ الْبَاقِيَ لِتَفَاوُتٍ فِي آحَادِهِ. وَإِنْ كَانَ الثَّالِثُ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ وَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ عَلَى مَا مَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ يُكْتَفَى بِرُؤْيَةِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لِأَنَّ بِرُؤْيَةِ الْبَعْضِ يُعْرَفُ الْبَاقِي لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ، وَعَلَامَةُ عَدَمِ التَّفَاوُتِ أَنْ يُعْرَضَ بِالنَّمُوذَجِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي أَرْدَأَ مِنْهَا، فَعَلَى هَذَا إذَا نَظَرَ إلَى وَجْهِ الصُّبْرَةِ بَطَلَ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ يُعْرَفُ الْبَاقِي لِأَنَّهُ مَكِيلٌ يُعْرَضُ بِالنَّمُوذَجِ

وَلَوْ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ أَشْيَاءُ، فَإِنْ كَانَ لَا تَتَفَاوَتُ آحَادُهَا كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَعَلَامَتُهُ أَنْ يَعْرِضَ بِالنَّمُوذَجِ يَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ وَاحِدٍ مِنْهَا إلَّا إذَا كَانَ الْبَاقِي أَرْدَأَ مِمَّا رَأَى فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ. وَإِنْ كَانَ تَتَفَاوَت آحَادُهَا كَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَالْجَوْزُ وَالْبَيْضُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ لِكَوْنِهَا مُتَقَارِبَةً. إذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: النَّظَرُ إلَى وَجْهِ الصُّبْرَةِ كَافٍ؛ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ وَصْفَ الْبَقِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مَكِيلٌ يُعْرَضُ بِالنَّمُوذَجِ، وَكَذَا النَّظَرُ إلَى ظَاهِرِ الثَّوْبِ مِمَّا يَعْلَمُ بِهِ الْبَقِيَّةَ إلَّا إذَا كَانَ فِي طَيِّهِ مَا يَكُونُ مَقْصُودًا كَمَوْضِعِ الْعَلَمِ، وَالْوَجْهُ هُوَ الْمَقْصُودُ فِي الْآدَمِيِّ، وَهُوَ وَالْكَفَلُ فِي الدَّوَابِّ فَيُعْتَبَرُ رُؤْيَةِ الْمَقْصُودِ وَلَا يُعْتَبَرُ رُؤْيَةُ غَيْرِهِ. وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ رُؤْيَةَ الْقَوَائِمِ. وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالنَّظَرُ إلَى ظَاهِرِ الثَّوْبِ مَطْوِيًّا مِمَّا يُعَرِّفُ الْبَقِيَّةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي طَيِّهِ مَا كَانَ مَقْصُودًا كَمَوْضِعِ الْعِلْمِ) وَإِذَا نَظَرَ إلَى وَجْهِ الْآدَمِيِّ بَطَلَ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ بِهِ فِي الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ تَبَعًا لَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ تَفَاوُتَ الْقِيمَةِ بِتَفَاوُتِ الْوَجْهِ مَعَ التَّسَاوِي فِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ، وَإِذَا نَظَرَ إلَى الْوَجْهِ أَوْ الْكِفْلِ فِي الدَّابَّةِ بَطَلَ الْخِيَارُ لِأَنَّهُمَا مَقْصُودَانِ فِي الدَّوَابِّ. هَذَا هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ رُؤْيَةَ الْقَوَائِمِ لِأَنَّهَا مَقْصُودَةٌ فِي الدَّوَابِّ، فَإِنْ كَانَ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ وَالْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ فِي وِعَاءَيْنِ فَرَآهَا فِي أَحَدِهِمَا فَإِنْ كَانَ مَا فِي الْآخَرِ مِثْلَ مَا رَأَى أَوْ فَوْقَهُ بَطَلَ الْخِيَارُ، وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فَهُوَ عَلَى الْخِيَارِ، لَكِنْ إذَا رَدَّ رَدَّ الْكُلَّ لِئَلَّا تَتَفَرَّقَ الصَّفْقَةُ، وَإِذَا اشْتَرَى شَاةً فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ لِلَّحْمِ أَوْ لِلْقُنْيَةِ أَيْ الدَّرِّ وَالنَّسْلِ، فَفِي الْأَوَّلِ لَا بُدَّ مِنْ الْجَسِّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إنَّمَا يُعْرَفُ بِهِ، وَفِي الثَّانِي

وَفِي شَاةِ اللَّحْمِ لَا بُدَّ مِنْ الْجَسِّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ اللَّحْمُ يُعْرَفُ بِهِ. وَفِي شَاةِ الْقِنْيَةِ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ الضَّرْعِ. وَفِيمَا يُطْعَمُ لَا بُدَّ مِنْ الذَّوْقِ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُعَرِّفُ لِلْمَقْصُودِ. (قَالَ وَإِنْ رَأَى صَحْنَ الدَّارِ فَلَا خِيَارَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُشَاهِدْ بُيُوتَهَا) وَكَذَلِكَ إذَا رَأَى خَارِجَ الدَّارِ أَوْ رَأَى أَشْجَارَ الْبُسْتَانِ مِنْ خَارِجٍ. وَعِنْدَ زُفَرَ لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِ دَاخِلِ الْبُيُوتِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ جَوَابَ الْكِتَابِ عَلَى وِفَاقِ عَادَتِهِمْ فِي الْأَبْنِيَةِ، فَإِنَّ دُورَهُمْ لَمْ تَكُنْ مُتَفَاوِتَةً يَوْمَئِذٍ، فَأَمَّا الْيَوْمُ فَلَا بُدَّ مِنْ الدُّخُولِ فِي دَاخِلِ الدَّارِ لِلتَّفَاوُتِ، وَالنَّظَرُ إلَى الظَّاهِرِ لَا يُوقِعُ الْعِلْمَ بِالدَّاخِلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ الضَّرْعِ، وَفِي الْمَطْعُومَاتِ لَا بُدَّ مِنْ الذَّوْقِ لِأَنَّهُ الْمُعَرِّفُ لِلْمَقْصُودِ. (قَالَ: وَمَنْ رَأَى صَحْنَ الدَّارِ فَلَا خِيَارَ لَهُ) رُؤْيَةُ صَحْنِ الدَّارِ أَوْ خَارِجَهَا وَرُؤْيَةُ أَشْجَارِ الْبُسْتَانِ مِنْ خَارِجٍ تُسْقِطُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ. لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا مُتَعَذِّرُ الرُّؤْيَةِ كَمَا تَحْتَ السُّرَرِ وَبَيْنَ الْحِيطَانِ مِنْ الْجُذُوعِ وَالْأُسْطُوَانَات وَحِينَئِذٍ سَقَطَ شَرْطُ رُؤْيَةِ الْكُلِّ فَأَقَمْنَا رُؤْيَةَ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الدَّارِ مَقَامَ رُؤْيَةِ الْكُلِّ، فَإِذَا كَانَ فِي الدَّارِ بَيْتَانِ شَتْوِيَّانِ وَبَيْتَانِ صَيْفِيَّانِ يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْكُلِّ كَمَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ صَحْنِ الدَّارِ وَلَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْمَطْبَخِ وَالْمَزْبَلَةِ وَالْعُلْوِ إلَّا فِي بَلَدٍ يَكُونُ الْعُلْوُ مَقْصُودًا كَمَا فِي سَمَرْقَنْدَ. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى: لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِ دَاخِلِ الْبُيُوت وَالْأَصَحُّ أَنَّ جَوَابَ الْكِتَابِ: أَيْ الْقُدُورِيِّ عَلَى وِفَاقِ عَادَتِهِمْ بِالْكُوفَةِ أَوْ بَغْدَادَ فِي الْأَبْنِيَةِ، فَإِنَّهَا تَخْتَلِفُ بِالضِّيقِ وَالسَّعَةِ، وَفِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ يَكُونُ كَصَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهَذَا يَصِيرُ مَعْلُومًا بِالنَّظَرِ إلَى جُدْرَانِهَا مِنْ خَارِجٍ، فَأَمَّا الْيَوْمُ يُرِيدُ بِهِ دِيَارَهُمْ فَلَا بُدَّ مِنْ الدُّخُولِ فِي دَاخِلِ الدَّارِ لِلتَّفَاوُتِ فِي مَالِيَّةِ الدُّورِ بِقِلَّةِ مَرَافِقِهَا وَكَثْرَتِهَا، فَالنَّظَرُ إلَى الظَّاهِرِ لَا يُوقِعُ الْعِلْمَ

قَالَ (وَنَظَرُ الْوَكِيلِ كَنَظَرِ الْمُشْتَرِي حَتَّى لَا يَرُدَّهُ إلَّا مِنْ عَيْبٍ، وَلَا يَكُونُ نَظَرُ الرَّسُولِ كَنَظَرِ الْمُشْتَرِي، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْبَاطِنِ وَهَذِهِ نُكْتَةُ زُفَرَ. قَالَ (وَنَظَرُ الْوَكِيلِ كَنَظَرِ الْمُشْتَرِي) قِيلَ صُورَةُ التَّوْكِيلِ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي لِغَيْرِهِ كُنْ وَكِيلًا عَنِّي فِي قَبْضِ الْمَبِيعِ أَوْ وَكَّلْتُك بِذَلِكَ. وَصُورَةُ الْإِرْسَالِ أَنْ يَقُولَ كُنْ رَسُولًا عَنِّي أَوْ أَرْسَلْتُك

وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا: هُمَا سَوَاءٌ، وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ) قَالَ مَعْنَاهُ الْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ، فَأَمَّا الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ فَرُؤْيَتُهُ تُسْقِطُ الْخِيَارَ بِالْإِجْمَاعِ، لَهُمَا أَنَّهُ تَوَكَّلَ بِالْقَبْضِ دُونَ إسْقَاطِ الْخِيَارِ فَلَا يَمْلِكُ مَا لَمْ يَتَوَكَّلْ بِهِ وَصَارَ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَالشَّرْطِ وَالْإِسْقَاطِ قَصْدًا. وَلَهُ أَنَّ الْقَبْضَ نَوْعَانِ: تَامٌّ وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَهُوَ يَرَاهُ. وَنَاقِصٌ، وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَهُ مَسْتُورًا وَهَذَا؛ لِأَنَّ تَمَامَهُ بِتَمَامِ الصَّفْقَةِ وَلَا تَتِمُّ مَعَ بَقَاءِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالْمُوَكِّلُ مَلَكَهُ بِنَوْعَيْهِ، فَكَذَا الْوَكِيلُ. وَمَتَى قَبَضَ الْمُوَكِّلُ وَهُوَ يَرَاهُ سَقَطَ الْخِيَارُ فَكَذَا الْوَكِيلُ لِإِطْلَاقِ التَّوْكِيلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ أَمَرْتُك بِقَبْضِهِ. وَقِيلَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالرَّسُولِ فِيمَا إذَا قَالَ أَمَرْتُك بِقَبْضِهِ إذَا نَظَرَ الْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ إلَى الْمَبِيعِ وَقَبْضُهُ يُسْقِطُ خِيَارَ الْمُشْتَرِي فَلَا يَرُدُّهُ إلَّا بِعَيْبٍ عَلِمَهُ الْوَكِيلُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ. وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: إذَا كَانَ عَيْبًا يَعْلَمُهُ الْوَكِيلُ يَجِبُ أَنْ يَبْطُلَ خِيَارُ الْعَيْبِ بِالْقَبْضِ إلَيْهِ، فَإِذَا نَظَرَ الرَّسُولُ وَقَبَضَهُ لَا يَسْقُطُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: نَظَرُ الرَّسُولِ لَا يَسْقُطُ بِالِاتِّفَاقِ، وَنَظَرُ الْوَكِيلِ كَنَظَرِهِ فَهُمَا سَوَاءٌ فِي عَدَمِ سُقُوطِ خِيَارِ الْمُشْتَرِي وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَلَمَّا كَانَتْ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُطْلَقَةً فِي الْوَكِيلِ وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ لَيْسَ حُكْمُهُ كَذَلِكَ فَسَّرَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ مَعْنَاهُ الْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ، فَأَمَّا الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ فَرُؤْيَتُهُ تُسْقِطُ الْخِيَارَ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَيْهِ (لَهُمَا أَنَّهُ تَوَكَّلَ) أَيْ قَبْلَ الْوَكَالَةِ (بِالْقَبْضِ دُونَ إسْقَاطِ الْخِيَارِ) وَمَا لَمْ يَتَوَكَّلْ بِهِ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ وَكَالَةً (فَلَا يَمْلِكُ) إسْقَاطَ الْخِيَارِ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِيمَا لَمْ يَتَوَكَّلْ بِهِ فَصَارَ كَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا ثُمَّ وَكَّلَ وَكِيلًا بِقَبْضِهِ فَقَبَضَ الْوَكِيلُ مَعِيبًا رَائِيًا عَيْبَهُ لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُ الْعَيْبِ لِلْمُوَكِّلِ، وَكَمَنْ اشْتَرَى بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَوَكَّلَ بِقَبْضِهِ فَقَبَضَهُ لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُ الشَّرْطِ لِلْمُوَكِّلِ، وَكَمَا إذَا وَكَّلَ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ فَقَبَضَهُ مَسْتُورًا ثُمَّ رَآهُ الْوَكِيلُ فَأَسْقَطَ الْخِيَارَ قَصْدًا لَا يَسْقُطُ خِيَارُ الْمُوَكِّلِ. وَدَلِيلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَبْنِيٌّ عَلَى مُقَدِّمَةٍ هِيَ (أَنَّ الْقَبْضَ عَلَى نَوْعَيْنِ: تَامٌّ وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَهُوَ يَرَاهُ، وَنَاقِصٌ وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَهُوَ مَسْتُورٌ) (قَوْلُهُ وَهَذَا) إشَارَةٌ إلَى تَنَوُّعِهِ بِالنَّوْعَيْنِ، وَبَيَانُهُ (أَنَّ تَمَامَ الْقَبْضِ بِتَمَامِ الصَّفْقَةِ وَلَا تَتِمُّ) الصَّفْقَةُ (مَعَ بَقَاءِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ) لِأَنَّ تَمَامَهَا تَنَاهِيهَا فِي اللُّزُومِ بِحَيْثُ لَا يَرْتَدُّ إلَّا بِرِضَاهُ أَوْ قَضَاءً،

وَإِذَا قَبَضَهُ مَسْتُورًا انْتَهَى التَّوْكِيلُ بِالنَّاقِصِ مِنْهُ فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ قَصْدًا بَعْدَ ذَلِكَ، بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ فَيَتِمُّ الْقَبْضُ مَعَ بَقَائِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ يَمْنَعَانِ عَنْ ذَلِكَ، وَإِذَا ظَهَرَ هَذَا قُلْنَا: الْمُوَكِّلُ مَلَكَ الْقَبْضَ بِنَوْعَيْهِ، وَكُلُّ مَنْ مَلَكَهُ بِنَوْعَيْهِ مَلَكَهُ وَكِيلُهُ كَذَلِكَ عِنْدَ إطْلَاقِ التَّوْكِيلِ عَمَلًا بِإِطْلَاقِهِ. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْوَكِيلَ إذَا قَبَضَهُ قَبْضًا نَاقِصًا ثُمَّ رَآهُ أَسْقَطَ الْخِيَارَ قَصْدًا لَمْ يَسْقُطْ وَالْمُوَكِّلُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ يَسْقُطُ الْخِيَارُ فَلَيْسَ الْوَكِيلُ كَالْمُوَكِّلِ فِي الْقَبْضِ النَّاقِصِ لَا مَحَالَةَ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّ الْوَكِيلَ إذَا قَبَضَهُ مَسْتُورًا انْتَهَى التَّوْكِيلُ بِالْقَبْضِ النَّاقِصِ فَبَقِيَ أَجْنَبِيًّا فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ، وَفِي هَذَا الْجَوَابِ تَعَرُّضٌ إلَى رَدِّ قِيَاسِهِمَا عَلَى الْإِسْقَاطِ الْقَصْدِيِّ، وَإِلَى رَدِّ قَوْلِهِمَا دُونَ إسْقَاطِ الْخِيَارِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَتَوَكَّلْ بِإِسْقَاطِ الْخِيَارِ قَصْدًا أَوْ ضِمْنًا وَالْأَوَّلُ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنَّ إسْقَاطَ الْخِيَارِ فِي الْقَبْضِ التَّامِّ يَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ فِي ضِمْنِ الْمُتَوَكَّلِ بِهِ وَهُوَ الْقَبْضُ حَتَّى لَوْ رَأَى قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَسْقُطْ بِهِ الْخِيَارُ، بِخِلَافِ الْمُوَكِّلِ، وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا. وَالثَّانِي مَمْنُوعٌ فَإِنَّ مَنْ تَوَكَّلَ بِشَيْءٍ تَوَكَّلَ بِمَا يُتِمُّهُ لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا فَصَارَ كَخِيَارِ الْعَيْبِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ حَيْثُ لَا يَرْتَدُّ بِهِ إلَّا بِرِضًا أَوْ قَضَاءٍ، وَمَا لَمْ يَمْنَعْ تَمَامَ الصَّفْقَةِ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْضِ وَلِهَذَا مَلَكَ رَدَّ الْمَعِيبِ خَاصَّةً بَعْدَ الْقَبْضِ، وَلَمْ يُجْعَلْ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ لِأَنَّ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ قَبْلَ تَمَامِهَا مُمْتَنِعٌ، وَلَمَّا لَمْ يَمْتَنِعْ هَاهُنَا دَلَّ أَنَّهَا كَانَتْ تَامَّةً، وَهُوَ مِنْ مُوَضِّحَاتِ ذَلِكَ أَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ لِثُبُوتِ حَقِّ الْمُطَالَبَةِ بِالْجُزْءِ الْفَائِتِ وَذَلِكَ لِلْمُوَكِّلِ وَلَمْ يَصْدُرْ التَّوْكِيلُ بِالْقَبْضِ لِإِسْقَاطِهِ وَلَا يَسْتَلْزِمُهُ فَلَا يَمْلِكُهُ الْوَكِيلُ، وَخِيَارُ الشَّرْطِ لَا يَصْلُحُ مَقِيسًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فَوَكَّلَ وَكِيلًا بِقَبْضِهِ بَعْدَمَا رَآهُ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَلَوْ سَلَّمَ بَقَاءَ الْخِيَارِ فَالْمُوَكِّلُ لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ التَّامَّ لِأَنَّ تَمَامَهُ بِتَمَامِ الصَّفْقَةِ وَلَا تَتِمُّ الصَّفْقَةُ مَعَ بَقَاءِ خِيَارِ الشَّرْطِ، وَالْخِيَارُ لَا يَسْقُطُ بِقَبْضِهِ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْخِيَارِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَكَذَا وَكِيلُهُ، وَقَيَّدَ بِالتَّامِّ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ يَمْلِكُ النَّاقِصَ فَإِنَّ الْقَبْضَ مَعَ بَقَاءِ الْخِيَارِ نَاقِصٌ كَمَا أَنَّهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ نَاقِصٌ، وَالرَّسُولُ لَيْسَ كَالْوَكِيلِ فَإِنَّ إتْمَامَ مَا أُرْسِلَ بِهِ لَيْسَ إلَيْهِ وَإِنَّمَا إلَيْهِ تَبْلِيغُ الرِّسَالَةِ كَالرَّسُولِ

[بيع الأعمى وشراؤه]

وَخِيَارُ الشَّرْطِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ. وَلَوْ سُلِّمَ فَالْمُوَكِّلُ لَا يَمْلِكُ التَّامَّ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِقَبْضِهِ؛ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْخِيَارِ يَكُونُ بَعْدَهُ، فَكَذَا لَا يَمْلِكُهُ وَكِيلُهُ، وَبِخِلَافِ الرَّسُولِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا وَإِنَّمَا إلَيْهِ تَبْلِيغُ الرِّسَالَةِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ، وَالتَّسْلِيمَ إذَا كَانَ رَسُولًا فِي الْبَيْعِ. قَالَ (وَبَيْعُ الْأَعْمَى وَشِرَاؤُهُ جَائِزٌ وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا اشْتَرَى) لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ (ثُمَّ يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِجَسِّهِ الْمَبِيعَ إذَا كَانَ يُعْرَفُ بِالْجَسِّ، وَيَشُمُّهُ إذَا كَانَ يُعْرَفُ بِالشَّمِّ، وَيَذُوقُهُ إذَا كَانَ يُعْرَفُ بِالذَّوْقِ) كَمَا فِي الْبَصِيرِ (وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ فِي الْعَقَارِ حَتَّى يُوصَفَ لَهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْعَقْدِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ وَالتَّسْلِيمَ. [بَيْعُ الْأَعْمَى وَشِرَاؤُهُ] قَالَ (وَبَيْعُ الْأَعْمَى وَشِرَاؤُهُ جَائِزٌ) بَيْعُ الْأَعْمَى وَشِرَاؤُهُ جَائِزٌ عِنْدَنَا (وَلَهُ الْخِيَارُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ كَانَ بَصِيرًا فَعَمِيَ فَكَذَا الْجَوَابُ، وَإِنْ كَانَ أَكْمَهَ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا شِرَاؤُهُ أَصْلًا لِأَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُ بِالْأَلْوَانِ وَالصِّفَاتِ، وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِمُعَامَلَةِ النَّاسِ الْعُمْيَانِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَبِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ مَنْ لَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ بِنَفْسِهِ لَا يَمْلِكُ الْأَمْرَ بِهِ لِغَيْرِهِ، فَإِذَا احْتَاجَ الْأَعْمَى إلَى مَا يَأْكُلُ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ شِرَاءِ الْمَأْكُولِ وَلَا التَّوْكِيلِ بِهِ مَاتَ جُوعًا وَفِيهِ مِنْ الْقُبْحِ مَا لَا يَخْفَى. وَلَنَا (أَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ، وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ بِالْحَدِيثِ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ) وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " لَمْ يَرَهُ سَلْبٌ " وَهُوَ يَقْتَضِي تَصَوُّرَ الْإِيجَابِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْبَصِيرِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ مُعَامَلَةِ النَّاسِ الْعُمْيَانِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ

لِأَنَّ الْوَصْفَ يُقَامُ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ كَمَا فِي السَّلَمِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا وَقَفَ فِي مَكَان لَوْ كَانَ بَصِيرًا لَرَآهُ وَقَالَ: قَدْ رَضِيتُ سَقَطَ خِيَارُهُ، لِأَنَّ التَّشَبُّهَ يُقَامُ مَقَامَ الْحَقِيقَةِ فِي مَوْضِعِ الْعَجْزِ كَتَحْرِيكِ الشَّفَتَيْنِ يُقَامُ مَقَامَ الْقِرَاءَةِ فِي حَقِّ الْأَخْرَسِ فِي الصَّلَاةِ، وَإِجْرَاءُ الْمُوسَى مَقَامَ الْحَلْقِ فِي حَقِّ مَنْ لَا شَعْرَ لَهُ فِي الْحَجِّ. وَقَالَ الْحَسَنُ: يُوَكِّلُ وَكِيلًا بِقَبْضِهِ وَهُوَ يَرَاهُ وَهَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْوَكِيلِ كَرُؤْيَةِ الْمُوَكِّلِ عَلَى مَا مَرَّ آنِفًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ ذَلِكَ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ بِمَنْزِلَةِ الْإِجْمَاعِ، وَيَسْقُطُ خِيَارُهُ بِمُبَاشَرَةِ مَا هُوَ سَبَبُ الْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ، فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا يُعْلَمُ بِمَسِّهِ فَخِيَارُهُ يَسْقُطُ بِجَسِّهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُعْلَمُ بِالشَّمِّ فَبِشَمِّهِ وَبِذَوْقِهِ فِي الْمَذُوقَاتِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ شَجَرًا أَوْ ثَمَرًا عَلَى شَجَرٍ أَوْ عَقَارًا فَإِنَّ خِيَارَهُ لَا يَسْقُطُ حَتَّى يُوصَفَ لَهُ لِأَنَّ الْوَصْفَ يُقَامُ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ كَمَا فِي السَّلَمِ. وَقَالَ بَعْضُ أَئِمَّةِ بَلْخِي: يَمَسُّ الْحَائِطَ وَالْأَشْجَارَ، فَإِذَا بَاشَرَ بِسَبَبِ الْعِلْمِ أَوْ وُصِفَ لَهُ أَوْ وُصِفَ وَمَسَّ وَقَالَ رَضِيت سَقَطَ الْخِيَارُ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا وَقَفَ فِي مَكَان لَوْ كَانَ الْوَاقِفُ بَصِيرًا لَرَآهُ وَقَدْ قَالَ رَضِيت سَقَطَ خِيَارُهُ، لِأَنَّ التَّشَبُّهَ يَقُومُ مَقَامَ الْحَقِيقَةِ فِي مَوْضِعِ الْعَجْزِ كَتَحْرِيكِ الشَّفَتَيْنِ وَإِجْرَاءِ الْمُوسَى فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ وَالْأَصْلَعِ، وَإِطْلَاقُ الرِّوَايَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَقُولُ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ الْوَصْفِ. قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَعْمَى: يَشْتَرِي الشَّيْءَ لَمْ يَرَهُ فَيَقُولُ قَدْ رَضِيت قَالَ: لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ، وَإِنْ كَانَ فِي مَكَان لَوْ كَانَ بَصِيرًا لَرَآهُ ثُمَّ قَالَ قَدْ رَضِيته لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ. وَقَالَ الْفَقِيهُ: قَالَ بَعْضُهُمْ: يُوقَفُ فِي مَكَان لَوْ كَانَ بَصِيرًا لَرَآهُ وَمَعَ ذَلِكَ يُوصَفُ لَهُ، وَهَذَا أَحْسَنُ الْأَقَاوِيلِ، قَالَ: وَبِهِ نَأْخُذُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: يُوَكِّلُ وَكِيلًا يَقْبِضُهُ وَهُوَ يَرَاهُ. وَهَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ كَرُؤْيَةِ الْمُوَكِّلِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَلَوْ وُصِفَ لَهُ فَقَالَ رَضِيت ثُمَّ أَبْصَرَ فَلَا خِيَارَ لَهُ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ تَمَّ وَسَقَطَ الْخِيَارُ فَلَا يَعُودُ. وَلَوْ اشْتَرَى بَصِيرًا ثُمَّ عَمِيَ انْتَقَلَ الْخِيَارُ إلَى الصِّفَةِ لِأَنَّ النَّاقِلَ لِلْخِيَارِ مِنْ النَّظَرِ إلَى صِفَةِ الْعَجْزِ، وَقَدْ اسْتَوَى فِي ذَلِكَ كَوْنُهُ أَعْمَى وَقْتَ الْعَقْدِ وَصَيْرُورَتُهُ أَعْمَى بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ.

قَالَ (وَمَنْ رَأَى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ فَاشْتَرَاهُمَا ثُمَّ رَأَى الْآخَرَ جَازَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُمَا) لِأَنَّ رُؤْيَةَ أَحَدِهِمَا لَا تَكُونُ رُؤْيَةَ الْآخَرِ لِلتَّفَاوُتِ فِي الثِّيَابِ فَبَقِيَ الْخِيَارُ فِيمَا لَمْ يَرَهُ، ثُمَّ لَا يَرُدُّهُ وَحْدَهُ بَلْ يَرُدُّهُمَا كَيْ لَا يَكُونَ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَتِمُّ مَعَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ، وَلِهَذَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّدِّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا وَيَكُونُ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَمَنْ رَأَى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ فَاشْتَرَاهُمَا) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ الْمُتَفَاوِتَةِ الْآحَادِ فِي الْبَيْعِ رُؤْيَةَ بَعْضِهَا لَا يُعَرِّفُ الْبَاقِيَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَعَلَى هَذَا إذَا رَأَى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ فَاشْتَرَاهُمَا ثُمَّ رَأَى الْآخَرَ فَلَهُ الْخِيَارُ، لَكِنْ لَا يَرُدُّ الَّذِي رَآهُ وَحْدَهُ، بَلْ يَرُدُّهُمَا إنْ شَاءَ كَيْ لَا يَلْزَمَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَنَا مَعْنَى تَمَامِ الصَّفْقَةِ، وَأَنَّهَا لَا تَتِمُّ مَعَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ، وَلِكَوْنِهَا غَيْرَ تَامَّةٍ يَتَمَكَّنُ الْمُشْتَرِي مِنْ الرَّدِّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا فَيَكُونُ الرَّدُّ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِصِفَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. فَإِنَّ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «نَهَى النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ» قِيلَ: تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَهُوَ يَقْتَضِي رَدَّهُمَا جَمِيعًا إنْ شَاءَ، وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ» الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الَّذِي لَمْ يَرَهُ وَحْدَهُ، فَمَا وَجْهُ تَرْجِيحِ حَدِيثِ النَّهْيِ عَلَى الْمُجِيزِ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مُوجِبَ النَّهْيِ مُطَّرِدٌ فِي جَمِيعِ صُوَرِهِ، وَمُوجِبَ الْمُجِيزِ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرَّدَّ إذَا تَعَيَّبَ أَوْ أَعْتَقَ أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ أَوْ دَبَّرَهُ وَالْمُطَّرِدُ رَاجِحٌ وَبِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ وَالْمُحَرَّمُ رَاجِحٌ عَلَى الْمُبِيحِ، أَوْ لِأَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْمُبِيحِ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَكْرِيرُ النَّسْخِ وَبِأَنَّ الرَّدَّ كَمَا كَانَ غَيْرَ مُمْكِنٍ؟ لِأَنَّ رَدَّ أَحَدِ الثَّوْبَيْنِ لَا يَكُونُ رَدًّا لِأَنَّهُ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ لَا أَحَدَهُمَا، وَالرَّدُّ إنَّمَا يَصِحُّ أَنْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمَرْدُودُ عَلَى الْحَالَةِ الْأُولَى قَبْلَ النَّهْيِ عَنْ تَفْرِيقِهَا مُطْلَقًا، وَقَدْ قَيَّدْتُمْ بِمَا قَبْلَ التَّمَامِ فَيَكُونُ مَتْرُوكَ الظَّاهِرِ، وَمِثْلُهُ مَرْجُوحٌ. وَالْجَوَابُ أَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا هُوَ عَنْ التَّفْرِيقِ وَالتَّقْيِيدِ بِمَا قَبْلَ التَّمَامِ بِالْقِيَاسِ عَلَى ابْتِدَاءِ الصَّفْقَةِ، فَإِنَّهُ إذَا أَوْجَبَ الْبَيْعَ فِي شَيْئَيْنِ لَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي الْقَبُولَ فِي أَحَدِهِمَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْبَائِعِ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ بِضَمِّ الرَّدِيءِ إلَى الْجَيِّدِ تَرْوِيجًا لَهُ بِالْجَيِّدِ، فَإِذَا عُلِمَ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ رَدِّ

وَمَنْ مَاتَ وَلَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ بَطَلَ خِيَارُهُ) لِأَنَّهُ لَا يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ عِنْدَنَا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ (وَمَنْ رَأَى شَيْئًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ بَعْدَ مُدَّةٍ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي رَآهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ) لِأَنَّ الْعِلْمَ بِأَوْصَافِهِ حَاصِلٌ لَهُ بِالرُّؤْيَةِ السَّابِقَةِ، وَبِفَوَاتِهِ يَثْبُتُ الْخِيَارُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَدِهِمَا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ يَنْدَفِعُ مَا اسْتَشْكَلَ بِالِاسْتِحْقَاقِ، فَإِنَّ مَنْ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ فَاسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا لَا يَرُدُّ الْبَاقِيَ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ إذَا رَدَّ أَحَدَهُمَا فَلَا بُدَّ مِنْ رَدِّ الْآخَرِ أَيْضًا لِأَنَّ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ رَدَّ أَحَدِهِمَا يُوجِبُ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ لِأَنَّهَا لَا تَتِمُّ مَعَ بَقَاءِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ. وَفِي فَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ لَمْ تَتَفَرَّقْ عَلَى الْمُشْتَرِي قَبْلَ التَّمَامِ بَلْ تَمَّتْ فِيمَا كَانَ مِلْكُ الْبَائِعِ غَيْرَ مَعِيبٍ بِعَيْبِ الشَّرِكَةِ، حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَبْدًا وَاحِدًا فَاسْتُحِقَّ بَعْضُهُ كَانَ لَهُ رَدُّ الْبَاقِي كَمَا فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْأَعْيَانِ الْمُجْتَمِعَةِ عَيْبٌ وَالْمُشْتَرِي لَمْ يَرْضَ بِهِ، لَكِنْ فِي صُورَةِ الِاسْتِحْقَاقِ لَهُ وِلَايَةُ رَدِّ الْبَاقِي لِدَفْعِ ضَرَرٍ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ، فَإِنْ شَاءَ رَضِيَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ. وَفِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ عَلَيْهِ رَدُّ الْآخَرِ لِدَفْعِ ضَرَرٍ يَلْزَمُ الْبَائِعَ. قَالَ (وَمَنْ مَاتَ وَلَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ بَطَلَ خِيَارُهُ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ لِأَنَّهُ مَشِيئَةٌ، وَهُوَ عَرْضٌ وَالْعَرْضُ لَا يَنْتَقِلُ وَالْإِرْثُ فِيمَا يَنْتَقِلُ، فَكَذَا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْبَحْثَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ مُسْتَوْفًى فَلَا يُحْتَاجُ إلَى إعَادَتِهِ. قَالَ (وَمَنْ رَأَى شَيْئًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ بَعْدَ مُدَّةٍ، فَإِنْ كَانَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ الَّتِي رَآهُ) عَلَيْهَا سَقَطَ الْخِيَارُ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِأَوْصَافِهِ حَاصِلٌ لَهُ بِتِلْكَ الرُّؤْيَةِ السَّابِقَةِ، وَبِفَوَاتِ الْعِلْمِ بِالْأَوْصَافِ يَثْبُتُ الْخِيَارُ، فَبَيْنَ الْعِلْمِ بِالْأَوْصَافِ

إلَّا إذَا كَانَ لَا يَعْلَمُهُ مَرْئِيَّهُ لِعَدَمِ الرِّضَا بِهِ (وَإِنْ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا فَلَهُ الْخِيَارُ) لِأَنَّ تِلْكَ الرُّؤْيَةَ لَمْ تَقَعْ مُعْلِمَةً بِأَوْصَافِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي التَّغَيُّرِ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ حَادِثٌ وَسَبَبُ اللُّزُومِ ظَاهِرٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَثُبُوتِ الْخِيَارِ مُنَافَاةٌ، وَيَثْبُتُ أَحَدُ الْمُتَنَافِيَيْنِ وَهُوَ الْعِلْمُ بِالْأَوْصَافِ بِتِلْكَ الرُّؤْيَةِ فَيَنْتَفِي الْآخَرُ وَهُوَ ثُبُوتُ الْخِيَارِ إلَّا إذَا كَانَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي رَآهُ كَمَا إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا مَلْفُوفًا كَانَ رَآهُ مِنْ قَبْلُ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمُشْتَرَى ذَلِكَ الْمَرْئِيُّ فَإِنَّ لَهُ الْخِيَارَ حِينَئِذٍ لِعَدَمِ الرِّضَا بِهِ، وَإِنَّمَا اسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةَ لِدَفْعِ مَا عَسَى أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ عِلَّةَ انْتِفَاءِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ هُوَ الْعِلْمُ بِالْأَوْصَافِ، وَهَاهُنَا لَمَّا كَانَ الْمَبِيعُ مَرْئِيًّا مِنْ قَبْلُ لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْهَا كَانَ الْعِلْمُ بِهَا حَاصِلًا فَلَا يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَمْرَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَكِنَّ شَرْطَهُ الرِّضَا بِهِ وَحَيْثُ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ مَرْئِيُّهُ لَمْ يَرْضَ بِهِ فَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ وَإِنْ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا فَلَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّ تِلْكَ الرُّؤْيَةَ لَمْ تَقَعْ مُعَلَّمَةً بِأَوْصَافِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي التَّغَيُّرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ، لِأَنَّ التَّغَيُّرَ حَادِثٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ بِعَيْبٍ أَوْ تَبَدُّلِ هَيْئَةٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا عَارِضٌ وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِيهِ وَالْبَائِعُ مُنْكِرٌ وَمُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ، لِأَنَّ سَبَبَ لُزُومِ الْعَقْدِ وَهُوَ رُؤْيَةُ جُزْءٍ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ هُوَ الرُّؤْيَةُ السَّابِقَةُ، وَقِيلَ هُوَ الْبَيْعُ الْبَاتُّ الْخَالِي عَنْ الشُّرُوطِ الْمُفْسِدَةِ ظَاهِرٌ، وَالْأَصْلُ لُزُومُ الْعَقْدِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ مُدَّعِي

إلَّا إذَا بَعُدَتْ الْمُدَّةُ عَلَى مَا قَالُوا لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لِلْمُشْتَرِي، بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهَا أَمْرٌ حَادِثٌ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى عِدْلَ زُطِّيٍّ وَلَمْ يَرَهُ فَبَاعَ مِنْهُ ثَوْبًا أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ لَمْ يَرُدَّ شَيْئًا مِنْهَا إلَّا مِنْ عَيْبٍ، وَكَذَلِكَ خِيَارُ الشَّرْطِ) ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الرَّدُّ فِيمَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ، وَفِي رَدِّ مَا بَقِيَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ يَمْنَعَانِ تَمَامَهَا، بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَتِمُّ مَعَ خِيَارِ الْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَتِمُّ قَبْلَهُ وَفِيهِ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَارِضِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا بَعُدَتْ الْمُدَّةُ عَلَى مَا قَالُوا) أَيْ الْمُتَأَخِّرُونَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي، لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهُ، فَإِنَّ الشَّيْءَ يَتَغَيَّرُ بِطُولِ الزَّمَانِ، وَمَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَقَالَ: أَرَأَيْت لَوْ كَانَتْ جَارِيَةً شَابَّةً رَآهَا فَاشْتَرَاهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِعِشْرِينَ سَنَةً وَزَعَمَ الْبَائِعُ أَنَّهَا لَمْ تَتَغَيَّرْ كَانَ يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الرُّؤْيَةِ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ: يَعْنِي إذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي رُؤْيَةِ الْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْعِلْمَ بِالصِّفَاتِ وَأَنَّهُ حَادِثٌ، وَالْمُشْتَرِيَ مُنْكِرٌ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ الْيَمِينِ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى عِدْلَ زُطِّيٍّ) الْعِدْلُ بِالْكَسْرِ الْمِثْلُ، وَمِنْهُ عِدْلُ الْمَتَاعِ. وَالزُّطُّ: جِيلٌ مِنْ الْهِنْدِ يُنْسَبُ إلَيْهِمْ الثِّيَابُ الزُّطِّيَّةُ. وَمَنْ اشْتَرَى عِدْلَ زُطِّيٍّ وَلَمْ يَرَهُ وَقَبَضَهُ فَبَاعَ مِنْهُ ثَوْبًا، كَذَا لَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْبِضْ لَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ، فَإِذَا قَبَضَهُ فَبَاعَ مِنْهُ ثَوْبًا أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ لَمْ يَرُدَّ شَيْئًا مِنْهَا: أَيْ مِنْ الثِّيَابِ الزُّطِّيَّةِ إلَّا مِنْ عَيْبٍ. ذَكَّرَ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ وَلَمْ يَرَهُ وَغَيْرِهِ نَظَرًا إلَى الْعِدْلِ، وَأَنَّثَ فِي قَوْلِهِ مِنْهَا نَظَرًا إلَى الثِّيَابِ، فَإِنَّهُ إذَا بَاعَ مِنْهُ ثَوْبًا لَمْ يَبْقَ عِدْلًا بَلْ ثِيَابًا مِنْ الْعِدْلِ، وَكَذَا إذَا اشْتَرَى عِدْلَ زُطِّيٍّ بِخِيَارِ الشَّرْطِ فَقَبَضَهُ وَبَاعَ ثَوْبًا مِنْهُ أَوْ وَهَبَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الرَّدَّ تَعَذَّرَ فِيمَا خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ، وَفِي رَدِّ مَا بَقِيَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ لِأَنَّ الْخِيَارَيْنِ يَمْنَعَانِ تَمَامَهَا كَمَا مَرَّ. وَأَمَّا خِيَارُ الْعَيْبِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ تَمَامَهَا بَعْدَ

[باب خيار العيب]

فَلَوْ عَادَ إلَيْهِ بِسَبَبٍ هُوَ فَسْخٌ فَهُوَ عَلَى خِيَارِ الرُّؤْيَةِ، كَذَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَعُودُ بَعْدَ سُقُوطِهِ كَخِيَارِ الشَّرْطِ، وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الْقُدُورِيُّ. (بَابُ خِيَارِ الْعَيْبِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَبْضِ، وَفِيهِ وَضْعُ مُحَمَّدٍ الْمَسْأَلَةَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمَا جَازَ التَّصَرُّفُ فِيهِ (فَلَوْ عَادَ) الثَّوْبُ الَّذِي بَاعَهُ (إلَى الْمُشْتَرِي بِسَبَبٍ هُوَ فَسْخٌ) بِأَنْ رَدَّ الْمُشْتَرِي الثَّانِي بِالْعَيْبِ بِالْقَضَاءِ أَوْ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ فَهُوَ أَيْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ أَوْ الْوَاهِبُ عَلَى خِيَارِهِ، فَجَازَ أَنْ يَرُدَّ الْكُلَّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِارْتِفَاعِ الْمَانِعِ مِنْ الْأَصْلِ وَهُوَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ (كَذَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَا يَعُودُ بَعْدَ سُقُوطِهِ) لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ (كَخِيَارِ الشَّرْطِ وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الْقُدُورِيُّ) . [بَابُ خِيَارِ الْعَيْبِ] أَخَّرَ خِيَارَ الْعَيْبِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ اللُّزُومَ بَعْدَ التَّمَامِ، وَإِضَافَةُ الْخِيَارِ إلَى الْعَيْبِ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى سَبَبِهِ. إذَا اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ فِي الْمَبِيعِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي وَصْفَ السَّلَامَةِ: أَيْ سَلَامَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَنْ الْعَيْبِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرَى مِنْ عَدَّاءِ بْنِ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ عَبْدًا وَكَتَبَ فِي عُهْدَتِهِ هَذَا مَا اشْتَرَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ عَبْدًا

(وَإِذَا اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ فِي الْمَبِيعِ) فَهُوَ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي وَصْفَ السَّلَامَةِ، فَعِنْدَ فَوْتِهِ يَتَخَيَّرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا دَاءَ وَلَا غَائِلَةَ وَلَا خِبْثَةَ بَيْعَ الْمُسْلِمِ مِنْ الْمُسْلِمِ» وَتَفْسِيرُ الدَّاءِ فِيمَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَرَضُ فِي الْجَوْفِ وَالْكَبِدِ وَالرِّئَةِ فَإِنَّ الْمَرَضَ مَا يَكُونُ فِي سَائِرِ الْبَدَنِ وَالدَّاءُ مَا يَكُونُ فِي الْجَوْفِ وَالْكَبِدِ وَالرِّئَةِ. وَفِيمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: الدَّاءُ الْمَرَضُ، وَالْغَائِلَةُ مَا تَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْأَفْعَالِ كَالْإِبَاقِ وَالسَّرِقَةِ، وَالْخِبْثَةُ هِيَ الِاسْتِحْقَاقُ، وَقِيلَ هِيَ الْجُنُونُ، وَفِي هَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْمَبِيعِ عَنْ الْعَيْبِ، وَوَصْفُ السَّلَامَةِ يَفُوتُ بِوُجُودِ الْعَيْبِ، فَعِنْدَ فَوَاتِهِ يَتَخَيَّرُ لِأَنَّ الرِّضَا دَاخِلٌ فِي حَقِيقَةِ الْبَيْعِ، وَعِنْدَ فَوَاتِهِ يَنْتَفِي الرِّضَا فَيَتَضَرَّرُ بِلُزُومِ مَا لَا يَرْضَى بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: تَقْرِيرُ كَلَامِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْبَيْعِ، لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ إذَا اقْتَضَى وَصْفَ السَّلَامَةِ كَانَ مُسْتَلْزِمًا لَهُ، فَإِذَا فَاتَ اللَّازِمُ انْتَفَى الْمَلْزُومُ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَهُوَ الْعَقْدُ

كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ بِلُزُومِ مَا لَا يَرْضَى بِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ وَيَأْخُذَ النُّقْصَانَ؛ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فِي مُجَرَّدِ الْعَقْدِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِزَوَالِهِ عَنْ مِلْكِهِ بِأَقَلَّ مِنْ الْمُسَمَّى فَيَتَضَرَّرُ بِهِ، وَدَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي مُمْكِنٌ بِالرَّدِّ بِدُونِ تَضَرُّرِهِ، وَالْمُرَادُ عَيْبٌ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَلَمْ يَرَهُ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الْبَيْعِ وَلَا عِنْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ رِضًا بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّازِمُ، وَمِنْ انْتِفَائِهِ لَا يَلْزَمُ انْتِفَاءُ الْعَقْدِ (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ وَيَأْخُذَ النُّقْصَانَ) لِأَنَّ الْفَائِتَ وَصْفٌ، إذْ الْعَيْبُ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِمَا يُوجِبُ فَوَاتَ جُزْءٍ مِنْ الْمَبِيعِ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ كَالْعَمَى وَالْعَوَرِ وَالشَّلَلِ وَالزَّمَانَةِ وَالْأُصْبُعِ النَّاقِصَةِ وَالسِّنِّ السَّوْدَاءِ وَالسِّنِّ السَّاقِطَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِمَا يُوجِبُ النُّقْصَانَ مَعْنًى لَا صُورَةً كَالسُّعَالِ الْقَدِيمِ وَارْتِفَاعِ الْحَيْضِ فِي زَمَانِهِ وَالزِّنَا وَالدَّفَرِ وَالْبَخَرِ فِي الْجَارِيَةِ وَفِي ذَلِكَ كُلِّهِ فَوَاتُ وَصْفٍ وَالْأَوْصَافُ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، لِأَنَّ الثَّمَنَ إمَّا أَنْ يُقَابَلَ بِالْوَصْفِ وَالْأَصْلِ أَوْ بِالْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي أَوْ بِالْعَكْسِ، لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى مُزَاحَمَةِ التَّبَعِ الْأَصْلَ فَتَعَيَّنَ الثَّالِثُ (قَوْلُهُ فِي مُجَرَّدِ الْعَقْدِ) احْتِرَازًا عَمَّا إذَا كَانَتْ الْأَوْصَافُ مَقْصُودَةً بِالتَّنَاوُلِ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِزَوَالِهِ) دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ إمْسَاكِهِ بِأَخْذِ النُّقْصَانِ أَيْ قِيمَتِهِ

قَالَ (وَكُلُّ مَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ الثَّمَنِ فِي عَادَةِ التُّجَّارِ فَهُوَ عَيْبٌ) ؛ لِأَنَّ التَّضَرُّرَ بِنُقْصَانِ الْمَالِيَّةِ، وَذَلِكَ بِانْتِقَاصِ الْقِيمَةِ وَالْمَرْجِعُ فِي مَعْرِفَتِهِ عُرْفُ أَهْلِهِ. (وَالْإِبَاقُ وَالْبَوْلُ فِي الْفِرَاشِ وَالسَّرِقَةُ فِي الصَّغِيرِ عَيْبٌ مَا لَمْ يَبْلُغْ، فَإِذَا بَلَغَ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِعَيْبٍ حَتَّى يُعَاوِدَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ) وَمَعْنَاهُ: إذَا ظَهَرَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ فِي صِغَرِهِ ثُمَّ حَدَثَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فِي صِغَرِهِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ ذَلِكَ، وَإِنْ حَدَثَتْ بَعْدَ بُلُوغِهِ لَمْ يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ سَبَبَ هَذِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ أَرْشِهِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَرْضَ بِزَوَالِ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ بِأَقَلَّ مِنْ الْمُسَمَّى، وَفِي إمْسَاكِهِ وَأَخْذِ النُّقْصَانِ زَوَالُهُ بِالْأَقَلِّ فَلَمْ يَكُنْ مَرْضِيَّهُ، وَعَدَمُ رِضَا الْبَائِعِ بِزَوَالِ الْمَبِيعِ مُنَافٍ لِوُجُودِ الْبَيْعِ فَيَكُونُ إلْزَامًا عَلَى الْبَائِعِ بِلَا بَيْعٍ، وَفِيهِ مِنْ الضَّرَرِ مَا لَا يَخْفَى، وَالْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ يَتَضَرَّرُ بِالْعَيْبِ أَيْضًا لَكِنْ يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ بِرَدِّ الْمَبِيعِ بِدُونِ مَضَرَّةٍ فَلَا ضَرُورَةَ فِي أَخْذِ النُّقْصَانِ. قِيلَ: الْبَائِعُ إذَا بَاعَ مَعِيبًا فَإِذَا هُوَ سَلِيمٌ الْبَائِعُ يَتَضَرَّرُ لِمَا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ نَقَصَ الثَّمَنُ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ مَعِيبٌ وَلَا خِيَارَ لَهُ. وَعَلَى هَذَا فَالْوَاجِبُ إمَّا شُمُولُ الْخِيَارِ لَهُمَا أَوْ عَدَمُهُ لَهُمَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَبِيعَ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَتَصَرُّفِهِ وَمُمَارَسَتِهِ طُولَ زَمَانِهِ فَأُنْزِلَ عَالِمًا بِصِفَةِ مِلْكِهِ فَلَا يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ وَإِنْ ظَهَرَ بِخِلَافِهِ. وَأَمَّا الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ مَا رَأَى الْمَبِيعَ، فَلَوْ أَلْزَمْنَا الْعَقْدَ مَعَ الْعَيْبِ تَضَرَّرَ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ حَصَلَ لَهُ فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ، ثُمَّ الْمُرَادُ مِنْ الْعَيْبِ الْمُوجِبِ لِلْخِيَارِ عَيْبٌ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَلَمْ يَرَهُ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الْبَيْعِ وَلَا عِنْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ: أَيْ رُؤْيَةَ الْعَيْبِ عِنْدَ إحْدَى الْحَالَيْنِ رِضًا بِالْعَيْبِ دَلَالَةً قَالَ (وَكُلُّ مَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ الثَّمَنِ) الْعَيْبُ مَا يَخْلُو عَنْهُ أَصْلُ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ضَابِطَةً كُلِّيَّةً يُعْلَمُ بِهَا الْعُيُوبُ الْمُوجِبَةُ لِلْخِيَارِ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ فَقَالَ (وَكُلُّ مَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ الثَّمَنِ فِي عَادَةِ التُّجَّارِ فَهُوَ عَيْبٌ لِأَنَّ التَّضَرُّرَ بِنُقْصَانِ الْمَالِيَّةِ) وَنُقْصَانُ الْمَالِيَّةِ (بِانْتِقَاصِ الْقِيمَةِ، فَالنَّقْصُ بِانْتِقَاصِ الْقِيمَةِ وَالْمَرْجِعُ فِي مَعْرِفَتِهِ عُرْفُ أَهْلِهِ) . قَالَ (وَالْإِبَاقُ وَالْبَوْلُ فِي الْفِرَاشِ وَالسَّرِقَةُ عَيْبٌ فِي الصَّغِيرِ) الَّذِي

الْأَشْيَاءِ يَخْتَلِفُ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ، فَالْبَوْلُ فِي الْفِرَاشِ فِي الصِّغَرِ لِضَعْفِ الْمَثَانَةِ، وَبَعْدَ الْكِبَرِ لِدَاءٍ فِي بَاطِنِهِ، وَالْإِبَاقُ فِي الصِّغَرِ لِحُبِّ اللَّعِبِ وَالسَّرِقَةُ لِقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ، وَهُمَا بَعْدَ الْكِبَرِ لِخُبْثٍ فِي الْبَاطِنِ، وَالْمُرَادُ مِنْ الصَّغِيرِ مَنْ يَعْقِلُ، فَأَمَّا الَّذِي لَا يَعْقِلُ فَهُوَ ضَالٌّ لَا آبِقٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ عَيْبًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْقِلُ إذَا أَبَقَ مِنْ مَوْلَاهُ مَا دُونَ السَّفَرِ مِنْ الْمِصْرِ إلَى الْقَرْيَةِ أَوْ بِالْعَكْسِ، فَذَلِكَ عَيْبٌ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ الْمَنَافِعَ عَلَى الْمَوْلَى، وَالسَّفَرُ وَمَا دُونَهُ فِيهِ سَوَاءٌ، فَلَوْ أَبَقَتْ الْجَارِيَةُ مِنْ الْغَاصِبِ إلَى مَوْلَاهَا فَلَيْسَ بِإِبَاقٍ، وَإِنْ أَبَقَتْ مِنْهُ وَلَمْ تَرْجِعْ إلَى مَوْلَاهَا عَالِمَةً بِمَنْزِلِهِ وَتَقْوَى عَلَى الرُّجُوعِ إلَيْهِ فَهُوَ عَيْبٌ، وَإِنْ فَاتَ أَحَدُهُمَا فَلَيْسَ بِعَيْبٍ، وَإِذَا بَالَ فِي الْفِرَاشِ وَهُوَ مُمَيِّزٌ يَأْكُلُ وَحْدَهُ وَيَشْرَبُ وَحْدَهُ فَكَذَلِكَ، وَإِذَا سَرَقَ دِرْهَمًا مِنْ مَوْلَاهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ لِإِخْلَالِهَا بِالْمَقْصُودِ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُهُ عَلَى مَالِهِ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ حِفْظُ مَالِهِ عَلَى الدَّوَامِ وَتُقْطَعُ يَدُهُ فِي سَرِقَةِ مَالِ غَيْرِهِ فَيَكُونُ عَيْبًا بِلَا تَفْرِقَةٍ بَيْنَ الْمَوْلَى وَغَيْرِهِ إلَّا فِي الْمَأْكُولَاتِ لِلْأَكْلِ، فَإِنْ سَرَقَهَا مِنْ مَوْلَاهَا لَيْسَتْ بِعَيْبٍ، فَإِذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْ الصَّغِيرِ عِنْدَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي حَالِ صِغَرِهِ فَهُوَ عَيْبٌ يُرَدُّ بِهِ، وَإِذَا وُجِدَتْ عِنْدَهُمَا فِي حَالِ كِبَرِهِ فَكَذَلِكَ. وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَ فَكَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ فِي صِغَرِهِ وَعِنْدَ الْمُشْتَرِي فِي كِبَرِهِ فَلَا يُرَدُّ بِهِ لِأَنَّ سَبَبَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُخْتَلِفٌ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ عَلَى

قَالَ (وَالْجُنُونُ فِي الصِّغَرِ عَيْبٌ أَبَدًا) وَمَعْنَاهُ: إذَا جُنَّ فِي الصِّغَرِ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثُمَّ عَاوَدَهُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِيهِ أَوْ فِي الْكِبَرِ يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ الْأَوَّلِ، إذْ السَّبَبُ فِي الْحَالَيْنِ مُتَّحِدٌ وَهُوَ فَسَادُ الْبَاطِنِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ الْمُعَاوَدَةَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إزَالَتِهِ وَإِنْ كَانَ قَلَّمَا يَزُولُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُعَاوَدَةِ لِلرَّدِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا قَالَ فِي الْكِتَابِ. قَالَ (وَالْجُنُونُ فِي الصِّغَرِ عَيْبٌ أَبَدًا) مَعْنَاهُ: أَنَّ الْجُنُونَ فَارَقَ الْعُيُوبَ الْمَذْكُورَةَ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ اتِّحَادِ الْحَالَتَيْنِ، لِأَنَّ السَّبَبَ فِي الْحَالَتَيْنِ وَاحِدٌ وَهُوَ فَسَادُ الْبَاطِنِ، فَإِذَا جُنَّ فِي يَدِ الْبَائِعِ فِي صِغَرِهِ يَوْمًا أَوْ سَاعَةً ثُمَّ عَاوَدَهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فِي كِبَرِهِ يُرَدُّ بِهِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُعَاوَدَةَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِشَرْطٍ كَمَا مَالَ إلَيْهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْمُنْتَقَى بِنَاءً عَلَى أَنَّ آثَارَهُ لَا تَرْتَفِعُ، وَذَلِكَ تَبَيَّنَ فِي حَمَالِيقِ عَيْنَيْهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إزَالَتِهِ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى مِنْ أَثَرِهِ شَيْءٌ، وَالْأَصْلُ فِي الْعَقْدِ اللُّزُومُ فَلَا يَثْبُتُ وِلَايَةُ الرَّدِّ إلَّا بِالْمُعَاوَدَةِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ

(قَالَ: وَالْبَخَرُ وَالدَّفْرُ عَيْبٌ فِي الْجَارِيَةِ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَدْ يَكُونُ الِاسْتِفْرَاشَ وَطَلَبَ الْوَلَدِ وَهُمَا يُخِلَّانِ بِهِ، وَلَيْسَ بِعَيْبٍ فِي الْغُلَامِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الِاسْتِخْدَامُ وَلَا يُخِلَّانِ بِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ دَاءٍ؛ لِأَنَّ الدَّاءَ عَيْبٌ (وَالزِّنَا وَوَلَدُ الزِّنَا عَيْبٌ فِي الْجَارِيَةِ دُونَ الْغُلَامِ) ؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ فِي الْجَارِيَةِ وَهُوَ الِاسْتِفْرَاشُ وَطَلَبُ الْوَلَدِ، وَلَا يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ فِي الْغُلَامِ وَهُوَ الِاسْتِخْدَامُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ الْكَبِيرِ. قَالَ (وَالدَّفَرُ وَالْبَخَرُ عَيْبٌ فِي الْجَارِيَةِ) الدَّفَرُ: رَائِحَةٌ مُؤْذِيَةٌ تَجِيءُ مِنْ الْإِبِطِ، وَالذَّفَرُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ: شِدَّةُ الرَّائِحَةِ طَيِّبَةً كَانَتْ أَوْ كَرِيهَةً، وَمِنْهُ مِسْكٌ أَذْفَرُ وَإِبِطٌ دَفْرَاءُ وَهُوَ مُرَادُ الْفُقَهَاءِ مِنْ قَوْلِهِمْ الدَّفَرُ عَيْبٌ فِي الْجَارِيَةِ، وَهَكَذَا فِي الرِّوَايَةِ. وَالْبَخَرُ: نَتْنُ رَائِحَةِ الْفَمِ، كُلٌّ مِنْهَا عَيْبٌ فِي الْجَارِيَةِ لِلْإِخْلَالِ بِمَا عَسَى يَكُونُ مَقْصُودًا وَهُوَ الِاسْتِفْرَاشُ، وَلَيْسَ بِعَيْبٍ فِي الْغُلَامِ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِالْخِدْمَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَاحِشًا لَا يَكُونُ فِي النَّاسِ مِثْلُهُ. لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مِنْ دَاءٍ وَالدَّاءُ نَفْسُهُ يَكُونُ عَيْبًا، وَالزِّنَا وَوَلَدُ الزِّنَا عَيْبٌ فِي الْجَارِيَةِ دُونَ الْغُلَامِ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ يُخِلُّ بِالِاسْتِفْرَاشِ وَالثَّانِي بِطَلَبِ الْوَلَدِ، فَإِنَّ الْوَلَدَ يُعَيَّرُ بِزِنَا أُمِّهِ وَلَيْسَا بِمُخِلَّيْنِ

إلَّا أَنْ يَكُونَ الزِّنَا عَادَةً لَهُ عَلَى مَا قَالُوا؛ لِأَنَّ اتِّبَاعَهُنَّ يُخِلُّ بِالْخِدْمَةِ. قَالَ (وَالْكُفْرُ عَيْبٌ فِيهِمَا) ؛ لِأَنَّ طَبْعَ الْمُسْلِمِ يَنْفِرُ عَنْ صُحْبَتِهِ؛ وَلِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ صَرْفُهُ فِي بَعْضِ الْكَفَّارَاتِ فَتَخْتَلُّ الرَّغْبَةُ، فَلَوْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ كَافِرٌ فَوَجَدَهُ مُسْلِمًا لَا يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّهُ زَوَالُ الْعَيْبِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا لَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ الْمُسْلِمُ، وَفَوَاتُ الشَّرْطِ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْمَقْصُودِ مِنْ الْغُلَامِ وَهُوَ الِاسْتِخْدَامُ، إلَّا أَنْ يَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى مَا قَالَ الْمَشَايِخُ فَإِنَّهُ يَصِيرُ عَادَةً وَيُحْتَاجُ إلَى اتِّبَاعِهِنَّ وَهُوَ مُخِلٌّ بِالْخِدْمَةِ. قَالَ (وَالْكُفْرُ عَيْبٌ فِيهِمَا) الْكُفْرُ عَيْبٌ فِي الْجَارِيَةِ وَالْغُلَامِ لِأَنَّ طَبْعَ الْمُسْلِمِ يَنْفِرُ عَنْ صُحْبَتِهِ، وَالنُّفْرَةُ عَنْ الصُّحْبَةِ تُؤَدِّي إلَى قِلَّةِ الرَّغْبَةِ وَهِيَ تُؤَثِّرُ فِي نُقْصَانِ الثَّمَنِ فَيَكُونُ عَيْبًا، وَلِأَنَّهُ يَمْنَعُ صَرْفَهُ عَنْ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ بِالِاتِّفَاقِ، وَعَنْ كَفَّارَتَيْ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ عِنْدَ بَعْضٍ فَيُخِلُّ بِالرَّغْبَةِ، فَإِنْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ مُسْلِمٌ فَوَجَدَهُ كَافِرًا فَلَا شُبْهَةَ فِي الرَّدِّ، فَإِنْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ كَافِرٌ فَوَجَدَهُ مُسْلِمًا لَمْ يُرَدَّ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ زَوَالُ الْعَيْبِ وَزَوَالُ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ إيَّاهُ، كَمَا إذَا اشْتَرَى مَعِيبًا فَإِذَا هُوَ سَلِيمٌ، فَعَلَى هَذَا ذَكَرَ الْكُفْرَ فِيمَا اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ كَافِرٌ لِلْبَرَاءَةِ عَنْ عَيْبِ الْكُفْرِ لَا لِلشَّرْطِ بِأَنْ يُوجَدَ فِيهِ هَذَا الْوَصْفُ الْقَبِيحُ لَا مَحَالَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُرَدُّ بِهِ لِأَنَّهُ فَاتَ شَرْطٌ مَرْغُوبٌ، لِأَنَّ الْأَوْلَى بِالْمُسْلِمِ أَنْ يَسْتَعْبِدَ الْكَافِرَ وَكَانَ السَّلَفُ يَسْتَعْبِدُونَ الْعُلُوجَ. وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ رَاجِعٌ إلَى الدِّيَانَةِ وَلَا عِبْرَةَ بِهِ فِي الْمُعَامَلَاتِ. فَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ بَالِغَةً لَا تَحِيضُ بِأَنْ ارْتَفَعَ عَنْهَا فِي أَقْصَى غَايَةِ الْبُلُوغِ وَهُوَ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً فِيهَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ فِيمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَوْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ فِيمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَوْ سَنَتَيْنِ فِيمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّهَا لَمْ تَحِضْ لِحَبَلٍ بِهَا أَوْ لِدَاءٍ كَانَ ذَلِكَ عَيْبًا تُرَدُّ بِهِ، وَالْمَرْجِعُ فِي الْحَبَلِ قَوْلُ النِّسَاءِ. وَيُكْتَفَى بِقَوْلِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي حَقِّ سَمَاعِ الْخُصُومَةِ، وَفِي الدَّاءِ قَوْلُ الْأَطِبَّاءِ يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ عَدْلَيْنِ. وَقَالَ أَبُو الْمُعِينِ: يَكْفِي قَوْلُ عَدْلٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَقَيَّدْنَا بِأَنْ تَكُونَ الدَّعْوَةُ بَعْدَ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ، لِأَنَّهُ إذَا ادَّعَى فِي مُدَّةٍ قَصِيرَةٍ لَا يَلْزَمُ الْقَاضِيَ الْإِصْغَاءُ إلَى ذَلِكَ، وَبِأَنْ تَكُونَ دَعْوَاهُ مُشْتَمِلَةً عَلَى انْضِمَامِ الْحَبَلِ إلَى انْقِطَاعِ الْحَيْضِ، أَوْ عَلَى انْضِمَامِ الدَّاءِ إلَيْهِ لِأَنَّ الِارْتِفَاعَ بِدُونِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ لَا يُعَدُّ عَيْبًا، وَكَذَا إذَا بَلَغَتْ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ وَحَاضَتْ

(قَالَ: فَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ بَالِغَةً لَا تَحِيضُ أَوْ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ فَهُوَ عَيْبٌ) ؛ لِأَنَّ ارْتِفَاعَ الدَّمِ وَاسْتِمْرَارَهُ عَلَامَةُ الدَّاءِ، وَيُعْتَبَرُ فِي الِارْتِفَاعِ أَقْصَى غَايَةِ الْبُلُوغِ وَهُوَ سَبْعَ عَشَرَةَ سَنَةً فِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِقَوْلِ الْأَمَةِ فَتُرَدُّ إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ نُكُولُ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَمْ يَنْقَطِعْ كَانَ ذَلِكَ عَيْبًا، لِأَنَّ ارْتِفَاعَ الدَّمِ وَاسْتِمْرَارَهُ عَلَامَةُ الدَّاءِ، لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي الَّتِي خُلِقَتْ عَلَى السَّلَامَةِ الْحَيْضُ فِي أَوَانِهِ وَالْمُعَاوَدَةُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَدُومُ، فَإِذَا جَاوَزَتْ أَقْصَى الْعَدَدِ وَهُوَ سَبْعَةَ عَشْرَةَ سَنَةً وَلَمْ تَحِضْ أَوْ حَاضَتْ وَلَمْ يَنْقَطِعْ كَانَ ذَلِكَ لِدَاءٍ فِي بَطْنِهَا وَالدَّاءُ عَيْبٌ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ: أَيْ الِارْتِفَاعُ وَالِاسْتِمْرَارُ بِقَوْلِ الْأَمَةِ، فَإِنْ أَنْكَرَ الْبَائِعُ ذَلِكَ لَا تُرَدُّ عَلَيْهِ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَلَا يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ الْأَمَةِ وَحْدَهَا فَيُسْتَحْلَفُ الْبَائِعُ، فَإِنْ نَكَلَ تُرَدُّ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ مَقْبُولَةٌ فِي تَوَجُّهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخُصُومَةِ فَقَطْ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تُرَدُّ قَبْلَ الْقَبْضِ بِقَوْلِ الْأَمَةِ وَبِشَهَادَةِ النِّسَاءِ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَتَأَكَّدْ

(قَالَ: وَإِذَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِيَ عَيْبٌ فَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ وَلَا يَرُدُّ الْمَبِيعَ) ؛ لِأَنَّ فِي الرَّدِّ إضْرَارًا بِالْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ سَالِمًا، وَيَعُودُ مَعِيبًا فَامْتَنَعَ، وَلَا بُدَّ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ فَتَعَيَّنَ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِعَيْبِهِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالضَّرَرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَجَازَ أَنْ يُفْسَخَ بِشَهَادَتِهِنَّ (قَالَ: وَإِذَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ) إذَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ بِأَنْ يُقَوَّمَ الْمَبِيعُ سَلِيمًا عَنْ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَمَعِيبًا بِهِ فَمَا كَانَ بَيْنَهُمَا مِنْ عُشْرٍ أَوْ ثُمُنٍ أَوْ سُدُسٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ (وَلَا يُرَدُّ الْمَبِيعُ لِأَنَّ فِي الرَّدِّ إضْرَارًا بِالْبَائِعِ) بِخُرُوجِ الْمَبِيعِ مِنْ مِلْكِهِ سَلِيمًا مِنْ الْعَيْبِ الْحَادِثِ وَعَوْدِهِ إلَيْهِ مَعِيبًا بِهِ وَالْإِضْرَارُ مُمْتَنِعٌ (وَلَا بُدَّ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْبَائِعِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَعُودَ إلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ أَيْضًا يَتَضَرَّرُ بِالْمَعِيبِ، لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ، وَالرُّجُوعُ طَرِيقٌ صَالِحٌ لِلدَّفْعِ فَتَعَيَّنَ مِدْفَعًا، إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِعَيْبِهِ الْحَادِثِ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالضَّرَرِ، وَالرِّضَا إسْقَاطٌ لِحَقِّهِ كَمَا أَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْضَى أَنْ يَأْخُذَهُ بِعَيْبِهِ الْقَدِيمِ. فَإِنْ قِيلَ: أَيْنَ قَوْلُكُمْ الْأَوْصَافُ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ. أُجِيبَ بِأَنَّهَا إذَا صَارَتْ مَقْصُودَةً بِالتَّنَاوُلِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَانَ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَهَاهُنَا كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ.

قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا رَجَعَ بِالْعَيْبِ) ؛ لِأَنَّهُ امْتَنَعَ الرَّدُّ بِالْقَطْعِ فَإِنَّهُ عَيْبٌ حَادِثٌ (فَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ: أَنَا أَقْبَلُهُ كَذَلِكَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ) وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ (فَوَجَدَهُ مَعِيبًا رَجَعَ بِالْعَيْبِ لِامْتِنَاعِ الرَّدِّ بِالْقَطْعِ) الَّذِي هُوَ عَيْبٌ حَادِثٌ. لَا يُقَالُ: الْبَائِعُ يَتَضَرَّرُ بِرَدِّهِ مَعِيبًا وَالْمُشْتَرِي بِعَدَمِ رَدِّهِ، فَكَانَ الْوَاجِبُ تَرْجِيحَ جَانِبِ الْمُشْتَرِي فِي دَفْعِ الضَّرَرِ لِأَنَّ الْبَائِعَ غَرَّهُ بِتَدْلِيسِ الْعَيْبِ. لِأَنَّا نَقُولُ: الْمَعْصِيَةُ لَا تَمْنَعُ عِصْمَةَ الْمَالِ كَالْغَاصِبِ إذَا صَبَغَ الْمَغْصُوبَ فَكَانَ فِي شَرْعِ الرُّجُوعِ بِالْعَيْبِ نَظَرٌ لَهُمَا، وَفِي إلْزَامِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ إضْرَارٌ لِلْبَائِعِ لَا لِفِعْلٍ بَاشَرَهُ، وَفِي عَدَمِ الرَّدِّ وَإِنْ كَانَ إضْرَارًا بِالْمُشْتَرِي لَكِنْ لِعَجْزِهِ بِمَا بَاشَرَهُ فَكَانَا سَوَاءً فَاعْتُبِرَ مَا هُوَ أَنْظَرُ لَهُمَا، إلَّا إذَا قَالَ الْبَائِعُ أَنَا أَقْبَلُهُ كَذَلِكَ فَإِنَّ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ عَنْ الرَّدِّ كَانَ لِحَقِّهِ وَقَدْ رَضِيَ بِهِ فَكَانَ إسْقَاطًا لِحَقِّهِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَا إذَا اشْتَرَى بَعِيرًا فَنَحَرَهُ فَلَمَّا شَقَّ بَطْنَهُ وَجَدَ أَمْعَاءَهُ فَاسِدَةً فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِيهِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. أُجِيبَ بِأَنَّ النَّحْرَ إفْسَادٌ لِلْمَالِيَّةِ لِصَيْرُورَةِ الْبَعِيرِ بِهِ عُرْضَةً لِلنَّتْنِ وَالْفَسَادِ، وَلِهَذَا لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ بِسَرِقَتِهِ فَيَخْتَلُّ مَعْنَى قِيَامِ الْمَبِيعِ، فَإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي يَعْنِي بَعْدَ الْقَطْعِ ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ جَازَ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ كُنْت أَقْبَلُهُ كَذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ الرَّدُّ مُمْتَنِعًا بِرِضَا الْبَائِعِ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَصِيرُ بِالْعَيْبِ حَابِسًا الْمَبِيعَ وَلَا رُجُوعَ بِالنُّقْصَانِ إذْ ذَاكَ لِإِمْكَانِ رَدِّ الْمَبِيعِ وَأَخْذِ الثَّمَنِ لَوْلَا الْبَيْعُ، وَلَوْ قَطَعَ الثَّوْبَ وَخَاطَهُ أَوْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ أَوْ لَتَّ السَّوِيقَ بِسَمْنٍ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ رَجَعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ لِأَنَّ الرَّدَّ قَدْ امْتَنَعَ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ، لِأَنَّ الْفَسْخَ إمَّا أَنْ

لِحَقِّهِ وَقَدْ رَضِيَ بِهِ (فَإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ) ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ بِرِضَا الْبَائِعِ فَيَصِيرُ هُوَ بِالْبَيْعِ حَابِسًا لِلْمَبِيعِ فَلَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ (فَإِنْ قَطَعَ الثَّوْبَ وَخَاطَهُ أَوْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ، أَوْ لَتَّ السَّوِيقَ بِسَمْنٍ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ رَجَعَ بِنُقْصَانِهِ) لِامْتِنَاعِ الرَّدِّ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى الْفَسْخِ فِي الْأَصْلِ بِدُونِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ، وَلَا وَجْهَ إلَيْهِ مَعَهَا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ بِمَبِيعَةٍ فَامْتَنَعَ أَصْلًا (وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَهُ) ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لِحَقِّ الشَّرْعِ لَا لِحَقِّهِ (فَإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَمَا رَأَى الْعَيْبَ رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ) لِأَنَّ الرَّدَّ مُمْتَنِعٌ أَصْلًا قَبْلَهُ فَلَا يَكُونُ بِالْبَيْعِ حَابِسًا لِلْمَبِيعِ. وَعَنْ هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQيَرِدَ عَلَى الْأَصْلِ بِدُونِ الزِّيَادَةِ أَوْ عَلَيْهِ مَعَهَا وَلَا سَبِيلَ إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهَا لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ بِمَبِيعَةٍ وَالْفَسْخُ لَا يَرِدُ إلَّا عَلَى مَحَلِّ الْعَقْدِ وَالِامْتِنَاعُ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ فِي حَقِّ الشَّرْعِ لِكَوْنِهِ رِبًا فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَقُولَ أَنَا آخُذُهُ فَتَعَيَّنَ الرُّجُوعُ بِالْعَيْبِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ. وَلَا يُشْكِلُ بِالزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الْبَيْعِ كَالسِّمَنِ وَالْجَمَالِ فَإِنَّهَا لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ لِأَنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ فِي الزِّيَادَةِ مُمْكِنٌ تَبَعًا لِلْأَصْلِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ هُنَا تَمَحَّضَتْ تَبَعًا لِلْأَصْلِ بِاعْتِبَارِ التَّوَلُّدِ. بِخِلَافِ الصَّبْغِ وَالْخِيَاطَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الزِّيَادَةَ إمَّا مُتَّصِلَةٌ أَوْ مُنْفَصِلَةٌ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْمَبِيعِ أَوْ غَيْرُ مُتَوَلِّدَةٍ. فَالْمُتَّصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ مِنْ الْمَبِيعِ كَالْجَمَالِ وَالْحُسْنِ لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَغَيْرُ الْمُتَوَلِّدَةِ كَالصَّبْغِ وَالْخِيَاطَةِ تَمْنَعُ عَنْهُ بِالِاتِّفَاقِ، وَالْمُنْفَصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرِ تَمْنَعُ مِنْهُ لِمَا مَرَّ مِنْ التَّعْلِيلِ، وَغَيْرُ الْمُتَوَلِّدَةِ كَالْكَسْبِ لَا تَمْنَعُ، لَكِنَّ طَرِيقَ ذَلِكَ أَنْ يُفْسَخَ الْعَقْدُ فِي الْأَصْلِ دُونَ الزِّيَادَةِ وَتُسَلَّمُ الزِّيَادَةُ لِلْمُشْتَرِي مَجَّانًا، بِخِلَافِ الْوَلَدِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْكَسْبَ لَيْسَ بِمَبِيعٍ بِحَالٍ مَا لِأَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْ الْمَنَافِعِ، وَالْمَنَافِعُ غَيْرُ الْأَعْيَانِ وَلِهَذَا كَانَتْ مَنَافِعُ الْحُرَّةِ مَالًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحُرُّ مَالًا وَالْوَلَدُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْمَبِيعِ فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْمَبِيعِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُسَلَّمَ لَهُ مَجَّانًا لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّبَا، فَإِنْ بَاعَ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ الْمَخِيطَ أَوْ الثَّوْبَ الْمَصْبُوغَ بِالْحُمْرَةِ أَوْ السَّوِيقَ الْمَلْتُوتَ بِالسَّمْنِ بَعْدَ مَا رَأَى الْعَيْبَ رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ لِأَنَّ الرَّدَّ كَانَ مُمْتَنِعًا قَبْلَ الْبَيْعِ فَلَا يَكُونُ الْمُشْتَرِي بِالْبَيْعِ حَابِسًا بِالْمَبِيعِ، وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ قَبْلَ الْخِيَاطَةِ كَانَ حَابِسًا، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يَكُونُ الْمَبِيعُ قَائِمًا فِيهِ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَيُمْكِنُهُ الرَّدُّ بِرِضَا الْبَائِعِ، فَإِنْ أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ لَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ يَكُونُ الْمَبِيعُ قَائِمًا فِيهِ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَيُمْكِنُهُ الرَّدُّ وَإِنْ رَضِيَ بِهِ الْبَائِعُ، فَإِنْ أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ رَجَعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ (وَعَنْ هَذَا) أَيْ عَمَّا قُلْنَا إنَّ الْمُشْتَرِيَ مَتَى

(قُلْنَا: إنَّ مَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ لِبَاسًا لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَخَاطَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ، وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ كَبِيرًا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ حَصَلَ فِي الْأَوَّلِ قَبْلَ الْخِيَاطَةِ، وَفِي الثَّانِيَ بَعْدَهَا بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ حَابِسًا لِلْمَبِيعِ لَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ وَمَتَى لَمْ يَكُنْ حَابِسًا يَرْجِعُ (قُلْنَا: إنَّ مَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ لِبَاسًا لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَخَاطَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَمْ يَرْجِعْ بِالنُّقْصَانِ) لِأَنَّ التَّمْلِيكَ حَصَلَ قَبْلَ الْخِيَاطَةِ، لِأَنَّهُ لَمَّا قَطَعَهُ لِبَاسًا لَهُ كَانَ وَاهِبًا لَهُ وَقَابِضًا لِأَجَلِهِ فَتَتِمُّ الْهِبَةُ بِنَفْسِ الْإِيجَابِ وَقَامَتْ يَدُهُ مَقَامَ يَدِ الصَّغِيرِ. فَالْقَطْعُ عَيْبٌ حَادِثٌ وَلِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَقُولَ أَنَا أَقْبَلُهُ كَذَلِكَ، لَكِنْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْقَطْعَ لِلْوَلَدِ الصَّغِيرِ وَهُوَ تَمْلِيكٌ لَهُ صَارَ حَابِسًا لِلْمَبِيعِ فَيَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ بِالْعَيْبِ، وَهَذِهِ نَظِيرُ مَا إذَا بَاعَ بَعْدَ الْقَطْعِ قَبْلَ الْخِيَاطَةِ، وَعَلَى هَذَا ذَكَرَ الْخِيَاطَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَيْسَ بِمُحْتَاجٍ إلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَهَا بِمُقَابَلَةِ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ (وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ كَبِيرًا رَجَعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ) لِأَنَّ الْقَطْعَ عَيْبٌ حَادِثٌ، فَلِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ بِالْعَيْبِ وَبِالْخِيَاطَةِ امْتَنَعَ الرُّجُوعُ حَقًّا لِلشَّرْعِ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ، فَبِالتَّمْلِيكِ وَالتَّسْلِيمِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ حَابِسًا لِلْمَبِيعِ لِامْتِنَاعِ الرَّدِّ قَبْلَهُ، وَهَذِهِ نَظِيرُ مَا إذَا بَاعَهُ بَعْدَ الْخِيَاطَةِ وَالصَّبْغِ وَاللَّتِّ.

قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ أَوْ مَاتَ عِنْدَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ رَجَعَ بِنُقْصَانِهِ) أَمَّا الْمَوْتُ؛ فَلِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَهِي بِهِ وَالِامْتِنَاعُ حُكْمِيٌّ لَا يَفْعَلُهُ، وَأَمَّا الْإِعْتَاقُ فَالْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ لَا يَرْجِعَ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ بِفِعْلِهِ فَصَارَ كَالْقَتْلِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ إنْهَاءُ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مَا خُلِقَ فِي الْأَصْلِ مَحَلًّا لِلْمِلْكِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِ مُوَقَّتًا إلَى الْإِعْتَاقِ فَكَانَ إنْهَاءً فَصَارَتْ كَالْمَوْتِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ: وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ) اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ (أَوْ مَاتَ عِنْدَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ أَمَّا الْمَوْتُ فَلِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَهِي بِهِ) أَيْ يَتِمُّ، وَكُلُّ مَا انْتَهَى فَقَدْ لَزِمَ لِامْتِنَاعِ الرَّدِّ حِينَئِذٍ، وَفِيهِ إضْرَارٌ لِلْمُشْتَرِي بِمَا لَيْسَ بِفِعْلِهِ وَهُوَ الْمَوْتُ فَيَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ. فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ (وَالِامْتِنَاعُ حُكْمِيٌّ لَا بِفِعْلِهِ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِامْتِنَاعَ إذَا كَانَ بِفِعْلِهِ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ وَهُوَ مَنْقُوضٌ بِمَا إذَا صَبَغَ الثَّوْبَ أَحْمَرَ فَإِنَّهُ امْتَنَعَ الرَّدُّ بِفِعْلِهِ وَيُوجِبُ الرُّجُوعَ بِالْعَيْبِ. أُجِيبَ بِأَنَّ امْتِنَاعَ الرَّدِّ هُنَاكَ بِسَبَبِ وُجُودِ زِيَادَةٍ فِي الْمَبِيعِ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْفِعْلِ فَكَانَ الِامْتِنَاعُ لِحَقِّ الشَّرْعِ وَهُوَ شُبْهَةُ الرِّبَا. وَرُدَّ بِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَجِبُ أَنْ يَقُولَ: وَالِامْتِنَاعُ حُكْمِيٌّ لَا يَفْعَلُهُ الَّذِي لَا يُوجِبُ الزِّيَادَةَ، وَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ فِي الْجَوَابِ عَدَمُ الرَّدِّ فِي الصَّبْغِ بِمَا حَصَلَ مِنْ فِعْلِهِ مِنْ وُجُودِ الزِّيَادَةِ فِي الْمَبِيعِ لَا بِفِعْلِهِ، وَأَمَّا الْإِعْتَاقُ فَالْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ لَا يَرْجِعَ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ بِفِعْلِهِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، لِأَنَّهُ لَمَّا اكْتَسَبَ بِسَبَبِ تَعَذُّرِ الرَّدِّ كَانَ حَابِسًا حُكْمًا فَكَأَنَّهُ فِي يَدِهِ يَحْبِسُهُ وَيُرِيدُ الرُّجُوعَ فَصَارَ كَالْقَتْلِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: يَرْجِعُ لِأَنَّ الْعِتْقَ إنْهَاءُ الْمِلْكِ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مَا خَلَفَ فِي الْأَصْلِ مَحَلًّا لِلْمِلْكِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِ مُوَقَّتًا إلَى وَقْتِ الْإِعْتَاقِ وَالْمُوَقَّتُ إلَى وَقْتٍ يَنْتَهِي بِانْتِهَائِهِ، فَكَانَ الْإِعْتَاقُ إنْهَاءً كَالْمَوْتِ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ جَوَازُ الرُّجُوعِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ عِنْدَ الِانْتِهَاءِ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَتَقَرَّرُ بِانْتِهَائِهِ

يَتَقَرَّرُ بِانْتِهَائِهِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْمِلْكَ بَاقٍ وَالرَّدَّ مُتَعَذِّرٌ. وَالتَّدْبِيرُ وَالِاسْتِيلَادُ بِمَنْزِلَتِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ النَّقْلُ مَعَ بَقَاءِ الْمَحَلِّ بِالْأَمْرِ الْحُكْمِيِّ (وَإِنْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ) لِأَنَّهُ حَبَسَ بَدَلَهُ وَحَبْسُ الْبَدَلِ كَحَبْسِ الْمُبْدَلِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ إنْهَاءٌ لِلْمِلْكِ وَإِنْ كَانَ بِعِوَضٍ. (فَإِنْ قَتَلَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ أَوْ كَانَ طَعَامًا فَأَكَلَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْمِلْكَ بَاقٍ وَالرَّدُّ فَصَارَ حَابِسًا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَلَاءَ يَثْبُتُ بِالْعِتْقِ وَالْوَلَاءُ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْمِلْكِ فَبَقَاؤُهُ كَبَقَاءِ أَصْلِ الْمِلْكِ (وَالتَّدْبِيرُ وَالِاسْتِيلَادُ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ) لِأَنَّ النَّقْلَ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ تَعَذَّرَ بِالرَّدِّ بِالْأَمْرِ الْحُكْمِيِّ مَعَ بَقَاءِ الْمَحَلِّ وَالْمِلْكِ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَكُونَانِ كَالْإِعْتَاقِ وَهُوَ مِنْهُ دُونَهُمَا فَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِنْهَاءَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِتَقْرِيرِ الْمِلْكِ بِجَعْلِ مَا لَمْ يَكُنْ كَائِنًا، وَهَاهُنَا مُتَقَرِّرٌ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ (وَإِنْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ) أَوْ كَاتَبَهُ (لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ) لِأَنَّهُ حَبَسَ بَدَلَهُ، وَحَبْسُ الْبَدَلِ كَحَبْسِ الْمُبْدَلِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَرْجِعُ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ إنْهَاءُ الْمِلْكِ وَإِنْ كَانَ بِعِوَضٍ لِأَنَّ الْمَالَ فِيهِ لَيْسَ بِأَمْرٍ أَصْلِيٍّ بَلْ مِنْ الْعَوَارِضِ وَلِهَذَا يَثْبُتُ الْوَلَاءُ بِهِ، وَإِنْ قَتَلَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ الْمَبِيعَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَمْ يَرْجِعْ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرْجِعُ، وَذَكَرَ فِي الْيَنَابِيعِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَهُ لِأَنَّ قَتْلَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ دُنْيَوِيٌّ يُفِيدُ بَدَلًا كَالْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ فَصَارَ كَالْمَوْتِ بِمَرَضٍ عَلَى فِرَاشِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْقَتْلَ لَا يُوجَدُ إلَّا مَضْمُونًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ فِي الْإِسْلَامِ دَمٌ مُفَرَّجٌ» أَيْ مُبْطَلٌ، وَسُقُوطُ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ عَنْ الْمَوْلَى فِي قَتْلِ عَبْدِهِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ فَصَارَ كَالْمُسْتَفِيدِ بِالْمِلْكِ عِوَضًا، بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُوجِبٍ لِلضَّمَانِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ مُطْلَقًا لِعَدَمِ نُفُوذِهِ، وَمِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ إذَا كَانَ مُعْسِرًا فَقَدْ تَخَلَّفَ عَنْ الضَّمَانِ فَلَمْ يَصِرْ بِهِ مُسْتَقْضِيًا فَيَمْنَعُ الرُّجُوعَ، وَإِذَا كَانَ الْمَبِيعُ طَعَامًا فَأَكَلَهُ أَوْ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ حَتَّى تَخَرَّقَ لَا يَرْجِعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتِحْسَانًا، وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ لِأَنَّهُ فَعَلَ بِالْمَبِيعِ مَا يُقْصَدُ بِشِرَائِهِ وَيُعْتَادُ فِعْلُهُ فِيهِ فَأَشْبَهَ الْإِعْتَاقَ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الرَّدَّ تَعَذَّرَ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ مِنْ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ كَمَا إذَا بَاعَ أَوْ قَتَلَ، وَذَلِكَ

أَمَّا الْقَتْلُ فَالْمَذْكُورُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَرْجِعُ) لِأَنَّ قَتْلَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ دُنْيَاوِيٌّ فَصَارَ كَالْمَوْتِ حَتْفَ أَنْفِهِ فَيَكُونُ إنْهَاءً. وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْقَتْلَ لَا يُوجَدُ إلَّا مَضْمُونًا، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ هَاهُنَا بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ فَيَصِيرُ كَالْمُسْتَفِيدِ بِهِ عِوَضًا، بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ لَا مَحَالَةً كَإِعْتَاقِ الْمُعْسِرِ عَبْدًا مُشْتَرَكًا، وَأَمَّا الْأَكْلُ فَعَلَى الْخِلَافِ، فَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ وَعِنْدَهُ لَا يَرْجِعُ اسْتِحْسَانًا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا لَبِسَ الثَّوْبَ حَتَّى تَخَرَّقَ لَهُمَا أَنَّهُ صَنَعَ فِي الْمَبِيعِ مَا يُقْصَدُ بِشِرَائِهِ وَيُعْتَادُ فِعْلُهُ فِيهِ فَأَشْبَهَ الْإِعْتَاقَ. وَلَهُ أَنَّهُ تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ مِنْهُ فِي الْمَبِيعِ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ وَالْقَتْلَ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِكَوْنِهِ مَقْصُودًا؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الْبَيْعَ مِمَّا يُقْصَدُ بِالشِّرَاءِ ثُمَّ هُوَ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، فَإِنْ أَكَلَ بَعْضَ الطَّعَامِ ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ فَكَذَا الْجَوَابُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فَصَارَ كَبَيْعِ الْبَعْضِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْأَكْلَ وَاللُّبْسَ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، وَبِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ اسْتَفَادَ الْبَرَاءَةَ فَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ عِوَضٍ سُلِّمَ لَهُ. وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمَا إنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِكَوْنِهِ مَقْصُودًا لِأَنَّ الْبَيْعَ مِمَّا يُقْصَدُ بِالشِّرَاءِ ثُمَّ هُوَ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ أَكَلَ

وَعِنْدَهُمَا أَنَّهُ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ فِي الْكُلِّ، وَعَنْهُمَا أَنَّهُ يَرُدُّ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ. (قَالَ: وَمَنْ اشْتَرَى بَيْضًا أَوْ بِطِّيخًا أَوْ قِثَّاءً أَوْ خِيَارًا أَوْ جَوْزًا فَكَسَرَهُ فَوَجَدَهُ فَاسِدًا فَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ رَجَعَ بِالثَّمَنِ كُلُّهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فَكَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْجَوْزِ صَلَاحُ قِشْرِهِ عَلَى مَا قِيلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْضَهُ ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ، فَكَذَا الْجَوَابُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الطَّعَامَ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فَصَارَ كَبَيْعِ الْبَعْضِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ فِي الْكُلِّ لِأَنَّ الطَّعَامَ فِي حُكْمِ شَيْءٍ وَاحِدٍ فَلَا يُرَدُّ بَعْضُهُ بِالْعَيْبِ وَأَكْلُ الْكُلِّ عِنْدَهُمَا لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِالْعَيْبِ فَأَكْلُ الْبَعْضِ أَوْلَى. وَفِي رِوَايَةٍ: يُرَدُّ مَا بَقِيَ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الرَّدِّ فِي الْبَعْضِ كَمَا قَبَضَهُ وَيَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ فِيمَا أَكَلَهُ. وَفِي بَيْعِ الْبَعْضِ عَنْهُمَا رِوَايَتَانِ: فِي إحْدَاهُمَا لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْمَذْكُورُ هَاهُنَا لِأَنَّ الطَّعَامَ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَبَيْعُ الْبَعْضِ فِيهِ كَبَيْعِ الْكُلِّ. وَفِي الْأُخْرَى يُرَدُّ مَا بَقِيَ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ وَلَكِنْ لَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ فِيمَا بَاعَ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى بَيْضًا أَوْ بِطِّيخًا) إذَا اشْتَرَى بَيْضًا أَوْ بِطِّيخًا (أَوْ قِثَّاءً أَوْ جَوْزًا) أَوْ شَيْئًا مِنْ الْفَوَاكِهِ (فَكَسَرَهُ) غَيْرَ عَالِمٍ بِعَيْبِهِ (فَوَجَدَ الْكُلَّ فَاسِدًا) بِأَنْ كَانَ مُنْتِنًا أَوْ مُرًّا أَوْ خَالِيًا بِحَيْثُ لَا يَصْلُحُ لِأَكْلِ النَّاسِ وَلَا لِعَلَفِ الدَّوَابِّ وَلَمْ يَتَنَاوَلْ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَمَا ذَاقَهُ (فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ) لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِالْكَسْرِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ إذْ الْمَالُ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ إمَّا فِي الْحَالِ وَإِمَّا فِي الْمَآلِ وَالْمَذْكُورُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَتَفَطَّنْ مِنْ الْقُيُودِ بِأَضْدَادِهَا، فَإِنَّهُ إذَا كَسَرَهُ عَالِمًا بِعَيْبِهِ صَارَ رَاضِيًا. وَإِذَا صَلَحَ لِأَكْلِ بَعْضِ النَّاسِ أَوْ الدَّوَابِّ أَوْ وَجَدَهُ قَلِيلَ اللُّبِّ كَانَ مِنْ الْعُيُوبِ لَا مِنْ الْفَسَادِ،

لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ بِاعْتِبَارِ اللُّبِّ (وَإِنْ كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ مَعَ فَسَادِهِ لَمْ يَرُدَّهُ) ؛ لِأَنَّ الْكَسْرَ عَيْبٌ حَادِثٌ (وَ) لَكِنَّهُ (يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ) دَفْعًا لِلضَّرَرِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّ الْكَسْرَ بِتَسْلِيطِهِ. قُلْنَا: التَّسْلِيطُ عَلَى الْكَسْرِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي لَا فِي مِلْكِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ ثَوْبًا فَقَطَعَهُ، وَلَوْ وَجَدَ الْبَعْضَ فَاسِدًا وَهُوَ قَلِيلٌ جَازَ الْبَيْعُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ قَلِيلٍ فَاسِدٍ. وَالْقَلِيلُ مَا لَا يَخْلُو عَنْهُ الْجَوْزُ عَادَةً كَالْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ فِي الْمِائَةِ، وَإِنْ كَانَ الْفَاسِدُ كَثِيرًا لَا يَجُوزُ وَيَرْجِعُ بِكُلِّ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَالِ وَغَيْرِهِ فَصَارَ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ تَنَاوَلَ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَمَا ذَاقَهُ صَارَ رَاضِيًا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَالًا لَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ فَيَكُونُ بَاطِلًا. فَإِنْ قِيلَ: التَّعْلِيلُ صَحِيحٌ فِي الْبَيْضِ لِأَنَّ قِشْرَهُ لَا قِيمَةَ لَهُ، وَأَمَّا الْجَوْزُ فَرُبَّمَا يَكُونُ لِقِشْرِهِ قِيمَةٌ فِي مَوْضِعٍ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْحَطَبِ لِعِزَّتِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ صَحِيحًا فِي الْقِشْرِ بِحِصَّتِهِ لِمُصَادَفَتِهِ الْمَحَلِّ وَيَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِحِصَّةِ اللُّبِّ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ مَشَايِخِنَا. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْجَوْزِ صَلَاحُ قِشْرِهِ عَلَى مَا قِيلَ، لِأَنَّ مَالِيَّةَ الْجَوْزِ قَبْلَ الْكَسْرِ بِاعْتِبَارِ اللُّبِّ دُونَ الْقِشْرِ، وَإِذَا كَانَ اللُّبُّ بِحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ لَمْ يُوجَدْ مَحَلُّ الْبَيْعِ فَيَقَعُ بَاطِلًا فَيُرَدُّ الْقِشْرُ وَيَرْجِعُ بِكُلِّ الثَّمَنِ، وَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ بَيْضَ النَّعَامَةِ فَوَجَدَهَا بِالْكَسْرِ مَذِرَةً ذَكَرَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ، وَهَذَا الْفَصْلُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ مَالِيَّةَ بَيْضِ النَّعَامَةِ قَبْلَ الْكَسْرِ بِاعْتِبَارِ الْقِشْرِ وَمَا فِيهِ جَمِيعًا، وَإِذَا كَانَ مِمَّا

(قَالَ: وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا فَبَاعَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ فَإِنْ قَبِلَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ أَوْ بِإِبَاءِ يَمِينٍ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ) ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ فَجَعَلَ الْبَيْعَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ لَمْ يَرُدَّهُ لِتَعَيُّبِهِ بِالْكَسْرِ الْحَادِثِ لَكِنَّهُ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَرُدُّهُ لِأَنَّ الْكَسْرَ وَإِنْ كَانَ عَيْبًا حَادِثًا لَكِنَّهُ بِتَسْلِيطِهِ. قُلْنَا: التَّسْلِيطُ عَلَى الْكَسْرِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي لَا فِي مِلْكِ الْبَائِعِ لِأَنَّ بِالْبَيْعِ لَمْ يَبْقَ مِلْكُهُ فَلَمْ يَكُنْ التَّسْلِيطُ إلَّا فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي، وَذَلِكَ هَدَرٌ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا إذَا بَاعَ ثَوْبًا فَقَطَعَهُ ثُمَّ وَجَدَهُ مَعِيبًا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ حَصَلَ التَّسْلِيطُ مِنْهُ لِكَوْنِهِ هَدَرًا، وَلَوْ وَجَدَ الْبَعْضَ فَاسِدًا فَالْفَاسِدُ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَلِيلًا كَاثْنَيْنِ فِي الْمِائَةِ أَوْ كَثِيرًا كَمَا فَوْقَهُ. فَفِي الْأَوَّلِ جَازَ الْبَيْعُ اسْتِحْسَانًا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْبَائِعَ لِأَجْلِهِ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْإِقْدَامِ عَلَى الْعَقْدِ الظَّاهِرِ مِنْ حَالِهِ الرِّضَا بِالْمُعْتَادِ وَالْجَوْزُ فِي الْعَادَةِ لَا يَخْلُو عَنْ هَذَا. وَفِي الثَّانِي لَا يَجُوزُ وَيَرْجِعُ بِكُلِّ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ الْمَالِ وَغَيْرِهِ، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْقِنِّ. قَالَ (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا فَبَاعَهُ الْمُشْتَرِي) وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا فَبَاعَهُ الْمُشْتَرِي (ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ فَ) إمَّا (أَنْ قَبِلَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي) أَوْ بِغَيْرِ قَضَائِهِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِإِقْرَارٍ، وَمَعْنَى الْقَضَاءِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ الْخَصْمَ ادَّعَى عَلَى الْمُشْتَرِي الْإِقْرَارَ بِالْعَيْبِ وَالْمُشْتَرِي أَنْكَرَ ذَلِكَ فَأَثْبَتَ الْخَصْمُ بِالْبَيِّنَةِ، وَإِنَّمَا احْتِيجَ إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُنْكِرْ إقْرَارَهُ لَا يَكُونُ الرَّدُّ مُحْتَاجًا إلَى الْقَضَاءِ بَلْ يُرَدُّ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِالْعَيْبِ، وَحِينَئِذٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ لِأَنَّهُ إقَالَةٌ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ (بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِبَاءِ يَمِينٍ) وَفِي كُلِّ ذَلِكَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ (لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ فَجُعِلَ الْبَيْعُ الثَّانِي

غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ أَنْكَرَ قِيَامَ الْعَيْبِ لَكِنَّهُ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا بِالْقَضَاءِ، وَمَعْنَى الْقَضَاءِ بِالْإِقْرَارِ أَنَّهُ أَنْكَرَ الْإِقْرَارَ فَأُثْبِتَ بِالْبَيِّنَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِالْبَيِّنَةِ حَيْثُ يَكُونُ رَدًّا عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ هُنَاكَ وَاحِدٌ وَالْمَوْجُودُ هَاهُنَا بَيْعَانِ، فَيُفْسَخُ الثَّانِي وَالْأَوَّلُ لَا يَنْفَسِخُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالْمَعْدُومِ) وَالْبَيْعُ الْأَوَّلُ قَائِمٌ فَلَهُ الْخُصُومَةُ وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ (قَوْلُهُ غَايَةُ الْأَمْرِ) إشَارَةٌ إلَى جَوَابِ زُفَرَ عَمَّا قَالَ: إذَا جَحَدَ الْعَيْبَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ أَنَّ بِهِ عَيْبًا لِكَوْنِ كَلَامِهِ مُتَنَاقِضًا. وَوَجْهُهُ أَنَّ غَايَةَ أَمْرِ الْمُشْتَرِي إنْكَارُهُ قِيَامَ الْعَيْبِ، لَكِنَّهُ لَمَّا صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا بِقَضَاءِ الْقَاضِي ارْتَفَعَتْ الْمُنَاقَضَةُ وَصَارَ كَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا وَأَقَرَّ أَنَّ الْبَائِعَ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ ثُمَّ جَاءَ إنْسَانٌ وَاسْتَحَقَّهُ بِالْبَيِّنَةِ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ فِي الرُّجُوعِ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ (قَوْلُهُ وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ) إشَارَةٌ إلَى الْجَوَابِ عَمَّا يُقَالُ إذَا رُدَّ الْمَبِيعُ بِعَيْبٍ عَلَى الْوَكِيلِ بِالْبَيِّنَةِ كَانَ ذَلِكَ رَدًّا عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ الرَّدُّ عَلَى الْمُشْتَرِي لَيْسَ رَدًّا عَلَى الْبَائِعِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْبَيْعَ فِي صُورَةِ الْوَكِيلِ بَيْعٌ وَاحِدٌ فَرَدُّهُ عَلَى الْوَكِيلِ رَدٌّ عَلَى

(وَإِنْ قَبِلَ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ) ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ وَإِنْ كَانَ فَسْخًا فِي حَقِّهِمَا وَالْأَوَّلُ ثَالِثُهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُوَكِّلِ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ بَيْعَانِ وَبِرَدِّ أَحَدِهِمَا لَا يَرْتَدُّ الْآخَرُ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ لِأَنَّهُ إقَالَةٌ وَهِيَ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقٍّ ثَالِثٍ وَالْبَائِعُ الْأَوَّلُ ثَالِثُهُمَا هَذَا إذَا رَدَّ الْمُشْتَرِي الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَأَمَّا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الرَّدُّ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِهِ، لِأَنَّ الرَّدَّ قَبْلَ الْقَبْضِ بِالْعَيْبِ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ فِي حَقِّ الْكُلِّ فَصَارَ

(وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَإِنْ رُدَّ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ بِعَيْبٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الَّذِي بَاعَهُ) وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْجَوَابَ فِيمَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ وَفِيمَا لَا يَحْدُثُ سَوَاءٌ. وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْبُيُوعِ: إنْ كَانَ فِيمَا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ لِلتَّيَقُّنِ بِقِيَامِ الْعَيْبِ عِنْدَ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالرَّدِّ بِخِيَارِ الشَّرْطِ أَوْ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَصَرَّحَ بِذِكْرِ وَضْعِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِيَتَبَيَّنَ أَنَّ الْجِوَارَ فِي عَيْبٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ أَوْ النَّاقِصَةِ، وَفِي عَيْبٍ يَحْدُثُ مِثْلُهُ كَالْقُرُوحِ وَالْأَمْرَاضِ سَوَاءٌ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْعَيْبَ إذَا كَانَ مِمَّا لَا يَحْدُثُ وَقَدْ رَدَّهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ لِتَيَقُّنِهِ بِوُجُودِهِ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَهُوَ الَّذِي ذُكِرَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ بُيُوعِ الْأَصْلِ، وَالصَّحِيحُ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِأَنَّ الرَّدَّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ إقَالَةٌ تَعْتَمِدُ التَّرَاضِيَ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ بَيْعٍ جَدِيدٍ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا وَهُوَ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ فَلَا يَعُودُ الْمِلْكُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ لِيُخَاصِمَهُ.

(قَالَ: وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَقَبَضَهُ فَادَّعَى عَيْبًا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ حَتَّى يَحْلِفَ الْبَائِعُ أَوْ يُقِيمَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَقَبَضَهُ فَادَّعَى عَيْبًا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ حَتَّى يَحْلِفَ الْبَائِعُ أَوْ يُقِيمَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ) فَإِنْ حَلَفَ الْبَائِعُ دَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ، وَإِنْ أَقَامَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ فَهُوَ إنْ شَاءَ يَدْفَعُ الثَّمَنَ أَوْ الْمَبِيعَ. وَاسْتَشْكَلَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ لِأَنَّهُ جَعَلَ غَايَةَ عَدَمِ الْإِجْبَارِ إمَّا يَمِينَ الْبَائِعِ أَوْ بَيِّنَةَ الْمُشْتَرِي، وَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُولَى صَحِيحٌ، لِأَنَّ بِالْيَمِينِ يَتَوَجَّهُ الْإِجْبَارُ، وَبِالنِّسْبَةِ إلَى الثَّانِي لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ يَسْتَمِرُّ عَدَمُ الْإِجْبَارِ لَا يَنْتَهِي بِهِ. وَأَجَابُوا بِأَوْجُهٍ: بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ: عَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا تَقْدِيرُهُ وَسَقَيْتهَا مَاءً بَارِدًا، وَبِأَنْ يُجْعَلَ الْكَلَامُ مُتَضَمِّنًا لِلَفْظٍ عَامٍّ يَنْدَرِجُ تَحْتَهُ الْغَايَتَانِ فَيُقَالُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ حَتَّى يَظْهَرَ وَجْهُ الْحُكْمِ: أَيْ حُكْمِ الْإِجْبَارِ أَوْ حُكْمِ عَدَمِ الْإِجْبَارِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَلِفِ وَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ حُكْمٌ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِ مَنْ قَالَ فِي قَوْلِهِ عَلَفْتهَا تِبْنًا أَنَّهُ بِمَعْنَى أَطْعَمْتهَا، فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي السَّقْيِ كَمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الطَّعْمِ فِي مَعْنَى الشُّرْبِ، قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [البقرة: 249] أَيْ وَمَنْ لَمْ يَشْرَبْهُ وَبِأَنَّ الِانْتِظَارَ مُسْتَلْزِمٌ لِعَدَمِ

لِأَنَّهُ أَنْكَرَ وُجُوبَ دَفْعِ الثَّمَنِ حَيْثُ أَنْكَرَ تَعَيُّنَ حَقِّهِ بِدَعْوَى الْعَيْبِ، وَدَفْعُ الثَّمَنِ أَوَّلًا لِيَتَعَيَّنَ حَقُّهُ بِإِزَاءِ تَعَيُّنِ الْمَبِيعِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ قُضِيَ بِالدَّفْعِ فَلَعَلَّهُ يَظْهَرُ الْعَيْبُ فَيُنْتَقَضُ الْقَضَاءُ فَلَا يَقْضِي بِهِ صَوْنًا لِقَضَائِهِ (فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي شُهُودِي بِالشَّامِ اُسْتُحْلِفَ الْبَائِعُ وَدَفَعَ الثَّمَنَ) يَعْنِي إذَا حَلَفَ وَلَا يُنْتَظَرُ حُضُورُ الشُّهُودِ؛ لِأَنَّ فِي الِانْتِظَارِ ضَرَرًا بِالْبَائِعِ، وَلَيْسَ فِي الدَّفْعِ كَثِيرُ ضَرَرٍ بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى حُجَّتِهِ، أَمَّا إذَا نَكَلَ أُلْزِمَ الْعَيْبَ؛ لِأَنَّهُ حُجَّةٌ فِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِجْبَارِ، وَذِكْرُ اللَّازِمِ وَإِرَادَةُ الْمَلْزُومِ كِنَايَةٌ. وَالْحَقُّ أَنَّ الِاسْتِشْكَالَ إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ إلَى مَفْهُومِ الْغَايَةِ وَهُوَ لَيْسَ بِلَازِمٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ وُجُوبَ دَفْعِ الثَّمَنِ) تَعْلِيلٌ لِعَدَمِ الْإِجْبَارِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَنْكَرَ وُجُوبَ دَفْعِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ تَعَيُّنَ حَقِّهِ بِدَعْوَى الْعَيْبِ، وَإِنْكَارُ تَعَيُّنِ الْحَقِّ إنْكَارُ عِلَّةِ وُجُوبِ دَفْعِ الثَّمَنِ، لِأَنَّ وُجُوبَ دَفْعِ الثَّمَنِ أَوَّلًا لَيْسَ إلَّا لِتَعَيُّنِ حَقِّ الْبَائِعِ بِإِزَاءِ تَعَيُّنِ الْمَبِيعِ فَحَيْثُ أَنْكَرَ تَعَيُّنَ حَقِّهِ فِي الْمَبِيعِ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي السَّلِيمِ فَقَدْ أَنْكَرَ عِلَّةَ وُجُوبِ دَفْعِ الثَّمَنِ أَوَّلًا وَفِي إنْكَارِ الْعِلَّةِ إنْكَارُ الْمَعْلُولِ فَانْتَصَبَ خَصْمًا وَلَا بُدَّ حِينَئِذٍ مِنْ حُجَّةٍ، وَهِيَ إمَّا بَيِّنَةٌ أَوْ يَمِينُ الْبَائِعِ. فَإِنْ قِيلَ: فِي هَذَا التَّعْلِيلِ فَسَادُ الْوَضْعِ لِأَنَّ صِفَةَ الْإِنْكَارِ تَقْتَضِي إسْنَادَ الْيَمِينِ إلَيْهِ لَا إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ بِالْحَدِيثِ. فَالْجَوَابُ الِاعْتِبَارُ بِالْمَعْنَى لَا بِالصُّورَةِ، وَهُوَ فِيهِ مُدَّعٍ يَدَّعِي مَا يُوجِبُ دَفْعَ الثَّمَنِ أَوَّلًا وَإِنْ كَانَ فِي الصُّورَةِ مُنْكِرًا (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ قَضَى بِالدَّفْعِ) دَلِيلٌ آخَرُ يَتَضَمَّنُ جَوَابَ مَا قَبْلَ الْمُوجِبِ لِلْجَبْرِ وَهُوَ الْبَيْعُ مَعَ الْقَبْضِ مُتَحَقِّقٌ، وَمَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَيْبِ مَوْهُومٌ، وَالْمَوْهُومُ لَا يُعَارِضُ الْمُتَحَقِّقَ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ مَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ مَوْهُومًا لَكِنْ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي اعْتِبَارُهُ صَوْنًا لِقَضَائِهِ عَنْ النَّقْضِ، فَإِنَّهُ إذَا قَضَى بِالدَّفْعِ فَلَعَلَّهُ يَظْهَرُ الْعَيْبُ فَيَنْتَقِضُ الْقَضَاءُ. قَالَ (فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي شُهُودِي بِالشَّامِ) إذَا طُلِبَ مِنْ الْمُشْتَرِي إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى مَا ادَّعَاهُ فَقَالَ شُهُودِي بِالشَّامِ غُيَّبٌ (اُسْتُحْلِفَ الْبَائِعُ) فَإِنْ حَلَفَ دُفِعَ إلَيْهِ الثَّمَنُ لِأَنَّ فِي الِانْتِظَارِ ضَرَرًا بِالْبَائِعِ. فَإِنْ قِيلَ: فِي إلْزَامِ الْمُشْتَرِي دَفْعَ الثَّمَنِ ضَرَرٌ لَهُ أَيْضًا. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَلَيْسَ فِي دَفْعِ الثَّمَنِ كَبِيرُ ضَرَرٍ بِهِ لِأَنَّهُ عَلَى حُجَّتِهِ) يَعْنِي هُوَ بِسَبِيلٍ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ

(قَالَ: وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَادَّعَى إبَاقًا لَمْ يُحَلَّفْ الْبَائِعُ حَتَّى يُقِيمَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَهُ) وَالْمُرَادُ التَّحْلِيفُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَأْبَقْ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ وَإِنْ كَانَ قَوْلَهُ وَلَكِنَّ إنْكَارَهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ بَعْدَ قِيَامِ الْعَيْبِ بِهِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَ حُضُورِ شُهُودِهِ. وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ مَا قِيلَ فِي بَقَاءِ الْمُشْتَرِي عَلَى حُجَّتِهِ بُطْلَانُ قَضَاءِ الْقَاضِي وَقَدْ تَقَدَّمَ بُطْلَانُهُ. وَالثَّانِي أَنَّ الِانْتِظَارَ وَإِقَامَةَ الْحُجَّةِ بَعْدَ الدَّفْعِ مُؤَقَّتَانِ بِحُضُورِ الشُّهُودِ فَكَيْفَ كَانَ أَحَدُهُمَا ضَرَرًا وَالْآخَرُ دُونَهُ؟ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْقَاضِيَ هَاهُنَا قَدْ قَضَى بِأَدَاءِ الثَّمَنِ إلَى حِينِ حُضُورِ الشُّهُودِ لَا مُطْلَقًا فَلَا يَلْزَمُ الْبُطْلَانُ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ فِي دَعْوَى غَيْبَةِ الشُّهُودِ مُتَّهَمٌ. لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُمَاطَلَةً فَلَا يُسْمَعُ قَوْلُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَإِذَا طَلَبَ الْمُشْتَرِي يَمِينَ الْبَائِعِ فَنَكَلَ أُلْزِمَ الْعَيْبَ لِأَنَّ النُّكُولَ حُجَّةٌ فِي ثُبُوتِ الْعَيْبِ. قِيلَ هُوَ احْتِرَازٌ عَنْ النُّكُولِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ بِالْإِجْمَاعِ وَعَنْ النُّكُولِ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَادَّعَى إبَاقًا) إذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي إبَاقَ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى وَكَذَّبَهُ الْبَائِعُ فَالْقَاضِي لَا يَسْمَعُ دَعْوَى الْمُشْتَرِي حَتَّى يَثْبُتَ وُجُودُ الْعَيْبِ عِنْدَهُ، فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَهُ يَسْمَعُ دَعْوَاهُ وَقَالَ الْبَائِعُ هَلْ كَانَ عِنْدَك هَذَا الْعَيْبُ فِي الْحَالَةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَإِنْ قَالَ نَعَمْ رَدَّهُ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَدَّعِ الرِّضَا أَوْ الْإِبْرَاءَ، وَإِنْ أَنْكَرَ وُجُودَهُ عِنْدَهُ أَوْ ادَّعَى اخْتِلَافَ الْحَالَةِ قَالَ الْقَاضِي لِلْمُشْتَرِي أَلَك بَيِّنَةٌ فَإِنْ أَقَامَهَا عَلَيْهِ رَدَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَطَلَبَ الْيَمِينَ يُسْتَحْلَفُ أَنَّهُ لَمْ يَأْبَقْ عِنْدَهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَحْلِفْ قَبْلَ إقَامَةِ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ لِأَنَّ الْقَوْلَ وَإِنْ كَانَ قَوْلَ الْبَائِعِ لِكَوْنِهِ مُنْكِرًا لَكِنَّ إنْكَارَهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ

وَمَعْرِفَتِهِ بِالْحُجَّةِ (فَإِذَا أَقَامَهَا حَلَفَ بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ وَمَا أَبَقَ عِنْدَهُ قَطُّ) كَذَا قَالَ فِي الْكِتَابِ، وَإِنْ شَاءَ حَلَّفَهُ بِاَللَّهِ مَا لَهُ حَقُّ الرَّدِّ عَلَيْك مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يَدَّعِي أَوْ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ عِنْدَك قَطُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْدَ قِيَامِ الْعَيْبِ بِهِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، لِأَنَّ السَّلَامَةَ أَصْلٌ وَالْعَيْبَ عَارِضٌ، وَمَعْرِفَتُهُ إنَّمَا لَا تَكُونُ بِالْحُجَّةِ، وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا تُقْبَلُ مِنْ الْمُدَّعِي وَالْمُشْتَرِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَيْسَ بِمُدَّعٍ، بَلْ فِيمَا إذَا ادَّعَى الْعَيْبَ فِي يَدِ الْبَائِعِ. وَالثَّانِي أَنَّ سَلَامَةَ الذِّمَمِ عَنْ الدَّيْنِ أَصْلٌ وَالشُّغْلَ بِهِ عَارِضٌ، كَمَا أَنَّ السَّلَامَةَ عَنْ الْعَيْبِ أَصْلٌ وَالْعَيْبَ عَارِضٌ، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ وَبَيْنَ مَا إذَا ادَّعَى عَلَى آخَرَ دَيْنًا فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْمَعُ دَعْوَاهُ وَيَأْمُرُ الْخَصْمَ بِالْجَوَابِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ قِيَامُ الدَّيْنِ فِي الْحَالِ وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ إقَامَةَ هَذِهِ الْبَيِّنَةِ مِنْ تَتِمَّةِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ تِلْكَ إلَّا بِهَذِهِ فَكَانَتْ مِنْ الْمُدَّعِي بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ قِيَامَ الدَّيْنِ فِي الْحَالِ لَوْ كَانَ شَرْطًا لِاسْتِمَاعِ الْخُصُومَةِ لَمْ يَتَوَسَّلْ الْمُدَّعِي إلَى إحْيَاءِ حَقِّهِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَكُونُ لَهُ بَيِّنَةٌ، أَوْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ لَكِنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى إقَامَتِهَا لِمَوْتٍ أَوْ غَيْبَةٍ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ تَوَسُّلَ الْمُشْتَرِي إلَى إحْيَاءِ حَقِّهِ مُمْكِنٌ لِأَنَّ الْعَيْبَ إذَا كَانَ مِمَّا يُعَايَنُ وَيُشَاهَدُ أَمْكَنَ إثْبَاتُهُ بِالتَّعَرُّفِ عَنْ آثَارِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ بِالْآثَارِ أَمْكَنَ التَّعَرُّفُ عَنْهُ بِالرُّجُوعِ إلَى الْأَطِبَّاءِ وَالْقَوَابِلِ، وَإِذَا ظَهَرَ هَذَا فَإِذَا أَقَامَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ حَلَفَ الْبَائِعُ عَلَى الْبَتَاتِ بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ وَمَا أَبَقَ عِنْدَهُ قَطُّ، كَذَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ. وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْكِتَابِ هَاهُنَا الْجَامِعُ الصَّغِيرُ، وَإِنْ شَاءَ حَلَّفَهُ بِاَللَّهِ مَا لَهُ حَقُّ الرَّدِّ عَلَيْك مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يُدَّعَى أَوْ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ عِنْدَك قَطُّ، وَلَا يَحْلِفُ بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ

أَمَّا لَا يُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ وَلَا بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكُ النَّظَرِ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ قَدْ يَحْدُثُ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلرَّدِّ، وَالْأَوَّلُ ذُهُولٌ عَنْهُ وَالثَّانِي يُوهِمُ تَعَلُّقَهُ بِالشَّرْطَيْنِ فَيَتَأَوَّلُهُ فِي الْيَمِينِ عِنْدَ قِيَامِهِ وَقْتَ التَّسْلِيمِ دُونَ الْبَيْعِ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً عَلَى قِيَامِ الْعَيْبِ عِنْدَهُ وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْبَائِعِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَهُ يُحَلَّفُ عَلَى قَوْلِهِمَا. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُمَا أَنَّ الدَّعْوَى مُعْتَبَرَةٌ حَتَّى يَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ فَكَذَا يَتَرَتَّبُ التَّحْلِيفُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ هَذَا الْعَيْبَ قَدْ يَكُونُ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلرَّدِّ، وَفِي ذَلِكَ غَفْلَةٌ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى، وَبِهِ يَتَضَرَّرُ الْمُشْتَرِي، وَكَذَلِكَ لَا يَحْلِفُ بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ لِأَنَّهُ يُوهِمُ تَعَلُّقَهُ بِالشَّرْطَيْنِ جَمِيعًا، وَلِجَوَازِ أَنْ يَحْدُثَ الْعَيْبُ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَيَكُونُ غَرَضُ الْبَائِعِ عَدَمَ وُجُودِ الْعَيْبِ فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا، فَفِي وُجُودِهِ فِي أَحَدِهِمَا يَكُونُ بَارًّا لِأَنَّ الْكُلَّ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ جُزْئِهِ وَبِهِ يَتَضَرَّرُ الْمُشْتَرِي. وَإِنَّمَا قَالَ يُوهِمُ تَعَلُّقَهُ بِالشَّرْطَيْنِ جَمِيعًا إشَارَةً إلَى أَنَّ تَأْوِيلَ الْبَائِعِ ذَلِكَ فِي يَمِينِهِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَلَكِنَّهُ يُتَوَهَّمُ لِذَلِكَ بِمَا ذُكِرَ لِأَنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ ذَكَرَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فِي التَّحْلِيفِ وَقَالَ: إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: النَّظَرُ لِلْمُشْتَرِي يَنْعَدِمُ إذَا اسْتَحْلَفَهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ. وَذَكَرَ الْوَجْهَ الْمَذْكُورَ ثُمَّ قَالَ: وَالْأَصَحُّ عِنْدِي الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَنْفِي الْعَيْبَ عِنْدَ الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ فَلَا يَكُونُ بَارًّا فِي يَمِينِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْعَيْبُ مُنْتَفِيًا فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا، وَعَلَى هَذَا فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ تَسَامُحٌ لِأَنَّهُ قَالَ (أَمَّا لَا يُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ) وَعَلَّلَهُ (بِأَنَّهُ يُوهِمُ تَعَلُّقَهُ بِالشَّرْطَيْنِ فَيَتَأَوَّلُهُ) وَقَالُوا: إنَّمَا قَالَ يُوهِمُ لِأَنَّ ذَلِكَ التَّأْوِيلَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ التَّأْوِيلُ صَحِيحًا كَانَ التَّحْلِيفُ بِهِ جَائِزًا. وَهُوَ يُنَاقِضُ قَوْلَهُ لَا يُحَلِّفُهُ إلَّا إذَا حُمِلَ النَّفْيُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَحْوَطِ فَيَسْتَقِيمُ. فَإِنْ قِيلَ: الْإِبَاقُ فِعْلُ الْغَيْرِ وَالتَّحْلِيفُ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْعِلْمِ دُونَ الْبَتَاتِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الِاسْتِحْلَافَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فِي الْمَعْنَى وَهُوَ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ سَلِيمًا كَمَا الْتَزَمَهُ. وَقِيلَ التَّحْلِيفُ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْعِلْمِ إذَا ادَّعَى الَّذِي يَحْلِفُ أَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُ بِذَلِكَ، أَمَّا إذَا ادَّعَى أَنَّ لِي عِلْمًا بِذَلِكَ فَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ لِادِّعَائِهِ الْعِلْمَ بِذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً عَلَى قِيَامِ الْعَيْبِ عِنْدَهُ وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْبَائِعِ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي هَلْ لَهُ ذَلِكَ أَوْ لَا قِيلَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِهِمَا. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي النَّوَادِرِ ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ وَهُوَ مُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ، وَقِيلَ لَا خِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (لَهُمَا أَنَّ الدَّعْوَى مُعْتَبَرَةٌ لِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ) وَكُلُّ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ (يَتَرَتَّبُ) عَلَيْهِ (التَّحْلِيفُ) بِالِاسْتِقْرَاءِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ لَا تَحْلِيفَ عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ الْحَلِفَ يَتَرَتَّبُ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ، وَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى إلَّا مِنْ خَصْمٍ، وَلَا يَصِيرُ الْمُدَّعِي وَهُوَ

وَلَهُ عَلَى مَا قَالَهُ الْبَعْضُ أَنَّ الْحَلِفَ يَتَرَتَّبُ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ، وَلَيْسَتْ تَصِحُّ إلَّا مِنْ خَصْمٍ وَلَا يَصِيرُ خَصْمًا فِيهِ إلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْعَيْبِ. وَإِذَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ عِنْدَهُمَا يَحْلِفُ ثَانِيًا لِلرَّدِّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُشْتَرِي هَاهُنَا خَصْمًا إلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْعَيْبِ بِالْحُجَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَقَدْ عَجَزَ عَنْهَا، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ كُلَّ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ التَّحْلِيفُ؛ فَإِنَّ دَعْوَى الْوَكَالَةِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ دُونَ التَّحْلِيفِ، وَالْبَيِّنَةُ لَا تَسْتَلْزِمُ الدَّعْوَى فَضْلًا عَنْ صِحَّتِهَا بَلْ قَدْ تَقُومُ عَلَى مَا لَا دَعْوَى فِيهِ أَصْلًا كَمَا فِي الْحُدُودِ، بِخِلَافِ التَّحْلِيفِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّحْلِيفَ شُرِعَ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ فَكَانَ مُقْتَضِيًا سَابِقَةَ الْخَصْمِ وَأَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي هُنَا خَصْمًا إلَّا بَعْدَ إثْبَاتِ قِيَامِ الْعَيْبِ فِي يَدِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا الْبَيِّنَةُ هَاهُنَا فَمَشْرُوعَةٌ لِإِثْبَاتِ كَوْنِهِ خَصْمًا فَلَا تَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ خَصْمًا (وَإِذَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ عِنْدَهُمَا يَحْلِفُ ثَانِيًا لِلرَّدِّ) عَلَى الْبَتَاتِ (عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي إبَاقِ الْكَبِيرِ يَحْلِفُ مَا أَبَقَ مُنْذُ بَلَغَ مَبْلَغَ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّ الْإِبَاقَ فِي الصِّغَرِ لَا يُوجِبُ رَدَّهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ الْمُصَنِّفُ (إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي إبَاقِ الْكَبِيرِ يَحْلِفُ مَا أَبَقَ مُنْذُ بَلَغَ مَبْلَغَ الرِّجَالِ لِأَنَّ الْإِبَاقَ فِي الصِّغَرِ لَا يُوجِبُ رَدَّهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ) لِمَا تَقَدَّمَ، فَلَوْ حَلَفَ مُطْلَقًا كَانَ تَرْكُ النَّظَرِ فِي حَقِّ الْبَائِعِ، لِأَنَّهُ إذَا أَبَقَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبُلُوغِ وَقَدْ كَانَ أَبَقَ عِنْدَ الْبَائِعِ فِي حَالَةِ الصِّغَرِ وَمِثْلُ هَذَا الْإِبَاقِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلرَّدِّ امْتَنَعَ الْبَائِعُ عَنْ الْيَمِينِ حَذَرًا عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ فَيُقْضَى عَلَيْهِ بِالرَّدِّ لِنُكُولِهِ وَيَتَضَرَّرُ بِهِ.

(قَالَ: وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَتَقَابَضَا فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَقَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُك هَذِهِ وَأُخْرَى مَعَهَا وَقَالَ الْمُشْتَرِي: بِعْتنِيهَا وَحْدَهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي) ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي مِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لِلْقَابِضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَتَقَابَضَا) وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَتَقَابَضَ الْمُتَبَايِعَانِ الثَّمَنَ وَالْمَبِيعَ (فَوَجَدَ) الْمُشْتَرِي (بِهَا عَيْبًا) فَأَرَادَ الْبَائِعُ تَخْصِيصَ الثَّمَنِ عَلَى تَقْدِيرِ الرَّدِّ (فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْتُك هَذِهِ وَأُخْرَى مَعَهَا وَقَالَ الْمُشْتَرِي بِعْتَنِيهَا وَحْدَهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي، لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي مِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ وَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْقَابِضِ) لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِمَا قُبِضَ

كَمَا فِي الْغَصْبِ (وَكَذَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى مِقْدَارِ الْمَبِيعِ وَاخْتَلَفَا فِي الْمَقْبُوضِ) لِمَا بَيَّنَّا. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَقَبَضَ أَحَدَهُمَا وَوَجَدَ بِالْآخَرِ عَيْبًا فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُمَا أَوْ يَدْعُهُمَا) ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَتِمُّ بِقَبْضِهِمَا فَيَكُونُ تَفْرِيقُهَا قَبْلَ التَّمَامِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ لَهُ شَبَهٌ بِالْعَقْدِ فَالتَّفْرِيقُ فِيهِ كَالتَّفْرِيقِ فِي الْعَقْدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا فِي الْغَصْبِ) فَإِنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الْغَاصِبُ وَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ فَقَالَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ غَصَبْت مِنِّي غُلَامَيْنِ وَقَالَ الْغَاصِبُ غُلَامًا وَاحِدًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ لِأَنَّهُ الْقَابِضُ (وَكَذَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى مِقْدَارِ الْمَبِيعِ وَاخْتَلَفَا فِي الْمَقْبُوضِ) فِي مِقْدَارِهِ بِأَنْ كَانَ الْمَبِيعُ جَارِيَتَيْنِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْبَائِعُ قَبَضْتهمَا وَقَالَ الْمُشْتَرِي مَا قَبَضْت إلَّا إحْدَاهُمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي (لِمَا بَيَّنَّا) أَنَّ فِي الِاخْتِلَافِ فِي مِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ الْقَوْلَ قَوْلُ الْقَابِضِ، بَلْ هَاهُنَا أَوْلَى لِأَنَّ كَوْنَ الْمَبِيعِ شَيْئَيْنِ أَمَارَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَقْبُوضَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَيْهِمَا سَبَبٌ مُطْلَقًا لِقَبْضِهِمَا، وَمَعَ ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْقَابِضِ فَهَاهُنَا أَوْلَى. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً) رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ بِعْتُك هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَبِلَ (وَقَبَضَ أَحَدَهُمَا) وَهُوَ سَلِيمٌ (فَوَجَدَ بِالْآخَرِ عَيْبًا) لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَعِيبَ خَاصَّةً (بَلْ يَأْخُذُهُمَا أَوْ يَدَعُهُمَا) جَمِيعًا (لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَتِمُّ بِقَبْضِهِمَا) لِمَا أَنَّ تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ تَمَامِ الصَّفْقَةِ حِينَئِذٍ، وَمَا تَتِمُّ بِقَبْضِهِ الصَّفْقَةُ لَا تَتِمُّ بِقَبْضِ بَعْضِهِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى قَبْضِ الْكُلِّ إذْ ذَاكَ، فَالتَّفْرِيقُ قَبْلَ قَبْضِهِمَا تَفْرِيقٌ (قَبْلَ التَّمَامِ) وَهُوَ لَا يَجُوزُ (لِمَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي قُبَيْلَ بَابِ خِيَارِ الْعَيْبِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَتِمُّ مَعَ خِيَارِ الْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَتِمُّ قَبْلَهُ (وَهَذَا) أَيْ التَّفْرِيقُ فِي الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ (لِأَنَّ لِلْقَبْضِ شَبَهًا بِالْعَقْدِ) مِنْ حَيْثُ إنَّ الْقَبْضَ يُثْبِتُ مِلْكَ التَّصَرُّفِ وَمِلْكَ الْيَدِ، كَمَا أَنَّ الْعَقْدَ يُثْبِتُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ، وَالْغَرَضُ مِنْ مِلْكِ الرَّقَبَةِ مِلْكُ التَّصَرُّفِ وَمِلْكُ الْيَدِ (فَالتَّفْرِيقُ فِي الْقَبْضِ كَالتَّفْرِيقِ فِي الْعَقْدِ) وَلَوْ قَالَ بِعْت مِنْك هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ فَقَالَ قَبِلْت أَحَدَهُمَا لَمْ يَصِحَّ فَكَذَا هَذَا.

وَلَوْ وَجَدَ بِالْمَقْبُوضِ عَيْبًا اخْتَلَفُوا فِيهِ. وَيُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَرُدُّهُ خَاصَّةً، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَأْخُذُهُمَا أَوْ يَرُدُّهُمَا؛ لِأَنَّ تَمَامَ الصَّفْقَةِ تَعَلَّقَ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ وَهُوَ اسْمٌ لِلْكُلِّ فَصَارَ كَحَبْسِ الْمَبِيعِ لَمَّا تَعَلَّقَ زَوَالُهُ بِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ لَا يَزُولُ دُونَ قَبْضِ جَمِيعِهِ (وَلَوْ قَبَضَهُمَا ثُمَّ وَجَدَ) بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا يَرُدُّهُ خَاصَّةً خِلَافًا لِزُفَرَ. هُوَ يَقُولُ: فِيهِ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ وَلَا يَعْرَى عَنْ ضَرَرٍ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِضَمِّ الْجَيِّدِ إلَى الرَّدِيءِ فَأَشْبَهَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَخِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ. وَلَنَا أَنَّهُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ بَعْدَ التَّمَامِ؛ لِأَنَّ بِالْقَبْضِ تَتِمُّ الصَّفْقَةُ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ وَفِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ لَا تَتِمُّ بِهِ عَلَى مَا مَرَّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَلَوْ وَجَدَ بِالْمَقْبُوضِ عَيْبًا اخْتَلَفُوا فِيهِ) إذَا وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالْمَقْبُوضِ عَيْبًا، قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، فَإِنَّهُ قَالَ (وَيُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرُدُّهُ خَاصَّةً) . وَوَجْهُهُ أَنَّ الصَّفْقَةَ تَامَّةٌ فِي حَقِّ الْمَقْبُوضِ فَبِالنَّظَرِ إلَيْهِ لَا يَلْزَمُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ) لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ (لِأَنَّ تَمَامَ الصَّفْقَةِ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ وَهُوَ اسْمٌ لِلْكُلِّ فَهُوَ كَحَبْسِ الْمَبِيعِ) لِأَجْلِ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ لَا يَزُولُ بِقَبْضِ بَعْضِ الثَّمَنِ لِتَعَلُّقِهِ بِالْكُلِّ اعْتِبَارًا لِأَحَدِ الْبَدَلَيْنِ بِالْآخَرِ (وَلَوْ قَبَضَهُمَا ثُمَّ وَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ خَاصَّةً) وَقَالَ زُفَرُ: لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ فِيهِ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ (وَلَا يَعْرَى عَنْ ضَرَرٍ إذْ الْعَادَةُ جَرَتْ بِضَمِّ الْجَيِّدِ إلَى الرَّدِيءِ فَأَشْبَهَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ) بِجَامِعِ دَفْعِ الضَّرَرِ (وَأَشْبَهَ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ) وَلَنَا أَنَّهُ إذَا قَبَضَهُمَا جَمِيعًا فَقَدْ تَمَّتْ الصَّفْقَةُ وَالتَّفْرِيقُ بَعْدَهُ غَيْرُ ضَائِرٍ، بِخِلَافِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ فَإِنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَتِمُّ بِالْقَبْضِ فِيهِمَا عَلَى مَا مَرَّ فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَتِمُّ مَعَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ، وَخِيَارُ الْعَيْبِ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ لِوُجُودِ تَمَامِ الرِّضَا مِنْ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الْقَبْضِ عَلَى صِفَةِ السَّلَامَةِ كَمَا أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ. وَالْأَصْلُ صِفَةُ السَّلَامَةِ فَكَانَتْ الصَّفْقَةُ تَامَّةً بِظَاهِرِ الْعَقْدِ، وَتَضَرُّرُ الْبَائِعِ إنَّمَا لَزِمَ مِنْ تَدْلِيسِهِ فَلَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ. لَا يُقَالُ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَزِمَ التَّمَكُّنُ مِنْ رَدِّ الْمَعِيبِ قَبْلَ قَبْضِهِمَا أَيْضًا لِوُجُودِ التَّدْلِيسِ مِنْهُ، لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ التَّفْرِيقَ قَبْلَ التَّمَامِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ. قِيلَ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي شَيْئَيْنِ يُمْكِنُ إفْرَادُ أَحَدِهِمَا بِالِانْتِفَاعِ كَالْعَبْدَيْنِ. وَأَمَّا إذَا لَا يُمْكِنُ كَزَوْجَيْ الْخُفِّ وَمِصْرَاعَيْ الْبَابِ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُمَا أَوْ يُمْسِكُهُمَا، حَتَّى لَوْ كَانَ

وَلِهَذَا لَوْ اُسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْآخَرَ. . (قَالَ: وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَوَجَدَ بِبَعْضِهِ عَيْبًا رَدَّهُ كُلَّهُ أَوْ أَخَذَهُ كُلَّهُ) وَمُرَادُهُ بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْمَكِيلَ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَهُوَ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ يُسَمَّى بِاسْمٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْكُرُّ وَنَحْوُهُ. وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَ فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا كَانَ فِي وِعَاءَيْنِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ عَبْدَيْنِ حَتَّى يَرُدَّ الْوِعَاءَ الَّذِي وَجَدَ فِيهِ الْعَيْبَ دُونَ الْآخَرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَبِيعُ ثَوْرَيْنِ قَدْ أَلِفَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ بِحَيْثُ لَا يَعْمَلُ بِدُونِهِ لَا يُمْكِنُ رَدُّ الْمَعِيبِ خَاصَّةً (قَوْلُهُ وَلِهَذَا) أَيْ وَلِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَتِمُّ بَعْدَ الْقَبْضِ وَلَا تَتِمُّ قَبْلَهُ (لَوْ اُسْتُحِقَّ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ) بَعْدَ قَبْضِهِمَا (لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ الْآخَرَ) بَلْ الْعَقْدُ قَدْ لَزِمَ فِيهِ لِأَنَّهُ تَفْرِيقٌ بَعْدَ التَّمَامِ (قَالَ: وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ) تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ لَا يَجُوزُ إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي سَائِرِ الْأَعْيَانِ، وَبَعْدَهُ يَجُوزُ فِي غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَأَمَّا فِيهِمَا فَلَا يَجُوزُ إذَا كَانَ الْجِنْسُ وَاحِدًا سَوَاءٌ كَانَ فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي وِعَاءَيْنِ عَلَى اخْتِيَارِ الْمَشَايِخِ. وَقِيلَ إذَا كَانَ فِي وِعَاءَيْنِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ عَبْدَيْنِ يَجُوزُ رَدُّ الْمَعِيبِ خَاصَّةً لِأَنَّهُ يَرُدُّهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ. وَوَجْهُ الْأَظْهَرِ أَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَهُوَ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ اسْمًا وَحُكْمًا. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ يُسَمَّى بِاسْمٍ وَاحِدٍ كَكُرٍّ وَقَفِيزٍ وَنَحْوِهِمَا، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَالِيَّةَ وَالتَّقَوُّمَ فِيهِمَا بِاعْتِبَارِ الِاجْتِمَاعِ، لِأَنَّ الْحَبَّةَ بِانْفِرَادِهَا لَيْسَتْ لَهَا صِفَةُ التَّقَوُّمِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَجَعْلُ رُؤْيَةِ بَعْضِهَا كَرُؤْيَةِ كُلِّهَا كَالثَّوْبِ الْوَاحِدِ، وَفِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ إذَا وَجَدَ بَعْضَهُ مَعِيبًا لَيْسَ لَهُ إلَّا رَدُّ الْكُلِّ أَوْ إمْسَاكُهُ، لِأَنَّ رَدَّ الْجُزْءِ الْمَعِيبِ

(وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ فِي رَدِّ مَا بَقِيَ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ، وَالِاسْتِحْقَاقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ يَسْتَلْزِمُ شَرِكَةَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَهِيَ فِي الْأَعْيَانِ الْمُجْتَمَعَةِ عَيْبٌ، فَرَدُّ الْمَعِيبِ خَاصَّةً رَدٌّ بِعَيْبٍ زَائِدٍ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُ رَدُّ الْبَاقِي إذَا اُسْتُحِقَّ الْبَعْضُ بَعْدَ الْقَبْضِ كَمَا فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ وَهُوَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ. فَالْجَوَابُ أَنَّهُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ سَاقِطٌ، وَعَلَى الْأُخْرَى إنَّمَا لَزِمَ الْعَقْدُ فِي الْبَاقِي وَلَمْ يَبْقَ لَهُ خِيَارُ الرَّدِّ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ، لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْبَعْضِ لَا يُوجِبُ عَيْبًا فِي الْمُسْتَحَقِّ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُمَا فِي الْمَالِيَّةِ سَوَاءٌ، وَالِانْتِفَاعُ بِالْبَاقِي مُمْكِنٌ، وَمَا لَا يُوجِبُ عَيْبًا فِي الْمَالِيَّةِ وَالِانْتِفَاعِ لَا يُوجِبُ ضَرَرًا بِخِلَافِ مَا لَوْ وَجَدَ بِالْبَعْضِ عَيْبًا وَمَيَّزَهُ لِيَرُدَّهُ لِأَنَّ تَمْيِيزَ الْمَعِيبِ مِنْ غَيْرِ الْمَعِيبِ يُوجِبُ زِيَادَةَ عَيْبٍ، بِخِلَافِ الثَّوْبِ الْوَاحِدِ فَإِنَّ التَّبْعِيضَ يَضُرُّهُ وَالشَّرِكَةُ عَيْبٌ فِيهِ زَائِدٌ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا رَدُّ الْكُلِّ أَوْ إمْسَاكُهُ (قَوْلُهُ وَالِاسْتِحْقَاقُ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَوَابَ سُؤَالٍ. تَقْرِيرُهُ انْتِفَاءَ الْخِيَارِ فِي رَدِّ مَا بَقِيَ يَسْتَلْزِمُ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ لِأَنَّ تَمَامَهَا بِالرِّضَا وَالْمُسْتَحِقُّ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا وَتَوْجِيهُهُ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ لِأَنَّ تَمَامَهَا بِرِضَا الْعَاقِدِ لَا بِرِضَا الْمَالِكِ، لِأَنَّ الْعَقْدَ حَقُّ الْعَاقِدِ فَتَمَامُهُ يَسْتَدْعِي تَمَامَ رِضَاهُ وَبِالِاسْتِحْقَاقِ لَا يَنْعَدِمُ ذَلِكَ، وَلِهَذَا قُلْنَا فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ إذَا أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ بَعْدَمَا

لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ؛ لِأَنَّ تَمَامَهَا بِرِضَا الْعَاقِدِ لَا بِرِضَا الْمَالِكِ، وَهَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ، أَمَّا لَوْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ. قَالَ (وَإِنْ كَانَ ثَوْبًا فَلَهُ الْخِيَارُ) ؛ لِأَنَّ التَّشْقِيصَ فِيهِ عَيْبٌ وَقَدْ كَانَ وَقْتَ الْبَيْعِ حَيْثُ ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ، بِخِلَافِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ. (قَالَ: وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَجَدَ بِهَا قُرْحًا فَدَاوَاهُ أَوْ كَانَتْ دَابَّةً فَرَكِبَهَا فِي حَاجَةٍ فَهُوَ رِضًا) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلُ قَصْدِهِ الِاسْتِبْقَاءَ بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ هُنَاكَ لِلِاخْتِبَارِ وَأَنَّهُ بِالِاسْتِعْمَالِ فَلَا يَكُونُ الرُّكُوبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQافْتَرَقَ بَقِيَ الْعَقْدُ صَحِيحًا، فَعُلِمَ أَنَّ تَمَامَ الْعَقْدِ يَسْتَدْعِي تَمَامَ رِضَا الْعَاقِدِ لَا الْمَالِكِ (وَهَذَا) أَيْ كَوْنُ الِاسْتِحْقَاقِ لَا يُوجِبُ خِيَارَ الرَّدِّ إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ قَبْلَهُ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ، وَهَذَا يُرْشِدُك إلَى أَنَّ تَمَامَ الصَّفْقَةِ يَحْتَاجُ إلَى رِضَا الْعَاقِدِ وَقَبْضِ الْمَبِيعِ، وَانْتِفَاءُ أَحَدِهِمَا يُوجِبُ عَدَمَ تَمَامِهَا، وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ ثَوْبًا وَاحِدًا وَقَدْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الثَّوْبِ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي رَدِّ مَا بَقِيَ، لِأَنَّ التَّشْقِيصَ فِي الثَّوْبِ عَيْبٌ لِأَنَّهُ يَضُرُّ فِي مَالِيَّتِهِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: حَدَثَ بِالِاسْتِحْقَاقِ عَيْبٌ جَدِيدٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَمِثْلُهُ يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَقَدْ كَانَ وَقْتَ الْبَيْعِ) يَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ بِحَادِثٍ فِي يَدِهِ بَلْ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ حَيْثُ ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ فَلَا يَكُونُ مَانِعًا، بِخِلَافِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَإِنَّ التَّشْقِيصَ لَيْسَ بِعَيْبٍ فِيهِمَا حَيْثُ لَا يَضُرُّ، وَتَنَبَّهْ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَجِدْ حُكْمَ الْعَيْبِ وَالِاسْتِحْقَاقِ سِيَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ: أَعْنِي فِيمَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ غَيْرِهِمَا. أَمَّا الْعَيْبُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الِاسْتِحْقَاقُ فَلِقَوْلِهِ أَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ، وَتَجِدُ حُكْمَهُمَا بَعْدَ الْقَبْضِ كَذَلِكَ إلَّا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لِأَنَّهُ ذُكِرَ فِي الْعَبْدَيْنِ وَلِهَذَا لَوْ اُسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْآخَرَ، وَقَالَ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ رَدَّهُ كُلَّهُ أَوْ أَخَذَهُ، وَمُرَادُهُ بَعْدَ الْقَبْضِ. ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ اُسْتُحِقَّ الْبَعْضُ لَا خِيَارَ لَهُ فِي رَدِّ مَا بَقِيَ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَجَدَ بِهَا قُرْحًا فَدَاوَاهُ الْمُشْتَرِي)

مُسْقِطًا (وَإِنْ رَكِبَهَا لِيَرُدَّهَا عَلَى بَائِعِهَا أَوْ لِيَسْقِيَهَا أَوْ لِيَشْتَرِيَ لَهَا عَلَفًا فَلَيْسَ بِرِضًا) أَمَّا الرُّكُوبُ لِلرَّدِّ؛ فَلِأَنَّهُ سَبَبُ الرَّدِّ وَالْجَوَابُ فِي السَّقْيِ وَاشْتِرَاءِ الْعَلَفِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْهُ، إمَّا لِصُعُوبَتِهَا أَوْ لِعَجْزِهِ أَوْ لِكَوْنِ الْعَلَفِ فِي عِدْلٍ وَاحِدٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ يَجِدُ بُدًّا مِنْهُ لِانْعِدَامِ مَا ذَكَرْنَاهُ يَكُونُ رِضًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQجُرْحُ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَاةِ وَرُكُوبُ الدَّابَّةِ فِي حَاجَتِهِ عُدَّ رِضًا بِالْعَيْبِ لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلُ قَصْدِ الِاسْتِبْقَاءِ لِأَنَّ الْمُدَاوَاةَ إزَالَةُ الْعَيْبِ وَهِيَ تَمْنَعُ الرَّدَّ. لِأَنَّ نَقِيضَهُ وَهُوَ قِيَامُ الْعَيْبِ شَرْطُ التَّمَكُّنِ مِنْ الرَّدِّ فَكَانَتْ دَلِيلَ قَصْدِ الْإِمْسَاكِ، وَدَلِيلُ الشَّيْءِ فِي الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ يَقُومُ مَقَامَهُ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّدِّ بِذَلِكَ الْعَيْبِ، وَلَهُ ذَلِكَ بِعَيْبٍ آخَرَ لِأَنَّ الرِّضَا بِعَيْبٍ لَا يَسْتَلْزِمُ رِضَاهُ بِغَيْرِهِ. وَكَذَلِكَ الرُّكُوبُ لِحَاجَتِهِ، بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ لِلِاخْتِبَارِ، وَالِاخْتِبَارُ بِالرُّكُوبِ فَلَا يَكُونُ مُسْقِطًا (وَإِنْ رَكِبَهَا لِيَرُدَّهَا عَلَى بَائِعِهَا أَوْ لِيَسْقِيَهَا أَوْ لِيَشْتَرِيَ لَهَا عَلَفًا فَلَيْسَ ذَلِكَ بِرِضًا، أَمَّا الرُّكُوبُ لِلرَّدِّ فَلَا فَرْقَ) فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ أَوْ لَا، لِأَنَّ فِي الرُّكُوبِ ضَبْطَ الدَّابَّةِ وَهُوَ أَحْفَظُ لَهَا مِنْ حُدُوثِ عَيْبٍ آخَرَ، وَأَمَّا لِلسَّقْيِ وَالْعَلَفِ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَجِدْ مِنْهُ بُدًّا لِصُعُوبَةِ الدَّابَّةِ لِكَوْنِهَا شَمُوسًا، أَوْ لِعَجْزِهِ عَنْ الْمَشْيِ لِضَعْفٍ أَوْ كِبَرٍ، أَوْ لِكَوْنِ الْعَلَفِ فِي عِدْلٍ وَاحِدٍ، أَمَّا إذَا وُجِدَ مِنْهُ بُدٌّ لِانْعِدَامِ الْأَوَّلَيْنِ أَوْ لِكَوْنِ الْعَلَفِ فِي عِدْلَيْنِ وَرَكِبَ

قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا قَدْ سَرَقَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَقُطِعَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَأْخُذَ الثَّمَنَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَا: يَرْجِعُ بِمَا بَيْنَ قِيمَتِهِ سَارِقًا إلَى غَيْرِ سَارِقٍ) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قُتِلَ بِسَبَبٍ وُجِدَ فِي يَدِ الْبَائِعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ الرُّكُوبُ رِضًا، لِأَنَّ حَمْلَهُ حِينَئِذٍ مُمْكِنٌ بِدُونِ الرُّكُوبِ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا قَدْ سَرَقَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ إلَخْ) رَجُلٌ اشْتَرَى عَبْدًا قَدْ سَرَقَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُشْتَرِي لَا وَقْتَ الْعَقْدِ وَلَا وَقْتَ الْقَبْضِ فَقُطِعَ عِنْدَهُ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَأْخُذَ الثَّمَنَ كُلَّهُ، وَلَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ وَيَرْجِعَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: إنَّهُ يُقَوَّمُ سَارِقًا وَغَيْرَ سَارِقٍ فَيَرْجِعُ بِفَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الثَّمَنِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قُتِلَ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ مِنْ الْقَتْلِ الْعَمْدِ أَوْ الرِّدَّةِ: لَهُمَا أَنَّ الْمَوْجُودَ فِي يَدِ الْبَائِعِ سَبَبُ الْقَطْعِ أَوْ الْقَتْلِ وَهُوَ لَا يُنَافِي الْمَالِيَّةَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ تَقَرَّرَ الثَّمَنُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَتَصَرُّفُهُ فِيهِ نَافِذٌ فَتَكُونُ الْمَالِيَّةُ بَاقِيَةً فَيَنْفُذُ الْعَقْدُ فِيهِ لِأَنَّهُ يَعْتَمِدُهَا لَكِنَّهُ مُتَعَيِّبٌ لِأَنَّ مُبَاحَ الْيَدِ أَوْ الدَّمِ لَا يُشْتَرَى كَالسَّالِمِ لِأَنَّهُ أَشَدُّ مِنْ الْمَرَضِ الَّذِي هُوَ عَيْبٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْمَبِيعُ الْمُتَعَيَّبُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الرَّدِّ يَرْجِعُ فِيهِ بِنُقْصَانِهِ، وَهَاهُنَا قَدْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ. أَمَّا فِي صُورَةِ الْقَتْلِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي صُورَةِ الْقَطْعِ فَلِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ وَقَعَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ غَيْرُ الْوُجُوبِ فَكَانَ كَعَيْبٍ حَدَثَ فِي يَدِهِ، وَمِثْلُهُ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ بِعَيْبٍ سَابِقٍ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ، كَمَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً حَامِلًا وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْحَمْلِ وَقْتَ الشِّرَاءِ وَالْقَبْضِ فَمَاتَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِالْوِلَادَةِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِفَضْلِ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا حَامِلًا وَمَا بَيْنَ قِيمَتِهَا غَيْرَ حَامِلٍ. وَلَهُ أَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَسَبَبُ الْوُجُوبِ يُفْضِي إلَى الْوُجُوبِ وَالْوُجُوبُ يُفْضِي إلَى الْوُجُودِ فَيَكُونُ الْوُجُودُ مُضَافًا إلَى السَّبَبِ السَّابِقِ فَصَارَ كَالْمُسْتَحَقِّ، وَالْمُسْتَحَقُّ لَا يَتَنَاوَلُهُ الْعَقْدُ فَيَنْتَقِضُ الْقَبْضُ مِنْ الْأَصْلِ

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ عِنْدَهُ وَبِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ عِنْدَهُمَا. لَهُمَا أَنَّ الْمَوْجُودَ فِي يَدِ الْبَائِعِ سَبَبُ الْقَطْعِ وَالْقَتْلِ وَأَنَّهُ لَا يُنَافِي الْمَالِيَّةَ فَنَفَذَ الْعَقْدُ فِيهِ لَكِنَّهُ مُتَعَيِّبٌ فَيَرْجِعُ بِنُقْصَانِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّهِ وَصَارَ كَمَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً حَامِلًا فَمَاتَتْ فِي يَدِهِ بِالْوِلَادَةِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِفَضْلِ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا حَامِلًا إلَى غَيْرِ حَامِلٍ. وَلَهُ أَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَالْوُجُوبُ يُفْضِي إلَى الْوُجُودِ فَيَكُونُ الْوُجُودُ مُضَافًا إلَى السَّبَبِ السَّابِقِ، وَصَارَ كَمَا إذَا قُتِلَ الْمَغْصُوبُ أَوْ قُطِعَ بَعْدَ الرَّدِّ بِجِنَايَةٍ وُجِدَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِعَدَمِ مُصَادَفَةِ الْعَقْدِ مَحَلَّهُ، أَوْ لِأَنَّهُ بَاعَ مَقْطُوعَ الْيَدِ فَيَرْجِعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ إنْ رَدَّهُ، كَمَا لَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الْعَبْدِ فَرَدَّهُ وَصَارَ كَمَا إذَا غَصَبَ عَبْدًا فَقَتَلَ الْعَبْدُ عِنْدَ الْغَاصِبِ رَجُلًا عَمْدًا فَرَدَّهُ عَلَى الْمَوْلَى فَاقْتُصَّ مِنْهُ فِي يَدِهِ، فَإِنَّ الْغَاصِبَ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ كَمَا لَوْ قَتَلَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ. وَالْجَوَابُ عَنْ مَسْأَلَةِ الْحَمْلِ أَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ فَإِنَّ ذَلِكَ قَوْلُهَا. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَالْمُشْتَرِي يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِكُلِّ الثَّمَنِ إذَا مَاتَتْ مِنْ الْوِلَادَةِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ فِيمَا إذَا اُقْتُصَّ مِنْ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَنَقُولُ: ثُمَّ سَبَبُ الْمَوْتِ هُوَ الْمَرَضُ الْمُتْلِفُ وَهُوَ حَصَلَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَعَنْ قَوْلِهِمَا سَبَبُ الْقَتْلِ لَا يُنَافِي الْمَالِيَّةَ بِأَنَّهُ كَذَلِكَ لَكِنَّ اسْتِحْقَاقَ النَّفْسِ بِسَبَبِ الْقَتْلِ وَالْقَتْلُ مُتْلِفٌ لِلْمَالِيَّةِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُهُ فَكَانَ بِمَعْنَى

وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مَمْنُوعٌ. وَلَوْ سَرَقَ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثُمَّ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَقُطِعَ بِهِمَا عِنْدَهُمَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ كَمَا ذَكَرْنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQعِلَّةِ الْعِلَّةِ وَهِيَ تُقَامُ مَقَامَ الْعِلَّةِ فِي الْحُكْمِ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ سَارَتْ الْمَالِيَّةُ كَأَنَّهَا هِيَ الْمُسْتَحَقَّةُ، وَأَمَّا إذَا مَاتَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَتَقَرَّرَ الثَّمَنُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ الِاسْتِحْقَاقُ فِي حُكْمِ الِاسْتِيفَاءِ فَلِهَذَا هَلَكَ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي، وَإِذَا قُتِلَ فَقَدْ تَمَّ الِاسْتِحْقَاقُ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَظْهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ فِي حُكْمِ الِاسْتِيفَاءِ دُونَ غَيْرِهِ كَمِلْكِ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ فِي نَفْسِ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لَا يَظْهَرُ إلَّا فِي حُكْمِ الِاسْتِيفَاءِ، حَتَّى لَوْ قُتِلَ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ خَطَأً كَانَتْ الدِّيَةُ لِوَرَثَتِهِ دُونَ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ. قَالَ (وَلَوْ سَرَقَ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثُمَّ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي إلَخْ) إذَا كَانَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ سَرَقَ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثُمَّ سَرَقَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَقُطِعَ بِهِمَا عِنْدَهُمَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَرُدُّهُ إلَّا بِرِضَا الْبَائِعِ بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ وَهُوَ الْقَطْعُ بِالسَّرِقَةِ الْحَادِثَةِ عِنْدَهُ؛ ثُمَّ الْأَمْرُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَقْبَلَهُ الْبَائِعُ كَذَلِكَ وَأَنْ لَا يَقْبَلَ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهُ يَرْجِعُ

وَعِنْدَهُ لَا يَرُدُّهُ بِدُونِ رِضَا الْبَائِعِ لِلْعَيْبِ الْحَادِثِ وَيَرْجِعُ بِرُبْعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ قَبِلَهُ الْبَائِعُ فَبِثَلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ وَقَدْ تَلِفَتْ بِالْجِنَايَتَيْنِ وَفِي إحْدَاهُمَا رُجُوعٌ فَيَتَنَصَّفُ؛ وَلَوْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي ثُمَّ قُطِعَ فِي يَدِ الْأَخِيرِ رَجَعَ الْبَاعَةُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ عِنْدَهُ كَمَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ الْأَخِيرُ عَلَى بَائِعِهِ وَلَا يَرْجِعُ بَائِعُهُ عَلَى بَائِعِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِرُبْعِ الثَّمَنِ لِأَنَّهَا قُطِعَتْ بِالسَّبَبَيْنِ فَيَرْجِعُ بِمَا يُقَابِلُ نِصْفَ الْيَدِ، وَإِنْ قَبِلَ يَرْجِعُ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الثَّمَنِ لِأَنَّ الْيَدَ نِصْفُ الْآدَمِيِّ وَتَلِفَتْ بِالْجِنَايَتَيْنِ، وَفِي إحْدَاهُمَا الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ فَيُقْسَمُ النِّصْفُ عَلَيْهِمَا بِنِصْفَيْنِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ يَرْجِعُ فِيهِ عَلَى الْبَائِعِ فَيَرُدُّهُ الْعَبْدُ عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَقَبِلَهُ الْبَائِعُ كَذَلِكَ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فَلِمَ لَمْ يَكُنْ هُنَا كَذَلِكَ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ نَظَرًا إلَى جَرَيَانِهِ مَجْرَى الِاسْتِحْقَاقِ، وَمَا ذَكَرْتُمْ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ. فَإِنْ قِيلَ: أَلَا تَذْكُرُونَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ حُكْمَ الْعَيْبِ وَالِاسْتِحْقَاقِ يَسْتَوِيَانِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ فِي غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَمَا الَّذِي أَوْجَبَ الِاخْتِلَافَ هَاهُنَا بَيْنَهُمَا؟ قُلْنَا: بَلَى لَكِنْ لَيْسَ كَلَامُنَا الْآنَ فِيهِمَا بَلْ فِيمَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْمَعِيبِ، وَمَا يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الشَّيْءِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يُسَاوِيَهُ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ فَعَسَى يَكْفِي شَبَهًا بَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَالِاسْتِحْقَاقُ كَوْنُ الْعَقْدِ غَيْرَ مُتَنَاوِلٍ لِيَنْتَقِضَ الْقَبْضُ مِنْ الْأَصْلِ لِمَا مَرَّ آنِفًا. قَالَ: وَلَوْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي: يَعْنِي بَعْدَ وُجُودِ السَّرِقَةِ مِنْ الْعَبْدِ فِي يَدِ الْبَائِعِ. إذَا تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي بِالْبِيَاعَاتِ ثُمَّ قُطِعَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْأَخِيرِ تَرْجِعُ الْبَاعَةُ وَهُوَ جَمْعُ بَائِعٍ كَالْحَاكَةِ جَمْعُ حَائِكٍ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ، وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ الْأَخِيرُ عَلَى بَائِعِهِ وَلَا يَرْجِعُ بَائِعُهُ عَلَى بَائِعِهِ

وَقَوْلُهُ (فِي الْكِتَابِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي) يُفِيدُ عَلَى مَذْهَبِهِمَا؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْعَيْبِ رِضًا بِهِ، وَلَا يُفِيدُ عَلَى قَوْلِهِ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالِاسْتِحْقَاقِ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ. (قَالَ: وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وَشَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِعَيْبٍ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْعُيُوبَ بِعَدَدِهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا فِي الْعَيْبِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَخِيرَ لَمْ يَصِرْ حَابِسًا حَيْثُ لَمْ يَبِعْهُ، وَلَا كَذَلِكَ الْآخَرُونَ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ لِنُقْصَانِ الْعَيْبِ لِمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ) أَيْ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي يُفِيدُ عَلَى مَذْهَبِهِمَا لِأَنَّ) هَذَا يَجْرِي مَجْرَى الْعَيْبِ عِنْدَهُمَا وَالْعِلْمُ بِالْعَيْبِ رِضًا بِهِ، وَلَا يُفِيدُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْعِلْمُ بِهِ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ. وَقَوْلُهُ (فِي الصَّحِيحِ) احْتِرَازٌ عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ لِأَنَّ حِلَّ الدَّمِ مِنْ وَجْهٍ كَالِاسْتِحْقَاقِ وَمِنْ وَجْهٍ كَالْعَيْبِ حَتَّى لَا يَمْنَعَ صِحَّةَ الْبَيْعِ فَلِشَبَهِهِ بِالِاسْتِحْقَاقِ قُلْنَا عِنْدَ الْجَهْلِ بِهِ يَرْجِعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَلِشَبَهِهِ بِالْعَيْبِ قُلْنَا لَا يَرْجِعُ عِنْدَ الْعِلْمِ بِشَيْءٍ، لِأَنَّهُ إنَّمَا جُعِلَ هَذَا كَالِاسْتِحْقَاقِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي وَقَدْ انْدَفَعَ حِينَ عَلِمَ بِهِ وَاشْتَرَاهُ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: إذَا اشْتَرَاهُ وَهُوَ يَعْلَمُ بِحِلِّ دَمِهِ فَفِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ أَيْضًا إذَا قُتِلَ عِنْدَهُ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ. وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: الصَّحِيحُ أَنَّ الْجَهْلَ وَالْعِلْمَ سَوَاءٌ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَالْعِلْمُ بِالِاسْتِحْقَاقِ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ. قِيلَ فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّا سَلَّمْنَا أَنَّ الْعِلْمَ بِالِاسْتِحْقَاقِ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعِلْمَ بِالْعَيْبِ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، وَهَذَا عَيْبٌ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ لِنُقْصَانِ الثَّمَنِ، وَلَكِنَّهُ أُجْرِيَ مَجْرَى الِاسْتِحْقَاقِ وَنُزِّلَ مَنْزِلَتَهُ لَا حَقِيقَتَهُ، لِأَنَّ فِي حَقِيقَتِهِ يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَيَرْجِعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ أَوْ جَاهِلًا قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ، وَهُنَا لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ كَوْنَهَا أَصَحَّ أَوْ صَحِيحًا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ حَيْثُ صِحَّةُ النَّقْلِ وَشُهْرَتُهُ فَلَا يُرَدُّ السُّؤَالُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ. وَقَوْلُهُ فِي النَّظَرِ وَهَذَا عَيْبٌ مَمْنُوعٌ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ أَوْ أَنَّهُ عَيْبٌ مِنْ وَجْهٍ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْعَيْبِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَقَدْ تَرَجَّحَ جَانِبُ الِاسْتِحْقَاقِ بِالدَّلَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَأُجْرِيَ مَجْرَاهُ قَالَ (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وَشَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ) الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ عَنْ كُلِّ عَيْبٍ صَحِيحٍ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْحُقُوقِ الْمَجْهُولَةِ لَا يَصِحُّ. هُوَ يَقُولُ: إنَّ فِي الْإِبْرَاءِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ حَتَّى يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ، وَتَمْلِيكُ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ. وَلَنَا أَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْإِسْقَاطِ ـــــــــــــــــــــــــــــQسَمَّى الْعُيُوبَ وَعَدَدَهَا أَوْ لَا عَلِمَهُ الْبَائِعُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْهُ وَقَفَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي أَوْ لَمْ يَقِفْ أَشَارَ إلَيْهِ أَوْ لَا مَوْجُودًا كَانَ عِنْدَ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ أَوْ حَدَثَ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَدْخُلُ الْحَادِثُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ. وَقَالَ زُفَرُ: إذَا كَانَ مَجْهُولًا صَحَّ الْبَيْعُ وَفَسَدَ الشَّرْطُ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ) مَا لَمْ يَقُلْ مِنْ عَيْبِ كَذَا وَمِنْ عَيْبِ كَذَا. وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: لَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْ الْعَيْبِ مَعَ التَّسْمِيَةِ مَا لَمْ يَرَهُ الْمُشْتَرِي. وَقَدْ جَرَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَجْلِسِ أَبِي جَعْفَرٍ الدَّوَانِيقِيِّ، فَقَالَ لَهُ أَبُو حَنِيفَةَ: أَرَأَيْت لَوْ بَاعَ جَارِيَةً فِي الْمَأْتِيِّ مِنْهَا عَيْبٌ أَكَانَ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يُرِيَ الْمُشْتَرِيَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ مِنْهَا؟ أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ بَعْضَ حَرَمِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بَاعَ عَبْدًا بِرَأْسِ ذَكَرِهِ بَرَصٌ أَكَانَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُرِيَ الْمُشْتَرِيَ ذَلِكَ؟ وَمَا زَالَ حَتَّى أَفْحَمَهُ وَضَحِكَ الْخَلِيفَةُ مِمَّا صَنَعَ بِهِ. الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ لَهُ: الْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْحُقُوقِ الْمَجْهُولَةِ لَا تَصِحُّ، لِأَنَّ فِي الْإِبْرَاءِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ، وَلِهَذَا لَوْ أَبْرَأَ الْمَدْيُونَ عَنْ دَيْنِهِ فَرَدَّ الْإِبْرَاءَ لَمْ يَصِحَّ الْإِبْرَاءُ، وَتَمْلِيكُ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ. وَلَنَا أَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ لَا تَمْلِيكٌ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ وَيَصِحُّ الْإِبْرَاءُ بِأَسْقَطْت عَنْك دَيْنِي، وَلِأَنَّهُ يَتِمُّ بِلَا قَبُولٍ وَالتَّمْلِيكُ لَا يَتِمُّ بِدُونِهِ، وَالْإِسْقَاطُ لَا تُفْضِي الْجَهَالَةُ فِيهِ إلَى الْمُنَازَعَةِ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ إنَّمَا أَبْطَلَتْ التَّمْلِيكَاتِ لِفَوَاتِ التَّسْلِيمِ الْوَاجِبِ بِالْعَقْدِ وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْإِسْقَاطِ فَلَا يَكُونُ مُبْطِلًا لَهُ،

لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَإِنْ كَانَ فِي ضِمْنِهِ التَّمْلِيكُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى التَّسْلِيمِ فَلَا تَكُونُ مُفْسِدَةً، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِهَذَا جَازَ طَلَاقُ نِسَائِهِ وَإِعْتَاقُ عَبِيدِهِ وَهُوَ لَا يَدْرِي عَدَدَهُمْ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ فِي ضِمْنِهِ التَّمْلِيكُ) إشَارَةٌ إلَى الْجَوَابِ عَنْ قَوْلِهِ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ ضِمْنًا، وَهُوَ لَا يُؤَثِّرُ فِي فَسَادِ مَا قُلْنَاهُ لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ مَحْضَ التَّمْلِيكِ لَا يَبْطُلُ بِجَهَالَةٍ لَا تُفَوِّتُ التَّسْلِيمَ، كَمَا إذَا بَاعَ قَفِيزًا مِنْ صُبْرَةِ فُلَانٍ لَا يَبْطُلُ الْإِسْقَاطُ الَّذِي فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ، وَالْمُسْقِطُ مُتَلَاشٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّسْلِيمِ أَوْلَى. وَوَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّ الْبَرَاءَةَ تَتَنَاوَلُ الثَّابِتَ حَالَ الْبَرَاءَةِ لِأَنَّ مَا يُحْبَسُ مَجْهُولٌ لَا يُعْلَمُ أَيَحْدُثُ أَمْ لَا وَأَيُّ مِقْدَارٍ يَحْدُثُ وَالثَّابِتُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ. وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: الْغَرَضُ مِنْ الْإِبْرَاءِ إلْزَامُ الْعَقْدِ بِإِسْقَاطِ حَقِّ الْمُشْتَرِي عَنْ صِفَةِ السَّلَامَةِ لِيَقْدِرَ عَلَى التَّسْلِيمِ الْوَاجِبِ بِالْعَقْدِ وَذَلِكَ بِالْبَرَاءَةِ عَنْ الْمَوْجُودِ وَالْحَادِثِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ نَصَّ بِالْحَادِثِ فَقَالَ بِعْت بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ عَنْ كُلِّ عَيْبٍ أَوْ مَا يَحْدُثُ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْحُكْمُ الَّذِي يَفْسُدُ تَنْصِيصُهُ كَيْفَ يَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ الْبَرَاءَةِ؟ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ الْإِجْمَاعَ فَإِنَّهُ ذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، سَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ الْفَرْقَ لِأَنَّ ظَاهِرَ لَفْظِهِ هَاهُنَا يَتَنَاوَلُ الْعُيُوبَ الْمَوْجُودَةَ ثُمَّ يَدْخُلُ فِيهَا مَا يَحْدُثُ قَبْلَ الْقَبْضِ تَبَعًا، وَقَدْ يَدْخُلُ فِي التَّصَرُّفِ تَبَعًا مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا.

[باب البيع الفاسد]

وَيَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْبَرَاءَةِ الْعَيْبُ الْمَوْجُودُ وَالْحَادِثُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْحَادِثُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ تَتَنَاوَلُ الثَّابِتَ. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْغَرَضَ إلْزَامُ الْعَقْدِ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ عَنْ صِفَةِ السَّلَامَةِ وَذَلِكَ بِالْبَرَاءَةِ عَنْ الْمَوْجُودِ وَالْحَادِثِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ إنَّ مَا يَحْدُثُ مَجْهُولٌ أَنَّ مِثْلَهُ مِنْ الْجَهَالَةِ غَيْرُ مَانِعٍ فِي الْإِسْقَاطِ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ وَيَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْبَرَاءَةِ) احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ قَالَ بِعْت هَذَا الْعَبْدَ عَلَى أَنِّي بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَبْرَأُ عَنْ الْحَادِثِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ بِهِ اقْتَصَرَ عَلَى الْمَوْجُودِ [بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ] .

(بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ) :

(وَإِذَا كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ أَوْ كِلَاهُمَا مُحَرَّمًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ كَالْبَيْعِ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْخَمْرِ، وَكَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ مَمْلُوكٍ كَالْحُرِّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQتَأْخِيرُ غَيْرِ الصَّحِيحِ عَنْ الصَّحِيحِ لَعَلَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى تَنْبِيهٍ، وَلُقِّبَ الْبَابُ بِالْفَاسِدِ وَإِنْ كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَيْهِ وَعَلَى الْبَاطِلِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ بِتَعَدُّدِ أَسْبَابِهِ. وَالْبَاطِلُ هُوَ مَا لَا يَكُونُ صَحِيحًا أَصْلًا وَوَصْفًا، وَالْفَاسِدُ هُوَ مَا لَا يَصِحُّ وَصْفًا، وَكُلُّ مَا أَوْرَثَ خَلَلًا فِي رُكْنِ الْمَبِيعِ فَهُوَ مُبْطِلٌ، وَمِمَّا أَوْرَثَهُ فِي غَيْرِهِ كَالتَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ الْوَاجِبَيْنِ بِهِ وَالِانْتِفَاعِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ وَعَدَمِ الْإِطْلَاقِ عَنْ شَرْطٍ لَا يَقْتَضِيهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ مُفْسِدٌ، وَعَلَى هَذَا تُفَصَّلُ الْمَسَائِلُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْكِتَابِ فَيُقَالُ: الْبَيْعُ بِالْمَيْتَةِ لُغَةٌ وَهُوَ الَّذِي مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ، وَالدَّمُ وَالْحُرُّ بَاطِلٌ لِانْعِدَامِ الرُّكْنِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِالتَّرَاضِي، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تُعَدُّ مَالًا عِنْدَ أَحَدٍ مِمَّنْ لَهُ دِينٌ سَمَاوِيٌّ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا لُغَةٌ لِتَخْرُجَ الْمَخْنُوقَةُ وَأَمْثَالُهَا كَالْمَجْرُوحَةِ بِالْمَذْبُوحَةِ فِي غَيْرِ الْمَذْبَحِ فَإِنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الذَّبِيحَةِ عِنْدَنَا، وَلِهَذَا إذَا بَاعُوا ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمْ جَازَ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ وَإِنْ كَانَ مَيْتَةً عِنْدَنَا، بِخِلَافِ الْمَيْتَةِ حَتْفَ أَنْفِهِ فَإِنَّ بَيْعَهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ عِنْدَهُمْ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فَاللَّامُ الِاسْتِغْرَاقِ عَلَى عُمُومِهِ فِي بِيَاعَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ وَالْبَيْعُ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَاسِدٌ لِوُجُودِ حَقِيقَتِهِ وَهِيَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، فَإِنَّهُ أَيْ الْمَذْكُورَ مِنْ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْكُفْرِ، وَإِنَّمَا أَوَّلْنَا بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مَالٌ عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَبْطَلَ تَقَوُّمَهَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ لِئَلَّا يَتَمَوَّلُوهَا كَمَا أَبْطَلَ قِيمَةَ الْجَوْدَةِ بِانْفِرَادِهَا فِي حَقِّ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَلَوْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ

قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَذِهِ فُصُولُ جَمْعِهَا، وَفِيهَا تَفْصِيلٌ نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَنَقُولُ: الْبَيْعُ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ بَاطِلٌ، وَكَذَا بِالْحُرِّ لِانْعِدَامِ رُكْنِ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تُعَدُّ مَالًا عِنْدَ أَحَدٍ وَالْبَيْعُ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَاسِدٌ لِوُجُودِ حَقِيقَةِ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ فَإِنَّهُ مَالٌ عِنْدَ الْبَعْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى تَأْوِيلٍ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ.

وَالْبَاطِلُ لَا يُفِيدُ مِلْكَ التَّصَرُّفِ. وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِيهِ يَكُونُ أَمَانَةً عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ لِأَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَبَقِيَ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَعِنْدَ الْبَعْضِ يَكُونُ مَضْمُونًا لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ أَدْنَى حَالًا مِنْ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ. وَقِيلَ الْأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالثَّانِي قَوْلُهُمَا كَمَا فِي بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْفَاسِدُ يُفِيدُ الْمِلْكَ عِنْدَ اتِّصَالِ الْقَبْضِ بِهِ وَيَكُونُ الْمَبِيعُ مَضْمُونًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَالْبَاطِلُ لَا يُفِيدُ مِلْكَ التَّصَرُّفِ) كَأَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَاطِلِ وَالْفَاسِدِ، وَالْبَاطِلُ لَا يُفِيدُ مِلْكَ التَّصَرُّفِ وَمَا لَا يُفِيدُ مِلْكَ التَّصَرُّفِ لَا يُفِيدُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ فَالْبَاطِلُ لَا يُفِيدُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ. (وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِي الْبَاطِلِ يَكُونُ أَمَانَةً عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ) أَبِي أَحْمَدَ الطَّوَاوِيسِيِّ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ، نَقَلَهُ أَبُو الْمُعِينِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ (لِأَنَّ الْعَقْدَ) بَاطِلٌ وَالْبَاطِلَ (غَيْرُ مُعْتَبَرٍ) وَالْقَبْضَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ فَيَكُونُ أَمَانَةً (وَعِنْدَ بَعْضٍ آخَرَ) شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ (يَكُونُ مَضْمُونًا لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ أَدْنَى حَالًا مِنْ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ) لِوُجُودِ صُورَةِ الْعِلَّةِ هَاهُنَا دُونَ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَفِيهِ الْقِيمَةُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا؛ وَالْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ هُوَ أَنْ يُسَمِّيَ الثَّمَنَ فَيَقُولَ اذْهَبْ بِهَذَا فَإِنْ رَضِيته اشْتَرَيْته بِعَشَرَةٍ. أَمَّا إذَا لَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ فَذَهَبَ بِهِ فَهَلَكَ عِنْدَهُ لَا يَضْمَنُ، نَصَّ عَلَيْهِ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي الْعُيُونِ. قِيلَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْبَلْخِيُّ (الْأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّانِي قَوْلُهُمَا كَمَا فِي بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْفَاسِدُ يُفِيدُ الْمِلْكَ عِنْدَ اتِّصَالِ الْقَبْضِ بِهِ) أَيْ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ، وَأَمَّا إذَا قَبَضَهُ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ عَنْ الْمَجْلِسِ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ ذُكِرَ فِي الْمَأْذُونِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ. قَالُوا: ذَلِكَ

وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَسَنُبَيِّنُهُ بَعْدَ هَذَا. وَكَذَا بَيْعُ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْحُرِّ بَاطِلٌ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَمْوَالًا فَلَا تَكُونُ مَحِلًّا لِلْبَيْعِ. وَأَمَّا بَيْعُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ إنْ كَانَ قُوبِلَ بِالدَّيْنِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ قُوبِلَ بِعَيْنٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ حَتَّى يَمْلِكَ مَا يُقَابِلُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ عَيْنَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْخَمْرَ مَالٌ وَكَذَا الْخِنْزِيرُ مَالٌ عِنْدَ أَهْلِ الذِّمَّةِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ لِمَا أَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَ بِإِهَانَتِهِ وَتَرْكِ إعْزَازِهِ، وَفِي تَمَلُّكِهِ بِالْعَقْدِ مَقْصُودًا إعْزَازٌ لَهُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ مَتَى اشْتَرَاهُمَا بِالدَّرَاهِمِ فَالدَّرَاهِمُ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ؛ لِكَوْنِهَا وَسِيلَةً لِمَا أَنَّهَا تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْخَمْرُ فَسَقَطَ التَّقَوُّمُ أَصْلًا، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى الثَّوْبَ بِالْخَمْرِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لِلثَّوْبِ إنَّمَا يَقْصِدُ تَمَلُّكَ الثَّوْبِ بِالْخَمْرِ. وَفِيهِ إعْزَازٌ لِلثَّوْبِ دُونَ الْخَمْرِ فَبَقِيَ ذِكْرُ الْخَمْرِ مُعْتَبَرًا فِي تَمَلُّكِ الثَّوْبِ لَا فِي حَقِّ نَفْسِ الْخَمْرِ حَتَّى فَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ وَوَجَبَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ دُونَ الْخَمْرِ، وَكَذَا إذَا بَاعَ الْخَمْرَ بِالثَّوْبِ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ شِرَاءُ الثَّوْبِ بِالْخَمْرِ لِكَوْنِهِ مُقَايَضَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ شَيْئًا لَا يَمْلِكُهُ الْبَائِعُ بِالْقَبْضِ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ شَيْئًا يَمْلِكُهُ فَقَبْضُ الثَّمَنِ مِنْهُ يَكُونُ إذْنًا بِالْقَبْضِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ أَفَادَ ذَلِكَ الْمِلْكَ لَجَازَ لِلْمُشْتَرِي وَطْءُ جَارِيَةٍ اشْتَرَاهَا شِرَاءً فَاسِدًا وَجَازَ أَخْذُ الشُّفْعَةِ لِلشَّفِيعِ فِي الدَّارِ الْمُشْتَرَاةِ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ وَيَحِلُّ أَكْلُ طَعَامٍ اشْتَرَاهُ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمِلْكَ مُطْلَقٌ لَهُ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. فَالْجَوَابُ أَنَّ مَا لَمْ يَحِلَّ وَطْؤُهَا وَأَكْلُهُ لَمْ تَثْبُتْ الشُّفْعَةُ فِيمَا ذُكِرَتْ لِأَنَّ فِي الِاشْتِغَالِ بِالْوَطْءِ وَالْأَكْلِ إعْرَاضًا عَنْ الرَّدِّ، وَفِي الْقَضَاءِ بِالشُّفْعَةِ تَقْرِيرَ الْفَسَادِ وَتَأْكِيدَهُ فَلَا يَجُوزُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَشَايِخَ اخْتَلَفُوا فِي مَبْنَى جَوَازِ التَّصَرُّفِ لِلْمُشْتَرِي فِي الْمُشْتَرَى بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ: فَذَهَبَ الْعِرَاقِيُّونَ إلَى أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَسْلِيطِ الْبَائِعِ عَلَى ذَلِكَ لَا عَلَى مِلْكِ الْعَيْنِ، وَاسْتَدَلُّوا بِالْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ. قَالُوا لَوْ مَلَكَ الْعَيْنَ لَمَلَكَ الْأُمُورَ الْمَذْكُورَةَ وَلَمْ يَمْلِكْهَا. وَذَهَبَ مَشَايِخُ بَلْخِي إلَى أَنَّ جَوَازَ التَّصَرُّفِ بِنَاءٌ عَلَى مِلْكِ الْعَيْنِ. وَاسْتَدَلُّوا بِمَا إذَا اشْتَرَى دَارًا بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ وَقَبَضَهَا فَبِيعَ بِجَنْبِهَا دَارٌ أُخْرَى فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَهُ بِالشُّفْعَةِ لِنَفْسِهِ. وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ وَقَبَضَهَا ثُمَّ رَدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ وَلَوْ بَاعَ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ عَبْدَ يَتِيمٍ بَيْعًا فَاسِدًا وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَعْتَقَهُ جَازَ عِتْقُهُ، وَلَوْ كَانَ عِتْقُهُ عَلَى وَجْهِ التَّسْلِيطِ لَمَا جَازَ لِأَنَّ عِتْقَهُمَا أَوْ تَسْلِيطَهُمَا عَلَى الْعِتْقِ لَا يَجُوزُ فَعُلِمَ بِهَذِهِ الْأَحْكَامِ أَنَّهُ يَمْلِكُ الْعَيْنَ. وَأَجَابُوا عَنْ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ بِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَإِذَا كَانَ مُفِيدًا لِلْمِلْكِ عِنْدَ اتِّصَالِ الْقَبْضِ بِهِ كَانَ الْمَبِيعُ مَضْمُونًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِيهِ: أَيْ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ وَسَنُبَيِّنُهُ بَعْدَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الَّذِي يَلِي هَذَا الْبَابَ (قَوْلُهُ وَكَذَا بَيْعُ الْمَيْتَةِ) يَعْنِي كَمَا أَنَّ الْبَيْعَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ بَاطِلٌ فَكَذَا بَيْعُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَمْوَالًا فَلَا تَكُونُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ، وَأَمَّا بَيْعُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِالدَّيْنِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ أَوْ بِالْعَيْنِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ لَا يُفِيدُ مِلْكَ الْخَمْرِ وَلَا مَا يُقَابِلُهَا. وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لَا يُفِيدُ مِلْكَ الْخَمْرِ وَيُفِيدُ مِلْكَ مَا يُقَابِلُهَا مِنْ الْبَدَلِ بِالْقَبْضِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ أَنَّ الْخَمْرَ مَالٌ وَكَذَا الْخِنْزِيرُ عِنْدَ أَهْلِ الذِّمَّةِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ: أَيْ غَيْرُ مُعَزَّزٍ يُقَابِلُهُ قِيمَةٌ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَ بِإِهَانَتِهِ وَتَرْكِ إعْزَازِهِ،

قَالَ (وَبَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ فَاسِدٌ) وَمَعْنَاهُ بَاطِلٌ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْعِتْقِ قَدْ ثَبَتَ لِأُمِّ الْوَلَدِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» وَسَبَبُ الْحُرِّيَّةِ انْعَقَدَ فِي الْمُدَبَّرِ فِي الْحَالِ لِبُطْلَانِ الْأَهْلِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَا أَمَرَ الشَّرْعُ بِتَرْكِ إعْزَازِهِ لَا يَكُونُ مَعْزُوزًا فَلَا يَكُونُ مُتَقَوِّمًا، وَفِي تَمَلُّكِهِ بِالْعَقْدِ مَقْصُودًا: أَيْ يَجْعَلُهُ مَبِيعًا إعْزَازًا لَهُ وَهُوَ خِلَافُ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَبَيَانُهُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَهَذَا لِأَنَّهُ مَتَى اشْتَرَاهَا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَالدَّرَاهِمُ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ لِكَوْنِهَا وَسِيلَةً لِمَا أَنَّهَا تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْخَمْرُ، وَفِي جَعْلِهِ كَذَلِكَ خِلَافُ الْمَأْمُورِ بِهِ فَيَسْقُطُ التَّقَوُّمُ أَصْلًا لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى خِلَافِ الْمَأْمُورِ بِهِ. وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْبَيْعُ بَاطِلًا، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى الثَّوْبَ بِالْخَمْرِ لِأَنَّ مُشْتَرِيَ الثَّوْبِ يَجْعَلُهُ مَبِيعًا إنَّمَا يَقْصِدُ تَمَلُّكَ الثَّوْبِ بِوَسِيلَةِ الْخَمْرِ، وَفِيهِ إعْزَازٌ لِلثَّوْبِ دُونَ الْخَمْرِ فَلَمْ يَكُنْ ذِكْرُهَا لِنَفْسِهَا بَلْ لِغَيْرِهَا وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ إعْزَازُهَا وَلَا خِلَافُ مَا أَمَرَ بِهِ فَلَا يَكُونُ بَاطِلًا وَفَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ وَوَجَبَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ دُونَ الْخَمْرِ، وَكَذَا إذَا بَاعَ الْخَمْرَ بِالثَّوْبِ يَكُونُ الْبَيْعُ فَاسِدًا، وَإِنْ وَقَعَ الْخَمْرُ مَبِيعًا وَالثَّوْبُ ثَمَنًا بِدُخُولِ الْبَائِعِ لِكَوْنِهِ مُقَايَضَةً وَفِيهَا كُلٌّ مِنْ الْعِوَضَيْنِ يَكُونُ ثَمَنًا وَمُثَمَّنًا، فَلَمَّا كَانَ فِي الْخَمْرِ جِهَةُ الثَّمَنِيَّةِ رُجِّحَ جَانِبُ الْفَسَادِ عَلَى جَانِبِ الْبُطْلَانِ صَوْنًا لِلتَّصَرُّفِ عَنْ الْبُطْلَانِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. قَالَ (وَبَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ فَاسِدٌ) أَيْ بَاطِلٌ، وَإِنَّمَا فَسَّرَهُ بِذَلِكَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ يُفِيدُ الْمِلْكَ بِاتِّصَالِ الْقَبْضِ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْعِتْقِ قَدْ ثَبَتَ إلَخْ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ بَيْنَ اسْتِحْقَاقِ الْعِتْقِ وَثُبُوتِ الْمِلْكِ بِالْبَيْعِ مُنَافَاةً لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ عِبَارَةٌ عَنْ جِهَةِ حُرِّيَّةٍ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا الْإِبْطَالُ وَثُبُوتُ الْمِلْكِ يُبْطِلُهُمَا، وَأَحَدُ الْمُتَنَافِيَيْنِ وَهُوَ الِاسْتِحْقَاقُ ثَابِتٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» فَيَنْتَفِي الْآخَرُ. لَا يُقَالُ: وَهُوَ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ لِأَنَّهُ يُوجِبُ حَقِيقَةَ الْعِتْقِ وَأَنْتُمْ تَحْمِلُونَهُ عَلَى حَقِّهِ فَلَا يَصْلُحُ دَلِيلًا لِأَنَّ الْمَجَازَ مُرَادٌ بِالْإِجْمَاعِ. وَكَذَلِكَ الْمُنَافَاةُ ثَابِتَةٌ بَيْنَ انْعِقَادِ سَبَبِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الْمُدَبَّرِ فِي الْحَالِ وَبَيْنَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ بِالْبَيْعِ لِتَنَافِي اللَّوَازِمِ لِأَنَّ الْمِلْكَ مَعَ الْحُرِّيَّةِ لَا يَجْتَمِعَانِ، فَكَذَلِكَ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ وَالْبَيْعِ وَأَحَدُ الْمُتَنَافِيَيْنِ وَهُوَ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فِي الْحَالِ لَكَانَ إمَّا غَيْرَ ثَابِتٍ مُطْلَقًا أَوْ ثَابِتًا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ إهْمَالَ لَفْظِ الْمُتَكَلِّمِ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ وَالْإِعْمَالُ أَوْلَى، وَكَذَلِكَ الثَّانِي لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ حَالَ بُطْلَانِ الْأَهْلِيَّةِ. فَمَتَى قُلْنَا إنَّهُ يَنْعَقِدُ سَبَبًا بَعْدَ الْمَوْتِ احْتَجْنَا إلَى بَقَاءِ الْأَهْلِيَّةِ، وَالْمَوْتُ يُنَافِيهَا فَدَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَى الْقَوْلِ بِانْعِقَادِ التَّدْبِيرِ سَبَبًا فِي الْحَالِ وَتَأَخَّرَ الْحُكْمُ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ. وَكَذَلِكَ بَيْنَ اسْتِحْقَاقِ الْمُكَاتَبِ يَدًا عَلَى نَفْسِهِ لَازِمَةً فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَبَيْنَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ مُنَافَاةٌ، لَكِنَّ اسْتِحْقَاقَ الْيَدِ اللَّازِمَةِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى ثَابِتَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ فَسْخَ الْكِتَابَةِ بِدُونِ رِضَا الْمُكَاتَبِ فَيَنْتَفِي الْآخَرُ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِأَنَّهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى فَسْخِهَا بِتَعْجِيزِهِ نَفْسَهُ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ بَطَلَ بَيْعُ هَؤُلَاءِ لَكَانَ كَبَيْعِ الْحُرِّ وَحِينَئِذٍ بَطَلَ بَيْعُ الْقِنِّ الْمَضْمُومِ

وَالْمُكَاتَبُ اسْتَحَقَّ يَدًا عَلَى نَفْسِهِ لَازِمَةً فِي حَقِّ الْمَوْلَى، وَلَوْ ثَبَتَ الْمِلْكُ بِالْبَيْعِ لَبَطَلَ ذَلِكَ كُلُّهُ فَلَا يَجُوزُ، وَلَوْ رَضِيَ الْمُكَاتَبُ بِالْبَيْعِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالْأَظْهَرُ الْجَوَازُ، وَالْمُرَادُ الْمُدَبَّرُ الْمُطْلَقُ دُونَ الْمُقَيَّدِ، وَفِي الْمُطْلَقِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْعَتَاقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَيْهِمْ فِي الْبَيْعِ كَالْمَضْمُومِ إلَى الْحُرِّ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ بَيْعَ الْحُرِّ بَاطِلٌ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً لِعَدَمِ مَحَلِّيَّةِ الْبَيْعِ أَصْلًا بِثُبُوتِ حَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ، وَبَيْعُ هَؤُلَاءِ بَاطِلٌ بَقَاءً لِحَقِّ الْحُرِّيَّةِ لَا ابْتِدَاءً لِعَدَمِ حَقِيقَتِهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بَيِّنٌ وَلِهَذَا جَازَ بَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ نَفَذَ قَضَاؤُهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ دَخَلُوا فِي الْبَيْعِ ابْتِدَاءً لِكَوْنِهِمْ مَحَلًّا لَهُ فِي الْجُمْلَةِ ثُمَّ خَرَجُوا مِنْهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ فَبَقِيَ الْقِنُّ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَالْبَيْعُ بِالْحِصَّةِ بَقَاءٌ جَائِزٌ بِخِلَافِ الْحُرِّ فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَدْخُلْ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ لَزِمَ الْبَيْعُ بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً وَأَنَّهُ بَاطِلٌ عَلَى مَا يَجِيءُ. قَالَ (وَلَوْ رَضِيَ الْمُكَاتَبُ بِالْبَيْعِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْأَظْهَرُ الْجَوَازُ إلَخْ) لِأَنَّ عَدَمَهُ كَانَ لِحَقِّهِ، فَلَمَّا أَسْقَطَ حَقَّهُ بِرِضَاهُ انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ وَجَازَ الْبَيْعُ. وَرُوِيَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. وَالْمُرَادُ مِنْ الْمُدَبَّرِ هُوَ الْمُطْلَقُ دُونَ الْمُقَيَّدِ بِالتَّفْسِيرِ الْمَارِّ فِي التَّدْبِيرِ، وَفِي الْمُطْلَقِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيهِ وَإِنْ مَاتَتْ أُمُّ الْوَلَدِ أَوْ الْمُدَبَّرُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُمَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَهَذَا لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ بَلْ الرِّوَايَتَانِ عَنْهُ فِي حَقِّ الْمُدَبَّرِ. رَوَى الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْمُدَبَّرِ بِالْبَيْعِ كَمَا يَضْمَنُ بِالْغَصْبِ، وَأَمَّا فِي حَقِّ أُمِّ الْوَلَدِ فَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا لَا تُضْمَنُ بِالْبَيْعِ وَالْغَصْبِ لِأَنَّهَا لَا تَقَوُّمَ لِمَالِيَّتِهَا. وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ ضَمَانِ الْغَصْبِ فِي الْمُدَبَّرِ وَضَمَانِ بَيْعِهِ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْمُعَلَّى أَنَّ ضَمَانَ الْبَيْعِ وَإِنْ أَشْبَهَ ضَمَانَ الْغَصْبِ مِنْ حَيْثُ الدُّخُولُ فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ، لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ جِهَةِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْمِلْكَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ انْهَدَرَتْ هَذِهِ الْجِهَةُ فَبَقِيَ قَبْضًا بِإِذْنِ الْمَالِكِ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ. لَهُمَا أَنَّهُ أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ مَقْبُوضٌ بِجِهَةِ الْبَيْعِ، لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ يَدْخُلَانِ تَحْتَ الْعَقْدِ حَتَّى يَمْلِكَ بِالضَّمِّ إلَيْهِمَا فِي الْبَيْعِ كَمَا مَرَّ آنِفًا، وَمَا هُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ مَضْمُونٌ كَسَائِرِ

قَالَ (وَإِنْ مَاتَتْ أُمُّ الْوَلَدِ أَوْ الْمُدَبَّرُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: عَلَيْهِ قِيمَتُهُمَا) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ لَهُمَا أَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِجِهَةِ الْبَيْعِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُدَبَّرُ وَأُمَّ الْوَلَدِ يَدْخُلَانِ تَحْتَ الْبَيْعِ حَتَّى يَمْلِكَ مَا يُضَمُّ إلَيْهِمَا فِي الْبَيْعِ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّهِ الْقَبْضُ وَهَذَا الضَّمَانُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَمْوَالِ الْمَقْبُوضَةِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ الدُّخُولُ تَحْتَ الْبَيْعِ وَتَمَلُّكُ مَا يُضَمُّ إلَيْهِ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ لَكَانَ فِي الْمُكَاتَبِ كَذَلِكَ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّهِ الْقَبْضُ وَهَذَا الضَّمَانُ بِالْقَبْضِ

وَلَهُ أَنَّ جِهَةَ الْبَيْعِ إنَّمَا تَلْحَقُ بِحَقِيقَةٍ فِي مَحِلٍّ يَقْبَلُ الْحَقِيقَةَ وَهُمَا لَا يَقْبَلَانِ حَقِيقَةَ الْبَيْعِ فَصَارَا كَالْمُكَاتَبِ، وَلَيْسَ دُخُولُهُمَا فِي الْبَيْعِ فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمَا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِيَثْبُتَ حُكْمُ الْبَيْعِ فِيمَا ضُمَّ إلَيْهِمَا فَصَارَ كَمَالِ الْمُشْتَرِي لَا يَدْخُلُ فِي حُكْمِ عَقْدِهِ بِانْفِرَادِهِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمُ الدُّخُولِ فِيمَا ضَمَّهُ إلَيْهِ، كَذَا هَذَا. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ السَّمَكِ قَبْلَ أَنْ يُصْطَادَ) لِأَنَّهُ بَاعَ مَالًا يَمْلِكُهُ (وَلَا فِي حَظِيرَةٍ إذَا كَانَ لَا يُؤْخَذُ إلَّا بِصَيْدٍ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ، وَمَعْنَاهُ إذَا أَخَذَهُ ثُمَّ أَلْقَاهُ فِيهَا لَوْ كَانَ يُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِ حِيلَةٍ جَازَ، إلَّا إذَا اجْتَمَعَتْ فِيهَا بِأَنْفُسِهَا وَلَمْ يَسُدَّ عَلَيْهَا الْمَدْخَلَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْمَدَارَ هُوَ الْقَبْضُ لَا الدُّخُولُ فِي الْعَقْدِ وَتَمَلُّكُ الْمَضْمُومِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ جِهَةَ الْبَيْعِ إنَّمَا تُوجِبُ الضَّمَانَ فِي الْأَمْوَالِ إلْحَاقًا بِحَقِيقَتِهِ فِي مَحَلٍّ يَقْبَلُ الْحَقِيقَةَ، وَهُمَا: أَيْ أُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرُ لَا يَقْبَلَانِ حَقِيقَةَ الْبَيْعِ فَلَا تُلْحَقُ الْجِهَةُ بِهَا فَصَارَا كَالْمُكَاتَبِ فِي كَوْنِهِ غَيْرَ قَابِلٍ لِلْحَقِيقَةِ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ دُخُولُهُمَا) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا يَدْخُلَانِ تَحْتَ الْبَيْعِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ فَائِدَةَ الدُّخُولِ لَا تَنْحَصِرُ فِي نَفْسِ الدَّاخِلِ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ عَائِدَةً إلَى غَيْرِهِ كَثُبُوتِ حُكْمِ الْبَيْعِ فِيمَا ضُمَّ إلَيْهِمَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُسْتَبْعَدٍ بَلْ لَهُ نَظِيرٌ فِي الشَّرْعِ وَهُوَ مَا إذَا بَاعَ عَبْدًا مَعَ عَبْدِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَتِهِمَا فَيَأْخُذُ الْمُشْتَرِي عَبْدَ الْبَائِعِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِي حَقِّ عَبْدِ الْبَائِعِ فَكَذَلِكَ هَذَا. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ يَصْطَادَهُ) بَيْعُ السَّمَكِ قَبْلَ الِاصْطِيَادِ بَيْعُ مَا لَا يَمْلِكُهُ الْبَائِعُ فَلَا يَجُوزُ، وَإِذَا اصْطَادَهُ ثُمَّ أَلْقَاهُ فِي الْحَظِيرَةِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً لَا يُمْكِنُ الْأَخْذُ مِنْهَا إلَّا بِتَكَلُّفٍ وَاحْتِيَالٍ، فَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً جَازَ لِأَنَّهُ بَاعَ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ، وَإِذَا سَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي فَلَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَإِنْ رَآهَا فِي الْمَاءِ لِأَنَّ السَّمَكَ يَتَفَاوَتُ خَارِجَ الْمَاءِ فَصَارَ كَأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا اجْتَمَعَتْ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ جَازَ: يَعْنِي الْحَظِيرَةَ إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً تُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِ حِيلَةٍ جَازَ إلَّا إذَا اجْتَمَعَتْ فِيهَا بِأَنْفُسِهَا وَلَمْ يُسَدَّ عَلَيْهَا الْمَدْخَلُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ، وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُسْتَثْنًى مِنْ الْمَأْخُوذِ الْمُلْقَى

قَالَ (وَلَا بَيْعُ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ قَبْلَ الْأَخْذِ، وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَهُ مِنْ يَدِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْحَظِيرَةِ وَالْمُجْتَمَعُ بِنَفْسِهِ لَيْسَ بِدَاخِلٍ فِيهِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ سَدَّ صَاحِبُ الْحَظِيرَةِ عَلَيْهَا مَلَكَهَا، أَمَّا بِمُجَرَّدِ الِاجْتِمَاعِ فِي مِلْكِهِ فَلَا، كَمَا لَوْ بَاضَ الطَّيْرُ فِي أَرْضِ إنْسَانٍ أَوْ فَرَّخَتْ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ. لَا يُشْكِلُ بِمَا إذَا عَسَّلَ النَّحْلُ فِي أَرْضِهِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ بِمُجَرَّدِ اتِّصَالِهِ بِمِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحْرِزَهُ أَوْ يُهَيِّئَ لَهُ مَوْضِعًا، لِأَنَّ الْعَسَلَ إذْ ذَاكَ قَائِمٌ بِأَرْضِهِ عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ فَصَارَ كَالشَّجَرِ النَّابِتِ فِيهَا، بِخِلَافِ بَيْضِ الطَّيْرِ وَفَرْخِهَا وَالسَّمَكُ الْمُجْتَمِعُ بِنَفْسِهِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ فِيهَا عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ. قَالَ (وَلَا) يَجُوزُ (بَيْعُ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ) بَيْعُ الطَّيْرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ بَيْعُهُ فِي الْهَوَاءِ قَبْلَ أَنْ يَصْطَادَهُ وَهُوَ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ. وَالثَّانِي بَيْعُهُ بَعْدَ أَنْ أَخَذَهُ وَأَرْسَلَهُ مِنْ يَدِهِ وَهُوَ أَيْضًا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ. وَالثَّالِثُ بَيْعُ طَيْرٍ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ كَالْحَمَامِ وَهُوَ أَيْضًا لَا يَجُوزُ فِي الظَّاهِرِ. وَذُكِرَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ

[بيع الصوف على ظهر الغنم]

قَالَ (وَلَا بَيْعُ الْحَمْلِ وَلَا النِّتَاجِ) «لِنَهْيِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الْحَبَلِ وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ» وَلِأَنَّ فِيهِ غَرَرًا. (وَلَا اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ لِلْغَرَرِ) فَعَسَاهُ انْتِفَاخٌ، وَلِأَنَّهُ يُنَازَعُ فِي كَيْفِيَّةِ الْحَلْبِ، وَرُبَّمَا يَزْدَادُ فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ. قَالَ (وَلَا الصُّوفُ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ) لِأَنَّهُ مِنْ أَوْصَافِ الْحَيَوَانِ، وَلِأَنَّهُ يَنْبُتُ مِنْ أَسْفَلَ فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ، بِخِلَافِ الْقَوَائِمِ؛ لِأَنَّهَا تَزِيدُ مِنْ أَعْلَى، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ بَاعَ طَيْرًا لَهُ يَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ إنْ كَانَ دَاجِنًا يَعُودُ إلَى بَيْتِهِ وَيَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ جَازَ بَيْعُهُ وَإِلَّا فَلَا (وَلَا) يَجُوزُ (بَيْعُ الْحَمْلِ) أَيْ الْجَنِينِ (وَلَا نِتَاجِ الْحَمْلِ) وَهُوَ حَبَلُ الْحَبَلِ، " وَقَدْ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْحَبَلِ وَحَبَلِ الْحَبَلِ» . وَالنِّتَاجُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ نَتَجَتْ النَّاقَةُ بِالضَّمِّ وَلَكِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَنْتُوجُ هَاهُنَا. وَالْحَبَلُ مَصْدَرُ حَبِلَتْ الْمَرْأَةُ حَبَلًا فَهِيَ حُبْلَى فَسُمِّيَ بِهِ الْمَحْمُولُ كَمَا سُمِّيَ بِالْحَمْلِ، وَإِنَّمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ التَّاءُ إشْعَارًا لِمَعْنَى الْأُنُوثَةِ فِيهِ. قِيلَ مَعْنَاهُ: أَنْ يَبِيعَ مَا سَوْفَ يَحْمِلُهُ الْجَنِينُ إنْ كَانَ أُنْثَى، وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَعْتَادُونَ ذَلِكَ فَأَبْطَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّ فِيهِ غَرَرًا وَهُوَ مَا طُوِيَ عَنْك عِلْمُهُ. قَالَ الْمُغْرِبُ فِي الْحَدِيثِ: «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» : وَهُوَ الْخَطَرُ الَّذِي لَا يَدْرِي أَيَكُونُ أَمْ لَا كَبَيْعِ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ. قَالَ (وَلَا اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ لِلْغَرَرِ إلَخْ) وَبَيْعُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ لَا يَجُوزُ لِوُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ لِلْغَرَرِ: لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الضَّرْعُ مُنْتَفِخًا يُظَنُّ لَبَنًا وَالْغَرَرُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَلِلنِّزَاعِ فِي كَيْفِيَّةِ الْحَلْبِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَسْتَقْصِي فِي الْحَلْبِ وَالْبَائِعُ يُطَالِبُهُ بِأَنْ يَتْرُكَ دَاعِيَةَ اللَّبَنِ وَلِأَنَّهُ يَزْدَادُ سَاعَةً فَسَاعَةً وَالْبَيْعُ لَمْ يَتَنَاوَلْ الزِّيَادَةَ لِعَدَمِهَا عِنْدَهُ فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ، وَاخْتِلَاطُ الْمَبِيعِ بِمَا لَيْسَ بِمَبِيعٍ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ عَلَى وَجْهٍ يَتَعَذَّرُ تَمْيِيزُهُ مُبْطِلٌ لِلْبَيْعِ. [بَيْع الصُّوفُ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ] وَبَيْعُ الصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ لَا يَجُوزُ لِوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ أَوْصَافِ الْحَيَوَانِ لِأَنَّ مَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِالْحَيَوَانِ فَهُوَ وَصْفٌ مَحْضٌ، بِخِلَافِ مَا يَكُونُ مُتَّصِلًا بِالشَّجَرِ فَإِنَّهُ

وَبِخِلَافِ الْقَصِيلِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ قَلْعُهُ، وَالْقَطْعُ فِي الصُّوفِ مُتَعَيِّنٌ فَيَقَعُ التَّنَازُعُ فِي مَوْضِعِ الْقَطْعِ، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ، وَعَنْ لَبَنٍ فِي ضَرْعٍ، وَعَنْ سَمْنٍ فِي لَبَنٍ» وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذَا الصُّوفِ حَيْثُ جَوَّزَ بَيْعَهُ فِيمَا يُرْوَى عَنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَيْنُ مَالٍ مَقْصُودٍ مِنْ وَجْهٍ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ، وَلِأَنَّهُ يَنْبُتُ مِنْ أَسْفَلَ فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ وَهُوَ مُبْطِلٌ كَمَا مَرَّ. فَإِنْ قِيلَ: الْقَوَائِمُ مُتَّصِلَةٌ بِالشَّجَرِ وَجَازَ بَيْعُهَا. أَجَابَ بِأَنَّهَا تَزِيدُ مِنْ أَعْلَاهَا فَلَا يَلْزَمُ الِاخْتِلَاطُ، حَتَّى لَوْ رَبَطْت خَيْطًا فِي أَعْلَاهَا وَتُرِكَتْ أَيَّامًا يَبْقَى الْخَيْطُ أَسْفَلَ مِمَّا فِي رَأْسِهَا الْآنَ، وَالْأَعْلَى مِلْكُ الْمُشْتَرِي، وَمَا وَقَعَ مِنْ الزِّيَادَةِ وَقَعَ فِي مِلْكِهِ. أَمَّا الصُّوفُ فَإِنَّ نُمُوَّهُ مِنْ أَسْفَلِهِ، فَإِنْ خَضَّبَ الصُّوفَ عَلَى ظَهْرِ الشَّاةِ ثُمَّ تُرِكَ حَتَّى نَمَا فَالْمَخْضُوبُ يَبْقَى عَلَى رَأْسِهِ لَا فِي أَصْلِهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْقَصِيلُ كَالصُّوفِ وَجَازَ بَيْعُهُ. أَجَابَ بِأَنَّ الْقَصِيلَ وَإِنْ أَمْكَنَ وُقُوعُ التَّنَازُعِ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْقَطْعُ لَا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ مِنْ حَيْثُ الْقَطْعُ فَيُقْلَعُ، وَأَمَّا الْقَطْعُ فِي الصُّوفِ فَمُتَعَيَّنٌ إذْ لَمْ يُعْهَدْ فِيهِ الْقَلْعُ: أَيْ النَّتْفُ فَبَعْدَ ذَلِكَ يَقَعُ التَّنَازُعُ فِي مَوْضِعِ الْقَطْعِ، وَقَدْ صَحَّ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ وَعَنْ لَبَنٍ فِي ضَرْعٍ وَعَنْ سَمْنٍ فِي لَبَنٍ» وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى أَبِي يُوسُفَ فِيمَا يُرْوَى عَنْهُ مِنْ جَوَازِ بَيْعِ الصُّوفِ عَلَى

قَالَ (وَجِذْعٍ فِي سَقْفٍ وَذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ ذَكَرَا الْقَطْعَ أَوْ لَمْ يَذْكُرَاهُ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّسْلِيمُ إلَّا بِضَرَرٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مِنْ نُقْرَةٍ فِضَّةً لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي تَبْعِيضِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِلْجَهَالَةِ أَيْضًا، وَلَوْ قَطَعَ الْبَائِعُ الذِّرَاعَ أَوْ قَلَعَ الْجِذْعَ قَبْلَ أَنْ يَفْسَخَ الْمُشْتَرِي يَعُودُ صَحِيحًا لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ النَّوَى فِي التَّمْرِ أَوْ الْبَذْرَ فِي الْبِطِّيخِ حَيْثُ لَا يَكُونُ صَحِيحًا. وَإِنْ شَقَّهُمَا وَأَخْرَجَ الْمَبِيعَ لِأَنَّ فِي وُجُودِهِمَا احْتِمَالًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQظَهْرِ الْغَنَمِ. قَالَ (وَجِذْعٍ فِي سَقْفٍ) إذَا بَاعَ جِذْعًا فِي سَقْفٍ أَوْ ذِرَاعًا مِنْ ثَوْبٍ: يَعْنِي ثَوْبًا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ كَالْقَمِيصِ لَا الْكِرْبَاسِ فَالْبَيْعُ لَا يَجُوزُ ذَكَرَ الْقَطْعَ أَوْ لَا، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّسْلِيمُ إلَّا بِضَرَرٍ لَمْ يُوجِبْهُ الْعَقْدُ، وَمِثْلُهُ لَا يَكُونُ لَازِمًا فَيَتَمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ وَتَتَحَقَّقُ الْمُنَازَعَةُ، بِخِلَافِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي التَّبْعِيضِ مَضَرَّةٌ كَبَيْعِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ مِنْ نُقْرَةِ فِضَّةٍ وَذِرَاعٍ مِنْ كِرْبَاسٍ فَإِنَّ بَيْعَهُ جَائِزٌ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْجِذْعُ مُعَيَّنًا لَا يَجُوزُ لِلُزُومِ الضَّرَرِ وَلِلْجَهَالَةِ أَيْضًا. وَلَوْ قَطَعَ الْبَائِعُ الذِّرَاعَ أَوْ قَلَعَ الْجِذْعَ قَبْلَ أَنْ يَفْسَخَ الْمُشْتَرِي عَادَ الْبَيْعُ صَحِيحًا لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ) وَهُوَ الضَّرَرُ (وَلَوْ بَاعَ النَّوَى فِي التَّمْرِ أَوْ الْبِزْرِ فِي الْبِطِّيخِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ شَقَّهُمَا وَأَخْرَجَ الْمَبِيعَ لِأَنَّ فِي وُجُودِهِمَا احْتِمَالًا) أَيْ هُوَ شَيْءٌ

أَمَّا الْجِذْعُ فَعَيْنٌ مَوْجُودٌ. قَالَ (وَضَرْبَةِ الْقَانِصِ) وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الصَّيْدِ بِضَرْبِ الشَّبَكَةِ مَرَّةً لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ وَلِأَنَّ فِيهِ غَرَرًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQمُغَيَّبٌ وَهُوَ فِي غِلَافِهِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ. فَإِنْ قِيلَ: بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا وَأَمْثَالِهَا بَيْعُ مَا فِي وُجُودِهِ احْتِمَالٌ فَإِنَّهُ شَيْءٌ مُغَيَّبٌ فِي غِلَافِهِ وَهُوَ جَائِزٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ جَوَازَهُ بِاعْتِبَارِ صِحَّةِ انْطِلَاقِ اسْمِ الْمَبِيعِ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا يَتَّصِلُ بِهِ، فَإِنَّ الْحِنْطَةَ إذَا بِيعَتْ فِي سُنْبُلِهَا إنَّمَا يُقَالُ بِعْت هَذِهِ الْحِنْطَةَ فَالْمَذْكُورُ صَرِيحًا هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فَصَحَّ الْعَقْدُ إعْمَالًا لِتَصْحِيحِ لَفْظِهِ، وَأَمَّا بِزْرُ الْبِطِّيخِ وَنَوَى التَّمْرِ وَحَبُّ الْقُطْنِ فَاسْمُ الْمَبِيعِ وَهُوَ الْبِزْرُ وَالنَّوَى وَالْحَبُّ لَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ، إذْ لَا يُقَالُ هَذَا بِزْرٌ وَنَوًى وَحَبٌّ بَلْ يُقَالُ هَذَا بِطِّيخٌ وَتَمْرٌ وَقُطْنٌ، فَلَمْ يَكُنْ الْمَبِيعُ مَذْكُورًا، وَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فَلَيْسَ بِمَبِيعٍ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى تَخْصِيصَ الْعِلَّةِ وَاضِحٌ وَطَرِيقُ مَنْ لَا يَرَى ذَلِكَ عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ. وَقَوْلُهُ (أَمَّا الْجِذْعُ فَعَيْنٌ مَوْجُودَةٌ) إشَارَةٌ إلَى إتْمَامِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْبِزْرِ وَالنَّوَى وَالْجِذْعِ الْمُعَيَّنُ فِي السَّقْفِ بِأَنَّ الْجِذْعَ مُعَيَّنٌ مَوْجُودٌ إذْ الْفَرْضُ فِيهِ وَالْبِزْرُ وَالنَّوَى لَيْسَ كَذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا بَاعَ جِلْدَ الشَّاةِ الْمَعِيبَةِ قَبْلَ الذَّبْحِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ ذَبَحَ الشَّاةَ وَسَلَخَ جِلْدَهَا وَسَلَّمَهُ لَا يَنْقَلِبُ الْبَيْعُ جَائِزًا وَإِنْ كَانَ الْجِلْدُ عَيْنًا مَوْجُودًا كَالْجِذْعِ فِي السَّقْفِ، وَكَذَا بَيْعُ كَرِشِهَا وَأَكَارِعِهَا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَبِيعَ وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا فِيهِ لَكِنَّهُ مُتَّصِلٌ بِغَيْرِهِ اتِّصَالَ خِلْقَةٍ فَكَانَ تَابِعًا لَهُ، فَكَانَ الْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ هُنَاكَ مَعْنًى أَصْلِيًّا لَا أَنَّهُ اُعْتُبِرَ عَاجِزًا حُكْمًا لِمَا فِيهِ مِنْ إفْسَادِ شَيْءٍ غَيْرِ مُسْتَحَقٍّ بِالْعَقْدِ، وَأَمَّا الْجِذْعُ فَإِنَّهُ عَيْنُ مَالٍ فِي نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الِاتِّصَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ بِعَارِضِ فِعْلِ الْعِبَادِ، وَالْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ حُكْمِيٌّ لِمَا فِيهِ مِنْ إفْسَادِ بِنَاءٍ غَيْرِ مُسْتَحَقٍّ بِالْعَقْدِ، فَإِذَا قُلِعَ وَالْتَزَمَ الضَّرَرُ زَالَ الْمَانِعُ فَيَجُوزُ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ وَطَرِيقِ مَنْ لَا يَرَى بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ (وَضَرْبَةُ الْقَانِصِ) الْقَانِصُ الصَّائِدُ، يُقَالُ قَنَصَ إذَا صَادَ. وَضَرْبَةُ الْقَانِصِ مَا يَخْرُجُ مِنْ الصَّيْدِ بِضَرْبِ الشَّبَكَةِ. يُقَالُ ضَرَبَ الشَّبَكَةَ عَلَى الطَّائِرِ أَلْقَاهَا، وَمِنْهُ نَهَى عَنْ ضَرْبِهِ. وَفِي تَهْذِيبِ الْأَزْهَرِيِّ عَنْ ضَرْبَةِ الْغَائِصِ وَهُوَ الْغَوَّاصُ عَلَى اللَّآلِئِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِلتَّاجِرِ أَغُوصُ لَك غَوْصَةً فَمَا أَخْرَجْت فَهُوَ لَك بِكَذَا، وَالْمَعْنَى فِيهِمَا وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّهُ مَجْهُولٌ وَأَنَّ فِيهِ غَرَرًا لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ لَا يَدْخُلَ فِي الشَّبَكَةِ شَيْءٌ مِنْ الصَّيْدِ وَأَنْ لَا يُخْرِجَ مِنْ الْغَوْصَةِ

قَالَ (وَبَيْعِ الْمُزَابَنَةِ، وَهُوَ بَيْعُ الثَّمَرِ عَلَى النَّخِيلِ بِتَمْرٍ مَجْذُوذٍ مِثْلِ كَيْلِهِ خَرْصًا) «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ» فَالْمُزَابَنَةُ مَا ذَكَرْنَا، وَالْمُحَاقَلَةُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِحِنْطَةٍ مِثْلِ كَيْلِهَا خَرْصًا؛ وَلِأَنَّهُ بَاعَ مَكِيلًا بِمَكِيلٍ مِنْ جِنْسِهِ فَلَا تَجُوزُ بِطَرِيقِ الْخَرْصِ كَمَا إذَا كَانَا مَوْضُوعَيْنِ عَلَى الْأَرْضِ، وَكَذَا الْعِنَبُ بِالزَّبِيبِ عَلَى هَذَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجُوزُ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَرَخَّصَ فِي الْعَرَايَا وَهُوَ أَنْ يُبَاعَ بِخَرْصِهَا تَمْرًا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ» . قُلْنَا: الْعَرِيَّةُ: الْعَطِيَّةُ لُغَةً، وَتَأْوِيلُهُ أَنْ يَبِيعَ الْمُعْرَى لَهُ مَا عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQشَيْئًا. قَالَ (وَبَيْعُ الْمُزَابَنَةِ) الرَّفْعُ فِيهِ وَالْجَرُّ وَالرَّفْعُ فِيمَا تَقَدَّمَ جَائِزٌ، وَالْمُزَابَنَةُ وَهُوَ بَيْعُ الثَّمَرِ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ عَلَى النَّخْلِ بِتَمْرٍ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مَجْذُوذَةٍ مِثْلُ كَيْلِ مَا عَلَى النَّخْلِ مِنْ الثَّمَرِ حَرْزًا وَظَنًّا لَا حَقِيقِيًّا، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِثْلُهُ كَيْلًا حَقِيقِيًّا لَمْ يَبْقَ مَا عَلَى الرَّأْسِ ثَمَرًا بَلْ تَمْرًا مَجْذُوذًا كَاَلَّذِي يُقَابِلُهُ مِنْ الْمَجْذُوذِ لَا يَجُوزُ " لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ» وَالْمُحَاقَلَةُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِحِنْطَةٍ مِثْلِ كَيْلِهَا خَرْصًا، وَلِأَنَّهُ بَاعَ مَكِيلًا بِمَكِيلٍ مِنْ جِنْسِهِ فَلَا يَجُوزُ خَرْصًا لِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ الرِّبَا الْمُلْحَقَةَ بِالْحَقِيقَةِ فِي التَّحْرِيمِ، كَمَا لَوْ كَانَا مَوْضُوعَيْنِ عَلَى الْأَرْضِ وَبَاعَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ خَرْصًا، وَبَيْعُ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ عَلَى هَذَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَلَا يَجُوزُ فِيمَا زَادَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، وَلَهُ فِي مِقْدَارِ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ قَوْلَانِ اسْتَدَلَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ وَرَخَّصَ فِي الْعَرَايَا، وَفَسَّرَهَا بِأَنْ يُبَاعَ الثَّمَرُ الَّذِي عَلَى رَأْسِ النَّخْلِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، وَأَنَّثَ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ بِخَرْصِهَا عَلَى أَنَّهُ جَمْعُ الثَّمَرَةِ. قُلْنَا بِالْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: سَلَّمْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا فَإِنَّ فِي الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ كَثْرَةً لَا يُمْكِنُ مَنْعُهَا، لَكِنْ لَيْسَ حَقِيقَةُ مَعْنَاهَا مَا ذَكَرْتُمْ بَلْ مَعْنَاهَا الْعَطِيَّةُ لُغَةً. وَتَأْوِيلُهَا أَنْ يَهَبَ الرَّجُلُ ثَمَرَةَ نَخْلَةٍ مِنْ بُسْتَانِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ يَشُقُّ عَلَى الْمُعْرِي دُخُولُ الْمُعْرَى لَهُ فِي بُسْتَانِهِ كُلَّ يَوْمٍ لِكَوْنِ أَهْلِهِ فِي الْبُسْتَانِ وَلَا يَرْضَى مِنْ نَفْسِهِ خُلْفَ الْوَعْدِ وَالرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ فَيُعْطِيهِ مَكَانَ ذَلِكَ تَمْرًا مَجْذُوذًا بِالْخَرْصِ لِيَدْفَعَ ضَرَرَهُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يَكُونُ مُخْلِفًا لِوَعْدِهِ، وَبِهِ نَقُولُ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَمْ يَصِرْ مِلْكًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ مَا دَامَ مُتَّصِلًا بِمِلْكِ الْوَاهِبِ، فَمَا يُعْطِيهِ مِنْ التَّمْرِ لَا يَكُونُ عِوَضًا بَلْ هِبَةً مُبْتَدَأَةً، وَيُسَمَّى بَيْعًا مَجَازًا لِأَنَّهُ فِي الصُّورَةِ عِوَضٌ يُعْطِيهِ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ خُلْفِ الْوَعْدِ، وَاتَّفَقَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَظَنَّ الرَّاوِي أَنَّ الرُّخْصَةَ مَقْصُورَةٌ عَلَى

النَّخِيلِ مِنْ الْمُعْرِي بِتَمْرٍ مَجْذُوذٍ، وَهُوَ بَيْعٌ مَجَازًا لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ فَيَكُونُ بُرًّا مُبْتَدَأً. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِإِلْقَاءِ الْحَجَرِ وَالْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَزَةِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا فَنُقِلَ كَمَا وَقَعَ عِنْدَهُ. وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ جَاءَ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ وَرَخَّصَ فِي الْعَرَايَا» فَسِيَاقُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَرَايَا بَيْعُ ثَمَرٍ بِتَمْرٍ. وَالثَّانِي أَنَّهُ جَاءَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِلَفْظِ الِاسْتِثْنَاءِ إلَّا الْعَرَايَا، وَالْأَصْلُ حَمْلُ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْبَيْعِ حَقِيقَةُ بَيْعٍ لِوُجُوبِ دُخُولِهِ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْقِرَانَ فِي النَّظْمِ لَا يُوجِبُ الْقِرَانَ فِي الْحُكْمِ. وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ يُنَافِي قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْمَشْهُورَ «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» وَالْمَشْهُورُ قَاضٍ عَلَيْهِ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِإِلْقَاءِ الْحَجَرِ)

وَهَذِهِ بُيُوعٌ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَهُوَ أَنْ يَتَرَاوَضَ الرَّجُلَانِ عَلَى سِلْعَةٍ: أَيْ يَتَسَاوَمَانِ، فَإِذَا لَمَسَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ نَبَذَهَا إلَيْهِ الْبَائِعُ أَوْ وَضَعَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهَا حَصَاةً لَزِمَ الْبَيْعُ؛ فَالْأَوَّلُ بَيْعُ الْمُلَامَسَةِ وَالثَّانِي الْمُنَابَذَةُ، وَالثَّالِثُ إلْقَاءُ الْحَجَرِ، «وَقَدْ نَهَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ» وَلِأَنَّ فِيهِ تَعْلِيقًا بِالْخَطَرِ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ ثَوْبٍ مِنْ ثَوْبَيْنِ) لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ؛ وَلَوْ قَالَ: عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ جَازَ الْبَيْعُ اسْتِحْسَانًا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِفُرُوعِهِ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَرَاعِي وَلَا إجَارَتُهَا) الْمُرَادُ الْكَلَأُ، أَمَّا الْبَيْعُ فَلِأَنَّهُ وَرَدَ عَلَى مَا لَا يَمْلِكُهُ لِاشْتِرَاكِ النَّاسِ فِيهِ بِالْحَدِيثِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQسَامَ الْبَائِعُ السِّلْعَةَ: أَيْ عَرَضَهَا وَذَكَرَ ثَمَنَهَا، وَسَامَهَا الْمُشْتَرِي بِمَعْنَى اسْتَامَهَا. بَيْعُ الْمُلَامَسَةِ هُوَ أَنْ يَتَسَاوَمَ الرَّجُلَانِ فِي السِّلْعَةِ فَيَلْمِسُهَا الْمُشْتَرِي بِيَدِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ ابْتِيَاعًا لَهَا رَضِيَ مَالِكُهَا بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَرْضَ. وَبَيْعُ الْمُنَابَذَةِ هُوَ أَنْ يَتَرَاوَضَ الرَّجُلَانِ عَلَى السِّلْعَةِ فَيُحِبُّ مَالِكُهَا إلْزَامَ الْمُسَاوِمِ لَهُ عَلَيْهَا إيَّاهَا فَيَنْبِذُهَا إلَيْهِ فَيَلْزَمُهُ بِذَلِكَ وَلَا يَكُونُ لَهُ رَدُّهَا عَلَيْهِ. وَبَيْعُ إلْقَاءِ الْحَجَرِ هُوَ أَنْ يَتَسَاوَمَ الرَّجُلَانِ عَلَى السِّلْعَةِ فَإِذَا وَضَعَ الطَّالِبُ لِشِرَائِهَا حَصَاةً عَلَيْهَا تَمَّ الْبَيْعُ فِيهَا عَلَى صَاحِبِهَا وَلَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهَا ارْتِجَاعٌ فِيهَا. وَهَذِهِ كَانَتْ بُيُوعًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَنَهَى عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَعِبَارَةُ الْكِتَابِ تُشِيرُ إلَى أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ بَيْعُ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ وَبَيْعُ إلْقَاءِ الْحَجَرِ مُلْحَقٌ بِهِمَا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُمَا، وَلِأَنَّ فِيهِ تَعْلِيقًا بِالْخَطَرِ وَالتَّمْلِيكَاتُ لَا تَحْتَمِلُهُ لِأَدَائِهِ إلَى مَعْنَى الْقِمَارِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: أَيُّ ثَوْبٍ أَلْقَيْت عَلَيْهِ الْحَجَرَ فَقَدْ بِعْته، وَأَيُّ ثَوْبٍ لَمَسْته بِيَدِك فَقَدْ بِعْته، وَأَيُّ ثَوْبٍ نَبَذْته إلَيَّ فَقَدْ اشْتَرَيْته. (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ ثَوْبٍ مِنْ ثَوْبَيْنِ) لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ، إلَّا أَنْ يَقُولَ عَلَى أَنَّك بِالْخِيَارِ أَنْ تَأْخُذَ أَيَّهمَا شِئْت فَإِنَّهُ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَرَاعِي وَلَا إجَارَتُهَا) وَالْمُرَادُ بِهِ الْكَلَأُ وَهُوَ مَا لَيْسَ لَهُ سَاقٌ مِنْ الْحَشِيشِ، كَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقِيلَ مَا لَيْسَ لَهُ سَاقٌ وَمَا لَهُ سَاقٌ فَهُوَ كَلَأٌ، وَإِنَّمَا فَسَّرَ الْمَرَاعِيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ لَفْظَ الْمَرْعَى يَقَعُ عَلَى مَوْضِعِ الرَّعْيِ وَهُوَ الْأَرْضُ وَعَلَى الْكَلَأِ وَعَلَى مَصْدَرِ رَعَى، وَلَوْ لَمْ يُفَسَّرْ بِذَلِكَ لَتُوُهِّمَ أَنَّ بَيْعَ الْأَرْضِ وَإِجَارَتَهَا لَا يَجُوزُ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ بَيْعَ الْأَرَاضِي وَإِجَارَتَهَا صَحِيحٌ سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا الْكَلَأُ أَوْ لَمْ يَكُنْ، أَمَّا عَدَمُ جَوَازِ بَيْعِ الْكَلَأِ غَيْرِ الْمُحْرَزِ فَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِاشْتِرَاكِ النَّاسِ فِيهِ بِالْحَدِيثِ، وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: الْمَاءِ، وَالْكَلَأِ، وَالنَّارِ» وَمَا هُوَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ. وَمَعْنَى شَرِكَتِهِمْ فِيهَا أَنَّ لَهُمْ الِانْتِفَاعَ بِضَوْئِهَا وَالِاصْطِلَاءَ بِهَا وَالشُّرْبَ وَسَقْيَ الدَّوَابِّ وَالِاسْتِقَاءَ مِنْ الْآبَارِ وَالْحِيَاضِ الْمَمْلُوكَةِ وَالْأَنْهَارِ الْمَمْلُوكَةِ مِنْ الْأَرَاضِي الْمَمْلُوكَةِ وَالِاحْتِشَاشَ مِنْ الْأَرَاضِي الْمَمْلُوكَةِ، وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ الدُّخُولِ فِي أَرْضِهِ، فَإِنْ مَنَعَ كَانَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَقُولَ لَهُ إنَّ لِي فِي أَرْضِك حَقًّا، فَإِمَّا أَنْ تُوَصِّلَنِي إلَى حَقِّي أَوْ تَحْتَشَّهُ فَتَدْفَعَهُ إلَيَّ أَوْ تَدَعَنِي آخُذُهُ، كَثَوْبٍ لِرَجُلٍ وَقَعَ فِي دَارِ إنْسَانٍ هَذَا إذَا نَبَتَ ظَاهِرًا، وَأَمَّا إذَا أَنْبَتَهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ بِالسَّقْيِ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ. وَذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ وَالنَّوَازِلِ أَنَّ صَاحِبَهَا يَمْلِكُهُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَجَازَ بَيْعُهُ. وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْكَلَإِ ثَابِتَةٌ بِالنَّصِّ، وَإِنَّمَا تَنْقَطِعُ بِالْحِيَازَةِ وَسَوْقُ

[بيع المراعي]

وَأَمَّا الْإِجَارَةُ فَلِأَنَّهَا عُقِدَتْ عَلَى اسْتِهْلَاكِ عَيْنٍ مُبَاحٍ، وَلَوْ عَقَدَ عَلَى اسْتِهْلَاكِ عَيْنٍ مَمْلُوكٍ بِأَنْ اسْتَأْجَرَ بَقَرَةً لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا لَا يَجُوزُ فَهَذَا أَوْلَى. [بَيْعُ الْمَرَاعِي] قَالَ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ النَّحْلِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجُوزُ إذَا كَانَ مُحْرَزًا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ حَقِيقَةً وَشَرْعًا فَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُؤْكَلُ كَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ. وَلَهُمَا أَنَّهُمَا مِنْ الْهَوَامِّ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَالزَّنَابِيرِ وَالِانْتِفَاعُ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ لَا بِعَيْنِهِ فَلَا يَكُونُ مُنْتَفَعًا بِهِ قَبْلَ الْخُرُوجِ، حَتَّى لَوْ بَاعَ كُوَّارَةً فِيهَا عَسَلٌ بِمَا فِيهَا مِنْ النَّحْلِ يَجُوزُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَاءِ إلَى أَرْضِهِ لَيْسَ بِحِيَازَةٍ لِلْكَلَأِ فَبَقِيَ عَلَى الشَّرِكَةِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَأَمَّا عَدَمُ جَوَازِ الْإِجَارَةِ فَلِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا وُقُوعُ الْإِجَارَةِ فِي عَيْنٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ. وَالثَّانِي انْعِقَادُهَا عَلَى اسْتِهْلَاكِ عَيْنٍ مُبَاحٍ وَانْعِقَادُهَا عَلَى اسْتِهْلَاكِ عَيْنٍ مَمْلُوكَةٍ بِأَنْ اسْتَأْجَرَ بَقَرَةً لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا لَا يَصِحُّ، فَعَلَى اسْتِهْلَاكِ عَيْنٍ مُبَاحٍ أَوْلَى، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ عَلَى الْآجِرِ الْمَنَافِعُ لَا الْأَعْيَانُ إلَّا إذَا كَانَتْ الْأَعْيَانُ آلَةً لِإِقَامَةِ الْعَمَلِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْإِجَارَةِ كَالصَّبْغِ فِي اسْتِئْجَارِ الصَّبَّاغِ وَاللَّبَنِ فِي اسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ لِكَوْنِهِ آلَةً لِلْحَضَانَةِ وَالظُّئُورَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ إجَارَةَ الْكَلَأِ وَقَعَتْ فَاسِدَةً أَوْ بَاطِلَةً، وَذُكِرَ فِي الشُّرْبِ أَنَّهَا فَاسِدَةٌ حَتَّى يَمْلِكَ الْآجِرُ الْأُجْرَةَ بِالْقَبْضِ وَيَنْفُذَ عِتْقُهُ فِيهَا. [بَيْعُ النَّحْلِ] قَالَ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ النَّحْلِ) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ النَّحْلِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجُوزُ إذَا كَانَ مُحَرَّزًا: أَيْ مَجْمُوعًا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ حَقِيقَةً بِاسْتِيفَاءِ مَا يَحْدُثُ مِنْهُ، وَشَرْعًا لِعَدَمِ مَا يَمْنَعُ عَنْهُ شَرْعًا، وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَكَوْنُهُ غَيْرَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ لَا يُنَافِيهِ كَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ مِنْ الْهَوَامِّ وَهِيَ الْمَخُوفَةُ مِنْ الْأَحْنَاشِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا. قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: أَرَأَيْت إنْ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا بِكَمْ يَرُدُّهَا، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ النَّحْلَ لَا قِيمَةَ لَهَا وَلَا رَغْبَةَ فِي عَيْنِهَا (قَوْلُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ حَيَوَانٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ: يَعْنِي لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ بِعَيْنِهِ، بَلْ الِانْتِفَاعُ بِمَا سَيَحْدُثُ مِنْهُ وَذَلِكَ مَعْدُومٌ فِي الْحَالِ. قِيلَ قَوْلُهُ لَا بِعَيْنِهِ احْتِرَازٌ عَنْ الْمُهْرِ وَالْجَحْشِ فَإِنَّهُمَا وَإِنْ كَانَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِمَا فِي الْحَالِ لَكِنْ يُنْتَفَعُ بِهِمَا فِي الْمَآلِ بِأَعْيَانِهِمَا، وَفِيهِ بُعْدٌ لِخُرُوجِهِمَا بِقَوْلِهِ يَخْرُجُ مِنْهُ، وَإِذَا كَانَ الِانْتِفَاعُ بِمَا يَخْرُجُ

[بيع دود القز]

تَبَعًا لَهُ، كَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ دُودِ الْقَزِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِأَنَّهُ مِنْ الْهَوَامِّ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ إذَا ظَهَرَ فِيهِ الْقَزُّ تَبَعًا لَهُ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ لِكَوْنِهِ مُنْتَفَعًا بِهِ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ بَيْضَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ) لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ. وَقِيلَ أَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا فِي دُودِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَبْلَ خُرُوجِهِ لَا يَكُونُ مُنْتَفَعًا بِهِ، حَتَّى لَوْ كَانَ مِنْهُ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِأَنْ بَاعَ كِوَارَةً بِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِهَا وَهِيَ مَعْسَلُ النَّحْلِ إذَا سُوِّيَ مِنْ طِينٍ فِيهَا عَسَلٌ بِمَا فِيهَا مِنْ النَّحْلِ يَجُوزُ تَبَعًا لَهُ. كَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ. وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِهَذَا الْمُخْتَصَرِ: وَأَمَّا إذَا بَاعَ الْعَسَلَ مَعَ النَّحْلِ فَالْعَقْدُ يَقَعُ عَلَى الْعَسَلِ وَيَدْخُلُ النَّحْلُ عَلَى طَرِيقِ التَّبَعِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ كَالشِّرْبِ وَالطَّرِيقِ. ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ حُكِيَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُنْكِرُ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ وَيَقُولُ: إنَّمَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ عَلَى طَرِيقِ التَّبَعِ مَا هُوَ مِنْ حُقُوقِ الْمَبِيعِ وَأَتْبَاعِهِ وَالنَّحْلُ لَيْسَ مِنْ حُقُوقِ الْعَسَلِ، إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ فِي جَامِعِهِ هَذَا التَّعْلِيلَ بِعَيْنِهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ [بَيْعُ دُودِ الْقَزِّ] . قَالَ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ دُودِ الْقَزِّ وَبَيْضِهِ) وَهُوَ الْبِزْرُ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ الدُّودُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ مِنْ الْهَوَامِّ وَبَيْضُهُ مِمَّا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ بِعَيْنِهِ بَلْ بِمَا سَيَحْدُثُ مِنْهُ وَهُوَ مَعْدُومٌ فِي الْحَالِ. وَجَازَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِكَوْنِهِ مُنْتَفَعًا بِهِ وَلِمَكَانِ الضَّرُورَةِ فِي بَيْعِهِ، قِيلَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَأَجَازَ أَبُو يُوسُفَ بَيْعَ دُودِ الْقَزِّ إذَا ظَهَرَ فِيهِ الْقَزُّ تَبَعًا لَهُ كَبَيْعِ النَّحْلِ مَعَ الْعَسَلِ وَبَيْعِ بَيْضِهِ مُطْلَقًا لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ، وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي دُودِهِ، وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ تُشِيرُ إلَى أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ إنَّمَا لَمْ يُجَوِّزْ بَيْعَهُ بِانْفِرَادِهِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ تَبَعًا فَيَجُوزُ، وَالْحَمَامُ إذَا عُلِمَ عَدَدُهَا وَأَمْكَنَ تَسْلِيمُهَا جَازَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ مَالٌ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ وَكَانَ مَوْضِعُ ذِكْرِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا بَيْعُ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ،

[بيع الآبق]

الْقَزِّ وَالْحَمَامِ إذَا عَلِمَ عَدَدَهَا وَأَمْكَنَ تَسْلِيمُهَا جَازَ بَيْعُهَا لِأَنَّهُ مَالٌ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ. (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْآبِقِ) لِنَهْيِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْهُ وَلِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ (إلَّا أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ رَجُلٍ زَعَمَ أَنَّهُ عِنْدَهُ) لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ بَيْعُ آبِقٍ مُطْلَقٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ آبِقًا فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَهَذَا غَيْرُ آبِقٍ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي؛ وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي انْتَفَى الْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ وَهُوَ الْمَانِعُ، ثُمَّ لَا يَصِيرُ قَابِضًا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ وَكَانَ أَشْهَدَ عِنْدَهُ أَخَذَهُ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ وَقَبْضُ الْأَمَانَةِ لَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْبَيْعِ، وَلَوْ كَانَ لَمْ يُشْهِدْ يَجِبُ أَنْ يَصِيرَ قَابِضًا لِأَنَّهُ قَبْضُ غَصْبٍ، لَوْ قَالَ هُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنَّمَا ذَكَرَهَا هُنَا تَبَعًا لِمَا ذَكَرَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ وَضَعَهُ ثَمَّةَ كَذَلِكَ. [بَيْعُ الْآبِقِ] قَالَ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْآبِقِ) بَيْعُ الْآبِقِ الْمُطْلَقِ لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ بِقَوْلِهِ «بَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَعَنْ بَيْعِ الْعَبْدِ الْآبِقِ» وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ، وَالْآبِقُ الَّذِي لَا يَكُونُ مُطْلَقًا وَهُوَ الَّذِي لَا يَكُونُ آبِقًا فِي حَقِّ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ جَازَ بَيْعُهُ كَمَنْ بَاعَهُ مِنْ رَجُلٍ يَزْعُمُ أَنَّهُ عِنْدَهُ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ بَيْعُ الْمُطْلَقِ مِنْهُ، وَهَذَا غَيْرُ آبِقٍ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي فَيَنْتَفِي الْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ الْمَانِعِ مِنْ الْجَوَازِ ثُمَّ هَلْ يَصِيرُ قَابِضًا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ أَوْ لَا، إنْ كَانَ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ يَصِيرُ قَابِضًا عَقِبَ الشِّرَاءِ بِالِاتِّفَاقِ؛ وَإِنْ قَبَضَهُ لِلرَّدِّ، فَإِمَّا أَنْ يَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَا يَصِيرُ قَابِضًا لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى الْمَوْلَى هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمَوْلَى (وَقَبْضُ الْأَمَانَةِ لَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْبَيْعِ) لِأَنَّ قَبْضَ الضَّمَانِ أَقْوَى لِتَأَكُّدِهِ بِاللُّزُومِ وَالْمِلْكِ، أَمَّا اللُّزُومُ فَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ امْتَنَعَ عَنْ قَبْضِ الْمَبِيعِ

عِنْدَ فُلَانٍ فَبِعْهُ مِنِّي فَبَاعَهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ آبِقٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَلِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ. وَلَوْ بَاعَ الْآبِقَ ثُمَّ عَادَ مِنْ الْإِبَاقِ لَا يَتِمُّ ذَلِكَ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ بَاطِلًا لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّيَّةِ كَبَيْعِ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَتِمُّ الْعَقْدُ إذَا لَمْ يُفْسَخْ لِأَنَّ الْعَقْدَ انْعَقَدَ لِقِيَامِ الْمَالِيَّةِ وَالْمَانِعَ قَدْ ارْتَفَعَ وَهُوَ الْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ، كَمَا إذَا أَبَقَ بَعْدَ الْبَيْعِ، وَهَكَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQأُجْبِرَ عَلَيْهِ وَبَعْدَ الْقَبْضِ لَيْسَ لِلْبَائِعِ فَسْخُهُ، بِخِلَافِ الْأَمَانَةِ. وَأَمَّا الْمِلْكُ فَلِأَنَّ الضَّمَانَ يُثْبِتُ الْمِلْكَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ. بِخِلَافِ قَبْضِ الْهِبَةِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي يَجِبُ أَنْ يَصِيرَ قَابِضًا لِأَنَّهُ قَبْضُ غَصْبٍ وَهُوَ قَبْضُ ضَمَانٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ قَابِضًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَجِبُ أَنْ يَصِيرَ قَابِضًا كَأَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ أَبَا يُوسُفَ الْقَوْلُ بِكَوْنِهِ قَابِضًا نَظَرًا إلَى الْقَاعِدَةِ. وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي هُوَ عِنْدَ فُلَانٍ فَبِعْهُ مِنِّي فَبَاعَهُ لَا يَجُوزُ لِكَوْنِهِ آبِقًا فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَغَيْرَ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ، إذْ الْبَائِعُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِ مَا لَيْسَ فِي يَدِهِ، وَلَوْ بَاعَ الْآبِقُ ثُمَّ عَادَ مِنْ الْإِبَاقِ هَلْ يَتِمُّ ذَلِكَ الْعَقْدُ أَوْ يَحْتَاجُ إلَى عَقْدٍ جَدِيدٍ؟ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَبِهِ أَخَذَ مَشَايِخُ بَلْخِي أَنَّ ذَلِكَ الْعَقْدَ لَا يَتِمُّ وَيَحْتَاجُ إلَى عَقْدٍ جَدِيدٍ لِوُقُوعِهِ بَاطِلًا، فَإِنَّ جُزْءَ الْمَحَلِّ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ وَقَدْ فَاتَ وَقْتُ الْعَقْدِ فَانْعَدَمَ الْمَحَلُّ فَصَارَ كَمَا إذَا بَاعَ الطَّيْرَ فِي الْهَوَاءِ ثُمَّ أَخَذَهُ وَسَلَّمَهُ فِي الْمَجْلِسِ. وَعُورِضَ بِأَنَّ الْإِعْتَاقَ يَجُوزُ. وَلَوْ فَاتَ

[بيع لبن امرأة في قدح]

يُرْوَى عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ (وَلَا بَيْعُ لَبَنِ امْرَأَةٍ فِي قَدَحٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ مَشْرُوبٌ طَاهِرٌ، وَلَنَا أَنَّهُ جُزْءُ الْآدَمِيِّ وَهُوَ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ مُكَرَّمٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَحَلُّ لَمَا جَازَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْإِعْتَاقَ إبْطَالُ الْمِلْكِ وَهُوَ يُلَائِمُ النَّوَى بِالْإِبَاقِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فِيهِ فَإِنَّهُ إثْبَاتُهُ، وَالنَّوَى يُنَافِيهِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَقْدَ يَتِمُّ إذَا لَمْ يُفْسَخْ، وَالْبَائِعُ إنْ امْتَنَعَ عَنْ تَسْلِيمِهِ وَالْمُشْتَرِي عَنْ قَبْضِهِ أُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ انْعَقَدَ لِقِيَامِ الْمَالِيَّةِ لِأَنَّ مَالَ الْمَوْلَى لَا يَزُولُ بِالْإِبَاقِ وَلِهَذَا جَازَ إعْتَاقُهُ وَتَدْبِيرُهُ، وَالْمَانِعُ وَهُوَ الْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ قَدْ ارْتَفَعَ فَتَحَقَّقَ الْمُقْتَضَى وَانْتَفَى الْمَانِعُ فَيَجُوزُ وَصَارَ كَمَا إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ بَعْدَ الْبَيْعِ، وَهَكَذَا يُرْوَى عَنْ مُحَمَّدٍ وَبِهِ أَخَذَ الْكَرْخِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ مَشَايِخِنَا. وَأَمَّا إذَا رَفَعَهُ الْمُشْتَرِي إلَى الْقَاضِي وَطَلَبَ مِنْهُ التَّسْلِيمَ وَعَجَزَ الْبَائِعُ عَنْهُ وَفَسَخَ الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ ظَهَرَ الْعَبْدُ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى بَيْعٍ جَدِيدٍ. [بَيْعُ لَبَنِ امْرَأَةٍ فِي قَدَحٍ] قَالَ (وَلَا لَبَنِ امْرَأَةٍ فِي قَدَحٍ) قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي قَدَحٍ لِدَفْعِ مَا عَسَى أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ بَيْعَهُ فِي الضَّرْعِ لَا يَجُوزُ كَسَائِرِ أَلْبَانِ الْحَيَوَانَاتِ، وَفِي الْقَدَحِ يَجُوزُ فَقَالَ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي قَدَحٍ. وَجَوَّزَ الشَّافِعِيُّ بَيْعَهُ لِأَنَّهُ مَشْرُوبٌ طَاهِرٌ وَبَيْعُ مِثْلِهِ جَائِزٌ كَسَائِرِ الْأَلْبَانِ، وَعَقَّبَ بِقَوْلِهِ طَاهِرًا احْتِرَازًا عَنْ الْخَمْرِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِطَاهِرَةٍ. وَلَنَا أَنَّهُ جُزْءُ الْآدَمِيِّ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَثْبَتَ حُرْمَةَ الرَّضَاعِ لِمَعْنَى الْبَعْضِيَّةِ، وَجُزْءُ الْآدَمِيِّ لَيْسَ بِمَالٍ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يَتَمَوَّلُونَهُ وَمَا لَيْسَ بِمَالٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ. وَعُورِضَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ جُزْءُ الْآدَمِيِّ لَكَانَ مَضْمُونًا بِالْإِتْلَافِ كَبَقِيَّةِ أَجْزَاءِ الْآدَمِيِّ. أُجِيبَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْأَجْزَاءَ تُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ بَلْ الْمَضْمُونُ مَا انْتَقَصَ مِنْ الْأَصْلِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْجُرْحَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْبُرْءُ يَسْقُطُ الضَّمَانُ وَكَذَا السِّنُّ إذَا نَبَتَتْ (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ الْآدَمِيُّ

مَصُونٌ عَنْ الِابْتِذَالِ بِالْبَيْعِ، وَلَا فَرْقَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ لَبَنِ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ لَبَنِ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَى نَفْسِهَا فَكَذَا عَلَى جُزْئِهَا. قُلْنَا: الرِّقُّ قَدْ حَلَّ نَفْسَهَا، فَأَمَّا اللَّبَنُ فَلَا رِقَّ فِيهِ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِمَحِلٍّ يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْقُوَّةُ الَّتِي هِيَ ضِدُّهُ وَهُوَ الْحَيُّ وَلَا حَيَاةَ فِي اللَّبَنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ مُكَرَّمٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا آخَرَ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْآدَمِيَّ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ مُكَرَّمٌ مَصُونٌ عَنْ الِابْتِذَالِ، وَمَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْبَيْعُ لَيْسَ بِمُكَرَّمٍ وَلَا مَصُونٍ عَنْ الِابْتِذَالِ، وَلَا فَرْقَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ لَبَنِ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ لَبَنِ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ إيرَادُ الْبَيْعِ عَلَى نَفْسِهَا فَيَجُوزُ عَلَى جُزْئِهَا اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ اعْتِبَارٌ مَعَ وُجُودِ الْفَارِقِ فَلَا يَجُوزُ. وَبَيَانُهُ أَنَّ الرِّقَّ حِلُّ نَفْسِهَا وَمَا حَلَّ فِيهِ الرِّقُّ جَازَ بَيْعُهُ، وَأَمَّا اللَّبَنُ فَلَا رِقَّ فِيهِ لِأَنَّ الرِّقَّ يَخْتَصُّ بِمَحَلِّ الْقُوَّةِ الَّتِي هِيَ ضِدُّ الرِّقِّ: يَعْنِي الْعِتْقَ، وَهُوَ أَيْ الْمَحَلُّ هُوَ الْحَيُّ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمَا صِفَتَانِ يَتَعَاقَبَانِ عَلَى مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَهُمَا ضِدَّانِ، وَإِذْ لَا حَيَاةَ فِي اللَّبَنِ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ الرِّقُّ وَلَا الْعِتْقُ لِانْتِفَاءِ الْمَوْضُوعِ. وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ مَشْرُوبٌ طَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ كَوْنُهُ مَشْرُوبًا مُطْلَقًا أَوْ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ، وَالْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ. فَإِنَّهُ إذَا اسْتَغْنَى عَنْهُ حَرُمَ شُرْبُهُ. وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ لِأَنَّهُ غِذَاءٌ فِي تَرْبِيَةِ الصِّغَارِ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ فَإِنَّهُمْ لَا يَتَرَبُّونَ إلَّا بِلَبَنِ الْجِنْسِ عَادَةً، وَلَكِنْ لَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى كَوْنِهِ مَالًا كَالْمَيْتَةِ تَكُونُ غِذَاءً عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَلَيْسَتْ بِمَالٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ

[بيع شعر الخنزير]

قَالَ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ شَعْرِ الْخِنْزِيرِ) لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إهَانَةً لَهُ، وَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِلْخَرْزِ لِلضَّرُورَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَمَلَ لَا يَتَأَتَّى بِدُونِهِ، وَيُوجَدُ مُبَاحَ الْأَصْلِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى الْبَيْعِ، وَلَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ أَفْسَدَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُفْسِدُهُ لِأَنَّ إطْلَاقَ الِانْتِفَاعِ بِهِ دَلِيلُ طَهَارَتِهِ وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْإِطْلَاقَ لِلضَّرُورَةِ فَلَا يَظْهَرُ إلَّا فِي حَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَحَالَةُ الْوُقُوعِ تُغَايِرُهَا. (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ شُعُورِ الْإِنْسَانِ وَلَا الِانْتِفَاعُ بِهَا) لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مُكَرَّمٌ لَا مُبْتَذَلٌ فَلَا يَجُوزُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَيْعُ شَعْرِ الْخِنْزِيرِ] قَالَ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ شَعْرِ الْخِنْزِيرِ لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ) وَنَجِسُ الْعَيْنِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إهَانَةً لَهُ، وَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِلْخَرْزِ لِلضَّرُورَةِ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَعْمَلُ عَمَلَهُ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَجُوزَ بَيْعُهُ. أَجَابَ بِأَنَّهُ يُوجَدُ مُبَاحَ الْأَصْلِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى بَيْعِهِ، وَعَلَى هَذَا قِيلَ: إذَا كَانَ لَا يُوجَدُ إلَّا بِالْبَيْعِ جَازَ بَيْعُهُ لَكِنَّ الثَّمَنَ لَا يَطِيبُ لِلْبَائِعِ. وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ: إنْ كَانَتْ الْأَسَاكِفَةُ لَا يَجِدُونَ شَعْرَ الْخِنْزِيرِ إلَّا بِالشِّرَاءِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لَهُمْ الشِّرَاءُ، وَلَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ أَفْسَدَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ إلَّا فِي حَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَحَالَةُ الْوُقُوعِ غَيْرُ حَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُفْسِدُهُ لِأَنَّ إطْلَاقَ الِانْتِفَاعِ بِهِ دَلِيلُ طَهَارَتِهِ، وَوُقُوعُ الطَّاهِرِ فِي الْمَاءِ لَا يُنَجِّسُهُ، وَكَانَ الْمُصَنِّفُ اخْتَارَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ حَيْثُ أَخَّرَهُ، قِيلَ: هَذَا إذَا كَانَ مَنْتُوفًا، وَأَمَّا الْمَجْزُوزُ فَطَاهِرٌ كَذَا فِي التُّمُرْتَاشِيِّ وَقَاضِي خَانْ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ شُعُورِ الْإِنْسَانِ إلَخْ) بَيْعُ شُعُورِ الْآدَمِيِّينَ وَالِانْتِفَاعُ بِهَا لَا يَجُوزُ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ

[بيع شعور الإنسان]

أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ مُهَانًا وَمُبْتَذَلًا وَقَدْ قَالَ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَة» الْحَدِيثُ، وَإِنَّمَا يُرَخَّصُ فِيمَا يُتَّخَذُ مِنْ الْوَبَرِ فَيَزِيدُ فِي قُرُونِ النِّسَاءِ وَذَوَائِبِهِنَّ. [بَيْعُ شُعُورِ الْإِنْسَانِ] قَالَ (وَلَا بَيْعُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ أَنْ تُدْبَغَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهَا اسْتِدْلَالًا بِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ حَلَقَ رَأْسَهُ قَسَمَ شَعْرَهُ بَيْنَ أَصْحَابِهِ فَكَانُوا يَتَبَرَّكُونَ بِهِ» وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَا فَعَلَهُ، إذْ النَّجِسُ لَا يُتَبَرَّكُ بِهِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْآدَمِيَّ مُكَرَّمٌ غَيْرُ مُبْتَذَلٍ، وَمَا هُوَ كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ مُبْتَذَلًا مُهَانًا وَفِي الْبَيْعِ وَالِانْتِفَاعِ ذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَة» وَالْوَاصِلَةُ مَنْ تَصِلُ الشَّعْرَ، وَالْمُسْتَوْصِلَة مَنْ يُفْعَلُ بِهَا ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: جَعَلَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْعَ شَعْرِ الْخِنْزِيرِ إعْزَازًا فِيمَا تَقَدَّمَ وَجَعَلَ شَعْرَ الْآدَمِيِّ إهَانَةً لَهُ وَالْبَيْعُ حَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِأَمْرَيْنِ مُتَنَافِيَيْنِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْبَيْعَ مُبَادَلَةٌ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْمَبِيعِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا حَقَّرَهُ الشَّرْعُ فَبَيْعُهُ وَمُبَادَلَتُهُ بِمَا لَمْ يُحَقِّرْهُ إعْزَازٌ لَهُ فَلَا يَجُوزُ لِإِفْضَائِهِ إلَى إعْزَازِ مَا حَقَّرَهُ الشَّرْعُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا كَرَّمَهُ وَعَظَّمَهُ فَبَيْعُهُ وَمُبَادَلَتُهُ بِمَا لَيْسَ كَذَلِكَ إهَانَةٌ لَهُ فَلَا يَجُوزُ لِإِفْضَائِهِ إلَى تَحْقِيرِ مَا عَظَّمَهُ الشَّرْعُ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الْبَيْعِ فِي شَيْءٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ وَصْفِ الْمَحَلِّ شَرْعًا، ثُمَّ إنَّ عَدَمَ جَوَازِهِمَا لَيْسَ لِلنَّجَاسَةِ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّ شَعْرَ غَيْرِ الْإِنْسَانِ لَا يَنْجُسُ بِالْمُزَايَلَةِ فَشَعْرُهُ وَهُوَ طَاهِرٌ أَوْلَى، وَلِأَنَّ فِي تَنَاثُرِ الشُّعُورِ ضَرُورَةً وَهِيَ تُنَافِي النَّجَاسَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: نَجِسٌ لِحُرْمَةِ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِالضَّرُورَةِ، وَلَا بَأْسَ بِاِتِّخَاذِ الْقَرَامِيلِ وَهِيَ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الْوَبَرِ لِزَيْدٍ فِي قُرُونِ النِّسَاءِ: أَيْ فِي أُصُولِ شَعْرِهِنَّ بِالتَّكْثِيرِ وَفِي ذَوَائِبِهِنَّ بِالتَّطْوِيلِ. [بَيْعُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ] وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ أَنْ تُدْبَغَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهَا لِنَجَاسَتِهَا. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ» وَهُوَ اسْمٌ لِغَيْرِ الْمَدْبُوغِ، كَذَا رُوِيَ عَنْ الْخَلِيلِ وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ. فَإِنْ قِيلَ: نَجَاسَتُهَا مُجَاوِرَةٌ بِاتِّصَالِ الرُّسُومَاتِ وَمِثْلُ ذَلِكَ يَجُوزُ بَيْعُهُ كَالثَّوْبِ النَّجِسِ. أُجِيبَ بِأَنَّهَا خَلْفِيَّةٌ فَمَا لَمْ يُزَايَلْ بِالدِّبَاغِ فَهِيَ كَعَيْنِ الْجِلْدِ، بِخِلَافِ نَجَاسَةِ الثَّوْبِ. فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ» وَهُوَ اسْمٌ لِغَيْرِ الْمَدْبُوغِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ (وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِهَا وَالِانْتِفَاعِ بِهَا بَعْدَ الدِّبَاغِ) لِأَنَّهَا قَدْ طَهُرَتْ بِالدِّبَاغِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ (وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ عِظَامِ الْمَيْتَةِ وَعَصَبِهَا وَصُوفِهَا وَقَرْنِهَا وَشَعْرِهَا وَوَبَرِهَا وَالِانْتِفَاعِ بِذَلِكَ كُلِّهِ) ؛ لِأَنَّهَا طَاهِرَةٌ لَا يَحِلُّهَا الْمَوْتُ؛ لِعَدَمِ الْحَيَاةِ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ. وَالْفِيلُ كَالْخِنْزِيرِ نَجِسُ الْعَيْنِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا بِمَنْزِلَةِ السِّبَاعِ حَتَّى يُبَاعُ عَظْمُهُ وَيَنْتَفِعُ بِهِ. قَالَ (وَإِذَا كَانَ السُّفْلُ لِرَجُلٍ وَعُلُوُّهُ لِآخَرَ فَسَقَطَا أَوْ سَقَطَ الْعُلُوُّ وَحْدَهُ فَبَاعَ صَاحِبُ الْعُلُوِّ عُلُوَّهُ لَمْ يَجُزْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا تَنْتَفِعُوا) وَهُوَ يَقْتَضِي الْمَشْرُوعِيَّةَ فَمِنْ أَيْنَ اللَّاجَوَازُ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ وَهُوَ يُفِيدُهُ، طَالِعْ التَّقْرِيرَ تَطَّلِعُ عَلَيْهِ (وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِهَا وَالِانْتِفَاعِ بِهَا بَعْدَ الدِّبَاغِ لِأَنَّهَا طَهُرَتْ بِهِ) لِأَنَّ تَأْثِيرَهُ فِي إزَالَةِ الرُّطُوبَاتِ كَالذَّكَاةِ وَالْجِلْدِ يَطْهُرُ بِهَا فَيَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ. وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ عِظَامِ الْمَيْتَةِ وَعَصَبِهَا وَصُوفِهَا وَقَرْنِهَا وَشَعْرِهَا وَوَبَرِهَا وَالِانْتِفَاعِ بِذَلِكَ كُلِّهِ لِأَنَّهَا طَاهِرَةٌ لَا يُحِلُّهَا الْمَوْتُ لِعَدَمِ الْحَيَاةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ (وَالْفِيلُ كَالْخِنْزِيرِ نَجِسُ الْعَيْنِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) اعْتِبَارًا بِهِ فِي حُرْمَةِ اللَّحْمِ وَغَيْرِهَا. قَالَ لَا تَقَعُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَإِذَا دُبِغَ جِلْدُهُ لَمْ يَطْهُرْ. وَعِنْدَهُمَا بِمَنْزِلَةِ السِّبَاعِ يُبَاعُ عَظْمُهُ لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ بِالرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَلَمْ يَكُنْ نَجِسَ الْعَيْنِ بَلْ كَانَ كَالْكَلْبِ وَسَائِرِ السِّبَاعِ. قَالُوا: بَيْعُ عَظْمِهِ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ دُسُومَةٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ فَهُوَ نَجِسٌ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ. قَالَ (وَإِذَا كَانَ السُّفْلُ لِرَجُلٍ وَعُلْوُهُ لِآخَرَ فَسَقَطَا أَوْ سَقَطَ الْعُلْوُ وَحْدَهُ فَبَاعَ صَاحِبُ الْعُلْوِ عُلْوَهُ لَمْ يَجُزْ)

لِأَنَّ حَقَّ التَّعَلِّي لَيْسَ بِمَالٍ لِأَنَّ الْمَالَ مَا يُمْكِنُ إحْرَازُهُ وَالْمَالُ هُوَ الْمَحِلُّ لِلْبَيْعِ، بِخِلَافِ الشِّرْبِ حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَمُفْرَدًا فِي رِوَايَةٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ بَلْخِي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ حَظٌّ مِنْ الْمَاءِ وَلِهَذَا يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ وَلَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الشُّرْبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ حَقَّ التَّعَلِّي لَيْسَ بِمَالٍ لِعَدَمِ إمْكَانِ إحْرَازِهِ (وَالْمَالُ هُوَ الْمَحَلُّ لِلْبَيْعِ) فَإِنْ قِيلَ: الشِّرْبُ حَقُّ الْأَرْضِ وَلِهَذَا قَالَ فِي كِتَابِ الشِّرْبِ: إذَا اشْتَرَى أَرْضًا لَمْ يَكُنْ لَهُ شِرْبٌ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ الشِّرْبِ حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ. وَمُفْرَدًا فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ بَلْخِي لِأَنَّهُ حَظٌّ مِنْ الْمَاءِ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ بِالْإِتْلَافِ، فَإِنَّ مَنْ سَقَى أَرْضَ نَفْسِهِ بِمَاءِ غَيْرِهِ يَضْمَنُ، وَلِأَنَّ لَهُ حَظًّا مِنْ الثَّمَنِ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الشِّرْبِ. قَالَ فِي شَاهِدَيْنِ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِشِرَاءِ أَرْضٍ بِشِرْبِهَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِشِرَائِهَا بِأَلْفٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الشِّرْبَ لَمْ تُقْبَلْ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي ثَمَنِ الْأَرْضِ لِأَنَّ بَعْضَ الثَّمَنِ يُقَابِلُ الشِّرْبَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الشِّرْبِ وَحْدَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِلْجَهَالَةِ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، بِخِلَافِ بَيْعِهِ مَعَهَا تَبَعًا لِزَوَالِهَا بِاعْتِبَارِ التَّبَعِيَّةِ.

[بيع الطريق وهبته]

قَالَ (وَبَيْعُ الطَّرِيقِ وَهِبَتُهُ جَائِزٌ وَبَيْعُ مَسِيلِ الْمَاءِ وَهِبَتُهُ بَاطِلٌ) وَالْمَسْأَلَةُ تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: بَيْعُ رَقَبَةِ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ، وَبَيْعُ حَقِّ الْمُرُورِ وَالتَّسْيِيلِ. فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ الطَّرِيقَ مَعْلُومٌ لِأَنَّ لَهُ طُولًا وَعَرْضًا مَعْلُومًا، وَأَمَّا الْمَسِيلُ فَمَجْهُولٌ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى قَدْرُ مَا يَشْغَلُهُ مِنْ الْمَاءِ وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَفِي بَيْعِ حَقِّ الْمُرُورِ رِوَايَتَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَيْعُ الطَّرِيقِ وَهِبَتُهُ] قَالَ (وَبَيْعُ الطَّرِيقِ وَهِبَتُهُ جَائِزَةٌ) بَيْعُ رَقَبَةِ الطَّرِيقِ وَهِبَتُهُ جَائِزٌ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا بِطُولِهِ وَعَرْضِهِ إنْ بَيَّنَ ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِلَّا قُدِّرَ بِعَرْضِ بَابِ الدَّارِ الْعُظْمَى، وَهُوَ مُشَاهَدٌ مَحْسُوسٌ لَا يَقْبَلُ النِّزَاعَ. وَبَيْعُ رَقَبَةِ الْمَسِيلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَسِيلٌ وَهِبَتُهُ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الطُّولَ وَالْعَرْضَ لَا يَجُوزُ لِلْجَهَالَةِ حَيْثُ لَا يَدْرِي قَدْرَ مَا يَشْغَلُهُ الْمَاءُ، وَالْقَيْدُ الْأَوَّلُ لِإِخْرَاجِ بَيْعِ رَقَبَتِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ نَهْرٌ فَإِنَّهُ أَرْضٌ مَمْلُوكَةٌ جَازَ بَيْعُهَا. ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ. وَالثَّانِي لِإِخْرَاجِ بَيْعِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَسِيلٌ إذَا بَيَّنَ حُدُودَهُ وَمَوْضِعَهُ فَإِنَّهُ جَائِزٌ أَيْضًا. ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ. وَهَذَا أَحَدُ مُحْتَمَلَيْ الْمَسْأَلَةِ، وَبَيْعُ حَقِّ الْمُرُورِ وَهُوَ حَقُّ التَّطَرُّقِ دُونَ رَقَبَةِ الْأَرْضِ جَائِزٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ، وَجُعِلَ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ لِحَقِّ الْمُرُورِ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ حَيْثُ قَالَ: دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فِيهَا طَرِيقٌ لِرَجُلٍ آخَرَ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُمَا مِنْ الْقِسْمَةِ وَيَتْرُكُ لِلطَّرِيقِ مِقْدَارَ بَابِ الدَّارِ الْعُظْمَى لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي غَيْرِ الطَّرِيقِ، فَإِنْ بَاعُوا الدَّارَ وَالطَّرِيقَ بِرِضَاهُمْ يَضْرِبُ صَاحِبُ الْأَصْلِ بِثُلُثَيْ ثَمَنِ الطَّرِيقِ وَصَاحِبُ الْمَمَرِّ بِثُلُثِ الثَّمَنِ لِأَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ اثْنَانِ وَصَاحِبُ الْمَمَرِّ وَاحِدٌ، وَقِسْمَةُ الطَّرِيقِ تَكُونُ

وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى إحْدَاهُمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَقِّ التَّسْيِيلِ أَنَّ حَقَّ الْمُرُورِ مَعْلُومٌ لِتَعَلُّقِهِ بِمَحِلٍّ مَعْلُومٍ وَهُوَ الطَّرِيقُ، أَمَّا الْمَسِيلُ عَلَى السَّطْحِ فَهُوَ نَظِيرُ حَقِّ التَّعَلِّي وَعَلَى الْأَرْضِ مَجْهُولٌ لِجَهَالَةِ مَحِلِّهِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ حَقِّ الْمُرُورِ وَحَقِّ التَّعَلِّي عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّ حَقَّ التَّعَلِّي يَتَعَلَّقُ بِعَيْنٍ لَا تَبْقَى وَهُوَ الْبِنَاءُ فَأَشْبَهَ الْمَنَافِعَ، أَمَّا حَقُّ الْمُرُورِ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنٍ تَبْقَى وَهُوَ الْأَرْضُ فَأَشْبَهَ الْأَعْيَانَ. قَالَ (وَمَنْ بَاعَ جَارِيَةً فَإِذَا هُوَ غُلَامٌ) فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ كَبْشًا فَإِذَا هُوَ نَعْجَةٌ حَيْثُ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَيَتَخَيَّرُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْقَلِيلِ يُسَاوِي صَاحِبَ الْكَثِيرِ فِي الِانْتِفَاعِ، فَقَدْ جَعَلَ لِحَقِّ الْمُرُورِ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ، وَفِي رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ: لَا يَجُوزُ، وَصَحَّحَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ لِأَنَّهُ حَقٌّ مِنْ الْحُقُوقِ وَبَيْعُ الْحُقُوقِ بِالِانْفِرَادِ لَا يَجُوزُ. وَبَيْعُ التَّسْيِيلِ وَهُوَ حَقُّ الْمَسِيلِ لَا يَجُوزُ، وَهَذَا مُحْتَمَلُهُمَا الْآخَرُ. وَإِذَا عُرِفَ هَذَا، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْمُحْتَمَلَ الْأَوَّلَ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِالْعِلْمِ وَالْجَهْلِ كَمَا مَرَّ آنِفًا، وَإِنْ كَانَ الْمُحْتَمَلَ الثَّانِيَ فَعَلَى رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ لِشُمُولِ عَدَمِ الْجَوَازِ. وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ حَقَّ الْمُرُورِ مَعْلُومٌ لِتَعَلُّقِهِ بِمَحَلٍّ مَعْلُومٍ إمَّا بِالْبَيَانِ أَوْ التَّقْدِيرِ كَمَا مَرَّ وَهُوَ الطَّرِيقُ، وَأَمَّا الْمَسِيلُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى السَّطْحِ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ، وَالْأَوَّلُ حَقُّ التَّعَلِّي وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا مُتَعَلِّقًا بِهِ مَعَ كَوْنِهِ مَجْهُولًا لِاخْتِلَافِ التَّسْيِيلِ بِقِلَّةِ الْمَاءِ وَكَثْرَتِهِ، وَالثَّانِي مَجْهُولٌ فَعَادَ إلَى الْفَرْقِ فِي الْمُحْتَمَلِ الْأَوَّلِ. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ: أَعْنِي رِوَايَةَ ابْنِ سِمَاعَةَ فِي جَوَازِ بَيْعِ حَقِّ الْمُرُورِ تُلْجِئُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّعَلِّي، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ إنَّ حَقَّ التَّعَلِّي تَعَلَّقَ بِعَيْنٍ لَا تَبْقَى وَهُوَ الْبِنَاءُ فَأَشْبَهَ الْمَنَافِعَ وَعَقْدَ الْبَيْعِ لَا يَرِدُ عَلَيْهَا، أَمَّا حَقُّ الْمُرُورِ فَيَتَعَلَّقُ بِعَيْنٍ تَبْقَى وَهُوَ الْأَرْضُ فَأَشْبَهَ الْأَعْيَانَ وَالْبَيْعُ يَرِدُ عَلَيْهَا، فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَحَلَّ الْبَيْعِ إمَّا الْأَعْيَانُ الَّتِي هِيَ أَمْوَالٌ أَوْ حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِهَا. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ السُّكْنَى مِنْ الدَّارِ مَثَلًا حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنٍ تَبْقَى هُوَ مَالٌ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ. قَالَ (وَمَنْ بَاعَ جَارِيَةً فَإِذَا هُوَ غُلَامٌ) اعْلَمْ أَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى قَدْ يَكُونَانِ جِنْسَيْنِ لِفُحْشِ التَّفَاوُتِ

وَالْفَرْقُ يَنْبَنِي عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي النِّكَاحِ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ أَنَّ الْإِشَارَةَ مَعَ التَّسْمِيَةِ إذَا اجْتَمَعَتَا فَفِي مُخْتَلِفِي الْجِنْسِ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُسَمَّى وَيَبْطُلُ لِانْعِدَامِهِ، وَفِي مُتَّحِدِي الْجِنْسِ يَتَعَلَّقُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ وَيَنْعَقِدُ لِوُجُودِهِ وَيَتَخَيَّرُ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ كَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ فَإِذَا هُوَ كَاتِبٌ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْأَغْرَاضِ، وَفِي الْحَيَوَانَاتِ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِلتَّقَارُبِ فِيهَا وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي هَذَا دُونَ الْأَصْلِ كَالْخَلِّ وَالدِّبْسِ جِنْسَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْنَهُمَا، وَقَدْ يَكُونَانِ جِنْسًا وَاحِدًا لِقِلَّتِهِ، فَالْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ جِنْسَانِ لِأَنَّ الْغُلَامَ يَصْلُحُ لِخِدْمَةِ خَارِجِ الْبَيْتِ كَالتِّجَارَةِ وَالزِّرَاعَةِ وَغَيْرِهِمَا وَالْجَارِيَةُ لِخِدْمَةِ دَاخِلِ الْبَيْتِ كَالِاسْتِفْرَاشِ وَالِاسْتِيلَادِ اللَّذَيْنِ لَمْ يَصْلُحْ لَهُمَا الْغُلَامُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَالْكَبْشُ وَالنَّعْجَةُ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ الْغَرَضَ الْكُلِّيَّ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ الْأَكْلُ وَالرُّكُوبُ وَالْحَمْلُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، فَالْمُعْتَبَرُ فِي اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَاتِّحَادِهِ تَفَاوُتُ الْأَغْرَاضِ دُونَ الْأَصْلِ كَالْخَلِّ وَالدِّبْسِ فَإِنَّهُمَا جِنْسَانِ مَعَ اتِّحَادِ أَصْلِهِمَا لِعِظَمِ التَّفَاوُتِ. وَالْوَذَارِيُّ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَفَتْحِهَا: ثَوْبٌ مَنْسُوبٌ إلَى وَذَارَ قَرْيَةٌ بِسَمَرْقَنْدَ، والزندنيجي ثَوْبٌ مَنْسُوبٌ إلَى زَنْدَنَةَ: قَرْيَةٌ بِبُخَارَى جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ عَلَى مَا قَالَ الْمَشَايِخُ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَإِذَا وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ عَلَى مَبِيعٍ ذُكِرَ بِتَسْمِيَةٍ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ جِنْسَيْنِ كَبَنِي آدَمَ فَالْعَقْدُ

وَالْوَذَارِيُّ والزندنيجي عَلَى مَا قَالُوا جِنْسَانِ مَعَ اتِّحَادِ أَصْلِهِمَا. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَتَعَلَّقُ بِالْمُسَمَّى وَيَبْطُلُ بِانْعِدَامِهِ. وَإِذَا قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الْجَارِيَةَ فَإِذَا هِيَ غُلَامٌ بَطَلَ الْبَيْعُ لِفَوَاتِ التَّسْمِيَةِ الَّتِي هِيَ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ مِنْ الْإِشَارَةِ، فَإِنَّ التَّسْمِيَةَ لِبَيَانِ الْمَاهِيَّةِ يَعْنِي مَوْصُوفًا بِصِفَةٍ، وَالْإِشَارَةُ لِتَعْرِيفِ الذَّاتِ يَعْنِي مُجَرَّدًا عَنْ بَيَانِ صِفَةٍ، وَالْأَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ أَقْوَى، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَكُونَانِ جِنْسًا وَاحِدًا فَالْعَقْدُ يَتَعَلَّقُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ وَيَنْعَقِدُ لِوُجُودِهِ، لِأَنَّ الْعِبْرَةَ إذْ ذَاكَ لِلْإِشَارَةِ لَا لِلتَّسْمِيَةِ، لِأَنَّ مَا سُمِّيَ وُجِدَ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ فَصَارَ حَقُّ التَّسْمِيَةِ مَقْضِيًّا بِالْمُشَارِ إلَيْهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا تَمَامَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ فِي تَعْلِيمِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا بَاعَ كَبْشًا فَإِذَا هُوَ نَعْجَةٌ صَحَّ الْبَيْعُ لَكِنَّهُ يَتَخَيَّرُ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ، فَإِنَّهُ إذَا خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مُعَرِّفًا جُعِلَ لِلتَّرْغِيبِ حَذَرًا عَنْ الْإِلْغَاءِ فَصَارَ كَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ فَإِذَا هُوَ كَاتِبٌ فَهُوَ بِالْخِيَارِ. وَقَدْ يُشِيرُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ إلَى ثُبُوتِ خِيَارِ الْمُشْتَرِي عِنْدَ فَوَاتِ الْوَصْفِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِكَوْنِهِ أَنْقَصَ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ صِفَةَ الْخَبْزِ لَا تَرْبُو عَلَى الْكِتَابَةِ. وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَالْعَتَّابِيُّ كَذَلِكَ. وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَأَخُوهُ صَدْرُ الْإِسْلَامِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ: إنَّ الْمَوْجُودَ إنْ كَانَ أَنْقَصَ مِنْ الْمَشْرُوطِ الْفَائِتِ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ، وَإِنْ كَانَ زَائِدًا فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي. وَنَصَّ الْكَرْخِيُّ عَلَى ذَلِكَ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجْهٌ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ يَكُونُ مُحْتَاجًا إلَى خَبَّازٍ فَبِإِلْزَامِ الْكَاتِبِ يَتَضَرَّرُ فَلَا يَتِمُّ مِنْهُ الرِّضَا. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا وَجَدَ الثَّوْبَ الْمُسَمَّى عَشَرَةً تِسْعَةً خُيِّرَ، وَإِنْ وَجَدَ أَحَدَ عَشَرَ فَهُوَ لَهُ بِلَا خِيَارٍ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ)

حَالَّةً أَوْ نَسِيئَةً فَقَبَضَهَا ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ الْبَائِعِ بِخَمْسِمِائَةٍ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ الثَّانِي) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجُوزُ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ تَمَّ فِيهَا بِالْقَبْضِ فَصَارَ الْبَيْعُ مِنْ الْبَائِعِ وَمِنْ غَيْرِهِ سَوَاءً وَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِالزِّيَادَةِ أَوْ بِالْعَرْضِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ (حَالَّةٍ أَوْ نَسِيئَةٍ فَقَبَضَهُ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ الْبَائِعِ بِخَمْسِمِائَةٍ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ) فَالْبَيْعُ الثَّانِي فَاسِدٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. هُوَ يَقُولُ: الْمِلْكُ قَدْ تَمَّ فِيهِ بِالْقَبْضِ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ جَائِزٌ مَعَ غَيْرِ الْبَائِعِ فَكَذَا مَعَهُ، وَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِالْعَرْضِ وَقِيمَتُهُ أَقَلُّ مِنْ الْأَلْفِ. وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ شِرَاءَ مَا بَاعَ لَا يَخْلُو مِنْ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُشْتَرِي بِلَا وَاسِطَةٍ أَوْ بِوَاسِطَةِ شَخْصٍ آخَرَ. وَالثَّانِي جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ مُطْلَقًا: أَعْنِي سَوَاءٌ اشْتَرَى بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِأَنْقَصَ أَوْ بِأَكْثَرَ أَوْ بِالْعَرْضِ. وَالْأَوَّلُ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِأَقَلَّ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَالثَّانِي بِأَقْسَامِهِ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ. وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ. فَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَوَّزَهُ قِيَاسًا عَلَى الْأَقْسَامِ الْبَاقِيَةِ، وَبِمَا إذَا بَاعَ مِنْ غَيْرِ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ أَيْضًا بِالِاتِّفَاقِ، وَنَحْنُ لَمْ نُجَوِّزْهُ بِالْأَثَرِ وَالْمَعْقُولِ. أَمَّا الْأَثَرُ فَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا أَبُو حَنِيفَةَ يَرْفَعُهُ إلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْهَا فَقَالَتْ: إنِّي اشْتَرَيْت مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ جَارِيَةً بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى الْعَطَاءِ ثُمَّ بِعْتهَا مِنْهُ بِسِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ قَبْلَ مَحَلِّ الْأَجَلِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: بِئْسَمَا شَرَيْت وَبِئْسَمَا اشْتَرَيْت، أَبْلِغِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَنَّ اللَّهَ أَبْطَلَ حَجَّهُ وَجِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ لَمْ يَتُبْ، فَأَتَاهَا زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ مُعْتَذِرًا، فَتَلَتْ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة: 275] وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهَا جَعَلَتْ جَزَاءَ مُبَاشَرَةِ هَذَا الْعَقْدِ بُطْلَانَ الْحَجِّ وَالْجِهَادِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَجْزِيَةُ الْأَفْعَالِ لَا تُعْلَمُ بِالرَّأْيِ فَكَانَ مَسْمُوعًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْعَقْدُ الصَّحِيحُ لَا يُجَازَى بِذَلِكَ فَكَانَ فَاسِدًا، وَأَنَّ زَيْدًا اعْتَذَرَ إلَيْهَا وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِهِ مَسْمُوعًا لِأَنَّ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ كَانَ بَعْضُهُمْ يُخَالِفُ بَعْضًا وَمَا

وَلَنَا قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ وَقَدْ بَاعَتْ بِسِتِّمِائَةٍ بَعْدَمَا اشْتَرَتْ بِثَمَانِمِائَةٍ: بِئْسَمَا شَرَيْت وَاشْتَرَيْت، أَبْلَغِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبْطَلَ حَجَّهُ وَجِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ لَمْ يَتُبْ؛ وَلِأَنَّ الثَّمَنَ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ فَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِ الْمَبِيعُ وَوَقَعَتْ الْمُقَاصَّةُ بَقِيَ لَهُ فَضْلُ خَمْسِمِائَةِ وَذَلِكَ بِلَا عِوَضٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ أَحَدُهُمَا يَعْتَذِرُ إلَى صَاحِبِهِ. وَفِيهِ بَحْثٌ لِجَوَازِ أَنْ يُقَالَ: إلْحَاقُ الْوَعِيدِ لِكَوْنِ الْبَيْعِ إلَى الْعَطَاءِ وَهُوَ أَجَلٌ مَجْهُولٌ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ ثَبَتَ مِنْ مَذْهَبِهَا جَوَازُ الْبَيْعِ إلَى الْعَطَاءِ وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ، وَلِأَنَّهَا كَرِهَتْ الْعَقْدَ الثَّانِيَ حَيْثُ قَالَتْ: بِئْسَ مَا شَرَيْت مَعَ عَرَائِهِ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى، فَلَا يَكُونُ لِذَلِكَ بَلْ لِأَنَّهُمَا تَطَرَّقَا بِهِ إلَى الثَّانِي. فَإِنْ قِيلَ: الْقَبْضُ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي الْحَدِيثِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْوَعِيدُ لِلتَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ تِلَاوَتَهَا آيَةَ الرِّبَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لِلرِّبَا لَا لِعَدَمِ الْقَبْضِ. فَإِنْ قِيلَ: الْوَعِيدُ قَدْ لَا يَسْتَلْزِمُ الْفَسَادَ كَمَا فِي تَفْرِيقِ الْوَلَدِ عَنْ الْوَالِدِ بِالْبَيْعِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ مَعَ وُجُودِ الْوَعِيدِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْوَعِيدَ لَيْسَ لِلْبَيْعِ ثَمَّةَ بَلْ لِنَفْسِ التَّفْرِيقِ، حَتَّى لَوْ فُرِّقَ بِدُونِ الْبَيْعِ كَانَ الْوَعِيدُ لَاحِقًا. وَأَمَّا الثَّانِي فَهُوَ مَا قَالَ إنَّ الثَّمَنَ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ لِعَدَمِ الْقَبْضِ، فَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِ الْمَبِيعُ وَوَقَعَتْ الْمُقَاصَّةُ بَيْنَ الثَّمَنَيْنِ بَقِيَ لَهُ فَضْلُ خَمْسِمِائَةٍ بِلَا عِوَضٍ وَهُوَ رِبًا فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يَحْصُلُ لِلْبَائِعِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَاهُ الْبَائِعُ بِوَاسِطَةِ مُشْتَرٍ آخَرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ الْمُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَسْبَابِ بِمَنْزِلَةِ اخْتِلَافِ الْأَعْيَانِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ الرِّبَا، وَبِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى بِأَكْثَرَ فَإِنَّ الرِّبْحَ هُنَاكَ يَحْصُلُ لِلْمُشْتَرِي وَالْمَبِيعُ قَدْ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ بِالْعُرُوضِ لِأَنَّ الْفَضْلَ إنَّمَا يَظْهَرُ عِنْدَ الْمُجَانَسَةِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا تَعَيَّبَ الْمَبِيعُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ اشْتَرَاهُ الْبَائِعُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ النُّقْصَانَ يُجْعَلُ فِي مُقَابَلَةِ الْجُزْءِ الْفَائِتِ الَّذِي احْتَبَسَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَبِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى بِدَنَانِيرَ قِيمَتُهَا أَقَلُّ مِنْ

بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ بِالْعَرْضِ لِأَنَّ الْفَضْلَ إنَّمَا يَظْهَرُ عِنْدَ الْمُجَانَسَةِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّمَنِ الْأَوَّلِ قِيَاسًا، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّ رِبَا الْفَضْلِ لَا يَتَحَقَّقُ بَيْنَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُمَا مِنْ حَيْثُ الثَّمَنِيَّةُ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ فَيَثْبُتُ فِيهِ شُبْهَةُ الرِّبْحِ.

قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ بَاعَهَا وَأُخْرَى مَعَهَا مِنْ الْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ بِخَمْسِمِائَةٍ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ فِي الَّتِي لَمْ يَشْتَرِهَا مِنْ الْبَائِعِ وَيَبْطُلُ فِي الْأُخْرَى) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَجْعَلَ بَعْضَ الثَّمَنِ بِمُقَابَلَةِ الَّتِي لَمْ يَشْتَرِهَا مِنْهُ فَيَكُونُ مُشْتَرِيًا لِلْأُخْرَى بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ وَهُوَ فَاسِدٌ عِنْدَنَا، وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا الْمَعْنَى فِي صَاحِبَتِهَا وَلَا يَشِيعُ الْفَسَادُ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ فِيهَا لِكَوْنِهِ مُجْتَهِدًا فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِخَمْسِمِائَةٍ) هَذِهِ مِنْ فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى شِرَاءِ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ، وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ فِي الَّتِي اشْتَرَاهَا مِنْ الْبَائِعِ، وَبَيَانُهُ مَا قَالَ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَجْعَلَ بَعْضَ الثَّمَنِ بِمُقَابَلَةِ الَّتِي لَمْ يَشْتَرِهَا مِنْهُ فَيَكُونُ مُشْتَرِيًا لِأُخْرَى بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فَسَادُهُ. وَنُوقِضَ بِمَا إذَا بَاعَهُمَا بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَإِنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ. ذَكَرَهَا فِي جَامِعِهِمَا الْعَلَمَانِ فِي الْإِتْقَانِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ، وَلَوْ كَانَ الْفَسَادُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَوْضُوعَةِ فِي الْكِتَابِ كَمَا ذَكَرْتُمْ لَمَا فَسَدَ الْبَيْعُ لِأَنَّ عِنْدَ الْقِسْمَةِ يُصِيبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ فَلَا يَجْرِي فِيهِ الْأَصْلُ الْمَذْكُورُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْفَسَادَ لِتَعَذُّرِ جِهَاتِ الْجَوَازِ. وَبَيَانُهُ أَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهُ بِإِزَاءِ مَا بَاعَهَا أَلْفًا جَازَ، وَإِنْ جَعَلْنَا أَلْفًا وَجُبَّةً جَازَ وَهَلُمَّ جَرًّا، وَلَيْسَ الْبَعْضُ بِالْحَمْلِ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ بَعْضِ فَامْتَنَعَ الْجَوَازُ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ إضَافَةَ الْفَسَادِ إلَى تَعَدُّدِ جِهَاتِ الْجَوَازِ يُشْبِهُ الْفَسَادَ فِي الْوَضْعِ فَلَا تَكُونُ صَحِيحَةً، عَلَى أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِأَنْ تُجْعَلَ الْجَارِيَةُ الَّتِي لَمْ يَشْتَرِهَا مِنْهُ فِي مُقَابَلَةِ مِائَةٍ وَمِائَتَيْنِ وَثَلَاثِمِائَةٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَتَتَعَدَّدُ جِهَاتُ الْجَوَازِ. وَلَيْسَ الْبَعْضُ أَوْلَى، وَبِأَنَّ كُلَّ جِهَةٍ تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ عِلَّةً لِلْجَوَازِ. فَاعْتِبَارُ الْجِهَاتِ فِي مُقَابَلَةِ جِهَةِ الْجَوَازِ مُرْبِحَةٌ عَلَيْهَا تَرْجِيحًا بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ عَلَى مَا عُرِفَ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: جِهَاتُ الْجَوَازِ تَقْتَضِيهِ وَجِهَاتُ الْفَسَادِ تَقْتَضِيهِ، وَالتَّرْجِيحُ هُنَا لِلْمُفْسِدِ تَرْجِيحٌ لِلْمُحْرِمِ، وَلَا يَسْرِي الْفَسَادُ مِنْهَا إلَى غَيْرِ الْمُشْتَرَاةِ لِأَنَّ الْفَسَادَ ضَعِيفٌ فِيهَا لِأُمُورٍ: إمَّا لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ بِخِلَافِ الشَّافِعِيِّ الْمُتَقَدِّمِ وَفِيهِ نَظَرٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ كَوْنَهُ مُجْتَهَدًا فِيهِ إنْ كَانَ لِخِلَافِ الشَّافِعِيِّ فَلَا يَكَادُ يَصِحُّ لِأَنَّ خِلَافَ الشَّافِعِيِّ كَانَ بَعْدَ وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ فَكَيْفَ تُوضَعُ الْمَسْأَلَةُ بِنَاءً عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَقَعْ بَعْدُ، وَلِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَبْطَلَ إسْلَامَ الْقُوهِيَّةِ فِي الْقُوهِيَّةِ وَالْمَرْوِيَّةِ مَعَ أَنَّ فَسَادَ الْعَقْدِ بِسَبَبِ الْجِنْسِيَّةِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، فَإِنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ قُوهِيًّا فِي قُوهِيٍّ جَازَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَمَعَ ذَلِكَ تَعَدَّى فَسَادُ ذَلِكَ إلَى الْمَقْرُونِ بِهِ وَهُوَ إسْلَامُ الْقُوهِيِّ فِي الْمَرْوِيِّ، وَإِمَّا لِأَنَّ الْفَسَادَ فِي الْمُشْتَرَاةِ بِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ الرِّبَا، فَلَوْ اعْتَبَرْنَاهَا فِي الَّتِي ضُمَّتْ إلَيْهَا كَانَ ذَلِكَ اعْتِبَارًا لِشُبْهَةِ الشُّبْهَةِ وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ، وَبَيَانُهُ أَنَّ فِي الْمُشْتَرَاةِ شُبْهَةَ الرِّبَا أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إنَّمَا لَمْ يَصِحَّ شِرَاءُ مَا بَاع بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ لِشُبْهَةِ الرِّبَا، لِأَنَّ الْأَلْفَ وَإِنْ وَجَبَ لِلْبَائِعِ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ لَكِنَّهَا عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَجِدَ الْمُشْتَرِي بِهَا عَيْبًا فَيَرُدَّهَا فَيَسْقُطَ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي وَبِالْبَيْعِ الثَّانِي يَقَعُ الْأَمْنُ عَنْهُ فَيَصِيرُ الْبَائِعُ بِالْعَقْدِ

أَوْ؛ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ الرِّبَا، أَوْ؛ لِأَنَّهُ طَارِئٌ؛ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ بِانْقِسَامِ الثَّمَنِ أَوْ الْمُقَاصَّةِ فَلَا يَسْرِي إلَى غَيْرِهَا. . ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّانِي مُشْتَرِيًا أَلْفًا بِخَمْسِمِائَةٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَالشُّبْهَةُ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فِي بَابِ الرِّبَا، وَإِمَّا لِأَنَّ الْفَسَادَ طَارِئٌ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَابَلَ الثَّمَنَ بِالْجَارِيَتَيْنِ وَهِيَ مُقَابَلَةٌ صَحِيحَةٌ، إذْ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهَا أَنْ يَكُونَ بِإِزَاءِ مَا بَاعَهُ أَقَلُّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، لَكِنْ بَعْدَ ذَلِكَ انْقَسَمَ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَتِهِمَا فَصَارَ الْبَعْضُ بِإِزَاءِ مَا بَاعَ وَالْبَعْضُ بِإِزَاءِ مَا لَمْ يُبَعْ فَفَسَدَ الْبَيْعُ فِيمَا بَاعَ. وَلَا شَكَّ فِي كَوْنِهِ طَارِئًا فَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْأُخْرَى. وَلَا يُشْكِلُ بِمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَبْدٍ وَمُدَبَّرٍ وَبَاعَهُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً فَإِنَّ الْمُفْسِدَ مُقَارِنٌ لِأَنَّ قَبُولَ كُلٍّ مِنْهُمَا شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ فِي الْآخَرِ، وَالْعَقْدُ جَائِزٌ فِي الْعَبْدِ لِأَنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ قَدْ قَالَ الْبَيْعُ فِي الْمُدَبَّرِ غَيْرُ فَاسِدٍ، وَلِهَذَا لَوْ أَجَازَ الْقَاضِي بَيْعَهُ جَازَ، وَلَكِنَّهُ غَيْرُ نَافِذٍ لِحَقِّ الْمُدَبَّرِ وَذَلِكَ لِمَعْنًى فِيهِ لَا فِي الْعَقْدِ فَلِهَذَا لَا يَتَعَدَّى إلَى الْآخَرِ. وَالثَّانِي الْمُقَاصَّةُ فَإِنَّهُ لَمَّا بَاعَهَا بِأَلْفٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ بِخَمْسِمِائَةٍ فَتَقَاصَّا خَمْسَمِائَةٍ بِخَمْسِمِائَةٍ مِثْلِهَا بَقِيَ لِلْبَائِعِ خَمْسُمِائَةٍ أُخْرَى مَعَ الْجَارِيَةِ، وَالْمُقَاصَّةُ تَقَعُ عَقِيبَ وُجُوبِ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ بِالْعَقْدِ

قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى زَيْتًا عَلَى أَنْ يَزِنَهُ بِظَرْفِهِ فَيَطْرَحَ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ ظَرْفٍ خَمْسِينَ رَطْلًا فَهُوَ فَاسِدٌ، وَلَوْ اشْتَرَى عَلَى أَنْ يَطْرَحَ عَنْهُ بِوَزْنِ الظَّرْفِ جَازَ) ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْأَوَّلَ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَالثَّانِي يَقْتَضِيهِ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى سَمْنًا فِي زِقٍّ فَرَدَّ الظَّرْفَ وَهُوَ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ) فَقَالَ الْبَائِعُ الزِّقُّ غَيْرُ هَذَا وَهُوَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي، ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّانِي فَيَفْسُدُ عِنْدَهَا وَذَلِكَ لَا شَكَّ فِي طَرْدِهِ فَلَا يَسْرِي إلَى غَيْرِهَا. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى زَيْتًا عَلَى أَنْ يَزِنَهُ بِظَرْفِهِ إلَخْ) اشْتَرَى زَيْتًا عَلَى أَنْ يَزِنَهُ وَيَطْرَحَ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ ظَرْفٍ خَمْسِينَ رِطْلًا فَهُوَ فَاسِدٌ، فَإِنَّهُ شَرْطٌ مَا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنْ يُطْرَحَ عَنْهُ دُونَ الظَّرْفِ مَا يُوجَدُ وَعَسَى يَكُونُ وَزْنُهُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ فَشَرْطُ مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَاهُ، وَإِنْ اشْتَرَى عَلَى أَنْ يَزِنَ وَيُطْرَحَ عَنْهُ بِوَزْنِ الظَّرْفِ جَازَ لِكَوْنِهِ مُوَافِقًا لِمُقْتَضَاهُ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى سَمْنًا فِي زِقٍّ إلَخْ) وَمَنْ اشْتَرَى سَمْنًا فِي زِقٍّ وَرُدَّ الظَّرْفُ فَوُزِنَ فَجَاءَ عَشَرَةَ أَرْطَالٍ فَقَالَ الْبَائِعُ الزِّقُّ غَيْرُ هَذَا وَهُوَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي، لِأَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ إمَّا أَنْ يُعْتَبَرَ فِي تَعْيِينِ الزِّقِّ الْمَقْبُوضِ أَوْ فِي مِقْدَارِ

لِأَنَّهُ إنْ اُعْتُبِرَ اخْتِلَافًا فِي تَعْيِينِ الزِّقِّ الْمَقْبُوضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ ضَمِينًا كَانَ أَوْ أَمِينًا، وَإِنْ اُعْتُبِرَ اخْتِلَافًا فِي السَّمْنِ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ اخْتِلَافٌ فِي الثَّمَنِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الزِّيَادَةَ. قَالَ: (وَإِذَا أَمَرَ الْمُسْلِمُ نَصْرَانِيًّا بِبَيْعِ خَمْرٍ أَوْ شِرَائِهَا فَفَعَلَ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا لَا يَجُوزُ: عَلَى الْمُسْلِمِ) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْخِنْزِيرُ، وَعَلَى هَذَا تَوْكِيلُ الْمُحْرِمِ غَيْرَهُ بِبَيْعِ صَيْدِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّمْنِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَالْمُشْتَرِي قَابِضٌ (وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ ضَمِينًا) كَانَ كَالْغَاصِبِ (أَوْ أَمِينًا) كَالْمُودَعِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ اخْتِلَافٌ فِي الثَّمَنِ (فَيَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الزِّيَادَةَ) وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ. فَإِنْ قِيلَ: الِاخْتِلَافُ فِي الثَّمَنِ يُوجِبُ التَّحَالُفَ فَمَا وَجْهُ الْعُدُولِ إلَى الْحَلِفِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ يُوجِبُهُ إذَا كَانَ قَصْدًا وَهَذَا ضِمْنِيٌّ لِوُقُوعِهِ فِي ضِمْنِ الِاخْتِلَافِ فِي الزِّقِّ. وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ الِابْتِدَائِيَّ فِي الثَّمَنِ إنَّمَا يُوجِبُ التَّحَالُفَ ضَرُورَةَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ عَقْدًا آخَرَ، وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمَا فِي الزِّقِّ فَلَا يُوجِبُ اخْتِلَافَهُمَا فِي الْعَقْدِ فَلَا يُوجِبُهُ. قَالَ (وَإِذَا أَمَرَ الْمُسْلِمُ نَصْرَانِيًّا بِبَيْعِ خَمْرٍ أَوْ شِرَائِهَا فَفَعَلَ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا) وَحُكْمُ التَّوْكِيلِ فِي الْخِنْزِيرِ وَتَوْكِيلِ الْمُحْرِمِ حَلَالًا بِبَيْعِ صَيْدِهِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ قَالَا: الْمُوَكِّلُ لَا يَلِي هَذَا التَّصَرُّفَ

لَهُمَا أَنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَلِيهِ فَلَا يُوَلِّيهِ غَيْرَهُ؛ وَلِأَنَّ مَا يَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْعَاقِدَ هُوَ الْوَكِيلُ بِأَهْلِيَّتِهِ وَوِلَايَتِهِ، وَانْتِقَالُ الْمِلْكِ إلَى الْآمِرِ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ فَلَا يَمْتَنِعُ بِسَبَبِ الْإِسْلَامِ كَمَا إذَا وَرِثَهُمَا، ثُمَّ إنْ كَانَ خَمْرًا يُخَلِّلُهَا وَإِنْ كَانَ خِنْزِيرًا يُسَيِّبُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا يُوَلِّي غَيْرَهُ كَتَوْكِيلِ الْمُسْلِمِ مَجُوسِيًّا بِتَزْوِيجِ مَجُوسِيَّةٍ. وَلِأَنَّ مَا يَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ فَكَذَا التَّوْكِيلُ بِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْمُعْتَبَرُ فِي هَذَا الْبَابِ أَهْلِيَّتَانِ: أَهْلِيَّةُ الْوَكِيلِ وَأَهْلِيَّةُ الْمُوَكِّلِ، فَالْأُولَى أَهْلِيَّةُ الْعَاقِدِ وَهِيَ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ فِي الْمَأْمُورِ بِهِ وَلِلنَّصْرَانِيِّ ذَلِكَ، وَالثَّانِيَةُ أَهْلِيَّةُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ لَهُ وَلِلْمُوَكِّلِ ذَلِكَ حُكْمًا لِلْعَقْدِ لِئَلَّا يَلْزَمَ انْفِكَاكُ الْمَلْزُومِ عَنْ اللَّازِمِ، أَلَا تَرَى إلَى صِحَّةِ ثُبُوتِ مِلْكِ الْخَمْرِ لِلْمُسْلِمِ إرْثًا إذَا أَسْلَمَ مُوَرِّثُهُ النَّصْرَانِيُّ وَمَاتَ عَنْ خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ. لَا يُقَالُ: الْوَارِثَةُ أَمْرٌ جَبْرِيٌّ وَالتَّوْكِيلُ اخْتِيَارِيٌّ فَأَنَّى يَتَشَابَهَانِ، لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ: أَعْنِي الْمِلْكَ لِلْمُوَكِّلِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْعِلَّةِ: أَعْنِي مُبَاشَرَةَ الْوَكِيلِ جَبْرِيٌّ كَذَلِكَ تَثْبُتُ بِدُونِ اخْتِيَارِهِ كَمَا فِي الْمَوْتِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَأْذُونَ لَهُ النَّصْرَانِيَّ إذَا اشْتَرَى خَمْرًا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهَا لِمَوْلَاهُ الْمُسْلِمِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِذَا ثَبَتَتْ الْأَهْلِيَّتَانِ لَمْ يَمْتَنِعْ الْعَقْدُ بِسَبَبِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ جَالِبٌ لَا سَالِبٌ، ثُمَّ الْمُوَكَّلُ بِهِ إنْ كَانَ خَمْرًا خَلَّلَهَا، وَإِنْ كَانَ خِنْزِيرًا سَيَّبَهُ، لَكِنْ قَالُوا: هَذِهِ الْوَكَالَةُ مَكْرُوهَةٌ أَشَدَّ كَرَاهَةٍ، وَقَوْلُهُمَا الْمُوَكِّلُ لَا يَلِيهِ فَلَا يُوَلِّيهِ غَيْرَهُ مَنْقُوضٌ بِالْوَكِيلِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ إذَا وَكَّلَ آخَرَ بِشِرَائِهِ لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْوَكِيلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ بِنَفْسِهِ لَا يَلِي الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ وَبِالْقَاضِي إذَا أَمَرَ ذِمِّيًّا بِبَيْعِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ خَلَّفَهُ ذِمِّيٌّ آخَرُ وَهُوَ لَا يَلِي التَّصَرُّفَ بِنَفْسِهِ، وَبِالذِّمِّيِّ إذَا أَوْصَى لِمُسْلِمٍ وَقَدْ تَرَكَهُمَا فَإِنَّ الْوَصِيَّ يُوَكِّلُ ذِمِّيًّا بِالْبَيْعِ وَالْقِسْمَةِ وَهُوَ لَا يَلِي ذَلِكَ بِنَفْسِهِ. وَالْقِيَاسُ عَلَى تَزْوِيجِ الْمَجُوسِيِّ مَدْفُوعٌ، فَإِنَّ حُقُوقَ

قَالَ (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنْ يُعْتِقَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ يُدَبِّرَهُ أَوْ يُكَاتِبَهُ أَوْ أَمَةً عَلَى أَنْ يَسْتَوْلِدَهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ) ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيْعٌ وَشَرْطٌ وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَقْدِ فِي النِّكَاحِ تَرْجِعُ إلَى الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلُ سَفِيرٌ لَا غَيْرُ. قَالَ (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنْ يُعْتِقَهُ الْمُشْتَرِي) شَرَعَ فِي بَيَانِ الْفَسَادِ الْوَاقِعِ فِي الْعَقْدِ بِسَبَبِ الشَّرْطِ وَذَكَرَ أَصْلًا جَامِعًا لِفُرُوعِ أَصْحَابِنَا. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الشَّرْطَ يَنْقَسِمُ أَوَّلًا إلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَهُوَ الَّذِي يُفِيدُ مَا يَثْبُتُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ كَشَرْطِ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي وَشَرْطِ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ أَوْ الْمَبِيعِ، وَإِلَى مَا لَا يَقْتَضِيهِ وَهُوَ مَا كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَهَذَا يَنْقَسِمُ إلَى مَا كَانَ مُتَعَارَفًا وَإِلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَهَذَا يَنْقَسِمُ إلَى مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَإِلَى مَا لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ، وَهَذَا يَنْقَسِمُ إلَى مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ وَإِلَى مَا هُوَ بِخِلَافِهِ، فَفِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ جَازَ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ يَزِيدُهُ وَكَادَةً. لَا يُقَالُ: نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ

ثُمَّ جُمْلَةُ الْمَذْهَبِ فِيهِ أَنْ يُقَالَ: كُلُّ شَرْطٍ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ كَشَرْطِ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ لِثُبُوتِهِ بِدُونِ الشَّرْطِ، وَكُلُّ شَرْطٍ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ يُفْسِدُهُ كَشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ الْمَبِيعَ؛ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةً عَارِيَّةً عَنْ الْعِوَضِ فَيُؤَدِّي إلَى الرِّبَا، أَوْ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ بِسَبَبِهِ الْمُنَازَعَةُ فَيَعْرَى الْعَقْدُ عَنْ مَقْصُودِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَعَارَفًا؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ قَاضٍ عَلَى الْقِيَاسِ، وَلَوْ كَانَ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِأَحَدِ لَا يُفْسِدُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْعٍ وَشَرْطٍ وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَقْتَضِي عَدَمَ جَوَازِهِ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ حَيْثُ أَفَادَ مَا أَفَادَهُ الْعَقْدُ الْمُطْلَقُ. وَفِي الْأَوَّلِ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ مَا كَانَ مُتَعَارَفًا كَبَيْعِ النَّعْلِ مَعَ شَرْطِ التَّشْرِيكِ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْعُرْفِ قَاضٍ عَلَى الْقِيَاسِ. لَا يُقَالُ: فَسَادُ الْبَيْعِ شَرْطٌ ثَابِتٌ بِالْحَدِيثِ وَالْعُرْفُ لَيْسَ بِقَاضٍ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ مَعْلُولٌ بِوُقُوعِ النِّزَاعِ الْمُخْرِجِ لِلْعَقْدِ عَنْ الْمَقْصُودِ بِهِ وَهُوَ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ وَالْعُرْفُ يَنْفِي النِّزَاعَ فَكَانَ مُوَافِقًا لِمَعْنَى الْحَدِيثِ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْ الْمَوَانِعِ إلَّا الْقِيَاسُ عَلَى مَا لَا عُرْفَ فِيهِ بِجَامِعِ كَوْنِهِ شَرْطًا، وَالْعُرْفُ قَاضٍ عَلَيْهِ، وَفِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَارَفًا وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ كَبَيْعِ عَبْدٍ بِشَرْطِ اسْتِخْدَامِ الْبَائِعِ مُدَّةً يَكُونُ الْعَقْدُ فَاسِدًا لِوَجْهَيْنِ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةً عَارِيَّةً عَنْ الْعِوَضِ، لِأَنَّهُمَا لَمَّا

وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ كَشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَ الْمُشْتَرِي الدَّابَّةَ الْمَبِيعَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَصَدَا الْمُقَابَلَةَ بَيْنَ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ خَلَا الشَّرْطُ عَنْ الْعِوَضِ وَهُوَ الرِّبَا. لَا يُقَالُ: لَا تُطْلَقُ الزِّيَادَةُ إلَّا عَلَى الْمُجَانِسِ لِلْمَزِيدِ عَلَيْهِ وَالْمَشْرُوطُ مَنْفَعَةٌ فَكَيْفَ يَكُونُ رِبًا لِأَنَّهُ مَالٌ جَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَلَيْهِ وَلَمْ يُعَوَّضْ عَنْهُ بِشَيْءٍ فَكَانَ رِبًا، وَلِأَنَّهُ يَقَعُ بِسَبَبِهِ الْمُنَازَعَةُ فِي مَقْصُودِهِ فَيَعْرَى الْعَقْدُ عَنْ مَقْصُودِهِ مِنْ قَطْعِ النِّزَاعِ لِمَا عُرِفَ فِي بَيَانِ أَسْبَابِ الشَّرَائِعِ وَفِيمَا إذَا كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ الْمَبِيعَ، فَإِنَّ الْعَبْدَ يُعْجِبُهُ أَنْ لَا تَتَدَاوَلَهُ الْأَيْدِي وَتَمَامُ الْعَقْدِ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، حَتَّى لَوْ زَعَمَ أَنَّهُ حُرٌّ كَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا فَاشْتِرَاطُ مَنْفَعَتِهِ كَاشْتِرَاطِ مَنْفَعَةِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَهُوَ فَاسِدٌ بِالْوَجْهَيْنِ، وَفِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدٍ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، كَشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَ الدَّابَّةَ الْمَبِيعَةَ لِأَنَّهُ لَا مُطَالِبَ لَهُ بِهَذَا الشَّرْطِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا وَلَا إلَى الْمُنَازَعَةِ، فَكَانَ الشَّرْطُ لَغْوًا وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي آخِرِ الْمُزَارَعَةِ لِتَضَرُّرِ الْمُشْتَرِي بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِهِ، وَالشَّرْطُ الَّذِي فِيهِ ضَرَرٌ كَالشَّرْطِ الَّذِي فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْمُطَالَبَةُ وَهِيَ تَتَوَجَّهُ بِالْمَنْفَعَةِ فِي الشَّرْطِ دُونَ الضَّرَرِ. وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا ظَهَرَ أَنَّ بَيْعَ الْعَبْدِ بِشَرْطِ أَنْ يُعْتِقَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ يُدَبِّرَهُ

لِأَنَّهُ انْعَدَمَتْ الْمُطَالَبَةُ فَلَا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا، وَلَا إلَى الْمُنَازَعَةِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: إنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ لَا يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ قَضِيَّتَهُ الْإِطْلَاقُ فِي التَّصَرُّفِ وَالتَّخْيِيرُ لَا الْإِلْزَامُ حَتْمًا، وَالشَّرْطُ يَقْتَضِي ذَلِكَ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ كَانَ يُخَالِفُنَا فِي الْعِتْقِ وَيَقِيسُهُ عَلَى بَيْعِ الْعَبْدِ نَسَمَةً فَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَتَفْسِيرُ الْمَبِيعِ نَسَمَةً أَنْ يُبَاعَ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُعْتِقُهُ لَا أَنْ يَشْتَرِطَ فِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ يُكَاتِبَهُ أَوْ أَمَةً عَلَى أَنْ يَسْتَوْلِدَهَا الْمُشْتَرِي فَاسِدٌ لِأَنَّهَا شُرُوطٌ لَا يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ وَفِيهَا مَنْفَعَةٌ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ قَضِيَّتَهُ الْإِطْلَاقُ فِي التَّصَرُّفِ وَالتَّخَيُّرُ لَا الْإِلْزَامُ، وَالشَّرْطُ يَقْتَضِي الْإِلْزَامَ حَتْمًا، وَالْمُنَافَاةُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرَةٌ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْعَقْدِ وَالشَّرْطِ أَوْلَى بِالْعَمَلِ مِنْ الْآخَرِ فَعَمَلُنَا بِهِمَا، وَقُلْنَا إنَّهُ فَاسِدٌ وَالْفَاسِدُ مَا يَكُونُ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ فَبِالنَّظَرِ إلَى وُجُودِ رُكْنِ الْعَقْدِ كَانَ مَشْرُوعًا، وَبِالنَّظَرِ إلَى عُرُوضِ الشَّرْطِ كَانَ غَيْرَ مَشْرُوعٍ فَكَانَ فَاسِدًا. وَلَا خِلَافَ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ إلَّا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ فِي قَوْلٍ فَإِنَّهُ يُجَوِّزُهُ وَيَقِيسُهُ عَلَى بَيْعِ الْعَبْدِ نَسَمَةً، وَفَسَّرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ، وَفَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنْ يُبَاعَ مِمَّنْ يُعْلَمُ أَنَّهُ يُعْتِقُهُ لَا أَنْ يَشْتَرِطَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ تَفْسِيرُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ صَحَّ قَوْلُهُ يَقِيسُهُ لِأَنَّهُمَا غَيْرَانِ فَيَصِحُّ قِيَاسُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ إنْ ظَهَرَ جَامِعٌ، وَإِنْ كَانَ تَفْسِيرُهُ عِنْدَهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُفَسَّرَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَقِيسُهُ بِيَلْحَقُهُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ لِئَلَّا يَلْزَمَ قِيَاسُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ. وَبَيَانُ إلْحَاقِهِ بِالدَّلَالَةِ أَنَّ بَيْعَ الْعَبْدِ نَسَمَةً عَلَى ذَلِكَ التَّفْسِيرِ ثَبَتَ بِحَدِيثِ «بَرِيرَةَ، إذْ جَاءَتْ إلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تَسْتَعِينُهَا فِي الْمُكَاتَبَةِ فَقَالَتْ: إنْ شِئْت عَدَدْتهَا لِأَهْلِك وَأَعْتَقْتُك، فَرَضِيَتْ بِذَلِكَ فَاشْتَرَاهَا وَأَعْتَقَهَا. وَإِنَّمَا اشْتَرَتْهَا بِشَرْطِ الْعِتْقِ وَقَدْ أَجَازَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، وَغَيْرُهَا فِي مَعْنَاهَا فِي هَذَا الشَّرْطِ فَأُلْحِقَ بِهِ دَلَالَةً وَإِنَّمَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الدَّلَالَةِ بِالْقِيَاسِ لِأَنَّهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ قِيَاسٌ جَلِيٌّ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْحَدِيثِ وَالْمَعْقُولِ. فَالْحَدِيثُ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» . رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالْمَعْقُولُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُقُوعِ الْمُنَازَعَةِ بِسَبَبِ ذَلِكَ الشَّرْطِ وَكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ. وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ بَرِيرَةَ أَنَّ تَفْسِيرَ النَّسَمَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَلَيْسَ فِيهِ اشْتِرَاطُ الْعِتْقِ فِي الْعَقْدِ. وَعَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - اشْتَرَتْ بَرِيرَةَ مُطْلَقًا وَوَعَدَتْ لَهَا أَنْ تُعْتِقَهَا لِتَرْضَى بِذَلِكَ، فَإِنَّ بَيْعَ الْمُكَاتَبَةِ لَا يَجُوزُ بِدُونِ رِضَاهَا. النَّسَمَةُ مِنْ نَسِيمِ الرِّيحِ، وَسُمِّيَتْ بِهَا النَّفْسُ، وَانْتِصَابُ

فَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَمَا اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ صَحَّ الْبَيْعُ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الثَّمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا: يَبْقَى فَاسِدًا حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ وَقَعَ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا كَمَا إذَا تَلِفَ بِوَجْهٍ آخَرَ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ مِنْ حَيْثُ ذَاتِهِ لَا يُلَائِمُ الْعَقْدَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَكِنْ مِنْ حَيْثُ حُكْمِهِ يُلَائِمُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْهُ لِلْمِلْكِ وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ يَتَقَرَّرُ، وَلِهَذَا لَا يَمْنَعُ الْعِتْقُ الرُّجُوعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ، فَإِذَا تَلِفَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ لَمْ تَتَحَقَّقْ الْمُلَاءَمَةُ فَيَتَقَرَّرُ الْفَسَادُ، وَإِذَا وُجِدَ الْعِتْقُ تَحَقَّقَتْ الْمُلَاءَمَةُ فَيُرَجَّحُ جَانِبُ الْجَوَازِ فَكَانَ الْحَالُ قَبْلَ ذَلِكَ مَوْقُوفًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلِهِ نَسَمَةً عَلَى الْحَالِ عَلَى مَعْنَى مُعَرَّضًا لِلْعِتْقِ. وَإِنَّمَا صَحَّ هَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا كَثُرَ ذِكْرُهَا فِي بَابِ الْعِتْقِ خُصُوصًا فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَكَّ رَقَبَةً وَأَعْتَقَ نَسَمَةً» صَارَتْ كَأَنَّهَا اسْمٌ لِمَا هُوَ بِعَرْضِ الْعِتْقِ فَعُومِلَتْ مُعَامَلَةَ الْأَسْمَاءِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِمَعْنَى الْأَفْعَالِ. كَذَا فِي الْمُغْرِبِ. فَإِنْ وَفَّى بِالشَّرْطِ وَأَعْتَقَ بَعْدَمَا اشْتَرَاهُ صَحَّ الْبَيْعُ وَيَجِبُ الثَّمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: يَبْقَى فَاسِدًا كَمَا كَانَ فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ وَقَعَ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا. كَمَا إذَا تَلِفَ بِوَجْهٍ آخَرَ كَالْقَتْلِ وَالْمَوْتِ وَالْبَيْعِ، وَكَمَا إذَا بَاعَ بِشَرْطِ التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالْكِتَابَةِ وَقَدْ وَفَّى الْمُشْتَرِي بِمَا شَرَطَ أَوْ لَمْ يَفِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ اعْتِبَارًا لِحَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ بِحَقِّ الْحُرِّيَّةِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ لَا يُلَائِمُ الْعَقْدَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ) مِنْ تَقْيِيدِ التَّصَرُّفِ بِهِ الْمُغَايِرِ لِلْإِطْلَاقِ (وَلَكِنْ مِنْ حَيْثُ حُكْمُهُ يُلَائِمُهُ لِأَنَّهُ مِنْهُ لِلْمِلْكِ وَالْمَنْهِيُّ لِلشَّيْءِ مُقَرِّرٌ لَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ) فَبِالنَّظَرِ إلَى الْجِهَتَيْنِ تَوَقَّفَتْ الْحَالُ بَيْنَ بَقَائِهِ فَاسِدًا كَمَا كَانَ وَبَيْنَ أَنْ يَنْقَلِبَ جَائِزًا بِوُجُودِ الشَّرْطِ (فَإِذَا وُجِدَ فَقَدْ تَحَقَّقَتْ الْمُلَاءَمَةُ فَيُرَجَّحُ جَانِبُ الْجَوَازِ) عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ. وَتَأَمَّلْ حَقَّ التَّأَمُّلِ تَخْلُصُ مِنْ وَرْطَةِ شُبْهَةٍ لَا تَكَادُ تَنْحَلُّ، وَهِيَ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ فِي نَفْسِهِ إمَّا أَنْ يَكُونَ فَاسِدًا أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَتَحْقِيقُهُ يُقَرِّرُ الْفَسَادَ لِئَلَّا يَلْزَمَ فَسَادُ الْوَضْعِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي كَانَ الْعَقْدُ بِهِ فِي الِابْتِدَاءِ جَائِزًا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ فَاسِدٌ مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ وَالصُّورَةُ لِعَدَمِ الْمُلَاءَمَةِ جَائِزٌ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ، فَقُلْنَا

قَالَ (وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ الْبَائِعُ شَهْرًا أَوْ دَارًا عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا أَوْ عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ الْمُشْتَرِي دِرْهَمًا أَوْ عَلَى أَنْ يُهْدِيَ لَهُ هَدِيَّةً) ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ؛ وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْخِدْمَةُ وَالسُّكْنَى يُقَابِلُهُمَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ يَكُونُ إجَارَةً فِي بَيْعٍ، وَلَوْ كَانَ لَا يُقَابِلُهُمَا يَكُونُ إعَارَةً فِي بَيْعٍ. «وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ» ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْفَسَادِ فِي الِابْتِدَاءِ عَمَلًا بِالذَّاتِ وَالصُّورَةِ. وَبِالْجَوَازِ عِنْدَ الْوَفَاءِ عَمَلًا بِالْحُكْمِ وَالْمَعْنَى، وَلَمْ نَعْكِسْ لِأَنَّا لَمْ نَجِدْ جَائِزًا يَنْقَلِبُ فَاسِدًا وَوَجَدْنَا فَاسِدًا يَنْقَلِبُ جَائِزًا كَالْبَيْعِ بِالرَّقْمِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَتْلَفَهُ بِوَجْهٍ آخَرَ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقَلِبْ جَائِزًا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ وَالْكَلَامُ فِيهِ فَتَقَرَّرَ الْفَسَادُ. وَبِخِلَافِ التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالْكِتَابَةِ. فَإِنَّ الْمِلْكَ لَا يَنْتَهِي بِهَا بِيَقِينٍ لِاحْتِمَالِ الْقَضَاءِ الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ، وَالْمُكَاتَبُ مُخَيَّرٌ فِي الْإِجَازَةِ، وَالْإِنْهَاءُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا وَقَعَ الْأَمْنُ عَنْ الزَّوَالِ مِنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ كَمَا فِي الْإِعْتَاقِ وَالْمَوْتِ. قَالَ (وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ الْبَائِعُ شَهْرًا إلَخْ) الْبَيْعُ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ فَاسِدٌ، لِأَنَّهَا شُرُوطٌ لَا يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَلَمْ يُسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هَذَا الْمَذْكُورُ. وَإِنَّمَا قَالَ عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ الْمُشْتَرِي دِرْهَمًا احْتِرَازًا عَمَّا إذَا قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الدَّارَ عَلَى أَنْ يُقْرِضَنِي فُلَانٌ الْأَجْنَبِيُّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَبِلَهُ الْمُشْتَرِي صَحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّهَا لَمْ تَلْزَمْ الْأَجْنَبِيَّ لَا ضَمَانًا عَنْ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي ذِمَّتِهِ فَيَتَحَمَّلُهَا الْكَفِيلُ، وَلَا زِيَادَةَ فِي الثَّمَنِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ، بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِقْرَاضِ عَلَى الْمُشْتَرِي " لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ» وَأَيْضًا اشْتِرَاطُ الْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى يَسْتَلْزِمُ

قَالَ (وَمَنْ بَاعَ عَيْنًا عَلَى أَنْ لَا يُسَلِّمَهُ إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ) ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ فِي الْمَبِيعِ الْعَيْنِ بَاطِلٌ فَيَكُونُ شَرْطًا فَاسِدًا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ شُرِعَ تَرْفِيهًا فَيَلِيقُ بِالدُّيُونِ دُونَ الْأَعْيَانِ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً إلَّا حَمْلَهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ) وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا لَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الْعَقْدِ، وَالْحَمْلُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَطْرَافِ الْحَيَوَانِ لِاتِّصَالِهِ بِهِ خِلْقَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQصَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَتْنِ. قَالَ (وَمَنْ بَاعَ عَيْنًا عَلَى أَنْ لَا يُسَلِّمَهَا إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ إلَخْ) الْأَجَلُ فِي الْمَبِيعِ الْعَيْنِ بَاطِلٌ لِإِفْضَائِهِ إلَى تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ فَإِنَّهُ شُرِعَ تَرْفِيهًا فِي تَحْصِيلِهِ بِاتِّسَاعِ الْمُدَّةِ، فَإِذَا كَانَ الْمَبِيعُ أَوْ الثَّمَنُ حَاصِلًا كَانَ الْأَجَلُ لِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْعَيْنِ احْتِرَازًا عَنْ السَّلَمِ فَإِنَّ تَرْكَ أَجَلٍ فِيهِ مُفْسِدٌ لِلْحَاجَةِ إلَى التَّحْصِيلِ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً إلَّا حَمْلَهَا إلَخْ) . ذَكَرَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْعَقْدَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: الْأُولَى مَا فَسَدَ فِيهِ الْعَقْدُ وَالِاسْتِثْنَاءُ وَالثَّانِي مَا صَحَّ فِيهِ الْعَقْدُ وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ. وَالثَّالِثُ مَا صَحَّ فِيهِ كِلَاهُمَا. أَمَّا الْأَوَّلُ فَكَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْكِتَابَةِ وَالرَّهْنِ، فَإِذَا بَاعَ جَارِيَةً إلَّا حَمْلَهَا أَوْ آجَرَ دَارِهِ عَلَى جَارِيَةٍ إلَّا حَمْلَهَا أَوْ رَهَنَ جَارِيَةً إلَّا حَمْلَهَا أَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى جَارِيَةٍ إلَّا حَمْلَهَا فَسَدَ الْعَقْدُ لِأَنَّهَا عُقُودٌ تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، لِأَنَّ غَيْرَ الْبَيْعِ فِي مَعْنَاهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مُعَاوَضَةٌ وَالْبَيْعُ يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ لِمَا تَقَدَّمَ، فَكَذَا مَا فِي مَعْنَاهُ، وَالِاسْتِثْنَاءُ يَصِيرُ شَرْطًا فَاسِدًا فِيهَا فَيُفْسِدُهَا، وَذَلِكَ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَصْلِ فِيهِ أَنَّ مَا لَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الْعَقْدِ، وَالْحَمْلُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحَمْلَ بِمَنْزِلَةِ أَطْرَافِ الْحَيَوَانِ لِاتِّصَالِهِ بِهِ يَنْتَقِلُ بِانْتِقَالِهِ وَيُقَرُّ بِقَرَارِهِ وَبَيْعُ الْأَصْلِ يَتَنَاوَلُهُ. فَالِاسْتِثْنَاءُ يَكُونُ عَلَى خِلَافِ الْمُوجِبِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مَقْصُودٌ وَدَلَالَةُ الْعَقْدِ

وَبَيْعُ الْأَصْلِ يَتَنَاوَلُهُمَا فَالِاسْتِثْنَاءُ يَكُونُ عَلَى خِلَافِ الْمُوجِبِ فَلَا يَصِحُّ فَيَصِيرُ شَرْطًا فَاسِدًا، وَالْبَيْعُ يَبْطُلُ بِهِ وَالْكِتَابَةُ وَالْإِجَارَةُ وَالرَّهْنُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهَا تُبْطِلُ الشُّرُوطَ الْفَاسِدَةَ، غَيْرَ أَنَّ الْمُفْسِدَ فِي الْكِتَابَةِ مَا يَتَمَكَّنُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ مِنْهَا، وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالنِّكَاحُ وَالْخُلْعُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ لَا تَبْطُلُ بِاسْتِثْنَاءِ الْحَمْلِ، بَلْ يَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ لَا تُبْطِلُ الشُّرُوطَ الْفَاسِدَةَ، وَكَذَا الْوَصِيَّةُ لَا تَبْطُلُ بِهِ، لَكِنْ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى أَنَّ الْحَمْلَ تَابِعٌ فَيَصِيرُ ذِكْرُهُ شَرْطًا فَاسِدًا (قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ الْمُفْسِدَ فِي الْكِتَابَةِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ فِي الْكِتَابَةِ إنَّمَا يَكُونُ مُفْسِدًا لَهَا إذَا كَانَ مُتَمَكِّنًا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ مِنْهَا كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ أَوْ عَلَى قِيمَتِهِ حَيْثُ دَخَلَ فِي الْبَدَلِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي صُلْبِهِ كَمَا إذَا شَرَطَ عَلَى الْمُكَاتَبِ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْكُوفَةِ فَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ وَالْعَقْدُ صَحِيحٌ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُشْبِهُ الْبَيْعَ انْتِهَاءً لِأَنَّهُ مَالٌ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِبَدَلٍ مَعْلُومٍ وَتَحْتَمِلُ الْفَسْخَ ابْتِدَاءً وَتُشْبِهُ النِّكَاحَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَلَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ تَمَامِ الْمَقْصُودِ فَأَلْحَقْنَاهُ بِالْبَيْعِ فِي شَرْطٍ تَمَكَّنَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَبِالنِّكَاحِ فِيمَا لَمْ يَتَمَكَّنْ فِيهِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَكَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ لِأَنَّ الْفَسَادَ بِاعْتِبَارِ إفْضَائِهِ إلَى الرِّبَا، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِي الْمُعَاوَضَاتِ، وَهَذِهِ تَبَرُّعَاتٌ وَإِسْقَاطَاتٌ وَالْهِبَةُ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ قَبِيلِ التَّمْلِيكَاتِ لَكِنَّا عَرَفْنَا بِالنَّصِّ أَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ لَا يُفْسِدُهَا، فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَازَ الْعُمْرَى وَأَبْطَلَ شَرْطَهُ لِلْمُعَمِّرِ حَتَّى يَصِيرَ لِوَرَثَةِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَا لِوَرَثَةِ الْمُعْمِرِ إذَا شُرِطَ عَوْدُهُ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَكَالْوَصِيَّةِ إذَا أَوْصَى بِجَارِيَتِهِ لِرَجُلٍ وَاسْتَثْنَى حَمْلَهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَالْجَارِيَةُ وَصِيَّةٌ وَالْحَمْلُ مِيرَاثٌ. أَمَّا عَدَمُ بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ فَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ

حَتَّى يَكُونَ الْحَمْلُ مِيرَاثًا وَالْجَارِيَةُ وَصِيَّةً؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَالْمِيرَاثَ يَجْرِي فِيمَا فِي الْبَطْنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَثْنَى خِدْمَتَهَا؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ لَا يَجْرِي فِيهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُعَاوَضَاتِ حَتَّى تَبْطُلَ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ. وَأَمَّا صِحَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ فَلِمَا ذُكِرَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَالْمِيرَاثُ يَجْرِي فِيمَا فِي الْبَطْنِ لِأَنَّهُ عَيْنٌ. بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَثْنَى خِدْمَتَهَا لِأَنَّ الْمِيرَاثَ لَا يَجْرِي فِيهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَيْنٍ، وَذَكَّرَ ضَمِيرَ الْخِدْمَةِ عَلَى تَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ وَاعْتُرِضَ عَلَى قَوْلِهِ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَا لَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الْعَقْدِ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ. وَالْخِدْمَةُ فِي الْوَصِيَّةِ مِمَّا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ بِأَنْ قَالَ أَوْصَيْت بِخِدْمَةِ هَذِهِ الْجَارِيَةِ لِفُلَانٍ فَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا الْعَكْسَ غَيْرُ لَازِمٍ؛ وَلَئِنْ سُلِّمَ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ عَقْدٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَصِحُّ قَبُولُ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَيَدْخُلُ الْمُوصَى بِهِ فِي مِلْكِ وَرَثَةِ الْمُوصَى لَهُ بِدُونِ الْقَبُولِ بِأَنْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ لَفْظُ الْعَقْدِ مُطْلَقًا. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: اعْتَبَرْتُمْ الْوَصِيَّةَ عَقْدًا وَعَكَسْتُمْ الْأَصْلَ الْمَذْكُورَ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْجَارِيَةِ وَاسْتِثْنَاءُ الْحَمْلِ حَيْثُ جَعَلْتُمْ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْحَمْلِ صَحِيحًا لِصِحَّةِ إفْرَادِهِ بِالْعَقْدِ وَلَمْ تَعْتَبِرُوا ذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْجَارِيَةِ، وَاسْتِثْنَاءُ الْخِدْمَةِ مَعَ صِحَّةِ إفْرَادِهِ بِالْعَقْدِ، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا؟ وَالْجَوَابُ أَنَّا مَا مَنَعْنَا الْعَكْسَ وُجُوبًا، وَإِنَّمَا مَنَعْنَا لُزُومَهُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ تَصْحِيحَ الِاسْتِثْنَاءِ يَقْتَضِي بَقَاءَ

قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَقْطَعَهُ الْبَائِعُ وَيَخِيطَهُ قَمِيصًا أَوْ قَبَاءً فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ) ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ؛ وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ صَفْقَةً فِي صَفْقَةٍ عَلَى مَا مَرَّ (وَمَنْ اشْتَرَى نَعْلًا عَلَى أَنْ يَحْذُوَهَا الْبَائِعُ قَالَ أَوْ يُشَرِّكَهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَا ذَكَرَهُ جَوَابُ الْقِيَاسِ، وَوَجْهُهُ مَا بَيَّنَّا، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: يَجُوزُ لِلتَّعَامُلِ فِيهِ فَصَارَ كَصَبْغِ الثَّوْبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُسْتَثْنَى لِوَارِثِ الْمُوصِي. فَمَا صَلَحَ أَنْ يَكُونَ مَوْرُوثًا كَالْحَمْلِ صَحَّحْنَاهُ وَمَا لَمْ يَصْلُحْ كَالْخِدْمَةِ مَنَعْنَاهُ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَقْطَعَهُ الْبَائِعُ إلَخْ) قَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُ ذَلِكَ فَلَا نُعِيدُهُ، قَالَ هَاهُنَا صَفْقَةٌ فِي صَفْقَةٍ وَفِيمَا تَقَدَّمَ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَكَأَنَّهُمَا سَوَاءٌ، يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ عَلَى مَا مَرَّ وَقِيلَ قَالَ هُنَاكَ صَفْقَتَيْنِ لِأَنَّ فِيهِ احْتِمَالَ الْإِجَارَةِ، وَالْعَارِيَّةُ هَاهُنَا صَفْقَةٌ إذْ لَيْسَ فِيهِ احْتِمَالُ الْعَارِيَّةِ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى نَعْلًا) حَذَا النَّعْلَ بِالْمِثَالِ قَطَعَهَا بِهِ فَهِيَ تَسْمِيَةُ الشَّيْءِ بِاسْمِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ إذْ الصِّرْمُ هُوَ الَّذِي يُقْطَعُ بِالْمِثَالِ، وَشَرَّكَ النَّعْلَ وَضَعَ عَلَيْهَا الشِّرَاكَ وَهُوَ سَيْرُهَا الَّذِي عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ، فَمَنْ اشْتَرَى صِرْمًا وَاشْتَرَطَ أَنْ يَحْذُوَهُ أَوْ نَعْلًا عَلَى أَنْ يُشَرِّكَهَا الْبَائِعُ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فِي الْقِيَاسِ. وَوَجْهُهُ مَا بَيَّنَّاهُ أَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: يَجُوزُ لِلتَّعَامُلِ، وَالتَّعَامُلُ قَاضٍ عَلَى الْقِيَاسِ لِكَوْنِهِ إجْمَاعًا فِعْلِيًّا كَصَبْغِ الثَّوْبِ، فَإِنَّ الْقِيَاسَ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الصَّبَّاغِ لِصَبْغِ الثَّوْبِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ

[والبيع إلى النيروز والمهرجان]

وَلِلتَّعَامُلِ جَوَّزْنَا الِاسْتِصْنَاعَ. قَالَ (وَالْبَيْعُ إلَى النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ وَصَوْمِ النَّصَارَى وَفِطْرِ الْيَهُودِ إذَا لَمْ يَعْرِفْ الْمُتَبَايِعَانِ ذَلِكَ فَاسِدٌ لِجَهَالَةِ الْأَجَلِ) وَهِيَ مُفْضِيَةٌ إلَى الْمُنَازَعَةِ فِي الْبَيْعِ لِابْتِنَائِهَا عَلَى الْمُمَاكَسَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا الْأَعْيَانِ وَفِيهِ عَقْدٌ عَلَى الْعَيْنِ وَهُوَ الصَّبْغُ لَا الصَّبْغُ وَحْدَهُ لَكِنْ جُوِّزَ لِلتَّعَامُلِ جَوَازُ الِاسْتِصْنَاعِ. [وَالْبَيْعُ إلَى النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ] (وَالْبَيْعُ إلَى النَّيْرُوزِ) مُعَرَّبُ نَوْرُوزَ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ الرَّبِيعِ (وَالْمِهْرَجَانِ) مُعَرَّبُ مهركان يَوْمٌ فِي طَرَفِ الْخَرِيفِ (وَصَوْمُ النَّصَارَى وَفِطْرُ الْيَهُودِ) وَمَعْنَاهُ تَأْجِيلُ الثَّمَنِ إلَى هَذِهِ الْأَيَّامِ فَاسِدٌ إذَا لَمْ يَعْرِفْ الْمُتَبَايِعَانِ مِقْدَارَ ذَلِكَ الزَّمَانِ (لِجَهَالَةِ الْأَجَلِ) الْمُفْضِيَةِ إلَى النِّزَاعِ لِابْتِنَاءِ الْمُبَايَعَةِ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ أَيْ الْمُجَادَلَةِ فِي النُّقْصَانِ. وَالْمُمَاكَسَةُ مَوْجُودَةٌ فِي الْمُبَايَعَةِ

إلَّا إذَا كَانَا يَعْرِفَانِهِ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا عِنْدَهُمَا، أَوْ كَانَ التَّأْجِيلُ إلَى فِطْرِ النَّصَارَى بَعْدَمَا شَرَعُوا فِي صَوْمِهِمْ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ صَوْمِهِمْ مَعْلُومَةٌ بِالْأَيَّامِ فَلَا جَهَالَةَ فِيهِ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَى قُدُومِ الْحَاجِّ) ، وَكَذَلِكَ إلَى الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَالْقِطَافِ وَالْجِزَازِ؛ لِأَنَّهَا تَتَقَدَّمُ وَتَتَأَخَّرُ، وَلَوْ كَفَلَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ مُتَحَمَّلَةٌ فِي الْكَفَالَةِ وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ يَسِيرَةٌ مُسْتَدْرَكَةٌ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى هَذَا الْأَجَلِ فَتَكُونُ الْجَهَالَةُ فِيهِ مُفْضِيَةً إلَى النِّزَاعِ وَمِثْلُهَا يُفْسِدُ الْبَيْعَ (وَإِنْ كَانَا يَعْرِفَانِ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا عِنْدَهُمَا أَوْ كَانَ التَّأْجِيلُ إلَى فِطْرِ النَّصَارَى بَعْدَمَا شَرَعُوا فِي صَوْمِهِمْ) جَازَ (لِأَنَّ مُدَّةَ صَوْمِهِمْ بِالْأَيَّامِ مَعْلُومَةٌ) وَهِيَ خَمْسُونَ يَوْمًا فَلَا جَهَالَةَ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَى قُدُومِ الْحَاجِّ إلَخْ) الْحَصَادُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا قَطْعُ الزُّرُوعِ، وَالدِّيَاسُ أَنْ يُوطَأَ الْمَحْصُودُ بِقَوَائِمِ الدَّوَابِّ مِنْ الدَّوْسِ وَهُوَ شِدَّةُ وَطْءِ الشَّيْءِ بِالْقَدَمِ، وَالْقِطَافُ بِكَسْرِ الْقَافِ قَطْعُ الْعِنَبِ مِنْ الْكَرْمِ وَالْفَتْحُ فِيهِ لُغَةٌ، وَالْجِزَازُ قَطْعُ الصُّوفِ وَالنَّخْلِ وَالزَّرْعِ وَالشَّعْرِ وَالْبَيْعِ إلَى وَقْتِ قُدُومِ الْحَاجِّ وَإِلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ غَيْرُ جَائِزٍ لِلْجَهَالَةِ الْمُفْضِيَةِ إلَى النِّزَاعِ بِتَقَدُّمِ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَتَأَخُّرِهَا، وَالْكَفَالَةُ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ جَائِزَةٌ (لِأَنَّ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ مُتَحَمَّلَةٌ فِي الْكَفَالَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْجَهَالَةَ فِي أَصْلِ الدَّيْنِ بِأَنْ يَكْفُلَ بِمَا ذَابَ عَلَى فُلَانٍ فَفِي وَصْفِهِ أَوْلَى) لِكَوْنِ الْأَصْلِ أَقْوَى مِنْ الْوَصْفِ (وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ يَسِيرَةٌ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِيهَا)

وَلِأَنَّهُ مَعْلُومُ الْأَصْلِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْجَهَالَةَ فِي أَصْلِ الدَّيْنِ بِأَنْ تُكْفَلُ بِمَا ذَابَ عَلَى فُلَانٍ فَفِي الْوَصْفِ أَوْلَى، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهَا فِي أَصْلِ الثَّمَنِ، فَكَذَا فِي وَصْفِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ مُطْلَقًا ثُمَّ أَجَّلَ الثَّمَنَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ حَيْثُ جَازَ؛ لِأَنَّ هَذَا تَأْجِيلٌ فِي الدَّيْنِ وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ فِيهِ مُتَحَمَّلَةٌ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ، وَلَا كَذَلِكَ اشْتِرَاطُهُ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ. (وَلَوْ بَاعَ إلَى هَذِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَعَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَتْ تُجِيزُ الْبَيْعَ إلَى الْعَطَاءِ وَإِنْ احْتَمَلَ التَّقَدُّمَ وَالتَّأَخُّرَ لِكَوْنِهَا يَسِيرَةً، وَابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَنَعَهُ وَنَحْنُ أَخَذْنَا بِقَوْلِهِ، وَهَذَا قَدْ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ مَا كَانَتْ فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ، وَالْفَاحِشَةُ مَا كَانَ فِي الْوُجُودِ كَهُبُوبِ الرِّيحِ مَثَلًا، وَالْبَيْعُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُحْتَمِلًا لِلْجَهَالَةِ فِي أَصْلِ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ مُحْتَمِلًا لَهَا فِي وَصْفِهِ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ تَحَمُّلِ أَصْلِ الثَّمَنِ عَدَمُ تَحَمُّلِ وَصْفِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَقْوَى إذْ هُوَ يُوجَدُ بِدُونِ الْوَصْفِ الْخَاصِّ دُونَ عَكْسِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ تَحَمُّلِ أَصْلِ الثَّمَنِ الْجَهَالَةَ هُوَ إفْضَاؤُهَا إلَى النِّزَاعِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي جَهَالَةِ الْوَصْفِ فَيَمْنَعُهُ. وَإِذَا بَاعَ مُطْلَقًا ثُمَّ أَجَّلَ الثَّمَنَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ صَحَّ لِكَوْنِهِ تَأْجِيلَ الدَّيْنِ (وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ مُتَحَمَّلَةٌ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ) لِعَدَمِ ابْتِنَائِهِ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ، وَلَا كَذَلِكَ اشْتِرَاطُهُ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ (لِأَنَّهُ يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ) (وَلَوْ بَاعَ إلَى هَذِهِ

الْآجَالِ ثُمَّ تَرَاضَيَا بِإِسْقَاطِ الْأَجَلِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ النَّاسُ فِي الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَقَبْلَ قُدُومِ الْحَاجِّ جَازَ الْبَيْعُ أَيْضًا. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا وَصَارَ كَإِسْقَاطِ الْأَجَلِ فِي النِّكَاحِ إلَى أَجَلٍ) وَلَنَا أَنَّ الْفَسَادَ لِلْمُنَازَعَةِ وَقَدْ ارْتَفَعَ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ فِي شَرْطٍ زَائِدٍ لَا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ فَيُمْكِنُ إسْقَاطُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ ثُمَّ أَسْقَطَا الدِّرْهَمَ الزَّائِدَ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْآجَالِ) أَعْنِي النَّيْرُوزَ وَالْمِهْرَجَانَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْقِطَافِ وَالْجِزَازِ ثُمَّ تَرَاضَيَا بِإِسْقَاطِ الْأَجَلِ قَبْلَ تَحَقُّقِ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ انْقَلَبَ الْبَيْعُ جَائِزًا، خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَهُوَ يَقُولُ: انْعَقَدَ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا كَإِسْقَاطِ الْأَجَلِ فِي النِّكَاحِ: يَعْنِي عَلَى أَصْلِكُمْ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ فَالنِّكَاحُ إلَى أَجَلٍ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي النِّكَاحِ، وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ مِنْ جَانِبِ زُفَرَ بِمَا لَمْ يَقُلْ بِهِ وَلَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي، وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ وَقُلْنَا الْفَسَادُ لِلْمُنَازَعَةِ، وَالْمُنَازَعَةُ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ، فَإِذَا أَسْقَطَهُ ارْتَفَعَ الْمُفْسِدُ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ فَيَعُودُ جَائِزًا. فَإِنْ قِيلَ: الْجَهَالَةُ تَقَرَّرَتْ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ فَلَا يُفِيدُ سُقُوطَهَا كَمَا إذَا بَاعَ الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ ثُمَّ أَسْقَطَا الدِّرْهَمَ الزَّائِدَ. أَجَابَ بِأَنَّ هَذِهِ الْجَهَالَةَ فِي شَرْطٍ زَائِدٍ وَهُوَ الْأَجَلُ لَا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ فَيُمْكِنُ إسْقَاطُهُ، بِخِلَافِ مَا ذَكَرْت فَإِنَّ الْفَسَادَ فِيهِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ إذَا نَكَحَ بِغَيْرِ شُهُودٍ ثُمَّ أَشْهَدَ بَعْدَ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا وَلَيْسَ الْفَسَادُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ. فَإِذَا بَاعَ إلَى أَنْ يَهَبَ الرِّيحَ ثُمَّ أَسْقَطَ الْأَجَلَ لَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْفَسَادَ فِيهِ لِعَدَمِ الشَّرْطِ فَهُوَ قَوِيٌّ كَمَا لَوْ كَانَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ صَلَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ ثُمَّ تَطَهَّرَ لَمْ تَنْقَلِبْ صَلَاتُهُ جَائِزَةً، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ هُبُوبَ الرِّيحِ لَيْسَ بِأَجَلٍ لِأَنَّ الْأَجَلَ مَا يَكُونُ مُنْتَظَرًا وَالْهُبُوبُ قَدْ يَكُونُ مُتَّصِلًا بِكَلَامِهِ

وَبِخِلَافِ النِّكَاحِ إلَى أَجَلٍ؛ لِأَنَّهُ مُتْعَةٌ وَهُوَ عَقْدٌ غَيْرُ عَقْدِ النِّكَاحِ، وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ ثُمَّ تَرَاضَيَا خَرَجَ وِفَاقًا؛ لِأَنَّ مَنْ لَهُ الْأَجَلُ يَسْتَبِدُّ بِإِسْقَاطِهِ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِ. قَالَ (وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ أَوْ شَاةٍ ذَكِيَّةٍ وَمَيِّتَةٍ بَطَل الْبَيْعُ فِيهِمَا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إنْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا جَازَ فِي الْعَبْدِ وَالشَّاةِ الذَّكِيَّةِ (وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدٍ وَمُدَبَّرٍ أَوْ بَيْنَ عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْعَبْدِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ) عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَسَدَ فِيهِمَا، وَمَتْرُوكُ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا كَالْمَيْتَةِ، وَالْمُكَاتَبُ وَأُمُّ الْوَلَدِ كَالْمُدَبَّرِ لَهُ الِاعْتِبَارُ بِالْفَصْلِ الْأَوَّلِ، إذْ مَحَلِّيَّةُ الْبَيْعِ مُنْتَفِيَةٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْكُلِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَبِخِلَافِ النِّكَاحِ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ زُفَرَ عَلَى النِّكَاحِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّا قَدْ قُلْنَا إنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ قَدْ يَنْقَلِبُ جَائِزًا قَبْلَ تَقْرِيرِ الْمُفْسِدِ، وَلَمْ نَقُلْ إنَّ عَقْدًا يَنْقَلِبُ عَقْدًا آخَرَ، وَالنِّكَاحُ إلَى أَجَلٍ مُتْعَةٌ وَهِيَ عَقْدٌ غَيْرُ عَقْدِ النِّكَاحِ فَلَا يَنْقَلِبُ نِكَاحًا (قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ) أَيْ الْقُدُورِيِّ ثُمَّ تَرَاضَيَا خَرَجَ وِفَاقًا لِأَنَّ مَنْ لَهُ الْأَجَلُ يَسْتَبِدُّ بِإِسْقَاطِهِ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِ. قَالَ (وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ أَوْ شَاةٍ ذَكِيَّةٍ وَمَيْتَةٍ إلَخْ) إذَا جَمَعَ فِي الْبَيْعِ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ أَوْ شَاةٍ ذَكِيَّةٍ وَمَيْتَةٍ بَطَلَ الْبَيْعُ فِيهِمَا مُطْلَقًا أَعْنِي سَوَاءً فَصَّلَ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يُفَصِّلْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إنْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَمَنًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْتهمَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسُمِائَةٍ جَازَ الْعَقْدُ فِي الْعَبْدِ وَالذَّكِيَّةِ (وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدٍ وَمُدَبَّرٍ أَوْ بَيْنَ عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ صَحَّ الْعَقْدُ فِي الْعَبْدِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ عِنْدَهُمْ خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِمَا) أَيْ فِي الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ. أَوْ فِي الْجَمْعَيْنِ جَمِيعًا (وَمَتْرُوكُ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا كَالْمَيْتَةِ وَالْمُكَاتَبِ وَأُمِّ الْوَلَدِ كَالْمُدَبَّرِ) ، فَإِنْ قِيلَ: مَتْرُوكُ التَّسْمِيَةِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَصَارَ كَالْمُدَبَّرَةِ فَيَجِبُ جَوَازُ بَيْعِهِ مَعَ الْمُذَكَّى كَبَيْعِ الْقِنِّ مَعَ الْمُدَبَّرِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُجْتَهَدٍ فِيهِ بَلْ خَطَأٌ بَيِّنٌ لِمُخَالَفَةِ الدَّلِيلِ الظَّاهِرِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] حَتَّى أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِحِلِّهِ لَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فِي الْبَيْعِ (لِزُفَرَ الِاعْتِبَارُ بِالْفَصْلِ) الْأَوَّلِ: يَعْنِي بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ بِجَامِعِ انْتِفَاءِ الْمَحَلِّيَّةِ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ. وَلِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ: إذَا سَمَّى لِكُلٍّ ثَمَنًا أَنَّ الْفَسَادَ بِقَدْرِ الْمُفْسِدِ إذْ الْحُكْمُ يَثْبُتُ بِقَدْرِ دَلِيلِهِ وَالْمُفْسِدُ فِي الْحُرِّ كَوْنُهُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْبَيْعِ وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِهِ دُونَ الْقِنِّ فَلَا يَتَعَدَّاهُ كَمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّةِ وَأُخْتِهِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُسَمِّ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ لِأَنَّ ثَمَنَ الْعَبْدِ مَجْهُولٌ.

وَلَهُمَا أَنَّ الْفَسَادَ بِقَدْرِ الْمُفْسِدِ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْقِنِّ، كَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّةِ وَأُخْتِهِ فِي النِّكَاحِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُسَمِّ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ أَنَّ الْحُرَّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ وَالْبَيْعُ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَكَانَ الْقَبُولُ فِي الْحُرِّ شَرْطًا لِلْبَيْعِ فِي الْعَبْدِ وَهَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَأَمَّا الْبَيْعُ فِي هَؤُلَاءِ مَوْقُوفٌ وَقَدْ دَخَلُوا تَحْتَ الْعَقْدِ لِقِيَامِ الْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا يَنْفُذُ فِي عَبْدِ الْغَيْرِ بِإِجَازَتِهِ، وَفِي الْمُكَاتَبِ بِرِضَاهُ فِي الْأَصَحِّ، وَفِي الْمُدَبَّرِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَكَذَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ عِنْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ فَصْلِ الْحُرِّ وَالْمُدَبَّرِ مَعَ الْقِنِّ أَنَّ الْحُرَّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ أَصْلًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ وَالْبَيْعُ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَمْلِكُ قَوْلَ الْعَقْدِ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ قَبُولُ الْعَقْدِ فِيمَا لَا يَصِحُّ فِيهِ الْعَقْدُ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْعَقْدِ فِيمَا يَصِحُّ فِيهِ فَكَانَ شَرْطًا فَاسِدًا، وَفِيهِ نَظَرٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ إذَا بَيَّنَ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَتْ الصَّفْقَةُ مُتَقَرِّرَةً وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ قَوْلُ الْعَقْدِ فِي الْحُرِّ شَرْطًا لِلْبَيْعِ فِي الْعَبْدِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ هُوَ مَا يَكُونُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ فِي مَعْنَى الرِّبَا، وَلَيْسَ فِي قَبُولِ الْعَقْدِ فِي الْحُرِّ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِهِمَا وَلَا لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ شَرْطًا فَاسِدًا. وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ قَبُولَ الْعَقْدِ فِي الْحُرِّ إنَّمَا يَكُونُ شَرْطًا لِقَبُولِ الْعَقْدِ فِي الْعَبْدِ إذَا صَحَّ الْإِيجَابُ فِيهِمَا لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ الْبَائِعُ بِقَبُولِ الْعَقْدِ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَلَمْ يُوجَدْ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَصَارَ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الصَّفْقَةَ مُتَحَدِّدَةٌ فِي مِثْلِهِ إذَا لَمْ يُكَرَّرْ الْبَيْعُ أَوْ الشِّرَاءُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ فِي قَبُولِ الْعَقْدِ فِي الْحُرِّ مَنْفَعَةً لِلْبَائِعِ، فَإِنَّهُ إذَا بَاعَهُمَا بِأَلْفٍ وَالْحُرُّ لَيْسَ بِمَالٍ يُقَابِلُهُ بَدَلٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ بِعْت هَذَا الْعَبْدَ بِخَمْسِمِائَةٍ عَلَى أَنْ يُسَلَّمَ إلَيَّ خَمْسُمِائَةٍ أُخْرَى فَيُنْتَفَعُ بِفَضْلٍ خَالٍ عَنْ الْعِوَضِ فِي الْبَيْعِ وَهُوَ الرِّبَا. وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّ الْإِيجَابَ إذَا صَحَّ فِيهَا صَحَّ الْعَقْدُ وَالشَّرْطُ جَمِيعًا فَلَا يَكُونُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، وَإِذَا ظَهَرَ هَذَا ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ وَثَمَّ جَوَابُ زُفَرَ عَنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ بِخِلَافِ النِّكَاحِ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِهِمَا عَلَى النِّكَاحِ بِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ. وَقَوْلُهُ أَمَّا الْبَيْعُ فِي هَؤُلَاءِ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ، وَأَرَادَ بِهَؤُلَاءِ الْمُدَبَّرَ وَالْمُكَاتَبَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَعَبْدَ الْغَيْرِ فَإِنَّهُمْ دَخَلُوا تَحْتَ الْعَقْدِ لِقِيَامِ الْمَالِيَّةِ فَإِنَّهَا بِاعْتِبَارِ الرِّقِّ وَالتَّقَوُّمِ وَهُمَا مَوْجُودَانِ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا يَنْفُذُ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَوْضِيحًا لِقَوْلِهِ مَوْقُوفٌ، فَإِنَّ الْبَيْعَ فِي عَبْدٍ غَيْرُ مَوْقُوفٍ عَلَى إجَازَتِهِ، وَفِي الْمُكَاتَبِ عَلَى رِضَاهُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الْمُدَبَّرِ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي، وَكَذَا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ نَفَذَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ بِنَاءً

أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، إلَّا أَنَّ الْمَالِكَ بِاسْتِحْقَاقِهِ الْمَبِيعَ وَهَؤُلَاءِ بِاسْتِحْقَاقِهِمْ أَنْفُسَهُمْ رَدُّوا الْبَيْعَ فَكَانَ هَذَا إشَارَةً إلَى الْبَقَاءِ، كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ وَهَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهَذَا لَا يَكُونُ شَرْطَ الْقَبُولِ فِي غَيْرِ الْمَبِيعِ وَلَا بَيْعًا بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ اللَّاحِقَ يَرْفَعُ الِاخْتِلَافَ السَّابِقَ عِنْدَهُ فَيَكُونُ الْقَضَاءُ عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ فَلَا يَنْفُذُ، وَعِنْدَهُمَا لَا يُرْفَعُ فَيَكُونُ الْقَضَاءُ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ فَيَنْفُذُ فَقَدْ عُرِفَ ذَلِكَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُ مَوْقُوفٌ وَقَدْ قَالَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَبَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ بَاطِلٌ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ بَاطِلٌ إذَا لَمْ يُجِزْ الْمُكَاتَبُ وَلَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَمَامُ كَلَامِهِ هُنَاكَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَوْضِيحًا لِقِيَامِ الْمَالِيَّةِ، فَإِنَّ الْإِجَازَةَ وَقَضَاءَ الْقَاضِي لَا يَنْفُذُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، وَإِذَا نَفَذَ هَاهُنَا عَرَفْنَا الْمَحَلِّيَّةَ فِيهَا وَلَا مَحَلَّ لِلْبَيْعِ إلَّا بِقِيَامِ الْمَالِيَّةِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُمْ دَخَلُوا فِي الْعَقْدِ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ الْعَقْدُ فِيهِمْ فَاسِدًا، إلَّا أَنَّ الْمَالِكَ بِاسْتِحْقَاقِهِ الْمَبِيعَ وَهَؤُلَاءِ بِاسْتِحْقَاقِهِمْ أَنْفُسَهُمْ رَدُّوا الْبَيْعَ. وَهَذَا أَيْ الرَّدُّ بِالِاسْتِحْقَاقِ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْبَقَاءِ، فَكَانَ كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ وَهَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَقِيَ الْعَقْدُ فِي الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ بَقَاءً فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ الصِّحَّةِ، وَهَذَا أَيْ الْجَمْعُ بَيْنَ الْقِنِّ وَأَحَدِ الْمَذْكُورِينَ لَا يَكُونُ شَرْطًا لِلْقَبُولِ فِي غَيْرِ الْمَبِيعِ وَلَا بَيْعًا بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً بَعْدَمَا ثَبَتَ دُخُولُهُمْ فِي الْمَبِيعِ، وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ حَالَةَ الْعَقْدِ بَيَانُ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ فِيهِ: أَيْ فِيمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْقِنِّ وَالْمُدَبَّرِ

[فصل في أحكام البيع الفاسد]

(فَصْلٌ فِي أَحْكَامِهِ) (وَإِذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِأَمْرِ الْبَائِعِ وَفِي الْعَقْدِ عِوَضَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالٌ مَلَكَ الْمَبِيعَ وَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ] فَصْلٌ فِي أَحْكَامِهِ) وَإِذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ. لَمَّا كَانَ حُكْمُ الشَّيْءِ لِكَوْنِهِ أَثَرًا ثَابِتًا بِهِ يَعْقُبُهُ ذَكَرَ أَحْكَامَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ عَقِيبَهُ، وَالْبَيْعُ عِنْدَنَا يَنْقَسِمُ بِاعْتِبَارِ غَيْرِ مَا مَرَّ إلَى صَحِيحٍ وَفَاسِدٍ وَبَاطِلٍ وَمَوْقُوفٍ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إلَى صَحِيحٍ وَبَاطِلٍ لَا غَيْرُ (وَإِذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِأَمْرِ الْبَائِعِ) يَعْنِي بِإِذْنِهِ (وَفِي الْعَقْدِ عِوَضَانِ مَالَانِ مَلَكَ الْمَبِيعَ وَلَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ) ذَكَرَ الْقَبْضَ لِتَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ لِأَنَّ الْبَاطِلَ لَا يُفِيدُ شَيْئًا وَإِنْ اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ وَأَمْرُ الْبَائِعِ، يَعْنِي بِهِ: الْإِذْنُ فِي الْقَبْضِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً، وَالْمَعْنَى بِدَلَالَةِ الْإِذْنِ هُوَ أَنْ يَقْبِضَهُ عَقِيبَ الْعَقْدِ بِحَضْرَةِ الْبَائِعِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَةِ الْبَائِعِ لَمْ يَمْلِكْهُ بِخِلَافِ الصَّرِيحِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ مُطْلَقًا، وَقَيَّدَ أَنْ يَكُونَ فِي الْعَقْدِ عِوَضَانِ مَالَانِ لِفَائِدَةٍ سَنَذْكُرُهَا. وَقَوْلُهُ مَلَكَ الْمَبِيعَ هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ سِوَى أَهْلِ الْعِرَاقِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ الْمَبِيعُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَمْلِكُهُ وَإِنْ قَبَضَهُ؛ لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ فَلَا يَنَالُ بِهِ نِعْمَةَ الْمِلْكِ؛ وَلِأَنَّ النَّهْيَ نَسْخٌ لِلْمَشْرُوعِيَّةِ لِلتَّضَادِّ، وَلِهَذَا لَا يُفِيدُهُ قَبْضُ الْقَبْضِ، وَصَارَ كَمَا إذَا بَاعَ بِالْمَيْتَةِ أَوْ بَاعَ الْخَمْرَ بِالدَّرَاهِمِ. وَلَنَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ. مُضَافًا إلَى مَحِلِّهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِانْعِقَادِهِ، وَلَا خَفَاءَ فِي الْأَهْلِيَّةِ وَالْمَحَلِّيَّةِ. وَرُكْنُهُ: مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، وَفِيهِ الْكَلَامُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَمْلُوكُ التَّصَرُّفِ لَا مَمْلُوكُ الْعَيْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْقَبْضُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ) وَالْمَحْظُورُ (لَا تُنَالُ بِهِ نِعْمَةُ الْمِلْكِ) لِأَنَّ الْمُنَاسَبَةَ بَيْنَ الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ لَا بُدَّ مِنْهَا وَلِأَنَّ النَّهْيَ نَسْخٌ لِلْمَشْرُوعِيَّةِ (لِلتَّضَادِّ) بَيْنَ النَّهْيِ وَالْمَشْرُوعِيَّة إذْ النَّهْيُ يَقْتَضِي الْقُبْحَ وَالْمَشْرُوعِيَّة تَقْتَضِي الْحُسْنَ وَبَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ وَالْمَنْسُوخُ الْمَشْرُوعِيَّةِ لَا يُفِيدُ حُكْمًا شَرْعِيًّا (وَلِهَذَا لَا يُفِيدُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَصَارَ كَمَا إذَا بَاعَ الْخَمْرَ بِالدَّرَاهِمِ) أَوْ الدَّنَانِيرِ أَوْ بِالْمَيْتَةِ وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ. وَلَنَا أَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ، لِأَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِطَرِيقِ الِاكْتِسَابِ بِالتَّرَاضِي صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ. إذْ الْكَلَامُ فِي أَنْ لَا خَلَلَ فِي الْعَاقِدَيْنِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ كَذَلِكَ،

وَالنَّهْيُ يُقَرِّرُ الْمَشْرُوعِيَّةَ عِنْدَنَا لِاقْتِضَائِهِ التَّصَوُّرَ فَنَفْسُ الْبَيْعِ مَشْرُوعٌ، وَبِهِ تُنَالُ نِعْمَةُ الْمِلْكِ وَإِنَّمَا الْمَحْظُورُ مَا يُجَاوِرُهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكُلُّ بَيْعٍ كَانَ كَذَلِكَ يُفِيدُ الْمِلْكَ فَهَذَا الْبَيْعُ يُفِيدُهُ. لَا يُقَالُ قَدْ يَكُونُ النَّهْيُ مَانِعًا عَنْ ذَلِكَ، لِأَنَّ النَّهْيَ يُقَرِّرُ الْمَشْرُوعِيَّةَ عِنْدَنَا لِاقْتِضَائِهِ التَّصَوُّرَ لِيَكُونَ النَّهْيُ عَمَّا يَتَكَوَّنُ لِيَكُونَ الْعَبْدُ مُبْتَلًى بَيْنَ أَنْ يَتْرُكَ بِاخْتِيَارِهِ فَيُثَابَ وَبَيْنَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ فَيُعَاقَبَ عَلَيْهِ. فَنَفْسُ الْبَيْعِ مَشْرُوعٌ وَبِهِ تُنَالُ نِعْمَةُ الْمِلْكِ. لَكِنْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ قُبْحِ مُقْتَضَى النَّهْيِ فَجَعَلْنَاهُ فِي وَصْفِهِ مُجَاوِرًا كَمَا فِي الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ عَمَلًا بِالْوَجْهَيْنِ، وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا فِي التَّقْرِيرِ عَلَى وَجْهٍ أَتَمَّ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمَحْظُورَ فِي الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ مُجَاوِرٌ، وَأَمَّا فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ مَا اتَّصَلَ بِهِ وَصْفًا فَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ صَحِيحًا، وَأَيْضًا الْحُكْمُ هُنَاكَ الْكَرَاهَةُ وَفِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ الْفَسَادُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ غَرَضَ الْمُصَنِّفِ مِنْ ذِكْرِ الْمُجَاوَرَةِ بَيَانُ أَنَّ الْمَحْظُورَ لَيْسَ لِمَعْنًى فِي عَيْنِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ كَمَا زَعَمَهُ الْخَصْمُ. وَالْمُجَاوَرُ جَمْعًا وَالْمُتَّصِلُ وَصْفًا سِيَّانِ فِي ذَلِكَ وَبِأَنَّ غَرَضَهُ أَنَّ حُكْمَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَيْسَ الْبُطْلَانَ كَمَا يَدَّعِيهِ الْخَصْمُ وَالْكَرَاهَةُ وَالْفَسَادُ يَشْتَرِكَانِ فِي عَدَمِ الْبُطْلَانِ. طَالِعْ

وَإِنَّمَا لَا يَثْبُتُ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَبْضِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَقْرِيرِ الْفَسَادِ الْمُجَاوِرِ إذْ هُوَ وَاجِبُ الرَّفْعِ بِالِاسْتِرْدَادِ فَبِالِامْتِنَاعِ عَنْ الْمُطَالَبَةِ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ ضَعُفَ لِمَكَانِ اقْتِرَانِهِ بِالْقَبِيحِ فَيُشْتَرَطُ اعْتِضَادُهُ بِالْقَبْضِ فِي إفَادَةِ الْحُكْمِ بِمَنْزِلَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّقْرِيرَ تَطَّلِعُ عَلَى ذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَقْرِيرِ الْفَسَادِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَلِهَذَا لَا يُفِيدُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَتَقْرِيرُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْمِلْكُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِوُجُوبِ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ وَوَجَبَ عَلَى الْبَائِعِ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ لِأَنَّهُمَا مِنْ مَوَاجِبِ الْعَقْدِ فَيَتَقَرَّرُ الْفَسَادُ وَهُوَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ وَاجِبُ الرَّفْعِ بِالِاسْتِرْدَادِ، وَكُلُّ مَا هُوَ وَاجِبُ الرَّفْعِ بِالِاسْتِرْدَادِ لَا يَجُوزُ تَقْرِيرُهُ، وَإِذَا كَانَ وَاجِبُ الرَّفْعِ الِاسْتِرْدَادَ: يَعْنِي إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مَقْبُوضًا فَلَأَنْ يَكُونَ وَاجِبَ الرَّفْعِ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ مُطَالَبَةِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْلَى لِكَوْنِهِ أَسْهَلَ لِسَلَامَتِهِ عَنْ الْمُطَالَبَةِ وَالْإِحْضَارِ وَالتَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ. ثُمَّ الرَّفْعُ بِالِاسْتِرْدَادِ. وَعُورِضَ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُفِدْ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يُفِدْهُ بَعْدَهُ، لِأَنَّ كُلَّ مَا يَمْنَعُ عَنْ ثُبُوتِ الْمِلْكِ بِالْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَمْنَعُ بَعْدَهُ كَخِيَارِ الشَّرْطِ، وَبِأَنَّهُ لَوْ أَفَادَ بَعْدَ الْقَبْضِ كَانَ تَقْرِيرًا لِلْفَسَادِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ مَعَ غَيْرِهِ كَالشَّيْءِ لَا مَعَ غَيْرِهِ وَهُوَ مُحَالٌ، وَخِيَارُ الشَّرْطِ إنَّمَا اسْتَوَى فِيهِ الْقَبْضُ وَعَدَمُهُ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ فِيهِ مُعَلَّقٌ بِسُقُوطِ الْخِيَارِ مَعْنًى، لِأَنَّهُ يَقُولُ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ. وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ مَعْدُومٌ قَبْلَ وُجُودِهِ. وَتَعَلُّقُهُ بِالشَّرْطِ لَمْ يَخْتَلِفْ بَيْنَ وُجُودِ الْقَبْضِ وَعَدَمِهِ، فَلَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ مَعَ غَيْرِهِ كَالشَّيْءِ لَا مَعَ غَيْرِهِ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَهْدَرَ الْغَيْرَ: أَعْنِي الْقَبْضَ. وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ تَقْرِيرَ الْفَسَادِ بَعْدَ الْقَبْضِ يَثْبُتُ فِي ضِمْنِ الضَّمَانِ، فَإِنَّ الْقَبْضَ يُوجِبُ الضَّمَانَ فَإِنْ لَمْ يَنْتَقِلْ الْمِلْكُ مِنْ الْمَضْمُونِ لَهُ إلَى الضَّامِنِ لَاجْتَمَعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ وَهُوَ لَا يَجُوزُ. وَالضِّمْنِيَّاتُ لَا مُعْتَبَرَ بِهَا (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ السَّبَبَ) دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى إفَادَةِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ الْمِلْكَ بَعْدَ الْقَبْضِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ السَّبَبَ: يَعْنِي الْبَيْعَ الْفَاسِدَ (قَدْ ضَعُفَ لِمَكَانِ اقْتِرَانِهِ بِالْقَبِيحِ فَيُشْتَرَطُ اعْتِمَادُهُ بِالْقَبْضِ فِي إفَادَةِ الْحُكْمِ) لِأَنَّ لِلْقَبْضِ شَبَهًا بِالْإِيجَابِ

الْهِبَةِ، وَالْمَيْتَةِ لَيْسَتْ بِمَالٍ فَانْعَدَمَ الرُّكْنُ، وَلَوْ كَانَ الْخَمْرُ مُثَمَّنًا فَقَدْ خَرَّجْنَاهُ وَشَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ فِي الْخَمْرِ الْوَاجِبَ هُوَ الْقِيمَةُ وَهِيَ تَصْلُحُ ثَمَنًا لَا مُثَمَّنًا. ثُمَّ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، إلَّا أَنَّهُ يَكْتَفِي بِهِ دَلَالَةً كَمَا إذَا قَبَضَهُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ اسْتِحْسَانًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ تَسْلِيطٌ مِنْهُ عَلَى الْقَبْضِ، فَإِذَا قَبَضَهُ بِحَضْرَتِهِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَلَمْ يَنْهَهُ كَانَ بِحُكْمِ التَّسْلِيطِ السَّابِقِ، وَكَذَا الْقَبْضُ فِي الْهِبَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصَارَ كَأَنَّ إيجَابَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ ازْدَادَ قُوَّةً فِي نَفْسِهِ فَهُوَ كَالْهِبَةِ فِي احْتِيَاجِهِ إلَى مَا يُعَضِّدُهُ الْعَقْدُ مِنْ الْقَبْضِ (قَوْلُهُ وَالْمَيْتَةُ لَيْسَتْ بِمَالٍ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ الْخَصْمِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ عَلَى الْبَيْعِ بِالْمَيْتَةِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمَيْتَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ وَمَا لَيْسَ بِمَالٍ لَا يَجُوزُ فِيهِ الْبَيْعُ لِفَوَاتِ رُكْنِهِ، وَلَوْ كَانَ الْخَمْرُ مُثَمَّنًا وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَى الْخَمْرَ بِالدَّرَاهِمِ فَقَدْ خَرَّجْنَاهُ: يَعْنِي فِي أَوَائِلِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَأَرَادَ بِهِ مَا قَالَهُ، وَأَمَّا بَيْعُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ إنْ كَانَ بِالدَّيْنِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ الْبَيْعِ فِيمَا إذَا كَانَ الْخَمْرُ مُثَمَّنًا بُطْلَانُ الْبَيْعِ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَفِي شَيْءٍ آخَرَ: أَيْ دَلِيلٍ آخَرَ سِوَى مَا ذَكَرْنَا هُنَاكَ وَهُوَ أَنَّ الْعَقْدَ الْوَاقِعَ عَلَى الْخَمْرِ يُوجِبُ الْقِيمَةَ لَا عَيْنَ الْخَمْرِ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ تَسْلِيمِ الْخَمْرِ وَتَسَلُّمِهَا، فَلَوْ قُلْنَا بِانْعِقَادِ الْبَيْعِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ لَجَعَلْنَا الْقِيمَةَ مُثَمَّنًا لِأَنَّ كُلَّ عَيْنٍ يُقَابِلُهُ الدَّرَاهِمُ أَوْ الدَّنَانِيرُ فِي الْبَيْعِ هُوَ مُثَمَّنٌ لِتَعَيُّنِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِلثَّمَنِيَّةِ خِلْقَةً وَشَرْعًا. وَلَا عَهْدَ لَنَا بِذَلِكَ فِي صُورَةِ مَنْ صَوَّرَ الْبِيَاعَاتِ فَالْقَوْلُ بِهِ تَغْيِيرٌ لِلْمَشْرُوعِ فَحَكَمْنَا بِبُطْلَانِهِ (قَوْلُهُ ثُمَّ شُرِطَ أَنْ يَكُونَ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ) إشَارَةٌ إلَى صِحَّةِ الْإِذْنِ بِالدَّلَالَةِ، كَمَا إذَا قَبَضَهُ بِمَجْلِسِ الْعَقْدِ بِحَضْرَتِهِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَلَمْ يَنْهَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ اسْتِحْسَانًا (قَوْلُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْإِيضَاحِ، وَسَمَّاهُ الرِّوَايَةَ الْمَشْهُورَةَ فَقَالَ: وَمَا قَبَضَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَهُوَ كَمَا لَمْ يُقْبَضْ،

فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ يَصِحُّ اسْتِحْسَانًا، وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ فِي الْعَقْدِ عِوَضَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالٌ لِيَتَحَقَّقَ رُكْنُ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ فَيَخْرُجُ عَلَيْهِ الْبَيْعُ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْحُرِّ وَالرِّيحِ وَالْبَيْعِ مَعَ نَفْيِ الثَّمَنِ، وَقَوْلُهُ لَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ، فِي ذَوَاتِ الْقِيَمِ، فَأَمَّا فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَيَلْزَمُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْمَشْهُورَةُ. وَجْهُ الصَّحِيحِ أَنَّ الْبَيْعَ تَسْلِيطٌ مِنْهُ عَلَى الْقَبْضِ، فَإِذَا قَبَضَهُ بِحَضْرَتِهِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَلَمْ يَنْهَهُ كَانَ بِحُكْمِ التَّسْلِيطِ السَّابِقِ فَيُكْتَفَى بِهِ، وَعَلَى هَذَا الْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ يَصِحُّ اسْتِحْسَانًا، وَعَلَى رِوَايَةِ صَاحِبِ الْإِيضَاحِ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْهِبَةِ وَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَذَلِكَ بِأَنَّ الْعَقْدَ إذَا وَقَعَ فَاسِدًا لَمْ يَتَضَمَّنْ تَسْلِيطًا عَلَى الْقَبْضِ لِأَنَّ التَّسْلِيطَ لَوْ ثَبَتَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِمُقْتَضَاهُ شَرْعًا وَالْفَاسِدُ يَجِبُ إعْدَامُهُ فَلَمْ يَثْبُتْ الْمُقْتَضَى وَهُوَ التَّسْلِيطُ عَلَى الْقَبْضِ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَهَبَ فَإِنَّهُ يَكُونُ تَسْلِيطًا عَلَى الْقَبْضِ اسْتِحْسَانًا مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ، لِأَنَّ التَّصَرُّفَ وَقَعَ صَحِيحًا فَجَازَ أَنْ يَكُونَ تَسْلِيطًا بِمُقْتَضَاهُ، وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَجْلِسِ لِأَنَّ الْقَبْضَ رُكْنٌ فِي بَابِ الْهِبَةِ وَأَنَّهُ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْقَبُولِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ، فَكَمَا أَنَّ الْقَبُولَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَكَذَا التَّسْلِيطُ عَلَى الْقَبْضِ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ، وَشُرِطَ أَنْ يَكُونَ فِي الْعَقْدِ عِوَضَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالٌ لِيَتَحَقَّقَ رُكْنُ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، فَيَخْرُجُ عَنْ هَذَا الِاشْتِرَاطِ الْبَيْعُ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْحُرِّ وَالرِّيحِ الَّتِي تَهُبُّ وَالْبَيْعُ مَعَ نَفْيِ الثَّمَنِ وَيُجْعَلُ الْكُلُّ بَاطِلًا لِعَدَمِ الْمَالِيَّةِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ سَوَاءٌ كَانَتْ ثَمَنًا أَوْ مُثَمَّنًا، لَكِنْ ذَكَرَ جِهَةَ الْأَثْمَانِ لِيُعْلَمَ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مَبِيعَةً كَانَ الْبَيْعُ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ. وَقَوْلُهُ أَيْ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ لَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ: مَعْنَاهُ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ كَالْحَيَوَانِ وَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ،

الْمِثْلُ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِنَفْسِهِ بِالْقَبْضِ فَشَابَهُ الْغَصْبَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ صُورَةً وَمَعْنًى أَعْدَلُ مِنْ الْمِثْلِ مَعْنًى. قَالَ (وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَسْخُهُ) رَفْعًا لِلْفَسَادِ، وَهَذَا قَبْلَ الْقَبْضِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفِدْ حُكْمَهُ فَيَكُونُ الْفَسْخُ امْتِنَاعًا مِنْهُ، وَكَذَا بَعْدَ الْقَبْضِ إذَا كَانَ الْفَسَادُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ لِقُوَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ بِشَرْطٍ زَائِدٍ فَلِمَنْ لَهُ الشَّرْطُ ذَلِكَ دُونَ مَنْ عَلَيْهِ لِقُوَّةِ الْعَقْدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَأَمَّا فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَقَارِبَةِ فَيَجِبُ الْمِثْلُ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِنَفْسِهِ بِالْقَبْضِ فَشَابَهَ الْغَصْبَ، وَالْحُكْمُ فِي الْغَصْبِ كَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمِثْلَ صُورَةً وَمَعْنًى أَعْدَلُ مِنْ الْمِثْلِ مَعْنًى فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ. قَالَ (وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَسْخُهُ رَفْعًا لِلْفَسَادِ إلَخْ) لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ مُتَعَاقِدَيْ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ رَفْعًا لِلْفَسَادِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ، أَمَّا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَمْ يُفِدْ الْحُكْمَ فَكَانَ الْفَسْخُ امْتِنَاعًا مِنْ أَنْ يُفِيدَ الْحُكْمَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بَعْدَهُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْفَسَادُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ: أَيْ لِمَعْنًى فِي أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ كَبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ وَبَيْعِ ثَوْبٍ بِخَمْرٍ، أَوْ لِشَرْطٍ فَاسِدٍ زَائِدٍ كَاشْتِرَاطِ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَالْبَيْعِ إلَى النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخُهُ بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِقُوَّةِ الْفَسَادِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِحَضْرَتِهِ وَغَيْبَتِهِ. وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا ذَلِكَ إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ،

إلَّا أَنَّهُ لَمْ تَتَحَقَّقْ الْمُرَاضَاةُ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ الشَّرْطُ. قَالَ (فَإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي نَفَذَ بَيْعُهُ) ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ فَمَلَكَ التَّصَرُّفَ فِيهِ وَسَقَطَ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ بِالثَّانِي وَنُقِضَ الْأَوَّلُ لِحَقِّ الشَّرْعِ وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ لِحَاجَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا إذَا كَانَ بَعْدَهُ فَلِلَّذِي لَهُ الشَّرْطُ أَنْ يَفْسَخَهُ بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي عَلَى حَالِهِ لَمْ يَزِدْ وَلَمْ يَنْقُصْ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ يُطْلَبُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، قِيلَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. وَوَجْهُهُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ الْعَقْدَ قَوِيٌّ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ حَقُّ الْفَسْخِ لَكِنَّ الرِّضَا لَمْ يَتَحَقَّقْ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ الشَّرْطُ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَهُ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ حَقُّ الْفَسْخِ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ حَقًّا لِلشَّرْعِ فَانْتَفَى اللُّزُومُ عَنْ الْعَقْدِ، وَفِي الْعَقْدِ الْغَيْرِ اللَّازِمِ يَتَمَكَّنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مِنْ فَسْخِهِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْإِيضَاحِ وَالْكَافِي، فَإِنْ بَاعَ الْمُشْتَرِي الْمَقْبُوضَ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ نَفَذَ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ، وَكُلُّ مَنْ مَلَكَ بِالْقَبْضِ شَيْئًا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ، سَوَاءٌ كَانَ تَصَرُّفًا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ كَالْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ، أَوْ يَحْتَمِلُهُ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ. وَرُدَّ بِأَنَّ الْمَبِيعَ لَوْ كَانَ مَأْكُولًا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ، وَلَوْ كَانَتْ جَارِيَةً لَمْ يَحِلَّ وَطْؤُهَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، فَلَمْ يَمْلِكْ التَّصَرُّفَ مُطْلَقًا. وَأُجِيبَ بِالْمَنْعِ. فَإِنَّ مُحَمَّدًا نَصَّ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ عَلَى حِلِّ تَنَاوُلِهِ قَالَ لِأَنَّ الْبَائِعَ سَلَّطَهُ عَلَى ذَلِكَ. وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: يُكْرَهُ الْوَطْءُ وَلَا يَحْرُمُ، فَالْمَذْكُورُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ يُحْمَلُ عَلَى عَدَمِ الطَّيِّبِ، وَلَئِنْ سُلِّمَ فَالْوَطْءُ مِمَّا لَا يُسْتَبَاحُ بِصَرِيحِ التَّسْلِيطِ فَبِدَلَالَتِهِ أَوْلَى، وَجَوَازُ التَّصَرُّفِ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الْمِلْكِ وَهُوَ يَنْفَكُّ عَنْ صِفَةِ الْحِلِّ. وَإِذَا كَانَ الْبَيْعُ نَافِذًا سَقَطَ حَقُّ ارْتِدَادِ الْبَائِعِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ؟ وَهُوَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي بِالْبَيْعِ الثَّانِي وَنَقْضُ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ لِحَقِّ الشَّرْعِ. وَإِذَا اجْتَمَعَ حَقُّ الشَّرْعِ وَحَقُّ الْعَبْدِ يُقَدَّمُ حَقُّ الْعَبْدِ لِحَاجَتِهِ وَغِنَى الشَّرْعِ، وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ إنْ كَانَ إجَارَةً أَوْ تَزْوِيجًا لَمْ يَسْقُطْ حَقُّ اسْتِرْدَادِهِ، وَكَذَا إذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي وَوَرِثَ وَارِثُهُ

وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ، وَالثَّانِيَ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ فَلَا يُعَارِضُهُ مُجَرَّدُ الْوَصْفِ؛ وَلِأَنَّهُ حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ، بِخِلَافِ تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي فِي الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقُّ الْعَبْدِ وَيَسْتَوِيَانِ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ وَمَا حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ الشَّفِيعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُشْتَرَى وَإِنْ تَعَلَّقَ بِذَلِكَ حَقُّ الْعَبْدِ فَكَانَ ذَلِكَ تَحَكُّمًا. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ ضَعِيفٌ يُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ وَفَسَادُ الشِّرَاءِ عُذْرٌ فِي فَسْخِهَا كَمَا يَأْتِي، وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ مَنْ يَفْسَخُهَا. وَذُكِرَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَفْسَخُهَا، وَالتَّزْوِيجُ يُشْبِهُ الْإِجَارَةَ لِوُرُودِهِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ، وَالْبَيْعُ يَرِدُ عَلَى مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَالْفَسْخُ كَذَلِكَ، فَتَعَلُّقُ حَقُّ الزَّوْجِ بِالْمَنْفَعَةِ لَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ عَلَى الرَّقَبَةِ وَالنِّكَاحُ عَلَى حَالِهِ قَائِمٌ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ مِلْكَ الْوَارِثِ فِي حُكْمِ عَيْنِ مَا كَانَ لِلْمَوْرُوثِ وَلِهَذَا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ الْمِلْكُ كَانَ مُسْتَحَقَّ النَّقْضِ فَانْتَقَلَ إلَى الْوَارِثِ كَذَلِكَ، حَتَّى لَوْ مَاتَ الْبَائِعُ كَانَ لِوَارِثِهِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ مِنْ الْمُشْتَرِي بِحُكْمِ الْفَسَادِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى الْمُشْتَرِي بِالْمُشْتَرَى لِشَخْصٍ ثُمَّ مَاتَ حَيْثُ لَمْ يَبْقَ لِلْبَائِعِ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ مِنْ الْمُوصَى لَهُ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي فِي ثُبُوتِ مِلْكٍ مُتَجَدِّدٍ لَهُ سَبَبٌ اخْتِيَارِيٌّ لَيْسَ فِي حُكْمِ عَيْنِ مَا كَانَ لِلْمُوصِي وَلِهَذَا لَا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ. فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُمْ إذَا اجْتَمَعَ الْحَقَّانِ يُقَدَّمُ حَقُّ الْعَبْدِ مَنْقُوضٌ بِمَا إذَا كَانَ فِي يَدِ حَلَالٍ صَيْدٌ ثُمَّ أَحْرَمَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ وَفِيهِ تَقْدِيمُ حَقِّ الشَّرْعِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ لِإِمْكَانِهِ أَنَّهُ بِالْإِرْسَالِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَضِيعُ مِلْكُهُ لَا التَّرْجِيحُ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ إذَا امْتَنَعَ الْجَمْعُ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ) دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى سُقُوطِ حَقِّ اسْتِرْدَادِ الْبَائِعِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ مَعْرِفَةِ مَاهِيَّةِ الْفَاسِدِ عِنْدَنَا، وَالْبَيْعُ الثَّانِي مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ إذْ لَا خَلَلَ فِيهِ لَا فِي رُكْنِهِ وَلَا فِي عَوَارِضِهِ فَلَا يُعَارِضُهُ مُجَرَّدُ الْوَصْفِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْفَاسِدَ لَا يُعَارِضُ الصَّحِيحَ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ) دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى ذَلِكَ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْبَيْعَ الثَّانِيَ حَصَلَ بِتَسْلِيطِ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ حَيْثُ كَانَ الْقَبْضُ بِإِذْنِهِ، فَاسْتِرْدَادُهُ نَقْضُ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ. وَنُوقِضَ بِاسْتِرْدَادِهِ قَبْلَ وُجُودِ الْبَيْعِ الثَّانِي فَإِنَّهُ نَقَضَ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ التَّمَامَ فِيهِ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ يَمْلِكُ الْفَسْخَ فَأَيْنَ التَّمَامُ، فَإِذَا بَاعَ الْمُشْتَرِي فَقَدْ انْتَهَى مِلْكُهُ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ وَالْمَنْهِيُّ مُقَرَّرٌ. وَإِذَا تَقَرَّرَ فَقَدْ تَمَّ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إلَّا مِنْهُ ابْتِدَاءً فَيَكُونُ الِاسْتِرْدَادُ نَقْضًا لِمَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَوْ كَانَ تَعَلُّقُ حَقِّ الْغَيْرِ بِالْمُشْتَرِي مَانِعًا عَنْ نَقْضِ التَّصَرُّفِ لَمْ يَنْقُضْ

قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَقَبَضَهُ وَأَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ فَهُوَ جَائِزٌ وَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ فَتَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ، وَبِالْإِعْتَاقِ قَدْ هَلَكَ فَتَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ، وَبِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ انْقَطَعَ الِاسْتِرْدَادُ عَلَى مَا مَرَّ، وَالْكِتَابَةُ وَالرَّهْنُ نَظِيرُ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُمَا لَازِمَانِ. إلَّا أَنَّهُ يَعُودُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ وَفَكِّ الرَّهْنِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَصَرُّفَاتِ الْمُشْتَرِي فِي الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْبِنَاءِ وَغَيْرِهَا لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهَا لَكِنْ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَنْقُضَهَا. وَتَوْجِيهُ الْجَوَابِ مَا قَالَ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ حَقِّ الْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعِ حَقُّ الْعَبْدِ وَيَسْتَوِيَانِ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ فَيَجُوزُ نَقْضُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ بِدَلِيلٍ يَقْتَضِيهِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ تَعَلُّقَ حَقِّ الْغَيْرِ إنَّمَا يَمْنَعُ النَّقْضَ إذَا كَانَ فِي مُقَابَلَتِهِ مَا هُوَ مَرْجُوحٌ عِنْدَهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَا هُوَ رَاجِحٌ فَلَا يَمْنَعُ وَحَقُّ الشَّفِيعِ رَاجِحٌ لِأَنَّهُ عِنْدَ صِحَّةِ الْأَخْذِ تَتَحَوَّلُ الصَّفْقَةُ إلَيْهِ فَتَبْقَى تَصَرُّفَاتُ الْمُشْتَرِي بِلَا سَنَدٍ فَيُنْقَضُ، وَلِأَنَّهُ مَا حَصَلَ التَّسْلِيطُ مِنْ جِهَةِ الشَّفِيعِ لِيَكُونَ نَقْضُهُ نَقْضًا لِمَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّسْلِيطَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْإِذْنِ أَوْ بِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لِلتَّصَرُّفِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الشَّفِيعِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَقَبَضَهُ إلَخْ) وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَقَبَضَهُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ وَأَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ بَيْعًا صَحِيحًا وَأَعَادَ لَفْظَ الْبَيْعِ كَرَاهَةَ أَنْ يُغَيِّرَ لَفْظَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَوْ تَرَكَهُ (أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ فَهُوَ) أَيْ مَا فَعَلَ مِنْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ (جَائِزٌ وَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ) أَمَّا جَوَازُهُ فَ (لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ) وَالْمِلْكُ مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ فَيَنْفُذُ، وَأَمَّا وُجُوبُ الْقِيمَةِ فَلِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ مَضْمُونٌ بِنَفْسِهِ بِالْقَبْضِ فَشَابَهُ الْغَصْبَ (وَبِالْإِعْتَاقِ قَدْ هَلَكَ) فَصَارَ كَمَغْصُوبٍ هَلَكَ وَفِيهِ الْقِيمَةُ (وَبِالْهِبَةِ) وَالتَّسْلِيمِ (وَالْبَيْعِ انْقَطَعَ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ عَلَى مَا مَرَّ) آنِفًا مِنْ قَوْلِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ بِالثَّانِي (وَالْكِتَابَةُ وَالرَّهْنُ نَظِيرُ الْبَيْعِ لِأَنَّهُمَا لَازِمَانِ) فَإِنَّ الرَّهْنَ إذْ اتَّصَلَ بِالْقَبْضِ صَارَ لَازِمًا فِي حَقِّ الرَّاهِنِ كَالْكِتَابَةِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى (إلَّا أَنَّ حَقَّ الِاسْتِرْدَادِ يَعُودُ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ وَفَكِّ الرَّهْنِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ) وَهُوَ تَعَلُّقُ حَقِّ الْعَبْدِ. قِيلَ وَلَيْسَ لِتَخْصِيصِهِمَا فِي عَوْدِ الِاسْتِرْدَادِ فَائِدَةٌ زَائِدَةٌ. فَإِنَّهُ ثَابِتٌ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ إذَا نَقَضَ التَّصَرُّفَاتِ. حَتَّى لَوْ رُدَّ الْمَبِيعُ بِعَيْبٍ قَبْلَ الْقَضَاءِ

وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهَا تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ، وَرَفْعُ الْفَسَادِ عُذْرٌ؛ وَلِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَيَكُونُ الرَّدُّ امْتِنَاعًا. قَالَ (وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَرُدَّ الثَّمَنَ) ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعُ مُقَابَلٌ بِهِ فَيَصِيرُ مَحْبُوسًا بِهِ كَالرَّهْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْقِيمَةِ أَوْ رَجَعَ الْوَاهِبُ فِي هِبَتِهِ عَادَ لِلْبَائِعِ وِلَايَةُ الِاسْتِرْدَادِ لِعَوْدِ قَدِيمِ مِلْكِهِ إلَيْهِ، ثُمَّ عَوْدُ حَقِّ الِاسْتِرْدَادِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ إنَّمَا يَكُونُ إذَا لَمْ يَقْضِ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْقِيمَةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِذَلِكَ فَقَدْ تَحَوَّلَ الْحَقُّ إلَى الْقِيمَةِ فَلَا يَعُودُ إلَى الْعَيْنِ كَمَا إذَا قَضَى عَلَى الْغَائِبِ بِقِيمَةِ الْمَغْصُوبِ الْآبِقِ ثُمَّ عَادَ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ انْقِطَاعُ الِاسْتِرْدَادِ بِالتَّصَرُّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ (بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ) فَإِنَّ حَقَّ الِاسْتِرْدَادِ فِيهَا لَا يَنْقَطِعُ لِمَا ذَكَرْنَا (أَنَّهَا تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ، وَرَفْعُ الْفَسَادِ مِنْ أَقْوَى الْأَعْذَارِ وَلِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَيَكُونُ الرَّدُّ امْتِنَاعًا) وَلَعَلَّ فِي الْجَوَابَيْنِ إشَارَةً إلَى الْمَذْهَبَيْنِ فِيهَا. قَالَ (وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَرُدَّ الثَّمَنَ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَيْ الْقِيمَةَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ، بَلْ الْمُرَادُ بِهِ مَا أَخَذَهُ الْبَائِعُ فِي مُقَابَلَةِ الْمَبِيعِ عَرْضًا كَانَ أَوْ نَقْدًا ثَمَنًا كَانَ أَوْ قِيمَةً. وَهَذَا الْحُكْمُ ثَابِتٌ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أَيْضًا وَغَيْرِهَا (فَيَصِيرُ الْمَبِيعُ مَحْبُوسًا بِالْمَقْبُوضِ) فَكَانَ لَهُ وِلَايَةُ أَنْ لَا يَدْفَعَ الْمَبِيعَ إلَى أَنْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ

(وَإِنْ مَاتَ الْبَائِعُ فَالْمُشْتَرِي أَحَقُّ بِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ) ؛ لِأَنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ، فَكَذَا عَلَى وَرَثَتِهِ وَغُرَمَائِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَالرَّاهِنِ ثُمَّ إنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ الثَّمَنِ قَائِمَةً يَأْخُذُهَا بِعَيْنِهَا؛ لِأَنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَصْبِ، وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً أَخَذَ مِثْلَهَا لِمَا بَيَّنَّا. قَالَ (وَمَنْ بَاعَ دَارًا بَيْعًا فَاسِدًا فَبَنَاهَا الْمُشْتَرِي فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَوَاهُ يَعْقُوبُ عَنْهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ثُمَّ شَكَّ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الرِّوَايَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْبَائِعِ كَمَا فِي الرَّهْنِ، لَكِنَّهُ يُفَارِقُهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ بِقَدْرِ الدَّيْنِ لَا غَيْرُ، وَهَاهُنَا الْمَبِيعُ مَضْمُونٌ بِجَمِيعِ قِيمَتِهِ كَمَا فِي الْغَصْبِ (وَإِنْ مَاتَ الْبَائِعُ فَالْمُشْتَرِي أَحَقُّ بِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ لِأَنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ حَالَ حَيَاتِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي حَقَّ مَنْعِ الْبَائِعِ مِنْ الْمَبِيعِ إلَى أَنْ يَأْخُذَ مَا أَدَّى إلَيْهِ، وَكُلُّ مَنْ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ حَالَ حَيَاتِهِ يُقَدَّمُ عَلَى غُرَمَائِهِ وَوَرَثَتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَالْمُرْتَهِنِ، فَإِنَّ الرَّاهِنَ إذَا مَاتَ وَلَهُ وَرَثَةٌ وَغُرَمَاءُ فَالْمُرْتَهِنُ أَحَقُّ بِالرَّهْنِ مِنْ الْوَرَثَةِ وَالْغُرَمَاءِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الدَّيْنَ (ثُمَّ إنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ الثَّمَنِ قَائِمَةً يَأْخُذُهَا بِعَيْنِهَا لِأَنَّهَا) فِيهِ (تَتَعَيَّنُ) بِالتَّعْيِينِ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ (وَهُوَ الْأَصَحُّ) وَعَلَى رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ لَا تَتَعَيَّنُ، وَالْقَبْضُ الْفَاسِدُ وَهُوَ دَرَاهِمُ بِدَرَاهِمَ إلَى أَجَلٍ فِي تَعْيِينِ الْمَقْبُوضِ لِلرَّدِّ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ الِاعْتِبَارُ بِالْبَيْعِ الصَّحِيحِ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الثَّمَنَ فِي يَدِ الْبَائِعِ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْصُوبِ فِي كَوْنِهِمَا مَقْبُوضَيْنِ لَا عَلَى وَجْهٍ مَشْرُوعٍ. وَقِيلَ فِي حُكْمِ النَّقْضِ وَالِاسْتِرْدَادِ وَالدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ تَتَعَيَّنُ لِلرَّدِّ يَجِبُ رَدُّ عَيْنِهَا إذَا كَانَتْ قَائِمَةً (وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً أَخَذَ مِثْلَهَا لِمَا بَيَّنَّا) أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْصُوبِ وَالْحُكْمُ فِيهِ كَذَلِكَ. وَذَكَرَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ الْمَبِيعَ يُبَاعُ لِحَقِّ الْمُشْتَرِي. فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ يُصْرَفُ إلَى الْغُرَمَاءِ كَمَا فِي بَيْعِ الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ. قَالَ (وَمَنْ بَاعَ دَارًا بَيْعًا فَاسِدًا فَبَنَاهَا الْمُشْتَرِي فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.

(وَقَالَا: يُنْقَضُ الْبِنَاءُ وَتُرَدُّ الدَّارُ) وَالْغَرْسُ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ. لَهُمَا أَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ أَضْعَفُ مِنْ حَقِّ الْبَائِعِ حَتَّى يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْقَضَاءِ وَيَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ، بِخِلَافِ حَقِّ الْبَائِعِ، ثُمَّ أَضْعَفُ الْحَقَّيْنِ لَا يَبْطُلُ بِالْبِنَاءِ فَأَقْوَاهُمَا أَوْلَى، وَلَهُ أَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ الدَّوَامُ وَقَدْ حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ فَيَنْقَطِعُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ كَالْبَيْعِ، بِخِلَافِ حَقِّ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ التَّسْلِيطُ وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ بِهِبَةِ الْمُشْتَرِي وَبَيْعِهِ فَكَذَا بِبِنَائِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يُنْقَضُ الْبِنَاءُ وَتُرَدُّ الدَّارُ) وَكَذَا إذَا اشْتَرَى أَرْضًا وَغَرَسَ فِيهَا. وَذُكِرَ فِي الْإِيضَاحِ أَنَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ هَذَا هُوَ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ وَقَوْلُهُ آخِرًا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ (لَهُمَا أَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ أَضْعَفُ مِنْ حَقِّ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْقَضَاءِ) أَوْ الرِّضَا (وَيَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ) وَلَا يُورَثُ (بِخِلَافِ حَقِّ الْبَائِعِ) فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْبَائِعَ بَيْعًا فَاسِدًا إذَا مَاتَ كَانَ لِوَرَثَتِهِ الِاسْتِرْدَادُ، وَالْأَضْعَفُ إذَا لَمْ يَبْطُلْ بِشَيْءٍ فَالْأَقْوَى لَا يَبْطُلُ بِهِ وَهُوَ بَدِيهِيٌّ، وَحَقُّ الشَّفِيعِ لَا يُبْطِلُ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ فَحَقُّ الْبَائِعِ كَذَلِكَ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ حَصَلَ لِلْمُشْتَرِي بِتَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ) وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ (يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ كَالْبَيْعِ) الْحَاصِلِ مِنْ الْمُشْتَرِي (بِخِلَافِ الشَّفِيعِ إذْ التَّسْلِيطُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ) وَلِهَذَا لَوْ وَهَبَهَا الْمُشْتَرِي لَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الشَّفِيعِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَهَا مِنْ آخَرَ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ بِالْبَيْعِ الثَّانِي بِالثَّمَنِ أَوْ بِالْأَوَّلِ بِالْقِيمَةِ وَإِنْ كَانَ لَا شُفْعَةَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ قَدْ انْقَطَعَ هَاهُنَا، وَعَلَى هَذَا صَارَ حَقُّ الشَّفِيعِ لِعَدَمِ التَّسْلِيطِ مِنْهُ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الْبَائِعِ لِوُجُودِهِ مِنْهُ، وَهَذَا التَّقْرِيرُ يُنَبِّئُك أَنَّ قَوْلَهُ مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ الدَّوَامُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْحُجَّةِ. قِيلَ: وَإِنَّمَا أَدْخَلَهُ فِيهَا إشَارَةً إلَى الِاحْتِرَازِ عَنْ الْإِجَارَةِ، فَإِنَّ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ بِالْإِجَارَةِ لَا يُقْصَدُ بِهِمَا الدَّوَامُ، وَلَعَلَّهُ ذَكَرَهُ لَأَنْ يَلْحَقَهُ بِالْبَيْعِ فِي كَوْنِهِ مَنْهِيًّا مُقَرَّرًا لِأَنَّهُ لَمَّا قُصِدَ بِهِ الدَّوَامُ أَشْبَهَ الْبَيْعَ فَكَانَ مَنْهِيًّا لِلْمِلْكِ فَيَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ كَالْبَيْعِ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ لِانْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ بِالْبِنَاءِ لِصَيْرُورَتِهِ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ فَيَنْقُضُ الشَّفِيعُ بِنَاءَ الْمُشْتَرِي. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ نَقْضُ الْبِنَاءِ لِحَقِّ الشَّفِيعِ وَفِيهِ تَقْرِيرُ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ وَجَبَ نَقْضُهُ لِحَقِّ الْبَائِعِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّ فِيهِ إعْدَامَ الْفَاسِدِ. وَإِذَا تُؤُمِّلَ مَا ذُكِرَ فَلَيْسَ بِوَارِدٍ، إذْ الْبَائِعُ مُسَلَّطٌ دُونَ الشَّفِيعِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَقْضِهِ لِمَنْ لَيْسَ بِمُسَلَّطٍ نَقْضُهُ لِمُسَلَّطٍ فَانْتَفَتْ الْأَوْلَوِيَّةُ وَبَطَلَتْ الْمُلَازَمَةُ. وَاعْتُرِضَ أَيْضًا بِأَنَّهُ إذَا نُقِضَ الْبِنَاءُ لِحَقِّ الشَّفِيعِ وَجَبَ عَوْدُ حَقِّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَهُوَ الْعَقْدُ الْفَاسِدُ وَانْتِفَاءُ الْمَانِعِ وَهُوَ الْبِنَاءُ، كَمَا إذَا بَاعَ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا بَيْعًا صَحِيحًا وَرُدَّ عَلَيْهِ الْمَبِيعُ بِمَا هُوَ فَسْخٌ. وَأُجِيبَ بِوُجُودِ مَانِعٍ آخَرَ فَإِنَّ الْمَانِعَ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ إنَّمَا يَنْتَفِي بَعْدَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلشَّفِيعِ وَأَنَّهُ مَانِعٌ آخَرُ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ، وَهَذَا لِأَنَّ النَّقْضَ إنَّمَا وَجَبَ ضَرُورَةَ إبْقَاءِ حَقِّ الشَّفِيعِ فَصَارَ النَّقْضُ مُقْتَضَى صِحَّةِ التَّسْلِيمِ إلَى الشَّفِيعِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَثْبُتَ الْمُقْتَضِي عَلَى وَجْهٍ يَبْطُلُ بِهِ الْمُقْتَضَى وَهُوَ التَّسْلِيمُ إلَى

وَشَكَّ يَعْقُوبُ فِي حِفْظِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ فَإِنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى انْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ بِالْبِنَاءِ وَثُبُوتِهِ عَلَى الِاخْتِلَافِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّفِيعِ. رُوِيَ وُجُوبُ الْقِيمَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَعْقُوبَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، ثُمَّ شُكَّ بَعْدَ ذَلِكَ فِي حِفْظِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا فِي مَذْهَبِهِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ ذَلِكَ تَنْصِيصُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ أَنَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةَ فِي هَذِهِ الدَّارِ الَّتِي اشْتَرَاهَا الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا وَبَنَى فِيهَا أَوْ غَرَسَ، وَعِنْدَهُمَا لَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ فِيهَا وَحَقُّ اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى انْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ بِالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَثُبُوتُهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَمَنْ قَالَ بِثُبُوتِهِ قَالَ بِانْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ، وَمَنْ قَالَ بِانْتِفَائِهِ قَالَ بِعَدَمِ انْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ لِأَنَّ وُجُودَ الْمَلْزُومِ بِدُونِ لَازِمِهِ مُحَالٌ، وَعَلَى هَذَا فَمَنْ حَفِظَ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ لَا يَشُكُّ فِي مَذْهَبِهِ فِي انْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ فَلَمْ يَبْقَ الشَّكُّ إلَّا فِي رِوَايَتِهِ عَنْهُ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ الَّتِي جَرَتْ الْمُحَاوَرَةُ فِيهَا بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: مَا رَوَيْت عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَأْخُذُ قِيمَتَهَا، وَإِنَّمَا رَوَيْت لَك أَنْ يُنْقَضَ الْبِنَاءُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: بَلْ رَوَيْت لِي عَنْهُ أَنَّهُ يَأْخُذُ قِيمَتَهَا، وَهَذَا كَمَا تَرَى يُشِيرُ إلَى أَنَّ الشَّكَّ كَانَ فِي الرِّوَايَةِ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا، وَإِنَّمَا قَالَ مَا رَوَيْت وَفِيهِ تَأَمُّلٌ. وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْمَوْضِعُ مُحْتَاجًا إلَى تَوْكِيدٍ كَرَّرَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ (شَكَّ يَعْقُوبُ فِي الرِّوَايَةِ) وَفِي كَلَامِهِ نَوْعُ انْغِلَاقٍ لِأَنَّهُ قَالَ: رَوَاهُ يَعْقُوبُ عَنْهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالرَّاوِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْهُ مُحَمَّدٌ لِأَنَّهُ تَصْنِيفُهُ، إلَّا إذَا أُرِيدَ بِالْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْمَسَائِلُ

قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً بَيْعًا فَاسِدًا وَتَقَابَضَا فَبَاعَهَا وَرَبِحَ فِيهَا تَصَدَّقَ بِالرِّبْحِ وَيَطِيبُ لِلْبَائِعِ مَا رَبِحَ فِي الثَّمَنِ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْجَارِيَةَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ فَيَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِهَا فَيَتَمَكَّنُ الْخُبْثُ فِي الرِّبْحِ، وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّتِي رَوَاهَا يَعْقُوبُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِمُحَمَّدٍ قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً بَيْعًا فَاسِدًا وَتَقَابَضَا) اعْلَمْ أَنَّ الْأَمْوَالَ عَلَى نَوْعَيْنِ: نَوْعٌ لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْعَقْدِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَنَوْعٌ يَتَعَيَّنُ كَخِلَافِهِمَا وَالْخَبَثُ أَيْضًا عَلَى نَوْعَيْنِ: خَبَثٌ لِفَسَادِ الْمِلْكِ، وَخَبَثٌ لِعَدَمِ الْمِلْكِ. فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ يُؤَثِّرُ فِيمَا يَتَعَيَّنُ دُونَ مَا لَا يَتَعَيَّنُ. وَالثَّانِي يُؤَثِّرُ فِيهِمَا جَمِيعًا. وَإِذَا ظَهَرَ هَذَا فَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً بَيْعًا فَاسِدًا وَتَقَابَضَا فَبَاعَهَا وَرَبِحَ فِيهَا تَصَدَّقَ بِالرِّبْحِ وَإِنْ اشْتَرَى الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ شَيْئًا وَرَبِحَ فِيهِ طَابَ لَهُ الرِّبْحُ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَيَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِهَا وَيُؤَثِّرُ الْخَبَثُ فِي الرِّبْحِ وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ لَا يَتَعَيَّنَانِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ الْعَقْدُ الثَّانِي بِعَيْنِهَا فَلَمْ يُؤَثِّرْ الْخَبَثُ فِيهِ لِأَنَّهُ لِفَسَادِ الْمِلْكِ لَا لِعَدَمِهِ، وَمَعْنَى عَدَمِ التَّعَيُّنِ فِيهَا أَنَّهُ لَوْ أَشَارَ إلَيْهَا وَقَالَ اشْتَرَيْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ كَانَ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهَا وَيَدْفَعَ إلَى الْبَائِعِ غَيْرَهَا لِمَا أَنَّ الثَّمَنَ يَجِبُ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي لَا يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ الْمُشَارِ إلَيْهَا فِي الْبِيَاعَاتِ، وَهَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ، وَهِيَ أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ لَا عَلَى الْأَصَحِّ وَهِيَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَغْصُوبِ. وَمَنْ غَصَبَ جَارِيَةً وَبَاعَهَا بَعْدَ ضَمَانِ قِيمَتِهَا فَرَبِحَ فِيهَا أَوْ غَصَبَ دَرَاهِمَ وَأَدَّى ضَمَانَهَا وَاشْتَرَى بِهَا شَيْئًا وَبَاعَهُ وَرَبِحَ فِيهِ تَصَدَّقَ بِالرِّبْحِ

لَا يَتَعَيَّنَانِ عَلَى الْعُقُودِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ الْعَقْدُ الثَّانِي بِعَيْنِهَا فَلَمْ يَتَمَكَّنْ الْخُبْثُ فَلَا يَجِبُ التَّصَدُّقُ، وَهَذَا فِي الْخُبْثِ الَّذِي سَبَبُهُ فَسَادُ الْمِلْكِ، أَمَّا الْخُبْثُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ يَشْمَلُ النَّوْعَيْنِ لِتَعَلُّقِ الْعَقْدِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ حَقِيقَةً، وَفِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ شُبْهَةً مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ سَلَامَةُ الْمَبِيعِ أَوْ تَقْدِيرُ الثَّمَنِ، وَعِنْدَ فَسَادِ الْمِلْكِ تَنْقَلِبُ الْحَقِيقَةُ شُبْهَةً وَالشُّبْهَةُ تَنْزِلُ إلَى شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ، وَالشُّبْهَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ دُونَ النَّازِلِ عَنْهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْفَصْلَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. لِأَنَّ الْخَبَثَ لَمَّا كَانَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ أَثَرٌ فِيمَا يَتَعَيَّنُ وَفِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ لِأَنَّ شَرْطَ الطِّيبِ الضَّمَانُ، وَالْفَرْضُ وُجُودُهُ. وَلَهُمَا أَنَّ الْعَقْدَ يَتَعَلَّقُ بِمَا يَتَعَيَّنُ حَقِيقَةً لِعَدَمِ جَوَازِ الِاسْتِبْدَالِ (وَفِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ شُبْهَةٌ مِنْ حَيْثُ سَلَامَةُ الْمَبِيعِ أَوْ تَقْدِيرُ الثَّمَنِ) وَبَيَانُهُ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى بِهَا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ أَشَارَ

قَالَ (وَكَذَلِكَ إذَا ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا فَقَضَاهُ إيَّاهُ، ثُمَّ تَصَادَقَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَقَدْ رَبِحَ الْمُدَّعِي فِي الدَّرَاهِمِ يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ) ؛ لِأَنَّ الْخُبْثَ لِفَسَادِ الْمِلْكِ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ وَجَبَ بِالتَّسْمِيَةِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ بِالتَّصَادُقِ، وَبَدَلُ الْمُسْتَحِقِّ مَمْلُوكٌ فَلَا يَعْمَلُ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَيْهَا وَنَقَدَ مِنْهَا أَوْ أَشَارَ إلَيْهَا وَنَقَدَ مِنْ غَيْرِهَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ سَلَامَةُ الْمَبِيعِ لِأَنَّهُ هُوَ الْوَاقِعُ ثَمَنًا، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ حَيْثُ تَقْدِيرُ الثَّمَنِ وَالرِّبْحُ فِي الْأَوَّلِ حَصَلَ بِمِلْكِ الْغَيْرِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَفِي الثَّانِي تَوَسَّلَ إلَيْهِ بِمَالِ الْغَيْرِ لِأَنَّ بَيَانَ جِنْسِ الثَّمَنِ وَقَدْرِهِ وَوَصْفِهِ أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ لِجَوَازِ الْعَقْدِ وَذَلِكَ حَصَلَ بِمَالِ الْغَيْرِ فَيَجِبُ التَّصَدُّقُ بِالرِّبْحِ فِي الْحَقِيقَةِ وَالشُّبْهَةِ جَمِيعًا، وَإِذَا كَانَ الْخَبَثُ لِفَسَادِ الْمِلْكِ انْقَلَبَ حَقِيقَةُ الْخَبَثِ وَهِيَ الَّتِي تَكُونُ فِيمَا يَتَعَيَّنُ إلَى شُبْهَتِهِ، لِأَنَّ حُصُولَ الرِّبْحِ لَمْ يَكُنْ بِمَا هُوَ مِلْكُ الْغَيْرِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بَلْ بِمَا لَهُ فِيهِ شَائِبَةُ مِلْكٍ تُنَزَّلُ، وَشُبْهَةُ الْخَبَثِ وَهِيَ الَّتِي تَكُونُ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ إلَى شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ، لِأَنَّ تَعَلُّقَ سَلَامَةِ الْمَبِيعِ أَوْ تَقْدِيرَ الثَّمَنِ اللَّذَيْنِ كَانَا شُبْهَةَ خَبَثٍ لِحُصُولِهِمَا بِمَالِ الْغَيْرِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَمْ يَبْقَ كَذَلِكَ بَلْ بِمَا لَهُ فِيهِ شَائِبَةُ مِلْكٍ وَالشُّبْهَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ لَا النَّازِلُ عَنْهَا. قِيلَ بِالْحَدِيثِ وَهُوَ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الرِّبَا وَالرِّيبَةِ» وَالرِّيبَةُ هِيَ الشُّبْهَةُ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الشُّبْهَةَ مُعْتَبَرَةٌ. وَإِمَّا أَنَّ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى ذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ اخْتِصَاصِ الرِّيبَةِ بِالشُّبْهَةِ لَا غَيْرُ وَأَمَّا إذَا كَانَ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ أَيْضًا دَاخِلَةً فِي الرِّيبَةِ فَقَدْ يَثْبُتُ بِهِ خِلَافُ الْمُدَّعِي وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ لَوْ اُعْتُبِرَتْ لَاعْتُبِرَ مَا دُونَهَا أَيْضًا دَفْعًا لِلتَّحَكُّمِ، لَكِنْ لَا يَصِحُّ اعْتِبَارُهُ لِئَلَّا يَنْسَدَّ بَابُ التِّجَارَةِ، إذْ قَلَّمَا يَخْلُو عَنْ شُبْهَةِ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ فَمَا دُونَهَا. قَالَ (وَكَذَلِكَ إذَا ادَّعَى إلَخْ) رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ لِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَاقْضِهَا فَقَضَاهَا ثُمَّ تَصَادَقَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَقَدْ تَصَرَّفَ فِيهَا الْمُدَّعِي (وَرَبِحَ طَابَ لَهُ الرِّبْحُ) وَلَا يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهِ لِأَنَّ الْخَبَثَ فِيهِ لِفَسَادِ الْمِلْكِ لِأَنَّ الدَّيْنَ ثَبَتَ بِالتَّسْمِيَةِ بِدَعْوَى الْمُدَّعِي وَأَدَاءِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَمِلْكِ مَا قَبَضَهُ بَدَلًا عَنْهُ فَكَانَ تَصَرُّفُهُ مُصَادِفًا لِمِلْكِهِ،

[فصل فيما يكره من البيوع]

(فَصْلٌ فِيمَا يُكْرَهُ) قَالَ (وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ النَّجْشِ) وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ فِي الثَّمَنِ وَلَا يُرِيدُ الشِّرَاءَ لِيُرَغِّبَ غَيْرَهُ وَقَالَ «لَا تَنَاجَشُوا» . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَكِنْ لَمَّا تَصَادَقَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ اسْتَحَقَّ الْمُبْدَلَ وَاسْتِحْقَاقُ الْمُبْدَلِ لَا يُخْرِجُ الْبَدَلَ عَنْ الْمِلْكِ لِأَنَّ بَدَلَ الْمُسْتَحَقِّ مَمْلُوكٌ بِهِ إذَا كَانَ عَيْنًا يَتَعَيَّنُ، كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا بِجَارِيَةٍ وَأَعْتَقَهُ فَاسْتُحِقَّتْ الْجَارِيَةُ فَإِنَّ الْعِتْقَ نَافِذٌ، لَوْ لَمْ يَكُنْ بَدَلُ الْمُسْتَحَقِّ مَمْلُوكًا لَمَا نَفَذَ لِامْتِنَاعِهِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ بِالنَّصِّ، فَإِذَا كَانَ مَا لَا يَتَعَيَّنُ أَوْلَى، لَكِنَّهُ يُفْسِدُ الْمِلْكُ إذْ الِاسْتِحْقَاقُ قَصْدًا فِي مُقَابِلِهِ لَا فِيهِ، فَلَوْ كَانَ فِيهِ كَانَ بَاطِلًا وَالْخَبَثُ لِفَسَادِ الْمِلْكِ لَا يَعْمَلُ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ. [فَصْلٌ فِيمَا يُكْرَهُ مِنْ الْبُيُوع] (فَصْلٌ فِيمَا يُكْرَهُ) : قِيلَ الْمَكْرُوهُ أَدْنَى دَرَجَةً مِنْ الْفَاسِدِ، وَلَكِنْ هُوَ شُعْبَةٌ فَلِذَلِكَ أُلْحِقَ بِهِ وَأُخِّرَ عَنْهُ، وَلَعَلَّ تَحْقِيقَ ذَلِكَ مَا ذُكِرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْقُبْحَ إذَا كَانَ لِأَمْرٍ مُجَاوِرٍ كَانَ مَكْرُوهًا، وَإِذَا كَانَ بِوَصْفٍ مُتَّصِلٍ كَانَ فَاسِدًا وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ (وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ النَّجْشِ) بِفَتْحَتَيْنِ (وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ الرَّجُلُ فِي الثَّمَنِ وَلَا يُرِيدُ الشِّرَاءَ لِيُرَغِّبَ غَيْرَهُ) وَيَجْرِي فِي النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ حَيْثُ «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا تَنَاجَشُوا» أَيْ لَا تَفْعَلُوا ذَلِكَ

قَالَ (وَعَنْ السَّوْمِ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ) قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يَسْتَمِ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ وَلَا يَخْطُبْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» ؛ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ إيحَاشًا وَإِضْرَارًا، وَهَذَا إذَا تَرَاضَى الْمُتَعَاقِدَانِ عَلَى مَبْلَغٍ ثَمَنًا فِي الْمُسَاوَمَةِ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَرْكَنْ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فَهُوَ بَيْعُ مَنْ يَزِيدُ وَلَا بَأْسَ بِهِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مَحْمَلُ النَّهْيِ فِي النِّكَاحِ أَيْضًا. قَالَ (وَعَنْ تَلَقِّي الْجَلَبِ) وَهَذَا إذَا كَانَ يَضُرُّ بِأَهْلِ الْبَلَدِ فَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ فَلَا بَأْسَ بِهِ، إلَّا إذَا لَبَّسَ السِّعْرَ عَلَى الْوَارِدِينَ فَحِينَئِذٍ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغُرُورِ وَالضَّرَرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَسَبَبُ ذَلِكَ إيقَاعُ رَجُلٍ فِيهِ بِأَزْيَدَ مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ خِدَاعٌ وَالْخِدَاعُ قَبِيحٌ جَاوَرَ هَذَا الْبَيْعَ فَكَانَ مَكْرُوهًا، وَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الرَّاغِبَ فِي السِّلْعَةِ إذَا طَلَبَهَا مِنْ صَاحِبِهَا بِأَنْقَصَ مِنْ ثَمَنِهَا فَزَادَ شَخْصٌ لَا يُرِيدُ الشِّرَاءَ إلَى مَا بَلَغَ تَمَامَ قِيمَتِهَا لَا يَكُونُ مَكْرُوهًا لِانْتِفَاءِ الْخِدَاعِ (وَنَهَى عَنْ السَّوْمِ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ) قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَسْتَامُ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ وَلَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» وَهُوَ نَفْيٌ فِي مَعْنَى النَّهْيِ فَيُفِيدُ الْمَشْرُوعِيَّةَ. وَصُورَتُهُ أَنْ يَتَسَاوَمَ الرَّجُلَانِ عَلَى السِّلْعَةِ وَالْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي رَضِيَا بِذَلِكَ وَلَمْ يَعْقِدَا عَقْدَ الْبَيْعِ حَتَّى دَخَلَ آخَرُ عَلَى سَوْمِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، لَكِنَّهُ يُكْرَهُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْإِيحَاشِ وَالْإِضْرَارِ وَهُمَا قَبِيحَانِ يَنْفَكَّانِ عَنْ الْبَيْعِ فَكَانَ مَكْرُوهًا إذَا جَنَحَ الْبَائِعُ إلَى الْبَيْعِ بِمَا طَلَبَ بِهِ الْأَوَّلُ مِنْ الثَّمَنِ، وَكَذَلِكَ فِي النِّكَاحِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَجْنَحْ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَنْ يَزِيدُ. وَقَدْ رَوَى أَنَسٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاعَ قَدَحًا وَحِلْسًا بَيْعَ مَنْ يَزِيدُ» . قَالَ: وَعَنْ تَلَقِّي الْجَلْبِ: أَيْ وَنَهَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ تَلَقِّي الْجَلْبِ: أَيْ الْمَجْلُوبِ. وَصُورَتُهُ الْمِصْرِيُّ أُخْبِرَ بِمَجِيءِ قَافِلَةٍ بِمِيرَةٍ فَتَلَقَّاهُمْ وَاشْتَرَى الْجَمِيعَ وَأَدْخَلَهُ الْمِصْرَ لِيَبِيعَهُ عَلَى مَا أَرَادَ فَذَلِكَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَضُرَّ بِأَهْلِ الْبَلَدِ أَوْ لَا، وَالثَّانِي لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يُلَبِّسَ السِّعْرَ عَلَى الْوَارِدِينَ

قَالَ (وَعَنْ بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي) فَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَبِعْ الْحَاضِرُ لِلْبَادِي» وَهَذَا إذَا كَانَ أَهْلُ الْبَلَدِ فِي قَحْطٍ وَعَوَزٍ، وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ مِنْ أَهْلِ الْبَدْوِ طَمَعًا فِي الثَّمَنِ الْغَالِي لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِهِمْ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِانْعِدَامِ الضَّرَرِ. قَالَ: (وَالْبَيْعُ عِنْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] ثُمَّ فِيهِ إخْلَالٌ بِوَاجِبِ السَّعْيِ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَذَانَ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ. قَالَ (وَكُلُّ ذَلِكَ يُكْرَهُ) لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَا يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِي مَعْنًى خَارِجٍ زَائِدٍ لَا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَلَا فِي شَرَائِطِ الصِّحَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ بِأَنْ كَانَ أَهْلُ الْمِصْرِ فِي قَحْطٍ وَضِيقٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ بِاعْتِبَارِ قُبْحِ التَّضْيِيقِ الْمُجَاوِرِ الْمُنْفَكِّ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَقَدْ لَبَّسَ السِّعْرَ عَلَى الْوَارِدِينَ فَقَدْ غَرَّ وَضَرَّ وَهُوَ قَبِيحٌ فَيُكْرَهُ، وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ. (قَالَ وَبَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي) أَيْ وَنَهَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِلْبَادِي» وَصُورَتُهُ الرَّجُلُ لَهُ طَعَامٌ لَا يَبِيعُهُ لِأَهْلِ الْمِصْرِ وَيَبِيعُهُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ بِثَمَنٍ غَالٍ، فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ أَهْلُ الْمِصْرِ فِي سَعَةٍ لَا يَتَضَرَّرُونَ بِذَلِكَ أَوْ فِي قَحْطٍ يَتَضَرَّرُونَ، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ. وَعَلَى هَذَا تَكُونُ اللَّامُ لِلْبَادِي بِمَعْنَى مِنْ. وَقِيلَ فِي صُورَتِهِ نَظَرًا إلَى اللَّامِ أَنْ يَتَوَلَّى الْمِصْرِيُّ الْبَيْعَ لِأَهْلِ الْبَادِيَةِ لِيُغَالِيَ فِي الْقِيمَةِ. قَالَ (وَالْبَيْعُ عِنْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ) أَيْ وَنَهَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الْبَيْعِ عِنْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] " وَتَسْمِيَتُهُ مَنْهِيًّا بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ لَا بِاعْتِبَارِ الصِّيغَةِ (قَوْلُهُ ثُمَّ فِيهِ) بَيَانٌ لِلْقُبْحِ الْمُجَاوِرِ، فَإِنَّ الْبَيْعَ قَدْ يُخِلُّ بِوَاجِبِ السَّعْيِ إذْ قَعَدَا أَوْ وَقَفَا يَتَبَايَعَانِ، وَأَمَّا إذَا تَبَايَعَا يَمْشِيَانِ فَلَا إخْلَالَ فَيَصِحُّ بِلَا كَرَاهَةٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ هُوَ الْأَذَانُ الْأَوَّلُ إذَا كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ (وَكُلُّ ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ أَوَّلِ الْفَصْلِ

قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ مَنْ يَزِيدُ) وَتَفْسِيرُهُ مَا ذَكَرْنَا. وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَاعَ قَدَحًا وَحِلْسًا بِبَيْعِ مَنْ يَزِيدُ» ؛ وَلِأَنَّهُ بَيْعُ الْفُقَرَاءِ وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَى نَوْعٍ مِنْهُ. قَالَ (وَمَنْ مَلَكَ مَمْلُوكَيْنِ صَغِيرَيْنِ أَحَدُهُمَا ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْآخَرِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَبِيرًا) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى هُنَا مَكْرُوهٌ لِمَا ذَكَرْنَا لَا فَاسِدٌ، لِأَنَّ الْفَسَادَ: أَيْ الْقُبْحَ لِأَمْرٍ خَارِجٍ زَائِدٍ: أَيْ مُجَاوِرٍ، وَلَيْسَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَلَا فِي شَرَائِطِ الصِّحَّةِ وَتُفَسَّرُ بِبَيْعِ مَنْ يَزِيدُ، وَرَوَى أَنَسٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ مَرَّ آنِفًا (نَوْعٌ مِنْهُ) أَيْ هَذَا الَّذِي يَشْرَعُ فِيهِ نَوْعٌ مِنْ الْبَيْعِ الْمَكْرُوهِ. وَمَنْ مَلَكَ صَغِيرَيْنِ أَوْ صَغِيرًا وَكَبِيرًا أَحَدُهُمَا ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْآخَرِ كُرِهَ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْبُلُوغِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»

«وَوَهَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - غُلَامَيْنِ أَخَوَيْنِ صَغِيرَيْنِ ثُمَّ قَالَ لَهُ: مَا فَعَلَ الْغُلَامَانِ؟ فَقَالَ: بِعْت أَحَدَهُمَا، فَقَالَ: أَدْرِكْ أَدْرِكْ، وَيُرْوَى: رُدَّهُ رُدَّهُ» ؛ وَلِأَنَّ الصَّغِيرَ يَسْتَأْنِسُ بِالصَّغِيرِ وَبِالْكَبِيرِ وَالْكَبِيرَ يَتَعَاهَدُهُ فَكَانَ فِي بَيْعِ أَحَدِهِمَا قَطْعُ الِاسْتِئْنَاسِ، وَالْمَنْعُ مِنْ التَّعَاهُدِ وَفِيهِ تَرْكُ الْمَرْحَمَةِ عَلَى الصِّغَارِ، وَقَدْ أَوْعَدَ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَوَهَبَ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، لِأَنَّ تَقْرِيرَهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَوَهَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيٍّ غُلَامَيْنِ أَخَوَيْنِ صَغِيرَيْنِ ثُمَّ قَالَ لَهُ: مَا فَعَلَ الْغُلَامَانِ؟ فَقَالَ: بِعْت أَحَدَهُمَا، فَقَالَ: أَدْرِكْ أَدْرِكْ. وَيُرْوَى: اُرْدُدْ اُرْدُدْ» . وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِالْأَوَّلِ هُوَ الْوَعِيدُ، وَبِالثَّانِي تَكْرَارُ الْأَمْرِ بِالْإِدْرَاكِ وَالرَّدِّ، وَالْوَعِيدُ جَاءَ لِلتَّفْرِيقِ وَالْأَمْرُ بِالْإِدْرَاكِ عَلَى بَيْعِ أَحَدِهِمَا وَهُوَ تَفْرِيقٌ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْبَيْعِ، فَقُلْنَا بِكَرَاهَةِ الْبَيْعِ لِإِفْضَائِهِ إلَى التَّفْرِيقِ وَهُوَ مُجَاوِرٌ يَنْفَكُّ عَنْهُ لِجَوَازِ أَنْ يَقَعَ ذَلِكَ بِالْهِبَةِ، وَالْمَعْنَى الْمُؤْثِرُ فِي ذَلِكَ اسْتِئْنَاسُ الصَّغِيرِ بِالصَّغِيرِ وَبِالْكَبِيرِ، وَتَعَاهُدُ الْكَبِيرِ لِلصَّغِيرِ، وَفِي بَيْعِ أَحَدِهِمَا قَطْعُ الِاسْتِئْنَاسِ وَالْمَنْعُ مِنْ التَّعَاهُدِ، وَفِيهِ تَرْكُ الْمَرْحَمَةِ عَلَى الصِّغَارِ، وَقَدْ أَوْعَدَ النَّبِيُّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» إنْ كَانَ الْمُرَادُ تَرْكَ الْمَرْحَمَةِ تَرَكَهَا بِالتَّفْرِيقِ، وَيَجُوزُ

ثُمَّ الْمَنْعُ مَعْلُولٌ بِالْقَرَابَةِ الْمُحَرِّمَةِ لِلنِّكَاحِ حَتَّى لَا يَدْخُلَ فِيهِ مَحْرَمٌ غَيْرُ قَرِيبٍ وَلَا قَرِيبٌ غَيْرُ مَحْرَمٍ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الزَّوْجَانِ حَتَّى جَازَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا فِي مِلْكِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ فِي قَطْعِ الِاسْتِئْنَاسِ وَالْمَنْعِ مِنْ التَّعَاهُدِ وَتَرْكِ الْمَرْحَمَةِ وَذَلِكَ مُتَوَعَّدٌ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا» ثُمَّ الْمَنْعُ عَنْ التَّفْرِيقِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ اسْتِئْنَاسٍ وَتَعَاهُدٍ يَحْصُلُ بِالْقَرَابَةِ الْمُحَرَّمَةِ لِلنِّكَاحِ بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْآخَرِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي صَدْرِ الْكَلَامِ بِلَا ضَرَرٍ لِلْمَوْلَى أَوْ الصَّغِيرِ قَصْدًا فَلَا يَدْخُلُ مَحْرَمٌ غَيْرُ قَرِيبٍ وَلَا قَرِيبٌ غَيْرُ مَحْرَمٍ وَلَا مَا لَا مَحْرَمِيَّةَ بَيْنَهُمَا أَصْلًا، حَتَّى لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَخًا رِضَاعِيًّا لِلْآخَرِ أَوْ كَانَ أَمَةً وَالْآخَرُ ابْنَهَا رَضَاعًا أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا وَلَدَ عَمٍّ أَوْ خَالٍ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا زَوْجَ الْآخَرِ جَازَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ النَّصَّ النَّافِيَ وَرَدَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ، لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي جَوَازَ التَّفْرِيقِ بِوُجُودِ الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لِلتَّصَرُّفِ مِنْ الْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ كَمَا فِي الْكَبِيرَيْنِ، وَكُلُّ مَا وَرَدَ مِنْ النَّصِّ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ يَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِهِ وَمَوْرِدُهُ الْوَالِدَةُ وَوَلَدُهَا وَالْأَخَوَانِ. قِيلَ: فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَنَاقُضٌ، لِأَنَّهُ عُلِّلَ بِقَوْلِهِ وَلِأَنَّ الصَّغِيرَ يَسْتَأْنِسُ بِالصَّغِيرِ، وَقَالَ: ثُمَّ الْمَنْعُ مَعْلُولٌ بِالْقَرَابَةِ الْمُحَرِّمَةِ لِلنِّكَاحِ، ثُمَّ قَالَ: لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ مَعْلُولًا فَجَاءَ التَّنَاقُضُ. وَالْجَوَابُ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ كَلَامِهِ أَنَّ مَنَاطَ حُكْمِ الْمَنْعِ عَنْ التَّفْرِيقِ إنَّمَا هُوَ اسْتِئْنَاسٌ وَتَعَاهُدٌ يَحْصُلُ بِالْقَرَابَةِ الْمُحَرِّمَةِ لِلنِّكَاحِ بِدُونِ ضَرَرٍ لِلْمَوْلَى أَوْ الصَّغِيرِ قَصْدًا فَهُوَ بَيَانٌ لِمَا عَسَى يَجُوزُ بِهِ إلْحَاقُ الْغَيْرِ بِالدَّلَالَةِ إذَا سَاوَاهُ، لَا بَيَانُ الْوَصْفِ الْجَامِعِ بَيْنَ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ، فَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ قَوْلِهِ مَعْلُولٌ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ وَرَدَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ. وَإِذَا ظَهَرَ هَذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقَرَابَةِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ، وَلَا مَا فِيهِ ضَرَرٌ مَا يُسَاوِي الْقَرَابَةَ الْمُحَرِّمَةَ لِلنِّكَاحِ وَمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ حَتَّى يُلْحَقَ بِهَا. فَلَا يُرَدُّ مَا قِيلَ فِي الْكُتُبِ لَوْ كَانَ مَنْعُ التَّفْرِيقِ مَعْلُولًا بِالْقَرَابَةِ الْمُحَرِّمَةِ لِلنِّكَاحِ لَمَا جَازَ

لِمَا ذَكَرْنَا، حَتَّى لَوْ كَانَ أَحَدُ الصَّغِيرَيْنِ لَهُ وَالْآخَرُ لِغَيْرِهِ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَوْ كَانَ التَّفْرِيقُ بِحَقِّ مُسْتَحِقٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّفْرِيقُ عِنْدَ وُجُودِ هَذِهِ الْعِلَّةِ، لَكِنَّهُ جَازَ فِي سَبْعَةِ مَوَاضِعَ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَغِيرًا فَكَانَتْ الْعِلَّةُ مَنْقُوضَةً وَلَزِمَ الْتِزَامُ الْقَوْلِ بِتَخْصِيصِ الْعِلَلِ الْفَاسِدَةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ. وَالْأَوَّلُ مِنْ الْمَوَاضِعِ السَّبْعَةِ مَا إذَا صَارَ أَحَدُهُمَا فِي مِلْكِهِ إلَى حَالٍ لَا يُمْكِنُهُ بَيْعُهُ كَمَا إذَا دَبَّرَهُ أَوْ اسْتَوْلَدَهُ إنْ كَانَتْ أَمَةً فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْآخَرِ وَإِنْ حَصَلَ التَّفْرِيقُ. وَالثَّانِي إذَا جَنَى أَحَدُهُمَا جِنَايَةَ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ فَإِنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَدْفَعَ وَفِيهِ تَفْرِيقٌ مَعَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ، وَلَهُ وِلَايَةُ الْمَنْعِ عَنْ الْبَيْعِ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ. وَالثَّالِثُ إذَا كَانَ الْمَالِكُ حَرْبِيًّا جَازَ لِلْمُسْلِمِ شِرَاءُ أَحَدِهِمَا، وَكَمَا يُكْرَهُ التَّفْرِيقُ بِالْبَيْعِ يُكْرَهُ بِالشِّرَاءِ. وَالرَّابِعُ إذَا مَلَكَ صَغِيرًا وَكَبِيرَيْنِ جَازَ بَيْعُ أَحَدِ الْكَبِيرَيْنِ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ لَزِمَ التَّفْرِيقُ. وَالْخَامِسُ إذَا اشْتَرَاهُمَا وَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا كَانَ لَهُ رَدُّ الْمَعِيبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَزِمَ التَّفْرِيقُ وَالسَّادِسُ جَازَ إعْتَاقُ أَحَدِهِمَا عَلَى مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ وَهُوَ تَفْرِيقٌ. وَالسَّابِعُ إذَا كَانَ الصَّغِيرُ مُرَاهِقًا جَازَ بَيْعُهُ بِرِضَاهُ وَرِضَا أُمِّهِ وَلَزِمَ التَّفْرِيقُ. وَإِذَا تَأَمَّلْت مَا مُهِّدَ لَك آنِفًا ظَهَرَ لَك عَدَمُ وُرُودِهَا فَإِنَّ مَا خَلَا الْأَخِيرَيْنِ يَشْتَمِلُ عَلَى الضَّرَرِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ بَيْعَ أَحَدِهِمَا لَمَّا امْتَنَعَ لِمَعْنًى شَرْعِيٍّ لَوْ مَنَعَ عَنْ بَيْعِ الْآخَرِ تَضَرَّرَ الْمَوْلَى وَالْمَنْظُورُ إلَيْهِ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ غَيْرِهِ لَا الْإِضْرَارُ بِهِ. لَا يُقَالُ: الْمَنْعُ عَنْ تَصَرُّفِ التَّفْرِيقِ مَعَ وُجُودِ الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لَهُ أَضْرَارٌ فَكَيْفَ تُحْمَلُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَحَمَّلْ ذَلِكَ لَزِمَ إهْمَالُ الْحَدِيثِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَوْ أُلْزِمَ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ بِدُونِ اخْتِيَارِهِ تَضَرَّرَ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّ مَنْعَ التَّفْرِيقِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الصَّغِيرِ وَلَوْ مُنِعَ الْمُسْلِمُ مِنْ شِرَائِهِ تَضَرَّرَ الصَّغِيرُ قَصْدًا وَعَادَ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ، فَإِنَّ الْحَرْبِيَّ يُدْخِلُهُمَا دَارَ الْحَرْبِ فَيَنْشَآنِ فِيهَا، وَضَرَرُ ذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي الدُّنْيَا لِعَرْضِيَّةِ الْأَسْرِ وَالْقَتْلِ وَفِي الْآخِرَةِ، لِأَنَّ ظَاهِرَ مَنْ يَنْشَأُ مِنْ صِغَرِهِ بَيْنَهُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَى دِينِهِمْ. وَأَمَّا الرَّابِعُ فَلِأَنَّ مَنْعَ بَيْعِ أَحَدِ الْكَبِيرَيْنِ مَعَ دَفْعِ ضَرَرِ الصَّغِيرِ بِالْآخَرِ إضْرَارٌ لِلْمَوْلَى. وَأَمَّا الْخَامِسُ فَجَوَازُ التَّفْرِيقِ فِيهِ مَمْنُوعٌ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إنَّمَا جَازَ لِأَنَّ رَدَّ السَّالِمِ عَنْ الْعَيْبِ حَرَامٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَفِي إلْزَامِ الْمَعِيبِ إضْرَارٌ لِلْمُشْتَرِي فَيَتَعَيَّنُ رَدُّهُ دَفْعًا لِلْإِضْرَارِ عَنْهُ. وَأَمَّا فِي السَّادِسِ فَلِأَنَّ الْإِعْتَاقَ هُوَ عَيْنُ الْجَمْعِ بِأَكْمَلِ الْوُجُوهِ، لِأَنَّ الْمُعْتَقَ أَوْ الْمُكَاتَبَ صَارَ أَحَقَّ بِنَفْسِهِ فَيَدُورُ هُوَ حَيْثُمَا دَارَ أَخُوهُ وَيَتَعَاهَدُ أُمُورَهُ عَلَى مَا أَرَادَ، وَلَا اعْتِبَارَ بِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ بَعْدَمَا حَصَلَ الْمَعْنَى الْمُوجِبُ فِي إبْقَائِهِمَا جَمِيعًا مَعَ زِيَادَةِ وَصْفٍ وَهِيَ اسْتِبْدَادُهُ بِنَفْسِهِ. وَأَمَّا فِي السَّابِعِ فَلِأَنَّ الْمَنْعَ عَنْ التَّفْرِيقِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الضَّرَرِ بِهِمَا فَلَمَّا رَضِيَا بِالتَّفْرِيقِ انْدَفَعَ الضَّرَرُ، فَفِيمَا عَدَا الْأَخِيرَيْنِ ضَرَرٌ فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى مَا لَا ضَرَرَ فِيهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيُلْحَقُ بِهِ. وَأَمَّا السَّادِسُ فَلَا تَفْرِيقَ فِيهِ، وَأَمَّا السَّابِعُ فَمِنْ قَبِيلِ إسْقَاطِ الْحَقِّ، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ حَتَّى لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا لَهُ وَالْآخَرُ لِغَيْرِهِ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ التَّفْرِيقَ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ وَذَكَرَ الْغَيْرَ مُطْلَقًا لِيَتَنَاوَلَ كُلَّ مَنْ كَانَ غَيْرَهُ سَوَاءٌ كَانَ الْغَيْرُ ابْنًا صَغِيرًا لَهُ أَوْ كَبِيرًا وَهُمَا فِي مُؤْنَتِهِ أَوَّلًا وَسَوَاءٌ كَانَ زَوْجَتَهُ أَوْ مُكَاتَبَتَهُ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا مِنْ أَحَدِ هَؤُلَاءِ إذَا كَانَا فِي مِلْكِهِ لِحُصُولِ التَّفْرِيقِ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ التَّفْرِيقُ بِحَقٍّ مُسْتَحَقٍّ) تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي أَثْنَاءِ الْأَسْئِلَةِ وَجَوَابِهَا.

لَا بَأْسَ بِهِ كَدَفْعِ أَحَدِهِمَا بِالْجِنَايَةِ وَبَيْعِهِ بِالدَّيْنِ وَرَدِّهِ بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ غَيْرِهِ لَا الْإِضْرَارُ بِهِ. قَالَ (فَإِنْ فَرَّقَ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَجَازَ الْعَقْدُ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي قَرَابَةِ الْوِلَادِ وَيَجُوزُ فِي غَيْرِهَا. وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِمَا رَوَيْنَا، فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالْإِدْرَاكِ وَالرَّدِّ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ: إذَا جَنَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْفِدَاءُ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ أَوْ يَفْدِيَ فَكَانَ الْفِدَاءُ أَوْلَى. قَالَ (فَإِنْ فَرَّقَ كُرِهَ ذَلِكَ وَجَازَ الْعَقْدُ إلَخْ) فَإِنْ فَرَّقَ كُرِهَ ذَلِكَ، وَإِطْلَاقُ التَّفْرِيقِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَكْرُوهٌ سَوَاءٌ كَانَ بِالْبَيْعِ أَوْ الْقِسْمَةِ فِي الْمِيرَاثِ أَوْ الْغَنَائِمِ أَوْ الْهِبَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَالْبَيْعُ جَائِزٌ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي قَرَابَةِ الْوِلَادِ لِقُوَّتِهَا وَضَعْفِ غَيْرِهَا. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ «قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَلِيٍّ أَدْرِكْ أَدْرِكْ وَلِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ اُرْدُدْ اُرْدُدْ» فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالْإِدْرَاكِ وَالرَّدِّ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ. وَلَهُمَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ، وَالْكَرَاهَةُ لِمَعْنًى مُجَاوِرٍ وَهُوَ الْوَحْشَةُ الْحَاصِلَةُ بِالتَّفْرِيقِ فَكَانَ كَالْبَيْعِ

وَلَهُمَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحِلِّهِ، وَإِنَّمَا الْكَرَاهَةُ لِمَعْنًى مُجَاوِرٍ فَشَابَهُ كَرَاهَةَ الِاسْتِيَامِ (وَإِنْ كَانَا كَبِيرَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَرَّقَ بَيْنَ مَارِيَةَ وَسِيرِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقْتَ النِّدَاءِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ لَا فَاسِدٌ كَالِاسْتِيَامِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى طَلَبِ الْإِقَالَةِ أَوْ بَيْعِ الْآخَرِ مِمَّنْ بَاعَ مِنْهُ أَحَدُهُمَا (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَا كَبِيرَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ يُشِيرُ إلَى أَنَّ مُرَادَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ الْإِلْحَاقُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ كَمَا قَرَّرْنَاهُ، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَّقَ بَيْنَ مَارِيَةَ وَسِيرِينَ وَكَانَتَا أَمَتَيْنِ أُخْتَيْنِ» رُوِيَ «أَنَّ أَمِيرَ الْقِبْطِ أَهْدَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَارِيَتَيْنِ أُخْتَيْنِ وَبَغْلَةً، فَكَانَ يَرْكَبُ الْبَغْلَةَ بِالْمَدِينَةِ وَاِتَّخَذَ إحْدَى الْجَارِيَتَيْنِ سُرِّيَّةً فَوَلَدَتْ لَهُ إبْرَاهِيمَ وَهِيَ مَارِيَةُ، وَوَهَبَ الْأُخْرَى لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ وَكَانَ اسْمُهَا سِيرِينَ» بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ الِاسْتِيعَابِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمَالِكُ مُسْلِمًا حُرًّا

[باب الإقالة]

وَكَانَتَا أَمَتَيْنِ أُخْتَيْنِ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مَأْذُونًا لَهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ كَافِرًا فَلَا يُكْرَهُ التَّفْرِيقُ لِأَنَّ مَا فِيهِ مِنْ الْكُفْرِ أَعْظَمُ وَالْكُفَّارُ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِالشَّرَائِعِ. [بَابُ الْإِقَالَةِ] [.

(بَابُ الْإِقَالَةِ) (الْإِقَالَةُ جَائِزَةٌ فِي الْبَيْعِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَقَالَ نَادِمًا بَيْعَتَهُ أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَلِأَنَّ الْعَقْدَ حَقُّهُمَا فَيَمْلِكَانِ رَفْعَهُ دَفْعًا لِحَاجَتِهِمَا (فَإِنْ شَرَطَا أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ أَقَلَّ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَابُ الْإِقَالَةِ) (الْإِقَالَةُ) الْخَلَاصُ عَنْ خَبَثِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالْمَكْرُوهِ. لَمَّا كَانَ بِالْفَسْخِ كَانَ لِلْإِقَالَةِ تَعَلُّقٌ خَاصٌّ بِهِمَا فَأَعْقَبَ ذِكْرَهَا إيَّاهُمَا، وَهِيَ مِنْ الْقِيلِ لَا مِنْ الْقَوْلِ، وَالْهَمْزَةُ لِلسَّلْبِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضٌ بِدَلِيلِ قُلْت الْبَيْعَ بِكَسْرِ الْقَافِ وَهِيَ جَائِزَةٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَقَالَ نَادِمًا بَيْعَتَهُ أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» نَدَبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَيْهَا بِمَا يُوجِبُ التَّحْرِيضَ عَلَّهَا مِنْ الثَّوَابِ إخْبَارًا أَوْ ادِّعَاءً، وَكِلَاهُمَا لَا يَكُونُ إلَّا لِمَشْرُوعٍ، وَلِأَنَّ الْعَقْدَ حَقُّهُمَا وَكُلُّ مَا هُوَ حَقُّهُمَا يَمْلِكَانِ رَفْعَهُ لِحَاجَتِهِمَا، وَشَرْطُهَا أَنْ تَكُونَ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ (فَإِنْ شَرَطَا أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ أَقَلَّ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ

وَيَرُدُّ مِثْلَ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ) . وَالْأَصْلُ أَنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ جَعْلُهُ فَسْخًا فَتَبْطُلُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ بَيْعٌ إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ جَعْلُهُ بَيْعًا فَيُجْعَلُ فَسْخًا إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ فَتَبْطُلُ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ فَسْخٌ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ جَعْلُهُ فَسْخًا فَيُجْعَلُ بَيْعًا إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ فَتَبْطُلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيُرَدُّ مِثْلُ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ) وَلِهَذَا بَطَلَ مَا نَطَقَا بِهِ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَالنُّقْصَانِ مِنْهُ. وَلَوْ بَاعَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ مِنْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْهُ جَازَ وَلَوْ كَانَ بَيْعًا لَمَا جَازَ لِكَوْنِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا وَلِهَذَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ لِلشَّفِيعِ فِيمَا إذَا بَاعَ دَارًا فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ ثُمَّ تَقَايَلَا وَعَادَ الْمَبِيعُ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ، وَلَوْ كَانَ فَسْخًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَرْطُ التَّقَابُضِ إذَا كَانَ الْبَيْعُ صَرْفًا فَكَانَتْ فِي حَقِّ الشَّرِيعَةِ بَيْعًا جَدِيدًا. وَهَذَا لِأَنَّ لَفْظَهَا يُنْبِئُ عَنْ الْفَسْخِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ، وَمَعْنَاهَا يُنْبِئُ عَنْ الْبَيْعِ لِكَوْنِهَا مُبَادَلَةَ الْمَالِ بِالْمَالِ بِالتَّرَاضِي، وَجَعْلُهَا فَسْخًا أَوْ بَيْعًا فَقَطْ إهْمَالٌ لِأَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَإِعْمَالُهُمَا وَلَوْ بِوَجْهٍ أَوْلَى، فَجَعَلْنَاهَا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ فَسْخًا فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِقِيَامِهِ بِهِمَا فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَجَعَلَهَا فَسْخًا بَطَلَتْ كَمَا إذَا وَلَدَتْ الْمَبِيعَةُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَلَدًا فَإِنَّ الزِّيَادَةَ الْمُنْفَصِلَةَ تَمْنَعُ فَسْخَ الْعَقْدِ حَقًّا لِلشَّرْعِ. وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هِيَ بَيْعٌ إلَّا أَنْ يَتَعَذَّرَ جَعْلُهَا بَيْعًا، كَمَا إذَا تَقَايَلَا فِي الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيُجْعَلُ فَسْخًا إلَّا إنْ تَعَذَّرَ جَعْلُهَا فَسْخًا فَتَبْطُلُ، كَمَا إذَا تَقَايَلَا فِي الْعُرُوضِ الْمَبِيعَةِ بِالدَّرَاهِمِ بَعْدَ هَلَاكِهَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ فَسْخٌ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ ذَلِكَ، كَمَا إذَا تَقَايَلَا بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَيُجْعَلُ بَيْعًا إلَّا إذَا تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَتَبْطُلُ كَمَا فِي صُورَةِ بَيْعِ الْعَرْضِ بِالدَّرَاهِمِ بَعْدَ هَلَاكِهِ. اسْتَدَلَّ مُحَمَّدٌ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فَقَالَ: إنَّ اللَّفْظَ لِلْفَسْخِ وَالدَّفْعِ: يَعْنِي أَنَّ حَقِيقَةَ ذَلِكَ يُقَالُ

لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ اللَّفْظَ لِلْفَسْخِ وَالرَّفْعِ. وَمِنْهُ يُقَالُ: أَقِلْنِي عَثَرَاتِي فَتُوَفِّرُ عَلَيْهِ قَضِيَّتَهُ. وَإِذَا تَعَذَّرَ يُحْمَلُ عَلَى مُحْتَمَلِهِ وَهُوَ الْبَيْعُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ بَيْعٌ فِي حَقِّ الثَّالِثِ: وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِالتَّرَاضِي. وَهَذَا هُوَ حَدُّ الْبَيْعِ وَلِهَذَا يَبْطُلُ بِهَلَاكِ السِّلْعَةِ وَيُرَدُّ بِالْعَيْبِ وَتَثْبُتُ بِهِ الشُّفْعَةُ وَهَذِهِ أَحْكَامُ الْبَيْعِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ اللَّفْظَ يُنْبِئُ عَنْ الرَّفْعِ وَالْفَسْخِ كَمَا قُلْنَا، وَالْأَصْلُ إعْمَالُ الْأَلْفَاظِ فِي مُقْتَضَيَاتِهَا الْحَقِيقِيَّةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الدُّعَاءِ أَقِلْنِي عَثْرَتِي، وَإِذَا أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ لَا يُصَارُ إلَى الْمَجَازِ فَيُعْمَلُ بِهَا، وَإِذَا تَعَذَّرَ يُحْمَلُ عَلَى مُحْتَمَلِهِ وَهُوَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فِي حَقٍّ ثَالِثٍ. وَاسْتَدَلَّ أَبُو يُوسُفَ بِمَعْنَاهُ فَإِنَّهُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِالتَّرَاضِي وَلَيْسَ الْبَيْعُ إلَّا ذَلِكَ، وَاعْتَضَدَ بِثُبُوتِ أَحْكَامِ الْبَيْعِ مِنْ بُطْلَانِهَا بِهَلَاكِ السِّلْعَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَثُبُوتِ الشُّفْعَةِ. وَعُورِضَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ بَيْعًا أَوْ مُحْتَمَلَةً لَهُ لَانْعَقَدَ الْبَيْعُ بِلَفْظِ الْإِقَالَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَأُجِيبَ بِمَنْعِ بُطْلَانِ اللَّازِمِ عَلَى الْمَرْوِيِّ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَبِالْفَرْقِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ بِأَنَّهُ إذَا قَالَ ابْتِدَاءً أَقَلْتُك الْعَقْدَ فِي هَذَا الْعَبْدِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا عَقْدٌ أَصْلًا تَعَذَّرَ تَصْحِيحُهَا بَيْعًا لِأَنَّ الْإِقَالَةَ إنَّمَا أُضِيفَتْ إلَى مَا لَا وُجُودَ لَهُ فَتَبْطُلُ فِي مَخْرَجِهَا، وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا أُضِيفَتْ إلَى مَا لَهُ وُجُودٌ: أَعْنِي بِهِ سَابِقَةَ الْعَقْدِ قَبْلَهَا فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ إرَادَةِ الْمَجَازِ مِنْ اللَّفْظِ فِي مَوْضِعٍ لِوُجُودِ الدَّلَالَةِ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ الْمَجَازِ إرَادَةُ الْمَجَازِ فِي سَائِرِ الصُّوَرِ عِنْدَ عَدَمِ دَلَالَةِ الدَّلِيلِ عَلَى الْمَجَازِ، وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَجْعَلُ الْإِقَالَةَ بَيْعًا مَجَازًا وَذَلِكَ مَصِيرٌ إلَى الْمَجَازِ مَعَ إمْكَانِ الْعَمَلِ بِالْحَقِيقَةِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ. وَالثَّانِي أَنَّ

وَلَا يُحْتَمَلُ ابْتِدَاءُ الْعَقْدِ لِيُحْمَلَ عَلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ وَاللَّفْظُ لَا يَحْتَمِلُ ضِدَّهُ فَتَعَيَّنَ الْبُطْلَانُ، وَكَوْنُهُ بَيْعًا فِي حَقِّ الثَّالِثِ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ مِثْلُ حُكْمِ الْبَيْعِ وَهُوَ الْمِلْكُ لَا مُقْتَضَى الصِّيغَةِ، إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى غَيْرِهِمَا، إذَا ثَبَتَ هَذَا نَقُولُ: إذَا شَرَطَ الْأَكْثَرَ فَالْإِقَالَةُ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلَهُ أَقَلْتُك الْعَقْدَ فِي هَذَا الْعَبْدِ مَعْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي نَفْيَ سَابِقَةِ الْعَقْدِ. وَاسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ اللَّفْظَ يُنْبِئُ عَنْ الْفَسْخِ وَالرَّفْعِ كَمَا قُلْنَا فَهُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِ، وَالْأَصْلُ إعْمَالُ الْأَلْفَاظِ فِي حَقَائِقِهَا، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ صِيرَ إلَى الْمَجَازِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا بَطَلَا، وَهَاهُنَا لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُجْعَلَ مَجَازًا عَنْ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهُ لِكَوْنِهَا ضِدَّهُ، وَاسْتِعَارَةُ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ لِلْآخَرِ لَا تَجُوزُ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْإِقَالَةُ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ الثَّالِثِ وَلَوْ لَمْ يُحْتَمَلْ الْبَيْعُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ، إذْ الثَّابِتُ بِالْمَجَازِ ثَابِتٌ بِقَضِيَّةِ الصِّيغَةِ، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى غَيْرِهِمَا لِيَكُونَ لَفْظُهُمَا عَامِلًا فِي حَقِّهِ، بَلْ هُوَ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ، لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ مِثْلُ حُكْمِ الْبَيْعِ وَهُوَ الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ تَبَدَّلَ ظَاهِرُ مُوجَبِهِ فِي حَقٍّ ثَالِثٍ دُونَهُمَا لِامْتِنَاعِ ثُبُوتِ الضِّدَّيْنِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَتَقْرِيرُهُ بِوَجْهِ الْبَسْطِ أَنَّ الْبَيْعَ وُضِعَ لِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ قَصْدًا، وَزَوَالُ الْمِلْكِ مِنْ ضَرُورَاتِهِ، وَالْإِقَالَةُ وُضِعَتْ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ وَإِبْطَالِهِ، وَثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْبَائِعِ مِنْ ضَرُورَاتِهِ، فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا كَانَ لِصَاحِبِهِ كَمَا يَثْبُتُ فِي الْمُبَايَعَةِ، فَاعْتُبِرَ مُوجَبُ الصِّيغَةِ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِأَنَّ لَهُمَا وِلَايَةً عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَتَعَيَّنَ اعْتِبَارُ الْحُكْمِ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا وِلَايَةٌ عَلَى غَيْرِهِمَا. وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ الْمُدَّعَى أَنْ كَوْنَ الْإِقَالَةِ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقٍّ ثَالِثٍ لَيْسَ مُقْتَضَى الصِّيغَةِ لِأَنَّ كَوْنَهَا فَسْخًا بِمُقْتَضَاهَا، فَلَوْ كَانَ كَوْنُهَا بَيْعًا كَذَلِكَ لَزِمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَهُوَ

لِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ عَلَى الزِّيَادَةِ، إذْ رَفْعُ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا مُحَالٌ فَيَبْطُلُ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا فِي الْعَقْدِ فَيَتَحَقَّقُ الرِّبَا أَوْ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا فِي الرَّفْعِ، وَكَذَا إذَا شَرَطَ الْأَقَلَّ لِمَا بَيَّنَّاهُ إلَّا أَنْ يَحْدُثَ فِي الْمَبِيعِ عَيْبٌ فَحِينَئِذٍ جَازَتْ الْإِقَالَةُ بِالْأَقَلِّ؛ لِأَنَّ الْحَطَّ يُجْعَلُ بِإِزَاءِ مَا فَاتَ بِالْعَيْبِ، وَعِنْدَهُمَا فِي شَرْطِ الزِّيَادَةِ يَكُونُ بَيْعًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَعْلُهُ بَيْعًا مُمْكِنٌ فَإِذَا زَادَ كَانَ قَاصِدًا بِهَذَا ابْتِدَاءَ الْبَيْعِ، وَكَذَا فِي شَرْطِ الْأَقَلِّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ فَسْخٌ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ لَا سُكُوتٌ عَنْ بَعْضِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ سَكَتَ عَنْ الْكُلِّ وَأَقَالَ يَكُونُ فَسْخًا فَهَذَا أَوْلَى، بِخِلَافِ مَا إذَا زَادَ، وَإِذَا دَخَلَهُ عَيْبٌ فَهُوَ فَسْخٌ بِالْأَقَلِّ لِمَا بَيَّنَّاهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمُحَالٌ، وَالْجَوَابُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو يُوسُفَ مِنْ ثُبُوتِ الْأَحْكَامِ مَا قِيلَ: الشَّارِعُ يُبَدِّلُ الْأَحْكَامَ فَلَا يُغَيِّرُ الْحَقَائِقَ فَإِنَّهُ أَخْرَجَ دَمَ الِاسْتِحَاضَةِ عَنْ كَوْنِهِ حَدَثًا، وَفَسَادُ الْإِقَالَةِ عِنْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ وَثُبُوتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ مِنْ الْأَحْكَامِ فَجَازَ أَنْ يُغَيَّرَ وَيَثْبُتَ فِي ضِمْنِ الْإِقَالَةِ، وَأَمَّا الْإِقَالَةُ فَمِنْ الْحَقَائِقِ فَلَا يُخْرِجُهَا عَنْ حَقِيقَتِهَا الَّتِي هِيَ الْفَسْخُ، إذَا ثَبَتَ هَذَا: أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَصْلِ نَقُولُ: إذَا شُرِطَ الْأَكْثَرُ فَالْإِقَالَةُ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ لِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ عَلَى الزِّيَادَةِ لِأَنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِهِ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ، وَالْفَسْخُ عَلَى الزِّيَادَةِ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ رَفْعَ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا وَهُوَ مُحَالٌ فَيَبْطُلُ الشَّرْطُ لَا الْإِقَالَةُ لِأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، لِأَنَّ الشَّرْطَ يُشْبِهُ الرِّبَا لِأَنَّ فِيهِ نَفْعًا لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَهُوَ مُسْتَحَقٌّ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ خَالٍ عَنْ الْعِوَضِ، وَالْإِقَالَةُ تُشْبِهُ الْبَيْعَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَكَانَ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ فِيهَا شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي صِحَّةِ الْإِقَالَةِ كَمَا لَا يُؤَثِّرُ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ فِيهِ إثْبَاتُ مَا لَمْ يَكُنْ بِالْعَقْدِ فَيَسْتَحِقُّ الرِّبَا، وَلِأَنَّ فِي الشَّرْطِ شُبْهَةَ الرِّبَا وَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ، وَكَذَا إذَا شَرَطَ الْأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ أَنَّ رَفْعَ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا مُحَالٌ، وَالنُّقْصَانُ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فَرَفْعُهُ يَكُونُ مُحَالًا إلَّا أَنْ يَحْدُثَ فِي الْمَبِيعِ عَيْبٌ فَجَازَتْ الْإِقَالَةُ بِالْأَقَلِّ لِأَنَّ الْحَطَّ يُجْعَلُ بِإِزَاءِ مَا فَاتَ بِالْعَيْبِ. وَصُورَةُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ: مَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَتَقَايَلَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ صَحَّتْ الْإِقَالَةُ، وَإِنْ تَقَايَلَا بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ صَحَّتْ بِالْأَلْفِ وَلَغَا ذِكْرُ الْبَاقِي، وَإِنْ تَقَايَلَا

وَلَوْ أَقَالَ بِغَيْرِ جِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَهُوَ فَسْخٌ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَجْعَلُ التَّسْمِيَةَ لَغْوًا عِنْدَهُمَا بَيْعٌ لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ وَلَدَتْ الْمَبِيعَةُ وَلَدًا ثُمَّ تَقَايَلَا فَالْإِقَالَةُ بَاطِلَةٌ عِنْدَهُ لِأَنَّ الْوَلَدَ مَانِعٌ مِنْ الْفَسْخِ، وَعِنْدَهُمَا تَكُونُ بَيْعًا وَالْإِقَالَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْمَنْقُولِ، وَغَيْرِهِ فَسْخٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمَنْقُولِ لِتَعَذُّرِ الْبَيْعِ، وَفِي الْعَقَارِ يَكُونُ بَيْعًا عِنْدَهُ لِإِمْكَانِ الْبَيْعِ، فَإِنَّ بَيْعَ الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ عِنْدَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَلْفٍ إلَّا مِائَةً، فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْهَا عَيْبٌ صَحَّتْ بِأَلْفٍ وَلَغَا النَّقْصُ وَوَجَبَ عَلَى الْبَائِعِ رَدُّ الْأَلْفِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ دَخَلَهَا عَيْبٌ صَحَّتْ الْإِقَالَةُ بِمَا شُرِطَ وَيَصِيرُ الْمَحْطُوطُ بِإِزَاءِ نُقْصَانِ الْعَيْبِ، لِأَنَّهُ لَمَّا احْتَبَسَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي جُزْءٌ مِنْ الْمَبِيعِ جَازَ أَنْ يَحْتَبِسَ عِنْدَ الْبَائِعِ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَجَوَابُ الْكِتَابِ مُطْلَقٌ عَنْ أَنْ يَكُونَ الْحَطُّ بِمِقْدَارِ حِصَّةِ الْعَيْبِ أَوْ أَكْثَرَ بِمِقْدَارِ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ أَوْ لَا. وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: تَأْوِيلُ الْمَسْأَلَةِ ذَلِكَ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا فِي شَرْطِ الزِّيَادَةِ يَكُونُ بَيْعًا لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَتْ فَسْخًا، لَكِنَّهُ فِي الزِّيَادَةِ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَجَعْلُهَا بَيْعًا مُمْكِنٌ، فَإِذَا زَادَ تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ فَيُصَارُ إلَى الْمَجَازِ صَوْنًا لِكَلَامِ الْعُقَلَاءِ عَنْ الْإِلْغَاءِ. وَلَا فَرْقَ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُ هُوَ الْبَيْعُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْفَسْخُ مُمْكِنٌ فِي فَصْلِ النُّقْصَانِ لِأَنَّهُ لَوْ سَكَتَ عَنْ جَمِيعِ الثَّمَنِ وَأَقَالَ كَانَ فَسْخًا فَهَذَا أَوْلَى، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ كَوْنَهُ فَسْخًا إذَا سَكَتَ عَنْ كُلِّ الثَّمَنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى مَذْهَبِهِ خَاصَّةً أَوْ عَلَى الِاتِّفَاقِ، وَالْأَوَّلُ رَدُّ الْمُخْتَلِفِ عَلَى الْمُخْتَلَفِ، وَالثَّانِي غَيْرُ نَاهِضٍ لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ إنَّمَا يَجْعَلُهُ فَسْخًا لِامْتِنَاعِ جَعْلِهِ بَيْعًا لِانْتِفَاءِ ذِكْرِ الثَّمَنِ، بِخِلَافِ صُورَةِ النُّقْصَانِ. فَإِنَّ فِيهَا مَا يَصْلُحُ ثَمَنًا. فَإِذَا دَخَلَهُ عَيْبٌ فَهُوَ فَسْخٌ بِالْأَقَلِّ: يَعْنِي بِالِاتِّفَاقِ، لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْحَطَّ يُجْعَلُ بِإِزَاءِ مَا فَاتَ بِالْعَيْبِ. وَلَوْ أَقَالَ بِغَيْرِ جِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَهُوَ فَسْخٌ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَتُجْعَلُ التَّسْمِيَةُ لَغْوًا، وَعِنْدَهُمَا بَيْعٌ لِمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ وَجْهِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي فَصْلِ الزِّيَادَةِ. وَلَوْ وُلِدَتْ الْمَبِيعَةُ ثُمَّ تَقَايَلَا بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ عِنْدَهُ لِأَنَّ الْوَلَدَ مَانِعٌ مِنْ الْفَسْخِ، هَذَا إذَا وَلَدَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ، أَمَّا إذَا وَلَدَتْ قَبْلَهُ فَالْإِقَالَةُ صَحِيحَةٌ عِنْدَهُ. وَحَاصِلُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْجَارِيَةَ إذَا ازْدَادَتْ ثُمَّ تَقَايَلَا، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ صَحَّتْ الْإِقَالَةُ سَوَاءٌ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً كَالسِّمَنِ وَالْجَمَالِ أَوْ مُنْفَصِلَةً كَالْوَلَدِ وَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ، لِأَنَّ الزِّيَادَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا تَمْنَعُ الْفَسْخَ مُنْفَصِلَةً كَانَتْ أَوْ مُتَّصِلَةً، وَإِنْ كَانَتْ

(قَالَ وَهَلَاكُ الثَّمَنِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقَالَةِ وَهَلَاكُ الْمَبِيعِ يَمْنَعُ مِنْهَا) لِأَنَّ رَفْعَ الْبَيْعِ يَسْتَدْعِي قِيَامَهُ وَهُوَ قَائِمٌ بِالْبَيْعِ دُونَ الثَّمَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالزِّيَادَةُ بَعْدَ الْقَبْضِ، إنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً فَالْإِقَالَةُ بَاطِلَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ لَا يُصَحِّحُهَا إلَّا فَسْخًا وَقَدْ تَعَذَّرَ حَقًّا لِلشَّرْعِ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً فَهِيَ صَحِيحَةٌ عِنْدَهُ لِأَنَّهَا لَا تَمْنَعُ الْفَسْخَ بِرِضَا مَنْ لَهُ الْحَقُّ فِي الزِّيَادَةِ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ فِيهَا، وَالتَّقَايُلُ دَلِيلُ الرِّضَا فَأَمْكَنَ تَصْحِيحُهَا فَسْخًا، وَالْإِقَالَةُ فِي الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَسْخٌ بِالِاتِّفَاقِ لِامْتِنَاعِ الْبَيْعِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ كَالْعَقَارِ فَإِنَّهُ فَسْخٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَبَيْعٌ لِجَوَازِ الْمَبِيعِ فِي الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ عِنْدَهُ. قَالَ (وَهَلَاكُ الثَّمَنِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقَالَةِ إلَخْ) هَلَاكُ الثَّمَنِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقَالَةِ. وَهَلَاكُ الْمَبِيعِ يَمْنَعُ مِنْهَا لِأَنَّ رَفْعَ الْبَيْعِ يَسْتَدْعِي قِيَامَ الْبَيْعِ، فَإِنَّ رَفْعَ الْمَعْدُومِ مُحَالٌ وَقِيَامُ الْبَيْعِ بِالْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْمَبِيعُ وَلِهَذَا شُرِطَ وُجُودُهُ عِنْدَ الْبَيْعِ، بِخِلَافِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَصْفِ وَلِهَذَا جَازَ الْعَقْدُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ. وَلَوْ هَلَكَ بَعْضُ الْمَبِيعِ جَازَتْ الْإِقَالَةُ فِي الْبَاقِي لِقِيَامِ الْمَبِيعِ فِيهِ، وَلَوْ تَقَايَضَا جَازَتْ الْإِقَالَةُ بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِهِمَا: أَيْ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ ابْتِدَاءً بِأَنْ تَبَايَعَا عَبْدًا بِجَارِيَةٍ فَهَلَكَ الْعَبْدُ فِي يَدِ بَائِعِ الْجَارِيَةِ ثُمَّ أَقَالَا الْبَيْعَ فِي الْجَارِيَةِ وَجَبَ رَدُّ قِيمَةِ الْعَبْدِ، وَلَا تَبْطُلُ بِهَلَاكِ أَحَدِهِمَا بَعْدَ وُجُودِهِمَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعٌ فَكَانَ الْبَيْعُ قَائِمًا، أَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا هَالِكًا وَقْتَ الْإِقَالَةِ وَالْآخَرُ قَائِمًا وَصَحَّتْ الْإِقَالَةُ ثُمَّ هَلَكَ الْقَائِمُ قَبْلَ الرَّدِّ فَقَدْ بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ،

(فَإِنْ هَلَكَ بَعْضُ الْمَبِيعِ جَازَتْ الْإِقَالَةُ فِي الْبَاقِي) ؛ لِقِيَامِ الْبَيْعِ فِيهِ، وَإِنْ تَقَايَضَا تَجُوزُ الْإِقَالَةُ بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِهِمَا وَلَا تَبْطُلُ بِهَلَاكِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعٌ فَكَانَ الْمَبِيعُ بَاقِيًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يُشْكِلُ بِالْمُقَايَضَةِ فَإِنَّهَا لَا تَبْقَى إذَا هَلَكَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا هَالِكًا وَقْتَ الْبَيْعِ فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ، مَعَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَعْنَى الْآخَرِ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ وَإِنْ كَانَ لَهَا حُكْمُ الْبَيْعِ لَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِبَيْعٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَتَجُوزُ بَعْدَ هَلَاكِ الْعِوَضَيْنِ، بِخِلَافِ الْمُقَايَضَةِ فَإِنَّهَا بَيْعٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِوَضَيْنِ جِهَةُ كَوْنِهِ مَبِيعًا فَأُلْحِقَ

[باب المرابحة والتولية]

(بَابُ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ) قَالَ (الْمُرَابَحَةُ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مَعَ زِيَادَةِ رِبْحٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْبَيْعِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَهَلَاكُ الْمَبِيعِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مُبْطِلٌ لِلْعَقْدِ إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهَلَاكِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ هَلَاكَهُمَا جَمِيعًا مُبْطِلٌ لِلْإِقَالَةِ، بِخِلَافِ التَّصَارُفِ فَإِنَّ هَلَاكَ الْبَدَلَيْنِ جَمِيعًا فِيهِ غَيْرُ مَانِعٍ عَنْ الْإِقَالَةِ، مَعَ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِوَضَيْنِ فِيهِ حُكْمَ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ كَمَا فِي الْمُقَايَضَةِ، لِأَنَّهُمَا لَمَّا لَمْ يَتَعَيَّنَا لَمْ تَتَعَلَّقْ الْإِقَالَةُ بِأَعْيَانِهِمَا لَوْ كَانَا قَائِمَيْنِ بَلْ رَدُّ الْمَقْبُوضِ وَرَدُّ مِثْلِهِ سِيَّانِ، فَصَارَ هَلَاكُهُمَا كَقِيَامِهِمَا، وَفِي الْمُقَايَضَةِ تَعَلَّقَتْ بِأَعْيَانِهِمَا قَائِمَيْنِ فَمَتَى هَلَكَ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ تُرَدُّ الْإِقَالَةُ عَلَيْهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِقَالَةَ تَصِحُّ بِلَفْظَيْنِ: أَحَدُهُمَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ أَقِلْنِي فَيَقُولُ الْآخَرُ أَقَلْت عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تَصِحُّ إلَّا بِلَفْظَيْنِ يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ الْمَاضِي مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَقَلْت الْبَيْعَ فَيَقُولُ الْآخَرُ قَبِلْت اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْإِقَالَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ نَظَرٍ وَتَأَمُّلٍ فَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ أَقِلْنِي مُسَاوَمَةً بَلْ كَانَ تَحْقِيقًا لِلتَّصَرُّفِ كَمَا فِي النِّكَاحِ وَبِهِ فَارَقَ الْبَيْعَ. [بَابُ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ]

وَالتَّوْلِيَةُ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ رِبْحٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمَّا فَرَغَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْمَبِيعُ مِنْ الْبُيُوعِ اللَّازِمَةِ وَغَيْرِ اللَّازِمَةِ وَمَا يَرْفَعُهُمَا شَرَعَ فِي بَيَانِ الْأَنْوَاعِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالثَّمَنِ مِنْ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ وَوَعَدْنَا تَفْصِيلَهَا وَهَذَا مَوْضِعُهُ. وَعَرَّفَ الْمُرَابَحَةَ بِنَقْلِ مَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مَعَ زِيَادَةِ رِبْحٍ. وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ وَلَا مُنْعَكِسٌ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ مَنْ اشْتَرَى دَنَانِيرَ بِالدَّرَاهِمِ مُرَابَحَةً لَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّنَانِيرِ مُرَابَحَةً مَعَ صِدْقِ التَّعْرِيفِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَغْصُوبَ الْآبِقَ إذَا عَادَ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ عَلَى الْغَاصِبِ جَازَ بَيْعُهُ مِنْ الْغَاصِبِ مُرَابَحَةً، وَالتَّعْرِيفُ لَيْسَ بِصَادِقٍ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا عَقْدَ فِيهِ، وَبِأَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى إبْهَامٍ يَجِبُ عَنْهُ خُلُوُّ التَّعْرِيفِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ إمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ عَيْنُ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ مِثْلُهُ، لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ عَيْنَ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ صَارَ مِلْكًا لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ فَلَا يَكُونُ عَيْنُهُ مُرَادًا فِي الْبَيْعِ الثَّانِي، وَلَا إلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُرَادَ الْمِثْلُ مِنْ حَيْثُ الْجِنْسُ أَوْ الْمِقْدَارُ، وَالْأَوَّلُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِمَا ذُكِرَ فِي الْإِيضَاحِ وَالْمُحِيطِ أَنَّهُ إذَا بَاعَهُ مُرَابَحَةً فَإِنْ كَانَ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ لَهُ مِثْلٌ جَازَ سَوَاءٌ جَعَلَ الرِّبْحَ مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ الدَّرَاهِمَ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ مِنْ غَيْرِ الدَّرَاهِمِ مِنْ الدَّنَانِيرِ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ إذَا كَانَ مَعْلُومًا يَجُوزُ بِهِ الشِّرَاءُ لِأَنَّ الْكُلَّ ثَمَنٌ. وَالثَّانِي يَقْتَضِي أَنْ لَا يُضَمَّ إلَى رَأْسِ الْمَالِ أُجْرَةُ الْقَصَّارِ وَالصَّبَّاغِ وَالطَّرَّازِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِثَمَنٍ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ، عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْمُرَابَحَةِ أَصْلًا، فَإِنَّهُ لَوْ مَلَكَ ثَوْبًا بِهِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ فَقَوَّمَهُ ثُمَّ بَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى تِلْكَ الْقِيمَةِ جَازَ، وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْمَبْسُوطِ. قِيلَ: فَعَلَى هَذَا الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ مِنْ السِّلَعِ بِمَا قَامَ عِنْدَهُ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ صِدْقَ التَّعْرِيفِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُجِزْ الْبَيْعَ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ النَّقْلُ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَقْدِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءً أَوْ انْتِهَاءً، وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ عَادَ ذَلِكَ عَقْدًا حَتَّى لَا يَقْدِرَ الْمَالِكُ عَلَى رَدِّ الْقِيمَةِ وَأَخْذِ الْمَغْصُوبِ، وَالْمُرَادُ بِالْمِثْلِ هُوَ الْمِثْلُ فِي الْمِقْدَارِ، وَالْعَادَةُ جَرَتْ بِإِلْحَاقِ مَا يَزِيدُ فِي الْمَبِيعِ أَوْ قِيمَتِهِ إلَى رَأْسِ الْمَالِ فَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ عَادَةً، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ نَفْسُهُ مُرَادًا يُجْعَلُ مَجَازًا عَمَّا قَامَ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ خِيَانَةٍ فَتَدْخُلُ فِيهِ مَسْأَلَةُ الْمَبْسُوطِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِالثَّمَنِ لِكَوْنِهِ الْعَادَةَ الْغَالِبَةَ فِي الْمُرَابَحَاتِ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ تَرْكِ الْحَقِيقَةِ لِلْعَادَةِ (قَوْلُهُ وَالتَّوْلِيَةُ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ رِبْحٍ) يَرِدُ عَلَيْهِ مَا كَانَ يَرِدُ عَلَى الْمُرَابَحَةِ مِنْ حَيْثُ لَفْظُ

وَالْبَيْعَانِ جَائِزَانِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَقْدِ وَالثَّمَنُ الْأَوَّلُ، وَالْجَوَابُ (وَالْبَيْعَانِ جَائِزَانِ) لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ الْجَوَازِ، وَلِتَعَامُلِ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ

لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ الْجَوَازِ، وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْغَبِيَّ الَّذِي لَا يَهْتَدِي فِي التِّجَارَةِ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَعْتَمِدَ فِعْلَ الذَّكِيِّ الْمُهْتَدِي وَتَطِيبُ نَفْسُهُ بِمِثْلِ مَا اشْتَرَى وَبِزِيَادَةِ رِبْحٍ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِهِمَا، وَلِهَذَا كَانَ مَبْنَاهُمَا عَلَى الْأَمَانَةِ وَالِاحْتِرَازِ عَنْ الْخِيَانَةِ وَعَنْ شُبْهَتِهَا، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَرَادَ الْهِجْرَةَ ابْتَاعَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعِيرَيْنِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَلِّنِي أَحَدَهُمَا، فَقَالَ: هُوَ لَك بِغَيْرِ شَيْءٍ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَمَّا بِغَيْرِ ثَمَنٍ فَلَا» . قَالَ (وَلَا تَصِحُّ الْمُرَابَحَةُ وَالتَّوْلِيَةُ حَتَّى يَكُونَ الْعِوَضُ مِمَّا لَهُ مِثْلٌ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ لَوْ مَلَكَهُ مَلَكَهُ بِالْقِيمَةِ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ (وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي بَاعَهُ مُرَابَحَةً مِمَّنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ الْبَدَلَ وَقَدْ بَاعَهُ بِرِبْحِ دِرْهَمٍ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَكِيلِ مَوْصُوفٍ جَازَ) لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَ (وَإِنْ بَاعَهُ بِرِبْحٍ الإل يازده لَا يَجُوزُ) لِأَنَّهُ بَاعَهُ بِرَأْسِ الْمَالِ وَبِبَعْضِ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQإنْكَارٍ وَلِمِسَاسِ الْحَاجَةِ، لِأَنَّ الْغَبِيَّ الَّذِي لَا يَهْتَدِي فِي التِّجَارَةِ وَالصِّفَةُ كَاشِفَةٌ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى فِعْلِ الذَّكِيِّ الْمُهْتَدِي وَتَطِيبُ نَفْسُهُ بِمِثْلِ مَا اشْتَرَاهُ وَبِزِيَادَةِ رِبْحٍ، وَقَدْ صَحَّتْ التَّوْلِيَةُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِهِمَا لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ (وَلِهَذَا) أَيْ لِلِاحْتِيَاجِ إلَى الِاعْتِمَادِ كَانَ مَبْنَى الْمَبِيعَيْنِ: أَيْ بِنَاؤُهُمَا عَلَى الْأَمَانَةِ وَالِاحْتِرَازِ عَنْ الْخِيَانَةِ وَشَبَهِهَا، وَأَكَّدَ بِقَوْلِهِ وَالِاحْتِرَازِ عَنْ الْخِيَانَةِ وَأَصَابَ لِاقْتِضَاءِ الْمَقَامِ ذَلِكَ، وَعَنْ هَذَا لَمْ تَصِحَّ الْمُرَابَحَةُ وَالتَّوْلِيَةُ فِيمَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ لِأَنَّ الْمُعَادَلَةَ وَالْمُمَاثَلَةَ فِي ذَوَاتِ الْقِيَمِ إنَّمَا تُعْرَفُ بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ فَكَانَ فِيهِ شُبْهَةُ عَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ بِشُبْهَةِ الْخِيَانَةِ كَمَا لَمْ تَجُزْ الْمُجَازَفَةُ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ لِذَلِكَ، وَكُلُّ مَا حَرُمَ حَرُمَ مَا يُشْبِهُهُ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مِمَّا يُحْتَاطُ فِيهِ. قَالَ (وَلَا تَصِحُّ الْمُرَابَحَةُ وَالتَّوْلِيَةُ حَتَّى يَكُونَ الْعِوَضُ مِمَّا لَهُ مِثْلٌ إلَخْ) لَا تَصِحُّ الْمُرَابَحَةُ وَالتَّوْلِيَةُ فِي ذَوَاتِ الْقِيَمِ لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا أَنَّ مَبْنَاهُمَا عَلَى الِاحْتِرَازِ عَنْ

(وَيَجُوزُ أَنْ يُضِيفَ إلَى رَأْسِ الْمَالِ أُجْرَةَ الْقَصَّارِ وَالطَّرَّازِ وَالصَّبْغِ وَالْقَتْلِ وَأُجْرَةَ حَمْلِ الطَّعَامِ) لِأَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِإِلْحَاقِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِرَأْسِ الْمَالِ فِي عَادَةِ التُّجَّارِ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ مَا يَزِيدُ فِي الْمَبِيعِ أَوْ فِي قِيمَتِهِ يَلْحَقُ بِهِ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ، وَمَا عَدَدْنَاهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ الصَّبْغَ وَأَخَوَاتِهِ يَزِيدُ فِي الْعَيْنِ وَالْحَمْلَ يَزِيدُ فِي الْقِيمَةِ إذْ الْقِيمَةُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ (وَيَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا وَلَمْ يَقُلْ اشْتَرَيْته بِكَذَا) كَيْ لَا يَكُونَ كَاذِبًا وَسَوْقُ الْغَنَمِ بِمَنْزِلَةِ الْحَمْلِ، بِخِلَافِ أُجْرَةِ الرَّاعِي وَكِرَاءِ بَيْتِ الْحِفْظِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ فِي الْعَيْنِ وَالْمَعْنَى، وَبِخِلَافِ أُجْرَةِ التَّعْلِيمِ لِأَنَّ ثُبُوتَ الزِّيَادَةِ لِمَعْنًى فِيهِ وَهُوَ حَذَاقَتُهُ. ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخِيَانَةِ وَشَبَهِهَا وَالِاحْتِرَازُ عَنْ الْخِيَانَةِ فِي الْقِيَمِيَّاتِ إنْ أَمْكَنَ، وَقَدْ لَا يُمْكِنُ عَنْ شَبَهِهَا لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَشْتَرِي الْمَبِيعَ إلَّا بِقِيمَةِ مَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ الثَّمَنِ، إذْ لَا يُمْكِنُ دَفْعُ عَيْنِهِ حَيْثُ لَمْ يَمْلِكْهُ وَلَا دَفْعُ مِثْلِهِ إذْ الْفَرْضُ عَدَمُهُ فَتَعَيَّنَتْ الْقِيمَةُ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ تُعْرَفُ بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ فَيَتَمَكَّنُ فِيهِ شُبْهَةُ الْخِيَانَةِ، إلَّا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي بَاعَهُ مُرَابَحَةً مِمَّنْ مَلَكَ ذَلِكَ الْبَدَلَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ فَإِنَّهُ يَشْتَرِيهِ مُرَابَحَةً بِرِبْحٍ مَعْلُومٍ مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ شَيْءٍ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ الْمَوْصُوفِ لِاقْتِدَارِهِ عَلَى الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَ. وَأَمَّا إذَا اشْتَرَاهُ بِرِبْحِ ده يازده مَثَلًا: أَيْ بِرِبْحِ مِقْدَارِ دِرْهَمٍ عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا كَانَ الرِّبْحُ دِرْهَمَيْنِ وَإِنْ كَانَ ثَلَاثِينَ كَانَ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِرَأْسِ الْمَالِ، وَبِبَعْضِ قِيمَتِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَصَارَ الْبَائِعُ بَائِعًا لِلْمَبِيعِ بِذَلِكَ الثَّمَنِ الْقِيَمِيِّ كَالثَّوْبِ مَثَلًا أَوْ بِجُزْءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ الثَّوْبِ وَالْجُزْءُ الْحَادِيَ عَشَرَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْقِيمَةِ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ فَلَا يَجُوزُ، ثُمَّ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ إنْ كَانَ نَقْدَ الْبَلَدِ فَالرِّبْحُ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُطْلَقَ الرِّبْحُ أَوْ يُنْسَبَ إلَى رَأْسِ الْمَالِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُك بِالْعَشَرَةِ وَرِبْحِ دِرْهَمٍ فَالرِّبْحُ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ كَقَوْلِهِ بِعْتُك بِرِبْحِ الْعَشَرَةِ أَوْ ده يازده فَالرِّبْحُ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ عَرَّفَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَكَانَ عَلَى صِفَتِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُضِيفَ إلَى رَأْسِ الْمَالِ أُجْرَةَ الْقِصَارِ وَالصَّبْغِ وَالطِّرَازِ وَالْفَتْلِ وَأُجْرَةَ حَمْلِ الطَّعَامِ، لِأَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِإِلْحَاقِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِرَأْسِ الْمَالِ فِي عَادَةِ التُّجَّارِ، لِأَنَّ كُلَّ مَا يَزِيدُ فِي الْمَبِيعِ أَوْ فِي قِيمَتِهِ يُلْحَقُ بِهِ، هَذَا هُوَ الْأَصْلُ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ تَزِيدُ فِي ذَلِكَ، فَالصَّبْغُ وَأَخَوَاتُهُ يَزِيدُ فِي الْعَيْنِ وَالْحَمْلُ يَزِيدُ فِي الْقِيمَةِ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ فَيُلْحَقُ بِهِ، وَيَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا وَلَا يَقُولُ اشْتَرَيْته بِكَذَا كَيْ لَا يَكُونَ كَاذِبًا لِأَنَّ الْقِيَامَ عَلَيْهِ عِبَارَةٌ عَنْ الْحُصُولِ بِمَا غَرِمَ وَقَدْ غَرِمَ فِيهِ الْقَدْرَ الْمُسَمَّى. وَإِذَا بَاعَ بِالرَّقْمِ يَقُولُ رَقْمُهُ كَذَا فَأَنَا أَبِيعُهُ مُرَابَحَةً وَسَوْقُ الْغَنَمِ بِمَنْزِلَةِ الْحَمْلِ، بِخِلَافِ أُجْرَةِ الرَّاعِي وَكِرَاءِ بَيْتِ الْحِفْظِ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ فِي الْعَيْنِ وَلَا فِي الْقِيمَةِ، وَبِخِلَافِ أُجْرَةِ التَّعْلِيمِ، فَإِذَا أَنْفَقَ عَلَى عَبْدِهِ فِي تَعَلُّمِ عَمَلٍ مِنْ الْأَعْمَالِ دَرَاهِمَ لَمْ يُلْحِقْهَا بِرَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْحَاصِلَةَ فِي الْمَالِيَّةِ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى فِي الْمُتَعَلِّمِ وَهُوَ الْحِذْقُ وَالذَّكَاءُ لَا بِمَا أَنْفَقَ عَلَى الْمُعَلِّمِ، وَعَلَى هَذِهِ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ وَالرَّائِضِ وَالْبَيْطَارِ وَجُعْلُ الْآبِقِ وَالْحَجَّامِ وَالْخَتَّانِ.

(فَإِنْ اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى خِيَانَةٍ فِي الْمُرَابَحَةِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَإِنْ اطَّلَعَ عَلَى خِيَانَةٍ فِي التَّوْلِيَةِ أَسْقَطَهَا مِنْ الثَّمَنِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَحُطُّ فِيهِمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُخَيَّرُ فِيهِمَا) لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلتَّسْمِيَةِ؛ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا، وَالتَّوْلِيَةُ وَالْمُرَابَحَةُ تَرْوِيجٌ وَتَرْغِيبٌ فَيَكُونُ وَصْفًا مَرْغُوبًا فِيهِ كَوَصْفِ السَّلَامَةِ فَيَتَخَيَّرُ بِفَوَاتِهِ، وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ كَوْنُهُ تَوْلِيَةً وَمُرَابَحَةً وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ وَلَّيْتُك بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِعْتُك مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ إذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْلُومًا فَلَا بُدَّ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَوَّلِ وَذَلِكَ بِالْحَطِّ، غَيْرَ أَنَّهُ يُحَطُّ فِي التَّوْلِيَةِ قَدْرُ الْخِيَانَةِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَفِي الْمُرَابَحَةِ مِنْهُ وَمِنْ الرِّبْحِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحُطُّ فِي التَّوْلِيَةِ لَا تَبْقَى تَوْلِيَةً؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَيَتَغَيَّرُ التَّصَرُّفُ فَتَعَيَّنَ الْحَطُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى خِيَانَةٍ فِي الْمُرَابَحَةِ) إمَّا بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ أَوْ بِنُكُولِهِ عَنْ الْيَمِينِ (فَهُوَ بِالْخِيَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ، وَإِنْ اطَّلَعَ عَلَى خِيَانَةٍ فِي التَّوْلِيَةِ أَسْقَطَهَا مِنْ الثَّمَنِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُحَطُّ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُخَيَّرُ فِيهِمَا) لِمُحَمَّدٍ أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلتَّسْمِيَةِ لِأَنَّ الثَّمَنَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا وَلَا يُعْلَمُ لَا بِالتَّسْمِيَةِ، وَإِذَا كَانَ الِاعْتِبَارُ لَهَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُسَمَّى (وَالتَّوْلِيَةُ وَالْمُرَابَحَةُ تَرْغِيبٌ وَتَرْوِيجٌ فَيَكُونُ وَصْفًا مَرْغُوبًا فِيهِ كَوَصْفِ السَّلَامَةِ) وَفَوَاتُهُ يُوجِبُ التَّخْيِيرَ (وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي هَذَا الْعَقْدِ كَوْنُهُ مُرَابَحَةً وَتَوْلِيَةً) لَا التَّسْمِيَةَ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ وَلَّيْتُك بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِعْتُك مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَالْحَالُ أَنَّهُ مَعْلُومٌ وَاقْتَصَرَ عَلَى التَّسْمِيَةِ صَحَّ الْعَقْدُ، وَالتَّسْمِيَةُ كَالتَّفْسِيرِ فَإِذَا ظَهَرَتْ الْخِيَانَةُ بَطَلَتْ صَلَاحِيَّتُهَا لِذَلِكَ فَبَقِيَ ذِكْرُ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ بِنَاءِ الْعَقْدِ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ فَيُحَطُّ الْخِيَانَةُ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا، غَيْرَ أَنَّهُ يُحَطُّ فِي التَّوْلِيَةِ قَدْرُ الْخِيَانَةِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَفِي الْمُرَابَحَةِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَالرِّبْحِ جَمِيعًا، كَمَا إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ عَلَى رِبْحِ خَمْسَةٍ ثُمَّ ظَهَرَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ ثَمَانِيَةً يَحُطُّ قَدْرَ الْخِيَانَةِ مِنْ الْأَصْلِ وَهُوَ دِرْهَمَانِ، وَيَحُطُّ مِنْ الرِّبْحِ دِرْهَمًا فَيَأْخُذُ الثَّوْبَ بِاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحَطَّ فِي التَّوْلِيَةِ لَا تَبْقَى تَوْلِيَةٌ) لِأَنَّهَا تَكُونُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ لَا تَبْقَى تَوْلِيَةٌ لِئَلَّا يَتَغَيَّرَ التَّصَرُّفُ فَيَتَعَيَّنُ الْحَطُّ، وَفِي الْمُرَابَحَةِ لَوْ لَمْ يُحَطَّ تَبْقَى مُرَابَحَةً كَمَا كَانَتْ مِنْ غَيْرِ تَغَيُّرِ الصَّرْفِ

وَفِي الْمُرَابَحَةِ لَوْ لَمْ يُحَطَّ تَبْقَى مُرَابَحَةً وَإِنْ كَانَ يَتَفَاوَتُ الرِّبْحُ فَلَا يَتَغَيَّرُ التَّصَرُّفُ فَأَمْكَنَ الْقَوْلُ بِالتَّخْيِيرِ، فَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ أَوْ حَدَثَ فِيهِ مَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ خِيَارٍ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ، بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ الْمُطَالَبَةُ بِتَسْلِيمِ الْفَائِتِ فَيَسْقُطُ مَا يُقَابِلُهُ عِنْدَ عَجْزِهِ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَبَاعَهُ بِرِبْحٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ، فَإِنْ بَاعَهُ مُرَابَحَةً طَرَحَ عَنْهُ كُلَّ رِبْحٍ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ اسْتَغْرَقَ الثَّمَنَ لَمْ يَبِعْهُ مُرَابَحَةً، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا: يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْأَخِيرِ) . صُورَتُهُ: إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَبَاعَهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِخَمْسَةٍ وَيَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِخَمْسَةٍ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ وَبَاعَهُ بِعِشْرِينَ مُرَابَحَةً ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً أَصْلًا، وَعِنْدَهُمَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى الْعَشَرَةِ فِي الْفَصْلَيْنِ، لَهُمَا أَنَّ الْعَقْدَ الثَّانِيَ عَقْدٌ مُتَجَدِّدٌ مُنْقَطِعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَكِنْ يَتَفَاوَتُ الرِّبْحُ فَيَتَخَيَّرُ بِذَلِكَ لِفَوَاتِ الرِّضَا، فَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ أَوْ حَدَثَ فِيهِ مَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ، فَمَنْ قَالَ بِالْحَطِّ كَانَ لَهُ الْحَطُّ (وَمَنْ قَالَ بِالْفَسْخِ لَزِمَهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ خِيَارٍ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَخِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ) وَقَدْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِالْهَلَاكِ أَوْ غَيْرِهِ فَيَسْقُطُ خِيَارُهُ، بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ حَيْثُ لَا يَجِبُ كُلُّ الثَّمَنِ بَلْ يَنْقُصُ مِنْهُ مِقْدَارُ الْعَيْبِ لِأَجْلِ الْعَيْبِ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ لِلْمُشْتَرِي ثَمَّةَ الْمُطَالَبَةُ بِتَسْلِيمِ الْجُزْءِ الْفَائِتِ فَسَقَطَ مَا يُقَابِلُهُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِهِ، وَقَيَّدَ بِالرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ احْتِرَازًا عَمَّا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ يُفْسَخُ الْبَيْعُ عَلَى الْقِيمَةِ إنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَبَاعَهُ بِرِبْحٍ) الْكَلَامُ فِي وَضْعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَصُورَتِهَا ظَاهِرٌ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي دَلِيلِهَا (قَالَا: الْعَقْدُ الثَّانِي عَقْدٌ مُتَجَدِّدٌ مُنْقَطِعُ

الْأَحْكَامِ عَنْ الْأَوَّلِ فَيَجُوزُ بِنَاءُ الْمُرَابَحَةِ عَلَيْهِ، كَمَا إذَا تَخَلَّلَ ثَالِثٌ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ شُبْهَةَ حُصُولِ الرِّبْحِ بِالْعَقْدِ الثَّانِي ثَابِتَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَتَأَكَّدُ بِهِ بَعْدَمَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ بِالظُّهُورِ عَلَى عَيْبِ الشُّبْهَةِ كَالْحَقِيقَةِ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ احْتِيَاطًا وَلِهَذَا لَمْ تَجُزْ الْمُرَابَحَةُ فِيمَا أُخِذَ بِالصُّلْحِ لِشُبْهَةِ الْحَطِيطَةِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ اشْتَرَى خَمْسَةً وَثَوْبًا بِعَشَرَةٍ فَيُطْرَحُ عَنْهُ خَمْسَةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَحْكَامِ عَنْ الْأَوَّلِ) وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ يَجُوزُ بِنَاءُ الْمُرَابَحَةِ عَلَيْهِ كَمَا إذَا تَخَلَّلَ ثَالِثٌ بِأَنْ اشْتَرَى مِنْ مُشْتَرِي مُشْتَرِيهِ (وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ شُبْهَةُ حُصُولِ الرِّبْحِ) الْحَاصِلِ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ ثَابِتَةٌ (بِالْعَقْدِ الثَّانِي لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى شَرْطِ السُّقُوطِ) بِأَنْ يُرَدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ، فَإِذَا اشْتَرَاهُ مِنْ الْمُشْتَرِي تَأَكَّدَ مَا كَانَ عَلَى شَرْطِ السُّقُوطِ، وَلِلتَّأْكِيدِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ حُكْمُ الْإِيجَابِ كَمَا لَوْ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ رَجَعُوا ضَمِنُوا نِصْفَ الْمَهْرِ لِتَأَكُّدِ مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ، وَإِذَا كَانَتْ شُبْهَةُ الْحُصُولِ ثَابِتَةً صَارَ كَأَنَّهُ اشْتَرَى بِالْعَقْدِ الثَّانِي ثَوْبًا وَخَمْسَةَ دَرَاهِمَ بِعَشَرَةٍ، فَالْخَمْسَةُ بِإِزَاءِ الْخَمْسَةِ وَالثَّوْبُ بِخَمْسَةٍ فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى خَمْسَةٍ احْتِرَازًا عَنْ شُبْهَةِ الْخِيَانَةِ فَإِنَّهَا كَحَقِيقَتِهَا احْتِيَاطًا فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَصَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى ثَوْبٍ لَا يَبِيعُ الثَّوْبَ مُرَابَحَةً عَلَى الْعَشَرَةِ لِأَنَّ الصُّلْحَ مَبْنَاهُ عَلَى التَّجَوُّزِ وَالْحَطِيطَةِ، وَلَوْ وُجِدَ الْحَطُّ حَقِيقَةً مَا جَازَ الْبَيْعُ مُرَابَحَةً، فَكَذَا إذَا تَمَكَّنَتْ الشُّبْهَةُ. وَعُورِضَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ مَا جَازَ الشِّرَاءُ بِعَشَرَةٍ فِيمَا إذَا بَاعَهُ بِعِشْرِينَ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فِي الشِّرَاءِ الثَّانِي كَأَنَّهُ اشْتَرَى ثَوْبًا وَعَشَرَةً بِعَشَرَةٍ فَكَانَ فِيهِ شُبْهَةُ الرِّبَا وَهُوَ حُصُولُ الثَّوْبِ بِلَا عِوَضٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّأْكِيدَ لَهُ شُبْهَةُ الْإِيجَابِ فِي حَقِّ الْعِبَادِ احْتِرَازًا عَنْ الْخِيَانَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا لَا فِي حَقِّ الشَّرْعِ، وَشَرْعِيَّتُهُ جَوَازُ الْمُرَابَحَةِ لِمَعْنًى رَاجِعٍ إلَى الْعِبَادِ فَيُؤَثِّرُ التَّأْكِيدُ فِي الْمُرَابَحَةِ. وَأَمَّا جَوَازُ الْبَيْعِ وَعَدَمُهُ فِي شُبْهَةِ الرِّبَا فَحَقُّ الشَّرْعِ فَلَا يَكُونُ لِلتَّأْكِيدِ فِيهِ شُبْهَةُ الْإِيجَابِ، كَذَا نُقِلَ مِنْ فَوَائِدِ الْعَلَّامَةِ حُمَيْدِ الدِّينِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَخَلَّلَ ثَالِثٌ لِأَنَّ التَّأْكِيدَ حَصَلَ بِغَيْرِهِ وَلَمْ يُسْتَفَدْ رِبْحُ الْأَوَّلِ

بِخِلَافِ مَا إذَا تَخَلَّلَ ثَالِثٌ؛ لِأَنَّ التَّأْكِيدَ حَصَلَ بِغَيْرِهِ. قَالَ (وَإِذَا اشْتَرَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِرَقَبَتِهِ فَبَاعَهُ مِنْ الْمَوْلَى بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى عَشَرَةٍ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمَوْلَى اشْتَرَاهُ فَبَاعَهُ مِنْ الْعَبْدِ) لِأَنَّ فِي هَذَا الْعَقْدِ شُبْهَةَ الْعَدَمِ بِجَوَازِهِ مَعَ الْمُنَافِي فَاعْتُبِرَ عَدَمًا فِي حُكْمِ الْمُرَابَحَةِ وَبَقِيَ الِاعْتِبَارُ لِلْأَوَّلِ فَيَصِيرُ كَأَنَّ الْعَبْدَ اشْتَرَاهُ لِلْمَوْلَى بِعَشَرَةٍ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، وَكَأَنَّهُ يَبِيعُهُ لِلْمَوْلَى فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فَيُعْتَبَرُ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالشِّرَاءِ الثَّانِي فَانْتَفَتْ الشُّبْهَةُ. قَالَ (وَإِذَا اشْتَرَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ) وَإِذَا اشْتَرَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ (لَهُ فِي التِّجَارَةِ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ) وَالْحَالُ أَنَّهُ مَدْيُونٌ بِدَيْنٍ يُحِيطُ بِرَقَبَتِهِ فَبَاعَهُ مِنْ الْمَوْلَى بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّ الْمَوْلَى يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى عَشَرَةٍ (وَكَذَا إنْ كَانَ الْمَوْلَى اشْتَرَاهُ وَبَاعَهُ مِنْ الْعَبْدِ لِأَنَّ فِي هَذَا الْعَقْدِ) أَيْ بَيْعِ الْعَبْدِ مِنْ الْمَوْلَى وَعَكْسِهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ لِجَوَازِهِ مَعَ الْمُنَافِي وَهُوَ تَعَلُّقُ حَقِّ الْمَوْلَى بِمَالِ الْعَبْدِ، وَقَبْلَ كَوْنِ الْعَبْدِ مِلْكًا لِلْمَوْلَى وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ الدَّيْنَ وَيَتَفَرَّدَ بِكَسْبِ عَبْدِهِ فَصَارَ كَالْبَائِعِ مِنْ نَفْسِهِ فَاعْتُبِرَ عَدَمًا فِي حُكْمِ الْمُرَابَحَةِ لِوُجُوبِ الِاحْتِرَازِ فِيهَا عَنْ شُبْهَةِ الْحَيَاةِ، وَإِذَا عُدِمَ

قَالَ (وَإِذَا كَانَ مَعَ الْمُضَارِبِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِاثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفٍ) لِأَنَّ هَذَا الْبَيْعَ وَإِنْ قُضِيَ بِجَوَازِهِ عِنْدَنَا عِنْدَ عَدَمِ الرِّبْحِ خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعَ أَنَّهُ اشْتَرَى مَالَهُ بِمَالِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِفَادَةِ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ وَهُوَ مَقْصُودٌ وَالِانْعِقَادُ يَتْبَعُ الْفَائِدَةَ فَفِيهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَيْعُ الثَّانِي لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْمَذْكُورِ فِيهِ وَإِنَّمَا يَبِيعُهُ عَلَى الثَّمَنِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالدَّيْنِ الْمُحِيطِ بِرَقَبَتِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَبَاعَ مِنْ مَوْلَاهُ شَيْئًا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ لِلْمَوْلَى شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ لَا مِلْكَ الرَّقَبَةِ وَلَا مِلْكَ التَّصَرُّفِ، هَكَذَا قَيَّدَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَصْلِ، وَكَذَا فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَقَاضِي خَانْ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ الطَّحَاوِيُّ وَالْعَتَّابِيُّ، وَالْحَقُّ قَيَّدَهُ لِمَا ذَكَرْنَا. قَالَ (وَإِنْ كَانَ مَعَ الْمُضَارِبِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بِالنِّصْفِ) إذَا كَانَ مَعَ الْمُضَارِبِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بِالنِّصْفِ (فَاشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِاثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفٍ) لِأَنَّ مَبْنَى هَذَا الْبَيْعِ عَلَى الِاحْتِرَازِ عَنْ الْخِيَانَةِ وَشَبَهِهَا وَفِي بَيْعِهِ مُرَابَحَةً عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ شُبْهَةُ خِيَانَةٍ (لِأَنَّ هَذَا الْبَيْعَ) أَيْ بَيْعَ الثَّوْبِ مِنْ رَبِّ الْمَالِ وَإِنْ حُكِمَ بِجَوَازِهِ عِنْدَنَا عِنْدَ عَدَمِ الرِّبْحِ خِلَافًا لِزُفَرَ فِيهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ. وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ الْبَيْعَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، وَهُوَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِمَالِ غَيْرِهِ لَا بِمَالِ نَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ الْبَيْعُ مَوْجُودًا

فَاعْتُبِرَ الْبَيْعُ الثَّانِي عَدَمًا فِي حَقِّ نِصْفِ الرِّبْحِ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَاعْوَرَّتْ أَوْ وَطِئَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ يَبِيعُهَا مُرَابَحَةً وَلَا يُبَيِّنُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَحْتَبِسْ عِنْدَهُ شَيْئًا يُقَابِلُهُ الثَّمَنُ؛ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ تَابِعَةٌ لَا يُقَابِلُهَا الثَّمَنُ، وَلِهَذَا لَوْ فَاتَتْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَكَذَا مَنَافِعُ الْبُضْعِ لَا يُقَابِلُهَا الثَّمَنُ، وَالْمَسْأَلَةُ فِيمَا إذَا لَمْ يُنْقِصْهَا الْوَطْءُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَوَجْهُ الْجَوَازِ عِنْدَنَا اشْتِمَالُهُ عَلَى الْفَائِدَةِ فَإِنَّ فِيهِ اسْتِفَادَةَ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ لِأَنَّ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُضَارِبِ انْقَطَعَتْ وِلَايَةُ رَبِّ الْمَالِ عَنْ مَالِهِ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ، فَبِالشِّرَاءِ مِنْ الْمُضَارِبِ يَحْصُلُ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ وَهُوَ مَقْصُودٌ، وَإِذَا كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى الْفَائِدَةِ يَنْعَقِدُ لِأَنَّ الِانْعِقَادَ يَتْبَعُ الْفَائِدَةَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ فَاشْتَرَاهُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً جَازَ الْبَيْعُ فِيهِمَا وَدَخَلَ عَبْدُهُ فِي عَقْدِهِ لِفَائِدَةِ انْقِسَامِ الثَّمَنِ، وَأَمَّا أَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ الْعَدَمِ فَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَعْلِيلِ زُفَرَ، وَقَدْ اسْتَوْضَحَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَعْنِي الْمُضَارِبَ وَكِيلٌ عَنْ رَبِّ الْمَالِ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهٍ، وَعَلَى هَذَا وَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا كَمَا لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بَيْنَ الْمُوَكِّلِ وَوَكِيلِهِ فِيمَا وَكَّلَهُ فِيهِ، وَإِذَا كَانَ فِيهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ كَانَ الْبَيْعُ الثَّانِي كَالْمَعْدُومِ فِي حَقِّ نِصْفِ الرِّبْحِ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّ رَبِّ الْمَالِ فَيُحَطُّ عَنْ الثَّمَنِ احْتِرَازًا عَنْ شُبْهَةِ الْخِيَانَةِ وَلَا شُبْهَةَ فِي أَصْلِ الثَّمَنِ وَهُوَ عَشَرَةٌ وَلَا فِي نَصِيبِ الْمُضَارِبِ فَيَبِيعُ مُرَابَحَةً عَلَى ذَلِكَ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً سَلِيمَةً فَاعْوَرَّتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي) بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِفِعْلِ الْجَارِيَةِ نَفْسِهَا (أَوْ وَطِئَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ) وَلَمْ يَنْقُصْهَا الْوَطْءُ (جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مُرَابَحَةً وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَيَانُ) لِعَدَمِ احْتِبَاسِ مَا يُقَابِلُهُ الثَّمَنُ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا) تَوْضِيحٌ لِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْتَبِسْ عِنْدَهُ شَيْءٌ يُقَابِلُهُ الثَّمَنُ، وَلِهَذَا لَوْ فَاتَتْ الْعَيْنُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُشْتَرِي لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَكَذَلِكَ مَنَافِعُ الْبُضْعِ إذَا لَمْ يَنْقُصْهَا الْوَطْءُ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ. وَعُورِضَ بِأَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ بِمَنْزِلَةِ الْجُزْءِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا وَطِئَهَا ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الرَّدِّ وَإِنْ كَانَ ثَيِّبًا، وَمَا ذَلِكَ إلَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُسْتَوْفَى مِنْ الْوَطْءِ بِمَنْزِلَةِ احْتِبَاسِ جُزْءٍ مِنْ الْمَبِيعِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي. وَأُجِيبَ بِأَنَّ عَدَمَ جَوَازِ الرَّدِّ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ إنْ رَدَّهَا. فَإِمَّا أَنْ يَرُدَّهَا، مَعَ الْعُقْرِ أَوْ بِدُونِهِ، لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْفَسْخَ يَرِدُ عَلَى مَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَالْعَقْدُ لَمْ يَرِدْ عَلَى الزِّيَادَةِ فَالْفَسْخُ لَا يَرِدُ عَلَيْهَا، وَلَا إلَى الثَّانِي لِأَنَّهَا تَعُودُ إلَى قَدِيمِ مِلْكِ الْبَائِعِ وَيُسَلَّمُ الْوَطْءُ لِلْمُشْتَرِي مَجَّانًا وَالْوَطْءُ يَسْتَلْزِمُ الْعُقْرَ عِنْدَ سُقُوطِ الْعُقْرِ لَا بِاعْتِبَارِ احْتِبَاسِ جُزْءٍ مِنْ الْمَبِيعِ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَبِيعُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ)

أَنَّهُ لَا يَبِيعُ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ، كَمَا إذَا احْتَبَسَ بِفِعْلِهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَأَمَّا إذَا فَقَأَ عَيْنَهَا بِنَفْسِهِ أَوْ فَقَأَهَا أَجْنَبِيٌّ فَأَخَذَ أَرْشَهَا لَمْ يَبِعْهَا مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ) لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْإِتْلَافِ فَيُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَكَذَا إذَا وَطِئَهَا وَهِيَ بِكْرٌ لِأَنَّ الْعُذْرَةَ جُزْءٌ مِنْ الْعَيْنِ يُقَابِلُهَا الثَّمَنُ وَقَدْ حَبَسَهَا. (وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَأَصَابَهُ قَرْضُ فَأْرٍ أَوْ حَرْقُ نَارٍ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ، وَلَوْ تَكَسَّرَ بِنَشْرِهِ وَطَيِّهِ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ) وَالْمَعْنَى مَا بَيَّنَّاهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ فِي صُورَةِ الِاعْوِرَارِ (مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ) كَمَا إذَا اُحْتُبِسَ بِفِعْلِهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ لِلْأَوْصَافِ حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ مَا كَانَ التَّعَيُّبُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِصُنْعِ الْعِبَادِ (وَأَمَّا إذَا فَقَأَ عَيْنَهَا) رَاجِعٌ إلَى أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ قُلْنَا: فَيَكُونُ جَوَابًا لِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: يَعْنِي إذَا فَقَأَ الْمُشْتَرِي عَيْنَهَا (بِنَفْسِهِ أَوْ فَقَأَهَا أَجْنَبِيٌّ) سَوَاءٌ كَانَ بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِغَيْرِهِ وَجَبَ الْبَيَانُ عِنْدَ الْبَيْعِ مُرَابَحَةً لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْإِتْلَافِ، أَمَّا إذَا كَانَ بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي فَلِأَنَّهُ كَفِعْلِ الْمُشْتَرِي بِنَفْسِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَلِأَنَّهُ جِنَايَةٌ تُوجِبُ ضَمَانَ النُّقْصَانِ عَلَيْهِ فَيَكُونُ الْمُشْتَرِي حَابِسًا بَدَلَ جُزْءٍ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيَمْنَعُ الْمُرَابَحَةَ بِدُونِ الْبَيَانِ. وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ تَدُلُّ بِالتَّنْصِيصِ عَلَى أَخْذِ أَرْشِهَا وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي لَفْظِ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: كَأَنَّ ذِكْرَ الْأَرْشِ وَقَعَ اتِّفَاقًا، لِأَنَّهُ لَمَّا فَقَأَ الْأَجْنَبِيُّ وَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْأَرْشِ وَوُجُوبُ ضَمَانِ الْأَرْشِ سَبَبٌ لِأَخْذِ الْأَرْشِ فَأَخَذَ حُكْمَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا إطْلَاقُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِأَخْذِ الْأَرْشِ، وَذَكَرَ نَقْلَ الْمَبْسُوطِ كَذَلِكَ (وَكَذَا إنْ وَطِئَهَا وَهِيَ بِكْرٌ) لَا يَبِيعُهَا مُرَابَحَةً إلَّا بِالْبَيَانِ (لِأَنَّ الْعُذْرَةَ جُزْءٌ مِنْ الْعَيْنِ يُقَابِلُهَا الثَّمَنُ وَقَدْ حَبَسَهَا) فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ. (وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَأَصَابَهُ قَرْضُ فَأْرٍ) بِالْقَافِ مِنْ قَرَضَ الثَّوْبَ بِالْمِقْرَاضِ: إذَا قَطَعَهُ، وَنَصَّ أَبُو الْيُسْرِ عَلَى أَنَّهُ بِالْفَاءِ (أَوْ حَرْقُ نَارٍ) جَازَ أَنْ (يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ) لِأَنَّ الْأَوْصَافَ تَابِعَةٌ لَا يُقَابِلُهَا الثَّمَنُ (وَلَوْ تَكَسَّرَ) الثَّوْبُ (بِنَشْرِهِ وَطَيِّهِ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً) بِلَا بَيَانٍ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْإِتْلَافِ. وَقَوْلُهُ (وَالْمَعْنَى مَا بَيَّنَّاهُ) إشَارَةٌ إلَى

قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى غُلَامًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ نَسِيئَةً فَبَاعَهُ بِرِبْحِ مِائَةٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ فَعَلِمَ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ، وَإِنْ شَاءَ قَبِلَ) ؛ لِأَنَّ لِلْأَجَلِ شَبَهًا بِالْمَبِيعِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ يُزَادُ فِي الثَّمَنِ لِأَجْلِ الْأَجَلِ، وَالشُّبْهَةُ فِي هَذَا مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ وَبَاعَ أَحَدَهُمَا مُرَابَحَةً بِثَمَنِهِمَا، وَالْإِقْدَامُ عَلَى الْمُرَابَحَةِ يُوجِبُ السَّلَامَةَ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الْخِيَانَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَيْنِ الدَّلِيلَيْنِ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى غُلَامًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ نَسِيئَةً فَبَاعَهُ بِرِبْحِ مِائَةٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ) ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي (فَعَلِمَ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ، وَإِنْ شَاءَ قَبِلَ لِأَنَّ لِلْأَجَلِ شَبَهًا بِالْمَبِيعِ) فَإِنَّهُ يُزَادُ فِي الثَّمَنِ لِأَجْلِ الْأَجَلِ، وَالشُّبْهَةُ فِي هَذَا الْبَابِ

فَإِذَا ظَهَرَتْ يُخَيَّرُ كَمَا فِي الْعَيْبِ (وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ ثُمَّ عَلِمَ لَزِمَهُ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، قَالَ: (فَإِنْ كَانَ وَلَّاهُ إيَّاهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ رَدَّهُ إنْ) شَاءَ؛ لِأَنَّ الْخِيَانَةَ فِي التَّوْلِيَةِ مِثْلُهَا فِي الْمُرَابَحَةِ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءً عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ (وَإِنْ كَانَ اسْتَهْلَكَهُ ثُمَّ عَلِمَ لَزِمَهُ بِأَلْفٍ حَالَّةٍ) لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَرُدُّ الْقِيمَةَ وَيَسْتَرِدُّ كُلَّ الثَّمَنِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا اسْتَوْفَى الزُّيُوفَ مَكَانَ الْجِيَادِ وَعَلِمَ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ، وَسَيَأْتِيك مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقِيلَ يُقَوَّمُ بِثَمَنٍ حَالٍّ وَبِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ وَبَاعَ أَحَدَهُمَا مُرَابَحَةً بِثَمَنِهِمَا. وَالْمُرَابَحَةُ تُوجِبُ الِاحْتِرَازَ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الْخِيَانَةِ. وَنُوقِضَ بِأَنَّ الْغُلَامَ السَّلِيمَ الْأَعْضَاءِ يُزَادُ فِي ثَمَنِهِ لِأَجْلِ سَلَامَةِ الْأَعْضَاءِ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ السَّلِيمِ، وَإِذَا فَاتَتْ سَلَامَةُ الْأَعْضَاءِ لَمْ يَجِبْ الْبَيَانُ عَلَى الْبَائِعِ كَمَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ اعْوِرَارِ الْعَيْنِ. وَأُجِيبَ أَنَّ الزِّيَادَةَ هُنَاكَ لَيْسَتْ مَنْصُوصًا عَلَيْهَا لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ السَّلَامَةِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ هُوَ أَنْ يَقُولَ إنْ أَجَّلْتنِي مُدَّةَ كَذَا فَثَمَنُهُ يَكُونُ كَذَا بِزِيَادَةِ مِقْدَارٍ فَتَثْبُتُ زِيَادَةُ الثَّمَنِ فِي الْأَجَلِ بِالشَّرْطِ، وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ فِي سَلَامَةِ الْأَعْضَاءِ، وَسَيُشِيرُ الْمُصَنِّفُ إلَى هَذَا بِقَوْلِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْأَجَلُ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ، وَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ ثُمَّ عَلِمَ لَزِمَهُ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ، لِأَنَّ الْأَجَلَ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ: يَعْنِي فِي الْحَقِيقَةِ، وَلَكِنْ فِيهِ شُبْهَةُ الْمُقَابَلَةِ، فَبِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ الْخِيَانَةِ كَانَ لَهُ الْفَسْخُ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا، فَإِمَّا أَنْ يَسْقُطَ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بَعْدَ الْهَلَاكِ فَلَا، وَإِلَّا لَكَانَ مَا فَرَضْنَاهُ شُبْهَةً حَقِيقَةً وَذَلِكَ خُلْفٌ بَاطِلٌ. قَالَ (وَإِنْ كَانَ وَلَّاهُ إيَّاهُ) يَعْنِي أَنَّ التَّوْلِيَةَ كَالْمُرَابَحَةِ فِيمَا إذَا عَلِمَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ كَانَ اشْتَرَاهُ بِأَجَلٍ وَبَاعَهُ إيَّاهُ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ فَكَانَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ، لِأَنَّ التَّوْلِيَةَ فِي وُجُوبِ الِاحْتِرَازِ عَنْ شُبْهَةِ الْخِيَانَةِ كَالْمُرَابَحَةِ لِكَوْنِهِ بِنَاءً عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ (وَإِنْ) كَانَ (اسْتَهْلَكَهُ ثُمَّ عَلِمَ) بِالْخِيَانَةِ (لَزِمَهُ بِأَلْفٍ حَالَّةٍ لِمَا ذَكَرْنَا) أَنَّ الْأَجَلَ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ حَقِيقَةً (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرُدُّ الْقِيمَةَ وَيَسْتَرِدُّ كُلَّ الثَّمَنِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا اسْتَوْفَى الزُّيُوفَ مَكَانَ الْجِيَادِ وَعَلِمَ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ وَسَيَأْتِيك مِنْ بَعْدُ فِي مَسَائِلَ) مَنْثُورَةٍ قُبَيْلَ كِتَابِ الصَّرْفِ. وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ قِيمَتَهُ وَيَسْتَرِدَّ الثَّمَنَ لِأَنَّ الْقِيمَةَ قَامَتْ مَقَامَهُ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِ فِي التَّحَالُفِ مُسْتَقِيمٌ، فَإِنَّهُ أَقَامَ الْقِيمَةَ مَقَامَهُ، وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَلْخِيّ (يُقَوَّمُ بِثَمَنٍ حَالٍّ وَبِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ،

فَيَرْجِعُ بِفَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْأَجَلُ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ وَلَكِنَّهُ مُنَجَّمٌ مُعْتَادٌ قِيلَ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ، وَقِيلَ يَبِيعُهُ وَلَا يُبَيِّنُهُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ حَالٌّ. قَالَ (وَمَنْ وَلَّى رَجُلًا شَيْئًا بِمَا قَامَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِكَمْ قَامَ عَلَيْهِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ) لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ (فَإِنْ أَعْلَمَهُ الْبَائِعُ، يَعْنِي فِي الْمَجْلِسِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ) لِأَنَّ الْفَسَادَ لَمْ يَتَقَرَّرْ، فَإِذَا حَصَلَ الْعِلْمُ فِي الْمَجْلِسِ جُعِلَ كَابْتِدَاءِ الْعَقْدِ وَصَارَ كَتَأْخِيرِ الْقَبُولِ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَبَعْدَ الِافْتِرَاقِ قَدْ تَقَرَّرَ فَلَا يُقْبَلُ الْإِصْلَاحُ، وَنَظِيرُهُ بَيْعُ الشَّيْءِ بِرَقْمِهِ إذَا عَلِمَ فِي الْمَجْلِسِ، وَإِنَّمَا يَتَخَيَّرُ؛ لِأَنَّ الرِّضَا لَمْ يَتِمَّ قَبْلَهُ لِعَدَمِ الْعِلْمِ فَيَتَخَيَّرُ كَمَا فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَرْجِعُ بِفَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْأَجَلُ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ لَكِنَّهُ مُنَجَّمٌ) مُعْتَادٌ كَعَادَةِ بَعْضِ الْبِلَادِ يَشْتَرُونَ بِنَقْدٍ وَيُسَلِّمُونَ الثَّمَنَ بَعْدَ شَهْرٍ إمَّا جُمْلَةً أَوْ مُنَجَّمًا، قِيلَ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ، وَقِيلَ لَا يَجِبُ بَيَانُهُ لِأَنَّ الثَّمَنَ حَالٌّ. قَالَ (وَمَنْ وَلَّى رَجُلًا شَيْئًا بِمَا قَامَ عَلَيْهِ إلَخْ) إذَا قَالَ وَلَّيْتُك هَذَا بِمَا قَامَ عَلَيَّ يُرِيدُ بِهِ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ مَعَ مَا لَحِقَهُ مِنْ الْمُؤَنِ كَالصَّبْغِ وَالْفَتْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِكَمْ قَامَ عَلَيْهِ (فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ، فَإِنْ أَعْلَمَهُ الْبَائِعُ فِي الْمَجْلِسِ) صَحَّ الْبَيْعُ وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي (إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ) أَمَّا الصِّحَّةُ فَلِأَنَّ الْفَسَادَ لَمْ يَتَقَرَّرْ بَعْدُ فَكَانَ فَسَادًا يَحْتَمِلُ الصِّحَّةَ، فَإِذَا حَصَلَ الْعِلْمُ فِي الْمَجْلِسِ جُعِلَ كَابْتِدَاءِ الْعَقْدِ لِأَنَّ سَاعَاتِ الْمَجْلِسِ كَسَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَصَارَ كَتَأْخِيرِ الْقَبُولِ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَبَعْدَ الِافْتِرَاقِ تَقَرَّرَ. وَالْفَسَادُ الْمُتَقَرِّرُ لَا يَقْبَلُ الْإِصْلَاحَ، وَنَظِيرُهُ الْبَيْعُ بِالرَّقْمِ فِي صِحَّتِهِ بِالْبَيَانِ فِي الْمَجْلِسِ وَتَقَرَّرَ فَسَادُهُ بِعَدَمِهِ فِيهِ. وَأَمَّا خِيَارُ الْمُشْتَرِي فَلِلْخَلَلِ فِي الرِّضَا لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ قَبْلَ مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ الثَّمَنِ كَمَا لَا يَتَحَقَّقُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لِلْجَهْلِ بِالصِّفَاتِ فَكَانَ فِي مَعْنَى خِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَأُلْحِقَ بِهِ

[فصل فيمن اشترى شيئا مما ينقل ويحول]

(فَصْلٌ) : وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِمَّا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِيمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِمَّا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ] فَصْلٌ) وَجْهُ إيرَادِ الْفَصْلِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمَسَائِلَ الْمَذْكُورَةَ فِيهِ لَيْسَتْ مِنْ بَابِ الْمُرَابَحَةِ. وَوَجْهُ ذِكْرِهَا فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ الِاسْتِطْرَادُ بِاعْتِبَارِ تَقَيُّدِهَا بِقَيْدٍ زَائِدٍ عَلَى الْبَيْعِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْأَوْصَافِ كَالْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِمَّا يُنْقَلُ) نَقْلًا حِسِّيًّا (وَ) هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (يُحَوَّلُ) فَسَّرَهُ بِذَلِكَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ احْتِرَازٌ عَنْ الْمُدَبَّرِ (لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ

لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ» ) وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَخْصِيصِ ذَلِكَ بِالطَّعَامِ وَلَا تَمَسُّكَ لَهُ بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنْ اشْتَرَى أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ» وَفِي رِوَايَةٍ «حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» فَإِنَّ تَخْصِيصَ الطَّعَامِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ فِيمَا عَدَاهُ بِخِلَافِهِ، لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: وَأَحْسُبُ كُلَّ شَيْءٍ مِثْلَ الطَّعَامِ. وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّخْصِيصَ لَمْ يَكُنْ مُرَادًا وَكَانَ ذَلِكَ مَعْرُوفًا بَيْنَ الصَّحَابَةِ. حَدَّثَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ مُسْنَدًا إلَى ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ: ابْتَعْت زَيْتًا فِي السُّوقِ، فَلَمَّا اسْتَوْفَيْته لَقِيَنِي رَجُلٌ فَأَعْطَانِي بِهِ رِبْحًا حَسَنًا، فَأَرَدْت أَنْ أَضْرِبَ عَلَى يَدِهِ، فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي بِذِرَاعِي، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ: لَا تَبِعْهُ حَيْثُ ابْتَعْته حَتَّى تَحُوزَهُ إلَى رَحْلِك، فَإِنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ ابْتِيَاعِ السِّلَعِ حَيْثُ تُبْتَاعُ حَتَّى تَحُوزَهَا التُّجَّارُ إلَى رِحَالِهِمْ» وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْبَيْعِ وَلَمْ يَقُلْ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّصَرُّفُ لِيَقَعَ عَلَى الِاتِّفَاقِ، فَإِنَّ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ جَائِزَةٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ قَالَ كُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا سَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ فَقَبَضَهُ، لِأَنَّ تَمَامَ هَذَا الْعَقْدِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَالْمَانِعُ زَائِلٌ عِنْدَ ذَلِكَ. بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ بِنَفْسِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْبَيْعَ أَسْرَعُ نَفَاذًا مِنْ الْهِبَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ الشُّيُوعَ

وَلِأَنَّ فِيهِ غَرَرَ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ عَلَى اعْتِبَارِ الْهَلَاكِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ يَمْنَعُ تَمَامَ الْهِبَةِ دُونَ الْبَيْعِ، ثُمَّ الْبَيْعُ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ مَا مَلَكَهُ فِي حَالِ قِيَامِ الْغَرَرِ فِي مِلْكِهِ فَالْهِبَةُ أَوْلَى (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ فِيهِ غَرَرَ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ) اسْتِدْلَالٌ بِالْمَعْقُولِ، وَتَقْرِيرُهُ: فِي الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ غَرَرُ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ عَلَى تَقْدِيرِ هَلَاكِ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ، وَالْغَرَرُ غَيْرُ جَائِزٍ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» . وَالْغَرَرُ: مَا طُوِيَ عَنْك عِلْمُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ غَرَرَ الِانْفِسَاخِ بَعْدَ الْقَبْضِ أَيْضًا مُتَوَهَّمٌ عَلَى تَقْدِيرِ ظُهُورِ الِاسْتِحْقَاقِ وَلَيْسَ بِمَانِعٍ. وَلَا يُدْفَعُ بِأَنَّ عَدَمَ ظُهُورِ الِاسْتِحْقَاقِ أَصْلٌ لِأَنَّ عَدَمَ الْهَلَاكِ كَذَلِكَ فَاسْتَوَيَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ عَدَمَ جَوَازِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لِلتَّصَرُّفِ الْمُطْلَقِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وَلَيْسَ مَا بَعْدَ الْقَبْضِ فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّ فِيهِ غَرَرَ الِانْفِسَاخِ بِالْهَلَاكِ وَالِاسْتِحْقَاقِ، وَفِيمَا بَعْدَ الْقَبْضِ غَرَرُهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ خَاصَّةً فَلَمْ يُلْحَقْ بِهِ. وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ رُجُوعًا إلَى إطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَاعْتِبَارًا بِالْمَنْقُولِ بِجَامِعِ عَدَمِ الْقَبْضِ فِيهِمَا وَصَارَ كَالْإِجَارَةِ فَإِنَّهَا فِي الْعَقَارِ لَا تَجُوزُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْجَامِعُ اشْتِمَالُهُمَا عَلَى رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْبَيْعِ الرِّبْحُ وَرِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ فَيَكُونُ الْبَيْعُ فَاسِدًا قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ

(وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ) رُجُوعًا إلَى إطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَاعْتِبَارًا بِالْمَنْقُولِ وَصَارَ كَالْإِجَارَةِ، وَلَهُمَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحِلِّهِ، وَلَا غَرَرَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْهَلَاكَ فِي الْعَقَارِ نَادِرٌ، بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ، وَالْغَرَرَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ غَرَرُ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ، وَالْحَدِيثُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَهُمَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ) لِكَوْنِهِ بَالِغًا عَاقِلًا غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ (فِي مَحَلِّهِ) لِأَنَّهُ مَحَلٌّ مَمْلُوكٌ لَهُ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْجَوَازَ، وَالْمَانِعُ وَهُوَ الْغَرَرُ مَعْدُومٌ فِيهِ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْهَلَاكِ وَهُوَ فِي الْعَقَارِ نَادِرٌ فِيهِ فَصَحَّ الْعَقْدُ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ، بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ فَإِنَّ الْمَانِعَ فِيهِ مَوْجُودٌ، وَمَنْعُ انْتِفَاءِ الْمَانِعِ فِي الْعَقَارِ فَإِنَّهُ غَرَرُ الِانْفِسَاخِ، وَقَدْ يُوجَدُ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ الْبَيْعُ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ صَارَ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي، وَحِينَئِذٍ لَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ الرَّدَّ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إنْ رُدَّ عَلَيْهِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي عَادَ لَهُ الرَّدُّ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: كَلَامُنَا

مَعْلُولٌ بِهِ عَمَلًا بِدَلَائِل الْجَوَازِ وَالْإِجَارَةِ، قِيلَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ؛ وَلَوْ سَلَّمَ فَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ الْمَنَافِعُ وَهَلَاكُهَا غَيْرُ نَادِرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي غَرَرِ الِانْفِسَاخِ وَمَا ذَكَرْتُمْ غَرَرُ الْفَسْخِ، وَإِذَا كَانَ الْهَلَاكُ فِي الْعَقَارِ نَادِرًا كَانَ غَرَرُ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مُنْتَفِيًا. وَالْحَدِيثُ مَعْلُولٌ بِهِ فَلَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الْعَقَارُ فَجَازَ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ عَمَلًا بِدَلِيلِ الْجَوَازِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ تَعْلِيلٌ فِي مَوْضِعِ النَّصِّ وَهُوَ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ» وَهُوَ عَامٌّ. وَالتَّعْلِيلُ فِي مَوْضِعِ النَّصِّ غَيْرُ مَقْبُولٍ. وَأُجِيبَ أَنَّهُ عَامٌّ دَخَلَهُ الْخُصُوصُ لِإِجْمَاعِنَا عَلَى جَوَازِ التَّصَرُّفِ فِي الثَّمَنِ وَالصَّدَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَمِثْلُ هَذَا الْعَامِّ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِالْقِيَاسِ فَنَحْمِلُهُ عَلَى الْمَنْقُولِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ مَبِيعٍ لَمْ يُقْبَضْ بِدَلِيلِ حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ «إذَا ابْتَعْت شَيْئًا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَ» سَلَّمْنَا أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ مِنْ مِلْكِهِ الَّذِي ثَبَتَ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ، لَكِنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَصْلُحُ تَخْصِيصًا، سَلَّمْنَا صَلَاحِيَّتَهُ لِذَلِكَ، لَكِنَّ التَّخْصِيصَ لِبَيَانِ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعَامِّ بَعْدَ احْتِمَالِهِ تَنَاوُلَهُ، وَإِذَا كَانَ الْحَدِيثُ مَعْلُولًا بِغَرَرِ الِانْفِسَاخِ لَا يَحْتَمِلُ تَنَاوُلَ مَا لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ، إذْ الشَّيْءُ لَا يَحْتَمِلُ تَنَاوُلَ مَا يُنَافِيهِ تَنَاوُلًا فَرْدِيًّا وَاعْلَمْ أَنِّي أَذْكُرُ لَك مَا سَنَحَ لِي فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهٍ يَنْدَفِعُ بِهِ جَمِيعُ ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: الْأَصْلُ أَنْ يَكُونَ بَيْعُ الْمَنْقُولِ وَغَيْرِ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزًا لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] لَكِنَّهُ خَصَّ مِنْهُ الرِّبَا بِدَلِيلٍ مُسْتَقِلٍّ مُقَارِنٍ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وَالْعَامُّ الْمَخْصُوصُ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ» ، ثُمَّ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْلُولًا بِغَرَرِ الِانْفِسَاخِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ فَقَدْ ثَبَتَ الْمَطْلُوبُ حَيْثُ لَا يَتَنَاوَلُ الْعَقَارَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا رُوِيَ فِي السُّنَنِ مُسْنَدًا إلَى الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» وَبَيَّنَهُ وَبَيَّنَ أَدِلَّةَ الْجَوَازِ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ التَّرْكَ، وَجَعْلُهُ مَعْلُولًا بِذَلِكَ إعْمَالٌ لِثُبُوتِ التَّوْفِيقِ حِينَئِذٍ، وَالْإِعْمَالُ مُتَعَيَّنٌ لَا مَحَالَةَ. وَكَمَا لَمْ يَتَنَاوَلْ الْعَقَارَ لَمْ يَتَنَاوَلْ الصَّدَاقَ وَبَدَلَ الْخُلْعِ، وَيَكُونُ مُخْتَصًّا بِعَقْدٍ يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِ الْمُعَوَّضِ قَبْلَ الْقَبْضِ، هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (قَوْلُهُ وَالْإِجَارَةُ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ مُحَمَّدٍ صُورَةَ النِّزَاعِ عَلَى الْإِجَارَةِ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهَا لَا تَصْلُحُ مَقِيسًا عَلَيْهَا لِأَنَّهَا عَلَى الِاخْتِلَافِ. قَالَ فِي الْإِيضَاحِ:

قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى مَكِيلًا مُكَايَلَةً أَوْ مَوْزُونًا مُوَازَنَةً فَاكْتَالَهُ أَوْ اتَّزَنَهُ ثُمَّ بَاعَهُ مُكَايَلَةً أَوْ مُوَازَنَةً لَمْ يَجُزْ لِلْمُشْتَرَى مِنْهُ أَنْ يَبِيعَهُ وَلَا أَنْ يَأْكُلَهُ حَتَّى يُعِيدَ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ) «لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ صَاعَانِ: صَاعُ الْبَائِعِ، وَصَاعُ الْمُشْتَرِي» ؛ وَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الْمَشْرُوطِ وَذَلِكَ لِلْبَائِعِ وَالتَّصَرُّفُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ، لِأَنَّ صِحَّةَ الْإِجَارَةِ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ، فَإِذَا مَلَكَ التَّصَرُّفَ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الرَّقَبَةُ مَلَكَ فِي التَّابِعِ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ الْمَنَافِعَ بِمَنْزِلَةِ الْمَنْقُولِ، وَالْإِجَارَةُ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ فَيَمْتَنِعُ جَوَازُهَا كَبَيْعِ الْمَنْقُولِ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى مَكِيلًا مُكَايَلَةً أَوْ مَوْزُونًا مُوَازَنَةً إلَخْ) إذَا اشْتَرَى الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالسَّمْنِ وَالْحَدِيدِ وَأَرَادَ التَّصَرُّفَ فَذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: اشْتَرَى مُكَايَلَةً وَبَاعَ مُكَايَلَةً، أَوْ اشْتَرَى مُجَازَفَةً وَبَاعَ كَذَلِكَ، أَوْ اشْتَرَى مُكَايَلَةً وَبَاعَ مُجَازَفَةً، أَوْ بِالْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ. فَفِي الْأَوَّلِ لَمْ يَجُزْ لِلْمُشْتَرِي مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَنْ يَبِيعَهُ حَتَّى يُعِيدَ الْكَيْلَ لِنَفْسِهِ كَمَا كَانَ الْحُكْمُ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ كَذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ بِهِ صَاعَانِ صَاعُ الْبَائِعِ، وَصَاعُ الْمُشْتَرِي» وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الْمَشْرُوطِ وَذَلِكَ لِلْبَائِعِ. وَالتَّصَرُّفُ فِي مَالِ الْغَيْرِ حَرَامٌ فَيَجِبُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَهُوَ بِتَرْكِ التَّصَرُّفِ، وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي الْمَوْزُونِ فَكَانَ مِثْلَهُ. وَفِي الثَّانِي لَا يَحْتَاجُ إلَى الْكَيْلِ لِعَدَمِ الِافْتِقَارِ إلَى تَعْيِينِ الْمِقْدَارِ.

فِي مَالِ الْغَيْرِ حَرَامٌ فَيَجِبُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ مُجَازَفَةً؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَهُ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الثَّوْبَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي الثَّالِثِ لَا يَحْتَاجُ الْمُشْتَرِي الثَّانِي إلَى كَيْلٍ لِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَاهُ مُجَازَفَةً مَلَكَ جَمِيعَ مَا كَانَ مُشَارًا إلَيْهِ فَكَانَ مُتَصَرِّفًا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَهُ) وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تُتَصَوَّرُ فِي الْمُجَازَفَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنَّهُ اشْتَرَى مَكِيلًا مُكَايَلَةً فَاكْتَالَهُ عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ مَثَلًا ثُمَّ بَاعَهُ مُجَازَفَةً فَإِذَا هُوَ اثْنَا عَشَرَ فِي الْوَاقِعِ فَيَكُونُ زِيَادَةً عَلَى الْمَكِيلِ الَّذِي اشْتَرَاهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ وَفِيهِ مِنْ التَّمَحُّلِ مَا تَرَى. وَقِيلَ الْمُرَادُ الزِّيَادَةُ الَّتِي كَانَتْ فِي ذِهْنِ الْبَائِعِ، وَذَلِكَ بِأَنْ بَاعَ مُجَازَفَةً وَفِي ذِهْنِهِ أَنَّهُ مِائَةُ قَفِيزٍ فَإِذَا هُوَ زَائِدٌ عَلَى مَا ظَنَّهُ فَالزَّائِدُ لِلْمُشْتَرِي. وَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ مِنْ بَابِ الْغَرَضِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ هُوَ احْتِمَالُ الزِّيَادَةِ، وَلَوْ فُرِضَ فِي الْمُجَازَفَةِ زِيَادَةٌ كَانَتْ لِلْمُشْتَرِي حَيْثُ لَمْ يَقَعْ الْعَقْدُ مُكَايَلَةً فَهَذَا الْمَانِعُ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهِ لَمْ يَمْنَعْ التَّصَرُّفَ عَلَى تَقْدِيرِ عِلْمِهِ أَوْلَى، وَيَجُوزُ فَرْضُ الْمُحَالِ إذَا تَعَلَّقَ بِهِ غَرَضٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ} [فاطر: 14] وَفِي الرَّابِعِ يَحْتَاجُ إلَى كَيْلٍ وَاحِدٍ، إمَّا كَيْلِ الْمُشْتَرِي أَوْ كَيْلِ الْبَائِعِ بِحَضْرَتِهِ لِأَنَّ الْكَيْلَ شَرْطٌ لِجَوَازِ التَّصَرُّفِ فِيمَا بِيعَ مُكَايَلَةً لِمَكَانِ الْحَاجَةِ إلَى تَعْيِينِ الْمِقْدَارِ الْوَاقِعِ مَبِيعًا، وَأَمَّا الْمُجَازَفَةُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا. فَإِنْ قِيلَ: النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ إلَى الْغَايَةِ الْمَذْكُورَةِ يَتَنَاوَلُ الْأَقْسَامَ الْأَرْبَعَةَ فَمَا وَجْهُ تَخْصِيصِهِ بِمَا فِي الْكِتَابِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ مَعْلُولٌ بِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمَشْرُوطِ

مُذَارَعَةً؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَهُ إذْ الذَّرْعُ وَصْفٌ فِي الثَّوْبِ، بِخِلَافِ الْقَدْرِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِكَيْلِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ صَاعَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَهُوَ الشَّرْطُ، وَلَا بِكَيْلِهِ بَعْدَ الْبَيْعِ بِغَيْبَةِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْكَيْلَ مِنْ بَابِ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ بِهِ يَصِيرُ الْمَبِيعُ مَعْلُومًا وَلَا تَسْلِيمَ إلَّا بِحَضْرَتِهِ، وَلَوْ كَالَهُ الْبَائِعُ بَعْدَ الْبَيْعِ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي فَقَدْ قِيلَ لَا يُكْتَفَى بِهِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ اُعْتُبِرَ صَاعَيْنِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ صَارَ مَعْلُومًا بِكَيْلٍ وَاحِدٍ وَتَحَقَّقَ مَعْنَى التَّسْلِيمِ، وَمَحْمَلُ الْحَدِيثِ اجْتِمَاعُ الصَّفْقَتَيْنِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ فِي بَابِ السَّلَمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَوْ اشْتَرَى الْمَعْدُودَ عَدًّا فَهُوَ كَالْمَذْرُوعِ فِيمَا يُرْوَى عَنْهُمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِ الرِّبَا، وَكَالْمَوْزُونِ فِيمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَذَلِكَ بِمَا يُتَصَوَّرُ إذَا بِيعَ مُكَايَلَةً فَلَمْ يَتَنَاوَلْ مَا عَدَاهُ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ دَعْوَى مُجَرَّدَةٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّقَصِّيَ عَنْ عُهْدَةِ ذَلِكَ بِأَنْ يُقَالَ: قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] يَقْتَضِي جَوَازَهُ مُطْلَقًا وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِآيَةِ الرِّبَا فَجَازَ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَفِيهِ ذِكْرُ جَرَيَانِ الصَّاعَيْنِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِتَعْيِينِ الْمِقْدَارِ وَتَعْيِينُ الْمِقْدَارِ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ عِنْدَ تَوَهُّمِ زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ فَكَانَ فِي النَّصِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَعْلُولٌ بِذَلِكَ وَهُوَ فِي الْمُجَازَفَةِ مَعْدُومٌ فَكَانَ جَائِزًا بِلَا كَيْلٍ، ثُمَّ فِي قَوْلِهِ اشْتَرَى مَكِيلًا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ مَلَكَهُ بِهِبَةٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ جَازَ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ الْكَيْلِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَا لَوْ وَقَعَ ثَمَنًا كَمَا سَيَأْتِي وَحُكْمُ بَيْعِ الثَّوْبِ مُذَارَعَةً حُكْمُ الْمُجَازَفَةِ فِي الْمَكِيلِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَهُ، إذْ الذَّرْعُ وَصْفٌ فِي الثَّوْبِ فَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ احْتِمَالُ الزِّيَادَةِ فَلَمْ تَكُنْ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ لِتَلْحَقَ بِهِ، بِخِلَافِ الْقَدْرِ فَإِنَّهُ مَبِيعٌ لَا وَصْفٌ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِكَيْلِ الْبَائِعِ وَهُوَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ قَبْلَ الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي لِأَنَّ الشَّرْطَ صَاعُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَلَا بِكَيْلِهِ بَعْدَ الْبَيْعِ بِغَيْبَةِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْكَيْلَ مِنْ بَابِ التَّسْلِيمِ إذْ الْمَبِيعُ يَصِيرُ بِهِ مَعْلُومًا وَلَا تَسْلِيمَ إلَّا بِحَضْرَتِهِ. وَلَوْ كَالَهُ الْبَائِعُ بَعْدَ الْبَيْعِ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي فَقَدْ قِيلَ لَا يُكْتَفَى بِهِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ اعْتَبَرَ صَاعَيْنِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِهِ

لِأَنَّهُ لَا تَحِلُّ لَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمَشْرُوطِ. قَالَ (وَالتَّصَرُّفُ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ) لِقِيَامِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَلَيْسَ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْمَبِيعَ صَارَ مَعْلُومًا بِكَيْلٍ وَاحِدٍ وَتَحَقَّقَ مَعْنَى التَّسْلِيمِ وَانْتَفَى احْتِمَالُ الزِّيَادَةِ، وَمَحْمَلُ الْحَدِيثِ اجْتِمَاعُ الصَّفْقَتَيْنِ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي بَابِ السَّلَمِ أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ فِي كُرٍّ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ اشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مِنْ رَجُلٍ كُرًّا أَوْ أَمَرَ رَبُّ الْمَالِ بِقَبْضِهِ لَمْ يَكُنْ قَبْضًا، وَإِنْ أَمَرَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ لَهُ ثُمَّ يَقْبِضَهُ لِنَفْسِهِ فَاكْتَالَهُ لَهُ ثُمَّ اكْتَالَهُ لِنَفْسِهِ جَازَ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَتْ الصَّفْقَتَانِ بِشَرْطِ الْكَيْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْكَيْلِ مَرَّتَيْنِ. وَاعْلَمْ أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إيهَامَ التَّنَاقُضِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ أَوَّلًا فِيمَا إذَا كَانَ الْعَقْدَانِ بِشَرْطِ الْكَيْلِ. وَاسْتَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ جَرَيَانِ الصَّاعَيْنِ بِالْحَدِيثِ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي آخِرِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنْ يُكْتَفَى بِالْكَيْلِ الْوَاحِدِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا يَكُونُ عَقْدًا وَاحِدًا بِشَرْطِ الْكَيْلِ، لِمَا أَنَّ الِاكْتِفَاءَ بِالْكَيْلِ الْوَاحِدِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الرِّوَايَةِ إنَّمَا هُوَ فِي الْعَقْدِ الْوَاحِدِ بِشَرْطِ الْكَيْلِ. وَأَمَّا إذَا وُجِدَ الْعَقْدُ بِشَرْطِ الْكَيْلِ فَالِاكْتِفَاءُ بِالْكَيْلِ الْوَاحِدِ فِيهِمَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ مِنْ الرِّوَايَةِ، بَلْ الْجَوَابُ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الرِّوَايَةِ وُجُوبُ الْكَيْلَيْنِ. وَدَفَعَهُ بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْبَائِعِ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ كَالَهُ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ وَبِالْمُشْتَرِي هُوَ الثَّانِي وَبِالْبَيْعِ هُوَ الْبَيْعُ الثَّانِي، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا بَاعَ مُكَايَلَةً وَكَالَهُ بِحَضْرَةِ مُشْتَرِيهِ يُكْتَفَى بِذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلِيلِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ وَمَحْمَلُ الْحَدِيثِ اجْتِمَاعُ الصَّفْقَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ اجْتِمَاعَ الصَّفْقَتَيْنِ غَيْرُ مَنْظُورٍ إلَيْهِ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الصَّاعَيْنِ فِيمَا إذَا اجْتَمَعَتْ الصَّفْقَتَانِ كَمَا فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ وَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ السَّلَمِ. وَأَمَّا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَلَا. هَذَا وَإِذَا نَظَرْنَا إلَى التَّعْلِيلِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الْمَشْرُوطِ وَذَلِكَ لِلْبَائِعِ يَقْتَضِي أَنْ يُكْتَفَى بِالْكَيْلِ الْوَاحِدِ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا كَمَا ذَكَرْنَا. وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّ وُجُوبَ الْكَيْلَيْنِ عَزِيمَةٌ وَالِاكْتِفَاءَ بِالْكَيْلِ الْوَاحِدِ رُخْصَةٌ أَوْ قِيَاسٌ أَوْ اسْتِحْسَانٌ لَكَانَ ذَلِكَ مَدْفَعًا جَارِيًا عَلَى الْقَوَانِينِ لَكِنْ لَمْ أَظْفَرْ بِذَلِكَ. وَلَوْ اشْتَرَى الْمَعْدُودَ عَدًّا فَهُوَ كَالْمَذْرُوعِ فِيمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِ الرِّبَا، وَلِهَذَا جَازَ بَيْعُ الْوَاحِدِ بِالِاثْنَيْنِ فَكَانَ كَالْمَذْرُوعِ. وَحُكْمُهُ قَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الذَّرْعِ إذَا بَاعَ مُزَارَعَةً. وَكَالْمَوْزُونِ فِيمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ لِأَنَّهُ لَا تَحِلُّ الزِّيَادَةُ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى جَوْزًا عَلَى أَنَّهَا أَلْفٌ فَوَجَدَهَا أَكْثَرَ لَمْ تَسْلَمْ لَهُ الزِّيَادَةُ، وَلَوْ وَجَدَهَا أَقَلَّ يَسْتَرِدُّ حِصَّةَ النُّقْصَانِ كَالْمَوْزُونِ فَلَا بُدَّ لِجَوَازِ التَّصَرُّفِ مِنْ الْعَدِّ كَالْوَزْنِ فِي الْمَوْزُونِ. قَالَ (وَالتَّصَرُّفُ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ) سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ كَالنُّقُودِ أَوْ مِمَّا يَتَعَيَّنُ كَالْمَكِيلِ

غَرَرُ الِانْفِسَاخِ بِالْهَلَاكِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهَا بِالتَّعْيِينِ، بِخِلَافِ الْمَبِيعِ، قَالَ (وَيَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَزِيدَ لِلْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ وَيَجُوزُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَزِيدَ لِلْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَحُطَّ مِنْ الثَّمَنِ وَيَتَعَلَّقُ الِاسْتِحْقَاقُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ) فَالزِّيَادَةُ وَالْحَطُّ يَلْتَحِقَانِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَصِحَّانِ عَلَى اعْتِبَارِ الِالْتِحَاقِ، بَلْ عَلَى اعْتِبَارِ ابْتِدَاءِ الصِّلَةِ، لَهُمَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ الزِّيَادَةِ ثَمَنًا؛ لِأَنَّهُ يُصَيِّرُ مِلْكَهُ عِوَضَ مِلْكِهِ فَلَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ، وَكَذَا الْحَطُّ؛ لِأَنَّ كُلَّ الثَّمَنِ صَارَ مُقَابَلًا بِكُلِّ الْمَبِيعِ فَلَا يُمْكِنُ إخْرَاجُهُ فَصَارَ بِرًّا مُبْتَدَأً، وَلَنَا أَنَّهُمَا بِالْحَطِّ وَالزِّيَادَةِ يُغَيِّرَانِ الْعَقْدَ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمَوْزُونِ، حَتَّى لَوْ بَاعَ إبِلًا بِدَرَاهِمَ أَوْ بِكُرٍّ مِنْ الْحِنْطَةِ جَازَ أَنْ يَأْخُذَ بَدَلَهُ شَيْئًا آخَرَ. قَالَ «ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: كُنَّا نَبِيعُ الْإِبِلَ فِي الْبَقِيعِ فَنَأْخُذُ مَكَانَ الدَّرَاهِمِ الدَّنَانِيرَ وَمَكَانَ الدَّنَانِيرِ الدَّرَاهِمَ، وَكَانَ يُجَوِّزُهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَلِأَنَّ الْمُطْلِقَ لِلتَّصَرُّفِ وَهُوَ الْمِلْكُ قَائِمٌ وَالْمَانِعَ وَهُوَ غَرَرُ الِانْفِسَاخِ بِالْهَلَاكِ مُنْتَفٍ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهَا بِالتَّعْيِينِ أَيْ فِي النُّقُودِ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ. قَالَ (وَيَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَزِيدَ الْبَائِعَ فِي الثَّمَنِ) إذَا اشْتَرَى عَيْنًا بِمِائَةٍ ثُمَّ زَادَ عَشَرَةً

وَصْفٍ مَشْرُوعٍ إلَى وَصْفٍ مَشْرُوعٍ وَهُوَ كَوْنُهُ رَابِحًا أَوْ خَاسِرًا أَوْ عَدْلًا، وَلَهُمَا وِلَايَةُ الرَّفْعِ فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ لَهُمَا وِلَايَةُ التَّغَيُّرِ، وَصَارَ كَمَا إذَا أَسْقَطَا الْخِيَارَ أَوْ شَرَطَاهُ بَعْدَ الْعَقْدِ، ثُمَّ إذَا صَحَّ يَلْتَحِق بِأَصْلِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ وَصْفَ الشَّيْءِ يَقُومُ بِهِ لَا بِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ حَطِّ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ تَبْدِيلٌ لِأَصْلِهِ لَا تَغْيِيرٌ لِوَصْفِهِ فَلَا يَلْتَحِقُ بِهِ، وَعَلَى اعْتِبَارِ الِالْتِحَاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَثَلًا أَوْ بَاعَ عَيْنًا بِمِائَةٍ ثُمَّ زَادَ عَلَى الْمَبِيعِ شَيْئًا أَوْ حَطَّ بَعْضَ الثَّمَنِ جَازَ، وَالِاسْتِحْقَاقُ يَتَعَلَّقُ بِكُلِّ ذَلِكَ فَيَمْلِكُ الْبَائِعُ حَبْسَ الْمَبِيعِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْأَصْلَ وَالزِّيَادَةَ، وَلَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي مُطَالَبَةَ الْمَبِيعِ مِنْ الْبَائِعِ حَتَّى يَدْفَعَهُمَا إلَيْهِ. وَيَسْتَحِقُّ الْمُشْتَرِي مُطَالَبَةَ الْمَبِيعِ كُلِّهِ بِتَسْلِيمِ مَا بَقِيَ بَعْدَ الْحَطِّ وَيَتَعَلَّقُ الِاسْتِحْقَاقُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ يَعْنِي الْأَصْلَ وَالزِّيَادَةَ. فَإِذَا اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِهِمَا، وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ فَالزِّيَادَةُ وَالْحَطُّ يَلْتَحِقَانِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ عِنْدَنَا. وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ لَا يَصِحَّانِ عَلَى اعْتِبَارِ الِالْتِحَاقِ، بَلْ عَلَى اعْتِبَارِ ابْتِدَاءِ الصِّلَةِ أَيْ الْهِبَةِ ابْتِدَاءً لَا تَتِمُّ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ. لَهُمَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ الزِّيَادَةِ ثَمَنًا لِأَنَّ هَذَا التَّصْحِيحَ يُصَيِّرُ مِلْكَهُ عِوَضَ مِلْكِهِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَلَكَ الْمَبِيعَ بِالْعَقْدِ الْمُسَمَّى ثَمَنًا. فَالزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ تَكُونُ فِي مُقَابَلَةِ مِلْكِ نَفْسِهِ وَهُوَ الْمَبِيعُ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَفِي الْحَطِّ الثَّمَنُ كُلُّهُ مُقَابَلٌ بِكُلِّ الْمَبِيعِ فَلَا يُمْكِنُ إخْرَاجُهُ عَنْ ذَلِكَ فَصَارَ بُرًّا مُبْتَدَأً. وَلَنَا أَنَّ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ بِالْحَطِّ وَالزِّيَادَةِ غَيْرُ الْعَقْدِ بِتَرَاضِيهِمَا مِنْ وَصْفٍ مَشْرُوعٍ إلَى وَصْفٍ مَشْرُوعٍ، لِأَنَّ الْبَيْعَ الْمَشْرُوعَ خَاسِرٌ وَرَابِحٌ وَعَدْلٌ، وَالزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ تَجْعَلُ الْخَاسِرَ عَدْلًا وَالْعَدْلَ رَابِحًا، وَالْحَطُّ يَجْعَلُ الرَّابِحَ عَدْلًا وَالْعَدْلَ خَاسِرًا وَذَلِكَ الزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ، وَلَهُمَا وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ بِرَفْعِ أَصْلِ الْعَقْدِ بِالْإِقَالَةِ، فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ لَهُمَا وِلَايَةُ التَّغْيِيرِ مِنْ وَصْفٍ إلَى وَصْفٍ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي صِفَةِ الشَّيْءِ أَهْوَنُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي أَصْلِهِ وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ لَهُمَا خِيَارُ الشَّرْطِ فَأَسْقَطَا أَوْ شَرَطَاهُ بَعْدَ الْعَقْدِ فَصَحَّ إلْحَاقُ الزِّيَادَةِ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ، وَإِذَا صَحَّ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الثَّمَنِ كَالْوَصْفِ لَهُ، وَوَصْفُ الشَّيْءِ يَقُومُ بِذَلِكَ الشَّيْءِ لَا بِنَفْسِهِ، فَالزِّيَادَةُ تَقُومُ بِالثَّمَنِ لَا بِنَفْسِهَا. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ حَطُّ الْبَعْضِ صَحِيحًا لَكَانَ حَطُّ الْكُلِّ كَذَلِكَ اعْتِبَارًا لِلْكُلِّ بِالْبَعْضِ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِالْفَرْقِ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ حَطِّ الْكُلِّ لِأَنَّهُ تَبْدِيلٌ بِأَصْلِهِ لَا تَغْيِيرٌ بِوَصْفِهِ، لِأَنَّ عَمَلَ الْحَطِّ فِي إخْرَاجِ الْقَدْرِ الْمَحْطُوطِ مِنْ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فَالشَّرْطُ فِيهِ قِيَامُ الثَّمَنِ وَذَلِكَ فِي حَطِّ الْبَعْضِ لِوُجُودِ مَا يَصْلُحُ ثَمَنًا. وَأَمَّا حَطُّ الْجَمِيعِ فَتَبْدِيلٌ لِلْعَقْدِ، لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَبْقَى بَيْعًا بَاطِلًا لِعَدَمِ الثَّمَنِ حِينَئِذٍ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُمَا لَمْ يَقْصِدَا ذَلِكَ أَوْ يَصِيرَ هِبَةً وَقَدْ كَانَ

لَا تَكُونُ الزِّيَادَةُ عِوَضًا عَنْ مِلْكِهِ، وَيَظْهَرُ حُكْمُ الِالْتِحَاقِ فِي التَّوْلِيَةِ وَالْمُرَابَحَةِ حَتَّى يَجُوزَ عَلَى الْكُلِّ فِي الزِّيَادَةِ وَيُبَاشِرَ عَلَى الْبَاقِي فِي الْحَطِّ وَفِي الشُّفْعَةِ حَتَّى يَأْخُذَ بِمَا بَقِيَ فِي الْحَطِّ، وَإِنَّمَا كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ بِدُونِ الزِّيَادَةِ لِمَا فِي الزِّيَادَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَصْدُهُمَا التِّجَارَةَ فِي الْمَبِيعِ دُونَ الْهِبَةِ فَلَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ لِوُجُودِ الْمَانِعِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الِالْتِحَاقِ لِمَانِعٍ عَدَمُهُ لَا لِمَانِعٍ فَيَلْتَحِقُ حَطُّ الْبَعْضِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ، وَعَلَى اعْتِبَارِ الِالْتِحَاقِ لَا تَكُونُ الزِّيَادَةُ عِوَضًا عَنْ مِلْكِهِ. وَيَظْهَرُ حُكْمُ الِالْتِحَاقِ فِي التَّوْلِيَةِ وَالْمُرَابَحَةِ حَتَّى تَجُوزَ عَلَى الْكُلِّ فِي الزِّيَادَةِ، وَعَلَى الْبَاقِي فِي الْحَطِّ فَإِنَّ الْبَائِعَ إذَا حَطَّ بَعْضَ الثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي وَالْمُشْتَرِي قَالَ لِآخَرَ وَلَّيْتُك هَذَا الشَّيْءَ وَقَعَ عَقْدُ التَّوْلِيَةِ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ الثَّمَنِ بَعْدَ الْحَطِّ فَكَانَ الْحَطُّ بَعْدَ الْعَقْدِ مُلْتَحِقًا بِأَصْلِ الْعَقْدِ كَانَ الثَّمَنُ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ هُوَ ذَلِكَ الْمِقْدَارُ وَكَذَلِكَ فِي الزِّيَادَةِ، وَيَظْهَرُ حُكْمُهُ أَيْضًا فِي الشُّفْعَةِ حَتَّى يَأْخُذَ الشَّفِيعُ بِمَا بَقِيَ فِي الْحَطِّ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا كَانَ لِلشَّفِيعِ) جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ لَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُلْتَحِقَةً بِأَصْلِ الْعَقْدِ لَأَخَذَ الشَّفِيعُ بِالزِّيَادَةِ كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ. وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ: إنَّمَا كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ بِدُونِ الزِّيَادَةِ لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَفِي الزِّيَادَةِ إبْطَالٌ لَهُ، وَلَيْسَ لَهُمَا وِلَايَةٌ عَلَى إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ بِتَرَاضِيهِمَا وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا. وَأَمَّا بَعْدَ هَلَاكِهِ فَلَا تَصِحُّ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَمْ يَبْقَ عَلَى حَالَةٍ يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ. إذْ الِاعْتِيَاضُ إنَّمَا يَكُونُ فِي مَوْجُودٍ وَالشَّيْءُ يَثْبُتُ ثُمَّ يَسْتَنِدُ وَلَمْ تَثْبُتْ الزِّيَادَةُ لِعَدَمِ مَا يُقَابِلُهُ فَلَا تَسْتَنِدُ، بِخِلَافِ الْحَطِّ لِأَنَّهُ بِحَالٍ يُمْكِنُ إخْرَاجُ الْبَدَلِ عَمَّا يُقَابِلُهُ لِكَوْنِهِ إسْقَاطًا وَالْإِسْقَاطُ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ مَا يُقَابِلُهُ فَيَثْبُتُ الْحَطُّ فِي الْحَالِ وَيَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ اسْتِنَادًا. رَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ تَصِحُّ زِيَادَةُ الثَّمَنِ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ. وَوَجْهُهُ أَنْ يَجْعَلَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ قَائِمًا تَقْدِيرًا وَتُجْعَلَ الزِّيَادَةُ تَغْيِيرًا كَمَا جُعِلَ قَائِمًا إذَا اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ كَانَ قَبْلَ الْهَلَاكِ حَيْثُ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ، وَهَذَا لِأَنَّ قِيَامَ الْعَقْدِ بِالْعَاقِدَيْنِ لَا بِالْمَحَلِّ، وَاشْتِرَاطُ

مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِ الثَّابِتِ فَلَا يَمْلِكَانِهِ، ثُمَّ الزِّيَادَةُ لَا تَصِحُّ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَمْ يَبْقَ عَلَى حَالَةٍ يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ وَالشَّيْءُ يَثْبُتُ ثُمَّ يُسْتَنَدُ، بِخِلَافِ الْحَطِّ لِأَنَّهُ بِحَالٍ يُمْكِنُ إخْرَاجُ الْبَدَلِ عَمَّا يُقَابِلُهُ فَيُلْتَحَقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ اسْتِنَادًا. قَالَ (وَمَنْ بَاعَ بِثَمَنٍ حَالٍّ ثُمَّ أَجَّلَهُ أَجَلًا مَعْلُومًا صَارَ مُؤَجَّلًا) ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ حَقُّهُ فَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ تَيْسِيرًا عَلَى مَنْ عَلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَحَلِّ لِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ أَوْ إبْقَائِهِ بِطَرِيقِ التَّجَدُّدِ فَلَمْ يَكُنْ لِإِيفَاءِ الْعَقْدِ فِي حَقِّهِ فَائِدَةٌ، فَأَمَّا فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ فَفِيهِ فَائِدَةٌ فَتَبْقَى وَالزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ جَائِزَةٌ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ فِي مُقَابَلَةِ الثَّمَنِ وَهُوَ قَائِمٌ وَيَكُونُ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ، حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ سَقَطَ بِحِصَّتِهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ. قَالَ (وَمَنْ بَاعَ بِثَمَنٍ حَالٍّ) ثُمَّ أَجَّلَهُ أَجَلٌ مَعْلُومٌ إذَا بَاعَ شَيْئًا بِثَمَنٍ حَالٍّ

أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَمْلِكُ إبْرَاءَهُ مُطْلَقًا فَكَذَا مُؤَقَّتًا، وَلَوْ أَجَّلَهُ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ إنْ كَانَتْ الْجَهَالَةُ مُتَفَاحِشَةً كَهُبُوبِ الرِّيحِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَقَارِبَةً كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ. قَالَ (وَكُلُّ دَيْنٍ حَالٍّ إذَا أَجَّلَهُ صَاحِبُهُ صَارَ مُؤَجَّلًا) ؛ لِمَا ذَكَرْنَا (إلَّا الْقَرْضَ) فَإِنَّ تَأْجِيلَهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ إعَارَةٌ وَصِلَةٌ فِي الِابْتِدَاءِ حَتَّى يَصِحَّ بِلَفْظَةِ الْإِعَارَةِ، وَلَا يَمْلِكُهُ مِنْ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ كَالْوَصِيِّ وَالصَّبِيِّ وَمُعَاوَضَةٌ فِي الِانْتِهَاءِ، فَعَلَى اعْتِبَارِ الِابْتِدَاءِ لَا يَلْزَمُ التَّأْجِيلُ فِيهِ كَمَا فِي الْإِعَارَةِ، إذْ لَا جَبْرَ فِي التَّبَرُّعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ أَجَّلَهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ صَحَّ وَصَارَ مُؤَجَّلًا. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَلْحَقُ الْأَجَلُ بِالْعَقْدِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ دَيْنٌ فَلَا يَتَأَجَّلُ كَالْقَرْضِ. وَلَنَا أَنَّ الثَّمَنَ حَقُّهُ فَجَازَ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِالتَّأْجِيلِ رِفْقًا بِمَنْ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ التَّأْجِيلَ إثْبَاتُ بَرَاءَةٍ مُؤَقَّتَةٍ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ، وَهُوَ يَمْلِكُ الْبَرَاءَةَ الْمُطْلَقَةَ بِالْإِبْرَاءِ عَنْ الثَّمَنِ فَلَأَنْ يَمْلِكَ الْبَرَاءَةَ الْمُؤَقَّتَةَ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ الْجَهَالَةُ فَاحِشَةً أَوْ يَسِيرَةً، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ كَمَا إذَا أَجَّلَهُ إلَى هُبُوبِ الرِّيحِ وَنُزُولِ الْمَطَرِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ جَازَ كَالْكَفَالَةِ، لِأَنَّ الْأَجَلَ لَمْ يُشْتَرَطْ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ فَصَحَّ مَعَ الْجَهَالَةِ الْيَسِيرَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ (وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ) يَعْنِي فِي أَوَاخِرِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ قَالَ (وَكُلُّ دَيْنٍ حَالٍّ إذَا أَجَّلَهُ صَاحِبُهُ صَارَ مُؤَجَّلًا) كُلُّ دَيْنٍ حَالٍّ بِتَأْجِيلِ صَاحِبِهِ يَصِيرُ مُؤَجَّلًا (لِمَا ذَكَرْنَا) أَنَّهُ حَقُّهُ، لَكِنَّ الْقَرْضَ لَا يَصِحُّ تَأْجِيلُهُ. وَهَذَا لِأَنَّ الْقَرْضَ فِي الِابْتِدَاءِ صِلَةٌ وَإِعَارَةٌ فَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ، وَلِهَذَا يَصِحُّ بِلَفْظِ الْإِعَارَةِ (وَلَا يَمْلِكُهُ مَنْ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ كَالْوَصِيِّ وَالصَّبِيِّ، وَمُعَاوَضَةٌ فِي الِانْتِهَاءِ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالْقَرْضِ رَدُّ الْمِثْلِ لَا رَدُّ الْعَيْنِ (فَعَلَى اعْتِبَارِ الِابْتِدَاءِ لَا يَصِحُّ) أَيْ لَا يَلْزَمُ التَّأْجِيلُ فِيهِ (كَمَا فِي الْإِعَارَةِ إذْ لَا جَبْرَ

وَعَلَى اعْتِبَارِ الِانْتِهَاءِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعَ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ نَسِيئَةً وَهُوَ رِبًا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى أَنْ يُقْرِضَ مِنْ مَالِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فُلَانًا إلَى سَنَةٍ حَيْثُ يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ مِنْ ثُلُثِهِ أَنْ يُقْرِضُوهُ وَلَا يُطَالِبُوهُ قَبْلَ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِالتَّبَرُّعِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى فَيَلْزَمُ حَقًّا لِلْمُوصِي، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَلَى اعْتِبَارِ الِانْتِهَاءِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعَ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ نَسِيئَةً وَهُوَ رِبًا) وَهَذَا يَقْتَضِي فَسَادَ الْقَرْضِ لَكِنْ نَدَبَ الشَّرْعُ إلَيْهِ، وَأَجْمَعَ الْأُمَّةُ عَلَى جَوَازِهِ فَاعْتَمَدْنَا عَلَى الِابْتِدَاءِ وَقُلْنَا بِجَوَازِهِ بِلَا لُزُومٍ (وَنُوقِضَ بِمَا إذَا أَوْصَى أَنْ يُقْرِضَ مِنْ مَالِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فُلَانًا إلَى سَنَةٍ) فَإِنَّهُ قَرْضٌ مُؤَجَّلٌ وَأَجَلُهُ لَازِمٌ (حَيْثُ يَلْزَمُ مِنْ ثُلُثِهِ أَنْ يُقْرِضُوهُ وَلَا يُطَالِبُوهُ) إلَى سَنَةٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْوَصِيَّةِ بِالتَّبَرُّعِ كَالْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى فِي كَوْنِهِمَا وَصِيَّةً بِالتَّبَرُّعِ بِالْمَنَافِعِ وَيَلْزَمُ فِي الْوَصِيَّةِ مَا لَا يَلْزَمُ فِي غَيْرِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ لِفُلَانٍ صَحَّ وَلَزِمَ وَإِنْ كَانَتْ مَعْدُومَةً وَقْتَ الْوَصِيَّةِ فَكَذَلِكَ يَلْزَمُ التَّأْجِيلُ فِي الْقَرْضِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِلْوَرَثَةِ مُطَالَبَةُ الْمُوصَى لَهُ بِالِاسْتِرْدَادِ قَبْلَ السَّنَةِ حَقًّا لِلْمُوصِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[باب الربا]

«مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» (حَدِيثٌ شَرِيفٌ) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (بَابُ الرِّبَا) قَالَ الرِّبَا مُحَرَّمٌ فِي كُلِّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ إذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الرِّبَا] لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ أَبْوَابِ الْبُيُوعِ الَّتِي أَمَرَ الشَّارِعُ بِمُبَاشَرَتِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10] شَرَعَ فِي بَيَانِ أَنْوَاعِ بُيُوعٍ نَهَى الشَّارِعُ عَنْ مُبَاشَرَتِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران: 130] فَإِنَّ النَّهْيَ يَعْقُبُ الْأَمْرَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ بَيَانُ الْحَلَالِ الَّذِي هُوَ بَيْعٌ شَرْعًا وَالْحَرَامُ الَّذِي هُوَ الرِّبَا، وَلِهَذَا لَمَّا قِيلَ لِمُحَمَّدٍ أَلَا تُصَنِّفُ شَيْئًا فِي الزُّهْدِ؟ قَالَ قَدْ صَنَّفْت كِتَابَ الْبُيُوعِ، وَمُرَادُهُ بَيَّنْت فِيهِ مَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ، وَلَيْسَ الزُّهْدُ إلَّا الِاجْتِنَابَ مِنْ الْحَرَامِ وَالرَّغْبَةَ فِي الْحَلَالِ. وَالرِّبَا فِي اللُّغَةِ هُوَ الزِّيَادَةُ، مِنْ رَبَا الْمَالُ: أَيْ زَادَ، وَيُنْسَبُ فَيُقَالُ رِبَوِيٌّ بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَمِنْهُ الْأَشْيَاءُ الرِّبَوِيَّةُ، وَفَتْحُ الرَّاءِ خَطَأٌ ذَكَرَهُ فِي الْمُغْرِبِ. وَفِي الِاصْطِلَاحِ: هُوَ الْفَضْلُ الْخَالِي عَنْ الْعِوَضِ الْمَشْرُوطِ فِي الْبَيْعِ. قَالَ (الرِّبَا مُحَرَّمٌ فِي كُلِّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ) أَيْ حُكْمُ الرِّبَا وَهُوَ حُرْمَةُ الْفَضْلِ وَالنَّسِيئَةِ

فَالْعِلَّةُ عِنْدَنَا الْكَيْلُ مَعَ الْجِنْسِ وَالْوَزْنُ مَعَ الْجِنْسِ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَيُقَالُ الْقَدْرُ مَعَ الْجِنْسِ وَهُوَ أَشْمَلُ. وَالْأَصْلُ فِيهِ الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، وَالْفَضْلُ رِبًا» وَعَدَّ الْأَشْيَاءَ السِّتَّةَ: الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ وَالتَّمْرَ وَالْمِلْحَ وَالذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ عَلَى هَذَا الْمِثَالِ. وَيُرْوَى بِرِوَايَتَيْنِ بِالرَّفْعِ مِثْلٌ وَبِالنَّصْبِ مِثْلًا. وَمَعْنَى الْأَوَّلِ بَيْعُ التَّمْرِ، وَمَعْنَى الثَّانِي بِيعُوا التَّمْرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQجَارٍ فِي كُلِّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ إذَا بِيعَ بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ مِنْ جِنْسِهِ (فَالْعِلَّةُ) أَيْ لِوُجُوبِ الْمُمَاثَلَةِ هُوَ (الْكَيْلُ مَعَ الْجِنْسِ أَوْ الْوَزْنُ مَعَ الْجِنْسِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَيُقَالُ الْقَدْرُ مَعَ الْجِنْسِ وَهُوَ أَشْمَلُ) لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُهُمَا وَلَيْسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ يَتَنَاوَلُ الْآخَرَ. (وَالْأَصْلُ فِيهِ الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ) الَّذِي تَلَقَّتْهُ الْعُلَمَاءُ بِالْقَبُولِ (وَهُوَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَالْفَضْلُ رِبًا» وَعَدَّ الْأَشْيَاءَ السِّتَّةَ الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ وَالتَّمْرَ وَالْمِلْحَ وَالذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ عَلَى هَذَا الْمِثَالِ) وَمَدَارُهُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَرُوِيَ بِرِوَايَتَيْنِ بِالرَّفْعِ " مِثْلٌ بِمِثْلٍ " وَبِالنَّصْبِ " مِثْلًا بِمِثْلٍ " وَمَعْنَى الْأَوَّلِ بَيْعُ الْحِنْطَةِ حُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ وَأُعْرِبَ بِإِعْرَابِهِ وَمِثْلٌ خَبَرُهُ، وَمَعْنَى الثَّانِي بِيعُوا التَّمْرَ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالْمُرَادُ بِالْمُمَاثَلَةِ الْمُمَاثَلَةُ مِنْ حَيْثُ الْكَيْلُ بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ " كَيْلًا بِكَيْلٍ " وَكَذَلِكَ فِي الْمَوْزُونِ " وَزْنًا بِوَزْنٍ " فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ لَا مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْحِنْطَةِ، فَإِنَّ بَيْعَ حَبَّةٍ مِنْ حِنْطَةٍ بِحَبَّةٍ مِنْهَا لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ التَّقَوُّمِ مَعَ صِدْقِ الِاسْمِ عَلَيْهِ، وَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمُمَاثَلَةُ مِنْ حَيْثُ الْجَوْدَةُ وَالرَّدَاءَةُ بِدَلِيلِ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ «جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ» ، وَكَلَامُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُفَسِّرُ بَعْضُهُ بَعْضًا. فَإِنْ قِيلَ: تَقْدِيرُ بِيعُوا يُوجِبُ الْبَيْعَ وَهُوَ مُبَاحٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْوُجُوبَ مَصْرُوفٌ إلَى الصِّفَةِ كَقَوْلِك مُتْ وَأَنْتَ شَهِيدٌ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْأَمْرَ بِالْمَوْتِ وَلَكِنْ بِالْكَوْنِ عَلَى صِفَةِ الشُّهَدَاءِ إذَا مَاتَ، وَكَذَلِكَ الْمُرَادُ الْأَمْرُ بِكَوْنِ الْبَيْعِ عَلَى صِفَةِ الْمُمَاثَلَةِ (قَوْلُهُ: يَدٌ بِيَدٍ) الْمُرَادُ بِهِ عِنْدَنَا عَيْنٌ بِعَيْنٍ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ قَبْضٌ بِقَبْضٍ (قَوْلُهُ: وَالْفَضْلُ رِبًا) الْفَضْلُ مِنْ حَيْثُ الْكَيْلُ حَرَامٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ فَضْلُ ذَاتِ أَحَدِهِمَا عَلَى

وَالْحُكْمُ مَعْلُومٌ بِإِجْمَاعِ الْقَائِسِينَ لَكِنَّ الْعِلَّةَ عِنْدَنَا مَا ذَكَرْنَاهُ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الطَّعْمُ فِي الْمَطْعُومَاتِ وَالثَّمَنِيَّةُ فِي الْأَثْمَانِ، وَالْجِنْسِيَّةُ شَرْطٌ، وَالْمُسَاوَاةُ مُخَلِّصٌ. وَالْأَصْلُ هُوَ الْحُرْمَةُ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى شَرْطَيْنِ التَّقَابُضِ وَالْمُمَاثَلَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْآخَرِ حَرَامٌ (وَالْحُكْمُ مَعْلُولٌ بِإِجْمَاعِ الْقَائِسِينَ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ دَاوُد مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ إنَّ الْحُكْمَ مَقْصُورٌ عَلَى الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ، وَالنَّصُّ غَيْرُ مَعْلُولٍ (لَكِنَّ الْعِلَّةَ عِنْدَنَا مَا ذَكَرْنَا) مِنْ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ (وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الطَّعْمُ فِي الْمَطْعُومَاتِ وَالثَّمَنِيَّةُ فِي الْأَثْمَانِ وَالْجِنْسِيَّةُ شَرْطٌ) لِعَمَلِ الْعِلَّةِ عَمَلَهَا حَتَّى لَا تَعْمَلَ الْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ عِنْدَهُ إلَّا عِنْدَ وُجُودِ الْجِنْسِيَّةِ، وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ لَهَا أَثَرٌ فِي تَحْرِيمِ النَّسَاءِ، فَلَوْ أَسْلَمَ هَرَوِيًّا فِي هَرَوِيٍّ جَازَ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا لَمْ يَجُزْ لِوُجُودِ أَحَدِ وَصْفَيْ الْعِلَّةِ، وَسَيَأْتِي (وَالْمُسَاوَاةُ مُخَلِّصٌ) يُتَخَلَّصُ بِهَا عَنْ الْحُرْمَةِ لِأَنَّهُ: أَيْ الشَّارِعَ

وَكُلُّ ذَلِكَ يُشْعِرُ بِالْعِزَّةِ وَالْخَطَرِ كَاشْتِرَاطِ الشَّهَادَةِ فِي النِّكَاحِ، فَيُعَلَّلُ بِعِلَّةٍ تُنَاسِبُ إظْهَارَ الْخَطَرِ وَالْعِزَّةِ وَهُوَ الطَّعْمُ لِبَقَاءِ الْإِنْسَانِ بِهِ وَالثَّمَنِيَّةُ لِبَقَاءِ الْأَمْوَالِ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ الْمَصَالِحِ بِهَا، وَلَا أَثَرَ لِلْجِنْسِيَّةِ فِي ذَلِكَ فَجَعَلْنَاهُ شَرْطًا وَالْحُكْمُ قَدْ يَدُورُ مَعَ الشَّرْطِ. وَلَنَا أَنَّهُ أَوْجَبَ الْمُمَاثَلَةَ شَرْطًا فِي الْبَيْعِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِسَوْقِهِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الْبَيْعِ، إذْ هُوَ يُنْبِئُ عَنْ التَّقَابُلِ وَذَلِكَ بِالتَّمَاثُلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQنَصَّ عَلَى شَرْطَيْنِ التَّقَابُضِ وَالْمُمَاثَلَةِ لِأَنَّهُ قَالَ «يَدًا بِيَدٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ» مَنْصُوبَانِ عَلَى الْحَالِ وَالْأَحْوَالُ شُرُوطٌ، هَذَا فِي رِوَايَةِ النَّصْبِ، وَفِي رِوَايَةِ الرَّفْعِ يُقَالُ مَعْنَاهُ عَلَى النَّصْبِ إلَّا أَنَّهُ عَدَلَ إلَى الرَّفْعِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الثُّبُوتِ. (وَكُلُّ ذَلِكَ) أَيْ كُلٌّ مِنْ الشَّرْطَيْنِ (يُشْعِرُ بِالْعِزَّةِ وَالْخَطَرِ كَالشَّهَادَةِ فِي النِّكَاحِ) فَإِذَا كَانَ عَزِيزًا خَطِيرًا (يُعَلَّلُ بِعِلَّةٍ تُنَاسِبُ إظْهَارَ الْخَطَرِ وَالْعِزَّةِ وَهُوَ الطَّعْمُ) فِي الْمَطْعُومَاتِ (لِبَقَاءِ الْإِنْسَانِ بِهِ، وَالثَّمَنِيَّةُ فِي الْأَثْمَانِ لِبَقَاءِ الْأَمْوَالِ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ الْمَصَالِحِ بِهَا وَلَا أَثَرَ لِلْجِنْسِيَّةِ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي إظْهَارِ الْخَطَرِ وَالْعِزَّةِ (فَجَعَلْنَاهُ شَرْطًا) وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعِلَّةَ إنَّمَا تُعْرَفُ بِالتَّأْثِيرِ، وَلِلطَّعْمِ وَالثَّمَنِيَّةِ أَثَرٌ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَيْسَ لِلْجِنْسِيَّةِ أَثَرٌ، لَكِنَّ الْعِلَّةَ لَا تَكْمُلُ إلَّا عِنْدَ وُجُودِ الْجِنْسِ فَكَانَ شَرْطًا لِأَنَّ الْحُكْمَ يَدُورُ مَعَ الشَّرْطِ وُجُودًا عِنْدَهُ وَلَا وُجُوبًا بِهِ (وَلَنَا أَنَّ الْحَدِيثَ أَوْجَبَ الْمُمَاثَلَةَ شَرْطًا فِي الْبَيْعِ) بِقَوْلِهِ مِثْلًا بِمِثْلٍ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ حَالٌ بِمَعْنَى مُمَاثِلًا، وَالْأَحْوَالُ شُرُوطٌ (وَ) وُجُوبُ الْمُمَاثَلَةِ (هُوَ الْمَقْصُودُ بِسَوْقِ الْحَدِيثِ) لِأَحَدِ مَعَانٍ ثَلَاثَةٍ (لِتَحْقِيقِ مَعْنَى الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ التَّقَابُلِ) وَهُوَ ظَاهِرٌ لِكَوْنِهِ مُبَادَلَةً وَالتَّقَابُلُ يَحْصُلُ بِالتَّمَاثُلِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ

أَوْ صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ عَنْ التَّوَى، أَوْ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ بِاتِّصَالِ التَّسْلِيمِ بِهِ، ثُمَّ يَلْزَمُ عِنْدَ فَوْتِهِ حُرْمَةُ الرِّبَا وَالْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى، وَالْمِعْيَارُ يَسْوَى الذَّاتَ، وَالْجِنْسِيَّةُ تَسْوَى الْمَعْنَى ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَدُهُمَا أَنْقَصَ مِنْ الْآخَرِ لَمْ يَحْصُلْ التَّقَابُلُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (أَوْ صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ عَنْ التَّوَى) لِأَنَّ أَحَدَ الْبَدَلَيْنِ إذَا كَانَ أَنْقَصَ مِنْ الْآخَرِ كَانَ التَّبَادُلُ مُضَيِّعًا لِفَضْلِ مَا فِيهِ الْفَضْلُ (أَوْ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ بِاتِّصَالِ التَّسْلِيمِ بِهِ) أَيْ بِالْمُمَاثِلِ: يَعْنِي أَنَّ فِي النَّقْدَيْنِ لِكَوْنِهِمَا لَا يَتَعَيَّنَانِ بِالتَّعْيِينِ شُرِطَتْ الْمُمَاثَلَةُ قَبْضًا بَعْدَ مُمَاثَلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ لِتَتْمِيمِ فَائِدَةِ الْعَقْدِ وَهُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ الْمَقْصُودِ، إذْ الْمَقْصُودُ بَيَانُ وُجُوبِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَ الْعِوَضَيْنِ قَدْرًا لَا بَيَانُ الْمُمَاثَلَةِ مِنْ حَيْثُ الْقَبْضُ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: لَوْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ مُمَاثِلًا لِلْآخَرِ لَمْ تَتِمَّ الْفَائِدَةُ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا أَنْقَصَ يَكُونُ نَفْعًا فِي حَقِّ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَضَرَرًا فِي حَقِّ الْآخَرِ، وَإِذَا كَانَ مِثْلًا لِلْآخَرِ يَكُونُ نَفْعًا فِي حَقِّهِمَا فَتَكُونُ الْفَائِدَةُ أَتَمَّ بَعْدَ الْقَبْضِ لِكَوْنِهِ نَفْعًا فِي حَقِّهِمَا جَمِيعًا. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذِهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ لِاشْتِرَاطِ التَّمَاثُلِ مِمَّا يَجِبُ تَحَقُّقُهُ فِي سَائِرِ الْبِيَاعَاتِ لِأَنَّهَا لَا تَنْفَكُّ عَنْ التَّقَابُلِ وَصِيَانَةٍ لِأَمْوَالِ النَّاسِ عَنْ التَّوَى وَتَتْمِيمُ الْفَائِدَةِ مِمَّا يَجِبُ فَيَجِبُ التَّمَاثُلُ فِي الْجَمِيعِ لِئَلَّا تَتَخَلَّفَ الْعِلَّةُ عَنْ الْمَعْلُولِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مُوجِبَهَا فِي الرِّبَا هُوَ النَّصُّ، وَالْوُجُوهُ الْمَذْكُورَةُ حِكْمَتُهُ لَا عِلَّتُهُ لِيُتَصَوَّرَ التَّخَلُّفُ، وَإِذَا ثَبَتَ اشْتِرَاطُ الْمُمَاثَلَةِ لَزِمَ عِنْدَ فَوَاتِهِ حُرْمَةُ الرِّبَا لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ يَنْتَفِي عِنْدَ انْتِفَاءِ شَرْطِهِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّمَا تَلْزَمُ حُرْمَةُ الرِّبَا عِنْدَ فَوَاتِ شَرْطِ الْحِلِّ إنْ لَمْ تُوجَدْ الْوَاسِطَةُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ وَاسِطَةٌ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُرْمَةِ مَا هُوَ حَرَامٌ لِغَيْرِهِ وَهُوَ بِمَعْنَى الْكَرَاهَةِ، فَعِنْدَ انْتِفَاءِ الْحِلِّ يَثْبُتُ الْحَرَامُ لِغَيْرِهِ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ عَلَى وَجْهٍ أَتَمَّ فَلْيُطْلَبْ ثَمَّةَ (قَوْلُهُ: وَالْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ) بَيَانُ عِلِّيَّةِ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ لِوُجُوبِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ (بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى) وَهُوَ وَاضِحٌ (وَالْمِعْيَارِ يَسْوَى الذَّاتَ) أَيْ الصُّورَةَ (وَالْجِنْسِيَّةُ تَسْوَى الْمَعْنَى)

فَيَظْهَرُ الْفَضْلُ عَلَى ذَلِكَ فَيَتَحَقَّقُ الرِّبَا، لِأَنَّ الرِّبَا هُوَ الْفَضْلُ الْمُسْتَحَقُّ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْمُعَاوَضَةِ الْخَالِي عَنْ عِوَضِ شَرْطٍ فِيهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ الْوَصْفُ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ تَفَاوُتًا عُرْفًا، أَوْ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهِ سَدَّ بَابِ الْبِيَاعَاتِ، أَوْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ» وَالطَّعْمُ وَالثَّمَنِيَّةُ مِنْ أَعْظَمِ وُجُوهِ الْمَنَافِعِ، وَالسَّبِيلُ فِي مِثْلِهَا الْإِطْلَاقُ بِأَبْلَغِ الْوُجُوهِ لِشِدَّةِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا دُونَ التَّضْيِيقِ فِيهِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِمَا ذَكَرَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ كَيْلًا مِنْ بُرٍّ يُسَاوِي كَيْلًا مِنْ دُرٍّ مِنْ حَيْثُ الْقَدْرُ وَالصُّورَةُ لَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَكَذَلِكَ قَفِيزُ حِنْطَةٍ بِقَفِيزِ شَعِيرٍ يَتَسَاوَيَانِ صُورَةً لَا مَعْنَى. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ شَرْطٌ لِجَوَازِ الْبَيْعِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ، وَعَلَّلْتُمُوهَا بِالْقَدْرِ وَالْجِنْسِ فَكَانَ ذَلِكَ تَعْلِيلًا لِإِثْبَاتِ الشَّرْطِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ. وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّعْلِيلَ لِلشَّرْطِ لَا يَجُوزُ لِإِثْبَاتِهِ ابْتِدَاءً، وَأَمَّا بِطَرِيقِ التَّعَدِّيَةِ مِنْ أَصْلٍ فَيَجُوزُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأُصُولِيِّينَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْإِمَامِ الْمُحَقِّقِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبِ الْمِيزَانِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّصَّ أَوْجَبَ الْمُمَاثَلَةَ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ شَرْطًا فَأَثْبَتْنَاهُ فِي غَيْرِهَا تَعَدِّيَةً فَكَانَ جَائِزًا، فَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ الْمُمَاثَلَةِ شَرْطًا وَهِيَ بِالْكَيْلِ وَالْجِنْسِ (يَظْهَرُ الْفَضْلُ عَلَى ذَلِكَ، فَيَتَحَقَّقُ الرِّبَا لِأَنَّ الرِّبَا هُوَ الْفَضْلُ الْمُسْتَحَقُّ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْمُعَاوَضَةِ الْخَالِي عَنْ عِوَضٍ شُرِطَ فِيهِ) أَيْ فِي الْعَقْدِ قَالَ (وَلَا يُعْتَبَرُ الْوَصْفُ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَوَابُ سُؤَالٍ تَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ كَمَا تَكُونُ بِالْقَدْرِ وَالْجِنْسِ تَكُونُ بِالْوَصْفِ. وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ: وَلَا يُعْتَبَرُ الْوَصْفُ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ تَفَاوُتًا عُرْفًا، فَإِنْ اسْتَوَتْ الذَّاتَانِ صُورَةً وَمَعْنًى تَسَاوَيَا فِي الْمَالِيَّةِ، وَالْفَضْلُ مِنْ حَيْثُ الْجَوْدَةُ سَاقِطُ الْعِبْرَةِ فِي الْمَكِيلَاتِ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يَعُدُّونَ ذَلِكَ إلَّا مِنْ بَابِ الْيَسِيرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا تَفَاضَلَا فِي الْقِيمَةِ فِي الْعُرْفِ (أَوْ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهِ سَدَّ بَابِ الْبِيَاعَاتِ) لِأَنَّ الْحِنْطَةَ لَا تَكُونُ مِثْلًا لِلْحِنْطَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالْمُرَادُ الْبِيَاعَاتُ فِي الرِّبَوِيَّاتِ لَا مُطْلَقُ الْبِيَاعَاتِ؛ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ الْجَوْدَةِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ لَيْسَ سَدَّ بَابِ مُطْلَقِ الْبِيَاعَاتِ أَوْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ» قَالَ (وَالطَّعْمُ وَالثَّمَنِيَّةُ) جَوَابٌ عَنْ جَعْلِهِ

إذَا ثَبَتَ هَذَا نَقُولُ إذًا: بَيْعُ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ بِجِنْسِهِ مِثْلًا بِمِثْلٍ جَازَ الْبَيْعُ فِيهِ لِوُجُوبِ شَرْطِ الْجَوَازِ، وَهُوَ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْمِعْيَارِ؛ أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى مَكَانَ قَوْلِهِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ كَيْلًا بِكَيْلٍ، وَفِي الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ (وَإِنْ تَفَاضَلَا لَمْ يَجُزْ) لِتَحَقُّقِ الرِّبَا وَلَا يَجُوزُ (بَيْعُ الْجَيِّدِ بِالرَّدِيءِ مِمَّا فِيهِ الرِّبَا إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ) لِإِهْدَارِ التَّفَاوُتِ فِي الْوَصْفِ (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْحَفْنَةِ بِالْحَفْنَتَيْنِ وَالتُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَتَيْنِ) لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ بِالْمِعْيَارِ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْفَضْلُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالطَّعْمَ وَالثَّمَنِيَّةَ عِلَّةً لِلْحُرْمَةِ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ ذَلِكَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُمَا يَقْتَضِيَانِ خِلَافَ مَا أُضِيفَ إلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا كَانَا مِنْ أَعْظَمِ وُجُوهِ الْمَنَافِعِ كَانَ السَّبِيلُ فِيهِ الْإِطْلَاقَ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ دُونَ التَّضْيِيقِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَاجَةَ إذَا اشْتَدَّتْ أَثَّرَتْ فِي إبَاحَةِ الْحَرَامِ حَالَةَ الِاضْطِرَارِ فَكَيْفَ تُؤَثِّرُ حُرْمَةُ الْمُبَاحِ، بَلْ سُنَّةُ اللَّهِ جَرَتْ فِي التَّوْسِيعِ فِيمَا كَثُرَ إلَيْهِ الِاحْتِيَاجُ كَالْهَوَاءِ وَالْمَاءِ وَعَلَفِ الدَّوَابِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا فَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْأَمْوَالِ جَوَازُ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْمُسَاوَاةِ وَالْفَسَادِ لِوُجُودِ الْمُفْسِدِ، فَلَا تَكُونُ الْمُسَاوَاةُ مُخَلِّصًا عَنْ الْحُرْمَةِ. (وَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَقْرِيرِ الْأَصْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ نَقُولُ: إذَا بِيعَ الْمَكِيلُ أَوْ الْمَوْزُونُ بِجِنْسِهِ مِثْلًا بِمِثْلٍ) أَيْ كَيْلًا بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنًا بِوَزْنٍ (جَازَ الْبَيْعُ) لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَهُوَ الْمُبَادَلَةُ الْمَعْهُودَةُ فِي الْعُقُودِ مَعَ وُجُودِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْمِعْيَارِ كَمَا وَرَدَ فِي الْمَرْوِيِّ، وَإِنْ تَفَاضَلَا لَمْ يَجُزْ لِتَحَقُّقِ الرِّبَا بِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ، وَالْجَوْدَةُ سَاقِطَةٌ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجَيِّدِ بِالرَّدِيءِ إلَّا مُتَمَاثِلًا. قَالَ (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْحَفْنَةِ بِالْحَفْنَتَيْنِ) أَيْ

وَلِهَذَا كَانَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْعِلَّةُ هِيَ الطَّعْمُ وَلَا مُخَلِّصَ وَهُوَ الْمُسَاوَاةُ فَيَحْرُمُ، وَمَا دُونَ نِصْفِ الصَّاعِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْحَفْنَةِ لِأَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِي الشَّرْعِ بِمَا دُونَهُ، وَلَوْ تَبَايَعَا مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا غَيْرَ مَطْعُومٍ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا كَالْجِصِّ وَالْحَدِيدِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا لِوُجُودِ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ. وَعِنْدَهُ يَجُوزُ لِعَدَمِ الطَّعْمِ وَالثَّمَنِيَّةِ. قَالَ (وَإِذَا عُدِمَ الْوَصْفَانِ الْجِنْسُ وَالْمَعْنَى الْمَضْمُومُ إلَيْهِ حَلَّ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ) لِعَدَمِ الْعِلَّةِ الْمُحَرِّمَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ الْإِبَاحَةُ. وَإِذَا وُجِدَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ وَمِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ جَوَازُ بَيْعِ الْحَفْنَةِ بِالْحَفْنَتَيْنِ وَالتُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَتَيْنِ؛؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ بِتَحَقُّقِ الْفَضْلِ وَتَحَقُّقُ الْفَضْلِ يَظْهَرُ بِعَدَمِ وُجُودِ الْمُسَاوَاةِ وَالْمُسَاوَاةُ بِالْكَيْلِ، وَلَا كَيْلَ فِي الْحَفْنَةِ وَالْحَفْنَتَيْنِ فَتَنْتَفِي الْمُمَاثَلَةُ فَيَنْتَفِي تَحَقُّقُ الْفَضْلِ، وَاسْتَوْضَحَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِأَنَّ الْحَفْنَةَ وَالْحَفْنَتَيْنِ لَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ الْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ وَلِهَذَا (كَانَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ) لَا مِثْلِهَا، فَلَوْ بَقِيَتْ مَكِيلَةً أَوْ مَوْزُونَةً لَوَجَبَ مِثْلُهَا فَإِنَّ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ كُلَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ دُونَ الْقِيَمِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الْحُرْمَةِ وَهُوَ الطَّعْمُ وَقَدْ وُجِدَتْ وَالْمُخَلِّصُ الْمُسَاوَاةُ وَلَمْ تُوجَدْ، وَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ بَيْعُ حَفْنَةٍ بِحَفْنَةٍ وَتُفَّاحَةٍ بِتُفَّاحَةٍ لِوُجُودِ الطَّعْمِ وَعَدَمِ الْمُسَوِّي، وَمَا دُونَ نِصْفِ صَاعٍ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْحَفْنَةِ؛ فَلَوْ بَاعَ خَمْسَ حَفَنَاتٍ مِنْ الْحِنْطَةِ بِسِتِّ حَفَنَاتٍ مِنْهَا وَهُمَا لَمْ يَبْلُغَا حَدَّ نِصْفِ الصَّاعِ جَازَ الْبَيْعُ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِي الشَّرْعِ بِمَا دُونَهُ. وَأَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ بَلَغَ حَدَّ نِصْفِ الصَّاعِ وَالْآخَرُ لَمْ يَبْلُغْهُ فَلَا يَجُوزُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا (إذَا تَبَايَعَا مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا غَيْرَ مَطْعُومٍ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا كَالْجِصِّ وَالْحَدِيدِ) فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا لِوُجُودِ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ، وَعِنْدَهُ يَجُوزُ لِعَدَمِ الطَّعْمِ وَالثَّمَنِيَّةِ. قَالَ: (فَإِذَا عَدِمَ الْوَصْفَانِ) إذَا ثَبَتَ أَنَّ عِلَّةَ الْحُرْمَةِ شَيْئَانِ، فَإِمَّا أَنْ يُوجَدَا أَوْ يَعْدَمَا أَوْ يُوجَدَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ، فَالْأَوَّلُ مَا تَقَدَّمَ، وَالثَّانِي يَظْهَرُ عِنْدَهُ حِلُّ التَّفَاضُلِ وَالنَّسَاءِ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ الْمُحَرِّمَةِ، وَتَحْقِيقُهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَالْأَصْلُ فِيهِ الْإِبَاحَةُ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ أَصْلًا وَقَدْ تُرِكَتْ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ الْقَدْرُ، وَالْجِنْسُ يَظْهَرُ عِنْدَ عَدَمِهِمَا لَا أَنَّ الْعَدَمَ

حَرُمَ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ. وَإِذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا وَعُدِمَ الْآخَرُ حَلَّ التَّفَاضُلُ وَحَرُمَ النَّسَاءُ مِثْلَ أَنْ يُسَلِّمَ هَرَوِيًّا فِي هَرَوِيٍّ أَوْ حِنْطَةً فِي شَعِيرٍ، فَحُرْمَةُ رِبَا الْفَضْلِ بِالْوَصْفَيْنِ وَحُرْمَةُ النَّسَاءِ بِأَحَدِهِمَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْجِنْسُ بِانْفِرَادِهِ لَا يُحَرِّمُ النَّسَاءَ لِأَنَّ بِالنَّقْدِيَّةِ وَعَدَمِهَا لَا يَثْبُتُ إلَّا شُبْهَةُ الْفَضْلِ، وَحَقِيقَةُ الْفَضْلِ غَيْرُ مَانِعٍ فِيهِ حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُ الْوَاحِدِ بِالِاثْنَيْنِ فَالشُّبْهَةُ أَوْلَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQيُثْبِتُ شَيْئًا، فَإِذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا وَعَدِمَ الْآخَرُ حَلَّ التَّفَاضُلُ وَحَرُمَ النَّسَاءُ (مِثْلَ أَنْ يُسْلِمَ هَرَوِيًّا فِي هَرَوِيٍّ أَوْ حِنْطَةً فِي شَعِيرٍ، فَحُرْمَةُ الْفَضْلِ بِالْوَصْفَيْنِ وَحُرْمَةُ النَّسَاءِ بِأَحَدِهِمَا) حَتَّى لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِعَبْدٍ إلَى أَجَلٍ لَا يَجُوزُ لِوُجُودِ الْجِنْسِيَّةِ وَعِنْدَهُ يَجُوزُ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْجِنْسُ بِانْفِرَادِهِ لَا يُحَرِّمُ النَّسَاءَ؛ لِأَنَّ بِالنَّقْدِيَّةِ وَعَدَمِهَا لَا يَثْبُتُ إلَّا شُبْهَةُ الْفَضْلِ) بِالِاتِّفَاقِ (وَحَقِيقَةُ الْفَضْلِ غَيْرُ مَانِعٍ) مِنْ الْجَوَازِ فِي الْجِنْسِ حَتَّى جَازَ بَيْعُ الْهَرَوِيِّ بِالْهَرَوِيَّيْنِ وَالْعَبْدِ بِالْعَبْدَيْنِ (فَالشُّبْهَةُ أَوْلَى) قِيلَ لَيْسَ فِي تَخْصِيصِ الْجِنْسِ بِالذِّكْرِ فِي عَدَمِ تَحْرِيمِ النَّسَاءِ زِيَادَةُ فَائِدَةٍ، فَإِنَّ الْقَدْرَ عِنْدَهُ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ إسْلَامُ الْمَوْزُونَاتِ فِي الْمَوْزُونَاتِ كَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا خَصَّهُ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ وَهُوَ حُرْمَةُ النَّسَاءِ إنَّمَا لَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُ فِي صُورَةِ الْجِنْسِ، وَأَمَّا فِي صُورَةِ الْقَدْرِ فَقَدْ يُوجَدُ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ نَسِيئَةً وَكَذَا بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ، وَإِنْ كَانَ عِلَّةُ ذَلِكَ عِنْدَهُ غَيْرَ الْقَدْرِ وَهُوَ أَنَّ التَّقَابُضَ شَرْطٌ فِي الصَّرْفِ وَبَيْعِ الطَّعَامِ عِنْدَهُ. وَلَنَا مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أَنَّهُ مَالُ الرِّبَا مِنْ وَجْهٍ وَتَحْقِيقُهُ مَا ثَبَتَ أَنَّ فِي بَابِ الرِّبَا حَقِيقَةً وَشُبْهَةً لَا نِزَاعَ فِي ذَلِكَ، وَالشُّبْهَةُ إذَا انْفَرَدَتْ عَنْ الْحَقِيقَةِ تَحْتَاجُ إلَى مَحَلٍّ وَعِلَّةٍ كَالْحَقِيقَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهَا وَعِلَّتُهَا مَحَلَّ الْحَقِيقَةِ وَعِلَّتِهَا، وَإِلَّا لَكَانَتْ حَقِيقَةً أَوْ مُقَارِنَةً لَهَا وَهُوَ خِلَافُ الْفَرْضِ فَلَا بُدَّ مِنْ شُبْهَةِ مَحَلٍّ وَشُبْهَةِ عِلَّةٍ، وَمَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا النَّسِيئَةُ مَالُ الرِّبَا مِنْ وَجْهٍ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْقَدْرَ يَجْمَعُهُمَا كَمَا فِي الْحِنْطَةِ مَعَ الشَّعِيرِ أَوْ الْجِنْسِ كَالْهَرَوِيِّ مَعَ الْهَرَوِيِّ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا نَقْدًا وَالْآخَرُ نَسِيئَةً وَكُلُّ عِلَّةٍ ذَاتُ وَصْفَيْنِ مُؤَثِّرَيْنِ لَا يَتِمُّ نِصَابُ الْعِلَّةِ إلَّا بِهِمَا فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا شُبْهَةُ الْعِلِّيَّةِ وَشُبْهَةُ الْعِلَّةِ تَثْبُتُ بِهَا شُبْهَةُ الْحُكْمِ وَالنَّقْدِيَّةُ أَوْجَبَتْ فَضْلًا فِي الْمَالِيَّةِ، فَتَتَحَقَّقُ شُبْهَةُ الرِّبَا فِي مَحَلٍّ صَالِحٍ بِعِلَّةٍ صَالِحَةٍ لَهَا وَشُبْهَةُ الرِّبَا مَانِعَةٌ

وَلَنَا أَنَّهُ مَالُ الرِّبَا مِنْ وَجْهٍ نَظَرًا إلَى الْقَدْرِ أَوْ الْجِنْسِ وَالنَّقْدِيَّةُ أَوْجَبَتْ فَضْلًا فِي الْمَالِيَّةِ فَتَتَحَقَّقَ شُبْهَةُ الرِّبَا وَهِيَ مَانِعَةٌ كَالْحَقِيقَةِ، إلَّا أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ النُّقُودَ فِي الزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِ يَجُوزُ، وَإِنْ جَمَعَهُمَا الْوَزْنُ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَّفِقَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالْحَقِيقَةِ، وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا قِيلَ إنَّ كَوْنَهُ مِنْ مَالِ الرِّبَا مِنْ وَجْهٍ شُبْهَةٌ وَكَوْنُ النَّقْدِيَّةِ أَوْجَبَتْ فَضْلًا شُبْهَةٌ فَصَارَ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ، وَالشُّبْهَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ دُونَ النَّازِلِ عَنْهَا. وَالثَّانِي أَنَّ كَوْنَ شُبْهَةِ الرِّبَا كَالْحَقِيقَةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا أَوْ فِي مَحَلِّ الْحَقِيقَةِ، وَالْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ، لَكِنَّهَا كَانَتْ جَائِزَةً فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ الشُّبْهَةُ كَذَلِكَ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأُولَى أَنَّ الشُّبْهَةَ الْأُولَى فِي الْمَحَلِّ وَالثَّانِيَةَ فِي الْحُكْمِ. وَثَمَّةَ شُبْهَةٌ أُخْرَى وَهِيَ الَّتِي فِي الْعِلَّةِ وَشُبْهَةُ الْعِلَّةِ وَالْمَحَلِّ تَثْبُتُ بِهَا شُبْهَةُ الْحُكْمِ لَا شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ. وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الْقِسْمَةَ غَيْرُ حَاصِرَةٍ بَلْ الشُّبْهَةُ مَانِعَةٌ فِي مَحَلِّ الشُّبْهَةِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا، كَمَا أَنَّ الْحَقِيقَةَ مَانِعَةٌ فِي مَحَلِّهَا إذَا وُجِدَتْ الْعِلَّةُ بِكَمَالِهَا. فَإِنْ قِيلَ: مَا بَالُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَسْتَدِلَّ لِلْجَانِبَيْنِ بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، كَمَا اسْتَدَلَّ بَعْضُ الشَّارِحِينَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَهَّزَ جَيْشًا فَأَمَرَنِي أَنْ أَشْتَرِيَ بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ إلَى أَجَلٍ» لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد فِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً» لَنَا. فَالْجَوَابُ أَنَّ جَهَالَةَ التَّارِيخِ وَتَطَرُّقَ الِاحْتِمَالَاتِ لِلتَّأْوِيلِ مَنَعَاهُ عَنْ ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى حُرْمَةِ النَّسَاءِ فَكَانَ الِاسْتِدْلَال بِهِ أَوْلَى مِنْ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْخَصْمَ إنْ سَلَّمَ الْإِجْمَاعَ فَلَهُ أَنْ يَقُولَ إنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى النَّسَاءِ فِي كَمَالِ الْعِلَّةِ لَا فِي شُبْهَتِهَا. وَقَوْلُهُ: (إلَّا أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ فَإِذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا وَعَدِمَ الْآخَرُ حَلَّ

فِي صِفَةِ الْوَزْن، فَإِنَّ الزَّعْفَرَانَ يُوزَنُ بِالْأَمْنَاءِ وَهُوَ مُثَمَّنٌ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَالنُّقُودُ تُوزَنُ بِالسَّنَجَاتِ وَهُوَ ثَمَنٌ لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ. وَلَوْ بَاعَ بِالنُّقُودِ مُوَازَنَةً وَقَبَضَهَا صَحَّ التَّصَرُّفُ فِيهَا قَبْلَ الْوَزْنِ، وَفِي الزَّعْفَرَانِ وَأَشْبَاهِهِ لَا يَجُوزُ، فَإِذَا اخْتَلَفَا فِيهِ صُورَةً وَمَعْنًى وَحُكْمًا لَمْ يَجْمَعْهُمَا الْقَدْرُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَتَنْزِلُ الشُّبْهَةُ فِيهِ إلَى شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّفَاضُلُ وَحَرُمَ النَّسَاءُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي عَدَمَ إسْلَامِ النُّقُودِ فِي الزَّعْفَرَانِ لِوُجُودِ الْوَزْنِ كَإِسْلَامِ الْحَدِيدِ فِي الصُّفْرِ فَاسْتُثْنِيَ الزَّعْفَرَانُ وَنَحْوُهُ كَالْقُطْنِ وَالْحَدِيدِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ جَمَعَهُمَا الْوَزْنُ لَكِنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ فِي صِفَةِ الْوَزْنِ وَمَعْنَاهُ وَحُكْمِهِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الزَّعْفَرَانَ يُوزَنُ بِالْأَمْنَاءِ وَالنُّقُودُ بِالصَّنَجَاتِ وَهِيَ مُعَرَّبَةُ سنك تَرَزُونِ. وَنُقِلَ عَنْ الْفَرَّاءِ أَنَّ السِّينَ أَفْصَحُ، وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ السِّكِّيتِ الصَّنَجَاتُ وَلَا يُقَالُ بِالسِّينِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الزَّعْفَرَانَ مُثَمَّنٌ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَالنُّقُودَ ثَمَنٌ لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ بِالنُّقُودِ مُوَازَنَةً بِأَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْت هَذَا الزَّعْفَرَانَ بِهَذَا النَّقْدِ الْمُشَارِ إلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ مَثَلًا فَقَبَضَهُ الْبَائِعُ صَحَّ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ الْوَزْنِ. وَلَوْ بَاعَ الزَّعْفَرَانَ بِشَرْطِ أَنَّهُ مَنَوَانِ مَثَلًا وَقَبِلَهُ الْمُشْتَرِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ حَتَّى يُعِيدَ الْوَزْنَ (وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْوَزْنِ صُورَةً وَمَعْنًى وَحُكْمًا لَمْ يَجْمَعْهُمَا الْقَدْرُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَتَنْزِلُ الشُّبْهَةُ فِيهِ إلَى شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ) فَإِنَّ الْمَوْزُونَيْنِ إذَا اتَّفَقَا فَالْمَنْعُ لِلشُّبْهَةِ، فَإِذَا لَمْ يَتَّفِقَا كَانَ ذَلِكَ لِشُبْهَةِ الْوَزْنِ وَالْوَزْنُ وَحْدَهُ شُبْهَةٌ فَكَانَ ذَلِكَ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ (وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ) لَا يُقَالُ: لَمْ يَخْرُجَا بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِمَا مَوْزُونَيْنِ فَقَدْ جَمَعَهُمَا الْوَزْنُ؛ لِأَنَّ انْطِلَاقَ الْوَزْنِ عَلَيْهِمَا حِينَئِذٍ لِلِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ لَيْسَ إلَّا، وَهُوَ لَا يُفِيدُ الِاتِّحَادَ بَيْنَهُمَا فَصَارَ كَأَنَّ الْوَزْنَ لَمْ يَجْمَعْهُمَا حَقِيقَةً. وَفِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَسَامُحٌ، فَإِنَّهُ قَالَ: فَإِذَا اخْتَلَفَا صُورَةً وَلَمْ يَخْتَلِفَا صُورَةً، وَلِهَذَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: بَلْ نَقُولُ اتِّفَاقُهُمَا فِي الْوَزْنِ صُورَةً لَا مَعْنًى وَحُكْمًا، إلَّا إذَا حُمِلَ قَوْلُهُ: صُورَةً عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ صِفَةً كَمَا قَالَ فِي أَوَّلِ التَّعْلِيلِ فِي صِفَةِ الْوَزْنِ فَذَاكَ اعْتِبَارٌ زَائِدٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ. وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ فِي وَجْهِ ذَلِكَ: إنَّمَا جَازَ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ رَخَّصَ فِي السَّلَمِ وَالْأَصْلُ فِي رَأْسِ الْمَالِ هُوَ النُّقُودُ، فَلَوْ لَمْ يُجَوَّزْ لِوُجُودِ أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ لَا نَسُدُّ بَابَ السَّلَمِ فِي الْمَوْزُونَاتِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ وَالْغَالِبُ، فَأَثَّرَ شَرْعُ الرُّخْصَةِ

قَالَ (وَكُلُّ شَيْءٍ نَصَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ فِيهِ كَيْلًا فَهُوَ مَكِيلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي التَّجْوِيزِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ مِنْ الْفَرْقِ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَلَكِنَّ هَذَا كَلَامُ مَنْ يُجَوِّزُ تَخْصِيصَ الْعِلَلِ وَلَسْنَا نَقُولُ بِهِ. (قَالَ وَكُلُّ شَيْءٍ نَصَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ فِيهِ كَيْلًا) كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ

أَبَدًا، وَإِنَّ تَرَكَ النَّاسُ الْكَيْلَ فِيهِ مِثْلَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ وَكُلُّ مَا نَصَّ عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ فِيهِ وَزْنًا فَهُوَ مَوْزُونٌ أَبَدًا، وَإِنْ تَرَكَ النَّاسُ الْوَزْنَ فِيهِ مِثْلُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) لِأَنَّ النَّصَّ أَقْوَى مِنْ الْعُرْفِ وَالْأَقْوَى لَا يُتْرَكُ بِالْأَدْنَى (وَمَا لَمْ يَنُصُّ عَلَيْهِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى عَادَاتِ النَّاسِ) لِأَنَّهَا دَلَالَةٌ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْعُرْفُ عَلَى خِلَافِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ أَيْضًا لِأَنَّ النَّصَّ عَلَى ذَلِكَ لِمَكَانِ الْعَادَةِ فَكَانَتْ هِيَ الْمَنْظُورُ إلَيْهَا وَقَدْ تَبَدَّلَتْ، فَعَلَى هَذَا لَوْ بَاعَ الْحِنْطَةَ بِجِنْسِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفَهُوَ مَكِيلٌ أَبَدًا وَإِنْ تَرَكَ النَّاسُ الْكَيْلَ فِيهِ وَكُلُّ مَا نَصَّ عَلَى التَّحْرِيمِ فِيهِ وَزْنًا) كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (فَهُوَ مَوْزُونٌ أَبَدًا) ؛ لِأَنَّ النَّصَّ أَقْوَى مِنْ الْعُرْفِ لِكَوْنِهِ حُجَّةً عَلَى مَنْ تَعَارَفَ وَعَلَى مَنْ لَمْ يَتَعَارَفْ، وَالْعُرْفُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ إلَّا عَلَى مَنْ تَعَارَفَ بِهِ، وَالْأَقْوَى لَا يُتْرَكُ بِالْأَدْنَى (وَمَا لَمْ يُنَصَّ عَلَيْهِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى عَادَاتِ النَّاسِ؛ لِأَنَّهَا) أَيْ عَادَاتِ النَّاسِ (دَلَالَةٌ) عَلَى جَوَازِ الْحُكْمِ فِيمَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْتِبَارُ الْعُرْفِ عَلَى خِلَافِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ النَّصَّ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى الْكَيْلِ فِي الْمَكِيلِ وَالْوَزْنِ فِي الْمَوْزُونِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إنَّمَا كَانَ لِلْعَادَةِ فِيهِ، فَكَانَ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ هُوَ الْعَادَةَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَقَدْ تَبَدَّلَتْ فَيَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ عَلَى وِفَاقِ ذَلِكَ (وَعَلَى ذَلِكَ لَوْ بَاعَ حِنْطَةً بِجِنْسِهَا

مُتَسَاوِيًا وَزْنًا، أَوْ الذَّهَبَ بِجِنْسِهِ مُتَمَاثِلًا كَيْلًا لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ تَعَارَفُوا ذَلِكَ لِتَوَهُّمِ الْفَضْلِ عَلَى مَا هُوَ الْمِعْيَارُ فِيهِ، كَمَا إذَا بَاعَ مُجَازَفَةً إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ الْإِسْلَامُ فِي الْحِنْطَةِ وَنَحْوِهَا وَزْنًا لِوُجُودِ الْإِسْلَامِ فِي مَعْلُومٍ. قَالَ (وَكُلُّ مَا يُنْسَبُ إلَى الرَّطْلِ فَهُوَ وَزْنِيٌّ) مَعْنَاهُ مَا يُبَاعُ بِالْأَوَاقِيِ لِأَنَّهَا قُدِّرَتْ بِطَرِيقِ الْوَزْنِ حَتَّى يُحْتَسَبَ مَا يُبَاعُ بِهَا وَزْنًا، بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَكَايِيلِ، وَإِذَا كَانَ مَوْزُونًا فَلَوْ بِيعَ بِمِكْيَالٍ لَا يُعْرَفُ وَزْنُهُ بِمِكْيَالٍ مِثْلِهِ لَا يَجُوزُ لِتَوَهُّمِ الْفَضْلِ فِي الْوَزْنِ بِمَنْزِلَةِ الْمُجَازَفَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمُتَسَاوِيًا وَزْنًا أَوْ ذَهَبًا بِجِنْسِهِ مُتَمَاثِلًا كَيْلًا) جَازَ عِنْدَهُ إذَا تَعَارَفُوا ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَإِنْ تَعَارَفُوهُ لِتَوَهُّمِ الْفَضْلِ عَلَى مَا هُوَ الْمِعْيَارُ فِيهِ كَمَا إذَا بَاعَ مُجَازَفَةً، لَكِنْ يَجُوزُ الْإِسْلَامُ فِي الْحِنْطَةِ وَنَحْوِهَا وَزْنًا عَلَى مَا اخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ لِوُجُودِ الْإِسْلَامِ فِي مَعْلُومٍ، فَإِنَّ الْمُمَاثَلَةَ لَيْسَتْ بِمُعْتَبَرَةٍ فِيهِ، إنَّمَا الْمُعْتَبَرُ هُوَ الْإِعْلَامُ عَلَى وَجْهٍ يَنْفِي الْمُنَازَعَةَ فِي التَّسْلِيمِ، وَذَلِكَ كَمَا يَحْصُلُ بِالْكَيْلِ يَحْصُلُ بِذِكْرِ الْوَزْنِ، وَذَكَرَ فِي التَّتِمَّةِ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَكَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْعُرْفُ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ النَّصَّ عَلَى ذَلِكَ لِمَكَانِ الْعَادَةِ وَكَانَتْ هِيَ الْمَنْظُورَ إلَيْهَا وَقَدْ تَبَدَّلَتْ) أَقُولُ: اسْتِقْرَاضُ الدَّرَاهِمِ عَدَدًا وَبَيْعُ الدَّقِيقِ وَزْنًا عَلَى مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي زَمَانِنَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ. قَالَ (وَكُلُّ مَا يُنْسَبُ إلَى الرِّطْلِ فَهُوَ وَزْنِيٌّ) الرِّطْلُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ نِصْفٌ مَنٍّ، وَالْأَوَاقِي جَمْعُ أُوقِيَّةٍ كَأُثْفِيَّةٍ وَإِثَافٍ. قِيلَ هِيَ وَزْنُ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ: وَذَكَرَ فِي الصِّحَاحِ أَنَّهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، وَكُلُّ مَا يُبَاعُ بِالْأَوَاقِيِ

قَالَ (وَعَقْدُ الصَّرْفِ مَا وَقَعَ عَلَى جِنْسِ الْأَثْمَانِ يُعْتَبَرُ فِيهِ قَبْضُ عِوَضَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَهُوَ وَزْنِيٌّ؛ لِأَنَّهَا قُدِّرَتْ بِطَرِيقِ الْوَزْنِ، إذْ تَعْدِيلُهَا إنَّمَا يَكُونُ بِالْوَزْنِ وَلِهَذَا يُحْتَسَبُ مَا يُبَاعُ بِالْأَوَاقِيِ وَزْنًا، بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَكَايِيلِ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهَا قُدِّرَتْ: يَعْنِي أَنَّ سَائِرَ الْمَكَايِيلِ لَوْ تُقَدَّرُ بِالْوَزْنِ فَلَا يَكُونُ لِلْوَزْنِ فِيهِ اعْتِبَارٌ، وَعَلَى هَذَا إذَا بِيعَ الْمَوْزُونُ بِمِكْيَالٍ لَا يُعْرَفُ وَزْنُهُ بِمِكْيَالٍ مِثْلِهِ لَا يَجُوزُ لِتَوَهُّمِ الْفَضْلِ فِي الْوَزْنِ بِمَنْزِلَةِ الْمُجَازَفَةِ، وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ مَكِيلًا جَازَ. وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِمِكْيَالٍ لَا يُعْرَفُ وَزْنُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا عُرِفَ وَزْنُهُ جَازَ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَكُلُّ شَيْءٍ وَقَعَ عَلَيْهِ كَيْلُ الرِّطْلِ فَهُوَ مَوْزُونٌ، ثُمَّ قَالَ: يُرِيدُ بِهِ الْأَدْهَانَ وَنَحْوَهَا؛ لِأَنَّ الرِّطْلَ إنَّمَا يُعْدَلُ بِالْوَزْنِ إلَّا أَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ وَزْنُ الدُّهْنِ بِالْأَمْنَاءِ وَالسَّنَجَاتِ فِي كُلِّ وَقْتٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَمْسِكُ إلَّا فِي وِعَاءٍ وَفِي وَزْنِ كُلِّ وِعَاءٍ حَرَجٌ، فَاُتُّخِذَ الرِّطْلُ فِي ذَلِكَ تَيْسِيرًا، فَعَرَفْنَا أَنَّ كُلَّ الرِّطْلِ بَيْعٌ مَوْزُونٌ فَجَازَ بَيْعُ الْمَوْزُونِ بِهِ، وَالْإِسْلَامُ فِيهِ بِذِكْرِ الْوَزْنِ. قَالَ (وَعَقْدُ الصَّرْفِ مَا وَقَعَ عَلَى جِنْسِ الْأَثْمَانِ إلَخْ) عَقْدُ الصَّرْفِ مَا وَقَعَ عَلَى جِنْسِ الْأَثْمَانِ وَهِيَ النُّقُودُ يُعْتَبَرُ فِيهِ قَبْضُ عِوَضَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ. قَوْلُهُ: (يُعْتَبَرُ فِيهِ) خَبَرٌ ثَانٍ

لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ هَاءَ وَهَاءَ» مَعْنَاهُ يَدًا بِيَدٍ، وَسَنُبَيِّنُ الْفِقْهَ فِي الصَّرْفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ (وَمَا سِوَاهُ مِمَّا فِيهِ الرِّبَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّعْيِينُ وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّقَابُضُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ) . لَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ «يَدًا بِيَدٍ» وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُقْبَضْ فِي الْمَجْلِسِ فَيَتَعَاقَبُ الْقَبْضُ وَلِلنَّقْدِ مَزِيَّةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِقَوْلِهِ عَقْدُ الصَّرْفِ؛ وَمَعْنَى يُعْتَبَرُ يَجِبُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ هَاءَ وَهَاءَ» مَعْنَاهُ يَدًا بِيَدٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ دَلَالَتُهُ عَلَى الْوُجُوبِ. وَهَاءَ مَمْدُودٌ عَلَى وَزْنِ هَاعَ وَمَعْنَاهُ خُذْ: أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ هَاءَ فَيَتَقَابَضَانِ، وَفَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ يَدًا بِيَدٍ جَرًّا إلَى إفَادَةِ مَعْنَى التَّعْيِينِ كَمَا نُبَيِّنُ (وَمَا سِوَى جِنْسِ الْأَثْمَانِ) مِنْ الرِّبَوِيَّاتِ (يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّعْيِينُ دُونَ الْقَبْضِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ) أَيْ فِي كُلِّ مَطْعُومٍ سَوَاءٌ بِيعَ بِجِنْسِهِ كَبَيْعِ كَرِّ حِنْطَةٍ بِكَرِّ حِنْطَةٍ أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ كَكَرِّ حِنْطَةٍ بِشَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ، فَإِنَّهُ إذَا افْتَرَقَا لَا عَنْ قَبْضٍ فَسَدَ الْعَقْدُ عِنْدَهُ اسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ «يَدًا بِيَدٍ» وَالْمُرَادُ بِهِ الْقَبْضُ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ يَسْتَلْزِمُهَا لِكَوْنِهَا آلَةً لَهُ فَهِيَ كِنَايَةٌ، وَبِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُقْبَضْ فِي الْمَجْلِسِ يَتَعَاقَبُ الْقَبْضُ وَلِلنَّقْدِ مَزِيَّةٌ. فَتَثْبُتُ شُبْهَةُ الرِّبَا كَالْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ (وَلَنَا أَنَّهُ مَبِيعٌ مُتَعَيِّنٌ) ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَكُلُّ مَا هُوَ مُتَعَيِّنٌ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ كَالثَّوْبِ وَالْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ وَغَيْرِهَا، وَهَذَا أَيْ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ؛ لِأَنَّ الْفَائِدَةَ الْمَطْلُوبَةَ بِالْعَقْدِ إنَّمَا هِيَ التَّمَكُّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَذَلِكَ يَتَرَتَّبُ عَلَى التَّعْيِينِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبْضِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا وَجَبَ الْقَبْضُ فِي الصَّرْفِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ الصَّرْفِ، فَإِنَّ الْقَبْضَ فِيهِ يَتَعَيَّنُ بِهِ فَإِنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ. قَوْلُهُ: (وَمَعْنَى قَوْلِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) جَوَابٌ عَنْ اسْتِدْلَالِ الْخَصْمِ بِالْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مَعْنَاهُ عَيْنًا بِعَيْنٍ لَمْ يَبْقَ دَلِيلًا لَهُ عَلَى الْقَبْضِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «عَيْنًا بِعَيْنٍ» . وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ اشْتِرَاطَ التَّعْيِينِ وَالْقَبْضِ جَمِيعًا الْمَدْلُولَ عَلَيْهِمَا بِالرِّوَايَتَيْنِ مُنْتَفٍ بِالْإِجْمَاعِ الْمُرَكَّبِ، أَمَّا عِنْدَنَا فَلِأَنَّ الشَّرْطَ هُوَ التَّعْيِينُ دُونَ الْقَبْضِ وَأَمَّا عِنْدَهُ فَبِالْعَكْسِ فَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ. وَقَوْلُهُ: (يَدًا بِيَدٍ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الْقَبْضُ؛ لِأَنَّهُ آلَتُهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَنْ يَكُونَ

فَتَثْبُتُ شُبْهَةُ الرِّبَا. وَلَنَا أَنَّهُ مَبِيعٌ مُتَعَيَّنٌ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ كَالثَّوْبِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْفَائِدَةَ الْمَطْلُوبَةَ إنَّمَا هُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَيَتَرَتَّبُ ذَلِكَ عَلَى التَّعْيِينِ، بِخِلَافِ الصَّرْفِ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِيهِ لِيَتَعَيَّنَ بِهِ؛ وَمَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَدًا بِيَدٍ» عَيْنًا بِعَيْنٍ، وَكَذَا رَوَاهُ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَتَعَاقُبُ الْقَبْضِ لَا يُعْتَبَرُ تَفَاوُتًا فِي الْمَالِ عُرْفًا، بِخِلَافِ النَّقْدِ وَالْمُؤَجَّلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّعْيِينَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْإِشَارَةِ بِالْيَدِ (وَقَوْلُهُ: عَيْنًا بِعَيْنٍ) مُحْكَمٌ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ فَيُحْمَلُ الْمُحْتَمَلُ عَلَى الْمُحْكَمِ، وَلَا يُقَالُ لَزِمَكُمْ الْعَمَلُ بِعُمُومِ الْمُشْتَرَكِ أَوْ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ؛ لِأَنَّكُمْ جَعَلْتُمْ يَدًا بِيَدٍ بِمَعْنَى الْقَبْضِ فِي الصَّرْفِ وَبِمَعْنَى الْعَيْنِ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ جَعَلْنَاهُ فِي الصَّرْفِ بِمَعْنَى الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ فِيهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْقَبْضِ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْعَيْنِ فِي الْمَحَالِّ كُلِّهَا، لَكِنَّ تَعْيِينَ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ. وَنُوقِضَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِمَعْنَى التَّعْيِينِ لَمَا شُرِطَ الْقَبْضُ فِي إنَاءِ ذَهَبٍ بِيعَ بِإِنَاءٍ مِثْلِهِ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَعْيِينُ الْمُعَيَّنِ، فَإِنَّ الْإِنَاءَ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ عِنْدَكُمْ لَكِنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ وَإِنْ تَعَيَّنَ لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ ثَمَنًا خِلْقَةً كَانَ فِيهِ شُبْهَةُ عَدَمِ التَّعْيِينِ، وَالشُّبْهَةُ فِي الرِّبَا كَالْحَقِيقَةِ فَاشْتُرِطَ الْقَبْضُ دَفْعًا لَهَا. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ إنَّمَا هُوَ عَلَى طَرِيقَتِكُمْ فِي أَنَّ الْأَثْمَانَ لَا تَتَعَيَّنُ، وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَلَيْسَ بِقَائِلٍ بِهِ فَلَا يَكُونُ مُلْزِمًا. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ ذَكَرَهُ بِطَرِيقِ الْمُبَادِي هَاهُنَا لِثُبُوتِهِ بِالدَّلَائِلِ الْمُلْزِمَةِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ (قَوْلُهُ: وَتَعَاقُبُ الْقَبْضِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُقْبَضْ فِي الْمَجْلِسِ. وَوَجَّهَهُ الْمَانِعُ تَعَاقُبٌ يُعَدُّ تَفَاوُتًا فِي الْمَالِيَّةِ عُرْفًا كَمَا فِي النَّقْدِ وَالْمُؤَجَّلِ، وَمَا ذَكَرْتُمْ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التُّجَّارَ لَا يَفْصِلُونَ فِي الْمَالِيَّةِ بَيْنَ الْمَقْبُوضِ فِي الْمَجْلِسِ وَغَيْرِهِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ حَالًّا مُعَيَّنًا.

قَالَ (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْبَيْضَةِ بِالْبَيْضَتَيْنِ وَالتَّمْرَةِ بِالتَّمْرَتَيْنِ وَالْجَوْزَةِ بِالْجَوْزَتَيْنِ) لِانْعِدَامِ الْمِعْيَارِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الرِّبَا. وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِيهِ لِوُجُودِ الطَّعْمِ عَلَى مَا مَرَّ. قَالَ (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْفَلْسِ بِالْفَلْسَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الثَّمَنِيَّةَ تَثْبُتُ بِاصْطِلَاحِ الْكُلِّ فَلَا تَبْطُلُ بِاصْطِلَاحِهِمَا، وَإِذَا بَقِيَتْ أَثْمَانًا لَا تَتَعَيَّنُ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَا بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمَا وَكَبَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْبَيْضَةِ بِالْبَيْضَتَيْنِ إلَخْ) بَيْعُ الْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا جَائِزٌ إنْ كَانَا مَوْجُودَيْنِ لِانْعِدَامِ الْمِعْيَارِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا نَسِيئَةً لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ. فَإِنْ قِيلَ: الْجَوْزُ وَالْبَيْضُ وَالتَّمْرُ جُعِلَتْ أَمْثَالًا فِي ضَمَانِ الْمُسْتَهْلَكَاتِ فَكَيْفَ يَجُوزُ بَيْعُ الْوَاحِدِ بِالِاثْنَيْنِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ التَّمَاثُلَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ بِاصْطِلَاحِ النَّاسِ عَلَى إهْدَارِ التَّفَاوُتِ فَيُعْمَلُ بِذَلِكَ فِي حَقِّهِمْ وَهُوَ ضَمَانُ الْعُدْوَانِ. وَأَمَّا الرِّبَا فَهُوَ حَقُّ الشَّارِعِ فَلَا يُعْمَلُ فِيهِ بِاصْطِلَاحِهِمْ فَتُعْتَبَرُ الْحَقِيقَةُ وَهِيَ فِيهَا مُتَفَاوِتَةٌ صِغَرًا وَكِبَرًا. وَخَالَفَنَا الشَّافِعِيُّ فِيهِ لِوُجُودِ الطَّعْمِ عَلَى مَا مَرَّ. قَالَ (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْفَلْسِ بِالْفَلْسَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا إلَخْ) بَيْعُ الْفَلْسِ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا عَلَى أَوْجُهٍ أَرْبَعَةٍ: بَيْعُ فَلْسٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ بِفَلْسَيْنِ بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمَا. وَبَيْعُ فَلْسٍ بِعَيْنِهِ بِفَلْسَيْنِ بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمَا. وَبَيْعُ فَلْسٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ بِفَلْسَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا. وَبَيْعُ فَلْسٍ بِعَيْنِهِ بِفَلْسَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا. وَالْكُلُّ فَاسِدٌ سِوَى الْوَجْهِ الرَّابِعِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْفُلُوسَ الرَّائِجَةَ أَمْثَالٌ مُتَسَاوِيَةٌ قَطْعًا لِاصْطِلَاحِ النَّاسِ عَلَى إهْدَارِ قِيمَةِ الْجَوْدَةِ مِنْهَا فَيَكُونُ أَحَدُ الْفَلْسَيْنِ فَضْلًا خَالِيًا عَنْ الْعِوَضِ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ وَهُوَ الرِّبَا. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ أَمْسَكَ الْبَائِعُ الْفَلْسَ الْمُعَيَّنَ وَطَلَبَ الْآخَرَ وَهُوَ فَضْلٌ خَالٍ عَنْ الْعِوَضِ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ قَبْضُ الْبَائِعِ لِلْفَلْسَيْنِ وَرَدَّ إلَيْهِ أَحَدُهُمَا مَكَانَ مَا اسْتَوْجَبَهُ فِي ذِمَّتِهِ فَيَبْقَى الْآخَرُ لَهُ بِلَا عِوَضٍ. وَأَمَّا الْوَجْهُ الرَّابِعُ

وَلَهُمَا أَنَّ الثَّمَنِيَّةَ فِي حَقِّهِمَا تَثْبُتُ بِاصْطِلَاحِهِمَا إذْ لَا وِلَايَةَ لِلْغَيْرِ عَلَيْهِمَا فَتَبْطُلُ بِاصْطِلَاحِهِمَا وَإِذَا بَطَلَتْ الثَّمَنِيَّةُ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَلَا يَعُودُ وَزْنِيًّا لِبَقَاءِ الِاصْطِلَاحِ عَلَى الْعَدِّ إذْ فِي نَقْضِهِ فِي حَقِّ الْعَدِّ فَسَادُ الْعَقْدِ فَصَارَ كَالْجَوْزَةِ بِالْجَوْزَتَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنِيَّةَ فِي الْفَلْسِ تَثْبُتُ بِاصْطِلَاحِ الْكُلِّ، وَمَا يَثْبُتُ بِاصْطِلَاحِ الْكُلِّ لَا يَبْطُلُ بِاصْطِلَاحِهِمَا لِعَدَمِ وِلَايَتِهِمَا عَلَى غَيْرِهِمَا فَبَقِيَتْ أَثْمَانًا وَهِيَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالِاتِّفَاقِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا كَانَا بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمَا وَصَارَ كَبَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ. وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْفُلُوسَ الرَّائِجَةَ مَا دَامَتْ رَائِجَةً لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ حَتَّى لَوْ قُوبِلَتْ بِخِلَافِ جِنْسِهَا كَمَا إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا بِفُلُوسٍ مُعَيَّنَةٍ فَهَلَكَتْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (وَلَهُمَا أَنَّ الثَّمَنِيَّةَ فِي حَقِّهِمَا تَثْبُتُ بِاصْطِلَاحِهِمَا إذْ لَا وِلَايَةَ لِغَيْرِهِمَا عَلَيْهِمَا) وَمَا ثَبَتَ بِاصْطِلَاحِهِمَا فِي حَقِّهِمَا يَبْطُلُ بِاصْطِلَاحِهِمَا كَذَلِكَ. وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهَا إذَا كَسَدَتْ بِاتِّفَاقِ الْكُلِّ لَا تَكُونُ ثَمَنًا بِاصْطِلَاحِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَيَجِبُ أَنْ لَا تَكُونَ عُرُوضًا أَيْضًا بِاصْطِلَاحِهِمَا إذَا كَانَ الْكُلُّ مُتَّفِقًا عَلَى ثَمَنِيَّتِهَا سِوَاهُمَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْفُلُوسِ أَنْ تَكُونَ عُرُوضًا، فَاصْطِلَاحُهُمَا عَلَى الثَّمَنِيَّةِ بَعْدَ الْكَسَادِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ ثَمَنًا بِاصْطِلَاحِهِمَا لِوُقُوعِهِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ. وَأَمَّا إذَا اصْطَلَحَا عَلَى كَوْنِهِمَا عُرُوضًا كَانَ ذَلِكَ عَلَى وِفَاقِ الْأَصْلِ فَكَانَ جَائِزًا وَإِنْ كَانَ مَنْ سِوَاهُمَا مُتَّفِقِينَ عَلَى الثَّمَنِيَّةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي قَوْلَهُ إنَّ الثَّمَنِيَّةَ فِي حَقِّهِمَا تَثْبُتُ بِاصْطِلَاحِهِمَا إذْ لَا وِلَايَةَ لِلْغَيْرِ عَلَيْهِمَا. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: مَعْنَاهُ أَنَّ الثَّمَنِيَّةَ قَبْلَ الْكَسَادِ تَثْبُتُ بِاصْطِلَاحِهِمَا، أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَنْ سِوَاهُمَا مُتَّفِقِينَ عَلَى الثَّمَنِيَّةِ، وَإِذَا بَطَلَتْ الثَّمَنِيَّةُ فَلِعَوْدِهَا عُرُوضًا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا عَادَتْ عَرْضًا عَادَتْ وَزْنِيَّةً فَكَانَ بَيْعَ فَلْسٍ بِفَلْسَيْنِ وَمِنْ بَيْعِ قِطْعَةِ صُفْرٍ بِقِطْعَتَيْنِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ وَلَا يَعُودُ وَزْنِيًّا؛ لِأَنَّهُمَا بِالْإِقْدَامِ عَلَى هَذَا الْعَقْدِ وَمُقَابَلَةِ الْوَاحِدِ بِالِاثْنَيْنِ أَعْرَضَا عَنْ اعْتِبَارِ الثَّمَنِيَّةِ دُونَ الْعَدِّ حَيْثُ لَمْ يَرْجِعَا إلَى الْوَزْنِ وَلَمْ يَكُنْ الْعَدُّ مَلْزُومَ الثَّمَنِيَّةِ حَتَّى يَنْتَفِيَ بِانْتِفَائِهَا فَبَقِيَ مَعْدُودًا، وَاسْتَدَلَّ عَلَى بَقَاءِ الِاصْطِلَاحِ فِي حَقِّ الْعَدِّ بِقَوْلِهِ إذْ فِي نَقْضِهِ: يَعْنِي الِاصْطِلَاحَ فِي حَقِّ الْعَدِّ فَسَادَ الْعَقْدِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعَى الْخَصْمِ وَلَوْ ضُمَّ إلَى ذَلِكَ وَالْأَصْلُ حَمْلُهُ عَلَى الصِّحَّةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَقُولَ الْأَصْلُ حَمْلُ الْعَقْدِ عَلَيْهَا مُطْلَقًا أَوْ فِي غَيْرِ الرِّبَوِيَّاتِ، وَالْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ وَالثَّانِي لَا يُفِيدُ (قَوْلُهُ: فَصَارَ كَالْجَوْزَةِ بِالْجَوْزَتَيْنِ) بَيَانٌ لِانْفِكَاكِ الْعَدَدِيَّةِ عَنْ

بِخِلَافِ النُّقُودِ لِأَنَّهَا لِلثَّمَنِيَّةِ خِلْقَةٌ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمَا لِأَنَّهُ كَالِئٌ بِالْكَالِئِ وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهِ لِأَنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّمَنِيَّةِ. وَقَوْلُهُ: (بِخِلَافِ النُّقُودِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ كَبَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ؛ لِأَنَّهَا لِلثَّمَنِيَّةِ خِلْقَةً لَا اصْطِلَاحًا فَلَا تَبْطُلُ بِاصْطِلَاحِهِمَا. وَقَوْلُهُ: (وَبِخِلَافِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ كَمَا إذْ كَانَ بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِكَوْنِهِ كَالِئًا بِكَالِئٍ: أَيْ نَسِيئَةً بِنَسِيئَةٍ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ (قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهِ) جَوَابٌ عَنْ الْقِسْمَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ؛ لِأَنَّ

قَالَ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ وَلَا بِالسَّوِيقِ) لِأَنَّ الْمُجَانَسَةَ بَاقِيَةٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَجْزَاءِ الْحِنْطَةِ وَالْمِعْيَارُ فِيهِمَا الْكَيْلُ، لَكِنَّ الْكَيْلَ غَيْرُ مُسَوٍّ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْحِنْطَةِ لِاكْتِنَازِهِمَا فِيهِ وَتَخَلْخُلِ حَبَّاتِ الْحِنْطَةِ فَلَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ كَيْلًا بِكَيْلٍ (وَيَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ مُتَسَاوِيًا كَيْلًا) لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَدَمَ الْجَوَازِ ثَمَّةَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ) بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ أَوْ بِالسَّوِيقِ لَا يَجُوزُ مُتَسَاوِيًا وَلَا مُتَفَاضِلًا لِشُبْهَةِ الرِّبَا؛ لِأَنَّهَا مَكِيلَةٌ، وَالْمُجَانَسَةُ بَاقِيَةٌ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُمَا أَيْ الدَّقِيقَ وَالسَّوِيقَ مِنْ أَجْزَاءِ الْحِنْطَةِ؛ لِأَنَّ الطَّحْنَ لَمْ يُؤَثِّرْ إلَّا فِي تَفْرِيقِ الْأَجْزَاءِ، وَالْمُجْتَمِعُ لَا يَصِير بِالتَّفْرِيقِ شَيْئًا آخَرَ زَائِلَةٌ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْجِنْسِ بِاخْتِلَافِ الِاسْمِ وَالصُّورَةِ وَالْمَعَانِي كَمَا بَيْنَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَقَدْ زَالَ الِاسْمُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَتَبَدَّلَتْ الصُّورَةُ وَاخْتَلَفَتْ الْمَعَانِي، فَإِنَّ مَا يَبْتَغِي مِنْ الْحِنْطَةِ لَا يَبْتَغِي مِنْ الدَّقِيقِ، فَإِنَّهَا تَصْلُحُ لِاِتِّخَاذِ الْكِشْكِ وَالْهَرِيسَةِ وَغَيْرِهِمَا دُونَ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ. وَرِبَا الْفَضْلِ بَيْنَ الْحِنْطَةِ وَالْحِنْطَةِ كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ الطَّحْنِ وَبِصَيْرُورَتِهِ دَقِيقًا زَالَتْ الْمُجَانَسَةُ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي زَوَالِهِ وَالْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ. فَإِنْ قِيلَ: لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الدَّقِيقُ حِنْطَةً أَوْ لَا، وَالثَّانِي يُوجِبُ الْجَوَازَ مُتَسَاوِيًا وَمُتَفَاضِلًا لَا مَحَالَةَ، وَالْأَوَّلُ يُوجِبُ الْجَوَازَ إذَا كَانَ مُتَسَاوِيًا كَذَلِكَ. أَجَابَ بِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ إنَّمَا تَكُونُ بِالْكَيْلِ وَالْكَيْلُ غَيْرُ مُسَوٍّ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْحِنْطَةِ لِاكْتِنَازِهِمَا فِيهِ وَتَخَلْخُلِ حَبَّاتِ الْحِنْطَةِ فَصَارَ

(وَبَيْعُ الدَّقِيقِ بِالسَّوِيقِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُتَفَاضِلًا، وَلَا مُتَسَاوِيًا) لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالْمَقْلِيَّةِ وَلَا بَيْعُ السَّوِيقِ بِالْحِنْطَةِ، فَكَذَا بَيْعُ أَجْزَائِهِمَا لِقِيَامِ الْمُجَانَسَةِ مِنْ وَجْهٍ. وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ لِاخْتِلَافِ الْمَقْصُودِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالْمُجَازَفَةِ فِي احْتِمَالِ الزِّيَادَةِ (فَلَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ كَيْلًا بِكَيْلٍ) قَبْلَ حُرْمَةِ الرِّبَا حُرْمَةٌ تَتَنَاهَى بِالْمُسَاوَاةِ فِي الْأَصْلِ، وَعَلَى مَا ذَكَرْتُمْ فِي هَذَا الْفَرْعِ تَثْبُتُ حُرْمَةٌ لَا تَتَنَاهَى فَصَارَ مِثْلَ ظِهَارِ الذِّمِّيِّ عَلَى مَا عُرِفَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ حُرْمَةَ الرِّبَا تَتَنَاهَى بِالْمُسَاوَاةِ فِي الْحِنْطَةِ أَوْ فِي الشُّبْهَةِ، وَالثَّانِي مَمْنُوعٌ فَإِنَّ حُرْمَةَ النَّسَاءِ لَا تَتَنَاهَى بِالْمُسَاوَاةِ، وَالْأَوَّلُ مُسَلَّمٌ لَكِنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الثَّانِي. وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: الْحُرْمَةُ تَتَنَاهَى بِالْمُسَاوَاةِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِهَا، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَا تَتَحَقَّقُ. وَيَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ مُتَسَاوِيًا كَيْلًا بِكَيْلٍ لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ وَهُوَ وُجُودُ الْمُسَوِّي وَمُتَسَاوِيًا وَكَيْلًا بِكَيْلٍ، قِيلَ حَالَانِ مُتَدَاخِلَانِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ فِي الْأَوَّلِ بَيْعُ وَفِي الثَّانِي مُتَسَاوِيًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَا مُتَرَادِفَيْنِ. وَفَائِدَةُ ذِكْرِ الثَّانِيَةِ نَفْيُ تَوَهُّمِ جَوَازِ الْمُسَاوَاةِ وَزْنًا حُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ بَيْعَ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ إذَا تَسَاوَيَا كَيْلًا إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَا مَكْبُوسَيْنِ. وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالسَّوِيقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُتَسَاوِيًا وَلَا مُتَفَاضِلًا؛ لِأَنَّ الدَّقِيقَ أَجْزَاءُ حِنْطَةٍ غَيْرُ مَقْلِيَّةٍ وَالسَّوِيقُ أَجْزَاؤُهَا مَقْلِيَّةٌ فَكَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَجْزَاءِ بَعْضٍ بِالْآخَرِ لِقِيَامِ الْمُجَانَسَةِ مِنْ وَجْهٍ فَكَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَجْزَاءِ بَعْضٍ بِأَجْزَاءِ بَعْضٍ آخَرَ. وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ لِاخْتِلَافِ الْمَقْصُودِ

قُلْنَا: مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ وَهُوَ التَّغَذِّي يَشْمَلُهُمَا فَلَا يُبَالَى بِفَوَاتِ الْبَعْضِ كَالْمَقْلِيَّةِ مَعَ غَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ وَالْعِلْكَةِ بِالْمُسَوِّسَةِ. قَالَ (وَيَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إذَا بَاعَهُ بِلَحْمٍ مِنْ جِنْسِهِ لَا يَجُوزُ ـــــــــــــــــــــــــــــQإذْ هُوَ بِالدَّقِيقِ اتِّخَاذُ الْخُبْزِ وَالْعَصَائِدِ وَلَا يَحْصُلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِالسَّوِيقِ بَلْ الْمَقْصُودُ بِهِ أَنْ يُلَتَّ بِالسَّمْنِ أَوْ الْعَسَلِ أَوْ يُشْرَبَ بِالْمَاءِ، وَكَذَلِكَ الِاسْمُ «وَإِذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ» . وَالْجَوَابُ أَنَّ مُعْظَمَ الْمَقْصُودِ وَهُوَ التَّغَذِّي يَشْمَلُهُمَا وَفَوَاتُ الْبَعْضِ لَا يَضُرُّ كَالْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ (وَالْعِلْكَةُ بِالْمُسَوِّسَةِ) الَّتِي أَكَلَهَا السُّوسُ وَالْمَقْلِيَّةُ هِيَ الْمَشْوِيَّةُ مِنْ قَلَى يَقْلِي إذَا شَوَى، وَيَجُوزُ مَقْلُوَّةٌ مِنْ قَلَا يَقْلُو، وَالْعِلْكَةُ هِيَ الْجَيِّدَةُ الَّتِي تَكُونُ كَالْعِلْكِ مِنْ صَلَابَتِهَا تَمْتَدُّ مِنْ غَيْرِ انْقِطَاعٍ، وَالسُّوسَةُ الْعُثَّةُ، وَهِيَ دُودَةٌ تَقَعُ فِي الصُّوفِ وَالثِّيَابِ وَالطَّعَامِ، وَمِنْهُ حِنْطَةٌ مُسَوِّسَةٌ بِكَسْرِ الْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ. قَالَ (وَيَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ) بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ عَلَى وُجُوهٍ: مِنْهَا مَا إذَا بَاعَهُ بِحَيَوَانٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ كَمَا إذَا بَاعَ لَحْمَ الْبَقَرِ بِالشَّاةِ مَثَلًا وَهُوَ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ كَمَا فِي اللُّحْمَانِ الْمُخْتَلِفَةِ عَلَى مَا تَبَيَّنَ. وَمِنْهَا مَا إذَا بَاعَهُ الْحَيَوَانَ مِنْ جِنْسِهِ كَمَا إذَا بَاعَ لَحْمَ الشَّاةِ بِالشَّاةِ لَكِنَّهَا مَذْبُوحَةٌ مَفْصُولَةٌ عَنْ السَّقَطِ، وَهُوَ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ إنْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْوَزْنِ وَإِلَّا فَلَا. وَمِنْهَا مَا إذَا بَاعَهُ بِجِنْسِهِ مَذْبُوحًا غَيْرَ مَفْصُولٍ عَنْ السَّقَطِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ اللَّحْمُ الْمَفْصُولُ أَكْثَرَ وَهُوَ أَيْضًا بِالِاتِّفَاقِ. وَمِنْهَا مَا إذَا بَاعَهُ بِجِنْسِهِ حَيًّا وَهُوَ مَسْأَلَةُ

إلَّا إذَا كَانَ اللَّحْمُ الْمُفْرَزُ أَكْثَرَ لِيَكُونَ اللَّحْمُ بِمُقَابَلَةِ مَا فِيهِ مِنْ اللَّحْمِ وَالْبَاقِي بِمُقَابَلَةِ السَّقْطِ، إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ الرِّبَا مِنْ حَيْثُ زِيَادَةُ السَّقْطِ أَوْ مِنْ حَيْثُ زِيَادَةُ اللَّحْمِ فَصَارَ كَالْخَلِّ بِالسِّمْسِمِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ بَاعَ الْمَوْزُونَ بِمَا لَيْسَ بِمَوْزُونٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكِتَابِ وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ (إلَّا إذَا كَانَ اللَّحْمُ الْمُفْرَزُ أَكْثَرَ لِيَكُونَ اللَّحْمُ بِمُقَابَلَةِ مَا فِيهِ مِنْ اللَّحْمِ وَالْبَاقِي بِمُقَابَلَةِ السَّقَطِ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَتَحَقَّقَ الرِّبَا) إمَّا (مِنْ حَيْثُ زِيَادَةُ السَّقَطِ أَوْ مِنْ حَيْثُ زِيَادَةُ اللَّحْمِ) وَالْقِيَاسُ مَعَهُ لِوُجُودِ الْجِنْسِيَّةِ بِاعْتِبَارِ مَا فِي الضِّمْنِ (فَصَارَ كَالْحَلِّ) أَيْ الشَّيْرَجِ (بِالسِّمْسِمِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ بَاعَ الْمَوْزُونَ بِمَا لَيْسَ بِمَوْزُونٍ) ؛ لِأَنَّ اللَّحْمَ مَوْزُونٌ لَا مَحَالَةَ، وَالْحَيَوَانُ لَا يُوزَنُ عَادَةً وَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ ثِقَلِهِ وَخِفَّتِهِ بِالْوَزْنِ؛ لِأَنَّهُ يُخَفِّفُ نَفْسَهُ مَرَّةً وَيُثْقِلُ أُخْرَى يَضْرِبُ قُوَّةً فِيهِ فَلَا يُدْرَى أَنَّ الشَّاةَ خَفَّفَتْ نَفْسَهَا أَوْ ثَقَّلَتْ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْحَلِّ بِالسِّمْسِمِ؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ فِي الْحَلِّ يُعْرَفُ قَدْرُ الدُّهْنِ إذَا مُيِّزَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّجِيرِ يُوزَنُ الثَّجِيرُ وَهُوَ ثِقَلُهُ، وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ السِّمْسِمَ لَا يُوزَنُ عَادَةً كَالْحَيَوَانِ فَقَالَ لَكِنْ يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ بِالْوَزْنِ وَلَا كَذَلِكَ الْحَيَوَانُ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْوَزْنَ يَشْمَلُ الْحَلَّ وَالسِّمْسِمَ عِنْدَ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الدُّهْنِ وَالثَّجِيرِ وَلَا يَشْمَلُ اللَّحْمَ وَالْحَيَوَانَ بِحَالٍ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحَلَّ وَالسِّمْسِمَ يُوزَنَانِ ثُمَّ يُمَيَّزُ الثَّجِيرُ وَيُوزَنُ فَيُعْرَفُ قَدْرُ الْحَلِّ مِنْ السِّمْسِمِ، وَالْحَيَوَانُ لَا يُوزَنُ فِي الِابْتِدَاءِ حَتَّى

لِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يُوزَنُ عَادَةً وَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ ثِقَلِهِ بِالْوَزْنِ لِأَنَّهُ يُخَفِّفُ نَفْسَهُ مَرَّةً بِصَلَابَتِهِ وَيَثْقُلُ أُخْرَى، بِخِلَافِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ الْوَزْنَ فِي الْحَالِ يُعَرِّفُ قَدْرَ الدُّهْنِ إذَا مِيزَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّجِيرِ، وَيُوزَنُ الثَّجِيرُ. قَالَ (وَيَجُوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَقَالَا: لَا يَجُوزُ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ سُئِلَ عَنْهُ أَوْ يَنْقُصُ إذَا جَفَّ؟ فَقِيلَ نَعَمْ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: لَا إذًا» ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا ذُبِحَ وَوُزِنَ السَّقَطُ وَهُوَ مَا لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ اللَّحْمِ كَالْجِلْدِ وَالْكَرِشِ وَالْأَمْعَاءِ وَغَيْرِهَا يُعْرَفُ بِهِ قَدْرُ اللَّحْمِ، فَكَانَ بَيْعُ اللَّحْمِ بِهِ بَيْعَ مَوْزُونٍ بِمَا لَيْسَ بِمَوْزُونٍ. وَفِي ذَلِكَ اخْتِلَافُ الْجِنْسَيْنِ أَيْضًا، فَإِنَّ اللَّحْمَ غَيْرُ حَسَّاسٍ وَالْحَيَوَانُ حَسَّاسٌ مُتَحَرِّكٌ بِالْإِرَادَةِ وَالْبَيْعُ فِيهِ جَائِزٌ مُتَفَاضِلًا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ وَلَمْ يَشْمَلْهُمَا الْوَزْنُ جَازَ الْبَيْعُ نَسِيئَةً وَلَيْسَ كَذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ النَّسِيئَةَ إنْ كَانَتْ فِي الشَّاةِ الْحَيَّةِ فَهُوَ سَلَمٌ فِي الْحَيَوَانِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْبَدَلِ الْآخَرِ فَهُوَ سَلَمٌ فِي اللَّحْمِ وَكِلَاهُمَا لَا يَجُوزُ. (قَالَ وَيَجُوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ) بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ مُتَفَاضِلًا لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ، وَمِثْلًا بِمِثْلٍ جَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ خَاصَّةً (وَقَالَا: لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ حِينَ «سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَقَالَ أَيَنْقُصُ إذَا جَفَّ؟ فَقِيلَ نِعْمَ، قَالَ: لَا إذَا» أَيْ لَا يَجُوزُ عَلَى تَقْدِيرِ النُّقْصَانِ بِالْجَفَافِ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى اشْتِرَاطِ الْمُمَاثَلَةِ فِي أَعْدَلِ الْأَحْوَالِ وَهُوَ مَا بَعْدَ الْجَفَافِ وَبِالْكَيْلِ فِي الْحَالِ لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) هُوَ الدَّلِيلُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ

وَلَهُ أَنَّ الرُّطَبَ تَمْرٌ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ أُهْدَى إلَيْهِ رُطَبٌ أَوَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا» سَمَّاهُ تَمْرًا. وَبَيْعُ التَّمْرِ بِمِثْلِهِ جَائِزٌ لِمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَمْرًا جَازَ الْبَيْعُ بِأَوَّلِ الْحَدِيثِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ تَمْرٍ فَبِآخِرِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَنْقُولُ وَالْمَعْقُولُ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمَّى الرُّطَبَ تَمْرًا حِينَ أُهْدِيَ رُطَبًا فَقَالَ: أَوَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ وَبَيْعُ التَّمْرِ بِمِثْلِهِ جَائِزٌ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ، وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا دَخَلَ بَغْدَادَ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَكَانُوا أَشِدَّاءَ عَلَيْهِ لِمُخَالَفَتِهِ الْخَبَرَ فَاحْتَجَّ بِأَنَّ الرُّطَبَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ تَمْرًا أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ تَمْرًا جَازَ الْعَقْدُ بِأَوَّلِ الْحَدِيثِ: يَعْنِي قَوْلَهُ «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ» وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَازَ بِقَوْلِهِ «إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ» فَأُورِدَ عَلَيْهِ حَدِيثُ سَعْدٍ فَقَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ دَارَ عَلَى زَيْدِ بْنِ عَيَّاشٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ فِي النَّقْلَةِ. وَاسْتَحْسَنَ أَهْلُ الْحَدِيثِ مِنْهُ هَذَا الطَّعْنَ. سَلَّمْنَا قُوَّتَهُ فِي الْحَدِيثِ لَكِنَّهُ خَبَرُ وَاحِدٍ لَا يُعَارَضُ بِهِ الْمَشْهُورُ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ التَّرْدِيدَ الْمَذْكُورَ يَقْتَضِي جَوَازَ بَيْعِ الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْلِيَّةَ إمَّا أَنْ تَكُونَ حِنْطَةً فَتَجُوزُ بِأَوَّلِ الْحَدِيثِ أَوْ لَا فَتَجُوزُ بِآخِرِهِ. فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ ذَلِكَ كَلَامٌ حَسَنٌ فِي الْمُنَاظَرَةِ لِدَفْعِ شَغَبِ الْخَصْمِ، وَالْحُجَّةُ لَا تَتِمُّ بِهِ بَلْ بِمَا بَيَّنَّا مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ التَّمْرِ عَلَيْهِ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ التَّمْرَ اسْمٌ لِثَمَرَةٍ خَارِجَةٍ مِنْ النَّخْلِ مِنْ حَيْثُ تَنْعَقِدُ صُورَتُهَا إلَى أَنْ تُدْرِكَ، وَالرُّطَبُ اسْمٌ لِنَوْعٍ مِنْهُ كَالْبَرْنِيِّ وَغَيْرِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ حِنْطَةٌ (قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ بِأَوَّلِ الْحَدِيثِ) قُلْنَا: إنَّمَا جَازَ أَنْ لَوْ ثَبَتَتْ

إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ وَمَدَارُ مَا رَوَيَاهُ عَلَى زَيْدِ بْنِ عَيَّاشٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ النَّقَلَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُمَاثَلَةُ بَيْنَهُمَا كَيْلًا، وَلَا تَثْبُتُ لِمَا قِيلَ إنَّ الْقَلْيَ صَنْعَةٌ يُغْرَمُ عَلَيْهَا الْأَعْوَاضُ، فَصَارَ كَمَنْ بَاعَ قَفِيزًا بِقَفِيزٍ وَدِرْهَمٍ. لَا يُقَالُ ذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى التَّفَاوُتِ فِي الصِّفَةِ وَهُوَ سَاقِطٌ كَالْجَوْدَةِ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ الرَّاجِعَ إلَى صُنْعِ اللَّهِ سَاقِطٌ بِالْحَدِيثِ. وَأَمَّا الرَّاجِعُ إلَى صُنْعِ الْعِبَادِ فَمُعْتَبَرٌ بِدَلِيلِ اعْتِبَارِهِ بَيْنَ النَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ، فَكُلُّ تَفَاوُتٍ يَنْبَنِي عَلَى صُنْعِ الْعِبَادِ فَهُوَ مُفْسِدٌ كَمَا فِي الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِهَا وَالْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ، وَكُلُّ تَفَاوُتٍ خِلْقِيٍّ فَهُوَ سَاقِطُ الْعِبْرَةِ كَمَا فِي الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ وَالْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ.

قَالَ (وَكَذَا الْعِنَبُ بِالزَّبِيبِ) يَعْنِي عَلَى الْخِلَافِ وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ. وَقِيلَ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ اعْتِبَارًا بِالْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ، وَالرُّطَبُ بِالرُّطَبِ يَجُوزُ مُتَمَاثِلًا كَيْلًا عِنْدَنَا لِأَنَّهُ بَيْعُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَكَذَا بَيْعُ الْحِنْطَةِ الرَّطْبَةِ أَوْ الْمَبْلُولَةِ بِمِثْلِهَا أَوْ بِالْيَابِسَةِ، أَوْ التَّمْرُ أَوْ الزَّبِيبُ الْمُنْقَعُ بِالْمُنْقَعِ مِنْهُمَا مُتَمَاثِلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ جَمِيعُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ فِي أَعْدَلِ الْأَحْوَالِ وَهُوَ الْمَالُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَعْتَبِرُهُ فِي الْحَالِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْعِنَبُ بِالزَّبِيبِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ بِالْوَجْهِ الْمَذْكُورِ، وَلَعَلَّهُ عَبَّرَ بِالْخِلَافِ دُونَ الِاخْتِلَافِ إشَارَةً إلَى قُوَّةِ دَلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقِيلَ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ اعْتِبَارًا بِالْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِهَا) وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُقَوِّي قَوْلَ مَنْ قَالَ الْحُجَّةُ إنَّمَا تَتِمُّ بِإِطْلَاقِ اسْمِ التَّمْرِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ النَّصَّ لَمَّا وَرَدَ بِإِطْلَاقِ اسْمِ التَّمْرِ عَلَى الرُّطَبِ جُعِلَا نَوْعًا وَاحِدًا فَجَازَ الْبَيْعُ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَمْ يَرِدْ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الْعِنَبِ عَلَى الزَّبِيبِ فَاعْتُبِرَ فِيهِ التَّفَاوُتُ الصَّنْعِيُّ الْمُفْسِدُ كَمَا فِي الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِهَا، وَالرُّطَبُ

وَكَذَا أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَمَلًا بِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ إلَّا أَنَّهُ تَرَكَ هَذَا الْأَصْلَ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ لِمَا رَوَيْنَاهُ لَهُمَا. وَوَجْهُ الْفَرْقِ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَ هَذِهِ الْفُصُولِ وَبَيْنَ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ أَنَّ التَّفَاوُتَ فِيمَا يَظْهَرُ مَعَ بَقَاءِ الْبَدَلَيْنِ عَلَى الِاسْمِ الَّذِي عُقِدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، وَفِي الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ مَعَ بَقَاءِ أَحَدِهِمَا عَلَى ذَلِكَ فَيَكُونَ تَفَاوُتًا فِي عَيْنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَفِي الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالرُّطَبِ يَجُوزُ مُتَمَاثِلًا كَيْلًا: أَيْ مِنْ حَيْثُ الْكَيْلُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ رِبَوِيٌّ يَتَفَاوَتُ فِي أَعْدَلِ الْأَحْوَالِ: أَعْنِي عِنْدَ الْجَفَافِ فَلَا يَجُوزُ كَالْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ. وَلَنَا أَنَّهُ بَيْعُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ مُتَسَاوِيًا فَكَانَ جَائِزًا وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْحِنْطَةِ الرَّطْبَةِ بِالْحِنْطَةِ الرَّطْبَةِ أَوْ الْحِنْطَةِ الْمَبْلُولَةِ بِالْمَبْلُولَةِ أَوْ الْحِنْطَةِ الرَّطْبَةِ بِالْمَبْلُولَةِ أَوْ الْيَابِسَةِ أَوْ التَّمْرِ الْمُنْقَعِ بِالْمُنْقَعِ أَوْ الزَّبِيبِ الْمُنْقَعِ بِالْمُنْقَعِ، مِنْ أُنْقِعَ إذَا أُلْقِيَ فِي الْخَابِيَةِ لِيَبْتَلَّ وَتُخْرَجَ مِنْهُ الْحَلَاوَةُ جَائِزٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، هُوَ يَعْتَبِرُ الْمُسَاوَاةَ فِي أَعْدَلِ الْأَحْوَالِ وَهُوَ حَالُ الْجَفَافِ، وَمُفَرَّعُهُ حَدِيثُ سَعْدٍ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَعْتَبِرُهَا فِي الْحَالِ عَمَلًا بِإِطْلَاقِ الْمَشْهُورِ، وَكَذَلِكَ أَبُو يُوسُفَ إلَّا أَنَّهُ تَرَكَ هَذَا الْأَصْلَ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ لِحَدِيثِ سَعْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاحْتَاجَ مُحَمَّدٌ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْفُصُولِ: يَعْنِي بَيْعَ الْحِنْطَةِ الرَّطْبَةِ وَالْمَبْلُولَةِ إلَى آخِرِهَا، وَبَيْنَ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ حَيْثُ اعْتَبَرَ الْمُسَاوَاةَ فِيهَا فِي أَعْدَلِ الْأَحْوَالِ وَفِيهِ فِي الْحَالِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّفَاوُتَ إذَا ظَهَرَ مَعَ بَقَاءِ الْبَدَلَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا عَلَى الِاسْمِ الَّذِي عُقِدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ فَهُوَ مُفْسِدٌ لِكَوْنِهِ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَإِذَا ظَهَرَ بَعْدَ زَوَالِ الِاسْمِ الَّذِي عُقِدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ عَنْ الْبَدَلَيْنِ فَلَيْسَ بِمُفْسِدٍ إذَا لَمْ يَكُنْ تَفَاوُتًا فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا كَانَ الْعَقْدُ وَارِدًا عَلَى الْبَدَلَيْنِ بِالتَّسْمِيَةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بِالْإِشَارَةِ إلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَلَا؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الذَّاتُ الْمُشَارُ إلَيْهَا وَهِيَ

التَّفَاوُتُ بَعْدَ زَوَالِ ذَلِكَ الِاسْمِ فَلَمْ يَكُنْ تَفَاوُتًا فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَلَا يُعْتَبَرُ. وَلَوْ بَاعَ الْبُسْرَ بِالتَّمْرِ مُتَفَاضِلًا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْبُسْرَ تَمْرٌ، بِخِلَافِ الْكُفُرَّى حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِمَا شَاءَ مِنْ التَّمْرِ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَمْرٍ، فَإِنَّ هَذَا الِاسْمَ لَهُ مِنْ أَوَّلِ مَا تَنْعَقِدُ صُورَتُهُ لَا قَبْلَهُ، وَالْكُفَرَّى عَدَدِيٌّ مُتَفَاوِتٌ، حَتَّى لَوْ بَاعَ التَّمْرَ بِهِ نَسِيئَةً لَا يَجُوزُ لِلْجَهَالَةِ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ وَالسِّمْسِمُ بِالشَّيْرَجِ حَتَّى يَكُونَ الزَّيْتُ وَالشَّيْرَجُ أَكْثَرَ مِمَّا فِي الزَّيْتُونِ وَالسِّمْسِمِ فَيَكُونَ الدُّهْنُ بِمِثْلِهِ وَالزِّيَادَةُ بِالثَّجِيرِ) لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ يَعْرَى عَنْ الرِّبَا إذْ مَا فِيهِ مِنْ الدُّهْنِ مَوْزُونٌ، وَهَذَا لِأَنَّ مَا فِيهِ لَوْ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا تَتَبَدَّلُ. قَالَ (وَلَوْ بَاعَ الْبُسْرَ بِالتَّمْرِ إلَخْ) بَيْعُ الْبُسْرِ بِالتَّمْرِ مُتَفَاضِلًا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ تَمْرٌ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ التَّمْرَ اسْمٌ لِثَمَرَةِ النَّخْلِ مِنْ أَوَّلِ مَا تَنْعَقِدُ صُورَتُهُ وَبَيْعُهُ بِهِ مُتَسَاوِيًا مِنْ حَيْثُ الْكَيْلُ يَدًا بِيَدٍ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَبَيْعُ الْكُفُرَّى بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَهُوَ كُمُّ النَّخْلِ سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتُرُ مَا فِي جَوْفِهِ بِالثَّمَرِ جَائِزٌ مُتَسَاوِيًا وَمُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ؛ لِأَنَّ الْكُفُرَّى لَيْسَ بِتَمْرٍ لِكَوْنِهِ قَبْلَ انْعِقَادِ الصُّورَةِ (قَوْلُهُ: وَالْكُفُرَّى عَدَدِيٌّ مُتَفَاوِتٌ) قِيلَ: هُوَ جَوَابُ سُؤَالٍ تَقْرِيرُهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ تَمْرًا لَجَازَ إسْلَامُ التَّمْرِ فِي الْكُفُرَّى لَكِنَّهُ لَمْ يَجُزْ. وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنَّهُ عَدَدِيٌّ مُتَفَاوِتٌ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ، وَتَتَفَاوَتُ آحَادُهُ فِي الْمَالِيَّةِ فَلَا يَجُوزُ الْإِسْلَامُ فِيهِ لِلْجَهَالَةِ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ إلَخْ) الزَّيْتُونُ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ الزَّيْتُ وَالشَّيْرَجُ الدُّهْنُ الْأَبْيَضُ، وَيُقَالُ لِلْعَصِيرِ قَبْلَ أَنْ يَتَغَيَّرَ شَيْرَجٌ وَهُوَ تَعْرِيبُ شَيْرَهْ، وَالْمُرَادُ بِهِ هَاهُنَا مَا يُتَّخَذُ مِنْ السِّمْسِمِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُجَانَسَةَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ تَكُونُ تَارَةً بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ وَأُخْرَى بِاعْتِبَارِ مَا فِي الضِّمْنِ. وَلَا يُعْتَبَرُ الثَّانِي مَعَ وُجُودِ الْأَوَّلِ، وَلِهَذَا جَازَ بَيْعُ قَفِيزِ حِنْطَةٍ عِلْكَةٍ بِقَفِيزِ مُسَوِّسَةٍ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ مَا فِي الضِّمْنِ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ الْأَوَّلُ يُعْتَبَرُ الثَّانِي، وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ وَالزَّيْتِ مَعَ الزَّيْتُونِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ. فَإِذَا بِيعَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تُعْلَمَ كَمِّيَّةُ مَا يُسْتَخْرَجُ مِنْ الزَّيْتُونِ أَوْ لَا، وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ لِتَوَهُّمِ الْفَضْلِ الَّذِي هُوَ كَالْمُحَقَّقِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَالْأَوَّلُ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُنْفَصِلُ أَكْثَرَ أَوْ لَا. وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ لِتَحَقُّقِ الْفَضْلِ وَهُوَ بَعْضُ الزَّيْتِ وَالثَّجِيرِ

أَكْثَرَ أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ، فَالثَّجِيرُ وَبَعْضُ الدُّهْنِ أَوْ الثَّجِيرُ وَحْدَهُ فَضْلٌ، وَلَوْ لَمْ يُعْلَمْ مِقْدَارُ مَا فِيهِ لَا يَجُوزُ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا، وَالشُّبْهَةُ فِيهِ كَالْحَقِيقَةِ، وَالْجَوْزُ بِدُهْنِهِ وَاللَّبَنُ بِسَمْنِهِ وَالْعِنَبُ بِعَصِيرِهِ وَالتَّمْرُ بِدِبْسِهِ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْقُطْنِ بِغَزْلِهِ، وَالْكِرْبَاسُ بِالْقُطْنِ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ بِالْإِجْمَاعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإنْ نَقَصَ الْمُنْفَصِلُ عَنْ الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ الزَّيْتِ وَالثَّجِيرِ وَحْدَهُ: أَيْ سَاوَاهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الثَّجِيرُ ذَا قِيمَةٍ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَمَا فِي الزُّبْدِ بَعْدَ إخْرَاجِ السَّمْنِ إذَا كَانَ السَّمْنُ الْخَالِصُ مِثْلَ مَا فِي الزُّبْدِ مِنْ السَّمْنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْأَوَّلُ جَائِزٌ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ وَالشَّيْرَجُ بِالسِّمْسِمِ وَالْجَوْزُ بِدُهْنِهِ وَاللَّبَنُ بِسَمْنِهِ وَالْعِنَبُ بِعَصِيرِهِ وَالتَّمْرُ بِدِبْسِهِ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ مَثَلًا: السِّمْسِمُ يَشْتَمِلُ عَلَى الشَّيْرَجِ وَالثَّجِيرِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَجْمُوعُ مَنْظُورًا إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ فَيَجِبُ جَوَازُ بَيْعِ الشَّيْرَجِ بِالسِّمْسِمِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الشَّيْرَجَ وَزْنِيٌّ وَالسِّمْسِمَ كَيْلِيٌّ، أَوْ مِنْ حَيْثُ الْإِفْرَازُ فَيَجُوزُ بَيْعُ السِّمْسِمِ بِالسِّمْسِمِ مُتَفَاضِلًا صَرْفًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الدُّهْنِ وَالثَّجِيرِ إلَى خِلَافِ جِنْسِهِ كَمَا إذَا بَاعَ كُرَّ حِنْطَةٍ وَكُرَّ شَعِيرٍ بِثَلَاثَةِ أَكْرَارٍ حِنْطَةٍ وَكُرِّ شَعِيرٍ أَوْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا إمَّا الدُّهْنُ أَوْ الثَّجِيرُ مَنْظُورًا إلَيْهِ فَقَطْ، وَالثَّانِي مُنْتَفٍ عَادَةً، وَالْأَوَّلُ يُوجِبُ أَنْ لَا يُقَابَلَ الثَّجِيرُ بِشَيْءٍ مِنْ الدُّهْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.

قَالَ (وَيَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمَانِ الْمُخْتَلِفَةِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا) وَمُرَادُهُ لَحْمُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ؛ فَأَمَّا الْبَقَرُ وَالْجَوَامِيسُ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَكَذَا الْمَعْزُ مَعَ الضَّأْنِ وَكَذَا الْعِرَابُ مَعَ الْبَخَاتِيِّ. قَالَ (وَكَذَلِكَ أَلْبَانُ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ) وَعَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ. وَلَنَا أَنَّ الْأُصُولَ مُخْتَلِفَةٌ حَتَّى لَا يَكْمُلَ نِصَابُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ فِي الزَّكَاةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ هُوَ الْمَجْمُوعُ مِنْ حَيْثُ الْإِفْرَادُ، وَلَا يَلْزَمُ جَوَازُ بَيْعِ السِّمْسِمِ بِالسِّمْسِمِ مُتَفَاضِلًا. قَوْلُهُ: صَرْفًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الدُّهْنِ وَالثَّجِيرِ إلَى خِلَافِ جِنْسِهِ. قُلْنَا: ذَاكَ إذَا كَانَا مُنْفَصِلَيْنِ خِلْقَةً كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ لِظُهُورِ كَمَالِ الْجِنْسِيَّةِ حِينَئِذٍ وَالدُّهْنُ وَالثَّجِيرُ لَيْسَا كَذَلِكَ. وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ بَيْعِ الْقُطْنِ بِغَزْلِهِ مُتَسَاوِيًا فَقِيلَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقُطْنَ يَنْقُصُ بِالْغَزْلِ فَهُوَ نَظِيرُ الْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ، وَقِيلَ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُمَا وَاحِدٌ فَكِلَاهُمَا مَوْزُونٌ، وَإِنْ خَرَجَا عَنْ الْوَزْنِ أَوْ خَرَجَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْوَزْنِ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ وَاحِدٍ بِاثْنَيْنِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. وَبَيْعُ الْغَزْلِ بِالثَّوْبِ جَائِزٌ وَالْكِرْبَاسِ بِالْقُطْنِ جَائِزٌ كَيْفَمَا كَانَ بِالْإِجْمَاعِ، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ بَيْعَ الْقُطْنِ بِالثَّوْبِ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا. (قَالَ: وَيَجُوزُ بَيْعُ اللُّحْمَانِ إلَخْ) كُلُّ مَا يَكْمُلُ بِهِ نِصَابُ الْآخَرِ مِنْ الْحَيَوَانِ فِي الزَّكَاةِ لَا يُوصَفُ بِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ كَالْبَقَرِ وَالْجَوَامِيسِ مُتَفَاضِلًا. وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَالْعِرَابُ وَالْبَخَاتِيُّ وَالْمَعْزُ وَالضَّأْنُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ لَحْمِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا، وَكُلُّ مَا لَا يَكْمُلُ بِهِ نِصَابُ الْآخَرِ فَهُوَ يُوصَفُ بِالِاخْتِلَافِ كَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَيَجُوزُ بَيْعُ لَحْمِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا وَكَذَلِكَ الْأَلْبَانُ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ اللَّحْمِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَهُوَ التَّغَذِّي وَالتَّقَوِّي فَكَانَ الْجِنْسُ مُتَّحِدًا. وَلَنَا أَنَّهَا فُرُوعُ أُصُولٍ مُخْتَلِفَةٍ لِمَا ذَكَرْنَا، وَاخْتِلَافُ الْأَصْلِ يُوجِبُ اخْتِلَافَ

فَكَذَا أَجْزَاؤُهَا إذَا لَمْ تَتَبَدَّلْ بِالصَّنْعَةِ. قَالَ (وَكَذَا خَلُّ الدَّقَلِ بِخَلِّ الْعِنَبِ) لِلِاخْتِلَافِ بَيْنَ أَصْلَيْهِمَا، فَكَذَا بَيْنَ مَاءَيْهِمَا وَلِهَذَا كَانَ عَصِيرَاهُمَا جِنْسَيْنِ. وَشَعْرُ الْمَعْزِ وَصُوفُ الْغَنَمِ جِنْسَانِ لِاخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَرْعِ ضَرُورَةً كَالْأَدْهَانِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ الِاتِّحَادِ فِي التَّغَذِّي فَذَلِكَ اعْتِبَارُ الْمَعْنَى الْعَامِّ كَالطَّعْمِ فِي الْمَطْعُومَاتِ وَالتَّفَكُّهِ فِي الْفَوَاكِهِ، وَالْمُعْتَبَرُ الِاتِّحَادُ فِي الْمَعْنَى الْخَاصِّ، وَلَا يُشْكِلُ بِالطُّيُورِ فَإِنَّ بَيْعَ لَحْمِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا يَجُوزُ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَا يُوزَنُ عَادَةً فَلَيْسَ بِوَزْنِيٍّ وَلَا كَيْلِيٍّ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْقَدْرُ الشَّرْعِيُّ، وَفِي مِثْلِهِ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ تَتَبَدَّلْ بِالصَّنْعَةِ) قِيلَ مُرَادُهُ أَنَّ اتِّحَادَ الْأُصُولِ يُوجِبُ اتِّحَادَ الْفُرُوعِ وَالْأَجْزَاءِ إذَا لَمْ تَتَبَدَّلْ بِالصَّنْعَةِ، فَإِذَا تَبَدَّلَتْ الْأَجْزَاءُ بِالصَّنْعَةِ تَكُونُ مُخْتَلِفَةً، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ مُتَّحِدًا كَالْهَرَوِيِّ وَالْمَرْوِيِّ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي اخْتِلَافِ الْأُصُولِ لَا فِي اتِّحَادِهَا، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: اخْتِلَافُ الْأُصُولِ يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْأَجْزَاءِ إذَا لَمْ تَتَبَدَّلْ بِالصَّنْعَةِ، وَأَمَّا إذَا تَبَدَّلَتْ فَلَا تُوجِبُهُ، وَإِنَّمَا تُوجِبُ الِاتِّحَادَ، فَإِنَّ الصَّنْعَةَ كَمَا تُؤَثِّرُ فِي تَغَيُّرِ الْأَجْنَاسِ مَعَ اتِّحَادِ الْأَصْلِ كَالْهَرَوِيِّ مَعَ الْمَرْوِيِّ مَعَ اتِّحَادِهِمَا فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْقُطْنُ كَذَلِكَ تُؤَثِّرُ فِي اتِّحَادِهَا مَعَ اخْتِلَافِ الْأَصْلِ كَالدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ الْمُخْتَلِفَةِ الْغِشِّ مِثْلِ الْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ إذَا كَانَتْ الْفِضَّةُ غَالِبَةً فَإِنَّهَا مُتَّحِدَةٌ فِي الْحُكْمِ بِالصَّنْعَةِ مَعَ اخْتِلَافِ الْأُصُولِ. قَالَ (وَكَذَا خَلُّ الدَّقَلِ بِخَلِّ الْعِنَبِ إلَخْ) الدَّقَلُ هُوَ أَرْدَأُ التَّمْرِ، وَبَيْعُ خَلِّهِ بِخَلِّ الْعِنَبِ مُتَفَاضِلًا جَائِزٌ يَدًا بِيَدٍ وَكَذَا حُكْمُ سَائِرِ التُّمُورِ. وَلَمَّا كَانُوا يَجْعَلُونَ الْخَلَّ مِنْ الدَّقَلِ غَالِبًا أَخْرَجَ الْكَلَامَ عَلَى مَجْرَى الْعَادَةِ، وَإِنَّمَا جَازَ التَّفَاضُلُ لِلِاخْتِلَافِ بَيْنَ أَصْلَيْهِمَا وَلِهَذَا كَانَ عَصِيرَاهُمَا: يَعْنِي الدَّقَلَ وَالْعِنَبَ جِنْسَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ (وَشَعْرُ الْمَعْزِ وَصُوفُ الْغَنَمِ جِنْسَانِ لِاخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ) فَجَازَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا

قَالَ (وَكَذَا شَحْمُ الْبَطْنِ بِالْأَلْيَةِ أَوْ بِاللَّحْمِ) لِأَنَّهَا أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ لِاخْتِلَافِ الصُّوَرِ وَالْمَعَانِي وَالْمَنَافِعِ اخْتِلَافًا فَاحِشًا. قَالَ (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْخُبْزِ بِالْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ مُتَفَاضِلًا) لِأَنَّ الْخُبْزَ صَارَ عَدَدِيًّا أَوْ مَوْزُونًا فَخَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَكِيلًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْحِنْطَةُ مَكِيلَةٌ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَقْصُودِ كَالتَّبَدُّلِ بِالصَّنْعَةِ فِي تَغْيِيرِ الْأَجْزَاءِ مَعَ اتِّحَادِ الْأَصْلِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْمَقْصُودُ فَاخْتِلَافُهُ يُوجِبُ التَّغْيِيرَ وَاخْتِلَافُ الْمَقْصُودِ فِيهِمَا ظَاهِرٌ، فَإِنَّ الشَّعْرَ يُتَّخَذُ مِنْهُ الْحِبَالُ الصُّلْبَةُ وَالْمُسُوحُ، وَالصُّوفُ يُتَّخَذُ مِنْهُ اللُّبُودُ وَاللِّفَافَةُ. لَا يُقَالُ: لَوْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ بِاخْتِلَافِ الْمَقْصُودِ لَمَا جَازَ بَيْعُ لَبَنِ الْبَقَرِ بِلَبَنِ الْغَنَمِ مُتَفَاضِلًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا مُتَّحِدٌ فَكَانَ الْجِنْسُ مُتَّحِدًا؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ، فَإِنَّ لَبَنَ الْبَقَرِ قَدْ يَضُرُّ حِينَ لَا يَضُرُّ لَبَنُ الْغَنَمِ فَلَا يَتَّحِدُ الْقَصْدُ إلَيْهِمَا. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: قُلْنَا إنَّ اخْتِلَافَ الْمَقْصُودِ قَدْ يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْجِنْسِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْأُصُولِ، وَلَمْ نَقُلْ اتِّحَادُ الْمَقْصُودِ يُوجِبُ الِاتِّحَادَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْأُصُولِ، فَالْأَصْلُ أَنْ يُوجِبَ اخْتِلَافُ الْأُصُولِ اخْتِلَافَ الْأَجْزَاءِ وَالْفُرُوعِ إلَّا عِنْدَ التَّبَدُّلِ بِالصَّنْعَةِ، وَأَنْ يُوجِبَ اتِّحَادُ الْأُصُولِ اتِّحَادَ الْفُرُوعِ إلَّا عِنْدَ التَّبَدُّلِ بِالصَّنْعَةِ أَوْ اخْتِلَافُ الْمَقْصُودِ بِالْفُرُوعِ وَلَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ نَقْضٌ، وَمِنْ هَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ مَانِعٌ رَاجِحٌ فَلَا يُعَارِضُهُ اتِّحَادُ الْأَصْلِ، وَيَسْقُطُ مَا قِيلَ شَعْرُ الْمَعْزِ وَصُوفُ الْغَنَمِ بِالنَّظَرِ إلَى الْأَصْلِ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَبِالنَّظَرِ إلَى الْمَقْصُودِ جِنْسَانِ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا فِي الْبَيْعِ تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الْحُرْمَةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ رَاجِحٌ قَالَ (وَكَذَا شَحْمُ الْبَطْنِ بِالْأَلْيَةِ أَوْ بِاللَّحْمِ) جَائِزٌ؛ لِأَنَّهَا أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ لِاخْتِلَافِ الصُّوَرِ وَالْمَعَانِي وَالْمَنَافِعِ اخْتِلَافًا فَاحِشًا، أَمَّا اخْتِلَافُ الصُّوَرِ فَلِأَنَّ الصُّورَةَ مَا يَحْصُلُ مِنْهُ فِي الذِّهْنِ عِنْدَ تَصَوُّرِهِ، وَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ عِنْدَ تَصَوُّرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ. وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْمَعَانِي فَلِأَنَّهُ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ عِنْدَ إطْلَاقِ اللَّفْظِ وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ لَا مَحَالَةَ. وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْمَنَافِعِ فَكَافِلَةُ الطِّبِّ. قَالَ (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْخُبْزِ بِالْحِنْطَةِ) بَيْعُ الْخُبْزِ بِالْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ إمَّا أَنْ يَكُونَ حَالَ كَوْنِهِمَا نَقْدَيْنِ أَوْ حَالَ كَوْنِ أَحَدِهِمَا نَقْدًا وَالْآخَرِ نَسِيئَةً، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ جَازَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ عَدَدِيًّا أَوْ مَوْزُونًا فَخَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مَكِيلًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ

وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ، وَهَذَا إذَا كَانَا نَقْدَيْنِ؛ فَإِنْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ نَسِيئَةً جَازَ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ الْخُبْزُ نَسِيئَةً يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَكَذَا السَّلَمُ فِي الْخُبْزِ جَائِزٌ فِي الصَّحِيحِ، وَلَا خَيْرَ فِي اسْتِقْرَاضِهِ عَدَدًا أَوْ وَزْنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ بِالْخُبْزِ وَالْخَبَّازِ وَالتَّنُّورِ وَالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ بِهِمَا لِلتَّعَامُلِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ وَزْنًا وَلَا يَجُوزُ عَدَدًا لِلتَّفَاوُتِ فِي آحَادِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْحِنْطَةُ مَكِيلَةٌ فَاخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ وَجَازَ التَّفَاضُلُ (وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِيهِ: أَيْ لَا يَجُوزُ، وَالتَّرْكِيبُ لِلْمُبَالَغَةِ فِي النَّهْيِ؛ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ نَفْيَ جَمِيعِ جِهَاتِ الْخَيْرِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ الْحِنْطَةُ وَالدَّقِيقُ نَسِيئَةً أَوْ الْخُبْزُ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ جَازَ؛ لِأَنَّهُ أَسْلَمَ مَوْزُونًا فِي مَكِيلٍ يُمْكِنُ ضَبْطُ صِفَتِهِ وَمَعْرِفَةُ مِقْدَارِهِ. وَإِنْ كَانَ الثَّانِي جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ أَسْلَمَ فِي مَوْزُونٍ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا لِمَا نَذْكُرُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ) وَهَذَا يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ وَكَذَا السَّلَمُ فِي الْخُبْزِ جَائِزٌ فِي الصَّحِيحِ: يَعْنِي قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ، وَإِنَّمَا كَانَ الْفَتْوَى عَلَى ذَلِكَ لِحَاجَةِ النَّاسِ، لَكِنْ يَجِبُ أَنْ يُحْتَاطَ وَقْتُ الْقَبْضِ حَتَّى يَقْبِضَ مِنْ الْجِنْسِ الَّذِي سَمَّى لِئَلَّا يَصِيرَ اسْتِبْدَالًا بِالْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلَا خَيْرَ فِي اسْتِقْرَاضِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَدَدًا أَوْ وَزْنًا؛ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ بِالْخُبْزِ مِنْ حَيْثُ الطُّولُ وَالْعَرْضُ وَالْغِلَظُ وَالرِّقَّةُ، وَبِالْخَبَّازِ بِاعْتِبَارِ حِذْقِهِ وَعَدَمِهِ، وَبِالتَّنُّورِ فِي كَوْنِهِ جَدِيدًا فَيَجِيءُ خُبْزُهُ جَيِّدًا أَوْ عَتِيقًا فَيَكُونُ بِخِلَافِهِ، وَبِالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ فَإِنَّهُ فِي أَوَّلِ التَّنُّورِ لَا يَجِيءُ مِثْلَ مَا فِي آخِرِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمَانِعُ عَنْ جَوَازِ السَّلَمِ عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهُ عَدَدًا وَوَزْنًا، تُرِكَ قِيَاسُ السَّلَمِ فِيهِ لِلتَّعَامُلِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ وَزْنًا وَلَا يَجُوزُ عَدَدًا لِلتَّفَاوُتِ فِي آحَادِهِ.

قَالَ (وَلَا رِبَا بَيْنَ الْمَوْلَى وَعَبْدِهِ) لِأَنَّ الْعَبْدَ وَمَا فِي يَدِهِ مِلْكٌ لِمَوْلَاهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ الرِّبَا، وَهَذَا إذَا كَانَ مَأْذُونًا لَهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ لَيْسَ مِلْكَ الْمَوْلَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ فَيَتَحَقَّقَ الرِّبَا كَمَا يَتَحَقَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُكَاتَبِهِ. قَالَ (وَلَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ) خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. لَهُمَا الِاعْتِبَارُ بِالْمُسْتَأْمَنِ مِنْهُمْ فِي دَارِنَا. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا رِبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَلَا رِبَا بَيْنَ الْمَوْلَى وَعَبْدِهِ) لَا رِبَا بَيْنَ الْمَوْلَى وَعَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ مُحِيطٌ بِرَقَبَتِهِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَمَا فِي يَدِهِ مِلْكٌ لِمَوْلَاهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْبَيْعُ وَلَا يَتَحَقَّقُ الرِّبَا، فَعَدَمُ تَحَقُّقِ الرِّبَا بَعْدَ وُجُودِ الْبَيْعِ بِحَقِيقَتِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مُشْتَمِلًا عَلَى شَرَائِطِ الرِّبَا دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْبَيْعِ (فَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَتَحَقَّقُ الرِّبَا؛ لِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ لَيْسَ مِلْكًا لِمَوْلَاهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا) وَإِنْ كَانَ مِلْكَهُ، لَكِنْ لَمَّا (تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ) صَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ فَيَتَحَقَّقُ الرِّبَا كَمَا يَتَحَقَّقُ بَيْنَ الْمُكَاتَبِ وَمَوْلَاهُ. قَالَ (وَلَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ) لَا رِبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ

وَلِأَنَّ مَالَهُمْ مُبَاحٌ فِي دَارِهِمْ فَبِأَيِّ طَرِيقٍ أَخَذَهُ الْمُسْلِمُ أَخَذَ مَالًا مُبَاحًا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ غَدْرٌ، بِخِلَافِ الْمُسْتَأْمِنِ مِنْهُمْ لِأَنَّ مَالَهُ صَارَ مَحْظُورًا بِعَقْدِ الْأَمَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQخِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. لَهُمَا الِاعْتِبَارُ بِالْمُسْتَأْمَنِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فِي دَارِنَا، فَإِنَّهُ إذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَنَا بِأَمَانٍ وَبَاعَ دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فَكَذَا إذَا دَخَلَ الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ وَفَعَلَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِجَامِعِ تَحَقُّقِ الْفَضْلِ الْخَالِي عَنْ الْعِوَضِ الْمُسْتَحَقِّ بِعَقْدِ الْبَيْعِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ مَا رَوَى مَكْحُولٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا رِبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ» ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ؛ وَلِأَنَّ مَالَ أَهْلِ الْحَرْبِ فِي دَارِهِمْ مُبَاحٌ بِالْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَالْمُسْلِمُ الْمُسْتَأْمَنُ إنَّمَا مُنِعَ مِنْ أَخْذِهِ لِعَقْدِ الْأَمَانِ حَتَّى لَا يَلْزَمَ الْغَدْرُ، فَإِذَا بَذَلَ الْحَرْبِيُّ مَالَهُ بِرِضَاهُ زَالَ الْمَعْنَى الَّذِي حُظِرَ لِأَجْلِهِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمُسْتَأْمَنِ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسٍ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ مِنْهُمْ فِي دَارِنَا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَخْذُ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَحْظُورًا بِعَقْدِ الْأَمَانِ وَلِهَذَا لَا يَحِلُّ تَنَاوُلُهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ.

[باب الحقوق]

(بَابُ الْحُقُوقِ) (وَمَنْ اشْتَرَى مَنْزِلًا فَوْقَهُ مَنْزِلٌ فَلَيْسَ لَهُ الْأَعْلَى إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهُ أَوْ بِمَرَافِقِهِ أَوْ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهِ أَوْ مِنْهُ. وَمَنْ اشْتَرَى بَيْتًا فَوْقَهُ بَيْتٌ بِكُلِّ حَقٍّ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْأَعْلَى، وَمَنْ اشْتَرَى دَارًا بِحُدُودِهَا فَلَهُ الْعُلُوُّ وَالْكَنِيفُ) جَمَعَ بَيْنَ الْمَنْزِلِ وَالْبَيْتِ وَالدَّارِ، فَاسْمُ الدَّارِ يَنْتَظِمُ الْعُلُوَّ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا أُدِيرَ عَلَيْهِ الْحُدُودُ، وَالْعُلُوُّ مِنْ تَوَابِعِ الْأَصْلِ وَأَجْزَائِهِ فَيَدْخُلَ فِيهِ. وَالْبَيْتُ اسْمٌ لِمَا يُبَاتُ فِيهِ، وَالْعُلُوُّ مِثْلُهُ، وَالشَّيْءُ لَا يَكُونُ تَبَعًا لِمِثْلِهِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ، وَالْمَنْزِلُ بَيْنَ الدَّارِ وَالْبَيْتِ لِأَنَّهُ يَتَأَتَّى فِيهِ مَرَافِقُ السُّكْنَى مَعَ ضَرْبِ قُصُورٍ إذْ لَا يَكُونُ فِيهِ مَنْزِلُ الدَّوَابِّ، فَلِشَبَهِهِ بِالدَّارِ يَدْخُلُ الْعُلُوُّ فِيهِ تَبَعًا عِنْدَ ذِكْرِ التَّوَابِعِ، وَلِشَبَهِهِ بِالْبَيْتِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ بِدُونِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْحُقُوقِ] قِيلَ: كَانَ مِنْ حَقِّ مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ أَنْ تُذْكَرَ فِي الْفَصْلِ الْمُتَّصِلِ بِأَوَّلِ كِتَابِ الْبَيْعِ، إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ الْتَزَمَ تَرْتِيبَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْمُرَتَّبِ بِمَا هُوَ مِنْ مَسَائِلِهِ وَهُنَاكَ هَكَذَا وَقَعَ، وَكَذَا هَاهُنَا، وَلِأَنَّ الْحُقُوقَ تَوَابِعُ فَيَلِيقُ ذِكْرُهَا بَعْدَ ذِكْرِ مَسَائِلِ الْمَتْبُوعِ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى مَنْزِلًا فَوْقَهُ مَنْزِلٌ) ذَكَرَ ثَلَاثَةَ أَسْمَاءٍ: الْمَنْزِلُ وَالْبَيْتُ وَالدَّارُ، فَسَّرَهُ لِيُبَيِّنَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى كُلِّ اسْمٍ مِنْهَا مِنْ الِاحْتِيَاجِ إلَى تَصْرِيحِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَرَافِقِ لِدُخُولِهَا وَعَدَمِهِ. قَالَ: الدَّارُ اسْمٌ لِمَا أُدِيرَ عَلَيْهِ الْحُدُودُ، وَالْبَيْتُ اسْمٌ لِمَا يُبَاتُ فِيهِ، وَالْمَنْزِلُ بَيْنَ الْبَيْتِ وَالدَّارِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ مَرَافِقُ السُّكْنَى مَعَ ضَرْبِ قُصُورٍ لِعَدَمِ اشْتِمَالِهِ عَلَى مَنْزِلِ الدَّوَابِّ. وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَمَنْ اشْتَرَى مَنْزِلًا فَوْقَهُ مَنْزِلٌ لَا يَدْخُلُ الْأَعْلَى فِي الْعَقْدِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَهُ، وَيُصَرِّحَ بِذِكْرِ إحْدَى هَذِهِ الْعِبَارَاتِ الثَّلَاثِ بِأَنْ يَقُولَ: بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهُ أَوْ بِمَرَافِقِهِ، أَوْ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهِ أَوْ مِنْهُ (وَمَنْ اشْتَرَى بَيْتًا فَوْقَهُ بَيْتٌ) وَذَكَرَ إحْدَى الْعِبَارَاتِ الثَّلَاثِ (لَمْ يَدْخُلُ الْأَعْلَى. وَمَنْ اشْتَرَى دَارًا بِحُدُودِهَا) وَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ (دَخَلَ فِيهِ الْعُلُوُّ وَالْكَنِيفُ) وَهَذَا؛ لِأَنَّ الدَّارَ لَمَّا كَانَ اسْمًا لِمَا أُدِيرَ عَلَيْهِ الْحُدُودُ وَالْعُلُوُّ لَيْسَ بِخَارِجٍ عَنْهَا وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ تَوَابِعِ الْأَصْلِ وَأَجْزَائِهِ دَخَلَ فِيهِ، وَالْبَيْتُ اسْمٌ لِمَا يُبَاتُ فِيهِ، وَالْعُلُوُّ مِثْلُهُ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ بِذِكْرِهِ، وَإِلَّا لَكَانَ الشَّيْءُ تَابِعًا لِمِثْلِهِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ. وَلَا يُشْكِلُ بِالْمُسْتَعِيرِ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُعَبِّرَ فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ وَالْمَكَاتِبِ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّبَعِيَّةِ هَاهُنَا أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِشَيْءٍ يَتْبَعُهُ مَا هُوَ مِثْلُهُ فِي الدُّخُولِ تَحْتَ الدَّلَالَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَفْظٍ عَامٍّ يَتَنَاوَلُ الْأَفْرَادَ،

وَقِيلَ فِي عُرْفِنَا يَدْخُلُ الْعُلُوُّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ مَسْكَنٍ يُسَمَّى بِالْفَارِسِيَّةِ خَانَهُ وَلَا يَخْلُو عَنْ عُلُوٍّ، وَكَمَا يَدْخُلُ الْعُلُوُّ فِي اسْمِ الدَّارِ يَدْخُلُ الْكَنِيفُ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِهِ، وَلَا تَدْخُلُ الظُّلَّةُ إلَّا بِذِكْرِ مَا ذَكَرْنَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQإذْ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِي مَعْلُومٍ، وَلَا مِنْ لَوَازِمِهِ، وَلَيْسَ فِي الْإِعَارَةِ وَالْكِتَابَةِ ذَلِكَ فَإِنَّ لَفْظَ الْمُعِيرِ أَعَرْتُك لَمْ يَتَنَاوَلْ عَارِيَّةَ الْمُسْتَعِيرِ أَصْلًا لَا تَبَعًا وَلَا أَصَالَةً، وَإِنَّمَا مَلَكَ الْإِعَارَةَ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ. وَمَنْ مَلَكَ شَيْئًا جَازَ أَنْ يُمَلِّكَهُ لِغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا لَا يُمْلَكُ فِيمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ حَذَرًا مِنْ وُقُوعِ التَّغَيُّرِ بِهِ، وَالْمُكَاتَبُ لَمَّا اُخْتُصَّ بِمَكَاسِبِهِ كَانَ أَحَقَّ بِتَصَرُّفِ مَا يُوصِلُهُ إلَى مَقْصُودِهِ وَفِي كِتَابَةِ عَبْدِهِ تَسَبُّبٌ إلَى مَا يُوصِلُهُ إلَى ذَلِكَ فَكَانَتْ جَائِزَةً. وَأَمَّا الْمَنْزِلُ فَلَمَّا كَانَ شَبِيهًا بِكُلٍّ مِنْهُمَا أَخَذَ حَظًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَلِشَبَهِهِ بِالدَّارِ يَدْخُلُ الْعُلُوُّ فِيهِ تَبَعًا عِنْدَ ذِكْرِ التَّوَابِعِ، وَلِشَبَهِهِ بِالْبَيْتِ لَا يَدْخُلُ بِدُونِهِ. (وَقِيلَ فِي عُرْفِنَا يَدْخُلُ الْعُلُوُّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ) أَيْ الدَّارِ وَالْبَيْتِ وَالْمَنْزِلِ؛ لِأَنَّ كُلَّ بَيْتٍ يُسَمَّى خَانَهُ وَلَا يَخْلُو عَنْ عُلُوٍّ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْخُلُوَّ وَعَدَمَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَدْخَلٌ فِي الدَّلِيلِ، وَيُقَالُ مَعْنَاهُ أَنَّ الْبَيْتَ فِي عُرْفِنَا لَا يَخْلُو عَنْ عُلُوٍّ، وَأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي عُرْفِنَا فَكَانَ الدَّلِيلُ الدَّالُّ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ عَلَى عَدَمِ الدُّخُولِ مَتْرُوكًا بِالْعُرْفِ وَكَمَا يَدْخُلُ الْعُلُوُّ فِي اسْمِ الدَّارِ يَدْخُلُ الْكَنِيفُ وَهُوَ الْمُسْتَرَاحُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِهِ، وَلَا تَدْخُلُ الظُّلَّةُ وَهُوَ السَّابَاطُ الَّذِي يَكُونُ أَحَدُ طَرَفَيْهِ عَلَى الدَّارِ الْمَبِيعَةِ وَالطَّرَفُ الْآخَرُ عَلَى دَارٍ أُخْرَى أَوْ عَلَى الْأُسْطُوَانَاتِ فِي السِّكَّةِ وَمِفْتَحُهُ فِي الدَّارِ، كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ وَفِي الْمُغْرِبِ. وَقَوْلُ الْفُقَهَاءِ ظُلَّةُ الدَّارِ يُرِيدُونَ السُّدَّةَ الَّتِي فَوْقَ الْبَابِ إلَّا بِذِكْرِ مَا ذَكَرْنَا وَهُوَ قَوْلُهُ: بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى هَوَاءِ الطَّرِيقِ فَأَخَذَ حُكْمَهُ. وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ مِفْتَحُهُ فِي الدَّارِ يَدْخُلْ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا: يَعْنِي مِنْ الْعِبَارَاتِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِهِ فَشَابَهَ الْكَنِيفَ. وَقَوْلُهُ: إنْ كَانَ

لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى هَوَاءِ الطَّرِيقِ فَأَخَذَ حُكْمَهُ. وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ مِفْتَحُهُ فِي الدَّارِ يَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِهِ فَشَابَهَ الْكَنِيفَ. قَالَ: وَمَنْ اشْتَرَى بَيْتًا فِي دَارٍ أَوْ مَنْزِلًا أَوْ مَسْكَنًا لَمْ يَكُنْ لَهُ الطَّرِيقُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهُ أَوْ بِمَرَافِقِهِ أَوْ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ، (وَكَذَا الشُّرْبُ وَالْمَسِيلُ) لِأَنَّهُ خَارِجُ الْحُدُودِ إلَّا أَنَّهُ مِنْ التَّوَابِعِ فَيَدْخُلَ بِذِكْرِ التَّوَابِعِ، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ لِأَنَّهَا تُعْقَدُ لِلِانْتِفَاعِ فَلَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِهِ، إذْ الْمُسْتَأْجِرُ لَا يَشْتَرِي الطَّرِيقَ عَادَةً وَلَا يَسْتَأْجِرُهُ فَيَدْخُلَ تَحْصِيلًا لِلْفَائِدَةِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهُ، أَمَّا الِانْتِفَاعُ بِالْمَبِيعِ مُمْكِنٌ بِدُونِهِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ عَادَةً يَشْتَرِيهِ، وَقَدْ يَتَّجِرُ فِيهِ فَيَبِيعُهُ مِنْ غَيْرِهِ فَحَصَلَتْ الْفَائِدَةُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِفْتَحُهُ فِي الدَّارِ يُضْعِفُ قَوْلَ قَاضِي خَانْ فِي تَعْرِيفِ الظُّلَّةِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمِفْتَحَ فِي الدَّارِ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى بَيْتًا فِي دَارٍ أَوْ مَنْزِلًا أَوْ مَسْكَنًا لَمْ يَكُنْ لَهُ الطَّرِيقُ) إلَّا أَنْ يَذْكُرَ إحْدَى الْعِبَارَاتِ الثَّلَاثِ (وَكَذَا الشُّرْبُ وَالْمَسِيلُ) ؛ لِأَنَّهُ خَارِجَ الْحُدُودِ لَكِنَّهُ مِنْ التَّوَابِعِ فَلَمْ يَدْخُلْ فِيهِ نَظَرًا إلَى الْأَوَّلِ، وَدَخَلَ بِذِكْرِ التَّوَابِعِ: أَيْ بِقَوْلِهِ كُلُّ حَقٍّ نَظَرًا إلَى الثَّانِي (بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ) فَإِنَّ الطَّرِيقَ تُدْخِلُ اسْتِئْجَارَ الدُّورِ وَالْمَسِيلِ وَالشِّرْبِ فِي اسْتِئْجَارِ الْأَرَاضِي وَإِنْ لَمْ تُذْكَرْ الْحُقُوقُ وَالْمَرَافِقُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْعَقِدُ لِتَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ، وَلِهَذَا لَا تَصِحُّ فِيمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْحَالِ كَالْأَرْضِ السَّبِخَةِ وَالْمُهْرِ الصَّغِيرِ، وَبِالِانْتِفَاعِ بِالدَّارِ بِدُونِ الطَّرِيقِ وَبِالْأَرْضِ بِدُونِ الشِّرْبِ وَالْمَسِيلِ لَا يَتَحَقَّقُ إذْ الْمُسْتَأْجِرُ لَا يَشْتَرِي الطَّرِيقَ

(بَابُ الِاسْتِحْقَاقِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQعَادَةً وَلَا يَسْتَأْجِرُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الدُّخُولِ تَحْصِيلًا لِلْفَائِدَةِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهُ. وَأَمَّا الْبَيْعُ فَلِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ لَا الْمَنْفَعَةِ، وَلِهَذَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْحَالِ كَالْأَرْضِ السَّبِخَةِ وَالْمُهْرِ، وَالِانْتِفَاعُ بِالْمَبِيعِ مُمْكِنٌ بِدُونِهِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَشْتَرِي الطَّرِيقَ وَالشِّرْبَ وَالْمَسِيلَ عَادَةً، وَوَحَّدَ الضَّمِيرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَوْ بِتَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ، وَقَدْ يَسْتَأْجِرُهَا أَيْضًا، وَقَدْ تَكُونُ مَقْصُودَةَ التِّجَارَةِ فَبَيْعُهُ مِنْ غَيْرِهِ فَحَصَلَتْ الْفَائِدَةُ الْمَطْلُوبَةُ.

[باب الاستحقاق]

(وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ فَاسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ بِبَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا وَوَلَدَهَا، وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لِرَجُلٍ لَمْ يَتْبَعْهَا وَلَدُهَا) وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ مُطْلَقَةٌ فَإِنَّهَا كَاسْمِهَا مُبَيَّنَةٌ فَيَظْهَرُ بِهَا مِلْكُهُ مِنْ الْأَصْلِ وَالْوَلَدُ كَانَ مُتَّصِلًا بِهَا فَيَكُونُ لَهُ، أَمَّا الْإِقْرَارُ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ يُثْبِتُ الْمِلْكَ فِي الْمُخْبَرِ بِهِ ضَرُورَةُ صِحَّةِ الْإِخْبَارِ، وَقَدْ انْدَفَعَتْ بِإِثْبَاتِهِ بَعْدَ الِانْفِصَالِ فَلَا يَكُونُ الْوَلَدُ لَهُ. ثُمَّ قِيلَ: يَدْخُلُ الْوَلَدُ فِي الْقَضَاءِ بِالْأُمِّ تَبَعًا، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ بِالْوَلَدِ وَإِلَيْهِ تُشِيرُ الْمَسَائِلُ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالزَّوَائِدِ. قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تَدْخُلُ الزَّوَائِدُ فِي الْحُكْمِ، فَكَذَا الْوَلَدُ إذَا كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الِاسْتِحْقَاقِ] ذَكَرَ هَذَا الْبَابَ عَقِيبَ بَابِ الْحُقُوقِ لِلْمُنَاسَبَةِ الَّتِي بَيْنَهُمَا لَفْظًا وَمَعْنًى. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ) لَا بِاسْتِيلَادِهِ (فَاسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ بِبَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا وَوَلَدَهَا) وَإِنْ أَقَرَّ الْمُشْتَرِي بِهَا لِرَجُلٍ لَمْ يَتْبَعْهَا وَلَدُهَا. وَوَجْهُ الْفَرْقِ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ مُطْلَقَةٌ فِي حَقِّ النَّاسِ كَافَّةً، وَلِهَذَا إذَا أَقَامَهَا وَلَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ وَتَرُدُّ جَمِيعُ الْبَاعَةِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَيَظْهَرُ بِهَا مِلْكُهُ مِنْ الْأَصْلِ وَالْوَلَدُ كَانَ مُتَّصِلًا بِهَا وَيَتَفَرَّعُ عَنْهَا وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ فَيَكُونُ لَهُ. وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَحُجَّةٌ قَاصِرَةٌ لِانْعِدَامِ الْوِلَايَةِ عَلَى الْغَيْرِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِي الْمُخْبَرِ بِهِ ضَرُورَةَ صِحَّةِ الْإِخْبَارِ؛ لِأَنَّ

فِي يَدِ غَيْرِهِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ بِالْأُمِّ تَبَعًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِقْرَارَ إخْبَارٌ وَالْإِخْبَارَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُخْبِرٍ بِهِ، وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ وَهِيَ تَنْدَفِعُ بِإِثْبَاتِهِ بَعْدَ الِانْفِصَالِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى الْحَالِ فَلَا يَظْهَرُ مِلْكُ الْمُسْتَحِقِّ مِنْ الْأَصْلِ، وَلِهَذَا لَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ وَلَا الْبَاعَةُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَلَا يَكُونُ الْوَلَدُ لَهُ: يَعْنِي إذَا لَمْ يَدَّعِ الْمُقَرُّ لَهُ الْوَلَدَ، أَمَّا إذَا ادَّعَى الْوَلَدَ كَانَ لَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَهُ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ التُّمُرْتَاشِيِّ. ثُمَّ إذَا قُضِيَ بِالْأُمِّ لِلْمُسْتَحِقِّ بِالْبَيِّنَةِ هَلْ يَدْخُلُ الْوَلَدُ فِي الْقَضَاءِ بِالْأُمِّ تَبَعًا أَمْ لَا؟ قِيلَ يَدْخُلُ لِتَبَعِيَّتِهِ لَهَا، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ بِالْوَلَدِ عَلَى حِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَوْمَ الْقَضَاءِ مُنْفَصِلٌ عَنْ الْأُمِّ فَكَانَ مُسْتَبِدًّا فَلَا بُدَّ مِنْ الْحُكْمِ بِهِ، قِيلَ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْمَسَائِلَ تُشِيرُ إلَى ذَلِكَ. قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْأَصْلِ وَلَمْ يَعْرِفْ الزَّوَائِدَ لَمْ تَدْخُلْ الزَّوَائِدُ تَحْتَ الْحُكْمِ وَكَذَا الْوَلَدُ إذَا كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ غَائِبٍ فَالْقَضَاءُ بِالْأُمِّ لَا يَكُونُ قَضَاءً بِالْوَلَدِ.

قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَإِذَا هُوَ حُرٌّ وَقَدْ قَالَ الْعَبْدُ لِلْمُشْتَرِي اشْتَرِنِي فَإِنِّي عَبْدٌ لَهُ) ، فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا غَيْبَةً مَعْرُوفَةً لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ لَا يُدْرَى أَيْنَ هُوَ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَبْدِ وَرَجَعَ هُوَ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنْ ارْتَهَنَ عَبْدًا مُقِرًّا بِالْعُبُودِيَّةِ فَوَجَدَهُ حُرًّا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَإِذَا هُوَ حُرٌّ إلَخْ) رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ اشْتَرِنِي فَإِنِّي عَبْدٌ فَاشْتَرَاهُ فَإِذَا هُوَ حُرٌّ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا غَيْبَةً مَعْرُوفَةً (وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ غَائِبًا غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً لَا يُدْرَى أَيْنَ هُوَ) فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَلَيْسَ لَهُ عَلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَبْدِ وَالْعَبْدُ عَلَى الْبَائِعِ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ إنِّي عَبْدٌ لَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ فِي قَوْلِهِمْ. وَإِنْ قَالَ ارْتَهِنِّي فَإِنَى عَبْدٌ فَوَجَدَهُ حُرًّا لَمْ يَرْجِعْ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الْعَبْدِ بِحَالٍ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الرَّاهِنُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا أَيَّةَ غَيْبَةٍ كَانَتْ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْعَبْدِ فِي الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِي هَذَا الْعَقْدِ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِالْمُعَاوَضَةِ أَوْ بِالْكَفَالَةِ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُمَا بِمَوْجُودٍ، وَإِنَّمَا الْمَوْجُودُ هُوَ الْإِخْبَارُ كَاذِبًا فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ الْأَجْنَبِيُّ ذَلِكَ أَوْ قَالَ ارْتَهِنِّي فَإِنِّي عَبْدٌ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ. وَلَهُمَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ اعْتَمَدَ فِي شِرَائِهِ عَلَى أَمْرِهِ بِقَوْلِهِ اشْتَرِنِي وَإِقْرَارِهِ بِالْعُبُودِيَّةِ بِقَوْلِهِ فَإِنِّي عَبْدٌ إذْ الْقَوْلُ قَوْلُهُ: فِي الْحُرِّيَّةِ، فَحِينَ أَقَرَّ بِالْعُبُودِيَّةِ غَلَبَ ظَنُّ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ وَالْمُعْتَمَدُ عَلَى الشَّيْءِ بِأَمْرِ الْغَيْرِ وَإِقْرَارِهِ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَتِهِ وَالْغُرُورُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ الَّتِي تَقْتَضِي سَلَامَةَ الْعِوَضِ يُجْعَلُ سَبَبًا لِلضَّمَانِ دَفْعًا لِلْغُرُورِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ كَمَا فِي الْمَوْلَى إذَا قَالَ لِأَهْلِ السُّوقِ هَذَا عَبْدِي وَقَدْ أَذِنْت لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَبَايَعُوهُ فَبَايَعُوهُ وَلَحِقَتْهُ دُيُونٌ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ حُرٌّ فَإِنَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَلَى الْمَوْلَى بِدُيُونِهِمْ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ بِحُكْمِ الْغُرُورِ، وَهَذَا غُرُورٌ وَقَعَ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ، وَالْعَبْدُ بِظُهُورِ حُرِّيَّتِهِ أَهْلٌ لِلضَّمَانِ فَيُجْعَلُ ضَامِنًا لِلثَّمَنِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رُجُوعِهِ عَلَى الْبَائِعِ دَفْعًا

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِيهِمَا لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِالْمُعَاوَضَةِ أَوْ بِالْكَفَالَةِ وَالْمَوْجُودُ لَيْسَ إلَّا الْإِخْبَارُ كَاذِبًا فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ الْأَجْنَبِيُّ ذَلِكَ أَوْ قَالَ الْعَبْدُ ارْتَهِنِّي فَإِنِّي عَبْدٌ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ. وَلَهُمَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ شَرَعَ فِي الشِّرَاءِ مُعْتَمِدًا عَلَى مَا أَمَرَهُ وَإِقْرَارِهِ أَنِّي عَبْدٌ، إذْ الْقَوْلُ لَهُ فِي الْحُرِّيَّةِ فَيُجْعَلُ الْعَبْدُ بِالْأَمْرِ بِالشِّرَاءِ ضَامِنًا لِلثَّمَنِ لَهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ رُجُوعِهِ عَلَى الْبَائِعِ دَفْعًا لِلْغُرُورِ وَالضَّرَرِ، وَلَا تَعَذُّرَ إلَّا فِيمَا لَا يُعْرَفُ مَكَانُهُ، وَالْبَيْعُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَأَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ الْآمِرُ بِهِ ضَامِنًا لِلسَّلَامَةِ كَمَا هُوَ مُوجِبُهُ، بِخِلَافِ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ بَلْ هُوَ وَثِيقَةٌ لِاسْتِيفَاءِ عَيْنِ حَقِّهِ حَتَّى يَجُوزَ الرَّهْنُ بِبَدَلِ الصَّرْفِ وَالْمُسَلَّمِ فِيهِ مَعَ حُرْمَةِ الِاسْتِبْدَالِ فَلَا يُجْعَلُ الْأَمْرُ بِهِ ضَمَانًا لِلسَّلَامَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلضَّرَرِ وَلَا تَعَذُّرَ إلَّا فِيمَا لَا يُعْرَفُ مَكَانُهُ (قَوْلُهُ: وَالْبَيْعُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ) إنَّمَا صَرَّحَ بِهِ مَعَ كَوْنِهِ مَعْلُومًا مِنْ قَوْلِهِ إنَّ الْمُشْتَرِيَ شَرَعَ فِي الشِّرَاءِ تَمْهِيدًا لِلْجَوَابِ عَنْ الرَّهْنِ وَاهْتِمَامًا بِبَيَانِ اخْتِصَاصِ مُوجِبِيَّةِ الْغُرُورِ لِلضَّمَانِ بِالْمُعَاوَضَاتِ وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّ الرَّجُلَ إذَا سَأَلَ غَيْرَهُ عَنْ أَمْنِ الطَّرِيقِ فَقَالَ اُسْلُكْ هَذَا الطَّرِيقَ فَإِنَّهُ آمَنُ فَسَلَكَهُ فَإِذَا فِيهِ لُصُوصٌ سَلَبُوا أَمْوَالَهُ لَمْ يَضْمَنْ الْمُخْبِرُ شَيْئًا لِمَا أَنَّهُ غُرُورٌ فِيمَا لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: كُلْ هَذَا الطَّعَامَ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَسْمُومٍ فَأَكَلَ فَمَاتَ فَظَهَرَ بِخِلَافِهِ لِكَوْنِهِ تَغْرِيرًا فِي غَيْرِ الْمُعَاوَضَةِ، وَإِذَا عُرِفَ هَذَا ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ بَلْ هُوَ وَثِيقَةٌ لِاسْتِيفَاءِ عَيْنِ حَقِّهِ وَلِهَذَا جَازَ الرَّهْنُ بِبَدَلَيْ الصَّرْفِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ. وَإِذَا هَلَكَ يَقَعُ فِيهِ الِاسْتِيفَاءُ، وَلَوْ كَانَ مُعَاوَضَةً لَكَانَ اسْتِبْدَالًا بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ أَوْ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ وَهُوَ حَرَامٌ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُعَاوَضَةً لَمْ يُجْعَلْ الْأَمْرُ بِهِ ضَمَانًا لِلسَّلَامَةِ، وَبِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِقَوْلِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْغُرُورُ، ثُمَّ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ ضَرْبُ إشْكَالٍ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ أَنَّ الدَّعْوَى شَرْطٌ فِي حُرِّيَّةِ الْعَبْدِ عِنْدَهُ وَالتَّنَاقُضُ يُفْسِدُ الدَّعْوَى، وَالْعَبْدُ بَعْدَمَا قَالَ اشْتَرِنِي فَإِنِّي عَبْدٌ إمَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْحُرِّيَّةَ أَوْ لَا، وَالْأَوَّلُ تَنَاقُضٌ وَالثَّانِي يَنْتَفِي بِهِ شَرْطُ الْحُرِّيَّةِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فَإِذَا الْعَبْدُ حُرٌّ يَحْتَمِلُ حُرِّيَّةَ الْأَصْلِ وَالْحُرِّيَّةُ بِعَتَاقٍ عَارِضٍ، فَإِنْ أَرَادَ الْأَوَّلَ فَلَهُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا

وَبِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّهُ لَا يُعْبَأُ بِقَوْلِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْغُرُورُ. وَنَظِيرُ مَسْأَلَتِنَا قَوْلُ الْمَوْلَى بَايِعُوا عَبْدِي هَذَا فَإِنِّي قَدْ أَذِنْت لَهُ ثُمَّ ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ فَإِنَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ، ثُمَّ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ ضَرْبُ إشْكَالٍ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الدَّعْوَى شَرْطٌ فِي حُرِّيَّةِ الْعَبْدِ عِنْدَهُ، وَالتَّنَاقُضُ يُفْسِدُ الدَّعْوَى. وَقِيلَ إذَا كَانَ الْوَضْعُ فِي حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ فَالدَّعْوَى فِيهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَهُ لِتَضَمُّنِهِ تَحْرِيمَ فَرْجِ الْأُمِّ. وَقِيلَ هُوَ شَرْطٌ لَكِنَّ التَّنَاقُضَ غَيْرُ مَانِعٍ لِخَفَاءِ الْعَلُوقِ وَإِنْ كَانَ الْوَضْعُ فِي الْإِعْتَاقِ فَالتَّنَاقُضُ لَا يَمْنَعُ لِاسْتِبْدَادِ الْمَوْلَى بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا قَالَهُ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ إنَّ الدَّعْوَى لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِيهَا عِنْدَهُ لِتَضَمُّنِهِ تَحْرِيمَ فَرْجِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ فِي شَهَادَتِهِمْ مُحْتَاجُونَ إلَى تَعْيِينِ الْأُمِّ وَفِي ذَلِكَ تَحْرِيمُهَا وَتَحْرِيمُ أَخَوَاتِهَا وَبَنَاتِهَا، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ حُرَّ الْأَصْلِ كَانَ فَرْجُ الْأُمِّ عَلَى مَوْلَاهُ حَرَامًا وَحُرْمَةُ الْفَرْجِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالدَّعْوَى لَيْسَتْ بِشَرْطٍ كَمَا فِي عِتْقِ الْأَمَةِ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ الدَّعْوَى شَرْطًا لَمْ يَكُنْ التَّنَاقُضُ مَانِعًا. وَالثَّانِي مَا قَالَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: إنَّ الدَّعْوَى وَإِنْ كَانَتْ شَرْطًا فِي حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ أَيْضًا عِنْدَهُ لَكِنْ يُعْذَرُ فِي التَّنَاقُضِ لِخَفَاءِ حَالِ الْعُلُوقِ، وَكُلُّ مَا كَانَ مَبْنَاهُ عَلَى الْخَفَاءِ فَالتَّنَاقُضُ فِيهِ مَعْفُوٌّ كَمَا نَذْكُرُ، وَإِنْ أَرَادَ الثَّانِيَ فَلَهُ الْوَجْهُ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ يُقَالَ التَّنَاقُضُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى فِي الْعِتْقِ لِبِنَائِهِ عَلَى الْخَفَاءِ إذْ الْمَوْلَى يَسْتَنِدُ بِهِ، فَرُبَّمَا لَا يَعْلَمُ الْعَبْدُ إعْتَاقَهُ ثُمَّ يَعْلَمُ بَعْدَ ذَلِكَ كَالْمُخْتَلِعَةِ تُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ قَبْلَ الْخُلْعِ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَنْفَرِدُ بِالطَّلَاقِ فَرُبَّمَا لَمْ تَكُنْ عَالِمَةً عِنْدَ الْخُلْعِ ثُمَّ عَلِمَتْ. وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا دُونَهُ أَمْكَنَ أَنْ يُقِيمَ الزَّوْجُ بَيِّنَةً أَنَّهُ قَدْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ الَّذِي أَثْبَتَتْهُ الْمَرْأَةُ بِبَيِّنَتِهَا قَبْلَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، وَأَمَّا فِي الثَّلَاثِ فَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ، وَكَذَا الْمُكَاتَبُ يُقِيمُهَا عَلَى الْإِعْتَاقِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ. ثُمَّ الْمَرْأَةُ وَالْمُكَاتَبُ يَسْتَرِدَّانِ بَدَلَ الْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى

فَصَارَ كَالْمُخْتَلِعَةِ تُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ قَبْلَ الْخُلْعِ وَالْمُكَاتَبِ يُقِيمُهَا عَلَى الْإِعْتَاقِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ. قَالَ (وَمَنْ ادَّعَى حَقًّا فِي دَارٍ) مَعْنَاهُ حَقًّا مَجْهُولًا (فَصَالَحَهُ الَّذِي فِي يَدِهِ عَلَى مِائَة دِرْهَمٍ فَاسْتُحِقَّتْ الدَّارُ إلَّا ذِرَاعًا مِنْهَا لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ) لِأَنَّ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَقُولَ دَعْوَايَ فِي هَذَا الْبَاقِي. قَالَ (وَإِنْ ادَّعَاهَا كُلَّهَا فَصَالَحَهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ فَاسْتُحِقَّ مِنْهَا شَيْءٌ رَجَعَ بِحِسَابِهِ) لِأَنَّ التَّوْفِيقَ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ بِبَدَلِهِ عِنْدَ فَوَاتِ سَلَامَةِ الْمُبْدَلِ، وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الصُّلْحَ عَنْ الْمَجْهُولِ عَلَى مَعْلُومٍ جَائِزٌ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيمَا يَسْقُطُ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا ادَّعَيَاهُ. قَالَ (وَمَنْ ادَّعَى حَقًّا فِي دَارٍ) مَنْ ادَّعَى حَقًّا مَجْهُولًا فِي دَارٍ بِيَدِ رَجُلٍ فَصَالَحَهُ الَّذِي فِي يَدِهِ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ فَاسْتَحَقَّ الدَّارَ إلَّا ذِرَاعًا مِنْهَا لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَقُولَ دَعْوَايَ فِي هَذَا الْبَاقِي، وَإِنْ ادَّعَى كُلَّهَا فَصَالَحَهُ عَلَى مِائَةٍ فَاسْتُحِقَّ مِنْهَا شَيْءٌ رَجَعَ بِحِسَابِهِ، إذْ التَّوْفِيقُ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَالْمِائَةُ كَانَتْ بَدَلًا عَنْ كُلِّ الدَّارِ وَلَمْ تُسَلَّمْ فَتُقْسَمُ الْمِائَةُ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ يُقْسَمُ عَلَى أَجْزَاءِ الْمُبْدَلِ (وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الصُّلْحَ عَنْ الْمَجْهُولِ عَلَى الْمَعْلُومِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيمَا يَسْقُطُ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ) قَالُوا: وَدَلَّتْ أَيْضًا عَلَى أَنَّ صِحَّةَ الدَّعْوَى لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الصُّلْحِ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْحَقِّ فِي الدَّارِ لَا تَصِحُّ لِلْجَهَالَةِ، وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا إذَا ادَّعَى إقْرَارَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَحِينَئِذٍ تَصِحُّ وَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ

[فصل في بيع الفضولي]

(فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ) قَالَ (وَمَنْ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ؛ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَنْعَقِدُ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ لِأَنَّهَا بِالْمِلْكِ أَوْ بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَقَدْ فُقِدَا، وَلَا انْعِقَادَ إلَّا بِالْقُدْرَةِ الشَّرْعِيَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ] مُنَاسَبَةُ هَذَا الْفَصْلِ لِبَابِ الِاسْتِحْقَاقِ ظَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْفُضُولِيِّ صُورَةٌ مِنْ صُوَرِ الِاسْتِحْقَاقِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ وَيَقُولُ عِنْدَ الدَّعْوَى هَذَا مِلْكِي وَمَنْ بَاعَك فَإِنَّمَا بَاعَك بِغَيْرِ إذْنِي فَهُوَ عَيْنُ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ. وَالْفُضُولِيُّ بِضَمِّ الْفَاءِ لَا غَيْرُ، وَالْفَضْلُ الزِّيَادَةُ، وَقَدْ غَلَبَ جَمْعُهُ عَلَى مَا لَا خَيْرَ فِيهِ، وَقِيلَ لِمَنْ يَشْتَغِلُ بِمَا لَا يَعْنِيه فُضُولِيٌّ، وَهُوَ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ مَنْ لَيْسَ بِوَكِيلٍ، وَفَتْحُ الْفَاءِ خَطَأٌ. قَالَ (وَمَنْ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إلَخْ) وَمَنْ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ: لَمْ يَنْعَقِدْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ؛ لِأَنَّهَا بِالْمِلْكِ أَوْ بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَقَدْ فُقِدَا، وَمَا لَمْ يَصْدُرْ عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ الِانْعِقَادَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْوِلَايَةِ الشَّرْعِيَّةِ. وَلَنَا أَنَّهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQتَصَرُّفُ تَمْلِيكٍ، وَقَدْ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ وَوَقَعَ فِي مَحَلِّهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِانْعِقَادِهِ، أَمَّا أَنَّهُ تَصَرُّفُ تَمْلِيكٍ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الْعَامِّ إلَى الْخَاصِّ كَعِلْمِ الْفِقْهِ فَلَا نِزَاعَ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا قَالَ تَصَرُّفُ تَمْلِيكٍ وَلَمْ يَقُلْ تَمْلِيكٌ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ لَا يُتَصَوَّرُ. فَإِنْ قِيلَ: تَصَرُّفُ التَّمْلِيكِ شُرِعَ لِأَجْلِ التَّمْلِيكِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ أَحْكَامُهَا، فَإِذَا لَمْ يُفِدْ التَّصَرُّفُ التَّمْلِيكَ كَانَ لَغْوًا. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ بِقَدْرِ دَلِيلِهِ، وَهَذَا التَّصَرُّفُ لَمَّا كَانَ مَوْقُوفًا لِمَا نَذْكُرُ أَفَادَ حُكْمًا مَوْقُوفًا كَمَا أَنَّ السَّبَبَ الْبَاتَّ أَفَادَ حُكْمًا بَاتًّا أَوْ أَنَّ السَّبَبَ إنَّمَا يَكُونُ لَغْوًا إذَا خَلَا عَنْ الْحُكْمِ، فَأَمَّا إذَا تَأَخَّرَ فَلَا كَمَا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، وَأَمَّا صُدُورُهُ مِنْ الْأَهْلِ فَلِأَنَّ أَهْلِيَّةَ التَّصَرُّفِ بِالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ، وَأَمَّا الْمَحَلُّ فَإِنَّ مَحَلَّ الْبَيْعِ هُوَ الْمَالُ الْمُتَقَوِّمُ، وَبِانْعِدَامِ الْمِلْكِ لِلْعَاقِدِ فِي الْمَحَلِّ لَا تَنْعَدِمُ الْمَالِيَّةُ وَالتَّقَوُّمُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا بَاعَهُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ جَازَ، وَالْإِذْنُ لَا يَجْعَلُ غَيْرَ الْمَحَلِّ مَحَلًّا. وَأَمَّا وُجُوبُ الْقَوْلِ بِانْعِقَادِهِ فَلِأَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْمُقْتَضِي لَا يَمْتَنِعُ إلَّا لِمَانِعٍ وَالْمَانِعُ

وَلَنَا أَنَّهُ تَصَرُّفُ تَمْلِيكٍ وَقَدْ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِانْعِقَادِهِ، إذْ لَا ضَرَرَ فِيهِ لِلْمَالِكِ مَعَ تَخْيِيرِهِ، بَلْ فِيهِ نَفْعُهُ حَيْثُ يَكْفِي مُؤْنَةُ طَلَبِ الْمُشْتَرِي وَقَرَارُ الثَّمَنِ وَغَيْرِهِ، وَفِيهِ نَفْعُ الْعَاقِدِ لِصَوْنِ كَلَامِهِ عَنْ الْإِلْغَاءِ، وَفِيهِ نَفْعُ الْمُشْتَرِي فَثَبَتَ لِلْقُدْرَةِ الشَّرْعِيَّةِ تَحْصِيلًا لِهَذِهِ الْوُجُوهِ، كَيْفَ وَإِنَّ الْإِذْنَ ثَابِتٌ دَلَالَةً لِأَنَّ الْعَاقِلَ يَأْذَنُ فِي التَّصَرُّفِ النَّافِعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمُنْتَفٍ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ هُوَ الضَّرَرُ وَلَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ لِأَحَدٍ مِنْ الْمَالِكِ وَالْعَاقِدَيْنِ، أَمَّا الْمَالِكُ فَلِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْإِجَازَةِ وَالْفَسْخِ، وَلَهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ حَيْثُ يَكْفِي مُؤْنَةُ طَلَبِ الْمُشْتَرِي وَقَرَارِ الثَّمَنِ، وَأَمَّا الْفُضُولِيُّ فَلِأَنَّ فِيهِ صَوْنَ كَلَامِهِ عَنْ الْإِلْغَاءِ، وَأَمَّا الْمُشْتَرِي فَظَاهِرٌ فَثَبَتَتْ الْقُدْرَةُ الشَّرْعِيَّةُ تَحْصِيلًا لِهَذِهِ الْمَنَافِعِ. فَإِنْ قِيلَ: الْقُدْرَةُ بِالْمِلْكِ أَوْ بِالْإِذْنِ وَلَمْ يُوجَدَا. أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ مُنْكِرًا بِقَوْلِهِ كَيْفَ وَأَنَّ الْإِذْنَ ثَابِتٌ دَلَالَةً؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَ يَأْذَنُ فِي التَّصَرُّفِ النَّافِعِ. فَإِنْ قِيلَ: سَلَّمْنَا وُجُودَ الْمُقْتَضِي لَكِنَّ الْمَانِعَ لَيْسَ بِمُنْحَصِرٍ فِي الضَّرَرِ بَلْ عَدَمُ الْمِلْكِ مَانِعٌ شَرْعًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك» وَكَذَلِكَ الْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ بَيْعَ الْآبِقِ وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ

قَالَ (وَلَهُ الْإِجَازَةُ إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ بَاقِيًا وَالْمُتَعَاقِدَانِ بِحَالِهِمَا) لِأَنَّ الْإِجَازَةَ تَصَرُّفٌ فِي الْعَقْدِ فَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِهِ وَذَلِكَ بِقِيَامِ الْعَاقِدَيْنِ وَالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَجُوزُ مَعَ وُجُودِ الْمِلْكِ فِيهِمَا؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ لَا تَبِعْ نَهْيٌ عَنْ الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ، وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ، وَالْكَامِلُ هُوَ الْبَيْعُ الْبَاتُّ فَلَا اتِّصَالَ لَهُ بِمَوْضِعِ النِّزَاعِ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ بَعْدَ الْإِجَازَةِ ثَابِتَةٌ. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَى الْكَرْخِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ قَالَ: حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ الْخَيَّاطُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ «عَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهُ دِينَارًا لِيَشْتَرِيَ أُضْحِيَّةً، فَاشْتَرَى شَاتَيْنِ فَبَاعَ إحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ وَجَاءَ بِشَاةٍ وَدِينَارٍ، فَدَعَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْعِهِ بِالْبَرَكَةِ فَكَانَ لَوْ اشْتَرَى تُرَابًا رَبِحَ فِيهِ» لَا يُقَالُ: عُرْوَةُ الْبَارِقِيُّ كَانَ وَكِيلًا مُطْلَقًا بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ إذْ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِغَيْرِ نَقْلٍ، وَالْمَنْقُولُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ أُضْحِيَّةً، وَلَوْ كَانَ لَنُقِلَ عَلَى سَبِيلِ الْمَدْحِ لَهُ. فَإِنْ قِيلَ: هَلْ يَجُوزُ شِرَاءُ الْفُضُولِيِّ كَبَيْعِهِ أَوْ لَا؟ أُجِيبَ بِأَنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا، وَهُوَ أَنَّ الْفُضُولِيَّ إنْ قَالَ بِعْ هَذَا الْعَيْنَ لِفُلَانٍ فَقَالَ الْمَالِكُ بِعْت فَقَالَ الْفُضُولِيُّ اشْتَرَيْت لِأَجْلِهِ أَوْ قَالَ الْمَالِكُ ابْتِدَاءً بِعْت هَذَا الْعَيْنَ لِفُلَانٍ وَقَالَ الْفُضُولِيُّ قَبِلْت لِأَجْلِهِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ. وَإِنْ قَالَ اشْتَرَيْت مِنْك هَذَا الْعَيْنَ لِأَجْلِ فُلَانٍ فَقَالَ الْمَالِكُ بِعْت أَوْ قَالَ الْمَالِكُ بِعْت مِنْك هَذَا الْعَيْنَ لِأَجْلِ فُلَانٍ فَقَالَ اشْتَرَيْت لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ فُلَانٍ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْمُشْتَرِي حَيْثُ أُضِيفَ إلَيْهِ ظَاهِرًا فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِيقَافِ عَلَى رِضَا الْغَيْرِ. وَقَوْلُهُ: لِأَجْلِ فُلَانٍ يَحْتَمِلُ لِأَجْلِ رِضَاهُ وَشَفَاعَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَمْ يَجِدْ نَفَاذًا عَلَى غَيْرِ الْمَالِكِ وَلَمْ يَنْفُذْ عَلَى الْمَالِكِ فَاحْتِيجَ إلَى الْإِيقَافِ عَلَى رِضَا الْغَيْرِ، وَإِلَى هَذَا الْوَجْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بَعْدُ بِقَوْلِهِ وَالشِّرَاءُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ (قَوْلُهُ: وَلَهُ) أَيْ لِلْمَالِكِ (الْإِجَازَةُ) . اعْلَمْ أَنَّ الْفُضُولِيَّ إمَّا أَنْ يَبِيعَ الْعَيْنَ بِثَمَنِ دَيْنٍ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ وَالْكَيْلِيُّ وَالْوَزْنِيُّ الْمَوْصُوفُ بِغَيْرِ عَيْنِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَبِيعَ بِثَمَنِ عَيْنٍ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلِلْمَالِكِ الْإِجَازَةُ إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ بَاقِيًا وَالْمُتَعَاقِدَانِ بِحَالِهِمَا، فَإِنْ أَجَازَ حَالَ قِيَامِ الْأَرْبَعَةِ جَازَ الْبَيْعُ لِمَا ذُكِرَ أَنَّ الْإِجَازَةَ تُصْرَفُ فِي الْعَقْدِ فَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِهِ وَذَلِكَ بِقِيَامِ الْعَاقِدَيْنِ وَالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَكَانَتْ الْإِجَازَةُ اللَّاحِقَةُ كَالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ فَيَكُونُ الْبَائِعُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ وَالثَّمَنُ مَمْلُوكٌ لِلْمَالِكِ أَمَانَةً فِي يَدِ الْفُضُولِيِّ

وَإِذَا أَجَازَ الْمَالِكُ كَانَ الثَّمَنُ مَمْلُوكًا لَهُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ، لِأَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ بِمَنْزِلَةِ الْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ، وَلِلْفُضُولِيِّ أَنْ يَفْسَخَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ دَفْعًا لِلْحُقُوقِ عَنْ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ الْفُضُولِيِّ فِي النِّكَاحِ لِأَنَّهُ مُعَبِّرٌ مَحْضٌ، هَذَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ دَيْنًا، فَإِنْ كَانَ عَرْضًا مُعَيَّنًا إنَّمَا تَصِحُّ الْإِجَازَةُ إذَا كَانَ الْعَرْضُ بَاقِيًا أَيْضًا. ثُمَّ الْإِجَازَةُ إجَازَةُ نَقْدٍ لَا إجَازَةُ عَقْدٍ حَتَّى يَكُونَ الْعَرْضُ الثَّمَنُ مَمْلُوكًا لِلْفُضُولِيِّ، وَعَلَيْهِ مِثْلُ الْمَبِيعِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ قِيمَتُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا، لِأَنَّهُ شِرَاءٌ مِنْ وَجْهٍ وَالشِّرَاءُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَيُحْتَاجُ إلَى قِيَامِ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ، وَقِيَامُ ذَلِكَ الْعَرَضِ أَيْضًا، وَالْإِجَازَةُ اللَّاحِقَةُ إجَازَةُ نَقْدٍ بِأَنْ يَنْقُدَ الْبَائِعُ مَا بَاعَ ثَمَنًا لِمَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ لَا إجَازَةَ عَقْدٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَازِمٌ عَلَى الْفُضُولِيِّ وَالْعَرْضُ الثَّمَنُ مَمْلُوكٌ لَهُ، وَعَلَيْهِ مِثْلُ الْمَبِيعِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَقِيمَتُهُ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ إذَا كَانَ عَرَضًا صَارَ الْبَائِعُ مِنْ وَجْهٍ مُشْتَرِيًا، وَالشِّرَاءُ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْعَاقِدِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ؛ وَكَمَا أَنَّ لِلْمَالِكِ الْفَسْخَ فَكَذَا لِكُلٍّ مِنْ الْفُضُولِيِّ وَالْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَى الْفُضُولِيِّ فَلَهُ أَنْ يَتَحَرَّزَ عَنْ الْتِزَامِ الْعُهْدَةِ، بِخِلَافِ الْفُضُولِيِّ فِي النِّكَاحِ فَإِنَّ فَسْخَهُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْحُقُوقَ لَا تَرْجِعُ إلَيْهِ وَهُوَ فِيهِ مُعَبِّرٌ، فَإِذَا عَبَّرَ فَقَدْ انْتَهَى فَصَارَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ. وَلَوْ فَسَخَتْ الْمَرْأَةُ نِكَاحَهَا قَبْلَ الْإِجَازَةِ انْفَسَخَ.

(وَلَوْ هَلَكَ الْمَالِكُ) لَا يَنْفُذُ بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ فِي الْفَصْلَيْنِ لِأَنَّهُ تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ الْمُوَرِّثِ لِنَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ بِإِجَازَةِ غَيْرِهِ. وَلَوْ أَجَازَ الْمَالِكُ فِي حَيَاتِهِ وَلَا يَعْلَمُ حَالَ الْمَبِيعِ جَازَ الْبَيْعُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوَّلًا، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ، ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ: لَا يَصِحُّ حَتَّى يَعْلَمَ قِيَامَهُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ لِأَنَّ الشَّكَّ وَقَعَ فِي شَرْطِ الْإِجَازَةِ فَلَا يَثْبُتُ مَعَ الشَّكِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ هَلَكَ الْمَالِكُ لَا يَنْفُذُ بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ فِي الْفَصْلَيْنِ: أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ دَيْنًا أَوْ عَرَضًا؛؛ لِأَنَّهُ تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ الْمُوَرِّثِ لِنَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ لِإِجَازَةِ غَيْرِهِ. وَاسْتُشْكِلَ بِمَا إذَا تَزَوَّجَتْ أَمَةٌ بِرَجُلٍ قَدْ وَطِئَهَا مَوْلَاهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ فَمَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ الْإِجَازَةِ وَوَرِثَهَا ابْنُهُ فَإِنَّ النِّكَاحَ تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ الِابْنِ، فَإِنْ أَجَازَ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا، فَهَذِهِ فُضُولِيَّةٌ وَتَوَقَّفَ عَمَلُهَا عَلَى إجَازَةِ الْوَارِثِ. أُجِيبَ بِأَنَّ عَدَمَ التَّوَقُّفِ لِطَرَيَانِ الْحِلِّ الْبَاتِّ عَلَى الْحِلِّ الْمَوْقُوفِ؛ لِأَنَّهُ يُبْطِلُهُ، وَهَاهُنَا لَمْ يَطْرَأْ لِلْوَارِثِ حِلٌّ بَاتٌّ لِكَوْنِهَا مَوْطُوءَةَ الْأَبِ فَيَتَوَقَّفُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْوَارِثِ إذْ هُوَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ، حَتَّى لَوْ لَمْ تَكُنْ مَوْطُوءَةَ الْأَبِ بَطَلَ نِكَاحُهَا (وَلَوْ أَجَازَ الْمَالِكُ فِي حَيَاتِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ حَالَ الْمَبِيعِ) مِنْ حَيْثُ الْوُجُودُ وَالْعَدَمُ (جَازَ الْبَيْعُ) فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ، ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ وَقَالَ: لَا يَصِحُّ حَتَّى يَعْلَمَ قِيَامَهُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ وَقَعَ فِي شَرْطِ الْإِجَازَةِ، وَهُوَ قِيَامُ الْمَبِيعِ فَلَا يَثْبُتُ مَعَ الشَّكِّ. فَإِنْ قِيلَ: الشَّكُّ هُوَ مَا اسْتَوَى طَرَفَاهُ وَهَاهُنَا

قَالَ (وَمَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَبَاعَهُ وَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَجَازَ الْمَوْلَى الْبَيْعَ فَالْعِتْقُ جَائِزٌ) اسْتِحْسَانًا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا عِتْقَ بِدُونِ الْمِلْكِ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ» وَالْمَوْقُوفُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ، وَلَوْ ثَبَتَ فِي الْآخِرَةِ يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا وَهُوَ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، وَالْمُصَحِّحُ لِلْإِعْتَاقِ الْمِلْكُ الْكَامِلُ لِمَا رَوَيْنَا، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ أَنْ يُعْتِقَ الْغَاصِبُ ثُمَّ يُؤَدِّيَ الضَّمَانَ، وَلَا أَنْ يُعْتِقَ الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ ثُمَّ يُجِيزُ الْبَائِعُ ذَلِكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQطَرَفُ الْبَقَاءِ رَاجِحٌ إذْ أَصْلُ الْبَقَاءِ مَا لَمْ يُتَيَقَّنْ بِالْمُزِيلِ وَهَاهُنَا لَمْ يُتَيَقَّنْ. أُجِيبَ بِأَنَّ الِاسْتِصْحَابَ حُجَّةٌ دَافِعَةٌ لَا مُثْبِتَةٌ، وَنَحْنُ هَاهُنَا نَحْتَاجُ إلَى ثُبُوتِ الْمِلْكِ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لِمَنْ وَقَعَ لَهُ الشِّرَاءُ فَلَا يَصْلُحُ فِيهِ حُجَّةٌ. قَالَ (وَمَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَبَاعَهُ وَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي) . قِيلَ جَرَتْ هَذِهِ الْمُحَاوَرَةُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ حِين عَرَضَ عَلَيْهِ هَذَا الْكِتَابَ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: مَا رَوَيْت لَك عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعِتْقَ جَائِزٌ، وَإِنَّمَا رَوَيْت أَنَّ الْعِتْقَ بَاطِلٌ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: بَلْ رَوَيْت أَنَّ الْعِتْقَ جَائِزٌ. وَصُورَتُهَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ (وَمَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَبَاعَهُ وَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَجَازَ الْمَوْلَى الْبَيْعَ وَالْعِتْقَ جَازَ اسْتِحْسَانًا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا عِتْقَ بِدُونِ الْمِلْكِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ» ) لَا مِلْكَ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ (الْمَوْقُوفَ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ) فِي الْحَالِ وَمَا يَثْبُتُ فِي الْآخِرَةِ فَهُوَ مُسْتَنِدٌ، وَهُوَ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ وَذَلِكَ غَيْرُ مُصَحِّحٍ لِلْإِعْتَاقِ (إذْ الْمُصَحِّحُ لَهُ هُوَ الْمِلْكُ الْكَامِلُ) الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا، وَلَا يُشْكِلُ بِالْمُكَاتَبِ فَإِنَّ إعْتَاقَهُ جَائِزٌ، وَلَيْسَ الْمِلْكُ فِيهِ كَامِلًا؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْعِتْقِ هُوَ الرَّقَبَةُ وَالْمِلْكُ فِيهَا كَامِلٌ فِيهِ، وَاسْتَوْضَحَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِفُرُوعٍ تُؤْنِسُ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ: (وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ أَنْ يُعْتِقَ الْغَاصِبُ ثُمَّ يُؤَدِّيَ الضَّمَانَ) وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا عِتْقَ بِدُونِ الْمِلْكِ. وَقَوْلُهُ: (وَلَا أَنْ يُعْتِقَ الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ ثُمَّ يُجِيزَ الْبَائِعُ) وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ وَالْمَوْقُوفُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ.

وَكَذَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ أَسْرَعُ نَفَاذًا حَتَّى نَفَذَ مِنْ الْغَاصِبِ إذَا أَدَّى الضَّمَانَ، وَكَذَا لَا يَصِحُّ إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ إذَا أَدَّى الْغَاصِبُ الضَّمَانَ. وَلَهُمَا أَنَّ الْمِلْكَ ثَبَتَ مَوْقُوفًا بِتَصَرُّفٍ مُطْلَقٍ مَوْضُوعٍ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ، وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى مَا مَرَّ فَتَوَقَّفَ الْإِعْتَاقُ مُرَتَّبًا عَلَيْهِ وَيَنْفُذُ بِنَفَاذِهِ فَصَارَ كَإِعْتَاقِ الْمُشْتَرِي مِنْ الرَّاهِنِ وَكَإِعْتَاقِ الْوَارِثِ عَبْدًا مِنْ التَّرِكَةِ وَهِيَ مُسْتَغْرِقَةٌ بِالدُّيُونِ يَصِحُّ، وَيَنْفُذُ إذَا قَضَى الدُّيُونَ بَعْدَ ذَلِكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: (وَكَذَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ) يَعْنِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الْغَاصِبِ إذَا بَاعَ مِنْ الْغَيْرِ ثُمَّ أَجَازَ الْمَالِكُ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ لَا يَصِحُّ هَذَا الْبَيْعُ الثَّانِي، فَكَذَا إذَا أُعْتِقَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ مَعَ أَنَّ الْبَيْعَ أَسْرَعُ نَفَاذًا مِنْ الْعِتْقِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا بَاعَ ثُمَّ ضَمِنَ نَفَذَ بَيْعُهُ؛ وَلَوْ أَعْتَقَ ثُمَّ ضَمِنَ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ، وَإِذَا لَمْ يَنْفُذْ مَا هُوَ أَسْرَعُ نُفُوذًا فَلَأَنْ لَا يَنْفُذَ غَيْرُهُ أَوْلَى (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَا يَصِحُّ إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ إذَا أَدَّى الْغَاصِبُ الضَّمَانَ. وَلَهُمَا أَنَّ الْمِلْكَ) فِيهِ (ثَبَتَ مَوْقُوفًا) وَالْإِعْتَاقُ يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ مَوْقُوفًا عَلَى الْمِلْكِ الْمَوْقُوفِ وَيَنْفُذُ بِنَفَاذِهِ، أَمَّا أَنَّهُ ثَبَتَ فَلِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَهُوَ التَّصَرُّفُ الْمُطْلَقُ الْمَوْضُوعُ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ وَلِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ وَهُوَ الضَّرَرُ، وَأَمَّا أَنَّهُ مَوْقُوفٌ فَلِمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا أَنَّ الْإِعْتَاقَ يَجُوزُ أَنْ يَتَوَقَّفَ عَلَى ذَلِكَ فَبِالْقِيَاسِ عَلَى إعْتَاقِ الْمُشْتَرِي مِنْ الرَّاهِنِ بِجَامِعِ كَوْنِهِ إعْتَاقًا فِي بَيْعٍ مَوْقُوفٍ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى إعْتَاقِ الْوَارِثِ عَبْدًا مِنْ التَّرِكَةِ وَهِيَ مُسْتَغْرَقَةٌ بِالدُّيُونِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَنْفُذُ إذَا قَضَى الدُّيُونَ بَعْدَ ذَلِكَ بِجَامِعِ كَوْنِهِ إعْتَاقًا مَوْقُوفًا فِي مِلْكٍ مَوْقُوفٍ، وَهَذَا أَبْعَدُ مِنْ الْأَوَّلِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِلِاسْتِظْهَارِ بِهِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ الْمُطْلَقُ عَنْ الْبَيْعِ بِشَرْطِ

بِخِلَافِ إعْتَاقِ الْغَاصِبِ بِنَفْسِهِ لِأَنَّ الْغَصْبَ غَيْرُ مَوْضُوعٍ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الْبَيْعِ خِيَارُ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُطْلَقٍ، وَقِرَانُ الشَّرْطِ بِهِ يَمْنَعُ انْعِقَادَهُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ أَصْلًا، وَبِخِلَافِ بَيْعِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ إذَا بَاعَ لِأَنَّ بِالْإِجَازَةِ يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ مِلْكٌ بَاتٌّ، فَإِذَا طَرَأَ عَلَى مِلْكٍ مَوْقُوفٍ لِغَيْرِهِ أَبْطَلَهُ، وَأَمَّا إذَا أَدَّى الْغَاصِبُ الضَّمَانَ يَنْفُذُ إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي مِنْهُ كَذَا ذَكَرَهُ هِلَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ الْأَصَحُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخِيَارِ، وَبِقَوْلِهِ مَوْضُوعٌ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ عَنْ الْغَصْبِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَوْضُوعٍ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ جَوَابُ مُحَمَّدٍ عَنْ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ، فَإِنَّ إعْتَاقَ الْغَاصِبِ إنَّمَا لَمْ يَنْفُذْ بَعْدَ ضَمَانِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ غَيْرُ مَوْضُوعٍ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَبِهَذَا التَّعْلِيلِ لَا يَتِمُّ مَا ادَّعَاهُ فَإِنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ: لَمَّا كَانَ غَيْرَ مَوْضُوعٍ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ وَجَبَ أَنْ لَا يَنْفُذَ بَيْعُهُ أَيْضًا عِنْدَ إجَازَةِ الْمَالِكِ كَمَا لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ عِنْدَ إجَازَةِ الْمَالِكِ لِمَا أَنَّ كُلًّا مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ وَجَوَازِ الْعِتْقِ مُحْتَاجٌ إلَى الْمِلْكِ وَالْمِلْكُ هُنَا بِالْإِجَازَةِ، وَلَكِنَّ وَجْهَ تَمَامِ التَّعْلِيلِ فِيمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَقَالَ: وَهَذَا بِخِلَافِ الْغَاصِبِ إذَا أُعْتِقَ ثُمَّ ضَمِنَ الْقِيمَةَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَنِدَ بِهِ حُكْمُ الْمِلْكِ لَا حَقِيقَةُ الْمِلْكِ، وَلِهَذَا لَا يَسْتَحِقُّ الزَّوَائِدَ الْمُنْفَصِلَةَ وَحُكْمُ الْمِلْكِ يَكْفِي لِنُفُوذِ الْبَيْعِ دُونَ الْعِتْقِ كَحُكْمِ مِلْكِ الْمُكَاتَبِ فِي كَسْبِهِ وَهَاهُنَا الثَّابِتُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ وَلِهَذَا اسْتَحَقَّ الزَّوَائِدَ الْمُتَّصِلَةَ وَالْمُنْفَصِلَةَ، وَلَوْ قُدِّرَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُضَافٌ: أَيْ غَيْرُ مَوْضُوعٍ لِإِفَادَةِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ لَتَسَاوَى الْكَلَامَانِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَارِدٍ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَحْتَاجُ إلَى مِلْكٍ بَلْ يَكْفِي فِيهِ حُكْمُ الْمِلْكِ وَالْغَصْبُ يُفِيدُهُ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الْبَيْعِ خِيَارُ الْبَائِعِ) جَوَابٌ عَنْ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّ الْبَيْعَ بِالْخِيَارِ لَيْسَ بِمُطْلَقٍ فَالسَّبَبُ فِيهِ غَيْرُ تَامٍّ، فَإِنَّ قَوْلَهُ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ مَقْرُونٌ بِالْعَقْدِ نَصًّا، وَقِرَانُ الشَّرْطِ بِالْعَقْدِ يَمْنَعُ كَوْنَهُ سَبَبًا قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَيَنْعَقِدُ بِهِ أَصْلُ الْعَقْدِ وَلَكِنْ يَكُونُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ كَالْمُعَلَّقِ بِالشَّرْطِ، وَالْمُعَلَّقُ بِهِ مَعْدُومٌ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ بَيْعِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ) جَوَابٌ عَنْ الثَّالِثَةِ. وَوَجْهُهُ مَا قَالَ؛ لِأَنَّ بِالْإِجَازَةِ يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ مِلْكٌ بَاتٌّ فَإِذَا طَرَأَ عَلَى مِلْكٍ مَوْقُوفٍ لِغَيْرِهِ أَبْطَلَهُ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ اجْتِمَاعِ الْمِلْكِ الْبَاتِّ وَالْمَوْقُوفُ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ. وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا بَاعَ ثُمَّ أَدَّى الضَّمَانَ يَنْقَلِبُ بَيْعُ الْغَاصِبِ جَائِزًا وَإِنْ طَرَأَ الْمِلْكُ الَّذِي ثَبَتَ لِلْغَاصِبِ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي الَّذِي اشْتَرَى

قَالَ (فَإِنْ قُطِعَتْ يَدُ الْعَبْدِ فَأَخَذَ أَرْشَهَا ثُمَّ أَجَازَ الْمَوْلَى الْبَيْعَ فَالْأَرْشُ لِلْمُشْتَرِي) لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ تَمَّ لَهُ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْقَطْعَ حَصَلَ عَلَى مِلْكِهِ وَهَذِهِ حُجَّةٌ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَالْعُذْرُ لَهُ أَنَّ الْمِلْكَ مِنْ وَجْهٍ يَكْفِي لِاسْتِحْقَاقِ الْأَرْشِ كَالْمُكَاتَبِ إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ وَأَخَذَ الْأَرْشَ ثُمَّ رُدَّ فِي الرِّقِّ يَكُونُ الْأَرْشُ لِلْمَوْلَى، فَكَذَا إذَا قُطِعَتْ يَدُ الْمُشْتَرَى فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ ثُمَّ أُجِيزَ الْبَيْعُ فَالْأَرْشُ لِلْمُشْتَرِي، بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهُ وَهُوَ مَوْقُوفٌ. الثَّانِي أَنَّ طُرُوءَ الْمِلْكِ الْبَاتِّ عَلَى الْمَوْقُوفِ لَوْ كَانَ مُبْطِلًا لَهُ لَكَانَ مَانِعًا عَنْ الْمَوْقُوفِ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ أَسْهَلُ مِنْ الرَّفْعِ، لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمَانِعٍ بِدَلِيلِ انْعِقَادِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ فَإِنَّ مِلْكَ الْمَالِكِ بَاتٌّ فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يُمْنَعَ بَيْعُ الْفُضُولِيِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ لِلْغَاصِبِ ضَرُورَةُ الضَّمَانِ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْمُشْتَرِي وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْبَيْعَ الْمَوْقُوفَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي حَقِّ الْمَالِكِ بَلْ يُوجَدُ مِنْ الْفُضُولِيِّ، وَالْمَنْعُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْوُجُودِ، أَمَّا الْمَالِكُ إذَا أَجَازَ بَيْعَ الْفُضُولِيِّ فَقَدْ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي مِلْكٌ بَاتٌّ فَأَبْطَلَ الْمَوْقُوفَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمِلْكَ الْبَاتَّ وَالْمَوْقُوفَ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَا يَكُونُ بَعْدَ الْوُجُودِ رَفْعٌ لَا مَنْعٌ، وَفِي الْحَقِيقَةِ هُوَ مُغَالَطَةٌ فَإِنَّ كَلَامَنَا فِي أَنَّ طُرُوءَ الْمِلْكِ الْبَاتِّ يُبْطِلُ الْمَوْقُوفَ وَلَيْسَ مِلْكُ الْمَالِكِ طَارِئًا حَتَّى يَتَوَجَّهَ السُّؤَالُ. وَقَوْلُهُ: (أَمَّا إذَا أَدَّى الْغَاصِبُ الضَّمَانَ) جَوَابٌ عَنْ الرَّابِعَةِ. وَتَقْرِيرُهُ: أَمَّا إذَا أَدَّى الْغَاصِبُ الضَّمَانَ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ إعْتَاقَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ لَا يَنْفُذُ بَلْ يَنْفُذُ، كَذَا ذَكَرَهُ هِلَالٌ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ فَقَالَ: يَنْفُذُ وَقْفُهُ عَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِحْسَانِ فَالْعِتْقُ أَوْلَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَلَئِنْ سُلِّمَ فَنَقُولُ: هُنَاكَ الْمُشْتَرِي يَمْلِكُهُ مِنْ جِهَةِ الْغَاصِبِ وَحَقِيقَةُ الْمِلْكِ لَا تَسْتَنِدُ لِلْغَاصِبِ كَمَا تَقَدَّمَ فَكَيْفَ تَسْتَنِدُ لِمَنْ يَتَمَلَّكُهُ مِنْ جِهَتِهِ فَلِهَذَا لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ، وَهَاهُنَا إنَّمَا يَسْتَنِدُ الْمِلْكُ لَهُ إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ مِنْ جِهَةِ الْمُجِيزِ، وَالْمُجِيزُ كَانَ مَالِكًا لَهُ حَقِيقَةً فَيُمْكِنُ إثْبَاتُ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ قَالَ (فَإِنْ قُطِعَتْ يَدُ الْعَبْدِ إلَخْ) إذَا قُطِعَتْ يَدُ الْعَبْدِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ وَأَخَذَ الْمُشْتَرِي أَرْشَهَا ثُمَّ أَجَازَ الْمَالِكُ الْبَيْعَ فَالْأَرْشُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ بِالْإِجَازَةِ قَدْ تَمَّ لِلْمُشْتَرِي مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ هُوَ الْعَقْدُ وَكَانَ تَامًّا فِي نَفْسِهِ، وَلَكِنْ

عَلَى مَا مَرَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQامْتَنَعَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لَهُ الْمَانِعُ وَهُوَ حَقُّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، فَإِذَا ارْتَفَعَ بِالْإِجَازَةِ ثَبَتَ الْمِلْكُ مِنْ وَقْتِ السَّبَبِ لِكَوْنِ الْإِجَازَةِ فِي الِانْتِهَاءِ كَالْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْقَطْعَ حَصَلَ عَلَى مِلْكِهِ فَيَكُونُ الْأَرْشُ لَهُ، وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَا حَدَثَ لِلْجَارِيَةِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي مِنْ وَلَدٍ وَكَسْبٍ فَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ الْمَالِكُ الْمَبِيعَ أَخَذَ جَمِيعَ ذَلِكَ مَعَهَا؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ بَقِيَ مُتَقَرِّرًا فِيهَا، وَالْكَسْبُ وَالْأَرْشُ وَالْوَلَدُ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِمِلْكِ الْأَصْلِ. وَاعْتُرِضَ بِمَا إذَا غَصَبَ عَبْدًا فَقُطِعَتْ يَدُهُ وَضَمِنَهُ الْغَاصِبُ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْأَرْشَ وَإِنْ مَلَكَ الْمَضْمُونَ. وَبِالْفُضُولِيِّ إذَا قَالَ لِامْرَأَةٍ أَمْرُك بِيَدِك فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ بَلَغَ الْخَبَرُ الزَّوْجَ فَأَجَازَ صَحَّ التَّفْوِيضُ دُونَ التَّطْلِيقِ وَإِنْ ثَبَتَتْ الْمَالِكِيَّةُ لَهَا مِنْ حِينِ التَّفْوِيضِ حُكْمًا لِلْإِجَازَةِ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْمَغْصُوبِ ثَبَتَ ضَرُورَةً عَلَى مَا عُرِفَ وَهِيَ تَنْدَفِعُ بِثُبُوتِهِ مِنْ وَقْتِ الْأَدَاءِ فَلَا يَمْلِكُ الْأَرْشَ لِعَدَمِ حُصُولِهِ فِي مِلْكِهِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ تَوَقَّفَ حُكْمُهُ عَلَى شَيْءٍ يَجِبُ أَنْ يُجْعَلَ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ لَا سَبَبًا مِنْ وَقْتِ وُجُودِهِ لِئَلَّا يَتَخَلَّفَ الْحُكْمُ عَنْ السَّبَبِ إلَّا فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ سَبَبًا مِنْ وَقْتِ وُجُودِهِ مُتَأَخِّرًا حُكْمُهُ إلَى وَقْتِ الْإِجَازَةِ. فَعِنْدَهُمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ وَالتَّفْوِيضِ مِمَّا يَحْتَمِلُهُ فَجُعِلَ الْمَوْجُودُ مِنْ الْفُضُولِيِّ مُعَلَّقًا بِالْإِجَازَةِ فَعِنْدَهَا يَصِيرُ كَأَنَّهُ وُجِدَ الْآنَ فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ إلَّا مِنْ وَقْتِ الْإِجَازَةِ، وَهَذِهِ أَيْ كَوْنُ الْأَرْشِ لِلْمُشْتَرِي حُجَّةً عَلَى مُحَمَّدٍ فِي عَدَمِ تَجْوِيزِ الْإِعْتَاقِ فِي الْمِلْكِ الْمَوْقُوفِ لِمَا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي شَيْءٌ مِنْ الْمِلْكِ لَمَا كَانَ لَهُ الْأَرْشُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ كَمَا فِي الْغَصْبِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ وَالْعُذْرُ: أَيْ الْجَوَابُ لَهُ عَنْ هَذِهِ الْحُجَّةِ أَنَّ الْمِلْكَ مِنْ وَجْهٍ كَافٍ لِاسْتِحْقَاقِ الْأَرْشِ كَالْمُكَاتَبِ إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ وَأَخَذَ الْأَرْشَ ثُمَّ رُدَّ رَقِيقًا فَإِنَّ الْأَرْشَ لِلْمَوْلَى، وَكَمَا إذَا قُطِعَتْ يَدُ الْمُشْتَرِي فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ ثُمَّ أَجَازَ الْبَيْعَ فَإِنَّ الْأَرْشَ لِلْمُشْتَرِي لِثُبُوتِ الْمِلْكِ مِنْ وَجْهٍ، بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ: يَعْنِي لَا يَنْفُذُ إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي فِيمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ عَلَى مَا مَرَّ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الْبَيْعِ خِيَارٌ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُطْلَقٍ وَقِرَانُ الشَّرْطِ بِهِ يَمْنَعُ انْعِقَادَهُ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ. وَقِيلَ بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ إنَّ الْمِلْكَ مِنْ وَجْهٍ يَكْفِي لِاسْتِحْقَاقِ الْأَرْشِ: يَعْنِي أَنَّ إعْتَاقَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ بَعْدَ الْإِجَازَةِ لَا يَنْفُذُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْمُصَحِّحَ لِلْإِعْتَاقِ هُوَ الْمِلْكُ الْكَامِلُ لَا الْمِلْكُ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، وَقَوْلُهُ: (عَلَى مَا مَرَّ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَالْمُصَحِّحُ لِلْإِعْتَاقِ هُوَ الْمِلْكُ الْكَامِلُ وَهَذَا أَقْرَبُ، وَيَتَصَدَّقُ بِمَا زَادَ عَلَى نِصْفِ

(وَيَتَصَدَّقُ بِمَا زَادَ عَلَى نِصْفِ الثَّمَنِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ أَوْ فِيهِ شُبْهَةُ عَدَمِ الْمِلْكِ. قَالَ: فَإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ ثُمَّ أَجَازَ الْمَوْلَى الْبَيْعَ الْأَوَّلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ؛ لِأَنَّ أَرْشَ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ فِي الْحُرِّ نِصْفُ الدِّيَةِ. وَفِي الْعَبْدِ نِصْفُ الْقِيمَةِ، وَاَلَّذِي دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ هُوَ مَا كَانَ بِمُقَابَلَةِ الثَّمَنِ، فَمَا زَادَ عَلَى نِصْفِ الثَّمَنِ يَكُونُ رِبْحَ مَا لَمْ يُضْمَنْ أَوْ فِيهِ شُبْهَةُ عَدَمِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكِ يَثْبُتُ يَوْمَ قَطْعِ الْيَدِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْبَيْعِ، وَهُوَ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَلَا يَطِيبُ الرِّبْحُ الْحَاصِلُ بِهِ. وَفِي الْكَافِي: إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَبِيعُ مَقْبُوضًا وَأَخْذُ الْأَرْشِ يَكُونُ الزَّائِدُ عَلَى نِصْفِ الثَّمَنِ رِبْحَ مَا لَمْ يُضْمَنْ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ، وَلَوْ كَانَ أَخْذُ الْأَرْشِ بَعْدَ الْقَبْضِ فَفِيهِ شُبْهَةُ عَدَمِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ حَقِيقَةً وَقْتَ الْقَطْعِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ فِيهِ الْمِلْكُ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ فَكَانَ ثَابِتًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، وَهَذَا كَمَا تَرَى تَوْزِيعُ الْوَجْهَيْنِ فِي الْكِتَابِ عَلَى الِاعْتِبَارَيْنِ. قَالَ (فَإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ إلَخْ) يَعْنِي إنْ بَاعَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ مِنْ شَخْصٍ آخَرَ ثُمَّ أَجَازَ الْمَوْلَى الْبَيْعَ الْأَوَّلَ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ الثَّانِي لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ بِالْإِجَازَةِ يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ مِلْكٌ بَاتٌّ، وَالْمِلْكُ الْبَاتُّ، إذَا طَرَأَ عَلَى مِلْكٍ مَوْقُوفٍ لِغَيْرِهِ أَبْطَلَهُ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ غَرَرَ الِانْفِسَاخِ عَلَى اعْتِبَارِ عَدَمِ الْإِجَازَةِ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَالْبَيْعُ يَفْسُدُ بِهِ. قِيلَ هَذَا التَّعْلِيلُ شَامِلٌ لِبَيْعِ الْغَاصِبِ مِنْ مُشْتَرِيهِ وَبَيْعِ الْفُضُولِيِّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُجِيزَ الْمَالِكُ بَيْعَهُمَا

لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ الثَّانِي لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِأَنَّ فِيهِ غَرَرَ الِانْفِسَاخِ عَلَى اعْتِبَارِ عَدَمِ الْإِجَازَةِ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَالْبَيْعُ يَفْسُدُ بِهِ، بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْغَرَرُ. قَالَ (فَإِنْ لَمْ يَبِعْهُ الْمُشْتَرِي فَمَاتَ فِي يَدِهِ أَوْ قُتِلَ ثُمَّ أَجَازَ الْبَيْعَ لَمْ يَجُزْ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِجَازَةَ مِنْ شُرُوطِهَا قِيَامُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَاتَ بِالْمَوْتِ وَكَذَا بِالْقَتْلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَنْ لَا يُجِيزَ، وَمَعَ ذَلِكَ انْعَقَدَ بَيْعُ الْغَاصِبِ وَالْفُضُولِيِّ مَوْقُوفًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ غَرَرَ الِانْفِسَاخِ فِي بَيْعِهِمَا عَارَضَهُ النَّفْعُ الَّذِي يَحْصُلُ لِلْمَالِكِ الْمَذْكُورِ فِيمَا تَقَدَّمَ؛ فَبِالنَّظَرِ إلَى الْغَرَرِ يَفْسُدُ، وَبِالنَّظَرِ إلَى النَّفْعِ وَعَدَمِ الضَّرَرِ يَجُوزُ فَقُلْنَا بِالْجَوَازِ الْمَوْقُوفِ عَمَلًا بِهِمَا. لَا يُقَالُ: الْغَرَرُ مُحَرَّمٌ فَتَرَجَّحَ؛ لِأَنَّ الصِّحَّةَ فِي الْعُقُودِ أَصْلٌ فَعَارَضَتْهُ عَلَى أَنَّ اعْتِبَارَ الْغَرَرِ مُطْلَقًا يَسْتَلْزِمُ اعْتِبَارَ التُّرُوكِ إجْمَاعًا، وَهُوَ أَنْ لَا يَصِحَّ بَيْعٌ أَصْلًا لَا سِيَّمَا فِي الْمَنْقُولَاتِ لِاحْتِمَالِ الْفَسْخِ بَعْدَ الِانْعِقَادِ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَأَمَّا غَرَرُ الِانْفِسَاخِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَسَالِمٌ عَمَّا يُعَارِضُهُ إذْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ لَمْ يَمْلِكْ حَتَّى يَطْلُبَ مُشْتَرِيًا آخَرَ فَتَجَرَّدَ الْبَيْعُ الثَّانِي عُرْضَةً لِغَرَرِ الِانْفِسَاخِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْغَرَرُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْمَنْقُولَاتِ لَا يَصِحُّ لِغَرَرِ الِانْفِسَاخِ، وَالْإِعْتَاقُ قَبْلَ الْقَبْضِ يَصِحُّ قَالَ (فَإِنْ لَمْ يَبِعْهُ الْمُشْتَرِي فَمَاتَ فِي يَدِهِ أَوْ قُتِلَ) أَيْ فَإِنْ لَمْ يَبِعْهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ فَمَاتَ فِي يَدِهِ أَوْ قُتِلَ (ثُمَّ أَجَازَ الْمَالِكُ الْبَيْعَ) أَيْ بَيْعَ الْغَاصِبِ (لَمْ يَجُزْ) بِالِاتِّفَاقِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِجَازَةَ مِنْ

إذْ لَا يُمْكِنُ إيجَابُ الْبَدَلِ لِلْمُشْتَرِي بِالْقَتْلِ حَتَّى يُعَدَّ بَاقِيًا بِبَقَاءِ الْبَدَلِ لِأَنَّهُ لَا مِلْكٌ لِلْمُشْتَرِي عِنْدَ الْقَتْلِ مِلْكًا يُقَابَلُ بِالْبَدَلِ فَتَحَقَّقَ الْفَوَاتُ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي ثَابِتٌ فَأَمْكَنَ إيجَابُ الْبَدَلِ لَهُ فَيَكُونُ الْمَبِيعُ قَائِمًا بِقِيَامِ خَلَفِهِ. قَالَ (وَمَنْ بَاعَ عَبْدَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَأَقَامَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ أَوْ رَبِّ الْعَبْدِ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْبَيْعِ وَأَرَادَ رَدَّ الْمَبِيعِ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ) لِلتَّنَاقُضِ فِي الدَّعْوَى، إذْ الْإِقْدَامُ عَلَى الشِّرَاءِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِصِحَّتِهِ، وَالْبَيِّنَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى (وَإِنْ أَقَرَّ الْبَائِعُ بِذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي) ـــــــــــــــــــــــــــــQشَرْطِهَا قِيَامُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَاتَ بِالْمَوْتِ وَالْقَتْلِ لِامْتِنَاعِ إيجَابِ الْبَدَلِ لِلْمُشْتَرِي بِالْقَتْلِ، فَلَا يُعَدُّ بَاقِيًا بِبَقَاءِ الْبَدَلِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْمُشْتَرِي عِنْدَ الْقَتْلِ مِلْكًا يُقَابَلُ بِالْبَدَلِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ مِلْكٌ مَوْقُوفٌ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُقَابَلًا بِالْبَدَلِ (بِخِلَافِ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ) فَإِنَّهُ إذَا قُتِلَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَنْفَسِخُ (؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي ثَابِتٌ بَاتٌّ فَأَمْكَنَ إيجَابُ الْبَدَلِ فَيَكُونُ الْمَبِيعُ قَائِمًا بِقِيَامِ خَلَفِهِ) وَهُوَ الْقِيمَةُ وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ، فَإِنْ اخْتَارَ الْبَدَلَ كَانَ الْبَدَلُ لِلْمُشْتَرِي. قَالَ (وَمَنْ بَاعَ عَبْدَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ) رَجُلٌ بَاعَ عَبْدَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي أَرُدُّ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّك بِعْتَنِي بِغَيْرِ أَمْرِ صَاحِبِهِ وَجَحَدَ الْبَائِعُ ذَلِكَ (فَأَقَامَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ) أَنَّ رَبَّ الْعَبْدِ أَوْ الْبَائِعُ أَقَرَّ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ الْبَائِعَ بِبَيْعِهِ (لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ) ؛ لِأَنَّهَا تَبْتَنِي عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى فَإِنْ صَحَّتْ الدَّعْوَى صَحَّتْ الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا فَلَا وَهَاهُنَا بَطَلَتْ الدَّعْوَى (لِلتَّنَاقُضِ) ؛ لِأَنَّ إقْدَامَ الْمُشْتَرِي دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الشِّرَاءِ وَأَنَّ الْبَائِعَ يَمْلِكُ الْبَيْعَ ثُمَّ دَعْوَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ بَاعَ بِغَيْرِ أَمْرِ صَاحِبِهِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الشِّرَاءِ وَأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَمْلِكْ الْبَيْعَ فَحَصَلَ التَّنَاقُضُ الْمُبْطِلُ لِلدَّعْوَى الْمُسْتَلْزِمَةِ صِحَّتُهَا لِقَبُولِ الْبَيِّنَةِ. (وَإِنْ أَقَرَّ الْبَائِعُ بِذَلِكَ) أَيْ بِأَنَّهُ بَاعَهُ

بَطَلَ الْبَيْعُ إنْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ، لِأَنَّ التَّنَاقُضَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ، وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُسَاعِدَهُ عَلَى ذَلِكَ فَيَتَحَقَّقُ الِاتِّفَاقُ بَيْنَهُمَا، فَلِهَذَا شَرَطَ طَلَبَ الْمُشْتَرِي. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا صَدَّقَ مُدَّعِيَهُ ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ أَنَّهُ لِلْمُسْتَحِقِّ تُقْبَلُ. وَفَرَّقُوا أَنَّ الْعَبْدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي. وَفِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِغَيْرِ أَمْرِهِ (بَطَلَ الْبَيْعُ) إنْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّنَاقُضَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ (أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ شَيْئًا ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ) صَحَّ إقْرَارُهُ، إلَّا أَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ لَا يَنْفُذُ فِي حَقِّ الْغَيْرِ، فَإِذَا سَاعَدَهُ الْمُشْتَرِي عَلَى ذَلِكَ تَحَقَّقَ الِاتِّفَاقُ بَيْنَهُمَا فَجَازَ أَنْ يُنْقَضَ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَسْأَلَةَ الزِّيَادَاتِ نَقْضًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَتَصْوِيرُهَا مَا قِيلَ: رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى الْمُشْتَرِي بِأَنَّ ذَلِكَ الْعَبْدَ لَهُ وَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْبَائِعِ أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّ الْمَبِيعَ لِهَذَا الْمُسْتَحَقِّ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ وَإِنْ تَنَاقَضَ فِي دَعْوَاهُ. قَالَ (وَفَرَّقُوا) أَيْ الْمَشَايِخُ بَيْنَ رِوَايَتَيْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالزِّيَادَاتِ (بِأَنَّ الْعَبْدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (فِي يَدِ الْمُشْتَرِي) فَيَكُونُ الْمَبِيعُ سَالِمًا لَهُ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ مَعَ سَلَامَةِ الْمَبِيعِ لَهُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ عَدَمُ سَلَامَةِ الْمَبِيعِ (وَفِي تِلْكَ) أَيْ مَسْأَلَةِ الزِّيَادَاتِ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُسْتَحِقِّ فَلَا يَكُونُ الْمَبِيعُ سَالِمًا لِلْمُشْتَرِي فَيَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ لِوُجْدَانِ شَرْطِهِ. قِيلَ فِي هَذَا الْفَرْقِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِي الزِّيَادَاتِ أَيْضًا فِي أَنَّ الْعَبْدَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ فِي يَدِ الْمُسْتَحِقِّ فَلَا يَلْزَمُ قَبُولُ الْبَيِّنَةِ لِبَقَاءِ التَّنَاقُضِ الْمُبْطِلِ لِلدَّعْوَى، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمُشْتَرِيَ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْبَيْعِ فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَلَمْ تَقْبَلْ التَّنَاقُضَ. وَفِي مَسْأَلَةِ الزِّيَادَاتِ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِقْرَارِ بَعْدَ الْبَيْعِ فَلَا يَلْزَمُ التَّنَاقُضُ فَقُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَلَمْ يَتَّضِحْ لِي فِيهِ شَيْءٌ سِوَى هَذَا بَعْدَ أَنْ تَأَمَّلْت فِيهِ بُرْهَةً مِنْ الدَّهْرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ فِي وَضْعِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُمْكِنٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي أَقْدَمَ عَلَى الشِّرَاءِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ بِعَدَمِ الْأَمْرِ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ عُدُولٌ: سَمِعْنَاهُ قَبْلَ الْبَيْعِ أَقَرَّ بِذَلِكَ وَيَشْهَدُونَ بِهِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَانِعٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْوَاضِحُ فِي الْفَرْقِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ. وَمَا قِيلَ إنَّ التَّنَاقُضَ الْمُبْطِلَ لِلدَّعْوَى بَاقٍ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ غَيْرُ

فِي يَدِ غَيْرِهِ وَهُوَ الْمُسْتَحَقُّ، وَشَرْطُ الرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ أَنْ لَا يَكُونُ الْعَيْنُ سَالِمًا لِلْمُشْتَرِي. ـــــــــــــــــــــــــــــQمُتَنَاقِضٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْكِرُ الْعَقْدَ أَصْلًا وَلَا مِلْكَ الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ، فَإِنَّ بَيْعَ مَالِ الْغَيْرِ مُنْعَقِدٌ وَبَدَلُ الْمُسْتَحَقِّ مَمْلُوكٌ، وَإِنَّمَا يُنْكِرُ وَصْفَ الْعَقْدِ وَهُوَ الصِّحَّةُ وَاللُّزُومُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِهِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ فَكَانَ مُتَنَاقِضًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَجَعَلْنَاهُ مُتَنَاقِضًا فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ فَائِدَةَ الرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ لِسَلَامَةِ الْمَبِيعِ لَهُ إذْ هُوَ فِي يَدِهِ وَلَمْ نَجْعَلْهُ مُتَنَاقِضًا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْفَصْلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ فَائِدَةَ الرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ لِعَدَمِ سَلَامَتِهِ لِكَوْنِهِ فِي يَدِ غَيْرِهِ وَكَانَ ذَلِكَ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ فَصِرْنَا إلَيْهِ.

قَالَ (وَمَنْ بَاعَ دَارًا لِرَجُلٍ وَأَدْخَلَهَا الْمُشْتَرِي فِي بِنَائِهِ لَمْ يَضْمَنْ الْبَائِعُ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - آخِرًا، وَكَانَ يَقُولُ أَوَّلًا: يَضْمَنُ الْبَائِعُ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهِيَ مَسْأَلَةُ غَصْبِ الْعَقَارِ وَسَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهِ تَعَالَى، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَمَنْ بَاعَ دَارًا لِرَجُلٍ) قِيلَ مَعْنَاهُ: بَاعَ عَرْصَةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ (وَأَدْخَلَهَا الْمُشْتَرِي فِي بِنَائِهِ) قِيلَ يَعْنِي قَبَضَهَا وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْإِدْخَالِ فِي الْبِنَاءِ اتِّفَاقًا (لَمْ يَضْمَنْ الْبَائِعُ) أَيْ قِيمَةَ الدَّارِ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ آخِرًا، وَكَانَ يَقُولُ أَوَّلًا يَضْمَنُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهِيَ مَسْأَلَةُ غَصْبِ الْعَقَارِ) عَلَى مَا سَيَأْتِي

[باب السلم]

(بَابُ السَّلَمِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ السَّلَمِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَنْوَاعِ الْبُيُوعِ الَّتِي لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا قَبْضُ الْعِوَضَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ، وَقَدَّمَ السَّلَمَ عَلَى الصَّرْفِ لِكَوْنِ الشَّرْطِ فِيهِ قَبْضَ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُفْرَدِ مِنْ الْمُرَكَّبِ. وَهُوَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ نَوْعِ بَيْعٍ مُعَجَّلٍ فِيهِ الثَّمَنُ. وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ هُوَ أَخْذُ عَاجِلٍ بِآجِلٍ. قِيلَ فَهُوَ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ إلَّا أَنَّ فِي الشَّرْعِ اقْتَرَنَتْ بِهِ زِيَادَةُ شَرَائِطَ. وَرُدَّ بِأَنَّ السِّلْعَةَ إذَا بِيعَتْ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وُجِدَ فِيهِ هَذَا الْمَعْنَى وَلَيْسَ بِسَلَمٍ، وَلَوْ قِيلَ بَيْعُ

السَّلَمُ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَهُوَ آيَةُ الْمُدَايَنَةِ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَلَّ السَّلَفَ الْمَضْمُونَ وَأَنْزَلَ فِيهَا أَطْوَلَ آيَةٍ فِي كِتَابِهِ، وَتَلَا قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] الْآيَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQآجِلٍ بِعَاجِلٍ لَا نَدْفَعُ ذَلِكَ. وَرُكْنُهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، بِأَنْ يَقُولَ رَبُّ السَّلَمِ لِآخَرَ أَسْلَمْت إلَيْك عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ أَوْ أَسْلَفْت فَيَقُولُ الْآخَرُ قَبِلْت، وَيُسَمَّى هَذَا رَبَّ السَّلَمِ وَالْآخَرُ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ وَالْحِنْطَةُ الْمُسْلَمُ فِيهِ. وَلَوْ صَدَرَ الْإِيجَابُ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَالْقَبُولُ مِنْ رَبِّ السَّلَمِ صَحَّ. وَشَرْطُ جَوَازِهِ سَيُذْكَرُ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ (السَّلَمُ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ إلَخْ) السَّلَمُ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ: تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] مَعْنَاهُ إذَا تَعَامَلْتُمْ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ فَاكْتُبُوهُ، وَفَائِدَةُ قَوْلِهِ مُسَمًّى الْإِعْلَامُ بِأَنَّ مِنْ حَقِّ الْأَجَلِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا. وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ (مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ أَحَلَّ السَّلَفَ الْمَضْمُونَ وَأَنْزَلَ فِيهَا) أَيْ فِي السَّلَفِ عَلَى تَأْوِيلِ الْمُدَايَنَةِ (أَطْوَلَ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَتَلَا قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ} [البقرة: 282] فَإِنْ قِيلَ: هَذَا اسْتِدْلَالٌ بِخُصُوصِ السَّبَبِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ. قُلْنَا: عُمُومُ اللَّفْظِ يَتَنَاوَلُهُ فَكَانَ الِاسْتِدْلَال بِهِ (قَوْلُهُ: الْمَضْمُونُ) صِفَةٌ مُقَرِّرَةٌ لِلسَّلَفِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} [المائدة: 44]

وَبِالسُّنَّةِ وَهُوَ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ» وَالْقِيَاسُ وَإِنْ كَانَ يَأْبَاهُ وَلَكِنَّا تَرَكْنَاهُ بِمَا رَوَيْنَاهُ. وَوَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ بَيْعُ الْمَعْدُومِ إذْ الْمَبِيعُ هُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ. قَالَ (وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَسْلَمَ مِنْكُمْ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَعْنَاهُ الْوَاجِبُ فِي الذِّمَّةِ. وَأَمَّا السُّنَّةُ (فَمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ» وَالْقِيَاسُ يَأْبَى جَوَازَهُ) ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الْمَعْدُومِ، إذْ الْمَبِيعُ هُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ لَكِنَّا تَرَكْنَاهُ بِالنَّصِّ. قَالَ (وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ) السَّلَمُ جَائِزٌ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ (لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَسْلَمَ مِنْكُمْ فَلْيُسْلَمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» وَالْوُجُوبُ يَنْصَرِفُ إلَى كَوْنِهِ مَعْلُومًا وَهُوَ يَتَضَمَّنُ الْجَوَازَ لَا مَحَالَةَ. فَإِنْ قِيلَ: مَنْ أَسْلَمَ شَرْطِيَّةٌ وَهُوَ لَا يَقْتَضِي الْجَوَازَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} [الزخرف: 81] فَالْجَوَابُ أَنَّ الدَّلِيلَ قَدْ دَلَّ عَلَى وُجُودِ السَّلَمِ فِي الشَّرْعِ، وَإِنَّمَا الْحَدِيثُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى

وَالْمُرَادُ بِالْمَوْزُونَاتِ غَيْرِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِأَنَّهُمَا أَثْمَانٌ، وَالْمُسْلَمُ فِيهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُثَمَّنًا فَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِمَا ثُمَّ قِيلَ يَكُونُ بَاطِلًا، وَقِيلَ يَنْعَقِدُ بَيْعًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِ الْمُتَعَاقِدِينَ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ التَّصْحِيحَ إنَّمَا يَجِبُ فِي مَحِلٍّ أَوْجَبَا الْعَقْدَ فِيهِ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQجَوَازِهِ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ (وَالْمُرَادُ بِالْمَوْزُونَاتِ غَيْرُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّهُمَا أَثْمَانٌ، وَالْمُسْلَمُ فِيهِ لَا يَكُونُ ثَمَنًا بَلْ يَكُونُ مُثَمَّنًا فَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِمَا. ثُمَّ قِيلَ: يَكُونُ بَاطِلًا، وَقِيلَ يَنْعَقِدُ بَيْعًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَالِاعْتِبَارُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي) وَالْأَوَّلُ قَوْلُ عِيسَى بْنِ أَبَانَ، وَالثَّانِي قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ حِنْطَةً أَوْ غَيْرَهَا مِنْ الْعُرُوضِ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِيُمْكِنَ أَنْ يَجْعَلَ بَيْعَ حِنْطَةٍ بِدَرَاهِمَ مُؤَجَّلَةٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمَا قَصَدَا مُبَادَلَةَ الْحِنْطَةِ بِالدَّرَاهِمِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ كِلَاهُمَا مِنْ الْأَثْمَانِ بِأَنْ أَسْلَمَ عَشَرَةٌ فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ فِي دَنَانِيرَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ، وَمَا ذَكَرَهُ عِيسَى أَصَحُّ؛ لِأَنَّ التَّصْحِيحَ إنَّمَا يَجِبُ فِي مَحَلٍّ أَوْجَبَا الْعَقْدَ فِيهِ وَهُمَا أَوْجَبَاهُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَهُوَ إذَا كَانَ مِنْ الْأَثْمَانِ لَا يَصِحُّ تَصْحِيحُهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ مُثَمَّنًا،

قَالَ (وَكَذَا فِي الْمَذْرُوعَاتِ) لِأَنَّهُ يُمْكِنُ ضَبْطُهَا بِذِكْرِ الذَّرْعِ وَالصِّفَةِ وَالصَّنْعَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْهَا لِتَرْتَفِعَ الْجَهَالَةُ فَيَتَحَقَّقُ شَرْطُ صِحَّةِ السَّلَمِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَصْحِيحُهُ فِي الْحِنْطَةِ تَصْحِيحٌ فِي غَيْرِ مَا أَوْجَبَاهُ فِيهِ فَلَا يَكُونُ صَحِيحًا. قَالَ (وَكَذَا فِي الْمَذْرُوعَاتِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ ضَبْطُهَا) أَيْ وَكَجِوَازِ السَّلَمِ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ جَوَازُهُ فِي الْمَذْرُوعَاتِ لِكَوْنِهَا كَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ فِي مَنَاطِ الْحُكْمِ وَهُوَ إمْكَانُ ضَبْطِ الصِّفَةِ وَمَعْرِفَةِ الْمِقْدَارِ لِارْتِفَاعِ الْجَهَالَةِ فَجَازَ إلْحَاقُهَا بِهِمَا. وَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ سَقَطَ مَا قِيلَ الشَّيْءُ إنَّمَا يُلْحَقُ بِغَيْرِهِ دَلَالَةً إذَا تَسَاوَيَا مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، وَلَيْسَ الْمَذْرُوعُ مَعَ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ كَذَلِكَ لِتَفَاوُتِهِمَا فِيمَا هُوَ أَعْظَمُ وُجُوهِ التَّفَاوُتِ وَهُوَ كَوْنُ الْمَذْرُوعِ قِيَمِيًّا، وَهُمَا مِثْلِيَّانِ؛ لِأَنَّ الْمَنَاطَ هُوَ مَا ذَكَرْنَا، إذْ الْجَهَالَةُ الْمُفْضِيَةُ إلَى النِّزَاعِ تَرْتَفِعُ بِذَلِكَ دُونَ كَوْنِهِ قِيَمِيًّا أَوْ مِثْلِيًّا. فَإِنْ قِيلَ: الدَّلَالَةُ لَا تَعْمَلُ إذَا عَارَضَهَا عِبَارَةٌ وَقَدْ عَارَضَهَا قَوْلُهُ: «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك» فَإِنَّهُ عِبَارَةٌ اُخْتُصَّتْ مِنْهُ الْمَكِيلَاتُ وَالْمَوْزُونَاتُ بِقَوْلِهِ «مَنْ أَسْلَمَ مِنْكُمْ» الْحَدِيثَ، فَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُمَا تَحْتَ قَوْلِهِ لَا تَبِعْ. فَالْجَوَابُ إنَّا لَا نُسَلِّمُ صَلَاحِيَّةَ مَا ذَكَرْت لِلتَّخْصِيصِ؛ لِأَنَّ الْقِرَانَ شَرْطٌ لَهُ

وَكَذَا فِي الْمَعْدُودَاتِ الَّتِي لَا تَتَفَاوَتُ كَالْجَوْزِ وَالْبِيضِ، لِأَنَّ الْعَدَدِيَّ الْمُتَقَارِبِ مَعْلُومُ الْقَدْرِ مَضْبُوطُ الْوَصْفِ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ فَيَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ، وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ فِيهِ سَوَاءٌ لِاصْطِلَاحِ النَّاسِ عَلَى إهْدَارِ التَّفَاوُتِ، بِخِلَافِ الْبِطِّيخِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ، سَلَّمْنَاهُ لَكِنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ وَهُوَ دُونَ الْقِيَاسِ فَلَا يَكُونُ مُعَارِضًا لِلدَّلَالَةِ (وَكَذَا فِي الْمَعْدُودَاتِ الْمُتَقَارِبَةِ، وَهِيَ الَّتِي لَا تَتَفَاوَتُ) آحَادُهَا (كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ؛ لِأَنَّ الْعَدَدِيَّ الْمُتَقَارِبَ مَعْلُومٌ مَضْبُوطُ الْوَصْفِ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ) فَكَانَ مَنَاطُ الْحُكْمِ مَوْجُودًا كَمَا فِي الْمَذْرُوعَاتِ (فَجَازَ السَّلَمُ فِيهِ إلْحَاقًا بِالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَالْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ سَوَاءٌ لِاصْطِلَاحِ النَّاسِ عَلَى إهْدَارِ التَّفَاوُتِ) فَإِنَّهُ قَلَّمَا يُبَاعُ جَوْزٌ بِفَلْسٍ وَآخَرُ بِفَلْسَيْنِ، وَكَذَا الْبَيْضُ (بِخِلَافِ الْبِطِّيخِ

وَالرُّمَّانُ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ آحَادُهُ تَفَاوُتًا فَاحِشًا، وَبِتَفَاوُتِ الْآحَادِ فِي الْمَالِيَّةِ يُعْرَفُ الْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي بِيضِ النَّعَامَةِ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ آحَادُهُ فِي الْمَالِيَّةِ، ثُمَّ كَمَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا عَدَدًا يَجُوزُ كَيْلًا. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ كَيْلًا لِأَنَّهُ عَدَدِيٌّ وَلَيْسَ بِمَكِيلٍ. وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَدَدًا أَيْضًا لِلتَّفَاوُتِ. وَلَنَا أَنَّ الْمِقْدَارَ مَرَّةُ يُعْرَفُ بِالْعَدَدِ وَتَارَةٌ بِالْكَيْلِ، وَإِنَّمَا صَارَ مَعْدُودًا بِالِاصْطِلَاحِ فَيَصِيرُ مَكِيلًا بِاصْطِلَاحِهِمَا وَكَذَا فِي الْفُلُوسِ عَدَدًا. وَقِيلَ هَذَا عِنْد أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا أَثْمَانٌ. وَلَهُمَا أَنَّ الثَّمَنِيَّةَ فِي حَقِّهِمَا بِاصْطِلَاحِهِمَا فَتَبْطُلُ بِاصْطِلَاحِهِمَا وَلَا تَعُودُ وَزْنِيًّا وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالرُّمَّانِ؛ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ آحَادُهُ تَفَاوُتًا فَاحِشًا) فَصَارَ الضَّابِطُ فِي مَعْرِفَةِ الْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ عَنْ الْمُتَفَاوِتِ تَفَاوُتَ الْآحَادِ فِي الْمَالِيَّةِ دُونَ الْأَنْوَاعِ، وَهَذَا هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ السَّلَمَ لَا يَجُوزُ فِي بَيْضِ النَّعَامَةِ؛ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ آحَادُهُ فِي الْمَالِيَّةِ. ثُمَّ كَمَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا: أَيْ فِي الْمَعْدُودَاتِ الْمُتَقَارِبَةِ عَدَدًا يَجُوزُ كَيْلًا. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ عَدَدِيٌّ لَا كَيْلِيٌّ. وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَدَدٌ أَيْضًا لِوُجُودِ التَّفَاوُتِ فِي الْآحَادِ. وَلَنَا أَنَّ الْمِقْدَارَ مَرَّةً يُعْرَفُ بِالْعَدَدِ وَأُخْرَى بِالْكَيْلِ فَأَمْكَنَ الضَّبْطُ بِهِمَا فَيَكُونُ جَائِزًا وَكَوْنُهُ مَعْدُودًا بِاصْطِلَاحِهِمَا فَجَازَ إهْدَارُهُ، وَالِاصْطِلَاحُ عَلَى كَوْنِهِ كَيْلِيًّا (قَوْلُهُ: وَكَذَا فِي الْفُلُوسِ عَدَدًا) ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ لِأَحَدٍ. وَقِيلَ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ: وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلَا يَجُوزُ: أَيْ لَا يَجُوزُ

(وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْحَيَوَانِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجُوز لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعْلُومًا بِبَيَانِ الْجِنْسِ وَالسِّنِّ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ، وَالتَّفَاوُتُ بَعْدَ ذَلِكَ يَسِيرٌ فَأَشْبَهَ الثِّيَابَ. وَلَنَا أَنَّهُ بَعْدَ ذِكْرِ مَا ذَكَرَ يَبْقَى فِيهِ تَفَاوُتٌ فَاحِشٌ فِي الْمَالِيَّةِ بِاعْتِبَارِ الْمَعَانِي الْبَاطِنَةِ فَيُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّلَمُ فِي الْفُلُوسِ؛ لِأَنَّهَا أَثْمَانٌ، وَالسَّلَمُ فِي الْأَثْمَانِ لَا يَجُوزُ. وَلَهُمَا أَنَّ الثَّمَنِيَّةَ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ثَابِتَةٌ بِاصْطِلَاحِهِمَا لِعَدَمِ وِلَايَةِ الْغَيْرِ عَلَيْهِمَا فَلَهُمَا إبْطَالُهُمَا بِاصْطِلَاحِهِمَا، فَإِذَا بَطَلَتْ الثَّمَنِيَّةُ صَارَتْ مُثَمَّنًا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَجَازَ السَّلَمُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ الرِّبَا فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْفَلْسِ بِالْفَلْسَيْنِ. وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ: جَوَازُ السَّلَمِ فِي الْفُلُوسِ قَوْلُ الْكُلِّ، وَهَذَا الْقَائِلُ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ لِمُحَمَّدٍ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالسَّلَمِ، وَهُوَ أَنَّ كَوْنَ الْمُسْلَمِ فِيهِ مُثَمَّنًا مِنْ ضَرُورَةِ جَوَازِ السَّلَمِ، فَإِقْدَامُهُمَا عَلَى السَّلَمِ تَضَمَّنَ إبْطَالَ الِاصْطِلَاحِ فِي حَقِّهِمَا فَعَادَ مُثَمَّنًا، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ جَوَازِ الْبَيْعِ كَوْنُ الْمَبِيعِ مُثَمَّنًا فَإِنَّ بَيْعَ الْأَثْمَانِ بَعْضِهِمَا بِبَعْضٍ جَائِزٌ، فَالْإِقْدَامُ عَلَى الْبَيْعِ لَا يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ الِاصْطِلَاحِ فِي حَقِّهِمَا فَبَقِيَ ثَمَنًا كَمَا كَانَ، وَفَسَدَ بَيْعُ الْوَاحِدِ بِالِاثْنَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْحَيَوَانِ) وَهُوَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا أَوْ مَوْصُوفًا، وَالْأَوَّلُ لَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ، وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. هُوَ يَقُولُ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِبَيَانِ الْجِنْسِ كَالْإِبِلِ، وَالسِّنِّ كَالْجَذَعِ وَالثَّنِيِّ، وَالنَّوْعِ كَالْبُخْتِ وَالْعِرَابِ، وَالصِّفَةِ كَالسِّمَنِ وَالْهُزَالِ، وَالتَّفَاوُتُ بَعْدَ ذَلِكَ سَاقِطٌ لِقِلَّتِهِ فَأَشْبَهَ الثِّيَابَ، وَقَدْ ثَبَتَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ أَنْ يَشْتَرِيَ بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ فِي تَجْهِيزِ الْجَيْشِ إلَى أَجَلٍ. وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اسْتَقْرَضَ بَكْرًا وَقَضَاهُ رُبَاعِيًّا» وَالسَّلَمُ أَقْرَبُ إلَى الْجَوَازِ مِنْ الِاسْتِقْرَاضِ. وَلَنَا أَنَّ بَعْدَ ذِكْرِ الْأَوْصَافِ الَّتِي اشْتَرَطَهُ الْخَصْمُ يَبْقَى تَفَاوُتٌ فَاحِشٌ فِي الْمَالِيَّةِ بِاعْتِبَارِ الْمَعَانِي الْبَاطِنَةِ، فَقَدْ يَكُونُ فَرَسَانِ مُتَسَاوِيَانِ فِي الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ وَيَزِيدُ ثَمَنُ إحْدَاهُمَا زِيَادَةً فَاحِشَةً لِلْمَعَانِي الْبَاطِنَةِ فَيُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ الْمُنَافِيَةِ لِوَضْعِ الْأَسْبَابِ، بِخِلَافِ الثِّيَابِ؛ لِأَنَّهُ مَصْنُوعُ الْعِبَادِ، فَقَلَّمَا يَتَفَاوَتُ تَفَاوُتًا فَاحِشًا بَعْدَ ذِكْرِ الْأَوْصَافِ، وَشِرَاءُ الْبَعِيرِ بِبَعِيرَيْنِ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الرِّبَا أَوْ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَا رِبَا بَيْنَ الْحَرْبِيِّ وَالْمُسْلِمِ فِيهَا، وَتَجْهِيزُ الْجَيْشِ وَإِنْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَنَقْلُ الْآلَاتِ كَانَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لِعِزَّتِهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ

بِخِلَافِ الثِّيَابِ لِأَنَّهُ مَصْنُوعُ الْعِبَادِ فَقَلَّمَا يَتَفَاوَتُ الثَّوْبَانِ إذَا نُسِجَا عَلَى مِنْوَالٍ وَاحِدٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَوْمَئِذٍ، وَلَمْ يَكُنْ الْقَرْضُ ثَابِتًا فِي ذِمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَضَاهُ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ، وَالصَّدَقَةُ حَرَامٌ

وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ» وَيَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ أَجْنَاسِهِ حَتَّى الْعَصَافِيرُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ صَحَّ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إشَارَةً إلَى جَوَابِ مَا يُقَالُ: التَّفَاوُتُ الْفَاحِشُ فِي الْمَعَانِي الْبَاطِنَةِ لَا يُوجَدُ فِي الْعَصَافِيرِ وَالْحَمَامَاتِ الَّتِي تُؤْكَلُ، وَأَنَّ السَّلَمَ فِيهَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَكُمْ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ عَدَمَ جَوَازِ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ لَيْسَ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَضْبُوطٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي الدِّيبَاجِ دُونَ الْعَصَافِيرِ، وَلَعَلَّ ضَبْطَ الْعَصَافِيرِ بِالْوَصْفِ أَهْوَنُ مِنْ ضَبْطِ الدِّيبَاجِ بَلْ هُوَ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ. لَا يُقَالُ: النَّهْيُ عَنْ الْحَيَوَانِ الْمُطْلَقِ عَنْ الْوَصْفِ وَالْمُتَنَازَعُ فِيهِ هُوَ الْمَوْصُوفُ مِنْهُ فَلَا يَتَّصِلُ بِمَحَلِّ النِّزَاعِ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ ذَكَرَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دَفَعَ مَالًا مُضَارَبَةً إلَى زَيْدِ بْنِ خَلْدَةَ فَأَسْلَمَهَا زَيْدٌ إلَى عِتْرِيسِ بْنِ عُرْقُوبٍ فِي قَلَائِصَ مَعْلُومَةٍ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: اُرْدُدْ مَا لَنَا لَا تُسْلِمُ أَمْوَالَنَا. وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَنْعَ لَمْ يَكُنْ لِكَوْنِهِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْقَلَائِصَ كَانَتْ مَعْلُومَةً فَكَانَ لِكَوْنِهِ حَيَوَانًا. لَا يُقَالُ: فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ الْمَذْكُورَ بِقَوْلِهِ وَلَنَا مَنْقُوضٌ بِالْعَصَافِيرِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِدْلَال عَلَى الْمَطْلُوبِ بَلْ مِنْ حَيْثُ جَوَابُ الْخَصْمِ، وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى

قَالَ (وَلَا فِي أَطْرَافِهِ كَالرُّءُوسِ وَالْأَكَارِعِ) لِلتَّفَاوُتِ فِيهَا إذْ هُوَ عَدَدِيٌّ مُتَفَاوِتٌ لَا مُقَدَّرٌ لَهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ فَهُوَ السُّنَّةُ. قَالَ (وَلَا فِي أَطْرَافِهِ كَالرُّءُوسِ وَالْأَكَارِعِ) وَالْكُرَاعُ مَا دُونَ الرُّكْبَةِ مِنْ الدَّوَابِّ، وَالْأَكَارِعُ جَمْعُهُ؛ لِأَنَّهُ عَدَدِيٌّ مُتَفَاوِتٌ لَا مُقَدَّرَ لَهُ وَلَا فِي جُلُودِهِ؛ لِأَنَّهَا تُبَاعُ عَدَدًا وَهِيَ عَدَدِيَّةٌ فِيهَا الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ فَيُفْضِي السَّلَمُ

قَالَ (وَلَا فِي الْجُلُودِ عَدَدًا وَلَا فِي الْحَطَبِ حُزَمًا وَلَا فِي الرَّطْبَةِ جُرُزًا) لِلتَّفَاوُتِ فِيهَا، إلَّا إذَا عُرِفَ ذَلِكَ بِأَنْ بَيَّنَ لَهُ طُولَ مَا يَشُدُّ بِهِ الْحُزْمَةَ أَنَّهُ شِبْرٌ أَوْ ذِرَاعٌ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَفَاوَتُ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ حَتَّى يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهَا إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ يَجُوزُ وَزْنًا لِقَيْدِهِ عَدَدًا؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ عَدَدِيٌّ، فَحَيْثُ لَمْ يَجُزْ عَدَدًا لَمْ يَجُزْ وَزْنًا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يُوزَنُ عَادَةً. وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ إنْ بَيَّنَ لِلْجُلُودِ ضَرْبًا مَعْلُومًا يَجُوزُ وَذَلِكَ لِانْتِفَاءِ الْمُنَازَعَةِ حِينَئِذٍ (وَلَا فِي الْحَطَبِ حُزَمًا) لِكَوْنِهِ مَجْهُولًا مِنْ حَيْثُ طُولُهُ وَعَرْضُهُ وَغِلَظُهُ، فَإِنْ عُرِفَ ذَلِكَ جَازَ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَلَا فِي الرَّطْبَةِ جُرَزًا بِضَمِّ الْجِيمِ بَعْدَهَا رَاءٌ مَفْتُوحَةٌ وَزَايٌ: وَهِيَ الْقَبْضَةُ مِنْ الْقَتِّ وَنَحْوِهِ لِلتَّفَاوُتِ، إلَّا إذَا عُرِفَ ذَلِكَ بِبَيَانِ طُولِ مَا تُشَدُّ بِهِ الْحُزْمَةُ أَنَّهُ شِبْرٌ أَوْ ذِرَاعٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَفَاوَتُ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ حَتَّى يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ

مَوْجُودًا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَى حِينِ الْمَحِلِّ، حَتَّى لَوْ كَانَ مُنْقَطِعًا عِنْدَ الْعَقْدِ مَوْجُودًا عِنْدَ الْمَحِلِّ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ أَوْ مُنْقَطِعًا فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجُوزُ إذَا كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْمَحِلِّ لِوُجُودِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ حَالَ وُجُوبِهِ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُسَلِّفُوا فِي الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا» وَلِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ بِالتَّحْصِيلِ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِمْرَارِ الْوُجُودِ فِي مُدَّةِ الْأَجَلِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ التَّحْصِيلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَوْجُودًا) وُجُودُ الْمُسْلَمِ فِيهِ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ شَرْطُ جَوَازِ السَّلَمِ عِنْدَنَا، وَهَذَا يَنْقَسِمُ إلَى سِتَّةِ أَقْسَامٍ: قِسْمَةٌ عَقْلِيَّةٌ حَاصِرَةٌ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَى الْمَحَلِّ أَوْ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ أَصْلًا، أَوْ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ دُونَ الْمَحَلِّ أَوْ بِالْعَكْسِ، أَوْ مَوْجُودًا فِيمَا بَيْنَهُمَا، أَوْ مَعْدُومًا فِيمَا بَيْنَهُمَا. وَالْأَوَّلُ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَالثَّانِي فَاسِدٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَالثَّالِثُ كَذَلِكَ، وَالرَّابِعُ فَاسِدٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَالْخَامِسُ فَاسِدٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَالسَّادِسُ فَاسِدٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ. لَهُ عَلَى الرَّابِعِ وَهُوَ دَلِيلُهُمَا عَلَى السَّادِسِ وُجُودُ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ حَالَ وُجُوبِهِ. وَلَنَا قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُسْلِفُوا فِي الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا» وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - شَرَطَ لِصِحَّةِ وُجُودِ الْمُسْلَمِ فِيهِ حَالَ الْعَقْدِ؛ وَلِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ إنَّمَا تَكُونُ بِالتَّحْصِيلِ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِمْرَارِ الْوُجُودِ فِي مُدَّةِ الْأَجَلِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ التَّحْصِيلِ، وَالْمُنْقَطِعُ وَهُوَ مَا لَا يُوجَدُ فِي سُوقِهِ الَّذِي يُبَاعُ فِيهِ وَإِنْ وُجِدَ فِي الْبُيُوتِ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ بِالِاكْتِسَابِ، وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمَا. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ عِنْدَ الْعَقْدِ مَوْجُودًا كَفَى مُؤْنَةَ الْحَدِيثِ، وَإِذَا وُجِدَ عِنْدَ الْمَحَلِّ كَانَ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ فَلَا مَانِعَ عَنْ الْجَوَازِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقُدْرَةَ إنَّمَا تَكُونُ مَوْجُودَةً إذَا كَانَ الْعَاقِدُ بَاقِيًا إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ، حَتَّى لَوْ مَاتَ كَانَ وَقْتُ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ عَقِيبَهُ، وَفِي ذَلِكَ شَكٌّ. وَرُدَّ بِأَنَّ الْحَيَاةَ ثَابِتَةٌ فَتَبْقَى. وَأُجِيبَ بِأَنَّ عَدَمَ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ ثَابِتٌ فَيَبْقَى. فَإِنْ قِيلَ: بَقَاءُ الْكَمَالِ فِي النِّصَابِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ فَلْيَكُنْ وُجُودُ الْمُسْلَمِ فِيهِ كَذَلِكَ.

(وَلَوْ انْقَطَعَ بَعْدَ الْمَحِلِّ فَرَبُّ السَّلَمِ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ فَسَخَ السَّلَمَ، وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ وُجُودَهُ) لِأَنَّ السَّلَمَ قَدْ صَحَّ وَالْعَجْزُ الطَّارِئُ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَصَارَ كَإِبَاقِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأُجِيبَ بِأَنَّ وُجُودَهُ كَالنِّصَابِ وُجُودُهُ لَا كَكَمَالِهِ، وَوُجُودُهُ شَرْطٌ فَوُجُودُ الْمُسْلَمِ فِيهِ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ انْقَطَعَ بَعْدَ الْمَحَلِّ) يَعْنِي أَسْلَمَ فِي مَوْجُودٍ حَالَ الْعَقْدِ وَالْمَحَلِّ ثُمَّ انْقَطَعَ فَالسَّلَمُ صَحِيحٌ عَلَى حَالِهِ، وَرَبُّ السَّلَمِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ فَسَخَ الْعَقْدَ وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ وُجُودَهُ (لِأَنَّ السَّلَمَ قَدْ صَحَّ وَالْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ طَارِئٌ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَصَارَ كَإِبَاقِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ) فِي بَقَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ، فَإِنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي السَّلَمِ هُوَ الدَّيْنُ الثَّابِتُ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ

[السلم في السمك]

قَالَ (وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي السَّمَكِ الْمَالِحِ وَزْنًا مَعْلُومًا وَضَرْبًا مَعْلُومًا) لِأَنَّهُ مَعْلُومُ الْقَدْرِ مَضْبُوطُ الْوَصْفِ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ إذْ هُوَ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ (وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ عَدَدًا) لِلتَّفَاوُتِ. قَالَ (وَلَا خَيْرَ فِي السَّلَمِ فِي السَّمَكِ الطَّرِيِّ إلَّا فِي حِينِهِ وَزْنًا مَعْلُومًا وَضَرْبًا مَعْلُومًا) لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ فِي زَمَانِ الشِّتَاءِ، حَتَّى لَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ لَا يَنْقَطِعُ يَجُوزُ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا يَجُوزُ وَزْنًا لَا عَدَدًا لِمَا ذَكَرْنَا. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي لَحْمِ الْكِبَارِ مِنْهَا وَهِيَ الَّتِي تُقَطَّعُ اعْتِبَارًا بِالسَّلَمِ فِي اللَّحْمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبَاقٍ بِبَقَائِهَا كَالْعَبْدِ الْآبِقِ. وَفِي قَوْلِهِ وَالْعَجْزُ الطَّارِئُ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ إشَارَةٌ إلَى جَوَابِ زُفَرَ عَنْ قِيَاسِهِ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ عَلَى هَلَاكِ الْمَبِيعِ فِي الْعَجْزِ عَنْ التَّسْلِيمِ وَفِي ذَلِكَ يَبْطُلُ الْبَيْعُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعَجْزَ عَنْ التَّسْلِيمِ إذَا كَانَ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ لَا يَكُونُ كَالْعَجْزِ بِالْهَلَاكِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُمْكِنِ الزَّوَالِ عَادَةً فَكَانَ الْقِيَاسُ فَاسِدًا. [السَّلَمُ فِي السَّمَكِ] قَالَ (وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي السَّمَكِ الْمَالِحِ إلَخْ) السَّلَمُ فِي السَّمَكِ لَا يَجُوزُ عَدَدًا طَرِيًّا كَانَ أَوْ مَالِحًا لِلتَّفَاوُتِ، وَوَزْنًا إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَالِحِ أَوْ الطَّرِيِّ، فَإِنْ كَانَ فِي الْمَالِحِ جَازَ فِي ضَرْبٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ لِكَوْنِهِ مَضْبُوطَ الْقَدْرِ وَالْوَصْفِ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ لِعَدَمِ انْقِطَاعِهِ. وَإِنْ كَانَ فِي الطَّرِيِّ إنْ كَانَ فِي حِينِهِ جَازَ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ حِينِهِ لَمْ يَجُزْ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ لَا يَنْقَطِعُ جَازَ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي لَحْمِ الْكِبَارِ الَّتِي تُقْطَعُ اعْتِبَارًا بِالسَّلَمِ فِي اللَّحْمِ فِي الِاخْتِلَافِ بِالسِّمَنِ وَالْهُزَالِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ السِّمَنَ وَالْهُزَالَ لَيْسَ بِظَاهِرٍ فِيهِ فَصَارَ كَالصِّغَارِ. قِيلَ يُقَالُ سَمَكٌ مَلِيحٌ وَمَمْلُوحٌ وَلَا يُقَالُ مَالِحٌ إلَّا فِي لُغَةٍ رَدِيئَةٍ وَهُوَ الْمُقَدَّدُ الَّذِي فِيهِ مِلْحٌ وَلَا مُعْتَبَرَ بِقَوْلِ الرَّاجِزِ: بَصْرِيَّةٌ تَزَوَّجَتْ بَصْرِيًّا يُطْعِمُهَا الْمَالِحَ وَالطَّرِيَّا

[السلم في اللحم]

قَالَ (وَلَا خَيْرَ فِي السَّلَمِ فِي اللَّحْمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَا: إذَا وَصَفَ مِنْ اللَّحْمِ مَوْضِعًا مَعْلُومًا بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ جَازَ) لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ مَضْبُوطُ الْوَصْفِ وَلِهَذَا يَضْمَنُ بِالْمِثْلِ. وَيَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهُ وَزْنًا وَيَجْرِي فِيهِ رِبَا الْفَضْلِ، بِخِلَافِ لَحْمِ الطُّيُورِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ وَصْفُ مَوْضِعٍ مِنْهُ. وَلَهُ أَنَّهُ مَجْهُولٌ لِلتَّفَاوُتِ فِي قِلَّةِ الْعَظْمِ وَكَثْرَتِهِ أَوْ فِي سِمَنِهِ وَهُزَالِهِ عَلَى اخْتِلَافِ فُصُولِ السَّنَةِ، وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ مُفْضِيَةٌ إلَى الْمُنَازَعَةِ. وَفِي مَخْلُوعِ الْعَظْمِ لَا يَجُوزُ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQ؛ لِأَنَّهُ مُوَلَّدٌ لَا يُؤْخَذُ بِلُغَتِهِ. قَالَ الْإِمَامُ الزَّرْنُوجِيُّ: كَفَى بِذَلِكَ حُجَّةً لِلْفُقَهَاءِ. [السَّلَمِ فِي اللَّحْمِ] قَالَ (وَلَا خَيْرَ فِي السَّلَمِ فِي اللَّحْمِ) خَيْرٌ نَكِرَةٌ وَقَعَتْ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتُفِيدُ نَفْيَ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ بِعُمُومِهِ، وَمَعْنَاهُ لَا يَجُوزُ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي اللَّحْمِ، وَقَالَا: إذَا وَصَفَ مِنْهُ مَوْضِعًا مَعْلُومًا بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ جَازَ لِكَوْنِهِ مَوْزُونًا مَعْلُومًا كَسَائِرِ الْمَوْزُونَاتِ وَلِهَذَا يَجُوزُ ضَمَانُهُ بِالْمِثْلِ وَاسْتِقْرَاضُهُ وَزْنًا وَيَجْرِي فِيهِ رِبَا الْفَضْلِ. فَإِنْ قِيلَ: لَحْمُ الطُّيُورِ مَوْزُونٌ وَلَا يَجُوزُ فِيهِ السَّلَمُ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ وَصْفُ مَوْضِعٍ مِنْهُ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ فِيهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي تَعْلِيلِهِ تَأَمُّلٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُمْكِنْ وَصْفُ مَوْضِعٍ مِنْهُ فَوَصْفُهُ مُمْكِنٌ بِأَنْ يُسْلَمَ فِي لَحْمِ الدَّجَاجِ مَثَلًا بِبَيَانِ سِمَنِهِ وَهُزَالِهِ وَسِنِّهِ وَمِقْدَارِهِ. وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ حَمَلَ الْمَذْكُورَ مِنْ لَحْمِ الطُّيُورِ عَلَى طُيُورٍ لَا تُقْتَنَى وَلَا تُحْبَسُ لِلتَّوَالُدِ فَيَكُونُ الْبُطْلَانُ بِسَبَبِ أَنَّهُ أَسْلَمَ فِي الْمُنْقَطِعِ، وَالسَّلَمُ فِي مِثْلِهِ غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَهُمْ اتِّفَاقًا وَإِنْ ذَكَرَ الْوَزْنَ، فَأَمَّا فِيمَا يُقْتَنَى وَيُحْبَسُ لِلتَّوَالُدِ فَيَجُوزُ عِنْدَ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ مَا يَقَعُ مِنْ التَّفَاوُتِ فِي اللَّحْمِ بِسَبَبِ الْعَظْمِ فِي الطُّيُورِ تَفَاوُتٌ لَا يَعْتَبِرُهُ النَّاسُ كَعَظْمِ

الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَالتَّضْمِينُ بِالْمِثْلِ مَمْنُوعٌ. وَكَذَا الِاسْتِقْرَاضُ، وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ فَالْمِثْلُ أَعْدَلُ مِنْ الْقِيمَةِ، وَلِأَنَّ الْقَبْضَ يُعَايَنُ فَيُعْرَفُ مِثْلَ الْمَقْبُوضِ بِهِ فِي وَقْتِهِ، أَمَّا الْوَصْفُ فَلَا يُكْتَفَى بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّمَكِ وَإِلَيْهِ مَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا يُقَوِّي وَجْهَ التَّأَمُّلِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ اللَّحْمَ يَشْتَمِلُ عَلَى مَا هُوَ مَقْصُودٌ وَعَلَى مَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ وَهُوَ الْعَظْمُ، فَيَتَفَاوَتُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِتَفَاوُتِ مَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَجْرِي الْمُمَاكَسَةُ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ بِالتَّدْلِيسِ وَالنِّزَاعِ فَكَانَ الْمَقْصُودُ مَجْهُولًا جَهَالَةً تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَلَا تَرْتَفِعُ بِبَيَانِ الْمَوْضِعِ وَالْوَزْنِ، وَهَذَا يَقْتَضِي جَوَازَهُ فِي مَنْزُوعِ الْعَظْمِ وَهُوَ مُخْتَارُ مُحَمَّدِ بْنِ شُجَاعٍ. وَالثَّانِي أَنَّ اللَّحْمَ يَشْتَمِلُ عَلَى السِّمَنِ وَالْهُزَالِ، وَمَقَاصِدُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفَةٌ. وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ فُصُولِ السَّنَةِ وَبِقِلَّةِ الْكَلَإِ وَكَثْرَتِهِ وَالسَّلَمُ لَا يَكُونُ إلَّا مُؤَجَّلًا، وَلَا يُدْرَى أَنَّهُ عِنْدَ الْمَحَلِّ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ يَكُونُ. وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ مُفْضِيَةٌ إلَى النِّزَاعِ وَلَا تَرْتَفِعُ بِالْوَصْفِ. وَهَذَا يَقْتَضِي عَدَمَ جَوَازِهِ فِي مَخْلُوعِ الْعَظْمِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ (قَوْلُهُ: وَالتَّضْمِينُ بِالْمِثْلِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا وَلِهَذَا يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ بِالْمَنْعِ، وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ فَالْمِثْلُ أَعْدَلُ مِنْ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ رِعَايَةَ

قَالَ (وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ إلَّا مُؤَجَّلًا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجُوزُ حَالًّا لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» فِيمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّهُ شُرِعَ رُخْصَةً دَفْعًا لِحَاجَةِ الْمَفَالِيسِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْأَجَلِ لِيَقْدِرَ عَلَى التَّحْصِيلِ فِيهِ فَيُسَلِّمُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالصُّورَةِ وَالْمَعْنَى، وَالْقَبْضُ يُعَايِنُ: يَعْنِي أَنَّ الِاسْتِقْرَاضَ حَالٌ فَيُعْرَفُ حَالُ مِثْلِ الْمَقْبُوضِ، وَلَا تُفْضِي الْجَهَالَةُ بِهِ إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَالْمُسْلَمُ فِيهِ يُعْرَفُ بِالْوَصْفِ وَلَا تَرْتَفِعُ لِجَهَالَةٍ فَلَا يُكْتَفَى بِهِ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ إلَّا مُؤَجَّلًا) السَّلَمُ الْحَالُّ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. اسْتَدَلَّ بِإِطْلَاقِ رُخَصٍ فِي السَّلَمِ. لَا يُقَالُ: مُطْلَقٌ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَهُوَ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» لِمَا نَذْكُرُهُ. وَلَنَا قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَسْلَمَ مِنْكُمْ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» شَرَطَ لِجَوَازِ السَّلَمِ إعْلَامَ الْأَجَلِ كَمَا شَرَطَ إعْلَامَ الْقَدْرِ. فَإِنْ قِيلَ: مَعْنَاهُ مَنْ أَرَادَ سَلَمًا مُؤَجَّلًا فَلْيُسْلِمْ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَبِهِ نَقُولُ، وَالْحَصْرُ مَمْنُوعٌ وَحِينَئِذٍ لَمْ يَبْقَ مُقَيَّدًا فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ الْمُطْلَقُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: «فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ» فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ فَكَانَ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ إنْ كَانَ كَيْلِيًّا وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إنْ كَانَ وَزْنِيًّا، فَيُقَدَّرُ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ إنْ كَانَ مُؤَجَّلًا. فَالْجَوَابُ أَنَّ قَضِيَّةَ الْعَقْلِ كَفَتْ مُؤْنَةَ التَّمْيِيزِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّقْدِيرِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ. سَلَّمْنَاهُ، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَحَمُّلِ الْمَحْذُورِ لِضَرُورَةٍ تَحَمُّلُهُ لَا لِضَرُورَةٍ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي التَّقْدِيرِ فِي الْأَجَلِ. لَا يُقَالُ: الْعَمَلُ بِالدَّلِيلِينَ ضَرُورَةٌ فَيُتَحَمَّلُ التَّقْدِيرُ لِأَجَلِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ رَخَّصَ فِي السَّلَمِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ بِطَرِيقِ الرُّخْصَةِ وَهِيَ إنَّمَا تَكُونُ لِضَرُورَةٍ وَلَا ضَرُورَةَ فِي السَّلَمِ الْحَالِّ. عَلَى أَنَّ سَوْقَ الْكَلَامِ لِبَيَانِ شُرُوطِ السَّلَمِ لَا لِبَيَانِ الْأَجَلِ فَلْيُتَأَمَّلْ؛ وَلِأَنَّ السَّلَمَ شُرِعَ رُخْصَةً لِدَفْعِ حَاجَةِ الْمَفَالِيسِ. إذْ الْقِيَاسُ عَدَمُ جَوَازِ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ، وَمَا شُرِعَ لِذَلِكَ

وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى التَّسْلِيمِ لَمْ يُوجَدْ الْمُرَخِّصُ فَبَقِيَ عَلَى النَّافِي. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ) لِمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهِ مُفْضِيَةٌ إلَى الْمُنَازَعَةِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَالْأَجَلُ أَدْنَاهُ شَهْرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا بُدَّ وَأَنْ يَثْبُتَ عَلَى وَجْهٍ يَنْدَفِعُ بِهِ حَاجَةُ الْمَفَالِيسِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مُفِيدًا لِمَا شُرِعَ لَهُ، وَالسَّلَمُ الْحَالُّ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الْحَاجَةِ يَعْتَمِدُ الْحَاجَةَ وَالْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِيهِ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى التَّسْلِيمِ فِي الْحَالِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَا حَاجَةَ فَلَا دَفْعَ فَلَا مُرَخِّصَ فَبَقِيَ عَلَى النَّافِي، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَا بُدَّ مِنْ الْأَجَلِ لِيَحْصُلَ فَيُسْلَمُ وَإِلَّا لَأَدَّى إلَى النِّزَاعِ الْمُخْرِجِ لِلْمُفْلِسِ وَعَادَ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ شَرْعِيَّةُ السَّلَمِ كَمَا ذَكَرْتُمْ لَمَا جَازَ مِمَّنْ عِنْدَهُ أَكْرَارُ حِنْطَةٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ السَّلَمَ لَا يَكُونُ إلَّا بِأَدْنَى الثَّمَنَيْنِ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى الْعَدَمِ، وَحَقِيقَتُهُ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا نَطَّلِعُ عَلَيْهِ فَأُقِيمَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ الدَّالُّ عَلَيْهِ مَقَامَهُ وَبُنِيَ عَلَيْهِ هَذِهِ الرُّخْصَةُ كَمَا فِي رُخْصَةِ الْمُسَافِرِ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ) إذَا ثَبَتَ اشْتِرَاطُ الْأَجَلِ فِي السَّلَمِ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ مَعْلُومًا بِمَا رَوَيْنَا؛ وَبِالْمَعْقُولِ وَهُوَ أَنَّ الْجَهَالَةَ مُفْضِيَةٌ إلَى الْمُنَازَعَةِ كَمَا

وَقِيلَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَقِيلَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ (وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ بِمِكْيَالِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَلَا بِذِرَاعِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ) مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يُعْرَفْ مِقْدَارُهُ لِأَنَّهُ تَأَخَّرَ فِيهِ التَّسْلِيمُ فَرُبَّمَا يَضِيعُ فَيُؤَدِّي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمِكْيَالُ مِمَّا لَا يَنْقَبِضُ وَلَا يَنْبَسِطُ كَالْقِصَاعِ مَثَلًا، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنْكَبِسُ بِالْكَبْسِ كَالزِّنْبِيلِ وَالْجِرَابِ لَا يَجُوزُ لِلْمُنَازَعَةِ إلَّا فِي قُرْبِ الْمَاءِ لِلتَّعَامُلِ فِيهِ، كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ (وَلَا فِي طَعَامِ قَرْيَةٍ بِعَيْنِهَا) أَوْ ثَمَرَةِ نَخْلَةٍ بِعَيْنِهَا لِأَنَّهُ قَدْ يَعْتَرِيهِ آفَةٌ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى التَّسْلِيمِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْبَيْعِ، فَهَذَا يُطَالِبُهُ بِمُدَّةٍ قَرِيبَةٍ وَذَلِكَ يُؤَدِّيهِ فِي بِعِيدِهَا. وَاخْتُلِفَ فِي أَدْنَى الْأَجَلِ فَقِيلَ أَدْنَاهُ شَهْرٌ اسْتِدْلَالًا بِمَسْأَلَةِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ. حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ عَاجِلًا فَقَضَاهُ قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ بَرَّ فِي يَمِينِهِ، فَإِذَا كَانَ مَا دُونَ الشَّهْرِ فِي حُكْمِ الْعَاجِلِ كَانَ الشَّهْرُ وَمَا فَوْقَهُ فِي حُكْمِ الْآجِلِ، وَقِيلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عِمْرَانَ الْبَغْدَادِيُّ أُسْتَاذُ الطَّحَاوِيِّ عَنْ أَصْحَابِنَا اعْتِبَارًا بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ ثَمَّ بَيَانُ أَقْصَى الْمُدَّةِ، فَأَمَّا أَدْنَاهُ فَغَيْرُ مُقَدَّرٍ، وَقِيلَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ؛ لِأَنَّ الْمُعَجَّلَ مَا كَانَ مَقْبُوضًا فِي الْمَجْلِسِ وَالْمُؤَجَّلُ مَا يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ عَنْ الْمَجْلِسِ وَلَا يَبْقَى الْمَجْلِسُ بَيْنَهُمَا فِي الْعَادَةِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ، وَبِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِكَوْنِهِ مُدَّةً يُمْكِنُ تَحْصِيلُ الْمُسْلَمِ فِيهِ فِيهَا وَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ بِمِكْيَالِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ) لَا يَصِحُّ السَّلَمُ بِمِكْيَالِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَلَا بِذِرَاعِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ إذَا لَمْ يُعْلَمْ مِقْدَارُهُ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِي السَّلَمِ مُتَأَخِّرٌ فَرُبَّمَا يَضِيعُ الْمِكْيَالُ أَوْ الذِّرَاعُ فَيُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمِكْيَالَ إذَا كَانَ مَعْلُومَ الْقَدْرِ وَالذِّرَاعَ كَذَلِكَ أَوْ بَاعَ بِذَلِكَ الْإِنَاءَ الْمَجْهُولَ الْقَدْرِ يَدًا بِيَدٍ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِحُصُولِ الْأَمْنِ مِنْ الْمُنَازَعَةِ، وَقَدْ مَرَّ: يَعْنِي فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ أَنَّ الْبَيْعَ يَدًا بِيَدٍ بِمِكْيَالٍ لَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ يُتَعَجَّلُ فِيهِ فَيَنْدُرُ الْهَلَاكُ، لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمِكْيَالُ مِمَّا لَا يَنْقَبِضُ وَلَا يَنْبَسِطُ كَمَا إذَا كَانَ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ خَزَفٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ نَحْوِهَا، أَمَّا إذَا كَانَ مِمَّا يَنْكَبِسُ بِالْكَبْسِ كَالزِّنْبِيلِ بِكَسْرِ الزَّايِ؛ لِأَنَّ فُعَيْلًا بِفَتْحِ الْفَاءِ لَيْسَ مِنْ أَبْنِيَتِهِمْ وَالْجَوَابُ وَالْغِرَارَةُ وَالْجُوَالِقُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِإِفْضَائِهِ إلَى الْمُنَازَعَةِ إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسْتَحْسَنَ فِي قِرَبِ الْمَاءِ وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ سِقَاءٍ كَذَا كَذَا قِرْبَةً بِهَذِهِ الْقِرْبَةِ مِنْ مَاءٍ لِلتَّعَامُلِ. قَالَ (وَلَا فِي طَعَامِ قَرْيَةٍ بِعَيْنِهَا أَوْ ثَمَرَةِ نَخْلَةٍ بِعَيْنِهَا) ؛ لِأَنَّ انْقِطَاعَهُ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ بِعُرُوضِ آفَةٍ مَوْهُومٌ (فَتَنْتَفِي الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ)

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَيْثُ قَالَ «أَرَأَيْتَ لَوْ أَذْهَبَ اللَّهُ تَعَالَى الثَّمَرَ بِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟» وَلَوْ كَانَتْ النِّسْبَةُ إلَى قَرْيَةٍ لِبَيَانِ الصِّفَةِ لَا بَأْسَ بِهِ عَلَى مَا قَالُوا كالخشمراني بِبُخَارَى وَالْبَسَاخِيِّ بِفَرْغَانَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَشَارَ إلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حِينَ سُئِلَ عَنْ السَّلَمِ فِي ثَمَرِ فُلَانٍ أَمَّا مِنْ ثَمَرِ حَائِطِ فُلَانٍ فَلَا، أَرَأَيْت لَوْ أَذْهَبَ اللَّهُ التَّمْرَ بِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟» وَلَا خَفَاءَ فِي كَوْنِهِ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَيَانًا بِطَرِيقِ التَّعْلِيلِ لِعَدَمِ الْجَوَازِ فِي ثَمَرَةِ قَرْيَةٍ بِعَيْنِهَا. وَقَوْلُهُ: مَالَ أَخِيهِ أَرَادَ بِهِ رَأْسَ الْمَالِ: أَيْ لَوْ لَمْ تَحْصُلْ الثَّمَرَةُ فَبِأَيِّ طَرِيقٍ يَحِلُّ رَأْسُ الْمَالِ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَلَوْ كَانَ النِّسْبَةُ إلَى قَرْيَةٍ بِعَيْنِهَا لِبَيَانِ الصِّفَةِ: أَيْ لِبَيَانِ أَنَّ صِفَةَ تِلْكَ الْحِنْطَةِ الَّتِي هِيَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مِثْلُ صِفَةِ حِنْطَةِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ الْمُعَيَّنَةِ كالخشمراني بِبُخَارَى وَالْبَسَاخِيِّ بِفَرْغَانَةَ جَازَ الْعَقْدُ، فَإِنَّ تَعْيِينَ الْخَشْمَرَانِيِّ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ أَنْ تَكُونَ الْحِنْطَةُ مِنْهُ لَيْسَ إلَّا، بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ صِفَةَ الْحِنْطَةِ مَثَلًا مِثْلُ صِفَةِ حِنْطَةِ الْخَشْمَرَانِيِّ، وَعَلَى هَذَا ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا إذَا أَسْلَمَ فِي حِنْطَةٍ مِنْ حِنْطَةِ هَرَاةَ وَبَيْنَ مَا إذَا أَسْلَمَ فِي ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ فِي جَوَازِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ نِسْبَةَ الثَّوْبِ إلَى هَرَاةَ لِبَيَانِ جِنْسِ الْمُسْلَمِ فِيهِ لَا لِتَعْيِينِ الْمَكَانِ، فَإِنَّ الثَّوْبَ الْهَرَوِيَّ مَا يُنْسَجُ عَلَى صِفَةٍ مَعْلُومَةٍ

قَالَ (وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَّا بِسَبْعِ شَرَائِطَ: جِنْسٌ مَعْلُومٌ) كَقَوْلِنَا حِنْطَةٌ أَوْ شَعِيرٌ (وَنَوْعٌ مَعْلُومٌ) كَقَوْلِنَا سَقِيَّةٌ أَوْ بَخْسِيَّةٌ (وَصِفَةٌ مَعْلُومَةٌ) كَقَوْلِنَا جَيِّدٌ أَوْ رَدِيءٌ (وَمِقْدَارٌ مَعْلُومٌ) كَقَوْلِنَا كَذَا كَيْلًا بِمِكْيَالٍ مَعْرُوفٍ وَكَذَا وَزْنًا (وَأَجَلٌ مَعْلُومٌ) وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَيْنَا وَالْفِقْهُ فِيهِ مَا بَيَّنَّا (وَمَعْرِفَةُ مِقْدَارِ رَأْسِ الْمَالِ إذَا كَانَ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ عَلَى مِقْدَارِهِ) كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَسَوَاءٌ نُسِجَ عَلَى تِلْكَ عَلَى الصِّفَةِ بِهَرَاةَ أَوْ بِغَيْرِهَا يُسَمَّى هَرَوِيًّا. وَإِذَا أَتَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِثَوْبٍ نُسِجَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ فِي غَيْرِ هَرَاةَ أُجْبِرَ رَبُّ السَّلَمِ عَلَى الْقَبُولِ، بِخِلَافِ الْحِنْطَةِ فَإِنَّ حِنْطَةَ هَرَاةَ مَا نَبَتَتْ بِأَرْضِ هَرَاةَ وَالنَّابِتُ فِي غَيْرِهَا لَا يُنْسَبُ إلَيْهَا وَإِنْ كَانَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ فَكَانَ تَعْيِينًا لِلْمَكَانِ وَهُوَ مَوْهُومُ الِانْقِطَاعِ حَتَّى لَوْ كَانَ لِبَيَانِ الصِّفَةِ عَادَ كَالْأَوَّلِ. قَالَ (وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا بِسَبْعِ شَرَائِطَ) صِحَّةُ السَّلَمِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى وُجُودِ سَبْعِ شَرَائِطَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعِنْدَهُمَا عَلَى خَمْسَةٍ، فَأَمَّا الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي جِنْسٍ مَعْلُومٍ حِنْطَةً أَوْ غَيْرَهَا وَنَوْعٍ مَعْلُومٍ سَقِيَّةً أَوْ بَخْسِيَّةً. وَالْبَخْسِيُّ خِلَافُ السَّقِيِّ مَنْسُوبٌ إلَى الْبَخْسِ، وَهِيَ الْأَرْضُ الَّتِي تَسْقِيهَا السَّمَاءُ؛ لِأَنَّهَا مَبْخُوسَةُ الْحَظِّ مِنْ الْمَاءِ. وَصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ جَيِّدَةٍ أَوْ رَدِيئَةٍ، وَمِقْدَارٍ مَعْلُومٍ عِشْرِينَ كُرًّا بِمِكْيَالٍ مَعْرُوفٍ أَوْ عِشْرِينَ رِطْلًا، وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَنْقُولِ مَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَسْلَمَ مِنْكُمْ» إلَخْ، وَمِنْ الْمَعْنَى الْفِقْهِيِّ مَا بَيَّنَّا أَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهِ مُفْضِيَةٌ إلَى النِّزَاعِ. فَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ (فَمَعْرِفَةُ مِقْدَارِ رَأْسِ الْمَالِ إنْ كَانَ مِمَّا يُتَوَقَّفُ عَلَى مِقْدَارِهِ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ)

(وَتَسْمِيَةُ الْمَكَانِ الَّذِي يُوفِيهِ فِيهِ إذَا كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ) وَقَالَا: لَا يَحْتَاجُ إلَى تَسْمِيَةِ رَأْسِ الْمَالِ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا وَلَا إلَى مَكَانِ التَّسْلِيمِ وَيُسَلِّمُهُ فِي مَوْضِعِ الْعَقْدِ، فَهَاتَانِ مَسْأَلَتَانِ. وَلَهُمَا فِي الْأُولَى أَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِالْإِشَارَةِ فَأَشْبَهَ الثَّمَنَ وَالْأُجْرَةَ وَصَارَ كَالثَّوْبِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ رُبَّمَا يُوجَدُ بَعْضُهَا زُيُوفًا وَلَا يَسْتَبْدِلُ فِي الْمَجْلِسِ، فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَهُ لَا يَدْرِي فِي كَمْ بَقِيَ أَوْ رُبَّمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَيَحْتَاجُ إلَى رَدِّ رَأْسِ الْمَالِ، وَالْمَوْهُومُ فِي هَذَا الْعَقْدِ كَالْمُتَحَقِّقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَسْمِيَةُ الْمَكَانِ الَّذِي يُوَفِّيهِ فِيهِ إذَا كَانَ لَهُ حَمْلٌ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَمُؤْنَةٌ وَمَعْنَاهُ مَا لَهُ ثِقَلٌ يَحْتَاجُ فِي حَمْلِهِ إلَى ظَهْرٍ أَوْ أُجْرَةِ حَمَّالٍ، فَهَذَانِ شَرْطَانِ لِصِحَّتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - خِلَافًا لَهُمَا. قَالَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى: إنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِالْإِشَارَةِ فَأَشْبَهَ الثَّمَنَ وَالْأُجْرَةَ: يَعْنِي إذَا جُعِلَ الْمَكِيلُ أَوْ الْمَوْزُونُ ثَمَنَ الْمَبِيعِ أَوْ أُجْرَةً فِي الْإِجَارَةِ وَأُشِيرَ إلَيْهِمَا جَازَ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ مِقْدَارُهُمَا، فَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَفَى بِالْإِشَارَةِ فِي رَأْسِ الْمَالِ بِجَامِعِ كَوْنِهِ بَدَلًا وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ ثَوْبًا فَإِنَّ الْإِشَارَةَ فِيهِ تَكْفِي اتِّفَاقًا، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ ذُرْعَانُهُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ رُبَّمَا يُوجَدُ بَعْضُهَا زُيُوفًا وَلَا يُسْتَبْدَلُ فِي الْمَجْلِسِ، فَلَوْ لَمْ يُعْلَمْ قَدْرُهُ لَا يُدْرَى فِي كَمْ بَقِيَ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ جَهَالَةَ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ تَسْتَلْزِمُ جَهَالَةَ الْمُسْلَمِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ يُنْفِقُ رَأْسَ الْمَالِ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَرُبَّمَا يَجِدُ بَعْضَ ذَلِكَ زُيُوفًا وَلَا يَسْتَبْدِلُهُ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ بِقَدْرِ مَا رَدَّهُ. فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِقْدَارُ رَأْسِ الْمَالِ مَعْلُومًا لَا يُعْلَمُ فِي كَمْ اُنْتُقِضَ السَّلَمُ أَوْ فِي كَمْ بَقِيَ وَجَهَالَةُ الْمُسْلَمِ فِيهِ مَفْسَدَةٌ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا مَا يَسْتَلْزِمُهَا. وَقَوْلُهُ: (أَوْ رُبَّمَا) وَجْهٌ آخَرُ لِفَسَادِهِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ (قَدْ يَعْجِزُ عَنْ تَحْصِيلِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَلَيْسَ لِرَبِّ السَّلَمِ حِينَئِذٍ إلَّا رَأْسُ مَالِهِ) وَإِذَا كَانَ مَجْهُولَ الْمِقْدَارِ تَعَذَّرَ ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: ذَلِكَ أَمْرٌ مَوْهُومٌ لَا مُعْتَبَرَ بِهِ فِيمَا بُنِيَ عَلَى الرُّخَصِ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّ (الْمَوْهُومَ فِي هَذَا الْعَقْدِ كَالْمُتَحَقِّقِ)

لِشَرْعِهِ مَعَ الْمُنَافِي، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ ثَوْبًا لِأَنَّ الذَّرْعَ وَصْفٌ فِيهِ لَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ عَلَى مِقْدَارِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِشَرْعِهِ مَعَ الْمُنَافِي) إذْ الْقِيَاسُ يُخَالِفُهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ بِمِكْيَالِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ لِتَوَهُّمِ هَلَاكِ ذَلِكَ الْمِكْيَالِ وَعَوْدِهِ إلَى الْجَهَالَةِ لَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَ أَدْنَى الْأَجَلِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ. فَإِنْ قِيلَ: فِي هَذَا اعْتِبَارٌ لِلنَّازِلِ عَنْ الشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّ وُجُودَ بَعْضِ رَأْسِ الْمَالِ زُيُوفًا فِيهِ شُبْهَةٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ وَبَعْدَ الْوُجُودِ الرَّدُّ مُحْتَمَلٌ فَقَدْ لَا يُرَدُّ، وَبَعْدَ الرَّدِّ تَرْكُ الِاسْتِبْدَالِ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ أَيْضًا مُحْتَمَلٌ، وَالْمُعْتَبَرُ هِيَ دُونَ النَّازِلِ عَنْهَا. فَالْجَوَابُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَعْنَى مِنْ الْمَوْهُومِ هُوَ ذَاكَ، وَقِيلَ بَلْ هَذِهِ شُبْهَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُودِهِ زَيْفًا، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الثَّوْبِ) جَوَابٌ عَمَّا قَاسَاهُ عَلَيْهِ مِنْ الثَّوْبِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الثَّوْبَ لَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ عَلَى مِقْدَارِهِ (؛ لِأَنَّ الذَّرْعَ) فِي الثَّوْبِ الْمُعَيَّنِ (صِفَةٌ) وَلِهَذَا لَوْ وَجَدَهُ زَائِدًا عَلَى الْمُسَمَّى سَلَّمَ لَهُ الزِّيَادَةَ مَجَّانًا، وَلَوْ وَجَدَهُ نَاقِصًا لَمْ يَحُطَّ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَلَيْسَ كَلَامُنَا فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ عَلَى مِقْدَارِهِ فَكَانَ قِيَاسًا مَعَ الْفَارِقِ، وَلَمْ يَجِبْ عَنْ الثَّمَنِ وَالْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّ دَلِيلَهُ تَضَمَّنَ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْبَيْعَ وَالْإِجَارَةَ لَا يَنْفَسِخَانِ بِرَدِّ الثَّمَنِ وَالْأُجْرَةِ وَتَرْكِ الِاسْتِبْدَالِ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ. وَمِنْ فُرُوعِ الِاخْتِلَافِ فِي مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ رَأْسِ الْمَالِ مَا إذَا أَسْلَمَ مِائَةً فِي كُرِّ حِنْطَةٍ وَكُرِّ شَعِيرٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ رَأْسَ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْمِائَةَ تَنْقَسِمُ عَلَى الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ الْحَزْرُ فَلَا يَكُونُ مِقْدَارُ رَأْسِ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْلُومًا. وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ إلَى الْعَيْنِ تَكْفِي لِجَوَازِ الْعَقْدِ وَقَدْ وُجِدَتْ، أَوْ أَسْلَمَ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ وَقَدْ عَلِمَ وَزْنَ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ مِقْدَارَ

وَمِنْ فُرُوعِهِ إذَا أَسْلَمَ فِي جِنْسَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنْ رَأْسَ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَوْ أَسْلَمَ جِنْسَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَ أَحَدِهِمَا. وَلَهُمَا فِي الثَّانِيَةِ أَنَّ مَكَانَ الْعَقْدِ يَتَعَيَّنُ لِوُجُودِ الْعَقْدِ الْمُوجِبِ لِلتَّسْلِيمِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُزَاحِمُهُ مَكَانٌ آخَرَ فِيهِ فَيَصِيرُ نَظِيرُ أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ فِي الْأَوَامِرِ فَصَارَ كَالْقَرْضِ وَالْغَصْبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَدِهِمَا إذَا كَانَ مَجْهُولًا بَطَلَ الْعَقْدُ فِي حِصَّتِهِ لِعَدَمِ شَرْطِ الْجَوَازِ فِي حِصَّتِهِ فَيَبْطُلُ فِي حِصَّةِ الْآخَرِ أَيْضًا لِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ أَوْ لِجَهَالَةِ حِصَّةِ الْآخَرِ، وَعِنْدَهُمْ يَجُوزُ لِوُجُودِ الْإِشَارَةِ. وَقَالَا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ: إنَّ مَكَانَ الْعَقْدِ يَتَعَيَّنُ لِلْإِيفَاءِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْمُوجِبَ لِلتَّسْلِيمِ وُجِدَ فِيهِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ يَتَعَيَّنُ كَمَا فِي بَيْعِ حِنْطَةٍ بِعَيْنِهَا فَإِنَّ التَّسْلِيمَ يَجِبُ فِي مَوْضِعِ الْعَقْدِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُزَاحِمُهُ مَكَانٌ آخَرُ لِعَدَمِ مَا يُوجِبُهُ وَمَا هُوَ كَذَلِكَ يَتَعَيَّنُ كَأَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ فِي الْأَوَامِرِ، فَإِنَّ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ يَتَعَيَّنُ لِلسَّبَبِيَّةِ لِعَدَمِ مَا يُزَاحِمُهُ، وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَصَارَ كَالْقَرْضِ وَالْغَصْبِ فِي تَعَيُّنِ مَكَانِهِمَا لِلتَّسْلِيمِ. وَنُوقِضَ بِمَا إذَا بَاعَ طَعَامًا وَهُوَ فِي السَّوَادِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنْ كَانَ يَعْلَمُ مَكَانَ الطَّعَامِ فَلَا خِيَارَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَهُ الْخِيَارُ، وَلَوْ تَعَيَّنَ مَكَانُ الْبَيْعِ لِلتَّسْلِيمِ لَمَا كَانَ لَهُ الْخِيَارُ. وَعُورِضَ بِأَنَّ مَكَانَ

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ التَّسْلِيمَ غَيْرُ وَاجِبٍ فِي الْحَالِّ فَلَا يَتَعَيَّنُ، بِخِلَافِ الْقَرْضِ وَالْغَصْبِ، وَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ فَالْجَهَالَةُ فِيهِ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، لِأَنَّ قِيَمَ الْأَشْيَاءِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ، وَصَارَ كَجَهَالَةِ الصِّفَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَقْدِ لَوْ تَعَيَّنَ لَبَطَلَ الْعَقْدُ بِبَيَانِ مَكَان آخَرَ كَمَا فِي بَيْعِ الْعَيْنِ، فَإِنَّ مَنْ اشْتَرَى كُرَّ حِنْطَةٍ وَشَرَطَ عَلَى الْبَائِعِ الْحَمْلَ إلَى مَنْزِلِهِ يَفْسُدُ عَقْدُهُ اشْتَرَاهَا فِي الْمِصْرِ أَوْ خَارِجَهُ بِجِنْسِهِ أَوْ بِخِلَافِ جِنْسِهِ. وَالْجَوَابُ عَنْ النَّقْضِ أَنَّ مَكَانَ الْبَيْعِ يَتَعَيَّنُ لِلتَّسْلِيمِ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ حَاضِرًا وَالْمَبِيعُ فِي السَّلَمِ حَاضِرٌ؛ لِأَنَّهُ فِي ذِمَّةِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَهُوَ حَاضِرٌ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ فَيَكُونُ الْمَبِيعُ حَاضِرًا بِحُضُورِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ قَيْدًا لَمْ يُذْكَرْ فِي التَّعْلِيلِ وَمِثْلُهُ يُعَدُّ انْقِطَاعًا. وَعَنْ الْمُعَارَضَةِ بِأَنَّ التَّعْيِينَ بِالدَّلَالَةِ، فَإِذَا جَاءَ بِصَرِيحٍ يُخَالِفُهَا يُبْطِلُهَا، وَإِنَّمَا فَسَدَ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَابَلَ الثَّمَنَ بِالْمَبِيعِ وَالْحَمْلِ فَتَصِيرُ صَفْقَةً فِي صَفْقَةٍ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ السَّلَمَ تَسْلِيمُهُ غَيْرُ وَاجِبٍ فِي الْحَالِ لِاشْتِرَاطِ الْأَجَلِ بِالِاتِّفَاقِ، وَكُلُّ مَا هُوَ تَسْلِيمُهُ غَيْرُ وَاجِبٍ فِي الْحَالِ لَا يَتَعَيَّنُ مَكَانُ الْعَقْدِ فِيهِ لِلتَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الِالْتِزَامِ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ لِلتَّسْلِيمِ بِسَبَبٍ يَسْتَحِقُّ فِيهِ التَّسْلِيمَ بِنَفْسِ الِالْتِزَامِ لِيَكُونَ الْحُكْمُ ثَابِتًا عَلَى طِبْقِ سَبَبِهِ، وَالسَّلَمُ لَا يَسْتَحِقُّ تَسْلِيمَهُ بِنَفْسِ الِالْتِزَامِ لِكَوْنِهِ مُؤَجَّلًا، بِخِلَافِ الْقَرْضِ وَالْغَصْبِ وَالِاسْتِهْلَاكِ فَإِنَّ تَسْلِيمَهَا يُسْتَحَقُّ بِنَفْسِ الِالْتِزَامِ فَيَتَعَيَّنُ مَوْضِعُهُ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَرَأَيْت لَوْ عَقَدَا عَقْدَ السَّلَمِ فِي السَّفِينَةِ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ أَكَانَ يَتَعَيَّنُ مَوْضِعُ الْعَقْدِ لِلتَّسْلِيمِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ، هَذَا مِمَّا لَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ مَكَانَ الْعَقْدِ لَمْ يَتَعَيَّنْ لِلْإِيفَاءِ بَقِيَ مَكَانُ الْإِبْقَاءِ مَجْهُولًا جَهَالَةً تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّ قِيَمَ الْأَشْيَاءِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ وَرَبُّ السَّلَمِ يُطَالِبُهُ فِي مَوْضِعٍ يُكْثِرُ فِيهِ السَّلَمَ، وَالْمُسْلَمُ إلَيْهِ يُسَلِّمُهُ فِي خِلَافِ ذَلِكَ فَصَارَ

وَعَنْ هَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - إنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَهُ يُوجِبُ التَّخَالُفَ كَمَا فِي الصِّفَةِ. وَقِيلَ عَلَى عَكْسِهِ لِأَنَّ تَعَيُّنِ الْمَكَانِ قَضِيَّةُ الْعَقْدِ عِنْدَهُمَا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الثَّمَنُ وَالْأُجْرَةُ وَالْقِسْمَةُ، وَصُورَتُهَا إذَا اقْتَسَمَا دَارًا وَجَعَلَا مَعَ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا شَيْئًا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ. وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الثَّمَنِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعِنْدَهُمَا يَتَعَيَّنُ مَكَانُ الدَّارِ وَمَكَانُ تَسْلِيمِ الدَّابَّةِ لِلْإِيفَاءِ. قَالَ (وَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى بَيَانِ مَكَانِ الْإِيفَاءِ بِالْإِجْمَاعِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQكَجَهَالَةِ الصِّفَةِ فِي اخْتِلَافِ الْقِيَمِ بِاخْتِلَافِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ. (وَعَنْ هَذَا) أَيْ عَمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ جَهَالَةَ الْمَكَانِ كَجَهَالَةِ الْوَصْفِ (قَالَ: مَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ إنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْمَكَانِ يُوجِبُ التَّخَالُفَ) عِنْدَهُ كَالِاخْتِلَافِ فِي الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ فِي أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ (وَقِيلَ عَلَى عَكْسِهِ) أَيْ لَا يُوجِبُ التَّخَالُفَ عِنْدَهُ بَلْ الْقَوْلُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ. وَعِنْدَهُمَا يُوجِبُهُ؛ لِأَنَّ تَعَيُّنَ الْمَكَانِ قَضِيَّةُ الْعَقْدِ: أَيْ مُقْتَضَاهُ عِنْدَهُمَا فَكَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الْمَكَانِ كَالِاخْتِلَافِ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ. وَعِنْدَهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مِنْ مُقْتَضَيَاتِهِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْأَجَلِ، وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ لَا يُوجِبُ التَّخَالُفَ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الثَّمَنُ وَالْأُجْرَةُ وَالْقِسْمَةُ. وَصُورَةُ الثَّمَنِ: اشْتَرَى شَيْئًا بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا لَا يُشْتَرَطُ وَيَتَعَيَّنُ مَكَانُ الْعَقْدِ. وَقِيلَ إنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ بِالِاتِّفَاقِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ (وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ) ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مِثْلُ الْأُجْرَةِ وَهِيَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ. وَصُورَةُ الْأُجْرَةِ: اسْتَأْجَرَ دَارًا أَوْ دَابَّةً بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَيَتَعَيَّنُ فِي إجَارَةِ الدَّارِ مَكَانُهَا، وَفِي الدَّابَّةِ تُسَلَّمُ فِي مَكَانِ تَسْلِيمِهَا. وَصُورَةُ الْقِسْمَةِ: اقْتَسَمَا دَارًا وَأَخَذَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِهِ وَالْتَزَمَ فِي مُقَابَلَةِ الزَّائِدِ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ يُشْتَرَطُ عِنْدَهُ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ خِلَافًا لَهُمَا وَيَتَعَيَّنُ مَكَانُ الْقِسْمَةِ. قَالَ (وَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى بَيَانِ مَكَانِ الْإِيفَاءِ إلَخْ) وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ مَا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ فَيُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ. وَقِيلَ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ هُوَ الَّذِي لَوْ أَمَرَ إنْسَانًا بِحَمْلِهِ إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ حَمَلَهُ مَجَّانًا.

لِأَنَّهُ لَا تَخْتَلِفُ قِيمَتُهُ (وَيُوفِيهِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَسْلَمَ فِيهِ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْبُيُوعِ. وَذَكَرَ فِي الْإِجَارَاتِ أَنَّهُ يُوفِيهِ فِي أَيِّ مَكَان شَاءَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْأَمَاكِنَ كُلَّهَا سَوَاءٌ، وَلَا وُجُوبَ فِي الْحَالِّ. وَلَوْ عَيَّنَا مَكَانًا، قِيلَ لَا يَتَعَيَّنُ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ، وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ لِأَنَّهُ يُفِيدُ سُقُوطَ خَطَرِ الطَّرِيقِ، وَلَوْ عَيَّنَ الْمِصْرَ فِيمَا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ يُكْتَفَى بِهِ لِأَنَّهُ مَعَ تَبَايُنِ أَطْرَافِهِ كَبُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ فِيمَا ذَكَرْنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقِيلَ هُوَ مَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ بَيَانَ مَكَانِ الْإِيفَاءِ فِيهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ السَّلَمِ لِعَدَمِ اخْتِلَافِ الْقِيمَةِ، وَلَكِنْ هَلْ يَتَعَيَّنُ مَكَانُ الْعَقْدِ لِلْإِيفَاءِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ (فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَبُيُوعُ الْأَصْلِ) يَتَعَيَّنُ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الِالْتِزَامِ فَيُرَجَّحُ عَلَى غَيْرِهِ وَذَكَرَ فِي الْإِجَارَاتِ (يُوَفِّيهِ فِي أَيِّ مَكَان شَاءَ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْأَمَاكِنَ كُلَّهَا سَوَاءٌ) إذْ الْمَالِيَّةُ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ فِيهِ. (قَوْلُهُ: وَلَا وُجُوبَ فِي الْحَالِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ يَجُوزُ أَنْ يَتَعَيَّنَ مُؤَنُ الْعَقْدِ ضَرُورَةَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ فَقَالَ التَّسْلِيمُ فِي الْحَالِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ لِيَتَعَيَّنَ بِاعْتِبَارِهِ، فَلَوْ عَيَّنَ مَكَانًا قِيلَ لَا يَتَعَيَّنُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ حَيْثُ لَا يَلْزَمُ بِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ، وَلَا تَخْتَلِفُ مَالِيَّتُهُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ: وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ رَبَّ السَّلَمِ سُقُوطَ خَطَرِ الطَّرِيقِ، وَلَوْ عَيَّنَ الْمِصْرَ فِيمَا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ يُكْتَفَى بِهِ؛ لِأَنَّ الْمِصْرَ مَعَ تَبَايُنِ أَطْرَافِهِ

قَالَ (وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ حَتَّى يَقْبِضَ رَأْسَ الْمَالِ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهُ فِيهِ) أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ النُّقُودِ فَلِأَنَّهُ افْتِرَاقٌ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَقَدْ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ وَإِنْ كَانَ عَيْنًا» ، فَلِأَنَّ السَّلَمَ أَخْذُ عَاجِلٍ بِآجِلٍ، إذْ الْإِسْلَامُ وَالْإِسْلَافُ يُنْبِئَانِ عَنْ التَّعْجِيلِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الِاسْمِ، وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ لِيَتَقَلَّبَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِيهِ فَيَقْدِرُ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَلِهَذَا قُلْنَا: لَا يَصِحُّ السَّلَمُ إذَا كَانَ فِيهِ خِيَارُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَبُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ لَا تَخْتَلِفُ قِيمَتُهُ بِاخْتِلَافِ الْمَحَلَّةِ. وَقِيلَ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَسَائِلِ وَهِيَ السَّلَمُ وَالثَّمَنُ وَالْأُجْرَةُ وَالْقِسْمَةُ. وَقِيلَ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمِصْرُ عَظِيمًا، فَلَوْ كَانَ بَيْنَ نَوَاحِيهِ مِثْلُ فَرْسَخٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ نَاحِيَةً مِنْهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ فِيهِ جَهَالَةً مُفْضِيَةً إلَى الْمُنَازَعَةِ. قَالَ (وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ حَتَّى يَقْبِضَ رَأْسَ الْمَالِ) مَعْنَاهُ أَنَّ السَّلَمَ لَا يَبْقَى صَحِيحًا بَعْدَ وُقُوعِهِ عَلَى الصِّحَّةِ إذَا لَمْ يَقْبِضْ رَأْسَ الْمَالِ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ صَاحِبَهُ بَدَنًا لَا مَكَانًا، حَتَّى لَوْ مَشَيَا فَرْسَخًا قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يُفْسَخْ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا عَنْ غَيْرِ قَبْضٍ، فَإِذَا افْتَرَقَا كَذَلِكَ فَسَدَ، أَمَّا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مِنْ النُّقُودِ فَلِأَنَّهُ افْتِرَاقٌ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَقَدْ «نَهَى النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ» : أَيْ النَّسِيئَةِ بِالنَّسِيئَةِ وَإِنْ كَانَ عَيْنًا؛ فَلِأَنَّ السَّلَمَ أَخْذُ عَاجِلٍ بِآجِلٍ، إذْ الْإِسْلَامُ وَالْإِسْلَافُ يُنْبِئَانِ عَنْ التَّعْجِيلِ، وَالْمُسْلَمُ فِيهِ آجِلٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ عَاجِلًا لِيَكُونَ الْحُكْمُ ثَابِتًا عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الِاسْمُ لُغَةً كَالصَّرْفِ وَالْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ فَإِنَّهَا عُقُودٌ ثَبَتَتْ أَحْكَامُهَا بِمُقْتَضَيَاتِ أَسْمَائِهَا لُغَةً، وَهَذَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ، وَالْقِيَاسُ جَوَازُهُ؛ لِأَنَّ الْعُرُوضَ تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ فَتَرْكُ شَرْطِ التَّعْجِيلِ لَمْ يُؤَدِّ إلَى بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ لِيَتَقَلَّبَ: أَيْ لِيَتَصَرَّفَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِيهِ فَيَقْدِرُ عَلَى التَّسْلِيمِ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِاشْتِرَاطِ الْقَبْضِ (قُلْنَا لَا يَصِحُّ السَّلَمُ إذَا كَانَ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا

الشَّرْطِ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ يَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْض لِكَوْنِهِ مَانِعًا مِنْ الِانْعِقَادِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ، وَكَذَا لَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ، بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ يَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْضِ لِكَوْنِهِ مَانِعًا مِنْ الِانْعِقَادِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ) وَهُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ وَالْقَبْضِ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ، وَمَا كَانَ مَانِعًا مِنْ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ فَهُوَ مَانِعٌ عَنْ الْمَبْنِيِّ، وَكَذَا لَا يَثْبُتُ فِي السَّلَمِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُفِيدٍ؛ لِأَنَّ فَائِدَتَهُ الْفَسْخُ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ وَالْوَاجِبُ بِعَقْدِ السَّلَمِ الدَّيْنُ وَمَا أَخَذَهُ عَيْنٌ، فَلَوْ رَدَّ الْمَأْخُوذَ عَادَ إلَى مَا فِي ذِمَّتِهِ فَيَثْبُتُ الْخِيَارُ فِيمَا أَخَذَهُ ثَانِيًا وَثَالِثًا إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى، فَإِذَا لَمْ يُفِدْ فَائِدَتَهُ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُهُ وَفِي بَيْعِ الْعَيْنِ يُفِيدُ فَائِدَتَهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ إذَا رَدَّ الْمَبِيعَ؛ لِأَنَّهُ رَدَّ عَيْنَ مَا تَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ فَيُفْسَخُ. قِيلَ فِيهِ إشْكَالَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ فِيهِ إمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ رَأْسُ الْمَالِ أَوْ الْمُسْلَمُ فِيهِ، لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ ثَابِتٌ فِي رَأْسِ الْمَالِ، صَرَّحَ بِهِ فِي التُّحْفَةِ وَقَالَ: لَا يَفْسُدُ بِهِ السَّلَمُ، وَلَا إلَى الثَّانِي لِانْتِفَاءِ التَّقْرِيبِ؛ لِأَنَّهُ فِي بَيَانِ اشْتِرَاطِ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ، وَثُبُوتُ الْخِيَارِ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ وَعَدَمُهُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَكَانَ أَجْنَبِيًّا. وَالثَّانِي أَنَّ الْمَبِيعَ فِي الِاسْتِصْنَاعِ دَيْنٌ وَمَعَ ذَلِكَ لِلْمُسْتَصْنِعِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَعُودُ لِلْمُسْلَمِ فِيهِ وَذَكَرَهُ اسْتِطْرَادًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَعُودَ إلَى رَأْسِ الْمَالِ، وَهُوَ إنْ كَانَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ يَتَسَلْسَلُ وَلَا يُفِيدُ، وَإِنْ كَانَ عَيْنًا وَجَبَ أَنْ لَا يُفِيدَ لِإِفْضَائِهِ إلَى التُّهْمَةِ. وَعَنْ الثَّانِي أَنَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الِاسْتِصْنَاعِ دَيْنٌ بَلْ هُوَ عَيْنٌ عَلَى مَا سَيَجِيءُ فِي الِاسْتِصْنَاعِ، بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ تَمَامَهُ بِتَمَامِ الصَّفْقَةِ

وَلَوْ أُسْقِطَ خِيَارُ الشَّرْطِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَرَأْسُ الْمَالِ قَائِمٌ جَازَ خِلَافًا لَزُفَرَ، وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ (وَجُمْلَةُ الشُّرُوطِ جَمَعُوهَا فِي قَوْلِهِمْ إعْلَامُ رَأْسِ الْمَالِ وَتَعْجِيلُهُ وَإِعْلَامُ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَتَأْجِيلُهُ وَبَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ وَالْقُدْرَةُ عَلَى تَحْصِيلِهِ، فَإِنْ أَسْلَمَ مِائَتِي دِرْهَمٍ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ مِائَةٌ مِنْهَا دَيْنٌ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَمِائَةٌ نَقْدٌ فَالسَّلَمُ فِي حِصَّةِ الدَّيْنِ بَاطِلٌ لِفَوَاتِ الْقَبْضِ وَيَجُوزُ فِي حِصَّةِ النَّقْدِ) لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِهِ وَلَا يَشِيعُ الْفَسَادَ لِأَنَّ الْفَسَادَ طَارِئٌ، إذْ السَّلَمُ وَقَعَ صَحِيحًا، وَلِهَذَا لَوْ نَقَدَ رَأْسَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَمَامُهَا بِتَمَامِ الرِّضَا وَهُوَ مَوْجُودٌ وَقْتَ الْعَقْدِ. (وَلَوْ أَسْقَطَ) رَبُّ السَّلَمِ (خِيَارَ الشَّرْطِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ) فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ قَائِمًا أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ بِالْإِسْقَاطِ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ بِرَأْسِ مَالٍ هُوَ دَيْنٌ لَا يَجُوزُ فَكَذَا إتْمَامُهُ بِإِسْقَاطِ الْخِيَارِ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ اتِّفَاقِيٌّ فَالتَّشْكِيكُ فِيهِ غَيْرُ مَسْمُوعٍ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ جَازَ خِلَافًا لِزُفَرَ وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ، وَهُوَ مَا إذَا بَاعَ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ ثُمَّ أَسْقَطَ الْأَجَلَ قَبْلَ الْحُلُولِ فَإِنَّهُ يَنْقَلِبُ جَائِزًا عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ. قَالَ (وَجُمْلَةُ الشُّرُوطِ جَمَعُوهَا) جَمَعَ الْمَشَايِخُ جُمْلَةَ شُرُوطِ السَّلَمِ فِي إعْلَامِ رَأْسِ الْمَالِ وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى بَيَانِ جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ وَقَدْرِهِ وَصِفَتِهِ وَفِي تَعْجِيلِهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ التَّسْلِيمُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِي إعْلَامِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَهُوَ يَشْتَمِلُ عَلَى بَيَانِ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ وَالْقَدْرِ، وَفِي تَأْجِيلِهِ: يَعْنِي إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ مِقْدَارِهِ، وَفِي بَيَانِ مَكَانِ الْإِيفَاءِ كَمَا مَرَّ، وَفِي الْقُدْرَةِ عَلَى تَحْصِيلِهِ وَهُوَ أَنْ لَا يَنْقَطِعَ كَمَا بَيَّنَّا (فَإِنْ أَسْلَمَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ مِائَةٌ مِنْهَا دَيْنٌ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَمِائَةٌ نَقْدٌ فَالسَّلَمُ فِي حِصَّةِ الدَّيْنِ بَاطِلٌ) سَوَاءٌ أَطْلَقَ الْمِائَتَيْنِ ابْتِدَاءً أَوْ أَضَافَ الْعَقْدَ فِي إحْدَاهُمَا إلَى الدَّيْنِ لِفَوَاتِ الْقَبْضِ. وَيَجُوزُ فِي حِصَّةِ النَّقْدِ لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِهِ،

الْمَالِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ صَحَّ إلَّا أَنَّهُ يَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ لِمَا بَيَّنَّا، وَهَذَا لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ تَبَايَعَا عَيْنًا بِدَيْنٍ ثُمَّ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ فَيَنْعَقِدُ صَحِيحًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يَشِيعُ الْفَسَادُ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ طَارِئٌ إذْ السَّلَمُ وَقَعَ صَحِيحًا؛ أَمَّا إذَا أَطْلَقَ ثُمَّ جَعَلَا الْمِائَةَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ قِصَاصًا بِالدَّيْنِ فَلَا إشْكَالَ فِي طُرُوِّهِ، كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدَيْنِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ كَانَ الْبَاقِي مَبِيعًا بِالْحِصَّةِ الطَّارِئَةِ، وَأَمَّا إذَا أَضَافَ إلَى الدَّيْنِ ابْتِدَاءً فَكَذَلِكَ وَلِهَذَا لَوْ نَقَدَ رَأْسَ الْمَالِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ صَحَّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ إذَا كَانَتْ عَيْنًا فَكَذَا إذَا كَانَتْ دَيْنًا فَصَارَ الْإِطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ سَوَاءً؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَبَايَعَا عَيْنًا بِدَيْنٍ ثُمَّ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ حَيْثُ لَمْ يَتَعَيَّنْ الدَّيْنُ فَيَنْعَقِدُ السَّلَمُ صَحِيحًا فَيَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ» . وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ (مِائَةٌ مِنْهَا دَيْنٌ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ عَلَى غَيْرِهِ يُوجِبُ

[الشركة والتولية في المسلم فيه]

قَالَ (وَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَبِيعٌ وَالتَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ (وَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ وَالتَّوْلِيَةُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ) لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِيهِ (فَإِنْ تَقَايَلَا السَّلَمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِرَأْسِ الْمَالِ شَيْئًا حَتَّى يَقْبِضَهُ كُلَّهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَأْخُذْ إلَّا سَلَمَكَ أَوْ رَأْسَ مَالِكَ» أَيْ عِنْدَ الْفَسْخِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQشُيُوعَ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ فِي حَقِّهِمَا. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي رَأْسِ الْمَالِ الْمُسْلَمِ فِيهِ إلَخْ) لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطُ صِحَّةِ السَّلَمِ احْتِرَازًا عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ، فَلَوْ جَازَ التَّصَرُّفُ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَنَحْوِهَا فَاتَ الشَّرْطُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فَلِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ وَلَا فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ وَالتَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ، وَلَا بَأْسَ بِهِ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ بِعَقْدِ السَّلَمِ كَالْعَيْنِ الْمُشْتَرَى، فَرَأْسُ الْمَالِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا جَازَ أَنْ يَبِيعَ مُرَابَحَةً، وَإِنْ كَانَ قِيَمِيًّا لَا يَجُوزُ إلَّا مِمَّنْ عِنْدَهُ الثَّمَنُ. [الشَّرِكَةُ وَالتَّوْلِيَةُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ] (وَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ) وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِكَ شَخْصٌ آخَرُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ (وَ) لَا (التَّوْلِيَةُ) وَصُورَتُهَا ظَاهِرَةٌ، وَإِنَّمَا خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ بَعْدَمَا دَخَلَا فِي الْعُمُومِ؛ لِأَنَّهُمَا أَكْثَرُ وُقُوعًا مِنْ الْمُرَابَحَةِ وَالْوَضِيعَةِ. وَقِيلَ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْبَعْضِ إنَّ التَّوْلِيَةَ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّهَا إقَامَةُ مَعْرُوفٍ فَإِنَّهُ يُوَلِّي غَيْرَهُ مَا تَوَلَّى. (فَإِنْ تَقَايَلَا السَّلَمَ لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ السَّلَمِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِرَأْسِ الْمَالِ شَيْئًا حَتَّى يَقْبِضَهُ كُلَّهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَأْخُذْ إلَّا سَلَمَك أَوْ رَأْسَ مَالِكَ» ) يَعْنِي حَالَةَ الْبَقَاءِ وَعِنْدَ الْفَسْخِ،

وَلِأَنَّهُ أَخَذَ شَبَهًا بِالْمَبِيعِ فَلَا يَحِلُّ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ، وَلَا يُمْكِنُ جَعْلَ الْمُسْلَمِ فِيهِ مَبِيعًا لِسُقُوطِهِ فَجَعَلَ رَأْسَ الْمَالِ مَبِيعًا لِأَنَّهُ دَيْنٌ مِثْلُهُ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي حُكْمِ الِابْتِدَاءِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا نَصٌّ فِي ذَلِكَ (وَلِأَنَّهُ أَخَذَ شَبَهًا بِالْمَبِيعِ) (؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعُ جَدِيدٍ فِي حَقٍّ ثَالِثٍ) وَهُوَ الشَّرْعُ، وَالْبَيْعُ يَقْتَضِي وُجُودَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْمُسْلَمُ فِيهِ لَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ (لِسُقُوطِهِ) بِالْإِقَالَةِ (فَ) لَا بُدَّ مِنْ (جَعْلِ رَأْسِ الْمَالِ مَبِيعًا) لِيَرُدَّ عَلَيْهِ الْعَقْدَ، وَإِلَّا لَكَانَ مَا فَرَضَاهُ بَيْعًا لَمْ يَكُنْ بَيْعًا هَذَا خَلَفٌ بَاطِلٌ وَهُوَ صَالِحٌ لِذَلِكَ لِكَوْنِهِ دَيْنًا مِثْلَ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَإِذَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مَعْقُودًا عَلَيْهِ ابْتِدَاءً فِيمَا هُوَ بَيْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهُوَ عَقْدُ السَّلَمِ فَلَأَنْ يُمْكِنَ ذَلِكَ انْتِهَاءً فِيمَا هُوَ بَيْعٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ كَانَ أَوْلَى، وَإِذَا ثَبَتَ شَبَهُهُ بِالْمَبِيعِ، وَالْمَبِيعُ لَا يُتَصَرَّفُ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَكَذَا مَا أَشْبَهَهُ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ اعْتِبَارًا لِلِانْتِهَاءِ بِالِابْتِدَاءِ: أَجَابَ بِقَوْلِهِ (؛ لِأَنَّهُ) أَيْ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْإِقَالَةِ (لَيْسَ فِي حُكْمِ الِابْتِدَاءِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ) ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ الْكُلِّ وَالْإِقَالَةُ بَيْعٌ فِي حَقٍّ ثَالِثٍ لَا غَيْرُ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ فِي الْأَوَّلِ اشْتِرَاطُهُ فِي الثَّانِي بِالضَّرُورَةِ، فَإِنْ ثَبَتَ بِالتَّنْبِيهِ وَهُوَ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْقَبْضِ فِي الِابْتِدَاءِ كَانَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ وَالْمُسْلَمُ فِيهِ سَقَطَ بِالْإِقَالَةِ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ ذَلِكَ فَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ، وَالتَّأَمُّلُ يُغْنِي عَنْ هَذَا السُّؤَالِ؛ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ إذَا صَارَ مَعْقُودًا عَلَيْهِ سَقَطَ اشْتِرَاطُ قَبْضِهِ، فَالسُّؤَالُ بِوُجُوبِ قَبْضِهِ لَا يَرِدُ، لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ دَفَعَ وَهْمَ مَنْ عَسَى يَتَوَهَّمُ نَظَرًا إلَى كَوْنِهِ رَأْسَ الْمَالِ وُجُوبُ قَبْضِهِ، وَلَوْ أَبْرَزَ ذَلِكَ فِي مَبْرَزِ الدَّلِيلِ عَلَى انْقِلَابِهِ مَعْقُودًا عَلَيْهِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ قَبْضُهُ. وَلَوْ بَقِيَ رَأْسُ الْمَالِ لَوَجَبَ كَانَ أَدَقَّ عَلَى طَرِيقَةِ قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَيَجُوزُ بِأَيِّ لِسَانٍ كَانَ سِوَى الْفَارِسِيَّةِ وَهِيَ طَرِيقَةُ قَوْلِهِ: وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ

وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ. قَالَ (وَمَنْ أَسْلَمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ اشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مِنْ رَجُلٍ كُرًّا وَأَمَرَ رَبَّ السَّلَمِ بِقَبْضِهِ قَضَاءٌ لَمْ يَكُنْ قَضَاءً، وَإِنْ أَمَرَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ لَهُ ثُمَّ يَقْبِضَهُ لِنَفْسِهِ فَاكْتَالَهُ لَهُ ثُمَّ اكْتَالَهُ لِنَفْسِهِ جَازَ) لِأَنَّهُ اجْتَمَعَتْ الصَّفْقَتَانِ بِشَرْطِ الْكَيْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْكَيْلِ مَرَّتَيْنِ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ صَاعَانِ، وَهَذَا هُوَ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ عَلَى مَا مَرَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَفِيهِ) أَيْ فِي جَعْلِ رَأْسِ الْمَالِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ مَبِيعًا (خِلَافُ زُفَرَ) هُوَ يَقُولُ رَأْسُ الْمَالِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ، فَكَمَا جَازَ الِاسْتِبْدَالُ بِسَائِرِ الدُّيُونِ جَازَ بِهَذَا الدَّيْنِ (وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ) مِنْ الْحَدِيثِ وَالْمَعْقُولِ. قَالَ (وَمَنْ أَسْلَمَ فِي كُرٍّ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ إلَخْ) رَجُلٌ أَسْلَمَ فِي كُرٍّ مِنْ الْحِنْطَةِ وَهُوَ سِتُّونَ قَفِيزًا (فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ اشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مِنْ رَجُلٍ كُرًّا وَأَمَرَ رَبَّ السَّلَمِ بِقَبْضِهِ قَضَاءً لِحَقِّهِ لَمْ يَكُنْ قَضَاءً) حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْمَقْبُوضُ فِي يَدِ رَبِّ السَّلَمِ كَانَ مِنْ مَالِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ (وَإِنْ أَمَرَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ لِأَجْلِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ ثُمَّ لِنَفْسِهِ فَاكْتَالَهُ لَهُ ثُمَّ اكْتَالَهُ لِنَفْسِهِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَتْ صَفْقَتَانِ بِشَرْطِ الْكَيْلِ) الْأُولَى صَفْقَةُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ مَعَ بَائِعِهِ وَالثَّانِيَةُ صَفْقَتُهُ مَعَ رَبِّ السَّلَمِ (فَلَا بُدَّ مِنْ الْكَيْلِ مَرَّتَيْنِ «لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ صَاعَانِ» ، وَهَذَا هُوَ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ عَلَى مَا مَرَّ) فِي الْفَصْلِ الْمُتَّصِلِ بِبَابِ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ قَالَ فِيهِ: وَمَحْمَلُ الْحَدِيثِ اجْتِمَاعُ الصَّفْقَتَيْنِ عَلَى مَا يَتَبَيَّنُ.

وَالسَّلَمُ وَإِنْ كَانَ سَابِقًا لَكِنْ قَبْضُ الْمُسْلَمِ فِيهِ لَاحِقٌ وَأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْعَيْنَ غَيْرُ الدَّيْنِ حَقِيقَةً. وَإِنْ جَعَلَ عَيْنَهُ فِي حَقٍّ حُكْمٌ خَاصٌّ وَهُوَ حُرْمَةُ الِاسْتِبْدَالِ فَيَتَحَقَّقُ الْبَيْعُ بَعْدَ الشِّرَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَلَمًا وَكَانَ قَرْضًا فَأَمَرَهُ بِقَبْضِ الْكُرِّ جَازَ لِأَنَّ الْقَرْضَ إعَارَةٌ وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِعَارَةِ فَكَانَ الْمَرْدُودُ عَيْنَ الْمَأْخُوذِ مُطْلَقًا حُكْمًا فَلَا تَجْتَمِعُ الصَّفْقَتَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَالسَّلَمُ وَإِنْ كَانَ سَابِقًا) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ بَيْعُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ مَعَ رَبِّ السَّلَمِ كَانَ سَابِقًا عَلَى شِرَاءِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ مِنْ بَائِعِهِ فَلَا يَكُونُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بَائِعًا بَعْدَ الشِّرَاءِ فَلَا تَتَحَقَّقُ الصَّفْقَةُ الثَّانِيَةُ لِتَدْخُلَ تَحْتَ النَّهْيِ، وَتَقْرِيرُهُ الْقَوْلُ بِمُوجِبِ الْعِلَّةِ. سَلَّمْنَا ذَلِكَ (لَكِنَّ قَبْضَ الْمُسْلَمِ فِيهِ لَاحِقٌ) وَقَبْضُ الْمُسْلَمِ فِيهِ (بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ الْبَيْعِ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ وَالْمَقْبُوضُ عَيْنٌ، وَهُوَ غَيْرُ الدَّيْنِ حَقِيقَةً وَإِنْ جُعِلَ عَيْنُهُ فِي حَقِّ حُكْمٍ خَاصٍّ وَهُوَ حُرْمَةُ الِاسْتِبْدَالِ ضَرُورَةً فَلَا يَتَعَدَّى فَيَبْقَى فِيمَا وَرَاءُ كَالْبَيْعِ فَيَتَحَقَّقُ الْبَيْعُ بَعْدَ الشِّرَاءِ بِشَرْطِ الْكَيْلِ فَقَدْ اجْتَمَعَتْ الصَّفْقَتَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَكْرَارِ الْكَيْلِ. (وَ) إنْ (كَانَ) الْكُرُّ (قَرْضًا فَأَمَرَ) الْمُسْتَقْرِضُ الْمُقْرِضَ (بِقَبْضِ الْكُرِّ) فَفَعَلَ (جَازَ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ إعَارَةٌ وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِعَارَةِ) وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إعَارَةً لَزِمَ تَمْلِيكُ الشَّيْءِ بِجِنْسِهِ نَسِيئَةً وَهُوَ رِبًا وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُ التَّأْجِيلُ فِي الْقَرْضِ؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ فِي الْعَوَارِيِّ غَيْرُ لَازِمٍ فَيَكُونُ الْمَرْدُودُ عَيْنَ الْمَقْبُوضِ (مُطْلَقًا حُكْمًا فَلَا تَجْتَمِعُ الصَّفْقَتَانِ) وَكَذَا لَوْ اسْتَقْرَضَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مِنْ رَجُلٍ وَأَمَرَ رَبَّ السَّلَمِ بِقَبْضِهِ يُكْتَفَى فِيهِ بِكَيْلٍ وَاحِدٍ.

قَالَ (وَمَنْ أَسْلَمَ فِي كُرٍّ فَأَمَرَ رَبُّ السَّلَمِ أَنْ يَكِيلَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِي غَرَائِرِ رَبِّ السَّلَمِ فَفَعَلَ وَهُوَ غَائِبٌ لَمْ يَكُنْ قَضَاءً) لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْكَيْلِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ مِلْكَ الْآمِرِ، [لِأَنَّ] حَقَّهُ فِي الدَّيْنِ دُونَ الْعَيْنِ فَصَارَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مُسْتَعِيرًا لِلْغَرَائِرِ مِنْهُ وَقَدْ جَعَلَ مِلْكَ نَفْسِهِ فِيهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَرَاهِمَ دَيْنٍ فَدَفَعَ إلَيْهِ كِيسًا لِيَزِنهَا الْمَدْيُونُ فِيهِ لَمْ يَصِرْ قَابِضًا. وَلَوْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ مُشْتَرَاةٌ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا صَارَ قَابِضًا لِأَنَّ الْأَمْرَ قَدْ صَحَّ حَيْثُ صَادَفَ مِلْكَهُ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْعَيْنَ بِالْبَيْعِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ بِالطَّحْنِ كَانَ الطَّحِينُ فِي السَّلَمِ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَفِي الشِّرَاءِ لِلْمُشْتَرِي لِصِحَّةِ الْأَمْرِ، وَكَذَا إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَصُبَّهُ فِي الْبَحْرِ فِي السَّلَمِ يَهْلَكُ مِنْ مَالِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَفِي الشِّرَاءِ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَمَنْ أَسْلَمَ فِي كُرٍّ فَأَمَرَ رَبَّ السَّلَمِ إلَخْ رَجُلٌ أَسْلَمَ فِي كُرٍّ فَأَمَرَ رَبَّ السَّلَمِ أَنْ يَكِيلَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِي غَرَائِرِ رَبِّ السَّلَمِ فَفَعَلَ وَهُوَ) أَيْ رَبُّ السَّلَمِ (غَائِبٌ لَمْ يَكُنْ) لَهُ فِي غَرَائِرِهِ طَعَامٌ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ (قَضَاءً) فَلَوْ هَلَكَ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ (؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْكَيْلِ لَمْ) يُصَادِفْ مِلْكَ الْآمِرِ إذْ حَقُّهُ فِي الدَّيْنِ لَا فِي الْعَيْنِ فَلَا (يَصِحُّ) الْأَمْرُ (وَصَارَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مُسْتَعِيرًا لِلْغَرَائِرِ مِنْ رَبِّ السَّلَمِ وَقَدْ جَعَلَ مِلْكَهُ فِيهَا، فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ دَيْنٍ فَدَفَعَ إلَيْهِ كِيسًا لِيَزِنَهَا الْمَدْيُونُ فِيهِ حَيْثُ لَمْ يَصِرْ قَابِضًا) وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ حِنْطَةً بِعَيْنِهَا وَدَفَعَ غَرَائِرَهُ إلَى الْبَائِعِ وَقَالَ لَهُ اجْعَلْهَا فِيهَا فَفَعَلَ وَالْمُشْتَرِي غَائِبٌ صَارَ قَابِضًا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالشِّرَاءِ لَا مَحَالَةَ فَصَحَّ الْأَمْرُ لِمُصَادَفَتِهِ الْمِلْكَ، وَإِذَا صَحَّ صَارَ الْبَائِعُ وَكِيلًا عَنْهُ فِي إمْسَاكِ الْغَرَائِرِ فَبَقِيَتْ الْغَرَائِرُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي حُكْمًا فَمَا وَقَعَ فِيهَا صَارَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ: أَلَا تَرَى) تَوْضِيحٌ لِتَمَلُّكِهِ بِالْبَيْعِ (فَإِنَّهُ إذَا أَمَرَهُ بِالطَّحْنِ فِي السَّلَمِ كَانَ الطَّحِينُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَفِي الشِّرَاءِ لِلْمُشْتَرِي) وَإِذَا أَمَرَهُ أَنْ يَصُبَّهُ فِي الْبَحْرِ فِي السَّلَمِ فَفَعَلَ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ (وَفِي الشِّرَاءِ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي) وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا بِاعْتِبَارِ صِحَّةِ الْأَمْرِ وَعَدَمِهَا، وَصِحَّتُهُ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْمِلْكِ، فَلَوْلَا أَنَّهُ مَلَكَهُ لَمَا صَحَّ أَمْرُهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَوْضِيحًا لِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ

وَيَتَقَرَّرُ الثَّمَنُ عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا، وَلِهَذَا يُكْتَفَى بِذَلِكَ الْكَيْلِ فِي الشِّرَاءِ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ فِي الْكَيْلِ وَالْقَبْضِ بِالْوُقُوعِ فِي غَرَائِرِ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ أَمَرَهُ فِي الشِّرَاءِ أَنْ يَكِيلَهُ فِي غَرَائِرِ الْبَائِعِ فَفَعَلَ لَمْ يَصِرْ قَابِضًا لِأَنَّهُ اسْتَعَارَ غَرَائِرَهُ وَلَمْ يَقْبِضْهَا فَلَا تَصِيرُ الْغَرَائِرُ فِي يَدِهِ، فَكَذَا مَا يَقَعُ فِيهَا، وَصَارَ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَكِيلَهُ وَيَعْزِلَهُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ بَيْتِ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْبَيْتَ بِنَوَاحِيهِ فِي يَدِهِ فَلَمْ يَصِرْ الْمُشْتَرِي قَابِضًا. وَلَوْ اجْتَمَعَ الدَّيْنُ وَالْعَيْنُ وَالْغَرَائِرُ لِلْمُشْتَرِي، إنْ بَدَأَ بِالْعَيْنِ صَارَ قَابِضًا، أَمَّا الْعَيْنُ فَلِصِحَّةِ الْأَمْرِ فِيهِ، وَأَمَّا الدَّيْنُ فَلِاتِّصَالِهِ بِمِلْكِهِ وَبِمِثْلِهِ يَصِيرُ قَابِضًا، كَمَنْ اسْتَقْرَضَ حِنْطَةً وَأَمَرَهُ أَنْ يَزْرَعهَا فِي أَرْضِهِ، وَكَمَنْ دَفَعَ إلَى صَائِغٍ خَاتَمًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَزِيدَهُ مِنْ عِنْدِهِ نِصْفَ دِينَارٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَدْ صَحَّ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِأَنَّ الْأَمْرَ قَدْ صَحَّ (يُكْتَفَى بِذَلِكَ الْكَيْلِ فِي الشِّرَاءِ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ نَائِبٌ عَنْهُ فِي الْكَيْلِ) فَإِنْ قِيلَ: الْبَائِعُ مُسَلِّمٌ فَكَيْفَ يَكُونُ مُتَسَلِّمًا. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَالْقَبْضُ بِالْوُقُوعِ) أَيْ وَتَحَقُّقُ الْقَبْضِ بِالْوُقُوعِ (فِي غَرَائِرِ الْمُشْتَرِي) فَلَا يَكُونُ مُسَلِّمًا وَمُتَسَلِّمًا، وَإِنَّمَا قَالَ فِي الصَّحِيحِ احْتِرَازًا عَمَّا قِيلَ لَا يُكْتَفَى بِكَيْلٍ وَاحِدٍ تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ صَاعَانِ صَاعُ الْبَائِعِ وَصَاعُ الْمُشْتَرِي» وَقَدْ مَرَّ قَبْلَ بَابِ الرِّبَا (وَلَوْ أَمَرَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ أَنْ يَكِيلَهُ فِي غَرَائِرِ الْبَائِعِ فَفَعَلَ لَمْ يَصِرْ) الْمُشْتَرِي (قَابِضًا؛ لِأَنَّهُ اسْتَعَارَ غَرَائِرَهُ وَلَمْ يَقْبِضْهَا فَلَمْ تَصِرْ الْغَرَائِرُ فِي يَدِهِ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِعَارَةَ تَبَرُّعٌ فَلَا تَتِمَّ بِدُونِ الْقَبْضِ، فَكَذَا مَا وَقَعَ فِيهَا وَصَارَ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَكِيلَهُ وَيَعْزِلَهُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ بَيْتِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ بِنَوَاحِيهِ فِي يَدِهِ فَلَمْ يَصِرْ الْمُشْتَرِي قَابِضًا؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعِيرٌ لَمْ يَقْبِضْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ اجْتَمَعَ الدَّيْنُ وَالْعَيْنُ) صُورَتُهُ رَجُلٌ أَسْلَمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ اشْتَرَى مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ كُرًّا آخَرَ بِعَيْنِهِ وَدَفَعَ غَرَائِرَهُ إلَيْهِ لِيَجْعَلَ الدَّيْنَ: أَيْ الْمُسْلَمَ فِيهِ وَالْعَيْنَ وَهُوَ الْمُشْتَرِي فِيهَا فَلَا يَخْلُو الْبَائِعُ مِنْ أَنْ يَجْعَلَ فِيهَا أَوَّلًا الدَّيْنَ أَوْ الْعَيْنَ، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي (صَارَ) الْمُشْتَرِي قَابِضًا لَهُمَا جَمِيعًا، أَمَّا الْعَيْنُ فَلِصِحَّةِ الْأَمْرِ فِيهِ لِمُصَادَفَتِهِ الْمِلْكَ فَكَانَ فِعْلُ الْمَأْمُورِ كَفِعْلِ الْآمِرِ. وَرُدَّ " بِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ نَائِبًا عَنْ الْمُشْتَرِي فِي الْقَبْضِ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ كَذَلِكَ نَصًّا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ ثَبَتَ ضِمْنًا وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ قَصْدًا. وَأَمَّا الدَّيْنُ فَلِاتِّصَالِهِ بِمِلْكِهِ بِرِضَاهُ وَالِاتِّصَالُ بِالْمِلْكِ بِالرِّضَا يُثْبِتُ الْقَبْضَ (كَمَنْ اسْتَقْرَضَ حِنْطَةً وَأَمَرَهُ أَنْ يَزْرَعَهَا فِي أَرْضِهِ، وَكَمَنْ دَفَعَ إلَى صَائِغٍ خَاتَمًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَزِيدَهُ مِنْ عِنْدِهِ نِصْفَ دِينَارٍ) وَلَا يُشْكِلُ بِالصَّبْغِ، فَإِنَّ

وَإِنَّ بَدَأَ بِالدَّيْنِ لَمْ يَصِرْ قَابِضًا، أَمَّا الدَّيْنُ فَلِعَدَمِ صِحَّةِ الْأَمْرِ، وَأَمَّا الْعَيْنُ فَلِأَنَّهُ خَلَطَهُ بِمُلْكِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَصَارَ مُسْتَهْلِكًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَيُنْتَقَضُ الْبَيْعُ، وَهَذَا الْخَلْطُ غَيْرُ مَرْضِيٌّ بِهِ مِنْ جِهَتِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْبُدَاءَةَ بِالْعَيْنِ وَعِنْدَهُمَا هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ شَارَكَهُ فِي الْمَخْلُوطِ لِأَنَّ الْخَلْطَ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ عِنْدَهُمَا. قَالَ (وَمَنْ أَسْلَمَ جَارِيَةً فِي كُرِّ حِنْطَةٍ وَقَبَضَهَا الْمُسْلَمُ إلَيْهِ ثُمَّ تَقَايَلَا فَمَاتَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ قَبْضِهَا، وَلَوْ تَقَايَلَا بَعْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّبْغَ وَالْبَيْعَ اتَّصَلَا بِمِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَلَمْ يَصِرْ قَابِضًا؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ الْفِعْلُ لَا الْعَيْنُ، وَالْفِعْلُ لَا يَتَجَاوَزُ الْفَاعِلَ فَلَمْ يَصِرْ مُتَّصِلًا بِالثَّوْبِ فَلَا يَكُونُ قَابِضًا، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَمْ يَصِرْ قَابِضًا. أَمَّا الدَّيْنُ فَلِعَدَمِ صِحَّةِ الْأَمْرِ لِعَدَمِ مُصَادَفَتِهِ الْمِلْكَ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الدَّيْنِ لَا فِي الْعَيْنِ وَهَذَا عَيْنٌ فَكَانَ الْمَأْمُورُ بِجَعْلِهِ فِي الْغَرَائِرِ مُتَصَرِّفًا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ فِعْلُهُ كَفِعْلِ الْآمِرِ (وَأَمَّا الْعَيْنُ فَلِأَنَّهُ خَلَطَهُ بِمِلْكِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَهُوَ اسْتِهْلَاكٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ) فَإِنْ قِيلَ: الْخَلْطُ حَصَلَ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي فَلَا يُنْقَضُ الْبَيْعُ. أَجَابَ بِأَنَّ الْخَلْطَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَا حَصَلَ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي بَلْ الْخَلْطُ عَلَى وَجْهٍ يَصِيرُ بِهِ الْآمِرُ قَابِضًا هُوَ الَّذِي كَانَ مَأْذُونًا بِهِ، وَفِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّهُ حَكَمَ بِكَوْنِ الْخَلْطِ غَيْرَ مَرْضِيٍّ بِهِ جَزْمًا، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ (لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْبُدَاءَةَ بِالْعَيْنِ) فَيَكُونُ الدَّلِيلُ أَعَمَّ مِنْ الْمُدَّعَى وَلَا دَلَالَةَ لِلْأَعَمِّ عَلَى الْأَخَصِّ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ كَلَامُهُ فِي قُوَّةِ الْمُمَانَعَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذَا الْخَلْطَ غَيْرُ مَرْضِيٍّ بِهِ (قَوْلُهُ: لِجَوَازِ) سَنَدُ الْمَنْعِ فَاسْتَقَامَ الْكَلَامُ (وَعِنْدَهُمَا الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ شَارَكَهُ فِي الْمَخْلُوطِ؛ لِأَنَّ الْخَلْطَ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ عِنْدَهُمَا) . قَالَ (وَمَنْ أَسْلَمَ جَارِيَةً فِي كُرِّ حِنْطَةٍ إلَخْ) رَجُلٌ أَسْلَمَ جَارِيَةً فِي كُرِّ حِنْطَةٍ وَدَفَعَ الْجَارِيَةَ إلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ ثُمَّ تَقَايَلَا فَمَاتَتْ الْجَارِيَةُ فِي يَدِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ قَبَضَهَا وَلَمْ تَبْطُلْ الْإِقَالَةُ بِهَلَاكِهَا؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ تَقَايَلَا بَعْدَ هَلَاكِ الْجَارِيَةِ كَانَتْ الْإِقَالَةُ صَحِيحَةً؛ لِأَنَّهَا تَعْتَمِدُ بَقَاءَ الْعَقْدِ وَذَلِكَ بِقِيَامِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَفِي السَّلَمِ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ فَصَحَّتْ الْإِقَالَةُ حَالَ بَقَائِهِ، وَإِذَا صَحَّ ابْتِدَاءً صَحَّ انْتِهَاءً؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ، وَإِذَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ انْفَسَخَ فِي الْجَارِيَةِ تَبَعًا فَيَجِبُ رَدُّهَا وَقَدْ عَجَزَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ قِيمَتِهَا

هَلَاكِ الْجَارِيَةِ جَازَ) لِأَنَّ صِحَّةَ الْإِقَالَةِ تَعْتَمِدُ بَقَاءَ الْعَقْدِ وَذَلِكَ بِقِيَامِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَفِي السَّلَمِ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ فَصَحَّتْ الْإِقَالَةُ حَالَ بَقَائِهِ، وَإِذَا جَازَ ابْتِدَاءٌ فَأَوْلَى أَنْ يَبْقَى انْتِهَاءٌ، لِأَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ، وَإِذَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ انْفَسَخَ فِي الْجَارِيَةِ تَبَعًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهَا وَقَدْ عَجَزَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ قِيمَتِهَا (وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ تَقَايَلَا فَمَاتَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ، وَلَوْ تَقَايَلَا بَعْدَ مَوْتِهَا فَالْإِقَالَةُ بَاطِلَةٌ) لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ إنَّمَا هُوَ الْجَارِيَةُ فَلَا يَبْقَى الْعَقْدُ بَعْدَ هَلَاكِهَا فَلَا تَصِحُّ الْإِقَالَةُ ابْتِدَاءً وَلَا تَبْقَى انْتِهَاءً لِانْعِدَامِ مَحِلِّهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ حَيْثُ تَصِحُّ الْإِقَالَةُ وَتَبْقَى بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعٌ فِيهِ. قَالَ (وَمَنْ أَسْلَمَ إلَى رَجُلٍ دَرَاهِمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ فَقَالَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ شَرَطْتُ رَدِيئًا وَقَالَ رَبُّ السَّلَم لَمْ تَشْتَرِطْ شَيْئًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ) لِأَنَّ رَبَّ السَّلَمِ مُتَعَنِّتٌ فِي إنْكَارِهِ الصِّحَّةَ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ يَرْبُو عَلَى رَأْسِ الْمَالِ فِي الْعَادَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَامَتْ مَقَامَ الْجَارِيَةِ، فَكَأَنَّ أَحَدَ الْعِوَضَيْنِ كَانَ قَائِمًا فَلَا يَرِدُ مَا قِيلَ إنَّ الْجَارِيَةَ قَدْ هَلَكَتْ، وَالْمُسْلَمَ فِيهِ سَقَطَ بِالْإِقَالَةِ فَصَارَ كَهَلَاكِ الْعِوَضَيْنِ فِي الْمُقَايَضَةِ وَهُوَ يَمْنَعُ الْإِقَالَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْإِقَالَةِ مَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمُقَايَضَةِ وَبَيْنَ بَيْعِ الْجَارِيَةِ بِالدَّرَاهِمِ حَيْثُ بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ فِي الْبَيْعِ عِنْدَ مِلَاكِهَا بَقَاءً وَابْتِدَاءً، وَمَا فِي الْكِتَابِ طَاهِرٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْحٍ. قَالَ (وَمَنْ أَسْلَمَ إلَى رَجُلٍ دَرَاهِمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ إلَخْ) إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَعَاقِدَانِ فِي صِحَّةِ السَّلَمِ، فَمَنْ كَانَ مُتَعَنِّتًا وَهُوَ الَّذِي يُنْكِرُ مَا يَنْفَعُهُ كَانَ كَلَامُهُ بَاطِلًا وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ، وَمَنْ كَانَ مُخَاصِمًا وَهُوَ الَّذِي يُنْكِرُ مَا يَضُرُّهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ إنْ ادَّعَى الصِّحَّةَ وَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى عَقْدٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَ خَصْمُهُ هُوَ الْمُنْكِرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ وَإِنْ أَنْكَرَ الصِّحَّةَ، وَعَلَى هَذَا إذَا أَسْلَمَ رَجُلٌ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ شَرَطْت رَدِيئًا وَقَالَ رَبُّ السَّلَمِ لَمْ تَشْتَرِطْ شَيْئًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ رَبَّ السَّلَمِ مُتَعَنِّتٌ فِي إنْكَارِهِ صِحَّةَ السَّلَمِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ يَرْبُو عَلَى رَأْسِ الْمَالِ عَادَةً فَكَانَ الْقَوْلُ لِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ، فَإِنَّهُمَا لَمَّا اتَّفَقَا عَلَى عَقْدٍ وَاحِدٍ وَاخْتَلَفَا فِيمَا لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ بِدُونِهِ وَهُوَ بَيَانُ الْوَصْفِ وَالظَّاهِرِ مِنْ حَالِهِمَا مُبَاشَرَةُ الْعَقْدِ عَلَى وَصْفِ الصِّحَّةِ دُونَ الْفَسَادِ كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَقَوْلُ مَنْ شَهِدَ لَهُ الظَّاهِرُ أَقْرَبُ إلَى الصِّدْقِ. وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ يَرْبُو عَلَى رَأْسِ الْمَالِ بَلْ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ فَإِنَّ النَّقْدَ الْقَلِيلَ خَيْرٌ مِنْ النَّسِيئَةِ وَإِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً. سَلَّمْنَاهُ لَكِنَّهُ يَرْبُو عَلَيْهِ إذَا كَانَ جَيِّدًا. وَأَمَّا إذَا كَانَ رَدِيئًا فَمَمْنُوعٌ. سَلَّمْنَاهُ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

وَفِي عَكْسِهِ قَالُوا: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ لِرَبِّ السَّلَمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ يَدَّعِي الصِّحَّةَ وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ مُنْكِرًا. وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ لِلْمُسَلَّمِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَإِنْ أَنْكَرَ الصِّحَّةَ، وَسَنُقَرِّرُهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلَوْ قَالَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَجَلٌ وَقَالَ رَبُّ السَّلَمِ بَلْ كَانَ لَهُ أَجَلٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ السَّلَمِ) لِأَنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ مُتَعَنِّتٌ فِي إنْكَارِهِ حَقًّا لَهُ وَهُوَ الْأَجَلُ، وَالْفَسَادُ لِعَدَمِ الْأَجَلِ غَيْرُ مُتَيَقِّنٍ لِمَكَانِ الِاجْتِهَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ وَإِنْ أَنْكَرَ الصِّحَّةَ. وَالْجَوَابُ أَنَّ النَّاسَ مَعَ وُفُورِ عُقُولِهِمْ وَشِدَّةِ تَحَرُّزِهِمْ عَنْ الْغَبْنِ فِي الْبِيَاعَاتِ وَكَثْرَةِ رَغْبَتِهِمْ فِي التِّجَارَةِ الرَّابِحَةِ يُقْدِمُونَ عَلَى السَّلَمِ مَعَ اسْتِغْنَائِهِمْ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ فِي الْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ، وَذَلِكَ أَقْوَى دَلِيلٍ عَلَى رِبَا الْمُسْلَمِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ رَدِيئًا وَالِاعْتِبَارُ لِلْمَعَانِي دُونَ الصُّورَةِ، فَمُنْكِرُ صِحَّةِ الصُّورَةِ وَإِنْ كَانَ مُنْكِرًا لَكِنَّهُ مُدَّعٍ فِي الْمَعْنَى فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ وَإِنْ انْعَكَسَتْ الْمَسْأَلَةُ وَهُوَ أَنْ يَدَّعِيَ رَبُّ السَّلَمِ الْوَصْفَ، وَأَنْكَرَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَالْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الْمَشَايِخِ (قَالُوا: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ لِرَبِّ السَّلَمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الصِّحَّةَ وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ مُنْكِرًا) وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَإِنْ أَنْكَرَ الصِّحَّةَ (قَوْلُهُ: وَسَنُقَرِّرُهُ مِنْ بَعْدُ) يُرِيدُ بِهِ مَا يَذْكُرُهُ بَعْدَهُ بِخُطُوطِ الْقَوْلِ لِرَبِّ السَّلَمِ عِنْدَهُمَا، وَفِي عِبَارَتِهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ لِلْبَعِيدِ وَالْمُطَابِقِ وَنُقَرِّرُهُ. وَلَوْ قَالَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَجَلٌ وَقَالَ رَبُّ السَّلَمِ بَلْ كَانَ لَهُ أَجَلٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ السَّلَمِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ مُتَعَنِّتٌ فِي إنْكَارِهِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ مَا يَنْفَعُهُ وَهُوَ الْأَجَلُ. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مُتَعَنِّتٌ بِإِنْكَارِهِ يَدَّعِي فَسَادَ الْعَقْدِ وَسَلَامَةَ الْمُسْلَمِ فِيهِ لَهُ وَهُوَ يَرْبُو عَلَى رَأْسِ الْمَالِ فِي الْعَادَةِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ (بِأَنَّ الْفَسَادَ بِعَدَمِ الْأَجَلِ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ لِمَنْ كَانَ الِاجْتِهَادُ) فَإِنَّ السَّلَمَ الْحَالَّ جَائِزٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُتَيَقَّنًا بِعَدَمِهِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ إنْكَارِهِ رَدُّ رَأْسِ الْمَالِ فَلَا يَكُونُ النَّفْعُ بِرَدِّ رَأْسِ الْمَالِ مُعْتَبَرًا، بِخِلَافِ عَدَمِ الْوَصْفِ وَهُوَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَإِنَّ الْفَسَادَ بِعَدَمِهِ مُتَيَقَّنٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ بِنَاءَ الْمَسْأَلَةِ عَلَى خِلَافِ مُخَالِفٍ لَمْ يُوجَدْ عِنْدَ وَضْعِهَا غَيْرُ

فَلَا يُعْتَبَرُ النَّفْعُ فِي رَدِّ رَأْسِ الْمَالِ، بِخِلَافِ عَدَمِ الْوَصْفِ، وَفِي عَكْسِهِ الْقَوْلُ لِرَبِّ السَّلَمِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ يُنْكِرُ حَقًّا لَهُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلُهُ وَإِنْ أَنْكَرَ الصِّحَّةَ كَرَبِّ الْمَالِ إذَا قَالَ لِلْمُضَارِبِ شَرَطْتُ لَكَ نِصْفَ الرِّبْحِ إلَّا عَشَرَةَ وَقَالَ الْمُضَارِبُ لَا بَلْ شَرَطْتَ لِي نِصْفَ الرِّبْحِ فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَ الرِّبْحِ وَإِنْ أَنْكَرَ الصِّحَّةَ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقَوْلُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الصِّحَّةَ وَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى عَقْدٍ وَاحِدٍ فَكَانَا مُتَّفِقِينَ عَلَى الصِّحَّةِ ظَاهِرًا، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ فَلَا يُعْتَبَرُ الِاخْتِلَافُ فِيهِ فَيَبْقَى مُجَرَّدُ دَعْوَى اسْتِحْقَاقِ الرِّبْحِ، أَمَّا السَّلَمُ فَلَازِمٌ فَصَارَ الْأَصْلُ أَنَّ مَنْ خَرَجَ كَلَامُهُ تَعَنُّتًا فَالْقَوْلُ لِصَاحِبِهِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ خَرَجَ خُصُومَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQصَحِيحٍ. فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنَّ الِاخْتِلَافَ كَانَ ثَابِتًا بَيْنَ الصَّحَابَةِ إنْ ثَبَتَ ذَلِكَ، لَيْسَ بِمُطَابِقٍ لِمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَغَيْرُهُ، وَفِي عَكْسِهِ وَهُوَ أَنْ يَدَّعِيَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ الْأَجَلَ وَرَبُّ السَّلَمِ يُنْكِرُهُ الْقَوْلُ لِرَبِّ السَّلَمِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ حَقًّا عَلَيْهِ وَكُلُّ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: وَإِنْ أَنْكَرَ الصِّحَّةَ كَرَبِّ الْمَالِ إذَا قَالَ لِلْمُضَارِبِ شَرَطْت لَك نِصْفَ الرِّبْحِ إلَّا عَشَرَةً وَقَالَ الْمُضَارِبُ لَا بَلْ شَرَطْت لِي نِصْفَ الرِّبْحِ فَإِنَّ الْقَوْلَ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَ الرِّبْحِ وَإِنْ أَنْكَرَ الصِّحَّةَ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الصِّحَّةَ وَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى عَقْدٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ عَقْدٌ وَاحِدٌ، إذْ السَّلَمُ الْحَالُّ فَاسِدٌ لَيْسَ بِعَقْدٍ آخَرَ. وَاخْتَلَفَا فِي جَوَازِهِ وَفَسَادِهِ، وَكَانَا مُتَّفِقَيْنِ عَلَى الصِّحَّةِ ظَاهِرًا لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِمَا مُبَاشَرَةُ الْعَقْدِ بِصِفَةِ الصِّحَّةِ. الثَّانِي أَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الْعَقْدِ الْتِزَامٌ لِشَرَائِطِهِ، وَالْأَجَلُ مِنْ شَرَائِطِ السَّلَمِ فَكَانَ اتَّفَقَاهُمَا عَلَى الْعَقْدِ إقْرَارًا بِالصِّحَّةِ، فَالْمُنْكِرُ

وَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى عَقْدٍ وَاحِدٍ فَالْقَوْلُ لِمُدَعِّي الصِّحَّةِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا لِلْمُنْكِرِ وَإِنْ أَنْكَرَ الصِّحَّةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْدَهُ سَاعٍ فِي نَقْضِ مَا تَمَّ بِهِ وَإِنْكَارُهُ إنْكَارٌ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ فَإِنَّهُمَا إذَا اخْتَلَفَا فِيهَا تَنَوَّعَ مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ فَإِنَّهَا إذَا فَسَدَتْ كَانَتْ إجَارَةً، وَإِذَا صَحَّتْ كَانَتْ شَرِكَةً، فَإِذَا اخْتَلَفَا فَالْمُدَّعِي لِلصِّحَّةِ مُدَّعٍ لِعَقْدٍ، وَالْمُدَّعِي لِلْفَسَادِ مُدَّعٍ لِعَقْدٍ آخَرَ خِلَافَهُ، وَوَحْدَةُ الْعَقْدِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ تَسْتَلْزِمُ اعْتِبَارَ الِاخْتِلَافِ الْمُوجِبِ لِلتَّنَاقُضِ الْمَرْدُودِ لِوَحْدَةِ الْمَحَلِّ، وَعَدَمُ وَحْدَتِهِ تَسْتَلْزِمُ عَدَمَ اعْتِبَارِ الِاخْتِلَافِ لِاخْتِلَافِ الْمَحَلِّ. وَلَمَّا كَانَ السَّلَمُ عَقْدًا وَاحِدًا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِيهِ إنْكَارًا بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَهُوَ تَنَاقُضٌ فَلَمْ يُعْتَبَرْ الْإِنْكَارُ، وَأَمَّا الْمُضَارَبَةُ فَهِيَ لَيْسَتْ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فَكَانَ الْمَحَلُّ مُخْتَلِفًا وَلَا تَنَاقُضَ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ الِاخْتِلَافُ مُعْتَبَرًا فَكَأَنَّ الْمُضَارِبَ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ شَيْءٍ فِي مَالِ رَبِّ الْمَالِ وَهُوَ مُنْكِرٌ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ. وَعَبَّرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ الْوَحْدَةِ بِاللُّزُومِ؛ لِأَنَّهُ بِالْفَسَادِ لَا يَنْقَلِبُ عَقْدًا آخَرَ وَعَنْ غَيْرِهَا بِغَيْرِ اللُّزُومِ لِانْقِلَابِهِ عَقْدًا آخَرَ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا الْعُذْرُ الَّذِي ذَكَرْتُمْ فِي الْمُضَارَبَةِ يُشْكِلُ بِمَا لَوْ قَالَ شَرَطْت لَك نِصْفَ الرِّبْحِ وَزِيَادَةَ عَشَرَةٍ، وَقَالَ الْمُضَارِبُ لَا بَلْ شَرَطْت لِي نِصْفَ الرِّبْحِ فَإِنَّ الْقَوْلَ لِلْمُضَارِبِ، وَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ الِاخْتِلَافُ وَيَكُونَ الْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ لِإِنْكَارِهِ مَا يَدَّعِيهِ الْمُضَارِبُ فِي مَالِهِ، فَالْجَوَابُ أَنَّ الْعُذْرَ الْمَذْكُورَ كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى انْتِفَاءِ وُرُودِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَهَاهُنَا قَدْ وَرَدَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ قَدْ أَثْبَتَ لَهُ بِقَوْلِهِ شَرَطْت لَك نِصْفَ الرِّبْحِ مَا يَدَّعِيهِ وَيَدَّعِي بِقَوْلِهِ وَزِيَادَةَ عَشَرَةٍ فَسَادَ الْعَقْدِ وَذَلِكَ إنْكَارٌ بَعْدَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ يُقَرِّرُ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ، كَمَا إذَا شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ عَلَى مَا سَيَأْتِي فَيَكُونُ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ وَرَدَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَهُوَ بَاطِلٌ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ وَهُوَ الْمُضَارِبُ كَمَا فِي السَّلَمِ، وَهَذَا الْمَحَلُّ مُخْتَصٌّ بِهَذَا الْكِتَابِ وَجُهْدُ الْمُقِلِّ دُمُوعُهُ.

[السلم في الثياب]

قَالَ (وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي الثِّيَابِ إذَا بَيَّنَ طُولًا وَعَرْضًا وَرُقْعَةً) لِأَنَّهُ أَسْلَمَ فِي مَعْلُومٍ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ كَانَ ثَوْبُ حَرِيرٍ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ وَزْنِهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ فِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [السَّلَمُ فِي الثِّيَابِ] قَالَ (وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي الثِّيَابِ إلَخْ) السَّلَمُ فِي الثِّيَابِ جَائِزٌ إذَا بَيَّنَ الطُّولَ وَالْعَرْضَ وَالرُّقْعَةَ. يُقَالُ رُقْعَةُ هَذَا الثَّوْبِ جَيِّدَةٌ يُرَادُ غِلَظُهُ وَثَخَانَتُهُ؛ لِأَنَّهُ أَسْلَمَ فِي مَعْلُومٍ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ، وَإِنْ كَانَ ثَوْبَ حَرِيرٍ وَهُوَ الْمُتَّخَذُ مِنْ الْإِبْرَيْسَمِ الْمَطْبُوخِ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ وَزْنِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْحَرِيرِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْوَزْنِ، فَذِكْرُ الطُّولِ وَالْعَرْضِ لَيْسَ بِكَافٍ وَلَا ذِكْرُ الْوَزْنِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ رُبَّمَا يَأْتِي وَقْتُ حُلُولِ الْأَجَلِ بِقَطْعِ حَرِيرٍ بِذَلِكَ الْوَزْنِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُرَادٍ لَا مَحَالَةَ،

[السلم في الجواهر]

(وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْجَوَاهِرِ وَلَا فِي الْخَرَزِ) لِأَنَّ آحَادَهَا مُتَفَاوِتَةٌ تَفَاوُتًا فَاحِشًا وَفِي صِغَارِ اللُّؤْلُؤِ الَّتِي تُبَاعُ وَزْنًا يَجُوزُ السَّلَمُ لِأَنَّهُ مِمَّا يُعْلَمُ بِالْوَزْنِ (وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي اللَّبِنِ وَالْآجُرِّ إذَا سَمَّى مَلْبَنًا مَعْلُومًا) لِأَنَّهُ عَدَدِيٌّ مُتَقَارِبٌ لَا سِيَّمَا إذَا سُمِّيَ الْمَلْبَنُ. قَالَ (وَكُلُّ مَا أَمْكَنَ ضَبْطُ صِفَتِهِ وَمَعْرِفَةُ مِقْدَارِهِ جَازَ السَّلَمُ فِيهِ) لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ (وَمَا لَا يُضْبَطُ صِفَتُهُ وَلَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ) لِأَنَّهُ دَيْنٌ، وَبِدُونِ الْوَصْفِ يَبْقَى مَجْهُولًا جَهَالَةً تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا فِي الثِّيَابِ فَالْوَزْنُ لَيْسَ بِشَرْطٍ. وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اشْتِرَاطَ الْوَزْنِ فِي الْوَذَارِيِّ وَمَا يَخْتَلِفُ بِالثِّقَلِ وَالْخِفَّةِ. [السَّلَمُ فِي الْجَوَاهِرِ] قَالَ (وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْجَوَاهِرِ إلَخْ) الْعَدَدِيُّ الَّذِي تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ فِي الْمَالِيَّةِ كَالْجَوَاهِرِ وَاللَّآلِئِ وَالرُّمَّانِ وَالْبِطِّيخِ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ لِإِفْضَائِهِ إلَى النِّزَاعِ. وَفِي الَّذِي لَا تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ جَازَ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَفِي صِغَارِ اللُّؤْلُؤِ الَّتِي تُبَاعُ وَزْنًا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُعْلَمُ بِالْوَزْنِ فَلَا تَفَاوُتَ فِي الْمَالِيَّةِ. (وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي اللَّبَنِ وَالْآجُرِّ) إذَا اشْتَرَطَ فِيهِ مَلْبَنًا مَعْرُوفًا؛ لِأَنَّهُ إذَا سَمَّى الْمَلْبَنَ صَارَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ لَبَنٍ وَلَبَنٍ يَسِيرًا فَيَكُونُ سَاقِطَ الِاعْتِبَارِ فَيُلْحَقُ بِالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ. قَالَ (وَكُلُّ مَا أَمْكَنَ ضَبْطُ صِفَتِهِ وَمَعْرِفَةُ مِقْدَارِهِ جَازَ السَّلَمُ فِيهِ إلَخْ) هَذِهِ قَاعِدَةٌ كُلِّيَّةٌ تَشْمَلُ جَمِيعَ جُزْئِيَّاتِ مَا يَجُوزُ فِيهِ السَّلَمُ وَمَا لَا يَجُوزُ فِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عَكَسَهَا فَقَالَ وَمَا لَا يُضْبَطُ صِفَتُهُ وَلَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ، وَلَا يَنْعَكِسُ قَوْلُنَا كُلُّ إنْسَانٍ حَيَوَانٌ إلَى كُلُّ مَا لَيْسَ بِإِنْسَانٍ لَيْسَ بِحَيَوَانٍ. وَالثَّانِي أَنَّهُ ذَكَرَ الْقَاعِدَةَ بَعْدَ ذِكْرِ الْفُرُوعِ، وَالْأَصْلُ ذِكْرُ الْقَاعِدَةِ أَوَّلًا ثُمَّ تَفْرِيعُ الْفُرُوعِ عَلَيْهَا. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ جَوَازَ السَّلَمِ يَسْتَلْزِمُ إمْكَانَ ضَبْطِ الصِّفَةِ وَمَعْرِفَةِ الْمِقْدَارِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

(وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي طَسْتٍ أَوْ قُمْقُمَةٍ أَوْ خُفَّيْنِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ إذَا كَانَ يُعْرَفُ) لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ السَّلَمِ (وَإِنْ كَانَ لَا يُعْرَفُ فَلَا خَيْرَ فِيهِ) لِأَنَّهُ دَيْنٌ مَجْهُولٌ. قَالَ (وَإِنْ اسْتَصْنَعَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ أَجَلٍ جَازَ اسْتِحْسَانًا) لِلْإِجْمَاعِ الثَّابِتِ بِالتَّعَامُلِ. وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ بَيْعُ الْمَعْدُومِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعًا لَا عِدَةً، ـــــــــــــــــــــــــــــQ «مَنْ أَسْلَمَ مِنْكُمْ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ» الْحَدِيثَ، وَحِينَئِذٍ كَانَ مِثْلَ قَوْلِنَا كُلُّ إنْسَانٍ نَاطِقٌ وَهُوَ يَنْعَكِسُ إلَى قَوْلِنَا كُلُّ مَا لَيْسَ بِإِنْسَانٍ لَيْسَ بِنَاطِقٍ. وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ تَقْدِيمَ الْقَاعِدَةِ عَلَى الْفُرُوعِ يَلِيقُ بِوَضْعِ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَأَمَّا فِي الْفِقْهِ فَالْمَقْصُودُ مَعْرِفَةُ الْمَسَائِلِ الْجُزْئِيَّةِ فَتُقَدَّمُ الْفُرُوعُ ثُمَّ يُذْكَرُ مَا هُوَ الْأَصْلُ الْجَامِعُ لِلْفُرُوعِ الْمُتَقَدِّمَةِ. (وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي طَسْتٍ أَوْ قُمْقُمٍ أَوْ خُفَّيْنِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ إذَا اجْتَمَعَ فِيهَا شَرَائِطُ السَّلَمِ، وَإِلَّا فَلَا خَيْرَ فِيهِ) أَيْ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ خَيْرٌ فَيَنْتَفِي. قَالَ (وَإِنْ اسْتَصْنَعَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ ذِكْرِ الْأَجَلِ جَازَ إلَخْ) الِاسْتِصْنَاعُ هُوَ أَنْ يَجِيءَ إنْسَانٌ إلَى صَانِعٍ فَيَقُولَ اصْنَعْ لِي شَيْئًا صُورَتُهُ كَذَا وَقَدْرُهُ كَذَا بِكَذَا دِرْهَمًا وَيُسْلِمُ إلَيْهِ جَمِيعَ الدَّرَاهِمِ أَوْ بَعْضَهَا أَوْ لَا يُسْلِمُ، وَهُوَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فِيمَا فِيهِ تَعَامُلٌ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ: أَيْ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ طَسْتٍ وَقُمْقُمٍ وَخُفَّيْنِ أَوْ لَا. وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا كَمَا سَيَجِيءُ وَالْأَوَّلُ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي عَدَمَ جَوَازِهِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الْمَعْدُومِ، وَقَدْ نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ، وَهَذَا لَيْسَ بِسَلَمٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُضْرَبْ لَهُ أَجَلٌ، إلَيْهِ أَشَارَ قَوْلُهُ: بِغَيْرِ أَجَلٍ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ الْإِجْمَاعُ الثَّابِتُ بِالتَّعَامُلِ، فَإِنَّ النَّاسَ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ تَعَارَفُوا الِاسْتِصْنَاعَ فِيمَا فِيهِ تَعَامُلٌ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ بِمِثْلِهِ كَدُخُولِ الْحَمَّامِ، وَلَا يُشْكِلُ بِالْمُزَارَعَةِ فَإِنَّ فِيهَا لِلنَّاسِ تَعَامُلًا، وَهِيَ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهَا كَانَ ثَابِتًا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ دُونَ الِاسْتِصْنَاعِ. وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِهِ هَلْ هُوَ بَيْعٌ أَوْ عِدَةٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ بَيْعٌ لَا عِدَةٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَامَّةِ مَشَايِخِنَا، وَكَانَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ يَقُولُ: هُوَ مُوَاعَدَةٌ يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ بِالتَّعَاطِي إذَا جَاءَ بِهِ مَفْرُوغًا، وَلِهَذَا يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ. وَجْهُ الْعَامَّةِ أَنَّهُ سَمَّاهُ فِي الْكِتَابِ بَيْعًا وَأَثْبَتَ فِيهِ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ، وَذَكَرَ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ فِيمَا فِيهِ تَعَامُلٌ لَا فِيمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ، كَمَا إذَا طَلَبَ مِنْ الْحَائِكِ أَنْ يَنْسِجَ لَهُ ثَوْبًا بِغَزْلٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ الْخَيَّاطِ أَنْ يَخِيطَ لَهُ قَمِيصًا بِكِرْبَاسَ مِنْ عِنْدِهِ، وَالْمُوَاعَدَةُ تَجُوزُ فِي الْكُلِّ، وَثُبُوتُ الْخِيَارِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا لَا يَدُلُّ عَلَى الْمُوَاعَدَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا إذَا تَبَايَعَا عَرَضَا بِعَرْضٍ وَلَمْ يَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا اشْتَرَاهُ فَإِنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارَ وَهُوَ بَيْعٌ مَحْضٌ لَا مَحَالَةَ.

وَالْمَعْدُومُ قَدْ يُعْتَبَرُ مَوْجُودًا حُكْمًا، وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْعَيْنُ دُونَ الْعَمَلِ، حَتَّى لَوْ جَاءَ بِهِ مَفْرُوغًا لَا مِنْ صَنْعَتِهِ أَوْ مِنْ صَنْعَتِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَأَخَذَهُ جَازَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيْعًا وَالْمَعْدُومُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَبِيعًا. أَجَابَ (بِأَنَّ الْمَعْدُومَ قَدْ يُعْتَبَرُ مَوْجُودًا حُكْمًا) كَالنَّاسِي لِلتَّسْمِيَةِ عِنْدَ الذَّبْحِ، فَإِنَّ التَّسْمِيَةَ جُعِلَتْ مَوْجُودَةً لِعُذْرِ النِّسْيَانِ، وَالطَّهَارَةِ لِلْمُسْتَحَاضَةِ جُعِلَتْ مَوْجُودَةً لِعُذْرِ جَوَازِ الصَّلَوَاتِ لِئَلَّا تَتَضَاعَفَ الْوَاجِبَاتُ، فَكَذَلِكَ الْمُسْتَصْنَعُ الْمَعْدُومُ جُعِلَ مَوْجُودًا حُكْمًا لِلتَّعَامُلِ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ أَنْ لَوْ كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُوَ الْعَيْنَ الْمُسْتَصْنَعَ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُوَ الصُّنْعَ. أَجَابَ (بِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الْعَيْنُ دُونَ الْعَمَلِ، حَتَّى لَوْ جَاءَ بِهِ مَفْرُوغًا لَا مِنْ صَنْعَتِهِ أَوْ مِنْ صَنْعَتِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَأَخَذَهُ جَازَ) وَفِيهِ نَفْيٌ لِقَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ الْبَرْدَعِيِّ فَإِنَّهُ يَقُولُ: الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُوَ الْعَمَلُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِصْنَاعَ طَلَبُ الصُّنْعِ وَهُوَ الْعَمَلُ. وَعُورِضَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْعًا لَمَا بَطَلَ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَكِنَّهُ يَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، ذَكَرَهُ فِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ لِلِاسْتِصْنَاعِ شَبَهًا بِالْإِجَارَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهِ طَلَبَ الصُّنْعِ وَهُوَ الْعَمَلُ، وَشَبَهًا بِالْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ إنَّ

وَلَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِالِاخْتِيَارِ، حَتَّى لَوْ بَاعَهُ الصَّانِعُ قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ الْمُسْتَصْنِعُ جَازَ، وَهَذَا كُلُّهُ هُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ (وَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ، إنْ شَاءَ أَخَذَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ) لِأَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ وَلَا خِيَارَ لِلصَّانِعِ، كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، لِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إلَّا بِضَرَرٍ وَهُوَ قَطْعُ الصَّرْمِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُمَا. أَمَّا الصَّانِعُ فَلِمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا الْمُسْتَصْنِعُ فَلِأَنَّ فِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ لَهُ إضْرَارًا بِالصَّانِعِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَشْتَرِيهِ غَيْرُهُ بِمِثْلِهِ وَلَا يَجُوزُ فِيمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ لِلنَّاسِ كَالثِّيَابِ لِعَدَمِ الْمُجَوَّزِ وَفِيمَا فِيهِ تَعَامُلٌ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا أَمْكَنَ إعْلَامُهُ بِالْوَصْفِ لِيُمْكِنَ التَّسْلِيمُ، وَإِنَّمَا قَالَ بِغَيْرِ أَجَلٍ لِأَنَّهُ لَوْ ضَرَبَ الْأَجَلَ فِيمَا فِيهِ تَعَامُلٌ يَصِيرُ سَلَمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَلَوْ ضَرَبَهُ فِيمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ يَصِيرُ سَلَمًا بِالِاتِّفَاقِ. لَهُمَا أَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ لِلِاسْتِصْنَاعِ فَيُحَافَظُ عَلَى قَضِيَّتِهِ وَيُحْمَلُ الْأَجَلُ عَلَى التَّعْجِيلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَقْصُودَ مِنْهُ الْعَيْنُ الْمُسْتَصْنَعُ، فَلِشَبَهِهِ بِالْإِجَارَةِ قُلْنَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلِشَبَهِهِ بِالْبَيْعِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ أَجْرَيْنَا فِيهِ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ وَأَثْبَتْنَا خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَلَمْ نُوجِبْ تَعْجِيلَ الثَّمَنِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ كَمَا فِي الْبَيْعِ. فَإِنْ قِيلَ: أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الصَّبَّاغِ، فَإِنَّ فِي الصَّبْغِ الْعَمَلَ وَالْعَيْنَ كَمَا فِي الِاسْتِصْنَاعِ، وَذَلِكَ إجَارَةٌ مَحْضَةٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ الصَّبْغَ أَصْلٌ وَالصَّبْغُ آلَتُهُ فَكَانَ الْمَقْصُودُ فِيهِ الْعَمَلَ وَذَلِكَ إجَارَةٌ وَرَدَتْ عَلَى الْعَمَلِ فِي عَيْنِ الْمُسْتَأْجَرِ، وَهَاهُنَا الْأَصْلُ هُوَ الْعَيْنُ الْمُسْتَصْنَعُ الْمَمْلُوكُ لِلصَّانِعِ فَيَكُونُ بَيْعًا، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ وُجُودٌ مِنْ حَيْثُ وَصْفُهُ إلَّا بِالْعَمَلِ أَشْبَهَ الْإِجَارَةَ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ لَا غَيْرُ (وَلَا يَتَعَيَّنُ) الْمُسْتَصْنَعُ (إلَّا بِاخْتِيَارِ) الْمُسْتَصْنِعِ (حَتَّى لَوْ بَاعَهُ الصَّانِعُ قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ الْمُسْتَصْنِعُ جَازَ وَهَذَا كُلُّهُ) أَيْ كَوْنُهُ بَيْعًا لَا عِدَةً، وَكَوْنُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ هُوَ الْعَيْنَ دُونَ الْعَمَلِ، وَعَدَمُ تَعَيُّنِهِ إلَّا بِاخْتِيَارِهِ (هُوَ الصَّحِيحُ) وَهُوَ احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ فِي كُلٍّ مِنْهَا عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ. قَالَ (وَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ إلَخْ) أَيْ الْمُسْتَصْنِعُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ وَمَنْ هُوَ كَذَلِكَ فَلَهُ الْخِيَارُ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا خِيَارَ لِلصَّانِعِ، كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ، فَيُجْبَرُ عَلَى الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ بَائِعٌ بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ وَمَنْ هُوَ كَذَلِكَ لَا خِيَارَ لَهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ بِنَاءً عَلَى جَعْلِهِ بَيْعًا لَا عِدَةً. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ أَيْضًا إنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إلَّا بِضَرَرٍ وَهُوَ قَطْعُ الصَّرْمِ وَإِتْلَافُ الْخَيْطِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُمَا. أَمَّا الصَّانِعُ فَلِمَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا، وَأَمَّا الْمُسْتَصْنِعُ فَلِأَنَّ الصَّانِعَ أَتْلَفَ مَالَهُ بِقَطْعِ الصَّرْمِ وَغَيْرِهِ لِيَصِلَ إلَى بَدَلِهِ، فَلَوْ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ تَضَرَّرَ الصَّانِعُ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَشْتَرِيهِ بِمِثْلِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَاعِظَ إذَا اسْتَصْنَعَ مِنْبَرًا وَلَمْ يَأْخُذْهُ فَالْعَامِّيُّ لَا يَشْتَرِيهِ أَصْلًا. فَإِنْ قِيلَ: الضَّرَرُ حَصَلَ بِرِضَاهُ فَلَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا. أُجِيبَ بِجَوَازٍ أَنْ يَكُونَ الرِّضَا عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْمُسْتَصْنِعَ مَجْبُورٌ عَلَى الْقَبُولِ فَلَمَّا عَلِمَ اخْتِيَارَهُ عَدَمَ رِضَاهُ. فَإِنْ قِيلَ: ذَلِكَ لِجَهْلٍ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ عُذْرًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. أُجِيبَ بِأَنَّ خِيَارَ الْمُسْتَصْنِعِ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَلَمْ يَجِبْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ

بِخِلَافِ مَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ لِأَنَّهُ اسْتِصْنَاعٌ فَاسِدٌ فَيُحْمَلُ عَلَى السَّلَمِ الصَّحِيحِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ دَيْنٌ يَحْتَمِلُ السَّلَمَ، وَجَوَازُ السَّلَمِ بِإِجْمَاعٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَفِي تَعَامُلِهِمْ الِاسْتِصْنَاعُ نَوْعُ شُبْهَةٍ فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَى السَّلَمِ أَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِسْلَامِ عِلْمُ أَقْوَالِ جَمِيعِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَإِنَّمَا الْجَهْلُ لَيْسَ بِعُذْرٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي الْفَرَائِضِ الَّتِي لَا بُدَّ لِإِقَامَةِ الدِّينِ مِنْهَا لَا فِي حِيَازَةِ اجْتِهَادِ جَمِيعِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْأَبِ وَالْجَدِّ إذَا زَوَّجَ الصَّغِيرَةَ بِحُرٍّ ثُمَّ بَلَغَتْ فَإِنَّ لَهَا خِيَارَ الْبُلُوغِ، فَإِنْ سَكَتَتْ لِجَهْلِهَا بِأَنَّ لَهَا الْخِيَارَ بَطَلَ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَيْسَ بِعُذْرٍ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْفَرَائِضِ الَّتِي لَا بُدَّ لِإِقَامَةِ الدِّينِ مِنْهَا، وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِصْنَاعُ فِيمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ الثِّيَابِ وَالْقُمْصَانِ إبْقَاءً لَهُ عَلَى الْقِيَاسِ السَّالِمِ عَنْ مُعَارَضَةِ الِاسْتِحْسَانِ بِالْإِجْمَاعِ. وَقَوْلُهُ: بِغَيْرِ أَجَلٍ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا ضُرِبَ لَهُ أَجَلٌ فِيمَا فِيهِ تَعَامُلٌ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ سَلَمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافًا لَهُمَا. وَأَمَّا إذَا ضُرِبَ الْأَجَلُ فِيمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ سَلَمًا بِالِاتِّفَاقِ، وَالْمُرَادُ بِضَرْبِ الْأَجَلِ مَا ذَكَرَهُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِمْهَالِ، أَمَّا الْمَذْكُورُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعْجَالِ بِأَنْ قَالَ عَلَى أَنْ يَفْرُغَ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ لَا يُصَيِّرُهُ سَلَمًا؛ لِأَنَّ ذِكْرَهُ حِينَئِذٍ لِلْفَرَاغِ لَا لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ بِالتَّسْلِيمِ وَيُحْكَى عَنْ الْهِنْدُوَانِيِّ أَنَّ ذِكْرَ الْمُدَّةِ إنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْمُسْتَصْنِعِ فَهُوَ لِلِاسْتِعْجَالِ فَلَا يَصِيرُ بِهِ سَلَمًا، وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الصَّانِعِ فَهُوَ سَلَمٌ؛ لِأَنَّهُ يَذْكُرُهُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِمْهَالِ، وَفِيمَا إذَا صَارَ سَلَمًا يُعْتَبَرُ شَرَائِطُ السَّلَمِ الْمَذْكُورَةِ لَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ فِي الِاسْتِصْنَاعِ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ ذِكْرَ الِاسْتِصْنَاعِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ سَلَمًا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ فِيهِ وَهُوَ مُمْكِنُ الْعَمَلِ، وَذِكْرُ الْأَجَلِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ سَلَمًا لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمُحَكَّمٍ فِيهِ بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلتَّعْجِيلِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ اجْتَمَعَ الْمُحَكَّمُ وَالْمُحْتَمَلُ فَيُحْمَلُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ (بِخِلَافِ مَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ فَإِنَّهُ اسْتِصْنَاعٌ فَاسِدٌ فَيُحْمَلُ عَلَى السَّلَمِ الصَّحِيحِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ دَيْنٌ يَحْتَمِلُ السَّلَمِ) وَتَقْرِيرُهُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ اللَّفْظَ مُحَكَّمٌ فِي الِاسْتِصْنَاعِ، فَإِنَّ ذِكْرَ الْأَجَلِ أَدْخَلَهُ فِي حَيِّزِ الِاحْتِمَالِ، وَإِذَا كَانَ مُحْتَمِلًا لِلْأَمْرَيْنِ كَانَ حَمْلُهُ عَلَى السَّلَمِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ جَوَازَهُ بِالْإِجْمَاعِ بِلَا شُبْهَةٍ فِيهِ (وَفِي تَعَامُلِهِمْ الِاسْتِصْنَاعُ نَوْعُ شُبْهَةٍ) يُرِيدُ بِهِ أَنَّ فِي فِعْلِ الصَّحَابَةِ فِي تَعَامُلِهِمْ الِاسْتِصْنَاعُ شُبْهَةٌ؛ وَلِأَنَّ السَّلَمَ ثَابِتٌ بِآيَةِ الْمُدَايَنَةِ وَالسُّنَّةِ دُونَ الِاسْتِصْنَاعِ

[مسائل منثورة]

(مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ) قَالَ (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ وَالْفَهْدِ وَالسِّبَاعِ، الْمُعَلَّمُ وَغَيْرُ الْمُعَلَّمِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ الْعَقُورِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ، لِقَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ] أَيْ هَذِهِ مَسَائِلُ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ نُثِرَتْ عَنْ أَبْوَابِهَا وَلَمْ تُذْكَرْ ثَمَّةَ فَاسْتُدْرِكَتْ بِذِكْرِهَا هَاهُنَا. قَالَ (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ وَالْفَهْدِ وَالسِّبَاعِ) بَيْعُ الْكَلْبِ وَكُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ جَائِزٌ مُعَلَّمًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُعَلَّمٍ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ، أَمَّا الْكَلْبُ الْمُعَلَّمُ فَلَا شَكَّ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ؛ لِأَنَّهُ آلَةُ الْحِرَاسَةِ وَالِاصْطِيَادِ فَيَكُونُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ حَقِيقَةً وَشَرْعًا فَيَكُونُ مَالًا. وَأَمَّا غَيْرُ الْمُعَلَّمِ فَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُنْتَفَعَ بِهِ بِغَيْرِ الِاصْطِيَادِ، فَإِنَّ كُلَّ كَلْبٍ يَحْفَظُ بَيْتَ صَاحِبِهِ وَيَمْنَعُ الْأَجَانِبَ عَنْ الدُّخُولِ فِي بَيْتِهِ وَيُخْبِرُ عَنْ الْجَائِي بِنُبَاحِهِ فَسَاوَى الْمُعَلَّمَ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ بَيْعَ الْكَلْبِ الْعَقُورِ) أَيْ الْجَارِحِ (لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ) وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ إمْسَاكِهِ وَأَمَرَ بِقَتْلِهِ. قُلْنَا: كَانَ قَبْلَ وُرُودِ الرُّخْصَةِ فِي اقْتِنَاءِ الْكَلْبِ لِلصَّيْدِ أَوْ لِلْمَاشِيَةِ أَوْ لِلزَّرْعِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ؛ لِقَوْلِهِ

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ مِنْ السُّحْتِ مَهْرَ الْبَغِيِّ وَثَمَنَ الْكَلْبِ» وَلِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ وَالنَّجَاسَةُ تُشْعِرُ بِهَوَانِ الْمَحَلِّ وَجَوَازُ الْبَيْعِ يُشْعِرُ بِإِعْزَازِهِ فَكَانَ مُنْتَفِيًا. وَلَنَا «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْكَلْبِ إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ» ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ مِنْ السُّحْتِ مَهْرَ الْبَغِيِّ وَثَمَنَ الْكَلْبِ» ) السُّحْتُ: هُوَ الْحَرَامُ. وَالْبَغِيُّ: الزَّانِيَةُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ وَتَرْكُ التَّاءِ إلْحَاقًا بِفَعِيلٍ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَقَوْلِهِمْ مِلْحَفَةٌ جَدِيدٌ. (وَلِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ) بِدَلَالَةِ نَجَاسَةِ سُؤْرِهِ فَإِنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ اللَّحْمِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ تُشْعِرُ بِهَوَانِ الْمَحَلِّ، وَجَوَازُ الْبَيْعِ بِإِعْزَازِهِ فَكَانَا مُتَنَافِيَيْنِ وَالنَّجَاسَةُ ثَابِتَةٌ فَكَانَ الْبَيْعُ مُنْتَفِيًا (وَلَنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْكَلْبِ إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ» ) وَهِيَ الَّتِي تَحْرُسُ الْمَوَاشِيَ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الدَّلِيلَ أَخَصُّ مِنْ الْمُدَّعَى، فَإِنَّ الْمُدَّعَى جَوَازُ بَيْعِ الْكِلَابِ مُطْلَقًا، وَالدَّلِيلُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ كَلْبِ الصَّيْدِ وَالْمَاشِيَةِ لَا غَيْرُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذِكْرَهُ لِإِبْطَالِ شُمُولِ الْعَدَمِ الَّذِي هُوَ مُدَّعَى الْخَصْمِ، وَأَمَّا إثْبَاتُ الْمُدَّعَى فَثَابِتٌ بِحَدِيثٍ ذَكَرَهُ فِي الْأَسْرَارِ بِرِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كَلْبٍ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا» مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصِهِ بِنَوْعٍ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الطَّحَاوِيَّ حَدَّثَ فِي شَرْحِ الْآثَارِ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو «أَنَّهُ قَضَى فِي كَلْبِ صَيْدٍ قَتَلَهُ رَجُلٌ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا» وَهَذَا مَخْصُوصٌ بِنَوْعٍ كَمَا تَرَى. وَقِيلَ الِاسْتِدْلَال

وَلِأَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ حِرَاسَةً وَاصْطِيَادًا فَكَانَ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، بِخِلَافِ الْهَوَامِّ الْمُؤْذِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ قَلْعًا لَهُمْ عَنْ الِاقْتِنَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ وَغَيْرِ الْمُعَلَّمِ سِوَى الْعَقُورِ، وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي مُلْحَقٌ بِهِ دَلَالَةً (وَلِأَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ حِرَاسَةً وَاصْطِيَادًا) لَفٌّ وَنَشْرٌ (فَكَانَ مَالًا فَيَجُوزُ بَيْعُهُ) . وَاعْتُرِضَ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِمَنَافِعِ الْكَلْبِ لَا بِعَيْنِهِ، وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى مَالِيَّةِ عَيْنِهِ كَالْآدَمِيِّ يُنْتَفَعُ بِمَنَافِعِهِ بِالْإِجَارَةِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ. وَالثَّانِي أَنَّ شَعْرَ الْخِنْزِيرِ يَنْتَفِعُ بِهِ الْأَسَاكِفَةُ وَلَيْسَ بِمَالٍ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِمَنْفَعَةِ الْكَلْبِ يَقَعُ تَبَعًا لِمِلْكِ الْعَيْنِ لَا قَصْدًا فِي الْمَنْفَعَةِ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُورَثُ وَالْمَنْفَعَةُ وَحْدَهَا لَا تُورَثُ فَجَرَى مَجْرَى الِانْتِفَاعِ بِمَنَافِع الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَجَمِيعِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْخِنْزِيرَ مُحَرَّمُ الْعَيْنِ شَرْعًا فَثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ فِي كُلِّ جُزْءٍ وَسَقَطَ التَّقَوُّمُ وَالْإِبَاحَةُ لِضَرُورَةِ الْخَرَزِ لَا تَدُلُّ عَلَى رَفْعِ الْحُرْمَةِ فِيمَا عَدَاهَا كَإِبَاحَةِ لَحْمِهِ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ مَنَاطَ الْحُكْمِ الِانْتِفَاعُ ثَبَتَ فِي الْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَالذِّئْبِ، بِخِلَافِ الْهَوَامِّ الْمُؤْذِيَةِ كَالْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ وَالزَّنَابِيرِ؛ لِأَنَّهَا لَا يُنْتَفَعُ بِهَا (قَوْلُهُ: وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ) جَوَابٌ عَنْ اسْتِدْلَالِ الشَّافِعِيِّ بِالْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ، وَتَقْرِيرُهُ مَا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ رَخَّصَ فِي ثَمَنِ كَلْبِ الصَّيْدِ» وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى تَقَدُّمِ نَهْيٍ اُنْتُسِخَ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَلِفُوا اقْتِنَاءَ الْكِلَابِ، وَكَانَتْ تُؤْذِي الضِّيفَانَ وَالْغُرَبَاءَ فَنُهُوا عَنْ اقْتِنَائِهَا فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَأُمِرُوا بِقَتْلِ الْكِلَابِ وَنُهُوا عَنْ بَيْعِهَا تَحْقِيقًا لِلزَّجْرِ عَنْ الْعَادَةِ الْمَأْلُوفَةِ، ثُمَّ رُخِّصَ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي ثَمَنِ مَا يَكُونُ مُنْتَفَعًا بِهِ مِنْ الْكِلَابِ. فَالْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ هُوَ الَّذِي كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: الْحَدِيثُ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ ثَمَنُ الْكَلْبِ وَالثَّمَنُ فِي الْحَقِيقَةِ لَا يَكُونُ

وَلَا نُسَلِّمُ نَجَاسَةَ الْعَيْنِ، وَلَوْ سُلِّمَ فَيَحْرُمُ التَّنَاوُلُ دُونَ الْبَيْعِ. وَقَالَ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا وَأَكْلَ ثَمَنِهَا وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّنَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا فِي الْمُبَايَعَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَا نُسَلِّمُ نَجَاسَةَ الْعَيْنِ) جَوَابٌ عَنْ اسْتِدْلَالِهِ بِالْمَعْقُولِ بِالْمَنْعِ، فَإِنَّ تَمْلِيكَهُ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ يَجُوزُ بِالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَلَيْسَ نَجِسُ الْعَيْنِ كَذَلِكَ، وَلَوْ سُلِّمَ فَيَحْرُمُ التَّنَاوُلُ دُونَ الْبَيْعِ كَالسِّرْقِينِ عِنْدَنَا عَلَى مَا سَيَجِيءُ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ إلَخْ) بَيْعُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لِلْمُسْلِمِ غَيْرُ جَائِزٍ: يَعْنِي أَنَّهُ بَاطِلٌ، وَتَقَدَّمَ وُقُوعُهُمَا مَبِيعًا وَثَمَنًا وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْبُيُوعِ. وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا وَأَكْلَ ثَمَنِهَا» قَالَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْآثَارِ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ ثَقِيفٍ يُكَنَّى أَبَا عَامِرٍ كَانَ يُهْدِي لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّ عَامٍ رَاوِيَةً مِنْ خَمْرٍ، فَأَهْدَى إلَيْهِ فِي الْعَامِ الَّذِي حُرِّمَتْ رَاوِيَةً كَمَا كَانَ يُهْدِي، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا أَبَا عَامِرٍ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ حَرَّمَ الْخَمْرَ فَلَا حَاجَةَ لَنَا بِخَمْرِك، قَالَ: فَخُذْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَبِعْهَا وَاسْتَعِنْ بِثَمَنِهَا عَلَى حَاجَتِك، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. . قَالَ (وَأَهْلُ الذِّمَّةِ فِي الْبِيَاعَاتِ كَالْمُسْلِمِينَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ «فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ» وَلِأَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ مُحْتَاجُونَ كَالْمُسْلِمِينَ. قَالَ (إلَّا فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ خَاصَّةً) فَإِنَّ عَقْدَهُمْ عَلَى الْخَمْرِ كَعَقْدِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْعَصِيرِ، وَعَقْدُهُمْ عَلَى الْخِنْزِيرِ كَعَقْدِ الْمُسْلِمِ عَلَى الشَّاةِ؛ لِأَنَّهَا أَمْوَالٌ فِي اعْتِقَادِهِمْ، وَنَحْنُ أُمِرْنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَعْتَقِدُونَ. دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ عُمَرَ: وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا وَخُذُوا الْعُشْرَ مِنْ أَثْمَانِهَا. قَالَ (وَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْ عَبْدَك مِنْ فُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَك خَمْسَمِائَةٍ مِنْ الثَّمَنِ سِوَى الْأَلْفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَا أَبَا عَامِرٍ إنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا وَأَكْلَ ثَمَنِهَا» . قَالَ (وَأَهْلُ الذِّمَّةِ فِي الْبِيَاعَاتِ كَالْمُسْلِمِينَ) قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ: لَا يَجُوزُ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ الرِّبَا وَلَا بَيْعُ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً، وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ بَيْنَهُمْ فِي الْحَيَوَانِ وَالدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ يَدًا بِيَدٍ وَلَا نَسِيئَةً وَلَا الصَّرْفُ نَسِيئَةً وَلَا الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، وَكَذَا كُلُّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ إذَا كَانَ صِنْفًا وَاحِدًا، هُمْ فِي الْبُيُوعِ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ. وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ «فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ» وَلِأَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ يَعْنِي بِالْمُعَامَلَاتِ بِالِاتِّفَاقِ مُحْتَاجُونَ إلَى مَا تَبْقَى بِهِ نُفُوسُهُمْ كَالْمُسْلِمِينَ وَلَا تَبْقَى الْأَنْفُسُ إلَّا بِالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْكِسْوَةِ وَالسُّكْنَى وَلَا تَحْصُلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ إلَّا بِمُبَاشَرَةِ الْأَسْبَابِ الْمَشْرُوعَةِ، وَمِنْهَا الْبَيْعُ فَيَكُونُ مَشْرُوعًا فِي حَقِّهِمْ كَمَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ، إلَّا الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ فَإِنَّ عَقْدَهُمْ عَلَيْهِمَا كَالْعَقْدِ عَلَى الْعَصِيرِ وَالشَّاةِ فِي كَوْنِهِمَا أَمْوَالًا مُتَقَوِّمَةً فِي اعْتِقَادِهِمْ وَنَحْنُ أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَعْتَقِدُونَ، دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِعُمَّالِهِ حِينَ حَضَرُوا إلَيْهِ وَقَالَ لَهُمْ: يَا هَؤُلَاءِ إنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تَأْخُذُونَ فِي الْجِزْيَةِ الْمَيْتَةَ وَالْخِنْزِيرَ وَالْخَمْرَ، فَقَالَ بِلَالٌ: أَجَلْ إنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، فَقَالَ: فَلَا تَفْعَلُوا ذَلِكَ، وَلَكِنْ وَلُّوا أَرْبَابَهَا بَيْعَهَا ثُمَّ خُذُوا الثَّمَنَ مِنْهُمْ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْ عَبْدَك مِنْ فُلَانٍ) صُورَتُهُ أَنْ

فَفَعَلَ فَهُوَ جَائِزٌ وَيَأْخُذُ الْأَلْفَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالْخَمْسَمِائَةِ مِنْ الضَّامِنِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَقُلْ مِنْ الثَّمَنِ جَازَ الْبَيْعُ بِأَلْفٍ وَلَا شَيْءَ عَلَى الضَّمِينِ) وَأَصْلُهُ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ جَائِزٌ عِنْدَنَا، وَتَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ لِلْعَقْدِ مِنْ وَصْفٍ مَشْرُوعٍ إلَى وَصْفٍ مَشْرُوعٍ وَهُوَ كَوْنُهُ عَدْلًا أَوْ خَاسِرًا أَوْ رَابِحًا، ثُمَّ قَدْ لَا يَسْتَفِيدُ الْمُشْتَرِي بِهَا شَيْئًا بِأَنْ زَادَ فِي الثَّمَنِ وَهُوَ يُسَاوِي الْمَبِيعَ بِدُونِهَا فَيَصِحُّ اشْتِرَاطُهَا عَلَى الْأَجْنَبِيِّ كَبَدَلِ الْخُلْعِ لَكِنْ مِنْ شَرْطِهَا الْمُقَابَلَةُ تَسْمِيَةً وَصُورَةً، فَإِذَا قَالَ مِنْ الثَّمَنِ وُجِدَ شَرْطُهَا فَيَصِحُّ، وَإِذَا لَمْ يَقُلْ لَمْ يُوجَدْ فَلَمْ يَصِحَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَطْلُبَ إنْسَانٌ مِنْ آخَرَ شِرَاءَ عَبْدِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَهُوَ لَا يَبِيعُ إلَّا بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْمُشْتَرِي لَا يَرْغَبُ فِيهِ إلَّا بِأَلْفٍ فَيَجِيءُ آخَرُ وَيَقُولُ لِصَاحِبِ الْعَبْدِ بِعْ عَبْدَك هَذَا مِنْ هَذَا الرَّجُلِ بِأَلْفٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَك خَمْسَمِائَةٍ مِنْ الثَّمَنِ سِوَى الْأَلْفِ فَهُوَ جَائِزٌ وَيَأْخُذُ الْأَلْفَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالْخَمْسَمِائَةِ مِنْ الضَّامِنِ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ مِنْ الثَّمَنِ جَازَ الْبَيْعُ بِأَلْفٍ وَلَا شَيْءَ عَلَى الضَّامِنِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَا ذَكَرَهُ بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ الْمَارِّ (أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا وَتُلْتَحَقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْإِلْحَاقَ (تَغْيِيرٌ لِلْعَقْدِ مِنْ وَصْفٍ مَشْرُوعٍ إلَى وَصْفٍ مَشْرُوعٍ وَهُوَ كَوْنُهُ عَدْلًا أَوْ خَاسِرًا أَوْ رَابِحًا ثُمَّ قَدْ لَا يَسْتَفِيدُ الْمُشْتَرِي بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ شَيْئًا بِأَنْ زَادَ فِي الثَّمَنِ وَهُوَ يُسَاوِي الْمَبِيعَ بِدُونِهَا) فَصَارَ الْفَضْلُ فِي ذَلِكَ كَبَدَلِ الْخُلْعِ فِي كَوْنِهِ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمَرْأَةِ فِي مُقَابَلَتِهِ شَيْءٌ فَجَازَ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ كَهُوَ، لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةِ الزِّيَادَةِ لِتَتَحَقَّقَ الْمُقَابَلَةُ صُورَةً وَإِنْ فَاتَتْ مَعْنًى لِيَخْرُجَ عَنْ حَيِّزِ الْحُرْمَةِ، فَإِذَا قَالَ مِنْ الثَّمَنِ وُجِدَ الشَّرْطُ فَيَصِحُّ، وَإِذَا لَمْ يَقُلْ صَارَ ذِكْرُ خَمْسِمِائَةِ مِنْ الضَّامِنِ رِشْوَةً مِنْهُ عَلَى الْبَيْعِ بِمَا سَمَّيَا مِنْ الْمَالِ، وَالرِّشْوَةُ حَرَامٌ لَا تَلْزَمُ بِالضَّمَانِ. وَاعْتُرِضَ بِأَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ كَيْفَ يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. الثَّانِي لَوْ كَانَ خَمْسَمِائَةٍ ثَمَنًا لَتَوَجَّهَتْ الْمُطَالَبَةُ بِهَا عَلَى الْمُشْتَرِي وَيَتَحَمَّلُ عَنْهُ الضَّامِنُ وَلَمْ تَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ. الثَّالِثُ أَنَّ أَصْلَ الثَّمَنِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَجِبَ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَالْمَبِيعِ لِغَيْرِهِ فَكَذَلِكَ الزِّيَادَةُ، وَالْفِكْرُ الصَّائِبُ فِي أَصْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُغْنِي عَنْ هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ وَالْجَوَابِ عَنْهَا، وَلَا بَأْسَ بِتَكْرَارِ ذَلِكَ لِلتَّحْقِيقِ، فَإِنَّ وُرُودَ السُّؤَالِ

قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى زَوَّجَهَا فَوَطِئَهَا الزَّوْجُ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ) لِوُجُودِ سَبَبِ الْوِلَايَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا كَانَ لِغُمُوضِ فَهْمِ أَصْلِ الْكَلَامِ فَجَوَابُهُ تَكْرَارُهُ، وَذَلِكَ أَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ فُضُولَ الثَّمَنِ قَدْ تَسْتَغْنِي عَنْ أَنْ تُقَابَلَ بِالْمَالِ جُزْءًا فَجُزْءًا فَجَازَ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الثَّمَنِ خَالِيًا عَمَّا يُقَابِلُهُ مِنْ الْبَدَلِ، كَالزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ يُسَاوِي الثَّمَنَ بِلَا زِيَادَةٍ فَتَكُونُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي ثَابِتَةً بِلَا بَدَلٍ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ كَبَدَلِ الْخُلْعِ، وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ بَطَلَ مِمَّنْ الْتَزَمَهُ لَا غَيْرُ، وَالْمُلْتَزِمُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ الْأَجْنَبِيُّ فَلَا يَتَوَجَّهُ الطَّلَبُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْلِ الثَّمَنِ، فَإِنَّ أَصْلَ الثَّمَنِ لَا بُدَّ وَأَنْ يُقَابِلَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ فَلَا يَكُونُ كَالزِّيَادَةِ، وَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ وُجُوبِهِ عَلَى الْغَيْرِ عَدَمُ جَوَازِ مَا لَا يَلْزَمُ وُجُوبُ شَيْءٍ فِي مُقَابَلَتِهِ. وَقَعَ فِي الْكِتَابِ وَالْخَمْسُمِائَةِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامُ فِي الْمُضَافِ دُونَ الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَقِيلَ لَا خِلَافَ فِي امْتِنَاعِهِ. وَقَالَ ابْنُ عُصْفُورٍ: بَعْضُ الْكُتَّابِ يُجِيزُونَ ذَلِكَ وَهُوَ قَلِيلٌ جِدًّا، وَقِيلَ إذَا وَرَدَ مِثْلُ هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْتَقَدَ إضَافَةُ الْخَمْسَةِ بَلْ الْجَرُّ فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ: أَيْ الْخَمْسِ خَمْسِمِائَةٍ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى زَوَّجَهَا إلَخْ) رَجُلٌ اشْتَرَى جَارِيَةً وَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى زَوَّجَهَا بِرَجُلٍ فَوَطِئَهَا الزَّوْجُ جَازَ النِّكَاحُ (لِوُجُودِ سَبَبِ الْوِلَايَةِ) لِلنِّكَاحِ

وَهُوَ الْمِلْكُ فِي الرَّقَبَةِ عَلَى الْكَمَالِ وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ. (وَهَذَا قَبْضٌ) لِأَنَّ وَطْءَ الزَّوْجِ حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ جِهَتِهِ فَصَارَ فِعْلُهُ كَفِعْلِهِ (إنْ لَمْ يَطَأْهَا فَلَيْسَ بِقَبْضٍ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَصِيرَ قَابِضًا؛ لِأَنَّهُ تَعْيِيبٌ حُكْمِيٌّ فَيُعْتَبَرُ بِالتَّعْيِيبِ الْحَقِيقِيِّ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ فِي الْحَقِيقِيِّ اسْتِيلَاءً عَلَى الْمَحَلِّ وَبِهِ يَصِيرُ قَابِضًا وَلَا كَذَلِكَ الْحُكْمِيُّ فَافْتَرَقَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ الْمِلْكُ فِي الرَّقَبَةِ عَلَى الْكَمَالِ) وَمَا ثَمَّةَ مَانِعٌ عَنْ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ إنَّمَا يَكُونُ عَنْ تَصَرُّفٍ يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالنِّكَاحُ لَيْسَ كَذَلِكَ. وَهَذَا التَّزْوِيجُ يَكُونُ قَبْضًا؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَمَّا كَانَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي كَانَ فِعْلُهُ كَفِعْلِهِ (وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا) الزَّوْجُ (فَلَيْسَ) أَيْ مُجَرَّدُ التَّزْوِيجِ (قَبْضًا) اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ هُوَ قَبْضٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، حَتَّى إنْ هَلَكَتْ بَعْدَ ذَلِكَ هَلَكَتْ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ عَيْبٌ حُكْمِيٌّ، حَتَّى لَوْ وَجَدَهَا الْمُشْتَرِي ذَاتَ زَوْجٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا، وَالْمُشْتَرِي إذَا عَيَّبَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ صَارَ قَابِضًا فَصَارَ كَالْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالتَّعْيِيبُ الْحَقِيقِيُّ كَقَطْعِ الْيَدِ وَفَقْءِ الْعَيْنِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ فِي التَّعْيِيبِ الْحَقِيقِيِّ اسْتِيلَاءً عَلَى الْمَحَلِّ بِاتِّصَالِ فِعْلٍ مِنْهُ إلَيْهِ وَبِهِ يَصِيرُ قَابِضًا، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِيِّ فَلَا يَصِيرُ قَابِضًا،

قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَغَابَ فَأَقَامَ الْبَائِعُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ بَاعَهَا إيَّاهُ، فَإِنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ مَعْرُوفَةً لَمْ يُبَعْ فِي دَيْنِ الْبَائِعِ) لِأَنَّهُ يُمْكِنُ إيصَالُ الْبَائِعِ إلَى حَقِّهِ بِدُونِ الْبَيْعِ، وَفِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمُشْتَرِي (وَإِنْ لَمْ يَدْرِ أَيْنَ هُوَ بِيعَ الْعَبْدُ وَأَوْفَى الثَّمَنَ) لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي ظَهَرَ بِإِقْرَارِهِ فَيَظْهَرُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ مَشْغُولًا بِحَقِّهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْإِعْتَاقُ وَالتَّدْبِيرُ إتْلَافٌ لِلْمَالِيَّةِ وَإِنْهَاءٌ لِلْمِلْكِ وَلِهَذَا يَثْبُتُ لَهُ الْوَلَاءُ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ أَنْ يَصِيرَ قَابِضًا. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَغَابَ الْمُشْتَرِي إلَخْ) رَجُلٌ اشْتَرَى مَنْقُولًا فَغَابَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ وَطَلَبَ الْبَائِعُ مِنْ الْقَاضِي بَيْعَ الْعَبْدِ بِثَمَنِهِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى ذَلِكَ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ دَفْعًا لِلتُّهْمَةِ، فَإِذَا أَقَامَهَا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ الْغَيْبَةُ مَعْرُوفَةً أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَمْ يَبِعْهُ فِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ وُصُولَ الْبَائِعِ إلَى حَقِّهِ بِدُونِ الْبَيْعِ مُمْكِنٌ وَفِي الْبَيْعِ إبْطَالُ حَقِّ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي بَاعَ الْعَبْدَ وَأَدَّى الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي ظَهَرَ بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ فَيَظْهَرُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أُقِرَّ بِهِ وَقَدْ أُقِرَّ بِهِ مَشْغُولًا بِحَقِّهِ فَيُعْتَبَرُ كَذَلِكَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي يَدِهِ وَالْقَوْلُ: قَوْلُ الْإِنْسَانِ فِيمَا فِي يَدِهِ، فَلَوْ ادَّعَى الْمِلْكَ كَانَ مَسْمُوعًا، وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ كَامِلًا صَحَّ بِحُكْمِ الْيَدِ، فَكَذَا إذَا أَقَرَّ بِهِ نَاقِصًا مَشْغُولًا بِحَقِّهِ وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ نَاقِصًا عَلَى وَجْهٍ يَقْتَضِي الِاسْتِيفَاءَ وَقَدْ تَعَذَّرَ فَيَبِيعُهُ الْقَاضِي فِيهِ، كَالرَّاهِنِ إذَا مَاتَ فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ أَحَقُّ بِالْمَرْهُونِ يُبَاعُ فِي دَيْنِهِ إنْ تَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ، وَالْمُشْتَرِي إذَا مَاتَ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ مُفْلِسًا فَإِنَّ الْمَبِيعَ يُبَاعُ فِي ثَمَنِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ فَإِنَّ بَيِّنَةَ الْبَائِعِ لَمْ تُقْبَلْ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ لَمْ يَبْقَ مُتَعَلِّقًا بِهِ بَلْ هُوَ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي فَتَكُونُ الْبَيِّنَةُ لِإِثْبَاتِ الدَّيْنِ وَالْإِثْبَاتُ عَلَى الْغَائِبِ مُمْتَنِعٌ عِنْدَنَا. وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْغَائِبِ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا تَعْتَمِدُ إنْكَارَ الْخَصْمِ وَذَلِكَ مِنْ الْغَائِبِ مَجْهُولٌ. الثَّانِي أَنَّ الْقَوْلَ بِجَوَازِ الْبَيْعِ قَوْلٌ بِجَوَازِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بُطْلَانُهُ. الثَّالِثُ أَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ بِزَوَالِ الْمِلْكِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ، وَفِي ذَلِكَ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ مَقْبُوضًا وَغَيْرَ مَقْبُوضٍ فَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا تَحَكُّمٌ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ كَمَا ذَكَرْنَا لِنَفْيِ التُّهْمَةِ لَا لِلْقَضَاءِ، وَإِنَّمَا الْقَاضِي يَقْضِي بِمُوجِبِ إقْرَارِ الْمُقِرِّ بِمَا فِي يَدِهِ، وَفِي ذَلِكَ لَا يُحْتَاجُ إلَى إنْكَارِ الْخَصْمِ. وَعَنْ الثَّانِي مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ إنَّ الْقَاضِيَ يُنَصِّبُ مَنْ يَقْبِضُ الْعَبْدَ لِلْمُشْتَرِي ثُمَّ يَبِيعُ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْقَاضِي كَبَيْعِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَجُوزُ قَبْلَ الْقَبْضِ. وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ فَكَذَا مَنْ يُجْعَلُ وَكِيلًا عَنْهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّ الْبَائِعِ وَقَدْ يُتَسَامَحُ بِتَأْخِيرِهِ. وَالثَّانِي أَنَّ الْبَيْعَ هَاهُنَا غَيْرُ مَقْصُودٍ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ النَّظَرُ لِلْبَائِعِ إحْيَاءً لِحَقِّهِ وَالْبَيْعُ يَحْصُلُ ضِمْنًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ ضِمْنًا مَا لَا يَثْبُتُ قَصْدًا. وَعَنْ الثَّالِثِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ هَذَا لَيْسَ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ، وَإِنَّمَا هُوَ قَضَاءٌ عَلَى الْحَاضِرِ بِالْإِقْرَارِ بِمَا فِي يَدِهِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا لَمْ يَقْبِضْهُ الْمُشْتَرِي،

وَإِذَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي يَبِيعُهُ الْقَاضِي فِيهِ كَالرَّاهِنِ إذَا مَاتَ وَالْمُشْتَرِي إذَا مَاتَ مُفْلِسًا وَالْمَبِيعُ لَمْ يُقْبَضْ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ لَمْ يَبْقَ مُتَعَلِّقًا بِهِ، ثُمَّ إنْ فَضَلَ شَيْءٌ يُمْسَكُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ حَقِّهِ وَإِنْ نَقَصَ يَتْبَعُ هُوَ أَيْضًا. قَالَ (فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي اثْنَيْنِ فَغَابَ أَحَدُهُمَا فَلِلْحَاضِرِ أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ كُلَّهُ وَيَقْبِضَهُ، وَإِذَا حَضَرَ الْآخَرُ لَمْ يَأْخُذْ نَصِيبَهُ حَتَّى يَنْقُدَ شَرِيكُهُ الثَّمَنَ كُلَّهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا دَفَعَ الْحَاضِرُ الثَّمَنَ كُلَّهُ لَمْ يَقْبِضْ إلَّا نَصِيبَهُ وَكَانَ مُتَطَوِّعًا بِمَا أَدَّى عَنْ صَاحِبِهِ) لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ فَلَا يَقْبِضُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَأَمَّا إذَا قَبَضَهُ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ ظَهَرَ الْفَرْقُ وَانْدَفَعَ التَّحَكُّمُ (ثُمَّ إذَا بَاعَهُ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ يُمْسَكُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ حَقِّهِ، وَإِنْ نَقَصَ يُتْبَعُ هُوَ) أَيْ يَتْبَعُ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي اثْنَيْنِ فَغَابَ أَحَدُهُمَا فَالْحَاضِرُ لَا يَمْلِكُ قَبْضَ نَصِيبِهِ حَتَّى يَنْقُدَ جَمِيعَ الثَّمَنِ، فَإِذَا نَقَدَهُ أُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَى قَبُولِ نَصِيبِ الْغَائِبِ وَتَسْلِيمِ نَصِيبِ الْغَائِبِ مِنْ الْعَبْدِ إلَى الْحَاضِرِ، وَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ فَلِلْحَاضِرِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمَا نَقَدَهُ لِأَجْلِهِ، وَلَهُ أَنْ يَحْبِسَ نَصِيبَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مَا نَقَدَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى قَبُولِ نَصِيبِ الْغَائِبِ مِنْ الثَّمَنِ، وَلَوْ قَبِلَ لَا يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ نَصِيبِهِ مِنْ الْعَبْدِ وَالْحَاضِرُ لَا يَقْبِضُ إلَّا نَصِيبَهُ مُهَايَأَةً لَا غَيْرُ، فَإِذَا قَبَضَ الْحَاضِرُ الْعَبْدَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْغَائِبِ إذَا حَضَرَ بِمَا نَقَدَهُ لِأَجْلِهِ، وَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ عَلَى ذَلِكَ (وَكَانَ مُتَطَوِّعًا بِمَا أَدَّى عَنْ صَاحِبِهِ) ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَلَا رُجُوعَ فِي ذَلِكَ (وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ) فَلَيْسَ لَهُ الْقَبْضُ

وَلَهُمَا أَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ بِنَصِيبِهِ إلَّا بِأَدَاءِ جَمِيعِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَهُ حَقُّ الْحَبْسِ مَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْهُ، وَالْمُضْطَرُّ يَرْجِعُ كَمُعِيرِ الرَّهْنِ، وَإِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ عَنْهُ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إذَا قَضَى الثَّمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِأَلْفِ مِثْقَالِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فَهُمَا نِصْفَانِ) لِأَنَّهُ أَضَافَ الْمِثْقَالَ إلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ فَيَجِبُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسُمِائَةِ مِثْقَالٍ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَبِمِثْلِهِ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِأَلْفٍ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ يَجِبُ مِنْ الذَّهَبِ مَثَاقِيلُ وَمِنْ الْفِضَّةِ دَرَاهِمُ وَزْنُ سَبْعَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَهُمَا أَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ بِنَصِيبِهِ إلَّا بِأَدَاءِ جَمِيعِ الثَّمَنِ لِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ، وَلِكَوْنِ الْبَائِعِ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ مَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْهُ وَالْمُضْطَرُّ يَرْجِعُ كَمُعِيرِ الرَّهْنِ) فَإِنَّ مَنْ أَعَارَ شَيْئًا رَجُلًا لِيَرْهَنَهُ فَرَهَنَهُ ثُمَّ أَفْلَسَ الرَّاهِنُ وَهُوَ الْمُسْتَعِيرُ أَوْ غَابَ فَافْتَكَّهُ الْمُعِيرُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا أَدَّى وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَضَاءَ دَيْنِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لِاضْطِرَارِهِ فِي الْقَضَاءِ، وَهَذَا مِمَّا لَا يُنْكَرُ فَإِنَّ لِلضَّرُورَاتِ أَحْكَامًا. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ التَّعْلِيلُ بِالِاضْطِرَارِ صَحِيحًا لَمَا اخْتَلَفَ الْحُكْمُ بَيْنَ حَالَةِ حُضُورِ الشَّرِيكِ وَغَيْبَتِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ إلَّا بَعْدَ نَقْدِ صَاحِبِهِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الِاضْطِرَارَ فِي حَالَةِ حُضُورِهِ مَفْقُودٌ لِإِمْكَانِ أَنْ يُخَاصِمَهُ إلَى الْحَاكِمِ لِيَنْقُدَ نَصِيبَهُ مِنْ الثَّمَنِ فَيَتَمَكَّنَ هُوَ مِنْ قَبْضِ نَصِيبِهِ مِنْ الْعَبْدِ بِخِلَافِ حَالِ غَيْبَتِهِ، وَعَلَى هَذَا ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ وَبَيْنَ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا فَغَابَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ نَقْدِ الْأُجْرَةِ لِصَاحِبِ الدَّارِ فَنَقَدَ الْحَاضِرُ كُلَّ الْأُجْرَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِالْإِجْمَاعِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُضْطَرٍّ فِي نَقْدِ نَصِيبِ صَاحِبِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ إذْ لَيْسَ لِلْآجِرِ حَبْسُ الدَّارِ لِاسْتِيفَاءِ الْأُجْرَةِ. كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ (وَإِذَا ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إذَا قَضَى الثَّمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ) عَلَى مَا سَيَجِيءُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِأَلْفِ مِثْقَالِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ إلَخْ) رَجُلٌ اشْتَرَى جَارِيَةً فَقَالَ اشْتَرَيْتهَا

لِأَنَّهُ أَضَافَ الْأَلْفَ إلَيْهِمَا فَيَنْصَرِفُ إلَى الْوَزْنِ الْمَعْهُودِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. قَالَ (وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ جِيَادٍ فَقَضَاهُ زُيُوفًا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَأَنْفَقَهَا أَوْ هَلَكَتْ فَهُوَ قَضَاءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَلْفِ مِثْقَالِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ صَحَّ وَيَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسُمِائَةِ مِثْقَالٍ (لِأَنَّهُ أَضَافَ الْمِثْقَالَ إلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَهُوَ عَطْفٌ مَعَ الِافْتِقَارِ وَالْعَطْفُ مَعَ الِافْتِقَارِ يُوجِبُ الشَّرِكَةَ، وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَوْلَوِيَّةٌ عَلَى الْآخَرِ فَيَجِبُ التَّسَاوِي. قِيلَ وَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يُقَيِّدَ الْمُصَنِّفُ بِالْجَوْدَةِ أَوْ الرَّدَاءَةِ أَوْ الْوَسَطِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يَتَبَايَعُونَ بِالتِّبْرِ، وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الصِّفَةِ قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ وَلِهَذَا قَيَّدَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِهَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَبُيُوعِ الْأَصْلِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ تَرَكَهُ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا مِنْ أَوَّلِ كِتَابِ الْبُيُوعِ أَنَّ ذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْهُ. وَلَوْ قَالَ اشْتَرَيْت مِنْك هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِأَلْفٍ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَجَبَ الْمُشَارَكَةُ كَمَا فِي الْأَوَّلِ لِلْعَطْفِ، إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ مِنْ الذَّهَبِ مَثَاقِيلُ خَمْسُمِائَةِ مِثْقَالٍ وَمِنْ الْفِضَّةِ دَرَاهِمُ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ كُلُّ عَشَرَةٍ وَزْنُ سَبْعَةٍ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي وَزْنِ الدَّرَاهِمِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: النَّظَرُ إلَى الْمُتَعَارَفِ يَقْتَضِي أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْعَقْدُ. قَالَ (وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ جِيَادٌ إلَخْ) رَجُلٌ لَهُ عَلَى رَجُلٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ جِيَادٌ (فَقَضَاهُ زُيُوفًا وَالْقَابِضُ لَمْ يَعْلَمْ فَأَنْفَقَهَا أَوْ هَلَكَتْ فَهُوَ قَضَاءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ:

يَرُدُّ مِثْلَ زُيُوفِهِ وَيَرْجِعُ بِدَرَاهِمِهِ) لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْوَصْفِ مَرْعِيٌّ كَهُوَ فِي الْأَصْلِ، وَلَا يُمْكِنُ رِعَايَتُهُ بِإِيجَابِ ضَمَانِ الْوَصْفِ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهِ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى مَا قُلْنَا. وَلَهُمَا أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ. حَتَّى لَوْ تَجَوَّزَ بِهِ فِيمَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ جَازَ فَيَقَعُ بِهِ الِاسْتِيفَاءُ وَلَا يَبْقَى حَقُّهُ إلَّا فِي الْجَوْدَةِ، وَلَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهَا بِإِيجَابِ ضَمَانِهَا لِمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَا بِإِيجَابِ ضَمَانِ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ إيجَابٌ لَهُ عَلَيْهِ وَلَا نَظِيرَ لَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَرُدُّ مِثْلَ زُيُوفِهِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْجِيَادِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْوَصْفِ مَرْعِيٌّ) مِنْ حَيْثُ الْجَوْدَةُ، كَمَا أَنَّ حَقَّهُ مَرْعِيٌّ فِي الْأَصْلِ مِنْ حَيْثُ الْقَدْرُ، فَلَوْ نَقَصَ عَنْ كَمِّيَّةِ حَقِّهِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمِقْدَارِهِ فَكَذَا إذَا نَقَصَ فِي كَيْفِيَّتِهِ، وَلَا يُمْكِنُ رِعَايَتُهُ بِإِيجَابِ ضَمَانِ الْوَصْفِ مُنْفَرِدًا لِعَدَمِ انْفِكَاكِهِ وَهَدَرِهِ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهِ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى مَا قُلْنَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الْمَقْبُوضَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَجَوَّزَ بِهِ فِيمَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ كَالصَّرْفِ وَالسَّلَمِ جَازَ فَكَانَ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ حَيْثُ الْأَصْلُ بِالْمَقْبُوضِ حَاصِلًا، فَلَمْ يَبْقَ حَقُّهُ إلَّا فِي الْجَوْدَةِ وَتَدَارُكُهَا مُنْفَرِدَةً بِإِيجَابِ ضَمَانِهَا غَيْرُ مُمْكِنٍ شَرْعًا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ هَدَرٌ وَلَا عَقْلًا لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الِانْفِكَاكِ، وَلَا بِإِيجَابِ ضَمَانِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ حِينَئِذٍ هُوَ الْأَصْلُ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ الْأَصْلُ مُسْتَوْفٍ فَإِيجَابُ الضَّمَانِ بِاعْتِبَارِهِ إيجَابٌ عَلَيْهِ لَهُ، وَلَا نَظِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ. وَاعْتُرِضَ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ إيجَابَ الضَّمَانِ عَلَى الرَّجُلِ لِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يُفِدْ وَهَاهُنَا يُفِيدُ فَصَارَ كَكَسْبِ الْمَأْذُونِ لَهُ الْمَدْيُونِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَى الْمَوْلَى وَإِنْ كَانَ مِلْكًا لَهُ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى صَحَّ. وَالثَّانِي أَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ هُوَ إحْيَاءُ حَقِّ صَاحِبِهِ وَوُجُوبُ الضَّمَانِ لَهُ عَلَيْهِ ضِمْنِيٌّ فَلَا يُعْتَبَرُ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْفَائِدَةَ ثَمَّةَ إنَّمَا هِيَ

قَالَ (وَإِذَا أَفْرَخَ طَيْرٌ فِي أَرْضِ رَجُلٍ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ) وَكَذَا إذَا بَاضَ فِيهَا (وَكَذَا إذَا تَكَنَّسَ فِيهَا ظَبْيٌ) لِأَنَّهُ مُبَاحٌ سَبَقَتْ يَدُهُ إلَيْهِ وَلِأَنَّهُ صَيْدٌ وَإِنْ كَانَ يُؤْخَذُ بِغَيْرِ حِيلَةٍ وَالصَّيْدُ لِمَنْ أَخَذَهُ، وَكَذَا الْبَيْضُ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُ الصَّيْدِ وَلِهَذَا يَجِبُ الْجَزَاءُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِكَسْرِهِ أَوْ شَيِّهِ، وَصَاحِبُ الْأَرْضِ لَمْ يُعِدَّ أَرْضَهُ فَصَارَ كَنَصْبِ شَبَكَةٍ لِلْجَفَافِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْغُرَمَاءِ فَكَانَ تَضْمِينَ الشَّخْصِ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ. وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الْوَصْفَ تَابِعٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ تَابِعًا لَهُ. قَالَ (وَإِذَا أَفْرَخَ طَيْرٌ فِي أَرْضِ رَجُلٍ إلَخْ) إذَا أَفْرَخَ طَيْرٌ فِي أَرْضِ رَجُلٍ وَلَمْ يُعِدَّهَا لِذَلِكَ لَمْ يَمْلِكْهُ (فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ، وَكَذَا إذَا بَاضَ فِيهَا أَوْ تَكَنَّسَ فِيهَا ظَبْيٌ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: تَكَسَّرَ فِيهَا ظَبْيٌ (لِأَنَّهُ مُبَاحٌ سَبَقَتْ يَدُهُ إلَيْهِ) فَيَمْلِكُهُ (وَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ صَيْدٌ وَالصَّيْدُ لِمَنْ أَخَذَهُ) بِالْحَدِيثِ، وَكَوْنُهُ يُؤْخَذُ بِغَيْرِ حِيلَةٍ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الصَّيْدِيَّةِ كَصَيْدٍ انْكَسَرَ رِجْلُهُ بِأَرْضِ إنْسَانٍ فَإِنَّهُ لِلْآخِذِ دُونَ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَالتَّكَنُّسُ: التَّسَتُّرُ، وَمَعْنَاهُ فِي الْأَصْلِ دَخَلَ فِي الْكِنَاسِ وَهُوَ مَوْضِعُ الظَّبْيِ، وَمَعْنَى تَكَسَّرَ انْكَسَرَ رِجْلُهُ، وَقَيَّدَ بِذَلِكَ حَتَّى لَوْ كَسَرَهُ أَحَدٌ فَهُوَ لَهُ (وَالْبَيْضُ فِي مَعْنَى الصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُهُ وَلِهَذَا يَجِبُ الْجَزَاءُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِكَسْرِهِ أَوْ شَيِّهِ) (قَوْلُهُ: وَصَاحِبُ الْأَرْضِ لَمْ يُعِدَّ أَرْضَهُ لِذَلِكَ) إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَوْ أَعَدَّهَا لِذَلِكَ بِأَنْ حَفَرَهَا لِيَقَعَ فِيهَا أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُصَادُ بِهِ كَانَ لَهُ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَعُدَّهَا فَهِيَ كَشَبَكَةٍ

وَكَذَا إذَا دَخَلَ الصَّيْدُ دَارِهِ أَوْ وَقَعَ مَا نُثِرَ مِنْ السُّكَّرِ وَالدَّرَاهِمِ فِي ثِيَابِهِ مَا لَمْ يَكُفَّهُ أَوْ كَانَ مُسْتَعِدًّا لَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَسَّلَ النَّحْلُ فِي أَرْضِهِ لِأَنَّهُ عُدَّ مِنْ أَنْزَالِهِ فَيَمْلِكُهُ تَبَعًا لِأَرْضِهِ كَالشَّجَرِ النَّابِتِ فِيهَا وَالتُّرَابِ الْمُجْتَمِعِ فِي أَرْضِهِ بِجَرَيَانِ الْمَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (كِتَابُ الصَّرْفِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQنُصِبَتْ لِلْجَفَافِ فَتَعَقَّلَ بِهَا صَيْدٌ فَهُوَ لِلْآخِذِ، وَكَذَا إذَا دَخَلَ الصَّيْدُ دَارِهِ أَوْ وَقَعَ مَا نُثِرَ مِنْ السُّكَّرِ وَالدَّرَاهِمِ فِي ثِيَابِهِ مَا لَمْ يَكُفَّهُ أَيْ يَضُمَّهُ إلَى نَفْسِهِ (أَوْ كَانَ مُسْتَعِدًّا لَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَسَّلَ النَّحْلُ فِي أَرْضِهِ) فَإِنَّ الْعَسَلَ لِصَاحِبِهَا (لِأَنَّهُ عُدَّ مِنْ أَنْزَالِهِ) أَيْ مِنْ أَنْزَالِ الْأَرْضِ بِتَأْوِيلِ الْمَكَانِ؛ جَمْعُ نُزُلٍ: وَهُوَ الزِّيَادَةُ وَالْفَضْلُ مِنْهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْعَسَلَ صَارَ قَائِمًا بِأَرْضِهِ عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ فَصَارَ تَابِعًا لَهَا (كَالشَّجَرِ النَّابِتِ فِيهَا وَالتُّرَابِ الْمُجْتَمِعِ بِجَرَيَانِ الْمَاءِ) بِخِلَافِ الصَّيْدِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[كتاب الصرف]

قَالَ (الصَّرْفُ هُوَ الْبَيْعُ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ عِوَضَيْهِ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ) سُمِّيَ بِهِ لِلْحَاجَةِ إلَى النَّقْلِ فِي بَدَلَيْهِ مِنْ يَدٍ إلَى يَدٍ. وَالصَّرْفُ هُوَ النَّقْلُ وَالرَّدُّ لُغَةً، أَوْ لِأَنَّهُ لَا يُطْلَبُ مِنْهُ إلَّا الزِّيَادَةَ إذْ لَا يُنْتَفَعُ بِعَيْنِهِ، وَالصَّرْفُ هُوَ الزِّيَادَةُ لُغَةً كَذَا قَالَهُ الْخَلِيلُ وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الْعِبَادَةُ النَّافِلَةُ صَرْفًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الصَّرْفِ] الصَّرْفُ بَيْعُ خَاصٍّ، وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِوَضَيْنِ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى تَأْخِيرِهِ عَلَى السَّلَمِ فِي أَوَّلِ السَّلَمِ، وَسُمِّيَ هَذَا الْعَقْدُ صَرْفًا لِأَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ: إمَّا (لِلْحَاجَةِ إلَى النَّقْلِ فِي بَدَلَيْهِ مِنْ يَدٍ إلَى يَدٍ. وَالصَّرْفُ هُوَ النَّقْلُ وَالرَّدُّ لُغَةً، وَإِمَّا؛ لِأَنَّهُ لَا يُطْلَبُ بِهِ إلَّا الزِّيَادَةُ) يَعْنِي لَا يُطْلَبُ بِهَذَا الْعَقْدِ إلَّا زِيَادَةٌ تَحْصُلُ فِيمَا يُقَابِلُهُمَا مِنْ الْجَوْدَةِ وَالصِّيَاغَةِ، إذْ النُّقُودُ لَا يُنْتَفَعُ بِعَيْنِهَا كَمَا يُنْتَفَعُ بِغَيْرِهَا مِمَّا يُقَابِلُهَا مِنْ الْمَطْعُومِ وَالْمَلْبُوسِ وَالْمَرْكُوبِ، فَلَوْ لَمْ يُطْلَبْ بِهِ الزِّيَادَةُ وَالْعَيْنُ حَاصِلَةٌ فِي يَدِهِ مَا كَانَ فِيهِ فَائِدَةٌ أَصْلًا فَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا، وَقَدْ دَلَّ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] الْآيَةَ، وَقَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ» الْحَدِيثَ، وَإِذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ بِهِ الزِّيَادَةَ (وَالصَّرْفُ هُوَ الزِّيَادَةُ لُغَةً، كَذَا قَالَهُ الْخَلِيلُ) نَاسَبَ أَنْ يُسَمَّى صَرْفًا (وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ كَوْنِ الصَّرْفِ هُوَ الزِّيَادَةَ لُغَةً (سُمِّيَتْ الْعِبَادَةُ النَّافِلَةُ صَرْفًا) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ انْتَمَى إلَى غَيْرِ أَبِيهِ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا» وَالْعَدْلُ هُوَ الْفَرْضُ، سُمِّيَ بِهِ لِكَوْنِهِ أَدَاءَ الْحَقِّ إلَى الْمُسْتَحِقِّ. وَشُرُوطُهُ عَلَى الْإِجْمَالِ: التَّقَابُضُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ بَدَنًا، وَأَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ خِيَارٌ وَلَا تَأْجِيلٌ. وَأَقْسَامُهُ ثَلَاثَةٌ: بَيْعُ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَبَيْعُ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، وَبَيْعُ

قَالَ (فَإِنْ بَاعَ فِضَّةً بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبًا بِذَهَبٍ لَا يَجُوز إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْجَوْدَةِ وَالصِّيَاغَةِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ يَدًا بِيَدِ وَالْفَضْلُ رِبًا» الْحَدِيثَ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ» وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْبُيُوعِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ. قَالَ (فَإِنْ بَاعَ فِضَّةً بِفِضَّةٍ إلَخْ) فَإِنْ بَاعَ رَجُلٌ فِضَّةً بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبًا بِذَهَبٍ لَا يَجُوزُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْجَوْدَةِ وَالصِّيَاغَةِ بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَجْوَدَ مِنْ الْآخَرِ أَوْ أَحْسَنَ صِيَاغَةً لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» الْحَدِيثَ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْقَدْرِ لَا فِي الصِّفَةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ» وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ فِي بَابِ الرِّبَا. حَدَّثَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّرْفِ

قَالَ (وَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ الْعِوَضَيْنِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ) لِمَا رَوَيْنَا، وَلِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَإِنْ اسْتَنْظَرَك أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ فَلَا تُنْظِرُهُ، وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ أَحَدِهِمَا لِيَخْرُجَ الْعَقْدُ عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ الْآخَرِ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الرِّبَا، وَلِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَوَجَبَ قَبْضُهُمَا سَوَاءٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْأَصْلِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ سَرِيعٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِإِنَاءٍ كُسِرَ وَإِنِّي قَدْ أَحْكَمْت صِيَاغَتَهُ، فَبَعَثَنِي بِهِ لِأَبِيعَهُ، فَأُعْطِيت بِهِ وَزْنَهُ وَزِيَادَةً فَذَكَرْت ذَلِكَ لِعُمَرَ فَقَالَ: أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا. قَالَ (وَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ الْعِوَضَيْنِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ) قَبْضُ عِوَضِ الصَّرْفِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ بِالْأَبْدَانِ وَاجِبٌ بِالْمَنْقُولِ وَهُوَ (مَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِهِ «يَدًا بِيَدٍ» وَقَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِنْ اسْتَنْظَرَك أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ فَلَا تُنْظِرْهُ) وَهُوَ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى وُجُوبِ الْقَبْضِ كَمَا تَرَى. وَبِالْمَعْقُولِ وَهُوَ (أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ أَحَدِهِمَا إخْرَاجًا لِلْعَقْدِ عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ قَبْضَ الْآخَرِ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ نَفْيًا لِتَحَقُّقِ الرِّبَا) (قَوْلُهُ: فِي الْكِتَابِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الرِّبَا) قِيلَ هُوَ مَنْصُوبٌ بِجَوَابِ النَّفْيِ وَهُوَ قَوْلُهُ: ثُمَّ لَا بُدَّ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ أَحَدَهُمَا) دَلِيلٌ آخَرُ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ أَحَدَ الْعِوَضَيْنِ لَيْسَ أَوْلَى بِالْقَبْضِ

كَانَا يَتَعَيَّنَانِ كَالْمَصُوغِ أَوْ لَا يَتَعَيَّنَانِ كَالْمَضْرُوبِ أَوْ يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا وَلَا يَتَعَيَّنُ الْآخَرُ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ يَتَعَيَّنُ فَفِيهِ شُبْهَةُ عَدَمِ التَّعْيِينِ لِكَوْنِهِ ثَمَنًا خِلْقَةً فَيُشْتَرَطُ قَبْضُهُ اعْتِبَارًا لِلشُّبْهَةِ فِي الرِّبَا، وَالْمُرَادُ مِنْهُ الِافْتِرَاقُ بِالْأَبْدَانِ، حَتَّى لَوْ ذَهَبَا عَنْ الْمَجْلِسِ يَمْشِيَانِ مَعًا فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ نَامَا فِي الْمَجْلِسِ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِمَا لَا يَبْطُلُ الصَّرْفُ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْآخَرِ فَيَجِبُ قَبْضُهُمَا مَعًا (وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ مَا كَانَا يَتَعَيَّنَانِ كَالْمَصُوغِ أَوْ لَا يَتَعَيَّنَانِ كَالْمَضْرُوبِ أَوْ يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا) وَهُوَ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ» الْحَدِيثَ، وَهُوَ يَتَنَاوَلُ الْمَصُوغَ وَغَيْرَهُ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ يَتَعَيَّنُ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ بَيْعُ الْمَضْرُوبِ بِالْمَضْرُوبِ بِلَا قَبْضٍ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ كَالِئٌ بِكَالِئٍ، وَبَيْعُ الْمَصُوغِ بِالْمَصُوغِ لَيْسَ كَذَلِكَ لِتَعَيُّنِهِ بِالتَّعَيُّنِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمَصُوغَ وَإِنْ كَانَ يَتَعَيَّنُ فَفِيهِ شُبْهَةُ عَدَمِ التَّعْيِينِ لِكَوْنِهِ ثَمَنًا خِلْقَةً فَيُشْتَرَطُ قَبْضُهُ اعْتِبَارًا لِلشُّبْهَةِ فِي الرِّبَا. فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ يَلْزَمُ فِي بَيْعِ الْمَضْرُوبِ بِالْمَصُوغِ نَسِيئَةً شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّ فِي بَيْعِ الْمَضْرُوبِ بِالْمَضْرُوبِ نَسِيئَةً شُبْهَةَ الْفَضْلِ، فَإِذَا بِيعَ مَضْرُوبٌ بِمَصُوغٍ نَسِيئَةً وَهُوَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ كَانَ بِالنَّظَرِ إلَى كَوْنِهِ خُلِقَ ثَمَنًا شُبْهَةَ عَدَمِ التَّعْيِينِ وَتِلْكَ شُبْهَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الشُّبْهَةِ الْأُولَى وَالشُّبْهَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ دُونَ النَّازِلِ عَنْهَا. أُجِيبَ بِأَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ فِي الْمَضْرُوبِ نَسِيئَةً بِقَوْلِهِ «يَدًا بِيَدٍ» لَا بِالشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي مَوْضِعِ النَّصِّ مُضَافٌ إلَيْهِ لَا إلَى الْعِلَّةِ فَتَكُونُ الْحُرْمَةُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِاعْتِبَارِ الشُّبْهَةِ (وَالْمُرَادُ بِالِافْتِرَاقِ مَا يَكُونُ بِالْأَبْدَانِ حَتَّى لَوْ مَشَيَا مَعًا إلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ نَامَا فِي الْمَجْلِسِ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِمَا لَا يَبْطُلُ الصَّرْفُ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -:

وَإِنْ وَثَبَ مِنْ سَطْحٍ فَثِبْ مَعَهُ، وَكَذَا الْمُعْتَبَرُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي قَبْضِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ، بِخِلَافِ خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ فِيهِ. (وَإِنْ بَاعَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ جَازَ التَّفَاضُلُ) لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ (وَوَجَبَ التَّقَابُضُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ وَثَبَ مِنْ سَطْحٍ فَثِبْ مَعَهُ) وَقِصَّتُهُ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي جَبَلَةَ. قَالَ: سَأَلْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَقُلْت: إنَّا نَقْدَمُ أَرْضَ الشَّامِ وَمَعَنَا الْوَرِقُ الثِّقَالُ النَّافِقَةُ وَعِنْدَهُمْ الْوَرِقُ الْكَاسِدَةُ فَنَبْتَاعُ وَرِقَهُمْ الْعَشَرَةَ بِتِسْعَةٍ وَنِصْفٍ، فَقَالَ: لَا تَفْعَلْ، وَلَكِنْ بِعْ وَرِقَك بِذَهَبٍ وَاشْتَرِ وَرِقَهُمْ بِالذَّهَبِ، وَلَا تُفَارِقْهُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ، وَإِنْ وَثَبَ مِنْ سَطْحٍ فَثِبْ مَعَهُ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُفْتِيَ إذَا بَيَّنَ جَوَابَ مَا سُئِلَ عَنْهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُبَيِّنَ لِلسَّائِلِ الطَّرِيقَ الْمُحَصِّلَ لِمَقْصُودِهِ مَعَ التَّحَرُّزِ عَنْ الْحَرَامِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَذْمُومٌ مِنْ تَعْلِيمِ الْحِيَلِ. وَقَيَّدَ مَشْيَهُمَا بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَشَيَا إلَى جِهَتَيْنِ يُوجِبُ تَفَرُّقَ الْأَبْدَانِ، وَهَذَا الْمَذْكُورُ مِنْ التَّفَرُّقِ هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي قَبْضِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ) يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ لَمْ يَبْطُلُ الصَّرْفُ يُرِيدُ أَنَّ مَشْيَ الْمُخَيَّرَةِ مَعَ زَوْجِهَا وَإِنْ كَانَ إلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ يُبْطِلُ خِيَارَهَا؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ. (وَإِنْ بَاعَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ جَازَ التَّفَاضُلُ لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ وَوَجَبَ التَّقَابُضُ

لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ» (فَإِنْ افْتَرَقَا فِي الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِ الْعِوَضَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا بَطَلَ الْعَقْدُ) لِفَوَاتِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْقَبْضُ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ شَرْطُ الْخِيَارِ فِيهِ وَلَا الْأَجَلُ لِأَنَّ بِأَحَدِهِمَا لَا يَبْقَى الْقَبْضُ مُسْتَحَقًّا وَبِالثَّانِي يَفُوتُ الْقَبْضُ الْمُسْتَحَقُّ، إلَّا إذَا أُسْقِطَ الْخِيَارُ فِي الْمَجْلِسِ فَيَعُودُ إلَى الْجَوَازِ لِارْتِفَاعِهِ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ» ) عَلَى وَزْنِ هَاعَ بِمَعْنَى خُذْ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 19] (قَوْلُهُ: فَإِنْ افْتَرَقَا فِي الصَّرْفِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ الْعِوَضَيْنِ: يَعْنِي لِبَقَاءِ الْعَقْدِ، فَإِنْ افْتَرَقَا قَبْلَ قَبْضِ الْعِوَضَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا بَطَلَ الْعَقْدُ لِفَوَاتِ شَرْطِ الْبَقَاءِ وَهَذَا صَحِيحٌ، بِخِلَافِ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ الصِّحَّةِ، فَإِنَّ شَرْطَ الشَّيْءِ يَسْبِقُهُ وَالْقَبْضُ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَمَا أُجِيبَ بِهِ بِأَنَّ شَرْطَ الْجَوَازِ مَا يُشْتَرَطُ مُقَارِنًا لِحَالَةِ الْعَقْدِ، إلَّا أَنَّ اشْتِرَاطَ الْقَبْضِ مُقَارِنًا لِحَالَةِ الْعَقْدِ مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ غَيْرُ مُمْكِنٍ مِنْ غَيْرِ تَرَاضٍ لِمَا فِيهِ مِنْ إثْبَاتِ الْيَدِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ رِضَاهُ، فَعَلَّقْنَا الْجَوَازَ بِقَبْضٍ يُوجَدُ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ لِمَجْلِسِ الْعَقْدِ حُكْمَ حَالَةِ الْعَقْدِ كَمَا فِي الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، فَصَارَ الْقَبْضُ الْمَوْجُودُ بَعْدَ الْعَقْدِ فِي مَجْلِسِهِ كَالْمَوْجُودِ وَقْتَ الْعَقْدِ حُكْمًا، وَلَوْ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْعَقْدِ مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ كَانَ شَرْطُ الْجَوَازِ، فَكَذَا إذَا كَانَ مَوْجُودًا حُكْمًا فَعَلَى مَا تَرَى فِيهِ مِنْ التَّمَحُّلِ مَعَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِجَعْلِهِ شَرْطَ الْبَقَاءِ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِأَنَّ الِافْتِرَاقَ بِلَا قَبْضٍ مُبْطِلٌ (لَا يَصِحُّ شَرْطُ الْخِيَارِ فِي الصَّرْفِ وَلَا الْأَجَلِ) بِأَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْت هَذَا الدِّينَارَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ قَالَ إلَى شَهْرٍ (؛ لِأَنَّ بِالْخِيَارِ لَا يَبْقَى الْقَبْضُ مُسْتَحَقًّا) لِمَنْعِهِ الْمِلْكَ (وَبِالْأَجَلِ يَفُوتُ الْقَبْضُ الْمُسْتَحَقُّ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ أَنَّ فِي الْخِيَارِ يَتَأَخَّرُ الْقَبْضُ إلَى زَمَانِ سُقُوطِهِ فَلَمْ يَكُنْ فِي الْحَالِ مُسْتَحَقًّا وَفِي الْأَجَلِ ذَكَرَ فِي الْعَقْدِ مَا يُنَافِي الْقَبْضَ، وَذِكْرُ مُنَافِي الشَّيْءِ مُفَوِّتٌ لَهُ، كَذَا قِيلَ، وَكَأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ فِي الْأَوَّلِ اسْتِحْقَاقَ الْقَبْضِ فَائِتٌ، وَفِي الثَّانِي الْقَبْضُ الْمُسْتَحَقُّ شَرْعًا فَائِتٌ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا أُسْقِطَ فِي الْمَجْلِسِ) يَعْنِي مِنْهُمَا إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ مِمَّنْ لَهُ ذَلِكَ (فَيَعُودُ إلَى الْجَوَازِ لِارْتِفَاعِهِ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ) اسْتِحْسَانًا خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَإِنْ أَسْقَطَ الْأَجَلَ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ أَسْقَطَ أَحَدُهُمَا فَكَذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ صَاحِبَ الْأَجَلِ إذَا أَسْقَطَ الْأَجَلَ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى

قَالَ (وَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ، حَتَّى لَوْ بَاعَ دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَقْبِضْ الْعَشَرَةَ حَتَّى اشْتَرَى بِهَا ثَوْبًا فَالْبَيْعُ فِي الثَّوْبِ فَاسِدٌ) لِأَنَّ الْقَبْضَ مُسْتَحَقٌّ بِالْعَقْدِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَفِي تَجْوِيزِهِ فَوَاتُهُ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ الْعَقْدُ فِي الثَّوْبِ كَمَا نُقِلَ عَنْ زُفَرَ، لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ فَيَنْصَرِفُ الْعَقْدُ إلَى مُطْلَقِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQيَرْضَى صَاحِبُهُ، وَالْفَرْقُ يُعْرَفُ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ، وَقَيَّدَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ وَالرُّؤْيَةِ يَثْبُتَانِ فِي الصَّرْفِ كَمَا فِي سَائِرِ الْعُقُودِ، إلَّا أَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَا يَثْبُتُ إلَّا فِي الْعَيْنِ لَا الدَّيْنِ فَإِنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي رَدِّهِ بِالْخِيَارِ إذْ الْعَقْدُ لَا يَنْفَسِخُ بِرَدِّهِ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِمِثْلِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْبُوضُ مِثْلَ الْمَرْدُودِ أَوْ دُونَهُ فَلَا يُفِيدُ الرَّدُّ فَائِدَةً. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ إلَخْ) التَّصَرُّفُ فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا يَجُوزُ، فَإِذَا بَاعَ دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَلَمْ يَقْبِضْ الْعَشَرَةَ حَتَّى اشْتَرَى بِهَا ثَوْبًا فَسَدَ الْبَيْعُ فِي الثَّوْبِ لِفَوَاتِ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى إذْ الرِّبَا حَرَامٌ حَقًّا لِلَّهِ، وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي جَوَازَهُ كَمَا نُقِلَ عَنْ زُفَرَ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ عَيْنًا كَانَتْ أَوْ دَيْنًا فَيَنْصَرِفُ الْعَقْدُ إلَى مُطْلَقِ الدَّرَاهِمِ، إذْ الْإِطْلَاقُ وَالْإِضَافَةُ إلَى بَدَلِ الصَّرْفِ إذْ ذَاكَ سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا قَالَ عَنْ زُفَرَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ مَذْهَبِهِ كَمَذْهَبِ الْعُلَمَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: الثَّمَنُ فِي بَابِ الصَّرْفِ مَبِيعٌ؛ لِأَنَّ الصَّرْفَ بَيْعٌ وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ مَبِيعٍ وَمَا ثَمَّةَ سِوَى الثَّمَنَيْنِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِكَوْنِهِ مَبِيعًا فَيُجْعَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعًا مِنْ وَجْهٍ وَثَمَنًا مِنْ وَجْهٍ وَإِنْ كَانَا ثَمَنَيْنِ خِلْقَةً، وَبَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ كَمَا فَعَلْنَا فِي الْمُقَايَضَةِ، وَاعْتَبَرْنَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا مِنْ وَجْهٍ مَبِيعًا مِنْ وَجْهٍ ضَرُورَةَ انْعِقَادِ الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مَبِيعًا حَقِيقَةً. قِيلَ لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ الْأَوْلَوِيَّةِ فَإِنَّ

وَلَكِنَّا نَقُولُ: الثَّمَنُ فِي بَابِ الصَّرْفِ مَبِيعٌ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ وَلَا شَيْءَ سِوَى الثَّمَنَيْنِ فَيُجْعَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعًا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَبَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِهِ مَبِيعًا أَنْ يَكُونَ مُتَعَيَّنًا كَمَا فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ. . قَالَ (وَيَجُوزُ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ مُجَازَفَةً) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا دَخَلَهُ الْبَاءُ أَوْلَى بِالثَّمَنِيَّةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْأَثْمَانِ الْجَعْلِيَّةِ كَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ إذَا كَانَتْ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ لَا فِي الْأَثْمَانِ الْخِلْقِيَّةِ. قَالَ (وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِهِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَوْ كَانَ بَدَلُ الصَّرْفِ مَبِيعًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُتَعَيِّنًا، فَقَالَ كَوْنُهُ مَبِيعًا لَا يَسْتَلْزِمُ التَّعْيِينَ، فَإِنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَبِيعٌ بِالِاتِّفَاقِ وَلَيْسَ بِمُتَعَيِّنٍ. وَعُورِضَ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَوْ كَانَ مَبِيعًا لَا يُشْتَرَطُ قِيَامُ الْمِلْكِ فِيهِمَا وَقْتَ الْعَقْدِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَوْ بَاعَ دِينَارًا بِدِرْهَمٍ وَلَيْسَا فِي مِلْكِهِمَا فَاسْتَقْرَضَا فِي الْمَجْلِسِ وَافْتَرَقَا عَنْ قَبْضٍ صَحَّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ حَالَةَ الْعَقْدِ ثَمَنٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ مُثَمَّنًا بَعْدَ الْعَقْدِ لِضَرُورَةِ الْعَقْدِ فَيُجْعَلُ مُثَمَّنًا بَعْدَهُ ثَمَنًا قَبْلَهُ فَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ قَبْلَهُ. قَالَ (وَيَجُوزُ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ مُجَازَفَةً) إذَا كَانَ الصَّرْفُ بِغَيْرِ الْجِنْسِ صَحَّ مُجَازَفَةً

لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ غَيْرُ مَشْرُوطَةٍ فِيهِ وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ لِمَا ذَكَرْنَا، بِخِلَافِ بَيْعِهِ بِجِنْسِهِ مُجَازَفَةً لِمَا فِيهِ مِنْ احْتِمَالِ الرِّبَا. قَالَ (وَمَنْ بَاعَ جَارِيَةً قِيمَتُهَا أَلْفُ مِثْقَالِ فِضَّةٍ وَفِي عُنُقِهَا طَوْقُ فِضَّةٍ قِيمَتُهُ أَلْفُ مِثْقَالٍ بِأَلْفَيْ مِثْقَالِ فِضَّةٍ وَنَقَدَ مِنْ الثَّمَنِ أَلْفَ مِثْقَالٍ ثُمَّ افْتَرَقَا فَاَلَّذِي نَقَدَ ثَمَنَ الْفِضَّةِ) لِأَنَّ قَبْضَ حِصَّةِ الطَّوْقِ وَاجِبٌ فِي الْمَجْلِسِ لِكَوْنِهِ بَدَلَ الصَّرْفِ، وَالظَّاهِرُ مِنْهُ الْإِتْيَانُ بِالْوَاجِبِ (وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهَا بِأَلْفَيْ مِثْقَالِ أَلْفٍ نَسِيئَةً وَأَلْفٍ نَقْدًا فَالنَّقْدُ ثَمَنُ الطَّوْقِ) لِأَنَّ الْأَجَلَ بَاطِلٌ فِي الصَّرْفِ جَائِزٌ فِي بَيْعِ الْجَارِيَةِ، وَالْمُبَاشَرَةُ عَلَى وَجْهِ الْجَوَازِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْهُمَا (وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَ سَيْفًا مُحَلًّى بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَحِلْيَتُهُ خَمْسُونَ فَدَفَعَ مِنْ الثَّمَنِ خَمْسِينَ جَازَ الْبَيْعُ وَكَانَ الْمَقْبُوضُ حِصَّةَ الْفِضَّةِ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ لِمَا بَيَّنَّا، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: خُذْ هَذِهِ الْخَمْسِينَ مِنْ ثَمَنِهِمَا) لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ قَدْ يُرَادُ بِذِكْرِهِمَا الْوَاحِدُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] وَالْمُرَادُ أَحَدُهُمَا فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ لِظَاهِرِ حَالِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِيهِ غَيْرُ مَشْرُوطَةٍ، لَكِنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ» وَهُوَ وَالْمَعْقُولُ الْمُتَقَدِّمُ مُرَادٌ بِقَوْلِهِ لِمَا ذَكَرْنَا، بِخِلَافِ بَيْعِهِ بِجِنْسِهِ مُجَازَفَةً فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يَعْرِفْ الْمُتَعَاقِدَانِ قَدْرَهُمَا وَإِنْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْوَزْنِ فِي الْوَاقِعِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِتَسَاوِيهِمَا حَالَةَ الْعَقْدِ شَرْطُ صِحَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْفَضْلَ حِينَئِذٍ مَوْهُومٌ وَالْمَوْهُومُ فِي هَذَا الْبَابِ كَالْمُتَحَقِّقِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُرِدْ الْمُمَاثَلَةَ فِي عِلْمِ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْمُمَاثَلَةَ فِي عِلْمِ الْعَاقِدَيْنِ وَلَمْ تُوجَدْ؛ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ، فَإِنْ كَانَا وَزَنَا فِي الْمَجْلِسِ وَعَلِمَا فِي الْمَجْلِسِ تَسَاوِيَهُمَا كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِوُقُوعِ الْعَقْدِ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا لَكِنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا جَوَازَهُ؛ لِأَنَّ سَاعَاتِ الْمَجْلِسِ كَسَاعَةٍ وَاحِدَةٍ. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا عُرِفَ التَّسَاوِي بِالْوَزْنِ جَازَ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْمُمَاثَلَةِ وَالْفَرْضُ وُجُودُهَا فِي الْوَاقِعِ. وَالْجَوَابُ مَا قُلْنَا إنَّ الْمُرَادَ بِهَا مَا هُوَ فِي عِلْمِهِمَا. قَالَ (وَمَنْ بَاعَ جَارِيَةً قِيمَتُهَا أَلْفُ مِثْقَالِ فِضَّةٍ إلَخْ) الْجَمْعُ بَيْنَ النُّقُودِ وَغَيْرِهَا فِي الْبَيْعِ لَا يُخْرِجُ النُّقُودَ عَنْ كَوْنِهَا صَرْفًا بِمَا يُقَابِلُهَا مِنْ الثَّمَنِ بَاعَ جَارِيَةً قِيمَتُهَا أَلْفُ مِثْقَالِ فِضَّةٍ وَفِي عُنُقِهَا طَوْقُ فِضَّةٍ فِيهِ أَلْفُ مِثْقَالٍ بِأَلْفَيْ مِثْقَالٍ وَنَقَدَ مِنْ الثَّمَنِ أَلْفَ مِثْقَالٍ ثُمَّ افْتَرَقَا فَاَلَّذِي نَقَدَ ثَمَنَ الْفِضَّةِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ حِصَّةِ الطَّوْقِ فِي الْمَجْلِسِ وَاجِبٌ حَقًّا لِلشَّرْعِ لِكَوْنِهِ بَدَلَ الصَّرْفِ، وَقَبْضُ ثَمَنِ الْجَارِيَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا مُعَارَضَةَ

(فَإِنْ لَمْ يَتَقَابَضَا حَتَّى افْتَرَقَا بَطَلَ الْعَقْدُ فِي الْحِلْيَةِ) لِأَنَّهُ صُرِفَ فِيهَا (وَكَذَا فِي السَّيْفِ إنْ كَانَ لَا يَتَخَلَّصُ إلَّا بِضَرَرٍ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ بِدُونِ الضَّرَرِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ كَالْجِذْعِ فِي السَّقْفِ (وَإِنْ كَانَ يَتَخَلَّصُ بِغَيْرِ ضَرَرٍ جَازَ الْبَيْعُ فِي السَّيْفِ وَبَطَلَ فِي الْحِلْيَةِ) لِأَنَّهُ أَمْكَنَ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ فَصَارَ كَالطَّوْقِ وَالْجَارِيَةِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْفِضَّةُ الْمُفْرَدَةُ أَزْيَدَ مِمَّا فِيهِ، فَإِنْ كَانَتْ مِثْلَهُ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ لَا يَدْرِي لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ لِلرِّبَا أَوْ لِاحْتِمَالِهِ، وَجِهَةُ الصِّحَّةِ مِنْ وَجْهٍ وَجِهَةُ الْفَسَادِ مِنْ وَجْهَيْنِ فَتَرَجَّحَتْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْنَ الْوَاجِبِ وَغَيْرِهِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسْلَمِ الْإِتْيَانُ بِالْوَاجِبِ تَفْرِيغًا لِلذِّمَّةِ، كَمَا إذَا تَرَكَ سَجْدَةً صَلَاتِيَّةً وَسَهَا أَيْضًا ثُمَّ أَتَى بِسَجْدَتَيْ السَّهْوِ وَسَلَّمَ تُصْرَفُ إحْدَى سَجْدَتَيْ السَّهْوِ إلَى الصَّلَاتِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا لِيَكُونَ الْإِتْيَانُ بِهَا عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهَا بِأَلْفَيْ مِثْقَالٍ أَلْفٍ نَسِيئَةً وَأَلْفٍ نَقْدًا فَالنَّقْدُ ثَمَنُ الطَّوْقِ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ بَاطِلٌ فِي الصَّرْفِ جَائِزٌ فِي بَيْعِ الْجَارِيَةِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِمَا الْمُبَاشَرَةُ عَلَى وَجْهِ الْجَوَازِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ سَيْفًا مُحَلًّى بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَحِلْيَتُهُ خَمْسُونَ وَدَفَعَ مِنْ الثَّمَنِ خَمْسِينَ فَإِنْ دَفَعَ سَاكِتًا عَنْهُمَا جَازَ الْبَيْعُ وَكَانَ الْمَقْبُوضُ حِصَّةَ الْحِلْيَةِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الظَّاهِرَ الْإِتْيَانُ بِالْوَاجِبِ، وَإِنْ صَرَّحَ بِذَكَرِهِمَا فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ قَدْ يُرَادُ بِذَكَرِهِمَا الْوَاحِدُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] وَإِنَّمَا يَخْرُجَانِ مِنْ أَحَدِهِمَا فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ بِقَرِينَةِ الْحَالِ، وَإِنْ قَالَ عَنْ ثَمَنِ الْحِلْيَةِ خَاصَّةً فَلَا كَلَامَ فِيهِ، وَإِنْ قَالَ عَنْ ثَمَنِ السَّيْفِ خَاصَّةً وَقَالَ الْآخَرُ نِعْمَ أَوْ لَا وَتَفَرَّقَا عَلَى ذَلِكَ اُنْتُقِضَ الْبَيْعُ فِي الْحِلْيَةِ؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ بِالِاسْتِحْقَاقِ عِنْدَ الْمُسَاوَاةِ فِي الْعَقْدِ وَالْإِضَافَةِ، وَلَا مُسَاوَاةَ بَعْدَ تَصْرِيحٍ مِنْ الْقَوْلِ قَوْلُهُ: إنَّ الْمَدْفُوعَ ثَمَنُ السَّيْفِ، فَإِنْ لَمْ يَتَقَابَضَا شَيْئًا حَتَّى افْتَرَقَا بَطَلَ الْعَقْدُ فِي الْحِلْيَةِ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ فِيهَا. وَأَمَّا فِي السَّيْفِ فَإِنْ كَانَ لَا يَتَخَلَّصُ إلَّا بِضَرَرٍ فَكَذَلِكَ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّسْلِيمِ بِدُونِهِ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ كَالْجِذْعِ فِي السَّقْفِ وَإِنْ كَانَ يَتَخَلَّصُ بِلَا ضَرَرٍ جَازَ فِي السَّيْفِ وَبَطَلَ فِي الْحِلْيَةِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ فَصَارَ كَالطَّوْقِ وَالْجَارِيَةِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْفِضَّةُ الْمُفْرَدَةُ) يَعْنِي الثَّمَنَ (أَزْيَدَ مِمَّا فِيهِ) أَيْ الْمَبِيعِ تَعْمِيمٌ لِلْكَلَامِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْحِلْيَةَ خَمْسُونَ وَالثَّمَنَ مِائَةٌ فَكَانَ ذِكْرُهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ

قَالَ (وَمَنْ بَاعَ إنَاءَ فِضَّةٍ ثُمَّ افْتَرَقَا وَقَدْ قَبَضَ بَعْضَ ثَمَنِهِ بَطَلَ الْبَيْعُ فِيمَا لَمْ يُقْبَضْ وَصَحَّ فِيمَا قُبِضَ وَكَانَ الْإِنَاءُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا) لِأَنَّهُ صَرْفٌ كُلُّهُ فَصَحَّ فِيمَا وُجِدَ شَرْطُهُ وَبَطَلَ فِيمَا لَمْ يُوجَدْ وَالْفَسَادُ طَارِئٌ لِأَنَّهُ يَصِحُّ ثُمَّ يَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ فَلَا يَشِيعُ. قَالَ (وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الْإِنَاءِ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ) لِأَنَّ الشَّرِكَةَ عَيْبٌ فِي الْإِنَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَكِنَّهُ عَمَّمَ الْكَلَامَ لِبَيَانِ الْأَقْسَامِ الْأُخَرِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ: الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ وَزْنُ الْفِضَّةِ الْمُفْرَدَةِ أَزْيَدَ مِنْ وَزْنِ الْفِضَّةِ الَّتِي مَعَ غَيْرِهَا، وَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ مِقْدَارَهَا يُقَابِلُهَا وَالزَّائِدُ يُقَابِلُ الْغَيْرَ فَلَا يُفْضِي إلَى الرِّبَا. وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ وَزْنُ الْمُفْرَدَةِ مِثْلَ الْمُنْضَمَّةِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّهُ رِبًا؛ لِأَنَّ الْفَضْلَ رِبًا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا. وَالثَّالِثُ أَنْ تَكُونَ الْمُفْرَدَةُ أَقَلَّ وَهُوَ أَوْضَحُ وَالرَّابِعُ أَنْ لَا يُدْرَى مِقْدَارُهَا وَهُوَ فَاسِدٌ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمُسَاوَاةِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَتَوَهُّمِ الْفَضْلِ خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْجَوَازُ وَالْمُفْسِدُ هُوَ الْفَضْلُ الْخَالِي عَنْ الْعِوَضِ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ بِهِ حُكِمَ بِجَوَازِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مَا لَا يُدْرَى يَجُوزُ فِي الْوَاقِعِ أَنْ يَكُون مِثْلًا وَأَنْ يَكُونَ أَقَلَّ وَأَنْ يَكُونَ زَائِدًا، فَإِنْ كَانَ زَائِدًا جَازَ وَإِلَّا فَسَدَ فَتَعَدَّدَتْ جِهَةُ الْفَسَادِ فَتَرَجَّحَتْ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ كُلَّ جِهَةٍ مِنْهُمَا عِلَّةٌ لِلْفَسَادِ فَلَا تَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ. وَأَجَابَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْكَرْدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا يَكْفِي لِلْحُكْمِ فَمَا ظَنُّك بِهِمَا لَا التَّرْجِيحُ الْحَقِيقِيُّ إذْ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْمُفْسِدِ وَالْمُصَحِّحِ فِيمَا يَلْحَقُ الشُّبْهَةُ فِيهِ بِالْحَقِيقَةِ. قَالَ (وَمَنْ بَاعَ إنَاءَ فِضَّةٍ ثُمَّ افْتَرَقَا إلَخْ) وَمَنْ بَاعَ إنَاءَ فِضَّةٍ بِفِضَّةٍ أَوْ بِذَهَبٍ وَقَبَضَ بَعْضَ الثَّمَنِ دُونَ بَعْضٍ وَافْتَرَقَا بَطَلَ الْبَيْعُ فِيمَا لَمْ يُقْبَضْ ثَمَنُهُ وَصَحَّ فِيمَا قُبِضَ وَاشْتَرَكَا فِي الْإِنَاءِ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ كُلُّهُ وَقَدْ وُجِدَ شَرْطُ بَقَاءِ الْعَقْدِ فِي بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ فَصَحَّ: أَيْ بَقِيَ صَحِيحًا فِي بَعْضٍ وَبَطَلَ فِي آخَرَ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَبْضَ فِي الْمَجْلِسِ شَرْطُ الْبَقَاءِ عَلَى الْجَوَازِ فَيَكُونُ الْفَسَادُ طَارِئًا فَلَا يَشِيعُ. لَا يُقَالُ: عَلَى هَذَا يَلْزَمُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ وَذَلِكَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ قَبْلَ تَمَامِهَا لَا يَجُوزُ، وَهَاهُنَا الصَّفْقَةُ تَامَّةٌ فَلَا يَكُونُ مَانِعًا وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى تَمَامِ الصَّفْقَةِ. قَالَ (وَلَوْ اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْإِنَاءِ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْإِنَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ

(وَمَنْ بَاعَ قِطْعَةَ نُقْرَةٍ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ بَعْضُهَا أَخَذَ مَا بَقِيَ بِحِصَّتِهَا وَلَا خِيَارَ لَهُ) لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ. قَالَ (وَمَنْ بَاعَ دِرْهَمَيْنِ وَدِينَارًا بِدِرْهَمٍ وَدِينَارَيْنِ جَازَ الْبَيْعُ وَجُعِلَ كُلُّ جِنْسٍ بِخِلَافِهِ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا يَجُوزُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا بَاعَ كُرَّ شَعِيرٍ وَكُرَّ حِنْطَةٍ بِكُرَّيْ شَعِيرٍ وَكُرَّيْ حِنْطَةٍ: وَلَهُمَا أَنَّ فِي الصَّرْفِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ تَغْيِيرَ تَصَرُّفِهِ لِأَنَّهُ قَابَلَ الْجُمْلَةَ بِالْجُمْلَةِ، وَمِنْ قَضِيَّتِهِ الِانْقِسَامُ عَلَى الشُّيُوعِ لَا عَلَى التَّعْيِينِ، وَالتَّغْيِيرُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَصْحِيحُ التَّصَرُّفِ، كَمَا إذَا اشْتَرَى قَلْبًا بِعَشَرَةٍ وَثَوْبًا بِعَشَرَةٍ ثُمَّ بَاعَهُمَا مُرَابَحَةً لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَمْكَنَ صَرْفُ الرِّبْحِ إلَى الثَّوْبِ، وَكَذَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ بَاعَهُ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ مِنْ الْبَائِعِ مَعَ عَبْدٍ آخَرَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ لَا يَجُوزُ فِي الْمُشْتَرَى بِأَلْفٍ وَإِنْ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بِصَرْفِ الْأَلْفِ إلَيْهِ. وَكَذَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ وَقَالَ بِعْتُك أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بِصَرْفِهِ إلَى عَبْدِهِ. وَكَذَا إذَا بَاعَ دِرْهَمًا وَثَوْبًا بِدِرْهَمٍ وَثَوْبٍ وَافْتَرَقَا مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ فَسَدَ الْعَقْدُ فِي الدِّرْهَمَيْنِ وَلَا يُصْرَفُ الدِّرْهَمُ إلَى الثَّوْبِ لِمَا ذَكَرْنَا. وَلَنَا أَنَّ الْمُقَابَلَةَ الْمُطْلَقَةَ تَحْتَمِلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ؛ لِأَنَّ الْإِنَاءَ تَعَيَّبَ بِعَيْبِ الشَّرِكَةِ إذْ الشَّرِكَةُ فِي الْأَعْيَانِ الْمُجْتَمِعَةِ تُعَدُّ عَيْبًا لِانْتِقَاصِهَا بِالتَّبْعِيضِ، وَكَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ صُنْعِهِ فَيَتَخَيَّرُ، بِخِلَافِ صُورَةِ الِافْتِرَاقِ فَإِنَّ الْعَيْبَ حَدَثَ بِصُنْعٍ مِنْهُ وَهُوَ الِافْتِرَاقُ لَا عَنْ قَبْضٍ. قَالَ (وَإِنْ بَاعَ قِطْعَةَ نُقْرَةٍ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالنُّقْرَةِ قِطْعَةُ فِضَّةٍ مُذَابَةٌ. فَإِضَافَةُ الْقِطْعَةِ إلَى النُّقْرَةِ مِنْ بَابِ إضَافَةِ الْعَامِّ إلَى الْخَاصِّ. وَإِذَا بَاعَ قِطْعَةَ نُقْرَةٍ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ثُمَّ اسْتَحَقَّ بَعْضَهَا أَخَذَ مَا بَقِيَ بِحِصَّتِهَا وَلَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِيهَا لَيْسَتْ بِعَيْبٍ؛ لِأَنَّ التَّبْعِيضَ لَا يَضُرُّهُ بِخِلَافِ الْإِنَاءِ. قَالَ (وَمَنْ بَاعَ دِرْهَمَيْنِ وَدِينَارًا بِدِرْهَمٍ وَدِينَارَيْنِ جَازَ الْبَيْعُ إلَخْ) رَجُلٌ بَاعَ دِرْهَمَيْنِ وَدِينَارًا بِدِرْهَمٍ وَدِينَارَيْنِ جَازَ الْبَيْعُ وَجُعِلَ كُلُّ جِنْسٍ بِخِلَافِهِ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا يَجُوزُ، وَعَلَى هَذَا إذَا بَاعَ كُرَّ شَعِيرٍ وَكُرَّ حِنْطَةٍ بِكُرَّيْ شَعِيرٍ وَكُرَّيْ حِنْطَةٍ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْأَمْوَالَ الرِّبَوِيَّةَ الْمُخْتَلِفَةَ الْجِنْسِ إذَا اشْتَمَلَ عَلَيْهَا الصَّفْقَةُ، وَكَانَ فِي صَرْفِ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ فَسَادُ الْمُبَادَلَةِ يَصْرِفُ كُلُّ جِنْسٍ مِنْهَا إلَى خِلَافِ جِنْسِهَا عِنْدَ الْعُلَمَاءِ الثَّلَاثَةِ تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ خِلَافًا لَهُمَا، قَالَا: إنَّ فِي الصَّرْفِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ تَغَيُّرَ تَصَرُّفِهِ؛ لِأَنَّهُ قَابَلَ الْجُمْلَةَ بِالْجُمْلَةِ، وَمِنْ قَضِيَّةِ التَّقَابُلِ الِانْقِسَامُ عَلَى الشُّيُوعِ لَا عَلَى التَّعْيِينِ، وَمَعْنَى الشُّيُوعِ هُوَ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَدَلَيْنِ حَظٌّ مِنْ جُمْلَةِ الْآخَرِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ الْوُقُوعُ فَإِنَّهُ إذَا اشْتَرَى قَلْبًا: أَيْ سِوَارًا بِعَشَرَةٍ وَثَوْبًا بِعَشَرَةٍ ثُمَّ بَاعَهُمَا مُرَابَحَةً لَا يَجُوزُ، وَإِنْ أَمْكَنَ صَرْفُ الرِّبْحِ إلَى الثَّوْبِ، وَكَذَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفٍ ثُمَّ بَاعَهُ مَعَ عَبْدٍ آخَرَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ مِنْ الْبَائِعِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ لَا يَجُوزُ فِي الْمُشْتَرَى بِأَلْفٍ

مُقَابَلَةَ الْفَرْدِ بِالْفَرْدِ كَمَا فِي مُقَابَلَةِ الْجِنْسِ بِالْجِنْسِ، وَأَنَّهُ طَرِيقٌ مُتَعَيَّنٌ لِتَصْحِيحِهِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ، وَفِيهِ تَغْيِيرُ وَصْفِهِ لَا أَصْلِهِ لِأَنَّهُ يَبْقَى مُوجِبُهُ الْأَصْلِيُّ وَهُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِي الْكُلِّ بِمُقَابَلَةِ الْكُلِّ، وَصَارَ هَذَا كَمَا إذَا بَاعَ نِصْفَ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ يَنْصَرِفُ إلَى نَصِيبِهِ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ بِخِلَافِ مَا عُدَّ مِنْ الْمَسَائِلِ. أَمَّا مَسْأَلَةُ الْمُرَابَحَةِ فَلِأَنَّهُ يَصِيرُ تَوْلِيَةً فِي الْقَلْبِ بِصَرْفِ الرِّبْحِ كُلِّهِ إلَى الثَّوْبِ. وَالطَّرِيقُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ لِصَرْفِ الْأَلْفِ إلَيْهِ، وَكَذَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ فَقَالَ بِعْتُك أَحَدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بِصَرْفِهِ إلَى عَبْدِهِ، وَكَذَا إذَا بَاعَ دِرْهَمًا وَثَوْبًا بِدِرْهَمٍ وَثَوْبٍ فَافْتَرَقَا مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ فَسَدَ الْبَيْعُ فِي الدِّرْهَمِ وَلَا يُصْرَفُ إلَى الثَّوْبِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ كُلُّهُ إلَّا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ قَضِيَّةَ هَذِهِ الْمُقَابَلَةِ الِانْقِسَامُ عَلَى الشُّيُوعِ دُونَ التَّعْيِينِ، فَالتَّعْيِينُ تَغْيِيرٌ وَالتَّغْيِيرُ لَا يَجُوزُ. وَلَنَا أَنَّ الْمُقَابَلَةَ الْمُطْلَقَةَ تَحْتَمِلُ مُقَابَلَةَ الْفَرْدِ بِالْفَرْدِ فَكَانَ جَائِزَ الْإِرَادَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُرَادًا، أَمَّا أَنَّهُ جَائِزُ الْإِرَادَةِ فَلِأَنَّ كُلَّ مُطْلَقٍ يَحْتَمِلُ الْمُقَيَّدَ لَا مَحَالَةَ، وَلِهَذَا إذَا بَاعَ كُرَّ حِنْطَةٍ بِكُرَّيْهَا فَسَدَ؛ لِأَنَّ الْكُرَّ قَابَلَ الْكُرَّ وَفَضَلَ الْآخَرُ. وَأَمَّا وُجُوبُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا فَلِأَنَّهُ طَرِيقٌ مُتَعَيِّنٌ لِتَصْحِيحِ الْعَقْدِ فَيَجِبُ سُلُوكُهُ، وَلَئِنْ مُنِعَ تَعَيُّنُهُ لِذَلِكَ بِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ دِرْهَمٌ مِنْ الدِّرْهَمَيْنِ بِمُقَابَلَةِ دِرْهَمٍ وَالدِّرْهَمُ الْآخَرُ بِمُقَابَلَةِ دِينَارٍ مِنْ الدِّينَارَيْنِ وَالدِّينَارُ بِمُقَابَلَةِ الدِّينَارِ الْآخَرِ. قُلْنَا: هَذَا غَلَطٌ؛ لِأَنَّا مَا أَرَدْنَا مِنْ الطَّرِيقِ إلَّا الصَّرْفَ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ. عَلَى أَنَّ فِيمَا ذَكَرْتُمْ تَغَيُّرَاتٍ كَثِيرَةً وَمَا هُوَ أَقَلُّ تَغْيِيرًا مُتَعَيِّنٌ. وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمَا إنَّ فِي الصَّرْفِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ تَغْيِيرَ تَصَرُّفِهِ أَنْ يُقَالَ فِيهِ تَغْيِيرُ وَصْفِ التَّصَرُّفِ أَوْ أَصْلِهِ، وَالْأَوَّلُ مُسَلَّمٌ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مَانِعٌ عَنْ الْجَوَازِ، وَالثَّانِي مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ الْأَصْلِيَّ وَهُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِي الْكُلِّ بِمُقَابَلَةِ الْكُلِّ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَصَارَ هَذَا كَمَا إذَا بَاعَ نِصْفَ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ يَنْصَرِفُ إلَى نَصِيبِهِ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ تَغْيِيرُ وَصْفِ التَّصَرُّفِ مِنْ الشُّيُوعِ إلَى مُعَيَّنٍ لَمَا كَانَ أَصْلُ التَّصَرُّفِ وَهُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِي النِّصْفِ بَاقِيًا ثُمَّ أَجَابَ عَنْ الْمَسَائِلِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهَا. أَمَّا الْأُولَى: أَعْنِي مَسْأَلَةَ الْمُرَابَحَةِ فَبِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ تَوْلِيَةً فِي الْقَلْبِ بِصَرْفِ الرِّبْحِ كُلِّهِ إلَى الثَّوْبِ،

صَرْفُ الزِّيَادَةِ عَلَى الْأَلْفِ إلَى الْمُشْتَرِي. وَفِي الثَّالِثَةِ أُضِيفَ الْبَيْعُ إلَى الْمُنَكَّرِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْبَيْعِ وَالْمُعَيَّنُ ضِدُّهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّهُ تَغْيِيرٌ فِي الْأَصْلِ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ؛ فَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَمْ يُبَيِّنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَهُوَ مَمْنُوعٌ لِمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ زِيَادَةِ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ أَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ الزِّيَادَةِ إلَى النُّقْصَانِ تَغَيُّرُ الْعَقْدِ مِنْ وَصْفٍ مَشْرُوعٍ إلَى وَصْفٍ مَشْرُوعٍ، وَلَعَلَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنَّ ذَلِكَ فِي الْمُسَاوَمَةِ، أَمَّا إذَا صَرَّحَا بِذِكْرِ الْمُرَابَحَةِ فَالتَّغْيِيرُ إلَى التَّوْلِيَةِ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ لَا فِي وَصْفِهِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَبِقَوْلِهِ وَالطَّرِيقُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ صَرْفُ الزِّيَادَةِ عَلَى الْأَلْفِ لِلْمُشْتَرِي، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي شِرَاءِ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَلِأَنَّهُ أُضِيفَ الْبَيْعُ إلَى الْمُنْكِرِ وَالْمُنْكِرُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْبَيْعِ، وَالْمُعَيَّنُ ضِدُّهُ وَالشَّيْءُ لَا يَتَنَاوَلُ ضِدَّهُ. وَأَمَّا فِي الْأَخِيرَةِ فَإِنَّ الْعَقْدَ قَدْ انْعَقَدَ

وَفِي الْأَخِيرَةِ الْعَقْدُ انْعَقَدَ صَحِيحًا وَالْفَسَادُ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ وَكَلَامُنَا فِي الِابْتِدَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQصَحِيحًا وَفَسَدَ حَالَةَ الْبَقَاءِ بِالِافْتِرَاقِ بِلَا قَبْضٍ، وَكَلَامُنَا فِي الِابْتِدَاءِ: يَعْنِي أَنَّ الصَّرْفَ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ لِصِحَّةِ

قَالَ (وَمَنْ بَاعَ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَدِينَارٍ جَازَ الْبَيْعُ وَتَكُونُ الْعَشَرَةُ بِمِثْلِهَا وَالدِّينَارُ بِدِرْهَمٍ) لِأَنَّ شَرْطَ الْبَيْعِ فِي الدَّرَاهِمِ التَّمَاثُلُ عَلَى مَا رَوَيْنَا، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ ذَلِكَ فَبَقِيَ الدِّرْهَمُ بِالدِّينَارِ وَهُمَا جِنْسَانِ وَلَا يُعْتَبَرُ التَّسَاوِي فِيهِمَا. (وَلَوْ تَبَايَعَا فِضَّةً بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبًا بِذَهَبٍ وَأَحَدُهُمَا أَقَلُّ وَمَعَ أَقَلِّهِمَا شَيْءٌ آخَرُ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ بَاقِي الْفِضَّةِ جَازَ الْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهِيَةٍ، وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ فَمَعَ الْكَرَاهَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ كَالتُّرَابِ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ) لِتَحَقُّقِ الرِّبَا إذْ الزِّيَادَةُ لَا يُقَابِلُهَا عِوَضٌ فَيَكُونُ رِبًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَقْدِ ابْتِدَاءً وَهُوَ فِي الِابْتِدَاءِ صَحِيحٌ. قَالَ (وَمَنْ بَاعَ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَدِينَارٍ إلَخْ) الْمَسْأَلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ كَانَ الْبَدَلَانِ فِيهَا جِنْسَيْنِ مِنْ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ وَفِي هَذِهِ أَحَدُهُمَا وَهِيَ صَحِيحَةٌ كَالْأُولَى، وَتَكُونُ الْعَشَرَةُ بِمِثْلِهَا وَالدِّينَارُ بِالدِّرْهَمِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الصَّرْفِ التَّمَاثُلُ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ مَوْجُودٌ ظَاهِرًا، إذْ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْبَائِعِ إرَادَةُ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْمُقَابَلَةِ حَمْلًا عَلَى الصَّلَاحِ، وَهُوَ الْإِقْدَامُ عَلَى الْعَقْدِ الْجَائِزِ دُونَ الْفَاسِدِ. قَالَ (وَلَوْ تَبَايَعَا فِضَّةً بِفِضَّةٍ إلَخْ) وَلَوْ بَاعَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَشَيْئًا مَعَهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ قِيمَةٌ أَوْ لَا، وَالْأَوَّلُ إمَّا أَنْ تَبْلُغَ قِيمَتُهُ الْفِضَّةَ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا قِيمَةَ لَهُ كَالتُّرَابِ مَثَلًا لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَمْ يُقَابِلْهَا عِوَضٌ فَتَحَقَّقَ الرِّبَا وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ تَبْلُغُ الْفِضَّةَ كَثَوْبٍ يُسَاوِي خَمْسَةً جَازَ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ فَهُوَ جَائِزٌ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَكَفٍّ مِنْ زَبِيبٍ أَوْ جَوْزَةٍ أَوْ بَيْضَةٍ. وَالْكَرَاهَةُ، إمَّا؛ لِأَنَّهُ احْتِيَالٌ لِسُقُوطِ الرِّبَا فَيَصِيرُ كَبَيْعِ الْعِينَةِ فِي أَخْذِ الزِّيَادَةِ بِالْحِيلَةِ، وَإِمَّا؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى أَنْ يَأْلَفَ النَّاسُ فَيَسْتَعْمِلُوا ذَلِكَ فِيمَا لَا يَجُوزُ. فَإِنْ قِيلَ: فَالْمَسْأَلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْت وَلَمْ تَذْكُرْ فِيهَا الْكَرَاهَةَ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهَا؛ لِأَنَّهُ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا كَانَ الدِّينَارُ الزَّائِدُ بِمُقَابَلَةِ الدِّرْهَمِ وَقِيمَةُ

قَالَ (وَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى آخَرَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَبَاعَهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَشَرَةُ دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَدَفَعَ الدِّينَارَ وَتَقَاصَّا الْعَشَرَةَ بِالْعَشَرَةِ فَهُوَ جَائِزٌ) وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا بَاعَ بِعَشَرَةٍ مُطْلَقَةٍ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ يَجِبُ بِهَذَا الْعَقْدِ ثَمَنٌ يَجِبُ عَلَيْهِ تَعْيِينُهُ بِالْقَبْضِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَالدَّيْنُ لَيْسَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِنَفْسِ الْمَبِيعِ لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ، فَإِذَا تَقَاصَّا يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ فَسْخَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالدِّينَارِ تَبْلُغُ قِيمَةَ الدِّرْهَمِ وَلَا تَزِيدُ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الدِّينَارُ غَيْرَ الْمُصْطَلَحِ وَهُوَ مَا تَكُونُ قِيمَتُهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ. وَالْحَقُّ أَنَّ السُّؤَالَ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ إنَّمَا هِيَ لِلِاحْتِيَالِ لِسُقُوطِ رِبَا الْفَضْلِ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ لِأَنَّ فِيهَا الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِمَا إرَادَةُ الْمُبَادَلَةِ، بِخِلَافِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ إرَادَةَ الْمُبَادَلَةِ بَيْنَ حَفْنَةٍ مِنْ زَبِيبٍ وَالْفِضَّةِ الزَّائِدَةِ لَيْسَتْ بِظَاهِرَةٍ (قَوْلُهُ: وَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى آخَرَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ إلَخْ) مَسْأَلَةٌ يَتَبَيَّنُ بِهَا بَيْعُ النَّقْدِ بِالدَّيْنِ وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ سَابِقًا أَوْ مُقَارِنًا أَوْ لَاحِقًا، فَإِنْ كَانَ سَابِقًا وَقَدْ أَضَافَ إلَيْهِ الْعَقْدَ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ عَلَى آخَرَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَبَاعَهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَشَرَةُ دِينَارًا بِالْعَشَرَةِ الَّذِي عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ وَسَقَطَتْ الْعَشَرَةُ عَنْ ذِمَّةِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بَدَلًا عَنْ الدِّينَارِ. غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ هَذَا عَقْدُ صَرْفٍ وَفِي الصَّرْفِ يُشْتَرَطُ قَبْضُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ احْتِرَازًا عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ. وَيُشْتَرَطُ قَبْضُ الْآخَرِ احْتِرَازًا عَنْ الرِّبَا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ بِقَبْضِ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ حَصَلَ الْأَمْنُ عَنْ خَطَرِ الْهَلَاكِ، فَلَوْ لَمْ يَقْبِضْ الْآخَرُ كَانَ فِيهِ خَطَرُ الْهَلَاكِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ فِي مَعْنَى التَّأَدِّي فَيَلْزَمُ الرِّبَا، وَهَذَا مَعْدُومٌ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الدِّينَارَ نَقْدٌ وَبَدَلُهُ وَهُوَ الْعَشَرَةُ سَقَطَ عَنْ بَائِعِ الدِّينَارِ حَيْثُ سَلَّمَ لَهُ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ خَطَرُ الْهَلَاكِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ تَعْيِينَ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ بَعْدَ الْقَبْضِ الْآخَرِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الرِّبَا، وَلَا رِبَا فِي دَيْنٍ يَسْقُطُ وَإِنَّمَا هُوَ فِي دَيْنٍ يَقَعُ الْخَطَرُ فِي عَاقِبَتِهِ، وَإِنْ كَانَ مُقَارِنًا بِأَنْ أَطْلَقَ الْعَقْدَ وَلَمْ يُضِفْ إلَى الْعَشَرَةِ الَّتِي عَلَيْهِ وَقَعَ الدِّينَارُ، فَإِمَّا أَنْ يَتَقَابَضَا أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي لَمْ تَقَعْ الْمُقَاصَّةُ مَا لَمْ يَتَقَاصَّا بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ جَازَ وَوَقَعَتْ الْمُقَاصَّةُ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ يَنْفِيهِ، وَبِهِ قَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ اُسْتُبْدِلَ بِبَدَلِ الصَّرْفِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ أَخَذَ بِبَدَلِ الصَّرْفِ عَرَضًا. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ يَجِبُ بِهَذَا الْعَقْدِ ثَمَنٌ وَاجِبُ التَّعْيِينِ بِالْقَبْضِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ وُجُوبِ قَبْضِ الْعِوَضَيْنِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَدًا بِيَدٍ» وَالدَّيْنُ لَيْسَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الصَّرْفِ وَاجِبُ التَّعْيِينِ بِالْقَبْضِ وَالدَّيْنُ قَدْ سَبَقَ وُجُوبُهُ، لَكِنَّهُمَا إذَا أَقْدَمَا عَلَى الْمُقَاصَّةِ بِتَرَاضِيهِمَا لَا بُدَّ ثَمَّةَ مِنْ تَصْحِيحٍ وَلَا صِحَّةَ لَهَا مَعَ بَقَاءِ عَقْدِ الصَّرْفِ فَتُجْعَلُ الْمُقَاصَّةُ مُتَضَمِّنَةً لِفَسْخِ الْأَوَّلِ، وَالْإِضَافَةُ إلَى الدَّيْنِ الَّذِي كَانَ

الْأَوَّلِ وَالْإِضَافَةَ إلَى الدَّيْنِ، إذْ لَوْلَا ذَلِكَ يَكُونُ اسْتِبْدَالًا بِبَدَلِ الصَّرْفِ، وَفِي الْإِضَافَةِ إلَى الدَّيْنِ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ، وَالْفَسْخُ قَدْ يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ كَمَا إذَا تَبَايَعَا بِأَلْفٍ ثُمَّ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَزُفَرُ يُخَالِفُنَا فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ بِالِاقْتِضَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ ضَرُورَةٌ إذْ لَوْلَا ذَلِكَ كَانَ اسْتِبْدَالًا بِبَدَلِ الصَّرْفِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ، وَعَلَى هَذَا كَانَ الْفَسْخُ ثَابِتًا بِالِاقْتِضَاءِ، وَلَهُمَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهُمَا فَسْخَ أَصْلِ الْعَقْدِ فَكَانَ لَهُمَا تَغْيِيرُ وَصْفِ الْعَقْدِ مَعَ بَقَاءِ أَصْلِهِ بِالطَّرِيقِ الْأُولَى، وَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا تَبَايَعَا بِأَلْفٍ ثُمَّ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ. وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ عَدَمَ الْمُجَانَسَةِ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ لَوْ مَنَعَ الْمُقَاصَّةَ لَمَا وَقَعَتْ إذَا أُضِيفَ الْعَقْدُ إلَى الدَّيْنِ السَّابِقِ. الثَّانِي أَنَّ الثَّابِتَ بِالِاقْتِضَاءِ يَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْطُلُ بِهِ الْمُقْتَضِي، وَإِذَا ثَبَتَ الْفَسْخُ الْمُقْتَضِي بَطَلَ الْمُقْتَضَى وَهُوَ الْمُقَاصَّةُ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي قِيَامَ الْعَشَرَةِ الثَّابِتَةِ بِالْعَقْدِ وَقَدْ فَاتَ الْفَسْخُ. الثَّالِثُ أَنَّ الْعَقْدَ لَوْ فُسِخَ لِلْمُقَاصَّةِ وَجَبَ قَبْضُ الدِّينَارِ عَلَى الْبَائِعِ بِحُكْمِ الْإِقَالَةِ؛ لِأَنَّ لِإِقَالَةِ الصَّرْفِ حُكْمَ الصَّرْفِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ (وَفِي الْإِضَافَةِ إلَى الدَّيْنِ) يَعْنِي الْمَعْهُودَ (تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ) وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْمُقَاصَّةَ تَقْتَضِي قِيَامَ الْعَقْدِ وَهُوَ مَوْجُودٌ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا أَبْطَلَا عَقْدَ الصَّرْفِ صَارَا كَأَنَّهُمَا عَقَدَا عَقْدًا جَدِيدًا فَتَصِحُّ الْمُقَاصَّةُ بِهِ. وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّ الْإِقَالَةَ ضِمْنِيَّةٌ تَثْبُتُ فِي ضِمْنِ الْمُقَاصَّةِ فَجَازَ أَنْ لَا يَثْبُتَ لِمِثْلِ هَذِهِ الْإِقَالَةِ حُكْمُ الْبَيْعِ، وَزُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَيْثُ لَمْ يَقُلْ بِالِاقْتِضَاءِ لَمْ يُوَافِقْهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ فَتَعَيَّنَ لَهُ وَجْهُ الْقِيَاسِ، فَإِنْ قِيلَ: لِمَ تَرَكَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الِاسْتِدْلَالَ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنِّي أَكْرِي إبِلًا بِالْبَقِيعِ إلَى مَكَّةَ بِالدَّرَاهِمِ فَآخُذُ مَكَانَهَا دَنَانِيرَ، أَوْ قَالَ بِالْعَكْسِ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا افْتَرَقْتُمَا وَلَيْسَ بَيْنَكُمَا عَمَلٌ» فَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْمُقَاصَّةِ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُمَا كَانَا يُضِيفَانِ الْعَقْدَ إلَى الدَّيْنِ الْأَوَّلِ أَوْ إلَى مُطْلَقِهِ فَلَمْ يَكُنْ قَاطِعًا حَتَّى يَلْتَزِمَهُ زُفَرُ وَإِنْ كَانَ لَاحِقًا

وَهَذَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ سَابِقًا. فَإِنْ كَانَ لَاحِقًا فَكَذَلِكَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ لِتَضَمُّنِهِ انْفِسَاخَ الْأَوَّلِ وَالْإِضَافَةَ إلَى دَيْنٍ قَائِمٍ وَقْتَ تَحْوِيلِ الْعَقْدِ فَكَفَى ذَلِكَ لِلْجَوَازِ. قَالَ (وَيَجُوزُ بَيْعُ دِرْهَمٍ صَحِيحٍ وَدِرْهَمَيْ غَلَّةٍ بِدِرْهَمَيْنِ صَحِيحَيْنِ وَدِرْهَمِ غَلَّةٍ) وَالْغَلَّةُ مَا يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ وَيَأْخُذُهُ التُّجَّارُ. وَوَجْهُهُ تَحَقُّقُ الْمُسَاوَاةِ فِي الْوَزْنِ وَمَا عُرِفَ مِنْ سُقُوطِ اعْتِبَارِ الْجَوْدَةِ. قَالَ (وَإِذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى الدَّرَاهِمِ الْفِضَّةَ فَهِيَ فِضَّةٌ، وَإِذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى الدَّنَانِيرِ الذَّهَبَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَنْ اشْتَرَى دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَقَبَضَ الدِّينَارَ ثُمَّ إنَّ مُشْتَرِيَ الدِّينَارِ بَاعَ ثَوْبًا مِنْ بَائِعِ الدِّينَارِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَقَاصَّا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ. فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَهِيَ الَّتِي اخْتَارَهَا فَخْرُ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ وَاخْتَارَهَا شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَقَاضِي خَانْ: لَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَاحِقٌ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَوَّزَ الْمُقَاصَّةَ فِي دَيْنٍ سَابِقٍ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَوَجْهُ الْأَصَحِّ أَنَّ قَصْدَهُمَا الْمُقَاصَّةَ يَتَضَمَّنُ الِانْفِسَاخَ الْأَوَّلَ وَالْإِضَافَةُ إلَى دَيْنٍ قَائِمٍ وَقْتَ تَحْوِيلِ الْعَقْدِ فَيَكُونُ الدَّيْنُ حِينَئِذٍ سَابِقًا عَلَى الْمُقَاصَّةِ هَذَا هُوَ الْمَوْعُودُ مِنْ الْجَوَابِ عَنْ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ وَهُوَ لَيْسَ بِدَافِعٍ كَمَا تَرَى إلَّا إذَا أُضِيفَ أَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي أَنْ لَا تَقَعَ الْمُقَاصَّةُ بَيْنَ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ أَصْلًا لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ، إلَّا أَنَّهُ اُسْتُحْسِنَ ذَلِكَ بِالْأَثَرِ، وَيُقَوِّي هَذَا الْوَجْهَ أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَالْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ مِنْهُ سَوَاءٌ، وَقَدْ وَقَعَتْ الْمُقَاصَّةُ إذَا أُضِيفَ إلَى الدَّيْنِ السَّابِقِ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا بِاللَّاحِقِ بَعْدَ فَسْخِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَإِلَّا لَكَانَ الدَّيْنُ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَذَلِكَ خُلْفٌ؛ أَوْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ عَدَمُ كَوْنِهِمَا مُوجِبَيْ عَقْدٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا أُضِيفَ إلَى الدَّيْنِ السَّابِقِ تَجَانَسَا، وَإِذَا أُضِيفَ إلَى دَيْنٍ مُقَارِنٍ عَدَمُ الْمُجَانَسَةِ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ السَّابِقِ وَإِنَّمَا الْمُجَانَسَةُ حِينَئِذٍ بَيْنَهُمَا، وَبَيْنَ الدَّيْنِ الْمُقَارِنِ وَهَذَا أَوْضَحُ. قَالَ (وَيَجُوزُ بَيْعُ دِرْهَمٍ صَحِيحٍ وَدِرْهَمَيْ غَلَّةٍ إلَخْ) الْغَلَّةُ مِنْ الدَّرَاهِمِ هِيَ الْمُقَطَّعَةُ الَّتِي فِي الْقِطْعَةِ مِنْهَا قِيرَاطٌ أَوْ طُسُوجٌ أَوْ خَبَّةٌ فَيَرُدُّهَا بَيْتَ الْمَالِ لَا لِزِيَافَتِهَا بَلْ لِكَوْنِهَا قِطَعًا وَيَأْخُذُهَا التُّجَّارُ وَبَيْعُ دِرْهَمٍ صَحِيحٍ وَدِرْهَمَيْ غَلَّةٍ بِدِرْهَمَيْنِ صَحِيحَيْنِ وَدِرْهَمِ غَلَّةٍ جَائِزٌ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِصُدُورِهِ عَنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ مَعَ وُجُودِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْمُسَاوَاةُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَانِعَ أَنْ تُصَوَّرَ هَاهُنَا فِي الْجَوْدَةِ وَهِيَ سَاقِطَةُ الْعِبْرَةِ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ. قَالَ (وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَى الدَّرَاهِمِ الْفِضَّةَ فَهِيَ دَرَاهِمُ إلَخْ) الْأَصْلُ أَنَّ النُّقُودَ لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيلِ غِشٍّ خِلْقَةً أَوْ عَادَةً؛ فَالْأَوَّلُ كَمَا فِي الرَّدِيءِ، وَالثَّانِي

فَهِيَ ذَهَبٌ، وَيُعْتَبَرُ فِيهِمَا مِنْ تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْجِيَادِ حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُ الْخَالِصَةِ بِهَا وَلَا بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ إلَّا مُتَسَاوِيًا فِي الْوَزْنِ. وَكَذَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِقْرَاضُ بِهَا إلَّا وَزْنًا) لِأَنَّ النُّقُودَ لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيلِ غِشٍّ عَادَةً لِأَنَّهَا لَا تَنْطَبِعُ إلَّا مَعَ الْغِشِّ، وَقَدْ يَكُونُ الْغِشُّ خِلْقِيًّا كَمَا فِي الرَّدِيءِ مِنْهُ فَيُلْحَقُ الْقَلِيلُ بِالرَّدَاءَةِ، وَالْجَيِّدُ وَالرَّدِيءُ سَوَاءٌ (وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِمَا الْغِشَّ فَلَيْسَا فِي حُكْمِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ) اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ، فَإِنْ اشْتَرَى بِهَا فِضَّةً خَالِصَةً فَهُوَ عَلَى الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي حِلْيَةِ السَّيْفِ. (وَإِنْ بِيعَتْ بِجِنْسِهَا مُتَفَاضِلًا جَازَ صَرْفًا لِلْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ) فَهِيَ فِي حُكْمِ شَيْئَيْنِ فِضَّةٍ وَصُفْرٍ وَلَكِنَّهُ صُرِفَ حَتَّى يُشْتَرَطَ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ لِوُجُودِ الْفِضَّةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، فَإِذَا شُرِطَ الْقَبْضُ فِي الْفِضَّةِ يُشْتَرَطُ فِي الصُّفْرِ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ عَنْهُ إلَّا بِضَرَرٍ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا يُخْلَطُ لِلِانْطِبَاعِ فَإِنَّهَا بِدُونِهِ تَتَفَتَّتُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يُعْتَبَرُ الْغَالِبُ؛ لِأَنَّهُ الْمَغْلُوبُ فِي مُقَابَلَةِ الْغَالِبِ كَالْمُسْتَهْلَكِ، فَإِذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ كَانَا فِي حُكْمِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ يُعْتَبَرُ فِيهِمَا مِنْ تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْجِيَادِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْخَالِصِ بِهَا وَلَا بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَلَا الِاسْتِقْرَاضُ بِهَا إلَّا مُتَسَاوِيًا فِي الْوَزْنِ (وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِمَا الْغِشَّ فَلَيْسَا فِي حُكْمِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ) فَإِنْ اشْتَرَى بِهَا إنْسَانٌ فِضَّةً خَالِصَةً، فَإِنْ كَانَتْ الْفِضَّةُ الْخَالِصَةُ مِثْلَ تِلْكَ الْفِضَّةِ الَّتِي فِي الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ لَا يُدْرَى فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ صَحَّ وَهِيَ الْوُجُوهُ الْمَذْكُورَةُ فِي حِلْيَةِ السَّيْفِ. (وَإِنْ بِيعَتْ بِجِنْسِهَا مُتَفَاضِلًا جَازَ صَرْفًا لِلْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ وَهِيَ فِي حُكْمِ فِضَّةٍ وَصُفْرٍ) (قَوْلُهُ: وَلَكِنَّهُ صَرْفٌ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إذَا صُرِفَ الْجِنْسُ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ فَلَا يَكُونُ صَرْفًا فَلَا يَبْقَى التَّقَابُضُ شَرْطًا. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ صَرْفَ الْجِنْسِ إلَى خِلَافِ جِنْسِهِ ضَرُورَةَ صِحَّةِ الْعَقْدِ، وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ لَا يَتَعَدَّى فَبَقِيَ الْعَقْدُ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ صَرْفًا (وَاشْتِرَاطُ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ لِوُجُودِ الْفِضَّةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. وَإِذَا شَرَطَ الْقَبْضَ فِي الْفِضَّةِ يُشْتَرَطُ فِي الصُّفْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ عَنْهُ إلَّا بِضَرَرٍ) وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ عَدَمِ التَّمْيِيزِ

وَمَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لَمْ يُفْتُوا بِجَوَازِ ذَلِكَ فِي الْعَدَالَى وَالْغَطَارِفَةِ لِأَنَّهَا أَعَزُّ الْأَمْوَالِ فِي دِيَارِنَا، فَلَوْ أُبِيحَ التَّفَاضُلُ فِيهِ يَنْفَتِحُ بَابُ الرِّبَا، ثُمَّ إنْ كَانَتْ تَرُوجُ بِالْوَزْنِ فَالتَّبَايُعُ وَالِاسْتِقْرَاضُ فِيهَا بِالْوَزْنِ، وَإِنْ كَانَتْ تَرُوجُ بِالْعَدِّ فَبِالْعَدِّ، وَإِنْ كَانَتْ تَرُوجُ بِهِمَا فَبِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْمُعْتَادُ فِيهِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا نَصٌّ، ثُمَّ هِيَ مَا دَامَتْ تَرُوجُ تَكُونُ أَثْمَانًا لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَإِذَا كَانَتْ لَا تَرُوجُ فَهِيَ سِلْعَةٌ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَإِذَا كَانَتْ يَتَقَبَّلُهَا الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ فَهِيَ كَالزُّيُوفِ لَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَشَايِخُنَا) يُرِيدُ بِهِ عُلَمَاءَ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ (لَمْ يُفْتُوا بِجَوَازِ ذَلِكَ) يَعْنِي التَّفَاضُلَ (فِي الْعَدَالَى وَالْغَطَارِفَةِ) أَيْ الدَّرَاهِمِ الْغِطْرِيفِيَّةِ وَهِيَ الْمَنْسُوبَةُ إلَى غِطْرِيفِ بْنِ عَطَاءِ الْكَنَدِيِّ أَمِيرِ خُرَاسَانَ أَيَّامَ الرَّشِيدِ، وَقِيلَ هُوَ خَالُ هَارُونَ الرَّشِيدِ (لِأَنَّهَا أَعَزُّ الْأَمْوَالِ فِي دِيَارِنَا، فَلَوْ أُبِيحَ التَّفَاضُلُ فِيهِ) أَيْ لَوْ أُفْتِيَ بِإِبَاحَتِهِ (تَدَرَّجُوا إلَى الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ بِالْقِيَاسِ) ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي الْمُعَامَلَاتِ بِهَا الْمُعْتَادُ (فَإِنْ كَانَتْ تَرُوجُ بِالْوَزْنِ كَانَ التَّبَابِعُ وَالِاسْتِقْرَاضُ فِيهَا بِالْوَزْنِ، وَإِنْ كَانَتْ تَرُوجُ بِالْعَدِّ فَهُمَا فِيهَا بِالْعَدِّ، وَإِنْ كَانَتْ تَرُوجُ بِهِمَا فَبِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَنْصُوصًا عَلَيْهَا، ثُمَّ هِيَ مَا دَامَتْ تَرُوجُ تَكُونُ أَثْمَانًا لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ) فَإِنْ هَلَكَتْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا وَيَجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ (وَإِذَا كَانَتْ لَا تَرُوجُ فَهِيَ سِلْعَةٌ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعَيُّنِ) كَالرَّصَاصِ وَالسَّتُّوقَةِ وَيَبْطُلُ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ إذَا عَلِمَ الْمُتَعَاقِدَانِ حَالَ الدَّرَاهِمِ وَيَعْلَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ صَاحِبَهُ يَعْلَمُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَحَدُهُمَا أَوْ عَلِمَا وَلَكِنْ لَمْ يَعْلَمْ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّ صَاحِبَهُ يَعْلَمُ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَتَعَلَّقُ بِالدَّرَاهِمِ الرَّائِجَةِ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ الَّذِي عَلَيْهَا مُعَامَلَاتُ النَّاسِ دُونَ الْمُشَارِ إلَيْهِ (وَإِنْ كَانَتْ يَقْبَلُهَا الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ فَهِيَ كَالزُّيُوفِ لَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ

بِعَيْنِهَا بَلْ بِجِنْسِهَا زُيُوفًا إنْ كَانَ الْبَائِعُ يَعْلَمُ بِحَالِهَا لِتَحَقُّقِ الرِّضَا مِنْهُ، وَبِجِنْسِهَا مِنْ الْجِيَادِ إنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ لِعَدَمِ الرِّضَا مِنْهُ. (وَإِذَا اشْتَرَى بِهَا سِلْعَةً فَكَسَدَتْ وَتَرَكَ النَّاسُ الْمُعَامَلَةَ بِهَا بَطَلَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: عَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْبَيْعِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قِيمَتُهَا آخِرُ مَا تَعَامَلَ النَّاسُ بِهَا) لَهُمَا أَنَّ الْعَقْدَ قَدْ صَحَّ إلَّا أَنَّهُ تَعَذَّرَ التَّسْلِيمُ بِالْكَسَادِ وَأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْفَسَادَ، كَمَا إذَا اشْتَرَى بِالرُّطَبِ فَانْقَطَعَ أَوَانُهُ. وَإِذَا بَقِيَ الْعَقْدُ وَجَبَتْ الْقِيمَةُ، لَكِنْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقْتَ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَوْمَ الِانْقِطَاعِ لِأَنَّهُ أَوَانُ الِانْتِقَالِ إلَى الْقِيمَةِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الثَّمَنَ يَهْلَكُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِعَيْنِهَا بَلْ بِجِنْسِهَا زُيُوفًا) إنْ عَلِمَ الْبَائِعُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِجِنْسِ الزُّيُوفِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ تَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِجِنْسِهَا مِنْ الْجِيَادِ لِعَدَمِ الرِّضَا مِنْهُ بِالزُّيُوفِ. (وَإِذَا اشْتَرَى بِهَا سِلْعَةً ثُمَّ كَسَدَتْ قَبْلَ النَّقْدِ فَتَرَكَ النَّاسُ الْمُعَامَلَةَ بِهَا بَطَلَ الْعَقْدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَمْ يَبْطُلْ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا، لَكِنْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْبَيْعِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ آخِرُ مَا تَعَامَلَ النَّاسُ بِهَا) وَالْمُصَنِّفُ فَسَّرَ الْكَسَادَ بِتَرْكِ النَّاسِ الْمُعَامَلَةَ بِهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ فِي كُلِّ الْبِلَادِ أَوْ فِي الْبَلَدِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْعَقْدُ. وَنَقَلَ عَنْ عُيُونِ الْمَسَائِلِ أَنَّ عَدَمَ الرَّوَاجِ إنَّمَا يُوجِبُ فَسَادَ الْبَيْعِ إذَا كَانَ لَا يَرُوجُ فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ هَالِكًا وَيَبْقَى الْبَيْعُ بِلَا ثَمَنٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يَرُوجُ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ وَيَرُوجُ فِي غَيْرِهَا لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَهْلِكْ لَكِنَّهُ تَعَيَّبَ، فَكَانَ لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ قَالَ أَعْطِ مِثْلَ النَّقْدِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَةَ ذَلِكَ دَنَانِيرَ. قَالُوا: وَمَا ذُكِرَ فِي الْعُيُونِ يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَلَا يَسْتَقِيمُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْتَفَى بِالْكَسَادِ فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي بَيْعِ الْفَلْسِ بِالْفَلْسَيْنِ. عِنْدَهُمَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا لِاصْطِلَاحِ بَعْضِ النَّاسِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا لِاصْطِلَاحِ الْكُلِّ، فَالْكَسَادُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ أَيْضًا (لَهُمَا أَنَّ الْعَقْدَ قَدْ صَحَّ) لِوُجُودِ رُكْنِهِ فِي مَحَلِّهِ مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ شَرْعِيٍّ (إلَّا أَنَّهُ تَعَذَّرَ التَّسْلِيمُ بِالْكَسَادِ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْفَسَادَ كَمَا إذَا اشْتَرَى بِالرَّطْبِ فَانْقَطَعَ، وَإِذَا بَقِيَ الْعَقْدُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: وَجَبَ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْبَيْعِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: قِيمَتُهُ يَوْمَ الِانْقِطَاعِ: أَيْ الْكَسَادِ؛ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ الْحَقُّ مِنْهُ إلَى الْقِيمَةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الثَّمَنَ يَهْلِكُ

بِالْكَسَادِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنِيَّةَ بِالِاصْطِلَاحِ وَمَا بَقِيَ فَيَبْقَى بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ فَيَبْطُلُ، وَإِذَا بَطَلَ الْبَيْعُ يَجِبُ رَدُّ الْمَبِيعِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَقِيمَتُهُ إنْ كَانَ هَالِكًا كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْكَسَادِ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ الَّتِي غَلَبَ غِشُّهَا إنَّمَا جُعِلَتْ ثَمَنًا بِالِاصْطِلَاحِ، فَإِذَا تَرَكَ النَّاسُ الْمُعَامَلَةَ بِهَا بَطَلَ، وَإِذَا بَطَلَ الثَّمَنِيَّةُ بَقِيَ بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ وَهُوَ بَاطِلٌ) لَا يُقَالُ: الْعَقْدُ تَنَاوَلَ عَيْنَهَا وَهُوَ بَاقٍ بَعْدَ الْكَسَادِ وَهُوَ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّ الْعَقْدَ تَنَاوَلَهَا بِصِفَةِ الثَّمَنِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا مَا دَامَتْ رَائِجَةً فَهِيَ تَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ، وَبِالْكَسَادِ يَنْعَدِمُ مِنْهَا صِفَةُ الثَّمَنِيَّةِ، وَصِفَةُ الثَّمَنِيَّةِ فِي الْفُلُوسِ وَالدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ الَّتِي غَلَبَ غِشُّهَا كَصِفَةِ الْمَالِيَّةِ فِي الْأَعْيَانِ؛ وَلَوْ انْعَدَمَتْ الْمَالِيَّةُ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بِتَخَمُّرِ الْعَصِيرِ فَسَدَ الْبَيْعُ فَكَذَا هَذَا. وَالْجَوَابُ عَنْ الرُّطَبِ أَنَّ الرُّطَبَ مَرْجُوُّ الْحُصُولِ فِي الْعَامِ الثَّانِي غَالِبًا فَلَمْ يَكُنْ هَالِكًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَمْ يَبْطُلْ، لَكِنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالصَّبْرِ إلَى أَنْ يَحْصُلَ. أَمَّا الْكَسَادُ فِي الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ الَّتِي غَلَبَ عَلَيْهَا غِشُّهَا فَهَلَاكُ الثَّمَنِيَّةِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُرْجَى الْوُصُولُ إلَى ثَمَنِيَّتِهَا فِي ثَانِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْكَسَادَ أَصْلِيٌّ وَالشَّيْءُ إذَا رَجَعَ إلَى أَصْلِهِ قَلَّمَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ، وَإِذَا بَطَلَ الْبَيْعُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَبِيعُ مَقْبُوضًا فَلَا حُكْمَ لِهَذَا الْبَيْعِ أَصْلًا، وَإِنْ كَانَ مَقْبُوضًا فَإِنْ كَانَ قَائِمًا وَجَبَ رَدُّهُ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا أَوْ مُسْتَهْلَكًا، فَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَجَبَ رَدُّ مِثْلِهِ، وَإِنْ كَانَ قِيَمِيًّا وَجَبَ رَدُّ قِيمَتِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، هَذَا حُكْمُ الْكَسَادِ وَحُكْمُ الِانْقِطَاعِ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ كَذَلِكَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَوْمَ الِانْقِطَاعِ وَإِنْ كَانَ صَدَّرَ الْبَحْثَ بِالْكَسَادِ. وَأَمَّا إذَا غَلَبَتْ بِازْدِيَادِ الْقِيمَةِ أَوْ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ بِالرُّخْصِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِذَلِكَ فَالْبَيْعُ عَلَى حَالِهِ وَيُطَالِبُهُ بِالدَّرَاهِمِ بِذَلِكَ الْعِيَارِ الَّذِي كَانَ

قَالَ (وَيَجُوزُ الْبَيْعُ بِالْفُلُوسِ) لِأَنَّهَا مَالٌ مَعْلُومٌ، فَإِنْ كَانَتْ نَافِقَةً جَازَ الْبَيْعُ بِهَا وَإِنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ لِأَنَّهَا أَثْمَانٌ بِالِاصْطِلَاحِ، وَإِنْ كَانَتْ كَاسِدَةً لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ بِهَا حَتَّى يُعَيِّنَهَا لِأَنَّهَا سِلَعٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهَا (وَإِذَا بَاعَ بِالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ ثُمَّ كَسَدَتْ بَطَلَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافًا لَهُمَا) وَهُوَ نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقْتَ الْبَيْعِ. قَالَ (وَيَجُوزُ الْبَيْعُ بِالْفُلُوسِ إلَخْ) الْبَيْعُ بِالْفُلُوسِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مَعْلُومٌ: أَيْ مَعْلُومٌ قَدْرُهُ وَوَصْفُهُ، وَإِنَّمَا قَالَ كَذَلِكَ إشَارَةً إلَى وُجُوبِ بَيَانِ الْمِقْدَارِ وَالْوَصْفِ أَوْ الْإِشَارَةِ إلَيْهِ، ثُمَّ إنَّهَا إمَّا أَنْ تَكُونَ نَافِقَةً أَوْ كَاسِدَةً حَالَةَ الْعَقْدِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ جَازَ الْبَيْعُ وَإِنْ لَمْ تُعَيَّنْ؛ لِأَنَّهَا أَثْمَانٌ بِالِاصْطِلَاحِ، فَالْمُشْتَرِي بِهَا لَا يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ مَا عَيَّنَ بَلْ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ دَفْعِ ذَلِكَ وَدَفْعِ مِثْلِهِ وَإِنْ هَلَكَ ذَلِكَ لَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَا بُدَّ لِجَوَازِ الْبَيْعِ بِهَا مِنْ التَّعْيِينِ؛ لِأَنَّهَا سِلَعٌ. وَإِذَا بَاعَ بِالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ ثُمَّ كَسَدَتْ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ فِي كَسَادِ الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ قَبْلَ نَقْدِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَطَلَ الْبَيْعُ خِلَافًا لَهُمَا. قَالَ الشَّارِحُونَ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ مِنْ الِاخْتِلَافِ مُخَالِفًا لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ حَيْثُ ذَكَرَ بُطْلَانَ الْبَيْعِ عِنْدَ كَسَادِ الْفُلُوسِ فِي هَذِهِ الْكُتُبِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ. وَذَكَرُوا نَقْلَ الْكُتُبِ الْمَذْكُورَةِ وَلَيْسَ فِيهِ سِوَى السُّكُوتِ عَنْ بَيَانِ الِاخْتِلَافِ إلَّا مَا نُقِلَ عَنْ الْأَسْرَارِ وَهُوَ مَا قِيلَ فِيهِ: إذَا اشْتَرَى شَيْئًا بِفُلُوسٍ فِي الذِّمَّةِ فَكَسَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الشِّرَاءُ عِنْدَنَا، وَقَالَ زُفَرُ لَا يَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَحْتَ الْكَسَادِ إلَّا الْعَجْزُ عَنْ تَسْلِيمِهِ، وَالْعَقْدُ لَا يَبْطُلُ بِالْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِ الْبَدَلِ كَمَا لَوْ أَبَقَ الْعَبْدُ وَكَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي الرُّطَبِ فَانْقَطَعَ أَوَانُهُ، وَهَذَا بِظَاهِرِ قَوْلِهِ عِنْدَنَا وَإِنْ دَلَّ عَلَى الِاتِّفَاقِ، لَكِنَّ الدَّلِيلَ الْمَذْكُورَ لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَمْنَعُهُ؛ لِأَنَّ دَلِيلَهُمَا فِي كَسَادِ الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ حَيْثُ قَالَا: الْكَسَادُ لَا يُوجِبُ الْفَسَادَ فَجَعْلُهُ مُفْسِدًا هَاهُنَا يُفْضِي إلَى التَّحَكُّمِ إلَّا إذَا ظَهَرَ مَعْنًى فِقْهِيٌّ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَلَمْ أَظْفَرْ بِذَلِكَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:

(وَلَوْ اسْتَقْرَضَ فُلُوسًا نَافِقَةً فَكَسَدَتْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُهَا) لِأَنَّهُ إعَارَةٌ، وَمُوجِبُهُ رَدُّ الْعَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ اسْتَقْرَضَ فُلُوسًا فَكَسَدَتْ) إذَا اسْتَقْرَضَ فُلُوسًا فَكَسَدَتْ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ مِثْلِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (؛ لِأَنَّهُ) أَيْ اسْتِقْرَاضَ الْمِثْلِيِّ (إعَارَةٌ) كَمَا أَنَّ إعَارَتَهُ قَرْضٌ (وَمُوجِبُ اسْتِقْرَاضِ الْمِثْلِيِّ رَدُّ عَيْنِهِ مَعْنًى) وَبِالنَّظَرِ إلَى كَوْنِهِ عَارِيَّةً يَجِبُ رَدُّ عَيْنِهِ حَقِيقَةً، لَكِنْ لَمَّا كَانَ قَرْضًا وَالِانْتِفَاعُ بِهِ إنَّمَا يَكُونُ بِإِتْلَافِ عَيْنِهِ فَاتَ رَدُّ عَيْنِهِ حَقِيقَةً فَيَجِبُ رَدُّ عَيْنِهِ مَعْنًى وَهُوَ الْمِثْلُ وَيُجْعَلُ بِمَعْنَى الْعَيْنِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُجْعَلْ كَذَلِكَ لَزِمَ مُبَادَلَةُ الشَّيْءِ بِجِنْسِهِ نَسِيئَةً وَهُوَ لَا يَجُوزُ فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ الْمِثْلِيُّ بِمَعْنَى الْعَيْنِ وَقَدْ فَاتَ وَصْفُ الثَّمَنِيَّةِ وَإِنَّمَا كَانَ بِمَعْنَى الْعَيْنِ أَنْ لَوْ رُدَّ مِثْلُهُ حَالَ كَوْنِهِ نَافِقًا

مَعْنًى وَالثَّمَنِيَّةِ فَضْلٌ فِيهِ إذْ الْقَرْضُ لَا يَخْتَصُّ بِهِ. وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ قِيمَتُهَا لِأَنَّهُ لَمَّا بَطَلَ وَصْفُ الثَّمَنِيَّةِ تَعَذَّرَ رَدُّهَا كَمَا قُبِضَ فَيَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهَا، كَمَا إذَا اسْتَقْرَضَ مِثْلِيًّا فَانْقَطَعَ، لَكِنْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَوْمَ الْقَبْضِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَوْمَ الْكَسَادِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ، وَأَصْلُ الِاخْتِلَافِ فِيمَنْ غَصَبَ مِثْلِيًّا فَانْقَطَعَ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْظَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَجَابَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بِأَنَّ الثَّمَنِيَّةَ فَضْلٌ) فِيهِ أَيْ فِي الْقَرْضِ إذْ الْقَرْضُ لَا يُخْبَصُ بِهِ: أَيْ بِمَعْنَى الثَّمَنِيَّةِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الثَّمَنِيَّةَ لَيْسَتْ عَيْنَ الْفَرْضِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا لَازِمًا مِنْ لَوَازِمِهِ فَجَازَ أَنْ يَنْفَكَّ الْقَرْضُ عَنْ الثَّمَنِيَّةِ وَيُجْعَلَ الِاسْتِقْرَاضُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الِاسْتِقْرَاضَ جَائِزٌ فِي كُلِّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ أَوْ عَدَدِيٍّ مُتَقَارِبٍ وَبِالْكَسَادِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ دُخُولَهَا فِي الْعَقْدِ فِيهِ بِصِفَةِ الثَّمَنِيَّةِ وَقَدْ فَاتَ ذَلِكَ بِالْكَسَادِ. وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْمِثْلَ الْمُجَرَّدَ عَنْ الثَّمَنِيَّةِ أَقْرَبُ إلَى الْعَيْنِ مِنْ الْقِيمَةِ فَلَا يُصَارُ إلَيْهَا مَا دَامَ مُمْكِنًا (وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ قِيمَتُهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَطَلَ وَصْفُ الثَّمَنِيَّةِ تَعَذَّرَ رَدُّهَا كَمَا قَبَضَ) وَلَيْسَ الْمِثْلُ الْمُجَرَّدُ عَنْهَا فِي مَعْنَاهَا (فَيَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهَا كَمَا إذَا اسْتَقْرَضَ مِثْلِيًّا فَانْقَطَعَ، لَكِنْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَوْمَ الْقَبْضِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَوْمَ الْكَسَادِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ، وَأَصْلُ الِاخْتِلَافِ) يَعْنِي بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ (فِيمَنْ غَصَبَ مِثْلِيًّا فَانْقَطَعَ) فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَجِبُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْغَصْبِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَوْمَ الِانْقِطَاعِ وَسَيَجِيءُ (وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْظَرُ) لِلْمُقْرِضِ وَلِلْمُسْتَقْرِضِ؛ لِأَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجِبُ رَدُّ الْمِثْلِ وَهُوَ كَاسِدٌ وَفِيهِ ضَرَرٌ بِالْمُقْرِضِ،

لِلْجَانِبَيْنِ، وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَيْسَرُ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِنِصْفِ دِرْهَمِ فُلُوسٍ جَازَ وَعَلَيْهِ مَا يُبَاعُ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ مِنْ الْفُلُوسِ) وَكَذَا إذَا قَالَ بِدَانِقِ فُلُوسٍ أَوْ بِقِيرَاطِ فُلُوسٍ جَازَ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ اشْتَرَى بِالْفُلُوسِ وَأَنَّهَا تُقَدَّرُ بِالْعَدَدِ لَا بِالدَّانِقِ وَالدِّرْهَمِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ عَدَدِهَا، وَنَحْنُ نَقُولُ: مَا يُبَاعُ بِالدَّانِقِ وَنِصْفُ الدِّرْهَمِ مِنْ الْفُلُوسِ مَعْلُومٌ عِنْدَ النَّاسِ وَالْكَلَامُ فِيهِ فَأَغْنَى عَنْ بَيَانِ الْعَدَدِ. وَلَوْ قَالَ بِدِرْهَمِ فُلُوسٍ أَوْ بِدِرْهَمَيْ فُلُوسٍ فَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ مَا يُبَاعُ بِالدِّرْهَمِ مِنْ الْفُلُوسِ مَعْلُومٌ وَهُوَ الْمُرَادُ لَا وَزْنُ الدِّرْهَمِ مِنْ الْفُلُوسِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالدِّرْهَمِ وَيَجُوزُ فِيمَا دُونَ الدِّرْهَمِ، لِأَنَّ فِي الْعَادَةِ الْمُبَايَعَةَ بِالْفُلُوسِ فِيمَا دُونَ الدِّرْهَمِ فَصَارَ مَعْلُومًا بِحُكْمِ الْعَادَةِ، وَلَا كَذَلِكَ الدِّرْهَمُ قَالُوا: وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَصَحُّ لَا سِيَّمَا فِي دِيَارِنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ تَجِبُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْقَبْضِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ قِيمَةَ يَوْمِ الْقَبْضِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ يَوْمِ الِانْقِطَاعِ وَهُوَ ضَرَرٌ بِالْمُسْتَقْرِضِ فَكَانَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَنْظَرَ لِلْجَانِبَيْنِ (وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَيْسَرُ) ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْقَبْضِ مَعْلُومَةٌ لِلْمُقْرِضِ وَالْمُسْتَقْرِضِ وَسَائِرِ النَّاسِ، وَقِيمَةُ يَوْمِ الِانْقِطَاعِ تَشْتَبِهُ عَلَى النَّاسِ وَيَخْتَلِفُونَ فِيهَا فَكَانَ قَوْلُهُ أَيْسَرَ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِنِصْفِ دِرْهَمِ فُلُوسٍ جَازَ إلَخْ) رَجُلٌ قَالَ اشْتَرَيْت هَذَا بِنِصْفِ دِرْهَمِ فُلُوسٍ: يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ النِّصْفَ مِنْ الدَّرَاهِمِ فُلُوسٌ لَا نُقْرَةٌ، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ عِنْدَ النَّاسِ وَقْتَ الْعَقْدِ جَازَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الْفُلُوسِ، وَكَذَا إذَا قَالَ بِدَانِقِ فُلُوسٍ وَهُوَ سُدُسُ الدِّرْهَمِ جَازَ أَوْ بِقِيرَاطِ فُلُوسٍ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى بِالْفُلُوسِ وَهِيَ مَعْدُودَةٌ وَنِصْفُ دِرْهَمِ دَانَقٍ وَقِيرَاطٍ مِنْهُ مَوْزُونَةٌ، وَذِكْرُهَا لَا يُغْنِي عَنْ بَيَانِ الْعَدَدِ فَبَقِيَ الثَّمَنُ مَجْهُولًا وَهُوَ مَانِعٌ عَنْ الْجَوَازِ. وَقُلْنَا: فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَ مَا يُبَاعُ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ مِنْ الْفُلُوسِ مَعْلُومًا مِنْ حَيْثُ الْعَدُّ فَكَانَ مُغْنِيًا عَنْ ذِكْرِ الْعَدَدِ، وَإِذَا زَادَ عَلَى الدِّرْهَمِ جَوَّزَهُ أَبُو يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى كَوْنِهِ مَعْلُومًا، وَفَصَّلَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَ

قَالَ (وَمَنْ أَعْطَى صَيْرَفِيًّا دِرْهَمًا وَقَالَ أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ فُلُوسًا وَبِنِصْفِهِ نِصْفًا إلَّا حَبَّةً جَازَ الْبَيْعُ فِي الْفُلُوسِ وَبَطَلَ فِيمَا بَقِيَ عِنْدَهُمَا) لِأَنَّ بَيْعَ نِصْفِ دِرْهَمٍ بِالْفُلُوسِ جَائِزٌ وَبَيْعُ النِّصْفِ بِنِصْفٍ إلَّا حَبَّةً رِبًا فَلَا يَجُوزُ (وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَطَلَ فِي الْكُلِّ) لِأَنَّ الصَّفْقَةَ مُتَّحِدَةٌ وَالْفَسَادُ قَوِيٌّ فَيَشِيعُ وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ، وَلَوْ كَرَّرَ لَفْظَ الْإِعْطَاءِ كَانَ جَوَابُهُ كَجَوَابِهِمَا هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُمَا بَيْعَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا دُونَ الدِّرْهَمِ وَمَا فَوْقَهُ، فَجَوَّزَ فِيمَا دُونَ الدِّرْهَمِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ فِي الْعَادَةِ الْمُبَايَعَةُ بِالْفُلُوسِ فِيمَا دُونَ الدِّرْهَمِ فَكَانَ مَعْلُومًا بِحُكْمِ الْعَادَةِ، وَلَا كَذَلِكَ الدِّرْهَمُ. قَالُوا: وَالْأَصَحُّ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لَا سِيَّمَا فِي دِيَارِنَا عَلَى عَدَمِ الْمُنَازَعَةِ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا وَلِاشْتِرَاكِ الْعُرْفِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أَعْطَى صَيْرَفِيًّا دِرْهَمًا إلَخْ) هَذِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى أَنْ يُعْطِيَ دِرْهَمًا كَبِيرًا وَيَقُولَ أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ فُلُوسًا وَبِنِصْفِهِ نِصْفًا: أَيْ دِرْهَمًا صَغِيرًا وَزْنُهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ كَبِيرٍ إلَّا حَبَّةً جَازَ الْبَيْعُ فِي الْفُلُوسِ وَبَطَلَ فِيمَا بَقِيَ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ قَابَلَ نِصْفَ الدِّرْهَمِ بِالْفُلُوسِ وَلَا مَانِعَ فِيهِ عَنْ الْجَوَازِ وَقَابَلَ النِّصْفَ بِنِصْفٍ إلَّا حَبَّةً وَهُوَ رِبًا فَلَا يَجُوزُ، وَعَلَى هَذَا قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَطَلَ فِي الْكُلِّ لِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ وَقُوَّةِ الْفَسَادِ لِكَوْنِهِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ فَيَشِيعُ، كَمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَبَاعَهُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً، وَعِبَارَةُ الْكِتَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا نَصَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَالثَّانِيَةُ إنْ تَكَرَّرَ لَفْظُ الْإِعْطَاءِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَالْحُكْمُ أَنَّ الْعَقْدَ فِي حِصَّةِ الْفُلُوسِ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدَانِ. وَفَسَادُ أَحَدِهِمَا لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْآخَرِ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْنِي بِنِصْفِ هَذِهِ الْأَلْفِ عَبْدًا وَبِنِصْفِهَا دَنًّا مِنْ الْخَمْرِ، فَإِنَّ الْبَيْعَ فِي الْعَبْدِ صَحِيحٌ وَفِي الْخَمْرِ فَاسِدٌ وَلَمْ يَشِعْ الْفَسَادُ لِتَفْرِقَةِ الصَّفْقَةِ. وَحُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيِّ وَالْفَقِيهِ الْمُظَفَّرِ بْنِ الْمَيَّانِ وَالشَّيْخِ الْإِمَامِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَصِحُّ هَاهُنَا أَيْضًا وَإِنْ كَرَدِّ لَفْظِ الْإِعْطَاءِ لِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ. فَإِنَّ قَوْلَهُ أَعْطِنِي مُسَاوَمَةٌ وَبِتَكْرَارِهَا لَا يَتَكَرَّرُ الْبَيْعُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ بِذِكْرِ الْمُسَاوَمَةِ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ، فَإِنَّ مَنْ قَالَ بِعْنِي فَقَالَ بِعْتُك لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ مَا لَمْ يَقُلْ الْآخَرُ اشْتَرَيْت، وَإِذَا كَانَ لَا يَنْعَقِدُ بِذِكْرِ الْمُسَاوَمَةِ فَكَيْفَ يَتَكَرَّرُ بِتَكْرَارِهَا؟ قِيلَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَالثَّالِثَةُ أَنْ يَقُولَ: أَعْطِنِي نِصْفَ دِرْهَمِ فُلُوسٍ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فُلُوسًا بَدَلًا عَنْ نِصْفٍ وَنِصْفًا إلَّا حَبَّةً جَازَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأُولَى أَنَّهُ لَمْ يُكَرِّرْ لَفْظَ بِنِصْفِهِ بَلْ قَابَلَ الدِّرْهَمَ بِمَا يُبَاعُ مِنْ الْفُلُوسِ وَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ وَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً فَيَكُونُ

(وَلَوْ قَالَ أَعْطِنِي نِصْفَ دِرْهَمٍ فُلُوسًا وَنِصْفًا إلَّا حَبَّةً جَازَ) لِأَنَّهُ قَابَلَ الدِّرْهَمَ بِمَا يُبَاعُ مِنْ الْفُلُوسِ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ وَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً فَيَكُونُ نِصْفُ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً بِمِثْلِهِ وَمَا وَرَاءَهُ بِإِزَاءِ الْفُلُوسِ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَفِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الثَّانِيَةَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQنِصْفَ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً بِمِثْلِهِ وَالْبَاقِي بِإِزَاءِ الْفُلُوسِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ ذِكْرُ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ) أَرَادَ قَوْلَهُ أَعْطِنِي نِصْفَ دِرْهَمِ فُلُوسٍ وَنِصْفًا إلَّا حَبَّةً وَهِيَ الثَّالِثَةُ فِيمَا ذَكَرْنَا، يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى لَيْسَتْ بِمَذْكُورَةٍ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ. قَالَ أَبُو نَصْرٍ الْأَقْطَعُ فِي شَرْحِهِ لِلْمُخْتَصَرِ: وَهُوَ غَلَطٌ مِنْ النَّاسِخِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[كتاب الكفالة]

(كِتَابُ الْكَفَالَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْكَفَالَةِ] عَقَّبَ الْبُيُوعَ بِذِكْرِ الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ فِي الْبِيَاعَاتِ غَالِبًا، وَلِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ بِأَمْرٍ كَانَ فِيهَا مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ

الْكَفَالَةُ: هِيَ الضَّمُّ لُغَةً، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: 37] ثُمَّ قِيلَ: هِيَ ضَمُّ الذِّمَّةِ إلَى الذِّمَّةِ فِي الْمُطَالَبَةِ، وَقِيلَ فِي الدَّيْنِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQانْتِهَاءً فَنَاسَبَ ذِكْرُهَا عَقِيبَ الْبُيُوعِ الَّتِي هِيَ مُعَاوَضَةٌ (وَالْكَفَالَةُ فِي اللُّغَةِ: هِيَ الضَّمُّ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: 37] أَيْ ضَمَّهَا إلَى نَفْسِهِ، وَقُرِئَ بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ وَنَصْبِ زَكَرِيَّا: أَيْ جَعَلَهُ كَافِلًا لَهَا وَضَامِنًا لِمَصَالِحِهَا (وَفِي الشَّرِيعَةِ: ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ وَقِيلَ فِي الدَّيْنِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ) ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ كَمَا تَصِحُّ بِالْمَالِ تَصِحُّ بِالنَّفْسِ وَلَا دَيْنَ ثَمَّةَ وَكَمَا تَصِحُّ بِالدَّيْنِ تَصِحُّ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ لِنَفْسِهَا كَمَا سَيَجِيءُ وَلِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ وَلَمْ يَبْرَأْ الْأَصِيلُ صَارَ الدَّيْنُ الْوَاحِدُ دَيْنَيْنِ، وَعُورِضَ بِمَا إذَا وَهَبَ رَبُّ الدَّيْنِ دَيْنَهُ لِلْكَفِيلِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَرْجِعُ بِهِ الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ وَلَوْ لَمْ يَصِرْ الدَّيْنُ عَلَيْهِ لَمَا مَلَكَ كَمَا قَبْلَ الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ تَمْلِيكَ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَا يَجُوزُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ رَبَّ

[الكفالة ضربان]

قَالَ (الْكَفَالَةُ ضَرْبَانِ: كَفَالَةٌ بِالنَّفْسِ، وَكَفَالَةٌ بِالْمَالِ. فَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ جَائِزَةٌ وَالْمَضْمُونُ بِهَا إحْضَارُ الْمَكْفُولِ بِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالدَّيْنِ لَمَّا وَهَبَهُ لِلْكَفِيلِ صَحَّ فَجَعَلْنَا الدَّيْنَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ لِضَرُورَةِ تَصْحِيحِ التَّصَرُّفِ وَجَعَلْنَاهُ فِي حُكْمِ دَيْنَيْنِ، وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا ضَرُورَةَ فَلَا يُجْعَلُ فِي حُكْمِ دَيْنَيْنِ [الْكَفَالَةُ ضَرْبَانِ] قَالَ (الْكَفَالَةُ ضَرْبَانِ إلَخْ) الْكَفَالَةُ ضَرْبَانِ: كَفَالَةٌ بِالنَّفْسِ وَكَفَالَةٌ بِالْمَالِ، فَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا وَالْمَضْمُونُ بِهَا إحْضَارُ الْمَكْفُولِ بِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ كِفْلٌ بِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ؛ لِأَنَّهُ رَقَبَانِيٌّ مِثْلُهُ لَا يَنْقَادُ لَهُ لِيُسَلِّمَهُ؛ وَلِأَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى نَفْسِ الْمَكْفُولِ بِهِ شَرْعًا. أَمَّا إذَا كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بِأَمْرِهِ فَلِأَنَّ أَمْرَهُ بِالْكَفَالَةِ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ فِي نَفْسِهِ لِيُسَلِّمَهُ، كَمَا أَنَّ أَمْرَهُ بِالْكَفَالَةِ بِالْمَالِ لَا يُثْبِتُ لَهُ عَلَيْهِ وِلَايَةً لِيُؤَدِّيَ الْمَالَ مِنْ الْمَكْفُولِ عَنْهُ، بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَى مَالِ نَفْسِهِ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ كَفَلَ بِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، إذْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى نَفْسِ الْمَكْفُولِ بِهِ، بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَى مَالِ نَفْسِهِ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» وَهَذَا يُفِيدُ مَشْرُوعِيَّةَ الْكَفَالَةِ بِنَوْعَيْهِ، وَلِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ بِطَرِيقِهِ بِأَنْ يَعْلَمَ الطَّالِبُ مَكَانَهُ فَيُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ أَوْ يَسْتَعِينَ بِأَعْوَانِ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَيْهِ، وَقَدْ أَمْكَنَ تَحَقُّقُ مَعْنَى الْكَفَالَةِ وَهُوَ الضَّمُّ فِي الْمُطَالَبَةِ فِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَنَا قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» ) أَيْ الْكَفِيلُ ضَامِنٌ. وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ بِإِطْلَاقِهِ يُفِيدُ مَشْرُوعِيَّةَ الْكَفَالَةِ بِنَوْعَيْهَا. لَا يُقَالُ: هُوَ مُشْتَرَكٌ الْإِلْزَامُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حُكِمَ فِيهِ بِصِحَّةِ الْكَفَالَةِ الَّتِي يَلْزَمُ فِيهَا الْغُرْمُ عَلَى الْكَفِيلِ. وَالْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ لَا يَغْرَمُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْغُرْمَ يُنَبِّئُ عَنْ لُزُومِ مَا يَضُرُّ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْكَفِيلَ الْإِحْضَارُ وَهُوَ يَتَضَرَّرُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ) جَوَابٌ عَمَّا قَالَ الْخَصْمُ كِفْلٌ بِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ (قَوْلُهُ: إذْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى نَفْسِ الْمَكْفُولِ بِهِ) مَمْنُوعٌ فَإِنَّ قُدْرَةَ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ وَهُوَ يَقْدِرُ أَنْ يُعْلِمَ الطَّالِبَ مَكَانَهُ وَيُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ أَوْ يَسْتَعِينَ بِأَعْوَانِ الْقَاضِي، عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى نَفْسِ الْمَكْفُولِ بِهِ شَرْعًا مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْكَفَالَةِ فَلَا يَصْلُحُ دَلِيلًا لَهُ (قَوْلُهُ: وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ) اسْتِظْهَارٌ بَعْدَ مَنْعِ الدَّلِيلِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْكَفَالَةِ وَهُوَ الضَّمُّ فِي الْمُطَالَبَةِ قَدْ تَحَقَّقَ فِيهِ وَالْمَانِعُ مُنْتَفٍ لِمَا ذَكَرْنَا،

قَالَ (وَتَنْعَقِدُ إذَا قَالَ تَكَفَّلْت بِنَفْسِ فُلَانٍ أَوْ بِرَقَبَتِهِ أَوْ بِرُوحِهِ أَوْ بِجَسَدِهِ أَوْ بِرَأْسِهِ وَكَذَا بِبَدَنِهِ وَبِوَجْهِهِ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الْبَدَنِ إمَّا حَقِيقَةً أَوْ عُرْفًا عَلَى مَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ، كَذَا إذَا قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْحَاجَةُ وَهِيَ إحْيَاءُ حُقُوقِ الْعِبَادِ مَاسَّةٌ فَلَمْ يَبْقَ الْقَوْلُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ إلَّا تَعَنُّتًا وَعِنَادًا. قَالَ: (وَتَنْعَقِدُ إذَا قَالَ تَكَفَّلْت بِنَفْسِ فُلَانٍ إلَخْ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَفَالَةِ شَرَعَ فِي ذِكْرِ الْأَلْفَاظِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِيهَا، وَهِيَ فِي ذَلِكَ عَلَى قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْبَدَنِ حَقِيقَةً كَقَوْلِهِ تَكَفَّلْت بِنَفْسِ فُلَانٍ أَوْ بِجَسَدِهِ أَوْ بِبَدَنِهِ، وَقِسْمٌ يُعَبَّرُ عَنْهُ عُرْفًا كَقَوْلِهِ تَكَفَّلْت بِوَجْهِهِ وَبِرَأْسِهِ وَبِرَقَبَتِهِ. فَإِنَّ كُلًّا مِنْهَا مَخْصُوصٌ بِعُضْوٍ خَاصٍّ فَلَا يَشْمَلُ الْكُلَّ حَقِيقَةً لَكِنَّهُ يَشْمَلُهُ بِطَرِيقِ الْعُرْفِ، وَكَذَا إذَا عَبَّرَ بِجُزْءٍ شَائِعٍ كَنِصْفٍ أَوْ ثُلُثٍ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ الْوَاحِدَةَ فِي حَقِّ الْكَفَالَةِ لَا تَتَجَزَّأُ، فَكَانَ ذِكْرُ بَعْضِهَا شَائِعًا كَذِكْرِ كُلِّهَا كَمَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ مِنْ صِحَّةِ إضَافَتِهِ إلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ تَكَفَّلْت بِيَدِ فُلَانٍ أَوْ بِرِجْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ الْبَدَنِ حَتَّى لَا تَصِحُّ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَيْهِمَا، وَكَذَا تَنْعَقِدُ إذَا قَالَ ضَمِنْته؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ بِمُوجِبِ عَقْدِ الْكَفَالَةِ، وَكَذَا إذَا قَالَ عَلَيَّ؛ لِأَنَّهُ صِيغَةُ الِالْتِزَامِ، وَكَذَا إذَا قَالَ إلَيَّ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى عَلَيَّ، فِي هَذَا الْمَقَامِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ، وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا أَوْ عِيَالًا فَإِلَيَّ» وَالْكَلُّ: الْيَتِيمُ، وَالْعِيَالُ: مَنْ يَعُولُ: أَيْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَطْفَ تَفْسِيرٍ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِمَا الْعِيَالَ، وَكَذَا إذَا قَالَ أَنَا زَعِيمٌ بِهِ؛ لِأَنَّ الزَّعَامَةَ هِيَ الْكَفَالَةُ، وَقَدْ رَوَيْنَا فِيهِ أَوْ قَبِيلٌ؛ لِأَنَّ الْقَبِيلَ هُوَ الْكَفِيلُ وَلِهَذَا سُمِّيَ الصَّكُّ قُبَالَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنَا ضَامِنٌ لَك لِمَعْرِفَةِ فُلَانٍ؛ لِأَنَّهُ

بِنِصْفِهِ أَوْ بِثُلُثِهِ أَوْ بِجُزْءٍ مِنْهُ لِأَنَّ النَّفْسَ الْوَاحِدَةَ فِي حَقِّ الْكَفَالَةِ لَا تَتَجَزَّأُ فَكَانَ ذِكْرُ بَعْضِهَا شَائِعًا كَذِكْرِ كُلِّهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ تَكَفَّلْتُ بِيَدِ فُلَانٍ أَوْ بِرِجْلِهِ لِأَنَّهُ لَا يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ الْبَدَنِ حَتَّى لَا تَصِحَّ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَيْهِمَا وَفِيمَا تَقَدَّمَ تَصِحُّ (وَكَذَا إذَا قَالَ ضَمِنْته) لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُوجِبِهِ (أَوْ قَالَ) هُوَ (عَلَيَّ) لِأَنَّهُ صِيغَةُ الِالْتِزَامِ (أَوْ قَالَ إلَيَّ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى عَلَيَّ فِي هَذَا الْمَقَامِ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ، وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا أَوْ عِيَالًا فَإِلَيَّ» ) (وَكَذَا إذَا قَالَ أَنَا زَعِيمٌ بِهِ أَوْ قَبِيلٌ بِهِ) لِأَنَّ الزَّعَامَةَ هِيَ الْكَفَالَةُ وَقَدْ رَوَيْنَا فِيهِ. وَالْقَبِيلُ هُوَ الْكَفِيلُ، وَلِهَذَا سُمِّيَ الصَّكُّ قَبَالَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنَا ضَامِنٌ لِمَعْرِفَتِهِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْمَعْرِفَةَ دُونَ الْمُطَالَبَةِ. قَالَ (فَإِنْ شَرَطَ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ تَسْلِيمَ الْمَكْفُولِ بِهِ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ لَزِمَهُ إحْضَارُهُ إذَا طَالَبَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ) وَفَاءً بِمَا الْتَزَمَهُ، فَإِنْ أَحْضَرَهُ وَإِلَّا حَبَسَهُ الْحَاكِمُ لِامْتِنَاعِهِ عَنْ إيفَاءِ حَقٍّ مُسْتَحِقٍّ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ لَا يَحْبِسُهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ لَعَلَّهُ مَا دَرَى لِمَاذَا يَدَّعِي. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْتَزَمَ الْمَعْرِفَةَ دُونَ الْمُطَالَبَةِ. وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّهُ إذَا قَالَ أَنَا ضَامِنٌ لَك لِمَعْرِفَةِ فُلَانٍ فَهُوَ كَفَالَةٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَعَلَى هَذَا مُعَامَلَةُ النَّاسِ. قَالَ (فَإِنْ شَرَطَ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ تَسْلِيمَ الْمَكْفُولِ بِهِ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ لَزِمَهُ إحْضَارُهُ إذَا طَالَبَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَفَاءً بِمَا الْتَزَمَهُ، فَإِنْ أَحْضَرَهُ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ، وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهُ يَسْتَعْجِلُ فِي حَبْسِهِ لَعَلَّهُ مَا دَرَى لِمَا يَدَّعِي)

وَلَوْ غَابَ الْمَكْفُولُ بِنَفْسِهِ أَمْهَلَهُ الْحَاكِمُ مُدَّةَ ذَهَابِهِ وَمَجِيئِهِ، فَإِنْ مَضَتْ وَلَمْ يُحْضِرْهُ يَحْبِسُهُ لِتَحَقُّقِ امْتِنَاعِهِ عَنْ إيفَاءِ الْحَقِّ. قَالَ (وَكَذَا إذَا ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ) وَهَذَا لِأَنَّهُ عَاجِزٌ فِي الْمُدَّةِ فَيُنْظَرُ كَاَلَّذِي أُعْسِرَ، وَلَوْ سَلَّمَهُ قَبْلَ ذَلِكَ بَرِئَ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّهُ فَيَمْلِكُ إسْقَاطَهُ كَمَا فِي الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ. قَالَ (وَإِذَا أَحْضَرَهُ وَسَلَّمَهُ فِي مَكَان يَقْدِرُ الْمَكْفُولُ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِذَا عَلِمَ ذَلِكَ وَامْتَنَعَ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِعَجْزٍ أَوْ مَعَ قُدْرَةٍ، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي حَبَسَهُ الْحَاكِمُ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَإِمَّا أَنْ يَعْلَمَ مَكَانَهُ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَمْهَلَهُ الْحَاكِمُ مُدَّةَ ذَهَابِهِ وَمَجِيئِهِ، فَإِنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يُحْضِرْهُ حَبَسَهُ لِتَحَقُّقِ امْتِنَاعِهِ عَنْ إيفَاءِ الْحَقِّ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَالطَّالِبُ إمَّا أَنْ يُوَافِقَهُ عَلَى ذَلِكَ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ سَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ عَنْ الْكَفِيلِ لِلْحَالِ حَتَّى يُعْرَفَ مَكَانُهُ لِتَصَادُقِهِمَا عَلَى الْعَجْزِ عَنْ التَّسْلِيمِ لِلْحَالِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَقَالَ الْكَفِيلُ لَا أَعْرِفُ مَكَانَهُ وَقَالَ الطَّالِبُ تَعْرِفُهُ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ خُرْجَةٌ مَعْرُوفَةٌ يَخْرُجُ مَعَهَا إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ لِلتِّجَارَةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الطَّالِبِ وَيُؤْمَرُ الْكَفِيلُ بِالذَّهَابِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَعْرُوفًا مِنْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْجَهْلُ بِالْمَكَانِ وَمُنْكِرٌ لُزُومَ الْمُطَالَبَةِ إيَّاهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ الْكَفِيلِ وَيَحْبِسُهُ الْحَاكِمُ إلَى أَنْ يَظْهَرَ عَجْزُهُ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ كَانَتْ مُتَوَجِّهَةً عَلَيْهِ فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى إسْقَاطِهَا عَنْ نَفْسِهِ بِمَا يَقُولُ، فَإِنْ أَقَامَ الطَّالِبُ بَيِّنَةً أَنَّهُ فِي مَوْضِعِ كَذَا أَمَرَ الْكَفِيلَ بِالذَّهَابِ إلَيْهِ وَإِحْضَارِهِ اعْتِبَارًا لِلثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ بِالثَّابِتِ مُعَايَنَةً. قَالَ (وَإِذَا أَحْضَرَهُ وَسَلَّمَهُ فِي مَكَان إلَخْ) إذَا أَحْضَرَ الْكَفِيلُ الْمَكْفُولَ بِنَفْسِهِ وَسَلَّمَهُ فِي مَكَان يَقْدِرُ الْمَكْفُولُ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ مِثْلِ أَنْ يَكُونَ فِي مِصْرٍ بَرِيءَ الْكَفِيلُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ

أَنْ يُخَاصِمَهُ فِيهِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ فِي مِصْرٍ بَرِئَ الْكَفِيلُ مِنْ الْكَفَالَةِ) لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا الْتَزَمَهُ وَحَصَلَ الْمَقْصُودُ بِهِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَ التَّسْلِيمَ إلَّا مَرَّةً. قَالَ (وَإِذَا كَفَلَ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَهُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي فَسَلَّمَهُ فِي السُّوقِ بَرِئَ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَقِيلَ فِي زَمَانِنَا: لَا يَبْرَأُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ الْمُعَاوَنَةُ عَلَى الِامْتِنَاعِ لَا عَلَى الْإِحْضَارِ فَكَانَ التَّقْيِيدُ مُفِيدًا (وَإِنْ سَلَّمَهُ فِي بَرِّيَّةٍ لَمْ يَبْرَأْ) لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمُخَاصَمَةِ فِيهَا فَلَمْ يَحْصُلْ الْمَقْصُودُ، وَكَذَا إذَا سَلَّمَهُ فِي سَوَادٍ لِعَدَمِ قَاضٍ يَفْصِلُ الْحُكْمَ فِيهِ، وَلَوْ سَلَّمَ فِي مِصْرٍ آخَرَ غَيْرِ الْمِصْرِ الَّذِي كَفَلَ فِيهِ بَرِئَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْمُخَاصَمَةِ فِيهِ. وَعِنْدَهُمَا لَا يَبْرَأُ لِأَنَّهُ قَدْ تَكُونُ شُهُودُهُ فِيمَا عَيَّنَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ هُوَ الْمُحَاكَمَةُ عِنْدَ الْقَاضِي، فَإِذَا سَلَّمَهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ حَصَلَ الْمَقْصُودُ فَبَرِئَ الْكَفِيلُ؛ لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَ التَّسْلِيمَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ بِمَا قُلْنَا، وَإِنْ كَفَلَ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَهُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي فَسَلَّمَهُ فِي السُّوقِ بَرِئَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمُحَاكَمَةِ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ مَشَايِخِنَا قَالُوا هَذَا بِنَاءً عَلَى عَادَتِهِمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. أَمَّا فِي زَمَانِنَا إذَا شَرَطَ التَّسْلِيمَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ لَا يَبْرَأُ بِالتَّسْلِيمِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ الْمُعَاوَنَةُ عَلَى الِامْتِنَاعِ لِغَلَبَةِ أَهْلِ الْفِسْقِ وَالْفَسَادِ لَا عَلَى الْإِحْضَارِ وَالتَّقَيُّدُ بِمَجْلِسِ الْقَاضِي مُفِيدٌ، وَإِنْ سَلَّمَهُ فِي بَرِيَّةٍ لَمْ يَبْرَأْ لِعَدَمِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمُحَاكَمَةِ وَكَذَا إذَا سَلَّمَ فِي سَوَادٍ لِعَدَمِ قَاضٍ يَفْصِلُ الْحُكْمَ وَإِنْ سَلَّمَهُ فِي مِصْرٍ غَيْرِ الْمِصْرِ الَّذِي كَفَلَ فِيهِ بَرِئَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْمُخَاصَمَةِ فِيهِ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ شُهُودُهُ فِيمَا عَيَّنَهُ فَالتَّسْلِيمُ لَا يُفِيدُ الْمَقْصُودَ. وَالْجَوَابُ أَنَّ شُهُودَهُ كَمَا يُتَوَهَّمُ أَنْ يَكُونَ فِيمَا عَيَّنَهُ يُتَوَهَّمُ أَنْ يَكُونَ فِيمَا سَلَّمَهُ فِيهِ، فَتَعَارَضَ الْمَوْهُومَانِ وَبَقِيَ التَّسْلِيمُ مُتَحَقِّقًا مِنْ الْكَفِيلِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي الْتَزَمَهُ فَيَبْرَأُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ تَمَكُّنُهُ مِنْ أَنْ يُحْضِرَهُ مَجْلِسَ الْقَاضِي إمَّا لِيَثْبُتَ الْحَقُّ عَلَيْهِ أَوْ يَأْخُذَ مِنْهُ كَفِيلًا وَقَدْ حَصَلَ. وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَأَوَانٍ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ فِي الْقَرْنِ الثَّانِي وَقَدْ شَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَهْلِهِ بِالصِّدْقِ فَكَانَتْ

وَلَوْ سَلَّمَهُ فِي السِّجْنِ وَقَدْ حَبَسَهُ غَيْرُ الطَّالِبِ لَا يَبْرَأُ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمُخَاصَمَةِ فِيهِ. قَالَ (وَإِذَا مَاتَ الْمَكْفُولُ بِهِ بَرِئَ الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ مِنْ الْكَفَالَةِ) لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ إحْضَارِهِ، وَلِأَنَّهُ سَقَطَ الْحُضُورُ عَنْ الْأَصِيلِ فَيَسْقُطُ الْإِحْضَارُ عَنْ الْكَفِيلِ، وَكَذَا إذَا مَاتَ الْكَفِيلُ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِ الْمَكْفُولِ بِنَفْسِهِ وَمَالُهُ لَا يَصْلُحُ لِإِيفَاءِ هَذَا الْوَاجِبِ بِخِلَافِ الْكَفِيلِ بِالْمَالِ. وَلَوْ مَاتَ الْمَكْفُولُ لَهُ فَلِلْوَصِيِّ أَنْ يُطَالِبَ الْكَفِيلَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلِوَارِثِهِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْغَلَبَةُ لِأَهْلِ الصَّلَاحِ وَالْقُضَاةُ لَا يَرْغَبُونَ إلَى الرِّشْوَةِ، وَعَامِلُ كُلِّ مِصْرٍ مُنْقَادٌ لِأَمْرِ الْخَلِيفَةِ فَلَا يَقَعُ التَّفَاوُتُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْمِصْرِ أَوْ فِي مِصْرٍ آخَرَ، ثُمَّ تَغَيَّرَ الْحَالُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي زَمَنِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَظَهَرَ الْفَسَادُ وَالْمَيْلُ مِنْ الْقُضَاةِ إلَى أَخْذِ الرِّشْوَةِ، فَقَيَّدَ التَّسْلِيمَ بِالْمِصْرِ الَّذِي كَفَلَ لَهُ فِيهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الطَّالِبِ. وَلَوْ سَلَّمَهُ فِي السِّجْنِ، فَإِنْ كَانَ الْحَابِسُ هُوَ الطَّالِبَ بَرِئَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ لَمْ يَبْرَأْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمُحَاكَمَةِ فِيهِ. وَذَكَرَ فِي الْوَاقِعَاتِ: رَجُلٌ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ وَهُوَ مَحْبُوسٌ فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ الْكَفِيلُ لَا يُحْبَسُ الْكَفِيلُ؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ إحْضَارِهِ، وَلَوْ كَفَلَ بِهِ وَهُوَ مُطْلَقٌ ثُمَّ حُبِسَ حُبِسَ الْكَفِيلُ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حَالُ مَا كَفَلَ قَادِرٌ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ. قَالَ (وَإِذَا مَاتَ الْمَكْفُولُ بِهِ بَرِئَ الْكَفِيلُ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ) بَقَاءُ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ بِبَقَاءِ الْكَفِيلِ وَالْمَكْفُولِ بِهِ وَمَوْتُهُمَا أَوْ مَوْتُ أَحَدِهِمَا مُسْقِطٌ لَهَا، أَمَّا إذَا مَاتَ الْمَكْفُولُ بِهِ فَلِأَنَّ الْكَفِيلَ عَجَزَ عَنْ إحْضَارِهِ وَلِأَنَّهُ سَقَطَ الْحُضُورُ عَنْ الْأَصِيلِ فَيَسْقُطُ الْإِحْضَارُ عَنْ الْكَفِيلِ، وَأَمَّا إذَا مَاتَ الْكَفِيلُ فَلِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ تَسَلُّمِ الْمَكْفُولِ بِنَفْسِهِ لَا مَحَالَةَ. فَإِنْ قِيلَ: فَلِيُؤَدِّ الدَّيْنَ مِنْ مَالِهِ، أَجَابَ بِأَنَّ مَالَهُ لَا يَصْلُحُ لِإِيفَاءِ هَذَا الْوَاجِبِ وَهُوَ إحْضَارُ الْمَكْفُولِ بِهِ وَتَسْلِيمُهُ إلَى الْمَكْفُولِ لَهُ

الْمَيِّتِ. قَالَ (وَمَنْ كَفَلَ بِنَفْسِ آخَرَ وَلَمْ يَقُلْ إذَا دَفَعْت إلَيْك فَأَنَا بَرِيءٌ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ فَهُوَ بَرِيءٌ) لِأَنَّهُ مُوجِبُ التَّصَرُّفِ فَيَثْبُتُ بِدُونِ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُ الطَّالِبِ التَّسْلِيمَ كَمَا فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَلَوْ سَلَّمَ الْمَكْفُولُ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ كَفَالَتِهِ صَحَّ لِأَنَّهُ مُطَالَبٌ بِالْخُصُومَةِ فَكَانَ لَهُ وِلَايَةُ الدَّفْعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا أَصَالَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ الْمَالَ، وَلَا نِيَابَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يَنُوبُ عَنْ النَّفْسِ، بِخِلَافِ الْكَفِيلِ بِالْمَالِ فَإِنَّ الْكَفَالَةَ لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّ مَالَهُ يَصْلُحُ نَائِبًا، إذْ الْمَقْصُودُ إيفَاءُ حَقُّ الْمَكْفُولِ لَهُ بِالْمَالِ وَمَالُ الْكَفِيلِ صَالِحٌ لِذَلِكَ فَيُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ ثُمَّ تَرْجِعُ وَرَثَتُهُ بِذَلِكَ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ كَمَا فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ. وَإِذَا مَاتَ الْمَكْفُولُ لَهُ فَلِلْوَصِيِّ أَنْ يُطَالِبَ الْكَفِيلَ إنْ كَانَ لَهُ وَصِيٌّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلِوَارِثِهِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ لِقِيَامِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَقَامَ الْمَيِّتِ. قَالَ (وَمَنْ كَفَلَ بِنَفْسِ آخَرَ إلَخْ) وَمَنْ كَفَلَ بِنَفْسِ آخَرَ بِالْإِضَافَةِ وَلَمْ يَقُلْ فَإِذَا دَفَعْت إلَيْك فَأَنَا بَرِيءٌ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ بَرِئَ؛ لِأَنَّهُ يَعْنِي الْبَرَاءَةَ وَذَكَرَهُ لِتَذْكِيرِ الْخَبَرِ وَهُوَ الْمُوجِبُ، وَمَعْنَاهُ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ مُوجِبُهَا الْبَرَاءَةُ عِنْدَ التَّسْلِيمِ وَقَدْ وُجِدَ، وَالتَّنْصِيصُ عَلَى الْمُوجِبِ عِنْدَ حُصُولِ الْمُوجِبِ لَيْسَ بِشَرْطٍ كَثُبُوتِ الْمِلْكِ بِالشِّرَاءِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِلَا شَرْطٍ؛ لِأَنَّهُ مُوجِبُ التَّصَرُّفِ، وَكَحِلِّ الِاسْتِمْتَاعِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ لِكَوْنِهِ مُوجِبَهُ وَكَذَا فِي سَائِرِ الْمُوجِبَاتِ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ:؛ لِأَنَّهُ مُوجِبُ التَّصَرُّفِ: أَيْ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الْمَكْفُولِ بِهِ إلَى الْمَكْفُولِ لَهُ مُوجِبُ تَصَرُّفِ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ، وَالْمُوجِبَاتُ تَثْبُتُ بِالتَّصَرُّفِ بِدُونِ ذِكْرِهَا صَرِيحًا، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أَنَّ الْبَرَاءَةَ تَحْصُلُ بِدُونِ التَّنْصِيصِ لَا دَفْعِ الْمَكْفُولِ بِهِ إلَى الْمَكْفُولِ لَهُ. قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إنَّمَا أَوْرَدَ هَذَا النَّفْيُ الِاشْتِبَاهَ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ النَّفْسِ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ وَقْتًا بَعْدَ وَقْتٍ حَتَّى يَصِلَ إلَيْهِ حَقُّهُ، فَلَعَلَّ الطَّالِبَ يَقُولُ مَا لَمْ أَسْتَوْفِ حَقِّي مِنْ الْمَطْلُوبِ لَا يَبْرَأُ الْكَفِيلُ، وَلَكِنْ يُقَالُ لَهُ قَدْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ التَّسْلِيمَ وَلَمْ يَذْكُرْ التَّكْرَارَ إذَا وُجِدَ التَّسْلِيمُ، وَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُ الطَّالِبِ التَّسْلِيمَ كَمَا فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ يُبَرِّئُ نَفْسَهُ بِإِيفَاءِ عَيْنِ مَا الْتَزَمَ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ صَاحِبِهِ، فَلَوْ تَوَقَّفَ لَرُبَّمَا امْتَنَعَ عَنْ ذَلِكَ إبْقَاءً لِحَقِّ نَفْسِهِ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ الْكَفِيلُ وَالضَّرَرُ مَدْفُوعٌ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَلَوْ سَلَّمَ الْأَصِيلُ نَفْسَهُ عَنْ كَفَالَتِهِ: أَيْ كَفَالَةِ الْكَفِيلِ وَقَالَ دَفَعْت إلَيْك نَفْسِي مِنْ كَفَالَةِ فُلَانٍ بَرِئَ الْكَفِيلُ وَصَارَ كَتَسْلِيمِهِ الْكَفِيلَ؛ لِأَنَّ

وَكَذَا إذَا سَلَّمَهُ إلَيْهِ وَكِيلُ الْكَفِيلِ أَوْ رَسُولُهُ لِقِيَامِهِمَا مَقَامَهُ. قَالَ (فَإِنْ تَكَفَّلَ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ إلَى وَقْتِ كَذَا فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا عَلَيْهِ وَهُوَ أَلْفٌ فَلَمْ يُحْضِرْهُ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ لَزِمَهُ ضَمَانُ الْمَالِ) لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ مُعَلَّقَةٌ بِشَرْطِ عَدَمِ الْمُوَافَاةِ، وَهَذَا التَّعْلِيقُ صَحِيحٌ، فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ لَزِمَهُ الْمَالُ (وَلَا يَبْرَأُ عَنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ) لِأَنَّ وُجُوبَ الْمَالِ عَلَيْهِ بِالْكَفَالَةِ لَا يُنَافِي الْكَفَالَةَ بِنَفْسِهِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلتَّوَثُّقِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَصِحُّ هَذِهِ الْكَفَالَةُ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ سَبَبِ وُجُوبِ الْمَالِ بِالْخَطَرِ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَكْفُولَ بِهِ مُطَالَبٌ بِالْخُصُومَةِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْحُضُورِ مِنْ جِهَةِ الْكَفِيلِ إذَا طُولِبَ بِهِ فَهُوَ يُبَرِّئُ نَفْسَهُ عَنْ ذَلِكَ بِهَذَا التَّسْلِيمِ، لَكِنْ إذَا قَالَ دَفَعْت نَفْسِي مِنْ كَفَالَةِ فُلَانٍ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ النَّفْسِ عَلَى الْمَكْفُولِ بِهِ وَاجِبٌ مِنْ جِهَتَيْنِ: مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ، وَمِنْ جِهَةِ الْكَفِيلِ، فَلَمْ يُصَرِّحْ بِقَوْلِهِ مِنْ كَفَالَةِ فُلَانٍ لَمْ يَقَعْ التَّسْلِيمُ مِنْ جِهَةِ الْكَفِيلِ فَلَا يَبْرَأُ، وَعَلَى هَذَا فَمَا ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مُطَالَبٌ بِالْخُصُومَةِ: أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَكْفُولَ بِهِ مُطَالَبٌ بِالْحُضُورِ فَلَا يَكُونُ تَسْلِيمُ نَفْسِهِ إلَى الطَّالِبِ مُتَبَرِّعًا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ التَّبَرُّعِ وُقُوعُهُ عَنْ الْكَفِيلِ لِيَبْرَأَ بِهِ؛ لِأَنَّ ثَمَّةَ جِهَةً أُخْرَى كَمَا بَيَّنَّا؛ وَلِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَبْرَأَ الْكَفِيلُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ عَنْ كَفَالَةِ فُلَانٍ وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالشَّامِلِ وَغَيْرِهِمَا، وَتَسْلِيمُ وَكِيلِ الْكَفِيلِ وَرَسُولِهِ لِقِيَامِهِمَا مَقَامَهُ كَتَسْلِيمِهِ. قَالَ (وَإِنْ تَكَفَّلَ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ إلَى وَقْتِ كَذَا إلَخْ) رَجُلٌ قَالَ إنْ لَمْ أُوَافِ بِفُلَانٍ إلَى شَهْرٍ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا عَلَيْهِ وَهُوَ أَلْفٌ فَلَمْ يُحْضِرْهُ فِي الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ ضَمِنَ الْمَالَ وَافَاهُ: أَيْ آتَاهُ مِنْ الْوَفَاءِ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ لِمَا عَلَيْهِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَقُلْهُ لَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلَ شَيْءٌ عِنْدَ عَدَمِ الْمُوَافَاةِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لَهُمَا، وَبِقَوْلِهِ وَهُوَ أَلْفٌ وَهُوَ غَيْرُ مُفِيدٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ فَعَلَى مَالِكٍ عَلَيْهِ وَلَمْ يُسَمِّ الْكَمِّيَّةَ جَازَ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْمَكْفُولِ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ لِابْتِنَائِهَا عَلَى التَّوَسُّعِ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ كَفَلْت لَك بِمَا أَدْرَكَك فِي هَذِهِ الْجَارِيَةِ الَّتِي اشْتَرِيهَا مِنْ ذَلِكَ صَحَّتْ، وَكَذَلِكَ الْكَفَالَةُ بِالشَّجَّةِ صَحِيحَةٌ مَعَ أَنَّهَا لَمْ تُعْلَمْ هَلْ تَبْلُغُ النَّفْسَ أَوْ لَا. ثُمَّ الْحُكْمُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا صِحَّةُ الْكَفَالَةِ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَالثَّانِي عَدَمُ بُطْلَانِ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ عِنْدَ أَدَاءِ مَا تَكَفَّلَ بِهِ مِنْ الْمَالِ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى الْأَوَّلِ قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ: يَعْنِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُعَلَّقَةٌ بِشَرْطِ عَدَمِ الْمُوَافَاةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِتَصْرِيحِهِ بِذِكْرِ كَلِمَةِ الشَّرْطِ، وَهَذَا التَّعْلِيقُ يُرِيدُ بِهِ تَعْلِيقَ

وَلَنَا أَنَّهُ يُشْبِهُ الْبَيْعَ وَيُشْبِهُ النَّذْرَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ الْتِزَامٌ. فَقُلْنَا: لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِمُطْلَقِ الشَّرْطِ كَهُبُوبِ الرِّيحِ وَنَحْوِهِ. وَيَصِحُّ بِشَرْطٍ مُتَعَارَفٍ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ وَالتَّعْلِيقُ بِعَدَمِ الْمُوَافَاةِ مُتَعَارَفٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكَفَالَةِ بِالْمَالِ بِعَدَمِ الْمُوَافَاةِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُتَعَارَفٌ. وَسَنَذْكُرُ أَنَّ تَعْلِيقَ الْكَفَالَةِ بِشَرْطٍ مُتَعَارَفٍ صَحِيحٌ، فَإِذَا صَحَّ التَّعْلِيقُ وَوُجِدَ الشَّرْطُ لَزِمَهُ الْمَالُ. وَعَلَى الثَّانِي قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْمَالِ عَلَيْهِ بِالْكَفَالَةِ لَا يُنَافِي الْكَفَالَةَ بِنَفْسِهِ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ لَمَّا تَحَقَّقَتْ حَقًّا لِلْمَكْفُولِ لَهُ لَا تَبْطُلُ إلَّا بِمَا يُنَافِيهَا مِنْ التَّسْلِيمِ أَوْ إبْرَاءٍ أَوْ مَوْتٍ. وَلَيْسَتْ الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ مُنَافِيَةً لَهُمَا لِاجْتِمَاعِهِمَا؛ وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لِلتَّوَثُّقِ فَلَا تُبْطِلُهَا وَكَيْفَ تُبْطِلُهَا وَقَدْ يَكُونُ لَهُ عَلَيْهِ مُطَالَبَاتٌ أُخْرَى وَإِبْطَالُهَا يُفْضِي إلَى الضَّرَرِ بِالْمَكْفُولِ لَهُ وَهُوَ مَدْفُوعٌ. وَعُورِضَ بِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ تَثْبُتُ بَدَلًا عَنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ، وَوُجُوبُ الْبَدَلِ يُنَافِي وُجُوبُ الْمُبْدِلِ مِنْهُ كَمَا فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ بَدَلِيَّتَهَا مَمْنُوعَةٌ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَشْرُوعٌ لِلتَّوَثُّقِ كَمَا مَرَّ كَكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ بَعْدَ مِثْلِهَا وَبِأَنَّ اجْتِمَاعَهَا صَحِيحٌ وَالْوَفَاءُ بِهِمَا إذْ ذَاكَ وَاجِبٌ، بِخِلَافِ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هَذِهِ الْكَفَالَةُ: أَيْ الْمُعَلَّقَةُ بِالشَّرْطِ لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ أَيْ تَعْلِيقَ الْكَفَالَةِ تَعْلِيقُ سَبَبِ وُجُوبِ الْمَالِ بِالْخَطَرِ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ فِي لُزُومِ الْمَالِ بِالْعِوَضِ بِالرُّجُوعِ عَلَى الْأَصِيلِ إذَا كَانَ بِأَمْرِهِ وَتَعْلِيقُ سَبَبِ وُجُوبِ الْمَالِ بِالْخَطَرِ فِي الْبَيْعِ لَا يَجُوزُ فَكَذَا هَاهُنَا. الْجَوَابُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ فِيهِ تَعْلِيقَ سَبَبِ وُجُوبِ الْمَالِ بِالْخَطَرِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ عِنْدَنَا الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ لَا الْتِزَامُ الْمَالِ. سَلَّمْنَاهُ، وَلَكِنْ أَشْبَهَ الْبَيْعَ مُطْلَقًا أَوْ مِنْ وَجْهٍ، وَالْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ وَالثَّانِي يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْبَيْعَ مِنْ وَجْهٍ كَمَا مَرَّ، وَيُشْبِهُ النَّذْرَ مِنْ حَيْثُ الِالْتِزَامُ، فَشَبَهُ

قَالَ (وَمَنْ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ وَقَالَ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَعَلَيْهِ الْمَالُ، فَإِنْ مَاتَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ ضَمِنَ الْمَالَ) لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ وَهُوَ عَدَمُ الْمُوَافَاةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَيْعِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَجُوزَ التَّعْلِيقُ بِالشُّرُوطِ كُلِّهَا، وَشَبَهُ النَّذْرِ يَقْتَضِي جَوَازَ ذَلِكَ وَإِعْمَالُ الشَّبَهَيْنِ أَوْلَى، فَقُلْنَا: لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ غَيْرِ مُتَعَارَفٍ كَهُبُوبِ الرِّيحِ وَنَحْوِهِ، وَيَصِحُّ بِشَرْطٍ مُتَعَارَفٍ عَمَلًا بِهِمَا، وَالتَّعْلِيقُ بِعَدَمِ الْمُوَافَاةِ مُتَعَارَفٌ فَإِنَّ النَّاسَ تَعَارَفُوا تَعْلِيقَ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ بِعَدَمِ الْمُوَافَاةِ بِالنَّفْسِ وَرَغْبَتُهُمْ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ رَغْبَتِهِمْ فِي مُجَرَّدِ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ. قَالَ (وَمَنْ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ إلَخْ) وَمَنْ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ وَقَالَ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَعَلَيْهِ الْمَالُ، فَإِنْ مَاتَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ ضَمِنَ الْمَالَ لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ وَهُوَ عَدَمُ الْمُوَافَاةِ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، فَهِيَ وَإِنْ وَافَقَتْ مَسْأَلَةَ الْقُدُورِيِّ الْمَذْكُورَةَ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْمَالُ بِعَدَمِ الْمُوَافَاةِ بِالشَّرْطِ لَكِنَّهُ عَدِمَهَا هَاهُنَا بِالْمَوْتِ وَفِيمَا تَقَدَّمَتْ بِغَيْرِهِ فَذَكَرَهَا بَيَانًا لِعَدَمِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ عَدَمِ الْمُوَافَاةِ بِالْمَوْتِ وَبِغَيْرِهِ، وَفِيهِ شُبْهَةٌ قَوِيَّةٌ وَهِيَ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ إذَا سَقَطَتْ وَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ لِكَوْنِهَا كَالتَّأْكِيدِ لَهَا لَيْسَتْ مَقْصُودَةً، وَلِهَذَا إذَا وَافَى بِالنَّفْسِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْمَالُ وَقَدْ سَقَطَتْ إذَا سَقَطَتْ الْأُولَى بِالْإِبْرَاءِ فَيَجِبُ أَنْ تَسْقُطَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ

قَالَ (وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مِائَةَ دِينَارٍ بَيَّنَهَا أَوْ لَمْ يُبَيِّنْهَا حَتَّى تَكَفَّلَ بِنَفْسِهِ رَجُلٌ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَعَلَيْهِ الْمِائَةُ فَلَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَعَلَيْهِ الْمِائَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ لَمْ يُبَيِّنْهَا حَتَّى تَكَفَّلَ بِهِ رَجُلٌ ثُمَّ ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى دَعْوَاهُ) لِأَنَّهُ عَلَّقَ مَالًا مُطْلَقًا بِخَطَرٍ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَمْ يَنْسُبْهُ إلَى مَا عَلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأُولَى سَقَطَتْ بِالْمَوْتِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْكَفِيلَ بِالنَّفْسِ يَبْرَأُ بِمَوْتِ الْمَكْفُولِ بِهِ إلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَا فَرَضْنَاهُ تَأْكِيدًا لِلْغَيْرِ مَقْصُودًا بِالذَّاتِ وَذَلِكَ خُلْفٌ بَاطِلٌ. وَأَجَابَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَوَائِدِهِ بِأَنَّ الْإِبْرَاءَ وُضِعَ لِفَسْخِ الْكَفَالَةِ وَالْمَوْتُ لَمْ يُوضَعْ لَهُ، فَبِالْإِبْرَاءِ تَنْفَسِخُ الْكَفَالَةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَبِالْمَوْتِ تَنْفَسِخُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُطَالَبَةِ بِتَسْلِيمِ النَّفْسِ ضَرُورَةَ عَجْزِ الْكَفِيلِ عَنْ التَّسْلِيمِ الْمُسْتَحَقِّ بِعَقْدِ الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِهِ تَسْلِيمٌ يَقَعُ ذَرِيعَةً إلَى الْخِصَامِ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ مِثْلِ هَذَا التَّسْلِيمِ، وَلَا ضَرُورَةَ إلَى الْقَوْلِ بِانْفِسَاخِهَا فِي حَقِّ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْمُوَافَاةِ مَعَ الْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِ النَّفْسِ يَتَحَقَّقُ، هَذَا مَا ذَكَرَهُ، وَلَا يَلْزَمُ ضَرُورَةَ التَّأْكِيدِ مَقْصُودًا؛ لِأَنَّ الْمُؤَكَّدَ لَمْ يَسْقُطْ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَهُوَ تَأْكِيدٌ كَمَا كَانَ، فَإِنْ قِيلَ: إذَنْ يَتَضَرَّرُ الْكَفِيلُ وَهُوَ مَدْفُوعٌ. قُلْنَا: الِالْتِزَامُ مِنْهُ غَيْرُ مَدْفُوعٍ، وَقَدْ اُلْتُزِمَ حَيْثُ تُيُقِّنَ بِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ وَلَمْ يَسْتَثْنِ. فَإِنْ قِيلَ: تَرَكَ الِاسْتِثْنَاءَ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ بِالْمَوْتِ تَنْفَسِخُ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فَكَذَا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا. قُلْنَا: دَعْوَى مِنْهُ عَلَى خِلَافِ إطْلَاقِ لَفْظِهِ فِي إنْ لَمْ يُوَافِ فَلَا يُفِيدُهُ فِي إضْرَارِ غَيْرِهِ. قَالَ (وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مِائَةَ دِينَارٍ إلَخْ) وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مِائَةَ دِينَارٍ وَبَيَّنَهَا بِأَنَّهَا جَيِّدَةٌ أَوْ رَدِيئَةٌ هِنْدِيَّةٌ أَوْ مِصْرِيَّةٌ أَوْ لَمْ يُبَيِّنْهَا حَتَّى تَكَفَّلَ بِنَفْسِهِ رَجُلٌ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَعَلَيْهِ الْمِائَةُ فَطَلَبَهُ وَلَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَعَلَيْهِ الْمِائَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ آخِرًا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ لَمْ يُبَيِّنْهَا حَتَّى تَكَفَّلَ بِهِ ثُمَّ ادَّعَى بَعْدَ الْكَفَالَةِ مِائَةً مَوْصُوفَةً بِصِفَةٍ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ فَلَا يَقْدِرُ الْمُدَّعِي عَلَى مُطَالَبَةِ الْكَفِيلِ بِالْكَفَالَةِ، وَذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْكَفِيلَ عَلَّقَ فِي كَفَالَتِهِ مَالًا مُطْلَقًا عَنْ النِّسْبَةِ حَيْثُ لَمْ يَنْسُبْهُ إلَى مَا عَلَيْهِ بِأَمْرٍ مُتَرَدِّدٍ قَدْ يَكُونُ وَقَدْ لَا يَكُونُ وَهُوَ عَدَمُ الْمُوَافَاةِ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ غَدًا، وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَإِنْ بَيَّنَهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ الْمَالَ الَّذِي هُوَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، بَلْ الْتَزَمَ مَا الْتَزَمَهُ عَلَى وَجْهِ الرِّشْوَةِ لِيَتْرُكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْحَالِ، وَهَذَا الْوَجْهُ مَنْسُوبٌ إلَى الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ، وَهُوَ كَمَا تَرَى يَقْتَضِي أَنْ لَا تَصِحَّ الْكَفَالَةُ وَإِنْ بَيَّنَ الْمَالَ وَبِهِ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ. وَالثَّانِي أَنَّ الدَّعْوَى بِلَا

وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَإِنْ بَيَّنَهَا وَلِأَنَّهُ لَمْ تَصِحَّ الدَّعْوَى مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ فَلَا يَجِبُ إحْضَارُ النَّفْسِ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فَلَا تَصِحُّ بِالْمَالِ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَيَّنَ. وَلَهُمَا أَنَّ الْمَالَ ذُكِرَ مُعَرَّفًا فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا عَلَيْهِ، وَالْعَادَةُ جَرَتْ بِالْإِجْمَالِ فِي الدَّعَاوَى فَتَصِحُّ الدَّعْوَى عَلَى اعْتِبَارِ الْبَيَانِ، فَإِذَا بَيَّنَ الْتَحَقَ الْبَيَانُ بِأَصْلِ الدَّعْوَى فَتَبَيَّنَ صِحَّةُ الْكَفَالَةِ الْأُولَى فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الثَّانِيَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيَانٍ غَيْرُ صَحِيحَةٍ، فَلَمْ يَجِبْ إحْضَارُ النَّفْسِ وَحِينَئِذٍ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فَلَا يَصِحُّ مَا يَنْبَنِي عَلَيْهَا، وَهَذَا مَنْسُوبٌ إلَى الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ، وَهُوَ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ إذَا كَانَ الْمَالُ مَعْلُومًا عِنْدَ الدَّعْوَى. وَلَهُمَا أَنَّ الْمَالَ ذَكَرَهُ مُعَرَّفًا؛ لِأَنَّهُ قَالَ: فَعَلَيَّ الْمِائَةُ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا عَلَيْهِ وَتَكُونُ النِّسْبَةُ مَوْجُودَةً فَخَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ رِشْوَةً، فَكَانَ الْمَالُ مَعْلُومًا وَالدَّعْوَى صَحِيحَةً فَصَحَّتْ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ وَالْكَفَالَةُ بِالْمَالِ لِكَوْنِهَا مَبْنِيَّةً عَلَى الْأُولَى. وَهَذِهِ النُّكْتَةُ فِي مُقَابَلَةِ النُّكْتَةِ الْأُولَى لِمُحَمَّدٍ، وَقَوْلُهُ: وَالْعَادَةُ جَرَتْ فِي مُقَابَلَةِ الثَّانِيَةِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمَالَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا لَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِالْإِجْمَالِ فِي الدَّعَاوَى فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ دَفْعًا لِحِيَلِ الْخُصُومِ وَالْبَيَانُ عِنْدَ الْحَاجَةِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَتَصِحُّ الدَّعْوَى عَلَى اعْتِبَارِ الْبَيَانِ، فَإِذَا بَيَّنَ اُلْتُحِقَ الْبَيَانُ بِأَصْلِ الدَّعْوَى فَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِالْمِائَةِ الْمُطْلَقَةِ فِي الِابْتِدَاءِ الْمِائَةَ الَّتِي يَدَّعِيهَا وَبَيَّنَهَا فِي الْآخِرَةِ، وَعَلَى هَذَا صَحَّتْ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ جَمِيعًا، وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ

[الكفالة بالنفس في الحدود والقصاص]

قَالَ (وَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) مَعْنَاهُ: لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا عِنْدَهُ، وَقَالَا: يُجْبَرُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ وَفِي الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ الْعَبْدِ فَيَلِيقُ بِهِمَا الِاسْتِيثَاقُ كَمَا فِي التَّعْزِيرِ، بِخِلَافِ الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ تَعَالَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي هَذَا الْبَيَانِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي صِحَّةَ الْكَفَالَةِ. [الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ] قَالَ (وَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ إلَخْ) مَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْحَدُّ أَوْ الْقِصَاصُ إذَا طَالَبَ مِنْهُ كَفِيلٌ بِنَفْسِهِ بِأَنْ يُحْضِرَهُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ لِإِثْبَاتِ مَا يَدَّعِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَامْتَنَعَ عَنْ إعْطَائِهِ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ وَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ لَا يَجُوزُ إجْبَارُ الْكَفَالَةِ بِحَذْفِ الْمُضَافِ وَإِسْنَادِ الْجَوَازِ إلَى الْكَفَالَةِ مَجَازٌ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: يُجْبَرُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ فَيُجْبَرُ عَلَيْهَا كَمَا فِي سَائِرِ حُقُوقِهِمْ وَفِي الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ الْعَبْدِ: أَيْ؛ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ عَلَى الْخُلُوصِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْقِصَاصَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْحَقَّيْنِ وَحَقُّ الْعَبْدِ غَالِبٌ، وَلَيْسَ تَفْسِيرُ الْجَبْرِ هَاهُنَا الْحَبْسَ بَلْ الْأَمْرُ بِالْمُلَازَمَةِ بِأَنْ يَدُورَ الطَّالِبُ مَعَ الْمَطْلُوبِ أَيْنَمَا دَارَ كَيْ لَا يَتَغَيَّبَ، فَإِذَا انْتَهَى إلَى بَابِ دَارِهِ وَأَرَادَ الدُّخُولَ يَسْتَأْذِنُهُ الطَّالِبُ فِي الدُّخُولِ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ يَدْخُلُ مَعَهُ وَيَسْكُنُ حَيْثُ سَكَنَ إنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِالدُّخُولِ يُجْلِسُهُ عَلَى بَابِ دَارِهِ وَيَمْنَعُهُ مِنْ الدُّخُولِ، بِخِلَافِ الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ كَحَدِّ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ حَيْثُ لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِهَا وَإِنْ طَابَتْ نَفْسُ الْكَفِيلِ بِهِ سَوَاءٌ أَعْطَاهُ قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَوْ بَعْدَهَا. أَمَّا قَبْلَ إقَامَتِهَا فَلِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ حُضُورَ مَجْلِسٍ الْحُكْمِ بِسَبَبِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّهُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَى أَحَدٍ فِي الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ فَهَذَا لَمْ يَكْفُلْ بِحَقٍّ وَاجِبٍ عَلَى الْأَصْلِ؛

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا كَفَالَةَ فِي حَدٍّ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ» وَلِأَنَّ مَبْنَى الْكُلِّ عَلَى الدَّرْءِ فَلَا يَجِبُ فِيهَا الِاسْتِيثَاقُ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ لِأَنَّهَا لَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ فَيَلِيقُ بِهَا الِاسْتِيثَاقُ كَمَا فِي التَّعْزِيرِ (وَلَوْ سَمَحَتْ نَفْسُهُ بِهِ يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ) لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَرْتِيبُ مُوجِبِهِ عَلَيْهِ لِأَنَّ تَسْلِيمَ النَّفْسِ فِيهَا وَاجِبٌ فَيُطَالَبُ بِهِ الْكَفِيلُ فَيَتَحَقَّقُ الضَّمُّ. قَالَ (وَلَا يُحْبَسُ فِيهَا حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ مَسْتُورَانِ أَوْ شَاهِدٌ عَدْلٌ يَعْرِفُهُ الْقَاضِي) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ قَبْلَ التَّعْدِيلِ يُحْبَسُ وَبِهِ يَحْصُلُ الِاسْتِيثَاقُ فَلَا حَاجَةَ إلَى أَخْذِ الْكَفِيلِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا كَفَالَةَ فِي حَدٍّ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ) يَعْنِي بَيْنَ مَا هُوَ حَقُّ الْعَبْدِ مِنْهُ وَبَيْنَ مَا هُوَ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ، قِيلَ هَذَا مِنْ كَلَامِ شُرَيْحٍ لَا مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي عَنْ شُرَيْحٍ. وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي: رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مَرْفُوعًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَلِأَنَّ مَبْنَى الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ عَلَى الدَّرْءِ فَلَا يَجِبُ فِيهَا الِاسْتِيثَاقُ بِالتَّكْفِيلِ) فَإِنْ قِيلَ: حُبِسَ بِإِقَامَةِ شَاهِدٍ عَدْلٍ وَمَعْنَى الِاسْتِيثَاقِ فِي الْحَبْسِ أَتَمُّ مِنْ أَخْذِ الْكَفِيلِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَبْسَ لِلتُّهْمَةِ عَلَى مَا يُذْكَرُ لَا لِلِاسْتِيثَاقِ (بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ فَيَلِيقُ بِهَا الِاسْتِيثَاقُ كَمَا فِي التَّعْزِيرِ) فَإِنَّهُ مَحْضُ حَقِّ الْعَبْدِ يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِ وَيَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَيَحْلِفُ فِيهِ فَيُجْبَرُ الْمَطْلُوبُ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ فِيهِ كَمَا فِي الْأَمْوَالِ (وَلَوْ سَمَحَتْ نَفْسُهُ) أَيْ لَوْ تَبَرَّعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِإِعْطَاءِ الْكَفِيلِ لِلطَّالِبِ مِنْ غَيْرِ جَبْرٍ عَلَيْهِ فِي الْقِصَاصِ (وَحَدُّ الْقَذْفِ صَحَّ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَرْتِيبُ مُوجِبِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ النَّفْسِ فِيهِمَا وَاجِبٌ فَيُطَالَبُ بِهِ الْكَفِيلُ وَيَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْكَفَالَةِ وَهُوَ الضَّمُّ) وَأَلْحَقَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ حَدَّ السَّرِقَةِ بِحَدِّ الْقَذْفِ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ. قَالَ (وَلَا يُحْبَسُ فِيهَا حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ إلَخْ) لَا يَحْبِسُ الْحَاكِمُ فِي الْحُدُودِ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فِيهِمَا: أَيْ فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ مَسْتُورَانِ أَوْ شَاهِدٌ عَدْلٌ يَعْرِفُهُ: أَيْ يَعْرِفُ الْحَاكِمُ كَوْنَهُ عَدْلًا؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ هَاهُنَا لِلتُّهْمَةِ: أَيْ لِتُهْمَةِ الْفَسَادِ لَا لِإِثْبَاتِ الْمُدَّعَى؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى حُجَّةٍ كَامِلَةٍ وَالتُّهْمَةُ تَثْبُتُ بِأَحَدِ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ إمَّا الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةِ،

لِأَنَّ الْحَبْسَ لِلتُّهْمَةِ هَاهُنَا، وَالتُّهْمَةُ تَثْبُتُ بِأَحَدِ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ: إمَّا الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ، بِخِلَافِ الْحَبْسِ فِي بَابِ الْأَمْوَالِ لِأَنَّهُ أَقْصَى عُقُوبَةٍ فِيهِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ كَامِلَةٍ. وَذَكَرَ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي أَنَّ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يُحْبَسُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ لِحُصُولِ الِاسْتِيثَاقِ بِالْكَفَالَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ لِلتُّهْمَةِ مِنْ بَابِ دَفْعِ الْفَسَادِ وَهُوَ مِنْ بَابِ الدِّيَانَاتِ وَالدِّيَانَاتُ تَثْبُتُ بِأَحَدِ شَطْرَيْهَا. وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَبَسَ رَجُلًا بِالتُّهْمَةِ» بِخِلَافِ الْحَبْسِ فِي بَابِ الْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّهُ أَقْصَى عُقُوبَةٍ فِيهِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ كَامِلَةٍ. وَحَاصِلُ الْفَرْقِ أَنَّ مَا كَانَ الْحَبْسُ فِيهِ أَقْصَى عُقُوبَةٍ كَمَا فِي الْأَمْوَالِ إذَا ثَبَتَتْ وَعَدَمُ مُوجِبَاتِ السُّقُوطِ وَامْتَنَعَ عَنْ الْإِيفَاءِ لَا يُحْبَسُ فِيهِ إلَّا بِحُجَّةٍ كَامِلَةٍ، وَمَا كَانَ أَقْصَى الْعُقُوبَةِ فِيهِ غَيْرَ الْحَبْسِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فَإِنَّ الْأَقْصَى فِيهَا الْقَتْلُ أَوْ الْقَطْعُ أَوْ الْجَلْدُ حَازَ الْحَبْسُ قَبْلَ ثُبُوتِهِ لِلتُّهْمَةِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْحَبْسُ لِلتُّهْمَةِ قَبْلَ ثُبُوتِ الْمُدَّعَى بِالْحُجَّةِ يُنَافِي الدَّرْءَ بِالشُّبُهَاتِ، وَالدَّرْءُ ثَابِتٌ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» وَبِالْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ فَيَنْتَفِي الْحَبْسُ لِلتُّهْمَةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُمْ لِلتُّهْمَةِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ اتِّهَامُ الْحَاكِمِ أَيْضًا بِالتَّهَاوُنِ فِيهِ، وَبَيَانُهُ أَنَّ الدَّرْءَ مَأْمُورٌ بِهِ وَالتَّرْكَ وَالتَّهَاوُنَ حَرَامٌ لِإِفْضَائِهِ إلَى فَسَادِ الْعَالَمِ الَّذِي شُرِعَ الْحُدُودُ لِدَفْعِهِ، فَإِذَا وُجِدَ أَحَدُ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ وَلَمْ يَحْبِسْهُ الْحَاكِمُ اُتُّهِمَ بِأَنَّهُ مُتَهَاوِنٌ فِي ذَلِكَ وَهُوَ قَادِحٌ فِي عَدَالَتِهِ، وَالْإِيفَاءُ مِنْ أَمْثَالِهِ مَأْمُورٌ بِهِ فَيُحْبَسُ بِأَحَدِ شَطْرَيْ الشِّهَادِ إذَا اتَّهَمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْفَسَادِ دَفْعًا لِلتُّهْمَةِ عَنْ الْحَاكِمِ، وَالْحَبْسُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ وَقَعَ تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّنْ يَتَّهِمُ بِذَلِكَ، ثُمَّ إذَا سَمِعَ الْحُجَّةَ الْكَامِلَةَ تُحِيلُ لِلدَّرْءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. وَذَكَرَ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي

قَالَ (وَالرَّهْنُ وَالْكَفَالَةُ جَائِزَانِ فِي الْخَرَاجِ) لِأَنَّهُ دَيْنٌ مُطَالَبٌ بِهِ مُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءِ فَيُمْكِنُ تَرْتِيبُ مُوجِبِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ فِيهِمَا. قَالَ (وَمَنْ أَخَذَ مِنْ رَجُلٍ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ ثُمَّ ذَهَبَ فَأَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا آخَرَ فَهُمَا كَفِيلَانِ) لِأَنَّ مُوجِبَهُ الْتِزَامُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُحْبَسُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْكَفِيلِ لَمَّا جَازَ عِنْدَهُمَا جَازَ أَنْ يَسْتَوْثِقَ بِهِ فَيُسْتَغْنَى عَنْ الْحَبْسِ. وَقِيلَ مَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّ فِي الْحَبْسِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ عَنْهُمَا رِوَايَتَيْنِ: فِي رِوَايَةٍ يُحْبَسُ وَلَا يُكْفَلُ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَكْسُهُ لِحُصُولِ الِاسْتِيثَاقِ بِأَحَدِهِمَا، وَفِي دَلَالَةِ كَلَامِهِ عَلَى ذَلِكَ خَفَاءٌ لَا مَحَالَةَ. قَالَ (وَالرَّهْنُ وَالْكَفَالَةُ جَائِزَانِ فِي الْخَرَاجِ إلَخْ) أَوْرَدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هَاهُنَا دَفْعًا لِمَا عَسَى يُتَوَهَّمُ أَنَّ أَخَذَ الْكَفِيلِ عَنْ الْخَرَاجِ لَا يَصِحُّ لِكَوْنِهِ فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ دُونَ الدُّيُونِ الْمُطْلَقَةِ فَإِنَّ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ تَقْتَضِي دَيْنًا مُطَالَبًا بِهِ مُطْلَقًا وَالْخَرَاجُ كَذَلِكَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُحْبَسُ بِهِ وَيُمْنَعُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ وَيُلَازَمُ مَنْ عَلَيْهِ لِأَجْلِهِ فَصَحَّتْ الْكَفَالَةُ عَنْهُ، وَإِنَّمَا قِيلَ مُطْلَقًا يَعْنِي فِي الْحَيَاةِ وَالْمَمَاتِ احْتِرَازًا عَنْ الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا يُطَالَبُ بِهَا، أَمَّا فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ فَالْمُطَالِبُ هُوَ الْإِمَامُ، وَأَمَّا فِي الْبَاطِنَةِ فَمُلَّاكُهَا لِكَوْنِهِمْ نُوَّابَ الْإِمَامِ، وَالْكَفَالَةُ بِهَا لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُطَالَبٍ بِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَمَّا كَانَ الرَّهْنُ تَوْثِيقًا كَالْكَفَالَةِ اسْتَطْرَدَ بِذِكْرِهِ فِي بَابِ الْكَفَالَةِ، فَقَوْلُهُ: (؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ مُطَالَبٌ بِهِ) إشَارَةٌ إلَى صِحَّةِ الْكَفَالَةِ، فَإِنَّ كُلَّ دَيْنٍ صَحِيحٍ تَصِحُّ الْمُطَالَبَةُ بِهِ فِي الْحَيَاةِ، وَالْمَمَاتِ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ بِالِاسْتِقْرَاءِ وَلِوُجُودِ مَا شُرِعَ الْكَفَالَةُ لِأَجْلِهِ فِيهِ. وَقَوْلُهُ: (مُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءِ) إشَارَةٌ إلَى صِحَّةِ الرَّهْنِ فَإِنَّهَا تَعْتَمِدُ إمْكَانَ الِاسْتِيفَاءِ لِكَوْنِهِ تَوْثِيقًا بِجَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ فَيَتَرَتَّبُ مُوجِبُ الْعَقْدِ فِي الرَّهْنِ وَالْكَفَالَةِ عَلَيْهِ. قِيلَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ وَلَا بُعْدَ فِي قَصْدِهِ ذَلِكَ. قَالَ (وَمَنْ أَخَذَ مِنْ رَجُلٍ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ إلَخْ) تَعَدُّدُ الْكُفَلَاءِ عَنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ صَحِيحٌ كَفَلُوا جُمْلَةً أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ؛ لِأَنَّ

[الكفالة بالمال]

الْمُطَالَبَةِ وَهِيَ مُتَعَدِّدَةٌ وَالْمَقْصُودُ التَّوَثُّقُ، وَبِالثَّانِيَةِ يَزْدَادُ التَّوَثُّقُ فَلَا يَتَنَافَيَانِ (وَأَمَّا الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ فَجَائِزَةٌ مَعْلُومًا كَانَ الْمَكْفُولُ بِهِ أَوْ مَجْهُولًا إذَا كَانَ دَيْنًا صَحِيحًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ تَكَفَّلْت عَنْهُ بِأَلْفٍ أَوْ بِمَا لَك عَلَيْهِ أَوْ بِمَا يُدْرِكُك فِي هَذَا الْبَيْعِ) لِأَنَّ مَبْنَى الْكَفَالَةِ عَلَى التَّوَسُّعِ فَيَتَحَمَّلُ فِيهَا الْجَهَالَةَ، وَعَلَى الْكَفَالَةِ بِالدَّرَكِ إجْمَاعٌ وَكَفَى بِهِ حُجَّةً، ـــــــــــــــــــــــــــــQمُوجِبَ عَقْدِ الْكَفَالَةِ الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ: أَيْ أَنْ يَلْتَزِمَ الْكَفِيلُ ضَمَّ ذِمَّتِهِ إلَى ذِمَّةِ الْأَصِيلِ فِي الْمُطَالَبَةِ بِأَنْ يَكُونَ مَطْلُوبًا بِإِحْضَارِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ كَمَا أَنَّهُ مَطْلُوبٌ بِالْحُضُورِ بِنَفْسِهِ، وَلِهَذَا قُلْنَا: إنَّ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ لَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ لِرُجُوعِهِ إلَى إلْزَامِ مَنْ لَهُ الطَّلَبُ عَلَى الطَّلَبِ وَهُوَ خُلْفٌ بَاطِلٌ، وَالْمَقْصُودُ بِشَرْعِ الْكَفَالَةِ التَّوَثُّقُ وَبِالثَّانِيَةِ يَزْدَادُ التَّوَثُّقُ، وَمَا يُزَادُ بِهِ الشَّيْءُ لَا يُنَافِيهِ أَلْبَتَّةَ فَكَانَ الْمُقْتَضِي لِجَوَازِهِ مَوْجُودًا وَالْمَانِعُ مُنْتَفِيًا، فَالْقَوْلُ بِامْتِنَاعِهِ قَوْلٌ بِلَا دَلِيلٍ، وَإِذَا صَحَّتْ الثَّانِيَةُ لَمْ يَبْرَأْ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّا إنَّمَا صَحَّحْنَاهَا لِيَزْدَادَ التَّوَثُّقُ، فَلَوْ بَرِئَ الْأَوَّلُ مَا زَادَ إلَّا مَا نَقَصَ فَمَا فَرَضْنَاهُ زِيَادَةٌ لَمْ يَكُنْ زِيَادَةٌ هَذَا خُلْفٌ بَاطِلٌ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: يَبْرَأُ الْكَفِيلُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَمَّا وَجَبَ عَلَى الثَّانِي فَلَوْ بَقِيَ وَاجِبًا عَلَى الْأَوَّلِ كَانَ وَاجِبًا فِي مَوْضِعَيْنِ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْكَفِيلَ إذَا كَفَلَ بِالدَّيْنِ بَرِئَ الْمَطْلُوبُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا. وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ يُخَالِفُ الْحَقِيقَةَ اللُّغَوِيَّةَ وَالْأَصْلُ مُوَافَقَتُهَا وَيُفْضِي إلَى عَدَمِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ فَإِنَّ فِيهَا يَبْرَأُ الْمُحِيلُ وَذَلِكَ بَاطِلٌ، ثُمَّ إذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الْكَفِيلَيْنِ نَفْسَ الْأَصِيلِ إلَى الطَّالِبِ بَرِئَ دُونَ صَاحِبِهِ. [الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ] قَالَ (وَأَمَّا الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ فَجَائِزَةٌ إلَخْ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ، وَهِيَ جَائِزَةٌ سَوَاءٌ كَانَ مَعْلُومًا كَقَوْلِهِ تَكَفَّلْت عَنْهُ بِأَلْفٍ، أَوْ مَجْهُولًا كَقَوْلِهِ تَكَفَّلْت عَنْهُ بِمَا لَك عَلَيْهِ أَوْ بِمَا يُدْرِكُك فِي هَذَا الْبَيْعِ: يَعْنِي مِنْ الضَّمَانِ بَعْدَ أَنْ كَانَ دَيْنًا صَحِيحًا؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْكَفَالَةِ عَلَى التَّوَسُّعِ فَإِنَّهَا تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً فَيُتَحَمَّلُ فِيهَا جَهَالَةُ الْمَكْفُولِ بِهِ يَسِيرَةً وَغَيْرَهَا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مُتَعَارَفَةً. وَقَوْلُهُ: (وَعَلَى الْكَفَالَةِ بِالدَّرَكِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِهَا وَهُوَ التَّبِعَةُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِهَا بِالْمَجْهُولِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى نَفْيِ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّ الضَّمَانَ بِالْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ

وَصَارَ كَمَا إذَا كَفَلَ لِشَجَّةٍ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ وَإِنْ اُحْتُمِلَتْ السِّرَايَةُ وَالِاقْتِصَارُ، وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا صَحِيحًا وَمُرَادُهُ أَنْ لَا يَكُونَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ، وَسَيَأْتِيك فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ (وَالْمَكْفُولُ لَهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ طَالَبَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ وَإِنْ شَاءَ طَالَبَ كَفِيلَهُ) لِأَنَّ الْكَفَالَةَ ضَمُّ الذِّمَّةِ إلَى الذِّمَّةِ فِي الْمُطَالَبَةِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي قِيَامَ الْأَوَّلِ لَا الْبَرَاءَةَ عَنْهُ، إلَّا إذَا شَرَطَ فِيهِ الْبَرَاءَةَ فَحِينَئِذٍ تَنْعَقِدُ حَوَالَةً اعْتِبَارًا لِلْمَعْنَى، كَمَا أَنَّ الْحَوَالَةَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبْرَأَ بِهَا الْمُحِيلُ تَكُونُ كَفَالَةً (وَلَوْ طَالَبَ أَحَدَهُمَا لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْآخَرَ وَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُمَا) لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ الضَّمُّ، بِخِلَافِ الْمَالِكِ إذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَالٍ فَلَا يَصِحُّ مَجْهُولًا كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ. وَقُلْنَا الضَّمَانُ بِالدَّرَكِ صَحِيحٌ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ ضَمَانٌ بِالْمَجْهُولِ، وَصَارَ الْكَفَالَةُ بِمَالِ مَجْهُولٍ كَالْكَفَالَةِ بِشَجَّةٍ أَيِّ شَجَّةٍ كَانَتْ إذَا كَانَتْ خَطَأً فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ بِمَجْهُولٍ لِاحْتِمَالِ السِّرَايَةِ وَالِاقْتِصَارِ. وَإِنَّمَا قِيلَ خَطَأٌ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ عَمْدًا وَقَدْ سَرَتْ وَكَانَتْ الشَّجَّةُ بِآلَةٍ جَارِحَةٍ فَإِنَّهَا تُوجِبُ الْقِصَاصَ وَالْكَفَالَةُ بِهِ لَا تَصِحُّ. وَلَمَّا مَرَّ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى التَّقْيِيدِ بِهِ (وَشُرِطَ أَنْ يَكُونَ الْمَكْفُولُ بِهِ دَيْنًا صَحِيحًا) وَفَسَّرَهُ بِأَنْ لَا يَكُونَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَيْنٍ صَحِيحٍ، إذْ الدَّيْنُ الصَّحِيحُ هُوَ الَّذِي لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ حَقًّا لِنَفْسِهِ، وَالْمَطْلُوبُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إسْقَاطِهِ مِنْ ذِمَّتِهِ إلَّا بِالْإِيفَاءِ، وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ لَيْسَ كَذَلِكَ لِاقْتِدَارِ الْمُكَاتَبِ أَنْ يُسْقِطَ الْبَدَلَ بِتَعْجِيزِهِ نَفْسَهُ. وَقِيلَ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَجِبُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ شَيْءٌ فَيُطَالِبُهُ بِهِ. قَالَ (وَالْمَكْفُولُ لَهُ بِالْخِيَارِ إلَخْ) الْمَكْفُولُ لَهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُطَالِبَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ: أَيْ الدَّيْنُ وَيُسَمَّى الدَّيْنُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهِ، فَإِنَّ مُطَالَبَةَ الدَّيْنِ بِغَيْرِ دَيْنٍ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فَكَانَتْ الْمُطَالَبَةُ فَرْعًا، وَهَذَا التَّخْيِيرُ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْكَفَالَةَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي قِيَامَ الْأَوَّلِ لَا الْبَرَاءَةَ عَنْهَا إلَّا إذَا شُرِطَتْ الْبَرَاءَةُ فَتَصِيرُ حَوَالَةً اعْتِبَارًا لِلْمَعْنَى، كَمَا أَنَّ الْحَوَالَةَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبْرَأَ الْمُحِيلُ تَكُونُ كَفَالَةً، فَعَلَى هَذَا لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُمَا جَمِيعًا جُمْلَةً وَمُتَعَاقِبًا، بِخِلَافِ الْمَالِكِ إذَا اخْتَارَ أَحَدَ الْغَاصِبَيْنِ: أَيْ الْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ، فَإِنَّهُ إذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ أَحَدِهِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَضْمِينِ الْآخَرِ

أَحَدِ الْغَاصِبَيْنِ لِأَنَّ اخْتِيَارَهُ أَحَدَهُمَا يَتَضَمَّنُ التَّمْلِيكَ مِنْهُ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّمْلِيكُ مِنْ الثَّانِي، أَمَّا الْمُطَالَبَةُ بِالْكَفَالَةِ لَا تَتَضَمَّنُ التَّمْلِيكَ فَوَضَحَ الْفَرْقُ قَالَ (وَيَجُوزُ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِالشُّرُوطِ) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ مَا بَايَعْت فُلَانًا فَعَلَيَّ أَوْ مَا ذَابَ لَك عَلَيْهِ فَعَلَيَّ أَوْ مَا غَصَبَك فَعَلَيَّ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى صِحَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَهُ أَحَدَهُمَا يَتَضَمَّنُ التَّمْلِيكَ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّمْلِيكِ مِنْ الثَّانِي. أَمَّا الْمُطَالَبَةُ بِالْكَفَالَةِ فَلَا تَتَضَمَّنُ التَّمْلِيكَ. قَالَ (وَيَجُوزُ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِالشُّرُوطِ إلَخْ) يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِشَرْطٍ مُلَائِمٍ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا لِوُجُوبِ الْحَقِّ كَقَوْلِهِ إذَا اسْتَحَقَّ الْمَبِيعُ أَوْ لِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: إذَا قَدِمَ زَيْدٌ وَهُوَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ أَوْ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ مِثْلَ قَوْلِهِ إذَا غَابَ عَنْ الْبَلْدَةِ أَوْ إذَا مَاتَ وَلَمْ يَدَعْ شَيْئًا أَوْ إذَا حَلَّ مَا لَك عَلَيْهِ وَلَمْ يُوَفِّ بِهِ فَعَلَيَّ. وَلَا يَجُوزُ بِشَرْطٍ مُجَرَّدٍ عَنْ الْمُلَاءَمَةِ كَقَوْلِهِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ أَوْ جَاءَ الْمَطَرُ، وَقَيَّدَ بِكَوْنِ زَيْدٍ مَكْفُولًا عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ أَجْنَبِيًّا كَانَ التَّعْلِيقُ بِهِ كَمَا فِي هُبُوبِ الرِّيحِ. وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] فَإِنَّ مُنَادِيَ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَّقَ الِالْتِزَامَ بِالْكَفَالَةِ بِسَبَبِ وُجُوبِ الْمَالِ هُوَ الْمَجِيءُ بِصُوَاعِ الْمِلْكِ، وَكَانَ نِدَاؤُهُ بِأَمْرِ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَشَرِيعَةُ مَنْ قَبْلَنَا شَرِيعَةٌ لَنَا إذَا قَصَّهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ. وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى بَيَانِ الْعِمَالَةِ لِمَنْ يَأْتِي بِهِ لَا لِبَيَانِ الْكَفَالَةِ، فَهُوَ كَقَوْلِ مَنْ أَبَقَ عَبْدُهُ مَنْ جَاءَ بِهِ فَلَهُ عَشَرَةٌ فَلَا يَكُونُ كَفَالَةً؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ إنَّمَا

ضَمَانِ الدَّرَكِ، ثُمَّ الْأَصْلُ أَنَّهُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ مُلَائِمٍ لَهَا مِثْلُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا لِوُجُوبِ الْحَقِّ كَقَوْلِهِ إذَا اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ، أَوْ لِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ مِثْلُ قَوْلِهِ إذَا قَدِمَ زَيْدٌ وَهُوَ مَكْفُولٌ عَنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQتَكُونُ إذَا الْتَزَمَ عَنْ غَيْرِهِ وَهَاهُنَا قَدْ الْتَزَمَ عَنْ نَفْسِهِ. وَالثَّانِي أَنَّ الْآيَةَ مَتْرُوكَةُ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى جَهَالَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ

أَوْ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ مِثْلُ قَوْلِهِ إذَا غَابَ عَنْ الْبَلْدَةِ، وَمَا ذَكَرَ مِنْ الشُّرُوطِ فِي مَعْنَى مَا ذَكَرْنَاهُ، فَأَمَّا لَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ بِمُجَرَّدِ الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ أَوْ جَاءَ الْمَطَرُ وَكَذَا إذَا جَعَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَجَلًا، إلَّا أَنَّهُ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَيَجِبُ الْمَالُ حَالًّا لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَمَّا صَحَّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهِيَ تُبْطِلُ الْكَفَالَةَ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الزَّعِيمَ حَقِيقَةً فِي الْكَفَالَةِ وَالْعَمَلِ بِهَا مَهْمَا أَمْكَنَ وَاجِبٌ فَكَانَ مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَقُولَ الْمُنَادِي لِلْغَيْرِ: إنَّ الْمَلِكَ يَقُولُ {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] بِذَلِكَ فَيَكُونُ ضَامِنًا عَنْ الْمِلْكِ لَا عَنْ نَفْسِهِ فَتَتَحَقَّقُ حَقِيقَةُ الْكَفَالَةِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ فِي الْآيَةِ أَمْرَيْنِ: ذِكْرُ الْكَفَالَةِ مَعَ جَهَالَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ، وَإِضَافَتُهَا إلَى سَبَبِ الْوُجُوبِ، وَعَدَمُ جَوَازِ أَحَدِهِمَا بِدَلِيلٍ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ جَوَازِ الْآخَرِ. فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ جَهَالَةِ الْمَكْفُولِ بِهِ وَجَهَالَةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَجَهَالَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ، فَإِنَّ الْأُولَى لَا تَمْنَعُ الْجَوَازَ أَصْلًا، وَالثَّانِيَةُ تَمْنَعُهُ إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ مُضَافَةً كَقَوْلِهِ تَكَفَّلْت بِمَا بَايَعْت أَحَدًا مِنْ النَّاسِ، وَالثَّالِثَةُ تَمْنَعُهُ مُطْلَقًا.؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْأُولَى مَنْصُوصٌ عَلَى جَوَازِهَا؛ لِأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى حِمْلُ بَعِيرٍ وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبَعِيرِ فَلَمْ تُمْنَعْ مُطْلَقًا، وَالثَّانِيَةُ إنَّمَا تَمْنَعُهُ لِأَجْلِ الْإِضَافَةِ لَا لِلْجَهَالَةِ فَإِنَّ الْكَفَالَةَ الْمُضَافَةَ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ يَأْبَى الْقِيَاسُ جَوَازَهَا عَلَى مَا يَأْتِي، وَإِنَّمَا جُوِّزَتْ اسْتِحْسَانًا لِلتَّعَامُلِ، وَالتَّعَامُلُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَكْفُولُ مِنْهُ مَعْلُومًا فَالْمَجْهُولُ بَاقٍ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ، وَالثَّالِثَةُ إنَّمَا تَمْنَعُهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ فِي حَقِّ الطَّالِبِ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ حَتَّى لَا تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ قَبُولِ الطَّالِبِ، وَفِي حَقِّ الْمَطْلُوبِ بِمَنْزِلَةِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ حَتَّى تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ قَبُولِهِ كَمَا يَصِحُّ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ أَصْلًا وَإِذَا كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ فِي حَقِّ الطَّالِبِ كَانَتْ جَهَالَةُ الطَّالِبِ مَانِعَةً جَوَازَهَا كَمَا أَنَّ جَهَالَةَ الْمُشْتَرِي مَانِعَةٌ مِنْ الْبَيْعِ بِخِلَافِ جَانِبِ الْمَطْلُوبِ فَإِنَّ جَهَالَتَهُ لَا تَمْنَعُ كَمَا أَنَّ جَهَالَةَ الْمُعْتَقِ لَا تَمْنَعُ جَوَازَ الْعِتْقِ، وَهَذَا هُوَ الْمَوْعُودُ بِقَوْلِنَا عَلَى مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا جَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَجَلًا) أَيْ كَمَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِهُبُوبِ الرِّيحِ وَمَجِيءِ الْمَطَرِ كَذَا لَا يَصِحُّ جَعْلُهُمَا أَجَلًا لِلْكَفَالَةِ

(فَإِنْ قَالَ تَكَفَّلْت بِمَا لَك عَلَيْهِ فَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِأَلْفٍ عَلَيْهِ ضَمِنَهُ الْكَفِيلُ) لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً فَيَتَحَقَّقُ مَا عَلَيْهِ فَيَصِحُّ الضَّمَانُ بِهِ (وَإِنْ لَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي كَلَامِهِ نَظَرٌ مِنْ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ قَوْلَهُ لَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ يَقْتَضِي نَفْيَ جَوَازِ التَّعْلِيقِ لَا نَفْيَ جَوَازِ الْكَفَالَةِ مَعَ أَنَّ الْكَفَالَةَ لَا تَجُوزُ. الثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ وَكَذَا إذَا جَعَلَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَأَمَّا لَا يَصِحُّ فَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ وَكَذَا لَا يَصِحُّ إذَا جَعَلَ، وَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فَاعِلُ يَصِحُّ هُوَ التَّعْلِيقَ أَوْ الْكَفَالَةَ إذَا لَمْ يَذْكُرْ ثَالِثًا. وَالْأَوَّلُ لَا يَجُوزُ إذْ لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ وَكَذَا لَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ إذَا جَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَجَلًا. وَالثَّانِي كَذَلِكَ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ إلَّا أَنَّهُ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ. وَالثَّالِثُ أَنَّ الدَّلِيلَ لَا يُطَابِقُ الْمَدْلُولَ؛ لِأَنَّ الْمَدْلُولَ بُطْلَانُ الْأَجَلِ مَعَ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ وَالدَّلِيلُ صِحَّةُ تَعْلِيقِهَا بِالشَّرْطِ وَعَدَمُ بُطْلَانِهَا بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ. وَمَعَ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْمَحْضِ وَهُوَ أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ حَاصِلَ الْكَلَامِ نَفْيُ جَوَازِ الْكَفَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ بِهِمَا، وَالْمَجْمُوعُ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ جُزْئِهِ. لَا يُقَالُ: نَفْيُ الْكَفَالَةِ الْمُؤَجَّلَةِ كَنَفْيِ الْمُعَلَّقَةِ وَلَا تَنْتَفِي الْكَفَالَةُ بِانْتِفَاءِ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ الْمُعَلَّقَ نَوْعٌ، إذْ التَّعْلِيقُ يُخْرِجُ الْعِلَّةَ عَنْ الْعَلِيَّةِ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَالْأَجَلُ عَارِضٌ بَعْدَ الْعَقْدِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَائِهِ انْتِفَاءُ مَعْرُوضِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الصَّرْفِ مَا يُقَارِبُهُ إنْ كَانَ عَلَى ذِكْرٍ مِنْك. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ فَاعِلَ يَصِحُّ الْمُقَدَّرَ هُوَ الْأَجَلُ، وَتَقْدِيرُهُ: وَكَمَا لَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ لَا يَصِحُّ الْأَجَلُ إذَا جَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَجَلًا. وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ الْأَجَلُ مَجَازًا بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ (وَيَجِبُ الْمَالُ حَالًا) وَتَقْدِيرُهُ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَمَّا صَحَّ تَأْجِيلُهَا بِأَجَلٍ مُتَعَارَفٍ لَمْ تَبْطُلْ بِالْآجَالِ الْفَاسِدَةِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَيُجَوِّزُ الْمَجَازُ عَدَمَ الثُّبُوتِ فِي الْحَالِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. (فَإِنْ قَالَ تَكَفَّلْت بِمَا لَك عَلَيْهِ فَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِأَلْفٍ ضَمِنَهُ الْكَفِيلُ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً) وَلَوْ عَايَنَ مَا عَلَيْهِ وَكَفَلَ عَنْهُ لَزِمَهُ مَا عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ فَصَحَّ الضَّمَانُ بِهِ (وَإِنْ لَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ

فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْكَفِيلِ مَعَ يَمِينِهِ فِي مِقْدَارِ مَا يَعْتَرِفُ بِهِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ (فَإِنْ اعْتَرَفَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى كَفِيلِهِ) لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ (وَيُصَدَّقُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ) لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالْقَوْلُ قَوْلُ الْكَفِيلِ مَعَ يَمِينِهِ فِي مِقْدَارِ مَا يَعْتَرِفُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ) وَإِنَّمَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مَجْهُولٌ لَزِمَهُ بِقَوْلِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِشَيْءٍ مَجْهُولٍ، وَإِنَّمَا كَانَ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ جَعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَهُ فِيمَا كَانَ هُوَ خَصْمًا فِيهِ وَالشَّيْءُ مِمَّا يَصِحُّ بَذْلُهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ كَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْمَالِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ (فَإِنْ اعْتَرَفَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى كَفِيلِهِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ وَيُصَدَّقُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهَا) كَالْمَرِيضِ إذَا أَقَرَّ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَلَا يَصِحُّ فِي حَقِّ غُرَمَاءِ

قَالَ (وَتَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَبِغَيْرِ أَمْرِهِ) لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ وَهُوَ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَفِيهِ نَفْعٌ لِلطَّالِبِ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ بِثُبُوتِ الرُّجُوعِ إذْ هُوَ عِنْدَ أَمْرِهِ وَقَدْ رَضِيَ بِهِ (فَإِنْ كَفَلَ بِأَمْرِهِ رَجَعَ بِمَا أَدَّى عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ بِأَمْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQدُيُونِ الصِّحَّةِ حَيْثُ يُقَدَّمُونَ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ. قَالَ (وَتَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَبِغَيْرِ أَمْرِهِ إلَخْ) الْكَفَالَةُ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ اضْمَنْ عَنِّي أَوْ تَكَفَّلْ عَنِّي وَبِغَيْرِ أَمْرِهِ سِيَّانِ فِي الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ الدَّالَّ عَلَى جَوَازِهَا وَهُوَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» وَأَمْثَالُهُ لَا يَفْصِلُ بَيْنَ كَوْنِهَا بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّ الْكَفَالَةَ الْتِزَامُ أَنْ يُطَالَبَ بِمَا عَلَى الْغَيْرِ، وَذَلِكَ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَكُلُّ مَا هُوَ تَصَرُّفٌ فِي النَّفْسِ فَهُوَ لَازِمٌ إذَا لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ غَيْرُهُ، وَغَيْرُ الْمُتَصَرِّفِ هُنَا هُوَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ فَقَطْ وَالطَّالِبُ غَيْرُ مُتَضَرِّرٍ بَلْ مُنْتَفِعٌ لَا مَحَالَةَ، وَالْمَطْلُوبُ إنْ تَضَرَّرَ فَإِنَّمَا يَتَضَرَّرُ بِالرُّجُوعِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ الْأَمْرِ، فَمَا لَمْ يَأْمُرْ لَمْ يَتَضَرَّرْ، وَإِنْ أَمَرَ فَقَدْ رَضِيَ، وَالضَّرَرُ الْمَرَضُ غَيْرُ ضَائِرٍ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِنَوْعَيْهَا مِمَّا يَقْتَضِيهَا الْمُقْتَضِي مَعَ انْتِفَاءِ الْمَانِعِ وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ فَالْقَوْلُ بِجَوَازِهِ وَاجِبٌ. ثُمَّ إنْ كَفَلَ بِأَمْرِهِ رَجَعَ بِمَا أَدَّى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ، وَمَنْ قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَلَا يُنْتَقَضُ بِمَا إذَا كَانَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ صَبِيًّا مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَوْ عَبْدًا كَذَلِكَ وَأَمَرَ الْكَفِيلَ فَإِنَّهُ إذَا أَدَّى لَا يَرْجِعُ عَلَى الصَّبِيِّ أَصْلًا وَلَا عَلَى الْعَبْدِ مَا دَامَ رَقِيقًا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا وَمَا ذَكَرْتُمْ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَا بِمَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ أَدِّ عَنِّي زَكَاةَ مَالِي أَوْ أَطْعِمْ عَنِّي عَشَرَةَ مَسَاكِينَ فَفَعَلَ فَقَدْ أَدَّى دَيْنَ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقُلْ الْآمِرُ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالدَّيْنِ هُوَ الدَّيْنُ الصَّحِيحُ وَمَا ذَكَرْتُمْ لَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ،

(وَإِنْ كَفَلَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يَرْجِعْ بِمَا يُؤَدِّيهِ) لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِأَدَائِهِ، وَقَوْلُهُ رَجَعَ بِمَا أَدَّى مَعْنَاهُ إذَا أَدَّى مَا ضَمِنَهُ، أَمَّا إذَا أَدَّى خِلَافَهُ رَجَعَ بِمَا ضَمِنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ كَفَلَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يَرْجِعْ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِأَدَائِهِ وَالْمُتَبَرِّعُ لَا يَرْجِعُ. وَقَالَ مَالِكٌ: الْكَفِيلُ إذَا أَدَّى رَجَعَ سَوَاءٌ كَفَلَ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ بِالِاسْتِيفَاءِ مَلَكَ الْمَالَ مِنْ الْكَفِيلِ أَوْ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَالِ مِنْ الْأَصِيلِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ تَمْلِيكَ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَا يَجُوزُ، وَإِذَا كَفَلَ بِأَمْرِهِ فَبِنَفْسِ الْكَفَالَةِ؛ كَمَا يَجِبُ الْمَالُ لِلطَّالِبِ عَلَى الْكَفِيلِ يَجِبُ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ وَلَكِنَّهُ يُؤَخَّرُ إلَى أَدَائِهِ، وَهَذَا لَا يَكُونُ عِنْدَ كَفَالَتِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ (قَوْلُهُ: رَجَعَ بِمَا أَدَّى) اعْلَمْ أَنَّ الْكَفِيلَ يَمْلِكُ الْمَكْفُولَ بِهِ فِي فُصُولٍ: مِنْهَا الْأَدَاءُ إلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ، وَمِنْهَا هِبَتُهُ إيَّاهُ، وَمِنْهَا إرْثُهُ لَهُ، وَمِنْهَا صُلْحُهُ إيَّاهُ عَلَى جِنْسٍ آخَرَ فَأَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فَعَلَى نَوْعَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ أَدَّى مَا ضَمِنَ

لِأَنَّهُ مَلَكَ الدَّيْنَ بِالْأَدَاءِ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الطَّالِبِ، كَمَا إذَا مَلَكَهُ بِالْهِبَةِ أَوْ بِالْإِرْثِ، وَكَمَا إذَا مَلَكَهُ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِيهِ الرُّجُوعُ بِمَا أَدَّى؛ لِأَنَّهُ أَدَّى مِثْلَ مَا ضَمِنَ. وَالثَّانِي أَنْ يَقُولَ أَدَّى خِلَافَ مَا ضَمِنَ كَمَا إذَا أَدَّى زُيُوفًا بَدَلَ مَا ضَمِنَ مِنْ الْجِيَادِ وَيَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ أَوْ بِالْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ، وَفِيهِ الرُّجُوعُ بِمَا ضَمِنَ لَا بِمَا أَدَّى. قَالَ الْمُصَنِّفُ (؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الدَّيْنَ بِالْأَدَاءِ فَنُزِّلَ مَنْزِلَةَ الطَّالِبِ) وَالطَّالِبُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ إلَّا بِمَا فِي ذِمَّتِهِ فَكَذَا مَنْ نُزِّلَ مَنْزِلَتَهُ، وَقَاسَ ذَلِكَ عَلَى فَصْلِ الْهِبَةِ، وَهُوَ أَنْ يَهَبَ الْمَكْفُولَ لَهُ الدَّيْنَ الَّذِي فِي ذِمَّةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ لِلْكَفِيلِ فَإِنَّ الْكَفِيلَ يَمْلِكُهُ وَيَرْجِعُ عَلَى الْأَصِيلِ بِمَا ضَمِنَ، وَعَلَى فَصْلِ الْمِيرَاثِ وَهُوَ أَنْ يَمُوتَ الْمَكْفُولُ لَهُ وَيَرِثُهُ الْكَفِيلُ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الدَّيْنَ وَيَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الطَّالِبِ. وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ لِلْكَفِيلِ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ إذْ الْكَفَالَةُ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ لَا فِي الدَّيْنِ. وَالثَّانِي أَنَّ الْهِبَةَ وَالْمِيرَاثَ الْمَمْلُوكَ وَاحِدٌ لَا تَعَدُّدَ فِيهِ وَهُوَ مَا ضَمِنَ، وَأَمَّا فِي الْأَدَاءِ بِخِلَافِ مَا ضَمِنَ فَقَدْ تَعَدَّدَ الْأَمْرُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الرُّجُوعِ بِمَا ضَمِنَ فِيمَا تَعَيَّنَ الرُّجُوعُ بِهِ فِيمَا تَعَدَّدَ: أَعْنِي مَا أَدَّى وَمَا ضَمِنَ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ تَمْلِيكَ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ يَصِحُّ اسْتِحْسَانًا إذَا وَهَبَهُ وَأَذِنَ لَهُ فِي الْقَبْضِ فَقَبَضَهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ. وَإِذَا أَذِنَ لَهُ بِالْقَبْضِ صَارَ كَأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ الْكَفَالَةِ وَوَكَّلَهُ بِالْقَبْضِ فَقَبَضَهُ ثُمَّ وَهَبَهُ إيَّاهُ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَهُوَ جَائِزٌ. وَالثَّانِي أَنَّ الْكَفَالَةَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ ضَرُورَةٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ فَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ فِي الدَّيْنِ وَهَاهُنَا قَدْ وُجِدَتْ الضَّرُورَةُ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ مَوْضُوعَةٌ لِلْمِلْكِ وَمِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ أَنْ يُجْعَلَ الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ حَتَّى يَتَمَلَّكَ مَا عَلَيْهِ لَا مَا عَلَى غَيْرِهِ وَأَمْكَنَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ نَقْلِ الدَّيْنِ إلَيْهِ بِإِحَالَةِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ فَأَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ مُقْتَضَى تَصَرُّفِهِمَا، وَهَذَا يُرْشِدُك إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ إبْرَاءِ الدَّيْنِ وَهِبَتِهِ لَهُ فِي أَنَّ الْإِبْرَاءَ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَالْهِبَةَ تَرْتَدُّ بِهِ، فَإِنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ مَحْضٌ كَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ يَكْفِي مُؤْنَتُهُ بِوُجُوبِ الْمُطَالَبَةِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ

بِمَا ذَكَرْنَا فِي الْحَوَالَةِ، بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ حَيْثُ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ حَتَّى يَمْلِكَ الدَّيْنَ بِالْأَدَاءِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ عَنْ الْأَلْفِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ فَصَارَ كَمَا إذَا أَبْرَأَ الْكَفِيلَ. قَالَ (وَلَيْسَ لِلْكَفِيلِ أَنْ يُطَالِبَ الْمَكْفُولَ عَنْهُ بِالْمَالِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ) لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ حَيْثُ يَرْجِعُ قَبْلَ الْأَدَاءِ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ بَيْنَهُمَا مُبَادَلَةٌ حُكْمِيَّةٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، وَالْهِبَةُ لَمَّا كَانَتْ تَمْلِيكًا اقْتَضَتْ مِلْكًا مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ وَذَلِكَ فِي غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى نَقْلِ الدَّيْنِ لِيَصِحَّ التَّمْلِيكُ وَالتَّمْلِيكُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، فَكَمَا لَوْ وُهِبَ الدَّيْنُ مِنْ الْأَصِيلِ صَحَّ الرَّدُّ فَكَذَا مِنْ الْكَفِيلِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ التَّشْبِيهَ إنَّمَا هُوَ فِي نُزُولِ الْكَفِيلِ مَنْزِلَةَ الطَّالِبِ ذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الْجَمِيعِ ثُمَّ إذَا نُزِّلَ مَنْزِلَتَهُ، وَالطَّالِبُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ إلَّا مَا ضَمِنَ لَهُ فَكَذَا مَنْ نُزِّلَ مَنْزِلَتَهُ وَقَاسَ ذَلِكَ عَلَى صُورَةِ الْحَوَالَةِ وَهُوَ أَنْ يُحِيلَ الْمَدْيُونُ طَالِبَهُ عَلَى رَجُلٍ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَأَدَّى الْمُحَالُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا ضَمِنَ فَإِنَّ الْمُحَالَ عَلَيْهِ يَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ بِمَا ضَمِنَ لَا بِمَا أَدَّى؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الدَّيْنَ بِالْأَدَاءِ فَنُزِّلَ مَنْزِلَةَ الطَّالِبِ. (قَوْلُهُ: بِمَا ذَكَرْنَا فِي الْحَوَالَةِ) قِيلَ يُرِيدُ بِهِ حَوَالَةَ كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ) جَوَابُ دَخَلَ تَقْرِيرُهُ: الْكَفِيلُ لَا يَرْجِعُ إلَّا إذَا أَدَّى بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ، وَحِينَئِذٍ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَأْمُورِ بِقَضَاءِ الدُّيُونِ وَالْمَأْمُورُ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى فَكَذَلِكَ الْكَفِيلُ، وَتَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ الْمَأْمُورُ بِقَضَاءِ الدُّيُونِ لَمْ يَجِبْ لَهُ عَلَى الْآمِرِ شَيْءٌ حَيْثُ لَمْ يُلْزَمْ بِالْكَفَالَةِ فَلَا يُمْلَكُ الدَّيْنُ بِالْأَدَاءِ حَتَّى يُنَزَّلَ مَنْزِلَةَ الطَّالِبِ فَيَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ، وَإِنَّمَا الرُّجُوعُ بِحُكْمِ الْأَمْرِ بِالْأَدَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِمَا، فَلَوْ أَدَّى الزُّيُوفَ عَلَى الْجِيَادِ وَيَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ رَجَعَ بِهَا دُونَ الْجِيَادِ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الْمَأْمُورِ بِهِ لَمْ يُوجَدْ، وَإِنْ عَكَسَ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الزِّيَادَةِ فَكَانَ مُتَبَرِّعًا بِهَا، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ: رَجَعَ بِمَا أَدَّى بِإِطْلَاقِهِ فِيهِ تَسَامُحٌ، وَأَمَّا إذَا صَالَحَ الْكَفِيلُ رَبَّ الدَّيْنِ فَهُوَ عَلَى نَوْعَيْنِ: أَحَدُهَا أَنْ يُصَالِحَهُ عَلَى أَقَلِّ مِنْ الدَّيْنِ كَمَا إذَا صَالَحَ عَنْ الْأَلْفِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ وَفِيهِ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى لَا بِمَا ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ فَكَانَ إبْرَاءً فِيمَا وَرَاءَ بَدَلِ الصُّلْحِ، وَفِيهِ لَا يَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ عَلَى مَا يَذْكُرُهُ. وَالثَّانِي أَنْ يُصَالِحَهُ عَلَى جِنْسٍ لِآخَرَ وَفِيهِ تَمَلُّكُ الدَّيْنِ فَيَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ وَسَيَأْتِي. قَالَ (وَلَيْسَ لِلْكَفِيلِ أَنْ يُطَالِبَ الْمَكْفُولَ عَنْهُ بِالْمَالِ) الْكَفِيلُ بِالْمَالِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْمَكْفُولَ بِهِ عَنْهُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلْمُطَالَبَةِ هُوَ التَّمْلِيكُ وَهُوَ

قَالَ (فَإِنْ لُوزِمَ بِالْمَالِ كَانَ لَهُ أَنْ يُلَازِمَ الْمَكْفُولَ عَنْهُ حَتَّى يُخَلِّصَهُ) وَكَذَا إذَا حُبِسَ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ لِأَنَّهُ لَحِقَهُ مَا لَحِقَهُ مِنْ جِهَتِهِ فَيُعَامِلُهُ بِمِثْلِهِ (وَإِذَا أَبْرَأَ الطَّالِبُ الْمَكْفُولَ عَنْهُ أَوْ اسْتَوْفَى مِنْهُ بَرِئَ الْكَفِيلُ) لِأَنَّ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ لِأَنَّ الدَّيْنَ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَمْلِكُهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ فَانْتَفَى الْمُوجِبُ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ حَيْثُ يَرْجِعُ قَبْلَ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ قَدْ وُجِدَ فِي حَقِّهِ حَيْثُ انْعَقَدَ بَيْنَهُمَا: أَيْ بَيْنَ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ مُبَادَلَةً حُكْمِيَّةً، وَلِهَذَا وَجَبَ التَّحَالُفُ إذَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ، وَلِلْوَكِيلِ وِلَايَةُ حَبْسِ الْمُشْتَرِي عَنْ الْمُوَكِّلِ لِأَجْلِ الثَّمَنِ كَالْبَائِعِ، وَالْمُبَادَلَةُ تُوجِبُ الْمِلْكَ الْمُوجِبَ لِجَوَازِ الْمُطَالَبَةِ. قَالَ (فَإِنْ لُوزِمَ بِالْمَالِ إلَخْ) إذَا لُوزِمَ الْكَفِيلُ لَهُ أَنْ يُلَازِمَ الْمَكْفُولَ عَنْهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَكْفُولِ عَنْهُ مِثْلُ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَوْقَعَهُ فِي هَذِهِ الْوَرْطَةِ فَعَلَيْهِ خَلَاصُهُ، وَكَذَا إذَا حَبَسَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ لَهُ حَقٌّ عَلَى الْأَصِيلِ قَبْلَ الْأَدَاءِ. وَقُلْنَا هُوَ مُوَرِّطٌ فَعَلَيْهِ الْخَلَاصُ. فَإِذَا أَبْرَأَ الطَّالِبُ الْمَكْفُولَ عَنْهُ أَوْ اسْتَوْفَى دَيْنَهُ بَرِئَ الْكَفِيلُ؛ لِأَنَّهُ أَبْرَأَ الْأَصِيلَ، وَإِبْرَاءُ الْأَصِيلِ يَسْتَلْزِمُ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِوُجُودِ الدَّيْنِ وَقَدْ سَقَطَ بِالْإِبْرَاءِ فَلَمْ تَبْقَ الْمُطَالَبَةُ عَلَى الْأَصِيلِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا عَلَى الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا الْمُطَالَبَةُ وَقَدْ انْتَهَتْ بِانْتِهَاءِ عِلَّتِهَا. وَقَوْلُهُ: فِي الصَّحِيحِ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ بِوُجُوبِ أَصْلِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ أَيْضًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ لَا تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ، فَإِنَّ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ. وَيُعَلَّلُ بِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِيمَا هُوَ مَضْمُونٌ عَلَى الْأَصِيلِ، وَقَدْ سَقَطَ الضَّمَانُ عَنْ الْأَصِيلِ بِالْأَدَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ فَيَسْقُطُ عَنْ الْكَفِيلِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَى الْكَفِيلِ فَرْعُ وُجُوبِهِ عَلَى الْأَصِيلِ وَلَمْ يَبْقَ ذَلِكَ فَلَا يَبْقَى هَذَا. فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُمْ بَرَاءَةُ الْأَصِيلِ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ مَنْقُوضٌ بِمَا إذَا شُرِطَ بَرَاءَةُ الْأَصِيلِ فِي ابْتِدَاءِ الْكَفَالَةِ فَإِنَّ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ فِيهِ مَوْجُودَةٌ وَلَمْ تُوجِبْ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ. قُلْنَا: لَا نَقْضَ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّا قُلْنَا إنَّ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ، وَإِذَا شُرِطَ بَرَاءَةُ الْأَصِيلِ فِي ابْتِدَاءِ الْكَفَالَةِ لَمْ يَبْقَ هُنَاكَ كَفِيلٌ، بَلْ الْبَاقِي إذْ ذَاكَ مُحَالٌ عَلَيْهِ، وَلَمْ نَقُلْ بِأَنَّ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ

(وَإِنْ أَبْرَأَ الْكَفِيلَ لَمْ يَبْرَأْ الْأَصِيلُ عَنْهُ) لِأَنَّهُ تَبَعٌ، وَلِأَنَّ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةَ وَبَقَاءَ الدَّيْنِ عَلَى الْأَصِيلِ بِدُونِهِ جَائِزٌ (وَكَذَا إذَا أَخَّرَ الطَّالِبُ عَنْ الْأَصِيلِ فَهُوَ تَأْخِيرٌ عَنْ الْكَفِيلِ، وَلَوْ أَخَّرَ عَنْ الْكَفِيلِ لَمْ يَكُنْ تَأْخِيرًا عَنْ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ) لِأَنَّ التَّأْخِيرَ إبْرَاءٌ مُوَقَّتٌ فَيُعْتَبَرُ بِالْإِبْرَاءِ الْمُؤَبَّدِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَفَلَ بِالْمَالِ الْحَالِّ مُؤَجَّلًا إلَى شَهْرٍ فَإِنَّهُ يَتَأَجَّلُ عَنْ الْأَصِيلِ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ إلَّا الدَّيْنُ حَالَ وُجُودِ الْكَفَالَةِ فَصَارَ الْأَجَلُ دَاخِلًا فِيهِ، أَمَّا هَاهُنَا فَبِخِلَافِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ (وَإِنْ أَبْرَأَ الطَّالِبُ الْكَفِيلَ لَمْ يَبْرَأْ الْأَصِيلُ) ؛ لِأَنَّ عَلَى الْكَفِيلِ الْمُطَالَبَةَ دُونَ أَصْلِ الدَّيْنِ، وَسُقُوطُ الْمُطَالَبَةِ عَنْهُ لَا تُوجِبُ سُقُوطَ أَصْلِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الدَّيْنِ عَلَى الْأَصِيلِ بِدُونِ الطَّلَبِ أَوْ بِدُونِ الْكَفِيلِ جَائِزٌ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْكَفِيلُ مَا سَقَطَ الدَّيْنُ عَنْ الْأَصِيلِ (وَإِنْ أَخَّرَ الطَّالِبُ عَنْ الْأَصِيلِ فَهُوَ تَأْخِيرٌ عَنْ كَفِيلِهِ، وَإِنْ أَخَّرَ عَنْ كَفِيلِهِ لَا يَكُونُ تَأْخِيرًا عَنْ الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ إبْرَاءٌ مُوَقَّتٌ) لِإِسْقَاطِ الْمُطَالَبَةِ إلَى غَايَةٍ (فَيُعْتَبَرُ بِالْإِبْرَاءِ الْمُؤَبَّدِ) وَرُدَّ بِأَنَّ هَذَا اعْتِبَارٌ مَعَ عَدَمِ التَّسَاوِي وَهُوَ بَاطِلٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَفِيلَ لَوْ رَدَّ الْإِبْرَاءَ الْمُؤَبَّدَ لَمْ يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ بَلْ يَثْبُتُ الْإِبْرَاءُ وَتَسْقُطُ عَنْهُ الْمُطَالَبَةُ، وَلَوْ رَدَّ الْإِبْرَاءَ الْمُوَقَّتَ ارْتَدَّ بِالرَّدِّ وَوَجَبَ عَلَيْهِ أَدَاءُ مَا ضَمِنَهُ حَالًّا. وَالْجَوَابُ أَنَّ اعْتِبَارَ شَيْءٍ بِغَيْرِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ التَّسَاوِيَ بَيْنَهُمَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَإِلَّا لَا يَبْقَى الِاعْتِبَارُ. نِعْمَ يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ فَارِقٍ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِجَوَازِهِ بَيْنَ قَبُولِ أَحَدِهِمَا الرَّدَّ دُونَ الْآخَرِ، وَهُوَ مَا ذَكَرُوهُ أَنَّ الْإِبْرَاءَ الْمُؤَبَّدَ إسْقَاطٌ مَحْضٌ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ لَا تَمْلِيكَ فِيهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا مُجَرَّدُ مُطَالَبَةٍ، وَالْإِسْقَاطُ الْمَحْضُ لَا يَقْبَلُ الرَّدَّ كَإِسْقَاطِ الْخِيَارِ، وَأَمَّا الْإِبْرَاءُ الْمُوَقَّتُ فَهُوَ تَأْخِيرُ مُطَالَبَةٍ لَيْسَ فِيهِ إسْقَاطٌ وَلِهَذَا يَعُودُ بَعْدَ الْأَجَلِ، وَالتَّأْخِيرُ قَابِلٌ لِلرَّدِّ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا كَفَلَ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَوَابَ دَخَلَ. تَقْرِيرُهُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّأْخِيرَ عَنْ الْكَفِيلِ لَا يَكُونُ تَأْخِيرًا عَنْ الْأَصِيلِ، فَإِنَّ الْكَفِيلَ إذَا كَفَلَ بِالْمَالِ الْحَالِّ مُؤَجَّلًا إلَى شَهْرٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ تَأْخِيرًا عَنْ الْأَصِيلِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِتَأْخِيرٍ عَنْ الْكَفِيلِ بَلْ هُوَ تَأْخِيرٌ لِأَصْلِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا شَرَطَ التَّأْجِيلَ فِي ابْتِدَاءِ الْكَفَالَةِ، وَلَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ حَقٌّ لِلطَّالِبِ سِوَى الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ الْحَاصِلَةَ بِالْكَفَالَةِ لَمْ تَثْبُتْ بَعْدَ تَعَيُّنِ تَأْخِيرِهِ، وَإِذَا كَانَ تَأْخِيرُ أَصْلِ الدَّيْنِ وَهُوَ فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ تَأَخَّرَ عَنْهُ وَعَنْ الْكَفِيلِ جَمِيعًا. (أَمَّا هَاهُنَا)

قَالَ (فَإِنْ صَالَحَ الْكَفِيلُ رَبَّ الْمَالِ عَنْ الْأَلْفِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ فَقَدْ بَرِئَ الْكَفِيلُ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ) لِأَنَّهُ أَضَافَ الصُّلْحَ إلَى الْأَلْفِ الدَّيْنِ وَهِيَ عَلَى الْأَصِيلِ فَبَرِئَ عَنْ خَمْسِمِائَةٍ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ وَبَرَاءَتُهُ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ، ثُمَّ بَرِئَا جَمِيعًا عَنْ خَمْسِمِائَةٍ بِأَدَاءِ الْكَفِيلِ، وَيَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ بِخَمْسِمِائَةٍ إنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ عَلَى جِنْسٍ آخَرَ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ حُكْمِيَّةٌ فَمَلَكَهُ فَيَرْجِعُ بِجَمِيعِ الْأَلْفِ، وَلَوْ كَانَ صَالَحَهُ عَمَّا اسْتَوْجَبَ بِالْكَفَالَةِ لَا يَبْرَأُ الْأَصِيلُ؛ لِأَنَّ هَذَا إبْرَاءُ الْكَفِيلِ عَنْ الْمُطَالَبَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ فِيمَا إذَا حَلَّ بَعْدَ الْكَفَالَةِ فَإِنَّمَا كَانَ لِلتَّأْخِيرِ الْمُطَالَبَةُ الْحَاصِلَةُ بِالْكَفَالَةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَأْخِيرُ أَصْلِ الدَّيْنِ. قَالَ (فَإِنْ صَالَحَ الْكَفِيلُ رَبَّ الْمَالِ إلَخْ) مُصَالَحَةُ الْكَفِيلِ رَبَّ الْمَالِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدَّيْنِ بِجِنْسِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: هُوَ أَنْ يُشْتَرَطَ بَرَاءَتُهُمَا جَمِيعًا، أَوْ بَرَاءَةُ الْمَطْلُوبِ خَاصَّةً، أَوْ بَرَاءَةُ الْكَفِيلِ خَاصَّةً، أَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. فَفِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي بَرِئَا جَمِيعًا، وَفِي الثَّالِثِ بَرِئَ الْكَفِيلُ عَنْ خَمْسِمِائَةٍ لَا غَيْرُ وَالْأَلْفُ بِحَالِهِ عَلَى الْأَصِيلِ وَالطَّالِبُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ جَمِيعَ دَيْنِهِ مِنْ الْأَصِيلِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ خَمْسَمِائَةٍ مِنْ الْكَفِيلِ وَخَمْسَمِائَةٍ مِنْ الْأَصِيلِ وَيَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ بِمَا أَدَّى إنْ كَانَ الصُّلْحُ وَالْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ. وَفِي الرَّابِعِ وَهُوَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ، فَإِنْ قَالَ الْكَفِيلُ لِلطَّالِبِ صَالَحْتُك عَنْ الْأَلْفِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ بَرِئَا جَمِيعًا عَنْ خَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّ إضَافَةَ الصُّلْحِ إلَى الْأَلْفِ إضَافَةٌ إلَى مَا عَلَى الْأَصِيلِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْكَفِيلِ سِوَى الْمُطَالَبَةِ فَيَبْرَأُ الْأَصِيلُ مِنْ ذَلِكَ، وَبَرَاءَتُهُ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ لِمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ بَرِئَا

قَالَ (وَمَنْ قَالَ لِكَفِيلٍ ضَمِنَ لَهُ مَالًا قَدْ بَرِئْت إلَيَّ مِنْ الْمَالِ رَجَعَ الْكَفِيلُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ) مَعْنَاهُ بِمَا ضَمِنَ لَهُ بِأَمْرِهِ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ الَّتِي ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْمَطْلُوبِ وَانْتِهَاؤُهَا إلَى الطَّالِبِ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْإِيفَاءِ، فَيَكُونُ هَذَا إقْرَارًا بِالْأَدَاءِ فَيَرْجِعُ (وَإِنْ قَالَ أَبْرَأْتُك لَمْ يَرْجِعْ الْكَفِيلُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ) لِأَنَّهُ بَرَاءَةٌ لَا تَنْتَهِي إلَى غَيْرِهِ وَذَلِكَ بِالْإِسْقَاطِ فَلَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بِالْإِيفَاءِ. وَلَوْ قَالَ بَرِئْت قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ مِثْلُ الثَّانِي لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْبَرَاءَةَ بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ وَالْإِبْرَاءِ فَيَثْبُتُ الْأَدْنَى إذْ لَا يَرْجِعُ الْكَفِيلُ بِالشَّكِّ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هُوَ مِثْلُ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِبَرَاءَةٍ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْمَطْلُوبِ وَإِلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQجَمِيعًا عَنْ خَمْسِمِائَةٍ بِأَدَاءِ الْكَفِيلِ وَيَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ بِمَا أَدَّى؛ لِأَنَّهُ أَوْفَى هَذَا الْقَدْرَ بِأَمْرِهِ، وَإِنْ قَالَ صَالَحْتُك عَمَّا اُسْتُوْجِبَ بِالْكَفَالَةِ كَانَ فَسْخًا لِلْكَفَالَةِ لَا إسْقَاطًا لِأَصْلِ الدَّيْنِ فَيَأْخُذُ الطَّالِبُ خَمْسَمِائَةٍ مِنْ الْكَفِيلِ إنْ شَاءَ وَالْبَاقِيَ مِنْ الْأَصِيلِ وَيَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ بِمَا أَدَّى وَمُصَالَحَتُهُ إيَّاهُ، بِخِلَافِ الْجِنْسِ تَمْلِيكٌ لِأَصْلِ الدَّيْنِ مِنْهُ بِالْمُبَادَلَةِ فَيَرْجِعُ بِجَمِيعِ الْأَلْفِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ جَعَلَ الدَّيْنَ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ لِتَصِيرَ الدَّنَانِيرُ بَدَلًا مِنْ الدَّيْنِ وَيَكُونَ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَتَكُونَ الْبَرَاءَةُ مَشْرُوطَةً لِلْكَفِيلِ فَيَرْجِعُ عَلَى الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ لَا تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ حَيْثُ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ خَمْسُمِائَةٍ بَدَلًا عَنْ الْأَلْفِ لِكَوْنِهِ رِبًا فَيَبْقَى الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ وَالْبَرَاءَةُ مَشْرُوطَةٌ لَهُ، وَبَرَاءَتُهُ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ فَيَبْرَآنِ عَنْ خَمْسِمِائَةٍ وَيَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ بِخَمْسِمِائَةٍ إذَا كَفَلَ بِأَمْرِهِ كَمَا ذَكَرْنَا. قَالَ (وَمَنْ قَالَ لِكَفِيلٍ ضَمِنَ لَهُ مَالًا إلَخْ) ذَكَرَ هَاهُنَا ثَلَاثَ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْإِبْرَاءِ: إحْدَاهَا مَا ذُكِرَ فِيهِ ابْتِدَاءُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْمَطْلُوبِ وَانْتِهَاؤُهَا إلَى الطَّالِبِ، وَالثَّانِيَةُ أَنْ يُذْكَرَ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الطَّالِبِ، وَالثَّالِثَةُ بِالْعَكْسِ. فَالْأُولَى أَنْ يَقُولَ لِكَفِيلٍ ضَمِنَ لَهُ بِأَمْرِهِ مَالًا قَدْ بَرِئْت إلَيَّ مِنْ الْمَالِ، وَفِيهَا يَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ لِمَا ذُكِرَ أَنَّ الْبَرَاءَةَ الَّتِي يَكُونُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْمَطْلُوبِ: أَيْ الْكَفِيلِ وَانْتِهَاؤُهَا إلَى الطَّالِبِ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْإِيفَاءِ، فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَقُولَ دَفَعْت إلَيَّ الْمَالِ أَوْ قَبَضْته مِنْك وَهُوَ إقْرَارٌ بِالْقَبْضِ فَلَا يَكُونُ لِرَبِّ الدَّيْنِ مُطَالَبَةٌ مِنْ الْكَفِيلِ وَلَا مِنْ الْأَصِيلِ وَيَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ. وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَقُولَ أَبْرَأْتُك وَفِيهَا لَا رُجُوعَ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ وَلَكِنْ لِرَبِّ الدَّيْنِ أَنْ يَطْلُبَ مَالَهُ مِنْ الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ بَرَاءَةٌ لَا تَنْتَهِي إلَى غَيْرِهِ، وَذَلِكَ بِالْإِسْقَاطِ فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالْإِيفَاءِ وَهَاتَانِ بِالِاتِّفَاقِ. وَالثَّالِثَةُ أَنْ يَقُولَ بَرِئْت وَلَا يَزِيدَ عَلَيْهِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ. قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هُوَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَبْرَأْتُك؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْبَرَاءَةَ بِالْأَدَاءِ وَالْبَرَاءَةَ بِالْإِبْرَاءِ، وَالثَّانِيَةُ أَدْنَاهُمَا فَتَثْبُتُ (قَوْلُهُ: وَلَا يَرْجِعُ الْكَفِيلُ بِالشَّكِّ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا آخَرَ،

الْإِيفَاءُ دُونَ الْإِبْرَاءِ. وَقِيلَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إذَا كَانَ الطَّالِبُ حَاضِرًا يَرْجِعُ فِي الْبَيَانِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُجْمَلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ تَيَقَّنَّا بِحُصُولِ الْبَرَاءَةِ بِأَيِّ الْأَمْرَيْنِ كَانَ وَشَكَكْنَا فِي الرُّجُوعِ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ إنْ كَانَتْ بِالْأَدَاءِ رَجَعَ الْكَفِيلُ، وَإِنْ كَانَتْ بِالْإِبْرَاءِ لَمْ يَرْجِعْ فَلَا يَرْجِعُ بِالشَّكِّ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هُوَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ بَرِئْت إلَيَّ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِبَرَاءَةٍ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْمَطْلُوبِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ حَرْفَ الْخِطَابِ وَهُوَ التَّاءُ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِفِعْلٍ يُضَافُ إلَيْهِ عَلَى الْخُصُوصِ كَمَا إذَا قِيلَ قُمْت وَقَعَدْت مَثَلًا وَهُوَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ الْإِيفَاءُ؛ لِأَنَّهُ يَضَعُ الْمَالَ بَيْنَ يَدَيْ الطَّالِبِ وَيُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَالِ فَتَقَعُ الْبَرَاءَةُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الطَّالِبِ صُنْعٌ؛ فَأَمَّا الْبَرَاءَةُ بِالْإِبْرَاءِ فَمِمَّا لَا يُوجَدُ بِفِعْلِ الْكَفِيلِ لَا مَحَالَةَ. وَقِيلَ أَبُو حَنِيفَةَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ اخْتَارَهُ فَأَخَّرَهُ وَهُوَ أَقْرَبُ الِاحْتِمَالَيْنِ فَالْمَصِيرُ إلَيْهِ أَوْلَى. وَقِيلَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إذَا كَانَ الطَّالِبُ حَاضِرًا يَرْجِعُ فِي الْبَيَانِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُجْمِلُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ غَائِبًا فَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ. وَاعْتُرِضَ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا هُوَ أَنَّ الْمُجْمَلَ مَا لَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهِ إلَّا بِبَيَانِ الْمُجْمِلِ، وَقَدْ ظَهَرَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ الْعَمَلَ بِهِ مُمْكِنٌ. وَالثَّانِي أَنَّ حُكْمَ الْمُجْمَلِ التَّوَقُّفُ قَبْلَ الْبَيَانِ، وَهَاهُنَا قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى الْعَمَلِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي بِالْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ فَكَيْفَ يَكُونُ مُجْمَلًا مَعَ انْتِفَاءِ لَازِمِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ بَرِئْت إلَيَّ وَإِنْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الصَّرِيحِ فِي حَقِّ إيفَاءٍ لِلْكَفِيلِ وَقَبْضِ الطَّالِبِ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِدْلَال لَكِنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِيهِ بَلْ هُوَ قَابِلٌ لِلِاسْتِعَارَةِ بِأَنْ يُقَالَ بَرِئْت إلَيَّ؛ لِأَنِّي أَبْرَأْتُك، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا عَنْ الِاسْتِعْمَالِ. وَمَا ذَكَرُوهُ فِي تَعْلِيلِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ اسْتِدْلَالِيٌّ لَا صَرِيحٌ فِي الْإِيفَاءِ وَغَيْرِ الْإِيفَاءِ فَكَانَ الْعَمَلُ بِهِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْعَمَلِ بِالنَّصِّ، فَلَمَّا أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِصَرِيحِ الْبَيَانِ مِنْ الطَّالِبِ فِي ذَلِكَ سَقَطَ الْعَمَلُ بِالِاسْتِدْلَالِ وَإِنْ كَانَ وَاضِحًا فِي دَلَالَتِهِ عَلَى الْمُرَادِ، وَكَوْنُهُ غَيْرَ صَرِيحٍ فِي الْإِيفَاءِ وَالْإِبْرَاءِ هُوَ الَّذِي سَوَّغَ اسْتِعْمَالَ لَفْظِ الْمُجْمَلِ، وَالرُّجُوعُ إلَى بَيَانِ الطَّالِبِ صَرِيحًا وَقْتَ حُضُورِهِ لِيَكُونَ الْعَمَلُ بِهِ عَمَلًا بِدَلِيلٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ، وَهَذَا تَطْوِيلٌ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْمُجْمَلِ الْمُجْمَلَ الِاصْطِلَاحِيَّ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ

قَالَ (وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ) لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ كَمَا فِي سَائِرِ الْبَرَاءَاتِ. وَيُرْوَى أَنَّهُ يَصِحُّ لِأَنَّ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةَ دُونَ الدَّيْنِ فِي الصَّحِيحِ فَكَانَ إسْقَاطًا مَحْضًا كَالطَّلَاقِ، وَلِهَذَا لَا يَرْتَدُّ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْكَفِيلِ بِالرَّدِّ بِخِلَافِ إبْرَاءِ الْأَصِيلِ. قَالَ (وَكُلُّ حَقٍّ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْكَفِيلِ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) مَعْنَاهُ بِنَفْسِ الْحَدِّ لَا بِنَفْسِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ إيجَابُهُ عَلَيْهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ لَا تَجْرِي فِيهَا النِّيَابَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُجْمَلَ اللُّغَوِيَّ وَهُوَ مَا كَانَ فِيهِ إبْهَامٌ فَالْخَطْبُ إذًا يَهُونُ هَوْنًا. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ إلَخْ) تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ الْكَفَالَةِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِإِسْقَاطٍ مَحْضٍ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ كَمَا فِي سَائِرِ الْبَرَاءَاتِ، وَالتَّعْلِيقُ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْإِسْقَاطِ الْمَحْضِ. وَرُدَّ بِمَا لَوْ كَفَلَ بِالْمَالِ وَبِالنَّفْسِ وَقَالَ إنْ وَافَيْتُك بِهِ غَدًا فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْمَالِ فَوَافَاهُ مِنْ الْغَدِ فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْمَالِ فَقَدْ جُوِّزَ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ عَنْ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ بِمُوَافَاةِ الْمَكْفُولِ بِهِ، وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْإِيضَاحِ. وَيُرْوَى أَنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا إسْقَاطٌ مَحْضٌ كَالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ عَلَى الْكَفِيلِ الْمُطَالَبَةَ دُونَ الدَّيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلِهَذَا لَا يَرْتَدُّ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْكَفِيلِ بِالرَّدِّ بِخِلَافِ إبْرَاءِ الْأَصِيلِ وَالْإِسْقَاطُ الْمَحْضُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ. وَقِيلَ فِي وَجْهِ اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ إنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ الشَّرْطُ شَرْطًا مَحْضًا لَا مَنْفَعَةَ لِلطَّالِبِ فِيهِ أَصْلًا كَقَوْلِهِ إذَا جَاءَ غَدٌ وَنَحْوُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٌ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ، كَمَا لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِشَرْطٍ لَيْسَ لِلنَّاسِ فِيهِ تَعَامُلٌ، فَأَمَّا إذَا كَانَ بِشَرْطٍ فِيهِ نَفْعٌ لِلطَّالِبِ وَلَهُ تَعَامُلٌ فَتَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ بِهِ صَحِيحٌ كَالْمَسْأَلَةِ الْمَنْقُولَةِ مِنْ الْإِيضَاحِ فَإِنَّ الطَّالِبَ لَهُ فِيهِ نَفْعٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْرَاءِ بَعْضٍ وَاسْتِيفَاءِ بَعْضٍ وَمِثْلُهُ مُتَعَامَلٌ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ إذَا قَالَ عَجِّلْ خَمْسَمِائَةٍ عَلَى أَنِّي أَبْرَأْتُك مِنْ الْبَاقِي كَانَ صَحِيحًا، وَإِنْ عَلَّقَ الْبَرَاءَةَ عَلَى الْبَعْضِ بِتَعْجِيلِ الْبَعْضِ فَرِوَايَةُ عَدَمِ الْجَوَازِ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الشَّرْطُ شَرْطًا مَحْضًا غَيْرَ مُتَعَامَلٍ وَرِوَايَةُ الْجَوَازِ عَلَى مَا يُقَابِلُهُ. قَالَ (وَكُلُّ حَقٍّ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْكَفِيلِ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ إلَخْ) ذَكَرَ ضَابِطًا لِمَا لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَا يُمْكِنُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ إمْكَانَ الضَّرْبِ أَوْ حَزِّ الرَّقَبَةِ لَيْسَ بِمُنْتَفٍ لَا مَحَالَةَ لَكِنَّهُ لَا يَصِحُّ شَرْعًا، وَعَبَّرَ عَنْهُ بِعَدَمِ الْإِمْكَانِ مُبَالَغَةً فِي نَفْيِ الصِّحَّةِ، فَإِذَا كَفَلَ رَجُلٌ عَنْ آخَرَ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْحَدِّ وَالْقِصَاصِ لَمْ تَصِحَّ كَفَالَتُهُ حَيْثُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ يَعْتَمِدُ الْإِيجَابَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ. إذْ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ، إمَّا أَنْ يَكُونَ أَصَالَةً وَالْفَرْضُ خِلَافُهُ، أَوْ نِيَابَةً وَهِيَ لَا تَجْرِي فِي الْعُقُوبَاتِ. قَالُوا:؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الزَّجْرُ وَهُوَ بِالْإِقَامَةِ عَلَى النَّائِبِ لَا يَحْصُلُ وَفِيهِ تَشْكِيكٌ، وَهُوَ أَنَّ الزَّجْرَ إمَّا أَنْ يَكُونَ لِلْجَانِي بِأَنْ لَا يَعُودَ إلَى مِثْلِ مَا فَعَلَ أَوْ لِغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَقَدْ لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ كَمَا

قَالَ (وَإِذَا تَكَفَّلَ عَنْ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ جَازَ) لِأَنَّهُ دَيْنٌ كَسَائِرِ الدُّيُونِ (وَإِنْ تَكَفَّلَ عَنْ الْبَائِعِ بِالْمَبِيعِ لَمْ تَصِحَّ) لِأَنَّهُ عَيْنُ مَضْمُونٍ بِغَيْرِهِ وَهُوَ الثَّمَنُ وَالْكَفَالَةُ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ وَإِنْ كَانَتْ تَصِحُّ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لَكِنْ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا كَالْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا وَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَالْمَغْصُوبِ، لَا بِمَا كَانَ مَضْمُونًا بِغَيْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَرَى بَعْضَ الْمُتَهَتِّكِينَ يَعُودُونَ إلَى الْجِنَايَةِ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَقَدْ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِالْإِقَامَةِ عَلَى النَّائِبِ هَذَا فِي الْحُدُودِ وَأَمَّا فِي الْقِصَاصِ فَالْأَوَّلُ مُنْتَفٍ قَطْعًا لِعَدَمِ تَصَوُّرِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ أَصْلًا لَا مَحَالَةَ. وَالثَّانِي كَمَا فِي الْحَدِّ وَلَعَلَّ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ أَوْلَى، فَإِنَّهُ لَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِهِ خِلَافٌ فِي جَرَيَانِهَا فِي الْعُقُوبَاتِ فَيَكُونُ التَّشْكِيكُ حِينَئِذٍ تَشْكِيكًا فِي الْمُسَلَّمَاتِ وَهُوَ غَيْرُ مَسْمُوعٍ. قَالَ (وَإِذَا تَكَفَّلَ عَنْ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ جَازَ إلَخْ) الْكَفَالَةُ بِالثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي جَائِزَةٌ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ صَحِيحٌ كَسَائِرِ الدُّيُونِ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ ذِكْرُهُ تَمْهِيدًا لِذِكْرِ الْكَفَالَةِ بِالْمَبِيعِ وَالْأَعْيَانِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَعْيَانَ بِالنِّسْبَةِ إلَى جَوَازِ الْكَفَالَةِ بِهَا تَنْقَسِمُ بِالْقِسْمَةِ الْأَوَّلِيَّةِ إلَى مَا هُوَ أَمَانَةٌ لَا يُضْمَنُ كَالْوَدِيعَةِ وَالْمُسْتَعَارِ وَالْمُسْتَأْجَرِ وَمَالِ الْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ، وَإِلَى مَا هُوَ مَضْمُونٌ. ثُمَّ الْمَضْمُونُ يَنْقَسِمُ إلَى مَا هُوَ مَضْمُونٌ بِغَيْرِهِ كَالْمَبِيعِ وَالْمَرْهُونِ، وَإِلَى مَا هُوَ مَضْمُونٌ بِنَفْسِهِ كَالْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا وَالْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَالْمَغْصُوبُ وَالْكَفَالَةُ بِهَا كُلِّهَا إمَّا أَنْ تَكُونَ بِذَوَاتِهَا أَوْ بِتَسْلِيمِهَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ فِيمَا يَكُونُ أَمَانَةً أَوْ مَضْمُونًا بِالْغَيْرِ، وَتَصِحُّ فِيمَا يَكُونُ مَضْمُونًا بِنَفْسِهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَعَلَى هَذَا لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالْمَبِيعِ عَنْ الْبَائِعِ بِأَنْ يَقُولَ الْكَفِيلُ لِلْمُشْتَرِي إنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فَعَلَيَّ بَدَلُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِغَيْرِهِ وَهُوَ الثَّمَنُ، وَلَا بِالْمَرْهُونِ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ، وَلَا الْوَدِيعَةِ وَالْمُسْتَعَارِ وَالْمُسْتَأْجَرِ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ. وَتَجُوزُ فِي الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا وَالْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَالْمَغْصُوبِ. وَيَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ مَادَامَ قَائِمًا، وَتَسْلِيمُ قِيمَتِهِ عِنْدَ الْهَلَاكِ؛ لِأَنَّهَا أَعْيَانٌ مَضْمُونَةٌ بِعَيْنِهَا، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ تَجِبَ قِيمَتُهَا عِنْدَ الْهَلَاكِ، وَمَا لَمْ تَجِبْ قِيمَتُهُ عِنْدَ الْهَلَاكِ فَهُوَ مَضْمُونٌ بِغَيْرِهِ كَمَا مَرَّ، وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْكَفَالَةَ بِالْأَعْيَانِ مُطْلَقًا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ مُوجِبَ الْكَفَالَةِ الْتِزَامُ أَصْلِ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ فَكَانَ مَحَلُّهَا الدُّيُونَ دُونَ الْأَعْيَانِ، وَأَنَّ شَرْطَ صِحَّتِهَا قُدْرَةُ الْكَفِيلِ عَلَى الْإِيفَاءِ مِنْ عِنْدِهِ وَذَلِكَ يُتَصَوَّرُ فِي الدُّيُونِ دُونَ

كَالْمَبِيعِ وَالْمَرْهُونِ، وَلَا بِمَا كَانَ أَمَانَةً كَالْوَدِيعَةِ وَالْمُسْتَعَارِ وَالْمُسْتَأْجَرِ وَمَالِ الْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ. وَلَوْ كَفَلَ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بِتَسْلِيمِ الرَّهْنِ بَعْدَ الْقَبْضِ إلَى الرَّاهِنِ أَوْ بِتَسْلِيمِ الْمُسْتَأْجَرِ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ جَازَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَعْيَانِ. وَقُلْنَا بِنَاءً عَلَى أَصْلِنَا إنَّ الْكَفَالَةَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ، وَالْمُطَالَبَةُ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَطْلُوبُ مَضْمُونًا عَلَى الْأَصِيلِ لَا مَحَالَةَ، وَالْأَمَانَاتُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، وَالْمَضْمُونُ بِغَيْرِهِ كَالْمَبِيعِ الْمَضْمُونِ بِالثَّمَنِ، وَالْمَرْهُونُ الْمَضْمُونُ بِالدَّيْنِ وَالْقِيمَةِ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْأَصِيلِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ سَقَطَ الثَّمَنُ وَانْفَسَخَ الْعَقْدُ، وَلَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ وَلَا تَلْزَمُهُ مُطَالَبَتُهُ فَلَا تُتَصَوَّرُ الْكَفَالَةُ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي: أَعْنِي الْكَفَالَةَ بِتَسْلِيمِ الْأَعْيَانِ الْمَذْكُورَةِ، فَمَا كَانَ مَضْمُونًا بِغَيْرِهِ كَالْمَبِيعِ إذَا كَفَلَ بِتَسْلِيمِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ بَعْدَ نَقْدِ الثَّمَنِ، وَالْمَرْهُونُ إذَا كَفَلَ عَنْ الْمُرْتَهِنِ بِتَسْلِيمِهِ إلَى الرَّاهِنِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمُرْتَهِنِ الدَّيْنَ جَازَ. وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْكَفَالَةَ عَنْ الْمُرْتَهِنِ لِلرَّاهِنِ لَا تَصِحُّ سَوَاءٌ حَصَلَتْ الْكَفَالَةُ بِعَيْنِ الرَّهْنِ أَوْ بِرَدِّهِ حَتَّى قَضَى الدَّيْنَ، وَلَعَلَّ مَحْمَلَهُ اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ، فَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ انْفَسَخَ وَوَجَبَ عَلَى الْبَائِعِ رَدُّ الثَّمَنِ، وَالْكَفِيلُ لَا يَضْمَنُ الثَّمَنَ، وَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَيْنَ الرَّهْنِ إنْ كَانَ بِمِقْدَارِ الدَّيْنِ أَوْ زَائِدًا عَلَيْهِ وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِيَّتِهِ كَانَ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَلَا ضَمَانَ فِيهَا. وَمَا كَانَ أَمَانَةً فَإِنْ كَانَ غَيْرَ وَاجِبِ التَّسْلِيمِ كَالْوَدِيعَةِ وَمَالُ الْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا عَدَمُ الْمَنْعِ عِنْدَ الطَّلَبِ لَا التَّسْلِيمِ، وَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِتَسْلِيمِهِ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ، كَمَا لَا تَجُوزُ بِعَيْنِهَا، وَإِنْ كَانَ وَاجِبَ التَّسْلِيمِ كَالْمُسْتَأْجَرِ بِفَتْحِ الْجِيمِ إذَا ضَمِنَ رَجُلٌ تَسْلِيمَهُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً وَعَجَّلَ الْأَجْرَ وَلَمْ يَقْبِضْهَا وَكَفَلَ لَهُ بِذَلِكَ كَفِيلٌ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ وَالْكَفِيلُ مُؤَاخَذٌ بِتَسْلِيمِهَا مَا دَامَتْ حَيَّةً فَإِنْ هَلَكَتْ فَلَيْسَ عَلَى الْكَفِيلِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ انْفَسَخَتْ وَخَرَجَ الْأَصِيلُ عَنْ كَوْنِهِ مُطَالَبًا بِتَسْلِيمِهَا، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ رَدُّ الْأَجْرِ وَالْكَفِيلِ مَا كَفَلَ بِهِ، وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذِكْرَ الْمُسْتَعَارِ كَمَا تَرَكَ ذِكْرَ الْوَدِيعَةِ إشَارَةً إلَى عَدَمِ جَوَازِهِ، وَأَظُنُّهُ تَابَعَ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيَّ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ: الْكَفَالَةُ بِتَسْلِيمِ الْعَارِيَّةُ بَاطِلَةٌ، قِيلَ وَهَذَا لَيْسَ بِصَوَابٍ، فَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَامِعِ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِتَسْلِيمِ الْعَارِيَّةِ صَحِيحَةٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ لَيْسَ مِمَّنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى الْجَامِعِ بَلْ لَعَلَّهُ قَدْ اطَّلَعَ

لِأَنَّهُ الْتَزَمَ فِعْلًا وَاجِبًا. قَالَ (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلْحَمْلِ عَلَيْهَا، فَإِنْ كَانَتْ بِعَيْنِهَا لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِالْحَمْلِ) لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْهُ (وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ عَيْنِهَا جَازَتْ الْكَفَالَةُ) لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْحَمْلُ عَلَى دَابَّةِ نَفْسِهِ وَالْحَمْلُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ (وَكَذَا مَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ فَكَفَلَ لَهُ رَجُلٌ بِخِدْمَتِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ) لِمَا بَيَّنَّا. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى رِوَايَةٍ أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ فَاخْتَارَهَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الْتَزَمَ فِعْلًا وَاجِبًا) دَلِيلٌ لِمَا ذَكَرَهُ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ مَا يَكُونُ وَاجِبَ التَّسْلِيمِ وَمَا لَا يَكُونُ. كَمَا فَصَّلْنَاهُ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلْحَمْلِ) عُلِمَ أَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً مُعَيَّنَةً لِلْحَمْلِ فَكَفَلَ بِتَسْلِيمِهَا رَجُلٌ صَحَّتْ لِمَا تَقَدَّمَ آنِفًا، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ لِلْحَمْلِ فَكَفَلَ رَجُلٌ بِالْحَمْلِ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ الْحَمْلُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ بِالْحَمْلِ عَلَى دَابَّةِ نَفْسِهِ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا مُعَيَّنَةً لِلْحَمْلِ فَكَفَلَ بِالْحَمْلِ لَمْ يَصِحَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْكَفِيلَ (عَاجِزٌ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْحَمْلِ عَلَى الدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ الْمُعَيَّنَةَ لَيْسَتْ فِي مِلْكِهِ، وَالْحَمْلُ عَلَى دَابَّةِ نَفْسِهِ لَيْسَ بِحَمْلٍ عَلَى تِلْكَ الدَّابَّةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْقُدْرَةِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مِلْكَ الْغَيْرِ لَوْ مَنَعَ صِحَّتَهَا لَمَا صَحَّتْ بِالْأَعْيَانِ مُطْلَقًا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهَا فِي الْأَعْيَانِ مُطْلَقًا، وَمَا ذُكِرَ فِي الْإِيضَاحِ جَوَابًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ قَوْلُهُ: تَسْلِيمُ مَا الْتَزَمَهُ مُتَصَوَّرٌ فِي الْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ فِي الْجُمْلَةِ فَصَحَّ الْتِزَامُهُ؛ لِأَنَّ مَا يَلْزَمُهُ بِعَقْدِهِ يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّصَوُّرُ غَيْرَ دَافِعٍ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ مَا الْتَزَمَهُ مُتَصَوَّرٌ فِي الْجُمْلَةِ فَكَانَ الْوَاجِبُ صِحَّتَهَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ أَيْضًا (وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ عَبْدًا بِعَيْنِهِ لِلْخِدْمَةِ فَكَفَلَ لَهُ رَجُلٌ بِخِدْمَتِهِ لَمْ تَصِحَّ لِمَا بَيَّنَّا)

قَالَ (وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ إلَّا بِقَبُولِ الْمَكْفُولِ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - آخِرًا: يَجُوزُ إذَا بَلَغَهُ أَجَازَ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْإِجَازَةَ، وَالْخِلَافُ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ جَمِيعًا. لَهُ أَنَّهُ تَصَرُّفُ الْتِزَامٍ فَيَسْتَبِدُّ بِهِ الْمُلْتَزِمُ، وَهَذَا وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ. وَوَجْهُ التَّوَقُّفِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْفُضُولِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ عَاجِزٌ عَمَّا كَفَلَ بِهِ. قَالَ (وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ إلَّا بِقَبُولِ الْمَكْفُولِ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ إلَخْ) لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ إلَّا بِقَبُولِ الْمَكْفُولِ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا، وَقَالَ آخِرًا: تَجُوزُ إذَا أَجَازَ حِينَ بَلَغَهُ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْإِجَازَةَ. قِيلَ: أَيْ نُسَخِ كَفَالَةِ الْمَبْسُوطِ. وَفِيهِ تَنْوِيهٌ بِأَنَّ نُسَخَ كَفَالَةِ الْمَبْسُوطِ لَمْ تَتَعَدَّدْ وَإِنَّمَا هِيَ نُسْخَةٌ وَاحِدَةٌ، فَالْمَوْجُودُ فِي بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ يَدُلُّ عَلَى تَرْكِهِ فِي بَعْضٍ أَوْ زِيَادَتِهِ فِي آخَرَ، وَذَكَرَ فِي الْإِيضَاحِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجُوزُ، ثُمَّ قَالَ: وَذَكَرَ قَوْلَهُ فِي الْأَصْلِ فِي مَوْضِعَيْنِ، فَشَرَطَ الْإِجَازَةَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَقْدِيرُ كَلَامِهِ فِي بَعْضِ مَوَاضِعِ نُسَخِ الْمَبْسُوطِ، وَهَذَا الْخِلَافُ ثَابِتٌ بَيْنَهُمْ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ جَمِيعًا. لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي وَجْهِ الرِّوَايَةِ الَّتِي لَمْ تَشْتَرِطْ الْإِجَازَةَ فِيهَا أَنَّهُ تَصَرُّفُ الْتِزَامٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ يَسْتَبِدُّ بِهِ الْمُلْتَزِمُ كَالْإِقْرَارِ وَالنَّذْرِ فَهَذَا يَسْتَبِدُّ بِهِ الْمُلْتَزِمُ وَمُنِعَ كَوْنُهُ الْتِزَامًا فَقَطْ، وَبِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ وَاجِبٍ سَابِقٍ وَالْإِخْبَارُ يَتِمُّ بِالْمُخْبَرِ وَالنَّذْرُ مِنْ الْعِبَادَاتِ، وَمَنْ لَهُ الْعِبَادَاتُ لَا يَشْتَرِطُ قَبُولَهُ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ. وَلَهُ فِي وَجْهٍ رِوَايَةُ التَّوَقُّفِ عَلَى الْإِجَازَةِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْفُضُولِيِّ فِي النِّكَاحِ وَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ كَلَامُ الْوَاحِدِ كَالْعَقْدِ التَّامِّ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي هَذَا التَّوَقُّفِ عَلَى أَحَدٍ، وَمَنْعُ

فِي النِّكَاحِ. وَلَهُمَا أَنَّ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَهُوَ تَمْلِيكُ الْمُطَالَبَةِ مِنْهُ فَيَقُومُ بِهِمَا جَمِيعًا وَالْمَوْجُودُ شَطْرُهُ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ (إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ أَنْ يَقُولَ الْمَرِيضُ لِوَارِثِهِ تَكَفَّلْ عَنِّي بِمَا عَلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ فَكَفَلَ بِهِ مَعَ غَيْبَةِ الْغُرَمَاءِ جَازَ) لِأَنَّ ذَلِكَ وَصِيَّةٌ فِي الْحَقِيقَةِ وَلِهَذَا تَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْمَكْفُولَ لَهُمْ، وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّمَا تَصِحُّ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ يُقَالُ إنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الطَّالِبِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ تَفْرِيغًا لِذِمَّتِهِ وَفِيهِ نَفْعُ الطَّالِبِ فَصَارَ كَمَا إذَا حَضَرَ بِنَفْسِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَدَمِ الضَّرَرِ بِجَوَازِ رَفْعِ الْأَمْرِ إلَى قَاضٍ يَرَى بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ عَنْ حَقِّ الطَّالِبِ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ الْكَفَالَةَ إذَا صَحَّتْ بَرِئَ الْأَصِيلُ وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى الطَّالِبِ. وَلَهُمَا أَنَّ فِي عَقْدِ الْكَفَالَةِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَمْلِيكَ الْمُطَالَبَةِ مِنْ الطَّالِبِ فَلَا يَتِمُّ بَعْدَ الْإِيجَابِ إلَّا بِالْقَبُولِ، وَالْمَوْجُودُ شَطْرُ الْعَقْدِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَبِلَهُ عَنْ الطَّالِبِ فُضُولِيٌّ تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَتِهِ لِوُجُودِ شَطْرَيْهِ. قَالَ (إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ إلَّا بِقَبُولِ الْمَكْفُولِ لَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا يَصِحُّ ذَلِكَ عِنْدَهُمَا إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ اسْتِحْسَانًا. وَالْقِيَاسُ عَدَمُهَا لِمَا مَرَّ أَنَّ الطَّالِبَ غَيْرُ حَاضِرٍ فَلَا يَتِمُّ الضَّمَانُ إلَّا بِقَبُولِهِ، وَلِأَنَّ الصَّحِيحَ لَوْ قَالَ ذَلِكَ لِوَرَثَتِهِ أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ لَمْ يَصِحَّ فَكَذَا الْمَرِيضُ. وَلِلِاسْتِحْسَانِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُقَالَ إذَا قَالَ الْمَرِيضُ لِوَارِثِهِ تَكَفَّلْ عَنِّي بِمَا عَلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَوْفِ عَنِّي دَيْنِي وَذَلِكَ وَصِيَّةٌ فِي الْحَقِيقَةِ وَلِهَذَا يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْمَكْفُولَ لَهُمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ جَهَالَةَ الْمَكْفُولِ لَهُ تُفْسِدُ الْكَفَالَةَ، وَلِهَذَا قَالَ الْمَشَايِخُ: إنَّمَا تَصِحُّ هَذِهِ الْكَفَالَةُ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ عِنْدَ الْمَوْتِ تَصْحِيحًا لِمَعْنَى الْوَصِيَّةِ، وَإِذَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا لَا يَكُونُ الْقَبُولُ فِي الْمَجْلِسِ شَرْطًا. قِيلَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى

وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّحْقِيقُ دُونَ الْمُسَاوَمَةِ ظَاهِرًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَصَارَ كَالْأَمْرِ بِالنِّكَاحِ، وَلَوْ قَالَ الْمَرِيضُ ذَلِكَ لِأَجْنَبِيٍّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَصِيَّةِ لَا أَنَّهُ وَصِيَّةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا اخْتَلَفَ الْحُكْمُ بَيْنَ حَالَةِ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ. وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: لِأَنَّ ذَلِكَ وَصِيَّةٌ فِي الْحَقِيقَةِ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ تُسْتَعْمَلُ عِنْدَ الْمُحَصِّلِينَ فِيمَا إذَا دَلَّ لَفْظٌ بِظَاهِرِهِ عَلَى مَعْنًى وَإِذَا نَظَرَ فِي مَعْنَاهُ يَئُولُ إلَى مَعْنًى آخَرَ، وَحِينَئِذٍ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ فِي مَعْنَى الْوَصِيَّةِ أَوْ وَصِيَّةٌ فِي الْحَقِيقَةِ. وَالثَّانِي أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمَرِيضَ قَائِمٌ مَقَامَ الطَّالِبِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ: أَيْ إلَى قِيَامِهِ مَقَامَهُ لِوُجُودِ مَا يَقْتَضِيهِ مِنْ نَفْعِ الْمَرِيضِ بِتَفْرِيغِ ذِمَّتِهِ وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ بِوُجُودِ مَا يُنَافِيهِ مِنْ نَفْعِ الطَّالِبِ فَصَارَ كَأَنَّ الطَّالِبَ قَدْ حَضَرَ بِنَفْسِهِ وَقَالَ لِلْوَارِثِ تَكَفَّلْ عَنْ أَبِيك لِي. فَإِنْ قِيلَ: قِيَامُهُ مَقَامَ الطَّالِبِ وَحُضُورُهُ بِنَفْسِهِ لَيْسَ مَحَلَّ النِّزَاعِ وَإِنَّمَا هُوَ اشْتِرَاطُ الْقَبُولِ وَهُوَ لَيْسَ بِشَرْطٍ هَاهُنَا. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِهَذَا اللَّفْظِ وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّحْقِيقُ) أَيْ الْمَرِيضُ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ تَكَفَّلْ عَنِّي تَحْقِيقَ الْكَفَالَةِ لَا الْمُسَاوَمَةَ نَظَرًا إلَى ظَاهِرِ حَالَتِهِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا فَصَارَ كَالْأَمْرِ بِالنِّكَاحِ كَقَوْلِ الرَّجُلِ لِامْرَأَةٍ زَوِّجِينِي نَفْسَك فَقَالَتْ زَوَّجْت فَإِنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِمَا زَوَّجْت وَقَبِلْت، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ صَرِيحُ الْقَبُولِ يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِلِاسْتِثْنَاءِ، وَتَمْثِيلُهُ بِالْأَمْرِ بِالنِّكَاحِ يَدُلُّ عَلَى قِيَامِ لَفْظٍ وَاحِدٍ مَقَامَهُمَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَا مَسْلَكَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. قَالَ (وَلَوْ قَالَ الْمَرِيضُ ذَلِكَ لِأَجْنَبِيٍّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ إلَخْ) إذَا قَالَ الْمَرِيضُ لِأَجْنَبِيٍّ تَكَفَّلْ عَنِّي بِمَا عَلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ فَفَعَلَ الْأَجْنَبِيُّ ذَلِكَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُصَحِّحْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ غَيْرُ مُطَالَبٍ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ لَا فِي الْحَيَاةِ وَلَا بَعْدَ مَوْتِهِ بِدُونِ الِالْتِزَامِ فَكَانَ الْمَرِيضُ وَالصَّحِيحُ فِي حَقِّهِ سَوَاءً، وَلَوْ قَالَ الصَّحِيحُ ذَلِكَ لِأَجْنَبِيٍّ أَوْ لِوَارِثِهِ لَمْ يَصِحَّ بِدُونِ قَبُولِ الْمَكْفُولِ لَهُ، فَكَذَا الْمَرِيضُ. وَمِنْهُمْ مَنْ صَحَّحَهُ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ قَصَدَ بِهِ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ

قَالَ (وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا فَتَكَفَّلَ عَنْهُ رَجُلٌ لِلْغُرَمَاءِ لَمْ تَصِحَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: تَصِحُّ) لِأَنَّهُ كَفَلَ بِدَيْنٍ ثَابِتٍ لِأَنَّهُ وَجَبَ لِحَقِّ الطَّالِبِ، وَلَمْ يُوجَدْ الْمُسْقِطُ وَلِهَذَا يَبْقَى فِي حَقِّ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ، وَلَوْ تَبَرَّعَ بِهِ إنْسَانٌ يَصِحُّ، وَكَذَا يَبْقَى إذَا كَانَ بِهِ كَفِيلٌ أَوْ مَالٌ. وَلَهُ أَنَّهُ كَفَلَ بِدَيْنٍ سَاقِطٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْأَجْنَبِيُّ إذَا قَضَى دَيْنَهُ بِأَمْرِهِ يَرْجِعُ فِي تَرِكَتِهِ فَيَصِحُّ هَذَا مِنْ الْمَرِيضِ عَلَى أَنْ يُجْعَلَ قَائِمًا مَقَامَ الطَّالِبِ لِتَضَيُّقِ الْحَالِ عَلَيْهِ بِمَرَضِ الْمَوْتِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يُوجَدُ مِنْ الصَّحِيحِ فَتَرَكْنَاهُ عَلَى الْقِيَاسِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ كَمَا هُوَ الْوَجْهُ الْآخَرُ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ، وَلِهَذَا جَازَ مَعَ جَهَالَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ، وَجَوَازُ ذَلِكَ فِي الْمَرَضِ لِلضَّرُورَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْجَوَازَ مِنْ الصَّحِيحِ لِعَدَمِهَا. قَالَ (وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ إلَخْ) إذَا مَاتَ الْمَدْيُونُ مُفْلِسًا وَلَمْ يَكُنْ عَنْهُ كَفِيلٌ فَكَفَلَ عَنْهُ بِدَيْنِهِ إنْسَانٌ وَارِثًا كَانَ أَوْ أَجْنَبِيًّا لَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: هِيَ صَحِيحَةٌ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْكَفِيلَ قَدْ كَفَلَ بِدَيْنٍ صَحِيحٍ ثَابِتٍ فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ، وَكُلُّ كَفَالَةٍ هَذَا شَأْنُهَا فَهِيَ صَحِيحَةٌ بِالِاتِّفَاقِ فَهَذِهِ صَحِيحَةٌ. وَإِنَّمَا قُلْنَا كَفَلَ بِدَيْنٍ صَحِيحٍ ثَابِتٍ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ دَيْنًا صَحِيحًا هُوَ الْمَفْرُوضُ، وَثُبُوتُهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الدُّنْيَا أَوْ الْآخِرَةِ. لَا كَلَامَ فِي ثُبُوتِهِ وَبَقَائِهِ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ، وَأَمَّا فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَهُوَ ثَابِتٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لِحَقِّ الطَّالِبِ بِلَا خِلَافٍ، وَمَا وَجَبَ لَا يَنْتَفِي إلَّا بِإِبْرَاءِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ أَوْ بِأَدَاءِ مَنْ عَلَيْهِ أَوْ بِفَسْخِ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَالْمَفْرُوضُ عَدَمُ ذَلِكَ كُلِّهِ، فَدَعْوَى سُقُوطِهِ دَعْوَى مُجَرَّدَةٌ عَنْ الدَّلِيلِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِهِ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا أَنَّهُ لَوْ تَبَرَّعَ بِهِ إنْسَانٌ صَحَّ، وَلَوْ بَرِئَ الْمُفْلِسُ بِالْمَوْتِ عَنْ الدَّيْنِ لَمَا حَلَّ لِصَاحِبِهِ الْأَخْذُ مِنْ الْمُتَبَرِّعِ، وَإِذَا كَانَ بِهِ كَفِيلٌ أَوْ لَهُ مَالٌ فَإِنَّ الدَّيْنَ بَاقٍ بِالِاتِّفَاقِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَوْتَ لَا يُغَيِّرُ وَصْفَ الثُّبُوتِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ مَاتَ مُفْلِسًا قَبْلَ أَدَاءِ الثَّمَنِ لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ؛ وَلَوْ هَلَكَ الثَّمَنُ الَّذِي هُوَ دَيْنٌ عَلَيْهِ بِمَوْتِهِ مُفْلِسًا لَبَطَلَ الْعَقْدُ كَمَنْ اشْتَرَى بِفُلُوسٍ فِي الذِّمَّةِ فَكَسَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْعَقْدُ بِهَلَاكِ الثَّمَنِ، وَلَمَّا لَمْ يَبْطُلْ هَاهُنَا عُلِمَ أَنَّ الدَّيْنَ بَاقٍ عَلَيْهِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الدَّيْنَ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ هُوَ الْفِعْلُ حَقِيقَةً وَكُلُّ

لِأَنَّ الدَّيْنَ هُوَ الْفِعْلُ حَقِيقَةً وَلِهَذَا يُوصَفُ بِالْوُجُوبِ. لَكِنَّهُ فِي الْحُكْمِ مَالٌ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَيْهِ فِي الْمَآلِ وَقَدْ عَجَزَ بِنَفْسِهِ وَبِخَلَفِهِ فَفَاتَ عَاقِبَةُ الِاسْتِيفَاءِ فَيَسْقُطُ ضَرُورَةً، وَالتَّبَرُّعُ لَا يَعْتَمِدُ قِيَامَ الدَّيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِعْلٍ يَقْتَضِي الْقُدْرَةَ، وَالْقُدْرَةُ إنَّمَا تَكُونُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِخَلَفِهِ وَقَدْ انْتَفَتْ بِانْتِفَائِهِمَا فَانْتَفَى الدَّيْنُ ضَرُورَةً، وَمَعْنَى قَوْلِهِ الدَّيْنُ هُوَ الْفِعْلُ حَقِيقَةً أَنَّ الْمَقْصُودَ الْفَائِدَةُ الْحَاصِلَةُ مِنْهُ هُوَ فِعْلُ الْأَدَاءِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ وَصْفُهُ بِالْوُجُوبِ، يُقَالُ دَيْنٌ وَاجِبٌ كَمَا يُقَالُ الصَّلَاةُ وَاجِبَةٌ، وَالْوَصْفُ بِالْوُجُوبِ حَقِيقَةٌ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَفْعَالِ فَإِنْ قُلْت: لَزِمَ حِينَئِذٍ قِيَامُ الْعَرَضِ بِالْعَرَضِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ بِاتِّفَاقِ مُتَكَلِّمِي أَهْلِ السُّنَّةِ فَعَلَيْك بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْجَوَابِ فِي التَّقْرِيرِ فِي بَابِ صِفَةِ الْحُسْنِ لِلْمَأْمُورِ بِهِ، وَإِنْ قُلْت فَقَدْ يُقَالُ الْمَالُ وَاجِبٌ أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (لَكِنَّهُ) أَيْ الدَّيْنَ (فِي الْحُكْمِ مَالٌ) ؛ لِأَنَّ تَحَقُّقَ ذَلِكَ الْفِعْلِ فِي الْخَارِجِ لَيْسَ إلَّا بِتَمْلِيكِ طَائِفَةٍ مِنْ الْمَالِ، فَوَصْفُ الْمَالِ بِالْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ الْمَوْصُوفَ بِهِ يَئُولُ إلَيْهِ فِي الْمَالِ فَكَانَ وَصْفًا مَجَازِيًّا، فَإِنْ قُلْت: الْعَجْزُ بِنَفْسِهِ وَبِخَلَفِهِ يَدُلُّ عَلَى تَعَذُّرِ الْمُطَالَبَةِ مِنْهُ وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ بُطْلَانَ الدَّيْنِ فِي نَفْسِهِ كَمَنْ كَفَلَ عَنْ عَبْدٍ مَحْجُورٍ أَقَرَّ بِدَيْنٍ فَإِنَّهَا تَصِحُّ، وَإِنْ تَعَذَّرَ الْمُطَالَبَةُ فِي حَالَةِ الرِّقِّ. قُلْنَا: غَلِطَ بِعَدَمِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ ذِمَّةٍ صَالِحَةٍ لِوُجُوبِ الْحَقِّ عَلَيْهَا ضَعُفَتْ بِالرِّقِّ وَبَيْنَ ذِمَّةٍ خَرِبَتْ بِالْمَوْتِ وَلَمْ تَبْقَ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ عَلَيْهَا، وَهَذَا التَّقْرِيرُ كَمَا تَرَى يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ دَلِيلَ أَبِي حَنِيفَةَ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ وَلَوْ أَخْرَجَهُ إلَى سَبِيلِ الْمُمَانَعَةِ بِأَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الدَّيْنَ ثَابِتٌ بَلْ هُوَ سَاقِطٌ، وَسَيَذْكُرُ السَّنَدَ بِقَوْلِهِ فَإِنَّ الدَّيْنَ هُوَ الْفِعْلُ كَانَ أَحَذَقَ فِي وُجُوهِ النَّظَرِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُحَصِّلِينَ وَتَنَبَّهْ لِهَذِهِ النُّكْتَةِ وَاسْتَغْنِ عَنْ إعَادَتِهَا فِيمَا هُوَ نَظِيرُهُ فِيمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: وَالتَّبَرُّعُ لَا يَعْتَمِدُ قِيَامَ الدَّيْنِ) جَوَابٌ عَمَّا قَالَا وَلَوْ تَبَرَّعَ بِهِ إنْسَانٌ صَحَّ يَعْنِي أَنَّ التَّبَرُّعَ لَا يَعْتَمِدُ قِيَامَ الدَّيْنِ، فَإِنَّ مَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَأَنَا كَفِيلٌ بِهِ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ وَعَلَيْهِ أَدَاؤُهُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الدَّيْنُ أَصْلًا؛ وَلِأَنَّ بُطْلَانَ الدَّيْنِ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ لَا الْمُسْتَحِقِّ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ يُخْرِجُ مَنْ قَامَ بِهِ عَنْ الْمَحَلِّيَّةِ، وَإِذَا كَانَ بَاقِيًا فِي حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ حَلَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِدَيْنِهِ مَا تَبَرَّعَ بِهِ الْغَيْرُ، وَعَلَى هَذَا لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِمَوْتِ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا لِبَقَائِهِ فِي حَقِّ الْبَائِعِ، فَإِنَّ السُّقُوطَ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ لِضَرُورَةِ فَوْتِ الْمَحَلِّ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ، بِخِلَافِ الْفُلُوسِ إذَا كَسَدَتْ فَإِنَّ الْمِلْكَ قَدْ

وَإِذَا كَانَ بِهِ كَفِيلٌ أَوْ لَهُ مَالٌ فَخَلَفَهُ أَوْ الْإِفْضَاءُ إلَى الْأَدَاءِ بَاقٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبَطَلَ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي فَلِذَلِكَ اُنْتُقِضَ الْعَقْدُ (قَوْلُهُ: وَإِذَا كَانَ بِهِ كَفِيلٌ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا وَكَذَا يَبْقَى إذَا كَانَ بِهِ كَفِيلٌ أَوْ لَهُ مَالٌ. وَبَيَانُهُ أَنَّ الْقُدْرَةَ شَرْطُ الْفِعْلِ إمَّا بِنَفْسِ الْقَادِرِ أَوْ بِخَلَفِهِ، وَإِذَا كَانَ بِهِ كَفِيلٌ أَوْ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ انْتَفَى الْقَادِرُ فَخَلَفُهُ وَهُوَ الْوَكِيلُ أَوْ الْمَالُ فِي حَقِّ بَقَاءِ الدَّيْنِ بَاقٍ (قَوْلُهُ: أَوْ الْإِفْضَاءُ) عَلَى مَا هُوَ السَّمَاعُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ النُّسَخِ تُنَزَّلُ، وَكَأَنَّهُ قَالَ الْكَفِيلُ وَالْمَالُ إنْ لَمْ يَكُونَا خَلَفَيْنِ فَالْإِفْضَاءُ (إلَى الْأَدَاءِ) بِوُجُودِهِمَا (بَاقٍ) بِخِلَافِ مَا إذَا عَدِمَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الْكَلَامِ لَفٌّ وَنَشْرٌ. وَتَقْدِيرُهُ فَخَلَفُهُ وَهُوَ الْوَكِيلُ أَوْ الْإِفْضَاءُ إلَى مَا يُفْضِي إلَى الْأَدَاءِ وَهُوَ الْمَالُ بَاقٍ، وَعَلَى هَذَا يُشْتَرَطُ فِي الْقُدْرَةِ، إمَّا نَفْسُ الْقَادِرِ أَوْ خَلَفُهُ أَوْ مَا يُفْضِي إلَى الْأَدَاءِ، وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ إذْ الْإِفْضَاءُ عَلَى وَجْهِ التَّعْلِيلِ لِقَوْلِهِ فَخَلَفُهُ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ فَخَلَفُهُ بَاقٍ حَذَفَهُ لِدَلَالَةِ الْمَذْكُورِ عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وَأَنْتَ بِمَا عِنْدَك رَاضٍ، وَالرَّأْيُ مُخْتَلِفٌ وَمَعْنَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْكَفِيلِ وَالْمَالِ خَلَفٌ لِلْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ رَجَاءَ الْأَدَاءِ مِنْهُمَا بَاقٍ، فَإِنَّ الْخَلَفَ مَا بِهِ يَحْصُلُ كِفَايَةُ أَمْرِ الْأَصْلِ عِنْدَ عَدَمِهِ وَهُمَا كَذَلِكَ فَكَانَا خَلَفَيْنِ، وَفِيهِ مَا تَرَى مِنْ التَّكَلُّفِ مَعَ الْغُنْيَةِ عَنْهُ بِالْأُولَى. فَإِنْ قِيلَ: إنْ اسْتَدَلَّ الْخَصْمُ بِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» فَإِنَّهُ لَا يُفْصَلُ بَيْنَ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ، وَبِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أُتِيَ بِجِنَازَةِ أَنْصَارِيٍّ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: فَهَلْ عَلَى صَاحِبِكُمْ دَيْنٌ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ دِرْهَمَانِ أَوْ دِينَارَانِ، فَامْتَنَعَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَقَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ، فَقَامَ عَلِيٌّ أَوْ أَبُو قَتَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ وَقَالَ هُمَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَلَوْ لَمْ

قَالَ (وَمَنْ كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِأَلْفٍ عَلَيْهِ بِأَمْرِهِ فَقَضَاهُ الْأَلْفَ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهُ صَاحِبُ الْمَالِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا) لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْقَابِضِ عَلَى احْتِمَالِ قَضَائِهِ الدَّيْنَ فَلَا يَجُوزُ الْمُطَالَبَةُ مَا بَقِيَ هَذَا الِاحْتِمَالُ، كَمَنْ عَجَّلَ زَكَاتَهُ وَدَفَعَهَا إلَى السَّاعِي، ـــــــــــــــــــــــــــــQتَصِحَّ الْكَفَالَةُ عَنْ الْمَيِّتِ الْمُفْلِسِ لَمَا صَلَّى عَلَيْهِ بَعْدَهَا كَمَا امْتَنَعَ قَبْلَهَا فَمَاذَا يَكُونُ جَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ ذَلِكَ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَفِيلَ يَغْرَمُ مَا كَفَلَ بِهِ، وَالْكَلَامُ فِي كَفِيلِ الْمَيِّتِ الْمُفْلِسِ هَلْ هُوَ زَعِيمٌ أَوْ لَا، وَأَمَّا حَدِيثُ الْأَنْصَارِيِّ فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ عَلِيٍّ أَوْ أَبِي قَتَادَةَ إقْرَارًا بِكَفَالَةٍ سَابِقَةٍ، فَإِنَّ لَفْظَ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْشَاءِ فِيهِمَا سَوَاءٌ وَلَا عُمُومَ لِحِكَايَةِ الْحَالِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَعْدًا بِالتَّبَرُّعِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِجَوَازِهِ بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَقُولُ لِعَلِيٍّ مَا فَعَلَ الدِّينَارَانِ؟ حَتَّى قَالَ يَوْمًا قَضَيْتهمَا فَقَالَ: الْآنَ بَرَدَتْ عَلَيْهِ جِلْدَتُهُ» وَلَمْ يُجْبِرْهُ عَلَى الْأَدَاءِ، وَلَوْ كَانَ كَفَالَةً لَأَجْبَرَهُ عَلَى ذَلِكَ. وَالْحَقُّ أَنَّ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْكَفَالَةَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ لَزِمَهُ الْقَوْلُ بِبُطْلَانِ الْكَفَالَةِ عَنْ الْمَيِّتِ الْمُفْلِسِ لِعَدَمِ مَا يُضَمُّ إلَيْهِ وَجَاحِدُهُ مُتَسَاهِلٌ حَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ مِنْ الشَّرْعِ جَعْلُ الذِّمَّةِ الْمَعْدُومَةِ مَوْجُودَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَم. قَالَ (وَمَنْ كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِأَلْفٍ إلَخْ) رَجُلٌ كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِأَمْرِهِ بِأَلْفٍ عَلَيْهِ فَقَضَى الْأَصِيلُ الْكَفِيلَ الْأَلْفَ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَ الْكَفِيلُ الْأَلْفَ صَاحِبَ الْمَالِ، فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قَضَاهُ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ بِأَنْ دَفَعَ الْمَالَ إلَيْهِ وَقَالَ إنِّي لَا آمَنُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ الطَّالِبُ مِنْك حَقَّهُ فَخُذْهَا قَبْلَ أَنْ تُؤَدِّيَ فَقَبَضَهُ أَوْ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْأَصِيلُ لِلْكَفِيلِ خُذْ هَذَا الْمَالَ وَادْفَعْ إلَى الطَّالِبِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ لِلْأَصِيلِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا: أَيْ فِي الْأَلْفِ الْمَدْفُوعِ، وَأَنَّثَهُ بِاعْتِبَارِ الدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْقَابِضِ، وَهُوَ الْكَفِيلُ عَلَى احْتِمَالِ قَضَائِهِ الدَّيْنَ فَمَا لَمْ يَبْطُلْ هَذَا الِاحْتِمَالُ بِأَدَاءِ الْأَصِيلِ بِنَفْسِهِ حَقَّ الطَّالِبِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ إذَا كَانَ لِغَرَضٍ لَا يَجُوزُ الِاسْتِرْدَادُ فِيهِ مَا دَامَ بَاقِيًا لِئَلَّا يَكُونَ سَعْيًا فِي نَقْضِ مَا أَوْجَبَهُ، وَهَذَا كَمَنْ عَجَّلَ الزَّكَاةَ وَدَفَعَهَا إلَى

وَلِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ عَلَى مَا نَذْكُرُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الدَّفْعُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ لِأَنَّهُ تَمَحَّضَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ (وَإِنْ رَبِحَ الْكَفِيلُ فِيهِ فَهُوَ لَا يَتَصَدَّقُ بِهِ) لِأَنَّهُ مَلَكَهُ حِينَ قَبَضَهُ، أَمَّا إذَا قَضَى الدَّيْنَ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا إذَا قَضَى الْمَطْلُوبُ بِنَفْسِهِ وَثَبَتَ لَهُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ لِأَنَّهُ وَجَبَ لَهُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ مِثْلُ مَا وَجَبَ لِلطَّالِبِ عَلَيْهِ، إلَّا أَنَّهُ أُخِّرَتْ الْمُطَالَبَةُ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ، وَلِهَذَا لَوْ أَبْرَأَ الْكَفِيلُ الْمَطْلُوبَ قَبْلَ أَدَائِهِ يَصِحُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّاعِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ كَانَ لِغَرَضٍ وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ زَكَاةً بَعْدَ الْحَوْلِ، فَمَا دَامَ الِاحْتِمَالُ بَاقِيًا لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ؛ وَلِأَنَّ الْكَفِيلَ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِالْمُؤَدَّى حَقُّ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبُ يُبْطِلُ ذَلِكَ بِاسْتِرْدَادِهِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ؛ لِأَنَّهُ تَمَحَّضَ فِي يَدِهِ أَمَانَةً، فَإِنْ تَصَرَّفَ الْكَفِيلُ فِيمَا قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ وَرَبِحَ فِيهِ فَالرِّبْحُ لَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ حِينَ قَبَضَهُ، وَالرِّبْحُ الْحَاصِلُ مِنْ مِلْكِهِ طَيِّبٌ لَهُ لَا مَحَالَةَ. وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ مَلَكَهُ حِينَ قَبَضَهُ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ إمَّا أَنْ يَحْصُلَ مِنْ الْكَفِيلِ أَوْ مِنْ الْأَصِيلِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ مَا وَجَبَ لَهُ فَيَمْلِكُهُ مِنْ حِينِ قَبَضَهُ كَمَنْ قَبَضَ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ مُعَجَّلًا، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلِأَنَّهُ وَجَبَ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ مِثْلُ مَا وَجَبَ لِلطَّالِبِ عَلَى الْكَفِيلِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ تُوجِبُ دَيْنَيْنِ: دَيْنًا لِلطَّالِبِ عَلَى الْكَفِيلِ وَدِينًا لِلْكَفِيلِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ، لَكِنَّ دَيْنَ الطَّالِبِ حَالٌّ وَدَيْنَ الْكَفِيلِ مُؤَجَّلٌ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ مِنْ حَيْثُ تَأْخِيرُ مُطَالَبَتِهِ بِمَا وَجَبَ لَهُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ إلَى مَا بَعْدَ الْأَدَاءِ، وَلِهَذَا لَوْ أَخَذَ الْكَفِيلُ مِنْ الْأَصِيلِ رَهْنًا بِهَذَا الْمَالِ صَحَّ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَخَذَ رَهْنًا بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ، وَلَوْ أَبْرَأَ الْكَفِيلُ الْأَصِيلَ قَبْلَ الْأَدَاءِ إلَى الطَّالِبِ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ وَهَبَهُ مِنْهُ يَجُوزُ، حَتَّى لَوْ أَدَّاهُ الْكَفِيلُ إلَى الطَّالِبِ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْأَصِيلِ. وَقَالَ: كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ وَالْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِبَعْضِ عِبَارَةِ الْكِتَابِ ظَاهِرًا، وَالْمَسَائِلِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهَا، وَلَكِنْ لَا يُوَافِقُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْكَفَالَةَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ، فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ الْكَفَالَةُ تُوجِبُ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ مِنْ الْمُطَالَبَةِ مِثْلَ مَا وَجَبَ لِلطَّالِبِ عَلَى الْأَصِيلِ مِنْ الْمُطَالَبَةِ، إلَّا أَنَّ مُطَالَبَةَ الطَّالِبِ حَالَّةٌ وَمُطَالَبَةَ الْكَفِيلِ أُخِّرَتْ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ، فَنُزِّلَ مَا وَجَبَ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ مِنْ الْمُطَالَبَةِ مَنْزِلَةَ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ، وَلِهَذَا: أَيْ لِكَوْنِهِ نَازِلًا مَنْزِلَتَهُ لَوْ أَبْرَأَ الْكَفِيلُ الْمَطْلُوبَ قَبْلَ أَدَائِهِ صَحَّ، وَكَذَا إذَا أَخَذَ رَهْنًا أَوْ وَهَبَهُ مِنْهُ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ وَجَعَلَ ضَمِيرَ عَلَيْهِ لِلْمَكْفُولِ عَنْهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْكَفِيلِ وَالْمَعْنَى بِحَالِهِ: أَيْ الْكَفَالَةُ تُوجِبُ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ مِنْ الْمُطَالَبَةِ مِثْلَ مَا تُوجِبُ لِلطَّالِبِ عَلَى الْكَفِيلِ مِنْ الْمُطَالَبَةِ،

فَكَذَا إذَا قَبَضَهُ يَمْلِكُهُ إلَّا أَنَّ فِيهِ نَوْعَ خُبْثٍ نُبَيِّنُهُ فَلَا يُعْمَلُ مَعَ الْمِلْكِ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي الْبُيُوعِ (وَلَوْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِكُرِّ حِنْطَةٍ فَقَبَضَهَا الْكَفِيلُ فَبَاعَهَا وَرَبِحَ فِيهَا فَالرِّبْحُ لَهُ فِي الْحُكْمِ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ مَلَكَهُ (قَالَ: وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الَّذِي قَضَاهُ الْكُرَّ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: هُوَ لَهُ وَلَا يَرُدُّهُ عَلَى الَّذِي قَضَاهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ، وَعَنْهُ أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِيهِ مِنْ التَّمَحُّلِ مَا تَرَى مِنْ تَنْزِيلِ الْمُطَالَبَةِ مَنْزِلَةَ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ وَتَمَلُّكُهُ مَا قَبَضَ بِمُجَرَّدِ مَا لَهُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ مِنْ أَنَّ الْمُطَالَبَةَ لَا تَسْتَلْزِمُ الْمِلْكَ كَالْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ أَوْ الْقَبْضِ فَإِنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ وَلَا يَمْلِكُ مَا قَبَضَ. وَلَعَلَّ الصَّوَابَ أَنْ يَكُونَ تَوْجِيهُ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ مِنْ الدَّيْنِ مِثْلُ مَا وَجَبَ لِلطَّالِبِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ لَا عَلَى الْكَفِيلِ، وَحِينَئِذٍ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْكَفَالَةَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ؛ لِأَنَّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الطَّالِبِ لَيْسَ عَلَى الْكَفِيلِ إلَّا الْمُطَالَبَةُ، وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ لِلْكَفِيلِ دَيْنٌ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ مِثْلُ دَيْنِ الطَّالِبِ فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ عِنْدَ الْكَفَالَةِ دَيْنَيْنِ وَثَلَاثَ مُطَالَبَاتٍ: دَيْنٌ وَمُطَالَبَةٌ حَالَّيْنِ لِلطَّالِبِ عَلَى الْأَصِيلِ، وَمُطَالَبَةٌ فَقَطْ لَهُ عَلَى الْكَفِيلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَفَالَةَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ، وَدَيْنٌ وَمُطَالَبَةٌ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ، إلَّا أَنَّ الْمُطَالَبَةَ مُتَأَخِّرَةٌ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ فَيَكُونُ دَيْنُ الْكَفِيلِ مُؤَجَّلًا، وَلِهَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ فَنُزِّلَ مَنْزِلَةَ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ وَهُوَ مُؤَجَّلٌ؟ قُلْنَا: مَعْنَاهُ فَنُزِّلَ هَذَا الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ مَنْزِلَةَ دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ لَمْ يَكُنْ بِالْكَفَالَةِ، وَفِي ذَلِكَ إذَا قَبَضَهُ مُعَجَّلًا مَلَكَهُ، فَكَذَا هُنَا، هَذَا مَا سَنَحَ لِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ إلَّا أَنَّ فِيهِ: أَيْ فِي الرِّبْحِ الْحَاصِلِ لِلْكَفِيلِ بِتَصَرُّفِهِ فِي الْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ وَقَدْ أَدَّى الْأَصِيلُ الدَّيْنَ نَوْعُ خُبْثٍ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ بَيَّنَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْكَفَالَةِ بِالْكُرِّ وَالْخُبْثُ لَا يَعْمَلُ مَعَ الْمِلْكِ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ؛ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي الْبُيُوعِ فِي آخِرِ فَصْلِ أَحْكَامِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ. وَأَمَّا إذَا قَضَاهُ الْكَفِيلُ فَلَا خُبْثَ فِيهِ أَصْلًا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا. وَإِذَا قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ فَالرِّبْحُ لَا يَطِيبُ لَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ رِبْحٌ مِنْ أَصْلٍ خَبِيثٍ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَطِيبُ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ أَصْلُهُ الْمُودَعُ إذَا تَصَرَّفَ فِي الْوَدِيعَةِ وَرَبِحَ فَإِنَّهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ. قَالَ (وَلَوْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِكُرِّ حِنْطَةٍ إلَخْ) مَا مَرَّ كَانَ فِي حُكْمِ الرِّبْحِ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ، أَمَّا إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ فِيمَا يَتَعَيَّنُ كَكُرٍّ مِنْ حِنْطَةٍ قَبَضَهَا الْكَفِيلُ مِنْ الْأَصِيلِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى الطَّالِبِ وَتَصَرَّفَ فِيهَا وَرَبِحَ فَالرِّبْحُ لَهُ فِي الْقَضَاءِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ مَلَكَهُ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الَّذِي قَضَاهُ: يَعْنِي الْمَكْفُولَ عَنْهُ وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ، وَهَذَا رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْبُيُوعِ عَنْهُ: الرِّبْحُ لَهُ لَا يَتَصَدَّقُ بِهِ وَلَا يَرُدُّهُ عَلَى الْأَصِيلِ، وَبِهِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ

لَهُمَا أَنَّهُ رَبِحَ فِي مِلْكِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ فَيُسَلِّمُ لَهُ. وَلَهُ أَنَّهُ تَمَكَّنَ الْخُبْثُ مَعَ الْمِلْكِ، إمَّا لِأَنَّهُ بِسَبِيلٍ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ بِأَنْ يَقْضِيَهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ عَلَى اعْتِبَارِ قَضَاءِ الْكَفِيلِ، فَإِذَا قَضَاهُ بِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِهِ وَهَذَا الْخُبْثُ يُعْمَلُ فِيمَا يَتَعَيَّنُ فَيَكُونُ سَبِيلُهُ التَّصَدُّقَ فِي رِوَايَةٍ، وَيَرُدُّهُ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةٍ لِأَنَّ الْخُبْثَ لَحِقَهُ، وَهَذَا أَصَحُّ لَكِنَّهُ اسْتِحْبَابٌ لَا جَبْرٌ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْكَفَالَةِ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَطِيبُ لَهُ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ وَجْهُ رِوَايَةِ كِتَابِ الْبُيُوعِ وَهُوَ دَلِيلُهُمَا أَنَّهُ رِبْحٌ فِي مِلْكِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ، وَمَنْ رَبِحَ فِي مِلْكِهِ يُسَلَّمُ لَهُ الرِّبْحُ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ كِتَابِ الْكَفَالَةِ أَنَّهُ تَمَكَّنَ الْخُبْثُ مَعَ الْمِلْكِ لِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ: إمَّا؛ لِأَنَّ الْأَصِيلَ بِسَبِيلٍ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَقْضِيَ الْكُرَّ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الرِّبْحُ حَاصِلًا فِي مِلْكٍ مُتَرَدِّدٍ بَيْنَ أَنْ يُقِرَّ وَأَنْ لَا يُقِرَّ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مِلْكٌ قَاصِرٌ وَلَوْ عَدِمَ الْمِلْكُ أَصْلًا كَانَ خَبِيثًا، فَإِذَا كَانَ قَاصِرًا تَمَكَّنَ فِيهِ شُبْهَةُ الْخُبْثِ. وَإِمَّا؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ أَنْ يَكُونَ الْمَدْفُوعُ مِلْكًا لِلْكَفِيلِ عَلَى اعْتِبَارِ قَضَائِهِ فَإِذَا قَضَاهُ الْأَصِيلُ بِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِهِ فَتَمَكَّنَ فِيهِ الْخُبْثُ، وَهَذَا الْخُبْثُ: أَيْ الَّذِي يَكُونُ مَعَ الْمِلْكِ يَعْمَلُ فِيمَا يَتَعَيَّنُ وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى أَوَّلِ الْكَلَامِ، وَتَقْرِيرُهُ تَمَكَّنَ الْخُبْثُ مَعَ الْمِلْكِ وَكُلُّ خُبْثٍ تَمَكَّنَ مَعَ الْمِلْكِ يَعْمَلُ فِيمَا يَتَعَيَّنُ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْبُيُوعِ، فَهَذَا الْخُبْثُ يَعْمَلُ فِي الْكُرِّ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَتَعَيَّنُ وَالْخُبْثُ سَبِيلُهُ التَّصَدُّقُ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْخُبْثَ لَحِقَهُ: أَيْ لَحِقَ الَّذِي قَضَاهُ، فَإِذَا رَدَّ إلَيْهِ وَصَلَ الْحَقُّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ، وَهَذَا أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمَكْفُولِ عَنْهُ لَكِنَّهُ اسْتِحْبَابٌ لَا جَبْرٌ؛ فَإِذَا رُدَّ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ فَقِيرًا طَابَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ. قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَطِيبَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رُدَّ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ حَقُّهُ، هَذَا إذَا قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ، وَإِذَا قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَطِيبُ الرِّبْحُ لِلْكَفِيلِ،

قَالَ (وَمَنْ كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِأَلْفٍ عَلَيْهِ بِأَمْرِهِ فَأَمَرَهُ الْأَصِيلُ أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ حَرِيرًا فَفَعَلَ فَالشِّرَاءُ لِلْكَفِيلِ وَالرِّبْحُ الَّذِي رَبِحَهُ الْبَائِعُ فَهُوَ عَلَيْهِ) وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ بِبَيْعِ الْعِينَةِ مِثْلُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ مِنْ تَاجِرٍ عَشَرَةً فَيَتَأَبَّى عَلَيْهِ وَيَبِيعَ مِنْهُ ثَوْبًا يُسَاوِي عَشَرَةً بِخَمْسَةَ عَشَرَ مَثَلًا رَغْبَةً فِي نَيْلِ الزِّيَادَةِ لِيَبِيعَهُ الْمُسْتَقْرِضُ بِعَشَرَةٍ وَيَتَحَمَّلَ عَلَيْهِ خَمْسَةً؛ سُمِّيَ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ الدَّيْنِ إلَى الْعَيْنِ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ مَبَرَّةِ الْإِقْرَاضِ مُطَاوَعَةً لِمَذْمُومِ الْبُخْلِ. ثُمَّ قِيلَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَطِيبُ. قَالَ (وَمَنْ كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِأَلْفٍ إلَخْ) إذَا أَمَرَ الْأَصِيلُ الْكَفِيلَ أَنْ يُعَامِلَ إنْسَانًا بِطَرِيقِ الْعِينَةِ، وَفَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنْ يَسْتَقْرِضَ مِنْ تَاجِرٍ عَشَرَةً فَيَتَأَبَّى عَلَيْهِ وَيَبِيعُ مِنْهُ ثَوْبًا يُسَاوِي عَشَرَةً بِخَمْسَةَ عَشَرَ مَثَلًا رَغْبَةً فِي نَيْلِ الزِّيَادَةِ لِيَبِيعَهُ الْمُشْتَرِي الْمُسْتَقْرِضَ بِعَشَرَةٍ وَيَتَحَمَّلُ خَمْسَةً فَفَعَلَ الْكَفِيلُ ذَلِكَ فَالشِّرَاءُ وَاقِعٌ لَهُ وَالرِّبْحُ الَّذِي رَبِحَهُ الْبَائِعُ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْأَصِيلِ، وَسُمِّيَ هَذَا الْبَيْعُ عِينَةً لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ الدَّيْنِ إلَى الْعَيْنِ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ الْإِعْرَاضَ عَنْ مَبَرَّةِ الْإِقْرَاضِ مُطَاوَعَةً لِلْبُخْلِ الَّذِي هُوَ مَذْمُومٌ، وَكَأَنَّ الْكُرْهَ حَصَلَ مِنْ الْمَجْمُوعِ، فَإِنَّ الْإِعْرَاضَ عَنْ الْإِقْرَاضِ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ، وَالْبُخْلُ الْحَاصِلُ مِنْ طَلَبِ الرِّبْحِ فِي التِّجَارَاتِ كَذَلِكَ، وَإِلَّا لَكَانَتْ الْمُرَابَحَةُ مَكْرُوهَةً، وَإِلَّا لَزِمَ الرِّبْحُ لِلْكَفِيلِ دُونَ الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا كَفَالَةٌ فَاسِدَةٌ عَلَى مَا قِيلَ نَظَرًا إلَى قَوْلِهِ عَلَيَّ فَإِنَّهُ كَلِمَةُ ضَمَانٍ لَكِنَّهُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ وَالضَّمَانَ إنَّمَا يَصِحُّ بِمَا هُوَ مَضْمُونٌ عَلَى الْأَصِيلِ وَالْخُسْرَانُ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ عَلَى أَحَدٍ فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ، كَرَجُلٍ قَالَ لِآخَرَ بِعْ مَتَاعَك فِي هَذَا السُّوقِ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَضَيْعَةٍ وَخُسْرَانٍ يُصِيبُك فَأَنَا ضَامِنٌ

هَذَا ضَمَانٌ لِمَا يَخْسَرُ الْمُشْتَرِي نَظَرًا إلَى قَوْلِهِ عَلَيَّ وَهُوَ فَاسِدٌ وَلَيْسَ بِتَوْكِيلٍ وَقِيلَ هُوَ تَوْكِيلٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْحَرِيرَ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ، وَكَذَا الثَّمَنُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ لِجَهَالَةِ مَا زَادَ عَلَى الدَّيْنِ، وَكَيْفَمَا كَانَ فَالشِّرَاءُ لِلْمُشْتَرِي وَهُوَ الْكَفِيلُ وَالرِّبْحُ: أَيْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِ لَك فَإِنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَأَمَّا وَكَالَةٌ فَاسِدَةٌ نَظَرًا إلَى قَوْلِهِ تَعَيَّنَ: يَعْنِي اشْتَرِ لِي حَرِيرًا يُعَيِّنُهُ ثُمَّ بِعْهُ بِالنَّقْدِ بِأَقَلَّ مِنْهُ وَاقْضِ دَيْنِي، وَفَسَادُهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْحَرِيرَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ: أَيْ غَيْرُ مَعْلُومِ الْمِقْدَارِ وَالثَّمَنُ كَذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: الدَّيْنُ مَعْلُومٌ وَالْمَأْمُورُ بِهِ هُوَ مِقْدَارُهُ فَكَيْفَ يَكُونُ الثَّمَنُ مَجْهُولًا؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ الْجَهَالَةُ مَا زَادَ عَلَى الدَّيْنِ فَإِنَّهُ دَاخِلٌ فِي الثَّمَنِ، وَإِذَا فَسَدَتْ الْكَفَالَةُ أَوْ الْوَكَالَةُ كَانَ الْمُشْتَرَى لِلْمُشْتَرِي وَهُوَ الْكَفِيلُ وَالرِّبْحُ: أَيْ الزِّيَادَةُ عَلَى الدَّيْنِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ. وَمِنْ النَّاسِ مَنْ صَوَّرَ لِلْعِينَةِ صُورَةً أُخْرَى وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ الْمُقْرِضَ وَالْمُسْتَقْرِضَ بَيْنَهُمَا ثَالِثًا فِي الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْكِتَابِ فَيَبِيعَ صَاحِبُ الثَّوْبِ الثَّوْبَ بِاثْنَيْ عَشَرَ مِنْ الْمُسْتَقْرِضِ ثُمَّ إنَّ الْمُسْتَقْرِضَ يَبِيعُهُ مِنْ الثَّالِثِ بِعَشَرَةٍ وَيُسْلِمُ الثَّوْبَ إلَيْهِ ثُمَّ يَبِيعُ الثَّالِثَ الثَّوْبَ مِنْ الْمُقْرِضِ بِعَشَرَةٍ وَيَأْخُذُ مِنْهُ عَشَرَةً وَيَدْفَعُهُ إلَى الْمُسْتَقْرِضِ فَتَنْدَفِعُ حَاجَتُهُ، وَإِنَّمَا تَوَسَّطَا بِثَالِثٍ احْتِرَازًا عَنْ شِرَاءِ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ. وَمِنْهُمْ مَنْ صَوَّرَ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ مَذْمُومٌ اخْتَرَعَهُ أَكَلَةُ الرِّبَا، وَقَدْ ذَمَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ فَقَالَ «إذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعَيْنِ وَاتَّبَعْتُمْ أَذْنَابَ

قَالَ (وَمَنْ كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِمَا ذَابَ لَهُ عَلَيْهِ أَوْ بِمَا قَضَى لَهُ عَلَيْهِ فَغَابَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الْكَفِيلِ بِأَنَّ لَهُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ) لِأَنَّ الْمَكْفُولَ بِهِ مَالٌ مَقْضِيٌّ بِهِ وَهَذَا فِي لَفْظَةِ الْقَضَاءِ ظَاهِرٌ، وَكَذَا فِي الْأُخْرَى لِأَنَّ مَعْنَى ذَابَ تَقَرَّرَ وَهُوَ بِالْقَضَاءِ أَوْ مَالٌ يُقْضَى بِهِ وَهَذَا مَاضٍ أُرِيدَ بِهِ الْمُسْتَأْنَفُ كَقَوْلِهِ: أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَك فَالدَّعْوَى مُطْلَقٌ عَنْ ذَلِكَ فَلَا تَصِحُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَقَرِ ذَلَلْتُمْ وَظَهَرَ عَلَيْكُمْ عَدُوُّكُمْ» وَقِيلَ: إيَّاكَ وَالْعِينَةَ فَإِنَّهَا لَعِينَةٌ. قَالَ (وَمَنْ كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِمَا ذَابَ لَهُ عَلَيْهِ إلَخْ) رَجُلٌ كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِمَا ذَابَ لَهُ عَلَيْهِ أَوْ بِمَا قُضِيَ لَهُ عَلَيْهِ فَغَابَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الْكَفِيلِ أَنَّ لَهُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ لَمْ تُقْبَلْ الْبَيِّنَةُ حَتَّى يَحْضُرَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ قَبُولَهَا يَعْتَمِدُ صِحَّةَ الدَّعْوَى، وَدَعْوَاهُ هَذِهِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ لِعَدَمِ مُطَابِقَتِهَا بِالْمَكْفُولِ بِهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَالَ الْمَكْفُولَ بِهِ إمَّا مَالٌ مَقْضِيٌّ بِهِ عَلَى الْأَصِيلِ لِدَلَالَةِ مَا قَضَى بِصَرَاحَةِ عِبَارَتِهِ وَدَلَالَةِ مَا ذَابَ بِاسْتِلْزَامِهِ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ مَعْنَى ذَابَ تَقَرَّرَ، وَالتَّقَرُّرُ إنَّمَا هُوَ بِالْقَضَاءِ وَالدَّعْوَى مُطْلَقٌ

(وَمَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَى فُلَانٍ كَذَا وَأَنَّ هَذَا كَفِيلٌ عَنْهُ بِأَمْرِهِ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهِ عَلَى الْكَفِيلِ وَعَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ يُقْضَى عَلَى الْكَفِيلِ خَاصَّةً) ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ ذَلِكَ فَلَا مُطَابَقَةَ بَيْنَهُمَا، وَإِمَّا مَالٌ يُقْضَى بِهِ يُجْعَلُ لَفْظُ الْمَاضِي بِمَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ كَقَوْلِهِ: أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَك فَهُوَ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا؛ لِأَنَّ إرَادَةَ مَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ مِنْ لَفْظِ الْمَاضِي خِلَافُ الظَّاهِرِ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا لِنُكْتَةٍ تَتَعَلَّقُ بِعِلْمِ الْبَلَاغَةِ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِدَعْوَاهُ لِإِطْلَاقِهَا وَتُفِيدُ الْمَكْفُولَ بِهِ، حَتَّى قِيلَ إنْ ادَّعَى عَلَى الْكَفِيلُ أَنَّ قَاضِيَ بَلَدِ كَذَا قَضَى لَهُ عَلَى الْأَصِيلِ بَعْدَ عَقْدِ الْكَفَالَةِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ لِوُجُودِ الْمُطَابَقَةِ حِينَئِذٍ، وَالشَّارِحُونَ ذَهَبُوا فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَى أَنَّ الْمَكْفُولَ بِهِ مَالٌ قُضِيَ أَوْ يُقْضَى بِهِ بَعْدَ الْكَفَالَةِ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي أَلْفًا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ عَقْدِ الْكَفَالَةِ وَبَعْدَهُ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْكَفَالَةِ بِالشَّكِّ، وَلَيْسَ فِي لَفْظِ الْمُصَنِّفِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَصْلًا كَمَا تَرَى، وَالتَّعْلِيلُ بِدُونِ ذَلِكَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْمَكْفُولَ بِهِ إمَّا مَالٌ مَقْضِيٌّ وَلَمْ يَدَّعِهِ، أَوْ مَالٌ يُقْضَى بِهِ وَمَعَ غَيْبَةِ الْأَصِيلِ لَا يَصِحُّ لِكَوْنِهِ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ فَلَا تَكُونُ الدَّعْوَى صَحِيحَةً فَلَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ. وَمَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَى فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَأَنَّ هَذَا كَفِيلٌ عَنْهُ بِأَمْرِهِ قُضِيَ بِهِ عَلَى الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ جَمِيعًا، وَإِنْ ادَّعَى الْكَفَالَةَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ قُضِيَ بِهِ عَلَى الْحَاضِرِ خَاصَّةً وَهَاهُنَا يُحْتَاجُ إلَى ثَلَاثَةِ فُرُوقٍ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا اثْنَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ هَاهُنَا دُونَ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ

وَإِنَّمَا تُقْبَلُ لِأَنَّ الْمَكْفُولَ بِهِ مَالٌ مُطْلَقٌ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ بِالْأَمْرِ وَعَدَمِهِ لِأَنَّهُمَا يَتَغَايَرَانِ، لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِأَمْرٍ تَبَرُّعُ ابْتِدَاءٍ وَمُعَاوَضَةُ انْتِهَاءٍ، وَبِغَيْرِ أَمْرٍ تَبَرُّعُ ابْتِدَاءٍ وَانْتِهَاءٍ، فَبِدَعْوَاهُ أَحَدَهُمَا لَا يُقْضَى لَهُ بِالْآخَرِ، وَإِذَا قُضِيَ بِهَا بِالْأَمْرِ ثَبَتَ أَمْرُهُ، وَهُوَ يَتَضَمَّنُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَكْفُولَ بِهِ هَاهُنَا مَالٌ مُطْلَقٌ عَنْ التَّوْصِيفِ لِكَوْنِهِ مَقْضِيًّا بِهِ أَوْ يُقْضَى بِهِ فَكَانَتْ الدَّعْوَى مُطَابِقَةً لِلْمُدَّعَى بِهِ فَصَحَّتْ وَقُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ لِابْتِنَائِهَا عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ كَمَا مَرَّ. وَمِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ هُنَاكَ لَوْ صَدَّقَهُ فَقَالَ قَدْ كَفَلْت لَك بِمَا ذَابَ لَك عَلَيْهِ: أَيْ بِمَا قُضِيَ لَك عَلَيْهِ وَلَكِنْ لَيْسَ لَك عَلَيْهِ شَيْءٌ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ، وَهَاهُنَا لَوْ قَالَ كَفَلْت لَك عَنْهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لَكِنْ لَيْسَ لَك شَيْءٌ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ. وَالثَّانِي الْفَرْقُ بَيْنَ الْكَفَالَةِ بِأَمْرٍ وَالْكَفَالَةِ بِغَيْرِ أَمْرٍ مَعَ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ فَكَانَ الْوَاجِبُ عَدَمَ التَّفْرِقَةِ فِي أَنْ لَا يَكُونَ الْكَفِيلُ خَصْمًا عَنْ الْأَصِيلِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِأَمْرٍ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِهِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَغَايَرَانِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِأَمْرِهِ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً وَمُعَاوَضَةٌ انْتِهَاءً وَبِغَيْرِ أَمْرِهِ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً، وَكُلُّ مَا كَانَا كَذَلِكَ فَهُمَا غَيْرَانِ لَا مَحَالَةَ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَبِدَعْوَاهُ أَحَدَهُمَا لَا يُقْضَى لَهُ بِالْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ إنَّمَا يَقْضِي بِالسَّبَبِ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْمُدَّعِي؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْمِلْكَ بِالشِّرَاءِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْقَضَاءُ بِالْهِبَةِ وَإِنْ كَانَ حُكْمُهُمَا وَاحِدًا وَهُوَ الْمِلْكُ، فَإِذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي الْكَفَالَةَ بِالْأَمْرِ وَقَضَى بِالْكَفَالَةِ بِالْأَمْرِ بِبَيِّنَةٍ ثَبَتَ أَمْرُهُ بِحُجَّةٍ كَامِلَةٍ، وَالْأَمْرُ بِالْكَفَالَةِ يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِالْمَالِ فَيَصِيرُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ، فَلَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، وَإِذَا ادَّعَاهَا بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّهَا لَا تَمَسُّ جَانِبَ الْغَائِبِ، إذْ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ وُجُوبِ الْمَالِ عَلَى الْكَفِيلِ وُجُوبُهُ عَلَى الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّهُ: أَيْ الشَّأْنَ أَنَّ هِمَّةَ الْكَفَالَةِ بِغَيْرِ أَمْرٍ تَعْتَمِدُ قِيَامَ الدَّيْنِ فِي زَعْمِ الْكَفِيلِ، حَتَّى لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَأَنَا بِهِ كَفِيلٌ وَجَبَ الْمَالُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْأَصِيلِ شَيْءٌ فَلَا يَتَعَدَّى الدَّيْنُ عَنْ الْكَفِيلِ إلَى الْأَصِيلِ. وَالْفَرْقُ الثَّالِثُ بَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَا إذَا أَبْهَمَ فَادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ كَفَلَ لَهُ عَنْ فُلَانٍ بِكُلِّ مَالٍ لَهُ قَبْلَهُ وَلَمْ يُفَسِّرْ، وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً أَنَّ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ أَلْفَ دِرْهَمٍ كَانَتْ لَهُ قَبْلَ الْكَفَالَةِ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهَا عَلَى الْكَفِيلِ وَالْأَصِيلِ سَوَاءٌ ادَّعَى الْكَفَالَةَ بِأَمْرٍ أَوْ بِغَيْرِهِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْحَاضِرَ إنَّمَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ إذَا لَمْ يُمْكِنْ إثْبَاتُ مَا يَدَّعِي عَلَى الْحَاضِرِ إلَّا بِإِثْبَاتِ مَا يَدَّعِي عَلَى الْغَائِبِ، وَالْكَفَالَةُ إذَا كَانَتْ بِمَعْلُومٍ أَمْكَنَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ بِدُونِ الْقَضَاءِ عَلَى الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ وَمَعْرُوفٌ بِذَاتِهِ، وَإِذَا كَانَتْ بِمَجْهُولٍ لَا تَصِحُّ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّ الْمَجْهُولَ يَحْتَاجُ إلَى التَّعْرِيفِ، وَالتَّعْرِيفُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِمَا كَانَ عَلَى

الْإِقْرَارَ بِالْمَالِ فَيَصِيرُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ، وَالْكَفَالَةُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا تَمَسُّ جَانِبَهُ لِأَنَّهُ تَعْتَمِدُ صِحَّتُهَا قِيَامَ الدَّيْنِ فِي زَعْمِ الْكَفِيلِ فَلَا يَتَعَدَّى إلَيْهِ، وَفِي الْكَفَالَةِ بِأَمْرِهِ يَرْجِعُ الْكَفِيلُ بِمَا أَدَّى عَلَى الْآمِرِ. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَنْكَرَ فَقَدْ ظَلَمَ فِي زَعْمِهِ فَلَا يَظْلِمُ غَيْرَهُ وَنَحْنُ نَقُولُ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا فَبَطَلَ مَا زَعَمَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَصِيلِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ كَانَ لَك عَلَى فُلَانٍ مَالٌ فَأَنَا كَفِيلٌ فَأَثْبَتَهُ الْمُدَّعِي، وَسَيَأْتِي تَمَامُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَفِي الْكَفَالَةِ بِأَمْرٍ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَرْقًا آخَرَ بَيْنَ مَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْكَفَالَةِ بِأَمْرٍ وَبَيْنَ مَا إذَا أَقَامَ عَلَيْهَا بِغَيْرِهِ، فَإِنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ عِيَانًا، وَلَوْ ثَبَتَتْ الْكَفَالَةُ بِالْأَمْرِ عِيَانًا رَجَعَ الْكَفِيلُ بِمَا أَدَّى عَلَى الْأَصِيلِ فَكَذَا إذَا ثَبَتَتْ بِالْبَيِّنَةِ وَقَالَ زُفَرُ: لَمَّا أَنْكَرَ الْكَفِيلُ الْكَفَالَةَ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ الطَّالِبَ ظَلَمَهُ وَالْمَظْلُومُ لَا يَظْلِمُ غَيْرَهُ. وَقُلْنَا: لَمَّا قَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا فَبَطَلَ مَا زَعَمَهُ؛ كَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا وَأَقَرَّ بِأَنَّ الْبَائِعَ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ ثُمَّ جَاءَ إنْسَانٌ وَاسْتَحَقَّهُ بِالْبَيِّنَةِ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ فِي الرُّجُوعِ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ كَذَّبَهُ فِي زَعْمِهِ. وَنُوقِضَ بِمَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِيمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَبَاعَهُ وَرُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِالْبَيِّنَةِ بَعْدَمَا أَنْكَرَ الْعَيْبَ بِهِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ حَيْثُ لَمْ يَبْطُلْ زَعْمُهُ مَعَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَمَّا قَضَى عَلَيْهِ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ كَذَّبَهُ فِي زَعْمِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا عَيْبَ فِيهِ نَفْيٌ لِلْعَيْبِ فِي الْحَالِ وَالْمَاضِي وَالْقَاضِي إنَّمَا كَذَّبَهُ فِي قِيَامِ الْعَيْبِ عِنْدَ

قَالَ (وَمَنْ بَاعَ دَارًا وَكَفَلَ رَجُلٌ عَنْهُ بِالدَّرَكِ فَهُوَ تَسْلِيمٌ) لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَوْ كَانَتْ مَشْرُوطَةً فِي الْبَيْعِ فَتَمَامُهُ بِقَبُولِهِ، ثُمَّ بِالدَّعْوَى يَسْعَى فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَشْرُوطَةً فِيهِ فَالْمُرَادُ بِهَا أَحْكَامُ الْبَيْعِ وَتَرْغِيبُ الْمُشْتَرِي فِيهِ إذْ لَا يَرْغَبُ فِيهِ دُونَ الْكَفَالَةِ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الْإِقْرَارِ بِمِلْكِ الْبَائِعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَيْعِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ قِيَامَ الْعَيْبِ عِنْدَ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلرَّدِّ عَلَى الثَّانِي فَافْتَرَقَا. قَالَ (وَمَنْ بَاعَ دَارًا وَكَفَلَ عَنْهُ رَجُلٌ بِالدَّرَكِ إلَخْ) وَمَنْ بَاعَ دَارًا وَكَفَلَ رَجُلٌ عَنْهُ بِالدَّرَكِ وَهُوَ التَّبِعَةُ عَلَى مَا مَرَّ، وَالْمُرَادُ قَبُولُ رَدِّ الثَّمَنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ فَهُوَ تَسْلِيمٌ: أَيْ تَصْدِيقٌ مِنْ الْكَفِيلِ بِأَنَّ الدَّارَ مِلْكُ الْبَائِعِ، فَلَوْ ادَّعَى الدَّارَ بَعْدَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ إمَّا أَنْ تَكُونَ مَشْرُوطَةً فِي الْبَيْعِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ وَهُوَ شَرْطٌ مُلَائِمٌ لِلْعَقْدِ إذْ الدَّرَكُ يَثْبُتُ بِلَا شَرْطِ كَفَالَةٍ وَالشَّرْطُ يَزِيدُهُ وَكَادَةً فَتَمَامُ الْبَيْعِ إنَّمَا يَكُونُ بِقَبُولِ الْكَفِيلِ فَكَأَنَّهُ هُوَ الْمُوجِبُ لِلْعَقْدِ، فَالدَّعْوَى بَعْدَ ذَلِكَ مِنْهُ سَعْيٌ فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْكَفِيلُ شَفِيعًا بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَبُطْلَانُ السَّعْيِ فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ مِنْ مُسَلَّمَاتِ هَذَا الْفَنِّ لَا يُقْبَلُ التَّشْكِيكُ بِالْإِقَالَةِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ، وَإِنْ كَانَ طَلَبُهَا سَعْيًا فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَةِ الطَّالِبِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّقْضِ مَا يَكُونُ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ وَالْإِقَالَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَهِيَ فَسْخٌ لَا نَقْضٌ. وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَالْمُرَادُ بِالْكَفَالَةِ أَحْكَامُ الْبَيْعِ وَتَرْغِيبُ الْمُشْتَرِي لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَرْغَبَ الْمُشْتَرِي فِي شِرَاءِ الْمَبِيعِ مَخَافَةَ الِاسْتِحْقَاقِ فَتَكَفَّلَ تَسْكِينًا لِقَلْبِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ اشْتَرِ هَذَا الدَّارَ وَلَا تُبَالِ فَإِنَّهَا مِلْكُ الْبَائِعِ، فَإِنْ أَدْرَكَك دَرَكٌ فَأَنَا ضَامِنٌ، وَذَلِكَ إقْرَارٌ بِمِلْكِ الْبَائِعِ، وَمَنْ أَقَرَّ بِمِلْكِ الْبَائِعِ لَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ بَعْدَ

[فصل في الضمان]

قَالَ (وَلَوْ شَهِدَ وَخَتَمَ وَلَمْ يَكْفُلْ لَمْ يَكُنْ تَسْلِيمًا وَهُوَ عَلَى دَعْوَاهُ) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَكُونُ مَشْرُوطَةً فِي الْبَيْعِ وَلَا هِيَ بِإِقْرَارٍ بِالْمِلْكِ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَرَّةً يُوجَدُ مِنْ الْمَالِكِ وَتَارَةً مِنْ غَيْرِهِ، وَلَعَلَّهُ كَتَبَ الشَّهَادَةَ لِيَحْفَظَ الْحَادِثَةَ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ، قَالُوا: إذَا كَتَبَ فِي الصَّكِّ بَاعَ وَهُوَ يَمْلِكُهُ أَوْ بَيْعًا بَاتًّا نَافِذًا وَهُوَ كَتَبَ شَهِدَ بِذَلِكَ فَهُوَ تَسْلِيمٌ، إلَّا إذَا كَتَبَ الشَّهَادَةَ عَلَى إقْرَارِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ. (فَصْلٌ فِي الضَّمَانِ) : قَالَ (وَمَنْ بَاعَ لِرَجُلٍ ثَوْبًا وَضَمِنَ لَهُ الثَّمَنَ أَوْ مُضَارِبٌ ضَمِنَ ثَمَنَ مَتَاعِ رَبِّ الْمَالِ فَالضَّمَانُ بَاطِلٌ) لِأَنَّ الْكَفَالَةَ الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ وَهِيَ إلَيْهِمَا فَيَصِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنًا لِنَفْسِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ، وَإِنَّمَا قَالَ فَنُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَيْهِ فِي الْمَعْنَى. قَالَ (وَلَوْ شَهِدَ وَخَتَمَ إلَخْ) لَوْ شَهِدَ الشَّاهِدُ عَلَى بَيْعِ الدَّارِ وَخَتَمَ شَهَادَتَهُ بِأَنْ كَتَبَ اسْمَهُ فِي الصَّكِّ وَجَعَلَ اسْمَهُ تَحْتَ رَصَاصٍ مَكْتُوبًا وَوَضَعَ عَلَيْهِ نَقْشَ خَاتَمِهِ حَتَّى لَا يَجْرِيَ عَلَيْهِ التَّزْوِيرُ وَالتَّبْدِيلُ، كَذَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَلَمْ يَكْفُلْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَسْلِيمًا وَهُوَ عَلَى دَعْوَاهُ قَبْلَ قَوْلِهِ وَخَتَمَ وَقَعَ اتِّفَاقًا بِاعْتِبَارِ عُرْفٍ كَانَ فِي زَمَانِهِمْ وَلَمْ يَبْقَ فِي زَمَانِنَا، فَإِنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَفَاوَتُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ خَتْمٌ أَوْ لَا، فَإِنْ ادَّعَى لِنَفْسِهِ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ وَتُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِغَيْرِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَكُونُ مَشْرُوطَةً فِي الْبَيْعِ لِعَدَمِ الْمُلَاءَمَةِ وَلَا هِيَ بِإِقْرَارٍ بِالْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ تَارَةً يُوجَدُ مِنْ الْمِلْكِ وَأُخْرَى مِنْ غَيْرِهِ، فَالشَّهَادَةُ عَلَى أَنَّهُ بَاعَ لَا تَكُونُ إقْرَارًا بِأَنَّهُ بَاعَ مِلْكَهُ، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا كَتَبَ الشَّهَادَةَ لِيَحْفَظَ الْحَادِثَةَ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ضَمَانِ الدَّرَكِ فَإِنَّهُ إقْرَارٌ بِالْمِلْكِ لِمَا تَقَدَّمَ، قَالَ مَشَايِخُنَا: مَا ذُكِرَ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْبَيْعِ لَا تَكُونُ تَسْلِيمًا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكْتُبْ فِي الصَّكِّ مَا يُوجِبُ صِحَّةَ الْبَيْعِ وَنَفَاذَهُ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ الْمَكْتُوبُ فِيهِ بَاعَ أَوْ جَرَى الْبَيْعُ بَيْنَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ فَشَهِدَ عَلَى ذَلِكَ، وَكَتَبَ شَهِدَ فُلَانٌ الْبَيْعَ أَوْ جَرَى الْبَيْعُ بِمَشْهَدِي، وَأَمَّا إذَا كَتَبَ فِيهِ مَا يُوجِبُ صِحَّتَهُ وَنَفَاذَهُ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ بَاعَ فُلَانٌ كَذَا وَهُوَ يَمْلِكُهُ، وَكَتَبَ الشَّاهِدُ شَهِدَ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ تَسْلِيمٌ فَلَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ عَلَى إقْرَارِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِتَسْلِيمٍ وَإِنْ كَانَ الْمَكْتُوبُ فِي الصَّكِّ مَا يَدُلُّ عَلَى الصِّحَّةِ وَالنَّفَاذِ. [فَصْلٌ فِي الضَّمَانِ] (وَمَنْ بَاعَ لِرَجُلٍ ثَوْبًا إلَخْ) الضَّمَانُ وَالْكَفَالَةُ فِي هَذَا الْبَابِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَلَمَّا كَانَ مَسَائِلُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ

وَلِأَنَّ الْمَالَ أَمَانَةٌ فِي أَيْدِيهِمَا وَالضَّمَانُ تَغْيِيرٌ لِحُكْمِ الشَّرْعِ فَيَرُدُّ عَلَيْهِ كَاشْتِرَاطِهِ عَلَى الْمُودَعِ وَالْمُسْتَعِيرِ (وَكَذَا رَجُلَانِ بَاعَا عَبْدًا صَفْقَةً وَاحِدَةً وَضَمِنَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ) لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ الضَّمَانُ مَعَ الشَّرِكَةِ يَصِيرُ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ، وَلَوْ صَحَّ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ خَاصَّةً يُؤَدِّي إلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَرَدَتْ بِلَفْظِ الضَّمَانِ فَصَّلَهَا لِتَغَايُرٍ فِي اللَّفْظِ. وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَنْ رَجَعَ إلَيْهِ حُقُوقُ الْعَقْدِ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْتِزَامُ مُطَالَبَةِ مَا يَجِبُ بِهِ؛ فَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ ثَوْبٍ فَفَعَلَ وَضَمِنَ لَهُ الثَّمَنَ فَالضَّمَانُ بَاطِلٌ، وَكَذَا الْمُضَارِبُ إذَا بَاعَ مِنْ الْمَتَاعِ شَيْئًا وَضَمِنَ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ وَالْمُطَالَبَةُ إلَيْهِمَا: أَيْ إلَى الْوَكِيلِ وَالْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْقَبْضِ لِلْوَكِيلِ بِجِهَةِ الْأَصَالَةِ فِي الْبَيْعِ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ أَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَى الْوَكِيلِ، حَتَّى لَوْ حَلَفَ الْمُشْتَرِي مَا لِلْمُوَكِّلِ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ بَارًّا فِي يَمِينِهِ، وَلَوْ حَلَفَ مَا لِلْوَكِيلِ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ خَائِنًا، وَكَذَا الْمُضَارِبُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَوْ صَحَّ الضَّمَانُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الشَّخْصُ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ وَفَسَادُهُ لَا يَخْفَى، وَلَا يُتَوَهَّمُ التَّصْحِيحُ بِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ لَا يَظْهَرُ عِنْدَ الْخُصُومَةِ؛ وَلِأَنَّ الْمَالَ أَمَانَةٌ فِي أَيْدِي الْوَكِيلِ وَالْمُضَارِبِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، فَلَوْ صَحَّ ضَمَانُهُمَا لَكَانَا ضَمِينَيْنِ فَمَا فَرَضْنَاهُ أَمِينًا لَمْ يَكُنْ أَمِينًا، وَذَلِكَ خُلْفٌ بَاطِلٌ فَيَكُونُ الضَّمَانُ تَغْيِيرًا لِحُكْمِ الشَّرْعِ وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ ذَلِكَ لِنَزْعِهِ إلَى الشَّرِكَةِ فِي الرُّبُوبِيَّةِ، وَقَدْ قَرَّرْنَا بُطْلَانَ ذَلِكَ فِي التَّقْرِيرِ تَقْرِيرًا تَامًّا. فَيَرِدُ عَلَيْهِ كَاشْتِرَاطِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُودَعِ وَالْمُسْتَعِيرِ، فَإِنَّهُمَا لَوْ ضَمِنَا الْوَدِيعَةَ وَالْعَارِيَّةَ لِلْمُودَعِ وَالْمُعِيرِ لَمْ يَجُزْ لِذَلِكَ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْوَكَالَةُ بِانْفِرَادِهَا مَشْرُوعَةٌ وَالْكَفَالَةُ كَذَلِكَ فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ أَمَانَةً بِأَيْدِيهِمَا إذَا لَمْ يَضْمَنَا، فَأَمَّا إذَا ضَمِنَا فَيَكُونُ ذَلِكَ رَفْعًا لِلْأَمَانَةِ إلَى الضَّمَانِ وَتَحَوُّلًا مِنْ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ إلَى حُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَصَارَ كَمَا إذَا بَاعَ بِأَلْفٍ ثُمَّ بَاعَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ. وَالْجَوَابُ أَنَّ رَفْعَ الْأَمَانَةِ إنَّمَا يَكُونُ بِبُطْلَانِ الْوَكَالَةِ لِئَلَّا يَتَخَلَّفَ الْمَعْلُولُ عَنْ عِلَّتِهِ، وَبُطْلَانُهَا حِينَئِذٍ إنَّمَا يَكُونُ ضَرُورَةَ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ، وَالْكَفَالَةُ هَاهُنَا بِمَنْزِلَةِ الْفَرْعِ لِلْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّهُ كَفَلَ بِمَا وَجَبَ بِالْوَكَالَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُصَحَّحَ عَلَى وَجْهٍ يَبْطُلُ بِهِ أَصْلُهَا، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ فَإِنَّ الثَّانِيَ لَيْسَ فَرْعًا لِلْأَوَّلِ. وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ رَجُلَانِ عَبْدًا صَفْقَةً وَاحِدَةً وَضَمِنَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ إنْ صَحَّ، فَإِنْ كَانَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ شَائِعًا

بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَا بِصَفْقَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقْبَلَ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا وَيَقْبِضَ إذَا نَقَدَ ثَمَنَ حِصَّتِهِ وَإِنْ قَبِلَ الْكُلَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQصَارَ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فَسَادُهُ، وَإِنْ صَحَّ فِي نَصِيبِهِ مُفْرِزًا أَدَّى إلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ إفْرَازٌ، وَذَلِكَ إمَّا أَنْ يَكُونَ حِسًّا أَوْ بِوَصْفٍ مُمَيِّزٍ وَكِلَاهُمَا فِيمَا فِي الذِّمَّةِ مِنْ الدَّيْنِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ. وَذَكَرَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ فِي تَعْلِيلِهِ؛ لِأَنَّ مَا يُسْتَحَقُّ بِنَصِيبِ أَحَدِهِمَا فَلِلْآخَرِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ إذَا كَانَ مَالًا بِدَلِيلِ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَوْ اشْتَرَى بِنَصِيبِهِ مِنْهُ شَيْئًا كَانَ لِلْآخَرِ وِلَايَةُ الْمُشَارَكَةِ، وَلَوْ صَحَّ الضَّمَانُ فَمَا يُؤَدِّيهِ الضَّامِنُ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَضْمُونِ لَهُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِهِ عَلَى الشَّرِيكِ، فَإِذَا رَجَعَ بَطَلَ حُكْمُ الْأَدَاءِ فِي مِقْدَارِ مَا وَقَعَ فِيهِ الرُّجُوعُ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ مَا أَدَّى إلَّا الْبَاقِيَ فَكَانَ لِلضَّامِنِ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ الْبَاقِي ثَمَّ وَثَمَّ إلَى أَنْ لَا يَبْقَى شَيْءٌ، فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَشَايِخِنَا إنَّ فِي تَجْوِيزِ هَذَا الضَّمَانِ ابْتِدَاءً إبْطَالَهُ انْتِهَاءً فَقُلْنَا بِبُطْلَانِهِ ابْتِدَاءً، وَلَا مَعْنَى لِمَا قِيلَ فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَوْ صَحَّ الضَّمَانُ إمَّا أَنْ يَصِحَّ بِنِصْفٍ شَائِعٍ أَوْ بِنِصْفٍ هُوَ نَصِيبُ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ يُضَافُ إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ شَائِعًا. وَقَوْلُهُ: وَلَا وَجْهَ إلَى الثَّانِي لِمَا فِيهِ مِنْ قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا مَعْنَى لِهَذَا أَيْضًا لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا لَوْ اشْتَرَى بِنَصِيبِهِ مِنْ الدَّيْنِ يَجُوزُ وَلَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الْقِسْمَةِ، فَكَذَا إذَا ضَمِنَ أَحَدُهُمَا بِنَصِيبِ صَاحِبِهِ، وَلَكِنَّ التَّعْوِيلَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا نَقَلَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَغَيْرُهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَإِذَا رَجَعَ بَطَلَ حُكْمُ الْأَدَاءِ فِي مِقْدَارِ مَا وَقَعَ فِيهِ الرُّجُوعُ إنَّمَا يَصِحُّ أَنْ لَوْ كَانَ الرُّجُوعُ بِاعْتِبَارِ نَقْضِ مَا أَدَّى وَهُوَ مَمْنُوعٌ، بَلْ هُوَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ اسْتِيفَاءٌ لِمَا يَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ حَقٌّ فِيمَا بَقِيَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ فَلَا يَرْجِعُ فِيهِ. وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ الضَّمَانَ يُضَافُ إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ شَائِعًا. يُجَابُ عَلَيْهِ بِأَنَّ نَصِيبَ الشَّرِيكِ وَهُوَ النِّصْفُ مَثَلًا لَهُ اعْتِبَارَانِ اعْتِبَارُ نِصْفٍ شَائِعٍ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الثَّمَنِ وَاعْتِبَارُ نِصْفِ مُفْرِزٍ فِي بَعْضِ أَفْرَادِهِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْبَاقِي مِنْ الْأَفْرَادِ وَلَا خَفَاءَ فِي اخْتِلَافِهِمَا وَتَغَايُرِهِمَا فَتَرْكُ ذَلِكَ نَقْصٌ فِي التَّعَقُّلِ، وَقَوْلُهُ: لَا مَعْنَى لِهَذَا أَيْضًا لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ إلَخْ. يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا تَلْزَمُ الْقِسْمَةُ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَا اشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِنَصِيبِهِ وَقَعَ عَلَى الشَّرِكَةِ وَلِهَذَا كَانَ لِلْآخَرِ أَنْ يُشَارِكَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَا صَفْقَتَيْنِ بِأَنْ

قَالَ (وَمَنْ ضَمِنَ عَنْ آخَرَ خَرَاجَهُ وَنَوَائِبَهُ وَقِسْمَتَهُ فَهُوَ جَائِزٌ. أَمَّا الْخَرَاجُ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ) يُخَالِفُ الزَّكَاةَ، لِأَنَّهَا مُجَرَّدُ فِعْلٍ وَلِهَذَا لَا تُؤَدَّى بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ تَرِكَتِهِ إلَّا بِوَصِيَّةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQسَمَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا لِنَفْسِهِ ثُمَّ ضَمِنَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِنَصِيبِهِ فَإِنَّ الضَّمَانَ صَحِيحٌ لِامْتِيَازِ نَصِيبِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ نَصِيبِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ ثَمَّةَ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ بِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ وَالْفَرْضُ خِلَافُهُ. وَاسْتَوْضَحَ بِقَوْلِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقْبَلَ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا وَيَرُدَّ الْآخَرَ. وَلَهُ أَنْ يَقْبِضَ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا إذَا نَقَدَ ثَمَنَ حِصَّتِهِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْكُلِّ، وَلَوْ اتَّحَدَتْ الصَّفْقَةُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ قَالَ (وَمَنْ ضَمِنَ عَنْ آخَرَ خَرَاجَهُ وَنَوَائِبَهُ وَقِسْمَتَهُ فَهُوَ جَائِزٌ إلَخْ) الضَّمَانُ عَنْ الْخَرَاجِ وَالنَّوَائِبِ وَالْقِسْمَةِ جَائِزٌ. أَمَّا الْخَرَاجُ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ مِنْ قَبْلُ وَالرَّهْنُ وَالْكَفَالَةُ جَائِزَانِ فِي الْخَرَاجِ. قِيلَ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُوَظَّفُ وَهُوَ الْوَاجِبُ فِي الذِّمَّةِ بِأَنْ يُوَظِّفَ الْإِمَامُ فِي كُلِّ سَنَةٍ عَلَى مَالٍ عَلَى مَا يَرَاهُ دُونَ الْمُقَاسَمَةِ وَهِيَ الَّتِي يَقْسِمُ الْإِمَامُ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الدَّيْنِ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ فِي الذِّمَّةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي هَذَا الشَّرْحِ مَا يُفَرَّقُ بِهِ بَيْنَ الْخَرَاجِ وَالزَّكَاةِ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَرْقًا آخَرَ بِقَوْلِهِ وَهُوَ يُخَالِفُ الزَّكَاةَ؛ لِأَنَّهَا مُجَرَّدُ فِعْلٍ، إذْ الْوَاجِبُ فِيهَا تَمْلِيكُ مَالٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا عَنْ شَيْءٍ، وَالْمَالُ آلَتُهُ وَلِهَذَا لَا تُؤَدَّى بَعْدَ مَوْتِهِ إلَّا بِالْوَصِيَّةِ، وَأَمَّا النَّوَائِبُ فَقَدْ يُرَادُ بِهَا مَا يَكُونُ بِحَقٍّ وَقَدْ يُرَادُ بِهَا مَا لَيْسَ بِحَقٍّ، وَالْأَوَّلُ كَكَرْيِ الْأَنْهَارِ الْمُشْتَرَكَةِ وَأَجْرِ الْحَارِسِ لِلْمَحَلَّةِ وَمَا وَظَّفَ الْإِمَامُ لِتَجْهِيزِ الْجَيْشِ وَفِدَاءِ الْأُسَارَى، بِأَنْ احْتَاجَ إلَى تَجْهِيزِ الْجَيْشِ لِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ أَوْ إلَى

وَأَمَّا النَّوَائِبُ، فَإِنْ أُرِيدَ بِهَا مَا يَكُونُ بِحَقٍّ كَكَرْيِ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ وَأَجْرِ الْحَارِسِ وَالْمُوَظَّفِ لِتَجْهِيزِ الْجَيْشِ وَفِدَاءِ الْأَسَارَى وَغَيْرِهَا جَازَتْ الْكَفَالَةُ بِهَا عَلَى الِاتِّفَاقِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا مَا لَيْسَ بِحَقٍّ كَالْجِبَايَاتِ فِي زَمَانِنَا فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وَمِمَّنْ يَمِيلُ إلَى الصِّحَّةِ الْإِمَامُ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ، وَأَمَّا الْقِسْمَةُ فَقَدْ قِيلَ: هِيَ النَّوَائِبُ بِعَيْنِهَا أَوْ حِصَّةٌ مِنْهَا وَالرِّوَايَةُ بِأَوْ، وَقِيلَ هِيَ النَّائِبَةُ الْمُوَظَّفَةُ الرَّاتِبَةُ، وَالْمُرَادُ بِالنَّوَائِبِ مَا يَنُوبُهُ غَيْرُ رَاتِبٍ وَالْحُكْمُ مَا بَيَّنَّاهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِدَاءِ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَالٌ فَوَظَّفَ مَالًا عَلَى النَّاسِ لِذَلِكَ، وَالضَّمَانُ فِيهِ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ لِوُجُوبِ أَدَائِهِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَوْجَبَهُ الْإِمَامُ عَلَيْهِ لِوُجُوبِ طَاعَتِهِ فِيمَا يَجِبُ النَّظَرُ لِلْمُسْلِمِينَ. وَالثَّانِي كَالْجِبَايَاتِ فِي زَمَانِنَا وَهِيَ الَّتِي يَأْخُذُهَا الظَّلَمَةُ فِي زَمَانِنَا ظُلْمًا كَالْقَيْجَرِ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَصِحُّ الضَّمَانُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ شُرِعَتْ لِالْتِزَامِ الْمُطَالَبَةِ بِمَا عَلَى الْأَصِيلِ شَرْعًا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ هَاهُنَا شَرْعًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَصِحُّ وَمِمَّنْ يَمِيلُ إلَيْهِ الْإِمَامُ الْبَزْدَوِيُّ يُرِيدُ فَخْرَ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ صَدْرَ الْإِسْلَامِ مِمَّنْ مَالَ إلَى عَدَمِ صِحَّتِهَا. قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: وَأَمَّا النَّوَائِبُ فَهِيَ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ مِنْ حَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَنُوبُهُ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا دُيُونٌ فِي حُكْمٍ تَوَجَّهَ الْمُطَالَبَةُ بِهَا. وَالْعِبْرَةُ فِي الْكَفَالَةِ لِلْمُطَالَبَةِ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِالْتِزَامِهَا، وَلِهَذَا قُلْنَا: إنَّ مَنْ قَامَ بِتَوْزِيعِ هَذِهِ النَّوَائِبِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِالْقِسْطِ وَالْعَدَالَةِ كَانَ مَأْجُورًا وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الَّذِي يَأْخُذُ بَاطِلًا، وَلِهَذَا قُلْنَا: إنَّ مَنْ قَضَى نَائِبُهُ غَيْرَهُ بِإِذْنِهِ يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الرُّجُوعِ اسْتِحْسَانًا بِمَنْزِلَةِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: هَذَا إذَا أَمَرَهُ بِهِ لَا عَنْ إكْرَاهٍ، أَمَّا إذَا كَانَ مُكْرَهًا فِي الْأَمْرِ فَلَا يُعْتَبَرُ أَمْرُهُ فِي الرُّجُوعِ. أَمَّا قَوْلُهُ: وَقِسْمَتُهُ فَقَدْ ذُكِرَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: وَقَعَ هَذَا الْحَرْفُ غَلَطًا؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مَصْدَرٌ وَالْمَصْدَرُ فِعْلٌ وَهَذَا الْفِعْلُ غَيْرُ مَضْمُونٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقِسْمَةَ قَدْ تَجِيءُ بِمَعْنَى النَّصِيبِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} [القمر: 28] وَالْمُرَادُ النَّصِيبُ. وَكَانَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ يَقُولُ مَعْنَاهُ أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا طَلَبَ الْقِسْمَةَ مِنْ صَاحِبِهِ وَامْتَنَعَ

(وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ لَك عَلَيَّ مِائَةٌ إلَى شَهْرٍ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ هِيَ حَالَّةٌ) ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَّعِي، وَمَنْ قَالَ ضَمِنْت لَك عَنْ فُلَانٍ مِائَةً إلَى شَهْرٍ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ هِيَ حَالَّةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الضَّامِنِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْآخَرُ عَنْ ذَلِكَ فَضَمِنَ إنْسَانٌ لِيَقُومَ مَقَامَهُ فِي الْقِسْمَةِ جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ إذَا اقْتَسَمَا ثُمَّ مَنَعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ قَسْمَ صَاحِبِهِ فَتَكُونُ الرِّوَايَةُ عَلَى هَذَا قَسَمَهُ بِالضَّمِيرِ لَا بِالتَّاءِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْقِسْمَةَ بِالتَّاءِ تَجِيءُ بِمَعْنَى الْقَسْمِ بِلَا تَاءٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ النَّوَائِبُ بِعَيْنِهَا، وَقَدْ ذَكَرَ تَفْسِيرَ النَّوَائِبِ بِحَقٍّ وَبِغَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا فَذِكْرُهُ بِالْوَاوِ لِلْبَيَانِ مِنْ بَابِ الْعَطْفِ لِلتَّفْسِيرِ أَوْ حِصَّتُهُ مِنْهَا: أَيْ مِنْ النَّوَائِبِ: يَعْنِي إذَا قَسَمَ الْإِمَامُ مَا يَنُوبُ الْعَامَّةَ نَحْوُ مُؤْنَةِ كَرْيِ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ فَأَصَابَ وَاحِدًا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَيَحَبُّ أَدَاؤُهُ فَكَفَلَ بِهِ رَجُلٌ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ بِالْإِجْمَاعِ. قِيلَ: وَلَكِنْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ الرِّوَايَةَ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ وَقِسْمَتُهُ بِالْوَاوِ لِيَكُونَ عَطْفَ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98] فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّ الرِّوَايَةَ بِأَوْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ الْقِسْمَةُ حِصَّةً مِنْ النَّوَائِبِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ إذَا كَانَتْ حِصَّةً مِنْهَا فَهُوَ مَحَلُّ أَوْ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ هِيَ النَّوَائِبَ بِعَيْنِهَا فَهُوَ مَحَلُّ الْوَاوِ لِمَا مَرَّ. وَقِيلَ هِيَ النَّائِبَةُ الْمُوَظَّفَةُ الرَّاتِبَةُ، وَالْمُرَادُ مِنْ النَّوَائِبِ مَا يَنُوبُهُ غَيْرُ رَاتِبٍ. قِيلَ: وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ، وَالْحُكْمُ مَا بَيَّنَّاهُ: يَعْنِي جَوَازَ الْكَفَالَةِ فِيمَا كَانَ بِحَقٍّ بِالِاتِّفَاقِ، وَاخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ فِيمَا كَانَ بِغَيْرِ حَقٍّ. قَالَ (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ لَك عَلَيَّ مِائَةٌ إلَى شَهْرٍ إلَخْ) وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ لَك عَلَيَّ مِائَةٌ إلَى شَهْرٍ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ هِيَ حَالَّةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَّعِي لِكَوْنِهَا حَالَّةً؛ وَإِنْ قَالَ ضَمِنْت لَك عَنْ فُلَانٍ مِائَةً إلَى شَهْرٍ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ هِيَ حَالَّةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الضَّامِنِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إبْرَاهِيمَ بْنِ يُوسُفَ أَنَّ الْقَوْلَ فِيهِمَا لِلْمُقَرِّ لَهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْقَوْلُ فِيهِمَا لِلْمُقِرِّ. لَهُ أَنَّ الدَّيْنَ نَوْعَانِ: حَالٌّ وَمُؤَجَّلٌ فَإِذَا أَقَرَّ بِالْمُؤَجَّلِ فَقَدْ أَقَرَّ بِأَحَدِ النَّوْعَيْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: اعْتِبَارًا بِالْكَفَالَةِ. وَأُجِيبَ بِفَسَادِ الِاعْتِبَارِ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ فِي الدَّيْنِ عَارِضٌ كَمَا سَيَأْتِي. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى وُجُوبِ الْمَالِ ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْأَجَلَ عَلَى صَاحِبِهِ فَلَا يُصَدَّقُ فِيهِ إلَّا بِحُجَّةٍ اعْتِبَارًا بِالْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ. وَأُجِيبَ بِمَا أَجَابَ بِهِ الشَّافِعِيُّ. وَوَجْهَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ مُدَّعِيًا حَقًّا لِنَفْسِهِ وَهُوَ تَأْخِيرُ الْمُطَالَبَةِ إلَى أَجَلٍ فَكَانَ ثَمَّةَ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ وَدَعْوَى عَلَى غَيْرِهِ، وَالْأَوَّلُ مَقْبُولٌ وَالثَّانِي يَحْتَاجُ إلَى بُرْهَانٍ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْهُ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ. وَفِي الْكَفَالَةِ مَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فِي الصَّحِيحِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا أَقَرَّ بِمُجَرَّدِ الْمُطَالَبَةِ بَعْدَ الشَّهْرِ فَوَضَحَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَبْ أَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَيُقِرُّ بِهِ أَلَيْسَ أَنَّهُ قَدْ أَقَرَّ بِالْمُطَالَبَةِ فَلِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ: أَقَرَّ بِالْمُطَالَبَةِ مُدَّعِيًا حَقًّا لِنَفْسِهِ وَهُوَ تَأْخِيرُهَا إلَى أَجَلٍ فَكَانَ ثَمَّةَ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْتُمْ فَلَا يَتِمُّ الْفَرْقُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ تَمَامِهِ فَهُوَ مُعَارَضٌ بِأَنْ يُقَالَ: الْكَفَالَةُ لَمَّا كَانَتْ الْتِزَامَ الْمُطَالَبَةِ فِي الْحَالِ وَجَبَ أَنْ لَا يَثْبُتَ الْأَجَلُ عِنْدَ دَعْوَاهُ الْكَفِيلَ،؛ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ بَطَلَتْ الْكَفَالَةُ، وَفِيهِ مِنْ التَّنَاقُضِ مَا لَا يَخْفَى.

ثُمَّ ادَّعَى حَقًّا لِنَفْسِهِ وَهُوَ تَأْخِيرُ الْمُطَالَبَةِ إلَى أَجَلٍ وَفِي الْكَفَالَةِ مَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحِ، وَإِنَّمَا أَقَرَّ بِمُجَرَّدِ الْمُطَالَبَةِ بَعْدَ الشَّهْرِ، وَلِأَنَّ الْأَجَلَ فِي الدُّيُونِ عَارِضٌ حَتَّى لَا يَثْبُتَ إلَّا بِشَرْطٍ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ أَنْكَرَ الشَّرْطَ كَمَا فِي الْخِيَارِ، أَمَّا الْأَجَلُ فِي الْكَفَالَةِ فَنَوْعٌ مِنْهَا حَتَّى يَثْبُتَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ بِأَنْ كَانَ مُؤَجَّلًا عَلَى الْأَصِيلِ، وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَلْحَقَ الثَّانِيَ بِالْأَوَّلِ، وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا يُرْوَى عَنْهُ أَلْحَقَ الْأَوَّلَ بِالثَّانِي وَالْفَرْقُ قَدْ أَوْضَحْنَاهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ الْفَرْقَ الْأَوَّلَ إقْنَاعِيًّا جَدَلِيًّا لِدَفْعِ الْخَصْمِ فِي الْمَجْلِسِ، وَذَكَرَ الثَّانِي لِمَنْ لَهُ زِيَادَةُ اسْتِبْصَارٍ فِي الِاسْتِقْصَاءِ عَلَى مَا يُذْكَرُ، وَأَنَّ الْكَفَالَةَ الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا فِي الْحَالِ أَوْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَالثَّانِي مَوْجُودٌ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَلَا مُنَاقَضَةَ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْأَجَلَ فِي الدُّيُونِ عَارِضٌ) هُوَ الْفَرْقُ الثَّانِي، وَمَعْنَاهُ عَلَى أَنَّ مَا لَا يَثْبُتُ بِشَيْءٍ إلَّا بِشَرْطٍ كَانَ مِنْ عَوَارِضِهِ، وَمَا يَثْبُتُ لَهُ بِدُونِهِ كَانَ ذَاتِيًّا لَهُ وَهُوَ حَسَنٌ؛ لِأَنَّا لَوْ قَطَعْنَا النَّظَرَ عَنْ وُجُودِ الشَّرْطِ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ ذَلِكَ فَكَانَ عَارِضًا، وَالْأَجَلُ فِي الدُّيُونِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ الْبِيَاعَاتِ وَالْمُهُورِ وَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ حَالَّةٌ لَا يَثْبُتُ الْأَجَلُ فِيهَا إلَّا بِالشَّرْطِ وَفِي الْكَفَالَةِ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ مُؤَجَّلًا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا عَلَى الْأَصِيلِ فَكَانَ الْأَجَلُ ذَاتِيًّا لِبَعْضِ الْكَفَالَةِ مُنَوَّعًا لَهُ كَالنَّاطِقِ الْمُنَوَّعِ لِبَعْضِ الْحَيَوَانِ. وَهَذَا أَقْصَى مَا يُتَصَوَّرُ فِي الْفِقْهِ مِنْ الدِّقَّةِ فِي إظْهَارِ الْمَأْخَذِ وَإِذَا كَانَ الْأَجَلُ فِي الدُّيُونِ عَارِضًا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَرْطٍ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ أَنْكَرَهُ مَعَ الْيَمِينِ كَمَا فِي شَرْطِ الْخِيَارِ، وَإِذَا كَانَ فِي الْكَفَالَةِ ذَاتِيًّا كَانَ إقْرَارُهُ بِنَوْعٍ مِنْهَا فَلَا يُحْكَمُ بِغَيْرِهِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ. وَوَقَعَ فِي الْمَتْنِ وَالشَّافِعِيُّ أَلْحَقَ الثَّانِيَ بِالْأَوَّلِ، وَأَبُو يُوسُفَ فِيمَا يُرْوَى عَنْهُ أَلْحَقَ الْأَوَّلَ بِالثَّانِي، وَالْعَكْسُ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِمَا. فَمِنْ الشَّارِحِينَ

قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَكَفَلَ لَهُ رَجُلٌ بِالدَّرَكِ فَاسْتَحَقَّتْ لَمْ يَأْخُذْ الْكَفِيلَ حَتَّى يُقْضَى لَهُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ) لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِحْقَاقِ لَا يَنْتَقِضُ الْبَيْعُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَا لَمْ يُقْضَ لَهُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ فَلَمْ يَجِبْ لَهُ عَلَى الْأَصِيلِ رَدُّ الثَّمَنِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ، بِخِلَافِ الْقَضَاءِ بِالْحُرِّيَّةِ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ بِهَا لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ فَيَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ وَالْكَفِيلِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِالِاسْتِحْقَاقِ، فَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ يَرْجِعُ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِحْقَاقِ وَمَوْضِعُهُ أَوَائِلُ الزِّيَادَاتُ فِي تَرْتِيبِ الْأَصْلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنْ حَمَلَهُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْغَلَطِ مِنْ النَّاسِخِ وَلَعَلَّهُ أَظْهَرُ (قَوْلُهُ: وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَكَفَلَ لَهُ رَجُلٌ بِالدَّرَكِ إلَخْ) وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَكَفَلَ لَهُ رَجُلٌ بِالدَّرَكِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ فَاسْتُحِقَّتْ الْجَارِيَةُ لَمْ يَأْخُذْ الْمُشْتَرِي الْكَفِيلَ بِالثَّمَنِ حَتَّى يَقْضِيَ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ بِرَدِّ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ الْإِجَازَةِ مِنْ الْمُسْتَحِقِّ ثَابِتٌ وَثُبُوتُهُ يَمْنَعُ أَنْ يَأْخُذَ الْكَفِيلُ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِثُبُوتِ الِاسْتِحْقَاقِ لِلْمُسْتَحِقِّ لَا يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَا لَمْ يُقْضَ لَهُ بِرَدِّ الثَّمَنِ عَلَيْهِ، فَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ بَائِعُ الْجَارِيَةِ بَعْدَ حُكْمِ الْقَاضِي لِلْمُسْتَحِقِّ نَفَذَ إعْتَاقُهُ

(وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَضَمِنَ لَهُ رَجُلٌ بِالْعُهْدَةِ فَالضَّمَانُ بَاطِلٌ) لِأَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ مُشْتَبِهَةٌ قَدْ تَقَعُ عَلَى الصَّكِّ الْقَدِيمِ وَهُوَ مِلْكُ الْبَائِعِ فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ، وَقَدْ تَقَعُ عَلَى الْعَقْدِ وَعَلَى حُقُوقِهِ وَعَلَى الدَّرَكِ وَعَلَى الْخِيَارِ، وَلِكُلِّ ذَلِكَ وَجْهٌ فَتَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِهَا، بِخِلَافِ الدَّرَكِ لِأَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي ضَمَانِ الِاسْتِحْقَاقِ عُرْفًا، وَلَوْ ضَمِنَ الْخَلَاصَ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ تَخْلِيصِ الْمَبِيعِ وَتَسْلِيمِهِ لَا مَحَالَةَ وَهُوَ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَيْهِ، وَعِنْدَهُمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّرَكِ وَهُوَ تَسْلِيمُ الْبَيْعِ أَوْ قِيمَتِهِ فَصَحَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِذَا لَمْ يُنْتَقَضْ لَمْ يَجِبْ الثَّمَنُ عَلَى الْأَصِيلِ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَى الْأَصِيلِ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْكَفِيلِ، وَإِنَّمَا قَالَ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ احْتِرَازًا عَمَّا قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْكَفِيلُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ قَدْ تَوَجَّهَ عَلَى الْبَائِعِ وَوَجَبَ لِلْمُشْتَرِي مُطَالَبَتُهُ، فَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ. فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا قَضَى الْحَاكِمُ بِالْحُرِّيَّةِ فَبِمُجَرَّدِ الْقَضَاءِ بِهَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي حَقُّ الرُّجُوعِ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الِاسْتِحْقَاقِ؟ وَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ بِالْحُرِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ بِهَا لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ وَكَفِيلِهِ إنْ شَاءَ وَمَوْضِعُهُ أَوَائِلُ الزِّيَادَاتِ فِي تَرْتِيبِ الْأَصْلِ، أَرَادَ بِتَرْتِيبِ الْأَصْلِ تَرْتِيبَ مُحَمَّدٍ، فَإِنَّهُ افْتَتَحَ كِتَابَ الزِّيَادَاتِ بِبَابِ الْمَأْذُونِ مُخَالِفًا لِتَرْتِيبِ سَائِرِ الْكُتُبِ تَبَرُّكًا بِمَا أَمْلَى بِهِ أَبُو يُوسُفَ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا أَخَذَ مَا أَمْلَى وَبَيَّنَ أَبُو يُوسُفَ بَابًا بَابًا وَجَعَلَهُ أَصْلًا، وَزَادَ عَلَيْهِ مِنْ عِنْدِهِ مَا يُتِمُّ بِهِ تِلْكَ الْأَبْوَابَ فَكَانَ أَصْلُ الْكِتَابِ مِنْ تَصْنِيفِ أَبِي يُوسُفَ وَزِيَادَاتُهُ مِنْ تَصْنِيفِ مُحَمَّدٍ وَلِذَلِكَ سَمَّاهُ كِتَابَ الزِّيَادَاتِ، وَكَانَ ابْتِدَاءُ إمْلَاءِ أَبِي يُوسُفَ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْ بَابِ الْمَأْذُونِ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ مُحَمَّدٌ تَبَرُّكًا بِهِ، ثُمَّ رَتَّبَهَا الزَّعْفَرَانِيُّ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ الَّذِي هِيَ عَلَيْهِ الْيَوْمَ. (وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَضَمِنَ لَهُ رَجُلٌ بِالْعُهْدَةِ فَالضَّمَانُ بَاطِلٌ) ذَكَرَ هَاهُنَا ثَلَاثَ مَسَائِلَ: الْأُولَى ضَمَانُ الْعُهْدَةِ وَقَالَ إنَّهُ بَاطِلٌ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا. وَالثَّانِيَةُ ضَمَانُ الدَّرَكِ وَهُوَ صَحِيحٌ بِالِاتِّفَاقِ. وَالثَّالِثَةُ ضَمَانُ الْخَلَاصِ. وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَأَمَّا بُطْلَانُ الْأُولَى فَلِأَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ مُشْتَبِهَةٌ لِاشْتِرَاكٍ وَقَعَ فِي اسْتِعْمَالِهَا فَإِنَّهَا تَقَعُ عَلَى الصَّكِّ الْقَدِيمِ الَّذِي عِنْدَ الْبَائِعِ وَهُوَ مِلْكُ الْبَائِعِ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ، وَمَا لَيْسَ بِمَضْمُونٍ عَلَى الْأَصِيلِ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ وَقَدْ تَقَعُ عَلَى الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْعَهْدِ، وَالْعَهْدُ وَالْعَقْدُ وَاحِدٌ، وَقَدْ تَقَعُ عَلَى حُقُوقِ الْعَقْدِ

[باب كفالة الرجلين]

(بَابُ كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ) (وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَى اثْنَيْنِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ كَمَا إذَا اشْتَرَيَا عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَكَفَلَ كُلُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQ؛ لِأَنَّهَا مِنْ ثَمَرَاتِ الْعَقْدِ، وَقَدْ تَقَعُ عَلَى الدَّرَكِ وَهُوَ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ، وَعَلَى خِيَارِ الشَّرْطِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «عُهْدَةُ الرَّقِيقِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ» أَيْ خِيَارُ الشَّرْطِ فِيهِ، وَلِكُلِّ ذَلِكَ وَجْهٌ يَجُوزُ الْحَمْلُ بِهِ عَلَيْهِ فَصَارَ مُبْهَمًا تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِهِ. وَأَمَّا جَوَازُ الثَّانِي: أَيْ ضَمَانُ الدَّرَكِ فَإِنَّ الْعُرْفَ فِيهِ اسْتِعْمَالُهُ فِي ضَمَانِ الِاسْتِحْقَاقِ فَصَارَ مُبَيِّنًا لَهُ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَخْلِيصِ الْمَبِيعِ وَتَسْلِيمِهِ لَا مَحَالَةَ: أَيْ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَتَقْدِيرٍ وَهُوَ الْتِزَامُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ ظَهَرَ مُسْتَحِقًّا فَرُبَّمَا لَا يُسَاعِدُهُ الْمُسْتَحِقُّ، أَوْ حُرًّا فَلَا يَقْدِرُ مُطْلَقًا، وَالْتِزَامُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ بَاطِلٌ، وَهُمَا جَعَلَاهُ بِمَنْزِلَةِ الدَّرَكِ تَصْحِيحًا لِلضَّمَانِ وَهُوَ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ أَوْ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ إنْ عَجَزَ عَنْهُ وَضَمَانُ الدَّرَكِ صَحِيحٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ فَرَاغَ الذِّمَّةِ أَصْلٌ فَلَا تَشْتَغِلُ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ، ذَكَرَ أَبُو زَيْدٍ فِي شُرُوطِهِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَبَا يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ كَانَا يَكْتُبَانِ فِي الشُّرُوطِ: فَمَا أَدْرَكَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ فَعَلَى فُلَانٍ خَلَاصُهُ أَوْ رَدُّ الثَّمَنِ، فَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ بُطْلَانَ الضَّمَانِ إنَّمَا كَانَ بِالْخَلَاصِ مُنْفَرِدًا، أَمَّا إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ رَدُّ الثَّمَنِ فَهُوَ جَائِزٌ. قِيلَ وَعَلَى هَذَا فَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إنَّمَا هُوَ الثَّمَنُ لَا الْقِيمَةُ، وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الثَّمَنُ مَجَازًا شُهْرَةُ أَمْرِهِ مُتَعَذِّرَةٌ وَبَلَاغَةُ التَّرْكِيبِ بِاسْتِعْمَالِ الْمَجَازِ فِيمَا لَا يَلْتَبِسُ فَضِيلَةً، هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ أَنَّ تَفْسِيرَ الْخَلَاصِ وَالدَّرَكِ وَالْعُهْدَةِ وَاحِدَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَهُوَ تَفْسِيرُ الدَّرَكِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْعُهْدَةِ أَيْضًا ثَابِتٌ. وَذَكَرَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ: وَأَمَّا ضَمَانُ الْعُهْدَةِ فَقَدْ ذَكَرَ هُنَا: أَيْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ بَاطِلٌ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا. وَذَكَرَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ضَمَانُ الْعُهْدَةِ ضَمَانُ الدَّرَكِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَكَأَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَكَرَ بُطْلَانَهُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [بَابُ كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ كَفَالَةِ الْوَاحِدِ ذَكَرَ كَفَالَةَ الِاثْنَيْنِ لِمَا أَنَّ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ الْوَاحِدِ طَبْعًا فَأُخِّرَ وَضْعًا لِيُنَاسِبَ الْوَضْعُ الطَّبْعَ. قَالَ (وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَى اثْنَيْنِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ إلَخْ) إذَا اشْتَرَى الرَّجُلَانِ عَبْدًا بِأَلْفٍ

وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ فَمَا أَدَّى أَحَدُهُمَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَى شَرِيكِهِ حَتَّى يَزِيدَ مَا يُؤَدِّيهِ عَلَى النِّصْفِ فَيَرْجِعَ بِالزِّيَادَةِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي النِّصْفِ أَصِيلٌ وَفِي النِّصْفِ الْآخَرِ كَفِيلٌ، وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ مَا عَلَيْهِ بِحَقِّ الْأَصَالَةِ وَبِحَقِّ الْكَفَالَةِ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ دَيْنٌ وَالثَّانِيَ مُطَالَبَةٌ، ثُمَّ هُوَ تَابِعٌ لِلْأَوَّلِ فَيَقَعُ عَنْ الْأَوَّلِ، وَفِي الزِّيَادَةِ لَا مُعَارَضَةَ فَيَقَعُ عَنْ الْكَفَالَةِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي النِّصْفِ عَنْ صَاحِبِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَرْجِعَ لِأَنَّ أَدَاءَ نَائِبِهِ كَأَدَائِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالثَّمَنُ دَيْنٌ عَلَيْهِمَا لَا مَحَالَةَ، فَإِنْ كَفَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ فَمَا أَدَّى أَحَدُهُمَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَى شَرِيكِهِ حَتَّى يَزِيدَ الْمُؤَدَّى عَلَى النِّصْفِ فَيَرْجِعُ بِالزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ فِي النِّصْفِ أَصِيلٌ وَفِي النِّصْفِ الْآخَرِ كَفِيلٌ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ فِي النِّصْفِ أَصِيلًا وَفِي النِّصْفِ الْآخَرِ كَفِيلًا فَمَا أَدَّى إلَى تَمَامِ النِّصْفِ كَانَ عَمَّا عَلَيْهِ بِحَقِّ الْأَصَالَةِ صَرْفًا إلَى أَقْوَى مَا عَلَيْهِ؛ كَمَا لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا وَعَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا فَنَقَدَ فِي الْمَجْلِسِ عَشَرَةً جَعَلَ الْمَنْقُودَ ثَمَنَ الصَّرْفِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِهِ أَقْوَى لِحَاجَتِهِ إلَى الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ، وَمَا عَلَيْهِ بِحَقِّ الْأَصَالَةِ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ، وَمَا عَلَيْهِ بِحَقِّ الْكَفَالَةِ مُطَالَبَةٌ لَا دَيْنٌ، وَهِيَ تَابِعَةٌ لِلدَّيْنِ لِابْتِنَائِهَا عَلَى الدَّيْنِ، فَإِنَّ الْمُطَالَبَةَ بِالدَّيْنِ بِدُونِ الدَّيْنِ غَيْرُ مُتَصَوَّرَةٍ فَلَا يُعَارِضُهُ، بَلْ يَتَرَجَّحُ الدَّيْنُ عَلَيْهَا وَيَنْصَرِفُ الْمَصْرُوفُ إلَيْهِ إلَى تَمَامِ النِّصْفِ، وَفِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ لَا مُعَارَضَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهَا بِحَقِّ الْأَصَالَةِ شَيْءٌ فَانْتَفَى الْمُعَارَضَةُ بِانْتِفَاءِ أَحَدِ الْمُتَعَارِضَيْنِ، وَفِي النِّصْفِ كَانَ انْتِفَاؤُهَا لِكَوْنِ أَحَدِهِمَا رَاجِحًا لَا لِانْتِفَائِهِ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ) دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى ذَلِكَ أَوْرَدَهُ بِقِيَاسِ الْخُلْفِ، فَإِنَّهُ جَعَلَ نَقِيضَ الْمُدَّعَى وَهُوَ الرُّجُوعُ عَلَى صَاحِبِهِ مُسْتَلْزِمًا لِمُحَالٍ وَهُوَ رُجُوعُ صَاحِبِهِ عَلَيْهِ الْمُسْتَلْزِمُ لِلدَّوْرِ فَإِنَّهُ قَالَ: لَوْ وَقَعَ فِي النِّصْفِ عَنْ صَاحِبِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ، لَكِنْ لَيْسَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ فَلَمْ يَقَعْ فِي النِّصْفِ عَنْ صَاحِبِهِ لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّ أَدَاءَ نَائِبِهِ كَأَدَائِهِ) بَيَانٌ لِلْمُلَازَمَةِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ صَاحِبَ الْمُؤَدَّى

فَيُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ (وَإِذَا كَفَلَ رَجُلَانِ عَنْ رَجُلٍ بِمَالٍ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ فَكُلُّ شَيْءٍ أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا رَجَعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِهِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا) وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ فِي الصَّحِيحِ أَنْ تَكُونَ الْكَفَالَةُ بِالْكُلِّ عَنْ الْأَصِيلِ وَبِالْكُلِّ عَنْ الشَّرِيكِ وَالْمُطَالَبَةُ مُتَعَدِّدَةٌ فَتَجْتَمِعُ الْكَفَالَتَانِ عَلَى مَا مَرَّ وَمُوجِبُهَا الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ عَنْ الْكَفِيلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقُولُ لَهُ أَنْتَ أَدَّيْته عَنِّي بِأَمْرِي فَيَكُونُ ذَلِكَ كَأَدَائِي، وَلَوْ أَدَّيْت بِنَفْسِي كَانَ لِي أَنْ أَجْعَلَ الْمُؤَدَّى عَنْك، فَإِنْ رَجَعَتْ عَلَيَّ وَأَنَا كَفِيلٌ عَنْك فَأَنَا أَجْعَلُهُ عَنْك فَأَرْجِعُ عَلَيْك؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الَّذِي أَدَّيْته عَنِّي فَهُوَ أَدَائِي فِي التَّقْدِيرِ، فَلَوْ أَدَّيْت حَقِيقَةً رَجَعْت عَلَيْك فَفِي تَقْرِيرِ أَدَائِي كَذَلِكَ، وَالشَّرِيكُ الْآخَرُ يَقُولُ مِثْلَ مَا قَالَ فَأَدَّى إلَى الدَّوْرِ وَلَمْ يَكُنْ فِي الرُّجُوعِ فَائِدَةٌ فَجَعَلْنَا الْمُؤَدَّى عَنْ نَصِيبِهِ خَاصَّةً إلَى تَمَامِ النِّصْفِ لِيَنْقَطِعَ الدَّوْرُ، بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ عَلَى النِّصْفِ، فَإِنَّهُ لَوْ رَجَعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ، إذْ لَيْسَ عَلَى الشَّرِيكِ بِحُكْمِ الْأَصَالَةِ إلَّا النِّصْفُ فَيُقَيَّدُ الرُّجُوعُ. (وَإِذَا كَفَلَ رَجُلَانِ عَنْ رَجُلٍ بِمَالٍ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ) بِكُلِّ الْمَالِ وَعَنْ الْأَصِيلِ كَذَلِكَ، فَاجْتَمَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْكَفِيلَيْنِ كَفَالَتَانِ كَفَالَةٌ عَنْ الْأَصِيلِ وَكَفَالَةٌ عَنْ الْكَفِيلِ وَتَعَدَّدَتْ الْمُطَالَبَةُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُطَالَبَةٌ لَهُ عَلَى الْأَصِيلِ وَأُخْرَى عَلَى الْكَفِيلِ فَصَحَّ الْكَفَالَةُ عَنْ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْكَفَالَةِ الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ وَعَلَى الْكَفِيلِ مُطَالَبَتُهُ فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ عَنْ الْكَفِيلِ كَمَا تَصِحُّ عَنْ الْأَصِيلِ، وَكَمَا تَصِحُّ حَوَالَةُ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ بِمَا الْتَزَمَ عَلَى آخَرَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ فِي الصَّحِيحِ (وَكُلُّ شَيْءٍ أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا رَجَعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِهِ قَلِيلًا كَانَ الْمُؤَدَّى أَوْ كَثِيرًا) ؛ لِأَنَّ مَا أَدَّى أَحَدُهُمَا وَقَعَ شَائِعًا عَنْهُمَا إذْ الْكُلُّ كَفَالَةٌ فَلَا تَرْجِيحَ

كَمَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ عَنْ الْأَصِيلِ وَكَمَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ. وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَمَا أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا وَقَعَ شَائِعًا عَنْهُمَا إذْ الْكُلُّ كَفَالَةٌ فَلَا تَرْجِيحَ لِلْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِهِ وَلَا يُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ لِأَنَّ قَضِيَّتَهُ الِاسْتِوَاءُ، وَقَدْ حَصَلَ بِرُجُوعِ أَحَدِهِمَا بِنِصْفِ مَا أَدَّى فَلَا يَنْتَقِضُ بِرُجُوعِ الْآخَرِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَلَى الْأَصِيلِ لِأَنَّهُمَا أَدَّيَا عَنْهُ أَحَدُهُمَا بِنَفْسِهِ وَالْآخَرُ بِنَائِبِهِ (وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ بِالْجَمِيعِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ) لِأَنَّهُ كَفَلَ بِجَمِيعِ الْمَالِ عَنْهُ بِأَمْرِهِ. قَالَ (وَإِذَا أَبْرَأَ رَبُّ الْمَالِ أَحَدَهُمَا أَخَذَ الْآخَرَ بِالْجَمِيعِ لِأَنَّ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ لَا يُوجِبُ) بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ فَبَقِيَ الْمَالُ كُلُّهُ عَلَى الْأَصِيلِ وَالْآخَرُ كَفِيلٌ عَنْهُ بِكُلِّهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَلِهَذَا يَأْخُذُهُ بِهِ. قَالَ (وَإِذَا افْتَرَقَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ الْأَصَالَةَ فِي النِّصْفِ رَاجِحَةٌ بَعْدَ صُورَةِ الْمُعَارَضَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْكَفَالَةِ، وَإِذَا وَقَعَ شَائِعًا رَجَعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِهِ وَلَا يُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ؛ لِأَنَّ قَضِيَّتَهُ الِاسْتِوَاءُ وَقَدْ حَصَلَ بِرُجُوعِ أَحَدِهِمَا بِنِصْفِ مَا أَدَّى فَلَا يُنْتَقَضُ بِرُجُوعِ الْآخَرِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَلْتَزِمْ جَمِيعَ الْمَالِ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ، بَلْ الْتَزَمَ نِصْفَ الْمَالِ بِشِرَائِهِ بِنَفْسِهِ وَنِصْفَهُ بِكَفَالَتِهِ عَنْ شَرِيكِهِ، وَجَعَلَ الْمُؤَدَّى عَنْ الْكَفَالَةِ يُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا قَالَ فِي الصَّحِيحِ لِيَتَأَتَّى الْفُرُوعُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ (ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَلَى الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّهُمَا أَدَّيَا عَنْهُ أَحَدُهُمَا بِنَفْسِهِ وَالْآخَرُ بِنَائِبِهِ) وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كُلٌّ مِنْهُمَا كَفِيلًا عَنْ الْأَصِيلِ كَانَ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ لِمَنْ كَفَلَ عَنْهُ لَا لَهُمَا. وَقَالَ (وَإِنْ شَاءَ) يَعْنِي مَنْ أَدَّى مِنْهُمَا شَيْئًا (رَجَعَ بِالْجَمِيعِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ كَفَلَ عَنْهُ بِجَمِيعِ الْمَالِ بِأَمْرِهِ) وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَفِيلًا عَنْ الْكَفِيلِ فَقَطْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رُجُوعٌ عَلَى الْأَصِيلِ. وَقَالَ (وَإِذَا أَبْرَأَ رَبُّ الْمَالِ أَحَدَهُمَا أَخَذَ الْآخَرَ بِالْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ لَا يُوجِبُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ، فَبَقِيَ الْمَالُ كُلُّهُ عَلَى الْأَصِيلِ وَالْآخَرُ كَفِيلٌ عَنْهُ بِكُلِّهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) مِنْ قَوْلِهِ أَنْ تَكُونَ الْكَفَالَةُ بِالْكُلِّ عَنْ الْأَصِيلِ وَلِهَذَا نَأْخُذُهُ بِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. قَالَ (وَإِذَا افْتَرَقَ

الْمُتَفَاوِضَانِ فَلِأَصْحَابِ الدُّيُونِ أَنْ يَأْخُذُوا أَيَّهمَا شَاءُوا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الشَّرِكَةِ (وَلَا يَرْجِعُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ) لِمَا مَرَّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِي كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ. قَالَ (وَإِذَا كُوتِبَ الْعَبْدَانِ كِتَابَةً وَاحِدَةً وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ فَكُلُّ شَيْءٍ أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِهِ) وَوَجْهُهُ أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا، وَطَرِيقُهُ أَنْ يُجْعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصِيلًا فِي حَقِّ وُجُوبِ الْأَلْفِ عَلَيْهِ فَيَكُونُ عِتْقُهُمَا مُعَلَّقًا بِأَدَائِهِ وَيُجْعَلَ كَفِيلًا بِالْأَلْفِ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ، وَسَنَذْكُرُهُ فِي الْمُكَاتَبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَمَا أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا رَجَعَ بِنِصْفِهِ عَلَى صَاحِبِهِ لِاسْتِوَائِهِمَا، وَلَوْ رَجَعَ بِالْكُلِّ لَا تَتَحَقَّقُ الْمُسَاوَاةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُتَفَاوِضَانِ فَلِأَصْحَابِ الدُّيُونِ أَنْ يَأْخُذُوا أَيَّهمَا شَاءُوا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ إلَخْ) إذَا افْتَرَقَ الْمُتَفَاوِضَانِ وَعَلَيْهِمَا دَيْنٌ فَلِأَصْحَابِهِ أَنْ يَأْخُذُوا أَيَّهمَا شَاءُوا بِجَمِيعِ ذَلِكَ، فَإِنْ أَدَّى أَحَدُهُمَا شَيْئًا لَمْ يَرْجِعْ عَلَى شَرِيكِهِ بِشَيْءٍ حَتَّى يَزِيدَ الْمُؤَدَّى عَلَى النِّصْفِ فَيَرْجِعُ بِالزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ عَلَى الْكَفَالَةِ بِمَا كَانَ مِنْ ضَمَانِ التِّجَارَةِ، وَحِينَئِذٍ كَانَ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يُطَالِبُوا أَيَّهمَا شَاءُوا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ تَثْبُتُ بِعَقْدِ الْمُفَاوَضَةِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ فَلَا تَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ، فَإِذَا طَلَبُوا أَحَدَهُمَا وَأَخَذُوا الدَّيْنَ مِنْهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ لِمَا مَرَّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِي كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ. قَالَ (وَإِذَا كُوتِبَ الْعَبْدَانِ كِتَابَةً وَاحِدَةً إلَخْ) وَإِذَا كُوتِبَ الْعَبْدَانِ كِتَابَةً وَاحِدَةً بِأَنْ قَالَ الْمَوْلَى كَاتَبْتُكُمَا عَلَى أَلْفٍ (إلَى كَذَا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ) صَحَّ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِيهِ كَفَالَةُ الْمُكَاتَبِ، وَالْكَفَالَةُ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ بَاطِلٌ، فَعِنْدَ الِاجْتِمَاعِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ بَاطِلًا. أَمَّا بُطْلَانُ كَفَالَةِ الْمُكَاتَبِ فَلِأَنَّ الْكَفَالَةَ تَبَرُّعٌ، وَالْمُكَاتَبُ لَا يَمْلِكُهُ، وَأَمَّا بُطْلَانُ الْكَفَالَةِ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ فَلِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهَا تَقْتَضِي دَيْنًا

قَالَ (وَلَوْ لَمْ يُؤَدِّيَا شَيْئًا حَتَّى أَعْتَقَ الْمَوْلَى أَحَدَهُمَا جَازَ الْعِتْقُ) لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ وَبَرِئَ عَنْ النِّصْفِ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِالْتِزَامِ الْمَالِ إلَّا لِيَكُونَ الْمَالُ وَسِيلَةً إلَى الْعِتْقِ وَمَا بَقِيَ وَسِيلَةً فَيَسْقُطُ وَيَبْقَى النِّصْفُ عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِي الْحَقِيقَةِ مُقَابَلٌ بِرَقَبَتِهِمَا. وَإِنَّمَا جُعِلَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا احْتِيَالًا لِتَصْحِيحِ الضَّمَانِ، وَإِذَا جَاءَ الْعِتْقُ اسْتَغْنَى عَنْهُ فَاعْتُبِرَ مُقَابَلًا بِرَقَبَتِهِمَا فَلِهَذَا يَتَنَصَّفُ، وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ بِحِصَّةِ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ أَيَّهمَا شَاءَ الْمُعْتَقَ بِالْكَفَالَةِ وَصَاحِبَهُ بِالْأَصَالَةِ، وَإِنْ أَخَذَ الَّذِي أَعْتَقَ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِمَا يُؤَدِّي لِأَنَّهُ مُؤَدٍّ عَنْهُ بِأَمْرِهِ، وَإِنْ أَخَذَ الْآخَرُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُعْتَقِ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ أَدَّى عَنْ نَفْسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQصَحِيحًا وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ لَيْسَ كَذَلِكَ. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنْ يُجْعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَصِيلًا فِي حَقِّ وُجُوبِ الْأَلْفِ عَلَيْهِ وَيَكُونَ عِتْقُهُمَا مُعَلَّقًا بِأَدَائِهِ: أَيْ بِأَدَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَأَنَّهُ قَالَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْ أَدَّيْت الْأَلْفَ فَأَنْتَ حُرٌّ، وَهَذَا وَأَنْ يَجْعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلًا بِأَلْفٍ عَنْ صَاحِبِهِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي الْمُكَاتَبِ، وَهَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا كَانَتْ الْكِتَابَةُ وَاحِدَةً وَلِهَذَا قَيَّدَ بِهَا، وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَتْ الْكِتَابَتَانِ فَإِنَّ عِتْقَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَعَلَّقَ بِمَالٍ عَلَى حِدَةٍ فَتَعَذَّرَ تَصْحِيحُهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ، وَإِذَا عُرِفَ ذَلِكَ عُرِفَ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي الْوُجُوبِ عَلَيْهِمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْعِلَّةِ: أَعْنِي الْكَفَالَةَ فَكَانَ كُلُّ الْبَدَلِ مَضْمُونًا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلِهَذَا لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَا لَمْ يُؤَدِّ جَمِيعَ الْبَدَلِ، فَمَا أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا رَجَعَ بِنِصْفِهِ عَلَى صَاحِبِهِ لِاسْتِوَائِهِمَا، وَلَوْ رَجَعَ بِالْكُلِّ أَوْ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ لَانْتَفَتْ الْمُسَاوَاةُ، وَلَوْ لَمْ تُؤَدِّيَا شَيْئًا حَتَّى أَعْتَقَ الْمَوْلَى أَحَدَهُمَا صَحَّ الْعِتْقُ لِمُصَادَفَةِ الْعِتْقِ مِلْكَهُ وَبَرِئَ الْمُعْتَقُ عَنْ النِّصْفِ؛ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِالْمَالِ إلَّا لِيَكُونَ وَسِيلَةً إلَى الْعِتْقِ وَلَمْ يَبْقَ وَسِيلَةً فَيَسْقُطُ النِّصْفُ وَيَبْقَى النِّصْفُ عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِي الْحَقِيقَةِ مُقَابَلٌ بِرَقَبَتِهِمَا حَتَّى يَكُونَ مُوَزَّعًا مُنْقَسِمًا عَلَيْهِمَا، وَإِنَّمَا جُعِلَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا احْتِيَالًا لِتَصْحِيحِ الضَّمَانِ فَكَانَ ضَرُورِيًّا لَا يَتَعَدَّى غَيْرَ مَوْضِعِهَا. وَإِذَا أُعْتِقَ اسْتَغْنَى عَنْهُ وَانْتَفَى الضَّرُورَةُ فَاعْتُبِرَ مُقَابِلًا بِرَقَبَتِهِمَا وَلِهَذَا يَتَنَصَّفُ. وَعُورِضَ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُقَابَلًا بِهِمَا كَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْضُهُ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَصِحَّ الرُّجُوعُ مَا لَمْ يَزِدْ الْمُؤَدَّى عَلَى النِّصْفِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الدَّوْرُ كَمَا مَرَّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الرُّجُوعَ بِنِصْفِ مَا أَدَّى إنَّمَا هُوَ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى لَوْ وَقَعَ عَنْ الْمُؤَدِّي عَلَى الْخُصُوصِ بَرِئَ بِأَدَائِهِ عَنْ نَصِيبِهِ وَعَتَقَ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا أَدَّى مَا عَلَيْهِ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ عَتَقَ، وَالْمَوْلَى شَرَطَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُؤَدِّيَا جَمِيعًا وَيُعْتَقَا جَمِيعًا فَكَانَ فِي التَّخْصِيصِ إضْرَارٌ لِلْمَوْلَى بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فَأَوْقَعْنَا الْمُؤَدَّى عَنْهُمَا جَمِيعًا، وَإِذَا بَقِيَ النِّصْفُ عَلَى الْآخَرِ فَلِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ بِهِ أَيَّهمَا شَاءَ، وَأَمَّا الْمُعْتَقُ فَبِالْكَفَالَةِ، وَأَمَّا صَاحِبُهُ

[باب كفالة العبد]

(بَابُ كَفَالَةِ الْعَبْدِ وَعَنْهُ) (وَمَنْ ضَمِنَ عَنْ عَبْدٍ مَالًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْتِقَ وَلَمْ يُسَمِّ حَالًّا وَلَا غَيْرَهُ فَهُوَ حَالٌّ) لِأَنَّ الْمَالَ حَالٌّ عَلَيْهِ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَقَبُولِ الذِّمَّةِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ لِعُسْرَتِهِ، إذْ جَمِيعُ مَا فِي يَدِهِ مِلْكُ الْمَوْلَى وَلَمْ يَرْضَ بِتَعَلُّقِهِ بِهِ وَالْكَفِيلُ غَيْرُ مُعْسِرٍ، فَصَارَ كَمَا إذَا كَفَلَ عَنْ غَائِبٍ أَوْ مُفْلِسٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَبِالْأَصَالَةِ: قِيلَ أَخْذُ الْمُعْتَقِ بِالْكَفَالَةِ تَصْحِيحٌ لِلْكَفَالَةِ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَهِيَ بَاطِلَةٌ. وَأَجَابُوا بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَ مُطَالَبًا بِجَمِيعِ الْأَلْفِ وَالْبَاقِي بَعْضُ ذَلِكَ فَيَبْقَى عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ يَكُونُ عَلَى وَفْقِ الثُّبُوتِ، فَإِنْ أَخَذَ الَّذِي أَعْتَقَهُ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِمَا أَدَّى؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ عَنْهُ بِأَمْرِهِ، وَإِنْ أَخَذَ صَاحِبَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى عَنْ نَفْسِهِ [بَابُ كَفَالَةِ الْعَبْدِ] (بَابُ كَفَالَةِ الْعَبْدِ وَعَنْهُ) حَقُّ هَذَا الْبَابِ التَّأْخِيرُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْحُرِّ، إمَّا لِشَرَفِهِ وَإِمَّا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي بَنِي آدَمَ هُوَ الْحُرِّيَّةُ، وَوَضْعُ تَرْتِيبِهِ يَقْتَضِي تَقْدِيمَ كَفَالَةِ الْعَبْدِ فِي الْبَحْثِ، وَلَكِنْ اُعْتُبِرَ كَوْنُ الْوَاوِ لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ وَفِيهِ مَا فِيهِ. قَالَ (وَمَنْ ضَمِنَ عَنْ عَبْدٍ مَالًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَخْ) قَوْلُهُ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ صِفَةٌ لِمَالًا. وَجَوَابُ الْمَسْأَلَةِ قَوْلُهُ: فَهُوَ حَالٌّ وَعَدَلَ عَنْ عِبَارَةِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَهِيَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْعَبْدِ الَّذِي يَسْتَهْلِكُ الْمَالَ الَّذِي لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْتِقَ فَضَمِنَهُ رَجُلٌ وَلَمْ يُسَمَّ حَالًّا وَلَا غَيْرَ حَالٍّ إلَى عِبَارَتِهِ فِي الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ عِبَارَةَ مُحَمَّدٍ تَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلٍ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إذَا اسْتَهْلَكَ الْمَالَ عِيَانًا يُؤْخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ. قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: مُرَادُهُ إذَا أَقَرَّ بِالِاسْتِهْلَاكِ وَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مُرَادُهُ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ الْبَالِغُ إذَا أُودِعَ مَالًا فَاسْتَهْلَكَهُ فَإِنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ بَلْ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَأَمَّا عِبَارَتُهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَمَنْ ضَمِنَ عَنْ عَبْدٍ مَالًا لَا يَجِبُ

بِخِلَافِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ لِأَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ بِمُؤَخَّرٍ، ثُمَّ إذَا أَدَّى رَجَعَ عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَنَّ الطَّالِبَ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ، فَكَذَا الْكَفِيلُ لِقِيَامِهِ مَقَامِهِ. (وَمَنْ ادَّعَى عَلَى عَبْدٍ مَالًا وَكَفَلَ لَهُ رَجُلٌ بِنَفْسِهِ فَمَاتَ الْعَبْدُ بَرِئَ الْكَفِيلُ) لِبَرَاءَةِ الْأَصِيلِ كَمَا إذَا كَانَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ بِنَفْسِهِ حُرًّا. قَالَ (فَإِنْ ادَّعَى رَقَبَةَ الْعَبْدِ فَكَفَلَ بِهِ رَجُلٌ فَمَاتَ الْعَبْدُ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ ضَمِنَ الْكَفِيلُ قِيمَتَهُ) لِأَنَّ عَلَى الْمَوْلَى رَدَّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ حَتَّى يَعْتِقُ وَلَمْ يُسَمَّ حَالًّا وَلَا غَيْرَهُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ لِتَنَاوُلِهَا مَا إذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ بِاسْتِهْلَاكِهِ لِلْحَالِّ، وَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى أَوْ أَقْرَضَهُ إنْسَانٌ أَوْ بَاعَهُ وَهُوَ مَحْجُورٌ أَوْ وَطِئَ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى أَوْ أَوْدَعَهُ إنْسَانٌ فَاسْتَهْلَكَهُ فَإِنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ بِذَلِكَ كُلِّهِ لِلْحَالِ، أَمَّا صِحَّةُ الْكَفَالَةِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ فَلِأَنَّهُ كَفَلَ بِمَالٍ مَضْمُونٍ عَلَى الْأَصِيلِ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ لِلْكَفِيلِ فَتَصِحُّ كَمَا فِي سَائِرِ الدُّيُونِ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي ذِمَّةِ الْمَلِيءِ أَوْ الْمُفْلِسِ، وَأَمَّا كَوْنُهَا حَالًا فَلِأَنَّ الْمَالَ عَلَى الْعَبْدِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ حَالٌّ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَقَبُولِ الذِّمَّةِ، لَكِنْ لَا يُطَالَبُ لِوُجُودِ الْمَانِعِ عَنْ الْمُطَالَبَةِ وَهُوَ الْعُسْرَةُ، إذْ جَمِيعُ مَا فِي يَدِهِ مِلْكُ الْمَوْلَى وَلَمْ يَرْضَ بِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِمِلْكِهِ، وَهَذَا الْمَانِعُ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْسِرٍ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِالْمُقْتَضِي وَصَارَ كَالْكَفَالَةِ عَنْ غَائِبٍ تَصِحُّ، وَيُؤْخَذُ بِهِ الْكَفِيلُ حَالًّا وَإِنْ عَجَزَ الطَّالِبُ عَنْ مُطَالَبَةِ الْأَصِيلِ، وَكَالْكِفَالَةِ عَنْ مُفَلَّسٍ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ وَيُؤْخَذُ بِهِ الْكَفِيلُ فِي الْحَالِّ، وَإِنْ كَانَ فِي حَقِّ الْأَصِيلِ مُتَأَخِّرًا إلَى الْمَيْسَرَةِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْ الْعَبْدِ إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ فَلِمَ لَمْ يُجْعَلْ هَذَا بِمَنْزِلَةِ دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ حَتَّى لَا يُؤْخَذُ الْكَفِيلُ أَيْضًا إلَّا بَعْدَ الْأَجَلِ؟ . أَجَابَ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ؛ لِأَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ بِمُؤَخِّرٍ: يَعْنِي أَنَّ الدَّيْنَ ثَمَّةَ تَأَخَّرَ عَنْ الْأَصِيلِ بِمُؤَخِّرٍ: أَيْ بِأَمْرٍ يُوجِبُ التَّأْخِيرَ وَهُوَ التَّأْجِيلُ لَا بِمَانِعٍ يَمْنَعُ عَنْ الْمُطَالَبَةِ بَعْدَ وُجُوبِهِ حَالًّا، وَقَدْ الْتَزَمَ الْكَفِيلُ ذَلِكَ فَلَزِمَهُ مُؤَجَّلًا، ثُمَّ إذَا أَدَّى الْكَفِيلُ رَجَعَ عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ، فَكَذَا الْكَفِيلُ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ. قَالَ (وَمَنْ ادَّعَى عَلَى عَبْدٍ مَالًا إلَخْ) الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ لَا تَتَفَاوَتُ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْمَكْفُولُ بِنَفْسِهِ حُرًّا أَوْ عَبْدًا فَإِنَّهُ بِمَوْتِهِ يَبْرَأُ الْكَفِيلُ لِبَرَاءَةِ الْأَصِيلِ كَمَا لَوْ كَانَ حُرًّا، وَذَكَرَ هَذِهِ تَمْهِيدًا لِلَّتِي بَعْدَهَا وَلِبَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا. (فَإِنْ ادَّعَى رَقَبَةَ الْعَبْدِ عَلَى ذِي الْيَدِ فَكَفَلَ بِهِ رَجُلٌ فَمَاتَ الْعَبْدُ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْعَبْدَ كَانَ لَهُ ضَمِنَ الْكَفِيلُ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّ عَلَى الْمَوْلَى رَدَّ الرَّقَبَةِ

عَلَى وَجْهٍ يَخْلُفُهَا قِيمَتُهَا، وَقَدْ الْتَزَمَ الْكَفِيلُ ذَلِكَ وَبَعْدَ الْمَوْتِ تَبْقَى الْقِيمَةُ وَاجِبَةً عَلَى الْأَصِيلِ فَكَذَا عَلَى الْكَفِيلِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. قَالَ (وَإِذَا كَفَلَ الْعَبْدُ عَنْ مَوْلَاهُ بِأَمْرِهِ فَعَتَقَ فَأَدَّاهُ أَوْ كَانَ الْمَوْلَى كَفَلَ عَنْهُ فَأَدَّاهُ بَعْدَ الْعِتْقِ لَمْ يَرْجِعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ) وَقَالَ زُفَرُ: يَرْجِعُ، وَمَعْنَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ حَتَّى تَصِحَّ كَفَالَتُهُ بِالْمَالِ عَنْ الْمَوْلَى إذَا كَانَ بِأَمْرِهِ، أَمَّا كَفَالَتُهُ عَنْ الْعَبْدِ فَتَصِحُّ عَلَى كُلِّ حَالٍ. لَهُ أَنَّهُ تَحَقَّقَ الْمُوجِبُ لِلرُّجُوعِ وَهُوَ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ وَالْمَانِعُ وَهُوَ الرِّقُّ قَدْ زَالَ. وَلَنَا أَنَّهَا وَقَعَتْ غَيْرَ مُوجِبَةٍ لِلرُّجُوعِ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا وَكَذَا الْعَبْدُ عَلَى مَوْلَاهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى وَجْهٍ يُخْلِفُهَا الْقِيمَةَ) عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ رَدِّهَا، وَإِذَا وَجَبَ ضَمَانُ الْقِيمَةِ عَلَى الْأَصِيلِ وَجَبَ عَلَى الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْمُطَالَبَةَ بِمَا عَلَى الْأَصِيلِ، وَقَدْ انْتَقَلَ الضَّمَانُ فِي حَقِّ الْأَصِيلِ إلَى الْقِيمَةِ فَكَذَا فِي حَقِّ الْكَفِيلِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ: أَيْ الضَّمَانِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ مَا الْتَزَمَهُ وَهُوَ الْعَبْدُ قَدْ فَاتَ وَسَقَطَ عَنْ الْعَبْدِ تَسْلِيمُ نَفْسِهِ فَكَذَا عَنْ كَفِيلِهِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ لَهُ بِإِقْرَارِ ذِي الْيَدِ أَوْ بِنُكُولِهِ عَنْ الْيَمِينِ حَيْثُ تَقْضِي بِقِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَيِّتِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُ الْكَفِيلَ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ إلَّا إذَا أَقَرَّ الْكَفِيلُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْأَصِيلُ. قَالَ (وَإِذَا كَفَلَ الْعَبْدُ عَنْ مَوْلَاهُ بِأَمْرِهِ إلَخْ) إذَا كَفَلَ الْعَبْدُ عَنْ مَوْلَاهُ بِأَمْرِهِ فَالْحَالُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَمْ تَصِحَّ كَفَالَتُهُ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي صَحَّتْ

فَلَا تَنْقَلِبُ مُوجِبَةً أَبَدًا كَمَنْ كَفَلَ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَأَجَازَهُ. (وَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ حُرٌّ تَكَفَّلَ بِهِ أَوْ عَبْدٌ) لِأَنَّهُ دَيْنٌ ثَبَتَ مَعَ الْمُنَافِي ـــــــــــــــــــــــــــــQإنْ كَانَتْ بِأَمْرِهِ؛ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ لِمَوْلَاهُ فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَهَا بِالدَّيْنِ بِالرَّهْنِ وَالْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ، وَإِذَا كَفَلَ الْمَوْلَى عَنْ عَبْدِهِ فَهِيَ صَحِيحَةٌ سَوَاءٌ كَانَتْ بِالنَّفْسِ أَوْ الْمَالِ مَدْيُونًا كَانَ الْعَبْدُ أَوْ غَيْرَ مَدْيُونٍ، فَإِذَا صَحَّتْ الْكَفَالَةُ وَأَدَّى الْعَبْدُ مَا كَفَلَ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ أَوْ أَدَّى الْمَوْلَى ذَلِكَ بَعْدَ عِتْقِ عَبْدِهِ لَمْ يَرْجِعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ. وَقَالَ زُفَرُ: يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلرُّجُوعِ وَهُوَ الْكَفَالَةُ بِالْأَمْرِ تَحَقَّقَ وَالْمَانِعُ وَهُوَ الرِّقُّ قَدْ زَالَ وَقُلْنَا: هَذِهِ الْكَفَالَةُ قَدْ انْعَقَدَتْ غَيْرَ مُوجِبَةٍ لِلرُّجُوعِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى مَوْلَاهُ دَيْنًا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ، وَكَذَا الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا بِحَالٍ، وَكُلُّ كَفَالَةٍ تَنْعَقِدُ غَيْرَ مُوجِبَةٍ لِلرَّدِّ لَا تَنْقَلِبُ مُوجِبَةً أَبَدًا كَمَنْ كَفَلَ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَبَلَغَهُ فَأَجَازَ فَإِنَّ الْكَفِيلَ بَعْدَ الْأَدَاءِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْأَصِيلِ بِشَيْءٍ لِذَلِكَ. وَنُوقِضَ بِأَنَّ الرَّاهِنَ إذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمَرْهُونَ وَهُوَ مُعْسِرٌ وَسَعَى الْعَبْدُ فِي الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمَوْلَى مَعَ أَنَّ الْعَبْدَ هُنَاكَ لَا يَسْتَوْجِبُ دَيْنًا عَلَى مَوْلَاهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مُغَالَطَةً فَإِنَّ كَلَامَنَا فِي أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى مَوْلَاهُ دَيْنًا وَفِيمَا ذَكَرْت الْحُرُّ يَسْتَوْجِبُ دَيْنًا؛ لِأَنَّ اسْتِيجَابَ الدَّيْنِ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ الْعِتْقِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُطَالَبٍ بِهِ قَبْلَ الْعِتْقِ فَلَا يَكُونُ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ وَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ عَنْ الْمُكَاتَبِ بِمَالِ الْكِتَابَةِ تَكَفَّلَ بِهِ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ، وَإِنَّمَا قَالَ بِمَالٍ بِالْكِتَابَةِ دُونَ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لِيَتَنَاوَلَ الْبَدَلَ، وَكُلَّ دَيْنٍ يَكُونُ لِلْمَوْلَى عَلَيْهِ أَيْضًا غَيْرَ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، أَمَّا فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَلِأَنَّهُ دَيْنٌ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ لِثُبُوتِهِ مَعَ الْمُنَافِي وَهُوَ الرِّقُّ فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ إيجَابُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ لَكِنْ تُرِكَ الْقِيَاسُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] وَكُلُّ مَا ثَبَتَ مَعَ الْمُنَافِي كَانَ غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ: أَيْ ثَابِتًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ لِاقْتِضَائِهَا دَيْنًا مُسْتَقِرًّا؛ لِأَنَّهَا لِتَوْثِيقِ الْمُطَالَبَةِ، وَإِذَا كَانَ غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ

فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ عَجَّزَ نَفْسَهُ سَقَطَ، وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ، وَإِثْبَاتُهُ مُطْلَقًا يُنَافِي مَعْنَى الضَّمِّ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ الِاتِّحَادُ، وَبَدَلُ السِّعَايَةِ كَمَالِ الْكِتَابَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQجَازَ أَنْ يَسْقُطَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الطَّالِبِ فَلَمْ يَبْقَ لِلْكَفَالَةِ فَائِدَةٌ، بَلْ قَدْ تَكُونُ هُزُؤًا وَلَعِبًا. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ) دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى عَدَمِ اسْتِقْرَارِهِ، فَإِنَّهُ إذَا عَجَّزَ نَفْسَهُ سَقَطَ الدَّيْنُ وَالْمُسْتَقِرُّ مِنْ الدَّيْنِ مَا لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ. وَقَوْلُهُ: (وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ) دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى الْمُدَّعَى وَهُوَ عَدَمُ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْكَفَالَةَ إنْ صَحَّتْ بِهِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ ثُبُوتُهُ عَلَى الْكَفِيلِ عَلَى وَجْهِ ثُبُوتِهِ عَلَى الْأَصِيلِ وَهُوَ أَنْ يَسْقُطَ بِتَعْجِيزِ الْكَفِيلِ نَفْسَهُ كَمَا يَسْقُطُ بِتَعْجِيزِ الْأَصِيلِ نَفْسَهُ أَوْ مُطْلَقًا وَلَا سَبِيلَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْأَصِيلَ بِتَعْجِيزِ نَفْسِهِ يُرَدُّ رَقِيقًا لِمَوْلَاهُ كَمَا كَانَ وَالْكَفِيلُ لَيْسَ كَذَلِكَ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِفَوَاتِ شَرْطِ الضَّمِّ الَّذِي هُوَ رُكْنُ الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ الِاتِّحَادَ فِي صِفَةِ الْوَاجِبِ بِالْكَفَالَةِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الضَّمِّ وَنَفْيًا لِلزِّيَادَةِ عَلَى الْمُلْتَزِمِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الدَّيْنَ لَوْ كَانَ عَلَى الْأَصِيلِ مُؤَجَّلًا كَانَ عَلَى الْكَفِيلِ كَذَلِكَ فِي الْكَفَالَةِ الْمُطْلَقَةِ، وَلَوْ كَانَ جَيِّدًا أَوْ زَيْفًا عَلَى الْأَصِيلِ كَانَ عَلَى الْكَفِيلِ كَذَلِكَ، وَالْمُطْلَقُ غَيْرُ مُتَّحِدٍ مَعَ الْمُقَيَّدِ، فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ مُطْلَقًا لَزِمَ إلْزَامُ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا اُلْتُزِمَ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَلِأَنَّهُ إذَا عَجَّزَ نَفْسَهُ يَسْقُطُ عَنْهُ بِفَسْخِ الْكِتَابَةِ سُقُوطُ بَدَلِهَا لِابْتِنَائِهَا عَلَيْهَا، إذْ لَوْلَاهَا لَمْ يَسْتَوْجِبْ الْمَوْلَى عَلَيْهِ شَيْئًا (وَبَدَلُ السِّعَايَةِ كَمَالِ الْكِتَابَةِ) فِي عَدَمِ جَوَازِ الْكِفَايَةِ بِهِ لِلْمَوْلَى (عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِكَوْنِهِ دَيْنًا غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ لِثُبُوتِهِ مَعَ الْمُنَافِي) لِمَا أَنَّ أَحْكَامَ الْمُسْتَسْعَى أَحْكَامُ الْعَبْدِ عِنْدَهُ مِنْ عَدَمِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَتَزَوُّجِ الْمَرْأَتَيْنِ وَتَنْصِيفِ الْحُدُودِ وَغَيْرِهِمَا. وَعَلَى قَوْلِهِمَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ لَمْ يَكُنْ مُسْتَقِرًّا لِسُقُوطِهِ بِالتَّعْجِيزِ وَهُوَ فِي السِّعَايَةِ لَا يَتَحَقَّقُ فَكَانَ كَالْحُرِّ الْمَدْيُونِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[كتاب الحوالة]

(كِتَابُ الْحَوَالَةِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْحَوَالَةِ] الْحَوَالَةُ تُنَاسِبُ الْكَفَالَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهَا الْتِزَامًا بِمَا عَلَى الْأَصِيلُ كَمَا فِي الْكَفَالَةِ، وَلِهَذَا جَازَ اسْتِعَارَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ إذَا اشْتَرَطَ مُوجِبَ إحْدَاهُمَا لِلْأُخْرَى عِنْدَ ذِكْرِ الْأُخْرَى، لَكِنَّهُ أَخَّرَ الْحَوَالَةَ؛ لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ، وَالْبَرَاءَةُ تَقْفُو الْكَفَالَةَ فَكَذَا مَا يَتَضَمَّنُهَا. وَالْحَوَالَةُ فِي اللُّغَةِ هِيَ النَّقْلُ وَحُرُوفُهَا كَيْفَمَا تَرَكَّبَتْ دَارَتْ عَلَى مَعْنَى النَّقْلِ وَالزَّوَالِ. وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ تَحْوِيلُ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةِ الْأَصِيلِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ التَّوَثُّقِ بِهِ. وَأَمَّا شَرْطُهَا

قَالَ (وَهِيَ جَائِزَةٌ بِالدُّيُونِ) قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أُحِيلَ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» وَلِأَنَّهُ الْتَزَمَ مَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَتَصِحُّ كَالْكَفَالَةِ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّتْ بِالدُّيُونِ لِأَنَّهَا تُنْبِئُ عَنْ النَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ، وَالتَّحْوِيلُ فِي الدَّيْنِ لَا فِي الْعَيْنِ. قَالَ (وَتَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِرِضَا الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ وَالْمُحْتَالِ عَلَيْهِ) أَمَّا الْمُحْتَالُ فَلِأَنَّ الدَّيْنَ حَقُّهُ وَهُوَ الَّذِي يَنْتَقِلُ بِهَا وَالذِّمَمُ مُتَفَاوِتَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَسَنَذْكُرُهُ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ، وَكَذَا حُكْمُهَا وَأَنْوَاعُهَا. قَالَ (وَهِيَ جَائِزَةٌ بِالدُّيُونِ إلَخْ) الْحَوَالَةُ جَائِزَةٌ بِالدُّيُونِ دُونَ الْأَعْيَانِ، أَمَّا الْجَوَازُ فَيَدُلُّ عَلَيْهِ النَّقْلُ وَالْعَقْلُ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَا رَوَى أَبُو دَاوُد فِي السُّنَنِ وَقَالَ: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ بَعْدَ مَا رَوَى الْحَدِيثَ بِإِسْنَادِهِ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَمَعْنَاهُ: إذَا أُحِيلَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَحْتَلْ. أَمَرَ بِالِاتِّبَاعِ وَالِاتِّبَاعُ بِسَبَبٍ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ وَلَا يَكُونُ مَأْمُورًا بِهِ مِنْ الشَّارِعِ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِهَا. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إيفَاءِ مَا الْتَزَمَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَذَلِكَ يُوجِبُ الْجَوَازَ كَالْكَفَالَةِ، وَأَمَّا اخْتِصَاصُهَا بِالدُّيُونِ فَلِأَنَّهَا تُنْبِئُ عَنْ التَّحْوِيلِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَالتَّحْوِيلُ فِي الدَّيْنِ لَا فِي الْعَيْنِ. وَتَقْرِيرُهُ الْحَوَالَةُ تَحْوِيلٌ شَرْعِيٌّ، وَالتَّحْوِيلُ الشَّرْعِيُّ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي مُحَوَّلٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ الدَّيْنُ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ فِي الذِّمَّةِ يَظْهَرُ أَثَرُهُ عِنْدَ الْمُطَالَبَةِ فَجَازَ أَنْ يَعْتَبِرَهُ الشَّرْعُ فِي ذِمَّةِ شَخْصٍ آخَرَ بِالْتِزَامِهِ. وَأَمَّا الْعَيْنُ إذَا كَانَ فِي مَحَلٍّ مَحْسُوسًا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ لَيْسَ هُوَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْحِسَّ يُكَذِّبُهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ إلَّا النَّقْلُ الْحِسِّيُّ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ. قَالَ (وَتَصِحُّ بِرِضَا الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ إلَخْ) شَرْطُ صِحَّةِ الْحَوَالَةِ رِضَا الْمُحْتَالِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ حَقُّهُ، وَهُوَ أَيْ الدَّيْنُ يَنْتَقِلُ بِالْحَوَالَةِ وَالذِّمَمُ مُتَفَاوِتَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُ، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَأَمَّا رِضَا الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ فَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ كَانَ لِلْمُحِيلِ دَيْنٌ عَلَيْهِ فَلَا يُشْتَرَطُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ

فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُ، وَأَمَّا الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ فَلِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الدَّيْنُ وَلَا لُزُومَ بِدُونِ الْتِزَامِهِ، وَأَمَّا الْمُحِيلُ فَالْحَوَالَةُ تَصِحُّ بِدُونِ رِضَاهُ ذَكَرَهُ فِي الزِّيَادَاتِ لِأَنَّ الْتِزَامَ الدَّيْنِ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَهُوَ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ بَلْ فِيهِ نَفْعُهُ لِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِأَمْرِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَحْمَدُ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ التَّصَرُّفِ فَلَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ، كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمُحِيلِ عَلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ كَمَا لَوْ وَكَّلَ فِي الِاسْتِيفَاءِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُحِيلِ دَيْنٌ عَلَيْهِ فَيُشْتَرَطُ رِضَاهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَقُلْنَا إنَّهُ إلْزَامُ الدَّيْنِ وَلَا لُزُومَ بِدُونِ الِالْتِزَامِ. لَا يُقَالُ: إلْزَامُ الْحَاكِمِ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الْمُنْكِرِ إلْزَامٌ بِدُونِ الِالْتِزَامِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إظْهَارٌ لِلِالْتِزَامِ لَا إلْزَامٌ، وَأَمَّا رِضَا الْمُحِيلِ فَقَدْ شَرَطَهُ الْقُدُورِيُّ وَعَسَى يُعَلِّلُ بِأَنَّ ذَوِي الْمُرُوآتِ قَدْ يَأْنَفُونَ بِتَحَمُّلِ غَيْرِهِمْ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ الدَّيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُمْ. وَذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ الْحَوَالَةَ تَصِحُّ بِدُونِ رِضَاهُ؛ لِأَنَّ الْتِزَامَ الدَّيْنِ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَالْمُحِيلُ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ بَلْ فِيهِ نَفْعُهُ؛ لِأَنَّ الْمُحَالَ عَلَيْهِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِأَمْرِهِ قُبِلَ، وَعَلَى هَذَا تَكُونُ فَائِدَةُ اشْتِرَاطِهِ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ إذَا كَانَتْ بِأَمْرِهِ. وَقِيلَ: لَعَلَّ مَوْضُوعَ مَا ذُكِرَ فِي الْقُدُورِيِّ أَنْ يَكُونَ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِقَدْرِ مَا يَقْبَلُ الْحَوَالَةَ، فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تَكُونُ إسْقَاطًا لِمُطَالَبَةِ الْمُحِيلِ عَنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَلَا تَصِحُّ إلَّا بِرِضَاهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَوَالَةَ قَدْ يَكُونُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْمُحِيلِ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ، وَالْأَوَّلُ إحَالَةٌ وَهُوَ فِعْلٌ اخْتِيَارِيٌّ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ الْإِرَادَةِ وَالرِّضَا، وَهُوَ وَجْهُ رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ، وَالثَّانِي احْتِيَالٌ يَتِمُّ بِدُونِ إرَادَةِ الْمُحِيلِ بِإِرَادَةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ وَرِضَاهُ. وَهُوَ وَجْهُ رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ، وَعَلَى هَذَا اشْتِرَاطُهُ مُطْلَقًا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ إيفَاءَ الْحَقِّ حَقُّهُ فَلَهُ إيفَاؤُهُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ مِنْ غَيْرِ قَسْمٍ عَلَيْهِ بِتَعْيِينِ بَعْضِ الْجِهَاتِ أَوْ عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ

قَالَ (وَإِذَا تَمَّتْ الْحَوَالَةُ بَرِئَ الْمُحِيلُ مِنْ الدَّيْنِ بِالْقَبُولِ) وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَبْرَأُ اعْتِبَارًا بِالْكَفَالَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمُطْلَقًا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الشَّارِحِينَ بِنَاءً عَلَى رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي. قَالَ (وَإِذَا تَمَّتْ الْحَوَالَةُ بَرِئَ الْمُحِيلُ مِنْ الدَّيْنِ بِالْقَبُولِ إلَخْ) إذَا تَمَّتْ الْحَوَالَةُ بِرُكْنِهَا وَشَرْطِهَا كَانَ حُكْمُهَا بَرَاءَةَ الْمُحِيلِ مِنْ الدَّيْنِ، وَقَوْلُهُ: بِالْقَبُولِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ إذَا تَمَّتْ الْحَوَالَةُ، وَالْمُرَادُ بِهِ رِضَا مَنْ رِضَاهُ شَرْطٌ فِيهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَقَوْلُهُ: مِنْ الدَّيْنِ اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِمَا هُوَ الصَّحِيحُ مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ مَشَايِخُنَا، فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهَا تُوجِبُ بَرَاءَةَ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ عَنْ الْمُطَالَبَةِ وَالدَّيْنِ جَمِيعًا، وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهَا تُوجِبُ بَرَاءَتَهَا عَنْ الْمُطَالَبَةِ، وَمَنْشَأُ ذَلِكَ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَحْكَامًا تَدُلُّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، فَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْأَوَّلِ مَا قَالَ: إنَّ الْمُحْتَالَ إذَا وَهَبَ الدَّيْنَ مِنْ الْمُحِيلِ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ الدَّيْنِ بَعْدَ الْحَوَالَةِ لَا تَصِحُّ هِبَتُهُ وَلَا إبْرَاؤُهُ، وَلَوْ بَقِيَ الدَّيْنُ فِي ذِمَّتِهِ وَجَبَ أَنْ تَصِحَّ، وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ أَوْ وَهَبَ الدَّيْنَ مِنْهُ صَحَّ، وَهَذَا يَقْتَضِي تَحَوُّلَ الدَّيْنِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَبَرَاءَةِ الْمُحِيلِ عَنْهُ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى الثَّانِي أَنَّ الْمُحْتَالَ إذَا أَبْرَأَ الْمُحَالَ عَلَيْهِ صَحَّ وَلَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ كَإِبْرَاءِ الْكَفِيلِ. وَلَوْ انْتَقَلَ أَصْلُ الدَّيْنِ إلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَجَبَ أَنْ يَرْتَدَّ بِرَدِّهِ، كَمَا لَوْ أَبْرَأَ الْمُحِيلُ قَبْلَ الْحَوَالَةِ وَالْأَصِيلُ فِي الْكَفَالَةِ، فَإِنَّ الْإِبْرَاءَ حِينَئِذٍ يَكُونُ تَمْلِيكَ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَالتَّمْلِيكُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ. وَمِنْهَا أَنَّ الْمُحِيلَ إذَا نَقَدَ مَا لِلْمُحْتَالِ يُجْبَرُ الْمُحْتَالُ عَلَى الْقَبُولِ، وَلَوْ انْتَقَلَ الدَّيْنُ بِالْحَوَالَةِ يَكُونُ الْمُحِيلُ مُتَبَرِّعًا فِي نَقْدِ الْمَالِ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَالْأَجْنَبِيُّ إذَا تَبَرَّعَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ لَا يُجْبَرُ رَبُّ الْمَالِ لَا تَصِحُّ لِبَرَاءَتِهِ بِالْحَوَالَةِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَى قَبُولِهِ. قَالُوا: وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي تَحْوِيلِ الدَّيْنِ فَيَجِبُ تَحْوِيلُهُ. وَقِيلَ الْأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَالثَّانِي قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَالْفَائِدَةُ تَظْهَرُ، فَالرَّاهِنُ إذَا أَحَالَ الْمُرْتَهِنُ بِالدَّيْنِ هَلْ يُسْتَرَدُّ؛ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَسْتَرِدُّهُ كَمَا لَوْ أَبْرَأَ عَنْ الدَّيْنِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَسْتَرِدُّهُ كَمَا لَوْ أَجَّلَ الدَّيْنَ بَعْدَ الرَّهْنِ، وَفِيمَا إذَا أَبْرَأَ الطَّالِبُ الْمُحِيلَ بَعْدَ الْحَوَالَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَصِحُّ لِبَقَاءِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ، إذْ الْمُتَحَوِّلُ بِهَا هُوَ الْمُطَالَبَةُ لَا غَيْرُ. لَا يُقَالُ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ يَدُلُّ عَلَى وَجْهٍ ثَالِثٍ وَهُوَ الْبَرَاءَةُ عَنْ الدَّيْنِ دُونَ الْمُطَالَبَةِ حَيْثُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذِكْرِهَا؛ لِأَنَّ انْتِقَالَ الدَّيْنِ بِلَا مُطَالَبَةٍ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْمَلْزُومِ بِلَا لَازِمٍ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ فَاكْتُفِيَ بِذِكْرِ الدَّيْنِ عَنْ الْمُطَالَبَةِ لِاسْتِلْزَامِهَا إيَّاهُ. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ كَالْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقْدُ تَوَثُّقٍ وَفِي الْكَفَالَةِ لَا يَبْرَأُ فَكَذَا فِي الْحَوَالَةِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: الْكَفَالَةُ كَالْحَوَالَةِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَفِي الْحَوَالَةِ يَبْرَأُ فَكَذَا فِي الْكَفَالَةِ، وَجَوَابُهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّ الْحُكْمَ غَيْرُ مُضَافٍ إلَى مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ الْمُشْتَرَكِ بَلْ إلَى الْفَارِقِ وَهُوَ اخْتِصَاصُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَفْهُومٍ خِلَافِ مَفْهُومِ الْآخَرِ لُغَةً، فَإِنَّ

إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقْدُ تَوَثُّقٍ، وَلَنَا أَنَّ الْحَوَالَةَ لِلنَّقْلِ لُغَةٌ، وَمِنْهُ حَوَالَةُ الْغِرَاسِ وَالدَّيْنُ مَتَى انْتَقَلَ عَنْ الذِّمَّةِ لَا يَبْقَى فِيهَا. أَمَّا الْكَفَالَةُ فَلِلضَّمِّ وَالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى وِفَاقِ الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ وَالتَّوَثُّقِ بِاخْتِيَارِ الْأَمْلَإِ وَالْأَحْسَنِ فِي الْقَضَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَوَالَةَ لِلنَّقْلِ لُغَةً، وَمِنْهُ حَوَالَةُ الْغِرَاسِ، وَإِذَا حَصَلَ نَقْلُ الدَّيْنِ عَنْ الذِّمَّةِ لَا يَبْقَى فِيهَا. أَمَّا الْكَفَالَةُ فَلِلضَّمِّ وَهُوَ يَقْتَضِي بِنَاءَ مَا يُضَمُّ إلَيْهِ، وَالْأَصْلُ مُوَافَقَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ، وَاعْتُرِضَ بِالْحَوَالَةِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمُحِيلِ فَإِنَّهَا حَوَالَةٌ صَحِيحَةٌ كَمَا مَرَّ، وَلَا نَقْلَ فِيهَا وَلَا تَحْوِيلَ وَهُوَ نَقْضٌ إجْمَالِيٌّ. وَالْجَوَابُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنْ لَا نَقْلَ فِيهَا فَإِنَّهَا بَعْدَ أَدَاءِ الدَّيْنِ ظَاهِرُ التَّحْقِيقِ وَلِهَذَا لَا يَبْقَى عَلَى الْمُحِيلِ شَيْءٌ (قَوْلُهُ: وَالتَّوَثُّقُ بِاخْتِيَارِ الْأَمْلَاءِ) جَوَابٌ لِزُفَرَ، وَتَقْرِيرُهُ سَلَّمْنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقْدُ تَوَثُّقٍ، لَكِنَّ بَرَاءَةَ الْمُحِيلِ لَا تُنَافِيهِ؛ لِأَنَّ التَّوَثُّقَ يَتَحَقَّقُ مَعَهَا بِاخْتِيَارِ الْأَمْلَاءِ:

وَإِنَّمَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ إذَا نَقَدَ الْمُحِيلُ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ عَوْدُ الْمُطَالَبَةِ إلَيْهِ بِالتَّوَى فَلَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا. قَالَ (وَلَا يَرْجِعُ الْمُحْتَالُ عَلَى الْمُحِيلِ إلَّا أَنْ يُتْوَى حَقَّهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَرْجِعُ وَإِنْ تَوِيَ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ الْأَقْدَرِ عَلَى الْإِيفَاءِ لِبُسُوطَةِ سَعَةِ ذَاتِ الْيَدِ، وَالْأَحْسَنِ قَضَاءً بِأَنْ يُوَفِّيَهُ بِالْأَجْوَدِ بِلَا مُمَاطَلَةٍ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَنَزُّلٌ فِي الْجَوَابِ بِالْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ. وَقَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ) جَوَابُ نَقْضٍ يَرِدُ عَلَى قَوْلِهِ وَالْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ عَلَى وِفَاقِ الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ، وَتَقْرِيرُهُ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَانْتَقَلَ الدَّيْنُ مِنْ الْمُحِيلِ وَصَارَ أَجْنَبِيًّا مِنْهُ، فَإِذَا نَقَدَهُ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يُجْبَرَ الْمُحْتَالُ عَلَى الْقَبُولِ: أَيْ لَا يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْقَابِضِ إذَا ارْتَفَعَتْ الْمَوَانِعُ بَيْنَ الْمُحْتَالِ وَالْمَنْقُودِ لِكَوْنِ الْمُحِيلِ إذْ ذَاكَ مُتَبَرِّعًا كَالْأَجْنَبِيِّ، وَبِأَدَاءِ الْأَجْنَبِيِّ الْمُتَبَرِّعِ لَا يُجْبَرُ الطَّالِبُ عَلَى الْقَبُولِ، وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُحِيلَ مُتَبَرِّعٌ فِي النَّقْدِ وَإِنَّمَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا كَالْأَجْنَبِيِّ إنْ لَوْ لَمْ يَحْتَمِلْ عَوْدَ الْمُطَالَبَةِ إلَيْهِ بِالتَّوَى وَهُوَ يَحْتَمِلُ فَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا. قَالَ (وَلَمْ يَرْجِعْ الْمُحْتَالُ عَلَى الْمُحِيلِ إلَّا أَنْ يَتْوَى حَقُّهُ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بَرِئَ الْمُحِيلُ: أَيْ إذَا تَمَّتْ الْحَوَالَةُ بِالْقَبُولِ بَرِئَ الْمُحِيلُ وَلَمْ يَرْجِعْ الْمُحْتَالُ عَلَى الْمُحِيلِ بِشَيْءٍ إلَّا أَنْ يَتْوَى حَقُّهُ عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ مَعْنَى التَّوَى. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

حَصَلَتْ مُطْلَقَةً فَلَا تَعُودُ إلَّا بِسَبَبٍ جَدِيدٍ. وَلَنَا أَنَّهَا مُقَيَّدَةٌ بِسَلَامَةِ حَقِّهِ لَهُ إذْ هُوَ الْمَقْصُودُ، أَوْ تَنْفَسِخُ الْحَوَالَةُ لِفَوَاتِهِ لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلْفَسْخِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَرْجِعُ وَإِنْ تَوَى؛ لِأَنَّ بَرَاءَةَ الْمُحِيلِ حَصَلَتْ مُطْلَقَةً: أَيْ عَنْ شَرْطِ الرُّجُوعِ عَلَى الْمُحِيلِ عِنْدَ التَّوَى، وَهُوَ ظَاهِرٌ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّقْيِيدِ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَعُودُ إلَّا بِسَبَبٍ جَدِيدٍ كَمَا فِي الْإِبْرَاءِ، وَتَأَيَّدَ بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دَيْنٌ فَأَحَالَهُ بِهِ عَلَى آخَرَ فَمَاتَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ فَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: اخْتَرْت عَلِيًّا فَقَالَ أَبْعَدَك اللَّهُ فَأَبْعَدَهُ بِمُجَرَّدِ احْتِيَالِهِ وَلَمْ يُجِزْ لَهُ الرُّجُوعَ. قُلْنَا: الْبَرَاءَةُ حَصَلَتْ مُطْلَقَةً لَفْظًا أَوْ مُطْلَقًا، وَالثَّانِي مَمْنُوعٌ وَالْأَوَّلُ مُسَلَّمٌ، لَكِنْ لَا يُفِيدُكُمْ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ مُقَيَّدَةً بِدَلَالَةِ الْحَالِ أَوْ الْعُرْفِ أَوْ الْعَادَةِ فَنَقُولُ: إنَّهَا حَصَلَتْ مُقَيَّدَةً بِسَلَامَةِ حَقِّهِ لَهُ وَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً لَفْظًا بِدَلَالَةِ الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِ الْحَوَالَةِ التَّوَصُّلُ إلَى اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ مِنْ الْمَحَلِّ الثَّانِي لَا نَفْسُ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الذِّمَمَ لَا تَخْتَلِفُ فِي الْوُجُوبِ، وَإِنَّمَا تَخْتَلِفُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِيفَاءِ فَصَارَتْ سَلَامَةُ الْحَقِّ مِنْ الْمَحَلِّ الثَّانِي كَالْمَشْرُوطِ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ لِكَوْنِهِ هُوَ الْمَطْلُوبَ، فَإِذَا فَاتَ الشَّرْطُ عَادَ الْحَقُّ إلَى الْمَحَلِّ الْأَوَّلِ فَصَارَ وَصْفُ السَّلَامَةِ فِي حَقِّ الْمُحَالِ بِهِ كَوَصْفِ السَّلَامَةِ فِي الْمَبِيعِ بِأَنْ اشْتَرَى شَيْئًا فَهَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَيَعُودُ حَقُّهُ فِي الثَّمَنِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ لَفْظًا لِمَا أَنَّ وَصْفَ السَّلَامَةِ مُسْتَحَقٌّ لِلْمُشْتَرِي، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْحَوَالَةَ تَنْفَسِخُ وَيَعُودُ الدَّيْنُ وَهُوَ عِبَارَةُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ تَنْفَسِخُ الْحَوَالَةُ لِفَوَاتِهِ أَيْ لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ السَّلَامَةُ؛ لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلْفَسْخِ، حَتَّى لَوْ تَرَاضَيَا عَلَى فَسْخِ الْحَوَالَةِ انْفَسَخَتْ، وَكُلُّ مَا هُوَ قَابِلٌ لَهُ إذَا فَاتَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ يَنْفَسِخُ، كَالْمُشْتَرِي إذَا وَجَدَ الْمَبِيعَ مَعِيبًا وَاخْتَارَ رَدَّهُ فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَيُعَادُ الثَّمَنُ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ لِمَا مَرَّ إشَارَةً إلَى عِبَارَةِ آخَرِينَ مِنْهُمْ، وَهُوَ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْحَوَالَةَ تَنْفَسِخُ وَيُعَادُ الدَّيْنُ عَلَى الْمُحِيلِ، فَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَمَعَ بَيْنَ طَرِيقَيْ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وَاسْتَخْدَمَ قَوْلَهُ فَصَارَ كَوَصْفِ السَّلَامَةِ فِي الْمَبِيعِ فِيهِمَا بِمَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَيُؤَيِّدُ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: إذَا تَوَى الْمَالُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ عَادَ الدَّيْنُ عَلَى الْمُحِيلِ كَمَا كَانَ، وَلَا تَوَى عَلَى مَالِ مُسْلِمٍ. وَلَمْ يُعْرَفْ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ. وَعُورِضَ بِأَنَّ الْمُحَالَ وَقْتَ الْحَوَالَةِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَقْبَلَ الْحَوَالَةَ فَيَنْتَقِلَ حَقُّهُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَبَيْنَ أَنْ يَأْبَاهَا إبْقَاءً لِحَقِّهِ فِي ذِمَّةِ الْمُحِيلِ، وَكُلُّ مُخَيَّرٍ بَيْنَ شَيْئَيْنِ إذَا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ وَلَا يَعُودُ إلَى الْآخَرِ كَالْمَغْصُوبِ مِنْهُ إذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ أَحَدِ الْغَاصِبَيْنِ ثُمَّ تَوَى مَا عَلَيْهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْآخَرِ بِشَيْءٍ، وَكَالْمَوْلَى إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ الْمَدْيُونَ

فَصَارَ كَوَصْفِ السَّلَامَةِ فِي الْمَبِيعِ. قَالَ (وَالتَّوَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQفَاخْتَارَ الْغُرَمَاءُ اسْتِسْعَاءَ الْعَبْدِ ثُمَّ تَوَى عَلَيْهِمْ ذَلِكَ لَمْ يَرْجِعُوا عَلَى الْمَوْلَى بِشَيْءٍ. وَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ إذَا اخْتَارَ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ إمَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَصْلٌ، وَالْآخَرُ خَلَفٌ عَنْهُ، أَوْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْلٌ، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ فَقِيَاسُهُ عَلَيْهِ فَاسِدٌ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إذَا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا تَعَيَّنَ، بَلْ إذَا اخْتَارَ الْخَلَفَ وَلَمْ يَحْصُلْ الْمَقْصُودُ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَ الْخَلَفِ وَتَرْكَ الْأَصْلِ لَمْ يَكُنْ لِلتَّوَثُّقِ، فَإِضَافَةُ إتْوَاءِ الْحَقِّ إلَى وَصْفٍ يَقْتَضِي ثُبُوتَهُ فَاسِدَةٌ فِي الْوَضْعِ. قَالَ (وَالْتَوَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ إلَخْ)

إمَّا أَنْ يَجْحَدَ الْحَوَالَةَ وَيَحْلِفَ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ عَلَيْهِ، أَوْ يَمُوتَ مُفْلِسًا) لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ الْوُصُولِ يَتَحَقَّقُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهُوَ التَّوَى فِي الْحَقِيقَةِ (وَقَالَا هَذَانِ الْوَجْهَانِ. وَوَجْهٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ بِإِفْلَاسِهِ حَالَ حَيَاتِهِ) وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِفْلَاسَ لَا يَتَحَقَّقُ بِحُكْمِ الْقَاضِي عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، لِأَنَّ مَالَ اللَّهِ غَادٍ وَرَائِحٌ. قَالَ (وَإِذَا طَالَبَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ الْمُحِيلَ بِمِثْلِ مَالِ الْحَوَالَةِ فَقَالَ الْمُحِيلُ أَحَلْت بِدَيْنٍ لِي عَلَيْك لَك يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَكَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ الدَّيْنِ) لِأَنَّ سَبَبَ الرُّجُوعِ قَدْ تَحَقَّقَ وَهُوَ قَضَاءُ دَيْنِهِ بِأَمْرِهِ إلَّا أَنَّ الْمُحِيلَ يَدَّعِي عَلَيْهِ دَيْنًا وَهُوَ يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ، وَلَا تَكُونُ الْحَوَالَةُ إقْرَارًا مِنْهُ بِالدَّيْنِ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ بِدُونِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَوَى الْمَالُ إذَا تَلِفَ. وَهُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَتَحَقَّقُ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَجْحَدَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ الْحَوَالَةَ فَيَحْلِفُ وَلَا بَيِّنَةَ لِلْمُحَالِ وَلَا لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى مُطَالَبَتِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَمُوتَ مُفْلِسًا؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَلَى الْوُصُولِ إلَى الْحَقِّ وَهُوَ التَّوَى فِي الْحَقِيقَةِ يَتَحَقَّقُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ ذِمَّةٌ يَتَعَلَّقُ بِهَا الْحَقُّ فَسَقَطَ عَنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَثَبَتَ لِلْمُحْتَالِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُحِيلِ؛ لِأَنَّ بَرَاءَةَ الْمُحِيلِ كَانَتْ بَرَاءَةَ نَقْلٍ وَاسْتِيفَاءٍ لَا بَرَاءَةَ إسْقَاطٍ، فَلَمَّا تَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ وَجَبَ الرُّجُوعُ، وَقَالَا: هَذَانِ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ بِإِفْلَاسِهِ بِالشُّهُودِ حَالَ حَيَاتِهِ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِفْلَاسَ بِتَفْلِيسِ الْحَاكِمِ عِنْدَهُ لَا يَتَحَقَّقُ خِلَافًا لَهُمَا، قَالَ: التَّوَى هُوَ الْعَجْزُ عَنْ الْوُصُولِ إلَى الْحَقِّ وَقَدْ حَصَلَ هَاهُنَا؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ فَصَارَ كَمَوْتِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَقَالَ: عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ عَجْزًا يُتَوَهَّمُ ارْتِفَاعُهُ بِحُدُوثِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ مَالَ اللَّهِ غَادٍ وَرَائِحٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ فِي الْكَفَاءَةِ فَلَمْ يَكُنْ كَالْمَوْتِ. وَلَوْ مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ فَقَالَ الْمُحْتَالُ مَاتَ مُفْلِسًا وَقَالَ الْمُحِيلُ بِخِلَافِهِ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الطَّالِبِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى عِلْمٍ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْعُسْرَةُ، يُقَالُ أَفْلَسَ الرَّجُلُ إذَا صَارَ ذَا فَلْسٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ ذَا دِرْهَمٍ وَدِينَارٍ فَاسْتُعْمِلَ مَكَانَ افْتَقَرَ، وَفَلَّسَهُ الْقَاضِي: أَيْ قَضَى بِإِفْلَاسِهِ حِينَ ظَهَرَ لَهُ حَالُهُ كَذَا فِي الطَّلِبَةِ. قَالَ (وَإِذَا طَالَبَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ الْمُحِيلَ إلَخْ) إذَا طَالَبَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَالِ الْحَوَالَةِ مُدَّعِيًا قَضَاءَ دَيْنِهِ مِنْ مَالِهِ فَقَالَ

قَالَ (وَإِذَا طَالَبَ الْمُحِيلُ الْمُحْتَالَ بِمَا أَحَالَهُ بِهِ فَقَالَ إنَّمَا أَحَلْتُك لِتَقْبِضَهُ لِي وَقَالَ الْمُحْتَالُ لَا بَلْ أَحَلْتنِي بِدَيْنٍ كَانَ لِي عَلَيْك فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُحِيلِ) لِأَنَّ الْمُحْتَالَ يَدَّعِي عَلَيْهِ الدَّيْنَ وَهُوَ يُنْكِرُ وَلَفْظَةُ الْحَوَالَةِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْوَكَالَةِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ. قَالَ (وَمَنْ أَوْدَعَ رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَحَالَ بِهَا عَلَيْهِ آخَرَ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى الْقَضَاءِ، فَإِنْ هَلَكَتْ بَرِئَ) لِتَقَيُّدِهَا بِهَا، فَإِنَّهُ مَا الْتَزَمَ الْأَدَاءَ إلَّا مِنْهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِالْمَغْصُوبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُحِيلُ أَحَلْت بِدَيْنٍ لِي عَلَيْك لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ: وَيَجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الرُّجُوعِ وَهُوَ قَضَاءُ دَيْنِهِ بِأَمْرِهِ قَدْ تَحَقَّقَ بِإِقْرَارِهِ إلَّا أَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ دَيْنًا وَهُوَ يُنْكِرُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ وَالْبَيِّنَةُ لِلْمُحِيلِ، فَإِنْ أَقَامَهَا بَطَلَ حَقُّ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ فِي الرُّجُوعِ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْحَوَالَةُ إقْرَارًا مِنْهُ بِالدَّيْنِ عَلَيْهِ؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ بِدُونِهِ: أَيْ الْحَوَالَةُ قَدْ تَكُونُ بِدُونِ الدَّيْنِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَيَجُوزُ انْفِكَاكُهَا عَنْهُ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ التَّقْيِيدُ بِالدَّيْنِ تَقْيِيدًا بِلَا دَلِيلٍ. (وَإِذَا طَالَبَ الْمُحِيلُ الْمُحْتَالَ بِمَا أَحَالَهُ بِهِ فَقَالَ إنَّمَا أَحَلْتُك لِتَقْبِضَهُ لِي وَقَالَ الْمُحْتَالُ بَلْ أَحَلْتنِي بِدَيْنٍ لِي عَلَيْك فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُحِيلِ) فَإِنْ قِيلَ: الْحَوَالَةُ حَقِيقَةٌ فِي نَقْلِ الدَّيْنِ وَدَعْوَى الْمُحِيلِ أَنَّهُ أَحَالَهُ لِيَقْبِضَهُ لَهُ خِلَافُ الْحَقِيقَةِ بِلَا دَلِيلٍ أَجَابَ بِقَوْلِهِ وَلَفْظُ الْحَوَالَةِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ دَعْوَاهُ تِلْكَ دَعْوَى مَا هُوَ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ لَفْظِهِ وَهُوَ الْوَكَالَةُ فَإِنَّ لَفْظَ الْحَوَالَةِ يُسْتَعْمَلُ فِيهَا مَجَازًا لِمَا فِي الْوَكَالَةِ مِنْ نَقْلِ التَّصَرُّفِ مِنْ الْمُوَكِّلِ إلَى الْوَكِيلِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ مِنْ لَفْظِ ذَلِكَ فَيُصَدَّقُ لَكِنَّهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ نَوْعَ مُخَالَفَةٍ لِلظَّاهِرِ. قَالَ (وَمَنْ أَوْدَعَ رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْحَوَالَةَ

لِأَنَّ الْفَوَاتَ إلَى خُلْفٍ كَلَا فَوَاتَ، وَقَدْ تَكُونُ الْحَوَالَةُ مُقَيَّدَةً بِالدَّيْنِ أَيْضًا، وَحُكْمُ الْمُقَيَّدَةِ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْمُحِيلُ مُطَالَبَةَ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى نَوْعَيْنِ: مُقَيَّدَةٍ، وَمُطْلَقَةٍ. فَالْمُقَيَّدَةُ عَلَى نَوْعَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُقَيِّدَ الْمُحِيلُ الْحَوَالَةَ بِالْعَيْنِ الَّذِي لَهُ فِي يَدِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْغَصْبِ. وَالثَّانِي أَنْ يُقَيِّدَهَا بِالدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ. وَالْمُطْلَقَةُ وَهِيَ أَنْ يُرْسِلَهَا إرْسَالًا لَا يُقَيِّدَهَا بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَلَا بِعَيْنٍ لَهُ فِي يَدِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَوْ فِي يَدِهِ أَوْ أَنْ يُحِيلَ عَلَى رَجُلٍ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَا لَهُ فِي يَدِهِ عَيْنٌ أَيْضًا عَلَى نَوْعَيْنِ حَالَّةٌ وَمُؤَجَّلَةٌ. فَالْحَالَّةُ هِيَ أَنْ يُحِيلَ الْمَدْيُونُ الطَّالِبَ عَلَى رَجُلٍ بِأَلْفٍ حَالَّةٍ فَإِنَّهَا تَكُونُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لِتَحْوِيلِ الدَّيْنِ مِنْ الْأَصِيلِ فَيَتَحَوَّلُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي عَلَى الْأَصِيلِ وَالْفَرْضُ أَنَّهَا كَانَتْ عَلَى الْأَصِيلِ حَالَّةً فَكَذَا عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْأَصِيلِ قَبْلَ الْأَدَاءِ لَكِنَّهُ يَفْعَلُ بِهِ مَا فَعَلَ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْكَفَالَةِ. وَالْمُؤَجَّلَةُ هُوَ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ عَلَى الْأَصِيلِ مُؤَجَّلًا فَيُحِيلُ مُؤَجَّلًا عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْأَجَلِ فَإِنَّ الْمَالَ يَكُونُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَهَا كَذَلِكَ. إذَا عُرِفَ هَذَا، فَقَوْلُهُ: وَمَنْ أَوْدَعَ رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَحَالَ بِهَا عَلَيْهِ آخَرَ فَهُوَ جَائِزٌ لِبَيَانِ جَوَازِ الْحَوَالَةِ الْمُقَيَّدَةِ بِالْعَيْنِ الَّتِي فِي يَدِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَدِيعَةً. وَقَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى الْقَضَاءِ دَلِيلُ جَوَازِهِ، وَذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْأَدَاءَ مِنْهَا يَتَحَقَّقُ مِنْ عَيْنِ حَقِّ الْمُحِيلِ وَحِينَئِذٍ لَا يَصْعُبُ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ فَكَانَ أَقْدَرَ. وَالثَّانِي أَنَّ الْوَدِيعَةَ حَاصِلَةٌ بِعَيْنِهَا لَا تَحْتَاجُ إلَى كَسْبٍ وَالدَّيْنُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ أَقْدَرَ عَلَى الْقَضَاءِ كَانَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ فَكَانَتْ جَائِزَةً بِالدَّيْنِ، فَلَأَنْ تَكُونَ جَائِزَةً بِالْعَيْنِ أَجْدَرُ، فَإِنْ هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ بَرِئَ الْمُودَعُ وَهُوَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لِلْمُحَالِ شَيْءٌ عَلَيْهِ لِتَقَيُّدِهَا بِهَا: أَيْ لِتَقَيُّدِ الْحَوَالَةِ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَ الْأَدَاءَ إلَّا مِنْهَا فَيَتَعَلَّقُ بِهَا وَيَبْطُلُ بِهَلَاكِهَا كَالزَّكَاةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِنِصَابٍ مُعَيَّنٍ. وَقَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِالْمَغْصُوبِ بِأَنْ كَانَ الْأَلْفُ مَغْصُوبًا عِنْدَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَقَيْدُ الْحَوَالَةِ بِهَا بَيَانٌ لِجَوَازِهَا بِالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ، وَأَنَّهَا إذَا هَلَكَتْ لَا يَبْرَأُ الْغَاصِبُ؛ لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ إذَا هَلَكَ وَجَبَ عَلَى الْغَاصِبِ مِثْلُهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَقِيمَتُهُ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا فَكَانَ الْفَوَاتُ بِهَلَاكِهِ فَوَاتًا إلَى خَلَفٍ، وَذَلِكَ كَلَا فَوَاتَ فَكَانَ بَاقِيًا حُكْمًا. وَقَوْلُهُ: وَقَدْ تَكُونُ الْحَوَالَةُ مُقَيَّدَةً بِالدَّيْنِ أَيْضًا بَيَانٌ لِجَوَازِهَا مُقَيَّدَةً بِالدَّيْنِ كَمَا إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلِلْمَدْيُونِ عَلَى آخَرَ كَذَلِكَ، وَأَحَالَ الْمَدْيُونُ الطَّالِبَ بِدَيْنِهِ عَلَى مَدْيُونِهِ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَهُ مِنْ الْأَلْفِ الَّتِي لِلْمَطْلُوبِ عَلَيْهِ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ، وَحُكْمُ الْحَوَالَةِ الْمُقَيَّدَةِ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَهِيَ الْحَوَالَةُ الْمُقَيَّدَةُ بِالْعَيْنِ وَدِيعَةً كَانَتْ أَوْ غَصْبًا وَبِالدِّينِ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْمُحِيلُ مُطَالَبَةَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْعَيْنِ أَوْ الدَّيْنِ الَّذِي قُيِّدَتْ الْحَوَالَةُ بِهِ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُحْتَالِ فَإِنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِنَقْلِ حَقِّهِ إلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِشَرْطٍ أَوْ يُوَفِّي حَقَّهُ مِمَّا لِلْمُحِيلِ عَلَيْهِ أَوْ بِيَدِهِ فَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ اسْتِيفَائِهِ، وَأَخَذَ الْمُحِيلُ ذَلِكَ

لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُحْتَالِ عَلَى مِثَالِ الرَّهْنِ وَإِنْ كَانَ أُسْوَةً لِلْغُرَمَاءِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُحِيلِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ فَيَأْخُذُهُ مِنْهُ لَبَطَلَتْ الْحَوَالَةُ وَهِيَ حَقُّ الْمُحْتَالِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَبْطُلُ هَذَا الْحَقُّ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهَا. وَلَوْ دَفَعَهَا الْمُودَعُ أَوْ غَيْرَهَا إلَى الْمُحِيلِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَ مَحَلًّا مَشْغُولًا بِحَقِّ الْغَيْرِ عَلَى مِثَالِ الرَّهْنِ، فَإِنَّ الرَّاهِنَ بَعْدَمَا رَهَنَ الْعَيْنَ لَمْ يَبْقَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ مِنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ لِئَلَّا يَبْطُلَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ. وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ أُسْوَةً لِلْغُرَمَاءِ إشَارَةٌ إلَى حُكْمٍ آخَرَ يُخَالِفُ حُكْمَ الْحَوَالَةِ حُكْمُ الرَّهْنِ بَعْدَمَا اتَّفَقَا فِي عَدَمِ بَقَاءِ حُكْمِ الْأَخْذِ لِلْمُحِيلِ وَالرَّاهِنِ، وَهُوَ أَنَّ الْحَوَالَةَ إذَا كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِالْعَيْنِ أَوْ الدَّيْنِ وَعَلَى الْمُحِيلِ دُيُونٌ كَثِيرَةٌ وَمَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا سِوَى الْعَيْنِ الَّذِي لَهُ بِيَدِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَوْ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ فَالْمُحَالُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ بَعْدَ مَوْتِهِ خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ دَيْنَ غُرَمَاءِ الْمُحِيلِ تَعَلَّقَ بِمَالِ الْمُحِيلِ وَهُوَ صَارَ أَجْنَبِيًّا مِنْ هَذَا الْمَالِ وَلِهَذَا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ فِي حَالَ حَيَاتِهِ فَكَذَا بَعْدَ وَفَاتِهِ؛ وَلِأَنَّ الْمُحَالَ كَانَ أَسْبَقَ تَعَلُّقًا بِهَذَا الْمَالِ لِتَعَلُّقِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَقُّ الْغُرَمَاءِ لَمْ يَتَعَلَّقْ فِي صِحَّتِهِ فَيُقَدَّمُ الْمُحَالُ عَلَى غَيْرِهِ كَالْمُرْتَهِنِ. قُلْنَا: الْعَيْنُ الَّذِي بِيَدِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لِلْمُحِيلِ وَالدَّيْنُ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ لَمْ يَصِرْ مَمْلُوكًا لِلْمُحَالِ بِعَقْدِ الْحَوَالَةِ لَا يَدًا وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا رَقَبَةَ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ مَا وُضِعَتْ لِلتَّمْلِيكِ وَإِنَّمَا وُضِعَتْ لِلنَّقْلِ فَتَكُونُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَأَمَّا الْمُرْتَهِنُ فَإِنَّهُ مَلَكَ الْمَرْهُونَ يَدًا وَحَبْسًا فَثَبَتَ لَهُ نَوْعُ اخْتِصَاصٍ بِالْمَرْهُونِ شَرْعًا لَمْ يَثْبُتْ لِغَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ لِغَيْرِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْمُحِيلُ، وَتَقْرِيرُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا، وَقَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمُطْلَقَةِ لِبَيَانِ الْحَوَالَةِ الْمُطْلَقَةِ وَأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِأَخْذِ الْمُحِيلِ مَا لَهُ عِنْدَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مِنْ الْعَيْنِ أَوْ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ لِلشَّأْنِ لَا تَعَلُّقَ لِحَقِّ الْمُحَالِ بِهِ: أَيْ بِمَا عِنْدَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهِ، بَلْ يَتَعَلَّقُ حَقُّهُ بِذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَفِي الذِّمَّةِ سَعَةٌ فَأَخْذُ مَا لَهُ عِنْدَهُ أَوْ عَلَيْهِ لَا يُبْطِلُ الْحَوَالَةَ، وَعَلَى هَذَا لَيْسَ لِلْمُودَعِ وَالْغَاصِبِ أَنْ يُؤَدِّيَ دَيْنَ الْمُحَالِ مِنْ الْوَدِيعَةِ وَالْغَصْبِ، وَلِلْمُحِيلِ

بِخِلَافِ الْمُطْلَقَةِ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لِحَقِّهِ بِهِ بَلْ بِذِمَّتِهِ فَلَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ بِأَخْذِ مَا عَلَيْهِ أَوْ عِنْدَهُ. قَالَ (وَيُكْرَهُ السَّفَاتِجُ وَهِيَ قَرْضٌ اسْتَفَادَ بِهِ الْمُقْرِضُ سُقُوطَ خَطَرِ الطَّرِيقِ) وَهَذَا نَوْعُ نَفْعٍ اُسْتُفِيدَ بِهِ وَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَرْضِ جَرَّ نَفْعًا» . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَأْخُذَهُمَا مَعَ بَقَاءِ الْحَوَالَةِ كَمَا كَانَتْ. قَالَ (وَتُكْرَهُ السَّفَاتِجُ إلَخْ) السَّفَاتِجُ جَمْعُ سَفْتَجَةٍ بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ التَّاءِ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، أَصْلُهُ سفته يُقَالُ لِلشَّيْءِ الْمُحْكَمِ، وَسُمِّيَ هَذَا الْقَرْضُ بِهِ لِإِحْكَامِ أَمْرِهِ. وَصُورَتُهَا أَنْ يَدْفَعَ إلَى تَاجِرٍ مَالًا قَرْضًا لِيَدْفَعَهُ إلَى صَدِيقِهِ، وَقِيلَ هُوَ أَنْ يُقْرِضَ إنْسَانًا مَالًا لِيَقْضِيَهُ الْمُسْتَقْرِضُ فِي بَلَدٍ يُرِيدُهُ الْمُقْرِضُ وَإِنَّمَا يَدْفَعُهُ عَلَى سَبِيلِ الْقَرْضِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْأَمَانَةِ لِيَسْتَفِيدَ بِهِ سُقُوطَ خَطَرِ الطَّرِيقِ، وَهُوَ نَوْعُ نَفْعٍ اُسْتُفِيدَ بِالْقَرْضِ، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا. وَقِيلَ: هَذَا إذَا كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ مَشْرُوطَةً؛ وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ. ثُمَّ قِيلَ: إنَّمَا أَوْرَدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ؛ لِأَنَّهَا مُعَامَلَةٌ فِي الدُّيُونِ كَالْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ فَإِنَّهَا مُعَامَلَةٌ أَيْضًا فِي الدُّيُونِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[كتاب أدب القاضي]

(كِتَابُ أَدَبِ الْقَاضِي:) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ أَدَبِ الْقَاضِي] لَمَّا كَانَ أَكْثَرُ الْمُنَازَعَاتِ يَقَعُ فِي الْبِيَاعَاتِ وَالدُّيُونِ عَقَّبَهَا بِمَا يَقْطَعُهَا وَهُوَ قَضَاءُ الْقَاضِي، وَالْقَاضِي يَحْتَاجُ إلَى خِصَالٍ حَمِيدَةٍ يَصْلُحُ بِهَا لِلْقَضَاءِ، وَهَذَا الْكِتَابُ لِبَيَانِ ذَلِكَ. وَالْأَدَبُ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى كُلِّ رِيَاضَةٍ مَحْمُودَةٍ لِذَلِكَ يَتَخَرَّجُ بِهَا الْإِنْسَانُ فِي فَضِيلَةٍ مِنْ الْفَضَائِلِ قَالَهُ أَبُو زَيْدٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يُعَرَّفَ بِأَنَّهُ مَلَكَةٌ تَعْصِمُ مَنْ قَامَتْ بِهِ عَمَّا يَشِينُهُ

قَالَ (وَلَا تَصِحُّ وِلَايَةُ الْقَاضِي حَتَّى يَجْتَمِعَ فِي الْمُوَلَّى شَرَائِطُ الشَّهَادَةِ وَيَكُونَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ حُكْمَ الْقَضَاءِ يُسْتَقَى مِنْ حُكْمِ الشَّهَادَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْحَقِّ مِنْ أَقْوَى الْفَرَائِضِ وَأَشْرَفِ الْعِبَادَاتِ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَمَرَ اللَّهُ بِهِ كُلَّ مُرْسَلٍ حَتَّى خَاتَمَ الرُّسُلِ مُحَمَّدًا - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ} [المائدة: 44] وَقَالَ {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [المائدة: 49] . قَالَ (وَلَا تَصِحُّ وِلَايَةُ الْقَاضِي إلَخْ) لَا تَصِحُّ وِلَايَةُ الْقَاضِي حَتَّى يَجْتَمِعَ فِي الْمُوَلَّى بِلَفْظِ اسْمِ الْمَفْعُولِ، وَاخْتَارَهُ عَلَى الْمُتَوَلِّي بِلَفْظِ اسْمِ الْفَاعِلِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَاضِيًا بِتَوْلِيَةِ غَيْرِهِ لَا بِطَلَبِهِ التَّوْلِيَةَ شَرَائِطُ الشَّهَادَةِ مِنْ الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ، وَيَكُونُ: أَيْ الْمُوَلَّى مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ. أَمَّا الْأَوَّلُ: يَعْنِي اشْتِرَاطَ شَرَائِطِ الشَّهَادَةِ فَلِأَنَّ حُكْمَ الْقَضَاءِ يُسْتَقَى: أَيْ يُسْتَفَادُ مِنْ حُكْمِ الشَّهَادَةِ

لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ، فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ يَكُونُ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ وَمَا يُشْتَرَطُ لِأَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ يُشْتَرَطُ لِأَهْلِيَّةِ الْقَضَاءِ. وَالْفَاسِقُ أَهْلٌ لِلْقَضَاءِ حَتَّى لَوْ قُلِّدَ يَصِحُّ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَلَّدَ كَمَا فِي حُكْمِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْبَلَ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَهِيَ تَنْفِيذُ الْقَوْلِ عَلَى الْغَيْرِ شَاءَ أَوْ أَبَى، وَكُلُّ مَا يُسْتَفَادُ حُكْمُهُ مِنْ الْوِلَايَةِ مِنْ حُكْمِ الشَّهَادَةِ فَيُشْتَرَطُ لَهُ شَرَائِطُ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْقَضَاءِ لَمَّا كَانَتْ أَعَمَّ أَوْ أَكْمَلَ مِنْ وِلَايَةِ الشَّهَادَةِ أَوْ مُرَتَّبَةً عَلَيْهَا كَانَتْ أَوْلَى بِاشْتِرَاطِهَا، وَرُبَّمَا لَوَّحَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فَيُسْتَقَى اسْتِعَارَةً لِلِاسْتِفَادَةِ إلَى ذَلِكَ، وَعَلَى

وَلَوْ قَبِلَ جَازَ عِنْدَنَا. وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي عَدْلًا فَفَسَقَ بِأَخْذِ الرِّشْوَةِ أَوْ غَيْرِهِ لَا يَنْعَزِلُ وَيَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا كُلُّ مَا كَانَ مُتَأَهِّلًا لِلشَّهَادَةِ كَانَ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ وَبِالْعَكْسِ فَالْفَاسِقُ أَهْلٌ لِلْقَضَاءِ لِأَهْلِيَّتِهِ لِلشَّهَادَةِ، حَتَّى لَوْ قُلِّدَ جَازَ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَلَّدَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْتَمَنُ فِي أَمْرِ الدِّينِ لِقِلَّةِ مُبَالَاتِهِ فِيهِ كَمَا فِي حُكْمِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْبَلَ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ. وَلَوْ قَبِلَ جَازَ عِنْدَنَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَدَالَةَ لَيْسَتْ مِنْ شَرَائِطِ الشَّهَادَةِ نَظَرًا إلَى أَهْلِ ذَلِكَ الْعَصْرِ الَّذِي شَهِدَ لَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْخَيْرِيَّةِ، وَإِلَى ظَاهِرِ حَالِ الْمُسْلِمِ فِي غَيْرِهِمْ. وَلَوْ كَانَ عَدْلًا فَفَسَقَ بِأَخْذِ الرِّشْوَةِ بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ أَوْ غَيْرِهَا مِثْلِ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ لَا يَنْعَزِلُ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ الْعَزْلُ عِنْدَ التَّقْلِيدِ بِتَعَاطِي الْمُحَرَّمِ وَيَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ فَيَعْزِلُهُ مَنْ لَهُ الْأَمْرُ، وَهَذَا يَقْتَضِي نُفُوذَ أَحْكَامِهِ فِيمَا ارْتَشَى فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ مَا لَمْ يُعْزَلْ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْإِمَامُ الْبَزْدَوِيُّ. وَقَوْلُهُ: وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْعَزْلِ دُونَ الْعَزْلِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَرُوِيَ عَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّحَاوِيِّ وَعَلِيٍّ الرَّازِيِّ صَاحِبِ أَبِي يُوسُفَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إشَارَةً إلَى ذَلِكَ وَإِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ جَوَازِ تَقْلِيدِ الْفَاسِقِ الْقَضَاءَ فَإِنَّ اخْتِيَارَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ الْفَاسِقَ إذَا قُلِّدَ الْقَضَاءَ لَا يَصِيرُ قَاضِيًا، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِقَوْلِهِ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْفَاسِقُ لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ كَمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عِنْدَهُ، وَعَنْ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: إذَا قُلِّدَ الْفَاسِقُ ابْتِدَاءً يَصِحُّ، وَلَوْ قُلِّدَ وَهُوَ عَدْلٌ يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ لِأَنَّ الْمُقَلَّد اعْتَمَدَ عَدَالَتَهُ فَلَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِتَقْلِيدِهِ دُونَهَا. وَهَلْ يَصْلُحُ الْفَاسِقُ مُفْتِيًا؟ قِيلَ لَا لِأَنَّهُ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَنْ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ عِنْدَهُ كَمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عِنْدَهُ) وَقِيلَ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، فَإِنَّ الْأَعْمَالَ مِنْ الْإِيمَانِ عِنْدَهُ، فَإِذَا فَسَقَ فَقَدْ انْتَقَصَ إيمَانُهُ (وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إنَّهُ إذَا قُلِّدَ الْفَاسِقُ يَصِحُّ، وَلَوْ قُلِّدَ وَهُوَ عَدْلٌ فَفَسَقَ يَنْعَزِلُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُقَلِّدَ اعْتَمَدَ عَدَالَتَهُ فِي تَقْلِيدِهِ فَلَا يَكُونُ رَاضِيًا بِتَقْلِيدِهِ دُونَهَا) فَكَانَ التَّقْلِيدُ مَشْرُوطًا بِبَقَاءِ الْعَدَالَةِ فَيَنْتَفِي بِانْتِفَائِهَا، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ قَوْلَ الْفُقَهَاءِ الْبَقَاءُ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ يُنَافِي جَوَازَ التَّقْلِيدِ مَعَ الْفِسْقِ ابْتِدَاءً، وَالْعَزْلُ بِالْفِسْقِ الطَّارِئِ، وَالْأَوَّلُ ثَابِتٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مُسَلَّمَاتِ هَذَا الْفَنِّ يَنْبَنِي عَلَيْهِ أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ كَبَقَاءِ النِّكَاحِ بِلَا شُهُودٍ وَامْتِنَاعِهِ ابْتِدَاءً بِدُونِهَا، وَجَوَازِ الشُّيُوعِ فِي الْهِبَةِ بَقَاءً لَا ابْتِدَاءً، فَيَنْتَفِي الثَّانِي وَهُوَ ثُبُوتُ الْقَضَاءِ بِالْفِسْقِ ابْتِدَاءً وَالْعَزْلُ بِالْفِسْقِ الطَّارِئِ. وَالْجَوَابُ يُؤْخَذُ مِنْ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ أَنَّ التَّقْلِيدَ كَانَ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ، فَإِنَّ تَعْلِيقَ الْقَضَاءِ وَالْإِمَارَةِ بِالشَّرْطِ جَائِزٌ بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ جَيْشًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ ثُمَّ قَالَ: إنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ أَمِيرُكُمْ، وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ أَمِيرُكُمْ» وَكَذَلِكَ تَعْلِيقُ عَزْلِ الْقَاضِي بِالشَّرْطِ جَائِزٌ

وَخَبَرُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي الدِّيَانَاتِ، وَقِيلَ يَصْلُحُ لِأَنَّهُ يَجْتَهِدُ كُلَّ الْجَهْدِ فِي إصَابَةِ الْحَقِّ حَذَارِ النِّسْبَةِ إلَى الْخَطَإِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَالصَّحِيحُ أَنَّ أَهْلِيَّةَ الِاجْتِهَادِ شَرْطُ الْأَوْلَوِيَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQذَكَرَهُ فِي بَابِ مَوْتِ الْخَلِيفَةِ مِنْ شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي، وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ يَنْتَفِي بِانْتِفَائِهِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالْإِمَامَةِ وَالْإِمَارَةِ فِي أَنَّ الْإِمَامَ أَوْ الْأَمِيرَ إذَا كَانَ عَدْلًا وَقْتَ التَّقْلِيدِ ثُمَّ فَسَقَ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْإِمَامَةِ وَالْإِمَارَةِ أَنَّ مَبْنَى الْإِمَارَةِ عَلَى السَّلْطَنَةِ وَالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مِنْ الْأُمَرَاءِ مَنْ قَدْ غَلَبَ وَجَارَ وَأَجَازُوا أَحْكَامَهُ وَالصَّحَابَةُ تَقَلَّدُوا الْأَعْمَالَ مِنْهُ وَصَلَّوْا خَلْفَهُ. وَأَمَّا مَبْنَى الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ عَلَى الْعَدَالَةِ وَالْأَمَانَةِ، وَإِذَا بَطَلَتْ الْعَدَالَةُ بَطَلَ الْقَضَاءُ ضَرُورَةً. (وَالْفَاسِقُ هَلْ يَصْلُحُ مُفْتِيًا؟ قِيلَ لَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ، وَالْفَاسِقُ لَا يُؤْتَمَنُ عَلَيْهَا، وَقِيلَ يَصْلُحُ؛ لِأَنَّهُ يُخَافُ أَنْ يُنْسَبَ إلَى الْخَطَأِ فَلَا يَتْرُكُ الصَّوَابَ. وَأَمَّا الثَّانِي) يَعْنِي اشْتِرَاطَ الِاجْتِهَادِ لِلْقَضَاءِ. فَإِنَّ لَفْظَ الْقُدُورِيِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ شَرْطُ صِحَّةِ التَّوْلِيَةِ لِوُقُوعِهِ فِي سِيَاقٍ لَا يَصِحُّ، وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْمُقَلِّدَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَاضِيًا، لَكِنَّ (الصَّحِيحَ أَنَّ أَهْلِيَّةَ الِاجْتِهَادِ شَرْطُ الْأَوْلَوِيَّةِ) قَالَ الْخَصَّافُ: الْقَاضِي يَقْضِي بِاجْتِهَادِهِ نَفْسِهِ إذَا كَانَ لَهُ رَأْيٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ

فَأَمَّا تَقْلِيدُ الْجَاهِلِ فَصَحِيحٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ يَقُولُ: إنَّ الْأَمْرَ بِالْقَضَاءِ يَسْتَدْعِي الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ وَلَا قُدْرَةَ دُونَ الْعِلْمِ. وَلَنَا أَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْضِيَ بِفَتْوَى غَيْرِهِ، وَمَقْصُودُ الْقَضَاءِ يَحْصُلُ بِهِ وَهُوَ إيصَالُ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَسَأَلَ فَقِيهًا أَخَذَ بِقَوْلِهِ. (قَوْلُهُ: فَأَمَّا تَقْلِيدُ الْجَاهِلِ فَصَحِيحٌ عِنْدَنَا) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِالْجَاهِلِ الْمُقَلَّدَ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْمُجْتَهِدِ وَسَمَّاهُ جَاهِلًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُجْتَهِدِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِسِيَاقِ الْكَلَامِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ مَنْ لَا يَحْفَظُ شَيْئًا مِنْ أَقْوَالِ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِسِيَاقِ الْكَلَامِ وَهُوَ قَوْلُهُ: (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) فَإِنَّهُ عَلَّلَ لَهُ بِقَوْلِهِ (إنَّ الْأَمْرَ بِالْقَضَاءِ يَسْتَدْعِي الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ وَلَا قُدْرَةَ دُونَ الْعِلْمِ) وَلَمْ يَقُلْ دُونَ الِاجْتِهَادِ وَشَبَهِهِ بِالتَّحَرِّي، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَصِلُ إلَى الْمَقْصُودِ لِتَحَرِّي غَيْرِهِ بِالِاتِّفَاقِ، فَلَوْ صَلَّى بِتَحَرِّي غَيْرِهِ لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ. وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ (وَلَنَا أَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْضِيَ بِفَتْوَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقَضَاءِ هُوَ أَنْ يَصِلَ الْحَقُّ إلَى الْمُسْتَحِقِّ) وَذَلِكَ كَمَا يَحْصُلُ بِاجْتِهَادِ نَفْسِهِ يَحْصُلُ مِنْ الْمُقَلِّدِ إذَا قَضَى بِفَتْوَى غَيْرِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «أَنْفَذَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْيَمَنِ وَأَنَا حَدِيثُ السِّنِّ، فَقُلْت: تُنْفِذُنِي إلَى قَوْمٍ يَكُونُ بَيْنَهُمْ أَحْدَاثٌ وَلَا عِلْمَ لِي بِالْقَضَاءِ؟ فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَيَهْدِي لِسَانَك وَيُثَبِّتُ قَلْبَك، فَمَا شَكَكْت فِي قَضَاءٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ

وَيَنْبَغِي لِلْمُقَلِّدِ أَنْ يَخْتَارَ مَنْ هُوَ الْأَقْدَرُ وَالْأَوْلَى لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَلَّدَ إنْسَانًا عَمَلًا وَفِي رَعِيَّتِهِ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْدَ ذَلِكَ» فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاجْتِهَادَ لَيْسَ بِشَرْطِ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ. (نَعَمْ يَنْبَغِي لِلْمُقَلِّدِ أَنْ يَخْتَارَ الْأَقْدَرَ وَالْأَوْلَى لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَلَّدَ إنْسَانًا عَمَلًا وَفِي رَعِيَّتِهِ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ» ) وَهُوَ حَدِيثٌ ثَبَتَ بِنَقْلِ الْعُدُولِ، فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَا قِيلَ إنَّهُ خَارِجٌ عَنْ الْمُدَوَّنَاتِ،

وَفِي حَدِّ الِاجْتِهَادِ كَلَامٌ عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ. وَحَاصِلُهُ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ حَدِيثٍ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْفِقْهِ لِيَعْرِفَ مَعَانِيَ الْآثَارِ أَوْ صَاحِبَ فِقْهٍ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْحَدِيثِ لِئَلَّا يَشْتَغِلَ بِالْقِيَاسِ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَقِيلَ أَنْ يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ صَاحِبَ قَرِيحَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّهُ طَعْنٌ بِلَا دَلِيلٍ فَلَا يُقَلَّدُ الْمُقَلِّدُ عِنْدَ وُجُودِ الْمُجْتَهِدِ الْعَدْلِ. (قَوْلُهُ: وَفِي حَدِّ الِاجْتِهَادِ) إشَارَةٌ إلَى مَعْنَى الِاجْتِهَادِ إجْمَالًا، فَإِنَّ بَيَانَهُ تَفْصِيلًا مَوْضِعُهُ أُصُولُ الْفِقْهِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ مُفَصَّلًا (وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْمُجْتَهِدُ صَاحِبَ حَدِيثٍ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْفِقْهِ لِيَعْرِفَ مَعَانِيَ الْآثَارِ أَوْ صَاحِبَ فِقْهٍ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْحَدِيثِ لِئَلَّا يَشْتَغِلَ بِالْقِيَاسِ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ نَيِّرٌ (وَقِيلَ أَنْ يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ) أَيْ مَعَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ (صَاحِبَ قَرِيحَةٍ) أَيْ طَبِيعَةٍ جَيِّدَةٍ خَالِصَةٍ مِنْ التَّشْكِيكَاتِ الْمُكَدِّرَةِ يَنْتَقِلُ مِنْ الْمَطَالِبِ إلَى الْمَبَادِئِ، وَمِنْهَا إلَى الْمَطَالِبِ بِسُرْعَةٍ يُرَتَّبُ الْمَطْلُوبُ عَلَى مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لَهُ مِنْ عُرْفٍ أَوْ عَادَةٍ، فَإِنَّ مِنْ الْأَحْكَامِ مَا يَبْتَنِي عَلَيْهَا مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ كَدُخُولِ الْحَمَّامِ وَتَعَاطِي الْعَجِينِ

يَعْرِفُ بِهَا عَادَاتِ النَّاسِ لِأَنَّ مِنْ الْأَحْكَامِ مَا يَبْتَنِي عَلَيْهَا. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِالدُّخُولِ فِي الْقَضَاءِ لِمَنْ يَثِقُ بِنَفْسِهِ أَنْ يُؤَدِّيَ فَرْضَهُ) لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - تَقَلَّدُوهُ وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةٌ، وَلِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ لِكَوْنِهِ أَمْرًا بِالْمَعْرُوفِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَغَيْرِ ذَلِكَ. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِالدُّخُولِ فِي الْقَضَاءِ إلَخْ) وَلَا بَأْسَ بِالدُّخُولِ فِي الْقَضَاءِ لِمَنْ يَثِقُ بِنَفْسِهِ أَنَّهُ إذَا تَوَلَّاهُ وَقَامَ بِمَا هُوَ فَرِيضَةٌ وَهُوَ الْحَقُّ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْحَقِّ فَرْضٌ أَمَرَ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} [ص: 26] وَقَالَ لِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء: 105] فَمَنْ وَثِقَ بِنَفْسِهِ أَنَّهُ يُؤَدِّي هَذَا الْفَرْضَ فَلَا بَأْسَ بِالدُّخُولِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - تَقَلَّدُوهُ وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةً؛ وَلِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ لِكَوْنِهِ أَمْرًا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيًا عَنْ الْمُنْكَرِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الدُّخُولَ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا فَلَا أَقَلَّ مِنْ النَّدْبِ كَمَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَغَيْرِهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ كَذَلِكَ

قَالَ (وَيُكْرَهُ الدُّخُولُ فِيهِ لِمَنْ يَخَافُ الْعَجْزَ عَنْهُ وَلَا بَأْسَ عَلَى نَفْسِهِ الْحَيْفُ فِيهِ) كَيْ لَا يَصِيرَ شَرْطًا لِمُبَاشَرَتِهِ الْقَبِيحَ، وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ الدُّخُولَ فِيهِ مُخْتَارًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ جُعِلَ عَلَى الْقَضَاءِ فَكَأَنَّمَا ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ» ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا أَنَّ فِيهِ خَطَرَ الْوُقُوعِ فِي الْمَحْظُورِ فَكَانَ بِهِ بَأْسٌ. قَالَ (وَيُكْرَهُ الدُّخُولُ فِيهِ لِمَنْ يَخَافُ الْعَجْزَ إلَخْ) مَنْ خَافَ الْعَجْزَ عَنْ أَدَاءِ فَرْضِ الْقَضَاءِ وَلَا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ الْحَيْفَ وَهُوَ الْجَوْرُ فِيهِ كُرِهَ لَهُ الدُّخُولُ فِيهِ كَيْلَا يَصِيرَ الدُّخُولُ فِيهِ شَرْطًا: أَيْ وَسِيلَةً إلَى مُبَاشَرَةِ الْقَبِيحِ، وَهُوَ الْحَيْفُ فِي الْقَضَاءِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِلَفْظِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يَقَعُ مِنْ الْحَيْفِ إنَّمَا هُوَ بِالْمَيْلِ إلَى حُطَامِ الدُّنْيَا بِأَخْذِ الرِّشَا، وَفِي الْغَالِبِ يَكُونُ ذَلِكَ مَشْرُوطًا بِمِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لِي عَلَى فُلَانٍ أَوْ لَهُ عَلَيَّ مُطَالَبَةٌ بِكَذَا فَإِنْ قَضَيْت لِي فَلَكَ كَذَا، وَكَرِهَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَوْ بَعْضُ السَّلَفِ الدُّخُولَ فِيهِ مُخْتَارًا سَوَاءٌ وَثِقُوا أَنْفُسَهُمْ أَوْ خَافُوا عَلَيْهَا، وَفَسَّرَ الْكَرَاهَةَ هَاهُنَا بِعَدَمِ الْجَوَازِ. قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي: وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ الدُّخُولُ فِيهِ إلَّا مُكْرَهًا؛ أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - دُعِيَ إلَى الْقَضَاءِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَأَبَى حَتَّى ضُرِبَ فِي كُلِّ مُرَّةٍ ثَلَاثِينَ سَوْطًا، فَلَمَّا كَانَ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ قَالَ: حَتَّى أَسْتَشِيرَ أَصْحَابِي، فَاسْتَشَارَ أَبَا يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَوْ تَقَلَّدْت لَنَفَعْت النَّاسَ، فَنَظَرَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ نَظَرَ الْمُغْضَبِ وَقَالَ: أَرَأَيْت لَوْ أُمِرْت أَنْ أَعْبُرَ الْبَحْرَ سِبَاحَةً أَكُنْت أَقْدِرُ عَلَيْهِ وَكَأَنِّي بِك قَاضِيًا، وَكَذَا دُعِيَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى الْقَضَاءِ فَأَبَى حَتَّى قُيِّدَ وَحُبِسَ

وَالصَّحِيحُ أَنَّ الدُّخُولَ فِيهِ رُخْصَةٌ طَمَعًا فِي إقَامَةِ الْعَدْلِ وَالتَّرْكُ عَزِيمَةٌ فَلَعَلَّهُ يُخْطِئُ ظَنُّهُ وَلَا يُوَفَّقُ لَهُ أَوْ لَا يُعِينُهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْإِعَانَةِ إلَّا إذَا كَانَ هُوَ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ دُونَ غَيْرِهِ فَحِينَئِذٍ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ التَّقَلُّدُ صِيَانَةً لِحُقُوقِ الْعِبَادِ وَإِخْلَاءً لِلْعَالَمِ عَنْ الْفَسَادِ. قَالَ (وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَطْلُبَ الْوِلَايَةَ وَلَا يَسْأَلَهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ وُكِلَ إلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ نَزَلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ يُسَدِّدُهُ» وَلِأَنَّ مَنْ طَلَبَهُ يَعْتَمِدُ عَلَى نَفْسِهِ فَيَحْرُمُ، وَمَنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ عَلَى رَبِّهِ فَيُلْهَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَاضْطُرَّ ثُمَّ تَقَلَّدَ. وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ جُعِلَ عَلَى الْقَضَاءِ فَكَأَنَّمَا ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ» رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي وَجْهَ تَشْبِيهِ الْقَضَاءِ بِالذَّبْحِ بِغَيْرِ سِكِّينٍ قَالَ:؛ لِأَنَّ السِّكِّينَ تُؤَثِّرُ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ جَمِيعًا، وَالذَّبْحُ بِغَيْرِ سِكِّينٍ يُؤَثِّرُ فِي الْبَاطِنِ بِإِزْهَاقِ الرُّوحِ وَلَا يُؤَثِّرُ فِي الظَّاهِرِ، وَوَبَالُ الْقَضَاءِ لَا يُؤَثِّرُ فِي الظَّاهِرِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ جَاهٌ وَعَظَمَةٌ لَكِنْ فِي بَاطِنِهِ هَلَاكٌ. وَكَانَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَزْدَرِيَ هَذَا اللَّفْظَ كَيْ لَا يُصِيبَهُ مَا أَصَابَ ذَلِكَ الْقَاضِيَ، فَقَدْ حُكِيَ أَنَّ قَاضِيًا رُوِيَ لَهُ هَذَا الْحَدِيثُ فَازْدَرَاهُ وَقَالَ: كَيْفَ يَكُونُ هَذَا، ثُمَّ دَعَا فِي مَجْلِسِهِ بِمَنْ يُسَوِّي شَعْرَهُ، فَجَعَلَ الْحَلَّاقُ يَحْلِقُ بَعْضَ الشَّعْرِ مِنْ تَحْتِ ذَقَنِهِ إذْ عَطَسَ فَأَصَابَهُ الْمُوسَى وَأَلْقَى رَأْسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالصَّحِيحُ أَنَّ الدُّخُولَ فِيهِ رُخْصَةٌ طَمَعًا فِي إقَامَةِ الْعَدْلِ) رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا قُلِّدَ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ (التَّرْكُ عَزِيمَةٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُخْطِئُ ظَنُّهُ) فِيمَا اجْتَهَدَ (وَلَا يُوَفَّقُ لَهُ) إذَا كَانَ مُجْتَهِدًا (أَوْ لَا يُعِينُهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ الْإِعَانَةِ) إنْ كَانَ غَيْرَ مُجْتَهِدٍ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ: دَخَلَ فِي الْقَضَاءِ قَوْمٌ صَالِحُونَ وَاجْتَنَبَهُ قَوْمٌ صَالِحُونَ؛ وَتَرْكُ الدُّخُولِ فِيهِ أَصْلَحُ وَأَسْلَمُ لِدِينِهِ؛ لِأَنَّهُ يَلْتَزِمُ أَنْ يَقْضِيَ بِحَقٍّ وَلَا يَدْرِي أَيَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ أَوْ لَا، وَفِي تَرْكِ الدُّخُولِ صِيَانَةُ نَفْسِهِ، وَهَذَا إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ غَيْرُهُ مَنْ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ (فَأَمَّا إذَا كَانَ هُوَ الْأَهْلَ دُونَ غَيْرِهِ فَحِينَئِذٍ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ الدُّخُولُ صِيَانَةً لِحُقُوقِ الْعِبَادِ) فِي حَقِّهِمْ (وَإِخْلَاءً لِلْعَالَمِ عَنْ الْفَسَادِ) فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، فَإِذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ قَوْمٌ يَصْلُحُونَ لِلْقَضَاءِ فَامْتَنَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَنْ الدُّخُولِ فِيهِ أَثِمُوا إنْ كَانَ السُّلْطَانُ بِحَيْثُ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ امْتَنَعَ الْكُلُّ حَتَّى قُلِّدَ جَاهِلٌ اشْتَرَكُوا فِي الْإِثْمِ لِأَدَائِهِ إلَى تَضْيِيعِ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ (وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَطْلُبَ الْوِلَايَةَ وَلَا يَسْأَلَهَا إلَخْ) مَنْ صَلَحَ لِلْقَضَاءِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَطْلُبَ الْوِلَايَةَ بِقَلْبِهِ وَلَا يَسْأَلَهَا بِلِسَانِهِ

(ثُمَّ يَجُوزُ التَّقَلُّدُ مِنْ السُّلْطَانِ الْجَائِرِ كَمَا يَجُوزُ مِنْ الْعَادِلِ) لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - تَقَلَّدُوهُ مِنْ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْحَقُّ كَانَ بِيَدِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي نَوْبَتِهِ، وَالتَّابِعِينَ تَقَلَّدُوهُ مِنْ الْحَجَّاجِ وَكَانَ جَائِزًا إلَّا إذَا كَانَ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ الْقَضَاءِ بِحَقٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَا رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ وُكِلَ إلَى نَفْسِهِ، وَمَنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ نَزَلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ يُسَدِّدُهُ» وُكِلَ بِالتَّخْفِيفِ: أَيْ فُوِّضَ أَمْرُهُ إلَيْهَا، وَمَنْ فُوِّضَ أَمْرُهُ إلَى نَفْسِهِ لَمْ يَهْتَدِ إلَى الصَّوَابِ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ؛ لِأَنَّ مَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ فَقَدْ اعْتَمَدَ فِقْهَهُ وَوَرَعَهُ وَذَكَاءَهُ وَأُعْجِبَ فَيُحْرَمَ التَّوْفِيقَ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَشْتَغِلَ الْمَرْءُ بِطَلَبِ مَا لَوْ نَالَ يَحْرُمُ بِهِ وَإِذَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ فَقَدْ اعْتَصَمَ بِحَبْلِ اللَّهِ مَكْسُورَ الْقَلْبِ بِالْإِكْرَاهِ عَلَى مَا لَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ وَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3] فَيُلْهَمُ الرُّشْدَ وَالتَّوْفِيقَ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَجُوزُ التَّقَلُّدُ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الْقُدُورِيِّ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي جَوَازِ التَّقَلُّدِ لِأَهْلِهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُوَلِّي عَادِلًا أَوْ جَائِرًا، فَكَمَا جَازَ مِنْ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ جَازَ مِنْ الْجَائِرِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - تَقَلَّدُوا الْقَضَاءَ مِنْ مُعَاوِيَةَ وَكَانَ الْحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي نَوْبَتِهِ، دَلَّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ (فِي نَوْبَتِهِ) احْتِرَازًا عَمَّا يَقُولُهُ الرَّوَافِضُ إنَّ الْحَقَّ مَعَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي نَوْبَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالُوا، بَلْ أَجْمَعَ الْأُمَّةُ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ عَلَى صِحَّةِ خِلَافَةِ الْخُلَفَاءِ قَبْلَهُ وَمَوْضِعُهُ بَابُ الْإِمَامَةِ فِي أُصُولِ الْكَلَامِ، وَعُلَمَاءُ السَّلَفِ وَالتَّابِعِينَ تَقَلَّدُوهُ مِنْ الْحَجَّاجِ وَجَوْرُهُ مَشْهُورٌ فِي الْآفَاقِ. وَقَوْلُهُ: (إلَّا إذَا كَانَ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ الْقَضَاءِ)

لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِالتَّقَلُّدِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ. قَالَ (وَمَنْ قُلِّدَ الْقَضَاءَ يُسَلَّمُ إلَيْهِ دِيوَانُ الْقَاضِي الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ) وَهُوَ الْخَرَائِطُ الَّتِي فِيهَا السِّجِلَّاتُ وَغَيْرُهَا، لِأَنَّهَا وُضِعَتْ فِيهَا لِتَكُونَ حُجَّةً عِنْدَ الْحَاجَةِ فَتُجْعَلُ فِي يَدِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْقَضَاءِ. ثُمَّ إنْ كَانَ الْبَيَاضُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا إذَا كَانَ مِنْ مَالِ الْخُصُومِ فِي الصَّحِيحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ يَجُوزُ التَّقَلُّدُ مِنْ السُّلْطَانِ الْجَائِرِ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ الْقَضَاءِ (لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِالتَّقَلُّدِ) فَلَا فَائِدَةَ لِتَقَلُّدِهِ (بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يُمَكِّنُهُ) قَالَ (وَمَنْ قُلِّدَ الْقَضَاءَ يُسَلَّمَ إلَيْهِ دِيوَانُ الْقَاضِي الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ إلَخْ) مَنْ تَوَلَّى الْقَضَاءَ بَعْدَ عَزْلِ آخَرَ تَسَلَّمَ دِيوَانَ الْقَاضِي الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ، وَالدِّيوَانُ هُوَ الْخَرَائِطُ الَّتِي فِيهَا السِّجِلَّاتُ وَغَيْرُهَا مِنْ الْمَحَاضِرِ وَالصُّكُوكِ وَكِتَابِ نَصْبِ الْأَوْصِيَاءِ وَتَقْدِيرِ النَّفَقَاتِ؛ لِأَنَّهَا: أَيْ السِّجِلَّاتِ وَغَيْرَهَا إنَّمَا وُضِعَتْ فِي الْخَرَائِطِ لِتَكُونَ حُجَّةً عِنْدَ الْحَاجَةِ فَتُجْعَلُ فِي يَدِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْقَضَاءِ وَإِلَّا لَا تُفِيدُ، وَسَمَّاهَا حُجَّةً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْكِتَابُ مُنْفَرِدًا عَنْ التَّذْكِيرِ وَالْبَيِّنَةُ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهَا تَئُولُ إلَيْهَا بِالتَّذْكِيرِ. ثُمَّ الْبَيَاضُ: أَيْ الَّذِي كُتِبَ فِيهِ الْحَادِثَةُ وَرَقًا كَانَ أَوْ رِقًّا لَا يَخْلُو عَنْ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ: إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ مِنْ مَالِ الْخُصُومِ، أَوْ مِنْ مَالِ الْقَاضِي الْأَوَّلِ؛ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَوَجْهُ تَسْلِيمِ الْقَاضِي إيَّاهُ ظَاهِرٌ، وَكَذَا إذَا كَانَ مِنْ مَالِ الْخُصُومِ فِي الصَّحِيحِ

لِأَنَّهُمْ وَضَعُوهَا فِي يَدِهِ لِعَمَلِهِ وَقَدْ انْتَقَلَ إلَى الْمُوَلَّى، وَكَذَا إذَا كَانَ مِنْ مَالِ الْقَاضِي هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ اتَّخَذَهُ تَدَيُّنًا لَا تَمَوُّلًا، وَيَبْعَثُ أَمِينَيْنِ لِيَقْبِضَاهَا بِحَضْرَةِ الْمَعْزُولِ أَوْ أَمِينِهِ وَيَسْأَلَانِهِ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَيَجْعَلَانِ كُلَّ نَوْعٍ مِنْهَا فِي خَرِيطَةٍ كَيْ لَا يَشْتَبِهَ عَلَى الْمُوَلَّى، وَهَذَا السُّؤَالُ لِكَشْفِ الْحَالِ لَا لِلْإِلْزَامِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ؛ لِأَنَّهُمْ وَضَعُوهَا فِي يَدِهِ لِعَمَلِهِ وَقَدْ انْتَقَلَ إلَى الْمُوَلَّى، وَكَذَا إنْ كَانَ مِنْ مَالِ الْقَاضِي هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ اتَّخَذَهُ تَدَيُّنًا لَا تَمَوُّلًا. وَقَوْلُهُ: فِي الصَّحِيحِ فِي الصُّورَتَيْنِ احْتِرَازٌ عَمَّا قَالَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إنَّ الْبَيَاضَ إذَا كَانَ مِنْ مَالِ الْخُصُومِ أَوْ مَالِ الْقَاضِي لَا يُجْبَرُ الْمَعْزُولُ عَلَى دَفْعِهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ أَوْ وُهِبَ لَهُ، وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ فِيهِمَا مَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: وَيَبْعَثُ أَمِينَيْنِ) بَيَانٌ لِكَيْفِيَّةِ التَّسْلِيمِ وَهُوَ أَنْ يَبْعَثَ الْمُتَوَلِّي رَجُلَيْنِ مِنْ ثِقَاتِهِ وَهُوَ أَحْوَطُ، وَالْوَاحِدُ يَكْفِي (فَيَقْبِضَاهَا بِحَضْرَةِ الْمَعْزُولِ أَوْ أَمِينِهِ يَسْأَلَانِهِ شَيْئًا فَشَيْئًا وَيَجْعَلَانِ كُلَّ نَوْعٍ فِي خَرِيطَةٍ عَلَى حِدَةٍ كَيْ لَا يَشْتَبِهَ عَلَى الْمُوَلَّى) وَهَذَا؛ لِأَنَّ السِّجِلَّاتِ وَغَيْرَهَا لَمَّا كَانَتْ مَوْضُوعَةً فِي الْخَرَائِطِ بِيَدِ الْمَعْزُولِ رُبَّمَا لَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَقْتَ الطَّلَبِ، وَأَمَّا الْمُوَلَّى فَلَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ عَهْدٌ بِذَلِكَ، فَإِنْ تُرِكَتْ مُجْتَمَعَةً تَشْتَبِهُ عَلَى الْمُوَلَّى فَلَا يَتَّصِلُ إلَى الْمَقْصُودِ وَقْتَ الْحَاجَةِ أَوْ يَتَعَسَّرُ عَلَيْهِ ذَلِكَ (وَهَذَا السُّؤَالُ) أَيْ سُؤَالُ الْمَعْزُولِ (لِكَشْفِ الْحَالِ لَا لِلْإِلْزَامِ) فَإِنَّهُ بِالْعَزْلِ اُلْتُحِقَ بِوَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا فَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ حُجَّةً، وَمَتَى قَبَضَا ذَلِكَ يَخْتِمَانِ عَلَى ذَلِكَ احْتِرَازًا عَنْ الزِّيَادَةِ. قِيلَ قَوْلُهُ: وَهَذَا السُّؤَالُ لِكَشْفِ الْحَالِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّؤَالَ بِمَعْنَى الِاسْتِعْلَامِ وَهُوَ يَتَعَدَّى إلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي بِعَنْ وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَفْعُولَ الثَّانِيَ مَحْذُوفٌ وَتَقْدِيرُهُ وَيَسْأَلَانِ الْمَعْزُولَ عَنْ أَحْوَالِ السِّجِلَّاتِ وَغَيْرِهَا. وَقَوْلُهُ: شَيْئًا فَشَيْئًا مَنْصُوبٌ بِعَامِلٍ مُضْمَرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَيَسْأَلَانِهِ: أَيْ يَسْأَلَانِ شَيْئًا فَشَيْئًا عَنْهَا، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الثَّانِي كَالْكَلَامِ فِي الْأَوَّلِ، وَالْأَوْلَى

قَالَ (وَيَنْظُرُ فِي حَالِ الْمَحْبُوسِينَ) لِأَنَّهُ نُصِّبَ نَاظِرًا (فَمَنْ اعْتَرَفَ بِحَقٍّ أَلْزَمَهُ إيَّاهُ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مُلْزِمٌ (وَمَنْ أَنْكَرَ لَمْ يَقْبَلْ قَوْلَ الْمَعْزُولِ عَلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّهُ بِالْعَزْلِ الْتَحَقَ بِالرَّعَايَا، وَشَهَادَةُ الْفَرْدِ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ (فَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ لَمْ يُعَجِّلْ بِتَخْلِيَتِهِ حَتَّى يُنَادَى عَلَيْهِ وَيَنْظُرَ فِي أَمْرِهِ) لِأَنَّ فِعْلَ الْقَاضِي الْمَعْزُولِ حَقٌّ ظَاهِرٌ فَلَا يُعَجِّلُ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يُجْعَلَ حَالًا بِمَعْنَى مُفَصَّلًا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَبَيَّنْت لَهُ حِسَابَهُ بَابًا بَابًا. قَالَ (وَيَنْظُرُ الْمُوَلَّى فِي حَالِ الْمَحْبُوسِينَ) بِأَنْ يَبْعَثَ إلَى الْحَبْسِ مَنْ يُحْصِيهِمْ وَيَأْتِيهِ بِأَسْمَائِهِمْ وَيَسْأَلُ الْمَحْبُوسِينَ عَنْ سَبَبِ حَبْسِهِمْ (لِأَنَّهُ نُصِّبَ نَاظِرًا) لِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَوْلُ الْمَعْزُولِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ لِمَا تَقَدَّمَ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّفَحُّصِ عَنْ أَحْوَالِهِمْ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ خُصُومِهِمْ (فَمَنْ اعْتَرَفَ بِحَقٍّ أَلْزَمَهُ إيَّاهُ) وَحَبَسَهُ إذَا طَلَبَ الْخَصْمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ وَلَيَّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ: أَيْ حَبْسَهُ (وَمَنْ أَنْكَرَ) مَا يُوجِبُ الْحَبْسَ (لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْمَعْزُولِ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا، وَشَهَادَةُ الْفَرْدِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ) فَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِالْحَقِّ وَالْقَاضِي يَعْرِفُ عَدَالَةَ الشُّهُودِ رَدَّهُمْ إلَى الْحَبْسِ لِقِيَامِ الْحُجَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُمْ يَسْأَلُ عَنْ الشُّهُودِ فَإِنْ عُدِّلُوا فَكَذَلِكَ (وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ) أَوْ لَمْ يَحْضُرْ خَصْمٌ وَادَّعَى الْمَحْبُوسُ أَنْ لَا خَصْمَ لَهُ وَهُوَ مَحْبُوسٌ بِغَيْرِ حَقٍّ (لَمْ يُعَجِّلْ بِتَخْلِيَتِهِ حَتَّى يُنَادَى عَلَيْهِ) أَيَّامًا إذَا جَلَسَ يَقُولُ الْمُنَادِي إنَّ الْقَاضِيَ يَقُولُ مَنْ كَانَ يُطَالِبُ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ الْمَحْبُوسَ الْفُلَانِيَّ خَصْمَهُ فَلْيَحْضُرْ، فَإِنْ حَضَرَ وَإِلَّا فَمَنْ رَأَى الْقَاضِي أَنْ يُطْلِقَهُ، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ لِرَجُلٍ مِنْهُمْ خَصْمٌ أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ وَأَطْلَقَهُ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمَعْزُولِ حَقٌّ ظَاهِرٌ فَلَا يُعَجَّلُ بِالتَّخْلِيَةِ وَيَسْتَظْهِرُ أَمْرَهُ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ خَصْمٌ غَائِبٌ يَدَّعِي عَلَيْهِ إذَا حَضَرَ. وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ هُنَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ حَيْثُ لَا يَأْخُذُ هُنَاكَ كَفِيلًا عَلَى مَا سَيَجِيءُ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْقِسْمَةِ الْحَقَّ لِلْوَارِثِ الْحَاضِرِ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ وَفِي ثُبُوتِهِ لِغَيْرِهِ شَكٌّ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْمُحَقَّقِ لِأَمْرٍ مَوْهُومٍ.

(وَيَنْظُرُ فِي الْوَدَائِعِ وَارْتِفَاعِ الْوُقُوفِ فَيَعْمَلُ فِيهِ عَلَى مَا تَقُومُ بِهِ الْبَيِّنَةُ أَوْ يَعْتَرِفُ بِهِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ) لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ حُجَّةٌ. (وَلَا يَقْبَلُ قَوْلَ الْمَعْزُولِ) لِمَا بَيَّنَّا (إلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ أَنَّ الْمَعْزُولَ سَلَّمَهَا إلَيْهِ فَيَقْبَلُ قَوْلَهُ فِيهَا) لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ أَنَّ الْيَدَ كَانَتْ لِلْقَاضِي فَيَصِحُّ إقْرَارُ الْقَاضِي كَأَنَّهُ فِي يَدِهِ فِي الْحَالِ، إلَّا إذَا بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ لِغَيْرِهِ ثُمَّ أَقَرَّ بِتَسْلِيمِ الْقَاضِي فَيُسَلِّمُ مَا فِي يَدِهِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ لِسَبْقِ حَقِّهِ وَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِلْقَاضِي بِإِقْرَارِهِ الثَّانِي وَيُسَلَّمُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا هَاهُنَا فَإِنَّ الْحَقَّ لِلْغَائِبِ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ نَظَرًا إلَى ظَاهِرِ حَالِ الْمَعْزُولِ لَكِنَّهُ مَجْهُولٌ فَلَا تَكُونُ الْكَفَالَةُ لِأَمْرٍ مَوْهُومٍ وَقِيلَ أَخْذُ الْكَفِيلِ هَاهُنَا أَيْضًا عَلَى الْخِلَافِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى فَرْقٍ. وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ: الصَّحِيحُ أَنَّ أَخْذَ الْكَفِيلِ هَاهُنَا بِالِاتِّفَاقِ، فَالْفَرْقُ الْمَذْكُورُ يَكُونُ مُحْتَاجًا إلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ: لَا كَفِيلَ لِي أَوْ لَا أُعْطِي كَفِيلًا، فَإِنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيَّ شَيْءٌ نَادَى عَلَيْهِ شَهْرًا ثُمَّ خَلَّاهُ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْكَفِيلِ كَانَ احْتِيَاطًا، فَإِذَا امْتَنَعَ احْتَاطَ بِوَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ يَحْصُلُ بِالنِّدَاءِ عَلَيْهِ شَهْرًا. (وَيَنْظُرُ الْمُوَلَّى فِي الْوَدَائِعِ وَارْتِفَاعِ الْوُقُوفِ) ؛ لِأَنَّهُ نُصِّبَ نَاظِرًا فِي أُمُورِ النَّاسِ (فَيَعْمَلُ فِي الْمَذْكُورِ عَلَى) حَسَبِ (مَا تَقُومُ بِهِ الْبَيِّنَةُ أَوْ بِاعْتِرَافِ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِعَمَلِهِ مِنْ حُجَّةٍ (وَكُلُّ ذَلِكَ حُجَّةٌ) . (وَلَا يَقْبَلُ قَوْلَ الْمَعْزُولِ فِيهِ لِمَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ إلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ ذُو الْيَدِ أَنَّ الْمَعْزُولَ سَلَّمَهَا إلَيْهِ فَيُقْبَلُ فِيهَا قَوْلُ الْمَعْزُولِ؛ لِأَنَّهُ بِإِقْرَارِ ذِي الْيَدِ ثَبَتَ أَنَّ الْيَدَ كَانَتْ لِلْمَعْزُولِ فَيَصِحُّ إقْرَارُ الْمَعْزُولِ بِهِ كَأَنَّهُ بِيَدِهِ لِلْحَالِ) وَلَوْ كَانَ بِيَدِهِ عِيَانًا صَحَّ إقْرَارُهُ بِهِ، فَكَذَا إذَا كَانَ بِيَدِ مُودَعِهِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُودَعِ كَيَدِ الْمُودِعِ (إلَّا إذَا بَدَأَ ذُو الْيَدِ بِالْإِقْرَارِ لِغَيْرِ مَنْ أَقَرَّ لَهُ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يُسَلَّمُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ لِسَبْقِ حَقِّهِ ثُمَّ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِلْقَاضِي بِإِقْرَارِهِ الثَّانِي وَيُسَلَّمُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي) وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQخَمْسَةِ أَوْجُهٍ: وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْ بِيَدِهِ الْمَالُ إمَّا أَنْ يُقِرَّ بِشَيْءٍ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ الْمَعْزُولُ أَوْ يَجْحَدَ كُلَّهُ، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: وَلَا يَجِبُ بِقَوْلِ الْمَعْزُولِ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَإِمَّا أَنْ يَقُولَ دَفَعَهُ الْقَاضِي إلَيَّ وَهُوَ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ مَنْ أَقَرَّ لَهُ الْقَاضِي وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ أَوَّلًا بِتَعْلِيلِهِ وَإِمَّا أَنْ يَقُولَ دَفَعَهُ الْقَاضِي إلَيَّ وَلَا أَدْرِي لِمَنْ هُوَ وَحُكْمُهُ كَحُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَالتَّعْلِيلِ كَتَعْلِيلِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَقُولَ دَفَعَهُ إلَيَّ الْقَاضِي الْمَعْزُولُ وَهُوَ لِفُلَانٍ غَيْرِ مَنْ أَقَرَّ لَهُ الْقَاضِي وَحُكْمُهُ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَدَأَ بِالدَّفْعِ مِنْ الْقَاضِي فَقَدْ أَقَرَّ بِالْيَدِ لَهُ فَصَارَ كَأَنَّ الْمَالَ فِي يَدِهِ لِمَا مَرَّ؛ ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ لِفُلَانٍ وَهُوَ لَا يَصِحُّ، وَإِمَّا أَنْ يَقُولَ هُوَ لِفُلَانٍ غَيْرِ مَنْ أَقَرَّ لَهُ الْقَاضِي وَدَفَعَهُ إلَيَّ الْقَاضِي وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ آخِرًا وَحُكْمُهُ أَنَّ الْمَالَ يُسَلَّمُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ أَوَّلًا لِسَبْقِ حَقِّهِ ثُمَّ يَضْمَنُ مِثْلَهُ لِلْقَاضِي بِإِقْرَارِهِ الثَّانِي وَيُسَلَّمُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَقِيمَتُهُ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ الْأَوَّلَ لَمَّا صَحَّ وَجَبَ تَسْلِيمُ الْمَالِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ، وَإِذَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ دَفَعَهُ إلَيَّ الْقَاضِي وَهُوَ يَقُولُ لِفُلَانٍ آخَرَ فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّ الْيَدَ كَانَتْ لِلْقَاضِي، وَبِإِقْرَارِهِ لِغَيْرِ مَنْ أَقَرَّ لَهُ الْقَاضِي أَتْلَفَ الْمَالَ عَلَى مَنْ أَقَرَّ لَهُ الْقَاضِي فَكَانَ ضَامِنًا لِلْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ. كَذَا نَقَلَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَغَيْرُهُ عَنْ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَغَيْرِهِ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ الْأَوَّلَ إمَّا أَنْ يُبْطِلَ مَا بَعْدَهُ أَوْ لَا، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ التَّقْدِيرَيْنِ يَلْزَمُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ مَا بَدَأَ ذُو الْيَدِ بِالدَّفْعِ مِنْ الْقَاضِي وَبَيْنَ مَا بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ لِلْغَيْرِ لِشُمُولِ الضَّمَانِ أَوْ لِشُمُولِ الْعَدَمِ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا ذَكَرَ الضَّمَانَ لِلْمُقَرِّ لَهُ ثَانِيًا فِي الْوَجْهِ الرَّابِعِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْإِقْرَارَ الْأَوَّلَ إنْ كَانَ بِالْيَدِ يَخْتَارُ إبْطَالَ مَا بَعْدَهُ وَإِلَّا فَلَا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مِمَّنْ لَا يَدَ لَهُ لِصُدُورِهِ عَنْ الْأَجْنَبِيِّ عَنْ الْمُقِرِّ بِهِ فَاسِدٌ، فَإِذَا أَقَرَّ بِالْيَدِ الشَّخْصُ ثُمَّ أَقَرَّ بَعْدَهُ بِالْمِلْكِ لِغَيْرِهِ بَطَلَ إقْرَارُهُ الثَّانِي لِصُدُورِهِ عَمَّنْ لَا يَمْلِكُهُ وَإِذَا أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لِغَيْرِهِ بِمَا فِي يَدِهِ صَحَّ إقْرَارُهُ ثُمَّ بِالْإِقْرَارِ بِالْيَدِ لِغَيْرِهِ يُرِيدُ أَنْ يُبْطِلَ الْأَوَّلَ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ إقْرَارًا فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَلَكِنَّهُ يُسْمَعُ فِي حَقِّ الْمُودِعِ لِكَوْنِهِ

قَالَ (وَيَجْلِسُ لِلْحُكْمِ جُلُوسًا ظَاهِرًا فِي الْمَسْجِدِ) كَيْ لَا يَشْتَبِهَ مَكَانُهُ عَلَى الْغُرَبَاءِ وَبَعْضِ الْمُقِيمِينَ، وَالْمَسْجِدُ الْجَامِعُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَشْهَرُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُكْرَهُ الْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ لِلْقَضَاءِ لِأَنَّهُ يَحْضُرُهُ الْمُشْرِكُ وَهُوَ نَجَسٌ بِالنَّصِّ وَالْحَائِضُ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ عَنْ دُخُولِهِ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا بُنِيَتْ الْمَسَاجِدُ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْحُكْمِ» . «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْصِلُ الْخُصُومَةَ فِي مُعْتَكَفِهِ» وَكَذَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ كَانُوا يَجْلِسُونَ فِي الْمَسَاجِدِ لِفَصْلِ الْخُصُومَاتِ، وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ عِبَادَةٌ فَيَجُوزُ إقَامَتُهَا فِي الْمَسْجِدِ كَالصَّلَاةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإقْرَارًا عَلَى نَفْسِهِ بِإِتْلَافِ حَقِّهِ بِإِقْرَارِهِ لِغَيْرِهِ فِي وَقْتٍ يُسْمَعُ مِنْهُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (وَيَجْلِسُ لِلْحُكْمِ جُلُوسًا ظَاهِرًا فِي الْمَسْجِدِ إلَخْ) الْحَاكِمُ يَجْلِسُ لِلْقَضَاءِ جُلُوسًا ظَاهِرًا فِي الْمَسْجِدِ كَيْ لَا يَتَسَتَّرَ مَكَانُهُ عَنْ الْغُرَبَاءِ وَبَعْضِ الْمُقِيمِينَ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ: وَالْمَسْجِدُ الْجَامِعُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَشْهَرُ وَأَرْفَقُ بِالنَّاسِ. قَالَ الْإِمَامُ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ: هَذَا إذَا كَانَ الْجَامِعُ فِي وَسَطِ الْبَلْدَةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي طَرَفٍ مِنْهَا يَخْتَارُ مَسْجِدًا فِي وَسَطِهَا كَيْ لَا يَلْحَقَ بَعْضَ الْخُصُومِ زِيَادَةُ مَشَقَّةٍ بِالذَّهَابِ إلَيْهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُكْرَهُ الْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ لِفَصْلِ الْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّهُ يَحْضُرُهُ الْمُشْرِكُ وَهُوَ نَجِسٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] وَيَحْضُرُهُ الْحَائِضُ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ عَنْ الدُّخُولِ فِي الْمَسْجِدِ. وَفَصَّلَ مَالِكٌ بَيْنَ مَا كَانَ الْحَاكِمُ فِي الْمَسْجِدِ فَيَتَقَدَّمُ إلَيْهِ الْخَصْمَانِ وَبَيْنَ الذَّهَابِ إلَيْهِ لِفَصْلِ الْخُصُومَةِ، وَلَمْ يَكْرَهْ الْأَوَّلَ وَكَرِهَ الثَّانِيَ. وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّمَا بُنِيَتْ الْمَسَاجِدُ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْحُكْمِ» وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْصِلُ الْخُصُومَةَ فِي مُعْتَكَفِهِ وَكَذَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ كَانُوا يَجْلِسُونَ فِي الْمَسَاجِدِ

وَنَجَاسَةُ الْمُشْرِكِ فِي اعْتِقَادِهِ لَا فِي ظَاهِرِهِ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ دُخُولِهِ، وَالْحَائِضُ تُخْبِرُ بِحَالِهَا فَيَخْرُجُ الْقَاضِي إلَيْهَا أَوْ إلَى بَابِ الْمَسْجِدِ أَوْ يَبْعَثُ مَنْ يَفْصِلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ خَصْمِهَا كَمَا إذَا كَانَتْ الْخُصُومَةُ فِي الدَّابَّةِ. وَلَوْ جَلَسَ فِي دَارِهِ لَا بَأْسَ بِهِ وَيَأْذَنُ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ فِيهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِفَصْلِ الْخُصُومَاتِ، وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْحَقِّ مِنْ أَشْرَفِ الْعِبَادَاتِ فَيَجُوزُ فِي الْمَسَاجِدِ كَالصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: وَنَجَاسَةُ الْمُشْرِكِ) جَوَابٌ عَنْ دَلِيلِ الشَّافِعِيِّ. وَتَقْرِيرُهُ: نَجَاسَةُ الْمُشْرِكِ فِي اعْتِقَادِهِ لَا فِي ظَاهِرِهِ فَإِنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُنْزِلُ الْوُفُودَ فِي الْمَسْجِدِ (فَلَا يُمْنَعُ مِنْ دُخُولِهِ) إذْ لَا يُصِيبُ الْأَرْضَ مِنْهُ شَيْءٌ (وَالْحَائِضُ تُخْبِرُ بِحَالِهَا فَيَخْرُجُ الْقَاضِي إلَيْهَا أَوْ إلَى بَابِ الْمَسْجِدِ أَوْ يَبْعَثُ الْقَاضِي مَنْ يَفْصِلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ خَصْمِهَا) كَمَا إذَا كَانَتْ الْخُصُومَةُ فِي الدَّابَّةِ. فَإِنْ قِيلَ: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْحَائِضُ غَيْرَ مُسْلِمَةٍ لَا تَعْتَقِدُ حُرْمَةَ الدُّخُولِ فِي الْمَسْجِدِ فَتُخْبِرُ عَنْ حَالِهَا. قُلْنَا: الْكُفَّارُ لَيْسُوا بِمُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرَائِعِ فَلَا بَأْسَ بِدُخُولِهَا (وَلَوْ جَلَسَ الْقَاضِي فِي دَارِهِ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ) قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: إذَا كَانَتْ دَارُهُ فِي وَسَطِ الْبَلْدَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، فَإِذَا جَلَسَ فِيهَا يَأْذَنُ لِلنَّاسِ فِي الدُّخُولِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ

وَيَجْلِسُ مَعَهُ مَنْ كَانَ يَجْلِسُ قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّ فِي جُلُوسِهِ وَحْدَهُ تُهْمَةً. قَالَ (وَلَا يَقْبَلُ هَدِيَّةً إلَّا مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ أَوْ مِمَّنْ جَرَتْ عَادَتُهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِمُهَادَاتِهِ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ صِلَةُ الرَّحِمِ وَالثَّانِيَ لَيْسَ لِلْقَضَاءِ بَلْ جَرَى عَلَى الْعَادَةِ، وَفِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ يَصِيرُ آكِلًا بِقَضَائِهِ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ لِلْقَرِيبِ خُصُومَةٌ لَا يَقْبَلُ هَدِيَّتَهُ، وَكَذَا إذَا زَادَ الْمُهْدِي عَلَى الْمُعْتَادِ أَوْ كَانَتْ لَهُ خُصُومَةٌ لِأَنَّهُ لِأَجْلِ الْقَضَاءِ فَيَتَحَامَاهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِكُلِّ أَحَدٍ حَقًّا فِي مَجْلِسِهِ (وَيَجْلِسُ مَعَهُ مَنْ كَانَ يَجْلِسُ مَعَهُ لَوْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ) حَتَّى يَكُونَ أَبْعَدَ مِنْ التُّهْمَةِ (إذْ فِي الْجُلُوسِ وَحْدَهُ تُهْمَةٌ) الظُّلْمِ وَأَخْذِ الرِّشْوَةِ. قَالَ (وَلَا يَقْبَلُ: هَدِيَّةً إلَّا مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ إلَخْ) الْحَاكِمُ لَا يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ إلَّا مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ لَهُ أَوْ مِمَّنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِالْمُهَادَاةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ. أَمَّا أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ فَلِأَنَّهُ مِنْ جَوَالِبِ الْقَضَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى صِفَةِ الْمُسْتَثْنَى وَهُوَ حَرَامٌ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ بِإِسْنَادِهِ إلَى عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنْ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لَا» وَاسْتَعْمَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَدِمَ بِمَالٍ فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ لَك هَذَا؟ فَقَالَ: تَنَاتَجَتْ الْخُيُولُ وَتَلَاحَقَتْ الْهَدَايَا، فَقَالَ: أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ هَلَّا قَعَدْت فِي بَيْتِك فَتَنْظُرُ أَيُهْدَى إلَيْك أَمْ لَا؟

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَأَخَذَ ذَلِكَ مِنْهُ وَجَعَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. فَعَرَفْنَا أَنَّ قَبُولَ الْهَدِيَّةِ مِنْ الرِّشْوَةِ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ. وَأَمَّا الْقَبُولُ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ وَلَا خُصُومَةَ لَهُ فَإِنَّهُ مِنْ جَوَالِبِ الْقَرَابَةِ، وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَى صِلَةِ الرَّحِمِ وَفِي الرَّدِّ مَعْنَى الْقَطِيعَةِ وَهُوَ حَرَامٌ. وَلَفْظُ الْكِتَابِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا مُهَادَاةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَأَنْ لَا يَكُونَ. وَعِبَارَةُ النِّهَايَةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُهَادَاةَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْقَضَاءِ شَرْطُ قَبُولِهَا كَالْأَجْنَبِيِّ، وَأَمَّا الْقَبُولُ مِمَّنْ جَرَتْ عَادَتُهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِمُهَادَاتِهِ وَلَمْ يَزِدْ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِأَكْلٍ عَلَى الْقَضَاءِ بَلْ هُوَ جَرَى عَلَى الْعَادَةِ حَيْثُ لَمْ يَزِدْ عَلَى الْمُعْتَادِ وَلَيْسَ لَهُ خُصُومَةٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُهْدِيَ لِلْقَاضِي إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَا خُصُومَةٍ أَوْ لَا، وَالْأَوَّلُ لَا يَجُوزُ قَبُولُ هَدَيْته مُطْلَقًا: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ قَرِيبًا أَوْ مُهَادِيًا قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ لَمْ يَكُنْ. وَالثَّانِي إمَّا أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا أَوْ مِمَّنْ جَرَتْ لَهُ الْعَادَةُ بِذَلِكَ أَوْ لَا، وَالثَّانِي كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَكْلٌ بِالْقَضَاءِ فَيَتَحَامَاهُ، وَالْأَوَّلُ يَجُوزُ قَبُولُهُ إنْ لَمْ يَزِدْ مَنْ لَهُ الْعَادَةُ عَلَى الْمُعْتَادِ. وَقَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: إنْ زَادَ عَلَى الْمُعْتَادِ عِنْدَمَا ازْدَادَ مَا لَا يَقْدِرُ مَا زَادَ فِي الْمَالِ لَا بَأْسَ بِقَبُولِهِ، ثُمَّ إنْ أَخَذَ الْقَاضِي مَا لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ مَاذَا يَصْنَعُ بِهِ؟ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فَبَعْضُهُمْ قَالُوا: يَضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَعَامَّتُهُمْ قَالُوا: يَرُدُّهَا عَلَى أَرْبَابِهَا إنْ عَرَفَهُمْ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُمْ أَوْ يَعْرِفُهُمْ إلَّا أَنَّ الرَّدَّ يَتَعَذَّرُ لِبُعْدِهِمْ يَضَعُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ اللُّقَطَةِ، وَإِنَّمَا يَضَعُهَا فِي بَيْتِ

وَلَا يَحْضُرُ دَعْوَةً إلَّا أَنْ تَكُونَ عَامَّةً لِأَنَّ الْخَاصَّةَ لِأَجْلِ الْقَضَاءِ فَيُتَّهَمُ بِالْإِجَابَةِ، بِخِلَافِ الْعَامَّةِ، وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْجَوَابِ قَرِيبُهُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُجِيبُهُ وَإِنْ كَانَتْ خَاصَّةً كَالْهَدِيَّةِ، وَالْخَاصَّةُ مَا لَوْ عَلِمَ الْمُضِيفُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْضُرُهَا لَا يَتَّخِذُهَا. قَالَ (وَيَشْهَدُ الْجِنَازَةَ وَيَعُودُ الْمَرِيضَ) لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُهْدِيَ إلَيْهِ لِعَمَلِهِ وَهُوَ فِي هَذَا الْعَمَلِ نَائِبٌ عَنْ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَتْ الْهَدَايَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لَهُمْ. (وَلَا يَحْضُرُ الْقَاضِي دَعْوَةً إلَّا أَنْ تَكُونَ عَامَّةً) قِيلَ وَهِيَ مَا تَكُونُ فَوْقَ الْعَشَرَةِ وَمَا دُونَهُ خَاصَّةٌ، وَقِيلَ دَعْوَةُ الْعُرْسِ وَالْخِتَانِ عَامَّةٌ وَمَا سِوَى ذَلِكَ خَاصَّةٌ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الدَّعْوَةَ الْخَاصَّةَ هِيَ مَا لَوْ عَلِمَ الْمُضِيفُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْضُرُهَا لَا يَتَّخِذُهَا، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِطْلَاقُ لَفْظِ الْقُدُورِيِّ لَا يَفْصِلُ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّهُ يُجِيبُ دَعْوَةَ الْقَرِيبِ وَإِنْ كَانَتْ خَاصَّةً كَالْهَدِيَّةِ، وَقِيلَ فِي الْفَرْقِ لَهُمَا بَيْنَ الضِّيَافَةِ وَالْهَدِيَّةِ حَيْثُ جَوَّزَا قَبُولَ هَدِيَّةِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَلَمْ يُجَوِّزَا حُضُورَ دَعْوَتِهِ أَنَّ مَا قَالُوا فِي الضِّيَافَةِ مَحْمُولٌ عَلَى قَرِيبٍ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا دَعْوَةٌ وَلَا مُهَادَاةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَإِنَّمَا أُحْدِثَ بَعْدَهُ، وَمَا ذَكَرُوا فِي الْهَدِيَّةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مُهَادَاةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ صِلَةً لِلرَّحِمِ. وَذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْيُسْرِ: إذَا كَانَتْ الدَّعْوَةُ عَامَّةً، وَالْمُضِيفُ خَصْمٌ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُجِيبَ الْقَاضِي دَعْوَتَهُ، وَإِنْ كَانَتْ عَامَّةً؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إيذَاءِ الْخَصْمِ الْآخَرِ أَوْ إلَى التُّهْمَةِ. قَالَ (وَيَشْهَدُ الْجِنَازَةَ وَيَعُودُ الْمَرِيضَ إلَخْ) الْحَاكِمُ يَشْهَدُ الْجِنَازَةَ وَيَعُودُ الْمَرِيضَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتَّةُ حُقُوقٍ» رَوَى أَبُو أَيُّوبَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتُّ خِصَالٍ وَاجِبَةٌ، إنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْهَا فَقَدْ تَرَكَ حَقًّا

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتَّةُ حُقُوقٍ» وَعَدَّ مِنْهَا هَذَيْنِ. (وَلَا يُضَيِّفُ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ دُونَ خَصْمِهِ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ فِيهِ تُهْمَةً. قَالَ (وَإِذَا حَضَرَا سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْجُلُوسِ وَالْإِقْبَالِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاجِبًا عَلَيْهِ: إذَا دَعَاهُ أَنْ يُجِيبَهُ، وَإِذَا مَرِضَ أَنْ يَعُودَهُ، وَإِذَا مَاتَ أَنْ يَحْضُرَهُ، وَإِذَا لَقِيَهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَهُ أَنْ يَنْصَحَهُ، وَإِذَا عَطَسَ أَنْ يُشَمِّتَهُ» كَذَا فِي تَنْبِيهِ الْغَافِلِينَ (وَلَا يُضَيِّفُ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ ذَلِكَ) رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: «نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُضَيِّفَ الْخَصْمَ إلَّا أَنْ يَكُونَ خَصْمُهُ مَعَهُ» (وَلِأَنَّ الضِّيَافَةَ وَالْخَلْوَةَ تُورِثُ التُّهْمَةَ) قَالَ (وَإِذَا حَضَرَا سَوَّى بَيْنَهُمَا إلَخْ) إذَا حَضَرَ الْخَصْمَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَنْ وَلَّاهُ وَالْآخَرُ فَقِيرًا أَوْ كَانَا أَبَا وَابْنًا يُسَوِّي بَيْنَهُمَا فِي الْمَجْلِسِ فَيَجْلِسَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَجْلَسَهُمَا فِي جَانِبٍ وَاحِدٍ كَانَ أَحَدُهُمَا أَقْرَبَ إلَى الْقَاضِي فَتَفُوتُ التَّسْوِيَةُ، وَلَوْ أَجْلَسَ أَحَدَهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ فَكَذَلِكَ لِفَضْلِ الْيَمِينِ، وَإِنْ خَاصَمَ رَجُلٌ السُّلْطَانَ إلَى الْقَاضِي فَجَلَسَ السُّلْطَانُ مَعَ الْقَاضِي فِي مَجْلِسِهِ وَالْخَصْمُ عَلَى الْأَرْضِ يَقُومُ الْقَاضِي مِنْ مَكَانِهِ وَيُجْلِسُ الْخَصْمَ فِيهِ وَيَقْعُدُ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَقْضِي بَيْنَهُمَا كَيْ لَا يَكُونَ مُفَضِّلًا لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى مَنْ وَلَّاهُ، وَكَذَلِكَ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا فِي الْإِقْبَالِ وَهُوَ التَّوَجُّهُ وَالنَّظَرُ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اُبْتُلِيَ أَحَدُكُمْ بِالْقَضَاءِ فَلْيُسَوِّ بَيْنَهُمْ فِي الْمَجْلِسِ وَالْإِشَارَةِ وَالنَّظَرِ» (وَلَا يُسَارَّ أَحَدَهُمَا وَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ وَلَا يُلَقِّنُهُ حُجَّةً) لِلتُّهْمَةِ وَلِأَنَّ فِيهِ مَكْسَرَةً لِقَلْبِ الْآخَرِ فَيَتْرُكُ حَقَّهُ (وَلَا يَضْحَكُ فِي وَجْهِ أَحَدِهِمَا) لِأَنَّهُ يَجْتَرِئُ عَلَى خَصْمِهِ (وَلَا يُمَازِحُهُمْ وَلَا وَاحِدًا مِنْهُمْ) لِأَنَّهُ يُذْهِبُ بِمَهَابَةِ الْقَضَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ «إذَا اُبْتُلِيَ أَحَدُكُمْ بِالْقَضَاءِ فَلْيُسَوِّ بَيْنَهُمْ فِي الْمَجْلِسِ وَالْإِشَارَةِ وَالنَّظَرِ» قَالَ (وَلَا يُسَارُّ أَحَدَهُمَا وَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ) لَا يُكَلِّمُ الْقَاضِي أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ سِرًّا وَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ لَا بِيَدِهِ وَلَا بِرَأْسِهِ وَلَا بِحَاجِبِهِ (وَلَا يُلَقِّنُهُ حُجَّةً وَلَا يَضْحَكُ فِي وَجْهِهِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ تُهْمَةً) وَعَلَيْهِ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا (وَلِأَنَّ فِيهِ مَكْسَرَةٌ لِقَلْبِ الْآخَرِ فَيُنَحِّيهِ عَنْ طَلَبِ حَقِّهِ فَيَتْرُكُهُ) وَفِيهِ اجْتِرَاءُ مَنْ فَعَلَ بِهِ ذَلِكَ عَلَى خَصْمِهِ (وَلَا يُمَازِحُهُمْ وَلَا وَاحِدًا مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ يَذْهَبُ بِمَهَابَةِ الْقَضَاءِ) وَيَنْبَغِي أَنْ يُقِيمَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَجُلًا يَمْنَعُ النَّاسَ عَنْ التَّقَدُّمِ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ وَيَمْنَعُهُمْ عَنْ إسَاءَةِ الْأَدَبِ، وَيُقَالُ لَهُ صَاحِبَ الْمَجْلِسِ وَالشُّرَطِ وَالْعَرِيفَ وَالْجِلْوَازَ مِنْ الْجَلْوَزَةِ وَهِيَ الْمَنْعُ، وَيَكُونُ مَعَهُ سَوْطٌ يَجْلِسُ الْخَصْمَيْنِ بِمِقْدَارِ ذِرَاعَيْنِ مِنْ الْقَاضِي

قَالَ (وَيُكْرَهُ تَلْقِينُ الشَّاهِدِ) وَمَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ أَتَشْهَدُ بِكَذَا وَكَذَا، وَهَذَا لِأَنَّهُ إعَانَةٌ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ فَيُكْرَهُ كَتَلْقِينِ الْخَصْمِ. وَاسْتَحْسَنَهُ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التُّهْمَةِ لِأَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يَحْصُرُ لِمَهَابَةِ الْمَجْلِسِ فَكَانَ تَلْقِينُهُ إحْيَاءً لِلْحَقِّ بِمَنْزِلَةِ الْإِشْخَاصِ وَالتَّكْفِيلِ.. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَمْنَعُ مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَجْلِسِ. قَالَ (وَيُكْرَهُ تَلْقِينُ الشَّاهِدِ إلَخْ) تَلْقِينُ الشَّاهِدِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْقَاضِي مَا يَسْتَفِيدُ بِهِ الشَّاهِدُ عِلْمًا بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّهَادَةِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَتَشْهَدُ بِكَذَا وَكَذَا مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ فَيُكْرَهُ كَتَلْقِينِ الْخَصْمِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ، ثُمَّ رَجَعَ وَاسْتَحْسَنَ التَّلْقِينَ رُخْصَةً فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التُّهْمَةِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مَشْرُوعٌ لِإِحْيَاءِ حُقُوقِ النَّاسِ، وَقَدْ يُحْصَرُ الشَّاهِدُ عَنْ الْبَيَانِ لِمَهَابَةِ مَجْلِسِ الْقَاضِي فَكَانَ فِي التَّلْقِينِ إحْيَاءٌ لِلْحُقُوقِ بِمَنْزِلَةِ الْإِشْخَاصِ وَالتَّكْفِيلِ، وَأَمَّا فِي مَوْضِعِ التُّهْمَةِ مِثْلِ إنْ ادَّعَى الْمُدَّعِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُنْكِرُ خَمْسَمِائَةٍ وَشَهِدَا الشَّاهِدَانِ بِالْأَلْفِ فَالْقَاضِي إنْ قَالَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْ الْخَمْسِمِائَةِ وَاسْتَفَادَ الشَّاهِدُ عِلْمًا بِذَلِكَ وَوُفِّقَ فِي شَهَادَتِهِ كَمَا وُفِّقَ الْقَاضِي فَهَذَا لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ. وَتَأْخِيرُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُشِيرُ إلَى اخْتِيَارِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْإِشْخَاصُ هُوَ إرْسَالُ الرَّاجِلِ لِإِحْضَارِ الْخَصْمِ

[فصل في الحبس]

(فَصْلٌ فِي الْحَبْسِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الْحَبْسِ] لَمَّا كَانَ الْحَبْسُ مِنْ أَحْكَامِ الْقَضَاءِ وَتَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ أَفْرَدَهُ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: 33] فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْحَبْسُ، وَبِالسُّنَّةِ وَهُوَ مَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَبَسَ رَجُلًا بِالتُّهْمَةِ» خَلَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - سِجْنٌ، وَكَانَ يُحْبَسُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ الدِّهْلِيزِ حَيْثُ أَمْكَنَ، وَلَمَّا كَانَ زَمَنُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَحْدَثَ السِّجْنَ بَنَاهُ مِنْ قَصَبٍ وَسَمَّاهُ نَافِعًا فَنَقَبَهُ اللُّصُوصُ فَبَنَى سِجْنًا مِنْ مَدَرٍ فَسَمَّاهُ مَخِيسًا؛ وَلِأَنَّ الْقَاضِيَ نُصِّبَ لِإِيصَالِ الْحُقُوقِ إلَى مُسْتَحِقِّيهَا فَإِنْ امْتَنَعَ الْمَطْلُوبُ مِنْ أَدَاءِ حَقِّ الطَّالِبِ لَمْ يَكُنْ لِلْقَاضِي بُدٌّ مِنْ أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى الْأَدَاءِ، وَلَا خِلَافَ أَنْ لَا جَبْرَ بِالضَّرْبِ

قَالَ (وَإِذَا ثَبَتَ الْحَقُّ عِنْدَ الْقَاضِي وَطَلَبَ صَاحِبُ الْحَقِّ حَبْسَ غَرِيمِهِ لَمْ يُعَجِّلْ بِحَبْسِهِ وَأَمَرَهُ بِدَفْعِ مَا عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْحَبْسَ جَزَاءُ الْمُمَاطَلَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ ظُهُورِهَا، وَهَذَا إذَا ثَبَتَ الْحَقُّ بِإِقْرَارِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ كَوْنَهُ مُمَاطِلًا فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ فَلَعَلَّهُ طَمِعَ فِي الْإِمْهَالِ فَلَمْ يَسْتَصْحِبْ الْمَالُ، فَإِذَا امْتَنَعَ بَعْدَ ذَلِكَ حَبَسَهُ لِظُهُورِ مَطْلِهِ، أَمَّا إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ حَبَسَهُ كَمَا ثَبَتَ لِظُهُورِ الْمَطْلِ بِإِنْكَارِهِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَكُونُ بِالْحَبْسِ أَوْلَى. قَالَ (وَإِذَا ثَبَتَ الْحَقُّ عِنْدَ الْقَاضِي وَطَلَبَ صَاحِبُ الْحَقِّ حَبْسَ غَرِيمِهِ إلَخْ) إذَا ثَبَتَ الْحَقُّ عِنْدَ الْقَاضِي وَطَلَبَ صَاحِبُ الْحَقِّ حَبْسَ غَرِيمِهِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَثْبُتَ بِالْإِقْرَارِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَمْ يُعَجِّلْ بِالْحَبْسِ وَأَمَرَهُ بِدَفْعِ مَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ جَزَاءُ الْمُمَاطَلَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ ظُهُورِهَا، وَإِذَا ثَبَتَ الْحَقُّ بِإِقْرَارِهِ لَمْ يَظْهَرْ كَوْنُهُ مُمَاطِلًا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّ مِنْ حُجَّتِهِ أَنْ يَقُولَ ظَنَنْت أَنَّك تُمْهِلُنِي فَلَمْ أَسْتَصْحِبْ الْمَالَ فَإِنْ أَبَيْت أُوَفِّيك حَقَّك، فَإِنْ امْتَنَعَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ ظَهَرَ مَطْلُهُ فَيُحْبَسُ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي حَبَسَهُ كَمَا سَبَقَ لِظُهُورِ الْمُمَاطَلَةِ بِإِنْكَارِهِ. وَرُوِيَ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَكْسُ ذَلِكَ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الدَّيْنَ إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَعْتَذِرَ وَيَقُولَ مَا عَلِمْت لَهُ دَيْنًا عَلَيَّ فَإِذَا عَلِمْت الْآنَ لَا أَتَوَانِي فِي قَضَائِهِ، وَلَا يُمْكِنُهُ مِثْلُ هَذَا الِاعْتِذَارِ فِي فَصْلِ الْإِقْرَارِ، وَالْمَالُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ فِي حَقِّ الْحَبْسِ يُحْبَسُ فِي الدِّرْهَمِ وَمَا دُونَهُ؛؛ لِأَنَّ مَانِعَ ذَلِكَ ظَالِمٌ فَيُجَازَى بِهِ، وَالْمَحْبُوسُ فِي الدَّيْنِ لَا يَخْرُجُ

قَالَ (فَإِنْ امْتَنَعَ حَبَسَهُ فِي كُلِّ دَيْنٍ لَزِمَهُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ حَصَلَ فِي يَدِهِ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ أَوْ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ كَالْمَهْرِ وَالْكَفَالَةِ) لِأَنَّهُ إذَا حَصَلَ الْمَالُ فِي يَدِهِ ثَبَتَ غِنَاهُ بِهِ، وَإِقْدَامُهُ عَلَى الْتِزَامِهِ بِاخْتِيَارِهِ دَلِيلُ يَسَارِهِ إذْ هُوَ لَا يَلْتَزِمُ إلَّا مَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَهْرِ مُعَجَّلُهُ دُونَ مُؤَجَّلِهِ. قَالَ (وَلَا يَحْبِسُهُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ إذَا قَالَ إنِّي فَقِيرٌ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ غَرِيمُهُ أَنَّ لَهُ مَالًا فَيَحْبِسَهُ) لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ دَلَالَةُ الْيَسَارِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَعَلَى الْمُدَّعِي إثْبَاتُ غِنَاهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَجِيءِ رَمَضَانَ وَالْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَالْجُمُعَةِ وَصَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ وَحَجَّةِ فَرِيضَةٍ وَحُضُورِهِ جِنَازَةَ بَعْضِ أَهْلِهِ وَمَوْتِ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ إذَا كَانَ ثَمَّةَ مَنْ يُكَفِّنُهُ وَيُغَسِّلُهُ،؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْمَيِّتِ تَصِيرُ مُقَامَةً بِغَيْرِهِ، وَفِي الْخُرُوجِ تَفْوِيتُ حَقِّ الطَّالِبِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَ الْقِيَامُ بِحَقِّ الْوَالِدَيْنِ. وَلَيْسَ فِي هَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْخُرُوجِ كَثِيرُ ضَرَرٍ لِلطَّالِبِ، وَإِنْ مَرِضَ وَلَهُ خَادِمٌ لَا يَخْرُجُ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِيَضْجَرَ قَلْبُهُ فَيَتَسَارَعُ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ وَبِالْمَرَضِ يَزْدَادُ الضَّجَرُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَادِمٌ أَخْرَجُوهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يُمَرِّضُهُ رُبَّمَا يَمُوتُ بِسَبَبِهِ وَهُوَ لَيْسَ بِمُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ، وَلَوْ احْتَاجَ إلَى الْجِمَاعِ دَخَلَتْ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ أَوْ جَارِيَتُهُ فَيَطَؤُهُمَا حَيْثُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَنْ قَضَاءِ شَهْوَةِ الْبَطْنِ فَكَذَا شَهْوَةُ الْفَرْجِ. وَقِيلَ الْوَطْءُ لَيْسَ مِنْ أُصُولِ الْحَوَائِجِ فَيَجُوزُ أَنْ يُمْنَعَ بِخِلَافِ الطَّعَامِ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ دُخُولِ أَهْلِهِ وَجِيرَانِهِ عَلَيْهِ لِيُشَاوِرَهُمْ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ وَيُمْنَعُونَ مِنْ طُولِ الْمُكْثِ عِنْدَهُ. قَالَ (فَإِنْ امْتَنَعَ حَبَسَهُ فِي كُلِّ دَيْنٍ لَزِمَهُ بَدَلًا إلَخْ) فَإِنْ امْتَنَعَ الْغَرِيمُ عَنْ أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ حَبَسَهُ إذَا طَلَبَ الْخَصْمُ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ وَلَا يَسْأَلُهُ عَنْ غِنَاهُ وَفَقْرِهِ فَإِنْ ادَّعَى الْإِعْسَارَ وَأَنْكَرَهُ الْمُدَّعِي اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي قَبُولِ دَعْوَاهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُلُّ دَيْنٍ لَزِمَهُ بِعَقْدٍ كَالثَّمَنِ وَالْمَهْرِ وَالْكَفَالَةِ فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْمُدَّعِي، وَقَدْ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ هَذَا الْقَوْلَ بِقَوْلِهِ حَبَسَهُ فِي كُلِّ دَيْنٍ لَزِمَهُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ حَصَلَ فِي يَدِهِ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ أَوْ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ كَالْمَهْرِ وَالْكَفَالَةِ، وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَصَلَ الْمَالُ فِي يَدِهِ ثَبَتَ غِنَاهُ بِهِ وَزَوَالُهُ عَنْ الْمِلْكِ مُحْتَمَلٌ وَالثَّابِتُ لَا يُتْرَكُ بِالْمُحْتَمَلِ، وَبِقَوْلِهِ وَإِقْدَامُهُ عَلَى الْتِزَامِهِ بِاخْتِيَارِهِ دَلِيلُ يَسَارِهِ إذْ هُوَ لَا يَلْتَزِمُ إلَّا بِمَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهِ، وَهَذَا يُوجِبُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ مَا كَانَ بَدَلًا عَنْ مَالٍ وَبَيْنَ مَا لَمْ يَكُنْ وَيَخْرُجُ عَنْهُ مَا لَمْ يَكُنْ دَيْنًا مُطْلَقًا كَالنَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا كَمَا سَنَذْكُرُهُ، وَالْمُرَادُ بِالْمَهْرِ مُعَجَّلُهُ دُونَ مُؤَجَّلِهِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِتَسْلِيمِ الْمُعَجَّلِ فَكَانَ إقْدَامُهُ عَلَى النِّكَاحِ دَلِيلًا عَلَى قُدْرَتِهِ. قَالَ الْقُدُورِيُّ (وَلَا يَحْبِسُهُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ) يَعْنِي ضَمَانَ الْغَصْبِ وَأَرْشَ الْجِنَايَاتِ (إذَا قَالَ إنِّي فَقِيرٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ دَلَالَةُ الْيَسَارِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (إلَّا أَنْ يُثْبِتَ الْمُدَّعِي أَنَّ لَهُ مَالًا بِبَيِّنَةٍ فَيَحْبِسُهُ. وَرَوَى الْخَصَّافُ عَنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ)

وَيُرْوَى أَنَّ الْقَوْلَ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْعُسْرَةُ. وَيُرْوَى أَنَّ الْقَوْلَ لَهُ إلَّا فِيمَا بَدَلُهُ مَالٌ. وَفِي النَّفَقَةِ الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ إنَّهُ مُعْسِرٌ، وَفِي إعْتَاقِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ الْقَوْلُ لِلْمُعْتِقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ فِيمَا كَانَ بَدَلًا عَنْ مَالٍ وَمَا لَمْ يَكُنْ (لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْعُسْرَةُ) إذْ الْآدَمِيُّ يُولَدُ وَلَا مَالَ لَهُ، وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي عَارِضًا، وَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ تَمَسَّكَ بِالْأَصْلِ حَتَّى يَظْهَرَ خِلَافُهُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَدْيُونِ مَعَ يَمِينِهِ (وَيُرْوَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ: إلَّا فِيمَا بَدَلُهُ مَالٌ) وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ عَرَفَ دُخُولَ شَيْءٍ فِي مِلْكِهِ وَزَوَالُهُ مُحْتَمَلٌ فَكَانَ الْقَوْلُ لِلْمُدَّعِي، وَمَا لَمْ يَكُنْ بَدَلُهُ مَالًا كَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ شَيْءٌ وَلَمْ يَعْرِفْ قُدْرَتَهُ عَلَى الْقَضَاءِ فَبَقِيَ مُتَمَسِّكًا بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْعُسْرَةُ، فَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ آخَرَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ سَبِيلُهُ سَبِيلَ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا فِي نَفَقَةِ الْمَحَارِمِ. وَالْآخَرُ أَنْ يُحَكِّمَ الزِّيَّ إنْ كَانَ زِيَّ الْفُقَرَاءِ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ زِيَّ الْأَغْنِيَاءِ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُدَّعِي إلَّا فِي أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْأَشْرَافِ كَالْعَلَوِيَّةِ وَالْعَبَّاسِيَّةِ فَإِنَّهُمْ يَتَكَلَّفُونَ فِي الزِّيِّ مَعَ حَاجَتِهِمْ حَتَّى لَا يَذْهَبَ مَاءُ وَجْهِهِمْ فَلَا يَكُونُ الزِّيُّ فِيهِمْ دَلِيلَ الْيَسَارِ. وَقَوْلُهُ: (وَفِي النَّفَقَةِ) بَيَانٌ لِمَا هُوَ الْمَحْفُوظُ مِنْ الرِّوَايَةِ. ذَكَرَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ

وَالْمَسْأَلَتَانِ تُؤَدِّيَانِ الْقَوْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ، وَالتَّخْرِيجُ عَلَى مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ لَيْسَ بِدَيْنٍ مُطْلَقٍ بَلْ هُوَ صِلَةٌ حَتَّى تَسْقُطَ النَّفَقَةُ بِالْمَوْتِ عَلَى الِاتِّفَاقِ، وَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ضَمَانُ الْإِعْتَاقِ، ثُمَّ فِيمَا كَانَ الْقَوْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا ادَّعَتْ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ مُوسِرٌ وَادَّعَتْ نَفَقَةَ الْمُوسِرِينَ وَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ مُعْسِرٌ وَعَلَيْهِ نَفَقَةُ الْمُعْسِرِينَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ. وَفِي كِتَابِ الْعَتَاقِ أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ وَزَعَمَ أَنَّهُ مُعْسِرٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَهَاتَانِ مَسْأَلَتَانِ مَحْفُوظَتَانِ تُؤَيِّدَانِ الْقَوْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ. أَمَّا تَأْيِيدُهُمَا لِلَّذِي كَانَ الْقَوْلُ فِيهِ لِمَنْ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ فَلِأَنَّهُ جَعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى مَعَ أَنَّهُمَا بَاشَرَا عَقْدَ النِّكَاحِ وَالْإِعْتَاقِ، فَلَوْ كَانَ الصَّحِيحُ مَا ذُكِرَ أَوَّلًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَرْأَةِ وَالشَّرِيكِ السَّاكِتِ فِي دَعْوَى الْيَسَارِ، وَأَمَّا تَأْيِيدُهُمَا لِلَّذِي كَانَ الْقَوْلُ لِمَنْ عَلَيْهِ إلَّا فِيمَا بَدَلُهُ مَالٌ فَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ بَدَلُ الْمَهْرِ وَبَدَلُ ضَمَانِ الْإِعْتَاقِ مَالًا جُعِلَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ عَلَيْهِ، فَعُلِمَ أَنَّ الصَّحِيحَ هُوَ الْقَوْلَانِ الْأَخِيرَانِ. وَقَوْلُهُ: (وَالتَّخْرِيجُ عَلَى مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ) يَعْنِي الْقُدُورِيَّ جَوَابٌ عَنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ نُصْرَةً لِلْمَذْكُورِ فِيهِ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُ: أَيْ النَّفَقَةَ عَلَى تَأْوِيلِ الْإِنْفَاقِ لَيْسَ بِدَيْنٍ مُطْلَقٍ بَلْ فِيهِ مَعْنَى الصِّلَةِ. وَلِهَذَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ بِالْإِنْفَاقِ،

قَوْلَ الْمُدَّعِي إنَّ لَهُ مَالًا، أَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ فِيمَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ عَلَيْهِ يَحْبِسُهُ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً ثُمَّ يَسْأَلُ عَنْهُ فَالْحَبْسُ لِظُهُورِ ظُلْمِهِ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا يَحْبِسُهُ مُدَّةً لِيَظْهَرَ مَالُهُ لَوْ كَانَ يُخْفِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَمْتَدَّ الْمُدَّةُ لِيُفِيدَ هَذِهِ الْفَائِدَةَ فَقَدَّرَهُ بِمَا ذَكَرَهُ، وَيُرْوَى غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ التَّقْدِيرِ بِشَهْرٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ التَّقْدِيرَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْأَشْخَاصِ فِيهِ. قَالَ (فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ خُلِّيَ سَبِيلُهُ) يَعْنِي بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ النَّظِرَةَ إلَى الْمَيْسَرَةِ فَيَكُونُ حَبْسُهُ بَعْدَ ذَلِكَ ظُلْمًا؛. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الدَّيْنَ الصَّحِيحَ هُوَ مَا لَا يَسْقُطُ إلَّا بِإِبْرَاءِ مَنْ لَهُ أَوْ بِإِيفَاءِ مَنْ عَلَيْهِ، وَكَذَا ضَمَانُ الْإِعْتَاقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَحِينَئِذٍ لَا يَرُدُّ نَقْضًا عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ وَهُوَ قَوْلُهُ: حَبَسَهُ فِي كُلِّ دَيْنٍ لَزِمَهُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ أَوْ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالدَّيْنِ هُوَ الْمُطْلَقُ مِنْهُ إذْ بِهِ يَحْصُلُ الِاسْتِدْلَال عَلَى الْقُدْرَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْخَلَاصُ مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ وَمَمَاتِهِ مِنْ جِهَتِهِ إلَّا بِالْإِيفَاءِ وَأَقْدَمَ عَلَيْهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ، ثُمَّ فِيمَا كَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ الْمُدَّعِي أَنَّ لَهُ مَالًا أَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ عَلَيْهِ يَحْبِسُهُ الْحَاكِمُ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً ثُمَّ يَسْأَلُ جِيرَانَهُ وَأَهْلَ خِبْرَتِهِ عَنْ يَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ. أَمَّا الْحَبْسُ فَلِظُهُورِ ظُلْمِهِ بِالْمَطْلِ فِي الْحَالِ، وَأَمَّا تَوْفِيَتُهُ فَلِأَنَّهُ لِإِظْهَارِ مَالِهِ إنْ كَانَ يُخْفِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُدَّةٍ لِيُفِيدَ هَذِهِ الْفَائِدَةَ فَقُدِّرَ بِمَا ذُكِرَ، وَيُرْوَى غَيْرُ التَّقْدِيرِ بِشَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ بِشَهْرٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّحَاوِيِّ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ عَاجِلٌ وَالشَّهْرُ آجِلٌ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: وَهُوَ أَرْفَقُ الْأَقَاوِيلِ فِي هَذَا الْبَابِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ بِتَقْدِيرٍ لَازِمٍ، بَلْ هُوَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْأَشْخَاصِ فِيهِ، فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَضْجَرُ فِي السِّجْنِ فِي مُدَّةٍ قَلِيلَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَضْجَرُ كَثِيرَ ضَجَرٍ بِمِقْدَارِ تِلْكَ الْمُدَّةِ الَّتِي ضَجِرَ الْآخَرُ، فَإِنْ وَقَعَ فِي رَأْيِهِ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ يَضْجَرُ بِهَذِهِ الْمُدَّةِ وَيُظْهِرُ الْمَالَ إنْ كَانَ لَهُ وَلَمْ يُظْهِرْ سَأَلَ عَنْ حَالِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ سَأَلَ عَنْهُ فَقَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى عُسْرَتِهِ أَخْرَجَهُ الْقَاضِي مِنْ الْحَبْسِ وَلَا يَحْتَاجُ فِي الْبَيِّنَةِ إلَى لَفْظَةِ الشَّهَادَةِ وَالْعَدَدِ، بَلْ إذَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ ثِقَةٌ عَمِلَ بِقَوْلِهِ، وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ إذَا لَمْ يَكُنْ حَالَ مُنَازَعَةٍ، أَمَّا إذَا كَانَتْ كَمَا إذَا ادَّعَى الْمَطْلُوبُ الْإِعْسَارَ وَالطَّالِبُ الْيَسَارَ فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ مُعْسِرٌ خَلَّى سَبِيلَهُ، وَلَيْسَ هَذَا شَهَادَةً عَلَى النَّفْيِ؛ لِأَنَّ الْإِعْسَارَ بَعْدَ الْيَسَارِ أَمْرٌ حَادِثٌ فَتَكُونُ الشَّهَادَةُ بِأَمْرٍ حَادِثٍ لَا بِالنَّفْيِ، وَإِنْ اسْتَحْلَفَ الْمَطْلُوبُ الطَّالِبَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ أَنَّهُ مُعْدَمٌ حَلَّفَهُ الْقَاضِي، فَإِنْ نَكَلَ أَطْلَقَهُ وَإِنْ حَلَفَ أَبَّدَ الْحَبْسَ. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: هَذَا السُّؤَالُ مِنْ الْقَاضِي عَنْ حَالِ الْمَدْيُونِ بَعْدَمَا حَبَسَهُ

وَلَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى إفْلَاسِهِ قَبْلَ الْمُدَّةِ تُقْبَلُ فِي رِوَايَةٍ، وَلَا تُقْبَلُ فِي رِوَايَةٍ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. قَالَ فِي الْكِتَابِ خُلِّيَ سَبِيلُهُ وَلَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُرَمَائِهِ، وَهَذَا كَلَامٌ فِي الْمُلَازَمَةِ وَسَنَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQاحْتِيَاطٌ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْإِعْسَارِ شَهَادَةٌ بِالنَّفْيِ وَهِيَ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَعْمَلَ بِرَأْيِهِ، وَلَكِنْ لَوْ سَأَلَ كَانَ أَحْوَطَ. قِيلَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَبِلَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْيَسَارِ وَهُوَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْمِلْكِ وَتَعَذُّرِ الْقَضَاءِ بِهِ؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ لَمْ يَشْهَدُوا بِمِقْدَارِهِ وَلَمْ يَقْبَلْ فِيمَا إذَا أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي جِوَارَ السَّفِيهِ وَأَنْكَرَ مِلْكَهُ فِي الدَّارِ الَّتِي بِيَدِهِ فِي جَنْبِ الدَّارِ الْمُشْتَرَاةِ فَأَقَامَ الشَّفِيعُ بَيِّنَةً أَنَّ لَهُ نَصِيبًا فِي هَذِهِ الدَّارِ، وَلَمْ يُبَيِّنُوا مِقْدَارَ نَصِيبِهِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الشَّاهِدَ عَلَى الْيَسَارِ شَاهِدٌ عَلَى قُدْرَتِهِ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَالْقُدْرَةُ عَلَيْهِ إنَّمَا تَكُونُ بِمِلْكِ مِقْدَارِ الدَّيْنِ فَيَثْبُتُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ قَدْرُ الْمِلْكِ لِكَوْنِ قَدْرِ الدَّيْنِ مَعْلُومًا فِي نَفْسِهِ. أَمَّا الشَّاهِدُ عَلَى النَّصِيبِ فَلَيْسَ بِشَاهِدٍ عَلَى شَيْءٍ مَعْلُومٍ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ فِي اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ سَوَاءٌ فَوَضَحَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا. قَالَ (فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ خَلَّى سَبِيلَهُ إلَخْ) فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لِلْمَحْبُوسِ مَالٌ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ الَّتِي رَآهَا الْقَاضِي بِرَأْيِهِ أَوْ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ الَّتِي اخْتَارَهَا بَعْضُ الْمَشَايِخِ كَشَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ أَوْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ خَلَّى سَبِيلَهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ النَّظِرَةَ إلَى الْمَيْسَرَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] فَكَانَ الْحَبْسُ بَعْدَهُ ظُلْمًا. وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ جَعَلَ قَوْلَهُ يَعْنِي بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ خَلَّى سَبِيلَهُ فَقَالَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُخَلِّيهِ مَا لَمْ تَمْضِ الْمُدَّةُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ أَصْحَابَنَا ذَكَرُوا فِي نُسَخِ أَدَبِ الْقَاضِي وَقَالُوا: وَإِذَا ثَبَتَ إعْسَارُهُ أَخْرَجَهُ مِنْ الْحَبْسِ، وَعَلَى مَا ذَكَرْنَا لَا يَرِدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ (وَلَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى إفْلَاسِهِ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ) بِأَنْ أَخْبَرَ وَاحِدٌ ثِقَةٌ أَوْ اثْنَانِ أَوْ شَهِدَ بِذَلِكَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ مُفْلِسٌ مُعْدَمٌ لَا نَعْلَمُ لَهُ مَالًا سِوَى كِسْوَتِهِ الَّتِي عَلَيْهِ وَثِيَابِ لَيْلِهِ وَقَدْ اخْتَبَرْنَا أَمْرَهُ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَفِيهِ رِوَايَتَانِ (تُقْبَلُ فِي رِوَايَةٍ وَلَا تُقْبَلُ فِي رِوَايَةٍ وَعَلَيْهَا عَامَّةُ الْمَشَايِخِ) وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْحَبْسِ؛ فَعَنْ مُحَمَّدٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ لَا يَحْبِسُهُ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الشَّيْخُ الْجَلِيلُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ وَهُوَ قَوْلُ إسْمَاعِيلَ بْنِ حَمَّادِ بْنِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وَفِي أُخْرَى وَعَلَيْهَا عَامَّةُ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ أَنَّهُ يَحْبِسُهُ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى هَذِهِ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهَا عَلَى النَّفْيِ فَلَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا تَأَيَّدَتْ بِمُؤَيِّدٍ وَقَبْلَ الْحَبْسِ مَا تَأَيَّدَتْ، فَإِذَا حُبِسَ وَمَضَتْ مُدَّةٌ فَقَدْ تَأَيَّدَتْ بِهِ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى خَلَاصِ نَفْسِهِ مِنْ مَرَارَةِ الْحَبْسِ لَا يَتَحَمَّلُهَا (قَالَ فِي الْكِتَابِ) أَيْ الْقُدُورِيُّ (خَلَّى سَبِيلَهُ وَلَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُرَمَائِهِ وَهَذَا الْكَلَامُ) يَعْنِي الْمَنْعَ عَنْ مُلَازَمَةِ الْمَدْيُونِ بَعْدَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْحَبْسِ (فِي الْمُلَازَمَةِ) هَلْ لِلطَّالِبِ ذَلِكَ أَوْ لَا (وَسَنَذْكُرُهُ فِي بَابِ الْحَجْرِ

إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: رَجُلٌ أَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي بِدَيْنٍ فَإِنَّهُ يَحْبِسُهُ ثُمَّ يَسْأَلُ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا أَبَّدَ حَبْسَهُ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا خَلَّى سَبِيلَهُ، وَمُرَادُهُ إذَا أَقَرَّ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي أَوْ عِنْدَهُ مَرَّةً وَظَهَرَتْ مُمَاطَلَتُهُ وَالْحَبْسُ أَوَّلًا وَمُدَّتُهُ قَدْ بَيَّنَّاهُ فَلَا نُعِيدُهُ. قَالَ (وَيُحْبَسُ الرَّجُلُ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ) لِأَنَّهُ ظَالِمٌ بِالِامْتِنَاعِ (وَلَا يُحْبَسُ وَالِدٌ فِي دَيْنِ وَلَدِهِ) لِأَنَّهُ نَوْعُ عُقُوبَةٍ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ الْوَلَدُ عَلَى الْوَالِدِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِسَبَبِ الدَّيْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) . (وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: رَجُلٌ أَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي بِدَيْنٍ فَإِنَّهُ يَحْبِسُهُ ثُمَّ يَسْأَلُ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا أَبَّدَ حَبْسَهُ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا خَلَّى سَبِيلَهُ) وَهَذَا بِظَاهِرِهِ يُنَاقِضُ مَا ذَكَرَ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ أَنَّ الْحَقَّ إذَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ لَا يَحْبِسُهُ أَوَّلَ وَهْلَةٍ فَيَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلٍ فَلِهَذَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ تَأْوِيلَهُ بِقَوْلِهِ (وَمُرَادُهُ) أَيْ مُرَادُ مُحَمَّدٍ (إذَا أَقَرَّ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي أَوْ عِنْدَهُ مَرَّةً قَبْلَ ذَلِكَ فَظَهَرَتْ مُمَاطَلَتُهُ) وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مُعْتَمَدَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ مِنْ الْعَكْسِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ هُوَ التَّأْوِيلُ (قَوْلُهُ: وَالْحَبْسُ أَوَّلًا) يَعْنِي أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ الْحَبْسِ أَوَّلًا وَمُدَّتُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا لَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا بَيَّنَّاهُ فَيُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ لَهَا فَلَا نُعِيدُهُ. قَالَ (وَيُحْبَسُ الرَّجُلُ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ إلَخْ) إذَا فَرَضَ الْقَاضِي عَلَى رَجُلٍ نَفَقَةَ زَوْجَتِهِ أَوْ اصْطَلَحَا عَلَى مِقْدَارٍ وَلَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا وَرَفَعَتْ إلَى الْحَاكِمِ حَبَسَهُ لِظُهُورِ ظُلْمِهِ بِالِامْتِنَاعِ (وَلَا يُحْبَسُ وَالِدٌ فِي دَيْنِ وَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ عُقُوبَةٍ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ الْوَلَدُ عَلَى وَالِدِهِ كَالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا} [الإسراء: 23] {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء: 24] (إلَّا إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إحْيَاءَ وَلَدِهِ) وَفِي تَرْكِهِ سَعْيٌ فِي هَلَاكِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُحْبَسَ الْوَالِدُ لِقَصْدِهِ إتْلَافَ مَالِ الْوَلَدِ (وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَلَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهَا) وَسَائِرُ الدُّيُونِ لَمْ تَسْقُطْ بِهِ فَافْتَرَقَا، وَكَذَا لَا يُحْبَسُ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَإِنْ كَانَ حُبِسَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ، وَكَذَا الْعَبْدُ لِمَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَيْهِ دَيْنًا، وَكَذَا الدَّيْنُ مُكَاتَبَةً إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لِوُقُوعِ الْمُقَاصَّةِ، وَإِذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ لَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ، وَالْمُكَاتَبُ فِي حَقِّ أَكْسَابِهِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ فَيُحْبَسُ الْمَوْلَى لِأَجْلِهِ، وَكَذَا الْمُكَاتَبُ لِدَيْنِ الْكِتَابَةِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إسْقَاطِهِ فَلَا يَكُونُ بِالْمَنْعِ ظَالِمًا وَيُحْبَسُ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْفَسْخِ بِسَبَبِ ذَلِكَ الدَّيْنِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَقِيلَ تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ تَعْجِيزِ نَفْسِهِ فَيَسْقُطُ بِهِ الدَّيْنُ عَنْهُ كَدَيْنِ الْكِتَابَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[باب كتاب القاضي إلى القاضي]

(إلَّا إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ) لِأَنَّ فِيهِ إحْيَاءً لِوَلَدِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُتَدَارَكُ لِسُقُوطِهَا بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي] أَوْرَدَ هَذَا الْبَابَ بَعْدَ فَصْلِ الْحَبْسِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ عَمَلِ الْقَضَاءِ أَيْضًا، إلَّا أَنَّ السِّجْنَ يَتِمُّ بِقَاضٍ وَاحِدٍ وَهَذَا بِاثْنَيْنِ، وَالْوَاحِدُ قَبْلَ الِاثْنَيْنِ، وَالْقِيَاسُ يَأْبَى جَوَازَ الْعَمَلِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ عِبَارَتِهِ، وَلَوْ حَضَرَ بِنَفْسِهِ مَجْلِسَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَعَبَّرَ بِلِسَانِهِ عَمَّا فِي الْكِتَابِ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ الْقَاضِي فَكَيْفَ بِالْكِتَابِ وَفِيهِ شُبْهَةُ التَّزْوِيرِ إذْ الْخَطُّ يُشْبِهُ الْخَطَّ وَالْخَاتَمُ الْخَاتَمَ إلَّا أَنَّهُ جُوِّزَ لِحَاجَةِ النَّاسِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَوَّزَهُ كَذَلِكَ وَعَلَيْهِ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ.

قَالَ (وَيُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي الْحُقُوقِ إذَا شَهِدَ بِهِ عِنْدَهُ) لِلْحَاجَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ (فَإِنْ شَهِدُوا عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ حَكَمَ بِالشَّهَادَةِ) لِوُجُودِ الْحُجَّةِ (وَكَتَبَ بِحُكْمِهِ) وَهُوَ الْمَدْعُوُّ سِجِلًّا (وَإِنْ شَهِدُوا بِهِ بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْخَصْمِ لَمْ يَحْكُمْ) لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ (وَكَتَبَ بِالشَّهَادَةِ) لِيَحْكُمَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِهَا وَهَذَا هُوَ الْكِتَابُ الْحُكْمِيُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَيُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي الْحُقُوقِ إلَخْ) يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي حُقُوقٍ تَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ دُونَ مَا يَنْدَرِئُ بِهَا إذَا شُهِدَ بِهِ بِضَمِّ الشِّينِ عِنْدَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ لِلْحَاجَةِ، وَهُوَ نَوْعَانِ: الْمُسَمَّى سِجِلًّا، وَالْمُسَمَّى الْكِتَابُ الْحُكْمِيُّ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ إمَّا أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى خَصْمٍ أَوْ لَا، وَتَنْكِيرُهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذْ لَوْ كَانَ إيَّاهُ لَمَا اُحْتِيجَ إلَى الْكِتَابِ، وَالْكِتَابُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِئَلَّا يَقَعَ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ، فَالْمُرَادُ بِهِ كُلُّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ خَصْمًا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ حَكَمَ بِالشَّهَادَةِ لِوُجُودِ الْحُجَّةِ وَكَتَبَ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْمَدْعُوّ سِجِلًّا؛ لِأَنَّ السِّجِلَّ لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ الْحُكْمِ. وَإِنْ كَانَ الثَّانِي لَمْ يَحْكُمْ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ وَهُوَ عِنْدَنَا لَا يَجُوزُ، وَكَتَبَ بِالشَّهَادَةِ لِيَحْكُمَ بِهَا الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ وَهُوَ الْكِتَابُ الْحُكْمِيُّ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأَوَّلَ إذَا وَصَلَ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ لَيْسَ لَهُ إلَّا التَّنْفِيذُ وَافَقَ رَأْيَهُ أَوْ خَالَفَهُ لِاتِّصَالِ الْحُكْمِ بِهِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنْ وَافَقَهُ نَفَّذَهُ وَإِلَّا فَلَا لِعَدَمِ اتِّصَالِ الْحُكْمِ بِهِ، وَقَدْ يُشِيرُ إلَى ذَلِكَ

وَهُوَ نَقْلُ الشَّهَادَةِ فِي الْحَقِيقَةِ، وَيَخْتَصُّ بِشَرَائِطَ نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَجَوَازُهُ لِمِسَاسِ الْحَاجَةِ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ قَدْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْجَمْعُ بَيْنَ شُهُودِهِ وَخَصْمِهِ فَأَشْبَهَ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ. وَقَوْلُهُ فِي الْحُقُوقِ يَنْدَرِجُ تَحْتَهُ الدَّيْنُ وَالنِّكَاحُ وَالنَّسَبُ وَالْمَغْصُوبُ وَالْأَمَانَةُ الْمَجْحُودَةُ وَالْمُضَارَبَةُ الْمَجْحُودَةُ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ، وَهُوَ يُعْرَفُ بِالْوَصْفِ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْإِشَارَةِ، وَيُقْبَلُ فِي الْعَقَارِ أَيْضًا لِأَنَّ التَّعْرِيفَ فِيهِ بِالتَّحْدِيدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَهُوَ نَقْلُ الشَّهَادَةِ فِي الْحَقِيقَةِ وَتَخْتَصُّ بِشَرَائِطَ مِنْهَا الْعُلُومُ الْخَمْسَةُ، وَهِيَ أَنْ تَكُونَ مِنْ مَعْلُومٍ إلَى مَعْلُومٍ فِي مَعْلُومٍ لِمَعْلُومٍ عَلَى مَعْلُومٍ، وَسَنَذْكُرُ مَا عَدَاهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ (قَوْلُهُ: وَجَوَازُهُ) هُوَ الْمَوْعُودُ بِقَوْلِهِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ، وَهُوَ يُشِيرُ إلَى أَنَّ جَوَازَهُ ثَابِتٌ بِمُشَابَهَتِهِ لِلشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ لِاتِّحَادِ الْمَنَاطِ وَهُوَ تَعَذُّرُ الْجَمْعِ بَيْنَ الشُّهُودِ وَالْخَصْمِ، فَكَمَا جُوِّزَ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ لِإِحْيَاءِ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَكَذَا جُوِّزَ الْكِتَابُ لِذَلِكَ، وَلَا يُرَادُ بِالْمُشَابَهَةِ الْقِيَاسُ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ فَيُرَادُ بِهِ الِاتِّحَادُ فِي مَنَاطِ الِاسْتِحْسَانِ. (وَقَوْلُهُ) : يَعْنِي الْقُدُورِيَّ (فِي الْحُقُوقِ يَنْدَرِجُ تَحْتَهُ الدَّيْنُ وَالنِّكَاحُ وَالنَّسَبُ وَالْمَغْصُوبُ) وَالْأَمَانَةُ الْمَجْحُودَةُ (وَالْمُضَارَبَةُ الْمَجْحُودَةُ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ) وَالدَّيْنُ يَجُوزُ فِيهِ الْكِتَابُ فَكَذَا فِيمَا كَانَ فِي مَنْزِلَتِهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ يُعْرَفُ) أَيْ الدَّيْنُ (يُعْرَفُ بِالْوَصْفِ) يُشِيرُ إلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: إلَى أَنَّ الدَّيْنَ إنَّمَا يَجُوزُ فِيهِ الْكِتَابُ؛ لِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِالْوَصْفِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِشَارَةِ، وَإِلَى أَنَّ مَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْإِشَارَةِ لَا يَجُوزُ فِيهِ الْكِتَابُ، وَإِلَى أَنَّ الْأُمُورَ الْمَذْكُورَةَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ فِي أَنَّهَا تُعْرَفُ بِالْوَصْفِ لَا تَحْتَاجُ إلَى الْإِشَارَةِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ مَا سِوَى الدَّيْنِ يَحْتَاجُ إلَيْهَا فَإِنَّ الشَّاهِدَ يَحْتَاجُ إلَى الْإِشَارَةِ إلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي دَعْوَى النِّكَاحِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَكَذَلِكَ فِي الْبَاقِي فَكَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ، وَكِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي لَا يَجُوزُ فِيهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْإِشَارَةَ إلَى الْخَصْمِ شَرْطٌ فِيمَا ذَكَرْت وَهُوَ لَيْسَ بِمُدَّعًى بِهِ إنَّمَا هُوَ نَفْسُ النِّكَاحِ وَالْأَمَانَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مِنْ الْأَفْعَالِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِشَارَةَ إلَى الدَّائِنِ وَالْمَدْيُونِ لَا بُدَّ مِنْهَا عِنْدَ دَعْوَى الدَّيْنِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَانِعٍ بِالْإِجْمَاعِ (وَيُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي الْعَقَارِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ فِيهِ بِالتَّحْدِيدِ) وَذَلِكَ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِشَارَةِ.

وَلَا يُقْبَلُ فِي الْأَعْيَانِ الْمَنْقُولَةِ لِلْحَاجَةِ إلَى الْإِشَارَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُقْبَلُ فِي الْعَبْدِ دُونَ الْأَمَةِ لِغَلَبَةِ الْإِبَاقِ فِيهِ دُونَهَا. وَعَنْهُ أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِمَا بِشَرَائِطَ تُعْرَفُ فِي مَوْضِعِهَا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُقْبَلُ فِي جَمِيعِ مَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ وَعَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يُقْبَلُ فِي الْأَعْيَانِ الْمَنْقُولَةِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهَا) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَلِهَذَا لَمْ يُجَوِّزَاهُ فِي الْعَبِيدِ وَالْجَوَارِي (وَاسْتَحْسَنَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْعَبِيدِ دُونَ الْإِمَاءِ لِغَلَبَةِ الْإِبَاقِ فِي الْعَبْدِ دُونَ الْأَمَةِ) فَإِنَّ الْعَبْدَ يَخْدُمُ خَارِجَ الْبَيْتِ غَالِبًا فَيَقْدِرُ عَلَى الْإِبَاقِ فَتَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَى الْكِتَابِ بِخِلَافِ الْأَمَةِ فَإِنَّهَا تَخْدُمُ دَاخِلَ الْبَيْتِ غَالِبًا (وَعَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِمَا بِشَرَائِطَ تُعْرَفُ فِي مَوْضِعِهَا) يَعْنِي الْكُتُبَ الْمَبْسُوطَةَ كَالْمَبْسُوطِ وَشُرُوحِ أَدَبِ الْقَاضِي. وَصِفَةُ ذَلِكَ بُخَارِيٌّ أَبَقَ عَبْدٌ لَهُ إلَى سَمَرْقَنْدَ مَثَلًا فَأَخَذَهُ سَمَرْقَنْدِيٌّ وَشُهُودُ الْمَوْلَى بِبُخَارَى فَطَلَبَ مِنْ قَاضِي بُخَارَى أَنْ يَكْتُبَ بِشَهَادَةِ شُهُودِهِ عِنْدَهُ يُجِيبُ إلَى ذَلِكَ وَيَكْتُبُ: شَهِدَ عِنْدِي فُلَانٌ وَفُلَانٌ بِأَنَّ الْعَبْدَ الَّذِي مِنْ صِفَتِهِ كَيْتَ وَكَيْتَ مِلْكُ فُلَانٍ الْمُدَّعِي وَهُوَ الْيَوْمَ بِسَمَرْقَنْدَ بِيَدِ فُلَانٍ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيُشْهِدُ عَلَى كِتَابِهِ شَاهِدَيْنِ وَيُعْلِمُهُمَا مَا فِيهِ وَيُرْسِلُهُمَا إلَى سَمَرْقَنْدَ، فَإِذَا انْتَهَى إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ يَحْضُرُ الْعَبْدُ مَعَ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ يَشْهَدَا عِنْدَهُ عَلَيْهِ بِالْكِتَابِ وَبِمَا فِيهِ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا وَيُفْتَحُ الْكِتَابُ وَيُدْفَعُ الْعَبْدُ إلَى الْمُدَّعِي وَلَا يُقْضَى لَهُ بِهِ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ شَاهِدَيْ الْمِلْكِ لَمْ تَكُنْ بِحَضْرَةِ الْعَبْدِ وَيَأْخُذُ كَفِيلًا مِنْ الْمُدَّعِي بِنَفْسِ الْعَبْدِ وَيَجْعَلُ فِي عُنُقِ الْعَبْدِ خَاتَمًا مِنْ رَصَاصٍ كَيْ لَا يُتَّهَمَ الْمُدَّعِي بِالسَّرِقَةِ، وَيَكْتُبُ كِتَابًا إلَى قَاضِي بُخَارَى وَيُشْهِدُ شَاهِدَيْنِ عَلَى كِتَابِهِ وَخَتْمِهِ وَعَلَى مَا فِي الْكِتَابِ، فَإِذَا وَصَلَ إلَى قَاضِي بُخَارَى وَشَهِدَا بِالْكِتَابِ وَخَتْمِهِ أَمَرَ الْمُدَّعِيَ بِإِعَادَةِ شُهُودِهِ لِيَشْهَدُوا بِالْإِشَارَةِ إلَى الْعَبْدِ أَنَّهُ حَقُّهُ وَمِلْكُهُ، فَإِذَا شَهِدُوا بِذَلِكَ قَضَى لَهُ بِالْعَبْدِ وَكَتَبَ إلَى ذَلِكَ الْقَاضِي بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ لِيَبْرَأَ كَفِيلُهُ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ قَاضِيَ بُخَارَى لَا يَقْضِي لِلْمُدَّعِي بِالْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ غَائِبٌ، وَلَكِنْ يَكْتُبُ كِتَابًا آخَرَ إلَى قَاضِي سَمَرْقَنْدَ فِيهِ مَا جَرَى عِنْدَهُ وَيُشْهِدُ شَاهِدَيْنِ عَلَى كِتَابِهِ وَخَتْمِهِ وَمَا فِيهِ وَيَبْعَثُ بِالْعَبْدِ إلَى سَمَرْقَنْدَ حَتَّى يَقْضِيَ لَهُ بِحَضْرَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِذَا وَصَلَ الْكِتَابُ إلَيْهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَيَبْرَأُ الْكَفِيلُ، وَصِفَةُ الْكِتَابِ فِي الْجَوَارِي صِفَتُهُ فِي الْعَبِيدِ غَيْرَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَدْفَعُ الْجَارِيَةَ إلَى الْمُدَّعِي وَلَكِنَّهُ يَبْعَثُ بِهَا مَعَهُ عَلَى يَدِ أَمِينٍ لِئَلَّا يَطَأَهَا قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ زَاعِمًا أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَلَكِنْ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَالَا: هَذَا اسْتِحْسَانٌ فِيهِ بَعْضُ قُبْحٍ، فَإِنَّهُ إذَا دَفَعَ إلَيْهِ الْعَبْدَ يَسْتَخْدِمُهُ قَهْرًا وَيَسْتَعْمِلُهُ فَيَأْكُلُ مِنْ غَلَّتِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ وَرُبَّمَا يَظْهَرُ الْعَبْدُ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْحِلْيَةَ وَالصِّفَةَ تَشْتَبِهَانِ فَإِنَّ الْمُخْتَلِفَيْنِ قَدْ يَتَّفِقَانِ فِي الْحُلِيِّ وَالصِّفَاتِ فَالْأَخْذُ بِالْقِيَاسِ أَوْلَى (وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُقْبَلُ فِي جَمِيعِ مَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ وَعَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ) وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ.

قَالَ (وَلَا يُقْبَلُ الْكِتَابُ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) لِأَنَّ الْكِتَابَ يُشْبِهُ الْكِتَابَ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ وَهَذَا لِأَنَّهُ مُلْزِمٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْحُجَّةِ، بِخِلَافِ كِتَابِ الِاسْتِئْمَانِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُلْزِمٍ، وَبِخِلَافِ رَسُولِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَلَا يُقْبَلُ الْكِتَابُ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ إلَخْ) لَا يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي إلَّا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ

الْقَاضِي إلَى الْمُزَكَّى وَرَسُولِهِ إلَى الْقَاضِي لِأَنَّ الْإِلْزَامَ بِالشَّهَادَةِ لَا بِالتَّزْكِيَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، أَمَّا اشْتِرَاطُ الْحُجَّةِ فَلِأَنَّهُ مُلْزِمٌ وَلَا إلْزَامَ بِدُونِهَا، وَأَمَّا قَبُولُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فَلِأَنَّهُ حَقٌّ لَا يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ وَهُوَ مِمَّا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ فَيُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ كَمَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ، وَكَانَ الشَّعْبِيُّ يَقُولُ بِجَوَازِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ قِيَاسًا عَلَى كِتَابِ أَهْلِ الْحَرْبِ. وَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ كِتَابِ الِاسْتِئْمَانِ: يَعْنِي إذَا جَاءَ مِنْ مَلِكِ أَهْلِ الْحَرْبِ فِي طَلَبِ الْأَمَانِ فَإِنَّهُ مَقْبُولٌ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، حَتَّى لَوْ أَمَّنَهُ الْإِمَامُ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُلْزِمٍ، فَإِنَّ لِلْإِمَامِ رَأْيًا فِي الْأَمَانِ وَتَرْكِهِ، وَبِخِلَافِ رَسُولِ الْقَاضِي إلَى الْمُزَكِّي وَعَكْسِهِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ الْإِلْزَامَ عَلَى الْحَاكِمِ لَيْسَ بِالتَّزْكِيَةِ بَلْ هُوَ بِالشَّهَادَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَضَى بِالشَّهَادَةِ بِلَا تَزْكِيَةٍ صَحَّ، وَقَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ رَسُولِ الْقَاضِي إلَى الْمُزَكِّي قِيلَ قَدْ يُشِيرُ إلَى أَنَّ رَسُولَ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي غَيْرُ مُعْتَبَرٍ أَصْلًا فِي حَقِّ لُزُومِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ وَبِغَيْرِهَا، وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي اتِّحَادَ كِتَابِهِ وَرَسُولِهِ فِي الْقَبُولِ كَمَا فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ كَمَا يَنْعَقِدُ بِكِتَابِهِ يَنْعَقِدُ بِرَسُولِهِ أَوْ اتِّحَادُهُمَا فِي عَدَمِهِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى جَوَازَهُمَا، وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا وُرُودُ الْأَثَرِ فِي جَوَازِ الْكِتَابِ وَإِجْمَاعُ التَّابِعِينَ عَلَى الْكِتَابِ دُونَ الرَّسُولِ فَبَقِيَ عَلَى الْقِيَاسِ. وَالثَّانِي أَنَّ الْكِتَابَ كَالْخِطَابِ وَالْكِتَابُ وُجِدَ مِنْ مَوْضِعِ الْقَضَاءِ

قَالَ (وَيَجِبُ أَنْ يَقْرَأَ الْكِتَابَ عَلَيْهِمْ لِيَعْرِفُوا مَا فِيهِ أَوْ يُعْلِمَهُمْ بِهِ) لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ بِدُونِ الْعِلْمِ (ثُمَّ يَخْتِمُهُ بِحَضْرَتِهِمْ وَيُسَلِّمُهُ إلَيْهِمْ) كَيْ لَا يُتَوَهَّمَ التَّغْيِيرُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، لِأَنَّ عِلْمَ مَا فِي الْكِتَابِ وَالْخَتْمِ بِحَضْرَتِهِمْ شَرْطٌ، وَكَذَا حِفْظُ مَا فِي الْكِتَابِ عِنْدَهُمَا وَلِهَذَا يُدْفَعُ إلَيْهِمْ كِتَابٌ آخَرُ غَيْرُ مَخْتُومٍ لِيَكُونَ مَعَهُمْ مُعَاوَنَةٌ عَلَى حِفْظِهِمْ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - آخِرًا: شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَالشَّرْطُ أَنْ يُشْهِدَهُمْ أَنَّ هَذَا كِتَابُهُ وَخَتْمُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْخَتْمَ لَيْسَ بِشَرْطٍ أَيْضًا فَسَهَّلَ فِي ذَلِكَ لَمَّا اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ وَلَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ. وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَكَانَ كَالْخِطَابِ مِنْ مَوْضِعِ الْقَضَاءِ فَيَكُونُ حُجَّةً، وَأَمَّا الرَّسُولُ فَقَائِمٌ مَقَامَ الْمُرْسِلِ، وَالْمُرْسِلُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَيْسَ بِقَاضٍ، وَقَوْلُ الْقَاضِي فِي غَيْرِ مَوْضِعِ قَضَائِهِ كَقَوْلِ وَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا. قَالَ (وَيَجِبُ أَنْ يَقْرَأَ الْكِتَابَ عَلَيْهِمْ لِيَعْرِفُوا مَا فِيهِ إلَخْ) شَرَطَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ عِلْمَ مَا فِي الْكِتَابِ وَحِفْظَهُ وَالْخَتْمَ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ، وَلِهَذَا يَجِبُ أَنْ يَقْرَأَ الْكَاتِبُ كِتَابَهُ عَلَيْهِمْ لِيَعْرِفُوا مَا فِيهِ أَوْ يُعْلِمَهُمْ بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ إنْ لَمْ يَعْلَمُوا مَا فِيهِ كَانَتْ شَهَادَتُهُمْ بِلَا عِلْمٍ وَهِيَ بَاطِلَةٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] وَيَخْتِمُهُ بِحَضْرَتِهِمْ وَيُسَلِّمُهُ إلَى الشُّهُودِ كَيْ لَا يُتَوَهَّمَ التَّغْيِيرُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ خَتْمٍ أَوْ بِيَدِ الْخَصْمِ وَهَذَا قَوْلُهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنَّهُ يَدْفَعُ الْكِتَابَ إلَى الطَّالِبِ وَهُوَ الْمُدَّعِي وَيَدْفَعُ إلَيْهِمْ كِتَابًا آخَرَ غَيْرَ مَخْتُومٍ لِيَكُونَ مَعَهُمْ مُعَاوَنَةً عَلَى حِفْظِهِمْ، فَإِنْ فَاتَ شَيْءٌ مِنْ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ لَا يُقْبَلُ الْكِتَابُ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ آخِرًا: شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، بَلْ إذَا أَشْهَدَهُمْ الْقَاضِي أَنَّ هَذَا كِتَابَهُ وَخَتَمَهُ فَشَهِدُوا عَلَى

قَالَ (وَإِذَا وَصَلَ إلَى الْقَاضِي لَمْ يَقْبَلْهُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْخَصْمِ) لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ، بِخِلَافِ سَمَاعِ الْقَاضِي الْكَاتِبَ لِأَنَّهُ لِلنَّقْلِ لَا لِلْحُكْمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكِتَابِ وَالْخَتْمِ عِنْدَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ كَانَ كَافِيًا. وَعَنْهُ أَنَّ الْخَتْمَ لَيْسَ بِشَرْطٍ أَيْضًا سَهَّلَ فِي ذَلِكَ لَمَّا اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ، وَإِنَّمَا قَالَ آخِرًا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ الْأَوَّلَ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ تَيْسِيرًا عَلَى النَّاسِ. قَالَ (وَإِذَا وَصَلَ إلَى الْقَاضِي لَمْ يَقْبَلْهُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْخَصْمِ إلَخْ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِجَانِبِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِجَانِبِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ، فَإِذَا وَصَلَ الْكِتَابُ

قَالَ (فَإِذَا سَلَّمَهُ الشُّهُودُ إلَيْهِ نَظَرَ إلَى خَتْمِهِ، فَإِذَا شَهِدُوا أَنَّهُ كِتَابُ فُلَانٍ الْقَاضِي سَلَّمَهُ إلَيْنَا فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ وَقَرَأَهُ عَلَيْنَا وَخَتَمَهُ فَتَحَهُ الْقَاضِي وَقَرَأَهُ عَلَى الْخَصْمِ وَأَلْزَمَهُ مَا فِيهِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ كِتَابُهُ وَخَاتَمُهُ قَبِلَهُ عَلَى مَا مَرَّ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ فِي الْكِتَابِ ظُهُورُ الْعَدَالَةِ لِلْفَتْحِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَفُضُّ الْكِتَابَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْعَدَالَةِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ الشُّهُودِ وَإِنَّمَا يُمْكِنُهُمْ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ بَعْدَ قِيَامِ الْخَتْمِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَيْهِ لَمْ يَقْبَلْهُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْخَصْمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَحْضَرِ الْخَصْمِ، فَكَذَلِكَ هَذَا، بِخِلَافِ سَمَاعِ الْقَاضِي الْكَاتِبَ فَإِنَّهُ جَازَ بِغَيْبَةِ الْخَصْمِ؛ لِأَنَّ سَمَاعَهُ لَيْسَ لِلْحُكْمِ بَلْ لِلنَّقْلِ فَكَانَ جَائِزًا وَإِنْ كَانَ بِغَيْبَتِهِ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَقْبَلُهُ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ الْخَصْمِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ يَخْتَصُّ بِالْمَكْتُوبِ إلَيْهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَهُ، وَالْحُكْمُ بَعْدَ ذَلِكَ يَقَعُ بِمَا عَلِمَهُ مِنْ الْكِتَابِ فَاعْتُبِرَ حُضُورُ الْخَصْمِ عِنْدَ الْحُكْمِ بِهِ. قَالَ (فَإِذَا سَلَّمَهُ الشُّهُودُ إلَيْهِ إلَخْ) إذَا سَلَّمَ الشُّهُودُ الْكِتَابَ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ نَظَرَ إلَى خَتْمِهِ، فَإِذَا شَهِدُوا أَنَّ هَذَا كِتَابُ فُلَانٍ الْقَاضِي سَلَّمَهُ إلَيْنَا فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ وَقَرَأَهُ عَلَيْنَا وَخَتَمَهُ فَتَحَهُ الْقَاضِي وَقَرَأَهُ عَلَى الْخَصْمِ وَأَلْزَمَهُ بِمَا فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ كِتَابُ فُلَانٍ وَخَاتَمُهُ قَبِلَهُ وَفَتَحَهُ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْقُدُورِيِّ ظُهُورَ الْعَدَالَةِ لِلْفَتْحِ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ فَإِذَا شَهِدُوا وَعُدِّلُوا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَفُضُّ الْكِتَابَ: أَيْ يَفْتَحُهُ بَعْدَ الْعَدَالَةِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ تَظْهَرْ الْعَدَالَةُ رُبَّمَا احْتَاجَ الْمُدَّعِي إلَى أَنْ يَزِيدَ فِي شُهُودِهِ، وَإِنَّمَا يُمْكِنُهُمْ أَدَاءُ الشَّهَادَة بَعْدَ قِيَامِ الْخَتْمِ لِيَشْهَدُوا أَنَّ هَذَا كِتَابُ فُلَانٍ الْقَاضِي وَخَتْمُهُ، فَأَمَّا إذَا فَكَّ الْخَاتَمَ فَلَا يُمْكِنُهُمْ ذَلِكَ، وَهَذَا يَرَى أَنَّهُ دَوْرٌ ظَاهِرٌ، فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ الشُّهُودِ إذَا كَانَتْ الْعَدَالَةُ شَرْطًا وَلَمْ تَظْهَرْ، فَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ شَرْطًا فَكَمَا أَدَّوْا الشَّهَادَةَ جَازَ فَضُّهَا فَلَا يُحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ شُهُودٍ. وَالْجَوَابُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ شُهُودٍ بَعْدَ الْفَتْحِ بَلْ يُحْتَاجُ إلَيْهَا إذَا طَعَنَ الْخَصْمُ وَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَتْمِ وَذَلِكَ بَعْدَ الْفَتْحِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ فَكَّ الْخَاتَمِ نَوْعُ عَمَلٍ بِالْكِتَابِ، وَالْكِتَابُ لَا يُعْمَلُ بِهِ مَا لَمْ تَظْهَرْ عَدَالَةُ الشُّهُودِ عَلَى الْكِتَابِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ فَكَّ الْخَاتَمِ عَمَلٌ لِلْكِتَابِ لَا بِهِ، وَلَعَلَّ الْأَصَحَّ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ تَجْوِيزِ الْفَتْحِ عِنْدَ شَهَادَةِ الشُّهُودِ بِالْكِتَابِ وَالْخَتْمِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِعَدَالَةِ الشُّهُودِ، كَذَا نَقَلَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي الْمُغْنِي. وَالْمَكْتُوبُ إلَيْهِ إنَّمَا يَقْبَلُ الْكِتَابَ إذَا كَانَ الْكَاتِبُ عَلَى الْقَضَاءِ حَتَّى لَوْ مَاتَ أَوْ عُزِلَ أَوْ خَرَجَ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْقَضَاءِ

وَإِنَّمَا يَقْبَلُهُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ إذَا كَانَ الْكَاتِبُ عَلَى الْقَضَاءِ، حَتَّى لَوْ مَاتَ أَوْ عُزِلَ أَوْ لَمْ يَبْقَ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ قَبْلَ وُصُولِ الْكِتَابِ لَا يَقْبَلُهُ لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِوَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا، وَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ إخْبَارُهُ قَاضِيًا آخَرَ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ أَوْ فِي غَيْرِ عَمَلِهِمَا، وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ إلَّا إذَا كَتَبَ إلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ قَاضِي بَلْدَةِ كَذَا وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ غَيْرَهُ صَارَ تَبَعًا لَهُ وَهُوَ مُعَرَّفٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِجُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ فِسْقٍ إذَا تَوَلَّى وَهُوَ عَدْلٌ ثُمَّ فَسَقَ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ قَبْلَ وُصُولِ الْكِتَابِ أَوْ بَعْدَ الْوُصُولِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ بَطَلَ الْكِتَابُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَمَانِي: يُعْمَلُ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ بِكِتَابِهِ يَنْقُلُ شَهَادَةَ الَّذِينَ شَهِدُوا عِنْدَهُ بِالْحَقِّ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَالنَّقْلُ قَدْ تَمَّ بِالْكِتَابِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ شُهُودِ الْفُرُوعِ إذَا مَاتُوا بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْقَضَاءَ. وَلَنَا الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ وَهُوَ أَنَّ الْكَاتِبَ وَإِنْ كَانَ نَاقِلًا إلَّا أَنَّ هَذَا النَّقْلَ لَهُ حُكْمُ الْقَضَاءِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ الْقَاضِي وَلَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ الْعَدَدُ وَلَفْظَةُ الشَّهَادَةِ، وَوَجَبَ عَلَى الْكَاتِبِ هَذَا النَّقْلُ لِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ، وَمَا وَجَبَ عَلَى الْقَاضِي

بِخِلَافِ مَا إذَا كَتَبَ ابْتِدَاءً إلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ عَلَى مَا عَلَيْهِ مَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعَرَّفٍ، وَلَوْ كَانَ مَاتَ الْخَصْمُ يَنْفُذُ الْكِتَابُ عَلَى وَارِثِهِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ. (وَلَا يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) لِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ فَصَارَ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَلِأَنَّ مَبْنَاهُمَا عَلَى الْإِسْقَاطِ وَفِي قَبُولِهِ سَعْيٌ فِي إثْبَاتِهِمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ قَضَاءٌ لَكِنَّهُ غَيْرُ تَامٍّ؛ لِأَنَّ تَمَامَهُ بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ، وَلَا يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَيْهِ وَقَبْلَ قِرَاءَتِهِ عَلَيْهِ فَبَطَلَ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَقْضِيَةِ إذَا مَاتَ الْقَاضِي قَبْلَ إتْمَامِهَا. وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِوَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا وَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ إخْبَارُ قَاضٍ آخَرَ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ أَوْ فِي غَيْرِ عَمَلِهِمَا، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا عُزِلَ، أَمَّا فِي الْمَوْتِ أَوْ فِي الْخُرُوجِ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ فَلَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ وَالْمَجْنُونَ لَا يُلْتَحَقَانِ بِوَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: يُعْلَمُ ذَلِكَ بِالْأَوْلَى، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ حَيًّا وَعَلَى أَهْلِيَّةِ الْقَضَاءِ لَمْ يَبْقَ كَلَامُهُ حُجَّةً، فَلَأَنْ لَا يَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ أَوْ الْخُرُوجِ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ أَوْلَى، وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بَطَلَ كِتَابُهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَعْمَلُ بِهِ مَنْ كَانَ قَائِمًا مَقَامَهُ فِي الْقَضَاءِ كَمَا لَوْ قَالَ وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ. وَلَنَا أَنَّ الْقَاضِيَ الْكَاتِبَ اعْتَمَدَ عَلَى عِلْمِ الْأَوَّلِ وَأَمَانَتِهِ، وَالْقُضَاةُ يَتَفَاوَتُونَ فِي أَدَاءِ الْأَمَانَةِ، فَصَارُوا كَالْأُمَنَاءِ فِي الْأَمْوَالِ، وَهُنَاكَ قَدْ لَا يُعْتَمَدُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، فَكَذَا هَاهُنَا إلَّا إذَا صَرَّحَ بِاعْتِمَادِهِ عَلَى الْكُلِّ بَعْدَ تَعْرِيفِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِقَوْلِهِ إلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ قَاضِي بَلَدِ كَذَا وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا هُوَ شَرْطٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَعْلُومٍ إلَى مَعْلُومٍ ثُمَّ صَيَّرَ غَيْرَهُ تَبَعًا لَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَتَبَ ابْتِدَاءً مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ قَاضِي بَلَدِ كَذَا إلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقِيلَ الظَّاهِرُ أَنَّ مُحَمَّدًا مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَعْلُومٍ إلَى مَجْهُولٍ، وَالْعِلْمُ فِيهِ شَرْطٌ كَمَا مَرَّ وَهُوَ رَدٌّ لِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي جَوَازِهِ، فَإِنَّهُ حِينَ اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ وَسَّعَ كَثِيرًا تَسْهِيلًا لِلْأَمْرِ عَلَى النَّاسِ (وَلَوْ مَاتَ الْخَصْمُ يَنْفُذُ الْكِتَابُ عَلَى وَرَثَتِهِ لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ) سَوَاءٌ كَانَ تَارِيخُ الْكِتَابِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَطْلُوبِ أَوْ بَعْدَهُ. (وَلَا يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ: يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى الشُّهُودِ (وَلَنَا أَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ فَصَارَ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ) وَهِيَ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ فِيهِمَا (وَلِأَنَّ مَبْنَاهُمَا عَلَى الْإِسْقَاطِ وَفِي قَبُولِهِ سَعْيٌ فِي إثْبَاتِهِمَا) .

[فصل في قضاء المرأة]

(فَصْلٌ آخِرُ) (وَيَجُوزُ قَضَاءُ الْمَرْأَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) اعْتِبَارًا بِشَهَادَتِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْل فِي قَضَاءِ الْمَرْأَةِ] فَصْلٌ آخَرُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي إذَا كَانَ سِجِلًّا اتَّصَلَ بِهِ قَضَاؤُهُ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ إمْضَاؤُهُ إذَا كَانَ فِي مَحَلٍّ مُجْتَهَدٍ فِيهِ، بِخِلَافِ الْكِتَابِ الْحُكْمِيِّ فَإِنَّ الرَّأْيَ لَهُ فِي التَّنْفِيذِ وَالرَّدِّ، فَلِذَلِكَ احْتَاجَ إلَى بَيَانِ تَعْدَادِ مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ بِذِكْرِ أَصْلٍ يَجْمَعُهَا، وَهَذَا الْفَصْلُ لِبَيَانِ ذَلِكَ وَمَا يُلْحَقُ بِهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفَصْلَ مِنْ تَتِمَّةِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي، لَكِنَّ قَوْلَهُ آخَرُ يُنَافِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ الْبَابِ فَصْلٌ قَبْلَ هَذَا حَتَّى يَقُولَ فَصْلٌ آخَرُ. وَالْأَوْلَى أَنْ يَجْعَلَ هَذَا فَصْلًا آخَرَ فِي أَدَبِ الْقَاضِي، فَإِنَّهُ تَقَدَّمَ فَصْلُ الْحَبْسِ وَهَذَا فَصْلٌ آخَرُ. قَالَ (وَيَجُوزُ قَضَاءُ الْمَرْأَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ إلَخْ) قَضَاءُ الْمَرْأَةِ جَائِزٌ عِنْدَنَا فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الْحُدُودِ

وَقَدْ مَرَّ الْوَجْهُ. (وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَخْلِفَ عَلَى الْقَضَاءِ إلَّا أَنْ يُفَوَّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ قُلِّدَ الْقَضَاءَ دُونَ التَّقْلِيدِ بِهِ فَصَارَ كَتَوْكِيلِ الْوَكِيلِ، بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ حَيْثُ يَسْتَخْلِفُ لِأَنَّهُ عَلَى شَرَفِ الْفَوَاتِ لِتَوَقُّتِهِ فَكَانَ الْأَمْرُ بِهِ إذْنًا بِالِاسْتِخْلَافِ دَلَالَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْقِصَاصِ اعْتِبَارًا بِشَهَادَتِهَا، وَقَدْ مَرَّ الْوَجْهُ: أَيْ فِي أَوَّلِ أَدَبِ الْقَاضِي أَنَّ حُكْمَ الْقَضَاءِ يُسْتَقَى مِنْ حُكْمِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ، فَكُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ يَكُونُ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ وَهِيَ أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ فِي غَيْرِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فَهِيَ أَهْلٌ لِلْقَضَاءِ فِي غَيْرِهِمَا. قِيلَ أَرَادَ بِهِ مَا مَرَّ قَبْلُ بِخُطُوطٍ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا فِيهِ شُبْهَةُ الْبَدَلِيَّةِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِمَا، وَشَهَادَتُهَا كَذَلِكَ كَمَا سَيَجِيءُ وَقَضَاؤُهَا مُسْتَفَادٌ مِنْ شَهَادَتِهَا. (وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَخْلِفَ عَلَى الْقَضَاءِ) بِعُذْرٍ وَبِغَيْرِهِ (إلَّا أَنْ يُفَوَّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قُلِّدَ الْقَضَاءَ دُونَ التَّقْلِيدِ بِهِ) أَيْ بِالْقَضَاءِ (فَصَارَ كَالْوَكِيلِ) لَا يَجُوزُ لَهُ التَّوْكِيلُ إلَّا إذَا فُوِّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ (بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ حَيْثُ) يَجُوزُ لَهُ أَنْ (يَسْتَخْلِفَ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الْجُمُعَةِ عَلَى شَرَفِ الْفَوَاتِ لِتَوَقُّتِهِ) بِوَقْتٍ يَفُوتُ الْأَدَاءُ بِانْقِضَائِهِ (فَكَانَ الْأَمْرُ بِهِ مِنْ الْخَلِيفَةِ إذْنًا لَهُ بِالِاسْتِخْلَافِ دَلَالَةً) لَكِنْ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ سَمِعَ الْخُطْبَةَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ شَرَائِطِ افْتِتَاحِ الْجُمُعَةِ فَلَوْ افْتَتَحَ الْأَوَّلُ الصَّلَاةَ ثُمَّ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَاسْتَخْلَفَ مَنْ لَمْ يَشْهَدْهَا جَازَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَخْلَفَ بَانٍ لَا مُفْتَتِحٌ. وَاعْتُرِضَ بِمَنْ أَفْسَدَ صَلَاتَهُ ثُمَّ افْتَتَحَ بِهِمْ الْجُمُعَةَ فَإِنَّهُ جَائِزٌ، وَهُوَ مُفْتَتِحٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ شُرُوعُهُ فِي الْجُمُعَةِ وَصَارَ خَلِيفَةً لِلْأَوَّلِ اُلْتُحِقَ بِمَنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ. وَأَرَى أَنَّ إلْحَاقَهُ بِالْبَانِي لِتَقَدُّمِ شُرُوعِهِ فِي تِلْكَ

وَلَا كَذَلِكَ الْقَضَاءُ. وَلَوْ قَضَى الثَّانِي بِمَحْضَرٍ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ قَضَى الثَّانِي فَأَجَازَ الْأَوَّلُ جَازَ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ حَضَرَهُ رَأْيُ الْأَوَّلِ وَهُوَ الشَّرْطُ، وَإِذَا فُوِّضَ إلَيْهِ يَمْلِكُهُ فَيَصِيرُ الثَّانِي نَائِبًا عَنْ الْأَصِيلِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْأَوَّلُ عَزْلَهُ إلَّا إذَا فُوِّضَ إلَيْهِ الْعَزْلَ هُوَ الصَّحِيحُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّلَاةِ أَوْلَى فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَا كَذَلِكَ الْقَضَاءُ) أَيْ لَيْسَ الْقَضَاءُ كَالْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُوَقَّتٍ بِوَقْتٍ يَفُوتُ بِالتَّأْخِيرِ عِنْدَ الْعُذْرِ، فَمَنْ أَذَّنَ بِالْجُمُعَةِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ قَدْ يَعْرِضُ لَهُ عَارِضٌ يَمْنَعُهُ مِنْ أَدَائِهَا فِي الْوَقْتِ فَقَدْ رَضِيَ بِالِاسْتِخْلَافِ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ (فَلَوْ) فَرَضْنَا أَنَّهُ اسْتَخْلَفَ، وَ (قَضَى الثَّانِي بِمَحْضَرٍ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ قَضَى الثَّانِي) عِنْدَ غَيْبَةِ الْأَوَّلِ (فَأَجَازَهُ الْأَوَّلُ جَازَ) إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقَضَاءِ (كَمَا فِي الْوَكَالَةِ) فَإِنَّ الْوَكِيلَ إذَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ بِالتَّوْكِيلِ فَوَكَّلَ وَتَصَرَّفَ بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ أَوْ أَجَازَهُ الْأَوَّلُ جَازَ. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ حَضَرَهُ رَأْيُ الْأَوَّلِ) يَصْلُحُ دَلِيلًا لِلْمَسْأَلَتَيْنِ، أَمَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلِأَنَّ الْخَلِيفَةَ رَضِيَ بِقَضَاءٍ حَضَرَهُ رَأْيُ الْقَاضِي وَقْتَ نُفُوذِهِ لِاعْتِمَادِهِ عَلَى عِلْمِهِ وَعَمَلِهِ، وَالْحُكْمُ الَّذِي حَضَرَهُ الْقَاضِي أَوْ أَجَازَهُ قَضَاءٌ حَضَرَهُ رَأْيُ الْقَاضِي فَيَكُونُ رَاضِيًا بِهِ، وَأَمَّا فِي الْوَكَالَةِ فَسَيَجِيءُ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ، قِيلَ الْإِذْنُ فِي الِابْتِدَاءِ كَالْإِجَازَةِ فِي الِانْتِهَاءِ فَلِمَ اخْتَلَفَا فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ. وَأُجِيبَ بِالْمَنْعِ فَإِنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَأَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي أَذِنَ لَهُ الْقَاضِي بِهِ فِي الِابْتِدَاءِ قَضَاءٌ لَمْ يَحْضُرْهُ رَأْيُ الْقَاضِي وَكَانَ رِضَا الْخَلِيفَةِ بِتَوْلِيَةِ الْقَاضِي مُقَيَّدًا بِهِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا فَوَّضَ إلَيْهِ يَمْلِكُهُ) أَيْ إذَا قَالَ الْخَلِيفَةُ لِلْقَاضِي وَلِّ مَنْ شِئْت كَانَ لَهُ أَنْ يُوَلِّيَ غَيْرَهُ (فَيَصِيرُ الثَّانِي نَائِبًا عَنْ الْأَصِيلِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْأَوَّلُ عَزْلَهُ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَاضِيًا مِنْ جِهَةِ الْخَلِيفَةِ فَلَا يَمْلِكُ الْأَوَّلُ عَزْلَهُ إلَّا أَنْ يَقُولَ وَاسْتَبْدِلْ مَنْ شِئْت فَيَمْلِكُ الْأَوَّلُ عَزْلَهُ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَمْرَ الْقَاضِي لَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِ مَا فُوِّضَ إلَيْهِ، فَإِذَا قَالَ الْخَلِيفَةُ وَلِّ مَنْ شِئْت وَاقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ كَانَ أَمْرًا لَهُ بِالتَّوْلِيَةِ، وَالْعَزْلُ خِلَافُهُ، وَإِذَا أَضَافَ إلَى

قَالَ (وَإِذَا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي حُكْمُ حَاكِمٍ أَمْضَاهُ إلَّا أَنْ يُخَالِفَ الْكِتَابَ أَوْ السُّنَّةَ أَوْ الْإِجْمَاعَ بِأَنْ يَكُونَ قَوْلًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ فَقَضَى بِهِ الْقَاضِي ثُمَّ جَاءَ قَاضٍ آخَرُ يَرَى غَيْرَ ذَلِكَ أَمْضَاهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ وَاسْتَبْدِلْ مَنْ شِئْت كَانَ أَمْرًا لَهُ بِهِمَا فَكَانَا لَهُ، فَإِذَا قَالَ الْخَلِيفَةُ لِرَجُلٍ جَعَلْتُك قَاضِيَ الْقُضَاةِ كَانَ إذْنًا بِالِاسْتِخْلَافِ وَالْعَزْلِ دَلَالَةً؛ لِأَنَّ قَاضِيَ الْقُضَاةِ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ فِي الْقُضَاةِ تَقْلِيدًا وَعَزْلًا، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَصِيِّ وَالْقَاضِي فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُفَوَّضٌ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْغَيْرِ وَالْوَصِيُّ يَمْلِكُ التَّفْوِيضَ إلَى غَيْرِهِ تَوْكِيلًا وَإِيصَاءً؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ أَوَانَ وُجُوبِ الْوِصَايَةِ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَقَدْ يَعْجِزُ الْوَصِيُّ عَنْ الْجَرْيِ عَلَى مُوجِبِ الْوِصَايَةِ وَلَا يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ إلَى الْمُوصِي فَيَكُونُ الْمُوصَى لَهُ رَاضِيًا بِاسْتِعَانَتِهِ بِغَيْرِهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْقَضَاءُ. وَقِيلَ الْقَاضِي يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ وَالْإِيصَاءَ وَلَا يَمْلِكُ التَّقْلِيدَ، وَالتَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ فِي التَّقْلِيدِ يَجْرِي فِيهِمَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُقَلِّدَ يَفْعَلُ مَا لَا يَفْعَلُهُ الْوَكِيلُ وَالْوَصِيُّ فَيَكُونُ تَوَقُّعُ الْفَسَادِ فِي الْقَضَاءِ أَكْثَرَ. قَالَ (وَإِذَا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي حُكْمُ حَاكِمٍ أَمْضَاهُ إلَخْ) إذَا تَقَدَّمَ رَجُلٌ إلَى قَاضٍ، وَقَالَ حَكَمَ عَلَيَّ فُلَانٌ الْقَاضِي بِكَذَا وَكَذَا نَفَّذَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِلْكِتَابِ كَالْحُكْمِ بِحِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا فَإِنَّهُ مُخَالِفُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] أَوْ السُّنَّةِ: أَيْ الْمَشْهُورَةِ كَالْحُكْمِ بِحِلِّ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ بِمُجَرَّدِ النِّكَاحِ بِدُونِ إصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي، فَإِنَّ اشْتِرَاطَ الدُّخُولِ ثَابِتٌ بِحَدِيثِ الْعُسَيْلَةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُمَا فِي التَّقْرِيرِ عَلَى مَا يَنْبَغِي، أَوْ الْإِجْمَاعِ كَالْحُكْمِ بِبُطْلَانِ قَضَاءِ الْقَاضِي فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ، أَوْ يَكُونُ قَوْلًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ قِيلَ كَمَا إذَا مَضَى عَلَى الدَّيْنِ سُنُونَ فَحَكَمَ بِسُقُوطِ الدَّيْنِ عَمَّنْ عَلَيْهِ لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ فَإِنَّهُ لَا دَلِيلَ شَرْعِيَّ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِأَنْ يَكُونَ وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِلِاسْتِثْنَاءِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ عَدَمُ تَنْفِيذِهِ إذَا كَانَ مُخَالِفًا لِلْأَدِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ بِسَبَبِ أَنْ يَكُونَ قَوْلًا بِلَا دَلِيلٍ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ فَقَضَى بِهِ الْقَاضِي ثُمَّ جَاءَ قَاضٍ آخَرُ يَرَى غَيْرَ ذَلِكَ أَمْضَاهُ. وَفِيهِ فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنَّهُ قَيَّدَ بِالْفُقَهَاءِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِمَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ فَاتَّفَقَ قَضَاؤُهُ بِمَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ لَا يُنَفِّذُهُ الْمَرْفُوعُ إلَيْهِ عَلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَرَى غَيْرَ ذَلِكَ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْحُكْمَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِلْأَدِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ يَنْفُذُ سَوَاءٌ كَانَ مُوَافِقًا لِرَأْيِهِ أَوْ مُخَالِفًا، فَإِنَّهُ إذَا نَفَّذَهُ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِرَأْيِهِ فَفِيمَا يُوَافِقُهُ أَوْلَى، وَرِوَايَةُ الْقُدُورِيِّ سَاكِتَةٌ عَنْ الْفَائِدَتَيْنِ جَمِيعًا.

وَالْأَصْلُ أَنَّ الْقَضَاءَ مَتَى لَاقَى فَصْلًا مُجْتَهَدًا فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (وَالْأَصْلُ) فِي تَنْفِيذِ الْقَاضِي مَا يُرْفَعُ إلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِلْأَدِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ (أَنَّ الْقَضَاءَ مَتَى لَاقَى فَصْلًا مُجْتَهَدًا فِيهِ

يُنْفِذُهُ وَلَا يَرُدُّهُ غَيْرُهُ، لِأَنَّ اجْتِهَادَ الثَّانِي كَاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ يُرَجَّحُ الْأَوَّلُ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ فَلَا يُنْقَضُ بِمَا هُوَ دُونَهُ. (وَلَوْ قَضَى فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ نَاسِيًا لِمَذْهَبِهِ نَفَذَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِنْ كَانَ عَامِدًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ) وَوَجْهُ النَّفَاذِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَنْفَدُ وَلَا يَرُدُّ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ اجْتِهَادَ الثَّانِي كَاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ) فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَحْتَمِلُ الْخَطَأَ (وَقَدْ تَرَجَّحَ الْأَوَّلُ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ فَلَا يُنْقَضُ بِمَا دُونَهُ) دَرَجَةً وَهُوَ مَا لَمْ يَتَّصِلْ الْقَضَاءُ بِهِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْقَضَاءُ فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ مُتَفَرِّعٌ عَلَى رَأْيِ الْمُجْتَهِدِ فَكَيْفَ يَصْلُحُ الْفَرْعُ مُرَجِّحًا لِأَصْلِهِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْفَرْعَ لَا يَصْلُحُ مُرَجِّحًا لِأَصْلِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مِنْهُ أَوْ مُطْلَقًا. وَالثَّانِي مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَجِّحًا لِأَصْلِهِ مِنْ حَيْثُ بَقَاءُ الْأَصْلِ عِنْدَ وُجُودِ مَا يَرْفَعُهُ مِنْ أَصْلٍ بِلَا فَرْعٍ، إذْ الشَّيْءُ الْمُسَاوِي لِلشَّيْءِ فِي الْقُوَّةِ لَا يَرْفَعُ مَا يُسَاوِيهِ فِيهَا مَعَ شَيْءٍ آخَرَ، وَالْأَوَّلُ مُسَلَّمٌ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَمَّا شَغَلَهُ أَشْغَالُ الْمُسْلِمِينَ اسْتَعَانَ بِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَقَضَى زَيْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ ثُمَّ لَقِيَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ فَقَالَ: إنَّ زَيْدًا قَضَى عَلَيَّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَوْ كُنْت لَقَضَيْت لَك، فَقَالَ: مَا يَمْنَعُك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ السَّاعَةَ؟ فَاقْضِ لِي فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ كَانَ هُنَا نَصٌّ آخَرُ لَقَضَيْت لَك، وَلَكِنْ هَاهُنَا رَأْيٌ وَالرَّأْيُ مُشْتَرَكٌ. (وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ نَاسِيًا لِمَذْهَبِهِ نَفَذَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِنْ كَانَ عَامِدًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ. وَوَجْهُ النَّفَاذِ) وَهُوَ دَلِيلُ النِّسْيَانِ أَيْضًا

أَنَّهُ لَيْسَ بِخَطَأٍ بِيَقِينٍ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَنْفُذُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ قَضَى بِمَا هُوَ خَطَأٌ عِنْدَهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، ثُمَّ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ أَنْ لَا يَكُونَ مُخَالِفًا لِمَا ذَكَرْنَا. وَالْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ مِنْهَا وَفِيمَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ لَا يُعْتَبَرُ مُخَالَفَةُ الْبَعْضِ وَذَلِكَ خِلَافٌ وَلَيْسَ بِاخْتِلَافٍ وَالْمُعْتَبَرُ الِاخْتِلَافُ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِطَرِيقِ الْأَوْلَى (أَنَّهُ لَيْسَ بِخَطَإٍ بِيَقِينٍ) لِكَوْنِهِ مُجْتَهَدًا فِيهِ، وَمَا هُوَ كَذَلِكَ فَالْحُكْمُ بِهِ نَافِذٌ كَعَامَّةِ الْمُجْتَهَدَاتِ. وَوَجْهُ عَدَمِهِ أَنَّهُ زَعَمَ فَسَادَ قَضَائِهِ وَهُوَ مُؤَاخَذٌ بِزَعْمِهِ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا يَنْفُذُ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَضَى بِمَا هُوَ خَطَأٌ عِنْدَهُ) فَيَعْمَلُ بِهِ بِزَعْمِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) قَالَ (ثُمَّ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ أَنَّ مَا لَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِمَا ذَكَرْنَا) لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مَحَلٍّ مُجْتَهَدٍ فِيهِ مَاضٍ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ الْمُجْتَهَدَ فِيهِ فَقَالَ ثُمَّ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ لَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ وَالْإِجْمَاعِ فَإِذَا حَكَمَ حَاكِمٌ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَرُفِعَ إلَى آخَرَ لَمْ يُنَفِّذْهُ بَلْ يُبْطِلُهُ حَتَّى لَوْ نَفَّذَهُ ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ ثَالِثٍ نُقِضَ؛ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ وَضَلَالٌ، وَالْبَاطِلُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، بِخِلَافِ الْمُجْتَهَدِ فِيهِ فَإِنَّهُ إذَا رُفِعَ إلَى الثَّانِي نَفَّذَهُ كَمَا مَرَّ، فَإِنْ نَقَضَهُ فَرُفِعَ إلَى ثَالِثٍ فَإِنَّهُ يُنْفِذُ الْقَضَاءَ الْأَوَّلَ وَيُبْطِلُ الثَّانِيَ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ كَانَ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ وَهُوَ نَافِذٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَالثَّانِي مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ وَمُخَالِفُ الْإِجْمَاعِ بَاطِلٌ لَا يَنْفُذُ، وَالْمُرَادُ مِنْ مُخَالَفَةِ الْكِتَابِ مُخَالَفَةُ نَصِّ الْكِتَابِ الَّذِي لَمْ يَخْتَلِفْ السَّلَفُ فِي تَأْوِيلِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] فَإِنَّ السَّلَفَ اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ جَوَازِ تَزَوُّجِ امْرَأَةِ الْأَبِ وَجَارِيَتِهِ الَّتِي وَطِئَهَا الْأَبُ، فَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِجَوَازِ ذَلِكَ نَقَضَهُ مَنْ رُفِعَ إلَيْهِ (وَالْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةُ مِنْهَا) كَمَا ذَكَرْنَا (وَالْمُرَادُ بِالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ) أَيْ جُلُّ النَّاسِ وَأَكْثَرُهُمْ (وَمُخَالَفَةُ الْبَعْضِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خِلَافٌ لَا اخْتِلَافٌ) فَعَلَى هَذَا إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ عَلَى خِلَافِ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ كَانَ حُكْمُهُ عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ نَقَضَهُ مَنْ رُفِعَ إلَيْهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هَذَا عَلَى مَا إذَا كَانَ الْوَاحِدُ الْمُخَالِفُ مِمَّنْ لَمْ يُسَوِّغْ اجْتِهَادُهُ ذَلِكَ كَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي جَوَازِ رِبَا الْفَضْلِ فَإِنَّهُ لَمْ يُسَوِّغْ لَهُ أَحَدٌ ذَلِكَ فَلَمْ يَتْبَعْهُ وَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ، فَإِذَا حَكَمَ حَاكِمٌ بِجَوَازِ ذَلِكَ وَجَبَ نَقْضُهُ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى الْحُرْمَةِ بِدُونِهِ فَأَمَّا إذَا سُوِّغَ لَهُ ذَلِكَ لَمْ يَنْعَقِدْ الْإِجْمَاعُ بِدُونِهِ كَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي اشْتِرَاطِ حَجْبِ الْأُمِّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ بِالْجَمْعِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَفِي إعْطَائِهَا ثُلُثَ الْجَمِيعِ بَعْدَ فَرْضِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، فَإِنْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ، وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ، وَلَعَلَّهُ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ وَلَا يُحْمَلُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى أَنَّ خِلَافَ الْأَقَلِّ غَيْرُ مَانِعٍ لِانْعِقَادِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ (قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَبَرُ الِاخْتِلَافُ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ) مَعْنَاهُ أَنَّ

قَالَ (وَكُلُّ شَيْءٍ قَضَى بِهِ الْقَاضِي فِي الظَّاهِرِ بِتَحْرِيمٍ فَهُوَ فِي الْبَاطِنِ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَكَذَا إذَا قَضَى بِإِحْلَالٍ، وَهَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاخْتِلَافَ الَّذِي يَجْعَلُ الْمَحَلَّ مُجْتَهَدًا فِيهِ هُوَ الِاخْتِلَافُ الَّذِي كَانَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَا الَّذِي يَقَعُ بَعْدَهُمْ، وَعَلَى هَذَا إذَا حَكَمَ الشَّافِعِيُّ أَوْ الْمَالِكِيُّ بِرَأْيِهِ بِمَا يُخَالِفُ رَأْيَ مَنْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ مِنْ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى حَاكِمٍ لَمْ يَرَ ذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ. قَالَ (وَكُلُّ شَيْءٍ قَضَى بِهِ الْقَاضِي فِي الظَّاهِرِ بِتَحْرِيمٍ إلَخْ) كُلُّ مَا قَضَى بِهِ الْقَاضِي بِتَحْرِيمِهِ فِي الظَّاهِرِ: أَيْ فِيمَا بَيْنَنَا فَهُوَ فِي الْبَاطِنِ: أَيْ عِنْدَ اللَّهِ حَرَامٌ، وَكَذَا إذَا قَضَى بِإِحْلَالٍ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى بِسَبَبٍ مُعَيَّنٍ كَنِكَاحٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ لَا فِي الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ قَضَاءِ الْقَاضِي فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ، فَمِنْ الْعُقُودِ مَا إذَا ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحًا وَأَنْكَرَتْ فَأَقَامَ عَلَيْهَا شَاهِدَيْ زُورٍ وَقَضَى الْقَاضِي بِالنِّكَاحِ بَيْنَهُمَا حَلَّ لِلرَّجُلِ وَطْؤُهَا وَحَلَّ لِلْمَرْأَةِ التَّمْكِينُ مِنْهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْآخِرُ، وَكَذَا إذَا ادَّعَتْ عَلَى رَجُلٍ وَأَنْكَرَ. وَمِنْهَا مَا إذَا قَضَى بِالْبَيْعِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ سَوَاءٌ كَانَتْ الدَّعْوَى مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي مِثْلَ أَنْ قَالَ بِعْتنِي هَذِهِ الْجَارِيَةَ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْت مِنِّي هَذِهِ الْجَارِيَةَ فَإِنَّهُ يَحِلُّ لِلْمُشْتَرِي وَطْؤُهَا فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا سَوَاءٌ كَانَ الْقَضَاءُ بِالنِّكَاحِ بِحُضُورِ مَنْ يَصْلُحُ شَاهِدًا فِيهِ وَبِالْبَيْعِ بِثَمَنِ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ أَوْ بِأَقَلَّ مِمَّا يَتَغَابَنُ فِيهِ النَّاسُ أَوْ لَا عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ شَرْطٌ لِإِنْشَاءِ النِّكَاحِ قَصْدًا وَالْإِنْشَاءُ هَاهُنَا يَثْبُتُ اقْتِضَاءً فَلَا تُشْتَرَطُ الشَّهَادَةُ وَأَنَّ الْبَيْعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ مُبَادَلَةٌ وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ وَالْمُكَاتَبُ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكَا التَّبَرُّعَ فَكَانَ كَسَائِرِ الْمُبَادَلَاتِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ

إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى بِسَبَبٍ مُعَيَّنٍ وَهِيَ مَسْأَلَةُ قَضَاءِ الْقَاضِي فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ وَقَدْ مَرَّتْ فِي النِّكَاحِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْبَيْعُ إذَا كَانَ الْقَضَاءُ بِمَحْضَرٍ مِنْ الشُّهُودِ؛ لِأَنَّهَا شَرْطُ صِحَّةِ الْعَقْدِ وَلَمْ يَكُنْ الْبَيْعُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَصِيرُ مُنْشِئًا وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُنْشِئًا فِيمَا لَهُ وِلَايَةُ الْإِنْشَاءِ وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْبَيْعِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ. وَمِنْ الْفُسُوخِ مَا إذَا ادَّعَى أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَسْخَ الْعَقْدِ فِي الْجَارِيَةِ وَأَقَامَ شَاهِدَيْ زُورٍ فَفَسَخَ الْقَاضِي حَلَّ لِلْبَائِعِ وَطْؤُهَا. وَمِنْهَا مَا إذَا ادَّعَتْ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَأَقَامَتْ شَاهِدَيْ زُورٍ وَقَضَى الْقَاضِي بِالْفُرْقَةِ وَتَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ حَلَّ لِلزَّوْجِ الثَّانِي وَطْؤُهَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا عُلِمَ أَنَّ الزَّوْجَ الْأَوَّلَ لَمْ يُطَلِّقْهَا بِأَنْ كَانَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ، وَقَالَا: إنْ كَانَ عَالِمًا بِحَقِيقَةِ الْحَالِ لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ الْوَطْءُ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ عِنْدَهُمَا لَمْ تَقَعْ بَاطِنًا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا حَلَّ لَهُ ذَلِكَ، وَأَمَّا الزَّوْجُ الْأَوَّلُ فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْوَطْءُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ آخِرًا وَإِنْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ لَمْ تَقَعْ بَاطِنًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ زَانِيًا عِنْدَ النَّاسِ فَيَحُدُّونَهُ. وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرَ يَحِلُّ وَطْؤُهَا سِرًّا؛ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَحِلُّ لِلْأَوَّلِ وَطْؤُهَا مَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا الثَّانِي، فَإِذَا دَخَلَ بِهَا لَا يَحِلُّ سَوَاءٌ عَلِمَ الثَّانِي بِحَقِيقَةِ

قَالَ (وَلَا يَقْضِي الْقَاضِي عَلَى غَائِبٍ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجُوزُ لِوُجُودِ الْحُجَّةِ وَهِيَ الْبَيِّنَةُ فَظَهَرَ الْحَقُّ. وَلَنَا أَنَّ الْعَمَلَ بِالشَّهَادَةِ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ، وَلَا مُنَازَعَةَ دُونَ الْإِنْكَارِ وَلَمْ يُوجَدْ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَالِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ. قَالَ (وَلَا يَقْضِي الْقَاضِي عَلَى غَائِبٍ إلَخْ) الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ وَلَهُ عِنْدَنَا لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا حَضَرَ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ غَابَ عَنْ الْبَلَدِ أَوْ عَنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَاسْتَتَرَ فِي الْبَلَدِ جَازَ، وَإِلَّا لَا يَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ فِي الِاسْتِتَارِ تَضْيِيعًا لِلْحُقُوقِ دُونَ غَيْرِهِ، وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ ثُبُوتَ الْقَضَاءِ بِوُجُودِ الْحُجَّةِ وَهِيَ الْبَيِّنَةُ، فَإِذَا وُجِدَتْ ظَهَرَ الْحَقُّ فَيَحِلُّ لِلْقَاضِي الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهَا، وَلَنَا أَنَّ الْعَمَلَ بِالشَّهَادَةِ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ خَبَرٌ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ، وَلَا يَجُوزُ بِنَاءُ الْحُكْمِ عَلَى الدَّلِيلِ الْمُحْتَمَلِ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَهُ حُجَّةً ضَرُورَةَ قَطْعِ الْمُنَازَعَةِ، وَلِهَذَا إذَا كَانَ الْخَصْمُ حَاضِرًا وَأَقَرَّ بِالْحَقِّ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا وَلَا مُنَازَعَةَ إلَّا بَعْدَ الْإِنْكَارِ وَلَمْ يُوجَدْ، فَإِنْ قَالَ قَدْ عَمِلْتُمْ بِالشَّهَادَةِ بِدُونِ الْإِنْكَارِ إذَا حَضَرَ الْخَصْمُ وَسَكَتَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الشَّرْعَ أَنْزَلَهُ مُنْكِرًا حَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الصَّلَاحِ، إذْ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ أَنْ لَا يَسْكُتَ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ رَفْعًا لِظُلْمِهِ إنْ أَرَادَ بِسُكُوتِهِ تَوْقِيفَ حَالِ الْمُدَّعِي عَنْ سَمَاعِ الْحُجَّةِ فَكَانَ الْإِنْكَارُ مَوْجُودًا حُكْمًا، وَإِنْ قَالَ سَلَّمْنَا أَنْ لَا مُنَازَعَةَ إلَّا بِالْإِنْكَارِ لَكِنَّهُ مَوْجُودٌ ظَاهِرًا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِقْرَارِ، إذْ الْأَصْلُ فِي الْيَدِ الْمِلْكُ. قُلْنَا: مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ الْإِقْرَارُ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ صَادِقٌ ظَاهِرُ الْوُجُودِ مَا يَصْرِفُهُ عَنْ الْكَذِبِ مِنْ الْعَقْلِ وَالدِّينِ فَهُوَ لَا يَتْرُكُ الْإِقْرَارَ لِعَقْلِهِ وَدِينِهِ أَيْضًا. وَإِنْ قَالَ لَوْ أَنْكَرَ ثُمَّ غَابَ كَانَ الْوَاجِبُ سَمَاعَ الْحُجَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. قُلْنَا إذَا كَانَتْ شَرْطًا فَالْمُلَازَمَةُ مَمْنُوعَةٌ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الشَّرْطِ لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْمَشْرُوطِ، وَسَيَأْتِي لَهُ جَوَابٌ آخَرُ. وَإِنْ قَالَ وَقْفُ الْحُكْمِ عَلَى حُضُورِ الْخَصْمِ غَيْرُ مُفِيدٍ بَعْدَ ظُهُورِ الْحَقِّ بِالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهُ إنْ حَضَرَ فَأَقَرَّ لَزِمَتْ الدَّعْوَى وَإِنْ أَنْكَرَ فَكَذَلِكَ. فَالْجَوَابُ بِأَنَّ النِّزَاعَ فِي ظُهُورِ الْحَقِّ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ عِنْدَنَا لَا يَظْهَرُ بِهَا إلَّا بِالنِّزَاعِ وَبِأَنَّهُ مُفِيدٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَطْعَنَ فِي الشُّهُودِ وَيُثْبِتَهُ أَوْ يُسَلِّمَ الدَّعْوَى وَيَدَّعِيَ الْأَدَاءَ وَيُثْبِتَهُ، أَوْ يُقِرَّ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْبَيِّنَةِ فَيَبْطُلُ الْحُكْمُ بِالْبَيِّنَةِ، وَوُقُوعُ ذَلِكَ بَعْدَ الْحُكْمِ مُمْكِنٌ وَفِيهِ إبْطَالُهُ، وَصَوْنُ الْحُكْمِ عَنْ الْبُطْلَانِ مِنْ

وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ وَالْإِنْكَارَ مِنْ الْخَصْمِ فَيَشْتَبِهُ وَجْهُ الْقَضَاءِ لِأَنَّ أَحْكَامَهُمَا مُخْتَلِفَةٌ، وَلَوْ أَنْكَرَ ثُمَّ غَابَ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّرْطَ قِيَامُ الْإِنْكَارِ وَقْتَ الْقَضَاءِ، وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ قَدْ يَكُونُ نَائِبًا بِإِنَابَتِهِ كَالْوَكِيلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَجْلِ الْفَوَائِدِ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ الْإِقْرَارُ إلَخْ) دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى الْمَطْلُوبِ، وَالضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَنَازَعَانِ وَيَشْتَبِهَ فِي وَجْهِ الْقَضَاءِ وَأُعْمِلَ الثَّانِي؛ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الشَّأْنَ يَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ وَالْإِنْكَارَ، أَوْ وَجْهُ الْقَضَاءِ يَحْتَمِلُهُمَا مِنْ الْخَصْمِ فَيَشْتَبِهُ عَلَى الْحَاكِمِ وَجْهُ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَهُمَا مُخْتَلِفَةٌ، فَإِنَّ حُكْمَ الْقَضَاءِ بِالْبَيِّنَةِ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى الشُّهُودِ عِنْدَ الرُّجُوعِ وَيَظْهَرُ فِي الزَّوَائِدِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ الْبُيُوعِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ فَاسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا وَوَلَدَهَا، وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا الرَّجُلُ لَمْ يَأْخُذْ وَلَدَهَا؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ مُطْلَقَةٌ كَاسْمِهَا مُبَيِّنَةٌ فَيَظْهَرُ مِلْكُ الْجَارِيَةِ مِنْ الْأَصْلِ فَيَكُونُ الْوَلَدُ مُتَفَرِّعًا عَنْ جَارِيَةٍ مَمْلُوكَةٍ لِلْمُسْتَحِقِّ وَلِهَذَا تَرْجِعُ الْبَاعَةُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، بِخِلَافِ الْحُكْمِ بِالْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ لِانْعِدَامِ الْوِلَايَةِ عَلَى الْغَيْرِ وَلِهَذَا لَا يَرْجِعُ الْبَاعَةُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَإِنْ اسْتَدَلَّ الْخَصْمُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» فَإِنَّهُ لَا يَفْصِلُ بَيْنَ كَوْنِ الْخَصْمِ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا، أَوْ بِحَدِيثِ هِنْدٍ حَيْثُ قَالَتْ «يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ لَا يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي، فَقَالَ: خُذِي مِنْ مَالِ أَبِي سُفْيَانَ مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ» فَقَدْ قَضَى عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ وَهُوَ غَائِبٌ أَجَبْنَاهُ عَنْ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ ادَّعَى شَيْئًا فَعَلَيْهِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ، وَهُوَ مَعَ كَوْنِهِ مَتْرُوكَ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ إذَا أَقَرَّ لَيْسَ عَلَى الْمُدَّعِي إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلنِّزَاعِ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَنَّ الْقَاضِيَ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى الْغَائِبِ أَوْ لَا، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيٍ أَوْ إثْبَاتٍ، وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى نَفْيِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيٍّ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ «لَا تَقْضِ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ بِشَيْءٍ حَتَّى تَسْمَعَ كَلَامَ الْآخَرِ، فَإِنَّك إذَا سَمِعْت كَلَامَ الْآخَرِ عَلِمْت كَيْفَ تَقْضِي» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَعَنْ حَدِيثِ هِنْدٍ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ عَالِمًا بِاسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَمْ تُقِمْ الْبَيِّنَةَ (قَوْلُهُ: لَوْ أَنْكَرَ ثُمَّ غَابَ فَكَذَلِكَ) يَعْنِي لَا يَقْضِي الْقَاضِي فِي غَيْبَتِهِ وَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ الْإِنْكَارُ، وَكَذَا إذَا أَنْكَرَ وَسُمِعَتْ الْبَيِّنَةُ ثُمَّ غَابَ قَبْلَ الْقَضَاءِ (؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ قِيَامُ الْإِنْكَارِ وَقْتَ الْقَضَاءِ) ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا تَصِيرُ حُجَّةً بِالْقَضَاءِ وَهُوَ الْجَوَابُ الْمَوْعُودُ بِقَوْلِنَا سَيَأْتِي (وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّهُ يَقُولُ: الشَّرْطُ الْإِصْرَارُ عَلَى الْإِنْكَارِ إلَى وَقْتِ الْقَضَاءِ وَهُوَ ثَابِتٌ بَعْدَ غَيْبَتِهِ بِالِاسْتِصْحَابِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الِاسْتِصْحَابَ يَصْلُحُ لِلرَّفْعِ لَا لِلْإِثْبَاتِ. قَالَ (وَمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ إلَخْ) لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ بَيَّنَ ذَلِكَ. وَاعْلَمْ أَنَّ قِيَامَ الْحَاضِرِ مَقَامَ الْغَائِبِ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِفِعْلِ فَاعِلٍ أَوْ يَكُونُ حُكْمًا شَرْعِيًّا. وَالْأَوَّلُ

أَوْ بِإِنَابَةِ الشَّرْعِ كَالْوَصِيِّ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي، وَقَدْ يَكُونُ حُكْمًا بِأَنْ كَانَ مَا يَدَّعِي عَلَى الْغَائِبِ سَبَبًا لِمَا يَدَّعِيهِ عَلَى الْحَاضِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإمَّا أَنْ يَكُونَ الْفَاعِلُ هُوَ الْغَائِبَ كَمَا إذَا وَكَّلَ شَخْصًا وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ الْقَاضِيَ كَمَا إذَا أَقَامَ وَصِيًّا مِنْ جِهَتِهِ. وَالثَّانِي إمَّا أَنْ يَكُونَ مَا يَدَّعِي بِهِ عَلَى الْغَائِبِ سَبَبًا لَازِمًا لِمَا يَدَّعِي بِهِ عَلَى الْحَاضِرِ أَوْ شَرْطًا لِحَقِّهِ، فَإِنْ كَانَ سَبَبًا لَازِمًا سَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعَى وَاحِدًا كَمَا إذَا ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهَا مِلْكُهُ وَأَنْكَرَ ذُو الْيَدِ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً أَنَّ الدَّارَ دَارُهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَهُوَ يَمْلِكُهَا فَإِنَّ الْمُدَّعَى وَهُوَ الدَّارُ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَمَا ادَّعَى عَلَى الْغَائِبِ وَهُوَ الشِّرَاءُ سَبَبٌ لِثُبُوتِ مَا يَدَّعِي عَلَى الْحَاضِرِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ مِنْ الْمَالِكِ سَبَبٌ لِلْمِلْكِ لَا مَحَالَةَ، أَوْ شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، كَمَا إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ بِحَقٍّ مِنْ الْحُقُوقِ فَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ هُمَا عَبْدَا فُلَانٍ الْغَائِبِ فَأَقَامَ الْمَشْهُودُ لَهُ بَيِّنَةً أَنَّ فُلَانًا الْغَائِبَ أَعْتَقَهُمَا وَهُوَ يَمْلِكُهُمَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ، وَالْمُدَّعَى شَيْئَانِ: الْمَالُ عَلَى الْحَاضِرِ وَالْعِتْقُ عَلَى الْغَائِبِ، وَالْمُدَّعِي عَلَى الْغَائِبِ سَبَبُ الْمُدَّعِي عَلَى الْحَاضِرِ لَا مَحَالَةَ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الشَّهَادَةِ لَا تَنْفَكُّ عَنْ الْعِتْقِ بِحَالٍ فَالْقَضَاءُ فِيهِمَا عَلَى الْحَاضِرِ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ، وَالْحَاضِرُ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى شَيْءٌ وَاحِدٌ فِي الْأَوَّلِ أَوْ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فِي الثَّانِي لِعَدَمِ

وَهَذَا فِي غَيْرِ صُورَةٍ فِي الْكُتُبِ، أَمَّا إذَا كَانَ شَرْطًا لِحَقِّهِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ فِي جَعْلِهِ خَصْمًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالِانْفِكَاكِ، فَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ وَأَنْكَرَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهِ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ، وَلَهُمَا نَظَائِرُ فِي الْكُتُبِ الْمَبْسُوطَةِ، وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَتَعَرَّضْ إلَّا لِلسَّبَبِيَّةِ، وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى شَيْئًا وَاحِدًا أَوْ شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالسَّبَبِ اللَّازِمِ، فَإِنَّ الشَّيْءَ إذَا ثَبَتَ ثَبَتَ بِلَوَازِمِهِ، وَقَيَّدْنَا السَّبَبَ بِقَوْلِنَا لَازِمًا احْتِرَازًا عَمَّا إذَا كَانَ سَبَبًا فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ. فَإِنَّ الْحَاضِرَ فِيهِ لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ، كَمَا إذَا قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَةِ رَجُلٍ غَائِبٍ إنَّ زَوْجَك فُلَانًا الْغَائِبَ وَكَّلَنِي أَنْ أَحْمِلَكِ إلَيْهِ، فَقَالَتْ: إنَّهُ كَانَ قَدْ طَلَّقَنِي ثَلَاثًا وَأَقَامَتْ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً قُبِلَتْ بَيِّنَتُهَا فِي حَقِّ قِصَرِ يَدِ الْوَكِيلِ عَنْهَا لَا فِي حَقِّ إثْبَاتِ الطَّلَاقِ عَلَى الْغَائِبِ، حَتَّى إذَا حَضَرَ وَأَنْكَرَ الطَّلَاقَ يَجِبُ عَلَيْهَا إعَادَةُ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَى الْغَائِبِ، وَهُوَ الطَّلَاقُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لَازِمٍ لِثُبُوتِ مَا يُدَّعَى عَلَى الْحَاضِرِ وَهُوَ قِصَرُ يَدِهِ، فَإِنَّ الطَّلَاقَ مَتَى تَحَقَّقَ قَدْ لَا يُوجِبُ قِصَرَ يَدِ الْوَكِيلِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا بِالْحَمْلِ قَبْلَ الطَّلَاقِ، وَقَدْ يُوجِبُ بِأَنْ كَانَ وَكِيلًا بِالْحَمْلِ قَبْلَ الطَّلَاقِ فَكَانَ الْمُدَّعَى عَلَى الْغَائِبِ سَبَبًا لِثُبُوتِ الْمُدَّعَى عَلَى الْحَاضِرِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، فَقُلْنَا: يَقْضِي بِقِصَرِ الْيَدِ دُونَ الطَّلَاقِ عَمَلًا بِهِمَا. فَإِنْ قِيلَ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ سَاكِتٌ عَنْ هَذَا الْقَيْدِ قُلْت: اكْتَفَى بِالْإِطْلَاقِ لِصَرْفِ الْمُطْلَقِ إلَى الْكَامِلِ عَنْ التَّقْيِيدِ، وَإِنْ كَانَ أَعْنِي مَا يَدَّعِي بِهِ عَلَى الْغَائِبِ شَرْطًا لِحَقِّهِ، أَيْ لِحَقِّ الْمُدَّعِي عَلَى الْحَاضِرِ كَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ طَلَّقَ فُلَانٌ امْرَأَتَهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَادَّعَتْ امْرَأَةُ الْحَالِفِ عَلَيْهِ أَنَّ فُلَانًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَأَقَامَتْ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً قَالَ الْمُصَنِّفُ: فَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ فِي جَعْلِهِ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ،؛ لِأَنَّ بَيِّنَتَهَا عَلَى فُلَانٍ الْغَائِبِ لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ابْتِدَاءُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ. وَقَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْأُوزْجَنْدِيُّ

عَنْ الْغَائِبِ وَقَدْ عُرِفَ تَمَامُهُ فِي الْجَامِعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ وَيُجْعَلُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ كَمَا فِي السَّبَبِ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْمُدَّعِي كَمَا تَتَوَقَّفُ عَلَى السَّبَبِ تَتَوَقَّفُ عَلَى الشَّرْطِ. لَا يُقَالُ: الْمُعْتَبَرُ هُوَ السَّبَبُ اللَّازِمُ وَالتَّوَقُّفُ فِيهِ أَكْثَرُ لِكَوْنِهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ تَوَقُّفُ مَا يُدَّعَى عَلَى الْحَاضِرِ عَلَى مَا يُدَّعَى عَلَى الْغَائِبِ وَهُوَ فِي الشَّرْطِ مَوْجُودٌ. وَأَخْرَجَ الْمُصَنِّفُ الْمُسَخَّرَ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي وَهُوَ مَنْ يُنَصِّبُهُ وَكِيلًا عَنْ الْغَائِبِ لِيَسْتَمِعَ الْخُصُومَةَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ كَالْوَصِيِّ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِيمَنْ يَقُومُ مَقَامَ الْغَائِبِ

قَالَ (وَيُقْرِضُ الْقَاضِي أَمْوَالَ الْيَتَامَى وَيَكْتُبُ ذِكْرَ الْحَقِّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُسَخَّرُ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ، ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيهِ فَكَأَنَّهُ اخْتَارَهُ. قَالَ (وَيُقْرِضُ الْقَاضِي أَمْوَالَ الْيَتَامَى إلَخْ) لِلْقَاضِي أَنْ يُقْرِضَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى وَيَكْتُبَ الصَّكَّ لِأَجْلِ تَذْكِرَةِ الْحَقِّ وَهُوَ الْإِقْرَاضُ،

لِأَنَّ فِي الْإِقْرَاضِ مَصْلَحَتَهُمْ لِبَقَاءِ الْأَمْوَالِ مَحْفُوظَةً مَضْمُونَةً، وَالْقَاضِي يَقْدِرُ عَلَى الِاسْتِخْرَاجِ وَالْكِتَابَةِ لِيَحْفَظَهُ (وَإِنْ أَقْرَضَ الْوَصِيُّ ضَمِنَ) لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِاسْتِخْرَاجِ، وَالْأَبُ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيِّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ لِعَجْزِهِ عَنْ الِاسْتِخْرَاجِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ؛ لِأَنَّ فِي إقْرَاضِ أَمْوَالِهِمْ مَصْلَحَتَهُمْ لِبَقَائِهَا مَحْفُوظَةً فَإِنَّ الْقَاضِيَ لِكَثْرَةِ أَشْغَالِهِ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ الْحِفْظِ بِنَفْسِهِ وَبِالْوَدِيعَةِ إنْ حَصَلَ الْحِفْظُ لَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً بِالْهَلَاكِ فَلَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً، وَبِالْقَرْضِ تَصِيرُ مَحْفُوظَةً مَضْمُونَةً فَيُقْرِضُهَا. فَإِنْ قِيلَ: نَعَمْ هُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ لَمْ يُؤْمَنْ التَّوَى لِجُحُودِ الْمُسْتَقْرِضِ، أَجَابَ بِقَوْلِهِ وَالْقَاضِي يَقْدِرُ عَلَى الِاسْتِخْرَاجِ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا لَهُ وَبِالْكِتَابَةِ يَحْصُلُ الْحِفْظُ وَيَنْتَفِي النِّسْيَانُ، بِخِلَافِ الْوَصِيِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقْرِضَ، فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ وَالضَّمَانَ وَإِنْ كَانَا مَوْجُودَيْنِ بِالْإِقْرَاضِ لَكِنَّ مَخَافَةَ التَّوَى بَاقِيَةٌ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الِاسْتِخْرَاجِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ قَاضٍ يَعْدِلُ وَلَا كُلُّ بَيِّنَةٍ تَعْدِلُ، وَالْأَبُ كَالْوَصِيِّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الِاسْتِخْرَاجِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْإِمَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَالصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَالْعَتَّابِيِّ، وَفِي رِوَايَةٍ: يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَبِ تَعُمُّ الْمَالَ وَالنَّفْسَ كَوِلَايَةِ الْقَاضِي، وَشَفَقَتُهُ تَمْنَعُ مِنْ تَرْكِ النَّظَرِ لَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقْرِضُهُ مِمَّنْ يَأْمَنُ جُحُودَهُ، وَإِنْ أَخَذَهُ الْأَبُ قَرْضًا لِنَفْسِهِ فَالْقِرَاضُ يَجُوزُ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ

[باب التحكيم]

(بَابُ التَّحْكِيمِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ التَّحْكِيمِ] هَذَا بَابٌ مِنْ فُرُوعِ الْقَضَاءِ، وَتَأْخِيرُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُحَكَّمَ أَدْنَى مَرْتَبَةً مِنْ الْقَاضِي لِاقْتِصَارِ حُكْمِهِ عَلَى مَنْ رَضِيَ بِحُكْمِهِ وَعُمُومِ وِلَايَةِ الْقَاضِي. وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالْإِجْمَاعِ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ: تَعَالَى فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ

(وَإِذَا حَكَّمَ رَجُلَانِ رَجُلًا فَحَكَمَ بَيْنَهُمَا وَرَضِيَا بِحُكْمِهِ جَازَ) لِأَنَّ لَهُمَا وِلَايَةً عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَصَحَّ تَحْكِيمُهُمَا وَيَنْفُذُ حُكْمُهُ عَلَيْهِمَا، وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُحَكَّمُ بِصِفَةِ الْحَاكِمِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي فِيمَا بَيْنَهُمَا فَيُشْتَرَطُ أَهْلِيَّةُ الْقَضَاءِ، وَلَا يَجُوزُ تَحْكِيمُ الْكَافِرِ وَالْعَبْدِ وَالذِّمِّيِّ وَالْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ وَالْفَاسِقِ وَالصَّبِيِّ لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّةِ الْقَضَاءِ اعْتِبَارًا بِأَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ وَالْفَاسِقُ إذَا حَكَمَ يَجِبُ أَنْ يَجُوزَ عِنْدَنَا كَمَا مَرَّ فِي الْمُوَلَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا وَالصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا مُجْتَمَعِينَ عَلَى جَوَازِ التَّحْكِيمِ (وَإِذَا حَكَّمَ رَجُلَانِ رَجُلًا لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا وَرَضِيَا بِحُكْمِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ لَهُمَا وِلَايَةً عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَيَصِحُّ تَحْكِيمُهُمَا وَإِذَا حَكَمَ لَزِمَهُمَا) لِصُدُورِ حُكْمِهِ عَنْ وِلَايَةٍ عَلَيْهِمَا (وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُحَكَّمُ بِصِفَةِ الْحَاكِمِ الْمُوَلَّى؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ فِيمَا بَيْنَهُمَا) وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا فِي حَقِّ التَّعْلِيقِ وَالْإِضَافَةُ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَكِنَّهَا وَقَعَتْ فَإِنَّهُمَا جَائِزَانِ فِي الْقَضَاءِ دُونَ التَّحْكِيمِ عِنْدَهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّحْكِيمَ صَلَحَ مَعْنًى حَيْثُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِتَرَاضِي الْخَصْمَيْنِ وَالْمَقْصُودُ بِهِ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ وَالصُّلْحُ لَا يُعَلَّقُ وَلَا يُضَافُ، بِخِلَافِ الْقَضَاءِ وَالْإِمَارَةِ؛ لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ (وَإِذَا كَانَ الْمُحَكَّمُ بِمَنْزِلَةِ الْحَاكِمِ) اُشْتُرِطَ لَهُ أَهْلِيَّةُ الْقَضَاءِ (فَلَوْ حَكَّمَا امْرَأَةً فِيمَا يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ جَازَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فِيهَا) قَالَ (وَلَا يَجُوزُ تَحْكِيمُ الْكَافِرِ وَالْعَبْدِ إلَخْ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَهْلِيَّةَ الْقَضَاءِ بِأَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ فَمَنْ لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ لَا يُقَلَّدُ حَاكِمًا وَلَا مُحَكَّمًا، فَلَا يَجُوزُ تَحْكِيمُ الْكَافِرِ وَالْعَبْدِ وَالذِّمِّيِّ إنْ حَكَّمَهُ الْمُسْلِمُونَ، وَإِنْ حَكَّمَهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَتَرَاضِيهِمَا عَلَيْهِ فِي حَقِّهِمَا كَتَقْلِيدِ السُّلْطَانِ إيَّاهُ، وَتَقْلِيدُ الذِّمِّيِّ لِيُحَكِّمَ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ صَحِيحٌ دُونَ الْإِسْلَامِ، فَكَذَا تَحْكِيمُهُ، وَالْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ وَإِنْ تَابَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ عِنْدَنَا كَمَا سَيَأْتِي، وَالْفَاسِقُ وَالصَّبِيُّ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ فِيهِمَا لَكِنْ إذَا حُكِّمَ الْفَاسِقُ يَجِبُ أَنْ يَجُوزَ عِنْدَنَا كَمَا مَرَّ فِي أَوَّلِ أَدَبِ الْقَاضِي أَنَّ الْفَاسِقَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَلَّدَ الْقَضَاءَ، وَلَوْ قُلِّدَ جَازَ

(وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَكِّمَيْنِ أَنْ يَرْجِعَ مَا لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِمَا) لِأَنَّهُ مُقَلَّدٌ مِنْ جِهَتِهِمَا فَلَا يَحْكُمُ إلَّا بِرِضَاهُمَا جَمِيعًا (وَإِذَا حَكَمَ لَزِمَهُمَا) لِصُدُورِ حُكْمِهِ عَنْ وِلَايَةٍ عَلَيْهِمَا (وَإِذَا رَفَعَ حُكْمَهُ إلَى الْقَاضِي فَوَافَقَ مَذْهَبَهُ أَمْضَاهُ) لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي نَقْضِهِ ثُمَّ فِي إبْرَامِهِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ (وَإِنْ خَالَفَهُ أَبْطَلَهُ) لِأَنَّ حُكْمَهُ لَا يَلْزَمُهُ لِعَدَمِ التَّحْكِيمِ مِنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَكَّمَيْنِ أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ مُقَلَّدٌ مِنْ جِهَتِهِمَا) لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى ذَلِكَ (فَلَا يَحْكُمُ إلَّا بِرِضَاهُمَا جَمِيعًا) ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ وُجُودُهُ مِنْ شَيْئَيْنِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ وُجُودِهِمَا، وَأَمَّا عَدَمُهُ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى عَدَمِهِمَا بَلْ يَعْدَمُ بِعَدَمِ أَحَدِهِمَا، وَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ مَا قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ الْإِخْرَاجُ إلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا أَيْضًا. فَإِنْ قِيلَ: إخْرَاجُ أَحَدِهِمَا سَعْيٌ فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ. قُلْنَا: مَا تَمَّ الْأَمْرُ وَإِنَّمَا التَّمَامُ بَعْدَ الْحُكْمِ وَلَا نَقْضَ حِينَئِذٍ فَإِنَّهُ لَا رُجُوعَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلُزُومِ الْحُكْمِ بِصُدُورِهِ عَنْ وِلَايَةٍ عَلَيْهِمَا كَالْقَاضِي إذَا قَضَى ثُمَّ عَزَلَهُ السُّلْطَانُ فَإِنَّهُ لَازِمٌ (وَإِذَا رُفِعَ حُكْمُهُ إلَى حَاكِمٍ فَوَافَقَ مَذْهَبَهُ أَمْضَاهُ؛ لِأَنَّهُ) إذَا نَقَضَهُ لَمْ يَحْكُمْ إلَّا بِذَلِكَ فَ (لَا فَائِدَةَ فِي نَقْضِهِ ثُمَّ فِي إبْرَامِهِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ) وَفَائِدَةُ إبْرَامِهِ أَنَّهُ لَوْ رُفِعَ إلَى حَاكِمٍ يُخَالِفُ مَذْهَبَهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ نَقْضِهِ، وَلَوْ لَمْ يَمْضِ لَتَمَكَّنَ؛ لِأَنَّ إمْضَاءَ الْأَوَّلِ بِمَنْزِلَةِ حُكْمِ نَفْسِهِ (وَإِنْ خَالَفَهُ أَبْطَلَهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُحَكَّمِ لَا يَلْزَمُ الْحَاكِمَ لِعَدَمِ التَّحْكِيمِ مِنْهُ) بِخِلَافِ حُكْمِ الْحَاكِمِ كَمَا تَقَدَّمَ فَلِأَنَّهُ لَا يُبْطِلُهُ الثَّانِي

(وَلَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى دَمِهِمَا وَلِهَذَا لَا يَمْلِكَانِ الْإِبَاحَةَ فَلَا يُسْتَبَاحُ بِرِضَاهُمَا قَالُوا: وَتَخْصِيصُ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّحْكِيمِ فِي سَائِرِ الْمُجْتَهَدَاتِ كَالطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يُفْتَى بِهِ، وَيُقَالُ يُحْتَاجُ إلَى حُكْمِ الْمُوَلَّى دَفْعًا لِتَجَاسُرِ الْعَوَامّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ خَالَفَ مَذْهَبَهُ لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ فَكَانَ قَضَاؤُهُ حُجَّةً فِي حَقِّ الْكُلِّ فَلَا يَجُوزُ لِقَاضٍ آخَرَ أَنْ يَرُدَّهُ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ إلَخْ) لَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِي الْحُدُودِ الْوَاجِبَةِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ لِاسْتِيفَائِهَا، وَأَمَّا فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ فَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْمَشَايِخُ، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ التَّحْكِيمُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ جَائِزٌ. وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ صُلْحِ الْأَصْلِ أَنَّ التَّحْكِيمَ فِي الْقِصَاصِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ إلَيْهِمَا وَهُمَا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَيَجُوزُ التَّحْكِيمُ كَمَا فِي الْأَمْوَالِ. وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ التَّحْكِيمَ لَا يَجُوزُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى دَمِهِمَا وَلِهَذَا لَا يَمْلِكَانِ الْإِبَاحَةَ، وَهُوَ دَلِيلُ الْقِصَاصِ وَلَمْ يَذْكُرْ دَلِيلَ الْحُدُودِ. وَقَالُوا فِي ذَلِكَ:؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُحَكَّمِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُحَكِّمِينَ فَكَانَتْ فِيهِ شُبْهَةٌ وَالْحُدُودُ وَالْقِصَاصُ لَا تُسْتَوْفَى بِالشُّبُهَاتِ، وَهَذَا كَمَا تَرَى أَشْمَلُ مِنْ تَعْلِيلِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: وَقَالُوا) أَيْ قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ مَشَايِخِنَا (وَتَخْصِيصُ الْقُدُورِيِّ الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّحْكِيمِ فِي سَائِرِ الْمُجْتَهَدَاتِ) كَالْكِنَايَاتِ فِي جَعْلِهَا رَجْعِيَّةً وَالطَّلَاقِ الْمُضَافِ وَهُوَ الظَّاهِرُ عَنْ أَصْحَابِنَا (وَهُوَ صَحِيحٌ) لَكِنَّ الْمَشَايِخَ امْتَنَعُوا عَنْ الْفَتْوَى بِذَلِكَ، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: مَسْأَلَةُ حُكْمِ الْمُحَكَّمِ تُعْلَمُ وَلَا يُفْتَى بِهَا، وَكَانَ يَقُولُ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجُوزُ إلَّا أَنَّ الْإِمَامَ الْأُسْتَاذَ أَبَا عَلِيٍّ النَّسَفِيَّ كَانَ يَقُولُ: يُكْتَمُ هَذَا الْفَصْلُ وَلَا يُفْتَى بِهِ كَيْ لَا يَتَطَرَّقَ الْجُهَّالُ إلَى ذَلِكَ فَيُؤَدِّيَ إلَى هَدْمِ مَذْهَبِنَا. وَإِنْ حَكَّمَاهُ فِي دَمِ خَطَإٍ لَا يَنْفُذُ إلَّا فِي صُورَةٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَحْكُمَ بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَوْ فِي مَالِ الْقَاتِلِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمْ إذْ لَا تَحْكِيمَ مِنْ جِهَتِهِمْ. وَحُكْمُ الْحَكَمِ لَا يَنْفُذُ عَلَى غَيْرِ الْمُحَكِّمِينَ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي رَدَّهُ الْقَاضِي وَيَقْضِي بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ

وَإِنْ حَكَّمَاهُ فِي دَمِ خَطَإٍ فَقَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمْ إذْ لَا تَحْكِيمَ مِنْ جِهَتِهِمْ. وَلَوْ حَكَمَ عَلَى الْقَاتِلِ بِالدِّيَةِ فِي مَالِهِ رَدَّهُ الْقَاضِي وَيَقْضِي بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِرَأْيِهِ وَمُخَالِفٌ لِلنَّصِّ أَيْضًا إلَّا إذَا ثَبَتَ الْقَتْلُ بِإِقْرَارِهِ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَ الْبَيِّنَةَ وَيَقْضِيَ بِالنُّكُولِ وَكَذَا بِالْإِقْرَارِ) لِأَنَّهُ حُكْمٌ مُوَافِقٌ لِلشَّرْعِ، وَلَوْ أَخْبَرَ بِإِقْرَارِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ أَوْ بِعَدَالَةِ الشُّهُودِ ـــــــــــــــــــــــــــــQرَأْيَهُ وَمُخَالِفٌ لِنَصِّ حَدِيثِ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ " قُومُوا فَدُوهُ " كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْمَعَاقِلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا ثَبَتَ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ رَدَّهُ الْقَاضِي: أَيْ رَدَّ قَضَاءَهُ بِالدِّيَةِ فِي مَالِهِ إلَّا إذَا ثَبَتَ الْقَتْلُ بِإِقْرَارِهِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُهُ، وَأَمَّا أُرُوشُ الْجِرَاحَاتِ فَإِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَا تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ وَتَجِبُ فِي مَالِ الْجَانِي بِأَنْ كَانَ دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَثَبَتَ ذَلِكَ بِالْإِقْرَارِ وَالنُّكُولِ أَوْ كَانَ عَمْدًا وَقَضَى عَلَى الْجَانِي جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخَالِفُ حُكْمَ الشَّرْعِ وَقَدْ رَضِيَ الْجَانِي بِحُكْمِهِ عَلَيْهِ فَيَجُوزُ، وَإِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ بِأَنْ كَانَتْ خَمْسَمِائَةٍ فَصَاعِدًا وَقَدْ ثَبَتَتْ الْجِنَايَةُ بِالْبَيِّنَةِ وَكَانَتْ خَطَأً لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ بِهَا أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ إنْ قَضَى بِهَا عَلَى الْجَانِي خَالَفَ حُكْمَ الشَّرْعِ، وَإِنْ قَضَى عَلَى الْعَاقِلَةِ فَالْعَاقِلَةُ لَمْ يَرْضَوْا بِحُكْمِهِ (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَ الْبَيِّنَةَ) يَعْنِي أَنَّهُ لَمَّا صَارَ حَكَمًا عَلَيْهِمَا بِتَسْلِيطِهِمَا جَازَ أَنْ يَسْمَعَ الْبَيِّنَةَ (وَيَقْضِي بِالنُّكُولِ وَكَذَا بِالْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ مُوَافِقٌ لِلشَّرْعِ، وَإِذَا أَخْبَرَ الْمُحَكَّمُ بِإِقْرَارِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ) بِأَنْ يَقُولَ لِأَحَدِهِمَا اعْتَرَفْت عِنْدِي لِهَذَا بِكَذَا (أَوْ بِعَدَالَةِ الشُّهُودِ) مِثْلَ أَنْ يَقُولَ قَامَتْ عِنْدِي عَلَيْك بَيِّنَةٌ لِهَذَا بِكَذَا فَعُدِّلُوا عِنْدِي وَقَدْ أَلْزَمْتُك ذَلِكَ وَحَكَمْت بِهِ لِهَذَا عَلَيْك فَأَنْكَرَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ أَقَرَّ عِنْدَهُ بِشَيْءٍ أَوْ قَامَتْ

وَهُمَا عَلَى تَحْكِيمِهِمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ قَائِمَةٌ وَلَوْ أَخْبَرَ بِالْحُكْمِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِانْقِضَاءِ الْوِلَايَةِ كَقَوْلِ الْمُوَلَّى بَعْدَ الْعَزْلِ. (وَحُكْمُ الْحَاكِمِ لِأَبَوَيْهِ وَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ بَاطِلٌ وَالْمُوَلَّى وَالْمُحَكَّمُ فِيهِ سَوَاءٌ) وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِهَؤُلَاءِ لِمَكَانِ التُّهْمَةِ فَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ الْقَضَاءُ لَهُمْ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَكَمَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِمْ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ فَكَذَا الْقَضَاءُ، وَلَوْ حَكَّمَا رَجُلَيْنِ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا لِأَنَّهُ أَمْرٌ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِشَيْءٍ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ وَقَضَى الْقَاضِي وَنَفَذَ؛ لِأَنَّ الْمُحَكَّمَ يَمْلِكُ إنْشَاءَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ (إذَا كَانَ عَلَى تَحْكِيمِهِمَا) فَيَمْلِكُ الْإِخْبَارَ كَالْقَاضِي الْمُوَلَّى إذَا قَالَ فِي قَضَائِهِ لِإِنْسَانٍ قَضَيْت عَلَيْك لِهَذَا بِإِقْرَارِك أَوْ بِبَيِّنَةٍ قَامَتْ عِنْدِي عَلَى ذَلِكَ (فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ) وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فَكَذَا هَاهُنَا (وَإِنْ أَخْبَرَ بِالْحُكْمِ) مِثْلَ أَنْ يَقُولَ الْمُحَكَّمُ كُنْت حَكَمْت عَلَيْك لِهَذَا بِكَذَا (لَمْ يُصَدَّقْ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَكَمَ صَارَ مَعْزُولًا وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: إنِّي حَكَمْت بِكَذَا كَالْقَاضِي الْمُوَلَّى إذَا قَالَ بَعْدَ عَزْلِهِ حَكَمْت بِكَذَا. (وَحُكْمُ الْحَاكِمِ لِأَبَوَيْهِ وَوَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ بَاطِلٌ) ؛ لِأَنَّ أَهْلِيَّةَ الشَّهَادَةِ شَرْطٌ لِلْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةُ لِهَؤُلَاءِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ (وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُوَلَّى وَالْمُحَكَّمِ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَكَمَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَيْهِمْ مَقْبُولَةٌ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ، فَكَذَلِكَ الْقَضَاءُ. وَإِذَا حَكَّمَا رَجُلَيْنِ جَازَ وَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ يَحْتَاجُ إلَى الرَّأْيِ) فَلَوْ حَكَّمَ أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا رَضِيَا بِرَأْيِهِمَا وَرَأْيُ الْوَاحِدِ لَيْسَ كَرَأْيِ الْمُثَنَّى، وَلَا يُصَدَّقَانِ عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ بَعْدَ الْقِيَامِ مِنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا بَعْدَ الْقِيَامِ انْعَزَلَا فَصَارَا كَسَائِرِ الرَّعَايَا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَى فِعْلٍ بَاشَرَاهُ.

[مسائل شتى من كتاب القضاء]

(مَسَائِلُ شَتَّى مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ) قَالَ (وَإِذَا كَانَ عُلْوٌ لِرَجُلٍ وَسُفْلٌ لِآخَرَ فَلَيْسَ لِصَاحِبِ السُّفْلِ أَنْ يَتِدَ فِيهِ وَتَدًا وَلَا يَنْقُبَ فِيهِ كَوَّةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) مَعْنَاهُ بِغَيْرِ رِضَا صَاحِبِ الْعُلْوِ (وَقَالَا: يَصْنَعُ مَا لَا يَضُرُّ بِالْعُلْوِ) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أَرَادَ صَاحِبُ الْعُلْوِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى عُلْوِهِ. قِيلَ مَا حُكِيَ عَنْهُمَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَا خِلَافَ. وَقِيلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَسَائِلُ شَتَّى مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ] مَسَائِلُ شَتَّى: أَيْ مُتَفَرِّقَةٌ مِنْ شَتَّتَ تَشْتِيتًا: إذَا فَرَّقَ. ذَكَرَ فِي آخِرِ كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي مَسَائِلَ مِنْهُ كَمَا هُوَ دَأْبُ الْمُصَنِّفِينَ أَنْ يَذْكُرُوا فِي آخِرِ الْكِتَابِ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِمَا قَبْلَهَا اسْتِدْرَاكًا لِمَا فَاتَ مِنْ الْكِتَابِ وَيُتَرْجِمُونَهُ بِمَسَائِلَ شَتَّى أَوْ مَنْثُورَةٌ أَوْ مُتَفَرِّقَةٌ. قِيلَ وَعَلَى هَذَا كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يُؤَخِّرَهَا إلَى آخِرِ كِتَابِ الْقَضَاءِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ ذَكَرَ بَعْدَهَا الْقَضَاءَ بِالْمَوَارِيثِ وَالرَّحِمِ وَإِنَّهُ لَجَدِيرٌ بِالتَّأْخِيرِ لَا مَحَالَةَ (وَإِذَا كَانَ عُلُوٌّ لِرَجُلٍ وَسُفْلٌ لِآخَرَ فَلَيْسَ لِصَاحِبِ السُّفْلِ أَنْ يَتِدَ فِيهِ وَتَدًا وَلَا أَنْ يَنْقُبَ فِيهِ كُوَّةً بِغَيْرِ رِضَا صَاحِبِ الْعُلُوِّ) وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى عُلُوِّهِ وَلَا أَنْ يَضَعَ عَلَيْهِ جِذْعًا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَا يُحْدِثَ كَنِيفًا إلَّا بِرِضَا صَاحِبِ السُّفْلِ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَا: جَازَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَصْنَعَ مَا لَا يَضُرُّ بِهِ، وَقِيلَ هَذَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) يَعْنِي أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ إنَّمَا مَنَعَ عَمَّا مَنَعَ إذَا كَانَ مُضِرًّا، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مُضِرًّا فَلَا يُمْنَعُ كَمَا هُوَ قَوْلُهُمَا فَكَانَ جَوَازُ التَّصَرُّفِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْآخَرُ فَصْلًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ حَصَلَ فِي مِلْكِهِ فَيَكُونُ الْمَنْعُ بِعِلَّةِ الضَّرَرِ لِصَاحِبِهِ (وَقِيلَ) لَيْسَ ذَلِكَ بِتَفْسِيرٍ لَهُ وَإِنَّمَا

الْأَصْلُ عِنْدَهُمَا الْإِبَاحَةُ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ وَالْمِلْكُ يَقْتَضِي الْإِطْلَاقَ وَالْحُرْمَةُ بِعَارِضِ الضَّرَرِ فَإِذَا أُشْكِلَ لَمْ يَجُزْ الْمَنْعُ وَالْأَصْلُ عِنْدَهُ الْحَظْرُ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مَحَلٍّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ مُحْتَرَمٌ لِلْغَيْرِ كَحَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْإِطْلَاقُ بِعَارِضٍ فَإِذَا أُشْكِلَ لَا يَزُولُ الْمَنْعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعَرَّى عَنْ نَوْعِ ضَرَرٍ بِالْعُلْوِ مِنْ تَوْهِينِ بِنَاءٍ أَوْ نَقْضِهِ فَيُمْنَعُ عَنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَصْلُ عِنْدَهُمَا الْإِبَاحَةُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ وَالْمِلْكُ يَقْتَضِي الْإِطْلَاقَ) فَلَا يُمْنَعُ عَنْهُ إلَّا بِعَارِضِ الضَّرَرِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ضَرَرٌ لَمْ يُمْنَعْ (بِالِاتِّفَاقِ، وَ) إنَّمَا تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ (إذَا أَشْكَلَ) فَعِنْدَهُمَا (لَمْ يَجُزْ الْمَنْعُ) ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ بِيَقِينٍ وَالْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ (وَالْأَصْلُ عِنْدَهُ الْحَظْرُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مَحَلٍّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ مُحْتَرَمٌ لِلْغَيْرِ، وَهُوَ) صَاحِبُ الْعُلُوِّ؛ لِأَنَّ قَرَارَهُ عَلَيْهِ وَلِهَذَا يُمْنَعُ مِنْ الْهَدْمِ اتِّفَاقًا، وَتَعَلَّقَ حَقُّ الْغَيْرِ بِمِلْكِهِ بِمَنْعِ الْمَالِكِ مِنْ التَّصَرُّفِ كَمَا مُنِعَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ الْمَالِكَ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمَرْهُونِ وَالْمُسْتَأْجَرِ (وَالْإِطْلَاقُ بِعَارِضٍ) وَهُوَ الرِّضَا بِهِ دُونَ عَدَمِ الضَّرَرِ فَتَأَمَّلْ (فَإِذَا أَشْكَلَ لَا يَزُولُ الْمَنْعُ) لِمَا ذَكَرْنَا (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْرَى عَنْ نَوْعِ ضَرَرٍ بِالْعُلُوِّ مِنْ تَوْهِينِ بِنَاءٍ أَوْ نَقْضِهِ فَيُمْنَعُ عَنْهُ) اسْتِظْهَارٌ عَلَى الْمَنْعِ لِإِفَادَةِ مَا قَبْلَهُ ذَلِكَ.

قَالَ (وَإِذَا كَانَتْ زَائِغَةً مُسْتَطِيلَةً تَنْشَعِبُ مِنْهَا زَائِعَةٌ مُسْتَطِيلَةٌ وَهِيَ غَيْرُ نَافِذَةٍ فَلَيْسَ لِأَهْلِ الزَّائِغَةِ الْأُولَى أَنْ يَفْتَحُوا بَابًا فِي الزَّائِغَةِ الْقُصْوَى) لِأَنَّ فَتْحَهُ لِلْمُرُورِ وَلَا حَقَّ لَهُمْ فِي الْمُرُورِ إذْ هُوَ لِأَهْلِهَا خُصُوصًا حَتَّى لَا يَكُونَ لِأَهْلِ الْأُولَى فِيمَا بِيعَ فِيهَا حَقُّ الشُّفْعَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَإِذَا كَانَتْ زَائِغَةً مُسْتَطِيلَةً إلَخْ) سِكَّةٌ طَوِيلَةٌ غَيْرُ نَافِذَةٍ تَنْشَعِبُ عَنْ يَمِينِهَا أَوْ يَسَارِهَا مِثْلُهَا عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ:

بِخِلَافِ النَّافِذَةِ لِأَنَّ الْمُرُورَ فِيهَا حَقُّ الْعَامَّةِ. قِيلَ الْمَنْعُ مِنْ الْمُرُورِ لَا مِنْ فَتْحِ الْبَابِ لِأَنَّهُ رَفَعَ بَعْضَ جِدَارِهِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الْفَتْحِ لِأَنَّ بَعْدَ الْفَتْحِ لَا يُمْكِنُهُ الْمَنْعُ مِنْ الْمُرُورِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ. وَلِأَنَّهُ عَسَاهُ يَدَّعِي الْحَقَّ فِي الْقُصْوَى بِتَرْكِيبِ الْبَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْسَ لِأَهْلِ الزَّائِغَةِ الْأُولَى أَنْ يَفْتَحُوا بَابًا فِي الزَّائِغَةِ الْقُصْوَى؛ لِأَنَّ فَتْحَ الْبَابِ لِلْمُرُورِ، وَلَا حَقَّ لَهُمْ فِي الْمُرُورِ؛ لِأَنَّ الْمُرُورَ فِيهَا لِأَهْلِهَا خَاصَّةً لِكَوْنِهَا غَيْرَ نَافِذَةٍ بِمَنْزِلَةِ دَارٍ بَيْنَ قَوْمٍ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْتَحَ بَابًا بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَكَذَا هَذَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بِيعَتْ دَارٌ فِي تِلْكَ السِّكَّةِ الْقُصْوَى لَيْسَ لِأَهْلِ السِّكَّةِ الْعُظْمَى أَنْ يَأْخُذُوا بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ السِّكَّةَ لَهُمْ خَاصَّةً، بِخِلَافِ النَّافِذَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرُورَ فِيهَا حَقُّ الْعَامَّةِ. ثُمَّ قِيلَ الْمَنْعُ مِنْ الْمُرُورِ لَا مِنْ فَتْحِ الْبَابِ؛ لِأَنَّ الْفَتْحَ رَفْعُ بَعْضِ جِدَارِهِ. وَلَهُ أَنْ يَرْفَعَ جَمِيعَ جِدَارِهِ بِالْهَدْمِ فَرَفْعُ بَعْضِهِ أَوْلَى، وَلِهَذَا لَوْ فَتَحَ كُوَّةً أَوْ بَابًا لِلِاسْتِضَاءَةِ دُونَ الْمُرُورِ لَمْ يُمْنَعْ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ الْفَتْحِ؛ لِأَنَّ بَعْدَ الْفَتْحِ لَا يُمْكِنُهُ الْمَنْعُ مِنْ الْمُرُورِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَتَقَادَمَ الْعَهْدُ رُبَّمَا يَدَّعِي الْحَقَّ فِي الْقُصْوَى بِتَرْكِيبِ الْبَابِ وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَيُمْنَعُ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الزَّائِغَةَ الْأُولَى غَيْرُ نَافِذَةٍ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ وَالْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ، إلَّا إذَا جَعَلْت الضَّمِيرَ مَوْضُوعًا مَوْضِعَ اسْمِ الْإِشَارَةِ حَتَّى يَكُونَ تَقْدِيرُهُ وَذَلِكَ غَيْرُ نَافِذَةٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ الزَّائِغَتَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِذَلِكَ إلَى الْمُثَنَّى وَالْجَمْعِ صَحِيحَةٌ فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ قَوْله تَعَالَى {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ} [الأنعام: 46] أَيْ بِذَلِكَ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ الزَّائِغَةُ الْقُصْوَى مُسْتَدِيرَةً قَدْ لَزِقَ طَرَفَاهَا: يَعْنِي سِكَّةً فِيهَا اعْوِجَاجٌ حَتَّى بَلَغَ اعْوِجَاجُهَا رَأْسَ السِّكَّةِ وَالسِّكَّةُ غَيْرُ نَافِذَةٍ

(وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَدِيرَةً قَدْ لَزِقَ طَرَفَاهَا فَلَهُمْ أَنْ يَفْتَحُوا) بَابًا لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَقَّ الْمُرُورِ فِي كُلِّهَا إذْ هِيَ سَاحَةٌ مُشْتَرَكَةٌ وَلِهَذَا يَشْتَرِكُونَ فِي الشُّفْعَةِ إذَا بِيعَتْ دَارٌ مِنْهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَفْتَحَ بَابَهُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ؛ لِأَنَّهَا سِكَّةٌ وَاحِدَةٌ إذْ هِيَ سَاحَةٌ مُشْتَرَكَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَقُّ الْمُرُورِ فِي كُلِّهَا، وَلِهَذَا يَشْتَرِكُونَ فِي الشُّفْعَةِ إذَا بِيعَتْ دَارٌ مِنْهَا بِهَذِهِ الصُّورَةِ

قَالَ (وَمَنْ ادَّعَى فِي دَارٍ دَعْوَى وَأَنْكَرَهَا الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ ثُمَّ صَالَحَهُ مِنْهَا فَهُوَ جَائِزٌ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ) وَسَنَذْكُرُهَا فِي الصُّلْحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَمَنْ ادَّعَى فِي دَارٍ دَعْوَى وَأَنْكَرَهَا الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ إلَخْ) دَارٌ بِيَدِ رَجُلٍ ادَّعَى عَلَيْهِ آخَرُ أَنَّ لَهُ فِيهَا حَقًّا. وَأَنْكَرَ ذُو الْيَدِ ثُمَّ صَالَحَ مِنْهَا جَازَ الصُّلْحُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ فِي الصُّلْحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَصِحُّ الصُّلْحُ مَعَ جَهَالَةِ الْمُدَّعَى وَمَعْلُومِيَّةُ مِقْدَارِهِ شَرْطُ صِحَّةِ الدَّعْوَى؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى عَلَى إنْسَانٍ شَيْئًا لَمْ تَصِحَّ دَعْوَاهُ. أَجَابَ بِأَنَّ الْمُدَّعَى وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا فَالصُّلْحُ عَلَى مَعْلُومٍ عَنْ مَجْهُولٍ جَائِزٌ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ جَهَالَةٌ فِي السَّاقِطِ، وَالْجَهَالَةُ فِيهِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَالْمَانِعُ مِنْهَا مَا أَفْضَى إلَيْهَا. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: جَهَالَةُ الْمُدَّعَى إمَّا أَنْ تَكُونَ مَانِعَةَ صِحَّةِ الدَّعْوَى أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي صَحَّ دَعْوَى مَنْ ادَّعَى عَلَى إنْسَانٍ شَيْئًا لَكِنَّهَا لَمْ تَصِحَّ، ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ نَاقِلًا عَنْ الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَمَا جَازَ الصُّلْحُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لِجَهَالَةِ الْمُدَّعَى لَكِنَّهُ صَحِيحٌ. وَالْجَوَابُ بِاخْتِيَارِ الشِّقِّ الْأَوَّلِ، وَلَا يَلْزَمُ عَدَمُ جَوَازِ الصُّلْحِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الدَّعْوَى لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ

وَالْمُدَّعِي وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا فَالصُّلْحُ عَلَى مَعْلُومٍ عَنْ مَجْهُولٍ جَائِزٌ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ جَهَالَةٌ فِي السَّاقِطِ فَلَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ عَلَى مَا مَرَّ. قَالَ (وَمَنْ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ وَهَبَهَا لَهُ فِي وَقْتِ كَذَا فَسُئِلَ الْبَيِّنَةَ فَقَالَ جَحَدَنِي الْهِبَةَ فَاشْتَرَيْتهَا مِنْهُ وَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي يَدَّعِي فِيهِ الْهِبَةَ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ) لِظُهُورِ التَّنَاقُضِ إذْ هُوَ يَدَّعِي الشِّرَاءَ بَعْدَ الْهِبَةِ وَهُمْ يَشْهَدُونَ بِهِ قَبْلَهَا، وَلَوْ شَهِدُوا بِهِ بَعْدَهَا تُقْبَلُ لِوُضُوحِ التَّوْفِيقِ، وَلَوْ كَانَ ادَّعَى الْهِبَةَ ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ قَبْلَهَا وَلَمْ يَقُلْ جَحَدَنِي الْهِبَةَ فَاشْتَرَيْتهَا لَمْ تُقْبَلْ أَيْضًا ذَكَرَهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ لِأَنَّ دَعْوَى الْهِبَةِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْمِلْكِ لِلْوَاهِبِ عِنْدَهَا، وَدَعْوَى الشِّرَاءِ رُجُوعٌ عَنْهُ فَعُدَّ مُنَاقِضًا، بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى الشِّرَاءَ بَعْدَ الْهِبَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالصُّلْحِ؛ لِأَنَّهُ لِقَطْعِ الشَّغَبِ وَالْخِصَامِ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالْبَاطِلِ كَمَا يَتَحَقَّقُ بِالْحَقِّ غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ الْحَاكِمَ يَقُولُ لِلْمُدَّعِي دَعْوَاك فَاسِدَةٌ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ وَيُمْكِنُهُ إزَالَةُ الْفَسَادِ بِإِعْلَامِ مِقْدَارٍ مِمَّا يَدَّعِي فَلَا يَكُونُ رَدُّهُ مُفِيدًا. قَالَ (وَمَنْ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ إلَخْ) إذَا ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ وَهَبَهَا لَهُ مُنْذُ شَهْرَيْنِ مَثَلًا وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ وَإِنَّمَا مَلَكَهُ بِطَرِيقِ الْهِبَةِ وَالتَّسْلِيمِ وَجَحَدَ دَعْوَاهُ ذُو الْيَدِ فَسُئِلَ الْبَيِّنَةَ فَقَالَ لِي بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ عَلَى الشِّرَاءِ؛ لِأَنِّي طَلَبْت مِنْهُ فَجَحَدَنِي الْهِبَةَ فَاضْطُرِرْت إلَى شِرَائِهَا مِنْهُ فَاشْتَرَيْتهَا مِنْهُ وَأَشْهَدْت عَلَيْهِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ، فَإِنْ شَهِدَتْ عَلَى الشِّرَاءِ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي يَدَّعِي فِيهِ الْهِبَةَ لَا تُقْبَلُ لِظُهُورِ التَّنَاقُضِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُدَّعِيَ ادَّعَى الشِّرَاءَ بَعْدَ الْهِبَةِ حَيْثُ قَالَ جَحَدَنِي الْهِبَةَ فَاشْتَرَيْتهَا مِنْهُ، وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ وَالشُّهُودُ شَهِدُوا بِشِرَاءٍ قَبْلَهَا فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ مُخَالِفَةً لِلدَّعْوَى. وَالثَّانِي مِنْ حَيْثُ الدَّعْوَى نَفْسُهَا إنْ ثَبَتَ مُوجِبُ الشَّهَادَةِ وَهُوَ تَقَدُّمُ وَقْتِ الشِّرَاءِ عَلَى وَقْتِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ قَائِلًا وَهَبَ لِي هَذِهِ الدَّارَ وَكَانَتْ مِلْكًا لِي بِالشِّرَاءِ قَبْلَ الْهِبَةِ فَكَيْفَ يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِالْهِبَةِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ بِالشِّرَاءِ، وَإِنْ شَهِدُوا بِالشِّرَاءِ بَعْدَ الْوَقْتِ الَّذِي ادَّعَى فِيهِ الْهِبَةَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ لِوُضُوحِ التَّوْفِيقِ. وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهْم يَشْهَدُونَ بِهِ قَبْلَهُ: أَيْ قَبْلَ عَقْدِ الْهِبَةِ أَوْ وَقْتَهَا، وَفِي بَعْضِهَا قَبْلَهَا: أَيْ قَبْلَ الْهِبَةِ، وَكَذَا فِي قَوْلِهِ وَلَوْ شَهِدُوا بِهِ بَعْدَهُ، وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي ادَّعَى الْهِبَةَ ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ قَبْلَ عَقْدِ الْهِبَةِ أَوْ وَقْتَهَا وَلَمْ يَقُلْ جَحَدَنِي الْهِبَةَ فَاشْتَرَيْتهَا مِنْهُ لَمْ تُقْبَلْ أَيْضًا؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْهِبَةِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْمِلْكِ لِلْوَاهِبِ عِنْدَ الْهِبَةِ وَدَعْوَى الشِّرَاءِ قَبْلَهَا رُجُوعٌ مِنْهُ فَعُدَّ مُنَاقِضًا. وَأَمَّا إذَا ادَّعَى الشِّرَاءَ بَعْدَ الْهِبَةِ قُبِلَتْ؛ لِأَنَّهُ يُقَرِّرُ مِلْكَ الْوَاهِبِ عِنْدَهَا فَلَيْسَ بِمُنَاقِضٍ. قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى شِرَاءً بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى شِرَاءَ مَا مَلَكَهُ بِالْهِبَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا جَحَدَ الْهِبَةَ فَقَدْ فَسَخَهَا مِنْ الْأَصْلِ وَتَوَقَّفَ الْفَسْخُ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي عَلَى رِضَاهُ، فَإِذَا أَقْدَمَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ فَقَدْ رَضِيَ بِذَلِكَ الْفَسْخِ فِيمَا بَيْنَهُمَا

لِأَنَّهُ تَقَرَّرَ مِلْكُهُ عِنْدَهَا. (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ اشْتَرَيْت مِنِّي هَذِهِ الْجَارِيَةَ فَأَنْكَرَ الْآخَرُ إنْ أَجْمَعَ الْبَائِعُ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ وَسِعَهُ أَنْ يَطَأَهَا) لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا جَحَدَهُ كَانَ فَسْخًا مِنْ جِهَتِهِ، إذْ الْفَسْخُ يَثْبُتُ بِهِ كَمَا إذَا تَجَاحَدَا فَإِذَا عَزَمَ الْبَائِعُ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ ثُمَّ الْفَسْخِ، وَبِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ إنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ الْفَسْخُ فَقَدْ اقْتَرَنَ بِالْفِعْلِ وَهُوَ إمْسَاكُ الْجَارِيَةِ وَنَقْلُهَا وَمَا يُضَاهِيهِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي فَاتَ رِضَا الْبَائِع فَيَسْتَبِدُّ بِفَسْخِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَانْفَسَخَتْ الْهِبَةُ بِتَرَاضِيهِمَا وَاشْتَرَى مَا لَا يَمْلِكُهُ فَكَانَ صَحِيحًا. قَالَ (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ اشْتَرَيْت مِنِّي هَذِهِ الْجَارِيَةَ إلَخْ) رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ اشْتَرَيْت مِنِّي هَذِهِ الْجَارِيَةَ فَأَنْكَرَهُ إنْ أَجْمَعَ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ: أَيْ عَزَمَ بِقَلْبِهِ، وَقِيلَ أَنْ يَشْهَدَ بِلِسَانِهِ عَلَى الْعَزْمِ بِالْقَلْبِ أَنْ لَا يُخَاصِمَ مَعَهُ وَسِعَهُ: أَيْ حَلَّ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْجَارِيَةَ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا جَحَدَ الْعَقْدَ كَانَ ذَلِكَ فَسْخًا مِنْ جِهَتِهِ إذْ الْفَسْخُ يَثْبُتُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْجُحُودَ إنْكَارٌ لِلْعَقْدِ مِنْ الْأَصْلِ، وَالْفَسْخُ رَفْعٌ لَهُ مِنْ الْأَصْلِ فَيَتَلَاقَيَانِ بَقَاءً فَجَازَ أَنْ يَقُومَ أَحَدُهُمَا مَقَامَ الْآخَرِ كَمَا لَوْ تَجَاحَدَا فَإِنَّهُ يُجْعَلُ فَسْخًا لَا مَحَالَةَ، فَإِذَا عَزَمَ الْبَائِعُ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ تَمَّ الْفَسْخُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. قِيلَ لَوْ جَازَ قِيَامُ الْجُحُودِ وَالْعَزْمِ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ مَقَامَ الْفَسْخِ لَجَازَ لِامْرَأَةٍ جَحَدَ زَوْجُهَا النِّكَاحَ وَعَزَمَتْ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ إقَامَةً لَهُمَا مَقَامَ الْفَسْخِ، لَكِنْ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الشَّيْءَ يَقُومُ مَقَامَ غَيْرِهِ إذَا احْتَمَلَ الْمَحَلُّ ذَلِكَ الْغَيْرَ بِالضَّرُورَةِ، وَالنِّكَاحُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ اللُّزُومِ فَكَيْفَ يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ. فَإِنْ قِيلَ: مُجَرَّدُ الْعَزْمُ قَدْ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْحُكْمُ كَعَزْمِ مَنْ لَهُ شَرْطُ الْخِيَارِ عَلَى الْفَسْخِ فَإِنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ بِمُجَرَّدِهِ تَنَزَّلَ الْمُصَنِّفُ فِي الْجَوَابِ فَقَالَ: وَبِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ إنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْفَسْخُ فَقَدْ اقْتَرَنَ الْعَزْمُ بِالْفِعْلِ وَهُوَ إمْسَاكُ الْجَارِيَةِ وَنَقْلُهَا مِنْ مَوْضِعِ الْخُصُومَةِ إلَى بَيْتِهِ وَمَا يُضَاهِيهِ كَالِاسْتِخْدَامِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ بِدُونِ الْفَسْخِ فَتَحَقَّقَ الِانْفِسَاخُ لِوُجُودِ الْفَسْخِ مِنْهُمَا دَلَالَةً، وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا قَالَ زُفَرُ إنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ مَتَى بَاعَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي بَقِيَتْ عَلَى مِلْكِهِ مَا لَمْ يَبِعْهَا أَوْ يَتَقَايَلَا وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّقَايُلَ مَوْجُودٌ دَلَالَةً (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ) دَلِيلٌ آخَرُ

قَالَ. (وَمَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْ فُلَانٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا زُيُوفٌ صُدِّقَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ اقْتَضَى، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْقَبْضِ أَيْضًا. وَوَجْهُهُ أَنَّ الزُّيُوفَ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ إلَّا أَنَّهَا مَعِيبَةٌ، وَلِهَذَا لَوْ تَجَوَّزَ بِهِ فِي الصَّرْفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا جَحَدَ الْعَقْدَ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الثَّمَنِ مِنْهُ، وَلَمَّا تَعَذَّرَ فَاتَ رِضَا الْبَائِعِ، وَفَوَاتُهُ يُوجِبُ الْفَسْخَ لِفَوَاتِ رُكْنِ الْبَيْعِ فَيَسْتَقِلُّ بِفَسْخِهِ فَيُجْعَلُ عَزْمُهُ فَسْخًا عَلَى مَا مَرَّ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الدَّلِيلِينَ أَنَّ الِانْفِسَاخَ كَانَ فِي الْأَوَّلِ مُتَرَتِّبًا عَلَى الْفَسْخِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَجَعَلَ جُحُودَهُ فَسْخًا مِنْ جَانِبِهِ، وَالْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ مِنْ جَانِبِ الْبَائِعِ، وَفِي الثَّانِي يَتَرَتَّبُ عَلَى الْفَسْخِ مِنْ جَانِبِ الْبَائِعِ بِاسْتِبْدَادِهِ. قَالَ (وَمَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْ فُلَانٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ إلَخْ) وَمَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْ فُلَانٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ قَرْضًا أَوْ ثَمَنَ سِلْعَةٍ لَهُ عِنْدَهُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ إنَّهُ زُيُوفٌ صُدِّقَ سَوَاءٌ كَانَ مَفْصُولًا أَوْ مَوْصُولًا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ دَلَالَةُ ثُمَّ فِي الْكِتَابِ وَالتَّصْرِيحُ بِهِ فِي غَيْرِهِ. وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَعَ فِي مَوْضِعِ قَبَضَ اقْتَضَى وَالْمَعْنَى هَاهُنَا وَاحِدٌ وَالْحُكْمُ فِيهِمَا سَوَاءٌ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الزُّيُوفَ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ إلَّا أَنَّهَا مَعِيبَةٌ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَجَوَّزَ بِهِ فِيمَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال فِي بَدَلِهِ كَالصَّرْفِ وَالسَّلَمِ جَازَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِهَا كَانَ التَّجْوِيزُ اسْتِبْدَالًا وَهُوَ فِيهِمَا لَا يَجُوزُ كَمَا تَقَدَّمَ. فَإِنْ قِيلَ: الْإِقْرَارُ بِالْقَبْضِ يَسْتَلْزِمُ الْإِقْرَارَ بِقَبْضِ الْحَقِّ وَهُوَ الْجِيَادُ حَمْلًا لِحَالِهِ عَلَى مَا لَهُ حَقُّ قَبْضِهِ لَا مَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ وَلَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِ حَقِّهِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ زُيُوفٌ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ، فَكَذَا هَذَا. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَالْقَبْضُ لَا يَخْتَصُّ بِالْجِيَادِ وَهُوَ مَنْعٌ لِلْمُلَازَمَةِ، وَقَوْلُهُ: حَمْلًا لِحَالِهِ عَلَى مَا لَهُ حَقُّ قَبْضِهِ مُسَلَّمٌ، وَالزُّيُوفُ لَهُ حَقُّ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّهُ دُونَ حَقِّهِ، وَإِنَّمَا الْمَمْنُوعُ مِنْ الْقَبْضِ مَا يَزِيدُ عَلَى حَقِّهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْقَبْضُ مُخْتَصًّا بِالْجِيَادِ فَالْإِقْرَارُ بِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِقْرَارَ بِقَبْضِ الْجِيَادِ فَبِدَعْوَاهُ الزُّيُوفَ لَمْ يَكُنْ مُتَنَاقِضًا بَلْ هُوَ مُنْكِرٌ قَبْضَ حَقِّهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ بِالْيَمِينِ، وَالنَّبَهْرَجَةُ كَالزُّيُوفِ لِكَوْنِهَا مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ لِمَا تَقَدَّمَ. وَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالْجِيَادِ وَهُوَ حَقُّهُ أَوْ بِحَقِّهِ

وَالسَّلَمِ جَازَ، وَالْقَبْضُ لَا يَخْتَصُّ بِالْجِيَادِ فَيُصَدَّقُ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ قَبْضَ حَقِّهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ الْجِيَادَ أَوْ حَقَّهُ أَوْ الثَّمَنَ أَوْ اسْتَوْفَى لِإِقْرَارِهِ بِقَبْضِ الْجِيَادِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً فَلَا يُصَدَّقُ وَالنَّبَهْرَجَةُ كَالزُّيُوفِ وَفِي السَّتُّوقَةِ لَا يُصَدَّقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ بِالثَّمَنِ أَوْ بِالِاسْتِيفَاءِ ثُمَّ ادَّعَى كَوْنَ الْمَقْبُوضِ زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً لَمْ يُصَدَّقْ لِإِقْرَارِهِ بِقَبْضِ الْجِيَادِ صَرِيحًا فِي الْأَوَّلِ وَدَلَالَةً فِي الْبَاقِي؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْجِيَادِ، وَالثَّمَنُ جِيَادٌ وَالِاسْتِيفَاءُ يَدُلُّ عَلَى التَّمَامِ وَلَا تَمَامَ دُونَ الْحَقِّ فَكَانَ فِي دَعْوَاهُ الزُّيُوفَ مُتَنَاقِضًا. وَمِنْ هَذَا ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا ادَّعَى عَيْبًا فِي الْمَبِيعِ عَلَى الْبَائِعِ وَأَنْكَرَهُ. فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ لَا الْمُشْتَرِي الَّذِي أَنْكَرَ قَبْضَ حَقِّهِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَقَرَّ بِقَبْضِ حَقِّهِ وَهُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ ثُمَّ ادَّعَى لِنَفْسِهِ حَقَّ الرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: فَكَانَ مِنْ الْقَبِيلِ الثَّانِي: أَعْنِي الْمُقِرَّ بِقَبْضِ الْحَقِّ فَلَا يَرِدُ نَقْضًا عَلَى الْقَبِيلِ الْأَوَّلِ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: جَمَعَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ فِي الْجَوَابِ بِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ وَلَيْسَ الْحُكْمُ فِيهَا عَلَى السَّوَاءِ، فَإِنَّهُ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ الدَّرَاهِمَ الْجِيَادَ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا زُيُوفٌ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ لَا مَفْصُولًا وَلَا مَوْصُولًا، وَفِيمَا بَقِيَ لَا يُصَدَّقُ مَفْصُولًا وَلَكِنْ يُصَدَّقُ مَوْصُولًا. وَالْفَرْقُ هُوَ أَنَّ فِي قَوْلِهِ قَبَضْت مَا لِي عَلَيْهِ أَوْ حَقِّي عَلَيْهِ جُعِلَ مُقِرًّا بِقَبْضِ الْقَدْرِ وَالْجَوْدَةِ بِلَفْظِ وَاحِدٍ، فَإِذَا اسْتَثْنَى الْجَوْدَةَ فَقَدْ اسْتَثْنَى الْبَعْضَ مِنْ الْجُمْلَةِ فَصَحَّ، كَمَا لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا مِائَةً؛ فَأَمَّا إذَا قَالَ قَبَضْت عَشَرَةً جِيَادًا فَقَدْ أَقَرَّ بِالْوَزْنِ بِلَفْظٍ عَلَى حِدَةٍ وَبِالْجَوْدَةِ بِلَفْظٍ عَلَى حِدَةٍ، فَإِذَا قَالَ إلَّا أَنَّهَا زُيُوفٌ فَقَدْ اسْتَثْنَى الْكُلَّ مِنْ الْكُلِّ فِي حَقِّ الْجَوْدَةِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ، كَمَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَدِينَارٌ إلَّا دِينَارًا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلًا، وَإِنْ ذَكَرَهُ مَوْصُولًا كَذَا هَاهُنَا (قَوْلُهُ: وَفِي السَّتُّوقَةِ لَا يُصَدَّقُ) يَعْنِي لَوْ ادَّعَاهَا بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِقَبْضِ الْعَشَرَةِ لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ، حَتَّى لَوْ تَجَوَّزَ بِهِ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ لَمْ يَجُزْ فَكَانَ مُتَنَاقِضًا فِي دَعْوَاهُ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: ذَكَرَ هَذَا الْحُكْمَ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَنَقَلَ عَنْ الْمَبْسُوطِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْإِقْرَارِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنْ ادَّعَى الرَّصَاصَ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِقَبْضِ الدَّرَاهِمِ، إنْ كَانَ مَفْصُولًا لَمْ يُسْمَعْ، وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا لَا يُسْمَعْ. وَالسَّتُّوقَةُ أَقْرَبُ إلَى الدَّرَاهِمِ مِنْ الرَّصَاصِ، فَإِذَا كَانَ الْحُكْمُ فِي الرَّصَاصِ ذَلِكَ فَفِي السَّتُّوقَةِ أَوْلَى وَكَأَنَّ الِاعْتِرَاضَيْنِ وَقَعَا لِذُهُولٍ عَنْ التَّدْقِيقِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فَإِنَّ كَلَامَهُ فِيمَا إذَا قَالَ مَفْصُولًا بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ ثُمَّ

لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ، حَتَّى لَوْ تَجَوَّزَ بِهِ فِيمَا ذَكَرْنَا لَا يَجُوزُ. وَالزَّيْفُ مَا زَيَّفَهُ بَيْتُ الْمَالِ، وَالنَّبَهْرَجَةُ مَا يَرُدُّهُ التُّجَّارُ، وَالسَّتُّوقَةُ مَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْغِشُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQادَّعَى فَإِنَّهُ لِلتَّرَاخِي، وَلَا نِزَاعَ فِي غَيْرِ الزُّيُوفِ وَالنَّبَهْرَجَةِ أَنَّهُ إذَا ادَّعَاهُ لَا تُقْبَلُ مَفْصُولًا، وَأَمَّا أَنَّهُ هَلْ يُقْبَلُ مَوْصُولًا أَوْ لَا لَمْ يُصَرِّحْ بِذِكْرِهِ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّهُ لَمَّا كَانَ بَيَانَ تَغْيِيرٍ وَهُوَ لَا يُقْبَلُ مَفْصُولًا وَيُقْبَلُ مَوْصُولًا، وَذِكْرُ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَهَّمَ الْجَانِبَ الْآخَرَ. بَقِيَ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا أَقَرَّ بِالدَّرَاهِمِ الْجِيَادِ وَادَّعَى أَنَّهَا زُيُوفٌ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ مَفْصُولًا وَلَا مَوْصُولًا كَمَا تَقَدَّمَ. وَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَنْعَ هُنَاكَ عَنْ قَبُولِ الْمَوْصُولِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارٍ عَارِضٍ وَهُوَ لُزُومُ اسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ كَمَا مَرَّ، لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ بَيَانُ تَغْيِيرٍ إنْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ الْأَصْحَابِ أَوْ عَنْ الْمَشَايِخِ وَقَدْ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، فَإِنَّهُ مَا عَزَاهُ إلَى شَيْءٍ مِنْ النُّسَخِ، وَتَمْثِيلُهُ بِاسْتِثْنَاءِ الدِّينَارِ قَدْ لَا يَنْهَضُ؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ وَصْفٌ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ، ثُمَّ فَسَّرَ الزُّيُوفَ بِمَا زَيَّفَهُ بَيْتُ الْمَالِ: أَيْ رَدَّهُ، وَالنَّبَهْرَجَةَ بِمَا يَرُدُّهُ التُّجَّارُ، وَلَعَلَّهُ أَرْدَأُ مِنْ الزَّيْفِ، وَالسَّتُّوقَةُ مَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْغِشُّ، قِيلَ هُوَ مُعَرَّبُ ستو وَهِيَ أَرْدَأُ مِنْ النَّبَهْرَجَةِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ.

قَالَ (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ لَيْسَ لِي عَلَيْك شَيْءٌ ثُمَّ قَالَ فِي مَكَانِهِ بَلْ لِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ) لِأَنَّ إقْرَارَهُ هُوَ الْأَوَّلُ وَقَدْ ارْتَدَّ بِرَدِّ الْمُقَرِّ لَهُ، وَالثَّانِي دَعْوَى فَلَا بُدَّ مِنْ الْحُجَّةِ أَوْ تَصْدِيقِ خَصْمِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْإِقْرَارَ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِمَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ أَوْ بِمَا لَا يَحْتَمِلُهُ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَإِمَّا أَنْ يَسْتَقِلَّ الْمُقِرُّ بِإِثْبَاتِهِ أَوْ لَا، وَالْأَوَّلُ يَرْتَدُّ بِرَدِّ الْمُقَرِّ لَهُ مُسْتَقِلًّا بِذَلِكَ كَمَا أَنَّ الْمُقِرَّ يَسْتَقِلُّ بِإِثْبَاتِهِ، وَالثَّانِي يَحْتَاجُ إلَى تَصْدِيقِ خَصْمِهِ، فَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ لِآخَرَ لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ لَيْسَ لِي عَلَيْك شَيْءٌ. ثُمَّ قَالَ فِي مَكَانِهِ بَلْ لِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ بِمَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ وَهُوَ مُسْتَقِلٌّ بِإِثْبَاتِ مَا أَقَرَّ بِهِ لَا مَحَالَةَ، وَقَدْ رَدَّهُ الْمُقَرُّ لَهُ فَيَرْتَدُّ. وَقَوْلُهُ: بَلْ لِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ غَيْرُ مُفِيدٍ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ حُجَّةٍ: أَيْ بَيِّنَةٍ أَوْ تَصْدِيقِ الْخَصْمِ حَتَّى لَوْ صَدَّقَهُ الْمُقِرُّ ثَانِيًا لَزِمَهُ الْمَالُ اسْتِحْسَانًا. وَإِذَا قَالَ اشْتَرَيْت مِنِّي هَذَا الْعَبْدَ فَأَنْكَرَ لَهُ أَنْ يُصَدِّقَهُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ وَإِنْ كَانَ بِمَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ لَكِنَّ الْمُقِرَّ لَمْ يَسْتَقِلَّ بِإِثْبَاتِهِ فَلَا يَتَفَرَّدُ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ بِالْفَسْخِ كَمَا لَا يَتَفَرَّدُ بِالْعَقْدِ: يَعْنِي الْمُقَرُّ لَهُ لَا يَتَفَرَّدُ بِالرَّدِّ، كَمَا أَنَّ الْمُقِرَّ لَا يَتَفَرَّدُ بِإِثْبَاتِهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ حَقُّهُمَا فَبَقِيَ الْعَقْدُ فَعَمِلَ التَّصْدِيقُ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا يَتَفَرَّدُ بِالْإِثْبَاتِ فَيَتَفَرَّدُ الْآخَرُ بِالرَّدِّ. قُلْت: إنَّ عَزْمَ الْمُقِرِّ عَلَى تَرْكِ

بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ اشْتَرَيْت وَأَنْكَرَ الْآخَرُ لَهُ أَنْ يُصَدِّقَهُ، لِأَنَّ أَحَدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَا يَتَفَرَّدُ بِالْفَسْخِ كَمَا لَا يَتَفَرَّدُ بِالْعَقْدِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ حَقُّهُمَا فَبَقِيَ الْعَقْدُ فَعَمِلَ التَّصْدِيقُ، أَمَّا الْمُقَرُّ لَهُ يَتَفَرَّدُ بِرَدِّ الْإِقْرَارِ فَافْتَرَقَا. قَالَ (وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخُصُومَةِ وَجَبَ أَنْ لَا يُفِيدَهُ التَّصْدِيقُ بَعْدَ الْإِنْكَارِ، فَإِنَّ الْفَسْخَ قَدْ تَمَّ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ جَارِيَةً حَلَّ وَطْؤُهَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَهُ ثُمَّ قَالَ فِي مَكَانِهِ إشَارَةٌ إلَى الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّ الْعَزْمَ وَالنَّقْلَ كَانَا دَلِيلَ الْفَسْخِ، وَبِهِ سَقَطَ مَا قَالَ فِي الْكَافِي ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ أَحَدَ الْعَاقِدَيْنِ لَا يَتَفَرَّدُ بِالْفَسْخِ وَذَكَرَ قَبْلَهُ وَلِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرَى فَاتَ رِضَا الْبَائِعِ فَيَسْتَبِدُّ بِفَسْخِهِ، وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَ كَلَامَيْهِ صَعْبٌ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ لَمَّا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الثَّمَنِ يَسْتَبِدُّ، وَهَاهُنَا لَمَّا أَقَرَّ الْمُشْتَرِي فِي مَكَانِهِ بِالشِّرَاءِ لَمْ يَتَعَذَّرْ الِاسْتِيفَاءُ فَلَا يَسْتَبِدُّ بِالْفَسْخِ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي، كَمَا إذَا أَقَرَّ بِنَسَبِ عَبْدِهِ مِنْ إنْسَانٍ فَكَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْمُقِرُّ لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ مِنْهُ النَّسَبُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالنَّسَبِ إقْرَارٌ بِمَا لَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ فَلَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَإِنْ وَافَقَهُ الْمُقِرُّ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ (وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا إلَخْ) إذَا ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا فَقَالَ مَا كَانَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ قَطُّ، وَمَعْنَاهُ نَفْيُ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ فِي الْمَاضِي عَلَى سَبِيلِ

فَقَالَ مَا كَانَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ قَطُّ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى أَلْفٍ وَأَقَامَ هُوَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْقَضَاءِ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ) وَكَذَلِكَ عَلَى الْإِبْرَاءِ. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَتْلُو الْوُجُوبَ وَقَدْ أَنْكَرَهُ فَيَكُونُ مُنَاقِضًا. وَلَنَا أَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ لِأَنَّ غَيْرَ الْحَقِّ قَدْ يُقْضَى وَيَبْرَأُ مِنْهُ دَفْعًا لِلْخُصُومَةِ وَالشَّغَبِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ قَضَى بِبَاطِلٍ وَقَدْ يُصَالَحُ عَلَى شَيْءٍ فَيَثْبُتُ ثُمَّ يُقْضَى، وَكَذَا إذَا قَالَ لَيْسَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ قَطُّ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ أَظْهَرُ (وَلَوْ قَالَ مَا كَانَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ قَطُّ وَلَا أَعْرِفُك لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ عَلَى الْقَضَاءِ) وَكَذَا عَلَى الْإِبْرَاءِ لِتَعَذُّرِ التَّوْفِيقِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، أَخْذٌ وَإِعْطَاءٌ وَقَضَاءٌ وَاقْتِضَاءٌ وَمُعَامَلَةٌ بِدُونِ الْمَعْرِفَةِ. وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ تُقْبَلُ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُحْتَجِبَ أَوْ الْمُخَدَّرَةَ قَدْ يُؤْذَى بِالشَّغَبِ عَلَى بَابِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاسْتِغْرَاقِ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَاهُ وَأَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَضَاهُ أَوْ عَلَى الْإِبْرَاءِ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ. وَقَالَ زُفَرُ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى: إنَّهَا لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَتْلُو الْوُجُوبَ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ فَكَانَ مُنَاقِضًا فِي دَعْوَاهُ، وَقَبُولُ الْبَيِّنَةِ يَقْتَضِي دَعْوَى صَحِيحَةٍ. وَلَنَا أَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْحَقِّ قَدْ يُقْضَى وَيُبْرَأُ مِنْهُ دَفْعًا لِلْخُصُومَةِ وَالشَّغَبِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ قَضَى بِبَاطِلٍ كَمَا يُقَالُ قُضِيَ بِحَقٍّ، وَقَدْ يُصَالَحُ عَلَى شَيْءٍ فَيَثْبُتُ ثُمَّ يُقْضَى، وَكَذَا إذَا قَالَ لَيْسَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا؛ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ لَيْسَ لِنَفْيِ الْحَالِ، فَإِذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعَى بِهِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ

فَيَأْمُرُ بَعْضَ وُكَلَائِهِ بِإِرْضَائِهِ وَلَا يَعْرِفُهُ ثُمَّ يَعْرِفُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَمْكَنَ التَّوْفِيقُ. قَالَ (وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ بَاعَهُ جَارِيَتَهُ فَقَالَ لَمْ أَبِعْهَا مِنْك قَطُّ فَأَقَامَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ فَوَجَدَ بِهَا أُصْبُعًا زَائِدَةً فَأَقَامَ الْبَائِعُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ بَرِئَ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَةُ الْبَائِعِ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا تُقْبَلُ اعْتِبَارًا بِمَا ذَكَرْنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْقَضَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ قَبْلَ زَمَانِ الْحَالِ لَمْ يُتَصَوَّرْ تَنَاقُضٌ أَصْلًا. قَالُوا: دَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى قَبُولِ الْبَيِّنَةِ عِنْدَ إمْكَانِ التَّوْفِيقِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَاهُ، وَاسْتَدَلَّ الْخَصَّافُ لِمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ بِفَصْلِ دَعْوَى الْقِصَاصِ وَالرِّقِّ فَقَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ دَمَ عَمْدٍ فَلَمَّا ثَبَتَ عَلَيْهِ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً عَلَى الْإِبْرَاءِ وَالْعَفْوِ أَوْ الصُّلْحِ مَعَهُ عَلَى مَالٍ قُبِلَتْ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى رَقَبَةَ جَارِيَةٍ فَأَنْكَرَتْ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى رَقَبَتِهَا ثُمَّ أَقَامَتْ هِيَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ أَعْتَقَهَا أَوْ كَاتَبَهَا عَلَى أَلْفٍ وَأَنَّهَا أَدَّتْ الْأَلْفَ إلَيْهِ قُبِلَتْ؛ وَلَوْ قَالَ مَا كَانَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ قَطُّ وَلَا أَعْرِفُك أَوْ مَا أَشْبَهَ كَقَوْلِهِ وَلَا رَأَيْتُك وَلَا جَرَى بَيْنِي وَبَيْنَك مُخَالَطَةٌ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ عَلَى الْقَضَاءِ وَكَذَا عَلَى الْإِبْرَاءِ لِتَعَذُّرِ التَّوْفِيقِ إذْ لَا يَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَخْذٌ وَإِعْطَاءٌ وَقَضَاءٌ وَاقْتِضَاءٌ وَمُعَامَلَةٌ بِلَا خُلْطَةٍ وَمَعْرِفَةٍ. وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ أَيْضًا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْمُحْتَجِبَ أَوْ الْمُخَدَّرَةَ قَدْ يُؤْذَى بِالشَّغَبِ عَلَى بَابِهِ فَيَأْمُرُ بَعْضَ وُكَلَائِهِ بِإِرْضَائِهِ وَلَا يَعْرِفُهُ ثُمَّ يَعْرِفُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَ التَّوْفِيقُ مُمْكِنًا. قَالُوا: وَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِمَّنْ يَتَوَلَّى الْأَعْمَالَ بِنَفْسِهِ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، وَقِيلَ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْإِبْرَاءِ فِي هَذَا الْفَصْلِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ؛ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ بِلَا مَعْرِفَةٍ. قَالَ (وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ بَاعَهُ جَارِيَتَهُ هَذِهِ إلَخْ) وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ بَاعَهُ جَارِيَتَهُ هَذِهِ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ أَبِعْهَا مِنْك قَطُّ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا لَمْ يَحْدُثْ مِثْلُهُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ وَأَرَادَ رَدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ بَرِئَ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ. ذَكَرَهَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا. وَالْخَصَّافُ أَثْبَتَهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَأَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تُقْبَلُ اعْتِبَارًا بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ صُورَةِ الدَّيْنِ، فَإِنَّهُ لَوْ أَنْكَرَهُ أَصْلًا ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْقَضَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ

وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ شَرْطَ الْبَرَاءَةِ تَغْيِيرٌ لِلْعَقْدِ مِنْ اقْتِضَاءِ وَصْفِ السَّلَامَةِ إلَى غَيْرِهِ فَيَسْتَدْعِي وُجُودَ الْبَيْعِ وَقَدْ أَنْكَرَهُ فَكَانَ مُنَاقِضًا، بِخِلَافِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ قَدْ يُقْضَى وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا عَلَى مَا مَرَّ. قَالَ (ذِكْرُ حَقٍّ كُتِبَ فِي أَسْفَلِهِ وَمَنْ قَامَ بِهَذَا الذِّكْرِ الْحَقِّ فَهُوَ وَلِيُّ مَا فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، أَوْ كُتِبَ فِي شِرَاءٍ فَعَلَى فُلَانٍ خَلَاصُ ذَلِكَ وَتَسْلِيمُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَطَلَ الذِّكْرُ كُلُّهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَا: إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ عَلَى الْخَلَاصِ وَعَلَى مَنْ قَامَ بِذِكْرِ الْحَقِّ، وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ ذَكَرَهُ فِي الْإِقْرَارِ) لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيهِ لِأَنَّ الذِّكْرَ لِلِاسْتِيثَاقِ، وَكَذَا الْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ الِاسْتِبْدَادُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقُبِلَتْ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْحَقِّ قَدْ يُقْضَى فَأَمْكَنَ التَّوْفِيقُ، فَكَذَلِكَ يَجُوزُ هَاهُنَا أَنْ يَقُولَ: لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا بَيْعٌ لَكِنَّهُ لَمَّا ادَّعَى عَلَيَّ الْبَيْعَ سَأَلْته أَنْ يُبَرِّئَنِي مِنْ الْعَيْبِ فَأَبْرَأَنِي. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ شَرْطَ الْبَرَاءَةِ تَغْيِيرٌ لِلْعَقْدِ مِنْ اقْتِضَاءِ وَصْفِ السَّلَامَةِ إلَى غَيْرِهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي وُجُودَ أَصْلِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ بِدُونِ الْمَوْصُوفِ غَيْرُ مُتَصَوَّرَةٍ وَهُوَ قَدْ أَنْكَرَهُ فَكَانَ مُنَاقِضًا، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُقْضَى وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا عَلَى مَا مَرَّ. قَالَ (ذِكْرُ حَقٍّ كَتَبَ فِي أَسْفَلِهِ إلَخْ) إذَا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ وَكَتَبَ صَكًّا وَكَتَبَ فِي آخِرِهِ: وَمَنْ قَامَ بِهَذَا الذِّكْرِ الْحَقِّ فَهُوَ وَلِيُّ مَا فِيهِ، وَأَرَادَ بِذَلِكَ مَنْ أَخْرَجَ هَذَا الصَّكَّ وَطَلَبَ مَا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ فَلَهُ وِلَايَةُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ كَتَبَ فِي كِتَابِ شِرَاءٍ مَا أَدْرَكَ فِيهِ فُلَانًا مِنْ دَرَكٍ فَعَلَى فُلَانٍ خَلَاصُهُ وَتَسْلِيمُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَطَلَ الذِّكْرُ كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: الِاسْتِثْنَاءُ يَنْصَرِفُ إلَى قَوْلِهِ عَلَى فُلَانٍ خَلَاصُهُ وَإِلَى مَنْ قَامَ بِذِكْرِ الْحَقِّ وَالشِّرَاءُ صَحِيحٌ، وَالْمَالُ الْمُقَرُّ بِهِ لَازِمٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ، وَالِاسْتِثْنَاءُ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيهِ؛ لِأَنَّهُ لِلِاسْتِيثَاقِ وَالتَّوْكِيدِ وَصَرْفُهُ إلَى الْجَمِيعِ مُبْطِلٌ، فَمَا فُرِضَ لِلِاسْتِيثَاقِ لَمْ يَكُنْ لَهُ، هَذَا خُلْفٌ بَاطِلٌ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْكَلَامِ الِاسْتِبْدَادُ فَلَا يَكُونُ مَا فِي الصَّكِّ بَعْضُهُ مُرْتَبِطًا بِبَعْضٍ فَيَنْصَرِفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى مَا يَلِيهِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الذِّكْرَ لِلِاسْتِيثَاقِ مُطْلَقًا، أَوْ إذَا لَمْ يَكْتُبْ فِي آخِرِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ وَلَا كَلَامَ فِيهِ، وَالْأَوَّلُ عَيْنُ النِّزَاعِ، وَالْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ الِاسْتِبْدَالُ إذَا لَمْ يُوجَدْ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ وَهُوَ الْعَطْفُ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْكُلَّ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ بِحُكْمِ الْعَطْفِ فَيَنْصَرِفُ إلَى

وَلَهُ أَنَّ الْكُلَّ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ بِحُكْمِ الْعَطْفِ فَيُصْرَفُ إلَى الْكُلِّ كَمَا فِي الْكَلِمَاتِ الْمَعْطُوفَةِ مِثْلِ قَوْلِهِ عَبْدُهُ حُرٌّ وَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَعَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ وَلَوْ تَرَكَ فُرْجَةً قَالُوا: لَا يَلْتَحِقُ بِهِ وَيَصِيرُ كَفَاصِلِ السُّكُوتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكُلِّ، كَمَا لَوْ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ وَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَعَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْجَمِيعِ، هَذَا إذَا كَتَبَ الِاسْتِثْنَاءَ مُتَّصِلًا مِنْ غَيْرِ فُرْجَةٍ بِبَيَاضٍ لِيَصِيرَ بِمَنْزِلَةِ الِاتِّصَالِ فِي الْكَلَامِ، وَأَمَّا إذَا تَرَكَ فُرْجَةً قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَمَنْ قَامَ بِهَذَا الذِّكْرِ فَقَدْ قَالُوا لَا يُلْتَحَقُ بِهِ وَيَصِيرُ كَفَاصِلِ السُّكُوتِ. وَفَائِدَةُ كَتْبِهِ وَمَنْ قَامَ بِهَذَا الذِّكْرِ فِي الشُّرُوطِ إثْبَاتُ الرِّضَا مِنْ الْمُقِرِّ بِتَوْكِيلِ مَنْ يُوَكِّلُهُ الْمُقَرُّ لَهُ بِالْخُصُومَةِ مَعَهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ لَا يَصِحُّ بِلَا ضَرُورَةٍ، وَكَوْنُهُ تَوْكِيلًا مَجْهُولًا لَيْسَ بِضَائِرٍ؛ لِأَنَّهُ فِي الْإِسْقَاطِ، فَإِنَّ لِلْمُقِرِّ أَنْ لَا يَرْضَى بِتَوْكِيلِ الْمُقَرِّ لَهُ مَنْ يُخَاصِمُ مَعَهُ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ زِيَادَةِ الضَّرَرِ بِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي الْخُصُومَةِ، فَإِذَا رَضِيَ فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ، وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ مَعَ الْجَهَالَةِ جَائِزٌ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقِيلَ هُوَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ، إلَّا إذَا رَضِيَ بِوَكَالَةِ وَكِيلٍ مَجْهُولٍ لَا عَنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ الرِّضَا بِالْوَكَالَةِ الْمَجْهُولَةِ عِنْدَهُ لَا يَثْبُتُ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ.

[فصل في القضاء بالمواريث]

(فَصْلٌ فِي الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ) قَالَ (وَإِذَا مَاتَ نَصْرَانِيٌّ فَجَاءَتْ امْرَأَتُهُ مُسْلِمَةً وَقَالَتْ أَسْلَمْت بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ أَسْلَمَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَرَثَةِ) وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْقَوْلُ قَوْلُهَا لِأَنَّ الْإِسْلَامَ حَادِثٌ فَيُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ. وَلَنَا أَنَّ سَبَبَ الْحِرْمَانِ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ فَيَثْبُتُ فِيمَا مَضَى تَحْكِيمًا لِلْحَالِ كَمَا فِي جَرَيَانِ مَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ] قَدْ تَقَدَّمَ لَنَا الْكَلَامُ فِيمَا يُوجِبُ تَأْخِيرَ هَذَا الْفَصْلِ إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ. قَالَ (وَإِذَا مَاتَ النَّصْرَانِيُّ فَجَاءَتْ امْرَأَتُهُ مُسْلِمَةً إلَخْ) ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ إثْبَاتُهُ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَهُوَ الْحُكْمُ بِثُبُوتِ أَمْرٍ فِي وَقْتٍ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِهِ فِي وَقْتٍ آخَرَ. وَهُوَ عَلَى نَوْعَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُقَالَ كَانَ ثَابِتًا فِي الْمَاضِي فَيَكُونُ ثَابِتًا فِي الْحَالِ كَحَيَاةِ الْمَفْقُودِ. وَالثَّانِي أَنْ يُقَالَ هُوَ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ فَيُحْكَمُ بِثُبُوتِهِ فِي الْمَاضِي كَجَرَيَانِ مَاءِ الطَّاحُونَةِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ، وَهُوَ حُجَّةٌ دَافِعَةٌ لَا مُثْبِتَةٌ عِنْدَنَا كَمَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فَإِذَا مَاتَ النَّصْرَانِيُّ فَجَاءَتْ امْرَأَتُهُ مُسْلِمَةً وَقَالَتْ أَسْلَمْت بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ أَسْلَمَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ فَالْقَوْلُ لِلْوَرَثَةِ. وَقَالَ زُفَرُ: الْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ حَادِثٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَالْحَادِثُ يُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ لِذَلِكَ. وَلَنَا أَنَّ سَبَبَ الْحِرْمَانِ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ لِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ، وَكُلُّ مَا هُوَ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ يَكُونُ ثَابِتًا فِيمَا مَضَى تَحْكِيمًا لِلْحَالِ: أَيْ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ كَمَا فِي جَرَيَانِ مَاءِ الطَّاحُونَةِ إذَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَعَاقِدَانِ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ فِي الْحَالِ، فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ جَارِيًا فِي الْحَالِ كَانَ الْقَوْلُ لِلْآجِرِ وَهُوَ صَاحِبُ الطَّاحُونَةِ، وَإِنْ كَانَ مُنْقَطِعًا كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ.

الطَّاحُونَةِ؛ وَهَذَا ظَاهِرٌ نَعْتَبِرُهُ لِلدَّفْعِ؛ وَمَا ذَكَرَهُ يَعْتَبِرُهُ لِلِاسْتِحْقَاقِ؛ وَلَوْ مَاتَ الْمُسْلِمُ وَلَهُ امْرَأَةٌ نَصْرَانِيَّةٌ فَجَاءَتْ مُسْلِمَةً بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَالَتْ أَسْلَمْت قَبْلَ مَوْتِهِ وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ أَسْلَمَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ أَيْضًا، وَلَا يُحَكَّمُ الْحَالُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ وَهِيَ مُحْتَاجَةٌ إلَيْهِ، أَمَّا الْوَرَثَةُ فَهُمْ الدَّافِعُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَهَذَا) يَعْنِي تَحْكِيمَ الْحَالِ أَوْ الْحَالَ (ظَاهِرٌ نَعْتَبِرُهُ لِدَفْعِ اسْتِحْقَاقِهَا الْمِيرَاثَ) وَهُوَ صَحِيحٌ (وَهُوَ) أَعْنِي زُفَرَ (يَعْتَبِرُهُ لِلِاسْتِحْقَاقِ) وَهُوَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ عِنْدَنَا، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ زُفَرَ لَمْ يَجْعَلْ اسْتِحْقَاقَهَا لِلْمِيرَاثِ بِالْحَالِ بَلْ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْحَادِثِ الْإِضَافَةُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ ذَلِكَ أَيْضًا ظَاهِرٌ، وَالظَّاهِرُ اسْتِصْحَابًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ لَا يُعْتَبَرُ لِلِاسْتِحْقَاقِ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الْعَمَلَ بِالِاسْتِصْحَابِ كَمَا سَيَظْهَرُ (وَلَوْ مَاتَ الْمُسْلِمُ وَلَهُ امْرَأَةٌ نَصْرَانِيَّةٌ فَجَاءَتْ مُسْلِمَةً بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَالَتْ أَسْلَمْت قَبْلَ مَوْتِهِ وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ أَسْلَمْت بَعْدَ مَوْتِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَرَثَةِ أَيْضًا وَلَا يُحَكَّمُ الْحَالُ) ؛ لِأَنَّ تَحْكِيمَهُ يُؤَدِّي إلَى جَعْلِهِ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ الَّذِي هِيَ مُحْتَاجَةٌ إلَيْهِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ، وَبِهَذَا الْقَدْرِ يَتِمُّ الدَّلِيلُ. وَقَوْلُهُ: (أَمَّا الْوَرَثَةُ فَهُمْ الدَّافِعُونَ) إشَارَةً إلَى مَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ مِنْهَا اجْتَمَعَ نَوْعَا

وَيَشْهَدُ لَهُمْ ظَاهِرُ الْحُدُوثِ أَيْضًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاسْتِصْحَابِ. أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ نَصْرَانِيَّةَ امْرَأَةِ النَّصْرَانِيِّ كَانَتْ ثَابِتَةً فِيمَا مَضَى ثُمَّ جَاءَتْ مُسْلِمَةً وَادَّعَتْ إسْلَامًا حَادِثًا؛ فَبِالنَّظَرِ إلَى مَا كَانَتْ فِيمَا مَضَى وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنْ يَبْقَى هُوَ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ، وَبِالنَّظَرِ إلَى مَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي الْحَالِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا فِيمَا مَضَى هُوَ مِنْ النَّوْعِ الثَّانِي، فَلَوْ اعْتَبَرْنَا الْأَوَّلَ حَتَّى كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا كَانَ اسْتِصْحَابُ الْحَالِ مُثْبِتًا وَهُوَ بَاطِلٌ فَاعْتَبَرْنَا الثَّانِيَ لِيَكُونَ دَافِعًا فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ نَصْرَانِيَّتَهَا كَانَتْ ثَابِتَةً وَالْإِسْلَامُ حَادِثٌ، فَالنَّظَرُ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ يَقْتَضِي بَقَاءَهَا إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالنَّظَرُ إلَى الْإِسْلَامِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا قَبْلَ مَوْتِهِ، فَلَوْ اعْتَبَرْنَاهُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْحَالُ مُثْبِتًا وَهُوَ لَا يَصْلُحُ فَاعْتَبَرْنَا الْأَوَّلَ لِيَكُونَ دَافِعًا وَالْوَرَثَةُ هُمْ الدَّافِعُونَ فَيُفِيدُهُمْ الِاسْتِدْلَال بِهِ. وَقَوْلُهُ: (وَيَشْهَدُ لَهُمْ) دَلِيلٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْإِسْلَامَ حَادِثٌ وَالْحَادِثُ يُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ. فَإِنْ قِيلَ: إنْ كَانَ ظَاهِرُ الْحُدُوثِ مُعْتَبَرٌ فِي الدَّلَالَةِ كَانَ ظَاهِرُ زُفَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مُعَارِضًا لِلِاسْتِصْحَابِ وَيَحْتَاجُ إلَى مُرَجِّحٍ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. فَالْجَوَابُ أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ فِي الدَّفْعِ لَا فِي الْإِثْبَاتِ، وَزُفَرُ يَعْتَبِرُهُ لِلْإِثْبَاتِ. وَنُوقِضَ بِنَقْضٍ إجْمَالِيٍّ وَهُوَ أَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ عَلَى أَنَّ الِاسْتِصْحَابَ لَا يَصْلُحُ لِلْإِثْبَاتِ لَوْ كَانَ صَحِيحًا بِجَمِيعِ مُقَدِّمَاتِهِ لَمَا قُضِيَ بِالْأَجْرِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ إذَا كَانَ مَاءُ الطَّاحُونَةِ جَارِيًا عِنْدَ الِاخْتِلَافِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بِهِ لِإِثْبَاتِ الْأَجْرِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ لِدَفْعِ مَا يَدَّعِي الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الْآجِرِ مِنْ ثُبُوتِ الْعَيْبِ الْمُوجِبِ لِسُقُوطِ الْأَجْرِ، وَأَمَّا ثُبُوتُ الْأَجْرِ فَإِنَّهُ بِالْعَقْدِ السَّابِقِ الْمُوجِبِ لَهُ

قَالَ (وَمَنْ مَاتَ وَلَهُ فِي يَدِ رَجُلٍ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً فَقَالَ الْمُسْتَوْدَعُ هَذَا ابْنُ الْمَيِّتِ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ الْمَالَ إلَيْهِ) لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ مَا فِي يَدِهِ حَقُّ الْوَارِثِ خِلَافَةً فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ حَقُّ الْمُوَرِّثِ وَهُوَ حَيٌّ أَصَالَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ لِرَجُلٍ أَنَّهُ وَكِيلُ الْمُودِعِ بِالْقَبْضِ أَوْ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ حَيْثُ لَا يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِقِيَامِ حَقِّ الْمُودِعِ إذْ هُوَ حَيٌّ فَيَكُونُ إقْرَارًا عَلَى مَالِ الْغَيْرِ، وَلَا كَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ، بِخِلَافِ الْمَدْيُونِ إذَا أَقَرَّ بِتَوْكِيلِ غَيْرِهِ بِالْقَبْضِ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَيَكُونُ إقْرَارًا عَلَى نَفْسِهِ فَيُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ (فَلَوْ قَالَ الْمُودَعُ لِآخَرَ هَذَا ابْنُهُ أَيْضًا وَقَالَ الْأَوَّلُ لَيْسَ لَهُ ابْنٌ غَيْرِي قَضَى بِالْمَالِ لِلْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ إقْرَارُهُ لِلْأَوَّلِ انْقَطَعَ يَدُهُ عَنْ الْمَالِ فَيَكُونُ هَذَا إقْرَارًا عَلَى الْأَوَّلِ فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ لِلثَّانِي، كَمَا إذَا كَانَ الْأَوَّلُ ابْنًا مَعْرُوفًا، وَلِأَنَّهُ حِينَ أَقَرَّ لِلْأَوَّلِ لَا مُكَذِّبَ لَهُ فَصَحَّ، وَحِينَ أَقَرَّ لِلثَّانِي لَهُ مُكَذِّبٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَكُونُ دَافِعًا لَا مُوجِبًا، وَاعْتَبِرْ هَذَا وَاسْتَغْنِ عَمَّا فِي النِّهَايَةِ مِنْ التَّطْوِيلِ. قَالَ (وَمَنْ مَاتَ وَلَهُ فِي يَدِ رَجُلٍ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً إلَخْ) رَجُلٌ مَاتَ وَلَهُ فِي يَدِ رَجُلٍ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً فَأَقَرَّ الْمُودَعُ لِرَجُلٍ أَنَّهُ ابْنُ الْمَيِّتِ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ يَقْضِي الْحَاكِمُ عَلَيْهِ بِدَفْعِهِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ مَا فِي يَدِهِ حَقُّ الْوَارِثِ وَمِلْكُهُ خِلَافَةً. وَمَنْ أَقَرَّ بِمِلْكِ شَخْصٍ عِنْدَهُ وَجَبَ دَفْعُهُ إلَيْهِ كَمَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ حَقُّ الْمُورَثِ وَهُوَ حَيٌّ أَصَالَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ لِرَجُلٍ أَنَّهُ وَكِيلُ الْمُودِعِ بِالْقَبْضِ أَوْ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ حَيْثُ لَا يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِقِيَامِ حَقِّ الْمُودِعِ لِكَوْنِهِ حَيًّا فَيَكُونُ إقْرَارًا عَلَى مَالِ الْغَيْرِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: كَانَ الْوَاجِبُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنْ لَا يُؤْمَرَ بِالدَّفْعِ لِجَوَازِ قِيَامِ حَقِّ الْمَيِّتِ فِي الْمَآلِ بِاعْتِبَارِ مَا يُوجِبُ قِيَامَهُ فِيهِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ كَالدَّيْنِ وَغَيْرِهِ: فَإِنَّ خِلَافَةَ الْوَارِثِ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ ذَلِكَ. وَالْجَوَابُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْوَارِثِ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ بِيَقِينٍ، وَمَا يُوجِبُ قِيَامَ حَقِّ الْمَيِّتِ فِي الْمَآلِ مُتَوَهَّمٌ فَلَا يُؤَخَّرُ الْيَقِينُ بِهِ، فَإِذَا امْتَنَعَ فِي الْوَدِيعَةِ حَتَّى هَلَكَتْ هَلْ يَضْمَنُ أَوْ لَا؟ قِيلَ يَضْمَنُ، وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ وَكِيلِ

فَلَمْ يَصِحَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُودِعِ فِي زَعْمِهِ كَالْمَنْعِ مِنْ الْمُودِعِ وَفِي الْمَنْعِ عَنْهُ يَضْمَنُ فَكَذَا مِنْ وَكِيلِهِ، وَإِنْ سَلَّمَهَا هَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا؟ قِيلَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ، بِخِلَافِ الْمَدْيُونِ إذَا أَقَرَّ بِتَوْكِيلِ غَيْرِهِ بِالْقَبْضِ حَيْثُ يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ، بَلْ الْإِقْرَارُ فِيهِ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا، وَلَوْ أَقَرَّ الْمُودَعُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ لِرَجُلٍ آخَرَ بِأَنَّهُ أَيْضًا ابْنُ الْمَيِّتِ وَأَنْكَرَهُ الْأَوَّلُ بِأَنْ قَالَ لَيْسَ لَهُ ابْنٌ غَيْرِي قُضِيَ بِالْمَالِ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ إقْرَارُهُ لِلْأَوَّلِ فِي وَقْتٍ لَا مُزَاحِمَ لَهُ انْقَطَعَ يَدُهُ عَنْ الْمَالِ، فَالْإِقْرَارُ الثَّانِي يَكُونُ إقْرَارًا عَلَى الْأَوَّلِ فَلَا يَصِحُّ كَمَا إذَا كَانَ الْأَوَّلُ ابْنًا مَعْرُوفًا؛ وَلِأَنَّهُ حِينَ أَقَرَّ لِلْأَوَّلِ لَمْ يُكَذِّبْهُ أَحَدٌ فَصَحَّ إقْرَارُهُ، وَحِينَ أَقَرَّ لِلثَّانِي كَذَّبَهُ الْأَوَّلُ فَلَا يَصِحُّ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ تَكْذِيبَ غَيْرِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُؤَثِّرَ فِي إقْرَارِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ نِصْفِ مَا أَدَّى لِلْأَوَّلِ. وَأَجَابُوا بِالْتِزَامِ ذَلِكَ إذَا دَفَعَ الْجَمِيعَ بِلَا قَضَاءٍ كَاَلَّذِي أَقَرَّ بِتَسْلِيمِ الْوَدِيعَةِ مِنْ الْقَاضِي بَعْدَمَا أَقَرَّ لِغَيْرِ مَنْ أَقَرَّ لَهُ الْقَاضِي وَقَدْ

قَالَ (وَإِذَا قُسِمَ الْمِيرَاثُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ كَفِيلٌ وَلَا مِنْ وَارِثٍ وَهَذَا شَيْءٌ احْتَاطَ بِهِ بَعْضُ الْقُضَاةِ وَهُوَ ظُلْمٌ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: يُؤْخَذُ الْكَفِيلُ، وَالْمَسْأَلَةُ فِيمَا إذَا ثَبَتَ الدَّيْنُ وَالْإِرْثُ بِالشَّهَادَةِ وَلَمْ يَقُلْ الشُّهُودُ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَقَدَّمَ فِي أَدَبِ الْقَاضِي، وَأَمَّا إذَا كَانَ الدَّفْعُ بِقَضَاءٍ كَانَ فِي الْإِقْرَارِ الثَّانِي مُكَذِّبًا شَرْعًا فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِقْرَارُ بِهِ قَالَ (وَإِذَا قَسَمَ الْمِيرَاثَ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ إلَخْ) إذَا حَضَرَ رَجُلٌ وَادَّعَى دَارًا فِي يَدِ آخَرَ أَنَّهَا كَانَتْ لِأَبِيهِ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ؛ فَإِمَّا أَنْ يُقِرَّ بِهِ ذُو الْيَدِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُمْ قَالُوا تَرْكُهَا مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ وَلَمْ يَعْرِفُوهُمْ وَلَا عَدَدَهُمْ وَفِيهِ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ وَلَا يُدْفَعُ إلَيْهِ شَيْءٌ حَتَّى يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى عَدَدِ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُمْ مَا لَمْ يَشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُعْرَفْ نَصِيبُ هَذَا الْوَاحِدِ مِنْهُمْ، وَالْقَضَاءُ بِالْمَجْهُولِ مُتَعَذِّرٌ. وَالثَّانِي أَنَّهُمْ شَهِدُوا أَنَّهُ ابْنُهُ وَوَارِثُهُ لَا نَعْرِفُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ، وَفِيهِ يَقْضِي الْحَاكِمُ بِجَمِيعِ التَّرِكَةِ مِنْ غَيْرِ تَلَوُّمٍ وَهَاتَانِ بِالِاتِّفَاقِ. وَالثَّالِثُ أَنَّهُمْ إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ ابْنُ فُلَانٍ مَالِكِ هَذِهِ الدَّارِ وَلَمْ يَشْهَدُوا عَلَى عَدَدِ الْوَرَثَةِ وَلَمْ يَقُولُوا فِي شَهَادَتِهِمْ لَا نَعْرِفُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَتَلَوَّمُ زَمَانًا عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى. وَقَدَّرَ الطَّحَاوِيُّ مُدَّةَ التَّلَوُّمِ بِالْحَوْلِ، فَإِنْ حَضَرَ وَارِثٌ غَيْرُهُ قُسِمَتْ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ دَفَعَ الدَّارَ إلَيْهِ إنْ كَانَ الْحَاضِرُ مِمَّنْ لَا يُحْجَبُ حِرْمَانًا كَالْأَبِ وَالِابْنِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُحْجَبُ بِغَيْرِهِ كَالْجَدِّ وَالْأَخِ فَإِنَّهُ لَا يَدْفَعُ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُحْجَبُ نُقْصَانًا كَالزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ يَدْفَعُ إلَيْهِ أَوْفَرَ النَّصِيبَيْنِ وَهُوَ النِّصْفُ وَالرُّبُعُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَأَقَلُّهُمَا وَهُوَ الرُّبُعُ وَالثُّمُنُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ مُضْطَرِبٌ، فَإِذَا كَانَ مِمَّنْ لَا يُحْجَبُ وَدُفِعَتْ الدَّارُ إلَيْهِ هَلْ يُؤْخَذُ مِنْهُ كَفِيلٌ بِمَا دَفَعَ إلَيْهِ؟ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يُؤْخَذُ وَنَسَبَ الْقَائِلَ بِهِ إلَى الظُّلْمِ. قِيلَ أَرَادَ بِهِ ابْنَ أَبِي لَيْلَى وَقَالَا: لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ يُؤْخَذُ الْكَفِيلُ بِالِاتِّفَاقِ لِكَوْنِ الْإِقْرَارِ حُجَّةً قَاصِرَةً. لَهُمَا أَنَّ الْقَاضِيَ نَاظِرٌ لِلْغَيْبِ وَلَا نَظَرَ بِتَرْكِ الِاحْتِيَاطِ فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ فَيَحْتَاطُ الْقَاضِي بِأَخْذِهِ،

لَهُمَا أَنَّ الْقَاضِيَ نَاظِرٌ لِلْغُيَّبِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي التَّرِكَةِ وَارِثًا غَائِبًا أَوْ غَرِيمًا غَائِبًا، لِأَنَّ الْمَوْتَ قَدْ يَقَعُ بَغْتَةً فَيُحْتَاطُ بِالْكَفَالَةِ. كَمَا إذَا دَفَعَ الْآبِقَ وَاللُّقَطَةَ إلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا إذَا دَفَعَ الْقَاضِي الْعَبْدَ الْآبِقَ وَاللُّقَطَةَ إلَى رَجُلٍ أَثْبَتَ عِنْدَهُ أَنَّهُ صَاحِبُهُ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا، وَكَمَا لَوْ أَعْطَى نَفَقَةَ امْرَأَةِ الْغَائِبِ إذَا اسْتَنْفَقَتْ فِي غَيْبَتِهِ وَلَهُ عِنْدَ إنْسَانٍ وَدِيعَةٌ يُقِرُّ بِهَا الْمُودَعُ وَبِقِيَامِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يَفْرِضُ لَهَا النَّفَقَةَ وَيَأْخُذُ مِنْهَا كَفِيلًا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ حَقَّ الْحَاضِرِ ثَابِتٌ قَطْعًا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ آخَرُ بِيَقِينٍ، أَوْ ظَاهِرًا إنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ آخَرُ فِي الْوَاقِعِ لَمْ يَظْهَرْ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُكَلَّفٍ بِإِظْهَارِهِ بَلْ بِمَا ظَهَرَ عِنْدَهُ مِنْ الْحُجَّةِ، فَكَانَ الْعَمَلُ بِالظَّاهِرِ وَاجِبًا عَلَيْهِ، وَالثَّابِتُ قَطْعًا أَوْ ظَاهِرًا لَا يُؤَخَّرُ لِمَوْهُومٍ كَمَنْ أَثْبَتَ الشِّرَاءَ مِنْ ذِي الْيَدِ أَوْ أَثْبَتَ الدَّيْنَ عَلَى الْعَبْدِ حَتَّى بِيعَ فِيهِ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ الْمَبِيعَ إلَى الْمُشْتَرِي وَالدَّيْنَ إلَى الْمُدَّعِي مِنْ غَيْرِ كَفِيلٍ، وَإِنْ كَانَ حُضُورُ مُشْتَرٍ آخَرَ قَبْلَهُ وَغَرِيمٍ آخَرَ

صَاحِبِهِ وَأَعْطَى امْرَأَةَ الْغَائِبِ النَّفَقَةَ مِنْ مَالِهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ حَقَّ الْحَاضِرِ ثَابِتٌ قَطْعًا، أَوْ ظَاهِرًا فَلَا يُؤَخَّرُ لِحَقٍّ مَوْهُومٍ إلَى زَمَانِ التَّكْفِيلِ كَمَنْ أَثْبَتَ الشِّرَاءَ مِمَّنْ فِي يَدِهِ أَوْ أَثْبَتَ الدَّيْنَ عَلَى الْعَبْدِ حَتَّى بِيعَ فِي دَيْنِهِ لَا يَكْفُلُ، وَلِأَنَّ الْمَكْفُولَ لَهُ مَجْهُولٌ فَصَارَ كَمَا إذَا كُفِلَ لِأَحَدِ الْغُرَمَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي حَقِّ الْعَبْدِ مُتَوَهَّمًا فَلَا يُؤَخَّرُ حَقُّ الْحَاضِرِ لِحَقٍّ مَوْهُومٍ إلَى زَمَانِ التَّكْفِيلِ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْمَكْفُولَ لَهُ) دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ أَخْذِ الْكَفِيلِ، وَذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ جَهَالَةَ الْمَكْفُولِ لَهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ وَهَاهُنَا الْمَكْفُولُ لَهُ مَجْهُولٌ فَلَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ كَفَلَ لِأَحَدِ الْغُرَمَاءِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا أَقَرَّ بِهِ ذُو الْيَدِ يُؤْخَذُ مِنْهُ كَفِيلٌ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا تَقَدَّمَ وَذَلِكَ كَفَالَةٌ لِمَجْهُولٍ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِهِ لَمْ يَبْقَ لَهُ فِيهِ مِلْكٌ وَلَمْ يُثْبِتْ لِلْمُقَرِّ لَهُ بِحُجَّةٍ كَامِلَةٍ فَكَانَ مَظِنَّةَ أَنَّ ثَمَّةَ مَالِكًا لَا مَحَالَةَ، وَأَقَلُّ ذَلِكَ يُثْبِتُ الْمَالَ وَهُوَ مَعْلُومٌ فَكَانَ التَّكْفِيلُ لَهُ. وَنَقَلَ التُّمُرْتَاشِيُّ فِيهِ خِلَافًا فَإِنْ ثَبَتَ فَلَا إشْكَالَ. لَا يُقَالُ: الْحَاكِمُ يَأْخُذُ الْكَفِيلَ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ وَلَا لِلْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لِتَوْثِيقِ الْمُطَالَبَةِ كَمَا مَرَّ وَهِيَ مِنْ الْمَيِّتِ غَيْرُ مُتَصَوَّرَةٍ. وَعُورِضَ بِأَنَّ الْقَاضِيَ يَتَلَوَّمُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَا يَرَاهُ، وَفِي ذَلِكَ تَأْخِيرٌ لِحَقٍّ ثَابِتٍ قَطْعًا أَوْ ظَاهِرًا كَمَا ذَكَرْتُمْ لِحَقٍّ مَوْهُومٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّأْخِيرَ جَائِزٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّلَوُّمَ لَيْسَ لِلْحَقِّ الْمَوْهُومِ، بَلْ إنَّمَا هُوَ

بِخِلَافِ النَّفَقَةِ لِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ ثَابِتٌ وَهُوَ مَعْلُومٌ. وَأَمَّا الْآبِقُ وَاللُّقَطَةُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ. وَقِيلَ إنْ دَفَعَ بِعَلَامَةِ اللُّقَطَةِ أَوْ إقْرَارِ الْعَبْدِ يَكْفُلُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْحَقَّ غَيْرُ ثَابِتٍ، وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يُمْنَعَ. وَقَوْلُهُ ظُلْمٌ: أَيْ مَيْلٌ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ، وَهَذَا يَكْشِفُ عَنْ مَذْهَبِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُجْتَهِدَ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ لَا كَمَا ظَنَّهُ الْبَعْضُ. قَالَ (وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِ رَجُلٍ وَأَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبُوهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخُوهُ فُلَانٍ الْغَائِبِ قُضِيَ لَهُ بِالنِّصْفِ وَتَرَكَ النِّصْفَ الْآخَرَ فِي يَدِ الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ وَلَا يَسْتَوْثِقُ مِنْهُ بِكَفِيلٍ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: إنْ كَانَ الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ جَاحِدًا أُخِذَ مِنْهُ وَجُعِلَ فِي يَدِ أَمِينٍ، وَإِنْ لَمْ يَجْحَدْ تُرِكَ فِي يَدِهِ) لَهُمَا أَنَّ الْجَاحِدَ خَائِنٌ فَلَا يُتْرَكُ الْمَالُ فِي يَدِهِ، بِخِلَافِ الْمُقِرِّ لِأَنَّهُ أَمِينٌ. وَلَهُ أَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ لِلْمَيِّتِ مَقْصُودًا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمْرٌ يَفْعَلُهُ الْقَاضِي لِنَفْسِهِ احْتِيَاطًا فِي طَلَبِ زِيَادَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ شَرِيكٍ لِلْحَاضِرِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ بِحَيْثُ يَقُومُ مَقَامَ قَوْلِ الشُّهُودِ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ الشُّهُودِ لَيْسَتْ بِشَهَادَةٍ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّفْيِ بَاطِلَةٌ بَلْ خَبَرٌ يُسْتَأْنَسُ بِهِ عَلَى نَفْيِ الشَّرِيكِ، وَالتَّلَوُّمُ مِنْ الْقَاضِي يَقُومُ مَقَامَهُ فِي إفَادَةِ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ وَلَيْسَ ثَمَّةَ طَلَبُ شَيْءٍ زَائِدٍ مِنْ الْمُسْتَحِقِّ، بِخِلَافِ طَلَبِ الْكَفَالَةِ. وَقَوْلُهُ: (بِخِلَافِ النَّفَقَةِ) جَوَابٌ عَمَّا اسْتَشْهَدَ بِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ، أَمَّا مَسْأَلَةُ النَّفَقَةِ فَلِأَنَّ التَّكْفِيلَ فِيهَا لِحَقٍّ ثَابِتٍ وَهُوَ مَا يَأْخُذُهُ الْحَاكِمُ مِنْ الْمَالِ مِنْ مُودَعِ الزَّوْجِ وَالْمَكْفُولُ لَهُ وَهُوَ الزَّوْجُ مَعْلُومٌ أَيْضًا فَصَحَّتْ الْكَفَالَةُ (وَأَمَّا الْآبِقُ وَاللُّقَطَةُ فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رِوَايَتَانِ) قَالَ فِي رِوَايَةٍ: لَا أُحِبُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ كَفِيلًا، وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ: أُحِبُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ كَفِيلًا، قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ حِينَئِذٍ. وَقَالَ الْعَتَّابِيُّ (إنْ دَفَعَ الْعَبْدَ بِإِقْرَارِهِ إلَى الْمُدَّعِي وَاللَّقْطَةَ بِإِخْبَارِ الْمُدَّعِي عَنْ عَلَامَةٍ فِيهِ يَكْفُلُ بِالْإِجْمَاعِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (؛ لِأَنَّ الْحَقَّ غَيْرُ ثَابِتٍ) وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ

وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِ مُخْتَارَ الْمَيِّتِ ثَابِتٌ فَلَا تُنْقَضُ يَدُهُ كَمَا إذَا كَانَ مُقِرًّا وَجُحُودُهُ قَدْ ارْتَفَعَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْجُحُودِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِصَيْرُورَةِ الْحَادِثَةِ مَعْلُومَةً لَهُ وَلِلْقَاضِي، وَلَوْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي مَنْقُولٍ فَقَدْ قِيلَ يُؤْخَذُ مِنْهُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْحِفْظِ وَالنَّزْعُ أَبْلَغُ فِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ) أَيْ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ (ظُلْمٌ: أَيْ مَيْلٌ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ) إنَّمَا ذَكَرَهُ تَمْهِيدًا لِمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَهَذَا) أَيْ إطْلَاقُ الظُّلْمِ عَلَى الْمُجْتَهَدِ فِيهِ (يَكْشِفُ عَنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُجْتَهِدَ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ) وَيُقَرِّرُ أَنَّ مَذْهَبَ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ بَرَاءٌ عَنْ مَذْهَبِ أَهْلِ الِاعْتِزَالِ فِي أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، وَادِّعَائِهِمْ أَنْ ذَلِكَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَقَدْ قَرَّرْنَا ذَلِكَ فِي التَّقْرِيرِ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى مُسْتَوْفًى. قَالَ (وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِ رَجُلٍ إلَخْ) دَارٌ فِي يَدِ رَجُلٍ أَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخُوهُ فَلِأَنَّ الْغَائِبَ قَضَى لَهُ بِالنِّصْفِ وَتَرَكَ النِّصْفَ الْآخَرَ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ ذِي الْيَدِ كَفِيلٌ، وَهَذَا: أَيْ تَرْكُ النِّصْفِ الْآخَرِ فِي يَدِ مَنْ فِي يَدِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَأَمَّا عَدَمُ الِاسْتِيثَاقِ بِالْكَفِيلِ هَاهُنَا فَبِالْإِجْمَاعِ، وَقَالَا: مَنْ فِي يَدِهِ الدَّارُ إنْ كَانَ جَاحِدًا أُخِذَ مِنْهُ النِّصْفُ الْآخَرُ وَجُعِلَ فِي يَدِ أَمِينٍ وَإِلَّا تُرِكَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الْجَاحِدَ خَائِنٌ وَالْخَائِنُ لَا يُتْرَكُ مَالُ الْغَيْرِ فِي يَدِهِ وَالْمُقِرُّ أَمِينٌ فَيَجُوزُ أَنْ يُتْرَكَ الْمَالُ بِيَدِهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ لِلْمَيِّتِ مَقْصُودًا تُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ وَتَنْفُذُ وَصَايَاهُ وَمَنْ وَقَعَ لَهُ الْقَضَاءُ يُعْتَبَرُ فِيمَنْ الْمَقْضِيُّ بِيَدِهِ كَوْنُهُ مُخْتَارًا لَهُ وَهُوَ ثَابِتٌ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَلَا تُنْقَضُ يَدُهُ بِيَدِ مَنْ هُوَ غَيْرُ مُخْتَارٍ لَهُ، وَإِنَّمَا قَالَ وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْمَالِ بِيَدِ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ بِاخْتِيَارِ الْمَيِّتِ لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ، وَاحْتِمَالُ ذَلِكَ يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ فَاكْتُفِيَ بِهِ كَمَا إذَا كَانَ مَنْ بِيَدِهِ مُقِرًّا فَإِنَّهُ إنَّمَا يُتْرَكُ الْبَاقِي بِيَدِهِ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَجُحُودُهُ) جَوَابٌ عَمَّا ذَكَرَاهُ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْخِيَانَةَ بِالْجُحُودِ إمَّا أَنْ تَكُونَ بِاعْتِبَارِ مَا مَضَى أَوْ مَا سَيَأْتِي، وَالْأَوَّلُ قَدْ ارْتَفَعَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَكَذَا لَازِمُهُ. وَالثَّانِي ظَاهِرُ الْعَدَمِ؛ لِأَنَّ الْحَادِثَةَ لَمَّا صَارَتْ مَعْلُومَةً لِلْقَاضِي وَلِمَنْ بِيَدِهِ ذَلِكَ، وَكُتِبَتْ فِي الْخَرِيطَةِ الظَّاهِرُ أَنْ لَا يَجْحَدَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِعِلْمِهِ بِعَدَمِ الْفَائِدَةِ. لَا يُقَالُ: مَوْتُ الْقَاضِي وَالشُّهُودِ وَنِسْيَانُهُمَا لِلْحَادِثَةِ وَاحْتِرَاقُ الْخَرِيطَةِ أُمُورٌ مُحْتَمَلَةٌ فَكَانَ الْجُحُودُ مُحْتَمَلًا؛؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَادِرٌ وَالنَّادِرُ لَا حُكْمَ لَهُ (وَلَوْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي مَنْقُولٍ) وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا

بِخِلَافِ الْعَقَارِ لِأَنَّهَا مُحَصَّنَةٌ بِنَفْسِهَا وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْوَصِيُّ بَيْعَ الْمَنْقُولِ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ دُونَ الْعَقَارِ، وَكَذَا حُكْمُ وَصِيِّ الْأُمِّ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ عَلَى الصَّغِيرِ. وَقِيلَ الْمَنْقُولُ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ أَظْهَرُ لِحَاجَتِهِ إلَى الْحِفْظِ، وَإِنَّمَا لَا يُؤْخَذُ الْكَفِيلُ لِأَنَّهُ إنْشَاءُ خُصُومَةٍ وَالْقَاضِي إنَّمَا نُصِبَ لِقَطْعِهَا لَا لِإِنْشَائِهَا، وَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ وَيُسَلَّمُ النِّصْفُ إلَيْهِ بِذَلِكَ الْقَضَاءِ لِأَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَدْ قِيلَ يُنْزَعُ مِنْ يَدِهِ) النِّصْفُ الْآخَرُ (بِالِاتِّفَاقِ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَقَارِ أَنَّ الْمَنْقُولَ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْحِفْظِ، وَمَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْحِفْظِ فَالنَّزْعُ أَبْلَغُ فِيهِ، أَمَّا أَنَّهُ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْحِفْظِ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُحْصَنٍ بِنَفْسِهِ لِقَبُولِ الِانْتِقَالِ مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ، أَوْ مَا أَنَّ النَّزْعَ أَبْلَغُ فِيهِ فَلِأَنَّ النَّزْعَ أَبْلَغُ فِي الْحِفْظِ؛؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَحَدَهُ مَنْ بِيَدِهِ رُبَّمَا يَتَصَرَّفُ لِخِيَانَتِهِ أَوْ لِزَعْمِهِ أَنَّهُ مَلَكَهُ، وَإِذَا نَزَعَهُ الْحَاكِمُ وَوَضَعَهُ فِي يَدِ أَمِينٍ كَانَ هُوَ عَدْلًا ظَاهِرًا فَكَانَ الْمَالُ بِهِ مَحْفُوظًا (بِخِلَافِ الْعَقَارِ فَإِنَّهَا مُحْصَنَةٌ بِنَفْسِهَا وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْوَصِيُّ بَيْعَ الْمَنْقُولِ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ دُونَ الْعَقَارِ، وَكَذَا وَصِيُّ الْأُمِّ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ عَلَى الصَّغِيرِ) وَإِنَّمَا خَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ وَلَهُمْ وِلَايَةُ الْحِفْظِ وَهَذَا مِنْ بَابِهِ (وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ الْمَنْقُولُ أَيْضًا عَلَى الْخِلَافِ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ أَظْهَرُ) بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ حَاجَتِهِ إلَى الْحِفْظِ، فَإِذَا تُرِكَ فِي يَدِهِ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، وَلَوْ أَخَذَ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَى الَّذِي يَضَعُهُ الْقَاضِي فِي يَدِهِ فَكَانَ التَّرْكُ أَبْلَغَ فِي الْحِفْظِ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ مَا قِيلَ إنَّهُ لَمَّا جَحَدَ مَنْ فِي يَدِهِ رُبَّمَا يَتَصَرَّفُ لِخِيَانَتِهِ أَوْ لِزَعْمِهِ أَنَّهُ مَلَكَهُ سَاقِطًا لِعِبْرَةٍ نَظَرًا إلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ عِلْمِ الْقَاضِي وَطَائِفَةٍ مِنْ النَّاسِ وَكِتَابَتِهِ فِي الْخَرِيطَةِ. وَذَلِكَ ثَابِتٌ مُقْتَضٍ ثُبُوتَ الْخِلَافِ فِي الْعَقَارِ فَسَقَطَ الْفَرْقُ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ يُؤْخَذْ الْكَفِيلُ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ وَلَا يَسْتَوْثِقُ مِنْهُ بِكَفِيلٍ. وَمَعْنَاهُ أَخْذُ الْكَفِيلِ إنْشَاءُ خُصُومَةٍ؛؛ لِأَنَّ مَنْ بِيَدِهِ الْبَاقِي قَدْ لَا تَسْمَحُ نَفْسُهُ بِإِعْطَائِهِ وَالْقَاضِي يُطَالِبُهُ بِهِ فَيُنْشِئُ الْخُصُومَةَ وَالْقَاضِي لَمْ يُنَصَّبْ لِإِنْشَائِهَا بَلْ لِقَطْعِهَا. فَإِنْ قِيلَ: هَبْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَمْ يُنَصَّبْ لِذَلِكَ فَلْيَكُنْ الْخَصْمُ هُوَ الْحَاضِرَ يُطَالِبُهُ بِالْكَفِيلِ وَالْقَاضِي يَقْطَعُهَا بِحُكْمِهِ بِإِعْطَائِهِ. قُلْت: يُجْعَلُ تَرْكِيبُ الدَّلِيلِ هَكَذَا طَلَبُ الْكَفِيلِ هَاهُنَا إنْشَاءُ خُصُومَةٍ هُوَ مَشْرُوعٌ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ وَرَفْعِهَا فَمَا فَرَضْنَاهُ رَافِعًا لِشَيْءٍ كَانَ مُنْشِئًا لَهُ هَذَا خُلْفٌ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ) اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي

يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ فِيمَا يَسْتَحِقُّ لَهُ وَعَلَيْهِ دَيْنًا كَانَ أَوْ عَيْنًا لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ وَعَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ الْمَيِّتُ فِي الْحَقِيقَةِ وَوَاحِدٌ مِنْ الْوَرَثَةِ يَصْلُحُ خَلِيفَةٌ عَنْهُ فِي ذَلِكَ، بِخِلَافِ الِاسْتِيفَاءِ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ عَامِلٌ فِيهِ لِنَفْسِهِ فَلَا يَصْلُحُ نَائِبًا عَنْ غَيْرِهِ، وَلِهَذَا لَا يَسْتَوْفِي إلَّا نَصِيبَهُ وَصَارَ كَمَا إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِدَيْنِ الْمَيِّتِ، إلَّا أَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ اسْتِحْقَاقُ، الْكُلِّ عَلَى أَحَدِ الْوَرَثَةِ إذَا كَانَ الْكُلُّ فِي يَدِهِ. ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ خَصْمًا بِدُونِ الْيَدِ فَيَقْتَصِرُ الْقَضَاءُ عَلَى مَا فِي يَدِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوُجُوبِ إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ إذَا حَضَرَ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْقِصَاصِ إذَا أَقَامَ الْحَاضِرُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُ عَمْدًا ثُمَّ حَضَرَ الْغَائِبُ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إعَادَتِهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ نَفَاهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ، قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ (لِأَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ فِيمَا يَسْتَحِقُّ لِلْمَيِّتِ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ) إنْ كَانَ الْكُلُّ بِيَدِهِ كَمَا سَيَجِيءُ (دَيْنًا كَانَ أَوْ عَيْنًا؛ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ وَعَلَيْهِ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ الْمَيِّتُ) لِمَا ذَكَرْنَا (وَوَاحِدٌ مِنْ الْوَرَثَةِ يَصْلُحُ خَلِيفَةً عَنْهُ فِي ذَلِكَ) كَالْوَكِيلَيْنِ بِالْخُصُومَةِ إذَا غَابَ أَحَدُهُمَا كَانَ لِلْآخَرِ أَنْ يُخَاصِمَ، وَلِهَذَا قُلْنَا: إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى أَحَدِهِمْ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ وَأَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْكُلِّ، وَكَذَا إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمْ دَيْنًا لِلْمَيِّتِ عَلَى رَجُلٍ وَأَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْكُلِّ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ صَلَحَ أَحَدُهُمْ لِلْخِلَافَةِ لَكَانَ كَالْمَيِّتِ وَجَازَ لَهُ اسْتِيفَاءُ الْجَمِيعِ كَالْمَيِّتِ لَكِنْ لَا يَدْفَعُ إلَيْهِ سِوَى نَصِيبِهِ بِالْإِجْمَاعِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (بِخِلَافِ الِاسْتِيفَاءِ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ فِيهِ لِنَفْسِهِ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ نَائِبًا عَنْ غَيْرِهِ) وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: فَلْيَكُنْ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فِي نَصِيبِهِ وَنَائِبًا عَنْ غَيْرِهِ فِيمَا زَادَ وَلَا مَحْظُورَ فِيهِ. وَجَوَابُهُ أَنَّ السَّائِلَ قَالَ: لَكِنْ لَا يَدْفَعُ إلَيْهِ سِوَى نَصِيبِهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَقْبَلُ التَّشْكِيكَ، وَقَوْلُهُ: (وَصَارَ كَمَا إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِدَيْنِ الْمَيِّتِ) أَيْ بِدَيْنٍ لِلْمَيِّتِ أَوْ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ وَوَاحِدٌ مِنْ الْوَرَثَةِ يَصْلُحُ خَلِيفَةً عَنْهُ وَتَقْرِيرُهُ مَا مَرَّ وَقَوْلُهُ: (إلَّا أَنَّهُ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا إلَى قَوْلِهِ لَهُ وَعَلَيْهِ: يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَحَدٌ عَلَى أَحَدِ الْوَرَثَةِ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ يَكُونُ خَصْمًا عَنْ جَمِيعِ الدَّيْنِ إنْ كَانَ جَمِيعُ التِّرْكَةِ بِيَدِهِ، ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ وَإِلَّا كَانَ خَصْمًا عَمَّا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ خَصْمًا بِدُونِ الْيَدِ فَيَقْتَصِرُ الْقَضَاءُ عَلَى مَا فِي يَدِهِ.

قَالَ (وَمَنْ قَالَ مَالِي فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ فَهُوَ عَلَى مَا فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَلْزَمَهُ التَّصَدُّقُ بِالْكُلِّ، وَبِهِ قَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِعُمُومِ اسْمِ الْمَالِ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَمَنْ قَالَ مَالِي فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ إلَخْ) رَجُلٌ قَالَ مَالِي فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَا يَمْلِكُهُ مِنْ أَجْنَاسِ الْأَمْوَالِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ كَالنَّقْدَيْنِ وَالسَّوَائِمِ وَأَمْوَالِ التِّجَارَةِ بَلَغَ النِّصَابَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ جِنْسُ مَالِ الزَّكَاةِ وَالْقَلِيلُ مِنْهُ، وَلِهَذَا قَالُوا إذَا نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ لَزِمَهُ التَّصَدُّقُ بِهِ، فَإِنْ قَضَى بِهِ دَيْنَهُ لَزِمَهُ التَّصَدُّقُ بِقَدْرِهِ عِنْدَ تَمَلُّكِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ جِنْسُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ وَلَا يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِالْأَمْوَالِ الَّتِي لَا تَجِبُ فِي جِنْسِهَا الزَّكَاةُ كَالْعَقَارِ وَالرَّقِيقِ وَأَثَاثِ الْمَنَازِلِ وَثِيَابِ الْبِذْلَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (وَإِنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَالْقِيَاسُ) فِي الْأَوَّلِ أَيْضًا (أَنْ يَقَعَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ كَمَا قَالَ بِهِ زُفَرُ) ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْمَالِ عَامٌّ

وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَنْصَرِفُ إيجَابُهُ إلَى مَا أَوْجَبَ الشَّارِعُ فِيهِ الصَّدَقَةَ مِنْ الْمَالِ. أَمَّا الْوَصِيَّةُ فَأُخْتُ الْمِيرَاثِ لِأَنَّهَا خِلَافَةٌ كَهِيَ فَلَا يَخْتَصُّ بِمَالٍ دُونَ مَالٍ، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ الْتِزَامُ الصَّدَقَةِ مِنْ فَاضِلِ مَالِهِ وَهُوَ مَالُ الزَّكَاةِ، أَمَّا الْوَصِيَّةُ تَقَعُ فِي حَالِ الِاسْتِغْنَاءِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْكُلِّ وَتَدْخُلُ فِيهِ الْأَرْضُ الْعُشْرِيَّةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهَا سَبَبُ الصَّدَقَةِ، إذْ جِهَةُ الصَّدَقَةِ فِي الْعُشْرِيَّةِ رَاجِحَةٌ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَدْخُلُ لِأَنَّهَا سَبَبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ. (وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ) إذْ لَيْسَ لِلْعَبْدِ وِلَايَةُ الْإِيجَابِ مُسْتَبِدًّا بِهِ لِئَلَّا يَنْزِعَ إلَى الشَّرِكَةِ وَإِيجَابِ الشَّرْعِ فِي الْمَالِ مِنْ الصَّدَقَاتِ مُضَافٌ إلَى أَمْوَالٍ خَاصَّةٍ، فَكَذَا إيجَابُ الْعَبْدِ، وَلَا يَرِدُ الِاعْتِكَافُ حَيْثُ لَمْ يُوجَبْ فِي الشَّرْعِ مِنْ جِنْسِهِ شَيْءٌ، وَهُوَ مُعْتَبَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَبِثَ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ عِبَادَةً وَهُوَ مِنْ جِنْسِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ، أَوْ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لِانْتِظَارِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ، وَلِهَذَا اُخْتُصَّ بِمَسْجِدِ جَمَاعَةٍ، وَالْمُنْتَظِرُ لِلصَّلَاةِ كَأَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ (أَمَّا الْوَصِيَّةُ فَهِيَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهَا خِلَافَةٌ كَالْوِرَاثَةِ) مِنْ حَيْثُ إنَّهُمَا يُثْبِتَانِ الْمِلْكَ بَعْدَ الْمَوْتِ (وَلَا يَخْتَصُّ الْمِيرَاثُ بِمَالٍ دُونَ مَالٍ) فِي الشَّرْعِ فَكَذَا الْوَصِيَّةُ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ) دَلِيلٌ آخَرُ: يَعْنِي أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ النَّاذِرِ (الْتِزَامُ الصَّدَقَةِ مِنْ فَاضِلِ مَالِهِ وَهُوَ مَالُ الزَّكَاةِ) ؛ لِأَنَّ الْحَيَاةَ مَظِنَّةُ الْحَاجَةِ إلَى مَا تَقُومُ بِهِ حَوَائِجُهُ الْأَصْلِيَّةُ فَيَخْتَصُّ النَّذْرُ بِمَالِ الزَّكَاةِ. (أَمَّا الْوَصِيَّةُ فَإِنَّهَا تَقَعُ فِي حَالِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الْأَمْوَالِ فَتَنْصَرِفُ إلَى الْكُلِّ، وَالْأَرْضُ الْعُشْرِيَّةُ تَدْخُلُ فِي النَّذْرِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهَا سَبَبُ الصَّدَقَةِ إذْ جِهَةُ الصَّدَقَةِ عِنْدَهُ رَاجِحَةٌ) فِي الْعُشْرِ فَصَارَتْ الْأَرْضُ الْعُشْرِيَّةُ كَأَمْوَالِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ الْأَمْوَالِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الصَّدَقَةُ (وَلَا تَدْخُلُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَذَكَرَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ (؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْأَرْضَ الْعُشْرِيَّةَ وَالتَّذْكِيرُ لِتَذْكِيرِ الْخَبَرِ (سَبَبُ الْمُؤْنَةِ إذْ جِهَةُ الْمُؤْنَةِ رَاجِحَةٌ عِنْدَهُ) فَصَارَتْ مِثْلَ عَبْدِ الْخِدْمَةِ (وَأَمَّا الْأَرْضُ الْخَرَاجِيَّةُ

الْمُؤْنَةِ، إذْ جِهَةُ الْمُؤْنَةِ رَاجِحَةٌ عِنْدَهُ، وَلَا تَدْخُلُ أَرْضُ الْخَرَاجِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ يَتَمَحَّضُ مُؤْنَةً. وَلَوْ قَالَ مَا أَمْلِكُهُ صَدَقَةٌ فِي الْمَسَاكِينِ فَقَدْ قِيلَ يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَالٍ لِأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ لَفْظِ الْمَالِ. وَالْمُقَيَّدُ إيجَابُ الشَّرْعِ وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِلَفْظِ الْمَالِ فَلَا مُخَصِّصَ فِي لَفْظِ الْمِلْكِ فَبَقِيَ عَلَى الْعُمُومِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ لِأَنَّ الْمُلْتَزِمَ بِاللَّفْظَيْنِ الْفَاضِلُ عَنْ الْحَاجَةِ عَلَى مَا مَرَّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا تَدْخُلُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَحَّضُ مُؤْنَةً) ؛ لِأَنَّ مَصْرِفَهُ الْمُقَاتِلَةُ وَفِيهِمْ الْأَغْنِيَاءُ (وَلَوْ قَالَ مَا أَمْلِكُ صَدَقَةً فِي الْمَسَاكِينِ فَقَدْ قِيلَ يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَالٍ) زَكَوِيًّا أَوْ غَيْرَهُ وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، ذَكَرَهَا فِي الْأَمَالِي؛ لِأَنَّ مَا أَمْلِكُ أَعَمُّ مِنْ مَالِي؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يُطْلَقُ عَلَى الْمَالِ وَغَيْرِهِ، يُقَالُ مِلْكُ النِّكَاحِ وَمِلْكُ الْقِصَاصِ وَمِلْكُ النَّفَقَةِ، وَالْمَالُ لَا يُطْلَقُ عَلَى مَا لَيْسَ بِمَالٍ، وَإِذَا كَانَ أَعَمَّ يَنْصَرِفُ إلَى غَيْرِ أَمْوَالِ الزَّكَاةِ أَيْضًا إظْهَارًا لِزِيَادَةِ عُمُومِهِ. فَإِنْ قِيلَ: الصَّدَقَةُ بِالْأَمْوَالِ مُقَيَّدَةٌ فِي الشَّرْعِ بِأَمْوَالِ الزَّكَاةِ فَزِيَادَةُ التَّعْمِيمِ خُرُوجٌ عَنْ الِاعْتِبَارِ الْوَاجِبِ الرِّعَايَةِ. أَجَابَ (بِأَنَّ الْمُقَيَّدَ إيجَابُ الشَّرْعِ وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِلَفْظَةِ الْمَالِ وَلَا مُخَصِّصَ فِي لَفْظَةِ الْمِلْكِ فَيَبْقَى عَلَى الْعُمُومِ) وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ إيجَابُ الْعَبْدِ مُعْتَبَرًا بِإِيجَابِ الشَّرْعِ (وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا) أَيْ لَفْظَ مَالِي وَمَا أَمْلِكُ (سَوَاءٌ) فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَيَخْتَصَّانِ بِالْأَمْوَالِ الزَّكَوِيَّةِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْإِمَامِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ (؛ لِأَنَّ الْمُلْتَزِمَ بِاللَّفْظَيْنِ الْفَاضِلَ عَنْ الْحَاجَةِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: إنَّ قَوْلَهُ (عَلَى مَا مَرَّ) إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرَ مِنْ وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ بِقَوْلِهِ إنَّ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى

(ثُمَّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَى مَا دَخَلَ تَحْتَ الْإِيجَابِ يُمْسِكُ مِنْ ذَلِكَ قُوتَهُ، ثُمَّ إذَا أَصَابَ شَيْئًا تَصَدَّقَ بِمِثْلِ مَا أَمْسَكَ) لِأَنَّ حَاجَتَهُ هَذِهِ مُقَدَّمَةٌ وَلَمْ يُقَدِّرْ مُحَمَّدٌ بِشَيْءٍ لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِيهِ. وَقِيلَ الْمُحْتَرِفُ يُمْسِكُ قُوتَهُ لِيَوْمٍ وَصَاحِبُ الْغَلَّةِ لِشَهْرٍ وَصَاحِبُ الضِّيَاعِ لِسَنَةٍ عَلَى حَسَبِ التَّفَاوُتِ فِي مُدَّةِ وُصُولِهِمْ إلَى الْمَالِ، وَعَلَى هَذَا صَاحِبُ التِّجَارَةِ يُمْسِكُ بِقَدْرِ مَا يَرْجِعُ إلَيْهِ مَالُهُ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى إلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْوَصِيَّةَ حَتَّى بَاعَ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ) فَهُوَ وَصِيٌّ وَالْبَيْعُ جَائِزٌ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْوَكِيلِ حَتَّى يَعْلَمَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَيْضًا لِأَنَّ الْوِصَايَةَ إنَابَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَتُعْتَبَرُ بِالْإِنَابَةِ قَبْلَهُ وَهِيَ الْوَكَالَةُ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ الْوِصَايَةَ خِلَافَةٌ لِإِضَافَتِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَيْسَ بِوَاضِحٍ؛ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ ذَلِكَ الْوَجْهَ بِقَوْلِهِ وَالْمُقَيَّدُ إيجَابُ الشَّرْعِ وَهُوَ لَفْظُ الْمَالِ، وَلَعَلَّهُ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ الْتِزَامُ الصَّدَقَةِ مِنْ فَاضِلِ مَالِهِ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ فَارْجِعْ إلَيْهِ (ثُمَّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَى مَا دَخَلَ تَحْتَ الْإِيجَابِ يُمْسِكُ مِنْ ذَلِكَ قُوتَهُ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ هَذِهِ مُقَدَّمَةٌ) إذْ لَوْ لَمْ يُمْسِكْ لَاحْتَاجَ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ مِنْ يَوْمِهِ وَقَبِيحٌ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ وَيَسْأَلَ النَّاسَ مِنْ يَوْمِهِ (ثُمَّ إذَا أَصَابَ شَيْئًا تَصَدَّقَ بِمَا أَمْسَكَ وَلَمْ يُبَيِّنْ مُحَمَّدٌ) فِي الْمَبْسُوطِ (مِقْدَارَ مَا يُمْسِكُ لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِيهِ) بِكَثْرَةِ الْعِيَالِ وَقِلَّتِهَا (وَقِيلَ الْمُحْتَرِفُ يُمْسِكُ قُوتَ يَوْمِهِ) ؛ لِأَنَّ يَدَهُ تَصِلُ إلَى مَا يُنْفِقُ يَوْمًا فَيَوْمًا (وَصَاحِبُ الْغَلَّةِ) وَهُوَ صَاحِبُ الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ وَالْبُيُوتِ الَّتِي يُؤَجِّرُهَا الْإِنْسَانُ (لِشَهْرٍ) لِأَنَّ يَدَهُ تَصِلُ إلَى مَا يُنْفِقُ شَهْرًا فَشَهْرًا (صَاحِبُ الضَّيَاعِ لِسَنَةٍ) ؛ لِأَنَّ يَدَ الدِّهْقَانِ تَصِلُ إلَى مَا يُنْفِقُ سَنَةً فَسَنَةً (وَصَاحِبُ التِّجَارَةِ يُمْسِكُ بِقَدْرِ مَا يَرْجِعُ إلَيْهِ مَالُهُ) وَفِي إيرَادِ مَسْأَلَةِ النَّذْرِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ فَصْلِ الْقَضَاءِ فِي الْمَوَارِيثِ نَظَرٌ، وَلَعَلَّهُ ذَكَرَهَا بِاعْتِبَارِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْوَصِيَّةِ الَّتِي هِيَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى إلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ إلَخْ) وَجْهُ إيرَادِ مَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ فِي الْمَوَارِيثِ مَا ذَكَرْنَا آنِفًا. وَمَنْ أَوْصَى إلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْوِصَايَةِ حَتَّى بَاعَ شَيْئًا مِنْ

إلَى زَمَانِ بُطْلَانِ الْإِنَابَةِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ كَمَا فِي تَصَرُّفِ الْوَارِثِ. أَمَّا الْوَكَالَةُ فَإِنَابَةٌ لِقِيَامِ وِلَايَةِ الْمَنُوبِ عَنْهُ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ تَوَقَّفَ لَا يَفُوتُ النَّظَرُ لِقُدْرَةِ الْمُوَكِّلِ، وَفِي الْأَوَّلِ يَفُوتُ لِعَجْزِ الْمُوصِي (وَمَنْ أَعْلَمَهُ مِنْ النَّاسِ بِالْوَكَالَةِ يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ) لِأَنَّهُ إثْبَاتُ حَقٍّ لَا إلْزَامُ أَمْرٍ. قُلْ (وَلَا يَكُونُ النَّهْيُ عَنْ الْوَكَالَةِ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ أَوْ رَجُلٌ عَدْلٌ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: هُوَ وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ وَبِالْوَاحِدِ فِيهَا كِفَايَةٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّرِكَةِ فَهُوَ وَصِيٌّ وَبَيْعُهُ جَائِزٌ، وَإِذَا وُكِّلَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْوَكَالَةِ حَتَّى بَاعَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اعْتَبَرَ الْأَوَّلَ بِالثَّانِي؛ لِأَنَّ وَصْفَ الْإِنَابَةِ: أَيْ النِّيَابَةِ جَامِعٌ، فَإِنَّ الْوِصَايَةَ إنَابَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْوَكَالَةَ إنَابَةٌ قَبْلَهُ، وَكَمَا لَمْ يَجُزْ تَصَرُّفُ الْوَكِيلِ قَبْلَ الْعِلْمِ لَمْ يَجُزْ تَصَرُّفُ الْوَصِيِّ قَبْلَهُ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْوِصَايَةَ خِلَافَةٌ لَا نِيَابَةٌ؛ لِأَنَّهَا مُضَافَةٌ إلَى زَمَانِ بُطْلَانِ النِّيَابَةِ، وَالْخِلَافَةُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ فِي التَّصَرُّفِ كَمَا إذَا تَصَرَّفَ الْوَارِثُ بِالْبَيْعِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِ الْمُورَثِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ، بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ فَإِنَّهَا إنَابَةٌ لِقِيَامِ وِلَايَةِ الْمُسْتَنِيبِ، وَالْإِنَابَةُ تَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ تَوَقَّفَتْ عَلَيْهِ لَمْ يَفُتْ النَّظَرُ لِقُدْرَةِ الْمُوَكِّلِ، وَفِي الْأَوَّلِ لَوْ تَوَقَّفَتْ عَلَى عِلْمِهِ فَاتَ لِعَجْزِ الْمُوصِي. فَإِنْ قِيلَ: إذَا قَالَ لِرَجُلٍ اشْتَرِ عَبْدِي مِنْ فُلَانٍ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَذَا الْقَوْلِ فُلَانٌ وَبَاعَ عَبْدَهُ صَحَّ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى عِلْمِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى رِوَايَةِ الْجَوَازِ أَنَّهُ ثَبَتَ ضِمْنًا، وَالْكَلَامُ فِي الْوَكَالَةِ يَثْبُتُ قَصْدًا، وَهَذَا كَمَا إذَا قَالَ بَايِعُوا عَبْدِي وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْعَبْدُ فَإِنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ فِي إحْدَاهُمَا صَحَّ تَصَرُّفُهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْإِذْنِ لِثُبُوتِهِ ضِمْنًا، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ عِلْمَ الْوَكِيلِ

وَلَهُ أَنَّهُ خَبَرٌ مُلْزِمٌ فَيَكُونُ شَهَادَةً مِنْ وَجْهٍ فَيُشْتَرَطُ أَحَدُ شَطْرَيْهَا وَهُوَ الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، وَبِخِلَافِ رَسُولِ الْمُوَكِّلِ لِأَنَّ عِبَارَتَهُ كَعِبَارَةِ الْمُرْسِلِ لِلْحَاجَةِ إلَى الْإِرْسَالِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أُخْبِرَ الْمَوْلَى بِجِنَايَةِ عَبْدِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْوَكَالَةِ شَرْطُ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ فَلَا بُدَّ مِنْ إعْلَامٍ، فَمَنْ أَعْلَمَهُ مِنْ النَّاسِ بِذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ بَالِغًا مُسْلِمًا عَدْلًا أَوْ عَلَى أَضْدَادِ ذَلِكَ بَعْدَمَا كَانَ مُمَيِّزًا جَازَ تَصَرُّفُهُ؛ لِأَنَّهُ إثْبَاتُ حَقٍّ لَا إلْزَامُ أَمْرٍ: أَيْ إطْلَاقٌ مَحْضٌ لَا يَشْتَمِلُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْإِلْزَامِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَوْلُ الْوَاحِدِ فِيهِ كَافٍ. وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ الْوَكَالَةِ فَلَا يَثْبُتُ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ أَوْ رَجُلٌ عَدْلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: هُوَ وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ؛؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْمُعَامَلَاتِ، وَجِنْسُهَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْفَاسِقِ كَالْوَكَالَةِ وَإِذْنِ الْعَبْدِ فِي التِّجَارَةِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ خَبَرٌ مُلْزِمٌ، أَمَّا أَنَّهُ خَبَرٌ فَلِأَنَّهُ كَلَامٌ يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ يَحْصُلُ بِهِ الْإِعْلَامُ، وَأَمَّا أَنَّهُ مُلْزِمٌ فَلِأَنَّهُ يَنْفِي جَوَازَ التَّصَرُّفِ بَعْدَهُ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مَعْنَى الشَّهَادَةِ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ بِالنَّظَرِ إلَى كَوْنِهِ خَبَرًا كَالْخَبَرِ بِالتَّوْكِيلِ وَالْإِذْنِ وَغَيْرِهِمَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهَا، وَبِالنَّظَرِ إلَى مَا فِيهِ مِنْ نَوْعِ إلْزَامٍ كَانَ فِي مَعْنَاهَا فَيُشْتَرَطُ أَحَدُ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ وَهُوَ الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ عَمَلًا بِالْوَجْهَيْنِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلْزَامٌ أَصْلًا لَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَاهَا أَصْلًا فَلَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَبِخِلَافِ رَسُولِ الْمُوَكِّلِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَيْضًا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عِبَارَتَهُ كَعِبَارَةِ الْمُرْسِلِ لِلْحَاجَةِ إلَى الْإِرْسَالِ، إذْ رُبَّمَا لَا يَتَّفِقُ لِكُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ وَقْتٍ بَالِغٌ عَدْلٌ يُرْسِلُهُ إلَى وَكِيلِهِ (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ) يَعْنِي الَّذِي ذَكَرَهُ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ فِي اشْتِرَاطِ أَحَدِ شَطْرَيْهَا فِيمَا فِيهِ إلْزَامٌ الْمَسَائِلُ الْمَذْكُورَةُ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ إنَّهَا سِتُّ مَسَائِلَ ثَلَاثٌ مِنْهَا ذَكَرَهَا مُحَمَّدٌ فِي الْمَبْسُوطِ وَاثْنَتَانِ ذَكَرَهُمَا فِي النَّوَادِرِ، وَالسَّادِسَةُ قَاسَهَا الْمَشَايِخُ عَلَيْهَا، وَالْمُصَنِّفُ تَرَكَ مِنْهَا مَسْأَلَةً. أَمَّا الْأُولَى فَهِيَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنْ عَزْلِ الْوَكِيلِ. وَالثَّانِيَةُ عَلَى تَرْتِيبِ الْمَبْسُوطِ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ إذَا أَخْبَرَهُ وَاحِدٌ بِالْحَجْرِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ وَهُوَ عَدْلٌ أَوْ اثْنَانِ ثَبَتَ الْحَجْرُ صُدِّقَ الْعَبْدُ أَوْ كُذِّبَ، وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا وَكَذَّبَهُ ثَبَتَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ وَقَيَّدَ بِتِلْقَاءِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّسُولِ

وَالشَّفِيعُ وَالْبِكْرُ وَالْمُسْلِمُ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا. قَالَ (وَإِذَا بَاعَ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ عَبْدًا لِلْغُرَمَاءِ وَأَخَذَ الْمَالَ فَضَاعَ وَاسْتُحِقَّ الْعَبْدُ لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّ أَمِينَ الْقَاضِي قَائِمٌ مَقَامَ الْقَاضِي وَالْقَاضِي مَقَامَ الْإِمَامِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا يَلْحَقُهُ ضَمَانٌ كَيْ لَا يَتَقَاعَدُ عَنْ قَبُولِ هَذِهِ الْأَمَانَةِ فَيُضَيِّعُ الْحُقُوقَ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْغُرَمَاءِ، لِأَنَّ الْبَيْعَ وَاقِعٌ لَهُمْ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِمْ عِنْدَ تَعَذُّرِ الرُّجُوعِ عَلَى الْعَاقِدِ، كَمَا إذَا كَانَ الْعَاقِدُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَلِهَذَا يُبَاعُ بِطَلَبِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQحُكْمُ مُرْسِلِهِ كَمَا مَرَّ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَمْ يَذْكُرْهَا الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا. وَالثَّالِثَةُ الْعَبْدُ الْجَانِي إذَا أَخْبَرَ الْمَوْلَى بِجِنَايَتِهِ اثْنَانِ أَوْ وَاحِدٌ عَدْلٌ فَتَصَرَّفَ فِيهِ بَعْدَهُ بِعِتْقٍ أَوْ بَيْعٍ كَانَ اخْتِيَارًا مِنْهُ لِلْفِدَاءِ، وَإِنْ أَخْبَرَهُ فَاسِقٌ وَصَدَّقَهُ فَكَذَلِكَ، وَإِلَّا فَعَلَى الِاخْتِلَافِ عِنْدَهُ لَا يَكُونُ اخْتِيَارًا خِلَافًا لَهُمَا. وَأُولَى النَّوَادِرِ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ إذَا أَخْبَرَهُ اثْنَانِ أَوْ عَدْلٌ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْفَرَائِضِ لَزِمَتْهُ وَبِتَرْكِهَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَإِنْ أَخْبَرَهُ فَاسِقٌ وَكَذَّبَهُ فَعَلَى الِاخْتِلَافِ، وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ جَعَلَهُ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَلْزَمَهُ. وَثَانِيهَا الشَّفِيعُ إذَا أَخْبَرَهُ اثْنَانِ أَوْ عَدْلٌ بِالْبَيْعِ فَسَكَتَ سَقَطَتْ، وَإِنْ أَخْبَرَهُ فَاسِقٌ بِهِ وَكَذَّبَهُ فَعَلَى الِاخْتِلَافِ. وَالسَّادِسَةُ إذَا بَلَغَ الْبِكْرَ تَزْوِيجُ الْوَلِيِّ فَسَكَتَتْ فَإِنْ أَخْبَرَهَا اثْنَانِ أَوْ عَدْلٌ كَانَ رِضًا بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ أَخْبَرَهَا فَاسِقٌ فَعَلَى الِاخْتِلَافِ. قَالَ (وَإِذَا بَاعَ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ عَبْدًا لِلْغُرَمَاءِ) إذَا بَاعَ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ عَبْدًا لِلْمَيِّتِ لِأَجْلِ أَصْحَابِ الدُّيُونِ (وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَضَاعَ الثَّمَنُ وَاسْتُحِقَّ الْعَبْدُ لَمْ يَضْمَنْ) الْعَاقِدُ وَهُوَ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ (؛ لِأَنَّ أَمِينَ الْقَاضِي قَائِمٌ مَقَامَ الْقَاضِي وَالْقَاضِي قَائِمٌ مَقَامَ الْإِمَامِ، وَالْإِمَامُ لَا يَضْمَنُ كَيْ لَا يَتَقَاعَدَ عَنْ قَبُولِ هَذِهِ الْأَمَانَةِ فَتَضِيعَ الْحُقُوقُ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَاقِعٌ لَهُمْ وَلِهَذَا يُبَاعُ بِطَلَبِهِمْ) وَمَنْ وَقَعَ لَهُ الْبَيْعُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي إذَا تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ عَلَى الْعَاقِدِ (كَمَا إذَا كَانَ الْعَاقِدُ) صَبِيًّا مَحْجُورًا أَوْ عَبْدًا (مَحْجُورًا عَلَيْهِ) وَهَاهُنَا قَدْ تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ عَلَى الْعَاقِدِ لِمَا ذَكَرْنَا فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْغُرَمَاءِ. (فَإِنْ

[فصل القاضي إذا قال قد قضيت على هذا بالرجم فارجمه]

(وَإِنْ أَمَرَ الْقَاضِي الْوَصِيَّ بِبَيْعِهِ لِلْغُرَمَاءِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ أَوْ مَاتَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَضَاعَ الْمَالُ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْوَصِيِّ) لِأَنَّهُ عَاقِدٌ نِيَابَةً عَنْ الْمَيِّتِ وَإِنْ كَانَ بِإِقَامَةِ الْقَاضِي عَنْهُ فَصَارَ كَمَا إذَا بَاعَهُ بِنَفْسِهِ. قَالَ (وَرَجَعَ الْوَصِيُّ عَلَى الْغُرَمَاءِ) لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُمْ، وَإِنْ ظَهَرَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ يَرْجِعُ الْغَرِيمُ فِيهِ بِدَيْنِهِ. قَالُوا: وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يَرْجِعُ بِالْمِائَةِ الَّتِي غَرِمَهَا أَيْضًا لِأَنَّهُ لَحِقَهُ فِي أَمْرِ الْمَيِّتِ، وَالْوَارِثُ إذَا بِيعَ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَرِيمِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ كَانَ الْعَاقِدُ عَامِلًا لَهُ. فَصْلٌ آخَرُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمَرَ الْقَاضِي الْوَصِيَّ بِبَيْعِ الْعَبْدِ لِلْغُرَمَاءِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ أَوْ مَاتَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَضَاعَ الثَّمَنُ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْوَصِيِّ لِأَنَّهُ عَاقِدٌ نِيَابَةً) فَإِنْ أَوْصَى إلَيْهِ الْمَيِّتُ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ أَقَامَهُ الْقَاضِي فَكَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا أَقَامَهُ نَائِبًا عَنْ الْمَيِّتِ لَا عَنْ نَفْسِهِ، وَعَقْدُ النَّائِبِ كَعَقْدِ الْمَنُوبِ عَنْهُ (فَصَارَ كَمَا إذَا بَاعَهُ) الْمَيِّتُ (بِنَفْسِهِ) فِي حَيَاتِهِ وَفِي ذَلِكَ كَانَ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ فَهَا هُنَا يَرْجِعُ عَلَى مَنْ قَامَ مَقَامَهُ (ثُمَّ يَرْجِعُ الْوَصِيُّ عَلَى الْغُرَمَاءِ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُمْ وَإِنْ ظَهَرَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ يَرْجِعُ الْغَرِيمُ فِيهِ بِدَيْنِهِ) أَيْ يَأْخُذُ دَيْنَهُ مِنْ ذَلِكَ وَهَلْ يَرْجِعُ بِمَا غَرِمَ لِلْوَصِيِّ فِي ذَلِكَ الْمَالِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ (قَالُوا: يَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ بِذَلِكَ أَيْضًا لِأَنَّ هَذَا الضَّمَانَ لَحِقَهُ فِي أَمْرِ الْمَيِّتِ) وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا ضَمِنَ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ لَهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى غَيْرِهِ وَالْوَارِثُ إذَا بِيعَ لَهُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْغَرِيمِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ كَانَ الْعَاقِدُ عَامِلًا لَهُ) . [فَصْلٌ الْقَاضِي إذَا قَالَ قَدْ قَضَيْت عَلَى هَذَا بِالرَّجْمِ فَارْجُمْهُ] (فَصْلٌ آخَرُ)

(وَإِذَا قَالَ الْقَاضِي قَدْ قَضَيْت عَلَى هَذَا بِالرَّجْمِ فَارْجُمْهُ أَوْ بِالْقَطْعِ فَاقْطَعْهُ أَوْ بِالضَّرْبِ فَاضْرِبْهُ وَسِعَك أَنْ تَفْعَلَ) وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ هَذَا وَقَالَ: لَا تَأْخُذْ بِقَوْلِهِ حَتَّى تُعَايِنَ الْحُجَّةَ، لِأَنَّ قَوْلَهُ يَحْتَمِلُ الْغَلَطَ وَالْخَطَأَ وَالتَّدَارُكُ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا يُقْبَلُ كِتَابُهُ. وَاسْتَحْسَنَ الْمَشَايِخُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ لِفَسَادِ حَالِ أَكْثَرِ الْقُضَاةِ فِي زَمَانِنَا إلَّا فِي كِتَابِ الْقَاضِي لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ. وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ أُخْبِرَ عَنْ أَمْرٍ يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فَيُقْبَلُ لِخُلُوِّهِ عَنْ التُّهْمَةِ، وَلِأَنَّ طَاعَةَ أُولِي الْأَمْرِ وَاجِبَةٌ، وَفِي تَصْدِيقِهِ طَاعَةٌ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ كَانَ عَدْلًا عَالِمًا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِانْعِدَامِ تُهْمَةِ الْخَطَإِ وَالْخِيَانَةِ، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا جَاهِلًا يُسْتَفْسَرُ، فَإِنْ أَحْسَنَ التَّفْسِيرَ وَجَبَ تَصْدِيقُهُ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَاسِقًا أَوْ عَالِمًا فَاسِقًا لَا يُقْبَلُ إلَّا أَنْ يُعَايِنَ سَبَبَ الْحُكْمِ لِتُهْمَةِ الْخَطَإِ وَالْخِيَانَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQجَمَعَ فِي هَذَا الْفَصْلِ مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةً يَجْمَعُهُمَا أَصْلٌ وَاحِدٌ يَتَعَلَّقُ بِكِتَابِ الْقَضَاءِ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي بِانْفِرَادِهِ قَبْلَ الْعَزْلِ وَبَعْدَهُ مَقْبُولٌ أَوَّلًا. قَالَ (وَإِذَا قَالَ الْقَاضِي قَدْ قَضَيْت إلَخْ) إذَا قَالَ الْقَاضِي قَدْ قَضَيْت عَلَى هَذَا بِالرَّجْمِ فَارْجُمْهُ أَوْ بِالْقَطْعِ فَاقْطَعْهُ أَوْ بِالضَّرْبِ فَاضْرِبْهُ وَسِعَك أَنْ تَفْعَلَ ذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ هَذَا وَقَالَ: لَا تَأْخُذْ بِقَوْلِهِ مَا لَمْ تَكُنْ الشَّهَادَةُ بِحَضْرَتِك، وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ يَحْتَمِلُ الْغَلَطَ وَالتَّدَارُكُ غَيْرُ مُمْكِنٍ. وَاسْتَحْسَنَ الْمَشَايِخُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ لِفَسَادِ حَالِ قُضَاةِ زَمَانِنَا، وَهِيَ تَقْتَضِي أَنْ لَا يُقْبَلَ كِتَابُهُ

[قول القاضي بانفراده قبل العزل وبعده]

[قَوْلَ الْقَاضِي بِانْفِرَادِهِ قَبْلَ الْعَزْلِ وَبَعْدَهُ] قَالَ (وَإِذَا عُزِلَ الْقَاضِي فَقَالَ لِرَجُلٍ أَخَذْتُ مِنْك أَلْفًا وَدَفَعْتهَا إلَى فُلَانٍ قَضَيْتُ بِمَا عَلَيْك فَقَالَ الرَّجُلُ أَخَذْتَهَا ظُلْمًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاضِي، وَكَذَا لَوْ قَالَ قَضَيْت بِقَطْعِ يَدِك فِي حَقٍّ، هَذَا إذَا كَانَ الَّذِي قُطِعَتْ يَدُهُ وَاَلَّذِي أُخِذَ مِنْهُ الْمَالُ مُقِرَّيْنِ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ وَهُوَ قَاضٍ) وَوَجْهُهُ أَنَّهُمَا لَمَّا تَوَافَقَا أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ فِي قَضَائِهِ كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْضًا، إلَّا أَنَّهُمْ تَرَكُوهَا فِيهِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ. وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْقَاضِيَ أَخْبَرَ عَمَّا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ؛ لِأَنَّ الْمُتَوَلِّيَ يَتَمَكَّنُ مِنْ إنْشَاءِ الْقَضَاءِ، وَمَنْ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْإِنْشَاءِ عَمَّا أَخْبَرَ بِهِ لَمْ يُتَّهَمْ فِي خَبَرِهِ، وَفِيهِ بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ ذَلِكَ بِحُجَّةٍ أَوْ بِدُونِهَا. وَالثَّانِي مَمْنُوعٌ، وَالْأَوَّلُ يَجُرُّ إلَى غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ مُعَايَنَةِ الْحُجَّةِ، وَلِأَنَّ الْقَاضِيَ مِنْ أُولِي الْأَمْرِ وَطَاعَةُ أُولِي الْأَمْرِ وَاجِبَةٌ وَفِي تَصْدِيقِهِ طَاعَتُهُ فَيَجِبُ تَصْدِيقُهُ، وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الِاعْتِمَادِ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِفْسَارٍ، وَقَالُوا بِهِ إذَا كَانَ الْقَاضِي عَدْلًا فَقِيهًا، وَعَلَى هَذَا تَتَأَتَّى الْأَقْسَامُ الْعَقْلِيَّةُ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ، فَإِنْ كَانَ عَدْلًا عَالِمًا يُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لِعَدَمِ تُهْمَةِ الْخَطَإِ لِعِلْمِهِ وَالْخِيَانَةِ لِعَدَالَتِهِ، وَهَذَا الْقِسْمُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِفْسَارِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا جَاهِلًا يَسْتَفْسِرُ عَنْ قَضَائِهِ لِبَقَاءِ تُهْمَةِ الْخَطَأِ، فَإِنْ أَحْسَنَ تَفْسِيرَ الْقَضَاءِ بِأَنْ فَسَّرَ عَلَى وَجْهٍ اقْتَضَاهُ الشَّرْعُ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ مَثَلًا اسْتَفْسَرْت الْمُقِرَّ بِالزِّنَا كَمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِيهِ وَحَكَمْت عَلَيْهِ بِالرَّجْمِ وَثَبَتَ عِنْدِي بِالْحُجَّةِ أَنَّهُ أَخَذَ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ، وَأَنَّهُ قَتَلَ عَمْدًا بِلَا شُبْهَةٍ وَجَبَ تَصْدِيقُهُ وَقَبُولُ قَوْلِهِ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَظُنُّ بِسَبَبِ جَهْلِهِ غَيْرَ الدَّلِيلِ دَلِيلًا أَوْ الشُّبْهَةَ غَيْرَ دَارِئَةٍ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَاسِقًا أَوْ عَالِمًا فَاسِقًا لَا يُقْبَلُ إلَّا أَنْ يُعَايِنَ سَبَبَ الْحُكْمِ لِتُهْمَةِ الْخَطَإِ فِي الْجَهْلِ وَالْخِيَانَةِ فِي الْفِسْقِ. قَالَ (وَإِذَا عُزِلَ الْقَاضِي فَقَالَ لِرَجُلٍ إلَخْ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ مَا يُخْبِرُ بِهِ الْقَاضِي مِنْ قَضَائِهِ فِي زَمَنِ وِلَايَتِهِ شَرَعَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ بَعْدَ عَزْلِهِ، فَإِذَا أَخْبَرَ الْقَاضِي الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعَزْلِ بِمَا قَضَى وَأَسْنَدَ إلَى حَالِ وِلَايَتِهِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ فِيمَا قَالَ فَلَا كَلَامَ فِيهِ أَوْ يُكَذِّبَهُ فِي حَقِيقَتِهِ

إذْ الْقَاضِي لَا يَقْضِي بِالْجَوْرِ ظَاهِرًا (وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِعْلُهُ فِي قَضَائِهِ بِالتَّصَادُقِ وَلَا يَمِينَ عَلَى الْقَاضِي. (وَلَوْ أَقَرَّ الْقَاطِعُ وَالْآخِذُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاضِي لَا يَضْمَنُ أَيْضًا) لِأَنَّهُ فَعَلَهُ فِي حَالِ الْقَضَاءِ وَدَفْعُ الْقَاضِي صَحِيحٌ كَمَا إذَا كَانَ مُعَايِنًا (وَلَوْ زَعَمَ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ أَوْ الْمَأْخُوذُ مَالُهُ أَنَّهُ فَعَلَ قَبْلَ التَّقْلِيدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيُصَدِّقَهُ فِي كَوْنِهِ فِي زَمَنِ الْوِلَايَةِ أَوْ يُكَذِّبَهُ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَالْقَوْلُ لِلْقَاضِي بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَكَذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ. فَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ لِرَجُلٍ أَخَذْت مِنْك أَلْفًا وَدَفَعْتهَا إلَى فُلَانٍ قَضَيْت بِهَا عَلَيْك وَقَالَ لِآخَرَ قَضَيْت بِقَطْعِ يَدِك فِي حَقٍّ فَقَالَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ الْمَالُ وَالْمَقْطُوعُ يَدُهُ فَعَلْت ذَلِكَ فِي حَالِ قَضَائِك ظُلْمًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا تَوَافَقَا أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ فِي قَضَائِهِ كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ إذْ الْقَاضِي لَا يَقْضِي بِالْجَوْرِ ظَاهِرًا وَالْقَوْلُ لِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِعْلُهُ فِي قَضَائِهِ بِالتَّصَادُقِ، وَلَا يَمِينَ عَلَى الْقَاضِي؛ لِأَنَّ إيجَابَهَا عَلَيْهِ يُفْضِي إلَى تَعْطِيلِ أُمُورِ النَّاسِ بِامْتِنَاعِ الدُّخُولِ فِي الْقَضَاءِ. وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَوْ أَقَرَّ الْقَاطِعُ أَوْ الْآخِذُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاضِي لَا يَضْمَنُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِي حَالِ الْقَضَاءِ وَدَفْعَ الْقَاضِي وَأَمْرَهُ بِالشَّيْءِ صَحِيحٌ كَمَا إذَا كَانَ دَفْعُهُ الْمَالَ إلَى الْآخِذِ مُعَايِنًا فِي حَالِ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ الْآخِذُ حِينَئِذٍ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا، وَكَذَا إذَا كَانَ أَمْرُهُ بِالْقَطْعِ مُعَايِنًا فِي حَالِ الْقَضَاءِ وَإِنْ قَالَ الْمَأْخُوذُ مَالُهُ وَالْمَقْطُوعُ يَدُهُ فَعَلْت ذَلِكَ قَبْلَ التَّقْلِيدِ أَوْ بَعْدَ الْعَزْلِ فَالْقَوْلُ أَيْضًا لِلْقَاضِي فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ

أَوْ بَعْدَ الْعَزْلِ فَالْقَوْلُ لِلْقَاضِي أَيْضًا) هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ أَسْنَدَ فِعْلَهُ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ طَلَّقْت أَوْ أَعْتَقْت وَأَنَا مَجْنُونٌ وَالْجُنُونُ مِنْهُ كَانَ مَعْهُودًا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَسْنَدَ فِعْلَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ لِمَا مَرَّ أَنَّ حَالَةَ الْقَضَاءِ تُنَافِي الضَّمَانَ فَالْقَاضِي بِذَلِكَ الْإِسْنَادِ مُنْكِرٌ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ فَصَارَ إسْنَادُ الْقَاضِي هَاهُنَا كَإِسْنَادِ مَنْ عُهِدَ مِنْهُ الْجُنُونُ إذَا قَالَ طَلَّقْت أَوْ أَعْتَقْت وَأَنَا مَجْنُونٌ إذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ

(وَلَوْ أَقَرَّ الْقَاطِعُ أَوْ الْآخِذُ فِي هَذَا الْفَصْلِ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاضِي بِضَمَانٍ) لِأَنَّهُمَا أَقَرَّا بِسَبَبِ الضَّمَانِ، وَقَوْلُ الْقَاضِي مَقْبُولٌ فِي دَفْعِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ لَا فِي إبْطَالِ سَبَبِ الضَّمَانِ عَلَى غَيْرِهِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِعْلُهُ فِي قَضَائِهِ بِالتَّصَادُقِ (وَلَوْ كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ الْآخِذِ قَائِمًا وَقَدْ أَقَرَّ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاضِي وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ الْمَالُ صُدِّقَ الْقَاضِي فِي أَنَّهُ فَعَلَهُ فِي قَضَائِهِ أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ فَعَلَهُ فِي غَيْرِ قَضَائِهِ يُؤْخَذُ مِنْهُ) لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ الْيَدَ كَانَتْ لَهُ فَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى تَمَلُّكِهِ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَقَوْلُ الْمَعْزُولِ فِيهِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعْلُومًا بَيْنَ النَّاسِ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ: حَتَّى لَا يَقَعَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ لِإِضَافَتِهِ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلْإِيقَاعِ، وَإِنَّمَا قَالَ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازًا عَمَّا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُدَّعِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُنَازَعَةَ إذَا وَقَعَتْ فِي الْمَاضِي تَحْكُمُ الْحَالَ، وَفِي هَذِهِ الْحَالِ فِعْلُهُ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ، وَهُوَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ يَدَّعِي مَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ عَنْهُ، وَأَمَّا فِي الْأُولَى فَقَدْ تَصَادَقَا أَنَّهُ فَعَلَهُ وَهُوَ قَاضٍ وَذَلِكَ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَكُونَ قَضَاؤُهُ حَقًّا، وَلَكِنْ فِي عَامَّةِ نُسَخِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْقَوْلَ لِلْقَاضِي. (وَلَوْ أَقَرَّ الْقَاطِعُ وَالْآخِذُ فِي هَذَا الْفَصْلِ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاضِي ضِمْنًا؛ لِأَنَّهُمَا أَقَرَّا بِسَبَبِ الضَّمَانِ، وَقَوْلُ الْقَاضِي مَقْبُولٌ فِي دَفْعِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ لَا فِي إبْطَالِ سَبَبِ الضَّمَانِ عَلَى غَيْرِهِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِعْلُهُ فِي قَضَائِهِ بِالتَّصَادُقِ) لَا يُقَالُ: الْآخِذُ وَالْقَاطِعُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ أَسْنَدَا الْفِعْلَ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يَضْمَنَا كَالْقَاضِي؛ لِأَنَّ جِهَةَ الضَّمَانِ رَاجِحَةٌ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الرَّجُلِ عَلَى نَفْسِهِ بِسَبَبِ الضَّمَانِ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ، وَقَضَاءُ الْقَاضِي حُجَّةٌ ظَاهِرَةٌ، وَالظَّاهِرُ لَا يُعَارِضُ الْقَطْعِيَّ، وَهَذَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَى الْقَاضِي أَيْضًا لَكِنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى تَضْيِيعِ الْحُقُوقِ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ الدُّخُولِ فِي الْقَضَاءِ مَخَافَةَ الضَّمَانِ. (وَلَوْ كَانَ الْمَالُ بَاقِيًا فِي يَدِ الْآخِذِ وَأَقَرَّ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاضِي أَخَذَ مِنْهُ الْمَالَ) سَوَاءٌ صَدَّقَهُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ الْمَالُ فِي أَنَّهُ فَعَلَهُ فِي قَضَائِهِ أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ فَعَلَهُ فِي غَيْرِ قَضَائِهِ (؛ لِأَنَّ الْآخِذَ أَقَرَّ أَنَّ الْيَدَ كَانَتْ لِلْمَأْخُوذِ مِنْهُ فَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى تَمَلُّكِهِ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَقَوْلُ الْمَعْزُولِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ) فِيهِ لِكَوْنِهِ شَهَادَةَ فَرْدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[كتاب الشهادات]

(كِتَابُ الشَّهَادَاتِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الشَّهَادَاتِ] إيرَادُ هَذَا الْكِتَابِ عَقِيبَ كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي ظَاهِرُ الْمُنَاسَبَةِ، إذْ الْقَاضِي فِي قَضَائِهِ يَحْتَاجُ إلَى شَهَادَةِ الشُّهُودِ عِنْدَ إنْكَارِ الْخَصْمِ. وَمِنْ مَحَاسِنِ الشَّهَادَةِ بِالْحَقِّ أَنَّهَا مَأْمُورٌ بِهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ} [المائدة: 8] فَلَا بُدَّ مِنْ حُسْنِهِ. وَهِيَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِخْبَارِ بِصِحَّةِ الشَّيْءِ عَنْ مُشَاهَدَةٍ وَعِيَانٍ، وَلِهَذَا قَالُوا إنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ الَّتِي تُنْبِئُ عَنْ الْمُعَايَنَةِ. وَفِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْفِقْهِ: عِبَارَةٌ عَنْ إخْبَارٍ صَادِقٍ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ فَالْإِخْبَارُ كَالْجِنْسِ يَشْمَلُهَا وَالْأَخْبَارَ الْكَاذِبَةَ. وَقَوْلُهُ: صَادِقٌ يُخْرِجُ الْكَاذِبَةَ وَقَوْلُهُ: فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ

(قَالَ: الشَّهَادَةُ فَرْضٌ تَلْزَمُ الشُّهُودَ وَلَا يَسَعُهُمْ كِتْمَانُهَا إذَا طَالَبَهُمْ الْمُدَّعِي) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] ـــــــــــــــــــــــــــــQيُخْرِجُ الْأَخْبَارَ الصَّادِقَةَ غَيْرَ الشَّهَادَاتِ. وَسَبَبُ تَحَمُّلِهَا مُعَايَنَةُ مَا يَتَحَمَّلُهَا لَهُ وَمُشَاهَدَاتُهُ بِمَا يَخْتَصُّ بِمُشَاهَدَتِهِ مِنْ السَّمَاعِ فِي الْمَسْمُوعَاتِ وَالْإِبْصَارِ فِي الْمُبْصَرَاتِ وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَسَبَبُ أَدَائِهَا إمَّا طَلَبُ الْمُدَّعِي مِنْهُ الشَّهَادَةَ، أَوْ خَوْفُ فَوْتِ حَقِّ الْمُدَّعِي إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُدَّعِي كَوْنَهُ شَاهِدًا. وَشَرْطُهَا: الْعَقْلُ الْكَامِلُ وَالضَّبْطُ وَالْوِلَايَةُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالْإِسْلَامُ إنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُسْلِمًا. وَحُكْمُهَا: وُجُوبُ الْحُكْمِ عَلَى الْحَاكِمِ بِمُقْتَضَاهَا، وَالْقِيَاسُ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ الْكَذِبِ، لَكِنْ لَمَّا شَرَطَ الْعَدَالَةَ لِيَتَرَجَّحَ جَانِبُ الصِّدْقِ وَوَرَدَتْ النُّصُوصُ بِالِاسْتِشْهَادِ جُعِلَتْ مُوجِبَةً. قَالَ (الشَّهَادَةُ فَرْضٌ تَلْزَمُ الشُّهُودَ إلَخْ) أَدَاءُ الشَّهَادَةِ فَرْضٌ يَلْزَمُ الشُّهُودَ بِحَيْثُ لَا يَسَعُهُمْ كِتْمَانُهُ أَكَّدَ الْفَرْضَ بِوَصْفَيْنِ وَهُوَ اللُّزُومُ وَعَدَمُ سَعَةِ الْكِتْمَانِ دَلَالَةً عَلَى تَأَكُّدِهِ، وَشَرَطَ مُطَالَبَةَ الْمُدَّعِي تَحْقِيقًا لِسَبَبِ الْأَدَاءِ عَلَى مَا مَرَّ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] أَيْ لِيُقِيمُوا الشَّهَادَةَ أَوْ لِيَتَحَمَّلُوهَا، وَسُمُّوا شُهَدَاءَ بِاعْتِبَارِ مَا تَئُولُ إلَيْهِ، وَهُوَ بِظَاهِرِهِ يَدُلُّ عَلَى النَّهْيِ عَنْ الْإِبَاءِ عِنْدَ الدَّعْوَةِ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] وَهُوَ بِظَاهِرِهِ يَدُلُّ عَلَى النَّهْيِ عَنْ كِتْمَانِهَا عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ، وَالنَّهْيُ عَنْ أَحَدِ النَّقِيضِينَ وَهُوَ الْكِتْمَانُ يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ النَّقِيضِ الْآخَرِ لِئَلَّا يَرْتَفِعَ النَّقِيضَانِ، فَإِذَا كَانَ الْكِتْمَانُ مَنْهِيًّا عَنْهُ كَانَ الْإِعْلَانُ ثَابِتًا وَهُوَ يُسَاوِي الْإِظْهَارَ فَيَكُونُ ثَابِتًا، وَثُبُوتُهُ بِالْأَدَاءِ وَمَا لَمْ يَجِبْ لَا يَثْبُتُ فَكَانَ إظْهَارُ الْأَدَاءِ وَاجِبًا.

وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ طَلَبُ الْمُدَّعِي لِأَنَّهَا حَقُّهُ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى طَلَبِهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ فِي النِّهَايَةِ: النَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ أَمْرًا بِضِدِّهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ضِدٌّ وَاحِدٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَ فَهُوَ أَمْرٌ بِهِ كَالنَّهْيِ عَنْ الْكِتْمَانِ عَمَّا فِي الْأَرْحَامِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ بِضِدِّهِ، وَلَيْسَ بِالصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ لِمَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ (وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ طَلَبُ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهَا حَقُّهُ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى طَلَبِهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ) وَنُوقِضَ بِمَا إذَا عَلِمَ الشَّاهِدُ الشَّهَادَةَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا الْمُدَّعِي وَيَعْلَمُ الشَّاهِدُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَشْهَدْ يَضِيعُ حَقُّهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الشَّهَادَةُ وَلَا طَلَبَ ثَمَّةَ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ أُلْحِقَ بِالْمَطْلُوبِ دَلَالَةً، فَإِنَّ الْمُوجِبَ لِلْأَدَاءِ عِنْدَ الطَّلَبِ إحْيَاءُ الْحَقِّ وَهُوَ فِيمَا ذَكَرْتُمْ مَوْجُودٌ فَكَانَ فِي مَعْنَاهُ فَأُلْحِقَ بِهِ. لَا يُقَالُ: قَدْ مَرَّ آنِفًا أَنَّ طَلَبَ الْمُدَّعِي سَبَبٌ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ طَلَبُ الْمُدَّعِي فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ طَلَبَهُ شَرْطٌ وَهُوَ غَيْرُ السَّبَبِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ وُجُوبُ سَبَبِ الْأَدَاءِ وَهُوَ طَلَبُ الْمُدَّعِي، فَالطَّلَبُ سَبَبٌ وَوُجُودُهُ شَرْطٌ فَلَا مُخَالَفَةَ حِينَئِذٍ. فَإِنْ قُلْت: أَمَا تَجْعَلُهُ شَرْطًا وقَوْله تَعَالَى {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ} [البقرة: 282] {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} [البقرة: 283]

(وَالشَّهَادَةُ فِي الْحُدُودِ يُخَيَّرُ فِيهَا الشَّاهِدُ بَيْنَ السَّتْرِ وَالْإِظْهَارِ) لِأَنَّهُ بَيْنَ حِسْبَتَيْنِ إقَامَةِ الْحَدِّ وَالتَّوَقِّي عَنْ الْهَتْكِ (وَالسَّتْرُ أَفْضَلُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي شَهِدَ عِنْدَهُ «لَوْ سَتَرْته بِثَوْبِك لَكَانَ خَيْرًا لَك» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» وَفِيمَا نُقِلَ مِنْ تَلْقِينِ الدَّرْءِ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ السَّتْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQسَبَبًا. قُلْت: نِعْمَ؛ لِأَنَّهُ خِطَابُ وَضْعٍ يَدُلُّ عَلَى سَبَبِيَّةِ غَيْرِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] . قَالَ (وَالشَّهَادَةُ فِي الْحُدُودِ يُخَيَّرُ فِيهَا الشَّاهِدُ بَيْنَ السَّتْرِ وَالْإِظْهَارِ إلَخْ) الشَّاهِدُ فِي الْحُدُودِ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَسْتُرَ وَأَنْ يُظْهِرَ؛ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَشْهَدَ حِسْبَةً لِلَّهِ فَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَبَيْنَ أَنْ يَتَوَقَّى عَنْ هَتْكِ الْمُسْلِمِ حِسْبَةً لِلَّهِ، وَالسَّتْرُ أَفْضَلُ نَقْلًا وَعَقْلًا، أَمَّا الْأَوَّلُ «فَقَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي شَهِدَ عِنْدَهُ وَهُوَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ هُزَالٌ الْأَسْلَمِيُّ لَوْ سَتَرْته بِثَوْبِك وَفِي رِوَايَةٍ بِرِدَائِك لَكَانَ خَيْرًا لَك» وَقَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» وَمَا رُوِيَ مِنْ تَلْقِينِ الدَّرْءِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَإِنَّ فِيهَا دَلَالَةً ظَاهِرَةً عَلَى أَفْضَلِيَّةِ السَّتْرِ. قِيلَ الْأَخْبَارُ مُعَارِضَةٌ لِإِطْلَاقِ الْكِتَابِ وَإِعْمَالُهَا نَسْخٌ لِإِطْلَاقِهِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْآيَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْمُدَايَنَةِ لِنُزُولِهَا فِيهَا، وَرُدَّ بِأَنَّ الِاعْتِبَارَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ. وَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ: الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ فِيمَا نُقِلَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ فِي السَّتْرِ وَالدَّرْءِ مُتَوَاتِرٌ فِي الْمَعْنَى فَجَازَتْ الزِّيَادَةُ بِهِ. وَقِيلَ إنَّ الْخَبَرَ الْأَوَّلَ وَرَدَ فِي مَاعِزٍ وَحِكَايَتُهُ مَشْهُورَةٌ يَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ شُهْرَةَ حِكَايَةِ مَاعِزٍ لَا تَسْتَلْزِمُ شُهْرَةَ الْخَبَرِ الْوَارِدِ فِيهَا بِالسَّتْرِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ السَّتْرَ وَالْكِتْمَانَ إنَّمَا يَحْرُمُ لِخَوْفِ فَوَاتِ حَقِّ الْمُحْتَاجِ إلَى الْأَمْوَالِ وَاَللَّهُ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنْ

(إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمَالِ فِي السَّرِقَةِ فَيَقُولُ: أَخَذَ) إحْيَاءً لِحَقِّ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ (وَلَا يَقُولُ سَرَقَ) مُحَافَظَةً عَلَى السَّتْرِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ ظَهَرَتْ السَّرِقَةُ لَوَجَبَ الْقَطْعُ وَالضَّمَانُ لَا يُجَامِعُ الْقَطْعَ فَلَا يَحْصُلُ إحْيَاءُ حَقِّهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَالَمِينَ، وَلَيْسَ ثَمَّةَ خَوْفُ فَوَاتِ الْحَقِّ فَبَقِيَ صِيَانَةُ عِرْضِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، وَلَا شَكَّ فِي فَضْلِ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَشْهَدَ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ يُخَيَّرُ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْمَالِ لَيْسَتْ بِدَاخِلَةٍ فِي الشَّهَادَةِ فِي الْحُدُودِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهَا إحْيَاءً لِحَقِّ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ فَيَقُولُ أَخَذَ وَلَا يَقُولُ سَرَقَ (مُحَافَظَةً عَلَى السَّتْرِ) ؛ وَلِأَنَّهُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ

(وَالشَّهَادَةُ عَلَى مَرَاتِبَ: مِنْهَا الشَّهَادَةُ فِي الزِّنَا يُعْتَبَرُ فِيهَا أَرْبَعَةٌ مِنْ الرِّجَالِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] (وَلَا تُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ) لِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَضَتْ السُّنَّةُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ أَنْ لَا شَهَادَةَ لِلنِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، وَلِأَنَّ فِيهَا شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ لِقِيَامِهَا مَقَامَ شَهَادَةِ الرِّجَالِ فَلَا تُقْبَلُ فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ (وَمِنْهَا الشَّهَادَةُ بِبَقِيَّةِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ تُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَجْتَمِعَانِ الْقَطْعُ وَالضَّمَانُ، وَأَحَدُهُمَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَالْآخَرُ حَقُّ الْعَبْدِ، وَالسَّتْرُ الْكُلِّيُّ إبْطَالٌ لَهُمَا وَفِيهِ تَضْيِيعُ حَقِّ الْعَبْدِ فَلَا يَجُوزُ. وَالْإِقْدَامُ عَلَى إظْهَارِ السَّرِقَةِ تَرْجِيحُ حَقِّ اللَّهِ الْغَنِيِّ عَلَى حَقِّ الْعَبْدِ الْمُحْتَاجِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ فَتَعَيَّنَ الشَّهَادَةُ عَلَى الْمَالِ دُونَ السَّرِقَةِ. قَالَ (وَالشَّهَادَةُ عَلَى مَرَاتِبَ) رَتَّبَهَا الشَّرْعُ عَلَى مَا عَلِمَ فِيهَا مِنْ الْحِكْمَةِ، فَمِنْهَا الشَّهَادَةُ بِالزِّنَا يُعْتَبَرُ فِيهَا أَرْبَعَةٌ مِنْ الرِّجَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] وَلَفْظُ أَرْبَعَةٍ نَصٌّ فِي الْعَدَدِ وَالذُّكُورَةِ وَأَمَّا الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ وَالْعَدَالَةُ فَقَدْ تَقَدَّمَ اشْتِرَاطُهَا. وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْأَرْبَعَةِ فِيهِ دُونَ الْقَتْلِ الْعَمْدِ وَغَيْرِهِ فَالظَّاهِرُ مِنْهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ السَّتْرَ عَلَى عِبَادِهِ وَلَا يَرْضَى بِإِشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ لِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ: «مَضَتْ السُّنَّةُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخَلِيفَتَيْنِ يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِنْ بَعْدِهِ أَنْ لَا شَهَادَةَ لِلنِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ» ) وَتَخْصِيصُهُمَا بِالذِّكْرِ لِمَا وَرَدَ فِي حَقِّهِمَا مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اقْتَدُوا بِاَللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» (وَلِأَنَّ فِي شَهَادَتِهِنَّ شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ لِقِيَامِهَا مَقَامَ شَهَادَةِ الرِّجَالِ) فِي غَيْرِ الْحُدُودِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] عَلَى سِيَاقِ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: 89] وَإِنَّمَا قَالَ شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهَا إنَّمَا تَكُونُ فِيمَا امْتَنَعَ الْعَمَلُ بِالْبَدَلِ مَعَ إمْكَانِ الْأَصْلِ كَالْآيَةِ الثَّانِيَةِ، وَلَيْسَ شَهَادَتُهُنَّ كَذَلِكَ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ مَعَ إمْكَانِ الْعَمَلِ بِشَهَادَةِ الرَّجُلَيْنِ، وَإِذَا كَانَ فِيهَا شُبْهَةُ الْبَدَلِيَّةِ (فَلَا تُقْبَلُ فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ) . (وَمِنْهَا الشَّهَادَةُ بِبَقِيَّةِ الْحُدُودِ) كَحَدِّ الشُّرْبِ وَالسَّرِقَةِ وَحَدِّ الْقَذْفِ (وَالْقِصَاصُ تُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] فَإِنَّهُ بِعُمُومِهِ يَتَنَاوَلُ الْمَطْلُوبَ وَغَيْرَهُ لِمَا مَرَّ مِنْ عُمُومِ اللَّفْظِ، وَهُوَ نَصٌّ فِي بَيَانِ الْعَدَدِ وَالذُّكُورَةِ وَالْبُلُوغِ خَلَا أَنَّ بَابَ

(وَلَا تُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ) لِمَا ذَكَرْنَا. (قَالَ: وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْحُقُوقِ يُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَقُّ مَالًا أَوْ غَيْرَ مَالٍ مِثْلُ النِّكَاحِ) وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْعِدَّةِ وَالْحَوَالَةِ وَالْوَقْفِ وَالصُّلْحِ (وَالْوَكَالَةِ وَالْوَصِيَّةِ) وَالْهِبَةِ وَالْإِقْرَارِ وَالْإِبْرَاءِ وَالْوَلَدِ وَالْوِلَادِ وَالنَّسَبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ وَتَوَابِعِهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا عَدَمُ الْقَبُولِ لِنُقْصَانِ الْعَقْلِ وَاخْتِلَالِ الضَّبْطِ وَقُصُورِ الْوِلَايَةِ فَإِنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلْإِمَارَةِ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَرْبَعِ مِنْهُنَّ وَحْدَهُنَّ إلَّا أَنَّهَا قُبِلَتْ فِي الْأَمْوَالِ ضَرُورَةً، وَالنِّكَاحُ أَعْظَمُ خَطَرًا وَأَقَلُّ وُقُوعًا فَلَا يَلْحَقُ بِمَا هُوَ أَدْنَى خَطَرًا وَأَكْثَرُ وُجُودًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالزِّنَا خَرَجَ بِمَا تَلَوْنَا فَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى تَنَاوُلِهِ (قَوْلُهُ: وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا عَمَّا يُقَالُ، فَالْآيَةُ هَذِهِ عُقِّبَتْ بِقَوْلِهِ {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] وَلَيْسَتْ شَهَادَتُهُنَّ فِيهَا مَقْبُولَةً. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقِرَانَ فِي النَّظْمِ لَا يُوجِبُ الْقِرَانَ فِي الْحُكْمِ، وَلَئِنْ أَوْجَبَ فَعَدَمُ قَبُولِهِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ وَشُبْهَةِ الْبَدَلِيَّةِ فِي شَهَادَتِهِنَّ. فَإِنْ قُلْت: مَا مَسْلَكُ الْحَدِيثِ مِنْ الْآيَةِ هَاهُنَا أَتَخْصِيصٌ أَمْ نَسْخٌ. قُلْت: مَسْلَكُهُ مِنْهَا مَسْلَكُ آيَةِ شَهَادَةِ الزِّنَا مِنْ هَذِهِ، وَهُوَ إمَّا التَّخْصِيصُ إنْ ثَبَتَتْ الْمُقَارَنَةُ أَوْ النَّسْخُ. وَقَوْلُ الزُّهْرِيِّ: مَضَتْ السُّنَّةُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخَلِيفَتَيْنِ يَدُلُّ عَلَى تَلْقِيَةِ الصَّدْرِ الْأَوَّلُ بِالْقَبُولِ فَكَانَ مَشْهُورًا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِهِ. قَالَ (وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْحُقُوقِ إلَخْ) وَمَا سِوَى الْمَرْتَبَتَيْنِ مِنْ بَقِيَّةِ الْحُقُوقِ (مَالًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْوَكَالَةِ وَالْوَصِيَّةِ) أَيْ الْوِصَايَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي تَعْدَادِ غَيْرِ الْمَالِ (وَنَحْوِ ذَلِكَ) يَعْنِي الْعَتَاقَ تُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ بِمَا تَلَوْنَا (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ وَتَوَابِعِهَا) كَالْإِعَارَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالْكَفَالَةِ وَالْأَجَلِ وَشَرْطِ الْخِيَارِ. وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي شَهَادَتِهِنَّ عَدَمُ الْقَبُولِ لِنُقْصَانِ الْعَقْلِ وَاخْتِلَالِ الضَّبْطِ وَقُصُورِ الْوِلَايَةِ فَإِنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلْإِمَارَةِ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقَبُولِ (لَا تُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَرْبَعِ مِنْهُنَّ وَحْدَهُنَّ إلَّا أَنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ فِي الْأَمْوَالِ ضَرُورَةَ إحْيَاءِ حُقُوقِ الْعِبَادِ) لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا وَدُنُوِّ

وَلَنَا أَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الْقَبُولُ لِوُجُودِ مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ وَهُوَ الْمُشَاهَدَةُ وَالضَّبْطُ وَالْأَدَاءُ، إذْ بِالْأَوَّلِ يَحْصُلُ الْعِلْمُ لِلشَّاهِدِ، وَبِالثَّانِي يَبْقَى، وَبِالثَّالِثِ يَحْصُلُ الْعِلْمُ لِلْقَاضِي وَلِهَذَا يُقْبَلُ إخْبَارُهَا فِي الْأَخْبَارِ، وَنُقْصَانُ الضَّبْطِ بِزِيَادَةِ النِّسْيَانِ انْجَبَرَ بِضَمِّ الْأُخْرَى إلَيْهَا فَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا الشُّبْهَةُ فَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَهَذِهِ الْحُقُوقُ تَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQخَطَرِهَا فَلَا يُلْحَقُ بِهَا مَا هُوَ أَعْظَمُ خَطَرًا وَأَقَلُّ وُجُودًا كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَالْإِسْلَامِ وَالرِّدَّةِ وَالْبُلُوغِ وَالْوَلَاءِ وَالْعِدَّةِ وَالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ (وَلَنَا أَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الْقَبُولُ لِوُجُودِ مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ وَهُوَ الْمُشَاهَدَةُ) الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا الْعِلْمُ وَالضَّبْطُ الَّذِي يَبْقَى بِهِ الْعِلْمُ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ وَالْأَدَاءُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْعِلْمُ لِلْقَاضِي (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ الْقَبُولِ أَصْلًا فِيهَا (قَبْلَ إخْبَارِهَا فِي الْأَخْبَارِ) وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مَا ذَكَرْتُمْ مِمَّا يُبْتَنَى عَلَيْهِ أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ عِلَّةً لَهَا أَوْ شَرْطًا، لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ أَهْلِيَّتَهَا بِالْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَالْبُلُوغِ وَالْمُشَاهَدَةِ وَالضَّبْطِ وَالْأَدَاءِ لَيْسَتْ بِعِلَّةٍ لِذَلِكَ لَا جَمْعًا وَلَا فُرَادَى. وَالثَّانِي كَذَلِكَ لِعَدَمِ تَوَقُّفِهَا عَلَيْهَا كَذَلِكَ لَا جَمْعًا وَلَا فُرَادَى، عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودُ الْمَشْرُوطِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ أَهْلِيَّةَ الشَّهَادَةِ هَيْئَةٌ شَرْعِيَّةٌ تَحْصُلُ بِمَجْمُوعِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَالْبُلُوغِ. وَأَمَّا الْمُشَاهَدَةُ وَالضَّبْطُ وَالْأَدَاءُ فَلَيْسَتْ بِعِلَّةٍ لَهَا. وَإِنَّمَا هِيَ عِلَّةٌ لِأَهْلِيَّةِ قَبُولِهَا. فَإِنَّا لَوْ فَرَضْنَا وُجُودَ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ بِالْإِسْلَامِ وَالْبُلُوغِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالذُّكُورَةِ أَيْضًا وَفَاتَهُ أَحَدُ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ الْمُشَاهَدَةُ أَوْ الضَّبْطُ أَوْ الْأَدَاءُ إذَا أَدَّى بِغَيْرِ لَفْظَةِ الشَّهَادَةِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ. وَإِنْ كَانَتْ عِلَّةً اسْتَلْزَمَ وُجُودُهَا وُجُودَ مَعْلُولِهَا وَهُوَ الْقَبُولُ، وَعَلَى هَذَا يُقَدَّرُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُضَافٌ: أَيْ أَهْلِيَّةُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ (قَوْلُهُ: وَنُقْصَانُ الضَّبْطِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَاخْتِلَالُ الضَّبْطِ. وَتَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ ذَلِكَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ انْجَبَرَ بِضَمِّ الْأُخْرَى إلَيْهَا فَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا شُبْهَةُ

وَعَدَمُ قَبُولِ الْأَرْبَعِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ كَيْ لَا يَكْثُرَ خُرُوجُهُنَّ. قَالَ (وَتُقْبَلُ فِي الْوِلَادَةِ وَالْبَكَارَةِ وَالْعُيُوبِ بِالنِّسَاءِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «شَهَادَةُ النِّسَاءِ جَائِزَةٌ فِيمَا لَا يَسْتَطِيعُ الرِّجَالُ النَّظَرَ إلَيْهِ» وَالْجَمْعُ الْمُحَلَّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ فَيَتَنَاوَلُ الْأَقَلَّ. وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي اشْتِرَاطِ الْأَرْبَعِ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا سَقَطَتْ الذُّكُورَةُ لِيَخِفَّ النَّظَرُ لِأَنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ أَخَفُّ فَكَذَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْعَدَدِ إلَّا أَنَّ الْمُثَنَّى وَالثَّلَاثَ أَحْوَطُ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْإِلْزَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَدَلِيَّةِ فَلَا تُقْبَلُ فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَتُقْبَلُ فِيمَا يَثْبُتُ بِهَا، وَهَذِهِ الْحُقُوقُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَثْبُتُ بِهَا. أَمَّا النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ فَظَاهِرٌ لِثُبُوتِهِمَا مَعَ الْهَزْلِ، وَأَمَّا الْوَكَالَةُ وَالْإِيصَاءُ وَالْأَمْوَالُ فَإِنَّهُ يَجْرِي فِيهَا كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَذَلِكَ أَمَارَةُ ثُبُوتِهَا مَعَ الشُّبْهَةِ فَلِذَلِكَ تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَوَابَ عَنْ قَوْلِهِ لِنُقْصَانِ الْعَقْلِ، وَلَا عَنْ قَوْلِهِ لِقُصُورِ الْوِلَايَةِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا نُقْصَانَ فِي عَقْلِهِنَّ فِيمَا هُوَ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ. وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ لِلنَّفْسِ الْإِنْسَانِيَّةِ أَرْبَعَ مَرَاتِبَ: الْأُولَى اسْتِعْدَادُ الْعَقْلِ وَيُسَمَّى الْعَقْلَ الْهَيُولَانِيَّ وَهُوَ حَاصِلٌ لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الْإِنْسَانِ فِي مَبْدَإِ فِطْرَتِهِمْ. وَالثَّانِيَةُ أَنْ تَحْصُلَ الْبَدِيهِيَّاتُ بِاسْتِعْمَالِ الْحَوَاسِّ فِي الْجُزْئِيَّاتِ فَيَتَهَيَّأُ لِاكْتِسَابِ الْفِكْرِيَّاتِ بِالْفِكْرِ، وَيُسَمَّى الْعَقْلَ بِالْمَلَكَةِ وَهُوَ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ. وَالثَّالِثَةُ أَنْ تَحْصُلَ النَّظَرِيَّاتُ الْمَفْرُوغُ عَنْهَا مَتَى شَاءَ مِنْ غَيْرِ افْتِقَارٍ إلَى اكْتِسَابٍ وَهُوَ يُسَمَّى الْعَقْلَ بِالْفِعْلِ. وَالرَّابِعَةُ هُوَ أَنْ يَسْتَحْضِرَهَا وَيَلْتَفِتَ إلَيْهَا مُشَاهَدَةً وَيُسَمَّى الْعَقْلَ الْمُسْتَفَادَ، وَلَيْسَ فِيمَا هُوَ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ وَهُوَ الْعَقْلُ بِالْمَلَكَةِ فِيهِنَّ نُقْصَانٌ بِمُشَاهَدَةِ حَالِهِنَّ فِي تَحَصُّلِ الْبَدِيهِيَّاتِ بِاسْتِعْمَالِ الْحَوَاسِّ فِي الْجُزْئِيَّاتِ وَبِالتَّنْبِيهِ إنْ نَسِيَتْ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ فِي ذَلِكَ نُقْصَانٌ لَكَانَ تَكْلِيفُهُنَّ دُونَ تَكْلِيفِ الرِّجَالِ فِي الْأَرْكَانِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هُنَّ نَاقِصَاتُ عَقْلٍ» الْمُرَادُ بِهِ الْعَقْلُ بِالْفِعْلِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَصْلُحْنَ لِلْوِلَايَةِ وَالْخِلَافَةِ وَالْإِمَارَةِ، وَبِهَذَا ظَهَرَ الْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي أَيْضًا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَعَدَمُ قَبُولِ الْأَرْبَعِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَرْبَعِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي قَبُولَ ذَلِكَ أَيْضًا لَكِنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ كَيْ لَا يَكْثُرَ خُرُوجُهُنَّ. قَالَ (وَتُقْبَلُ فِي الْوِلَادَةِ وَالْبَكَارَةِ) اُخْتُصَّ قَبُولُ شَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ بِالْوِلَادَةِ وَالْبَكَارَةِ

(ثُمَّ حُكْمُهَا فِي الْوِلَادَةِ شَرَحْنَاهُ فِي الطَّلَاقِ) وَأَمَّا حُكْمُ الْبَكَارَةِ فَإِنْ شَهِدْنَ أَنَّهَا بِكْرٌ يُؤَجَّلُ فِي الْعِنِّينِ سَنَةً وَيُفَرَّقُ بَعْدَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْعُيُوبِ بِالنِّسَاءِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ لَا تُقْبَلُ فِي غَيْرِهَا فَهُوَ قَصْرُ إفْرَادٍ قَصْرُ الْمَوْصُوفِ عَلَى الصِّفَةِ لَا عَكْسُهُ كَمَا فَهِمَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ. وَاعْتُرِضَ بِقَبُولِ شَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ فِيهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «شَهَادَةُ النِّسَاءِ جَائِزَةٌ فِيمَا لَا يَسْتَطِيعُ الرَّجُلُ النَّظَرَ إلَيْهِ» وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ إذَا دَخَلَ الْجَمْعُ وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَعْهُودٌ يَنْصَرِفُ إلَى الْجِنْسِ فَيَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَةَ فَمَا فَوْقَهَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي اشْتِرَاطِ الْأَرْبَعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ تَقُومَانِ مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فِي الشَّهَادَاتِ. قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهُ) دَلِيلٌ مَعْقُولٌ لَنَا. وَوَجْهُهُ أَنَّ الذُّكُورَةَ سَقَطَتْ بِالِاتِّفَاقِ لِيَخِفَّ النَّظَرُ؛ لِأَنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ أَخَفُّ وَفِي إسْقَاطِ الْعَدَدِ تَخْفِيفُ النَّظَرِ فَيُصَارُ إلَيْهِ، إلَّا أَنَّ الْمُثَنَّى وَالْمُثَلَّثَ أَحْوَطُ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْإِلْزَامِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ فِي هَذَا التَّعْلِيلِ نَوْعَ مُنَاقَضَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ جَوَازُ الِاكْتِفَاءِ بِنَظَرِ الْوَاحِدَةِ لِخِفَّةِ نَظَرِهَا لَمَا كَانَ نَظَرُ الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثِ أَحْوَطَ مِنْ نَظَرِ الْوَاحِدَةِ. وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: خِفَّةُ النَّظَرِ تُوجِبُ عَدَمَ وُجُودِ اعْتِبَارِ الْعَدَدِ، وَمَعْنَى الْإِلْزَامِ يَقْتَضِي وُجُوبَهُ فَعَمِلْنَا بِهِمَا وَقُلْنَا بِعَدَمِ الْوُجُوبِ وَالْجَوَازِ احْتِيَاطًا (ثُمَّ حُكْمُهَا) أَيْ حُكْمُ شَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْوِلَادَةِ (شَرَحْنَاهُ فِي الطَّلَاقِ) يَعْنِي فِي بَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ

لِأَنَّهَا تَأَيَّدَتْ بِمُؤَيِّدٍ إذْ الْبَكَارَةُ أَصْلٌ، وَكَذَا فِي رَدِّ الْمَبِيعَةِ إذَا اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْبَكَارَةِ، فَإِنْ قُلْنَ إنَّهَا ثَيِّبٌ يَحْلِفُ الْبَائِعُ لِيَنْضَمَّ نُكُولُهُ إلَى قَوْلِهِنَّ وَالْعَيْبُ يَثْبُتُ بِقَوْلِهِنَّ فَيَحْلِفُ الْبَائِعُ، وَأَمَّا شَهَادَتُهُنَّ عَلَى اسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ لَا تُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي حَقِّ الْإِرْثِ لِأَنَّهُ مِمَّا يَطْلُعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ إلَّا فِي حَقِّ الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا مِنْ أُمُورِ الدِّينِ. وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْإِرْثِ أَيْضًا لِأَنَّهُ صَوْتٌ عِنْدَ الْوِلَادَةِ وَلَا يَحْضُرُهَا الرِّجَالُ عَادَةً فَصَارَ كَشَهَادَتِهِنَّ عَلَى نَفْسِ الْوِلَادَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَيْثُ قَالَ: وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَجَحَدَ الزَّوْجُ الْوِلَادَةَ تَثْبُتُ الْوِلَادَةُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَشَهِدَتْ امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ لَمْ تَطْلُقْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا: تَطْلُقُ، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ قَدْ أَقَرَّ بِالْحَبَلِ طَلُقَتْ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: يَعْنِي تَثْبُتُ الْوِلَادَةُ بِقَوْلِ امْرَأَتِهِ وَعِنْدَهُمَا يُشْتَرَطُ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ، وَأَمَّا حُكْمُ الْبَكَارَةِ فَإِنَّهَا سَوَاءٌ كَانَتْ مَهِيرَةً أَوْ مَبِيعَةً لَا بُدَّ مِنْ نَظَرِ النِّسَاءِ إلَيْهَا لِلْحَاجَةِ إلَى فَصْلِ الْخُصُومَةِ بَيْنَهُمَا، فَإِذَا نَظَرْنَ إلَيْهَا وَشَهِدْنَ فَإِمَّا أَنْ تَتَأَيَّدَ شَهَادَتُهُنَّ بِمُؤَيِّدٍ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ كَانَتْ شَهَادَتُهُنَّ حُجَّةً، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي لَا بُدَّ أَنْ يَنْضَمَّ إلَيْهَا مَا يُؤَيِّدُهَا، فَعَلَى هَذَا إذَا شَهِدْنَ بِأَنَّهَا بِكْرٌ فَإِنْ كَانَتْ مَهِيرَةً تُؤَجَّلُ فِي الْعِنِّينِ سَنَةً وَيُفَرَّقُ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ تَأَيَّدَتْ بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْبَكَارَةُ، وَإِنْ كَانَتْ مَبِيعَةً بِشَرْطِ الْبَكَارَةِ فَلَا يَمِينَ عَلَى الْبَائِعِ لِذَلِكَ وَلِمُقْتَضَى الْبَيْعِ وَهُوَ اللُّزُومُ، وَإِنْ قُلْنَ إنَّهَا ثَيِّبٌ يَحْلِفُ الْبَائِعُ لِيَنْضَمَّ نُكُولُهُ إلَى قَوْلِهِنَّ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ قَوِيٌّ وَشَهَادَتَهُنَّ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ لَمْ تَتَأَيَّدْ بِمُؤَيِّدٍ فَيَحْلِفُ بَعْدَ الْقَبْضِ بِاَللَّهِ لَقَدْ سَلَّمْتهَا بِحُكْمِ الْبَيْعِ وَهِيَ بِكْرٌ وَقَبْلَهُ بِاَللَّهِ لَقَدْ بِعْتهَا وَهِيَ بِكْرٌ، فَإِنْ حَلَفَ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ وَإِنْ نَكَلَ تُرَدُّ عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: شَهَادَةُ النِّسَاءِ حُجَّةٌ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ فَيَجِبُ بِالرَّدِّ بِقَوْلِهِنَّ وَالتَّحْلِيفُ تَرْكُ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ. أَجَابَ بِأَنَّ الْعَيْبَ يَثْبُتُ بِقَوْلِهِنَّ يَعْنِي فِي حَقِّ سَمَاعِ الدَّعْوَى وَالتَّحْلِيفِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا ادَّعَى عَيْبًا فِي الْمَبِيعِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ إثْبَاتِ قِيَامِهِ بِهِ فِي الْحَالِ لِيَثْبُتَ لَهُ وِلَايَةُ

قَالَ (وَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ الْعَدَالَةِ وَلَفْظَةِ الشَّهَادَةِ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الشَّاهِدُ لَفْظَةَ الشَّهَادَةِ وَقَالَ أَعْلَمُ أَوْ أَتَيَقَّنُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ) أَمَّا الْعَدَالَةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَلِأَنَّ الْعَدَالَةَ هِيَ الْمُعِينَةُ لِلصِّدْقِ، لِأَنَّ مَنْ يَتَعَاطَى غَيْرَ الْكَذِبِ قَدْ يَتَعَاطَاهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْفَاسِقَ إذَا كَانَ وَجِيهًا فِي النَّاسِ ذَا مُرُوءَةٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَأْجَرُ لِوَجَاهَتِهِ وَيَمْتَنِعُ عَنْ الْكَذِبِ لِمُرُوءَتِهِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّحْلِيفِ، وَإِلَّا كَانَ الْقَوْلُ لِلْبَائِعِ لِتَمَسُّكِهِ بِالْأَصْلِ. فَإِذَا قُلْت: إنَّهَا ثَيِّبٌ ثَبَتَ الْعَيْبُ فِي الْحَالِ وَعُمِلَ بِالْحَدِيثِ ثُمَّ يَحْلِفُ الْبَائِعُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهَا ذَلِكَ الْعَيْبُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَتْ فِي يَدِهِ. وَأَمَّا شَهَادَتُهُنَّ عَلَى اسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ فَفِي حَقِّ الْإِرْثِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - غَيْرُ مَقْبُولَةٍ؛ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَالَ صَوْتُ الصَّبِيِّ عِنْدَ الْوِلَادَةِ وَهُوَ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ فَلَا تَكُونُ شَهَادَتُهُنَّ فِيهِ حُجَّةً لَكِنَّهَا فِي حَقِّ الصَّلَاةِ مَقْبُولَةٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ وَشَهَادَتُهُنَّ فِيهَا حُجَّةٌ كَشَهَادَتِهِنَّ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ. وَعِنْدَهُمَا فِي حَقِّ الْإِرْثِ أَيْضًا مَقْبُولَةٌ؛ لِأَنَّهُ صَوْتٌ عِنْدَ الْوِلَادَةِ وَالرِّجَالُ لَا يَحْضُرُهَا عَادَةً فَصَارَ كَشَهَادَتِهِنَّ عَلَى نَفْسِ الْوِلَادَةِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ إمْكَانُ الِاطِّلَاعِ وَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ فَلَا مُعْتَبَرَ بِشَهَادَتِهِنَّ، وَنَفْسُ الْوِلَادَةِ هُوَ انْفِصَالُ الْوَلَدِ عَنْ الْأُمِّ وَذَلِكَ لَا يُشَارِكُ الرِّجَالُ فِيهِ النِّسَاءَ. (قَالَ وَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ الْعَدَالَةِ إلَخْ) لَا بُدَّ فِي الْمَالِ وَغَيْرِهِ مَعَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ شُرُوطِ الشَّهَادَةِ الْعَدَالَةُ وَهِيَ كَوْنُ حَسَنَاتِ الرَّجُلِ أَكْثَرَ مِنْ سَيِّئَاتِهِ، وَهَذَا يَتَنَاوَلُ الِاجْتِنَابَ عَنْ الْكَبَائِرِ وَتَرْكَ الْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغَائِرِ (وَلَفْظُهُ الشَّهَادَةَ) حَتَّى لَوْ قَالَ الشَّاهِدُ عِنْدَ الشَّهَادَةِ أَعْلَمُ أَوْ أَتَيَقَّنُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ (أَمَّا اشْتِرَاطُ) الْعَدَالَةِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] وَالْفَاسِقُ لَا يَكُونُ مَرَضِيًّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] (وَلِأَنَّ) الشَّهَادَةَ حُجَّةٌ بِاعْتِبَارِ الصِّدْقِ وَ (الْعَدَالَةُ هِيَ الْمُعَيِّنَةُ لِلصِّدْقِ) فَهِيَ عِلَّةُ الْحُجِّيَّةِ وَمَا سِوَاهَا مُعَدَّاتٌ (؛ لِأَنَّ مَنْ يَتَعَاطَى غَيْرَ الْكَذِبِ) مِنْ مَحْظُورَاتِ دِينِهِ (فَقَدْ يَتَعَاطَاهُ أَيْضًا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْفَاسِقَ إذَا كَانَ وَجِيهًا) أَيْ ذَا قَدْرٍ وَشَرَفٍ (فِي النَّاسِ ذَا مُرُوءَةٍ) أَيْ إنْسَانِيَّةٍ وَالْهَمْزَةُ وَتَشْدِيدُ الْوَاوِ فِيهَا لُغَتَانِ (تُقْبَلُ) شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَأْجَرُ لِوَجَاهَتِهِ وَيَمْتَنِعُ عَنْ الْكَذِبِ لِمُرُوءَتِهِ، (وَالْأَوَّلُ) يَعْنِي عَدَمَ قَبُولِ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ مُطْلَقًا وَجِيهًا ذَا مُرُوءَةٍ كَانَ أَوْ لَا (أَصَحُّ) ؛ لِأَنَّ قَبُولَهُمَا إكْرَامٌ لِلْفَاسِقِ

إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ يَصِحُّ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَصِحُّ، وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ. وَأَمَّا لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ فَلِأَنَّ النُّصُوصَ نَطَقَتْ بِاشْتِرَاطِهَا إذْ الْأَمْرُ فِيهَا بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَلِأَنَّ فِيهَا زِيَادَةَ تَوْحِيدٍ، فَإِنَّ قَوْلَهُ أَشْهَدُ مِنْ أَلْفَاظِ الْيَمِينِ كَقَوْلِهِ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ فَكَانَ الِامْتِنَاعُ عَنْ الْكَذِبِ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ أَشَدَّ. وَقَوْلُهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إشَارَةٌ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ حَتَّى يُشْتَرَطَ الْعَدَالَةُ، وَلَفْظَةُ الشَّهَادَةِ فِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ فِي الْوِلَادَةِ وَغَيْرِهَا هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَنَحْنُ أُمِرْنَا بِخِلَافِ ذَلِكَ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا لَقِيت الْفَاسِقَ فَالْقَهُ بِوَجْهٍ مُكْفَهِرٍّ» وَالْمُعْلِنُ بِالْفِسْقِ لَا مُرُوءَةَ لَهُ (لَكِنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ صَحَّ عِنْدَنَا، وَأَمَّا لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ فَلِأَنَّ النُّصُوصَ نَطَقَتْ بِاشْتِرَاطِهَا إذْ الْأَمْرُ فِيهَا بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا عَلِمْت مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ وَإِلَّا فَدَعْ» (وَلِأَنَّ فِي لَفْظَةِ الشَّهَادَةِ زِيَادَةَ تَوْكِيدٍ) لِدَلَالَتِهَا عَلَى الْمُشَاهَدَةِ (وَلِأَنَّ قَوْلَهُ أَشْهَدُ مِنْ أَلْفَاظِ الْيَمِينِ فَكَانَ الِامْتِنَاعُ عَنْ الْكَذِبِ بِهَذَا اللَّفْظِ أَشَدُّ) وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِخِلَافِ لَفْظِ التَّكْبِيرِ فِي الِافْتِتَاحِ فَإِنَّهُ لِلتَّعْظِيمِ فَيَجُوزُ تَبْدِيلُ مَا هُوَ أَصْرَحُ فِيهِ بِهِ (قَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ كُلِّهِ) يُرِيدُ بِهِ مَا وَقَعَ فِي الْمُخْتَصَرِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ: أَيْ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ حَتَّى يُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ، وَلَفْظَةُ الشَّهَادَةِ فِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ فِي الْوِلَادَةِ وَغَيْرِهَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْإِلْزَامِ حَتَّى اُخْتُصَّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَاشْتُرِطَ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ. وَقَوْلُهُ: هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْعِرَاقِيِّينَ فَإِنَّهُمْ لَا يَشْتَرِطُونَ فِيهَا لَفْظَةَ الشَّهَادَةِ، فَإِذَا أَقَامَ

شَهَادَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْإِلْزَامِ حَتَّى اخْتَصَّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَقْتَصِرُ الْحَاكِمُ عَلَى ظَاهِرِ الْعَدَالَةِ فِي الْمُسْلِمِ وَلَا يَسْأَلُ عَنْ حَالِ الشُّهُودِ حَتَّى يَطْعَنَ الْخَصْمُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، إلَّا مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ» وَمِثْلُ ذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ الِانْزِجَارُ عَمَّا هُوَ مُحَرَّمٌ دِينُهُ، وَبِالظَّاهِرِ كِفَايَةٌ إذْ لَا وُصُولَ إلَى الْقَطْعِ. (إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فَإِنَّهُ يَسْأَلُ عَنْ الشُّهُودِ) لِأَنَّهُ يَحْتَالُ لِإِسْقَاطِهَا فَيُشْتَرَطُ الِاسْتِقْصَاءُ فِيهَا، وَلِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِيهَا دَارِئَةٌ، وَإِنْ طَعَنَ الْخَصْمُ فِيهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُدَّعِي الشُّهُودَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَطْعَنَ الْخَصْمُ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَقْتَصِرُ الْحَاكِمُ عَلَى ظَاهِرِ الْعَدَالَةِ فِي الْمُسْلِمِ وَلَا يَسْأَلُ عَنْ الشُّهُودِ حَتَّى يَطْعَنَ الْخَصْمُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلَّا مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ» وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ الِانْزِجَارُ عَمَّا هُوَ مُحَرَّمٌ فِي دِينِهِ وَبِالظَّاهِرِ كِفَايَةٌ. فَإِنْ قِيلَ: الظَّاهِرُ يَكْفِي لِلدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ، وَهَاهُنَا يَثْبُتُ لِلْمُدَّعِي اسْتِحْقَاقُ الْمُدَّعَى بِهِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ. فَالْجَوَابُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ إذْ لَا وُصُولَ إلَى الْقَطْعِ، وَبَيَانُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكْتَفِ بِالظَّاهِرِ لَاحْتِيجَ إلَى التَّزْكِيَةِ وَقَبُولُ قَوْلِ الْمُزَكِّي فِي التَّعْدِيلِ أَيْضًا عَمَلٌ بِالظَّاهِرِ لِمَا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ قَوْلَ الْمُزَكِّي صِدْقٌ فَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْأَوَّلِ وَهَلُمَّ جَرًّا، وَيَدُورُ أَوْ يَتَسَلْسَلُ. وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: بِالظَّاهِرِ هَاهُنَا اُعْتُبِرَ لِلرَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ دَعْوَى الْمُدَّعِي وَإِنْكَارَ الْخَصْمِ تَعَارَضَا، وَشَهَادَةُ الشُّهُودِ وَبَرَاءَةُ الذِّمَّةِ كَذَلِكَ، وَبِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ انْدَفَعَ مُعَارَضَةُ الذِّمَّةِ فَكَانَ دَافِعًا. (قَوْلُهُ: إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يَسْأَلُ عَنْ الشُّهُودِ حَتَّى يَطْعَنَ الْخَصْمُ، إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فَإِنَّهُ يَسْأَلُ عَنْ الشُّهُودِ لِأَنَّهُ يَحْتَالُ لِإِسْقَاطِهَا فَيُشْتَرَطُ الِاسْتِقْصَاءُ فِيهَا؛ وَلِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِيهَا دَارِئَةٌ فَيَسْأَلُ عَنْهَا

سَأَلَ عَنْهُمْ لِأَنَّهُ تَقَابَلَ الظَّاهِرَانِ فَيَسْأَلُ طَلَبًا لِلتَّرْجِيحِ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا بُدَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُمْ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ) لِأَنَّ الْقَضَاءَ مَبْنَاهُ عَلَى الْحُجَّةِ وَهِيَ شَهَادَةُ الْعُدُولِ فَيَتَعَرَّفُ عَنْ الْعَدَالَةِ، وَفِيهِ صَوْنُ قَضَائِهِ عَنْ الْبُطْلَانِ. وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَسَى يَطَّلِعُ عَلَى مَا يَسْقُطُ بِهِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ يَسْأَلُ عَنْهُمْ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ حَالِ الْمُسْلِمِ فِي الشُّهُودِ مُعَارَضٌ بِحَالِ الْخَصْمِ إذَا طَعَنَ فِيهِمْ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَكْذِبُ بِالطَّعْنِ عَلَى مُسْلِمٍ لِأَجْلِ حُطَامِ الدُّنْيَا فَيَحْتَاجُ الْقَاضِي حِينَئِذٍ إلَى التَّرْجِيحِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا بُدَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُمْ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْقَضَاءِ عَلَى الْحُجَّةِ وَهِيَ شَهَادَةُ الْعُدُولِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعَرُّفِ عَنْ الْعَدَالَةِ، وَفِي السُّؤَالِ صَوْنُ الْقَضَاءِ عَنْ الْبُطْلَانِ عَلَى تَقْدِيرِ ظُهُورِ الشُّهُودِ عَبِيدًا أَوْ كُفَّارًا (وَقِيلَ هَذَا) الِاخْتِلَافُ (اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ) ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَجَابَ فِي زَمَانِهِ وَكَانَ الْغَالِبُ مِنْهُمْ عُدُولًا. وَهُمَا أَجَابَا فِي زَمَانِهِمَا وَقَدْ تَغَيَّرَ النَّاسُ وَكَثُرَ الْفَسَادُ، وَلَوْ شَاهَدَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ

وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ. قَالَ (ثُمَّ التَّزْكِيَةُ فِي السِّرِّ أَنْ يَبْعَثَ الْمَسْتُورَةَ إلَى الْمُعَدِّلِ فِيهَا النَّسَبُ وَالْحَلْيُ وَالْمُصَلَّى وَيَرُدُّهَا الْمُعَدِّلُ) كُلُّ ذَلِكَ فِي السِّرِّ كَيْ لَا يَظْهَرَ فَيُخْدَعَ أَوْ يُقْصَدَ (وَفِي الْعَلَانِيَةِ لَا بُدَّ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمُعَدِّلِ وَالشَّاهِدِ) لِتَنْتَفِي شُبْهَةُ تَعْدِيلِ غَيْرِهِ، وَقَدْ كَانَتْ الْعَلَانِيَةُ وَحْدَهَا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَوَقَعَ الِاكْتِفَاءُ بِالسِّرِّ فِي زَمَانِنَا تَحَرُّزًا عَنْ الْفِتْنَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَقَالَ بِقَوْلِهِمَا. وَلِهَذَا قَالَ (وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ) قَالَ (ثُمَّ التَّزْكِيَةُ فِي السِّرِّ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ التَّزْكِيَةَ عَلَى نَوْعَيْنِ تَزْكِيَةٌ فِي السِّرِّ وَتَزْكِيَةٌ فِي الْعَلَانِيَةِ. فَالْأُولَى (أَنْ يَبْعَثَ الْقَاضِي الْمَسْتُورَةَ) وَهِيَ الرُّقْعَةُ الَّتِي يَكْتُبُهَا الْقَاضِي وَيَبْعَثُهَا سِرًّا بِيَدِ أَمِينِهِ إلَى الْمُزَكِّي سُمِّيَتْ بِهَا؛ لِأَنَّهَا تُسْتَرُ عَنْ نَظَرِ الْعَوَامّ (إلَى الْمُعَدِّلِ) مَكْتُوبًا (فِيهَا النَّسَبُ وَالْحُلَى) بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا جَمْعُ حِلْيَةِ الْإِنْسَانِ صِفَتُهُ وَمَا يُرَى مِنْهُ مِنْ لَوْنٍ وَغَيْرِهِ (وَالْمُصَلَّى) أَيْ مَسْجِدُ الْمَحَلَّةِ حَتَّى يَعْرِفَهُ الْمُعَدِّلُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْعَثَ إلَى مَنْ كَانَ عَدْلًا يُمْكِنُ الِاعْتِمَادُ عَلَى قَوْلِهِ وَصَاحِبِ خِبْرَةٍ بِالنَّاسِ بِالِاخْتِلَاطِ بِهِمْ يَعْرِفُ الْعَدْلَ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا يَكُونُ طَمَّاعًا وَلَا فَقِيرًا يُتَوَهَّمُ خِدَاعُهُ بِالْمَالِ، وَفَقِيهًا يَعْرِفُ أَسْبَابَ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ مِنْ جِيرَانِهِ وَأَهْلِ سُوقِهِ، فَمَنْ عَرَفَهُ بِالْعَدَالَةِ يَكْتُبُ تَحْتَ اسْمِهِ فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَيْهِ عَدْلٌ جَائِزُ الشَّهَادَةِ، وَمَنْ عَرَفَهُ بِالْفِسْقِ لَا يَكْتُبُ شَيْئًا احْتِرَازًا عَنْ الْهَتْكِ، أَوْ يَقُولُ: اللَّهُ يَعْلَمُ إلَّا إذَا عَدَّلَهُ غَيْرُهُ وَخَافَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ يَقْضِي الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِ فَحِينَئِذٍ يُصَرِّحُ بِذَلِكَ، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ بِعَدَالَةٍ أَوْ فِسْقٍ يَكْتُبُ تَحْتَ اسْمِهِ مَسْتُورٌ وَيَرُدُّهَا الْمُعَدِّلُ إلَى الْحَاكِمِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ ذَلِكَ سِرًّا كَيْ لَا يَظْهَرَ فَيُخْدَعَ أَوْ يَقْصِدَ الْخِدَاعَ. وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَجْمَعَ الْحَاكِمُ بَيْنَ الْمُعَدِّلِ وَالشَّاهِدِ فَيَقُولُ الْمُعَدِّلُ هَذَا الَّذِي عَدَّلْته يُشِيرُ إلَى الشَّاهِدِ لِتَنْتَفِيَ شُبْهَةُ تَعْدِيلِ غَيْرِهِ، فَإِنَّ الشَّخْصَيْنِ قَدْ يَتَّفِقَانِ فِي الِاسْمِ وَالنِّسْبَةِ؛ وَقَدْ كَانَتْ التَّزْكِيَةُ بِالْعَلَانِيَةِ وَحْدَهَا فِي عَهْدِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؛ لِأَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا صُلَحَاءَ وَالْمُعَدِّلُ مَا كَانَ يَتَوَقَّى عَنْ الْجَرْحِ لِعَدَمِ مُقَابَلَتِهِمْ الْجَارِحَ بِالْأَذَى (وَوَقَعَ الِاكْتِفَاءُ بِالسِّرِّ فِي زَمَانِنَا) ؛ لِأَنَّ الْعَلَانِيَةَ

وَيُرْوَى عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ بَلَاءٌ وَفِتْنَةٌ. ثُمَّ قِيلَ: لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ الْمُعَدِّلُ هُوَ عَدْلٌ جَائِزُ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الْعَبْدَ قَدْ يُعَدَّلُ، وَقِيلَ يَكْتَفِي بِقَوْلِهِ هُوَ عَدْلٌ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ ثَابِتَةٌ بِالدَّارِ وَهَذَا أَصَحُّ. قَالَ (وَفِي قَوْلِ مَنْ رَأَى أَنْ يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْخَصْمِ إنَّهُ عَدْلٌ) مَعْنَاهُ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ يَجُوزُ تَزْكِيَتُهُ، لَكِنْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَضُمُّ تَزْكِيَةَ الْآخَرِ إلَى تَزْكِيَتِهِ لِأَنَّ الْعَدَدَ عِنْدَهُ شَرْطٌ. وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ فِي زَعْمِ الْمُدَّعِي وَشُهُودِهِ أَنَّ الْخَصْمَ كَاذِبٌ فِي إنْكَارِهِ مُبْطَلٌ فِي إصْرَارِهِ فَلَا يَصْلُحُ مُعَدِّلًا، وَمَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ إذَا قَالَ هُمْ عُدُولٌ إلَّا أَنَّهُمْ أَخْطَئُوا أَوْ نَسُوا، أَمَّا إذَا قَالَ صَدَقُوا أَوْ هُمْ عُدُولٌ صَدَقَةٌ فَقَدْ اعْتَرَفَ بِالْحَقِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبَلَاءٌ وَفِتْنَةٌ لِمُقَابَلَتِهِمْ الْجَارِحَ بِالْأَذَى (يُرْوَى عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ بَلَاءٌ وَفِتْنَةٌ. ثُمَّ قِيلَ: لَا بُدَّ لِلْمُعَدِّلِ أَنْ يَقُولَ هُوَ عَدْلٌ جَائِزُ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ قَدْ يُعَدَّلُ، وَقِيلَ يُكْتَفَى بِقَوْلِهِ هُوَ عَدْلٌ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ ثَابِتَةٌ بِالدَّارِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا أَصَحُّ) ؛ لِأَنَّ فِي زَمَانِنَا كُلَّ مَنْ نَشَأَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَانَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ الْحُرِّيَّةَ وَلِهَذَا لَا يَسْأَلُ الْقَاضِي عَنْ إسْلَامِهِ وَحُرِّيَّتِهِ وَإِنَّمَا يَسْأَلُ عَنْ عَدَالَتِهِ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى طَرِيقَةِ قَوْلِهِ فِي الْمُزَارَعَةِ مِنْ التَّخْرِيجِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُلْ بِالسُّؤَالِ إذَا سَأَلَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُمْ عُدُولٌ إلَّا أَنَّهُمْ أَخْطَئُوا أَوْ نَسُوا، وَيُقْبَلُ إذَا قَالَ صَدَقُوا أَوْ هُمْ عُدُولٌ صَدَقَةٌ؛ لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ بِالْحَقِّ. (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ يَجُوزُ تَزْكِيَتُهُ لَكِنْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَضُمُّ تَزْكِيَةَ آخَرَ إلَى تَزْكِيَتِهِ؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ شَرْطٌ عِنْدَهُ) هَذَا إذَا كَانَ عَدْلًا يَصْلُحُ مُزَكِّيًا، فَإِنْ كَانَ فَاسِقًا أَوْ مَسْتُورًا وَسَكَتَ عَنْ جَوَابِ الْمُدَّعِي وَلَمْ يَجْحَدْهُ فَلَمَّا شَهِدُوا عَلَيْهِ قَالَ هُمْ عُدُولٌ لَا يَصِحُّ هَذَا التَّعْدِيلُ؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ فِي الْمُزَكِّي عِنْدَ الْكُلِّ (وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ فِي زَعْمِ الْمُدَّعِي وَشُهُودِهِ أَنَّ الْخَصْمَ كَاذِبٌ فِي إنْكَارِهِ مُبْطِلٌ فِي إصْرَارِهِ فَلَا يَصْلُحُ مُعَدِّلًا) لِاشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: تَعْدِيلُ الْخَصْمِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِثُبُوتِ الْحَقِّ عَلَيْهِ فَكَانَ مَقْبُولًا؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الْمُقِرِّ بِالِاتِّفَاقِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ (وَمَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ إذْ قَالَ هُمْ عُدُولٌ إلَّا أَنَّهُمْ أَخْطَئُوا أَوْ نَسُوا) وَمِثْلُهُ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ بِالْحَقِّ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مُشْتَمِلٌ عَلَى

(وَإِذَا كَانَ رَسُولُ الْقَاضِي الَّذِي يَسْأَلُ عَنْ الشُّهُودِ وَاحِدًا جَازَ وَالِاثْنَانِ أَفْضَلُ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ إلَّا اثْنَانِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْمُزَكِّي، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ رَسُولُ الْقَاضِي إلَى الْمُزَكِّي وَالْمُتَرْجِمُ عَنْ الشَّاهِدِ لَهُ أَنَّ التَّزْكِيَةَ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْقَضَاءِ تَنْبَنِي عَلَى ظُهُورِ الْعَدَالَةِ وَهُوَ بِالتَّزْكِيَةِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ كَمَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ فِيهِ، وَتُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ فِي الْمُزَكِّي وَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ وَمَجْلِسُ الْقَضَاءِ، وَاشْتِرَاطُ الْعَدَدِ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ فِي الشَّهَادَةِ فَلَا يَتَعَدَّاهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِقْرَارِ وَغَيْرِهِ فَيُصَدَّقُ فِي الْإِقْرَارِ عَلَى نَفْسِهِ وَيَرُدُّ الْغَيْرَ لِلتُّهْمَةِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا إقْرَارَ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ نَسَبَهُمْ فِي ذَلِكَ إلَى الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ فَأَنَّى يَكُونُ إقْرَارًا. قَالَ (وَإِذَا كَانَ رَسُولُ الْقَاضِي الَّذِي يَسْأَلُ عَنْ الشُّهُودِ) بِلَفْظِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ (وَاحِدًا جَازَ وَالِاثْنَانِ أَفْضَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ إلَّا اثْنَانِ) ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّسُولِ هَاهُنَا هُوَ الْمُزَكِّي، وَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ الْفِعْلُ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ (وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ رَسُولُ الْقَاضِي إلَى الْمُزَكِّي) وَرَسُولُ الْمُزَكِّي إلَى الْقَاضِي (وَالْمُتَرْجِمُ عَنْ الشَّاهِدِ. لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ التَّزْكِيَةَ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْقَضَاءِ تُبْتَنَى عَلَى ظُهُورِ الْعَدَالَةِ وَالْعَدَالَةُ بِالتَّزْكِيَةِ) فَوِلَايَةُ الْقَضَاءِ تُبْتَنَى عَلَى ظُهُورِ التَّزْكِيَةِ، وَإِذَا كَانَتْ فِي مَعْنَاهَا (يُشْتَرَطُ فِيهَا شَرَائِطُهَا مِنْ الْعَدَدِ وَغَيْرِهِ كَمَا اُشْتُرِطَ الْعَدَالَةُ وَيُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ فِيهِ فِي الْحُدُودِ) وَالْأَرْبَعَةُ فِي تَزْكِيَةِ شُهُودِ الزِّنَا (وَلَهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ وَمَجْلِسُ الْقَضَاءِ) فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مَا اُشْتُرِطَ فِيهَا، سَلَّمْنَا ذَلِكَ لَكِنَّ اشْتِرَاطَ الْعَدَدِ فِي الشَّهَادَةِ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ

[فصل ما يتحمله الشاهد على ضربين]

(وَلَا يُشْتَرَطُ أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ فِي الْمُزَكِّي فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ) حَتَّى صَلُحَ الْعَبْدُ مُزَكِّيًا، فَأَمَّا فِي تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ فَهُوَ شَرْطٌ، وَكَذَا الْعَدَدُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَا قَالَهُ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِاخْتِصَاصِهَا بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ. قَالُوا: يُشْتَرَطُ الْأَرْبَعَةُ فِي تَزْكِيَةِ شُهُودِ الزِّنَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (فَصْلٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ لِبَقَاءِ احْتِمَالِ الْكَذِبِ فِيهَا؛ لِأَنَّ انْقِطَاعَهُ إنَّمَا يَكُونُ بِالتَّوَاتُرِ وَرُجْحَانُ الصِّدْقِ إنَّمَا هُوَ بِالْعَدَالَةِ لَا الْعَدَدِ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْإِخْبَارِ فَلَمْ يَثْبُتْ بِالْعَدَدِ الْمَشْرُوطِ لَا الْعِلْمُ وَلَا الْعَمَلُ لَكِنْ تَرَكْنَا ذَلِكَ بِالنُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى الْعَدَدِ فَلَا يَتَعَدَّاهَا إلَى التَّزْكِيَةِ. فَإِنْ قِيلَ: فَتُلْحَقُ بِهَا بِالدَّلَالَةِ وَمُوَافَقَةُ الْقِيَاسِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِيهَا. فَالْجَوَابُ أَنَّهُ إنَّمَا أُلْحِقَ لَوْ كَانَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ فَتَعَذَّرَ الْإِلْحَاقُ وَالتَّعَدِّيَةُ جَمِيعًا. (قَالَ: وَلَا يُشْتَرَطُ أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ إلَخْ) تَزْكِيَةُ السِّرِّ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُزَكَّى فِيهَا أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ فَصَلَحَ الْعَبْدُ مُزَكِّيًا لِمَوْلَاهُ وَغَيْرِهِ وَالْوَالِدُ لِوَلَدِهِ وَعَكْسُهُ (فَأَمَّا تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ فَهِيَ شَرْطٌ، وَكَذَلِكَ الْعَدَدُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَا قَالَهُ الْخَصَّافُ) وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْعَدَدِ فِي تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ يُنَافِي عَدَمَ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ؛ لِأَنَّ الْمُزَكِّي فِي السِّرِّ هُوَ الْمُزَكِّي فِي الْعَلَانِيَةِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْخَصَّافَ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْمُزَكِّي فِي السِّرِّ غَيْرَ الْمُزَكِّي فِي الْعَلَانِيَةِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَدَدُ شَرْطًا فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ عَلَى مَا قَالَهُ الْخَصَّافُ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: شَرَطَ الْخَصَّافُ أَنْ يَكُونَ الْمُزَكِّي فِي الْعَلَانِيَةِ غَيْرَ الْمُزَكِّي فِي السِّرِّ، أَمَّا عِنْدَنَا فَاَلَّذِي يُزَكِّيهِمْ فِي السِّرِّ يُزَكِّيهِمْ فِي الْعَلَانِيَةِ [فَصْلٌ مَا يَتَحَمَّلُهُ الشَّاهِدُ عَلَى ضَرْبَيْنِ] فَصْلٌ:

وَمَا يَتَحَمَّلُهُ الشَّاهِدُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ بِنَفْسِهِ مِثْلُ الْبَيْعِ وَالْإِقْرَارِ وَالْغَصْبِ وَالْقَتْلِ وَحُكْمِ الْحَاكِمِ، فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ الشَّاهِدُ أَوْ رَآهُ وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ (لِأَنَّهُ عَلِمَ مَا هُوَ الْمُوجِبُ بِنَفْسِهِ) وَهُوَ الرُّكْنُ فِي إطْلَاقِ الْأَدَاءِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] وَقَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا عَلِمْت مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ وَإِلَّا فَدَعْ» قَالَ (وَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ بَاعَ وَلَا يَقُولُ أَشْهَدَنِي) لِأَنَّهُ كَذِبٌ، وَلَوْ سَمِعَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ، وَلَوْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي لَا يَقْبَلُهُ لِأَنَّ النَّغْمَةَ تُشْبِهُ النَّغْمَةَ فَلَمْ يَحْصُلْ الْعِلْمُ إلَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ مَرَاتِبِ الشَّهَادَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَنْوَاعِ مَا يَتَحَمَّلُهُ الشَّاهِدُ. وَهُوَ عَلَى نَوْعَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى الْإِشْهَادِ مِثْلُ الْبَيْعِ وَالْإِقْرَارِ وَالْغَصْبِ وَالْقَتْلِ وَحُكْمِ الْحَاكِمِ، فَإِذَا سَمِعَ الشَّاهِدُ مَا كَانَ مِنْ الْمَسْمُوعَاتِ كَالْبَيْعِ وَالْإِقْرَارِ وَحُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْ رَأَى مَا كَانَ مِنْ الْمُبْصَرَاتِ كَالْغَصْبِ وَالْقَتْلِ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ مَا هُوَ الْمُوجِبُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ الْحَادِثَةُ بِمَا يُوجِبُهُ. وَكُلُّ مَنْ عَلِمَ ذَلِكَ جَازَ لَهُ الْأَدَاءُ بِوُجُودِ مَا هُوَ الرُّكْنُ فِي جَوَازِ الْأَدَاءِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا عَلِمْت مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ وَإِلَّا فَدَعْ» قِيلَ جَعْلُ الْعِلْمِ بِالْمُوجِبِ رُكْنًا فِي الْأَدَاءِ مُخَالِفٌ لِلنَّصَّيْنِ جَمِيعًا فَإِنَّهُمَا يَدُلَّانِ عَلَى شَرْطِيَّتِهِ لَا عَلَى رُكْنِيَّتِهِ، إذْ الْأَحْوَالُ شُرُوطٌ وَإِذَا مَوْضُوعَةٌ لِلشَّرْطِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَجَازٌ عَنْ الشَّرْطِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِذَلِكَ إشَارَةً إلَى شِدَّةِ احْتِيَاجِ الْأَدَاءِ إلَيْهِ. قَالَ (وَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ بَاعَ إلَخْ) إذَا سَمِعَ الْمُبَايَعَةَ وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهَا وَاحْتِيجَ إلَى الشَّهَادَةِ يَقُولُ الشَّاهِدُ أَشْهَدُ إنَّهُ بَاعَ (وَلَا يَقُولُ أَشْهَدَنِي؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ وَلَوْ سَمِعَ الْإِقْرَارَ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) يُحْجَبُ عَنْ رُؤْيَةِ شَخْصِ الْمُقِرِّ (لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ وَلَوْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي) بِأَنْ قَالَ أَشْهَدُ بِالسَّمَاعِ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ (لَا يَقْبَلُهُ؛ لِأَنَّ النَّغْمَةَ) وَهُوَ الْكَلَامُ الْخَفِيُّ (تُشْبِهُ النَّغْمَةَ) وَالْمُشْتَبَهُ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ فَانْتَفَى الْمُطْلَقُ لِلْأَدَاءِ. وَقَوْلُهُ: (إلَّا)

إذَا كَانَ دَخَلَ الْبَيْتَ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ سِوَاهُ ثُمَّ جَلَسَ عَلَى الْبَابِ وَلَيْسَ فِي الْبَيْتِ مَسْلَكٌ غَيْرُهُ فَسَمِعَ إقْرَارَ الدَّاخِلِ وَلَا يَرَاهُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ لِأَنَّهُ حَصَلَ الْعِلْمُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. (وَمِنْهُ مَا لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيهِ بِنَفْسِهِ مِثْلُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، فَإِذَا سَمِعَ شَاهِدًا يَشْهَدُ بِشَيْءٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا كَانَ اسْتِثْنَاءً مِنْ قَوْلِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ إلَّا إذَا كَانَ دَخَلَ الْبَيْتَ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ سِوَاهُ ثُمَّ جَلَسَ عَلَى الْبَابِ وَلَيْسَ لِلْبَيْتِ مَسْلَكٌ غَيْرُهُ فَسَمِعَ إقْرَارَ الدَّاخِلِ وَلَا يَرَاهُ وَشَهِدَ عِنْدَهُ اثْنَانِ بِأَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ حِينَئِذٍ، وَكَذَا إذَا رَأَى شَخْصَ الْمُقِرِّ حَالَ الْإِقْرَارِ لِرِقَّةِ الْحِجَابِ، وَلَيْسَتْ رُؤْيَةُ الْوَجْهِ شَرْطًا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ الْعِلْمُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. قَالَ (وَمِنْهُ مَا لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيهِ بِنَفْسِهِ إلَخْ) النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الشَّهَادَةِ مَا لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيهِ بِنَفْسِهِ (مِثْلُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ فَإِنَّهَا لَا يَثْبُتُ بِهَا الْحُكْمُ مَا لَمْ يَشْهَدْ، فَإِذَا سَمِعَ شَاهِدًا يَشْهَدُ بِشَيْءٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ

إلَّا أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهَا) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ غَيْرُ مُوجِبَةٍ بِنَفْسِهَا، وَإِنَّمَا تَصِيرُ مُوجِبَةً بِالنَّقْلِ إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِنَابَةِ وَالتَّحْمِيلِ وَلَمْ يُوجَدْ (وَكَذَا لَوْ سَمِعَهُ يُشْهِدُ الشَّاهِدَ عَلَى شَهَادَتِهِ لَمْ يَسَعْ لِلسَّامِعِ أَنْ يَشْهَدَ) لِأَنَّهُ مَا حَمَلَهُ وَإِنَّمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ) أَيْ شَهَادَةَ الْأُصُولِ (مُوجِبَةٌ بِالنَّقْلِ إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ) وَلَا يَكُونُ النَّقْلُ إلَّا بِالْإِنَابَةِ وَالتَّحْمِيلِ. وَالْأَوَّلُ إشَارَةٌ إلَى مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ يَقُولُ بِطَرِيقِ التَّوْكِيلِ وَلَا تَوْكِيلَ إلَّا بِأَمْرِ الْمُوَكِّلِ، وَالثَّانِي إشَارَةٌ إلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَإِنَّهُمَا لَمْ يَجْعَلَاهُ بِطَرِيقِ التَّوْكِيلِ بَلْ بِطَرِيقِ التَّحْمِيلِ. قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَإِنَّ الْحُكْمَ يُضَافُ إلَى الْفُرُوعِ، لَكِنَّ تَحَمُّلَهُمْ إنَّمَا يَصِحُّ بِعِيَانِ مَا هُوَ حُجَّةٌ، وَالشَّهَادَةُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ فَيَجِبُ النَّقْلُ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي لِيَصِيرَ حُجَّةً فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ التَّحْمِيلَ حَصَلَ بِمَا هُوَ حُجَّةٌ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ النَّقْلِ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ التَّحْمِيلِ، وَفِيهِ مُطَالَبَةٌ؛ لِأَنَّا سَلَّمْنَا أَنَّ النَّقْلَ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَلَكِنَّ تَوَقُّفَهُ عَلَى التَّحْمِيلِ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ، فَلَوْ سَلَكْنَا فِيهِ أَنْ نَقُولَ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ تَحْمِيلٌ؛ لِأَنَّا لَا نَعْنِي بِهَا إلَّا ذَلِكَ، وَلَا تَحْمِيلَ فِيمَا لَا يَشْهَدُ ثَمَّ الْبَيَانُ، وَعَلَى هَذَا إذَا سَمِعَهُ يُشْهِدُ الشَّاهِدَ عَلَى شَهَادَتِهِ

حَمَلَ غَيْرَهُ. وَلَا يَحِلُّ لِلشَّاهِدِ إذَا رَأَى خَطَّهُ أَنْ يَشْهَدَ إلَّا أَنْ يَتَذَكَّرَ الشَّهَادَةَ لِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ فَلَمْ يَحْصُلْ الْعِلْمُ. قِيلَ هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَسَعْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ؛ لِأَنَّهُ مَا حَمَّلَهُ وَإِنَّمَا حَمَّلَ غَيْرَهُ. قَالَ (وَلَا يَحِلُّ لِلشَّاهِدِ إذَا رَأَى خَطَّهُ إلَخْ) الشَّاهِدُ إذَا رَأَى خَطَّهُ فِي صَكٍّ وَلَمْ يَتَذَكَّرْ الْحَادِثَةَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ (؛ لِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ) وَالْمُشْتَبَهُ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ كَمَا تَقَدَّمَ (قِيلَ: هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِالْخَطِّ وَيُشْتَرَطُ الْحِفْظُ، وَلِهَذَا قَلَّتْ رِوَايَتُهُ لِاشْتِرَاطِهِ فِي الرِّوَايَةِ

وَعِنْدَهُمَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ. وَقِيلَ هَذَا بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا وَجَدَ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ فِي دِيوَانِهِ أَوْ قَضِيَّتَهُ، لِأَنَّ مَا يَكُونُ فِي قِمْطَرِهِ فَهُوَ تَحْتَ خَتْمِهِ يُؤْمَنُ عَلَيْهِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فَحَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ بِذَلِكَ وَلَا كَذَلِكَ الشَّهَادَةُ فِي الصَّكِّ لِأَنَّهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا إذَا تَذَكَّرَ الْمَجْلِسَ الَّذِي كَانَ فِيهِ الشَّهَادَةُ أَوْ أَخْبَرَهُ قَوْمٌ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ أَنَّا شَهِدْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحِفْظِ مِنْ وَقْتِ السَّمَاعِ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ (وَعِنْدَهُمَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ) رُخْصَةً (وَقِيلَ هَذَا) أَيْ عَدَمُ حِلِّ الشَّهَادَةِ (بِالِاتِّفَاقِ) وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا وَجَدَ الْقَاضِي شَهَادَةَ شُهُودٍ شَهِدُوا عِنْدَهُ وَاشْتَبَهَ فِي قِمْطَرِهِ أَيْ خَرِيطَتِهِ وَجَاءَ الْمَشْهُودُ لَهُ يَطْلُبُ الْحُكْمَ وَلَمْ يَحْفَظْهُ الْحَاكِمُ (أَوْ قَضِيَّتَهُ) أَيْ وَجَدَ حُكْمَهُ مَكْتُوبًا فِي خَرِيطَتِهِ كَذَلِكَ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَرَى جَوَازَ الْحُكْمِ بِذَلِكَ وَهُمَا جَوَّزَاهُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لِكَثْرَةِ أَشْغَالِهِ يَعْجِزُ عَنْ أَنْ يَحْفَظَ كُلَّ حَادِثَةٍ وَلِهَذَا يَكْتُبُ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِالْكِتَابِ إذْ جَازَ لَهُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ عِنْدَ النِّسْيَانِ الَّذِي لَيْسَ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَإِذَا كَانَ فِي قِمْطَرِهِ تَحْتَ خَتْمِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ تَصِلْ إلَيْهِ يَدٌ مُغَيِّرَةٌ، وَالْقَاضِي مَأْمُورٌ بِاتِّبَاعِ الظَّاهِرِ (وَلَا كَذَلِكَ الشَّهَادَةُ فِي الصَّكِّ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا) الِاخْتِلَافِ (إذَا ذَكَرَ الْمَجْلِسَ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ الشَّهَادَةُ أَوْ أَخْبَرَهُ قَوْمٌ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِمْ أَنَّا شَهِدْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ) فَإِنَّهُ قِيلَ لَا يَحِلُّ لَهُ

قَالَ (وَلَا يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِشَيْءٍ لَمْ يُعَايِنْهُ إلَّا النَّسَبَ وَالْمَوْتَ وَالنِّكَاحَ وَالدُّخُولَ وَوِلَايَةَ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ إذَا أَخْبَرَهُ بِهَا مَنْ يَثِقُ بِهِ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ، وَقِيلَ لَا يَحِلُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِشَيْءٍ لَمْ يُعَايِنْهُ إلَخْ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْعِلْمَ شَرْطُ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ (فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِشَيْءٍ لَمْ يُعَايِنْهُ إلَّا النَّسَبَ وَالْمَوْتَ وَالنِّكَاحَ وَالدُّخُولَ وَوِلَايَةَ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ إذَا أَخْبَرَهُ بِهَا مَنْ يَثِقُ بِهِ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ)

مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ وَذَلِكَ بِالْعِلْمِ وَلَمْ يَحْصُلْ فَصَارَ كَالْبَيْعِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ أُمُورٌ تَخْتَصُّ بِمُعَايَنَةِ أَسْبَابِهَا خَوَّاصٌ مِنْ النَّاسِ، وَيَتَعَلَّقُ بِهَا أَحْكَامٌ تَبْقَى عَلَى انْقِضَاءِ الْقُرُونِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالِاشْتِقَاقِ الْكَبِيرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ (وَذَلِكَ بِالْعِلْمِ) أَيْ الْمُشَاهَدَةِ وَكَأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقَلْبِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ يَكُونُ بِالْمُشَاهَدَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ الْمُشَاهَدَةُ تَكُونُ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْعِلْمِ (وَلَمْ يَحْصُلْ فَصَارَ كَالْبَيْعِ) فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ بِالسَّمَاعِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ (وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ) الْأُمُورَ الْخَمْسَةَ لَوْ لَمْ تُقْبَلْ فِيهَا الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ أَدَّى إلَى الْحَرَجِ وَتَعْطِيلِ الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّهَا (أُمُورٌ تَخْتَصُّ بِمُعَايَنَةِ أَسْبَابِهَا خَوَاصُّ مِنْ النَّاسِ) لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا إلَّا هُمْ (وَقَدْ يَتَعَلَّقُ بِهَا أَحْكَامٌ تَبْقَى عَلَى انْقِضَاءِ الْقُرُونِ) كَالْإِرْثِ فِي النَّسَبِ وَالْمَوْتِ

فَلَوْ لَمْ تُقْبَلْ فِيهَا الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ أَدَّى إلَى الْحَرَجِ وَتَعْطِيلِ الْأَحْكَامِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ يَسْمَعُهُ كُلُّ أَحَدٍ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِالِاشْتِهَارِ وَذَلِكَ بِالتَّوَاتُرِ أَوْ بِإِخْبَارِ مَنْ يَثِقُ بِهِ كَمَا قَالَ فِي الْكِتَابِ. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يُخْبِرَهُ رَجُلَانِ عَدْلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لِيَحْصُلَ لَهُ نَوْعُ عِلْمٍ. وَقِيلَ فِي الْمَوْتِ يَكْتَفِي بِإِخْبَارِ وَاحِدٍ أَوْ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يُشَاهِدُ غَيْرُ الْوَاحِدِ إذْ الْإِنْسَانُ يَهَابُهُ وَيَكْرَهُهُ فَيَكُونُ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ بَعْضُ الْحَرَجِ، وَلَا كَذَلِكَ النَّسَبُ وَالنِّكَاحُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُطْلِقَ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالنِّكَاحِ وَثُبُوتِ الْمِلْكِ فِي قَضَاءِ الْقَاضِي وَكَمَالِ الْمَهْرِ وَالْعِدَّةِ وَثُبُوتِ الْإِحْصَانِ وَالنَّسَبِ فِي الدُّخُولِ (فَلَوْ لَمْ تُقْبَلْ فِيهَا الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ أَدَّى إلَى ذَلِكَ) وَهُوَ بَاطِلٌ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ مِمَّا يَسْمَعُهُ كُلُّ أَحَدٍ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا الِاسْتِحْسَانُ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ فَإِنَّ الْعِلْمَ مَشْرُوطٌ فِي الْكِتَابِ وَلَا عِلْمَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَإِنَّمَا يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ) يَعْنِي لَا نُسَلِّمُ أَنْ لَا عِلْمَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ (أَنْ يَشْهَدَ بِالِاشْتِهَارِ وَذَلِكَ التَّوَاتُرُ أَوْ بِإِخْبَارِ مَنْ يَثِقُ بِهِ كَمَا قَالَ فِي الْكِتَابِ) وَبَيَّنَ أَنَّ الْعَدَدَ فِيمَنْ يَثِقُ بِهِ شَرْطٌ وَهُوَ (أَنْ يُخْبِرَهُ رَجُلَانِ عَدْلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لِيَحْصُلَ لَهُ نَوْعُ عِلْمٍ) وَهَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ مَا لَمْ يَسْمَعْ ذَلِكَ مِنْ الْعَامَّةِ بِحَيْثُ يَقَعُ فِي قَلْبِهِ صِدْقُ الْخَبَرِ، وَإِذَا ثَبَتَتْ الشُّهْرَةُ عِنْدَهُمَا بِخَبَرِ عَدْلَيْنِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْإِخْبَارُ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ عَلَى مَا قَالُوا؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ زِيَادَةَ عِلْمٍ شَرْعًا لَا يُوجِبُهَا لَفْظُ الْخَبَرِ (وَقِيلَ يُكْتَفَى فِي الْمَوْتِ بِإِخْبَارِ وَاحِدٍ أَوْ وَاحِدَةٍ) فَرَّقُوا جَمِيعًا بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ: أَيْ النِّكَاحِ وَالْوِلَادَةِ وَتَقْلِيدِ الْإِمَامِ الْقَضَاءَ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا أَنْ تَكُونَ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ، أَمَّا النِّكَاحُ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ، وَالْوِلَادَةُ فَإِنَّهَا تَكُونُ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ فِي الْغَالِبِ، وَكَذَلِكَ تَقْلِيدُ الْإِمَامِ لِلْقَضَاءِ. وَأَمَّا الْمَوْتُ (فَإِنَّهُ قَلَّمَا يُشَاهِدُهُ غَيْرُ الْوَاحِدِ إذْ الْإِنْسَانُ يَهَابُهُ وَيَكْرَهُهُ فَيَكُونُ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ بَعْضُ الْحَرَجِ) بِخِلَافِ النَّسَبِ وَالنِّكَاحِ (وَقَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُطْلِقَ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ) بَيَانٌ لِكَيْفِيَّةِ الْأَدَاءِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُطْلِقَ ذَلِكَ فَيَقُولَ فِي النَّسَبِ أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ كَمَا يَشْهَدُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ابْنَا أَبِي قُحَافَةَ وَالْخَطَّابِ وَلَمْ

أَمَّا إذَا فَسَّرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ يَشْهَدُ بِالتَّسَامُعِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ كَمَا أَنَّ مُعَايَنَةَ الْيَدِ فِي الْأَمْلَاكِ تُطْلِقُ الشَّهَادَةَ، ثُمَّ إذَا فَسَّرَ لَا تُقْبَلُ كَذَا هَذَا. وَلَوْ رَأَى إنْسَانًا جَلَسَ مَجْلِسَ الْقَضَاءِ يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْخُصُومُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى كَوْنِهِ قَاضِيًا وَكَذَا إذَا رَأَى رَجُلًا وَامْرَأَةً يَسْكُنَانِ بَيْتًا وَيَنْبَسِطُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى الْآخَرِ انْبِسَاطَ الْأَزْوَاجِ كَمَا إذَا رَأَى عَيْنًا فِي يَدِ غَيْرِهِ. وَمَنْ شَهِدَ أَنَّهُ شَهِدَ دَفْنَ فُلَانٍ أَوْ صَلَّى عَلَى جِنَازَتِهِ فَهُوَ مُعَايَنَةٌ، حَتَّى لَوْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي قَبْلَهُ ثُمَّ قَصَرَ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْكِتَابِ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْخَمْسَةِ يَنْفِي اعْتِبَارَ التَّسَامُعِ فِي الْوَلَاءِ وَالْوَقْفِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - آخِرًا أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْوَلَاءِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQيُشَاهِدْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ (فَأَمَّا إذَا فَسَّرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ يَشْهَدُ بِالتَّسَامُعِ لَمْ تُقْبَلْ كَمَا أَنَّ مُعَايَنَةَ الْيَدِ فِي الْأَمْلَاكِ تُطْلِقُ الشَّهَادَةَ وَإِذَا فَسَّرَ) بِأَنَّهُ إنَّمَا يَشْهَدُ؛ لِأَنَّهُ رَآهُ فِي يَدِهِ (لَا تُقْبَلُ كَذَلِكَ هَذَا، وَلَوْ رَأَى إنْسَانًا جَلَسَ مَجْلِسَ الْقَضَاءِ يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْخُصُومُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِكَوْنِهِ قَاضِيًا) وَإِنْ لَمْ يُعَايِنْ تَقْلِيدَ الْإِمَامِ إيَّاهُ (وَإِذَا رَأَى رَجُلًا وَامْرَأَةً يَسْكُنَانِ بَيْتًا وَيَنْبَسِطُ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى الْآخَرِ انْبِسَاطَ الْأَزْوَاجِ) جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِأَنَّهَا امْرَأَتُهُ، فَإِنْ سَأَلَهُ الْقَاضِي هَلْ كُنْت حَاضِرًا؟ فَقَالَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِالتَّسَامُعِ كَمَا يَشْهَدُ بِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَعَلَى الرُّؤْيَةِ أَوْلَى. وَقِيلَ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ لَمْ يُعَايِنْ الْعَقْدَ تَبَيَّنَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ شَهِدَ بِهِ بِالتَّسَامُعِ، وَلَوْ قَالَ أَشْهَدُ؛ لِأَنِّي سَمِعْت لَا تُقْبَلُ فَكَذَا هَذَا (وَمَنْ شَهِدَ أَنَّهُ شَهِدَ دَفْنَ فُلَانٍ أَوْ صَلَّى عَلَى جِنَازَتِهِ فَهُوَ مُعَايَنَةٌ حَتَّى لَوْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي قَبْلَهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْفَنُ إلَّا الْمَيِّتُ وَلَا يُصَلَّى إلَّا عَلَيْهِ. وَلَوْ قَالَا نَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا مَاتَ أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ مَنْ نَثِقُ بِهِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا هُوَ الْأَصَحُّ. وَأَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى الدُّخُولِ بِالشُّهْرَةِ وَالتَّسَامُعِ فَقَدْ ذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ تَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ مَشْهُورَةٌ كَمَا ذَكَرْنَا فَفِي عَدَمِ قَبُولِهَا حَرَجٌ وَتَعْطِيلٌ. وَقَوْلُهُ: (ثُمَّ قَصَرَ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْكِتَابِ) بَيَانُ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالتَّسَامُعِ هَلْ هِيَ مَحْصُورَةٌ فِيمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ أَوْ لَا فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَحْصُورَةٌ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - آخِرًا أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْوَلَاءِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» ) وَالشَّهَادَةُ عَلَى النَّسَبِ بِالتَّسَامُعِ

وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْوَقْفِ لِأَنَّهُ يَبْقَى عَلَى مَرِّ الْأَعْصَارِ، إلَّا أَنَّا نَقُولُ الْوَلَاءُ يُبْتَنَى عَلَى زَوَالِ الْمِلْكِ وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْمُعَايَنَةِ فَكَذَا فِيمَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْوَقْفُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ فِي أَصْلِهِ دُونَ شَرَائِطِهِ، لِأَنَّ أَصْلَهُ هُوَ الَّذِي يَشْتَهِرُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQجَائِزَةٌ كَمَا مَرَّ فَكَذَا عَلَى الْوَلَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّا نَشْهَدُ أَنَّ قَنْبَرًا مَوْلَى عَلِيٍّ وَعِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَإِنْ لَمْ نُدْرِكْ ذَلِكَ (وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا تُقْبَلُ فِي الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى عَلَى مَرِّ الْأَعْصَارِ) . وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْوَلَاءَ يَبْتَنِي عَلَى إزَالَةِ مِلْكِ الْيَمِينِ وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْمُعَايَنَةِ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِكَلَامٍ تَسْمَعُهُ النَّاسُ وَلَيْسَ كَالْوِلَادَةِ فَلَا حَاجَةَ فِيهِ إلَى إقَامَةِ التَّسَامُعِ مَقَامَ الْبَيِّنَةِ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ الشَّهَادَةُ عَلَى الْعِتْقِ بِالتَّسَامُعِ لَا تُقْبَلُ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا الْوَقْفُ فَذَهَبَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إلَى أَنَّهَا لَا تَحِلُّ فِيهِ بِالتَّسَامُعِ مُطْلَقًا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الْكِتَابِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تُقْبَلُ فِي أَصْلِهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ دُونَ شَرَائِطِهِ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ هُوَ الَّذِي يَشْتَهِرُ، وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْجِهَةِ بِأَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ وُقِفَ عَلَى هَذَا الْمَسْجِدِ أَوْ الْمَقْبَرَةِ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ حَتَّى لَوْ لَمْ يَذْكُرُوا ذَلِكَ فِي شَهَادَتِهِمْ لَا تُقْبَلُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

قَالَ (وَمَنْ كَانَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ سِوَى الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَسِعَك أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهُ لَهُ) لِأَنَّ الْيَدَ أَقْصَى مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْمِلْكِ إذْ هِيَ مَرْجِعُ الدَّلَالَةِ فِي الْأَسْبَابِ كُلِّهَا فَيَكْتَفِي بِهَا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ وَمَنْ كَانَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ إلَخْ) رَجُلٌ رَأَى عَيْنًا فِي يَدِ آخَرَ ثُمَّ رَآهَا فِي يَدِ غَيْرِهِ وَالْأَوَّلُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْمِلْكَ وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِأَنَّهُ لِلْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ الْيَدَ أَقْصَى مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْمِلْكِ إذْ هِيَ مَرْجِعُ الدَّلَالَةِ فِي الْأَسْبَابِ كُلِّهَا، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ وَإِنْ عَايَنَ الْبَيْعَ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْأَسْبَابِ لَا يَعْلَمُ مِلْكَ الْمُشْتَرِي إلَّا بِمِلْكِ الْبَائِعِ وَمِلْكُ الْبَائِعِ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِالْيَدِ، وَأَقْصَى

قَالُوا: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَفْسِيرًا لِإِطْلَاقِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الرِّوَايَةِ فَيَكُونُ شَرْطًا عَلَى الِاتِّفَاقِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: دَلِيلُ الْمِلْكِ الْيَدُ مَعَ التَّصَرُّفِ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْيَدَ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى إنَابَةٍ وَمِلْكٍ. قُلْنَا: وَالتَّصَرُّفُ يَتَنَوَّعُ أَيْضًا إلَى نِيَابَةٍ وَأَصَالَةٍ. ثُمَّ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ: إنْ عَايَنَ الْمَالِكُ الْمِلْكَ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ، وَكَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا يُسْتَدَلُّ بِهِ كَافٍ فِي الدَّلَالَةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ انْسِدَادُ بَابِ الشَّهَادَةِ الْمَفْتُوحِ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنَّهَا إذَا لَمْ تَجُزْ بِحُكْمِ الْيَدِ انْسَدَّ بَابُهَا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّ لَهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الشَّهَادَةِ الْعِلْمُ بِالنَّصِّ وَعِنْدَ إعْوَازِ ذَلِكَ يُصَارُ إلَى مَا يَشْهَدُ بِهِ الْقَلْبُ (قَالُوا: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ شَهَادَةِ الْقَلْبِ (تَفْسِيرَ إطْلَاقِ مُحَمَّدٍ فِي الرِّوَايَةِ) وَهُوَ قَوْلُهُ: وَسِعَك أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهُ لَهُ: يَعْنِي إذَا وَقَعَ فِي الْقَلْبِ. قِيلَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ كَافِيًا فِي الشَّهَادَةِ لَقَبِلَهَا الْقَاضِي إذَا قَيَّدَهَا الشَّاهِدُ بِمَا اسْتَفَادَ الْعِلْمَ بِهِ مِنْ مُعَايَنَةِ الْيَدِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّا جَعَلْنَا الْعِيَانَ مُجَوِّزًا لِلشَّاهِدِ أَنْ يَقْدَمَ عَلَى الشَّهَادَةِ وَذَلِكَ ثَابِتٌ لِمَا قُلْنَا، وَأَمَّا أَنْ يَلْزَمَ الْقَاضِيَ الْعَمَلُ بِهِ فَلَمْ يَلْتَزِمْهُ، وَلِهَذَا قُلْنَا: إنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ دَارٌ يَتَصَرَّفُ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا وَأَرَادَ ذُو الْيَدِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ فَالْقَاضِي لَا يَقْضِي لَهُ عِنْدَ إنْكَارِ الْمُشْتَرِي أَنْ تَكُونَ الدَّارُ مِلْكَ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ الْعِيَانَ لَيْسَ سَبَبًا لِلْوُجُوبِ. (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: دَلِيلُ الْمِلْكِ الْيَدُ مَعَ التَّصَرُّفِ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا) وَهُوَ الْخَصَّافُ (؛ لِأَنَّ الْيَدَ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى إنَابَةٍ وَمِلْكٍ) فَلَا تُفِيدُ الْعِلْمَ فَلَا بُدَّ مِنْ ضَمِّ التَّصَرُّفِ إلَيْهَا. وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّصَرُّفَ كَذَلِكَ، وَضَمُّ مُحْتَمَلٍ إلَى مُحْتَمَلٍ يَزِيدُ الِاحْتِمَالَ فَيَنْتَفِي الْعِلْمَ (ثُمَّ) هَذِهِ (الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ) أَرْبَعَةٍ بِالْقِسْمَةِ الْعَقْلِيَّةِ:؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُعَايِنَ الْمِلْكَ وَالْمَالِكَ، أَوْ لَمْ يُعَايِنْهُمَا،

إذَا عَايَنَ الْمِلْكَ بِحُدُودِهِ دُونَ الْمَالِكِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِالتَّسَامُعِ فَيَحْصُلُ مَعْرِفَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يُعَايِنْهَا أَوْ عَايَنَ الْمَالِكَ دُونَ الْمِلْكِ لَا يَحِلُّ لَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ عَايَنَ الْمِلْكَ دُونَ الْمَالِكِ أَوْ بِالْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ بِأَنْ عَرَفَ الْمَالِكَ بِوَجْهِهِ وَاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَعَرَفَ الْمِلْكَ بِحُدُودِهِ وَحُقُوقِهِ وَرَآهُ فِي يَدِهِ وَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَهُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عَنْ عِلْمٍ. وَإِنْ كَانَ الثَّانِي وَسَمِعَ مِنْ النَّاسِ أَنَّ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ ضَيْعَةً فِي بَلَدِ كَذَا حُدُودُهَا كَذَا وَكَذَا لَا يَشْهَدُ؛ لِأَنَّهُ مُجَازِفٌ فِي الشَّهَادَةِ. وَإِنْ كَانَ الثَّالِثُ وَهُوَ إنْ عَايَنَ الْمِلْكَ بِحُدُودِهِ يُنْسَبُ إلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ وَلَمْ يُعَايِنْهُ بِوَجْهِهِ وَلَمْ يَعْرِفْهُ بِنَسَبِهِ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَحِلَّ لَهُ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ بِالْمِلْكِ لِلْمَالِكِ مَعَ جَهَالَةِ الْمَشْهُودِ لَهُ وَجَهَالَةُ الْمَشْهُودِ بِهِ تَمْنَعُ جَوَازَ الشَّهَادَةِ فَكَذَا جَهَالَةُ الْمَشْهُودِ لَهُ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَحِلُّ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ مَعْلُومٌ وَالنَّسَبَ يَثْبُتُ بِالشُّهْرَةِ وَالتَّسَامُعِ فَكَانَتْ شَهَادَةً بِمَعْلُومٍ لِمَعْلُومٍ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ صَاحِبَ الْمِلْكِ إنْ كَانَتْ امْرَأَةً لَا تَبْرُزُ وَلَا تَخْرُجُ كَانَ اعْتِبَارُ مُشَاهَدَتِهَا وَتَصَرُّفِهَا بِنَفْسِهَا لِجَوَازِ الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ مُبْطِلًا لِحَقِّهَا وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ. وَعُورِضَ بِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الشَّهَادَةَ بِالتَّسَامُعِ فِي الْأَمْوَالِ وَهِيَ بَاطِلَةٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَالِ لَيْسَتْ بِالتَّسَامُعِ بَلْ بِالْعِيَانِ، وَالتَّسَامُعُ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّسَبِ قَصْدًا وَهُوَ مَقْبُولٌ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِي ضِمْنِ ذَلِكَ يَثْبُتُ الْمَالُ وَالِاعْتِبَارُ لِلْمُتَضَمِّنِ. وَإِنْ كَانَ الرَّابِعُ فَهُوَ كَالثَّانِي لِجَهَالَةِ الْمَشْهُودِ بِهِ.

وَأَمَّا الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ، فَإِنْ كَانَ يَعْرِفُ أَنَّهُمَا رَقِيقَانِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يَكُونُ فِي يَدِ نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ أَنَّهُمَا رَقِيقَانِ إلَّا أَنَّهُمَا صَغِيرَانِ لَا يُعَبِّرَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لَهُمَا، وَإِنْ كَانَا كَبِيرَيْنِ فَذَلِكَ مَصْرِفُ الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّ لَهُمَا يَدًا عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَيُدْفَعُ يَدُ الْغَيْرِ عَنْهُمَا فَانْعَدَمَ دَلِيلُ الْمِلْكِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ فِيهِمَا أَيْضًا اعْتِبَارًا بِالثِّيَابِ، وَالْفَرْقُ مَا بَيِّنَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَأَمَّا الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ) مَرْدُودٌ إلَى قَوْلِهِ سِوَى الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا رَأَى عَبْدًا أَوْ أَمَةً فِي يَدِ شَخْصٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَعْرِفَ رِقَّهُمَا أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُمَا مِلْكُ مَنْ هُمَا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يَكُونُ فِي يَدِ نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَإِمَّا أَنْ يَكُونَا صَغِيرَيْنِ لَا يُعَبِّرَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا أَوْ كَبِيرَيْنِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لَهُمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي وَهُوَ مَنْ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ عَاقِلًا غَيْرَ بَالِغٍ كَانَ أَوْ بَالِغًا فَذَلِكَ مَصْرِفُ الِاسْتِثْنَاءِ بِقَوْلِهِ سِوَى الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ، فَإِنَّ الْيَدَ فِي ذَلِكَ لَا تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُمَا فِي أَيْدِي أَنْفُسِهِمَا وَذَلِكَ يَرْفَعُ يَدَ الْغَيْرِ عَنْهُمَا حُكْمًا، حَتَّى إنَّ الصَّبِيَّ الَّذِي يَعْقِلُ إنْ أَقَرَّ بِالرِّقِّ عَلَى نَفْسِهِ لِغَيْرِهِ جَازَ وَيَصْنَعُ بِهِ الْمُقَرُّ لَهُ مَا يَصْنَعُ بِمُلُوكِهِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ لَوْ كَانَا لِتَعْبِيرِهِمَا عَنْ أَنْفُسِهِمَا لَاعْتُبِرَ دَعْوَى الْحُرِّيَّةِ مِنْهُمَا بَعْدَ الْكِبَرِ فِي يَدِ مَنْ يَدَّعِي رِقَّهُمَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ لِثُبُوتِ الرِّقِّ عَلَيْهِمَا لِلْمَوْلَى فِي الصِّغَرِ وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ بِذَلِكَ إذَا لَمْ يَثْبُتْ لِأَحَدٍ عَلَيْهِمَا رِقٌّ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ: يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ فِيهِمَا أَيْضًا اعْتِبَارًا بِالثِّيَابِ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، فَجَعَلُوا الْيَدَ دَلِيلًا عَلَى الْمِلْكِ فِي الْكُلِّ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ ادَّعَى عَبْدًا أَوْ أَمَةً فِي يَدِ غَيْرِهِ وَذُو الْيَدِ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ فَالْقَوْلُ لِذِي الْيَدِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ لِقِيَامِ يَدِهِ كَمَا فِي الثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ، وَالْفَرْقُ مَا بَيَّنَّا وَهُوَ قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ لَهُمَا يَدًا عَلَى أَنْفُسِهِمَا يَدْفَعَانِ بِهَا يَدَ الْغَيْرِ عَنْهُمَا، بِخِلَافِ الثِّيَابِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[باب من تقبل شهادته ومن لا تقبل]

(بَابُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ) قَالَ: وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تُقْبَلُ فِيمَا يَجْرِي فِيهِ التَّسَامُعُ لِأَنَّ الْحَاجَةَ فِيهِ إلَى السَّمَاعِ وَلَا خَلَلَ فِيهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: يَجُوزُ إذَا كَانَ بَصِيرًا وَقْتَ التَّحَمُّلِ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِالْمُعَايَنَةِ، وَالْأَدَاءُ يَخْتَصُّ بِالْقَوْلِ وَلِسَانُهُ غَيْرُ مُوفٍ وَالتَّعْرِيفُ يَحْصُلُ بِالنِّسْبَةِ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْمَيِّتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ مَا تُسْمَعُ فِيهِ الشَّهَادَةُ وَمَا لَا تُسْمَعُ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَنْ تُسْمَعُ مِنْهُ الشَّهَادَةُ وَمَنْ لَا تُسْمَعُ، وَقَدَّمَ ذَلِكَ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّهُ مَحَالُّ الشَّهَادَةِ وَالْمَحَالُّ شُرُوطٌ وَالشُّرُوطُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَشْرُوطِ، وَأَصْلُ رَدِّ الشَّهَادَةِ وَمَبْنَاهُ التُّهْمَةُ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا شَهَادَةَ لِمُتَّهَمٍ» وَلِأَنَّهَا خَبَرٌ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ وَحُجَّتُهُ يَتَرَجَّحُ جَانِبُ الصِّدْقِ فِيهِ وَبِالتُّهْمَةِ لَا يَتَرَجَّحُ، وَهِيَ قَدْ تَكُونُ لِمَعْنًى فِي الشَّاهِدِ كَالْفِسْقِ، فَإِنَّ مَنْ لَا يَنْزَجِرُ عَنْ غَيْرِ الْكَذِبِ مِنْ مَحْظُورَاتِ دِينِهِ فَقَدْ لَا يَنْزَجِرُ عَنْهُ أَيْضًا فَكَانَ مُتَّهَمًا بِالْكَذِبِ، وَقَدْ تَكُونُ لِمَعْنًى فِي الْمَشْهُودِ لَهُ مِنْ قَرَابَةٍ يُتَّهَمُ بِهَا بِإِيثَارِ الْمَشْهُودِ لَهُ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ كَالْوِلَادَةِ وَقَدْ تَكُونُ لِخَلَلٍ فِي أَدَاءِ التَّمْيِيزِ كَالْعَمَى الْمُفْضِي إلَى تُهْمَةِ الْغَلَطِ فِيهَا وَقَدْ تَكُونُ بِالْعَجْزِ عَمَّا جَعَلَ الشَّرْعُ دَلِيلَ صِدْقِهِ كَالْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: 13] قَالَ (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى إلَخْ) شَهَادَةُ الْأَعْمَى إمَّا أَنْ تَكُونَ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَتْ بِمَقْبُولَةٍ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ فِيمَا يَجْرِي فِيهِ التَّسَامُعُ كَالنَّسَبِ وَالْمَوْتِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ قُبِلَتْ عِنْدَ زُفَرَ وَهُوَ

وَلَنَا أَنَّ الْأَدَاءَ يَفْتَقِرُ إلَى التَّمْيِيزِ بِالْإِشَارَةِ بَيْنَ الْمَشْهُودِ لَهُ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَلَا يُمَيِّزُ الْأَعْمَى إلَّا بِالنَّغْمَةِ، وَفِيهِ شُبْهَةٌ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا بِجِنْسِ الشُّهُودِ وَالنِّسْبَةِ لِتَعْرِيفِ الْغَائِبِ دُونَ الْحَاضِرِ فَصَارَ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ. وَلَوْ عَمِيَ بَعْدَ الْأَدَاءِ يَمْتَنِعُ الْقَضَاءُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، لِأَنَّ قِيَامَ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ شَرْطٌ وَقْتَ الْقَضَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQرِوَايَةُ ابْنِ شُجَاعٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي، فَإِنْ كَانَ بَصِيرًا وَقْتَ التَّحَمُّلِ وَالْمَشْهُودِ بِهِ غَيْرُ مَنْقُولٍ قُبِلَتْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ، وَإِنْ انْتَفَى أَحَدُهُمَا لَمْ تُقْبَلْ بِالِاتِّفَاقِ. فَالْمُعْتَبَرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْإِبْصَارُ عِنْدَ التَّحَمُّلِ، وَعِنْدَهُمَا اسْتِمْرَارُهُ، حَتَّى لَوْ عَمِيَ بَعْدَ الْأَدَاءِ قَبْلَ الْقَضَاءِ امْتَنَعَ الْقَضَاءُ. أَمَّا عَدَمُ الْقَبُولِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فَلِأَنَّهَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَالصَّوْتُ وَالنَّغْمَةُ فِي حَقِّ الْأَعْمَى يَقُومُ مَقَامَ الْمُعَايَنَةِ، وَالْحُدُودُ لَا تَثْبُتُ بِمَا يَقُومُ مَقَامَ الْغَيْرِ. وَأَمَّا وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ فَهُوَ أَنَّ الْحَاجَةَ فِيهِ إلَى السَّمَاعِ وَلَا خَلَلَ فِيهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيمَا لَا يَجْرِي فِيهِ التَّسَامُعُ لَا تُقْبَلُ فِيمَا يَجْرِي فِيهِ ذَلِكَ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَسَيَأْتِي جَوَابٌ آخَرُ. وَأَمَّا وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ فَهُوَ أَنَّ الْعِلْمَ بِالْمُعَايَنَةِ حَصَلَ عَنْهُ التَّحَمُّلُ، وَمَنْ حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ بِالْمُعَايَنَةِ عِنْدَ التَّحَمُّلِ صَحَّ تَحَمُّلُهُ لَا مَحَالَةَ، وَالْأَدَاءُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْقَوْلِ وَلَا خَلَلَ فِي الْقَوْلِ؛ لِأَنَّ لِسَانَهُ غَيْرُ مُوَفٍّ فَكَانَ الْمُقْتَضِي لِصِحَّةِ التَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ مَوْجُودًا وَالْمَانِعُ وَهُوَ عَدَمُ التَّعْرِيفِ مُنْتَفٍ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ يَحْصُلُ بِالنِّسْبَةِ فَصَارَ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الْمَيِّتِ إذَا شَهِدَا عَلَى الْمَيِّتِ بِأَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ كَذَا مِنْ الدَّيْنِ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ بِالِاتِّفَاقِ إذَا ذَكَرَ نِسْبَتَهُ. وَالْجَوَابُ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْقَوْلَ يَسْتَبِدُّ بِتَحْصِيلِ الْأَدَاءِ بَلْ الْأَدَاءُ مُفْتَقِرٌ إلَى التَّمْيِيزِ بِالْإِشَارَةِ بَيْنَ الْمَشْهُودِ لَهُ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَلَا يُمَيِّزُ الْأَعْمَى إلَّا بِالنَّغْمَةِ، وَفِيهِ أَيْ فِي النَّغْمَةِ بِتَأْوِيلِ الصَّوْتِ شُبْهَةٌ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا بِجِنْسِ الشُّهُودِ، فَإِنَّ بِالشُّهُودِ الْبُصَرَاءِ كَثْرَةً وَفِيهِمْ غُنْيَةً عَنْ شَهَادَةِ الْأَعْمَى، وَالْمُرَادُ بِالتَّمْيِيزِ بِالْإِشَارَةِ التَّمَكُّنُ مِنْهُ لِئَلَّا يُنْتَقَضَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْغَائِبِ لِأَجْلِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فَإِنَّهَا تُقْبَلُ، وَلَا إشَارَةَ ثَمَّةَ لِتَمَكُّنِهِمْ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ الْحُضُورِ، بِخِلَافِ الْأَعْمَى. وَفِي قَوْلِهِ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ إشَارَةً إلَى الْجَوَابِ عَنْ الْمَيِّتِ، فَإِنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْهُ بِجِنْسِ الشُّهُودِ غَيْرُ مُمْكِنٍ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ وَإِنْ اسْتَكْثَرَ مِنْ الشُّهُودِ يَحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ الِاسْمِ، وَالنِّسْبَةِ مَقَامَ الْإِشَارَةِ عِنْدَ مَوْتِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَوْ غَيْبَتِهِ، وَإِلَى الْجَوَابِ عَمَّا يُقَالُ قَدْ اعْتَبَرْتُمْ النَّغْمَةَ مُمَيَّزَةً لِلْأَعْمَى فِيمَا هُوَ أَعْظَمُ خَطَرًا مِنْ الْأَمْوَالِ وَهُوَ وَطْءُ زَوْجَتِهِ وَجَارِيَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يُمَيِّزُهُمَا عَنْ غَيْرِهِمَا إلَّا بِالنَّغْمَةِ وَذَلِكَ تَنَاقُضٌ. وَتَقْرِيرُ ذَلِكَ أَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْهَا بِغَيْرِهَا غَيْرُ مُمْكِنٍ مَعَ تَحَقُّقِ الضَّرُورَاتِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَلَا نُسَلِّمُ انْتِفَاءَ الْمَانِعِ فَإِنَّ انْتِفَاءَهُ بِحُصُولِ التَّعْرِيفِ بِالنِّسْبَةِ وَالنِّسْبَةُ لِتَعْرِيفِ الْغَائِبِ دُونَ الْحَاضِرِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ أَيْضًا إلَى الْجَوَابِ عَنْ الْمَيِّتِ فَصَارَ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فِي كَوْنِ النِّسْبَةِ غَيْرَ مُفِيدَةٍ لِلتَّعْرِيفِ. وَأَمَّا وَجْهُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِمَنْعِ

لِصَيْرُورَتِهَا حُجَّةً عِنْدَهُ وَقَدْ بَطَلَتْ وَصَارَ كَمَا إذَا خَرِسَ أَوْ جُنَّ أَوْ فَسَقَ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتُوا أَوْ غَابُوا، لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ بِالْمَوْتِ قَدْ انْتَهَتْ وَبِالْغَيْبَةِ مَا بَطَلَتْ. (قَالَ وَلَا الْمَمْلُوكِ) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَهُوَ لَا يَلِي نَفْسَهُ فَأَوْلَى أَنْ لَا تَثْبُتَ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَى غَيْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَضَاءِ بِالْعَمَى الطَّارِئِ بَعْدَ الْأَدَاءِ فَهُوَ أَنَّ شَرْطَ الْقَضَاءِ قِيَامُ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ وَقْتَ الْقَضَاءِ لِصَيْرُورَةِ الشَّهَادَةِ حُجَّةً عِنْدَهُ، وَلَا قِيَامَ لَهَا بِالْعَمَى فَصَارَ كَمَا إذَا خَرِسَ أَوْ جُنَّ أَوْ فَسَقَ، فَإِنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا خَرِسَ أَوْ جُنَّ أَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ الْأَدَاءِ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَا يَقْضِي الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِ، وَالْأَمْرُ الْكُلِّيُّ فِي ذَلِكَ أَنَّ مَا يَمْنَعُ الْأَدَاءَ يَمْنَعُ الْقَضَاءَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ أَدَائِهَا الْقَضَاءُ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ تَمْنَعُ الْأَدَاءَ بِالْإِجْمَاعِ فَتَمْنَعُ الْقَضَاءَ، وَالْعَمَى الطَّارِئُ بَعْدَ التَّحَمُّلِ يَمْنَعُ الْأَدَاءَ عِنْدَهُمَا فَيَمْنَعُ الْقَضَاءَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَمْنَعُ الْأَدَاءَ فَلَا يَمْنَعُ الْقَضَاءَ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتُوا أَوْ غَابُوا) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ قِيَامَ الْأَهْلِيَّةِ وَقْتَ الْقَضَاءِ شَرْطٌ، فَإِنَّ الشَّاهِدَ إذَا مَاتَ أَوْ غَابَ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَا يُمْنَعُ الْقَضَاءُ وَلَا أَهْلِيَّةَ عِنْدَهُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَهْلِيَّةَ بِالْمَوْتِ انْتَهَتْ وَالشَّيْءُ يَتَقَرَّرُ بِانْتِهَائِهِ وَبِالْغَيْبَةِ مَا بَطَلَتْ (قَالَ وَلَا الْمَمْلُوكِ إلَخْ) لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَمْلُوكِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ وِلَايَةٌ مُتَعَدِّيَةٌ، وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ قَاصِرَةٌ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ وِلَايَةٌ مُتَعَدِّيَةٌ

(وَلَا الْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ وَإِنْ تَابَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] وَلِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ لِكَوْنِهِ مَانِعًا فَيَبْقَى بَعْدَ التَّوْبَةِ كَأَصْلِهِ، بِخِلَافِ الْمَحْدُودِ فِي غَيْرِ الْقَذْفِ لِأَنَّ الرَّدَّ لِلْفِسْقِ وَقَدْ ارْتَفَعَ بِالتَّوْبَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا الْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ وَإِنْ تَابَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّ عَلَى الْأَبَدِ وَهُوَ مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ، وَالتَّنْصِيصُ عَلَيْهِ يُنَافِي الْقَبُولَ فِي وَقْتٍ مَا، وَأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَهُمْ: أَيْ لِلْمَحْدُودِينَ فِي الْقَذْفِ وَبِالتَّوْبَةِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ؛ وَلِأَنَّهُ يَعْنِي رَدَّ الشَّهَادَةِ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ لِكَوْنِهِ مَانِعًا عَنْ الْقَذْفِ كَالْجَلْدِ وَالْحَدِّ وَهُوَ الْأَصْلُ يَبْقَى بَعْدَ التَّوْبَةِ لِعَدَمِ سُقُوطِهِ بِهَا فَكَذَا تَتِمَّتُهُ اعْتِبَارًا لَهُ بِالْأَصْلِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمَحْدُودِ فِي غَيْرِ الْقَذْفِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ فَاسِقٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] وَالْفَاسِقُ إذَا تَابَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَالْمَحْدُودِ فِي غَيْرِ الْقَذْفِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ رَدَّ الشَّهَادَةِ إنْ كَانَ لِلْفِسْقِ زَالَ بِزَوَالِهِ بِالتَّوْبَةِ فَقُبِلَتْ كَالْمَحْدُودِ فِي غَيْرِ الْقَذْفِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَالْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ فَإِنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ كَمَا ذَكَرْنَا، وَلَيْسَ لِلْفِسْقِ إذْ الْحُكْمُ الثَّابِتُ لَهُ التَّوَقُّفُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] لَا النَّهْيُ عَنْ الْقَبُولِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا تَابَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5] اسْتَثْنَى التَّائِبَ وَالِاسْتِثْنَاءُ يَنْصَرِفُ إلَى الْجَمِيعِ فَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ: وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا إلَّا الَّذِينَ تَابُوا. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مُنْصَرِفٌ إلَى مَا يَلِيهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] وَهُوَ

تُقْبَلُ إذَا تَابَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5] اسْتَثْنَى التَّائِبَ. قُلْنَا: الِاسْتِثْنَاءُ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيه وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْسَ بِمَعْطُوفٍ عَلَى مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ طَلَبِيٌّ وَهُوَ إخْبَارِيٌّ. فَإِنْ قُلْت: فَاجْعَلْهُ بِمَعْنَى الطَّلَبِيِّ لِيَصِحَّ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23] قُلْت: يَأْبَاهُ ضَمِيرُ الْفَصْلِ، فَإِنَّهُ يُفِيدُ حَصْرَ أَحَدِ الْمُسْنَدَيْنِ فِي الْآخَرِ وَهُوَ يُؤَكِّدُ الْإِخْبَارِيَّةَ. سَلَّمْنَاهُ لَكِنْ يَلْزَمُ جَعْلُ الْكَلِمَاتِ الْمُتَعَدِّدَةِ كَالْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ، سَلَّمْنَاهُ لَكِنَّهُ كَانَ إذْ ذَاكَ جَزَاءً فَلَا يَرْتَفِعُ بِالتَّوْبَةِ

أَوْ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ بِمَعْنَى لَكِنْ. (وَلَوْ حُدَّ الْكَافِرُ فِي قَذْفٍ ثُمَّ أَسْلَمَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ) لِأَنَّ لِلْكَافِرِ شَهَادَةٌ فَكَانَ رَدُّهَا مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ، وَبِالْإِسْلَامِ حَدَّثَتْ لَهُ شَهَادَةٌ أُخْرَى، بِخِلَافِ الْعَبْدِ إذَا حُدَّ ثُمَّ أُعْتِقَ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لِلْعَبْدِ أَصْلًا فَتَمَامُ حَدِّهِ يَرُدُّ شَهَادَتَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَأَصْلِ الْحَدِّ وَهُوَ تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ. سَلَّمْنَاهُ لَكِنَّهُ كَانَ أَبَدًا مَجَازًا عَنْ مُدَّةٍ غَيْرِ مُتَطَاوِلَةٍ وَلَيْسَ بِمَعْهُودٍ. سَلَّمْنَاهُ لَكِنَّ جَعْلَهُ مَجَازًا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ جَعْلِ الِاسْتِثْنَاءِ مُنْقَطِعًا بَلْ جَعْلُهُ مُنْقَطِعًا أَوْلَى دَفْعًا لِلْمَحْذُورَاتِ، وَتَمَامُ الْعُثُورِ عَلَى هَذَا الْمَبْحَثِ يَقْتَضِي مُطَالَعَةَ تَقْرِيرِنَا فِي تَقْرِيرِنَا فِي الِاسْتِدْلَالَاتِ الْفَاسِدَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ حُدَّ الْكَافِرُ) يَعْنِي إذَا حُدَّ الْكَافِرُ فِي قَذْفٍ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْكُفَّارِ، فَإِذَا أَسْلَمَ جَازَتْ شَهَادَتُهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ لِلْكَافِرِ شَهَادَةً عَلَى مِثْلِهِ، وَمَنْ لَهُ ذَلِكَ وَحُدَّ فِي الْقَذْفِ كَانَ رَدُّ شَهَادَتِهِ مِنْ تَتِمَّةِ حَدِّهِ، وَبِالْإِسْلَامِ حَدَّثَتْ لَهُ شَهَادَةٌ مُطْلَقَةٌ غَيْرُ الْأُولَى فَلَا يَكُونُ الرَّدُّ مِنْ تَمَامِهَا، وَالْعَبْدُ إذَا حُدَّ فِي الْقَذْفِ ثُمَّ أُعْتِقَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَهَادَةٌ إلَّا مَا كَانَ بَعْدَ الْعِتْقِ فَجُعِلَ رَدُّهَا مِنْ تَمَامِ حَدِّهِ، وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ مُسْلِمٍ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ فَخَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَبَيْنَ الْعَبْدِ إذَا حُدَّ فِي الْقَذْفِ حَيْثُ جُعِلَ الْقَذْفُ قَائِمًا فِي حَقِّهِ إلَى حُصُولِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ وَلَمْ يَجْعَلْ الزِّنَا قَائِمًا إلَى حُصُولِ نُفُوذِ الْوِلَايَةِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الزِّنَا لَمْ يَنْعَقِدْ مُوجِبًا فِي دَارِ الْحَرْبِ لِلْحَدِّ لِانْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ فَلَا يَنْقَلِبُ مُوجِبًا، وَالْقَذْفُ مُوجِبٌ فِي حَقِّ الْأَصْلِ فَيُوجِبُ الْوَصْفَ عِنْدَ إمْكَانِهِ. وَاعْتُرِضَ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي تَقْيِيدِ الْحَدِّ بِكَوْنِهِ قَبْلَ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ إذَا حُدَّ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ تُرَدُّ الشَّهَادَةُ أَيْضًا لِمُلَاقَاةِ الْحَدِّ وَقْتَ قَبُولِ الشَّهَادَةِ فَأَوْجَبَ الرَّدَّ. وَأَمَّا إذَا قَذَفَ

(قَالَ وَلَا شَهَادَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ، وَلَا شَهَادَةُ الْوَلَدِ لِأَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ وَلَا الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَلَا الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا وَلَا الزَّوْجِ لِامْرَأَتِهِ وَلَا الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ وَلَا الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ وَلَا الْأَجِيرِ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ» وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ بَيْنَ الْأَوْلَادِ وَالْآبَاءِ مُتَّصِلَةٌ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَدَاءُ الزَّكَاةِ إلَيْهِمْ فَتَكُونُ شَهَادَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكَافِرُ مُسْلِمًا ثُمَّ أَسْلَمَ فَحُدَّ فِي حَالِ إسْلَامٍ لَمْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَلَوْ حُدَّ قَبْلَ الْإِسْلَامِ قُبِلَتْ فَكَانَ ذِكْرُ الْحَدِّ قَبْلَ الْإِسْلَامِ مُفِيدًا. وَالْجَوَابُ أَنَّ فَائِدَتَهُ تَطْبِيقُ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي عُرُوضِ مَا يَعْرِضُ بَعْدَ الْحَدِّ مَعَ وُقُوعِ الِاخْتِلَافِ الْمُحْوِجِ إلَى الْفَرْقِ. وَأَمَّا أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُقْبَلُ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ كَمَا أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ قَبْلَهُ فَلَا مُنَافَاةَ فِيهِ. قَالَ (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ، وَلَا شَهَادَةُ الْوَلَدِ لِأَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ وَلَا الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَلَا الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا وَلَا الزَّوْجِ لِامْرَأَتِهِ وَلَا الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ وَلَا الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ وَلَا الْأَجِيرِ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ» ) قِيلَ: مَا فَائِدَةُ قَوْلِهِ لِسَيِّدِهِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا شَهَادَةَ لَهُ فِي حَقِّ أَحَدٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ ذَكَرَهُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِطْرَادِ، فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا عَدَّ مَوَاضِعَ التُّهْمَةِ ذَكَرَ الْعَبْدَ مَعَ السَّيِّدِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَوْ قُبِلَتْ شَهَادَةُ الْعَبْدِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ لَمْ تُقْبَلْ فِي حَقِّ سَيِّدِهِ؛ وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ بَيْنَ الْأَوْلَادِ وَالْآبَاءِ مُتَّصِلَةٌ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ

لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ أَوْ تَتَمَكَّنُ فِيهِ التُّهْمَةُ. قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: وَالْمُرَادُ بِالْأَجِيرِ عَلَى مَا قَالُوا التِّلْمِيذُ الْخَاصُّ الَّذِي يَعُدُّ ضَرَرَ أُسْتَاذِهِ ضَرَرَ نَفْسِهِ وَنَفْعَهُ نَفْعَ نَفْسِهِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا شَهَادَةَ لِلْقَانِعِ بِأَهْلِ الْبَيْتِ» وَقِيلَ الْمُرَادُ الْأَجِيرُ مُسَانَهَةً أَوْ مُشَاهِرَةً أَوْ مُيَاوَمَةً فَيَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ بِمَنَافِعِهِ عِنْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَيَصِيرُ كَالْمُسْتَأْجَرِ عَلَيْهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَيْهِمْ، وَاتِّصَالُهَا يُوجِبُ أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ أَوْ أَنْ يَتَمَكَّنَ فِيهِ شُبْهَةٌ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُرَادُ بِالْأَجِيرِ عَلَى مَا قَالَ الْمَشَايِخُ هُوَ التِّلْمِيذُ الْخَاصُّ الَّذِي يَعُدُّ ضُرَّ أُسْتَاذِهِ ضَرَرَ نَفْسِهِ وَنَفْعَهُ نَفْعَ نَفْسِهِ) قِيلَ: التِّلْمِيذُ الْخَاصُّ هُوَ الَّذِي يَأْكُلُ مَعَهُ وَفِي عِيَالِهِ وَلَيْسَ لَهُ أُجْرَةٌ مَعْلُومَةٌ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا شَهَادَةَ لِلْقَانِعِ بِأَهْلِ الْبَيْتِ» مِنْ الْقُنُوعِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ السَّائِلِ يَطْلُبُ مَعَاشَهُ مِنْهُمْ. وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْأَجِيرُ مُسَانَهَةً أَوْ مُشَاهَرَةً، وَهُوَ الْأَجِيرُ الْوَاحِدُ فَيَسْتَوْجِبُ: أَيْ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرُ بِمَنَافِعِهِ، وَأَدَاءُ الشَّهَادَةِ مِنْ جُمْلَتِهَا فَيَصِيرُ كَالْمُسْتَأْجَرِ عَلَيْهَا، وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ تُرِكَ بِهِ وَجْهُ الْقِيَاسِ وَهُوَ قَبُولُهَا لِكَوْنِهَا شَهَادَةَ عَدْلٍ لِغَيْرِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، إذْ لَيْسَ لَهُ فِيمَا شَهِدَ فِيهِ مِلْكٌ وَلَا حَقٌّ وَلَا شُبْهَةُ اشْتِبَاهٍ بِسَبَبِ اتِّصَالِ الْمَنَافِعِ، وَلِهَذَا جَازَ شَهَادَةُ الْأُسْتَاذِ لَهُ وَوَضْعُ الزَّكَاةِ فِيهِ، لَكِنَّ الْإِجْمَاعَ الْمُنْعَقِدَ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ حُجَّةٌ يُتْرَكُ بِهِ الْقِيَاسُ. وَأَمَّا شَهَادَةُ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ فَمَقْبُولَةٌ

قَالَ (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تُقْبَلُ لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ بَيْنَهُمَا مُتَمَيِّزَةٌ وَالْأَيْدِي مُتَحَيِّزَةٌ وَلِهَذَا يَجْرِي الْقِصَاصُ وَالْحَبْسُ بِالدَّيْنِ بَيْنَهُمَا، وَلَا مُعْتَبَرَ بِمَا فِيهِ مِنْ النَّفْعِ لِثُبُوتِهِ ضِمْنًا كَمَا فِي الْغَرِيمِ إذَا شَهِدَ لِمَدْيُونِهِ الْمُفْلِسِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لِأُسْتَاذِهِ، وَلِهَذَا لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ مِنْ غَيْرِهِ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ. قَالَ (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ، وَقَالَ: الشَّافِعِيُّ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ بَيْنَهُمَا مُتَمَيِّزَةٌ وَالْأَيْدِيَ مُتَحَيِّزَةٌ) أَيْ يَدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُجْتَمِعَةٌ بِنَفْسِهَا غَيْرُ مُتَفَرِّقَةٍ فِي مِلْكِ الْآخَرِ غَيْرُ مُتَعَدِّيَةٍ إلَيْهِ، وَلِهَذَا يُقْضَى مِنْ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ وَيُحْبَسُ بِدَيْنِهِ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ كَالْأَخَوَيْنِ وَأَوْلَادِ الْعَمِّ وَغَيْرِهِمْ. لَا يُقَالُ: فِي قَبُولِ شَهَادَةِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ نَفْعٌ لِلشَّاهِدِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعُدُّ نَفْعَ صَاحِبِهِ نَفْعَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِقَصْدِيٍّ بَلْ حَصَلَ فِي ضِمْنِ الشَّهَادَةِ فَلَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا. كَرَبِّ الدَّيْنِ إذَا شَهِدَ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَهُوَ مُفْلِسٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ فِيهِ نَفْعٌ لِحُصُولِهِ ضِمْنًا

وَلَنَا مَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّ الِانْتِفَاعَ مُتَّصِلٌ عَادَةً وَهُوَ الْمَقْصُودُ فَيَصِيرُ شَاهِدًا لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ أَوْ يَصِيرُ مُتَّهَمًا، بِخِلَافِ شَهَادَةِ الْغَرِيمِ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ عَلَى الْمَشْهُودِ بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ (وَلَنَا مَا رَوَيْنَا) مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَلَا الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ وَلَا الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا وَلَا الزَّوْجِ لِامْرَأَتِهِ» (وَلِأَنَّ الِانْتِفَاعَ مُتَّصِلٌ) وَلِهَذَا لَوْ وَطِئَ جَارِيَةَ امْرَأَتِهِ وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي لَا يُحَدُّ (وَهُوَ) أَيْ الِانْتِفَاعُ (هُوَ الْمَقْصُودُ) مِنْ الْأَمْوَالِ (فَيَصِيرُ شَاهِدًا لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ أَوْ يَصِيرُ مُتَّهَمًا) فِي شَهَادَتِهِ بِجَرِّ النَّفْعِ إلَى نَفْسِهِ وَشَهَادَةُ الْمُتَّهَمِ مَرْدُودَةٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ شَهَادَةِ الْغَرِيمِ) جَوَابٌ عَمَّا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْغَرِيمَ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمَشْهُودِ بِهِ إذْ هُوَ مَالُ الْمَدْيُونِ وَلَا تَصَرُّفَ لَهُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الرَّجُلِ فَإِنَّهُ لِكَوْنِهِ قَوَّامًا عَلَيْهَا هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ فِي مَالِهَا عَادَةً. لَا يُقَالُ: الْغَرِيمُ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ يَأْخُذُهُ؛ لِأَنَّ الظَّفَرَ أَمْرٌ مَوْهُومٌ وَحَقُّ الْأَخْذِ

[شهادة الأخ لأخيه وعمه]

(وَلَا شَهَادَةُ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ) لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ لِنَفْسِهِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ مِنْ وَجْهِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِأَنَّ الْحَالَ مَوْقُوفٌ مُرَاعَى (وَلَا لِمُكَاتَبِهِ) لِمَا قُلْنَا. (وَلَا شَهَادَةُ الشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا) لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ لِاشْتِرَاكِهِمَا، وَلَوْ شَهِدَ بِمَا لَيْسَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا تُقْبَلُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ. (وَتَقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَخِ لِأَخِيهِ وَعَمِّهِ) لِانْعِدَامِ التُّهْمَةِ لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ وَمَنَافِعَهَا مُتَبَايِنَةٌ وَلَا بُسُوطَةَ لِبَعْضِهِمْ فِي مَالِ الْبَعْضِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِنَاءً عَلَيْهِ وَلَا كَذَلِكَ الزَّوْجَانِ. قَالَ (وَلَا شَهَادَةُ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ إلَخْ) لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ لِمَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّ شَهَادَتَهُ لَهُ شَهَادَةٌ لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ أَوْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَهِيَ لَهُ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْحَالَ مَوْقُوفٌ مُرَاعًى بَيْنَ أَنْ يَصِيرَ الْعَبْدُ لِلْغُرَمَاءِ بِسَبَبِ بَيْعِهِمْ فِي دَيْنِهِمْ وَبَيْنَ أَنْ يَبْقَى لِلْمَوْلَى كَمَا كَانَ بِسَبَبِ قَضَاءِ دَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَهِيَ لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَمَا يَمْلِكُ لِمَوْلَاهُ (وَلَا) تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَوْلَى (لِمُكَاتَبِهِ لِمَا قُلْنَا) مِنْ كَوْنِ الْحَالِ مَوْقُوفًا مُرَاعًى؛ لِأَنَّهُ إنْ أَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ صَارَ أَجْنَبِيًّا، وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ عَادَ رَقِيقًا فَكَانَتْ شَهَادَةً لِنَفْسِهِ. (وَلَا شَهَادَةُ الشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا) ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ شَاهِدًا لِنَفْسِهِ فِي الْبَعْضِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ، وَإِذَا بَطَلَ الْبَعْضُ بَطَلَ الْكُلُّ لِكَوْنِهَا غَيْرَ مُتَجَزِّئَةٍ إذْ هِيَ شَهَادَةٌ وَاحِدَةٌ (وَلَوْ شَهِدَ بِمَا لَيْسَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا قُبِلَتْ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ) قِيلَ: هَذَا إذَا كَانَا شَرِيكَيْ عِنَانٍ. أَمَّا إذَا كَانَا مُتَفَاوِضَيْنِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا لِصَاحِبِهِ إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَالنِّكَاحِ؛؛ لِأَنَّ مَا عَدَاهَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَكَانَتْ شَهَادَتُهُ لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ. [شَهَادَةُ الْأَخِ لِأَخِيهِ وَعَمِّهِ] قَالَ (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَخِ لِأَخِيهِ إلَخْ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَخِ لِأَخِيهِ وَشَهَادَةُ الرَّجُلِ لِعَمِّهِ وَلِسَائِرِ الْأَقَارِبِ غَيْرِ الْوِلَادِ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ

قَالَ (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُخَنَّثِ) وَمُرَادُهُ الْمُخَنَّثُ فِي الرَّدِيءِ مِنْ الْأَفْعَالِ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ، فَأَمَّا الَّذِي فِي كَلَامِهِ لِينٌ وَفِي أَعْضَائِهِ تَكَسُّرٌ فَهُوَ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ. (وَلَا نَائِحَةٍ وَلَا مُغَنِّيَةٍ) لِأَنَّهُمَا يَرْتَكِبَانِ مُحَرَّمًا فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ الصَّوْتَيْنِ الْأَحْمَقَيْنِ النَّائِحَةُ وَالْمُغَنِّيَةُ» (وَلَا مُدْمِنِ الشُّرْبِ عَلَى اللَّهْوِ) لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مُحَرَّمَ دِينِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِتَبَايُنِ الْأَمْلَاكِ وَمَنَافِعِهَا. (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مُخَنَّثٍ وَهُوَ فِي الْعُرْفِ مَنْ عُرِفَ بِالرَّدِيءِ مِنْ الْأَفْعَالِ) أَيْ التَّمَكُّنِ مِنْ اللِّوَاطَةِ (فَأَمَّا الَّذِي فِي كَلَامِهِ لِينٌ وَفِي أَعْضَائِهِ تَكَسُّرٌ فَهُوَ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ) . (وَلَا نَائِحَةٍ وَلَا مُغَنِّيَةٍ) لِارْتِكَابِهِمَا الْمُحَرَّمَ طَمَعًا فِي الْمَالِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى الْحُرْمَةِ «نَهْيُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّوْتَيْنِ الْأَحْمَقَيْنِ النَّائِحَةِ وَالْمُغَنِّيَةِ» وَصَفَ الصَّوْتَ بِصِفَةِ صَاحِبِهِ، وَالْمُرَادُ بِالنَّائِحَةِ الَّتِي تَنُوحُ فِي مُصِيبَةِ غَيْرِهَا وَاِتَّخَذَتْ ذَلِكَ مَكْسَبًا. وَالتَّغَنِّي لِلَّهْوِ مَعْصِيَةٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ. قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ: إذَا أَوْصَى بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَذَكَرَ مِنْهَا الْوَصِيَّةَ لِلْمُغَنِّينَ وَالْمُغَنِّيَاتِ خُصُوصًا إذَا كَانَ الْغِنَاءُ مِنْ الْمَرْأَةِ فَإِنَّ نَفْسَ رَفْعِ الصَّوْتِ مِنْهَا حَرَامٌ فَضْلًا عَنْ ضَمِّ الْغِنَاءِ إلَيْهِ، وَلِهَذَا لَمْ يُقَيِّدُهَا هُنَا بِقَوْلِهِ لِلنَّاسِ وَقَيَّدَ بِهِ فِيمَا ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا فِي غِنَاءِ الرَّجُلِ (وَلَا مُدْمِنِ الشُّرْبِ عَلَى اللَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مُحَرَّمَ دِينِهِ)

(وَلَا مَنْ يَلْعَبُ بِالطُّيُورِ) لِأَنَّهُ يُورِثُ غَفْلَةً وَلِأَنَّهُ قَدْ يَقِفُ عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ بِصُعُودِهِ عَلَى سَطْحِهِ لِيُطَيِّرَ طَيْرَهُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَلَا مَنْ يَلْعَبُ بِالطُّنْبُورِ وَهُوَ الْمُغَنِّي (وَلَا مَنْ يُغَنِّي لِلنَّاسِ) لِأَنَّهُ يَجْمَعُ النَّاسَ عَلَى ارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُرَادُ بِهِ كُلُّ مَنْ أَدْمَنَ عَلَى شُرْبِ شَيْءٍ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ خَمْرًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا مِثْلَ السُّكَّرِ وَنَقِيعِ الزَّبِيبِ وَالْمُنَصَّفِ. وَشَرَطَ الْإِدْمَانَ لِيَظْهَرَ ذَلِكَ عِنْدَ النَّاسِ، فَإِنَّ الْمُتَّهَمَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ فِي بَيْتِهِ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ وَإِنْ كَانَ كَبِيرَةً (وَلَا مَنْ يَلْعَبُ بِالطُّيُورِ؛ لِأَنَّهُ يُورِثُ غَفْلَةً لَا يُؤْمَنُ بِهَا عَلَى الْإِقْدَامِ عَلَى الشَّهَادَةِ مَعَ نِسْيَانِ بَعْضِ الْحَادِثَةِ) ثُمَّ هُوَ مُصِرٌّ عَلَى نَوْعِ لَعِبٍ (وَلِأَنَّهُ قَدْ يَقِفُ عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ بِصُعُودِهِ عَلَى سَطْحِهِ لِتَطْيِيرِ طَيْرِهِ) وَذَلِكَ فِسْقٌ. فَأَمَّا إذَا كَانَ يَسْتَأْنِسُ بِالْحَمَامِ فِي بَيْتِهِ فَهُوَ عَدْلٌ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ، إلَّا إذَا خَرَجَتْ مِنْ الْبَيْتِ فَإِنَّهَا تَأْتِي بِحَمَامَاتِ غَيْرِهِ فَتُفَرِّخُ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ يَبِيعُهُ وَلَا يَعْرِفُهُ مِنْ حَمَامِ نَفْسِهِ فَيَكُونُ آكِلًا لِلْحَرَامِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَلَا مَنْ يَلْعَبُ بِالطُّنْبُورِ وَهُوَ الْمُغَنِّي فَهُوَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ وَلَا مَنْ يُغَنِّي لِلنَّاسِ فَإِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ آلَةُ لَهْوٍ أَوْ لَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ عَنْ ذِكْرِهِ بِمَا ذَكَرَ مِنْ الْمُغَنِّيَةِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِكَوْنِهِ لِلنَّاسِ حَتَّى لَوْ كَانَ غِنَاؤُهُ لِنَفْسِهِ لِإِزَالَةِ وَحْشَتِهِ لَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَعَلَّلَ بِأَنَّهُ يَجْمَعُ النَّاسَ عَلَى ارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ. وَأَصْلُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَخِيهِ الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ وَهُوَ يَتَغَنَّى وَكَانَ مِنْ زُهَّادِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ كَرِهَ جَمِيعَ ذَلِكَ، وَبِهِ أَخَذَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ، وَحَمَلَ حَدِيثَ الْبَرَاءِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُنْشِدُ الْأَشْعَارَ الْمُبَاحَةَ الَّتِي فِيهَا الْوَعْظُ وَالْحِكْمَةُ وَاسْمُ الْغِنَاءِ قَدْ يَنْطَلِقُ عَلَى ذَلِكَ.

(وَلَا مَنْ يَأْتِي بَابًا مِنْ الْكَبَائِرِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا الْحَدُّ) لِلْفِسْقِ. قَالَ (وَلَا مَنْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ مِنْ غَيْرِ مِئْزَرٍ) لِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ حَرَامٌ. (أَوْ يَأْكُلُ الرِّبَا أَوْ يُقَامِرُ بِالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ) . لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَكَذَلِكَ مَنْ تَفُوتُهُ الصَّلَاةُ لِلِاشْتِغَالِ بِهِمَا، فَأَمَّا مُجَرَّدُ اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ فَلَيْسَ بِفِسْقٍ مَانِعٍ مِنْ الشَّهَادَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَلَا مَنْ يَأْتِي بَابًا مِنْ الْكَبَائِرِ إلَخْ) مَنْ أَتَى بِشَيْءٍ مِنْ الْكَبَائِرِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا الْحَدُّ فَسَقَ وَسَقَطَتْ عَدَالَتُهُ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَبِيرَةَ أَعَمُّ مِمَّا فِيهِ حَدٌّ أَوْ قَتْلٌ. وَقَالَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ: هِيَ السَّبْعُ الَّتِي ذَكَرهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ وَهِيَ: الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ، وَالْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَبَهْتُ الْمُؤْمِنِ، وَالزِّنَا، وَشُرْبُ الْخَمْرِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا كَانَ حَرَامًا لِعَيْنِهِ فَهُوَ كَبِيرَةٌ. (وَلَا مَنْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ بِغَيْرِ إزَارٍ؛ لِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ حَرَامٌ) . (وَلَا مَنْ يَأْكُلُ الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ كَبِيرَةٌ، وَلَا مَنْ يَلْعَبُ بِالنَّرْدِ أَوْ الشِّطْرَنْجِ) إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ أَحَدُ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ: الْقِمَارُ، أَوْ تَفْوِيتُ الصَّلَاةِ بِالِاشْتِغَالِ بِهِ أَوْ إكْثَارُ الْأَيْمَانِ الْكَاذِبَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ

لِأَنَّ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغًا. وَشَرَطَ فِي الْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ آكِلُ الرِّبَا مَشْهُورًا بِهِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَلَّمَا يَنْجُو عَنْ مُبَاشَرَةِ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ رِبَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْكَبَائِرِ وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَذْكُرْ الثَّالِثَةَ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ الْأَوَّلَانِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ النَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ فِي شَرْطِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ. وَفَرَّقَ فِي الذَّخِيرَةِ، وَجَعَلَ اللَّعِبَ بِالنَّرْدِ مُسْقِطًا لِلْعَدَالَةِ مُجَرَّدًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَلْعُونٌ مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ» وَالْمَلْعُونُ لَا يَكُونُ عَدْلًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إفْرَادُ قَوْلِهِ فَأَمَّا مُجَرَّدُ اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ فَلَيْسَ بِفِسْقٍ مَانِعٍ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ إشَارَةً إلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغًا) قِيلَ:؛ لِأَنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ يَقُولَانِ بِحِلِّ اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ، وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ آكِلُ الرَّبَّا مَشْهُورًا بِهِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَلَّمَا يَنْجُوَ عَنْ مُبَاشَرَةِ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ رِبًا، فَلَوْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ إذَا اُبْتُلِيَ بِهِ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ غَالِبًا، وَهَذَا بِخِلَافِ أَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ فَإِنَّهُ يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ

قَالَ (وَلَا مَنْ يَفْعَلُ الْأَفْعَالَ الْمُسْتَحْقَرَةَ كَالْبَوْلِ عَلَى الطَّرِيقِ وَالْأَكْلِ عَلَى الطَّرِيقِ) لِأَنَّهُ تَارِكٌ لِلْمُرُوءَةِ، وَإِذَا كَانَ لَا يَسْتَحْيِ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ عَنْ الْكَذِبِ فَيُتَّهَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ لَمْ يَشْتَهِرْ بِهِ لِعَدَمِ عُمُومِ الْبَلْوَى. (وَلَا مَنْ يَفْعَلُ الْأَفْعَالَ الْمُسْتَحْقَرَةَ) وَفِي نُسْخَةِ الْمُحْتَقَرَةَ، وَفِي أُخْرَى الْمُسْتَقْبَحَةَ، وَفِي أُخْرَى الْمُسْتَخَفَّةَ، وَفِي أُخْرَى الْمُسَخِّفَةَ كُلُّهَا عَلَى اسْمِ الْمَفْعُولِ سِوَى الْمُسَخِّفَةِ بِلَفْظِ اسْمِ الْفَاعِلِ مِنْ التَّسْخِيفِ وَهُوَ النِّسْبَةُ إلَى السُّخْفِ: رِقَّةُ الْعَقْلِ، مِنْ قَوْلِهِمْ ثَوْبٌ سَخِيفٌ إذَا كَانَ قَلِيلَ الْغَزْلِ، وَصَحَّحَ صَاحِبُ الْمُغْرِبِ هَذِهِ الْأَخِيرَةَ (كَالْبَوْلِ وَالْأَكْلِ عَلَى الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ الْمُرُوءَةِ، وَإِذَا كَانَ لَا يَسْتَحِي مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ) فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ (لَا يَمْتَنِعُ عَنْ الْكَذِبِ) فَكَانَ مُتَّهَمًا.

[شهادة من يظهر سب السلف]

(وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يُظْهِرُ سَبَّ السَّلَفِ) لِظُهُورِ فِسْقِهِ بِخِلَافِ مَنْ يَكْتُمُهُ. (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ إلَّا الْخَطَّابِيَّةُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [شَهَادَةُ مَنْ يُظْهِرُ سَبَّ السَّلَفِ] وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يُظْهِرُ سَبَّ السَّلَفِ) وَهُمْ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ (لِظُهُورِ فِسْقِهِ) وَقَيَّدَ بِالْإِظْهَارِ حَتَّى لَوْ اعْتَقَدَ ذَلِكَ وَلَمْ يُظْهِرْهُ فَهُوَ عَدْلٌ. رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: لَا أَقْبَلُ شَهَادَةَ مَنْ سَبَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَقْبَلُ شَهَادَةَ مَنْ يَبْرَأُ مِنْهُمْ. وَفَرَّقُوا بِأَنَّ إظْهَارَ سَبِّهِ لَا يَأْتِي بِهِ إلَّا الْأَسْقَاطُ السَّخَفَةُ، وَشَهَادَةُ السَّخِيفِ لَا تُقْبَلُ، وَلَا كَذَلِكَ الْمُتَبَرِّئُ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ دِينًا وَإِنْ كَانَ عَلَى بَاطِلٍ فَلَمْ يَظْهَرْ فِسْقُهُ. [شَهَادَةُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ] (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ إلَّا الْخَطَّابِيَّةَ) مِنْهُمْ، وَالْهَوَى مَيَلَانُ النَّفْسِ إلَى مَا يَسْتَلِذُّ بِهِ مِنْ الشَّهَوَاتِ، وَإِنَّمَا سُمُّوا بِهِ لِمُتَابَعَتِهِمْ النَّفْسَ وَمُخَالَفَتِهِمْ السُّنَّةَ كَالْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ، فَإِنَّ أُصُولَ الْأَهْوَاءِ الْجَبْرُ وَالْقَدْرُ وَالرَّفْضُ وَالْخُرُوجُ وَالتَّشْبِيهُ وَالتَّعْطِيلُ، ثُمَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَفْتَرِقُ اثْنَتَيْ عَشَرَةَ فِرْقَةً.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ أَغْلَظُ وُجُوهُ الْفِسْقِ. وَلَنَا أَنَّهُ فِسْقٌ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ وَمَا أَوْقَعَهُ فِيهِ إلَّا تَدَيُّنُهُ بِهِ وَصَارَ كَمَنْ يَشْرَبُ الْمُثَلَّثَ أَوْ يَأْكُلُ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا مُسْتَبِيحًا لِذَلِكَ، بِخِلَافِ الْفِسْقِ مِنْ حَيْثُ التَّعَاطِي. أَمَّا الْخَطَّابِيَّةُ فَهُمْ مِنْ غُلَاةِ الرَّوَافِضِ يَعْتَقِدُونَ الشَّهَادَةَ لِكُلِّ مَنْ حَلَفَ عِنْدَهُمْ. وَقِيلَ يَرَوْنَ الشَّهَادَةَ لِشِيعَتِهِمْ وَاجِبَةً فَتَمَكَّنَتْ التُّهْمَةُ فِي شَهَادَتِهِمْ. قَالَ (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ) وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَلُهُمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُ أَغْلَظُ وُجُوهِ الْفِسْقِ) إذْ الْفِسْقُ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ شَرٌّ مِنْهُ مِنْ حَيْثُ التَّعَاطِي (وَلَنَا أَنَّهُ فِسْقٌ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ) وَمَا هُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ تَدَيُّنٌ لَا تَرْكُ تَدَيُّنٍ، وَالْمَانِعُ مِنْ الْقَبُولِ تَرْكُ مَا يَكُونُ دِينًا فَصَارَ كَحَنَفِيٍّ شَرِبَ الْمُثَلَّثَ أَوْ شَافِعِيٍّ أَكَلَ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا مُعْتَقِدًا إبَاحَتَهُ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ بِهِ مَرْدُودَ الشَّهَادَةِ. وَالْخَطَّابِيَّةُ قِيلَ هُمْ غُلَاةٌ مِنْ الرَّوَافِضِ يُنْسَبُونَ إلَى أَبِي الْخَطَّابِ رَجُلٍ كَانَ بِالْكُوفَةِ قَتَلَهُ عِيسَى بْنُ مُوسَى وَصَلَبَهُ بِالْكَنَائِسِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ عَلِيًّا الْإِلَهُ الْأَكْبَرُ وَجَعْفَرًا الصَّادِقَ الْإِلَهُ الْأَصْغَرُ. وَقِيلَ هُمْ قَوْمٌ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ مَنْ ادَّعَى مِنْهُمْ شَيْئًا عَلَى غَيْرِهِ يَجِبُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بَقِيَّةُ شِيعَتِهِ بِذَلِكَ، وَقِيلَ لِكُلِّ مَنْ حَلَفَ عِنْدَهُمْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ كَافِرُونَ إنْ كَانُوا كَمَا قِيلَ أَوَّلًا، وَلِتَمَكُّنِ التُّهْمَةِ فِي شَهَادَتِهِمْ إنْ كَانُوا كَمَا قِيلَ ثَانِيًا أَوْ ثَالِثًا. قَالَ (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ إلَخْ) شَهَادَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ مَقْبُولَةٌ عِنْدَنَا وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَلُهُمْ كَالْيَهُودِيِّ مَعَ النَّصْرَانِيِّ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: إنْ اتَّفَقَتْ مِلَلُهُمْ قُبِلَتْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا شَهَادَةَ لِأَهْلِ مِلَّةٍ عَلَى أَهْلِ مِلَّةٍ أُخْرَى إلَّا الْمُسْلِمِينَ فَشَهَادَتُهُمْ مَقْبُولَةٌ عَلَى أَهْلِ الْمِلَلِ كُلِّهَا» وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مُخَالِفُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73]

(وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 254] فَيَجِبُ التَّوَقُّفُ فِي خَبَرِهِ، وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ فَصَارَ كَالْمُرْتَدِّ. وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَجَازَ شَهَادَةَ النَّصَارَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَلِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ عَلَى نَفْسِهِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ عَلَى جِنْسِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُرَادُ بِهِ الْوِلَايَةُ دُونَ الْمُوَالَاةِ فَإِنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ {مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 72] وَالْعَطْفُ قَرِينَةٌ يُرَاعَى بِهِ تَنَاسُبُ الْمَعَانِي (وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 254] وَالظَّالِمُ فَاسِقٌ (فَيَجِبُ التَّوَقُّفُ فِي خَبَرِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] وَصَارَ كَالْمُرْتَدِّ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُرْتَدِّ لِجِنْسِهِ وَلِخِلَافِ جِنْسِهِ (وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَازَ شَهَادَةَ النَّصَارَى بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ» ) رَوَاهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو مُوسَى (وَلِأَنَّ الذِّمِّيَّ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ عَلَى نَفْسِهِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ) وَكُلُّ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ (فَلَهُ أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ عَلَى جِنْسِهِ) كَالْمُسْلِمِينَ. فَإِنْ قِيلَ: الْمُسْلِمُ لَهُ أَهْلِيَّةٌ عَلَى جِنْسِهِ وَعَلَى خِلَافِ جِنْسِهِ دُونَ الذِّمِّيِّ فَبَطَلَ الْقِيَاسُ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْقِيَاسَ فِي الذِّمِّيِّ كَذَلِكَ، لَكِنَّ تَرْكَ خِلَافِ الْجِنْسِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى

وَالْفِسْقُ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ غَيْرُ مَانِعٍ لِأَنَّهُ يَجْتَنِبُ مَا يَعْتَقِدُهُ مُحَرَّمَ دِينِهِ، وَالْكَذِبُ مَحْظُورُ الْأَدْيَانِ، بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ، وَبِخِلَافِ شَهَادَةِ الذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ يَتَقَوَّلُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَغِيظُهُ قَهْرُهُ إيَّاهُ، وَمِلَلُ الْكُفْرِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ فَلَا قَهْرَ فَلَا يَحْمِلُهُمْ الْغَيْظُ عَلَى التَّقَوُّلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] وَالْكَافِرُ لَيْسَ بِمَرْضِيٍّ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَرْضِيٍّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّهَادَةِ عَلَيْنَا أَوْ مُطْلَقًا. وَالْأَوَّلُ مُسَلَّمٌ وَلَيْسَتْ بِمَقْبُولَةٍ. وَالثَّانِي مَمْنُوعٌ إذْ لَيْسَ مَا يَمْنَعُ رِضَانَا يَمْنَعُ شَهَادَةَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ (قَوْلُهُ: وَالْفِسْقُ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ غَيْرُ مَانِعٍ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ. وَتَقْرِيرُهُ: الْفِسْقُ مَانِعٌ مِنْ حَيْثُ تَعَاطِي مُحَرَّمِ الدِّينِ أَوْ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ. وَالثَّانِي مَمْنُوعٌ وَالْأَوَّلُ مُسَلَّمٌ، لَكِنْ فِسْقُ الْكُفْرِ لَيْسَ مِنْ بَابِهِ فَإِنَّ الْكَافِرَ يَجْتَنِبُ مُحَرَّمَ دِينِهِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الِاجْتِنَابَ عَنْ مَحْظُورِ الدِّين يُعْتَبَرُ دَلِيلًا عَلَى الِاجْتِنَابِ عَنْ الْكَذِبِ الَّذِي هُوَ مِنْ بَابِ شَهَادَةِ الزُّورِ، وَهُمْ ارْتَكَبُوا الْكَذِبَ بِإِنْكَارِ الْآيَاتِ مَعَ عِلْمِهِمْ بِحَقِيقَتِهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: 14] وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْإِخْبَارُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُتَوَاطِئُونَ عَلَى كِتْمَانِ بَعْثِهِ وَنُبُوَّتِهِ وَلَا شَهَادَةَ لَهُمْ عِنْدَنَا وَمِنْ بَعْدِهِمْ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ مَا هُمْ عَلَيْهِ فَالتَّكْذِيبُ مِنْهُمْ تَدَيُّنٌ وَمُطْبَقُونَ عَلَى كَوْنِ الْكَذِبِ عَلَى أَحَدِ مَحْظُورٍ إذْ هُوَ مَحْظُورُ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا. وَقَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ فَصَارَ كَالْمُرْتَدِّ فَإِنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ لَا عَلَى نَفْسِهِ وَلَا عَلَى أَوْلَادِهِ وَهِيَ رُكْنُ الدَّلِيلِ. وَقَوْلُهُ (وَبِخِلَافِ شَهَادَةِ الذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَعَمَّا يُقَالُ لَوْ اسْتَلْزَمَتْ الْوِلَايَةُ أَهْلِيَّةَ الشَّهَادَةِ لَقُبِلَتْ شَهَادَةُ الذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ لِوُجُودِهَا كَمَا ذَكَرْتُمْ. وَوَجْهُهُ أَنَّ وِلَايَتَهُ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمُسْلِمِ مَعْدُومَةٌ، وَهُوَ كَمَا تَرَى مُنِعَ لِوُجُودِ الْمَلْزُومِ، وَقَدْ مَرَّ لَنَا جَوَابٌ آخَرُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ؛ وَلِأَنَّهُ يَتَقَوَّلُ عَلَيْهِ جَوَابٌ آخَرُ. وَتَقْرِيرُهُ: سَلَّمْنَا أَنَّ عِلَّةَ قَبُولِ شَهَادَتِهِ وَهُوَ الْوِلَايَةُ مُتَحَقِّقَةٌ لَكِنْ الْمَانِعُ مُتَحَقِّقٌ وَهُوَ تَغَيُّظُهُ بِقَهْرِ الْمُسْلِمِ إيَّاهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُهُ عَلَى التَّقَوُّلِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مِلَلِ الْكُفْرِ فَإِنَّهَا وَإِنْ اخْتَلَفَتْ فَلَا قَهْرَ لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَحْمِلُهُمْ الْغَيْظُ عَلَى التَّقَوُّلِ.

قَالَ (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحَرْبِيِّ عَلَى الذِّمِّيِّ) أَرَادَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْمُسْتَأْمَنُ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحَرْبِيِّ عَلَى الذِّمِّيِّ إلَخْ) لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحَرْبِيِّ عَلَى الذِّمِّيِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (أَرَادَ بِالْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنَ) وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْحَرْبِيِّ الَّذِي لَمْ يُسْتَأْمَنْ عَلَى الذِّمِّيِّ غَيْرُ مُتَصَوَّرَةٍ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَمِنْ شَرْطِ الْقَضَاءِ الْمِصْرُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. لَا يُقَالُ: يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ حَرْبِيٌّ دَارَ الْإِسْلَامِ بِلَا اسْتِئْمَانٍ فَيُحْضَرُ مَجْلِسَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ قَهْرًا فَيَصِيرُ عَبْدًا، وَلَا شَهَادَةَ لِلْعَبْدِ لِأَحَدٍ وَلَا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الْمُسْتَأْمَنِ عَلَى الذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الذِّمِّيِّ لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا وَالْمُسْتَأْمَنُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ، وَاخْتِلَافُ الدَّارَيْنِ حُكْمًا يَقْطَعُ الْوِلَايَةَ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي شَرْحِ رِسَالَتِنَا فِي الْفَرَائِضِ، وَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ: وَهُوَ أَعْلَى حَالًا مِنْهُ: أَيْ أَقْرَبُ إلَى الْإِسْلَامِ مِنْ الْمُسْتَأْمَنِ وَلِهَذَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ دُونَ الْمُسْتَأْمَنِ اسْتِظْهَارًا عَلَى الِاخْتِلَافِ لِتَمَامِ الدَّلِيلِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جُزْءُ الْعِلَّةِ انْقِطَاعَ الْوِلَايَةِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى الذِّمِّيِّ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الذِّمِّيِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لِكَوْنِهِ أَعْلَى حَالًا أَقْرَبُ إلَى الْإِسْلَامِ فَصَارَتْ شَهَادَتُهُ كَشَهَادَةِ الْمُسْلِمِ تُقْبَلُ عَلَى الذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الدَّارَيْنِ حُكْمًا عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فِي انْقِطَاعِ

وَهُوَ أَعْلَى حَالًا مِنْهُ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الذِّمِّيِّ عَلَيْهِ كَشَهَادَةِ الْمُسْلِمِ عَلَيْهِ وَعَلَى الذِّمِّيِّ (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُسْتَأْمَنِينَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ إذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِ دَارٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ كَانُوا مِنْ دَارَيْنِ كَالرُّومِ وَالتُّرْكِ لَا تُقْبَلُ) لِأَنَّ اخْتِلَافَ الدَّارَيْنِ يَقْطَعُ الْوِلَايَةَ وَلِهَذَا يَمْنَعُ التَّوَارُثَ، بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا، وَلَا كَذَلِكَ الْمُسْتَأْمَنُ. (وَإِنْ كَانَتْ الْحَسَنَاتُ أَغْلَبُ مِنْ السَّيِّئَاتِ وَالرَّجُلُ مِمَّنْ يَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَإِنْ أَلَمَّ بِمَعْصِيَةٍ) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي حَدِّ الْعَدَالَةِ الْمُعْتَبَرَةِ، إذْ لَا بُدَّ مِنْ تَوَقِّي الْكَبَائِرِ كُلِّهَا وَبَعْدَ ذَلِكَ يُعْتَبَرُ الْغَالِبُ كَمَا ذَكَرْنَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوِلَايَةِ بَيْنَ الْحَرْبِيَّيْنِ إذَا كَانَا مِنْ دَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَدَخَلَا دَارَنَا مُسْتَأْمَنَيْنِ فَضُمَّ ذَلِكَ إلَيْهِ لِلْعِلِّيَّةِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ دُونَ بَعْضِ الْحُكْمِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ. فَإِنْ قُلْت: أَمَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً لِقَبُولِ شَهَادَةِ الذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ لَا جُزْءًا لِعِلَّةِ انْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ. قُلْت: بَلَى لَكِنَّ تَرْكِيبَ كَلَامِهِ لَا يُسَاعِدُهُ فَتَأَمَّلْ. وَسَنَذْكُرُ الْجَوَابَ عَنْ قَبُولِ شَهَادَةِ الذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ مَعَ اخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ حُكْمًا عَلَى وَجْهٍ لَا يُلْزِمُ ذَلِكَ. قَالَ (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُسْتَأْمَنِينَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ إلَخْ) الْمُسْتَأْمَنُونَ فِي دَارِنَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونُوا مِنْ دَارٍ وَاحِدَةٍ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأُوَلُ قُبِلَتْ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي كَالتُّرْكِ وَالرُّومِ لَمْ تُقْبَلْ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الدَّارَيْنِ يَقْطَعُ الْوِلَايَةَ كَمَا مَرَّ وَلِهَذَا يُمْنَعُ التَّوَارُثُ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ اخْتِلَافُ الدَّارَيْنِ لَوْ قَطَعَ الْوِلَايَةَ لَمَا قُبِلَتْ شَهَادَةُ الذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ لِوُجُودِهِ لَكِنَّهَا قُبِلَتْ. وَوَجْهُهُ أَنْ يُقَالَ الذِّمِّيُّ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا وَمَنْ هُوَ كَذَلِكَ فَلَهُ الْوِلَايَةُ الْعَامَّةُ لِشَرَفِهَا، فَكَانَ الْوَاجِبُ قَبُولَ شَهَادَةِ الذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ لِوُجُودِهِ لَكِنَّهَا قُبِلَتْ. وَوَجْهُهُ أَنْ يُقَالَ الذِّمِّيُّ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا وَمَنْ هُوَ كَذَلِكَ فَلَهُ الْوِلَايَةُ الْعَامَّةُ لِشَرَفِهَا فَكَانَ الْوَاجِبُ قَبُولَ شَهَادَةِ الذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ كَعَكْسِهِ، لَكِنْ تَرَكْنَا بِالنَّصِّ كَمَا مَرَّ، وَلَا نَصَّ فِي الْمُسْتَأْمَنِ فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الذِّمِّيِّ عَلَيْهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْمُسْتَأْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ إذَا كَانُوا مِنْ دَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ قُبِلَتْ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ دَارِنَا فَهِيَ تَجْمَعُهُمْ، بِخِلَافِ الْمُسْتَأْمَنِينَ. قَالَ (وَإِنْ كَانَتْ الْحَسَنَاتُ أَكْثَرَ مِنْ السَّيِّئَاتِ إلَخْ) وَإِذَا كَانَتْ الْحَسَنَاتُ أَكْثَرَ مِنْ السَّيِّئَاتِ وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يَتْرُكُ الْفَرْضَ وَيَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ وَالْإِصْرَارُ عَلَى الصَّغِيرَةِ كَبِيرَةٌ يُعْتَبَرُ غَالِبُ أَحْوَالِهِ فِي تَعَاطِي الصَّغَائِرِ.

[شهادة الأقلف]

فَأَمَّا الْإِلْمَامُ بِمَعْصِيَةٍ لَا تَنْقَدِحُ بِهِ الْعَدَالَةُ الْمَشْرُوطَةُ فَلَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ الْمَشْرُوعَةُ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ اجْتِنَابِهِ الْكُلَّ سَدَّ بَابِهِ وَهُوَ مَفْتُوحٌ إحْيَاءً لِلْحُقُوقِ. قَالَ (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَقْلَفِ) لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِالْعَدَالَةِ إلَّا إذَا تَرَكَهُ اسْتِخْفَافًا بِالدِّينِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بِهَذَا الصَّنِيعِ عَدْلًا ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ كَانَ إتْيَانُهُ بِمَا هُوَ مَأْذُونٌ فِي الشَّرْعِ أَغْلَبَ مِنْ إلْمَامِهِ بِالصَّغَائِرِ جَازَتْ شَهَادَتُهُ وَلَا تَنْقَدِحُ عَدَالَتُهُ بِإِلْمَامِ الصَّغَائِرِ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى تَضْيِيعِ حُقُوقِ النَّاسِ بِسَدِّ بَابِ الشَّهَادَةِ الْمَفْتُوحِ لِإِحْيَائِهَا. [شَهَادَةُ الْأَقْلَفِ] (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَقْلَفِ وَهُوَ مَنْ لَمْ يُخْتَنْ) ؛ لِأَنَّ الْخِتَانَ سُنَّةٌ عِنْدَ عُلَمَائِنَا، وَتَرْكُ السُّنَّةِ لَا يُخِلُّ بِالْعَدَالَةِ إلَّا إذَا تَرَكَهَا اسْتِخْفَافًا بِالدِّينِ فَإِنَّهُ لَا يَبْقَى حِينَئِذٍ عَدْلًا بَلْ مُسْلِمًا، وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يُقَدِّرْ لَهُ وَقْتًا مُعَيَّنًا، إذْ الْمَقَادِيرُ بِالشَّرْعِ وَلَمْ يَرِدْ فِي ذَلِكَ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ، وَالْمُتَأَخِّرُونَ بَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ مِنْ سَبْعِ سِنِينَ إلَى عَشْرٍ، وَبَعْضُهُمْ الْيَوْمَ السَّابِعَ مِنْ وِلَادَتِهِ أَوْ بَعْدَهُ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ

[شهادة ولد الزنا]

(وَالْخَصِيِّ) لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَبِلَ شَهَادَةَ عَلْقَمَةَ الْخَصِيِّ، وَلِأَنَّهُ قُطِعَ عُضْوٌ مِنْهُ ظُلْمًا فَصَارَ كَمَا إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ. (وَوَلَدِ الزِّنَا) لِأَنَّ فِسْقَ الْأَبَوَيْنِ لَا يُوجِبُ فِسْقَ الْوَلَدِ كَكُفْرِهِمَا وَهُوَ مُسْلِمٌ. وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تُقْبَلُ فِي الزِّنَا لِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَهُ كَمِثْلِهِ فَيُتَّهَمُ. قُلْنَا: الْعَدْلُ لَا يَخْتَارُ ذَلِكَ وَلَا يَسْتَحِبُّهُ، وَالْكَلَامُ فِي الْعَدْلِ. [شَهَادَةُ وَلَدِ الزِّنَا] قَالَ (وَشَهَادَةُ الْخُنْثَى جَائِزَةٌ) لِأَنَّهُ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ وَشَهَادَةُ الْجِنْسَيْنِ مَقْبُولَةٌ بِالنَّصِّ. (وَشَهَادَةُ الْعُمَّالِ جَائِزَةٌ) وَالْمُرَادُ عُمَّالُ السُّلْطَانِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، لِأَنَّ نَفْسَ الْعَمَلِ لَيْسَ بِفِسْقٍ إلَّا إذَا كَانُوا أَعْوَانًا عَلَى الظُّلْمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - خُتِنَا الْيَوْمَ السَّابِعَ أَوْ بَعْدَ السَّابِعِ، لَكِنَّهُ شَاذٌّ. [قَبُول شَهَادَة الْخُصَّيْ] (وَ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (الْخَصِيِّ) وَهُوَ مَنْزُوعُ الْخُصْيَةِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَبِلَ شَهَادَةَ عَلْقَمَةَ الْخَصِيِّ، وَلِأَنَّهَا قُطِعَتْ ظُلْمًا فَصَارَ كَمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ. (وَ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (وَلَدِ الزِّنَا) ؛ لِأَنَّ فِسْقَ الْأَبَوَيْنِ لَا يَرْبُو عَلَى كُفْرِهِمَا وَكُفْرُهُمَا غَيْرُ مَانِعٍ لِشَهَادَةِ الِابْنِ فَفِسْقُهُمَا أَوْلَى (وَقَالَ مَالِكٌ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ كَمِثْلِهِ) وَالْكَافُ زَائِدَةٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] فَيُهْتَمُّ: قُلْنَا: الْكَلَامُ فِي الْعَدْلِ وَحُبُّهُ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ لَيْسَ بِقَادِحٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِهِ مَا لَمْ يَتَحَدَّثْ بِهِ، سَلَّمْنَاهُ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَدْلَ يَخْتَارُ ذَلِكَ أَوْ يَسْتَحِبُّهُ. [شَهَادَةُ الْخُنْثَى] (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْخُنْثَى؛ لِأَنَّهُ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ وَشَهَادَةُ الْجِنْسَيْنِ مَقْبُولَةٌ بِالنَّصِّ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] وَيَشْهَدُ مَعَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ لِلِاحْتِيَاطِ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ كَالنِّسَاءِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً. (قَالَ وَشَهَادَةُ الْعُمَّالِ جَائِزَةٌ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إنَّهُ كَانَ

وَقِيلَ الْعَامِلُ إذَا كَانَ وَجِيهًا فِي النَّاسِ ذَا مُرُوءَةٍ لَا يُجَازِفُ فِي كَلَامِهِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَمَا مَرَّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَاسِقِ، لِأَنَّهُ لِوَجَاهَتِهِ لَا يَقْدُمُ عَلَى الْكَذِبِ حِفْظًا لِلْمُرُوءَةِ وَلِمَهَابَتِهِ لَا يُسْتَأْجَرُ عَلَى الشَّهَادَةِ الْكَاذِبَةِ. قَالَ (وَإِذَا شَهِدَ الرَّجُلَانِ أَنَّ أَبَاهُمَا أَوْصَى إلَى فُلَانٍ وَالْوَصِيُّ يَدَّعِي ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ أَنْكَرَ الْوَصِيُّ لَمْ يَجُزْ) وَفِي ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ يُجِيزُ شَهَادَةَ الْعُمَّالِ عُمَّالِ السُّلْطَانِ الَّذِينَ يُعِينُونَهُ فِي أَخْذِ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ كَالْخَرَاجِ وَزَكَاةِ السَّوَائِمِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْعَمَلِ لَيْسَ بِفِسْقٍ، لِأَنَّ أَجِلَّاءَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا عُمَّالًا وَلَا يُظَنُّ بِهِمْ فِعْلُ مَا يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ، إلَّا إذَا كَانُوا أَعْوَانَ السُّلْطَانِ مُعِينِينَ عَلَى الظُّلْمِ فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْعَامِلُ إذَا كَانَ وَجِيهًا فِي النَّاسِ ذَا مُرُوءَةٍ لَا يُجَازِفُ فِي كَلَامِهِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ) لَعَلَّهُ يُرِيدُ بِهِ إذَا كَانَ عَوْنًا لَهُ عَلَى الظُّلْمِ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ ذَلِكَ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَمْثِيلُهُ بِمَا مَرَّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْفَاسِقِ (؛ لِأَنَّهُ لِوَجَاهَتِهِ لَا يُقْدِمُ عَلَى الْكَذِبِ حِفْظًا لِلْمُرُوءَةِ وَلِمَهَابَتِهِ لَا يُسْتَأْجَرُ عَلَى الشَّهَادَةِ الْكَاذِبَةِ) وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْعُمَّالِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِأَيْدِيهِمْ أَوْ يُؤَاجِرُونَ أَنْفُسَهُمْ؛ لِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ، فَيَكُونُ إيرَادُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رَدًّا لِقَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُمْ أَطْيَبُ الْأَكْسَابِ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْضَلُ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْ يَأْكُلُ مِنْ كَسْبِ يَدِهِ» فَأَنَّى يُوجِبُ جَرْحًا؟ قَالَ. (وَإِذَا شَهِدَ الرَّجُلَانِ أَنَّ أَبَاهُمَا أَوْصَى إلَى فُلَانٍ إلَخْ) إذَا شَهِدَ رَجُلَانِ أَنَّ أَبَاهُمَا أَوْصَى إلَى فُلَانٍ أَوْ شَهِدَ الْمُوصِي لَهُمَا بِذَلِكَ أَوْ شَهِدَ غَرِيمَانِ لَهُمَا عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ شَهِدَ غَرِيمَانِ لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ أَوْ شَهِدَ وَصِيَّانِ أَنَّهُ أَوْصَى إلَى ثَالِثٍ مَعَهُمَا فَذَلِكَ خَمْسُ مَسَائِلَ، فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَوْتُ مَعْرُوفًا وَالْوَصِيُّ رَاضِيًا أَوْ لَمْ يَكُنْ، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي لَمْ يَجُزْ فِي الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ إلَّا فِي الرَّابِعَةِ فَإِنَّ ظُهُورَ الْمَوْتِ لَيْسَ بِشَرْطٍ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ جَازَ اسْتِحْسَانًا. وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةُ مُتَّهَمٍ

الْقِيَاسِ: لَا يَجُوزُ إنْ ادَّعَى، وَعَلَى هَذَا إذَا شَهِدَ الْمُوصِي لَهُمَا بِذَلِكَ أَوْ غَرِيمَانِ لَهُمَا عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ أَوْ شَهِدَ الْوَصِيَّانِ أَنَّهُ أَوْصَى إلَى هَذَا الرَّجُلِ مَعَهُمَا. وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهَا شَهَادَةٌ لِلشَّاهِدِ لِعَوْدِ الْمَنْفَعَةِ إلَيْهِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ نَصْبِ الْوَصِيِّ إذَا كَانَ طَالِبًا وَالْمَوْتُ مَعْرُوفٌ، فَيَكْفِي الْقَاضِي بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ مُؤْنَةَ التَّعْيِينِ لَا أَنْ يَثْبُتَ بِهَا شَيْءٌ فَصَارَ كَالْقُرْعَةِ وَالْوَصِيَّانِ إذَا أَقَرَّا أَنَّ مَعَهُمَا ثَالِثًا يَمْلِكُ الْقَاضِي نَصْبَ ثَالِثٍ مَعَهُمَا لِعَجْزِهِمَا عَنْ التَّصَرُّفِ بِاعْتِرَافِهِمَا، بِخِلَافِ مَا إذَا أَنْكَرَا وَلَمْ يَعْرِفْ الْمَوْتَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ نَصْبِ الْوَصِيِّ فَتَكُونُ الشَّهَادَةُ هِيَ الْمُوجِبَةُ، وَفِي الْغَرِيمَيْنِ لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَوْتُ مَعْرُوفًا لِأَنَّهُمَا يُقِرَّانِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَيَثْبُتُ الْمَوْتُ بِاعْتِرَافِهِمَا فِي حَقِّهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلِعَوْدِ الْمَنْفَعَةِ إلَيْهِ بِنَسَبِ مَنْ يَقُومُ بِإِحْيَاءِ حُقُوقِهِ أَوْ فَرَاغِ ذِمَّتِهِ وَلَا شَهَادَةَ لِمُتَّهَمٍ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَهَادَةٍ حَقِيقَةٍ؛ لِأَنَّهَا مَا تُوجِبُ عَلَى الْقَاضِي مَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ بِدُونِهَا وَهَذِهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ نَصْبِ الْوَصِيِّ إذَا رَضِيَ الْوَصِيُّ وَالْمَوْتُ مَعْرُوفٌ حِفْظًا لِأَمْوَالِ النَّاسِ عَنْ الضَّيَاعِ لَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يَتَأَمَّلَ فِي صَلَاحِيَّةِ مَنْ يُنَصِّبُهُ وَأَهْلِيَّتِهِ وَهَؤُلَاءِ بِشَهَادَتِهِمْ كَفَوْهُ مُؤْنَةَ التَّعْيِينِ وَلَمْ يُثْبِتُوا بِهَا شَيْئًا فَصَارَ كَالْقُرْعَةِ فِي كَوْنِهَا لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ بَلْ هِيَ دَافِعَةٌ مُؤْنَةَ تَعْيِينِ الْقَاضِي. فَإِنْ قِيلَ لَيْسَ لِلْقَاضِي نَصْبُ وَصِيٍّ ثَالِثٍ فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ مُوجِبَةً عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ. أَجَابَ بِأَنَّ الْوَصِيَّيْنِ إذَا اعْتَرَفَا بِعَجْزِهِمَا كَانَ لَهُ نَصْبُ ثَالِثٍ وَشَهَادَتُهُمَا هَاهُنَا بِثَالِثٍ مَعَهُمَا اعْتِرَافٌ بِعَجْزِهِمَا عَنْ التَّصَرُّفِ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهَا بِهِ فَكَانَ كَمَا تَقَدَّمَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَنْكَرَ وَلَمْ يَعْرِفْ الْمَوْتَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نَصْبُ وِلَايَةِ الْوَصِيِّ إذْ ذَاكَ فَكَانَتْ هِيَ الْمُوجِبَةَ إلَّا فِي الْغَرِيمَيْنِ لَهُ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الْمَوْتَ؛ لِأَنَّهُمَا يُقِرَّانِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِالْمَالِ فَيَثْبُتُ الْمَوْتُ

(وَإِنْ شَهِدَا أَنَّ أَبَاهُمَا الْغَائِبَ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دُيُونِهِ بِالْكُوفَةِ فَادَّعَى الْوَكِيلُ أَوْ أَنْكَرَهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا) لِأَنَّ الْقَاضِي لَا يَمْلِكُ نَصْبَ الْوَكِيلِ عَنْ الْغَائِبِ، فَلَوْ ثَبَتَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمَا وَهِيَ غَيْرُ مُوجِبَةٍ لِمَكَانِ التُّهْمَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي حَقِّهِمَا بِاعْتِرَافِهِمَا، وَإِنْ شَهِدَا أَنَّ أَبُوهُمَا الْغَائِبَ وَكَّلَ فُلَانًا بِقَبْضِ دُيُونِهِ بِالْكُوفَةِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا أَنْكَرَ الْوَكِيلُ ذَلِكَ

قَالَ (وَلَا يَسْمَعُ الْقَاضِي الشَّهَادَةَ عَلَى جَرْحٍ وَلَا يَحْكُمُ بِذَلِكَ) لِأَنَّ الْفِسْقَ مِمَّا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ لِأَنَّ لَهُ الدَّفْعَ بِالتَّوْبَةِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْإِلْزَامُ، وَلِأَنَّهُ هَتْكُ السِّرِّ وَالسَّتْرُ وَاجِبٌ وَالْإِشَاعَةُ حَرَامٌ، وَإِنَّمَا يُرَخَّصُ ضَرُورَةَ إحْيَاءِ الْحُقُوقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ ادَّعَاهُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ نَصْبَ الْوَكِيلِ عَنْ الْغَائِبِ، فَلَوْ ثَبَتَ كَانَتْ مُوجِبَةً وَالتُّهْمَةُ تَرُدُّ ذَلِكَ. قَالَ (وَلَا يَسْمَعُ الْقَاضِي الشَّهَادَةَ عَلَى جَرْحٍ إلَخْ) الْجَرْحُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُجَرَّدًا أَوْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ حُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْ لَا. وَالثَّانِي هُوَ الْمُفْرَدُ لِتَجَرُّدِهِ عَمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الثَّانِي وَلَك أَنْ تُسَمِّيَهُ مُرَكَّبًا، فَإِذَا شَهِدَ شُهُودُ الْمُدَّعِي عَلَى الْغَرِيمِ بِشَيْءٍ وَأَقَامَ الْغَرِيمُ بَيِّنَةً عَلَى الْجَرْحِ الْمُفْرَدِ مِثْلَ إنْ قَالُوا هُمْ فَسَقَةٌ أَوْ زُنَاةٌ أَوْ آكِلُو رِبًا فَالْقَاضِي لَا يَسْمَعُهَا. وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْفِسْقَ مِمَّا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ لِتَمَكُّنِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ مِنْ رَفْعِهِ بِالتَّوْبَةِ وَرَفْعِ الْإِلْزَامِ، وَسَمَاعُهَا إنَّمَا هُوَ لِلْحُكْمِ وَالْإِلْزَامِ. وَالثَّانِي قِيلَ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ أَنَّ فِي الْجَرْحِ الْمُفْرَدِ هَتْكَ السِّرِّ وَهُوَ إظْهَارُ الْفَاحِشَةِ وَهُوَ حَرَامٌ بِالنَّصِّ فَكَانَ الشَّاهِدُ فَاسِقًا بِهَتْكِ وَاجِبِ السَّتْرِ وَتَعَاطِي إظْهَارِ الْحَرَامِ فَلَا يَسْمَعُهَا الْحَاكِمُ. فَإِنْ قِيلَ: مَا بَالُهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا مُعَدِّلِينَ فِي الْعَلَانِيَةِ فَيُسْمَعُ مِنْهُمْ الْجَرْحُ الْمُفْرَدُ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ مَنْ شَرَطَ ذَلِكَ فِي زَمَانِنَا أَنْ يَقُولَ لَا أَعْلَمُ مِنْ حَالِهِ أَوْ يُعْلِمَ الْقَاضِيَ بِذَلِكَ سِرًّا إذَا سَأَلَهُ الْقَاضِي تَفَادِيًا عَنْ التَّعَادِي وَاحْتِرَازًا عَنْ إظْهَارِ الْفَاحِشَةِ، وَلَيْسَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا قَالَ وَلَا يَحْكُمُ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَدَمُ السَّمَاعِ يُفِيدُهُ

وَذَلِكَ فِيمَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ (إلَّا إذَا شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ تُقْبَلُ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ. قَالَ (وَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ اسْتَأْجَرَ الشُّهُودَ لَمْ تُقْبَلْ) لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عَلَى جَرْحٍ مُجَرَّدٍ، وَالِاسْتِئْجَارُ وَإِنْ كَانَ أَمْرًا زَائِدًا عَلَيْهِ فَلَا خَصْمَ فِي إثْبَاتِهِ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُ، حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ اسْتَأْجَرَ الشُّهُودَ بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ لِيُؤَدُّوا الشَّهَادَةَ وَأَعْطَاهُمْ الْعَشَرَةَ مِنْ مَالِي الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ تُقْبَلُ لِأَنَّهُ خَصْمٌ فِي ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِجَوَازِ أَنْ يَحْكُمَ بِذَلِكَ بِعِلْمِهِ فَقَالَ وَلَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّهُ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْفِسْقَ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ: أَيْ لَكِنْ إذَا شَهِدَ شُهُودُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْمُدَّعِي أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ شُهُودِي فَسَقَةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ (لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ) وَلَمْ يُظْهِرُوا الْفَاحِشَةَ وَإِنَّمَا حَكَوْهَا عَنْ غَيْرِهِمْ وَهُوَ الْمُدَّعِي، وَالْحَاكِي لِإِظْهَارِهَا لَيْسَ كَمُظْهِرِهَا. وَكَذَا إذَا شَهِدُوا بِأَنَّ الْمُدَّعِيَ اسْتَأْجَرَ الشُّهُودَ لَمْ يَسْمَعْهَا؛ لِأَنَّهُ جَرْحٌ مُجَرَّدٌ، وَضَمُّ الِاسْتِئْجَارِ إلَيْهِ لَيْسَ بِمُخْرِجٍ لَهُ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَيَحْتَاجُ إلَى خَصْمٍ يَحْكُمُ لَهُ الْحَاكِمُ وَلَا خَصْمَ فِيهِ لِكَوْنِهِ أَجْنَبِيًّا عَنْهُ. (حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ اسْتَأْجَرَهُمْ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ لِيُؤَدُّوا الشَّهَادَةَ وَأَعْطَاهُمْ الْعَشَرَةَ مِنْ مَالِي الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ قُبِلَتْ؛ لِأَنَّهُ خَصْمٌ فِي ذَلِكَ) فَكَانَ

ثُمَّ يَثْبُتُ الْجَرْحُ بِنَاءً عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا أَقَامَهَا عَلَى أَنِّي صَالَحْت الشُّهُودَ عَلَى كَذَا مِنْ الْمَالِ. وَدَفَعْتُهُ إلَيْهِمْ عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدُوا عَلَيَّ بِهَذَا الْبَاطِلِ وَقَدْ شَهِدُوا وَطَالَبَهُمْ بِرَدِّ ذَلِكَ الْمَالِ، وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّهُ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الشَّاهِدَ عَبْدٌ أَوْ مَحْدُودٌ فِي قَذْفٍ أَوْ شَارِبُ خَمْرٍ أَوْ قَاذِفٌ أَوْ شَرِيكُ الْمُدَّعِي تُقْبَلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQجَرْحًا مُرَكَّبًا فَدَخَلَ تَحْتَ الْحُكْمِ وَثَبَتَ الْجَرْحُ بِنَاءً عَلَيْهِ (وَكَذَا إذَا أَقَامَهَا عَلَى أَنِّي صَالَحْت الشُّهُودَ عَلَى كَذَا مِنْ الْمَالِ وَدَفَعْته إلَيْهِمْ عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدُوا عَلَيَّ بِهَذَا الزُّورِ وَقَدْ شَهِدُوا وَطَالَبَهُمْ بِرَدِّ الْمَالِ) لِمَا قُلْنَا، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ ذَلِكَ وَلَمْ يَقُلْ دَفَعْته إلَيْهِمْ فَإِنَّهُ جَرْحٌ مُجَرَّدٌ غَيْرُ مَسْمُوعٍ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا قِيلَ) أَيْ وَلِمَا قُلْنَا إنَّهُ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى جَرْحٍ فِيهِ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ أَوْ مِنْ حُقُوقِ الشَّرْعِ وَلَيْسَ لَهُ ذِكْرُ فِي الْمَتْنِ، وَقِيلَ لِمَا قُلْنَا مِنْ الدَّلِيلَيْنِ فِي الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ قُلْنَا كَذَا وَهُوَ بَعِيدٌ وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَلِذَلِكَ وَهَذَا أَسْهَلُ، وَالْمَعْنَى إذَا أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ (أَنَّ الشَّاهِدَ عَبْدٌ أَوْ مَحْدُودٌ فِي قَذْفٍ أَوْ شَارِبُ خَمْرٍ أَوْ سَارِقٌ أَوْ قَاذِفٌ أَوْ شَرِيكُ الْمُدَّعِي قُبِلَتْ) ؛ لِأَنَّهُ إثْبَاتُ حَقٍّ يَدْخُلُ تَحْتَ

قَالَ (وَمَنْ شَهِدَ وَلَمْ يَبْرَحْ حَتَّى قَالَ أُوهِمْتُ بَعْضَ شَهَادَتِي، فَإِنْ كَانَ عَدْلًا جَازَتْ شَهَادَتُهُ) وَمَعْنَى قَوْلِهِ أُوهِمْتُ أَيْ أَخْطَأْت بِنِسْيَانِ مَا كَانَ يَحِقُّ عَلَيَّ ذِكْرُهُ أَوْ بِزِيَادَةٍ كَانَتْ بَاطِلَةً. وَوَجْهُهُ أَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يُبْتَلَى بِمِثْلِهِ لِمَهَابَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحُكْمِ مِنْ غَيْرِ إشَاعَةِ فَاحِشَةٍ. أَمَّا قَوْلُهُ: إنَّهُ عَبْدٌ فَلِمَا أَنَّهُ يَثْبُتُ الرِّقُّ وَهُوَ ضَعْفٌ حُكْمِيٌّ أَثَرُهُ فِي سَلْبِ الْوِلَايَةِ وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَمَوْضِعُهُ أُصُولُ الْفِقْهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنَّهُ مَحْدُودٌ فِي قَذْفٍ فَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمٌ وَهُوَ إكْمَالُ الْحَدِّ بِرَدِّ شَهَادَتِهِ وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ حَدُّ الشُّرْبِ وَحَدُّ الْقَذْفِ وَحَدُّ السَّرِقَةِ. فَإِنْ قِيلَ: فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ إظْهَارُ الْفَاحِشَةِ كَمَا فِيمَا تَقَدَّمَ فَكَيْفَ سُمِعَتْ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ إظْهَارَ الْفَاحِشَةِ إذَا دَعَتْ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ جَائِزٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُذْكُرُوا الْفَاجِرَ بِمَا فِيهِ» وَقَدْ تَحَقَّقَتْ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ. لَا يُقَالُ: وَقَدْ تَحَقَّقَتْ فِي الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ أَيْضًا لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ بِشُهُودٍ غَيْرِ مَرْضِيَّةٍ عَنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا تَنْدَفِعُ بِأَنْ يَقُولَ لِلْقَاضِي سِرًّا وَلَا يُظْهِرُهُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ، وَعَلَى هَذَا فِي إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ اعْتِبَارَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ بِجَرْحِ الشَّهَادَةِ وَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ. وَالثَّانِي لِإِقَامَةِ الْحَدِّ وَهُوَ مَقْبُولٌ، وَمِنْ عَلَامَاتِهِ عَدَمُ التَّقَادُمِ. وَأَمَّا إثْبَاتُ الشَّرِكَةِ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الدَّفْعِ بِالتُّهْمَةِ كَمَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الشَّاهِدَ ابْنَ الْمُدَّعِي أَوْ أَبُوهُ. قَالَ (وَمَنْ شَهِدَ وَلَمْ يَبْرَحْ إلَخْ) وَمَنْ شَهِدَ ثُمَّ قَالَ أَوْهَمْت بَعْضَ شَهَادَتِي قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: أَيْ أَخْطَأَتْ بِنِسْيَانِ مَا يَحِقُّ عَلَيَّ ذِكْرُهُ أَوْ بِزِيَادَةٍ كَانَتْ بَاطِلَةً: يَعْنِي تَرَكْت مَا يَجِبُ عَلَيَّ أَوْ أَتَيْت بِمَا لَا يَجُوزُ لِي، فَإِمَّا أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ وَهُوَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي أَوْ بَعْدَمَا قَامَ عَنْهُ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ، وَعَلَى كُلٍّ مِنْ التَّقْدِيرَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَدْلًا أَوْ غَيْرَهُ، وَالْمُتَدَارَكُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَوْضِعَ شُبْهَةِ التَّلْبِيسِ وَالتَّغْرِيرِ مِنْ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ مُطْلَقًا: أَيْ سَوَاءٌ قَالَهُ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَهُ فِي مَوْضِعِ الشُّبْهَةِ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الشُّبْهَةِ مِثْلَ أَنْ يَدَّعِيَ لَفْظَةَ الشَّهَادَةِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ مِثْلَ أَنْ يَتْرُكَ ذِكْرَ اسْمِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ الْإِشَارَةَ إلَى أَحَدِهِمَا سَوَاءٌ كَانَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ أَوْ فِي غَيْرِهِ، وَتَدَارُكُ تَرْكِ لَفْظِ الشَّهَادَةِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ قَبْلَ الْقَضَاءِ؛ إذْ مِنْ شَرْطِ الْقَضَاءِ أَنْ يَتَكَلَّمَ الشَّاهِدُ بِلَفْظِ أَشْهَدُ وَالْمَشْرُوطُ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الشَّرْطِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي مَوْضِعِ شُبْهَةِ التَّلْبِيسِ كَمَا إذَا شَهِدَ بِأَلْفٍ ثُمَّ قَالَ غَلِطْت بَلْ هِيَ خَمْسُمِائَةٍ أَوْ بِالْعَكْسِ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ إذَا قَالَ فِي الْمَجْلِسِ بِجَمِيعِ مَا شَهِدَ أَوَّلًا عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ،؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ لَهُ اسْتَحَقَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْقَضَاءِ بِشَهَادَتِهِ وَوَجَبَ قَضَاؤُهُ فَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ أَوْهَمْت وَبِمَا بَقِيَ أَوْ زَادَ عِنْدَ آخَرِينَ؛ لِأَنَّ الْحَادِثَ بَعْدَ الشَّهَادَةِ مِنْ الْعَدْلِ فِي الْمَجْلِسِ كَالْمَقْرُونِ بِأَصْلِهَا وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا التَّدَارُكُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ وَبَعْدَهَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَوَجْهُهُ أَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يُبْتَلَى

مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَكَانَ الْعُذْرُ وَاضِحًا فَتُقْبَلُ إذَا تَدَارَكَهُ فِي أَوَانِهِ وَهُوَ عَدْلٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَامَ عَنْ الْمَجْلِسِ ثُمَّ عَادَ وَقَالَ أُوهِمْتُ، لِأَنَّهُ يُوهِمُ الزِّيَادَةَ مِنْ الْمُدَّعِي بِتَلْبِيسٍ وَخِيَانَةٍ فَوَجَبَ الِاحْتِيَاطُ، وَلِأَنَّ الْمَجْلِسَ إذَا اتَّحَدَ لَحِقَ الْمُلْحَقُ بِأَصْلِ الشَّهَادَةِ فَصَارَ كَكَلَامٍ وَاحِدٍ، وَلَا كَذَلِكَ إذَا اخْتَلَفَ. وَعَلَى هَذَا إذَا وَقَعَ الْغَلَطُ فِي بَعْضِ الْحُدُودِ أَوْ فِي بَعْضِ النَّسَبِ وَهَذَا إذَا كَانَ مَوْضِعَ شُبْهَةٍ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فَلَا بَأْسَ بِإِعَادَةِ الْكَلَامِ أَصْلًا مِثْلُ أَنْ يَدَعَ لَفْظَةَ الشَّهَادَةِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَى ذَلِكَ وَإِنْ قَامَ عَنْ الْمَجْلِسِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمِثْلِهِ لِمَهَابَةِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَكَانَ الْعُذْرُ وَاضِحًا فَيُقْبَلُ إذَا تَدَارَكَهُ فِي أَوَانِهِ) وَهُوَ قَبْلَ الْبَرَاحِ مِنْ الْمَجْلِسِ (وَهُوَ عَدْلٌ وَأَمَّا إذَا كَانَ بَعْدَمَا قَامَ عَنْ الْمَجْلِسِ فَلَمْ يُقْبَلْ) ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ الزِّيَادَةَ مِنْ الْمُدَّعِي بِإِطْمَاعِهِ الشَّاهِدَ بِحُطَامِ الدُّنْيَا وَالنُّقْصَانَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ (فَوَجَبَ الِاحْتِيَاطُ) (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْمَجْلِسَ إذَا اتَّحَدَ) دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى ذَلِكَ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى مَا مَالَ إلَيْهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فَإِنَّهُ أَلْحَقَ الْمُلْحَقَ بِأَصْلِ الشَّهَادَةِ فَصَارَ كَكَلَامٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا يُوجِبُ الْعَمَلَ بِالشَّهَادَةِ الثَّانِيَةِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ (وَعَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَجْلِسِ فِي دَعْوَى التَّوَهُّمِ (إذَا وَقَعَ الْغَلَطُ فِي بَعْضِ الْحُدُودِ) فَذَكَرَ الشَّرْقِيَّ مَكَانَ الْغَرْبِيِّ أَوْ بِالْعَكْسِ (أَوْ فِي بَعْضِ النَّسَبِ) كَأَنْ ذَكَرَ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي غَيْرِ الْمَجْلِسِ إذَا كَانَ عَدْلًا، وَالظَّاهِرُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبَدَلَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عُمَرَ مَثَلًا، فَإِنْ تَدَارَكَهُ قَبْلَ الْبَرَاحِ عَنْ الْمَجْلِسِ قُبِلَتْ وَإِلَّا فَلَا (وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ:) فِي غَيْرِ الْمَجْلِسِ أَيْضًا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فَرْضَ عَدَالَتِهِ يَنْفِي تَوَهُّمَ التَّلْبِيسِ وَالتَّغْرِيرِ (وَالظَّاهِرُ مَا ذَكَرْنَاهُ) أَوَّلًا مِنْ تَقَيُّدِ مَا فِيهِ شُبْهَةُ التَّغْرِيرِ بِالْمَجْلِسِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[باب الاختلاف في الشهادة]

(بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ) قَالَ (الشَّهَادَةُ إذَا وَافَقَتْ الدَّعْوَى قُبِلَتْ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ] تَأْخِيرُ اخْتِلَافِ الشَّهَادَةِ عَنْ اتِّفَاقِهَا مِمَّا يَقْتَضِيهِ الطَّبْعُ لِكَوْنِ الِاتِّفَاقِ أَصْلًا، وَالِاخْتِلَافُ إنَّمَا هُوَ بِعَارِضِ الْجَهْلِ وَالْكَذِبِ فَأَخَّرَهُ وَضْعًا لِلتَّنَاسُبِ. قَالَ (الشَّهَادَةُ إذَا وَافَقَتْ الدَّعْوَى قُبِلَتْ إلَخْ) الشَّهَادَةُ إذَا وَافَقَتْ الدَّعْوَى قُبِلَتْ، وَإِنْ خَالَفَتْهَا لَمْ تُقْبَلْ، وَقَدْ عَرَفْت مَعْنَى الشَّهَادَةِ، فَاعْلَمْ أَنَّ الدَّعْوَى هِيَ مُطَالَبَةٌ بِحَقٍّ فِي مَجْلِسِ مَنْ لَهُ الْخَلَاصُ عِنْدَ ثُبُوتِهِ، وَمُوَافَقَتُهَا لِلشَّهَادَةِ هُوَ أَنْ يَتَّحِدَا نَوْعًا وَكَمًّا وَكَيْفًا وَزَمَانًا وَمَكَانًا وَفِعْلًا وَانْفِعَالًا وَوَضْعًا وَمِلْكًا وَنِسْبَةً. فَإِنَّهُ إذَا ادَّعَى عَلَى آخَرَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ وَشَهِدَ الشَّاهِدُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، أَوْ ادَّعَى عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَشَهِدَ بِثَلَاثِينَ، أَوْ ادَّعَى سَرِقَةَ ثَوْبٍ أَحْمَرَ وَشَهِدَ بِأَبْيَضَ، أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ قَتَلَ وَلِيَّهُ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْكُوفَةِ وَشَهِدَ بِذَلِكَ يَوْمَ الْفِطْرِ بِالْبَصْرَةِ، أَوْ ادَّعَى شَقَّ زِقِّهِ وَإِتْلَافَ مَا فِيهِ بِهِ وَشَهِدَ بِانْشِقَاقِهِ عِنْدَهُ أَوْ ادَّعَى عَقَارًا بِالْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ مِنْ مِلْكِ فُلَانٍ وَشَهِدَ بِالْغَرْبِيِّ مِنْهُ، أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ مِلْكُهُ وَشَهِدَ أَنَّهُ مِلْكُ وَلَدِهِ، أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ عَبْدُهُ وَلَدَتْهُ الْجَارِيَةُ الْفُلَانِيَّةُ وَشَهِدَ بِوِلَادَةِ غَيْرِهَا لَمْ تَكُنْ

وَإِنْ خَالَفَتْهَا لَمْ تُقْبَلْ) لِأَنَّ تَقَدُّمَ الدَّعْوَى فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ شَرْطُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ، وَقَدْ وُجِدَتْ فِيمَا يُوَافِقُهَا وَانْعَدَمَتْ فِيمَا يُخَالِفُهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّهَادَةُ مُوَافِقَةً لِلدَّعْوَى. وَأَمَّا الْمُوَافَقَةُ بَيْنَ لَفْظَيْهِمَا فَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ يَقُولُ ادَّعَى عَلَيَّ غَرِيمِي هَذَا وَالشَّاهِدُ يَقُولُ أَشْهَدُ بِذَلِكَ، وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ تَقَدُّمَ الدَّعْوَى فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ شَرْطُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَقَدْ وُجِدَتْ فِي مَا يُوَافِقُهَا وَانْعَدَمَتْ فِيمَا يُخَالِفُهَا) أَمَّا أَنَّ تَقَدُّمَهَا فِيهَا شَرْطٌ لِقَبُولِهَا فَلِأَنَّ الْقَاضِيَ نُصِّبَ لِفَصْلِ الْخُصُومَاتِ فَلَا بُدَّ مِنْهَا، وَلَا نَعْنِي بِالْخُصُومَةِ إلَّا الدَّعْوَى، وَأَمَّا وُجُودُهَا عِنْدَ الْمُوَافَقَةِ فَلِعَدَمِ مَا يَهْدُرُهَا مِنْ التَّكْذِيبِ. وَأَمَّا عَدَمُهَا عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ فَلِوُجُودِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لِتَصْدِيقِ الدَّعْوَى، فَإِذَا خَالَفَتْهَا فَقَدْ كَذَّبَتْهَا فَصَارَ وُجُودُهَا وَعَدَمُهَا سَوَاءً. وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ: تَقَدُّمُ الدَّعْوَى شَرْطُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَقَدْ وُجِدَتْ فِيمَا يُوَافِقُهَا وَهُوَ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنَّ وُجُودَ الشَّرْطِ لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْمَشْرُوطِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ تَعَارَضَ كَلَامُ الْمُدَّعِي وَالشَّاهِدِ فَمَا الْمُرَجِّحُ لِصِدْقِ الشَّاهِدِ حَتَّى اُعْتُبِرَ دُونَ كَلَامِ الْمُدَّعِي؟ الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ عِلَّةَ قَبُولِ الشَّهَادَةِ الْتِزَامُ الْحَاكِمِ سَمَاعَهَا عِنْدَ صِحَّتِهَا وَتَقَدُّمُ الدَّعْوَى شَرْطُ ذَلِكَ، فَإِذَا وُجِدَ فَقَدْ انْتَفَى الْمَانِعُ فَوَجَبَ الْقَبُولُ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ، لَا أَنَّ وُجُودَ الشَّرْطِ اسْتَلْزَمَ وُجُودَهُ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الشُّهُودِ الْعَدَالَةُ لَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ عَدَالَةُ الْمُدَّعِي لِصِحَّةِ دَعْوَاهُ فَرَجَّحْنَا جَانِبَ الشُّهُودِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ.

قَالَ (وَيُعْتَبَرُ اتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ عَلَى الْأَلْفِ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي الْأَلْفَيْنِ) . وَعَلَى هَذَا الْمِائَةُ وَالْمِائَتَانِ وَالطَّلْقَةُ وَالطَّلْقَتَانِ وَالطَّلْقَةُ وَالثَّلَاثُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَيُعْتَبَرُ اتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ) الْمُوَافَقَةُ بَيْنَ شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ شَرْطُ قَبُولِهَا كَمَا كَانَتْ شَرْطًا بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ، وَلَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهَا شَرْطٌ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى أَوْ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى خَاصَّةً، فَأَمَّا الْمُوَافَقَةُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَلَا بُدَّ مِنْهَا بِلَا خِلَافٍ، وَاخْتِلَافُ اللَّفْظِ مِنْ حَيْثُ التَّرَادُفُ لَا يَمْنَعُ بِلَا خِلَافٍ، وَلِهَذَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْهِبَةِ وَالْآخَرُ بِالْعَطِيَّةِ فَهِيَ مَقْبُولَةٌ، وَأَمَّا اخْتِلَافُهُ بِحَيْثُ يَدُلُّ بَعْضُهُ عَلَى مَدْلُولِ الْبَعْضِ الْآخَرِ بِالتَّضَمُّنِ فَقَدْ نَفَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَجَوَّزَاهُ (فَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ لَمْ تُقْبَلْ عِنْدَهُ وَقَالَا: تُقْبَلُ عَلَى الْأَلْفِ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي أَلْفَيْنِ وَهُوَ دَيْنٌ وَعَلَى هَذَا الْمِائَةُ وَالْمِائَتَانِ وَالطَّلْقَةُ وَالطَّلْقَتَانِ وَالطَّلْقَةُ وَالثَّلَاثُ)

لَهُمَا أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْأَلْفِ أَوْ الطَّلْقَةِ وَتَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِالزِّيَادَةِ فَيَثْبُتُ مَا اجْتَمَعَا عَلَيْهِ دُونَ مَا تَفَرَّدَ بِهِ أَحَدُهُمَا فَصَارَ كَالْأَلْفِ وَالْأَلْفِ وَالْخَمْسِمِائَةِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا لَفْظًا، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ يُسْتَفَادُ بِاللَّفْظِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْأَلْفَ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْأَلْفَيْنِ بَلْ هُمَا جُمْلَتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ فَحَصَلَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَصَارَ كَمَا إذَا اخْتَلَفَ جِنْسُ الْمَالِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُمَا أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْأَلْفِ أَوْ الطَّلْقَةِ وَتَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِالزِّيَادَةِ) وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ يَثْبُتُ فِيهِ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ دُونَ مَا تَفَرَّدَ بِهِ أَحَدُهُمَا، كَمَا إذَا ادَّعَى أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ وَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ عَلَى مَا سَيَجِيءُ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا لَفْظًا) ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مُفْرَدٌ وَالْآخَرَ تَثْنِيَةٌ، وَاخْتِلَافُ الْأَلْفَاظِ إفْرَادًا وَتَثْنِيَةً يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَعَانِي الدَّالَّةِ هِيَ عَلَيْهَا بِالضَّرُورَةِ، وَإِنْ شِئْت بِالتَّثْنِيَةِ فَإِنَّ الْأَلْفَ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْأَلْفَيْنِ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا وَالْأَلْفَانِ لَا يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ الْأَلْفِ كَذَلِكَ فَكَانَ كَلَامُ كُلٍّ مِنْهُمَا كَلَامًا مُبَايِنًا لِكَلَامِ الْآخَرِ (وَحَصَلَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاهِدٌ وَاحِدٌ) فَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْهُمَا وَصَارَ اخْتِلَافُهُمَا هَذَا كَاخْتِلَافِهِمَا فِي جِنْسِ الْمَالِ. شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِكُرِّ شَعِيرٍ وَالْآخَرُ بِكُرِّ حِنْطَةٍ، قِيلَ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ إذَا ادَّعَى أَلْفَيْنِ وَشَهِدَا بِأَلْفٍ قُبِلَتْ بِالِاتِّفَاقِ، وَوُجُوبُ الْمُوَافَقَةِ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ كَوُجُوبِهَا بَيْنَ الشَّاهِدَيْنِ فَمَا جَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ ذَلِكَ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ اشْتِرَاطَ الِاتِّفَاقِ بَيْنَهُمَا لَيْسَ حَسَبَ اشْتِرَاطِهِ بَيْنَ الشَّاهِدَيْنِ، فَإِنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْغَصْبَ وَشَهِدَا بِالْإِقْرَارِ بِهِ قُبِلَتْ، وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ بِالْغَصْبِ وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ لَمْ تُقْبَلْ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: قَدْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQتَقَدَّمَ فِي تَلْقِينِ الشَّاهِدِ إذَا كَانَ فِي مَوْضِعِ التُّهْمَةِ بِأَنْ ادَّعَى أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ خَمْسَمِائَةٍ وَشَهِدَ الشَّاهِدَانِ بِأَلْفٍ فَالْقَاضِي يَقُولُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَبْرَأَهُ عَنْ خَمْسِمِائَةٍ وَاسْتَفَادَ الشَّاهِدُ عِلْمًا بِذَلِكَ وَوَفَّقَ فِي شَهَادَتِهِ كَمَا وَفَّقَ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ وَبَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَا نَقَلْت مِنْ الْمَبْسُوطِ مَا تَرَى مِنْ التَّنَافِي. فَالْحَقُّ فِي الْجَوَابِ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يُحْمَلَ مَا نُقِلَ عَنْ الْمَبْسُوطِ عَلَى مَا إذَا وَفَّقَ الشَّهَادَةَ بِدَعْوَى الْإِبْرَاءِ أَوْ الْإِيفَاءِ، وَلَا يَلْزَمُ أَبَا حَنِيفَةَ مَا إذَا قَالَ لَهَا زَوْجُهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقْت وَاحِدَةً كَانَ ذَلِكَ مِنْهَا جَوَابًا فَوَقَعَتْ وَاحِدَةً، وَلَا مَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَلْفًا فَإِنَّهُ يَقَعُ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ فِي ذَلِكَ ثَابِتٌ فَيَتَضَمَّنُ الْأَقَلَّ، وَلَيْسَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ يَشْهَدُ بِهِ وَاحِدٌ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ.

قَالَ (وَإِذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْأَلْفِ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْأَلْفِ) لِاتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَيْهَا لَفْظًا وَمَعْنًى، لِأَنَّ الْأَلْفَ وَالْخَمْسَمِائَةِ جُمْلَتَانِ عُطِفَ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى وَالْعَطْفُ يُقَرِّرُ الْأَوَّلَ وَنَظِيرُهُ الطَّلْقَةُ وَالطَّلْقَةُ وَالنِّصْفُ وَالْمِائَةُ وَالْمِائَةُ وَالْخَمْسُونَ، بِخِلَافِ الْعَشَرَةِ وَالْخَمْسَةَ عَشَرَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ فَهُوَ نَظِيرُ الْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ (وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي لَمْ يَكُنْ لِي عَلَيْهِ إلَّا الْأَلْفُ فَشَهَادَةُ الَّذِي شَهِدَ بِالْأَلْفِ وَخَمْسِمِائَةٍ بَاطِلَةٌ) لِأَنَّهُ كَذَّبَهُ الْمُدَّعِي فِي الْمَشْهُودِ بِهِ، وَكَذَا إذَا سَكَتَ إلَّا عَنْ دَعْوَى الْأَلْفِ لِأَنَّ التَّكْذِيبَ ظَاهِرٌ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوْفِيقِ، وَلَوْ قَالَ كَانَ أَصْلُ حَقِّي أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ وَلَكِنِّي اسْتَوْفَيْت خَمْسَمِائَةٍ أَوْ أَبْرَأْتُهُ عَنْهَا قُبِلَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَإِذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ إلَخْ) وَلِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ اتِّفَاقَ الشَّاهِدَيْنِ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى شَرْطُ الْقَبُولِ (إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي الْأَكْثَرَ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْأَلْفِ لِاتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَيْهَا لَفْظًا وَمَعْنًى؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ وَالْخَمْسَمِائَةِ جُمْلَتَانِ عُطِفَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى وَالْعَطْفُ يُقَرِّرُ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ) وَنَظِيرُهُ إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِطَلْقَةٍ وَالْآخَرُ بِطَلْقَةٍ وَنِصْفِ أَوْ بِمِائَةٍ أَوْ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِعَشَرَةٍ وَالْآخَرُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ عَطْفٍ فَصَارَا مُتَبَايِنَيْنِ كَالْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ، هَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي الْأَكْثَرَ، وَأَمَّا إذَا ادَّعَى الْأَقَلَّ وَقَالَ (لَمْ يَكُنْ لِي إلَّا الْأَلْفُ فَشَهَادَةُ مَنْ شَهِدَ بِالْأَكْثَرِ بَاطِلَةٌ) لِتَكْذِيبِهِ الْمُدَّعِي فِي الْمَشْهُودِ بِهِ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ إلَّا شَاهِدٌ وَاحِدٌ وَبِهِ لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ. فَإِنْ قِيلَ: لَمْ يُكَذِّبْهُ إلَّا فِي الْبَعْضِ فَمَا بَالُ الْقَاضِي لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِالْبَاقِي كَمَا قَضَى بِالْبَاقِي فِي الْإِقْرَارِ إذَا كَذَّبَ الْمُقِرَّ فِي بَعْضِ مَا أَقَرَّ بِهِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ تَكْذِيبَ الشَّاهِدِ تَفْسِيقٌ لَهُ وَلَا شَهَادَةَ لِلْفَاسِقِ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ عَدَالَةَ الْمُقِرِّ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فَتَفْسِيقُهُ لَا يُبْطِلُ الْإِقْرَارَ (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا سَكَتَ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى الْأَقَلَّ وَسَكَتَ عَنْ قَوْلِهِ لَمْ يَكُنْ إلَّا الْأَلْفُ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَا يُقْضَى لَهُ بِشَيْءٍ (لِأَنَّ التَّكْذِيبَ ثَابِتٌ ظَاهِرًا) فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِدُونِ التَّوْفِيقِ؛ لِأَنَّ التَّصْرِيحَ بِذِكْرِ التَّوْفِيقِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْأَصَحِّ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: كَانَ أَصْلُ حَقِّي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ وَلَكِنْ اسْتَوْفَيْت خَمْسَمِائَةٍ أَوْ أَبْرَأْته عَنْهَا قُبِلَتْ لِلتَّصْرِيحِ بِالتَّوْفِيقِ. وَعُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ أَحْوَالَ مَنْ يَدَّعِي أَقَلَّ الْمَالَيْنِ إذَا اخْتَلَفَتْ الشَّهَادَةُ لَا تَخْلُو عَنْ ثَلَاثَةٍ: إمَّا أَنْ يُكَذِّبَ الشَّاهِدَ بِالزِّيَادَةِ أَوْ يَسْكُتَ عَنْ التَّصْدِيقِ وَالتَّوْفِيقِ، أَوْ يُوَفِّقَ. وَجَوَابُ الْأَوَّلَيْنِ بُطْلَانُ الشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ دُونَ الْآخَرِ.

لِتَوْفِيقِهِ. قَالَ (وَإِذَا شَهِدَا بِأَلْفٍ وَقَالَ أَحَدُهُمَا قَضَاهُ مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا بِالْأَلْفِ) لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ (وَلَمْ يُسْمَعْ قَوْلُهُ إنَّهُ قَضَاهُ) لِأَنَّهُ شَهَادَةُ فَرْدٍ (إلَّا أَنْ يَشْهَدَ مَعَهُ آخَرُ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَقْضِي بِخَمْسِمِائَةٍ، لِأَنَّ شَاهِدَ الْقَضَاءِ مَضْمُونُ شَهَادَتِهِ أَنْ لَا دَيْنَ إلَّا خَمْسُمِائَةٍ. وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا. قَالَ (وَيَنْبَغِي لِلشَّاهِدِ) إذَا عَلِمَ بِذَلِكَ (أَنْ لَا يَشْهَدَ بِأَلْفٍ حَتَّى يُقِرَّ الْمُدَّعِي أَنَّهُ قَبَضَ خَمْسَمِائَةٍ) كَيْ لَا يَصِيرَ مُعِينًا عَلَى الظُّلْمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَإِذَا شَهِدَا بِأَلْفٍ وَقَالَ أَحَدُهُمَا قَضَاهُ مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ) إذَا ادَّعَى أَلْفًا شَهِدَا بِأَلْفٍ وَقَالَ أَحَدُهُمَا قَضَاهُ مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ (قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا بِالْأَلْفِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ وَلَمْ يُسْمَعْ قَوْلُهُ: إنَّهُ قَضَاهُ؛ لِأَنَّهُ شَهَادَةُ فَرْدٍ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ مَعَهُ آخَرُ) . فَإِنْ قِيلَ شَهَادَةُ مَنْ شَهِدَ بِالْقَضَاءِ مُتَنَاقِضَةٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَضَاهُ خَمْسَمِائَةٍ لَا يَكُونُ لِلْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَلْفٌ بَلْ خَمْسُمِائَةٍ لَا غَيْرُ. أُجِيبَ بِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ وَذَلِكَ بِقَبْضِ الْعَيْنِ مَكَانَ الدَّيْنِ الَّذِي هُوَ غَيْرُهُ فَكَانَ قَوْلُهُ: قَضَاهُ مِنْهُمَا خَمْسَمِائَةٍ شَهَادَةً عَلَى الْمُدَّعِي بِقَبْضِ مَا هُوَ غَيْرُ مَا شَهِدَ بِهِ أَوَّلًا وَهُوَ الدَّيْنُ فَلَمْ يَعُدْ مُتَنَاقِضًا (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُقْضَى بِخَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّ شَاهِدَ الْقَضَاءِ مَضْمُونُ شَهَادَتِهِ أَنْ لَا دَيْنَ إلَّا خَمْسُمِائَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ بِطَرِيقِ التَّمَلُّكِ لَمَّا أَوْجَبَ الضَّمَانَ بَطَلَتْ مُطَالَبَةُ رَبِّ الدَّيْنِ غَرِيمَهُ عَنْ خَمْسِمِائَةٍ، فَلَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ إلَّا خَمْسَمِائَةٍ، فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِخَمْسِمِائَةٍ، وَفِي ذَلِكَ يُقْضَى بِالْأَقَلِّ كَمَا قُلْنَا فِي الْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ، إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا خَالَفَهُ هُنَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا تَكُونُ الشَّهَادَةُ بِالْأَقَلِّ وَقَعَتْ ابْتِدَاءً وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ. اهـ. (وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا) أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى وُجُوبِ الْأَلْفِ وَانْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِالْقَضَاءِ وَالْقَضَاءُ يَتْلُو الْوُجُوبَ لَا مَحَالَةَ. وَعُورِضَ بِأَنَّ الْمُدَّعِيَ كَذَّبَ مَنْ شَهِدَ بِقَضَائِهِ خَمْسَمِائَةٍ وَتَكْذِيبُهُ تَفْسِيقٌ لَهُ، وَكَيْفَ يُقْضَى بِشَهَادَتِهِ وَجَوَابُهُ سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي لِلشَّاهِدِ) يَعْنِي أَنَّ الشَّاهِدَ بِقَضَاءِ خَمْسِمِائَةٍ إذَا عَلِمَ بِذَلِكَ لَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَشْهَدَ

(وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: رَجُلَانِ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِقَرْضٍ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَدْ قَضَاهَا، فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ عَلَى الْقَرْضِ) لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ، وَتَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِالْقَضَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ أَكْذَبَ شَاهِدَ الْقَضَاءِ. قُلْنَا: هَذَا إكْذَابٌ فِي غَيْرِ الْمَشْهُودِ بِهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْقَرْضُ وَمِثْلُهُ لَا يَمْنَعُ الْقَبُولَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَلْفٍ حَتَّى يُقِرَّ الْمُدَّعِي أَنَّهُ قَبَضَ خَمْسَمِائَةٍ كَيْ لَا يَصِيرَ مُعِينًا عَلَى الظُّلْمِ بِعِلْمِهِ بِدَعْوَاهُ بِغَيْرِ حَقٍّ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: رَجُلَانِ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِقَرْضِ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَدْ قَضَاهَا فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ عَلَى الْقَرْضِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ وَتَفَرُّدِ أَحَدِهِمَا بِالْقَضَاءِ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَبَيْنَ مَا ذُكِرَتْ قَبْلَهَا أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ كُلِّهِ وَفِيمَا قَبْلَهَا شَهِدَ بِبَعْضِهِ (وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ أَكْذَبَ شَاهِدَ الْقَضَاءِ) وَهُوَ تَفْسِيقٌ لَهُ (قُلْنَا: هَذَا إكْذَابٌ فِي غَيْرِ الْمَشْهُودِ بِهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْقَرْضُ) ؛ لِأَنَّهُ أَكْذَبَهُ فِيمَا عَلَيْهِ وَهُوَ الْقَضَاءُ وَهُوَ غَيْرُ الْأَوَّلِ لَا مَحَالَةَ، وَمِثْلُهُ لَيْسَ بِمَانِعٍ كَمَا لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ لِشَخْصٍ آخَرَ قَبْلَ أَنْ يَشْهَدَا لَهُ فَأَكْذَبَهُمْ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ إكْذَابَ الْمُدَّعِي لِشُهُودِهِ تَفْسِيقٌ لَهُ لِكَوْنِهِ اخْتِيَارِيًّا، وَأَمَّا إكْذَابُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ

قَالَ (وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ قَتَلَ زَيْدًا يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ قَتَلَهُ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْكُوفَةِ وَاجْتَمَعُوا عِنْدَ الْحَاكِمِ لَمْ يَقْبَلْ الشَّهَادَتَيْنِ) لِأَنَّ إحْدَاهُمَا كَاذِبَةٌ بِيَقِينٍ وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى (فَإِنْ سَبَقَتْ إحْدَاهُمَا وَقَضَى بِهَا ثُمَّ حَضَرَتْ الْأُخْرَى لَمْ تُقْبَلْ) لِأَنَّ الْأُولَى تَرَجَّحَتْ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا فَلَا تُنْتَقَضُ بِالثَّانِيَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَيْسَ بِتَفْسِيقٍ؛ لِأَنَّهُ لِضَرُورَةِ الدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ. قَالَ (وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ قَتَلَ زَيْدًا يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ إلَخْ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ اخْتِلَافَ الشَّاهِدَيْنِ فِي الْمَكَانِ يَمْنَعُ الْقَبُولَ، فَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ قَتَلَ زَيْدًا يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ وَآخَرَانِ بِقَتْلِهِ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْكُوفَةِ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي بِالْأُولَى لَمْ يَقْبَلْهُمَا؛ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا كَاذِبَةٌ بِيَقِينٍ؛ إذْ الْعَرْضُ الْوَاحِدُ: أَعْنِي الْقَتْلَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِي مَكَانَيْنِ وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى (فَإِنْ سَبَقَتْ إحْدَاهُمَا وَقُضِيَ بِهَا ثُمَّ حَضَرَتْ الْأُخْرَى لَمْ تُقْبَلْ؛ لِأَنَّ الْأُولَى تَرَجَّحَتْ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا فَلَا تُنْتَقَضُ بِمَا لَيْسَتْ مِثْلَهَا) .

(وَإِذَا شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ سَرَقَ بَقَرَةً وَاخْتَلَفَا فِي لَوْنِهَا قُطِعَ، وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا بَقَرَةً وَقَالَ الْآخَرُ ثَوْرًا لَمْ يُقْطَعْ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَالَا: لَا يُقْطَعُ فِي الْوَجْهَيْنِ) جَمِيعًا، وَقِيلَ الِاخْتِلَافُ فِي لَوْنَيْنِ يَتَشَابَهَانِ كَالسَّوَادِ وَالْحُمْرَةِ لَا فِي السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ، وَقِيلَ هُوَ فِي جَمِيعِ الْأَلْوَانِ. لَهُمَا أَنَّ السَّرِقَةَ فِي السَّوْدَاءِ غَيْرُهَا فِي الْبَيْضَاءِ فَلَمْ يَتِمَّ عَلَى كُلِّ فِعْلٍ نِصَابُ الشَّهَادَةِ وَصَارَ كَالْغَصْبِ بَلْ أَوْلَى، لِأَنَّ أَمْرَ الْحَدِّ أَهَمُّ وَصَارَ كَالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ. وَلَهُ أَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ لِأَنَّ التَّحَمُّلَ فِي اللَّيَالِي مِنْ بَعِيدٍ وَاللَّوْنَانِ يَتَشَابَهَانِ أَوْ يَجْتَمِعَانِ فِي وَاحِدٍ فَيَكُونُ السَّوَادُ مِنْ جَانِبٍ وَهَذَا يُبْصِرُهُ وَالْبَيَاضُ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ وَهَذَا الْآخَرُ يُشَاهِدُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَإِذَا شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ سَرَقَ بَقَرَةً) وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ اخْتِلَافَهُمَا فِي الْكَيْفِ يَمْنَعُ الْقَبُولَ فَإِذَا شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِسَرِقَةِ بَقَرَةٍ (وَاخْتَلَفَا فِي لَوْنِهَا قُطِعَ) سَوَاءٌ كَانَ اللَّوْنَانِ يَتَشَابَهَانِ كَالْحُمْرَةِ وَالسَّوَادِ أَوْ لَا كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَقِيلَ إنْ كَانَا يَتَشَابَهَانِ قُبِلَتْ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ لَمْ يُقْطَعْ وَقَالَا لَا يُقْطَعْ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ سَرِقَةَ السَّوَادِ غَيْرُ سَرِقَةِ الْبَيَاضِ فَلَمْ يَتِمَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابُ الشَّهَادَةِ وَلَا قَطْعَ بِدُونِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ شَهِدَا بِالْغَصْبِ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَإِنَّمَا لَمْ تُقْبَلْ بِالِاتِّفَاقِ، بَلْ هَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْحَدِّ أَهَمُّ لِكَوْنِهِ مِمَّا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَفِيهِ إتْلَافُ نِصْفِ الْآدَمِيِّ فَصَارَ كَالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ فِي الْمُغَايَرَةِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّ (التَّحَمُّلَ فِي اللَّيَالِي مِنْ بَعِيدٍ) لِكَوْنِ السَّرِقَةِ فِيهَا غَالِبًا (وَاللَّوْنَانِ يَتَشَابَهَانِ) كَالْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ (أَوْ يَجْتَمِعَانِ) بِأَنْ تَكُونَ بَلْقَاءَ أَحَدُ جَانِبَيْهَا أَسْوَدُ يُبْصِرُهُ أَحَدُهُمَا وَالْآخَرُ أَبْيَضُ يُشَاهِدُهُ الْآخَرُ، وَإِذَا كَانَ التَّوْفِيقُ مُمْكِنًا وَجَبَ الْقَبُولُ كَمَا إذَا اخْتَلَفَ شُهُودُ الزِّنَا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ. وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ طَلَبَ التَّوْفِيقِ هَاهُنَا احْتِيَالٌ لِإِثْبَاتِ الْحَدِّ وَهُوَ الْقَطْعُ، وَالْحَدُّ يُحْتَالُ لِدَرْئِهِ لَا لِإِثْبَاتِهِ.

بِخِلَافِ الْغَصْبِ لِأَنَّ التَّحَمُّلَ فِيهِ بِالنَّهَارِ عَلَى قُرْبٍ مِنْهُ، وَالذُّكُورَةُ وَالْأُنُوثَةُ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي وَاحِدَةٍ، وَكَذَا الْوُقُوفُ عَلَى ذَلِكَ بِالْقُرْبِ مِنْهُ فَلَا يَشْتَبِهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالثَّانِي أَنَّ التَّوْفِيقَ وَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ فِيمَا ثَبَتَ بِالشُّبُهَاتِ فَكَيْفَ يُعْتَبَرُ إمْكَانُهُ فِيمَا يُدْرَأُ بِهَا. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ احْتِيَالًا لِإِثْبَاتِهِ أَنْ لَوْ كَانَ فِي اخْتِلَافِ مَا كُلِّفَا نَقْلَهُ وَهُوَ مِنْ صُلْبِ الشَّهَادَةِ كَبَيَانِ قِيمَةِ الْمَسْرُوقِ لِيُعْلَمَ هَلْ كَانَ نِصَابًا فَيُقْطَعُ بِهِ أَوْ لَا، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي اخْتِلَافِ مَا لَمْ يُكَلَّفَا نَقْلَهُ كَلَوْنِ ثِيَابِ السَّارِقِ وَأَمْثَالِهِ فَاعْتِبَارُ التَّوْفِيقِ فِيهِ لَيْسَ احْتِيَالًا لِإِثْبَاتِ الْحَدِّ لِإِمْكَانِ ثُبُوتِهِ بِدُونِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ سَكَتَا عَنْ بَيَانِ لَوْنِ الْبَقَرَةِ مَا كَلَّفَهُمَا الْقَاضِي بِذَلِكَ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ صُلْبِ الشَّهَادَةِ وَلَمْ يُكَلَّفَا نَقْلَهُ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ، بِخِلَافِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ فَإِنَّهُمَا يُكَلَّفَانِ النَّقْلَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهِمَا فَكَانَ اخْتِلَافًا فِي صُلْبِ الشَّهَادَةِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ جَوَابُ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ اعْتِبَارُ إمْكَانِ التَّوْفِيقِ، أَوْ يُقَالُ التَّصْرِيحُ بِالتَّوْفِيقِ يُعْتَبَرُ فِيمَا كَانَ فِي صُلْبِ الشَّهَادَةِ وَإِمْكَانُهُ فِيمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ هَذَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْغَصْبِ) جَوَابٌ عَنْ مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ بِأَنَّ التَّحَمُّلَ فِيهِ بِالنَّهَارِ إذْ الْغَصْبُ يَكُونُ فِيهِ غَالِبًا عَلَى قُرْبٍ مِنْهُ. وَقَوْلُهُ: (وَالذُّكُورَةُ وَالْأُنُوثَةُ) جَوَابٌ عَمَّا اسْتَشْهَدَا بِهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ بِهِمَا فَإِنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ فِي وَاحِدٍ،

قَالَ (وَمَنْ شَهِدَ لِرَجُلٍ أَنَّهُ اشْتَرَى عَبْدًا مِنْ فُلَانٍ بِأَلْفٍ وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ السَّبَبِ وَهُوَ الْعَقْدُ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الثَّمَنِ فَاخْتَلَفَ الْمَشْهُودُ بِهِ وَلَمْ يَتِمَّ الْعَدَدُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَذَا الْوُقُوفُ عَلَى ذَلِكَ بِالْقُرْبِ مِنْهُ فَلَا يَشْتَبِهُ لِيُحْتَاجَ إلَى التَّوْفِيقِ. قَالَ (وَمَنْ شَهِدَ لِرَجُلٍ أَنَّهُ اشْتَرَى عَبْدَ فُلَانٍ بِأَلْفٍ إلَخْ) رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ بَاعَهُ هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ أَوْ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ ذَلِكَ فَشَهِدَ شَاهِدٌ بِأَلْفٍ وَآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ مُخْتَلِفٌ؛ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ دَعْوَى الْبَيْعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إثْبَاتُهُ وَهُوَ مُخْتَلِفٌ بِاخْتِلَافِ الثَّمَنِ؛ إذْ الشِّرَاءُ بِأَلْفٍ غَيْرُهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَاخْتِلَافُ الْمَشْهُودِ بِهِ يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ الْعَقْدِ بَلْ الْمَقْصُودُ هُوَ الْحُكْمُ وَهُوَ الْمِلْكُ وَالسَّبَبُ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ دَعْوَى السَّبَبِ الْمُعَيَّنِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ثُبُوتَهُ هُوَ الْمَقْصُودُ لِيَتَرَتَّبَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمِلْكُ؛ إذْ لَوْ كَانَ مَقْصُودُهُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ لَادَّعَاهُ وَهُوَ

وَلِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يُكَذِّبُ أَحَدَ شَاهِدَيْهِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْبَائِعَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَدَّعِيَ الْمُدَّعِي أَقَلَّ الْمَالَيْنِ أَوْ أَكْثَرَهُمَا لِمَا بَيَّنَّا (وَكَذَلِكَ الْكِتَابَةُ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْعَقْدُ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْعَبْدَ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا إذَا كَانَ هُوَ الْمَوْلَى لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ الْأَدَاءِ فَكَانَ الْمَقْصُودُ إثْبَاتَ السَّبَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَحْتَاجُ إلَى سَبَبٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ صَحِيحَةٌ فَكَانَ مَقْصُودُهُ السَّبَبَ. فَإِنْ قِيلَ: التَّوْفِيقُ مُمْكِنٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ أَوَّلًا أَلْفًا فَزَادَ فِي الثَّمَنِ وَعَرَّفَ بِهِ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ. أُجِيبَ بِأَنَّ السَّيِّدَ الشَّهِيدَ أَبَا الْقَاسِمِ السَّمَرْقَنْدِيَّ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ وَقَالَ: تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَا بِجِنْسَيْنِ كَأَلْفِ دِرْهَمٍ وَمِائَةِ دِينَارٍ. وَوَجْهُ مَا فِي الْكِتَابِ أَنَّ الشِّرَاءَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ الْأَلْفُ وَالْخَمْسُمِائَةِ مُلْصَقَيْنِ بِالشِّرَاءِ، وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ زَادَ خَمْسَمِائَةٍ فَلَا يُقَالُ اشْتَرَى بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَلِهَذَا يَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِأَصْلِ الثَّمَنِ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يُكَذِّبُ أَحَدَ شَاهِدَيْهِ) دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى ذَلِكَ (وَكَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْبَائِعَ) سَوَاءٌ ادَّعَى الْبَيْعَ بِأَلْفٍ أَوْ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ السَّبَبُ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْكِتَابَةِ، أَمَّا إذَا كَانَ يَدَّعِيهَا الْعَبْدُ فَلَا خَفَاءَ فِي كَوْنِ الْعَقْدِ مَقْصُودًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ هُوَ الْمَوْلَى فَلِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ الْأَدَاءِ فَكَانَ الْمَقْصُودُ إثْبَاتَ

(وَكَذَا الْخُلْعُ وَالْإِعْتَاقُ عَلَى مَالٍ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمَرْأَةَ أَوْ الْعَبْدَ أَوْ الْقَاتِلَ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ الْعَقْدِ وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى مِنْ جَانِبٍ آخَرَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ دَعْوَى الدَّيْنِ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوُجُوهِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ الْعَفْوُ وَالْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ بِاعْتِرَافِ صَاحِبِ الْحَقِّ فَبَقِيَ الدَّعْوَى فِي الدَّيْنِ وَفِي الرَّهْنِ، إنْ كَانَ الْمُدَّعَى هُوَ الرَّهْنَ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّهُ لَا حَظَّ لَهُ فِي الرَّهْنِ فَعَرِيَتْ الشَّهَادَةُ عَنْ الدَّعْوَى، وَإِنْ كَانَ الْمُرْتَهِنَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ دَعْوَى الدَّيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَقْدِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لَفْظًا وَمَعْنًى. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ قَالَ الْعِتْقُ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ الْأَدَاءِ، وَذَلِكَ مُشْعِرٌ بِأَنَّ مَقْصُودَ الْمَوْلَى هُوَ الْعِتْقُ وَالْأَدَاءُ هُوَ السَّبَبُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَقْصُودُهُ الْبَدَلُ وَالسَّبَبُ هُوَ الْكِتَابَةُ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَوْلَى إذَا ادَّعَى الْكِتَابَةَ وَالْعَبْدُ مُنْكِرٌ فَالشَّهَادَةُ لَا تُقْبَلُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفَسْخِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ تَقْرِيرَهُ بَدَلُ الْعِتْقِ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَالْأَدَاءُ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ الْكِتَابَةِ فَكَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْكِتَابَةَ. أَوْ يُقَالُ مَعْنَاهُ أَنَّ مَقْصُودَ الْمَوْلَى هُوَ الْعِتْقُ، وَالْعِتْقُ لَا يَقَعُ قَبْلَ الْأَدَاءِ، وَالْأَدَاءُ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ الْكِتَابَةِ فَكَانَتْ هِيَ الْمَقْصُودَةَ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ قَوْلَهُ فَالشَّهَادَةُ لَا تُقْبَلُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفَسْخِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَخْتَارَ الْفَسْخَ وَيُخَاصِمَ لِأَدْنَى الْبَدَلَيْنِ (وَكَذَا الْخُلْعُ وَالْإِعْتَاقُ عَلَى مَالٍ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ) أَمَّا أَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا كَانَ هُوَ الْمَرْأَةَ وَالْعَبْدَ وَالْقَاتِلَ فَلَا خَفَاءَ فِي كَوْنِ الْعَقْدِ مَقْصُودًا وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَى إثْبَاتِ الْعَقْدِ لِيَثْبُتَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالْعَفْوُ بِنَاءً عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ بِأَنْ قَالَ خَالَعْتُكِ عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْمَرْأَةُ تَدَّعِي الْأَلْفَ، أَوْ قَالَ مَوْلَى الْعَبْدِ أَعْتَقْتُك عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْعَبْدُ يَدَّعِي الْأَلْفَ، أَوْ قَالَ وَلِيُّ الْقِصَاصِ صَالَحْتُك بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَالْقَاتِلُ يَدَّعِي الْأَلْفَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ دَعْوَى الدَّيْنِ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ أَنَّهُ تُقْبَلُ عَلَى الْأَلْفِ إذَا ادَّعَى أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِذَا ادَّعَى أَلْفَيْنِ لَا تُقْبَلُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَإِنْ ادَّعَى أَقَلَّ الْمَالَيْنِ يُعْتَبَرُ الْوُجُوهُ الثَّلَاثَةُ مِنْ التَّوْفِيقِ وَالتَّكْذِيبِ وَالسُّكُوتِ عَنْهُمَا (لِأَنَّهُ يَثْبُتُ الْعَفْوُ وَالْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ بِاعْتِرَافِ صَاحِبِ الْحَقِّ فَتَبْقَى الدَّعْوَى فِي الدَّيْنِ، وَفِي الرَّهْنِ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الرَّاهِنَ لَا تُقْبَلُ)

وَفِي الْإِجَارَةِ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْمُدَّةِ فَهُوَ نَظِيرُ الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَالْمُدَّعِي هُوَ الْآجِرُ فَهُوَ دَعْوَى الدَّيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِعَدَمِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الرَّهْنَ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ كَانَ دَعْوَاهُ غَيْرَ مُفِيدَةٍ وَكَانَتْ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُرْتَهِنَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ يَقْضِي بِأَقَلِّ الْمَالَيْنِ إجْمَاعًا قَبْلَ عَقْدِ الرَّهْنِ بِأَلْفٍ غَيْرِهِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَيَجِبُ أَنْ لَا تُقْبَلَ الْبَيِّنَةُ وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمُرْتَهِنَ؛ لِأَنَّهُ كَذَّبَ أَحَدَ شَاهِدَيْهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ حَيْثُ كَانَ لَهُ وِلَايَةُ الرَّدِّ مَتَى شَاءَ فَكَانَ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ فَكَانَ الِاعْتِبَارُ لِدَعْوَى الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَكُونُ إلَّا بِدَيْنٍ فَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ كَمَا فِي سَائِرِ الدُّيُونِ وَيَثْبُتُ الرَّهْنُ بِالْأَلْفِ ضِمْنًا وَتَبَعًا لِلدَّيْنِ. وَفِي الْإِجَارَةِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى فِي أَوَّلِ الْمُدَّةِ أَوْ بَعْدَ مُضِيِّهَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ كَمَا فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ الْعَقْدِ وَقَدْ اخْتَلَفَ بِاخْتِلَافِ الْبَدَلِ. وَإِنْ كَانَ الثَّانِي، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي هُوَ الْآجِرَ أَوْ الْمُسْتَأْجِرَ، فَإِنْ كَانَ الْآجِرُ فَهُوَ دَعْوَى الدَّيْنِ يَقْضِي بِأَقَلِّ الْمَالَيْنِ إذَا ادَّعَى الْأَكْثَرَ؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ إذَا انْقَضَتْ كَانَتْ الْمُنَازَعَةُ فِي وُجُوبِ الْأَجْرِ وَصَارَ كَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ وَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ جَازَتْ عَلَى الْأَلْفِ، وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ لَمْ تُقْبَلْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا تَقَدَّمَ خِلَافًا لَهُمَا، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرَ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: كَانَ ذَلِكَ اعْتِرَافًا مِنْهُ بِمَالِ الْإِجَارَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ مَا اعْتَرَفَ بِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَى اتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ وَاخْتِلَافُهُمَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ إنْ أَقَرَّ بِالْأَكْثَرِ لَمْ يَبْقَ نِزَاعٌ، وَإِنْ أَقَرَّ بِالْأَقَلِّ فَالْآجِرُ لَا يَأْخُذُ مِنْهُ بِبَيِّنَةٍ سِوَى ذَلِكَ. وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ: فَإِنْ كَانَ الدَّعْوَى مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ فَهَذَا دَعْوَى الْعَقْدِ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ فِي مَعْنَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى إذَا كَانَتْ فِي الْعَقْدِ بَطَلَتْ

قَالَ (فَأَمَّا النِّكَاحُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِأَلْفٍ اسْتِحْسَانًا، وَقَالَا: هَذَا بَاطِلٌ فِي النِّكَاحِ أَيْضًا) وَذَكَرَ فِي الْأَمَالِي قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. لَهُمَا أَنَّ هَذَا اخْتِلَافٌ فِي الْعَقْدِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ السَّبَبُ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّهَادَةُ فَيُؤْخَذُ الْمُسْتَأْجِرُ بِاعْتِرَافِهِ. قَالَ (فَأَمَّا النِّكَاحُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِأَلْفٍ اسْتِحْسَانًا) إذَا اخْتَلَفَ الشُّهُودُ فِي النِّكَاحِ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ قُبِلَتْ بِأَلْفٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: هَذَا بَاطِلٌ فِي النِّكَاحِ أَيْضًا. وَذَكَرَ فِي الْأَمَالِي قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. لَهُمَا أَنَّ هَذَا اخْتِلَافٌ فِي السَّبَبِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ هُوَ الْعَقْدُ، وَالِاخْتِلَافُ فِي السَّبَبِ يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ كَمَا فِي الْبَيْعِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَالَ فِي النِّكَاحِ تَابِعٌ وَلِهَذَا يَصِحُّ بِلَا تَسْمِيَةِ مَهْرٍ، وَيَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي النِّكَاحِ مَنْ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَالِ كَالْعَمِّ

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمَالَ فِي النِّكَاحِ تَابِعٌ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْحِلُّ وَالِازْدِوَاجُ وَالْمِلْكُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْأَخِ، وَالِاخْتِلَافُ فِي التَّابِعِ لَا يُوجِبُ الِاخْتِلَافَ فِي الْأَصْلِ فَكَانَ ثَابِتًا (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِيهِ الْحِلُّ وَالِازْدِوَاجُ) دَلِيلٌ آخَرُ. وَتَقْرِيرُهُ الْأَصْلُ فِي النِّكَاحِ الْحِلُّ وَالِازْدِوَاجُ وَالْمِلْكُ؛ لِأَنَّ شَرْعِيَّتَهُ لِذَلِكَ، وَلُزُومُ الْمَهْرِ لِصَوْنِ الْمَحَلِّ

وَلَا اخْتِلَافَ فِي مَا هُوَ الْأَصْلُ فَيَثْبُتُ، ثُمَّ إذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي التَّبَعِ يَقْضِي بِالْأَقَلِّ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخَطِيرِ عَنْ الِابْتِذَالِ بِالتَّسَلُّطِ عَلَيْهِ مَجَّانًا كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَا اخْتِلَافَ لِلشَّاهِدَيْنِ فِيهَا فَيَثْبُتُ الْأَصْلُ، لَكِنْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي التَّبَعِ وَهُوَ الْمَالُ فَيُقْضَى بِالْأَقَلِّ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ. وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ فِيهِ تَكْذِيبَ أَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ فِيمَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ وَهُوَ الْمَالُ وَالتَّكْذِيبُ فِيهِ لَا يُوجِبُ التَّكْذِيبَ فِي الْأَصْلِ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ مُرَادَ الْمُعْتَرِضِ لَيْسَ بُطْلَانَ الْأَصْلِ بَلْ بُطْلَانُ التَّبَعِ، وَمَعْنَى كَلَامِهِ أَنْ يَبْطُلَ الْمَالُ الْمَذْكُورُ فِي الدَّعْوَى وَيَلْزَمُ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَالْجَوَابُ الْمَذْكُورُ لَيْسَ بِدَافِعٍ لِذَلِكَ كَمَا تَرَى. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَالَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا كَانَ كَالدَّيْنِ، وَالِاخْتِلَافُ

وَيَسْتَوِي دَعْوَى أَقَلِّ الْمَالَيْنِ أَوْ أَكْثَرِهِمَا فِي الصَّحِيحِ. ثُمَّ قِيلَ: لِاخْتِلَافٍ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الْمُدَّعِيَةَ وَفِيمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الزَّوْجَ إجْمَاعٌ عَلَى أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ، لِأَنَّ مَقْصُودَهَا قَدْ يَكُونُ الْمَالَ وَمَقْصُودَهُ لَيْسَ إلَّا الْعَقْدَ. وَقِيلَ الِاخْتِلَافُ فِي الْفَصْلَيْنِ وَهَذَا أَصَحُّ وَالْوَجْهُ مَا ذَكَرْنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ بِطَرِيقِ الْعَطْفِ لَا يَمْنَعُ الْقَبُولَ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَالتَّشْكِيكُ فِيهِ غَيْرُ مَسْمُوعٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَيَسْتَوِي دَعْوَى أَقَلِّ الْمَالَيْنِ أَوْ أَكْثَرِهِمَا) بِكَلِمَةٍ أَوْ وَالصَّوَابُ كَلِمَةُ الْوَاوِ بِدَلَالَةِ يَسْتَوِي. وَقَوْلُهُ: (فِي الصَّحِيحِ) احْتِرَازٌ عَمَّا قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ لَمَّا كَانَ الدَّيْنُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الدَّعْوَى بِأَكْثَرِ الْمَالَيْنِ كَمَا فِي الدَّيْنِ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ. وَوَجْهُ مَا فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ الْعَقْدُ وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبَدَلِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَقْصُودٍ يَثْبُتُ فِي ضِمْنِ الْعَقْدِ فَلَا يُرَاعَى فِيهِ مَا هُوَ شَرْطٌ فِي الْمَقْصُودِ: أَعْنِي الدَّيْنَ. وَقَالَ (ثُمَّ قِيلَ الِاخْتِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الْمُدَّعِيَةَ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الزَّوْجُ فَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهَا قَدْ يَكُونُ الْمَالَ) بِخِلَافِ الزَّوْجِ فَإِنَّ مَقْصُودَهُ لَيْسَ إلَّا الْعَقْدَ فَيَكُونُ الِاخْتِلَافُ فِيهِ وَهُوَ يَمْنَعُ الْقَبُولَ (وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي الْفَصْلَيْنِ) يَعْنِي مَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَدَّعِي وَمَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ يَدَّعِي (وَهَذَا أَصَحُّ) ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ لَيْسَ فِي أَنَّ الزَّوْجَ يَدَّعِي الْعَقْدَ أَوْ الْمَالَ أَوْ الْمَرْأَةُ تَدَّعِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى مِقْدَارِ الْمَهْرِ هَلْ يُوجِبُ خَلَلًا فِي نَفْسِ الْعَقْدِ أَوْ لَا. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُوجِبُ ذَلِكَ. وَقَالَا يُوجِبُهُ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَالْوَجْهُ مَا ذَكَرْنَاهُ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِرْثِ) (وَمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى دَارٍ أَنَّهَا كَانَتْ لِأَبِيهِ أَعَارَهَا أَوْ أَوْدَعَهَا الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا وَلَا يُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

[فصل في الشهادة على الإرث]

أَنَّهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ) وَأَصْلُهُ أَنَّهُ مَتَى ثَبَتَ مِلْكُ الْمُورَثِ لَا يَقْضِي بِهِ لِلْوَارِثِ حَتَّى يَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. هُوَ يَقُولُ: إنَّ مِلْكَ الْوَارِثِ مِلْكُ الْمُورَثِ فَصَارَتْ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ لِلْمُورَثِ شَهَادَةٌ بِهِ لِلْوَارِثِ، وَهُمَا يَقُولَانِ: إنَّ مِلْكَ الْوَارِثِ مُتَجَدِّدٌ فِي حَقِّ الْعَيْنِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ فِي الْجَارِيَةِ الْمَوْرُوثَةِ، وَيَحِلُّ لِلْوَارِثِ الْغَنِيِّ مَا كَانَ صَدَقَةً عَلَى الْمُورَثِ الْفَقِيرِ فَلَا بُدَّ مِنْ النَّقْلِ، إلَّا أَنَّهُ يَكْتَفِي بِالشَّهَادَةِ عَلَى قِيَامِ مِلْكِ الْمُورَثِ وَقْتَ الْمَوْتِ لِثُبُوتِ الِانْتِقَالِ ضَرُورَةً، وَكَذَا عَلَى قِيَامِ يَدِهِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، وَقَدْ وُجِدَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْيَدِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُودَعِ وَالْمُسْتَأْجِرِ قَائِمَةٌ مَقَامَ يَدِهِ فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِرْثِ] ذَكَرَ أَحْكَامَ الشَّهَادَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَيِّتِ عَقِيبَ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَحْيَاءِ بِحَسَبِ مُقْتَضَى الْوَاقِعِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الشَّهَادَةِ بِالْمِيرَاثِ، هَلْ تِحْتَاحُ إلَى الْجَرِّ وَالنَّقْلِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ عِنْدَ الشَّهَادَةِ هَذَا الْمُدَّعِي وَارِثُ الْمَيِّتِ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ أَوْ لَا. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: لَا بُدَّ مِنْهُ، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. هُوَ يَقُولُ: إنَّ مِلْكَ الْمُورَثِ مِلْكُ الْوَارِثِ لِكَوْنِ الْوِرَاثَةِ خِلَافَةً وَلِهَذَا يَرُدُّ بِالْعَيْبِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ صَارَتْ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ لِلْمُورَثِ شَهَادَةً بِهِ لِلْوَارِثِ. وَهُمَا يَقُولَانِ مِلْكُ الْوَارِثِ مُتَجَدِّدٌ فِي حَقِّ الْعَيْنِ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ فِي الْجَارِيَةِ الْمَوْرُوثَةِ، وَيَحِلُّ الْوَارِثُ الْغَنِيُّ مَا كَانَ صَدَقَةً عَلَى الْمُورَثِ الْفَقِيرِ، وَالْمُتَجَدِّدُ مُحْتَاجٌ إلَى النَّقْلِ لِئَلَّا يَكُونَ اسْتِصْحَابُ الْحَالِ مُثْبِتًا إلَّا أَنَّهُ يُكْتَفَى بِالشَّهَادَةِ عَلَى قِيَامِ مِلْكِ الْمُورَثِ وَقْتَ الْمَوْتِ لِثُبُوتِ الِانْتِقَالِ حِينَئِذٍ ضَرُورَةً

الْجَرِّ وَالنَّقْلِ (وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِ فُلَانٍ مَاتَ وَهِيَ فِي يَدِهِ جَازَتْ الشَّهَادَةُ) لِأَنَّ الْأَيْدِي عِنْدَ الْمَوْتِ تَنْقَلِبُ يَدَ مِلْكٍ بِوَاسِطَةِ الضَّمَانِ وَالْأَمَانَةُ تَصِيرُ مَضْمُونَةً بِالتَّجْهِيلِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى قِيَامِ مِلْكِهِ وَقْتَ الْمَوْتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَذَا عَلَى قِيَامِ يَدِهِ؛ لِأَنَّ الْأَيْدِيَ عِنْدَ الْمَوْتِ تَنْقَلِبُ يَدَ مِلْكٍ بِوَاسِطَةِ الضَّمَانِ إذْ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَنْ يُسَوِّيَ أَسْبَابَهُ وَيُبَيِّنَ مَا كَانَ بِيَدِهِ مِنْ الْوَدَائِعِ وَالْغُصُوبِ، فَإِذَا لَمْ يُبَيِّنْ فَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنَّ مَا فِي يَدِهِ مِلْكُهُ فَجَعَلَ الْيَدَ عِنْدَ الْمَوْتِ دَلِيلَ الْمِلْكِ. لَا يُقَالُ: قَدْ تَكُونُ الْيَدُ يَدَ أَمَانَةٍ وَلَا ضَمَانَ فِيهَا لِتَنْقَلِبَ بِوَاسِطَتِهِ يَدَ مِلْكٍ؛ لِأَنَّ الْأَمَانَةَ تَصِيرُ مَضْمُونَةً بِالتَّجْهِيلِ بِأَنْ يَمُوتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهَا وَدِيعَةُ فُلَانٍ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَرَكَ الْحِفْظَ وَهُوَ تَعَدٍّ يُوجِبُ الضَّمَانَ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى دَارٍ أَنَّهَا لَهُ كَانَتْ لِأَبِيهِ أَعَارَهَا أَوْ أَوْدَعَهَا الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا وَلَا يُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ بِالِاتِّفَاقِ. أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْجَرَّ فِي الشَّهَادَةِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ

(وَإِنْ قَالُوا لِرَجُلٍ حَيٍّ نَشْهَدُ أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِ الْمُدَّعِي مُنْذُ شَهْرٍ لَمْ تُقْبَلْ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا تُقْبَلُ لِأَنَّ الْيَدَ مَقْصُودَةٌ كَالْمِلْكِ؛ وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهَا كَانَتْ مِلْكَهُ تُقْبَلُ فَكَذَا هَذَا صَارَ كَمَا إذَا شَهِدُوا بِالْأَخْذِ مِنْ الْمُدَّعِي. وَجْهُ الظَّاهِرِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ قَامَتْ بِمَجْهُولٍ لِأَنَّ الْيَدَ مُنْقَضِيَةٌ وَهِيَ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى مِلْكٍ وَأَمَانَةٍ وَضَمَانٍ فَتَعَذَّرَ الْقَضَاءُ بِإِعَادَةِ الْمَجْهُولِ، بِخِلَافِ الْمِلْكِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ غَيْرُ مُخْتَلِفٍ، وَبِخِلَافِ الْآخِذِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ وَحُكْمُهُ مَعْلُومٌ وَهُوَ وُجُوبُ الرَّدِّ، وَلِأَنَّ يَدَ ذِي الْيَدِ مُعَايِنٌ وَيَدُ الْمُدَّعِي مَشْهُودٌ بِهِ، وَلَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقِيَامَ الْيَدِ عِنْدَ الْمَوْتِ يُغْنِي عَنْ الْجَرِّ وَقَدْ وُجِدَتْ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُودَعِ يَدُ الْمُعِيرِ وَالْمُودِعِ، وَمَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِ فُلَانٍ مَاتَ وَهِيَ فِي يَدِهِ، فَكَذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ انْقِلَابِ الْأَيْدِي عِنْدَ الْمَوْتِ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَقَامَهَا عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مِلْكَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَمَنْ أَقَامَهَا أَنَّهَا كَانَتْ لِأَبِيهِ وَلَمْ يَقُولُوا مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَمْ تُقْبَلْ عِنْدَهُمَا لِعَدَمِ الْجَرِّ، وَمَا قَامَ مَقَامَهُ، وَتُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِشَهَادَتِهِمْ بِمِلْكِ الْمُورَثِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالُوا لِرَجُلٍ حَيٍّ) مَسْأَلَةٌ أَتَى بِهَا اسْتِطْرَادًا إذْ هِيَ لَيْسَتْ مِنْ بَابِ الْمِيرَاثِ، وَصُورَتُهَا: إذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِ رَجُلٍ فَادَّعَى آخَرُ أَنَّهَا لَهُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِهِ لَمْ تُقْبَلْ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْيَدَ مَقْصُودَةٌ كَالْمِلْكِ، وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهَا كَانَتْ مِلْكَهُ قُبِلَتْ فَكَذَا هَذَا وَصَارَ كَمَا لَوْ شَهِدَا بِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَخَذَهَا مِنْ الْمُدَّعِي فَإِنَّهَا تُقْبَلُ وَتُرَدُّ الدَّارُ إلَى الْمُدَّعِي. وَجْهُ الظَّاهِرِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا: إنَّ الشَّهَادَةَ قَامَتْ بِمَجْهُولٍ؛ لِأَنَّ الْيَدَ مُنْقَضِيَةٌ تَزُولُ بِأَسْبَابِ الزَّوَالِ فَرُبَّمَا زَالَتْ بَعْدَمَا كَانَتْ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مَجْهُولٌ، وَالْقَضَاءُ بِالْمَجْهُولِ مُتَعَذِّرٌ. وَقَوْلُهُ: (وَهِيَ مُتَنَوِّعَةٌ) دَلِيلٌ آخَرُ: أَيْ الْيَدُ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى يَدِ مِلْكٍ وَأَمَانَةٍ وَضَمَانٍ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مَجْهُولٌ، وَالْقَضَاءُ بِإِعَادَةِ الْمَجْهُولِ مُتَعَذِّرٌ، بِخِلَافِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ غَيْرُ مُخْتَلِفٍ، وَبِخِلَافِ الْأَخْذِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ وَحُكْمُهُ مَعْلُومٌ وَهُوَ وُجُوبُ الرَّدِّ؛ وَلِأَنَّ يَدَ ذِي الْيَدِ مُعَايِنٌ وَيَدَ الْمُدَّعِي مَشْهُودٌ بِهِ وَالشَّهَادَةُ خَبَرٌ وَلَيْسَ الْمُخْبَرَ بِهِ لِاحْتِمَالِ زَوَالِهِ بَعْدَمَا كَانَتْ كَالْمُعَايَنِ الْمَحْسُوسِ عَدَمُ زَوَالِهِ

(وَإِنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دُفِعَتْ إلَى الْمُدَّعِي) لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمُقَرِّ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ (وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) يَعْنِي إذَا قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَذِهِ الدَّارُ كَانَتْ فِي يَدِ هَذَا الْمُدَّعِي دُفِعَتْ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمُقَرِّ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ وَكَذَا إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ دُفِعَتْ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ

أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِ الْمُدَّعِي دُفِعَتْ إلَيْهِ) لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ هَاهُنَا الْإِقْرَارُ وَهُوَ مَعْلُومٌ. (بَابٌ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ) : قَالَ (الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِ هُوَ الْإِقْرَارُ وَهُوَ مَعْلُومٌ، وَالْجَهَالَةُ فِي الْمُقَرِّ بِهِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْقَضَاءَ، كَمَا لَوْ ادَّعَى عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَشَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ شَيْئًا جَازَتْ الشَّهَادَةُ وَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[باب الشهادة على الشهادة]

جَائِزَةٌ فِي كُلِّ حَقٍّ لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا، إذْ شَاهِدُ الْأَصْلِ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ لِبَعْضِ الْعَوَارِضِ، فَلَوْ لَمْ تَجُزْ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ أَدَّى إلَى إتْوَاءِ الْحُقُوقِ، وَلِهَذَا جَوَّزْنَا الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ وَإِنْ كَثُرَتْ، إلَّا أَنَّ فِيهَا شُبْهَةً مِنْ حَيْثُ الْبَدَلِيَّةُ أَوْ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهَا زِيَادَةَ احْتِمَالٍ، وَقَدْ أَمْكَنَ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ بِجِنْسِ الشُّهُودِ فَلَا تُقْبَلُ فِيمَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ] الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فَرْعُ شَهَادَةِ الْأُصُولِ فَاسْتَحَقَّتْ التَّأْخِيرَ فِي الذِّكْرِ، وَجَوَازُهَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ لَا يَقْتَضِيهِ لِأَنَّ الْأَدَاءَ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ لَزِمَتْ الْأَصْلَ لَاحِقًا لِلْمَشْهُودِ لَهُ لِعَدَمِ الْإِجْبَارِ، وَالْإِنَابَةُ لَا تَجْرِي فِي الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ إلَّا أَنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا جَوَازَهَا فِي كُلِّ حَقٍّ لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ لِشِدَّةِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ أَدَائِهَا لِبَعْضِ الْعَوَارِضِ، فَلَوْ لَمْ يَجُزْ لَأَدَّى إلَى إتْوَاءِ الْحُقُوقِ وَلِهَذَا جُوِّزَتْ وَإِنْ كَثُرَتْ: أَعْنِي الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ وَإِنْ بَعُدَتْ (إلَّا أَنَّ فِيهَا شُبْهَةً) أَيْ لَكِنْ فِيهَا شُبْهَةُ الْبَدَلِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْأَصْلِ وَهَذِهِ كَذَلِكَ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهَا مَعْنَى الْبَدَلِيَّةِ لَمَا جَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمْ لِعَدَمِ جَوَازِهِ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ، لَكِنْ لَوْ شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ وَهُوَ أَصْلٌ وَآخَرَانِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدٍ آخَرَ جَازَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْبَدَلِيَّةَ إنَّمَا هِيَ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ، فَإِنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ هُوَ شَهَادَةُ الْأُصُولِ، وَالْمَشْهُودُ بِهِ بِشَهَادَةِ الْأُصُولِ هُوَ مَا عَايَنُوهُ مِمَّا يَدَّعِيهِ الْمُدَّعِي، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تَكُنْ شَهَادَةُ الْفُرُوعِ بَدَلًا عَنْ شَهَادَةِ الْأُصُولِ فَلَمْ يَمْتَنِعُ إتْمَامُ الْأُصُولِ بِالْفُرُوعِ، وَإِذَا ثَبَتَتْ الْبَدَلِيَّةُ فِيهَا لَا تُقْبَلُ فِيمَا يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ كَشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ. وَقَوْلُهُ (أَوْ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهَا زِيَادَةَ) احْتِمَالٍ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ حَيْثُ الْبَدَلِيَّةُ: يَعْنِي أَنَّ فِيهَا شُبْهَةً مِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهَا زِيَادَةَ احْتِمَالٍ، فَإِنَّ فِي شَهَادَةِ الْأُصُولِ تُهْمَةَ الْكَذِبِ لِعَدَمِ الْعِصْمَةِ، وَفِي شَهَادَةِ الْفُرُوعِ تِلْكَ التُّهْمَةُ مَعَ زِيَادَةِ تُهْمَةُ كَذِبِهِمْ مَعَ إمْكَانِ احْتِرَازٍ بِجِنْسِ الشُّهُودِ بِأَنْ يَزِيدُوا فِي عَدَدِ الْأُصُولِ عِنْدَ إشْهَادِهِمْ حَتَّى إنْ تَعَذَّرَ إقَامَةُ بَعْضٍ قَامَ بِهَا

(وَتَجُوزُ شَهَادَةُ شَاهِدَيْنِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ إلَّا الْأَرْبَعُ عَلَى كُلِّ أَصْلٍ اثْنَانِ لِأَنَّ كُلَّ شَاهِدَيْنِ قَائِمَانِ مَقَامَ شَاهِدٍ وَاحِدٍ فَصَارَا كَالْمَرْأَتَيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَاقُونَ، فَلَا تُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ شَهَادَةُ شَاهِدَيْنِ) أَيْ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدَانِ عَلَى شَهَادَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْلَيْنِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاهِدَانِ غَيْرِ اللَّذَيْنِ شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ الْآخَرِ فَذَلِكَ أَرْبَعٌ عَلَى كُلِّ أَصْلٍ اثْنَانِ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَاهِدَيْنِ قَائِمَانِ مَقَامَ وَاحِدٍ فَصَارَا كَالْمَرْأَتَيْنِ لَمَّا

وَلَنَا قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا يَجُوزُ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ، وَلِأَنَّ نَقْلَ شَهَادَةِ الْأَصْلِ مِنْ الْحُقُوقِ فَهُمَا شَهِدَا بِحَقٍّ ثُمَّ شَهِدَا بِحَقٍّ آخَرَ فَتُقْبَلُ. (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَلَى شَهَادَةِ وَاحِدٍ) لِمَا رَوَيْنَا، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ مِنْ الْحُقُوقِ فَلَا بُدَّ مِنْ نِصَابِ الشَّهَادَةِ. (وَصِفَةُ الْإِشْهَادِ أَنْ يَقُولَ شَاهِدُ الْأَصْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَامَتَا مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ لَمْ تَتِمَّ حُجَّةُ الْقَضَاءِ بِشَهَادَتِهِمَا (وَلَنَا قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا يَجُوزُ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ) فَإِنَّهُ بِإِطْلَاقِهِ يُفِيدُ الِاكْتِفَاءَ بِاثْنَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِأَنْ يَكُونَ بِإِزَاءِ كُلِّ أَصْلٍ فَرْعَانِ (وَلِأَنَّ نَقْلَ الشَّهَادَةِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَنَا قَوْلُ عَلِيٍّ مَعْنًى، وَمَعْنَاهُ أَنَّ نَقْلَ شَهَادَةِ الْأَصْلِ حَقٌّ مِنْ الْحُقُوقِ، فَإِذَا شَهِدَا بِهَا فَقَدْ تَمَّ نِصَابُ الشَّهَادَةِ، ثُمَّ إذَا شَهِدَا بِشَهَادَةِ الْآخَرِ شَهِدَا بِحَقٍّ آخَرَ غَيْرِ الْأَوَّلِ، بِخِلَافِ شَهَادَةِ الْمَرْأَتَيْنِ فَإِنَّ النِّصَابَ لَمْ يُوجَدْ؛ لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَلَى وَاحِدٍ خِلَافًا لِمَالِكٍ. قَالَ: الْفَرْعُ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَصْلِ مُعَبِّرٌ عَنْهُ بِمَنْزِلَةِ رَسُولِهِ فِي إيصَالِ شَهَادَتِهِ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي، فَكَأَنَّهُ حَضَرَ وَشَهِدَ بِنَفْسِهِ وَاعْتُبِرَ هَذَا بِرِوَايَةِ الْإِخْبَارِ فَإِنَّ رِوَايَةَ الْوَاحِدِ عَنْ الْوَاحِدِ مَقْبُولَةٌ. وَلَنَا مَا رَوَيْنَا عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ ظَاهِرُ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمُرَادِ؛ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ مِنْ الْحُقُوقِ فَلَا بُدَّ مِنْ نِصَابِ الشَّهَادَةِ بِخِلَافِ رِوَايَةِ الْإِخْبَارِ قَالَ (وَصِفَةُ الْإِشْهَادِ أَنْ يَقُولَ: شَاهِدُ الْأَصْلِ إلَخْ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ وَجْهِ مَشْرُوعِيَّتِهَا وَكَمِّيَّةِ الشُّهُودِ الْفُرُوعِ شَرَعَ فِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْإِشْهَادِ وَأَدَاءِ الْفُرُوعِ فَقَالَ: وَصِفَةُ الْإِشْهَادِ أَنْ يَقُولَ: شَاهِدُ الْأَصْلِ لِشَاهِدِ الْفَرْعِ اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ أَقَرَّ عِنْدِي بِكَذَا

لِشَاهِدِ الْفَرْعِ: اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ أَقَرَّ عِنْدِي بِكَذَا وَأَشْهَدَنِي عَلَى نَفْسِهِ) لِأَنَّ الْفَرْعَ كَالنَّائِبِ عَنْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّحْمِيلِ وَالتَّوْكِيلِ عَلَى مَا مَرَّ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَشْهَدَ كَمَا يَشْهَدُ عِنْدَ الْقَاضِي لِيَنْقُلَهُ إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ أَشْهَدَنِي عَلَى نَفْسِهِ جَازَ) لِأَنَّ مَنْ سَمِعَ إقْرَارَ غَيْرِهِ حَلَّ لَهُ الشَّهَادَةُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ اشْهَدْ (وَيَقُولُ شَاهِدُ الْفَرْعِ عِنْدَ الْأَدَاءِ أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ عِنْدَهُ بِكَذَا وَقَالَ لِي اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي بِذَلِكَ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَتِهِ، وَذِكْرِ شَهَادَةِ الْأَصْلِ وَذِكْرِ التَّحْمِيلِ، وَلَهَا لَفْظٌ أَطْوَلُ مِنْ هَذَا وَأَقْصَرُ مِنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَشْهَدَنِي عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْعَ كَالنَّائِبِ عَنْ الْأَصْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّحَمُّلِ وَالتَّوْكِيلِ عَلَى مَا مَرَّ، وَإِنَّمَا قَالَ كَالنَّائِبِ عَنْهُ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْفَرْعَ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْ الْأَصْلِ فِي شَهَادَتِهِ بَلْ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَشْهَدَ الْأَصْلُ عِنْدَ الْفَرْعِ كَمَا يَشْهَدُ الْأَصْلُ عِنْدَ الْقَاضِي لِيَنْقُلَهُ مِثْلَ مَا سَمِعَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ كَمَا يَشْهَدُ الْفَرْعُ عِنْدَ الْقَاضِي، وَالْأَوَّلُ أَوْضَحُ لِقَوْلِهِ لِيَنْقُلَهُ إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ الْأَصْلُ عِنْدَ التَّحْمِيلِ أَشْهَدَنِي نَفْسَهُ جَازَ؛ لِأَنَّ مَنْ سَمِعَ إقْرَارَ غَيْرِهِ حَلَّ لَهُ الشَّهَادَةُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ اشْهَدْ. قَالَ (وَيَقُولُ شَاهِدُ الْفَرْعِ إلَخْ) هَذَا بَيَانُ كَيْفِيَّةِ أَدَاءِ الْفُرُوعِ الشَّهَادَةَ (يَقُولُ شَاهِدُ الْفَرْعِ عِنْدَ الْأَدَاءِ أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ أَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ عِنْدَهُ بِكَذَا وَقَالَ لِي اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَتِهِ: أَعْنِي الْفَرْعَ وَذَكَرَ شَهَادَةَ الْأَصْلِ وَذَكَرَ التَّحْمِيلَ) وَالْعِبَارَةُ الْمَذْكُورَةُ تَفِي بِذَلِكَ كُلِّهِ وَهُوَ أَوْسَطُ الْعِبَارَاتِ (وَلَهَا) أَيْ لِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ عِنْدَ الْأَدَاءِ (لَفْظٌ أَطْوَلُ مِنْ هَذَا) وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْفَرْعُ عِنْدَ الْقَاضِي أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا شَهِدَ عِنْدِي أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا مِنْ الْمَالِ وَأَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِ بِذَلِكَ الْآنَ فَذَلِكَ ثَمَانِي شِينَاتٍ وَالْمَذْكُورُ أَوَّلًا خَمْسُ شِينَاتٍ (وَأَقْصَرُ مِنْهُ) وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْفَرْعُ عِنْدَ الْقَاضِي أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ فُلَانٍ بِكَذَا وَفِيهِ شِينَانِ، وَلَا يُحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ شَيْءٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ

وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا. (وَمَنْ قَالَ أَشْهَدَنِي: فُلَانٌ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ يَشْهَدْ السَّامِعُ عَلَى شَهَادَتِهِ حَتَّى يَقُولَ لَهُ اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّحْمِيلِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْقَضَاءَ عِنْدَهُ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ جَمِيعًا حَتَّى اشْتَرَكُوا فِي الضَّمَانِ عِنْدَ الرُّجُوعِ، وَكَذَا عِنْدَهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبِي اللَّيْثِ وَأُسْتَاذِهِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ. (وَمَنْ قَالَ أَشْهَدَنِي فُلَانٌ عَلَى نَفْسِهِ) لَمْ يَشْهَدْ السَّامِعُ عَلَى شَهَادَتِهِ حَتَّى يَقُولَ لَهُ اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي؛ لِأَنَّهُ (لَا بُدَّ مِنْ التَّحْمِيلِ) بِالِاتِّفَاقِ. أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلِأَنَّ الْقَضَاءَ عِنْدَهُ يَقَعُ بِشَهَادَةِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ حَتَّى إذَا رَجَعُوا جَمِيعًا اشْتَرَكُوا فِي الضَّمَانِ: يَعْنِي يَتَخَيَّرُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بَيْنَ تَضْمِينِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِطَرِيقِ التَّوْكِيلِ وَلَا تَوْكِيلَ إلَّا بِأَمْرِهِ. وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِطَرِيقِ التَّوْكِيلِ حَتَّى لَوْ أَشْهَدَ إنْسَانًا عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ مَنَعَهُ مِنْ الْأَدَاءِ لَمْ يَصِحَّ مَنْعُهُ وَجَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ نَقْلِ شَهَادَةِ الْأُصُولِ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ لِتَصِيرَ الشَّهَادَةُ حُجَّةً فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ فِي نَفْسِهَا مَا لَمْ تُنْقَلْ، وَلَا بُدَّ لِلنَّقْلِ مِنْ التَّحْمِيلِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُضْطَرِبٌ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمَطْلُوبَ فِي كَلَامِهِ التَّحْمِيلَ، وَاسْتَدَلَّ

لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نَقْلِ شَهَادَةِ الْأُصُولِ لِيَصِيرَ حُجَّةً فَيَظْهَرَ تَحْمِيلُ مَا هُوَ حُجَّةٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النَّقْلِ لِيَصِيرَ حُجَّةً وَعُطِفَ عَلَيْهِ فَيَظْهَرُ بِالنَّصْبِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ التَّحْمِيلُ مِمَّا يَحْصُلُ بَعْدَ النَّقْلِ وَالنَّقْلُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالتَّحْمِيلِ. ذَكَرَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ قَوْلَهُمْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَكُونُ حُجَّةً إلَّا فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي فَلَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ لِلْقَاضِي بِقِيَامِ الْحَقِّ بِمُجَرَّدِ شَهَادَةِ الْأَصْلِ مُزَيَّفٌ؛ لِأَنَّ الْفَرْعَ لَا يَسَعُهُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ شَهِدَ بِالْحَقِّ عِنْدَ الْقَاضِي فِي مَجْلِسِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ لَا تَجُوزُ إلَّا بِالتَّحْمِيلِ وَالتَّوْكِيلِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَصْلَ لَهُ مَنْفَعَةٌ فِي نَقْلِ الْفَرْعِ شَهَادَتَهُ مِنْ وَجْهٍ، وَهُوَ أَنَّ الشَّهَادَةَ مُسْتَحَقَّةٌ عَلَى الْأَصْلِ يَجِبُ عَلَيْهِ إقَامَتُهَا وَيَأْثَمُ بِكِتْمَانِهَا مَتَى وُجِدَ الطَّلَبُ مِمَّنْ لَهُ الْحَقُّ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ. وَمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ إذَا تَبَرَّعَ إنْسَانٌ بِقَضَائِهِ عَنْهُ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَمْرِهِ، فَبِاعْتِبَارِ هَذَا لَا يُشْتَرَطُ الْأَمْرُ لِصِحَّتِهَا، غَيْرَ أَنَّ فِيهَا مَضَرَّةً مِنْ حَيْثُ إنَّهَا جِهَةٌ فِي بُطْلَانِ وِلَايَتِهِ فِي تَنْفِيذِ قَوْلِهِ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَإِبْطَالُ وِلَايَتِهِ بِدُونِ أَمْرِهِ مَضَرَّةٌ

قَالَ (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ شُهُودِ الْفَرْعِ إلَّا أَنْ يَمُوتَ شُهُودُ الْأَصْلِ أَوْ يَغِيبُوا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا أَوْ يَمْرَضُوا مَرَضًا لَا يَسْتَطِيعُونَ مَعَهُ حُضُورَ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ) لِأَنَّ جَوَازَهَا لِلْحَاجَةِ، وَإِنَّمَا تُمَسُّ عِنْدَ عَجْزِ الْأَصْلِ وَبِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ. وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَا السَّفَرَ لِأَنَّ الْمُعْجِزَ بُعْدُ الْمَسَافَةِ وَمُدَّةُ السَّفَرِ بَعِيدَةٌ حُكْمًا حَتَّى أُدِيرَ عَلَيْهَا عِدَّةٌ مِنْ الْأَحْكَامِ فَكَذَا سَبِيلُ هَذَا الْحُكْمِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي مَكَان لَوْ غَدَا لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَبِيتَ فِي أَهْلِهِ صَحَّ الْإِشْهَادُ إحْيَاءً لِحُقُوقِ النَّاسِ، قَالُوا: الْأَوَّلُ أَحْسَنُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي حَقِّهِ، فَبِاعْتِبَارِ هَذَا يُشْتَرَطُ الْأَمْرُ وَصَارَ كَمَنْ لَهُ وِلَايَةٌ فِي إنْكَاحِ الصَّغِيرَةِ إذَا أَنْكَحَهَا أَجْنَبِيٌّ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ، وَهَذَا كَلَامٌ حَسَنٌ لِسَدِّ الْخَلَلِ. وَأَمَّا عِبَارَةُ الْمَشَايِخِ فَهِيَ مُشْكِلَةٌ لَيْسَ فِيهَا إشْعَارٌ بِالْمَطْلُوبِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَنَا فِي هَذَا الْبَحْثِ كَلَامٌ فِي أَوَّلِ الشَّهَادَاتِ بِوَجْهٍ آخَرَ مُفِيدٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ شُهُودِ الْفَرْعِ إلَخْ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مُجَوِّزَ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ مِسَاسُ الْحَاجَةِ فَلَا تَجُوزُ مَا لَمْ يُوجَدْ وَلَا تُقْبَلُ إلَّا أَنْ يَمُوتَ الْأُصُولُ أَوْ يَغِيبُوا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ يَمْرَضُوا مَرَضًا يَمْنَعُهُمْ الْحُضُورَ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَتَحَقَّقُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِعَجْزِ الْأُصُولِ عَنْ إقَامَتِهَا، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ السَّفَرُ؛ لِأَنَّ الْمُعَجِّزَ بُعْدُ الْمَسَافَةِ وَمُدَّةُ السَّفَرِ بَعِيدَةٌ حُكْمًا حَتَّى أُدِيرَ عَلَيْهَا عِدَّةُ أَحْكَامٍ كَقَصْرِ الصَّلَاةِ وَالْفِطْرِ وَامْتِدَادِ الْمَسْحِ وَعَدَمِ وُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ وَالْجُمُعَةِ وَحُرْمَةِ خُرُوجِ الْمَرْأَةِ بِلَا مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي مَكَان لَوْ غَدَا لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَبِيتَ فِي أَهْلِهِ صَحَّ لَهُ الْإِشْهَادُ) دَفْعًا لِلْحَرَجِ، وَ (إحْيَاءً لِحُقُوقِ النَّاسِ قَالُوا: الْأَوَّلُ) أَيْ التَّقْدِيرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (أَحْسَنُ) ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ شَرْعًا

وَالثَّانِي أَرْفَقُ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ. قَالَ (فَإِنْ عَدَّلَ شُهُودَ الْأَصْلِ شُهُودُ الْفَرْعِ جَازَ) لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ التَّزْكِيَةِ (وَكَذَا إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ فَعَدَّلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ صَحَّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيَتَحَقَّقُ بِهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ الَّتِي عَدَّدْنَاهَا فَكَانَ مُوَافِقًا لِحُكْمِ الشَّرْعِ فَكَانَ أَحْسَنَ (وَالثَّانِي أَرْفَقُ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ) وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّهَا تُقْبَلُ وَإِنْ كَانُوا فِي الْمِصْرِ؛ لِأَنَّهُمْ يَنْقُلُونَ قَوْلَهُمْ فَكَانَ كَنَقْلِ إقْرَارِهِمْ (فَإِنْ عَدَّلَ شُهُودُ الْأَصْلِ شُهُودَ الْفُرُوعِ جَازَ) وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ الْفَرْعَيْنِ إذَا شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ أَصْلَيْنِ فَهُوَ عَلَى وُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ: إمَّا أَنْ يَعْرِفَهُمَا الْقَاضِي أَوْ لَا يَعْرِفَهُمَا، أَوْ عَرَفَ الْأُصُولَ دُونَ الْفُرُوعِ أَوْ بِالْعَكْسِ، فَإِنْ عَرَفَهُمَا بِالْعَدَالَةِ قَضَى بِشَهَادَتِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُمَا يَسْأَلْ عَنْهُمَا، وَإِنْ عَرَفَ الْأُصُولَ دُونَ الْفُرُوعِ يَسْأَلُ عَنْ الْفُرُوعِ، وَإِنْ عَرَفَ الْفُرُوعَ يَسْأَلْ عَنْ الْأُصُولِ، فَإِنْ عَدَّلَ الْفُرُوعُ الْأُصُولَ تَثْبُتُ عَدَالَتُهُمْ بِذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ التَّزْكِيَةِ لِكَوْنِهِمْ عَلَى صِفَةِ الشَّهَادَةِ. (وَكَذَا إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ فَعَدَّلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ صَحَّ

لِمَا قُلْنَا، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً مِنْ حَيْثُ الْقَضَاءِ بِشَهَادَتِهِ لَكِنَّ الْعَدْلَ لَا يُتَّهَمُ بِمِثْلِهِ كَمَا لَا يُتَّهَمُ فِي شَهَادَةِ نَفْسِهِ، كَيْفَ وَأَنَّ قَوْلَهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَإِنْ رُدَّتْ شَهَادَةُ صَاحِبِهِ فَلَا تُهْمَةَ. قَالَ (وَإِنْ سَكَتُوا عَنْ تَعْدِيلِهِمْ جَازَ وَنَظَرَ الْقَاضِي فِي حَالِهِمْ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ إلَّا بِالْعَدَالَةِ، فَإِذَا لَمْ يَعْرِفُوهَا لَمْ يَنْقُلُوا الشَّهَادَةَ فَلَا يُقْبَلُ. وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمَأْخُوذَ عَلَيْهِمْ النَّقْلُ دُونَ التَّعْدِيلِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِمْ، وَإِذَا نَقَلُوا يَتَعَرَّفُ الْقَاضِي الْعَدَالَةَ كَمَا إذَا حَضَرُوا بِأَنْفُسِهِمْ وَشَهِدُوا. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَا قُلْنَا) إنَّهُ مِنْ أَهْلِ التَّزْكِيَةِ، وَقَوْلُهُ: (غَايَةُ الْأَمْرِ) رَدٌّ لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ مِنْ الْمَشَايِخِ لَا يَصِحُّ تَعْدِيلُهُ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ تَنْفِيذَ شَهَادَةِ نَفْسِهِ بِهَذَا التَّعْدِيلِ فَكَانَ مُتَّهَمًا، فَأَشَارَ إلَى رَدِّهِ بِقَوْلِهِ غَايَةُ الْأَمْرِ: أَيْ غَايَةُ مَا يَرِدُ فِيهِ مِنْ أَمْرِ الشُّبْهَةِ أَنْ يُقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ تَعْدِيلُهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِسَبَبِ (أَنَّ فِي تَعْدِيلِهِ مَنْفَعَةً) لَهُ مِنْ حَيْثُ تَنْفِيذُ الْقَاضِي قَوْلَهُ عَلَى مَا شَهِدَ بِهِ (لَكِنَّ الْعَدْلَ لَا يُتَّهَمُ بِمِثْلِهِ كَمَا لَا يُتَّهَمُ فِي شَهَادَةِ نَفْسِهِ) فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا شَهِدَ فِيمَا شَهِدَ لِيَصِيرَ مَقْبُولَ الْقَوْلِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ عِنْدَ تَنْفِيذِ الْقَاضِي قَوْلَهُ عَلَى مُوجِبِ مَا شَهِدَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَهَادَةٌ فِيهِ فِي الْوَاقِعِ (كَيْفَ) يَكُونُ ذَلِكَ مَانِعًا وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ نَفْعٌ يَفُوتُ بِتَرْكِ التَّعْدِيلِ (لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي نَفْسِهِ مَقْبُولٌ وَإِنْ رُدَّتْ شَهَادَةُ صَاحِبِهِ) حَتَّى إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ الْعُدُولِ حَكَمَ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا (فَلَا تُهْمَةَ، وَإِنْ سَكَتُوا عَنْ تَعْدِيلِهِمْ) وَقَالُوا لَا نُخْبِرُك (جَازَتْ) شَهَادَتُهُمْ (وَ) لَكِنْ (يَنْظُرُ الْقَاضِي فِي حَالِ الْأُصُولِ) بِأَنْ يَسْأَلَ مِنْ الْمُزَكِّينَ غَيْرِ الْفُرُوعِ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تُقْبَلُ) شَهَادَةُ الْفُرُوعِ (لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ إلَّا بِالْعَدَالَةِ، فَإِذَا لَمْ يَعْرِفُوهَا لَمْ يَنْقُلُوا الشَّهَادَةَ فَلَا تُقْبَلُ. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَأْخُوذَ عَلَيْهِمْ نَقْلُ الشَّهَادَةِ دُونَ تَعْدِيلِ الْأُصُولِ؛ لِأَنَّ التَّعْدِيلَ قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِمْ فَإِذَا نَقَلُوا) فَقَدْ أَقَامُوا مَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ. ثُمَّ الْقَاضِي (يَتَعَرَّفُ الْعَدَالَةَ كَمَا إذَا حَضَرَ الْأُصُولُ بِأَنْفُسِهِمْ فَشَهِدُوا) وَإِذَا قَالُوا لَا نَعْرِفُ أَنَّ الْأُصُولَ عُدُولٌ أَوْ لَا؟ قِيلَ: ذَلِكَ وَقَوْلُهُمْ لَا نُخْبِرُك سَوَاءٌ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: فَإِذَا لَمْ يَعْرِفُوهَا. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: لَا يَرُدُّ الْقَاضِي شَهَادَةَ الْفُرُوعِ وَيَسْأَلُ عَنْ الْأُصُولِ غَيْرَهُمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ شَاهِدَ الْأَصْلِ بَقِيَ مَسْتُورًا

قَالَ (وَإِنْ أَنْكَرَ شُهُودُ الْأَصْلِ الشَّهَادَةَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الشُّهُودِ الْفَرْعِ) لِأَنَّ التَّحْمِيلَ لَمْ يَثْبُتْ لِلتَّعَارُضِ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ وَهُوَ شَرْطٌ. (وَإِذَا شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ عَلَى فُلَانَةَ بِنْتِ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّةِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَقَالَا أَخْبَرَانَا أَنَّهُمَا يَعْرِفَانِهَا فَجَاءَ بِامْرَأَةٍ وَقَالَا: ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ أَنْكَرَ شُهُودُ الْأُصُولِ الشَّهَادَةَ) بِأَنْ قَالُوا مَا لَنَا فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ شَهَادَةٌ ثُمَّ جَاءَ الْفُرُوعُ يَشْهَدُونَ بِشَهَادَتِهِمْ (لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ شُهُودِ الْفَرْعِ؛ لِأَنَّ التَّحْمِيلَ لَمْ يَثْبُتْ بِالتَّعَارُضِ بَيْنَ خَبَرِ الْأُصُولِ وَخَبَرِ الْفُرُوعِ، وَهُوَ) أَيْ التَّحْمِيلُ (شَرْطُ) صِحَّةِ شَهَادَةِ الْفُرُوعِ. قَالَ (وَإِذَا شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ إلَخْ) إذَا شَهِدَ فَرْعَانِ عَلَى شَهَادَةِ أَصْلَيْنِ (عَلَى فُلَانَةَ بِنْتِ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّةِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَالَا أَخْبَرَانَا) الْأَصْلَانِ (أَنَّهُمَا يَعْرِفَانِهَا فَجَاءَ الْمُدَّعِي بِامْرَأَةٍ وَقَالَا)

لَا نَدْرِي أَهِيَ هَذِهِ أَمْ لَا فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلْمُدَّعِي هَاتِ شَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْمَعْرِفَةِ بِالنِّسْبَةِ قَدْ تَحَقَّقَتْ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي الْحَقَّ عَلَى الْحَاضِرَةِ وَلَعَلَّهَا غَيْرُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْرِيفِهَا بِتِلْكَ النِّسْبَةِ، وَنَظِيرُ هَذَا إذَا تَحَمَّلُوا الشَّهَادَةَ بِبَيْعٍ مَحْدُودَةً بِذِكْرِ حُدُودِهَا وَشَهِدُوا عَلَى الْمُشْتَرِي لَا بُدَّ مِنْ آخَرَيْنِ يَشْهَدَانِ عَلَى أَنَّ الْمَحْدُودَ بِهَا فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ الْحُدُودَ الْمَذْكُورَةَ فِي الشَّهَادَةِ حُدُودُ مَا فِي يَدِهِ. قَالَ (وَكَذَا) (كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَرْعَانِ (لَا نَعْلَمُ أَهِيَ هَذِهِ أَمْ لَا يُقَالُ لِلْمُدَّعِي هَاتِ شَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّهَا هِيَ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْمَعْرِفَةُ بِالنِّسْبَةِ قَدْ تَحَقَّقَتْ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي الْحَقَّ عَلَى الْحَاضِرَةِ وَلَعَلَّهَا غَيْرُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْرِيفِهَا بِتِلْكَ النِّسْبَةِ. وَنَظِيرُ هَذَا إذَا تَحَمَّلُوا الشَّهَادَةَ بِبَيْعِ مَحْدُودَةٍ بِذِكْرِ حُدُودِهَا وَشَهِدُوا عَلَى الْمُشْتَرِي) بَعْدَمَا أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ الْمَحْدُودُ بِهَا فِي يَدِهِ (لَا بُدَّ مِنْ) شَاهِدَيْنِ (آخَرَيْنِ) يَشْهَدَانِ بِأَنَّ الْمَحْدُودَ بِهَا فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الَّذِي فِي يَدِي غَيْرُ مَحْدُودٍ بِهَذِهِ الْحُدُودِ. وَكَذَلِكَ (إذَا كَتَبَ قَاضِي بَلَدٍ إلَى آخَرَ) شَاهِدَانِ شَهِدَا عِنْدِي أَنَّ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ عَلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ كَذَا فَاقْضِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَأَحْضَرَ الْمُدَّعِي فُلَانًا فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَدَفَعَ إلَيْهِ الْكِتَابَ يَقُولُ الْقَاضِي هَاتِ شَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّ هَذَا الَّذِي أَحْضَرْته هُوَ فُلَانٌ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْكِتَابِ لِتَمَكُّنِ الْإِشَارَةِ إلَيْهِ فِي الْقَضَاءِ،

لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ لِكَمَالِ دِيَانَتِهِ وَوُفُورِ وِلَايَتِهِ يَنْفَرِدُ بِالنَّقْلِ (وَلَوْ قَالُوا فِي هَذَيْنِ الْبَابَيْنِ التَّمِيمِيَّةُ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَنْسُبُوهَا إلَى فَخِذِهَا) وَهِيَ الْقَبِيلَةُ الْخَاصَّةُ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي هَذَا، وَلَا يَحْصُلُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَامَّةِ وَهِيَ عَامَّةٌ إلَى بَنِي تَمِيمٍ لِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يُحْصَوْنَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ) أَيْ كِتَابَ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي (فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ) عَلَى الشَّهَادَةِ (إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ لِكَمَالِ دِيَانَتِهِ وَوُفُورِ وِلَايَتِهِ يَنْفَرِدُ بِالنَّقْلِ) فَلَا يَلْزَمُ مَا قِيلَ تَمْثِيلُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ غَيْرُ مُنَاسِبٍ، إذْ الْعَدَدُ مِنْ شَأْنِهِمْ دُونَ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ دِيَانَتَهُ وَوُفُورَ وِلَايَتِهِ قَامَ مَقَامَ الْعَدَدِ (وَلَوْ قَالَ الشُّهُودُ فِي هَذَيْنِ الْبَابَيْنِ) يَعْنِي بَابَ الشَّهَادَةِ وَبَابَ كِتَابِ الْقَاضِي (فُلَانَةُ التَّمِيمِيَّةُ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَنْسُبُوهَا إلَى فَخْذِهَا وَهِيَ الْقَبِيلَةُ الْخَاصَّةُ) يَعْنِي الَّتِي لَا خَاصَّةَ دُونَهَا. قَالَ فِي الصِّحَاحِ الْفَخْذُ آخَرُ الْقَبَائِلِ السِّتِّ: أَوَّلُهَا الشَّعْبُ، ثُمَّ الْقَبِيلَةُ، ثُمَّ الْفَصِيلَةُ، ثُمَّ الْعِمَارَةُ، ثُمَّ الْبَطْنُ، ثُمَّ الْفَخْذُ وَقَالَ فِي غَيْرِهِ: إنَّ الْفَصِيلَةَ بَعْدَ الْفَخْذِ؛ فَالشَّعْبُ بِفَتْحِ الشِّينِ يَجْمَعُ الْقَبَائِلَ، وَالْقَبَائِلُ تَجْمَعُ الْعَمَائِرَ، وَالْعِمَارَةُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ تَجْمَعُ الْبُطُونَ، وَالْبَطْنُ يَجْمَعُ الْأَفْخَاذَ، وَالْفَخْذُ بِسُكُونِ الْخَاءِ يَجْمَعُ الْفَصَائِلَ (وَهَذَا) أَيْ عَدَمُ الْجَوَازِ (لِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَلَا يَحْصُلُ بِالنِّسْبَةِ الْعَامَّةِ وَالتَّمِيمِيَّةُ عَامَّةٌ) بِالنِّسْبَةِ إلَى بَنِي تَمِيمٍ؛ لِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يُحْصَوْنَ فَكَمْ تَكُونُ بَيْنَهُمْ نِسَاءٌ

وَيَحْصُلُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفَخِذِ لِأَنَّهَا خَاصَّةٌ. وَقِيلَ الْفَرْغَانِيَّةُ نِسْبَةٌ عَامَّةٌ والأوزجندية خَاصَّةٌ، (وَقِيلَ السَّمَرْقَنْدِيَّة وَالْبُخَارِيَّةُ عَامَّةٌ) وَقِيلَ إلَى السِّكَّةِ الصَّغِيرَةِ خَاصَّةٌ، وَإِلَى الْمَحَلَّةِ الْكَبِيرَةِ وَالْمِصْرِ عَامَّةٌ. ثُمَّ التَّعْرِيفُ وَإِنْ كَانَ يَتِمُّ بِذِكْرِ الْجَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ، فَذِكْرُ الْفَخِذِ يَقُومُ مَقَامَ الْجَدِّ لِأَنَّهُ اسْمُ الْجَدِّ الْأَعْلَى فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الْجَدِّ الْأَدْنَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQاتَّحَدَتْ أَسَامِيهِنَّ وَأَسَامِي آبَائِهِنَّ (وَيَحْصُلُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفَخْذِ؛ لِأَنَّهَا خَاصَّةٌ) ثُمَّ التَّعْرِيفُ وَإِنْ كَانَ يَتِمُّ بِذِكْرِ الْجَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ، فَذِكْرُ الْفَخْذِ يَقُومُ مَقَامَ الْجَدِّ؛ لِأَنَّ الْفَخْذَ اسْمُ الْجَدِّ الْأَعْلَى فَنُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْجَسَدِ الْأَدْنَى فِي النِّسْبَةِ وَهُوَ أَبٌ الْأَبِ

[فصل شاهد الزور]

(قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: شَاهِدُ الزُّورِ أُشَهِّرُهُ فِي السُّوقِ وَلَا أُعَزِّرُهُ. وَقَالَا: نُوجِعُهُ ضَرْبًا وَنَحْبِسُهُ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. لَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ ضَرَبَ شَاهِدَ الزُّورِ أَرْبَعِينَ سَوْطًا وَسَخَّمَ وَجْهَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ شَاهِدُ الزُّورِ] فَصْلٌ: (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: شَاهِدُ الزُّورِ أُشَهِّرُهُ فِي السُّوقِ إلَخْ) شَاهِدُ الزُّورِ، وَهُوَ الَّذِي أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ شَهِدَ بِالزُّورِ أَوْ شَهِدَ بِقَتْلِ رَجُلٍ فَجَاءَ حَيًّا يُعَزَّرُ، وَتَشْهِيرُهُ تَعْزِيرُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَقَوْلُهُ: وَلَا أُعَزِّرُهُ: يَعْنِي لَا أَضْرِبُهُ، وَقَالَا: نُوجِعُهُ ضَرْبًا وَنَحْبِسُهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ. لَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ ضَرَبَ شَاهِدَ الزُّورِ وَسَخَّمَ وَجْهَهُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، مِنْ السُّخَامِ: وَهُوَ سَوَادُ الْقَدْرِ، أَوْ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ الْأَسْحَمِ وَهُوَ الْأَسْوَدُ. لَا يُقَالُ: الِاسْتِدْلَال بِهِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ عَلَى مَذْهَبِهِمَا؛؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَقُولَانِ بِجَوَازِ التَّسْخِيمِ لِكَوْنِهِ مُثْلَةً وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَلَا يَبْلُغُ التَّعْزِيرُ إلَى أَرْبَعِينَ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُمَا إثْبَاتُ مَا نَفَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ التَّعْزِيرِ بِالضَّرْبِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَصْلَ

وَلِأَنَّ هَذِهِ كَبِيرَةٌ يَتَعَدَّى ضَرَرُهَا إلَى الْعِبَادِ وَلَيْسَ فِيهَا حَدٌّ مُقَدَّرٌ فَيُعَزَّرُ. وَلَهُ أَنَّ شُرَيْحًا كَانَ يُشَهِّرُ وَلَا يَضْرِبُ، وَلِأَنَّ الِانْزِجَارَ يَحْصُلُ بِالتَّشْهِيرِ فَيَكْتَفِي بِهِ، وَالضَّرْبُ وَإِنْ كَانَ مُبَالَغَةً فِي الزَّجْرِ وَلَكِنَّهُ يَقَعُ مَانِعًا عَنْ الرُّجُوعِ فَوَجَبَ التَّخْفِيفُ نَظَرًا إلَى هَذَا الْوَجْهِ. وَحَدِيثُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ بِدَلَالَةِ التَّبْلِيغِ إلَى الْأَرْبَعِينَ وَالتَّسْخِيمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالضَّرْبِ مَشْرُوعٌ فِي تَعْزِيرِهِ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ كَانَ مَحْمُولًا عَلَى السِّيَاسَةِ. قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ هَذِهِ) أَيْ شَهَادَةَ الزُّورِ (كَبِيرَةٌ) ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْكِتَابِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: 30] وَبِالسُّنَّةِ وَهُوَ مَا رَوَى أَبُو بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى قُلْت لَا يَسْكُتُ» (وَتَعَدَّى ضَرَرُهَا إلَى الْعِبَادِ) بِإِتْلَافِ أَمْوَالِهِمْ (وَلَيْسَ فِيهِ حَدٌّ مُقَدَّرٌ فَيُعَزِّرُهُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ شُرَيْحًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ يُشَهِّرُ وَلَا يَضْرِبُ) وَكَانَ ذَلِكَ فِي زَمَنِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَالصَّحَابَةُ مُتَوَافِرَةٌ، وَمَا كَانَ يَخْفَى مَا يَعْمَلُهُ عَلَيْهِمْ وَسَكَتُوا عَنْهُ فَكَانَ كَالْمَرْوِيِّ عَنْهُمَا وَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ (وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الِانْزِجَارُ وَهُوَ يَحْصُلُ بِالتَّشْهِيرِ فَيُكْتَفَى بِهِ. وَالضَّرْبُ وَإِنْ كَانَ مُبَالَغَةً فِي الزَّجْرِ لَكِنَّهُ قَدْ يَقَعُ مَانِعًا مِنْ الرُّجُوعِ) فَإِنَّهُ إذَا تَصَوَّرَ الضَّرْبَ يَخَافُ فَلَا يَرْجِعُ وَفِيهِ تَضْيِيعٌ لِلْحُقُوقِ (فَوَجَبَ التَّخْفِيفُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَذَلِكَ بِتَرْكِ الضَّرْبِ (وَحَدِيثُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ بِدَلَالَةِ التَّبْلِيغِ إلَى الْأَرْبَعِينَ) وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ بَلَغَ حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِينَ» . (وَ) بِدَلَالَةِ (التَّسْخِيمِ) هَذَا تَأْوِيلُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ، وَأَوَّلَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّسْخِيمِ التَّخْجِيلُ بِالتَّفْضِيحِ وَالتَّشْهِيرِ، فَإِنَّ الْخَجِلَ يُسَمَّى مُسْوَدًّا مَجَازًا، قَالَ اللَّهُ

ثُمَّ تَفْسِيرُ التَّشْهِيرِ مَنْقُولٌ عَنْ شُرَيْحٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ كَانَ يَبْعَثُهُ إلَى سُوقِهِ إنْ كَانَ سُوقِيًّا، وَإِلَى قَوْمِهِ إنْ كَانَ غَيْرَ سُوقِيٍّ بَعْدَ الْعَصْرِ أَجْمَعَ مَا كَانُوا، وَيَقُولُ: إنَّ شُرَيْحًا يُقْرِئُكُمْ السَّلَامَ وَيَقُولُ: إنَّا وَجَدْنَا هَذَا شَاهِدَ زُورٍ فَاحْذَرُوهُ وَحَذِّرُوا النَّاسَ مِنْهُ. وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُشَهَّرُ عِنْدَهُمَا أَيْضًا. وَالتَّعْزِيرُ وَالْحَبْسُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَاهُ الْقَاضِي عِنْدَهُمَا، وَكَيْفِيَّةُ التَّعْزِيرِ ذَكَرْنَاهُ فِي الْحُدُودِ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: شَاهِدَانِ أَقَرَّا أَنَّهُمَا شَهِدَا بِزُورٍ لَمْ يُضْرَبَا وَقَالَا يُعَزَّرَانِ) وَفَائِدَتُهُ أَنَّ شَاهِدَ الزُّورِ فِي حَقِّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحُكْمِ هُوَ الْمُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ، فَأَمَّا لَا طَرِيقَ إلَى إثْبَاتِ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ نَفْيٌ لِلشَّهَادَةِ وَالْبَيِّنَاتُ لِلْإِثْبَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعَالَى {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} [النحل: 58] (وَتَفْسِيرُ التَّشْهِيرِ مَا نُقِلَ عَنْ شُرَيْحٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ كَانَ يَبْعَثُ إلَى سُوقِهِ، إنْ كَانَ سُوقِيًّا، أَوْ إلَى قَوْمِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ يَكُنْ سُوقِيًّا بَعْدَ الْعَصْرِ أَجْمَعَ مَا كَانُوا) أَيْ مُجْتَمَعِينَ، أَوْ إلَى مَوْضِعٍ يَكُونُ أَكْثَرَ جَمْعًا لِلْقَوْمِ (وَيَقُولُ: إنَّ شُرَيْحًا يُقْرِئكُمْ السَّلَامَ وَيَقُولُ: إنَّا وَجَدْنَا هَذَا شَاهِدَ زُورٍ فَاحْذَرُوهُ وَحَذِّرُوهُ النَّاسَ. وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ عِنْدَهُمَا أَيْضًا يُشَهَّرُ، وَالْحَبْسُ وَالتَّعْزِيرُ مِقْدَارُهُ مُفَوَّضٌ إلَى مَا يَرَاهُ الْقَاضِي) وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ فِيمَنْ كَانَ تَائِبًا أَوْ مُصِرًّا أَوْ مَجْهُولَ الْحَالِ. وَقَدْ قِيلَ إنْ رَجَعَ عَلَى سَبِيلِ التَّوْبَةِ وَالنَّدَمِ لَا يُعَزَّرُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَإِنْ رَجَعَ عَلَى سَبِيلِ الْإِصْرَارِ يُعَزَّرُ بِالضَّرْبِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ فَعَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي قُلْنَا. ثُمَّ إنَّهُ إذَا تَابَ هَلْ تَقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَا؟ إنْ كَانَ فَاسِقًا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ لَهُ عَلَى الزُّورِ فِسْقُهُ وَقَدْ زَالَ بِالتَّوْبَةِ، وَمُدَّةُ ظُهُورِ التَّوْبَةِ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَعِنْدَ آخَرِينَ سَنَةٌ. قَالُوا: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي، وَإِنْ كَانَ مَسْتُورًا لَا تُقْبَلُ أَصْلًا، وَكَذَا إنْ كَانَ عَدْلًا عَلَى رِوَايَةِ بِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَكَانَ الْحَالُ قَبْلَ التَّوْبَةِ وَبَعْدَهَا سَوَاءً، وَرَوَى أَبُو جَعْفَرٍ أَنَّهَا تُقْبَلُ. قَالُوا: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. قَالَ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ) وَذَكَرَ أَنَّ فَائِدَةَ ذِكْرِ رِوَايَتِهِ هِيَ مَعْرِفَةُ شَاهِدِ الزُّورِ بِأَنَّهُ الَّذِي أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ، فَأَمَّا إثْبَاتُ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ نَفْيٌ لِلشَّهَادَةِ وَالْبَيِّنَاتُ شُرِعَتْ لِلْإِثْبَاتِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الَّذِي شَهِدَ بِقَتْلِ شَخْصٍ وَظَهَرَ حَيًّا أَوْ بِمَوْتِهِ وَكَانَ حَيًّا إمَّا لِنُدْرَتِهِ وَإِمَّا؛ لِأَنَّهُ لَا مَحِيصَ لَهُ أَنْ يَقُولَ كَذَبْت أَوْ ظَنَنْت ذَلِكَ أَوْ سَمِعْت ذَلِكَ فَشَهِدَتْ وَهُمَا بِمَعْنَى كَذَبْت لِإِقْرَارِهِ بِالشَّهَادَةِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَجُعِلَ كَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[كتاب الرجوع عن الشهادة]

(كِتَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ) (قَالَ: إذَا رَجَعَ الشُّهُودُ عَنْ شَهَادَتِهِمْ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا سَقَطَتْ) لِأَنَّ الْحَقَّ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْقَضَاءِ وَالْقَاضِي لَا يَقْضِي ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ] تَنَاسُبُ هَذَا الْكِتَابِ لِكِتَابِ الشَّهَادَاتِ، وَتَأْخِيرُهُ عَنْ فَصْلِ شَهَادَةِ الزُّورِ ظَاهِرٌ، إذْ الرُّجُوعُ عَنْهَا يَقْتَضِي سَبْقَ وُجُودِهَا وَهُوَ مِمَّا يُعْلَمُ بِهِ كَوْنُهَا زُورًا وَهُوَ أَمْرٌ مَشْرُوعٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ دِيَانَةً؛ لِأَنَّ فِيهِ خَلَاصًا مِنْ عِقَابِ الْكَبِيرَةِ، فَإِذَا رَجَعَ الشُّهُودُ عَنْ شَهَادَتِهِمْ بِأَنْ قَالُوا فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ رَجَعْنَا عَمَّا شَهِدْنَا بِهِ أَوْ شَهِدْنَا بِزُورٍ فِيمَا شَهِدْنَا، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ سَقَطَتْ الشَّهَادَةُ عَنْ إثْبَاتِ الْحَقِّ بِهَا عَلَى الْغَرِيمِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ إنَّمَا يَثْبُتُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَلَا قَضَاءَ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي بِكَلَامٍ مُتَنَاقِضٍ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ بِالْإِتْلَافِ، وَلَا

بِكَلَامٍ مُتَنَاقِضٍ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا مَا أَتْلَفَا شَيْئًا لَا عَلَى الْمُدَّعِي وَلَا عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ (فَإِنْ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمْ ثُمَّ رَجَعُوا لَمْ يُفْسَخْ الْحُكْمُ) لِأَنَّ آخِرَ كَلَامِهِمْ يُنَاقِضُ أَوَّلَهُ فَلَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِالتَّنَاقُضِ وَلِأَنَّهُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الصِّدْقِ مِثْلُ الْأَوَّلِ، وَقَدْ تَرَجَّحَ الْأَوَّلُ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ (وَعَلَيْهِمْ ضَمَانُ مَا أَتْلَفُوهُ بِشَهَادَتِهِمْ) لِإِقْرَارِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِسَبَبِ الضَّمَانِ، وَالتَّنَاقُضُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ، وَسَنُقَرِّرُهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQإتْلَافَ هَاهُنَا؛ لِأَنَّهُمَا مَا أَتْلَفَا شَيْئًا لَا عَلَى الْمُدَّعِي وَلَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، أَمَّا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى الْمُدَّعِي فَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ إنْ كَانَتْ حَقًّا فِي الْوَاقِعِ وَرَجَعُوا عَنْهَا صَارُوا كَاتِمِينَ لِلشَّهَادَةِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ يَكْتُمُهَا، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي لَمْ يُفْسَخْ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الثَّانِيَ يُنَاقِضُ الْأَوَّلَ، وَالْكَلَامُ الْمُنَاقِضُ سَاقِطُ الْعِبْرَةِ عَقْلًا وَشَرْعًا فَلَا يُنْقَضُ بِهِ حُكْمُ الْحَاكِمِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى التَّسَلْسُلِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُعْتَبَرًا لَجَازَ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ رُجُوعِهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَلَيْسَ لِبَعْضٍ عَلَى غَيْرِهِ تَرْجِيحٌ فَيَتَسَلْسَلُ الْحُكْمُ وَفَسْخُهُ وَذَلِكَ خَارِجٌ عَنْ مَوْضُوعَاتِ الشَّرْعِ؛ وَلِأَنَّ الْكَلَامَ الْآخَرَ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الصِّدْقِ كَالْأَوَّلِ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ سَاوَاهُ وَاحْتِيجَ فِيهِ إلَى التَّرْجِيحِ، وَقَدْ تَرَجَّحَ الْأَوَّلُ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ فَلَا يُنْتَقَضُ بِهِ، وَعَلَيْهِمْ ضَمَانُ مَا أَتْلَفُوهُ بِشَهَادَتِهِمْ لِإِقْرَارِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِسَبَبِ الضَّمَانِ، فَقَضَاءُ الْقَاضِي وَإِنْ كَانَ عِلَّةً لِلتَّلَفِ لَكِنَّهُ كَالْمَلْجَإِ مِنْ جِهَتِهِمْ، فَكَانَ التَّسْبِيبُ مِنْهُمْ تَعَدِّيًا فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِمْ كَمَا فِي حَفْرِ الْبِئْرِ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ. فَإِنْ قِيلَ: كَلَامُهُمْ مُتَنَاقِضٌ وَذَلِكَ سَاقِطُ الْعِبْرَةِ فَعَلَامَ الضَّمَانُ؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ وَالتَّنَاقُضُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ وَوَعَدَ بِتَقْرِيرِهِ مِنْ بَعْدُ، وَاكْتَفَى عَنْ ذِكْرِ التَّعْزِيرِ فِي الْفَصْلَيْنِ بِذَكَرِهِ فِي الْفَصْلِ الْمُتَقَدِّمِ. قَالَ (وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ إلَخْ) الرُّجُوعُ عَنْ الشَّهَادَةِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِحَضْرَةِ حَاكِمٍ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْأَوَّلَ أَوْ لَا

لِأَنَّهُ فَسْخٌ لِلشَّهَادَةِ فَيَخْتَصُّ بِمَا تَخْتَصُّ بِهِ الشَّهَادَةُ مِنْ الْمَجْلِسِ وَهُوَ مَجْلِسُ الْقَاضِي أَيَّ قَاضٍ كَانَ، وَلِأَنَّ الرُّجُوعَ تَوْبَةٌ وَالتَّوْبَةُ عَلَى حَسَبِ الْجِنَايَةِ، فَالسِّرُّ بِالسِّرِّ وَالْإِعْلَانُ بِالْإِعْلَانِ. وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الرُّجُوعُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي، فَلَوْ ادَّعَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ رُجُوعَهُمَا وَأَرَادَ يَمِينَهُمَا لَا يَحْلِفَانِ، وَكَذَا لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ ادَّعَى رُجُوعًا بَاطِلًا، حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ رَجَعَ عِنْدَ قَاضِي كَذَا وَضَمَّنَهُ الْمَالَ تُقْبَلُ لِأَنَّ السَّبَبَ صَحِيحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ لِلشَّهَادَةِ وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ فَالرُّجُوعُ مُخْتَصٌّ بِهِ، وَهَذَا الدَّلِيلُ لَا يَتِمُّ إلَّا إذَا ثَبَتَ أَنَّ فَسْخَ الشَّهَادَةِ يَخْتَصُّ بِمَا تَخْتَصُّ بِهِ الشَّهَادَةُ وَهُوَ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ الرُّجُوعَ إقْرَارٌ بِضَمَانِ مَالِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ عَلَى نَفْسِهِ بِسَبَبِ الْإِتْلَافِ بِالشَّهَادَةِ الْكَاذِبَةِ، وَالْإِقْرَارُ بِذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لَا يَرْتَفِعُ مَا دَامَتْ الْحُجَّةُ بَاقِيَةً فَلَا بُدَّ مِنْ رَفْعِهَا، وَالرُّجُوعُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ لَيْسَ بِرَفْعٍ لِلْحُجَّةِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ كَمَا مَرَّ، وَالْإِقْرَارُ بِالضَّمَانِ مُرَتَّبٌ عَلَى ارْتِفَاعِهَا أَوْ يَثْبُتُ فِي ضِمْنِهِ فَكَانَ مِنْ تَوَابِعِهِ. لَا يُقَالُ: الْبَيِّنَةُ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ ابْتِدَاءً لَا بَقَاءً، وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ الْبَقَاءُ مَشْرُوطًا بِشَرْطِ الِابْتِدَاءِ لِكَوْنِهِ أَسْهَلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: مَجْلِسُ الْحُكْمِ مَحَلُّهَا فِي الِابْتِدَاءِ وَمَا يَرْجِعُ إلَى الْمَحَلِّ فَالِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ فِيهِ سَوَاءٌ كَالْمَحْرَمِيَّةِ فِي النِّكَاحِ وَوُجُودِ الْمَبِيعِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ وَصِحَّةِ الْفَسْخِ (وَلِأَنَّ الرُّجُوعَ تَوْبَةٌ وَالتَّوْبَةُ عَلَى حَسَبِ الْجِنَايَةِ فَالسِّرُّ بِالسِّرِّ، وَالْإِعْلَانُ بِالْإِعْلَانِ) وَشَهَادَةُ الزُّورِ جِنَايَةٌ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَالتَّوْبَةُ عَنْهَا تَتَقَيَّدُ بِهِ (وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الرُّجُوعُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي فَلَوْ ادَّعَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ رُجُوعَهُمَا) وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً أَوْ عَجَزَ عَنْهَا وَأَرَادَ أَنْ يُحَلِّفَ الشَّاهِدَيْنِ (لَمْ يَقْبَلْ الْقَاضِي بَيِّنَةً عَلَيْهِمَا وَلَا يُحَلِّفُهُمَا) ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ وَالْيَمِينَ يَتَرَتَّبَانِ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ، وَدَعْوَى الرُّجُوعِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ بَاطِلَةٌ (حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ رَجَعَ عِنْدَ قَاضِي كَذَا وَضَمَّنَهُ الْمَالَ تُقْبَلُ) بَيِّنَتُهُ (لِأَنَّ السَّبَبَ صَحِيحٌ) وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَكِنُّ فِي ضَمَّنَهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْقَاضِي، وَمَعْنَاهُ حَكَمَ عَلَيْهِ بِالضَّمَانِ لَكِنَّهُ لَمْ يُعْطِ شَيْئًا إلَى الْآنَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُدَّعِي وَمَعْنَاهُ طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي تَضْمِينَهُ، وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ بَدَلٌ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَهُوَ قَبُولُ الْبَيِّنَةِ: أَيْ؛ لِأَنَّ سَبَبَ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ صَحِيحٌ وَهُوَ دَعْوَى الرُّجُوعِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ، وَقِيلَ هُوَ الضَّمَانُ، وَمَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ صَحِيحٌ وَهُوَ الرُّجُوعُ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى حِينَئِذٍ لَيْسَتْ مُطَابِقَةً لِلدَّلِيلِ فَإِنَّهَا قَبُولُ الْبَيِّنَةِ لَا وُجُوبُ

(وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِمَالٍ فَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِهِ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا الْمَالَ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ التَّسْبِيبَ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي ـــــــــــــــــــــــــــــQالضَّمَانِ فَتَأَمَّلْ. (وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِمَالٍ فَحَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا الْمَالَ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ عُلِمَتْ مِنْ قَوْلِهِ وَعَلَيْهِمْ ضَمَانُ مَا أَتْلَفُوهُ بِشَهَادَتِهِمْ، إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَهَا لِبَيَانِ خِلَافِ الشَّافِعِيِّ وَلِمَا يَأْتِي مِنْ رُجُوعِ بَعْضِ الشُّهُودِ دُونَ بَعْضٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا تَسَبَّبَا فِي الْإِتْلَافِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُبَاشِرِ. وَقُلْنَا وَجَبَ عَلَيْهِمَا الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُمَا تَسَبَّبَا لِلْإِتْلَافِ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي وَذَلِكَ يُوجِبُ الضَّمَانَ إذْ لَمْ يُمْكِنْ إضَافَتُهُ إلَى الْمُبَاشِرِ،

سَبَّبَ الضَّمَانَ كَحَافِرِ الْبِئْرِ وَقَدْ سَبَّبَا لِلْإِتْلَافِ تَعَدِّيًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَضْمَنَانِ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِلتَّسْبِيبِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُبَاشَرَةِ. قُلْنَا: تَعَذَّرَ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُبَاشِرِ وَهُوَ الْقَاضِي لِأَنَّهُ كَالْمَلْجَإِ إلَى الْقَضَاءِ، وَفِي إيجَابِهِ صَرْفُ النَّاسِ عَنْ تَقَلُّدِهِ وَتَعَذُّرُ اسْتِيفَائِهِ مِنْ الْمُدَّعِي لِأَنَّ الْحُكْمَ مَاضٍ فَاعْتُبِرَ التَّسْبِيبُ، وَإِنَّمَا يَضْمَنَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَاهُنَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ هُوَ الْقَاضِي، وَإِضَافَةُ الضَّمَانِ إلَيْهِ مُتَعَذِّرَةٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ كَالْمُلْجَإِ إلَى الْقَضَاءِ بِشَهَادَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّأْخِيرِ يَفْسُقُ وَلَيْسَ بِمُلْجَإٍ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْمُلْجَأَ حَقِيقَةً مَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْقَاضِي لَيْسَ كَذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ فِي إيجَابِهِ عَلَيْهِ صَرْفَ النَّاسِ عَنْ تَقَلُّدِ الْقَضَاءِ، وَذَلِكَ ضَرَرٌ عَامٌّ فَيُتَحَمَّلُ الضَّرَرُ الْخَاصُّ لِأَجْلِهِ، وَتَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْمُدَّعِي أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مَاضٍ لِمَا تَقَدَّمَ فَاعْتُبِرَ السَّبَبُ. فَإِنْ قِيلَ: مَا بَالُ كُلٍّ مِنْكُمْ وَمِنْ الشَّافِعِيِّ تَرَكَ أَصْلَهُ الْمَعْهُودَ فِي الشَّهَادَةِ بِالْقَتْلِ ثُمَّ الرُّجُوعِ، فَإِنَّهُ إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى أَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا فَاقْتُصَّ مِنْهُ ثُمَّ رَجَعَا فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمَا فِي مَالِهِمَا عِنْدَكُمْ، وَمَا جَعَلْتُمْ كَالْمُبَاشِرِ حَتَّى يَجِبُ الْقِصَاصُ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ، جَعَلَ الْمُسَبَّبَ كَالْمُبَاشِرِ. قُلْنَا: فِعْلُ الْمُبَاشِرِ الِاخْتِيَارِيُّ قَطَعَ النِّسْبَةَ أَوْ صَارَ شُبْهَةً كَمَا سَيَجِيءُ، وَالشَّافِعِيُّ جَعَلَهُ مُبَاشِرًا بِمَا وَرَدَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي شَاهِدَيْ السَّرِقَةِ إذَا رَجَعَا: لَوْ عَلِمْت أَنَّكُمَا تَعَمَّدْتُمَا لَقَطَعْت أَيْدِيَكُمَا. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ كَانَ عَلَى سَبِيلِ التَّهْدِيدِ لِمَا ثَبَتَ مِنْ مَذْهَبِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْيَدَيْنِ لَا يُقْطَعَانِ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ، وَجَازَ أَنْ يُهَدِّدَ الْإِمَامُ بِمَا لَا يَتَحَقَّقُ كَمَا قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَلَوْ تَقَدَّمْت فِي الْمُتْعَةِ لَرُجِمْت، وَالْمُتْعَةُ لَا تُوجِبُ الرَّجْمَ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنَّمَا يَضْمَنَانِ: يَعْنِي أَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ إذَا قَبَضَ الْمُدَّعِي مَا قُضِيَ لَهُ بِهِ دَيْنًا كَانَ أَوْ عَيْنًا، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ بِالْإِتْلَافِ، وَالْإِتْلَافُ يَتَحَقَّقُ بِالْقَبْضِ، وَفِي ذَلِكَ لَا تَفَاوُتَ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ؛ وَلِأَنَّ مَبْنَى الضَّمَانِ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ أَخْذِ الْعَيْنِ وَإِلْزَامِ الدَّيْنِ. وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُمَا إذَا أُلْزِمَا دَيْنًا بِشَهَادَتِهِمَا، فَلَوْ ضَمِنَا قَبْلَ الْأَدَاءِ إلَى الْمُدَّعِي كَانَ قَدْ اسْتَوْفَى مِنْهُمَا عَيْنًا بِمُقَابَلَةِ دَيْنٍ أَوْجَبَا وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَهُمَا. وَفَرَّقَ شَيْخُ الْإِسْلَامَ بَيْنَ

إذَا قَبَضَ الْمُدَّعِي الْمَالَ دَيْنًا كَانَ أَوْ عَيْنًا، لِأَنَّ الْإِتْلَافَ بِهِ يَتَحَقَّقُ، وَلِأَنَّهُ لَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ أَخْذِ الْعَيْنِ وَإِلْزَامِ الدَّيْنِ. قَالَ (فَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا ضَمِنَ النِّصْفَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَيْنِ وَالدَّيْنِ فَقَالَ: إنْ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ عَيْنًا فَلِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَنْ يُضَمِّنَ الشَّاهِدَ بَعْدَ الرُّجُوعِ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهَا الْمُدَّعِي، وَإِنْ كَانَ دَيْنًا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَقْبِضَهُ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ الْإِتْلَافِ وَضَمَانُ الْإِتْلَافِ مُقَيَّدٌ بِالْمِثْلِ، وَإِذَا كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ عَيْنًا فَالشَّاهِدَانِ بِشَهَادَتِهِمَا أَزَالَاهُ عَنْ مِلْكِهِ إذَا اتَّصَلَ الْقَضَاءُ بِهَا، وَلِهَذَا لَا يَنْفُذُ فِيهِ تَصَرُّفُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِزَالَةُ الْعَيْنِ عَنْ مِلْكِهِمَا بِأَخْذِ الضَّمَانِ لَا تَنْتَفِي الْمُمَاثَلَةُ، وَإِذَا كَانَ دَيْنًا فَبِإِزَالَةِ الْعَيْنِ عَنْ مِلْكِهِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ تَنْتَفِي الْمُمَاثَلَةُ كَمَا ذَكَرْنَا. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمِلْكَ وَإِنْ ثَبَتَ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ بِالْقَضَاءِ وَلَكِنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ يَزْعُمُ أَنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِي يَدِ مِلْكِهِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الشَّاهِدَيْنِ شَيْئًا مَا لَمْ يَخْرُجْ الْمَالُ مِنْ يَدِهِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي. قَالَ (وَإِذَا رَجَعَ أَحَدُهُمَا ضَمِنَ النِّصْفَ إلَخْ) الْمُعْتَبَرُ فِي بَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ بَقَاءُ مَنْ بَقِيَ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْحَقِّ فِي الْحَقِيقَةِ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ وَمَا زَادَ فَهُوَ فَضْلٌ فِي حَقِّ الْقَضَاءِ، إلَّا أَنَّ الشُّهُودَ إذَا كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ الِاثْنَيْنِ يُضَافُ الْقَضَاءُ وَوُجُوبُ الْحَقِّ إلَى الْكُلِّ لِاسْتِوَاءِ حُقُوقِهِمْ. وَإِذَا رَجَعَ وَاحِدٌ زَالَ الِاسْتِوَاءُ وَظَهَرَ إضَافَةُ الْقَضَاءِ إلَى الْمُثَنَّى وَعَلَى هَذَا إذَا شَهِدَ اثْنَانِ فَرَجَعَ أَحَدُهُمَا ضَمِنَ النِّصْفَ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ بِشَهَادَةِ مَنْ بَقِيَ نِصْفُ الْحَقِّ. قِيلَ لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْبَاقِيَ فَرْدٌ لَا يَصْلُحُ لِإِثْبَاتِ شَيْءٍ ابْتِدَاءً فَكَذَا بَقَاءً. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَيَجُوزُ أَنْ يَصْلُحَ فِي الْبَقَاءِ

وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي هَذَا بَقَاءُ مَنْ بَقِيَ لَا رُجُوعُ مَنْ رَجَعَ وَقَدْ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ نِصْفُ الْحَقِّ (وَإِنْ شَهِدَا بِالْمَالِ ثَلَاثَةً فَرَجَعَ أَحَدُهُمْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ بَقِيَ بِشَهَادَتِهِ كُلُّ الْحَقِّ، وَهَذَا لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بَاقٍ بِالْحُجَّةِ، وَالْمُتْلِفُ مَتَى اسْتَحَقَّ (سَقَطَ الضَّمَانُ فَأَوْلَى أَنْ يَمْتَنِعَ) فَإِنْ رَجَعَ الْآخَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْإِثْبَاتِ مَا لَا يَصْلُحُ فِي الِابْتِدَاءِ لِذَلِكَ، كَمَا فِي النِّصَابِ فَإِنَّ بَعْضَهُ لَا يَصْلُحُ فِي الِابْتِدَاءِ لِإِثْبَاتِ الْوُجُوبِ وَيَصْلُحُ فِي الْبَقَاءِ بِقَدْرِهِ. (وَإِذَا شَهِدَ ثَلَاثَةٌ فَرَجَعَ وَاحِدٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ بَقِيَ بِشَهَادَتِهِ كُلُّ الْحَقِّ (لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمُدَّعِي لِلْمَشْهُودِ بِهِ بَاقٍ بِالْحُجَّةِ) التَّامَّةِ، وَاسْتِحْقَاقُ الْمُتْلِفِ يُسْقِطُ الضَّمَانَ فِيمَا إذَا أَتْلَفَ إنْسَانٌ مَالَ زَيْدٍ فَقَضَى الْقَاضِي لَهُ عَلَى الْمُتْلِفِ بِالضَّمَانِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْمُتْلِفُ عَمْرٌو وَأَخَذَ الضَّمَانَ مِنْ الْمُتْلِفِ سَقَطَ الضَّمَانُ الثَّابِتُ لِزَيْدٍ بِقَضَاءِ الْقَاضِي عَلَى الْمُتْلِفِ فَلَأَنْ يَمْنَعَهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ أَسْهَلُ مِنْ الرَّفْعِ (فَإِنْ رَجَعَ الْآخَرُ

ضَمِنَ (الرَّاجِعَانِ نِصْفَ الْمَالِ) لِأَنَّ بِبَقَاءِ أَحَدِهِمْ يَبْقَى نِصْفُ الْحَقِّ (وَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَرَجَعَتْ امْرَأَةٌ ضَمِنَتْ رُبُعَ الْحَقِّ) لِبَقَاءِ ثَلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ بِبَقَاءِ مَنْ بَقِيَ (وَإِنْ رَجَعَتَا ضَمِنَتَا نِصْفَ الْحَقِّ) لِأَنَّ بِشَهَادَةِ الرَّجُلِ بَقِيَ نِصْفُ الْحَقِّ (وَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَعَشْرَةُ نِسْوَةٍ ثُمَّ رَجَعَ ثَمَانٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِنَّ) لِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ كُلُّ الْحَقِّ (فَإِنْ رَجَعَتْ أُخْرَى كَانَ عَلَيْهِنَّ رُبْعُ الْحَقِّ) لِأَنَّهُ بَقِيَ النِّصْفُ بِشَهَادَةِ الرَّجُلِ وَالرُّبْعُ بِشَهَادَةِ الْبَاقِيَةِ فَبَقِيَ ثَلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ (وَإِنْ رَجَعَ الرَّجُلُ وَالنِّسَاءُ فَعَلَى الرَّجُلِ سُدُسُ الْحَقِّ وَعَلَى النِّسْوَةِ خَمْسَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQضَمِنَ الرَّاجِعَانِ نِصْفَ الْحَقِّ) قِيلَ يَجِبُ أَنْ لَا يَجِبَ الضَّمَانُ عَلَى الرَّاجِعِ الْأَوَّلِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ بَقَاءُ مَنْ بَقِيَ، وَبَعْدَ رُجُوعِ الْأَوَّلِ كَانَ نِصَابُ الشَّهَادَةِ بَاقِيًا فَإِذَا رَجَعَ الثَّانِي فَهُوَ الَّذِي أَتْلَفَ نِصْفَ الْحَقِّ فَيَقْتَصِرُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْأَوَّلِ ثَابِتٌ بِطَرِيقِ التَّبَيُّنِ أَوْ الِانْقِلَابِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ كَانَ بِشَهَادَتِهِمْ جَمِيعًا، ثُمَّ إذَا رَجَعَ الْأَوَّلُ ظَهَرَ كَذِبُهُ وَاحْتُمِلَ كَذِبُ غَيْرِهِ، فَإِذَا رَجَعَ الثَّانِي تَبَيَّنَ أَنَّ الْإِتْلَافَ مِنْ الِابْتِدَاءِ كَانَ بِشَهَادَتِهِمَا، أَوْ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ كَانَ بِالشَّهَادَةِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ مِنْهُمَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، فَعِنْدَ رُجُوعِ الْأَوَّلِ وُجِدَ الْإِتْلَافُ، وَلَكِنَّ الْمَانِعَ وَهُوَ بَقَاءُ النِّصَابِ مَنَعَ إيجَابَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ، فَإِذَا رَجَعَ الثَّانِي ارْتَفَعَ الْمَانِعُ وَوَجَبَ الضَّمَانُ بِالْمُقْتَضِي. (وَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَرَجَعَتْ امْرَأَةٌ ضَمِنَتْ رُبُعَ الْحَقِّ لِبَقَاءِ ثَلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ بِبَقَاءِ مَنْ بَقِيَ وَإِنْ رَجَعَتَا ضَمِنَتَا نِصْفَ الْحَقِّ) ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْحَقِّ بَاقٍ لِشَهَادَةِ الرَّجُلِ (وَإِذَا شَهِدَ رَجُلٌ وَعَشْرُ نِسْوَةٍ ثُمَّ رَجَعَ ثَمَانٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِنَّ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ كُلُّ الْحَقِّ، فَإِنْ رَجَعَتْ أُخْرَى كَانَ عَلَيْهِنَّ رُبُعُ الْحَقِّ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ النِّصْفُ بِشَهَادَةِ الرَّجُلِ وَالرُّبُعُ بِشَهَادَةِ الْبَاقِيَةِ فَبَقِيَ ثَلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ وَإِنْ رَجَعَ الرَّجُلُ وَالنِّسَاءُ جَمِيعًا فَعَلَى الرَّجُلِ سُدُسُ الْحَقِّ وَعَلَى النِّسَاءِ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ عِنْدَ

أَسْدَاسِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا عَلَى الرَّجُلِ النِّصْفُ وَعَلَى النِّسْوَةِ النِّصْفُ) لِأَنَّهُنَّ وَإِنْ كَثُرْنَ يَقُمْنَ مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ إلَّا بِانْضِمَامِ رَجُلٍ وَاحِدٍ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ قَامَتَا مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي نُقْصَانِ عَقْلِهِنَّ عُدِلَتْ شَهَادَةُ اثْنَتَيْنِ مِنْهُنَّ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ» فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَ بِذَلِكَ سِتَّةُ رِجَالٍ ثُمَّ رَجَعُوا (وَإِنْ رَجَعَ النِّسْوَةُ الْعَشَرَةُ دُونَ الرَّجُلِ كَانَ عَلَيْهِنَّ نِصْفُ الْحَقِّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ) لِمَا قُلْنَا (وَلَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ وَامْرَأَةٌ بِمَالٍ ثُمَّ رَجَعُوا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا دُونَ الْمَرْأَةِ) لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ لَيْسَتْ بِشَاهِدَةٍ بَلْ هِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا عَلَى الرَّجُلِ النِّصْفُ وَعَلَى النِّسَاءِ النِّصْفُ؛ لِأَنَّهُنَّ وَإِنْ كَثُرْنَ يَقُمْنَ مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ إلَّا مَعَ رَجُلٍ وَاحِدٍ) فَتَعَيَّنَ لِلْقِيَامِ بِنِصْفِ الْحُجَّةِ فَلَا يَتَغَيَّرُ هَذَا الْحُكْمُ بِكَثْرَةِ النِّسَاءِ، وَإِذَا ثَبَتَ نِصْفُ الْحَقِّ بِشَهَادَتِهِ ضَمِنَهُ عِنْدَ الرُّجُوعِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ قَامَتَا مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ) بِالنَّصِّ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نُقْصَانِ عَقْلِهِنَّ عُدِلَتْ شَهَادَةُ اثْنَتَيْنِ مِنْهُنَّ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ» وَإِذَا كَانَتَا كَرَجُلٍ صَارَ كَأَنَّهُ شَهِدَ بِذَلِكَ سِتَّةُ رِجَالٍ ثُمَّ رَجَعُوا) وَفِي وَجْهِ دَلَالَةِ الْحَدِيثِ عَلَى ذَلِكَ نَظَرٌ، وَإِنَّمَا تَمَّ أَنْ لَوْ قَالَ عَدَلَتْ شَهَادَةُ كُلِّ اثْنَتَيْنِ مِنْهُنَّ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ أَطْلَقَ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ أَوْ مُكَرَّرٌ فَكَانَ الْإِطْلَاقُ كَكَلِمَةِ كُلٍّ (وَإِنْ رَجَعَ النِّسْوَةُ الْعَشْرُ دُونَ الرَّجُلِ كَانَ عَلَيْهِنَّ نِصْفُ الْحَقِّ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا لِمَا قُلْنَا) أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ بَقَاءُ مَنْ بَقِيَ، فَالرَّجُلُ يَبْقَى بِبَقَائِهِ نِصْفُ الْحَقِّ. (وَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ وَامْرَأَةٌ بِمَالٍ ثُمَّ رَجَعُوا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا دُونَ الْمَرْأَةِ) ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ الْوَاحِدَةَ شَطْرُ الْعِلَّةِ، وَلَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْحُكْمِ فَكَانَ الْقَضَاءُ مُضَافًا إلَى شِهَادِ رَجُلَيْنِ

بَعْضُ الشَّاهِدِ فَلَا يُضَافُ إلَيْهِ الْحُكْمُ. قَالَ (وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى امْرَأَةٍ بِالنِّكَاحِ بِمِقْدَارِ مَهْرِ مِثْلِهَا ثُمَّ رَجَعَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا، وَكَذَلِكَ إذَا شَهِدَا بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا) لِأَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَ الْإِتْلَافِ لِأَنَّ التَّضْمِينَ يَسْتَدْعِي الْمُمَاثَلَةَ عَلَى مَا عُرِفَ، وَإِنَّمَا تُضْمَنُ وَتُتَقَوَّمُ بِالتَّمَلُّكِ لِأَنَّهَا تَصِيرُ مُتَقَوِّمَةً ضَرُورَةَ الْمِلْكِ إبَانَةً لِخَطَرِ الْمَحَلِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQدُونَهَا فَلَا تَضْمَنُ عِنْدَ الرُّجُوعِ شَيْئًا. قَالَ (وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى امْرَأَةٍ بِالنِّكَاحِ إلَخْ) وَإِنْ شَهِدَ عَلَى امْرَأَةٍ بِالنِّكَاحِ ثُمَّ رَجَعَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا، سَوَاءٌ كَانَتْ الشَّهَادَةُ بِمِقْدَارِ مَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُتْلَفَ هَاهُنَا مَنَافِعُ الْبُضْعِ وَمَنَافِعُ الْبُضْعِ عِنْدَنَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ بِالْإِتْلَافِ؛ لِأَنَّ التَّضْمِينَ يَقْتَضِي الْمُمَاثَلَةَ بِالنَّصِّ عَلَى مَا عُرِفَ، وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا تَتَقَوَّمُ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَوْ لَمْ تَكُنْ الْمَنَافِعُ مُتَقَوِّمَةً لَكَانَتْ بِالتَّمَلُّكِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْخَارِجَ هُوَ عَيْنُ الدَّاخِلِ فِي الْمِلْكِ، فَمِنْ ضَرُورَةِ التَّقَوُّمِ فِي إحْدَى الْحَالَتَيْنِ تَقَوُّمُهَا فِي الْأُخْرَى لَكِنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ عِنْدَ الدُّخُولِ بِالِاتِّفَاقِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا إنَّمَا تُضْمَنُ وَتَتَقَوَّمُ بِالتَّمَلُّكِ إبَانَةً لِخَطَرِ الْمَحَلِّ؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ خَطِيرٌ لِحُصُولِ النَّسْلِ بِهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي حَالَةِ الْإِزَالَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ مَشْرُوطٌ عِنْدَ التَّمَلُّكِ بِمَا لَيْسَ بِمَشْرُوطٍ بِهِ عِنْدَ الْإِزَالَةِ كَالْمَشْهُودِ وَالْوَلِيِّ، وَمَوْضِعُهُ أُصُولُ الْفِقْهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي التَّقْرِيرِ مُسْتَوْفًى بِعَوْنِ اللَّهِ وَتَأْيِيدِهِ. وَكَذَلِكَ إنْ شَهِدَا عَلَى زَوْجٍ يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً بِمِقْدَارِ مَهْرِ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ بِعِوَضٍ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْبُضْعَ مُتَقَوِّمٌ حَالَ الدُّخُولِ فِي الْمِلْكِ وَالْإِتْلَافُ بِعِوَضٍ

(وَكَذَا إذَا شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً بِمِقْدَارِ مَهْرِ مِثْلِهَا) لِأَنَّهُ إتْلَافٌ بِعِوَضٍ لَمَّا أَنَّ الْبُضْعَ مُتَقَوِّمٌ حَالَ الدُّخُولِ فِي الْمِلْكِ وَالْإِتْلَافُ بِعِوَضٍ كَلَا إتْلَافٍ، وَهَذَا لِأَنَّ مَبْنَى الضَّمَانِ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الْإِتْلَافِ بِعِوَضٍ وَبَيْنَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ (وَإِنْ شَهِدَا بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا الزِّيَادَةَ) لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَاهَا مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ. قَالَ (وَإِنْ شَهِدَا بِبَيْعِ شَيْءٍ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِتْلَافٍ مَعْنًى. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَلَا إتْلَافَ، كَمَا لَوْ شَهِدَا بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ ثُمَّ رَجَعَا لَا يَضْمَنَانِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَبْنَى الضَّمَانِ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْإِتْلَافَ بِغَيْرِ عِوَضٍ مَضْمُونٌ بِالنَّصِّ وَالْإِتْلَافُ بِعِوَضٍ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَهُمَا فَلَا يُلْتَحَقُ بِهِ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ (وَإِنْ شَهِدَا بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا لِلزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَاهَا مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ) وَهُوَ يُوجِبُ الضَّمَانَ. قَالَ (وَإِنْ شَهِدَا بِبَيْعِ شَيْءٍ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ إلَخْ) شَهِدَا بِأَنَّهُ بَاعَ عَبْدَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ رَجَعَا، فَإِنْ كَانَ

نَظَرًا إلَى الْعِوَضِ (وَإِنْ كَانَ بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ ضَمِنَا النُّقْصَانَ) لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا هَذَا الْجُزْءَ بِلَا عِوَضٍ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بَاتًّا أَوْ فِيهِ خِيَارُ الْبَائِعِ، لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْبَيْعُ السَّابِقُ فَيُضَافُ الْحُكْمُ عِنْدَ سُقُوطِ الْخِيَارِ إلَيْهِ فَيُضَافُ التَّلَفُ إلَيْهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَلْفُ قِيمَتَهُ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَضْمَنَا شَيْئًا لِمَا مَرَّ أَنَّ الْإِتْلَافَ بِعِوَضٍ كَلَا إتْلَافَ، وَإِنْ كَانَ قِيمَتُهُ أَلْفَيْنِ ضَمِنَا لِلْبَائِعِ أَلْفًا؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا هَذَا الْجُزْءَ الَّذِي هُوَ فِي مُقَابَلَةِ الْأَلْفِ مِنْ قِيمَتِهِ بِلَا عِوَضٍ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بَاتًّا أَوْ فِيهِ خِيَارُ الْبَائِعِ بِأَنْ شَهِدَا بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ كَالصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ وَبِأَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ وَمَضَتْ الْمُدَّةُ وَتَقَرَّرَ الْبَيْعُ ثُمَّ رَجَعَا فَإِنَّهُمَا يَضْمَنَانِ فَضْلَ مَا بَيْنَ الْقِيمَةِ وَالثَّمَنِ لِإِتْلَافِهِمَا الزَّائِدَ بِغَيْرِ عِوَضٍ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ بِالْخِيَارِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُزِيلٍ لِلْمِلْكِ وَالْبَائِعُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ بِفَسْخِ الْبَيْعِ فِي الْمُدَّةِ فَحَيْثُ لَمْ يَفْعَلْ كَانَ رَاضِيًا بِهِ وَالرِّضَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ لَكِنَّ حُكْمَهُ مُضَافٌ إلَى السَّبَبِ السَّابِقِ وَهُوَ الْبَيْعُ الْمَشْهُودُ بِهِ، وَلِهَذَا اسْتَحَقَّ الْمُشْتَرِي بِزَوَائِدِهِ، وَالْبَائِعُ لَمَّا كَانَ مُنْكِرًا لِأَصْلِ الْبَيْعِ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِحُكْمِ الْخِيَارِ، إذْ الْعَاقِلُ يُتَحَرَّزُ عَنْ الِانْتِسَابِ إلَى الْكَذِبِ حَسَبَ طَاقَتِهِ، فَلَوْ أَوْجَبَا الْبَيْعَ فِي الْمُدَّةِ لَمْ يَضْمَنَا شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ مِلْكَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْإِتْلَافُ.

(وَإِنْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا نِصْفَ الْمَهْرِ) لِأَنَّهُمَا أَكَّدَا ضَمَانًا عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ طَاوَعَتْ ابْنَ الزَّوْجِ أَوْ ارْتَدَّتْ سَقَطَ الْمَهْرُ أَصْلًا وَلِأَنَّ الْفُرْقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي مَعْنَى الْفَسْخِ فَيُوجِبُ سُقُوطَ جَمِيعِ الْمَهْرِ كَمَا مَرَّ فِي النِّكَاحِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِأَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا نِصْفَ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُمَا أَكَّدَا مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ) بِالِارْتِدَادِ أَوْ مُطَاوَعَةِ ابْنِ الزَّوْجِ، وَعَلَى الْمُؤَكِّدِ مَا عَلَى الْمُوجِبِ لِشُبْهَةٍ بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا أَخَذَ صَيْدًا فَذَبَحَهُ شَخْصٌ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْجَزَاءُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّهُ أَكَّدَ مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ بِالتَّخْلِيَةِ؛ وَلِأَنَّ الْفُرْقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي مَعْنَى الْفَسْخِ لِعَوْدِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْبُضْعُ إلَى الْمَرْأَةِ كَمَا كَانَ، وَالْفَسْخُ يُوجِبُ سُقُوطَ جَمِيعِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الْعَقْدَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، فَكَانَ وُجُوبُ نِصْفِ الْمَهْرِ عَلَى الزَّوْجِ ابْتِدَاءً بِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ بِسَبَبِ شَهَادَتِهِمَا فَيَجِبُ الضَّمَانُ بِالرُّجُوعِ، وَإِنَّمَا قَالَ فِي مَعْنَى الْفَسْخِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَعْدَ اللُّزُومِ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ، لَكِنْ لَمَّا عَادَ كُلُّ

ثُمَّ يَجِبُ نِصْفُ الْمَهْرِ ابْتِدَاءً بِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ فَكَانَ وَاجِبًا بِشَهَادَتِهِمَا قَالَ (وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا قِيمَتَهُ) لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا مَالِيَّةَ الْعَبْدِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَحَوَّلُ إلَيْهِمَا بِهَذَا الضَّمَانِ فَلَا يَتَحَوَّلُ الْوَلَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُبْدَلِ إلَى مِلْكِهَا مِنْ غَيْرِ تَصَرُّفٍ فِيهِ أَشْبَهَ الْفَسْخَ. (وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ) فَقُضِيَ بِذَلِكَ (ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا مَالِيَّةَ الْعَبْدِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ) وَذَلِكَ يُوجِبُ الضَّمَانَ وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَحَوَّلُ إلَيْهِمَا بِالضَّمَانِ، فَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهُ. قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ الْوَلَاءُ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْعِتْقَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مُكَذَّبٌ فِي ذَلِكَ شَرْعًا بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِالْحُجَّةِ. وَقِيلَ لَمَّا ثَبَتَ الْوَلَاءُ ثَبَتَ الْعِوَضُ فَانْتَفَى الضَّمَانُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ عِوَضًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ

(وَإِنْ شَهِدُوا بِقِصَاصٍ ثُمَّ رَجَعُوا بَعْدَ الْقَتْلِ ضَمِنُوا الدِّيَةَ وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُمْ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُقْتَصُّ مِنْهُمْ لِوُجُودِ الْقَتْلِ مِنْهُمْ تَسْبِيبًا فَأَشْبَهَ الْمُكْرِهَ بَلْ أَوْلَى، لِأَنَّ الْوَلِيَّ يُعَانُ وَالْمُكْرِهَ يُمْنَعُ. وَلَنَا أَنَّ الْقَتْلَ مُبَاشَرَةَ لَمْ يُوجَدْ، وَكَذَا تَسْبِيبًا ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ، ثُمَّ لَا يَخْتَلِفُ الضَّمَانُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ لِكَوْنِهِ ضَمَانَ إتْلَافٍ وَإِنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ. قَالَ (وَإِذَا شَهِدَا بِقِصَاصٍ ثُمَّ رَجَعَا إلَخْ) إذَا شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِالْقِصَاصِ فَاقْتُصَّ مِنْهُ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا الدِّيَةَ فِي مَالِهِمَا (وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُمَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقْتَصُّ مِنْهُمَا لِوُجُودِ الْقَتْلِ تَسْبِيبًا فَأَشْبَهَ الْمُكْرَهَ) أَيْ فَأَشْبَهَ الْمُسَبِّبَ هَاهُنَا وَهُوَ الشَّاهِدُ الْمُكْرَهُ إنْ كَانَ اسْمَ فَاعِلٍ، أَوْ فَأَشْبَهَ الْقَاضِيَ الْمُكْرَهَ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُلْجَإِ بِشَهَادَتِهِمَا، حَتَّى لَوْ لَمْ يَرَ الْوُجُوبَ كَفَرَ إنْ كَانَ اسْمَ مَفْعُولٍ. وَقِيلَ أَشْبَهَ الْوَلِيَّ الْمُكْرَهَ وَهُوَ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُلْجَإٍ إلَى الْقَتْلِ. وَقَوْلُهُ: (بَلْ أَوْلَى) أَيْ التَّسْبِيبُ هَاهُنَا أَوْلَى مِنْ الْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّ التَّسْبِيبَ مُوجِبٌ مِنْ حَيْثُ الْإِفْضَاءُ وَالْإِفْضَاءُ هَاهُنَا أَكْثَرُ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ يُمْنَعُ عَنْ الْقَتْلِ وَلَا يُعَانُ عَلَيْهِ، وَالْوَلِيُّ يُعَانُ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ فَكَانَ هَذَا أَكْثَرَ إفْضَاءً، وَمَعَ ذَلِكَ يُقْتَصُّ مِنْ الْمُكْرَهِ لِلتَّسْبِيبِ فَمِنْ الشَّاهِدِ أَوْلَى (وَلَنَا أَنَّ الْقَتْلَ مُبَاشَرَةً لَمْ يُوجَدْ) وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَهُوَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ هَاهُنَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ أَحَدٌ، وَلَيْسَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِمَا نَحْنُ فِيهِ إلَّا أَنْ

لِأَنَّ التَّسْبِيبَ مَا يُفْضِي إلَيْهِ غَالِبًا، وَهَاهُنَا لَا يُفْضِي لِأَنَّ الْعَفْوَ مَنْدُوبٌ، بِخِلَافِ الْمُكْرَهِ لِأَنَّهُ يُؤْثِرُ حَيَاتَهُ ظَاهِرًا، وَلِأَنَّ الْفِعْلَ الِاخْتِيَارِيَّ مِمَّا يَقْطَعُ النِّسْبَةَ، ثُمَّ لَا أَقَلَّ مِنْ الشُّبْهَةِ وَهِيَ دَارِئَةٌ لِلْقِصَاصِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونَ إيمَاءً إلَى أَنَّ الْمُبَاشِرَ لِلْقَتْلِ وَهُوَ الْوَلِيُّ لَمَّا لَمْ يَلْزَمْهُ الْقِصَاصُ فَكَيْفَ يَلْزَمُ غَيْرَهُ وَهُوَ تَكَلُّفٌ بَعِيدٌ، وَكَذَا تَسْبِيبًا؛ لِأَنَّ التَّسْبِيبَ إلَى الشَّيْءِ هُوَ مَا يُفْضِي إلَيْهِ غَالِبًا، وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237] بِخِلَافِ الْمُكْرَهِ فَإِنَّ الْإِكْرَاهَ يُفْضِي إلَى الْقَتْلِ غَالِبًا؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ يُؤْثِرُ حَيَاتَهُ ظَاهِرًا. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: ظُهُورُ إيثَارِ حَيَاتِهِ إمَّا أَنْ يَكُونَ شَرْعًا أَوْ طَبْعًا، وَالْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَنْدُوبٌ إلَى الصَّبْرِ عَلَى الْقَتْلِ فَصَارَ كَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ، وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ وَلَكِنْ مُعَارَضٌ بِطَبْعِ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ فَإِنَّهُ يُؤْثِرُ التَّشَفِّيَ بِالْقِصَاصِ ظَاهِرًا وَلِهَذَا تَنَزَّلَ فَقَالَ (وَلِأَنَّ الْفِعْلَ الِاخْتِيَارِيَّ) يَعْنِي سَلَّمْنَا أَنَّ ثَمَّةَ تَسْبِيبًا، وَلَكِنَّ الْفِعْلَ الِاخْتِيَارِيَّ يَقْطَعُ نِسْبَةَ ذَلِكَ الْفِعْلِ إلَى غَيْرِهِ، وَالْفِعْلُ هَاهُنَا وَهُوَ الْقَتْلُ وُجِدَ مِنْ الْوَلِيِّ بِاخْتِيَارِهِ الصَّحِيحِ فَقَطَعَ نِسْبَتَهُ إلَى الشُّهُودِ. سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ نِسْبَتَهُ إلَى الشُّهُودِ لَكِنْ لَا أَقَلَّ أَنْ يُورِثَ شُبْهَةً يَنْدَرِئُ بِهَا الْقِصَاصُ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ أَوْرَثَ شُبْهَةً لَا تَدْفَعُ

بِخِلَافِ الْمَالِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ وَالْبَاقِي يُعْرَفُ فِي الْمُخْتَلِفِ. قَالَ (وَإِذَا رَجَعَ شُهُودُ الْفَرْعِ ضَمِنُوا) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ صَدَرَتْ مِنْهُمْ فَكَانَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَيْهِمْ (وَلَوْ رَجَعَ شُهُودُ الْأَصْلِ وَقَالُوا لَمْ نُشْهِدْ شُهُودَ الْفَرْعِ عَلَى شَهَادَتِنَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالدِّيَةَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْقِصَاصِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (بِخِلَافِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ) فَلَا يَلْزَمُ مِنْ سُقُوطِ مَا سَقَطَ بِالشُّبُهَاتِ سُقُوطُ مَا ثَبَتَ بِهَا، وَقَدْ تَضَمَّنَ هَذَا الدَّلِيلُ الْجَوَابَ عَنْ صُورَةِ الْإِكْرَاهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَحَلَّلْ هُنَاكَ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ فِعْلٌ اخْتِيَارِيٌّ يَقْطَعُ النِّسْبَةَ عَنْ الْمُكْرَهِ؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَهُ فَاسِدٌ وَاخْتِيَارَ الْمُكْرَهِ صَحِيحٌ، وَالْفَاسِدُ فِي مُقَابَلَةِ الصَّحِيحِ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ فَجُعِلَ الْمُكْرَهُ كَالْآلَةِ وَالْفِعْلُ الْمَوْجُودُ مِنْهُ كَالْمَوْجُودِ مِنْ الْمُكْرَهِ وَمَوْضِعُهُ أُصُولُ الْفِقْهِ، وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، فَإِنْ رَجَعَ الْوَلِيُّ مَعَهُمَا أَوْ جَاءَ الْمَشْهُودُ بِقَتْلِهِ حَيًّا فَلِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ الْخِيَارُ بَيْنَ تَضْمِينِ الشَّاهِدَيْنِ وَتَضْمِينِ الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ مُتْلِفٌ حَقِيقَةً وَالشَّاهِدَيْنِ حُكْمًا، وَالْإِتْلَافُ الْحُكْمِيُّ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ كَالْحَقِيقِيِّ، فَإِنْ ضَمَّنَ الْوَلِيُّ لَمْ يَرْجِعَ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ ضُمِّنَ بِفِعْلٍ بَاشَرَهُ لِنَفْسِهِ بِاخْتِيَارِهِ، وَإِنْ ضَمَّنَ الشَّاهِدَيْنِ لَمْ يَرْجِعَا عَلَى الْوَلِيِّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا. قَالَا: كَانَا عَامِلَيْنِ لِلْوَلِيِّ فَيَرْجِعَانِ عَلَيْهِ، وَقَالَ: ضُمِّنَا لِإِتْلَافِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ حُكْمًا، وَالْمُتْلِفُ لَا يَرْجِعُ بِمَا يَضْمَنُ بِتَسْبِيبِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَتَمَامُ ذَلِكَ بِمَا فِيهِ، وَعَلَيْهِ يُعْرَفُ فِي الْمُخْتَلِفِ تَصْنِيفِ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ لَا تَصْنِيفِ عَلَاءِ الدِّينِ الْعَالِمِ. قَالَ (وَإِذَا رَجَعَ شُهُودُ الْفَرْعِ ضَمِنُوا بِالِاتِّفَاقِ) ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ صَدَرَتْ مِنْهُمْ فَكَانَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَيْهِمْ. وَلَوْ رَجَعَ الْأُصُولُ، فَإِمَّا أَنْ يَقُولُوا لَمْ نُشْهِدْ الْفُرُوعَ عَلَى شَهَادَتِنَا،

لِأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا السَّبَبَ وَهُوَ الْإِشْهَادُ فَلَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ خَبَرٌ مُحْتَمِلٌ فَصَارَ كَرُجُوعِ الشَّاهِدِ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْقَضَاءِ (وَإِنْ قَالُوا أَشْهَدْنَاهُمْ وَغَلِطْنَا ضَمِنُوا وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ) لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِمَا يُعَايِنُ مِنْ الْحُجَّةِ وَهِيَ شَهَادَتُهُمْ. وَلَهُ أَنَّ الْفُرُوعَ نَقَلُوا شَهَادَةَ الْأُصُولِ فَصَارَ كَأَنَّهُمْ حَضَرُوا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ يَقُولُوا أَشْهَدْنَاهُمْ غَالِطِينَ أَوْ رَجَعْنَا عَنْ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأُصُولِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا سَبَبَ الْإِتْلَافِ وَهُوَ الْإِشْهَادُ عَلَى شَهَادَتِهِمَا، وَلَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ إنْكَارَهُمْ خَبَرٌ مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فَصَارَ كَمَا لَوْ شَهِدَ الْأُصُولُ وَقَضَى بِشَهَادَتِهِمْ ثُمَّ رَجَعُوا، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ضَمِنُوا (لَهُمَا أَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِمَا يُعَايِنُ مِنْ الْحُجَّةِ) وَقَدْ عَايَنَ شَهَادَتَهُمْ، وَالْمَوْجُودُ مِنْ الْأُصُولِ شَهَادَةٌ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَهِيَ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ حَتَّى تَكُونَ سَبَبًا لِلْإِتْلَافِ (وَلَهُ أَنَّ الْفَرْعَيْنِ قَامَا مَقَامَ الْأَصْلَيْنِ فِي نَقْلِ شَهَادَتِهِمَا إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي) وَالْقَضَاءُ يَحْصُلُ بِشَهَادَةِ الْأَصْلَيْنِ وَلِهَذَا

(وَلَوْ رَجَعَ الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ جَمِيعًا يَجِبُ الضَّمَانُ عِنْدَهُمَا عَلَى الْفُرُوعِ لَا غَيْرُ) لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ بِشَهَادَتِهِمْ: وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ ضَمِنَ الْأُصُولَ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْفُرُوعَ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَا وَبِشَهَادَةِ الْأُصُولِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا، وَالْجِهَتَانِ مُتَغَايِرَتَانِ فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي التَّضْمِينِ (وَإِنْ قَالَ شُهُودُ الْفَرْعِ كَذَبَ شُهُودُ الْأَصْلِ أَوْ غَلِطُوا فِي شَهَادَتِهِمْ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى ذَلِكَ) لِأَنَّ مَا أُمْضِيَ مِنْ الْقَضَاءِ لَا يُنْتَقَضُ بِقَوْلِهِمْ، وَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ مَا رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ إنَّمَا شَهِدُوا عَلَى غَيْرِهِمْ بِالرُّجُوعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيُعْتَبَرُ عَدَالَتُهُمَا فَصَارَا كَأَنَّهُمَا حَضَرَا بِأَنْفُسِهِمَا وَشَهِدَا ثُمَّ رَجَعَا، وَفِي ذَلِكَ يَلْزَمُهُمْ الضَّمَانُ فَكَذَا هَاهُنَا. (وَلَوْ رَجَعَ الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ جَمِيعًا) فَعِنْدَهُمَا (يَجِبُ الضَّمَانُ) عَلَى الْفُرُوعِ لَا غَيْرُ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ بِشَهَادَتِهِمْ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مُخَيَّرٌ) بَيْنَ تَضْمِينِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ، وَذَلِكَ (لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَ) أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ (وَبِشَهَادَةِ الْأُصُولِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ) وَالْعَمَلُ بِهِمَا أَوْلَى مِنْ إهْمَالِ أَحَدِهِمَا. فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ حَتَّى يَضْمَنَ كُلُّ فَرِيقٍ نِصْفَ الْمُتْلَفِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَالْجِهَتَانِ مُتَغَايِرَتَانِ) ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْأُصُولِ كَانَتْ عَلَى أَصْلِ الْحَقِّ وَشَهَادَةُ الْفُرُوعِ عَلَى شَهَادَةِ الْأُصُولِ، وَلَا مُجَانَسَةَ بَيْنَهُمَا لِيُجْعَلَ الْكُلُّ فِي حُكْمِ شَهَادَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ عَلَى كُلِّ فَرِيقٍ كَالْمُنْفَرِدِ عَنْ غَيْرِهِ، وَتَأْخِيرُ دَلِيلِ مُحَمَّدٍ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ يَدُلُّ عَلَى اخْتِيَارِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلَ مُحَمَّدٍ (وَإِنْ قَالَ شُهُودُ الْفَرْعِ كَذَبَ شُهُودُ الْأَصْلِ أَوْ غَلِطُوا فِي شَهَادَتِهِمْ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِمْ) وَلَا يَبْطُلُ بِهِ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ مُحْتَمِلٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ؛؛ لِأَنَّهُمْ مَا رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ

قَالَ (وَإِنْ رَجَعَ الْمُزَكَّوْنَ عَنْ التَّزْكِيَةِ) (ضَمِنُوا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَا: لَا يَضْمَنُونَ لِأَنَّهُمْ أَثْنَوْا عَلَى الشُّهُودِ خَيْرًا فَصَارُوا كَشُهُودِ الْإِحْصَانِ. وَلَهُ أَنَّ التَّزْكِيَةَ إعْمَالٌ لِلشَّهَادَةِ، إذْ الْقَاضِي لَا يَعْمَلُ بِهَا إلَّا بِالتَّزْكِيَةِ فَصَارَتْ بِمَعْنَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ، بِخِلَافِ شُهُودِ الْإِحْصَانِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مَحْضٌ (وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِالْيَمِينِ وَشَاهِدَانِ بِوُجُودِ الشَّرْطِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّمَا شَهِدُوا عَلَى غَيْرِهِمْ بِالرُّجُوعِ وَذَلِكَ لَا يُفِيدُ شَيْئًا. قَالَ (وَإِنْ رَجَعَ الْمُزَكُّونَ عَنْ التَّزْكِيَةِ ضَمِنُوا إلَخْ) إذَا شَهِدُوا بِالزِّنَا فَزُكُّوا فَرُجِمَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ ثُمَّ ظَهَرَ الشُّهُودُ عَبِيدًا أَوْ كُفَّارًا، فَإِنْ ثَبَتُوا عَلَى التَّزْكِيَةِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ اعْتَمَدُوا عَلَى مَا سَمِعُوا مِنْ إسْلَامِهِمْ وَحُرِّيَّتِهِمْ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ كَذِبُهُمْ بِمَا أَخْبَرُوا مِنْ قَوْلِ النَّاسِ إنَّهُمْ أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ وَلَا عَلَى الشُّهُودِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ كَذِبُهُمْ وَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ؛ إذْ لَا شَهَادَةَ لِلْعَبِيدِ وَالْكُفَّارِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ رَجَعُوا عَنْ تَزْكِيَتِهِمْ وَقَالُوا تَعَمَّدْنَا ضَمِنُوا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافًا لَهُمَا؛ لِأَنَّ الْمُزَكِّينَ مَا أَثْبَتُوا سَبَبَ الْإِتْلَافِ؛ لِأَنَّهُ الزِّنَا وَمَا تَعَرَّضُوا لَهُ، وَإِنَّمَا أَثْنَوْا عَلَى الشُّهُودِ خَيْرًا وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُثْنِي عَلَى الشُّهُودِ كَشُهُودِ الْإِحْصَانِ. وَلَهُ أَنَّ التَّزْكِيَةَ إعْمَالٌ لِلشَّهَادَةِ؛ إذْ الْقَاضِي لَا يَعْمَلُ بِالشَّهَادَةِ إلَّا بِالتَّزْكِيَةِ، وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ عِلَّةِ الْعِلَّةِ مِنْ حَيْثُ التَّأْثِيرُ، وَعِلَّةُ الْعِلَّةِ كَالْعِلَّةِ فِي إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا، وَإِنَّمَا قَالَ بِمَعْنَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَيْسَتْ بِعِلَّةٍ، وَإِنَّمَا هِيَ سَبَبٌ أُضِيفَ إلَيْهِ الْحُكْمُ لِتَعَذُّرِ الْإِضَافَةِ إلَى الْعِلَّةِ، بِخِلَافِ شُهُودِ الْإِحْصَانِ فَإِنَّهُ شَرْطٌ مَحْضٌ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الزِّنَا بِدُونِ الْإِحْصَانِ مُوجِبَةٌ لِلْعُقُوبَةِ، وَشُهُودُ الْإِحْصَانِ مَا جَعَلُوا غَيْرَ الْمُوجِبِ مُوجِبًا. قَالَ (وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِالْيَمِينِ إلَخْ) إذَا شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلَتْ هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ قَالَ ذَلِكَ لِامْرَأَتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا

ثُمَّ رَجَعُوا فَالضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ الْيَمِينِ خَاصَّةً) لِأَنَّهُ هُوَ السَّبَبُ، وَالتَّلَفُ يُضَافُ إلَى مُثْبِتِي السَّبَبِ دُونَ الشَّرْطِ الْمَحْضِ: أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِشَهَادَةِ الْيَمِينِ دُونَ شُهُودِ الشَّرْطِ، وَلَوْ رَجَعَ شُهُودُ الشَّرْطِ وَحْدَهُمْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ. وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ يَمِينُ الْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَشَهِدَ آخَرَانِ عَلَى دُخُولِهَا ثُمَّ رَجَعُوا جَمِيعًا فَالضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ الْيَمِينِ خَاصَّةً، وَقَوْلُهُ: خَاصَّةً رَدٌّ لِقَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ يَقُولُ: الضَّمَانُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الْمَالَ تَلِفَ بِشَهَادَتِهِمَا. وَقُلْنَا: السَّبَبُ هُوَ الْيَمِينُ لَا مَحَالَةَ، وَالتَّلَفُ يُضَافُ إلَى السَّبَبِ دُونَ الشَّرْطِ الْمَحْضِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ إذَا صَلَحَ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ لَا يُصَارُ إلَى الشَّرْطِ كَحَافِرِ الْبِئْرِ مَعَ الْمُلْقِي فَإِنَّ الضَّمَانَ عَلَيْهِ دُونَ الْحَافِرِ (قَوْلُهُ: أَلَا تَرَى) تَوْضِيحٌ لِلْإِضَافَةِ إلَى السَّبَبِ دُونَ الشَّرْطِ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْمَعُ الشَّهَادَةَ بِالْيَمِينِ وَيْحُكُمْ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ بِالدُّخُولِ (وَلَوْ رَجَعَ شُهُودُ الشَّرْطِ وَحْدَهُمْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ) وَمَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ إلَى عَدَمِ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى شُهُودِ الشَّرْطِ، وَفِيمَا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ ثَابِتَةً بِإِقْرَارِ الْمَوْلَى وَرَجَعَ شُهُودُ الشَّرْطِ ظَنَّ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنَّهُمْ يَضْمَنُونَ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ لَا تَصْلُحُ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا هَاهُنَا فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِتَعَدٍّ فَيُضَافُ إلَى الشَّرْطِ خَلَفًا عَنْ الْعِلَّةِ وَشَبَّهَهُ بِحَفْرِ الْبِئْرِ. قِيلَ وَهُوَ غَلَطٌ، بَلْ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ شُهُودَ الشَّرْطِ لَا يَضْمَنُونَ بِحَالٍ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الزِّيَادَاتِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتَ حُرٌّ مُبَاشَرَةٌ لِإِتْلَافِ الْمَالِيَّةِ، وَعِنْدَ وُجُودِ مُبَاشَرَةِ الْإِتْلَافِ يُضَافُ الْحُكْمُ إلَى الْعِلَّةِ دُونَ الشَّرْطِ سَوَاءٌ كَانَ بِطَرِيقِ التَّعَدِّي أَوْ لَا، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْحَفْرِ فَإِنَّ الْعِلَّةَ هُنَاكَ ثِقَلُ الْمَاشِي، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْإِتْلَافِ فِي شَيْءٍ فَلِذَلِكَ جُعِلَ الْإِتْلَافُ مُضَافًا إلَى الشَّرْطِ (قَوْلُهُ: وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ) يُرِيدُ بِهِ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَاهَا فِي صَدْرِ الْبَحْثِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

[كتاب الوكالة]

(كِتَابُ الْوَكَالَةِ) : ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْوَكَالَةِ] عَقَّبَ الشَّهَادَاتِ بِالْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَمَّا خُلِقَ مَدَنِيًّا بِالطَّبْعِ يَحْتَاجُ فِي مَعَاشِهِ إلَى تَعَاضُدٍ وَتَعَاوُضٍ، وَالشَّهَادَاتُ مِنْ التَّعَاضُدِ وَالْوَكَالَةُ مِنْهُ، وَقَدْ يَكُونُ فِيهَا التَّعَاوُضُ أَيْضًا فَصَارَتْ كَالْمُرَكَّبِ مِنْ الْمُفْرَدِ فَأُوثِرَ تَأْخِيرُهَا. وَالْوِكَالَةُ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَفَتْحِهَا اسْمُ التَّوْكِيلِ مِنْ وَكَّلَهُ بِكَذَا إذَا فَوَّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ، وَالْوَكِيلُ هُوَ الْقَائِمُ بِمَا فُوِّضَ إلَيْهِ كَأَنَّهُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ؛ لِأَنَّهُ مَوْكُولٌ إلَيْهِ الْأَمْرُ: أَيْ مُفَوَّضٌ إلَيْهِ. وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ عِبَارَةٌ عَنْ إقَامَةِ الْإِنْسَانِ غَيْرَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي تَصَرُّفٍ مَعْلُومٍ. وَهِيَ عَقْدٌ جَائِزٌ بِالْكِتَابِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} [الكهف: 19] وَلَمْ يَلْحَقْهُ النَّكِيرُ. وَالسُّنَّةِ وَهُوَ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَكَّلَ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ بِشِرَاءِ الْأُضْحِيَّةِ» وَبِالْإِجْمَاعِ. فَإِنَّ الْأُمَّةَ قَدْ أَجْمَعَتْ عَلَى جَوَازِهَا مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا. وَسَبَبُهَا تَعَلُّقُ الْبَقَاءِ الْمَقْدُورِ بِتَعَاطِيهَا. وَرُكْنُهَا لَفْظُ وَكَّلْت وَأَشْبَاهُهُ. رَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِغَيْرِهِ أَحْبَبْت أَنْ تَبِيعَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَبْدِي هَذَا أَوْ هَوِيت أَوْ رَضِيت أَوْ شِئْت أَوْ أَرَدْت فَذَاكَ تَوْكِيلٌ وَأَمْرٌ بِالْبَيْعِ. وَشَرْطُهَا أَنْ يَمْلِكَ الْمُوَكِّلُ التَّصَرُّفَ. وَيَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ. وَصِفَتُهَا أَنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ يَمْلِكُ كُلٌّ مِنْ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ الْعَزْلَ بِدُونِ رِضَا صَاحِبِهِ.

قَالَ (كُلُّ عَقْدٍ جَازَ أَنْ يَعْقِدَهُ الْإِنْسَانُ بِنَفْسِهِ جَازَ أَنْ يُوَكِّلَ بِهِ غَيْرَهُ) لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ بِنَفْسِهِ عَلَى اعْتِبَارِ بَعْضِ الْأَحْوَالِ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ فَيَكُونَ بِسَبِيلٍ مِنْهُ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَحُكْمُهَا جَوَازُ مُبَاشَرَةِ الْوَكِيلِ مَا فُوِّضَ إلَيْهِ. قَالَ (كُلُّ عَقْدٍ جَازَ أَنْ يَعْقِدَهُ الْإِنْسَانُ بِنَفْسِهِ إلَخْ) هَذِهِ ضَابِطَةٌ يَتَبَيَّنُ بِهَا مَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ، فَإِنَّ مَبْنَاهُ الِاحْتِيَاجُ، فَقَدْ يَتَّفِقُ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ (فَيَحْتَاجُ إلَى التَّوْكِيلِ

وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَّلَ بِالشِّرَاءِ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ وَبِالتَّزْوِيجِ عُمَرَ بْنَ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -» . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَّلَ بِشِرَاءِ الْأُضْحِيَّةِ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ وَبِالتَّزْوِيجِ عُمَرَ بْنَ أُمِّ سَلَمَةَ بِتَزْوِيجِهَا إيَّاهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -» . وَاعْتُرِضَ عَلَى الضَّابِطَةِ بِأَنَّهَا غَيْرُ مُطَّرِدَةٍ وَمُنْعَكِسَةٍ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ بِنَفْسِهِ، وَالتَّوْكِيلُ بِهِ بَاطِلٌ، وَالْوَكِيلُ يَعْقِدُ بِنَفْسِهِ، وَإِذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ وَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَالذِّمِّيُّ إذَا وَكَّلَ مُسْلِمًا فِي الْخَمْرِ لَمْ يَجُزْ، وَجَازَ أَنْ يَعْقِدَ الذِّمِّيُّ بِنَفْسِهِ فِيهَا. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَجُوزُ لَهُ عَقْدُ بَيْعِ الْخَمْرِ وَشِرَائِهَا بِنَفْسِهِ، وَلَوْ وَكَّلَ ذِمِّيًّا بِذَلِكَ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ مَحَلَّ الْعَقْدِ مِنْ شُرُوطِهِ لِكَوْنِ الْمَحَالِّ شُرُوطًا كَمَا عُرِفَ، وَلَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي التَّوْكِيلِ بِالِاسْتِقْرَاضِ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ الَّتِي يَسْتَقْرِضُهَا الْوَكِيلُ مِلْكُ الْمُقْرِضِ، وَالْأَمْرُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بَاطِلٌ. رُدَّ بِأَنَّهُ تَقْرِيرٌ لِلنَّقْضِ لَا دَافِعٌ، وَبِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالشِّرَاءِ جَائِزٌ، وَمَا ذَكَرْتُمْ مَوْجُودٌ فِيهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّخَلُّفِ لِمَانِعٍ، وَقَيْدُ عَدَمِ الْمَانِعِ فِي الْأَحْكَامِ الْكُلِّيَّةِ غَيْرُ لَازِمٍ، وَأَنَّ مَحَلَّ عَقْدِ الْوَكَالَةِ فِي الشِّرَاءِ هُوَ الثَّمَنُ وَهُوَ مِلْكُ الْمُوَكِّلِ، وَفِي الِاسْتِقْرَاضِ الدَّرَاهِمُ الْمُسْتَقْرَضَةُ وَهِيَ لَيْسَتْ مِلْكَهُ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُقَالُ هَلَّا جَعَلْتُمْ الْمَحَلَّ فِيهِ بَدَلَهَا وَهُوَ مِلْكُ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَحَلُّ التَّوْكِيلِ بِإِيفَاءِ الْقَرْضِ لَا بِالِاسْتِقْرَاضِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ يَعْقِدُهُ الْإِنْسَانُ بِنَفْسِهِ هُوَ أَنْ تَكُونَ مُسْتَبِدًّا بِهِ وَالْوَكِيلُ لَيْسَ كَذَلِكَ. وَالذِّمِّيُّ جَازَ لَهُ تَوْكِيلُ الْمُسْلِمِ وَالْمُمْتَنِعُ تَوَكُّلُ الْمُسْلِمِ عَنْهُ وَلَيْسَ كَلَامُنَا فِي ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يَمْنَعَ مَانِعٌ عَنْ التَّوْكِيلِ وَإِنْ صَحَّ التَّوْكِيلُ وَقَدْ وُجِدَ الْمَانِعُ وَهُوَ حُرْمَةُ اقْتِرَابِهِ مِنْهَا وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْعَكْسَ غَيْرُ لَازِمٍ وَلَيْسَ بِمَقْصُودٍ. وَاعْتُرِضَ عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَعْجِزُ بِأَنَّهُ دَلِيلٌ أَخَصُّ مِنْ الْمَدْلُولِ وَهُوَ جَوَازُ الْوَكَالَةِ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ عَجْزٌ أَصْلًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ بَيَانُ حِكْمَةِ الْحُكْمِ وَهِيَ تُرَاعَى

قَالَ (وَتَجُوزُ الْوَكَالَةُ بِالْخُصُومَةِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ) لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ الْحَاجَةِ إذْ لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يَهْتَدِي إلَى وُجُوهِ الْخُصُومَاتِ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَّلَ عَقِيلًا، وَبَعْدَمَا أَسَنَّ وَكَّلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (وَكَذَا بِإِيفَائِهَا وَاسْتِيفَائِهَا إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فَإِنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَصِحُّ بِاسْتِيفَائِهَا مَعَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ عَنْ الْمَجْلِسِ) لِأَنَّهَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَشُبْهَةُ الْعَفْوِ ثَابِتَةٌ حَالَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ، بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ لِلنَّدْبِ الشَّرْعِيِّ، بِخِلَافِ غَيْبَةِ الشَّاهِدِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ الرُّجُوعِ، وَبِخِلَافِ حَالَةِ الْحَضْرَةِ لِانْتِفَاءِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ، وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يُحْسِنُ الِاسْتِيفَاءَ. فَلَوْ مُنِعَ عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْجِنْسِ لَا فِي الْأَفْرَادِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ ذَكَرَ الْخَاصَّ وَأَرَادَ الْعَامَّ وَهُوَ الْحَاجَةُ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ لِلْعَجْزِ حَاجَةٌ خَاصَّةٌ وَهُوَ مَجَازٌ شَائِعٌ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَنَاطُ هُوَ الْحَاجَةَ وَقَدْ تُوجَدُ بِلَا عَجْزٍ. قَالَ (وَتَجُوزُ الْوَكَالَةُ بِالْخُصُومَةِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ إلَخْ) الْوَكَالَةُ جَائِزَةٌ فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ بِالْخُصُومَةِ، وَكَذَا بِإِيفَائِهَا وَاسْتِيفَائِهَا. أَمَّا بِالْخُصُومَةِ فَلِمَا قَدَّمْنَا مِنْ تَحَقُّقِ الْحَاجَةِ، إذْ لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يَهْتَدِي إلَى وُجُوهِ الْخُصُومَاتِ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَّلَ عَقِيلًا فِي الْخُصُومَةِ لِكَوْنِهِ ذَكِيًّا حَاضِرَ الْجَوَابِ، وَبَعْدَمَا أَسَنَّ عَقِيلٌ وَقَرَّهُ فَوَكَّلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ، وَأَمَّا بِإِيفَائِهَا وَاسْتِيفَائِهَا فَلِأَنَّهُ جَازَ أَنْ يُبَاشِرَ بِنَفْسِهِ فَجَازَ أَنْ يُوَكِّلَ بِهِ إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، فَإِنَّ الْوَكَالَةَ بِاسْتِيفَائِهَا فِي غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ عَنْ الْمَجْلِسِ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ بِالِاتِّفَاقِ فَلَا تُسْتَوْفَى بِمَنْ يَقُومُ مَقَامَ الْغَيْرِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ ضَرْبِ شُبْهَةٍ كَمَا فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ. وَقَوْلُهُ: (وَشُبْهَةُ الْعَفْوِ) دَلِيلٌ عَلَى الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ لَا يُعْفَى عَنْهَا. وَتَقْرِيرُهُ: الْقِصَاصُ يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ؛ لِأَنَّ شُبْهَةَ

يَنْسَدُّ بَابُ الِاسْتِيفَاءِ أَصْلًا، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تَجُوزُ الْوَكَالَةُ بِإِثْبَاتِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصُ بِإِقَامَةِ الشُّهُودِ أَيْضًا) وَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقِيلَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وَقِيلَ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي غَيْبَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَفْوِ ثَابِتَةٌ حَالَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ قَدْ عَفَا وَلَمْ يُشْعِرْ بِهِ الْوَكِيلَ، بَلْ الظَّاهِرُ هُوَ الْعَفْوُ لِلنَّدَبِ الشَّرْعِيِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237] وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ، يَقُولُ هُوَ خَالِصُ حَقِّ الْعَبْدِ فَيُسْتَوْفَى بِالتَّوْكِيلِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ. قُلْنَا: سَائِرُ حُقُوقِهِ لَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، بِخِلَافِ غَيْبَةِ الشَّاهِدِ: يَعْنِي يَسْتَوْفِي الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ عِنْدَ غَيْبَتِهِ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِي حَقِّهِ الرُّجُوعُ وَالظَّاهِرُ فِي حَقِّهِ عَدَمُ الرُّجُوعِ إذْ الْأَصْلُ هُوَ الصِّدْقُ لَا سِيَّمَا فِي الْعُدُولِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا حَضَرَ الْمُوَكِّلُ لِانْتِفَاءِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ: أَيْ شُبْهَةِ الْعَفْوِ فَإِنَّهُ فِي حُضُورِهِ مِمَّا لَا يَخْفَى. فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا لَمْ يَحْتَجْ إلَى التَّوْكِيلِ بِالِاسْتِيفَاءِ إذْ هُوَ يَسْتَوْفِيهِ بِنَفْسِهِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ: وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يُحْسِنُ الِاسْتِيفَاءَ: يَعْنِي لِقِلَّةِ هِدَايَتِهِ أَوْ؛ لِأَنَّ قَلْبَهُ لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ، فَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِالِاسْتِيفَاءِ عِنْدَ حُضُورِهِ اسْتِحْسَانًا لِئَلَّا يَنْسَدَّ بَابُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ بِالْكُلِّيَّةِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ) يَعْنِي جَوَازَ التَّوْكِيلِ بِإِثْبَاتِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، فَإِنَّهُ لَمَّا قَالَ وَتَجُوزُ الْوَكَالَةُ بِالْخُصُومَةِ فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ وَإِيفَائِهَا وَاسْتِيفَائِهَا وَاسْتَثْنَى إيفَاءَ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَاسْتِيفَاءَهُمَا فَبَقِيَ إثْبَاتُ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِهِ بِالْخُصُومَةِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ فَقَالَ (هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تَجُوزُ الْوَكَالَةُ بِإِثْبَاتِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ بِإِقَامَةِ الشُّهُودِ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُضْطَرِبٌ. وَقِيلَ: هَذَا الِاخْتِلَافُ إذَا كَانَ الْمُوَكِّلُ غَائِبًا) أَمَّا إذَا حَضَرَ فَلَا اخْتِلَافَ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْوَكِيلِ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ عِنْدَ حُضُورِهِ. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ التَّوْكِيلَ إنَابَةٌ وَالْإِنَابَةُ فِيهَا شُبْهَةٌ لَا مَحَالَةَ، وَهَذَا الْبَابُ مِمَّا

دُونَ حَضْرَتِهِ لِأَنَّ كَلَامَ الْوَكِيلِ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ عِنْدَ حُضُورِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ بِنَفْسِهِ. لَهُ أَنَّ التَّوْكِيلَ إنَابَةٌ وَشُبْهَةُ النِّيَابَةِ يُتَحَرَّزُ عَنْهَا فِي هَذَا الْبَابِ (كَمَا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَكَمَا فِي الِاسْتِيفَاءِ) وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ مَحْضٌ لِأَنَّ الْوُجُوبَ مُضَافٌ إلَى الْجِنَايَةِ وَالظُّهُورَ إلَى الشَّهَادَةِ فَيَجْرِي فِيهِ التَّوْكِيلُ كَمَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ التَّوْكِيلُ بِالْجَوَابِ مِنْ جَانِبِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَالْقِصَاصُ. وَكَلَامُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ أَظْهَرُ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ لَا تَمْنَعُ الدَّفْعَ، غَيْرَ أَنَّ إقْرَارَ الْوَكِيلِ غَيْرُ مَقْبُولٍ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ شُبْهَةِ عَدَمِ الْأَمْرِ بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيُحْتَرَزُ فِيهِ عَنْ الشُّبُهَاتِ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَكَمَا فِي الِاسْتِيفَاءِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ مَحْضٌ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ مُضَافٌ إلَى الْجِنَايَةِ وَالظُّهُورُ إلَى الشَّهَادَةِ) وَالشَّرْطُ الْمَحْضُ حَقٌّ مِنْ الْحُقُوقِ يَجُوزُ لِلْمُوَكِّلِ مُبَاشَرَتُهُ فَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ لِقِيَامِ الْمُقْتَضِي وَانْتِقَاءِ الْمَانِعِ. لَا يُقَالُ: الْمَانِعُ وَهُوَ الشُّبْهَةُ مَوْجُودٌ كَمَا فِي الِاسْتِيفَاءِ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهَا فِي الشَّرْطِ لَا يَصْلُحُ مَانِعًا لِعَدَمِ تَعَلُّقِهِ بِالْوُجُوبِ وَالظُّهُورِ وَالْوُجُودِ، بِخِلَافِ الِاسْتِيفَاءِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوُجُودُ، وَبِخِلَافِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهَا الظُّهُورُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا وَكَّلَ الْمَطْلُوبَ بِالْقِصَاصِ وَكِيلًا بِالْجَوَابِ بِدَفْعِ مَا عَلَيْهِ. وَكَلَامُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ الْمَذْكُورَةَ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهَا مُعْتَبَرَةً لَا تَمْنَعُ الدَّفْعَ، أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْعَفْوِ صَحِيحَةٌ، لَكِنَّ هَذَا الْوَكِيلَ لَوْ أَقَرَّ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى مُوَكِّلِهِ لَمْ يَصِحَّ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ صِحَّتُهُ، لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ بَعْدَ صِحَّةِ التَّوْكِيلِ كَمَا فِي الْإِقْرَارِ بِسَائِرِ الْحُقُوقِ. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا قَالَهُ مِنْ شُبْهَةِ عَدَمِ

(وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ إلَّا بِرِضَا الْخَصْمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مَرِيضًا أَوْ غَائِبًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا. وَقَالَا: يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَلَا خِلَافَ فِي الْجَوَازِ إنَّمَا الْخِلَافُ فِي اللُّزُومِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَمْرِ بِهِ. قَالَ (وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ إلَّا بِرِضَا الْخَصْمِ) اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ بِدُونِ رِضَا الْخَصْمِ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِهَا إلَّا بِرِضَاهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُوَكِّلُ هُوَ الْمُدَّعِيَ أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَّا بِالْمَرَضِ أَوْ السَّفَرِ (وَقَالَا: يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِهَا مِنْ غَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا خِلَافَ فِي الْجَوَازِ إنَّمَا الْخِلَافُ فِي اللُّزُومِ) وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا وَكَّلَ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ وَهَلْ يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ أَوْ لَا؟ عِنْدَهُ يَرْتَدُّ خِلَافًا لَهُمْ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ إلَّا بِرِضَا الْخَصْمِ مَجَازًا لِقَوْلِهِ وَلَا يَلْزَمُ ذِكْرُ الْجَوَازِ وَأَرَادَ اللُّزُومَ، فَإِنَّ الْجَوَازَ لَازِمٌ لِلُّزُومِ فَيَكُونُ ذَكَرَ اللَّازِمَ وَأَرَادَ الْمَلْزُومَ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْجَوَازَ لَازِمٌ لِلُّزُومِ عُرِفَ ذَلِكَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ. سَلَّمْنَاهُ لَكِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَجَازٍ. وَالْحَقُّ أَنَّ قَوْلَهُ لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ

لَهُمَا أَنَّ التَّوْكِيلَ تَصَرُّفٌ فِي خَالِصِ حَقِّهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَا غَيْرِهِ كَالتَّوْكِيلِ بِتَقَاضِي الدُّيُونِ. وَلَهُ أَنَّ الْجَوَابَ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْخَصْمِ وَلِهَذَا يَسْتَحْضِرُهُ، وَالنَّاسُ مُتَفَاوِتُونَ فِي الْخُصُومَةِ، فَلَوْ قُلْنَا بِلُزُومِهِ يَتَضَرَّرُ بِهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَاهُ كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ إذَا كَاتَبَهُ أَحَدُهُمَا يَتَخَيَّرُ الْآخَرُ، بِخِلَافِ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ لِأَنَّ الْجَوَابَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِمَا هُنَالِكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا بِرِضَا الْخَصْمِ فِي قُوَّةِ قَوْلِنَا التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ غَيْرُ لَازِمٍ، بَلْ إنْ رَضِيَ بِهِ الْخَصْمُ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ وَلَا خِلَافَ فِي الْجَوَازِ وَإِلَى التَّوْجِيهِ بِجَعْلِهِ مَجَازًا (لَهُمَا أَنَّ التَّوْكِيلَ تَصَرُّفٌ فِي خَالِصِ حَقِّهِ) ؛ لِأَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالْجَوَابِ وَالْخُصُومَةِ لِدَفْعِ الْخَصْمِ عَنْ نَفْسِهِ وَذَلِكَ حَقُّهُ لَا مَحَالَةَ، وَالتَّصَرُّفُ فِي خَالِصِ حَقِّهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَا غَيْرِهِ كَالتَّوْكِيلِ بِالتَّقَاضِي: أَيْ بِقَبْضِ الدُّيُونِ وَإِيفَائِهَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي خَالِصِ حَقِّهِ، فَإِنَّ الْجَوَابَ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْخَصْمِ. وَلِهَذَا يَسْتَحْضِرُهُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي، وَالْمُسْتَحِقُّ لِلْغَيْرِ لَا يَكُونُ خَالِصًا لَهُ. سَلَّمْنَا خُلُوصَهُ لَهُ لَكِنَّ تَصَرُّفَ الْإِنْسَانِ فِي خَالِصِ حَقِّهِ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ غَيْرُهُ، وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ مُتَفَاوِتُونَ فِي الْخُصُومَةِ، فَلَوْ قُلْنَا بِلُزُومِهِ لَتَضَرَّرَ بِهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَاهُ كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ إذَا كَاتَبَهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فَإِنَّهَا تَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَا الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ تَصَرُّفًا فِي خَالِصِ حَقِّهِ لِمَكَانِ ضَرَرِ شَرِيكِهِ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْإِمْضَاءِ وَالْفَسْخِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمَرِيضِ) بَيَانُ وَجْهِ مُخَالَفَةِ الْمُسْتَثْنَى لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْجَوَابَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِمَا فَكَانَ خَالِصُ حَقِّهِ وَيُزَادُ

ثُمَّ كَمَا يَلْزَمُ التَّوْكِيلُ عِنْدَهُ مِنْ الْمُسَافِرِ يَلْزَمُ إذَا أَرَادَ السَّفَرَ لِتَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُخَدَّرَةً لَمْ تَجْرِ عَادَتُهَا بِالْبُرُوزِ وَحُضُورِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ قَالَ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَلْزَمُ التَّوْكِيلُ لِأَنَّهَا لَوْ حَضَرَتْ لَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَنْطِقَ بِحَقِّهَا لِحَيَائِهَا فَيَلْزَمُ تَوْكِيلُهَا. قَالَ: وَهَذَا شَيْءٌ اسْتَحْسَنَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQجَوَابًا عَنْ التَّنَزُّلِ بِأَنَّ تَوَقُّعَ الضَّرَرِ اللَّازِمِ بِالْمَرَضِ وَالسَّفَرِ مِنْ آفَاتِ التَّأْخِيرِ وَالْمَوْتِ أَشَدُّ مِنْ اللَّازِمِ بِتَفَاوُتِ الْجَوَابِ فَيُحْمَلُ الْأَسْهَلُ، وَالْمَرَضُ الْمَانِعُ عَنْ الْحُضُورِ هُوَ الَّذِي يَمْنَعُ عَنْهُ مُطْلَقًا. وَأَمَّا الْمُسْتَطِيعُ بِظَهْرِ الدَّابَّةِ أَوْ الْحَمَّالُ فَإِذَا ازْدَادَ مَرَضُهُ صَحَّ التَّوْكِيلُ وَإِنْ لَمْ يَزْدَدْ. قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ عَلَى الْخِلَافِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَإِرَادَةُ السَّفَرِ كَالسَّفَرِ فِي صِحَّةِ التَّوْكِيلِ لِتَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ لَكِنْ لَا يُصَدَّقُ مِنْهُ دَعْوَى ذَلِكَ إلَّا بِالنَّظَرِ إلَى زِيِّهِ وَعِدَّةِ سَفَرِهِ أَوْ بِالسُّؤَالِ عَنْ رُفَقَائِهِ كَمَا فِي فَسْخِ الْإِجَارَةِ (وَلَوْ كَانَ الْخَصْمُ امْرَأَةً مُخَدَّرَةً وَهِيَ مَنْ لَمْ تَجْرِ عَادَتُهَا بِالْبُرُوزِ وَحُضُورِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ: يَلْزَمُ التَّوْكِيلُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ حَضَرَتْ لَمْ يُمْكِنْهَا أَنْ تَنْطِقَ بِحَقِّهَا لِحَيَائِهَا فَيَلْزَمُ تَوْكِيلُهَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا شَيْءٌ اسْتَحْسَنَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ) وَأَمَّا فِي الْأَصْلِ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الْمُخَدَّرَةِ وَغَيْرِهَا الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ فِي عَدَمِ جَوَازِ الْوَكَالَةِ إلَّا بِالْعُذْرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَعِنْدَهُمَا كَذَلِكَ

(قَالَ: وَمِنْ شَرْطِ الْوَكَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ وَتَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي جَوَازِهَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: تُقْبَلُ مِنْ الْبِكْرِ دُونَ الثَّيِّبِ وَالرَّجُلِ. قَالَ (وَمِنْ شَرْطِ الْوَكَالَةَ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ وَتَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: إنَّ هَذَا الْقَيْدَ وَقَعَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْخَمْرِ، وَلَوْ وُكِّلَ بِهِ جَازَ عِنْدَهُ، وَمَنْشَأُ هَذَا التَّوَهُّمِ أَنَّ جَعْلَ اللَّامِ فِي قَوْلِهِ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ لِلْعَهْدِ: أَيْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ الَّذِي وُكِّلَ بِهِ وَأَمَّا إذَا جُعِلَتْ لِلْجِنْسِ حَتَّى يَكُونَ مَعْنَاهُ يَمْلِكُ جِنْسَ التَّصَرُّفِ احْتِرَازًا عَنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فَيَكُونُ عَلَى مَذْهَبِ الْكُلِّ

لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ مِنْ جِهَةِ الْمُوَكِّلِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مَالِكًا لِيُمَلِّكَهُ مَنْ غَيْرَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ الْمُرَادُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فَإِنَّ الْأَنْسَبَ بِكَلِمَةِ مِنْ جِنْسُ التَّصَرُّفِ (قَوْلُهُ: وَتَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ) يَحْتَمِلُ أَحْكَامَ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ وَجِنْسَ الْأَحْكَامِ، فَالْأَوَّلُ احْتِرَازٌ عَنْ الْوَكِيلِ إذَا وَكَّلَ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ ذَلِكَ التَّصَرُّفَ دُونَ التَّوْكِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَلْزَمْهُ الْأَحْكَامُ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِي الْكَلَامِ شَرْطَانِ. وَالثَّانِي احْتِرَازٌ عَنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَيَكُونُ مِلْكُ التَّصَرُّفِ وَلُزُومُ الْأَحْكَامِ شَرْطًا وَاحِدًا، وَهَذَا أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ إذَا أَذِنَ لَهُ بِالتَّوْكِيلِ صَحَّ وَالْأَحْكَامُ لَا تَلْزَمُهُ. فَإِنْ قُلْت: إذَا جَعَلْتهمَا شَرْطًا وَاحِدًا لَزِمَك الْوَكِيلُ فَإِنَّهُ مِمَّنْ يَمْلِكُ جِنْسَ التَّصَرُّفِ وَيَلْزَمُهُ جِنْسُ الْأَحْكَامِ وَلَا يَجُوزُ تَوْكِيلُهُ. قُلْت: غَلَطٌ، فَإِنَّ وُجُودَ الشَّرْطِ لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْمَشْرُوطِ لَا سِيَّمَا مَعَ وُجُودِ الْمَانِعِ وَهُوَ فَوَاتُ رَأْيِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْوَكِيلَ) دَلِيلُ اشْتِرَاطِ مَا شُرِطَتْ بِهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ مِنْ جِهَةِ الْمُوَكِّلِ لِكَوْنِهِ نَائِبًا عَنْهُ فَيَكُونُ التَّوْكِيلُ تَمْلِيكَ التَّصَرُّفِ وَتَمْلِيكُ التَّصَرُّفِ مِمَّنْ لَا يَمْلِكُهُ مُحَالٌ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْوَكِيلُ يَمْلِكُ جِنْسَ التَّصَرُّفِ مِنْ جِهَةِ الْمُوَكِّلِ أَوْ التَّصَرُّفَ الَّذِي وُكِّلَ فِيهِ، وَالثَّانِي مُسْلَمٌ وَيُنْتَقَضُ بِتَوْكِيلِ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ بِبَيْعِ الْخَمْرِ، وَالْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ بِأَهْلِيَّتِهِ وَلِهَذَا لَوْ تَصَرَّفَ لِنَفْسِهِ صَحَّ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْوَكِيلَ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَكِيلٌ يَمْلِكُ جِنْسَ التَّصَرُّفِ مِنْ جِهَةِ الْمُوَكِّلِ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لَهُ خِلَافَةٌ عَنْ الْوَكِيلِ فِيمَا تَصَرَّفَ فِيهِ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ وَتَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ لَيْسَ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ وَلَا الْكَلَامُ فِيهِ. وَلَا يُنَافِيهِ أَيْضًا لِجَوَازِ ثُبُوتِ شَيْءٍ بِأَمْرَيْنِ عَلَى الْبَدَلِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْوَكَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مَنْ يَمْلِكُ جِنْسَ التَّصَرُّفِ وَيَمْلِكُهُ الْوَكِيلُ بِحَيْثُ يَلْزَمُهُ أَحْكَامُ مَا بَاشَرَهُ

(وَ) يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ (الْوَكِيلُ مِمَّنْ يَعْقِلُ الْعَقْدَ وَيَقْصِدُهُ) لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي الْعِبَارَةِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ صَبِيًّا لَا يَعْقِلُ أَوْ مَجْنُونًا كَانَ التَّوْكِيلُ بَاطِلًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَكِيلُ لِأَهْلِيَّتِهِ فِي كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُوَكِّلُ يَمْلِكُهُ أَوْ لَا لِعَارِضٍ عَرَضَ فِي بَعْضِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى التَّوَسُّعِ. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ مِمَّنْ يَعْقِلُ الْعَقْدَ أَنَّ الْبَيْعَ سَالِبٌ وَالشِّرَاءَ جَالِبٌ وَيَعْرِفُ الْغَبْنَ الْيَسِيرَ وَالْغَبْنَ الْفَاحِشَ، وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يَعْقِلْ وَالْمَجْنُونِ، وَيَقْصِدُهُ بِأَنْ لَا يَكُونَ هَازِلًا؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي الْعِبَارَةِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ مَعْرِفَةَ الْغَبْنِ الْيَسِيرِ مِنْ الْفَاحِشِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ التَّوْكِيلِ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ، وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ تَوَكُّلَ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ صَحِيحٌ وَمَعْرِفَةُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى " الإل نيم " فِي الْمَتَاعِ وَ " الإل يازده " فِي الْحَيَوَانِ وَ " الإل دوازده " فِي الْعَقَارِ أَوْ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ

(وَإِذَا وَكَّلَ الْحُرُّ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ أَوْ الْمَأْذُونُ مِثْلَهُمَا جَازَ) لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ مَالِكٌ لِلتَّصَرُّفِ وَالْوَكِيلَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ (وَإِنْ وَكَّلَا صَبِيًّا مَحْجُورًا يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ أَوْ عَبْدًا مَحْجُورًا جَازَ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا الْحُقُوقُ وَيَتَعَلَّقُ بِمُوَكِّلِهِمَا) لِأَنَّ الصَّبِيَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا بَعْدَ الِاشْتِغَالِ بِعِلْمِ الْفِقْهِ. (وَإِذَا وَكَّلَ الْحُرُّ الْبَالِغُ أَوْ الْمَأْذُونُ الْبَالِغُ مِثْلَهُمَا جَازَ) وَيُفْهَمُ جَوَازُ تَوْكِيلِ مَنْ كَانَ فَوْقَهُمَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ مَالِكٌ لِلتَّصَرُّفِ وَالْوَكِيلُ مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ. وَكُلُّ وَكَالَةٍ كَانَ الْمُوَكِّلُ مَالِكًا لِلتَّصَرُّفِ وَالْوَكِيلُ مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ فِيهَا صَحِيحَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ وَكَّلَ الْحُرُّ الْبَالِغُ صَبِيًّا مَحْجُورًا عَلَيْهِ، أَوْ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَوْ فَعَلَ الْمَأْذُونُ ذَلِكَ جَازَ لِانْتِفَاءِ مَا يَمْنَعُ ذَلِكَ، أَمَّا مِنْ جَانِبِ الْمُوَكِّلِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا مِنْ جَانِبِ الْوَكِيلِ فَلِأَنَّ الصَّبِيَّ مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ وَلِهَذَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ وَالْعَبْدُ مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ عَلَى نَفْسِهِ مَالِكٌ لَهُ، وَإِنَّمَا لَا يَمْلِكُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَالتَّوْكِيلُ لَيْسَ تَصَرُّفًا فِي حَقِّهِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُمَا الْتِزَامُ الْعُهْدَةِ: الصَّبِيُّ لِقُصُورِ أَهْلِيَّتِهِ؛ وَالْعَبْدُ لِحَقِّ سَيِّدِهِ. وَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا أُعْتِقَ لَزِمَهُ الْعُهْدَةُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ لُزُومِهَا حَقَّ الْمَوْلَى قَدْ زَالَ، وَالصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ لَمْ تَلْزَمْهُ

مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، وَالْعَبْدَ مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ عَلَى نَفْسِهِ مَالِكٌ لَهُ وَإِنَّمَا لَا يَمْلِكُهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى، وَالتَّوْكِيلُ لَيْسَ تَصَرُّفًا فِي حَقِّهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُمَا الْتِزَامُ الْعُهْدَةِ. أَمَّا الصَّبِيُّ لِقُصُورِ أَهْلِيَّتِهِ وَالْعَبْدُ لِحَقِّ سَيِّدِهِ فَتَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِحَالِ الْبَائِعِ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْعَقْدِ عَلَى أَنَّ حُقُوقَهُ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ، فَإِذَا ظَهَرَ خِلَافُهُ يَتَخَيَّرُ كَمَا إذَا عَثَرَ عَلَى عَيْبٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ قِصَرُ أَهْلِيَّتِهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مُلْزَمًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَفِي هَذَا الْوَقْتِ فَلِهَذَا لَمْ يَلْزَمْهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِيهِمَا إشَارَةً إلَى أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا مَأْذُونَيْنِ تَعَلَّقَ الْحُقُوقُ بِهِمَا لَكِنْ بِتَفْصِيلٍ وَهُوَ أَنَّ الصَّبِيَّ الْمَأْذُونَ إذَا وُكِّلَ بِالْبَيْعِ فَبَاعَ لَزِمَهُ الْعُهْدَةُ سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا، وَإِذَا وُكِّلَ بِالشِّرَاءِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ لَمْ يَلْزَمْهُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا بَلْ يَكُونُ عَلَى الْآمِرِ يُطَالِبُهُ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْعُهْدَةِ لَيْسَ بِضَمَانِ ثَمَنٍ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الثَّمَنِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ لِلضَّامِنِ فِي الْمُشْتَرَى، وَلَيْسَ هَذَا كَذَلِكَ إنَّمَا هَذَا الْتَزَمَ مَالًا فِي ذِمَّتِهِ اسْتَوْجَبَ مِثْلَ ذَلِكَ عَلَى مُوَكِّلِهِ وَذَلِكَ مَعْنَى الْكَفَالَةِ، وَالصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ يَلْزَمُهُ ضَمَانُ الثَّمَنِ وَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُ الْكَفَالَةِ، وَأَمَّا إذَا وُكِّلَ بِالشِّرَاءِ بِثَمَنٍ حَالٍّ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ الْعُهْدَةُ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ مَا الْتَزَمَهُ ضَمَانُ ثَمَنٍ حَيْثُ مَلَكَ الْمُشْتَرِي مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ، فَإِنَّهُ يَحْبِسُهُ بِالثَّمَنِ يُسْتَوْفَى مِنْ الْمُوَكِّلِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ ثُمَّ بَاعَ مِنْهُ، وَالصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ. وَالْجَوَابُ فِي الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ أَيْضًا عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِحَالِ الْبَائِعِ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ صَبِيٌّ أَوْ عَبْدٌ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مَجْنُونٌ وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ يُجَنُّ وَيُفِيقُ (لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ) ؛ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِالْعَقْدِ إلَّا عَلَى أَنَّ الْحُقُوقَ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ، فَإِذَا ظَهَرَ خِلَافُهُ يَتَخَيَّرُ كَمَا إذَا عَثَرَ عَلَى عَيْبٍ لَمْ يَرْضَ بِهِ.

قَالَ (وَالْعَقْدُ الَّذِي يَعْقِدُهُ الْوُكَلَاءُ عَلَى ضَرْبَيْنِ) : كُلُّ عَقْدٍ يُضِيفُهُ الْوَكِيلُ إلَى نَفْسِهِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فَحُقُوقُهُ تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْحُقُوقَ تَابِعَةٌ لِحُكْمِ التَّصَرُّفِ، وَالْحُكْمُ وَهُوَ الْمِلْكُ يَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ، فَكَذَا تَوَابِعُهُ وَصَارَ كَالرَّسُولِ وَالْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَالْعَقْدُ الَّذِي يَعْقِدُهُ الْوُكَلَاءُ عَلَى ضَرْبَيْنِ إلَخْ) الْعُقُودُ الَّتِي يَعْقِدُهَا الْوُكَلَاءُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: ضَرْبٌ يَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُ بِالْوَكِيلِ، وَآخَرُ بِالْمُوَكِّلِ. فَضَابِطَةُ الْأَوَّلِ كُلُّ عَقْدٍ يُضِيفُهُ الْوَكِيلُ إلَى نَفْسِهِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فَحُقُوقُهُ تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ لِأَنَّ الْحُقُوقَ تَابِعَةٌ لِحُكْمِ التَّصَرُّفِ، وَحُكْمُ التَّصَرُّفِ هُوَ الْمِلْكُ يَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ فَكَذَا تَوَابِعُهُ، وَاعْتَبَرَهُ بِالرَّسُولِ وَبِالْوَكِيلِ

وَلَنَا أَنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الْعَاقِدُ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقُومُ بِالْكَلَامِ، وَصِحَّةُ عِبَارَتِهِ لِكَوْنِهِ آدَمِيًّا وَكَذَا حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى الْمُوَكِّلِ، وَلَوْ كَانَ سَفِيرًا عَنْهُ لَمَا اسْتَغْنَى عَنْ ذَلِكَ كَالرَّسُولِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ أَصِيلًا فِي الْحُقُوقِ فَتَتَعَلَّقُ بِهِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْكِتَابِ (يُسَلِّمُ الْمَبِيعَ وَيَقْبِضُ الثَّمَنَ وَيُطَالِبُ بِالثَّمَنِ إذَا اشْتَرَى، وَيَقْبِضُ الْمَبِيعَ وَيُخَاصِمُ فِي الْعَيْبِ وَيُخَاصِمُ فِيهِ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ الْحُقُوقِ وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ خِلَافَةً عَنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي النِّكَاحِ (وَلَنَا أَنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الْعَاقِدُ فِي هَذَا الضَّرْبِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا) أَمَّا حَقِيقَةً فَلِأَنَّ الْعَقْدَ يَقُومُ بِالْكَلَامِ وَصِحَّةُ عِبَارَتِهِ لِكَوْنِهِ آدَمِيًّا لَهُ أَهْلِيَّةُ الْإِيجَابِ وَالِاسْتِيجَابُ فَكَانَ الْعَقْدُ الْوَاقِعُ مِنْهُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ سَوَاءً. وَأَمَّا حُكْمًا فَلِأَنَّهُ يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى الْمُوَكِّلِ، بِخِلَافِ الرَّسُولِ وَالْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ فَإِنَّهُمَا لَا يَسْتَغْنِيَانِ عَنْ الْإِضَافَةِ إلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْوَكِيلُ أَصِيلًا فِي الْحُقُوقِ فَتَتَعَلَّقُ بِهِ فَلِهَذَا قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ أَوْ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْمَبْسُوطِ: يُسَلِّمُ الْمَبِيعَ وَيَقْبِضُ الثَّمَنَ وَيُطَالِبُ بِالثَّمَنِ إذَا اشْتَرَى وَيَقْبِضُ الْمَبِيعَ وَيُخَاصِمُ فِي الْعَيْبِ وَيُخَاصَمُ فِيهِ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ (قَوْلُهُ وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ خِلَافَةً) جَوَابٌ عَمَّا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ إنَّ الْحُقُوقَ تَابِعَةٌ لِحُكْمِ التَّصَرُّفِ، وَالْحُكْمُ يَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ فَكَذَا تَوَابِعُهُ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ لِلْمُوَكِّلِ وَلَكِنْ يَعْقِدُ الْوَكِيلُ عَلَى سَبِيلِ الْخِلَافَةِ عَنْهُ، وَمَعْنَى الْخِلَافَةِ أَنْ يُثْبِتَ الْمِلْكُ لِلْمُوَكِّلِ ابْتِدَاءً، وَالسَّبَبُ انْعَقَدَ مُوجِبًا حُكْمُهُ لِلْوَكِيلِ فَكَانَ قَائِمًا مَقَامَهُ فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ بِالتَّوْكِيلِ السَّابِقِ، وَهَذَا طَرِيقَةُ أَبِي طَاهِرٍ الدَّبَّاسِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: قَوْلُ أَبِي طَاهِرٍ أَصَحُّ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: هُوَ الصَّحِيحُ. فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُ أَبِي طَاهِرٍ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَكَيْفَ يَصِحُّ جَوَابًا عَنْهُ مَعَ الْتِزَامِ قَوْلِهِ فَإِنَّهُ يَقُولُ: الْحُكْمُ وَهُوَ الْمِلْكُ

اعْتِبَارًا لِلتَّوْكِيلِ السَّابِقِ كَالْعَبْدِ يُتَّهَبُ وَيُصْطَادُ هُوَ الصَّحِيحُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ فَكَذَا الْحُقُوقُ، فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَقُولُ بِثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ خِلَافَةً وَالشَّافِعِيُّ أَصَالَةً. وَتَحْقِيقُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ لِتَصَرُّفِ الْوَكِيلِ جِهَتَيْنِ: جِهَةَ حُصُولِهِ بِعِبَارَتِهِ، وَجِهَةَ نِيَابَتِهِ عَنْ الْمُوَكِّلِ، وَإِعْمَالُهُمَا وَلَوْ بِوَجْهٍ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِ أَحَدِهِمَا، فَلَوْ أَثْبَتْنَا الْمِلْكَ وَالْحُقُوقَ لِلْوَكِيلِ عَلَى مَا هُوَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ لِحُصُولِهِمَا بِعِبَارَتِهِ وَأَهْلِيَّتِهِ بَطَلَ التَّوْكِيلُ، وَلَوْ أَثْبَتْنَاهُمَا لِلْمُوَكِّلِ بَطَلَ عِبَارَتُهُ فَأَثْبَتْنَا الْمِلْكَ لِلْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ الْغَرَضُ مِنْ التَّوْكِيلِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (اعْتِبَارٌ لِلتَّوْكِيلِ السَّابِقِ) فَتُعَيَّنُ الْحُقُوقُ لِلْوَكِيلِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ لِغَيْرِ مَنْ انْعَقَدَ لَهُ السَّبَبُ كَالْعَبْدِ يَقْبَلُ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ وَيَصْطَادُ فَإِنَّ مَوْلَاهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْمِلْكِ بِذَلِكَ السَّبَبِ (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ طَرِيقَةِ الْكَرْخِيِّ وَهِيَ أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ لِتَحْقِيقِ السَّبَبِ مِنْ جِهَتِهِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحَ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا كَانَ مَنْكُوحَةَ الْوَكِيلِ أَوْ قَرِيبَهُ لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ وَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَلَوْ مَلَكَ الْمُشْتَرِي لَكَانَ ذَلِكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ نُفُوذَ الْعِتْقِ يَقْتَضِي مِلْكًا مُسْتَقِرًّا. وَقَالَ فِي الزِّيَادَاتِ فِيمَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً ثُمَّ حُرَّةً عَلَى رَقَبَتِهَا فَأَجَازَ الْمَوْلَى صَارَتْ الْأَمَةُ مَهْرًا لِلْحُرَّةِ وَلَمْ يَفْسُدْ النِّكَاحُ وَإِنْ مَلَكَهَا الزَّوْجُ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ وَمِلْكُ الْوَكِيلِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ يَنْتَقِلُ فِي ثَانِي الْحَالِ فَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ إطْلَاقَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ» الْحَدِيثَ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ: الْوَكِيلُ نَائِبٌ فِي حَقِّ الْحُكْمِ أَصِيلٌ فِي حَقِّ الْحُقُوقِ، فَإِنَّ الْحُقُوقَ تَثْبُتُ لَهُ ثُمَّ تَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ مِنْ قِبَلِهِ،

قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: وَفِي مَسْأَلَةِ الْعَيْبِ تَفْصِيلٌ نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ (وَكُلُّ عَقْدٍ يُضِيفُهُ إلَى مُوَكِّلِهِ كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فَإِنَّ حُقُوقَهُ تَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ فَلَا يُطَالَبُ وَكِيلُ الزَّوْجِ بِالْمَهْرِ وَلَا يَلْزَمُ وَكِيلَ الْمَرْأَةِ تَسْلِيمُهَا) ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِيهَا سَفِيرٌ مَحْضٌ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَا يُسْتَغْنَى عَنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى الْمُوَكِّلِ، وَلَوْ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ كَانَ النِّكَاحُ لَهُ فَصَارَ كَالرَّسُولِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَوَافَقَ أَبَا الْحَسَنِ فِي حَقِّ الْحُقُوقِ وَأَبَا طَاهِرٍ فِي حَقِّ الْحُكْمِ. قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: هَذَا حَسَنٌ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَفِي مَسْأَلَةِ الْعَيْبِ تَفْصِيلٌ نَذْكُرُهُ) وَأَرَادَ بِهِ مَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِقَوْلِهِ: وَإِذَا اشْتَرَى الْوَكِيلُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ مَا دَامَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ، فَإِنْ سَلَّمَهُ إلَى الْمُوَكِّلِ لَمْ يَرُدَّهُ إلَّا بِإِذْنِهِ. قَالَ (وَكُلُّ عَقْدٍ يُضِيفُهُ إلَى مُوَكِّلِهِ إلَخْ) هَذِهِ ضَابِطَةُ الضَّرْبِ الثَّانِي: كُلُّ عَقْدٍ يُضِيفُهُ الْوَكِيلُ إلَى مُوَكِّلِهِ كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فَإِنَّ حُقُوقًا تَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ فَلَا

وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا لَا يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ السَّبَبِ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ فَيَتَلَاشَى فَلَا يُتَصَوَّرُ صُدُورُهُ مِنْ شَخْصٍ وَثُبُوتُ حُكْمِهِ لِغَيْرِهِ فَكَانَ سَفِيرًا. وَالضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ أَخَوَاتِهِ الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُطَالَبُ وَكِيلُ الزَّوْجِ بِالْمَهْرِ وَلَا وَكِيلُ الْمَرْأَةِ بِتَسْلِيمِهَا لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِيهَا سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ مَحْضٌ لِعَدَمِ اسْتِغْنَائِهِ عَنْ إضَافَتِهِ إلَى الْمُوَكِّلِ. فَإِنَّهُ إنْ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ كَانَ النِّكَاحُ لَهُ فَكَانَ كَالرَّسُولِ وَعِبَارَتُهُ عِبَارَةُ الْمُرْسِلِ فَكَأَنَّ الْعَقْدَ صَدَرَ مِنْهُ، وَمَنْ صَدَرَ مِنْهُ الْعَقْدُ رَجَعَ إلَيْهِ الْحُقُوقُ كَمَا فِي الضَّرْبِ الْأَوَّلِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيمَا لَا يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ السَّبَبِ، لِأَنَّهُ) يَعْنِي أَنَّ السَّبَبَ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ إسْقَاطٌ فَيَتَلَاشَى، وَمَعْنَى الْإِسْقَاطِ فِي غَيْرِ النِّكَاحِ ظَاهِرٌ. وَأَمَّا فِيهِ فَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي مَحَلِّ النِّكَاحِ عَدَمُ وُرُودِ الْمِلْكِ عَلَيْهِنَّ لِكَوْنِهِنَّ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ كَالذُّكُورِ، إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ أَثْبَتَ نَوْعَ مِلْكٍ عَلَى الْحُرَّةِ بِالنِّكَاحِ ضَرُورَةَ النَّسْلِ وَفِي ذَلِكَ إسْقَاطٌ لِمَالِكِيَّتِهَا فَيَتَلَاشَى فَلَا يُتَصَوَّرُ صُدُورُهُ مِنْ شَخْصٍ وَثُبُوتُ حُكْمِهِ لِغَيْرِهِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَيْسَ الْكَلَامُ فِي نَقْلِ الْحُكْمِ بَلْ هُوَ فِي نَقْلِ الْحُقُوقِ فَمَا فَائِدَةُ قَوْلِهِ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا لَا يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ السَّبَبِ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّا قَدْ قُلْنَا فِي الضَّرْبِ الْأَوَّلِ إنَّ الْحُكْمَ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ أَوْ يَثْبُتُ لَهُ خِلَافَةً، اعْتِبَارًا لِلتَّوْكِيلِ السَّابِقِ وَتَبْقَى الْحُقُوقُ مُتَعَلِّقَةً بِالْوَكِيلِ اعْتِبَارًا لِعِبَارَتِهِ، وَهَاهُنَا الْحُكْمُ لَا يَنْفَصِلُ عَنْ الْعِبَارَةِ لَا بِالتَّأْخِيرِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَلَا بِغَيْرِهِ لِكَوْنِهَا لِلْإِسْقَاطِ، فَأَمَّا أَنْ يَبْقَى الْحُكْمُ لِلْوَكِيلِ أَوْ تَنْتَقِلَ الْعِبَارَةُ إلَى الْمُوَكِّلِ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ التَّوْكِيلَ وَيُنَافِي الْإِضَافَةَ إلَى الْمُوَكِّلِ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ فَكَانَ سَفِيرًا وَلِلَّهِ دَرُّهُ عَلَى فَضْلِهِ وَتَنَبُّهِهِ لِلَطَائِفِ الْعِبَارَاتِ، جَزَاهُ اللَّهُ عَنْ الطَّلَبَةِ خَيْرًا. قَالَ (وَالضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ أَخَوَاتِهِ إلَخْ) أَيْ وَمِنْ أَخَوَاتِ الضَّرْبِ الثَّانِي

وَالْكِتَابَةُ وَالصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ. فَأَمَّا الصُّلْحُ الَّذِي هُوَ جَارٍ مَجْرَى الْبَيْعِ فَهُوَ مِنْ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ، وَالْوَكِيلُ بِالْهِبَةِ وَالتَّصَدُّقِ وَالْإِعَارَةِ وَالْإِيدَاعِ وَالرَّهْنِ وَالْإِقْرَاضِ سَفِيرٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيمَا يَثْبُتُ بِالْقَبْضِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعِتْقُ عَلَى مَالٍ وَالْكِتَابَةُ وَالصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ فَيُضِيفُ إلَى مُوَكِّلِهِ وَالْحُقُوقُ تَرْجِعُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ الْإِسْقَاطَاتِ (وَأَمَّا الصُّلْحُ الَّذِي هُوَ جَارٍ مَجْرَى الْبَيْعِ) وَهُوَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ (فَهُوَ مِنْ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ فَكَانَ كَالْبَيْعِ تَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُ بِالْوَكِيلِ. وَإِذَا وَكَّلَ بِأَنْ يَهَبَ عَبْدَهُ لِفُلَانٍ أَوْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ أَوْ يُقْرِضَهُ أَوْ يُعِيرَ دَابَّتَهُ أَوْ يُودِعَ مَتَاعَهُ أَوْ يَرْهَنَهُ فَقَبَضَ الْوَكِيلُ وَفَعَلَ مَا أَمَرَهُ بِهِ جَازَ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِإِضَافَتِهِ إلَيْهِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ وَهَبَهُ لَك مُوَكِّلِي أَوْ رَهَنَهُ، وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ وَلَا أَنْ يَقْبِضَ الْوَدِيعَةَ وَالْعَارِيَّةَ وَالرَّهْنَ وَالْقَرْضَ مِمَّنْ عَلَيْهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا) يَعْنِي فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ (يَثْبُتُ بِالْقَبْضِ،

وَأَنَّهُ يُلَاقِي مَحَلًّا مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ فَلَا يُجْعَلُ أَصِيلًا، وَكَذَا إذَا كَانَ الْوَكِيلُ مِنْ جَانِبِ الْمُلْتَمِسِ، وَكَذَا الشَّرِكَةُ وَالْمُضَارَبَةُ، إلَّا أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ بَاطِلٌ حَتَّى لَا يَثْبُتَ الْمِلْكُ لِلْمُوَكِّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْقَبْضُ يُلَاقِي مَحَلًّا مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ) فَالْحُكْمُ يُلَاقِي مَحَلًّا مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ، فَقَوْلُهُ (فَلَا يُجْعَلُ أَصِيلًا) مُقْتَضَاهُ أَصِيلًا فِي الْحُكْمِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ. وَيُدْفَعُ ذَلِكَ بِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا لَاقَى مَحَلًّا مَمْلُوكًا لِغَيْرِ الْوَكِيلِ كَانَ ثَابِتًا لِمَنْ لَهُ الْمَحَلُّ وَالْحُقُوقُ فِيمَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِالْعِبَارَةِ وَحْدَهَا فِيمَا لَا يَقْبَلُ الْحُكْمَ الِانْفِصَالَ عَنْهَا انْتَقَلَتْ إلَى الْمُوَكِّلِ بِجَعْلِ الْعِبَارَةِ سِفَارَةً، فَفِيمَا احْتَاجَ إلَى الْقَبْضِ أَوْلَى لِضَعْفِهَا فِي الْعِلِّيَّةِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْوَكِيلُ مِنْ جَانِبِ الْمُلْتَمِسِ نَحْوُ التَّوْكِيلِ بِالِاسْتِعَارَةِ أَوْ الِارْتِهَانِ أَوْ الِاسْتِيهَابِ فَإِنَّ الْحُكْمَ وَالْحُقُوقَ تَرْجِعُ إلَى الْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ. أَمَّا إذَا قَبَضَ الْمُوَكِّلُ فَلَا إشْكَالَ، وَأَمَّا إذَا قَبَضَ الْوَكِيلُ فَالْوَاجِبُ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ لِلْمُوَكِّلِ وَتَتَعَلَّقُ الْحُقُوقُ بِالْوَكِيلِ لِاجْتِمَاعِ الْقَوْلِ وَالْقَبْضِ. وَيُدْفَعُ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى مُوَكِّلِهِ وَهِيَ تَجْعَلُ الْقَبْضَ لَهُ فَصَارَ كَمَا إذَا قَبَضَهُ بِنَفْسِهِ (وَكَذَا) إذَا وَكَّلَ بِعَقْدِ (الشَّرِكَةِ أَوْ الْمُضَارَبَةِ) كَانَتْ الْحُقُوقُ رَاجِعَةً إلَى الْمُوَكِّلِ لِلْإِضَافَةِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ بَاطِلٌ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْوَكِيلُ مِنْ جَانِبِ الْمُلْتَمِسِ. وَاعْلَمْ أَنِّي أُعِيدُ لَك هَاهُنَا مَا ذَكَرْتُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ، وَأَزِيدُك مَا يَسَّرَ اللَّهُ ذِكْرَهُ لِكَوْنِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَقَامِ مِنْ مَعَارِكِ الْآرَاءِ، فَإِنْ ظَهَرَ لَك فَاحْمَدْ اللَّهَ، وَإِنْ سَمَحَ ذِهْنُك بِخِلَافِهِ فَلَا مَلُومَةَ فَإِنَّ جَهْدَ الْمُقِلِّ دُمُوعُهُ: التَّوْكِيلُ بِالِاسْتِقْرَاضِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ أُمِرَ بِالتَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْغَيْرِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَرُدَّ بِالتَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ فَإِنَّهُ أُمِرَ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ وَهُوَ مِلْكُ الْغَيْرِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّهُ هُوَ الثَّمَنُ فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ وَهُوَ مِلْكُهُ. وَأَوْرَدَ بِأَنَّهُ هَلَّا جَعَلَ مَحَلَّهُ فِي الِاسْتِقْرَاضِ الْبَدَلَ فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ مَحَلُّ إيفَاءِ الْقَرْضِ لَا الِاسْتِقْرَاضِ. وَأَوْرَدَ التَّوْكِيلَ بِالِاتِّهَابِ وَالِاسْتِعَارَةِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ، وَلَا مَحَلَّ لَهُ سِوَى الْمُسْتَعَارِ وَالْمَوْهُوبِ، إذْ لَيْسَ ثَمَّةَ بَدَلٌ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ أَوْ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَيُجْعَلُ مَحَلًّا لِلتَّوْكِيلِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُسْتَعَارَ وَالْمَوْهُوبَ مَحَلُّ التَّوْكِيلِ بِالْإِعَارَةِ وَالْهِبَةِ لَا الِاسْتِعَارَةِ وَالِاتِّهَابِ، وَإِنَّمَا مَحَلُّهُ فِيهِمَا عِبَارَةُ الْمُوَكِّلِ فَإِنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِيهَا بِجَعْلِهَا مُوجِبَةً لِلْمِلْكِ عِنْدَ الْقَبْضِ بِإِقَامَةِ الْمُوَكِّلِ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: فَلْيَكُنْ فِي الِاسْتِقْرَاضِ كَذَلِكَ. فَالْجَوَابُ أَنَّا اعْتَبَرْنَا الْعِبَارَةَ مَحَلًّا لِلتَّوْكِيلِ فِي الِاسْتِعَارَةِ وَنَحْوِهَا ضَرُورَةَ صِحَّةِ الْعَقْدِ خَلَفًا عَنْ بَدَلٍ يَلْزَمُ فِي الذِّمَّةِ إذْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا بَدَلٌ فِي الذِّمَّةِ، فَلَوْ اعْتَبَرْنَاهَا مَحَلًّا لَهُ فِي الِاسْتِقْرَاضِ وَفِيهِ بَدَلٌ مُعْتَبَرٌ لِلْإِيفَاءِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الذِّمَّةِ لَزِمَ اجْتِمَاعُ الْأَصْلِ وَالْخَلَفِ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ مِنْ جِهَةِ عَقْدٍ وَاحِدٍ وَهُوَ لَا يَجُوزُ هَذَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

بِخِلَافِ الرِّسَالَةِ فِيهِ. قَالَ (وَإِذَا طَالَبَ الْمُوَكِّلُ الْمُشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ) (فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ إيَّاهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْعَقْدِ وَحُقُوقِهِ لِمَا أَنَّ الْحُقُوقَ إلَى الْعَاقِدِ (فَإِنْ دَفَعَهُ إلَيْهِ جَازَ وَلَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِهِ ثَانِيًا) ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الثَّمَنِ الْمَقْبُوضِ حَقُّهُ وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِخِلَافِ الرِّسَالَةِ) فَإِنَّهَا تَصِحُّ فِي الِاسْتِقْرَاضِ. قَالَ فِي الْإِيضَاحِ: التَّوْكِيلُ بِالِاسْتِقْرَاضِ لَا يَصِحُّ وَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيمَا اسْتَقْرَضَ لِلْآمِرِ إلَّا إذَا بَلَغَ عَلَى سَبِيلِ الرِّسَالَةِ فَيَقُولُ أَرْسَلَنِي إلَيْك فُلَانٌ وَيَسْتَقْرِضُ مِنْك، فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُسْتَقْرِضِ: يَعْنِي الْمُرْسِلَ. قَالَ (وَإِذَا طَالَبَ الْمُوَكِّلُ الْمُشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ إلَخْ) إذَا طَالَبَ الْمُوَكِّلُ الْمُشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ إيَّاهُ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْعَقْدِ وَحُقُوقِهِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْحُقُوقَ تَرْجِعُ إلَى الْعَاقِدِ وَلِهَذَا إذَا نَهَاهُ الْوَكِيلُ عَنْ ذَلِكَ صَحَّ، وَإِنْ نَهَاهُ الْمُوَكِّلُ لَا يَصِحُّ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ مُطَالَبَةُ الْمُوَكِّلِ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ دَفَعَ الْمُشْتَرِي إلَى الْمُوَكِّلِ صَحَّ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُطَالِبَ بِهِ ثَانِيًا لِأَنَّ نَفْسَ الثَّمَنِ حَقُّهُ وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ فَلَا فَائِدَةَ فِي الِاسْتِرْدَادِ مِنْهُ ثُمَّ فِي الدَّفْعِ إلَيْهِ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الصَّرْفِ. وَأَمَّا فِي الصَّرْفِ فَقَبْضُ الْمُوَكِّلِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ جَوَازَهُ بِالْقَبْضِ فَكَانَ الْقَبْضُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَلَوْ ثَبَتَ لِلْوَكِيلِ حَقُّ الْقَبُولِ وَقَبِلَ الْمُوَكِّلُ لَمْ يَجُزْ، فَكَذَا إذَا ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الْقَبْضِ

وَلَا فَائِدَةَ فِي الْأَخْذِ مِنْهُ ثُمَّ الدَّفْعِ إلَيْهِ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْمُوَكِّلِ دَيْنٌ يَقَعُ الْمُقَاصَّةُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ يَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِدَيْنِ الْمُوَكِّلِ أَيْضًا دُونَ دَيْنِ الْوَكِيلِ وَبِدَيْنِ الْوَكِيلِ إذَا كَانَ وَحْدَهُ إنْ كَانَ يَقَعُ الْمُقَاصَّةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِمَا أَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِبْرَاءَ عَنْهُ عِنْدَهُمَا وَلَكِنَّهُ يَضْمَنُهُ لِلْمُوَكِّلِ فِي الْفَصْلَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلِهَذَا) تَوْضِيحٌ لِقَوْلِهِ إنَّ نَفْسَ الثَّمَنِ الْمَقْبُوضِ حَقُّهُ؛ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْمُوَكِّلِ دَيْنٌ وَقَعَتْ الْمُقَاصَّةُ. وَلَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ وَقَعَتْ بِدَيْنِ الْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ لِكَوْنِ الثَّمَنِ حَقَّهُ، وَلِأَنَّ الْمُقَاصَّةَ إبْرَاءٌ بِعِوَضٍ فَيُعْتَبَرُ بِالْإِبْرَاءِ بِغَيْرِ عِوَضٍ؛ وَلَوْ أَبْرَآهُ جَمِيعًا بِغَيْرِ عِوَضٍ وَخَرَجَ الْكَلَامَانِ مَعًا بَرِئَ الْمُشْتَرِي بِإِبْرَاءِ الْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْوَكِيلِ بِشَيْءٍ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا. فَإِنْ قِيلَ: الْمُقَاصَّةُ لَا تَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الثَّمَنِ حَقًّا لِلْمُوَكِّلِ فَإِنَّهَا تَقَعُ بِدَيْنِ الْوَكِيلِ إذَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَحْدَهُ. أَجَابَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُقَاصَّةَ إبْرَاءٌ بِعِوَضٍ وَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِالْإِبْرَاءِ بِغَيْرِهِ. وَلِلْوَكِيلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنْ يُبْرِئَ الْمُشْتَرِيَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَكَذَا بِعِوَضٍ لَكِنَّهُ يَضْمَنُهُ لِلْمُوَكِّلِ فِي الْإِبْرَاءِ وَالْمُقَاصَّةِ، وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ لِحَقِّ الْقَبْضِ وَهُوَ حَقُّ الْوَكِيلِ، فَكَانَ بِالْإِبْرَاءِ مُسْقِطًا حَقَّ نَفْسِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا جَازَ الْإِبْرَاءُ مِنْ الْمُوَكِّلِ وَلَا تَضْمِينُ الْوَكِيلِ. الْجَوَابُ أَنَّ الثَّمَنَ حَقُّهُ فَجَازَ إبْرَاؤُهُ فَإِنَّ الْإِبْرَاءَ مِنْ الْوَكِيلِ هُوَ ذَلِكَ، فَإِذَا أَبْرَأَهُ أَسْقَطَ حَقَّ الْقَبْضِ، وَلَيْسَ لِلْمُوَكِّلِ حَقُّ الْقَبْضِ فَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ سُقُوطُ الثَّمَنِ ضَرُورَةً، وَانْسَدَّ عَلَى الْمُوَكِّلِ بَابُ الِاسْتِيفَاءِ فَلَزِمَ الْوَكِيلَ الضَّمَانُ، كَالرَّاهِنِ يُعْتِقُ الرَّهْنَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ

[باب الوكالة في البيع والشراء]

(بَابُ الْوَكَالَةِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ) : (فَصْلٌ فِي الشِّرَاءِ) : ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْمُرْتَهِنِ الدَّيْنَ لِسَدِّهِ بَابَ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ مَالِيَّةِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ. وَاسْتَحْسَنَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ: الثَّمَنُ مِلْكُ الْمُوَكِّلِ لَا مَحَالَةَ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِهِ. وَالْجَوَابُ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ. سَلَّمْنَا أَنَّ الثَّمَنَ مِلْكُ الْمُوَكِّلِ لَكِنَّ الْقَبْضَ حَقُّ الْوَكِيلِ لَا مَحَالَةَ فَإِذَا أَسْقَطَهُ وَلَيْسَ لِلْمُوَكِّلِ قَبْضُهُ سَقَطَ الثَّمَنُ ضَرُورَةً كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا. قِيلَ: كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ مِنْ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ بَيْعٌ يُوجِبُ مُقَاصَّةً لِأَنَّ غَرَضَ الْمُوَكِّلِ وُصُولُ الثَّمَنِ إلَيْهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي الْمُقَاصَّةِ وُصُولًا مُتَقَدِّمًا إنْ كَانَتْ بِدَيْنِ الْمُوَكِّلِ، وَمُتَأَخِّرًا بِالضَّمَانِ إنْ كَانَتْ بِدَيْنِ الْوَكِيلِ فَلَا مَانِعَ مِنْ الْجَوَازِ. [بَابُ الْوَكَالَةِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ] [فَصْلٌ فِي الْوَكَالَةِ فِي الشِّرَاءِ] (بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ) : (فَصْلٌ فِي الشِّرَاءِ) قَدَّمَ مِنْ أَبْوَابِ الْوَكَالَةِ مَا هُوَ أَكْثَرُ وُقُوعًا وَأَمَسُّ حَاجَةً وَهُوَ الْوَكَالَةُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ. وَقَدَّمَ فَصْلَ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ

(قَالَ: وَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ فَلَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةِ جِنْسِهِ وَصِفَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإثْبَاتِ الْمِلْكِ وَالْبَيْعُ يُنْبِئُ عَنْ إزَالَتِهِ بَعْدَ الْإِثْبَاتِ. قَالَ (وَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ إلَخْ) إذَا وَكَّلَ رَجُلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَا بُدَّ لِصِحَّتِهِ مِنْ تَسْمِيَةِ جِنْسِهِ وَصِفَتِهِ: أَيْ نَوْعِهِ أَوْ جِنْسِهِ وَمَبْلَغُ ثَمَنِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْجِنْسِ وَالنَّوْعِ هَاهُنَا غَيْرُ مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَنْطِقِ، فَإِنَّ الْجِنْسَ عِنْدَهُمْ هُوَ الْمَقُولُ عَلَى كَثِيرِينَ مُخْتَلِفِينَ بِالْحَقِيقَةِ فِي جَوَابِ مَا هُوَ كَالْحَيَوَانِ، وَالنَّوْعُ هُوَ الْمَقُولُ

أَوْ جِنْسِهِ وَمَبْلَغِ ثَمَنِهِ) لِيَصِيرَ الْفِعْلُ الْمُوَكَّلُ بِهِ مَعْلُومًا فَيُمْكِنُهُ الِائْتِمَارُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى كَثِيرِينَ مُتَّفِقِينَ بِالْحَقِيقَةِ فِي جَوَابِ مَا هُوَ كَالْإِنْسَانِ مَثَلًا، وَالصِّنْفُ هُوَ النَّوْعُ الْمُقَيَّدُ بِقَيْدٍ عَرَضِيٍّ كَالتُّرْكِيِّ وَالْهِنْدِيِّ، وَالْمُرَادُ هَاهُنَا بِالْجِنْسِ مَا يَشْمَلُ أَصْنَافًا عَلَى اصْطِلَاحِ أُولَئِكَ، وَبِالنَّوْعِ الصِّنْفُ، فَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا أَوْ لَا، وَالْأَوَّلُ لَا حَاجَةَ فِيهِ إلَى ذِكْرِ شَيْءٍ، وَالثَّانِي لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ تَسْمِيَةِ جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ عَبْدًا هِنْدِيًّا، أَوْ تَسْمِيَةُ جِنْسِهِ وَمَبْلَغُ ثَمَنِهِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ عَبْدًا بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ لِيَصِيرَ الْفِعْلُ الْمُوَكَّلُ بِهِ مَعْلُومًا فَيُمْكِنُهُ الِائْتِمَارُ فَإِنْ ذَكَرَ الْجِنْسَ مُجَرَّدًا عَنْ الْوَصْفِ أَوْ الثَّمَنَ غَيْرَ مُفِيدٍ لِلْمَعْرِفَةِ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْوَكِيلُ مِنْ الْإِتْيَانِ بِمَا أُمِرَ بِهِ. وَاعْتُرِضَ عَلَى قَوْلِهِ لِيَصِيرَ الْفِعْلُ الْمُوَكَّلُ بِهِ مَعْلُومًا بِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُوَكَّلَ بِهِ مَعْلُومًا وَهُوَ الشِّرَاءُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُوَكَّلَ بِهِ فِي هَذَا الْقِسْمِ لَيْسَ هُوَ الشِّرَاءُ بَلْ شِرَاءُ نَوْعٍ مِنْ جِنْسٍ، وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ النَّوْعَ لَمْ يَعْلَمْ الْفِعْلَ الْمُضَافَ إلَيْهِ، بِخِلَافِ الْقِسْمِ الْآخَرِ وَهُوَ التَّوْكِيلُ الْعَامُّ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ ابْتَعْ لِي مَا رَأَيْت فَإِنَّهُ فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى رَأْيِهِ، فَأَيُّ شَيْءٍ

(إلَّا أَنْ يُوَكِّلَهُ وَكَالَةً عَامَّةً فَيَقُولَ: ابْتَعْ لِي مَا رَأَيْت) ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى رَأْيِهِ، فَأَيُّ شَيْءٍ يَشْتَرِيهِ يَكُونُ مُمْتَثِلًا. وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ تَتَحَمَّلُ فِي الْوَكَالَةِ كَجَهَالَةِ الْوَصْفِ اسْتِحْسَانًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQيَشْتَرِي يَكُونُ مُمْتَثِلًا وَيَقَعُ عَنْ الْآمِرِ (وَالْأَصْلُ أَنَّ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ مُتَحَمَّلَةٌ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ يَأْبَاهُ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مُعْتَبَرٌ بِنَفْسِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِأَنْ يُجْعَلَ الْوَكِيلُ كَالْمُشْتَرِي لِنَفْسِهِ ثُمَّ كَالْبَائِعِ مِنْ الْمُوَكِّلِ، وَفِي ذَلِكَ الْجَهَالَةُ تَمْنَعُ الصِّحَّةَ فَكَذَلِكَ فِيمَا اعْتَبَرَ بِهِ. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا ذَكَرَهُ (لِأَنَّ مَبْنَى التَّوْكِيلِ عَلَى التَّوْسِعَةِ لِأَنَّهُ اسْتِعَانَةٌ وَفِي اشْتِرَاطِ عَدَمِ الْجَهَالَةِ الْيَسِيرَةِ حَرَجٌ) فَلَوْ اعْتَبَرْنَاهُ لَكَانَ مَا فَرَضْنَاهُ تَوْسِعَةً ضَيِّقًا وَحَرَجًا، وَذَلِكَ خَلَفٌ بَاطِلٌ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْجَهَالَةِ الْيَسِيرَةِ وَغَيْرِهَا لِيَتَمَيَّزَ مَا يُفْسِدُ الْوَكَالَةَ عَمَّا لَا يُفْسِدُهَا فَنَقُولُ: إذَا بَيَّنَ الْمُوَكَّلَ بِهِ بِجِنْسِهِ وَنَوْعِهِ وَوَصْفِهِ فَذَاكَ مَعْلُومٌ صَحَّتْ الْوَكَالَةُ بِهِ لَا مَحَالَةَ، وَإِنْ تَرَكَ جَمِيعَ ذَلِكَ وَذَكَرَ لَفْظًا يَدُلُّ عَلَى أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ فَذَاكَ مَجْهُولٌ لَمْ تَصِحَّ الْوَكَالَةُ بِهِ لَا مَحَالَةَ. وَإِنْ بَيَّنَ الْجِنْسَ بِأَنْ ذَكَرَ لَفْظًا يَدُلُّ عَلَى أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَإِنْ ضَمَّ إلَى ذِكْرِهِ بَيَانَ النَّوْعِ أَوْ الثَّمَنِ جَازَتْ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ بَيَّنَ النَّوْعَ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْوَصْفَ كَالْجَوْدَةِ وَغَيْرِهَا فَكَذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ لِآخَرَ اشْتَرِ لِي ثَوْبًا أَوْ دَابَّةً أَوْ دَارًا فَالْوَكَالَةُ بَاطِلَةٌ بَيْنَ الثَّمَنِ أَوْ لَا لِلْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ، فَإِنَّ الدَّابَّةَ فِي الْحَقِيقَةِ اسْمٌ لِمَا يَدِبُّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. وَفِي الْعُرْفِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ فَقَدْ جَمَعَ أَجْنَاسًا كَثِيرَةً، وَكَذَا الثَّوْبُ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْمَلْبُوسَ مِنْ الْأَطْلَسِ إلَى الْكِسَاءِ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ مَهْرًا، وَكَذَا الدَّارُ تَشْتَمِلُ عَلَى مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْأَجْنَاسِ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا فَاحِشًا بِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ وَالْجِيرَانِ وَالْمَرَافِقِ وَالْمَحَالِّ وَالْبُلْدَانِ فَيَتَعَذَّرُ الِامْتِثَالُ، لِأَنَّ بِذَلِكَ الثَّمَنِ يُوجَدُ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ وَلَا يَدْرِي مُرَادَ الْآمِرِ لِتَفَاحُشِ الْجَهَالَةِ، وَإِلَّا إذَا وَصَفَهَا فَإِنَّهَا جَازَتْ لِارْتِفَاعِ تَفَاحُشِهَا بِذِكْرِ الْوَصْفِ

لِأَنَّ مَبْنَى التَّوْكِيلِ عَلَى التَّوَسُّعَةِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِعَانَةٌ. وَفِي اعْتِبَارِ هَذَا الشَّرْطِ بَعْضُ الْحَرَجِ وَهُوَ مَدْفُوعٌ (ثُمَّ إنْ كَانَ اللَّفْظُ يَجْمَعُ أَجْنَاسًا أَوْ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْأَجْنَاسِ لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ وَإِنْ بَيَّنَ الثَّمَنَ) ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ الثَّمَنِ يُوجَدُ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ فَلَا يُدْرَى مُرَادُ الْآمِرِ لِتَفَاحُشِ الْجَهَالَةِ (وَإِنْ كَانَ جِنْسًا يَجْمَعُ أَنْوَاعًا لَا يَصِحُّ إلَّا بِبَيَانِ الثَّمَنِ أَوْ النَّوْعِ) ؛ لِأَنَّهُ بِتَقْدِيرِ الثَّمَنِ يَصِيرُ النَّوْعُ مَعْلُومًا، وَبِذِكْرِ النَّوْعِ تَقِلُّ الْجَهَالَةُ فَلَا تَمْنَعُ الِامْتِثَالَ. مِثَالُهُ: إذَا وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ أَوْ جَارِيَةٍ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ أَنْوَاعًا فَإِنْ بَيَّنَ النَّوْعَ كَالتُّرْكِيِّ وَالْحَبَشِيِّ أَوْ الْهِنْدِيِّ أَوْ السِّنْدِيِّ أَوْ الْمُوَلِّدِ جَازَ، وَكَذَا إذَا بَيَّنَ الثَّمَنَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَوْ بَيَّنَ النَّوْعَ أَوْ الثَّمَنَ وَلَمْ يُبَيِّنْ الصِّفَةَ وَالْجَوْدَةَ وَالرَّدَاءَةَ وَالسِّطَةَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ جَهَالَةٌ مُسْتَدْرَكَةٌ، وَمُرَادُهُ مِنْ الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ النَّوْعُ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ اشْتَرِ لِي ثَوْبًا أَوْ دَابَّةً أَوْ دَارًا فَالْوَكَالَةُ بَاطِلَةٌ) لِلْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ، فَإِنَّ الدَّابَّةَ فِي حَقِيقَةِ اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا يَدِبُّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. وَفِي الْعُرْفِ يُطْلَقُ عَلَى الْخَيْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالثَّمَنِ، وَإِذَا قَالَ اشْتَرِ لِي عَبْدًا أَوْ جَارِيَةً لَا يَصِحُّ لِأَنَّ ذَلِكَ يَشْمَلُ أَنْوَاعًا، فَإِنْ قَالَ عَبْدًا تُرْكِيًّا أَوْ حَبَشِيًّا أَوْ مُوَلَّدًا وَهُوَ الَّذِي وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ قَالَ جَارِيَةً هِنْدِيَّةً أَوْ رُومِيَّةً أَوْ فَرَسًا أَوْ بَغْلًا صَحَّتْ، لِأَنَّ بِذِكْرِ النَّوْعِ تَقِلُّ الْجَهَالَةُ، وَكَذَا إذَا قَالَ عَبْدًا بِخَمْسِمِائَةٍ أَوْ جَارِيَةً بِأَلْفٍ صَحَّتْ لِأَنَّ بِتَقْدِيرِ الثَّمَنِ يَصِيرُ النَّوْعُ مَعْلُومًا عَادَةً فَلَا يَمْتَنِعُ الِامْتِثَالُ. وَتَبَيَّنَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ النَّوْعَ أَوْ الثَّمَنَ بَعْدَ ذِكْرِ الْجِنْسِ صَارَتْ الْجَهَالَةُ يَسِيرَةً، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الصِّفَةَ: أَيْ الْجَوْدَةَ وَالرَّدَاءَةَ وَالسُّلْطَةَ. وَفَائِدَةُ ذِكْرِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ

وَالْحِمَارِ وَالْبَغْلِ فَقَدْ جَمَعَ أَجْنَاسًا، وَكَذَا الثَّوْبُ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْمَلْبُوسَ مِنْ الْأَطْلَسِ إلَى الْكِسَاءِ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ مَهْرًا وَكَذَا الدَّارُ تَشْمَلُ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْأَجْنَاسِ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا فَاحِشًا بِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ وَالْجِيرَانِ وَالْمَرَافِقِ وَالْمَحَالِّ وَالْبُلْدَانِ فَيَتَعَذَّرُ الِامْتِثَالُ (قَالَ: وَإِنْ سَمَّى ثَمَنَ الدَّارِ وَوَصَفَ جِنْسَ الدَّارِ وَالثَّوْبِ جَازَ) مَعْنَاهُ نَوْعُهُ، وَكَذَا إذَا سَمَّى نَوْعَ الدَّابَّةِ بِأَنْ قَالَ حِمَارًا أَوْ نَحْوَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيَانُ اشْتِمَالِ لَفْظِهِ عَلَى أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ.

(قَالَ: وَمَنْ دَفَعَ إلَى آخَرَ دَرَاهِمَ وَقَالَ اشْتَرِ لِي بِهَا طَعَامًا فَهُوَ عَلَى الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا) اسْتِحْسَانًا. وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ عَلَى كُلِّ مَطْعُومٍ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ كَمَا فِي الْيَمِينِ عَلَى الْأَكْلِ إذْ الطَّعَامُ اسْمٌ لِمَا يُطْعَمُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعُرْفَ أَمْلَكُ وَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ إذَا ذُكِرَ مَقْرُونًا بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَمَنْ دَفَعَ إلَى آخَرَ دَرَاهِمَ وَقَالَ اشْتَرِ لِي بِهَا طَعَامًا إلَخْ) وَمَنْ دَفَعَ إلَى آخَرَ دَرَاهِمَ وَقَالَ اشْتَرِ لِي بِهَا طَعَامًا يَقَعُ عَلَى الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقَعَ عَلَى كُلِّ مَطْعُومٍ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ، كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا إذْ الطَّعَامُ اسْمٌ لِمَا يُطْعَمُ (وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعُرْفَ أَمْلَكُ) أَيْ أَقْوَى وَأَرْجَحُ بِالِاعْتِبَارِ مِنْ الْقِيَاسِ، وَالْعُرْفُ فِي شِرَاءِ الطَّعَامِ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا. قَالُوا: هَذَا عُرْفُ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَإِنَّ سُوقَ الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا عِنْدَهُمْ يُسَمَّى سُوقَ الطَّعَامِ، أَمَّا فِي عُرْفِ غَيْرِهِمْ فَيَنْصَرِفُ إلَى كُلِّ مَطْعُومٍ. قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ: الطَّعَامُ فِي عُرْفِ دِيَارِنَا مَا يُمْكِنُ أَكْلُهُ مِنْ غَيْرِ إدَامٍ كَاللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ وَالْمَشْوِيِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَيَنْصَرِفُ التَّوْكِيلُ إلَيْهِ. وَقِيلَ إنْ كَثُرَتْ الدَّرَاهِمُ عَلَى الْحِنْطَةِ، وَإِنْ قَلَّتْ فَهُوَ عَلَى الْخُبْزِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ فَعَلَى الدَّقِيقِ، وَهَذَا بِظَاهِرِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا مُطْلَقٌ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ قَلِيلَةً أَوْ كَثِيرَةً إذَا وَكَّلَ بِشِرَاءِ الطَّعَامِ يَنْصَرِفُ إلَى شِرَاءِ الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا، وَهَذَا الثَّانِي الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِلَفْظِ قِيلَ مُخَالِفٌ لِلْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيِّ، وَلَكِنْ ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَوْلٍ مُخَالِفٍ لِلْأَوَّلِ بَلْ هُوَ دَاخِلٌ فِي الْأَوَّلِ، وَذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْمَبْسُوطِ بِقَوْلِهِ: قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ بَعْدَمَا ذَكَرَ مَا قُلْنَا: ثُمَّ إنْ قَلَّتْ الدَّرَاهِمُ فَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا خُبْزًا، وَإِنْ كَثُرَتْ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ

وَلَا عُرْفَ فِي الْأَكْلِ فَبَقِيَ عَلَى الْوَضْعِ، وَقِيلَ إنْ كَثُرَتْ الدَّرَاهِمُ فَعَلَى الْحِنْطَةِ، وَإِنْ قَلَّتْ فَعَلَى الْخُبْزِ، وَإِنْ كَانَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ فَعَلَى الدَّقِيقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَشْتَرِيَ بِهَا الْخُبْزَ لِأَنَّ ادِّخَارَهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَإِنَّمَا يُمْكِنُ الِادِّخَارُ فِي الْحِنْطَةِ. وَأَقُولُ: فِي تَحْقِيقِ ذَلِكَ الْعُرْفِ يَنْصَرِفُ إطْلَاقُ اللَّفْظِ الْمُتَنَاوِلِ لِكُلِّ مَطْعُومٍ إلَى الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا، وَالدَّرَاهِمُ بِقِلَّتِهَا وَكَثْرَتِهَا وَسِطَّتِهَا تَعَيَّنَ أَفْرَادُ مَا عَيَّنَهُ الْعُرْفُ. وَقَدْ يَعْرِضُ مَا يَتَرَجَّحُ عَلَى ذَلِكَ وَيَصْرِفُهُ إلَى خِلَافِ مَا حَمَلَ بِهِ عَلَيْهِ، مِثْلُ الرَّجُلِ اتَّخَذَ الْوَلِيمَةَ وَدَفَعَ دَرَاهِمَ كَثِيرَةً يَشْتَرِي بِهَا طَعَامًا فَاشْتَرَى بِهَا خُبْزًا وَقَعَ عَلَى

قَالَ (وَإِذَا اشْتَرَى الْوَكِيلُ وَقَبَضَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ مَا دَامَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ وَهِيَ كُلُّهَا إلَيْهِ (فَإِنْ سَلَّمَهُ إلَى الْمُوَكِّلِ لَمْ يَرُدَّهُ إلَّا بِإِذْنِهِ) ؛ لِأَنَّهُ انْتَهَى حُكْمُ الْوَكَالَةِ، وَلِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ يَدِهِ الْحَقِيقِيَّةِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَلِهَذَا كَانَ خَصْمًا لِمَنْ يَدَّعِي فِي الْمُشْتَرِي دَعْوَى كَالشَّفِيعِ وَغَيْرِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُوَكِّلِ لَا بَعْدَهُ. قَالَ (وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِعَقْدِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ) ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَمْلِكُهُ بِنَفْسِهِ فَيَمْلِكُ التَّوْكِيلَ بِهِ عَلَى مَا مَرَّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَكَالَةِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْمُرَادَ ذَلِكَ. قَالَ (وَإِذَا اشْتَرَى الْوَكِيلُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ إلَخْ) وَإِذَا اشْتَرَى الْوَكِيلُ مَا وُكِّلَ بِهِ وَقَبَضَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى بِيَدِهِ أَوْ دَفَعَهُ إلَى الْمُوَكِّلُ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ جَازَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى الْبَائِعِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُوَكِّلِ، لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ وَهِيَ كُلُّهَا إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ لَمْ يَرُدَّهُ إلَّا بِإِذْنِهِ لِانْتِهَاءِ حُكْمِ الْوَكَالَةِ. وَلِأَنَّ فِي الرَّدِّ إبْطَالَ يَدِهِ الْحَقِيقِيَّةِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ إلَّا بِإِذْنِهِ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ الْحُقُوقِ كُلِّهَا إلَيْهِ (كَانَ خَصْمًا لِمَنْ يَدَّعِي فِي الْمُشْتَرَى دَعْوَى كَالشَّفِيعِ وَغَيْرِهِ) كَالْمُسْتَحَقِّ (قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُوَكِّلِ) قَالَ (وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِعَقْدِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ إلَخْ) إذَا وَكَّلَ شَخْصًا بِأَنْ يَعْقِدَ عَقْدَ الصَّرْفِ أَوْ يُسْلِمَ فِي مَكِيلٍ مَثَلًا فَفَعَلَ جَازَ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَمْلِكُهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ فَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِهِ عَلَى مَا مَرَّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ،

وَمُرَادُهُ التَّوْكِيلُ بِالْإِسْلَامِ دُونَ قَبُولِ السَّلَمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ يَبِيعُ طَعَامًا فِي ذِمَّتِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ لِغَيْرِهِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَقْبَلَ السَّلَمَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَبِيعُ طَعَامًا فِي ذِمَّتِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ لِغَيْرِهِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ مَنْ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ الْعَيْنَ عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ لِغَيْرِهِ لَا يَجُوزُ فَكَذَلِكَ فِي الدُّيُونِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ قَبُولَ السَّلَمِ عَقْدٌ يَمْلِكُهُ الْمُوَكِّلُ فَالْوَاجِبُ أَنْ يَمْلِكَهُ الْوَكِيلُ حِفْظًا لِلْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ عَنْ الِانْتِقَاضِ، وَبِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالشِّرَاءِ جَائِزٌ لَا مَحَالَةَ، وَالثَّمَنُ يَجِبُ فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلُ مُطَالَبٌ بِهِ فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ وَالْوَكِيلُ مُطَالَبٌ بِتَسْلِيمِ الْمُسْلَمِ فِيهِ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمُوَكِّلَ يَمْلِكُهُ ضَرُورَةَ دَفْعِ الْحَاجَةِ وَبِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ. وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا فَلَا يَتَعَدَّى إلَى جَوَازِ التَّوْكِيلِ بِهِ، وَالثَّابِتُ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ يَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ، وَالنَّصُّ قَدْ وَرَدَ بِجَوَازِ قَبُولِهِ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْآمِرِ بِهِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا إذَا كَانَ الْمُبْدَلُ فِي ذِمَّةِ شَخْصٍ وَآخَرُ يَمْلِكُ بَدَلَهُ، وَمَا ذَكَرْتُمْ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْمُوَكِّلَ فِي الشِّرَاءِ يَمْلِكُ الْمُبْدَلَ وَيَلْزَمُ الْبَدَلُ فِي ذِمَّتِهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَاجْعَلْ الْمُسْلَمَ فِيهِ فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ وَالْمَالُ لَهُ كَمَا فِي صُورَةِ الشِّرَاءِ. فَالْجَوَابُ هُوَ الْجَوَابُ عَنْ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ الْمَذْكُورِ آنِفًا،

(فَإِنْ فَارَقَ الْوَكِيلُ صَاحِبَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْعَقْدُ) لِوُجُودِ الِافْتِرَاقِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ (وَلَا يُعْتَبَرُ مُفَارَقَةُ الْمُوَكِّلِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَاقِدٍ وَالْمُسْتَحِقُّ بِالْعَقْدِ قَبْضُ الْعَاقِدِ وَهُوَ الْوَكِيلُ فَيَصِحُّ قَبْضُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُقُوقُ كَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِذَا بَطَلَ التَّوْكِيلُ كَانَ الْوَكِيلُ عَاقِدًا لِنَفْسِهِ فَيَجِبُ الطَّعَامُ فِي ذِمَّتِهِ وَرَأْسُ الْمَالِ مَمْلُوكٌ لَهُ، فَإِذَا سَلَّمَهُ إلَى الْآمِرِ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ مِنْهُ كَانَ قَرْضًا عَلَيْهِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يُضِيفَ الْعَقْدَ إلَى نَفْسِهِ أَوْ إلَى الْآمِرِ لِإِطْلَاقِ مَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ بَدَلِ الصَّرْفِ وَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ فِي الْمَجْلِسِ، فَإِنْ قَبَضَ الْعَاقِدُ وَهُوَ الْوَكِيلُ بَدَلَ الصَّرْفِ صَحَّ قَبْضُهُ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُقُوقُ أَوْ مِمَّنْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فَإِنَّ قَبْضَهُ صَحِيحٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَازِمًا (فَإِنْ فَارَقَ صَاحِبَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْعَقْدُ لِوُجُودِ الِافْتِرَاقِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: هَذَا إذَا كَانَ الْمُوَكِّلُ غَائِبًا عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ حَاضِرًا فِيهِ فَإِنَّ الْمُوَكِّلَ يَصِيرُ كَالصَّارِفِ بِنَفْسِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ مُفَارَقَةُ الْوَكِيلِ. وَهَذَا مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْوَكِيلَ أَصِيلٌ فِي بَابِ الْبَيْعِ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ أَوْ

بِخِلَافِ الرَّسُولِ؛ لِأَنَّ الرِّسَالَةَ فِي الْعَقْدِ لَا فِي الْقَبْضِ، وَيَنْتَقِلُ كَلَامُهُ إلَى الْمُرْسِلِ فَصَارَ قَبْضُ الرَّسُولِ قَبْضَ غَيْرِ الْعَاقِدِ فَلَمْ يَصِحَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَحْضُرْ، وَمُفَارَقَةُ الْمُوَكِّلِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَاقِدٍ وَالْمُسْتَحَقُّ قَبْضُ الْعَاقِدِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الرَّسُولِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَيَصِحُّ قَبْضُهُ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِخِلَافِ الرَّسُولَيْنِ: أَيْ الرَّسُولِ فِي بَابِ الصَّرْفِ وَالرَّسُولِ فِي بَابِ السَّلَمِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ الرَّسُولَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي الصَّرْفِ وَالرَّسُولَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي السَّلَمِ: أَيْ مِنْ جَانِبِ رَبِّ السَّلَمِ وَمِنْ جَانِبِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ، لِأَنَّهُ كَمَا لَا يَجُوزُ الْوَكَالَةُ مِنْ جَانِبِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَكَذَلِكَ الرَّسُولُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الرَّسُولَ إذَا قَبَضَ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ بِقَبْضِهِ (لِأَنَّ الرِّسَالَةَ فِي الْعَقْدِ لَا فِي الْقَبْضِ) وَإِلَّا لَكَانَ افْتِرَاقٌ بِلَا قَبْضٍ، وَإِذَا كَانَتْ فِيهِ يَنْتَقِلُ كَلَامُهُ إلَى الْمُرْسِلِ فَكَانَ قَبْضُ الرَّسُولِ قَبْضَ غَيْرِ الْعَاقِدِ فَلَمْ يَصِحَّ.

(قَالَ: وَإِذَا دَفَعَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ وَقَبَضَ الْمَبِيعَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ) ؛ لِأَنَّهُ انْعَقَدَتْ بَيْنَهُمَا مُبَادَلَةٌ حُكْمِيَّةٌ وَلِهَذَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ يَتَحَالَفَانِ وَيَرُدُّ الْمُوَكِّلُ بِالْعَيْبِ عَلَى الْوَكِيلِ وَقَدْ سَلَّمَ الْمُشْتَرِي لِلْمُوَكِّلِ مِنْ جِهَةِ الْوَكِيلِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْحُقُوقَ لَمَّا كَانَتْ رَاجِعَةً إلَيْهِ وَقَدْ عَلِمَهُ الْمُوَكِّلُ يَكُونُ رَاضِيًا بِدَفْعِهِ مِنْ مَالِهِ (فَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ قَبْلَ حَبْسِهِ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ وَلَمْ يَسْقُطْ الثَّمَنُ) ؛ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِ الْمُوَكِّلِ، فَإِذَا لَمْ يَحْبِسْهُ يَصِيرُ الْمُوَكِّلُ قَابِضًا بِيَدِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَإِذَا دَفَعَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ) إذَا دَفَعَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ وَقَبَضَ الْمَبِيعَ لَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ انْعَقَدَتْ بَيْنَهُمَا مُبَادَلَةٌ حُكْمِيَّةٌ: أَيْ صَارَ الْوَكِيلُ كَالْبَائِعِ مِنْ الْمُشْتَرِي لِثُبُوتِ أَمَارَتِهَا، فَإِنَّهُمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ يَتَحَالَفَانِ، وَإِذَا وَجَدَ الْمُوَكِّلُ عَيْبًا بِالْمُشْتَرَى يَرُدُّهُ عَلَى الْوَكِيلِ وَذَلِكَ مِنْ خَوَاصِّ الْمُبَادَلَةِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرْتُمْ فَرْعٌ عَلَى الْمُبَادَلَةِ فَكَيْفَ يَكُونُ دَلِيلًا عَلَيْهِ؟ قُلْنَا: الْفَرْعُ الْمُخْتَصُّ بِأَصْلِ وُجُودِهِ يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ أَصْلِهِ فَلَا امْتِنَاعَ فِي كَوْنِهِ دَلِيلًا، وَإِنَّمَا الْمُمْتَنِعُ كَوْنُهُ عِلَّةً لِأَصْلِهِ، وَإِذَا كَانَ الْمُوَكِّلُ كَالْمُشْتَرِي مِنْ الْوَكِيلِ وَقَدْ سَلَّمَ لَهُ الْمُشْتَرَى مِنْ جِهَتِهِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْحُقُوقَ)

(وَلَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ مِنْ الْمُوَكِّلِ. وَقَالَ زُفَرُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ صَارَ قَابِضًا بِيَدِهِ فَكَأَنَّهُ سَلَّمَهُ إلَيْهِ فَيَسْقُطُ حَقُّ الْحَبْسِ. قُلْنَا: هَذَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQدَلِيلٌ آخَرُ. وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ التَّبَرُّعَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا كَانَ الدَّفْعُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُوَكِّلِ، وَالْإِذْنُ ثَابِتًا هَاهُنَا دَلَالَةً لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ الْحُقُوقَ تَرْجِعُ إلَى الْوَكِيلِ وَمِنْ جُمْلَتِهَا الدَّفْعُ عَلِمَ أَنَّهُ مُطَالَبٌ بِالدَّفْعِ لِقَبْضِ الْمَبِيعِ وَكَانَ رَاضِيًا بِذَلِكَ آمِرًا بِهِ دَلَالَةً. وَهَلَاكُ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْوَكِيلِ قَبْلَ حَبْسِهِ لَا يُسْقِطُ الرُّجُوعَ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِ الْمُوَكِّلِ، فَإِذَا لَمْ يَحْبِسْ صَارَ الْمُوَكِّلُ قَابِضًا بِيَدِ الْوَكِيلِ، فَالْهَلَاكُ فِي يَدِ الْوَكِيلِ كَالْهَلَاكِ فِي يَدِ الْمُوَكِّلِ فَلَا يَبْطُلُ الرُّجُوعُ. وَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ مِنْ الْمُوَكِّلِ، وَلِلْبَائِعِ حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ لِقَبْضِ الثَّمَنِ، وَعَلَى هَذَا لَا فَصْلَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ دَفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ أَوْ لَا. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ صَارَ قَابِضًا بِيَدِ الْوَكِيلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ سَلَّمَهُ إلَيْهِ. وَالْحَبْسُ فِي السَّلَمِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ، وَإِنَّمَا فِي ذَلِكَ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُقَالَ التَّسْلِيمُ الِاخْتِيَارِيُّ يُسْقِطُ حَقَّ الْحَبْسِ لِأَنَّ الْمُبَادَلَةَ تَقْتَضِي الرِّضَا، وَهَذَا التَّسْلِيمُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِكَوْنِهِ ضَرُورِيًّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَتَوَسَّلُ إلَى الْحَبْسِ مَا لَمْ يَقْبِضْ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَقْبِضَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَصِيرُ الْمُوَكِّلُ قَابِضًا فَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الْحَبْسِ. وَالثَّانِي أَنْ يُقَالَ إنَّ قَبْضَ الْوَكِيلِ فِي الِابْتِدَاءِ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِتَتْمِيمِ مَقْصُودِ الْمُوَكِّلِ وَأَنْ يَكُونَ لِإِحْيَاءِ حَقِّهِ، وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ أَحَدُهُمَا بِحَبْسِهِ فَكَانَ الْآمِرُ فِيهِ مَوْقُوفًا فِي الِابْتِدَاءِ، إنْ لَمْ يَحْبِسْهُ عَنْهُ عَرَفْنَا أَنَّهُ كَانَ عَامِلًا لِلْمُوَكِّلِ، وَإِنْ حَبَسَهُ كَانَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ وَأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمْ يَصِرْ قَابِضًا بِقَبْضِهِ، فَإِنْ حَبَسَهُ فَهَلَكَ كَانَ مَضْمُونًا ضَمَانَ الرَّهْنِ. عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُعْتَبَرُ الْأَقَلُّ مِنْ

فَلَا يَكُونُ رَاضِيًا بِسُقُوطِ حَقِّهِ فِي الْحَبْسِ، عَلَى أَنَّ قَبْضَهُ مَوْقُوفٌ فَيَقَعُ لِلْمُوَكِّلِ إنْ لَمْ يَحْبِسْهُ وَلِنَفْسِهِ عِنْدَ حَبْسِهِ (فَإِنْ حَبَسَهُ فَهَلَكَ كَانَ مَضْمُونًا ضَمَانَ الرَّهْنِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَضَمَانَ الْمَبِيعِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَضَمَانَ الْغَصْبِ عِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ مَنْعٌ بِغَيْرِ حَقٍّ، لَهُمَا أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ مِنْهُ فَكَانَ حَبْسُهُ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ فَيَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقِيمَتِهِ وَمِنْ الثَّمَنِ، فَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ خَمْسَةَ عَشَرَ مَثَلًا وَقِيمَةُ الْبَيْعِ عَشَرَةً رَجَعَ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِخَمْسَةٍ. وَضَمَانُ الْبَيْعِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ يَسْقُطُ الثَّمَنُ بِهِ، قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا. وَضَمَانُ الْغَصْبِ عِنْدَ زُفَرَ يَجِبُ مِثْلُهُ أَوْ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَلَا يَرْجِعُ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ إنْ كَانَ ثَمَنُهُ أَكْثَرَ، وَيَرْجِعُ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْوَكِيلِ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ. زُفَرُ يَقُولُ: مَنْعُهُ حَقَّهُ بِغَيْرِ حَقٍّ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ قَبْضَهُ قَبْضُ الْمُوَكِّلِ وَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ فِيهِ فَصَارَ غَاصِبًا (وَلَهُمَا) أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ (أَنَّ الْوَكِيلَ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ مِنْ الْمُوَكِّلِ) كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْبَائِعُ حَبْسُهُ إنَّمَا هُوَ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ، فَكَذَا حَبْسُ الْوَكِيلِ فَيَسْقُطُ الثَّمَنُ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَزِمَ الضَّمَانُ حَبَسَ أَوْ لَمْ يَحْبِسْ، لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَضْمُونٌ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنْ لَمْ يَحْبِسْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إذَا حَبَسَ تَعَيَّنَ أَنَّهُ بِالْقَبْضِ كَانَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فَتَقْوَى جِهَةُ كَوْنِهِ بَائِعًا فَلَزِمَ الضَّمَانُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَحْبِسْ فَقَبْضُهُ كَانَ لِمُوَكِّلِهِ فَأَشْبَهَ الرَّسُولَ فَهَلَكَ عِنْدَهُ أَمَانَةً

وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْحَبْسِ لِلِاسْتِيفَاءِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ وَهُوَ الرَّهْنُ بِعَيْنِهِ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِهِ وَهَا هُنَا لَا يَنْفَسِخُ أَصْلُ الْعَقْدِ. قُلْنَا: يَنْفَسِخُ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ، كَمَا إذَا رَدَّهُ الْمُوَكِّلُ بِعَيْبٍ وَرَضِيَ الْوَكِيلُ بِهِ. (قَالَ: وَإِذَا وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَشَرَةِ أَرْطَالِ لَحْمٍ بِدِرْهَمٍ فَاشْتَرَى عِشْرِينَ رِطْلًا بِدِرْهَمٍ مِنْ لَحْمٍ يُبَاعُ مِنْهُ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ بِدِرْهَمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْحَبْسِ لِلِاسْتِيفَاءِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا قَبْلَ الْحَبْسِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَصَارَ مَضْمُونًا بَعْدَ الْحَبْسِ، وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ مَعْنَى الرَّهْنِ لَا مَعْنَى الْبَيْعِ، فَإِنَّ الْمَبِيعَ مَضْمُونٌ قَبْلَ الْحَبْسِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَهَذَا لِإِثْبَاتِ مُدَّعَاهُ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْمَبِيعِ) لِنَفْيِ قَوْلِهِمَا: يَعْنِي أَنَّ الْمُشْتَرَى لَيْسَ كَالْمَبِيعِ هَاهُنَا لِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ، وَهَاهُنَا لَا يَنْفَسِخُ أَصْلُ الْبَيْعِ: يَعْنِي الَّذِي بَيْنَ الْوَكِيلِ وَبَائِعِهِ. وَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ قُلْنَا يَنْفَسِخُ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ وَإِنْ لَمْ يَنْفَسِخْ فِي حَقِّ الْبَائِعِ، وَمِثْلُهُ لَا يَمْتَنِعُ كَمَا لَوْ وَجَدَ الْمُوَكِّلُ عَيْبًا بِالْمُشْتَرَى فَرَدَّهُ وَرَضِيَ بِهِ الْوَكِيلُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْوَكِيلَ وَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُوَكِّلِ. قِيلَ: وَهَذَا مُغَالَطَةٌ عَلَى أَبِي يُوسُفَ، لِأَنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَبَيْنَ هَلَاكِهِ فِي يَدِ الْوَكِيلِ بَعْدَ الْحَبْسِ، فَفِي الْأَوَّلِ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ، وَفِي الثَّانِي لَا، وَانْفِسَاخُ الْبَيْعِ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ لَا يَدُلُّ عَلَى انْفِسَاخِهِ مِنْ الْأَصْلِ إذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْوَكِيلِ فَخَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ مَوْضِعِ النِّزَاعِ، وَأَنَّهُ كَمَا تَرَى فَاسِدٌ لِأَنَّهُ إذَا فُرِضَ أَنَّ الْوَكِيلَ بَائِعٌ كَانَ الْهَلَاكُ فِي يَدِهِ كَالْهَلَاكِ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَيْسَ بِوَكِيلٍ فَاسْتَوَيَا فِي وُجُودِ الْفَسْخِ وَبَطَلَ الْفَرْقُ، بَلْ إذَا تَأَمَّلْت حَقَّ التَّأَمُّلِ وَجَدْت مَا ذُكِرَ مِنْ جَانِبِ أَبِي يُوسُفَ غَلَطًا أَوْ مُغَالَطَةً، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَائِعَ مِنْ الْوَكِيلِ بِمَنْزِلَةِ بَائِعِ الْبَائِعِ، وَإِذَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَبَائِعِهِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْفَسْخُ بَيْنَ الْبَائِعِ وَبَائِعِهِ فَكَانَ ذِكْرُهُ أَحَدَهُمَا. قَالَ (وَإِذَا وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَشَرَةِ أَرْطَالِ لَحْمٍ بِدِرْهَمٍ إلَخْ) وَكَّلَ رَجُلًا

لَزِمَ الْمُوَكِّلَ مِنْهُ عَشْرَةٌ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَلْزَمُهُ الْعِشْرُونَ بِدِرْهَمٍ) وَذَكَرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ لَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ فِي الْأَصْلِ. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِصَرْفِ الدِّرْهَمِ فِي اللَّحْمِ وَظَنَّ أَنَّ سِعْرَهُ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ، فَإِذَا اشْتَرَى بِهِ عِشْرِينَ فَقَدْ زَادَهُ خَيْرًا وَصَارَ كَمَا إذَا وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ بِأَلْفٍ فَبَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ عَشَرَةِ أَرْطَالٍ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِشِرَاءِ الزِّيَادَةِ فَيَنْفُذُ شِرَاؤُهَا عَلَيْهِ وَشِرَاءُ الْعَشَرَةِ عَلَى الْمُوَكِّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِشِرَاءِ عَشَرَةِ أَرْطَالٍ لَحْمٍ بِدِرْهَمٍ فَاشْتَرَى عِشْرِينَ رِطْلًا بِدِرْهَمٍ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ اللَّحْمُ يُبَاعُ مِنْهُ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ مِمَّا يُبَاعُ مِنْهُ عِشْرُونَ رِطْلًا بِدِرْهَمٍ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ لَزِمَ الْمُوَكِّلَ مِنْهُ عَشَرَةٌ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: وَقَالَا: يَلْزَمُهُ الْعِشْرُونَ. وَذَكَرَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْقُدُورِيِّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٌ لَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ فِي الْأَصْلِ: أَيْ فِي وَكَالَةِ الْمَبْسُوطِ فِي آخِرِ بَابِ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مِنْهُ فَقَالَ فِيهِ: لَزِمَ الْآمِرَ عَشَرَةٌ مِنْهَا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ وَالْبَاقِي لِلْمَأْمُورِ. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ أَمَرَ الْوَكِيلَ بِصَرْفِ الدِّرْهَمِ فِي اللَّحْمِ وَظَنَّ أَنَّ سِعْرَهُ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ، وَالْوَكِيلُ لَمْ يُخَالِفْهُ فِيمَا أَمَرَهُ وَإِنَّمَا جَاءَ ظَنُّهُ مُخَالِفًا لِلْوَاقِعِ، وَلَيْسَ عَلَى الْوَكِيلِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ لَا سِيَّمَا إذَا زَادَ خَيْرًا وَصَارَ كَمَا إذَا وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ بِأَلْفٍ فَبَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ عَشَرَةِ أَرْطَالٍ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِشِرَاءِ الزِّيَادَةِ فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ يُسَاوِي دِرْهَمًا وَقَدْ خَالَفَهُ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ فَيَنْفُذُ شِرَاؤُهَا عَلَيْهِ، وَشِرَاءُ الْعَشَرَةِ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ إتْيَانٌ بِالْمَأْمُورِ بِهِ. وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ يَجِبُ أَنْ لَا يَلْزَمَ الْآمِرَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ ثَبَتَتْ ضِمْنًا لِلْعِشْرِينِ إلَّا قَصْدًا وَقَدْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَشَرَةٍ قَصْدًا، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَجُوزُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. كَمَا إذَا قَالَ لِرَجُلٍ طَلِّقْ امْرَأَتِي وَاحِدَةً فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا لَا تَقَعُ وَاحِدَةٌ لِثُبُوتِهَا فِي ضِمْنِ الثَّلَاثِ. وَالْمُتَضَمَّنِ لَمْ يَثْبُتْ لِعَدَمِ التَّوْكِيلِ بِهِ فَلَا يَثْبُتُ مَا فِي ضِمْنِهِ أَيْضًا تَبَعًا لَهُ. وَالثَّانِي أَنَّهُ إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ ثَوْبًا هَرَوِيًّا بِعَشَرَةٍ فَاشْتَرَى لَهُ هَرَوِيَّيْنِ بِعَشَرَةٍ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُسَاوِي عَشَرَةً. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: يَعْنِي لَا يَلْزَمُ الْآمِرَ مِنْهُمَا شَيْءٌ، وَالْمَسْأَلَةُ كَالْمَسْأَلَةِ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ. وَأَجَابَ عَنْ الْأَوَّلِ الْإِمَامُ حُمَيْدُ الدِّينِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ وُقُوعَ الْوَاحِدَةِ ضِمْنِيٌّ، وَمَا هُوَ كَذَلِكَ لَا يَقَعُ إلَّا فِي ضِمْنِ مَا تَضَمَّنَهُ، وَمَا تَضَمَّنَهُ لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ الْأَمْرِ بِهِ فَكَذَا مَا فِي ضِمْنِهِ، وَأَمَّا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَكُلُّ قَصْدِي لِأَنَّ أَجْزَاءَ الثَّمَنِ تَتَوَزَّعُ عَلَى أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الضِّمْنُ فِي الشِّرَاءِ. وَعَنْ الثَّانِي صَاحِبُ النِّهَايَةِ يَجْعَلُ اللَّحْمَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَلَا تَفَاوُتَ فِي قِيمَتِهَا إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَصِفَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَلَامُنَا فِيهِ، وَحِينَئِذٍ كَانَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَجْعَلَ لِلْمُوَكِّلِ أَيَّ عَشَرَةٍ شَاءَ، بِخِلَافِ الثَّوْبِ فَإِنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ، فَالثَّوْبَانِ وَإِنْ تَسَاوَيَا فِي الْقِيمَةِ لَكِنْ يُعْرَفُ ذَلِكَ بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ وَذَلِكَ لَا يُعَيِّنُ حَقَّ الْمُوَكِّلِ فَيَثْبُتُ حَقُّهُ مَجْهُولًا فَلَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فِي التَّتِمَّةِ فَقَالَ: لِأَنِّي لَا أَدْرِي أَيَّهُمَا أُعْطِيهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْعَشَرَةِ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَا تُعْرَفُ إلَّا بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ، وَهَذَا لَا يَتَمَشَّى إلَّا عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ جَعَلَ اللَّحْمَ مِثْلِيًّا وَهُوَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْمُحِيطِ، وَأَمَّا عِنْدَ غَيْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْلِيلٍ آخَرَ، وَلَعَلَّ ذَاكَ أَنْ يُقَالَ اللَّحْمُ أَيْضًا مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ لَكِنَّ التَّفَاوُتَ فِيهِ قَلِيلٌ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ مَفْرُوضِ التَّسَاوِي فِي الْقَدْرِ وَالْقِيمَةِ وَقَدْ اخْتَلَطَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، بِخِلَافِ الثَّوْبِ فَإِنَّ فِي تَطَرُّقِ الْخَلَلِ فِي احْتِمَالِ التَّسَاوِي كَثْرَةً مَادَّةً وَصُورَةً وَطُولًا وَعَرْضًا وَرِفْعَةً وَرُقْعَةً، وَأَجَلُهُ كَوْنُهُ حَاصِلًا

بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ هُنَاكَ بَدَلُ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ فَيَكُونُ لَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى مَا يُسَاوِي عِشْرِينَ رِطْلًا بِدِرْهَمٍ حَيْثُ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْآمِرَ يَتَنَاوَلُ السَّمِينَ وَهَذَا مَهْزُولٌ فَلَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُ الْآمِرِ. قَالَ (وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِنَفْسِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِصُنْعِ الْعِبَادِ مَحَلُّ السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ فَلَا يَلْزَمُ تَحَمُّلُهُ مِنْ تَحَمُّلِ مَا هُوَ أَقَلُّ خَلَلًا (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا اُسْتُشْهِدَ بِهِ) جَوَابٌ عَنْ تَمْثِيلِ أَبِي يُوسُفَ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ بِتَوْكِيلِ بَيْعِ الْعَبْدِ بِأَلْفٍ وَبَيْعِهِ بِأَلْفَيْنِ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ هُنَاكَ بَدَلُ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ فَتَكُونُ لَهُ. وَرُدَّ بِأَنَّ الدِّرْهَمَ مِلْكُ الْمُوَكِّلِ فَتَكُونُ الزِّيَادَةُ بَدَلَ مِلْكِهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الزِّيَادَةَ ثَمَّةَ مُبْدَلٌ مِنْهُ لَا بَدَلٌ فَكَانَ الْفَرْقُ ظَاهِرًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ ذَلِكَ قِيَاسُ الْمَبِيعِ عَلَى الثَّمَنِ وَهُوَ فَاسِدٌ لِوُجُودِ الْفَارِقِ، وَأَقَلُّ ذَلِكَ أَنَّ الْأَلْفَ الزَّائِدَ لَا يَفْسُدُ بِطُولِ الْمُكْثِ بِخِلَافِ اللَّحْمِ وَيَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى حَاجَةٍ أُخْرَى نَاجِزَةٍ وَقَدْ يَتَعَذَّرُ ذَلِكَ فِي اللَّحْمِ فَيَتْلَفُ. وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ؛ كَانَ الْمُشْتَرَى لِلْوَكِيلِ بِالْإِجْمَاعِ لِوُجُودِ الْمُخَالَفَةِ، لِأَنَّ الْأَمْرَ تَنَاوَلَ السَّمِينَ وَالْمُشْتَرَى هَزِيلٌ فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْآمِرِ. قَالَ (وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ إلَخْ) وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَا يَصِحُّ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَغْرِيرِ الْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَلِأَنَّ فِيهِ عَزْلَ نَفْسِهِ عَنْ الْوَكَالَةِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ بِغَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ عَلَى مَا قِيلَ لِأَنَّهُ فَسْخُ عَقْدٍ فَلَا يَصِحُّ بِدُونِ عِلْمِ صَاحِبِهِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ، فَإِنْ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ وَالْمُوَكِّلُ غَائِبٌ وَقَعَ عَنْ الْمُوَكِّلِ

لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَغْرِيرِ الْآمِرِ حَيْثُ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ فِيهِ عَزْلَ نَفْسِهِ وَلَا يَمْلِكُهُ عَلَى مَا قِيلَ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْمُوَكِّلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا إذَا بَاشَرَ عَلَى وَجْهِ الْمُخَالَفَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَا تَحْصُلُ بِهِ الْمُخَالَفَةُ، فَإِذَا سَمَّى الثَّمَنَ فَاشْتَرَى بِخِلَافِ جِنْسٍ أَوْ لَمْ يُسَمِّ فَاشْتَرَى بِغَيْرِ النُّقُودِ أَوْ وَكَّلَ رَجُلًا فَاشْتَرَى وَهُوَ غَائِبٌ يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ لِلْوَكِيلِ لِأَنَّهُ خَالَفَ الْآمِرَ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ. أَمَّا إذَا اشْتَرَى بِخِلَافِ جِنْسِ مَا سَمَّى فَظَاهِرٌ، وَكَذَا إذَا اشْتَرَى بِغَيْرِ النُّقُودِ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ نَقْدُ الْبَلَدِ فَالْأَمْرُ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ، وَكَذَا إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَحْضُرَ رَأْيُهُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ فِي حَالِ غَيْبَتِهِ. قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْوَكِيلِ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا إذَا أَنْكَحَهَا مِنْ نَفْسِهِ بِمِثْلِ الْمَهْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْوَكِيلِ لَا عَنْ الْمُوَكِّلِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ فِي الْمَهْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ: وَأُجِيبَ بِأَنَّ النِّكَاحَ الْمُوَكَّلَ

فَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ مُسَمًّى فَاشْتَرَى بِخِلَافِ جِنْسِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى فَاشْتَرَى بِغَيْرِ النُّقُودِ أَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِشِرَائِهِ فَاشْتَرَى الثَّانِي وَهُوَ غَائِبٌ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْوَكِيلِ الْأَوَّلِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ أَمْرَ الْآمِرِ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ. وَلَوْ اشْتَرَى الثَّانِيَ بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ نَفَذَ عَلَى الْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ حَضَرَهُ رَأْيُهُ فَلَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِ نِكَاحٌ مُضَافٌ إلَى الْمُوَكِّلِ وَالْمَوْجُودُ مِنْهُ لَيْسَ بِمُضَافٍ إلَيْهِ حَيْثُ أَنْكَحَهَا مِنْ نَفْسِهِ، فَإِنَّ الْإِنْكَاحَ مِنْ نَفْسِهِ هُوَ أَنْ يَقُولَ تَزَوَّجْتُك وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُضَافٍ إلَى الْمُوَكِّلِ لَا مَحَالَةَ فَكَانَتْ الْمُخَالَفَةُ مَوْجُودَةً فَوَقَعَ عَنْ الْوَكِيلِ، وَإِذَا عُرِفَ مَا بِهِ الْمُخَالَفَةُ فَمَا عَدَاهُ مُوَافِقُهُ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالْمُسَمَّى مِنْ الثَّمَنِ أَوْ بِالنُّقُودِ فِيمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ أَوْ إذَا اشْتَرَى الْوَكِيلُ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ فَيَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ إذَا حَضَرَهُ رَأْيُهُ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا. قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ أَوْ النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ فَفَعَلَ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ أَجْنَبِيٌّ فَبَلَغَ الْوَكِيلَ فَأَجَازَهُ جَازَ وَبَيْنَ التَّوْكِيلِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ الثَّانِيَ إذَا طَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ لَا يَقَعُ، وَالرِّوَايَةُ فِي الذَّخِيرَةِ وَالتَّتِمَّةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعَمَلَ بِحَقِيقَةِ الْوَكَالَةِ فِيهِمَا مُتَعَذِّرٌ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ تَفْوِيضُ الرَّأْيِ إلَى الْوَكِيلِ، وَتَفْوِيضُ الرَّأْيِ إلَى الْوَكِيلِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ، وَلَا حَاجَةَ فِيهِمَا إذَا انْفَرَدَا عَنْ مَالٍ إلَى الرَّأْيِ فَجَعَلْنَاهَا مَجَازًا لِلرِّسَالَةِ لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ مَعْنَى الرِّسَالَةِ وَالرَّسُولُ يَنْقُلُ عِبَارَةَ الْمُرْسِلِ فَكَانَ الْمَأْمُورُ مَأْمُورًا بِنَقْلِ عِبَارَةِ الْآمِرِ لَا بِشَيْءٍ آخَرَ، وَتَوْكِيلُ الْآخَرِ أَوْ الْإِجَازَةُ لَيْسَ مِنْ النَّقْلِ فِي شَيْءٍ فَلَمْ يَمْلِكْهُ الْوَكِيلُ. وَأَمَّا فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّ الْعَمَلَ بِحَقِيقَةِ الْوَكَالَةِ

قَالَ (وَإِنْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ: فَاشْتَرَى عَبْدًا فَهُوَ لِلْوَكِيلِ إلَّا أَنْ يَقُولَ نَوَيْت الشِّرَاءَ لِلْمُوَكِّلِ أَوْ يَشْتَرِيَهُ بِمَالِ الْمُوَكِّلِ) قَالَ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ: إنْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى دَرَاهِمِ الْآمِرِ كَانَ لِلْآمِرِ وَهُوَ الْمُرَادُ عِنْدِي بِقَوْلِهِ أَوْ يَشْتَرِيهِ بِمَالِ الْمُوَكِّلِ دُونَ النَّقْدِ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا وَخِلَافًا، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ مُطْلَقٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمُمْكِنٌ لِأَنَّهَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى الرَّأْيِ، فَاعْتُبِرَ الْمَأْمُورُ وَكِيلًا وَالْمَأْمُورُ بِهِ حُضُورُ رَأْيِهِ وَقَدْ حَضَرَ بِحُضُورِهِ أَوْ بِإِجَازَتِهِ. قَالَ (وَإِنْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ إلَخْ) إذَا وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَاشْتَرَى عَبْدًا فَهُوَ لِلْوَكِيلِ إلَّا أَنْ يَقُولَ نَوَيْت الشِّرَاءَ لِلْمُوَكِّلِ أَوْ يَشْتَرِيهِ بِمَالِ الْمُوَكِّلِ. وَقَوْلُهُ وَهَذَا مُحْتَمَلٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ النَّقْدَ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ، وَأَنْ تَكُونَ الْإِضَافَةُ إلَيْهِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَهُوَ الْمُرَادُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى وُجُوهٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُضِيفَ الْعَقْدَ إلَى مَالِ الْمُوَكِّلِ أَوْ إلَى مَالِ نَفْسِهِ أَوْ إلَى دَرَاهِمَ مُطْلَقَةٍ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ كَانَ لِلْآمِرِ حَمْلًا لِحَالِ الْوَكِيلِ عَلَى مَا يَحِلُّ لَهُ شَرْعًا، إذْ الشِّرَاءُ لِنَفْسِهِ بِإِضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى دَرَاهِمِ غَيْرِهِ مُسْتَنْكَرٌ

وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى دَرَاهِمِ نَفْسِهِ كَانَ لِنَفْسِهِ حَمْلًا لِحَالِهِ عَلَى مَا يَحِلُّ لَهُ شَرْعًا أَوْ يَفْعَلُهُ عَادَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQشَرْعًا وَعُرْفًا لِكَوْنِهِ غَصْبًا لِدَرَاهِمِ الْآمِرِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ كَانَ لِلْمَأْمُورِ حَمْلًا لِفِعْلِهِ عَلَى مَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ عَادَةً لِجَرَيَانِهَا بِوُقُوعِ الشِّرَاءِ لِصَاحِبِ الدَّرَاهِمِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ حَمْلًا لِحَالِهِ عَلَى مَا يَحِلُّ لَهُ شَرْعًا أَوْ يَفْعَلُهُ عَادَةً. دَلِيلًا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي يُعْلَمُ بِالدَّلَالَةِ، فَإِنَّهُ كَمَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِنَفْسِهِ وَيُضِيفَ الْعَقْدَ إلَى غَيْرِهِ شَرْعًا فَكَذَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِغَيْرِهِ وَيُضِيفَهُ إلَى دَرَاهِمِ نَفْسِهِ وَالْعَادَةُ مُشْتَرَكَةٌ لَا مَحَالَةَ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ بِالْأَوَّلِ يَصِيرُ غَاصِبًا دُونَ الثَّانِي فَلَا امْتِنَاعَ فِيهِ شَرْعًا، وَإِنْ كَانَ الثَّالِثَ

إذْ الشِّرَاءُ لِنَفْسِهِ بِإِضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى دَرَاهِمِ غَيْرِهِ مُسْتَنْكَرٌ شَرْعًا وَعُرْفًا. وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى دَرَاهِمَ مُطْلَقَةٍ، فَإِنْ نَوَاهَا لِلْآمِرِ فَهُوَ لِلْآمِرِ، وَإِنْ نَوَاهَا لِنَفْسِهِ فَلِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ لِنَفْسِهِ وَيَعْمَلَ لِلْآمِرِ فِي هَذَا التَّوْكِيلِ، وَإِنْ تَكَاذَبَا فِي النِّيَّةِ يَحْكُمُ النَّقْدُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ تَوَافَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هُوَ لِلْعَاقِدِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ إلَّا إذَا ثَبَتَ جَعَلَهُ لِغَيْرِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَحْكُمُ النَّقْدُ؛ لِأَنَّ مَا أَوْقَعَهُ مُطْلَقًا يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَأَمَّا إنْ نَوَاهَا لِلْآمِرِ فَهِيَ لَهُ، أَوْ لِنَفْسِهِ فَلِنَفْسِهِ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ فِي هَذَا التَّوْكِيلِ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ لِشَيْءٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْوَكِيلُ نَوَيْت لِنَفْسِي وَقَالَ الْمُوَكِّلُ نَوَيْت لِي حُكْمُ النَّقْدِ بِالْإِجْمَاعِ فَمِنْ مَالِ مَنْ نَقَدَ الثَّمَنَ كَانَ الْمَبِيعُ لَهُ لِأَنَّهُ دَلَالَةٌ

فَيَبْقَى مَوْقُوفًا، فَمِنْ أَيِّ الْمَالَيْنِ نَقَدَ فَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ الْمُحْتَمَلَ لِصَاحِبِهِ وَلِأَنَّ مَعَ تَصَادُقِهِمَا يَحْتَمِلُ النِّيَّةَ لِلْآمِرِ، وَفِيمَا قُلْنَا حَمْلُ حَالِهِ عَلَى الصَّلَاحِ كَمَا فِي حَالَةِ التَّكَاذُبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQظَاهِرَةٌ عَلَى ذَلِكَ لِمَا مَرَّ مِنْ حَمْلِ حَالِهِ عَلَى مَا يَحِلُّ لَهُ شَرْعًا، وَإِنْ تَوَافَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ قَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ لِلْعَاقِدِ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَعْمَلَ كُلُّ أَحَدٍ لِنَفْسِهِ إلَّا إذَا ثَبَتَ جَعْلُهُ لِغَيْرِهِ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَالِهِ أَوْ بِالنِّيَّةِ لَهُ وَالْفَرْضُ عَدَمُهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُحْكَمُ النَّقْدُ لِأَنَّ مَا أَوْقَعَهُ مُطْلَقًا يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ، أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ فَيَكُونُ مَوْقُوفًا، فَمِنْ أَيِّ الْمَالَيْنِ نَقَدَ تَعَيَّنَ بِهِ أَحَدُ الْمُحْتَمَلَيْنِ وَلِأَنَّ مَعَ تَصَادُقِهِمَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ نَوَى لِلْآمِرِ وَنَسِيَهُ (قَوْلُهُ وَفِيمَا قُلْنَا) يَعْنِي تَحْكِيمَ النَّقْدِ (حَمْلُ حَالِهِ عَلَى الصَّلَاحِ) لِأَنَّهُ إذَا كَانَ النَّقْدُ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ وَالشِّرَاءُ لَهُ كَانَ غَصْبًا كَمَا فِي حَالَةِ التَّكَاذُبِ. وَإِذَا عَلِمْت هَذِهِ الْوُجُوهَ ظَهَرَ لَك أَنَّ فِي النَّقْدِ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ تَفْصِيلًا إذَا اشْتَرَى بِدَرَاهِمَ مُطْلَقَةٍ وَلَمْ يَنْوِ لِنَفْسِهِ، إنْ نَقَدَ مِنْ دَرَاهِمِ الْمُوَكِّلِ كَانَ الشِّرَاءُ لَهُ، وَإِنْ نَقَدَ مِنْ دَرَاهِمِ الْوَكِيلِ كَانَ لَهُ، وَإِنْ نَوَاهُ لِلْمُوَكِّلِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِالنَّقْدِ وَخِلَافًا فِيمَا إذَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ وَقْتَ الشِّرَاءِ أَنَّهُ يَقَعُ لِلْوَكِيلِ أَوْ يَحْكُمُ النَّقْدُ، وَفِي الْإِضَافَةِ إلَى مَالِ الْمُوَكِّلِ يَقَعُ لَهُ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ مُطْلَقٌ لَا تَفْصِيلَ فِيهِ فَكَانَ حَمْلُ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ: أَوْ يَشْتَرِيهِ بِمَالِ الْمُوَكِّلِ عَلَى الْإِضَافَةِ أَوْلَى، وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ الْمُرَادُ عِنْدِي. بَقِيَ الْكَلَامُ فِي أَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى أَيِّ نَقْدٍ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُفِيدَ شَيْئًا لِأَنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعَيُّنِ وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّا لَا نَقُولُ إنَّ الشِّرَاءَ بِتِلْكَ الدَّرَاهِمِ يَتَعَيَّنُ، وَإِنَّمَا نَقُولُ الْوَكَالَةُ تَتَقَيَّدُ بِهَا عَلَى مَا سَيَجِيءُ مِنْ أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي الْوَكَالَاتِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ قَبْلَ الشِّرَاءِ بِهِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ، وَإِذَا تَقَيَّدَتْ بِهَا لَمْ يَكُنْ الشِّرَاءُ بِغَيْرِهَا مِنْ مُوجِبَاتِ الْوَكَالَةِ

وَالتَّوْكِيلُ بِالْإِسْلَامِ فِي الطَّعَامِ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ قَالَ (وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِأَلْفٍ فَقَالَ قَدْ فَعَلْت وَمَاتَ عِنْدِي وَقَالَ الْآمِرُ اشْتَرَيْته لِنَفْسِك فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ، فَإِنْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهِ الْأَلْفَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَأْمُورِ) ؛ لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَخْبَرَ عَمَّا لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ وَهُوَ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْآمِرِ وَهُوَ يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَالتَّوْكِيلُ بِالْإِسْلَامِ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ) إنَّمَا خَصَّهُ بِالذِّكْرِ مَعَ اسْتِفَادَةِ حُكْمِهِ مِنْ التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ نَفْيًا لِقَوْلِ بَعْضِ مَشَايِخِنَا، فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِي مَسْأَلَةِ الشِّرَاءِ إذَا تَصَادَقَا أَنَّهُ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ فَالْعَقْدُ لِلْوَكِيلِ إجْمَاعًا وَلَا يَحْكُمُ النَّقْدُ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي مَسْأَلَةِ التَّوْكِيلِ بِالْإِسْلَامِ، وَهَذَا الْقَائِلُ فَرَّقَ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الشِّرَاءِ وَالسَّلَمِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِأَنَّ لِلنَّقْدِ أَثَرًا فِي تَنْفِيذِ السَّلَمِ، فَإِنَّ الْمُفَارَقَةَ بِلَا نَقْدٍ تُبْطِلُ السَّلَمَ، فَإِذَا جُهِلَ مَنْ لَهُ الْعَقْدُ يُسْتَبَانُ بِالنَّقْدِ وَلَيْسَ الشِّرَاءُ كَذَلِكَ فَكَانَ الْعَقْدُ لِلْعَاقِدِ عَمَلًا بِقَضِيَّةِ الْأَصْلِ. قَالَ (وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِأَلْفٍ إلَخْ) وَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِأَلْفٍ فَقَالَ قَدْ فَعَلْت وَأَنْكَرَهُ الْمُوَكِّلُ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ التَّوْكِيلُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَالْأَوَّلُ سَيَجِيءُ، وَالثَّانِي إمَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مَيِّتًا عِنْدَ الِاخْتِلَافِ أَوْ حَيًّا. وَعَلَى كُلٍّ مِنْ التَّقْدِيرَيْنِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا أَوْ غَيْرَهُ، فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا وَالثَّمَنُ غَيْرُ مَنْقُودٍ فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ أَخْبَرَ عَمَّا لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَ سَبَبِهِ وَهُوَ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْآمِرِ، فَإِنَّ سَبَبَ الرُّجُوعِ عَلَى الْآمِرِ هُوَ الْعَقْدُ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِئْنَافِهِ، لِأَنَّ الْعَبْدَ مَيِّتٌ وَهُوَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْعَقْدِ، فَكَانَ قَوْلُ الْوَكِيلِ فَعَلْت وَمَاتَ عِنْدِي لِإِرَادَةِ الرُّجُوعِ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَهُوَ مُنْكَرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، فَقَوْلُهُ (لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ) مَعْنَاهُ اسْتِئْنَافُ سَبَبِهِ فَهُوَ مَجَازٌ بِالْحَذْفِ، وَقَوْلُهُ (وَهُوَ) رَاجِعٌ

وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي هُوَ أَمِينٌ يُرِيدُ الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ. وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ حَيًّا حِينَ اخْتَلَفَا، إنْ كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْقُودًا فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَ الشِّرَاءِ فَلَا يُتَّهَمُ فِي الْإِخْبَارِ عَنْهُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْقَوْلُ لِلْأَمْرِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ تُهْمَةٍ بِأَنْ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ، فَإِذَا رَأَى الصَّفْقَةَ خَاسِرَةً أَلْزَمَهَا الْآمِرَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ تَبَعًا لِذَلِكَ وَلَا ثَمَنَ فِي يَدِهِ هَاهُنَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى " مَا " فِي عَمَّا، وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَأْمُورِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ يُرِيدُ الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ حَيًّا حِينَ اخْتَلَفَا، فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْقُودًا فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَ الشِّرَاءِ لِكَوْنِ الْمَحَلِّ قَابِلًا فَلَا يُتَّهَمُ فِي الْإِخْبَارِ عَنْهُ. فَإِنْ قِيلَ: إنْ وَقَعَ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ كَيْفَ يَقَعُ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْمُوَكِّلِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ تَمَلُّكَ اسْتِئْنَافِ الشِّرَاءِ دَائِرٌ مَعَ التَّصَوُّرِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَفْسَخَ الْوَكِيلُ الْعَقْدَ مَعَ بَائِعِهِ ثُمَّ يَشْتَرِيَهُ لِلْمُوَكِّلِ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَوْلُ لِلْآمِرِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ تُهْمَةٍ بِأَنْ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ، فَإِذَا رَأَى الصَّفْقَةَ خَاسِرَةً أَرَادَ أَنْ يَلْزَمَهَا الْآمِرُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ تَبَعًا لِذَلِكَ: أَيْ لِلْخُرُوجِ مِنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ (وَلَا ثَمَنَ فِي يَدِهِ هَاهُنَا) يَعْنِي فِيمَا نَحْنُ فِيهِ حَتَّى يَكُونَ

وَإِنْ كَانَ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ اخْتَلَفَا وَالْعَبْدُ حَيٌّ فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا أَوْ غَيْرَ مَنْقُودٍ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ، وَلَا تُهْمَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَا يَمْلِكُ شِرَاءَهُ لِنَفْسِهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ الثَّمَنِ فِي حَالِ غَيْبَتِهِ عَلَى مَا مَرَّ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَكِيلُ أَمِينًا فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ تَبَعًا لِلْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ (وَإِنْ كَانَ التَّوْكِيلُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ اخْتَلَفَا وَالْعَبْدُ حَيٌّ فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا أَوْ لَا بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ) وَيُرِيدُ بِذَلِكَ الرُّجُوعَ عَلَى الْآمِرِ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ. أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَا يَمْلِكُ شِرَاءَهُ لِنَفْسِهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ الثَّمَنِ فِي حَالِ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ عَلَى مَا مَرَّ أَنَّ شِرَاءَ مَا وَكَّلَ بِهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ الثَّمَنِ عَزْلٌ لِنَفْسِهِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُهُ حَالَ غَيْبَتِهِ، بِخِلَافِ حُضُورِهِ فَإِنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ جَازَ وَوَقَعَ الْمُشْتَرَى لَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَإِنَّ فِيهِ التُّهْمَةَ الْمَذْكُورَةَ مِنْ جَانِبِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ هَالِكًا وَالثَّمَنُ مَنْقُودًا فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ يُرِيدُ الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَنْقُودٍ فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ.

(وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ بِعْنِي هَذَا الْعَبْدَ لِفُلَانٍ فَبَاعَهُ ثُمَّ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ فُلَانٌ أَمَرَهُ ثُمَّ جَاءَ فُلَانٌ وَقَالَ أَنَا أَمَرْته بِذَلِكَ فَإِنَّ فُلَانًا يَأْخُذُهُ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ السَّابِقَ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْوَكَالَةِ عَنْهُ فَلَا يَنْفَعُهُ الْإِنْكَارُ اللَّاحِقُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ بِعْنِي هَذَا الْعَبْدَ لِفُلَانٍ إلَخْ) رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ بِعْنِي هَذَا الْعَبْدَ لِفُلَانٍ: يَعْنِي لِأَجْلِهِ فَبَاعَهُ مِنْهُ، فَلَمَّا طَلَبَهُ مِنْهُ

(فَإِنْ قَالَ فُلَانٌ لَمْ آمُرْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ) ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ (إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ الْمُشْتَرَى لَهُ فَيَكُونُ بَيْعًا عَنْهُ وَعَلَيْهِ الْعُهْدَةُ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُشْتَرِيًا بِالتَّعَاطِي، كَمَنْ اشْتَرَى لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ حَتَّى لَزِمَهُ ثُمَّ سَلَّمَهُ الْمُشْتَرَى لَهُ، وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ التَّسْلِيمَ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ يَكْفِي لِلتَّعَاطِي وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ نَقْدُ الثَّمَنِ، وَهُوَ يَتَحَقَّقُ فِي النَّفِيسِ وَالْخَسِيسِ لِاسْتِتْمَامِ التَّرَاضِي وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْبَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفُلَانٌ أَبَى أَنْ يَكُونَ فُلَانٌ أَمَرَهُ بِذَلِكَ فَإِنَّ لِفُلَانٍ وِلَايَةَ أَخْذِهِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ السَّابِقَ: يَعْنِي قَوْلَهُ لِفُلَانٍ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْوَكَالَةِ عَنْهُ، وَالْإِقْرَارُ بِالشَّيْءِ لَا يَبْطُلُ بِالْإِنْكَارِ اللَّاحِقِ فَلَا يَنْفَعُهُ الْإِنْكَارُ اللَّاحِقُ. فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ لِفُلَانٍ لَيْسَ بِنَصٍّ فِي الْوَكَالَةِ بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلشَّفَاعَةِ كَالْأَجْنَبِيِّ طَلَبُ تَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ مِنْ الشَّفِيعِ فَقَالَ الشَّفِيعُ سَلَّمْتهَا لَك: أَيْ لِأَجْلِ شَفَاعَتِك. قُلْنَا: خِلَافُ الظَّاهِرِ لَا يُصَارُ إلَيْهِ بِلَا قَرِينَةٍ، وَسُؤَالُ التَّسْلِيمِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ قَرِينَةٌ فِي الشُّفْعَةِ وَلَيْسَ الْقَرِينَةُ بِمَوْجُودَةٍ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ (وَإِنْ قَالَ فُلَانٌ لَمْ آمُرْهُ أَنَا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ ارْتَدَّ بِالرَّدِّ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ الْمُشْتَرِي لَهُ) أَيْ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ الْمُشْتَرِي لَهُ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَى لِأَجْلِهِ إلَيْهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَ فُلَانًا الْعَبْدَ الْمُشْتَرَى لِأَجْلِهِ، وَفَاعِلُ يُسَلِّمُ ضَمِيرٌ يَعُودُ إلَى الْمُشْتَرِي بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا (فَيَكُونُ بَيْعًا وَعَلَيْهِ الْعُهْدَةُ) أَيْ عَلَى فُلَانٍ عُهْدَةُ الْأَخْذِ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ صَارَ مُشْتَرِيًا بِالتَّعَاطِي

قَالَ (وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ ثَمَنًا فَاشْتَرَى لَهُ أَحَدَهُمَا جَازَ) ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ، وَقَدْ لَا يَتَّفِقُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْبَيْعِ (إلَّا فِيمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ) ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ بِالشِّرَاءِ، وَهَذَا كُلُّهُ بِالْإِجْمَاعِ (وَلَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَهُمَا بِأَلْفٍ وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ اشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ أَوْ أَقَلَّ جَازَ، وَإِنْ اشْتَرَى بِأَكْثَرَ لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ) ؛ لِأَنَّهُ قَابَلَ الْأَلْفَ بِهِمَا وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ دَلَالَةً، ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالْفُضُولِيِّ إذَا اشْتَرَى لِشَخْصٍ ثُمَّ سَلَّمَهُ الْمُشْتَرَى لِأَجْلِهِ. وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ التَّسْلِيمَ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ يَكْفِي لِلتَّعَاطِي وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ نَقْدُ الثَّمَنِ وَهُوَ يَتَحَقَّقُ فِي النَّفِيسِ وَالْخَسِيسِ لِوُجُودِ التَّرَاضِي الَّذِي هُوَ رُكْنٌ فِي بَابِ الْبَيْعِ. قَالَ (وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا إلَخْ) وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا (وَلَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا فَاشْتَرَى أَحَدَهُمَا جَازَ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ) عَنْ قَيْدِ شِرَائِهِمَا مُتَفَرِّقَيْنِ أَوْ مُجْتَمِعَيْنِ (فَقَدْ لَا يَتَّفِقُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْبَيْعِ) أَيْ الشِّرَاءِ (إلَّا فِيمَا لَا يُتَغَابَنُ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ جَازَ: أَيْ جَازَ شِرَاءُ أَحَدِهِمَا إلَّا فِيمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ بِالشِّرَاءِ وَهُوَ لَا يَتَحَمَّلُ الْغَبَنَ الْفَاحِشَ بِالْإِجْمَاعِ، بِخِلَافِ التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يُجَوِّزُ الْبَيْعَ بِغَبَنٍ فَاحِشٍ. وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُمَا بِأَلْفٍ وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ. فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ اشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ أَوْ بِأَقَلَّ جَازَ، وَإِنْ اشْتَرَى بِأَكْثَرَ لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ لِأَنَّهُ قَابَلَ الْأَلْفَ بِهِمَا وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِوُقُوعِ الْأَمْرِ بِذَلِكَ دَلَالَةً فَكَانَ آمِرًا بِشِرَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ بِخَمْسِمِائَةٍ، ثُمَّ الشِّرَاءُ بِذَلِكَ مُوَافَقَةٌ وَبِأَقَلَّ مِنْهُمَا مُخَالَفَةٌ إلَى خَيْرٍ، وَبِالزِّيَادَةِ مُخَالَفَةٌ إلَى شَرٍّ قَلِيلَةً كَانَتْ أَوْ كَثِيرَةً، فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ الْبَاقِيَ بِبَقِيَّةِ الْأَلْفِ قَبْلَ أَنْ يَخْتَصِمَا اسْتِحْسَانًا. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَ الْآمِرَ إذَا اشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِأَزْيَدَ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ، وَإِنْ قَلَّتْ الزِّيَادَةُ وَاشْتَرَى الْبَاقِيَ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْأَلْفِ قَبْلَ الِاخْتِصَامِ

فَكَانَ آمِرًا بِشِرَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ الشِّرَاءُ بِهَا مُوَافَقَةً وَبِأَقَلَّ مِنْهَا مُخَالَفَةً إلَى خَيْرٍ وَالزِّيَادَةُ إلَى شَرٍّ قَلَّتْ الزِّيَادَةُ أَوْ كَثُرَتْ فَلَا يَجُوزُ (إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ الْبَاقِيَ بِبَقِيَّةِ الْأَلْفِ قَبْلَ أَنْ يَخْتَصِمَا اسْتِحْسَانًا) ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْأَوَّلِ قَائِمٌ وَقَدْ حَصَلَ غَرَضُهُ الْمُصَرَّحُ بِهِ وَهُوَ تَحْصِيلُ الْعَبْدَيْنِ بِالْأَلْفِ وَمَا ثَبَتَ الِانْقِسَامُ إلَّا دَلَالَةً وَالصَّرِيحُ يَفُوقُهَا (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إنْ اشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْأَلْفِ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْأَلْفِ مَا يُشْتَرَى بِمِثْلِهِ الْبَاقِي جَازَ) ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ لَكِنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِالْمُتَعَارَفِ وَهُوَ فِيمَا قُلْنَا، وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَبْقَى مِنْ الْأَلْفِ بَاقِيَةٌ يُشْتَرَى بِمِثْلِهَا الْبَاقِي لِيُمْكِنَهُ تَحْصِيلُ غَرَضِ الْآمِرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِثُبُوتِ الْمُخَالَفَةِ. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ شِرَاءَ الْأَوَّلِ قَائِمٌ، فَإِذَا اشْتَرَى الْبَاقِيَ حَصَلَ غَرَضُهُ الْمُصَرَّحُ بِهِ وَهُوَ تَحْصِيلُ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ وَالِانْقِسَامُ بِالسَّوِيَّةِ كَانَ ثَابِتًا بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ، وَإِذَا جَاءَ الصَّرِيحُ وَأَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِ بَطَلَ الدَّلَالَةُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إنْ اشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْأَلْفِ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْأَلْفِ مَا يَشْتَرِي بِمِثْلِهِ الْبَاقِيَ جَازَ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ وَإِنْ حَصَلَ مُطْلَقًا لَكِنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِالْمُتَعَارَفِ وَهُوَ فِيمَا يَتَغَابَنُ فِيهِ النَّاسُ، لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَبْقَى مِنْ الْأَلْفِ مَا يَشْتَرِي بِهِ الْبَاقِيَ لِتَحْصِيلِ غَرَضِ الْآمِرِ

قَالَ (وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا هَذَا الْعَبْدَ فَاشْتَرَاهُ جَازَ) ؛ لِأَنَّ فِي تَعْيِينِ الْمَبِيعِ تَعْيِينَ الْبَائِعِ؛ وَلَوْ عَيَّنَ الْبَائِعَ يَجُوزُ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ (وَإِنْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا عَبْدًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَاشْتَرَاهُ فَمَاتَ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْآمِرُ مَاتَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ قَبَضَهُ الْآمِرُ فَهُوَ لَهُ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَالَا: هُوَ لَازِمٌ لِلْآمِرِ إذَا قَبَضَهُ الْمَأْمُورُ) وَعَلَى هَذَا إذَا أَمَرَهُ أَنْ يُسَلِّمَ مَا عَلَيْهِ أَوْ يَصْرِفَ مَا عَلَيْهِ. لَهُمَا أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ دَيْنًا كَانَتْ أَوْ عَيْنًا، أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ تَبَايَعَا عَيْنًا بِدَيْنٍ ثُمَّ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ فَصَارَ الْإِطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ فِيهِ سَوَاءً فَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ وَيَلْزَمُ الْآمِرَ؛ لِأَنَّ يَدَ الْوَكِيلِ كَيَدِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفٌ إلَخْ) مَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا عَبْدًا مُعَيَّنًا صَحَّ عَلَى الْآمِرِ وَلَزِمَهُ قَبْضُهُ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ عِنْدَ الْمَأْمُورِ، لِأَنَّ فِي تَعْيِينِ الْمَبِيعِ تَعْيِينُ الْبَائِعِ، وَلَوْ عَيَّنَ الْبَائِعَ جَازَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ، فَكَذَا إذَا عَيَّنَ الْمَبِيعَ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا عَبْدًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَاشْتَرَاهُ، فَإِنْ قَبَضَهُ الْآمِرُ فَهُوَ لَهُ كَذَلِكَ، وَإِنْ مَاتَ فِي يَدِ الْوَكِيلِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْآمِرُ مَاتَ مِنْ مَالِ الْوَكِيلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا: هُوَ لَازِمٌ لِلْآمِرِ إذَا قَبَضَهُ الْمَأْمُورُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أَمَرَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَنْ يُسْلِمَ مَا عَلَيْهِ أَوْ يَصْرِفَ مَا عَلَيْهِ، فَإِنْ عَيَّنَ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ وَمَنْ يَعْقِدُ بِهِ عَقْدَ الصَّرْفِ صَحَّ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِلَّا فَعَلَى الِاخْتِلَافِ، وَإِنَّمَا خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ لِدَفْعِ مَا عَسَى يُتَوَهَّمُ أَنَّ التَّوْكِيلَ فِيهِمَا لَا يَجُوزُ لِاشْتِرَاطِ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ (لَهُمَا أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ دَيْنًا كَانَ أَوْ عَيْنًا؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ تَبَايَعَا عَيْنًا بِدَيْنٍ ثُمَّ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ)

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي الْوَكَالَاتِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَيَّدَ الْوَكَالَةَ بِالْعَيْنِ مِنْهَا أَوْ بِالدَّيْنِ مِنْهَا ثُمَّ اسْتَهْلَكَ الْعَيْنَ أَوْ أَسْقَطَ الدَّيْنَ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَانَ الْإِطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ فِيهِ سَوَاءً فَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ وَيَلْزَمُ الْآمِرَ، لِأَنَّ يَدَ الْوَكِيلِ كَيَدِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ تَصَدَّقَ بِمَا لِي عَلَيْك عَلَى الْمَسَاكِينِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي الْوَكَالَاتِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَيَّدَ الْوَكَالَةَ بِالْعَيْنِ مِنْهَا أَوْ بِالدَّيْنِ مِنْهَا ثُمَّ اسْتَهْلَكَ الْعَيْنَ أَوْ أَسْقَطَ الدَّيْنَ بَطَلَتْ) وَنَقَلَ النَّاطِفِيُّ عَنْ الْأَصْلِ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ إذَا قَبَضَ الدَّنَانِيرَ مِنْ الْمُوَكِّلِ وَقَدْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا طَعَامًا فَاشْتَرَى بِدَنَانِيرَ غَيْرِهَا ثُمَّ نَقَدَ دَنَانِيرَ الْمُوَكِّلِ فَالطَّعَامُ لِلْوَكِيلِ وَهُوَ ضَامِنٌ لِدَنَانِيرِ الْمُوَكِّلِ. وَالْمَسْأَلَتَانِ تَدُلَّانِ عَلَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ النُّقُودَ فِي الْوَكَالَةِ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، لَكِنَّ الْمَذْكُورَةَ فِي الْكِتَابِ لَا تَفْصِلُ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ، وَالْأُخْرَى تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا بَعْدَ الْقَبْضِ تَتَعَيَّنُ وَهُوَ الْمَنْقُولُ فِي الْكُتُبِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هَذَا عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ إلَى الْوَكِيلِ، وَأَمَّا قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ فَلَا تَتَعَيَّنُ فِي الْوَكَالَاتِ أَيْضًا بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ. وَقَالَ: قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الزِّيَادَاتِ: رَجُلٌ قَالَ لِغَيْرِهِ اشْتَرِ لِي بِهَذِهِ الْأَلْفِ دِرْهَمَ جَارِيَةً وَأَرَاهُ الدَّرَاهِمَ فَلَمْ يُسَلِّمْهَا إلَى الْوَكِيلِ حَتَّى سُرِقَتْ الدَّرَاهِمُ، ثُمَّ اشْتَرَى الْوَكِيلُ جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لَزِمَ الْمُوَكِّلَ. ثُمَّ قَالَ: وَالْأَصْلُ أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الْوَكَالَاتِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ بِلَا خِلَافٍ، لِأَنَّ الْوَكَالَةَ وَسِيلَةٌ إلَى الشِّرَاءِ فَتُعْتَبَرُ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ، وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الشِّرَاءِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، فَكَذَا فِيمَا هُوَ وَسِيلَةٌ إلَى الشِّرَاءِ. وَأَمَّا بَعْدَ التَّسْلِيمِ إلَى الْوَكِيلِ هَلْ تَتَعَيَّنُ؟ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: تَتَعَيَّنُ لِمَا ذَكَرْنَا. وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ ثُمَّ قَالَ: وَفَائِدَةُ النَّقْلِ وَالتَّسْلِيمِ عَلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ تَأَقُّتُ بَقَاءِ الْوَكَالَةِ بِبَقَاءِ الدَّرَاهِمِ الْمَنْقُودَةِ، وَهَذَا قَوْلٌ مِنْهُمْ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُوَ التَّوَقُّتُ بِبَقَائِهَا وَقَطْعُ الرُّجُوعِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فِيمَا وَجَبَ لِلْوَكِيلِ عَلَيْهِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: فَعَلَى هَذَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ أَثْبَتَ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ بِقَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ الَّذِينَ حَدَثُوا بَعْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِمِائَتَيْ سَنَةٍ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَتَعَرَّضْ بِأَنَّ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، فَلَعَلَّ اعْتِمَادَهُ فِي ذَلِكَ كَانَ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْهُ فِي الزِّيَادَاتِ مِنْ التَّقْيِيدِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: إنَّمَا قَيَّدَ بِالِاسْتِهْلَاكِ لِأَنَّ بُطْلَانَ الْوَكَالَةِ مَخْصُوصٌ بِهِ، وَنُقِلَ عَنْ كُلٍّ مِنْ الذَّخِيرَةِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ مَسْأَلَةٌ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ حَيْثُ قَالُوا: لَوْ هَلَكَتْ الدَّرَاهِمُ الْمُسَلَّمَةُ إلَى الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ، بَلْ إنَّمَا قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَبْطُلُ إذَا اسْتَهْلَكَ الْوَكِيلُ الدَّرَاهِمَ الْمُسَلَّمَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ الدَّرَاهِمَ

وَإِذَا تَعَيَّنَتْ كَانَ هَذَا تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مَنْ غَيْرَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ مِنْ دُونِ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِقَبْضِهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، كَمَا إذَا اشْتَرَى بِدَيْنٍ عَلَى غَيْرِ الْمُشْتَرِي أَوْ يَكُونُ أَمْرًا بِصَرْفِ مَا لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالْقَبْضِ قَبْلَهُ وَذَلِكَ بَاطِلٌ كَمَا إذَا قَالَ أَعْطِ مَالِي عَلَيْك ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَقُومُ مِثْلُهَا مَقَامَهَا فَتَصِيرُ كَأَنَّ عَيْنَهَا بَاقِيَةٌ، فَذَكَرَ الِاسْتِهْلَاكَ لِبَيَانِ تَسَاوِيهِمَا فِي بُطْلَانِ الْوَكَالَةِ بِهِمَا (قَوْلُهُ وَإِذَا تَعَيَّنَتْ) هُوَ تَتِمَّةُ الدَّلِيلِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي الْوَكَالَاتِ، وَإِذَا تَعَيَّنَتْ كَانَ هَذَا تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِالْقَبْضِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ، كَمَا إذَا اشْتَرَى بِدَيْنٍ عَلَى غَيْرِ الْمُشْتَرِي بِأَنْ كَانَ لِزَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو دَيْنٌ مَثَلًا فَاشْتَرَى زَيْدٌ مِنْ آخَرَ شَيْئًا بِذَلِكَ الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَى عَمْرٍو فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِذَلِكَ (أَوْ يَكُونُ أَمْرًا بِصَرْفٍ) أَيْ بِدَفْعِ (مَا لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالْقَبْضِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَذَلِكَ) لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا، فَكَانَ مَا أَدَّى الْمَدْيُونُ إلَى الْبَائِعِ أَوْ إلَى رَبِّ الدَّيْنِ مِلْكَ الْمَدْيُونِ، وَلَا يَمْلِكُهُ الدَّائِنُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالْأَمْرُ بِدَفْعِ مَا لَيْسَ بِمِلْكِهِ (بَاطِلٌ) وَصَارَ (كَمَا إذَا قَالَ أَعْطِ مَا لِي عَلَيْك

مَنْ شِئْت، بِخِلَافِ مَا إذَا عَيَّنَ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ وَكِيلًا عَنْهُ فِي الْقَبْضِ ثُمَّ يَتَمَلَّكُهُ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهُ بِالتَّصَدُّقِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمَالَ لِلَّهِ وَهُوَ مَعْلُومٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنْ شِئْت) فَإِنَّهُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِصَرْفِ مَا لَا يَمْلِكُهُ الْآمِرُ إلَّا بِالْقَبْضِ إلَى مَنْ يَخْتَارُهُ الْمَدْيُونُ بِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا عَيَّنَ الْبَائِعَ) يَعْنِي بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُوَكِّلُ عَيَّنَ الْبَائِعَ أَوْ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ فَإِنَّ التَّوْكِيلَ صَحِيحٌ لَازِمٌ لِلْآمِرِ (لِأَنَّهُ يَصِيرُ) الْبَائِعُ أَوَّلًا (وَكِيلًا عَنْهُ فِي الْقَبْضِ ثُمَّ يَتَمَلَّكُهُ) وَذَلِكَ لَيْسَ بِتَمْلِيكِ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَلَا أَمْرًا بِصَرْفِ مَا لَمْ يُقْبَضْ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِدَيْنٍ عَلَى آخَرَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ أَنْ يَجْعَلَهُ وَكِيلًا بِالْقَبْضِ أَوْ لَا لِكَوْنِهِ مُعَيَّنًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ هَاهُنَا لِكَوْنِهِ بَيْعًا بِشَرْطٍ وَهُوَ أَدَاءُ الثَّمَنِ عَلَى الْغَيْرِ (قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِهِمَا عَلَى الْآمِرِ بِالتَّصَدُّقِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ وَقَدَّمْنَاهُ فِي سِيَاقِ دَلِيلِهِمَا

وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ نَفَذَ الشِّرَاءُ عَلَى الْمَأْمُورِ فَيَهْلِكُ مِنْ مَالِهِ إلَّا إذَا قَبَضَهُ الْآمِرُ مِنْهُ لِانْعِقَادِ الْبَيْعِ تَعَاطَيَا. قَالَ (وَمَنْ دَفَعَ إلَى آخَرَ أَلْفًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا جَارِيَةً فَاشْتَرَاهَا فَقَالَ الْآمِرُ اشْتَرَيْتَهَا بِخَمْسِمِائَةٍ. وَقَالَ الْمَأْمُورُ اشْتَرَيْتُهَا بِأَلْفٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَأْمُورِ) وَمُرَادُهُ إذَا كَانَتْ تُسَاوِي أَلْفًا؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهِ وَقَدْ ادَّعَى الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ وَالْآمِرُ يَدَّعِي عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَذَلِكَ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ) رُجُوعٌ إلَى أَوَّلِ الْبَحْثِ: يَعْنِي لَمَّا ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِشِرَاءِ عَبْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ لَمْ يُعْلَمْ بَائِعُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ نَفَذَ الشِّرَاءُ عَلَى الْمَأْمُورِ، فَإِذَا هَلَكَ عِنْدَهُ هَلَكَ مِنْ مَالِهِ لَكِنْ إذَا قَبَضَهُ الْآمِرُ عَنْهُ انْعَقَدَ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ بِالتَّعَاطِي، فَإِنْ هَلَكَ عِنْدَهُ هَلَكَ مِنْ مَالِهِ. قَالَ (وَمَنْ دَفَعَ إلَى آخَرَ أَلْفًا إلَخْ) رَجُلٌ دَفَعَ إلَى آخَرَ أَلْفًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا جَارِيَةً فَاشْتَرَاهَا فَقَالَ الْآمِرُ اشْتَرَيْتهَا بِخَمْسِمِائَةٍ وَقَالَ الْمَأْمُورُ اشْتَرَيْتهَا بِأَلْفٍ فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ، وَمُرَادُهُ إذَا كَانَتْ تُسَاوِي الْأَلْفَ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهِ وَقَدْ ادَّعَى الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ، وَالْآمِرُ يَدَّعِي عَلَيْهِ ضَمَانَ خَمْسِمِائَةٍ وَهُوَ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ، فَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ خَالَفَ إلَى شَرٍّ حَيْثُ اشْتَرَى جَارِيَةً تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ وَالْآمِرُ تَنَاوَلَ مَا يُسَاوِي أَلْفًا فَيَضْمَنُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَفَعَ الْأَلْفَ إلَيْهِ وَاخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ، أَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا خَمْسَمِائَةٍ فَلِلْمُخَالَفَةِ إلَى شَرٍّ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَلْفًا فَمَعْنَى قَوْلِهِ فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ يَتَحَالَفَانِ وَيَنْدَفِعُ بِهِ مَا قِيلَ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْجَارِيَةَ إذَا كَانَتْ تُسَاوِي أَلْفًا وَجَبَ أَنْ يَلْزَمَ الْآمِرَ سَوَاءٌ قَالَ الْمَأْمُورُ اشْتَرَيْتهَا بِأَلْفٍ أَوْ بِأَقَلَّ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَاهَا بِأَلْفٍ كَانَ مُوَافِقًا لِلْآمِرِ، وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِأَقَلَّ كَانَ مُخَالِفًا إلَى خَيْرٍ وَذَلِكَ يَلْزَمُ الْآمِرَ، وَهَذَا لِأَنَّهُمَا فِي هَذَا

ضَمَانَ خَمْسِمِائَةٍ وَهُوَ يُنْكِرُ، فَإِنْ كَانَتْ تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ حَيْثُ اشْتَرَى جَارِيَةً تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ وَالْأَمْرُ تَنَاوَلَ مَا يُسَاوِي أَلْفًا فَيَضْمَنُ. قَالَ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَفَعَ إلَيْهِ الْأَلْفَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ) أَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا خَمْسَمِائَةٍ فَلِلْمُخَالَفَةِ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَلْفًا فَمَعْنَاهُ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ وَالْوَكِيلَ فِي هَذَا يَنْزِلَانِ مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَقَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الثَّمَنِ وَمُوجِبُهُ التَّحَالُفُ. ثُمَّ يُفْسَخُ الْعَقْدُ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا فَتَلْزَمُ الْجَارِيَةُ الْمَأْمُورَ. قَالَ (وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ هَذَا الْعَبْدَ وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ ثَمَنًا فَاشْتَرَاهُ فَقَالَ الْآمِرُ اشْتَرَيْته بِخَمْسِمِائَةٍ وَقَالَ الْمَأْمُورُ بِأَلْفٍ وَصَدَّقَ الْبَائِعُ الْمَأْمُورَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَأْمُورِ مَعَ يَمِينِهِ) قِيلَ لَا تَحَالُفَ هَاهُنَا؛ لِأَنَّهُ ارْتَفَعَ الْخِلَافُ بِتَصْدِيقِ الْبَائِعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ فِي هَذَا الْفَصْلِ يُنَزَّلَانِ مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي لِلْمُبَادَلَةِ الْحُكْمِيَّةِ بَيْنَهُمَا وَقَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الثَّمَنِ وَمُوجِبُهُ التَّحَالُفُ، فَإِذَا تَحَالَفَا فُسِخَ الْعَقْدُ الْحُكْمِيُّ بَيْنَهُمَا وَتَلْزَمُ الْجَارِيَةُ الْمَأْمُورَ، وَفِيهِ مُطَالَبَةٌ وَهِيَ أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا قَبَضَ الثَّمَنَ فَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ اُعْتُبِرَتْ الْمُخَالَفَةُ وَالْأَمَانَةُ، وَإِذَا لَمْ يَقْبِضْ اُعْتُبِرَ فِيهِ الْمُخَالَفَةُ وَالْمُبَادَلَةُ، فَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ فِي الْأَوَّلِ سَبَقَتْ الْأَمَانَةُ الْمُبَادَلَةَ وَالسَّبْقُ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ فَاعْتُبِرَتْ فِيهِ، بِخِلَافِ الثَّانِي. قَالَ (وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ هَذَا الْعَبْدَ إلَخْ) وَإِذَا أَمَرَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ وَلَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا فَاشْتَرَاهُ وَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الثَّمَنِ وَصَدَّقَ الْبَائِعُ الْوَكِيلَ فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ مَعَ يَمِينِهِ. قِيلَ لَا تَحَالُفَ هَاهُنَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيِّ لِأَنَّ تَصْدِيقَ الْبَائِعِ رَفَعَ الْخِلَافَ فَيُجْعَلُ تَصَادُقُهُمَا بِمَنْزِلَةِ إنْشَاءِ الْعَقْدِ، وَلَوْ أَنْشَأَهُ لَزِمَ الْآمِرَ فَكَذَا هَاهُنَا،

إذْ هُوَ حَاضِرٌ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى هُوَ غَائِبٌ، فَاعْتُبِرَ الِاخْتِلَافُ، وَقِيلَ يَتَحَالَفَانِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَقَدْ ذَكَرَ مُعْظَمَ يَمِينِ التَّحَالُفِ وَهُوَ يَمِينُ الْبَائِعِ وَالْبَائِعُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُمَا وَقَبْلَهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْمُوَكِّلِ إذْ لَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ فَلَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ فَيَبْقَى الْخِلَافُ، وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ أَبِي مَنْصُورٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ أَظْهَرُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَإِنَّ الْبَائِعَ ثَمَّةَ غَائِبٌ فَاعْتُبِرَ الِاخْتِلَافُ لِعَدَمِ مَا يَرْفَعُهُ (وَقِيلَ يَتَحَالَفَانِ كَمَا ذَكَرْنَا) فَإِنْ قِيلَ: الْمَذْكُورُ فِيهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَأْمُورِ مَعَ يَمِينِهِ وَالتَّحَالُفُ يُخَالِفُهُ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَقَدْ ذَكَرَ) يَعْنِي مُحَمَّدًا (مُعْظَمَ يَمِينِ التَّحَالُفِ وَهُوَ يَمِينُ الْبَائِعِ) لِأَنَّ الْبَائِعَ وَهُوَ الْوَكِيلُ مُدَّعٍ وَلَا يَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي إلَّا فِي صُورَةِ التَّحَالُفِ. وَأَمَّا الْمُشْتَرِي وَهُوَ الْمُوَكِّلُ فَمُنْكِرٌ وَعَلَى الْمُنْكِرِ الْيَمِينُ، فَلَمَّا كَانَ يَمِينُ الْوَكِيلِ هُوَ الْمُخْتَصَّ بِالتَّحَالُفِ كَانَتْ أَعْظَمَ الْيَمِينَيْنِ فَإِذَا وَجَبَتْ عَلَى الْمُدَّعِي فَعَلَى الْمُنْكِرِ أَوْلَى (قَوْلُهُ وَالْبَائِعُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ ارْتَفَعَ الْخِلَافُ بِتَصْدِيقِ الْبَائِعِ بِأَنَّ الْبَائِعَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُمَا وَقَبْلَهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْمُوَكِّلِ إذْ لَا عَقْدَ بَيْنَهُمَا فَلَمْ يَكُنْ كَلَامُهُ مُعْتَبَرًا فَبَقِيَ الْخِلَافُ وَالتَّحَالُفُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ أَبِي مَنْصُورٍ وَهُوَ أَظْهَرُ) قَالَ فِي الْكَافِي: وَهُوَ الصَّحِيحُ.

[فصل في التوكيل بشراء نفس العبد]

(فَصْلٌ فِي التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ نَفْسِ الْعَبْدِ) : ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ نَفْسِ الْعَبْدِ] لَمَّا كَانَ شِرَاءُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ مِنْ مَوْلَاهُ إعْتَاقًا لَهُ عَلَى مَالٍ لَمْ يَكُنْ مِنْ مَسَائِلِ فَصْلِ التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ لَكِنَّهُ شِرَاءٌ صُورَةً فَنَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَهُ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ. وَالتَّوْكِيلُ بِشِرَاءِ نَفْسِ الْعَبْدِ مِنْ مَوْلَاهُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَنْ يُوَكِّلَ الْعَبْدُ رَجُلًا لِيَشْتَرِيَهُ مِنْ مَوْلَاهُ وَهُوَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى. وَأَنْ يُوَكِّلَ الْعَبْدُ رَجُلًا لِيَشْتَرِيَ نَفْسَهُ مِنْ مَوْلَاهُ فَالْعَبْدُ فِي الْأَوَّلِ مُوَكِّلٌ وَفِي الثَّانِي وَكِيلٌ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَتَنَاوَلُهُمَا بِجَعْلِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ بَدَلًا مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَجَعْلِ الْمَصْدَرِ مُضَافًا إلَى الْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ وَذِكْرُ أَحَدِهِمَا مَتْرُوكٌ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ

قَالَ (وَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ لِرَجُلٍ: اشْتَرِ لِي نَفْسِي مِنْ الْمَوْلَى بِأَلْفٍ وَدَفَعَهَا إلَيْهِ، فَإِنْ قَالَ الرَّجُلُ لِلْمَوْلَى: اشْتَرَيْته لِنَفْسِهِ فَبَاعَهُ عَلَى هَذَا فَهُوَ حُرٌّ وَالْوَلَاءُ لِلْمَوْلَى) ؛ لِأَنَّ بَيْعَ نَفْسِ الْعَبْدِ مِنْهُ إعْتَاقٌ وَشِرَاءُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ قَبُولُ الْإِعْتَاقِ بِبَدَلٍ وَالْمَأْمُورُ سَفِيرٌ عَنْهُ إذْ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْحُقُوقَ فَصَارَ كَأَنَّهُ اشْتَرَى بِنَفْسِهِ، وَإِذَا كَانَ إعْتَاقًا أَعْقَبَ الْوَلَاءَ (وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ لِلْمَوْلَى فَهُوَ عَبْدٌ لِلْمُشْتَرِي) ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي تَوْكِيلِ الْعَبْدِ رَجُلًا أَوْ فِي تَوْكِيلِ الْعَبْدِ رَجُلٌ. قَالَ (وَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ لِرَجُلٍ إلَخْ) إذَا وَكَّلَ الْعَبْدُ رَجُلًا بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ نَفْسَهُ مِنْ مَوْلَاهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَدَفَعَهَا إلَيْهِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلْمَوْلَى اشْتَرَيْته لِنَفْسِهِ أَوْ لَمْ يُعَيِّنْهُ، فَإِنْ عَيَّنَهُ فَبَاعَهُ الْمَوْلَى عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ حُرٌّ وَالْوَلَاءُ لِلْمَوْلَى، أَمَّا أَنَّهُ حُرٌّ فَلِأَنَّ بَيْعَ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ إعْتَاقٌ عَلَى مَالٍ وَالْإِعْتَاقُ عَلَى مَالٍ يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ الْقَبُولِ مِنْ الْمُعْتِقِ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ، لِأَنَّ شِرَاءَ الْعَبْدِ نَفْسَهُ قَبُولٌ مِنْهُ لِلْعِتْقِ بِبَدَلٍ وَالْمَأْمُورُ سَفِيرٌ حَيْثُ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى مُوَكِّلِهِ وَالْحُقُوقُ لَمْ تَرْجِعْ إلَيْهِ فَصَارَ كَأَنَّ الْعَبْدَ اشْتَرَى نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ، وَأَمَّا أَنَّ الْوَلَاءَ لِلْمَوْلَى فَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ إعْتَاقًا أَعْقَبَ الْوَلَاءَ لِلْمُعْتِقِ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ لِلْمَوْلَى فَهُوَ عَبْدٌ لِلْمُشْتَرِي، لِأَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ لِلْمُعَاوَضَةِ وَالْحَقِيقَةُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا مَهْمَا أَمْكَنَ، وَقَدْ أَمْكَنَ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ فَيُحَافِظُ اللَّفْظُ عَلَى الْحَقِيقَةِ. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَمَلَ بِالْحَقِيقَةِ مُمْكِنٌ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِنَفْسِهِ. فَالْجَوَابُ سَيَأْتِي بِخِلَافِ شِرَاءِ الْعَبْدِ نَفْسَهُ فَإِنَّ الْحَقِيقَةَ تَعَذَّرَتْ ثَمَّةَ فَتَعَيَّنَ الْمَجَازُ، وَإِذَا كَانَ مُعَاوَضَةً يَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ وَالْأَلْفُ لِلْمَوْلَى لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي أَلْفٌ أُخْرَى ثَمَنًا لِلْعَبْدِ، فَإِنَّهُ أَيْ الثَّمَنَ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْأَدَاءَ لَمْ يَصِحَّ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا وَقَعَ الشِّرَاءُ لِلْمُشْتَرِي، وَأَمَّا إذَا وَقَعَ الشِّرَاءُ لِلْعَبْدِ نَفْسِهِ حَتَّى عَتَقَ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ أَلْفٌ أُخْرَى؟ قَالَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَفِيمَا إذَا بَيَّنَ الْوَكِيلُ لِلْمَوْلَى أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِلْعَبْدِ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ أَلْفٌ أُخْرَى؟ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَالُ الْمَوْلَى فَلَا يَصِحُّ بَدَلًا عَنْ مِلْكِهِ. قُلْت: وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يُشِيرُ إلَيْهِ، فَإِنَّهُ جَعَلَ شِرَاءَ نَفْسِهِ

لِأَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ لِلْمُعَاوَضَةِ وَأَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ فَيُحَافِظْ عَلَيْهَا. بِخِلَافِ شِرَاءِ الْعَبْدِ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ فِيهِ مُتَعَيَّنٌ، وَإِذَا كَانَ مُعَاوَضَةً يَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ (وَالْأَلْفُ لِلْمَوْلَى) ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ (وَعَلَى الْمُشْتَرِي أَلْفٌ مِثْلُهُ) ثَمَنًا لِلْعَبْدِ فَإِنَّهُ فِي ذِمَّتِهِ حَيْثُ لَمْ يَصِحَّ الْأَدَاءُ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِهِ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَيْنِ هُنَاكَ عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ، وَفِي الْحَالَيْنِ الْمُطَالَبَةُ تَتَوَجَّهُ نَحْوَ الْعَاقِدِ، أَمَّا هَاهُنَا فَأَحَدُهُمَا إعْتَاقٌ مُعَقِّبٌ لِلْوَلَاءِ وَلَا مُطَالَبَةَ عَلَى الْوَكِيلِ وَالْمَوْلَى عَسَاهُ لَا يَرْضَاهُ وَيَرْغَبُ فِي الْمُعَارَضَةِ الْمَحْضَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبُولَهُ الْإِعْتَاقَ بِبَدَلٍ، فَلَوْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَلْفٌ أُخْرَى كَانَ إعْتَاقًا بِلَا بَدَلٍ، وَهَذَا (بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ الْعَبْدِ)

(وَمَنْ قَالَ لِعَبْدٍ اشْتَرِ لِي نَفْسَك مِنْ مَوْلَاك فَقَالَ لِمَوْلَاهُ بِعْنِي نَفْسِي لِفُلَانٍ بِكَذَا فَفَعَلَ فَهُوَ لِلْآمِرِ) ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَصْلُحُ وَكِيلًا عَنْ غَيْرِهِ فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ مَالِيَّتِهِ، وَالْبَيْعُ يُرَدُّ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ إلَّا أَنَّ مَالِيَّتَهُ فِي يَدِهِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْبَائِعُ الْحَبْسَ بَعْدَ الْبَيْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي أَنْ يُوَكِّلَ أَجْنَبِيٌّ أَجْنَبِيًّا بِشِرَاءِ الْعَبْدِ مِنْ مَوْلَاهُ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ عَلَى الْوَكِيلِ أَنْ يَقُولَ وَقْتَ الشِّرَاءِ اشْتَرَيْته لِمُوَكِّلِي لِوُقُوعِ الشِّرَاءِ لِلْمُوَكِّلِ، لِأَنَّ الْعَقْدَيْنِ: يَعْنِي الَّذِي يَقَعُ لَهُ وَاَلَّذِي لِلْمُوَكِّلِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْمُبَايَعَةُ، وَفِي الْحَالَيْنِ: أَيْ حَالِ الْإِضَافَةِ إلَى نَفْسِهِ وَالْإِضَافَةِ إلَى مُوَكِّلِهِ تَتَوَجَّهُ الْمُطَالَبَةُ نَحْوَ الْعَاقِدِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ، أَمَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا إعْتَاقٌ يَعْقُبُ الْوَلَاءَ وَلَا مُطَالَبَةَ فِيهِ عَلَى الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ سَفِيرٌ وَالْمَوْلَى عَسَاهُ لَا يَرْضَاهُ: أَيْ لَا يَرْضَى الْإِعْتَاقَ لِأَنَّهُ يَعْقُبُ الْوَلَاءَ وَمُوجِبُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ وَرُبَّمَا يَتَضَرَّرُ بِهِ وَالْآخَرُ مُعَاوَضَةٌ مَحْضَةٌ، وَالْمُطَالَبَةُ عَلَى الْوَكِيلِ وَالْمَوْلَى عَسَاهُ يَرْغَبُ فِي الْمُعَاوَضَةِ الْمَحْضَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ، وَشَبَّهَ الْمُصَنِّفُ عَسَى بِكَادَ فَاسْتَعْمَلَهُ اسْتِعْمَالَهُ. وَقَوْلُهُ (وَلَا مُطَالَبَةَ عَلَى الْوَكِيلِ) هُوَ رِوَايَةُ كِتَابِ الْوَكَالَةِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ بِالْعِتْقِ أَنَّ الْعَبْدَ يَعْتِقُ وَالْمَالُ عَلَى الْعَبْدِ دُونَ الْوَكِيلِ. وَذَكَرَ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ الْمَأْذُونَ وَالْمُكَاتَبَ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ أَنَّ الْعَبْدَ يَعْتِقُ وَالْمَالُ عَلَى الْوَكِيلِ. وَهَكَذَا ذُكِرَ فِي وَكَالَةِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ تَوَكُّلَهُ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ لِلْعَبْدِ كَتَوَكُّلِهِ بِشِرَائِهِ لِغَيْرِهِ، وَهُنَاكَ يَصِيرُ هُوَ الْمُطَالَبَ بِتَسْلِيمِ الْبَدَلِ فَكَذَا هَاهُنَا. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ الْوَكِيلَ مِنْ جَانِبِ الْعَبْدِ فِي عِتْقِهِ سَفِيرٌ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى الْآمِرِ وَلَيْسَ إلَيْهِ مِنْ قَبْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَلَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِتَسْلِيمِ الْبَدَلِ. قَالَ (وَمَنْ قَالَ لِعَبْدٍ اشْتَرِ لِي نَفْسَك مِنْ مَوْلَاك إلَخْ) هَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ. وَمَنْ وَكَّلَ عَبْدًا بِشِرَاءِ نَفْسِهِ مِنْ مَوْلَاهُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُضِيفَ الْعَقْدَ إلَى مُوَكِّلِهِ أَوْ إلَى نَفْسِهِ أَوْ أَطْلَقَ، فَإِنْ أَضَافَهُ إلَى مُوَكِّلِهِ بِأَنْ قَالَ بِعْنِي نَفْسِي لِفُلَانٍ بِكَذَا فَفَعَلَ الْمَوْلَى ذَلِكَ فَالْعَقْدُ أَوْ الْعَبْدُ لِلْآمِرِ، لِأَنَّ الْعَبْدَ يَصْلُحُ وَكِيلًا عَنْ غَيْرِهِ فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ مَالِيَّتِهِ لِأَنَّهَا لِمَوْلَاهُ، حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِهَا لِغَيْرِهِ لَمْ يَصِحَّ، وَلَهُ عِبَارَةٌ مُلْزِمَةٌ كَالْحُرِّ وَالْبَيْعُ يُرَدُّ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ فَكَانَ تَوْكِيلُهُ بِشِرَائِهَا كَتَوْكِيلِهِ بِغَيْرِهِ مِنْ أَمْوَالِ الْمَوْلَى وَكَتَوْكِيلِ أَجْنَبِيٍّ بِشِرَاءِ نَفْسِهِ (إلَّا أَنَّ مَالِيَّتَهُ) يَعْنِي هُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ مَالِيَّتِهِ إلَّا أَنَّهَا بِيَدِهِ، حَتَّى لَوْ أَرَادَ الْمَوْلَى أَنْ يَحْبِسَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ كَالْمُودَعِ إذَا اشْتَرَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَدِيعَةَ وَهِيَ بِحَضْرَتِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ احْتِبَاسُهَا لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ لِكَوْنِهَا مُسَلَّمَةً إلَيْهِ. فَإِنْ قُلْت: الِاحْتِرَازُ عَنْ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَلَا يَصِيرُ تَسْلِيمًا يُسْقِطُ حَقَّ الْحَبْسِ كَمَا قُلْنَا فِي قَبْضِ الْوَكِيلِ إنَّهُ لَيْسَ بِقَبْضِ الْمُوَكِّلِ حَتَّى يَثْبُتَ لِلْوَكِيلِ حَقُّ الْحَبْسِ عِنْدَنَا لِعَدَمِ الِاحْتِرَازِ. أُجِيبَ بِأَنَّ كَوْنَ مَالِيَّةِ الْعَبْدِ فِي يَدِهِ أَمْرٌ حِسِّيٌّ لَا مَرَدَّ لَهُ، وَكَوْنُ قَبْضِ الْوَكِيلِ قَبْضَ الْمُوَكِّلِ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ فَجَازَ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ مَالِيَّةَ الْعَبْدِ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ وَكَوْنُهَا بِيَدِهِ كَذَلِكَ، وَقَبْضُ الْوَكِيلِ أَمْرٌ حِسِّيٌّ لَا مَرَدَّ لَهُ فَكَانَ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ. وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: الْقَبْضُ أَمْرٌ حِسِّيٌّ إذَا قَامَ بِمَكَانٍ لَا يُجْعَلُ فِي غَيْرِهِ إلَّا بِالِاعْتِبَارِ، وَجَازَ تَرْكُ الِاعْتِبَارِ إذَا اقْتَضَاهُ ضَرُورَةً، وَأَمَّا مَالِيَّةُ الْعَبْدِ فَإِنَّهَا لَا تَنْفَكُّ عَنْ نَفْسِهِ، فَإِذَا خَرَّجَ نَفْسَهُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَمَالِيَّتِهِ لَا تَنْفَكُّ سُلِّمَتْ إلَيْهِ، وَلَا حَبْسَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ

فَإِذَا أَضَافَهُ إلَى الْآمِرِ صَلَحَ فِعْلُهُ امْتِثَالًا فَيَقَعُ. الْعَقْدُ لِلْآمِرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَإِذَا أَضَافَهُ إلَى الْآمِرِ) نَتِيجَةُ الدَّلِيلِ. وَتَقْرِيرُهُ: الْعَبْدُ يَصْلُحُ وَكِيلًا مِنْ غَيْرِهِ فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ مَالٌ، وَكُلُّ مَنْ يَصْلُحُ وَكِيلًا عَنْ غَيْرِهِ فِي شِرَاءِ مَالٍ إذَا أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى الْآمِرِ صَلَحَ فِعْلُهُ امْتِثَالًا، فَالْعَبْدُ إذَا أَضَافَهُ إلَى الْآمِرِ صَلَحَ فِعْلُهُ امْتِثَالًا فَيَقَعُ الْعَقْدُ لَهُ قِيَاسًا عَلَى حُرٍّ تَوَكَّلَ بِشَيْءٍ وَفَعَلَهُ. وَقَوْلُهُ (فَفَعَلَ فَهُوَ لِلْآمِرِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْعَقْدَ يَتِمُّ بِقَوْلِ الْمَوْلَى بِعْت، وَهُوَ يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ مِنْ أَنَّ إضَافَةَ الْعَقْدِ إلَى الْمُوَكِّلِ إنَّمَا تُفِيدُهُ الْمِلْكَ إذَا وُجِدَ الْإِيجَابُ مِنْ الْمَوْلَى وَالْقَبُولُ مِنْ الْعَبْدِ، حَتَّى لَوْ قَالَ لِلْعَبْدِ بِعْنِي نَفْسِي مِنْ فُلَانٍ فَقَالَ بِعْت لَا يَتِمُّ الْعَقْدُ حَتَّى يَقُولَ الْعَبْدُ قَبِلْت بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى لِنَفْسِهِ كَمَا يَأْتِي فَإِنَّهُ إعْتَاقٌ عَلَى مَالٍ مُقَدَّرٍ وَالْوَاحِدُ يَتَوَلَّى طَرَفَيْهِ فَيَتِمُّ بِقَوْلِ الْمَوْلَى بِعْت مَسْبُوقًا بِقَوْلِ الْعَبْدِ بِعْنِي نَفْسِي. فَإِنْ قُلْت إذَا أَضَافَ إلَى الْمُوَكِّلِ فَمَنْ الْمُطَالَبُ بِالثَّمَنِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ لِكَوْنِهِ الْعَاقِدَ. فَإِنْ قُلْت: قَدْ يَكُونُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَمِثْلُهُ لَا تَرْجِعُ إلَيْهِ الْحُقُوقُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَجْرَ زَالَ بِالْعَقْدِ الَّذِي بَاشَرَهُ مَعَ مَوْلَاهُ فَإِنَّ الْمُبَاشَرَةَ تَسْتَدْعِي تَصَوُّرَ صِحَّةِ الْمُبَاشَرَةِ وَهُوَ إذْنٌ، وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ فَقَالَ بِعْنِي نَفْسِي مِنِّي فَقَالَ الْمَوْلَى بِعْت فَهُوَ حُرٌّ لِأَنَّهُ إعْتَاقٌ لِمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ رَضِيَ بِهِ الْمَوْلَى دُونَ الْمُعَاوَضَةِ.

(وَإِنْ عَقَدَ لِنَفْسِهِ فَهُوَ حُرٌّ) ؛ لِأَنَّهُ إعْتَاقٌ وَقَدْ رَضِيَ بِهِ الْمَوْلَى دُونَ الْمُعَاوَضَةِ، وَالْعَبْدُ وَإِنْ كَانَ وَكِيلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ وَلَكِنَّهُ أَتَى بِجِنْسِ تَصَرُّفٍ آخَرَ وَفِي مِثْلِهِ يَنْفُذُ عَلَى الْوَكِيلِ (وَكَذَا لَوْ قَالَ بِعْنِي نَفْسِي وَلَمْ يَقُلْ لِفُلَانٍ فَهُوَ حُرٌّ) ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ فَلَا يَقَعُ امْتِثَالًا بِالشَّكِّ فَيَبْقَى التَّصَرُّفُ وَاقِعًا لِنَفْسِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ قِيلَ: الْعَبْدُ وَكِيلٌ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَكَيْفَ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِنَفْسِهِ؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ لَكِنَّهُ أَتَى بِجِنْسِ تَصَرُّفٍ آخَرَ وَهُوَ الْإِعْتَاقُ عَلَى مَالٍ فَكَانَ مُخَالِفًا فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَقَالَ بِعْنِي نَفْسِي وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ حُرٌّ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ: الِامْتِثَالَ وَغَيْرَهُ، فَلَا يُجْعَلُ امْتِثَالًا بِالشَّكِّ فَيَبْقَى التَّصَرُّفُ وَاقِعًا لِنَفْسِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي التَّصَرُّفِ أَنْ يَقَعَ عَمَّنْ بَاشَرَهُ، وَعُورِضَ بِأَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ لِلْمُعَاوَضَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِذَا تَرَدَّدَ اللَّفْظُ بَيْنَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَعَلَى مَجَازِهِ حُمِلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَلْبَتَّةَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ اللَّفْظَ لِلْحَقِيقَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ ثَمَّةَ قَرِينَةٌ لِلْمَجَازِ وَقَدْ وُجِدَتْ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَهِيَ إضَافَةُ الْعَبْدِ الْعَقْدَ إلَى نَفْسِهِ فَإِنَّ حَقِيقَتَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ غَيْرُ مُتَصَوَّرَةٍ وَرَضِيَ الْمَوْلَى بِذَلِكَ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَقَدْ رَضِيَ بِهِ الْمَوْلَى دُونَ الْمُعَاوَضَةِ. لَا يُقَالُ: فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ صَحِيحًا. لِأَنَّا نَقُولُ: الِاحْتِمَالُ إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ إطْلَاقُ اللَّفْظِ وَذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ الْإِنْكَارَ وَالتَّرْجِيحَ مِنْ حَيْثُ الْإِضَافَةُ إلَى نَفْسِهِ وَهِيَ خَارِجَةٌ عَنْ مَفْهُومِ اللَّفْظِ.

[فصل في الوكالة البيع]

(فَصْلٌ فِي الْبَيْعِ) قَالَ (وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَا يَجُوزُ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الْوَكَالَةِ الْبَيْعِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الشِّرَاءِ بِأَنْوَاعِهِ ذَكَرَ أَحْكَامَ التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ، وَمَا ذُكِرَ لِتَقْدِيمِ الشِّرَاءِ ثَمَّةَ فَهُوَ وَجْهُ تَأْخِيرِ فَصْلِ الْبَيْعِ. قَالَ (الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَا يَجُوزُ لَهُ

أَنْ يَعْقِدَ مَعَ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْهُمْ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ إلَّا مِنْ عَبْدِهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَعْقِدَ مَعَ أَبِيهِ وَجَدِّهِ إلَخْ) إذَا وَكَّلَ شَخْصًا بِالْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ أَوْ بِهِمَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْقِدَ مَعَ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ إذَا كَانَتْ مُطْلَقَةً عَنْ التَّقْيِيدِ بِعُمُومِ الْمُشَبَّهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمِثْلِ الْقِيمَةِ (وَقَالَا: يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْهُمْ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ إلَّا مِنْ عَبْدِهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ) وَعِبَارَةُ الْكِتَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ مِنْهُمْ بِغَبَنٍ يَسِيرٍ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ عِنْدَهُمَا فَكَانَ الْغَبَنُ الْيَسِيرُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ مُلْحَقًا بِمِثْلِ الْقِيمَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْرِيرِ الْأَقْوَالِ قَبْلَ الدَّلَائِلِ فَنَقُولُ: عَقْدُ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مَعَ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ إنْ كَانَ بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ فِي الْبَيْعِ وَبِأَقَلَّ مِنْهَا فِي الشِّرَاءِ فَهُوَ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ وَعَكْسُهُ غَيْرُ جَائِزٍ كَذَلِكَ، وَبِغَبَنٍ يَسِيرٍ كَذَلِكَ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ،

لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ وَلَا تُهْمَةَ إذْ الْأَمْلَاكُ مُتَبَايِنَةٌ وَالْمَنَافِعُ مُنْقَطِعَةٌ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مِنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ لِلْمَوْلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَلَى مَا ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ جَائِزٌ عِنْدَهُمَا، وَبِمِثْلِ الْقِيمَةِ عِنْدَهُمَا جَائِزٌ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ، غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةِ الْوَكَالَةِ وَالْبُيُوعِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ، وَفِي رِوَايَةِ الْمُضَارَبَةِ جَائِزٌ. إذَا عُرِفَ هَذَا فَالدَّلِيلُ عَلَى الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ فِي جَانِبِهِمَا قَوْلُهُ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ: أَيْ عَنْ التَّقْيِيدِ بِشَخْصٍ دُونَ آخَرَ وَالْمُطْلَقُ يُعْمَلُ بِإِطْلَاقِهِ فَكَانَ الْمُقْتَضِي مَوْجُودًا وَالْمَانِعُ مُنْتَفٍ، لِأَنَّ الْمَانِعَ هُوَ التُّهْمَةُ وَلَا تُهْمَةَ هَاهُنَا، لِأَنَّهَا إمَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ حَيْثُ إيثَارُ الْعَيْنِ أَوْ الْمَالِيَّةِ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُمَا بِمَوْجُودٍ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْأَمْلَاكَ مُتَبَايِنَةٌ حَيْثُ يَحِلُّ لِلِابْنِ وَطْءُ جَارِيَةِ نَفْسِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِلْكُهُ مُتَبَايِنًا عَنْ مِلْكِ أَبِيهِ لَكَانَتْ جَارِيَتُهُ مُشْتَرَكَةً، وَلَمَا حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ جَارِيَةِ أَبِيهِ وَالْمَنَافِعُ مُنْقَطِعَةٌ فَإِنَّ تَبَايُنَ الْأَمْلَاكِ يُوجِبُ انْقِطَاعَ الْمَنَافِعِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ يَنْفِيهِ، وَإِذَا وُجِدَ الْمُقْتَضِي وَانْتَفَى الْمَانِعُ وَجَبَ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ كَمَا فِي الْبَيْعِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ مِنْ عَبْدِهِ: يَعْنِي الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ

وَكَذَا لِلْمَوْلَى حَقٌّ فِي كَسْبِ الْمُكَاتَبِ وَيَنْقَلِبُ حَقِيقَةً بِالْعَجْزِ. وَلَهُ أَنَّ مَوَاضِعَ التُّهْمَةِ مُسْتَثْنَاةٌ عَنْ الْوَكَالَاتِ، وَهَذَا مَوْضِعُ التُّهْمَةِ بِدَلِيلِ عَدَمِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ بَيْنَهُمْ مُتَّصِلَةٌ فَصَارَ بَيْعًا مِنْ نَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ، وَالْإِجَارَةُ وَالصَّرْفُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ بَيْعٌ مِنْ نَفْسِهِ، لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ، وَالْبَيْعُ مِنْ نَفْسِهِ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّ الْوَاحِدَ إذَا تَوَلَّى طَرَفَيْهِ كَانَ مُسْتَزِيدًا مُسْتَنْقِصًا قَابِضًا مُسْلِمًا مُخَاصِمًا فِي الْعَيْبِ، وَفِي ذَلِكَ مِنْ التَّقَابُلِ الَّذِي لَا يَتَحَقَّقُ قِيَامُ مُقَابِلِيهِ بِمَحَلٍّ وَاحِدٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَذَا لِلْمَوْلَى حَقٌّ فِي أَكْسَابِ الْمُكَاتَبِ حَتَّى لَا تَصِحَّ تَبَرُّعَاتُهُ وَلَا تَزْوِيجُ عَبْدِهِ وَيَنْقَلِبُ حَقِيقَةً بِالْعَجْزِ فَصَارَ كَالْعَبْدِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ: يَعْنِي سَلَّمْنَا أَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ، لَكِنَّ مَوَاضِعَ التُّهْمَةِ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْوَكَالَاتِ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِلْإِعَانَةِ فَكَانَتْ مَوْضِعَ أَمَانَةٍ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ هَاهُنَا بِدَلِيلِ عَدَمِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ، وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ بَيْنَهُمْ مُتَّصِلَةٌ فَصَارَ بَيْعًا مِنْ نَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ فَكَانَ فِيهِ تُهْمَةُ إيثَارِ الْعَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَجْوِيزِ بَيْعِ الْمُضَارِبِ مِنْ هَؤُلَاءِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ ظَهَرَ الرِّبْحُ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ مَعَ أَنَّ لَهُ قَبْلَ ظُهُورِهِ حُكْمَ الْوَكِيلِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُضَارِبَ أَعَمُّ تَصَرُّفًا مِنْ الْوَكِيلِ، فَقَدْ يَسْتَبِدُّ بِالتَّصَرُّفِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَمْلِكُ رَبُّ الْمَالِ نَهْيَهُ، كَمَا إذَا صَارَ الْمَالُ عُرُوضًا فَجَازَ أَنْ يَجُوزَ تَصَرُّفُهُ مَعَ هَؤُلَاءِ نَظَرًا إلَى جِهَةِ اسْتِبْدَادِهِ، وَالْإِجَارَةُ وَالصَّرْفُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَإِنَّمَا خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ شُرِعَتْ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَالصَّرْفُ مَشْرُوطٌ بِشُرُوطٍ عَرَى

قَالَ (وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَالْعَرَضَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَا: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِنُقْصَانٍ لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ) ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ يَتَقَيَّدُ بِالْمُتَعَارَفِ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَاتِ لِدَفْعِ الْحَاجَاتِ فَتَتَقَيَّدُ بِمَوَاقِعِهَا، وَالْمُتَعَارَفُ الْبَيْعُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَبِالنُّقُودِ وَلِهَذَا يَتَقَيَّدُ التَّوْكِيلُ بِشِرَاءِ الْفَحْمِ وَالْجُمْدِ وَالْأُضْحِيَّةِ بِزَمَانِ الْحَاجَةِ، وَلِأَنَّ الْبَيْعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ بَيْعٌ مِنْ وَجْهٍ هِبَةٌ مِنْ وَجْهٍ، وَكَذَا الْمُقَايَضَةُ بَيْعٌ مِنْ وَجْهٍ شِرَاءٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ مُطْلَقُ اسْمِ الْبَيْعِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُهُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ. وَلَهُ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ مُطْلَقٌ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التُّهْمَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْهَا غَيْرُهُ فَكَانَ مِمَّا يُوهِمُ جَوَازَهُمَا مَعَ هَؤُلَاءِ، فَبَيَّنَ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمَا كَهُوَ فِيمَا سِوَاهُمَا كَذَا قِيلَ. قَالَ (وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَالْعَرْضِ) الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ بِثَمَنٍ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ وَبِعَرْضٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا: لَا يَجُوزُ بِغَبَنٍ فَاحِشٍ وَلَا بِغَيْرِ النُّقُودِ، لِأَنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ يَتَقَيَّدُ بِالْمُتَعَارَفِ عُرْفًا، إذْ التَّصَرُّفَاتُ لِدَفْعِ الْحَاجَاتِ فَتَتَقَيَّدُ بِمَوَاقِعِهَا، وَالْمُتَعَارَفُ

وَالْبَيْعُ بِالْغَبْنِ أَوْ بِالْعَيْنِ مُتَعَارَفٌ عِنْدَ شِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَى الثَّمَنِ وَالتَّبَرُّمِ مِنْ الْعَيْنِ، وَالْمَسَائِلُ مَمْنُوعَةٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَا هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَيْعُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَبِالنُّقُودِ وَلِهَذَا يَتَقَيَّدُ الْوَكِيلُ بِشِرَاءِ الْفَحْمِ بِأَيَّامِ الْبَرْدِ، وَبِالْجَمْدِ بِسُكُونِ الْمِيمِ: مَا جَمَدَ مِنْ الْمَاءِ لِشِدَّةِ الْبَرْدِ، تَسْمِيَةٌ لِلِاسْمِ بِالْمَصْدَرِ بِأَيَّامِ الصَّيْفِ، وَبِالْأُضْحِيَّةِ بِأَيَّامِ النَّحْرِ أَوْ قَبْلَهَا، كُلُّ ذَلِكَ مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ، حَتَّى لَوْ اشْتَرَى ذَلِكَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ، وَلِأَنَّ الْبَيْعَ بِغَبَنٍ فَاحِشٍ بَيْعٌ مِنْ وَجْهٍ هِبَةٌ مِنْ وَجْهٍ، وَلِهَذَا لَوْ حَصَلَ مِنْ الْمَرِيضِ كَانَ مِنْ الثُّلُثِ وَالْأَبُ وَالْوَصِيُّ لَا يَمْلِكَانِهِ، وَكَذَا الْمُقَايَضَةُ بَيْعٌ مِنْ وَجْهٍ وَشِرَاءٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهِ إخْرَاجَ السِّلْعَةِ مِنْ الْمِلْكِ بَيْعٌ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهِ تَحْصِيلَ السِّلْعَةِ فِي الْمِلْكِ شِرَاءٌ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ مُطْلَقُ اسْمِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ أَيْ سَلَّمْنَا أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ مُطْلَقٌ لَكِنَّ الْمُطْلَقَ يَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التُّهْمَةِ فَيَتَنَاوَلُ كُلَّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْبَيْعُ (قَوْلُهُ وَالْبَيْعُ بِالْغَبَنِ) تَنْزِلُ فِي الْجَوَابِ: يَعْنِي سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُطْلَقَ يَتَقَيَّدُ بِالْمُتَعَارَفِ، لَكِنَّ الْبَيْعَ بِالْغَبَنِ أَوْ بِالْعَيْنِ: أَيْ الْعَرْضِ مُتَعَارَفٌ عِنْدَ شِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَى الثَّمَنِ لِتِجَارَةٍ رَابِحَةٍ أَوْ لِغَيْرِهَا، وَعِنْدَ التَّبَرُّمِ مِنْ الْعَيْنِ وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يُبَالَى بِقِلَّةِ الثَّمَنِ وَكَثْرَتِهِ، فَكَانَ الْعُرْفُ مُشْتَرَكًا لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ، بَلْ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ يَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ مَا يَدَّعِيهِ الْخَصْمُ فَيَنْدَفِعُ نِزَاعُهُ أَوْ تَظْهَرُ مُكَابَرَتُهُ. وَالْمَسَائِلُ الْمَذْكُورَةُ مَرْوِيَّةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ. وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَهِيَ عَلَى إطْلَاقِهَا وَالْبَيْعُ بِالْغَبَنِ أَوْ الْعَيْنِ بَيْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، حَتَّى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ يَحْنَثُ بِالْبَيْعِ بِالْغَبَنِ أَوْ الْعَيْنِ فَلَمَّا جَعَلَ هَذَا بَيْعًا مُطْلَقًا فِي الْيَمِينِ جَعَلَ فِي الْوَكَالَةِ

وَأَنَّهُ بَيْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، حَتَّى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ يَحْنَثُ بِهِ، غَيْرَ أَنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ لَا يَمْلِكَانِهِ مَعَ أَنَّهُ بَيْعٌ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُمَا نَظَرِيَّةٌ وَلَا نَظَر فِيهِ، وَالْمُقَايَضَةُ شِرَاءٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَبَيْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِوُجُودِ حَدِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَذَلِكَ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَرَيَانِ الْعُرْفِ فِي الْيَمِينِ فِي نَوْعِ جَرَيَانِهِ فِي الْبَيْعِ فِي ذَلِكَ النَّوْعِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ لَحْمًا قَدِيدًا حَنِثَ، وَفِي التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ اللَّحْمِ لَوْ اشْتَرَى الْوَكِيلُ لَحْمًا قَدِيدًا وَقَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا عَلَى الْآمِرِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِشِرَاءِ اللَّحْمِ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى لَحْمٍ يُبَاعُ فِي الْأَسْوَاقِ. وَالْقَدِيدُ لَا يُبَاعُ فِيهَا عَادَةً فَلَا يَقَعُ التَّوْكِيلُ عَلَيْهِ، فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْعُرْفَ قَدْ اخْتَلَفَ فِي حَقِّهِمَا فَاخْتَلَفَ الْجَوَابُ كَذَلِكَ. وَأَمَّا الْبَيْعُ بِالْغَبَنِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ بَيْعًا حَقِيقَةً وَعُرْفًا، أَمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عُرْفًا فَيُقَالُ بَيْعٌ رَابِحٌ وَبَيْعٌ خَاسِرٌ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ ذَلِكَ بَيْعًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَمَلَكَهُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ غَيْرَ أَنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ لَا يَمْلِكَانِهِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ كَلَامَنَا فِي الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ بِالْبَيْعِ وَهُمَا لَيْسَا مَأْمُورَيْنِ. سَلَّمْنَا ذَلِكَ، لَكِنْ لَيْسَ أَمْرُهُمَا مُطْلَقًا بَلْ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ وَلَا نَظَرَ فِيهِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُقَايَضَةَ بَيْعٌ مِنْ وَجْهٍ وَشِرَاءٌ مِنْ وَجْهٍ بَلْ هِيَ بَيْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَشِرَاءٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِوُجُودِ حَدِّ كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ عَلَى وَجْهِ التَّرَاضِي بِطَرِيقِ الِاكْتِسَابِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ. وَكُلُّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدُّ فَهُوَ بَيْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَشِرَاءٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: الْبَيْعُ فِي الْحَقِيقَةِ عِبَارَةٌ عَنْ إخْرَاجِ مِلْكِهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمُتَوَصِّلًا بِهِ إلَى تَحْصِيلِ مِلْكِ غَيْرِهِ لَهُ، وَالشِّرَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ تَحْصِيلِ مِلْكِ غَيْرِهِ مُتَوَصِّلًا إلَيْهِ بِإِخْرَاجِ مِلْكِهِ، وَكِلَاهُمَا صَادِقٌ عَلَى الْمُقَايَضَةِ، فَالْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ يُطْلَقَانِ عَلَى عَقْدٍ شَرْعِيٍّ يَرِدُ عَلَى مَجْمُوعِ مَالَيْنِ بِاعْتِبَارَيْنِ يَتَعَيَّنُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِإِطْلَاقِ لَفْظٍ يَخُصُّهُ عَلَيْهِ، وَبِذَلِكَ يَتَمَيَّزُ الْبَائِعُ عَنْ الْمُشْتَرِي، وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ عَنْ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ، فَيَسْقُطُ مَا قِيلَ إذَا كَانَ بَيْعًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَشِرَاءً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِيمَا إذَا رَجَّحَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَانِبَ الْبَيْعِ، وَمَا قِيلَ إذَا كَانَ شِرَاءً كُلُّ وَجْهٍ كَانَ الْوَكِيلُ بِهِ وَكِيلًا بِالشِّرَاءِ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ بِغَبَنٍ فَاحِشٍ بِالِاتِّفَاقِ، فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ لَا تَجُوزَ الْمُقَايَضَةُ إلَّا إذَا كَانَ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْعَرْضِ مِثْلُهُ فِي الْقِيمَةِ أَوْ بِأَقَلَّ مِنْهُ يَسِيرًا كَمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ أَطْلَقَ فِي تَوْكِيلِهِ الْبَيْعَ فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ وَيَتَرَجَّحُ جَانِبُهُ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ بِمَا عَزَّ وَهَانَ، وَلَا يَلْزَمُ الْوَكِيلَ بِالصَّرْفِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ بِالْأَقَلِّ أَصْلًا لِأَنَّ مُوَكِّلَهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ بِالنَّصِّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَكَذَا وَكِيلُهُ، فَعَلَيْك بِهَذَا وَتَطْبِيقِهِ عَلَى مَا فِي الْكُتُبِ مُلَاحِظًا بِعَيْنِ الْبَصِيرَةِ تَحْمَدْ الْمُتَصَدِّي لِتَلْفِيقِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَالَ (وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ يَجُوزُ عَقْدُهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَزِيَادَةٍ يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهَا، وَلَا يَجُوزُ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ يَجُوزُ عَقْدُهُ إلَخْ) الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَالْغَبَنِ الْيَسِيرِ دُونَ الْفَاحِشِ، لِأَنَّ التُّهْمَةَ فِيهِ مُتَحَقِّقَةٌ فَلَعَلَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ، فَإِذَا لَمْ يُوَافِقْهُ أَوْ قَدْ وَجَدَهُ خَاسِرًا أَلْحَقَهُ بِغَيْرِهِ عَلَى مَا مَرَّ، حَتَّى لَوْ كَانَ وَكِيلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ قَالُوا

لِأَنَّ التُّهْمَةَ فِيهِ مُتَحَقِّقَةٌ فَلَعَلَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ، فَإِذَا لَمْ يُوَافِقْهُ أَلْحَقَهُ بِغَيْرِهِ عَلَى مَا مَرَّ، حَتَّى لَوْ كَانَ وَكِيلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ قَالُوا يَنْفُذُ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شِرَاءَهُ لِنَفْسِهِ، وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالنِّكَاحِ إذَا زَوَّجَهُ امْرَأَةً بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا جَازَ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِضَافَةِ إلَى الْمُوَكِّلِ فِي الْعَقْدِ فَلَا تَتَمَكَّنُ هَذِهِ التُّهْمَةُ، وَلَا كَذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ الْعَقْدُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَنْفُذُ عَلَى الْآمِرِ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِنَفْسِهِ. وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ قَالُوا عَامَّةُ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: يُتَحَمَّلُ فِيهِ الْغَبَنُ الْيَسِيرُ لَا الْفَاحِشُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُتَحَمَّلُ فِيهِ الْيَسِيرُ أَيْضًا، وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالنِّكَاحِ إذَا زَوَّجَ مُوَكِّلَهُ امْرَأَةً بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا جَازَ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِضَافَةِ إلَى الْمُوَكِّلِ فِي الْعَقْدِ وَلَا تَتَمَكَّنُ فِيهِ هَذِهِ التُّهْمَةُ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ لِأَنَّهُ يُطْلِقُ

قَالَ (وَاَلَّذِي لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ، وَقِيلَ فِي الْعُرُوضِ " الإل نيم " وَفِي الْحَيَوَانَاتِ " الإل يازده " وَفِي الْعَقَارَاتِ " الإل دوازده ") ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَقْدَ حَيْثُ يَقُولُ اشْتَرَيْت وَلَا يَقُولُ لِفُلَانٍ. ثُمَّ بَيَّنَ الْغَبَنَ الْيَسِيرَ وَالْفَاحِشَ فَقَالَ (وَاَلَّذِي لَا يُتَغَابَنُ فِيهِ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ) فَيَكُونُ مُقَابِلُهُ مِمَّا يُتَغَابَنُ فِيهِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا التَّحْدِيدُ فِيمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ مَعْلُومَةٌ فِي الْبَلَدِ كَالْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ، فَأَمَّا مَا لَهُ ذَلِكَ كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَغَيْرِهِمَا فَزَادَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ لَا يَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَإِنْ قَلَّتْ الزِّيَادَةُ كَالْفَلْسِ مَثَلًا لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ، إذْ الدَّاخِلُ تَحْتَهُ مَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَقْوِيمِهِمْ، وَلَا حَاجَةَ هَاهُنَا لِلْعِلْمِ بِهِ فَلَا يَدْخُلُ. وَقِيلَ الْغَبَنُ الْيَسِيرُ وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَقِيلَ الْفَاحِشُ، وَيُسَاعِدُهُ سَوْقُ الْكَلَامِ فِي الْعُرُوضِ " الإل نيم " وَفِي الْحَيَوَانَاتِ " الإل يازده " وَفِي الْعَقَارِ " الإل دوازده " فَإِذَا كَانَ الْغَبَنُ إلَى هَذَا الْمَبْلَغِ كَانَ يَسِيرًا لَزِمَ الْآمِرَ، وَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ لَزِمَ الْوَكِيلَ، وَالتَّقْدِيرُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِأَنَّ الْغَبَنَ يَزِيدُ بِقِلَّةِ التَّجْرِبَةِ وَيَنْقُصُ بِكَثْرَتِهَا، وَقِلَّتُهَا وَكَثْرَتُهَا بِقِلَّةِ وُقُوعِ التِّجَارَاتِ وَكَثْرَتِهِ، وَوُقُوعُهُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ كَثِيرٌ وَفِي الْأَخِيرِ قَلِيلٌ وَفِي الْأَوْسَطِ مُتَوَسِّطٌ وَعَشَرَةُ دَرَاهِمَ نِصَابٌ تَقَعُ بِهِ يَدٌ مُحْتَرَمَةٌ فَجُعِلَ أَصْلًا، وَالدِّرْهَمُ مَالٌ يُحْبَسُ لِأَجْلِهِ فَقَدْ لَا يُتَسَامَحُ بِهِ فِي الْمُمَاكَسَةِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيمَا كَثُرَ وُقُوعُهُ يَسِيرًا، وَالنِّصْفُ مِنْ النَّصَفَةِ فَكَانَ يَسِيرًا وَضُوعِفَ بَعْدَ ذَلِكَ بِحَسَبِ الْوُقُوعِ،

لِأَنَّ التَّصَرُّفَ يَكْثُرُ وُجُودُهُ فِي الْأَوَّلِ وَيَقِلُّ فِي الْأَخِيرِ وَيَتَوَسَّطُ فِي الْأَوْسَطِ وَكَثْرَةُ الْغَبْنِ لِقِلَّةِ التَّصَرُّفِ. قَالَ (وَإِذَا وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ فَبَاعَ نِصْفَهُ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُطْلَقٌ عَنْ قَيْدِ الِافْتِرَاقِ وَالِاجْتِمَاعِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْكُلَّ بِثَمَنِ النِّصْفِ يَجُوزُ عِنْدَهُ فَإِذَا بَاعَ النِّصْفَ بِهِ أَوْلَى (وَقَالَا: لَا يَجُوزُ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ (إلَّا أَنْ يَبِيعَ النِّصْفَ الْآخَرَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَصِمَا) ؛ لِأَنَّ بَيْعَ النِّصْفِ قَدْ يَقَعُ وَسِيلَةً إلَى الِامْتِثَالِ بِأَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يَشْتَرِيهِ جُمْلَةً فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُفَرِّقَ، فَإِذَا بَاعَ الْبَاقِيَ قَبْلَ نَقْضِ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَقَعَ وَسِيلَةً، وَإِذَا لَمْ يَبِعْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ وَسِيلَةً فَلَا يَجُوزُ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ عِنْدَهُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَمَا كَانَ أَقَلَّ وُقُوعًا مِنْهُ اُعْتُبِرَ ضِعْفُهُ، وَكَانَ أَقَلَّ مِنْ الْأَقَلِّ اُعْتُبِرَ ضِعْفُ ضِعْفِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (وَإِذَا وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَ نِصْفَهُ إلَخْ) وَإِذَا وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَ نِصْفَهُ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ اللَّفْظَ مُطْلَقٌ عَنْ قَيْدِ الِافْتِرَاقِ وَالِاجْتِمَاعِ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ، وَاسْتَوْضَحَ بِقَوْلِهِ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْكُلَّ بِثَمَنِ النِّصْفِ جَازَ عِنْدَهُ، فَإِذَا بَاعَ النِّصْفَ بِهِ أَوْلَى. وَقَالَا:

(وَإِنْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ فَاشْتَرَى نِصْفَهُ فَالشِّرَاءُ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ اشْتَرَى بَاقِيَهُ لَزِمَ الْمُوَكِّلَ) ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْبَعْضِ قَدْ يَقَعُ وَسِيلَةً إلَى الِامْتِثَالِ بِأَنْ كَانَ مَوْرُوثًا بَيْنَ جَمَاعَةٍ فَيَحْتَاجُ إلَى شِرَائِهِ شِقْصًا شِقْصًا، فَإِذَا اشْتَرَى الْبَاقِيَ قَبْلَ رَدِّ الْآمِرِ الْبَيْعَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَقَعَ وَسِيلَةً فَيَنْفُذُ عَلَى الْآمِرِ، وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ. وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ فِي الشِّرَاءِ تَتَحَقَّقُ التُّهْمَةُ عَلَى مَا مَرَّ. وَآخَرُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْبَيْعِ يُصَادِفُ مِلْكَهُ فَيَصِحُّ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ إطْلَاقُهُ وَالْأَمْرُ بِالشِّرَاءِ صَادَفَ مِلْكَ الْغَيْرِ فَلَمْ يَصِحَّ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّقْيِيدُ وَالْإِطْلَاقُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَجُوزُ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِهِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ وَبَيْعُ النِّصْفِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ إلَّا أَنْ يَبِيعَ النِّصْفَ الْآخَرَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَصِمَا، لِأَنَّ بَيْعَ النِّصْفِ قَدْ يَقَعُ وَسِيلَةً إلَى الِامْتِثَالِ بِأَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يَشْتَرِيهِ جُمْلَةً فَيَحْتَاجُ إلَى التَّفْرِيقِ، فَإِذَا بَاعَ الْبَاقِيَ قَبْلَ نَقْضِ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَقَعَ وَسِيلَةً، وَإِنْ لَمْ يَبِعْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ وَسِيلَةً فَلَا يَجُوزُ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ عِنْدَهُمَا، فَإِنْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ فَاشْتَرَى نِصْفَهُ فَالشِّرَاءُ مَوْقُوفٌ بِالِاتِّفَاقِ لِمَا ذَكَرَ مِنْ الدَّلِيلِ آنِفًا فِي التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ. وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ التُّهْمَةَ فِي الشِّرَاءِ مُتَحَقِّقَةٌ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ فَلَعَلَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ إلَخْ. وَفَرْقٌ آخَرُ أَنَّ الْأَمْرَ فِي الْبَيْعِ يُصَادِفُ مِلْكَهُ فَيَصِحُّ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْإِطْلَاقُ فَيَمْلِكُ بَيْعَ الْعَبْدِ كُلِّهِ أَوْ نِصْفِهِ، وَأَمَّا الْأَمْرُ بِالشِّرَاءِ فَإِنَّهُ صَادَفَ مِلْكَ الْغَيْرِ فَلَمْ يَصِحَّ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّقْيِيدُ وَالْإِطْلَاقُ: أَيْ إطْلَاقُ الْأَمْرِ وَتَقْيِيدُهُ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْعُرْفُ، وَالْعُرْفُ فِيهِ أَنْ يَشْتَرِيَ الْعَبْدَ جُمْلَةً. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَصِحَّ التَّوْكِيلُ

قَالَ (وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَهُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ فَرَدَّهُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِعَيْبٍ لَا يَحْدُثْ مِثْلُهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِبَاءِ يَمِينٍ أَوْ بِإِقْرَارٍ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ عَلَى الْآمِرِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالشِّرَاءِ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالشِّرَاءِ أَمْرٌ بِالشِّرَاءِ، وَقَدْ قَالَ الْأَمْرُ بِالشِّرَاءِ صَادَفَ مِلْكَ الْغَيْرِ فَلَمْ يَصِحَّ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ صَحَّ بِحَدِيثِ «حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ الْأُضْحِيَّةِ» ، وَإِذَا صَحَّ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَحَلٍّ فَجَعَلْنَاهُ الثَّمَنَ الَّذِي فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ لِكَوْنِهِ مِلْكَهُ وَصَرَفْنَاهُ إلَى الْمُتَعَارَفِ عَمَلًا بِالدَّلَائِلِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَلَوْ عَمِلْنَا بِإِطْلَاقِهِ كَانَ ذَلِكَ إبْطَالًا لِلْقِيَاسِ وَالْعُرْفِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْإِعْمَالُ وَلَوْ بِوَجْهٍ أَوْلَى. قَالَ (وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ إلَخْ) وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَبِيعَ عَبْدَهُ فَبَاعَهُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ فَرَدَّهُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِعَيْبٍ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ؛ فَلَا

لِأَنَّ الْقَاضِيَ تَيَقَّنَ بِحُدُوثِ الْعَيْبِ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَلَمْ يَكُنْ قَضَاؤُهُ مُسْتَنِدًا إلَى هَذِهِ الْحُجَجِ. وَتَأْوِيلُ اشْتِرَاطِهَا فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فِي مُدَّةِ شَهْرٍ مَثَلًا لَكِنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ تَارِيخُ الْبَيْعِ فَيَحْتَاجُ إلَى هَذِهِ الْحُجَجِ لِظُهُورِ التَّارِيخِ، أَوْ كَانَ عَيْبًا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا النِّسَاءُ أَوْ الْأَطِبَّاءُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQيَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِعَيْبٍ يَحْدُثُ مِثْلُهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ ظَاهِرًا وَالْقَاضِي عَايَنَ الْبَيْعَ أَوْ لَمْ يَكُنْ،

وَقَوْلُهُنَّ وَقَوْلُ الطَّبِيبِ حُجَّةٌ فِي تَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ لَا فِي الرَّدِّ فَيَفْتَقِرُ إلَيْهَا فِي الرَّدِّ، حَتَّى لَوْ كَانَ الْقَاضِي عَايَنَ الْبَيْعَ وَالْعَيْبُ ظَاهِرٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ مِنْهَا وَهُوَ رَدٌّ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَلَا يَحْتَاجُ الْوَكِيلُ إلَى رَدٍّ وَخُصُومَةٍ. قَالَ (وَكَذَلِكَ إنْ رَدَّهُ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ يَحْدُثُ مِثْلُهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِبَاءِ يَمِينٍ) ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ مُطْلَقَةٌ، وَالْوَكِيلُ مُضْطَرٌّ فِي النُّكُولِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْحُجَّةِ مِنْ بَيِّنَةٍ أَوْ نُكُولٍ أَوْ إقْرَارٍ لِأَنَّ الْقَاضِيَ تَيَقَّنَ بِحُدُوثِ الْعَيْبِ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَعَايَنَ الْبَيْعَ فَيُعْلَمُ التَّارِيخُ وَالْعَيْبُ ظَاهِرٌ فَلَا يَحْتَاجُ لِلرَّدِّ إلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَا بُدَّ مِنْهَا لَا لِلْقَضَاءِ بَلْ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُعَايِنْ الْبَيْعَ قَدْ يُشْتَبَهُ تَارِيخُهُ فَيَحْتَاجُ إلَيْهَا لِظُهُورِهِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ الْعَيْبُ ظَاهِرًا كَالْقَرْنِ فِي الْفَرْجِ وَالْمَرَضِ الدَّقِّ فَيَحْتَاجُ إلَى النِّسَاءِ أَوْ الْأَطِبَّاءِ فِي تَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ، وَالرَّدُّ لَا يَثْبُتُ بِقَوْلِ النِّسَاءِ أَوْ الطَّبِيبِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْحُجَّةِ، وَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ الرَّدُّ عَلَى الْوَكِيلِ رَدٌّ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى رَدٍّ وَخُصُومَةٍ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْقَضَاءِ فَسْخٌ لِعُمُومِ وِلَايَةِ الْقَاضِي، وَالْفَسْخُ بِالْحُجَّةِ الْكَامِلَةِ عَلَى الْوَكِيلِ فَسْخٌ عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَإِنْ كَانَ بِعَيْبٍ يَحْدُثُ مِثْلُهُ، فَإِنْ رَدَّهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِبَاءِ يَمِينٍ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ مُطْلَقَةٌ: أَيْ كَامِلَةٌ فَتَتَعَدَّى، وَالْوَكِيلُ فِي النُّكُولِ مُضْطَرٌّ لِبُعْدِ الْعَيْبِ عَنْ عِلْمِهِ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ مُمَارَسَتِهِ الْمَبِيعَ فَلَزِمَ الْآمِرَ، وَإِنْ رَدَّهُ بِإِقْرَارٍ لَزِمَ الْوَكِيلَ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ وَهُوَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ

لِبُعْدِ الْعَيْبِ عَنْ عِلْمِهِ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ مُمَارَسَتِهِ الْمَبِيعَ فَلَزِمَ الْآمِرَ. قَالَ (فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ لَزِمَ الْمَأْمُورَ) ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ وَهُوَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ لِإِمْكَانِهِ السُّكُوتَ وَالنُّكُولَ، إلَّا أَنَّ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْمُوَكِّلَ فَيُلْزِمَهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِنُكُولِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الرَّدُّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَالْعَيْبُ يَحْدُثُ مِثْلُهُ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ بَائِعَهُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ وَالْبَائِعُ ثَالِثُهُمَا، وَالرَّدُّ بِالْقَضَاءِ فَسْخٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالسُّكُوتُ أَوْ الْإِنْكَارُ حَتَّى تُعْرَضَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ وَيُقْضَى بِالنُّكُولِ، لَكِنْ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْمُوَكِّلَ فَيَلْزَمَهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِنُكُولِ الْمُوَكِّلِ لِأَنَّ

لِعُمُومِ وِلَايَةِ الْقَاضِي، غَيْرَ أَنَّ الْحُجَّةَ قَاصِرَةٌ وَهِيَ الْإِقْرَارُ، فَمِنْ حَيْثُ الْفَسْخُ كَانَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ، وَمِنْ حَيْثُ الْقُصُورُ لَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَلَوْ كَانَ الْعَيْبُ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ وَالرَّدُّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ بِإِقْرَارِهِ يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ مِنْ غَيْرِ خُصُومَةٍ فِي رِوَايَةٍ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ مُتَعَيَّنٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّدَّ بِالْقَضَاءِ فَسْخٌ لِعُمُومِ وِلَايَةِ الْقَاضِي، غَيْرَ أَنَّ الْحُجَّةَ وَهِيَ الْإِقْرَارُ قَاصِرَةٌ، فَمِنْ حَيْثُ الْفَسْخُ كَانَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ، وَمِنْ حَيْثُ الْقُصُورُ لَا يَلْزَمُهُ، وَهَذِهِ فَائِدَةُ الْحَاجَةِ إلَى الْقَضَاءِ مَعَ الْإِقْرَارِ فَيَسْقُطُ مَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ إذَا أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِالْعَيْبِ لَا حَاجَةَ حِينَئِذٍ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي لِأَنَّهُ يَقْبَلُهُ لَا مَحَالَةَ. وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِعَيْبٍ يَحْدُثُ مِثْلُهُ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ وَكَانَ رَدُّهُ بِإِقْرَارٍ لَزِمَ

وَفِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْحَقُّ فِي وَصْفِ السَّلَامَةِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الرَّدِّ ثُمَّ إلَى الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ الرَّدُّ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْكِفَايَةِ بِأَطْوَلَ مِنْ هَذَا. قَالَ (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ أَمَرْتُك بِبَيْعِ عَبْدِي بِنَقْدٍ فَبِعْته بِنَسِيئَةٍ وَقَالَ الْمَأْمُورُ أَمَرْتنِي بِبَيْعِهِ وَلَمْ تَقُلْ شَيْئًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ) ؛ لِأَنَّ الْآمِرَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ وَلَا دَلَالَةَ عَلَى الْإِطْلَاقِ. قَالَ (وَإِنْ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ الْمُضَارِبُ وَرَبُّ الْمَالِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُضَارِبِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَكِيلَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ آمِرَهُ، وَعَبَّرَ عَنْهُ بِالْبَائِعِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَمَّا انْتَقَلَ إلَى الْوَكِيلِ وَتَقَرَّرَ عَلَيْهِ بِأَمْرٍ قَدْ حَصَلَ مِنْ جِهَتِهِ فَكَأَنَّهُ بَاعَهُ إيَّاهُ لِأَنَّهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ حَيْثُ فَسَخَ وَاسْتَرَدَّ بِرِضَاهُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ. وَالْبَائِعُ: أَيْ الْمُوَكِّلُ ثَالِثُهُمَا. وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ وَالرَّدُّ بِإِقْرَارٍ لَزِمَ الْمُوَكِّلَ بِغَيْرِ خُصُومَةٍ فِي رِوَايَةِ بُيُوعِ الْأَصْلِ لِأَنَّ الرَّدَّ مُتَعَيِّنٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا فَعَلَا عَيْنَ مَا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي إنْ رُفِعَ الْأَمْرُ إلَيْهِ، فَإِنَّهُمَا لَوْ رَفَعَا الْأَمْرَ إلَيْهِ فِي عَيْبٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ رَدَّهُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَكْلِيفٍ بِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَى ذَلِكَ وَكَانَ ذَلِكَ رَدًّا عَلَى الْمُوَكِّلِ. وَفِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْآمِرَ، وَلَيْسَ لِلْمَأْمُورِ أَنْ يُخَاصِمَهُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ. وَقَوْلُهُ الرَّدُّ مُتَعَيِّنٌ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي فِي الْجُزْءِ الْفَائِتِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الرَّدِّ تَمَّ إلَى الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ، وَلَمْ يَذْكُرْ صُورَةَ الرَّدِّ بِالْبَيِّنَةِ وَالنُّكُولِ لِعَدَمِ تَأَتِّيهِمَا لَدَى عَدَمِ الْقَضَاءِ. قَالَ (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ أَمَرْتُك بِبَيْعِ عَبْدِي بِنَقْدٍ إلَخْ) إذَا اخْتَلَفَ الْآمِرُ وَالْمَأْمُورُ فِي إطْلَاقِ

لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُضَارَبَةِ الْعُمُومُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ بِذِكْرِ لَفْظِ الْمُضَارَبَةِ فَقَامَتْ دَلَالَةُ الْإِطْلَاقِ، بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ الْمُضَارَبَةَ فِي نَوْعٍ وَالْمُضَارِبُ فِي نَوْعٍ آخَرَ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ الْإِطْلَاقُ بِتَصَادُقِهِمَا فَنَزَلَ إلَى الْوَكَالَةِ الْمَحْضَةِ ثُمَّ مُطْلَقُ الْأَمْرِ بِالْبَيْعِ يَنْتَظِمُهُ نَقْدًا وَنَسِيئَةً إلَى أَيِّ أَجَلٍ كَانَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَتَقَيَّدُ بِأَجَلٍ مُتَعَارَفٍ وَالْوَجْهُ قَدْ تَقَدَّمَ. قَالَ (وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَهُ وَأَخَذَ بِالثَّمَنِ رَهْنًا فَضَاعَ فِي يَدِهِ أَوْ أَخَذَ بِهِ كَفِيلًا فَتَوِيَ الْمَالُ عَلَيْهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّصَرُّفِ وَتَقْيِيدِهِ فَقَالَ الْآمِرُ أَمَرْتُك بِبَيْعِ عَبْدِي بِنَقْدٍ فَبِعْته بِنَسِيئَةٍ وَقَالَ الْمَأْمُورُ بَلْ أَمَرْتنِي بِبَيْعِهِ وَلَمْ تَقُلْ شَيْئًا فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ لِأَنَّ الْأَمْرَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ، وَمَنْ يُسْتَفَادُ الْأَمْرُ مِنْ جِهَتِهِ أَعْلَمُ بِمَا قَالَهُ فَكَانَ هُوَ الْمُعْتَبَرَ، إلَّا إذَا كَانَ فِي الْعَقْدِ مَا يُخَالِفُ مُدَّعَاهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَوْجُودٍ لِأَنَّ عَقْدَ الْوَكَالَةِ مَبْنَاهُ عَلَى التَّقْيِيدِ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ التَّقْيِيدِ، فَإِنَّهُ مَا لَمْ يَقُلْ وَكَّلْتُك بِبَيْعِ هَذَا الشَّيْءِ لَا يَكُونُ وَكِيلًا بِبَيْعِهِ؛ وَلَوْ قَالَ وَكَّلْتُك بِمَالِي أَوْ فِي مَالِي لَا يَمْلِكُ إلَّا الْحِفْظَ فَلَيْسَ فِي الْعَقْدِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مُدَّعَاهُ مِنْ الْإِطْلَاقِ؛ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُضَارِبُ وَرَبُّ الْمَالِ فِي الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ أَمَرْتُك أَنْ تَعْمَلَ فِي الْبَزِّ وَقَالَ الْمُضَارِبُ دَفَعْت إلَيَّ الْمَالَ مُضَارَبَةً وَلَمْ تَقُلْ شَيْئًا فَالْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ، لِأَنَّ الْأَمْرَ وَإِنْ كَانَ مُسْتَفَادًا مِنْ جِهَةِ رَبِّ الْمَالِ إلَّا أَنَّ فِي الْعَقْدِ مَا يُخَالِفُ دَعْوَاهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُضَارَبَةِ الْعُمُومُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ بِذِكْرِ لَفْظِ الْمُضَارَبَةِ فَكَانَتْ دَلَالَةُ الْإِطْلَاقِ قَائِمَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ الْمُضَارَبَةَ فِي نَوْعٍ وَالْمُضَارِبُ فِي نَوْعٍ آخَرَ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُ سَقَطَ الْإِطْلَاقُ بِتَصَادُقِهِمَا فَنَزَلَ إلَى الْوَكَالَةِ الْمَحْضَةِ وَفِيهَا الْقَوْلُ لِلْآمِرِ كَمَا مَرَّ آنِفًا (ثُمَّ مُطْلَقُ الْأَمْرِ بِالْبَيْعِ يَنْتَظِمُهُ نَقْدًا وَنَسِيئَةً إلَى أَيِّ أَجَلٍ كَانَ) مُتَعَارَفٍ، عِنْدَ التُّجَّارِ فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ أَوْ غَيْرِ مُتَعَارَفٍ فِيهَا كَالْبَيْعِ إلَى خَمْسِينَ سَنَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعِنْدَهُمَا يَتَقَيَّدُ بِأَجَلٍ مُتَعَارَفٍ، (وَالْوَجْهُ) مِنْ الْجَانِبَيْنِ (تَقَدَّمَ) فِي مَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَالْعَرْضِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا (وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَهُ وَأَخَذَ بِالثَّمَنِ رَهْنًا فَضَاعَ فِي يَدِهِ أَوْ أَخَذَ بِهِ كَفِيلًا فَتْوَى الْمَالُ عَلَيْهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) قِيلَ الْمُرَادُ بِالْكَفَالَةِ هَاهُنَا الْحَوَالَةُ لِأَنَّ التَّوَى

لِأَنَّ الْوَكِيلَ أَصِيلٌ فِي الْحُقُوقِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ مِنْهَا وَالْكَفَالَةُ تُوثَقُ بِهِ، وَالِارْتِهَانُ وَثِيقَةٌ لِجَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ فَيَمْلِكُهُمَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَفْعَلُ نِيَابَةً وَقَدْ أَنَابَهُ فِي قَبْضِ الدَّيْنِ دُونَ الْكَفَالَةِ وَأَخْذِ الرَّهْنِ وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ يَقْبِضُ أَصَالَةً وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ حَجْرَهُ عَنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَتَحَقَّقُ فِي الْكَفَالَةِ لِأَنَّ الْأَصِيلَ لَا يَبْرَأُ. وَقِيلَ بَلْ هِيَ عَلَى حَقِيقَتِهَا، وَالتَّوَى فِيهَا بِأَنْ يَمُوتَ الْكَفِيلُ وَالْأَصِيلُ مُفْلِسَيْنِ، وَقِيلَ التَّوَى فِيهَا هُوَ أَنْ يَأْخُذَ كَفِيلًا وَيَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى حَاكِمٍ يَرَى بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ فَيَحْكُمَ عَلَى مَا يَرَاهُ وَيَمُوتُ الْكَفِيلُ مُفْلِسًا، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَمَانٌ لِأَنَّ الْوَكِيلَ أَصِيلٌ فِي الْحُقُوقِ، وَقَبْضُ الثَّمَنِ مِنْهَا وَالْكَفَالَةُ تُوثَقُ بِهِ، وَالِارْتِهَانُ وَثِيقَةٌ لِجَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ، وَلَوْ اسْتَوْفَى الثَّمَنَ وَهَلَكَ عِنْدَهُ لَمْ يَضْمَنْ فَكَذَا إذَا قَبَضَ بَدَلَهُ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ إذَا أَخَذَ بِالدَّيْنِ رَهْنًا أَوْ كَفِيلًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ نِيَابَةً حَتَّى إذَا نَهَاهُ عَنْ الْقَبْضِ صَحَّ نَهْيُهُ وَقَدْ اسْتَنَابَهُ فِي قَبْضِ الدَّيْنِ دُونَ الْكَفَالَةِ وَالرَّهْنِ وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ يَقْبِضُ الثَّمَنَ أَصَالَةً لَا نِيَابَةً وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ حَجْرَهُ عَنْ الْقَبْضِ.

[فصل في حكم وكالة الاثنين]

(فَصْلٌ) قَالَ (وَإِذَا وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا وُكِّلَا بِهِ دُونَ الْآخَرِ) وَهَذَا فِي تَصَرُّفٍ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ كَالْبَيْعِ وَالْخُلْعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي حُكْمِ وَكَالَةِ الِاثْنَيْنِ] فَصْلٌ) وَجْهُ تَأْخِيرِ وَكَالَةِ الِاثْنَيْنِ عَنْ وَكَالَةِ الْوَاحِدِ ظَاهِرٌ طَبْعًا وَوَضْعًا (وَإِذَا وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِكَلَامَيْنِ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ) لِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ حَيْثُ وَكَّلَهُمَا مُتَعَاقِبًا وَإِنْ كَانَ بِكَلَامٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْمُرَادُ بِمَا فِي الْكِتَابِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا وُكِّلَا بِهِ دُونَ الْآخَرِ سَوَاءٌ كَانَا مِمَّنْ تَلْزَمُهُمَا الْأَحْكَامُ أَوْ أَحَدُهُمَا صَبِيٌّ أَوْ عَبْدٌ مَحْجُورٌ، إنْ كَانَ التَّصَرُّفُ مِمَّا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ كَالْبَيْعِ وَالْخُلْعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ إذَا قَالَ وَكَّلْتُكُمَا بِبَيْعِ كَذَا أَوْ بِخُلْعِ كَذَا لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ

لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِرَأْيِهِمَا لَا بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا، وَالْبَدَلُ وَإِنْ كَانَ مُقَدَّرًا وَلَكِنَّ التَّقْدِيرَ لَا يَمْنَعُ اسْتِعْمَالَ الرَّأْيِ فِي الزِّيَادَةِ وَاخْتِيَارِ الْمُشْتَرِي. قَالَ (إلَّا أَنْ يُوَكِّلَهُمَا بِالْخُصُومَةِ) لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ فِيهَا مُتَعَذَّرٌ لِلْإِفْضَاءِ إلَى الشَّغْبِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَالرَّأْيُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ سَابِقًا لِتَقْوِيمِ الْخُصُومَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQرَضِيَ بِرَأْيِهِمَا لَا بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ لَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يَتَصَرَّفَ (قَوْلُهُ وَالْبَدَلُ وَإِنْ كَانَ مُقَدَّرًا) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إذَا قَدَّرَ الْمُوَكِّلُ الْبَدَلَ فَقَدْ اسْتَغْنَى عَنْ الرَّأْيِ بَعْدَهُ فَيَجُوزُ أَنْ يَتَصَرَّفَ أَحَدُهُمَا. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْبَدَلَ وَإِنْ كَانَ مُقَدَّرًا لَكِنَّ التَّقْدِيرَ لَا يَمْنَعُ اسْتِعْمَالَهُ فِي الزِّيَادَةِ، فَإِذَا اجْتَمَعَ رَأْيُهُمَا اُحْتُمِلَ أَنْ يَزِيدَ الثَّمَنُ وَيَخْتَارَانِ مَنْ هُوَ أَحْسَنُ أَدَاءً لِلثَّمَنِ. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يُوَكِّلَهُمَا بِالْخُصُومَةِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا وُكِّلَا بِهِ دُونَ الْآخَرِ: يَعْنِي أَنَّ أَحَدَ الْوَكِيلَيْنِ لَا يَتَصَرَّفُ بِانْفِرَادِهِ فِيمَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ إلَّا فِي الْخُصُومَةِ، فَإِنَّ تَكَلُّمَهُمَا فِيهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ لِأَنَّ اجْتِمَاعَهُمَا عَلَيْهَا مُتَعَذِّرٌ لِلْإِفْضَاءِ إلَى الشَّغَبِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ. وَقَوْلُهُ (وَالرَّأْيُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ سَابِقًا) إشَارَةٌ إلَى دَفْعِ قَوْلِ مَنْ قَالَ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُخَاصِمَ دُونَ صَاحِبِهِ،

(قَالَ: أَوْ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ) (أَوْ بِعِتْقِ عَبْدِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْ بِرَدِّ وَدِيعَةٍ عِنْدَهُ أَوْ قَضَاءِ دَيْنٍ عَلَيْهِ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى الرَّأْيِ بَلْ هُوَ تَعْبِيرٌ مَحْضٌ، وَعِبَارَةُ الْمَثْنَى وَالْوَاحِدُ سَوَاءٌ. وَهَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْخُصُومَةَ يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى الرَّأْيِ وَالْمُوَكِّلُ رَضِيَ بِرَأْيِهِمَا. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ اجْتِمَاعُ الرَّأْيَيْنِ يَحْصُلُ فِي تَقْوِيمِ الْخُصُومَةِ سَابِقًا عَلَيْهَا فَيُكْتَفَى بِذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (أَوْ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ) وَمَا بَعْدَهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُسْتَثْنَى. فَإِذَا وَكَّلَ رَجُلَيْنِ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَطَلَّقَ أَحَدُهُمَا وَأَبَى الْآخَرُ أَنْ يُطَلِّقَ فَهُوَ جَائِزٌ، وَكَذَا بِالْعِتْقِ الْمُفْرَدِ، وَكَذَا إذَا وَكَّلَهُ بِرَدِّ الْوَدِيعَةِ أَوْ بِقَضَاءِ دَيْنٍ عَلَيْهِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى الرَّأْيِ بَلْ هُوَ تَعْبِيرٌ مَحْضٌ، وَعِبَارَةُ الْمُثَنَّى وَالْوَاحِدِ فِيهِ سَوَاءٌ؛ وَلَوْ كَانَتْ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ فَقَبَضَ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ ضَمِنَ لِأَنَّهُ شَرَطَ اجْتِمَاعَهُمَا عَلَى الْقَبْضِ وَهُوَ مُمْكِنٌ، وَلِلْمُوَكَّلِ فِيهِ فَائِدَةٌ لِأَنَّ حِفْظَ اثْنَيْنِ أَنْفَعُ، فَإِذَا قَبَضَ أَحَدُهُمَا كَانَ قَابِضًا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ فَيَضْمَنُ الْكُلَّ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِقَبْضِ النِّصْفِ إذَا كَانَ مَعَ صَاحِبِهِ. وَأَمَّا مُنْفَرِدًا فَغَيْرُ مَأْمُورٍ بِقَبْضِ شَيْءٍ مِنْهُ. قَوْلُهُ (وَهَذَا) أَيْ جَوَازُ انْفِرَادِ أَحَدِهِمَا،

بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهُمَا طَلَّقَاهَا إنْ شِئْتُمَا أَوْ قَالَ أَمْرُهَا بِأَيْدِيكُمَا لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ إلَى رَأْيِهِمَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ مُقْتَصِرٌ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَلِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِفِعْلِهِمَا فَاعْتَبَرَهُ بِدُخُولِهِمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهُمَا طَلِّقَاهَا إنْ شِئْتُمَا، أَوْ قَالَ أَمْرُهَا بِأَيْدِيكُمَا، لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ إلَى رَأْيِهِمَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ مُقْتَصِرٌ عَلَى الْمَجْلِسِ) كَمَا مَرَّ، وَإِذَا كَانَ تَمْلِيكًا صَارَ التَّطْلِيقُ مَمْلُوكًا لَهُمَا فَلَا يَقْدِرُ أَحَدُهُمَا عَلَى التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْآخَرِ. قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَقْدِرَ أَحَدُهُمَا عَلَى إيقَاعِ نِصْفِ تَطْلِيقَةٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْآخَرِ. فَإِنْ قِيلَ: الْإِبْطَالُ ضِمْنِيٌّ فَلَا يُعْتَبَرُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ الْإِبْطَالِ مَعَ قُدْرَتِهِمَا عَلَى الِاجْتِمَاعِ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ طَلِّقَاهَا إنْ شِئْتُمَا،

قَالَ (وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ فِيمَا وُكِّلَ بِهِ) لِأَنَّهُ فُوِّضَ إلَيْهِ التَّصَرُّفُ دُونَ التَّوْكِيلِ بِهِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِهِ وَالنَّاسُ مُتَفَاوِتُونَ فِي الْآرَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ الطَّلَاقَ فِيهِ مُعَلَّقٌ بِفِعْلِهِمَا وَهُوَ التَّطْلِيقُ، فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِالطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ بِدُخُولِهِمَا الدَّارَ، فَإِنَّ بِدُخُولِ أَحَدِهِمَا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، فَكَذَا هَاهُنَا. فَإِنْ قِيلَ: فَفِي قَوْلِهِ طَلِّقَاهَا أَيْضًا مُعَلَّقٌ بِفِعْلِهِمَا، وَيَقَعُ بِإِيقَاعِ أَحَدِهِمَا. أُجِيبَ بِالْمَنْعِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ فِيهِ حَرْفَ الشَّرْطِ وَهُوَ قَوْلُهُ إنْ شِئْتُمَا. فَإِنْ قِيلَ: فَاجْعَلْهُ مِثْلَ قَوْلِهِ أَمْرُهَا بِأَيْدِيكُمَا مُفَوِّضًا إلَى رَأْيِهِمَا. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُحْتَاجٍ إلَى الرَّأْيِ بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ. قَالَ (وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ فِيمَا وُكِّلَ بِهِ إلَخْ) وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ فِيمَا وُكِّلَ بِهِ لِأَنَّهُ فُوِّضَ إلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِيمَا وُكِّلَ بِهِ، وَالتَّوْكِيلُ لَيْسَ بِتَصَرُّفٍ فِيهِ، (قَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِهِ وَالنَّاسُ مُتَفَاوِتُونَ فِي الْآرَاءِ) وَفِيهِ تَشْكِيكٌ، وَهُوَ أَنَّ تَفَاوُتَ الْآرَاءِ مُدْرَكٌ بِيَقِينٍ وَإِلَّا لَمَا جَازَ التَّعْلِيلُ بِهِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ الثَّانِي أَقْوَى رَأْيًا مِنْ الْأَوَّلِ. وَأَيْضًا الرِّضَا بِرَأْيِ الْوَكِيلِ وَرَدُّ تَوْكِيلِهِ تَنَاقُضٌ، لِأَنَّ الْوَكِيلَ الثَّانِيَ لَوْ لَمْ يَكُنْ أَقْوَى رَأْيًا أَوْ قَوِيَّهُ فِي رَأْيِ الْأَوَّلِ لَمَا وَكَّلَهُ، فَرَدُّ تَوْكِيلِهِ مَعَ الرِّضَا بِرَأْيِهِ مِمَّا لَا يَجْتَمِعَانِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْقُوَّةِ فِي الرَّأْيِ لِمَا يَكُونُ بِحَسَبِ ظَنِّ الْمُوَكِّلِ، وَحَيْثُ اخْتَارَهُ لِلتَّوْكِيلِ مِنْ بَيْنِ مَنْ يَعْرِفُهُ بِالرَّأْيِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْأُمُورِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ

قَالَ (إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْمُوَكِّلُ) لِوُجُودِ الرِّضَا (أَوْ يَقُولَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك) لِإِطْلَاقِ التَّفْوِيضِ إلَى رَأْيِهِ، وَإِذَا جَازَ فِي هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ الثَّانِي وَكِيلًا عَنْ الْمُوَكِّلِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْأَوَّلُ عَزْلَهُ وَلَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ وَيَنْعَزِلَانِ بِمَوْتِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالتَّوْكِيلِ، الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَا ثَمَّةَ مَنْ يَفُوقُهُ فِي هَذَا التَّصَرُّفِ فَقَبُولُ تَوْكِيلِهِ حِينَئِذٍ مُنَاقِضٌ لِظَنِّهِ فَلَا يَجُوزُ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ، فَإِنَّهُ إنْ أَذِنَ لَهُ الْمُوَكِّلُ أَوْ يَقُولُ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَقَدْ رَضِيَ بِرَأْيِ غَيْرِهِ أَوْ أَطْلَقَ التَّفْوِيضَ إلَى رَأْيِهِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى تَسَاوِيهِ مَعَ غَيْرِهِ فِي التَّصَرُّفِ فِي ظَنِّهِ فَجَازَ تَوْكِيلُهُ كَمَا جَازَ تَصَرُّفُهُ، وَإِذَا جَازَ فِي هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ الثَّانِي وَكِيلًا عَنْ الْمُوَكِّلِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْأَوَّلُ عَزْلَهُ وَلَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ وَيَنْعَزِلَانِ بِمَوْتِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي حَيْثُ قَالَ: وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَخْلِفَ عَلَى الْقَضَاءِ إلَّا أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ ثَمَّةَ، فَإِنْ وَكَّلَ الْوَكِيلُ بِغَيْرِ إذْنِ مُوَكِّلِهِ فَعَقَدَ وَكِيلُهُ بِحَضْرَتِهِ جَازَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُضُورُ الرَّأْيِ وَقَدْ حَصَلَ. قِيلَ أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ لَمْ يُكْتَفَ بِحُضُورِهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْإِجَازَةِ صَرِيحًا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ صَاحِبَ الذَّخِيرَةِ قَالَ: مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ جَازَ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ لِلْجَوَازِ إجَازَةُ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ فِي وَكَالَةِ الْأَصْلِ فِي مَوْضِعٍ، وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهَا وَشَرْطُ إجَازَتِهِ قَالَ إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ الثَّانِي وَالْوَكِيلُ الْأَوَّلُ حَاضِرٌ أَوْ غَائِبٌ فَأَجَازَ الْوَكِيلُ جَازَ. حُكِيَ عَنْ الْكَرْخِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ، وَلَكِنْ مَا ذَكَرَ مُطْلَقًا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ يَجُوزُ إذَا بَاعَ بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَجَازَ، فَكَانَ يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ بَعْضُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وَهَذَا لِأَنَّ تَوْكِيلَ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ لَمَّا لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ الْإِذْنِ بِهِ صَارَ كَالْعَدَمِ، وَعَادَ الْوَكِيلُ الثَّانِي فُضُولِيًّا وَعَقْدُهُ مُحْتَاجٌ إلَى الْإِجَازَةِ أَلْبَتَّةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ، وَوَجْهُ عَدَمِ الْجَوَازِ بِدُونِهَا مَا ذُكِرَ. وَوَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّ الْمَقْصُودَ

قَالَ (فَإِنْ وَكَّلَ بِغَيْرِ إذْنِ مُوَكِّلِهِ فَعَقَدَ وَكِيلُهُ بِحَضْرَتِهِ جَازَ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُضُورُ رَأْيِ الْأَوَّلِ وَقَدْ حَضَرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQحُضُورُ الرَّأْيِ وَهُوَ حَاصِلٌ عِنْدَ الْحُضُورِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِجَازَةِ، بِخِلَافِ الْغَيْبَةِ، وَعَلَى هَذَا أَحَدُ وَكِيلَيْ الْبَيْعِ، وَفِيهِ نَظَرٌ. أَمَّا فِيمَا نُقِلَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ قَالَ: وَالْوَكِيلُ الْأَوَّلُ حَاضِرٌ أَوْ غَائِبٌ فَأَجَازَ الْوَكِيلُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ نَصًّا فِي اشْتِرَاطِ الْإِجَازَةِ لِلْحَاضِرِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ فَأَجَازَ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ أَوْ غَائِبٌ فَقَطْ، وَأَمَّا فِي تَعْلِيلِهِمْ فَلِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ الرَّأْيُ، وَقَدْ حَضَرَ كَمَا ذَكَرَهُ. وَتَوْجِيهُ كَوْنِهِ فُضُولِيًّا فِي أَحَدِ وَكِيلَيْ الْبَيْعِ لَيْسَ كَوَكِيلِ الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ مِنْ الْمُوَكِّلِ فِي الْجُمْلَةِ، بِخِلَافِ وَكِيلِ الْوَكِيلِ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ أَنَّ الْإِجَازَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ عَقْدِ وَكِيلِ الْوَكِيلِ عِنْدَ حُضُورِهِ وَشَرْطٌ لِصِحَّةِ عَقْدِ أَحَدِ

وَتَكَلَّمُوا فِي حُقُوقِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَكِيلَيْنِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ وَكِيلَ الْوَكِيلِ لَمَّا كَانَ يَتَصَرَّفُ بِتَوْكِيلِهِ وَرِضَاهُ بِالتَّصَرُّفِ كَانَ سُكُوتُهُ رِضًا لَا مَحَالَةَ، وَأَمَّا أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ سُكُوتُهُ رِضًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ سُكُوتُهُ غَيْظًا مِنْهُ عَلَى اسْتِبْدَادِهِ بِالتَّصَرُّفِ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ مِنْ صَاحِبِهِ. هَذَا مَا سَنَحَ لِي فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (قَوْلُهُ وَتَكَلَّمُوا فِي حُقُوقِهِ) يَعْنِي إذَا بَاعَ بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ حَتَّى جَازَ فَالْعُهْدَةُ عَلَى مَنْ تَكُونُ؟ لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَتَكَلَّمَ الْمَشَايِخُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ إنَّمَا رَضِيَ بِلُزُومِ الْعُهْدَةِ عَلَيْهِ لَا الثَّانِي. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عَلَى الثَّانِي إذْ السَّبَبُ وَهُوَ الْعَقْدُ وُجِدَ مِنْ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي

(وَإِنْ عَقَدَ فِي حَالِ غَيْبَتِهِ لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّهُ فَاتَ رَأْيَهُ إلَّا أَنْ يُبْلِغَهُ فَيُجِيزَهُ (وَكَذَا لَوْ بَاعَ غَيْرُ الْوَكِيلِ فَبَلَغَهُ فَأَجَازَهُ) لِأَنَّهُ حَضَرَ رَأْيُهُ (وَلَوْ قَدَّرَ الْأَوَّلُ الثَّمَنَ لِلثَّانِي فَعَقَدَ بِغِيبَتِهِ يَجُوزُ) لِأَنَّ الرَّأْيَ فِيهِ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِتَقْدِيرِ الثَّمَنِ ظَاهِرًا وَقَدْ حَصَلَ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ وَقَدَّرَ الثَّمَنَ، لِأَنَّهُ لَمَا فَوَّضَ إلَيْهِمَا مَعَ تَقْدِيرِ الثَّمَنِ ظَهَرَ أَنَّ غَرَضَهُ اجْتِمَاعُ رَأْيِهِمَا فِي الزِّيَادَةِ وَاخْتِيَارِ الْمُشْتَرِي عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، أَمَّا إذَا لَمْ يُقَدِّرْ الثَّمَنَ وَفَوَّضَ إلَى الْأَوَّلِ كَانَ غَرَضُهُ رَأْيَهُ فِي مُعْظَمِ الْأَمْرِ وَهُوَ التَّقْدِيرُ فِي الثَّمَنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالثَّانِي كَالْوَكِيلِ لِلْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ، حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمُوَكِّلُ الْأَوَّلُ انْعَزَلَ الْوَكِيلُ الثَّانِي بِمَوْتِهِ وَلَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ الثَّانِي (وَإِنْ عَقَدَ الثَّانِي فِي غَيْبَةِ الْأَوَّلِ لَمْ يَجُزْ) لِفَوَاتِ رَأْيِهِ إلَّا أَنْ يَبْلُغَهُ فَيُجِيزَهُ، كَمَا لَوْ بَاعَ غَيْرُ الْوَكِيلِ فَبَلَغَهُ فَأَجَازَهُ بِحُضُورِ رَأْيِهِ، وَلَوْ قَدَّرَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ الثَّمَنَ لِلثَّانِي فَعَقَدَ بِغَيْبَتِهِ جَازَ لِأَنَّ الرَّأْيَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِتَقْدِيرِ الثَّمَنِ ظَاهِرًا وَقَدْ حَصَلَ التَّقْدِيرُ، وَهَذِهِ رِوَايَةُ كِتَابِ الرَّهْنِ اخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَوْ بَاشَرَ رُبَّمَا بَاعَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْقَدْرِ الْمُعَيَّنِ لِذَكَائِهِ وَهِدَايَتِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ ظَاهِرًا احْتِرَازًا عَمَّا إذَا وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ وَقَدَّرَ الثَّمَنَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِذَلِكَ الْمِقْدَارِ، لِأَنَّهُ لَمَّا فَوَّضَ إلَيْهِمَا

قَالَ (وَإِذَا زَوَّجَ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْعَبْدُ أَوْ الذِّمِّيُّ ابْنَتَهُ وَهِيَ صَغِيرَةٌ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ أَوْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى لَهَا لَمْ يَجُزْ) مَعْنَاهُ التَّصَرُّفُ فِي مَالِهَا لِأَنَّ الرِّقَّ وَالْكُفْرَ يَقْطَعَانِ الْوِلَايَةَ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الْمَرْقُوقَ لَا يَمْلِكُ إنْكَاحَ نَفْسِهِ فَكَيْفَ يَمْلِكُ إنْكَاحَ غَيْرِهِ، وَكَذَا الْكَافِرُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ حَتَّى لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ هَذِهِ وِلَايَةٌ نَظَرِيَّةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّفْوِيضِ إلَى الْقَادِرِ الْمُشْفِقِ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى النَّظَرِ، وَالرِّقُّ يُزِيلُ الْقُدْرَةَ وَالْكُفْرُ يَقْطَعُ الشَّفَقَةَ عَلَى الْمُسْلِمِ فَلَا تُفَوَّضُ إلَيْهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعَ تَقْدِيرِ الثَّمَنِ ظَهَرَ أَنَّ غَرَضَهُ اجْتِمَاعُ رَأْيِهِمَا فِي الزِّيَادَةِ، وَاخْتِيَارُ الْمُشْتَرِي عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ وَلَكِنَّ التَّقْدِيرَ لَا يَمْنَعُ اسْتِعْمَالَ الرَّأْيِ فِي الزِّيَادَةِ وَاخْتِيَارَ الْمُشْتَرِي. وَأَمَّا إذَا لَمْ يُقَدِّرْ الثَّمَنَ وَفَوَّضَ إلَى الْأَوَّلِ كَانَ غَرَضُهُ رَأْيَهُ فِي مُعْظَمِ الْأَمْرِ وَهُوَ التَّقْدِيرُ فِي الثَّمَنِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْبِيَاعَاتِ الِاسْتِرْبَاحُ، وَالْعَادَةُ جَرَتْ فِي الْوَكَالَاتِ أَنْ يُوَكِّلَ الْأَهْدَى فِي تَحْصِيلِ الْأَرْبَاحِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي التَّوْكِيلِ بِتَقْدِيرِ ثَمَنٍ صَالِحٍ لِزِيَادَةِ الرِّبْحِ وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ بِتَقْدِيرِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ، فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يُبَالِي بِنِيَابَةِ الْآخَرِ عَنْهُ فِي مُجَرَّدِ الْعِبَارَةِ. قَالَ (وَإِذَا زَوَّجَ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْعَبْدُ أَوْ الذِّمِّيُّ ابْنَتَهُ) إذَا زَوَّجَ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْعَبْدُ أَوْ الذِّمِّيُّ ابْنَتَهُ وَهِيَ صَغِيرَةٌ مُسْلِمَةٌ حُرَّةٌ أَوْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى لَهَا. يَعْنِي تَصَرَّفَ فِي مَالِهَا بِالْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا احْتَاجَ إلَى التَّأْوِيلِ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَوْ اشْتَرَى لَهَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ اشْتَرَى لَهَا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ لَا مَحَالَةَ لِأَنَّ التَّصَرُّفَاتِ الْمَذْكُورَةَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَلَا وِلَايَةَ مَعَ الْكُفْرِ وَالرِّقِّ. أَمَّا الرِّقُّ فَلِأَنَّ الْمَرْقُوقَ لَا يَمْلِكُ إنْكَاحَ نَفْسِهِ فَكَيْفَ يَمْلِكُ إنْكَاحَ غَيْرِهِ، وَهُوَ مَحْجُورٌ عَنْ التَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ إلَّا بِتَوْكِيلٍ مِنْ غَيْرِهِ وَلَيْسَ بِمَوْجُودٍ. وَأَمَّا الْكَافِرُ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ الْحُرِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهَا وِلَايَةٌ نَظَرِيَّةٌ وَهِيَ تَحْتَاجُ إلَى قُدْرَةٍ وَشَفَقَةٍ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى النَّظَرِ، وَالرِّقُّ يُزِيلُ الْقُدْرَةَ. وَالْكُفْرُ يَقْطَعُ الشَّفَقَةَ عَلَى الْمُسْلِمِ فَلَا تُفَوَّضُ إلَيْهِمَا. قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: وَالْمُرْتَدُّ إذَا مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ وَالْحَرْبِيُّ كَذَلِكَ

(قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: وَالْمُرْتَدُّ إذَا قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ وَالْحَرْبِيُّ كَذَلِكَ) لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ أَبْعَدُ مِنْ الذِّمِّيِّ فَأَوْلَى بِسَلْبِ الْوِلَايَةِ، وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَتَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ وَإِنْ كَانَ نَافِذًا عِنْدَهُمَا لَكِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى وَلَدِهِ وَمَالِ وَلَدِهِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ نَظَرِيَّةٌ وَذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْمِلَّةِ وَهِيَ مُتَرَدِّدَةٌ، ثُمَّ تَسْتَقِرُّ جِهَةُ الِانْقِطَاعِ إذَا قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ فَيَبْطُلُ وَبِالْإِسْلَامِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا فَيَصِحَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْحَرْبِيَّ أَبْعَدُ مِنْ الذِّمِّيِّ وَإِنْ كَانَ مُسْتَأْمَنًا، لِأَنَّ الذِّمِّيَّ صَارَ مِنَّا دَارًا وَإِنْ لَمْ يَصِرْ مِنَّا دِينًا، وَقَدْ تَحَقَّقَ مِنْهُ مَا هُوَ خَلَفٌ عَنْ الْإِسْلَامِ دُونَ الْحَرْبِيِّ، فَإِذَا سُلِبَتْ وِلَايَةُ الذِّمِّيِّ فَالْحَرْبِيُّ أَوْلَى. وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَتَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ وَإِنْ كَانَ نَافِذًا عِنْدَهُمَا لَكِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى وَلَدِهِ وَمَالُ وَلَدِهِ بِالْإِجْمَاعِ إنْ أَسْلَمَ جَازَ، وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ نَظَرِيَّةٌ، وَذَلِكَ أَيْ الْوِلَايَةُ النَّظَرِيَّةُ بِتَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ، أَوْ بِأَنَّ اسْتِعْمَالَ ذَلِكَ مُشْتَرَكٌ بِاتِّفَاقِ الْمِلَّةِ، وَالْمِلَّةُ مُتَرَدِّدَةٌ لِكَوْنِهَا مَعْدُومَةً فِي الْحَالِ لَكِنَّهَا مَرْجُوَّةُ الْوُجُودِ لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَيْهِ فَيَجِبُ التَّوَقُّفُ، فَإِنْ قُتِلَ اسْتَقَرَّتْ جِهَةُ الِانْقِطَاعِ فَتَبْطُلُ عُقُودُهُ، وَإِنْ أَسْلَمَ جُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا فَصَحَّتْ. وَلَمَّا كَانَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَرَكَا أَصْلَهُمَا فِي نُفُوذِ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ؛ خَصَّ قَوْلَهُمَا بِالذِّكْرِ بِقَوْلِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَإِنْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِالِاتِّفَاقِ.

[باب الوكالة بالخصومة والقبض]

(بَابُ الْوِكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ) قَالَ (الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ) عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ. هُوَ يَقُولُ رَضِيَ بِخُصُومَتِهِ وَالْقَبْضُ غَيْرُ الْخُصُومَةِ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْوِكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ] أَخَّرَ الْوَكَالَةَ بِالْخُصُومَةِ عَنْ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، لِأَنَّ الْخُصُومَةَ تَقَعُ بِاعْتِبَارِ مَا يَجِبُ اسْتِيفَاؤُهُ مِمَّنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ، وَذَلِكَ فِي الْأَغْلَبِ يَكُونُ بِمُطَالَبَةِ الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ، أَوْ لِأَنَّهَا مَهْجُورَةٌ شَرْعًا فَاسْتَحَقَّتْ التَّأْخِيرَ عَمَّا لَيْسَ بِمَهْجُورٍ. قَالَ (الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ) الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ: أَيْ بِقَبْضِ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ (خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. هُوَ يَقُولُ رَضِيَ بِالْخُصُومَةِ وَلَيْسَ الْقَبْضُ بِخُصُومَةٍ) لِأَنَّ الْخُصُومَةَ قَوْلٌ يُسْتَعْمَلُ فِي إظْهَارِ الْحَقِّ وَالْقَبْضُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ (وَلَنَا أَنَّ الْوَكِيلَ مَا دَامَ وَكِيلًا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ

وَلَنَا أَنْ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ إتْمَامَهُ وَإِتْمَامُ الْخُصُومَةِ وَانْتِهَاؤُهَا بِالْقَبْضِ، وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِظُهُورِ الْخِيَانَةِ فِي الْوُكَلَاءِ، وَقَدْ يُؤْتَمَنُ عَلَى الْخُصُومَةِ مَنْ لَا يُؤْتَمَنُ عَلَى الْمَالِ، وَنَظِيرُهُ الْوَكِيلُ بِالتَّقَاضِي يَمْلِكُ الْقَبْضَ عَلَى أَصْلِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَضْعًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَا أُمِرَ بِهِ وَقَدْ أُمِرَ بِالْخُصُومَةِ وَالْخُصُومَةُ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ) لِتَوَهُّمِ الْإِنْكَارِ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَعَذُّرِ الْإِثْبَاتِ بِعَارِضٍ مِنْ مَوْتِ الْقَاضِي أَوْ غَيْرِهِ وَالْمَطْلِ وَالْإِفْلَاسِ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ (وَمَشَايِخُ بَلْخِي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَفْتَوْا بِقَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِظُهُورِ الْخِيَانَةِ فِي الْوُكَلَاءِ) وَلِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْقَبْضِ غَيْرُ ثَابِتٍ نَصًّا وَلَا دَلَالَةً. أَمَّا نَصًّا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا دَلَالَةً فَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يُوَكِّلُ غَيْرَهُ بِالْخُصُومَةِ وَالتَّقَاضِي وَلَا يَرْضَى بِأَمَانَتِهِ وَقَبْضِهِ، وَبِهِ أَفْتَى الصَّدْرُ الشَّهِيدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الدَّلَالَةَ قَدْ وَقَعَتْ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ (وَنَظِيرُ هَذَا الْوَكِيلُ بِالتَّقَاضِي فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الْقَبْضَ عَلَى أَصْلِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَضْعًا)

إلَّا أَنَّ الْعُرْفَ بِخِلَافِهِ وَهُوَ قَاضٍ عَلَى الْوَضْعِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنْ لَا يَمْلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيُقَالُ تَقَاضَيْته دَيْنِي وَبِدَيْنِي وَاقْتَضَيْته دَيْنِي وَاقْتَضَيْت مِنْهُ حَقِّي: أَيْ أَخَذْته (إلَّا أَنَّ الْعُرْفَ بِخِلَافِهِ) لِأَنَّ النَّاسَ يَفْهَمُونَ مِنْ التَّقَاضِي الْمُطَالَبَةَ لَا الْقَبْضَ (وَالْعُرْفُ قَاضٍ عَلَى الْوَضْعِ) وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ مُسْتَعْمَلَةٌ وَالْمَجَازُ مُتَعَارَفٌ وَهِيَ أَوْلَى مِنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ وَجْهٌ لِأَصْلِ الرِّوَايَةِ، وَلَا كَلَامَ فِيهِ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَصْلِ الرِّوَايَةِ أَوْ عَلَى

قَالَ (فَإِنْ كَانَا وَكِيلَيْنِ بِالْخُصُومَةِ لَا يَقْبِضَانِ إلَّا مَعًا) لِأَنَّهُ رَضِيَ بِأَمَانَتِهِمَا لَا بِأَمَانَةِ أَحَدِهِمَا، وَاجْتِمَاعُهُمَا مُمْكِنٌ بِخِلَافِ الْخُصُومَةِ عَلَى مَا مَرَّ. قَالَ (وَالْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ يَكُونُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) حَتَّى لَوْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْمُوَكِّلِ أَوْ إبْرَائِهِ تُقْبَلُ عِنْدَهُ، وَقَالَا: لَا يَكُونُ خَصْمًا وَهُوَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعُرْفِ لِظُهُورِ الْخِيَانَةِ فِي الْوُكَلَاءِ. قَالُوا عَلَى الْعُرْفِ فَلَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ (وَإِنْ وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ بِالْخُصُومَةِ لَا يَقْبِضَانِ إلَّا مَعًا لِأَنَّهُ رَضِيَ بِأَمَانَتِهِمَا لَا بِأَمَانَةِ أَحَدِهِمَا وَاجْتِمَاعُهُمَا عَلَى الْقَبْضِ مُمْكِنٌ، بِخِلَافِ الْخُصُومَةِ) فَإِنَّ اجْتِمَاعَهُمَا عَلَيْهَا غَيْرُ مُمْكِنٍ (لِمَا مَرَّ) أَنَّهُ يُفْضِي إلَى الشَّغَبِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَهُوَ مُذْهِبٌ لِمَهَابَتِهِ. قَالَ (وَالْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ يَكُونُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ إلَخْ) الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ يَكُونُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَإِذَا اقْتَضَى الْقَبْضُ وَأَقَامَ الْخَصْمُ بَيِّنَتَهُ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْمُوَكِّلِ أَوْ إبْرَائِهِ تُقْبَلُ عِنْدَهُ، وَقَالَا: لَا يَكُونُ خَصْمًا فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْخَصْمِ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لِأَنَّهُ وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ، وَالْخُصُومَةُ

رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْقَبْضَ غَيْرُ الْخُصُومَةِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ يُؤْتَمَنُ عَلَى الْمَالِ يَهْتَدِي فِي الْخُصُومَاتِ فَلَمْ يَكُنْ الرِّضَا بِالْقَبْضِ رِضًا بِهَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالتَّمَلُّكِ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا، إذْ قَبْضُ الدَّيْنِ نَفْسِهِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا أَنَّهُ جَعَلَ اسْتِيفَاءَ الْعَيْنِ حَقَّهُ مِنْ وَجْهٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْسَتْ بِقَبْضٍ فَلَا يَكُونُ وَكِيلًا بِهَا، وَلِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْقَبْضِ مُؤْتَمَنٌ عَلَى الْمَالِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ يُؤْتَمَنُ عَلَى الْمَالِ يَهْتَدِي إلَى الْخُصُومَاتِ فَلَمْ يَكُنْ الرِّضَا بِهِ رِضًا بِهَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالتَّمَلُّكِ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا إذْ قَبْضُ نَفْسِ الدَّيْنِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ لِكَوْنِهِ وَصْفًا ثَابِتًا فِي ذِمَّةِ مَنْ عَلَيْهِ، لَكِنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ قَبْضَهُ اسْتِيفَاءً لِعَيْنِ حَقِّهِ مِنْ وَجْهٍ لِئَلَّا يَمْتَنِعَ قَضَاءُ دُيُونٍ لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِهَا وَالتَّوْكِيلُ بِقَبْضِ الدُّيُونِ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ تَوْكِيلًا بِالتَّمَلُّكِ كَانَ تَوْكِيلًا بِالِاسْتِقْرَاضِ إذْ التَّوْكِيلُ بِقَبْضِ مِثْلِ مَالِ الْمُوَكِّلِ لَا عَيْنُ مَالِهِ ثُمَّ يَتَقَاصَّانِ، وَالتَّوْكِيلُ بِالِاسْتِقْرَاضِ بَاطِلٌ، وَالْوَكِيلُ بِالتَّمَلُّكِ أَصِيلٌ فِي حُقُوقِ الْعَقْدِ، وَالْأَصِيلُ فِيهَا خَصْمٌ فِيهَا كَالْمُوَكِّلِ فَكَانَ

فَأَشْبَهَ الْوَكِيلَ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ وَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ وَالْقِسْمَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَهَذِهِ أَشْبَهُ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ حَتَّى يَكُونَ خَصْمًا قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا يَكُونُ خَصْمًا قَبْلَ الْأَخْذِ هُنَالِكَ. وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ لَا يَكُونُ خَصْمًا قَبْلَ مُبَاشَرَةِ الشِّرَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالْوَكِيلِ يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ إذَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِتَسْلِيمِ الْمُوَكِّلِ الشُّفْعَةَ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ وَالشُّفْعَةُ تَبْطُلُ، وَالْوَكِيلُ بِالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ إذَا أَقَامَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَخْذِ الْوَاهِبِ الْعِوَضَ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ وَالرُّجُوعُ يَبْطُلُ، وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ فَإِنَّهُ خَصْمٌ يَطْلُبُ حُقُوقَ الْعَقْدِ، وَبِالْقِسْمَةِ بِأَنْ وَكَّلَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَكِيلًا بِأَنْ يُقَاسِمَ مَعَ شَرِيكِهِ وَأَقَامَ الشَّرِيكُ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمُوَكِّلَ قَبَضَ نَصِيبَهُ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ، وَبِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ عَلَى الْبَائِعِ فَإِنَّهُ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِالْعَيْبِ تُقْبَلُ. قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَهَذِهِ أَيْ مَسْأَلَةُ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ أَشْبَهَ بِالْوَكِيلِ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ مِنْهَا بِالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ. لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي هَذِهِ يَكُونُ خَصْمًا قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا يَكُونُ

وَهَذَا لِأَنَّ الْمُبَادَلَةَ تَقْتَضِي حُقُوقًا وَهُوَ أَصِيلٌ فِيهَا فَيَكُونُ خَصْمًا فِيهَا قَالَ (وَالْوَكِيلُ بِقَبْضِ الْعَيْنِ لَا يَكُونُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ) بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ مَحْضٌ، وَالْقَبْضُ لَيْسَ بِمُبَادَلَةٍ فَأَشْبَهَ الرَّسُولَ (حَتَّى أَنَّ مَنْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِقَبْضِ عَبْدٍ لَهُ فَأَقَامَ الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ بَاعَهُ إيَّاهُ وَقَفَ الْأَمْرُ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَامَتْ لِأَعْلَى خَصْمٍ فَلَمْ تُعْتَبَرْ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ خَصْمٌ فِي قَصْرِ يَدِهِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي الْقَبْضِ فَتَقْصُرُ يَدُهُ حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْبَائِعُ تُعَادُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْبَيْعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQهَاهُنَا كَذَلِكَ. وَأَمَّا الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ خَصْمًا قَبْلَ مُبَاشَرَةِ الشِّرَاءِ (قَوْلُهُ وَهَذَا) إشَارَةٌ إلَى مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ مِمَّا يَتِمُّ بِهِ دَلِيلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهُوَ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالتَّمَلُّكِ أَصِيلٌ فِي الْحُقُوقِ. قَالَ (وَالْوَكِيلُ بِقَبْضِ الْعَيْنِ لَا يَكُونُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ إلَخْ)

فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ الْمُوَكِّلَ عَزَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ فِي قَصْرِ يَدِهِ كَذَا هَذَا . قَالَ (وَكَذَلِكَ الْعَتَاقُ وَالطَّلَاقُ وَغَيْرُ ذَلِكَ) وَمَعْنَاهُ إذَا أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الطَّلَاقِ وَالْعَبْدُ وَالْأَمَةُ عَلَى الْعَتَاقِ عَلَى الْوَكِيلِ بِنَقْلِهِمْ تُقْبَلُ فِي قَصْرِ يَدِهِ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ اسْتِحْسَانًا دُونَ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ. قَالَ (وَإِذَا أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ عَلَى مُوَكِّلِهِ عِنْدَ الْقَاضِي جَازَ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَكِيلُ بِقَبْضِ الْعَيْنِ لَا يَكُونُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ مَحْضٌ، حَيْثُ لَا مُبَادَلَةَ هُنَاكَ لِكَوْنِهِ وَكِيلًا بِقَبْضِ عَيْنِ حَقِّ الْمُوَكِّلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَأَشْبَهَ الرَّسُولَ، فَإِذَا وَكَّلَ بِقَبْضِ عَبْدٍ لَهُ فَأَقَامَ مَنْ بِيَدِهِ الْعَبْدُ بَيِّنَةً أَنَّ الْمُوَكِّلَ بَاعَهُ إيَّاهُ دُفِعَ الْعَبْدُ إلَى الْوَكِيلِ، وَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَى بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ فِي الْقِيَاسِ لِأَنَّهَا قَامَتْ لِأَعْلَى خَصْمٍ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: وَقَفَ الْأَمْرُ حَتَّى يَحْضُرَ الْآمِرُ لِأَنَّهُ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي الْقَبْضِ خَصْمٌ فِي قَصْرِ يَدِهِ فَتُقْصَرُ حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ تُعَادُ الْبَيِّنَةُ وَصَارَ كَمَا إذَا أَقَامَهَا عَلَى أَنَّهُ عَزَلَهُ عَنْ ذَلِكَ تُقْبَلُ فِي قَصْرِ يَدِهِ فَكَذَا هَذَا، وَكَذَلِكَ إذَا أَرَادَ الْوَكِيلُ بِنَقْلِ الْمَرْأَةِ إلَى زَوْجِهَا؛ نَقَلَهَا إلَيْهِ وَالْوَكِيلُ يَقْبِضُ الْعَبْدَ وَالْجَارِيَةَ قَبَضَهُمَا فَأَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا وَالْعَبْدُ وَالْأَمَةُ عَلَى الْعَتَاقِ أَوْ مَنْ هُمَا بِيَدِهِ عَلَى الِارْتِهَانِ مِنْ الْمُوَكِّلِ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ قِيَاسًا لِقِيَامِهَا لِأَعْلَى خَصْمٍ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: تُقْبَلُ فِي قَصْرِ يَدِ الْوَكِيلِ دُونَ الْقَضَاءِ بِالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَالرَّهْنِ لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ الطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ وَالرَّهْنَ، وَمِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ قَصْرُ يَدِ الْوَكِيلِ، وَالْوَكِيلُ لَيْسَ بِخَصْمٍ فِي أَحَدِهِمَا وَهُوَ إثْبَاتُ الْعِتْقِ عَلَى الْمَوْلَى، وَلَكِنَّهُ خَصْمٌ فِي قَصْرِ يَدِهِ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ قَصْرِ يَدِهِ الْقَضَاءُ بِالْعِتْقِ عَلَى الْغَائِبِ فَقَبِلْنَاهَا فِي الْقَصْرِ دُونَ غَيْرِهِ. قَالَ (وَإِذَا أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ عَلَى مُوَكِّلِهِ إلَخْ) إذَا أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ عَلَى مُوَكِّلِهِ سَوَاءٌ كَانَ مُوَكِّلُهُ الْمُدَّعِي فَأَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ الْحَقِّ أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَقَرَّ بِثُبُوتِهِ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ

وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ اسْتِحْسَانًا إلَّا أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْوِكَالَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجُوزُ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ وَإِنْ أَقَرَّ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا يَجُوزُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوَّلًا، وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْخُصُومَةِ وَهِيَ مُنَازَعَةٌ وَالْإِقْرَارُ يُضَادُّهُ لِأَنَّهُ مُسَالَمَةٌ، وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ لَا يَتَنَاوَلُ ضِدَّهُ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الصُّلْحَ وَالْإِبْرَاءَ وَيَصِحُّ إذَا اسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَ الْقَاضِي جَازَ، وَإِلَّا فَلَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، إلَّا أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي خَرَجَ مِنْ الْوَكَالَةِ فَلَا يُدْفَعُ إلَيْهِ الْمَالُ؛ وَلَوْ ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ الْوَكَالَةَ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ مُبْطِلٌ فِي دَعْوَاهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: جَازَ إقْرَارُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا، لَا يَجُوزُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا. وَالْقِيَاسُ إمَّا شُمُولُ الْجَوَازِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِمَّا شُمُولُ الْعَدَمِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُمْ، وَالْفَصْلُ بَيْنَ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ اسْتِحْسَانٌ. وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْخُصُومَةِ مَأْمُورٌ بِالْمُنَازَعَةِ لِأَنَّهَا الْخُصُومَةُ، وَالْإِقْرَارُ لَيْسَ بِمُنَازَعَةٍ لِأَنَّهُ مُسَالَمَةٌ، وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ لَا يَتَنَاوَلُ ضِدَّهُ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ الصُّلْحَ وَالْإِبْرَاءَ فَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ إذَا اسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ بِأَنْ قَالَ وَكَّلْتُك

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْخُصُومَةِ غَيْرُ جَائِزِ الْإِقْرَارِ، وَلَوْ كَانَ الْإِقْرَارُ مِنْ حُقُوقِ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ لَمَا صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ، كَمَا لَوْ اسْتَثْنَى الْإِنْكَارَ، وَكَمَا لَوْ وَكَّلَ بِالْبَيْعِ عَلَى أَنْ لَا يَقْبِضَ الثَّمَنَ أَوْ لَا يُسَلِّمَ الْمَبِيعَ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ لَمَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ.

وَكَذَا لَوْ وَكَّلَهُ بِالْجَوَابِ مُطْلَقًا يَتَقَيَّدُ بِجَوَابٍ هُوَ خُصُومَةٌ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ وَلِهَذَا يَخْتَارُ فِيهَا الْأَهْدَى فَالْأَهْدَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ وَكَّلَهُ بِالْجَوَابِ مُطْلَقًا يَتَقَيَّدُ بِجَوَابٍ هُوَ خُصُومَةٌ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هِيَ مَسْأَلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ خِلَافِيَّةٌ لَمْ يُورِدْهَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِشْهَادِ: يَعْنِي لَوْ وَكَّلَهُ بِالْجَوَابِ مُطْلَقًا فَهُوَ أَيْضًا عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، كَذَا فِي الْمُخْتَلِفَاتِ الْبُرْهَانِيَّةِ.

وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّوْكِيلَ صَحِيحٌ قَطْعًا وَصِحَّتُهُ بِتَنَاوُلِهِ مَا يَمْلِكُهُ قَطْعًا وَذَلِكَ مُطْلَقُ الْجَوَابِ دُونَ أَحَدِهِمَا عَيْنًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذَا التَّوْكِيلَ صَحِيحٌ قَطْعًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَصِحَّتُهُ بِتَنَاوُلِهِ مَا يَمْلِكُهُ الْمُوَكِّلُ قَطْعًا، لِأَنَّ التَّوْكِيلَ فِي غَيْرِ الْمَمْلُوكِ تَصَرُّفٌ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِنْ اخْتَلَجَ فِي ذِهْنِك صِحَّةُ تَوْكِيلِ الْمُسْلِمِ بِبَيْعِ الْخَمْرِ فَتَذَكَّرَ مَا تَقَدَّمَ فِيهِ، وَذَلِكَ أَيْ

وَطَرِيقُ الْمَجَازِ مَوْجُودٌ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَيُصْرَفُ إلَيْهِ تَحَرِّيًا لِلصِّحَّةِ قَطْعًا؛ وَلَوْ اسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ، فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَصِحُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا يَمْلِكُهُ الْوَكِيلُ مُطْلَقُ الْجَوَابِ دُونَ أَحَدِهِمَا عَيْنًا لِأَنَّ الْخَصْمَ إذَا كَانَ مُحِقًّا وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِقْرَارُ، وَإِنْ كَانَ مُبْطِلًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِنْكَارُ، لَكِنَّ لَفْظَ الْخُصُومَةِ مَوْضُوعٌ لِلْمُقَيَّدِ فَيُصْرَفُ إلَى الْمُطْلَقِ مَجَازًا عَلَى مَا سَيَأْتِي تَحَرِّيًا لِلصِّحَّةِ قَطْعًا (قَوْلُهُ وَلَوْ اسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ) جَوَابٌ عَنْ مُسْتَشْهَدِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَوَجْهُهُ: لَا نُسَلِّمُ صِحَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ بَلْ لَا يَصِحُّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِثْنَاءَ، لِأَنَّ مِلْكَهُ يَسْتَلْزِمُ بَقَاءَ الْإِنْكَارِ عَيْنًا، وَقَدْ لَا يَحِلُّ لَهُ كَمَا مَرَّ آنِفًا. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا صِحَّتَهُ كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَكِنَّهُ إنَّمَا صَحَّ لِتَنْصِيصِهِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ وَالتَّنْصِيصُ زِيَادَةُ دَلَالَةٍ عَلَى تَمَلُّكِهِ إيَّاهُ. وَبَيَانُ ذَلِكَ مَا قُلْنَا إنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ الْإِنْكَارُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْخَصْمُ مُحِقًّا، فَإِذَا نَصَّ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْإِقْرَارِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَعْلَمُ بِيَقِينٍ أَنَّ خَصْمَهُ مُبْطِلٌ حَمْلًا لِأَمْرِ الْمُسْلِمِ عَلَى الصَّلَاحِ فَتَعَيَّنَ الْإِنْكَارُ، وَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُحْمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ بِحَالِ الْمُسْلِمِ وَهُوَ مُطْلَقُ الْجَوَابِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ فَصَلَ بَيْنَ وَكِيلِ الطَّالِبِ وَوَكِيلِ الْمَطْلُوبِ وَلَمْ يُصَحِّحْهُ فِي الْمَطْلُوبِ لِكَوْنِهِ مَجْبُورًا عَلَيْهِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَيْ عَلَى الْإِقْرَارِ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يُثْبِتُ مَا ادَّعَاهُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ يَضْطَرُّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَى الْإِقْرَارِ بِعَرْضِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ فَيَكُونُ مَجْبُورًا عَلَى الْإِقْرَارِ فَكَذَا وَكِيلُهُ، إلَّا أَنَّ الْوَكِيلَ عِنْدَ تَوَجُّهِ الْيَمِينِ يُحِيلُ الْيَمِينَ عَلَى مُوَكِّلِهِ لِأَنَّ النِّيَابَةَ لَا تُجْرَى فِي الْأَيْمَانِ فَلَا يُفِيدُ اسْتِثْنَاءُ الْإِقْرَارِ فَائِدَتَهُ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْمُدَّعِي قَدْ يَعْجِزُ عَنْ إثْبَاتِ دَعْوَاهُ بِالْبَيِّنَةِ، وَقَدْ لَا يَضْطَرُّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَى الْإِقْرَارِ بِعَرْضِ الْيَمِينِ لِكَوْنِهِ مُحِقًّا فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُفِيدًا. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ مَجْبُورٌ عَلَى الْإِقْرَارِ

لِأَنَّ لِلتَّنْصِيصِ زِيَادَةَ دَلَالَةٍ عَلَى مِلْكِهِ إيَّاهُ؛ وَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُحْمَلُ عَلَى الْأَوْلَى. وَعَنْهُ أَنَّهُ فَصَلَ بَيْنَ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ وَلَمْ يُصَحِّحْهُ فِي الثَّانِي لِكَوْنِهِ مَجْبُورًا عَلَيْهِ وَيُخَيَّرُ الطَّالِبُ فِيهِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا عَرَضَ الْيَمِينَ وَهُوَ مُبْطِلٌ فَكَانَ مَجْبُورًا فِي الْجُمْلَةِ فَلَمْ يَكُنْ اسْتِثْنَاؤُهُ مُفِيدًا فِيهِ، بِخِلَافِ الطَّالِبِ فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي كُلِّ حَالٍ فَكَانَ اسْتِثْنَاؤُهُ مُفِيدًا، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْجَوَابَ عَنْ صُورَةِ الصُّلْحِ وَالْإِبْرَاءِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَصِحَّ صُلْحُ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ دَاعٍ إلَى الصُّلْحِ أَوْ إلَى الْإِبْرَاءِ فَلَمْ يُوجَدْ مُجَوِّزُ الْمَجَازِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ إفْضَاءَهَا إلَى الصُّلْحِ أَوْ الْإِبْرَاءِ لَمْ يَكُنْ أَشَدَّ مِنْ إفْضَائِهَا إلَى الْإِقْرَارِ فَهُوَ مِثْلُهُ لَا مَحَالَةَ. وَأَيْضًا الْخُصُومَةُ وَالصُّلْحُ مُتَقَابِلَانِ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَجُوزَ الِاسْتِعَارَةُ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ يَنْصَرِفُ إلَى مُطْلَقِ الْجَوَابِ لِمَا ذَكَرْنَا وَمُطْلَقُ الْجَوَابِ إمَّا بِلَا أَوْ بِنَعَمْ. وَالصُّلْحُ عَقْدٌ آخَرُ يَحْتَاجُ إلَى عِبَارَةٍ أُخْرَى خِلَافَ مَا وُضِعَ

فَبَعْدَ ذَلِكَ يَقُولُ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّ الْوَكِيلَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ، وَإِقْرَارُهُ لَا يَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَكَذَا إقْرَارُ نَائِبِهِ. وَهُمَا يَقُولَانِ: إنَّ التَّوْكِيلَ يَتَنَاوَلُ جَوَابَ يُسَمَّى خُصُومَةً حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا، وَالْإِقْرَارُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ خُصُومَةٌ مَجَازًا، إمَّا لِأَنَّهُ خَرَجَ فِي مُقَابَلَةِ الْخُصُومَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْجَوَابِ وَكَذَلِكَ الْإِبْرَاءُ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِمُطْلَقِ الْجَوَابِ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا (قَوْلُهُ فَبَعْدَ ذَلِكَ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ مَأْخَذِ الِاخْتِلَافِ الْوَاقِعِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ الثَّلَاثَةِ: أَيْ بَعْدَمَا ثَبَتَ أَنَّ التَّوْكِيلَ يَنْصَرِفُ إلَى مُطْلَقِ الْجَوَابِ أَوْ بَعْدَمَا ثَبَتَ جَوَازُ إقْرَارِ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ عَلَى مُوَكِّلِهِ (يَقُولُ أَبُو يُوسُفَ) فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ مَجْلِسِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ (الْوَكِيلُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ، وَإِقْرَارُهُ الْمُوَكِّلَ لَا يَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَكَذَا إقْرَارُ نَائِبِهِ، وَهُمَا يَقُولَانِ إنَّ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ يَتَنَاوَلُ جَوَابًا يُسَمَّى خُصُومَةً حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يُصْرَفُ

أَوْ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لَهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ إتْيَانُهُ بِالْمُسْتَحَقِّ وَهُوَ الْجَوَابُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَيَخْتَصُّ بِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى مُطْلَقِ الْجَوَابِ، وَمُطْلَقُ الْجَوَابِ مَجَازٌ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ بِعُمُومِهِ الْحَقِيقَةَ وَهِيَ الْخُصُومَةُ وَالْمَجَازَ وَهُوَ الْإِقْرَارُ (وَالْإِقْرَارُ لَا يَكُونُ خُصُومَةً مَجَازًا إلَّا فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَمَا كَانَ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ فَلَيْسَ بِخُصُومَةٍ لَا حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا مَجَازًا) ، إذْ الْإِقْرَارُ خُصُومَةٌ مَجَازًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جَوَابٌ، وَلَا جَوَابَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَلَا إقْرَارَ يَكُونُ خُصُومَةً مَجَازًا فِي غَيْرِهِ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْجَوَابُ الْمُوَكَّلُ بِهِ (أَمَّا) أَنَّهُ خُصُومَةٌ مَجَازًا فَ (لِأَنَّهُ خَرَجَ فِي مُقَابَلَةِ الْخُصُومَةِ) فَكَانَ مُجَوِّزَهُ التَّضَادُّ. وَهُوَ مُجَوِّزٌ لُغَوِيٌّ لِمَا قَرَّرْنَا فِي التَّقْرِيرِ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ مُجَوِّزًا شَرْعِيًّا (أَوْ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ سَبَبُ الْإِقْرَارِ) فَكَانَ الْمُجَوِّزُ السَّبَبِيَّةَ وَهُوَ مُجَوِّزٌ شَرْعِيٌّ نَظِيرُ الِاتِّصَال الصُّورِيِّ فِي اللُّغَوِيِّ كَمَا عُرِفَ. وَأَمَّا اخْتِصَاصُهُ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَ (لِأَنَّ الظَّاهِرَ إتْيَانُهُ بِالْمُسْتَحَقِّ وَ) الْمُسْتَحَقُّ (هُوَ الْجَوَابُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَيَخْتَصُّ بِهِ)

لَكِنْ إذَا أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى إقْرَارِهِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ يَخْرُجُ مِنْ الْوِكَالَةِ حَتَّى لَا يُؤْمَرَ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ صَارَ مُنَاقِضًا وَصَارَ كَالْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ إذَا أَقَرَّ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ لَا يَصِحُّ وَلَا يَدْفَعُ الْمَالَ إلَيْهِمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ قَالَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ إتْيَانُهُ بِالْمُسْتَحَقِّ بَدَلٌ لِأَنَّ الظَّاهِرَ كَانَ أَوْفَى تَأْدِيَةً لِلْمَقْصُودِ (قَوْلُهُ لَكِنْ) اسْتِدْرَاكٌ مِنْ قَوْلِهِ فَيَخْتَصُّ بِهِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى دَفْعِ مَا يُقَالُ إذَا كَانَ الْإِقْرَارُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ لَيْسَ بِجَوَابٍ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ مُعْتَبَرًا وَلَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْوَكَالَةِ. وَمَعْنَاهُ (إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ أَقَرَّ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي خَرَجَ مِنْ الْوَكَالَةِ حَتَّى لَا يُدْفَعَ الْمَالُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ صَارَ مُنَاقِصًا وَصَارَ كَالْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ إذَا أَقَرَّ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ) فَإِنَّهُمَا إذَا ادَّعَيَا شَيْئًا لِلصَّغِيرِ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَصَدَّقَهُ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ ثُمَّ جَاءَ يَدَّعِي الْمَالَ فَإِنَّ إقْرَارَهُمَا (لَا يَصِحُّ وَلَا يُدْفَعُ الْمَالُ إلَيْهِمَا) لِأَنَّهُمَا خَرَجَا مِنْ الْوِلَايَةِ وَالْوِصَايَةِ فِي حَقِّ ذَلِكَ الْمَالِ

قَالَ (وَمَنْ كَفَلَ بِمَالٍ عَنْ رَجُلٍ فَوَكَّلَهُ صَاحِبُ الْمَالِ بِقَبْضِهِ عَنْ الْغَرِيمِ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا فِي ذَلِكَ أَبَدًا) لِأَنَّ الْوَكِيلَ مَنْ يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ، وَلَوْ صَحَّحْنَاهَا صَارَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فِي إبْرَاءِ ذِمَّتِهِ فَانْعَدَمَ الرُّكْنُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِسَبَبِ إقْرَارِهِمَا بِمَا قَالَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا. قَالَ (وَمَنْ كَفَلَ بِمَالٍ عَنْ رَجُلٍ إلَخْ) وَمَنْ كَفَلَ بِمَالٍ عَنْ رَجُلٍ فَوَكَّلَهُ صَاحِبُ الْمَالِ بِقَبْضِهِ عَنْ الْغَرِيمِ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا فِي ذَلِكَ أَبَدًا لَا بَعْدَ بَرَاءَةِ الْكَفِيلِ وَلَا قَبْلَهَا، أَمَّا بَعْدَ الْبَرَاءَةِ فَلِأَنَّهَا لَمَّا لَمْ تَصِحَّ حَالَ التَّوْكِيلِ لِمَا سَيُذْكَرُ لَمْ تَنْقَلِبْ صَحِيحَةً كَمَنْ كَفَلَ لِغَائِبٍ فَأَجَازَهَا بَعْدَمَا بَلَغَتْهُ فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ لِأَنَّهَا لَمْ تَصِحَّ ابْتِدَاءً لِعَدَمِ الْقَبُولِ فَلَا تَنْقَلِبُ صَحِيحَةً، وَأَمَّا قَبْلَ الْبَرَاءَةِ فَلِأَنَّ الْوَكِيلَ مَنْ يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَالْكَفِيلُ لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ لِكَوْنِهِ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فِي إبْرَاءِ ذِمَّتِهِ كَالْمُحَالِ إذَا وَكَّلَ الْمُحِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ وَكِيلًا لِمَا قُلْنَا. وَنُوقِضَ بِتَوْكِيلِ الْمَدْيُونِ بِإِبْرَاءِ نَفْسِهِ عَمَّا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ عَامِلًا فِي ذَلِكَ لِنَفْسِهِ، وَذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَأُجِيبَ بِالْمَنْعِ مُسْتَنِدًا إلَى مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمَدْيُونَ لَا يَصْلُحُ وَكِيلًا عَنْ الطَّالِبِ بِإِبْرَاءِ نَفْسِهِ عَلَى خِلَافِ مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ. سَلَّمْنَاهُ لَكِنَّ الْإِبْرَاءَ تَمْلِيكٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَكَلَامُنَا فِي التَّوْكِيلِ بِالْقَبْضِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ عَمَلَ الْوَكِيلِ لِنَفْسِهِ ضِمْنِيٌّ لِكَوْنِ الْمُوَكِّلِ أَصِيلًا فِي إثْبَاتِ الْوَكَالَةِ وَالضِّمْنِيَّاتُ قَدْ لَا تُعْتَبَرُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ بَلْ الْأَصْلُ وُقُوعُ التَّصَرُّفِ لِنَفْسِ الْفَاعِلِ. فَإِنْ قِيلَ فَلْتَنْسَخْهَا الْوَكَالَةُ، لِطَرَيَانِهَا عَلَيْهِمَا كَمَا لَوْ تَأَخَّرَتْ الْكَفَالَةُ عَنْهَا فَإِنَّهَا تَنْسَخُهَا. قَالَ الْمَحْبُوبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ إذَا ضَمِنَ الْمَالَ لِلْمُوَكِّلِ يَصِحُّ الضَّمَانُ وَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ. فَالْجَوَابُ أَنَّ النَّاسِخَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى مِنْ الْمَنْسُوخِ أَوْ مِثْلَهُ، وَالْوَكَالَةُ دُونَ الْكَفَالَةِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْكَفَالَةَ عَقْدٌ لَازِمٌ لَا يَتَمَكَّنُ الْكَفِيلُ مِنْ عَزْلِ نَفْسِهِ دُونَ الْوَكَالَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْوَكَالَةُ نَاسِخَةً لِلْكَفَالَةِ وَإِنْ جَازَ عَكْسُهُ

وَلِأَنَّ قَبُولَ قَوْلِهِ مُلَازِمٌ لِلْوِكَالَةِ لِكَوْنِهِ أَمِينًا، وَلَوْ صَحَّحْنَاهَا لَا يُقْبَلُ لِكَوْنِهِ مُبَرِّئًا نَفْسَهُ فَيَنْعَدِمُ بِانْعِدَامِ لَازِمِهِ، وَهُوَ نَظِيرُ عَبْدٍ مَدْيُونٍ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ حَتَّى ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلْغُرَمَاءِ وَيُطَالَبُ الْعَبْدُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، فَلَوْ وَكَّلَهُ الطَّالِبُ بِقَبْضِ الْمَالِ عَنْ الْعَبْدِ كَانَ بَاطِلًا لِمَا بَيَّنَّاهُ . قَالَ (وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلُ الْغَائِبِ فِي قَبْضِ دَيْنِهِ فَصَدَّقَهُ الْغَرِيمُ أُمِرَ بِتَسْلِيمِ الدَّيْنِ إلَيْهِ) لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ مَا يَقْضِيهِ خَالِصُ مَالِهِ (فَإِنْ حَضَرَ الْغَائِبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلِأَنَّ قَبُولَ قَوْلِهِ) دَلِيلٌ آخَرُ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْوَكَالَةَ تَسْتَلْزِمُ قَبُولَ قَوْلِهِ لِكَوْنِهِ أَمِينًا، وَلَوْ صَحَّحْنَا الْوَكَالَةَ هَاهُنَا انْتَفَى اللَّازِمُ وَهُوَ قَبُولُ قَوْلِهِ لِكَوْنِهِ مُبْرِئًا نَفْسَهُ، وَانْتِفَاءُ اللَّازِمِ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْمَلْزُومِ فَيَلْزَمُ عَدَمُهُ حَالَ فَرْضِ وُجُودِهِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مَعْدُومٌ وَنَظِيرُ بُطْلَانِ الْوَكَالَةِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بُطْلَانُهَا فِي عَبْدٍ مَدْيُونٍ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ حَتَّى ضَمِنَ لِلْغُرَمَاءِ قِيمَتَهُ وَيُطَالِبُ الْعَبْدَ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، فَلَوْ وَكَّلَهُ الطَّالِبُ بِقَبْضِ دَيْنِهِ مِنْ الْعَبْدِ كَانَ التَّوْكِيلُ بَاطِلًا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْوَكِيلَ مَنْ يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ، وَهَاهُنَا لَمَّا كَانَ الْمَوْلَى ضَامِنًا لِقِيمَتِهِ كَانَ فِي مِقْدَارِهَا عَامِلًا لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ يُبْرِئُ بِهِ نَفْسَهُ فَيَكُونُ التَّوْكِيلُ بَاطِلًا. قَالَ (وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلُ الْغَائِبِ فِي قَبْضِ دَيْنِهِ إلَخْ) وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلُ فُلَانٍ الْغَائِبِ فِي قَبْضِ دَيْنِهِ فَصَدَّقَهُ الْغَرِيمُ أُمِرَ بِتَسْلِيمِ الدَّيْنِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ، لِأَنَّ مَا يَقْضِيهِ الْغَرِيمُ خَالِصُ حَقِّهِ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا، فَمَا أَدَّاهُ الْمَدْيُونُ مِثْلُ مَالِ رَبِّ الْمَالِ لَا عَيْنُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فَكَانَ تَصْدِيقُهُ إقْرَارًا عَلَى نَفْسِهِ، وَمَنْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِشَيْءٍ أُمِرَ بِتَسْلِيمِهِ إلَى الْمُقِرِّ لَهُ، فَإِنْ حَضَرَ الْغَائِبُ فَصَدَّقَهُ فِيهَا وَإِلَّا دَفَعَ الْغَرِيمُ إلَيْهِ ثَانِيًا، لِأَنَّهُ إذَا أَنْكَرَ الْوَكَالَةَ لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِيفَاءُ لِأَنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ لِأَنَّ الدَّيْنَ كَانَ ثَابِتًا وَالْمَدْيُونُ يَدَّعِي أَمْرًا عَارِضًا وَهُوَ سُقُوطُ الدَّيْنِ بِأَدَائِهِ إلَى الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلُ يُنْكِرُ الْوَكَالَةَ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ. وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِيفَاءُ فَسَدَ

فَصَدَّقَهُ وَإِلَّا دَفَعَ إلَيْهِ الْغَرِيمُ الدَّيْنَ ثَانِيًا) لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِيفَاءُ حَيْثُ أَنْكَرَ الْوِكَالَةَ، وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فَيَفْسُدُ الْأَدَاءُ (وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْوَكِيلِ إنْ كَانَ بَاقِيًا فِي يَدِهِ) لِأَنَّ غَرَضَهُ مِنْ الدَّفْعِ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ وَلَمْ تَحْصُلْ فَلَهُ أَنْ يَنْقُضَ قَبْضُهُ (وَإِنْ كَانَ) ضَاعَ (فِي يَدِهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ بِتَصْدِيقِهِ اعْتَرَفَ أَنَّهُ مُحِقٌّ فِي الْقَبْضِ وَهُوَ مَظْلُومٌ فِي هَذَا الْأَخْذِ، وَالْمَظْلُومُ لَا يَظْلِمُ غَيْرَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَدَاءُ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْمَدْيُونِ فَيَجِبُ الدَّفْعُ ثَانِيًا وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْوَكِيلِ إنْ كَانَ بَاقِيًا فِي يَدِهِ، لِأَنَّ غَرَضَهُ مِنْ الدَّفْعِ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ وَلَمْ تَحْصُلْ لَهُ فَلَهُ أَنْ يَنْقُضَ، وَإِنْ ضَاعَ فِي يَدِهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بِتَصْدِيقِهِ اعْتَرَفَ أَنَّ الْوَكِيلَ مُحِقٌّ فِي الْقَبْضِ وَالْمُحِقُّ فِي الْقَبْضِ لَا رُجُوعَ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ بِتَصْدِيقِهِ اعْتَرَفَ أَنَّهُ مَظْلُومٌ فِي هَذَا الْأَخْذِ: يَعْنِي الْأَخْذَ الثَّانِي، وَالْمَظْلُومُ لَا يَظْلِمُ غَيْرَهُ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا الْوَجْهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَرْجِعَ عَلَيْهِ إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ بَاقِيَةً أَيْضًا. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْعَيْنَ إذَا كَانَتْ بَاقِيَةً أَمْكَنَ نَقْضُ الْقَبْضِ فَيَرْجِعُ

قَالَ (إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَمِنَهُ عِنْدَ الدَّفْعِ) لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ ثَانِيًا مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فِي زَعْمِهِمَا، وَهَذِهِ كَفَالَةٌ أُضِيفَتْ إلَى حَالَةِ الْقَبْضِ فَتَصِحُّ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ بِمَا ذَابَ لَهُ عَلَى فُلَانٍ، وَلَوْ كَانَ الْغَرِيمُ لَمْ يُصَدِّقْهُ عَلَى الْوِكَالَةِ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ عَلَى ادِّعَائِهِ، فَإِنْ رَجَعَ صَاحِبُ الْمَالِ عَلَى الْغَرِيمِ رَجَعَ الْغَرِيمُ عَلَى الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَدِّقْهُ عَلَى الْوِكَالَةِ، وَإِنَّمَا دَفَعَهُ إلَيْهِ عَلَى رَجَاءِ الْإِجَازَةِ، فَإِذَا انْقَطَعَ رَجَاؤُهُ رَجَعَ عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا دَفَعَهُ إلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَنْقُضُهُ إذَا لَمْ يَحْصُلْ غَرَضُهُ مِنْ التَّسْلِيمِ، وَأَمَّا إذَا هَلَكَتْ فَلَمْ يُمْكِنْ نَقْضُهُ فَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ يَعْنِي إذَا ضَاعَ فِي يَدِهِ وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ إلَّا إذَا كَانَ ضَمَّنَ الْمَدْيُونُ الْوَكِيلَ عَلَى رِوَايَةِ التَّشْدِيدِ بِأَنْ قَالَ لَهُ اضْمَنْ لِي مَا دَفَعْت إلَيْك عَنْ الطَّالِبِ حَتَّى لَوْ أَخَذَ الطَّالِبُ مِنِّي مَالَهُ أَرْجِعُ عَلَيْك بِمَا دَفَعْته إلَيْك أَوْ ضَمِنَ الْوَكِيلُ لِلْمَدْيُونِ وَقَالَ أَنَا ضَامِنٌ لَك إنْ أَخَذَ مِنْك الطَّالِبُ ثَانِيًا أَرُدُّ عَلَيْك مَا قَبَضْته مِنْك عَلَى رِوَايَةِ التَّخْفِيفِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْوَكِيلِ حِينَئِذٍ، لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ ثَانِيًا مَضْمُونٌ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ فِي زَعْمِ الْوَكِيلِ وَالْمَدْيُونِ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ فِي حَقِّهِمَا فِيمَا يَقْبِضُهُ ثَانِيًا فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنَا ضَامِنٌ لَك مَا يَقْبِضُهُ مِنْك فُلَانٌ، وَهُوَ ضَمَانٌ صَحِيحٌ لِإِضَافَتِهِ إلَى سَبَبِ الْوُجُوبِ، وَهُوَ قَبْضُ رَبِّ الدَّيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ بِمَا ذَابَ عَلَيْهِ: أَيْ يَذُوبُ فِي كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفَالَةً أُضِيفَتْ إلَى حَالِ وُجُوبٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ (وَلَوْ كَانَ الْغَرِيمُ لَمْ يُصَدِّقْهُ عَلَى الْوَكَالَةِ) يَعْنِي وَلَمْ يُكَذِّبْهُ أَيْضًا لِأَنَّ فَرْعَ التَّكْذِيبِ سَيَأْتِي عَقِيبَ هَذَا (وَدَفَعَهُ إلَيْهِ عَلَى ادِّعَائِهِ فَإِنْ رَجَعَ صَاحِبُ الْمَالِ عَلَى الْغَرِيمِ رَجَعَ الْغَرِيمُ عَلَى الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَدِّقْهُ عَلَى الْوَكَالَةِ، وَإِنَّمَا دَفَعَ إلَيْهِ عَلَى رَجَاءِ الْإِجَازَةِ، فَإِذَا انْقَطَعَ رَجَاؤُهُ رَجَعَ عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا دَفَعَهُ إلَيْهِ

عَلَى تَكْذِيبِهِ إيَّاهُ فِي الْوِكَالَةِ. وَهَذَا أَظْهَرُ لِمَا قُلْنَا، وَفِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَدْفُوعَ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى صَارَ حَقًّا لِلْغَائِبِ، إمَّا ظَاهِرًا أَوْ مُحْتَمَلًا فَصَارَ كَمَا إذَا دَفَعَهُ إلَى فُضُولِيٍّ عَلَى رَجَاءِ الْإِجَازَةِ لَمْ يَمْلِكْ الِاسْتِرْدَادَ لِاحْتِمَالِ الْإِجَازَةِ، وَلِأَنَّ مَنْ بَاشَرَ التَّصَرُّفَ لِغَرَضٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ مَا لَمْ يَقَعْ الْيَأْسُ عَنْ غَرَضِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمُكَذِّبًا لَهُ فِي) دَعْوَى (الْوَكَالَةِ، وَهَذَا) أَيْ جَوَازُ الرُّجُوعِ فِي صُورَةِ التَّكْذِيبِ (أَظْهَرُ) مِنْهُ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَهُوَ التَّصْدِيقُ مَعَ التَّضْمِينِ وَالسُّكُوتِ، لِأَنَّهُ إذَا كَذَّبَهُ صَارَ الْوَكِيلُ فِي حَقِّهِ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ وَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْغَاصِبِ. وَقَوْلُهُ (لَمَّا قُلْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَإِنَّمَا دَفَعَهُ إلَيْهِ عَلَى رَجَاءِ الْإِجَازَةِ، لَكِنَّهُ دَلِيلُ الرُّجُوعِ لَا دَلِيلُ الْأَظْهَرِيَّةِ (وَفِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا) أَيْ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ دَفَعَهُ مَعَ التَّصْدِيقِ مِنْ غَيْرِ تَضْمِينٍ، وَدَفَعَهُ بِالتَّصْدِيقِ مَعَ التَّضْمِينِ، وَدَفَعَهُ سَاكِنًا مِنْ غَيْرِ سَاكِتًا مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقٍ وَلَا تَكْذِيبٍ، وَدَفَعَهُ مَعَ التَّكْذِيبِ (لَيْسَ لِلْغَرِيمِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَدْفُوعَ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ، لِأَنَّ الْمُؤَدَّى صَارَ حَقًّا لِلْغَائِبِ، إمَّا ظَاهِرًا) وَهُوَ فِي حَالَةِ التَّصْدِيقِ (أَوْ مُحْتَمَلًا) وَهُوَ فِي حَالَةِ التَّكْذِيبِ. وَقِيلَ ظَاهِرًا إنْ كَانَ الْوَكِيلُ ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ، أَوْ مُحْتَمَلًا إنْ كَانَ فَاسِقًا أَوْ مَسْتُورَ الْحَالِ (فَصَارَ كَمَا إذَا دَفَعَهُ إلَى فُضُولِيٍّ عَلَى رَجَاءِ الْإِجَازَةِ) فَإِنَّهُ (لَمْ يَمْلِكْ الِاسْتِرْدَادَ لِاحْتِمَالِ الْإِجَازَةِ، وَلِأَنَّ مَنْ بَاشَرَ تَصَرُّفًا لِغَرَضٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ مَا لَمْ يَقَعْ الْيَأْسُ عَنْ حُصُولِ غَرَضِهِ) لِأَنَّ سَعْيَ الْإِنْسَانِ فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ مَرْدُودٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَلَمْ يُذْكَرْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْغَرِيمَ إذَا أَنْكَرَ الْوَكَالَةَ هَلْ يَسْتَحْلِفُ أَوْ لَا. قَالَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَحْلِفُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَحْلِفُ عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ فَإِذَا أَنْكَرَهُ يَحْلِفُ لَكِنَّهُ عَلَى الْعِلْمِ لِأَنَّهُ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ، وَلَهُ أَنَّ الِاسْتِحْلَافَ يَنْبَنِي عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ، وَمَا لَمْ تَثْبُتْ نِيَابَتُهُ عَنْ الْآمِرِ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَاهُ فَلَا يُسْتَحْلَفُ، وَكَذَا لَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا أَقَرَّ بِالْوَكَالَةِ وَأَنْكَرَ الدَّيْنَ، وَالْحُكْمُ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ يُسْتَحْلَفُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ

(وَمَنْ قَالَ إنِّي وَكِيلٌ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ فَصَدَّقَهُ الْمُودِعُ) لَمْ يُؤْمَرْ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِمَالِ الْغَيْرِ، بِخِلَافِ الدَّيْنِ. وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ مَاتَ أَبُوهُ وَتَرَكَ الْوَدِيعَةَ مِيرَاثًا لَهُ وَلَا وَارِثَ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَهُ وَقَدْ تَثْبُتُ الْوَكَالَةُ فِي حَقِّهِ بِإِقْرَارِهِ (وَمَنْ قَالَ إنِّي وَكِيلٌ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ فَصَدَّقَهُ الْمُودَعُ لَمْ يُؤْمَرْ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِمَالِ الْغَيْرِ) بِحَقِّ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ أَقَرَّ بِبَقَاءِ الْوَدِيعَةِ عَلَى مِلْكِ الْمُودَعِ، وَالْإِقْرَارُ بِمَالِ الْغَيْرِ بِحَقِّ الْقَبْضِ غَيْرُ صَحِيحٍ (بِخِلَافِ الدَّيْنِ) عَلَى مَا مَرَّ أَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَكَانَ إقْرَارُهُ إقْرَارًا عَلَى نَفْسِهِ بِحَقِّ الْمُطَالَبَةِ، فَإِنْ دَفَعَهَا إلَيْهِ فَحَضَرَ الْغَائِبُ وَأَنْكَرَ الْوَكَالَةَ وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ وَضَمِنَ الْمُودَعُ فَهَلْ لِلْمُودَعِ الرُّجُوعُ أَوْ لَا، فَهُوَ عَلَى الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ إنْ دَفَعَهَا إلَيْهِ مُصَدِّقًا لَا يَرْجِعُ وَإِنْ صَدَّقَهُ وَضَمِنَهُ أَوْ سَكَتَ أَوْ كَذَّبَهُ فَدَفَعَهَا إلَيْهِ يَرْجِعُ إنْ لَمْ تَكُنْ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ بَاقِيَةً وَإِنْ كَانَتْ بَاقِيَةً أَخَذَهَا لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالضَّمَانِ، وَأَمَّا الِاسْتِرْدَادُ قَبْلَ حُضُورِ الْغَائِبِ فَغَيْرُ جَائِزٍ لِمَا مَرَّ (وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ مَاتَ أَبُوهُ وَتَرَكَ الْوَدِيعَةَ مِيرَاثًا لَهُ وَلَا وَارِثَ لَهُ

غَيْرُهُ، وَصَدَّقَهُ الْمُودَعُ أُمِرَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى مَالُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرُهُ وَصَدَّقَهُ الْمُودَعُ أُمِرَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى) أَيْ لِأَنَّ مَالَ الْوَدِيعَةِ لَا يَبْقَى (مَالَ الْمُودِعِ بَعْدَ مَوْتِهِ) وَرَوَى صَاحِبُ النِّهَايَةِ عَنْ خَطِّ شَيْخِهِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ نَصْبَ مَالِهِ وَوَجَّهَهُ بِكَوْنِهِ حَالًّا كَمَا فِي كَلَّمْتُهُ فَاهُ إلَى فِي: أَيْ مُشَافِهًا، وَمَعْنَاهُ لَا يَبْقَى مَالُ الْوَدِيعَةِ مَالَ الْمُودِعِ بَعْدَ مَوْتِهِ مَنْسُوبًا إلَيْهِ وَمَمْلُوكًا لَهُ وَتَبِعَهُ غَيْرُهُ مِنْ الشَّارِحِينَ، وَأَرَى أَنَّهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْحَالَّ مُقَيِّدٌ لِلْعَامِلِ، فَكَلَّمْتُهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُقَيَّدًا بِالْمُشَافَهَةِ: أَيْ كَلَّمْتُهُ فِي حَالِ الْمُشَافَهَةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا يَبْقَى مَالُ الْوَدِيعَةِ حَالَ كَوْنِهِ مَالًا مَمْلُوكًا لَهُ مَنْسُوبًا إلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ مَعْنًى ظَاهِرٌ، وَالظَّاهِرُ فِي إعْرَابِهِ الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُ لَا يَبْقَى: أَيْ لِأَنَّ الْمُودِعَ لَا يَبْقَى مَالُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لِانْتِقَالِهِ إلَى الْوَارِثِ،

فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ مَالُ الْوَارِثِ . وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَى الْوَدِيعَةَ مِنْ صَاحِبِهَا فَصَدَّقَهُ الْمُودَعُ لَمْ يُؤْمَرْ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مَا دَامَ حَيًّا كَانَ إقْرَارًا بِمِلْكِ الْغَيْرِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ فَلَا يُصَدِّقَانِ فِي دَعْوَى الْبَيْعِ عَلَيْهِ. قَالَ (فَإِنْ وَكَّلَ وَكِيلًا يَقْبِضُ مَالَهُ فَادَّعَى الْغَرِيمُ أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ قَدْ اسْتَوْفَاهُ فَإِنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ مَالُ الْوَارِثِ) فَلَا بُدَّ مِنْ الدَّفْعِ إلَيْهِ (وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَى الْوَدِيعَةَ مِنْ صَاحِبِهَا فَصَدَّقَهُ الْمُودِع لَمْ يُؤْمَرْ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ، لِأَنَّ الْمُودِعَ مَا دَامَ حَيًّا كَانَ إقْرَارُ الْمُودِعِ) إقْرَارًا (بِمِلْكِ الْغَيْرِ لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ فَلَا يُصَدَّقَانِ فِي دَعْوَى الْبَيْعِ عَلَيْهِ) وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: قَدْ تَقَدَّمَ هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ فَكَانَ ذِكْرُهُمَا تَكْرَارًا. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ ذَكَرَهُمَا هُنَالِكَ بِاعْتِبَارِ الْقَضَاءِ، وَهَاهُنَا بِاعْتِبَارِ الدَّعْوَى، وَلِهَذَا صَدَّرَهُمَا هَاهُنَا بِقَوْلِهِ وَلَوْ ادَّعَى، وَهُنَالِكَ بِقَوْلِهِ وَمَنْ أَقَرَّ وَمَعَ هَذَا فَلَا يَخْلُو عَنْ ضَعْفٍ لِأَنَّ إيرَادَهُمَا فِي بَابِ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ بَعِيدُ الْمُنَاسَبَةِ. قَالَ (فَإِنْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِقَبْضِ دَيْنِهِ) ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ مَالٌ فَوَكَّلَ وَكِيلًا بِذَلِكَ الْمَالِ وَأَقَامَ الْوَكِيلُ الْبَيِّنَةَ

يَدْفَعُ الْمَالَ إلَيْهِ) لِأَنَّ الْوِكَالَةَ قَدْ ثَبَتَتْ وَالِاسْتِيفَاءُ لَمْ يَثْبُتْ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ فَلَا يُؤَخَّرُ الْحَقُّ. قَالَ (وَيَتْبَعُ رَبُّ الْمَالِ فَيَسْتَحْلِفُهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ وَقَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمَالُ قَدْ اسْتَوْفَاهُ صَاحِبُهُ فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ ادْفَعْ الْمَالَ ثُمَّ اتَّبِعْ رَبَّ الْمَالِ فَاسْتَحْلِفْهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (لِأَنَّ الْوَكَالَةَ قَدْ ثَبَتَتْ) يَعْنِي بِالْبَيِّنَةِ لِأَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ كَذَلِكَ (وَالِاسْتِيفَاءُ لَمْ يَثْبُتْ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ فَلَا يُؤَخَّرُ الْحَقُّ) إلَى تَحْلِيفِ رَبِّ الدَّيْنِ (ثُمَّ يَتَّبِعُ الْغَرِيمُ رَبَّ الدَّيْنِ فَيَسْتَحْلِفُهُ

رِعَايَةً لِجَانِبِهِ، وَلَا يَسْتَحْلِفُ الْوَكِيلَ لِأَنَّهُ نَائِبٌ . قَالَ (وَإِنْ وَكَّلَهُ بِعَيْبٍ فِي جَارِيَةٍ فَادَّعَى الْبَائِعُ رِضَا الْمُشْتَرِي لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى يَحْلِفَ الْمُشْتَرِي) بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ لِأَنَّ التَّدَارُكَ مُمْكِنٌ هُنَالِكَ بِاسْتِرْدَادِ مَا قَبَضَهُ الْوَكِيلُ إذَا ظَهَرَ الْخَطَأُ عِنْدَ نُكُولِهِ، وَهَاهُنَا غَيْرُ مُمْكِنٍ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْفَسْخِ مَاضٍ عَلَى الصِّحَّةِ وَإِنْ ظَهَرَ الْخَطَأُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ، وَلَا يَسْتَحْلِفُ الْمُشْتَرِيَ عِنْدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQرِعَايَةً لِجَانِبِهِ) فَإِنْ حَلَفَ مَضَى الْأَدَاءُ، وَإِنْ نَكَلَ يَتَّبِعُ الْقَابِضَ فَيَسْتَرِدُّ مَا قَبَضَ (وَلَا يُسْتَحْلَفُ الْوَكِيلُ لِأَنَّهُ نَائِبٌ) وَالنِّيَابَةُ لَا تُجْرَى فِي الْأَيْمَانِ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَحْلَفَهُ عَلَى الْعِلْمِ، فَإِنْ نَكَلَ خَرَجَ عَنْ الْوَكَالَةِ وَالطَّالِبُ عَلَى حُجَّتِهِ، لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ بَطَلَتْ وَكَالَتُهُ فَجَازَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَيْهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْغَرِيمَ يَدَّعِي حَقًّا عَلَى الْمُوَكِّلِ لَا عَلَى الْوَكِيلِ فَتَحْلِيفُ الْوَكِيلِ يَكُونُ نِيَابَةً وَهِيَ لَا تُجْرَى فِي الْأَيْمَانِ، بِخِلَافِ الْوَارِثِ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَعْلَمَ اسْتِيفَاءَ مُوَرِّثِهِ لِأَنَّ الْحَقَّ ثَبَتَ لِلْوَارِثِ فَالدَّعْوَى عَلَيْهِ وَالْيَمِينُ بِالْأَصَالَةِ. قَالَ (وَإِنْ وَكَّلَهُ بِعَيْبٍ فِي جَارِيَةٍ إلَخْ) إذَا وُكِّلَ بِرَدِّ جَارِيَةٍ بِعَيْبٍ فَادَّعَى الْبَائِعُ رِضَا الْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى

وَأَمَّا عِنْدَهُمَا قَالُوا: يَجِبُ أَنْ يَتَّحِدَ الْجَوَابُ عَلَى هَذَا فِي الْفَصْلَيْنِ وَلَا يُؤَخَّرُ، لِأَنَّ التَّدَارُكَ مُمْكِنٌ عِنْدَهُمَا لِبُطْلَانِ الْقَضَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَحْلِفَ الْمُشْتَرِي، بِخِلَافِ مَا مَرَّ مِنْ مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ لِأَنَّ التَّدَارُكَ فِيهَا مُمْكِنٌ بِاسْتِرْدَادِ مَا قَبَضَهُ الْوَكِيلُ إذَا ظَهَرَ الْخَطَأُ عِنْدَ نُكُولِ الْمُوَكِّلِ، وَأَمَّا هَاهُنَا فَغَيْرُ مُمْكِنٍ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ بِالْقَضَاءِ، وَالْقَضَاءُ بِالْفَسْخِ مَاضٍ عَلَى الصِّحَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْقَضَاءَ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ يَنْفُذُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَإِنْ ظَهَرَ الْخَطَأُ بِالنُّكُولِ، وَعَلَى هَذَا لَا يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي عِنْدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا مَضَى الْفَسْخُ وَلَا يَرُدُّ بِالنُّكُولِ؛ لَمْ يَبْقَ فِي الِاسْتِحْلَافِ فَائِدَةٌ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْوَكِيلَ إذَا رَدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ بِالْعَيْبِ ثُمَّ حَضَرَ الْمُشْتَرِي وَادَّعَى الرِّضَا بِالْعَيْبِ وَاسْتَرَدَّ الْجَارِيَةَ وَقَالَ الْبَائِعُ لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَقَضَ الْبَيْعَ فَإِنَّهُ لَا يَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِ الْبَائِعِ، وَلَوْ كَانَ الْقَضَاءُ مَاضِيًا عَلَى الصِّحَّةِ لَمْ تَرُدَّ الْجَارِيَةَ عَلَى الْمُشْتَرَى. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الرَّدَّ مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ، فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا سَبِيلَ لِلْآمِرِ عَلَى الْجَارِيَةِ. سَلَّمْنَا أَنَّ هَذَا قَوْلَ الْكُلِّ، لَكِنَّ النَّقْضَ هَاهُنَا لَمْ يُوجِبْهُ دَلِيلٌ، وَإِنَّمَا كَانَ لِلْجَهْلِ بِالدَّلِيلِ الْمُسْقِطِ لِلرَّدِّ وَهُوَ رِضَا الْآمِرِ بِالْعَيْبِ ثُمَّ

وَقِيلَ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يُؤَخَّرَ فِي الْفَصْلَيْنِ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ النَّظَرَ حَتَّى يَسْتَحْلِفَ الْمُشْتَرِيَ لَوْ كَانَ حَاضِرًا مِنْ غَيْرِ دَعْوَى الْبَائِعِ فَيَنْتَظِرُ لِلنَّظَرِ. قَالَ (وَمَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ يُنْفِقُهَا عَلَى أَهْلِهِ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِمْ عَشَرَةً مِنْ عِنْدِهِ فَالْعَشَرَةُ بِالْعَشَرَةِ) لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْإِنْفَاقِ وَكِيلٌ بِالشِّرَاءِ وَالْحُكْمُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَقَدْ قَرَرْنَاهُ فَهَذَا كَذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQظَهَرَ الدَّلِيلُ بِخِلَافِهِ بِتَصَادُقِهِمَا فِي الْآخِرَةِ عَلَى وُجُودِ الرِّضَا مِنْ الْمُشْتَرِي، وَفِي مِثْلِهِ لَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ بَاطِنًا كَمَا لَوْ قَضَى بِاجْتِهَادِهِ فِي حَادِثَةٍ وَثَمَّةَ نَصٌّ بِخِلَافِهِ، وَقَالُوا هَذَا أَصَحُّ، فَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَقَدْ قَالُوا يَجِبُ أَنْ يَتَّحِدَ الْجَوَابُ عَلَى هَذَا: أَيْ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ فِي الْفَصْلَيْنِ فَصْلِ الْجَارِيَةِ وَالدَّيْنِ فَيُدْفَعُ الدَّيْنُ كَمَا تَقَدَّمَ وَتُرَدُّ الْجَارِيَةُ، وَلَا يُؤَخَّرُ إلَى تَحْلِيفِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ عَدَمَ التَّأْخِيرِ إلَى تَحْلِيفِ رَبِّ الدَّيْنِ إنَّمَا كَانَ لِكَوْنِ التَّدَارُكِ مُمْكِنًا عِنْدَ ظُهُورِ الْخَطَإِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي صُورَةِ الْجَارِيَةِ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي فِي مِثْلِ ذَلِكَ نَافِذٌ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا، فَإِذَا ظَهَرَ خَطَأُ الْقَضَاءِ عِنْدَ نُكُولِ الْمُشْتَرِي رُدَّتْ الْجَارِيَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَلَا يُؤَخَّرُ إلَى التَّحْلِيفِ. وَقِيلَ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنْ يُؤَخَّرَ فِي الْفَصْلَيْنِ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ النَّظَرُ لِلْبَائِعِ حَتَّى يَسْتَحْلِفَ الْمُشْتَرِيَ إنْ كَانَ حَاضِرًا مِنْ غَيْرِ دَعْوَى الْبَائِعِ فَيُنْتَظَرُ لِلنَّظَرِ لَهُ إنْ كَانَ غَائِبًا. قَالَ (وَمَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ يُنْفِقُهَا إلَخْ) وَمَنْ دَفَعَ إلَى آخَرَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ يُنْفِقُهَا

وَقِيلَ هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَفِي الْقِيَاسِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَيَصِيرُ مُتَبَرِّعًا. وَقِيلَ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشِرَاءٍ، فَأَمَّا الْإِنْفَاقُ يَتَضَمَّنُ الشِّرَاءَ فَلَا يَدْخُلَانِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ أَهْلِهِ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِمْ عَشَرَةً مِنْ مَالِهِ فَالْعَشَرَةُ الَّذِي أَنْفَقَهُ مِنْ مَالِهِ بِمُقَابَلَةِ الْعَشَرَةِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ الْمُوَكِّلِ لَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا فِيمَا أَنْفَقَ. قِيلَ: هَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْإِنْفَاقِ وَكِيلٌ بِالشِّرَاءِ، وَالْحُكْمُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ رُجُوعِ الْوَكِيلِ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِمَا أَدَّى مِنْ الثَّمَنِ، وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ: يَعْنِي فِي بَابِ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِذَا دَفَعَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ وَقَبَضَ الْمَبِيعَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ انْعَقَدَتْ بَيْنَهُمَا مُبَادَلَةٌ حُكْمِيَّةٌ، وَهَذَا أَيْ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ التَّوْكِيلِ بِالْإِنْفَاقِ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِشِرَاءِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْأَهْلُ قَدْ يَضْطَرُّ إلَى شِرَاءِ شَيْءٍ يَصْلُحُ لِنَفَقَتِهِمْ وَلَمْ يَكُنْ مَالُ الْمُتَوَكِّلِ مَعَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُؤَدِّيَ ثَمَنَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، فَكَانَ فِي التَّوْكِيلِ بِذَلِكَ تَجْوِيزُ الِاسْتِبْدَالِ، وَفِي الْقِيَاسِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَيَصِيرُ مُتَبَرِّعًا فِيمَا أَنْفَقَ وَيَرُدُّ الدَّرَاهِمَ الْمَأْخُوذَةَ مِنْ الْمُوَكِّلِ عَلَيْهِ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا ضَمِنَ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ تَتَعَيَّنُ فِي الْوَكَالَاتِ، حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ قَبْلَ الْإِنْفَاقِ بَطَلَتْ

[باب عزل الوكيل]

(بَابُ عَزْلِ الْوَكِيلِ) : قَالَ (وَلِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَعْزِلَ الْوَكِيلَ عَنْ الْوَكَالَةِ) لِأَنَّ الْوَكَالَةَ حَقُّهُ فَلَهُ أَنْ يُبْطِلَهُ، إلَّا إذَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ بِأَنْ كَانَ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ يُطْلَبُ مِنْ جِهَةِ الطَّالِبِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَكَالَةُ، فَإِذَا أَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَقَدْ أَنْفَقَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا. وَقِيلَ: الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَهُوَ أَنْ يَدْفَعَ الْمَدْيُونُ إلَى رَجُلٍ أَلْفًا وَيُوَكِّلُهُ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ بِهَا فَدَفَعَ الْوَكِيلُ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ قَضَاءً عَنْهُ فَإِنَّهُ فِي الْقِيَاسِ مُتَبَرِّعٌ، حَتَّى إذَا أَرَادَ الْمَأْمُورُ أَنْ يَحْبِسَ الْأَلْفَ الَّتِي دُفِعَتْ إلَيْهِ لَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَهُ ذَلِكَ وَلَيْسَ بِمُتَبَرِّعٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ لَيْسَ بِشِرَاءٍ فَلَا يَكُونُ الْآمِرُ رَاضِيًا بِثُبُوتِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْوَكِيلِ، فَلَوْ لَمْ يُجْعَلْ مُتَبَرِّعًا لَأَلْزَمْنَاهُ دَيْنًا لَمْ يَرْضَ بِهِ فَجَعَلْنَاهُ مُتَبَرِّعًا قِيَاسًا. فَأَمَّا الْإِنْفَاقُ فَيَتَضَمَّنُ الشِّرَاءَ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِالْإِنْفَاقِ وَهُوَ أَمْرٌ بِشِرَاءِ الطَّعَامِ وَالشِّرَاءُ لَا يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الدَّرَاهِمِ الْمَدْفُوعَةِ إلَيْهِ بَلْ بِمِثْلِهَا فِي الذِّمَّةِ، ثُمَّ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْآمِرِ فَكَانَ رَاضِيًا بِثُبُوتِ الدَّيْنِ فَلَمْ يُجْعَلْ مُتَبَرِّعًا قِيَاسًا أَيْضًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ عَزْلِ الْوَكِيلِ] وَجْهُ تَأْخِيرِ بَابِ الْعَزْلِ ظَاهِرٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَكِيلَ إنْ كَانَ لِلطَّالِبِ فَعَزْلُهُ صَحِيحٌ حَضَرَ الْمَطْلُوبُ أَوْ لَا، لِأَنَّ الطَّالِبَ بِالْعَزْلِ يَبْطُلُ حَقُّهُ وَهُوَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى حُضُورِ غَيْرِهِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا وَإِنْ كَانَ لِلْمَطْلُوبِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِطَلَبٍ مِنْ جِهَةِ الطَّالِبِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مِثْلُ الْقَاضِي فَكَذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ، فَأَمَّا إنْ عَلِمَ الْوَكِيلُ بِالْوَكَالَةِ أَوْ لَا: فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا نَفَاذَ لِلْوَكَالَةِ قَبْلَ عِلْمِ الْوَكِيلِ فَكَانَ الْعَزْلُ امْتِنَاعًا وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ، وَإِنْ عَلِمَ وَلَمْ يَرُدَّهَا لَمْ يَصِحَّ فِي غَيْبَةِ الطَّالِبِ لِأَنَّ بِالتَّوْكِيلِ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ إحْضَارِهِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَإِثْبَاتُ الْحَقِّ عَلَيْهِ، وَبِالْعَزْلِ حَالَ غَيْبَتِهِ يُبْطِلُ ذَلِكَ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ مُسْتَثْنًى،

وَصَارَ كَالْوَكَالَةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا عَقْدُ الرَّهْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَصَحَّ بِحَضْرَتِهِ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَبْطُلُ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ الْخُصُومَةُ مَعَ الْوَكِيلِ يُمْكِنُهُ الْخُصُومَةُ مَعَ الْمُوَكِّلِ وَيُمْكِنُهُ طَلَبُ نَصْبِ وَكِيلٍ آخَرَ مِنْهُ، وَلَمْ يَذْكُرْهَا الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ دَلِيلَهُ يُلَوِّحُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ قَالَ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ وَهَاهُنَا لَا إبْطَالَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ (قَوْلُهُ فَصَارَ) أَيْ فَصَارَ التَّوْكِيلُ مِنْ جِهَةِ الْمَطْلُوبِ إذَا كَانَ بِطَلَبٍ مِنْ جِهَةِ الطَّالِبِ (كَالْوَكَالَةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا عَقْدُ الرَّهْنِ) بِأَنْ وَضَعَ الرَّهْنَ عَلَى

قَالَ (فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْعَزْلُ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ وَتَصَرُّفُهُ جَائِزٌ حَتَّى يَعْلَمَ) لِأَنَّ فِي الْعَزْلِ إضْرَارًا بِهِ مِنْ حَيْثُ إبْطَالُ وِلَايَتِهِ أَوْ مِنْ حَيْثُ رُجُوعُ الْحُقُوقِ إلَيْهِ فَيَنْقُدُ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ وَيُسَلِّمُ الْمَبِيعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَدَيْ عَدْلٍ وَشَرَطَ فِي الرَّهْنِ أَنْ يَكُونَ الْعَدْلُ مُسَلَّطًا عَلَى الْبَيْعِ ثُمَّ أَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ يَعْزِلَ الْعَدْلَ عَنْ الْبَيْعِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْبَيْعَ صَارَ حَقًّا لِلْمُرْتَهِنِ وَبِالْعَزْلِ يَبْطُلُ هَذَا الْحَقُّ. فَإِنْ قِيلَ: عَزْلُ الرَّاهِنِ الْعَدْلَ عَنْ الْبَيْعِ لَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْمُرْتَهِنِ مَا لَمْ يَرْضَ بِهِ، بِخِلَافِ عَزْلِ الْمُوَكِّلِ وَكِيلَهُ بِالْخُصُومَةِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ إذَا كَانَ بِحَضْرَةِ الطَّالِبِ رَضِيَ بِهِ أَوْ لَا، وَلَوْ كَانَتَا مُتَشَابِهَتَيْنِ لَمَا وَقَعَتْ بَيْنَهُمَا هَذِهِ التَّفْرِقَةُ. أُجِيبَ بِأَنَّ مَدَارَ جَوَازِ الْعَزْلِ وَعَدَمِهِ عَلَى بُطْلَانِ الْحَقِّ وَعَدَمِهِ فَإِذَا بَطَلَ الْحَقُّ بَطَلَ الْعَزْلُ، وَفِي الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ لَمْ يَبْطُلْ الْحَقُّ بِالْعَزْلِ بِحَضْرَتِهِ لِمَا تَقَدَّمَ فَكَانَ جَائِزًا، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ فَلَوْ صَحَّ الْعَزْلُ بِحَضْرَةِ الْمُرْتَهِنِ بَطَلَ حَقُّهُ فِي الْبَيْعِ أَصْلًا إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُطَالَبَ الرَّاهِنُ بِالْبَيْعِ. قَالَ (فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْعَزْلُ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ إلَخْ) إذَا عَزَلَ الْوَكِيلَ وَلَمْ يَبْلُغْهُ عَزْلُهُ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ وَتَصَرُّفُهُ جَائِزٌ حَتَّى يَعْلَمَ لِأَنَّ فِي عَزْلِهِ إضْرَارًا بِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا مِنْ حَيْثُ بُطْلَانُ وِلَايَتِهِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَتَصَرَّفُ عَلَى

فَيَضْمَنُهُ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ، وَيَسْتَوِي الْوَكِيلُ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرُهُ لِلْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا اشْتِرَاطَ الْعَدَدِ أَوْ الْعَدَالَةِ فِي الْمُخْبِرِ فَلَا نُعِيدُهُ . قَالَ (وَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَجُنُونِهِ جُنُونًا مُطْبِقًا وَلَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا) ـــــــــــــــــــــــــــــQادِّعَاءِ أَنَّ لَهُ وِلَايَةَ ذَلِكَ، وَفِي الْعَزْلِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ تَكْذِيبٌ لَهُ فِيمَا ادَّعَاهُ لِبُطْلَانِ وِلَايَتِهِ، وَضَرَرُ التَّكْذِيبِ ظَاهِرٌ لَا مَحَالَةَ. وَالثَّانِي مِنْ حَيْثُ رُجُوعُ الْحُقُوقِ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يَنْقُدُ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ إنْ كَانَ وَكِيلًا بِالشِّرَاءِ وَيُسَلِّمُ الْمَبِيعَ إنْ كَانَ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ، فَإِذَا كَانَ مَعْزُولًا كَانَ التَّصَرُّفُ وَاقِعًا لَهُ بَعْدَ الْعَزْلِ فَيَضْمَنُهُ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ، وَالْوَكِيلُ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِ سِيَّانِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا اشْتِرَاطَ الْعَدَدِ أَوْ الْعَدَالَةِ فِي الْمُخْبِرِ فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِعَادَةِ. قَالَ (وَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ إلَخْ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ الْوَكَالَةِ مَا يَجُوزُ لِلْمُوَكِّلِ فِيهِ أَنْ يَعْزِلَ الْوَكِيلَ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى رِضَا أَحَدٍ، وَمِنْهَا مَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهِ إلَّا بِرِضَا الطَّالِبِ، فَفِي الْأَوَّلِ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَجُنُونِهِ جُنُونًا مُطْبِقًا وَلِحَاقُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا، لِأَنَّ التَّوْكِيلَ

لِأَنَّ التَّوْكِيلَ تَصَرُّفٌ غَيْرُ لَازِمٍ فَيَكُونُ لِدَوَامِهِ حُكْمُ ابْتِدَائِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ الْأَمْرِ وَقَدْ بَطَلَ بِهَذِهِ الْعَوَارِضِ، وَشَرْطٌ أَنْ يَكُونَ الْجُنُونُ مُطْبِقًا لِأَنَّ قَلِيلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَصَرُّفٌ غَيْرُ لَازِمٍ، إذْ اللُّزُومُ عِبَارَةٌ عَمَّا يَتَوَقَّفُ وُجُودُهُ عَلَى الرِّضَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَنْفَرِدُ فِي فَسْخِهَا، فَإِنَّ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ وَلِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَمْنَعَ الْوَكِيلَ عَنْهَا، وَكُلُّ تَصَرُّفٍ غَيْرُ لَازِمٍ لِدَوَامِهِ حُكْمُ ابْتِدَائِهِ، لِأَنَّ الْمُتَصَرِّفَ بِسَبِيلٍ مِنْ نَقْضِهِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ فَصَارَ كَأَنَّهُ يَتَجَدَّدُ عَقْدُ الْوَكَالَةِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ فَيَنْتَهِي فَكَانَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ،

بِمَنْزِلَةِ الْإِغْمَاءِ، وَحَدُّ الْمُطْبِقِ شَهْرٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ اعْتِبَارًا بِمَا يَسْقُطُ بِهِ الصَّوْمُ. وَعَنْهُ أَكْثَرُ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِأَنَّهُ تَسْقُطُ بِهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فَصَارَ كَالْمَيِّتِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَوْلٌ كَامِلٌ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ جَمِيعُ الْعِبَادَاتِ فَقَدَّرَ بِهِ احْتِيَاطًا. قَالُوا: الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فِي اللَّحَاقِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفَةٌ عِنْدَهُ فَكَذَا وَكَالَتُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَمْرِ فَكَذَا فِيمَا هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ، وَقَدْ بَطَلَ الْأَمْرُ بِهَذِهِ الْعَوَارِضِ فَلَا تَبْقَى الْوَكَالَةُ مِنْ هَؤُلَاءِ كَمَا لَا تَنْعَقِدُ مِنْهُمْ ابْتِدَاءً، وَنُوقِضَ بِالْبَيْعِ بِالْخِيَارِ فَإِنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ وَيَتَقَرَّرُ بِالْمَوْتِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَيْعِ اللُّزُومُ وَعَدَمُهُ لِعَارِضِ الْخِيَارِ، فَإِذَا مَاتَ بَطَلَ الْعَارِضُ وَتَقَرَّرَ الْأَصْلُ، وَفِي الثَّانِي لَا تَبْطُلُ فَلَا تَبْطُلُ فِي صُورَةِ تَسْلِيطِ الْعَدْلِ عَلَى بَيْعِ الرَّهْنِ، وَفِيمَا إذَا جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهَا لِأَنَّ التَّوْكِيلَ فِي هَذَا النَّوْعِ صَارَ لَازِمًا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ فَلَا يَكُونُ لِدَوَامِهِ حُكْمُ ابْتِدَائِهِ فَلَا يَلْزَمُ بَقَاءُ الْأَمْرِ. وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَنْ بَيَانِ التَّقْسِيمِ سَاكِتٌ وَهُوَ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ. وَالْجُنُونُ الْمُطْبِقُ بِكَسْرِ الْبَاءِ هُوَ الدَّائِمُ، وَشَرَطَ الْإِطْبَاقَ فِي الْجُنُونِ لِأَنَّ قَلِيلَهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِغْمَاءِ فَلَا تَبْطُلُ بِهِ الْوَكَالَةُ. وَحَدُّ الْمُطْبِقِ شَهْرٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَرَوَى ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارًا بِمَا يَسْقُطُ بِهِ الصَّوْمُ، وَعَنْهُ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِأَنَّهُ تَسْقُطُ بِهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فَصَارَ كَالْمَيِّتِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ آخِرًا: حَوْلٌ كَامِلٌ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ جَمِيعُ الْعِبَادَاتِ فَقُدِّرَ بِهِ احْتِيَاطًا. قَالَ الْمَشَايِخُ: الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فِي اللِّحَاقِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ عِنْدَهُ مَوْقُوفَةٌ وَالْوَكَالَةُ مِنْ جُمْلَتِهَا فَتَكُونُ مَوْقُوفَةً، فَإِنْ أَسْلَمَ نَفَذَتْ، وَإِنْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ، فَأَمَّا

فَإِنْ أَسْلَمَ نَفَذَ، وَإِنْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ، فَأَمَّا عِنْدَهُمَا تَصَرُّفَاتُهُ نَافِذَةٌ فَلَا تَبْطُلُ وَكَالَتُهُ إلَّا أَنْ يَمُوتَ أَوْ يُقْتَلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ يُحْكَمَ بِلَحَاقِهِ وَقَدْ مَرَّ فِي السِّيَرِ وَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ امْرَأَةً فَارْتَدَّتْ فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ حَتَّى تَمُوتَ أَوْ تَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ رِدَّتَهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي عُقُودِهَا عَلَى مَا عُرِفَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَهُمَا فَتَصَرُّفَاتُهُ جَائِزَةٌ فَلَا تَبْطُلُ وَكَالَتُهُ إلَّا أَنْ يَمُوتَ أَوْ يُقْتَلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ يُحْكَمُ بِلِحَاقِهِ حَتَّى يَسْتَقِرَّ أَمْرُ اللِّحَاقِ، وَقَدْ مَرَّ فِي السِّيَرِ: أَيْ كَوْنُ تَصَرُّفِ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفًا أَوْ نَافِذًا فِي بَابِ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّينَ، وَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ امْرَأَةً فَارْتَدَّتْ فَالْوَكِيلُ وَكِيلٌ حَتَّى تَمُوتَ أَوْ تَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، لِأَنَّ رِدَّتَهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي عُقُودِهَا لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ، مَا خَلَا التَّوْكِيلِ بِالتَّزْوِيجِ فَإِنَّ رِدَّتَهَا تُخْرِجُ الْوَكِيلَ بِهِ

قَالَ (وَإِذَا وَكَّلَ الْمُكَاتَبُ ثُمَّ عَجَزَ أَوْ الْمَأْذُونُ لَهُ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ أَوْ الشَّرِيكَانِ فَافْتَرَقَا، فَهَذِهِ الْوُجُوهُ تُبْطِلُ الْوَكَالَةَ عَلَى الْوَكِيلِ، عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ بَقَاءَ الْوَكَالَةِ يَعْتَمِدُ قِيَامَ الْأَمْرِ وَقَدْ بَطَلَ بِالْحَجْرِ وَالْعَجْزِ وَالِافْتِرَاقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْوَكَالَةِ، لِأَنَّهَا حِينَ كَانَتْ مَالِكَةً لِلْعَقْدِ وَقْتَ التَّوْكِيلِ تَثْبُتُ الْوَكَالَةُ فِي الْحَالِ ثُمَّ بِرِدَّتِهَا تَخْرُجُ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَالِكَةً لِلْعَقْدِ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَزْلًا مِنْهَا لِوَكِيلِهَا، فَبَعْدَمَا انْعَزَلَ لَا يَعُودُ وَكِيلًا إلَّا بِالتَّجْدِيدِ. قَالَ (وَإِذَا وَكَّلَ الْمُكَاتَبُ ثُمَّ عَجَزَ إلَخْ) وَإِذَا وَكَّلَ الْمُكَاتَبُ ثُمَّ عَجَزَ أَوْ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ وَكَانَ التَّوْكِيلُ بِالْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ، عَلِمَ بِذَلِكَ الْوَكِيلُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ. وَإِذَا وَكَّلَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ثَالِثًا بِشَيْءٍ مِمَّا لَمْ يَلِهِ بِنَفْسِهِ فَافْتَرَقَا فَكَذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ بَقَاءَ الْوَكَالَةِ يَعْتَمِدُ قِيَامَ الْأَمْرِ وَقَدْ بَطَلَ بِالْعَجْزِ وَالْحَجْرِ

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ لِأَنَّ هَذَا عَزْلٌ حُكْمِيٌّ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالِافْتِرَاقِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ لِأَنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ، كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَهُ الْمُوَكِّلُ، وَأَمَّا إذَا وَكَّلَ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْمَأْذُونُ لَهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ التَّقَاضِي فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالْعَجْزِ وَالْحَجْرِ لِأَنَّ الْعَبْدَ مُطَالَبٌ بِإِيفَاءِ مَا وَلِيَهُ، وَلَهُ وِلَايَةُ مُطَالَبَةِ اسْتِيفَاءِ مَا وَجَبَ لَهُ لِأَنَّ وُجُوبَهُ كَانَ بِعَقْدِهِ، فَإِذَا بَقِيَ حَقُّهُ بَقِيَ وَكِيلُهُ عَلَى الْوَكَالَةِ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ ابْتِدَاءً بَعْدَ الْحَجْرِ بَعْدَ انْعِقَادِ الْعَقْدِ بِمُبَاشَرَتِهِ، وَكَذَا إذَا وَكَّلَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ وَكِيلًا بِشَيْءٍ هُوَ وَلِيُّهُ ثُمَّ افْتَرَقَا وَاقْتَسَمَا وَأَشْهَدَا أَنَّهُ لَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ أَمْضَى الْوَكِيلُ مَا وَكَّلَ بِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَوْ لَا يَعْلَمُ جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا، لِأَنَّ تَوْكِيلَ أَحَدِهِمَا فِي حَالِ بَقَاءِ عَقْدِ الْمُفَاوَضَةِ كَتَوْكِيلِهِمَا فَصَارَ وَكِيلًا مِنْ جِهَتِهِمَا جَمِيعًا فَلَا يَنْعَزِلُ بِنَقْضِهِمَا الشَّرِكَةَ بَيْنَهُمَا، وَكَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا لَا يَفْصِلُ بَيْنَ مَا وَلِيَهُ وَبَيْنَ مَا لَمْ يَلِهِ، فَمَا الْفَارِقُ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ أَحَدَ الْمُتَفَاوِضَيْنِ إذَا وَكَّلَ فِيمَا وَلِيَهُ كَانَ لِتَوْكِيلِهِ جِهَتَانِ: جِهَةُ مُبَاشَرَتِهِ، وَجِهَةُ كَوْنِهِ شَرِيكًا، فَإِنْ بَطَلَتْ جِهَةُ كَوْنِهِ شَرِيكًا بِفَسْخِ الشَّرِكَةِ لَمْ تَبْطُلْ الْأُخْرَى وَهِيَ مُسْتَنِدَةٌ إلَى حَالِ الْمُفَاوَضَةِ، وَتَوْكِيلُ أَحَدِهِمَا فِيهَا كَتَوْكِيلِهِمَا فَتَبْقَى فِي حَقِّهِمَا، وَإِذَا وَكَّلَ فِيمَا لَمْ يَلِهِ كَانَ لِتَوْكِيلِهِ جِهَةُ كَوْنِهِ شَرِيكًا لَا غَيْرُ وَقَدْ بَطَلَتْ بِفَسْخِ الشَّرِكَةِ فَتَبْطُلُ فِي حَقِّهِمَا جَمِيعًا، وَإِذَا وَكَّلَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعَنَانِ وَكِيلًا بِبَيْعِ شَيْءٍ مِنْ شَرِكَتِهِمَا جَازَ عَلَيْهِ وَعَلَى صَاحِبِهِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي حَقِّ صَاحِبِهِ

كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَهُ الْمُوَكِّلُ. قَالَ (وَإِذَا مَاتَ الْوَكِيلُ أَوْ جُنَّ جُنُونًا مُطْبِقًا بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ) لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَمْرُهُ بَعْدَ جُنُونِهِ وَمَوْتِهِ (وَإِنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا) لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّصَرُّفُ إلَّا أَنْ يَعُودَ مُسْلِمًا قَالَ: وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ، فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ. لِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْوَكَالَةَ إطْلَاقٌ لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَوَكِيلٍ مَأْذُونٍ بِالتَّوْكِيلِ لِتَحْصِيلِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الرِّبْحُ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَحْصُلُ بِتَصَرُّفِ وَاحِدٍ وَحُصُولُهُ بِاثْنَيْنِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ سَاكِتٌ عَنْ التَّفْصِيلِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا كَمَا تَرَى، وَفِيهِ مَا فِيهِ. وَقَدْ أَوَّلَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ كَلَامَ الْقُدُورِيِّ فِي افْتِرَاقِ الشَّرِيكَيْنِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُوَ الْوَكَالَةُ الَّتِي كَانَتْ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الشَّرِكَةِ، فَإِنَّهُمَا إذَا افْتَرَقَا بَطَلَتْ الشَّرِكَةُ الْمُتَضَمَّنَةُ لَهَا فَتَبْطُلُ مَا كَانَتْ فِي ضِمْنِهَا، هَذَا عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ يَخْتَصُّ بِمَسْأَلَةِ الشَّرِكَةِ لَا غَيْرُ عَلَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِعِبَارَةِ الْكِتَابِ. قَالَ (وَإِذَا مَاتَ الْوَكِيلُ أَوْ جُنَّ جُنُونًا مُطْبِقًا إلَخْ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْعَوَارِضِ الْمُبْطِلَةِ لِلْوَكَالَةِ مِنْ جَانِبِ الْمُوَكِّلِ شَرَعَ فِيهَا مِنْ جَانِبِ الْوَكِيلِ، فَإِذَا مَاتَ الْوَكِيلُ أَوْ جُنَّ جُنُونًا مُطْبِقًا بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَمْرُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَجُنُونِهِ، وَالْأَمْرُ مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى الْمَفْعُولِ، وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ الَّذِي كَانَ مَأْمُورًا بِهِ لَمْ يَبْقَ صَحِيحًا، وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ لِدَوَامِهِ حُكْمَ الِابْتِدَاءِ، وَإِنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا وُكِّلَ بِهِ

رُفِعَ الْمَانِعُ. أَمَّا الْوَكِيلُ يَتَصَرَّفُ بِمَعَانٍ قَائِمَةٍ بِهِ وَإِنَّمَا عَجَزَ بِعَارِضِ اللَّحَاقِ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ، فَإِذَا زَالَ الْعَجْزُ وَالْإِطْلَاقُ بَاقٍ عَادَ وَكِيلًا. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إثْبَاتُ وِلَايَةِ التَّنْفِيذِ، لِأَنَّ وِلَايَةَ أَصْلِ التَّصَرُّفِ بِأَهْلِيَّتِهِ وَوِلَايَةُ التَّنْفِيذِ بِالْمِلْكِ وَبِاللَّحَاقِ لَحِقَ بِالْأَمْوَاتِ وَبَطَلَتْ الْوِلَايَةُ فَلَا تَعُودُ كَمِلْكِهِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا أَنْ يَعُودَ مُسْلِمًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ، فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ وَإِنْ عَادَ مُسْلِمًا. لِمُحَمَّدٍ أَنَّ التَّوْكِيلَ إطْلَاقٌ لِأَنَّهُ رَفَعَ الْمَانِعَ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْوَكِيلَ كَانَ مَمْنُوعًا شَرْعًا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي شَيْءٍ لِمُوَكِّلِهِ، فَإِذَا وَكَّلَهُ رَفَعَ الْمَانِعَ، وَأَمَّا أَنْ يَحْدُثُ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ وَوِلَايَةٌ فَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِمَعَانٍ قَائِمَةٍ بِهِ وَهِيَ الْعَقْلُ وَالْقَصْدُ إلَى ذَلِكَ التَّصَرُّفِ وَالذِّمَّةُ الصَّالِحَةُ لَهُ، وَالْإِطْلَاقُ بَاقٍ مِنْ جِهَةِ الْمُوَكِّلِ بَعْدَ عُرُوضِ هَذَا الْعَارِضِ. وَإِنَّمَا عَجَزَ الْوَكِيلُ عَنْ التَّصَرُّفِ بِعَارِضِ اللِّحَاقِ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ، فَإِذَا زَالَ الْعَجْزُ وَالْإِطْلَاقُ بَاقٍ عَادَ وَكِيلًا، وَهَذَا يَنْزِعُ إلَى تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ وَمُخَلِّصُهُ مَعْرُوفٌ. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إثْبَاتُ وِلَايَةِ التَّنْفِيذِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ التَّوْكِيلَ تَمْلِيكُ وِلَايَةِ التَّنْفِيذِ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ إنَّمَا يَمْلِكُ تَنْفِيذَ تَصَرُّفِهِ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِالْوَكَالَةِ، وَوِلَايَةُ التَّنْفِيذِ بِالْمِلْكِ: أَيْ تَمْلِيكُ وِلَايَةِ التَّنْفِيذِ مُلْصَقٌ بِالْمِلْكِ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ بِلَا مِلْكٍ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ، فَكَانَ الْوَكِيلُ مَالِكًا لِلتَّنْفِيذِ بِالْوَكَالَةِ وَقَدْ بَطَلَ الْمِلْكُ بِاللِّحَاقِ لِأَنَّهُ لَحِقَ بِهِ بِالْأَمْوَاتِ فَصَارَ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ، وَإِذَا بَطَلَ الْمِلْكُ بَطَلَتْ الْوِلَايَةُ، وَإِذَا بَطَلَتْ الْوِلَايَةُ بَطَلَ التَّوْكِيلُ لِئَلَّا تَتَخَلَّفَ الْعِلَّةُ عَنْ الْمَعْلُولِ، وَإِذَا بَطَلَتْ لَا تَعُودُ كَمِلْكِهِ فِي الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ لَحِقَ بِالْأَمْوَاتِ إلَى أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا قَضَى الْقَاضِي

وَلَوْ عَادَ الْمُوَكِّلُ مُسْلِمًا وَقَدْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا لَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ فِي الظَّاهِرِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا تَعُودُ كَمَا قَالَ فِي الْوَكِيلِ. وَالْفَرْقُ لَهُ عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ مَبْنَى الْوَكَالَةِ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ عَلَى الْمِلْكِ وَقَدْ زَالَ وَفِي حَقِّ الْوَكِيلِ عَلَى مَعْنًى قَائِمٍ بِهِ وَلَمْ يَزَلْ بِاللَّحَاقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِلِحَاقِهِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْضِ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْوَكَالَةِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا. بَقِيَ الْكَلَامُ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّ وِلَايَةَ أَصْلِ التَّصَرُّفِ بِأَهْلِيَّتِهِ فَإِنَّهُ بَعِيدُ التَّعَلُّقِ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ أَنَّهُ إثْبَاتُ وِلَايَةِ التَّنْفِيذِ إلَّا أَنْ يَتَكَلَّفَ فَيُقَالُ الْوَكِيلُ لَهُ وِلَايَتَانِ وِلَايَةُ أَصْلِ التَّصَرُّفِ وَوِلَايَةُ التَّنْفِيذِ، وَالْأُولَى ثَابِتَةٌ لَهُ قَبْلَ التَّوْكِيلِ وَبَعْدَهُ، وَالثَّانِيَةُ لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا حَدَثَتْ بَعْدَهُ وَلَمْ يَتَجَدَّدْ عَلَيْهِ شَيْءٌ سِوَى التَّوْكِيلِ فَكَانَتْ ثَابِتَةً بِهِ، وَلَوْ عَادَ الْمُوَكِّلُ مُسْلِمًا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِلِحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا لَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا تَعُودُ كَمَا فِي الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ إذَا عَادَ مُسْلِمًا عَادَ إلَيْهِ مَالُهُ عَلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ، وَقَدْ تَعَلَّقَتْ الْوَكَالَةُ بِقَدِيمِ مِلْكِهِ فَيَعُودُ الْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ، كَمَا لَوْ وَكَّلَ بِبَيْعِ عَبْدِهِ ثُمَّ بَاعَهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ وَرُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ الْقَاضِي عَادَ الْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ. وَالْفَرْقُ لَهُ عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ مَبْنَى الْوَكَالَةِ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ عَلَى الْمِلْكِ وَقَدْ زَالَ بِرِدَّتِهِ وَالْقَضَاءِ بِلِحَاقِهِ، وَفِي حَقِّ الْوَكِيلِ عَلَى مَعْنًى قَائِمٍ بِهِ وَلَمْ يَزُلْ بِاللِّحَاقِ وَأَبُو يُوسُفَ سَوَّى فِي عَدَمِ الْعَوْدِ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ، وَلَعَلَّ إيرَادَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ عُرُوضِ الْعَوَارِضِ الْمَذْكُورَةِ لِلْمُوَكِّلِ

قَالَ (وَمَنْ وَكَّلَ آخَرَ بِشَيْءٍ ثُمَّ تَصَرَّفَ بِنَفْسِهِ فِيمَا وَكَّلَ بِهِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ) وَهَذَا اللَّفْظُ يَنْتَظِمُ وُجُوهًا: مِثْلَ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِإِعْتَاقِ عَبْدِهِ أَوْ بِكِتَابَتِهِ فَأَعْتَقَهُ أَوْ كَاتَبَهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ أَوْ يُوَكِّلَهُ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ أَوْ بِشِرَاءِ شَيْءٍ فَفَعَلَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ يُوَكِّلَهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَوْ بِالْخُلْعِ فَخَالَعَهَا، بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ أَنْسَبَ، لَكِنْ لَمَّا ذَكَرَ الْعَوْدَ هَاهُنَا جَرَّدَ ذِكْرَهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (وَمَنْ وَكَّلَ آخَرَ بِشَيْءٍ ثُمَّ تَصَرَّفَ بِنَفْسِهِ فِيمَا وَكَّلَ بِهِ إلَخْ) وَمَنْ وَكَّلَ آخَرَ بِشَيْءٍ مِنْ الْإِثْبَاتَاتِ أَوْ الْإِسْقَاطَاتِ ثُمَّ تَصَرَّفَ فِيهِ بِنَفْسِهِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ، فَإِذَا وَكَّلَهُ بِإِعْتَاقِ عَبْدِهِ أَوْ بِكِتَابَتِهِ فَأَعْتَقَهُ أَوْ كَاتَبَهُ بِنَفْسِهِ بَطَلَتْ. وَكَذَا لَوْ وَكَّلَهُ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بِنَفْسِهِ حَتَّى لَوْ أَبَانَهَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ لِانْقِضَاءِ الْحَاجَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَزَوَّجَهَا الْوَكِيلُ فَأَبَانَهَا فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا لِمُوَكِّلِهِ لِبَقَاءِ الْحَاجَةِ، وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَاشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ حَتَّى لَوْ بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ الْمَأْمُورُ لِلْآمِرِ لَمْ يَجُزْ، وَكَذَا لَوْ وَكَّلَهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَطَلَّقَهَا بِنَفْسِهِ ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بَطَلَتْ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَأْمُورِ أَنْ يُطَلِّقَهَا، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا لِأَنَّهُ إذَا وَكَّلَهُ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ طَلَّقَهَا بِنَفْسِهِ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ بَائِنَةً كَانَتْ أَوْ رَجْعِيَّةً فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَا كَانَ الْمُوَكِّلُ فِيهِ قَادِرًا عَلَى الطَّلَاقِ كَانَ وَكِيلُهُ كَذَلِكَ وَمَا لَا فَلَا، وَكَذَا إذَا وَكَّلَ بِالْخُلْعِ فَخَالَطَهَا (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا

تَصَرَّفَ بِنَفْسِهِ تَعَذَّرَ عَلَى الْوَكِيلِ التَّصَرُّفُ فَبَطَلَتْ الْوَكَالَةُ، حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا بِنَفْسِهِ وَأَبَانَهَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ لِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ انْقَضَتْ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا الْوَكِيلُ وَأَبَانَهَا لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ الْمُوَكِّلَ لِبَقَاءِ الْحَاجَةِ، وَكَذَا لَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَهُ بِنَفْسِهِ، فَلَوْ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ قَاضٍ؛ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَهُ مَرَّةً أُخْرَى لِأَنَّ بَيْعَهُ بِنَفْسِهِ مَنْعٌ لَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فَصَارَ كَالْعَزْلِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مَرَّةً أُخْرَى لِأَنَّ الْوَكَالَةَ بَاقِيَةٌ لِأَنَّهُ إطْلَاقٌ وَالْعَجْزُ قَدْ زَالَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQتَصَرَّفَ بِنَفْسِهِ تَعَذَّرَ عَلَى الْوَكِيلِ التَّصَرُّفُ فَبَطَلَتْ الْوَكَالَةُ) مُتَعَلِّقٌ بِجَمِيعِ مَا ذُكِرَ وَمَبْنَاهُ انْقِضَاءُ الْحَاجَةِ، وَكَذَا لَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَهُ بِنَفْسِهِ بَطَلَتْ، فَلَوْ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِالْقَضَاءِ؛ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَهُ لِأَنَّ بَيْعَهُ بِنَفْسِهِ مَنْعٌ لَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فَصَارَ كَالْعَزْلِ. وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِقَضَاءِ قَاضٍ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ إذَا قَبِلَهُ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْبَيْعِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَهُ مَرَّةً أُخْرَى بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ كَالْعَقْدِ الْمُبْتَدَإِ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَالْوَكِيلُ غَيْرُهُمَا فَكَانَ فِي حَقِّ الْوَكِيلِ كَأَنَّ الْمُوَكِّلَ اشْتَرَاهُ ابْتِدَاءً. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مَرَّةً أُخْرَى، لِأَنَّ الْوَكَالَةَ

بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَهُ بِالْهِبَةِ فَوَهَبَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ رَجَعَ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَهَبَ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ فِي الرُّجُوعِ فَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلُ عَدَمِ الْحَاجَةِ. أَمَّا الرَّدُّ بِقَضَاءٍ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَلَمْ يَكُنْ دَلِيلُ زَوَالِ الْحَاجَةِ، فَإِذَا عَادَ إلَيْهِ قَدِيمُ مِلْكِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبَاقِيَةٌ لِأَنَّهُ إطْلَاقٌ وَهُوَ بَاقٍ، وَالِامْتِنَاعُ كَانَ لِعَجْزِ الْوَكِيلِ وَقَدْ زَالَ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَهُ بِالْهِبَةِ فَوَهَبَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ رَجَعَ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَهَبَ، لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ مُخْتَارٌ فِي الرُّجُوعِ فَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلُ عَدَمِ الْحَاجَةِ: أَمَّا الرَّدُّ بِقَضَاءٍ فَبِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَلَمْ يَكُنْ دَلِيلَ زَوَالِ الْحَاجَةِ، فَإِذَا عَادَ إلَيْهِ قَدِيمُ مِلْكِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[كتاب الدعوى]

(كِتَابُ الدَّعْوَى) : ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الدَّعْوَى] لَمَّا كَانَتْ الْوَكَالَةُ بِالْخُصُومَةِ لِأَجْلِ الدَّعْوَى ذَكَرَ الدَّعْوَى عَقِيبَ الْوَكَالَةِ. وَهِيَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ قَوْلٍ يَقْصِدُ بِهِ الْإِنْسَانُ إيجَابَ حَقٍّ عَلَى غَيْرِهِ، وَفِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ مَا تَقَدَّمَ وَهِيَ مُطَالَبَةُ حَقٍّ فِي مَجْلِسِ مَنْ لَهُ الْخَلَاصُ عِنْدَ ثُبُوتِهِ. وَسَبَبُهَا تَعَلُّقُ الْبَقَاءِ الْمُقَدَّرِ

قَالَ (الْمُدَّعِي مَنْ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ إذَا تَرَكَهَا وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِتَعَاطِي الْمُعَامَلَاتِ، لِأَنَّ الْمُدَّعَى بِهِ إمَّا أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إلَى النَّوْعِ أَوْ الشَّخْصِ. وَشَرْطُهَا حُضُورُ خَصْمِهِ وَمَعْلُومِيَّةُ الْمُدَّعَى بِهِ وَكَوْنُهُ مُلْزِمًا عَلَى الْخَصْمِ، فَإِنْ ادَّعَى عَلَى الْغَائِبِ لَمْ تَسَعْ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مَجْهُولًا لِعَدَمِ إمْكَانِ الْقَضَاءِ. وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلُ هَذَا الْحَاضِرِ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَكَذَلِكَ لِإِمْكَانِ عَزْلِهِ فِي الْحَالِ. وَحُكْمُ الصَّحِيحَةِ مِنْهَا وُجُوبُ الْجَوَابِ عَلَى الْخَصْمِ بِالنَّفْيِ أَوْ الْإِثْبَاتِ. وَشَرْعِيَّتُهَا لَيْسَتْ لِذَاتِهَا بَلْ مِنْ حَيْثُ انْقِطَاعُهَا بِالْقَضَاءِ دَفْعًا لِلْفَسَادِ الْمَظْنُونِ بِبَقَائِهَا، وَفِي دَلَالَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى شَرْعِيَّتِهَا كَثْرَةٌ. قَالَ (الْمُدَّعِي مَنْ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ إذَا تَرَكَهَا وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ إلَخْ) الدَّعْوَى لَا تَحْصُلُ إلَّا مِنْ مُدَّعٍ عَلَى مُدَّعًى عَلَيْهِ؛ فَمَعْرِفَةُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِنْ أَهَمِّ مَا يَبْتَنِي عَلَيْهِ مَسَائِلُ الدَّعْوَى، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِمَا. وَقَدْ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْمَشَايِخِ فِيهِ. فَمِنْهَا مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ: يَعْنِي الْقُدُورِيَّ: الْمُدَّعِي مَنْ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ إذَا تَرَكَهَا، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ، وَهُوَ حَدٌّ عَامٌّ صَحِيحٌ. وَقِيلَ:

وَمَعْرِفَةُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِنْ أَهَمِّ مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ مَسَائِلُ الدَّعْوَى، وَقَدْ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِيهِ، فَمِنْهَا مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ حَدٌّ عَامٌّ صَحِيحٌ. وَقِيلَ الْمُدَّعِي مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِحُجَّةٍ كَالْخَارِجِ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يَكُونُ مُسْتَحِقًّا بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ كَذِي الْيَدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُدَّعِي مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِحُجَّةٍ: يَعْنِي الْبَيِّنَةَ أَوْ الْإِقْرَارَ كَالْخَارِجِ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يَكُونُ مُسْتَحِقًّا بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ كَذِي الْيَدِ، وَهُوَ لَيْسَ بِعَامٍّ: أَيْ جَامِعٍ لِعَدَمِ تَنَاوُلِهِ صُورَةَ الْمُودَعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ، وَلَعَلَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يَدْفَعُ اسْتِحْقَاقَ غَيْرِهِ. وَقِيلَ: الْمُدَّعِي مَنْ يَلْتَمِسُ غَيْرَ الظَّاهِرِ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يَتَمَسَّكُ بِالظَّاهِرِ، وَبِمَعْنَاهُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: الْمُدَّعِي كُلُّ

وَقِيلَ الْمُدَّعِي مَنْ يَتَمَسَّكُ بِغَيْرِ الظَّاهِرِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يَتَمَسَّكُ بِالظَّاهِرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنْ ادَّعَى بَاطِنًا لِيُزِيلَ بِهِ ظَاهِرًا، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ ادَّعَى ظَاهِرًا وَقَرَارُ الشَّيْءِ عَلَى مَاهِيَّتِه، وَالظَّاهِرُ كَوْنُ الْأَمْلَاكِ فِي يَدِ الْمُلَّاكِ وَبَرَاءَةِ الذِّمَمِ، فَالْمُدَّعِي هُوَ مَنْ يُرِيدُ إزَالَةَ الظَّاهِرِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُرِيدُ قَرَارَهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّهُ مَنْقُوضٌ بِالْمُودَعِ، فَإِنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَلَيْسَ بِمُتَمَسِّكٍ بِالظَّاهِرِ، إذْ رَدُّ الْوَدِيعَةَ لَيْسَ بِظَاهِرٍ لِأَنَّ الْفَرَاغَ لَيْسَ بِأَصْلٍ بَعْدَ الِاشْتِغَالِ، وَلِهَذَا قُلْنَا: إذَا ادَّعَى الْمَدْيُونُ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ بِدَفْعِ الدَّيْنِ إلَى وَكِيلِ رَبِّ الْمَالِ وَهُوَ يُنْكِرُ الْوَكَالَةَ فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ، لِأَنَّ الْمَدْيُونَ يَدَّعِي بَرَاءَةً بَعْدَ الشَّغْلِ فَكَانَتْ عَارِضَةً وَالشُّغْلُ أَصْلًا، وَيَجُوزُ أَنْ يُورِدَ بِالْعَكْسِ بِأَنَّهُ مُدَّعٍ وَيَتَمَسَّكُ بِالظَّاهِرِ وَهُوَ عَدَمُ الضَّمَانِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ:

وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَصْلِ: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ الْمُنْكِرُ، وَهَذَا صَحِيحٌ لَكِنَّ الشَّأْنَ فِي مَعْرِفَتِهِ وَالتَّرْجِيحُ بِالْفِقْهِ عِنْدَ الْحُذَّاقِ مِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْمَعَانِي دُونَ الصُّوَرِ، فَإِنَّ الْمُودَعَ إذَا قَالَ رَدَدْت الْوَدِيعَةَ فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ الْيَمِينِ وَإِنْ كَانَ مُدَّعِيًا لِلرَّدِّ صُورَةً لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الضَّمَانَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْأَصْلِ: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ الْمُنْكِرُ وَهَذَا صَحِيحٌ لِمَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَرُوِيَ «الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» لَكِنَّ الشَّأْنَ فِي مَعْرِفَةِ مَنْ أَنْكَرَ وَالتَّرْجِيحُ بِالْفِقْهِ عِنْدَ الْحُذَّاقِ مِنْ أَصْحَابِنَا: يَعْنِي إذَا تَعَارَضَ الْجِهَتَانِ فِي صُورَةٍ فَالتَّرْجِيحُ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى يَكُونُ بِالْفِقْهِ: أَيْ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى دُونَ الصُّورَةِ، فَإِنَّ الْمُودَعَ إذَا قَالَ رَدَدْت الْوَدِيعَةَ فَهُوَ يَدَّعِي الرَّدَّ صُورَةً، فَلَوْ أَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً قُبِلَتْ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ أَيْضًا فَكَانَ مُدَّعًى عَلَيْهِ، فَإِذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ اعْتَبَرَ الصُّورَةَ، وَإِذَا عَجَزَ عَنْهَا اعْتَبَرَ

قَالَ (وَلَا تُقْبَلُ الدَّعْوَى حَتَّى يَذْكُرَ شَيْئًا مَعْلُومًا فِي جِنْسِهِ وَقَدْرِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعْنَاهَا، فَإِنَّهُ يُنْكِرُ الضَّمَانَ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ. قَالَ (وَلَا تُقْبَلُ الدَّعْوَى حَتَّى يَذْكُرَ شَيْئًا مَعْلُومًا فِي جِنْسِهِ وَقَدْرِهِ إلَخْ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَعْلُومِيَّةَ الْمُدَّعِي بِهِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ مَا يُعَيِّنُهُ مِنْ بَيَانِ جِنْسِهِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْحِنْطَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدْرِهِ مِثْلُ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا أَوْ دِينَارًا أَوْ كُرًّا، لِأَنَّ فَائِدَةَ الدَّعْوَى الْإِلْزَامُ بِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ، وَالْإِلْزَامُ فِي الْمَجْهُولِ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ،

لِأَنَّ فَائِدَةَ الدَّعْوَى الْإِلْزَامُ بِوَاسِطَةِ إقَامَةِ الْحُجَّةِ، وَالْإِلْزَامُ فِي الْمَجْهُولِ لَا يَتَحَقَّقُ (فَإِنْ كَانَ عَيْنًا فِي يَدِ الْمُدَّعَى) عَلَيْهِ كُلِّفَ إحْضَارَهَا لِيُشِيرَ إلَيْهَا بِالدَّعْوَى، وَكَذَا فِي الشَّهَادَةِ وَالِاسْتِحْلَافِ، لِأَنَّ الْإِعْلَامَ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُ شَرْطٌ وَذَلِكَ بِالْإِشَارَةِ فِي الْمَنْقُولِ لِأَنَّ النَّقْلَ مُمْكِنٌ وَالْإِشَارَةُ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ، وَيَتَعَلَّقُ بِالدَّعْوَى وُجُوبُ الْحُضُورِ، وَعَلَى هَذَا الْقُضَاةُ مِنْ آخِرِهِمْ فِي كُلِّ عَصْرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ عَيْنًا فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كُلِّفَ إحْضَارَهَا إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ لِلْإِشَارَةِ إلَيْهَا فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ وَالِاسْتِحْلَافِ لِأَنَّ الْإِعْلَامَ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُ شَرْطٌ نَفْيًا لِلْجَهَالَةِ، وَذَلِكَ فِي الْمَنْقُولِ بِالْإِشَارَةِ لِأَنَّ النَّقْلَ مُمْكِنٌ، وَالْإِشَارَةُ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ لِكَوْنِهَا بِمَنْزِلَةِ وَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ ذِكْرِ الْأَوْصَافِ فَإِنَّ اشْتِرَاكَ شَخْصَيْنِ فِيهَا مُمْكِنٌ، فَإِذَا حَضَرَ شَخْصٌ عِنْدَ حَاكِمٍ وَقَالَ لِي عَلَى

وَوُجُوبُ الْجَوَابِ إذَا حَضَرَ لِيُفِيدَ حُضُورُهُ وَلُزُومُ إحْضَارِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ لِمَا قُلْنَا وَالْيَمِينِ إذَا أَنْكَرَهُ، وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَاضِرَةً ذَكَرَ قِيمَتَهَا لِيَصِيرَ الْمُدَّعَى مَعْلُومًا) لِأَنَّ الْعَيْنَ لَا تُعْرَفُ بِالْوَصْفِ، وَالْقِيمَةُ تُعْرَفُ بِهِ وَقَدْ تَعَذَّرَ مُشَاهَدَةُ الْعَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفُلَانٍ كَذَا دِرْهَمًا مَثَلًا أَشْخَصَ إلَيْهِ، لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَعَلُوا كَذَلِكَ، فَيَجِبُ عَلَى الْمَطْلُوبِ حُضُورُهُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ، عَلَى هَذَا الْقُضَاةُ مِنْ أَوَّلِهِمْ إلَى آخِرِهِمْ: أَيْ أَجْمَعُوا. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ} [النور: 48] إلَى قَوْلِهِ {بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [النور: 50] سَمَّاهُمْ ظَالِمِينَ لِإِعْرَاضِهِمْ عَنْ الطَّلَبِ، فَإِذَا حَضَرَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْجَوَابُ بِالْإِقْرَارِ أَوْ الْإِنْكَارِ لِيُفِيدَ حُضُورَهُ، وَلَزِمَ عَلَيْهِ إحْضَارُ الْمُدَّعَى بِهِ لِمَا قُلْنَا مِنْ الْإِشَارَةِ إلَيْهَا، وَلَزِمَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ إذَا أَنْكَرَهُ وَعَجَزَ الْمُدَّعِي عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، وَسَنَذْكُرُهُ: أَيْ وُجُوبَ الْيَمِينِ عَلَيْهِ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ. قَالَ (وَإِذَا لَمْ تَكُنْ حَاضِرَةً لَزِمَهُ ذِكْرُ قِيمَتِهَا) يَعْنِي إذَا وَقَعَ الدَّعْوَى فِي عَيْنٍ غَائِبَةٍ لَا يَدْرِي مَكَانَهَا لَزِمَ الْمُدَّعِي ذِكْرُ قِيمَتِهَا (لِيَصِيرَ الْمُدَّعَى بِهِ مَعْلُومًا) وَذِكْرُ الْوَصْفِ لَيْسَ بِكَافٍ (لِأَنَّ الْعَيْنَ لَا تُعْرَفُ بِالْوَصْفِ) وَإِنْ بُولِغَ فِيهِ لِإِمْكَانِ الْمُشَارَكَةِ فِيهِ كَمَا مَرَّ، فَذِكْرُهُ فِي تَعْرِيفِهَا غَيْرُ مُفِيدٍ (وَالْقِيمَةُ) شَيْءٌ (تُعْرَفُ بِهِ) الْعَيْنُ فَذِكْرُهَا يَكُونُ مُفِيدًا، وَقَوْلُهُ (وَقَدْ تَعَذَّرَ مُشَاهَدَةُ الْعَيْنِ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَا تُعْرَفُ بِالْوَصْفِ:

وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: يُشْتَرَطُ مَعَ بَيَانِ الْقِيمَةِ ذِكْرُ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي وَالْحَالُ أَنَّ الْمُشَاهَدَةَ تَعَذَّرَتْ وَإِغْلَاقُ تَرْكِيبِهِ لَا يَخْفَى (وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: يُشْتَرَطُ مَعَ بَيَانِ الْقِيمَةِ ذِكْرُ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَضَاءَ بِقِيمَةِ الْمُسْتَهْلَكِ بِنَاءً عَلَى الْقَضَاءِ بِمِلْكِ الْمُسْتَهْلِكِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّ حَقَّ الْمَالِكِ قَائِمٌ فِي الْعَيْنِ الْمُسْتَهْلَكَةِ عِنْدَهُ، فَإِنَّهُ صَحَّحَ الصُّلْحَ عَنْ الْمَغْصُوبِ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ قِيمَتِهِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَيَّنَ الْمُسْتَهْلِكُ مِلْكًا لَهُ لَمَا جَازَ ذَلِكَ لِكَوْنِ الْوَاجِبِ حِينَئِذٍ فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَهْلِكِ قِيمَةَ الْمَغْصُوبِ وَهِيَ دَيْنٌ فِي الذِّمَّةِ، وَالصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ لَا يَجُوزُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْمُسْتَهْلَكِ فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ لِيَعْلَمَ الْقَاضِي بِمَاذَا يَقْضِي، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ. وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ أَبَى ذَلِكَ

قَالَ (وَإِنْ ادَّعَى عَقَارًا حَدَّدَهُ وَذَكَرَ أَنَّهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي دَعْوَى الدَّابَّةِ الْمُسْتَهْلَكَةِ الْقِيمَةُ، فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ. قَالَ (وَإِنْ ادَّعَى عَقَارًا حَدَّدَهُ إلَخْ) إذَا كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ عَقَارًا فَلَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: تَحْدِيدُهُ، وَذِكْرُ الْمُدَّعِي أَنَّهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِلْإِعْلَامِ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُ فِيهِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِذِكْرِ الْبَلْدَةِ، ثُمَّ الْمَوْضِعُ الَّذِي هُوَ فِيهِ ثُمَّ بِذِكْرِ حُدُودِهِ، لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ التَّعْرِيفُ بِالْإِشَارَةِ لِتَعَذُّرِ النَّقْلِ صِيرَ إلَى ذَلِكَ لِلتَّعْرِيفِ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ أَسْمَاءِ أَصْحَابِ الْحُدُودِ وَأَنْسَابِهِمْ، إلَّا إذَا كَانَ مَعْرُوفًا مِثْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى فَإِنَّهُ يُسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِمَا، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْحَدِّ لِأَنَّ تَمَامَ التَّعْرِيفِ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا عَرَفَ هُوَ الصَّحِيحُ، فَإِنَّ ذِكْرَ ثَلَاثَةٍ مِنْ الْحُدُودِ يُكْتَفَى بِهَا عِنْدَنَا، خِلَافًا لِزُفَرَ لِوُجُودِ الْأَكْثَرِ، وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ أَنَّ ذِكْرَ الِاثْنَيْنِ لَا يَكْفِي، بِخِلَافِ مَا إذَا غَلَطَ فِي الْحَدِّ الرَّابِعِ وَأَنَّثَ فِي الْكِتَابِ بِاعْتِبَارِ الْجِهَةِ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِهِ: أَيْ بِالْغَلَطِ فِي الْحَدِّ الْمُدَّعَى، وَلَا كَذَلِكَ بِتَرْكِهَا، كَمَا لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِالْبَيْعِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ وَتَرَكَا ذِكْرَ الثَّمَنِ جَازَ، وَلَوْ غَلِطَا فِي الثَّمَنِ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهُ صَارَ عَقْدًا

لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ التَّعْرِيفُ بِالْإِشَارَةِ لِتَعَذُّرِ النَّقْلِ فَيُصَارُ إلَى التَّجْدِيدِ فَإِنَّ الْعَقَارَ يُعْرَفُ بِهِ، وَيَذْكُرُ الْحُدُودَ الْأَرْبَعَةَ، وَيَذْكُرُ أَسْمَاءَ أَصْحَابِ الْحُدُودِ وَأَنْسَابَهُمْ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْجَدِّ لِأَنَّ تَمَامَ التَّعْرِيفِ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا عُرِفَ هُوَ الصَّحِيحُ، وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ مَشْهُورًا يَكْتَفِي بِذِكْرِهِ، فَإِنْ ذَكَرَ ثَلَاثَةً مِنْ الْحُدُودِ يُكْتَفَى بِهَا عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ لِوُجُودِ الْأَكْثَرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا غَلِطَ فِي الرَّابِعَةِ لِأَنَّهُ يُخْتَلَفُ بِهِ الْمُدَّعَى وَلَا كَذَلِكَ بِتَرْكِهَا، وَكَمَا يُشْتَرَطُ التَّحْدِيدُ فِي الدَّعْوَى يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ. وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ وَذَكَرَ أَنَّهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ، وَفِي الْعَقَارِ لَا يُكْتَفَى بِذِكْرِ الْمُدَّعِي وَتَصْدِيقِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي يَدِهِ بَلْ لَا تَثْبُتُ الْيَدُ فِيهِ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQآخَرَ بِالْغَلَطِ، وَبِهَذَا الْفَرْقِ بَطَلَ قِيَاسُ زُفَرُ التَّرْكَ عَلَى الْغَلَطِ، وَكَمَا يُشْتَرَطُ التَّحْدِيدُ فِي الدَّعْوَى يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ. وَأَمَّا الثَّانِي

أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي هُوَ الصَّحِيحُ نَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمُوَاضَعَةِ إذْ الْعَقَارُ عَسَاهُ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا بُدَّ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ فِي يَدِهِ، وَفِي الْعَقَارِ لَا يُكْتَفَى بِذِكْرِ الْمُدَّعِي وَتَصْدِيقِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي يَدِهِ، بَلْ لَا تَثْبُتُ الْيَدُ فِيهِ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ بِأَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُمْ عَايَنُوا أَنَّهُ فِي يَدِهِ، حَتَّى لَوْ قَالُوا سَمِعْنَا ذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ، وَكَذَا فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ لَا بُدَّ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْيَدِ مِنْ ذَلِكَ أَوْ يَعْلَمُ الْقَاضِي أَنَّهُ فِي يَدِهِ نَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمُوَاضَعَةِ لِأَنَّ الْعَقَارَ قَدْ يَكُونُ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا وَهُمَا تَوَاضَعَا عَلَى أَنْ يُصَدِّقَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُدَّعِيَ بِأَنَّ الْعَقَارَ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِيَحْكُمَ الْقَاضِي بِالْيَدِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى يَتَصَرَّفَ فِيهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ

بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهِ مُشَاهَدَةٌ. وَقَوْلُهُ وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ حَقُّهُ فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ، وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَرْهُونًا فِي يَدِهِ أَوْ مَحْبُوسًا بِالثَّمَنِ فِي يَدِهِ، وَبِالْمُطَالَبَةِ يَزُولُ هَذَا الِاحْتِمَالُ، وَعَنْ هَذَا قَالُوا فِي الْمَنْقُولِ يَجِبُ أَنْ يَقُولَ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَانَ الْقَضَاءُ فِيهِ قَضَاءً بِالتَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْغَيْرِ وَذَلِكَ يُفْضِي إلَى نَقْضِ الْقَضَاءِ عِنْدَ ظُهُورِهِ فِي يَدِ ثَالِثٍ، بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ فَإِنَّ الْيَدَ فِيهِ مُشَاهَدَةٌ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ حَقُّهُ فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِ حَقِّهِ، وَفِي عِبَارَتِهِ تَسَامُحٌ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى تَقْدِيرٍ فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِ الْمُطَالَبَةِ فَتَأَمَّلْ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ فَكَانَ مَعْنَاهُ الْمُطَالَبُ حَقَّهُ فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ وَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَرْهُونًا فِي يَدِهِ أَوْ مَحْبُوسًا بِالثَّمَنِ فِي يَدِهِ، وَبِالْمُطَالَبَةِ تَزُولُ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتُ وَعَنْ هَذَا: أَيْ بِسَبَبِ هَذَا الِاحْتِمَالِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ الْمَشَايِخُ فِي الْمَنْقُولِ: يَجِبُ أَنْ يَقُولَ وَهُوَ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، لِأَنَّ الْعَيْنَ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ بِحَقٍّ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ حَقًّا فِي الذِّمَّةِ ذَكَرَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ لِمَا قُلْنَا: يَعْنِي قَوْلَهُ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ حَقُّهُ فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ صَاحِبَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالذِّمَّةِ قَدْ حَضَرَ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْمُطَالَبَةُ، لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ تَعْرِيفِهِ بِالْوَصْفِ بِأَنْ قَالَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً، فَإِنْ كَانَ مَضْرُوبًا يَقُولُ كَذَا كَذَا دِينَارًا أَوْ دِرْهَمًا جَيِّدٌ أَوْ رَدِيءٌ أَوْ وَسَطٌ إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدٌ وَاحِدٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ.

قَالَ (وَإِنْ كَانَ حَقًّا فِي الذِّمَّةِ ذُكِرَ أَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ) لِمَا قُلْنَا، وَهَذَا لِأَنَّ صَاحِبَ الذِّمَّةِ قَدْ حَضَرَ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْمُطَالَبَةُ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ تَعْرِيفِهِ بِالْوَصْفِ لِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِهِ قَالَ (وَإِذَا صَحَّتْ الدَّعْوَى سَأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْهَا) لِيَنْكَشِفَ لَهُ وَجْهُ الْحُكْمِ (فَإِنْ اعْتَرَفَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبِالْجُمْلَةِ: لَا بُدَّ فِي كُلِّ جِنْسٍ مِنْ الْإِعْلَامِ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُ بِهِ التَّعْرِيفُ. قَالَ (وَإِذَا صَحَّتْ الدَّعْوَى إلَخْ) إذَا صَحَّتْ الدَّعْوَى بِشُرُوطِهَا سَأَلَ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْهَا لِيَنْكَشِفَ لَهُ وَجْهُ الْحُكْمِ، فَإِنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرًا بِالْخُرُوجِ عَمَّا لَزِمَهُ بِالْحُجَّةِ،

لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مُوجِبٌ بِنَفْسِهِ فَيَأْمُرُهُ بِالْخُرُوجِ عَنْهُ (وَإِنْ أَنْكَرَ سَأَلَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " أَلَك بَيِّنَةٌ؟ فَقَالَ لَا، فَقَالَ: لَك يَمِينُهُ " سَأَلَ وَرَتَّبَ الْيَمِينَ عَلَى فَقْدِ الْبَيِّنَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ السُّؤَالِ لِيُمْكِنَهُ الِاسْتِحْلَافُ . قَالَ (فَإِنْ أَحْضَرَهَا قُضِيَ بِهَا) لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ عَنْهَا (وَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ وَطَلَبَ يَمِينَ خَصْمِهِ) اسْتَحْلَفَهُ (عَلَيْهَا) لِمَا رَوَيْنَا، وَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ كَيْفَ أُضِيفَ إلَيْهِ بِحَرْفِ اللَّامِ فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ يَصِيرُ مَا هُوَ بِعَرَبِيَّةٍ أَنْ يَصِيرَ حُجَّةً حُجَّةً، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَعْتَرِفَ بِمَا ادَّعَاهُ أَوْ يُنْكِرَ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَالْحُكْمُ فِيهِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِأَنْ يَخْرُجَ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ بِنَفْسِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي لِكَمَالِ وِلَايَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ، فَكَانَ الْحُكْمُ مِنْ الْقَاضِي أَمْرًا بِالْخُرُوجِ عَلَى مُوجِبِ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَلِهَذَا قَالُوا: إطْلَاقُ الْحُكْمِ تَوَسُّعٌ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَالْحُكْمُ فِيهِ أَنْ يَجْعَلَ الْقَاضِي الشَّهَادَةَ الْمُحْتَمِلَةَ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ الَّتِي هِيَ بِعَرْضِيَّةٍ أَنْ تَصِيرَ حُجَّةً إذَا قَضَى الْقَاضِي بِهَا حُجَّةً فِي حَقِّ الْعَمَلِ مُسْقِطًا احْتِمَالَ الْكَذِبِ فِيهَا، فَإِذًا لَا بُدَّ مِنْ السُّؤَالِ لِيَنْكَشِفَ لَهُ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ؛ فَإِذَا سَأَلَ، فَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِ أَمَرَهُ بِالْخُرُوجِ عَنْهُ، وَإِنْ أَنْكَرَ سَأَلَ الْمُدَّعِيَ الْبَيِّنَةَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَك بَيِّنَةٌ؟ فَقَالَ لَا، فَقَالَ: لَك يَمِينُهُ» سَأَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَتَّبَ الْيَمِينَ عَلَى فَقْدِ الْبَيِّنَةِ، فَإِنْ أَحْضَرَهَا قَضَى بِهَا لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ عَنْ الدَّعْوَى لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الصِّدْقِ عَلَى الْكَذِبِ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا وَطَلَبَ يَمِينَ خَصْمِهِ اسْتَحْلَفَهُ عَلَيْهَا لِمَا رَوَيْنَا، يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَك يَمِينُهُ» وَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ الِاسْتِحْلَافَ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQكَيْفَ أُضِيفَ إلَيْهِ بِحَرْفِ اللَّامِ فِي قَوْلِهِ " لَك يَمِينُهُ ". قِيلَ إنَّمَا جَعَلَ يَمِينَ الْمُنْكِرِ حَقَّ الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ خَصْمَهُ أَتْوَى حَقَّهُ بِإِنْكَارِهِ، فَالشَّرْعُ جَعَلَ لَهُ حَقَّ اسْتِحْلَافِهِ، حَتَّى إذَا كَانَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمَ فَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ مُهْلِكَةٌ لِخَصْمِهِ فَيَكُونُ إتْوَاءً بِمُقَابَلَةِ إتْوَاءٍ وَهُوَ مَشْرُوعٌ كَالْقِصَاصِ، وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ بِخِلَافِ مَا زَعَمَ فَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَنَالُ الثَّوَابَ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى صَادِقًا، ثُمَّ إنَّمَا رَتَّبَ الْيَمِينَ عَلَى الْبَيِّنَةِ لَا عَلَى الْعَكْسِ لِأَنَّ نَفْسَ الدَّعْوَى لَيْسَتْ بِمُوجِبَةٍ اسْتِحْقَاقَ الْمُدَّعِي لِمَا ادَّعَاهُ، لِأَنَّ فِيهِ إسَاءَةَ الظَّنِّ بِالْآخَرِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، فَوَجَبَ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمُدَّعِي لِإِثْبَاتِ اسْتِحْقَاقِهِ بِهَا فَيُطَالِبُهُ الْقَاضِي بِذَلِكَ لَا عَلَى وَجْهِ الْإِلْزَامِ عَلَيْهِ بَلْ عَلَى وَجْهِ التَّذْكِيرِ لَهُ، فَلَوْ قَدَّمْنَا الْيَمِينَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَظَرٌ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ، إذْ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ مَشْرُوعَةٌ بَعْدَ الْيَمِينِ، فَمِنْ الْجَائِزِ إقَامَتُهَا بَعْدَهَا، وَفِي ذَلِكَ افْتِضَاحُهُ بِالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ.

[باب اليمين]

(بَابُ الْيَمِينِ) (وَإِذَا قَالَ الْمُدَّعِي لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ وَطَلَبَ الْيَمِينَ لَمْ يُسْتَحْلَفْ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، مَعْنَاهُ حَاضِرَةٌ فِي الْمِصْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْيَمِينِ] لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْخَصْمَ إذَا أَنْكَرَ الدَّعْوَى وَعَجَزَ الْمُدَّعِي عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَطَلَبَ الْيَمِينَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ الْأَحْكَامَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْيَمِينِ. قَالَ (وَإِذَا قَالَ الْمُدَّعِي لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ إلَخْ) إذَا قَالَ الْمُدَّعِي لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ فِي الْمِصْرِ وَطَلَبَ يَمِينَ خَصْمِهِ لَمْ يُسْتَحْلَفْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَسْتَحْلِفُ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ بِالْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَك يَمِينُهُ»

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُسْتَحْلَفُ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ بِالْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ، فَإِذَا طَالَبَهُ بِهِ يُجِيبُهُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ ثُبُوتَ الْحَقِّ فِي الْعَيْنِ مُرَتَّبٌ عَلَى الْعَجْزِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لِمَا رَوَيْنَا فَلَا يَكُونُ حَقُّهُ دُونَهُ، كَمَا إذَا كَانَتْ الْبَيِّنَةُ حَاضِرَةً فِي الْمَجْلِسِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِذَا طَالَبَهُ بِهِ يُجِيبُهُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ ثُبُوتَ الْحَقِّ فِي الْيَمِينِ مُرَتَّبٌ عَلَى الْعَجْزِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ «قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْمُدَّعِي أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ فَقَالَ لَا، فَقَالَ: لَك يَمِينُهُ» فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَكَرَ الْيَمِينَ بَعْدَمَا عَجَزَ الْمُدَّعِي عَنْ الْبَيِّنَةِ

وَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِيمَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ، وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ. قَالَ (وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» قَسَمَ وَالْقِسْمَةُ تُنَافِي الشَّرِكَةَ، وَجَعَلَ جِنْسَ الْأَيْمَانِ عَلَى الْمُنْكِرِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا يَكُونُ حَقُّهُ دُونَهُ كَمَا إذَا كَانَتْ الْبَيِّنَةُ حَاضِرَةً فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ، وَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ، وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ، وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَمَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فَجَعَلَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ، وَالْقِسْمَةُ تُنَافِي الشَّرِكَةَ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي عَدَمَ التَّمْيِيزِ وَالْقِسْمَةُ تَقْتَضِيهِ (قَوْلُهُ وَجَعَلَ جِنْسَ الْأَيْمَانِ عَلَى الْمُنْكِرِينَ فِي قَوْلِهِ

وَلَيْسَ وَرَاءَ الْجِنْسِ شَيْءٌ، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ (وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَالْيَمِينُ عَلَى مَا أَنْكَرَ» وَلَيْسَ وَرَاءَ الْجِنْسِ شَيْءٌ) اسْتِدْلَالٌ آخَرُ بِالْحَدِيثِ، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ وَسَيَأْتِي. قَالَ (وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ إلَخْ) وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لِأَنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ لِمَا رَوَيْنَا، وَقَيَّدَ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ احْتِرَازًا عَنْ الْمُقَيَّدِ بِدَعْوَى النِّتَاجِ، وَعَنْ الْمُقَيَّدِ بِمَا إذَا ادَّعَيَا تَلَقِّيَ الْمِلْكِ مِنْ وَاحِدٍ وَأَحَدُهُمَا قَابِضٌ، وَبِمَا إذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ اثْنَيْنِ وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقُ فَإِنَّ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ تُقْبَلُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ بِالْإِجْمَاعِ. فَإِنْ قِيلَ: أَمَا انْتَقَضَ مُقْتَضَى الْقِسْمَةِ حَيْثُ قُبِلَتْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ وَهُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ. قُلْت: نَعَمْ لِأَنَّ قَبُولَهَا مِنْ حَيْثُ مَا ادَّعَى مِنْ الزِّيَادَةِ مِنْ النِّتَاجِ وَالْقَبْضِ وَسَبْقِ التَّارِيخِ فَهُوَ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ مُدَّعٍ وَالْبَيِّنَةُ لِلْمُدَّعِي. فَإِنْ قُلْت: فَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْخَارِجِ الْيَمِينُ لِكَوْنِهِ إذْ ذَاكَ مُدَّعًى عَلَيْهِ قُلْت لَا، لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تَجِبُ عِنْدَ عَجْزِ الْمُدَّعِي عَنْ الْبَيِّنَةِ وَهَاهُنَا لَمْ يَعْجِزْ، وَإِذَا تَعَارَضَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ وَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ فِي الْمِلْكِ.

وَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُطْلَقِ فَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى لِعَدَمِ زِيَادَةٍ يَصِيرُ بِهَا ذُو الْيَدِ مُدَّعِيًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقْضَى بِبَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ لِأَنَّهَا اعْتَضَدَتْ بِالْيَدِ وَالْمُعْتَمَدُ أَقْوَى، فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَامَاهَا عَلَى نِتَاجِ دَابَّةٍ وَهِيَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، أَوْ أَقَامَاهَا عَلَى نِكَاحٍ وَلِأَحَدِهِمَا يَدٌ، فَإِنَّهُ يُقْضَى لِذِي الْيَدِ، وَصَارَ كَدَعْوَى الْمِلْكِ مَعَ الْإِعْتَاقِ بِأَنْ يَكُونَ عَبْدٌ فِي يَدِ رَجُلٍ أَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَعْتَقَهُ، وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَهُوَ يَمْلِكُهُ، فَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ عَلَى الْعِتْقِ، وَكَذَلِكَ فِي دَعْوَى الِاسْتِيلَادِ وَالتَّدْبِيرِ. وَلَنَا أَنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ أَكْثَرُ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقْضَى بِبَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ لِاعْتِضَادِهَا بِالْيَدِ فَيَتَقَوَّى الظُّهُورُ وَصَارَ كَالنِّتَاجِ وَالنِّكَاحِ وَدَعْوَى الْمِلْكِ مَعَ الْإِعْتَاقِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالتَّدْبِيرِ. وَلَنَا أَنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ أَكْثَرُ إثْبَاتًا أَوْ إظْهَارًا لِأَنَّ قَدْرَ مَا أَثْبَتَهُ الْيَدُ لَا يُثْبِتُهُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ، إذْ الْيَدُ دَلِيلُ مُطْلَقِ الْمِلْكِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQإثْبَاتًا: يَعْنِي فِي عِلْمِ الْقَاضِي، أَوْ إظْهَارًا: يَعْنِي فِي الْوَاقِعِ، فَإِنَّ بَيِّنَتَهُ تُظْهِرُ مَا كَانَ ثَابِتًا فِي الْوَاقِعِ لِأَنَّ قَدْرَ مَا أَثْبَتَتْهُ الْيَدُ لَا تُثْبِتُهُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ، لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ مُطْلَقِ الْمِلْكِ فَبَيِّنَتُهُ لَا تُثْبِتُهُ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ، بِخِلَافِ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ فَإِنَّهَا تُثْبِتُ الْمِلْكَ أَوْ تُظْهِرُهُ، وَمَا هُوَ أَكْثَرُ إثْبَاتًا فِي الْبَيِّنَاتِ فَهُوَ أَوْلَى لِتَوَفُّرِ مَا شُرِعَتْ الْبَيِّنَاتُ لِأَجْلِهِ فِيهِ. فَإِنْ قِيلَ: بَيِّنَةُ الْخَارِجِ تُزِيلُ مَا أَثْبَتَهُ بِالْيَدِ مِنْ الْمِلْكِ فَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ تُفِيدُ الْمِلْكَ وَلَا يَلْزَمُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ. أُجِيبَ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُوجِبَةً بِنَفْسِهَا حَتَّى تُزِيلَ مَا ثَبَتَ بِالْيَدِ، وَإِنَّمَا تَصِيرُ مُوجِبَةً عِنْدَ اتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا كَمَا تَقَدَّمَ، فَقَبْلَهُ يَكُونُ الْمِلْكُ ثَابِتًا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِثْبَاتُ الثَّابِتِ لَا يُتَصَوَّرُ فَلَا تَكُونُ بَيِّنَتُهُ مُثْبِتَةً بَلْ مُؤَكِّدَةً لِمِلْكٍ ثَابِتٍ، وَالتَّأْسِيسُ أَوْلَى مِنْ التَّأْكِيدِ، بِخِلَافِ النِّتَاجِ وَالنِّكَاحِ، لِأَنَّ الْيَدَ لَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَكَانَتْ الْبَيِّنَةُ مُثْبِتَةً لَا مُؤَكِّدَةً، فَكَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ لِلْإِثْبَاتِ فَتُرَجَّحُ إحْدَاهُمَا بِالْيَدِ. فَإِنْ قِيلَ: كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ تَكُونَ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى لِكَوْنِهَا أَكْثَرَ

بِخِلَافِ النِّتَاجِ لِأَنَّ الْيَدَ لَا تَدُلُّ عَلَيْهِ، وَكَذَا عَلَى الْإِعْتَاقِ وَأُخْتَيْهِ وَعَلَى الْوَلَاءِ الثَّابِتِ بِهَا . قَالَ (وَإِذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ وَأَلْزَمَهُ مَا ادَّعَى عَلَيْهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُقْضَى بِهِ بَلْ يَرُدُّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي، فَإِذَا حَلَفَ يَقْضِي بِهِ لِأَنَّ النُّكُولَ يَحْتَمِلُ التَّوَرُّعَ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ وَالتَّرَفُّعَ عَنْ الصَّادِقَةِ وَاشْتِبَاهَ الْحَالِ فَلَا يَنْتَصِبُ حُجَّةً مَعَ الِاحْتِمَالِ، وَيَمِينُ الْمُدَّعِي دَلِيلُ الظُّهُورِ فَيُصَارُ إلَيْهِ. وَلَنَا أَنَّ النُّكُولَ دَلَّ عَلَى كَوْنِهِ بَاذِلًا أَوْ مُقِرًّا، إذْ لَوْلَا ذَلِكَ لَأَقْدَمَ عَلَى الْيَمِينِ إقَامَةً لِلْوَاجِبِ وَدَفْعًا ـــــــــــــــــــــــــــــQإثْبَاتًا لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْيَدَ وَالنِّتَاجَ، وَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ تُثْبِتُ النِّتَاجَ لَا غَيْرُ. أُجِيبَ بِأَنَّ بَيِّنَةَ النِّتَاجِ لَا تُوجِبُ إلَّا أَوَّلِيَّةَ الْمِلْكِ وَهُمَا تَسَاوَيَا فِي ذَلِكَ وَيَتَرَجَّحُ ذُو الْيَدِ بِالْيَدِ فَيُقْضَى لَهُ (قَوْلُهُ وَكَذَا عَلَى الْإِعْتَاقِ) أَيْ الْيَدُ لَا تَدُلُّ عَلَى الْإِعْتَاقِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالتَّدْبِيرِ، فَتَعَارَضَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ ثُمَّ تَرَجَّحَتْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ (قَوْلُهُ وَعَلَى الْوَلَاءِ الثَّابِتِ بِهَا) أَيْ بِالْإِعْتَاقِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالتَّدْبِيرِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ فِي الْإِعْتَاقِ وَأُخْتَيْهِ تَدُلَّانِ عَلَى الْوَلَاءِ، إذْ الْوَلَاءُ حَاصِلٌ لِلْعَبْدِ بِتَصَادُقِهِمَا وَهَا قَدْ اسْتَوَيَا فِي ذَلِكَ وَتَرَجَّحَ صَاحِبُ الْيَدِ بِحُكْمِ يَدِهِ (قَالَ: وَإِذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ إلَخْ) وَإِذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ قَضَى الْحَاكِمُ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ وَأَلْزَمَهُ مَا ادَّعَاهُ

لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ فَتَرَجَّحَ هَذَا الْجَانِبُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بَلْ تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي، فَإِنْ حَلَفَ قَضَى بِهِ، وَإِنْ نَكَلَ انْقَطَعَتْ الْمُنَازَعَةُ، لِأَنَّ نُكُولَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَحْتَمِلُ التَّوَرُّعَ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ وَالتَّرَفُّعَ عَنْ الصَّادِقَةِ وَيَحْتَمِلُ اشْتِبَاهَ الْحَالِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَنْتَصِبُ حُجَّةً، بِخِلَافِ يَمِينِ الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ دَلِيلُ الظُّهُورِ فَيُصَارُ إلَيْهِ. وَلَنَا أَنَّ النُّكُولَ دَلَّ عَلَى كَوْنِهِ بَاذِلًا إنْ كَانَ النُّكُولُ بَذْلًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، أَوْ مُقِرًّا إنْ كَانَ إقْرَارًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُمَا، إذْ لَوْلَا ذَلِكَ لَأَقْدَمَ عَلَى الْيَمِينِ إقَامَةً لِلْوَاجِبِ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَكَلِمَةُ عَلَى لِلْوُجُوبِ، وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ فَتَرَجَّحَ هَذَا الْجَانِبُ: أَيْ جَانِبُ كَوْنِهِ بَاذِلًا إنْ تَرَفَّعَ، أَوْ مُقِرًّا إنْ تَوَرَّعَ، لِأَنَّ التَّرَفُّعَ أَوْ التَّوَرُّعَ إنَّمَا يَحِلُّ إذَا لَمْ يُفْضِ إلَى الضَّرَرِ بِالْغَيْرِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْإِلْزَامَ بِالنُّكُولِ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] فَالْقَضَاءُ بِالنُّكُولِ يُخَالِفُهُ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَلَمْ يَذْكُرْ النُّكُولَ وَالْيَمِينَ فِي جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الِابْتِدَاءِ لِكَوْنِ الظَّاهِرِ شَاهِدًا لَهُ، وَبِنُكُولِهِ صَارَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلْمُدَّعِي فَتَعُودُ الْيَمِينُ إلَى جَانِبِ الْمُدَّعِي، وَلِهَذَا بَدَأْنَا فِي اللِّعَانِ بِالْأَيْمَانِ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ لِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُلَوِّثُ فِرَاشَهُ كَاذِبًا وَإِنْ كَانَ مُدَّعِيًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ لَيْسَ فِيهِمَا مَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْقَضَاءِ بِالنُّكُولِ، لِأَنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ، وَالْإِجْمَاعُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ حَلَّفَ الْمُدَّعِيَ بَعْدَ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ. رُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّ الْمُنْكِرَ طَلَبَ مِنْهُ رَدَّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي، فَقَالَ: لَيْسَ لَك إلَيْهِ سَبِيلٌ، وَقُضِيَ بِالنُّكُولِ بَيْنَ يَدَيْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: قالون، وَهُوَ بِلُغَةِ أَهْلِ الرُّومِ أَصَبْت.

وَلَا وَجْهَ لِرَدِّ الْيَمِينِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِذَا ثَبَتَ الْإِجْمَاعُ بَطَلَ الْقِيَاسُ، عَلَى أَنَّ اللِّعَانَ عِنْدَنَا شَهَادَاتٌ مُؤَكَّدَاتٌ بِالْأَيْمَانِ مَقْرُونَةٌ بِاللَّعْنِ قَائِمَةٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ، فَكَانَ مَعْنَى الْيَمِينِ فِيهَا غَيْرَ مَقْصُودٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النُّكُولُ لِاشْتِبَاهِ الْحَالِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي الِاسْتِمْهَالَ مِنْ الْقَاضِي لِيَنْكَشِفَ الْحَالُ

عَلَى الْمُدَّعِي لِمَا قَدَّمْنَاهُ. قَالَ (وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ لَهُ إنِّي أَعْرِضُ عَلَيْك الْيَمِينَ ثَلَاثًا، فَإِنْ حَلَفْت وَإِلَّا قَضَيْت عَلَيْك بِمَا ادَّعَاهُ) وَهَذَا الْإِنْذَارُ لِإِعْلَامِهِ بِالْحُكْمِ إذْ هُوَ مَوْضِعُ الْخَفَاءِ . قَالَ (فَإِذَا كَرَّرَ الْعَرْضَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ) وَهَذَا التَّكْرَارُ ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِزِيَادَةِ الِاحْتِيَاطِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي إبْلَاءِ الْعُذْرِ، فَأَمَّا الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَوْ قُضِيَ بِالنُّكُولِ بَعْدَ الْعَرْضِ مَرَّةً جَازَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ هُوَ الصَّحِيحُ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا رَدُّ الْيَمِينِ، فَإِنَّ رَدَّ الْيَمِينِ لَا وَجْهَ لَهُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي قَوْلِهِ وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي (قَالَ: وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ لَهُ إلَخْ) وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنِّي أَعْرِضُ عَلَيْك الْيَمِينَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِنْ حَلَفْت وَإِلَّا قَضَيْت عَلَيْك بِمَا ادَّعَاهُ، لِأَنَّ الْإِنْذَارَ لِإِعْلَامِهِ بِالْحُكْمِ، إذْ هُوَ مَوْضِعُ الْخَفَاءِ لِعَدَمِ دَلَالَةِ نَصٍّ عَلَى ذَلِكَ فَيَجُوزُ أَنْ يَلْتَبِسَ عَلَيْهِ مَا يَلْزَمُهُ بِالنُّكُولِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِمْ لِكَوْنِهِ مُجْتَهِدًا فِيهِ، فَإِنَّ لِلشَّافِعِيِّ خِلَافًا فِيهِ لِمَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ. ثُمَّ الْعَرْضُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَوْلَى لَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَوَازِ الْقَضَاءِ بِالنُّكُولِ، بَلْ الْمَذْهَبُ فِيهِ أَنَّهُ لَوْ قَضَى بِهِ بَعْدَ مَرَّةٍ جَازَ لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ النُّكُولَ بَذْلٌ أَوْ إقْرَارٌ وَلَيْسَ التَّكْرَارُ بِشَرْطٍ فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا. وَالْخَصَّافُ ذَكَرَهُ لِزِيَادَةِ الِاحْتِيَاطِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي إبْلَاءِ الْأَعْذَارِ فَصَارَ كَإِمْهَالِ الْمُرْتَدِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ أَوْلَى، وَإِنْ قُتِلَ بِغَيْرِ إمْهَالٍ جَازَ لِأَنَّ الْكُفْرَ مُبِيحٌ (وَقَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ لَوْ قَضَى بِالنُّكُولِ مَرَّةً وَاحِدَةً لَا يَنْفُذُ لِأَنَّهُ أَضْعَفُ مِنْ الْبَذْلِ وَالْإِقْرَارِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ التَّكْرَارُ، وَصُورَةُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الْقَاضِي احْلِفْ بِاَللَّهِ مَا لِهَذَا عَلَيْك مَا يَدَّعِيهِ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا وَلَا شَيْءَ مِنْهُ، فَإِنْ

ثُمَّ النُّكُولُ قَدْ يَكُونُ حَقِيقِيًّا كَقَوْلِهِ لَا أَحْلِفُ، وَقَدْ يَكُونُ حُكْمِيًّا بِأَنْ يَسْكُتَ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْأَوَّلِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا آفَةَ بِهِ مِنْ طَرَشٍ أَوْ خَرَسٍ هُوَ الصَّحِيحُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQنَكَلَ يَقُولُ لَهُ ذَلِكَ ثَانِيًا: فَإِنْ نَكَلَ يَقُولُ لَهُ بَقِيَتْ الثَّالِثَةُ ثُمَّ أَقْضِي عَلَيْك إنْ لَمْ تَحْلِفْ، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ ثَالِثًا فَإِنْ نَكَلَ قَضَى عَلَيْهِ بِدَعْوَى الْمُدَّعِي (قَالَ: وَإِذَا كَانَ الدَّعْوَى نِكَاحًا إلَخْ) ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى امْرَأَةٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَأَنْكَرَتْ أَوْ بِالْعَكْسِ، أَوْ ادَّعَى بَعْدَ الطَّلَاقِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَنَّهُ رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ وَأَنْكَرَتْ أَوْ بِالْعَكْسِ، أَوْ ادَّعَى بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ أَنَّهُ فَاءَ إلَيْهَا فِي الْمُدَّةِ وَأَنْكَرَتْ أَوْ بِالْعَكْسِ، أَوْ ادَّعَى عَلَى مَجْهُولٍ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَوْ ادَّعَى الْمَجْهُولُ ذَلِكَ أَوْ اخْتَصَمَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ أَوْ الْمُوَالَاةِ، أَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ وَلَدُهُ أَوْ وَالِدُهُ، أَوْ ادَّعَتْ عَلَى مَوْلَاهَا أَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا مِنْ جَانِبِ الْأَمَةِ، لِأَنَّ الْمَوْلَى إذَا ادَّعَى ذَلِكَ ثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ بِإِقْرَارِهِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهَا، أَوْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ قَذَفَهَا بِمَا يُوجِبُ اللِّعَانَ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ، أَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَأَنْكَرَهُ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ فِي هَذِهِ كُلِّهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: يُسْتَحْلَفُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَإِذَا نَكَلَ يُقْضَى بِالنُّكُولِ إلَّا فِي الْحُدُودِ وَاللِّعَانِ. لَهُمَا أَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ كَاذِبًا فِي الْإِنْكَارِ السَّابِقِ

قَالَ (وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى نِكَاحًا لَمْ يُسْتَحْلَفْ الْمُنْكِرُ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَا يُسْتَحْلَفُ عِنْدَهُ فِي النِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ وَالْفَيْءِ فِي الْإِيلَاءِ وَالرِّقِّ وَالِاسْتِيلَادِ وَالنَّسَبِ وَالْوَلَاءِ وَالْحُدُودِ وَاللِّعَانِ. وَقَالَا: يُسْتَحْلَفُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا فِي الْحُدُودِ وَاللِّعَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَا قَدَّمْنَاهُ: يَعْنِي قَوْلَهُ إذْ لَوْلَا ذَلِكَ لَأَقْدَمَ عَلَى الْيَمِينِ إقَامَةً لِلْوَاجِبِ وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ، فَإِنَّ فِيهِ تَحْصِيلَ الثَّوَابِ بِإِجْرَاءِ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ عَلَى لِسَانِهِ مُعَظِّمًا لَهُ وَدَفْعَ تُهْمَةِ الْكَذِبِ عَنْ نَفْسِهِ وَإِبْقَاءَ مَالِهِ عَلَى مِلْكِهِ، فَلَوْلَا هُوَ كَاذِبٌ فِي يَمِينِهِ لَمَا تَرَكَ هَذِهِ الْفَوَائِدَ الثَّلَاثَ، وَالْإِقْرَارُ يَجْرِي فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَيَعْمَلُ بِالنُّكُولِ فِيهَا إلَّا أَنَّهُ إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةٌ لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ سُكُوتٌ فَكَانَ حُجَّةً فِيمَا لَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ فَلَا يَجْرِي فِي الْحُدُودِ وَاللِّعَانِ فِي مَعْنَى الْحُدُودِ فَلَا يَجْرِي فِيهِ أَيْضًا، وَعَلَيْهِ نُقُوضٌ إجْمَالِيَّةٌ الْأَوَّلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ: رَجُلٌ اشْتَرَى نِصْفَ عَبْدٍ ثُمَّ اشْتَرَى النِّصْفَ الْبَاقِيَ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَخَاصَمَهُ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَرَدَّ عَلَيْهِ ثُمَّ خَاصَمَهُ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي فَأَنْكَرَ لَمْ يَلْزَمْهُ وَيَسْتَحْلِفُ، وَلَوْ كَانَ النُّكُولُ إقْرَارًا لَزِمَهُ النِّصْفُ الْآخَرُ بِنُكُولِهِ

وَصُورَةُ الِاسْتِيلَادِ أَنْ تَقُولَ الْجَارِيَةُ أَنَا أُمُّ وَلَدٍ لِمَوْلَايَ وَهَذَا ابْنِي مِنْهُ وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى، لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْمَوْلَى ثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ بِإِقْرَارِهِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهَا. لَهُمَا أَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ كَاذِبًا فِي الْإِنْكَارِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، إذْ لَوْلَا ذَلِكَ لَأَقْدَمَ عَلَى الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ إقَامَةً لِلْوَاجِبِ فَكَانَ إقْرَارًا أَوْ بَدَلًا عَنْهُ، وَالْإِقْرَارُ يَجْرِي فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَكِنَّهُ إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةٌ، وَالْحُدُودُ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَاللِّعَانُ فِي مَعْنَى الْحَدِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْمَرَّةِ الْأُولَى كَمَا لَوْ أَقَرَّ فِي تِلْكَ الْمَرَّةِ. الثَّانِي: الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ عَيْبًا فِي الْمَبِيعِ وَاسْتُحْلِفَ فَنَكَلَ لَزِمَ الْمُوَكِّلَ، وَلَوْ كَانَ إقْرَارًا لَزِمَ الْوَكِيلَ. الثَّالِثُ: مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ تَكَلَّفْت لَك بِمَا يُقِرُّ لَك بِهِ فُلَانٌ فَادَّعَى الْمَكْفُولُ لَهُ عَلَى فُلَانٍ مَالًا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَأَنْكَرَ وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَقَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ لَا يُقْضَى بِهِ عَلَى الْكَفِيلِ، وَلَوْ كَانَ النُّكُولُ إقْرَارًا لَقُضِيَ بِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ النُّكُولَ إمَّا إقْرَارٌ أَوْ بَدَلٌ مِنْهُ فَوْجُهُ الْإِقْرَارِ مَا تَقَدَّمَ. وَوَجْهُ كَوْنِهِ بَدَلًا أَنَّ الْمُدَّعِيَ يَسْتَحِقُّ بِدَعْوَاهُ جَوَابًا يَفْصِلُ الْخُصُومَةَ، وَذَلِكَ بِالْإِقْرَارِ أَوْ الْإِنْكَارِ فَإِنْ أَقَرَّ فَقَدْ انْقَطَعَتْ، وَإِنْ أَنْكَرَ لَمْ تَنْقَطِعْ إلَّا بِيَمِينٍ، فَإِذَا نَكَلَ كَانَ بَدَلًا عَنْ الْإِقْرَارِ بِقَطْعِ الْخُصُومَةِ، فَالنُّقُوضُ الْمَذْكُورَة إنْ وَرَدَتْ عَلَى اعْتِبَارِ كَوْنِهِ إقْرَارًا لَا تُرَدُّ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ بَدَلًا مِنْهُ، وَمِثْلُ هَذَا يُسَمَّى فِي عِلْمِ النَّظَرِ تَغْيِيرُ الْمُدَّعِي. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النُّكُولَ بَذْلٌ وَهُوَ قَطْعُ الْخُصُومَةِ بِدَفْعِ مَا يَدَّعِيهِ الْخَصْمُ، لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا تَبْقَى وَاجِبَةً مَعَ النُّكُولِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ إمَّا بَذْلٌ أَوْ إقْرَارٌ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ، لَكِنَّ إنْزَالَهُ بَاذِلًا أَوْلَى كَيْ لَا يَصِيرَ كَاذِبًا فِي الْإِنْكَارِ السَّابِقِ، وَالْبَذْلُ لَا يَجْرِي

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ بَذْلٌ لِأَنَّ مَعَهُ لَا تَبْقَى الْيَمِينُ وَاجِبَةً لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَإِنْزَالُهُ بَاذِلًا أَوْلَى كَيْ لَا يَصِيرَ كَاذِبًا فِي الْإِنْكَارِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، فَإِنَّهُ إذَا قَالَ مَثَلًا أَنَا حُرٌّ وَهَذَا الرَّجُلُ يُؤْذِينِي فَدَفَعْت إلَيْهِ نَفْسِي أَنْ يَسْتَرِقَّنِي، أَوْ قَالَ أَنَا ابْنُ فُلَانٍ وَلَكِنْ أَبَحْت لِهَذَا أَنْ يَدَّعِيَ نَسَبِي، أَوْ قَالَتْ أَنَا لَسْت بِامْرَأَتِهِ لَكِنْ دَفَعْت إلَيْهِ نَفْسِي وَأَبَحْت لَهُ الْإِمْسَاكَ لَا يَصِحُّ. وَعَلَيْهِ نُقُوضٌ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَذْلًا لَمَا ضَمِنَ شَيْئًا آخَرَ إذَا اسْتَحَقَّ مَا أَدَّى بِقَضَاءٍ كَمَا لَوْ صَالَحَ عَنْ إنْكَارٍ وَاسْتَحَقَّ بَدَلَ الصُّلْحِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا، وَلَكِنَّ الْمُدَّعِيَ يَرْجِعُ إلَى الدَّعْوَى. الثَّانِي: لَوْ كَانَ بَذْلًا كَانَ إيجَابًا فِي الذِّمَّةِ ابْتِدَاءً وَهُوَ لَا يَصِحُّ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْحُكْمَ وَاجِبٌ عَلَى الْحَاكِمِ بِالنُّكُولِ وَالْبَذْلُ لَا يَجِبُ بِهِ الْحُكْمُ فَلَمْ يَكُنْ النُّكُولُ بَذْلًا. الرَّابِعُ أَنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، وَلَوْ كَانَ بَذْلًا

وَالْبَذْلُ لَا يَجْرِي فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ. وَفَائِدَةُ الِاسْتِحْلَافِ الْقَضَاءُ بِالنُّكُولِ فَلَا يُسْتَحْلَفُ، إلَّا أَنَّ هَذَا بَذْلٌ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ فَيَمْلِكُهُ الْمُكَاتَبُ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ بِمَنْزِلَةِ الضِّيَافَةِ الْيَسِيرَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمَا قُضِيَ لِأَنَّ بَذْلَهُ بَاطِلٌ. الْخَامِسُ يُقْضَى بِالْقِصَاصِ فِي الْأَطْرَافِ بِالنُّكُولِ، وَلَوْ كَانَ بَذْلًا لَمَا قُضِيَ لِأَنَّ الْبَذْلَ لَا يُتَحَمَّلُ فِيهَا. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ بَدَلَ الصُّلْحِ وَجَبَ بِالْعَقْدِ، فَإِذَا اُسْتُحِقَّ بَطَلَ الْعَقْدُ فَعَادَ الْحُكْمُ إلَى الْأَصْلِ وَهُوَ الدَّعْوَى، فَأَمَّا هَاهُنَا فَالْمُدَّعِي يَقُولُ أَنَا آخُذُ هَذَا بِإِزَاءِ مَا وَجَبَ لِي فِي ذِمَّتِهِ بِالْقَضَاءِ فَإِذَا اسْتَحَقَّ رَجَعْت بِمَا فِي الذِّمَّةِ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ عَدَمَ الصِّحَّةِ مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ صَحِيحٌ كَمَا فِي الْحَوَالَاتِ وَسَائِرِ الْمُدَايَنَاتِ. وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَجِبُ بِالْبَدَلِ الصَّرِيحِ، وَأَمَّا مَا كَانَ بَذْلًا بِحُكْمِ الشَّرْعِ كَالنُّكُولِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يُوجِبُهُ بَلْ هُوَ مُوجَبٌ قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ. وَعَنْ الرَّابِعِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ صِحَّةِ الْبَذْلِ مِنْ الْمَأْذُونِ بِمَا دَخَلَ تَحْتَ الْإِذْنِ كَإِهْدَاءِ الْمَأْكُولِ وَالْإِعَارَةِ وَالضِّيَافَةِ الْيَسِيرَةِ وَنَحْوِهَا. وَعَنْ الْخَامِسِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْبَذْلَ فِيهَا غَيْرُ عَامِلٍ، بَلْ هُوَ عَامِلٌ إذَا كَانَ مُفِيدًا، نَحْوُ أَنْ يَقُولَ اقْطَعْ يَدِي وَبِهَا آكِلَةٌ لَمْ يَأْثَمْ بِقَطْعِهَا، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ النُّكُولُ مُفِيدٌ لِأَنَّهُ يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ الْيَمِينِ، وَلَهُ وِلَايَةُ الِاحْتِرَازِ عَنْ الْيَمِينِ. لَا يُقَالُ: أَبُو حَنِيفَةَ تَرَكَ الْحَدِيثَ الْمَشْهُورَ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» بِالرَّأْيِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَمْ يَنْفِ وُجُوبَ الْيَمِينِ فِيهَا، لَكِنَّهُ يَقُولُ: لَمَّا لَمْ يُفِدْ الْيَمِينُ فَائِدَتَهَا وَهُوَ الْقَضَاءُ بِالنُّكُولِ لِكَوْنِهِ بَذْلًا لَا يَجْرِي فِيهَا سَقَطَتْ كَسُقُوطِ الْوُجُوبِ عَنْ مَعْذُورٍ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ (قَوْلُهُ وَفَائِدَةُ الِاسْتِحْلَافِ) يَعْنِي أَنَّ الْبَذْلَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَا يَجْرِي فَفَاتَ فَائِدَةُ الِاسْتِحْلَافِ، لِأَنَّ فَائِدَتَهُ الْقَضَاءُ بِالنُّكُولِ وَالنُّكُولُ بَذْلٌ وَالْبَذْلُ فِيهَا لَا يَجْرِي فَلَا يُسْتَحْلَفُ فِيهَا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّ هَذَا بَذْلٌ) جَوَابُ سُؤَالٍ تَقْرِيرُهُ لَوْ كَانَ بَذْلًا لَمَا مَلَكَهُ الْمُكَاتَبُ، وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ

وَصِحَّتُهُ فِي الدَّيْنِ بِنَاءً عَلَى زَعْمِ الْمُدَّعِي وَهُوَ مَا يَقْبِضُهُ حَقًّا لِنَفْسِهِ، وَالْبَذْلُ مَعْنَاهُ هَاهُنَا تَرْكُ الْمَنْعِ وَأَمْرُ الْمَالِ هَيِّنٌ قَالَ (وَيُسْتَحْلَفُ السَّارِقُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى التَّبَرُّعِ وَهُمَا لَا يَمْلِكَانِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَهُ آنِفًا أَنَّهُمَا يَمْلِكَانِ مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ التِّجَارَةِ وَبَذْلُهُمَا بِالنُّكُولِ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَصِحَّتُهُ فِي الدَّيْنِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّهُ لَوْ كَانَ بَذْلًا لَمَا جَرَى فِي الدَّيْنِ لِأَنَّهُ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ وَالْبَذْلُ لَا يَجْرِي فِيهَا. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْبَذْلَ فِي الدَّيْنِ إنْ لَمْ يَصِحَّ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جِهَةِ الْقَابِضِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الدَّافِعِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَلَا مَانِعَ ثَمَّةَ لِأَنَّهُ يَقْبِضُهُ حَقًّا لِنَفْسِهِ بِنَاءً عَلَى زَعْمِهِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَالْمُرَادُ بِهِ هَاهُنَا أَيْ فِي الدَّيْنِ تَرْكُ الْمَنْعِ وَجَازَ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ الْمَنْعَ. فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا جُعِلَ فِي الْأَشْيَاءِ السَّبْعَةِ أَيْضًا تَرْكًا لِلْمَنْعِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهَا. أُجِيبَ بِأَنَّ أَمْرَ الْمَالِ هَيِّنٌ تَجْرِي فِيهِ الْإِبَاحَةُ، بِخِلَافِ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ فَإِنَّ أَمْرَهَا لَيْسَ بِهَيِّنٍ حَيْثُ لَا تَجْرِي فِيهَا الْإِبَاحَةُ، وَجَعْلُهُ هَاهُنَا تَرْكُ الْمَنْعِ، وَفِي قَوْلِهِ إلَّا أَنَّ هَذَا بَذْلٌ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ غَيْرِ التَّرْكِ وَفِي ذَلِكَ تَسَامُحٌ فِي الْعِبَارَةِ. وَاَلَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي مَطْلَعِ الْبَحْثِ مِنْ تَعْرِيفِهِ وَهُوَ قَوْلُنَا قَطْعُ الْخُصُومَةِ بِدَفْعِ مَا يَدَّعِيهِ الْخَصْمُ لَعَلَّهُ أَوْلَى. قَالَ (وَيُسْتَحْلَفُ السَّارِقُ إلَخْ) إذَا كَانَ مُرَادُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ أَخْذَ الْمَالِ يُسْتَحْلَفُ السَّارِقُ بِاَللَّهِ مَا لَهُ عَلَيْك هَذَا الْمَالُ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ

فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ وَلَمْ يُقْطَعْ) لِأَنَّ الْمَنُوطَ بِفِعْلِهِ شَيْئَانِ: الضَّمَانُ وَيَعْمَلُ فِيهِ النُّكُولُ. وَالْقَطْعُ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَ عَلَيْهَا رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ . قَالَ (وَإِذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ طَلَاقًا قَبْلَ الدُّخُولِ اُسْتُحْلِفَ الزَّوْجُ، فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ نِصْفَ الْمَهْرِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) لِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ يَجْرِي فِي الطَّلَاقِ عِنْدَهُمْ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْمَالُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ بِالنُّكُولِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: الْقَاضِي يَقُولُ لِلْمُدَّعِي مَاذَا تُرِيدُ؟ فَإِنْ قَالَ أُرِيدُ الْقَطْعَ يَقُولُ الْقَاضِي الْحُدُودُ لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهَا فَلَيْسَ لَك يَمِينٌ، وَإِنْ قَالَ أُرِيدُ الْمَالَ يَقُولُ لَهُ دَعْ دَعْوَى السَّرِقَةِ وَانْبَعِثْ عَلَى دَعْوَى الْمَالِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ وَلَمْ يَقْطَعْ لِأَنَّ الْمَنُوطَ بِفِعْلِهِ) يُرِيدُ بِهِ النُّكُولَ (شَيْئَانِ) : الضَّمَانُ وَيَعْمَلُ النُّكُولُ فِيهِ، وَالْقَطْعُ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَ عَلَيْهَا رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، يُرِيدُ بِذَلِكَ اشْتِمَالَ الْحُجَّةِ عَلَى الشُّبْهَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِقَوْلِهِ بِفِعْلِهِ فِعْلَ السَّرِقَةِ (وَإِذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ طَلَاقًا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا اُسْتُحْلِفَ الزَّوْجُ، فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ نِصْفَ الْمَهْرِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ يَجْرِي فِي الطَّلَاقِ عِنْدَهُمْ، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْمَالَ) فَإِنْ قُلْت: هَلْ فِي تَخْصِيصِ ذِكْرِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَائِدَةٌ؟ قُلْت: هِيَ تَعْلِيمُ أَنَّ دَعْوَى الْمَهْرِ لَا تَتَفَاوَتُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ فِي كُلِّ الْمَهْرِ أَوْ نِصْفٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يُغْنِي عَنْ ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِيهِ تَوَهُّمُ

وَكَذَا فِي النِّكَاحِ إذَا ادَّعَتْ هِيَ الصَّدَاقَ لِأَنَّ ذَلِكَ دَعْوَى الْمَالِ، ثُمَّ يَثْبُتُ الْمَالُ بِنُكُولِهِ وَلَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ، وَكَذَا فِي النَّسَبِ إذَا ادَّعَى حَقًّا كَالْإِرْثِ وَالْحِجْرِ فِي اللَّقِيطِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّقْيِيدِ بِذَلِكَ (وَكَذَا فِي النِّكَاحِ إذَا ادَّعَتْ الصَّدَاقَ لِأَنَّ ذَلِكَ دَعْوَى الْمَالِ ثُمَّ يَثْبُتُ الْمَالُ بِنُكُولِهِ وَلَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ) فَإِنْ قُلْت: وَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ النِّكَاحُ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ. قُلْت: الْبَذْلُ لَا يَجْرِي فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَكَذَا فِي النَّسَبِ إذَا ادَّعَى حَقًّا كَالْإِرْثِ) بِأَنْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَخُو الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَاتَ أَبُوهُمَا وَتَرَكَ مَالًا فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي فَرْضَ النَّفَقَةِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْأُخُوَّةِ فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ عَلَى النَّسَبِ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ يُقْضَى بِالْمَالِ وَالنَّفَقَةِ دُونَ النَّسَبِ (وَ) كَذَا إذَا ادَّعَى (الْحَجْرَ فِي اللَّقِيطِ) بِأَنْ كَانَ صَبِيًّا لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فِي يَدِ مُلْتَقِطٍ فَادَّعَتْ أُخُوَّتَهُ حُرَّةٌ تُرِيدُ قَصْرَ يَدِ الْمُلْتَقِطِ لِحَقِّ حَضَانَتِهَا وَأَرَادَتْ اسْتِحْلَافَهُ فَنَكَلَ يَثْبُتُ لَهَا الْحَجْرُ دُونَ النَّسَبِ، وَكَذَا إذَا وَهَبَ لِإِنْسَانٍ عَيْنًا ثُمَّ أَرَادَ الرُّجُوعَ فِيهَا فَقَالَ

وَالنَّفَقَةِ وَامْتِنَاعِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هَذِهِ الْحُقُوقُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَوْهُوبُ لَهُ أَنْتَ أَخِي يُرِيدُ بِذَلِكَ إبْطَالَ حَقِّ الرُّجُوعِ اسْتَحْلَفَ الْوَاهِبُ، فَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ امْتِنَاعُ الرُّجُوعِ وَلَا تَثْبُتُ الْأُخُوَّةُ قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هَذِهِ الْحُقُوقُ دَلِيلٌ لِلْمَجْمُوعِ: أَيْ دُونَ النَّسَبِ الْمُجَرَّدِ، فَإِنَّ فِيهِ تَحْمِيلَهُ عَلَى الْغَيْرِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ، وَلِهَذَا إنَّمَا يَسْتَحْلِفُ فِي النَّسَبِ الْمُجَرَّدِ عِنْدَهُمَا إذَا كَانَ يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ كَالْأَبِ وَالِابْنِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَالْأَبِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ دُونَ الِابْنِ، لِأَنَّ فِي دَعْوَاهَا الِابْنَ تَحْمِيلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ، وَأَمَّا الْمَوْلَى وَالزَّوْجُ فَإِنَّ دَعْوَاهُمَا تَصِحُّ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ إذْ لَيْسَ فِيهِ تَحْمِيلٌ عَلَى أَحَدٍ فَيُسْتَحْلَفُ،

وَإِنَّمَا يُسْتَحْلَفُ فِي النَّسَبِ الْمُجَرَّدِ عِنْدَهُمَا إذَا كَانَ يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ كَالْأَبِ وَالِابْنِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَالْأَبِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ، لِأَنَّ فِي دَعْوَاهَا الِابْنَ تَحْمِيلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ وَالْمَوْلَى وَالزَّوْجِ فِي حَقِّهِمَا. قَالَ (وَمَنْ ادَّعَى قِصَاصًا عَلَى غَيْرِهِ فَجَحَدَهُ اُسْتُحْلِفَ) بِالْإِجْمَاعِ (ثُمَّ إنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ يَلْزَمُهُ الْقِصَاصُ، وَإِنْ نَكَلَ فِي النَّفْسِ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يُقِرَّ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: لَزِمَهُ الْأَرْشُ فِيهِمَا لِأَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةٌ عِنْدَهُمَا فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْقِصَاصُ وَيَجِبُ بِهِ الْمَالُ، خُصُوصًا إذَا كَانَ امْتِنَاعُ الْقِصَاصِ لِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ مَنْ عَلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ النُّكُولَ بَدَلٌ مِنْ الْإِقْرَارِ فَلَا يَعْمَلُ إلَّا فِي مَوْضِعٍ يَعْمَلُ فِيهِ الْإِقْرَارُ. قَالَ (وَمَنْ ادَّعَى قِصَاصًا عَلَى غَيْرِهِ فَجَحَدَ إلَخْ) وَمَنْ ادَّعَى قِصَاصًا عَلَى غَيْرِهِ فَجَحَدَهُ وَلَيْسَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ يُسْتَحْلَفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ سَوَاءٌ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي النَّفْسِ أَوْ فِيمَا دُونَهَا، ثُمَّ إنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ الْقِصَاصُ، وَفِي النَّفْسِ يُحْبَسُ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا:

كَمَا إذَا أَقَرَّ بِالْخَطَأِ وَالْوَلِيُّ يَدَّعِي الْعَمْدَ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ فَيَجْرِي فِيهَا الْبَذْلُ، بِخِلَافِ الْأَنْفُسِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ اقْطَعْ يَدِي فَقَطَعَهَا لَا يَجِبُ الضَّمَانُ، وَهَذَا إعْمَالٌ لِلْبَذْلِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، وَهَذَا الْبَذْلُ مُفِيدٌ لِانْدِفَاعِ الْخُصُومَةِ بِهِ فَصَارَ كَقَطْعِ الْيَدِ لِلْآكِلَةِ وَقَلْعِ السِّنِّ لِلْوَجَعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَزِمَهُ الْأَرْشُ فِيهِمَا لِأَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةٌ عِنْدَهُمَا فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْقِصَاصُ، وَيَجِبُ بِهِ الْمَالُ إذَا كَانَ امْتِنَاعُ الْقِصَاصِ لِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ مَنْ عَلَيْهِ خَاصَّةً، كَمَا إذَا أَقَرَّ بِالْخَطَإِ وَالْوَلِيُّ يَدَّعِي الْعَمْدَ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْإِقْرَارِ فَأَشْبَهَ الْخَطَأَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الِامْتِنَاعُ مِنْ جَانِبِ مَنْ لَهُ كَمَا إذَا أَقَامَ مُدَّعِي الْقِصَاصِ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْحُجَّةَ قَامَتْ بِالْقِصَاصِ لَكِنْ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ وَلَمْ يُشْبِهْ الْخَطَأَ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ، وَلَا تَفَاوُتَ فِي هَذَا الْمَعْنَى بَيْنَ النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا. فَإِنْ قِيلَ: مِنْ أَيْنَ وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَالسَّرِقَةِ حَيْثُ يَثْبُتُ الْمَالُ فِيهَا بَعْدَ انْتِفَاءِ الْقَطْعِ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ كَمَا يَجِبُ بِالنُّكُولِ وَهَاهُنَا يَثْبُتُ بِالنُّكُولِ دُونَ الشَّهَادَةِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَالَ ثَمَّةَ أَصْلٌ وَيَتَعَدَّى إلَى الْقَطْعِ، وَإِذَا قُصِرَ لَمْ يَتَعَدَّ فَبَقِيَ الْأَصْلُ، وَهَاهُنَا الْأَصْلُ الْمَشْهُودُ بِهِ هُوَ الْقِصَاصُ، ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى الْمَالِ إذَا وُجِدَ شَرْطُهُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا بِطَرِيقِ الْمِنَّةِ لِلْخَصْمَيْنِ لِلْقَاتِلِ بِسَلَامَةِ نَفْسِهِ وَالْمَقْتُولِ بِصِيَانَةِ دَمِهِ عَنْ الْهَدَرِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي صُورَةِ الشَّهَادَةِ لِعَدَمِ شَبَهِهَا بِالْخَطَإِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ وِقَايَةً لِلنَّفْسِ كَالْأَمْوَالِ فَيَجْرِي فِيهَا الْبَذْلُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ اقْطَعْ يَدِي فَقَطَعَهَا لَا يَجِبُ الضَّمَانُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا مِنْ حَيْثُ إعْمَالُ الْبَذْلِ، بِخِلَافِ الْأَنْفُسِ حَيْثُ لَا يَجْرِي فِيهَا الْبَذْلُ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ اُقْتُلْنِي فَقَتَلَهُ يُؤْخَذُ بِالْقِصَاصِ فِي رِوَايَةٍ وَبِالدِّيَةِ فِي أُخْرَى. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَتْ الْأَطْرَافُ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ لَجَازَ قَطْعُ يَدِهِ مِنْ غَيْرِ إثْمٍ إذَا قَالَ اقْطَعْ يَدِي،

وَإِذَا امْتَنَعَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ وَالْيَمِينُ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ يُحْبَسُ بِهِ كَمَا فِي الْقَسَامَةِ . قَالَ (وَإِذَا قَالَ الْمُدَّعِي لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ قِيلَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا يُبَاحُ لَهُ أَخْذُ مَالِهِ إذَا قَالَ خُذْ مَالِي. أَجَابَ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، حَتَّى لَوْ كَانَ الْقَطْعُ مُفِيدًا كَالْقَطْعِ لِلْآكِلَةِ وَقَلْعِ السِّنِّ لِلْوَجَعِ لَمْ يَأْثَمْ بِفِعْلِهِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْبَذْلِ: أَيْ الَّذِي بِالنُّكُولِ مُفِيدٌ لِانْدِفَاعِ الْخُصُومَةِ بِهِ فَيَكُونُ مُبَاحًا، وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مُنَاقِضٌ لِمَا قَالَ فِي السَّرِقَةِ إنَّ الْقَطْعَ لَا يَثْبُتُ بِالنُّكُولِ. وَالثَّانِي أَنَّ الْخُصُومَةَ تَنْدَفِعُ بِالْأَرْشِ وَهُوَ أَهْوَنُ فَالْمَصِيرُ إلَيْهِ أَوْلَى. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ، لِأَنَّهُمْ الْمُحْتَاجُونَ إلَيْهَا، فَتَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ كَالْأَمْوَالِ، وَالْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ وَهُوَ لَا يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ دَفْعَ الْخُصُومَةِ بِالْأَرْشِ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ بَعْدَ تَعَذُّرِ مَا هُوَ الْأَصْلُ وَهُوَ الْقِصَاصُ وَلَمْ يَتَعَذَّرْ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ، فَظَهَرَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ الْبَذْلَ فِي الْأَطْرَافِ جَائِزٌ فَيَثْبُتُ الْقَطْعُ بِهِ وَفِي الْأَنْفُسِ لَيْسَ بِجَائِزٍ فَيَمْتَنِعُ الْقِصَاصُ، وَإِذَا امْتَنَعَ وَالْيَمِينُ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ يُحْبَسُ بِهِ فِيهَا كَمَا فِي الْقَسَامَةِ فَإِنَّهُمْ إذَا نَكَلُوا عَنْ الْيَمِينِ يُحْبَسُونَ حَتَّى يُقِرُّوا أَوْ يَحْلِفُوا. قَالَ (وَإِذَا قَالَ الْمُدَّعِي لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ إلَخْ) وَإِذَا قَالَ الْمُدَّعِي لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ فِي الْمِصْرِ

لِخَصْمِهِ أَعْطِهِ كَفِيلًا بِنَفْسِك ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) كَيْ لَا يَغِيبَ نَفْسُهُ فَيَضِيعَ حَقُّهُ وَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ، وَأَخْذُ الْكَفِيلِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى اسْتِحْسَانٌ عِنْدَنَا لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لِلْمُدَّعِي وَلَيْسَ فِيهِ كَثِيرُ ضَرَرٍ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْحُضُورَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى حَتَّى يُعَدَّى عَلَيْهِ وَيُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَشْغَالِهِ فَصَحَّ التَّكْفِيلُ بِإِحْضَارِهِ وَالتَّقْدِيرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَلَا فَرْقَ فِي الظَّاهِرِ بَيْنَ الْخَامِلِ وَالْوَجِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُقِيمًا أَوْ مُسَافِرًا، فَإِنْ كَانَ مُقِيمًا قِيلَ لَهُ أَعْطِهِ كَفِيلًا عَنْ نَفْسِك ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ فَعَلَ وَإِلَّا أُمِرَ بِمُلَازَمَتِهِ. أَمَّا جَوَازُ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ عِنْدَنَا فَقَدْ تَقَدَّمَ. وَأَمَّا جَوَازُ التَّكْفِيلِ فَهُوَ اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ يَأْبَاهُ قَبْلَ إقَامَةِ الْحُجَّةِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْحُضُورَ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ عَنْهُ يُعْدَى عَلَيْهِ وَيُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَشْغَالِهِ فَيَصِحُّ التَّكْفِيلُ بِإِحْضَارِهِ نَظَرًا لِلْمُدَّعِي وَضَرَرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهِ يَسِيرٌ فَيُتَحَمَّلُ كَالْإِعْدَاءِ وَالْحَيْلُولَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَشْغَالِهِ. وَأَمَّا التَّقْدِيرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَمَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْوَجِيهِ وَالْخَامِلِ وَالْخَطِيرِ مِنْ الْمَالِ وَالْحَقِيرِ مِنْهُ هُوَ الصَّحِيحُ. وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: إذَا كَانَ مَعْرُوفًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَخْفَى شَخْصُهُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ لَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ سَمَحَتْ نَفْسُهُ بِذَلِكَ يُؤْخَذُ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ حَقِيرًا لَا يُخْفِي الْمَرْءُ نَفْسَهُ بِذَلِكَ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْأَمْرُ بِالْمُلَازَمَةِ فَلِئَلَّا يَضِيعَ حَقُّهُ، فَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي لَا بَيِّنَةَ لِي أَوْ شُهُودِي غُيَّبٌ لَا يَكْفُلُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، لِأَنَّ الْفَائِدَةَ هُوَ الْحُضُورُ عِنْدَ حُضُورِ الشُّهُودِ وَذَلِكَ فِي الْهَالِكِ مُحَالٌ، وَالْغَائِبُ كَالْهَالِكِ مِنْ وَجْهٍ، إذْ لَيْسَ كُلُّ غَائِبٍ يَئُوبُ، وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا فَالْكَفَالَةُ وَالْمُلَازَمَةُ يُقَدَّرَانِ بِمِقْدَارِ مَجْلِسِ الْقَاضِي، إذْ لَيْسَ فِيهِ كَبِيرُ ضَرَرٍ، وَفِي الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ زِيَادَةُ ضَرَرٍ لِمَنْعِهِ عَنْ السَّفَرِ،

وَالْحَقِيرِ مِنْ الْمَالِ وَالْخَطِيرِ، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ قَوْلِهِ لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ لِلتَّكْفِيلِ وَمَعْنَاهُ فِي الْمِصْرِ، حَتَّى لَوْ قَالَ الْمُدَّعِي لَا بَيِّنَةَ لِي أَوْ شُهُودِي غُيَّبٌ لَا يُكْفَلُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ. قَالَ (فَإِنْ فَعَلَ وَإِلَّا أُمِرَ بِمُلَازَمَتِهِ) كَيْ لَا يَذْهَبَ حَقُّهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ غَرِيبًا فَيُلَازِمَ مِقْدَارَ مَجْلِسِ الْقَاضِي) وَكَذَا لَا يُكْفَلُ إلَّا إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ، فَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْصَرِفٌ إلَيْهِمَا لِأَنَّ فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ وَالْمُلَازَمَةِ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ إضْرَارًا بِهِ بِمَنْعِهِ عَنْ السَّفَرِ وَلَا ضَرَرَ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ ظَاهِرًا، وَكَيْفِيَّةُ الْمُلَازَمَةِ نَذْكُرُهَا فِي كِتَابِ الْحَجْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَيْفِيَّةُ الْمُلَازَمَةِ سَتُذْكَرُ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

[فصل في كيفية اليمين والاستحلاف]

(فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْيَمِينِ وَالِاسْتِحْلَافِ) قَالَ (وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ دُونَ غَيْرِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَذَرْ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ» (وَقَدْ تُؤَكَّدُ بِذِكْرِ أَوْصَافِهِ) وَهُوَ التَّغْلِيظُ، وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ: قُلْ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالَمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الَّذِي يَعْلَمُ مِنْ السِّرِّ مَا يَعْلَمُ مِنْ الْعَلَانِيَةِ، مَا لِفُلَانٍ هَذَا عَلَيْك وَلَا قِبَلَك هَذَا الْمَالُ الَّذِي ادَّعَاهُ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا وَلَا شَيْءَ مِنْهُ. وَلَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي التَّغْلِيظِ عَلَى هَذَا وَلَهُ أَنْ يَنْقُصَ مِنْهُ، إلَّا أَنَّهُ يَحْتَاطُ فِيهِ كَيْ لَا يَتَكَرَّرَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْيَمِينِ وَالِاسْتِحْلَافِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ نَفْسِ الْيَمِينِ وَالْمَوَاضِعِ الْوَاجِبَةِ هِيَ فِيهَا ذَكَرَ صِفَتَهَا، لِأَنَّ كَيْفِيَّةَ الشَّيْءِ وَهُوَ مَا تَقَعُ بِهِ الْمُشَابَهَةُ واللَّامُشَابَهَةُ صِفَتُهُ، وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ دُونَ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَذَرْ» وَكَلَامُهُ فِيهِ ظَاهِرٌ

لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَالْقَاضِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ غَلَّظَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُغَلِّظْ فَيَقُولُ: قُلْ بِاَللَّهِ أَوْ وَاَللَّهِ، وَقِيلَ: لَا يُغَلِّظُ عَلَى الْمَعْرُوفِ بِالصَّلَاحِ وَيُغَلِّظُ عَلَى غَيْرِهِ، وَقِيلَ: يُغَلِّظُ فِي الْخَطِيرِ مِنْ الْمَالِ دُونَ الْحَقِيرِ. قَالَ (وَلَا يَسْتَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ وَلَا بِالْعَتَاقِ) لِمَا رَوَيْنَا، وَقِيلَ فِي زَمَانِنَا إذَا أَلَحَّ الْخَصْمُ سَاغَ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْلِفَ بِذَلِكَ لِقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَكَثْرَةِ الِامْتِنَاعِ بِسَبَبِ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ.. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَا يُسْتَحْلَفُ بِالطَّلَاقِ وَلَا بِالْعَتَاقِ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَجَوَّزَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ فِي زَمَانِنَا لِقِلَّةِ مُبَالَاةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ، لَكِنَّهُمْ قَالُوا: إنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ لِأَنَّهُ نَكَلَ عَمَّا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا، وَلَوْ قَضَى بِهِ لَمْ يَنْفُذْ قَضَاؤُهُ. وَابْنُ صُورِيَّا بِالْقَصْرِ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ " رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَأَى قَوْمًا مَرُّوا بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ سَخِمَ وَجْهُهُمَا فَسَأَلَ عَنْ حَالِهِمَا فَقَالُوا: إنَّهُمَا زَنَيَا: فَأَمَرَ بِإِحْضَارِ ابْنِ صُورِيَّا وَهُوَ حَبْرُهُمْ فَقَالَ: أَنْشُدُك بِاَللَّهِ: أَيْ أُحَلِّفُك بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى

قَالَ (وَيَسْتَحْلِفُ الْيَهُودِيَّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَالنَّصْرَانِيَّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِابْنِ صُورِيَّا الْأَعْوَرِ أَنْشُدُك بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى أَنَّ حُكْمَ الزِّنَا فِي كِتَابِكُمْ هَذَا» وَلِأَنَّ الْيَهُودِيَّ يَعْتَقِدُ نُبُوَّةَ مُوسَى وَالنَّصْرَانِيَّ نُبُوَّةَ عِيسَى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - فَيُغَلِّظُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِذِكْرِ الْمُنَزَّلِ عَلَى نَبِيِّهِ (وَ) يَسْتَحْلِفُ (الْمَجُوسِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَ النَّارَ) وَهَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَصْلِ. يُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحْلِفُ أَحَدًا إلَّا بِاَللَّهِ خَالِصًا. وَذَكَرَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَسْتَحْلِفُ غَيْرَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ إلَّا بِاَللَّهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا لِأَنَّ فِي ذِكْرِ النَّارِ مَعَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى تَعْظِيمًا وَمَا يَنْبَغِي أَنْ تُعَظَّمَ، بِخِلَافِ الْكِتَابَيْنِ لِأَنَّ كُتُبَ اللَّهِ مُعَظَّمَةٌ (وَالْوَثَنِيُّ لَا يَحْلِفُ إلَّا بِاَللَّهِ) لِأَنَّ الْكَفَرَةَ بِأَسْرِهِمْ يَعْتَقِدُونَ اللَّهَ تَعَالَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25] قَالَ (وَلَا يَحْلِفُونَ فِي بُيُوتِ عِبَادَتِهِمْ) لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْضُرُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمُوسَى أَنَّ حُكْمَ الزِّنَى فِي كِتَابِكُمْ هَذَا؟» وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَحْلِيفِ الْيَهُودِيِّ بِذَلِكَ

بَلْ هُوَ مَمْنُوعٌ عَنْ ذَلِكَ. قَالَ (وَلَا يَجِبُ تَغْلِيظُ الْيَمِينِ عَلَى الْمُسْلِمِ بِزَمَانٍ وَلَا مَكَان) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَعْظِيمُ الْمُقْسَمِ بِهِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِدُونِ ذَلِكَ، وَفِي إيجَابِ ذَلِكَ حَرَجٌ عَلَى الْقَاضِي حَيْثُ يُكَلَّفُ حُضُورَهَا وَهُوَ مَدْفُوعٌ. قَالَ (وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ ابْتَاعَ مِنْ هَذَا عَبْدَهُ بِأَلْفٍ فَجَحَدَ اسْتَحْلَفَ بِاَللَّهِ مَا بَيْنَكُمَا بَيْعٌ قَائِمٌ فِيهِ وَلَا يَسْتَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا بِعْت) لِأَنَّهُ قَدْ يُبَاعُ الْعَيْنُ ثُمَّ يُقَالُ فِيهِ (وَيَسْتَحْلِفُ فِي الْغَصْبِ بِاَللَّهِ مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْك رَدَّهُ وَلَا يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا غَصَبْت) لِأَنَّهُ قَدْ يَغْصِبُ ثُمَّ يَفْسَخُ بِالْهِبَةِ وَالْبَيْعِ (وَفِي النِّكَاحِ بِاَللَّهِ مَا بَيْنَكُمَا نِكَاحٌ قَائِمٌ فِي الْحَالِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يَجِبُ تَغْلِيظُ الْيَمِينِ عَلَى الْمُسْلِمِ بِزَمَانٍ وَلَا مَكَان، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَعْظِيمُ الْمُقْسَمِ بِهِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِدُونِ ذَلِكَ وَفِي إيجَابِهِ حَرَجٌ عَلَى الْقَاضِي بِحُضُورِهِ وَهُوَ مَدْفُوعٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ فِي قَسَامَةٍ أَوْ لِعَانٍ أَوْ فِي مَالٍ عَظِيمٍ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَبَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، وَإِنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَعِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ عِنْدَ الصَّخْرَةِ، وَفِي سَائِرِ الْبِلَادِ فِي الْجَوَامِعِ، وَكَذَلِكَ يُشْتَرَطُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ، وَفِيهِ مَا مَرَّ مِنْ الْحَرَجِ عَلَى الْحَاكِمِ. قَالَ (وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ ابْتَاعَ مِنْ هَذَا عَبْدَهُ بِأَلْفٍ فَجَحَدَ إلَخْ) هَذَا نَوْعٌ آخَرُ مِنْ كَيْفِيَّةِ

لِأَنَّهُ قَدْ يَطْرَأُ عَلَيْهِ الْخُلْعُ (وَفِي دَعْوَى الطَّلَاقِ بِاَللَّهِ مَا هِيَ بَائِنٌ مِنْك السَّاعَةَ بِمَا ذَكَرْت وَلَا يَسْتَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا طَلَّقَهَا) لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ يُجَدَّدُ بَعْدَ الْإِبَانَةِ فَيَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ، لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى السَّبَبِ يَتَضَرَّرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْلِفُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْيَمِينِ وَهُوَ الْحَلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ أَوْ السَّبَبُ. وَالضَّابِطُ فِي ذَلِكَ أَنَّ السَّبَبَ، إمَّا أَنْ كَانَ مِمَّا يَرْتَفِعُ بِرَافِعٍ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَالتَّحْلِيفُ عَلَى السَّبَبِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَإِنْ تَضَرَّرَ الْمُدَّعِي بِالتَّحْلِيفِ عَلَى الْحَاصِلِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ يَحْلِفْ عَلَى الْحَاصِلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَعَلَى السَّبَبِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إلَّا إذَا عَرَضَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِرَفْعِ السَّبَبِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ قَوْلِ الْقَاضِي احْلِفْ بِاَللَّهِ مَا بِعْت أَيُّهَا الْقَاضِي إنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَبِيعُ شَيْئًا ثُمَّ يُقَالُ فِيهِ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ الْقَاضِيَ الِاسْتِحْلَافُ عَلَى الْحَاصِلِ، هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. وَنُقِلَ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ مَا عَبَّرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ يُنْظَرُ فِي إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ أَنْكَرَ السَّبَبَ يَحْلِفُ عَلَيْهِ وَإِنْ أَنْكَرَ الْحُكْمَ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ، فَعَلَى الظَّاهِرِ إذَا ادَّعَى الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ الْعِتْقَ عَلَى مَوْلَاهُ وَجَحَدَ الْمُوَلَّى يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ لِعَدَمِ تَكَرُّرِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ بِتَقْدِيرِ وُقُوعِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ بَعْدَ الِارْتِدَادِ، وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُسْلِمِ لَيْسَ بِمُتَصَوَّرٍ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ بِالِارْتِدَادِ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْكَافِرِ وَالْأَمَةِ مُطْلَقًا، فَإِنَّ الرِّقَّ يَتَكَرَّرُ عَلَيْهِ بِنَقْضِ الْعَهْدِ وَاللِّحَاقِ وَعَلَيْهَا بِالرِّدَّةِ وَاللِّحَاقِ،

عَلَى السَّبَبِ إلَّا إذَا عَرَّضَ بِمَا ذَكَرْنَا فَحِينَئِذٍ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ. وَقِيلَ: يَنْظُرُ إلَى إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ أَنْكَرَ السَّبَبَ يَحْلِفُ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَنْكَرَ الْحُكْمَ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ. فَالْحَاصِلُ هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَهُمَا إذَا كَانَ سَبَبًا يَرْتَفِعُ إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ تَرْكُ النَّظَرِ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي فَحِينَئِذٍ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ بِالْإِجْمَاعِ، وَذَلِكَ أَنْ تَدَّعِيَ مَبْتُوتَةٌ نَفَقَةَ الْعِدَّةِ وَالزَّوْجُ مِمَّنْ لَا يَرَاهَا، أَوْ ادَّعَى شُفْعَةً بِالْجِوَارِ وَالْمُشْتَرِي لَا يَرَاهَا، لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى الْحَاصِلِ يَصْدُقُ فِي يَمِينِهِ فِي مُعْتَقَدِهِ فَيَفُوتُ النَّظَرُ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي، وَإِنْ كَانَ سَبَبًا لَا يَرْتَفِعُ بِرَافِعٍ فَالتَّحْلِيفُ عَلَى السَّبَبِ بِالْإِجْمَاعِ (كَالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ إذَا ادَّعَى الْعِتْقَ عَلَى مَوْلَاهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِذَا ادَّعَتْ الْمَبْتُوتَةُ نَفَقَةً وَالزَّوْجُ مِمَّنْ لَا يَرَاهَا أَوْ ادَّعَى شُفْعَةَ الْجِوَارِ وَالْمُشْتَرِي لَا يَرَاهَا يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ، لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى الْحَاصِلِ لَصُدِّقَ فِي يَمِينِهِ فِي مُعْتَقَدِهِ فَيَتَضَرَّرُ الْمُدَّعِي. فَإِنْ قِيلَ: بِالْحَلِفِ عَلَى السَّبَبِ يَتَضَرَّرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَدْ اشْتَرَى وَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ أَوْ سَكَتَ عَنْ الطَّلَبِ وَلَيْسَ بِأَوْلَى بِالضَّرَرِ مِنْ الْمُدَّعِي؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ أَوْلَى بِذَلِكَ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ إلْحَاقِ الضَّرَرِ بِأَحَدِهِمَا وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي مَا هُوَ أَصْلٌ لِأَنَّ الشِّرَاءَ إذَا ثَبَتَ يَثْبُتُ الْحَقُّ لَهُ، وَسُقُوطُهُ إنَّمَا يَكُونُ بِأَسْبَابٍ عَارِضَةٍ فَيَجِبُ التَّمَسُّكُ بِالْأَصْلِ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى الْعَارِضِ، وَإِذَا ادَّعَى الطَّلَاقَ أَوْ الْغَصْبَ أَوْ النِّكَاحَ أَوْ الْبَيْعَ يَحْلِفُ عِنْدَهُمَا عَلَى الْحَاصِلِ بِاَللَّهِ مَا هِيَ بَائِنٌ مِنْك السَّاعَةَ وَمَا يُسْتَحَقُّ عَلَيْك رَدُّهُ وَمَا بَيْنَكُمَا نِكَاحٌ أَوْ بَيْعٌ قَائِمٌ فِي الْحَالِ لِأَنَّ السَّبَبَ، مِمَّا يَتَكَرَّرُ فَبِالْحَلِفِ عَلَيْهِ يَتَضَرَّرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ

بِخِلَافِ الْأَمَةِ وَالْعَبْدِ الْكَافِرِ) لِأَنَّهُ يُكَرِّرُ الرِّقَّ عَلَيْهَا بِالرِّدَّةِ وَاللِّحَاقِ وَعَلَيْهِ بِنَقْضِ الْعَهْدِ وَاللِّحَاقِ، وَلَا يُكَرِّرُ عَلَى الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ. قَالَ: (وَمَنْ وَرِثَ عَبْدًا وَادَّعَاهُ آخَرُ يَسْتَحْلِفُ عَلَى عِلْمِهِ) لِأَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُ بِمَا صَنَعَ الْمُوَرِّثُ فَلَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ (وَإِنْ وَهَبَ لَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ) لِوُجُودِ الْمُطْلَقِ لِلْيَمِينِ إذْ الشِّرَاءُ سَبَبٌ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ وَضْعًا وَكَذَا الْهِبَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ. قَالَ (وَمَنْ وَرِثَ عَبْدًا وَادَّعَاهُ آخَرُ اُسْتُحْلِفَ عَلَى عِلْمِهِ إلَخْ) وَهَذَا نَوْعٌ آخَرُ مِنْ كَيْفِيَّةِ الْيَمِينِ وَهُوَ الْيَمِينُ عَلَى الْعِلْمِ أَوْ الْبَتَاتِ، الضَّابِطُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الدَّعْوَى إذَا وَقَعَتْ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ كَانَ الْحَلِفُ عَلَى الْعِلْمِ، وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى فِعْلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَانَ عَلَى الْبَتَاتِ، وَنُوقِضَ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا ادَّعَى أَنَّ الْعَبْدَ سَارِقٌ أَوْ آبِقٌ وَأَثْبَتَ ذَلِكَ فِي يَدِ نَفْسِهِ وَادَّعَاهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْبَائِعِ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ مَا سَرَقَ مَعَ أَنَّهُ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ، وَبِالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى قَبْضَ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ وَالْقَبْضُ فِعْلُ الْغَيْرِ، وَبِالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَ وَسَلَّمَ إلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّ الْمُوَكِّلَ قَبَضَ الثَّمَنَ وَأَنْكَرَهُ الْمُوَكِّلُ يَحْلِفُ الْوَكِيلُ بِاَللَّهِ مَا قَبَضَ الْمُوَكِّلُ وَهُوَ فِعْلُ الْغَيْرِ، وَعَنْ هَذَا ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ التَّحْلِيفَ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْعِلْمِ إذَا قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا عِلْمَ لِي بِذَلِكَ، فَأَمَّا إذَا قَالَ لِي عِلْمٌ بِذَلِكَ حَلَفَ عَلَى الْبَتَاتِ. وَفِي صُوَرِ النَّقْضِ يَدَّعِي الْعِلْمَ فَكَانَ الْحَلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ، وَتَخْرِيجُهَا عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ ضَمِنَ الْبَائِعُ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ سَلِيمًا عَنْ الْعُيُوبِ، فَالتَّحْلِيفُ يَرْجِعُ إلَى مَا ضَمِنَ بِنَفْسِهِ، وَفِي الْبَاقِيَيْنِ الْحَلِفُ يَرْجِعُ إلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَهُوَ التَّسْلِيمُ لَا إلَى فِعْلِ غَيْرِهِ وَهُوَ الْقَبْضُ (وَإِذَا وَرِثَ عَبْدًا وَادَّعَاهُ آخَرُ اُسْتُحْلِفَ عَلَى عِلْمِهِ، لِأَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُ بِمَا صَنَعَ الْمُوَرِّثُ فَلَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ، وَإِنْ وُهِبَ لَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ لِوُجُودِ الْمُطْلَقِ لِلْيَمِينِ، إذْ الشِّرَاءُ سَبَبٌ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ وَضْعًا وَكَذَا الْهِبَةُ) فَإِنْ قِيلَ: الْإِرْثُ كَذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلِهِ سَبَبٌ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ سَبَبٌ اخْتِيَارِيٌّ يُبَاشِرُهُ بِنَفْسِهِ فَيُعْلَمُ مَا صَنَعَ

قَالَ (وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا فَافْتَدَى يَمِينَهُ أَوْ صَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى عَشْرَةٍ فَهُوَ جَائِزٌ) وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ: وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا إلَخْ) وَمَنْ افْتَدَى عَنْ يَمِينِهِ أَوْ صَالَحَ مِنْهَا عَلَى شَيْءٍ مِثْلِ الْمَالِ الْمُدَّعَى بِهِ أَوْ أَقَلَّ جَازَ وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَفْظُ الْكِتَابِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ كَانَ مُدَّعًى عَلَيْهِ. وَذَكَرَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا فَأَعْطَى شَيْئًا وَافْتَدَى يَمِينَهُ وَلَمْ يَحْلِفْ، فَقِيلَ أَلَا تَحْلِفُ وَأَنْتَ صَادِقٌ؟ فَقَالَ: أَخَافُ أَنْ يُوَافِقَ قَدْرَ يَمِينِي فَيُقَالُ هَذَا بِسَبَبِ يَمِينِهِ الْكَاذِبَةِ. وَذَكَرَ أَنَّ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ اسْتَقْرَضَ مِنْ عُثْمَانَ سَبْعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَضَاهُ أَرْبَعَةَ آلَافٍ فَتَرَافَعَا إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي خِلَافَتِهِ فَقَالَ الْمِقْدَادُ: لِيَحْلِفْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا يَقُولُ وَلْيَأْخُذْ سَبْعَةَ آلَافٍ فَقَالَ عُمَرُ لِعُثْمَانَ أَنْصَفَك الْمِقْدَادُ احْلِفْ إنَّهَا كَمَا تَقُولُ وَخُذْهَا فَلَمْ يَحْلِفْ عُثْمَانُ، فَلَمَّا خَرَجَ الْمِقْدَادُ قَالَ عُثْمَانُ لِعُمَرَ: إنَّهَا كَانَتْ سَبْعَةَ آلَافٍ قَالَ فَمَا مَنَعَك أَنْ تَحْلِفَ وَقَدْ جَعَلَ ذَلِكَ إلَيْك؟ فَقَالَ عُثْمَانُ عِنْدَ ذَلِكَ مَا قَالَهُ. فَيَكُونُ دَلِيلًا لِلشَّافِعِيِّ عَلَى جَوَازِ رَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ كَانَ يَدَّعِي الْإِيفَاءَ عَلَى عُثْمَانَ.

(وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ عَلَى تِلْكَ الْيَمِينِ أَبَدًا) لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبِهِ نَقُولُ. ثُمَّ لَمَّا بَطَلَ حَقُّهُ فِي الْيَمِينِ فِي لَفْظِ الْفِدَاءِ وَالصُّلْحِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى يَمِينَهُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ لَمْ يُجْبَرْ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ، لِأَنَّ الشِّرَاءَ عَقْدُ تَمْلِيكِ الْمَالِ بِالْمَالِ وَالْيَمِينُ لَيْسَتْ بِمَالٍ.

[باب التحالف]

(بَابُ التَّحَالُفِ) : قَالَ: (وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي الْبَيْعِ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا ثَمَنًا وَادَّعَى الْبَائِعُ أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ اعْتَرَفَ الْبَائِعُ بِقَدْرٍ مِنْ الْمَبِيعِ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَكْثَرَ مِنْهُ فَأَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ قَضَى لَهُ بِهَا) لِأَنَّ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ مُجَرَّدَ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ أَقْوَى مِنْهَا (وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً كَانَتْ الْبَيِّنَةُ الْمُثْبِتَةُ لِلزِّيَادَةِ أَوْلَى) لِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ لِلْإِثْبَاتِ وَلَا تَعَارُضَ فِي الزِّيَادَةِ (وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ جَمِيعًا فَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ أَوْلَى فِي الثَّمَنِ وَبَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي أَوْلَى فِي الْمَبِيعِ) نَظَرًا إلَى زِيَادَةِ الْإِثْبَاتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ التَّحَالُفِ] رَاعَى التَّرْتِيبَ الطَّبِيعِيَّ فَأَخَّرَ يَمِينَ الِاثْنَيْنِ عَنْ يَمِينِ الْوَاحِدِ لِيُنَاسِبَ الْوَضْعُ الطَّبْعَ (إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي الْبَيْعِ) فَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِمِائَةٍ وَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ بَاعَهُ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ أَوْ اعْتَرَفَ الْبَائِعُ بِأَنَّ الْمَبِيعَ كُرٌّ مِنْ حِنْطَةٍ وَقَالَ الْمُشْتَرِي هُوَ كُرَّانِ، فَمَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُضِيَ لَهُ بِهَا، لِأَنَّ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ مُجَرَّدَ الدَّعْوَى، وَالْبَيِّنَةُ أَقْوَى مِنْهَا لِأَنَّهَا تُوجِبُ الْحُكْمَ عَلَى الْقَاضِي وَمُجَرَّدُ الدَّعْوَى لَا يُوجِبُهُ، وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً كَانَتْ الْبَيِّنَةُ الْمُثْبِتَةُ لِلزِّيَادَةِ أَوْلَى، لِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ لِلْإِثْبَاتِ وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا فِي الزِّيَادَةِ

(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ قِيلَ لِلْمُشْتَرِي إمَّا أَنْ تَرْضَى بِالثَّمَنِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَإِلَّا فَسَخْنَا الْبَيْعَ، وَقِيلَ لِلْبَائِعِ إمَّا أَنْ تُسَلِّمَ مَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمَبِيعِ وَإِلَّا فَسَخْنَا الْبَيْعَ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ، وَهَذِهِ جِهَةٌ فِيهِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَرْضَيَانِ بِالْفَسْخِ فَإِذَا عَلِمَا بِهِ يَتَرَاضَيَانِ بِهِ (فَإِنْ لَمْ يَتَرَاضَيَا اسْتَحْلَفَ الْحَاكِمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى الْآخَرِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَمُثْبِتُهَا كَانَ أَكْثَرَ إثْبَاتًا، وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ جَمِيعًا فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْتُك هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَقَالَ الْمُشْتَرِي بِعْتنِيهَا وَهَذِهِ مَعَهَا بِخَمْسِينَ دِينَارًا وَأَقَامَ بَيِّنَةً فَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ أَوْلَى فِي الثَّمَنِ وَبَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي أَوْلَى فِي الْمَبِيعِ نَظَرًا إلَى زِيَادَةِ الْإِثْبَاتِ وَهُمَا جَمِيعًا لِلْمُشْتَرِي بِمِائَةِ دِينَارٍ. وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ آخِرًا، وَكَانَ يَقُولُ أَوَّلًا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ: يَقْضِي بِهِمَا لِلْمُشْتَرِي بِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ دِينَارًا، وَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي جِنْسِ الثَّمَنِ كَمَا لَوْ قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُك هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِعَبْدِك هَذَا وَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتهَا مِنْك بِمِائَةِ دِينَارٍ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَهِيَ لِمَنْ الِاتِّفَاقُ عَلَى قَوْلِهِ وَهُوَ الْبَائِعُ، لِأَنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي فِي الْجَارِيَةِ ثَابِتٌ بِاتِّفَاقِهِمَا، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ فَبَيِّنَتُهُ عَلَى حَقِّهِ أَوْلَى بِالْقَبُولِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ يَقُولُ الْحَاكِمُ لِلْمُشْتَرِي إمَّا أَنْ تَرْضَى بِالثَّمَنِ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْبَائِعُ وَإِلَّا فَسَخْنَا الْبَيْعَ، وَيَقُولُ الْبَائِعُ إمَّا أَنْ تُسَلِّمَ مَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمَبِيعِ وَإِلَّا فَسَخْنَا الْبَيْعَ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ وَهَذِهِ

وَهَذَا التَّحَالُفُ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى وِفَاقِ الْقِيَاسِ، لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي زِيَادَةَ الثَّمَنِ وَالْمُشْتَرِيَ يُنْكِرُهُ، وَالْمُشْتَرِيَ يَدَّعِي وُجُوبَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ بِمَا نَقَدَ وَالْبَائِعَ يُنْكِرُهُ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْكِرٌ فَيَحْلِفُ؛ فَأَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَمُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَدَّعِي شَيْئًا لِأَنَّ الْمَبِيعَ سَالِمٌ لَهُ فَبَقِيَ دَعْوَى الْبَائِعِ فِي زِيَادَةِ الثَّمَنِ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُهَا فَيُكْتَفَى بِحَلِفِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQجِهَةٌ فِيهِ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَرْضَيَانِ بِالْفَسْخِ، فَإِذَا عَلِمَا بِهِ يَتَرَاضَيَانِ، فَإِنْ لَمْ يَتَرَاضَيَا اسْتَحْلَفَ الْحَاكِمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى الْآخَرِ، وَهَذَا التَّحَالُفُ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى وِفَاقِ الْقِيَاسِ، لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي زِيَادَةَ الثَّمَنِ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُهُ، وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي وُجُوبَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ بِمَا نَقَدَ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُهُ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا مُنْكِرٌ وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ فَيَحْلِفَانِ، أَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَعَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَدَّعِي شَيْئًا، لِأَنَّ الْمَبِيعَ سَالِمٌ لَهُ فِي يَدِهِ، فَبَقِيَ دَعْوَى الْبَائِعِ فِي زِيَادَةِ الثَّمَنِ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُهُ فَكَانَ الْقِيَاسُ

لَكِنَّا عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا تَحَالَفَا وَتَرَادَّا» . (وَيَبْتَدِئُ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي) وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ آخِرًا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَشَدُّهُمَا إنْكَارًا لِأَنَّهُ يُطَالِبُ أَوَّلًا بِالثَّمَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاكْتِفَاءَ بِحَلِفِهِ لَكِنَّا عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا تَحَالَفَا وَتَرَادَّا»

وَلِأَنَّهُ يَتَعَجَّلُ فَائِدَةَ النُّكُولِ وَهُوَ إلْزَامُ الثَّمَنِ، وَلَوْ بُدِئَ بِيَمِينِ الْبَائِعِ تَتَأَخَّرُ الْمُطَالَبَةُ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إلَى زَمَانِ اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ. وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ أَوَّلًا: يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْبَائِعِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فَالْقَوْلُ مَا قَالَهُ الْبَائِعُ» خَصَّهُ بِالذِّكْرِ، وَأَقَلُّ فَائِدَتِهِ التَّقْدِيمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا الْحَدِيثُ مُخَالِفٌ لِلْمَشْهُورِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا فَهُوَ مَرْجُوحٌ، وَإِنْ كَانَ فَكَذَلِكَ لِعُمُومِ الْمَشْهُورِ، أَوْ يَتَعَارَضَانِ وَلَا تَرْجِيحَ وَيُبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ آخِرًا وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ دُونَ مَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ إنَّهُ يُبْدَأُ بِيَمِينِ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَشَدُّهُمَا إنْكَارًا لِكَوْنِهِ أَوَّلَ مَنْ يُطَالِبُ بِالثَّمَنِ فَهُوَ الْبَادِي بِالْإِنْكَارِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَقْدِيمِ الْإِنْكَارِ دُونَ شِدَّتِهِ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالشِّدَّةِ التَّقَدُّمَ وَهُوَ الْأَنْسَبُ بِالْمَقَامِ، لِأَنَّهُ لَمَّا تَقَدَّمَ فِي الْإِنْكَارِ تَقَدَّمَ فِي الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، أَوْ لِأَنَّ فَائِدَةَ النُّكُولِ تَتَعَجَّلُ بِالْبُدَاءَةِ بِهِ وَهُوَ إلْزَامُ الثَّمَنِ، وَلَوْ بُدِئَ بِيَمِينِ الْبَائِعِ تَأَخَّرَتْ الْمُطَالَبَةُ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إلَى زَمَنِ اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ. وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ أَوَّلًا يُبْدَأُ بِيَمِينِ الْبَائِعِ وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى وَأَبُو الْحَسَنِ فِي جَامِعِهِ أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فَالْقَوْلُ مَا قَالَهُ الْبَائِعُ» وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَصَّهُ بِالذِّكْرِ، وَأَقَلُّ فَائِدَتِهِ التَّقْدِيمُ: يَعْنِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَهُ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي الِاكْتِفَاءَ بِيَمِينِهِ، لَكِنْ لَا يُكْتَفَى بِهَا فَلَا أَقَلَّ مِنْ الْبُدَاءَةِ بِهَا، وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ مُقَابَضَةً أَوْ صَرْفًا يَبْدَأُ الْقَاضِي بِأَيِّهِمَا شَاءَ لِاسْتِوَائِهِمَا. قَالَ (وَصِفَةُ الْيَمِينِ إلَخْ) ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ صِفَةَ الْيَمِينِ أَنْ يَحْلِفَ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهُ بِأَلْفٍ، وَيَحْلِفُ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ. وَقَالَ فِي الزِّيَادَاتِ: يَحْلِفُ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهُ

(وَإِنْ كَانَ بَيْعُ عَيْنٍ بِعَيْنٍ أَوْ ثَمَنٍ بِثَمَنٍ بَدَأَ الْقَاضِي بِيَمِينِ أَيُّهُمَا شَاءَ) لِاسْتِوَائِهِمَا (وَصِفَةُ الْيَمِينِ أَنْ يَحْلِفَ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهُ بِأَلْفٍ وَيَحْلِفَ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ) وَقَالَ فِي الزِّيَادَاتِ: يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهُ بِأَلْفٍ وَلَقَدْ بَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ، يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ وَلَقَدْ اشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ يَضْمَنُ الْإِثْبَاتُ إلَى النَّفْيِ تَأْكِيدًا، وَالْأَصَحُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى النَّفْيِ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ عَلَى ذَلِكَ وُضِعَتْ، دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْقَسَامَةِ «بِاَللَّهِ مَا قَتَلْتُمْ وَلَا عَلِمْتُمْ لَهُ قَاتِلًا» . قَالَ (فَإِنْ حَلَفَا فَسَخَ الْقَاضِي الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا) وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ بِنَفْسِ التَّحَالُفِ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ مَا ادَّعَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَبْقَى بَيْعُ مَجْهُولٍ فَيَفْسَخُهُ الْقَاضِي قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ. أَوْ يُقَالُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ الْبَدَلُ يَبْقَى بَيْعًا بِلَا بَدَلٍ وَهُوَ فَاسِدٌ وَلَا بُدَّ مِنْ الْفَسْخِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ. قَالَ: (وَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ) لِأَنَّهُ جُعِلَ بَاذِلًا فَلَمْ يَبْقَ دَعْوَاهُ مُعَارِضًا لِدَعْوَى الْآخَرِ فَلَزِمَ الْقَوْلُ بِثُبُوتِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَلْفٍ وَلَقَدْ بَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ، وَيَحْلِفُ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ وَلَقَدْ اشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ، يَضُمُّ الْإِثْبَاتَ إلَى النَّفْيِ تَأْكِيدًا، وَالْأَصَحُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى النَّفْيِ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ وُضِعَتْ لِلنَّفْيِ كَالْبَيِّنَاتِ لِلْإِثْبَاتِ، دَلَّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ الْقَسَامَةِ «بِاَللَّهِ تَعَالَى مَا قَتَلْتُمْ وَلَا عَلِمْتُمْ لَهُ

قَالَ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ أَوْ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ أَوْ فِي اسْتِيفَاءِ بَعْضِ الثَّمَنِ فَلَا تَحَالُفَ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّ هَذَا اخْتِلَافٌ فِي غَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْمَعْقُودِ بِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَاتِلًا» وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُنَافِي التَّأْكِيدَ، فَإِنْ حَلَفَا فَسَخَ الْقَاضِي الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا إذَا طَلَبَاهُ أَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا، لِأَنَّ الْفَسْخَ حَقُّهُمَا فَلَا بُدَّ مِنْ الطَّلَبِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ بِنَفْسِ التَّحَالُفِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْفَسْخِ، لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ مُدَّعَى كُلٍّ مِنْهُمَا بَقِيَ بَيْعًا مَجْهُولًا فَيَفْسَخُهُ الْحَاكِمُ قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ. أَوْ يُقَالُ: إذَا لَمْ يَثْبُتْ الْبَدَلُ بَقِيَ بَيْعًا بِلَا بَدَلٍ وَهُوَ فَاسِدٌ وَسَبِيلُهُ الْفَسْخُ فَمَا لَمْ يُفْسَخْ كَانَ قَائِمًا. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: حَلَّ لِلْمُشْتَرِي وَطْءُ جَارِيَةٍ إذَا كَانَتْ الْمَبِيعَةَ، وَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ لِأَنَّهُ جُعِلَ بَاذِلًا لِصِحَّةِ الْبَذْلِ فِي الْأَعْوَاضِ، وَإِذَا كَانَ بَاذِلًا لَمْ تَبْقَ دَعْوَاهُ مُعَارِضَةً لِدَعْوَى الْآخَرِ فَلَزِمَ الْقَوْلُ بِثُبُوتِهِ لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ. قَالَ (وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ إلَخْ) وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ فِي أَصْلِهِ أَوْ فِي قَدْرِهِ أَوْ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ أَوْ فِي اسْتِيفَاءِ بَعْضِ الثَّمَنِ فَلَا تَحَالُفَ بَيْنَهُمَا وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: يَتَحَالَفَانِ لِأَنَّ الْأَجَلَ جَارٍ مَجْرَى الْوَصْفِ، فَإِنَّ الثَّمَنَ يَزْدَادُ عِنْدَ زِيَادَةِ الْأَجَلِ، وَالِاخْتِلَافُ فِي وَصْفِ الثَّمَنِ يُوجِبُ التَّحَالُفَ فَكَذَا هَذَا. وَلَنَا أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ فِي غَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْمَعْقُودِ بِهِ، وَالِاخْتِلَافُ

فَأَشْبَهَ الِاخْتِلَافَ فِي الْحَطِّ وَالْإِبْرَاءِ، وَهَذَا لِأَنَّ بِانْعِدَامِهِ لَا يَخْتَلُّ مَا بِهِ قِوَامُ الْعَقْدِ، بِخِلَافِ الِاخْتِلَافِ فِي وَصْفِ الثَّمَنِ وَجِنْسِهِ حَيْثُ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْقَدْرِ فِي جَرَيَانِ التَّحَالُفِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الثَّمَنِ فَإِنَّ الثَّمَنَ دَيْنٌ وَهُوَ يُعْرَفُ بِالْوَصْفِ، وَلَا كَذَلِكَ الْأَجَلُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَصْفٍ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّمَنَ مَوْجُودٌ بَعْدَ مُضِيِّهِ (وَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يُنْكِرُ الْخِيَارَ وَالْأَجَلَ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّهُمَا يَثْبُتَانِ بِعَارِضِ الشَّرْطِ وَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الْعَوَارِضِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي غَيْرِهِمَا لَا يُوجِبُ التَّحَالُفَ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّحَالُفَ وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِيمَا يَتِمُّ بِهِ الْعَقْدُ وَالْأَجَلُ وَرَاءَ ذَلِكَ، كَشَرْطِ الْخِيَارِ فِي أَنَّ الْعَقْدَ بِعَدَمِهِمَا لَا يَخْتَلُّ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ حَتَّى يُلْحَقَ بِهِ فَصَارَ كَالِاخْتِلَافِ فِي الْحَطِّ وَالْإِبْرَاءِ عَنْ الثَّمَنِ، بِخِلَافِ الِاخْتِلَافِ فِي وَصْفِ الثَّمَنِ بِالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ وَجِنْسِهِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ حَيْثُ يَكُونُ الِاخْتِلَافُ فِيهِمَا كَالِاخْتِلَافِ فِي قَدْرِهِ فِي جَرَيَانِ التَّحَالُفِ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الثَّمَنِ لِكَوْنِهِ دَيْنًا وَهُوَ يُعْرَفُ بِالْوَصْفِ، بِخِلَافِ الْأَجَلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِوَصْفٍ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّمَنَ مَوْجُودٌ بَعْدَ مُضِيِّهِ وَالْوَصْفُ لَا يُفَارِقُ الْمَوْصُوفَ فَهُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ لَكِنَّهُ يَثْبُتُ بِوَاسِطَةِ الشَّرْطِ، وَإِذَا لَمْ يَكُونَا

قَالَ: (فَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ ثُمَّ اخْتَلَفَا لَمْ يَتَحَالَفَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَتَحَالَفَانِ وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ عَلَى قِيمَةِ الْهَالِكِ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَلَى هَذَا إذَا خَرَجَ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ صَارَ بِحَالٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ بِالْعَيْبِ. لَهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي غَيْرَ الْعَقْدِ الَّذِي يَدَّعِيهِ صَاحِبُهُ وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ وَأَنَّهُ يُفِيدُ دَفْعَ زِيَادَةِ الثَّمَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَصْفَيْنِ وَلَا رَاجِعَيْنِ إلَيْهِ كَانَا عَارِضَيْنِ بِوَاسِطَةِ الشَّرْطِ، وَالْقَوْلُ لِمَنْ يُنْكِرُ الْعَوَارِضَ، وَالْحُكْمُ بِاسْتِيفَاءِ بَعْضِ الثَّمَنِ كَذَلِكَ لِأَنَّ بِانْعِدَامِهِ لَا يَخْتَلُّ مَا بِهِ قِيَامُ الْعَقْدِ لِبَقَاءِ مَا يَحْصُلُ ثَمَنًا، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي اسْتِيفَاءِ كُلِّ الثَّمَنِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ، لَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ لِكَوْنِهِ مَفْرُوغًا عَنْهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ صَارَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الدَّعَاوَى. وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي مُضِيِّ الْأَجَلِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي، لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّهُ وَهُوَ يُنْكِرُ اسْتِيفَاءَهُ. قَالَ (فَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ ثُمَّ اخْتَلَفَا إلَخْ) فَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَوْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ صَارَ بِحَالٍ لَا يُقْدَرُ عَلَى رَدِّهِ بِالْعَيْبِ ثُمَّ اخْتَلَفَا لَمْ يَتَحَالَفَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ: يَتَحَالَفَانِ، وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ عَلَى قِيمَةِ الْهَالِكِ لِأَنَّ الدَّلَائِلَ الدَّالَّةَ عَلَى التَّحَالُفِ لَا تَفْصِلُ بَيْنَ كَوْنِ السِّلْعَةِ قَائِمَةً أَوْ هَالِكَةً، أَمَّا الدَّلِيلُ النَّقْلِيُّ فَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا» وَلَا يُعَارِضُهُ مَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ مِنْ قَوْلِهِ «وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ» لِأَنَّهُ مَذْكُورٌ عَلَى سَبِيلِ التَّنْبِيهِ: أَيْ تَحَالَفَا وَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً، فَإِنَّ عِنْدَ ذَلِكَ تَمْيِيزَ الصَّادِقِ مِنْ الْكَاذِبِ، فَتَحْكِيمُ قِيمَةِ السِّلْعَةِ فِي الْحَالِ مُتَأَتٍّ، وَلَا كَذَلِكَ بَعْدَ الْهَلَاكِ، فَإِذَا جَرَى التَّحَالُفُ مَعَ إمْكَانِ التَّمْيِيزِ فَمَعَ عَدَمِهِ أَوْلَى. وَأَمَّا الْعَقْلِيُّ فَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي عَقْدًا غَيْرَ الَّذِي يَدَّعِيهِ صَاحِبُهُ وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ فَيَتَحَالَفَانِ كَمَا فِي حَالِ قِيَامِ السِّلْعَةِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا قِيَاسٌ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ حَالَ قِيَامِهَا يُفِيدُ التَّرَادَّ وَلَا فَائِدَةَ لَهُ بَعْدَ الْهَلَاكِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (فَإِنَّهُ) يَعْنِي التَّحَالُفَ (يُفِيدُ دَفْعَ زِيَادَةِ الثَّمَنِ) يَعْنِي أَنَّ التَّحَالُفَ يَدْفَعُ عَنْ الْمُشْتَرِي زِيَادَةَ الثَّمَنِ الَّتِي يَدَّعِيهَا الْبَائِعُ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ وَإِذَا حَلَفَ الْبَائِعُ انْدَفَعَتْ الزِّيَادَةُ الْمُدَّعَاةُ فَكَانَ مُفِيدًا، كَمَا إذَا

فَيَتَحَالَفَانِ؛ كَمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الثَّمَنِ بَعْدَ هَلَاكِ السِّلْعَةِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ التَّحَالُفَ بَعْدَ الْقَبْضِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ سَلَّمَ لِلْمُشْتَرِي مَا يَدَّعِيهِ وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ فِي حَالِ قِيَامِ السِّلْعَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQاخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الثَّمَنِ بَعْدَ هَلَاكِ السِّلْعَةِ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا الْعَقْدَ بِالدَّرَاهِمِ وَالْآخَرُ بِالدَّنَانِيرِ تَحَالَفَا وَلَزِمَ الْمُشْتَرِيَ رَدُّ الْقِيمَةِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الدَّلِيلَ النَّقْلِيَّ وَالْعَقْلِيَّ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا، فَإِلْحَاقُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ جَمْعٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: حَكَمَ الشَّرْعُ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ فَسَادُ الْوَضْعِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» يُوجِبُ الْيَمِينَ عَلَى الْمُشْتَرِي خَاصَّةً لِأَنَّ الْمُنْكِرَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ» وَلَا مَعْنَى لِمَا قِيلَ إنَّهُ مَذْكُورٌ عَلَى سَبِيلِ التَّنْبِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْنًى مَقْصُودٍ بَلْ هُوَ كَالتَّأْكِيدِ، وَالتَّأْسِيسُ أَوْلَى عَلَى أَنَّهُ إمَّا مَعْطُوفٌ عَلَى الشَّرْطِ أَوْ حَالٌ فَيَكُونُ مَذْكُورًا عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ التَّحَالُفَ بَعْدَ الْقَبْضِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لَمَّا سَلَّمَ لِلْمُشْتَرِي مَا يَدَّعِيهِ، وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ حَالَ قِيَامِ السِّلْعَةِ لِمَا ذَكَرْنَا فَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَلْيَكُنْ مُلْحَقًا بِالدَّلَالَةِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ وَالتَّحَالُفُ فِيهِ: أَيْ فِي حَالِ الْقِيَامِ يُفْضِي إلَى الْفَسْخِ فَيَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرَرُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِرَدِّ رَأْسِ مَالِهِ بِعَيْنِهِ إلَيْهِ، وَلَا كَذَلِكَ بَعْدَ هَلَاكِهَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ بِالْإِقَالَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَكَذَا بِالتَّحَالُفِ فَلَيْسَ فِي مَعْنَاهُ فَبَطَلَ الْإِلْحَاقُ بِالدَّلَالَةِ أَيْضًا

وَالتَّحَالُفُ فِيهِ يُفْضِي إلَى الْفَسْخِ، وَلَا كَذَلِكَ بَعْدَ هَلَاكِهَا لِارْتِفَاعِ الْعَقْدِ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَاهُ وَلِأَنَّهُ لَا يُبَالِي بِالِاخْتِلَافِ فِي السَّبَبِ بَعْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَإِنَّمَا يُرَاعَى مِنْ الْفَائِدَةِ مَا يُوجِبُهُ الْعَقْدُ، وَفَائِدَةُ دَفْعِ زِيَادَةِ الثَّمَنِ لَيْسَتْ مِنْ مُوجِبَاتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ لَا يُبَالِي) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي غَيْرَ الْعَقْدِ الَّذِي يَدَّعِيهِ صَاحِبُهُ وَهُوَ قَوْلٌ بِمُوجَبِ الْعِلَّةِ: أَيْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ، لَكِنْ لَا يَضُرُّنَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ اخْتِلَافَ السَّبَبِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ إذَا أَفْضَى إلَى التَّنَاكُرِ، وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُشْتَرِي وَهُوَ تَمَلُّكُ الْمَبِيعِ قَدْ حَصَلَ بِقَبْضِهِ وَتَمَّ بِهَلَاكِهِ، وَلَيْسَ يَدَّعِي عَلَى الْبَائِعِ شَيْئًا يُنْكِرُهُ لِيَجِبَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَنُوقِضَ بِحَالِ قِيَامِ السِّلْعَةِ وَبِمَا إذَا اخْتَلَفَا بَيْعًا وَهِبَةً، فَإِنَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْمَقْصُودَ حَاصِلٌ وَالتَّحَالُفَ مَوْجُودٌ لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِثُبُوتِهِ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ وَالْمَذْكُورِ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. وَقَوْلُهُ (وَإِنَّمَا يُرَاعَى) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا وَأَنَّهُ يُفِيدُ دَفْعَ زِيَادَةِ الثَّمَنِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمُرَاعَى مِنْ الْفَائِدَةِ مَا يَكُونُ مِنْ مُوجِبَاتِ الْعَقْدِ وَمَا ذَكَرْتُمْ

وَهَذَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ دَيْنًا، فَإِنْ كَانَ عَيْنًا يَتَحَالَفَانِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ قَائِمٌ فَتُوَفَّرُ فَائِدَةُ الْفَسْخِ ثُمَّ يَرُدُّ مِثْلَ الْهَالِكِ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ أَوْ قِيمَتَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ. قَالَ (وَإِنْ هَلَكَ أَحَدُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْسَ مِنْهَا فَإِنَّهُ مِنْ مُوجِبَاتِ النُّكُولِ، وَالنُّكُولُ مِنْ مُوجِبَاتِ التَّحَالُفِ، وَالتَّحَالُفُ لَيْسَ مِنْ مُوجِبَاتِ الْعَقْدِ فَلَا يُتْرَكُ بِهِ مَا هُوَ مِنْ مُوجِبَاتِهِ. وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ مِلْكِ الْمَبِيعِ وَقَبْضِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّا قَدْ اعْتَبَرْنَا حَالَ قِيَامِ السِّلْعَةِ التَّرَادَّ فَائِدَةَ التَّحَالُفِ، وَلَيْسَ التَّحَالُفُ مِنْ مُوجِبَاتِ الْعَقْدِ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ (وَهَذَا) أَيْ هَذَا الِاخْتِلَافُ (إذَا كَانَ الثَّمَنُ دَيْنًا) ثَابِتًا فِي الذِّمَّةِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ الْمَوْصُوفَةِ الثَّابِتَةِ فِي الذِّمَّةِ (فَأَمَّا إذَا كَانَ عَيْنًا) بِأَنْ كَانَ الْعَقْدُ مُقَايَضَةً وَهَلَكَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ، فَإِنَّهُمَا (يَتَحَالَفَانِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ قَائِمٌ فَتَتَوَفَّرُ فَائِدَةُ الْفَسْخِ) وَهُوَ التَّرَادُّ (ثُمَّ يُرَدُّ مِثْلُ الْهَالِكِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ قِيمَتُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ) قَالَ (وَإِنْ هَلَكَ أَحَدُ

الْعَبْدَيْنِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ لَمْ يَتَحَالَفَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَتْرُكَ حِصَّةَ الْهَالِكِ مِنْ الثَّمَنِ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْعَبْدَ الْحَيَّ وَلَا شَيْءَ لَهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَتَحَالَفَانِ فِي الْحَيِّ وَيُفْسَخُ الْعَقْدُ فِي الْحَيِّ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَبْدَيْنِ ثُمَّ اخْتَلَفَا إلَخْ) وَإِذَا بَاعَ الرَّجُلُ عَبْدَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَقَبَضَهُمَا الْمُشْتَرِي فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْتهمَا مِنْك بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتهمَا مِنْك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لَمْ يَتَحَالَفَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَتْرُكَ حِصَّةَ الْهَالِكِ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْحَيَّ وَلَا شَيْءَ لَهُ) وَاخْتِلَافُ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي اللَّفْظِ لَا يَخْفَى. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي تَوْجِيهِ قَوْلِهِ أَنْ يَتْرُكَ حِصَّةَ الْهَالِكِ، وَقَوْلِهِ أَنْ يَأْخُذَ الْحَيَّ وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَفِي مَصْرِفِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا قَالُوا: مَعْنَى الْأَوَّلِ أَنْ يَخْرُجَ الْهَالِكُ مِنْ الْعَقْدِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَصَارَ الثَّمَنُ كُلُّهُ بِمُقَابِلِ الْقَائِمِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ يَنْصَرِفُ إلَى التَّحَالُفِ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ فِي الْكَلَامِ فَكَانَ تَقْدِيرُ كَلَامِهِ لَمْ يَتَحَالَفَا إلَّا إذَا تَرَكَ الْبَائِعُ حِصَّةَ الْهَالِكِ فَيَتَحَالَفَانِ، وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَأْخُذُ الْحَيَّ وَلَا شَيْءَ لَهُ مَعْنَاهُ: لَا يَأْخُذُ مِنْ ثَمَنِ الْهَالِكِ شَيْئًا أَصْلًا وَعَلَى هَذَا عَامَّتُهُمْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ لَمْ يَتَحَالَفَا، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْحَيَّ وَلَا يَأْخُذَ مِنْ ثَمَنِ الْهَالِكِ شَيْئًا آخَرَ زَائِدًا عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُشْتَرِي، وَعَلَى هَذَا يَنْصَرِفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى يَمِينِ الْمُشْتَرِي لَا إلَى التَّحَالُفِ، لِأَنَّهُ لَمَّا أَخَذَ الْبَائِعُ بِقَوْلِ الْمُشْتَرِي وَصَدَّقَهُ لَا يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ أَخْذَ الْحَيِّ لَمْ يَكُنْ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ عَنْ الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ، بَلْ بِطَرِيقِ تَصْدِيقِ الْمُشْتَرِي فِي قَوْلِهِ وَتَرْكِ مَا يَدَّعِيهِ عَلَيْهِ وَهُوَ أَوْلَى لِمَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إنَّهُ لَوْ كَانَ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ لَكَانَ مُعَلَّقًا بِمَشِيئَتِهَا. قِيلَ: وَالصَّحِيحُ هُوَ الثَّانِي لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَتْرُكُ مِنْ ثَمَنِ الْمَيِّتِ شَيْئًا مِمَّا أَقَرَّ بِهِ الْمُشْتَرِي، إنَّمَا يَتْرُكُ دَعْوَى الزِّيَادَةِ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَتَحَالَفَانِ فِي الْحَيِّ وَيُفْسَخُ الْعَقْدُ فِي الْحَيِّ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي

فِي قِيمَةِ الْهَالِكِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَتَحَالَفَانِ عَلَيْهِمَا وَيَرُدُّ الْحَيَّ وَقِيمَةَ الْهَالِكِ) لِأَنَّ هَلَاكَ كُلِّ السِّلْعَةِ لَا يَمْنَعُ التَّحَالُفَ عِنْدَهُ فَهَلَاكُ الْبَعْضِ أَوْلَى. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ امْتِنَاعَ التَّحَالُفِ لِلْهَلَاكِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّحَالُفَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي حَالِ قِيَامِ السِّلْعَةِ وَهِيَ اسْمٌ لِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا فَلَا تَبْقَى السِّلْعَةُ بِفَوَاتِ بَعْضِهَا، وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَالُفُ فِي الْقَائِمِ إلَّا عَلَى اعْتِبَارِ حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقِسْمَةِ وَهِيَ تُعْرَفُ بِالْحَذَرِ وَالظَّنِّ فَيُؤَدِّي إلَى التَّحَالُفِ مَعَ الْجَهْلِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي قِيمَةِ الْهَالِكِ) وَقَوْلُهُ فِي تَحْرِيرِ الْمَذَاهِبِ يَتَحَالَفَانِ فِي الْحَيِّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ عَلَى مَا سَيَأْتِي (وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَتَحَالَفَانِ عَلَيْهِمَا) وَيُفْسَخُ الْعَقْدُ فِيهِمَا (وَيَرُدُّ الْحَيَّ وَقِيمَةَ الْهَالِكِ لِأَنَّ هَلَاكَ كُلِّ السِّلْعَةِ لَا يَمْنَعُ التَّحَالُفَ عِنْدَهُ فَهَلَاكُ الْبَعْضِ أَوْلَى) وَالْجَوَابُ أَنَّ هَلَاكَ الْبَعْضِ مُحْوِجٌ إلَى مَعْرِفَةِ الْقِيمَةِ بِالْحَزْرِ وَذَلِكَ مُجْهَلٌ فِي الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ (وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ امْتِنَاعَ التَّحَالُفِ لِلْهَلَاكِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ) وَالْجَوَابُ هُوَ الْجَوَابُ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّحَالُفَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي حَالِ قِيَامِ السِّلْعَةِ وَهِيَ اسْمٌ لِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا) وَالْجَمِيعُ لَا يَبْقَى بِفَوَاتِ الْبَعْضِ فَلَا يَتَعَدَّى إلَيْهِ وَلَا يُلْحَقُ بِهِ بِالدَّلَالَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، لِأَنَّ التَّحَالُفَ فِي الْقَائِمِ لَا يُمْكِنُ إلَّا عَلَى اعْتِبَارِ حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْقِسْمَةِ وَهِيَ تُعْرَفُ بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ فَتُؤَدِّي إلَى التَّحَالُفِ مَعَ الْجَهْلِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَتَفْطِنُ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ أَحَدَ الدَّلِيلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْمَتْنِ لِإِثْبَاتِ الْمُدَّعَى بِنَفْيِ الْقِيَاسِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى الْجَوَابِ عَنْ

إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَتْرُكَ حِصَّةَ الْهَالِكِ أَصْلًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ الثَّمَنُ كُلُّهُ بِمُقَابَلَةِ الْقَائِمِ وَيَخْرُجُ الْهَالِكُ عَنْ الْعَقْدِ فَيَتَحَالَفَانِ. هَذَا تَخْرِيجُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَيُصْرَفُ الِاسْتِثْنَاءُ عِنْدَهُمْ إلَى التَّحَالُفِ كَمَا ذَكَرْنَا وَقَالُوا: إنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَأْخُذُ الْحَيَّ وَلَا شَيْءَ لَهُ، مَعْنَاهُ: لَا يَأْخُذُ مِنْ ثَمَنِ الْهَالِكِ شَيْئًا أَصْلًا. وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: يَأْخُذُ مِنْ ثَمَنِ الْهَالِكِ بِقَدْرِ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُشْتَرِي، وَإِنَّمَا لَا يَأْخُذُ الزِّيَادَةَ. وَعَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ يَنْصَرِفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى يَمِينِ الْمُشْتَرِي لَا إلَى التَّحَالُفِ، لِأَنَّهُ لَمَّا أَخَذَ الْبَائِعُ بِقَوْلِ الْمُشْتَرِي فَقَدْ صَدَّقَهُ فَلَا يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي، ـــــــــــــــــــــــــــــQمَسْأَلَةِ الْإِجَارَةِ، فَإِنَّ الْقَصَّارَ مَثَلًا إذَا أَقَامَ بَعْضَ الْعَمَلِ فِي الثَّوْبِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْأُجْرَةِ فَفِي حِصَّةِ الْعَمَلِ الْقَوْلُ لِرَبِّ الثَّوْبِ مَعَ يَمِينِهِ، وَفِي حِصَّةِ مَا بَقِيَ يَتَحَالَفَانِ بِالْإِجْمَاعِ، فَكَانَ اسْتِيفَاءُ بَعْضِ الْمَنْفَعَةِ كَهَلَاكِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ. وَفِيهِ التَّحَالُفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا دُونَ هَلَاكِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ السِّلْعَةَ فِي الْبَيْعِ وَاحِدَةٌ، فَإِذَا تَعَذَّرَ الْفَسْخُ بِالْهَلَاكِ فِي الْبَعْضِ تَعَذَّرَ فِي الْبَاقِي. وَأَمَّا الْإِجَارَةُ فَهِيَ عُقُودٌ مُتَفَرِّقَةٌ تَتَجَدَّدُ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْعَمَلِ بِمَنْزِلَةِ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ عَلَى حِدَةٍ فَبِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ فِي بَعْضٍ لَا يَتَعَذَّرُ فِي الْبَاقِي.

ثُمَّ تَفْسِيرُ التَّحَالُفِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْقَائِمِ. وَإِذَا حَلَفَا وَلَمْ يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا الْفَسْخَ أَوْ كِلَاهُمَا يُفْسَخُ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا وَيَأْمُرُ الْقَاضِي الْمُشْتَرِيَ بِرَدِّ الْبَاقِي وَقِيمَةِ الْهَالِكِ. وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَيْتُهُمَا بِمَا يَدَّعِيهِ الْبَائِعُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالثَّانِي يَنْفِي الْإِلْحَاقَ بِالدَّلَالَةِ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى الْجَوَابِ عَنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ كَمَا ذَكَرْنَاهُ (ثُمَّ تَفْسِيرُ التَّحَالُفِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْقَائِمِ) وَهُوَ قَوْلُهُ وَصِفَةُ الْيَمِينِ أَنْ يَحْلِفَ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهُ بِأَلْفٍ إلَخْ، وَإِنَّمَا لَمْ تَخْتَلِفْ صِفَةُ التَّحَالُفِ عِنْدَهُ فِي الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّ قِيَامَ السِّلْعَةِ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطِ التَّحَالُفِ (فَإِذَا لَمْ يَتَّفِقَا وَحَلَفَا ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا الْفَسْخَ يُفْسَخُ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا وَيَأْمُرُ الْقَاضِي الْمُشْتَرِيَ بِرَدِّ الْبَاقِي وَقِيمَةِ الْهَالِكِ) وَالْقَوْلُ فِي الْقِيمَةِ قَوْلُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ زِيَادَةَ قِيمَةٍ وَهُوَ يُنْكِرُ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ (وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ) فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَتَحَالَفَانِ عَلَى الْقَائِمِ لَا غَيْرُ لِأَنَّ الْعَقْدَ يُفْسَخُ فِي الْقَائِمِ لَا فِي الْهَالِكِ، وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَيْت الْقَائِمَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْبَائِعُ كَانَ صَادِقًا، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا بِعْت الْقَائِمَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْمُشْتَرِي صُدِّقَ فَلَا يُفِيدُ التَّحَالُفَ (وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَيْتهمَا بِمَا يَدَّعِيهِ الْبَائِعُ،

فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى الْبَائِعِ، وَإِنْ حَلَفَ يَحْلِفُ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا بِعْتُهُمَا بِالثَّمَنِ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ حَلَفَ يَفْسَخَانِ الْعَقْدَ فِي الْقَائِمِ وَتَسْقُطُ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِي حِصَّةَ الْهَالِكِ وَيُعْتَبَرُ قِيمَتُهُمَا فِي الِانْقِسَامِ يَوْمَ الْقَبْضِ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْهَالِكِ يَوْمَ الْقَبْضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى الْبَائِعِ، وَإِنْ حَلَفَ يَحْلِفُ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا بِعْتهمَا بِالثَّمَنِ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ حَلَفَ يَفْسَخَانِ الْعَقْدَ فِي الْقَائِمِ وَتَسْقُطُ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ حِصَّةُ الْهَالِكِ) مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي يُقِرُّ بِهِ الْمُشْتَرِي، وَلَا يَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْهَالِكِ لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَجِبُ إذَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَالْعَقْدُ فِي الْهَالِكِ لَمْ يَنْفَسِخْ عِنْدَهُ (وَيُعْتَبَرُ قِيمَتُهُمَا فِي الِانْقِسَامِ يَوْمَ الْقَبْضِ) يَعْنِي يُقْسَمُ الثَّمَنُ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَبْدِ الْقَائِمِ وَالْهَالِكِ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمَا يَوْمَ الْقَبْضِ فَإِنْ اتَّفَقَا أَنَّ قِيمَتَهُمَا يَوْمَ الْقَبْضِ كَانَتْ وَاحِدَةً يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي نِصْفُ الثَّمَنِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ الْمُشْتَرِي وَيَسْقُطُ عَنْهُ نِصْفُ الثَّمَنِ، وَإِنْ تَصَادَقَا أَنَّ قِيمَتَهُمَا يَوْمَ الْقَبْضِ كَانَتْ عَلَى التَّفَاوُتِ، فَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ قِيمَةَ الْهَالِكِ كَانَتْ عَلَى النِّصْفِ مِنْ قِيمَةِ الْقَائِمِ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي ثُلُثُ مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ الثَّمَنِ (وَإِنْ اخْتَلَفَا) فِي ذَلِكَ فَقَالَ الْمُشْتَرِي كَانَتْ قِيمَةُ الْقَائِمِ يَوْمَ الْقَبْضِ أَلْفًا وَقِيمَةُ الْهَالِكِ خَمْسَمِائَةٍ وَقَالَ الْبَائِعُ عَلَى الْعَكْسِ (فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ) لِأَنَّ الثَّمَنَ قَدْ وَجَبَ بِاتِّفَاقِهِمَا ثُمَّ الْمُشْتَرِي يَدَّعِي زِيَادَةَ السُّقُوطِ. بِنُقْصَانِ قِيمَةِ الْهَالِكِ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُهُ، وَطُولِبَ بِوَجْهِ تَعَيُّنِ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ دُونَ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْعَقْدِ وَالْمَبِيعُ يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْعَقْدِ فِي حَقِّ انْقِسَامِ الثَّمَنِ، دَلَّ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ الزِّيَادَاتِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: قِيمَةُ الْأُمِّ يَوْمَ الْعَقْدِ، وَقِيمَةُ الزِّيَادَةِ يَوْمَ الزِّيَادَةِ، وَقِيمَةُ الْوَلَدِ يَوْمَ الْقَبْضِ، لِأَنَّ الْأُمَّ صَارَتْ مَقْصُودَةً بِالْعَقْدِ وَالزِّيَادَةُ بِالزِّيَادَةِ وَالْوَلَدُ بِالْقَبْضِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَبْدَيْنِ هُنَا صَارَ مَقْصُودًا بِالْعَقْدِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ قِيمَتِهِمَا يَوْمَ الْعَقْدِ لَا يَوْمَ الْقَبْضِ. وَقَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ: هَذَا إشْكَالٌ هَائِلٌ أَوْرَدْته عَلَى كُلِّ قَرْمٍ نِحْرِيرٍ فَلَمْ يَهْتَدِ أَحَدٌ إلَى جَوَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَاَلَّذِي تَخَايَلَ لِي بَعْدَ طُولِ التَّجَشُّمِ أَنَّ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ الْمَسَائِلِ لَمْ يَتَحَقَّقْ مَا يُوجِبُ الْفَسْخَ فِيمَا صَارَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَقْصُودًا بِالْعَقْدِ، وَفِيمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ تَحَقَّقَ مَا يُوجِبُ الْفَسْخَ فِيمَا صَارَ مَقْصُودًا بِالْعَقْدِ وَهُوَ التَّحَالُفُ، أَمَّا فِي الْحَيِّ مِنْهُمَا فَظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ فِي الْمَيِّتِ مِنْهُمَا، لِأَنَّهُ إنْ تَعَذَّرَ الْفَسْخُ مِنْ الْهَالِكِ لِمَكَانِ الْهَلَاكِ لَمْ يَتَعَذَّرْ اعْتِبَارُ مَا هُوَ مِنْ لَوَازِمِ الْفَسْخِ فِي الْهَالِكِ وَهُوَ اعْتِبَارُ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ، لِأَنَّ الْهَالِكَ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ عَلَى تَقْدِيرِ الْفَسْخِ فِيهِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ حَتَّى قَالَ: يَضْمَنُ الْمُشْتَرِي قِيمَةَ الْهَالِكِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّحَالُفِ عِنْدَهُ، فَيَجِبُ إعْمَالُ التَّحَالُفِ فِي اعْتِبَارِ قِيمَةِ الْهَالِكِ يَوْمَ الْقَبْضِ فَلِهَذَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُمَا

وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ. وَإِنْ أَقَامَاهَا فَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ أَوْلَى) وَهُوَ قِيَاسُ مَا ذُكِرَ فِي بُيُوعِ الْأَصْلِ (اشْتَرَى عَبْدَيْنِ وَقَبَضَهُمَا ثُمَّ رَدَّ أَحَدَهُمَا بِالْعَيْبِ وَهَلَكَ الْآخَرُ عِنْدَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ثَمَنُ مَا هَلَكَ عِنْدَهُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ ثَمَنُ مَا رَدَّهُ وَيَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَتِهِمَا. فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْهَالِكِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ) لِأَنَّ الثَّمَنَ قَدْ وَجَبَ بِاتِّفَاقِهِمَا ثُمَّ الْمُشْتَرِي يَدَّعِي زِيَادَةَ السُّقُوطِ بِنُقْصَانِ قِيمَةِ الْهَالِكِ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُهُ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ (وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ أَوْلَى) لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا ظَاهِرًا لِإِثْبَاتِهَا الزِّيَادَةَ فِي قِيمَةِ الْهَالِكِ وَهَذَا لِفِقْهٍ. وَهُوَ أَنَّ فِي الْأَيْمَانِ تُعْتَبَرُ الْحَقِيقَةُ لِأَنَّهَا تَتَوَجَّهُ عَلَى أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ وَهُمَا يَعْرِفَانِ حَقِيقَةَ الْحَالِ فَبُنِيَ الْأَمْرُ عَلَيْهَا وَالْبَائِعُ مُنْكِرٌ حَقِيقَةً فَلِذَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQيَوْمَ الْقَبْضِ. هَذَا مَا قَالَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَغَيْرُهُ مِنْ الشَّارِحِينَ. وَأَقُولُ: الْأَصْلُ فِيمَا هَلَكَ وَكَانَ مَقْصُودًا بِالْعَقْدِ أَنْ تُعْتَبَرَ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْعَقْدِ، إلَّا إذَا وُجِدَ مَا يُوجِبُ فَسْخَ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ تُعْتَبَرُ حِينَئِذٍ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ، لِأَنَّهُ لَمَّا انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَهُوَ مَقْبُوضٌ عَلَى جِهَةِ الضَّمَانِ تَعَيَّنَ اعْتِبَارُ قِيمَتِهِ يَوْمَ قَبْضِهِ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَمَّا كَانَتْ الصَّفْقَةُ وَاحِدَةً وَانْفَسَخَ الْعَقْدُ فِي الْقَائِمِ دُونَ الْهَالِكِ صَارَ الْعَقْدُ مَفْسُوخًا فِي الْهَالِكِ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ الصَّفْقَةِ غَيْرَ مَفْسُوخٍ نَظَرًا إلَى وُجُودِ الْمَانِعِ وَهُوَ الْهَلَاكُ فَعَمِلْنَا فِيهِ بِالْوَجْهَيْنِ، وَقُلْنَا بِلُزُومِ الْحِصَّةِ مِنْ الثَّمَنِ نَظَرًا إلَى عَدَمِ الِانْفِسَاخِ وَبِانْقِسَامِهِ عَلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ نَظَرًا إلَى الِانْفِسَاخِ (وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ) لِأَنَّهُ نَوَّرَ دَعْوَاهُ بِالْحُجَّةِ (وَإِنْ أَقَامَاهَا فَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ أَوْلَى) لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا لِإِثْبَاتِهَا الزِّيَادَةَ فِي قِيمَةِ الْهَالِكِ، وَلَا مُعْتَبَرَ لِدَعْوَى الْمُشْتَرِي زِيَادَةً فِي قِيمَةِ الْقَائِمِ لِأَنَّهَا ضِمْنِيَّةٌ، وَالِاخْتِلَافُ الْمَقْصُودُ هُوَ مَا كَانَ فِي قِيمَةِ الْهَالِكِ. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَا هُوَ عَلَى قِيَاسِهِ مِنْ بُيُوعِ الْأَصْلِ وَهُوَ ظَاهِرٌ مِمَّا ذَكَرْنَا وَذَكَرَ الْفِقْهُ فِي أَنَّ الْقَوْلَ هَاهُنَا قَوْلُ الْبَائِعِ، وَالْبَيِّنَةُ أَيْضًا بَيِّنَتُهُ مَعَ أَنَّ الْمَعْهُودَ خِلَافُ ذَلِكَ، إذْ الْبَائِعُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُدَّعِيًا أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ إذَا أَنْكَرَ، فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا جَمْعٌ بَيْنَ الْمُتَنَافِيَيْنِ، وَذَلِكَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْيَمِينِ وَالْبَيِّنَةِ يَنْبَنِي عَلَى أَمْرٍ جَازَ أَنْ يَجْتَمِعَ مَعَ الْآخَرِ بِاعْتِبَارَيْنِ فَجَازَ اجْتِمَاعُهُمَا كَذَلِكَ،

وَفِي الْبَيِّنَاتِ يُعْتَبَرُ الظَّاهِرُ لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ لَا يَعْلَمَانِ حَقِيقَةَ الْحَالِ فَاعْتُبِرَ الظَّاهِرُ فِي حَقِّهِمَا وَالْبَائِعُ مُدَّعٍ ظَاهِرًا فَلِهَذَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ أَيْضًا وَتَتَرَجَّحُ بِالزِّيَادَةِ الظَّاهِرَةِ عَلَى مَا مَرَّ، وَهَذَا يُبَيِّنُ لَك مَعْنَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَقَبَضَهَا ثُمَّ تَقَايَلَا ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَعُودُ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ) وَنَحْنُ مَا أَثْبَتْنَا التَّحَالُفَ فِيهِ بِالنَّصِّ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَالْإِقَالَةُ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَمَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى حَقِيقَةِ الْحَالِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْإِقْدَامُ عَلَى الْقَسَمِ بِجَهَالَةٍ، وَمَبْنَى الْبَيِّنَاتِ عَلَى الظَّاهِرِ لِأَنَّ الشَّاهِدَ يُخْبِرُ عَنْ فِعْلِ غَيْرِهِ لَا عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْحَالُ فِي الْوَاقِعِ عَلَى خِلَافِ مَا ظَهَرَ عِنْدَهُ بِهَزْلٍ أَوْ تَلْجِئَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَإِذَا ظَهَرَ هَذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ حَقِيقَةً إذْ هُوَ أَعْلَمُ بِحَالِ نَفْسِهِ، وَأَنْ تُقْبَلَ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ فِي الظَّاهِرِ. وَإِذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ تَتَرَجَّحُ بِالزِّيَادَةِ الظَّاهِرَةِ عَلَى مَا مَرَّ، وَفِي كَلَامِهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ عَلَّلَ اعْتِبَارَ الْحَقِيقَةِ فِي الْأَيْمَانِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهَا تَتَوَجَّهُ عَلَى أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ وَهُمَا يَعْرِفَانِ حَقِيقَةَ. الْحَالِ فَهُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى الْمُدَّعِي، فَإِنَّ تَوَجُّهَ الْيَمِينِ عَلَى أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ دُونَ الْوَكِيلِ وَالنَّائِبِ إنَّمَا هُوَ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْأَيْمَانِ هُوَ الْحَقِيقَةُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ دَلِيلٌ لَا تَعْلِيلٌ، وَالْفَرْقُ بَيِّنٌ عِنْدَ الْمُحَصَّلَيْنِ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ مَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ (يُبَيِّنُ مَعْنَى مَا ذَكَرْنَاهُ) مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي التَّحَالُفِ وَتَفْرِيعَاتِهِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ . قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً إلَخْ) وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَنَقَدَ ثَمَنَهَا وَقَبَضَهَا ثُمَّ تَقَايَلَا وَلَمْ يَقْبِضْ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْإِقَالَةِ حَتَّى اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَعُودُ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ حَتَّى يَكُونَ حَقُّ الْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ وَحَقُّ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ كَمَا كَانَ قَبْلَ الْإِقَالَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْفَسْخِ سَوَاءٌ فَسَخَاهَا بِأَنْفُسِهِمَا أَوْ فَسَخَهَا الْقَاضِي لِأَنَّهَا كَالْبَيْعِ لَا تَنْفَسِخُ إلَّا بِالْفَسْخِ. فَإِنْ قِيلَ: النَّصُّ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْإِقَالَةَ فَمَا وَجْهُ جَرَيَانِ التَّحَالُفِ فِيهَا؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَنَحْنُ مَا أَثْبَتْنَا التَّحَالُفَ بِالنَّصِّ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَالْإِقَالَةُ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ) فَلَا تَدْخُلُ تَحْتَهُ

وَإِنَّمَا أَثْبَتْنَاهُ بِالْقِيَاسِ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْقِيَاسُ يُوَافِقُهُ عَلَى مَا مَرَّ وَلِهَذَا نَقِيسُ الْإِجَارَةَ عَلَى الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْوَارِثَ عَلَى الْعَاقِدِ وَالْقِيمَةَ عَلَى الْعَيْنِ فِيمَا إذَا اسْتَهْلَكَهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ غَيْرُ الْمُشْتَرِي. قَالَ (وَلَوْ قَبَضَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْإِقَالَةِ فَلَا تَحَالُفَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) لِأَنَّهُ يَرَى النَّصَّ مَعْلُولًا بَعْدَ الْقَبْضِ أَيْضًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنَّمَا أَثْبَتْنَاهُ بِالْقِيَاسِ لِأَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِقَالَةِ مَفْرُوضَةٌ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالْقِيَاسُ يُوَافِقُهُ عَلَى مَا مَرَّ وَلِهَذَا نَقِيسُ الْإِجَارَةَ) إذَا اخْتَلَفَ الْآجِرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي الْأُجْرَةِ (عَلَى الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْوَارِثَ عَلَى الْعَاقِدِ) إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ (وَالْقِيمَةَ عَلَى الْعَيْنِ فِيمَا إذَا اسْتَهْلَكَهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ غَيْرِ الْمُشْتَرِي) يَعْنِي اسْتَهْلَكَ غَيْرُ الْمُشْتَرِي الْعَيْنَ الْمَبِيعَةَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَضَمِنَ الْقِيمَةَ قَامَتْ الْقِيمَةُ مَقَامَ الْعَيْنِ الْمُسْتَهْلَكَةِ. فَإِنْ اخْتَلَفَ الْعَاقِدَانِ فِي الْقِيمَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَجْرِي التَّحَالُفُ بَيْنَهُمَا بِالْقِيَاسِ عَلَى جَرَيَانِ التَّحَالُفِ عِنْدَ بَقَاءِ الْعَيْنِ الْمُشْتَرَى لِكَوْنِ النَّصِّ إذْ ذَاكَ مَعْقُولَ الْمَعْنَى (وَلَوْ قَبَضَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْإِقَالَةِ فَلَا تَحَالُفَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ يَرَى النَّصَّ مَعْلُولًا بَعْدَ الْقَبْضِ أَيْضًا) لِأَنَّهُ مَعْلُولٌ بِوُجُودِ الْإِنْكَارِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ لِمَا يَدَّعِيهِ الْآخَرُ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَفَاوَتُ بَيْنَ كَوْنِ الْمَبِيعِ مَقْبُوضًا أَوْ غَيْرَ مَقْبُوضٍ.

قَالَ (وَمَنْ أَسْلَمَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ ثُمَّ تَقَايَلَا ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ وَلَا يَعُودُ السَّلَمُ) لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فِي بَابِ السَّلَمِ لَا تَحْتَمِلُ النَّقْضَ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ فَلَا يَعُودُ السَّلَمُ، بِخِلَافِ الْإِقَالَةِ فِي الْبَيْعِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ لَوْ كَانَ عَرَضًا فَرَدَّهُ بِالْعَيْبِ وَهَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى رَبِّ السَّلَمِ لَا يَعُودُ السَّلَمُ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ يَعُودُ الْبَيْعُ دَلَّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا. قَالَ (وَإِذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي الْمَهْرِ فَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِأَلْفٍ وَقَالَتْ تَزَوَّجَنِي بِأَلْفَيْنِ فَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ) لِأَنَّهُ نَوَّرَ دَعْوَاهُ بِالْحُجَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَمَنْ أَسْلَمَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ إلَخْ) وَمَنْ أَسْلَمَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي كُرٍّ حِنْطَةً ثُمَّ تَقَايَلَا ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ لَا يَتَحَالَفَانِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَلَا يَعُودُ السَّلَمُ، لِأَنَّ فَائِدَةَ التَّحَالُفِ الْفَسْخُ وَالْإِقَالَةُ فِي بَابِ السَّلَمِ لَا تَحْتَمِلُهُ لِكَوْنِهِ فِيهِ إسْقَاطُ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَهُوَ دَيْنٌ وَالدَّيْنُ السَّاقِطُ لَا يَعُودُ، بِخِلَافِ الْإِقَالَةِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَيَعُودُ الْبَيْعُ لِكَوْنِهِ عَيْنًا إلَى الْمُشْتَرِي بَعْدَ عَوْدِهِ إلَى الْبَائِعِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ لَوْ كَانَ عَرْضًا فَرَدَّهُ بِالْعَيْبِ يَعْنِي قَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ وَهَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى رَبِّ السَّلَمِ لَا تُرْفَعُ الْإِقَالَةُ وَلَا يَعُودُ السَّلَمُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ عَادَ الْبَيْعُ، وَإِنَّمَا كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ لِأَنَّ رَبَّ السَّلَمِ يَدَّعِي عَلَيْهِ زِيَادَةً مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَهُوَ يُنْكِرُ، وَأَمَّا هُوَ فَلَا يَدَّعِي عَلَى رَبِّ السَّلَمِ شَيْئًا لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ قَدْ سَقَطَ بِالْإِقَالَةِ. قَبْلَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَدْ فَاتَ فِي إقَالَةِ السَّلَمِ وَفِيمَا إذَا هَلَكَتْ السِّلْعَةُ ثُمَّ اخْتَلَفَا، فَمَا الْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ فِي إجْرَاءِ التَّحَالُفِ فِي صُورَةِ هَلَاكِ السِّلْعَةِ دُونَ إقَالَةِ السَّلَمِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْإِقَالَةَ فِي السَّلَمِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالتَّحَالُفُ بَعْدَ هَلَاكِ السِّلْعَةِ يَجْرِي فِي الْبَيْعِ لَا فِي الْفَسْخِ. قَالَ (وَإِذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي الْمَهْرِ إلَخْ) إذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ

(وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ) لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ، مَعْنَاهُ إذَا كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَقَلَّ مِمَّا ادَّعَتْهُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ تَحَالَفَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ) لِأَنَّ أَثَرَ التَّحَالُفِ فِي انْعِدَامِ التَّسْمِيَةِ، وَأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الْمَهْرَ تَابِعٌ فِيهِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ عَدَمَ التَّسْمِيَةِ يُفْسِدُهُ عَلَى مَا مَرَّ فَيُفْسَخُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْمَهْرِ فَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِأَلْفٍ وَقَالَتْ تَزَوَّجَنِي بِأَلْفَيْنِ فَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّهُ نَوَّرَ دَعْوَاهُ بِالْحُجَّةِ. أَمَّا قَبُولُ بَيِّنَةِ الْمَرْأَةِ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهَا تَدَّعِي الزِّيَادَةَ، وَإِنَّمَا الْإِشْكَالُ فِي قَبُولِ بَيِّنَةِ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ فَكَانَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ لَا الْبَيِّنَةُ، وَإِنَّمَا قُبِلَتْ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ فِي الصُّورَةِ وَهِيَ كَافِيَةٌ لِقَبُولِهَا كَمَا ذَكَرْنَا (وَإِنْ أَقَامَا) فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَقَلَّ مِمَّا ادَّعَتْهُ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ (فَالْبَيِّنَةُ لِلْمَرْأَةِ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ) وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَالْبَيِّنَةُ لِلزَّوْجِ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْحَطَّ وَبَيِّنَتُهَا لَا تُثْبِتُ شَيْئًا لِثُبُوتِ مَا ادَّعَتْهُ بِشَهَادَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ (وَإِنْ عَجَزَا عَنْهَا تَحَالَفَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ لِأَنَّ أَثَرَ التَّحَالُفِ فِي انْعِدَامِ التَّسْمِيَةِ وَإِنَّهُ لَا يُخِلُّ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الْمَهْرَ تَابِعٌ فِيهِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ عَدَمَ التَّسْمِيَةِ يُخِلُّ بِصِحَّتِهِ) لِبَقَائِهِ بِلَا ثَمَنٍ وَهُوَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ (فَيَنْفَسِخُ) الْبَيْعُ. فَإِنْ قِيلَ: التَّحَالُفُ مَشْرُوعٌ فِي الْبَيْعِ وَالنِّكَاحُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ سَلَّمْنَاهُ، لَكِنَّ فَائِدَتَهُ فَسْخُ الْعَقْدِ وَالنِّكَاحُ هَاهُنَا

(وَلَكِنْ يَحْكُمُ مَهْرُ الْمِثْلِ، فَإِنْ كَانَ مِثْلَ مَا اعْتَرَفَ بِهِ الزَّوْجُ أَوْ أَقَلَّ قَضَى بِمَا قَالَ الزَّوْجُ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ (وَإِنْ كَانَ مِثْلَ مَا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُفْسَخُ. أُجِيبَ بِأَنَّ مُوجِبَهُ فِي الْبَيْعِ كَوْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مُدَّعِيًا وَمُنْكِرًا مَعَ عَدَمِ إمْكَانِ التَّرْجِيحِ، وَهُوَ هَاهُنَا مَوْجُودٌ فَأُلْحِقَ بِهِ، وَإِنَّمَا لَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ لِمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ. وَتَوْضِيحُهُ أَنَّ الْفَسْخَ فِي الْبَيْعِ إنَّمَا كَانَ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ بِلَا بَدَلٍ وَالنِّكَاحُ لَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ لَهُ مُوجِبًا أَصْلِيًّا يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ انْعِدَامِ التَّسْمِيَةِ. هَذَا عَلَى طَرِيقِ تَخْصِيصِ الْعِلَلِ وَالْمُجَوِّزُ مُخَلِّصٌ وَمُخَلِّصُ غَيْرِهِ مَعْلُومٌ (قَوْلُهُ وَلَكِنْ يُحَكَّمُ مَهْرُ الْمِثْلِ) اسْتِدْرَاكٌ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ: أَيْ لَكِنْ يُحَكَّمُ مَهْرُ الْمِثْلِ لِقَطْعِ النِّزَاعِ (فَإِنْ كَانَ مِثْلَ مَا اعْتَرَفَ بِهِ الزَّوْجُ أَوْ أَقَلَّ قُضِيَ بِمَا قَالَ الزَّوْجُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مِثْلَ مَا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ)

أَوْ أَكْثَرَ قَضَى بِمَا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ، وَإِنْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَكْثَرَ مِمَّا اعْتَرَفَ بِهِ الزَّوْجُ وَأَقَلَّ مِمَّا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ قَضَى لَهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ) لِأَنَّهُمَا لَمَّا تَحَالَفَا لَمْ تَثْبُتْ الزِّيَادَةُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ وَلَا الْحَطُّ عَنْهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذَكَرَ التَّحَالُفَ أَوَّلًا ثُمَّ التَّحْكِيمَ، وَهَذَا قَوْلُ الْكَرْخِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَا اعْتِبَارَ لَهُ مَعَ وُجُودِ التَّسْمِيَةِ وَسُقُوطِ اعْتِبَارِهَا بِالتَّحَالُفِ وَلِهَذَا يُقَدَّمُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا، وَيَبْدَأُ بِيَمِينِ الزَّوْجِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ تَعْجِيلًا لِفَائِدَةِ النُّكُولِ كَمَا فِي الْمُشْتَرِي، وَتَخْرِيجُ الرَّازِيِّ بِخِلَافِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ أَكْثَرَ قُضِيَ بِمَا قَالَتْ وَكَذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِمَّا اعْتَرَفَ بِهِ وَأَقَلَّ مِمَّا ادَّعَتْهُ قُضِيَ لَهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ، لِأَنَّهُمَا لَمَّا تَحَالَفَا لَمْ تَثْبُتْ الزِّيَادَةُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ وَلَا الْحَطُّ عَنْهُ (قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذَكَرَ التَّحَالُفَ أَوَّلًا ثُمَّ التَّحْكِيمَ، وَهَذَا قَوْلُ الْكَرْخِيِّ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَا اعْتِبَارَ لَهُ مَعَ وُجُودِ التَّسْمِيَةِ) لِأَنَّهُ مُوجِبُ نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ (وَسُقُوطُ اعْتِبَارِهَا) إنَّمَا هُوَ (بِالتَّحَالُفِ فَلِهَذَا يُقَدَّمُ) التَّحَالُفُ (فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا) يَعْنِي فِيمَا إذَا كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ مِثْلَ مَا اعْتَرَفَ بِهِ الزَّوْجُ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ، أَوْ مِثْلَ مَا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ، أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا، فَهِيَ خَمْسَةُ وُجُوهٍ. وَأَمَّا فِي قَوْلِ الرَّازِيِّ فَلَا تَحَالُفَ إلَّا فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَهْرُ الْمِثْلِ شَاهِدًا لِأَحَدِهِمَا، وَفِيمَا عَدَاهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ إذَا كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ مِثْلَ مَا يَقُولُهُ أَوْ أَقَلَّ، وَقَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا إذَا كَانَ مِثْلَ مَا ادَّعَتْهُ أَوْ أَكْثَرَ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ تَحْكِيمَ مَهْرِ الْمِثْلِ لَيْسَ لِإِيجَابِ مَهْرِ الْمِثْلِ بَلْ لِمَعْرِفَةِ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِي الدَّعَاوَى أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ مَعَ يَمِينِهِ. وَذَكَرَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ قَالُوا: إنَّ قَوْلَ الْكَرْخِيِّ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ وُجُودَ التَّسْمِيَةِ يَمْنَعُ الْمَصِيرَ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ بِاتِّفَاقِهِمَا. وَأَقُولُ: إنْ أَرَادُوا بِقَوْلِهِمْ هُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ غَيْرَهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَصَحَّ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّ غَيْرَهُ فَاسِدٌ فَالْحَقُّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ تَمْنَعُ الْمَصِيرَ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لِإِيجَابِهِ، وَأَمَّا لِتَحْكِيمِهِ لِمَعْرِفَةِ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ فَمَمْنُوعٌ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مَا بَالُهُمْ لَا يُحَكِّمُونَ قِيمَةَ الْمَبِيعِ إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي الثَّمَنِ لِمَعْرِفَةِ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ كَمَا فِي النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَا مَحْظُورَ فِيهِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ مَعْلُومٌ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ حُكْمًا. بِخِلَافِ الْقِيمَةِ فَإِنَّهَا تُعْلَمُ بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ فَلَا تُفِيدُ الْمَعْرِفَةَ فَلَا تُجْعَلُ حُكْمًا (وَيُبْدَأُ بِيَمِينِ الزَّوْجِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ تَعْجِيلًا لِفَائِدَةِ النُّكُولِ) فَإِنَّ أَوَّلَ التَّسْلِيمَيْنِ عَلَيْهِ (كَمَا فِي الْمُشْتَرِي وَتَخْرِيجُ الرَّازِيِّ بِخِلَافِهِ) وَهُوَ التَّحْكِيمُ أَوَّلًا ثُمَّ التَّحْلِيفُ

وَقَدْ اسْتَقْصَيْنَاهُ فِي النِّكَاحِ وَذَكَرْنَا خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ فَلَا نُعِيدُهُ (وَلَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ النِّكَاحَ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةُ تَدَّعِيهِ عَلَى هَذِهِ الْجَارِيَةِ فَهُوَ كَالْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، إلَّا أَنَّ قِيمَةَ الْجَارِيَةِ إذَا كَانَتْ مِثْلَ مَهْرِ الْمِثْلِ يَكُونُ لَهَا قِيمَتُهَا دُونَ عَيْنِهَا) لِأَنَّ تَمَلُّكَهَا لَا يَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا ذَكَرْنَاهُ وَذَكَرْنَا خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ) وَهُوَ أَنَّ الْقَوْلَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ قَوْلُ الزَّوْجِ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَبَعْدَهُ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ مُسْتَنْكَرٍ: يَعْنِي فِي بَابِ الْمَهْرِ فَلَا نُعِيدُهُ (وَلَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ النِّكَاحَ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةُ تَدَّعِيهِ عَلَى هَذِهِ الْجَارِيَةِ فَهُوَ كَالْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ) يَعْنِي أَنَّهُ يُحَكَّمُ مَهْرُ الْمِثْلِ أَوَّلًا، فَمَنْ شَهِدَ لَهُ فَالْقَوْلُ لَهُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَإِلَيْهِ مَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَهُوَ تَخْرِيجُ الرَّازِيِّ. وَأَمَّا عَلَى تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ فَيَتَحَالَفَانِ أَوَّلًا كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِلَّا أَنَّ قِيمَةَ الْجَارِيَةِ إذَا كَانَتْ مِثْلَ مَهْرِ الْمِثْلِ يَكُونُ لَهَا قِيمَتُهَا دُونَ عَيْنِهَا لِأَنَّ تَمَلُّكَهَا لَا يَكُونُ

إلَّا بِالتَّرَاضِي وَلَمْ يُوجَدْ فَوَجَبَتْ الْقِيمَةُ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْإِجَارَةِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا) مَعْنَاهُ اخْتَلَفَا فِي الْبَدَلِ أَوْ فِي الْمُبْدَلِ لِأَنَّ التَّحَالُفَ فِي الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى وِفَاقِ الْقِيَاسِ عَلَى مَا مَرَّ، وَالْإِجَارَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ الْمَنْفَعَةُ نَظِيرُ الْبَيْعِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ وَكَلَامُنَا قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ (فَإِنْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْأُجْرَةِ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُسْتَأْجِرِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِوُجُوبِ الْأُجْرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا بِالتَّرَاضِي وَلَمْ يُوجَدْ فَوَجَبَتْ الْقِيمَةُ. قَالَ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْإِجَارَةِ إلَخْ) إذَا اخْتَلَفَا فِي الْإِجَارَةِ فِي الْبَدَلِ: أَيْ الْأُجْرَةِ أَوْ الْمُبْدَلِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ كُلِّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ بَعْضِهِ، فَمَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّهُ نَوَّرَ دَعْوَاهُ بِالْحُجَّةِ. وَإِنْ أَقَامَاهَا، فَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الْأُجْرَةِ فَبَيِّنَةُ الْمُؤَجِّرِ أَوْلَى لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَنْفَعَةِ فَبَيِّنَةُ الْمُسْتَأْجِرِ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمَا قُبِلَتْ بَيِّنَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ الْفَضْلِ مِثْلُ أَنْ يَدَّعِيَ هَذَا شَهْرًا بِعِشْرِينَ وَذَاكَ شَهْرَيْنِ بِعَشَرَةٍ فَيُقْضَى

(وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَنْفَعَةِ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُؤَجِّرِ، وَأَيُّهُمَا نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى صَاحِبِهِ، وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ، وَلَوْ أَقَامَاهَا فَبَيِّنَةُ الْمُؤَجِّرِ أَوْلَى إنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الْأُجْرَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَنَافِعِ فَبَيِّنَةُ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ فِيهِمَا قُبِلَتْ بَيِّنَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ الْفَضْلِ) نَحْوُ أَنْ يَدَّعِيَ هَذَا شَهْرًا بِعَشْرَةٍ وَالْمُسْتَأْجِرُ شَهْرَيْنِ بِخَمْسَةٍ يَقْضِي بِشَهْرَيْنِ بِعَشْرَةٍ. قَالَ (وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ لَمْ يَتَحَالَفَا ـــــــــــــــــــــــــــــQبِشَهْرَيْنِ بِعِشْرِينَ، وَإِنْ عَجَزَا تَحَالَفَا وَتَرَادَّا فِي الْأَوَّلِ لِأَنَّ التَّحَالُفَ فِي الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى وِفَاقِ الْقِيَاسِ كَمَا مَرَّ، وَالْإِجَارَةُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ نَظِيرُ الْبَيْعِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ فِي كَوْنِهِمَا عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ يُقْبَلُ الْفَسْخُ، فَإِنْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْأُجْرَةِ بُدِئَ بِيَمِينِ الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِوُجُوبِ الزِّيَادَةِ. فَإِنْ قِيلَ: كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يُبْدَأَ بِيَمِينِ الْآجِرِ لِتَعْجِيلِ فَائِدَةِ النُّكُولِ فَإِنَّ تَسْلِيمَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَاجِبٌ أَوَّلًا عَلَى الْآجِرِ ثُمَّ وَجَبَتْ الْأُجْرَةُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ بَعْدَهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْأُجْرَةَ إنْ كَانَتْ مَشْرُوطَةَ التَّعْجِيلِ فَهُوَ الْأَسْبَقُ إنْكَارًا فَيُبْدَأُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ تُشْتَرَطْ لَا يَمْتَنِعُ الْآجِرُ مِنْ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبْضِ الْأُجْرَةِ فَبَقِيَ إنْكَارُ الْمُسْتَأْجِرِ لِزِيَادَةِ الْأُجْرَةِ فَيَحْلِفُ، وَإِنْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْمَنْفَعَةِ بُدِئَ بِيَمِينِ الْآجِرِ لِذَلِكَ، وَأَيُّهُمَا نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى صَاحِبِهِ وَلَمْ يَتَحَالَفَا فِي الثَّانِي وَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ. وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ هَلَاكَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَمْنَعُ التَّحَالُفَ عَلَى أَصْلِهِمَا، وَكَذَا عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ، لِأَنَّ فَائِدَةَ التَّحَالُفِ فَسْخُ الْعَقْدِ وَيَقْتَضِي وُجُودَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَمَا قَامَ مَقَامَهُ مِنْ الْقِيمَةِ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُمَا بِمَوْجُودٍ فِي الْإِجَارَةِ، وَأَمَّا الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ فَلِأَنَّهُ عَرَضٌ لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ، وَأَمَّا مَا يَقُومُ مَقَامَهُ فَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَتَقَوَّمُ بِنَفْسِهَا

وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْتَأْجِرِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ هَلَاكَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَمْنَعُ التَّحَالُفَ عِنْدَهُمَا، وَكَذَا عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْهَلَاكَ إنَّمَا لَا يُمْنَعُ عِنْدَهُ فِي الْمَبِيعِ لِمَا أَنَّ لَهُ قِيمَةً تَقُومُ مَقَامَهُ فَيَتَحَالَفَانِ عَلَيْهَا، وَلَوْ جَرَى التَّحَالُفُ هَاهُنَا وَفَسْخُ الْعَقْدِ فَلَا قِيمَةَ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَتَقَوَّمُ بِنَفْسِهَا بَلْ بِالْعَقْدِ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا عَقْدَ. وَإِذَا امْتَنَعَ فَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ عَلَيْهِ (وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ تَحَالَفَا وَفُسِخَ الْعَقْدُ فِيمَا بَقِيَ وَكَانَ الْقَوْلُ فِي الْمَاضِي قَوْلَ الْمُسْتَأْجِرِ) لِأَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً فَيَصِيرُ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْمَنْفَعَةِ كَأَنَّ ابْتِدَاءَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِ دَفْعَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِذَا تَعَذَّرَ فِي الْبَعْضِ تَعَذَّرَ فِي الْكُلِّ. قَالَ (وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمَوْلَى وَالْمُكَاتَبُ فِي مَالِ الْكِتَابَةِ لَمْ يَتَحَالَفَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: يَتَحَالَفَانِ وَتُفْسَخُ الْكِتَابَةُ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَقْبَلُ الْفَسْخَ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ، وَالْجَامِعُ أَنَّ الْمَوْلَى يَدَّعِي بَدَلًا زَائِدًا يُنْكِرُهُ الْعَبْدُ وَالْعَبْدُ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ الْعِتْقِ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَلْ بِالْعَقْدِ وَتَبَيَّنَ بِحَلِفِهِمَا أَنْ لَا عَقْدَ بَيْنَهُمَا لِانْفِسَاخِهِ مِنْ أَصْلِ الْعَقْدِ فَلَا يَكُونُ لَهَا قِيمَةٌ يُرَدُّ عَلَيْهَا الْفَسْخُ، وَإِذَا امْتَنَعَ التَّحَالُفُ فَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ، وَفِي الثَّالِثِ يَتَحَالَفَانِ، وَفُسِخَ الْعَقْدُ فِيمَا بَقِيَ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً فَيَصِيرُ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْمَنْفَعَةِ كَأَنَّ ابْتِدَاءَ الْعَقْدِ عَلَيْهِمَا، فَكَانَ الِاخْتِلَافُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا بَقِيَ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ وَفِيهِ التَّحَالُفُ، وَأَمَّا الْمَاضِي فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْمَاضِيَةَ هَالِكَةٌ، فَكَانَ الِاخْتِلَافُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ، وَلَا تَحَالُفَ فِيهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ بِالِاتِّفَاقِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ فِيهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً، فَإِذَا تَعَذَّرَ فِي الْبَعْضِ تَعَذَّرَ فِي الْكُلِّ. قَالَ (وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمَوْلَى وَالْمُكَاتَبُ فِي مَالِ الْكِتَابَةِ إلَخْ) إذَا اخْتَلَفَ الْمَوْلَى وَالْمُكَاتَبُ فِي مَالِ الْكِتَابَةِ لَمْ يَتَحَالَفَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا:

عِنْدَ أَدَاءِ الْقَدْرِ الَّذِي يَدَّعِيهِ وَالْمَوْلَى يُنْكِرُهُ فَيَتَحَالَفَانِ كَمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْبَدَلَ مُقَابَلٌ بِفَكِّ الْحَجْرِ فِي حَقِّ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ لِلْحَالِ وَهُوَ سَالِمٌ لِلْعَبْدِ وَإِنَّمَا يَنْقَلِبُ مُقَابَلًا بِالْعِتْقِ عِنْدَ الْأَدَاءِ فَقَبْلَهُ لَا مُقَابَلَةَ فَبَقِيَ اخْتِلَافًا فِي قَدْرِ الْبَدَلِ لَا غَيْرُ فَلَا يَتَحَالَفَانِ. قَالَ (وَإِذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فَمَا يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ كَالْعِمَامَةِ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ (وَمَا يَصْلُحُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَتَحَالَفَانِ وَتُفْسَخُ الْكِتَابَةُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَقْبَلُ الْفَسْخَ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَوْلَى يَدَّعِي بَدَلًا زَائِدًا يُنْكِرُهُ الْعَبْدُ، وَالْعَبْدُ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ الْعِتْقِ عَلَيْهِ عِنْدَ أَدَاءِ النَّذْرِ الَّذِي يَدَّعِيهِ وَالْمَوْلَى يُنْكِرُهُ، فَكَانَ كَالْبَيْعِ الَّذِي اخْتَلَفَ الْعَاقِدَانِ فِيهِ فِي الثَّمَنِ فَيَتَحَالَفَانِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَجَبَ بِهِ الْبَدَلُ عَلَى الْعَبْدِ فِي مُقَابَلَةِ فَكِّ الْحَجْرِ فِي حَقِّ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْحَالِ وَهُوَ سَالِمٌ لِلْعَبْدِ بِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى ثُبُوتِ الْكِتَابَةِ، وَإِنَّمَا يَنْقَلِبُ مُقَابِلًا لِلْعِتْقِ عِنْدَ الْأَدَاءِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْبَدَلَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُبْدَلٍ وَلَيْسَ فِي الْعَبْدِ سِوَى الْيَدِ وَالرَّقَبَةِ، فَلَوْ كَانَ الْبَدَلُ مُقَابِلًا لِلرَّقَبَةِ لِلْحَالِ لَعَتَقَ عِنْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ كَمَا فِي الْبَيْعِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْلِكُ رَقَبَةَ الْمَبِيعِ عِنْدَ تَمَامِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ لِلْحَالِ مُقَابِلًا لِلْيَدِ ثُمَّ يَنْقَلِبُ مُقَابِلًا لِلْعِتْقِ عِنْدَ الْأَدَاءِ فَقَبْلَهُ لَا مُقَابَلَةَ فَبَقِيَ اخْتِلَافًا فِي قَدْرِ الْبَدَلِ لَا غَيْرُ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَدَّعِي شَيْئًا بَلْ هُوَ مُنْكِرٌ لِمَا يَدَّعِيهِ الْمَوْلَى مِنْ الزِّيَادَةِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ. قَالَ (وَإِذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ إلَخْ) إذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فَمَا يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ كَالْعِمَامَةِ وَالْقَوْسِ وَالدِّرْعِ وَالْمِنْطَقَةِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ وَمَا يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ كَالْوِقَايَةِ وَهِيَ الْمُعْجِزَةُ، وَهِيَ مَا تَشُدُّهُ الْمَرْأَةُ عَلَى اسْتِدَارَةِ رَأْسِهَا كَالْعِصَابَةِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَقِي الْخِمَارَ، كَالْمِلْحَفَةِ فَهِيَ لِلْمَرْأَةِ مَعَ الْيَمِينِ لِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ لَهَا. قَالَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ إلَّا إذَا كَانَ الرَّجُلُ

لِلنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ كَالْوِقَايَةِ) لِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ لَهَا (وَمَا يَصْلُحُ لَهُمَا كَالْآنِيَةِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ) لِأَنَّ الْمَرْأَةَ وَمَا فِي يَدِهَا فِي يَدِ الزَّوْجِ وَالْقَوْلُ فِي الدَّعَاوَى لِصَاحِبِ الْيَدِ، بِخِلَافِ مَا يَخْتَصُّ بِهَا لِأَنَّهُ يُعَارِضُهُ ظَاهِرٌ أَقْوَى مِنْهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ أَوْ بَعْدَمَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ. (فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَاخْتَلَفَتْ وَرَثَتُهُ مَعَ الْآخَرِ فَمَا يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا) لِأَنَّ الْيَدَ لِلْحَيِّ دُونَ الْمَيِّتِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQصَائِغًا وَلَهُ أَسَاوِرُ وَخَوَاتِيمُ النِّسَاءِ وَالْحُلِيُّ وَالْخَلْخَالُ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ، فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ مِثْلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَهَا، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَبِيعُ ثِيَابَ الرِّجَالِ (وَمَا يَصْلُحُ لَهُمَا كَالْآنِيَةِ) وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْأَمْتِعَةِ وَالْعَقَارِ (فَهُوَ لِلرَّجُلِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ وَمَا فِي يَدِهَا فِي يَدِ الزَّوْجِ، وَالْقَوْلُ فِي الدَّعَاوَى لِصَاحِبِ الْيَدِ) بِخِلَافِ مَا يَخْتَصُّ بِهَا لِأَنَّهُ يُعَارِضُ ظَاهِرَ الزَّوْجِ بِالْيَدِ (ظَاهِرٌ أَقْوَى مِنْهُ) وَهُوَ يَدُ الِاخْتِصَاصِ بِالِاسْتِعْمَالِ، فَإِنَّ مَا هُوَ صَالِحٌ لِلرِّجَالِ فَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ لِلرِّجَالِ، وَمَا هُوَ صَالِحٌ لِلنِّسَاءِ فَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ لِلنِّسَاءِ، فَإِذَا وَقَعَ الِاشْتِبَاهُ يُرَجَّحُ بِالِاسْتِعْمَالِ. وَيَنْدَفِعُ بِهَذَا مَا إذَا اخْتَلَفَ الْعَطَّارُ وَالْإِسْكَافُ فِي آلَاتِ الْأَسَاكِفَةِ وَالْعَطَّارِينَ وَهِيَ فِي أَيْدِيهِمَا فَإِنَّهَا تَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا، وَلَمْ يُرَجَّحْ بِالِاخْتِصَاصِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا هُوَ بِالِاسْتِعْمَالِ لَا بِالشَّبَهِ، وَلَمْ نُشَاهِدْ اسْتِعْمَالَ الْأَسَاكِفَةِ وَالْعَطَّارِينَ وَشَاهَدْنَا كَوْنَ هَذِهِ الْآلَاتِ فِي أَيْدِيهِمَا عَلَى السَّوَاءِ فَجَعَلْنَاهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ أَوْ بَعْدَ الْفُرْقَةِ) (فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَاخْتَلَفَ وَرَثَتُهُ مَعَ الْآخَرِ فَمَا يَصْلُحُ لَهُمَا فَهُوَ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا) أَيَّهُمَا كَانَ (لِأَنَّ الْيَدَ لِلْحَيِّ دُونَ الْمَيِّتِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ) يَعْنِي مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ لَا التَّفْصِيلُ (قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ) لِأَنَّ الْمَذْكُورَ مِنْ حَيْثُ التَّفْصِيلُ لَيْسَ بِقَوْلِهِ خَاصَّةً، فَإِنَّ كَوْنَ مَا يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ وَمَا يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا اخْتِصَاصَ

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَدْفَعُ إلَى الْمَرْأَةِ مَا يُجَهَّزُ بِهِ مِثْلُهَا، وَالْبَاقِي لِلزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَأْتِي بِالْجِهَازِ وَهَذَا أَقْوَى فَيَبْطُلُ بِهِ ظَاهِرُ يَدِ الزَّوْجِ، ثُمَّ فِي الْبَاقِي لَا مُعَارِضَ لِظَاهِرٍ فَيُعْتَبَرُ (وَالطَّلَاقُ وَالْمَوْتُ سَوَاءٌ) لِقِيَامِ الْوَرَثَةِ مَقَامَ مُوَرِّثِهِمْ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: وَمَا كَانَ لِلرِّجَالِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ، وَمَا كَانَ لِلنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ، وَمَا يَكُونُ لَهُمَا فَهُوَ لِلرَّجُلِ أَوْ لِوَرَثَتِهِ) لِمَا قُلْنَا لِأَبِي حَنِيفَةَ (وَالطَّلَاقُ وَالْمَوْتُ سَوَاءٌ) لِقِيَامِ الْوَارِثِ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا فَالْمَتَاعُ لِلْحُرِّ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ) لِأَنَّ يَدَ الْحُرِّ أَقْوَى (وَلِلْحَيِّ بَعْدَ الْمَمَاتِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ بِذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُدْفَعُ إلَى الْمَرْأَةِ مَا يُجَهَّزُ بِهِ مِثْلُهَا) مَعْنَاهُ مِمَّا يَصْلُحُ لَهَا (وَالْبَاقِي لِلزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَأْتِي بِالْجِهَازِ وَهَذَا) ظَاهِرٌ (أَقْوَى) لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ فَيَبْطُلُ بِهِ ظَاهِرُ الزَّوْجِ، وَأَمَّا فِي الْبَاقِي فَلَا مُعَارِضَ لِظَاهِرِهِ فَكَانَ مُعْتَبَرًا (وَالطَّلَاقُ وَالْمَوْتُ سَوَاءٌ لِقِيَامِ الْوَرَثَةِ مَقَامَ مُوَرِّثِهِمْ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: مَا كَانَ لِلرِّجَالِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ؛ وَمَا كَانَ لِلنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ، وَمَا يَصْلُحُ لَهُمَا فَهُوَ لِلرَّجُلِ إنْ كَانَ حَيًّا أَوْ لِوَرَثَتِهِ) إنْ كَانَ مَيِّتًا (لِمَا قُلْنَا لِأَبِي حَنِيفَةَ) مِنْ الدَّلِيلِ وَهُوَ أَنَّ الْمَرْأَةَ وَمَا فِي يَدِهَا فِي يَدِ الزَّوْجِ لِصَاحِبِ الْيَدِ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَيَاةِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَمَاتِ فَقَوْلُهُ (وَالطَّلَاقُ وَالْمَوْتُ سَوَاءٌ لِقِيَامِ الْوَارِثِ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا فَالْمَتَاعُ لِلْحُرِّ فِي حَالِ الْحَيَاةِ لِأَنَّ الْحُرَّ أَقْوَى) لِكَوْنِ الْيَدِ يَدَ نَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ وَيَدَ الْمَمْلُوكِ لِغَيْرِهِ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ الْمَوْلَى وَالْأَقْوَى أَوْلَى، وَلِهَذَا قُلْنَا فِي الْحُرَّيْنِ: فَمَا يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ لِقُوَّةِ يَدِهِ فِيهِ، وَمَا يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ لِذَلِكَ (وَلِلْحَيِّ) مِنْهُمَا (بَعْدَ الْمَمَاتِ) حُرًّا كَانَ أَوْ مَمْلُوكًا، هَكَذَا وَقَعَ فِي عَامَّةِ نُسَخِ

[فصل فيمن لا يكون خصما]

لِأَنَّهُ لَا يَدَ لِلْمَيِّتِ فَخَلَتْ يَدُ الْحَيِّ عَنْ الْمُعَارِضِ (وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا: الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَالْمُكَاتَبُ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ) لِأَنَّ لَهُمَا يَدًا مُعْتَبَرَةً فِي الْخُصُومَاتِ. (فَصْلٌ فِيمَنْ لَا يَكُونُ خَصْمًا) . (وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَذَا الشَّيْءُ أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ الْغَائِبُ أَوْ رَهَنَهُ عِنْدِي أَوْ غَصَبْتُهُ مِنْهُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَّعِي) ـــــــــــــــــــــــــــــQشُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَقَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَلِلْحُرِّ بَعْدَ الْمَمَاتِ، ثُمَّ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ لِلْحَيِّ مِنْهُمَا وَهُوَ سَهْوٌ، وَالْمُصَنِّفُ اخْتَارَ اخْتِيَارَ الْعَامَّةِ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّهُ لَا يَدَ لِلْمَيِّتِ فَخَلَتْ يَدُ الْحَيِّ عَنْ الْمُعَارِضِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَالْمُكَاتَبُ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ لِأَنَّ لَهُمَا يَدًا مُعْتَبَرَةً فِي الْخُصُومَاتِ) وَلِهَذَا لَوْ اخْتَصَمَ الْحُرُّ وَالْمُكَاتَبُ فِي شَيْءٍ فِي أَيْدِيهِمَا قُضِيَ بِهِ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْيَدِ، وَلَوْ كَانَ فِي يَدِ ثَالِثٍ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ اسْتَوَيَا فِيهِ، فَكَمَا لَا يَتَرَجَّحُ الْحُرُّ بِالْحُرِّيَّةِ فِي سَائِرِ الْخُصُومَاتِ فَكَذَلِكَ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْيَدَ عَلَى مَتَاعِ الْبَيْتِ بِاعْتِبَارِ السُّكْنَى فِيهِ وَالْحَرُّ فِي السُّكْنَى أَصْلٌ دُونَ الْمَمْلُوكِ فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا. [فَصْلٌ فِيمَنْ لَا يَكُونُ خَصْمًا] أَخَّرَ ذِكْرَ مَنْ لَا يَكُونُ خَصْمًا عَمَّنْ يَكُونُ خَصْمًا لِأَنَّ مَعْرِفَةَ الْمَلَكَاتِ قَبْلَ مَعْرِفَةِ الْأَعْدَامِ. فَإِنْ قِيلَ: الْفَصْلُ مُشْتَمِلٌ عَلَى ذِكْرِ مَنْ يَكُونُ خَصْمًا أَيْضًا، قُلْت: نَعَمْ مِنْ حَيْثُ الْفَرْقُ لَا مِنْ حَيْثُ الْقَصْدُ الْأَصْلِيُّ. قَالَ (وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَذَا الشَّيْءُ أَوْدَعَنِيهِ إلَخْ) إذَا ادَّعَى عَيْنًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهَا مِلْكَهُ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَذَا الشَّيْءُ أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ الْغَائِبُ أَوْ رَهَنَهُ عِنْدِي أَوْ غَصَبْته مِنْهُ

وَكَذَا إذَا قَالَ: آجَرَنِيهِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ أَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِيَدِ خُصُومَةٍ. وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ إثْبَاتُ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ لِعَدَمِ الْخَصْمِ عَنْهُ وَدَفْعِ الْخُصُومَةِ بِنَاءً عَلَيْهِ. قُلْنَا: مُقْتَضَى الْبَيِّنَةِ شَيْئَانِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ وَلَا خَصْمَ فِيهِ فَلَمْ يَثْبُتْ، وَدَفْعُ خُصُومَةِ الْمُدَّعِي وَهُوَ خَصْمٌ فِيهِ فَيَثْبُتُ وَهُوَ كَالْوَكِيلِ بِنَقْلِ الْمَرْأَةِ وَإِقَامَتِهَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الطَّلَاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ آجَرَنِيهِ أَوْ أَعَارَنِيهِ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَّعِي. وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: لَا تَنْدَفِعُ وَإِنْ أَقَامَهَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: تَنْدَفِعُ بِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ كَانَ الرَّجُلُ صَالِحًا فَالْجَوَابُ كَمَا قُلْنَا مِنْ دَفْعِ الْخُصُومَةِ وَإِنْ كَانَ مُحْتَالًا فَكَمَا قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: ثُمَّ إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ فَإِمَّا أَنْ يَقُولُوا أَوْدَعَهُ فُلَانٌ يَعْرِفُونَهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ، أَوْ رَجُلٌ مَجْهُولٌ لَا نَعْرِفُهُ، أَوْ رَجُلٌ نَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ وَلَا نَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ، فَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ، وَفِي الثَّانِي لَا تُقْبَلُ بِالِاتِّفَاقِ، وَالثَّالِثُ كَالثَّانِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَكَالْأَوَّلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهَذِهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ فَلِهَذَا لُقِّبَتْ الْمَسْأَلَةُ بِمُخَمِّسَةِ كِتَابِ الدَّعْوَى، وَقِيلَ لُقِّبَتْ بِذَلِكَ لِلْوُجُوهِ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ آنِفًا. وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَثْبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ يَدَ خُصُومَةٍ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ لَيْسَ بِخَصْمٍ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ شُبْرُمَةَ أَنَّهُ أَثْبَتَ بِبَيِّنَةِ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ، وَإِثْبَاتُ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ بِدُونِ خَصْمٍ مُتَعَذِّرٌ إذْ لَيْسَ لِأَحَدٍ وِلَايَةُ إدْخَالِ شَيْءٍ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَدَفْعُ الْخُصُومَةِ بِنَاءً عَلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ وَالْبِنَاءُ عَلَى الْمُتَعَذِّرِ مُتَعَذِّرٌ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مُقْتَضَى هَذِهِ الْبَيِّنَةِ شَيْئَانِ: ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ وَلَا خَصْمَ فِيهِ فَلَا يَثْبُتُ، وَدَفْعُ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ وَهُوَ خَصْمٌ فِيهِ؛ وَبِنَاءُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ مَمْنُوعٌ لِانْفِكَاكِهِ عَنْهُ كَالْوَكِيلِ بِنَقْلِ الْمَرْأَةِ إلَى زَوْجِهَا إذَا أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ عَلَى الطَّلَاقِ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ لِقَصْرِ يَدِ

كَمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ، وَلَا تَنْدَفِعُ بِدُونِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لِأَنَّهُ صَارَ خَصْمًا بِظَاهِرِ يَدِهِ، فَهُوَ بِإِقْرَارِهِ يُرِيدُ أَنْ يُحَوِّلَ حَقًّا مُسْتَحَقًّا عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يَصْدُقُ إلَّا بِالْحُجَّةِ، كَمَا إذَا ادَّعَى تَحَوُّلَ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّتِهِ إلَى ذِمَّةِ غَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ كَانَ الرَّجُلُ صَالِحًا فَالْجَوَابُ كَمَا قُلْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْحِيَلِ لَا تَنْدَفِعُ عَنْهُ الْخُصُومَةُ لِأَنَّ الْمُحْتَالَ مِنْ النَّاسِ قَدْ يَدْفَعُ مَالَهُ إلَى مُسَافِرٍ يُودِعُهُ إيَّاهُ وَيَشْهَدُ عَلَيْهِ الشُّهُودُ فَيَحْتَالُ لِإِبْطَالِ حَقِّ غَيْرِهِ، فَإِذَا اتَّهَمَهُ الْقَاضِي بِهِ لَا يَقْبَلُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَكِيلِ عَنْهَا وَلَمْ يُحْكَمْ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْغَائِبُ كَمَا مَرَّ. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا الْبِنَاءَ لَكِنَّ مَقْصُودَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لَيْسَ إثْبَاتُ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ إنَّمَا مَقْصُودُهُ إثْبَاتُ أَنَّ يَدَهُ يَدُ حِفْظٍ لَا يَدُ خُصُومَةٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ ضِمْنِيًّا وَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى إنَّ ذَا الْيَدِ أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لِغَيْرِهِ وَالْإِقْرَارُ يُوجِبُ الْحَقَّ لِنَفْسِهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ يَدَهُ يَدُ حِفْظٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْبَيِّنَةِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ صَارَ خَصْمًا بِظَاهِرِ يَدِهِ وَبِإِقْرَارِهِ، يُرِيدُ أَنْ يُحَوِّلَ حَقًّا مُسْتَحَقًّا عَلَى نَفْسِهِ فَهُوَ مُتَّهَمٌ فِي إقْرَارِهِ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ، كَمَا إذَا ادَّعَى تَحَوُّلَ الدَّيْنِ.

(وَلَوْ قَالَ الشُّهُودُ: أَوْدَعَهُ رَجُلٌ لَا نَعْرِفُهُ لَا تَنْدَفِعُ عَنْهُ الْخُصُومَةُ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُودِعُ هُوَ هَذَا الْمُدَّعِي، وَلِأَنَّهُ مَا أَحَالَهُ إلَى مُعَيَّنٍ يُمْكِنُ لِلْمُدَّعِي اتِّبَاعُهُ، فَلَوْ انْدَفَعَتْ لَتَضَرَّرَ بِهِ الْمُدَّعِي، ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ ذِمَّتِهِ إلَى ذِمَّةِ غَيْرِهِ بِالْحَوَالَةِ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ لَا يُقَالُ: يَلْزَمُ إثْبَاتُ إقْرَارِ نَفْسِهِ بِبَيِّنَتِهِ. وَهُوَ غَيْرُ مَعْهُودٍ فِي الشَّرْعِ لِأَنَّهَا لِإِثْبَاتِ الْيَدِ الْحَافِظَةِ الَّتِي أَنْكَرَهَا الْمُدَّعِي لَا لِإِثْبَاتِ الْإِقْرَارِ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُحْتَالَ مِنْ النَّاسِ قَدْ يَدْفَعُ مَا أَخَذَ مِنْ النَّاسِ سِرًّا إلَى مُسَافِرٍ يُودِعُهُ إيَّاهُ وَيَشْهَدُ عَلَيْهِ الشُّهُودُ عَلَانِيَةً فَيَحْتَالُ لِإِبْطَالِ حَقِّ غَيْرِهِ، فَإِذَا اتَّهَمَهُ الْقَاضِي بِهِ لَا يَقْبَلُهَا، وَأَمَّا وَجْهُ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فَلِأَنَّهُ شَهَادَةٌ قَامَتْ بِمَعْلُومٍ لِمَعْلُومٍ عَلَى مَعْلُومٍ فَوَجَبَ قَبُولُهَا. وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي فَلَهُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا احْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ الْمُودَعُ هُوَ هَذَا الْمُدَّعِي حَيْثُ لَمْ يَعْرِفُوهُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَا أَحَالَهُ إلَى مُعَيَّنٍ يُمْكِنُ لِلْمُدَّعِي اتِّبَاعُهُ، فَلَوْ انْدَفَعَتْ الْخُصُومَةُ تَضَرَّرَ الْمُدَّعِي. وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّالِثُ فَوَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِيهِ هَذَا الْوَجْهُ الثَّانِي، وَهُوَ قَوْلُهُ مَا أَحَالَهُ إلَى مُعَيَّنٍ إلَى آخِرِهِ، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ أَوْدَعَهُ رَجُلٌ لَا نَعْرِفُهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ بِالْوَجْهِ لَيْسَتْ بِمَعْرِفَةٍ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ: أَتَعْرِفُ فُلَانًا؟ قَالَ نَعَمْ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ؟ فَقَالَ لَا، فَقَالَ: إذًا لَا تَعْرِفُهُ» وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَثْبَتَ بَيِّنَةَ أَنَّ الْعَيْنَ وَصَلَتْ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ حَيْثُ عَرَفَ الشُّهُودُ بِوَجْهِهِ لِلْعِلْمِ بِيَقِينٍ حِينَئِذٍ أَنَّ الْمُودَعَ غَيْرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِذًا الشَّهَادَةُ تُفِيدُ أَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِيَدِ الْخُصُومَةِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ، وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْمَعْرِفَةِ التَّامَّةِ وَلَيْسَ عَلَى ذِي الْيَدِ تَعْرِيفُ خَصْمِ

وَلَوْ قَالُوا نَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ وَلَا نَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِلْوَجْهِ الثَّانِي، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَنْدَفِعُ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ أَنَّ الْعَيْنَ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ حَيْثُ عَرَفَهُ الشُّهُودُ بِوَجْهِهِ، بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فَلَمْ تَكُنْ يَدُهُ يَدَ خُصُومَةٍ وَهُوَ الْمَقْصُودُ، وَالْمُدَّعِي هُوَ الَّذِي أَضَرَّ بِنَفْسِهِ حَيْثُ نَسِيَ خَصْمَهُ أَوْ أَضَرَّهُ شُهُودُهُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُخَمَّسَةُ كِتَابِ الدَّعْوَى وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَقْوَالَ الْخَمْسَةَ. (وَإِنْ قَالَ: ابْتَعْتُهُ مِنْ الْغَائِبِ فَهُوَ خَصْمٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُدَّعِي تَعْرِيفًا تَامًّا إنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يُثْبِتَ أَنَّهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ وَقَدْ أَثْبَتَ (قَوْلُهُ وَالْمُدَّعِي هُوَ الَّذِي أَضَرَّ بِنَفْسِهِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ: لَوْ انْدَفَعَتْ الْخُصُومَةُ لَتَضَرَّرَ الْمُدَّعِي. وَوَجْهُهُ أَنَّ الضَّرَرَ اللَّاحِقَ بِالْمُدَّعِي إنَّمَا لَحِقَهُ مِنْ نَفْسِهِ (حَيْثُ نَسِيَ خَصْمَهُ) أَوْ مِنْ جِهَةِ شُهُودِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ قَائِمَةً فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ هَذَا الشَّيْءُ أَوْدَعَنِيهِ، فَإِنَّ الْإِشَارَةَ الْحِسِّيَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا إلَى مَوْجُودٍ فِي الْخَارِجِ، وَأَمَّا إذَا هَلَكَتْ فَلَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ قَائِمَةً فَذُو الْيَدِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا بِظَاهِرِ الْيَدِ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْمِلْكِ إلَّا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ فَتَنْدَفِعُ عَنْهُ الْخُصُومَةُ بِالْحُجَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمُحْتَمَلِ، وَأَمَّا إذَا هَلَكَتْ فَالدَّعْوَى تَقَعُ فِي الدَّيْنِ وَمَحَلُّهُ الذِّمَّةُ، فَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا لِلْمُدَّعِي بِذِمَّتِهِ وَبِمَا أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّ الْعَيْنَ كَانَتْ فِي يَدِهِ وَدِيعَةٌ لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ ذِمَّتَهُ كَانَتْ لِغَيْرِهِ فَلَا تَتَحَوَّلُ عَنْهُ الْخُصُومَةُ. قَالَ (إنْ قَالَ ابْتَعْته مِنْ الْغَائِبِ فَهُوَ خَصْمٌ إلَخْ) وَإِذَا قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اشْتَرَيْته مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ فَهُوَ خَصْمٌ لِأَنَّهُ لَمَّا زَعَمَ أَنَّ يَدَهُ يَدُ مِلْكٍ اعْتَرَفَ بِكَوْنِهِ خَصْمًا، وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي غَصَبْت هَذَا الْعَيْنَ مِنِّي أَوْ سَرَقْته مِنِّي وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَدِيعَةِ لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ لِأَنَّهُ صَارَ خَصْمًا بِدَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا صَحَّتْ الدَّعْوَى عَلَى غَيْرِ ذِي الْيَدِ، وَفِعْلُهُ لَا يَتَرَدَّدُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ حَتَّى يُقَالَ: إنَّهُ أَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ

لِأَنَّهُ لَمَّا زَعَمَ أَنَّ يَدَهُ يَدُ مِلْكٍ اعْتَرَفَ بِكَوْنِهِ خَصْمًا (وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي: غَصَبْتَهُ مِنِّي أَوْ سَرَقْتَهُ مِنِّي لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ وَإِنْ أَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَدِيعَةِ) لِأَنَّهُ إنَّمَا صَارَ خَصْمًا بِدَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ لَا بِيَدِهِ، بِخِلَافِ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لِأَنَّهُ خَصْمٌ فِيهِ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ حَتَّى لَا يَصِحَّ دَعْوَاهُ عَلَى غَيْرِ ذِي الْيَدِ وَيَصِحُّ دَعْوَى الْفِعْلِ. (وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي: سَرَقَ مِنِّي وَقَالَ صَاحِبُ الْيَدِ: أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ لَمْ تَنْدَفِعْ الْخُصُومَةُ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تَنْدَفِعُ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ الْفِعْلَ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ: غُصِبَ مِنِّي عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. وَلَهُمَا أَنَّ ذِكْرَ الْفِعْلِ يَسْتَدْعِي الْفَاعِلَ لَا مَحَالَةَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي فِي يَدِهِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْهُ دَرْءًا لِلْحَدِّ شَفَقَةً عَلَيْهِ وَإِقَامَةً لِحِسْبَةِ السِّرِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ فِعْلَهُ فِعْلُ غَيْرِهِ بَلْ فِعْلُهُ مَقْصُورٌ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فَإِنَّ ذَا الْيَدِ فِيهِ خَصْمٌ مِنْ حَيْثُ ظَاهِرُ الْيَدِ وَلِهَذَا لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى عَلَى غَيْرِ ذِي الْيَدِ، وَيَدُهُ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ فَيَكُونُ خَصْمًا وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ خَصْمًا، وَبِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَثْبَتَ أَنَّ يَدَهُ لِغَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ خَصْمًا، وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي سَرَقَ مِنِّي وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ فُلَانًا أَوْدَعَهُ لَمْ تَنْدَفِعْ الْخُصُومَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تَنْدَفِعُ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ الْفِعْلَ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ غُصِبَ مِنِّي عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ

فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ: سَرَقْت، بِخِلَافِ الْغَصْبِ لِأَنَّهُ لَا حَدَّ فِيهِ فَلَا يُحْتَرَزُ عَنْ كَشْفِهِ (وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي: ابْتَعْتُهُ مِنْ فُلَانٍ وَقَالَ صَاحِبُ الْيَدِ: أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ ذَلِكَ أُسْقِطَتْ الْخُصُومَةُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ) لِأَنَّهُمَا تَوَافَقَا عَلَى أَنَّ أَصْلَ الْمِلْكِ فِيهِ لِغَيْرِهِ فَيَكُونُ وُصُولُهَا إلَى يَدِ ذِي الْيَدِ مِنْ جِهَتِهِ فَلَمْ تَكُنْ يَدُهُ يَدَ خُصُومَةٍ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ فُلَانًا وَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ كَوْنَهُ أَحَقَّ بِإِمْسَاكِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَاعِلُهُ، وَلَهُمَا أَنَّ ذِكْرَ الْفِعْلِ يَسْتَدْعِي الْفِعْلَ أَلْبَتَّةَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي فِي يَدِهِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْهُ دَرْءًا لِلْحَدِّ عَنْهُ شَفَقَةً عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا لَمْ تَنْدَفِعْ الْخُصُومَةُ فَرُبَّمَا يُقْضَى بِالْعَيْنِ عَلَيْهِ وَفِي ذَلِكَ جَعْلُهُ سَارِقًا فَمَا وَجْهُ الدَّرْءِ حِينَئِذٍ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ إذَا جُعِلَ خَصْمًا وَقُضِيَ عَلَيْهِ بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ إلَى الْمُدَّعِي إنْ ظَهَرَ سَرِقَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَقِينٍ لَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ لِظُهُورِ سَرِقَتِهِ بَعْدَ وُصُولِ الْمَسْرُوقِ إلَى الْمَالِكِ، وَلَوْ لَمْ يَجْعَلْهُ سَارِقًا انْدَفَعَ الْخُصُومَةُ عَنْهُ وَلَمْ يُقْضَ بِالْعَيْنِ لِلْمُدَّعِي، فَمَتَى ظَهَرَتْ سَرِقَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَقِينٍ قُطِعَتْ يَدُهُ لِظُهُورِهَا قَبْلَ أَنْ تَصِلَ الْعَيْنُ إلَى الْمَالِكِ، فَكَأَنَّ فِي جَعْلِهِ سَارِقًا احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ غُصِبَتْ لِأَنَّهُ لَا حَدَّ فِيهِ فَلَا يُحْتَرَزُ فِي كَشْفِهِ، وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي ابْتَعْته مِنْ فُلَانٍ وَصَاحِبُ الْيَدِ قَالَ أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ ذَلِكَ أَسْقَطَ الْخُصُومَةَ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ لِتَوَافُقِهَا عَلَى أَنَّ أَصْلَ الْمِلْكِ فِيهِ لِغَيْرِهِ فَيَكُونُ وُصُولُهُ إلَى ذِي الْيَدِ مِنْ جِهَتِهِ فَلَمْ تَكُنْ يَدُهُ يَدَ خُصُومَةٍ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّ فُلَانًا وَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ أَنَّهُ أَحَقُّ بِإِمْسَاكِهِ.

[باب ما يدعيه الرجلان]

بَابُ مَا يَدَّعِيهِ الرَّجُلَانِ) : قَالَ (وَإِذَا ادَّعَى اثْنَانِ عَيْنًا فِي يَدِ آخَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّهَا لَهُ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ بِهَا بَيْنَهُمَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ: تَهَاتَرَتَا، وَفِي قَوْلٍ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ كَاذِبَةٌ بِيَقِينٍ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ الْمِلْكَيْنِ فِي الْكُلِّ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ تَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ فَيَتَهَاتَرَانِ أَوْ يُصَارُ إلَى الْقُرْعَةِ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَقْرَعَ فِيهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ الْحَكَمُ بَيْنَهُمَا» وَلَنَا حَدِيثُ تَمِيمِ بْنِ طَرْفَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ مَا يَدَّعِيهِ الرَّجُلَانِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ حُكْمِ الْوَاحِدِ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ شَرَعَ فِي بَيَانِ حُكْمِ الِاثْنَيْنِ لِأَنَّ الْوَاحِدَ قَبْلَ الِاثْنَيْنِ (قَالَ: وَإِنْ ادَّعَى اثْنَانِ عَيْنًا فِي يَدِ ثَالِثٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّهَا لَهُ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ قُضِيَ بِهَا بَيْنَهُمَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ: تَهَاتَرَتَا) أَيْ تَسَاقَطَتَا مِنْ الْهِتْرِ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَهُوَ السَّقْطُ مِنْ الْكَلَامِ وَالْخَطَأُ فِيهِ (وَفِي قَوْلٍ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ كَاذِبَةٌ بِيَقِينٍ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ الْمِلْكَيْنِ فِي كُلِّ الْعَيْنِ وَفِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ) وَالتَّمْيِيزُ مُتَعَذِّرٌ فَيَمْتَنِعُ الْعَمَلُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَوْ يُصَارُ إلَى الْقُرْعَةِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْرَعَ فِيهِ. وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ «أَنَّ رَجُلَيْنِ تَنَازَعَا فِي أَمَةٍ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ، فَأَقْرَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا فَقَالَ: اللَّهُمَّ إنَّك تَقْضِي بَيْنَ عِبَادِك بِالْحَقِّ، ثُمَّ قَضَى بِهَا لِمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ» وَلَنَا حَدِيثُ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ الطَّائِيِّ «أَنَّ رَجُلَيْنِ تَنَازَعَا فِي عَيْنٍ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَقَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ» وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَيْءٍ

«أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي نَاقَةٍ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ فَقَضَى بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ» . وَحَدِيثُ الْقُرْعَةِ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ ثُمَّ نُسِخَ، وَلِأَنَّ الْمُطْلَقَ لِلشَّهَادَةِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحْتَمَلُ الْوُجُودِ بَلْ يَعْتَمِدُ أَحَدُهُمَا سَبَبَ الْمِلْكِ وَالْآخَرُ الْيَدَ فَصَحَّتْ الشَّهَادَتَانِ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِمَا مَا أَمْكَنَ، وَقَدْ أَمْكَنَ بِالتَّنْصِيفِ إذْ الْمَحِلُّ يَقْبَلُهُ، وَإِنَّمَا يُنَصَّفُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: مَا أَحْوَجَكُمَا إلَى سِلْسِلَةٍ كَسِلْسِلَةِ بَنِي إسْرَائِيلَ، كَانَ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذَا جَلَسَ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ نَزَلَتْ سِلْسِلَةٌ مِنْ السَّمَاءِ بِعُنُقِ الظَّالِمِ، ثُمَّ قَضَى بِهِ رَسُولُنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ» وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ الْقُرْعَةِ أَنَّهُ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ وَقْتَ إبَاحَةِ الْقِمَارِ ثُمَّ انْتَسَخَ بِحُرْمَةِ الْقِمَارِ، لِأَنَّ تَعْيِينَ الْمُسْتَحَقِّ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ فِي إيجَابِ الْحَقِّ لِمَنْ خَرَجَتْ لَهُ، فَكَمَا أَنَّ تَعْلِيقَ الِاسْتِحْقَاقِ بِخُرُوجِ الْقُرْعَةِ قِمَارٌ فَكَذَلِكَ تَعْيِينُ الْمُسْتَحَقِّ، وَلَا نُسَلِّمُ كَذِبَ أَحَدِهِمَا بِيَقِينٍ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ لِلشَّهَادَةِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحْتَمَلُ الْوُجُودِ، فَإِنَّ صِحَّةَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ لَا تَعْتَمِدُ وُجُودَ الْمِلْكِ حَقِيقَةً لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْبٌ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الْعِبَادُ،

قَالَ (فَإِنْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِكَاحَ امْرَأَةٍ وَأَقَامَا بَيِّنَةً لَمْ يَقْضِ بِوَاحِدَةٍ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ) لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَحِلَّ لَا يَقْبَلُ الِاشْتِرَاكَ. قَالَ (وَيَرْجِعُ إلَى تَصْدِيقِ الْمَرْأَةِ لِأَحَدِهِمَا) لِأَنَّ النِّكَاحَ مِمَّا يُحْكَمُ بِهِ بِتَصَادُقِ الزَّوْجَيْنِ، وَهَذَا إذَا لَمْ تُؤَقَّتْ الْبَيِّنَتَانِ، فَأَمَّا إذَا وَقَّتَا فَصَاحِبُ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ أَوْلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQفَجَازَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا اعْتَمَدَ سَبَبَ الْمِلْكِ بِأَنْ رَآهُ يَشْتَرِي فَشَهِدَ عَلَى ذَلِكَ، وَالْآخَرُ اعْتَمَدَ الْيَدَ فَشَهِدَ عَلَى ذَلِكَ فَكَانَتْ الشَّهَادَتَانِ صَحِيحَتَيْنِ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِمَا مَا أَمْكَنَ، وَقَدْ أَمْكَنَ بِالتَّصْنِيفِ بَيْنَهُمَا لِكَوْنِ الْمَحَلِّ قَابِلًا وَتَسَاوِيهِمَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ (قَالَ فَإِنْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِكَاحَ امْرَأَةٍ إلَخْ) دَعْوَى نِكَاحِ الْمَرْأَةِ إلَى رَجُلَيْنِ، إمَّا أَنْ تَكُونَ مُتَعَاقِبَةً أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَلَا بَيِّنَةَ

وَإِنْ أَقَرَّتْ لِأَحَدِهِمَا قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَهِيَ امْرَأَتُهُ) لِتَصَادُقِهِمَا (وَإِنْ أَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ قُضِيَ بِهَا) لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ أَقْوَى مِنْ الْإِقْرَارِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُمَا. فَالْمَرْأَةُ إمَّا أَنْ تُقَدَّمَ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لَا، فَإِنْ أَقَرَّتْ فَهِيَ امْرَأَتُهُ لِتَصَادُقِهِمَا، وَإِنْ لَمْ تُقِرَّ لَمْ يُقْضَ لِوَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَ ثَمَّ بَيِّنَةٌ فَمَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَإِنْ أَقَرَّتْ لِغَيْرِهِ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ أَقْوَى مِنْ الْإِقْرَارِ، وَإِنْ أَقَامَاهَا، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ فِي بَيْتِ أَحَدِهِمَا أَوْ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَا؟ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ، لِأَنَّ النَّقْلَ إلَى بَيْتِهِ أَوْ الدُّخُولَ بِهَا دَلِيلُ سَبْقِ تَارِيخِ عَقْدِهِ، إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْخَارِجُ بَيِّنَةً عَلَى سَبْقِ نِكَاحِهِ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ، لِأَنَّ الصَّرِيحَ أَوْلَى مِنْ الدَّلَالَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَمَنْ أَثْبَتَ سَبْقَ التَّارِيخِ فَهِيَ امْرَأَتُهُ، لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ عِيَانًا، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ تَارِيخًا لَمْ يُقْضَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِهِمَا لِعَدَمِ قَبُولِ الْمَحَلِّ لِلِاشْتِرَاكِ، وَيَرْجِعُ إلَى تَصْدِيقِ الْمَرْأَةِ لِأَحَدِهِمَا، فَأَيَّهمَا أَقَرَّتْ لَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ الْآخَرِ فَهِيَ امْرَأَتُهُ، لِأَنَّ النِّكَاحَ مِمَّا يُحْكَمُ بِهِ بِتَصَادُقِ الزَّوْجَيْنِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: قَوْلُهُ فَصَاحِبُ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ أَوْلَى لَيْسَ بِجَلِيٍّ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ أَوْلَى إذَا كَانَ الثَّانِي بَعْدَهُ بِمُدَّةٍ لَا تَحْتَمِلُ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ فِيهَا، أَمَّا إذَا احْتَمَلَتْ ذَلِكَ فَيَتَسَاوَيَانِ لِجَوَازِ أَنَّ الْأَوَّلَ طَلَّقَهَا فَتَزَوَّجَ بِهَا الثَّانِي. وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ إذَا كَانَ دَعْوَى النِّكَاحِ بَعْدَ طَلَاقِ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ، وَأَيْضًا قَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا أَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ عِيَانًا، وَلَوْ عَايَنَّا تَقَدُّمَ الْأَوَّلِ حَكَمْنَا بِهِ

وَلَوْ تَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِالدَّعْوَى وَالْمَرْأَةُ تَجْحَدُ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَقَضَى بِهَا الْقَاضِي لَهُ ثُمَّ ادَّعَى الْآخَرُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ لَا يَحْكُمُ بِهَا) لِأَنَّ الْقَضَاءَ الْأَوَّلَ قَدْ صَحَّ فَلَا يُنْقَضُ بِمَا هُوَ مِثْلُهُ بَلْ هُوَ دُونَهُ (إلَّا أَنْ يُؤَقِّتَ شُهُودُ الثَّانِي سَابِقًا) لِأَنَّهُ ظَهَرَ الْخَطَأُ فِي الْأَوَّلِ بِيَقِينٍ. وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ فِي يَدِ الزَّوْجِ وَنِكَاحُهُ ظَاهِرٌ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ إلَّا عَلَى وَجْهِ السَّبْقِ. قَالَ (وَلَوْ ادَّعَى اثْنَانِ كُلُّ وَاحِدِ مِنْهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ هَذَا الْعَبْدَ) مَعْنَاهُ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ وَأَقَامَا بَيِّنَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQفَكَذَا إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ، فَإِذَا انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا وَالْمَرْأَةُ تَجْحَدُ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَقَضَى لَهُ بِهَا ثُمَّ ادَّعَى الْآخَرُ وَأَقَامَهَا عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ لَا يُحْكَمُ بِهَا لِأَنَّ الْقَضَاءَ الْأَوَّلَ قَدْ صَحَّ وَمَضَى فَلَا يُنْقَضُ بِمَا دُونَهُ، إلَّا أَنْ يُؤَقِّتَ شُهُودُ الْمُدَّعِي الثَّانِي وَقْتًا سَابِقًا فَيُقْضَى لَهُ لِأَنَّهُ ظَهَرَ الْخَطَأُ فِي الْأَوَّلِ بِيَقِينٍ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ فِي يَدِ الزَّوْجِ) مَرَّ بَيَانُهُ. قَالَ (وَلَوْ ادَّعَى اثْنَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ هَذَا الْعَبْدَ إلَخْ) عَبْدٌ فِي يَدِ رَجُلٍ ادَّعَى اثْنَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ هَذَا الْعَبْدَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (مَعْنَاهُ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ) احْتِرَازٌ عَمَّا سَيَأْتِي بَعْدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (وَأَقَامَا) عَلَى ذَلِكَ (بَيِّنَةً) مِنْ غَيْرِ تَأْقِيتٍ

فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الْعَبْدِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ) لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي السَّبَبِ فَصَارَ كَالْفُضُولِيِّينَ إذَا بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ رَجُلٍ وَأَجَازَ الْمَالِكُ الْبَيْعَيْنِ يُخَيَّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ تَغَيَّرَ عَلَيْهِ شَرْطُ عَقْدِهِ، فَلَعَلَّ رَغْبَتَهُ فِي تَمَلُّكِ الْكُلِّ فَيَرُدُّهُ وَيَأْخُذُ كُلَّ الثَّمَنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الْعَبْدِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ) الَّذِي شَهِدَتْ بِهِ بَيِّنَتُهُ وَرَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ بِنِصْفِ ثَمَنِهِ إنْ كَانَ قَدْ نَقَدَهُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الدَّعْوَى وَالْحُجَّةِ كَمَا لَوْ كَانَ دَعْوَاهُمَا فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ (وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ) لِأَنَّ شَرْطَ الْعَقْدِ الَّذِي يَدَّعِيهِ وَهُوَ اتِّحَادُ الصَّفْقَةِ قَدْ تَغَيَّرَ عَلَيْهِ (فَلَعَلَّ رَغْبَتَهُ فِي تَمْلِكْ الْكُلِّ) وَلَمْ يَحْصُلْ (فَيَرُدُّهُ وَيَأْخُذُ كُلَّ الثَّمَنِ) فَإِنْ قِيلَ: كَذِبُ إحْدَى الْبَيْتَيْنِ مُتَيَقَّنٌ لِاسْتِحَالَةِ تَوَارُدِ الْعَقْدَيْنِ عَلَى عَيْنٍ وَاحِدَةٍ كَمُلَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَبْطُلَ الْبَيِّنَتَانِ أُجِيبَ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْهَدُوا بِكَوْنِهِمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، بَلْ شَهِدُوا بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمْ اعْتَمَدَ سَبَبًا فِي وَقْتٍ أَطْلَقَ لَهُ الشَّهَادَةَ بِهِ

فَإِنْ قَضَى الْقَاضِي بِهِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا: لَا أَخْتَارُ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَهُ) لِأَنَّهُ صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ فِي النِّصْفِ فَانْفَسَخَ الْبَيْعُ فِيهِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ خَصَمَ فِيهِ لِظُهُورِ اسْتِحْقَاقِهِ بِالْبَيِّنَةِ لَوْلَا بَيِّنَةُ صَاحِبِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ تَخْيِيرِ الْقَاضِي حَيْثُ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْجَمِيعَ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْكُلَّ وَلَمْ يَفْسَخْ سَبَبَهُ، وَالْعَوْدُ إلَى النِّصْفِ لِلْمُزَاحِمَةِ وَلَمْ تُوجَدْ، وَنَظِيرُهُ تَسْلِيمُ أَحَدِ الشَّفِيعَيْنِ قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَنَظِيرُ الْأَوَّلِ تَسْلِيمُهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ قَضَى الْقَاضِي بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لَا أَخْتَارُ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَهُ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِالنِّصْفِ فَانْفَسَخَ الْعَقْدُ فِيهِ) وَالْعَقْدُ مَتَى انْفَسَخَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَا يَعُودُ إلَّا بِتَجَدُّدٍ وَلَا يُوجَدُ. فَإِنْ قِيلَ هُوَ مُدَّعٍ فَكَيْفَ يَكُونُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَهَذَا لِأَنَّهُ خَصْمٌ فِيهِ) أَيْ فِي النِّصْفِ الْمَقْضِيِّ بِهِ (لِظُهُورِ اسْتِحْقَاقِهِ بِالْبَيِّنَةِ لَوْلَا بَيِّنَةُ صَاحِبَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ تَخْيِيرِ الْقَاضِي) وَهُوَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ حَيْثُ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْجَمِيعَ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْكُلَّ وَالْحُجَّةُ قَامَتْ بِهِ وَلَمْ يَفْسَخْ سَبَبَهُ وَزَالَ الْمَانِعُ وَهُوَ مُزَاحَمَةُ الْآخَرِ (قَوْلُهُ حَيْثُ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْجَمِيعَ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْخِيَارَ بَاقٍ. وَذَكَرَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ نَقْلًا عَنْ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَلَوْ ذَكَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَارِيخًا فَهُوَ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الشِّرَاءَ فِي زَمَانٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ فَانْدَفَعَ الْآخَرُ بِهِ، وَلَوْ وَقَّتَتْ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَهُوَ لِصَاحِبِ الْوَقْتِ لِثُبُوتِ مِلْكِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَعَ

وَلَوْ ذَكَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَارِيخًا فَهُوَ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا) لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الشِّرَاءَ فِي زَمَانٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ فَانْدَفَعَ الْآخَرُ بِهِ (وَلَوْ وَقَّتَتْ إحْدَاهُمَا وَلَمْ تُؤَقِّتْ الْأُخْرَى فَهُوَ لِصَاحِبِ الْوَقْتِ) لِثُبُوتِ مِلْكِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَاحْتَمَلَ الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا يَقْضِي لَهُ بِالشَّكِّ (وَإِنْ لَمْ يَذْكُرَا تَارِيخًا وَمَعَ أَحَدِهِمَا قَبْضٌ فَهُوَ أَوْلَى) وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ فِي يَدِهِ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ قَبْضِهِ يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ شِرَائِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQاحْتِمَالِ الْآخَرِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا يُقْضَى لَهُ بِالشَّكِّ وَلَوْ لَمْ يَذْكُرَا تَارِيخًا لَكِنَّهُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَهُوَ أَوْلَى (لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ قَبْضِهِ يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ شِرَائِهِ) وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا أَنَّ الْحَادِثَ يُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ، وَالثَّانِيَةُ أَنَّ " مَا " مَعَ الْبُعْدِ بُعْدِيَّةٌ

وَلِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي الْإِثْبَاتِ فَلَا تُنْقَضُ الْيَدُ الثَّابِتَةُ بِالشَّكِّ، وَكَذَا لَوْ ذَكَرَ الْآخَرُ وَقْتًا لِمَا بَيَّنَّا. ـــــــــــــــــــــــــــــQزَمَانِيَّةٌ فَهُوَ بُعْدٌ. فَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَقَبْضُ الْقَابِضِ وَشِرَاءُ غَيْرِهِ حَادِثَانِ فَيُضَافَانِ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ فَيُحْكَمُ بِثُبُوتِهِمَا فِي الْحَالِ، وَقَبْضُ الْقَابِضِ مَبْنِيٌّ عَلَى شِرَائِهِ وَمُتَأَخِّرٌ عَنْهُ ظَاهِرًا فَكَانَ بَعْدَ شِرَائِهِ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ شِرَاءُ غَيْرِ الْقَابِضِ بَعْدَ شِرَاءِ الْقَابِضِ فَكَانَ شِرَاؤُهُ أَقْدَمَ تَارِيخًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ التَّارِيخَ الْمُتَقَدِّمَ أَوْلَى (وَلِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي الْإِثْبَاتِ) وَبَيِّنَةُ غَيْرِ الْقَابِضِ قَدْ تَكُونُ مِمَّا يَنْقُضُ الْيَدَ وَقَدْ لَا تَكُونُ (فَلَا تُنْقَضُ الْيَدُ الثَّابِتَةُ بِالشَّكِّ) وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَا إذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ اثْنَيْنِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ وَأَحَدُهُمَا قَابِضٌ فَإِنَّ الْخَارِجَ هُنَاكَ أَوْلَى. وَالْجَوَابُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ ثَمَّةَ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ لِبَائِعِهِ أَوَّلًا. فَاجْتَمَعَ فِي حَقِّ الْبَائِعَيْنِ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ فَكَانَ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ (وَكَذَا إذَا ذَكَرَ الْآخَرُ) يَعْنِي بَيِّنَةَ الْخَارِجِ (وَقْتًا) فَذُو الْيَدِ أَوْلَى، لِأَنَّ بِذِكْرِ الْوَقْتِ لَا يَزُولُ احْتِمَالُ سَبْقٍ فِي ذِي الْيَدِ (وَقَوْلُهُ لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ قَبْضِهِ يَدُلُّ عَلَى

إلَّا أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّ شِرَاءَهُ كَانَ قَبْلَ شِرَاءِ صَاحِبِ الْيَدِ لِأَنَّ الصَّرِيحَ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ. . قَالَ: (وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا شِرَاءً وَالْآخَرُ هِبَةً وَقَبَضَا) مَعْنَاهُ مِنْ وَاحِدٍ (وَأَقَامَا بَيِّنَةً وَلَا تَارِيخَ مَعَهُمَا فَالشِّرَاءُ أَوْلَى) لِأَنَّ الشِّرَاءَ أَقْوَى لِكَوْنِهِ مُعَاوَضَةً مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَلِأَنَّهُ يُثْبِتُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ وَالْمِلْكُ فِي الْهِبَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQسَبْقِ شِرَائِهِ (إلَّا أَنْ يَشْهَدَ شُهُودُ الْخَارِجِ أَنَّ شِرَاءَهُ كَانَ قَبْلَ شِرَاءِ صَاحِبِ الْيَدِ) فَإِنَّهُ تَنْقُضُ بِهَا الْيَدَ (لِأَنَّ الصَّرِيحَ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ) ، (وَإِذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا شِرَاءً وَالْآخَرُ هِبَةً وَقَبْضًا) قَالَ الْمُصَنِّفُ (مَعْنَاهُ مِنْ وَاحِدٍ) احْتِرَازًا عَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ اثْنَيْنِ كَمَا سَيَجِيءُ (وَأَقَامَا بَيِّنَةً وَلَا تَارِيخَ مَعَهُمَا فَالشِّرَاءُ أَوْلَى) لِأَنَّهُ (لِكَوْنِهِ مُعَايَنَةً مِنْ الْجَانِبَيْنِ) كَانَ أَقْوَى، وَلِأَنَّ الشِّرَاءَ يُثْبِتُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ

وَكَذَا الشِّرَاءُ وَالصَّدَقَةُ مَعَ الْقَبْضِ لِمَا بَيَّنَّا (وَالْهِبَةُ وَالْقَبْضُ وَالصَّدَقَةُ مَعَ الْقَبْضِ سَوَاءٌ حَتَّى يَقْضِيَ بَيْنَهُمَا) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي وَجْهِ التَّبَرُّعِ، وَلَا تَرْجِيحَ بِاللُّزُومِ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْمَآلِ وَالتَّرْجِيحُ بِمَعْنًى قَائِمٍ فِي الْحَالِ، وَهَذَا فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ صَحِيحٌ، وَكَذَا فِيمَا يَحْتَمِلُهَا عِنْدَ الْبَعْضِ لِأَنَّ الشُّيُوعَ طَارِئٌ. وَعِنْدَ الْبَعْضِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ تَنْفِيذُ الْهِبَةِ فِي الشَّائِعِ وَصَارَ كَإِقَامَةِ الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى الِارْتِهَانِ وَهَذَا أَصَحُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْهِبَةُ لَا تُثْبِتُهُ إلَّا بِالْقَبْضِ فَكَانَ الشِّرَاءُ وَالْهِبَةُ ثَابِتَيْنِ مَعًا، وَالشِّرَاءُ يُثْبِتُ الْمِلْكَ دُونَ الْهِبَةِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى الْقَبْضِ، وَكَذَا إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا الشِّرَاءَ وَالْآخَرُ الصَّدَقَةَ وَالْقَبْضَ. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى مَا ذُكِرَ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّ الشِّرَاءَ أَقْوَى (وَإِذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا هِبَةً وَقَبْضًا وَالْآخَرُ صَدَقَةً وَقَبْضًا فَهُمَا سَوَاءٌ، وَيُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي وَجْهِ التَّبَرُّعِ) فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ التَّسَاوِيَ فَإِنَّ الصَّدَقَةَ لَازِمَةٌ لَا تَقْبَلُ الرُّجُوعَ دُونَ الْهِبَةِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ وَلَا تَرْجِيحَ بِاللُّزُومِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ التَّرْجِيحَ بِاللُّزُومِ تَرْجِيحٌ بِمَا يَرْجِعُ إلَى الْمَآلِ: أَيْ بِمَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي ثَانِي الْحَالِ، إذْ اللُّزُومُ عِبَارَةٌ عَنْ عَدَمِ صِحَّةِ الرُّجُوعِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلَا تَرْجِيحَ بِمَا يَرْجِعُ إلَى الْمَآلِ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ إنَّمَا يَكُونُ بِمَعْنًى قَائِمٍ فِي الْحَالِ (وَهَذَا) أَيْ الْحُكْمُ بِالتَّنْصِيفِ بَيْنَهُمَا (فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ) كَالْحَمَّامِ وَالرَّحَى صَحِيحٌ (وَكَذَا فِيمَا يَحْتَمِلُهَا) كَالدَّارِ وَالْبُسْتَانِ (عِنْدَ الْبَعْضِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَثْبَتَ قَبْضَهُ فِي الْكُلِّ، ثُمَّ الشُّيُوعُ بَعْدَ ذَلِكَ طَارِئٌ وَهَذَا لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْهِبَةِ فَالصَّدَقَةِ (وَعِنْدَ الْبَعْضِ لَا يَصِحُّ) وَلَا يُقْضَى لَهُمَا بِشَيْءٍ (لِأَنَّهُ تَنْفِيذُ الْهِبَةِ فِي الشَّائِعِ فَصَارَ كَإِقَامَةِ الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى الِارْتِهَانِ) قِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالنِّصْفِ عَلَى قِيَاسِ هِبَةِ إيرَادِ الدَّارِ لِرَجُلَيْنِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، لِأَنَّا لَوْ قَضَيْنَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالنِّصْفِ فَإِنَّمَا نَقْضِي لَهُ بِالْعَقْدِ

قَالَ (وَإِذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا الشِّرَاءَ وَادَّعَتْ امْرَأَتُهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَيْهِ فَهُمَا سَوَاءٌ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُوَّةِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يُثْبِتُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: الشِّرَاءُ أَوْلَى وَلَهَا عَلَى الزَّوْجِ الْقِيمَةُ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِالْبَيِّنَتَيْنِ بِتَقْدِيمِ الشِّرَاءِ، إذْ التَّزَوُّجُ عَلَى عَيْنٍ مَمْلُوكَةٍ لِلْغَيْرِ صَحِيحٌ وَتَجِبُ قِيمَتُهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ تَسْلِيمِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّذِي شَهِدَ بِهِ شُهُودُهُ، وَعَنْ اخْتِلَافِ الْعَقْدَيْنِ لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ لِرَجُلَيْنِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَتَمَكُّنِ الشُّيُوعِ فِي الْمِلْكِ الْمُسْتَفَادِ بِالْهِبَةِ مَانِعٌ صِحَّتَهَا. وَقَالَ (وَإِذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا الشِّرَاءَ إلَخْ) إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا الشِّرَاءَ وَادَّعَتْ امْرَأَتُهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَيْهِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ وَلَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا وَتَارِيخُهُمَا عَلَى السَّوَاءِ يُقْضَى بِالْعَبْدِ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُوَّةِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَيُثْبِتُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ، وَلِلْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا نِصْفُ الْقِيمَةِ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ إذَا كَانَ نَقَدَهُ إيَّاهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: الشِّرَاءُ أَوْلَى، لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالْبَيِّنَاتِ مَهْمَا أَمْكَنَ وَاجِبٌ لِكَوْنِهَا حُجَّةً مِنْ حُجَجِ الشَّرْعِ، فَإِنْ قَدَّمْنَا النِّكَاحَ بَطَلَ الْعَمَلُ بِهَا لِأَنَّ الشِّرَاءَ بَعْدَهُ يَبْطُلُ إذَا لَمْ تُجِزْ الْمَرْأَةُ، وَإِنْ قَدَّمْنَا الشِّرَاءَ صَحَّ الْعَمَلُ بِهَا لِأَنَّ التَّزْوِيجَ عَلَى مِلْكِ الْغَيْرِ صَحِيحٌ وَالتَّسْمِيَةُ صَحِيحَةٌ، وَتَجِبُ الْقِيمَةُ إنْ لَمْ يُجِزْ صَاحِبُهُ فَتَعَيَّنَ تَقَدُّمُهُ وَوَجَبَ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ الْقِيمَةُ. وَذَكَرَ فِي الْأَسْرَارِ جَوَابَ أَبِي يُوسُفَ عَمَّا قَالَهُ مُحَمَّدٌ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ ذِكْرِ السَّبَبِ مِلْكُ الْعَيْنِ وَالنِّكَاحُ إذَا تَأَخَّرَ لَمْ يُوجِبْ مِلْكَ الْمُسَمَّى

وَإِذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا رَهْنًا وَقَبْضًا وَالْآخَرُ هِبَةً وَقَبْضًا وَأَقَامَا بَيِّنَةً فَالرَّهْنُ أَوْلَى) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَفِي الْقِيَاسِ الْهِبَةُ أَوْلَى لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْمِلْكَ وَالرَّهْنُ لَا يُثْبِتُهُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَقْبُوضَ بِحُكْمِ الرَّهْنِ مَضْمُونٌ وَبِحُكْمِ الْهِبَةِ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَعَقْدُ الضَّمَانِ أَقْوَى. بِخِلَافِ الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ لِأَنَّهُ بَيْعُ انْتِهَاءٍ وَالْبَيْعُ أَوْلَى مِنْ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ عَقْدُ ضَمَانٍ يُثْبِتُ الْمِلْكَ صُورَةً وَمَعْنًى، وَالرَّهْنُ لَا يُثْبِتُهُ إلَّا عِنْدَ الْهَلَاكِ مَعْنًى لَا صُورَةً فَكَذَا الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ (وَإِنْ أَقَامَ الْخَارِجَانِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ وَالتَّارِيخِ فَصَاحِبُ التَّارِيخِ الْأَقْدَمِ أَوْلَى) لِأَنَّهُ أَثْبَتَ أَنَّهُ أَوَّلُ الْمَالِكَيْنِ فَلَا يَتَلَقَّى الْمِلْكَ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا إذَا تَأَخَّرَ الشِّرَاءُ فَهُمَا سَوَاءٌ فِي حَقِّ مِلْكِ الْعَيْنِ (وَإِذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا رَهْنًا وَقَبْضًا وَالْآخَرُ هِبَةً وَقَبْضًا وَأَقَامَاهَا فَالرَّهْنُ أَوْلَى، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَفِي الْقِيَاسِ: الْهِبَةُ أَوْلَى لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْمِلْكَ وَالرَّهْنُ لَا يُثْبِتُهُ) فَكَانَتْ بَيِّنَةُ الْهِبَةِ أَكْثَرَ إثْبَاتًا فَهِيَ أَوْلَى (وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ) أَنَّ الْمَقْبُوضَ بِحُكْمِ الرَّهْنِ مَضْمُونٌ وَبِحُكْمِ الْهِبَةِ غَيْرُ مَضْمُونٍ، وَعَقْدُ الضَّمَانِ أَقْوَى مِنْ عَقْدِ التَّبَرُّعِ، وَلَا تُرَدُّ الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَإِنَّهَا أَوْلَى مِنْ الرَّهْنِ لِأَنَّهَا بَيْعٌ انْتِهَاءً وَالْبَيْعُ أَوْلَى مِنْ الرَّهْنِ، لِأَنَّ الْبَيْعَ عَقْدُ ضَمَانٍ يُثْبِتُ الْمِلْكَ صُورَةً وَمَعْنًى، وَالرَّهْنُ لَا يُثْبِتُهُ إلَّا عِنْدَ الْهَلَاكِ مَعْنًى لَا صُورَةً (وَإِنْ أَقَامَ الْخَارِجَانِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَالتَّارِيخِ، فَصَاحِبُ التَّارِيخِ الْأَقْدَمِ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَثْبَتَ أَنَّهُ أَوَّلُ الْمَالِكَيْنِ) وَكُلُّ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ لَا يُتَلَقَّى الْمِلْكُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ، وَالْفَرْضُ أَنَّ الْآخَرَ لَمْ يُتَلَقَّ مِنْهُ، وَهَذَا قَوْلُ

وَلَمْ يَتَلَقَّ الْآخَرُ مِنْهُ. قَالَ: (وَلَوْ ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ وَاحِدٍ) مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِ الْيَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ آخِرًا وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَوَّلًا. ثُمَّ قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقْضَى بَيْنَهُمَا وَلَا يَكُونُ لِلتَّارِيخِ عِبْرَةٌ، وَإِنْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَفِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُقْضَى بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِلتَّارِيخِ عِنْدَهُ حَالَةَ الِانْفِرَادِ فِي دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ. وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُقْضَى لِمَنْ أَرَّخَ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يُقْضَى لِمَنْ لَمْ يُؤَرِّخْ لِأَنَّهُ يَدَّعِي أَوَّلِيَّةَ الْمِلْكِ وَسَيَأْتِيك تَمَامُ بَيَانِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلَوْ ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ وَاحِدٍ وَأَقَامَاهَا وَلَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا وَتَارِيخُهُمَا عَلَى السَّوَاءِ قُضِيَ بِهِ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ أَرَّخَا تَارِيخَيْنِ مُتَفَاوِتَيْنِ فَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِمَا بَيَّنَّا) أَنَّهُ أَثْبَتَهُ فِي وَقْتٍ لَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهِ فَكَانَ اسْتِحْقَاقُهُ ثَابِتًا مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَأَنَّ الْآخَرَ اشْتَرَاهُ مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ بَاطِلًا. قِيلَ لَا تَفَاوُتَ فِيمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ الْحُكْمِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ، وَإِنَّمَا التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا إذَا أُقِّتَتْ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى عَلَى مَا سَيُذْكَرُ بُعَيْدَ هَذَا. وَقَوْلُهُ (مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِ الْيَدِ) لَيْسَ فِيهِ زِيَادَةُ فَائِدَةٍ، فَإِنَّهُ لَا تَفَاوُتَ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ ذَا الْيَدِ أَوْ غَيْرَهُ، فَإِنَّهُ كَانَ فِي الذَّخِيرَةِ: دَارً فِي يَدِ رَجُلٍ

وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى تَارِيخَيْنِ فَالْأَوَّلُ أَوْلَى) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ أَثْبَتَهُ فِي وَقْتٍ لَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهِ (وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ آخَرَ وَذَكَرَا تَارِيخًا) فَهُمَا سَوَاءٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQادَّعَاهَا رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ بِكَذَا وَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْأَحْكَامَ (وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ آخَرَ) كَأَنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ زَيْدٍ مَثَلًا وَآخَرُ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ عَمْرٍو (وَذَكَرَا تَارِيخًا وَاحِدًا فَهُمَا سَوَاءٌ

لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ الْمِلْكَ لِبَائِعَيْهِمَا فَيَصِيرُ كَأَنَّهُمَا حَضَرَا ثُمَّ يُخَيَّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ (وَلَوْ وَقَّتَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ وَقْتًا وَلَمْ تُؤَقِّتْ الْأُخْرَى قَضَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ) لِأَنَّ تَوْقِيتَ إحْدَاهُمَا لَا يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ الْمِلْكِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ الْمِلْكَ لِبَائِعَيْهِمَا فَيَصِيرُ كَأَنَّهُمَا حَضَرَا) وَادَّعَيَا وَأَرَّخَا تَارِيخًا وَاحِدًا (ثُمَّ يُخَيَّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ) أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الْعَبْدِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ (وَلَوْ أُقِّتَتْ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى قُضِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّ تَوْقِيتَ إحْدَاهُمَا لَا يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ الْمِلْكِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ أَقْدَمَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَاحِدًا لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَا يُتَلَقَّى إلَّا مِنْ جِهَتِهِ. فَإِذَا أَثْبَتَ أَحَدُهُمَا تَارِيخًا يُحْكَمُ بِهِ) لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ عِيَانًا، وَلَوْ عَايَنَّا بِيَدِهِ الْمِلْكَ حَكَمْنَا بِهِ. فَكَذَا إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ إلَّا إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ شِرَاءُ غَيْرِهِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: حَاصِلُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ مَا ذُكِرَ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَا يُتَلَقَّى إلَّا مِنْ جِهَتِهِ. وَأَمَّا الْبَاقِي فَمُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَذَلِكَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْفَرْقِ لِجَوَازِ أَنْ يُقَالَ: مَنْ ثَبَتَ لَهُ الْمِلْكُ بِالْبَيِّنَةِ فَهُوَ كَمَنْ ثَبَتَ لَهُ عِيَانًا فَيُحْكَمُ بِهِ، إلَّا إذَا تَبَيَّنَ تَقَدُّمُ شِرَاءِ غَيْرِهِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ لِذَلِكَ مَدْخَلًا

لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ أَقْدَمَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَاحِدًا لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَا يُتَلَقَّى إلَّا مِنْ جِهَتِهِ، فَإِذَا أَثْبَتَ أَحَدُهُمَا تَارِيخًا يَحْكُمُ بِهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ شِرَاءُ غَيْرِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْفَرْقِ، لِأَنَّ الْبَائِعَ إنْ كَانَ وَاحِدًا كَانَ التَّعَاقُبُ ضَرُورِيًّا، وَقَدْ ثَبَتَ لِأَحَدِهِمَا بِالْبَيِّنَةِ مِلْكٌ فِي وَقْتٍ وَمِلْكُ غَيْرِهِ مَشْكُوكٌ إنْ تَأَخَّرَ لَمْ يَضُرَّ، وَإِنْ تَقَدَّمَ مِلْكٌ فَتَعَارَضَا فَيُرَجَّحُ بِالْوَقْتِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ مُتَعَدِّدًا فَكَمَا جَازَ أَنْ يَقَعَا مُتَعَاقِبَيْنِ جَازَ أَنْ يَقَعَا مَعًا، وَفِي ذَلِكَ

وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الشِّرَاءَ مِنْ رَجُلٍ وَالْآخَرُ الْهِبَةَ وَالْقَبْضَ مِنْ غَيْرِهِ وَالثَّالِثُ الْمِيرَاثَ مِنْ أَبِيهِ وَالرَّابِعُ الصَّدَقَةَ وَالْقَبْضَ مِنْ آخَرَ قَضَى بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا) لِأَنَّهُمْ يَتَلَقَّوْنَ الْمِلْكَ مِنْ بَاعَتِهِمْ فَيَجْعَلُ كَأَنَّهُمْ حَضَرُوا وَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ. قَالَ: (وَإِنْ أَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مِلْكٍ مُؤَرَّخٍ وَصَاحِبُ الْيَدِ بَيِّنَةً عَلَى مِلْكٍ أَقْدَمَ تَارِيخًا كَانَ أَوْلَى) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ. وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ رَجَعَ إلَيْهِ لِأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ قَامَتَا عَلَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِجِهَةِ الْمِلْكِ فَكَانَ التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ سَوَاءً. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعَارُضٌ أَيْضًا، فَضَعْفُ قُوَّةِ الْوَقْتِ عَنْ التَّرْجِيحِ لِتَضَاعُفِ التَّعَارُضِ (وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ الشِّرَاءَ مِنْ رَجُلٍ وَآخَرُ الْهِبَةَ وَالْقَبْضَ مِنْ آخَرَ وَالثَّالِثُ الْمِيرَاثَ مِنْ أَبِيهِ وَالرَّابِعُ الصَّدَقَةَ وَالْقَبْضَ مِنْ آخَرَ وَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ قُضِيَ بِهِ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا، لِأَنَّهُمْ يَتَلَقَّوْنَ الْمِلْكَ مِنْ بَاعَتِهِمْ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُمْ حَضَرُوا وَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ) وَلِطَلَاقِ الْبَاعَةِ بِطَرِيقِ التَّغْلِيبِ لِأَنَّ الْبَائِعَ وَاحِدٌ مِنْ الْمُمَلِّكَيْنِ فَكَانَ الْمُرَادُ مِمَّنْ مُمَلِّكَيْهِمْ. قَالَ (وَإِنْ أَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مِلْكٍ مُؤَرَّخٍ إلَخْ) وَإِنْ أَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مِلْكٍ مُؤَرَّخٍ وَصَاحِبُ الْيَدِ عَلَى مِلْكٍ أَقْدَمَ تَارِيخًا فَذُو الْيَدِ أَوْلَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ. وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ رَجَعَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ. رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْهُ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ وَهُوَ أَنَّ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ إذَا كَانَتْ أَقْدَمَ تَارِيخًا كَانَتْ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ وَقَالَ: لَا أَقْبَلُ مِنْ ذِي الْيَدِ بَيِّنَةً عَلَى تَارِيخٍ وَغَيْرِهِ إلَّا لِلنِّتَاجِ، لِأَنَّ النِّتَاجَ دَلِيلٌ عَلَى أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ دُونَ التَّارِيخِ، لِأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ قَامَتَا عَلَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِجِهَةِ الْمِلْكِ فَكَانَ التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ سَوَاءً، بِخِلَافِ مَا إذَا قَامَتَا بِالتَّارِيخِ عَلَى الشِّرَاءِ وَإِحْدَاهُمَا أَسْبَقُ مِنْ

وَلَهُمَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ مَعَ التَّارِيخِ مُتَضَمِّنَةٌ مَعْنَى الدَّفْعِ، فَإِنَّ الْمِلْكَ إذَا ثَبَتَ لِشَخْصٍ فِي وَقْتٍ فَثُبُوتُهُ لِغَيْرِهِ بَعْدَهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالتَّلَقِّي مِنْ جِهَتِهِ وَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ عَلَى الدَّفْعِ مَقْبُولَةٌ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ كَانَتْ الدَّارُ فِي أَيْدِيهِمَا وَالْمَعْنَى مَا بَيَّنَّا، وَلَوْ أَقَامَ الْخَارِجُ وَذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ وَوُقِّتَتْ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ الْخَارِجُ أَوْلَى. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: صَاحِبُ الْوَقْتِ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَقْدَمُ وَصَارَ كَمَا فِي دَعْوَى الشِّرَاءِ إذَا أُرِّخَتْ إحْدَاهُمَا كَانَ صَاحِبُ التَّارِيخِ أَوْلَى. وَلَهُمَا أَنَّ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ إنَّمَا تُقْبَلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأُخْرَى، فَإِنَّ الْأَسْبَقَ أَوْلَى سَوَاءٌ كَانَ الْبَائِعُ وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ (وَلَهُمَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ مَعَ التَّارِيخِ مُتَضَمِّنَةٌ مَعْنَى الدَّفْعِ، فَإِنَّ الْمِلْكَ إذَا ثَبَتَ لِشَخْصٍ فِي وَقْتٍ فَثُبُوتُهُ لِغَيْرِهِ بَعْدَهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالتَّلَقِّي مِنْ جِهَتِهِ وَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ عَلَى الدَّفْعِ مَقْبُولَةٌ) فَإِنَّ مَنْ ادَّعَى عَلَى ذِي الْيَدِ عَيْنًا وَأَنْكَرَ ذُو الْيَدِ ذَلِكَ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ، وَقَدْ مَرَّ قَبْلَ هَذَا قَبُولُ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ فِي أَنَّ الْعَيْنَ فِي يَدِهِ وَدِيعَةٌ حَتَّى تَنْدَفِعَ عَنْهُ دَعْوَى الْمُدَّعَى عَنْهُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ. وَلَمَّا قُبِلَتْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ عَلَى الدَّفْعِ صَارَتْ هَاهُنَا بَيِّنَتُهُ بِذِكْرِ التَّارِيخِ الْأَقْدَمِ مُتَضَمِّنَةً دَفْعَ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا بَعْدَ إثْبَاتِ التَّلَقِّي مِنْ قِبَلِهِ فَتُقْبَلُ لِكَوْنِهَا لِلدَّفْعِ (وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ كَانَتْ الدَّارُ فِي أَيْدِيهِمَا) كَانَ صَاحِبُ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ أَوْلَى فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا مُعْتَبَرَ بِالْوَقْتِ (لِمَا بَيَّنَّا) مِنْ الدَّلِيلِ فِي الْجَانِبَيْنِ (وَلَوْ أَقَامَ الْخَارِجُ وَذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ وَوُقِّتَتْ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ الْخَارِجُ أَوْلَى. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: صَاحِبُ الْوَقْتِ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَقْدَمُ، وَصَارَ كَمَا فِي دَعْوَى الشِّرَاءِ إذَا أُرِّخَتْ إحْدَاهُمَا كَانَ صَاحِبُ التَّارِيخِ أَوْلَى) وَقَدْ مَرَّ (وَلَهُمَا أَنَّ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ إنَّمَا تُقْبَلُ إذَا.

لِتَضَمُّنِهَا مَعْنَى الدَّفْعِ، وَلَا دَفْعَ هَاهُنَا حَيْثُ وَقَعَ الشَّكُّ فِي التَّلَقِّي مِنْ جِهَتِهِ، وَعَلَى هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي أَيْدِيهِمَا وَلَوْ كَانَتْ فِي يَدِ ثَالِثٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQتَضَمَّنَتْ مَعْنَى) الدَّفْعِ لِمَا مَرَّ (وَلَا دَفْعَ هَاهُنَا) لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ إذَا تَعَيَّنَ التَّلَقِّي مِنْ جِهَتِهِ، وَهَاهُنَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ بِذِكْرِ تَارِيخِ إحْدَاهُمَا لَمْ يَحْصُلْ الْيَقِينُ بِأَنَّ الْآخَرَ تَلَقَّاهُ مِنْ جِهَتِهِ لِإِمْكَانِ أَنَّ الْأُخْرَى لَوْ وُقِّتَتْ كَانَ أَقْدَمَ تَارِيخًا، بِخِلَافِ مَا إذَا أُرِّخَا وَكَانَ تَارِيخُ ذِي الْيَدِ أَقْدَمَ كَمَا تَقَدَّمَ (وَعَلَى هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ بِأَيْدِيهِمَا) فَأَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً عَلَى مِلْكٍ مُؤَرَّخٍ وَالْآخَرُ عَلَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ التَّارِيخُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، قِيلَ: الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِهِ إنَّ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ إنَّمَا تُقْبَلُ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الدَّفْعِ لَا يَسْتَقِيمُ لِمُحَمَّدٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ وَإِلَّا لَزِمَهُ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى قَوْلِهِ الْأَوَّلِ (وَلَوْ كَانَتْ) الْعَيْنُ (فِي يَدِ ثَالِثٍ

الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَهُمَا سَوَاءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الَّذِي وَقَّتَ أَوْلَى. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: الَّذِي أَطْلَقَ أَوْلَى لِأَنَّهُ ادَّعَى أَوَّلِيَّةَ الْمِلْكِ بِدَلِيلِ اسْتِحْقَاقِ الزَّوَائِدِ وَرُجُوعِ الْبَاعَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى الْبَعْضِ. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ التَّارِيخَ يُوجِبُ الْمِلْكَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِيَقِينٍ. وَالْإِطْلَاقُ يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْأَوَّلِيَّةِ، وَالتَّرْجِيحُ بِالتَّيَقُّنِ؛ كَمَا لَوْ ادَّعَيَا الشِّرَاءَ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّارِيخَ يُضَامُهُ احْتِمَالُ عَدَمِ التَّقَدُّمِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ، بِخِلَافِ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ حَادِثٌ فَيُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ فَيَتَرَجَّحُ جَانِبُ صَاحِبِ التَّارِيخِ. قَالَ (وَإِنْ أَقَامَ الْخَارِجُ وَصَاحِبُ الْيَدِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً عَلَى النِّتَاجِ فَصَاحِبُ الْيَدِ أَوْلَى) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا) أَيْ وُقِّتَتْ بَيِّنَةُ أَحَدِ الْخَارِجَيْنِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ دُونَ الْأُخْرَى (فَهُمَا سَوَاءٌ) يُقْضَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الَّذِي وُقِّتَ أَوْلَى. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: الَّذِي أُطْلِقَ أَوْلَى لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ دَعْوَى أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ بِدَلِيلِ اسْتِحْقَاقِ الزَّوَائِدِ) الْمُتَّصِلَةِ كَالسَّمْنِ وَالْمُنْفَصِلَةِ كَالْأَكْسَابِ فَكَانَ مِلْكًا لِلْأَصْلِ، وَمِلْكُ الْأَصْلِ أَوْلَى مِنْ التَّارِيخِ (لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ التَّارِيخَ يُوجِبُ الْمِلْكَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِيَقِينٍ، وَالْإِطْلَاقُ يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْأَوَّلِيَّةِ وَالتَّرْجِيحُ بِالتَّيَقُّنِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّارِيخَ يُضَامُّهُ) أَيْ يُزَاحِمُهُ (احْتِمَالُ عَدَمِ التَّقَدُّمِ) لِأَنَّ الَّذِي لَمْ يُؤَرَّخْ سَابِقٌ عَلَى الْمُؤَرَّخِ مِنْ حَيْثُ إنَّ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ دَعْوَى أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ حُكْمًا وَلَا حَقَّ مِنْ حَيْثُ إنَّ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ يَحْتَمِلُ التَّمَلُّكَ مِنْ جِهَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ تَارِيخِ الْمُؤَرَّخِ، وَلِذَا كَانَ غَيْرُ الْمُؤَرَّخِ سَابِقًا مِنْ وَجْهٍ لَاحِقًا مِنْ وَجْهٍ كَانَ الْمُؤَرَّخُ أَيْضًا كَذَلِكَ فَاسْتَوَيَا فِي السَّبْقِ وَاللُّحُوقِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُمَا مَلَكَا مَعًا وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ مَعْنَى التَّارِيخِ فَهُوَ مَعْنَى قَوْلِنَا إنَّ دَعْوَى التَّارِيخِ حَالَةَ الِانْفِرَادِ سَاقِطُ الِاعْتِبَارِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمَا لَمَّا اتَّفَقَا عَلَى الشِّرَاءِ اتَّفَقَا عَلَى الْحُدُوثِ، وَلَا بُدَّ لِلْحُدُوثِ مِنْ التَّارِيخِ فَيُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ وَيَتَرَجَّحُ جَانِبُ صَاحِبِ التَّارِيخِ. قَالَ (وَإِنْ أَقَامَ الْخَارِجُ وَصَاحِبُ الْيَدِ إلَخْ) وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَارِجِ وَصَاحِبِ الْيَدِ (بَيِّنَةً بِالنِّتَاجِ فَذُو الْيَدِ أَوْلَى) وَهُوَ

لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَامَتْ عَلَى مَا لَا تَدُلُّ عَلَيْهِ فَاسْتَوَيَا، وَتَرَجَّحَتْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ بِالْيَدِ فَيَقْضِي لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتِحْسَانٌ. وَفِي الْقِيَاسِ الْخَارِجُ أَوْلَى، وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ أَكْثَرُ اسْتِحْقَاقًا مِنْ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ لِأَنَّ الْخَارِجَ يُثْبِتُ بِهَا أَوَّلِيَّةَ الْمِلْكِ بِالنِّتَاجِ، وَاسْتِحْقَاقُ الْمِلْكِ الثَّابِتِ لِذِي الْيَدِ بِظَاهِرِ يَدِهِ، وَذُو الْيَدِ لَا يُثْبِتُ بِهَا اسْتِحْقَاقَ الْمِلْكِ الثَّابِتِ لِلْخَارِجِ بِوَجْهٍ مَا. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ قَامَتْ عَلَى مَا لَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْيَدُ وَهُوَ الْأَوَّلِيَّةُ بِالنِّتَاجِ كَبَيِّنَةِ الْخَارِجِ (فَاسْتَوَيَا وَتَرَجَّحَتْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ بِالْيَدِ فَيُقْضَى لَهُ) سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِهَا لِلْخَارِجِ أَوْ بَعْدَهُ، أَمَّا قَبْلَهُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلِأَنَّ ذَا الْيَدِ لَمْ يَصِرْ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ دَافِعَةٌ لِبَيِّنَةِ الْخَارِجِ لِأَنَّ النِّتَاجَ لَا يَتَكَرَّرُ، فَإِذَا ظَهَرَتْ بَيِّنَةٌ دَافِعَةٌ تَبَيَّنَ أَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يَكُنْ مُسْتَنِدًا إلَى حُجَّةٍ فَلَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا. وَاعْلَمْ أَنَّ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ إنَّمَا تَتَرَجَّحُ عَلَى بَيِّنَةِ الْخَارِجِ إذَا لَمْ يَدَّعِ الْخَارِجُ عَلَى ذِي الْيَدِ فِعْلًا نَحْوَ الْغَصْبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْإِجَارَةِ أَوْ الرَّهْنِ، وَأَمَّا إذَا ادَّعَى ذَلِكَ فَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى لِأَنَّ ذَا الْيَدِ يُثْبِتُ بِبَيِّنَتِهِ مَا هُوَ ثَابِتٌ بِظَاهِرِ يَدِهِ

وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ عِيسَى بْنُ أَبَانَ إنَّهُ تَتَهَاتَرُ الْبَيِّنَتَانِ وَيُتْرَكُ فِي يَدِهِ لَا عَلَى طَرِيقِ الْقَضَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ وَجْهٍ وَهُوَ أَصْلُ الْمِلْكِ وَالْخَارِجُ يُثْبِتُ الْفِعْلَ وَهُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ أَصْلًا فَكَانَ أَكْثَرَ إثْبَاتًا فَهِيَ أَوْلَى (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْقَضَاءِ لِذِي الْيَدِ (هُوَ الصَّحِيحُ) وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ (خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ عِيسَى بْنُ أَبَانَ إنَّهُ تَتَهَاتَرُ الْبَيِّنَتَانِ وَيُتْرَكُ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ لَا عَلَى طَرِيقِ الْقَضَاءِ) لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَتَيَقَّنُ كَذِبَ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ لِأَنَّ نِتَاجَ دَابَّةٍ مِنْ دَابَّتَيْنِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ كَمَسْأَلَةِ كُوفَةَ وَمَكَّةَ. وَوَجْهُ صِحَّةِ ذَلِكَ أَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي خَارِجَيْنِ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ أَنَّهُ يُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَوْ كَانَ الطَّرِيقُ مَا قَالَهُ يُتْرَكُ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ. وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ: الْقَاضِي يَتَيَقَّنُ بِكَذِبِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ مَا ذَكَرْنَا فِي شَهَادَةِ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى الْمِلْكَيْنِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اعْتَمَدَ سَبَبًا ظَاهِرًا مُطْلَقًا لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النِّتَاجِ لَيْسَتْ بِمُعَايِنَةٍ لِلِانْفِصَالِ مِنْ الْأُمِّ بَلْ بِرُؤْيَةِ الْفَصِيلِ يَتَّبِعُ النَّاقَةَ وَالْفَائِدَةُ تَظْهَرُ

وَلَوْ تَلْقَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْمِلْكَ مِنْ رَجُلٍ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ عِنْدَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ إقَامَتِهَا عَلَى النِّتَاجِ فِي يَدِ نَفْسِهِ (وَلَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ وَالْآخَرُ عَلَى النِّتَاجِ فَصَاحِبُ النِّتَاجِ أَوْلَى أَيُّهُمَا كَانَ) لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ قَامَتْ عَلَى أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ فَلَا يَثْبُتُ لِلْآخَرِ إلَّا بِالتَّلَقِّي مِنْ جِهَتِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى بَيْنَ خَارِجَيْنِ فَبَيِّنَةُ النِّتَاجِ أَوْلَى لِمَا ذَكَرْنَا (وَلَوْ قَضَى بِالنِّتَاجِ لِصَاحِبِ الْيَدِ ثُمَّ أَقَامَ ثَالِثٌ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ يَقْضِي لَهُ إلَّا أَنْ يُعِيدَهَا ذُو الْيَدِ) لِأَنَّ الثَّالِثَ لَمْ يَصِرْ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْقَضِيَّةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي التَّحْلِيفِ؛ فَعِنْدَ الْعَامَّةِ لَا يَحْلِفُ ذُو الْيَدِ لِلْخَارِجِ، وَعِنْدَهُ يُسْتَحْلَفُ (لَوْ تَلْقَى كُلُّ وَاحِدٍ) مِنْ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ (الْمِلْكَ مِنْ رَجُلٍ) فَكَانَ هُنَاكَ بَائِعَانِ (وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ عِنْدَ مَنْ تَلَقَّى مِنْهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ إقَامَتِهَا عَلَى النِّتَاجِ فِي يَدِ نَفْسِهِ) فَيُقْضَى بِهِ لِذِي الْيَدِ كَأَنَّ الْبَائِعَيْنِ قَدْ حَضَرَا وَأَقَامَا عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَإِنَّهُ يُقْضَى ثَمَّةَ لِصَاحِبِ الْيَدِ كَذَلِكَ هَاهُنَا (وَلَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ وَالْآخَرُ عَلَى النِّتَاجِ فَصَاحِبُ النِّتَاجِ أَوْلَى) خَارِجًا كَانَ أَوْ ذَا يَدٍ (لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ قَامَتْ عَلَى أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ فَلَا يَثْبُتُ لِلْآخَرِ إلَّا بِالتَّلَقِّي مِنْ جِهَتِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى بَيْنَ خَارِجَيْنِ فَبَيِّنَةُ النِّتَاجِ أَوْلَى لِمَا ذَكَرْنَا) أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ فَلَا يَثْبُتُ التَّلَقِّي لِلْآخَرِ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ (وَلَوْ قُضِيَ بِالنِّتَاجِ لِذِي الْيَدِ ثُمَّ أَقَامَ الثَّالِثُ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ يُقْضَى لَهُ إلَّا أَنْ يُعِيدَهَا ذُو الْيَدِ لِأَنَّ الثَّالِثَ لَمْ يَصِرْ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْقَضِيَّةِ) لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ بِهِ الْمِلْكُ وَثُبُوتُ الْمِلْكِ بِالْبَيِّنَةِ فِي حَقِّ شَخْصٍ لَا يَقْتَضِي ثُبُوتَهُ فِي حَقِّ آخَرَ، فَإِنْ أَعَادَ ذُو الْيَدِ بَيِّنَتَهُ قُضِيَ لَهُ

وَكَذَا الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ تُقْبَلُ وَيُنْقَضُ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّصِّ. قَالَ (وَكَذَلِكَ النَّسْجُ فِي الثِّيَابِ الَّتِي لَا تُنْسَجُ إلَّا مَرَّةً) كَغَزْلِ الْقُطْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهَا تَقْدِيمًا لِبَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ عَلَى بَيِّنَةِ الْخَارِجِ فِي النِّتَاجِ، وَإِنْ لَمْ يَعُدْ يُقْضَى بِهَا لِلثَّالِثِ (وَكَذَا الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ تُقْبَلُ وَيُنْقَضُ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّصِّ) فِي دَلَالَتِهِ عَلَى الْأَوَّلِيَّةِ قَطْعًا فَكَانَ الْقَضَاءُ وَاقِعًا عَلَى خِلَافِهِ كَالْقَضَاءِ الْوَاقِعِ عَنْ خِلَافِ النَّصِّ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَفِي الْقِيَاسِ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِصَيْرُورَتِهِ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ. وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ لِأَنَّ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى النِّتَاجِ تَبَيَّنَ أَنَّ الدَّفْعَ لِبَيِّنَةِ الْمُدَّعِي كَانَ مَوْجُودًا وَالْقَضَاءُ كَانَ خَطَأً فَأَنَّى يَكُونُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْقَضَاءُ بِبَيِّنَةِ الْخَارِجِ مَعَ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ عَلَى النِّتَاجِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، فَإِنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى يُرَجِّحُ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُنْقَضَ قَضَاءُ الْقَاضِي لِمُصَادَفَتِهِ مَوْضِعَ الِاجْتِهَادِ. أُجِيبَ بِأَنَّ قَضَاءَهُ إنَّمَا يَكُونُ عَنْ اجْتِهَادٍ إذَا كَانَتْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ قَائِمَةً عِنْدَهُ وَقْتَ الْقَضَاءِ فَيُرَجِّحُ بِاجْتِهَادِهِ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ عَلَيْهَا، وَهَذِهِ الْبَيِّنَةُ مَا كَانَتْ قَائِمَةً عِنْدَهُ حَالَ الْقَضَاءِ فَلَمْ يَكُنْ عَنْ اجْتِهَادِ بَلْ كَانَ لِعَدَمِ مَا يَدْفَعُ الْبَيِّنَةَ مِنْ ذِي الْيَدِ، فَإِذَا أَقَامَا مَا تُدْفَعُ بِهِ انْتَقَضَ الْقَضَاءُ الْأَوَّلُ. قَالَ (وَكَذَلِكَ النَّسْجُ فِي الثِّيَابِ الَّتِي لَا تُنْسَجُ إلَّا مَرَّةً إلَخْ)

(وَكَذَلِكَ كُلُّ سَبَبٍ فِي الْمِلْكِ لَا يَتَكَرَّرُ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى النِّتَاجِ كَحَلْبِ اللَّبَنِ وَاِتِّخَاذِ الْجُبْنِ وَاللِّبَدِ وَالْمِرْعِزَّى وَجَزِّ الصُّوفِ، وَإِنْ كَانَ يَتَكَرَّرُ قُضِيَ بِهِ لِلْخَارِجِ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْقِيَاسَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ أَبِي لَيْلَى أَنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ أَوْلَى فِي النِّتَاجِ مِنْ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ، وَمَا ذَهَبَا إلَيْهِ اسْتِحْسَانٌ تُرِكَ بِهِ الْقِيَاسُ بِمَا رَوَى جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى نَاقَةً فِي يَدِ رَجُلٍ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا نَاقَتُهُ نَتَجَهَا وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا نَاقَتُهُ نُتِجَهَا، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَا لِلَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ» فَلَا يُلْحَقُ بِالنِّتَاجِ إلَّا مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَمَا لَا يَتَكَرَّرُ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ إذَا دَعَاهُ بِهِ كَانَ كَدَعْوَى النِّتَاجِ، كَمَا إذَا ادَّعَتْ غَزْلَ قُطْنٍ أَنَّهُ مِلْكُهَا غَزَلَتْهُ بِيَدِهَا، وَكَمَا إذَا ادَّعَى رَجُلٌ ثَوْبًا أَنَّهُ مِلْكُهُ نَسَجَهُ وَهُوَ مِمَّا لَا يَتَكَرَّرُ نَسْجُهُ، أَوْ ادَّعَى لَبَنًا أَنَّهُ مِلْكُهُ حَلَبَهُ مِنْ شَاتِه، أَوْ ادَّعَى جُبْنًا أَنَّهُ مِلْكُهُ صَنَعَهُ، فِي مِلْكِهِ، أَوْ لِبَدًا بِأَنَّهُ صَنَعَهُ، أَوْ مَرْعَزِيًّا وَهِيَ كَالصُّوفِ تَحْتَ شَعْرِ الْعَنْزِ، أَوْ صُوفًا مَجْزُوزًا بِأَنَّهُ مِلْكُهُ جَزَّهُ مِنْ شَاتِهِ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَادَّعَى ذُو الْيَدِ مِثْلَ ذَلِكَ وَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً، فَإِنَّهُ يُقْضَى بِذَلِكَ لِذِي الْيَدِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى النِّتَاجِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيُلْحَقُ بِهِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ، وَمَا تَكَرَّرَ مِنْ ذَلِكَ قُضِيَ بِهِ لِلْخَارِجِ؛ فَالْخَزُّ وَهُوَ اسْمُ دَابَّةٍ ثُمَّ سُمِّيَ الثَّوْبُ الْمُتَّخَذُ مِنْ وَبَرِهِ خَزًّا، قِيلَ هُوَ يُنْسَجُ فَإِذَا بَلِيَ يُغْزَلُ مَرَّةً أُخْرَى وَيُنْسَجُ، فَإِذَا ادَّعَى ثَوْبًا أَنَّهُ مِلْكُهُ مِنْ خَزِّهِ، أَوْ ادَّعَى دَارًا أَنَّهَا مِلْكُهُ بَنَاهَا بِمَالِهِ، أَوْ ادَّعَى غَرْسًا أَنَّهُ مِلْكُهُ غَرَسَهُ، أَوْ ادَّعَى حِنْطَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ زَرَعَهَا أَوْ حَبًّا آخَرَ مِنْ الْحُبُوبِ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً وَادَّعَى ذُو الْيَدِ مِثْلَ ذَلِكَ وَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً قُضِيَ بِهِ

وَهُوَ مِثْلُ الْخَزِّ وَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَزِرَاعَةِ الْحِنْطَةِ وَالْحُبُوبِ، فَإِنْ أَشْكَلَ يَرْجِعُ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ لِأَنَّهُمْ أَعْرَفُ بِهِ، فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ قُضِيَ بِهِ لِلْخَارِجِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِبَيِّنَتِهِ هُوَ الْأَصْلُ وَالْعُدُولُ عَنْهُ بِخَبَرِ النِّتَاجِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْخَارِجِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَى النِّتَاجِ لِتَكَرُّرِهَا، أَمَّا الْخَزُّ فَلِمَا نَقَلْنَاهُ، وَأَمَّا فِي الْبَاقِيَةِ فَإِنَّ الْبِنَاءَ يَكُونُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَكَذَلِكَ الْغَرْسُ وَالْحِنْطَةُ وَالْحُبُوبُ تُزْرَعُ ثُمَّ يُغَرْبَلُ التُّرَابُ فَتُمَيَّزُ الْحُبُوبُ ثُمَّ تُزْرَعُ ثَانِيَةً، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَاهُ لَا يُلْحَقُ بِهِ (فَإِنْ أَشْكَلَ) شَيْءٌ لَا يَتَيَقَّنُ بِالتَّكْرَارِ وَعَدَمِهِ فِيهِ (يَرْجِعُ إلَى) الْعُدُولِ مِنْ (أَهْلِ الْخِبْرَةِ) وَيُبْنَى الْحُكْمُ عَلَيْهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] (فَإِنْ أَشْكَلَ) عَلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ قُضِيَ بِهِ لِلْخَارِجِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِبَيِّنَتِهِ هُوَ الْأَصْلُ وَالْعُدُولُ (كَانَ بِخَيْرِ النِّتَاجِ)

فَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ يَرْجِعُ إلَى الْأَصْلِ. قَالَ (وَإِنْ أَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَصَاحِبُ الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ كَانَ صَاحِبُ الْيَدِ أَوْلَى) لِأَنَّ الْأَوَّلَ إنْ كَانَ يَدَّعِي أَوَّلِيَّةَ الْمِلْكِ فَهَذَا تَلَقَّى مِنْهُ، وَفِي هَذَا لَا تَنَافِي فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لَهُ ثُمَّ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْهُ. قَالَ (وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ الْآخَرِ وَلَا تَارِيخَ مَعَهُمَا تَهَاتَرَتْ الْبَيِّنَتَانِ وَتُتْرَكُ الدَّارُ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ) قَالَ: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَقْضِي بِالْبَيِّنَتَيْنِ وَيَكُونُ لِلْخَارِجِ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِهِمَا مُمْكِنٌ فَيَجْعَلُ كَأَنَّهُ اشْتَرَى ذُو الْيَدِ مِنْ الْآخَرِ وَقَبَضَ ثُمَّ بَاعَ الدَّارَ لِأَنَّ الْقَبْضَ دَلَالَةُ السَّبْقِ عَلَى مَا مَرَّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا رَوَيْنَا (وَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ يَرْجِعُ إلَى الْأَصْلِ) . وَقَالَ: (وَإِذَا أَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ إلَخْ) وَإِذَا أَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ وَذُو الْيَدِ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ فَذُو الْيَدِ أَوْلَى، لِأَنَّ الْخَارِجَ إنْ كَانَ يَدَّعِي أَوَّلِيَّةَ الْمِلْكِ فَذُو الْيَدِ تَلَقَّى مِنْهُ، وَلَا تَنَافِيَ فِي هَذَا فَصَارَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ ذُو الْيَدِ بِالْمِلْكِ لِلْخَارِجِ ثُمَّ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْهُ (قَالَ: وَإِنْ أَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ ذِي الْيَدِ وَأَقَامَهَا ذُو الْيَدِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْخَارِجِ وَلَا تَارِيخَ مَعَهُمَا تَهَاتَرَتَا وَتُرِكَتْ الدَّارُ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُقْضَى بِهِمَا لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِهِمَا، وَذَلِكَ بِأَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّ ذَا الْيَدِ قَدْ اشْتَرَاهَا مِنْ الْخَارِجِ وَقَبَضَ ثُمَّ بَاعَ وَلَمْ يَقْبِضْ لِأَنَّ الْقَبْضَ دَلَالَةُ السَّبْقِ كَمَا مَرَّ،

وَلَا يَعْكِسُ الْأَمْرَ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ فِي الْعَقَارِ عِنْدَهُ. وَلَهُمَا أَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الشِّرَاءِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْمِلْكِ لِلْبَائِعِ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا قَامَتَا عَلَى الْإِقْرَارَيْنِ وَفِيهِ التَّهَاتُرُ بِالْإِجْمَاعِ، كَذَا هَاهُنَا، وَلِأَنَّ السَّبَبَ يُرَادُ لِحُكْمِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ لِذِي الْيَدِ إلَّا بِمِلْكٍ مُسْتَحَقٍّ فَبَقِيَ الْقَضَاءُ لَهُ بِمُجَرَّدِ السَّبَبِ وَأَنَّهُ لَا يُفِيدُهُ. ثُمَّ لَوْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَتَانِ عَلَى نَقْدِ الثَّمَنِ فَالْأَلْفُ بِالْأَلْفِ قِصَاصٌ عِنْدَهُمَا إذَا اسْتَوَيَا لِوُجُودِ قَبْضٍ مَضْمُونٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا عَلَى نَقْدِ الثَّمَنِ فَالْقِصَاصُ مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ لِلْوُجُوبِ عِنْدَهُ. وَلَوْ شَهِدَ الْفَرِيقَانِ بِالْبَيْعِ وَالْقَبْضِ تَهَاتَرَتَا بِالْإِجْمَاعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يُعْكَسُ) أَيْ لَا يُجْعَلُ كَأَنَّ الْخَارِجَ اشْتَرَاهَا مِنْ ذِي الْيَدِ أَوَّلًا ثُمَّ بَاعَهُ إيَّاهُ (لِأَنَّ) ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ (الْبَيْعَ قَبْلَ الْقَبْضِ) وَذَلِكَ (لَا يَجُوزُ) وَإِنْ كَانَ الْعَقَارُ عِنْدَهُ. وَلَهُمَا أَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الشِّرَاءِ إقْرَارٌ مِنْ الْمُشْتَرِي بِالْمِلْكِ لِلْبَائِعِ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا قَامَتَا عَلَى الْإِقْرَارَيْنِ، وَفِيهِ التَّهَاتُرُ بِالْإِجْمَاعِ كَذَا هَاهُنَا، (وَلِأَنَّ السَّبَبَ يُرَادُ لِحُكْمِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ) يَعْنِي أَنَّ السَّبَبَ إذَا كَانَ مُفِيدًا لِلْحُكْمِ كَانَ مُعْتَبَرًا وَإِلَّا فَلَا لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَقْصُودٍ بِالذَّاتِ (وَ) هَاهُنَا (لَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ لِذِي الْيَدِ إلَّا بِمِلْكٍ مُسْتَحَقٍّ) لِلْخَارِجِ لِأَنَّا إذَا قَضَيْنَا بِبَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ إنَّمَا نَقْضِي لِيَزُولَ مِلْكُهُ إلَى الْخَارِجِ فَلَمْ يَكُنْ السَّبَبُ مُفِيدًا لِحُكْمِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ (فَبَقِيَ الْقَضَاءُ لَهُ بِمُجَرَّدِ السَّبَبِ) وَذَلِكَ غَيْرُ مُفِيدٍ. (ثُمَّ لَوْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَتَانِ عَلَى نَقْدِ الثَّمَنِ فَالْأَلْفُ بِالْأَلْفِ قِصَاصٌ عِنْدَهُمَا إذَا اسْتَوَى الثَّمَنَانِ لِوُجُودِ قَبْضٍ مَضْمُونٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدَا عَلَى نَقْدِ الثَّمَنِ فَالْقِصَاصُ مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ لِلْوُجُوبِ عِنْدَهُ) فَإِنَّ الْبَيْعَيْنِ لَمَّا ثَبَتَا عِنْدَهُ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُوجِبًا الثَّمَنَ عِنْدَ مُشْتَرِيهِ فَيُتَقَاصَّ الْوُجُوبُ بِالْوُجُوبِ (وَلَوْ شَهِدَ الْفَرِيقَانِ بِالْبَيْعِ وَالْقَبْضِ تَهَاتَرَتَا بِالْإِجْمَاعِ) لَكِنْ عَلَى اخْتِلَافِ التَّخْرِيجِ،

لِأَنَّ الْجَمْعَ غَيْرُ مُمْكِنٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِجَوَازِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَيْعَيْنِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. وَإِنْ وُقِّتَتْ الْبَيِّنَتَانِ فِي الْعَقَارِ وَلَمْ تُثْبِتَا قَبْضًا وَوَقْتُ الْخَارِجِ أَسْبَقُ يُقْضَى لِصَاحِبِ الْيَدِ عِنْدَهُمَا فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْخَارِجَ اشْتَرَى أَوَّلًا ثُمَّ بَاعَ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ، وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْعَقَارِ عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَقْضِي لِلْخَارِجِ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ لَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَبَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ، وَإِنْ أَثْبَتَا قَبْضًا ـــــــــــــــــــــــــــــQفَعِنْدَهُمَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ دَعْوَاهُمَا مِثْلَ هَذَا الْبَيْعِ إقْرَارٌ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْمِلْكِ لِصَاحِبِهِ، وَفِي مِثْلِ الْإِقْرَارِ تَتَهَاتَرُ الشُّهُودُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِاعْتِبَارِ أَنَّ بَيْعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَائِزٌ لِوُجُودِ الْبَيْعِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَلَيْسَ فِي الْبَيْعَيْنِ ذِكْرُ التَّارِيخِ وَلَا دَلَالَةَ تَارِيخٍ حَتَّى يُجْعَلَ أَحَدُهُمَا سَابِقًا وَالْآخَرُ لَاحِقًا، وَإِذَا جَازَ الْبَيْعَانِ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فِي الْقَبُولِ تَسَاقَطَا فَبَقِيَ الْعَيْنُ عَلَى يَدِ صَاحِبِ الْيَدِ كَمَا كَانَتْ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ (لِأَنَّ الْجَمْعَ غَيْرُ مُمْكِنٍ) لِأَنَّ الْجَمْعَ عِبَارَةٌ عَنْ إمْكَانِ الْعَمَلِ بِهِمَا وَهَاهُنَا لَمْ يُمْكِنْ (وَإِنْ وُقِّتَتْ الْبَيِّنَتَانِ فِي الْعَقَارِ) وَقْتَيْنِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ وَقْتُ الْخَارِجِ أَسْبَقَ أَوْ وَقْتُ ذِي الْيَدِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَشْهَدُوا بِالْقَبْضِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ وَقْتُ الْخَارِجِ أَسْبَقَ (فَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا بِالْقَبْضِ قُضِيَ بِهَا لِذِي الْيَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْخَارِجَ اشْتَرَى أَوَّلًا ثُمَّ بَاعَ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ فَإِنَّهُ جَازَ فِي الْعَقَارِ عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُقْضَى بِهَا لِلْخَارِجِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ عِنْدَهُ فَبَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ، وَإِنْ شَهِدُوا بِالْقَبْضِ

يَقْضِي لِصَاحِبِ الْيَدِ لِأَنَّ الْبَيْعَيْنِ جَائِزَانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَإِنْ كَانَ وَقْتُ صَاحِبِ الْيَدِ أَسْبَقَ يُقْضَى لِلْخَارِجِ فِي الْوَجْهَيْنِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهَا ذُو الْيَدِ وَقَبَضَ ثُمَّ بَاعَ وَلَمْ يُسَلِّمْ أَوْ سَلَّمَ ثُمَّ وَصَلَ إلَيْهِ بِسَبَبٍ آخَرَ. قَالَ: (وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُ الْمُدَّعِيَيْنِ شَاهِدَيْنِ وَالْآخَرُ أَرْبَعَةً فَهُمَا سَوَاءٌ) لِأَنَّ شَهَادَةَ كُلِّ الشَّاهِدِينَ عِلَّةٌ تَامَّةٌ كَمَا فِي حَالَةِ الِانْفِرَادِ، وَالتَّرْجِيحُ لَا يَقَعُ بِكَثْرَةِ الْعِلَلِ بَلْ بِقُوَّةٍ فِيهَا عَلَى مَا عُرِفَ. قَالَ (وَإِذَا كَانَتْ دَارٌ فِي يَدِ رَجُلٍ ادَّعَاهَا اثْنَانِ أَحَدُهُمَا جَمِيعَهَا وَالْآخَرُ نِصْفَهَا وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَلِصَاحِبِ الْجَمِيعِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ رُبْعُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) اعْتِبَارًا بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ، فَإِنَّ صَاحِبَ النِّصْفِ لَا يُنَازِعُ الْآخَرَ فِي النِّصْفِ فَسَلَّمَ لَهُ بِلَا مُنَازَعٍ وَاسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQيُقْضَى بِهَا لِصَاحِبِ الْيَدِ) بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ كَأَنَّ الْخَارِجَ بَاعَهَا مِنْ بَائِعِهَا بَعْدَمَا قَبَضَهَا، وَذَلِكَ صَحِيحٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا (وَإِنْ كَانَ وَقْتُ ذِي الْيَدِ أَسْبَقَ يُقْضَى بِالْخَارِجِ فِي الْوَجْهَيْنِ) جَمِيعًا، يَعْنِي سَوَاءٌ شَهِدُوا بِالْقَبْضِ أَوْ لَمْ يَشْهَدُوا، أَمَّا إذَا شَهِدُوا بِهِ فَلَا إشْكَالَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَشْهَدُوا فَيُجْعَلُ كَأَنَّ ذَا الْيَدِ اشْتَرَاهَا وَقَبَضَ ثُمَّ بَاعَ مِنْ الْخَارِجِ فَيُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ، وَالْمُصَنِّفُ جَمَعَ الْوَجْهَيْنِ فِي قَوْلِهِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ ذُو الْيَدِ وَقَبَضَ ثُمَّ بَاعَ وَلَمْ يُسَلِّمْ، وَهَذَا بِاعْتِبَارِ عَدَمِ إثْبَاتِ الْقَبْضِ، أَوْ سَلَّمَ ثُمَّ وَصَلَ إلَيْهِ بِسَبَبٍ آخَرَ مِنْ عَارِيَّةٍ أَوْ إجَارَةٍ بِاعْتِبَارِ إثْبَاتِ الْقَبْضِ. قَالَ (وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُ الْمُدَّعِيَيْنِ شَاهِدَيْنِ وَالْآخَرُ أَرْبَعَةً فَهُمَا سَوَاءٌ، لِأَنَّ شَهَادَةَ كُلِّ الشَّاهِدَيْنِ عِلَّةٌ تَامَّةٌ كَمَا فِي حَالَةِ الِانْفِرَادِ، وَالتَّرْجِيحُ لَا يَقَعُ بِكَثْرَةِ الْعِلَلِ بَلْ بِقُوَّةٍ فِيهَا) أَلَا تَرَى أَنَّ الْخَبَرَ الْوَاحِدَ لَا يَتَرَجَّحُ بِخَبَرٍ آخَرَ وَلَا الْآيَةُ بِآيَةٍ أُخْرَى لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِلَّةٌ بِنَفْسِهِ، وَالْمُفَسَّرُ يُرَجَّحُ عَلَى النَّصِّ وَالنَّصُّ عَلَى الظَّاهِرِ بِاعْتِبَارِ الْقُوَّةِ (كَمَا عُرِفَ) فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَالشَّهَادَةُ الْعَادِلَةُ تَتَرَجَّحُ عَلَى الْمَسْتُورَةِ بِالْعَدَالَةِ لِأَنَّهَا صِفَةُ الشَّهَادَةِ، وَلَا تَتَرَجَّحُ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصِفَةٍ لِلشَّهَادَةِ بَلْ هِيَ مِثْلُهَا وَشَهَادَةُ كُلِّ عَدَدٍ نِصَابٌ كَامِلٌ. قَالَ (وَإِذَا كَانَتْ دَارٌ فِي يَدِ رَجُلٍ ادَّعَاهَا اثْنَانِ أَحَدُهُمَا جَمِيعَ الدَّارِ وَالْآخَرُ نِصْفَهَا وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَلِصَاحِبِ الْجَمِيعِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ رُبْعُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارًا بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ) وَعِنْدَهُمَا هِيَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا اعْتِبَارًا بِطَرِيقِ الْعَوْلِ وَالْمُضَارَبَةِ. وَالْأَصْلُ

فِي النِّصْفِ الْآخَرِ فَيُنَصَّفُ بَيْنَهُمَا (وَقَالَا: هِيَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا) فَاعْتَبَرَا طَرِيقَ الْعَوْلِ وَالْمُضَارَبَةِ، فَصَاحِبُ الْجَمِيعِ يَضْرِبُ بِكُلِّ حَقِّهِ سَهْمَيْنِ وَصَاحِبُ النِّصْفِ بِسَهْمٍ وَاحِدٍ فَتُقَسَّمُ أَثْلَاثًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي ذَلِكَ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُدْلِي بِسَبَبٍ صَحِيحٍ وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ مِنْ غَيْرِ انْضِمَامِ مَعْنًى آخَرَ إلَيْهِ يُضْرَبُ بِجَمِيعِ حَقِّهِ كَأَصْحَابِ الْعَوْلِ وَالْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ فَمَا دُونَهُ وَغُرَمَاءُ الْمَيِّتِ إذَا ضَاقَتْ التَّرِكَةُ عَنْ دُيُونِهِ وَالْمُدْلِي بِسَبَبٍ غَيْرِ صَحِيحٍ يَضْرِبُ: أَيْ يَأْخُذُ بِحَسَبِ كُلِّ حَقِّهِ بِقَدْرِ مَا يُصِيبُهُ حَالَ الْمُزَاحَمَةِ كَمَسْأَلَتِنَا هَذِهِ وَالْمُوصَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ. وَعِنْدَهُمَا أَنَّ قِسْمَةَ الْعَيْنِ مَتَى وَجَبَتْ بِسَبَبِ حَقٍّ كَانَ فِي الْعَيْنِ كَانَتْ الْقِسْمَةُ عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ كَالتَّرِكَةِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ، وَمَتَى وَجَبَتْ لَا بِسَبَبِ حَقٍّ كَانَ فِي الْعَيْنِ فَالْقِسْمَةُ عَلَى طَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ؛ كَالْفُضُولِيِّ إذَا بَاعَ عَبْدَ رَجُلٍ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَفُضُولِيٌّ آخَرُ بَاعَ نِصْفَهُ وَأَجَازَ الْمَوْلَى الْبَيْعَيْنِ فَالْقِسْمَةُ بَيْنَ الْمُشْتَرِيَيْنِ بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ أَرْبَاعًا، فَعَلَى هَذَا أَمْكَنَ الِاتِّفَاقُ بَيْنَهُمْ عَلَى الْعَوْلِ وَعَلَى الْمُنَازَعَةِ وَالِافْتِرَاقِ. وَمِمَّا اتَّفَقُوا عَلَى الْعَوْلِ فِيهِ الْعَوْلُ فِي التَّرِكَةِ. أَمَّا عَلَى أَصْلِهِ فَلِأَنَّ السَّبَبَ لَا يَحْتَاجُ إلَى ضَمِّ شَيْءٍ، وَأَمَّا عَلَى أَصْلِهِمَا فَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِسَبَبِ حَقٍّ فِي الْعَيْنِ لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ. وَمِمَّا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ بَيْعُ الْفُضُولِيِّ؛ أَمَّا عَلَى أَصْلِهِ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ صَحِيحٍ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى انْضِمَامِ الْإِجَازَةِ إلَيْهِ، وَأَمَّا عَلَى أَصْلِهِمَا فَلِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُشْتَرِيَيْنِ كَانَ فِي الثَّمَنِ فَتَحَوَّلَ بِالشِّرَاءِ إلَى الْمَبِيعِ وَمِمَّا افْتَرَقُوا فِيهِ مَسْأَلَتُنَا هَذِهِ فَعَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِ كُلٍّ مِنْهُمَا هُوَ الشَّهَادَةُ، وَهِيَ تَحْتَاجُ إلَى اتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فَلَمْ يَكُنْ سَبَبًا صَحِيحًا فَكَانَتْ الْقِسْمَةُ عَلَى طَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ، فَيَقُولُ مُدَّعِي النِّصْفِ: لَا دَعْوَى لَهُ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ فَانْفَرَدَ بِهِ

وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُ وَأَضْدَادٌ لَا يَحْتَمِلُهَا هَذَا الْمُخْتَصَرُ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الزِّيَادَاتِ. قَالَ (وَلَوْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا سَلِمَ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ نِصْفُهَا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ وَنِصْفُهَا لَا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ) لِأَنَّهُ خَارِجٌ فِي النِّصْفِ فَيَقْضِي بِبَيِّنَتِهِ، وَالنِّصْفُ الَّذِي فِي يَدَيْهِ صَاحِبُهُ لَا يَدَّعِيهِ لِأَنَّ مُدَّعَاهُ النِّصْفُ وَهُوَ فِي يَدِهِ سَالِمٌ لَهُ، وَلَوْ لَمْ يَنْصَرِفْ إلَيْهِ دَعْوَاهُ كَانَ ظَالِمًا بِإِمْسَاكِهِ وَلَا قَضَاءَ بِدُونِ الدَّعْوَى فَيُتْرَكُ فِي يَدِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQصَاحِبُ الْجَمِيعِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ كُلٌّ مِنْهُمَا يَدَّعِيهِ وَقَدْ أَقَامَا عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ، وَالتَّسَاوِي فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ يُوجِبُ التَّسَاوِي فِيهِ فَكَانَ هَذَا النِّصْفُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَيُجْعَلُ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدَّارِ وَلِمُدَّعِي النِّصْفِ الرُّبْعُ، وَعَلَى أَصْلِهِمَا حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ فِي الْعَيْنِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ حَقَّ كُلٍّ مِنْهُمَا شَائِعٌ فِيهَا، فَمَا مِنْ جُزْءٍ إلَّا وَصَاحِبُ الْقَلِيلِ يُزَاحِمُ فِيهِ صَاحِبَ الْكَثِيرِ بِنَصِيبِهِ، فَلِهَذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ فِيهِ بِطَرِيقِ الْعَوْلِ، فَيَضْرِبُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ دَعْوَاهُ فَاحْتَجْنَا إلَى عَدَدٍ لَهُ نِصْفٌ صَحِيحٌ وَأَقَلُّهُ اثْنَانِ، فَيَضْرِبُ بِذَلِكَ صَاحِبُ الْجَمِيعِ وَيَضْرِبُ مُدَّعِي النِّصْفِ بِسَهْمٍ فَتَكُونُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا. وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُ وَأَضْدَادٌ لَا تَحْتَمِلُهَا الْمُخْتَصَرَاتُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي الزِّيَادَاتِ) فَمِنْ نَظَائِرِهَا: الْمُوصَى لَهُ بِجَمِيعِ الْمَالِ وَبِنِصْفِهِ عِنْدَ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ. وَمِنْ أَضْدَادِهَا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ الْمُشْتَرَكُ إذَا أَدَانَهُ أَحَدُ الْمَوْلَيَيْنِ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَأَجْنَبِيٌّ مِائَةَ دِرْهَمٍ ثُمَّ بِيعَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَالْقِسْمَةُ بَيْنَ الْمَوْلَى الْمَدِينِ وَالْأَجْنَبِيِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِطَرِيقِ الْعَوْلِ أَثْلَاثًا، وَعِنْدَهُمَا بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ أَرْبَاعًا، فَتَذَكُّرُ الْأَصْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ يُسَهِّلُ عَلَيْهِ الِاسْتِخْرَاجَ. قَالَ (وَلَوْ كَانَتْ الدَّارُ فِي أَيْدِيهِمَا إلَخْ) الْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ دَعْوَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ تَنْصَرِفُ إلَى مَا فِي يَدِهِ لِئَلَّا يَكُونَ فِي إمْسَاكِهِ ظَالِمًا حَمْلًا لِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصِّحَّةِ، وَأَنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ، فَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي أَيْدِيهِمَا فَمُدَّعِي النِّصْفِ لَا يَدَّعِي عَلَى الْآخَرِ شَيْئًا وَمُدَّعِي الْكُلِّ يَدَّعِي عَلَيْهِ النِّصْفَ وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ النِّصْفِ فَعَلَيْهِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ، فَإِنْ أَقَامَهَا فَلَهُ

قَالَ (وَإِذَا تَنَازَعَا فِي دَابَّةٍ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهَا نَتَجَتْ عِنْدَهُ، وَذَكَرَا تَارِيخًا وَسِنُّ الدَّابَّةِ يُوَافِقُ أَحَدَ التَّارِيخَيْنِ فَهُوَ أَوْلَى) لِأَنَّ الْحَالَ يَشْهَدُ لَهُ فَيَتَرَجَّحُ (وَإِنْ أَشْكَلَ ذَلِكَ كَانَتْ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّهُ سَقَطَ التَّوْقِيتُ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا تَارِيخًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQجَمِيعُ الدَّارِ نِصْفُهَا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ بِيَدِ صَاحِبِهِ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ، وَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى فَيُقْضَى لَهُ بِذَلِكَ وَنِصْفُهَا لَا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ وَهُوَ الَّذِي كَانَ بِيَدِهِ لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَمْ يَدَّعِهِ وَلَا قَضَاءَ بِدُونِ الدَّعْوَى فَيُتْرَكُ فِي يَدِهِ (قَالَ: وَإِذَا تَنَازَعَا فِي دَابَّةٍ إلَخْ) إذَا تَنَازَعَ اثْنَانِ فِي دَابَّةٍ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهَا نَتَجَتْ عِنْدَهُ وَذَكَرَا تَارِيخًا وَسِنُّ الدَّابَّةِ يُوَافِقُ أَحَدَ التَّارِيخَيْنِ فَهُوَ أَوْلَى، لِأَنَّ عَلَامَةَ صِدْقِ شُهُودِهِ قَدْ ظَهَرَتْ بِشَهَادَةِ الْحَالِ لَهُ فَيَتَرَجَّحُ، وَإِنْ أَشْكَلَ ذَلِكَ كَانَتْ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُ سَقَطَ التَّوْقِيتُ وَصَارَ كَأَنَّهُمَا أَقَامَاهَا وَلَا تَارِيخَ لَهُمَا، هَذَا إذَا كَانَا خَارِجَيْنِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذَا الْيَدِ فَإِنْ وَافَقَ سِنُّ الدَّابَّةِ تَارِيخَهُ أَوْ أَشْكَلَ قُضِيَ بِهَا لِذِي الْيَدِ، إمَّا لِظُهُورِ عَلَامَةِ الصِّدْقِ فِي شُهُودِهِ، أَوْ سُقُوطِ اعْتِبَارِ التَّوْقِيتِ بِالْإِشْكَالِ، وَإِنْ كَانَ سِنُّ الدَّابَّةِ بَيْنَ وَقْتِ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ: تَهَاتَرَ الْبَيِّنَتَانِ وَتُتْرَكُ الدَّابَّةُ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ

وَإِنْ خَالَفَ سِنُّ الدَّابَّةِ الْوَقْتَيْنِ بَطَلَتْ الْبَيِّنَتَانِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ ظَهَرَ كَذِبُ الْفَرِيقَيْنِ فَيُتْرَكُ فِي يَدِ مَنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِنْ خَالَفَ سِنُّ الدَّابَّةِ الْوَقْتَيْنِ) يَعْنِي فِي الْخَارِجَيْنِ (بَطَلَتْ الْبَيِّنَتَانِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ) لِأَنَّهُ ظَهَرَ كَذِبُ الْفَرِيقَيْنِ، وَذَلِكَ مَانِعٌ عَنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ حَالَةَ الِانْفِرَادِ فَيُمْنَعُ حَالَةَ الِاجْتِمَاعِ أَيْضًا، فَتُتْرَكُ الدَّابَّةُ فِي يَدِ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ قَضَاءَ تَرْكٍ كَأَنَّهُمَا لَمْ يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: الْأَصَحُّ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ عَنْ الْجَوَابِ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الدَّابَّةُ بَيْنَهُمَا فِي الْفَصْلَيْنِ: يَعْنِي فِيمَا إذَا كَانَ سِنُّ الدَّابَّةِ مُشْكِلًا، وَفِيمَا إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ الْوَقْتَيْنِ فِي دَعْوَى الْخَارِجَيْنِ. أَمَّا إذَا كَانَ مُشْكِلًا فَلَا شَكَّ فِيهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ الْوَقْتَيْنِ لِأَنَّ اعْتِبَارَ ذِكْرِ الْوَقْتِ لَحِقَهُمَا، وَفِي هَذَا الْمَوْضِعِ فِي اعْتِبَارِهِ إبْطَالُ حَقِّهِمَا فَسَقَطَ اعْتِبَارُ ذِكْرِ الْوَقْتِ أَصْلًا، وَيُنْظَرُ إلَى مَقْصُودِهَا وَهُوَ إثْبَاتُ الْمِلْكِ فِي الدَّابَّةِ وَقَدْ اسْتَوَيَا فِي ذَلِكَ فَوَجَبَ الْقَضَاءُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَهَذَا لِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا التَّوْقِيتَ بَطَلَتْ الْبَيِّنَتَانِ وَتُتْرَكُ هِيَ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ، وَقَدْ اتَّفَقَ الْفَرِيقَانِ عَلَى اسْتِحْقَاقِهَا عَلَى ذِي الْيَدِ فَكَيْفَ تُتْرَكُ فِي يَدِهِ مَعَ قِيَامِ حُجَّةِ الِاسْتِحْقَاقِ. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُخَالِفَةٌ لِمَا رَوَى أَبُو اللَّيْثِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: إذَا كَانَ سِنُّ الدَّابَّةِ مُشْكِلًا يُقْضَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِلْوَقْتَيْنِ لَا يُقْضَى لَهُمَا بِشَيْءٍ وَتُتْرَكُ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ قَضَاءَ تَرْكٍ؛ فَكَأَنَّهُمَا لَمْ يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ. وَقَوْلُهُ يُنْظَرُ إلَى مَقْصُودِهِمَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُدَّعِي لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ فِي الدَّعَاوَى بِلَا حُجَّةٍ، وَاتِّفَاقُ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى اسْتِحْقَاقِهَا عَلَى ذِي الْيَدِ

[فصل في التنازع بالأيدي]

قَالَ (وَإِذَا كَانَ عَبْدٌ فِي يَدِ رَجُلٍ أَقَامَ رَجُلَانِ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَحَدُهُمَا بِغَصْبٍ وَالْآخَرُ بِوَدِيعَةٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ. (فَصْلٌ فِي التَّنَازُعِ بِالْأَيْدِي) قَالَ (وَإِذَا تَنَازَعَا فِي دَابَّةٍ أَحَدُهُمَا رَاكِبُهَا وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِلِجَامِهَا فَالرَّاكِبُ أَوْلَى) لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ أَظْهَرُ فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ (وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا رَاكِبًا فِي السَّرْجِ وَالْآخَرُ رَدِيفُهُ فَالرَّاكِبُ أَوْلَى) ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرُ مُعْتَبَرٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ مَعَ وُجُودِ الْمُكَذِّبِ (وَإِذَا كَانَ عَبْدٌ فِي يَدِ رَجُلٍ وَأَقَامَ رَجُلَانِ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَحَدُهُمَا بِغَصْبٍ وَالْآخَرُ بِوَدِيعَةٍ فَهُمَا سَوَاءٌ) لِأَنَّ الْمُودَعَ لَمَّا جَحَدَ صَارَ غَاصِبًا، وَالتَّسَاوِي فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ يُوجِبُ التَّسَاوِي فِي نَفْسِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. [فَصْلٌ فِي التَّنَازُعِ بِالْأَيْدِي] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ وُقُوعِ الْمِلْكِ بِالْبَيِّنَةِ شَرَعَ فِي هَذَا الْفَصْلِ بِذِكْرِ بَيَانِ وُقُوعِهِ بِظَاهِرِ الْيَدِ لِمَا أَنَّ الْأَوَّلَ أَقْوَى، وَلِهَذَا إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ لَا يُلْتَفَتُ إلَى الْيَدِ (قَالَ: إذَا تَنَازَعَا فِي دَابَّةٍ إلَخْ) إذَا تَنَازَعَ اثْنَانِ فِي دَابَّةٍ أَحَدُهُمَا رَكِبَهَا وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِلِجَامِهَا فَالرَّاكِبُ أَوْلَى، لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ أَظْهَرُ لِأَنَّ الرُّكُوبَ يَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ يَعْنِي غَالِبًا (وَكَذَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا رَاكِبًا فِي السَّرْجِ وَالْآخَرُ رَدِيفَهُ فَالرَّاكِبُ فِي السَّرْجِ أَوْلَى) لِمَا ذَكَرْنَا وَنَقَلَ النَّاطِفِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مِنْ النَّوَادِرِ، وَأَمَّا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَهِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ،

بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا رَاكِبَيْنِ حَيْثُ تَكُونُ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي التَّصَرُّفِ (وَكَذَا إذَا تَنَازَعَا فِي بَعِيرٍ وَعَلَيْهِ حِمْلٌ لِأَحَدِهِمَا فَصَاحِبُ الْحِمْلِ أَوْلَى) لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ (وَكَذَا إذَا تَنَازَعَا فِي قَمِيصٍ أَحَدُهُمَا لَابِسُهُ وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِكُمِّهِ فَاللَّابِسُ أَوْلَى) لِأَنَّهُ أَظْهَرُهُمَا تَصَرُّفًا (وَلَوْ تَنَازَعَا فِي بِسَاطٍ أَحَدُهُمَا جَالِسٌ عَلَيْهِ وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا) مَعْنَاهُ لَا عَلَى طَرِيقِ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْقُعُودَ لَيْسَ بِيَدٍ عَلَيْهِ فَاسْتَوَيَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا رَاكِبَيْنِ فِي السَّرْجِ فَإِنَّهَا بَيْنَهُمَا قَوْلًا وَاحِدًا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي التَّصَرُّفِ، وَكَذَا إذَا تَنَازَعَا فِي بَعِيرٍ وَلِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ حِمْلٌ فَصَاحِبُ الْحِمْلِ أَوْلَى لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ (وَإِذَا تَنَازَعَا فِي قَمِيصٍ أَحَدُهُمَا لَابِسُهُ وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِكُمِّهِ فَلَابِسُهُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَظْهَرُهُمَا تَصَرُّفًا) وَلِهَذَا يَصِيرُ بِهِ غَاصِبًا (وَلَوْ تَنَازَعَا فِي بِسَاطٍ أَحَدُهُمَا جَالِسٌ عَلَيْهِ وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ أَوْ كَانَا جَالِسَيْنِ عَلَيْهِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا لَا عَلَى طَرِيقِ الْقَضَاءِ) لِأَنَّ الْيَدَ عَلَى الْبِسَاطِ إمَّا بِالنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ أَوْ بِكَوْنِهِ فِي بَيْتِهِ، وَالْجُلُوسُ عَلَيْهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ يَدًا عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِأَيْدِيهِمَا وَلَا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا وَهُمَا يَدَّعِيَانِهِ عَلَى السَّوَاءِ فَيُتْرَكُ فِي أَيْدِيهِمَا، وَبِهَذَا فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّارِ إذَا ادَّعَاهَا سَاكِنُهَا حَيْثُ لَمْ يُقْضَ بِهَا بَيْنَهُمَا لَا بِطَرِيقِ التَّرْكِ وَلَا بِغَيْرِهِ، لِأَنَّ عَدَمَ يَدِ الْغَيْرِ فِيهَا غَيْرُ مَعْلُومٍ، لِأَنَّ الْيَدَ فِيهَا قَدْ تَكُونُ بِالِاخْتِطَاطِ لَهُ وَزَوَالُ ذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ، لِأَنَّهَا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ فِي مَكَانِهَا الَّذِي يُثْبِتُ يَدَ الْمُحْتَطِّ لَهُ فِيهِ عَلَيْهَا لَمْ تَتَحَوَّلْ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ فَكَانَتْ يَدُهُ ثَابِتَةً عَلَيْهَا حُكْمًا وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْقَاضِي، وَجَهَالَةُ ذِي الْيَدِ لَا تُجَوِّزُ الْقَضَاءَ لِغَيْرِهِ، لِأَنَّ شَرْطَ جَوَازِهِ الْعِلْمُ بِأَنَّ الْمُدَّعَى لَيْسَ فِي يَدِ غَيْرِ

قَالَ: (وَإِذَا كَانَ ثَوْبٌ فِي يَدِ رَجُلٍ وَطَرَفٌ مِنْهُ فِي يَدِ آخَرَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ) لِأَنَّ الزِّيَادَةَ مِنْ جِنْسِ الْحُجَّةِ فَلَا تُوجِبُ زِيَادَةً فِي الِاسْتِحْقَاقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُدَّعِيَيْنِ وَلَمْ يُوجَدْ (وَإِذَا كَانَ الثَّوْبُ فِي يَدِ رَجُلٍ وَطَرَفٌ مِنْهُ فِي يَدِ آخَرَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، لِأَنَّ الزِّيَادَةَ مِنْ جِنْسِ الْحُجَّةِ) فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَمْسِكٌ بِالْيَدِ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا أَكْثَرُ اسْتِمْسَاكًا، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ الرُّجْحَانَ، كَمَا لَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا شَاهِدَيْنِ وَالْآخَرُ أَرْبَعَةً، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْقَمِيصِ، لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْحُجَّةِ، فَإِنَّ الْحُجَّةَ هِيَ

قَالَ: (وَإِذَا كَانَ صَبِيٌّ فِي يَدِ رَجُلٍ وَهُوَ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَقَالَ: أَنَا حُرٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ (وَلَوْ قَالَ أَنَا عَبْدٌ لِفُلَانٍ فَهُوَ عَبْدٌ لِلَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ) لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهُ لَا يَدَ لَهُ حَيْثُ أَقَرَّ بِالرِّقِّ (وَإِنْ كَانَ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ عَبْدٌ لِلَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَدَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ لَمَّا كَانَ لَا يُعَبِّرُ عَنْهَا وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَتَاعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يُعَبِّرُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْيَدُ وَالزِّيَادَةُ هِيَ الِاسْتِعْمَالُ (وَإِذَا كَانَ صَبِيٌّ فِي يَدِ رَجُلٍ) يَدَّعِي رِقَّهُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ مِمَّنْ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَإِنْ لَمْ يَنْفِ فَهُوَ عَبْدُ ذِي الْيَدِ، وَإِنْ نَفَاهُ فَقَالَ أَنَا حُرٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ ثُبُوتَ الْيَدِ عَلَيْهِ وَتَأَيَّدَ بِالظَّاهِرِ فَيَكُونُ فِي يَدِ نَفْسِهِ (وَلَوْ قَالَ أَنَا عَبْدٌ لِفُلَانٍ) غَيْرِ ذِي الْيَدِ (فَهُوَ عَبْدُ ذِي الْيَدِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا يَدَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِإِقْرَارِهِ بِالرِّقِّ) قِيلَ: الْإِقْرَارُ بِالرِّقِّ مِنْ الْمَضَارِّ لَا مَحَالَةَ، وَأَقْوَالُهُ فِيهَا غَيْرُ مُوجِبَةٍ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْهِبَةِ وَالْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الرِّقَّ لَمْ يَثْبُتْ

فَلَوْ كَبِرَ وَادَّعَى الْحُرِّيَّةَ لَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ ظَهَرَ الرِّقُّ عَلَيْهِ فِي حَالِ صِغَرِهِ. قَالَ: (وَإِذَا كَانَ الْحَائِطُ لِرَجُلٍ عَلَيْهِ جُذُوعٌ أَوْ مُتَّصِلٌ بِبِنَائِهِ وَلِآخَرَ عَلَيْهِ هَرَادِيٌّ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْجُذُوعِ وَالِاتِّصَالِ، وَالْهَرَادِيُّ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ) لِأَنَّ صَاحِبَ الْجُذُوعِ صَاحِبُ اسْتِعْمَالٍ وَالْآخَرُ صَاحِبُ تَعَلُّقٍ فَصَارَ كَدَابَّةٍ تَنَازَعَا فِيهَا وَلِأَحَدِهِمَا حِمْلٌ عَلَيْهَا وَلِلْآخَرِ كُوزٌ مُعَلَّقٌ بِهَا، وَالْمُرَادُ بِالِاتِّصَالِ مُدَاخَلَةُ لَبِنِ جِدَارِهِ فِيهِ وَلَبِنِ هَذَا فِي جِدَارِهِ وَقَدْ يُسَمَّى اتِّصَالُ تَرْبِيعٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِإِقْرَارِهِ بَلْ بِدَعْوَى ذِي الْيَدِ، إلَّا أَنَّ عِنْدَ مُعَارَضَتِهِ إيَّاهُ بِدَعْوَى الْحُرِّيَّةِ لَا تَتَقَرَّرُ يَدُهُ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ عَدَمِهَا تَتَقَرَّرُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ حِينَئِذٍ قَوْلَهُ فِي رِقِّهِ كَاَلَّذِي لَا يَعْقِلُ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَهُوَ عَبْدٌ لِلَّذِي فِي يَدِهِ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ كَانَ كَمَتَاعٍ لَا يَدَ لَهُ فِي نَفْسِهِ. وَاعْتُرِضَ بِالْمُلْتَقِطِ إذَا ادَّعَى رِقَّ لَقِيطٍ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ عَبْدَهُ، وَبِأَنَّ الرِّقَّ مِنْ الْعَوَارِضِ إذْ الْأَصْلُ الْحُرِّيَّةُ وَهُوَ يَدْفَعُ الْعَارِضَ، فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يُصَدَّقَ ذُو الْيَدِ إلَّا بِحُجَّةٍ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ فَرْضَ الِالْتِقَاطِ يُضْعِفُ الْيَدَ لِأَنَّ الْمُلْتَقِطَ أَمِينٌ فِي اللَّقِيطِ وَيَدُ الْأَمِينِ فِي الْحُكْمِ يَدُ غَيْرِهِ فَكَانَتْ ثَابِتَةً مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَلَا يَثْبُتُ بِهَا الرِّقُّ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْأَصْلَ يُتْرَكُ بِدَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ وَالْيَدُ عَلَى مِنْ ذَلِكَ شَأْنُهُ لِكَوْنِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَتَاعِ دَلِيلُ الْمِلْكِ فَيُتْرَكُ بِهِ الْأَصْلُ، فَلَوْ كَبَّرَ وَادَّعَى الْحُرِّيَّةَ لَمْ يَكُنْ الْقَوْلُ لِظُهُورِ الرِّقِّ عَلَيْهِ فِي حَالِ صِغَرِهِ. قَالَ (وَإِذَا كَانَ الْحَائِطُ لِرَجُلٍ إلَخْ) وَإِذَا كَانَ الْحَائِطُ لِرَجُلٍ عَلَيْهِ جُذُوعٌ أَوْ مُتَّصِلٌ بِبِنَائِهِ وَلِآخَرَ عَلَيْهِ هَرَادِيُّ جَمْعُ هَرْدِيَّةٍ وَهِيَ قَصَبَاتٌ تُضَمُّ مَلْوِيَّةً بِطَاقَاتٍ مِنْ الْكَرْمِ يُرْسَلُ عَلَيْهَا قُضْبَانُ الْكَرْمِ، ذَكَرَهُ فِي الْمُغْرِبِ عَنْ اللَّيْثِ، يُقَالُ لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ وَرَدُّوك (فَهُوَ) أَيْ الْحَائِطُ (لِصَاحِبِ الْجُذُوعِ وَالِاتِّصَالِ وَالْهَرَادِيُّ لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ صَاحِبَ الْجُذُوعِ صَاحِبُ اسْتِعْمَالٍ وَالْآخَرُ صَاحِبُ تَعَلُّقٍ بِهِ، فَصَارَ كَدَابَّةٍ تَنَازَعَا فِيهَا وَلِأَحَدِهِمَا عَلَيْهَا حِمْلٌ وَلِلْآخَرِ كُوزٌ مُعَلَّقٌ بِهَا، وَالْمُرَادُ بِالِاتِّصَالِ) الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ أَوْ مُتَّصِلٌ بِبِنَائِهِ (مُدَاخَلَةُ لَبِنِ جِدَارِهِ فِيهِ وَلَبِنِ هَذَا فِي جِدَارِهِ، وَقَدْ يُسَمَّى اتِّصَالُ تَرْبِيعٍ) وَتَفْصِيلُ التَّرْبِيعِ إذَا كَانَ الْحَائِطُ مِنْ مَدَرٍ أَوْ آجُرٍّ أَنْ تَكُونَ

وَهَذَا شَاهِدٌ ظَاهِرٌ لِصَاحِبِهِ لِأَنَّ بَعْضَ بِنَائِهِ عَلَى بَعْضِ بِنَاءِ هَذَا الْحَائِطِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْصَافُ لَبِنِ الْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ دَاخِلَةً فِي أَنْصَافِ لَبِنِ غَيْرِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَبِالْعَكْسِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ خَشَبٍ فَالتَّرْبِيعُ أَنْ تَكُونَ سَاحَةُ أَحَدِهِمَا مُرَكَّبَةً فِي الْأُخْرَى، وَأَمَّا إذَا ثَقَبَ فَأَدْخَلَ فَلَا يَكُونُ تَرْبِيعًا (وَهَذَا شَاهِدٌ ظَاهِرٌ لِصَاحِبِهِ لِأَنَّ بَعْضَ بِنَائِهِ عَلَى بَعْضِ بِنَاءِ هَذَا الْحَائِطِ) وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ أَنَّ مِنْ الِاتِّصَالِ مَا يَكُونُ اتِّصَالَ مُجَاوَرَةٍ وَمُلَازَقَةٍ وَعِنْدَ التَّعَارُضِ اتِّصَالُ التَّرْبِيعِ أَوْلَى

وَقَوْلُهُ الْهَرَادِيُّ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِلْهَرَادِيِّ أَصْلًا، وَكَذَا الْبَوَارِي لِأَنَّ الْحَائِطَ لَا تُبْنَى لَهَا أَصْلًا حَتَّى لَوْ تَنَازَعَا فِي حَائِطٍ وَلِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ هَرَادِيٌّ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَهُوَ بَيْنَهُمَا (وَلَوْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ جُذُوعٌ ثَلَاثَةٌ فَهُوَ بَيْنَهُمَا) لِاسْتِوَائِهِمَا وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْأَكْثَرِ مِنْهَا بَعْدَ الثَّلَاثَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ وَالْهَرَادِيُّ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ) يَعْنِي قَوْلَ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِلْهَرَادِيِّ أَصْلًا، وَكَذَا الْبَوَارِي لِأَنَّ الْحَائِطَ لَا يُبْنَى لَهَا أَصْلًا) لِأَنَّهُ إنَّمَا يُبْنَى لِلتَّسْقِيفِ وَذَلِكَ بِوَضْعِ الْجُذُوعِ لَا الْهَرَادِيِّ وَالْبَوَارِيِّ، وَإِنَّمَا يُوضَعَانِ لِلِاسْتِظْلَالِ وَالْحَائِطُ لَا يُبْنَى لَهُ (حَتَّى لَوْ تَنَازَعَا فِي حَائِطٍ وَلِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ هَرَادِيُّ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ عَلَيْهِ شَيْءٌ قُضِيَ بِهِ بَيْنَهُمَا) وَمَعْنَاهُ إذَا عُرِفَ كَوْنُهُ فِي أَيْدِيهِمَا قُضِيَ بَيْنَهُمَا قَضَاءَ تَرْكٍ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ كَوْنُهُ فِي أَيْدِيهِمَا وَقَدْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ مِلْكُهُ وَهُوَ فِي يَدِهِ يُجْعَلُ فِي أَيْدِيهِمَا لِأَنَّهُ لَا مُنَازِعَ لَهُمَا لَا أَنَّهُ يُقْضَى بَيْنَهُمَا (وَلَوْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جُذُوعٌ ثَلَاثَةٌ) فَهُوَ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْأَكْثَرِ مِنْهَا بَعْدَ الثَّلَاثَةِ

وَإِنْ كَانَ جُذُوعُ أَحَدِهِمَا أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَهُوَ لِصَاحِبِ الثَّلَاثَةِ وَلِلْآخَرِ مَوْضِعُ جِذْعِهِ) فِي رِوَايَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَحْتَ خَشَبَتِهِ، ثُمَّ قِيلَ مَا بَيْنَ الْخَشَبِ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ عَلَى قَدْرِ خَشَبِهِمَا، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِالْكَثْرَةِ فِي نَفْسِ الْحُجَّةِ. وَجْهُ الثَّانِي ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الزِّيَادَةَ مِنْ جِنْسِ الْحُجَّةِ، فَإِنَّ الْحَائِطَ يُبْنَى لِلْجُذُوعِ الثَّلَاثَةِ كَمَا لَا يُبْنَى لِأَكْثَرَ مِنْهَا (وَإِنْ كَانَ جُذُوعُ أَحَدِهِمَا أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَهُوَ لِصَاحِبِ الثَّلَاثَةِ وَلِلْآخَرِ مَوْضِعُ جِذْعِهِ فِي رِوَايَةِ) كِتَابِ الْإِقْرَارِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: الْحَائِطُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْأَجْذَاعِ، وَلِصَاحِبِ الْقَلِيلِ مَا تَحْتَ جِذْعِهِ يُرِيدُ بِهِ حَقَّ الْوَضْعِ فَهُوَ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ (وَفِي رِوَايَةِ) كِتَابِ الدَّعْوَى (لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَحْتَ خَشَبَتِهِ) حَيْثُ قَالَ فِيهِ: إنَّ الْحَائِطَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الْأَجْذَاعِ فَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْجِذْعِ مَوْضِعُ جِذْعِهِ مَعَ أَصْلِ الْحَائِطِ وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ قِيلَ: مَا بَيْنَ الْخَشَبِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي ذَلِكَ كَمَا فِي السَّاحَةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ صَاحِبِ بَيْتٍ وَصَاحِبِ أَبْيَاتٍ كَمَا نَذْكُرُهُ (وَقِيلَ) يَكُونُ ذَلِكَ (عَلَى قَدْرِ خَشَبِهِمَا) وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا ذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ. وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ فِي مَوْضِعِ الْقِيلِ الْأَوَّلِ: وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يُقْضَى بِهِ لِصَاحِبِ الْكَثِيرِ، لِأَنَّ الْحَائِطَ يُبْنَى لِعَشْرِ خَشَبَاتٍ لَا لِخَشَبَةٍ وَاحِدَةٍ (قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ) رُجُوعٌ إلَى قَوْلِهِ فَهُوَ لِصَاحِبِ الثَّلَاثَةِ إلَخْ: يَعْنِي ذَلِكَ اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ (أَنْ يَكُونَ) الْحَائِطُ بَيْنَ صَاحِبِ الْجِذْعِ وَالْجِذْعَيْنِ وَبَيْنَ صَاحِبِ الْأَكْثَرِ (نِصْفَيْنِ) لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي أَصْلِ الِاسْتِعْمَالِ، وَالزِّيَادَةُ مِنْ جِنْسِ الْحُجَّةِ وَالتَّرْجِيحُ لَا يَقَعُ بِهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَلَكِنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ (وَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ) وَهُوَ قَوْلُهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَحْتَ خَشَبِهِ

أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ خَشَبَتِهِ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْحَائِطَ يُبْنَى لِوَضْعِ كَثِيرِ الْجُذُوعِ دُونَ الْوَاحِدِ وَالْمُثَنَّى فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِصَاحِبِ الْكَثِيرِ، إلَّا أَنَّهُ يَبْقَى لَهُ حَقُّ الْوَضْعِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي اسْتِحْقَاقِ يَدِهِ (وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا جُذُوعٌ وَلِلْآخَرِ اتِّصَالٌ فَالْأَوَّلُ أَوْلَى) وَيُرْوَى الثَّانِي أَوْلَى. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ لِصَاحِبِ الْجُذُوعِ التَّصَرُّفَ وَلِصَاحِبِ الِاتِّصَالِ الْيَدُ وَالتَّصَرُّفُ أَقْوَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ خَشَبَتِهِ) وَالِاسْتِحْقَاقُ بِحَسَبِ الِاسْتِعْمَالِ (وَوَجْهُ الْأَوْلَى أَنَّ الْحَائِطَ يُبْنَى لِوَضْعِ الْكَثِيرِ دُونَ الْوَاحِدِ وَالْمُثَنَّى فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِصَاحِبِ الْكَثِيرِ، إلَّا أَنَّهُ يَبْقَى لَهُ حَقُّ الْوَضْعِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي اسْتِحْقَاقِ يَدِهِ) فَلَا يَسْتَحِقُّ بِهِ رَفْعَ الْخَشَبَةِ الْمَوْضُوعَةِ، إذْ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ الْحَائِطِ لِرَجُلٍ وَيَثْبُتُ لِلْآخَرِ حَقُّ الْوَضْعِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْقِسْمَةَ لَوْ وَقَعَتْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَانَ جَائِزًا. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ جَعْلِ الْجِذْعَيْنِ كَجِذْعٍ وَاحِدٍ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ التَّسْقِيفَ بِهِمَا نَادِرٌ كَجِذْعٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْخَشَبَتَانِ بِمَنْزِلَةِ الثَّلَاثِ لِإِمْكَانِ التَّسْقِيفِ بِهِمَا (لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا اتِّصَالٌ وَلِلْآخَرِ جُذُوعٌ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: لِأَحَدِهِمَا جُذُوعٌ وَلِلْآخَرِ اتِّصَالٌ، وَعَلَى الْأُولَى وَقَعَ فِي الدَّلِيلِ وَجْهُ الْأَوَّلِ وَعَلَى الثَّانِيَةِ وَجْهُ الثَّانِي، وَمَعْنَاهُ: إذَا تَنَازَعَ صَاحِبُ الْجُذُوعِ وَاتِّصَالُ التَّرْبِيعِ فِي أَحَدِ طَرَفَيْ الْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ (فَالْأَوَّلُ أَوْلَى)

وَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْحَائِطَيْنِ بِالِاتِّصَالِ يَصِيرَانِ كَبِنَاءٍ وَاحِدٍ مِنْ ضَرُورَةِ الْقَضَاءِ لَهُ بِبَعْضِهِ الْقَضَاءُ بِكُلِّهِ ثُمَّ يَبْقَى لِلْآخَرِ حَقُّ وَضْعِ جُذُوعِهِ لِمَا قُلْنَا، وَهَذِهِ رِوَايَةُ الطَّحَاوِيِّ وَصَحَّحَهَا الْجُرْجَانِيُّ. قَالَ: (وَإِذَا كَانَتْ دَارٌ مِنْهَا فِي يَدِ رَجُلٍ عَشْرَةُ أَبْيَاتٍ وَفِي يَدِ آخَرَ بَيْتٌ فَالسَّاحَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي اسْتِعْمَالِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ صَاحِبُ التَّصَرُّفِ وَصَاحِبُ الِاتِّصَالِ صَاحِبُ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفُ أَقْوَى، وَمِمَّنْ رَجَّحَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ. وَيُرْوَى أَنَّ الثَّانِيَ أَوْلَى لِأَنَّ الْحَائِطَيْنِ بِالِاتِّصَالِ صَارَا كَبِنَاءٍ وَاحِدٍ وَمِنْ ضَرُورَةِ الْقَضَاءِ لَهُ بِبَعْضِهِ الْقَضَاءُ بِكُلِّهِ لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالِاشْتِرَاكِ، ثُمَّ يَبْقَى لِلْآخَرِ حَقُّ وَضْعِ جُذُوعِهِ لِمَا قُلْنَا إنَّ الظَّاهِرَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي الِاسْتِحْقَاقِ حَتَّى وَلَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ أَمْ بِرَفْعِهَا لِكَوْنِهَا حُجَّةً مُطْلَقَةً، وَهَذَا رِوَايَةُ الطَّحَاوِيِّ وَصَحَّحَهَا الْجُرْجَانِيُّ، وَلَوْ كَانَ الِاتِّصَالُ بِطَرَفَيْ الْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ كَانَ صَاحِبُ الِاتِّصَالِ أَوْلَى عَلَى اخْتِيَارِ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي (وَإِذَا كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ عَشَرَةُ أَبْيَاتٍ) مِنْ دَارٍ (وَفِي يَدِ آخَرَ بَيْتٌ وَاحِدٌ فَالسَّاحَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الِاسْتِعْمَالِ،

وَهُوَ الْمُرُورُ فِيهَا. قَالَ: (وَإِذَا ادَّعَى رَجُلَانِ أَرْضًا) يَعْنِي يَدَّعِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (أَنَّهَا فِي يَدِهِ لَمْ يَقْضِ أَنَّهَا فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمَا) لِأَنَّ الْيَدَ فِيهَا غَيْرُ مُشَاهَدَةٍ لِتَعَذُّرِ إحْضَارِهَا وَمَا غَابَ عَنْ عِلْمِ الْقَاضِي فَالْبَيِّنَةُ تُثْبِتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ الْمُرُورُ) وَصَبُّ الْوُضُوءِ وَكَسْرُ الْحَطَبِ وَوَضْعُ الْأَمْتِعَةِ وَغَيْرُهَا، وَلَا مُعْتَبَرَ بِكَوْنِ أَحَدِهِمَا خَرَّاجًا وَلَّاجًا دُونَ الْآخَرِ، لِأَنَّهُ تَرْجِيحٌ بِمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْعِلَّةِ، وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ مَا إذَا تَنَازَعَا فِي ثَوْبٍ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا جَمِيعُ الثَّوْبِ وَفِي يَدِ الْآخَرِ هُدْبُهُ حَيْثُ يُلْغَى صَاحِبُ الْهُدْبِ، وَإِذَا تَنَازَعَا فِي مِقْدَارِ الشِّرْبِ حَيْثُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الْأَرَاضِي وَبَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ حَيْثُ جُعِلَتْ السَّاحَةُ بَيْنَهُمَا مُشْتَرَكَةً. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْهُدْبَ لَيْسَ بِثَوْبٍ لِكَوْنِهِ اسْمًا لِلْمَنْسُوجِ فَكَانَ جَمِيعُ الْمُدَّعَى فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَالْآخَرُ كَالْأَجْنَبِيِّ عَنْهُ فَأُلْغِيَ، وَالشِّرْبُ تَحْتَاجُ إلَيْهِ الْأَرَاضِي دُونَ الْأَرْبَابِ، فَبِكَثْرَةِ الْأَرَاضِيِ كَثُرَ الِاحْتِيَاجُ إلَى الشِّرْبِ فَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى كَثْرَةِ حَقٍّ لَهُ فِيهِ، وَأَمَّا فِي السَّاحَةِ فَالِاحْتِيَاجُ لِلْأَرْبَابِ وَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ فَاسْتَوَيَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ فَصَارَ هَذَا نَظِيرَ تَنَازُعِهِمَا فِي سَعَةِ الطَّرِيقِ وَضِيقِهِ حَيْثُ يُجْعَلُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ عَرْضِ بَابِ الدَّارِ . وَقَالَ (إذَا ادَّعَى رَجُلَانِ أَرْضًا إلَخْ) إذَا ادَّعَى رَجُلَانِ أَرْضًا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ادَّعَى أَنَّهَا فِي يَدِهِ وَلَمْ يَقْضِ الْقَاضِي أَنَّهَا فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمَا (لِأَنَّ الْيَدَ) حَقٌّ مَقْصُودٌ فَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ وَحَيْثُ كَانَتْ (غَيْرَ مُشَاهَدَةٍ لِتَعَذُّرِ إحْضَارِهَا) لَا بُدَّ

وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ جُعِلَتْ فِي يَدِهِ) لِقِيَامِ الْحُجَّةِ لِأَنَّ الْيَدَ حَقٌّ مَقْصُودٌ (وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ جُعِلَتْ فِي أَيْدِيهِمَا) لِمَا بَيَّنَّا فَلَا يَسْتَحِقُّ لِأَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَدْ لَبِنَ فِي الْأَرْضِ أَوْ بَنِي أَوْ حَفَرَ فَهِيَ فِي يَدِهِ) لِوُجُودِ التَّصَرُّفِ وَالِاسْتِعْمَالِ فِيهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ مَا غَابَ عَنْ الْمُشَاهَدَةِ (وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ جُعِلَتْ فِي يَدِهِ لِقِيَامِ الْحُجَّةِ) فَإِنْ قِيلَ: الْبَيِّنَةُ تُقَامُ عَلَى خَصْمٍ وَحَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهَا فِي يَدِ الْآخَرِ فَلَيْسَ بِخَصْمٍ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ خَصْمٌ بِاعْتِبَارِ مُنَازَعَتِهِ فِي الْيَدِ، وَمَنْ كَانَ خَصْمًا لِغَيْرِهِ بِاعْتِبَارِ مُنَازَعَتِهِ فِي شَيْءٍ شَرْعًا كَانَتْ بَيِّنَتُهُ مَقْبُولَةً، وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ الْيَدَ حَقٌّ مَقْصُودٌ) يَعْنِي فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُدَّعِيهِ خَصْمًا (فَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ جُعِلَتْ فِي أَيْدِيهِمَا) لِقِيَامِ الْحُجَّةِ. فَإِنْ طَلَبَا الْقِسْمَةَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُقْسَمْ بَيْنَهُمَا مَا لَمْ يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ. قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةٍ أُخْرَى ذَكَرَهَا فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ، وَهِيَ مَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي أَيْدِي وَرَثَةٍ حُضُورٍ كِبَارٍ أَقَرُّوا عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهَا مِيرَاثٌ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ أَبِيهِمْ وَالْتَمَسُوا مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَقْسِمَهَا بَيْنَهُمْ، فَالْقَاضِي لَا يَقْسِمُهَا بَيْنَهُمْ حَتَّى يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُمْ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُمْ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَقْسِمُهَا بَيْنَهُمْ بِإِقْرَارِهِمْ، وَيُشْهِدُ أَنَّهُ إنَّمَا قَسَمَهَا بَيْنَهُمْ بِإِقْرَارِهِمْ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْمَذْكُورُ هَاهُنَا قَوْلُ الْكُلِّ، لِأَنَّ الْقِسْمَةَ نَوْعَانِ: قِسْمَةٌ بِحَقِّ الْمِلْكِ لِتَكْمُلَ الْمَنْفَعَةُ وَقِسْمَةُ الْيَدِ لِأَجْلِ الْحِفْظِ وَالصِّيَانَةِ بِحَقٍّ وَالْعَقَارُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى الْحِفْظِ، فَمَا لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ لَا يُقْسَمُ لِأَنَّ الْعَقَارَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى ذَلِكَ، وَإِنْ طَلَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمِينَ صَاحِبِهِ مَا هِيَ فِي يَدِهِ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا هِيَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ عَلَى الْبَتَاتِ، فَإِنْ حَلَفَا لَمْ يَقْضِ لَهُمَا بِالْيَدِ وَبَرِئَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ دَعْوَى صَاحِبِهِ وَتُوقَفُ الدَّارُ إلَى أَنْ تَظْهَرَ حَقِيقَةُ الْحَالِ، وَإِنْ نَكَلَا قُضِيَ لِكُلِّ وَاحِدٍ

[باب دعوى النسب]

(بَابُ دَعْوَى النَّسَبِ) : (وَإِذَا بَاعَ جَارِيَةً فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ الْبَائِعُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالنِّصْفِ الَّذِي فِي يَدِ صَاحِبِهِ، وَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا قُضِيَ عَلَيْهِ بِكُلِّهَا لِلْحَالِفِ؛ نِصْفِهَا الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ وَنِصْفِهَا الَّذِي كَانَ بِيَدِ صَاحِبِهِ لِنُكُولِهِ، وَإِذَا ادَّعَيَا أَرْضًا صَحْرَاءَ أَنَّهَا بِأَيْدِيهِمَا: يَعْنِي يَدَّعِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذَلِكَ وَأَحَدُهُمَا لَبَّنَ فِيهَا أَوْ بَنَى أَوْ حَفَرَ فَهِيَ فِي يَدِهِ لِوُجُودِ التَّصَرُّفِ وَالِاسْتِعْمَالِ، وَمِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ إثْبَاتُ الْيَدِ كَالرُّكُوبِ عَلَى الدَّوَابِّ وَاللُّبْسِ فِي الثِّيَابِ [بَابُ دَعْوَى النَّسَبِ] (بَابُ دَعْوَى النَّسَبِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ دَعْوَى الْأَمْوَالِ شَرَعَ فِي بَيَانِ دَعْوَى النَّسَبِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَكْثَرُ وُقُوعًا فَكَانَ أَهَمَّ ذِكْرًا فَقَدَّمَهُ، قَالَ (وَإِذَا بَاعَ جَارِيَةً فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا ادَّعَى وَلَدَ الْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ أَوْ الْمُشْتَرِي، فَأَمَّا إنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ أَوْ لِمَا بَيْنَ الْمُدَّتَيْنِ. وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ ادَّعَى الْبَائِعُ وَحْدَهُ، أَوْ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ، أَوْ ادَّعَيَاهُ مَعًا، أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ. فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَقَدْ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَحْدَهُ فَهُوَ ابْنُ الْبَائِعِ وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ. وَفِي الْقِيَاسِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ دَعْوَتُهُ بَاطِلَةٌ، لِأَنَّ الْبَيْعَ اعْتِرَافٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ عَبْدٌ فَكَانَ دَعْوَاهُ مُنَاقِضًا فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، كَمَا لَوْ قَالَ كُنْت أَعْتَقْتهَا أَوْ دَبَّرْتهَا قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهَا، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ الدَّعْوَى صَحِيحَةً لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ، إذْ لَا نَسَبَ فِي الْجَارِيَةِ بِدُونِ الدَّعْوَى. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّا تَيَقَّنَّا بِاتِّصَالِ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ، وَذَلِكَ شَهَادَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى كَوْنِهِ مِنْهُ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ الزِّنَا فَنَزَلَ

فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ بَاعَ فَهُوَ ابْنُ الْبَائِعِ وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ (وَفِي الْقِيَاسِ هُوَ قَوْلُ زُفَرٍ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ دَعْوَتُهُ بَاطِلَةٌ) لِأَنَّ الْبَيْعَ اعْتِرَافٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ عَبْدٌ فَكَانَ فِي دَعْوَاهُ مُنَاقِضًا وَلَا نَسَبَ بِدُونِ الدَّعْوَى. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ اتِّصَالَ الْعُلُوقِ بِمِلْكِهِ شَهَادَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى كَوْنِهِ مِنْهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ الزِّنَا. وَمَبْنَى النَّسَبِ عَلَى الْخَفَاءِ فَيُعْفَى فِيهِ التَّنَاقُضُ، وَإِذَا صَحَّتْ الدَّعْوَى اسْتَنَدَتْ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ فَيُفْسَخُ الْبَيْعُ لِأَنَّ بَيْعَ أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَجُوزُ (وَيُرَدُّ الثَّمَنُ) لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ مَنْزِلَةَ الْبَيِّنَةِ فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ عَنْهَا وَعَنْ وَلَدِهَا (قَوْلُهُ وَمَبْنَى النَّسَبِ عَلَى الْخَفَاءِ) جَوَابٌ عَنْ التَّنَاقُضِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ لَا يَعْلَمُ ابْتِدَاءً بِكَوْنِ الْعُلُوقِ مِنْهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ مِنْهُ فَيُعْفَى فِيهِ التَّنَاقُصُ، وَلَا كَذَلِكَ الْعِتْقُ وَالتَّدْبِيرُ، وَصَارَ كَالْمَرْأَةِ إذَا أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ الْخُلْعِ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ كَانَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، وَإِذَا صَحَّتْ الدَّعْوَى اسْتَنَدَتْ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ فَيُفْسَخُ الْبَيْعُ وَيَرُدُّ الثَّمَنَ إنْ كَانَ مَنْقُودًا لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَإِنْ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ، لِأَنَّ دَعْوَتَهُ

(وَإِنْ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي مَعَ دَعْوَةِ الْبَائِعِ أَوْ بَعْدَهُ فَدَعْوَةُ الْبَائِعِ أَوْلَى) لِأَنَّهَا أَسْبَقُ لِاسْتِنَادِهَا إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ وَهَذِهِ دَعْوَةُ اسْتِيلَادٍ (وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَةُ الْبَائِعِ) لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ اتِّصَالُ الْعُلُوقِ بِمِلْكِهِ تَيَقُّنًا وَهُوَ الشَّاهِدُ وَالْحُجَّةُ (إلَّا إذَا صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي) فَيَثْبُتُ النَّسَبُ وَيُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِيلَادِ بِالنِّكَاحِ، وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ الْعُلُوقَ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ فَلَا يُثْبِتُ حَقِيقَةَ الْعِتْقِ وَلَا حَقَّهُ، وَهَذِهِ دَعْوَةُ تَحْرِيرٍ وَغَيْرُ الْمَالِكِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQدَعْوَةُ تَحْرِيرٍ وَالْمُشْتَرِي يَصِحُّ مِنْهُ التَّحْرِيرُ، فَكَذَا دَعْوَتُهُ لِحَاجَةِ الْوَلَدِ إلَى النَّسَبِ وَإِلَى الْحُرِّيَّةِ، وَتَثْبُتُ لَهَا أُمَيَّةُ الْوَلَدِ بِإِقْرَارِهِ، ثُمَّ لَا يَصِحُّ مِنْ الْبَائِعِ دَعْوَتُهُ لِأَنَّ الْوَلَدَ قَدْ اسْتَغْنَى عَنْ النَّسَبِ لَمَّا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ ادَّعَيَاهُ مَعًا مَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْبَائِعِ عِنْدَنَا لِأَنَّ دَعْوَتَهُ أَسْبَقُ لِاسْتِنَادِهَا إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ حَيْثُ كَانَ فِي مِلْكِهِ دَعْوَى الْمُشْتَرِي دَعْوَى تَحْرِيرٍ، فَإِنَّ أَصْلَ الْعُلُوقِ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ. وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ دَعْوَى التَّحْرِيرِ وَدَعْوَى الِاسْتِيلَاءِ لِاقْتِصَارِ الْأُولَى عَلَى الْحَالِ دُونَ الثَّانِيَةِ فَكَانَ الْبَائِعُ أَوْلَى (قَوْلُهُ وَهَذِهِ دَعْوَى اسْتِيلَادٍ) جَوَابٌ دَخَلَ تَقْرِيرُهُ كَيْفَ تَصِحُّ الدَّعْوَةُ وَالْمِلْكُ مَعْدُومٌ؟ وَوَجْهُهُ أَنَّهَا دَعْوَةُ اسْتِيلَادٍ وَهِيَ لَا تَفْتَقِرُ إلَى قِيَامِ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ يَسْتَنِدُ إلَى زَمَانِ الْمِلْكِ، بِخِلَافِ دَعْوَةِ التَّحْرِيرِ عَلَى مَا يَجِيءُ، وَكَذَلِكَ إنْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبَائِعِ لِاسْتِغْنَاءِ الْوَلَدِ حِينَئِذٍ عَنْ النَّسَبِ (وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ، فَإِمَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ لَا تَصِحُّ دَعْوَةُ الْبَائِعِ) لِأَنَّ الشَّاهِدَ عَلَى كَوْنِ الْوَلَدِ مِنْهُ اتِّصَالُ الْعُلُوقِ بِمِلْكِهِ وَلَمْ يُوجَدْ يَقِينًا، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَيُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِيلَادِ بِالنِّكَاحِ حَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الصَّلَاحِ، لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ الْعُلُوقَ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ فَلَا تَثْبُتُ حَقِيقَةُ الْعِتْقِ فِي حَقِّ الْوَلَدِ وَلَا حَقُّهُ فِي الْأُمِّ فَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ، وَإِذَا لَمْ تَصِرْ أُمَّ الْوَلَدِ بَقِيَتْ الدَّعْوَةُ فِي الْوَلَدِ دَعْوَةَ تَحْرِيرٍ، وَغَيْرُ

(وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ وَلِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَةُ الْبَائِعِ فِيهِ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُشْتَرِي) لِأَنَّهُ احْتَمَلَ أَنْ لَا يَكُونَ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِهِ فَلَمْ تُوجَدْ الْحُجَّةُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِهِ، وَإِذَا صَدَّقَهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ وَالْوَلَدُ حُرٌّ وَالْأُمُّ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِتَصَادُقِهِمَا وَاحْتِمَالِ الْعُلُوقِ فِي الْمِلْكِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَالِكِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ وَالْبَائِعُ لَيْسَ بِمَالِكٍ، وَإِنْ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ صَحَّ دَعْوَتُهُ، وَإِنْ ادَّعَيَاهُ مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبًا صَحَّ دَعْوَةُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْبَائِعَ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ بَيْنِ الْمُدَّتَيْنِ فَإِمَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَةُ الْبَائِعِ فِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِهِ فَلَمْ تُوجَدْ الْحُجَّةُ، وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي يَثْبُتُ النَّسَبُ وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ وَالْوَلَدُ حُرٌّ وَالْأُمُّ أُمُّ الْوَلَدِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِتَصْدِيقِهِمَا وَاحْتِمَالُ الْعُلُوقِ فِي الْمَلِكِ، وَإِنْ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ صَحَّ دَعْوَتُهُ لِأَنَّ دَعْوَتَهُ صَحِيحَةٌ حَالَةَ الِانْفِرَادِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْعُلُوقَ فِي مِلْكِهِ فَفِيمَا يَحْتَمِلُهُ أَوْلَى، وَتَكُونُ دَعْوَتُهُ دَعْوَةَ اسْتِيلَادٍ حَتَّى يَكُونَ الْوَلَدُ حُرُّ الْأَصْلِ، وَلَا يَكُونُ لَهُ وَلَاءٌ عَلَى الْوَلَدِ لِأَنَّ الْعُلُوقَ فِي مِلْكِهِ مُمْكِنٌ، وَإِنْ ادَّعَيَاهُ مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبًا فَالْمُشْتَرِي أَوْلَى لِأَنَّ الْبَائِعَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْأَجْنَبِيِّ، هَذَا إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ مَعْلُومَةً، أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّهَا وَلَدَتْهُ بَعْدَ الْبَيْعِ لِأَقَلَّ مِنْ أَقَلَّ مِنْ مُدَّةِ الْحَمْلِ أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ أَكْثَرِهَا أَوْ لِمَا بَيْنَهُمَا فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَيْضًا، فَدَعْوَةُ الْبَائِعِ وَحْدَهُ لَا تَصِحُّ بِغَيْرِ تَصْدِيقِ الْمُشْتَرِي لِعَدَمِ تَيَقُّنِ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ، وَدَعْوَةُ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ صَحِيحَةٌ. وَاحْتِمَالُ كَوْنِ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ، إنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلِّ الْمُدَّةِ لَا يَمْنَعُ دَعْوَةَ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ ادَّعَيَاهُ مَعًا لَمْ تَصِحَّ دَعْوَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا

(فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ فَادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَقَدْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِيلَادُ فِي الْأُمِّ) لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْوَلَدِ وَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِعَدَمِ حَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ فَلَا يَتْبَعُهُ اسْتِيلَادُ الْأُمِّ (وَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ فَادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَقَدْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يَثْبُتُ النَّسَبُ فِي الْوَلَدِ وَأَخَذَهُ الْبَائِعُ) ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ هُوَ الْأَصْلُ فِي النَّسَبِ فَلَا يَضُرُّهُ فَوَاتُ التَّبَعِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْوَلَدُ أَصْلًا لِأَنَّهَا تُضَافُ إلَيْهِ يُقَالُ أُمُّ الْوَلَدِ، وَتَسْتَفِيدُ الْحُرِّيَّةَ مِنْ جِهَتِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» وَالثَّابِتُ لَهَا حَقُّ الْحُرِّيَّةِ وَلَهُ حَقِيقَتُهَا، وَالْأَدْنَى يَتْبَعُ الْأَعْلَى (وَيَرُدُّ الثَّمَنَ كُلَّهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: يَرُدُّ حِصَّةَ الْوَلَدِ وَلَا يَرُدُّ حِصَّةَ الْأُمِّ) لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَانَ الْوَلَدُ عَبْدًا لِلْمُشْتَرِي، لِأَنَّهَا إنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلِّ الْمُدَّةِ كَانَ النَّسَبُ لِلْبَائِعِ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ أَقَلِّ الْمُدَّةِ كَانَ النَّسَبُ لِلْمُشْتَرِي فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي ثُبُوتِهِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: فِي جَانِبِ الْمُشْتَرِي يَثْبُتُ فِي وَجْهَيْنِ وَفِي جَانِبِ الْبَائِعِ فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ فَكَانَ الْمُشْتَرِي أَوْلَى. قُلْنَا: هَذَا تَرْجِيحٌ بِمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْعِلَّةِ فَلَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا. وَإِنْ ادَّعَيَاهُ مُتَعَاقِبًا إنْ سَبَقَ الْمُشْتَرِي صَحَّتْ دَعْوَتُهُ وَإِنْ سَبَقَ الْبَائِعُ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. قَالَ (فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ فَادَّعَاهُ الْبَائِعُ إلَخْ) الْأَصْلُ فِي هَذِهِ أَنَّهُ إذَا حَدَثَ فِي الْوَلَدِ مَا لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ يَمْنَعُ فَسْخَ الْمِلْكِ فِيهِ بِالدَّعْوَةِ وَيَنْفِي ثُبُوتَ النَّسَبِ، وَعَلَى هَذَا إنْ مَاتَ الْوَلَدُ فَادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَقَدْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِيلَادُ فِي الْأُمِّ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْوَلَدِ، وَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِعَدَمِ حَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ فَلَا يَتْبَعُهُ اسْتِيلَادُ الْأُمِّ (وَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ فَادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَقَدْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ وَأَخْذُهُ (لِأَنَّهُ أَصْلٌ) لِإِضَافَتِهَا إلَيْهِ حَيْثُ يُقَالُ أُمُّ الْوَلَدِ وَاسْتِفَادَتُهَا الْحُرِّيَّةَ مِنْ جِهَتِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» قَالَهُ حِينَ قِيلَ لَهُ وَقَدْ وَلَدَتْ مَارِيَةُ الْقِبْطِيَّةُ إبْرَاهِيمَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلَا تَعْتِقُهَا: وَلِأَنَّ الثَّابِتَ لَهَا حَقُّ الْحُرِّيَّةِ وَلَهُ حَقِيقَتُهَا، وَالْأَدْنَى يَتَّبِعُ الْأَعْلَى، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْأَصْلِ مَا يَمْنَعُ الدَّعْوَةَ لَمْ يَضُرَّ فَوَاتُ التَّبَعِ، وَيَرُدُّ الثَّمَنَ كُلَّهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَرُدُّ حِصَّةَ الْوَلَدِ وَلَا يَرُدُّ حِصَّةَ الْأُمِّ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَالِيَّةَ أُمِّ الْوَلَدِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَهُ فِي الْعَقْدِ وَالْغَصْبِ

وَمَالِيَّتُهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَهُ فِي الْعَقْدِ وَالْغَصْبِ فَلَا يَضْمَنُهَا الْمُشْتَرِي، وَعِنْدَهُمَا مُتَقَوِّمَةٌ فَيَضْمَنُهَا. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَإِذَا حَمَلَتْ الْجَارِيَةُ فِي مِلْكِ رَجُلٍ فَبَاعَهَا فَوَلَدَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَادَّعَى الْبَائِعُ الْوَلَدَ وَقَدْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ فَهُوَ ابْنُهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ. وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي إنَّمَا أَعْتَقَ الْوَلَدَ فَدَعْوَاهُ بَاطِلَةٌ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي هَذَا الْبَابِ الْوَلَدُ، وَالْأُمُّ تَابِعَةٌ لَهُ عَلَى مَا مَرَّ. وَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ قَامَ الْمَانِعُ مِنْ الدَّعْوَةِ وَالِاسْتِيلَادِ وَهُوَ الْعِتْقُ فِي التَّبَعِ وَهُوَ الْأُمُّ فَلَا يَمْتَنِعُ ثُبُوتُهُ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْوَلَدُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا يَضْمَنُهَا الْمُشْتَرِي، وَعِنْدَهُمَا مُتَقَوِّمَةٌ فَيَضْمَنُهَا. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إعْلَامًا بِأَنَّ حُكْمَ الْإِعْتَاقِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ حُكْمُ الْمَوْتِ، فَإِذَا أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ وَادَّعَى الْبَائِعُ الْوَلَدَ فَهُوَ ابْنُهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ يُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الْوَلَدِ وَعَلَى قِيمَةِ الْأُمِّ، فَمَا أَصَابَ الْأُمَّ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ، وَمَا أَصَابَ الْوَلَدَ سَقَطَ عَنْهُ عِنْدَهَا. وَعِنْدَهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ بِكُلِّ الثَّمَنِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَعْتَقَ الْوَلَدَ فَدَعْوَتُهُ بَاطِلَةٌ إذْ لَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُشْتَرِي فِي دَعْوَاهُ، وَذَكَرَ الْفَرْقَ اسْتِظْهَارًا فَإِنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْمَوْتِ (وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ) أَعْنِي بِهِ ثُبُوتَ حَقِّ الْعِتْقِ لِلْأُمِّ بِطَرِيقِ الِاسْتِيلَادِ هُوَ ثُبُوتُ حَقِيقَةِ الْعِتْقِ لِلْوَلَدِ بِالنَّسَبِ (وَالْأُمُّ تَابِعَةٌ لَهُ) فِي ذَلِكَ كَمَا مَرَّ (وَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ) يَعْنِي فِيمَا إذَا أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ (قَامَ الْمَانِعُ وَهُوَ الْعِتْقُ مِنْ الدَّعْوَةِ وَالِاسْتِيلَادِ فِي التَّبَعِ وَهُوَ الْأُمُّ فَلَا يَمْتَنِعُ ثُبُوتُهُ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْوَلَدُ) فَإِنْ قِيلَ إذَا لَمْ يَمْتَنِعْ الدَّعْوَةُ مِنْ الْوَلَدِ ثَبَتَ الْعِتْقُ فِيهِ وَالنَّسَبُ لِكَوْنِ الْعُلُوقِ

وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ. كَمَا فِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ فَإِنَّهُ حُرٌّ وَأُمُّهُ أَمَةٌ لِمَوْلَاهَا، وَكَمَا فِي الْمُسْتَوْلَدَةِ بِالنِّكَاحِ. وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي قَامَ الْمَانِعُ بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْوَلَدُ فَيَمْتَنِعُ ثُبُوتُهُ فِيهِ وَفِي التَّبَعِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْإِعْتَاقُ مَانِعًا ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي مِلْكِهِ بِيَقِينٍ، لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا حَبِلَتْ الْجَارِيَةُ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ، وَمِنْ حُكْمِ ثُبُوتِ النَّسَبِ لِلْوَلَدِ صَيْرُورَةُ أُمِّهِ أُمَّ وَلَدٍ لِلْبَائِعِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ الْبَيْعُ وَإِعْتَاقُ الْمُشْتَرِي. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ) أَيْ لَيْسَ ثُبُوتُ الِاسْتِيلَادِ فِي حَقِّ الْأُمِّ مِنْ ضَرُورَاتِ ثُبُوتِ الْعِتْقِ وَالنَّسَبِ لِلْوَلَدِ لِانْفِكَاكِهِ عَنْهُ (كَمَا فِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ) وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ مِنْ رَجُلٍ يَزْعُمُ أَنَّهَا مِلْكُهُ فَاسْتَوْلَدَهَا فَاسْتُحِقَّتْ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ بِالْقِيمَةِ وَهُوَ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ أَبِيهِ وَلَيْسَتْ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ لِأَبِيهِ (وَكَمَا فِي الْمُسْتَوْلَدَةِ بِالنِّكَاحِ) بِأَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ فَإِذَا هِيَ أَمَةٌ (وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي) وَهُوَ مَا إذَا أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْوَلَدَ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ أَنَّهُ وَلَدُهُ (قَامَ الْمَانِعُ بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْوَلَدُ فَيَمْتَنِعُ ثُبُوتُهُ) أَيْ ثُبُوتُ مَا ذَكَرْنَا وَهُوَ الدَّعْوَةُ وَالِاسْتِيلَادُ (فِيهِ وَفِي التَّبَعِ) وَقَوْلُهُ (وَإِنَّمَا كَانَ الْإِعْتَاقُ مَانِعًا) بَيَانٌ لِمَانِعِيَّةِ عِتْقِ الْوَلَدِ عَنْ ثُبُوتِ النَّسَبِ بِدَعْوَةِ الْبَائِعِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ مِنْ الْمُشْتَرِي كَحَقِّ اسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ فِي الْوَلَدِ وَحَقِّ اسْتِيلَادٍ فِي الْأُمِّ فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَحْتَمِلُ لِلنَّقْضِ فَلَيْسَ لِفِعْلِ أَحَدِهِمَا عَلَى فِعْلِ الْآخَرِ تَرْجِيحٌ مِنْ هَذَا

لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ كَحَقِّ اسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ وَحَقِّ الِاسْتِيلَادِ فَاسْتَوَيَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَجْهِ. وَرُدَّ بِمَا إذَا بَاعَ جَارِيَةً حُبْلَى فَوَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَعْتَقَ الْمُشْتَرِي أَحَدَهُمَا ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ الْوَلَدَ الْآخَرَ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ فِيهِمَا جَمِيعًا حَتَّى يَبْطُلَ عِتْقُ الْمُشْتَرِي، وَذَلِكَ نَقْضٌ لِلْعِتْقِ كَمَا تَرَى. أُجِيبَ بِأَنَّ التَّوْأَمَيْنِ فِي حُكْمِ وَلَدٍ وَاحِدٍ، فَمِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ نَسَبِ أَحَدِهِمَا وَالْحُكْمِ بِصَيْرُورَتِهِ حُرَّ الْأَصْلِ ثُبُوتُ النَّسَبِ لِلْآخَرِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إذَا كَانَ كَذَلِكَ وَقَدْ ثَبَتَ الْعِتْقُ فِي أَحَدِهِمَا فَمِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ الْعِتْقِ فِي الْآخَرِ وَإِلَّا لَزِمَ تَرْجِيحُ الدَّعْوَةِ عَلَى الْعِتْقِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَالْفَرْضُ خِلَافُهُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ إنْ ثَبَتَ الْعِتْقُ فِي الْآخَرِ لَزِمَهُ ضَمَانُ قِيمَتِهِ وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ زَائِدٌ، فَإِنْ عُورِضَ بِأَنَّ الْبَائِعَ إذَا ادَّعَى النَّسَبَ فِي الَّذِي عِنْدَهُ كَانَ ذَلِكَ سَعْيًا فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ فَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ

ثُمَّ الثَّابِتُ مِنْ الْمُشْتَرِي حَقِيقَةُ الْإِعْتَاقِ وَالثَّابِتُ فِي الْأُمِّ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ، وَفِي الْوَلَدِ لِلْبَائِعِ حَقُّ الدَّعْوَةِ وَالْحَقُّ لَا يُعَارِضُ الْحَقِيقَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ ثُمَّ الثَّابِتُ) بَيَانُ تَرْجِيحِ الْإِعْتَاقِ عَلَى الِاسْتِلْحَاقِ، فَإِنَّ الثَّابِتَ (مِنْ الْمُشْتَرِي حَقِيقَةُ الْإِعْتَاقِ وَالثَّابِتُ) لِلْبَائِعِ (فِي الْوَلَدِ حَقُّ الدَّعْوَةِ وَفِي الْأُمِّ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ وَالْحَقُّ لَا يُعَارِضُ الْحَقِيقَةَ) وَنُوقِضَ بِالْمَالِكِ الْقَدِيمِ مَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ فَإِنَّ الْمَالِكَ الْقَدِيمَ يَأْخُذُهُ بِالْقِيمَةِ وَإِنْ كَانَ لَهُ حَقُّ الْمِلْكِ وَلِلْمُشْتَرِي حَقِيقَتُهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَرْجِيحٍ بَلْ هُوَ جَمْعٌ بَيْنَهُمَا، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْحَقِيقَةَ أَوْلَى. فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا تَسْوِيَةٌ بَيْنَ الرَّاجِحِ وَالْمَرْجُوحِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ هَذِهِ الْحَقِيقَةَ فِيهَا شُبْهَةٌ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى تَمَلُّكِ أَهْلِ الْحَرْبِ مَا اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِنَا أَحْرَزُوا بِدَارِهِمْ، وَهُوَ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَانْحَطَّتْ مِنْ دَرَجَةِ الْحَقَائِقِ فَقُلْنَا يَأْخُذُهُ بِالْقِيمَةِ جَمْعًا بَيْنَهُمَا

وَالتَّدْبِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَقَدْ ثَبَتَ بِهِ بَعْضُ آثَارِ الْحُرِّيَّةِ. وَقَوْلُهُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ يُرَدُّ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ قَوْلُهُمَا وَعِنْدَهُ يُرَدُّ بِكُلِّ الثَّمَنِ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي فَصْلِ الْمَوْتِ. قَالَ: (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وُلِدَ عِنْدَهُ وَبَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ فَهُوَ ابْنُهُ وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ) لِأَنَّ الْبَيْعَ يَحْتَمِلُ النَّقْضَ، وَمَا لَهُ مِنْ حَقِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّدْبِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَقَدْ ثَبَتَ بِهِ بَعْضُ آثَارِ الْحُرِّيَّةِ) وَهُوَ عَدَمُ جَوَازِ النَّقْلِ مِنْ مَالِكٍ إلَى مَالِكٍ (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ) يُرِيدُ بِهِ أَنَّ مَا نُقِلَ عَنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ قَوْلِهِ وَقَدْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ فَهُوَ ابْنُهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ هُوَ قَوْلُهُمَا وَعِنْدَهُ يُرَدُّ بِكُلِّ الثَّمَنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي فَصْلِ الْمَوْتِ. وَقَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَمَّا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ وَقَاضِي خَانْ وَالْمَحْبُوبِيُّ أَنَّهُ يُرَدُّ بِمَا يَخُصُّ الْوَلَدَ مِنْ الثَّمَنِ، بِخِلَافِ الْمَوْتِ، وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ فِي الْإِعْتَاقِ كَذَّبَ الْقَاضِي الْبَائِعَ فِيمَا زَعَمَ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ حَيْثُ جَعَلَهَا مُعْتَقَةَ الْمُشْتَرِي أَوْ مُدَبَّرَتَهُ فَلَمْ يَبْقَ لِزَعْمِهِ عِبْرَةٌ. وَأَمَّا فِي فَصْلِ الْمَوْتِ فَبِمَوْتِهَا لَمْ يَجْرِ الْحُكْمُ بِخِلَافِ مَا زَعَمَ الْبَائِعُ فَبَقِيَ زَعْمُهُ مُعْتَبَرًا فِي حَقِّهِ فَيَرُدُّ جَمِيعَ الثَّمَنِ، وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَا قِيمَةَ لَهَا وَقَالُوا إنَّهُ مُخَالِفٌ لِرِوَايَةِ الْأُصُولِ، وَكَيْفَ يَسْتَرِدُّ كُلَّ الثَّمَنِ وَالْبَيْعُ لَمْ يَبْطُلْ فِي الْجَارِيَةِ وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي؟ قِيلَ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْوَلَدِ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ بِحُدُوثِهِ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي وَلَا حِصَّةَ لِلْوَلَدِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْقَبْضِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَهُوَ كَحَادِثٍ قَبْلَ الْقَبْضِ وَمَا هُوَ كَذَلِكَ فَلَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ إذَا اسْتَهْلَكَهُ الْبَائِعُ وَقَدْ اسْتَهْلَكَهُ هُنَا بِالدَّعْوَةِ. قَالَ (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وُلِدَ عِنْدَهُ إلَخْ) وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّهُ إذَا

الدَّعْوَةِ لَا يَحْتَمِلُهُ فَيُنْقَضُ الْبَيْعُ لِأَجْلِهِ، وَكَذَا إذَا كَاتَبَ الْوَلَدَ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ أَجَّرَهُ أَوْ كَاتَبَ الْأُمَّ أَوْ رَهَنَهَا أَوْ زَوَّجَهَا ثُمَّ كَانَتْ الدَّعْوَةُ لِأَنَّ هَذِهِ الْعَوَارِضَ تَحْتَمِلُ النَّقْضَ فَيُنْقَضُ ذَلِكَ كُلُّهُ وَتَصِحُّ الدَّعْوَةُ، بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ عَلَى مَا مَرَّ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي أَوَّلًا ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْبَائِعِ لِأَنَّ النَّسَبَ الثَّابِتَ مِنْ الْمُشْتَرِي لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ فَصَارَ كَإِعْتَاقِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQحَدَثَ فِي الْوَلَدِ مَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ لَا يَمْنَعُ الدَّعْوَةَ فِيهِ، وَعَلَى هَذَا إذَا بَاعَ عَبْدًا وُلِدَ عِنْدَهُ يَعْنِي كَانَ أَصْلُ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ ثُمَّ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ فَهُوَ ابْنُهُ وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ لِاحْتِمَالِهِ النَّقْضَ، وَمَا لِلْبَائِعِ مِنْ حَقِّ الدَّعْوَةِ لَا يَحْتَمِلُهُ فَيُنْقَضُ لِأَجْلِهِ، وَكَذَا إذَا كَاتَبَ الْوَلَدَ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ آجَرَهُ أَوْ كَاتَبَ الْأُمَّ أَوْ رَهَنَهَا أَوْ زَوَّجَهَا ثُمَّ كَانَتْ الدَّعْوَةُ، لِأَنَّ هَذِهِ الْعَوَارِضَ تَحْتَمِلُ النَّقْضَ فَيُنْقَضُ لِأَجْلِ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ، بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ لِمَا تَقَدَّمَ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي أَوْ لَا ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْبَائِعِ لِأَنَّ النَّسَبَ الثَّابِتَ مِنْ الْمُشْتَرِي لَا يَحْتَمِلُ النَّقْصَ فَصَارَ كَإِعْتَاقِهِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الثَّابِتُ بِالْإِعْتَاقِ حَقِيقَةُ الْحُرِّيَّةِ وَبِالدَّعْوَةِ حَقُّهَا فَأَنَّى يَتَسَاوَيَانِ. وَأَمَّا الدَّعْوَةُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَمِنْ الْبَائِعِ فَمُتَسَاوِيَتَانِ فِي أَنَّ الثَّابِتَ بِهِمَا حَقُّ الْحُرِّيَّةِ فَأَيْنَ الْمُرَجَّحُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ التَّسَاوِيَ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالدَّعْوَةِ فِي عَدَمِ احْتِمَالِ النَّقْصِ وَذَلِكَ ثَابِتٌ أَلْبَتَّةَ. وَتَرْجِيحُ دَعْوَةِ الْمُشْتَرِي عَلَى دَعْوَةِ

قَالَ (وَمَنْ ادَّعَى نَسَبَ أَحَدِ التَّوْأَمَيْنِ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ) لِأَنَّهُمَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ، فَمِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ نَسَبِ أَحَدِهِمَا ثُبُوتُ نَسَبِ الْآخَرِ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّوْأَمَيْنِ وَلَدَانِ بَيْنَ وِلَادَتِهِمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ عُلُوقُ الثَّانِي حَادِثًا لِأَنَّهُ لَا حَبَلَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إذَا كَانَ فِي يَدِهِ غُلَامَانِ تَوْأَمَانِ وُلِدَا عِنْدَهُ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا وَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ الَّذِي فِي يَدِهِ فَهُمَا ابْنَاهُ وَبَطَلَ عِتْقُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ الَّذِي عِنْدَهُ لِمُصَادَفَةِ الْعُلُوقِ وَالدَّعْوَةِ مِلْكَهُ إذْ الْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِيهِ ثَبَتَ بِهِ حُرِّيَّةُ الْأَصْلِ فِيهِ فَيَثْبُتُ نَسَبُ الْآخَرِ، وَحُرِّيَّةُ الْأَصْلِ فِيهِ ضَرُورَةٌ لِأَنَّهُمَا تَوْأَمَانِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ عِتْقَ الْمُشْتَرِي وَشِرَاءَهُ لَاقَى حُرِّيَّةَ الْأَصْلِ فَبَطَلَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَائِعِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَلَدَ قَدْ اسْتَغْنَى بِالْأُولَى عِنْدَ ثُبُوتِ النَّسَبِ فِي وَقْتٍ لَا مُزَاحِمَ لَهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الثَّانِيَةِ (وَمَنْ ادَّعَى نَسَبَ أَحَدِ التَّوْأَمَيْنِ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ) وَكَلَامُهُ فِيهِ ظَاهِرٌ. وَذَكَرَ رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى صُورَةِ بَيْعِ أَحَدِهِمَا وَدَعْوَى النَّسَبِ فِي الْآخَرِ بَعْدَ إعْتَاقِ الْمُشْتَرِي، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ غُلَامَانِ تَوْأَمٌ وَتَوْأَمَانِ. قَوْلُهُ (وَبَطَلَ عِتْقُ الْمُشْتَرِي) إنْ كَانَتْ الرِّوَايَةُ بِكَسْرِ الرَّاءِ فَالْعِتْقُ بِمَعْنَى الْإِعْتَاقِ، وَإِنْ كَانَتْ بِالْفَتْحِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّأْوِيلِ وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ

بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ وَاحِدًا لِأَنَّ هُنَاكَ يَبْطُلُ الْعِتْقُ فِيهِ مَقْصُودًا لِحَقِّ دَعْوَةِ الْبَائِعِ وَهُنَا ثَبَتَ تَبَعًا لِحُرِّيَّتِهِ فِيهِ حُرِّيَّةُ الْأَصْلِ فَافْتَرَقَا (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَصْلُ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ الَّذِي ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ سُؤَالًا وَجَوَابًا. قَوْلُهُ (بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ وَاحِدًا لِأَنَّ هُنَاكَ يَبْطُلُ الْعِتْقُ فِيهِ مَقْصُودًا) يَعْنِي عَلَى تَقْدِيرِ تَصْحِيحِ الدَّعْوَةِ مِنْ الْبَائِعِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ حَقَّ الدَّعْوَةِ لَا يُعَارِضُ الْإِعْتَاقَ (وَهُنَا) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ التَّوْأَمَيْنِ (يَثْبُتُ) بُطْلَانُ إعْتَاقِ الْمُشْتَرَى فِي الْمُشْتَرَى تَبَعًا لِحُرِّيَّتِهِ فِيهِ (حُرِّيَّةُ الْأَصْلِ) لَا حُرِّيَّةُ التَّحْرِيرِ فَالضَّمِيرُ فِي لِحُرِّيَّتِهِ رَاجِعٌ إلَى الْمُشْتَرَى بِالْفَتْحِ. وَقَوْلُهُ فِيهِ يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ يَثْبُتُ، الضَّمِيرُ لِلْمُشْتَرِي كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ حُرِّيَّةُ الْأَصْلِ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ لِحُرِّيَّتِهِ، وَإِنَّمَا أُبْدِلَ بِهِ إشَارَةً إلَى سَبْقِهَا لِيَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا، فَالْإِعْتَاقُ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ فَكَانَ خَلِيفًا بِالرَّدِّ وَالْإِبْطَالِ (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَصْلُ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِ الْمُدَّعِي يُثْبِتُ نَسَبَ الْوَلَدِ الَّذِي

عِنْدَهُ، وَلَا يُنْقَضُ الْبَيْعُ فِيمَا بَاعَ) لِأَنَّ هَذِهِ دَعْوَةُ تَحْرِيرٍ لِانْعِدَامِ شَاهِدِ الِاتِّصَالِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَحَلِّ وِلَايَتِهِ. قَالَ (وَإِذَا كَانَ الصَّبِيُّ فِي يَدِ رَجُلٍ فَقَالَ: هُوَ ابْنُ عَبْدِي ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَهُ وَلَا يَنْتَقِضُ الْبَيْعُ فِيمَا بَاعَ) لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ أَصْلُ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ انْعِدَامَ شَاهِدِ الِاتِّصَالِ بِالْمُدَّعِي، فَكَانَ قَوْلُهُ هَذَا ابْنِي مَجَازًا عَنْ قَوْلِهِ هَذَا حُرٌّ دَعْوَةُ تَحْرِيرٍ، وَلَوْ قَالَ لِأَحَدِ التَّوْأَمَيْنِ هَذَا حُرٌّ كَانَ تَحْرِيرًا مُقْتَصِرًا عَلَى مَحَلِّ وِلَايَتِهِ فَكَذَا دَعْوَةُ التَّحْرِيرِ. وَنُوقِضَ بِمَا إذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ أَحَدَ التَّوْأَمَيْنِ وَأَبُوهُ الْآخَرَ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا الَّذِي فِي يَدِهِ أَنَّهُ ابْنُهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُمَا مِنْهُ وَيَعْتِقَانِ جَمِيعًا، وَلَمْ تَقْصُرْ دَعْوَةُ التَّحْرِيرِ عَلَى مَحَلِّ وِلَايَتِهِ مَعَ عَدَمِ شَاهِدِ الِاتِّصَالِ، إذْ الْكَلَامُ فِيهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا كَانَ هُوَ الْأَبَ فَالِابْنُ قَدْ مَلَكَ أَخَاهُ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الِابْنَ فَالْأَبُ مَلَكَ حَافِدَهُ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ وَلَا يَكَادُ يَصِحُّ مَعَ دَعْوَةِ التَّحْرِيرِ. قَالَ (وَإِذَا كَانَ الصَّبِيُّ فِي يَدِ رَجُلٍ إلَخْ) إذَا كَانَ الصَّبِيُّ فِي يَدِ رَجُلٍ أَقَرَّ أَنَّهُ ابْنُ عَبْدِهِ فُلَانٍ أَوْ ابْنُ فُلَانٍ الْغَائِبِ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ ثُمَّ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَتُهُ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ لَا حَالًا وَلَا مُسْتَقْبَلًا. أَمَّا حَالًا فَظَاهِرٌ لِوُجُودِ الْمَانِعِ وَهُوَ تَعَلُّقُ حَقِّ الْغَيْرِ، وَأَمَّا اسْتِقْبَالًا فَلِأَنَّ الْغَائِبَ لَا يَخْلُو حَالُهُ عَنْ ثَلَاثٍ: إمَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ أَوْ يُكَذِّبَهُ أَوْ يَسْكُتَ عَنْ التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ. فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ لَا تَصِحُّ دَعْوَتُهُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَّصِلْ بِإِقْرَارِهِ تَكْذِيبٌ مِنْ جِهَةِ الْمُقَرِّ لَهُ فَبَقِيَ إقْرَارُهُ

فُلَانٍ الْغَائِبِ ثُمَّ قَالَ: هُوَ ابْنِي لَمْ يَكُنْ ابْنَهُ أَبَدًا وَإِنْ جَحَدَ الْعَبْدُ أَنْ يَكُونَ ابْنَهُ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَقَالَا: إذَا جَحَدَ الْعَبْدُ فَهُوَ ابْنُ الْمَوْلَى) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ: هُوَ ابْنُ فُلَانٍ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ ثُمَّ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ. لَهُمَا أَنَّ الْإِقْرَارَ ارْتَدَّ بِرَدِّ الْعَبْدِ فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ الْإِقْرَارُ، وَالْإِقْرَارُ بِالنَّسَبِ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَإِنْ كَانَ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ يَعْمَلُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ وَالْهَزْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي لَمْ تَصِحَّ دَعْوَتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَقَالَا: الْإِقْرَارُ بِالنَّسَبِ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، وَلِهَذَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِنَسَبِ عَبْدٍ فَأَقَرَّ بِهِ لَا يَثْبُتُ، وَكَذَا لَوْ هَزَلَ بِهِ، فَإِذَا رَدَّهُ الْعَبْدُ كَانَ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ لِأَحَدٍ وَادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ وَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِإِعْتَاقِ الْمُشْتَرِي فَكَذَّبَهُ الْبَائِعُ ثُمَّ قَالَ الْمُشْتَرِي أَنَا أَعْتَقْته فَإِنَّ الْوَلَاءَ يَتَحَوَّلُ

فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِإِعْتَاقِ الْمُشْتَرَى فَكَذَّبَهُ الْبَائِعُ ثُمَّ قَالَ أَنَا أَعْتَقْتُهُ يَتَحَوَّلُ الْوَلَاءُ إلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا صَدَّقَهُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي بَعْدَ ذَلِكَ نَسَبًا ثَابِتًا مِنْ الْغَيْرِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُقَرِّ لَهُ عَلَى اعْتِبَارِ تَصْدِيقِهِ فَيَصِيرُ كَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ الْمُلَاعِنِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّسَبَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَالْإِقْرَارُ بِمِثْلِهِ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ فَبَقِيَ فَتَمْتَنِعُ دَعْوَتُهُ، كَمَنْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ بِنَسَبِ صَغِيرٍ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِتُهْمَةٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُقَرِّ لَهُ عَلَى اعْتِبَارِ تَصْدِيقِهِ، حَتَّى لَوْ صَدَّقَهُ بَعْدَ التَّكْذِيبِ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا صَدَّقَهُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي بَعْدَ ذَلِكَ نَسَبًا ثَابِتًا مِنْ الْغَيْرِ وَهُوَ لَا يَصِحُّ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُقَرِّ لَهُ عَلَى اعْتِبَارِ تَصْدِيقِهِ فَيَصِيرُ كَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ الْمُلَاعِنِ لِاحْتِمَالِ تَكْذِيبِهِ نَفْسَهُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّسَبَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْإِقْرَارُ بِهِ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِهِ يَتَضَمَّنُ شَيْئَيْنِ: خُرُوجَ الْمُقِرِّ عَنْ الرُّجُوعِ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ لِعَدَمِ احْتِمَالِ النَّقْضِ كَالْإِقْرَارِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَتَعَلُّقَ حَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ بِهِ، وَبِتَكْذِيبِ الْعَبْدِ لَا يَبْطُلُ شَيْءٌ مِنْهُمَا. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ تَكْذِيبَهُ لَا يَمَسُّ جَانِبَهُ لِمَا قُلْنَا. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَيْسَ حَقُّهُ عَلَى الْخُلُوصِ بَلْ فِيهِ حَقُّ الْوَلَدِ أَيْضًا وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى إبْطَالِهِ. وَنَظَرَ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ بِمَنْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ بِنَسَبِ صَغِيرٍ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِتُهْمَةٍ مِنْ قَرَابَةٍ

وَكَذَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْوَلَدِ فَلَا يَرْتَدُّ بِرَدِّ الْمُقَرِّ لَهُ. وَمَسْأَلَةُ الْوَلَاءِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَلَوْ سَلِمَ فَالْوَلَاءُ قَدْ يَبْطُلُ بِاعْتِرَاضِ الْأَقْوَى كَجَرِّ الْوَلَاءِ مِنْ جَانِبِ الْأُمِّ إلَى قَوْمِ الْأَبِ. وَقَدْ اعْتَرَضَ عَلَى الْوَلَاءِ الْمَوْقُوفِ مَا هُوَ أَقْوَى وَهُوَ دَعْوَى الْمُشْتَرِي فَيَبْطُلُ بِهِ، بِخِلَافِ النَّسَبِ عَلَى مَا مَرَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ فِسْقٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ الشَّاهِدُ لِنَفْسِهِ فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ، وَكَذَلِكَ أَوْرَدَهَا الْمُصَنِّفُ، وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهَا عَلَى الْخِلَافِ لَا تُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا. قَوْلُهُ (وَمَسْأَلَةُ الْوَلَاءِ) جَوَابٌ مِنْ اسْتِشْهَادِهِمَا بِهَا بِأَنَّهَا عَلَى الْخِلَافِ فَلَا تَنْهَضُ شَاهِدَةً. سَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ الْوَلَاءَ قَدْ يَبْطُلُ بِاعْتِرَاضِ الْأَقْوَى فَجَرَّ الْوَلَاءَ مِنْ جَانِبِ الْأُمِّ إلَى جَانِبِ الْأَبِ وَصُورَتُهُ مَعْرُوفَةٌ، وَإِنَّمَا لَا يَبْطُلُ إذَا تَقَرَّرَ سَبَبُهُ وَلَمْ يَتَقَرَّرْ لِأَنَّهُ عَلَى عَرْضِيَّةِ التَّصْدِيقِ بَعْدَ التَّكْذِيبِ فَكَانَ الْوَلَاءُ مَوْقُوفًا، وَقَدْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ مَا هُوَ أَقْوَى وَهُوَ دَعْوَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ قَائِمٌ فِي الْحَالِ فَكَانَ دَعْوَى الْوَلَاءِ مُصَادِفًا لِمَحَلِّهِ لِوُجُودِ شَرْطِهِ وَهُوَ قِيَامُ الْمِلْكِ فَيَبْطُلُ، بِخِلَافِ النَّسَبِ عَلَى مَا مَرَّ أَنَّ النَّسَبَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ، وَهَذَا يَصْلُحُ مَخْرَجًا: أَيْ حِيلَةً عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ يَبِيعُ الْوَلَدَ وَيَخَافُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ الدَّعْوَةُ بَعْدَ ذَلِكَ

وَهَذَا يَصْلُحُ مَخْرَجًا عَلَى أَصْلِهِ فِيمَنْ يَبِيعُ الْوَلَدَ وَيَخَافُ عَلَيْهِ الدَّعْوَةَ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَقْطَعُ دَعْوَاهُ إقْرَارُهُ بِالنَّسَبِ لِغَيْرِهِ. قَالَ: (وَإِذَا كَانَ الصَّبِيُّ فِي يَدِ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: هُوَ ابْنِي وَقَالَ الْمُسْلِمُ هُوَ عَبْدِي فَهُوَ ابْنُ النَّصْرَانِيِّ وَهُوَ حُرٌّ) لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مُرَجِّحٌ فَيَسْتَدْعِي تَعَارُضًا، وَلَا تَعَارُضَ لِأَنَّ نَظَرَ الصَّبِيِّ فِي هَذَا أَوْفَرُ لِأَنَّهُ يَنَالُ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ حَالًا وَشَرَفَ الْإِسْلَامِ مَآلًا، إذْ دَلَائِلُ الْوَحْدَانِيَّةِ ظَاهِرَةٌ، وَفِي عَكْسِهِ الْحُكْمُ بِالْإِسْلَامِ تَبَعًا وَحِرْمَانُهُ عَنْ الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ اكْتِسَابُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَقْطَعُ دَعْوَاهُ بِإِقْرَارِهِ بِالنَّسَبِ لِغَيْرِهِ. قَالَ (وَإِذَا كَانَ الصَّبِيُّ فِي يَدِ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ هُوَ ابْنِي وَقَالَ الْمُسْلِمُ هُوَ عَبْدِي فَهُوَ ابْنُ النَّصْرَانِيِّ، وَهُوَ حُرٌّ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مُرَجَّحٌ أَيْنَمَا كَانَ، وَالتَّرْجِيحُ يَسْتَدْعِي التَّعَارُضَ وَلَا تَعَارُضَ هَاهُنَا لِأَنَّ النَّظَرَ لِلصَّبِيِّ وَاجِبٌ، وَنَظَرُهُ فِيمَا ذَكَرْنَا أَوْفَرُ لِأَنَّهُ يَنَالُ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ حَالًا وَشَرَفَ الْإِسْلَامِ مَآلًا، إذْ دَلَائِلُ الْوَحْدَانِيَّةِ ظَاهِرَةٌ، وَفِي عَكْسِهِ الْحُكْمُ بِالْإِسْلَامِ: أَيْ يَنَالُ الْحُكْمَ بِهِ تَبَعًا وَحِرْمَانُهُ عَنْ الْحُرِّيَّةِ، إذْ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ اكْتِسَابُهَا) وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} [البقرة: 221] وَدَلَائِلُ التَّوْحِيدِ وَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً لَكِنَّ الْإِلْفَ بِالدِّينِ مَانِعٌ قَوِيٌّ؛ أَلَا تَرَى إلَى كُفْرِ آبَائِهِ مَعَ ظُهُورِ دَلَائِلِ التَّوْحِيدِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَضَانَةِ أَنَّ الذِّمِّيَّةَ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا الْمُسْلِمِ مَا لَمْ يَعْقِلْ الْأَدْيَانَ أَوْ يُخَافُ أَنْ يَأْلَفَ الْكُفْرَ لِلنَّظَرِ قَبْلَ ذَلِكَ وَاحْتِمَالِ الضَّرَرِ بَعْدَهُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5] يُوجِبُ دَعْوَةَ الْأَوْلَادِ لِآبَائِهِمْ، وَمُدَّعِي النَّسَبِ أَبٌ لِأَنَّ دَعْوَتَهُ لَا تَحْتَمِلُ النَّقْضَ فَتَعَارَضَتْ الْآيَتَانِ وَفِي الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمَرْحَمَةِ بِالصِّبْيَانِ نُظِرَ لَهَا كَثْرَةً فَكَانَتْ أَقْوَى مِنْ الْمَانِعِ، وَكُفْرُ الْآبَاءِ جُحُودٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ؛ أَلَا تَرَى إلَى انْتِشَارِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْكُفْرِ فِي الْآفَاقِ،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبِتَرْكِ الْحَضَانَةِ لَا يَلْزَمُ رِقٌّ فَيُقْلَعُ مِنْهَا، بِخِلَافِ تَرْكِ النَّسَبِ هَاهُنَا فَإِنَّ الْمَصِيرَ بَعْدَهُ إلَى الرِّقِّ وَهُوَ ضَرَرٌ عَظِيمٌ لَا مَحَالَةَ.

(وَلَوْ كَانَتْ دَعْوَتُهُمَا دَعْوَةَ الْبُنُوَّةِ فَالْمُسْلِمُ أَوْلَى) تَرْجِيحًا لِلْإِسْلَامِ وَهُوَ أَوْفَرُ النَّظَرَيْنِ. قَالَ (وَإِذَا ادَّعَتْ امْرَأَةٌ صَبِيًّا أَنَّهُ ابْنُهَا لَمْ تَجُزْ دَعْوَاهَا حَتَّى تَشْهَدَ امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ) وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ ذَاتَ زَوْجٍ لِأَنَّهَا تَدَّعِي تَحْمِيلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ فَلَا تُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَلَوْ كَانَتْ دَعْوَتُهُمَا دَعْوَةَ الْبُنُوَّةِ فَالْمُسْلِمُ أَوْلَى تَرْجِيحًا لِلْإِسْلَامِ وَهُوَ أَوْفَرُ النَّظَرَيْنِ) وَنُوقِضَ بِغُلَامٍ نَصْرَانِيٍّ بَالِغٍ ادَّعَى عَلَى نَصْرَانِيٍّ وَنَصْرَانِيَّةٍ أَنَّهُ ابْنُهُمَا وَادَّعَاهُ مُسْلِمٌ وَمُسْلِمَةٌ أَنَّهُ ابْنُهُمَا وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الطَّرَفَيْنِ بَيِّنَةً فَقَدْ تَسَاوَتْ الدَّعْوَتَانِ فِي الْبُنُوَّةِ وَلَمْ يَتَرَجَّحْ جَانِبُ الْإِسْلَامِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ وَإِنْ تَسَاوَتَا فِي إثْبَاتِ نَسَبٍ بِفِرَاشِ النِّكَاحِ، لَكِنْ تَرَجَّحَتْ بَيِّنَةُ الْغُلَامِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُثْبِتُ حَقًّا لِنَفْسِهِ لِأَنَّ مُعْظَمَ الْمَنْفَعَةِ فِي النَّسَبِ لِلْوَلَدِ دُونَ الْوَالِدَيْنِ، لِأَنَّ الْوَلَدَ يُعَبِّرُ بِعَدَمِ الْأَبِ الْمَعْرُوفِ وَالْوَالِدَانِ لَا يُعَبِّرَانِ بِعَدَمِ الْوَلَدِ، وَبَيِّنَةُ مَنْ يُثْبِتُ حَقًّا لِنَفْسِهِ أَوْلَى، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ أَضْعَفُ مِنْ الْإِسْلَامِ فِي التَّرْجِيحِ لَا مَحَالَةَ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ تَقَوَّى بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» لِأَنَّهُ أَشْبَهَ الْمُدَّعِينَ لِكَوْنِهِ يَدَّعِي حَقًّا لِنَفْسِهِ. قَالَ (وَإِذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ صَبِيًّا إلَخْ) إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ صَبِيًّا أَنَّهُ ابْنُهَا فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ مُعْتَدَّةً أَوْ لَا مَنْكُوحَةً وَلَا مُعْتَدَّةً، فَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ

بِخِلَافِ الرَّجُلِ لِأَنَّهُ يُحَمِّلُ نَفْسَهُ النَّسَبَ، ثُمَّ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ كَافِيَةٌ فِيهَا لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى تَعْيِينِ الْوَلَدِ. أَمَّا النَّسَبُ فَيَثْبُتُ بِالْفِرَاشِ الْقَائِمِ، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَبِلَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ» (وَلَوْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً فَلَا بُدَّ مِنْ حُجَّةٍ تَامَّةٍ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَدْ مَرَّ فِي الطَّلَاقِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَنْكُوحَةً وَلَا مُعْتَدَّةً قَالُوا: يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهَا بِقَوْلِهَا لِأَنَّ فِيهِ إلْزَامًا عَلَى نَفْسِهَا دُونَ غَيْرِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQزَوْجٍ وَصَدَّقَهَا فِيمَا زَعَمَتْ أَنَّهُ ابْنُهَا مِنْهُ ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُمَا بِالْتِزَامِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى حُجَّةٍ، وَإِنْ كَذَّبَهَا لَمْ تَجُزْ دَعْوَتُهَا حَتَّى تَشْهَدَ بِالْوِلَادَةِ امْرَأَةٌ لِأَنَّهَا تَدَّعِي تَحْمِيلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ فَلَا تُصَدَّقُ إلَّا بِالْحُجَّةِ، وَشَهَادَةُ الْقَابِلَةِ كَافِيَةٌ لِأَنَّ التَّعْيِينَ يَحْصُلُ بِهَا وَهُوَ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ إذْ النَّسَبُ يَثْبُتُ بِالْفِرَاشِ الْقَائِمِ، وَقَدْ صَحَّ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبِلَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً احْتَاجَتْ إلَى حُجَّةٍ كَامِلَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ حَبَلٌ ظَاهِرٌ أَوْ اعْتِرَافٌ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ، وَقَالَا: يَكْفِي فِي الْجَمِيعِ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ مَرَّ فِي الطَّلَاقِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ذَاتَ زَوْجٍ وَلَا مُعْتَدَّةً قَالُوا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهَا بِقَوْلِهَا لِأَنَّ فِيهِ إلْزَامًا عَلَى نَفْسِهَا دُونَ غَيْرِهَا، وَفِي هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا سَوَاءٌ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ لَا. وَالْفَرْقُ هُوَ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَدَّعِي أَمْرًا لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِالْبَيِّنَةِ كَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَهُ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَكُلُّ مَنْ يَدَّعِي أَمْرًا يُمْكِنُهُ إثْبَاتُهُ بِالْبَيِّنَةِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ، وَالْمَرْأَةُ يُمْكِنُهَا إثْبَاتُ النَّسَبِ بِالْبَيِّنَةِ لِأَنَّ انْفِصَالَ الْوَلَدِ مِنْهَا مِمَّا يُشَاهَدُ فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ بَيِّنَةٍ، وَالرَّجُلُ لَا يُمْكِنُهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْإِعْلَاقِ لِخَفَاءٍ فِيهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُخْتَارُ لِعَدَمِ التَّحْمِيلِ عَلَى أَحَدٍ فِيهَا،

(وَإِنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ وَزَعَمَتْ أَنَّهُ ابْنُهُمَا مِنْهُ وَصَدَّقَهَا فَهُوَ ابْنُهُمَا وَإِنْ لَمْ تَشْهَدْ امْرَأَةٌ) لِأَنَّهُ الْتَزَمَ نَسَبَهُ فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ الْحُجَّةِ. (وَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ فِي أَيْدِيهِمَا وَزَعَمَ الزَّوْجُ أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ غَيْرِهَا وَزَعَمَتْ أَنَّهُ ابْنُهَا مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ ابْنُهُمَا) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُمَا لِقِيَامِ أَيْدِيهِمَا أَوْ لِقِيَامِ الْفِرَاشِ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُرِيدُ إبْطَالَ حَقِّ صَاحِبِهِ فَلَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ، وَهُوَ نَظِيرُ ثَوْبٍ فِي يَدِ رَجُلَيْنِ يَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هُوَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ غَيْرِ صَاحِبِهِ يَكُونُ الثَّوْبُ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنَّ هُنَاكَ يَدْخُلُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي نَصِيبِ الْمُقِرِّ لِأَنَّ الْمَحَلَّ يَحْتَمِلُ الشَّرِكَةَ، وَهَاهُنَا لَا يَدْخُلُ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَحْتَمِلُهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ كَانَ الصَّبِيُّ فِي أَيْدِيهِمَا) أَرَادَ صَبِيًّا لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ، فَأَمَّا إذَا عَبَّرَ عَنْ نَفْسِهِ فَالْقَوْلُ لَهُ أَيُّهُمَا صَدَّقَهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ بِتَصْدِيقِهِ

قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَلَدَتْ وَلَدًا عِنْدَهُ فَاسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ غَرِمَ الْأَبُ قِيمَةَ الْوَلَدِ يَوْمَ يُخَاصِمُ) لِأَنَّهُ وَلَدُ الْمَغْرُورِ فَإِنَّ الْمَغْرُورَ مَنْ يَطَأُ امْرَأَةً مُعْتَمِدًا عَلَى مِلْكِ يَمِينٍ أَوْ نِكَاحٍ فَتَلِدُ مِنْهُ ثُمَّ تُسْتَحَقُّ، وَوَلَدُ الْمَغْرُورِ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبَاقِي الْكَلَامِ ظَاهِرٌ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَلَدَتْ وَلَدًا إلَخْ) خَتَمَ بَابَ دَعْوَى النَّسَبِ بِمَسْأَلَةِ وَلَدِ الْمَغْرُورِ، وَالْمَغْرُورُ مَنْ وَطِئَ امْرَأَةً مُعْتَمِدًا عَلَى مِلْكِ يَمِينٍ أَوْ نِكَاحٍ فَوَلَدَتْ مِنْهُ ثُمَّ تُسْتَحَقُّ الْوَالِدَةُ وَوَلَدُ الْمَغْرُورِ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ أَنَّ وَلَدَ الْمَغْرُورِ حُرُّ الْأَصْلِ. وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَى الْأَبِ إلَّا أَنَّ السَّلَفَ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ ضَمَانِهِ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يُفَكُّ الْغُلَامُ بِالْغُلَامِ وَالْجَارِيَةُ بِالْجَارِيَةِ: يَعْنِي إذَا كَانَ الْوَلَدُ غُلَامًا فَعَلَى الْأَبِ غُلَامٌ مِثْلُهُ، وَإِنْ كَانَ جَارِيَةً فَعَلَيْهِ جَارِيَةٌ مِثْلُهَا، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: عَلَيْهِ قِيمَتُهَا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَصْحَابُنَا، فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالنَّصِّ أَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا بِالْمِثْلِ، وَتَأْوِيلُ الْحَدِيثِ: الْغُلَامُ بِقِيمَةِ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةُ بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ، وَلِأَنَّ النَّظَرَ مِنْ

وَلِأَنَّ النَّظَرَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَاجِبٌ فَيُجْعَلُ الْوَلَدُ حُرَّ الْأَصْلِ فِي حَقِّ أَبِيهِ رَقِيقًا فِي حَقِّ مُدَّعِيهِ نَظَرًا لَهُمَا، ثُمَّ الْوَلَدُ حَاصِلٌ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ إلَّا بِالْمَنْعِ كَمَا فِي وَلَدِ الْمَغْصُوبَةِ، فَلِهَذَا تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْوَلَدِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ لِأَنَّهُ يَوْمُ الْمَنْعِ (وَلَوْ مَاتَ الْوَلَدُ لَا شَيْءَ عَلَى الْأَبِ) لِانْعِدَامِ الْمَنْعِ، وَكَذَا لَوْ تَرَكَ مَالًا لِأَنَّ الْإِرْثَ لَيْسَ بِبَدَلٍ عَنْهُ، وَالْمَالُ لِأَبِيهِ لِأَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ فِي حَقِّهِ فَيَرِثُهُ (وَلَوْ قَتَلَهُ الْأَبُ يَغْرَمُ قِيمَتَهُ) لِوُجُودِ الْمَنْعِ وَكَذَا لَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ فَأَخَذَ دِيَتَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجَانِبَيْنِ وَاجِبٌ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمَا فَيُجْعَلُ الْوَلَدُ حُرَّ الْأَصْلِ فِي حَقِّ أَبِيهِ رَقِيقًا فِي حَقِّ مُدَّعِيهِ نَظَرًا لَهُمَا وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمَا (قَوْلُهُ ثُمَّ الْوَلَدُ حَاصِلٌ) بَيَانٌ لِسَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ الْمَنْعُ لِأَنَّهُ حَاصِلٌ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ: يَعْنِي مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُ فَكَانَ كَوَلَدِ الْمَغْصُوبَةِ أَمَانَةً لَا يُضْمَنُ إلَّا بِالْمَنْعِ، وَتَمْهِيدٍ لِاعْتِبَارِ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ لِأَنَّهُ يَوْمُ الْمَنْعِ، وَأَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْوَلَدُ لَا يَضْمَنُ الْأَبُ قِيمَتَهُ لِانْعِدَامِ الْمَنْعِ، وَأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ مَالًا لَا يَضْمَنُ أَيْضًا لِأَنَّ الْمَنْعَ لَمْ يَتَحَقَّقْ لَا عَنْهُ وَلَا عَنْ بَدَلِهِ لِأَنَّ الْإِرْثَ لَيْسَ بِبَدَلٍ عَنْهُ وَالْمَالُ لِأَبِيهِ لِأَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ فِي حَقِّهِ فَيَرِثُهُ. لَا يُقَالُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ فِي حَقِّ أَبِيهِ رَقِيقٌ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ عَلِقَ حُرَّ الْأَصْلِ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي أَيْضًا وَلِهَذَا لَا يَكُونُ الْوَلَاءُ لَهُ، وَإِنَّمَا قَدَّرْنَا الرِّقَّ فِي حَقِّهِ ضَرُورَةَ الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ، وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ لَا يَعْدُو مَوْضِعَهَا، وَأَنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ الْأَبُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِوُجُودِ الْمَنْعِ، وَكَذَا لَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ وَأَخَذَ دِيَتَهُ لِأَنَّ سَلَامَةَ بَدَلِهِ لَهُ كَسَلَامَةِ نَفْسِهِ، وَمَنْعُ بَدَلِهِ كَمَنْعِ نَفْسِهِ فَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ كَمَا لَوْ كَانَ حَيًّا وَيَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى بَائِعَةِ لِأَنَّهُ ضَمِنَ لَهُ

لِأَنَّ سَلَامَةَ بَدَلِهِ لَهُ كَسَلَامَتِهِ، وَمَنْعَ بَدَلِهِ كَمَنْعِهِ فَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ كَمَا إذَا كَانَ حَيًّا (وَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى بَائِعِهِ) لِأَنَّهُ ضَمِنَ لَهُ سَلَامَتَهُ كَمَا يَرْجِعُ بِثَمَنِهِ، بِخِلَافِ الْعُقْرِ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ لِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعِهَا فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQسَلَامَتَهُ لِأَنَّهُ جُزْءُ الْمَبِيعِ وَالْبَائِعُ قَدْ ضَمِنَ لِلْمُشْتَرِي سَلَامَةَ الْمَبِيعِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ كَمَا يَرْجِعُ بِثَمَنِهِ: أَيْ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ وَهُوَ الْأُمُّ لِأَنَّ الْغُرُورَ شَمَلَهَا، بِخِلَافِ الْعُقْرِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ بِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعِهَا وَهِيَ لَيْسَتْ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ فَلَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ ضَامِنًا لِسَلَامَتِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[كتاب الإقرار]

(كِتَابُ الْإِقْرَارِ) : ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْإِقْرَارِ] قَالَ فِي النِّهَايَةِ: ذِكْرُ كِتَابِ الدَّعْوَى مَعَ ذِكْرِ مَا يَقْفُوهُ مِنْ الْكُتُبِ مِنْ الْإِقْرَارِ وَالصُّلْحِ وَالْمُضَارَبَةِ الْوَدِيعَةِ ظَاهِرُ التَّنَاسُبِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ دَعْوَى الْمُدَّعِي إذَا تَوَجَّهَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَمْرُهُ لَا يَخْلُو، إمَّا أَنْ يُقِرَّ أَوْ يُنْكِرَ، وَإِنْكَارُهُ سَبَبٌ لِلْخُصُومَةِ وَالْخُصُومَةُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمُسْتَدْعِيَةٌ لِلصُّلْحِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] وَبَعْدَمَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الْمَالِ إمَّا بِالْإِقْرَارِ أَوْ بِالصُّلْحِ فَأَمْرُ صَاحِبِ الْمَالِ بِمَالِهِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَسْتَرْبِحَ مِنْهُ أَوْ لَا، فَإِنْ اسْتَرْبَحَ مِنْهُ فَلَا يَخْلُوا إمَّا أَنْ يَسْتَرْبِحَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدْ ذَكَرَ اسْتِرْبَاحَهُ بِنَفْسِهِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ لِلْمُنَاسَبَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا هُنَالِكَ بِمَا قَبْلَهُ، وَذَكَرَ هَاهُنَا اسْتِرْبَاحَهُ بِغَيْرِهِ وَهُوَ الْمُضَارَبَةُ،

قَالَ (وَإِذَا أَقَرَّ الْحُرُّ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ بِحَقٍّ لَزِمَهُ إقْرَارُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ لَمْ يَسْتَرْبِحْ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَحْفَظَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ حِفْظَهُ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمٌ فِي الْمُعَامَلَاتِ فَبَقِيَ حِفْظُهُ

مَجْهُولًا كَانَ مَا أَقَرَّ بِهِ أَوْ مَعْلُومًا) اعْلَمْ أَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ، وَأَنَّهُ مُلْزِمٌ لِوُقُوعِهِ دَلَالَةً؛ أَلَا تَرَى كَيْفَ أَلْزَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاعِزًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الرَّجْمَ بِإِقْرَارِهِ وَتِلْكَ الْمَرْأَةَ بِاعْتِرَافِهَا. وَهُوَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ لِقُصُورِ وِلَايَةِ الْمُقِرِّ عَنْ غَيْرِهِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ. وَشَرْطُ الْحُرِّيَّةِ لِيَصِحَّ إقْرَارُهُ مُطْلَقًا، فَإِنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ لَهُ وَإِنْ كَانَ مُلْحَقًا بِالْحُرِّ فِي حَقِّ الْإِقْرَارِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِغَيْرِهِ وَهُوَ الْوَدِيعَةُ. قَالَ (وَإِذَا أَقَرَّ الْحُرُّ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ) الْإِقْرَارُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْقَرَارِ فَكَانَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ إثْبَاتِ مَا كَانَ مُتَزَلْزِلًا. وَفِي الشَّرِيعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِخْبَارِ عَنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ، وَشُرُوطُهُ سَتُذْكَرُ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ مُلْزِمٌ عَلَى الْمُقِرِّ مَا أَقَرَّ بِهِ لِوُقُوعِهِ دَلَالَةً عَلَى الْمُخْبِرِ بِهِ، فَإِنَّ الْمَالَ مَحْبُوبٌ بِالطَّبْعِ فَلَا يُقِرُّ لِغَيْرِهِ كَاذِبًا، وَقَدْ اعْتَضَدَ هَذَا الْمَعْقُولُ بِقَبُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْإِقْرَارَ وَالْإِلْزَامَ بِهِ فِي بَابِ الْحُدُودِ «فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَجَمَ مَاعِزًا بِإِقْرَارِهِ وَالْغَامِدِيَّةَ بِاعْتِرَافِهَا» فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مُلْزِمًا فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ فَلَأَنْ يَكُونَ مُلْزِمًا فِي غَيْرِهِ أَوْلَى، وَهُوَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ، أَمَّا حُجَّتُهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ أَنَّهُ مُلْزِمٌ وَغَيْرُ الْحُجَّةِ غَيْرُ مُلْزِمٍ،

لَكِنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ وَيَصِحُّ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا قُصُورُهُ فَلِعَدَمِ وِلَايَةِ الْمُقِرِّ عَلَى غَيْرِهِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ خَبَرٌ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فَكَانَ مُحْتَمَلًا، وَالْمُحْتَمَلُ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً وَلَكِنْ جُعِلَ حُجَّةً بِتَرْجِيحِ جَانِبِ الصِّدْقِ بِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ فِيمَا يُقِرُّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَالتُّهْمَةُ بَاقِيَةٌ فِي الْإِقْرَارِ عَلَى غَيْرِهِ فَبَقِيَ عَلَى التَّرَدُّدِ النَّافِي لِصَلَاحِيَةِ الْحُجِّيَّةِ وَشَرْطِ الْحُرِّيَّةِ لِيَصِحَّ إقْرَارُهُ مُطْلَقًا، فَإِنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ لَهُ وَإِنْ كَانَ مُلْحَقًا بِالْحُرِّ فِي حَقِّ الْإِقْرَارِ وَلَكِنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ وَيَصِحُّ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، وَكَانَ هَذَا اعْتِذَارٌ عَنْ قَوْلِهِ إذَا أَقَرَّ الْحُرُّ وَلَعَلَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ قَالَ: إذَا أَقَرَّ الْحُرُّ بِحَقٍّ لَزِمَهُ وَهَذَا صَحِيحٌ، وَأَمَّا أَنَّ غَيْرَ الْحُرِّ إذَا أَقَرَّ لَزِمَ أَوْ لَمْ يَلْزَمْ فَسَاكِتٌ عَنْهُ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ بِمَعْذِرَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ لِبَيَانِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْعَبِيدِ فِي صِحَّةِ أَقَارِيرِهِمْ بِالْقِصَاصِ وَالْحُدُودِ وَحَجْرِ الْمَحْجُورِ

لِأَنَّ إقْرَارَهُ عُهِدَ مُوجِبًا لِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ وَهِيَ مَالُ الْمَوْلَى فَلَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ، وَبِخِلَافِ الْحَدِّ وَالدَّمِ لِأَنَّهُ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي ذَلِكَ، حَتَّى لَا يَصِحَّ إقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَى الْعَبْدِ فِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ دُونَ الْمَأْذُونِ لَهُ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ إقْرَارَهُ إلَخْ) دَلِيلُ ذَلِكَ الْمَجْمُوعُ، وَالضَّمِيرُ فِي إقْرَارِهِ لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ: أَيْ إقْرَارُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ عَهْدٌ مُوجِبٌ تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ وَهِيَ مَالُ الْمَوْلَى فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ لِقُصُورِ الْحُجَّةِ، بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ لَهُ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَى الْإِقْرَارِ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى، لِأَنَّ الْإِذْنَ بِالتِّجَارَةِ إذْنٌ بِمَا يَلْزَمُهَا وَهُوَ دَيْنُ التِّجَارَةِ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يُبَايِعُونَهُ إذَا عَلِمُوا أَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَصِحُّ، إذْ قَدْ لَا يَتَهَيَّأُ لَهُمْ الْإِشْهَادُ فِي كُلِّ تِجَارَةٍ يَعْمَلُونَهَا مَعَهُ، وَبِخِلَافِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِيهِمَا مُبْقِي عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ حَتَّى لَا يَصِحَّ إقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ وُجُوبَ الْعُقُوبَةِ بِنَاءٌ عَلَى الْجِنَايَةِ وَالْجِنَايَةُ بِنَاءٌ عَلَى كَوْنِهِ مُكَلَّفًا وَكَوْنُهُ مُكَلَّفًا مِنْ خَوَاصِّ الْآدَمِيَّةِ وَالْآدَمِيَّةُ لَا تُزَالُ بِالرِّقِّ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ لِأَنَّ إقْرَارَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ غَيْرُ لَازِمٍ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ

وَلَا بُدَّ مِنْ الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ لِأَنَّ إقْرَارَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ غَيْرُ لَازِمٍ لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّةِ الِالْتِزَامِ، إلَّا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا لَهُ لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْبَالِغِ بِحُكْمِ الْإِذْنِ، وَجَهَالَةُ الْمُقَرِّ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ يَلْزَمُ مَجْهُولًا بِأَنْ أَتْلَفَ مَالًا لَا يَدْرِي قِيمَتَهُ أَوْ يَجْرَحَ جِرَاحَةً لَا يَعْلَمُ أَرْشَهَا أَوْ تَبْقَى عَلَيْهِ بَاقِيَةُ حِسَابٍ لَا يُحِيطُ بِهِ عِلْمُهُ، وَالْإِقْرَارُ إخْبَارٌ عَنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ فَيَصِحُّ بِهِ، بِخِلَافِ الْجَهَالَةِ فِي الْمُقَرِّ لَهُ لِأَنَّ الْمَجْهُولَ لَا يَصْلُحُ مُسْتَحِقًّا، ـــــــــــــــــــــــــــــQالِالْتِزَامِ إلَّا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا لَهُ، لِأَنَّهُ بِحُكْمِ الْإِذْنِ مُلْحَقٌ بِالْبَالِغِينَ وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُقَرِّ بِهِ مَعْلُومًا فَجَهَالَتُهُ لَا تَمْنَعُ صِحَّتَهُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ لُزُومِ الْحَقِّ وَالْحَقُّ قَدْ يَلْزَمُ مَجْهُولًا بِأَنْ أَتْلَفَ مَالًا لَا يَدْرِي قِيمَتَهُ أَوْ يَجْرَحُ جِرَاحَةً لَا يَعْلَمُ أَرْشَهَا أَوْ تَبْقَى عَلَيْهِ بَقِيَّةُ حِسَابٍ لَا يُحِيطُ بِهِ عِلْمُهُ فَالْإِقْرَارُ قَدْ يَلْزَمُ مَجْهُولًا. وَعُورِضَ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ إخْبَارٌ عَنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ لِلْمُدَّعِي، وَالْحَقُّ قَدْ يَلْزَمُ لَهُ مَجْهُولًا فَالشَّهَادَةُ قَدْ تَلْزَمُ مَجْهُولَةً وَلَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْمَشْهُودِ بِهِ شَرْطٌ بِالنَّصِّ وَانْتِفَاؤُهُ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ

(وَيُقَالُ لَهُ: بَيِّنْ الْمَجْهُولَ) لِأَنَّ التَّجْهِيلَ مِنْ جِهَتِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ (فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ أَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَى الْبَيَانِ) لِأَنَّهُ لَزِمَهُ الْخُرُوجُ عَمَّا لَزِمَهُ بِصَحِيحِ إقْرَارِهِ وَذَلِكَ بِالْبَيَانِ. (فَإِنْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ شَيْءٌ لَزِمَهُ أَنْ يُبَيِّنَ مَا لَهُ قِيمَةٌ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ الْوُجُوبِ فِي ذِمَّتِهِ، وَمَا لَا قِيمَةَ لَهُ لَا يَجِبُ فِيهَا) ، فَإِذَا بَيَّنَ غَيْرَ ذَلِكَ يَكُونُ رُجُوعًا. قَالَ (وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ إنْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَشْرُوطِ، بِخِلَافِ جَهَالَةِ الْمُقَرِّ لَهُ فَإِنَّهَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ لِأَنَّ الْمَجْهُولَ لَا يَصْلُحُ مُسْتَحَقًّا، وَكَذَلِكَ جَهَالَةُ الْمُقِرِّ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَك عَلَى وَاحِدٍ مِنَّا أَلْفٌ، وَإِذَا أَقَرَّ بِالْمَجْهُولِ يُقَالُ لَهُ بَيِّنْ الْمَجْهُولَ لِأَنَّهُ الْمُجْمِلُ فَإِلَيْهِ الْبَيَانُ، كَمَا إذَا أَعْتَقَ عَبْدَيْهِ فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى الْبَيَانِ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ الْخُرُوجُ عَمَّا لَزِمَهُ بِصَحِيحِ إقْرَارِهِ بِالْبَاءِ الْجَارَّةِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: تَصْرِيحُ إقْرَارِهِ، وَذَلِكَ أَيْ الْخُرُوجُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْبَيَانِ، فَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ لَزِمَهُ أَنْ يُبَيِّنَ مَا لَهُ قِيمَةٌ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ الْوُجُوبِ فِي ذِمَّتِهِ وَمَا لَا قِيمَةَ لَهُ لَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ فَيَكُونُ رُجُوعًا عَنْ الْإِقْرَارِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ، فَإِذَا بَيَّنَ مَا لَهُ قِيمَةٌ مِمَّا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ مَكِيلًا كَانَ أَوْ مَوْزُونًا أَوْ عَدَدِيًّا نَحْوُ كُرٍّ حِنْطَةً أَوْ فَلْسٍ أَوْ جَوَّزَهُ، فَإِمَّا أَنْ يُسَاعِدَهُ الْمُقَرُّ لَهُ أَوْ لَا. فَإِنْ سَاعَدَهُ أَخَذُوهُ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ مَعَ يَمِينِهِ، لِأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ يَدَّعِي الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُنْكِرٌ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ حَقٌّ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ الْوُجُوبِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ غَصَبْت مِنْهُ شَيْئًا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ

لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْكِرُ فِيهِ (وَكَذَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ حَقٌّ) لِمَا بَيَّنَّا، وَكَذَا لَوْ قَالَ: غَصَبْت مِنْهُ شَيْئًا وَيَجِبُ أَنْ يُبَيِّنَ مَا هُوَ مَالٌ يَجْرِي فِيهِ التَّمَانُعُ تَعْوِيلًا عَلَى الْعَادَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا هُوَ مَالٌ، حَتَّى لَوْ بَيَّنَ أَنَّ الْمَغْصُوبَ زَوْجَتُهُ أَوْ وَلَدُهُ لَا يَصِحُّ، وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَقِيلَ يَصِحُّ وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ الْغَصْبَ أَخْذُ مَالٍ فَحُكْمُهُ لَا يَجْرِي فِيمَا لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ مَا يَجْرِي فِيهِ التَّمَانُعُ حَتَّى لَوْ بَيَّنَ فِي حَبَّةِ حِنْطَةٍ أَوْ فِي قَطْرَةِ مَاءٍ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِغَصْبِ ذَلِكَ فَكَانَتْ مُكَذِّبَةً لَهُ فِي بَيَانِهِ، وَلَوْ بَيَّنَ فِي الْعَقَارِ أَوْ خَمْرِ الْمُسْلِمِ صَحَّ لِأَنَّهُ مَالٌ يَجْرِي فِيهِ التَّمَانُعُ. فَإِنْ قِيلَ: الْغَصْبُ أَخْذُ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ مُحْتَرَمٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ عَلَى وَجْهٍ يُزِيلُ يَدَهُ وَهُوَ لَا يَصْدُقُ عَلَى الْعَقَارِ وَخَمْرِ الْمُسْلِمِ فَلَزِمَ نَقْضُ التَّعْرِيفِ أَوْ عَدَمُ قَبُولِ الْبَيَانِ فِيهِمَا. فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ حَقِيقَةٌ، وَقَدْ تُتْرَكُ الْحَقِيقَةُ بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (تَعْوِيلًا عَلَى الْعَادَةِ)

(وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ مَالٌ فَالْمَرْجِعُ إلَيْهِ فِي بَيَانِهِ لِأَنَّهُ الْمُجْمِلُ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ) لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَالٌ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِمَا يُتَمَوَّلُ بِهِ (إلَّا أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مَالٌ إلَخْ) إذَا قَالَ فِي إقْرَارِهِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مَالٌ فَرَجَعَ الْبَيَانُ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ الْمُجْمِلَ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا بَيَّنَ إلَّا فِيمَا دُونَ الدِّرْهَمِ، وَالْقِيَاسُ قَبُولُهُ لِأَنَّهُ مَالٌ. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ تَرْكُ الْحَقِيقَةِ بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ. وَلَوْ قَالَ مَالٌ عَظِيمٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ مِثْلُ الْأَوَّلِ، وَقُلْنَا فِيهِ إلْغَاءٌ لِوَصْفِ الْعِظَمِ فَلَا يَجُوزُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ بِمَا يُعَدُّ عَظِيمًا عِنْدَ النَّاسِ وَالْغَنِيُّ عَظِيمٌ عِنْدَ النَّاسِ، وَالْغِنَى

لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مَالًا عُرْفًا (وَلَوْ قَالَ: مَالٌ عَظِيمٌ لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ) لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَالٍ مَوْصُوفٍ فَلَا يَجُوزُ إلْغَاءُ الْوَصْفِ وَالنِّصَابُ عَظِيمٌ حَتَّى اُعْتُبِرَ صَاحِبُهُ غَنِيًّا بِهِ، وَالْغَنِيُّ عَظِيمٌ عِنْدَ النَّاسِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَهِيَ نِصَابُ السَّرِقَةِ لِأَنَّهُ عَظِيمٌ حَيْثُ تُقْطَعُ بِهِ الْيَدُ الْمُحْتَرَمَةُ، وَعَنْهُ مِثْلُ جَوَابِ الْكِتَابِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالنِّصَابِ لِأَنَّ صَاحِبَهُ يُعَدُّ غَنِيًّا فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ بِهِ فَإِنْ بَيَّنَ بِالْمَالِ الزَّكَوِيِّ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ أَقَلِّ مَا يَكُونُ نِصَابًا، فَفِي الْإِبِلِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ لِأَنَّهُ أَقَلُّ نِصَابٍ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ جِنْسِهِ، وَفِي الدِّينَارِ بِعِشْرِينَ مِثْقَالًا، وَفِي الدَّرَاهِمِ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ. وَإِنْ بَيَّنَ بِغَيْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ قِيمَةِ النِّصَابِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْأَصْلِ فِي هَذَا الْفَصْلِ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ نِصَابِ السَّرِقَةِ لِأَنَّهُ عَظِيمٌ تُقْطَعُ بِهِ الْيَدُ الْمُحْتَرَمَةُ، وَرُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِهِمَا. قِيلَ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ عَدَدًا يَجِبُ مُرَاعَاةُ اللَّفْظِ فِيهِ فَأَوْجَبْنَا الْعَظِيمَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَهُوَ الْمَالُ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَالْأَصَحُّ عَلَى قَوْلِهِ أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى حَالِ

وَهَذَا إذَا قَالَ مِنْ الدَّرَاهِمِ، أَمَّا إذَا قَالَ مِنْ الدَّنَانِيرِ فَالتَّقْدِيرُ فِيهَا بِالْعِشْرِينِ، وَفِي الْإِبِلِ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ لِأَنَّهُ أَدْنَى نِصَابٍ يَجِبُ فِيهِ مِنْ جِنْسِهِ وَفِي غَيْرِ مَالِ الزَّكَاةِ بِقِيمَةِ النِّصَابِ (وَلَوْ قَالَ: أَمْوَالٌ عِظَامٌ فَالتَّقْدِيرُ بِثَلَاثَةِ نُصُبٍ مِنْ أَيِّ فَنٍّ سَمَّاهُ) اعْتِبَارًا لِأَدْنَى الْجَمْعِ (وَلَوْ قَالَ: دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَعِنْدَهُمَا لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْنِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُقِرِّ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، فَإِنَّ الْقَلِيلَ عِنْدَ الْفَقِيرِ عَظِيمٌ وَأَضْعَافُ ذَلِكَ عِنْدَ الْغَنِيِّ لَيْسَتْ بِعَظِيمَةٍ (وَلَوْ قَالَ أَمْوَالٌ عِظَامٌ فَالتَّقْدِيرُ فِي ثَلَاثَةِ نُصُبٍ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ سَمَّاهُ اعْتِبَارًا لِأَدْنَى الْجَمْعِ، وَإِذَا قَالَ دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ عِنْدَهُمَا) وَفِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ أَمْرٌ إضَافِيٌّ يَصْدُقُ بَعْدَ الْوَاحِدِ عَلَى كُلِّ عَدَدٍ وَالْعُرْفُ فِيهَا مُخْتَلِفٌ، فَكَمْ مِنْ

لِأَنَّ صَاحِبَ النِّصَابِ مُكْثِرٌ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ مُوَاسَاةُ غَيْرِهِ، بِخِلَافِ مَا دُونَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمُسْتَكْثَرٍ عِنْدَ قَوْمٍ قَلِيلٌ عِنْدَ آخَرِينَ، وَحُكْمُ الشَّرْعِ كَذَلِكَ تَارَةً يَتَعَلَّقُ بِالْعَشَرَةِ وَبِأَقَلَّ مِنْهُ كَمَا فِي السَّرِقَةِ وَالْمَهْرِ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَبِالْمِائَتَيْنِ أُخْرَى كَالزَّكَاةِ وُجُوبًا وَحِرْمَانًا مِنْ أَخْذِهَا، وَبِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَالِاسْتِطَاعَةِ فِي الْحَجِّ فِي الْأَمَاكِنِ الْبَعِيدَةِ فَلَمْ يُمْكِنْ الْعَمَلُ بِهَا أَصْلًا فَيُعْمَلُ بِقَوْلِهِ دَرَاهِمُ وَيَنْصَرِفُ إلَى ثَلَاثَةٍ، وَقَالَا: أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهَا حُكْمًا لِأَنَّ فِي النِّصَابِ كَثْرَةً حُكْمِيَّةً فَالْعَمَلُ بِهَا أَوْلَى

وَلَهُ أَنَّ الْعَشَرَةَ أَقْصَى مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ، يُقَالُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ ثُمَّ يُقَالُ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا فَيَكُونُ هُوَ الْأَكْثَرُ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ (وَلَوْ قَالَ دَرَاهِمُ فَهِيَ ثَلَاثَةٌ) لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ الصَّحِيحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْإِلْغَاءِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الدَّرَاهِمُ مُمَيَّزٌ يَقَعُ بِهِ تَمْيِيزُ الْعَدَدِ، وَأَقْصَى مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ تَمْيِيزًا هُوَ الْعَشَرَةُ، لِأَنَّ مَا بَعْدَهُ يُمَيَّزُ بِالْمُفْرَدِ. يُقَالُ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَمِائَةٌ وَأَلْفُ دِرْهَمٍ فَتَكُونُ الْعَشَرَةُ هُوَ الْأَكْثَرُ مِنْ حَيْثُ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَيْهِ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ، لِأَنَّ الْعَمَلَ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ إذَا كَانَ مُمْكِنًا وَلَا مَانِعَ مِنْ الصَّرْفِ إلَيْهِ لَا يُعْدَلُ إلَى غَيْرِهِ (وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فَهِيَ ثَلَاثَةٌ) بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ الصَّحِيحِ الَّذِي لَا خِلَافَ فِيهِ، بِخِلَافِ الْمُثَنَّى، إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ أَكْثَرَ مِنْهَا لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ، وَكَوْنُهُ عَلَيْهِ فَلَا تُهْمَةَ،

(إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ أَكْثَرَ مِنْهَا) لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ وَيَنْصَرِفُ إلَى الْوَزْنِ الْمُعْتَادِ (وَلَوْ قَالَ: كَذَا كَذَا دِرْهَمًا لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا) لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ وَأَقَلُّ ذَلِكَ مِنْ الْمُفَسَّرِ أَحَدَ عَشَرَ (وَلَوْ قَالَ: كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ) لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ، وَأَقَلُّ ذَلِكَ مِنْ الْمُفَسَّرِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ فَيُحْمَلُ كُلُّ وَجْهٍ عَلَى نَظِيرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَنْصَرِفُ إلَى الْوَزْنِ الْمُعْتَادِ وَهُوَ غَالِبُ نَقْدِ الْبَلَدِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَقْدٌ مُتَعَارَفٌ حُمِلَ عَلَى وَزْنِ سَبْعَةٍ لِكَوْنِهِ مُعْتَبَرًا فِي الشَّرْعِ. قَالَ (وَلَوْ قَالَ كَذَا كَذَا دِرْهَمًا) كَذَا كِنَايَةٌ عَنْ الْعَدَدِ وَالْأَصْلُ فِي اسْتِعْمَالِهِ اعْتِبَارُهُ بِالْمُفَسَّرِ، فَمَا لَهُ نَظِيرٌ فِي الْأَعْدَادِ الْمُفَسَّرَةِ حُمِلَ عَلَى

(وَلَوْ قَالَ كَذَا دِرْهَمًا فَهُوَ دِرْهَمٌ) لِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْمُبْهَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقَلِّ مَا يَكُونُ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ، وَمَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَطَلَ، فَإِذَا قَالَ كَذَا دِرْهَمًا كَانَ كَمَا إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ، وَإِذَا قَالَ كَذَا كَذَا

(وَلَوْ ثَلَّثَ كَذَا بِغَيْرِ وَاوٍ فَأَحَدَ عَشَرَ) لِأَنَّهُ لَا نَظِيرَ لَهُ سِوَاهُ (وَإِنْ ثَلَّثَ بِالْوَاوِ فَمِائَةٌ وَأَحَدٌ وَعِشْرُونَ، وَإِنْ رَبَّعَ يُزَادُ عَلَيْهَا أَلْفٌ) لِأَنَّ ذَلِكَ نَظِيرُهُ. قَالَ: (وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَوْ قِبَلِي فَقَدْ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ) لِأَنَّ " عَلَيَّ " صِيغَةُ إيجَابٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQدِرْهَمًا كَانَ أَحَدَ عَشَرَ، وَإِنْ ثَلَّثَ بِغَيْرِ وَاوٍ لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ لِعَدَمِ النَّظِيرِ، وَإِذَا قَالَ كَذَا وَكَذَا كَانَ أَحَدًا وَعِشْرِينَ، وَإِنْ ثَلَّثَ بِالْوَاوِ كَانَ مِائَةً وَأَحَدًا وَعِشْرِينَ، وَإِنْ رَبَّعَ يُزَادُ أَلْفٌ، وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَوْ قِبَلِي فَهُوَ إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ لِأَنَّ عَلَيَّ لِلْإِيجَابِ، وَقِبَلِي

وَقِبَلِي يُنْبِئُ عَنْ الضَّمَانِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْكَفَالَةِ. (وَلَوْ قَالَ الْمُقِرُّ هُوَ وَدِيعَةٌ وَوَصَلَ صُدِّقَ) لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ مَجَازًا حَيْثُ يَكُونُ الْمَضْمُونُ عَلَيْهِ حِفْظَهُ وَالْمَالُ مَحَلَّهُ فَيُصَدَّقُ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَفِي نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ فِي قَوْلِهِ قِبَلِي إنَّهُ إقْرَارٌ بِالْأَمَانَةِ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَنْتَظِمُهُمَا حَتَّى صَارَ قَوْلُهُ: لَا حَقَّ لِي قِبَلَ فُلَانٍ إبْرَاءٌ عَنْ الدَّيْنِ وَالْأَمَانَةِ جَمِيعًا، وَالْأَمَانَةُ أَقَلُّهُمَا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيُنْبِئُ عَنْ الضَّمَانِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْكِفَايَةِ، وَلَوْ وَصَلَ الْمُقِرُّ فِيهِمَا بِقَوْلِهِ وَدِيعَةً صُدِّقَ وَيَكُونُ مَجَازًا لِإِيجَابِ حِفْظِ الْمَضْمُونِ وَالْمَالُ مَحَلُّهُ لَكِنَّهُ تَغْيِيرٌ عَنْ وَضْعِهِ فَيُصَدَّقُ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا (قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَفِي نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ) يَعْنِي مُخْتَصَرَ الْقُدُورِيِّ فِي قَوْلِهِ قِبَلِي (إنَّهُ إقْرَارٌ بِأَمَانَةٍ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَنْتَظِمُهُمَا) حَتَّى صَارَ قَوْلُهُ لَا حَقَّ لِي قِبَلَ فُلَانٍ إبْرَاءً عَنْ الدَّيْنِ وَالْأَمَانَةِ جَمِيعًا. وَالْأَمَانَةُ أَقَلُّهُمَا فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا، وَكَانَ قِيَاسُ تَرْتِيبِ وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَذْكُرَ مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ ثُمَّ يَذْكُرَ مَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ لِأَنَّ الْهِدَايَةِ تَشْرَحُ مَسَائِلَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْقُدُورِيِّ، إلَّا أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْأَصْلِ هُوَ الْأَصَحُّ فَقَدَّمَهُ فِي الذِّكْرِ، وَلَوْ قَالَ عِنْدِي أَوْ مَعِي أَوْ فِي يَدِي

(وَلَوْ قَالَ عِنْدِي أَوْ مَعِي أَوْ فِي بَيْتِي أَوْ فِي كِيسِي أَوْ فِي صُنْدُوقِي فَهُوَ إقْرَارٌ بِأَمَانَةٍ فِي يَدِهِ) لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ إقْرَارٌ بِكَوْنِ الشَّيْءِ فِي يَدِهِ وَذَلِكَ يَتَنَوَّعُ إلَى مَضْمُونٍ وَأَمَانَةٍ فَيَثْبُتُ وَأَقَلُّهَا وَهُوَ الْأَمَانَةُ. (وَلَوْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ اتَّزِنْهَا أَوْ انْتَقِدْهَا أَوْ أَجِّلْنِي بِهَا أَوْ قَدْ قَضَيْتُكَهَا فَهُوَ إقْرَارٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ فِي بَيْتِي أَوْ فِي كِيسِي أَوْ صُنْدُوقِي فَهُوَ إقْرَارٌ بِأَمَانَةٍ فِي يَدِهِ، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ إقْرَارٌ بِكَوْنِ الشَّيْءِ فِي يَدِهِ وَالْيَدُ تَتَنَوَّعُ إلَى أَمَانَةٍ وَضَمَانٍ فَيَثْبُتُ أَقَلُّهُمَا وَهُوَ الْأَمَانَةُ. وَنُوقِضَ بِمَا إذَا قَالَ لَهُ قِبَلِي مِائَةُ دِرْهَمٍ دَيْنُ وَدِيعَةٍ أَوْ وَدِيعَةُ دَيْنٍ فَإِنَّهُ دَيْنٌ وَلَمْ يَثْبُتْ أَقَلُّهُمَا وَهُوَ الْأَمَانَةُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ ذَكَرَ لَفْظَيْنِ أَحَدُهُمَا يُوجِبُ الدَّيْنَ وَالْآخَرُ يُوجِبُ الْوَدِيعَةَ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا غَيْرُ مُمْكِنٍ وَإِهْمَالُهُمَا لَا يَجُوزُ، وَحَمْلُ الدَّيْنِ عَلَى الْوَدِيعَةِ حَمْلٌ لِلْأَعْلَى عَلَى الْأَدْنَى وَهُوَ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَكُونُ تَابِعًا لِمَا دُونَهُ فَتَعَيَّنَ الْعَكْسُ، وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ لِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ اتَّزِنْهَا أَوْ انْتَقِدْهَا أَوْ أَجِّلْنِي بِهَا أَوْ قَدْ قَضَيْتُكَهَا كَانَ إقْرَارًا بِالْمُدَّعَى، لِأَنَّ مَا خَرَجَ جَوَابًا إذَا

لِأَنَّ الْهَاءَ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي كِنَايَةٌ عَنْ الْمَذْكُورِ فِي الدَّعْوَى، فَكَأَنَّهُ قَالَ: اتَّزِنْ الْأَلْفَ الَّتِي لَك عَلَيَّ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَذْكُرْ حَرْفَ الْكِنَايَةِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا لِعَدَمِ انْصِرَافِهِ إلَى الْمَذْكُورِ، وَالتَّأْجِيلُ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَقٍّ وَاجِبٍ، وَالْقَضَاءُ يَتْلُو الْوُجُوبَ وَدَعْوَى الْإِبْرَاءِ كَالْقَضَاءِ لِمَا بَيَّنَّا، وَكَذَا دَعْوَى الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ يَقْتَضِي سَابِقَةَ الْوُجُوبِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَحَلْتُك بِهَا عَلَى فُلَانٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَكُنْ كَلَامًا مُسْتَقِلًّا كَانَ رَاجِعًا إلَى الْمَذْكُورِ أَوَّلًا، فَكَأَنَّهُ أَعَادَهُ بِصَرِيحِ لَفْظِهِ، فَلَمَّا قَرَنَ كَلَامَهُ فِي الْأَوَّلَيْنِ بِالْكِتَابَةِ رَجَعَ إلَى الْمَذْكُورِ فِي الدَّعْوَى، وَكَأَنَّهُ قَالَ: اتَّزِنْ الْأَلْفَ الَّتِي لَك عَلَيَّ كَمَا لَوْ أَجَابَ بِنَعَمْ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَذْكُرْ حَرْفَ الْكِنَايَةِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا لِعَدَمِ انْصِرَافِهِ إلَى الْمَذْكُورِ لِكَوْنِهِ مُسْتَقِلًّا، فَكَأَنَّهُ قَالَ: اُقْعُدْ وَزَّانًا لِلنَّاسِ وَاكْتُبْ الْمَالَ وَاتْرُكْ الدَّعْوَى الْبَاطِلَةَ، أَوْ نَقَّادًا وَانْقُدْ لِلنَّاسِ دَرَاهِمَهُمْ. وَأَمَّا فِي قَوْلِهِ أَجِّلْنِي فَلِأَنَّ التَّأْجِيلَ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَقٍّ وَاجِبٍ وَأَمَّا فِي قَضَيْتُكَهَا فَإِنَّ الْقَضَاءَ يَتْلُو الْوُجُوبَ، وَدَعْوَى الْإِبْرَاءِ كَدَعْوَى الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ يَتْلُو الْوُجُوبَ، وَكَذَلِكَ دَعْوَى الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ: يَعْنِي لَوْ قَالَ تَصَدَّقْت بِهَا عَلَيَّ أَوْ وَهَبْتهَا لِي كَانَ إقْرَارًا لِأَنَّهُ دَعْوَى التَّمْلِيكِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي سَابِقَةَ الْوُجُوبِ، وَإِذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَى سَنَةٍ وَقَالَ

لِأَنَّهُ تَحْوِيلُ الدَّيْنِ. قَالَ (وَمَنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الدَّيْنِ وَكَذَّبَهُ فِي التَّأْجِيلِ لَزِمَهُ الدَّيْنُ حَالًا) لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِمَالٍ وَادَّعَى حَقًّا لِنَفْسِهِ فِيهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِعَبْدٍ فِي يَدِهِ وَادَّعَى الْإِجَارَةَ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالدَّرَاهِمِ السُّودِ لِأَنَّهُ صِفَةٌ فِيهِ وَقَدْ مَرَّتْ الْمَسْأَلَةُ فِي الْكَفَالَةِ. قَالَ (وَيَسْتَحْلِفُ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى الْأَجَلِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ حَقًّا عَلَيْهِ وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُنْكِرِ. (وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَدِرْهَمٌ لَزِمَهُ كُلُّهَا دَرَاهِمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُقِرُّ بَلْ هِيَ حَالَّةٌ فَالْقَوْلُ لِلْمُقَرِّ لَهُ لِأَنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ مَالًا وَادَّعَى حَقًّا لِنَفْسِهِ فِيهِ فَلَا يُصَدَّقُ، كَمَا إذَا أَقَرَّ بِعَبْدٍ فِي يَدِهِ لِغَيْرِهِ وَادَّعَى لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الْإِجَارَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِدَرَاهِمَ سُودٍ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ لِأَنَّ السَّوَادَ صِفَةٌ فِي الدَّرَاهِمِ فَيَلْزَمُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا وَقَدْ مَرَّتْ الْمَسْأَلَةُ فِي الْكَفَالَةِ وَيُسْتَحْلَفُ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى إنْكَارِ الْأَجَلِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ، وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ لَزِمَهُ كُلُّهَا دَرَاهِمُ، وَلَوْ قَالَ مِائَةٌ وَثَوْبٌ أَوْ مِائَةٌ وَشَاةٌ لَزِمَهُ ثَوْبٌ وَاحِدٌ وَشَاةٌ وَاحِدَةٌ، وَالْمَرْجِعُ فِي تَفْسِيرِ الْمِائَةِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُجْمَلُ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الدَّرَاهِمِ أَيْضًا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، لِأَنَّ الْمِائَةَ مُبْهَمَةٌ وَالْمُبْهَمُ يَحْتَاجُ إلَى التَّفْسِيرِ، وَلَا تَفْسِيرَ لَهُ هَاهُنَا

وَلَوْ قَالَ: مِائَةٌ وَثَوْبٌ لَزِمَهُ ثَوْبٌ وَاحِدٌ، وَالْمَرْجِعُ فِي تَفْسِيرِ الْمِائَةِ إلَيْهِ) وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْأَوَّلِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّ الْمِائَةَ مُبْهَمَةٌ وَالدِّرْهَمَ مَعْطُوفٌ عَلَيْهَا بِالْوَاوِ الْعَاطِفَةِ لَا تَفْسِيرًا لَهَا فَبَقِيَتْ الْمِائَةُ عَلَى إبْهَامِهَا كَمَا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ الْفَرْقُ أَنَّهُمْ اسْتَثْقَلُوا تَكْرَارَ الدِّرْهَمِ فِي كُلِّ عَدَدٍ وَاكْتَفَوْا بِذِكْرِهِ عَقِيبَ الْعَدَدَيْنِ. وَهَذَا فِيمَا يَكْثُرُ اسْتِعْمَالُهُ وَذَلِكَ عِنْدَ كَثْرَةِ الْوُجُوبِ بِكَثْرَةِ أَسْبَابِهِ وَذَلِكَ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، أَمَّا الثِّيَابُ وَمَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ فَلَا يَكْثُرُ وُجُوبُهَا فَبَقِيَ عَلَى الْحَقِيقَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الدِّرْهَمَ مَعْطُوفٌ عَلَيْهَا بِالْوَاوِ الْعَاطِفَةِ، وَذَلِكَ لَيْسَ بِتَفْسِيرٍ لِاقْتِضَائِهِ الْمُغَايَرَةَ فَبَقِيَتْ الْمِائَةُ عَلَى إبْهَامِهَا كَمَا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ أَنَّهُمْ اسْتَثْقَلُوا تَكْرَارَ الدِّرْهَمِ وَاكْتَفَوْا بِذِكْرِهِ عَقِيبَ الْعَدَدَيْنِ، وَالِاسْتِثْقَالُ فِيمَا يَكْثُرُ اسْتِعْمَالُهُ وَكَثْرَةُ الِاسْتِعْمَالِ عِنْدَ كَثْرَةِ الْوُجُوبِ بِكَثْرَةِ أَسْبَابِهِ، وَذَلِكَ فِيمَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لِثُبُوتِهَا فِي الذِّمَّةِ فِي جَمِيعِ الْمُعَامَلَاتِ حَالَّةً وَمُؤَجَّلَةً، وَيَجُوزُ الِاسْتِقْرَاضُ بِهَا بِخِلَافِ غَيْرِهَا، فَإِنَّ الثَّوْبَ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ دَيْنًا إلَّا سَلَمًا، وَالشَّاةُ لَا تَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ أَصْلًا فَلَمْ يَكْثُرْ بِكَثْرَتِهَا فَبَقِيَ عَلَى الْحَقِيقَةِ: أَيْ عَلَى الْأَصْلِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَيَانُ الْمُجْمَلِ إلَى الْمُجْمَلِ لِعَدَمِ صَلَاحِيَةِ الْعَطْفِ لِلتَّفْسِيرِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَقَدْ انْعَدَمَتْ، وَكَذَا إذَا قَالَ مِائَةٌ وَثَوْبَانِ يُرْجَعُ فِي بَيَانِ الْمِائَةِ إلَى الْمُقِرِّ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الثِّيَابَ وَمَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ لَا يَكْثُرُ وُجُوبُهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مِائَةٌ وَثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ حَيْثُ يَكُونُ الْكُلُّ ثِيَابًا

(وَكَذَا إذَا قَالَ: مِائَةٌ وَثَوْبَانِ) لِمَا بَيَّنَّا (بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: مِائَةٌ وَثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ) لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ وَأَعْقَبَهَا تَفْسِيرًا إذْ الْأَثْوَابُ لَمْ تُذْكَرُ بِحَرْفِ الْعَطْفِ فَانْصَرَفَ إلَيْهِمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحَاجَةِ إلَى التَّفْسِيرِ فَكَانَتْ كُلُّهَا ثِيَابًا. قَالَ (وَمَنْ أَقَرَّ بِتَمْرٍ فِي قَوْصَرَّةٍ لَزِمَهُ التَّمْرُ وَالْقَوْصَرَّةُ) وَفَسَّرَهُ فِي الْأَصْلِ بِقَوْلِهِ: غَصَبْت تَمْرًا فِي قَوْصَرَّةٍ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقَوْصَرَّةَ وِعَاءٌ لَهُ وَظَرْفٌ لَهُ، وَغَصْبُ الشَّيْءِ وَهُوَ مَظْرُوفٌ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الظَّرْفِ فَيَلْزَمَانِهِ وَكَذَا الطَّعَامُ فِي السَّفِينَةِ وَالْحِنْطَةُ فِي الْجَوَالِقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ وَأَعْقَبَهُمَا تَفْسِيرًا، إذْ الْأَثْوَابُ لَمْ تُذْكَرْ بِحَرْفِ الْعَطْفِ حَتَّى يَدُلَّ عَلَى الْمُغَايَرَةِ فَانْصَرَفَ إلَيْهِمَا جَمِيعًا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحَاجَةِ إلَى التَّفْسِيرِ. لَا يُقَالُ: الْأَثْوَابُ جَمْعٌ لَا يَصْلُحُ تَمْيِيزًا لِلْمِائَةِ لِأَنَّهَا لَمَّا اقْتَرَنَتْ بِالثَّلَاثَةِ صَارَ الْعَدَدُ وَاحِدًا. قَالَ (وَمَنْ أَقَرَّ بِتَمْرٍ فِي قَوْصَرَةٍ إلَخْ) الْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِشَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا ظَرْفٌ لِلْآخَرِ فَإِمَّا أَنْ يَذْكُرَهُمَا

بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: غَصَبْت تَمْرًا مِنْ قَوْصَرَّةٍ لِأَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلِانْتِزَاعِ فَيَكُونُ الْإِقْرَارُ بِغَصْبِ الْمَنْزُوعِ. قَالَ: (وَمَنْ أَقَرَّ بِدَابَّةٍ فِي إصْطَبْلٍ لَزِمَهُ الدَّابَّةُ خَاصَّةً) لِأَنَّ الْإِصْطَبْلَ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْغَصْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَضْمَنُهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQبِكَلِمَةِ " فِي " أَوْ بِكَلِمَةِ " مِنْ " فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ كَقَوْلِهِ غَصَبْت مِنْ فُلَانٍ تَمْرًا فِي قَوْصَرَةٍ: وَهِيَ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ وِعَاءُ التَّمْرِ أَوْ ثَوْبًا فِي مِنْدِيلٍ أَوْ طَعَامًا فِي سَفِينَةٍ أَوْ حِنْطَةً فِي جُوَالِقَ لَزِمَاهُ، لِأَنَّ غَصْبَ الشَّيْءِ وَهُوَ مَظْرُوفٌ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الظَّرْفِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي كَقَوْلِهِ تَمْرًا مِنْ قَوْصَرَةٍ وَثَوْبًا مِنْ مِنْدِيلٍ وَطَعَامًا مِنْ سَفِينَةٍ لَمْ يَلْزَمْ إلَّا الْمَظْرُوفُ، لِأَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلِانْتِزَاعِ فَيَكُونُ إقْرَارًا بِغَصْبِ الْمَنْزُوعِ وَمَنْ أَقَرَّ بِشَيْئَيْنِ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَقَوْلِهِ غَصَبْت دِرْهَمًا فِي دِرْهَمٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الثَّانِي، لِأَنَّ الثَّانِيَ لَمَّا لَمْ يَصْلُحْ ظَرْفًا

وَمِثْلُهُ الطَّعَامُ فِي الْبَيْتِ. قَالَ: (وَمَنْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِخَاتَمٍ لَزِمَهُ الْحَلَقَةُ وَالْفَصُّ) لِأَنَّ اسْمَ الْخَاتَمِ يَشْمَلُ الْكُلَّ. (وَمَنْ أَقَرَّ لَهُ بِسَيْفٍ فَلَهُ النَّصْلُ وَالْجَفْنُ وَالْحَمَائِلُ) لِأَنَّ الِاسْمَ يَنْطَوِي عَلَى الْكُلِّ. (وَمَنْ أَقَرَّ بِحَجَلَةٍ فَلَهُ الْعِيدَانُ وَالْكِسْوَةُ) لِانْطِلَاقِ الِاسْمِ عَلَى الْكُلِّ عُرْفًا. (وَإِنْ قَالَ غَصَبْتُ ثَوْبًا فِي مِنْدِيلٍ لَزِمَاهُ جَمِيعًا) لِأَنَّهُ ظَرْفٌ لِأَنَّ الثَّوْبَ يُلَفُّ فِيهِ. (وَكَذَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ ثَوْبٌ فِي ثَوْبٍ) لِأَنَّهُ ظَرْفٌ. بِخِلَافِ قَوْلِهِ: دِرْهَمٌ فِي دِرْهَمٍ حَيْثُ يَلْزَمُهُ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ ضَرْبٌ لَا ظَرْفٌ (وَإِنْ قَالَ: ثَوْبٌ فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَزِمَهُ أَحَدَ عَشَرَ ثَوْبًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْأَوَّلِ لَغَا آخِرُ كَلَامِهِ. وَمَنْ أَقَرَّ بِغَصْبِ دَابَّةٍ فِي إصْطَبْلٍ لَزِمَهُ الدَّابَّةُ خَاصَّةً: يَعْنِي أَنَّ الْإِقْرَارَ إقْرَارٌ بِهِمَا جَمِيعًا، لَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا ضَمَانُ الدَّابَّةِ خَاصَّةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَكَذَا إذَا قَالَ غَصَبْت مِنْهُ طَعَامًا فِي بَيْتِ لِأَنَّ الدَّابَّةَ وَالطَّعَامَ يَدْخُلَانِ فِي ضَمَانِهِ بِالْغَصْبِ، وَالْإِصْطَبْلُ وَالْبَيْتُ لَا يَدْخُلَانِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مَنْقُولَيْنِ، وَالْغَصْبُ الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَدْخُلَانِ فِي ضَمَانِهِ دُخُولَهُمَا فِي الْإِقْرَارِ لِأَنَّهُ يَرَى بِغَصْبِ الْعَقَارِ. وَالنَّصْلُ حَدِيدَةُ السَّيْفِ، وَالْجَفْنُ وَالْغِمْدُ،

لِأَنَّ النَّفِيسَ مِنْ الثِّيَابِ قَدْ يُلَفُّ فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ فَأَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى الظَّرْفِ. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ حَرْفَ " فِي " يُسْتَعْمَلُ فِي الْبَيْنِ وَالْوَسَطِ أَيْضًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] أَيْ بَيْنَ عِبَادِي، فَوَقَعَ الشَّكُّ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَمِ، عَلَى أَنَّ كُلَّ ثَوْبٍ مُوعًى وَلَيْسَ بِوِعَاءٍ فَتَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى الظَّرْفِ فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ مَحْمَلًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْحَمَائِلُ جَمْعُ حِمَالَةٍ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَهِيَ عَلَاقَةُ السَّيْفِ، وَالْحَجْلَةُ بَيْتٌ يُزَيَّنُ بِالثِّيَابِ وَالْأَسِرَّةِ، وَالْعِيدَانُ بِرَفْعِ النُّونِ جَمْعُ عُودٍ وَهُوَ الْخَشَبُ، وَبَقِيَّةُ كَلَامِهِ يُعْلَمُ مِنْ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ (قَوْله لِأَنَّ النَّفِيسَ مِنْ الثِّيَابِ قَدْ يُلَفُّ فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ) قِيلَ هُوَ مَنْقُوضٌ عَلَى أَصْلِهِ بِأَنْ قَالَ غَصَبْت كِرْبَاسًا فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ حَرِيرٍ لَزِمَهُ الْكُلُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَنَّ عَشَرَةَ أَثْوَابٍ حَرِيرٍ لَا يُجْعَلُ وِعَاءً لِلْكِرْبَاسِ عَادَةً (قَوْلُهُ عَلَى أَنَّ كُلَّ ثَوْبٍ مُوعًى وَلَيْسَ بِوِعَاءٍ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْجَمِيعَ لَيْسَ بِوِعَاءٍ لِلْوَاحِدِ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا مُوعًى بِمَا حَوَاهُ، وَالْوِعَاءُ الَّذِي هُوَ لَيْسَ بِمُوعًى هُوَ مَا كَانَ ظَاهِرًا، فَإِذَا تَحَقَّقَ عَدَمُ كَوْنِ الْعَشَرَةِ وِعَاءً لِلثَّوْبِ الْوَاحِدِ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَغْوًا وَتَعَيَّنَ

(وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ خَمْسَةٌ فِي خَمْسَةٍ يُرِيدُ الضَّرْبَ وَالْحِسَابَ لَزِمَهُ خَمْسَةٌ) لِأَنَّ الضَّرْبَ لَا يُكْثِرُ الْمَالَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: يَلْزَمُهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الطَّلَاقِ (وَلَوْ قَالَ أَرَدْت خَمْسَةً مَعَ خَمْسَةٍ لَزِمَهُ عَشَرَةٌ) لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ. (وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ أَوْ قَالَ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ لَزِمَهُ تِسْعَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَلْزَمُهُ الِابْتِدَاءُ وَمَا بَعْدَهُ وَتَسْقُطُ الْغَايَةُ، وَقَالَا: يَلْزَمُهُ الْعَشَرَةُ كُلُّهَا) فَتَدْخُلُ الْغَايَتَانِ. وَقَالَ زُفَرٌ: يَلْزَمُهُ ثَمَانِيَةٌ وَلَا تَدْخُلُ الْغَايَتَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوَّلُ كَلَامِهِ مَحْمَلًا: يَعْنِي أَنْ يَكُونَ " فِي " بِمَعْنَى الْبَيْنِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الضَّرْبَ لَا يُكْثِرُ الْمَالَ) مَعْنَاهُ أَنَّ أَثَرَ الضَّرْبِ فِي تَكْثِيرِ الْأَجْزَاءِ لِإِزَالَةِ الْكَسْرِ لَا فِي زِيَادَةِ الْمَالِ، وَخَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَزْنًا وَإِنْ جَعَلْته أَلْفَ جُزْءٍ لَمْ يَزِدْ فِيهِ وَزْنُ قِيرَاطٍ، وَبَاقِي كَلَامِهِ ظَاهِرٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ

[فصل ومن قال لحمل فلانة علي ألف درهم]

(وَلَوْ قَالَ لَهُ مِنْ دَارِي مَا بَيْنَ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ فَلَهُ مَا بَيْنَهُمَا وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الْحَائِطَيْنِ شَيْءٌ) وَقَدْ مَرَّتْ الدَّلَائِلُ فِي الطَّلَاقِ. [فَصْلٌ وَمَنْ قَالَ لِحَمْلِ فُلَانَةَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ] (فَصْلٌ) (وَمَنْ قَالَ: لِحَمْلِ فُلَانَةَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَإِنْ قَالَ أَوْصَى لَهُ فُلَانٌ أَوْ مَاتَ أَبُوهُ فَوَرِثَهُ فَالْإِقْرَارُ صَحِيحٌ) لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبٍ صَالِحٍ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ (ثُمَّ إذَا جَاءَتْ بِهِ فِي مُدَّةٍ يُعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ قَائِمًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ لَزِمَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ) لَمَّا كَانَتْ مَسَائِلُ الْحَمْلِ مُغَايِرَةً لِغَيْرِهَا ذَكَرهَا فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ وَأَلْحَقَ بِهَا مَسْأَلَةَ الْخِيَارِ اتِّبَاعًا لِلْمَبْسُوطِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (وَمَنْ قَالَ لِحَمْلِ فُلَانَةَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَخْ) وَمَنْ أَقَرَّ لِحَمْلٍ، فَإِمَّا أَنْ يُبَيِّنَ سَبَبًا أَوْ لَا، فَإِنْ بَيَّنَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ سَبَبًا صَالِحًا أَوْ لَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ كَانَ صَالِحًا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَوْصَى لَهُ فُلَانٌ أَوْ مَاتَ أَبُوهُ فَوَرِثَهُ فَالْإِقْرَارُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ بَيَّنَ سَبَبًا لَوْ عَايَنَّاهُ حَكَمْنَا بِهِ فَكَذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ. ثُمَّ إذَا وُجِدَ السَّبَبُ الصَّالِحُ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْمُقَرِّ لَهُ عِنْدَ الْإِقْرَارِ، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِمُدَّةٍ يُعْلَمُ فِيهَا أَنَّهُ كَانَ قَائِمًا: أَيْ مَوْجُودًا وَقْتَ الْقَرَارِ بِأَنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لَزِمَهُ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ إلَى سَنَتَيْنِ وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ فَكَذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَدَّةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَكَذَا إنْ جَاءَتْ بِهِ مَيِّتًا فَالْمَالُ لِلْمُوصِي وَالْمُوَرِّثِ يُقْسَمُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ، لِأَنَّ هَذَا الْإِقْرَارَ فِي الْحَقِيقَةِ لَهُمَا، وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْجَنِينِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَلَمْ يَنْتَقِلْ، وَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدَيْنِ حَيَّيْنِ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ إنْ كَانَا ذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذَكَرًا وَالْآخَرُ أُنْثَى فَفِي الْوَصِيَّةِ كَذَلِكَ، وَفِي الْمِيرَاثِ لِلذَّكَرِ

فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ مَيِّتًا فَالْمَالُ لِلْمُوصِي وَالْمُوَرِّثِ حَتَّى يُقْسَمُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ) لِأَنَّهُ إقْرَارٌ فِي الْحَقِيقَةِ لَهُمَا، وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْجَنِينِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَلَمْ يَنْتَقِلْ (وَلَوْ جَاءَتْ بِوَلَدَيْنِ حَيَّيْنِ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ قَالَ الْمُقِرُّ بَاعَنِي أَوْ أَقْرَضَنِي لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) لِأَنَّهُ بَيَّنَ مُسْتَحِيلًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ غَيْرَ صَالِحٍ مِثْلُ أَنْ قَالَ بَاعَنِي أَوْ أَقْرَضَنِي لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ بَيَّنَ مُسْتَحِيلًا لِعَدَمِ تَصَوُّرِهِمَا مِنْ الْجَنِينِ لَا حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا حُكْمًا لِأَنَّهُ لَا يُوَلَّى عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: كَانَ ذَلِكَ رُجُوعًا وَهُوَ فِي الْإِقْرَارِ لَا يَصِحُّ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ بَلْ ظُهُورِ كَذِبِهِ بِيَقِينٍ كَمَا لَوْ قَالَ قَطَعْت يَدَ فُلَانٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَيَدُ فُلَانٍ صَحِيحَةٌ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ لِلرَّضِيعِ وَبَيَّنَ السَّبَبَ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُتَصَوَّرْ ذَلِكَ مِنْهُ حَقِيقَةً فَقَدْ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ حُكْمًا بِنَائِبِهِ وَهُوَ الْقَاضِي أَوْ مَنْ يَأْذَنُ لَهُ الْقَاضِي، وَإِذَا تُصُوِّرَ بِالنَّائِبِ جَازَ لِلْمُقِرِّ إضَافَةُ الْإِقْرَارِ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ سَبَبًا، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ أَبْهَمَ الْإِقْرَارَ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَصَحَّحَهُ مُحَمَّدٌ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إذَا صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ كَانَ حُجَّةً يَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا، وَلَا نِزَاعَ فِي صُدُورِهِ عَنْ أَهْلِهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَفْرُوضُ وَأَمْكَنَ إضَافَتُهُ إلَى الْمَحَلِّ بِحَمْلِهِ عَلَى السَّبَبِ الصَّالِحِ حَمْلًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ عَلَى الصِّحَّةِ، كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ إذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ فَإِنَّ إقْرَارَهُ وَإِنْ احْتَمَلَ الْفَسَادَ بِكَوْنِهِ صَدَاقًا أَوْ دَيْنَ كَفَالَةٍ وَالصِّحَّةُ بِكَوْنِهِ مِنْ التِّجَارَةِ كَانَ صَحِيحًا تَصْحِيحًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ مُطْلَقَ الْإِقْرَارِ يَنْصَرِفُ إلَى الْإِقْرَارِ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ وَلِهَذَا حُمِلَ إقْرَارُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ وَأَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ عَلَيْهِ

قَالَ (وَإِنْ أُبْهِمَ الْإِقْرَارُ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَصِحُّ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مِنْ الْحُجَجِ فَيَجِبُ إعْمَالُهُ وَقَدْ أَمْكَنَ بِالْحَمْلِ عَلَى السَّبَبِ الصَّالِحِ. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْإِقْرَارَ مُطْلَقَهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْإِقْرَارِ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ، وَلِهَذَا حُمِلَ إقْرَارُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ وَأَحَدِ الْمُتَفَاوِضِينَ عَلَيْهِ فَيَصِيرُ كَمَا إذَا صَرَّحَ بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَأَخَذَ بِهِ الشَّرِيكُ الْآخَرُ وَالْعَبْدُ فِي حَالِ رِقِّهِ فَيَصِيرُ بِدَلَالَةِ الْعُرْفِ كَالتَّصْرِيحِ بِهِ وَمَنْ أَقَرَّ بِحَمْلِ جَارِيَةٍ أَوْ حَمْلِ شَاةٍ لِرَجُلٍ صَحَّ

قَالَ (وَمَنْ أَقَرَّ بِحَمْلِ جَارِيَةٍ أَوْ حَمْلِ شَاةٍ لِرَجُلٍ صَحَّ إقْرَارُهُ وَلَزِمَهُ) لِأَنَّ لَهُ وَجْهًا صَحِيحًا وَهُوَ الْوَصِيَّةُ بِهِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِقْرَارُ وَلَزِمَهُ، لِأَنَّ لَهُ وَجْهًا صَحِيحًا لِأَنَّ الْجَارِيَةَ كَانَتْ لِوَاحِدٍ أَوْصَى بِحَمْلِهَا لِرَجُلٍ وَمَاتَ وَالْمُقِرُّ وَارِثُهُ وَرِثَ الْجَارِيَةَ عَالِمًا بِوَصِيَّةِ مُوَرِّثِهِ، وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ وَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ، وَلَا وَجْهَ لِلْمِيرَاثِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّ مَنْ لَهُ مِيرَاثٌ فِي الْحَمْلِ لَهُ مِيرَاثٌ فِي الْحَامِلِ أَيْضًا. وَمَنْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِشَيْءٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي إقْرَارِهِ لِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَالْإِقْرَارُ صَحِيحٌ يَلْزَمُ بِهِ مَا أَقَرَّ بِهِ لِوُجُودِ الصِّيغَةِ الْمُلْزِمَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ عَلَيَّ وَنَحْوُهُ، وَالْخِيَارُ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْخِيَارَ لِلْفَسْخِ وَالْإِخْبَارُ لَا يَحْتَمِلُهُ، لِأَنَّ الْخَبَرَ إنْ كَانَ صَادِقًا بِمُطَابَقَتِهِ لِلْوَاقِعِ

قَالَ (وَمَنْ أَقَرَّ بِشَرْطِ الْخِيَارِ بَطَلَ الشَّرْطُ) لِأَنَّ الْخِيَارَ لِلْفَسْخِ وَالْإِخْبَارُ لَا يَحْتَمِلُهُ (وَلَزِمَهُ الْمَالُ) لِوُجُودِ الصِّيغَةِ الْمُلْزِمَةِ وَلَمْ تَنْعَدِمْ بِهَذَا الشَّرْطِ الْبَاطِلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا مُعْتَبَرَ بِاخْتِيَارِهِ وَعَدَمِ اخْتِيَارِهِ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا لَمْ يَتَغَيَّرْ بِاخْتِيَارِهِ وَعَدَمِ اخْتِيَارِهِ، وَإِنَّمَا تَأْثِيرُهُ فِي الْعُقُودِ لِتَتَغَيَّرَ بِهِ صِفَةُ الْعَقْدِ وَيَتَخَيَّرُ بِهِ بَيْنَ فَسْخِهِ وَإِمْضَائِهِ.

[باب الاستثناء وما في معناه]

قَالَ (وَمَنْ اسْتَثْنَى مُتَّصِلًا بِإِقْرَارِهِ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَزِمَهُ الْبَاقِي) لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مَعَ الْجُمْلَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْبَاقِي وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ الِاتِّصَالِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ] لَمَّا ذَكَرَ مُوجِبَ الْإِقْرَارِ بِلَا مُغَيِّرٍ شَرَعَ فِي بَيَانِ مُوجِبِهِ مَعَ الْمُغَيِّرِ وَهُوَ الِاسْتِثْنَاءُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ فِي كَوْنِهِ مُغَيِّرًا وَهُوَ الشَّرْطُ. وَالِاسْتِثْنَاءُ اسْتِفْعَالٌ مِنْ الثَّنْيِ وَهُوَ الصَّرْفُ وَهُوَ مُتَّصِلٌ، وَهُوَ الْإِخْرَاجُ وَالتَّكَلُّمُ بِالْبَاقِي، وَمُنْفَصِلٌ وَهُوَ مَا لَا يَصِحُّ إخْرَاجُهُ (قَالَ: وَمَنْ اسْتَثْنَى مُتَّصِلًا بِإِقْرَارِهِ صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ وَلَزِمَهُ الْبَاقِي) أَمَّا لُزُومُ الْبَاقِي فَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مَعَ الْجُمْلَةِ: أَيْ الصَّدْرُ عِبَارَةٌ عَنْ الْبَاقِي. لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا دِرْهَمًا مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيَّ تِسْعَةٌ لِمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ. وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الِاتِّصَالِ فَإِنَّهُ قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - جَوَازُ التَّأْخِيرِ وَقَدْ عُرِفَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْأُصُولِ، وَلَا فَصْلَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُسْتَثْنَى أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ الْأَكْثَرِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَتَكَلَّمْ بِذَلِكَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِهِ

(وَسَوَاءٌ اسْتَثْنَى الْأَقَلَّ أَوْ الْأَكْثَرَ، فَإِنْ اسْتَثْنَى الْجَمِيعَ لَزِمَهُ الْإِقْرَارُ وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ) لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْحَاصِلِ بَعْدَ الثَّنِيَّا وَلَا حَاصِلَ بَعْدَهُ فَيَكُونُ رُجُوعًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْله تَعَالَى {قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا} [المزمل: 2] {نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا} [المزمل: 3] {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} [المزمل: 4] وَاسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ بَاطِلٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْحَاصِلِ بَعْدَ الثُّنْيَا وَلَا حَاصِلَ بَعْدَ الْكُلِّ فَيَكُونُ رُجُوعًا، وَالرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ بَاطِلٌ مَوْصُولًا كَانَ أَوْ مَفْصُولًا، فَإِنْ اسْتَثْنَى الْجَمِيعَ لَزِمَهُ الْإِقْرَارُ وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ، وَهَذَا إذَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بِعَيْنِ ذَلِكَ اللَّفْظِ، أَمَّا إذَا كَانَ بِغَيْرِ ذَلِكَ اللَّفْظِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ

وَقَدْ مَرَّ الْوَجْهُ فِي الطَّلَاقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ أَيْمَانِ الزِّيَادَاتِ: اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ إنَّمَا لَا يَصِحُّ إذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى بِعَيْنِ ذَلِكَ اللَّفْظِ، أَمَّا إذَا كَانَ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَيَصِحُّ كَمَا إذَا قَالَ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا نِسَائِي لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَلَوْ قَالَ إلَّا عَمْرَةَ وَزَيْنَبَ وَسُعَادَ حَتَّى أَتَى عَلَى الْكُلِّ صَحَّ. قِيلَ: وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إذَا وَقَعَ بِغَيْرِ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ أَمْكَنَ جَعْلُهُ تَكَلُّمًا بِالْحَاصِلِ بَعْدَ الثُّنْيَا، لِأَنَّهُ إنَّمَا صَارَ كُلًّا ضَرُورَةَ عَدَمِ مِلْكِهِ فِيمَا سِوَاهُ لَا لِأَمْرٍ يَرْجِعُ إلَى اللَّفْظِ، فَبِالنَّظَرِ إلَى ذَاتِ اللَّفْظِ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ الْمُسْتَثْنَى بَعْضُ مَا يَتَنَاوَلُهُ الصَّدْرُ وَالِامْتِنَاعُ مِنْ خَارِجٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِعَيْنِ ذَلِكَ اللَّفْظِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ تَكَلُّمًا بِالْحَاصِلِ بَعْدَ الثُّنْيَا، فَإِنْ قِيلَ: هَذَا تَرْجِيحُ جَانِبِ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى وَإِهْمَالُ الْمَعْنَى رَأْسًا فَمَا وَجْهُ ذَلِكَ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَصَرُّفٌ لَفْظِيٌّ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ سِتَّ تَطْلِيقَاتٍ إلَّا أَرْبَعًا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَوَقَعَ طَلْقَتَانِ، وَإِنْ كَانَ السِّتَّ لَا صِحَّةَ لَهَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَزِيدُ عَلَى الثَّلَاثِ، وَمَعَ هَذَا لَا يُجْعَلُ

(وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا دِينَارًا أَوْ إلَّا قَفِيزَ حِنْطَةٍ لَزِمَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا قِيمَةَ الدِّينَارِ أَوْ الْقَفِيزِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا ثَوْبًا لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَصِحُّ فِيهِمَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَصِحُّ فِيهِمَا. وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مَا لَوْلَاهُ لَدَخَلَ تَحْتَ اللَّفْظِ، وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِي خِلَافِ الْجِنْسِ. وَلِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُمَا اتَّحَدَا جِنْسًا مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا أَرْبَعًا فَكَانَ اعْتِبَارُهُ أَوْلَى. وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا دِينَارًا أَوْ إلَّا قَفِيزَ حِنْطَةٍ صَحَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَلَزِمَهُ مِائَةٌ إلَّا قِيمَةَ الدِّينَارِ أَوْ الْقَفِيزِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ إلَّا ثَوْبًا لَمْ يَصِحَّ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. وَقَوْلُهُ (فِيهِمَا) أَيْ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ يَعُودُ إلَى الْمُقَدَّرِ وَغَيْرِهِ، لِأَنَّ الْكَلَامَ السَّابِقَ يَشْتَمِلُ عَلَى الدِّينَارِ وَالْقَفِيزِ وَذَلِكَ مُقَدَّرٌ وَعَلَى الثَّوْبِ وَهُوَ غَيْرُ مُقَدَّرٍ. لِمُحَمَّدٍ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إخْرَاجُ مَا لَوْلَاهُ لَدَخَلَ تَحْتَ اللَّفْظِ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي خِلَافِ الْجِنْسِ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ، وَلِلشَّافِعِيِّ أَنَّ الشَّرْطَ اتِّحَادُ الْجِنْسِ وَهُوَ مَوْجُودٌ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ فَانْتَقَى الْمَانِعُ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْمُقْتَضِي وَهُوَ

وَلَهُمَا أَنَّ الْمُجَانَسَةَ فِي الْأَوَّلِ ثَابِتَةٌ مِنْ حَيْثُ الثَّمَنِيَّةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّصَرُّفُ اللَّفْظِيُّ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَمَا تَرَى يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْمُجَانَسَةَ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ شَرْطٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا وَهُوَ الْحَقُّ، وَقَرَّرَ الشَّارِحُونَ كَلَامَهُ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ عِنْدَهُ يُعَارِضُ الصَّدْرَ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ الْمُجَانَسَةُ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ يَقُولُ بِالْإِخْرَاجِ بَعْدَ الدُّخُولِ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لِبَيَانِ أَنَّ الصَّدْرَ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْمُسْتَثْنَى فَهُوَ أَحْوَجُ إلَى إثْبَاتِ الْمُجَانَسَةِ لِأَجْلِ الدُّخُولِ مِنَّا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ شَرْطَ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ الْمُجَانَسَةِ وَهِيَ فِي الْمُقَدَّرَاتِ ثَابِتَةٌ. وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ عَدَمَ تَنَاوُلِ الدَّرَاهِمِ غَيْرَهَا لَفْظًا لَا يَرْتَابُ فِيهِ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي تَنَاوُلِهَا إيَّاهُ حُكْمًا، فَقُلْنَا بِتَنَاوُلِ مَا كَانَ عَلَى أَخَصِّ أَوْصَافِهَا الَّذِي هُوَ الثَّمَنِيَّةُ وَهُوَ الدَّنَانِيرُ وَالْمُقَدَّرَاتُ وَالْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ. أَمَّا الدَّنَانِيرُ فَظَاهِرَةٌ، وَأَمَّا الْمُقَدَّرَاتُ فَلِأَنَّهَا أَثْمَانٌ بِأَوْصَافِهَا، فَإِنَّهَا إذَا وُصِفَتْ تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا وَجَازَ الِاسْتِقْرَاضُ بِهَا، وَأَمَّا الْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ فَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ

وَهَذَا فِي الدِّينَارِ ظَاهِرٌ. وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ أَوْصَافُهَا أَثْمَانٌ؛ أَمَّا الثَّوْبُ فَلَيْسَ بِثَمَنٍ أَصْلًا وَلِهَذَا لَا يَجِبُ بِمُطْلَقِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ وَمَا يَكُونُ ثَمَنًا صَلَحَ مُقَدِّرًا بِالدَّرَاهِمِ فَصَارَ مُسْتَثْنًى مِنْ الدَّرَاهِمِ، وَمَا لَا يَكُونُ ثَمَنًا لَا يَصْلُحُ مُقَدِّرًا فَبَقِيَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ الدَّرَاهِمِ مَجْهُولًا فَلَا يَصِحُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمِثْلِيِّ فِي قِلَّةِ التَّفَاوُتِ، وَمَا كَانَ ثَمَنًا صَلَحَ مُقَدَّرًا لِمَا دَخَلَ تَحْتَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ الدَّرَاهِمِ لِحُصُولِ الْمُجَانَسَةِ بَيْنَهُمَا بِاشْتِرَاكِهِمَا فِي أَخَصِّ الْأَوْصَافِ فَصَارَ بِقَدْرِهِ مُسْتَثْنًى مِنْ الدَّرَاهِمِ بِقِيمَتِهِ، وَأَمَّا الثَّوْبُ فَلَيْسَ بِثَمَنٍ أَصْلًا وَلِهَذَا لَا يَجِبُ بِمُطْلَقِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ بَلْ يَثْبُتُ سَلَمًا أَوْ مَا هُوَ بِمَعْنَى السَّلَمِ كَالْبَيْعِ بِثِيَابٍ مَوْصُوفَةٍ، وَمَا لَيْسَ بِثَمَنٍ لَا يَصْلُحُ مُقَدِّرًا لِلدَّرَاهِمِ لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ فَبَقِيَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الدَّرَاهِمِ مَجْهُولًا، وَجَهَالَةُ الْمُسْتَثْنَى تُوجِبُ جَهَالَةَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مَا لَيْسَ بِثَمَنٍ لَا يَصْلُحُ مُقَدِّرًا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ أَوْ الْقِيمَةُ وَالْأَوَّلُ مُسَلَّمٌ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ، وَالثَّانِي مَمْنُوعٌ فَإِنَّ الْمُقَدَّرَاتِ تُقَدِّرُ الدَّرَاهِمَ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّقْدِيرَ الِاسْتِثْنَائِيَّ يَقْتَضِي حَقِيقَةَ التَّجَانُسِ أَوْ مَعْنَاهُ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ حَيْثُ أَخَصُّ الْأَوْصَافِ اسْتِحْسَانًا فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ التَّجَانُسِ ثُمَّ الْمَصِيرِ إلَى الْقِيمَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمُقَدَّرَاتِ. قَالَ (وَمَنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ وَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ إلَخْ) وَمَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِقْرَارُ، لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ إمَّا إبْطَالٌ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ أَوْ هُوَ تَعْلِيقٌ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ،

قَالَ (وَمَنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ وَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا) بِإِقْرَارِهِ (لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِقْرَارُ) لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ إمَّا إبْطَالٌ أَوْ تَعْلِيقٌ؛ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَقَدْ بَطَلَ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَكَذَلِكَ، إمَّا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ، أَوْ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الطَّلَاقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ. عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ إبْطَالٌ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَقَعُ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ، فَإِذَا قَدَّمَ الشَّرْطَ وَلَمْ يَذْكُرْ حَرْفَ الْجَزَاءِ لَمْ يَتَعَلَّقْ وَبَقِيَ الطَّلَاقُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَوَقَعَ، وَكَيْفَمَا كَانَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِقْرَارُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَقَدْ بَطَلَ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَكَذَلِكَ، إمَّا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَمَّا

بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إذَا مِتُّ أَوْ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ أَوْ إذَا أَفْطَرَ النَّاسُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى بَيَانِ الْمُدَّةِ فَيَكُونُ تَأْجِيلًا لَا تَعْلِيقًا، حَتَّى لَوْ كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْأَجْلِ يَكُونُ الْمَالُ حَالًّا. قَالَ (وَمَنْ أَقَرَّ بِدَارٍ وَاسْتَثْنَى بِنَاءَهَا لِنَفْسِهِ فَلِلْمُقَرِّ لَهُ الدَّارُ وَالْبِنَاءُ) لِأَنَّ الْبِنَاءَ دَاخِلٌ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ مَعْنًى لَا لَفْظًا، وَالِاسْتِثْنَاءُ تَصَرُّفٌ فِي الْمَلْفُوظِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQسَبَقَ وَالتَّعْلِيقُ إنَّمَا يَكُونُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ وَبَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ، وَإِمَّا لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ وَالتَّعْلِيقُ بِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إذَا مِتُّ أَوْ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ أَوْ إذَا أَفْطَرَ النَّاسُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَعَلُّقٍ بَلْ هُوَ بَيَانُ الْمُدَّةِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ دَعْوَى الْأَجَلِ إلَى الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ، حَتَّى لَوْ كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْأَجَلِ كَانَ الْمَالُ حَالًّا عِنْدَنَا كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ (وَمَنْ أَقَرَّ بِدَارٍ وَاسْتَثْنَى بِنَاءَهَا لِنَفْسِهِ إلَخْ) وَمَنْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ إلَّا بِنَاءَهَا فَإِنَّهُ لِي فَلِلْمُقَرِّ لَهُ الدَّارُ وَالْبِنَاءُ لِأَنَّ الْبِنَاءَ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ لَفْظُ الدَّارِ مَقْصُودًا، وَالِاسْتِثْنَاءُ لِبَيَانِ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْ مُتَنَاوَلِ لَفْظِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَقْصُودًا وَلَمْ يَدْخُلْ تَحْتَهُ، فَالْبِنَاءُ لَا يَكُونُ مُسْتَثْنًى، أَمَّا أَنَّ لَفْظَ الدَّارِ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْبِنَاءَ مَقْصُودًا فَلِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ تَبَعًا، وَلِهَذَا لَوْ اُسْتُحِقَّ الْبِنَاءُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِمُقَابَلَتِهِ بَلْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي. وَأَمَّا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لِبَيَانِ ذَلِكَ فَلِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ لَفْظِيٌّ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ، وَالْفَصُّ فِي الْخَاتَمِ وَالنَّخْلَةُ فِي الْبُسْتَانِ نَظِيرُ الْبِنَاءِ فِي الدَّارِ لِأَنَّهَا تَدْخُلُ فِيهِ تَبَعًا لَا لَفْظًا. وَلَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ إلَّا ثُلُثَهَا أَوْ إلَّا بَيْتًا مِنْهَا فَهُوَ كَمَا قَالَ، لِأَنَّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِيهِ لَفْظًا وَمَقْصُودًا، حَتَّى لَوْ اسْتَحَقَّ الْبَيْتَ فِي بَيْعِ الدَّارِ سَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ. وَلَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ وَهَذَا الْبَيْتُ لِي كَانَ الْكُلُّ لِلْمُقَرِّ لَهُ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِكُلِّهَا ثُمَّ ادَّعَى شَيْئًا مِنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَلَوْ قَالَ بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِي وَالْعَرْصَةُ لِفُلَانٍ فَهُوَ كَمَا قَالَ، لِأَنَّ الْعَرْصَةَ عِبَارَةٌ عَنْ بُقْعَةٍ لَا بِنَاءَ فِيهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ: بَيَاضُ هَذِهِ الْأَرْضِ دُونَ الْبِنَاءِ

وَالْفَصُّ فِي الْخَاتَمِ وَالنَّخْلَةُ فِي الْبُسْتَانِ نَظِيرُ الْبِنَاءِ فِي الدَّارِ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ تَبَعًا لَا لَفْظًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِفُلَانٍ فَالْبِنَاءُ لَا يَتْبَعُهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِي وَالْأَرْضُ لِفُلَانٍ حَيْثُ كَانَا لِلْمُقَرِّ لَهُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْأَرْضِ لِأَصَالَتِهَا إقْرَارٌ بِالْبِنَاءِ كَالْإِقْرَارِ بِالدَّارِ، وَجِنْسُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ يَخْرُجُ عَلَى أَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْإِقْرَارَ بَعْدَ الدَّعْوَى صَحِيحٌ دُونَ الْعَكْسِ،

بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إلَّا ثُلُثَهَا أَوْ إلَّا بَيْتًا مِنْهَا لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِيهِ لَفْظًا (وَلَوْ قَالَ بِنَاءُ هَذَا الدَّارِ لِي وَالْعَرْصَةُ لِفُلَانٍ فَهُوَ كَمَا قَالَ) لِأَنَّ الْعَرْصَةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْبُقْعَةِ دُونَ الْبِنَاءِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ بَيَاضُ هَذِهِ الْأَرْضِ دُونَ الْبِنَاءِ لِفُلَانٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مَكَانُ الْعَرْصَةِ أَرْضًا حَيْثُ يَكُونُ الْبِنَاءُ لِلْمُقَرِّ لَهُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْأَرْضِ إقْرَارٌ بِالْبِنَاءِ كَالْإِقْرَارِ بِالدَّارِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالثَّانِي أَنَّ إقْرَارَ الْإِنْسَانِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى غَيْرِهِ، فَإِذَا أَقَرَّ بِشَيْئَيْنِ يَتَّبِعُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ كَالْأَرْضِ وَالْبِنَاءِ، فَإِنْ كَانَ لِشَخْصٍ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ لِشَخْصَيْنِ، فَإِنْ قَدَّمَ التَّابِعَ فَقَالَ بِنَاءُ هَذِهِ الْأَرْضِ لِفُلَانٍ وَالْأَرْضُ لِفُلَانٍ فَكَمَا قَالَ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ الْأَوَّلَ لَمَّا صَحَّ لَمْ يَصْلُحْ جَعْلُ الْبِنَاءِ تَابِعًا ثَانِيًا لِئَلَّا يَلْزَمَ الْإِقْرَارُ عَلَى الْغَيْرِ، وَإِنْ قَدَّمَ الْمَتْبُوعَ فَكِلَاهُمَا لِلْمُقَرِّ لَهُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِهِ يَسْتَتْبِعُ التَّابِعَ، فَالْإِقْرَارُ بِالتَّابِعِ بَعْدَ ذَلِكَ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ فَلَا يَصِحُّ. وَإِذَا أَقَرَّ بِأَحَدِهِمَا، فَإِنْ كَانَ الْمَتْبُوعُ كَقَوْلِهِ الْأَرْضُ لِفُلَانٍ وَالْبِنَاءُ لِي كَانَا لِلْمُقَرِّ لَهُ بِالِاسْتِتْبَاعِ، وَإِنْ كَانَ التَّابِعُ كَقَوْلِهِ الْأَرْضُ لِي وَالْبِنَاءُ لِفُلَانٍ كَانَ كَمَا قَالَ، لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ دَعْوَى بَعْدَ الْإِقْرَارِ فَلَا يَصِحُّ

(وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ اشْتَرَيْته مِنْهُ وَلَمْ أَقْبِضْهُ، فَإِنْ ذَكَرَ عَبْدًا بِعَيْنِهِ قِيلَ لِلْمُقَرِّ لَهُ إنْ شِئْت فَسَلِّمْ الْعَبْدَ وَخُذْ الْأَلْفَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَك) قَالَ: وَهَذَا عَلَى وُجُوهٍ: أَحَدُهَا هَذَا وَهُوَ أَنْ يُصَدِّقَهُ وَيُسَلِّمَ الْعَبْدَ، وَجَوَابُهُ مَا ذُكِرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي الثَّانِي عَكْسُهُ فَصَحَّ. قَالَ (وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ إلَخْ) وَمَنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ اشْتَرَيْته وَلَمْ أَقْبِضْهُ فَإِمَّا أَنْ يَذْكُرَ عَبْدًا بِعَيْنِهِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَهُوَ عَلَى وُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنْ يُصَدِّقَهُ فَيُقَالُ لَهُ إنْ شِئْت فَسَلِّمْ الْعَبْدَ وَخُذْ

لِأَنَّ الثَّابِتَ بِتَصَادُقِهِمَا كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً. وَالثَّانِي أَنْ يَقُولَ الْمُقَرُّ لَهُ: الْعَبْدُ عَبْدُك مَا بِعْتُكَهُ وَإِنَّمَا بِعْتُك عَبْدًا غَيْرَ هَذَا وَفِيهِ الْمَالُ لَازِمٌ عَلَى الْمُقِرِّ لِإِقْرَارِهِ بِهِ عِنْدَ سَلَامَةِ الْعَبْدِ لَهُ وَقَدْ سَلَّمَ فَلَا يُبَالَى بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ بَعْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ. وَالثَّالِثُ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ عَبْدِي ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَلْفَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَك لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا وَالثَّابِتُ بِالتَّصَادُقِ كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُمَا إذَا تَصَادَقَا وَثَبَتَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ شَرْطٍ فَالْحُكْمُ الْأَمْرُ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ عَلَى الْمُقِرِّ ثُمَّ بِتَسْلِيمِ الْعَبْدِ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ حُكْمُ مَا إذَا ادَّعَى الْمُقِرُّ لَهُ تَسْلِيمَ الثَّمَنِ عَلَى الْمُقِرِّ وَلَيْسَ مَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ، فَإِنْ حَكَمْنَا بِذَلِكَ كَانَ حُكْمًا بِمَا لَا يَدَّعِيهِ أَحَدٌ وَذَلِكَ بَاطِلٌ. وَالثَّانِي أَنْ يَقُولَ الْمُقَرُّ لَهُ الْعَبْدُ عَبْدُك مَا بِعْتُكَهُ، وَإِنَّمَا بِعْتُك عَبْدًا غَيْرَهُ وَسَلَّمْته لَك، وَفِيهِ الْمَالُ لَازِمٌ عَلَى الْمُقِرِّ لِإِقْرَارِهِ بِهِ عِنْدَ سَلَامَةِ الْعَبْدِ لَهُ وَقَدْ سُلِّمَ، وَلَا يُبَالَى بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ بَعْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَكَمَا لَوْ قَالَ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ غَصَبْته مِنْك وَقَالَ لَا بَلْ اسْتَقْرَضْت مِنِّي، وَلَا تَفَاوُتَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُقِرِّ أَوْ الْمُقَرِّ لَهُ. وَالثَّالِثُ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ عَبْدِي مَا بِعْتُكَهُ، وَفِيهِ لَا يَلْزَمُ الْمُقِرَّ شَيْءٌ لِأَنَّ الْمُقِرَّ

مَا بِعْتُك. وَحُكْمُهُ أَنْ لَا يَلْزَمَ الْمُقِرَّ شَيْءٌ لِأَنَّهُ مَا أَقَرَّ بِالْمَالِ إلَّا عِوَضًا عَنْ الْعَبْدِ فَلَا يَلْزَمُهُ دُونَهُ، وَلَوْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ إنَّمَا بِعْتُك غَيْرَهُ يَتَحَالَفَانِ لِأَنَّ الْمُقِرَّ يَدَّعِي تَسْلِيمَ مَنْ عَيَّنَهُ وَالْآخَرَ يُنْكِرُ وَالْمُقَرَّ لَهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْأَلْفَ بِبَيْعِ غَيْرِهِ وَالْآخَرَ يُنْكِرُهُ، وَإِذَا تَحَالَفَا بَطَلَ الْمَالُ، هَذَا إذَا ذَكَرَ عَبْدًا بِعَيْنِهِ (وَإِنْ قَالَ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ اشْتَرَيْتُهُ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ لَزِمَهُ الْأَلْفُ وَلَا يُصَدَّقُ فِي قَوْلِهِ مَا قَبَضْت عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ) لِأَنَّهُ رُجُوعٌ فَإِنَّهُ أَقَرَّ بِوُجُوبِ الْمَالِ رُجُوعًا إلَى كَلِمَةِ عَلَيَّ، وَإِنْكَارُهُ الْقَبْضَ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ يُنَافِي الْوُجُوبَ أَصْلًا لِأَنَّ الْجَهَالَةَ مُقَارِنَةً كَانَتْ أَوْ طَارِئَةً بِأَنْ اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ نَسِيَاهُ عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ بِأَمْثَالِهِ تُوجِبُ هَلَاكَ الْمَبِيعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا أَقَرَّ بِالْمَالِ إلَّا عِوَضًا عَنْ الْعَبْدِ، فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ الْعَبْدَ لَا يُسَلِّمُ لِلْمُقَرِّ لَهُ بَدَلَهُ، وَفِي هَذَا أَيْضًا لَا تَفَاوُتَ بَيْنَ كَوْنِ الْعَبْدِ فِي يَدِ الْمُقِرِّ أَوْ يَدِ الْمُقَرِّ لَهُ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ فِي يَدِ الْمُقِرِّ يَأْخُذُ الْعَبْدَ، وَلَوْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ: أَيْ مَعَ إنْكَارِ الْعَبْدِ إنَّمَا بِعْتُك غَيْرَهُ يَدَّعِي لُزُومَ الْمَالِ بِبَيْعِ عَبْدٍ آخَرَ تَحَالَفَا، لِأَنَّ الْمُقِرَّ يَدَّعِي تَسْلِيمَ مَنْ عَيَّنَهُ وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ، وَالْمُقَرُّ لَهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْأَلْفَ بِبَيْعِ غَيْرِهِ وَالْمُقِرُّ يُنْكِرُهُ، وَإِذَا تَحَالَفَا بَطَلَ الْمَالُ مِنْ الْمُقِرِّ وَالْعَبْدُ سَالِمٌ لِمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي لَزِمَهُ الْأَلْفُ وَلَا يُصَدَّقُ فِي قَوْلِهِ مَا قَبَضْت عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ، فَإِنَّ إقْرَارَهُ صَحَّ رُجُوعًا إلَى كَلِمَةِ عَلَيَّ، وَإِنْكَارُهُ الْقَبْضَ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ يُنَافِي الْوُجُوبَ أَصْلًا، لِأَنَّ جَهَالَةَ الْمَبِيعِ مُقَارِنَةً كَانَتْ كَالْجَهَالَةِ حَالَةَ الْعَقْدِ أَوْ طَارِئَةً، كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا وَنَسِيَاهُ عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ بِأَمْثَالِهِ تُوجِبُ هَلَاكَ الْمَبِيعِ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَجْهُولِ وَذَلِكَ يُوجِبُ سُقُوطَ نَقْدِ الثَّمَنِ، فَأَوَّلُ كَلَامِهِ إقْرَارٌ يُوجِبُ الثَّمَنِ وَآخِرُهُ يُوجِبُ سُقُوطَهُ وَذَلِكَ رُجُوعٌ فَلَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: الْمُقَرُّ لَهُ إمَّا أَنْ يُصَدِّقَ فِي الْمُقَرِّ فِي الْجِهَةِ أَوْ لَا، فَإِنْ صَدَّقَهُ فَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ فِي عَدَمِ الْقَبْضِ كَمَا سَيَأْتِي، وَإِنْ كَذَّبَهُ فَالْمُقِرُّ إمَّا أَنْ وَصَلَ بِقَوْلِهِ لَمْ أَقْبِضْهُ أَوْ فَصَلَ، فَإِنْ وَصَلَ

فَيَمْتَنِعُ وُجُوبُ نَقْدِ الثَّمَنِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ رُجُوعًا فَلَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إنْ وَصَلَ صُدِّقَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ فَصَلَ لَمْ يُصَدَّقْ إذَا أَنْكَرَ الْمُقَرُّ لَهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ، وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَهُ مَتَاعًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَقَرَّ بِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهِ وَبَيَّنَ سَبَبًا وَهُوَ الْبَيْعُ، فَإِنْ وَافَقَهُ الطَّالِبُ فِي السَّبَبِ وَبِهِ لَا يَتَأَكَّدُ الْوُجُوبُ إلَّا بِالْقَبْضِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ فَصَلَ لَمْ يُصَدَّقْ لِأَنَّ أَوَّلَ كَلَامِهِ مُوجِبٌ وَآخِرُهُ قَدْ تَغَيَّرَ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ انْتِفَاءَهُ عَلَى اعْتِبَارِ عَدَمِ الْقَبْضِ فَكَانَ بَيَانُ تَغْيِيرٍ وَهُوَ إنَّمَا يَصِحُّ مَوْصُولًا وَالْمَوْعُودُ هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَهُ مَتَاعًا إلَخْ وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِذَلِكَ لِيُعْلَمَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَتَاعِ حُكْمُ الْعَبْدِ (قَوْلُهُ وَبِهِ لَا يَتَأَكَّدُ الْوُجُوبُ) أَيْ بِمُجَرَّدِ وُجُوبِ السَّبَبِ وَهُوَ الْبَيْعُ لَا يَتَأَكَّدُ وُجُوبُ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ

وَالْمُقِرُّ يُنْكِرُهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ، وَإِنْ كَذَّبَهُ فِي السَّبَبِ كَانَ هَذَا مِنْ الْمُقِرِّ بَيَانًا مُغَيِّرًا لِأَنَّ صَدْرَ كَلَامِهِ لِلْوُجُوبِ مُطْلَقًا وَآخِرُهُ يَحْتَمِلُ انْتِفَاءَهُ عَلَى اعْتِبَارِ عَدَمِ الْقَبْضِ وَالْمُغَيِّرُ يَصِحُّ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا. (وَلَوْ قَالَ ابْتَعْتُ مِنْهُ بَيْعًا إلَّا أَنِّي لَمْ أَقْبِضْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْبَيْعِ الْقَبْضُ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِوُجُوبِ الثَّمَنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوُجُوبَ عَلَيْهِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ فِي حَيِّزِ التَّرَدُّدِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَهْلِكُ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَيَسْقُطُ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي لَكِنَّهُ يَتَأَكَّدُ بِالْقَبْضِ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي الْقَبْضَ وَالْمُقِرُّ يُنْكِرُهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَفِي عِبَارَتِهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَإِنْ وَافَقَ الطَّالِبَ فِي السَّبَبِ شَرْطٌ فَلَا بُدَّ مِنْ جَوَابٍ. وَقَوْلُهُ وَبِهِ لَا يَتَأَكَّدُ الْوُجُوبُ لَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فَيَكُونُ لِوُجُودِ الْفَاءِ وَلِعَدَمِ الرَّبْطِ فَإِنَّك لَوْ قَدَّرْت كَلَامَهُ فَإِنْ وَافَقَهُ الطَّالِبُ فِي السَّبَبِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ فِي بَيَانِ التَّعْلِيلِ وَلَيْسَ فِيهِ إشْعَارٌ بِذَلِكَ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: جَزَاؤُهُ مَحْذُوفٌ وَتَقْدِيرُهُ فَإِنْ وَافَقَهُ الطَّالِبُ فِي السَّبَبِ وَالْحَالُ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ السَّبَبِ لَا يَتَأَكَّدُ لَكِنَّهُ يَتَأَكَّدُ بِالْقَبْضِ كَانَ الطَّالِبُ مُدَّعِيًا لِلْقَبْضِ وَالْمُقِرُّ يُنْكِرُهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ (وَلَوْ قَالَ ابْتَعْت مِنْهُ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: ابْتَعْت مِنْهُ بَيْعًا: أَيْ مَبِيعًا، وَفِي بَعْضِهَا عَيْنًا (إلَّا أَنِّي لَمْ أَقْبِضْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْبَيْعِ الْقَبْضُ) وَلَمْ يُقِرَّ بِوُجُوبِ الثَّمَنِ لِجَوَازِ أَنْ يُوجَدَ

قَالَ (وَكَذَا لَوْ قَالَ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ) وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ (لَزِمَهُ الْأَلْفُ وَلَمْ يُقْبَلْ تَفْسِيرُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ) لِأَنَّهُ رُجُوعٌ لِأَنَّ ثَمَنَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لَا يَكُونُ وَاجِبًا وَأَوَّلُ كَلَامِهِ لِلْوُجُوبِ (وَقَالَا: إذَا وَصَلَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ) لِأَنَّهُ بَيَّنَ بِآخِرِ كَلَامِهِ أَنَّهُ مَا أَرَادَ بِهِ الْإِيجَابَ وَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ فِي آخِرِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. قُلْنَا: ذَاكَ تَعْلِيقٌ وَهَذَا إبْطَالٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَيْعُ وَلَا يَجِبُ الثَّمَنُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِخِيَارِ الشَّرْطِ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِوُجُوبِ الثَّمَنِ فَإِنَّ مِنْ ضَرُورَتِهِ الْقَبْضُ، هَذَا مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ أَنْ لَوْ وَجَبَ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ أَوَّلًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبُيُوعِ. قَالَ (وَكَذَا لَوْ قَالَ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ إلَخْ) وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ مِنْ ثَمَنِ خِنْزِيرٍ لَزِمَهُ الْأَلْفُ وَلَمْ يُقْبَلْ تَفْسِيرُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُقَرُّ لَهُ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِوُجُوبِ أَلْفٍ ثُمَّ زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ، لِأَنَّ ثَمَنَ الْخَمْرِ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ فَكَانَ رُجُوعًا، وَقَالَا: إذَا وَصَلَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ بَيَّنَ بِآخِرِ كَلَامِهِ أَنَّهُ مَا أَرَادَ بِهِ الْإِيجَابَ، لِأَنَّ الْخَمْرَ مَالٌ يَجْرِي فِيهِ الشُّحُّ وَالضِّنَةُ، وَقَدْ اعْتَادَ الْفَسَقَةُ شِرَاءَهَا وَأَدَاءَ ثَمَنِهَا، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ بَنَى إقْرَارَهُ عَلَى هَذِهِ الْعَادَةِ فَكَانَ آخِرُ كَلَامِهِ بَيَانًا مُغَيِّرًا فَيَصِحُّ مَوْصُولًا، فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ فِي آخِرِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَأَجَابَ بِأَنَّ ذَلِكَ تَعْلِيقٌ لِأَنَّ صِيغَتَهُ وُضِعَتْ لَهُ وَالتَّعْلِيقُ بَيْنَ أَهْلِ اللِّسَانِ مُتَعَارَفٌ كَالْإِرْسَالِ فَكَانَ مِنْ بَابِ الْبَيَانِ وَوُجُوبُ الْمَالِ عَلَيْهِ مِنْ حُكْمِ الْإِرْسَالِ، فَمَعَ صِيغَةِ التَّعْلِيقِ لَا يَلْزَمُ حُكْمُ الْإِرْسَالِ، وَهَذَا إبْطَالٌ وَالْإِبْطَالُ رُجُوعٌ وَالرُّجُوعُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ غَيْرُ صَحِيحٍ مَوْصُولًا وَمَفْصُولًا. وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ

(وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ أَوْ قَالَ أَقْرَضَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَالَ هِيَ زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ جِيَادٌ لَزِمَهُ الْجِيَادُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: إنْ قَالَ مَوْصُولًا يُصَدَّقُ، وَإِنْ قَالَ مَفْصُولًا لَا يُصَدَّقُ) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ هِيَ سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمَتَاعٍ أَوْ أَقْرَضَنِي أَلْفًا وَبَيَّنَ أَنَّهَا زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ هِيَ جِيَادٌ لَزِمَهُ الْجِيَادُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: إنْ قَالَ ذَلِكَ مَوْصُولًا صُدِّقَ وَإِلَّا فَلَا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ هِيَ سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ لَكِنْ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ

وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ إلَّا إنَّهَا زُيُوفٌ، وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ زُيُوفٍ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ. لَهُمَا أَنَّهُ بَيَانٌ مُغَيِّرٌ فَيَصِحُّ بِشَرْطِ الْوَصْلِ كَالشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ. وَهَذَا لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ يَحْتَمِلُ الزُّيُوفَ بِحَقِيقَتِهِ وَالسَّتُّوقَةُ بِمَجَازِهِ، إلَّا أَنَّ مُطْلَقَهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْجِيَادِ فَكَانَ بَيَانًا مُغَيِّرًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ إلَّا أَنَّهَا وَزْنُ خَمْسَةٍ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذَا رُجُوعٌ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي وَصْفَ السَّلَامَةِ عَنْ الْعَيْبِ، وَالزِّيَافَةُ عَيْبٌ وَدَعْوَى الْعَيْبِ رُجُوعٌ عَنْ بَعْضِ مُوجِبِهِ وَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُكَهُ مَعِيبًا وَقَالَ الْمُشْتَرِي بِعْتَنِيهِ سَلِيمًا فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي لِمَا بَيَّنَّا، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُصَدَّقُ وَإِنْ وَصَلَ، وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا أَنَّهَا زُيُوفٌ بِكَلِمَةِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ زُيُوفٌ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ. لَهُمَا أَنَّهُ بَيَانٌ مُغَيَّرٌ لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ إذَا أُطْلِقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْجِيَادِ لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ الزُّيُوفَ بِحَقِيقَتِهِ

وَالسَّتُّوقَةُ لَيْسَتْ مِنْ الْأَثْمَانِ وَالْبَيْعُ يُرَدُّ عَلَى الثَّمَنِ فَكَانَ رُجُوعًا. وَقَوْلُهُ إلَّا أَنَّهَا وَزْنُ خَمْسَةٍ يَصِحُّ اسْتِثْنَاءً لِأَنَّهُ مِقْدَارٌ بِخِلَافِ الْجَوْدَةِ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْوَصْفِ لَا يَجُوزُ كَاسْتِثْنَاءِ الْبِنَاءِ فِي الدَّارِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQحَتَّى لَوْ تَجُوزَ بِهِ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ كَانَ اسْتِيفَاءً لَا اسْتِبْدَالًا، وَالسَّتُّوقَةُ بِمَجَازِهِ لِأَنَّهَا تُسَمَّى دَرَاهِمَ مَجَازًا فَأَمْكَنَ أَنْ يَتَوَقَّفَ صَدْرُ الْكَلَامِ عَلَى عَجُزِهِ، فَإِذَا ذَكَرَهَا آخِرًا كَانَ بَيَانُ تَغْيِيرٍ فَيَصِحُّ مَوْصُولًا كَالشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ وَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ إلَّا أَنَّهَا وَزْنُ خَمْسَةٍ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذَا رُجُوعٌ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ عَنْ الْعَيْبِ وَالزِّيَافَةُ عَيْبٌ فَلَمْ يَكُنْ دَاخِلًا تَحْتَ الْعَقْدِ لِكَوْنِ دَعْوَاهُ بَيَانًا بَلْ يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ بَعْضِ مُوجِبِهِ، وَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُك مَعِيبًا وَقَالَ الْمُشْتَرِي سَلِيمًا كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ (وَالسَّتُّوقَةُ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ وَالْبَيْعُ يُرَدُّ عَلَى الثَّمَنِ) فَلَمْ يَكُنْ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ الْعَقْدِ (فَكَانَ) دَعْوَاهَا (رُجُوعًا) قَالَ (وَقَوْلُهُ إلَّا أَنَّهَا وَزْنُ خَمْسَةٍ) جَوَابٌ عَمَّا اسْتَشْهَدَ بِهِ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاءً لِأَنَّهُ مِقْدَارٌ، بِخِلَافِ الْجَوْدَةِ فَإِنَّهَا وَصْفٌ وَاسْتِثْنَاءُ الْوَصْفِ لَا يَجُوزُ كَاسْتِثْنَاءِ الْبِنَاءِ فِي الدَّارِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ يُسْتَثْنَى الْوَصْفُ كَمَا إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ كُرٌّ حِنْطَةً مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ إلَّا أَنَّهَا رَدِيئَةٌ لِأَنَّ الرَّدَاءَةَ ضِدُّ الْجَوْدَةِ فَهُمَا صِفَتَانِ يَتَعَاقَبَانِ عَلَى مَوْضُوعٍ وَاحِدٍ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الرَّدَاءَةَ نَوْعٌ لَا عَيْبٌ. فَإِنْ قِيلَ: فَالْجَوْدَةُ كَذَلِكَ لِمَا مَرَّ أَنَّهُمَا ضِدَّانِ دَفْعًا لِلتَّحَكُّمِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الرَّدَاءَةَ فِي الْحِنْطَةِ مُنَوِّعَةٌ لَا عَيْبٌ وَفِي الدَّرَاهِمِ عَيْبٌ، لِأَنَّ الْعَيْبَ مَا يَخْلُو عَنْهُ أَصْلُ الْخِلْقَةِ السَّلِيمَةِ، وَالْحِنْطَةُ قَدْ تَكُونُ رَدِيئَةً فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ وَإِنْ كَانَ نَوْعًا لَمْ يَكُنْ مُقْتَضَى مُطْلَقِ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى نَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ الشِّرَاءُ بِالْحِنْطَةِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهَا جَيِّدَةٌ أَوْ وَسَطٌ

بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ إلَّا أَنَّهَا رَدِيئَةٌ لِأَنَّ الرَّدَاءَةَ نَوْعٌ لَا عَيْبٌ، فَمُطْلَقُ الْعَقْدِ لَا يَقْتَضِي السَّلَامَةَ عَنْهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ رَدِيئَةٌ فَلَيْسَ فِي بَيَانِهِ تَغْيِيرٌ مُوجِبٌ أَوْ كَلَامِهِ، فَصَحَّ مَوْصُولًا كَانَ أَوْ مَفْصُولًا. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ فِي الْقَرْضِ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي الزُّيُوفِ إذَا وَصَلَ، لِأَنَّ الْمُسْتَقْرَضَ إنَّمَا يَصِيرُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ بِالْقَبْضِ فَالْقَرْضُ يُوجِبُ مِثْلَ الْمَقْبُوضِ،

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ فِي الْقَرْضِ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي الزُّيُوفِ إذَا وَصَلَ لِأَنَّ الْقَرْضَ يُوجِبُ رَدَّ مِثْلِ الْمَقْبُوضِ، وَقَدْ يَكُونُ زَيْفًا كَمَا فِي الْغَصْبِ. وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ التَّعَامُلَ بِالْجِيَادِ فَانْصَرَفَ مُطْلَقُهُ إلَيْهَا. (وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ زُيُوفٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَيْعَ وَالْقَرْضَ قِيلَ يُصَدَّقُ) بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ يَتَنَاوَلُهَا (وَقِيلَ لَا يُصَدَّقُ) لِأَنَّ مُطْلَقَ الْإِقْرَارِ يَنْصَرِفُ إلَى الْعُقُودِ لِتَعَيُّنِهَا مَشْرُوعَةً لَا إلَى الِاسْتِهْلَاكِ الْمُحَرَّمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمَقْبُوضُ قَدْ يَكُونُ زَيْفًا كَمَا فِي الْغَصْبِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ التَّعَامُلَ بِالْجِيَادِ وَالْجِيَادُ هِيَ الْمُتَعَارَفَةُ وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ، وَالْمُرَادُ بِالْأُصُولِ الْجَامِعَانِ وَالزِّيَادَاتُ وَالْمَبْسُوطُ وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ الْأَمَالِي وَالنَّوَادِرِ وَالرُّقَيَّاتِ والهارونيات والكيسانيات بِغَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ زُيُوفٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْجِهَةَ) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: لَمْ يُذْكَرْ هَذَا فِي الْأُصُولِ، فَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ (يُصَدَّقُ بِالْإِجْمَاعِ إذَا وَصَلَ لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ يَتَنَاوَلُهَا) وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يَصْرِفُهَا إلَى الْجِيَادِ. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: هُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ (وَقِيلَ لَا يُصَدَّقُ) عِنْدَهُ مُطْلَقًا لِأَنَّ مُطْلَقَ الْإِقْرَارِ يَنْصَرِفُ إلَى الْعُقُودِ لِتَعَيُّنِهَا مَشْرُوعَةً، لَا إلَى

(وَلَوْ قَالَ اغْتَصَبْت مِنْهُ أَلْفًا أَوْ قَالَ أَوْدَعَنِي ثُمَّ قَالَ هِيَ زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ صُدِّقَ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ) لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَغْصِبُ مَا يَجِدُ وَيُودِعُ مَا يَمْلِكُ فَلَا مُقْتَضَى لَهُ فِي الْجِيَادِ وَلَا تَعَامُلَ فَيَكُونُ بَيَانَ النَّوْعِ فَيَصِحُّ وَإِنْ فَصَلَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاسْتِهْلَاكِ الْمُحَرَّمِ فَصَارَ هَذَا وَمَا بَيْنَ سَبَبِهِ تِجَارَةٌ سَوَاءً (وَلَوْ قَالَ اغْتَصَبْت مِنْهُ أَلْفًا أَوْ قَالَ أَوْدَعَنِي أَلْفًا ثُمَّ قَالَ هِيَ زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ صُدِّقَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَغْصِبُ مَا يَجِدُ وَيُودِعُ مَا يَمْلِكُ فَلَا مُقْتَضَى لَهُ فِي الْجِيَادِ وَلَا تَعَامُلَ) فِي غَصْبِ الْجِيَادِ وَلَا فِي إيدَاعِهَا بِخِلَافِ الِاسْتِقْرَاضِ فَإِنَّ التَّعَامُلَ فِيهِ بِالْجِيَادِ كَمَا مَرَّ (فَيَكُونُ بَيَانَ النَّوْعِ فَيَصِحُّ وَإِنْ كَانَ مَفْصُولًا) وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الزِّيَافَةَ فِي الدَّرَاهِمِ عَيْبٌ فَيَكُونُ ذِكْرُ الزَّيْفِ رُجُوعًا فَلَا يُقْبَلُ أَصْلًا فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا مُغَيِّرًا فَلَا يُقْبَلُ مَفْصُولًا. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ أَنَّا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهَا صِفَةٌ وَالْمَوْصُوفُ بِهَا قَدْ يَكُونُ مُتَّصِفًا بِهَا مِنْ حَيْثُ الْخِلْقَةُ فَيَكُونُ مُنَوَّعًا لَيْسَ إلَّا كَمَا فِي الْحِنْطَةِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ، وَحِينَئِذٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُنَوَّعًا وَعَيْبًا. وَالضَّابِطُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُنْظَرَ فِي الْجِهَةِ الْمُوجِبَةِ لَهَا فَإِنْ اقْتَضَتْ السَّلَامَةَ كَانَتْ الزِّيَافَةُ عَيْبًا وَإِلَّا كَانَتْ نَوْعًا، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا لَمَّا اقْتَضَتْهَا تَقَيَّدَتْ بِهَا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الزِّيَافَةُ نَوْعًا مِنْهَا لِتَبَايُنِهِمَا، لَكِنَّهَا تُنَافِيهَا تَنَافِيَ التَّضَادِّ فَكَانَتْ عَيْبًا، لِأَنَّ ضِدَّ السَّلَامَةِ عَيْبٌ، وَإِذَا لَمْ تَقْتَضِهَا كَانَتْ نَوْعَيْنِ لِمُطْلَقِ الدَّرَاهِمِ لِاحْتِمَالِهِ

وَلِهَذَا لَوْ جَاءَ رَادُّ الْمَغْصُوبِ الْوَدِيعَةِ بِالْمَعِيبِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِيهِ مَفْصُولًا اعْتِبَارًا بِالْقَرْضِ إذْ الْقَبْضُ فِيهِمَا هُوَ الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ. وَلَوْ قَالَ هِيَ سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ بَعْدَمَا أَقَرَّ بِالْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ وَوَصَلَ صُدِّقَ، وَإِنْ فَصَلَ لَمْ يُصَدَّقْ لِأَنَّ السَّتُّوقَةُ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ لَكِنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُهَا مَجَازًا فَكَانَ بَيَانًا مُغَيِّرًا فَلَا بُدَّ مِنْ الْوَصْلِ (وَإِنْ قَالَ فِي هَذَا كُلِّهِ أَلْفًا ثُمَّ قَالَ إلَّا أَنَّهُ يَنْقُصُ كَذَا لَمْ يُصَدَّقْ وَإِنْ وَصَلَ صُدِّقَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQإيَّاهُمَا احْتِمَالَ الْجِنْسِ وَالْأَنْوَاعِ هَذَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا) أَيْ وَلِأَجْلِ أَنْ لَا مُقْتَضَى لَهُ فِي الْجِيَادِ لَوْ جَاءَ رَادُّ الْمَغْصُوبِ الْوَدِيعَةِ بِالْمَعِيبِ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ، فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ مَتَى وَقَعَ فِي صِفَةِ الْمَقْبُوضِ فَالْقَوْلُ لِلْقَابِضِ ضَمِينًا كَانَ أَوْ أَمِينًا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِيهِ مَفْصُولًا اعْتِبَارًا بِالْقَرْضِ، إذْ الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ فِيهِمَا هُوَ الْقَبْضُ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِيهِمَا. وَلَوْ أَقَرَّ بِالْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ ثُمَّ قَالَ هِيَ سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ مَوْصُولًا صُدِّقَ، لِأَنَّ سَتُّوقَةَ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ كَمَا مَرَّ، لَكِنَّ كَلَامَهُ يَحْتَمِلُهُ مَجَازًا فَكَانَ بَيَانًا مُغَيِّرًا فَلَا بُدَّ مِنْ الْوَصْلِ (وَلَوْ قَالَ فِي هَذَا كُلِّهِ) يَعْنِي الْمَذْكُورَ مِنْ الْبَيْعِ وَالْقَرْضِ وَالْغَصْبِ (أَلْفًا إلَّا أَنَّهُ يَنْقُصُ كَذَا فَإِنْ وَصَلَ صُدِّقَ

لِأَنَّ هَذَا اسْتِثْنَاءُ الْمِقْدَارِ وَالِاسْتِثْنَاءُ يَصِحُّ مَوْصُولًا، بِخِلَافِ الزِّيَافَةِ لِأَنَّهَا وَصْفٌ وَاسْتِثْنَاءُ الْأَوْصَافِ لَا يَصِحُّ، وَاللَّفْظُ يَتَنَاوَلُ الْمِقْدَارَ دُونَ الْوَصْفِ وَهُوَ تَصَرُّفٌ لَفْظِيٌّ كَمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ كَانَ الْفَصْلُ ضَرُورَةَ انْقِطَاعِ الْكَلَامِ فَهُوَ وَاصِلٌ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ. (وَمَنْ أَقَرَّ بِغَصْبِ ثَوْبٍ ثُمَّ جَاءَ بِثَوْبٍ مَعِيبٍ فَالْقَوْلُ لَهُ) لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يَخْتَصُّ بِالسَّلِيمِ. (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ: أَخَذْت مِنْك أَلْفَ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً فَهَلَكَتْ فَقَالَ لَا بَلْ أَخَذْتهَا غَصْبًا فَهُوَ ضَامِنٌ، وَإِنْ قَالَ أَعْطَيْتَنِيهَا وَدِيعَةً فَقَالَ لَا بَلْ غَصَبْتَنِيهَا لَمْ يَضْمَنْ) وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ الْأَخْذُ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُبْرِئُهُ وَهُوَ الْإِذْنُ وَالْآخَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ مِقْدَارٍ) وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ (وَلَوْ كَانَ الْفَصْلُ ضَرُورَةَ انْقِطَاعِ الْكَلَامِ فَهُوَ وَاصِلٌ) لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى التَّكَلُّمِ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ وَيَذْكُرُ الِاسْتِثْنَاءَ فِي آخِرِهِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ بِنَفَسٍ وَاحِدٍ فَكَانَ عَفْوًا لِعَدَمِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ قَالَ (وَمَنْ أَقَرَّ بِغَصْبِ ثَوْبٍ) هَذِهِ تَقَدَّمَ وَجْهُهَا أَنَّ الْغَصْبَ لَا يَخْتَصُّ بِالسَّلِيمِ (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ أَخَذْت مِنْك أَلْفَ دِرْهَمٍ) الْمُقِرُّ إمَّا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ كَقَوْلِهِ أَخَذْت وَشَبَهِهِ، أَوْ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ كَأَعْطَيْتُ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ وَأَتَى بِمَا لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ أَخَذْت وَدِيعَةً فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فَذَاكَ، وَإِنْ كَذَّبَهُ فَإِنْ ادَّعَى مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِذْنِ بِالْأَخْذِ كَالْقَرْضِ فَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ مَعَ يَمِينِهِ. وَإِنْ ادَّعَى غَيْرَهُ ضَمِنَ الْمُقِرُّ لِأَنَّهُمَا فِي الْأُولَى تَوَافَقَا عَلَى أَنَّ الْأَخْذَ كَانَ بِالْإِذْنِ وَالْمُقَرُّ لَهُ يَدَّعِي سَبَبَ الضَّمَانِ وَهُوَ الْقَرْضُ وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ. وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ نَحْوَ أَنْ يَقُولَ أَعْطَيْتنِي وَدِيعَةً وَادَّعَى الْآخَرُ غَصْبًا لَمْ يَضْمَنْ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَادَّعَى مَا يُبَرِّئُهُ وَأَنْكَرَهُ الْخَصْمُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَفِي الثَّانِي ادَّعَى الْخَصْمُ

يُنْكِرُهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ مَعَ الْيَمِينِ. وَفِي الثَّانِي أَضَافَ الْفِعْلَ إلَى غَيْرِهِ وَذَاكَ يَدَّعِي عَلَيْهِ سَبَبَ الضَّمَانِ وَهُوَ الْغَصْبُ فَكَانَ الْقَوْلُ لِمُنْكِرِهِ مَعَ الْيَمِينِ وَالْقَبْضُ فِي هَذَا كَالْأَخْذِ وَالدَّفْعُ كَالْإِعْطَاءِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إعْطَاؤُهُ وَالدَّفْعُ إلَيْهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِقَبْضِهِ، فَنَقُولُ: قَدْ يَكُونُ بِالتَّخْلِيَةِ وَالْوَضْعِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَوْ اقْتَضَى ذَلِكَ فَالْمُقْتَضَى ثَابِتٌ ضَرُورَةً فَلَا يَظْهَرُ فِي انْعِقَادِهِ سَبَبُ الضَّمَانِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: أَخَذْتُهَا مِنْك وَدِيعَةً وَقَالَ الْآخَرُ لَا بَلْ قَرْضًا حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ وَإِنْ أَقَرَّ بِالْأَخْذِ لِأَنَّهُمَا تَوَافَقَا هُنَالِكَ عَلَى أَنَّ الْأَخْذَ كَانَ بِالْإِذْنِ إلَّا أَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ يَدَّعِي سَبَبَ الضَّمَانِ وَهُوَ الْقَرْضُ وَالْآخَرُ يُنْكِرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQسَبَبَ الضَّمَانِ. وَهُوَ الْغَصْبُ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ. فَإِنْ قِيلَ: الْإِعْطَاءُ وَالدَّفْعُ لَا يَكُونُ إلَّا بِقَبْضِهِ، قُلْنَا: مَمْنُوعٌ قَدْ يَكُونُ

فَافْتَرَقَا. (وَإِنْ قَالَ هَذِهِ الْأَلْفُ كَانَتْ وَدِيعَةً لِي عِنْدَ فُلَانٍ فَأَخَذْتُهَا فَقَالَ فُلَانٌ هِيَ لِي فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا) لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْيَدِ لَهُ وَادَّعَى اسْتِحْقَاقَهَا عَلَيْهِ وَهُوَ يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ. (وَلَوْ قَالَ: آجَرْت دَابَّتِي هَذِهِ فُلَانًا فَرَكِبَهَا وَرَدَّهَا، أَوْ قَالَ: آجَرْت ثَوْبِي هَذَا فُلَانًا فَلَبِسَهُ وَرَدَّهُ وَقَالَ فُلَانٌ كَذَبْتَ وَهُمَا لِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: الْقَوْلُ قَوْلُ الَّذِي أُخِذَ مِنْهُ الدَّابَّةُ وَالثَّوْبُ) وَهُوَ الْقِيَاسُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْإِعَارَةُ وَالْإِسْكَانُ. (وَلَوْ قَالَ خَاطَ فُلَانٌ ثَوْبِي هَذَا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَبَضْتُهُ وَقَالَ فُلَانٌ الثَّوْبُ ثَوْبِي فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ) وَجْهُ الْقِيَاسِ مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْوَدِيعَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالتَّخْلِيَةِ. سَلَّمْنَاهُ لَكِنَّهُ ضَرُورِيٌّ فَلَا يَظْهَرُ فِي انْعِقَادِهِ سَبَبًا لِلضَّمَانِ، وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ الْقَوْلُ قَوْلُ الَّذِي أَخَذَ مِنْهُ الدَّابَّةَ وَالثَّوْبَ) بِعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَعْرُوفًا لِلْمُقِرِّ، أَمَّا إذَا كَانَ مَعْرُوفًا كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ إذَا كَانَ مَعْرُوفًا لِلْمُقِرِّ لَا يَكُونُ مُجَرَّدُ الْيَدِ فِيهِ لِغَيْرِهِ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (فِي الصَّحِيحِ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ إنَّ الْقَوْلَ هَاهُنَا قَوْلُ الْمُقِرِّ بِالْإِجْمَاعِ فَيَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا لِأَبِي حَنِيفَةَ. وَقَوْلُهُ (وَجْهُ الْقِيَاسِ مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْوَدِيعَةِ) أَرَادَ بِهِ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْيَدِ لَهُ وَادَّعَى اسْتِحْقَاقَهَا عَلَيْهِ

وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ الْفَرْقُ أَنَّ الْيَدَ فِي الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ ضَرُورِيَّةٌ تَثْبُتُ ضَرُورَةَ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَنَافِعُ فَيَكُونُ عَدَمًا فِيمَا وَرَاءَ الضَّرُورَةِ فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا لَهُ بِالْيَدِ مُطْلَقًا، بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهَا مَقْصُودَةٌ وَالْإِيدَاعُ إثْبَاتُ الْيَدِ قَصْدًا فَيَكُونُ الْإِقْرَارُ بِهِ اعْتِرَافًا بِالْيَدِ لِلْمُودِعِ. وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ فِي الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ وَالْإِسْكَانِ أَقَرَّ بِيَدٍ ثَابِتَةٍ مِنْ جِهَتِهِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي كَيْفِيَّتِهِ. وَلَا كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهَا كَانَتْ وَدِيعَةً، وَقَدْ تَكُونُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ، حَتَّى لَوْ قَالَ أَوْدَعْتهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ. وَقَوْلُهُ (فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي كَيْفِيَّتِهِ) أَيْ فِي كَيْفِيَّةِ ثُبُوتِ الْيَدِ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ، كَمَا لَوْ قَالَ مَلَكْت عَبْدِي لَك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إلَّا أَنِّي لَمْ أَقْبِضْ الثَّمَنَ وَلِي حَقُّ الْحَبْسِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَإِنْ زَعَمَ الْآخَرُ خِلَافَهُ. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ) كَاللُّقَطَةِ فَإِنَّهَا وَدِيعَةٌ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ صَاحِبُهَا، وَكَذَا إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ وَأَلْقَتْ ثَوْبًا فِي دَارِ إنْسَانٍ.

كَانَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَلَيْسَ مَدَارُ الْفَرْقِ عَلَى ذِكْرِ الْأَخْذِ فِي طَرَفِ الْوَدِيعَةِ وَعَدَمِهِ فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ وَهُوَ الْإِجَارَةُ وَأُخْتَاهُ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْأَخْذَ فِي وَضْعِ الطَّرَفِ الْآخَرِ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَيْضًا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ اقْتَضَيْت مِنْ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ كَانَتْ لِي عَلَيْهِ أَوْ أَقْرَضْته أَلْفًا ثُمَّ أَخَذْتُهَا مِنْهُ وَأَنْكَرَ الْمُقَرُّ لَهُ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا، وَذَلِكَ إنَّمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلَيْسَ مَدَارُ الْفَرْقِ) إشَارَةٌ إلَى الرَّدِّ عَلَى الْإِمَامِ الْقُمِّيِّ فِيمَا ذَكَرَهُ أَنَّ الرَّدَّ إنَّمَا وَجَبَ فِي مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ لِأَنَّهُ قَالَ فِيمَا أَخَذْتهَا مِنْهُ فَيَجِبُ جَزَاؤُهُ وَجَزَاءُ الْأَخْذِ الرَّدُّ. وَقَالَ فِي الْإِجَارَةِ وَأُخْتَيْهَا: أَيْ الْعَارِيَّةِ وَالسُّكْنَى فَرَدَّهَا عَلَيَّ فَكَانَ الِافْتِرَاقُ فِي الْحُكْمِ لِلِافْتِرَاقِ فِي الْوَضْعِ. وَقَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: هَذَا الْفَرْقُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ لَفْظَ الْأَخْذِ فِي الْإِجَارَةِ وَأُخْتَيْهَا أَيْضًا، وَإِنَّمَا الْفَرْقُ الصَّحِيحُ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ (وَهَذَا) أَيْ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْإِجَارَةِ وَأُخْتَيْهَا (بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ اقْتَضَيْت مِنْ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ كَانَتْ لِي عَلَيْهِ أَوْ أَقْرَضْته أَلْفًا ثُمَّ أَخَذْتهَا مِنْهُ وَأَنْكَرَ الْمُقَرُّ لَهُ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقَرِّ لَهُ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا) وَذَلِكَ مَعْلُومٌ، فَإِذَا أَقَرَّ بِاقْتِضَاءِ الدَّيْنِ فَقَدْ أَقَرَّ بِقَبْضِ مِثْلِ هَذَا الدَّيْنِ، لِأَنَّ الِاقْتِضَاءَ إنَّمَا

يَكُونُ بِقَبْضِ مَضْمُونٍ، فَإِذَا أَقَرَّ بِالِاقْتِضَاءِ فَقَدْ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ ثُمَّ ادَّعَى تَمَلُّكَهُ عَلَيْهِ بِمَا يَدَّعِيهِ مِنْ الدَّيْنِ مُقَاصَّةً وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ، أَمَّا هَاهُنَا الْمَقْبُوضُ عَيْنُ مَا ادَّعَى فِيهِ الْإِجَارَةَ وَمَا أَشْبَهَهَا فَافْتَرَقَا، لَوْ أَقَرَّ أَنَّ فُلَانًا زَرَعَ هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ بَنَى هَذِهِ الدَّارَ أَوْ غَرَسَ هَذَا الْكَرْمَ وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي يَدِ الْمُقِرِّ فَادَّعَاهَا فُلَانٌ وَقَالَ الْمُقِرُّ لَا بَلْ ذَلِكَ كُلُّهُ لِي اسْتَعَنْتُ بِك فَفَعَلْتِ أَوْ فَعَلْتَهُ بِأَجْرٍ فَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ لِأَنَّهُ مَا أَقَرَّ لَهُ بِالْيَدِ وَإِنَّمَا أَقَرَّ بِمُجَرَّدِ فِعْلٍ مِنْهُ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ فِي مِلْكٍ فِي يَدِ الْمُقِرِّ وَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ خَاطَ لِي الْخَيَّاطُ قَمِيصِي هَذَا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَقُلْ قَبَضْته مِنْهُ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بِالْيَدِ وَيَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ لَمَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِفِعْلٍ مِنْهُ وَقَدْ يَخِيطُ ثَوْبًا فِي يَدِ الْمُقِرِّ كَذَا هَذَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونُ بِقَبْضِ مَالٍ مَضْمُونٍ وَالْإِقْرَارُ بِقَبْضِ مَالٍ مَضْمُونٍ إقْرَارٌ بِسَبَبِ الضَّمَانِ ثُمَّ ادَّعَى تَمَلُّكَ مَا أَقَرَّ بِقَبْضِهِ بِمَا يَدَّعِيهِ مِنْ الدَّيْنِ مُقَاصَّةً وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ، أَمَّا هَاهُنَا: يَعْنِي فِي صُورَةِ الْإِجَارَةِ وَأُخْتَيْهَا فَالْمَقْبُوضُ عَيْنُ مَا ادَّعَى فِيهِ الْإِجَارَةَ وَمَا أَشْبَهَهَا فَافْتَرَقَا، وَعَلَيْك بِتَطْبِيقِ مَا ذَكَرْنَا بِمَا فِي الْمَتْنِ لِيَظْهَرَ التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ الْوَاقِعُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِحِسِّ التَّدْبِيرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَبَاقِي كَلَامِهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْحٍ.

[باب إقرار المريض]

قَالَ: (وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِدُيُونٍ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ فِي صِحَّتِهِ وَدُيُونٌ لَزِمَتْهُ فِي مَرَضِهِ بِأَسْبَابٍ مَعْلُومَةٍ فَدَيْنُ الصِّحَّةِ وَالدَّيْنُ الْمَعْرُوفُ الْأَسْبَابِ مُقَدَّمٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: دَيْنُ الْمَرَضِ وَدَيْنُ الصِّحَّةِ يَسْتَوِيَانِ لِاسْتِوَاءِ سَبَبِهِمَا وَهُوَ الْإِقْرَارُ الصَّادِرُ عَنْ عَقْلٍ وَدِينٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ] أَفْرَدَ إقْرَارَ الْمَرِيضِ فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ لِاخْتِصَاصِهِ بِأَحْكَامٍ لَيْسَتْ لِلصَّحِيحِ، وَأَخَّرَهُ لِأَنَّ الْمَرَضَ بَعْدَ الصِّحَّةِ. قَالَ (وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ إلَخْ) إذَا مَرِضَ الْمَدْيُونُ وَلَزِمَهُ دُيُونٌ حَالَ مَرَضِهِ بِأَسْبَابٍ مَعْلُومَةٍ مِثْلُ بَدَلِ مَالِ مِلْكِهِ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ أَوْ مَهْرُ مِثْلِ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا وَعَلِمَ مُعَايَنَةً أَوْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِدُيُونٍ غَيْرِ مَعْلُومَةِ الْأَسْبَابِ فَدُيُونُ الصِّحَّةِ وَاَلَّتِي عُرِفَتْ أَسْبَابُهَا مُقَدَّمَةٌ عَلَى الدُّيُونِ الْمُقَرِّ بِهَا (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ دَيْنُ الصِّحَّةِ وَدَيْنُ الْمَرَضِ) سَوَاءٌ كَانَ بِسَبَبٍ مَعْلُومٍ أَوْ لَا (يَسْتَوِيَانِ لِاسْتِوَاءِ سَبَبِهِمَا وَهُوَ الْإِقْرَارُ الصَّادِرُ عَنْ الْأَهْلِ) إذْ الْغَرَضُ فِيهِ الْمُضَافُ إلَى مَحَلِّهِ وَهِيَ الذِّمَّةُ الْقَابِلَةُ لِلْحُقُوقِ، فَصَارَ كَإِنْشَاءِ التَّصَرُّفِ مُبَايَعَةً أَوْ مُنَاكَحَةً،

وَمَحَلُّ الْوُجُوبِ الذِّمَّةُ الْقَابِلَةُ لِلْحُقُوقِ فَصَارَ كَإِنْشَاءِ التَّصَرُّفِ مُبَايَعَةً وَمُنَاكَحَةً. وَلَنَا أَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يُعْتَبَرُ دَلِيلًا إذَا كَانَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْغَيْرِ، وَفِي إقْرَارِ الْمَرِيضِ ذَلِكَ لِأَنَّ حَقَّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ تَعَلَّقَ بِهَذَا الْمَالِ اسْتِيفَاءً، وَلِهَذَا مُنِعَ مِنْ التَّبَرُّعِ وَالْمُحَابَاةِ إلَّا بِقَدْرِ الثُّلُثِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنَّمَا تَعَرَّضَ لِوَصْفِ الْعَقْلِ وَالدَّيْنِ لِأَنَّهُمَا الْمَانِعَانِ عَنْ الْكَذِبِ فِي الْإِخْبَارِ، وَالْإِقْرَارُ إخْبَارٌ عَنْ الْوَاجِبِ فِي ذِمَّتِهِ، وَلَا تَفَاوُتَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ صِحَّةِ الْمُقِرِّ وَمَرَضِهِ (وَلَنَا أَنَّ الْإِقْرَارَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ إذَا تَضَمَّنَ إبْطَالَ حَقِّ الْغَيْرِ وَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ تَضَمَّنَهُ، لِأَنَّ حَقَّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ تَعَلَّقَ بِهَذَا الْمَالِ اسْتِيفَاءً وَلِهَذَا مُنِعَ مِنْ التَّبَرُّعِ وَالْمُحَابَاةِ) أَصْلًا إذَا أَحَاطَتْ الدُّيُونُ بِمَالِهِ وَبِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ إذَا لَمْ يَكُنْ

بِخِلَافِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ دَيْنٌ، وَفِي هَذَا التَّوْضِيحِ جَوَابٌ عَمَّا ادَّعَى الشَّافِعِيُّ مِنْ الِاسْتِوَاءِ بَيْنَ حَالِ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ. فَإِنَّهُ لَوْ كَانَتَا مُتَسَاوِيَتَيْنِ لَمَا مُنِعَ مِنْ التَّبَرُّعِ وَالْمُحَابَاةِ فِي حَالِ الْمَرَضِ كَمَا فِي حَالِ الصِّحَّةِ. فَإِنْ قِيلَ: الْإِقْرَارُ بِالْوَارِثِ فِي الْمَرَضِ صَحِيحٌ وَقَدْ تَضَمَّنَ إبْطَالَ حَقِّ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ أُجِيبَ بِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْوَارِثِ الْمَالَ بِالنَّسَبِ وَالْمَوْتِ جَمِيعًا، فَالِاسْتِحْقَاقُ يُضَافُ إلَى آخِرِهِمَا وُجُودًا وَهُوَ الْمَوْتُ، بِخِلَافِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَجِبُ بِالْإِقْرَارِ لَا بِالْمَوْتِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ النِّكَاحِ) جَوَابٌ عَمَّا اسْتَشْهَدَ بِهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ إنْشَاءِ النِّكَاحِ وَالْمُبَايَعَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ النِّكَاحَ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ وَالْمَرْءُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ وَإِنْ كَانَ ثَمَّةَ دَيْنُ الصِّحَّةِ كَالصَّرْفِ إلَى ثَمَنِ الْأَدْوِيَةِ وَالْأَغْذِيَةِ

وَهُوَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَبِخِلَافِ الْمُبَايَعَةِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ بِالْمَالِيَّةِ لَا بِالصُّورَةِ، وَفِي حَالَةِ الصِّحَّةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْمَالِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الِاكْتِسَابِ فَيَتَحَقَّقُ التَّثْمِيرُ، وَهَذِهِ حَالَةُ الْعَجْزِ وَحَالَتَا الْمَرَضِ حَالَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ حَالَةَ الْحَجْرِ، بِخِلَافِ حَالَتَيْ الصِّحَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَهُوَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًّا: يَعْنِي أَنَّ النِّكَاحَ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ حَالَ كَوْنِهِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ فَبَاطِلَةٌ وَالنِّكَاحُ جَائِزٌ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ تَزَوَّجَ شَيْخٌ فَانٍ رَابِعَةً جَازَ وَلَيْسَ بِمُحْتَاجٍ إلَيْهَا فَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ النِّكَاحَ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ مِنْ مَصَالِحِ الْمَعِيشَةِ وَالْعِبْرَةُ لِأَصْلِ الْوَضْعِ لَا لِلْحَالِ، فَإِنَّ الْحَالَ مِمَّا لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ الْمُبَايَعَةِ) يَعْنِي أَنَّ الْمُبَايَعَةَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ لَا تُبْطِلُ حَقَّ الْغُرَمَاءِ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِيَّةِ لَا بِالصُّوَرِ وَالْمَالِيَّةُ بَاقِيَةٌ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ تَعَلَّقَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِمَالِ الْمَدْيُونِ بَطَلَ إقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ حَالَ الصِّحَّةِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ الْمُتَضَمِّنَ لِإِبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ كَمَا مَرَّ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَفِي حَالِ الصِّحَّةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْمَالِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الِاكْتِسَابِ فَيَتَحَقَّقُ التَّثْمِيرُ) فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى تَعْلِيقِ الْغُرَمَاءِ بِمَالِهِ (وَهَذِهِ) أَيْ حَالَةُ الْمَرَضِ (حَالَةُ الْعَجْزِ) عَنْ الِاكْتِسَابِ فَيَتَعَلَّقُ حَقُّهُمْ بِهِ حَذَرًا عَنْ التَّوَى. فَإِنْ قِيلَ: سَلَّمْنَا ذَلِكَ لَكِنْ إذَا أَقَرَّ فِي الْمَرَضِ ثَانِيًا وَجَبَ أَنْ لَا يَصِحَّ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ بِمَالِهِ كَمَا لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ لِذَلِكَ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَحَالَتَا الْمَرَضِ حَالَةٌ وَاحِدَةٌ) يَعْنِي أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ بَعْدَ اتِّصَالِ الْمَوْتِ بِهِ حَالَةٌ وَاحِدَةٌ (لِأَنَّ حَالَةَ الْحَجْرِ) فَكَانَا بِمَنْزِلَةِ إقْرَارٍ وَاحِدٍ كَحَالَتَيْ الصِّحَّةِ فَيُعْتَبَرُ الْإِقْرَارَانِ جَمِيعًا (بِخِلَافِ حَالَتَيْ الصِّحَّةِ

وَالْمَرَضِ؛ لِأَنَّ الْأُولَى حَالَةُ إطْلَاقٍ وَهَذِهِ حَالَةُ عَجْزٍ فَافْتَرَقَا، وَإِنَّمَا تُقَدَّمُ الدُّيُونُ الْمَعْرُوفَةُ الْأَسْبَابِ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي ثُبُوتِهَا إذْ الْمُعَايَنُ لَا مَرَدَّ لَهُ، وَذَلِكَ مِثْلُ بَدَلِ مَالٍ مَلَكَهُ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ وَعُلِمَ وُجُوبُهُ بِغَيْرِ إقْرَارِهِ أَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِمَهْرِ مِثْلِهَا، وَهَذَا الدَّيْنُ مِثْلُ دَيْنِ الصِّحَّةِ لَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ لِمَا بَيَّنَّا، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمَرَضِ لِأَنَّ الْأُولَى حَالَةُ إطْلَاقٍ وَهَذِهِ حَالَةُ عَجْزٍ فَيَفْتَرِقَانِ) فَيُمْنَعُ تَعَلُّقُ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ بِمَالِهِ عَنْ إقْرَارِهِ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ، وَلَا يَمْنَعُ الْإِقْرَارُ فِي أَوَّلِ الْمَرَضِ عَنْ الْإِقْرَارِ فِي آخِرِهِ، وَهَذَا الدَّلِيلُ أَفَادَ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ دَيْنِ الصِّحَّةِ وَدَيْنِ الْمَرَضِ. وَبَقِيَ الْكَلَامُ فِي تَقْدِيمِ الدُّيُونِ الْمَعْرُوفَةِ الْأَسْبَابِ فَقَالَ (وَإِنَّمَا تُقَدَّمُ الدُّيُونُ الْمَعْرُوفَةُ الْأَسْبَابِ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي ثُبُوتِهَا إذْ الْمُعَايِنُ لَا مَرَدَّ لَهُ) فَتَقَدَّمَ عَلَى الْمُقِرِّ بِهِ وَتَصِيرُ مِثْلَ دَيْنِ الصِّحَّةِ (لَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ لِمَا بَيَّنَّا) أَنَّهُ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ: يَعْنِي فِي النِّكَاحِ، وَلَا تُهْمَةَ فِي ثُبُوتِهِ فِي غَيْرِهِ.

وَلَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ لِآخَرَ لَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ دُونَ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّ فِي إيثَارِ الْبَعْضِ إبْطَالُ حَقِّ الْبَاقِينَ، وَغُرَمَاءُ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، إلَّا إذَا قَضَى مَا اسْتَقْرَضَ فِي مَرَضِهِ أَوْ نَقَدَ ثَمَنَ مَا اشْتَرَى فِي مَرَضِهِ وَقَدْ عُلِمَ بِالْبَيِّنَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَلَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ لِآخَرَ لَمْ يَصِحَّ) الْإِقْرَارُ بِالْعَيْنِ فِي الْمَرَضِ كَالْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ فِيهِ يَمْنَعُهُ عَنْ ذَلِكَ تَعَلُّقُ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِالْعَيْنِ (وَلَا يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ دُونَ بَعْضٍ) سَوَاءٌ كَانُوا غُرَمَاءَ الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ أَوْ مُخْتَلِطِينَ (لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إبْطَالَ حَقِّ الْبَاقِينَ) فَلَا يَصِحُّ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يُسَلَّمْ الْمَقْبُوضُ لِلْقَابِضِ بَلْ يَكُونُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ بِالْحِصَصِ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: سُلِّمَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَرِيضَ نَاظِرٌ لِنَفْسِهِ فِيمَا يَصْنَعُ فَرُبَّمَا يَقْضِي مَنْ يَخَافُ أَنْ لَا يُسَامِحَهُ بِالْإِبْرَاءِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَيُخَاصِمُهُ فِي الْآخِرَةِ، وَالتَّصَرُّفُ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ غَيْرُ مَرْدُودٍ. وَالْجَوَابُ أَنَّ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا لَمْ يَبْطُلْ حَقُّ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا قَضَى مَا اسْتَقْرَضَ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ، وَمَعْنَاهُ: إذَا قُضِيَ فِي مَرَضِهِ مَا اسْتَقْرَضَهُ فِي مَرَضِهِ أَوْ نَقَدَ ثَمَنَ مَا اشْتَرَى كَذَلِكَ وَقَدْ عُلِمَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْمُعَايَنَةِ جَازَ وَسُلِّمَ الْمَقْبُوضُ لِلْقَابِضِ لَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُبْطِلْ حَقَّ الْغُرَمَاءِ وَإِنَّمَا حَوَّلَهُ مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ يَعْدِلُهُ. أَرَأَيْت لَوْ رَدَّ مَا اسْتَقْرَضَهُ بِعَيْنِهِ أَوْ فَسَخَ

قَالَ (فَإِذَا قُضِيَتْ) يَعْنِي الدُّيُونَ الْمُقَدَّمَةَ (وَفَضَلَ شَيْءٌ (يُصْرَفُ إلَى مَا أَقَرَّ بِهِ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ فِي ذَاتِهِ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا رُدَّ فِي حَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ حَقُّهُمْ ظَهَرَتْ صِحَّتُهُ. قَالَ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دُيُونٌ فِي صِحَّتِهِ جَازَ إقْرَارُهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَتَضَمَّنْ إبْطَالَ حَقِّ الْغَيْرِ وَكَانَ الْمُقَرُّ لَهُ أَوْلَى مِنْ الْوَرَثَةِ لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِدَيْنٍ جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ تَرِكَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَيْعَ وَرَدَّ الْمَبِيعَ أَكَانَ يَمْتَنِعُ سَلَامَتُهُ لِلْمَرْدُودِ عَلَيْهِ لِحَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ؟ لَا، فَكَذَلِكَ إذَا رَدَّ بَدَلَهُ لِأَنَّ حُكْمَ الْبَدَلِ حُكْمُ الْمُبْدَلِ (فَإِذَا قُضِيَتْ الدُّيُونُ الْمُقَدَّمَةُ) بِنَوْعَيْهَا (وَفَضَلَ شَيْءٌ صُرِفَ إلَى مَا أَقَرَّ بِهِ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ فِي ذَاتِهِ صَحِيحٌ) أَيْ مَحْمُولٌ عَلَى الصِّدْقِ فِي حَقِّهِ حُجَّةٌ عَلَيْهِ (وَإِنَّمَا رَدَّ حَقًّا لِغُرَمَاءِ الصِّحَّةِ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ لَهُمْ حَقٌّ ظَهَرَتْ صِحَّتُهُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دُيُونٌ فِي صِحَّتِهِ جَازَ إقْرَارُهُ وَإِنْ كَانَ بِكُلِّ الْمَالِ) لِعَدَمِ تَضَمُّنِهِ إبْطَالَ حَقِّ الْغَيْرِ (وَكَانَ الْمُقَرُّ لَهُ أَوْلَى مِنْ الْوَرَثَةِ لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِدَيْنٍ جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ تَرِكَتِهِ) فَإِنْ قِيلَ: الشَّرْعُ قَصَرَ تَصَرُّفَ الْمَرِيضِ عَلَى الثُّلُثِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» وَذَلِكَ أَقْوَى مِنْ قَوْلِ عُمَرَ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا، وَالْإِقْرَارُ لِلْأَجْنَبِيِّ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ

وَلِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ وَحَقُّ الْوَرَثَةِ يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ بِشَرْطِ الْفَرَاغِ وَلِهَذَا تُقَدَّمُ حَاجَتُهُ فِي التَّكْفِينِ. قَالَ (وَلَوْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِوَارِثِهِ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ فِيهِ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: يَصِحُّ لِأَنَّهُ إظْهَارُ حَقٍّ ثَابِتٍ لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الصِّدْقِ فِيهِ، وَصَارَ كَالْإِقْرَارِ لِأَجْنَبِيٍّ وَبِوَارِثٍ آخَرَ وَبِوَدِيعَةٍ مُسْتَهْلَكَةٍ لِلْوَارِثِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا سَيَأْتِي (وَلِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ) لِأَنَّ بِهِ رَفْعَ الْحَائِلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ وَحَقُّ الْوَرَثَةِ يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ بِشَرْطِ الْفَرَاغِ عَنْ الْحَاجَةِ وَلِهَذَا يُقَدَّمُ تَجْهِيزُهُ وَتَكْفِينِهِ. قَالَ (وَلَوْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِوَارِثَةِ لَا يَصِحُّ) وَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ لِوَارِثِهِ بَاطِلٌ سَوَاءٌ أَقَرَّ بِعَيْنٍ أَوْ بِدَيْنٍ (إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ يَصِحُّ لِأَنَّهُ إظْهَارُ حَقٍّ ثَابِتٍ لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الصِّدْقِ فِيهِ) . بِدَلَالَةِ الْحَالِ وَالْمَرِيضُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَنْ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ سَعْيًا فِي فِكَاكِ رَقَبَتِهِ (فَصَارَ كَالْإِقْرَارِ لِأَجْنَبِيٍّ وَبِوَارِثٍ آخَرَ وَبِوَدِيعَةٍ مُسْتَهْلَكَةٍ لِلْوَارِثِ)

وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وَلَا إقْرَارَ لَهُ بِالدَّيْنِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا إذَا أَوْدَعَ أَبَاهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ بِمُعَايَنَةِ الشُّهُودِ، فَلَمَّا حَضَرَتْ الْوَفَاةُ الْأَبَ قَالَ اسْتَهْلَكْتهَا وَمَاتَ وَأَنْكَرَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ فَإِنَّ إقْرَارَهُ صَحِيحٌ وَالْأَلْفُ مِنْ تَرِكَتِهِ لِلِابْنِ الْمُقَرِّ لَهُ خَاصَّةً، لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمَرِيضِ إنَّمَا يُرَدُّ لِلتُّهْمَةِ وَلَا تُهْمَةَ هَاهُنَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إنْ كَذَّبْنَاهُ فَمَاتَ وَجَبَ الضَّمَانُ أَيْضًا فِي تَرِكَتِهِ لِأَنَّهُ مَاتَ مُجْهِلًا (وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وَلَا إقْرَارَ لَهُ بِالدَّيْنِ» ) وَهُوَ نَصٌّ فِي الْبَابِ، لَكِنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ قَالَ: هَذِهِ الزِّيَادَةُ غَيْرُ مَشْهُورَةٍ، وَالْمَشْهُورُ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَأَرَادَ بِهِ مَا رُوِيَ عَنْهُ: إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ فِي مَرَضِهِ بِدِينٍ لِرَجُلٍ غَيْرِ وَارِثٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَإِنْ أَحَاطَ ذَلِكَ بِمَالِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ فَهُوَ بَاطِلٌ إلَّا

وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ حَقُّ الْوَرَثَةِ بِمَالِهِ فِي مَرَضِهِ وَلِهَذَا يُمْنَعُ مِنْ التَّبَرُّعِ عَلَى الْوَارِثِ أَصْلًا، فَفِي تَخْصِيصِ الْبَعْضِ بِهِ إبْطَالُ حَقِّ الْبَاقِينَ، وَلِأَنَّ حَالَةَ الْمَرَضِ حَالَةَ الِاسْتِغْنَاءِ وَالْقَرَابَةِ سَبَبُ التَّعَلُّقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يُصَدِّقَهُ الْوَرَثَةُ. وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاؤُنَا، لِأَنَّ قَوْلَ الْوَاحِدِ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ عِنْدَنَا مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ (وَلِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ تَعَلَّقَ بِمَالِهِ فِي مَرَضِهِ وَلِهَذَا يُمْنَعُ مِنْ التَّبَرُّعِ عَلَى الْوَارِثِ أَصْلًا، فَفِي تَخْصِيصِ الْبَعْضِ بِهِ إبْطَالُ حَقِّ الْبَاقِينَ) وَتَذَكُّرِ مَا أَوْرَدْنَا بِالْإِقْرَارِ بِوَارِثٍ آخَرَ وَمَا أَجَبْنَا بِهِ عَنْهُ (وَلِأَنَّ حَالَةَ الْمَرَضِ حَالَةُ الِاسْتِغْنَاءِ) عَنْ الْمَالِ لِظُهُورِ أَمَارَاتِ الْمَوْتِ الْمُوجِبِ لِانْتِهَاءِ الْآمَالِ، وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ فَالْإِقْرَارُ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ فِيهِ يُورِثُ تُهْمَةَ تَخْصِيصِهِ (وَالْقَرَابَةُ) تَمْنَعُ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّهَا (سَبَبُ تَعَلُّقِ حَقِّ الْأَقْرِبَاءِ

إلَّا أَنَّ هَذَا التَّعَلُّقَ لَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ لِحَاجَتِهِ إلَى الْمُعَامَلَةِ فِي الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْحَجَرَ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْمَرَضِ يَمْتَنِعُ النَّاسُ عَنْ الْمُعَامَلَةِ مَعَهُ، وَقَلَّمَا تَقَعُ الْمُعَامَلَةُ مَعَ الْوَارِثِ وَلَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ الْإِقْرَارِ بِوَارِثٍ آخَرَ لِحَاجَتِهِ أَيْضًا، ثُمَّ هَذَا التَّعَلُّقُ حَقُّ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، فَإِذَا صَدَّقُوهُ فَقَدْ أَبْطَلُوهُ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ قَالَ (وَإِذَا أَقَرَّ لِأَجْنَبِيٍّ جَازَ وَإِنْ أَحَاطَ بِمَالِهِ) لِمَا بَيَّنَّا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ إلَّا فِي الثُّلُثِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْمَالِ) وَتَعَلُّقُ حَقِّهِمْ بِهِ يَمْنَعُ تَخْصِيصَ بَعْضِهِمْ بِشَيْءٍ مِنْهُ بِلَا مُخَصِّصٍ (إلَّا أَنَّ هَذَا التَّعَلُّقَ لَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ لِحَاجَتِهِ إلَى الْمُعَامَلَةِ فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ، لِأَنَّهُ لَوْ انْحَجَرَ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْمَرَضِ لَامْتَنَعَ النَّاسُ عَنْ الْمُعَامَلَةِ مَعَهُ) فَإِنْ قِيلَ: فَالْحَاجَةُ مَوْجُودَةٌ فِي حَقِّ الْوَارِثِ أَيْضًا لِأَنَّ النَّاسَ كَمَا يُعَامَلُونَ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ يُعَامَلُونَ مَعَ الْوَارِثِ أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَقَلَّمَا تَقَعُ الْمُعَامَلَةُ مَعَ الْوَارِثِ) لِأَنَّ الْبَيْعَ لِلِاسْتِرْبَاحِ وَلَا اسْتِرْبَاحَ مَعَ الْوَارِثِ لِأَنَّهُ يُسْتَحْيَا مِنْ الْمُمَاكَسَةِ مَعَهُ فَلَا يُحَصِّلُ الرِّبْحَ (وَ) لِهَذَا (لَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ الْإِقْرَارِ بِوَارِثٍ آخَرَ لِحَاجَتِهِ أَيْضًا) وَهُوَ السُّؤَالُ الْمَذْكُورُ آنِفًا (ثُمَّ هَذَا التَّعَلُّقُ حَقُّ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، فَإِذَا صَدَّقُوهُ فَقَدْ أَبْطَلُوهُ فَصَحَّ الْإِقْرَارُ) قَالَ (وَإِذَا أَقَرَّ لِأَجْنَبِيٍّ جَازَ إلَخْ) وَإِذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِأَجْنَبِيٍّ صَحَّ وَإِنْ أَحَاطَ بِمَالِهِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ، وَكَانَتْ الْمَسْأَلَةُ مَعْلُومَةً مِمَّا تَقَدَّمَ إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَهَا تَمْهِيدًا لِذِكْرِ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ، فَإِنَّ الْقِيَاسَ لَا يَقْتَضِي جَوَازَهُ إلَّا بِمِقْدَارِ الثُّلُثِ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَصَرَ تَصَرُّفَهُ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ، إلَّا أَنَّا قُلْنَا لَمَّا صَحَّ إقْرَارُهُ فِي الثُّلُثِ كَانَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي الثُّلُثِ الْبَاقِي، لِأَنَّ الثُّلُثَ بَعْدَ الدَّيْنِ مَحَلُّ التَّصَرُّفِ فَنَفَذَ الْإِقْرَارُ فِي الثُّلُثِ الثَّانِي ثُمَّ وَثُمَّ إلَى أَنْ يَأْتِيَ عَلَى الْكُلِّ. فَإِنْ قِيلَ: لِلْمَرِيضِ حَقُّ التَّصَرُّفِ فِي ثُلُثِ مَالِهِ بِدُونِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ فَلَمَّا صَحَّ تَصَرُّفُهُ فِي ثُلُثِ مَالِهِ صَحَّ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي ثُلُثِ الْبَاقِي لِمَا أَنَّ جَمِيعَ مَالِهِ بَعْدَ الثُّلُثِ الْخَارِجِ جُعِلَ كَأَنَّهُ هُوَ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَيَجِبُ أَنْ تَنْفُذَ وَصِيَّتُهُ فِي ثُلُثِهِ أَيْضًا ثُمَّ وَثُمَّ إلَى أَنْ يَأْتِيَ عَلَى الْكُلِّ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الثُّلُثَ بَعْدَ الدَّيْنِ مَحَلُّ التَّصَرُّفِ لِلْمَرِيضِ، فَكُلَّمَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ انْتَقَلَ مَحَلُّ التَّصَرُّفِ إلَى ثُلُثِ مَا بَعْدَهُ، وَلَيْسَ الثُّلُثُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ بِشَيْءٍ مَحَلَّ تَصَرُّفِ الْمَرِيضِ وَصِيَّةً بَلْ الثُّلُثُ

لِأَنَّ الشَّرْعَ قَصَرَ تَصَرُّفَهُ عَلَيْهِ. إلَّا أَنَّا نَقُولُ: لَمَّا صَحَّ إقْرَارُهُ فِي الثُّلُثِ كَانَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي ثُلُثِ الْبَاقِي لِأَنَّهُ الثُّلُثُ بَعْدَ الدَّيْنِ ثُمَّ وَثُمَّ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى الْكُلِّ. قَالَ (وَمَنْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيٍّ ثُمَّ قَالَ: هُوَ ابْنِي ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَبَطَلَ إقْرَارُهُ، فَإِنْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَبْطُلْ إقْرَارُهُ لَهَا) وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ دَعْوَةَ النَّسَبِ تَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَقَرَّ لِابْنِهِ فَلَا يَصِحُّ وَلَا كَذَلِكَ الزَّوْجِيَّةُ لِأَنَّهَا تَقْتَصِرُ عَلَى زَمَانِ التَّزَوُّجِ فَبَقِيَ إقْرَارُهُ لِأَجْنَبِيَّةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَحَلُّهَا لَيْسَ إلَّا فَافْتَرَقَا. قَالَ (وَمَنْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيٍّ إلَخْ) الْمُقَرُّ لَهُ إمَّا أَنْ لَا يَكُونَ وَارِثًا لِلْمَرِيضِ أَوْ يَكُونَ وَارِثًا، وَالْوَارِثُ إمَّا مُسْتَمِرٌّ أَوْ غَيْرُ مُسْتَمِرٍّ، وَغَيْرُ الْمُسْتَمِرِّ إمَّا أَنْ يَكُونَ وَارِثًا حَالَةَ الْإِقْرَارِ غَيْرَ وَارِثٍ حَالَةَ الْمَوْتِ لِحَجْبٍ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ وَارِثًا حَالَةَ الْمَوْتِ غَيْرَ وَارِثٍ حَالَةَ الْإِقْرَارِ لِحَجْبٍ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَمَا لِغَيْرِهِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ سَبَبُ الْإِرْثِ مِمَّا يَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ أَوْ لَا

قَالَ (وَمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فِي مَرَضِهِ ثَلَاثًا ثُمَّ أَقَرَّ لَهَا بِدَيْنٍ فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الدَّيْنِ وَمِنْ مِيرَاثِهَا مِنْهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِمَّا أَنْ يَكُونَ: أَعْنِي غَيْرَ الْمُسْتَمِرِّ وَارِثًا فِي الْحَالَيْنِ غَيْرَ وَارِثٍ بَيْنَهُمَا، فَذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَوْجُهٍ: فَفِيمَا لَمْ يَكُنْ أَصْلًا صَحَّ إقْرَارُهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَفِيمَا كَانَ وَارِثًا مُسْتَمِرًّا لَا يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ، وَفِيمَا كَانَ وَارِثًا حَالَةَ الْإِقْرَارِ دُونَ الْمَوْتِ، فَإِنْ كَانَ الِانْتِفَاءُ لِحَجْبٍ كَمَا إذَا أَقَرَّ لِأَخِيهِ وَهُوَ وَارِثٌ ثُمَّ وُلِدَ وَلَدٌ أَوْ أَسْلَمَ الْوَلَدُ الْكَافِرُ أَوْ أُعْتِقَ الرَّقِيقُ صَحَّ الْإِقْرَارُ بِاتِّفَاقٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا لِأَنَّ الْوِرَاثَةَ بِالْمَوْتِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ وَارِثًا كَانَ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ: أَيْ لِغَيْرِ الْحَجْبِ كَمَا إذَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فِي مَرَضِهِ ثَلَاثًا بِأَمْرِهَا وَقَدْ أَقَرَّ لَهَا بِدَيْنٍ فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الدَّيْنِ وَالْمِيرَاثِ لِوُجُودِ تُهْمَةِ الْإِيثَارِ بِقِيَامِ الْعِدَّةِ فَلَعَلَّهُ اسْتَقَلَّ مِيرَاثَهَا، وَبَابُ الْإِقْرَارِ لِلْوَارِثِ مَسْدُودٌ فَأَقْدَم عَلَى الطَّلَاقِ لِيَصِحَّ الْإِقْرَارُ بِزِيَادَةٍ عَلَى مِيرَاثِهَا، وَلَا تُهْمَةَ فِي الْأَقَلِّ فَيَثْبُتُ، وَفِيمَا إذَا كَانَ وَارِثًا حَالَةَ الْمَوْتِ دُونَ الْإِقْرَارِ، فَإِنْ كَانَ لِحَجْبٍ كَمَا إذَا أَقَرَّ لِأَخِيهِ وَلَهُ ابْنٌ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ بَطَلَ إقْرَارُهُ، خِلَافًا لِزُفَرَ اعْتِبَارًا لِحَالَةِ الْإِقْرَارِ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ بِنَفْسِهِ وَقَدْ حَصَلَ لِغَيْرِ وَارِثٍ فَيَصِحُّ كَمَا إذَا أَقَرَّ لِأَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا. قُلْنَا: الْإِقْرَارُ لِلْوَارِثِ لَا يَصِحُّ، وَقَدْ تَبَيَّنَ بِمَوْتِ الْحَاجِبِ وِرَاثَتُهُ فَيَبْطُلُ إقْرَارُهُ، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيَّةِ فَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ وَارِثَةً قَبْلَ التَّزَوُّجِ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ وَقَدْ اسْتَنَدَ السَّبَبُ، كَمَا إذَا أَقَرَّ لِأَجْنَبِيٍّ فِي مَرَضِهِ ثُمَّ ادَّعَى نَسَبَهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ فَبَطَلَ إقْرَارُهُ إنْ لَمْ يَسْتَنِدْ، كَمَا إذَا أَقَرَّ لِأَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَبْطُلْ. وَالْفَرْقُ أَنَّ بِالْمُسْتَنِدِ تَبَيَّنَ كَوْنُ الْإِقْرَارِ لِلْوَارِثِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَفِيمَا كَانَ وَارِثًا فِي الْحَالَيْنِ دُونَ الْوَسَطِ كَمَا إذَا أَقَرَّ لِزَوْجَتِهِ ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ وَمَاتَ

[فصل الإقرار بالنسب]

لِأَنَّهُمَا مُتَّهَمَانِ فِيهِ لِقِيَامِ الْعِدَّةِ، وَبَابُ الْإِقْرَارِ مَسْدُودٌ لِلْوَارِثِ فَلَعَلَّهُ أَقْدَمَ عَلَى هَذَا الطَّلَاقِ لِيَصِحَّ إقْرَارُهُ لَهَا زِيَادَةً عَلَى مِيرَاثِهَا وَلَا تُهْمَةَ فِي أَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ فَيَثْبُتُ. [فَصْلٌ الْإِقْرَار بِالنَّسَبِ] (وَمَنْ أَقَرَّ بِغُلَامٍ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ وَلَيْسَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ أَنَّهُ ابْنُهُ وَصَدَّقَهُ الْغُلَامُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا) لِأَنَّ النَّسَبَ مِمَّا يَلْزَمُهُ خَاصَّةً فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِهِ وَشَرْطُ أَنْ يُولَدَ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ كَيْ لَا يَكُونَ مُكَذَّبًا فِي الظَّاهِرِ، وَشَرْطُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ ثُبُوتَهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا شَرَطَ تَصْدِيقِهِ لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ إذْ الْمَسْأَلَةُ فِي غُلَامٍ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبَطَلَ الْإِقْرَارُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَجَازَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ، لِأَنَّهَا تَرِثُ بِسَبَبٍ حَادِثٍ بَعْدَ الْإِقْرَارِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيمَا قَبْلَهُ فِيمَا لَمْ يَكُنْ لَيْسَ بِمُسْتَنِدٍ. كَمَا إذَا أَقَرَّ لِشَخْصٍ فِي مَرَضِهِ ثُمَّ صَحَّ ثُمَّ مَرِضَ فَمَاتَ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ الْإِقْرَارَ لِلْوَارِثِ بَاطِلٌ لِتُهْمَةِ الْإِيثَارِ، فَإِذَا وُجِدَ سَبَبُ الْوَرَثَةِ عِنْدَ الْإِقْرَارِ وُجِدَتْ التُّهْمَةُ وَالْعَقْدُ الْمُتَجَدِّدُ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَوَّلِ فِي تَقْرِيرِ صِفَةِ الْوِرَاثَةِ عِنْدَ الْإِقْرَارِ، لِأَنَّ التُّهْمَةَ لَمْ تَكُنْ مُقَرَّرَةً لِاحْتِمَالِ زَوَالِ النِّكَاحِ فَلَمْ يَصِحَّ الْإِقْرَارُ

بِخِلَافِ الصَّغِيرِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ، وَلَا يَمْتَنِعُ بِالْمَرَضِ لِأَنَّ النَّسَبَ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ (وَيُشَارِكُ الْوَرَثَةَ فِي الْمِيرَاثِ) لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ صَارَ كَالْوَارِثِ الْمَعْرُوفِ فَيُشَارِكُ وَرَثَتَهُ. قَالَ (وَيَجُوزُ إقْرَارُ الرَّجُلِ بِالْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ وَالْمَوْلَى) لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا يَلْزَمُهُ وَلَيْسَ فِيهِ تَحْمِيلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQذَكَرَ الْإِقْرَارَ بِالنَّسَبِ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ بَعْدَ ذِكْرِ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ لِقِلَّتِهِ. وَلِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ بِالْوَلَدِ ثَلَاثُ شَرَائِطَ: أَنْ يَكُونَ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ كَيْ لَا يَكُونَ مُكَذَّبًا فِي الظَّاهِرِ. وَأَنْ لَا يَكُونَ الْوَلَدُ ثَابِتَ النَّسَبِ، إذْ لَوْ كَانَ لَامْتَنَعَ ثُبُوتُهُ مِنْ غَيْرِهِ. وَأَنْ يَصْدُقَ الْمُقِرُّ فِي إقْرَارِهِ إذَا كَانَ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ الصَّغِيرِ الَّذِي لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ عَلَى مَا مَرَّ فِي بَابِ دَعْوَى النَّسَبِ، وَلَا يَمْتَنِعُ الْإِقْرَارُ بِهِ بِسَبَبِ الْمَرَضِ لِأَنَّ النَّسَبَ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ وَهُوَ يَلْزَمُهُ خَاصَّةً لَيْسَ فِيهِ تَحْمِيلُهُ عَلَى الْغَيْرِ فَيَثْبُتُ، وَإِذَا ثَبَتَ كَانَ كَالْوَارِثِ الْمَعْرُوفِ فَيُشَارِكُ وَرَثَتَهُ قَالَ (وَيَجُوزُ إقْرَارُ الرَّجُلِ بِالْوَالِدَيْنِ إلَخْ) هَذَا بَيَانُ مَا يَجُوزُ الْإِقْرَارُ بِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ إقْرَارُ الرَّجُلِ بِالْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ وَالْمَوْلَى: يَعْنِي مَوْلَى الْعَتَاقَةِ سَوَاءٌ كَانَ أَعْلَى أَوْ أَسْفَلَ جَائِزٌ سَوَاءٌ كَانَ

(وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الْمَرْأَةِ بِالْوَالِدَيْنِ وَالزَّوْجِ وَالْمَوْلَى) لِمَا بَيَّنَّا (وَلَا يُقْبَلُ بِالْوَلَدِ) لِأَنَّ فِيهِ تَحْمِيلَ النَّسَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإقْرَارُهُ بِهَؤُلَاءِ فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ، لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا يَلْزَمُهُ، وَلَيْسَ فِيهِ تَحْمِيلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ فَتَحَقَّقَ الْمُقْتَضَى وَانْتَفَى الْمَانِعُ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِهِ، وَهَذَا الدَّلِيلُ كَمَا تَرَى يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ إقْرَارِهِ بِالْأُمِّ كَصِحَّتِهِ بِالْأَبِ، وَهُوَ رِوَايَةُ تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ وَرِوَايَةُ شَرْحِ الْفَرَائِضِ لِلْإِمَامِ سِرَاجِ الدِّينِ وَالْمُصَنِّفِ. وَالْمَذْكُورُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْإِيضَاحِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ أَنَّ إقْرَارَ الرَّجُلِ يَصِحُّ بِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ بِالْأَبِ وَالِابْنِ وَالْمَرْأَةِ وَمَوْلَى الْعَتَاقِ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ، وَقَدْ عَرَفْت صِحَّتَهُ بِدَلَالَةِ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الْمَرْأَةِ بِالْوَالِدَيْنِ وَالزَّوْجِ وَالْمَوْلَى لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا يَلْزَمُهُ إلَخْ. وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَإِقْرَارُ الْمَرْأَةِ يَصِحُّ بِثَلَاثِ نَفَرٍ: بِالْأَبِ وَالزَّوْجِ وَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا، وَلَا يُقْبَلُ بِالْوَلَدِ لِأَنَّ فِيهِ تَحْمِيلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ وَهُوَ الزَّوْجُ، لِأَنَّ النَّسَبَ مِنْهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5] وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهَا الزَّوْجُ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ أَوْ تَشْهَدُ الْقَابِلَةُ

عَلَى الْغَيْرِ وَهُوَ الزَّوْجُ لِأَنَّ النَّسَبَ مِنْهُ (إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهَا الزَّوْجُ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ (أَوْ تَشْهَدَ بِوِلَادَتِهِ قَابِلَةٌ) لِأَنَّ قَوْلَ الْقَابِلَةِ فِي هَذَا مَقْبُولٌ وَقَدْ مَرَّ فِي الطَّلَاقِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي إقْرَارِ الْمَرْأَةِ تَفْصِيلًا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى، وَلَا بُدَّ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْوِلَادَةِ إذْ الْفَرْضُ أَنَّ الْفِرَاشَ قَائِمٌ فَيَحْتَاجُ إلَى تَعْيِينِ الْوَلَدِ وَشَهَادَتُهَا فِي ذَلِكَ مَقْبُولَةٌ وَقَدْ مَرَّ فِي الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ وَذَكَرْنَا فِي إقْرَارِ الْمَرْأَةِ تَفْصِيلًا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى) يُرِيدُ بِهِ أَنَّ إقْرَارَهَا بِالْوَلَدِ وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ إذَا كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ مَنْكُوحَةً وَلَا مُعْتَدَّةً قَالُوا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهَا بِقَوْلِهَا لِأَنَّ فِيهِ إلْزَامًا عَلَى نَفْسِهَا دُونَ غَيْرِهَا (وَلَا بُدَّ مِنْ

تَصْدِيقِ هَؤُلَاءِ، وَيَصِحُّ التَّصْدِيقُ فِي النَّسَبِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ لِأَنَّ النَّسَبَ يَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ، وَكَذَا تَصْدِيقُ الزَّوْجَةِ لِأَنَّ حُكْمَ النِّكَاحِ بَاقٍ، وَكَذَا تَصْدِيقُ الزَّوْجِ بَعْدَ مَوْتِهَا لِأَنَّ الْإِرْثَ مِنْ أَحْكَامِهِ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ النِّكَاحَ انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ وَلِهَذَا لَا يَحِلُّ لَهُ غُسْلُهَا عِنْدَنَا، وَلَا يَصِحُّ التَّصْدِيقُ عَلَى اعْتِبَارِ الْإِرْثِ لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ حَالَةَ الْإِقْرَارِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالتَّصْدِيقُ يَسْتَنِدُ إلَى أَوَّلِ الْإِقْرَارِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَصْدِيقِ هَؤُلَاءِ) وَالْمَرْأَةُ شَرْطُ صِحَّةِ تَصْدِيقِهَا خُلُوُّهَا عَنْ زَوْجٍ آخَرَ وَعِدَّتِهِ وَأَنْ لَا تَكُونَ أُخْتُهَا تَحْتَ الْمُقِرِّ وَلَا أَرْبَعٌ سِوَاهَا وَيَصِحُّ التَّصْدِيقُ فِي النَّسَبِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ لِأَنَّهُ مِمَّا يَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ، وَكَذَا تَصْدِيقُ الزَّوْجَةِ بِالزَّوْجِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ الزَّوْجَ الْمُقِرَّ بِالِاتِّفَاقِ، لِأَنَّ حُكْمَ النِّكَاحِ بَاقٍ وَهُوَ الْعِدَّةُ فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهِيَ مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُغَسِّلُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِقِيَامِ النِّكَاحِ وَكَذَا تَصْدِيقُ بَعْدَ الزَّوْجِ مَوْتِهَا لِأَنَّ الْإِرْثَ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ وَهُوَ مِمَّا يَبْقَى بَعْدَ النِّكَاحِ كَالْعِدَّةِ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَصِحُّ لِأَنَّ النِّكَاحَ انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهِ لِيَصِحَّ بِاعْتِبَارِهَا، وَلَا يَصِحُّ التَّصْدِيقُ عَلَى اعْتِبَارِ الْإِرْثِ لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ حَالَةَ الْإِقْرَارِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالتَّصْدِيقُ يَسْتَنِدُ إلَى أَوَّلِ الْإِقْرَارِ؛ مَعْنَاهُ أَنَّ التَّصْدِيقَ هُوَ الْمُوجِبُ لِثُبُوتِ النِّكَاحِ الْمُوجِبِ لِلْإِرْثِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَثْبُتَ بِالْإِرْثِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يُعَارِضَ فَيَقُولَ: لَا يَصِحُّ التَّصْدِيقُ عَلَى اعْتِبَارِ الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا مَعْدُومَةٌ حَالَةَ الْإِقْرَارِ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالتَّصْدِيقُ يَسْتَنِدُ إلَى أَوَّلِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِقْرَارِ وَيُفَسَّرُ بِمَا ذَكَرْتُمْ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْعِدَّةَ لَازِمَةٌ لِلْمَوْتِ عَنْ نِكَاحٍ بِالْإِجْمَاعِ فَجَازَ أَنْ يُعْتَبَرَ النِّكَاحُ الْمُعَايَنُ قَائِمًا

قَالَ (وَمَنْ أَقَرَّ بِنَسَبٍ مِنْ غَيْرِ الْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ نَحْوَ الْأَخِ وَالْعَمِّ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي النَّسَبِ) لِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ (فَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ قَرِيبٌ أَوْ بَعِيدٌ فَهُوَ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ) لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ لَا يُزَاحِمُ الْوَارِثَ الْمَعْرُوفَ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ اسْتَحَقَّ الْمُقَرُّ لَهُ مِيرَاثَهُ) لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ نَفْسِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَارِثِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِجَمِيعِهِ فَيَسْتَحِقَّ جَمِيعَ الْمَالِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ حَمْلِ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ وَصِيَّةً حَقِيقَةً حَتَّى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِأَخٍ ثُمَّ أَوْصَى لِآخَرَ بِجَمِيعِ مَالِهِ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ خَاصَّةً وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ وَصِيَّةً لَاشْتَرَكَا نِصْفَيْنِ لَكِنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ، حَتَّى لَوْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِأَخٍ وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ ثُمَّ أَنْكَرَ الْمُقِرُّ وِرَاثَتَهُ ثُمَّ أَوْصَى بِمَالِهِ كُلِّهِ لِإِنْسَانٍ كَانَ مَالُهُ لِلْمُوصَى لَهُ؛ وَلَوْ لَمْ يُوصِ لِأَحَدٍ كَانَ لِبَيْتِ الْمَالِ، لِأَنَّ رُجُوعَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِاعْتِبَارِهِمَا، فَكَذَا الْمُقِرُّ بِهِ، وَأَمَّا الْإِرْثُ فَلَيْسَ بِلَازِمٍ لَهُ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ كِتَابِيَّةً فَلَمْ يُعْتَبَرْ قَائِمًا بِاعْتِبَارِهِ. قَالَ (وَمَنْ أَقَرَّ بِنَسَبٍ مِنْ غَيْرِ الْوَالِدَيْنِ إلَخْ) وَمَنْ أَقَرَّ بِأَخٍ أَوْ عَمٍّ لَمْ يُقْبَلْ فِي النَّسَبِ لِأَنَّ فِيهِ حَمْلَهُ عَلَى الْغَيْرِ. وَأَمَّا فِي الْإِرْثِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ قَرِيبًا كَانَ كَذَوِي الْفَرْضِ وَالْعَصَبَاتِ مُطْلَقًا أَوْ بَعِيدًا كَذَوِي الْأَرْحَامِ أَوْ لَا يَكُونُ، فَإِنْ كَانَ فَهُوَ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْ

صَحِيحٌ لِأَنَّ النَّسَبَ لَمْ يَثْبُتْ فَبَطَلَ إقْرَارُهُ. قَالَ (وَمَنْ مَاتَ أَبُوهُ فَأَقَرَّ بِأَخٍ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُ أَخِيهِ) لِمَا بَيَّنَّا (وَيُشَارِكُهُ فِي الْإِرْثِ) لِأَنَّ إقْرَارَهُ تَضَمَّنَ شَيْئَيْنِ: حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ، وَالِاشْتِرَاكَ فِي الْمَالِ وَلَهُ فِيهِ وِلَايَةٌ فَيَثْبُتُ كَالْمُشْتَرِي وَإِذَا أَقَرَّ عَلَى الْبَائِعِ بِالْعِتْقِ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ حَتَّى لَا يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ وَلَكِنَّهُ يُقْبَلُ فِي حَقِّ الْعِتْقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُقَرِّ لَهُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ لَمْ يُزَاحِمْ الْوَارِثَ الْمَعْرُوفَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ اسْتَحَقَّ الْمُقَرُّ لَهُ مِيرَاثَهُ، لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِشَيْئَيْنِ: بِالنَّسَبِ وَبِاسْتِحْقَاقِ مَالِهِ بَعْدَهُ، وَالْأَوَّلُ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ غَيْرُ مَسْمُوعٍ، الثَّانِي عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ مَسْمُوعٌ لِأَنَّ لَهُ التَّصَرُّفَ فِي مَالِ نَفْسِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْغَرِيمِ وَالْوَارِثِ، حَتَّى لَوْ أَوْصَى بِجَمِيعِهِ اسْتَحَقَّهُ الْمُوصِي لَهُ، وَبَقِيَّةُ كَلَامِهِ لَا تَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ (قَوْلُهُ وَمَنْ مَاتَ أَبُوهُ فَأَقَرَّ بِأَخٍ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ) مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ عَلَى نَفْسِهِ صَحِيحٌ (فَيُشَارِكُهُ فِي الْإِرْثِ) وَعَلَى الْغَيْرِ غَيْرُ صَحِيحٍ فَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ أَحَدَ ابْنَيْنِ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ أَيْضًا وَالْمُقَرُّ لَهُ يُشَارِكُ الْمُقِرَّ فِي الْإِرْثِ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ مِنْ الْأَصْلِ (لِأَنَّ إقْرَارَهُ تَضَمَّنَ شَيْئَيْنِ: حَمْلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ وَالِاشْتِرَاكِ فِي مَالِهِ، وَلَا وِلَايَةَ فِي الْأَوَّلِ فَلَمْ يَثْبُتْ، وَلَهُ ذَلِكَ فِي الثَّانِي فَيَثْبُتُ) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا أَقَرَّ أَحَدُ الِابْنَيْنِ بِأَخٍ ثَالِثٍ وَكَذَّبَهُ وَأَخُوهُ الْمَعْرُوفُ فِيهِ أَعْطَاهُ الْمُقِرُّ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: يُعْطِيهِ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ لِأَنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ لَهُ بِثُلُثٍ شَائِعٍ فِي النِّصْفَيْنِ فَنَفَذَ فِي حِصَّتِهِ وَبَطَلَ فِي حِصَّةِ الْآخَرِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ

قَالَ (وَمَنْ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ وَلَهُ عَلَى آخَرَ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا أَنَّ أَبُوهُ قَبَضَ مِنْهَا خَمْسِينَ لَا شَيْءَ لِلْمُقِرِّ وَلِلْآخَرِ خَمْسُونَ) لِأَنَّ هَذَا إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ إنَّمَا يَكُونُ بِقَبْضٍ مَضْمُونٍ، فَإِذَا كَذَّبَهُ أَخُوهُ اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ نَصِيبَهُ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا، غَايَةَ الْأَمْرِ أَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى كَوْنِ الْمَقْبُوضِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ زَعْمَ الْمُقِرِّ أَنَّهُ يُسَاوِيهِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَالْمُنْكِرُ ظَالِمٌ فَيُجْعَلُ مَا فِي يَدِ الْمُنْكِرِ كَالْهَالِكِ وَيَكُونُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ. قَالَ (وَمَنْ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ إلَخْ) وَمَنْ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ وَلَهُ عَلَى آخَرَ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا أَنَّ أَبُوهُ قَبَضَ مِنْهَا خَمْسِينَ لَا شَيْءَ لِلْمُقِرِّ وَلِلْآخَرِ خَمْسُونَ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْإِقْرَارِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ الْأَخُ وَالْمَيِّتُ فَيَصِحُّ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يَصِحُّ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ يَحْلِفُ الْأَخُ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّ أَبَاهُ قَبَضَ مِنْهُ الْمِائَةَ وَيَقْبِضُ الْخَمْسِينَ مِنْ الْغَرِيمِ، لِأَنَّ هَذَا إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ إنَّمَا يَكُونُ بِقَبْضٍ مَضْمُونٍ عَلَى مَا مَرَّ أَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا، وَإِقْرَارُ الْوَارِثِ بِالدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ يُوجِبُ الْقَضَاءَ عَلَيْهِ مِنْ حِصَّتِهِ خَاصَّةً، فَإِنْ أَكْذَبَهُ أَخُوهُ اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ نَصِيبَهُ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِابْنِ أَبِي لَيْلَى كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا. وَعُورِضَ بِأَنَّ صَرْفَ إقْرَارِهِ إلَى

لَكِنَّ الْمُقِرَّ لَوْ رَجَعَ عَلَى الْقَابِضِ بِشَيْءٍ لَرَجَعَ الْقَابِضُ عَلَى الْغَرِيمِ وَرَجَعَ الْغَرِيمُ عَلَى الْمُقِرِّ فَيُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQنَصِيبِهِ خَاصَّةً يَسْتَلْزِمُ قِسْمَةَ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهِيَ لَا تَجُوزُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ قِسْمَةَ الدَّيْنِ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ وُجُودِ الدَّيْنِ، وَإِذَا أَقَرَّ الْمُقِرُّ بِقَبْضِ خَمْسِينَ قَبْلَ الْوِرَاثَةِ لَمْ يَنْتَقِلْ عَلَى زَعْمِهِ مِنْ الدَّيْنِ إلَّا الْخَمْسُونَ فَلَمْ تَتَحَقَّقْ الْقِسْمَةُ. فَإِنْ قِيلَ زَعْمُ الْمُقِرِّ يُعَارِضُهُ زَعْمُ الْمُنْكَرِ، فَإِنَّ فِي زَعْمِهِ أَنَّ الْمَقْبُوضَ عَلَى التَّرِكَةِ كَمَا فِي زَعْمِ الْمُقِرِّ وَالْمُنْكِرُ يَدَّعِي زِيَادَةً عَلَى الْمَقْبُوضِ فَتَصَادَقَا عَلَى كَوْنِ الْمَقْبُوضِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَمَا الْمُرَجِّحُ لِزَعْمِ الْمُقِرِّ عَلَى زَعْمِ الْمُنْكِرِ حَتَّى انْصَرَفَ الْمُقَرُّ بِهِ إلَى نَصِيبِ الْمُقِرِّ خَاصَّةً وَلَمْ يَكُنْ الْمَقْبُوضُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ: غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى كَوْنِ الْمَقْبُوضِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، لَكِنَّ الْمُقِرَّ لَوْ رَجَعَ: يَعْنِي أَنَّ الْمَرْجِعَ هُوَ أَنَّ اعْتِبَارَ زَعْمِ الْمُنْكِرِ يُؤَدِّي إلَى عَدَمِ الْفَائِدَةِ بِلُزُومِ الدَّوْرِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ الْمُقِرُّ عَلَى الْقَابِضِ بِشَيْءٍ لَرَجَعَ الْقَابِضُ عَلَى الْغَرِيمِ لِزَعْمِهِ أَنَّ أَبَاهُ لَمْ يَقْبِضْ شَيْئًا وَلَهُ تَمَامُ الْخَمْسِينَ بِسَبَبٍ سَابِقٍ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَدْ انْتَقَضَ الْقَبْضُ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ فَيُرَاجَعُ بِتَمَامِ حَقِّهِ وَرَجَعَ الْغَرِيمُ عَلَى الْمُقِرِّ لِإِقْرَارِهِ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ فَيُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إذَا كَانَ مِنْ زَعْمِ الْمُنْكِرِ أَنَّ أَبَاهُ لَمْ يَقْبِضْ شَيْئًا كَانَ مِنْ زَعْمِهِ أَنَّ أَخَاهُ فِي إقْرَارِهِ ظَالِمٌ وَهُوَ فِيمَا يَقْبِضُهُ أَخُوهُ مَظْلُومٌ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَرِيمِ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْمَظْلُومَ لَا يَظْلِمُ غَيْرَهُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَظْلُومَ لَا يَظْلِمُ غَيْرَهُ، وَلَكِنَّهُ فِي زَعْمِهِ لَيْسَ فِي الرُّجُوعِ بِظَالِمٍ بَلْ طَالِبٍ لِتَمَامِ حَقِّهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[كتاب الصلح]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الصُّلْحِ] قَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ الْمُنَاسَبَةِ فِي أَوَّلِ الْإِقْرَارِ فَلَا نُعِيدُهُ، وَهُوَ اسْمٌ لِلْمُصَالَحَةِ خِلَافُ الْمُخَاصَمَةِ. وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ: عَقْدٌ وُضِعَ لِرَفْعِ الْمُنَاصَبَةِ. وَسَبَبُهُ: تَعَلُّقُ الْبَقَاءِ الْمُقَدَّرِ لِتَعَاطِيهِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي التَّقْرِيرِ. وَشَرْطُهُ: كَوْنُ الْمُصَالَحِ عَنْهُ مِمَّا يَجُوزُ عَنْهُ الِاعْتِيَاضُ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلٌ لَهُ. وَرُكْنُهُ: الْإِيجَابُ مُطْلَقًا وَالْقَبُولُ فِيمَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعَيُّنِ. وَأَمَّا إذَا رَفَعَ الدَّعْوَى فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَطَلَبَ الصُّلْحَ عَلَى ذَلِكَ الْجِنْسِ فَقَدْ تَمَّ الصُّلْحُ بِقَوْلِ الْمُدَّعِي قَبِلْت وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى قَبُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِبَعْضِ الْحَقِّ وَهُوَ يَتِمُّ بِالْمُسْقِطِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ طَلَبَ الْبَيْعَ مِنْ غَيْرِهِ فَقَالَ ذَلِكَ الْغَيْرُ بِعْت لَا يَتِمُّ الْبَيْعُ مَا لَمْ يَقُلْ الطَّالِبُ قَبِلْت. وَحُكْمُهُ تَمَلُّكُ الْمُدَّعَى الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ مُنْكِرًا كَانَ الْخَصْمُ أَوْ مُقِرًّا. وَوُقُوعُهُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْمُصَالَحِ عَنْهُ إنْ كَانَ مِمَّا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ وَالْبَرَاءَةَ لَهُ فِي غَيْرِهِ إنْ كَانَ مُقِرًّا، وَإِنْ كَانَ مُنْكِرًا فَحُكْمُهُ وُقُوعُ الْبَرَاءَةِ عَنْ دَعْوَى الْمُدَّعَى احْتَمَلَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ التَّمْلِيكَ أَوْ لَا. وَأَنْوَاعُهُ بِحَسَبِ أَحْوَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ وَبِحَسَبِ الْبَدَلَيْنِ عَلَى الْقِسْمَةِ الْعَقْلِيَّةِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ، وَجَوَازُهُ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ

قَالَ (الصُّلْحُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: صُلْحٌ مَعَ إقْرَارٍ، وَصُلْحٌ مَعَ سُكُوتٍ، وَهُوَ أَنْ لَا يُقِرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا يُنْكِرَ وَصُلْحٌ مَعَ إنْكَارٍ وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ) لِإِطْلَاقٍ قَوْله تَعَالَى {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ الصُّلْحُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ) الْحَصْرُ عَلَى هَذِهِ الْأَنْوَاعِ ضَرُورِيٌّ، لِأَنَّ الْخَصْمَ وَقْتَ الدَّعْوَى إمَّا أَنْ يَسْكُتَ أَوْ يَتَكَلَّمَ مُجِيبًا وَهُوَ لَا يَخْلُو عَنْ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ. لَا يُقَالُ: قَدْ يَتَكَلَّمُ بِمَا لَا يَتَّصِلُ بِمَحَلِّ النِّزَاعِ لِأَنَّهُ سَقَطَ بِقَوْلِنَا مُجِيبًا وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] فَإِنَّهُ بِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُهَا، فَإِنْ مُنِعَ الْإِطْلَاقُ لِوُقُوعِهِ فِي سِيَاقِ صُلْحِ الزَّوْجَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] فَكَانَ لِلْعَهْدِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الِاعْتِبَارَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَبِأَنَّهُ ذُكِرَ لِلتَّعْلِيلِ: أَيْ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصَالِحَا لِأَنَّ الصُّلْحَ خَيْرٌ فَكَانَ عَامًّا، وَلِأَنَّهُ وَقَعَ قَوْله تَعَالَى أَنْ يُصَالِحَا فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ فَكَانَ مُسْتَقْبَلًا، وقَوْله تَعَالَى {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] كَانَ فِي الْحَالِ فَلَمْ يَكُنْ إيَّاهُ بَلْ جِنْسَهُ. فَإِنْ قِيلَ: سَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ صَرْفَهُ إلَى الْكُلِّ مُتَعَذِّرٌ لِأَنَّ الصُّلْحَ بَعْدَ الْيَمِينِ وَصُلْحَ الْمُودَعِ وَصُلْحَ مَنْ ادَّعَى قَذْفًا عَلَى آخَرَ وَصُلْحُ مَنْ ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحًا فَأَنْكَرَتْ لَا يَجُوزُ فَيُصْرَفُ إلَى الْأَدْنَى وَهُوَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ تَرْكَ الْعَمَلِ بِالْإِطْلَاقِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لِمَانِعٍ لَا يَسْتَلْزِمُ تَرْكَهُ عِنْدَ عَدَمِهِ وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

«كُلُّ صُلْحٍ جَائِزٌ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» ـــــــــــــــــــــــــــــQ «كُلُّ صُلْحٍ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا»

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ مَعَ إنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ لِمَا رَوَيْنَا، وَهَذَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِأَنَّ الْبَدَلَ كَانَ حَلَالًا عَلَى الدَّافِعِ حَرَامًا عَلَى الْآخِذِ فَيَنْقَلِبُ الْأَمْرُ، وَلِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَدْفَعُ الْمَالَ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ وَهَذَا رِشْوَةٌ. وَلَنَا مَا تَلَوْنَا وَأَوَّلُ مَا رَوَيْنَا وَتَأْوِيلُ آخِرِهِ أَحَلَّ حَرَامًا لِعَيْنِهِ كَالْخَمْرِ أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا لِعَيْنِهِ كَالصُّلْحِ عَلَى أَنْ لَا يَطَأَ الضَّرَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ الشَّافِعِيُّ (لَا يَجُوزُ مَعَ إنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ) لِأَنَّهُ صُلْحٌ أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا وَذَلِكَ حَرَامٌ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بِالْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ (وَلِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَدْفَعُ الْمَالَ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ وَهَذِهِ رِشْوَةٌ) وَهِيَ حَرَامٌ (وَلَنَا مَا تَلَوْنَا) مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] (وَأَوَّلُ مَا رَوَيْنَا) مِنْ الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ صُلْحٍ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ» (وَتَأْوِيلُ آخِرِهِ أَحَلَّ حَرَامًا لِعَيْنِهِ كَالْخَمْرِ أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا لِعَيْنِهِ كَالصُّلْحِ عَلَى أَنْ لَا يَطَأَ الضَّرَّةَ) أَوْ أَنْ لَا يَتَسَرَّى وَالْحَمْلُ عَلَى ذَلِكَ وَاجِبٌ، لِئَلَّا يَبْطُلَ الْعَمَلُ بِهِ أَصْلًا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى الصُّلْحِ عَلَى الْإِقْرَارِ خَاصَّةً لَكَانَ كَالصُّلْحِ عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّ الصُّلْحَ فِي الْعَادَةِ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى بَعْضِ الْحَقِّ فَمَا زَادَ عَلَى الْمَأْخُوذِ إلَى تَمَامِ الْحَقِّ كَانَ حَلَالًا لِلْمُدَّعَى قَبْلَ الصُّلْحِ وَحَرُمَ بِالصُّلْحِ وَكَانَ حَرَامًا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْعُهُ قَبْلَهُ وَحَلَّ بَعْدَهُ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا كَانَ حَلَالًا

وَلِأَنَّ هَذَا صُلْحٌ بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ فَيُقْضَى بِجَوَازِهِ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَأْخُذُهُ عِوَضًا عَنْ حَقِّهِ فِي زَعْمِهِ وَهَذَا مَشْرُوعٌ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَدْفَعُهُ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ وَهَذَا مَشْرُوعٌ أَيْضًا إذْ الْمَالُ وِقَايَةُ الْأَنْفُسِ وَدَفْعُ الرِّشْوَةِ لِدَفْعِ الظُّلْمِ أَمْرٌ جَائِزٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ حَرَامًا لِعَيْنِهِ (وَلِأَنَّ هَذَا صُلْحٌ بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ) فَكَانَ كَالصُّلْحِ مَعَ الْإِقْرَارِ (فَيُقْضَى بِجَوَازِهِ) لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ، لِأَنَّ الْمَانِعَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جِهَةِ الدَّافِعِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْآخِذِ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُمَا بِمَوْجُودٍ. أَمَّا الثَّانِي (فَلِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَأْخُذُهُ فِي زَعْمِهِ عِوَضًا عَنْ حَقِّهِ وَذَلِكَ مَشْرُوعٌ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَدْفَعُهُ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ، وَهَذَا أَيْضًا مَشْرُوعٌ إذْ الْمَالُ وِقَايَةُ الْأَنْفُسِ وَدَفْعُ الظُّلْمِ عَنْ نَفْسِهِ بِالرِّشْوَةِ أَمْرٌ جَائِزٌ) لَا يُقَالُ: لَا نُسَلِّمُ الْجَوَازَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ» وَهُوَ عَامٌّ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ عَلَى صَاحِبِ الْحَقِّ ضَرَرٌ مَحْضٌ فِي أَمْرٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ، كَمَا إذَا دَفَعَ الرِّشْوَةَ حَتَّى أَخْرَجَ الْوَالِي أَحَدَ الْوَرَثَةِ عَنْ الْإِرْثِ، وَأَمَّا دَفْعُ الرِّشْوَةِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ فَجَائِزٌ لِلدَّافِعِ، وَتَمَامُهُ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ لِلرَّازِيِّ. فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى هَذَا إذَا ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَهُوَ مُنْكِرٌ وَتَصَالَحَا عَلَى دَنَانِيرَ مُسَمَّاةٍ ثُمَّ افْتَرَقَا قَبْلَ الْقَبْضِ

قَالَ (فَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ اُعْتُبِرَ فِيهِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْبِيَاعَاتِ إنْ وَقَعَ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ) لِوُجُودِ مَعْنَى الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِتَرَاضِيهِمَا (فَنُجْرِي فِيهِ الشُّفْعَةَ إذَا كَانَ عَقَارًا، وَيُرَدُّ بِالْعَيْبِ، وَيَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ، وَيُفْسِدُهُ جَهَالَةُ الْبَدَلِ) لِأَنَّهَا هِيَ الْمُفْضِيَةُ إلَى الْمُنَازَعَةِ دُونَ جَهَالَةِ الْمَصَالِحِ عَنْهُ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ وَيُشْتَرَطُ الْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِ الْبَدَلِ (وَإِنْ وَقَعَ عَنْ مَالٍ بِمَنَافِعَ يُعْتَبَرُ بِالْإِجَارَاتِ) لِوُجُودِ مَعْنَى الْإِجَارَةِ وَهُوَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِمَالٍ وَالِاعْتِبَارُ فِي الْعُقُودِ لِمَعَانِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لِأَنَّ هَذَا الصُّلْحَ فِي زَعْمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ لَا لِلْمُعَاوَضَةِ، وَمَعَ هَذَا لَا يَجُوزُ. أُجِيبَ بِأَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ بِنَاءً عَلَى زَعْمِ الْمُدَّعَى، إذْ فِي زَعْمِهِ أَنَّهُ صَرْفٌ لِأَنَّهُ صَالَحَهُ عَنْ الدَّرَاهِمِ عَلَى الدَّنَانِيرِ وَالْقَبْضُ شَرْطٌ فِيهِ فِي الْمَجْلِسِ. قَالَ (فَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ إلَخْ) إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ وَكَانَ عَنْ مَالٍ عَلَى مَالٍ اُعْتُبِرَ فِيهِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْبِيَاعَاتِ لِوُجُودِ مَعْنَى الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِتَرَاضِيهِمَا فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَتَجْرِي فِيهِ الشُّفْعَةُ فِي الْعَقَارِ وَيُرَدُّ بِالْعَيْبِ وَيَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ، وَيُفْسِدُهُ جَهَالَةُ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ دُونَ جَهَالَةِ الْمُصَالَحِ عَنْهُ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ، وَهَذَا لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ احْتَجْنَا إلَى ذِكْرِهِ، وَهُوَ أَنَّ الصُّلْحَ بِاعْتِبَارِ بَدَلَيْهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا عَلَى مَعْلُومٍ، وَهُوَ جَائِزٌ لَا مَحَالَةَ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَنْ مَجْهُولٍ عَلَى مَجْهُولٍ، فَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ فِيهِ إلَى التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ مِثْلُ أَنْ يَدَّعِيَ حَقًّا فِي دَارِ رَجُلٍ وَادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا فِي أَرْضٍ بِيَدِ الْمُدَّعِي وَاصْطَلَحَا عَلَى تَرْكِ الدَّعْوَى جَازَ، وَإِنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ وَقَدْ اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَدْفَعَ أَحَدُهُمَا مَالًا وَلَمْ يُبَيِّنْهُ عَلَى أَنْ يَتْرُكَ الْآخَرُ دَعْوَاهُ أَوْ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ إلَيْهِ مَا ادَّعَاهُ لَمْ يَجُزْ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَنْ مَجْهُولٍ عَلَى مَعْلُومٍ وَقَدْ اُحْتِيجَ فِيهِ إلَى التَّسْلِيمِ، كَمَا لَوْ ادَّعَى حَقًّا فِي دَارٍ فِي يَدِ رَجُلٍ وَلَمْ يُسَمِّهِ فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ الْمُدَّعِي مَالًا مَعْلُومًا لِيُسَلِّمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَى الْمُدَّعِي مَا ادَّعَاهُ وَهُوَ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ فِيهِ إلَى التَّسْلِيمِ كَمَا إذَا اصْطَلَحَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى أَنْ يَتْرُكَ الْمُدَّعِي دَعْوَاهُ جَازَ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَنْ مَعْلُومٍ عَلَى مَجْهُولٍ وَقَدْ اُحْتِيجَ فِيهِ إلَى التَّسْلِيمِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ جَازَ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ الْجَهَالَةَ الْمُفْضِيَةَ إلَى الْمُنَازَعَةِ الْمَانِعَةِ عَنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ هِيَ الْمُفْسِدَةُ فَمَا لَا يَجِبُ فِيهِ التَّسْلِيمُ وَالتَّسَلُّمُ جَازَ، وَمَا وَجَبَا فِيهِ لَمْ يَجُزْ مَعَ الْجَهَالَةِ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى تَسْلِيمِ الْبَدَلِ شَرْطٌ لِكَوْنِهِ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ (وَإِنْ كَانَ عَنْ مَالٍ بِمَنَافِعَ يُعْتَبَرُ بِالْإِجَارَاتِ لِوُجُودِ مَعْنَى الْإِجَارَةِ وَهُوَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِمَالٍ) وَكُلُّ مَنْفَعَةٍ يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهَا بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهَا بِعَقْدِ الصُّلْحِ، فَإِذَا صَالَحَ عَلَى سُكْنَى بَيْتٍ بِعَيْنِهِ إلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ جَازَ.

فَيُشْتَرَطُ التَّوْقِيتُ فِيهَا وَيَبْطُلُ، الصُّلْحُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا فِي الْمُدَّةِ لِأَنَّهُ إجَارَةٌ (وَالصُّلْحُ عَنْ السُّكُوتِ وَالْإِنْكَارِ فِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ وَقَطْعِ الْخُصُومَةِ وَفِي حَقِّ الْمُدَّعَى بِمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ) لِمَا بَيَّنَّا (وَيَجُوزُ أَنْ يَخْتَلِفَ حُكْمُ الْعَقْدِ فِي حَقِّهِمَا كَمَا يَخْتَلِفُ حُكْمُ الْإِقَالَةِ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا) وَهَذَا فِي الْإِنْكَارِ ظَاهِرٌ، وَكَذَا فِي السُّكُوتِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ وَالْجُحُودَ فَلَا يَثْبُتُ كَوْنُهُ عِوَضًا فِي حَقِّهِ بِالشَّكِّ. قَالَ (وَإِذَا صَالَحَ عَنْ دَارٍ لَمْ يَجِبْ فِيهَا الشُّفْعَةُ) مَعْنَاهُ إذَا كَانَ عَنْ إنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ لِأَنَّهُ يَأْخُذُهَا عَلَى أَصْلِ حَقِّهِ وَيَدْفَعُ الْمَالَ دَفْعًا لِخُصُومَةِ الْمُدَّعِي وَزَعْمُ الْمُدَّعِي لَا يَلْزَمُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ عَلَى دَارٍ حَيْثُ يَجِبُ فِيهَا الشُّفْعَةُ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَأْخُذُهَا عِوَضًا عَنْ الْمَالِ فَكَانَ مُعَاوَضَةً فِي حَقِّهِ فَتَلْزَمُهُ الشُّفْعَةُ بِإِقْرَارِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُكَذِّبُهُ. قَالَ (وَإِذَا كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ وَاسْتَحَقَّ بَعْضَ الْمَصَالِحِ عَنْهُ رَجَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِحِصَّةِ ذَلِكَ مِنْ الْعِوَضِ) لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ مُطْلَقَةٌ كَالْبَيْعِ وَحُكْمِ الِاسْتِحْقَاقِ فِي الْبَيْعِ هَذَا (وَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ سُكُوتٍ أَوْ إنْكَارٍ فَاسْتَحَقَّ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ رَجَعَ الْمُدَّعِي بِالْخُصُومَةِ وَرَدَّ الْعِوَضَ) لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا بَذَلَ الْعِوَضَ إلَّا لِيَدْفَعَ خُصُومَتَهُ عَنْ نَفْسِهِ، فَإِذَا ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ تَبَيَّنَ أَنْ لَا خُصُومَةَ لَهُ فَيَبْقَى الْعِوَضُ فِي يَدِهِ غَيْرَ مُشْتَمِلٍ عَلَى غَرَضِهِ فَيَسْتَرِدُّهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ قَالَ أَبَدًا أَوْ حَتَّى يَمُوتَ لَا يَجُوزُ، فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي كَالْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَإِنَّهَا بَيْعٌ مَعْنًى، وَالْكَفَالَةُ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ حَوَالَةٌ، وَالْحَوَالَةُ بِشَرْطِ مُطَالَبَةِ الْأَصِيلِ كَفَالَةٌ (فَيُشْتَرَطُ التَّوْقِيتُ فِيهَا وَيَبْطُلُ الصُّلْحُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا فِي الْمُدَّةِ) كَالْإِجَارَةِ (وَإِذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ السُّكُوتِ وَالْإِنْكَارِ كَانَ فِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ وَقَطْعِ الْخُصُومَةِ، وَفِي حَقِّ الْمُدَّعِي بِمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ لِمَا بَيَّنَّا) أَنَّ الْمُدَّعِيَ يَأْخُذُهُ عِوَضًا فِي زَعْمِهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْعَقْدُ لَمَّا اتَّصَفَ بِصِفَةٍ كَيْفَ يَتَّصِفُ بِأُخْرَى تُقَابِلُهَا؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَيَجُوزُ أَنْ يَخْتَلِفَ حُكْمُ الْعَقْدِ فِي حَقِّهِمَا كَمَا يَخْتَلِفُ حُكْمُ الْإِقَالَةِ) فَإِنَّهَا فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ، وَكَعَقْدِ النِّكَاحِ فَإِنَّ حُكْمَهُ الْحِلُّ فِي حَقِّ امْرَأَتِهِ وَالتَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ فِي حَقِّ أُمِّهَا (وَهَذَا) أَيْ كَوْنُهُ لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ أَوْ قَطْعِ الْخُصُومَةِ (فِي الْإِنْكَارِ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي السُّكُوتِ فَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ وَالْجُحُودَ فَلَا يَثْبُتُ كَوْنُهُ عَرْضًا فِي حَقِّهِ بِالشَّكِّ) مَعَ أَنَّ حَمْلَهُ عَلَى الْإِنْكَارِ أَوْلَى، لِأَنَّهُ فِيهِ دَعْوَى تَفْرِيغِ الذِّمَّةِ وَهُوَ الْأَصْلُ قَالَ (وَإِذَا صَالَحَ عَنْ دَارٍ إلَخْ) إذَا صَالَحَ عَنْ دَارٍ عَنْ إنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ لَا تَجِبُ فِيهَا الشُّفْعَةُ لِأَنَّهُ يَأْخُذُهَا: أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِيَسْتَبْقِيَ الدَّارَ عَلَى مِلْكِهِ لَا أَنَّهُ يَشْتَرِيهَا وَيَدْفَعُ الْمَالَ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ عَلَى زَعْمِهِ، وَالْمَرْءُ يُؤَاخَذُ بِمَا فِي زَعْمِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ زَعْمُ غَيْرِهِ (بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَلَى دَارٍ) لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَأْخُذُهَا عِوَضًا عَنْ الْمَالِ فَكَانَ مُعَاوَضَةً فِي حَقِّهِ فَتَلْزَمُهُ الشُّفْعَةُ بِإِقْرَارِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُكَذِّبُهُ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ اشْتَرَيْتهَا مِنْ الْمُدَّعِي وَهُوَ يُنْكِرُ (وَإِذَا صَالَحَ عَنْ إقْرَارٍ وَاسْتَحَقَّ بَعْضَ الْمُصَالَحِ عَنْهُ رَجَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) عَلَى الْمُدَّعِي (بِحِصَّةِ الْمُسْتَحَقِّ مِنْ الْعِوَضِ)

وَإِنْ اسْتَحَقَّ بَعْضَ ذَلِكَ رَدَّ حِصَّتَهُ وَرَجَعَ بِالْخُصُومَةِ فِيهِ لِأَنَّهُ خَلَا الْعِوَضُ فِي هَذَا الْقَدْرِ عَنْ الْغَرَضِ. وَلَوْ اسْتَحَقَّ الْمُصَالَحَ عَلَيْهِ عَنْ إقْرَارٍ رَجَعَ بِكُلِّ الْمُصَالَحِ عَنْهُ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ، وَإِنْ اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ. وَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ رَجَعَ إلَى الدَّعْوَى فِي كُلِّهِ أَوْ بِقَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ إذَا اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ لِأَنَّ الْمُبْدَلَ فِيهِ هُوَ الدَّعْوَى، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ مِنْهُ عَلَى الْإِنْكَارِ شَيْئًا حَيْثُ يَرْجِعُ بِالْمُدَّعَى لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الْبَيْعِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْحَقِّ لَهُ، وَلَا كَذَلِكَ الصُّلْحُ لِأَنَّهُ قَدْ يَقَعُ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ، وَلَوْ هَلَكَ بَدَلُ الصُّلْحِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ فِي الْفَصْلَيْنِ. قَالَ (وَإِنْ ادَّعَى حَقًّا فِي دَارٍ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ فَصُولِحَ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ اسْتَحَقَّ بَعْضَ الدَّارِ لَمْ يَرُدَّ شَيْئًا مِنْ الْعِوَضِ لِأَنَّ دَعْوَاهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِيمَا بَقِيَ) بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَحَقَّ كُلَّهُ لِأَنَّهُ يَعْرَى الْعِوَضُ عِنْدَ ذَلِكَ عَنْ شَيْءٍ يُقَابِلُهُ فَيَرْجِعُ بِكُلِّهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْبُيُوعِ. وَلَوْ ادَّعَى دَارًا فَصَالَحَهُ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ لِكَوْنِهِ عَنْ إقْرَارٍ مُعَاوَضَةٌ مُطْلَقَةٌ كَالْبَيْعِ وَحُكْمُ الِاسْتِحْقَاقِ فِي الْبَيْعِ ذَلِكَ وَإِذَا صَالَحَ عَنْ سُكُوتٍ أَوْ إنْكَارٍ فَاسْتَحَقَّ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ رَجَعَ الْمُدَّعِي بِالْخُصُومَةِ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَرَدَّ الْعِوَضَ، لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا بَذَلَ الْعِوَضَ إلَّا لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ، فَإِذَا ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ ظَهَرَ أَنْ لَا خُصُومَةَ لَهُ فَيَبْقَى فِي يَدِ غَيْرِهِ مُشْتَمِلٌ عَلَى غَرَضِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَسْتَرِدُّهُ، كَالْمَكْفُولِ عَنْهُ إذَا دَفَعَ الْمَالَ إلَى الْكَفِيلِ عَلَى غَرَضِ دَفْعِهِ إلَى رَبِّ الدَّيْنِ ثُمَّ أَدَّى الدَّيْنَ بِنَفْسِهِ قَبْلَ أَدَاءِ الْكَفِيلِ فَإِنَّهُ يَسْتَرِدُّهُ لِعَدَمِ اشْتِمَالِهِ عَلَى غَرَضِهِ. وَنُوقِضَ بِمَا إذَا ادَّعَى دَارًا وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَدَفَعَ الْمُدَّعِي إلَى ذِي الْيَدِ شَيْئًا بِطَرِيقِ الصُّلْحِ وَأَخَذَ الدَّارَ ثُمَّ اسْتَحَقَّتْ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا دَفَعَ مَعَ أَنَّهُ بِظُهُورِ الِاسْتِحْقَاقِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَالَ فِي يَدِهِ غَيْرُ مُشْتَمِلٍ عَلَى غَرَضِ الدَّافِعِ وَهُوَ قَطْعُ الْخُصُومَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُضْطَرٌّ فِي دَفْعِ مَا دَفَعَ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ، فَإِذَا اُسْتُحِقَّتْ زَالَتْ الضَّرُورَةُ الْمُوجِبَةُ لِذَلِكَ لِانْتِفَاءِ الْخُصُومَةِ فَيَرْجِعُ، وَأَمَّا الْمُدَّعَى فَهُوَ فِي خِيَرَةٍ فِي دَعْوَاهُ وَكَانَ ذَلِكَ الدَّفْعُ بِاخْتِيَارِهِ وَلَمْ يَظْهَرْ عَدَمُ الِاخْتِبَارِ بِظُهُورِ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَا يَسْتَرِدُّهُ، وَإِنْ اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْمُصَالَحِ عَنْهُ رَدَّ الْمُدَّعِي حِصَّةَ الْمُسْتَحِقِّ وَرَجَعَ بِالْخُصُومَةِ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ فِيهِ: أَيْ فِي أَصْلِ الدَّعْوَى، أَمَّا رُجُوعُهُ عَلَيْهِ فَلِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي كَوْنِ الْبَعْضِ الْمُسْتَحِقِّ فِي يَدِهِ، وَأَمَّا رَدُّ الْحِصَّةِ فَلِخُلُوِّ الْعِوَضِ فِي هَذَا الْقَدْرِ عَنْ غَرَضِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (وَلَوْ اسْتَحَقَّ الْمُصَالَحَ عَلَيْهِ فِي الصُّلْحِ عَنْ إقْرَارٍ رَجَعَ بِكُلِّ الْمُصَالَحِ عَنْهُ) لِأَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ الدَّعْوَى لِيُسَلِّمَ لَهُ بَدَلَ الصُّلْحِ وَلَمْ يُسَلِّمْ فَيَرْجِعُ بِمُبْدَلِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ (وَإِنْ اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ) اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ (وَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ رَجَعَ إلَى الدَّعْوَى فِي كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ بِحَسَبِ الِاسْتِحْقَاقِ لِأَنَّ الْمُبْدَلَ فِيهِ هُوَ الدَّعْوَى) هَذَا إذَا لَمْ يُجْرِ لَفْظُ الْبَيْعِ فِي الصُّلْحِ، أَمَّا إذَا كَانَ أَجْرَى كَمَا إذَا ادَّعَى دَارًا وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ صَالَحَ عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَى عَلَى عَبْدٍ وَقَالَ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ بِهَذِهِ الدَّارِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ هَذِهِ الدَّارُ فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا ادَّعَى لَا بِالدَّعْوَى، لِأَنَّ إقْدَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْبَيْعِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْحَقِّ لِلْمُدَّعِي، إذْ الْإِنْسَانُ لَا يَشْتَرِي مِلْكَ نَفْسِهِ فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْبَيْعِ، وَلَا كَذَلِكَ الصُّلْحُ لِأَنَّهُ قَدْ يَقَعُ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ (وَلَوْ هَلَكَ بَدَلُ الصُّلْحِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ) إلَى الْمُدَّعِي (فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ فِي الْفَصْلَيْنِ) أَيْ فَصْلِ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ، فَإِنْ كَانَ عَنْ إقْرَارٍ رَجَعَ بَعْدَ الْهَلَاكِ إلَى الْمُدَّعِي، وَإِنْ كَانَ عَنْ إنْكَارٍ رَجَعَ بِالدَّعْوَى. قَالَ (وَإِنْ ادَّعَى حَقًّا فِي دَارٍ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ تَقَدَّمَتْ فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ فَلَا نُعِيدُهَا (وَلَوْ ادَّعَى دَارًا فَصَالَحَ عَلَى

قِطْعَةٍ مِنْهَا لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ لِأَنَّ مَا قَبَضَهُ مِنْ عَيْنِ حَقِّهِ وَهُوَ عَلَى دَعْوَاهُ فِي الْبَاقِي. وَالْوَجْهُ فِيهِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَزِيدَ دِرْهَمًا فِي بَدَلِ الصُّلْحِ فَيَصِيرَ ذَلِكَ عِوَضًا عَنْ حَقِّهِ فِيمَا بَقِيَ، أَوْ يَلْحَقَ بِهِ ذِكْرُ الْبَرَاءَةِ عَنْ دَعْوَى الْبَاقِي. ـــــــــــــــــــــــــــــQقِطْعَةٍ مِنْهَا) كَبَيْتٍ مِنْ بُيُوتِهَا بِعَيْنِهِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ مَا قَبَضَهُ بَعْضُ حَقِّهِ وَهُوَ عَلَى دَعْوَاهُ فِي الْبَاقِي (وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى بَعْضَ حَقِّهِ) وَأَبْرَأَ عَنْ الْبَاقِي، الْإِبْرَاءُ عَنْ الْعَيْنِ بَاطِلٌ فَكَانَ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءً. وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَذَكَرَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْإِبْرَاءَ لَاقَى عَيْنًا وَدَعْوَى، وَالْإِبْرَاءُ عَنْ الدَّعْوَى صَحِيحٌ، فَإِنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ أَبْرَأْتُك عَنْ دَعْوَى هَذَا الْعَيْنِ صَحَّ، وَلَوْ ادَّعَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ تُسْمَعْ. وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ عَلَى قِطْعَةٍ مِنْهَا لِأَنَّ الصُّلْحَ إذَا وَقَعَ عَلَى بَيْتٍ مَعْلُومٍ مِنْ دَارٍ أُخْرَى صَحَّ لِكَوْنِهِ حِينَئِذٍ بَيْعًا، وَكَذَا لَوْ كَانَ عَلَى سُكْنَى بَيْتٍ مُعَيَّنٍ مِنْ غَيْرِهَا لِكَوْنِهِ إجَارَةً حَتَّى يَشْتَرِطَ كَوْنَ الْمُدَّةِ مَعْلُومَةً، وَلَوْ أَرَادَ الْمُدَّعِي أَنْ يَدَّعِيَ الْبَقِيَّةَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لِوُصُولِ كُلِّ حَقِّهِ إلَيْهِ بِاعْتِبَارِ بَدَلِهِ عَيْنًا أَوْ مَنْفَعَةً. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْوَجْهُ فِيهِ) أَيْ الْحِيلَةُ فِي تَصْحِيحِ الصُّلْحِ إذَا كَانَ عَلَى قِطْعَةٍ مِنْهَا (أَحَدُ أَمْرَيْنِ أَنْ يَزِيدَ دِرْهَمًا فِي بَدَلِ الصُّلْحِ لِيَصِيرَ عِوَضًا عَنْ حَقِّهِ فِيمَا بَقِيَ أَوْ يُلْحِقَ بِهِ ذِكْرَ الْبَرَاءَةِ عَنْ دَعْوَى الْبَاقِي) مِثْلَ أَنْ يَقُولَ بَرِئْت مِنْ دَعْوَايَ فِي هَذِهِ الدَّارِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِمُصَادَفَةِ الْبَرَاءَةِ الدَّعْوَى وَهُوَ صَحِيحٌ، حَتَّى لَوْ ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ وَجَاءَ بِبَيِّنَةٍ لَمْ تُقْبَلْ. وَفِي ذِكْرِ لَفْظِ الْبَرَاءَةِ دُونَ الْإِبْرَاءِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَبْرَأْتُك عَنْ دَعْوَايَ أَوْ خُصُومَتِي فِي هَذِهِ الدَّارِ كَانَ بَاطِلًا وَلَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ أَبْرَأْتُك إنَّمَا يَكُونُ إبْرَاءً مِنْ الضَّمَانِ لَا مِنْ الدَّعْوَى، وَقَوْلُهُ بَرِئْت بَرَاءَةً مِنْ الدَّعْوَى، كَذَا قَالُوا وَنَقَلَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ. وَنَقَلَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ عَنْ الْوَاقِعَاتِ فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَبْرَأْتُك عَنْ خُصُومَتِي فِي هَذِهِ الدَّارِ خِطَابٌ لِلْوَاحِدِ فَلَهُ أَنْ يُخَاصِمَ غَيْرَهُ فِي ذَلِكَ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ بَرِئْت لِأَنَّهُ أَضَافَ الْبَرَاءَةَ إلَى نَفْسِهِ مُطْلَقًا فَيَكُونُ هُوَ بَرِيئًا. وَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ قَوْلَ صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ: وَلَهُ أَنْ يُخَاصِمَ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ، مَعْنَاهُ عَلَى غَيْرِ الْمُخَاطَبِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فصل الصلح عن دعوى الأموال]

(وَالصُّلْحُ جَائِزٌ عَنْ دَعْوَى الْأَمْوَالِ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ عَلَى مَا مَرَّ. قَالَ (وَالْمَنَافِعُ لِأَنَّهَا تُمْلَكُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ فَكَذَا بِالصُّلْحِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ الصُّلْحُ عَنْ دَعْوَى الْأَمْوَالِ] فَصْلٌ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ مُقَدِّمَاتِ الصُّلْحِ وَشَرَائِطِهِ وَمِنْ ذِكْرِ أَنْوَاعِهِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَجُوزُ عَنْهُ الصُّلْحُ وَمَا لَا يَجُوزُ. قَالَ (وَالصُّلْحُ جَائِزٌ عَنْ دَعْوَى الْأَمْوَالِ) الْأَصْلُ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ الصُّلْحَ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَقْرَبِ الْعُقُودِ إلَيْهِ وَأَشْبَهِهَا بِهِ احْتِيَالًا لِتَصْحِيحِ تَصَرُّفِ الْعَاقِلِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، فَإِذَا كَانَ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ كَانَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ كَمَا مَرَّ. وَإِذَا كَانَ عَنْ الْمَنَافِعِ بِمَالٍ كَمَا إذَا أَوْصَى بِسُكْنَى دَارِهِ وَمَاتَ فَادَّعَى الْمُوصَى لَهُ السُّكْنَى فَصَالَحَ الْوَرَثَةَ عَنْ شَيْءٍ كَانَ فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ، لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تُمْلَكُ بِعَقْدِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِجَارَةِ فَكَذَا بِالصُّلْحِ وَإِذَا صَالَحَ عَنْ جِنَايَةِ الْعَمْدِ أَوْ الْخَطَإِ صَحَّ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَالْحَسَنِ وَالضَّحَّاكِ: فَمَنْ أَعْطَى لَهُ فِي سُهُولَةٍ مِنْ أَخِيهِ الْمَقْتُولِ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ فَاتِّبَاعٌ: أَيْ فَلِوَلِيِّ الْقَتِيلِ اتِّبَاعُ الْمُصَالِحِ بِبَدَلِ الصُّلْحِ بِالْمَعْرُوفِ: أَيْ عَلَى مُجَامَلَةٍ وَحُسْنِ مُعَامَلَةٍ وَأَدَاءٍ: أَيْ وَعَلَى الْمُصَالِحِ أَدَاءُ ذَلِكَ إلَى وَلِيِّ الْقَتِيلِ بِإِحْسَانٍ فِي الْأَدَاءِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى جَوَازِ الصُّلْحِ عَنْ جِنَايَةِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ. وَأَمَّا الْمَعْنَى الْآخَرُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَمَنْ عُفِيَ عَنْهُ وَهُوَ الْقَاتِلُ مِنْ أَخِيهِ فِي الدَّيْنِ وَهُوَ الْمَقْتُولُ شَيْءٌ مِنْ الْقِصَاصِ بِأَنْ كَانَ لِلْقَتِيلِ أَوْلِيَاءٌ فَعَفَا بَعْضُهُمْ فَقَدْ صَارَ نَصِيبُ الْبَاقِينَ مَالًا وَهُوَ الدِّيَةُ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ مِنْ الْمِيرَاثِ فَاتِّبَاعُ الْمَعْرُوفِ: أَيْ فَلْيَتَّبِعْ الَّذِينَ لَمْ يَعْفُوا الْقَاتِلَ بِطَلَبِ حِصَصِهِمْ بِالْمَعْرُوفِ: أَيْ بِقَدْرِ حُقُوقِهِمْ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ وَأَدَاءٌ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ: أَيْ وَلْيُؤَدِّ الْقَاتِلُ إلَى غَيْرِ الْعَافِي حَقَّهُ وَافِيًا غَيْرَ نَاقِصٍ فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ ظَاهِرًا، فَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٌ

وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الصُّلْحَ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَقْرَبِ الْعُقُودِ إلَيْهِ وَأَشْبَهِهَا بِهِ احْتِيَالًا لِتَصْحِيحِ تَصَرُّفِ الْعَاقِدِ مَا أَمْكَنَ قَالَ (وَيَصِحُّ عَنْ جِنَايَةِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ} [البقرة: 178] الْآيَةَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: إنَّهَا نَزَلَتْ فِي الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ النِّكَاحِ، حَتَّى أَنَّ مَا صَلَحَ مُسَمًّى فِيهِ صَلَحَ هَاهُنَا إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ إلَّا أَنَّ عِنْدَ فَسَادِ التَّسْمِيَةِ هُنَا يُصَارُ إلَى الدِّيَةِ لِأَنَّهَا مُوجَبُ الدَّمِ. وَلَوْ صَالَحَ عَلَى خَمْرٍ لَا يَجِبُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِمُطْلَقِ الْعَفْوِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّهَا نَزَلَتْ فِي الصُّلْحِ (قَوْلُهُ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ النِّكَاحِ) إشَارَةٌ إلَى أَقْرَبِ عَقْدٍ يُحْمَلُ عَلَيْهِ الصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى النِّكَاحِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بِالتَّرَاضِي، وَإِذَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ فَمَا صَلَحَ أَنْ يَكُونَ مُسَمًّى فِي النِّكَاحِ صَلَحَ هَاهُنَا، فَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى سُكْنَى دَارٍ أَوْ خِدْمَةِ عَبْدٍ سَنَةً جَازَ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمَعْلُومَةَ صَلَحَتْ صَدَاقًا، فَكَذَا بَدَلًا فِي الصُّلْحِ وَإِنْ صَالَحَ عَلَى ذَلِكَ أَبَدًا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْلُحْ صَدَاقًا لِجَهَالَتِهِ فَكَذَا بَدَلًا، وَلَا يُتَوَهَّمُ لُزُومُ الْعَكْسِ فَإِنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ وَلَا هُوَ مُلْتَزِمٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ الصُّلْحَ عَنْ الْقَتْلِ الْعَمْدِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ صَحِيحٌ وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ صَدَاقًا، وَأَنَّهُ إذَا صَالَحَ عَلَى أَنْ يَعْفُوَ مَنْ عَلَيْهِ عَنْ قِصَاصٍ لَهُ عَلَى آخَرَ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ الْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ صَدَاقًا لِأَنَّ كَوْنَ الصَّدَاقِ مَالًا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] وَبَدَلُ الصُّلْحِ فِي الْقِصَاصِ لَيْسَ كَذَلِكَ فَيُكْتَفَى بِكَوْنِ الْعِوَضِ فِيهِ مُتَقَوِّمًا وَالْقِصَاصُ مُتَقَوِّمٌ حَتَّى صَلَحَ الْمَالُ عِوَضًا عَنْهُ فَيَجُوزُ أَنْ يَقَعَ عِوَضًا عَنْ قِصَاصٍ آخَرَ، وَقَوْلُهُ إلَّا أَنَّ عِنْدَ فَسَادِ التَّسْمِيَةِ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ إنَّ مَا صَلَحَ مُسَمًّى فِيهِ صُلْحٌ هَاهُنَا بِمَعْنَى لَكِنْ: أَيْ لَكِنْ إذَا فَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ بِجَهَالَةٍ فَاحِشَةٍ أَوْ بِتَسْمِيَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فَرْقٌ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ كَمَا إذَا صَالَحَ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ ثَوْبٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ يُصَارُ إلَى الدِّيَةِ لِأَنَّ الْوَلِيَّ مَا رَضِيَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ فَيُصَارُ إلَى بَدَلِ مَا سَلَّمَ لَهُ مِنْ النَّفْسِ وَهُوَ الدِّيَةُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ لِأَنَّ الْبَدَلَ الصُّلْحُ لَا تَتَحَمَّلُهُ لِوُجُوبِهِ بِعُقْدَةٍ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي كَمَا لَوْ صَالَحَ عَلَى خَمْرٍ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُسَمَّ مَالًا مُتَقَوِّمًا صَارَ ذِكْرُهُ وَالسُّكُوتُ عَنْهُ سِيَّيْنِ، وَلَوْ سَكَتَ لَبَقِيَ الْعَفْوُ

وَفِي النِّكَاحِ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْفَصْلَيْنِ لِأَنَّهُ الْمُوجَبُ الْأَصْلِيُّ، وَيَجِبُ مَعَ السُّكُوتِ عَنْهُ حُكْمًا، وَيَدْخُلُ فِي إطْلَاقِ جَوَابِ الْكِتَابِ الْجِنَايَةَ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا، وَهَذَا بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَنْ حَقِّ الشُّفْعَةِ عَلَى مَالٍ حَيْثُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ حَقُّ التَّمَلُّكِ، وَلَا حَقَّ فِي الْمَحَلِّ قَبْلَ التَّمَلُّكِ. وَأَمَّا الْقِصَاصُ فَمِلْكُ الْمَحَلِّ فِي حَقِّ الْفِعْلِ فَيَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ وَالسُّكُوتِ، وَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ بِمَنْزِلَةِ حَقِّ الشُّفْعَةِ حَتَّى لَا يَجِبَ الْمَالُ بِالصُّلْحِ عَنْهُ، غَيْرَ أَنَّ فِي بُطْلَانِ الْكَفَالَةِ رِوَايَتَيْنِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمُطْلَقًا، وَفِيهِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ فَكَذَا فِي ذِكْرِ الْخَمْرِ (وَفِي النِّكَاحِ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْفَصْلَيْنِ) أَيْ فِي فَصْلِ تَسْمِيَةِ الْمَالِ الْمَجْهُولِ وَفَصْلِ الْخَمْرِ (لِأَنَّهُ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ) فِي النِّكَاحِ (وَيَجِبُ مَعَ السُّكُوتِ عَنْهُ حُكْمًا) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ} [الأحزاب: 50] وَمَوْضِعُهُ أُصُولُ الْفِقْهِ. وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْمَهْرَ مِنْ ضَرُورَاتِ عَقْدِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ مَا شُرِعَ إلَّا بِالْمَالِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْمُسَمَّى صَالِحًا صَارَ كَمَا لَوْ لَمْ يُسَمَّ مَهْرًا، وَلَوْ لَمْ يُسَمَّ مَهْرًا وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ فَكَذَا هَاهُنَا. وَأَمَّا الصُّلْحُ فَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ وُجُوبُ الْمَالِ، فَإِنَّهُ لَوْ عَفَا بِلَا تَسْمِيَةِ شَيْءٍ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْعَفْوَ لَا يُسَمَّى صُلْحًا. وَالْجَوَابُ أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى مَا لَا يَصْلُحُ بَدَلًا عَفْوٌ مِمَّنْ لَهُ الْحَقُّ فَصَحَّ أَنَّ وُجُوبَهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ (وَيَدْخُلُ فِي إطْلَاقِ جَوَابِ الْكِتَابِ) وَهُوَ قَوْلُهُ وَيَصِحُّ عَنْ جِنَايَةِ الْعَمْدِ (الْجِنَايَةُ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا وَهَذَا) أَيْ الصُّلْحُ عَنْ جِنَايَةِ الْعَمْدِ (بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَنْ حَقِّ الشُّفْعَةِ عَلَى مَالٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ حُقَّ أَنْ يُمْتَلَكَ، وَذَلِكَ لَيْسَ بِحَقٍّ فِي الْمَحَلِّ قَبْلَ التَّمَلُّكِ) فَأَخْذُ الْبَدَلِ أَخْذُ مَالٍ فِي مُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِشَيْءٍ ثَابِتٍ فِي الْمَحَلِّ وَذَلِكَ رِشْوَةٌ حَرَامٌ. أَمَّا الْقِصَاصُ فَإِنَّ مِلْكَ الْمَحَلِّ فِيهِ ثَابِتٌ مِنْ حَيْثُ فِعْلُ الْقِصَاصِ فَكَانَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَمَّا هُوَ ثَابِتٌ لَهُ فِي الْمَحَلِّ فَكَانَ صَحِيحًا (وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ بَطَلَ حَقُّ الشُّفْعَةِ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ وَالسُّكُوتِ) وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ حَقُّ الشُّفْعَةِ عَلَى مَالٍ احْتِرَازًا عَنْ الصُّلْحِ عَلَى أَخْذِ بَيْتٍ بِعَيْنِهِ مِنْ الدَّارِ بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنَّ الصُّلْحَ مَعَ الشَّفِيعِ فِيهِ جَائِزٌ، وَعَنْ الصُّلْحِ عَلَى بَيْتٍ بِعَيْنِهِ مِنْ الدَّارِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ حِصَّتَهُ مَجْهُولَةٌ لَكِنْ لَا تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْإِعْرَاضُ عَنْ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ بِهَذَا الصُّلْحِ (وَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ بِمَنْزِلَةِ حَقِّ الشُّفْعَةِ) يَعْنِي إذَا كَفَلَ عَنْ نَفْسِ رَجُلٍ فَجَاءَ الْمَكْفُولُ وَصَالَحَ الْكَفِيلَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْمَالِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَهُ الْمَكْفُولُ لَهُ وَيَخْرُجَ الْكَفِيلُ عَنْ الْكَفَالَةِ لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ (وَلَا يَجِبُ الْمَالُ، غَيْرَ أَنَّ فِي بُطْلَانِ الْكَفَالَةِ رِوَايَتَيْنِ) فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الشُّفْعَةِ وَالْحَوَالَةِ وَالْكَفَالَةُ تَبْطُلُ وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي حَفْصٍ، وَبِهِ يُفْتِي لِأَنَّ السُّقُوطَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِوَضِ، وَإِذَا سَقَطَتْ لَا تَعُودُ وَفِي الصُّلْحِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ لَا تَبْطُلُ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ وَقَدْ تَكُونُ مُوصِلَةً إلَى الْمَالِ فَأَخَذَتْ حُكْمَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، فَإِذَا رَضِيَ

وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ جِنَايَةُ الْخَطَأِ فَلِأَنَّ مُوجِبَهَا الْمَالُ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ، إلَّا أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ شَرْعًا فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ فَتُرَدُّ الزِّيَادَةُ، بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَنْ الْقِصَاصِ حَيْثُ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَيْسَ بِمَالٍ وَإِنَّمَا يَتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ، وَهَذَا إذَا صَالَحَ عَلَى أَحَدِ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ، أَمَّا إذَا صَالَحَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ جَازَ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ بِهَا، إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ كَيْ لَا يَكُونَ افْتِرَاقًا عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ. وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِأَحَدِ مَقَادِيرِهَا فَصَالَحَ عَلَى جِنْسٍ آخَرَ مِنْهَا بِالزِّيَادَةِ جَازَ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ الْحَقُّ بِالْقَضَاءِ فَكَانَ مُبَادَلَةً بِخِلَافِ الصُّلْحِ ابْتِدَاءً لِأَنَّ تَرَاضِيَهُمَا عَلَى بَعْضِ الْمَقَادِيرِ بِمَنْزِلَةِ الْقَضَاءِ فِي حَقِّ التَّعْيِينِ فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا تَعَيَّنَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَسْقُطَ حَقُّهُ بِعِوَضٍ لَمْ يَسْقُطْ مَجَّانًا (وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ جِنَايَةُ الْخَطَإِ فَلِأَنَّ مُوجِبَهَا الْمَالُ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ) ثُمَّ الصُّلْحُ فِيهِ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى أَحَدِ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ أَوْ لَا، وَالْأَوَّلُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُنْفَرِدًا أَوْ مُنْضَمًّا إلَى الصُّلْحِ عَنْ الْعَمْدِ، فَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ لَا يَصِحُّ بِالزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ شَرْعًا وَالْمُقَدَّرُ الشَّرْعِيُّ لَا يَبْطُلُ فَتُرَدُّ الزِّيَادَةُ، بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَنْ الْقِصَاصِ حَيْثُ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ، إذْ لَيْسَ فِيهِ تَقْدِيرٌ شَرْعِيٌّ فَكَانَتْ الزِّيَادَةُ إبْطَالًا لَهُ، بَلْ الْقِصَاصُ لَيْسَ بِمَالٍ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يُقَابِلَهُ مَالٌ، وَلَكِنَّهُ أَشْبَهَ النِّكَاحَ فِي تَقَوُّمِهِ بِالْعَقْدِ فَجَازَ بِأَيِّ مِقْدَارٍ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ كَالتَّسْمِيَةِ فِي النِّكَاحِ، وَإِنْ كَانَ مُنْضَمًّا إلَى الْعَمْدِ كَانَ كَمَا إذَا قَتَلَ عَمْدًا وَآخَرَ خَطَأً ثُمَّ صَالَحَ أَوْلِيَاءَهُمَا عَلَى أَكْثَرَ مِنْ دِيَتَيْنِ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ وَلِصَاحِبِ الْخَطَإِ الدِّيَةُ وَمَا بَقِيَ فَلِصَاحِبِ الْعَمْدِ، كَمَنْ عَلَيْهِ لِرَجُلٍ مِائَةُ دِينَارٍ وَلِآخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَصَالَحَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَلِصَاحِبِ الْأَلْفِ الْأَلْفُ وَالْبَاقِي لِصَاحِبِ الدَّنَانِيرِ. وَالثَّانِي كَمَا إذَا صَالَحَ عَلَى مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ جَازَتْ الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ، إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ كَيْ لَا يَكُونَ افْتِرَاقًا عَنْ دَيْنِ الدِّيَةِ بِدَيْنِ بَدَلِ الصُّلْحِ (وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِأَحَدِ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ مِثْلُ أَنْ قَضَى بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ ثُمَّ صَالَحَ أَوْلِيَاءَ الْقَتِيلِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مِائَتِي بَقَرَةٍ جَازَ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ تَعَيَّنَ بِالْقَضَاءِ فِي الْإِبِلِ) وَخَرَجَ غَيْرُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا بِهَذَا الْفِعْلِ (فَكَانَ مَا يُعْطِي عِوَضًا عَنْ الْوَاجِبِ) فَكَانَ صَحِيحًا (بِخِلَافِ الصُّلْحِ) بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهِ (ابْتِدَاءً لِأَنَّ تَرَاضِيَهُمَا عَلَى بَعْضِ الْمَقَادِيرِ بِمَنْزِلَةِ الْقَضَاءِ فِي حَقِّ التَّعْيِينِ) وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِأَحَدِ الْمَقَادِيرِ زِيَادَةً عَلَى مِقْدَارِ الدِّيَةِ لَمْ يَجُزْ، فَكَذَا هَذَا.

قَالَ (وَلَا يَجُوزُ عَنْ دَعْوَى حَدٍّ) لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لَا حَقُّهُ، وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْ حَقِّ غَيْرِهِ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ نَسَبَ وَلَدِهَا لِأَنَّهُ حَقُّ الْوَلَدِ لَا حَقُّهَا، وَكَذَا لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَمَّا أَشْرَعَهُ إلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَامَّةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَالَحَ وَاحِدٌ عَلَى الِانْفِرَادِ عَنْهُ؛ وَيَدْخُلُ فِي إطْلَاقِ الْجَوَابِ حَدُّ الْقَذْفِ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ حَقُّ الشَّرْعِ. قَالَ (وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحًا وَهِيَ تَجْحَدُ فَصَالَحَتْهُ عَلَى مَالٍ بَذَلَتْهُ حَتَّى يَتْرُكَ الدَّعْوَى جَازَ وَكَانَ فِي مَعْنَى الْخُلْعِ) لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ خُلْعًا فِي جَانِبِهِ بِنَاءً عَلَى زَعْمِهِ وَفِي جَانِبِهَا بَدَلًا لِلْمَالِ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ. قَالُوا: وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إذَا كَانَ مُبْطِلًا فِي دَعْوَاهُ. قَالَ (وَإِذَا ادَّعَتْ امْرَأَةٌ عَلَى رَجُلٍ نِكَاحًا فَصَالَحَهَا عَلَى مَالٍ بَذَلَهُ لَهَا جَازَ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَكَذَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ، وَفِي بَعْضِهَا قَالَ: لَمْ يَجُزْ. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنْ يَجْعَلَ زِيَادَةً فِي مَهْرِهَا. وَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ بَذَلَ لَهَا الْمَالَ لِتَتْرُكَ الدَّعْوَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَلَا يَجُوزُ عَنْ دَعْوَى حَدِّ) الْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الِاعْتِيَاضَ عَنْ حَقِّ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ، فَإِذَا أَخَذَ رَجُلٌ زَانِيًا أَوْ سَارِقًا أَوْ شَارِبَ خَمْرٍ وَأَرَادَ أَنْ يَرْفَعَهُ إلَى الْحَاكِمِ فَصَالَحَهُ الْمَأْخُوذُ عَلَى مَالٍ لِيَتْرُكَ ذَلِكَ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ. وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمَا دَفَعَ إلَيْهِ مِنْ الْمَالِ، لِأَنَّ الْحَدَّ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَالِاعْتِيَاضُ عَنْ حَقِّ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ الصُّلْحُ عَلَى تَحْرِيمِ الْحَلَالِ أَوْ تَحْلِيلُ الْحَرَامِ، وَإِذَا ادَّعَتْ امْرَأَةٌ عَلَى رَجُلٍ صَبِيًّا هُوَ بِيَدِهَا أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْهَا وَجَحَدَ الرَّجُلُ وَلَمْ تَدَّعِ الْمَرْأَةُ النِّكَاحَ وَقَالَتْ إنَّهُ طَلَّقَهَا وَبَانَتْ مِنْهُ وَصَدَّقَهَا فِي الطَّلَاقِ فَصَالَحَ مِنْ النَّسَبِ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ لِأَنَّ النَّسَبَ حَقُّ الصَّبِيِّ فَلَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ (وَإِذَا أَشْرَعَ رَجُلٌ إلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ فَصَالَحَ وَاحِدٌ مِنْ الْعَامَّةِ عَلَى مَالٍ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَامَّةِ فَلَا يَجُوزُ انْفِرَادُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِذَلِكَ) وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ إلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ لِأَنَّ الظُّلَّةَ إذَا كَانَتْ عَلَى طَرِيقٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ فَصَالَحَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الطَّرِيقِ جَازَ الصُّلْحُ، لِأَنَّ الطَّرِيقَ مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ الْأَفْرَادِ، وَالصُّلْحُ مَعَهُ مُفِيدٌ لَا يُسْقِطُ حَقَّهُ وَيَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى تَحْصِيلِ رِضَا الْبَاقِينَ؛ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَاحِدٌ عَلَى الِانْفِرَادِ لِأَنَّ صَاحِبَ الظُّلَّةِ لَوْ صَالَحَ الْإِمَامَ عَلَى دَرَاهِمَ لِيَتْرُكَ الظُّلَّةَ جَازَ إذَا كَانَ فِي ذَلِكَ صَلَاحٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَضَعُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، لِأَنَّ الِاعْتِيَاضَ لِلْإِمَامِ عَنْ الشَّرِكَةِ الْعَامَّةِ جَائِزٌ، وَلِهَذَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ صَحَّ (وَحَدُّ الْقَذْفِ دَاخِلٌ فِي جَوَابِ الْحُدُودِ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ حَقُّ الشَّرْعِ) وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ عَفْوُهُ وَلَا يُورَثُ، بِخِلَافِ الْقِصَاصِ. قَالَ (وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحًا إلَخْ) هَذَا بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ الْمَارِّ أَنَّ الصُّلْحَ يَجِبُ اعْتِبَارُهُ بِأَقْرَبِ الْعُقُودِ إلَيْهِ شَبَهًا، وَإِذَا جَحَدَتْ النِّكَاحَ فَصَالَحَتْهُ عَلَى مَالٍ بَذَلَتْهُ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ خُلْعًا فِي جَانِبِهِ

فَإِنْ جُعِلَ تَرْكُ الدَّعْوَى مِنْهَا فُرْقَةً فَالزَّوْجُ لَا يُعْطِي الْعِوَضَ فِي الْفُرْقَةِ، وَإِنْ لَمْ يُجْعَلْ فَالْحَالُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الدَّعْوَى فَلَا شَيْءَ يُقَابِلُهُ الْعِوَضُ فَلَمْ يَصِحَّ. قَالَ (وَإِنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ عَبْدُهُ فَصَالَحَهُ عَلَى مَالٍ أَعْطَاهُ جَازَ وَكَانَ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ) لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي حَقِّهِ لِزَعْمِهِ وَلِهَذَا يَصِحُّ عَلَى حَيَوَانٍ فِي الذِّمَّةِ إلَى أَجَلٍ وَفِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَكُونُ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ حُرٌّ فَجَازَ إلَّا أَنَّهُ لَا وَلَاءَ لَهُ لِإِنْكَارِ الْعَبْدِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ فَتُقْبَلَ وَيَثْبُتَ الْوَلَاءُ. قَالَ (وَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ رَجُلًا عَمْدًا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُصَالِحَ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ قَتَلَ عَبْدٌ لَهُ رَجُلًا عَمْدًا فَصَالَحَهُ جَازَ) وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ رَقَبَتَهُ لَيْسَتْ مِنْ تِجَارَتِهِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ بَيْعًا فَكَذَا اسْتِخْلَاصًا بِمَالِ الْمَوْلَى وَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِنَاءً عَلَى زَعْمِهِ وَبَذْلًا لِلْمَالِ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ وَقَطْعِ الشَّغَبِ وَالْوَطْءِ الْحَرَامِ فِي جَانِبِهَا، فَإِنْ أَقَامَ عَلَى التَّزْوِيجِ بَيِّنَةً بَعْدَ الصُّلْحِ لَمْ تُقْبَلْ لِأَنَّ مَا جَرَى كَانَ خُلْعًا فِي زَعْمِهِ وَلَا فَائِدَةَ فِي إقَامَتِهَا بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ مُبْطِلًا فِي دَعْوَاهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ مَا أَخَذَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الصُّلْحِ، إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ بِطِيبٍ عَنْ نَفْسِهِ فَيَكُونُ تَمْلِيكًا عَلَى طَرِيقِ الْهِبَةِ. وَفِي عَكْسِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ مَا إذَا ادَّعَتْ امْرَأَةٌ عَلَى رَجُلٍ نِكَاحًا فَصَالَحَهَا عَلَى مَالٍ بَذَلَهُ لَهَا اخْتَلَفَ نُسَخُ الْمُخْتَصَرِ فِي ذَلِكَ، فَوَقَعَ فِي بَعْضِهَا جَازَ، وَفِي بَعْضِهَا لَمْ يَجُزْ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّ الزَّوْجَ بِإِعْطَاءِ بَدَلِ الصُّلْحِ زَادَ عَلَى مَهْرِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا. وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ بَذَلَ لَهَا لِتَتْرُكَ الدَّعْوَى، فَإِنْ جَعَلَ تَرْكَ الدَّعْوَى مِنْهَا فُرْقَةً فَلَا عِوَضَ عَلَى الزَّوْجِ فِي الْفُرْقَةِ كَمَا إذَا مَكَّنَتْ ابْنَ زَوْجِهَا، وَإِنْ لَمْ يُجْعَلْ فُرْقَةً فَالْحَالُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الدَّعْوَى لِأَنَّ الْفُرْقَةَ لَمَّا لَمْ تُوجَدْ كَانَتْ دَعْوَاهَا عَلَى حَالِهَا لِبَقَاءِ النِّكَاحِ فِي زَعْمِهَا فَلَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ شَيْءٌ يُقَابِلُهُ الْعِوَضُ فَكَانَ رِشْوَةً (وَإِنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ) مَجْهُولِ الْحَالِ (أَنَّهُ عَبْدُهُ فَصَالَحَهُ عَلَى مَالٍ أَعْطَاهُ إيَّاهُ فَأَقْرَبُ الْعُقُودِ إلَيْهِ شَبَهًا الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ فَيُجْعَلُ بِمَنْزِلَتِهِ لِإِمْكَانِ تَصْحِيحِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي زَعْمِهِ، وَلِهَذَا يَصِحُّ عَلَى حَيَوَانٍ إلَى أَجَلٍ فِي الذِّمَّةِ) وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ إلَّا بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ كَالنِّكَاحِ وَالدِّيَاتِ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي الْحَيَوَانِ (وَ) يُجْعَلُ (فِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ فَجَازَ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْوَلَاءُ لِإِنْكَارِ الْعَبْدِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ فَتُقْبَلُ وَيَثْبُتُ الْوَلَاءُ) لِأَنَّهُ صَالَحَهُ بَعْدَ كَوْنِهِ عَبْدًا لَهُ فَكَانَ صُلْحُهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ وَفِيهِ الْوَلَاءُ (وَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ رَجُلًا عَمْدًا فَصَالَحَ عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ) سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا (وَإِنْ قَتَلَ عَبْدٌ لَهُ) أَيْ لِلْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ (رَجُلًا عَمْدًا فَصَالَحَ عَنْهُ جَازَ) سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا (وَالْفَرْقُ أَنَّ رَقَبَتَهُ لَيْسَتْ حَاصِلَةً مِنْ تِجَارَتِهِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ بَيْعًا وَإِنْ جَازَ إجَارَةً فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَخْلِصَ رَقَبَتَهُ بِمَالِ الْمَوْلَى وَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ) أَيْ صَارَ الْعَبْدُ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لِأَنَّ نَفْسَهُ مَالُ الْمَوْلَى، وَالْأَجْنَبِيُّ إذَا صَالَحَ عَنْ مَالِ مَوْلَاهُ بِدُونِ إذْنِهِ لَا يَجُوزُ فَكَذَا هَاهُنَا

أَمَّا عَبْدُهُ فَمِنْ تِجَارَتِهِ وَتَصَرُّفُهُ فِيهِ نَافِذٌ بَيْعًا فَكَذَا اسْتِخْلَاصًا، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ كَالزَّائِلِ عَنْ مِلْكِهِ وَهَذَا شِرَاؤُهُ فَيَمْلِكُهُ قَالَ (وَمَنْ غَصَبَ ثَوْبًا يَهُودِيًّا قِيمَتُهُ دُونَ الْمِائَةِ فَاسْتَهْلَكَهُ فَصَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَبْطُلُ الْفَضْلُ عَلَى قِيمَتِهِ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ هِيَ الْقِيمَةُ وَهِيَ مُقَدَّرَةٌ فَالزِّيَادَةُ عَلَيْهَا تَكُونُ رِبًا، بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ عَلَى عَرَضٍ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَظْهَرُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَبِخِلَافِ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ فَلَا تَظْهَرُ الزِّيَادَةُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ حَقَّهُ فِي الْهَالِكِ بَاقٍ حَتَّى لَوْ كَانَ عَبْدًا وَتَرَكَ أَخْذَ الْقِيمَةِ يَكُونُ الْكَفَنُ عَلَيْهِ أَوْ حَقُّهُ فِي مِثْلِهِ صُورَةً وَمَعْنًى، لِأَنَّ ضَمَانَ الْعُدْوَانِ بِالْمِثْلِ، وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْقِيمَةِ بِالْقَضَاءِ فَقَبْلَهُ إذَا تَرَاضَيَا عَلَى الْأَكْثَرِ كَانَ اعْتِيَاضًا فَلَا يَكُونُ رِبًا، بِخِلَافِ الصُّلْحِ بَعْدَ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ انْتَقَلَ إلَى الْقِيمَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمَّا عَبْدُهُ فَمِنْ تِجَارَتِهِ وَكَسْبِهِ وَتَصَرُّفُهُ فِيهِ نَافِذٌ بَيْعًا فَكَذَا اسْتِخْلَاصًا (وَ) تَحْقِيقُ (هَذَا أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ كَالزَّائِلِ عَنْ مِلْكِهِ) فَصَارَ كَأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يُتْلِفَهُ (وَهَذَا) أَيْ الصُّلْحُ (كَأَنَّهُ شِرَاؤُهُ وَهُوَ يَمْلِكُ ذَلِكَ) بِخِلَافِ نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ إذَا زَالَ عَنْ مِلْكِ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ شِرَاءَهُ فَكَذَا لَا يَمْلِكُ الصُّلْحَ، وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُكَاتَبِ، فَإِنَّهُ لَوْ قَتَلَ عَمْدًا فَصَالَحَ عَنْ نَفْسِهِ جَازَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُكَاتَبَ حُرٌّ يَدًا وَاكْتِسَابُهُ لَهُ، بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ لَهُ فَإِنَّهُ عَبْدٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَكَسْبُهُ لِمَوْلَاهُ، ثُمَّ صُلْحُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ لَكِنْ لَيْسَ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ أَنْ يَقْتُلَهُ بَعْدَ الصُّلْحِ، لِأَنَّهُ لَمَّا صَالَحَهُ فَقَدْ عَفَا عَنْهُ بِبَدَلٍ فَصَحَّ الْعَفْوُ، وَلَمْ يَجِبْ الْبَدَلُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَتَأَخَّرَ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَنَّ صُلْحَهُ عَنْ نَفْسِهِ صَحِيحٌ لِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ الْمَوْلَى، فَصَارَ كَأَنَّهُ صَالَحَهُ عَلَى بَدَلٍ مُؤَجَّلٍ يُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ جَازَ الصُّلْحُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ وَلَا أَنْ يُتْبِعَهُ بِشَيْءٍ مَا لَمْ يَعْتِقْ، فَكَذَا هَذَا قَالَ (وَمَنْ غَصَبَ ثَوْبًا يَهُودِيًّا إلَخْ) يَهُودٌ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يُنْسَبُ إلَيْهِمْ الثَّوْبُ يُقَالُ ثَوْبٌ يَهُودِيٌّ وَإِنَّمَا خَصَّهُ بِالذِّكْرِ إشَارَةً إلَى كَوْنِهِ مَعْلُومَ الْقِيمَةِ وَكُلُّ قِيَمِيٍّ مَعْلُومُ الْقِيمَةِ حُكْمُهُ كَذَلِكَ فَعَلَى هَذَا مَنْ غَصَبَ قِيَمِيًّا مَعْلُومَ الْقِيمَةِ فَاسْتَهْلَكَهُ فَصَالَحَ مِنْ الْقِيمَةِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهَا مِنْ النُّقُودِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَبْطُلُ الْفَضْلُ عَنْ قِيمَتِهِ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ فِيهِ النَّاسُ، وَقَيَّدَ بِالْغَصْبِ لِأَنَّهُ الْمُحْتَاجُ إلَى الصُّلْحِ غَالِبًا، وَقَيَّدَ بِالْقِيَمِيِّ احْتِرَازًا عَنْ الْمِثْلِيِّ، فَإِنَّ الصُّلْحَ عَنْ كُرٍّ حِنْطَةً عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ سَوَاءٌ كَانَتَا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ لَا، وَلَكِنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ وَإِنْ كَانَتَا بِأَعْيَانِهِمَا لِئَلَّا يَلْزَمَ بَيْعُ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ مَعْلُومَ الْقِيمَةِ لِيَظْهَرَ الْغَبَنُ الْفَاحِشُ الْمَانِعُ مِنْ لُزُومِ الزِّيَادَةِ عِنْدَهُمَا، وَقَيَّدَ بِالِاسْتِهْلَاكِ لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ إذَا كَانَ قَائِمًا جَازَ الصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ مِنْ النُّقُودِ لِأَنَّهُ لَوْ صَالَحَ عَلَى طَعَامٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ حَالًّا وَقَبَضَهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ. وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الدَّرَاهِمَ تَقَعُ

قَالَ (وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُوسِرٌ فَصَالَحَهُ الْآخَرُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ فَالْفَضْلُ بَاطِلٌ) وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِمَا بَيَّنَّا. وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْقِيمَةَ فِي الْعِتْقِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي مُقَابَلَةِ عَيْنِ الْمَغْصُوبِ حَقِيقَةً إنْ كَانَ قَائِمًا، وَتَقْدِيرًا إنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا بِمُقَابَلَةِ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ فَقَالَا إنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْقِيمَةُ وَهِيَ مُقَدَّرَةٌ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِمَا بِمَا لَا يَتَغَابَنُ فِيهِ النَّاسُ كَانَ رِبًا، بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ عَلَى عَرْضٍ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَظْهَرُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَبِخِلَافِ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ فَلَا تَظْهَرُ فِيهِ الزِّيَادَةُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةُ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَغْصُوبَ بَعْدَ الْهَلَاكِ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ مَا لَمْ يَتَقَرَّرُ حَقُّهُ فِي ضَمَانِ الْقِيمَةِ، حَتَّى لَوْ كَانَ عَبْدًا وَاخْتَارَ تَرْكَ التَّضْمِينِ كَانَ الْعَبْدُ هَالِكًا عَلَى مِلْكِهِ حَتَّى كَانَ الْكَفَنُ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ آبِقًا فَعَادَ مِنْ إبَاقِهِ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْمَالُ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ يَكُونُ عِوَضًا عَنْ مِلْكِهِ فِي الثَّوْبِ أَوْ الْعَبْدِ، وَلَا رِبَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَالدَّرَاهِمِ كَمَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ قَائِمًا. وَالثَّانِي أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْغَاصِبِ رَدُّ الْعَيْنِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّهُ» فَهُوَ الْأَصْلُ فِي الْغَصْبِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الْقِيمَةُ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّ الْعَيْنِ لِتَقُومَ الْقِيمَةُ مَقَامَ الْعَيْنِ، وَكَانَ ذَلِكَ ضَرُورِيًّا لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ، فَإِذَا صَالَحَ عَلَى شَيْءٍ كَانَ الْبَدَلُ عِوَضًا عَنْ الْعَيْنِ وَهُوَ خِلَافُ الْجِنْسِ فَلَا يَظْهَرُ الْفَضْلُ لِيَكُونَ رِبًا، وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَسَامُحٌ لِأَنَّهُ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْقِيَمِيِّ، وَذَكَرَ فِي الدَّلِيلِ الْمِثْلِيِّ فَإِنَّ وُجُوبَ الْمِثْلِ صُورَةً وَمَعْنًى إنَّمَا هُوَ فِي الْمِثْلِيَّاتِ، وَلَا يُصَارُ فِيهَا إلَى الْقِيمَةِ إلَّا إذَا انْقَطَعَ الْمِثْلِيُّ فَحِينَئِذٍ يُصَارُ إلَيْهَا. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمِثْلِيَّ إذَا انْقَطَعَ حُكْمُهُ كَالْقِيَمِيِّ لَا يَنْتَقِلُ فِيهِ إلَى الْقِيمَةِ إلَّا بِالْقَضَاءِ، فَقَبْلَهُ إذَا تَرَاضَيَا عَلَى الْأَكْثَرِ كَانَ اعْتِيَاضًا فَلَا يَكُونُ رِبًا، بِخِلَافِ الصُّلْحِ بَعْدَ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ انْتَقَلَ إلَى الْقِيمَةِ. وَنُوقِضَ بِمَا لَوْ صَالَحَهُ عَلَى طَعَامٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ إلَى أَجَلٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ كَانَ بَدَلًا عَنْ الْمَغْصُوبِ جَازَ لِأَنَّ الطَّعَامَ الْمَوْصُوفَ بِمُقَابَلَةِ الْمَغْصُوبِ ثَمَنٌ وَبِمُقَابَلَةِ الْقِيمَةِ مَبِيعٌ، وَبِمَا لَوْ صَالَحَ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ لَمْ يَجُزْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَغْصُوبَ الْمُسْتَهْلَكَ لَا يُوقَفُ عَلَى أَثَرِهِ فَكَانَ كَالدَّيْنِ، وَالدَّيْنُ بِالدَّيْنِ حَرَامٌ حَتَّى لَوْ صَالَحَهُ عَنْ ذَلِكَ حَالًّا جَازَ وَبِأَنَّ الْبَدَلَ جُعِلَ فِي مُقَابَلَةِ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِحَمْلِهِ عَلَى الِاعْتِيَاضِ عَنْ الْمَقْتُولِ وَعُورِضَ دَلِيلُ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَيْنَ الْمَغْصُوبِ بَعْدَ الْهَلَاكِ أَوْ الِاسْتِهْلَاكِ مِنْ الْغَاصِبِ لَمْ يَجُزْ، فَلَوْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْقَائِمِ حُكْمًا لَجَازَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَبِيعَ يَقْتَضِي قِيَامَ مَالٍ حَقِيقَةً لِكَوْنِهِ تَمْلِيكَ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ وَالْهَالِكُ لَيْسَ بِمَالٍ. وَأَمَّا الصُّلْحُ فَيُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ إسْقَاطًا وَصِحَّتُهُ لَا تَقْتَضِي قِيَامَ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ حَقِيقَةً (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ إلَخْ) ظَاهِرٌ، وَالْمُرَادُ بِالنَّصِّ مَا مَرَّ فِي الْعَتَاقِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَمَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا مِنْ عَبْدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ قُوِّمَ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ فَيَضْمَنُ إنْ كَانَ مُوسِرًا أَوْ يَسْعَى الْعَبْدُ» .

[باب التبرع بالصلح والتوكيل به]

وَتَقْدِيرُ الشَّرْعِ لَا يَكُونُ دُونَ تَقْدِيرِ الْقَاضِي فَلَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ، وَبِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهَا (وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى عُرُوضٍ جَازَ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ الْفَضْلُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِالصُّلْحِ عَنْهُ فَصَالَحَ لَمْ يَلْزَمْ الْوَكِيلَ مَا صَالَحَ عَنْهُ إلَّا أَنْ يَضْمَنَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ التَّبَرُّعِ بِالصُّلْحِ وَالتَّوْكِيلِ بِهِ] لَمَّا كَانَ تَصَرُّفُ الْمَرْءِ لِنَفْسِهِ أَصْلًا قَدَّمَهُ عَلَى التَّصَرُّفِ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالتَّبَرُّعِ بِالصُّلْحِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ فِي الْعَمَلِ لِغَيْرِهِ مُتَبَرِّعٌ. قَالَ (وَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِالصُّلْحِ عَنْهُ إلَخْ) وَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِالصُّلْحِ عَنْهُ فَالصُّلْحُ لَمْ يَلْزَمْ الْوَكِيلَ مَا صَالَحَ عَنْهُ: أَيْ عَمَّنْ وَكَّلَ فِي رِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ. وَرَوَى غَيْرُهُ مَا صَالَحَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَضْمَنَهُ. الْمَالُ لَازِمٌ لِلْمُوَكِّلِ: أَيْ عَلَى الْمُوَكِّلِ كَمَا

وَالْمَالُ لَازِمٌ لِلْمُوَكِّلِ) وَتَأْوِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ أَوْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ بَعْضِ مَا يَدَّعِيهِ مِنْ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ مَحْضٌ فَكَانَ الْوَكِيلُ فِيهِ سَفِيرًا وَمُعَبِّرًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَالْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ إلَّا أَنْ يَضْمَنَهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ هُوَ مُؤَاخَذٌ بِعَقْدِ الضَّمَانِ لَا بِعَقْدِ الصُّلْحِ، أَمَّا إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ فَتَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَى الْوَكِيلِ فَيَكُونُ الْمُطَالِبُ بِالْمَالِ هُوَ الْوَكِيلُ دُونَ الْمُوَكِّلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] أَيْ عَلَيْهَا، وَهَذَا كَمَا تَرَى يَدُلُّ بِظَاهِرِهِ عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَلْزَمُهُ مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا إلَّا إذَا ضَمِنَهُ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الضَّمَانُ لَا الْوَكَالَةُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَتَأْوِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، أَوْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ بَعْضِ مَا يَدَّعِيهِ مِنْ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ مَحْضٌ فَكَانَ الْوَكِيلُ فِيهِ سَفِيرًا وَمُعَبِّرًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَضْمَنَهُ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُؤَاخَذٌ بِعَقْدِ الضَّمَانِ لَا بِعَقْدِ الصُّلْحِ، أَمَّا إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ فَتَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَى الْوَكِيلِ فَيَكُونُ الْمُطَالَبُ بِالْمَالِ هُوَ الْوَكِيلُ دُونَ الْمُوَكِّلِ) وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالتُّحْفَةِ عَلَى إطْلَاقِ جَوَابِ الْمُخْتَصَرِ. وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ مَا مَعْنَاهُ: إنَّهُ لَا بُدَّ لِتَأْوِيلِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ قَيْدٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُصَالِحُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ عَلَى الْإِنْكَارِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَجِبُ عَلَى الْوَكِيلِ شَيْءٌ. وَإِنْ كَانَ فِيهَا لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الْإِنْكَارِ مُعَاوَضَةٌ بِإِسْقَاطِ الْحَقِّ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الطَّلَاقِ بِجُعْلٍ وَذَلِكَ جَائِزٌ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ جَوَازَهُ مَعَ

قَالَ (وَإِنْ صَالَحَ رَجُلٌ عَنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: إنْ صَالَحَ بِمَالٍ وَضَمِنَهُ تَمَّ الصُّلْحُ) لِأَنَّ الْحَاصِلَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَيْسَ إلَّا الْبَرَاءَةَ وَفِي حَقِّهَا هُوَ وَالْأَجْنَبِيُّ سَوَاءٌ فَصُلْحٌ أَصِيلًا فِيهِ إذَا ضَمِنَهُ، كَالْفُضُولِيِّ بِالْخُلْعِ إذَا ضَمِنَ الْبَدَلَ وَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا لَوْ تَبَرَّعَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِأَمْرِهِ وَلَا يَكُونُ لِهَذَا الْمُصَالِحِ شَيْءٌ مِنْ الْمُدَّعَى، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِلَّذِي فِي يَدِهِ لِأَنَّ تَصْحِيحَهُ بِطَرِيقِ الْإِسْقَاطِ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ مَا إذَا كَانَ مُقِرًّا أَوْ مُنْكِرًا (وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ صَالَحْتُك عَلَى أَلْفَيْ هَذِهِ أَوْ عَلَى عَبْدَيْ هَذَا صَحَّ الصُّلْحُ وَلَزِمَهُ تَسْلِيمُهَا) لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَهُ إلَى مَالِ نَفْسِهِ فَقَدْ الْتَزَمَ تَسْلِيمَهُ فَصَحَّ الصُّلْحُ (وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفٌ وَسَلَّمَهَا) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ إلَيْهِ يُوجِبُ سَلَامَةَ الْعِوَضِ لَهُ فَيَتِمُّ الْعَقْدُ لِحُصُولِ مَقْصُودِهِ (وَلَوْ قَالَ صَالَحْتُك عَلَى أَلْفٍ فَالْعَقْدُ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ أَجَازَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَازَ وَلَزِمَهُ الْأَلْفُ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ بَطَلَ) لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَقْدِ إنَّمَا هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّ دَفْعَ الْخُصُومَةِ حَاصِلٌ لَهُ، إلَّا أَنَّ الْفُضُولِيَّ يَصِيرُ أَصِيلًا بِوَاسِطَةِ إضَافَةِ الضَّمَانِ إلَى نَفْسِهِ، فَإِذَا لَمْ يُضِفْهُ بَقِيَ عَاقِدًا مِنْ جِهَةِ الْمَطْلُوبِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ. قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ عَصَمَهُ اللَّهُ: وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ صَالَحْتُك عَلَى هَذِهِ الْأَلْفِ أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ وَلَمْ يَنْسُبْهُ إلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا عَيَّنَهُ لِلتَّسْلِيمِ صَارَ شَارِطًا سَلَامَتَهُ لَهُ فَيَتِمُّ بِقَوْلِهِ. وَلَوْ اسْتَحَقَّ الْعَبْدَ أَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَرَدَّهُ فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْمُصَالِحِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْإِيفَاءَ مِنْ مَحَلٍّ بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَلْتَزِمْ شَيْئًا سِوَاهُ، فَإِنْ سَلِمَ الْمَحَلُّ لَهُ تَمَّ الصُّلْحُ، وَإِنْ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ. بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ عَلَى دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ وَضَمِنَهَا وَدَفَعَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ أَوْ وَجَدَهَا زُيُوفًا حَيْثُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ أَصِيلًا فِي حَقِّ الضَّمَانِ وَلِهَذَا يُجْبَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ، فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مَا سَلَّمَهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِبَدَلِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخَصْمِ قَالَ (وَإِنْ صَالَحَ عَنْهُ رَجُلٌ بِغَيْرِ أَمْرِهِ إلَخْ) وَإِنْ صَالَحَ عَنْهُ رَجُلٌ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْفُضُولِيَّ عِنْدَ الصُّلْحِ عَلَى مَالٍ؛ أَمَّا إنْ قَرَنَ بِذِكْرِ الْمَالِ ضَمَانَ نَفْسِهِ أَوَّلًا فَالْأَوَّلُ هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ، وَالثَّانِي أَمَّا إنْ أَضَافَ الْمَالَ إلَى نَفْسِهِ أَوَّلًا فَالْأَوَّلُ هُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي، وَالثَّانِي إمَّا أَنْ يُسَلِّمَ الْمَالَ الْمَذْكُورَ أَوْ لَا فَالْأَوَّلُ هُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَالثَّانِي هُوَ الرَّابِعُ. وَلَكِنْ يَرِدُ وَجْهَانِ آخَرَانِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمَذْكُورُ خَالِيًا عَنْ الْإِضَافَةِ إمَّا مُعَرَّفًا أَوْ مُنَكَّرًا، وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ قُرِنَ بِهِ التَّسْلِيمُ أَوْ لَمْ يُقْرَنْ وَقَدْ ذَكَرَ وَجْهَا حُكْمِ الْمُنَكَّرِ وَبَقِيَ وَجْهَا حُكْمِ الْمُعَرَّفِ، وَلَكِنْ عُرِفَ وَجْهُ حُكْمِ الْمُعَرَّفِ الْمُسَلَّمِ بِذِكْرِ التَّسْلِيمِ فِي الْمُنَكَّرِ فَبَقِيَ حُكْمُ الْمُعَرَّفِ غَيْرِ الْمُسَلَّمِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ وَوَجْهٌ آخَرُ. وَأَمَّا وَجْهُ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ إذَا صَالَحَ وَضَمِنَ تَمَّ

[باب الصلح في الدين]

(وَكُلُّ شَيْءٍ وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ وَهُوَ مُسْتَحَقٌّ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ، وَإِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ اسْتَوْفَى بَعْضَ حَقِّهِ وَأَسْقَطَ بَاقِيَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالصُّلْحُ، لِأَنَّ الْحَاصِلَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَيْسَ إلَّا الْبَرَاءَةُ لِأَنَّهُ يَصِحُّ بِطَرِيقِ الْإِسْقَاطِ، وَفِي حَقِّ الْبَرَاءَةِ الْأَجْنَبِيُّ وَالْخَصْمُ سَوَاءٌ لِأَنَّ السَّاقِطَ يَتَلَاشَى، وَمِثْلُهُ لَا يَخْتَصُّ بِأَحَدٍ فَصَلَحَ أَنْ يَكُونَ أَصِيلًا فِي هَذَا الضَّمَانِ إذَا أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ كَالْفُضُولِيِّ بِالْخُلْعِ مِنْ جَانِبِ الْمَرْأَةِ إذَا ضَمِنَ الْمَالَ وَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَمَا لَوْ تَبَرَّعَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِأَمْرِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ وَلَا يَكُونُ لِهَذَا الْمُصَالِحِ شَيْءٌ مِنْ الْمُدَّعَى: أَيْ لَا يَصِيرُ الدَّيْنُ الْمُدَّعَى بِهِ مِلْكًا لِلْمُصَالِحِ وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُقِرًّا، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ الَّذِي فِي يَدِهِ: يَعْنِي فِي ذِمَّتِهِ لِأَنَّ تَصْحِيحَهُ بِطَرِيقِ الْإِسْقَاطِ كَمَا مَرَّ لَا بِطَرِيقِ الْمُبَادَلَةِ، فَإِذَا سَقَطَ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ فَأَيُّ شَيْءٍ يَثْبُتُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا: أَيْ فِي أَنَّ الْمُصَالِحَ لَا يَمْلِكُ الدَّيْنَ الْمُدَّعَى بِهِ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْخَصْمُ مُقِرًّا أَوْ مُنْكِرًا. أَمَّا إذَا كَانَ مُنْكِرًا فَظَاهِرٌ لِأَنَّ فِي زَعْمِهِ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَزَعْمُ الْمُدَّعِي لَا يَتَعَدَّى إلَيْهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مُقِرًّا فَبِالصُّلْحِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَصِيرَ الْمُصَالِحُ مُشْتَرِيًا مَا فِي ذِمَّتِهِ بِمَا أَدَّى، إلَّا أَنَّ شِرَاءَ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ تَمْلِيكُهُ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَهُوَ لَا يَجُوزُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ عَيْنًا وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُقِرًّا، فَإِنَّ الْمُصَالِحَ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ إذَا كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لِأَنَّ شِرَاءَ الشَّيْءِ مِنْ مَالِكِهِ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ غَيْرِهِ. وَوَجْهُ الْوُجُوهِ الْبَاقِيَةِ مَذْكُورٌ فِي الْمَتْنِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، خَلَا أَنَّ قَوْلَهُ فَالْعَقْدُ مَوْقُوفٌ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ صَالِحْنِي عَلَى أَلْفِي يَنْفُذُ عَلَى الْمُصَالِحِ وَالتَّوَقُّفُ فِيمَا إذَا قَالَ صَالِحْ فُلَانًا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ دَعْوَاكَ عَلَى فُلَانٍ فَإِنَّهُ فِيهِ يَقِفُ عَنْ إجَازَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ أَجَازَ وَإِنْ رَدَّ بَطَلَ، وَهَذَا وَجْهٌ آخَرُ غَيْرُ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ. ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ، وَبَاقِي كَلَامِهِ ظَاهِرٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْحٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الصُّلْحِ فِي الدَّيْنِ] لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ الصُّلْحِ عَنْ عُمُومِ الدَّعَاوَى ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ حُكْمَ الْخَاصِّ وَهُوَ دَعْوَى الدَّيْنِ، لِأَنَّ الْخُصُوصَ أَبَدًا يَكُونُ بَعْدَ الْعُمُومِ. قَالَ (وَكُلُّ شَيْءٍ وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ) بَدَلُ الصُّلْحِ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ لَمْ يُحْمَلْ) الصُّلْحُ (عَلَى الْمُعَاوَضَةِ بَلْ عَلَى اسْتِيفَاءِ بَعْضِ الْحَقِّ وَإِسْقَاطِ الْبَاقِي) وَقَيَّدَ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ وَإِنْ كَانَ حُكْمُ الْغَصْبِ كَذَلِكَ حَمْلًا لِأَمْرِ

كَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ، وَكَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفٌ جِيَادٌ فَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ زُيُوفٍ جَازَ وَكَأَنَّهُ أَبْرَأَهُ عَنْ بَعْضِ حَقِّهِ) وَهَذَا لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْعَاقِلِ يَتَحَرَّى تَصْحِيحَهُ مَا أَمْكَنَ، وَلَا وَجْهَ لِتَصْحِيحِهِ مُعَاوَضَةً لِإِفْضَائِهِ إلَى الرِّبَا فَجُعِلَ إسْقَاطًا لِلْبَعْضِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَلِلْبَعْضِ وَالصِّفَةِ فِي الثَّانِيَةِ (وَلَوْ صَالَحَ عَلَى أَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ جَازَ وَكَأَنَّهُ أَجَّلَ نَفْسَ الْحَقِّ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ مُعَاوَضَةً لِأَنَّ بَيْعَ الدَّرَاهِمِ بِمِثْلِهَا نَسِيئَةً لَا يَجُوزُ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى التَّأْخِيرِ (وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى دَنَانِيرَ إلَى شَهْرٍ لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّ الدَّنَانِيرَ غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى التَّأْخِيرِ، وَلَا وَجْهَ لَهُ سِوَى الْمُعَاوَضَةِ، وَبَيْعُ الدَّرَاهِمِ بِالدَّنَانِيرِ نَسِيئَةً لَا يَجُوزُ فَلَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ (وَلَوْ كَانَتْ لَهُ أَلْفٌ مُؤَجَّلَةٌ فَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ حَالَةً لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّ الْمُعَجَّلَ خَيْرٌ مِنْ الْمُؤَجَّلِ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ بِالْعَقْدِ فَيَكُونُ بِإِزَاءِ مَا حَطَّهُ عَنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُسْلِمِ عَلَى الصَّلَاحِ (كَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ) جِيَادٌ حَالَّةٌ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ بَاعَهُ (فَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ، وَكَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ جِيَادٌ فَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ زُيُوفٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْعَاقِلِ يَتَحَرَّى تَصْحِيحُهُ مَا أَمْكَنَ، وَلَا وَجْهَ لِتَصْحِيحِهِ مُعَاوَضَةً لِإِفْضَائِهِ إلَى الرِّبَا فَجُعِلَ إسْقَاطًا لِلْبَعْضِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَلِلْبَعْضِ وَالصِّفَةِ فِي الثَّانِيَةِ وَلَوْ صَالَحَ عَنْهَا عَلَى أَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ صَحَّ) وَيُحْمَلُ عَلَى التَّأْخِيرِ الَّذِي فِيهِ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ لِأَنَّ فِي جَعْلِهِ مُعَاوَضَةً بَيْعَ الدَّرَاهِمِ بِمِثْلِهَا نَسِيئَةً وَهُوَ رِبًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَمَلَهُ عَلَى إسْقَاطِ الْبَاقِي، كَمَا إذَا صَالَحَ عَنْهَا عَلَى دَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةٍ بَطَلَ الصُّلْحُ، لِأَنَّ الدَّنَانِيرَ غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ فَيُحْمَلُ عَلَى التَّأْخِيرِ فَتَعَيَّنَ جَعْلُهُ مُعَاوَضَةً، إذْ التَّصَرُّفُ فِي الدُّيُونِ فِي مَسَائِلِ الصُّلْحِ لَا يَخْرُجُ عَنْ أَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي ذَلِكَ بَيْعُ الدَّرَاهِمِ بِالدَّنَانِيرِ نَسِيئَةً فَلَا يَجُوزُ (وَكَذَا إذَا كَانَ لَهُ أَلْفٌ مُؤَجَّلَةٌ فَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ حَالَّةٍ) فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْإِسْقَاطِ (لِأَنَّ الْمُعَجَّلَ) لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا بِالْعَقْدِ حَتَّى يَكُونَ اسْتِيفَاؤُهُ اسْتِيفَاءً لِبَعْضِ حَقِّهِ وَهُوَ (خَيْرٌ مِنْ النَّسِيئَةِ) لَا مَحَالَةَ فَيَكُونُ خَمْسَمِائَةٍ فِي مُقَابَلَةِ خَمْسِمِائَةٍ

وَذَلِكَ اعْتِيَاضٌ عَنْ الْأَجَلِ وَهُوَ حَرَامٌ (وَإِنْ كَانَ لَهُ أَلْفٌ سُودٌ فَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ بِيضٍ لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّ الْبِيضَ غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ وَهِيَ زَائِدَةٌ وَصْفًا فَيَكُونُ مُعَاوَضَةُ الْأَلْفِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَزِيَادَةِ وَصْفٍ وَهُوَ رِبًا، بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ عَنْ الْأَلْفِ الْبِيضِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ سُودٍ حَيْثُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ كُلُّهُ قَدْرًا وَوَصْفًا، وَبِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ وَهُوَ أَجْوَدُ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةُ الْمِثْلِ بِالْمِثْلِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالصِّفَةِ إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَمِائَةُ دِينَارٍ فَصَالَحَهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ حَالَّةٍ أَوْ إلَى شَهْرٍ صَحَّ الصُّلْحُ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ إسْقَاطًا لِلدَّنَانِيرِ كُلِّهَا وَالدَّرَاهِمِ إلَّا مِائَةً وَتَأْجِيلًا لِلْبَاقِي فَلَا يُجْعَلُ مُعَاوَضَةً تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ أَوْ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ فِيهِ أَلْزَمُ قَالَ (وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ أَدِّ إلَيَّ غَدًا مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ عَلَى أَنَّك بَرِيءٌ مِنْ الْفَضْلِ فَفَعَلَ فَهُوَ بَرِيءٌ، فَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ الْخَمْسَمِائَةِ غَدًا عَادَ عَلَيْهِ الْأَلْفُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَعُودُ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ مُطْلَقٌ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ جَعَلَ أَدَاءَ الْخَمْسِمِائَةِ عِوَضًا حَيْثُ ذَكَرَهُ بِكَلِمَةِ عَلَى وَهِيَ لِلْمُعَاوَضَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمِثْلِهِ مِنْ الدَّيْنِ (وَ) صِفَةُ (التَّعْجِيلِ فِي مُقَابَلَةِ الْبَاقِي وَذَلِكَ اعْتِيَاضٌ عَنْ الْأَجَلِ وَهُوَ حَرَامٌ) رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَقَالَ: إنَّ هَذَا يُرِيدُ أَنْ أُطْعِمَهُ الرِّبَا. وَهَذَا لِأَنَّ حُرْمَةَ رِبَا النَّسَاءِ لَيْسَتْ إلَّا لِشُبْهَةِ مُبَادَلَةِ الْمَالِ بِالْأَجَلِ، فَحَقِيقَةُ ذَلِكَ أَوْلَى بِذَلِكَ (وَلَوْ كَانَ لَهُ أَلْفٌ سُودٌ فَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ بِيضٍ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ كَانَتْ بِالْعَكْسِ جَازَ) وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُسْتَوْفَى إذَا كَانَ أَدْوَنَ مِنْ حَقِّهِ فَهُوَ إسْقَاطٌ كَمَا فِي الْعَكْسِ، وَإِنْ كَانَ أَزْيَدَ قَدْرًا أَوْ وَصْفًا فَهُوَ مُعَاوَضَةٌ (لِأَنَّ الزِّيَادَةَ غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ لَهُ) فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ اسْتِيفَاءً (فَيَكُونُ مُعَاوَضَةَ الْأَلْفِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَزِيَادَةَ وَصْفٍ وَهُوَ رِبًا) فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ حَقُّهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ نَبَهْرَجَةٍ فَصَالَحَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ بَخِّيَّةٍ نَقْدِ بَيْتِ الْمَالِ فَهُوَ أَجْوَدُ مِنْ النَّبَهْرَجَةِ وَجَازَ الصُّلْحُ وَالزِّيَادَةُ مَوْجُودَةٌ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَبِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ وَهُوَ أَجْوَدُ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةُ الْمِثْلِ بِالْمِثْلِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالصِّفَةِ إلَّا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ) وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْجَوْدَةَ إذَا وَقَعَتْ فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ كَانَ رِبًا كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَإِنَّهَا قُوبِلَتْ بِخَمْسِمِائَةٍ مِنْ السُّودِ وَهُوَ رِبًا، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقَعْ فَذَلِكَ صَرْفٌ وَالْجَيِّدُ وَالرَّدِيءُ فِيهِ سَوَاءٌ يَدًا بِيَدٍ (وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَمِائَةُ دِينَارٍ فَصَالَحَهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ حَالَّةٍ أَوْ مُؤَجَّلَةٍ صَحَّ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ جَعْلُهُ إسْقَاطًا لِلدَّنَانِيرِ كُلِّهَا وَالدَّرَاهِمِ إلَّا مِائَةً) إنْ كَانَتْ حَالَّةً وَإِسْقَاطًا لِذَلِكَ (وَتَأْجِيلًا لِلْبَاقِي) إنْ كَانَتْ مُؤَجَّلَةً (تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ أَوْ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ فِيهِ أَلْزَمُ) لِأَنَّ مَبْنَى الصُّلْحِ عَلَى الْحَطِيطَةِ وَالْحَطُّ هَاهُنَا أَكْثَرُ فَيَكُونُ الْإِسْقَاطُ أَلْزَمَ مِنْ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ. قَالَ (وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَخْ) وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ حَالَّةٌ فَقَالَ أَدِّ إلَيَّ غَدًا

وَالْأَدَاءُ لَا يَصِحُّ عِوَضًا لِكَوْنِهِ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ فَجَرَى وُجُودُهُ مَجْرَى عَدَمِهِ فَبَقِيَ الْإِبْرَاءُ مُطْلَقًا فَلَا يَعُودُ كَمَا إذَا بَدَأَ بِالْإِبْرَاءِ. وَلَهُمَا أَنَّ هَذَا إبْرَاءٌ مُقَيَّدٌ بِالشَّرْطِ فَيَفُوتُ بِفَوَاتِهِ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِأَدَاءِ الْخَمْسِمِائَةِ فِي الْغَدِ وَأَنَّهُ يَصْلُحُ غَرَضًا حِذَارَ إفْلَاسِهِ وَتَوَسُّلًا إلَى تِجَارَةٍ أَرْبَحَ مِنْهُ، وَكَلِمَةُ عَلَى إنْ كَانَتْ لِلْمُعَاوَضَةِ فَهِيَ مُحْتَمِلَةٌ لِلشَّرْطِ لِوُجُودِ مَعْنَى الْمُقَابَلَةِ فِيهِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْحَمْلِ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ أَوْ لِأَنَّهُ مُتَعَارَفٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ عَلَى أَنَّك بَرِيءٌ مِنْ الْفَضْلِ فَفَعَلَ فَهُوَ بَرِيءٌ. قِيلَ مَعْنَاهُ فَقَبِلَ فَهُوَ بَرِيءٌ فِي الْحَالِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: فَأَدَّى إلَيْهِ ذَلِكَ غَدًا فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْبَاقِي، فَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ غَدًا خَمْسَمِائَةٍ عَادَ الْأَلْفُ كَمَا كَانَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَعُودُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ مُطْلَقٌ إذْ لَيْسَ فِيهِ مَا يُقَيِّدُهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ جَعَلَ أَدَاءَ الْخَمْسِمِائَةِ عِوَضًا حَيْثُ ذَكَرَهُ بِكَلِمَةِ الْمُعَاوَضَةِ وَهِيَ عَلَى، وَالْأَدَاءُ لَا يَصْلُحُ عِوَضًا، لِأَنَّ حَدَّ الْمُعَاوَضَةِ أَنْ يَسْتَفِيدَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهَا وَالْأَدَاءُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ لَمْ يُسْتَفَدْ بِهِ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ فَجَرَى وُجُودُهُ: أَيْ وُجُودُ جَعْلِ الْأَدَاءِ عِوَضًا مَجْرَى عَدَمِهِ فَبَقِيَ الْإِبْرَاءُ مُطْلَقًا وَهُوَ لَا يَعُودُ كَمَا إذَا بَدَأَ بِالْإِبْرَاءِ بِأَنْ قَالَ أَبْرَأْتُك عَنْ خَمْسِمِائَةٍ مِنْ الْأَلْفِ عَلَى أَنْ تُؤَدِّيَ غَدًا خَمْسَمِائَةٍ. وَلَهُمَا أَنَّ هَذَا إبْرَاءٌ مُقَيَّدٌ بِالشَّرْطِ وَالْمُقَيَّدُ بِشَرْطٍ يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ: أَيْ عِنْدَ فَوَاتِهِ، فَإِنَّ انْتِفَاءَ الشَّرْطِ لَيْسَ عِلَّةً لِانْتِفَاءِ الْمَشْرُوطِ عِنْدَنَا لَكِنَّهُ عِنْدَ انْتِفَائِهِ فَاتَ لِبَقَائِهِ عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ وَمَوْضِعُهُ أُصُولُ الْفِقْهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ مُقَيَّدٌ بِالشَّرْطِ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِأَدَاءِ خَمْسِمِائَةٍ فِي الْغَدِ وَأَنَّهُ يَصْلُحُ غَرَضًا حَذَارِ إفْلَاسِهِ أَوْ تَوَسُّلًا إلَى تِجَارَةِ أَرْبَعٍ فَصَلَحَ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى؛ وَكَلِمَةُ عَلَى وَإِنْ كَانَتْ لِلْمُعَاوَضَةِ لَكِنْ تَحْتَمِلُ مَعْنَى الشَّرْطِ لِوُجُودِ مَعْنَى الْمُقَابَلَةِ فِيهِ، فَإِنَّ فِيهِ مُقَابَلَةَ الشَّرْطِ بِالْجَزَاءِ كَمَا كَانَ بَيْنَ الْعِوَضَيْنِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فَتَحْتَمِلُ عَلَى الشَّرْطِ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ وَكَأَنَّهُ مِنْهُمَا قَوْلٌ بِمُوجِبِ الْعِلَّةِ: أَيْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُقَيَّدًا بِالْعِوَضِ لَكِنْ لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ مُقَيَّدًا بِوَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ الشَّرْطُ (قَوْلُهُ أَوْ لِأَنَّهُ مُتَعَارَفٌ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِوُجُودِ الْمُقَابَلَةِ: يَعْنِي أَنَّ حَمْلَ كَلِمَةِ عَلَى عَلَى الشَّرْطِ لِأَحَدِ مَعْنَيَيْنِ: إمَّا لِوُجُودِ الْمُقَابَلَةِ وَإِمَّا لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الشَّرْطِ فِي الصُّلْحِ مُتَعَارَفٌ بِأَنْ يَكُونَ تَعْجِيلُ الْبَعْضِ مُقَيَّدًا لِإِبْرَاءِ الْبَاقِي، وَالْمَعْرُوفُ عُرْفًا كَالْمَشْرُوطِ شَرْطًا

وَالْإِبْرَاءُ مِمَّا يَتَقَيَّدُ بِالشَّرْطِ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَمَا فِي الْحَوَالَةِ، وَسَتَخْرُجُ الْبُدَاءَةُ بِالْإِبْرَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ لَمْ تَنْقُدْ غَدًا فَلَا صُلْحَ بَيْنَنَا (قَوْلُهُ وَالْإِبْرَاءُ مِمَّا يَتَقَيَّدُ بِالشَّرْطِ وَإِلَّا كَانَ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِهِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ تَعْلِيقُ الْإِبْرَاءِ بِالشَّرْطِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِغَرِيمٍ أَوْ كَفِيلٍ إذَا أَدَّيْت أَوْ مَتَى أَدَّيْت أَوْ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ خَمْسَمِائَةٍ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ الْبَاقِي بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالشَّرْطِ هُوَ التَّعْلِيقُ بِهِ فَكَيْفَ كَانَ جَائِزًا؟ وَوَجْهُهُ أَنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ لَفْظًا وَمَعْنًى. أَمَّا لَفْظًا فَهُوَ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالشَّرْطِ لَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ لَفْظُ الشَّرْطِ صَرِيحًا وَالتَّعْلِيقُ بِهِ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَعْنًى فَلِأَنَّ فِي التَّقْيِيدِ بِهِ الْحُكْمُ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ عَلَى عَرْضِيَّةِ أَنْ يَزُولَ إنْ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ، وَفِي التَّعْلِيقِ بِهِ الْحُكْمُ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي الْحَالِ وَهُوَ بِعَرْضِيَّةِ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَالْفِقْهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ فِي الْإِبْرَاءِ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ وَالتَّمْلِيكِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ لَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَى الْقَبُولِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ كَمَا فِي سَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ، وَتَعْلِيقُ الْإِسْقَاطِ الْمَحْضِ جَائِزٌ كَتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِالشَّرْطِ، وَتَعْلِيقُ التَّمْلِيكِ بِهِ لَا يَجُوزُ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ شُبْهَةِ الْقِمَارِ الْحَرَامِ. وَالْإِبْرَاءُ لَهُ شُبْهَةٌ بِهِمَا فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِالشَّبَهَيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. فَقُلْنَا: لَا يُحْتَمَلُ التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ عَمَلًا بِشَبَهِ التَّمْلِيكِ، وَذَلِكَ إذَا كَانَ بِحَرْفِ الشَّرْطِ، وَيَحْتَمِلُ التَّقْيِيدَ بِهِ عَمَلًا بِشَبَهِ الْإِسْقَاطِ وَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ حَرْفُ شَرْطٍ، وَلَيْسَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ حَرْفُ شَرْطٍ فَكَانَ مُقَيَّدًا بِشَرْطٍ وَالْمُقَيَّدُ بِهِ يَفُوتُ عِنْدَ فَوَاتِهِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْحَوَالَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَيَفُوتُ بِفَوَاتِهِ: يَعْنِي أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُقَيَّدًا بِشَرْطٍ يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ كَانَ كَالْحَوَالَةِ، فَإِنَّ بَرَاءَةَ الْمُحِيلِ مُقَيَّدَةٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا عَادَ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ. وَقَوْلُهُ (وَسَتَخْرُجُ الْبُدَاءَةُ بِالْإِبْرَاءِ) وَعْدٌ بِالْجَوَابِ عَمَّا قَالَ أَبُو يُوسُفَ كَمَا إذَا بَدَأَ بِالْإِبْرَاءِ. وَإِذَا تَأَمَّلْت مَا ذَكَرْت لَك فِي هَذَا الْوَجْهِ ظَهَرَ لَك وَجْهَ الْوُجُوهِ الْبَاقِيَةِ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي حَصْرِ الْوُجُوهِ عَلَى خَمْسَةٍ: إنَّ رَبَّ الدَّيْنِ فِي تَعْلِيقِ الْإِبْرَاءِ بِأَدَاءِ الْبَعْضِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ بَدَأَ بِالْأَدَاءِ أَوْ لَا، فَإِنْ بَدَأَ بِهِ فَلَا يَخْلُو، وَإِمَّا أَنْ يَذْكُرَ مَعَهُ بَقَاءَ الْبَاقِي عَلَى الْمَدْيُونِ صَرِيحًا عِنْدَ عَدَمِ الْوَفَاءِ بِالشَّرْطِ أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فَهُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَإِنْ ذَكَرَهُ فَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي، وَإِنْ لَمْ يَبْدَأْ بِالْأَدَاءِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ بَدَأَ بِالْإِبْرَاءِ أَوْ لَا، فَإِنْ بَدَأَ بِهِ فَهُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ، وَإِنْ لَمْ يَبْدَأْ

قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ: أَحَدُهَا مَا ذَكَرْنَاهُ. وَالثَّانِي إذَا قَالَ صَالَحْتُك مِنْ الْأَلْفِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ تَدْفَعُهَا إلَيَّ غَدًا وَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ الْفَضْلِ عَلَى أَنَّك إنْ لَمْ تَدْفَعْهَا إلَيَّ غَدًا فَالْأَلْفُ عَلَيْك عَلَى حَالِهِ. وَجَوَابُهُ أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى مَا قَالَ لِأَنَّهُ أَتَى بِصَرِيحِ التَّقْيِيدِ فَيُعْمَلُ بِهِ. وَالثَّالِثُ إذَا قَالَ أَبْرَأْتُك مِنْ خَمْسِمِائَةٍ مِنْ الْأَلْفِ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي الْخَمْسَمِائَةِ غَدًا وَالْإِبْرَاءُ فِيهِ وَاقِعٌ أَعْطَى الْخَمْسَمِائَةِ أَوْ لَمْ يُعْطِ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ الْإِبْرَاءَ أَوَّلًا، وَأَدَاءُ الْخَمْسِمِائَةِ لَا يَصْلُحُ عِوَضًا مُطْلَقًا وَلَكِنَّهُ يَصْلُحُ شَرْطًا فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي تَقْيِيدِهِ بِالشَّرْطِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْإِبْرَاءِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ بَدَأَ بِحَرْفِ الشَّرْطِ أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَبْدَأْ فَالْوَجْهُ الرَّابِعُ وَإِنْ بَدَأَ فَهُوَ الْخَامِسُ. أَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي ظَهَرَ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَالثَّالِثُ وَهُوَ الْمَوْعُودُ بِاسْتِخْرَاجِ الْجَوَابِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الثَّابِتَ أَوَّلًا لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ، فَإِذَا قُدِّمَ الْإِبْرَاءُ حَصَلَ مُطْلَقًا ثُمَّ بِذِكْرِ مَا بَعْدَهُ وَقَعَ الشَّكُّ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ عِوَضًا فَهُوَ بَاطِلٌ لِمَا تَقَدَّمَ فَلَمْ يَزُلْ بِهِ الْإِطْلَاقُ، وَإِنْ كَانَ شَرْطًا يُقَيَّدُ بِهِ وَزَالَ الْإِطْلَاقُ، فَإِذَا وَقَعَ الشَّكُّ لَمْ يَبْطُلْ بِهِ الثَّابِتُ أَوَّلًا، وَفِي عَكْسِهَا عَكْسُ ذَلِكَ. وَالرَّابِعُ وَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُؤَقِّتْ لِلْأَدَاءِ وَقْتًا ظَهَرَ أَنَّ أَدَاءَ الْبَعْضِ لَمْ يَكُنْ لِغَرَضٍ لِكَوْنِهِ وَاجِبًا فِي مُطْلَقِ الْأَزْمَانِ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ لِيَحْصُلَ بِهِ التَّقْيِيدُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا جِهَةُ الْعِوَضِ، وَهُوَ غَيْرُ صَالِحٍ لِذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ. وَالْخَامِسُ تَعْلِيقٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِبْرَاءَ لَا يَحْتَمِلُهُ فَلَا يَكُونُ صَحِيحًا

بِخِلَافِ مَا إذَا بَدَأَ بِأَدَاءِ خَمْسِمِائَةٍ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ حَصَلَ مَقْرُونًا بِهِ، فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَصْلُحُ عِوَضًا يَقَعُ مُطْلَقًا، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَصْلُحُ شَرْطًا لَا يَقَعُ مُطْلَقًا فَلَا يَثْبُتُ الْإِطْلَاقُ بِالشَّكِّ فَافْتَرَقَا. وَالرَّابِعُ إذَا قَالَ أَدِّ إلَيَّ خَمْسَمِائَةٍ عَلَى أَنَّك بَرِيءٌ مِنْ الْفَضْلِ وَلَمْ يُؤَقِّتْ لِلْأَدَاءِ وَقْتًا. وَجَوَابُهُ أَنَّهُ يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ وَلَا يَعُودُ الدَّيْنُ لِأَنَّ هَذَا إبْرَاءٌ مُطْلَقٌ، لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُؤَقِّتْ لِلْأَدَاءِ وَقْتًا لَا يَكُونُ الْأَدَاءُ غَرَضًا صَحِيحًا لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فِي مُطْلَقِ الْأَزْمَانِ فَلَمْ يَتَقَيَّدْ بَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ وَلَا يَصْلُحُ عِوَضًا، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ الْأَدَاءَ فِي الْغَدِ غَرَضٌ صَحِيحٌ. وَالْخَامِسُ إذَا قَالَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ خَمْسَمِائَةٍ أَوْ قَالَ إذَا أَدَّيْت أَوْ مَتَى أَدَّيْت. فَالْجَوَابُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالشَّرْطِ صَرِيحًا، وَتَعْلِيقُ الْبَرَاءَاتِ بِالشُّرُوطِ بَاطِلٌ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ حَتَّى يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ مَا أَتَى بِصَرِيحِ الشَّرْطِ فَحُمِلَ عَلَى التَّقْيِيدِ بِهِ. قَالَ (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ لَا أُقِرُّ لَك بِمَالِك حَتَّى تُؤَخِّرَهُ عَنِّي أَوْ تَحُطَّ عَنِّي فَفَعَلَ جَازَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُكْرَهٍ، وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا قَالَ ذَلِكَ سِرًّا، أَمَّا إذَا قَالَ عَلَانِيَةً يُؤْخَذُ بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَنْ قَالَ لِآخَرَ لَا أُقِرُّ لَك بِمَا لَك عَلَيَّ حَتَّى تُؤَخِّرَهُ عَنِّي أَوْ تَحُطَّ عَنِّي بَعْضَهُ فَفَعَلَ) أَيْ أَخَّرَ أَوْ حَطَّ (جَازَ عَلَيْهِ) أَيْ نَفَذَ هَذَا التَّصَرُّفُ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ فِي الْحَالِ إنْ أَخَّرَ وَأَبَدًا إنْ حَطَّ (لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُكْرَهٍ) لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَوْ التَّحْلِيفِ. لَا يُقَالُ: هُوَ مُضْطَرٌّ فِيهِ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يُقِرَّ، لِأَنَّ تَصَرُّفُ الْمُضْطَرِّ كَتَصَرُّفِ غَيْرِهِ، فَإِنَّ مَنْ بَاعَ عَيْنًا بِطَعَامٍ يَأْكُلُهُ لِجُوعٍ قَدْ اُضْطُرَّ بِهِ كَانَ بَيْعُهُ نَافِذًا (وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا قَالَ ذَلِكَ سِرًّا، أَمَّا إذَا قَالَ عَلَانِيَةً يُؤْخَذُ) الْمُقِرُّ (بِجَمِيعِ الْمَالِ) فِي الْحَالِ.

[فصل في الدين المشترك]

قَالَ (وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَصَالَحَ أَحَدُهُمَا مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى ثَوْبٍ فَشَرِيكُهُ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ اتَّبَعَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِصِفَةٍ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الثَّوْبِ إلَّا أَنْ يَضْمَنَ لَهُ شَرِيكُهُ رُبُعَ الدَّيْنِ) وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الدَّيْنَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إذَا قَبَضَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْهُ فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الْمَقْبُوضِ لِأَنَّهُ ازْدَادَ بِالْقَبْضِ، إذْ مَالِيَّةُ الدَّيْنِ بِاعْتِبَارِ عَاقِبَةِ الْقَبْضِ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ رَاجِعَةٌ إلَى أَصْلِ الْحَقِّ فَتَصِيرُ كَزِيَادَةِ الْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ وَلَهُ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ، وَلَكِنَّهُ قَبْلَ الْمُشَارَكَةِ بَاقٍ عَلَى مَالِكِ الْقَابِضِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ] أَخَّرَ بَيَانَ حُكْمِ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ عَنْ الدَّيْنِ الْمُفْرَدِ لِأَنَّ الْمُرَكَّبَ يَتْلُو الْمُفْرَدَ. قَالَ (وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ إلَخْ) إذَا كَانَ الدَّيْنُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ فَصَالَحَ أَحَدُهُمَا مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى ثَوْبٍ فَشَرِيكُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ اتَّبَعَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنَ بِنِصْفِهِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الثَّوْبِ مِنْ الشَّرِيكِ، إلَّا أَنْ يَضْمَنَ لَهُ شَرِيكُهُ رُبْعَ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ لَا خِيَارَ لِشَرِيكِهِ فِي اتِّبَاعِ الْغَرِيمِ أَوْ شَرِيكِهِ الْقَابِضِ، وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الدَّيْنَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إذَا قَبَضَ أَحَدُهُمَا مِنْهُ شَيْئًا فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الْمَقْبُوضِ وَهُوَ الدَّرَاهِمُ أَوْ الدَّنَانِيرُ أَوْ غَيْرُهُمَا،

لِأَنَّ الْعَيْنَ غَيْرُ الدَّيْنِ حَقِيقَةً وَقَدْ قَبَضَهُ بَدَلًا عَنْ حَقِّهِ فَيَمْلِكُهُ حَتَّى يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ وَيَضْمَنَ لِشَرِيكِهِ حِصَّتَهُ، وَالدَّيْنُ الْمُشْتَرَكُ يَكُونُ وَاجِبًا بِسَبَبٍ مُتَّحِدٍ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ إذَا كَانَ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَثَمَنِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ وَالْمَوْرُوثِ بَيْنَهُمَا وَقِيمَةِ الْمُسْتَهْلَكِ الْمُشْتَرَكِ. إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ: لَهُ أَنْ يَتْبَعَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ لِأَنَّ نَصِيبَهُ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ لِأَنَّ الْقَابِضَ قَبَضَ نَصِيبَهُ لَكِنَّ لَهُ حَقَّ الْمُشَارَكَةِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الثَّوْبِ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْمُشَارَكَةِ إلَّا أَنْ يَضْمَنَ لَهُ شَرِيكُهُ رُبُعَ الدَّيْنِ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي ذَلِكَ. قَالَ (وَلَوْ اسْتَوْفَى نِصْفَ نَصِيبِهِ مِنْ الدَّيْنِ كَانَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيمَا قَبَضَ) لِمَا قُلْنَا (ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَلَى الْغَرِيمِ بِالْبَاقِي) لِأَنَّهُمَا لَمَّا اشْتَرَكَا فِي الْمَقْبُوضِ لَا بُدَّ أَنْ يَبْقَى الْبَاقِي عَلَى الشَّرِكَةِ. قَالَ (وَلَوْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِنَصِيبِهِ مِنْ الدَّيْنِ سِلْعَةً كَانَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُضَمِّنَهُ رُبُعَ الدَّيْنِ) لِأَنَّهُ صَارَ قَابِضًا حَقَّهُ بِالْمُقَاصَّةِ كَامِلًا، لِأَنَّ مَبْنَى الْبَيْعِ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ بِخِلَافِ الصُّلْحِ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْإِغْمَاضِ وَالْحَطِيطَةِ، فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ دَفْعَ رُبْعِ الدَّيْنِ يَتَضَرَّرُ بِهِ فَيَتَخَيَّرُ الْقَابِضُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَلَا سَبِيلَ لِلشَّرِيكِ عَلَى الثَّوْبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الدَّيْنَ ازْدَادَ خَيْرًا بِالْقَبْضِ، إذْ مَالِيَّةُ الدَّيْنِ بِاعْتِبَارِ عَاقِبَةِ الْقَبْضِ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ رَاجِعَةٌ إلَى أَصْلِ الْحَقِّ فَيَصِيرُ كَزِيَادَةِ الْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ وَلَهُ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَتْ زِيَادَةُ الدَّيْنِ بِالْقَبْضِ كَزِيَادَةِ الثَّمَرَةِ وَالْوَلَدِ لَمَا جَازَ تَصَرُّفُ الْقَابِضِ فِي الْمَقْبُوضِ كَمَا لَا يَجُوزُ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ التَّصَرُّفُ فِي الْوَلَدِ وَالثَّمَرَةُ بِغَيْرِ إذْنِ الْآخَرِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ لَكِنَّهُ: أَيْ الْمَقْبُوضَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ الشَّرِيكُ مُشَارَكَةَ الْقَابِضِ فِيهِ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْقَابِضِ، لِأَنَّ الْعَيْنَ غَيْرُ الدَّيْنِ حَقِيقَةً وَقَدْ قَبَضَهُ بَدَلًا عَنْ حَقِّهِ فَيَمْلِكُهُ وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ وَيَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ حِصَّتَهُ، عُرِفَ الدَّيْنُ الْمُشْتَرَكُ بِأَنَّهُ الَّذِي يَكُونُ وَاجِبًا بِسَبَبٍ مُتَّحِدٍ كَثَمَنِ مَبِيعٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً بِأَنْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَيْنٌ عَلَى حِدَةٍ فَبَاعَا صَفْقَةً وَاحِدَةً وَثَمَنُ مَالٍ مُشْتَرَكٍ وَمَوْرُوثٍ مُشْتَرَكٍ وَقِيمَةٍ مُسْتَهْلَكٍ مُشْتَرَكٍ. وَقَيَّدَ الصَّفْقَةَ بِالْوَحْدَةِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ رَجُلٍ بِخَمْسِمِائَةٍ وَبَاعَ الْآخَرُ نَصِيبَهُ مِنْهُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَكَتَبَ عَلَيْهِ صَكًّا وَاحِدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَبَضَ أَحَدُهُمَا مِنْهُ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ، لِأَنَّ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجَبَ عَلَى الْمَطْلُوبِ بِسَبَبٍ آخَرَ فَلَا تَثْبُتُ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا بِاتِّحَادِ الصَّكِّ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: ثُمَّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكْتَفِيَ بِقَوْلِهِ إذَا كَانَ صَفْقَةً وَاحِدَةً، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ عَلَى هَذَا وَيُقَالَ: إذَا كَانَ صَفْقَةً وَاحِدَةً بِشَرْطِ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ وَصِفَتِهِ، لِأَنَّهُمَا لَوْ بَاعَاهُ صَفْقَةً وَاحِدَةً عَلَى أَنَّ نَصِيبَ فُلَانٍ مِنْهُ مِائَةٌ وَنَصِيبَ فُلَانٍ خَمْسَمِائَةٍ ثُمَّ قَبَضَ أَحَدُهُمَا مِنْهُ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ، لِأَنَّ تَفَرُّقَ التَّسْمِيَةِ فِي حَقِّ الْبَائِعِينَ كَتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ، بِدَلِيلِ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقْبَلَ الْبَيْعَ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَطَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ نَصِيبَهُ خَمْسَمِائَةٍ بَخِّيَّةً وَنُصِيبُ الْآخَرِ خَمْسُمِائَةٍ سُودٌ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيمَا قَبَضَهُ، لِأَنَّ بِالتَّسْمِيَةِ تَفَرَّقَتْ وَتَمَيَّزَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ وَصْفًا، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا تَرَكَ ذِكْرَهُ لِأَنَّهُ شَرَطَ الِاشْتِرَاكَ وَهُوَ فِي بَيَانِ حَقِيقَتِهِ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْأَصْلِ قَالَ (إذَا عَرَفْنَا هَذَا) وَنَزَلَ عَلَيْهِ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ هَذَا إذَا كَانَ صَالَحَ عَلَى شَيْءٍ، وَلَوْ اسْتَوْفَى نِصْفَ نَصِيبِهِ مِنْ الدَّيْنِ كَانَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُشْرِكَهُ فِيمَا قَبَضَ لِمَا قُلْنَا مِنْ الْأَصْلِ ثُمَّ يَرْجِعَانِ بِالْبَاقِي عَلَى الْغَرِيمِ، لِأَنَّهُمَا لَمَّا اشْتَرَكَا فِي الْمَقْبُوضِ لَا بُدَّ مِنْ بَقَاءِ الْبَاقِي عَلَى مَا كَانَ مِنْ الشَّرِكَةِ. قَالَ (وَلَوْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِنَصِيبِهِ إلَخْ) وَلَوْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِنَصِيبِهِ مِنْ الدَّيْنِ ثَوْبًا كَانَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُضَمِّنَهُ رُبْعَ الدَّيْنِ

فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِعَقْدِهِ وَالِاسْتِيفَاءِ بِالْمُقَاصَّةِ بَيْنَ ثَمَنِهِ وَبَيْنَ الدَّيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَيْسَ الشَّرِيكُ مُخَيَّرًا بَيْنَ دَفْعِ رُبْعِ الدَّيْنِ وَنِصْفِ الثَّوْبِ كَمَا كَانَ فِي صُورَةِ الصُّلْحِ، لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى نَصِيبَهُ بِالْمُقَاصَّةِ بَيْنَ مَا لَزِمَهُ بِشِرَاءِ الثَّوْبِ وَمَا كَانَ لَهُ عَلَى الْغَرِيمِ كَمَلًا: أَيْ مِنْ غَيْرِ حَطِيطَةٍ وَإِغْمَاضٍ، لِأَنَّ مَبْنَى الْبَيْعِ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ وَمِثْلُهُ لَا يُتَوَهَّمُ مِنْهُ وَالْإِغْمَاضُ وَالْحَطِيطَةُ، بِخِلَافِ الصُّلْحِ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ، فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ فِي الصُّلْحِ تَضْمِينَ رُبُعِ الدَّيْنِ أَلْبَتَّةَ تَضَرَّرَ فَيُخَيَّرُ الْقَابِضُ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَضْمَنَ لَهُ شَرِيكُهُ، وَلَيْسَ لِلشَّرِيكِ عَلَى الثَّوْبِ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ سَبِيلٌ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِعَقْدِهِ. فَإِنْ قِيلَ: هَبْ أَنَّهُ مَلَكَهُ بِعَقْدِهِ أَمَّا كَانَ بِبَعْضِ دَيْنٍ مُشْتَرَكٍ وَذَلِكَ يَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ فِي الْمَقْبُوضِ؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَالِاسْتِيفَاءُ بِالْمُقَاصَّةِ بَيْنَ ثَمَنِهِ وَبَيْنَ الدَّيْنِ) يَعْنِي أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ لَمْ يَقَعْ بِمَا هُوَ مُشْتَرَكٌ بَلْ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الثَّمَنِ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ، إذْ الْبَيْعُ يَقْتَضِي

وَلِلشَّرِيكِ أَنْ يَتْبَعَ الْغَرِيمَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ حَقَّهُ فِي ذِمَّتِهِ بَاقٍ لِأَنَّ الْقَابِضَ اسْتَوْفَى نَصِيبَهُ حَقِيقَةً لَكِنَّ لَهُ حَقَّ الْمُشَارَكَةِ فَلَهُ أَنْ لَا يُشَارِكَهُ، فَلَوْ سَلَّمَ لَهُ مَا قَبَضَ ثُمَّ تَوَى مَا عَلَى الْغَرِيمِ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ الْقَابِضَ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالتَّسْلِيمِ لِيُسَلِّمَ لَهُ مَا فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ وَلَمْ يُسَلِّمْ، وَلَوْ وَقَعَتْ الْمُقَاصَّةُ بِدَيْنٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ الشَّرِيكُ لِأَنَّهُ قَاضٍ بِنَصِيبِهِ لَا مُقْتَضٍ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ نَصِيبِهِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ وَلَيْسَ بِقَبْضٍ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الْبَعْضِ كَانَتْ قِسْمَةُ الْبَاقِي عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ السِّهَامِ، وَلَوْ أَخَّرَ أَحَدَهُمَا عَنْ نَصِيبِهِ صَحَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ اعْتِبَارًا بِالْإِبْرَاءِ الْمُطْلَقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQثُبُوتَ الثَّمَنِ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي، وَالْإِضَافَةُ إلَى مَا عَلَى الْغَرِيمِ مِنْ نَصِيبِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ إنْ تَحَقَّقَتْ لَا تُنَافِي ذَلِكَ، لِأَنَّ النُّقُودَ عَيْنًا كَانَتْ أَوْ دَيْنًا لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ. وَإِذَا ظَهَرَتْ الْمُقَاصَّةُ انْدَفَعَ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّهَا لَزِمَتْ فِي ضِمْنِ الْمُعَاقَدَةِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِهَا، وَأَمَّا الصُّلْحُ فَلَيْسَ يَلْزَمُ بِهِ فِي ذِمَّةِ الْمُصَالِحِ شَيْءٌ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِهِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمَأْخُوذَ مِنْ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ فَكَانَ الشَّرِيكُ بِسَبِيلٍ مِنْ الْمُشَارَكَةِ فِيهِ (وَلِلشَّرِيكِ أَنْ يَتَّبِعَ الْغَرِيمَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا) مِنْ الصُّلْحِ عَنْ نَصِيبِهِ عَلَى ثَوْبٍ وَاسْتِيفَاءِ نَصِيبِهِ بِالنُّقُودِ وَشِرَاءِ السِّلْعَةِ بِنَصِيبِهِ (لِأَنَّ حَقَّهُ فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ بَاقٍ، لِأَنَّ الْقَابِضَ اسْتَوْفَى نَصِيبَهُ حَقِيقَةً لَكِنْ لَهُ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ فَلَهُ أَنْ لَا يُشَارِكَهُ) لِئَلَّا يَنْقَلِبَ مَالُهُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ خَلَفٌ بَاطِلٌ (فَلَوْ سَلَّمَ السَّاكِتُ لِلْقَابِضِ مَا قَبَضَ ثُمَّ تَوَى مَا عَلَى الْغَرِيمِ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ الْقَابِضَ) فِي الْفُصُولِ الثَّلَاثَةِ (لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالتَّسْلِيمِ لِيُسَلِّمَ لَهُ مَا فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ وَلَمْ يُسَلِّمْ) كَمَا إذَا مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا فَإِنَّ الْمُحْتَالَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ لِذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ عَلَى أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ دَيْنٌ لِلْغَرِيمِ قَبْلَ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ فَأَقَرَّ بِذَلِكَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ الشَّرِيكُ لِأَنَّهُ قَاضٍ بِنَصِيبِهِ لَا مُقْتَضٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ آخِرَ الدَّيْنَيْنِ قَضَاءٌ عَنْ أَوَّلِهِمَا، إذْ الْعَكْسُ يَسْتَلْزِمُ الْقَضَاءَ قَبْلَ الْوُجُوبِ وَالْقَضَاءُ لَا يَسْبِقُهُ (وَلَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ نَصِيبِهِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ وَلَيْسَ بِقَبْضٍ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الْبَعْضِ كَانَتْ قِسْمَةُ الْبَاقِي عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ السِّهَامِ) حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُمَا عَلَى الْمَدْيُونِ عِشْرُونَ دِرْهَمًا فَأَبْرَأَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عَنْ نِصْفِ نَصِيبِهِ كَانَتْ الْمُطَالَبَةُ لَهُ بِالْخَمْسَةِ وَلِلسَّاكِتِ بِالْعَشَرَةِ (وَلَوْ أَخَّرَ أَحَدُهُمَا عَنْ نَصِيبِهِ صَحَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) خِلَافًا لَهُمَا، قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ صِفَةِ الِاخْتِلَافِ مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ فِي عَامَّةِ

وَلَا يَصِحُّ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلَوْ غَصَبَ أَحَدُهُمَا عَيْنًا مِنْهُ أَوْ اشْتَرَاهَا شِرَاءً فَاسِدًا وَهَلَكَ فِي يَدِهِ فَهُوَ قَبْضٌ وَالِاسْتِئْجَارُ بِنَصِيبِهِ قَبْضٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكُتُبِ حَيْثُ ذُكِرَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ مَعَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَذَلِكَ سَهْلٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُصَنِّفُ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى رِوَايَةٍ لِمُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ التَّأْخِيرَ لِكَوْنِهِ إبْرَاءً مُؤَقَّتًا بِالْإِبْرَاءِ الْمُطْلَقِ، وَقَالَا: يَلْزَمُ قِسْمَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِامْتِيَازِ أَحَدِ النَّصِيبَيْنِ عَنْ الْآخَرِ بِاتِّصَافِ أَحَدِهِمَا بِالْحُلُولِ وَالْآخَرِ بِالتَّأْجِيلِ، وَقِسْمَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا تَجُوزُ لِأَنَّهُ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ، وَذَلِكَ لَا يَتَمَيَّزُ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ بِتَأْخِيرِ الْبَعْضِ هَلْ يَتَمَيَّزُ أَحَدُ النَّصِيبَيْنِ عَنْ الْآخَرِ أَوْ لَا، فَإِنْ تَمَيَّزَ بَطَلَ قَوْلُكُمْ وَذَلِكَ لَا يَتَمَيَّزُ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ، وَإِنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ بَطَلَ قَوْلُكُمْ لِامْتِيَازِ أَحَدِ النَّصِيبَيْنِ عَنْ الْآخَرِ بِكَذَا وَكَذَا. وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ تَأْخِيرَ الْبَعْضِ فِيهِ يَسْتَلْزِمُ التَّمْيِيزَ بِذِكْرِ مَا يُوجِبُهُ فِيمَا يَسْتَحِيلُ ذَلِكَ فِيهِ، فَمَعْنَى قَوْلِهِ لِامْتِيَازِ أَحَدِ النَّصِيبَيْنِ لِاسْتِلْزَامِ التَّأْخِيرِ الِامْتِيَازَ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ يَجُوزُ إبْرَاءُ أَحَدِهِمَا عَنْ نَصِيبِهِ وَذِكْرُ الْإِبْرَاءِ يُوجِبُ التَّمْيِيزَ بِكَوْنِ بَعْضِهِ مَطْلُوبًا وَبَعْضَهُ لَا فِيمَا يَسْتَحِيلُ فِيهِ ذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَقْتَضِي وُجُودَ النَّصِيبَيْنِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي صُورَةِ الْإِبْرَاءِ بِمَوْجُودٍ فَلَا قِسْمَةَ. لَا يُقَالُ: لَوْ كَانَ الْقِسْمَةُ أَمْرًا وُجُودِيًّا لَزِمَ مَا ذَكَرْتُمْ، وَإِنَّمَا هِيَ رَفْعُ الِاشْتِرَاكِ أَوْ الِاتِّحَادِ أَوْ مَا شِئْت فَسَمِّهِ وَذَلِكَ عَدَمِيٌّ، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا تَقْتَضِي وُجُودَ النَّصِيبَيْنِ. لِأَنَّا نَقُولُ: الْقِسْمَةُ إفْرَازُ أَحَدِ النَّصِيبَيْنِ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ بِمَا لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ الْآخَرُ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي وُجُودَهُمَا لَا مَحَالَةَ، وَارْتِفَاعُ الشَّرِكَةِ مِنْ لَوَازِمِهِ وَالِاعْتِبَارُ لِلْمَوْضُوعَاتِ الْأَصْلِيَّةِ (وَلَوْ غَصَبَ أَحَدُهُمَا عَيْنًا مِنْهُ أَوْ اشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا فَهَلَكَ فِي يَدِهِ فَهُوَ قَبْضٌ) لِأَنَّ ضَمَانَ الْهَالِكِ قِصَاصٌ بِقَدْرِهِ مِنْ الدَّيْنِ وَهُوَ آخِرُ الدَّيْنَيْنِ فَيَصِيرُ قَضَاءً لِلْأَوَّلِ، وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ مِنْ الْغَرِيمِ بِنَصِيبِهِ دَارًا وَسَكَنَهَا فَأَرَادَ شَرِيكُهُ اتِّبَاعَهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ صَارَ مُقْتَضِيًا نَصِيبَهُ وَقَدْ قَبَضَ مَالَهُ حُكْمُ الْمَالِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، لِأَنَّ مَا عَدَا مَنَافِعِ الْبُضْعِ مِنْ الْمَنَافِعِ جُعِلَ

وَكَذَا الْإِحْرَاقُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالتَّزَوُّجُ بِهِ إتْلَافٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَكَذَا الصُّلْحُ عَلَيْهِ مِنْ جِنَايَةِ الْعَمْدِ. قَالَ (وَإِذَا كَانَ السَّلَمُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَصَالَحَ أَحَدُهُمَا مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ الصُّلْحُ) اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الدُّيُونِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمَالًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عِنْدَ وُرُودِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا (وَكَذَا الْإِحْرَاقُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) وَصُورَتُهُ: مَا إذَا رَمَى النَّارَ عَلَى ثَوْبِ الْمَدْيُونِ فَأَحْرَقَهُ وَهُوَ يُسَاوِي نَصِيبَ الْمُحْرَقِ، وَأَمَّا إذَا أَخَذَ الثَّوْبَ ثُمَّ أَحْرَقَهُ فَإِنَّ لِلشَّرِيكِ السَّاكِتِ أَنْ يَتَّبِعَ الْمُحْرِقَ بِالْإِجْمَاعِ. لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْإِحْرَاقَ إتْلَافٌ لِمَالٍ مَضْمُونٍ فَكَانَ كَالْغَصْبِ، وَالْمَدْيُونُ صَارَ قَاضِيًا لِنَصِيبِهِ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ فَيُجْعَلُ الْمُحْرِقُ مُقْتَضِيًا، وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مُتْلِفَ نَصِيبَهُ بِمَا صَنَعَ لَا قَابِضَ، لِأَنَّ الْإِحْرَاقَ إتْلَافٌ فَكَانَ هَذَا نَظِيرَ الْجِنَايَةِ، فَإِنَّهُ لَوْ جَنَى عَلَى نَفْسِ الْمَدْيُونِ حَتَّى سَقَطَ نَصِيبُهُ مِنْ الدَّيْنِ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، فَكَذَا إذَا جَنَى بِالْإِحْرَاقِ، وَإِذَا تَزَوَّجَ بِنَصِيبِهِ مِنْ الدَّيْنِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ الشَّرِيكُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ مِنْ حِصَّتِهِ شَيْئًا مَضْمُونًا يَقْبَلُ الشَّرِكَةَ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ بِهِ الْبُضْعَ، وَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ وَلَا مَضْمُونٍ عَلَى أَحَدٍ فَكَانَ كَالْجِنَايَةِ وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرْجِعُ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ وَإِنْ كَانَ بِالنَّصِيبِ لَفْظًا فَهُوَ بِمِثْلِهِ مَعْنًى فَيَكُونُ دَيْنُ الْمَهْرِ الْوَاجِبِ لِلْمَرْأَةِ آخِرَ الدَّيْنَيْنِ فَيَصِيرُ قَضَاءً لِلْأَوَّلِ فَيَتَحَقَّقُ الْقَضَاءُ وَالِاقْتِضَاءُ، وَالصُّلْحُ عَلَى نَصِيبِهِ بِجِنَايَةِ الْعَمْدِ إتْلَافٌ كَالتَّزَوُّجِ بِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ شَيْئًا قَابِلًا لِلشَّرِكَةِ بَلْ أَتْلَفَ نَصِيبَهُ. قِيلَ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ عَمْدًا لِأَنَّهُ فِي الْخَطَإِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَأَطْلَقَ فِي الْإِيضَاحِ فَقَالَ: وَلَوْ شَجَّهُ مُوضِحَةً فَصَالَحَهُ عَلَى حِصَّتِهِ لَمْ يَلْزَمْ الشَّرِيكَ شَيْءٌ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَنْ الْمُوضِحَةِ بِمَنْزِلَةِ النِّكَاحِ، وَأَرَى أَنَّهُ قَيَّدَهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْأَرْشَ قَدْ يَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ فَلَمْ يَكُنْ مُقْتَضِيًا لِشَيْءٍ. قَالَ (وَإِذَا كَانَ السَّلَمُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ إلَخْ) إذَا أَسْلَمَ رَجُلَانِ رَجُلًا فِي كُرِّ حِنْطَةٍ فَصَالَحَ أَحَدُهُمَا مَعَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَيَفْسَخَ عَقْدَ السَّلَمِ فِي نَصِيبِهِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ إلَّا بِإِجَازَةِ الْآخَرِ، فَإِنْ أَجَازَ جَازَ وَكَانَ الْمَقْبُوضُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَمَا بَقِيَ مِنْ السَّلَمِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: جَازَ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الدُّيُونِ، فَإِنَّ أَحَدَ الدَّائِنَيْنِ إذَا صَالَحَ الْمَدْيُونَ عَنْ نَصِيبِهِ عَلَى بَدَلٍ جَازَ وَكَانَ الْآخَرُ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الْمَقْبُوضِ وَبَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَدْيُونِ بِنَصِيبِهِ كَذَلِكَ هَاهُنَا

وَبِمَا إذَا اشْتَرَيَا عَبْدًا فَأَقَالَ أَحَدُهُمَا فِي نَصِيبِهِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ لَوْ جَازَ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً يَكُونُ قِسْمَةُ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ، وَلَوْ جَازَ فِي نَصِيبِهِمَا لَا بُدَّ مِنْ إجَازَةِ الْآخَرِ بِخِلَافِ شِرَاءِ الْعَيْنِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ صَارَ وَاجِبًا بِالْعَقْدِ وَالْعَقْدُ قَامَ بِهِمَا فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِرَفْعِهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لَشَارَكَهُ فِي الْمَقْبُوضِ، فَإِذَا شَارَكَهُ فِيهِ رَجَعَ الْمُصَالِحُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَيُؤَدِّي إلَى عَوْدِ السَّلَمِ بَعْدَ سُقُوطِهِ. قَالُوا: هَذَا إذَا خَلَطَا رَأْسَ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَكُونَا قَدْ خَلَطَاهُ فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ، وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي هُوَ عَلَى الِاتِّفَاقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبِمَا إذَا اشْتَرَيَا عَبْدًا فَأَقَالَ أَحَدُهُمَا فِي نَصِيبِهِ) بِجَامِعِ أَنَّ هَذَا الصُّلْحَ إقَالَةٌ وَفَسْخٌ لِعَقْدِ السَّلَمِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَوْ جَازَ فَإِمَّا أَنْ جَازَ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً أَوْ فِي النِّصْفِ مِنْ النَّصِيبَيْنِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَزِمَ قِسْمَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّ خُصُوصِيَّةَ نَصِيبِهِ لَا تَظْهَرُ إلَّا بِالتَّمْيِيزِ، وَلَا تَمْيِيزَ إلَّا بِالْقِسْمَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بُطْلَانُهَا، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَا بُدَّ مِنْ إجَازَةِ الْآخَرِ لِتَنَاوُلِهِ بَعْضَ نَصِيبِهِ. وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ شِرَاءِ الْعَيْنِ جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ أَبِي يُوسُفَ الْمُتَنَازِعَ عَلَى شِرَاءِ الْعَبْدِ وَتَقْرِيرِهِ، بِخِلَافِ شِرَاءِ الْعَيْنِ فَإِنَّا إذَا اخْتَرْنَا فِيهِ الشِّقَّ الْأَوَّلَ مِنْ التَّرْدِيدِ لَمْ يَلْزَمْ الْمَحْذُورَ الْمَذْكُورَ فِيهِ فِي السَّلَمِ وَهُوَ قِسْمَةُ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ. وَاسْتَظْهَرَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ يَعْنِي أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ فِي ذِمَّةِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ إنَّمَا صَارَ وَاجِبًا بِعَقْدِ السَّلَمِ وَالْعَقْدُ قَامَ بِهِمَا فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِرَفْعِهِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ لَوْ جَازَ الصُّلْحُ لَشَارَكَهُ فِي الْمَقْبُوضِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ وَاحِدَةٌ وَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا، وَإِذَا شَارَكَهُ فِيهِ يَرْجِعُ الْمُصَالِحُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ بِالْقَدْرِ الَّذِي قَبَضَهُ الشَّرِيكُ حَيْثُ لَمْ يُسْلِمْ لَهُ ذَلِكَ الْقَدْرَ وَقَدْ كَانَ سَاقِطًا بِالصُّلْحِ ثُمَّ عَادَ بَعْدَ سُقُوطِهِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ إذَا اسْتَوْفَى أَحَدُهُمَا نِصْفَهُ، فَإِذَا شَارَكَهُ صَاحِبُهُ فِي النِّصْفِ رَجَعَ الْمُصَالِحُ بِذَلِكَ عَلَى الْغَرِيمِ وَفِيهِ عَوْدُ الدَّيْنِ بَعْدَ سُقُوطِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَخَذَ بَدَلَ الدَّيْنِ وَأَخْذُهُ يُؤْذِنُ بِتَقْرِيرِ الْمُبْدَلِ لَا بِسُقُوطِهِ، بَلْ يَتَقَاصَّانِ وَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ صَاحِبِهِ، لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا وَفِي السَّلَمِ يَكُونُ فَسْخًا وَالْمَفْسُوخُ لَا يَعُودُ بِدُونِ تَجْدِيدِ السَّبَبِ (قَالُوا) أَيْ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ مَشَايِخِنَا (هَذَا) الِاخْتِلَافُ بَيْنَ عُلَمَائِنَا إنَّمَا هُوَ (إذَا خَلَطَا رَأْسَ الْمَالِ) وَعَقَدَا عَقْدَ السَّلَمِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَخْلِطَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ أَيْضًا وَهَؤُلَاءِ نَظَرُوا إلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُهُ الْعَقْدُ قَامَ بِهِمَا فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِرَفْعِهِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ مَخْلُوطًا أَوْ غَيْرَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ عَلَى الِاتِّفَاقِ فِي الْجَوَازِ، وَهَؤُلَاءِ نَظَرُوا إلَى الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ لَوْ جَازَ لَشَارَكَهُ فِي الْمَقْبُوضِ لِأَنَّ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ شِرْكَتِهِمَا فِي الْمَقْبُوضِ وَلَا مُشَارَكَةَ عِنْدَ انْفِرَادِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَمُنْشَأُ اخْتِلَافِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي أَنَّ اخْتِلَافَ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي صُورَةِ خَلْطِ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِي الْبُيُوعِ مَعَ ذِكْرِ الْخَلْطِ، وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ مَعَ تَصْرِيحِ عَدَمِ الْخَلْطِ أَنَّ الْآخَرَ لَا يُشَارِكُهُ فِيمَا

[فصل في التخارج]

(وَإِذَا كَانَتْ الشَّرِكَةُ بَيْنَ وَرَثَةٍ فَأَخْرَجُوا أَحَدَهُمْ مِنْهَا بِمَالٍ أَعْطَوْهُ إيَّاهُ وَالتَّرِكَةُ عَقَارٌ أَوْ عُرُوضٌ جَازَ قَلِيلًا كَانَ مَا أَعْطَوْهُ إيَّاهُ أَوْ كَثِيرًا) لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بَيْعًا. وَفِيهِ أَثَرُ عُثْمَانَ، فَإِنَّهُ صَالَحَ تَمَاضُرَ الْأَشْجَعِيَّةَ امْرَأَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ رُبُعِ ثَمَنِهَا عَلَى ثَمَانِينَ أَلْفِ دِينَارٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبَضَ الْمُصَالِحُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ تَرْكَ الذِّكْرِ لِأَجْلِ الِاتِّفَاقِ. وَقِيلَ وَلَيْسَ بِسَدِيدٍ: لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلشَّرِكَةِ فِي الْمَقْبُوضِ هُوَ الشَّرِكَةُ فِي دَيْنِ السَّلَمِ بِاتِّحَادِ الْعَقْدِ وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ فِيمَا خَلَطَا أَوْ لَمْ يَخْلِطَا. [فَصْلٌ فِي التَّخَارُجِ] التَّخَارُجُ تَفَاعُلٌ مِنْ الْخُرُوجِ، وَهُوَ أَنْ يَصْطَلِحَ الْوَرَثَةُ عَلَى إخْرَاجِ بَعْضِهِمْ مِنْ الْمِيرَاثِ بِمَالٍ مَعْلُومٍ. وَوَجْهُ تَأْخِيرِهِ قِلَّةُ وُقُوعِهِ، فَإِنَّهُ قَلَّمَا يَرْضَى أَحَدٌ بِأَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْبَيْنِ بِغَيْرِ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ. وَسَبَبُهُ طَلَبُ الْخَارِجِ مِنْ الْوَرَثَةِ ذَلِكَ عِنْدَ رِضَا غَيْرِهِ بِهِ، وَلَهُ شُرُوطٌ تُذْكَرُ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ، وَتَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ ذَكَرْنَاهُ فِي مُخْتَصَرِ الضَّوْءِ وَالرِّسَالَةِ. قَالَ (وَإِذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ بَيْنَ وَرَثَةٍ فَأَخْرَجُوا أَحَدَهُمْ إلَخْ) وَإِذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ بَيْنَ وَرَثَةٍ فَأَخْرَجُوا أَحَدَهُمْ مِنْهَا بِمَالٍ أَعْطَوْهُ إيَّاهُ حَالَ كَوْنِ التَّرِكَةِ عَقَارًا أَوْ عُرُوضًا جَازَ قَلَّ مَا أَعْطَوْهُ أَوْ كَثُرَ، وَقَيَّدَ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِنْ النُّقُودِ كَانَ هُنَاكَ شَرْطٌ سَنَذْكُرُهُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بَيْعًا وَالْبَيْعُ يَصِحُّ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِنْ الثَّمَنِ، وَلَمْ يَصِحَّ جَعْلُهُ إبْرَاءً لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ مِنْ الْأَعْيَانِ غَيْرِ الْمَضْمُونَةِ لَا يَصِحُّ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ بَيْعًا لَشُرِطَ مَعْرِفَةُ مِقْدَارِ حِصَّتِهِ مِنْ التَّرِكَةِ لِأَنَّ جَهَالَتَهُ تُفْسِدُ الْبَيْعَ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْجَهَالَةَ الْمُفْضِيَةَ إلَى النِّزَاعِ تُفْسِدُ الْبَيْعَ لِامْتِنَاعِهِ عَنْ

قَالَ (وَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ فِضَّةً فَأَعْطَوْهُ ذَهَبًا أَوْ كَانَ ذَهَبًا فَأَعْطَوْهُ فِضَّةً فَهُوَ كَذَلِكَ) لِأَنَّهُ بَيْعُ الْجِنْسِ بِخِلَافِ الْجِنْسِ فَلَا يُعْتَبَرُ التَّسَاوِي وَيُعْتَبَرُ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ لِأَنَّهُ صَرْفٌ غَيْرَ أَنَّ الَّذِي فِي يَدِهِ بَقِيَّةُ التَّرِكَةِ إنْ كَانَ جَاحِدًا يَكْتَفِي بِذَلِكَ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ قَبْضُ ضَمَانٍ فَيَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الصُّلْحِ وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا لَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ قَبْضُ أَمَانَةٍ فَلَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الصُّلْحِ (وَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ ذَهَبًا وَفِضَّةً وَغَيْرَ ذَلِكَ فَصَالَحُوهُ عَلَى ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَا أَعْطَوْهُ أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ حَتَّى يَكُونَ نَصِيبُهُ بِمِثْلِهِ وَالزِّيَادَةُ بِحَقِّهِ مِنْ بَقِيَّةِ التَّرِكَةِ) احْتِرَازًا عَنْ الرِّبَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّسْلِيمِ الْوَاجِبِ بِمُقْتَضَى الْبَيْعِ، وَهَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى تَسْلِيمٍ فَلَا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَصَارَ كَمَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَ مِنْ فُلَانٍ شَيْئًا وَاشْتَرَاهُ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا مِقْدَارَهُ. وَفِي جَوَازِ التَّخَارُجِ مَعَ جَهَالَةِ الْمُصَالَحِ عَنْهُ أَثَرُ عُثْمَانَ. وَهُوَ مَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّ إحْدَى نِسَاءِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَالَحُوهَا عَلَى ثَلَاثَةٍ وَثَمَانِينَ أَلْفًا عَلَى أَنْ أَخْرَجُوهَا مِنْ الْمِيرَاثِ وَهِيَ تُمَاضِرُ كَانَ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ فَاخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ فِي مِيرَاثِهَا مِنْهُ، ثُمَّ صَالَحُوهَا عَلَى الشَّطْرِ وَكَانَتْ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَأَوْلَادٌ فَحَظُّهَا رُبْعُ الثُّمُنِ جُزْءٌ مِنْ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ جُزْءًا فَصَالَحُوهَا عَلَى نِصْفِ ذَلِكَ وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا وَأَخَذَتْ بِهَذَا الْحِسَابِ ثَلَاثَةً وَثَمَانِينَ أَلْفًا وَلَمْ يُفَسَّرْ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ. وَذُكِرَ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ ثَلَاثَةٌ وَثَمَانِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ فِضَّةً فَأَعْطَوْهُ ذَهَبًا أَوْ بِالْعَكْسِ جَازَ لِأَنَّهُ بَيْعُ الْجِنْسِ، بِخِلَافِ الْجِنْسِ فَلَا يُعْتَبَرُ التَّسَاوِي لَكِنْ يُعْتَبَرُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ لِكَوْنِهِ صَرْفًا غَيْرَ أَنَّ الْوَارِثَ الَّذِي فِي يَدِهِ بَقِيَّةُ التَّرِكَةِ إنْ كَانَ جَاحِدًا لِكَوْنِهَا فِي يَدِهِ يَكْتَفِي بِذَلِكَ الْقَبْضِ: أَيْ الْقَبْضِ السَّابِقِ لِأَنَّهُ قَبْضُ ضَمَانٍ فَيَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الصُّلْحِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ مَتَى تَجَانَسَ الْقَبْضَانِ بِأَنْ يَكُونَ قَبْضَ أَمَانَةٍ أَوْ قَبْضَ ضَمَانٍ نَابَ أَحَدُهُمَا مَنَابَ الْآخَرِ، أَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فَالْمَضْمُونُ يَنُوبُ عَنْ غَيْرِهِ دُونَ الْعَكْسِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الَّذِي فِي يَدِهِ بَقِيَّتُهَا مُقِرًّا فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ الْقَبْضِ وَهُوَ الِانْتِهَاءُ إلَى مَكَان يَتَمَكَّنُ مِنْ قَبْضِهِ لِأَنَّهُ قَبْضُ أَمَانَةٍ فَلَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الصُّلْحِ (وَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ ذَهَبًا وَفِضَّةً وَغَيْرَ ذَلِكَ فَصَالَحُوهُ عَلَى أَحَدِ النَّقْدَيْنِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَا أَعْطَوْهُ أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ لِيَكُونَ نَصِيبُهُ بِمِثْلِهِ وَالزِّيَادَةُ بِحَقِّهِ مِنْ بَقِيَّةِ التَّرِكَةِ) فَإِنْ كَانَ مُسَاوِيًا لِنَصِيبِهِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ لَا يَعْلَمُ مِقْدَارَ نَصِيبِهِ بَطَلَ الصُّلْحُ لِوُجُودِ الرِّبَا، أَمَّا إذَا كَانَ مُسَاوِيًا فَلِزِيَادَةِ الْعُرُوضِ

وَلَا بُدَّ مِنْ التَّقَابُضِ فِيمَا يُقَابِلُ نَصِيبَهُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّهُ صَرْفٌ فِي هَذَا الْقَدْرِ، وَلَوْ كَانَ بَدَلَ الصُّلْحِ عَرَضًا جَازَ مُطْلَقًا لِعَدَمِ الرِّبَا، وَلَوْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ وَبَدَلُ الصُّلْحِ دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ أَيْضًا جَازَ الصُّلْحُ كَيْفَمَا كَانَ صَرْفًا لِلْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ كَمَا فِي الْبَيْعِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ لِلصَّرْفِ. قَالَ (وَإِذَا كَانَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ فَأَدْخَلُوهُ فِي الصُّلْحِ عَلَى أَنْ يُخْرِجُوا الْمُصَالِحَ عَنْهُ وَيَكُونَ الدَّيْنُ لَهُ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ) لِأَنَّ فِيهِ تَمْلِيكَ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ وَهُوَ حِصَّةُ الْمُصَالِحِ (وَإِنْ شَرَطُوا أَنْ يَبْرَأَ الْغُرَمَاءُ مِنْهُ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ بِنَصِيبِ الْمُصَالِحِ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ) لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ وَهُوَ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَهُوَ جَائِزٌ، وَهَذِهِ حِيلَةُ الْجَوَازِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِذَا كَانَ أَقَلَّ فَلِزِيَادَةِ الْعُرُوضِ وَبَعْضِ الدَّرَاهِمِ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا فَفِيهِ شُبْهَةُ ذَلِكَ فَتَعَذَّرَ تَصْحِيحُهُ بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ، وَلَا يَصِحُّ بِطَرِيقِ الْإِبْرَاءِ أَيْضًا لِمَا مَرَّ، وَلَا بُدَّ مِنْ التَّقَابُضِ فِيمَا يُقَابِلُ حِصَّتَهُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّهُ صَرْفٌ فِي هَذَا الْقَدْرِ. وَقِيلَ بُطْلَانُ الصُّلْحِ عَلَى مِثْلِ نَصِيبِهِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ الدَّرَاهِمِ حَالَةَ التَّصَادُقِ، أَمَّا إذَا ادَّعَتْ مِيرَاثَ زَوْجِهَا وَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ الزَّوْجِيَّةَ فَصَالَحُوهَا عَلَى أَقَلَّ مِنْ نَصِيبِهَا مِنْ الْمَهْرِ وَالْمِيرَاثِ جَازَ، لِأَنَّ الْمَدْفُوعَ إلَيْهَا حِينَئِذٍ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ وَلِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ وَلَيْسَ ذَلِكَ رِبًا (وَلَوْ كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ عَرْضًا جَازَ مُطْلَقًا) قَلَّ أَوْ كَثُرَ وُجِدَ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ لَا، وَلَوْ كَانَتْ التَّرِكَةُ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ وَبَدَلُ الصُّلْحِ كَذَلِكَ جَازَ كَيْفَمَا كَانَ صَرْفًا لِلْجِنْسِ إلَى خِلَافِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ لِكَوْنِهِ صَرْفًا. قَالَ (وَإِذَا كَانَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ إلَخْ) وَإِذَا كَانَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ فَأَدْخَلُوهُ فِي الصُّلْحِ عَلَى أَنْ يُخْرِجُوا مَنْ صَالَحَ عَنْ الدَّيْنِ وَيَكُونُ الدَّيْنُ لَهُمْ فَهُوَ بَاطِلٌ فِي الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ جَمِيعًا، أَمَّا فِي الدَّيْنِ فَلِأَنَّ فِيهِ تَمْلِيكَ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَهُوَ حِصَّةُ الْمُصَالِحِ، وَأَمَّا فِي الْعَيْنِ فَلِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ. وَالْحِيلَةُ فِي الْجَوَازِ أَنْ يَشْتَرِطُوا عَلَى أَنْ يَبْرَأَ الْغُرَمَاءُ مِنْهُ وَلَا تَرْجِعُ الْوَرَثَةُ عَلَيْهِمْ

وَأُخْرَى أَنْ يُعَجِّلُوا قَضَاءَ نَصِيبِهِ مُتَبَرِّعِينَ، وَفِي الْوَجْهَيْنِ ضَرَرٌ بِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ. وَالْأَوْجُهُ أَنْ يُقْرِضُوا الْمُصَالِحَ مِقْدَارَ نَصِيبِهِ وَيُصَالِحُوا عَمَّا وَرَاءَ الدَّيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِنَصِيبِ الْمُصَالِحِ فَإِنَّهُ إسْقَاطٌ أَوْ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَهُوَ جَائِزٌ (وَأُخْرَى أَنْ يُعَجِّلُوا قَضَاءَ نَصِيبِهِ مِنْ الدَّيْنِ مُتَبَرِّعِينَ، وَفِي الْوَجْهَيْنِ ضَرَرٌ بِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ) أَمَّا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ بَقِيَّةَ الْوَرَثَةِ لَا يُمْكِنُهُمْ الرُّجُوعُ عَلَى الْغُرَمَاءِ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي لُزُومُ النَّقْدِ عَلَيْهِمْ بِمُقَابَلَةِ الدَّيْنِ الَّذِي هُوَ نَسِيئَةٌ وَالنَّقْدُ خَيْرٌ مِنْ النَّسِيئَةِ (وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقْرِضُوا الْمُصَالِحَ مِقْدَارَ نَصِيبِهِ وَيُصَالِحُوا عَمَّا وَرَاءَ الدَّيْنِ

وَيُجِيلهُمْ عَلَى اسْتِيفَاءِ نَصِيبِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ وَأَعْيَانُهَا غَيْرُ مَعْلُومَةٍ وَالصُّلْحُ عَلَى الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، قِيلَ لَا يَجُوزُ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا، وَقِيلَ يَجُوزُ لِأَنَّهُ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيُحِيلُ الْوَرَثَةَ عَلَى اسْتِيفَاءِ نَصِيبِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ وَأَعْيَانُهَا غَيْرُ مَعْلُومَةٍ وَالصُّلْحُ عَلَى الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ قِيلَ لَا يَجُوزُ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا) وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ ظَهِيرِ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ بِأَنْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ وَنَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ مِثْلُ بَدَلِ الصُّلْحِ أَوْ أَقَلُّ (وَقِيلَ يَجُوزُ) وَهُوَ قَوْلُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي التَّرِكَةِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ، وَإِنْ كَانَ

وَلَوْ كَانَتْ التَّرِكَةُ غَيْرَ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لَكِنَّهَا أَعْيَانٌ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ قِيلَ لَا يَجُوزُ لِكَوْنِهِ بَيْعًا إذْ الْمُصَالَحُ عَنْهُ عَيْنٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهَا لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِقِيَامِ الْمُصَالَحِ عَنْهُ فِي يَدِ الْبَقِيَّةِ مِنْ الْوَرَثَةِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ وَلَا الْقِسْمَةُ لِأَنَّ التَّرِكَةَ لَمْ يَتَمَلَّكْهَا الْوَارِثُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَالِحُوا مَا لَمْ يَقْضُوا دَيْنَهُ فَتُقَدَّمُ حَاجَةُ الْمَيِّتِ، وَلَوْ فَعَلُوا قَالُوا يَجُوزُ. وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْقِسْمَةِ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ اسْتِحْسَانًا وَتَجُوزُ قِيَاسًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَ أَوْ أَقَلَّ فَفِيهِ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ وَلَيْسَتْ بِمُعْتَبَرَةٍ (وَلَوْ كَانَتْ التَّرِكَةُ غَيْرَ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لَكِنَّهَا أَعْيَانٌ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ) فَصَالَحُوا عَلَى مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (قِيلَ لَا يَجُوزُ لِكَوْنِهِ بَيْعًا) إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ إبْرَاءً (لِأَنَّ الْمُصَالَحَ عَنْهُ عَيْنٌ) وَالْإِبْرَاءُ عَنْ الْعَيْنِ لَا يَجُوزُ، وَإِذَا كَانَ بَيْعًا كَانَتْ الْجَهَالَةُ مَانِعَةً (وَقِيلَ يَجُوزُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُفْضِيَةٍ إلَى النِّزَاعِ لِقِيَامِ الْمُصَالَحِ عَنْهُ فِي يَدِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ) فَمَا ثَمَّةَ احْتِيَاجٌ إلَى التَّسْلِيمِ حَتَّى يُفْضِيَ إلَى النِّزَاعِ، حَتَّى لَوْ كَانَ بَعْضُ التَّرِكَةِ فِي يَدِ الْمُصَالِحِ وَلَا يَعْلَمُونَ مِقْدَارَهُ لَمْ يَجُزْ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَغْرِقًا أَوْ غَيْرَهُ؛ فَفِي الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ وَلَا الْقِسْمَةُ لِأَنَّ الْوَارِثَ لَمْ يَتَمَلَّكْ التَّرِكَةَ، وَفِي الثَّانِي لَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَالِحُوا مَا لَمْ يَقْضُوا دَيْنَهُ لِتَقَدُّمِ حَاجَةِ الْمَيِّتِ، وَلَوْ فَعَلُوا قَالُوا يَجُوزُ. وَأَمَّا الْقِسْمَةُ فَقَدْ قَالَ الْكَرْخِيُّ إنَّهَا لَا تَجُوزُ اسْتِحْسَانًا وَتَجُوزُ قِيَاسًا. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ تَمَلُّكَ الْوُرَّاثِ، إذْ مَا مِنْ جُزْءٍ إلَّا وَهُوَ مَشْغُولٌ بِالدَّيْنِ فَلَا تَجُوزُ الْقِسْمَةُ قَبْلَ قَضَائِهِ، وَوَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ التَّرِكَةَ لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيلِ الدَّيْنِ فَتُقْسَمُ نَفْيًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْوَرَثَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[كتاب المضاربة]

الْمُضَارَبَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ؛ سُمِّيَ بِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ] قَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ الْمُنَاسَبَةِ فِي أَوَّلِ الْإِقْرَارِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِعَادَةِ (وَالْمُضَارَبَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ) ؛ وَسُمِّيَ هَذَا الْعَقْدُ بِهَا

لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بِسَعْيِهِ وَعَمَلِهِ، وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ لِلْحَاجَةِ إلَيْهَا، فَإِنَّ النَّاسَ بَيْنَ غَنِيٍّ بِالْمَالِ غَبِيٍّ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَبَيْنِ مُهْتَدٍ فِي التَّصَرُّفِ صِفْرِ الْيَدِ عَنْهُ، فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى شَرْعِ هَذَا النَّوْعِ مِنْ التَّصَرُّفِ لِيَنْتَظِمَ مَصْلَحَةُ الْغَبِيِّ وَالذَّكِيِّ وَالْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ. وَبُعِثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّاسُ يُبَاشِرُونَهُ فَقَرَّرَهُمْ عَلَيْهِ وَتَعَامَلَتْ بِهِ الصَّحَابَةُ، ثُمَّ الْمَدْفُوعُ إلَى الْمُضَارِبِ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِأَمْرِ مَالِكِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ وَالْوَثِيقَةِ، وَهُوَ وَكِيلٌ فِيهِ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِأَمْرِ مَالِكِهِ، وَإِذَا رَبِحَ فَهُوَ شَرِيكٌ فِيهِ لِتَمَلُّكِهِ جُزْءًا مِنْ الْمَالِ بِعَمَلِهِ، فَإِذَا فَسَدَتْ ظَهَرَتْ الْإِجَارَةُ حَتَّى اسْتَوْجَبَ الْعَامِلُ أَجْرَ مِثْلِهِ، وَإِذَا خَالَفَ كَانَ غَاصِبًا لِوُجُودِ التَّعَدِّي مِنْهُ عَلَى مَالِ غَيْرِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَسِيرُ فِي الْأَرْضِ غَالِبًا طَلَبًا لِلرِّبْحِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: 20] وَفِي الِاصْطِلَاحِ: دَفْعُ الْمَالِ إلَى مَنْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ لِيَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا (وَمَشْرُوعِيَّتهَا لِلْحَاجَةِ إلَيْهَا فَإِنَّ النَّاسَ بَيْنَ غَنِيٍّ بِالْمَالِ غَبِيٍّ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَبَيْنَ مُهْتَدٍ فِي التَّصَرُّفِ صِفْرِ الْيَدِ) أَيْ خَالِي الْيَدِ عَنْ الْمَالِ فَكَانَ فِي مَشْرُوعِيَّتِهَا انْتِظَامُ مَصْلَحَةِ الْغَبِيِّ وَالذَّكِيِّ وَالْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ، وَفِي الْحَقِيقَةِ رَاجِعٌ إلَى مَا ذَكَرْنَا غَيْرَ مَرَّةٍ مِنْ سَبَبِ الْمُعَامَلَاتِ وَهُوَ تَعَلُّقُ الْبَقَاءِ الْمَقْدُورِ بِتَعَاطِيهَا. وَرُكْنُهَا اسْتِعْمَالُ أَلْفَاظٍ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِثْلُ: دَفَعْت إلَيْك هَذَا الْمَالَ مُضَارَبَةً أَوْ مُقَارَضَةً أَوْ مُعَامَلَةً أَوْ خُذْ هَذَا الْمَالَ أَوْ اعْمَلْ بِهِ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ فَكَذَا. وَشُرُوطُهَا نَوْعَانِ: صَحِيحَةٌ وَهِيَ مَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِفَوَاتِهِ، وَفَاسِدَةٌ فِي نَفْسِهَا وَيَبْقَى الْعَقْدُ صَحِيحًا كَمَا سَيَأْتِي ذِكْرُ ذَلِكَ. وَحُكْمُهَا الْوَكَالَةُ عِنْدَ الدَّفْعِ وَالشَّرِكَةُ بَعْدَ الرِّبْحِ (قَوْلُهُ وَبُعِثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) بَيَانُ أَنَّ ثُبُوتَهَا بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُعِثَ (وَالنَّاسُ يُبَاشِرُونَهُ فَقَرَّرَهُمْ) عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّ «الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ كَانَ إذَا دَفَعَ مُضَارَبَةً شَرَطَ عَلَى الْمُضَارِبِ أَنْ لَا يَسْلُكَ بِهِ بَحْرًا وَأَنْ لَا يَنْزِلَ بِهِ وَادِيًا وَلَا يَشْتَرِيَ بِهِ ذَاتَ كَبِدٍ رَطْبٍ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ ضَمِنَ، فَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَحْسَنَهُ» . وَتَقْرِيرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْرًا يُعَايِنُهُ مِنْ أَقْسَامِ السُّنَّةِ عَلَى مَا عُلِمَ (وَتَعَامَلَتْ بِهِ الصَّحَابَةُ) مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ إجْمَاعًا. قَالَ (ثُمَّ الْمَدْفُوعُ إلَى الْمُضَارِبِ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ إلَخْ) الْمَدْفُوعُ إلَى الْمُضَارِبِ مِنْ الْمَالِ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِأَمْرِ مَالِكِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، وَلَا عَلَى وَجْهِ الْوَثِيقَةِ كَالرَّهْنِ، وَكُلُّ مَقْبُوضٍ كَذَلِكَ فَهُوَ أَمَانَةٌ، وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ وَكِيلٌ فِيهِ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِأَمْرِ مَالِكِهِ، فَإِذَا رَبِحَ فَهُوَ شَرِيكٌ فِيهِ لِتَمَلُّكِهِ جُزْءًا مِنْ الْمَالِ بِعَمَلِهِ

قَالَ (الْمُضَارَبَةُ عَقْدٌ عَلَى الشَّرِكَةِ بِمَالٍ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ) وَمُرَادُهُ الشَّرِكَةُ فِي الرِّبْحِ وَهُوَ يُسْتَحَقُّ بِالْمَالِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ (وَالْعَمَلِ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ) وَلَا مُضَارَبَةَ بِدُونِهَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الرِّبْحَ لَوْ شُرِطَ كُلُّهُ لِرَبِّ الْمَالِ كَانَ بِضَاعَةً، وَلَوْ شُرِطَ جَمِيعُهُ لِلْمُضَارِبِ كَانَ قَرْضًا. قَالَ (وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِالْمَالِ الَّذِي تَصِحُّ بِهِ الشَّرِكَةُ) وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مِنْ قَبْلُ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ عَرْضًا وَقَالَ بِعْهُ وَاعْمَلْ مُضَارَبَةً فِي ثَمَنِهِ جَازَ لَهُ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ الْإِضَافَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَوْكِيلٌ وَإِجَارَةٌ فَلَا مَانِعَ مِنْ الصِّحَّةِ، وَكَذَا إذَا قَالَ لَهُ اقْبِضْ مَا لِي عَلَى فُلَانٍ وَاعْمَلْ بِهِ مُضَارَبَةً جَازَ لِمَا قُلْنَا، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهُ اعْمَلْ بِالدَّيْنِ الَّذِي فِي ذِمَّتِك حَيْثُ لَا تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ شَائِعٌ فَيُشْرِكُهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ ظَهَرَتْ الْإِجَارَةُ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَعْمَلُ لِرَبِّ الْمَالِ فِي مَالِهِ فَيَصِيرُ مَا شَرَطَ مِنْ الرِّبْحِ كَالْأُجْرَةِ عَلَى عَمَلِهِ فَلِهَذَا يَظْهَرُ مَعْنَى الْإِجَارَةِ إذَا فَسَدَتْ، وَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْإِجَارَاتِ، وَإِذَا خَالَفَ كَانَ غَاصِبًا لِوُجُودِ التَّعَدِّي مِنْهُ عَلَى مَالِ غَيْرِهِ. قَالَ (الْمُضَارَبَةُ عَقْدٌ عَلَى الشَّرِكَةِ إلَخْ) هَذَا تَفْسِيرُ الْمُضَارَبَةِ عَلَى الِاصْطِلَاحِ، وَكَانَ فِيهِ نَوْعُ خَفَاءٍ لِأَنَّهُ قَالَ: عَقْدٌ عَلَى الشَّرِكَةِ، وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّ الشَّرِكَةَ فِيمَا ذَا؟ فَفَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَمُرَادُهُ الشَّرِكَةُ فِي الرِّبْحِ لَا فِي رَأْسِ الْمَالِ مَعَ الرِّبْحِ: أَيْ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ لِرَبِّ الْمَالِ وَالرِّبْحُ يُسْتَحَقُّ بِالْمَالِ مِنْ جَانِبِ رَبِّ الْمَالِ وَالْعَمَلِ مِنْ جَانِبِ الْمُضَارِبِ، وَلَا مُضَارَبَةَ بِدُونِهَا: أَيْ بِدُونِ الشَّرِكَةِ إشَارَةً إلَى انْتِفَاءِ الْعَقْدِ بِانْتِفَائِهَا لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ عَقْدٌ عَلَى الشَّرِكَةِ وَلَا مُضَارَبَةَ بِدُونِ الشَّرِكَةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الرِّبْحَ لَوْ شُرِطَ كُلُّهُ لِرَبِّ الْمَالِ كَانَ بِضَاعَةً، وَلَوْ شُرِطَ لِلْمُضَارِبِ كَانَ قَرْضًا، وَلَا تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ إلَّا بِالْمَالِ الَّذِي تَصِحُّ بِهِ الشَّرِكَةُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، أَوْ فُلُوسًا رَائِجَةً عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَبِمَا سِوَاهَا لَا تَجُوزُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ. وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ عَرْضًا وَقَالَ بِعْهُ وَاعْمَلْ مُضَارَبَةً فِي ثَمَنِهِ جَازَ، لِأَنَّ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ يَقْبَلُ الْإِضَافَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَوْكِيلٌ وَإِجَارَةٌ: يَعْنِي أَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى التَّوْكِيلِ، وَالْإِجَارَةُ بِالرَّاءِ وَالْإِجَازَةُ بِالزَّايِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَقْبَلُ الْإِضَافَةَ إلَى زَمَانٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَقْدُ الْمُضَارَبَةِ كَذَلِكَ لِئَلَّا يُخَالِفَ الْكُلُّ الْجُزْءَ فَلَا مَانِعَ مِنْ الصِّحَّةِ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِلْمُضَارِبِ اقْبِضْ مَا لِي عَلَى فُلَانٍ وَاعْمَلْ بِهِ مُضَارَبَةً جَازَ لِمَا قُلْنَا إنَّهُ يَقْبَلُ الْإِضَافَةَ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ اعْمَلْ بِالدَّيْنِ الَّذِي فِي ذِمَّتِك فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ

لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَصِحُّ هَذَا التَّوْكِيلُ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْبُيُوعِ. وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ لَكِنْ يَقَعُ الْمِلْكُ فِي الْمُشْتَرَى لِلْآمِرِ فَيَصِيرُ مُضَارَبَةً بِالْعَرَضِ. قَالَ (وَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا مُشَاعًا لَا يَسْتَحِقُّ أَحَدُهُمَا دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً) مِنْ الرِّبْحِ لِأَنَّ شَرْطَ ذَلِكَ يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ بَيْنَهُمَا وَلَا بُدَّ مِنْهَا كَمَا فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ. قَالَ (فَإِنْ شَرَطَ زِيَادَةَ عَشَرَةٍ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ) لِفَسَادِهِ فَلَعَلَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُضَارَبَةُ بِالِاتِّفَاقِ لَكِنْ مَعَ اخْتِلَافِ التَّخْرِيجِ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّ هَذَا التَّوْكِيلَ لَا يَصِحُّ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْبُيُوعِ: أَيْ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ حَيْثُ قَالَ: وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا هَذَا الْعَبْدَ إلَخْ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ كَانَ الْمُشْتَرِي لِلْمُشْتَرِي وَالدَّيْنُ بِحَالِهِ، وَإِذَا كَانَ الْمُشْتَرَى لِلْمُشْتَرِي كَانَ رَأْسُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ مِنْ مَالِ الْمُضَارِبِ وَهُوَ لَا يَصِحُّ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ التَّوْكِيلَ يَصِحُّ وَلَكِنْ يَقَعُ الْمِلْكُ فِي الْمُشْتَرَى لِلْآمِرِ فَيَصِيرُ مُضَارَبَةً بِالْعَرْضِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ. قَالَ (وَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا مُشَاعًا إلَخْ) وَمِنْ شَرْطِ الْمُضَارَبَةِ أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا مُشَاعًا، وَمَعْنَاهُ أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ أَحَدُهُمَا دَرَاهِمَ مِنْ الرِّبْحِ مُسَمَّاةً لِأَنَّ شَرْطَ ذَلِكَ يُنَافِي الشَّرِكَةَ الْمَشْرُوطَةَ لِجَوَازِهَا، وَالْمُنَافِي لِشَرْطِ جَوَازِ الشَّيْءِ مُنَافٍ لَهُ، وَإِذَا ثَبَتَ أَحَدُ الْمُتَنَافِيَيْنِ انْتَفَى الْآخَرُ كَمَا إذَا ثَبَتَ الْوُجُودُ انْتَفَى الْعَدَمُ، ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ شَرَطَ زِيَادَةَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لِفَسَادِهِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا

لَا يَرْبَحُ إلَّا هَذَا الْقَدْرَ فَتَنْقَطِعُ الشَّرِكَةُ فِي الرِّبْحِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ ابْتَغَى عَنْ مَنَافِعِهِ عِوَضًا وَلَمْ يَنَلْ لِفَسَادِهِ، وَالرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ، وَهَذَا هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ تَصِحَّ الْمُضَارَبَةُ وَلَا تُجَاوِزُ بِالْأَجْرِ الْقَدْرَ الْمَشْرُوطَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَمَا بَيَّنَّا فِي الشَّرِكَةِ، وَيَجِبُ الْأَجْرُ وَإِنْ لَمْ يَرْبَحْ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ لِأَنَّ أَجْرَ الْأَجِيرِ يَجِبُ بِتَسْلِيمِ الْمَنَافِعِ أَوْ الْعَمَلِ وَقَدْ وُجِدَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ اعْتِبَارًا بِالْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ مَعَ أَنَّهَا فَوْقَهَا، وَالْمَالُ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْهَلَاكِ اعْتِبَارًا بِالصَّحِيحَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَرْبَحُ إلَّا هَذَا الْقَدْرَ فَتَنْقَطِعُ الشَّرِكَةُ وَهَذَا) أَيْ وُجُوبُ أَجْرِ الْمِثْلِ (لِأَنَّهُ) عَمِلَ لِرَبِّ الْمَالِ بِالْعَقْدِ وَ (ابْتَغَى بِهِ عَنْ مَنَافِعِهِ عِوَضًا وَلَمْ يَنَلْهُ لِفَسَادِ الْعَقْدِ) وَلَا بُدَّ مِنْ عِوَضِ مَنَافِعَ تَلِفَتْ بِالْعَقْدِ (وَ) لَيْسَ ذَلِكَ فِي الرِّبْحِ (لِكَوْنِهِ لِرَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ) فَتَعَيَّنَ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُوجِبُ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ فَسَدَتْ الْمُضَارَبَةُ (وَلَا تُجَاوِزُ بِالْأَجْرِ الْقَدْرَ الْمَشْرُوطَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) قِيلَ: وَالْمُرَادُ بِالْقَدْرِ الْمَشْرُوطِ مَا وَرَاءَ الْعَشَرَةِ الْمَشْرُوطَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ تَغْيِيرُ الْمَشْرُوعِ وَكَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ) بَالِغًا مَا بَلَغَ (كَمَا بَيَّنَّا فِي الشَّرِكَةِ وَيَجِبُ الْأَجْرُ وَإِنْ لَمْ يَرْبَحْ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ، وَأُجْرَةُ الْأَجِيرِ تَجِبُ بِتَسْلِيمِ الْمَنَافِعِ) كَمَا فِي أَجِيرِ الْوَحْدِ فَإِنَّ فِي تَسْلِيمِ نَفْسِهِ تَسْلِيمَ مَنَافِعِهِ (أَوْ) بِتَسْلِيمِ (الْعَمَلِ) كَمَا فِي الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ (وَقَدْ وُجِدَ) ذَلِكَ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجِبُ) لَهُ شَيْءٌ إذَا لَمْ يَرْبَحْ (اعْتِبَارًا بِالْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ) فَإِنَّهُ فِيهَا إذَا لَمْ يَرْبَحْ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا (مَعَ أَنَّهَا فَوْقَ الْفَاسِدَةِ)

وَلِأَنَّهُ عَيْنٌ مُسْتَأْجَرَةٌ فِي يَدِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَفِي الْفَاسِدَةِ أَوْلَى. فَإِنْ قِيلَ: مَا جَوَابُ وَجْهِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ هَذَا التَّعْلِيلِ فَإِنَّهُ قَوِيٌّ فَإِنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ يُؤْخَذُ حُكْمُهُ مِنْ الصَّحِيحِ مِنْ جِنْسِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، أُجِيبَ بِأَنَّ الْفَاسِدَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ بِالْجَائِزِ إذَا كَانَ انْعِقَادُ الْفَاسِدَةِ مِثْلَ انْعِقَادِ الْجَائِزِ كَالْبَيْعِ، وَهَاهُنَا الْمُضَارَبَةُ الصَّحِيحَةُ تَنْعَقِدُ شَرِكَةً لَا إجَارَةً، وَالْفَاسِدَةُ تَنْعَقِدُ إجَارَةً فَتُعْتَبَرُ بِالْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْأَجْرِ عِنْدَ إيفَاءِ الْعَمَلِ، وَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ فِي يَدِهِ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ، وَالْمَالُ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْهَلَاكِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا الِاعْتِبَارُ بِالصَّحِيحَةِ، وَالثَّانِي أَنَّ رَأْسَ الْمَالِ عَيْنٌ اُسْتُؤْجِرَ الْمُضَارِبُ لِيَعْمَلَ بِهِ هُوَ لَا غَيْرُهُ، وَلَا يَضْمَنُ كَأَجِيرِ الْوَحْدِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْمُضَارِبَ بِمَنْزِلَةِ أَجِيرِ الْوَحْدِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَجِيرٌ لَا يُمْكِنُ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِآخَرَ، لِأَنَّ الْعَيْنَ الْوَاحِدَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْجَرًا لِمُسْتَأْجِرَيْنِ فِي الْوَقْتِ الْوَاحِدِ كَمَا لَا يُمْكِنُ أَجِيرُ الْوَاحِدِ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ لِمُسْتَأْجِرَيْنِ فِي الْوَقْتِ الْوَاحِدِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيِّ. وَقِيلَ الْمَذْكُورُ هَاهُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا هُوَ ضَامِنٌ إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ بِمَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، وَهَذَا قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُضَارِبَ بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ بِهَذَا الطَّرِيقِ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ، وَالْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ لَا يَضْمَنُ إذَا تَلِفَ الْمَالُ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا. قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ لِأَنَّهُ أَخَذَ الْمَالَ بِحُكْمِ الْمُضَارَبَةِ وَالْمَالُ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ صَحَّتْ أَوْ فَسَدَتْ أَمَانَةٌ، لِأَنَّهُ لَمَّا قَصَدَ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ عِنْدَهُ مُضَارَبَةً فَقَدْ قَصَدَ أَنْ يَكُونَ أَمِينًا وَلَهُ وِلَايَةُ جَعْلِهِ أَمِينًا. وَلَمَّا كَانَ مِنْ الشُّرُوطِ مَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ وَمِنْهَا مَا يُبْطِلُ

وَكُلُّ شَرْطٍ يُوجِبُ جَهَالَةً فِي الرِّبْحِ يُفْسِدُهُ لِاخْتِلَالِ مَقْصُودِهِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ لَا يُفْسِدُهَا، وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ كَاشْتِرَاطِ الْوَضِيعَةِ عَلَى الْمُضَارِبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي نَفْسِهِ وَتَبْقَى الْمُضَارَبَةُ صَحِيحَةً أَرَادَ أَنْ يُشِيرَ إلَى ذَلِكَ بِأَمْرٍ جُمْلِيٍّ فَقَالَ (وَكُلُّ شَرْطٍ يُوجِبُ جَهَالَةً فِي الرِّبْحِ) كَمَا إذَا قَالَ لَك نِصْفُ الرِّبْحِ أَوْ ثُلُثُهُ وَشَرَطَا أَنْ يَدْفَعَ الْمُضَارِبُ دَارِهِ إلَى رَبِّ الْمَالِ لِيَسْكُنَهَا أَوْ أَرْضَهُ سَنَةً لِيَزْرَعَهَا (فَإِنَّهُ يُفْسِدُ الْعَقْدَ لِاخْتِلَالِ مَقْصُودِهِ) وَهُوَ الرِّبْحُ، وَفِي الصُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ جَعَلَ الْمَشْرُوطَ مِنْ الرِّبْحِ فِي مُقَابَلَةِ الْعَمَلِ وَأُجْرَةِ الدَّارِ وَالْأَرْضِ وَكَانَتْ حِصَّةُ الْعَمَلِ مَجْهُولَةً (وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ لَا يُفْسِدُهَا وَيُفْسِدُ الشَّرْطَ كَاشْتِرَاطِ الْوَضِيعَةِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ) أَوْ عَلَيْهِمَا. وَالْوَضِيعَةُ اسْمٌ لِجُزْءٍ هَالِكٍ مِنْ الْمَالِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَ غَيْرَ رَبِّ الْمَالِ، وَلَمَّا لَمْ يُوجِبْ الْجَهَالَةَ فِي الرِّبْحِ لَمْ تَفْسُدْ الْمُضَارَبَةُ. قِيلَ شَرْطُ الْعَمَلِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ لَا يُوجِبُ جَهَالَةً فِي الرِّبْحِ وَلَا يَبْطُلُ فِي نَفْسِهِ بَلْ يُفْسِدُ الْمُضَارَبَةَ كَمَا سَيَجِيءُ فَلَمْ تَكُنْ الْقَاعِدَةُ مُطَّرِدَةً. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ قَالَ: وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ لَا يُفْسِدُهَا: أَيْ الْمُضَارَبَةَ، وَإِذَا شَرَطَ الْعَمَلَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُضَارَبَةٍ، وَسَلْبُ الشَّيْءِ عَنْ الْمَعْدُومِ صَحِيحٌ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ زِيدَ الْمَعْدُومُ لَيْسَ بِبَصِيرٍ، وَقَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا بِخُطُوطٍ: وَشَرْطُ

قَالَ (وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مُسَلَّمًا إلَى الْمُضَارِبِ وَلَا يَدَ لِرَبِّ الْمَالِ فِيهِ) لِأَنَّ الْمَالَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الشَّرِكَةِ لِأَنَّ الْمَالَ فِي الْمُضَارَبَةِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَالْعَمَلَ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَخْلُصَ الْمَالُ لِلْعَامِلِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ. أَمَّا الْعَمَلُ فِي الشَّرِكَةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَلَوْ شَرَطَ خُلُوصَ الْيَدِ لِأَحَدِهِمَا لَمْ تَنْعَقِدْ الشَّرِكَةُ، وَشَرْطُ الْعَمَلِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ خُلُوصَ يَدِ الْمُضَارِبِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْمَقْصُودُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَالِكُ عَاقِدًا أَوْ غَيْرَ عَاقِدٍ كَالصَّغِيرِ لِأَنَّ يَدَ الْمَالِكِ ثَابِتَةٌ لَهُ، وَبَقَاءُ يَدِهِ يَمْنَعُ التَّسْلِيمَ إلَى الْمُضَارِبِ، وَكَذَا أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ وَأَحَدُ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ إذَا دَفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً وَشَرَطَ عَمَلَ صَاحِبِهِ لِقِيَامِ الْمِلْكِ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَاقِدًا، وَاشْتِرَاطُ الْعَمَلِ عَلَى الْعَاقِدِ مَعَ الْمُضَارِبِ وَهُوَ غَيْرُ مَالِكٍ يُفْسِدُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْمُضَارَبَةِ فِيهِ كَالْمَأْذُونِ، بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ أَنْ يَأْخُذَا مَالَ الصَّغِيرِ مُضَارَبَةً بِأَنْفُسِهِمَا فَكَذَا اشْتِرَاطُهُ عَلَيْهِمَا بِجُزْءٍ مِنْ الْمَالِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَمَلِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ مَعْنَاهُ مَانِعٌ عَنْ تَحَقُّقِهِ. قَالَ (وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ مُسَلَّمًا إلَى الْمُضَارِبِ إلَخْ) لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ مُسَلَّمًا إلَى الْمُضَارِبِ وَلَا يَدَ لِرَبِّ الْمَالِ فِيهِ بِتَصَرُّفٍ أَوْ عَمَلٍ، لِأَنَّ الْمَالَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ كَالْوَدِيعَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الشَّرِكَةِ لِأَنَّ الْمَالَ فِي الْمُضَارَبَةِ مِنْ جَانِبٍ وَالْعَمَلَ مِنْ جَانِبٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ التَّخَلُّصِ لِلْعَمَلِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَبَقَاءُ يَدِ غَيْرِهِ يَمْنَعُ التَّخَلُّصَ. وَأَمَّا الشَّرِكَةُ فَالْعَمَلُ فِيهَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ، فَلَوْ شَرَطَ خُلُوصَ الْيَدِ لِأَحَدِهِمَا انْتَفَى الشَّرِكَةُ وَشَرْطُ الْعَمَلِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مُفْسِدٌ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْخُلُوصَ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْمُضَارِبُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْمَقْصُودُ، وَسَوَاءٌ كَانَ رَبُّ الْمَالِ عَاقِدًا أَوْ غَيْرَ عَاقِدٍ كَالصَّغِيرِ إذَا دَفَعَ وَلِيُّهُ أَوْ وَصِيُّهُ مَالَهُ مُضَارَبَةً وَشَرَطَ عَمَلَ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ يَدَ الْمَالِكِ ثَابِتَةٌ لَهُ، وَبَقَاءُ يَدِهِ يَمْنَعُ التَّسْلِيمَ إلَى الْمُضَارِبِ، وَكَذَا أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ وَأَحَدُ شَرِيكَيْ الْعَنَانِ إذَا دَفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً وَشَرَطَ عَمَلَ صَاحِبِهِ فَسَدَتْ لِقِيَامِ مِلْكِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَاقِدًا، وَإِذَا شَرَطَ الْعَاقِدُ الْغَيْرُ الْمَالِكِ عَمَلَهُ مَعَ الْمُضَارِبِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْمُضَارَبَةِ فِي ذَلِكَ الْمَالِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ إذَا دَفَعَا مَالَ الصَّغِيرِ مُضَارَبَةً وَشَرَطَا الْعَمَلَ مَعَ الْمُضَارِبِ جَازَتْ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ أَنْ يَأْخُذَا مَالَ الصَّغِيرِ مُضَارَبَةً فَكَانَا كَالْأَجْنَبِيِّ، فَكَانَ اشْتِرَاطُ الْعَمَلِ عَلَيْهِمَا بِجُزْءٍ مِنْ الْمَالِ جَائِزًا، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ كَالْمَأْذُونِ يَدْفَعُ الْمَالَ مُضَارَبَةً فَسَدَتْ، لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا وَلَكِنَّ يَدَ تَصَرُّفِهِ ثَابِتَةٌ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الْمَالِكِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى التَّصَرُّفِ

قَالَ (وَإِذَا صَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ مُطْلَقَةً جَازَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ وَيُوَكِّلَ وَيُسَافِرَ وَيُبْضِعَ وَيُودِعَ) لِإِطْلَاقِ الْعَقْدِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الِاسْتِرْبَاحُ وَلَا يَتَحَصَّلُ إلَّا بِالتِّجَارَةِ، فَيَنْتَظِمُ الْعَقْدُ صُنُوفَ التِّجَارَةِ وَمَا هُوَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ، وَالتَّوْكِيلُ مِنْ صَنِيعِهِمْ، وَكَذَا الْإِبْضَاعُ وَالْإِيدَاعُ وَالْمُسَافَرَةُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُودِعَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ فَالْمُضَارِبُ أَوْلَى، كَيْفَ وَأَنَّ اللَّفْظَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ السَّيْرُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ. وَعَنْهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ إنْ دَفَعَ فِي بَلَدِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ لِأَنَّهُ تَعْرِيضٌ عَلَى الْهَلَاكِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَإِنْ دَفَعَ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ إلَى بَلَدِهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ فِي الْغَالِبِ، وَالظَّاهِرُ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ قَالَ (وَلَا يُضَارِبُ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ رَبُّ الْمَالِ أَوْ يَقُولَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك) لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْقُوَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ أَوْ التَّفْوِيضِ الْمُطْلَقِ إلَيْهِ وَكَانَ كَالتَّوْكِيلِ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ إلَّا إذَا قِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَكَانَ قِيَامُ يَدِهِ مَانِعًا عَنْ صِحَّةِ الْمُضَارَبَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (وَإِذَا صَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ مُطْلَقَةً إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْمُطْلَقِ مَا لَا يَكُونُ مُقَيَّدًا بِزَمَانٍ وَلَا مَكَان نَحْوُ أَنْ يَقُولَ دَفَعْت إلَيْك هَذَا الْمَالَ مُضَارَبَةً وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، فَيَجُوزُ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَبِيعَ نَقْدًا وَنَسِيئَةً وَيَشْتَرِيَ مَا بَدَا لَهُ مِنْ سَائِرِ التِّجَارَاتِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الِاسْتِرْبَاحُ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالتِّجَارَةِ، فَالْعَقْدُ بِإِطْلَاقِهِ يَنْتَظِمُ جَمِيعَ صُنُوفِهَا وَيَصْنَعُ مَا هُوَ صُنْعُ التُّجَّارِ لِكَوْنِهِ مُفْضِيًا إلَى الْمَقْصُودِ فَيُوَكِّلُ وَيُبْضِعُ وَيُودِعُ لِأَنَّهَا مِنْ صَنِيعِهِمْ وَيُسَافِرُ، لِأَنَّ الْمُسَافَرَةَ أَيْضًا مِنْ صَنِيعِهِمْ، وَلَفْظُ الْمُضَارَبَةِ مُشْتَقٌّ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ كَمَا تَقَدَّمَ فَكَيْفَ يُمْنَعُ عَنْ ذَلِكَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ، وَعَنْهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنْ دُفِعَ إلَيْهِ فِي بَلَدِ الْمُضَارِبِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ لِأَنَّهُ تَعْرِيضٌ عَلَى الْهَلَاكِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَإِنْ دُفِعَ إلَيْهِ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ إلَى بَلَدِهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ فِي الْغَالِبِ، إذْ الْإِنْسَانُ لَا يَسْتَدِيمُ الْغُرْبَةَ مَعَ إمْكَانِ الرُّجُوعِ، فَلَمَّا أَعْطَاهُ عَالِمًا بِغُرْبَتِهِ كَانَ دَلِيلَ الرِّضَا بِالْمُسَافَرَةِ عِنْدَ رُجُوعِهِ إلَى وَطَنِهِ، فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ يُرِيدُ قَوْلَهُ وَالْمُسَافَرَةُ: يَعْنِي أَنَّهَا مِنْ صُنْعِ التُّجَّارِ (وَلَا يَجُوزُ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يُضَارِبَ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ رَبُّ الْمَالِ أَوْ يَقُولَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ) وَلَا يَرِدُ جَوَازُ إذْنِ الْمَأْذُونِ لِعَبْدِهِ وَجَوَازُ الْكِتَابَةِ لِلْمُكَاتَبِ وَالْإِجَارَةِ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَالْإِعَارَةِ لِلْمُسْتَعِيرِ فِيمَا لَمْ يَخْتَلِفْ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ فَإِنَّهَا أَمْثَالٌ لِمَا يُجَانِسُهَا وَقَدْ تَضَمَّنَتْ أَمْثَالَهَا لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَضَمَّنَتْ الْأَمَانَةَ أَوَّلًا وَالْوَكَالَةَ ثَانِيًا، وَلَيْسَ لِلْمُودَعِ وَالْوَكِيلِ الْإِيدَاعُ وَالتَّوْكِيلُ فَكَذَا الْمُضَارِبُ لَا يُضَارِبُ غَيْرُهُ،

بِخِلَافِ الْإِيدَاعِ وَالْإِبْضَاعِ لِأَنَّهُ دُونَهُ فَيَتَضَمَّنُهُ، وَبِخِلَافِ الْإِقْرَاضِ حَيْثُ لَا يَمْلِكُهُ. وَإِنْ قِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ التَّعْمِيمُ فِيمَا هُوَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ وَلَيْسَ الْإِقْرَارُ مِنْهُ وَهُوَ تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ الْغَرَضُ وَهُوَ الرِّبْحُ لِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ، أَمَّا الدَّفْعُ مُضَارَبَةً فَمِنْ صَنِيعِهِمْ، وَكَذَا الشَّرِكَةُ وَالْخَلْطُ بِمَالِ نَفْسِهِ فَيَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا الْقَوْلِ. قَالَ (وَإِنْ خَصَّ لَهُ رَبُّ الْمَالِ التَّصَرُّفَ فِي بَلَدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ فِي سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَهَا) لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ. وَفِي التَّخْصِيصِ فَائِدَةٌ فَيَتَخَصَّصُ، وَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ بِضَاعَةً إلَى مَنْ يُخْرِجُهَا مِنْ تِلْكَ الْبَلْدَةِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِخْرَاجَ بِنَفْسِهِ فَلَا يَمْلِكُ تَفْوِيضَهُ إلَى غَيْرِهِ. قَالَ (فَإِنْ خَرَجَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ فَاشْتَرَى ضَمِنَ) وَكَانَ ذَلِكَ لَهُ، وَلَهُ رِبْحُهُ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِ حَتَّى رَدَّهُ إلَى الْكُوفَةِ وَهِيَ الَّتِي عَيَّنَهَا بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ كَالْمُودَعِ إذَا خَالَفَ فِي الْوَدِيعَةِ ثُمَّ تَرَكَ وَرَجَعَ الْمَالُ مُضَارَبَةً عَلَى حَالِهِ لِبَقَائِهِ فِي يَدِهِ بِالْعَقْدِ السَّابِقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْجَوَابُ عَنْ الْبَوَاقِي سَيَجِيءُ فِي مَوَاضِعِهَا (بِخِلَافِ الْإِيدَاعِ وَالْإِبْضَاعِ لِأَنَّهُمَا دُونَهُ فَيَتَضَمَّنُهُمَا، وَبِخِلَافِ الْإِقْرَاضِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِهِ، وَإِنْ قِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ التَّعْمِيمُ فِيمَا هُوَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ وَلَيْسَ الْإِقْرَاضُ مِنْهُ لِكَوْنِهِ تَبَرُّعًا كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فَلَا يَحْصُلُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الرِّبْحُ لِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْقَرْضِ، وَأَمَّا الدَّفْعُ مُضَارَبَةً وَالشَّرِكَةُ وَالْخَلْطُ بِمَالِ نَفْسِهِ فَمِنْ صَنِيعِهِمْ فَيَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ تَحْتَ هَذَا الْقَوْلِ) يَعْنِي قَوْلَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك. فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ مِنْ صَنِيعِهِمْ وَالْمَقْصُودُ وَهُوَ الرِّبْحُ يَحْصُلُ بِهَا تَعَذَّرَتْ جِهَةُ الْجَوَازِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَرَجَّحَ عَلَى جِهَةِ الْعَدَمِ. أُجِيبَ بِأَنَّ كُلًّا مِنْ جِهَتَيْ الْجَوَازِ وَالْعَدَمِ صَالِحٌ لِلْعِلِّيَّةِ فَلَا يَتَرَجَّحُ غَيْرُهَا بِهَا كَمَا عُرِفَ (وَإِنْ خَصَّ لَهُ رَبُّ الْمَالِ التَّصَرُّفَ فِي بَلَدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ سِلْعَةً بِعَيْنِهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَهَا لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ) وَالتَّوْكِيلُ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ يَخْتَصُّ بِهِ (وَفِي التَّخْصِيصِ) فِي بَلَدٍ بِعَيْنِهِ (فَائِدَةٌ) مِنْ حَيْثُ صِيَانَةُ الْمَالِ عَنْ خَطَرِ الطَّرِيقِ وَصِيَانَةُ الْمُضَارِبِ وَتَفَاوُتُ الْأَسْعَارِ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ، وَفِي عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ إذَا لَمْ يُسَافِرْ فَيَجِبُ رِعَايَتُهَا تَوْفِيرًا لِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الرِّبْحُ (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُبْضِعَ مَنْ يُخْرِجُهَا مِنْ تِلْكَ الْبَلْدَةِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَمْلِكْ الْإِخْرَاجَ بِنَفْسِهِ لَا يَمْلِكُ تَفْوِيضَهُ إلَى غَيْرِهِ فَإِنْ خَرَجَ بِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ فَاشْتَرَى ضَمِنَ وَكَانَ الْمُشْتَرِي وَرِبْحُهُ لَهُ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِيهِ بِخِلَافِ أَمْرِهِ) فَصَارَ غَاصِبًا (وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِ وَرَدَّهُ إلَى الْبَلَدِ الَّذِي عَيَّنَهُ سَقَطَ الضَّمَانُ كَالْمُودَعِ الْمُخَالِفِ إذَا تَرَكَ الْمُخَالَفَةَ وَرَجَعَ الْمَالُ مُضَارَبَةً عَلَى حَالِهِ لِبَقَائِهِ فِي يَدِهِ بِالْعَقْدِ السَّابِقِ) فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ وَرَجَعَ الْمَالُ مُضَارَبَةً يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا زَائِلَةٌ، وَإِذَا

وَكَذَا إذَا رَدَّ بَعْضَهُ وَاشْتَرَى بِبَعْضِهِ فِي الْمِصْرِ كَانَ الْمَرْدُودُ وَالْمُشْتَرَى فِي الْمِصْرِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ لِمَا قُلْنَا، ثُمَّ شَرَطَ الشِّرَاءَ بِهَا هَاهُنَا وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَفِي كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ ضَمِنَهُ بِنَفْسِ الْإِخْرَاجِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ بِالشِّرَاءِ يَتَقَرَّرُ الضَّمَانُ لِزَوَالِ احْتِمَالِ الرَّدِّ إلَى الْمِصْرِ الَّذِي عَيَّنَهُ، أَمَّا الضَّمَانُ فَوُجُوبُهُ بِنَفْسِ الْإِخْرَاجِ، وَإِنَّمَا شَرَطَ الشِّرَاءَ لِلتَّقَرُّرِ لَا لِأَصْلِ الْوُجُوبِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ فِي سُوقِ الْكُوفَةِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ التَّقْيِيدُ لِأَنَّ الْمِصْرَ مَعَ تَبَايُنِ أَطْرَافِهِ كَبُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يُفِيدُ التَّقْيِيدُ، إلَّا إذَا صَرَّحَ بِالنَّهْيِ بِأَنْ قَالَ اعْمَلْ فِي السُّوقِ وَلَا تَعْمَلْ فِي غَيْرِ السُّوقِ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالْحَجْرِ وَالْوِلَايَةُ إلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQزَالَ الْعَقْدُ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِالتَّجْدِيدِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَهِيَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَمْ يَزُلْ، لِأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالشِّرَاءِ وَالْفَرْضُ خِلَافُهُ، وَإِنَّمَا قَالَ رَجَعَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ صَارَ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ. وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ فَإِنَّهَا زَالَتْ زَوَالًا مَوْقُوفًا حَيْثُ ضَمِنَهُ بِنَفْسِ الْإِخْرَاجِ (وَإِذَا اشْتَرَى بِبَعْضِهِ فِي الْمِصْرِ الَّذِي عَيَّنَهُ وَأَخْرَجَ الْبَعْضَ مِنْهُ وَلَمْ يَشْتَرِ بِهِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَى الَّذِي عَيَّنَهُ كَانَ الْمَرْدُودُ وَالْمُشْتَرَى فِي الْمِصْرِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ لِمَا قُلْنَا) مِنْ الْبَقَاءِ فِي يَدِهِ بِالْعَقْدِ السَّابِقِ، وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى بِبَعْضِهِ فِيهِ وَبِبَعْضٍ آخَرَ فِي غَيْرِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا اشْتَرَاهُ فِي غَيْرِهِ وَلَهُ رِبْحُهُ وَعَلَيْهِ وَضِيعَتُهُ لِتَحَقُّقِ الْخِلَافِ مِنْهُ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ وَالْبَاقِي عَلَى الْمُضَارَبَةِ، إذْ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ صَيْرُورَتِهِ ضَامِنًا لِبَعْضِ الْمَالِ انْتِفَاءُ حُكْمِ الْمُضَارَبَةِ فِيمَا بَقِيَ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ مُتَّحِدَةٌ وَفِي ذَلِكَ تَعْرِيفُهَا. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْجُزْءَ مُعْتَبَرٌ بِالْكُلِّ، وَتَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ مَوْضُوعٌ إذَا اسْتَلْزَمَ ضَرَرًا، وَلَا ضَرَرَ عِنْدَ الضَّمَانِ، وَقَدْ أَشَرْنَا إلَى اخْتِلَافِ رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْمَبْسُوطِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالصَّحِيحُ أَنَّ بِالشِّرَاءِ يَتَقَرَّرُ الضَّمَانُ لِزَوَالِ احْتِمَالِ الرَّدِّ إلَى الْمِصْرِ الَّذِي عَيَّنَهُ، أَمَّا الضَّمَانُ فَوُجُوبُهُ بِنَفْسِ الْإِخْرَاجِ، وَإِنَّمَا شَرَطَ الشِّرَاءَ) يَعْنِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (لِلتَّقَرُّرِ لَا لِأَصْلِ الْوُجُوبِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ فِي سُوقِ الْكُوفَةِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ التَّقْيِيدُ لِأَنَّ الْمِصْرَ مَعَ تَبَايُنِ أَطْرَافِهِ كَبُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يُفِيدُ التَّقْيِيدَ إلَّا إذَا صَرَّحَ بِالنَّهْيِ فَقَالَ اعْمَلْ فِي السُّوقِ وَلَا تَعْمَلْ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالْحَجْرِ وَالْوِلَايَةِ إلَيْهِ) وَنُوقِضَ بِمَا لَوْ قَالَ عَلَى أَنْ تَبِيعَ بِالنَّسِيئَةِ وَلَا تَبِيعَ بِالنَّقْدِ فَبَاعَ بِالنَّقْدِ صَحَّ وَلَمْ يُعَدَّ مُخَالِفًا وَجَوَابُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْقَيْدَ الْمُفِيدَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مُتَّبَعٌ وَغَيْرُهُ كَذَلِكَ لَغْوٌ وَالْمُفِيدُ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ مُتَّبَعٌ عِنْدَ النَّهْيِ الصَّرِيحِ وَلَغْوٌ عِنْدَ السُّكُوتِ عَنْهُ، فَالْأَوَّلُ كَالتَّخْصِيصِ بِبَلَدٍ وَسِلْعَةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَالثَّانِي كَصُورَةِ النَّقْضِ فَإِنَّ الْبَيْعَ نَقْدًا بِثَمَنٍ كَانَ ثَمَنُ النَّسِيئَةِ خَيْرٌ لَيْسَ إلَّا فَكَانَ التَّقْيِيدُ مُضِرًّا. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَكَالنَّهْيِ عَنْ السُّوقِ فَإِنَّهُ مُفِيدٌ مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْبَلَدَ ذَاتُ أَمَاكِنَ مُخْتَلِفَةٍ حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَحُكْمًا فَإِنَّهُ إذَا شَرَطَ الْحِفْظَ عَلَى الْمُودَعِ فِي مَحَلِّهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْفَظَ فِي غَيْرِهَا، وَقَدْ تَخْتَلِفُ الْأَسْعَارُ أَيْضًا بِاخْتِلَافِ أَمَاكِنِهِ، وَغَيْرُ مُفِيدٍ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ أَنَّ الْمِصْرَ مَعَ تَبَايُنِ أَطْرَافِهِ جُعِلَ كَمَا كَانَ وَاحِدٌ كَمَا إذَا شَرَطَ الْإِيفَاءَ فِي السَّلَمِ بِأَنْ يَكُونَ فِي الْمِصْرِ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمَحَلَّةَ فَاعْتَبَرْنَاهُ حَالَةَ التَّصْرِيحِ بِالنَّهْيِ لِوِلَايَةِ الْحَجْرِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ عِنْدَ

وَمَعْنَى التَّخْصِيصِ أَنْ يَقُولَ لَهُ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ كَذَا أَوْ فِي مَكَانِ كَذَا، وَكَذَا إذَا قَالَ خُذْ هَذَا الْمَالَ تَعْمَلُ بِهِ فِي الْكُوفَةِ لِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لَهُ، أَوْ قَالَ فَاعْمَلْ بِهِ فِي الْكُوفَةِ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلْوَصْلِ أَوْ قَالَ خُذْهُ بِالنِّصْفِ بِالْكُوفَةِ لِأَنَّ الْبَاءَ لِلْإِلْصَاقِ، أَمَّا إذَا قَالَ خُذْ هَذَا الْمَالَ وَاعْمَلْ بِهِ بِالْكُوفَةِ فَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْمَشُورَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالسُّكُوتِ عَنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (وَمَعْنَى التَّخْصِيصِ إلَخْ) ذَكَرَ أَلْفَاظًا تَدُلُّ عَلَى التَّخْصِيصِ: وَتَقْرِيرُ كَلَامِهِ: وَمَعْنَى التَّخْصِيصِ يَحْصُلُ بِأَنْ يَقُولَ كَذَا وَكَذَا: أَيْ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ، وَالْغَرَضُ مِنْ ذِكْرِهِ التَّمْيِيزَ بَيْنَ مَا يَدُلُّ مِنْهَا عَلَى التَّخْصِيصِ وَمَا لَا يَدُلُّ، وَجُمْلَةُ ذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ: سِتَّةٌ مِنْهَا تُفِيدُ التَّخْصِيصَ وَاثْنَانِ مِنْهَا تُعْتَبَرُ مَشُورَةً، وَالضَّابِطُ لِتَمْيِيزِ مَا يُفِيدُ التَّخْصِيصَ عَمَّا لَا يُفِيدُهُ هُوَ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ إذَا أَعْقَبَ لَفْظَ الْمُضَارَبَةِ كَلَامًا لَا يَصِحُّ الِابْتِدَاءُ بِهِ وَيَصِحُّ مُتَعَلِّقًا بِمَا تَقَدَّمَ جُعِلَ مُتَعَلِّقًا بِهِ لِئَلَّا يَلْغُوَ، وَإِذَا أَعْقَبَهُ مَا يَصِحُّ الِابْتِدَاءُ بِهِ لَمْ يُجْعَلْ مُتَعَلِّقًا بِمَا تَقَدَّمَ لِانْتِفَاءِ الضَّرُورَةِ، وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ خُذْ هَذَا الْمَالَ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ كَذَا أَوْ فِي مَكَانِ كَذَا، أَوْ قَالَ خُذْهُ تَعْمَلْ بِهِ فِي الْكُوفَةِ مَجْزُومًا وَمَرْفُوعًا، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَحْتَمِلُهُمَا، أَوْ قَالَ فَاعْمَلْ بِهِ فِي الْكُوفَةِ أَوْ قَالَ خُذْهُ بِالنِّصْفِ بِالْكُوفَةِ أَوْ قَالَ لِتَعْمَلَ بِهِ بِالْكُوفَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعْمَلُ بِهِ بِالرَّفْعِ يُعْطِي مَعْنَاهُ فَقَدْ أَعْقَبَ لَفْظَ الْمُضَارَبَةِ مَا لَا يَصِحُّ الِابْتِدَاءُ بِهِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَبْتَدِئَ بِقَوْلِهِ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ كَذَا أَوْ بِقَوْلِهِ تَعْمَلُ بِالْكُوفَةِ أَوْ بِغَيْرِهِمَا وَهُوَ وَاضِحٌ لَكِنَّهُ يَصِحُّ جَعْلُهُ مُتَعَلِّقًا بِمَا تَقَدَّمَ، فَجَعَلَ قَوْلَهُ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ شَرْطًا وَالْمُفِيدُ مِنْهُ مُعْتَبَرٌ، وَهَذَا يُفِيدُ صِيَانَةَ الْمَالِ فِي الْمِصْرِ، وَقَوْلُهُ تَعْمَلُ بِهِ فِي الْكُوفَةِ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ خُذْهُ مُضَارَبَةً، وَقَوْلُهُ فَاعْمَلْ بِهِ فِي الْكُوفَةِ فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّ الْفَاءَ فِيهَا لِلْوَصْلِ وَالتَّعْقِيبِ وَالْمُتَّصِلُ الْمُتَعَقِّبُ لِلْمُبْهَمِ تَفْسِيرٌ لَهُ، وَكَذَا قَوْلُهُ خُذْهُ بِالنِّصْفِ بِالْكُوفَةِ لِأَنَّ الْبَاءَ لِلْإِلْصَاقِ، وَيَقْتَضِي الْإِلْصَاقَ مُوجِبُ كَلَامِهِ وَهُوَ الْعَمَلُ

وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ مِنْ فُلَانٍ وَتَبِيعَ مِنْهُ صَحَّ التَّقْيِيدُ لِأَنَّهُ مُفِيدٌ لِزِيَادَةِ الثِّقَةِ بِهِ فِي الْمُعَامَلَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ بِهَا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، أَوْ دَفَعَ فِي الصَّرْفِ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ مِنْ الصَّيَارِفَةِ وَيَبِيعَ مِنْهُمْ فَبَاعَ بِالْكُوفَةِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِ الصَّيَارِفَةِ جَازَ؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْأَوَّلِ التَّقْيِيدُ بِالْمَكَانِ، وَفَائِدَةَ الثَّانِي التَّقْيِيدُ بِالنَّوْعِ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ عُرْفًا لَا فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ. قَالَ (وَكَذَلِكَ إنْ وَقَّتَ لِلْمُضَارَبَةِ وَقْتًا بِعَيْنِهِ يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِمُضِيِّهِ) لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ فَيَتَوَقَّتُ بِمَا وَقَّتَهُ وَالتَّوْقِيتُ مُفِيدٌ وَأَنَّهُ تَقْيِيدٌ بِالزَّمَانِ فَصَارَ كَالتَّقْيِيدِ بِالنَّوْعِ وَالْمَكَانِ. قَالَ (وَلَيْسَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَشْتَرِيَ مَنْ يُعْتَقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ لِقَرَابَةٍ أَوْ غَيْرِهَا) لِأَنَّ الْعَقْدَ وُضِعَ لِتَحْصِيلِ الرِّبْحِ وَذَلِكَ بِالتَّصَرُّفِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ لِعِتْقِهِ وَلِهَذَا لَا يَدْخُلُ فِي الْمُضَارَبَةِ شِرَاءُ مَا لَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ كَشِرَاءِ الْخَمْرِ وَالشِّرَاءِ بِالْمَيْتَةِ. بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ بَيْعُهُ بَعْدَ قَبْضِهِ فَيَتَحَقَّقُ الْمَقْصُودُ. قَالَ (وَلَوْ فَعَلَ صَارَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ دُونَ الْمُضَارَبَةِ) لِأَنَّ الشِّرَاءَ مَتَى وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْمُشْتَرِي نَفَذَ عَلَيْهِ كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إذَا خَالَفَ. قَالَ (فَإِنْ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ يُعْتِقُ عَلَيْهِ نَصِيبَهُ وَيُفْسِدُ نَصِيبَ رَبِّ الْمَالِ أَوْ يُعْتِقُ عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَعْرُوفِ فَيَمْتَنِعُ التَّصَرُّفُ فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ (وَإِنْ اشْتَرَاهُمْ ضَمِنَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا الْعَبْدَ لِنَفْسِهِ فَيَضْمَنُ بِالنَّقْدِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْمَالِ مُلْصَقًا بِالْكُوفَةِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ فِيهَا، وَإِذَا قَالَ دَفَعْت إلَيْك هَذَا الْمَالَ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ اعْمَلْ بِالْكُوفَةِ بِغَيْرِ وَاوٍ أَوْ بِهِ فَقَدْ أَعْقَبَ مَا يَصِحُّ الِابْتِدَاءُ بِهِ، أَمَّا بِغَيْرِ الْوَاوِ فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا بِالْوَاوِ فَلِأَنَّهُ مِمَّا يَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بِهِ فَاعْتُبِرَ كَلَامًا مُبْتَدَأً فَيُجْعَلُ مَشُورَةً كَأَنَّهُ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا كَانَ أَنْفَعَ. فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَا تَجْعَلُ الْوَاوَ لِلْحَالِ كَمَا فِي قَوْلِهِ أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا وَأَنْتَ حُرٌّ؟ أُجِيبَ بِعَدَمِ صَلَاحِيَتِهِ لِذَلِكَ هَاهُنَا، لِأَنَّ الْعَمَلَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْأَخْذِ لَا حَالَ الْأَخْذِ، وَلَوْ قَالَ خُذْهُ مُضَارَبَةً عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ مِنْ فُلَانٍ وَتَبِيعَ مِنْهُ صَحَّ التَّقْيِيدُ لِكَوْنِهِ مُفِيدًا لِزِيَادَةِ الثِّقَةِ بِهِ فِي الْمُعَامَلَةِ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي الْمُعَامَلَاتِ قَضَاءً وَاقْتِضَاءً وَمُنَاقَشَةً فِي الْحِسَابِ وَالتَّنَزُّهِ عَنْ الشُّبُهَاتِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ بِهَا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ أَوْ دَفَعَ فِي الصَّرْفِ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ مِنْ الصَّيَارِفَةِ وَيَبِيعَ مِنْهُمْ فَبَاعَ بِالْكُوفَةِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِ الصَّيَارِفَةِ جَازَ، لِأَنَّ فَائِدَةَ الْأَوَّلِ: يَعْنِي مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ التَّقْيِيدُ بِالْمَكَانِ وَهُوَ الْكُوفَةُ، وَإِذَا اشْتَرَى بِهَا فَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ رَجُلٍ كُوفِيٍّ. وَفَائِدَةُ الثَّانِي التَّقْيِيدُ بِالنَّوْعِ وَهُوَ الصَّرْفُ وَإِذَا حَصَلَ ذَلِكَ لَا مُعْتَبَرَ بِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ عُرْفًا لَا فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ) يَعْنِي غَيْرَ الْمَكَانِ فِي الْأَوَّلِ، وَالنَّوْعُ فِي الثَّانِي دَلِيلٌ عَلَى التَّقْيِيدِ، وَيَتَضَمَّنُ الْجَوَابَ عَمَّا يُقَالُ إنَّ ذَلِكَ عُدُولٌ عَنْ مُقْتَضَى اللَّفْظِ فَإِنَّ مُقْتَضَى لَفْظِ الْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَ شِرَاؤُهُ مِنْ كُوفِيٍّ لَا مِنْ غَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ بِالْكُوفَةِ أَوْ بِغَيْرِهَا. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ مُقْتَضَى اللَّفْظِ قَدْ يُتْرَكُ بِدَلَالَةِ الْعُرْفِ، وَالْعُرْفُ فِي ذَلِكَ الْمَنْعُ عَنْ الْخُرُوجِ مِنْ الْكُوفَةِ صِيَانَةً لِمَالِهِ وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ بِهَا، وَلَمَّا لَمْ يَخُصَّ الْمُعَامَلَةَ فِي الصَّرْفِ لِشَخْصٍ بِعَيْنِهِ مَعَ تَفَاوُتِ الْأَشْخَاصِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ نَوْعُ الصَّرْفِ وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إنْ وَقَّتَ لِلْمُضَارَبَةِ) مَعْنَاهُ أَنَّ التَّوْقِيتَ بِالزَّمَانِ مُفِيدٌ فَكَانَ كَالتَّقْيِيدِ بِالنَّوْعِ وَالْمَكَانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (وَلَيْسَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَشْتَرِيَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ إلَخْ) وَلَيْسَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَشْتَرِيَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ لِقَرَابَةٍ أَوْ غَيْرِهَا كَالْمَحْلُوفِ بِعِتْقِهِ، لِأَنَّ الْعَقْدَ وُضِعَ لِتَحْصِيلِ الرِّبْحِ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالتَّصَرُّفِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي شِرَاءِ الْقَرِيبِ لِعِتْقِهِ فَالْعَقْدُ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ. وَفِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُضَارَبَةِ وَالْوَكَالَةِ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ بِشِرَاءِ

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَهُمْ لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ، إذْ لَا شَرِكَةَ لَهُ فِيهِ لِيُعْتَقَ عَلَيْهِ (فَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُمْ بَعْدَ الشِّرَاءِ عَتَقَ نَصِيبُهُ مِنْهُمْ) لِمِلْكِهِ بَعْضَ قَرِيبِهِ (وَلَمْ يَضْمَنْ لِرَبِّ الْمَالِ شَيْئًا) لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ مِنْ جِهَتِهِ فِي زِيَادَةِ الْقِيمَةِ وَلَا فِي مِلْكِهِ الزِّيَادَةَ، لِأَنَّ هَذَا شَيْءٌ يَثْبُتُ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ فَصَارَ كَمَا إذَا وَرِثَهُ مَعَ غَيْرِهِ (وَيَسْعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَةِ نَصِيبِهِ مِنْهُ) لِأَنَّهُ اُحْتُسِبَتْ مَالِيَّتُهُ عِنْدَهُ فَيَسْعَى فِيهِ كَمَا فِي الْوَرَثَةِ. قَالَ (فَإِنْ كَانَ مَعَ الْمُضَارِبِ أَلْفٌ بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهَا جَارِيَةً قِيمَتُهَا أَلْفٌ فَوَطِئَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ يُسَاوِي أَلْفًا فَادَّعَاهُ ثُمَّ بَلَغَتْ قِيمَةُ الْغُلَامِ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَبْدٍ مُطْلَقًا إنْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَى مُوَكِّلِهِ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الرِّبْحَ الْمُحْتَاجَ إلَى تَكَرُّرِ التَّصَرُّفِ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فِي الْوَكَالَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ مَقْصُودَ الْمُوَكِّلِ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ اشْتَرِ لِي عَبْدًا أَبِيعُهُ فَاشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ كَانَ مُخَالِفًا، وَلِهَذَا أَيْ وَلِكَوْنِ هَذَا الْعَقْدِ وُضِعَ لِتَحْصِيلِ الرِّبْحِ لَا يُدْخِلُ فِي الْمُضَارَبَةِ شِرَاءَ مَا لَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ كَالْخَمْرِ وَالشِّرَاءِ بِالْمَيِّتَةِ لِانْتِفَاءِ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَتَحْصِيلِ الرِّبْحِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لِأَنَّ بَيْعَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ مُمْكِنٌ فَيَتَحَقَّقُ الْمَقْصُودُ، وَلَوْ فَعَلَ أَيْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ صَارَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ دُونَ الْمُضَارَبَةِ، لِأَنَّ الشِّرَاءَ مَتَى وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْمُشْتَرِي نَفَذَ عَلَيْهِ كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إذَا خَالَفَ، وَقَوْلُهُ مَتَى وَجَدَ نَفَاذًا احْتِرَازٌ عَنْ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَحْجُورَيْنِ فَإِنَّ شِرَاءَهُمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ وَالْمَوْلَى، ثُمَّ إنْ كَانَ نَقْدُ الثَّمَنِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ يَتَخَيَّرُ رَبُّ الْمَالِ بَيْنَ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَقْبُوضَ مِنْ الْبَائِعِ وَيَرْجِعَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُضَارِبِ وَبَيْنَ أَنْ يَضْمَنَ الْمُضَارِبُ مِثْلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَضَى بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ دَيْنًا عَلَيْهِ، وَأَمَّا شِرَاءُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى الْمُضَارِبِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ: إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ نَصِيبُهُ وَيَفْسُدُ نَصِيبُ رَبِّ الْمَالِ لِانْتِفَاءِ جَوَازِ بَيْعِهِ لِكَوْنِهِ مُسْتَسْعًى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ يَعْتِقُ الْكُلُّ عِنْدَهُمَا عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَعْرُوفِ فِي تَجَزُّؤِ الْإِعْتَاقِ فَيَمْتَنِعُ التَّصَرُّفُ الْمَقْصُودُ، وَإِنْ اشْتَرَاهُمْ ضِمْنَ مَالِ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا الْعَبْدَ لِنَفْسِهِ فَيَضْمَنُ إنْ كَانَ نَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُضَارَبَةِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَهُمْ لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ مِنْ التَّصَرُّفِ حَيْثُ لَا شَرِكَةَ لَهُ، فَإِذَا ازْدَادَتْ قِيمَتُهُمْ بَعْدَ الشِّرَاءِ عَتَقَ نَصِيبُهُ مِنْهُمْ لِتَمَلُّكِهِ بَعْضَ قَرِيبِهِ، وَلَمْ يَضْمَنْ لِرَبِّ الْمَالِ شَيْئًا لِأَنَّ ازْدِيَادَ الْقِيمَةِ وَتَمَلُّكُهُ الزِّيَادَةَ: أَيْ نَصِيبَهُ مِنْ الرِّبْحِ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ لَا صُنْعَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَصَارَ كَمَا إذَا وَرِثَهُ مَعَ غَيْرِهِ، كَامْرَأَةٍ اشْتَرَتْ ابْنَ زَوْجِهَا فَمَاتَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجًا وَأَخًا عَتَقَ نَصِيبُ الزَّوْجِ وَلَا يَضْمَنُ لِأَخِيهَا شَيْئًا لِعَدَمِ الصُّنْعِ مِنْهُ وَيَسْعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَةِ نَصِيبِ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الْعَبْدِ وَهُوَ رَأْسُ الْمَالِ وَحِصَّةِ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ لِأَنَّهُ احْتَبَسَتْ مَالِيَّةَ الْعَبْدِ عِنْدَ الْعَبْدِ فَيَسْعَى الْعَبْدُ فِيهِ كَمَا فِي الْوِرَاثَةِ. قَالَ (فَإِنْ كَانَ مَعَ الْمُضَارِبِ أَلْفٌ بِالنِّصْفِ إلَخْ) وَإِنْ كَانَ مَعَ الْمُضَارِبِ أَلْفٌ بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهَا جَارِيَةً قِيمَتُهَا أَلْفٌ فَوَطِئَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ يُسَاوِي أَلْفًا فَادَّعَاهُ ثُمَّ بَلَغَتْ قِيمَةُ الْغُلَامِ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ وَالْمُدَّعِي مُوسِرٌ، فَإِنْ شَاءَ رَبُّ الْمَالِ اسْتَسْعَى الْغُلَامَ فِي أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَهُ وَلَا يَضْمَنُ الْمُضَارِبُ شَيْئًا، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَالْمُدَّعِي مُوسِرٌ لِنَفْيِ شُبْهَةٍ هِيَ أَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ دَعْوَةِ الْمُضَارِبِ وَهُوَ ضَمَانُ إعْتَاقٍ فِي حَقِّ الْوَلَدِ، وَضَمَانُ الْإِعْتَاقِ يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَضْمَنَ الْمُضَارِبُ

وَالْمُدَّعِي مُوسِرٌ، فَإِنْ شَاءَ رَبُّ الْمَالِ اسْتَسْعَى الْغُلَامَ فِي أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ) وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الدَّعْوَةَ صَحِيحَةٌ فِي الظَّاهِرِ حَمْلًا عَلَى فِرَاشِ النِّكَاحِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَنْفُذْ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ لِعَدَمِ ظُهُورِ الرِّبْحِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَعْنِي الْأُمَّ وَالْوَلَدَ مُسْتَحَقٌّ بِرَأْسِ الْمَالِ، كَمَالِ الْمُضَارَبَةِ إذَا صَارَ أَعْيَانًا كُلُّ عَيْنٍ مِنْهَا يُسَاوِي رَأْسَ الْمَالِ لَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ كَذَا هَذَا، فَإِذَا زَادَتْ قِيمَةُ الْغُلَامِ الْآنَ ظَهَرَ الرِّبْحُ فَنَفَذَتْ الدَّعْوَةُ السَّابِقَةُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَ الْوَلَدَ ثُمَّ ازْدَادَتْ الْقِيمَةُ. لِأَنَّ ذَلِكَ إنْشَاءُ الْعِتْقِ، فَإِذَا بَطَلَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ لَا يَنْفُذُ بَعْدَ ذَلِكَ بِحُدُوثِ الْمِلْكِ، أَمَّا هَذَا فَإِخْبَارٌ فَجَازَ أَنْ يَنْفُذَ عِنْدَ حُدُوثِ الْمِلْكِ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدِ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ، وَإِذَا صَحَّتْ الدَّعْوَةُ وَثَبَتَ النَّسَبُ عَتَقَ الْوَلَدُ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِي بَعْضِهِ، وَلَا يَضْمَنُ لِرَبِّ الْمَالِ شَيْئًا مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ لِأَنَّ عِتْقَهُ ثَبَتَ بِالنَّسَبِ وَالْمِلْكِ وَالْمِلْكُ آخِرُهُمَا فَيُضَافُ إلَيْهِ وَلَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ، وَهَذَا ضَمَانُ إعْتَاقٍ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعَدِّي وَلَمْ يُوجَدْ (وَلَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْغُلَامَ) لِأَنَّهُ اُحْتُبِسَتْ مَالِيَّتُهُ عِنْدَهُ، وَلَهُ أَنْ يَعْتِقَ لِأَنَّ الْمُسْتَسْعَى كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا كَانَ مُوسِرًا، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَضْمَنُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الدَّعْوَةَ صَحِيحَةٌ فِي الظَّاهِرِ لِصُدُورِهَا مِنْ أَهْلِهَا فِي مَحَلِّهَا حَمْلًا عَلَى الْفِرَاشِ بِالنِّكَاحِ بِأَنْ زَوَّجَهَا مِنْهُ الْبَائِعُ ثُمَّ بَاعَهَا مِنْهُ فَوَطِئَهَا فَعَلِقَتْ مِنْهُ لَكِنَّهُ: أَيْ الِادِّعَاءَ لَمْ يَنْفُذْ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ لِعَدَمِ ظُهُورِ الرِّبْحِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأُمِّ وَالْغُلَامِ مُسْتَحَقٌّ بِرَأْسِ الْمَالِ، كَمَالِ الْمُضَارَبَةِ إذَا صَارَ أَعْيَانًا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يُسَاوِي رَأْسَ الْمَالِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ عَبْدَيْنِ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُسَاوِي أَلْفًا فَإِنَّهُ لَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ، وَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ الرِّبْحُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُضَارِبِ فِي الْجَارِيَةِ مِلْكٌ وَبِدُونِ الْمِلْكِ لَا يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ. وَاعْتُرِضَ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْجَارِيَةَ كَانَتْ مُتَعَيِّنَةً لِرَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ الْوَلَدِ فَتَبْقَى كَذَلِكَ وَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ كُلُّهُ رِبْحًا. وَالثَّانِي أَنَّ الْمُضَارِبَ إذَا اشْتَرَى بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ فَرَسَيْنِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُسَاوِي أَلْفًا كَانَ لَهُ رُبْعُهُمَا حَتَّى لَوْ وَهَبَ ذَلِكَ لِرَجُلٍ وَسَلَّمَهُ صَحَّ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ تَعَيُّنَهَا كَانَ لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ لَا لِأَنَّهَا رَأْسُ الْمَالِ، فَإِنَّ رَأْسَ الْمَالِ هُوَ الدَّرَاهِمُ وَبَعْدَ الْوَلَدِ تَحَقَّقَتْ الْمُزَاحَمَةُ فَذَهَبَ تَعَيُّنُهَا وَلَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ الْآخَرِ فَاشْتَغَلَا بِرَأْسِ الْمَالِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ أَعْيَانًا أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَالْفَرَسَانِ جِنْسٌ وَاحِدٌ يُقْسَمَانِ جُمْلَةً وَاحِدَةً، وَإِذَا اُعْتُبِرَا جُمْلَةً حَصَّلَ الْبَعْضَ رِبْحًا، بِخِلَافِ الْعَبْدَيْنِ فَإِنَّهُمَا لَا يُقْسَمَانِ جُمْلَةً بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ يَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى حَالِهِ لِيَكُونَ الرَّقِيقُ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَوْلًا وَاحِدًا، وَعِنْدَهُمَا أَيْضًا فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ: وَإِذَا امْتَنَعَتْ الْقِسْمَةُ لَمْ يَظْهَرْ الرِّبْحُ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَشْغُولًا بِرَأْسِ الْمَالِ، فَإِنْ زَادَتْ قِيمَةُ الْغُلَامِ عَلَى مِقْدَارِ رَأْسِ الْمَالِ فَقَدْ ظَهَرَ الرِّبْحُ وَنَفَذَتْ الدَّعْوَةُ السَّابِقَةُ لِأَنَّ سَبَبَهَا كَانَ مَوْجُودًا وَهُوَ فِرَاشُ النِّكَاحِ، إلَّا أَنَّهَا لَمْ تَنْفُذْ لِوُجُودِ الْمَانِعِ وَهُوَ عَدَمُ الْمِلْكِ، فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ صَارَ نَافِذًا، بِخِلَافِ مَا إذَا أُعْتِقَ الْوَلَدُ ثُمَّ ازْدَادَتْ قِيمَةُ الْغُلَامِ، لِأَنَّ ذَلِكَ إنْشَاءُ الْعِتْقِ وَلَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ فَكَانَ بَاطِلًا، وَإِذَا بَطَلَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ لَا يَنْفُذُ بَعْدَ ذَلِكَ لِحُدُوثِ الْمِلْكِ. وَأَمَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِخْبَارٌ فَجَازَ أَنْ يَنْفُذَ عِنْدَ حُدُوثِهِ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدِ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ،

وَيَسْتَسْعِيهِ فِي أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، لِأَنَّ الْأَلْفَ مُسْتَحَقٌّ بِرَأْسِ الْمَالِ وَالْخَمْسَمِائَةِ رِبْحٌ وَالرِّبْحَ بَيْنَهُمَا فَلِهَذَا يَسْعَى لَهُ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ. ثُمَّ إذَا قَبَضَ رَبُّ الْمَالِ الْأَلْفَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُدَّعِيَ نِصْفَ قِيمَةِ الْأُمِّ لِأَنَّ الْأَلْفَ الْمَأْخُوذَ لَمَّا اُسْتُحِقَّ بِرَأْسِ الْمَالِ لِكَوْنِهِ مُقَدَّمًا فِي الِاسْتِيفَاءِ ظَهَرَ أَنَّ الْجَارِيَةَ كُلَّهَا رِبْحٌ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ دَعْوَةٌ صَحِيحَةٌ لِاحْتِمَالِ الْفِرَاشِ الثَّابِتِ بِالنِّكَاحِ وَتَوَقَّفَ نَفَاذُهَا لِفَقْدِ الْمِلْكِ، فَإِذَا ظَهَرَ الْمِلْكُ نَفَذَتْ تِلْكَ الدَّعْوَةُ وَصَارَتْ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَيَضْمَنُ نَصِيبَ رَبِّ الْمَالِ لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ تَمَلُّكٍ وَضَمَانُ التَّمَلُّكِ لَا يَسْتَدْعِي صُنْعًا كَمَا إذَا اسْتَوْلَدَ جَارِيَةً بِالنِّكَاحِ ثُمَّ مَلَكَهَا هُوَ وَغَيْرُهُ وِرَاثَةً يَضْمَنُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ كَذَا هَذَا؛ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْوَلَدِ عَلَى مَا مَرَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِذَا صَحَّتْ الدَّعْوَةُ وَنَفَذَتْ ثَبَتَ النَّسَبُ وَعَتَقَ الْوَلَدُ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِي بَعْضِهِ، وَلَا يَضْمَنُ لِرَبِّ الْمَالِ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ شَيْئًا لِأَنَّ عِتْقَهُ ثَبَتَ بِالنَّسَبِ وَالْمِلْكِ، وَالْمِلْكُ آخِرُهُمَا فَيُضَافُ إلَيْهِ، لِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا ثَبَتَ بِعِلَّةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ يُضَافُ إلَى آخِرِهِمَا وُجُودًا. وَأَصْلُهُ مَسْأَلَةُ السَّفِينَةِ وَالْقَدَحِ الْمُسْكِرِ وَلَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ فَلَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا، وَضَمَانُ الْإِعْتَاقِ يَعْتَمِدُ ذَلِكَ، وَإِنْ انْتَفَى الضَّمَانُ بَقِيَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ الْآخَرَيْنِ مِنْ الِاسْتِسْعَاءِ وَالْإِعْتَاقِ، فَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَاهُ لِاحْتِبَاسِ مَالِيَّتِهِ عِنْدَ نَفْسِهِ، وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ لِكَوْنِهِ قَابِلًا لِلْعِتْقِ، فَإِنَّ الْمُسْتَسْعَى كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَيَسْتَسْعِيهِ فِي أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، لِأَنَّ الْأَلْفَ مُسْتَحَقٌّ بِرَأْسِ الْمَالِ وَخَمْسَمِائَةٍ رِبْحٌ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا فَلِهَذَا يَسْعَى لَهُ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ. قِيلَ لِمَ لَا تُجْعَلُ الْجَارِيَةُ رَأْسَ الْمَالِ وَالْوَلَدُ كُلُّهُ رِبْحًا؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَا يَجِبُ عَلَى الْوَلَدِ بِالسِّعَايَةِ مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ وَالْجَارِيَةُ لَيْسَتْ مِنْ ذَلِكَ، فَكَانَ تَعْيِينُ الْأَلْفِ مِنْ السِّعَايَةِ لِرَأْسِ الْمَالِ أَنْسَبَ لِلتَّجَانُسِ

[باب المضارب يضارب]

قَالَ (وَإِذَا دَفَعَ الْمُضَارِبُ الْمَالَ إلَى غَيْرِهِ مُضَارَبَةً وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ رَبُّ الْمَالِ لَمْ يَضْمَنْ بِالدَّفْعِ وَلَا يَتَصَرَّفُ الْمُضَارِبُ الثَّانِي حَتَّى يَرْبَحَ، فَإِذَا رَبِحَ ضَمِنَ الْأَوَّلُ لِرَبِّ الْمَالِ) وَهَذَا رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إذَا عَمِلَ بِهِ ضَمِنَ رَبِحَ أَوْ لَمْ يَرْبَحْ، وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ عَمِلَ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ لَهُ الدَّفْعُ عَلَى وَجْهِ الْإِيدَاعِ، وَهَذَا الدَّفْعُ عَلَى وَجْهِ الْمُضَارَبَةِ. وَلَهُمَا أَنَّ الدَّفْعَ إيدَاعٌ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا يَتَقَرَّرُ كَوْنُهُ لِلْمُضَارَبَةِ بِالْعَمَلِ فَكَانَ الْحَالُ مُرَاعًى قَبْلَهُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّا إذَا جَعَلْنَا الْجَارِيَةَ رَأْسَ الْمَالِ وَقَدْ عَتَقَتْ بِالِاسْتِيلَادِ وَجَبَتْ قِيمَتُهَا عَلَى الْمُضَارِبِ وَهِيَ مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ، ثُمَّ إذَا قَبَضَ رَبُّ الْمَالِ الْأَلْفَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُدَّعِيَ نِصْفَ قِيمَةِ الْأُمِّ، لِأَنَّ الْأَلْفَ الْمَأْخُوذَ مِنْ الْوَلَدِ لَمَّا اُسْتُحِقَّ بِرَأْسِ الْمَالِ لِكَوْنِهِ مُقَدَّمًا فِي الِاسْتِيفَاءِ عَلَى الرِّبْحِ ظَهَرَ أَنَّ الْجَارِيَةَ كُلَّهَا رِبْحٌ فَتَكُونُ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ تَمَلَّكَ الْمُدَّعِي نَصِيبَ رَبِّ الْمَالِ مِنْهَا بِجَعْلِهَا أُمَّ وَلَدٍ بِالدَّعْوَةِ السَّابِقَةِ فَيَضْمَنُ، وَضَمَانُ التَّمَلُّكِ لَا يَسْتَدْعِي صُنْعًا بَلْ يَعْتَمِدُ التَّمَلُّكَ وَقَدْ حَصَلَ، كَمَا إذَا اسْتَوْلَدَ جَارِيَةً بِالنِّكَاحِ ثُمَّ مَلَكَهَا هُوَ وَغَيْرُهُ وِرَاثَةً، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ نَصِيبَهُ، كَالْأَخِ تَزَوَّجَ بِجَارِيَةِ أَخِيهِ فَاسْتَوْلَدَهَا فَمَاتَ الْمُزَوِّجُ وَتَرَكَ الْجَارِيَةَ مِيرَاثًا بَيْنَ الزَّوْجِ وَأَخٍ آخَرَ فَمَلَكَهَا الزَّوْجُ بِغَيْرِ صُنْعِهِ وَيَضْمَنُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ، بِخِلَافِ ضَمَانِ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ ضَمَانُ إعْتَاقٍ وَهُوَ إتْلَافٌ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعَدِّي وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ صُنْعِهِ. وَقَوْلُهُ كَمَا مَرَّ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ عِتْقَهُ بِالنَّسَبِ وَالْمِلْكِ وَالْمِلْكُ آخِرُهُمَا وَلَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْعُقْرَ وَهُوَ مِنْ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَنَافِعِ فَصَارَ كَالْكَسْبِ. [بَابُ الْمُضَارِبِ يُضَارِبُ] مُضَارَبَةُ الْمُضَارِبِ مُرَكَّبَةٌ، فَأَخَّرَهَا عَنْ الْمُفْرَدَةِ اخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِي مُوجِبِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُضَارِبِ إذَا دَفَعَ الْمَالَ إلَى غَيْرِهِ مُضَارَبَةً وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ رَبُّ الْمَالِ؛ فَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْ بِالدَّفْعِ وَلَا بِتَصَرُّفِ الْمُضَارِبِ الثَّانِي حَتَّى يَرْبَحَ، فَالْمُوجِبُ هُوَ حُصُولُ الرِّبْحِ، فَإِنْ رَبِحَ الثَّانِي ضَمِنَ الْأَوَّلُ لِرَبِّ الْمَالِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ: إذَا عَمِلَ بِهِ ضَمِنَ رَبِحَ أَوْ لَمْ يَرْبَحْ، ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ وَقَالَ: ضَمِنَ بِالدَّفْعِ، وَبِهِ قَالَ زُفَرُ لِأَنَّ مَا يَمْلِكُهُ الْمُضَارِبُ هُوَ الدَّفْعُ عَلَى سَبِيلِ الْإِيدَاعِ لِعَدَمِ الْإِذْنِ بِغَيْرِهِ، وَدَفْعُ الْمُضَارِبِ مُضَارَبَةً لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْإِيدَاعِ فَلَا يَمْلِكُهُ وَلَهُمَا أَنَّ دَفْعَهُ إيدَاعٌ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا يَتَقَرَّرُ كَوْنُهُ لِلْمُضَارَبَةِ بِالْعَمَلِ فَكَانَ الْحَالُ قَبْلَهُ مُرَاعًى: أَيْ مَوْقُوفًا إنْ عَمِلَ ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الدَّفْعَ قَبْلَ الْعَمَلِ

أَنَّ الدَّفْعَ قَبْلَ الْعَمَلِ إيدَاعٌ وَبَعْدَهُ إبْضَاعٌ، وَالْفِعْلَانِ يَمْلِكُهُمَا الْمُضَارِبُ فَلَا يَضْمَنُ بِهِمَا، إلَّا أَنَّهُ إذَا رَبِحَ فَقَدْ أَثْبَتَ لَهُ شَرِكَةً فِي الْمَالِ فَيَضْمَنُ كَمَا لَوْ خَلَطَهُ بِغَيْرِهِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ صَحِيحَةً، فَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً لَا يَضْمَنُهُ الْأَوَّلُ، وَإِنْ عَمِلَ الثَّانِي لِأَنَّهُ أَجِيرٌ فِيهِ وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ فَلَا تَثْبُتُ الشَّرِكَةُ بِهِ. ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ يَضْمَنُ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَذْكُرْ الثَّانِيَ. وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ الثَّانِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي مُودِع الْمُودَعِ. وَقِيلَ رَبُّ الْمَالِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الثَّانِيَ بِالْإِجْمَاعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإيدَاعٌ، وَبَعْدَهُ إبْضَاعٌ، وَالْفِعْلَانِ يَمْلِكُهُمَا الْمُضَارِبُ فَلَا يَضْمَنُ بِهِمَا لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ بِهِمَا، إلَّا أَنَّهُ إذَا رَبِحَ فَقَدْ أَثْبَتَ لَهُ شَرِكَةً فِي الْمَالِ فَصَارَ مُخَالِفًا لِاشْتِرَاكِ الْغَيْرِ فِي رِبْحِ مَالِ رَبِّ الْمَالِ، وَفِي ذَلِكَ إتْلَافٌ فَيُوجِبُ الضَّمَانَ كَمَا لَوْ خَلَطَهُ بِغَيْرِهِ، وَهَذَا أَيْ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْ عَلَيْهِمَا بِالرِّبْحِ أَوْ الْعَمَلِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا إذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ صَحِيحَةً، وَأَطْلَقَ الْقَوْلَ لِيَتَنَاوَلَ كُلًّا مِنْهُمَا فَإِنَّ الْأُولَى إذَا كَانَتْ فَاسِدَةً أَوْ الثَّانِيَةَ أَوْ كِلْتَيْهِمَا جَمِيعًا لَمْ يَضْمَنْ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الثَّانِيَ أُجْبِرَ فِيهِ وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ فَلَمْ تَثْبُتْ الشَّرِكَةُ الْمُوجِبَةُ لِلضَّمَانِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَتْ الْأُولَى فَاسِدَةً لَمْ يُتَصَوَّرْ جَوَازُ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْأُولَى فَلَا يَسْتَقِيمُ التَّقْسِيمُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِجَوَازِ الثَّانِيَةِ حِينَئِذٍ مَا يَكُونُ جَائِزًا بِحَسَبِ الصُّورَةِ بِأَنْ يَكُونَ الْمَشْرُوطُ لِلثَّانِي مِنْ الرِّبْحِ مِقْدَارَ مَا تَجُوزُ بِهِ الْمُضَارَبَةُ فِي الْجُمْلَةِ بِأَنْ كَانَ الْمَشْرُوطُ لِلْأَوَّلِ نِصْفُ الرِّبْحِ وَمِائَةٌ مَثَلًا وَلِلثَّانِي نِصْفُهُ (قَوْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ فِي كِتَابٍ) يَعْنِي الْقُدُورِيَّ (يَضْمَنُ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَذْكُرْ الثَّانِيَ وَقِيلَ) اخْتِيَارًا مِنْهُ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ (يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ الثَّانِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي مُودَعِ الْمُودَعِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبُّ الْمَالِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ تَضْمِينِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي) فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (بِإِجْمَاعِ) أَصْحَابِنَا

وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا ظَاهِرٌ وَكَذَا عِنْدَهُ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ لَهُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مُودِعِ الْمُودَعِ أَنَّ الْمُودَعَ الثَّانِيَ يَقْبِضُهُ لِمَنْفَعَةِ الْأَوَّلِ فَلَا يَكُونُ ضَامِنًا، أَمَّا الْمُضَارِبُ الثَّانِي يَعْمَلُ فِيهِ لِنَفْعِ نَفْسِهِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ ضَامِنًا. ثُمَّ إنْ ضَمِنَ الْأَوَّلُ صَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَبَيْنَ الثَّانِي وَكَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ مِنْ حِينِ خَالَفَ بِالدَّفْعِ إلَى غَيْرِهِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي رَضِيَ بِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا دَفَعَ مَالَ نَفْسِهِ، وَإِنْ ضَمِنَ الثَّانِي رَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ بِالْعَقْدِ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ كَمَا فِي الْمُودَعِ وَلِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَتِهِ فِي ضِمْنِ الْعَقْدِ. وَتَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا لِأَنَّ قَرَارَ الضَّمَانِ عَلَى الْأَوَّلِ فَكَأَنَّهُ ضَمِنَهُ ابْتِدَاءً، وَيَطِيبُ الرِّبْحُ لِلثَّانِي وَلَا يَطِيبُ لِلْأَعْلَى لِأَنَّ الْأَسْفَلَ يَسْتَحِقُّهُ بِعَمَلِهِ وَلَا خُبْثَ فِي الْعَمَلِ، وَالْأَعْلَى يَسْتَحِقُّهُ بِمِلْكِهِ الْمُسْتَنِدِ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ وَلَا يُعَرَّى عَنْ نَوْعِ خُبْثٍ. قَالَ (فَإِذَا دَفَعَ رَبُّ الْمَالِ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ وَأَذِنَ لَهُ بِأَنْ يَدْفَعَهُ إلَى غَيْرِهِ فَدَفَعَهُ بِالثُّلُثِ وَقَدْ تَصَرَّفَ الثَّانِي وَرَبِحَ، فَإِنْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ قَالَ لَهُ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ فَهُوَ بَيْنَنَا نِصْفَانِ فَلِرَبِّ الْمَالِ النِّصْفُ وَلِلْمُضَارِبِ الثَّانِي الثُّلُثُ وَلِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ السُّدُسُ) لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَى الثَّانِي مُضَارَبَةً قَدْ صَحَّ لِوُجُودِ الْأَمْرِ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ وَرَبُّ الْمَالِ شَرَطَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ جَمِيعِ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَمْ يَبْقَ لِلْأَوَّلِ إلَّا النِّصْفُ فَيَتَصَرَّفُ تَصَرُّفُهُ إلَى نَصِيبِهِ وَقَدْ جَعَلَ مِنْ ذَلِكَ بِقَدْرِ ثُلُثِ الْجَمِيعِ لِلثَّانِي فَيَكُونُ لَهُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا السُّدُسُ، وَيَطِيبُ لَهُمَا ذَلِكَ لِأَنَّ فِعْلَ الثَّانِي وَاقِعٌ لِلْأَوَّلِ كَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى خِيَاطَةِ ثَوْبٍ بِدِرْهَمٍ وَاسْتَأْجَرَ غَيْرَهُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَ) هَذَا الْقَوْلُ (هُوَ الْمَشْهُورُ) مِنْ الْمَذْهَبِ (وَهَذَا عِنْدَهُمَا ظَاهِرٌ وَكَذَا عِنْدَهُ) لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ فَرْقٍ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَسْأَلَةِ مُودَعِ الْمُودَعِ (وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُودَعَ الثَّانِيَ يَقْبِضُهُ لِمَنْفَعَةِ الْأَوَّلِ فَلَا يَضْمَنُ وَالْمُضَارِبُ الثَّانِي يَعْمَلُ فِيهِ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ) مِنْ حَيْثُ شَرِكَتُهُ فِي الرِّبْحِ (فَجَازَ أَنْ يَكُونَ ضَامِنًا، ثُمَّ إنْ ضَمِنَ الْأَوَّلُ صَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ) الثَّانِيَةُ (لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ مِنْ وَقْتِ الْمُخَالَفَةِ بِالدَّفْعِ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَرْضَ بِهِ رَبُّ الْمَالِ فَصَارَ كَمَا إذَا دَفَعَ مَالَ نَفْسِهِ، وَإِنْ ضَمِنَ الثَّانِي رَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ بِالْعَقْدِ) أَيْ بِسَبَبِهِ (لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ) أَيْ لِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ (كَمَا فِي الْمُودَعِ) وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ كَلَامَهُ مُتَنَاقِضٌ لِأَنَّهُ قَالَ قَبْلَ هَذَا يَعْمَلُ فِيهِ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ، وَهَاهُنَا قَالَ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ. وَأُجِيبَ بِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ: يَعْنِي أَنَّ الْمُضَارِبَ الثَّانِيَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ بِسَبَبِ شَرِكَتِهِ فِي الرِّبْحِ وَعَامِلٌ لِغَيْرِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فِي الِابْتِدَاءِ مُودَعٌ وَعَمَلُ الْمُودَعِ وَهُوَ الْحِفْظُ لِلْمُودِعِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِ عَدَمُهُ لِأَنَّهُ قَالَ قَبْلَ هَذَا يَعْمَلُ فِيهِ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ وَلَمْ يَقُلْ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشَّخْصُ عَامِلًا لِغَيْرِهِ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ فَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ (وَلِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَتِهِ فِي ضِمْنِ الْعَقْدِ) فَإِنَّ الْأَوَّلَ قَدْ غَرَّهُ وَالثَّانِي اعْتَمَدَ قَوْلَهُ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ وَالْمَغْرُورُ فِي ضِمْنِ الْعَقْدِ يَرْجِعُ عَلَى الْغَارِّ (وَتَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ) الثَّانِيَةُ (وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا، لِأَنَّ قَرَارَ الضَّمَانِ عَلَى الْأَوَّلِ فَكَأَنَّهُ ضَمِنَهُ ابْتِدَاءً، وَيَطِيبُ الرِّبْحُ لِلثَّانِي وَلَا يَطِيبُ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّ الثَّانِيَ يَسْتَحِقُّهُ بِعَمَلِهِ وَلَا خُبْثَ فِيهِ وَالْأَوَّلُ يَسْتَحِقُّهُ بِمِلْكِهِ الْمُسْتَنِدِ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ وَلَا يَعْرَى عَنْ نَوْعِ خُبْثٍ) لِأَنَّهُ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَسَبِيلُهُ التَّصَدُّقُ. قَالَ (فَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ رَبُّ الْمَالِ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسَائِلُ إلَى آخِرِهَا ظَاهِرَةٌ لَا يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى شَرْحٍ، وَإِنَّمَا قَالَ يَطِيبُ لَهُمَا ذَلِكَ: أَيْ لِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي الثُّلُثُ وَالسُّدُسُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ بِنَفْسِهِ شَيْئًا فَقَدْ بَاشَرَ الْعَقْدَيْنِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَبْضَعَ الْمَالَ مَعَ غَيْرِهِ أَوْ أَبْضَعَهُ رَبُّ الْمَالِ حَتَّى رَبِحَ كَانَ نَصِيبُ

[فصل شرط المضارب لرب المال ثلث الربح ولعبده ثلثه على أن يعمل معه]

دِرْهَمٍ (وَإِنْ كَانَ قَالَ لَهُ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَك اللَّهُ فَهُوَ بَيْنَنَا نِصْفَانِ فَلِلْمُضَارِبِ الثَّانِي الثُّلُثُ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ وَرَبِّ الْمَالِ نِصْفَانِ) لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهِ التَّصَرُّفَ وَجَعَلَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ مَا رُزِقَ الْأَوَّلُ وَقَدْ رُزِقَ الثُّلُثَيْنِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ جَعَلَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ جَمِيعِ الرِّبْحِ فَافْتَرَقَا (وَلَوْ كَانَ قَالَ لَهُ فَمَا رَبِحْت مِنْ شَيْءٍ فَبَيْنِي وَبَيْنَك نِصْفَانِ وَقَدْ دَفَعَ إلَى غَيْرِهِ بِالنِّصْفِ فَلِلثَّانِي النِّصْفُ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْأَوَّلِ وَرَبِّ الْمَالِ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ شَرَطَ لِلثَّانِي نِصْفَ الرِّبْحِ وَذَلِكَ مُفَوَّضٌ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ رَبِّ الْمَالِ فَيَسْتَحِقُّهُ. وَقَدْ جَعَلَ رَبُّ الْمَالِ لِنَفْسِهِ نِصْفَ مَا رَبِحَ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَرْبَحْ إلَّا النِّصْفُ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا (وَلَوْ كَانَ قَالَ لَهُ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى فَلِي نِصْفُهُ أَوْ قَالَ فَمَا كَانَ مِنْ فَضْلٍ فَبَيْنِي وَبَيْنَك نِصْفَانِ وَقَدْ دَفَعَ إلَى آخَرَ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَلِرَبِّ الْمَالِ النِّصْفُ وَلِلْمُضَارِبِ الثَّانِي النِّصْفُ وَلَا شَيْءَ لِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ جَعَلَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ مُطْلَقِ الْفَضْلِ فَيَنْصَرِفُ شَرْطُ الْأَوَّلِ النِّصْفَ لِلثَّانِي إلَى جَمِيعِ نَصِيبِهِ فَيَكُونُ لِلثَّانِي بِالشَّرْطِ وَيَخْرُجُ الْأَوَّلُ بِغَيْرِ شَيْءٍ، كَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِيَخِيطَ ثَوْبًا بِدِرْهَمٍ فَاسْتَأْجَرَ غَيْرَهُ لِيَخِيطَهُ بِمِثْلِهِ (وَإِنْ شَرَطَ لِلْمُضَارِبِ الثَّانِي ثُلُثَيْ الرِّبْحِ فَلِرَبِّ الْمَالِ النِّصْفُ وَلِلْمُضَارِبِ الثَّانِي النِّصْفُ وَيَضْمَنُ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي سُدُسَ الرِّبْحِ فِي مَالِهِ) لِأَنَّهُ شَرَطَ لِلثَّانِي شَيْئًا هُوَ مُسْتَحَقٌّ لِرَبِّ الْمَالِ فَلَمْ يَنْفُذْ فِي حَقِّهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِبْطَالِ، لَكِنَّ التَّسْمِيَةَ فِي نَفْسِهَا صَحِيحَةٌ لِكَوْنِ الْمُسَمَّى مَعْلُومًا فِي عَقْدٍ يَمْلِكُهُ وَقَدْ ضَمِنَ لَهُ السَّلَامَةَ فَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَلِأَنَّهُ غَرَّهُ فِي ضِمْنِ الْعَقْدِ وَهُوَ سَبَبُ الرُّجُوعِ فَلِهَذَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِخِيَاطَةِ ثَوْبٍ بِدِرْهَمٍ فَدَفَعَهُ إلَى مَنْ يَخِيطُهُ بِدِرْهَمٍ وَنِصْفٍ. (وَإِذَا شَرَطَ الْمُضَارِبُ لِرَبِّ الْمَالِ ثُلُثَ الرِّبْحِ وَلِعَبْدِ رَبِّ الْمَالِ ثُلُثَ الرِّبْحِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ وَلِنَفْسِهِ ثُلُثَ الرِّبْحِ فَهُوَ جَائِزٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ طَيِّبًا لَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ بِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ غَرَّهُ فِي ضِمْنِ الْعَقْدِ لِأَنَّ الْمَغْرُورَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ضِمْنِهِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ كَمَا إذَا قَالَ الْآخَرُ هَذَا الطَّرِيقُ آمِنٌ فَاسْلُكْهُ وَلَمْ يَكُنْ آمِنًا فَسَلَكَهُ فَقُطِعَ عَلَيْهِ الطَّرِيقُ وَأُخِذَ مَالُهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. [فَصْلٌ شَرَطَ الْمُضَارِبُ لِرَبِّ الْمَالِ ثُلُثَ الرِّبْحِ وَلِعَبْدِهِ ثُلُثَهُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ] (فَصْلٌ) لَمَّا كَانَ لِلْمُضَارِبِ بَعْدَ إدْخَالِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ أَوْ رَبِّ الْمَالِ حُكْمُ غَيْرِ مَا ذُكِرَ ذَكَرَهُ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ فَقَالَ (وَإِذَا شَرَطَ الْمُضَارِبُ لِرَبِّ الْمَالِ ثُلُثَ الرِّبْحِ وَلِعَبْدِ رَبِّ الْمَالِ ثُلُثَهُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ مَعَهُ وَلِنَفْسِهِ ثُلُثُهُ فَهُوَ جَائِزٌ) فَقَوْلُهُ وَلِعَبْدِ رَبِّ الْمَالِ

لِأَنَّ لِلْعَبْدِ يَدًا مُعْتَبَرَةً خُصُوصًا إذَا كَانَ مَأْذُونًا لَهُ وَاشْتِرَاطُ الْعَمَلِ إذْنٌ لَهُ، وَلِهَذَا لَا يَكُونُ لِلْمَوْلَى وِلَايَةُ أَخْذِ مَا أَوْدَعَهُ الْعَبْدُ وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، وَلِهَذَا يَجُوزُ بَيْعِ الْمَوْلَى مِنْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مَانِعًا مِنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّخْلِيَةُ بَيْنَ الْمَالِ وَالْمُضَارِبِ، بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ الْعَمَلِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُ مَانِعٌ مِنْ التَّسْلِيمِ عَلَى مَا مَرَّ، وَإِذَا صَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ يَكُونُ الثُّلُثُ لِلْمُضَارِبِ بِالشَّرْطِ وَالثُّلُثَانِ لِلْمَوْلَى، لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ لِلْمَوْلَى إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَهُوَ لِلْغُرَمَاءِ. هَذَا إذَا كَانَ الْعَاقِدُ هُوَ الْمَوْلَى، وَلَوْ عَقَدَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ مَعَ أَجْنَبِيٍّ وَشَرَطَ الْعَمَلَ عَلَى الْمَوْلَى لَا يَصِحُّ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِأَنَّ هَذَا اشْتِرَاطُ الْعَمَلِ عَلَى الْمَالِكِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ صَحَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ عِنْدَهُ عَلَى مَا عُرِفَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي مُقَابَلَتِهِ شَيْئَانِ: عَبْدُ الْمُضَارِبِ، وَالْأَجْنَبِيُّ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِاحْتِرَازٍ عَنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّ حُكْمَ عَبْدِ الْمُضَارِبِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ حُكْمُ عَبْدِ رَبِّ الْمَالِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ احْتِرَازًا عَنْ الثَّانِي، فَإِنَّهُ إذَا شَرَطَ ذَلِكَ لِلْأَجْنَبِيِّ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مَعَ الْمُضَارِبِ صَحَّ الشَّرْطُ وَالْمُضَارَبَةُ جَمِيعًا وَصَارَتْ الْمُضَارَبَةُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ وَعَمِلَ الْأَجْنَبِيُّ مَعَهُ صَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ مَعَ الْأَوَّلِ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَيُجْعَلُ الثُّلُثُ الْمَشْرُوطُ لِلْأَجْنَبِيِّ كَالْمَسْكُوتِ عَنْهُ فَيَكُونُ لِرَبِّ الْمَالِ، لِأَنَّ الرِّبْحَ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِرَأْسِ الْمَالِ أَوْ بِالْعَمَلِ أَوْ بِضَمَانِ الْعَمَلِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ. وَقَوْلُهُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ مَعَهُ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ فَإِنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا، إمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَحَّ الشَّرْطُ سَوَاءٌ كَانَ الْعَبْدُ عَبْدَ الْمُضَارِبِ أَوْ عَبْدَ رَبِّ الْمَالِ، لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ تَصْحِيحُ هَذَا الشَّرْطِ فِي حَقِّ الْعَبْدِ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ انْتِفَاءِ مَا يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ الرِّبْحِ فِي حَقِّهِ جَعَلْنَاهُ شَرْطًا فِي حَقِّ مَوْلَاهُ، لِأَنَّ مَا هُوَ شَرْطٌ لِلْعَبْدِ شَرْطٌ لِمَوْلَاهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَإِنْ كَانَ عَبْدَ الْمُضَارِبِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَصِحُّ الشَّرْطُ، وَالْمَشْرُوطُ كَالْمَسْكُوتِ عَنْهُ فَيَكُونُ لِرَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ تَصْحِيحُ هَذَا الشَّرْطِ لِلْعَبْدِ وَتَعَذَّرَ تَصْحِيحُهُ لِلْمُضَارِبِ، لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ كَسْبَ عَبْدِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ، وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ الشَّرْطُ وَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ عَبْدَ رَبِّ الْمَالِ فَالْمَشْرُوطُ لِرَبِّ الْمَالِ بِلَا خِلَافٍ، وَأَمَّا إذَا شَرَطَا أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ صَرِيحًا فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا شَرَطَا سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ (لِأَنَّ لِلْعَبْدِ يَدًا مُعْتَبَرَةً لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مَأْذُونًا لَهُ وَاشْتِرَاطُ الْعَمَلِ إذْنٌ لَهُ، وَلِهَذَا) أَيْ وَلِأَنَّ لِلْعَبْدِ يَدًا مُعْتَبَرَةً (لَا يَكُونُ لِلْمَوْلَى وِلَايَةُ أَخْذِ مَا أَوْدَعَهُ الْعَبْدُ وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، وَلِهَذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ الْيَدِ مُعْتَبَرَةً خُصُوصًا إذَا كَانَ مَأْذُونًا لَهُ (يَجُوزُ بَيْعُ الْمَوْلَى مِنْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ) يَعْنِي إذَا كَانَ مَدْيُونًا عَلَى مَا سَيَجِيءُ (وَإِذَا كَانَ لَهُ يَدٌ مُعْتَبَرَةٌ لَمْ يَكُنْ اشْتِرَاطُ عَمَلِهِ مَانِعًا مِنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْمَالِ وَالْمُضَارِبِ، بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ الْعَمَلِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُ مَانِعٌ مِنْ التَّسْلِيمِ عَلَى مَا مَرَّ، وَإِذَا صَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ) وَالشَّرْطُ (يَكُونُ الثُّلُثُ لِلْمُضَارِبِ بِالشَّرْطِ وَالثُّلُثَانِ لِلْمَوْلَى، لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ لِلْمَوْلَى إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَهُوَ لِلْغُرَمَاءِ، هَذَا إذَا كَانَ الْعَاقِدُ هُوَ الْمَوْلَى، وَلَوْ عَقَدَ الْمَأْذُونُ لَهُ إلَخْ) ظَاهِرٌ.

[فصل في العزل والقسمة]

قَالَ (وَإِذَا مَاتَ رَبُّ الْمَالِ أَوْ الْمُضَارِبُ بَطَلَتْ الْمُضَارَبَةُ) لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَمَوْتُ الْمُوَكِّلِ يُبْطِلُ الْوَكَالَةَ، وَكَذَا مَوْتُ الْوَكِيلِ وَلَا تُورَثُ الْوَكَالَةُ وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الْعَزْلِ وَالْقِسْمَةِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ حُكْمِ الْمُضَارَبَةِ وَالرِّبْحِ آلَ الْأَمْرُ إلَى ذِكْرِ الْحُكْمِ الَّذِي يُوجَدُ بَعْدَهُ وَهُوَ عَزْلُ الْمُضَارِبِ وَقِسْمَةُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فِي هَذَا الْفَصْلِ. قَالَ (وَإِذَا مَاتَ رَبُّ الْمَالِ أَوْ الْمُضَارِبُ بَطَلَتْ الْمُضَارَبَةُ إلَخْ) إذَا مَاتَ رَبُّ الْمَالِ أَوْ الْمُضَارِبُ بَطَلَتْ الْمُضَارَبَةُ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَبِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَوْكِيلًا لَمَا رَجَعَ الْمُضَارِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ

(وَإِنْ ارْتَدَّ رَبُّ الْمَالِ عَنْ الْإِسْلَامِ) وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ (وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ) (بَطَلَتْ الْمُضَارَبَةُ) لِأَنَّ اللُّحُوقَ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقْسَمُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ وَقَبْلَ لُحُوقِهِ يَتَوَقَّفُ تَصَرُّفُ مُضَارِبِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ لَهُ فَصَارَ كَتَصَرُّفِهِ بِنَفْسِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إذَا هَلَكَ الثَّمَنُ عِنْدَ الْمُضَارِبِ بَعْدَمَا اشْتَرَى شَيْئًا، كَالْوَكِيلِ إذَا دَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ قَبْلَ الشِّرَاءِ لَهُ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ، ثُمَّ لَوْ هَلَكَ بَعْدَمَا أَخَذَهُ ثَانِيًا لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى، وَبِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَوْكِيلًا لَانْعَزَلَ إذَا عَزَلَهُ رَبُّ الْمَالِ بَعْدَمَا اشْتَرَى بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ عُرُوضًا كَمَا فِي الْوَكِيلِ إذَا عَلِمَ بِهِ، وَبِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَوْكِيلًا لَمَا عَادَ الْمُضَارِبُ عَلَى مُضَارَبَتِهِ إذَا لَحِقَ رَبُّ الْمَالِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا ثُمَّ عَادَ مُسْلِمًا كَالْوَكِيلِ، وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ سَيَأْتِي. (وَإِذَا ارْتَدَّ رَبُّ الْمَالِ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ الْمُضَارَبَةُ) : يَعْنِي إذَا لَمْ يَعُدْ مُسْلِمًا، أَمَّا إذَا عَادَ مُسْلِمًا قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ

(وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ هُوَ الْمُرْتَدُّ فَالْمُضَارَبَةُ عَلَى حَالِهَا) لِأَنَّ لَهُ عِبَارَةً صَحِيحَةً، وَلَا تُوقَفُ فِي مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ فَبَقِيَتْ الْمُضَارَبَةُ. قَالَ (فَإِنْ عَزَلَ رَبُّ الْمَالِ الْمُضَارِبَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِعَزْلِهِ حَتَّى اشْتَرَى وَبَاعَ فَتَصَرُّفُهُ جَائِزٌ) لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ جِهَتِهِ وَعَزْلُ الْوَكِيلِ قَصْدًا يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ (وَإِنْ عَلِمَ بِعَزْلِهِ وَالْمَالُ عُرُوضٌ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَلَا يَمْنَعُهُ الْعَزْلُ مِنْ ذَلِكَ) لِأَنَّ حَقَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الرِّبْحِ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ بِالْقِسْمَةِ وَهِيَ تُبْتَنَى عَلَى رَأْسِ الْمَالِ، وَإِنَّمَا يُنْقَضُ بِالْبَيْعِ. قَالَ (ثُمَّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِثَمَنِهَا شَيْئًا آخَرَ) لِأَنَّ الْعَزْلَ إنَّمَا لَمْ يَعْمَلْ ضَرُورَةَ مَعْرِفَةِ رَأْسِ الْمَالِ وَقَدْ انْدَفَعَتْ حَيْثُ صَارَ نَقْدًا فَيَعْمَلُ الْعَزْلُ (فَإِنْ عَزَلَهُ وَرَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ وَقَدْ نَضَّتْ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي إعْمَالِ عَزْلِهِ إبْطَالُ حَقِّهِ فِي الرِّبْحِ فَلَا ضَرُورَةَ. قَالَ: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَكَانَتْ الْمُضَارَبَةُ كَمَا كَانَتْ، أَمَّا قَبْلَ الْقَضَاءِ فَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَيْبَةِ وَهِيَ لَا تُوجِبُ بُطْلَانَ الْمُضَارَبَةِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلِحَقِّ الْمُضَارِبِ كَمَا لَوْ مَاتَ حَقِيقَةً، وَأَمَّا قَبْلَ لُحُوقِهِ فَيَتَوَقَّفُ تَصَرُّفُ الْمُضَارِبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَتَصَرَّفُ لِرَبِّ الْمَالِ فَكَانَ كَتَصَرُّفِ رَبِّ الْمَالِ بِنَفْسِهِ وَتَصَرُّفُهُ مَوْقُوفٌ عِنْدَهُ، فَكَذَا تَصَرُّفُ مَنْ يَتَصَرَّفُ لَهُ. وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ هُوَ الْمُرْتَدُّ فَالْمُضَارَبَةُ عَلَى حَالِهَا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا حَتَّى لَوْ اشْتَرَى وَبَاعَ وَرَبِحَ أَوْ وَضَعَ ثُمَّ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ مَاتَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّ جَمِيعَ مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا لِأَنَّ لَهُ عِبَارَةً صَحِيحَةً، لِأَنَّ صِحَّتَهَا بِالْآدَمِيَّةِ وَالتَّمْيِيزِ وَلَا خَلَلَ فِي ذَلِكَ، وَالْعِبَارَةُ الصَّحِيحَةُ مَبْنَى صِحَّةِ الْوَكَالَةِ وَتَوَقَّفَ تَصَرُّفُ الْمُرْتَدِّ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْوَارِثِ، وَلَا تَوَقُّفَ فِي مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِهِمْ بِهِ فَبَقِيَتْ الْمُضَارَبَةُ، خَلَا أَنَّ مَا يَلْحَقُهُ فِي الْعُهْدَةِ فِيمَا بَاعَ وَاشْتَرَى يَكُونُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّ حُكْمَ الْعُهْدَةِ يَتَوَقَّفُ بِرِدَّتِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَتْهُ لَقُضِيَ مِنْ مَالِهِ وَلَا تَصَرُّفَ لَهُ فِيهِ، فَكَانَ كَالصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ إذَا تَوَكَّلَ عَنْ غَيْرِهِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ. وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ حَالَتُهُ فِي التَّصَرُّفِ بَعْدَ الرِّدَّةِ كَهِيَ فِيهِ قَبْلَهَا فَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ وَيَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ. قَالَ (فَإِنْ عَزَلَ رَبُّ الْمَالِ الْمُضَارِبَ إلَخْ)

بِأَنْ كَانَ دَرَاهِمَ وَرَأْسُ الْمَالِ دَنَانِيرُ أَوْ عَلَى الْقَلْبِ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا بِجِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يَظْهَرُ إلَّا بِهِ وَصَارَ كَالْعُرُوضِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا عَزَلَ رَبُّ الْمَالِ الْمُضَارِبَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِعَزْلِهِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى وَبَاعَ جَازَ تَصَرُّفُهُ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ جِهَتِهِ، وَعَزْلُ الْوَكِيلِ قَصْدًا يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ، وَإِذَا عَلِمَ بِعَزْلِهِ وَالْمَالُ عُرُوضٌ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَلَا يَمْنَعُهُ الْعَزْلُ عَنْ ذَلِكَ نَقْدًا أَوْ نَسِيئَةً حَتَّى لَوْ نَهَاهُ عَنْ الْبَيْعِ نَسِيئَةً لَمْ يَعْمَلْ بِنَهْيِهِ لِأَنَّ حَقَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الرِّبْحِ بِمُقْتَضَى صِحَّةِ الْعَقْدِ، وَالرِّبْحُ إنَّمَا يَظْهَرُ بِالْقِسْمَةِ وَالْقِسْمَةُ تَبْتَنِي عَلَى رَأْسِ الْمَالِ بِتَمْيِيزِهِ، وَرَأْسُ الْمَالِ إنَّمَا يَنِضُّ: أَيْ يَتَيَسَّرُ وَيَحْصُلُ بِالْبَيْعِ، ثُمَّ إذَا بَاعَ شَيْئًا لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ شَيْئًا آخَرَ، لِأَنَّ الْعَزْلَ إنَّمَا لَمْ يَعْمَلْ ضَرُورَةً مَعْرِفَةِ رَأْسِ الْمَالِ وَقَدْ انْدَفَعَتْ حَيْثُ صَارَ نَقْدًا فَيَعْمَلُ، وَإِنْ عَزَلَهُ وَرَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ فَقَدْ نَضَّتْ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي إعْمَالِ عَزْلِهِ إبْطَالُ حَقِّهِ فِي الرِّبْحِ لِظُهُورِهِ فَلَا ضَرُورَةَ فِي تَرْكِ الْأَعْمَالِ، قَالَ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَنْ كَانَ دَرَاهِمَ وَرَأْسُ الْمَالِ دَنَانِيرَ أَوْ عَلَى الْقَلْبِ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ بِجِنْسِ رَأْسِ

وَعَلَى هَذَا مَوْتُ رَبِّ الْمَالِ وَلُحُوقُهُ بَعْدَ الرِّدَّةِ فِي بَيْعِ الْعُرُوضِ وَنَحْوِهَا. قَالَ (وَإِذَا افْتَرَقَا وَفِي الْمَالِ دُيُونٌ وَقَدْ رَبِحَ الْمُضَارِبُ فِيهِ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى اقْتِضَاءِ الدُّيُونِ) لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ وَالرِّبْحُ كَالْأَجْرِ لَهُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رِبْحٌ لَمْ يَلْزَمْهُ الِاقْتِضَاءُ) لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مَحْضٌ وَالْمُتَبَرِّعُ لَا يُجْبَرُ عَلَى إيفَاءِ مَا تَبَرَّعَ بِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَالِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يَظْهَرُ إلَّا بِهِ وَصَارَ كَالْعُرُوضِ (قَوْلُهُ عَلَى هَذَا مَوْتُ رَبِّ الْمَالِ) يُرِيدُ بِهِ أَنَّ الْعَزْلَ الْحُكْمِيَّ كَالْقَصْدِيِّ فِي حَقِّ الْمُضَارِبِ. فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ يَصِحَّ الْعَزْلُ الْقَصْدِيُّ لَمْ يَصِحَّ الْحُكْمِيُّ، لِأَنَّ عَدَمَ عَمَلِ الْعَزْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْمُضَارِبِ، وَلَا تَفَاوُتَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعَزْلَيْنِ (وَإِذَا افْتَرَقَا وَفِي الْمَالِ دُيُونٌ وَقَدْ رَبِحَ الْمُضَارِبُ فِيهِ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى اقْتِضَاءِ الدُّيُونِ لِكَوْنِهِ بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ وَأَجْرُهُ الرِّبْحُ، وَإِنْ لَمْ يَرْبَحْ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مَحْضٌ) حِينَئِذٍ وَالْوَكِيلُ مُتَبَرِّعٌ (وَالْمُتَبَرِّعُ

(وَيُقَالُ لَهُ وَكِّلْ رَبَّ الْمَالِ فِي الِاقْتِضَاءِ) لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَى الْعَاقِدِ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَوْكِيلِهِ وَتَوَكُّلِهِ كَيْ لَا يَضِيعَ حَقُّهُ. وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: يُقَالُ لَهُ أَجِّلْ مَكَانَ قَوْلِهِ وَكِّلْ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْوَكَالَةُ وَعَلَى هَذَا سَائِرُ الْوَكَالَاتِ وَالْبَيَّاعُ وَالسِّمْسَارُ يُجْبَرَانِ عَلَى التَّقَاضِي لِأَنَّهُمَا يَعْمَلَانِ بِأَجْرٍ عَادَةً. قَالَ (وَمَا هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَهُوَ مِنْ الرِّبْحِ دُونَ رَأْسِ الْمَالِ) لِأَنَّ الرِّبْحَ تَابِعٌ وَصَرْفُ الْهَلَاكِ إلَى مَا هُوَ التَّبَعُ أَوْلَى كَمَا يُصْرَفُ الْهَلَاكُ إلَى الْعَفْوِ فِي الزَّكَاةِ (فَإِنْ زَادَ الْهَالِكُ عَلَى الرِّبْحِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُضَارِبِ) لِأَنَّهُ أَمِينٌ (وَإِنْ كَانَا يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ وَالْمُضَارَبَةُ بِحَالِهَا ثُمَّ هَلَكَ الْمَالُ بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ تَرَادَّا الرِّبْحَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ الْمَالِ) لِأَنَّ قِسْمَةَ الرِّبْحِ لَا تَصِحُّ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ رَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَيْهِ وَتَبَعٌ لَهُ، فَإِذَا هَلَكَ مَا فِي يَدِ الْمُضَارِبِ أَمَانَةً تَبَيَّنَ أَنَّ مَا اسْتَوْفَيَاهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، فَيَضْمَنُ الْمُضَارِبُ مَا اسْتَوْفَاهُ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ وَمَا أَخَذَهُ رَبُّ الْمَالِ مَحْسُوبٌ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ (وَإِذَا اسْتَوْفَى رَأْسَ الْمَالِ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ كَانَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ رِبْحٌ وَإِنْ نَقَصَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُضَارِبِ) لِمَا بَيَّنَّا (وَلَوْ اقْتَسَمَا الرِّبْحَ وَفَسَخَا الْمُضَارَبَةَ ثُمَّ عَقَدَاهَا فَهَلَكَ الْمَالُ لَمْ يَتَرَادَّا الرِّبْحَ الْأَوَّلَ) لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ الْأُولَى قَدْ انْتَهَتْ وَالثَّانِيَةَ عَقْدٌ جَدِيدٌ، وَهَلَاكُ الْمَالِ فِي الثَّانِي لَا يُوجِبُ انْتِقَاضَ الْأَوَّلِ كَمَا إذَا دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا آخَرَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُجْبَرُ عَلَى إيفَاءِ مَا تَبَرَّعَ بِهِ) فَإِنْ قِيلَ: رَدُّ رَأْسِ الْمَالِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَبَضَهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ. أُجِيبَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الرَّدَّ وَاجِبٌ، وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ عَلَيْهِ رَفْعُ يَدِهِ كَالْمُودَعِ (فَيُقَالُ لَهُ وَكَّلَ رَبُّ الْمَالِ فِي الِاقْتِضَاءِ) فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ زَالَتْ يَدُهُ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ ذَلِكَ (لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَيْهِ) فَإِنْ لَمْ يُوَكِّلْ يُضَيِّعْ حَقَّ رَبِّ الْمَالِ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يُقَالُ لَهُ أَجِّلْ مَكَانَ قَوْلِهِ وَكِّلْ وَالْمُرَادُ بِهِ الْوَكَالَةُ) فَكَانَ فِي الْكَلَامِ اسْتِعَارَةً، وَمُجَوِّزُهَا مَعْرُوفٌ وَهُوَ اشْتِمَالُهَا عَلَى النَّقْلِ، وَإِنَّمَا فَسَّرَهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ أَجِّلْ رُبَّمَا يُوهِمُ أَنَّ رَأْسَ الْمَالِ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ الْمُضَارِبِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ (وَعَلَى هَذَا سَائِرُ الْوَكَالَاتِ) يَعْنِي الْوَكِيلُ إذَا بَاعَ وَانْعَزَلَ يُقَالُ لَهُ وَكَّلَ الْمُوَكِّلُ بِالِاقْتِضَاءِ (وَ) أَمَّا (الْبَيَّاعُ وَالسِّمْسَارُ) وَهُوَ الَّذِي يَعْمَلُ لِلْغَيْرِ بَيْعًا أَوْ شِرَاءً فَإِنَّهُمَا (يُجْبَرَانِ عَلَى التَّقَاضِي لِأَنَّهُمَا يَعْمَلَانِ بِالْأَجْرِ عَادَةً) وَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِ أَجْرُهُ أُجْبِرَ عَلَى تَمَامِ عَمَلِهِ وَاسْتِئْجَارُهُ قَلَّمَا يَخْلُو عَنْ فَسَادٍ، لِأَنَّهُ إذَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَى شِرَاءِ شَيْءٍ فَقَدْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى مَا لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ، لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِمُسَاعِدَةِ الْبَائِعِ عَلَى بَيْعِهِ وَقَدْ لَا يُسَاعِدُهُ، وَقَدْ يَتِمُّ بِكَلِمَةٍ وَقَدْ لَا يَتِمُّ بِعَشْرِ كَلِمَاتٍ فَكَانَ فِيهِ نَوْعُ جَهَالَةٍ. وَالْأَحْسَنُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَأْمُرَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَجْرًا فَيَكُونُ وَكِيلًا مُعَيَّنًا لَهُ، ثُمَّ إذَا فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ عُوِّضَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ، هَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. قَالَ (وَمَا هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَهُوَ مِنْ الرِّبْحِ إلَخْ) الْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الرِّبْحَ لَا يَتَبَيَّنُ قَبْلَ وُصُولِ رَأْسِ الْمَالِ إلَى رَبِّ الْمَالِ. قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ التَّاجِرِ لَا يُسَلَّمُ لَهُ رِبْحُهُ حَتَّى يُسَلِّمَ لَهُ رَأْسَ مَالِهِ» فَكَذَا الْمُؤْمِنُ لَا يُسَلَّمُ لَهُ نَوَافِلُهُ حَتَّى تُسَلَّمَ لَهُ عَزَائِمُهُ، أَوْ قَالَ فَرَائِضُهُ، وَلِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ أَصْلٌ وَالرِّبْحُ تَبَعٌ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّبَعِ قَبْلَ حُصُولِ الْأَصْلِ، فَمَتَى هَلَكَ مِنْهُ شَيْءٌ اُسْتُكْمِلَ مِنْ التَّبَعِ، فَإِذَا زَادَ الْهَلَاكُ عَلَى الرِّبْحِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَإِنْ اقْتَسَمَاهُ تَرَادَّا لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تُفِيدُ مِلْكًا مَوْقُوفًا إنْ بَقِيَ مَا أُعِدَّ إلَى رَأْسِ الْمَالِ إلَى وَقْتِ الْفَسْخِ كَانَ مَا أَخَذَهُ كُلٌّ مِنْهُ مِلْكًا لَهُ، وَإِنْ هَلَكَ بَطَلَتْ الْقِسْمَةُ وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمَقْسُومَ رَأْسُ الْمَالِ (فَصْلٌ فِيمَا يَفْعَلُهُ الْمُضَارِبُ إلَخْ) :

[فصل فيما يفعله المضارب]

[فَصْلٌ فِيمَا يَفْعَلُهُ الْمُضَارِبُ] قَالَ (وَيَجُوزُ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَبِيعَ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ) لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ فَيَنْتَظِمُهُ إطْلَاقُ الْعَقْدِ إلَّا إذَا بَاعَ إلَى أَجَلٍ لَا يَبِيعُ التُّجَّارُ إلَيْهِ لِأَنَّ لَهُ الْأَمْرَ الْعَامَّ الْمَعْرُوفَ بَيْنَ النَّاسِ، وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ سَفِينَةً لِلرُّكُوبِ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَكْرِيَهَا اعْتِبَارًا لِعَادَةِ التُّجَّارِ، وَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِعَبْدِ الْمُضَارَبَةِ فِي التِّجَارَةِ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ لِأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ. وَلَوْ بَاعَ بِالنَّقْدِ ثُمَّ أَخَّرَ الثَّمَنَ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ الْوَكِيلَ يَمْلِكُ ذَلِكَ فَالْمُضَارِبُ أَوْلَى، إلَّا أَنَّ الْمُضَارِبَ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُقَايِلَ ثُمَّ يَبِيعَ نَسِيئَةً، وَلَا كَذَلِكَ الْوَكِيلُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ. وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ ثُمَّ الْبَيْعَ بِالنَّسَاءِ. بِخِلَافِ الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ. وَلَوْ احْتَالَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْأَيْسَرِ أَوْ الْأَعْسَرِ جَازَ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ، بِخِلَافِ الْوَصِيِّ يَحْتَالُ بِمَالِ الْيَتِيمِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْأَنْظَرُ، لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ الْمُضَارِبُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: نَوْعٌ يَمْلِكُهُ بِمُطْلَقِ الْمُضَارَبَةِ وَهُوَ مَا يَكُونُ مِنْ بَابِ الْمُضَارَبَةِ وَتَوَابِعِهَا وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا، وَمِنْ جُمْلَتِهِ التَّوْكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ وَالرَّهْنُ وَالِارْتِهَانُ لِأَنَّهُ إيفَاءٌ وَاسْتِيفَاءٌ وَالْإِجَارَةُ وَالِاسْتِئْجَارُ وَالْإِيدَاعُ وَالْإِبْضَاعُ وَالْمُسَافَرَةُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ. وَنَوْعٌ لَا يَمْلِكُهُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ وَيَمْلِكُهُ إذَا قِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك، وَهُوَ مَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ فَيَلْحَقَ عِنْدَ وُجُودِ الدَّلَالَةِ، وَذَلِكَ مِثْلُ دَفْعِ الْمَالِ مُضَارَبَةً أَوْ شَرِكَةً إلَى غَيْرِهِ وَخَلْطِ مَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ مَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي أَوَّلِ الْمُضَارَبَةِ مِنْ أَفْعَالِ الْمُضَارَبَةِ زِيَادَةً لِلْإِفَادَةِ وَتَنْبِيهًا عَلَى مَقْصُودِيَّةِ أَفْعَالِ الْمُضَارَبَةِ بِالْإِعَادَةِ. قَالَ (وَيَجُوزُ لِلْمُضَارِبِ إلَخْ) مَا كَانَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ يَتَنَاوَلُهُ إطْلَاقُ الْعَقْدِ فَجَازَ أَنْ يَفْعَلَهُ الْمُضَارِبُ وَمَا لَا فَلَا، فَجَازَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَبِيعَ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ لِأَنَّهُ مِنْ ذَلِكَ، إلَّا إذَا بَاعَ إلَى أَجَلٍ لَا يَبِيعُ التُّجَّارُ إلَيْهِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: بِأَنْ بَاعَ إلَى عَشْرِ سِنِينَ لِخُرُوجِهِ حِينَئِذٍ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ، وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ سَفِينَةً لِلرُّكُوبِ. قِيلَ هَذَا فِي مُضَارِبٍ خَاصٍّ كَالطَّعَامِ مَثَلًا، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُخَصَّ كَانَ لَهُ شِرَاءُ السَّفِينَةِ وَالدَّوَابِّ إذَا اشْتَرَى طَعَامًا يَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ لِلرُّكُوبِ لَا يَجُوزُ، وَإِذَا كَانَ لِلْحَمْلِ فَهُوَ سَاكِتٌ عَنْهُ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَكْرِيَهَا: أَيْ السَّفِينَةَ وَالدَّوَابَّ مُطْلَقًا اعْتِبَارًا لِعَادَةِ التُّجَّارِ، فَإِنَّهُ إذَا اشْتَرَى طَعَامًا لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ فِي الطَّعَامِ، وَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِعَبْدِ

الْمُضَارَبَةِ بِمَالِهِ أَوْ بِمَالِ غَيْرِهِ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ رَضِيَ بِشَرِكَتِهِ لَا بِشَرِكَةِ غَيْرِهِ، وَهُوَ أَمْرٌ عَارِضٌ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ التِّجَارَةُ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ الْعَقْدِ وَلَكِنَّهُ جِهَةٌ فِي التَّثْمِيرِ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يُوَافِقُهُ فَيَدْخُلُ فِيهِ عِنْدَ وُجُودِ الدَّلَالَةِ وَقَوْلُهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك دَلَالَةٌ عَلَى ذَلِكَ. وَنَوْعٌ لَا يَمْلِكُهُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ وَلَا بِقَوْلِهِ اعْمَلْ بِرَأْيِك إلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَيْهِ رَبُّ الْمَالِ وَهُوَ الِاسْتِدَانَةُ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ بَعْدَمَا اشْتَرَى بِرَأْسِ الْمَالِ السِّلْعَةَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْمَالُ زَائِدًا عَلَى مَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْمُضَارَبَةُ وَلَا يَرْضَى بِهِ وَلَا يَشْغَلُ ذِمَّتَهُ بِالدَّيْنِ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ رَبُّ الْمَالِ بِالِاسْتِدَانَةِ صَارَ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ بِمَنْزِلَةِ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ وَأَخَذَ السَّفَاتِجَ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الِاسْتِدَانَةِ، وَكَذَا إعْطَاؤُهَا لِأَنَّهُ إقْرَاضٌ وَالْعِتْقُ بِمَالٍ وَبِغَيْرِ مَالٍ وَالْكِتَابَةُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتِجَارَةٍ وَالْإِقْرَاضُ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ مَحْضٌ. قَالَ (وَلَا يُزَوِّجُ عَبْدًا وَلَا أَمَةً مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُزَوِّجُ الْأَمَةَ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاكْتِسَابِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَسْتَفِيدُ بِهِ الْمَهْرَ وَسُقُوطَ النَّفَقَةِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِتِجَارَةٍ وَالْعَقْدُ لَا يَتَضَمَّنُ إلَّا التَّوْكِيلَ بِالتِّجَارَةِ وَصَارَ كَالْكِتَابَةِ وَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ فَإِنَّهُ اكْتِسَابٌ، وَلَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ تِجَارَةً لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْمُضَارَبَةِ فَكَذَا هَذَا. قَالَ (فَإِنْ دَفَعَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ إلَى رَبِّ الْمَالِ بِضَاعَةً فَاشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ وَبَاعَ فَهُوَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُضَارَبَةِ فِي التِّجَارَةِ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ لِكَوْنِهِ مِنْ صَنِيعِهِمْ. وَقَيَّدَ بِالْمَشْهُورَةِ لِأَنَّ ابْنَ رُسْتُمَ رَوَى عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِذْنَ فِي التِّجَارَةِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الدَّفْعِ مُضَارَبَةً. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَأْذُونَ لَا يَصِيرُ شَرِيكًا فِي الرِّبْحِ، وَلَوْ بَاعَ نَقْدًا ثُمَّ أَخَّرَ الثَّمَنَ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ. أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَلِأَنَّ الْوَكِيلَ يَمْلِكُ ذَلِكَ، فَالْمُضَارِبُ أَوْلَى لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ لِكَوْنِهِ شَرِيكًا فِي الرِّبْحِ أَوْ بِعَرْضِيَّةِ ذَلِكَ، إلَّا أَنَّ الْوَكِيلَ يَضْمَنُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْمُضَارِبُ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُقَابِلَ الْعَقْدَ ثُمَّ يَبِيعَ نَسِيئَةً لِأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ، فَجُعِلَ تَأْجِيلُهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِقَالَةِ وَالْبَيْعِ نَسِيئَةً، وَلَا كَذَلِكَ الْوَكِيلُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ إذَا أَخَّرَ الثَّمَنَ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ وَالْبَيْعَ نَسِيئَةً بَعْدَمَا بَاعَ مَرَّةً لِانْتِهَاءِ وَكَالَتِهِ. وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ وَالْبَيْعَ نَسِيئَةً كَمَا قَالَاهُ، وَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ وَلَوْ قِيلَ الْمُضَارِبُ بِالْحَوَالَةِ جَازَ سَوَاءٌ كَانَ أَيْسَرَ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ أَعْسَرَ مِنْهُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَوْ أَقَالَ الْعَقْدَ مَعَ الْأَوَّلِ ثُمَّ بَاعَهُ بِمِثْلِهِ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ جَازَ، فَكَذَا إذَا قَبِلَ الْحَوَالَةَ وَلِأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِهِمْ، بِخِلَافِ الْوَصِيِّ يَحْتَالُ بِمَالِ الْيَتِيمِ فَإِنَّ تَصَرُّفَهُ نَظَرِيٌّ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ أَيْسَرَ. ثُمَّ ذَكَرَ الْأَصْلَ فِيمَا يَفْعَلُهُ الْمُضَارِبُ بِأَنْوَاعِهِ الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. ثُمَّ قَالَ (وَلَا يُزَوِّجُ عَبْدًا وَلَا أَمَةً مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ) لِأَنَّ التَّزْوِيجَ لَيْسَ بِتِجَارَةٍ وَالْعَقْدُ لَا يَتَضَمَّنُ إلَّا التَّوْكِيلَ بِهَا (وَجَوَّزَ أَبُو يُوسُفَ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ الِاكْتِسَابِ) بِلُزُومِ الْمَهْرِ وَسُقُوطِ النَّفَقَةِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ بِتِجَارَةٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِ كَسْبٌ فَصَارَ كَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْمُضَارَبَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (فَإِنْ دَفَعَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ إلَى رَبِّ الْمَالِ إلَخْ) فَإِنْ دَفَعَ إلَى رَبِّ الْمَالِ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ بِضَاعَةً فَاشْتَرَى بِهِ رَبُّ الْمَالِ وَبَاعَ لَمْ تَبْطُلْ الْمُضَارَبَةُ، خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنَّ رَبَّ الْمَالِ تَصَرَّفَ فِي مَالِ نَفْسِهِ بِغَيْرِ تَوْكِيلٍ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ فَيَكُونُ

وَقَالَ زُفَرُ: تَفْسُدُ الْمُضَارَبَةُ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ مُتَصَرِّفٌ فِي مَالِ نَفْسِهِ فَلَا يَصْلُحُ وَكِيلًا فِيهِ فَيَصِيرُ مُسْتَرَدًّا وَلِهَذَا لَا تَصِحُّ إذَا شَرَطَ الْعَمَلَ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً. وَلَنَا أَنَّ التَّخْلِيَةَ فِيهِ قَدْ تَمَّتْ وَصَارَ التَّصَرُّفُ حَقًّا لِلْمُضَارِبِ فَيَصْلُحُ رَبُّ الْمَالِ وَكِيلًا عَنْهُ فِي التَّصَرُّفِ وَالْإِبْضَاعُ تَوْكِيلٌ مِنْهُ فَلَا يَكُونُ اسْتِرْدَادًا، بِخِلَافِ شَرْطِ الْعَمَلِ عَلَيْهِ فِي الِابْتِدَاءِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ التَّخْلِيَةَ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَ الْمَالَ إلَى رَبِّ الْمَالِ مُضَارَبَةً حَيْثُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَنْعَقِدُ شَرِكَةً عَلَى مَالِ رَبِّ الْمَالِ وَعَمَلِ الْمُضَارِبِ وَلَا مَالَ هَاهُنَا، فَلَوْ جَوَّزْنَاهُ يُؤَدِّي إلَى قَلْبِ الْمَوْضُوعِ، وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ بَقِيَ عَمَلُ رَبِّ الْمَالِ بِأَمْرِ الْمُضَارِبِ فَلَا تَبْطُلُ بِهِ الْمُضَارَبَةُ الْأُولَى. قَالَ (وَإِذَا عَمِلَ الْمُضَارِبُ فِي الْمِصْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُسْتَرِدًّا لِلْمَالِ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُ الْعَمَلِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً. وَلَنَا أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ التَّخْلِيَةُ وَقَدْ تَمَّتْ فَصَارَ التَّصَرُّفُ حَقًّا لِلْمُضَارِبِ. وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ وَرَبُّ الْمَالِ صَالِحٌ لِذَلِكَ، وَالْإِبْضَاعُ تَوْكِيلٌ لِأَنَّهُ اسْتِعَانَةٌ، وَلَمَّا صَحَّ اسْتِعَانَةُ الْمُضَارِبِ بِالْأَجْنَبِيِّ فَرَبُّ الْمَالِ أَوْلَى لِكَوْنِهِ أَشْفَقَ عَلَى الْمَالِ فَلَا يَكُونُ اسْتِرْدَادًا، بِخِلَافِ شَرْطِ الْعَمَلِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً لِأَنَّهُ يَمْنَعُ التَّخْلِيَةَ. فَإِنْ قِيلَ: رَبُّ الْمَالِ لَا يَصْلُحُ وَكِيلًا لِأَنَّ الْوَكِيلَ مَنْ يَعْمَلُ فِي مَالِ غَيْرِهِ وَرَبُّ الْمَالِ لَا يَعْمَلُ فِي مَالِ غَيْرِهِ بَلْ فِي مَالِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ صَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ عَنْ الْمَالِ فَجَازَ تَوْكِيلُهُ، فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ مَعَ رَبِّ الْمَالِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَبِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَ الْمَالَ إلَى رَبِّ الْمَالِ مُضَارَبَةً حَيْثُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَنْعَقِدُ شَرِكَةً عَلَى مَالِ رَبِّ الْمَالِ وَعَمَلِ الْمُضَارِبِ وَلَا مَالَ هَاهُنَا، فَلَوْ جَوَّزْنَاهُ لِآدَمِيٍّ إلَى قَلْبِ الْمَوْضُوعِ) وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: رَبُّ الْمَالِ إمَّا أَنْ يَصِيرَ بِالتَّخْلِيَةِ كَالْأَجْنَبِيِّ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ جَازَتْ الْمُضَارَبَةُ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ لَمْ يَجُزْ الْإِبْضَاعُ، فَالْقِيَاسُ شُمُولُ الْجَوَازِ وَعَدَمُهُ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ صَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ. قَوْلُهُ جَازَتْ الْمُضَارَبَةُ. قُلْنَا: مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَقْتَضِي الْمَالَ لِلدَّافِعِ وَلَيْسَ بِمَوْجُودٍ، بِخِلَافِ الْبِضَاعَةِ فَإِنَّهَا تَوْكِيلٌ عَلَى مَا مَرَّ وَلَيْسَ الْمَالُ مِنْ لَوَازِمِهِ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ وَلَيْسَ الْمَالُ لَهُ (وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ) الْمُضَارَبَةُ الثَّانِيَةُ (بَقِيَ عَمَلُ رَبِّ الْمَالِ بِأَمْرِ الْمُضَارِبِ فَلَا تَبْطُلُ بِهِ الْمُضَارَبَةُ الْأُولَى) وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُوهِمُ اخْتِصَاصَ الْإِبْضَاعِ بِبَعْضِ الْمَالِ حَيْثُ قَالَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الدَّلِيلَ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ كَوْنِهِ بَعْضًا أَوْ كُلًّا، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمَبْسُوطِ، وَقَيَّدَ بِدَفْعِ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ إذَا أَخَذَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ مِنْ مَنْزِلِ الْمُضَارِبِ بِغَيْرِهِ أَمْرٍ وَبَاعَ وَاشْتَرَى، فَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ نَقْدًا فَقَدْ نَقَضَ الْمُضَارَبَةَ، إذْ الِاسْتِعَانَةُ مِنْ الْمُضَارِبِ لَمْ تُوجَدْ حَيْثُ لَا دَفْعَ مِنْهُ فَكَانَ رَبُّ الْمَالِ عَامِلًا لِنَفْسِهِ، وَمِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ انْتِقَاضُ الْمُضَارَبَةِ، وَإِنْ صَارَ رَأْسُ الْمَالِ عَرْضًا لَا يَكُونُ نَقْضًا لِأَنَّ النَّقْضَ الصَّرِيحَ إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَرْضًا لَمْ يَعْمَلْ فِيهَا فَهَذَا أَوْلَى. قَالَ (وَإِذَا عَمِلَ الْمُضَارِبُ فِي الْمِصْرِ إلَخْ) فَرَّقَ بَيْنَ حَالِ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ بِمَا ذَكَرَ مِنْ الِاحْتِبَاسِ

فَلَيْسَتْ نَفَقَتُهُ فِي الْمَالِ، وَإِنْ سَافَرَ فَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَكِسْوَتُهُ وَرُكُوبُهُ) وَمَعْنَاهُ شِرَاءٌ وَكِرَاءٌ فِي الْمَالِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ بِإِزَاءِ الِاحْتِبَاسِ كَنَفَقَةِ الْقَاضِي وَنَفَقَةِ الْمَرْأَةِ، وَالْمُضَارِبُ فِي الْمِصْرِ سَاكِنٌ بِالسُّكْنَى الْأَصْلِيِّ، وَإِذَا سَافَرَ صَارَ مَحْبُوسًا بِالْمُضَارَبَةِ فَيَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ فِيهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَجِيرِ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْبَدَلَ لَا مَحَالَةَ فَلَا يَتَضَرَّرُ بِالْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِهِ، أَمَّا الْمُضَارِبُ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا الرِّبْحُ وَهُوَ فِي حَيِّزِ التَّرَدُّدِ، فَلَوْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ يَتَضَرَّرُ بِهِ، وَبِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ، وَبِخِلَافِ الْبِضَاعَةِ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ. قَالَ (فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ فِي يَدِهِ بَعْدَمَا قَدِمَ مِصْرَهُ رَدَّهُ فِي الْمُضَارَبَةِ) لِانْتِهَاءِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَلَوْ كَانَ خُرُوجُهُ دُونَ السَّفَرِ فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يَغْدُو ثُمَّ يَرُوحُ فَيَبِيتُ بِأَهْلِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ السُّوقِيِّ فِي الْمِصْرِ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَبِيتُ بِأَهْلِهِ فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّ خُرُوجَهُ لِلْمُضَارَبَةِ، وَالنَّفَقَةُ هِيَ مَا يُصْرَفُ إلَى الْحَاجَةِ الرَّاتِبَةِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا، وَمِنْ ذَلِكَ غَسْلُ ثِيَابِهِ وَأُجْرَةُ أَجِيرٍ يَخْدُمُهُ وَعَلَفُ دَابَّةٍ يَرْكَبُهَا وَالدُّهْنُ فِي مَوْضِعٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ عَادَةً كَالْحِجَازِ، وَإِنَّمَا يُطْلَقُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بِالْمَعْرُوفِ حَتَّى يَضْمَنَ الْفَضْلَ إنْ جَاوَزَهُ اعْتِبَارًا لِلْمُتَعَارَفِ بَيْنَ التُّجَّارِ. قَالَ (وَأَمَّا الدَّوَاءُ فَفِي مَالِهِ) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي النَّفَقَةِ لِأَنَّهُ لِإِصْلَاحِ بَدَنِهِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التِّجَارَةِ إلَّا بِهِ فَصَارَ كَالنَّفَقَةِ، وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى النَّفَقَةِ مَعْلُومَةُ الْوُقُوعِ وَإِلَى الدَّوَاءِ بِعَارِضِ الْمَرَضِ، وَلِهَذَا كَانَتْ نَفَقَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي السَّفَرِ دُونَ الْحَضَرِ وَذَلِكَ وَاضِحٌ. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَسْتَوْجِبَ النَّفَقَةَ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَلَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ. وَالْمُسْتَبْضِعُ عَامِلٌ لِغَيْرِهِ بِأَمْرِهِ، أَوْ بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ لِمَا شَرَطَ لِنَفْسِهِ مِنْ الرِّبْحِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ أَحَدُ هَؤُلَاءِ النَّفَقَةَ فِي الْمَالِ الَّذِي يَعْمَلُ بِهِ، إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ فِيمَا إذَا سَافَرَ بِالْمَالِ لِأَجْلِ الْعُرْفِ وَفَرَّقْنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْتَبْضِعِ بِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِعَمَلِهِ لِغَيْرِهِ وَبَيْنَ الْأَجِيرِ بِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ بِبَدَلٍ مَضْمُونٍ فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ لَهُ بِيَقِينٍ فَلَا يَتَضَرَّرُ بِالْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِهِ، أَمَّا الْمُضَارِبُ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا الرِّبْحُ وَهُوَ فِي حَيِّزِ التَّرَدُّدِ قَدْ يَحْصُلُ وَقَدْ لَا يَحْصُلُ، فَلَوْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ يَتَضَرَّرُ بِهِ، وَحُكْمُ الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ حُكْمُ الْإِجَارَةِ، وَإِذَا أَخَذَ شَيْئًا لِلنَّفَقَةِ وَهُوَ مُسَافِرٌ فَقَدِمَ وَبَقِيَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْهُ رَدَّهُ فِي الْمُضَارَبَةِ لِانْتِهَاءِ الِاسْتِحْقَاقِ كَالْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ إذَا فَضَلَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ النَّفَقَةِ بَعْدَ الرُّجُوعِ، وَجُعِلَ الْحَدُّ الْفَاصِلُ بَيْنَ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ مَا إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَغْدُو ثُمَّ يَرُوحُ فَيَبِيتُ بِأَهْلِهِ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ السُّوقِيِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّ خُرُوجَهُ إذْ ذَاكَ لَهَا وَالنَّفَقَةُ مَا تُصْرَفُ إلَى الْحَاجَةِ الرَّاتِبَةِ كَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَكِسْوَتِهِ وَرُكُوبِهِ شِرَاءً أَوْ كِرَاءً كُلُّ ذَلِكَ بِالْمَعْرُوفِ. وَأُلْحِقَ بِذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ مُعَدَّاتٍ تُكْثِرُ تَثْمِيرَ الْمَالِ كَغَسْلِ الثِّيَابِ وَأُجْرَةِ الْحَمَّامِ وَالْخَادِمِ وَالْحَلَّاقِ وَعَلَفِ الدَّابَّةِ وَالدُّهْنِ فِي مَوْضِعٍ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَيْهِ كَالْحِجَازِ، فَإِنَّ الشَّخْصَ إذَا كَانَ طَوِيلَ الشَّعْرِ وَسِخَ الثِّيَابِ مَاشِيًا فِي حَوَائِجِهِ يُعَدُّ مِنْ الصَّعَالِيكِ وَيَقِلُّ مُعَامِلُوهُ فَصَارَ مَا بِهِ تَكْثُرُ الرَّغَبَاتُ فِي الْمُعَامَلَةِ مَعَهُ مِنْ جُمْلَةِ

الزَّوْجِ وَدَوَاؤُهَا فِي مَالِهَا. قَالَ (وَإِذَا رَبِحَ أَخَذَ رَبُّ الْمَالِ مَا أَنْفَقَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، فَإِنْ بَاعَ الْمَتَاعَ مُرَابَحَةً حَسَبَ مَا أَنْفَقَ عَلَى الْمَتَاعِ مِنْ الْحِمْلَانِ وَنَحْوِهِ، وَلَا يَحْتَسِبُ مَا أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ) لِأَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِإِلْحَاقِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ يُوجِبُ زِيَادَةً فِي الْمَالِيَّةِ بِزِيَادَةِ الْقِيمَةِ وَالثَّانِيَ لَا يُوجِبُهَا. قَالَ (فَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَلْفٌ فَاشْتَرَى بِهَا ثِيَابًا فَقَصَّرَهَا أَوْ حَمَلَهَا بِمِائَةٍ مِنْ عِنْدِهِ وَقَدْ قِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ) لِأَنَّهُ اسْتِدَانَةٌ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فَلَا يَنْتَظِمُهُ هَذَا الْمَقَالُ عَلَى مَا مَرَّ (وَإِنْ صَبَغَهَا أَحْمَرَ فَهُوَ شَرِيكٌ بِمَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ وَلَا يَضْمَنُ) لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالٍ قَائِمٍ بِهِ حَتَّى إذَا بِيعَ كَانَ لَهُ حِصَّةُ الصَّبْغِ وَحِصَّةُ الثَّوْبِ الْأَبْيَضِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ بِخِلَافِ الْقِصَارَةِ وَالْحَمْلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْنِ مَالٍ قَائِمٍ بِهِ، وَلِهَذَا إذَا فَعَلَهُ الْغَاصِبُ ضَاعَ وَلَا يَضِيعُ إذَا صَبَغَ الْمَغْصُوبَ، وَإِذَا صَارَ شَرِيكًا بِالصَّبْغِ انْتَظَمَهُ قَوْلُهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك انْتِظَامَهُ الْخُلْطَةَ فَلَا يَضْمَنُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّفَقَةِ، وَالدَّوَاءُ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ لِإِصْلَاحِ الْبَدَنِ. وَوَجْهُ الظَّاهِرِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ. قَالَ (وَإِذَا رَبِحَ أَخَذَ رَبُّ الْمَالِ إلَخْ) يُرِيدُ أَنَّ الْمُضَارِبَ إذَا أَنْفَقَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَرَبِحَ يَأْخُذُ رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ كَامِلًا فَتَكُونُ النَّفَقَةُ مَصْرُوفَةً إلَى الرِّبْحِ دُونَ رَأْسِ الْمَالِ، فَإِذَا اسْتَوْفَاهُ كَانَ مَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا، فَإِنْ بَاعَ الْمُضَارِبُ الْمَتَاعَ بَعْدَمَا أَنْفَقَ مُرَابَحَةً حَسَبَ مَا أَنْفَقَ عَلَى الْمَتَاعِ مِنْ الْحِمْلَانِ وَنَحْوِهِ كَأُجْرَةِ السِّمْسَارِ وَالصَّبَّاغِ وَالْقَصَّارِ، وَلَا يَحْسِبُ مَا أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ، فَإِنْ كَانَ مَعَ الْمُضَارِبِ أَلْفٌ فَاشْتَرَى بِهَا ثِيَابًا فَقَصَرَهَا أَوْ حَمَلَهَا بِمِائَةٍ مِنْ عِنْدِهِ وَقَدْ قِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ لِأَنَّهُ اسْتِدَانَةٌ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، وَهَذَا الْمَقَالُ لَا يَنْتَظِمُهُ كَمَا مَرَّ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا بَعْدَمَا مَرَّ تَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ وَإِنْ صَبَغَهَا أَحْمَرَ فَهُوَ شَرِيكٌ بِمَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ، وَسَائِرُ الْأَلْوَانِ كَالْحُمْرَةِ إلَّا السَّوَادَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّ الصَّبْغَ عَيْنٌ قَائِمٌ بِالثَّوْبِ فَكَانَ شَرِيكًا بِخَلْطِ مَالِهِ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ. وَقَوْلُهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك يَنْتَظِمُهُ، فَإِذَا بِيعَ الثَّوْبُ كَانَ لِلْمُضَارِبِ حِصَّةُ الصَّبْغِ يَقْسِمُ ثَمَنَ الثَّوْبِ مَصْبُوغًا عَلَى

[فصل آخر في مسائل تتعلق بالمضاربة]

قَالَ (فَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَلْفٌ بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهَا بَزًّا فَبَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَى بِالْأَلْفَيْنِ عَبْدًا فَلَمْ يَنْقُدْهُمَا حَتَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQقِيمَتِهِ مَصْبُوغًا وَغَيْرَ مَصْبُوغٍ فَمَا بَيْنَهُمَا حِصَّةُ الصَّبْغِ إنْ بَاعَهُ مُسَاوَمَةً، وَإِنْ بَاعَهُ مُرَابَحَةً قَسَمَ الثَّمَنَ هَذَا عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَى الْمُضَارِبُ الثَّوْبَ بِهِ، وَعَلَى قِيمَةِ الصَّبْغِ فَمَا بَيْنَهُمَا حِصَّةُ الصَّبْغِ وَالْبَاقِي عَلَى الْمُضَارَبَةِ، بِخِلَافِ الْقَصَارَةِ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْحَمْلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعَيْنِ مَالٍ قَائِمٍ بِالثَّوْبِ وَلَمْ يَزِدْ بِهِ شَيْءٌ، وَلِهَذَا إذَا فَعَلَهُ الْغَاصِبُ فَازْدَادَ الْقِيمَةُ بِهِ ضَاعَ فِعْلُهُ وَكَانَ لِلْمَالِكِ أَنْ يَأْخُذَ ثَوْبَهُ مَجَّانًا، وَإِذَا صَبَغَ الْمَغْصُوبَ لَمْ يَضَعْ بَلْ يَتَخَيَّرُ رَبُّ الثَّوْبِ بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ لَا يَوْمَ الِاتِّصَالِ بِثَوْبِهِ وَبَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ جَمِيعَ قِيمَةِ الثَّوْبِ أَبْيَضَ يَوْمَ صَبْغِهِ وَتَرَكَ الثَّوْبَ عَلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ الْغَاصِبُ كَذَلِكَ فَالْمُضَارِبُ لَا يَكُونُ أَقَلَّ حَالًا مِنْهُ. فَإِنْ قِيلَ: الْمُضَارِبُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ وِلَايَةُ الصَّبْغِ كَانَ بِهِ مُخَالِفًا غَاصِبًا فَيَجِبُ أَنْ يَضْمَنَ كَالْغَاصِبِ بِلَا تَفَاوُتٍ بَيْنَهُمَا أُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مُضَارِبٍ قِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك وَذَلِكَ يَتَنَاوَلُ الْخَلْطَ وَبِالصَّبْغِ اخْتَلَطَ مَالُهُ بِمَالِ الْمُضَارِبِ فَصَارَ شَرِيكًا فَلَمْ يَكُنْ غَاصِبًا فَلَا يَضْمَنُ، وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا قِيلَ الْمُضَارِبُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا بِهَذَا الْفِعْلِ أَوْ غَيْرَ مَأْذُونٍ فَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا وَقَعَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضَمِنَ الْمُضَارِبُ كَالْغَاصِبِ لِمَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ غَاصِبًا لَكِنَّهُ لَمْ يَقَعْ عَلَى الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّ فِيهِ اسْتِدَانَةً عَلَى الْمَالِكِ وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ ذَلِكَ. [فَصْلٌ آخَرُ فِي مَسَائِل تَتَعَلَّق بِالْمُضَارَبَةِ] (فَصْلٌ آخَرُ) هَذِهِ مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ تَتَعَلَّقُ بِمَسَائِلِ الْمُضَارَبَةِ فَذَكَرَهَا فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ. قَالَ (فَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَلْفٌ) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاضِحٌ،

ضَاعَا يَغْرَمُ رَبُّ الْمَالِ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ وَالْمُضَارِبُ خَمْسَمِائَةٍ وَيَكُونُ رُبْعُ الْعَبْدِ لِلْمُضَارِبِ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ) قَالَ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ حَاصِلُ الْجَوَابِ، لِأَنَّ الثَّمَنَ كُلَّهُ عَلَى الْمُضَارِبِ إذْ هُوَ الْعَاقِدُ، إلَّا أَنَّ لَهُ حَقَّ الرُّجُوعِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ عَلَى مَا نُبَيِّنُ فَيَكُونُ عَلَيْهِ فِي الْأُجْرَةِ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا نَضَّ الْمَالُ ظَهَرَ الرِّبْحُ وَلَهُ مِنْهُ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ، فَإِذَا اشْتَرَى بِالْأَلْفَيْنِ عَبْدًا صَارَ مُشْتَرِيًا رُبْعَهُ لِنَفْسِهِ وَثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ لِلْمُضَارَبَةِ عَلَى حَسَبِ انْقِسَامِ الْأَلْفَيْنِ، وَإِذَا ضَاعَتْ الْأَلْفَانِ وَجَبَ عَلَيْهِ الثَّمَنُ لِمَا بَيَّنَّاهُ، وَلَهُ الرُّجُوعُ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الثَّمَنِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ جِهَتِهِ فِيهِ وَيَخْرُجُ نَصِيبُ الْمُضَارِبِ وَهُوَ الرُّبْعُ مِنْ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ وَمَالُ الْمُضَارَبَةِ أَمَانَةٌ وَبَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ وَيَبْقَى ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعَبْدِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يُنَافِي الْمُضَارَبَةَ (وَيَكُونُ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفَيْنِ وَخَمْسَمِائَةٍ) لِأَنَّهُ دَفَعَ مَرَّةً أَلْفًا وَمَرَّةً أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ (وَلَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً إلَّا عَلَى أَلْفَيْنِ) لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا بِيعَ الْعَبْدُ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ فَحِصَّةُ الْمُضَارَبَةِ ثَلَاثَةُ آلَافٍ يَرْفَعُ رَأْسَ الْمَالِ وَيَبْقَى خَمْسُمِائَةٍ رِبْحٌ بَيْنَهُمَا. قَالَ (وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَلْفٌ فَاشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ عَبْدًا بِخَمْسِمِائَةٍ وَبَاعَهُ إيَّاهُ بِأَلْفٍ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى خَمْسِمِائَةٍ) لِأَنَّ هَذَا الْبَيْعَ مَقْضِيٌّ بِجَوَازِهِ لِتَغَايُرِ الْمَقَاصِدِ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ وَإِنْ كَانَ بِيعَ مِلْكُهُ بِمِلْكِهِ إلَّا أَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ الْعَدَمِ، وَمَبْنَى الْمُرَابَحَةِ عَلَى الْأَمَانَةِ وَالِاحْتِرَازِ عَنْ شُبْهَةِ الْخِيَانَةِ فَاعْتُبِرَ أَقَلُّ الثَّمَنَيْنِ، وَلَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ عَبْدًا بِأَلْفٍ وَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ بَاعَهُ مُرَابَحَةً بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ لِأَنَّهُ اُعْتُبِرَ عَدَمًا فِي حَقِّ نِصْفِ الرِّبْحِ وَهُوَ نَصِيبُ رَبِّ الْمَالِ وَقَدْ مَرَّ فِي الْبُيُوعِ. قَالَ (فَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَلْفٌ بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهَا عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفَانِ فَقَتَلَ الْعَبْدُ رَجُلًا خَطَأً فَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْفِدَاءِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَرُبْعُهُ عَلَى الْمُضَارِبِ) لِأَنَّ الْفِدَاءَ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ فَيُتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْمِلْكِ وَقَدْ كَانَ الْمِلْكُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا، لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ الْمَالُ عَيْنًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَبْنَاهُ عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ عَلَى أَنَّ ضَمَانَ رَبِّ الْمَالِ لِلْبَائِعِ بِسَبَبِ هَلَاكِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ غَيْرُ مَانِعٍ لَهَا، فَالْمَضْمُونُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا، وَضَمَانُ الْمُضَارِبِ لِلْبَائِعِ بِسَبَبِ هَلَاكِهِ مَانِعٌ عَنْهَا. وَحَقِيقَةُ مَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً فَاشْتَرَى بِهَا بَزًّا فَهُوَ مُضَارَبَةٌ، فَإِذَا بَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ ظَهَرَتْ حِصَّةُ الْمُضَارِبِ وَهِيَ خَمْسُمِائَةٍ، فَإِذَا اشْتَرَى جَارِيَةً بِأَلْفَيْنِ وَقَعَ رُبْعُهَا لِلْمُضَارِبِ لِأَنَّ رُبْعَ الثَّمَنِ لَهُ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا لِرَبِّ الْمَالِ فَإِذَا هَلَكَ الثَّمَنُ صَارَ غُرْمُ الرُّبْعِ عَلَى الْمُضَارِبِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ وَالْبَاقِي عَلَى رَبِّ الْمَالِ، وَإِذَا غَرِمَ الْمُضَارِبُ رُبْعَ الثَّمَنِ مَلَكَ رُبْعَ الْجَارِيَةِ لَا مَحَالَةَ، وَإِذَا مَلَكَ رُبْعَهَا خَرَجَ ذَلِكَ مِنْ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّ مَبْنَى الْمُضَارَبَةِ عَلَى أَنَّ الْمُضَارِبَ أَمِينٌ فَيَكُونُ الضَّمَانُ مُنَافِيًا لَهَا. وَلَوْ أَبْقَيْنَا نَصِيبَهُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ لَأَبْطَلْنَا مَا غَرِمَ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ رَأْسَ الْمَالِ فَيَصِيرُ مُضَارِبًا لِنَفْسِهِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ. ثُمَّ لَوْ بَاعَ الْجَارِيَةَ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ صَارَ رُبْعُ الثَّمَنِ لِلْمُضَارِبِ خَاصَّةً وَذَلِكَ أَلْفٌ وَبَقِيَتْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ فَذَلِكَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، لِأَنَّ ضَمَانَ رَبِّ الْمَالِ يُلَائِمُ الْمُضَارَبَةَ وَلَا يَضِيعُ مَا يَضْمَنُ بَلْ يُلْحَقُ بِرَأْسِ الْمَالِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ فِي ذَلِكَ أَلْفَيْنِ وَخَمْسَمِائَةٍ وَالْخَمْسُمِائَةِ رِبْحٌ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَلْفٌ) مَعْنَاهُ وَاضِحٌ، وَقَوْلُهُ (لِتَغَايُرِ الْمَقَاصِدِ) لِأَنَّ مَقْصُودَ رَبِّ الْمَالِ وُصُولُهُ إلَى الْأَلْفِ مَعَ بَقَاءِ الْعَقْدِ، وَمَقْصُودُ الْمُضَارِبِ اسْتِفَادَةُ الْيَدِ عَلَى الْعَبْدِ. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ الْعَدَمِ) أَيْ عَدَمِ الْجَوَازِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ بِهِ عَنْ مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ عَبْدٌ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يَسْتَفِدْ بِهِ أَلْفًا لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ وَالشُّبْهَةُ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فِي الْمُرَابَحَةِ فَاعْتُبِرَ أَقَلُّ الثَّمَنَيْنِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ كَثُبُوتِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْأَكْثَرُ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ بِالنَّظَرِ إلَى أَنَّ بَيْعَ مَالِهِ بِمَالِهِ (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَلْفٌ بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهَا عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفَانِ فَقَتَلَ الْعَبْدُ رَجُلًا خَطَأً) كَانَ الدَّفْعُ وَالْفِدَاءُ إلَيْهِمَا، فَإِنْ دَفَعَاهُ بَطَلَتْ الْمُضَارَبَةُ لِهَلَاكِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَإِنْ فَدَيَاهُ (فَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْفِدَاءِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَرُبْعُهُ عَلَى الْمُضَارِبِ، لِأَنَّ الْفِدَاءَ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ وَكَانَ الْمِلْكُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا، لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ لَمَّا صَارَ عَيْنًا

وَاحِدًا ظَهَرَ الرِّبْحُ وَهُوَ أَلْفٌ بَيْنَهُمَا وَأَلْفٌ لِرَبِّ الْمَالِ بِرَأْسِ مَالِهِ لِأَنَّ قِيمَتَهُ أَلْفَانِ، وَإِذَا فَدَيَا خَرَجَ الْعَبْدُ عَنْ الْمُضَارَبَةِ، أَمَّا نَصِيبُ الْمُضَارِبِ فَلِمَا بَيَّنَّاهُ، وَأَمَّا نَصِيبُ رَبِّ الْمَالِ فَلِقَضَاءِ الْقَاضِي بِانْقِسَامِ الْفِدَاءِ عَلَيْهِمَا لِمَا أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ قِسْمَةَ الْعَبْدِ بَيْنَهُمَا وَالْمُضَارَبَةُ تَنْتَهِي بِالْقِسْمَةِ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ جَمِيعَ الثَّمَنِ فِيهِ عَلَى الْمُضَارِبِ وَإِنْ كَانَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْقِسْمَةِ، وَلِأَنَّ الْعَبْدَ كَالزَّائِلِ عَنْ مِلْكِهِمَا بِالْجِنَايَةِ، وَدَفْعُ الْفِدَاءِ كَابْتِدَاءِ الشِّرَاءِ فَيَكُونُ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا لَا عَلَى الْمُضَارَبَةِ يَخْدُمُ الْمُضَارِبَ يَوْمًا وَرَبَّ الْمَالِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ. قَالَ (فَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَلْفٌ فَاشْتَرَى بِهَا عَبْدًا فَلَمْ يَنْقُدْهَا حَتَّى هَلَكَتْ يَدْفَعُ رَبُّ الْمَالِ ذَلِكَ الثَّمَنَ وَرَأْسُ الْمَالِ جَمِيعُ مَا يَدْفَعُ إلَيْهِ رَبُّ الْمَالِ) لِأَنَّ الْمَالَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَلَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا، وَالِاسْتِيفَاءُ إنَّمَا يَكُونُ بِقَبْضٍ مَضْمُونٍ وَحُكْمُ الْأَمَانَةِ يُنَافِيهِ فَيَرْجِعُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مَدْفُوعًا إلَيْهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ وَهَلَكَ بَعْدَ الشِّرَاءِ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ إلَّا مَرَّةً لِأَنَّهُ أَمْكَنَ جَعْلُهُ مُسْتَوْفِيًا، لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تُجَامِعُ الضَّمَانَ كَالْغَاصِبِ إذَا تَوَكَّلَ بِبَيْعِ الْمَغْصُوبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاحِدًا ظَهَرَ الرِّبْحُ وَهُوَ أَلْفٌ بَيْنَهُمَا) وَلِهَذَا عَتَقَ الرُّبْعُ إنْ كَانَ الْعَبْدُ قَرِيبَهُ (وَأَلْفٌ هُوَ رَأْسُ الْمَالِ) وَقَيَّدَ الْعَيْنَ بِالْوَحْدَةِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا كَانَ عَيْنَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ (فَإِذَا فَدَيَاهُ خَرَجَ الْعَبْدُ عَنْ الْمُضَارَبَةِ، أَمَّا نَصِيبُ الْمُضَارِبِ فَلِمَا بَيَّنَّاهُ) أَنَّهُ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ أَمَانَةً وَمَالُ الْمُضَارَبَةِ أَمَانَةٌ (وَأَمَّا نَصِيبُ رَبِّ الْمَالِ فَلِقَضَاءِ الْقَاضِي بِانْقِسَامِ الْفِدَاءِ عَلَيْهِمَا فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ انْقِسَامَ الْعَبْدِ بَيْنَهُمَا) لِاسْتِخْلَاصِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْفِدَاءِ مَا يَخُصُّهُ (وَالْمُضَارَبَةُ تَنْتَهِي بِالْقِسْمَةِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ) يَعْنِي بِهِ مَا إذَا ضَاعَ الْأَلْفَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ حَيْثُ لَا تَنْتَهِي الْمُضَارَبَةُ هُنَاكَ (لِأَنَّ جَمِيعَ الثَّمَنِ فِيهِ عَلَى الْمُضَارِبِ) لِكَوْنِهِ الْعَاقِدَ، وَالدَّفْعُ وَالْفِدَاءُ لَيْسَ بِالْعَقْدِ حَتَّى يَكُونَ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الْعَبْدَ كَالزَّائِلِ) لِأَنَّهُ اُسْتُحِقَّ بِالْجِنَايَةِ وَالْمُسْتَحَقُّ بِهَا بِمَنْزِلَةِ الْهَالِكِ وَالْمُضَارَبَةُ تَنْتَهِي بِالْهَلَاكِ (فَدَفْعُ الْفِدَاءِ كَابْتِدَاءِ الشِّرَاءِ فَيَكُونُ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا خَارِجًا عَنْ الْمُضَارَبَةِ يَخْدُمُ الْمُضَارِبَ يَوْمًا وَرَبَّ الْمَالِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ) يُرِيدُ بِهِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَهِيَ مَا إذَا ضَاعَ الْأَلْفَانِ فَإِنَّ الْعَبْدَ فِيهَا عَلَى الْمُضَارَبَةِ (فَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَلْفٌ فَاشْتَرَى بِهَا عَبْدًا وَهَلَكَ قَبْلَ النَّقْدِ إلَى الْبَائِعِ رَجَعَ الْمُضَارِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِذَلِكَ الثَّمَنِ وَيَكُونُ رَأْسُ الْمَالِ جَمِيعَ مَا يَدْفَعُهُ لِأَنَّ الْمَالَ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ) وَقَدْ هَلَكَ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ الثَّمَنُ دَيْنًا وَهُوَ عَامِلٌ لِرَبِّ الْمَالِ فَيَسْتَوْجِبُ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ (وَ) بِالْقَبْضِ ثَانِيًا (لَا يَصِيرُ) الْمُضَارِبُ (مُسْتَوْفِيًا لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ إنَّمَا يَكُونُ بِقَبْضٍ مَضْمُونٍ) وَقَبْضُ الْمُضَارِبِ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ بَلْ هُوَ أَمَانَةٌ وَبَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ فَلَا يَجْتَمِعَانِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَوْفِيًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إلَى أَنْ يُسْقِطَ عَنْهُ الْعُهْدَةَ بِوُصُولِ الثَّمَنِ إلَى الْبَائِعِ (بِخِلَافِ الْوَكِيلِ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مَدْفُوعًا إلَيْهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ وَهَلَكَ بَعْدَ الشِّرَاءِ) فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً (لِأَنَّهُ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ مُسْتَوْفِيًا لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تُجَامِعُ الضَّمَانَ كَالْغَاصِبِ إذَا وَكَّلَهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِبَيْعِ الْمَغْصُوبِ) فَإِنَّهُ يَصِيرُ وَكِيلًا وَلَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ بِمُجَرَّدِ الْوَكَالَةِ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْمَغْصُوبُ وَجَبَ الضَّمَانُ وَلَمْ يُعْتَبَرْ أَمِينًا فِيهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الضَّمَانَ هُنَاكَ بِاعْتِبَارِ سَبَبٍ هُوَ تَعَدٍّ قَدْ تَقَدَّمَ عَلَى قَبْضِ الْأَمَانَةِ فَيَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَا جَمِيعًا، وَلَيْسَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ سَبَبٌ سِوَى الْقَبْضِ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ وَلَا نُسَلِّمُ صَلَاحِيَتَهُ لِإِثْبَاتِ حُكْمَيْنِ مُتَنَافِيَيْنِ، وَلَوْ غَصَبَ أَلْفًا فَضَارَبَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْغَاصِبَ وَجَعَلَ رَأْسَ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ كَانَ كَصُورَةِ الْوَكَالَةِ وَلَيْسَ فِي الرِّوَايَةِ مَا يَنْفِيهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا يَحْتَاجُ إلَى فَرْقٍ دَفْعًا لِلتَّحَكُّمِ، وَلِأَنَّ الْمَطْلُوبَ كَوْنُهُ مُسْتَوْفِيًا وَالدَّلِيلُ إمْكَانُ ذَلِكَ وَالْإِمْكَانُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْوُقُوعَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُصَنِّفِ دَفْعُ اسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمَا، وَأَمَّا كَوْنُهُ مُسْتَوْفِيًا فَثَابِتٌ بِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُوَكِّلِ، فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يُجْعَلْ مُسْتَوْفِيًا لَبَطَلَ حَقُّ الْمُوَكِّلِ إذَا رَجَعَ عَلَيْهِ بِأَلْفٍ أُخْرَى أَصْلًا، فَأَمَّا هَاهُنَا فَحَقُّ رَبِّ

ثُمَّ فِي الْوَكَالَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَرْجِعُ مَرَّةً، وَفِيمَا إذَا اشْتَرَى ثُمَّ دَفَعَ الْمُوَكِّلُ إلَيْهِ الْمَالَ فَهَلَكَ لَا يَرْجِعُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ فَجُعِلَ مُسْتَوْفِيًا بِالْقَبْضِ بَعْدَهُ، أَمَّا الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى الْأَمَانَةِ بَعْدَهُ فَلَمْ يَصِرْ مُسْتَوْفِيًا، فَإِذَا هَلَكَ رَجَعَ عَلَيْهِ مَرَّةً ثُمَّ لَا يَرْجِعُ لِوُقُوعِ الِاسْتِيفَاءِ عَلَى مَا مَرَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَالِ لَا يَضِيعُ لِأَنَّهُ يُلْحَقُ بِرَأْسِ الْمَالِ وَيَسْتَوْفِيهِ مِنْ الرِّبْحِ، وَحَمْلُهُ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ يَضُرُّ الْمُضَارِبَ فَاخْتَرْنَا أَهْوَنَ الْأَمْرَيْنِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ فَضَرَرُهُ بِهَلَاكِ الثَّمَنِ لَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ عَلَى الْمُشْتَرِي. وَقَوْلُهُ وَلَوْ غَصَبَ أَلْفًا إلَخْ لَمْ تَثْبُتْ فِيهِ رِوَايَةٌ تُحْوِجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ فِي الْوَكَالَةِ) لِلْفَرْقِ بَيْنَ مَا إذَا دَفَعَ الْمَالَ ثُمَّ اشْتَرَى الْوَكِيلُ، وَبَيْنَ مَا إذَا اشْتَرَى ثُمَّ دَفَعَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِي الْأَوَّلِ وَيَصِيرُ بِهِ مُسْتَوْفِيًا، وَفِي الثَّانِي لَا يَرْجِعُ أَصْلًا وَكَلَامُهُ فِيهِ وَاضِحٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فصل في الاختلاف]

قَالَ (وَإِنْ كَانَ مَعَ الْمُضَارِبِ أَلْفَانِ فَقَالَ دَفَعْت إلَيَّ أَلْفًا وَرَبِحْت أَلْفًا وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ لَا بَلْ دَفَعْت إلَيْك أَلْفَيْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُضَارِبِ) وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ أَوَّلًا الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَدَّعِي عَلَيْهِ الشَّرِكَةَ فِي الرِّبْحِ وَهُوَ يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ فِي مِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ وَفِي مِثْلِهِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ ضَمِينًا كَانَ أَوْ أَمِينًا لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِمِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا مَعَ ذَلِكَ فِي مِقْدَارِ الرِّبْحِ فَالْقَوْلُ فِيهِ لِرَبِّ الْمَالِ لِأَنَّ الرِّبْحَ يُسْتَحَقُّ بِالشَّرْطِ وَهُوَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ، وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَى مِنْ فَضْلٍ قُبِلَتْ لِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ لِلْإِثْبَاتِ (وَمَنْ كَانَ مَعَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ هِيَ مُضَارَبَةٌ لِفُلَانٍ بِالنِّصْفِ وَقَدْ رَبِحَ أَلْفًا وَقَالَ فُلَانٌ هِيَ بِضَاعَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ) لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَدَّعِي عَلَيْهِ تَقْوِيمَ عَمَلِهِ أَوْ شَرْطًا مِنْ جِهَتِهِ أَوْ يَدَّعِي الشَّرِكَةَ وَهُوَ يُنْكِرُ، وَلَوْ قَالَ الْمُضَارِبُ أَقْرَضْتنِي وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ هُوَ بِضَاعَةٌ أَوْ وَدِيعَةٌ فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُضَارِبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ] أَخَّرَ هَذَا الْفَصْلَ عَمَّا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ فِي الِاخْتِلَافِ وَهُوَ فِي الرُّتْبَةِ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ (وَإِنْ كَانَ مَعَ الْمُضَارِبِ أَلْفَانِ إلَخْ) اخْتِلَافُ رَبِّ الْمَالِ وَالْمُضَارِبِ إذَا كَانَ فِي مِقْدَارِ رَأْسِ الْمَالِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الْمُضَارِبُ وَمَعَهُ أَلْفَانِ دَفَعْت إلَيَّ أَلْفًا وَرَبِحْت أَلْفًا وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ لَا بَلْ دَفَعْت إلَيْك أَلْفَيْنِ فَالْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ أَوَّلًا الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ،

لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَدَّعِي عَلَيْهِ التَّمَلُّكَ وَهُوَ يُنْكِرُ. وَلَوْ ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ الْمُضَارَبَةَ فِي نَوْعٍ وَقَالَ الْآخَرُ مَا سَمَّيْت لِي تِجَارَةً بِعَيْنِهَا فَالْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْعُمُومُ وَالْإِطْلَاقُ، وَالتَّخْصِيصُ يُعَارِضُ الشَّرْطَ، بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْخُصُوصُ. وَلَوْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَوْعًا فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى التَّخْصِيصِ، وَالْإِذْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَدَّعِي الشَّرِكَةَ وَهُوَ يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ الْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ، لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ فِي مِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْقَابِضِ ضَمِينًا كَانَ كَالْغَاصِبِ أَوْ أَمِينًا كَالْمُودَعِ لِكَوْنِهِ أَعْرَفَ بِمِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ، وَإِذَا كَانَ فِي مِقْدَارِ الرِّبْحِ مَعَ ذَلِكَ: أَيْ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي رَأْسِ الْمَالِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ رَبُّ الْمَالِ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفَانِ وَالْمَشْرُوطُ ثُلُثُ الرِّبْحِ وَقَالَ الْمُضَارِبُ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفٌ وَالْمَشْرُوطُ نِصْفُهُ فَالْقَوْلُ فِيهِ: أَيْ فِي الرِّبْحِ لِرَبِّ الْمَالِ: يَعْنِي وَفِي رَأْسِ الْمَالِ لِلْمُضَارِبِ كَمَا كَانَ، أَمَّا فِي رَأْسِ الْمَالِ فَلِمَا مَرَّ مِنْ الدَّلِيلِ، وَأَمَّا فِي الرِّبْحِ فَلِأَنَّ الرِّبْحَ يُسْتَحَقُّ بِالشَّرْطِ وَهُوَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ، وَلَوْ أَنْكَرَ أَصْلَ الشَّرْطِ بِأَنْ قَالَ كَانَ الْمَالُ بِيَدِهِ بِضَاعَةً كَانَ الْقَوْلُ لَهُ، فَكَذَا إذَا أَنْكَرَ الزِّيَادَةَ، وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَى مِنْ فَضْلٍ قُبِلَتْ بَيِّنَةُ رَبِّ الْمَالِ عَلَى مَا ادَّعَى مِنْ الْفَضْلِ فِي رَأْسِ الْمَالِ وَبَيِّنَةُ الْمُضَارِبِ عَلَى مَا ادَّعَى مِنْ الْفَضْلِ فِي الرِّبْحِ لِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ لِلْإِثْبَاتِ، وَإِذَا كَانَ فِي صِفَةِ رَأْسِ الْمَالِ كَمَا إذَا قَالَ مَنْ مَعَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ هِيَ مُضَارَبَةٌ لِفُلَانٍ بِالنِّصْفِ وَقَدْ رَبِحَتْ أَلْفًا وَقَالَ فُلَانٌ هِيَ بِضَاعَةٌ فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ، لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَدَّعِي عَلَيْهِ تَقْوِيمَ عَمَلِهِ بِمُقَابَلَةِ الرِّبْحِ وَشَرْطًا مِنْ جِهَتِهِ بِمِقْدَارٍ مِنْ الرِّبْحِ أَوْ الشَّرِكَةِ فِيهِ وَهُوَ يُنْكِرُ. وَلَوْ قَالَ الْمُضَارِبُ أَقْرَضْتَنِي وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ هِيَ بِضَاعَةٌ أَوْ وَدِيعَةٌ فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ وَالْبَيِّنَةُ لِلْمُضَارِبِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ تَمْلِيكَ الرِّبْحِ وَهُوَ يُنْكِرُ وَسَمَّاهُ مُضَارِبًا وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى عَدَمِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مُضَارِبًا فِي الْأَوَّلِ ثُمَّ أَقْرَضَهُ، وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ لِلْمُضَارِبِ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ التَّمْلِيكَ، وَلَوْ ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ الْقَرْضَ وَالْمُضَارِبُ الْمُضَارَبَةَ فَالْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْأَخْذِ بِالْإِذْنِ، وَرَبُّ الْمَالِ يَدَّعِي عَلَى الْمُضَارِبِ الضَّمَانَ وَهُوَ يُنْكِرُ وَالْبَيِّنَةُ لِرَبِّ الْمَالِ وَإِنْ أَقَامَاهَا لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الضَّمَانَ، وَإِذَا كَانَ فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ التَّصَرُّفِ فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ، أَمَّا إذَا أَنْكَرَ الْخُصُوصَ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْعُمُومَ هُوَ الْأَصْلُ كَمَا يَذْكُرُ، وَكَذَا إذَا أَنْكَرَ الْعُمُومَ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ إنْكَارَهُ ذَلِكَ نَهْيًا لَهُ عَنْ الْعُمُومِ. وَلَهُ أَنْ يَنْتَهِيَ عَنْهُ قَبْلَ التَّصَرُّفِ إذَا ثَبَتَ مِنْهُ الْعُمُومُ نَصًّا فَهَاهُنَا أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ وَرَبُّ الْمَالِ يَدَّعِي الْعُمُومَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا، وَإِنْ كَانَ الْمُضَارِبُ يَدَّعِيهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الْعُمُومُ وَالتَّخْصِيصُ بِالشَّرْطِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ خُذْ هَذَا الْمَالَ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ صَحَّ وَمَلَكَ بِهِ جَمِيعَ التِّجَارَاتِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ الْعُمُومَ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ عَلَى مَا يُوجِبُ التَّخْصِيصَ كَالْوَكَالَةِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ مُدَّعِي الْعُمُومِ مُتَمَسِّكًا بِالْأَصْلِ فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ. وَلَوْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ

يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُضَارِبِ لِحَاجَتِهِ إلَى نَفْيِ الضَّمَانِ وَعَدَمِ حَاجَةِ الْآخَرِ إلَى الْبَيِّنَةِ، وَلَوْ وَقَّتَتْ الْبَيِّنَتَانِ وَقْتًا فَصَاحِبُ الْوَقْتِ الْأَخِيرِ أَوْلَى لِأَنَّ آخِرَ الشَّرْطَيْنِ يَنْقُضُ الْأَوَّلَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهُمَا نَوْعًا فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى التَّخْصِيصِ وَالْإِذْنُ مُسْتَفَادٌ مِنْ جِهَتِهِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُضَارِبِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (لِحَاجَتِهِ إلَى نَفْيِ الضَّمَانِ وَعَدَمِ حَاجَةِ الْآخَرِ إلَى الْبَيِّنَةِ) وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لِلْإِثْبَاتِ لَا لِلنَّفْيِ، وَبِأَنَّ الْآخَرَ يَدَّعِي الضَّمَانَ فَكَيْفَ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَيِّنَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ وَيَلْزَمُهَا نَفْيُ الضَّمَانِ فَأَقَامَ الْمُصَنِّفُ اللَّازِمَ مَقَامَ الْمَلْزُومِ كِنَايَةً، وَبِأَنَّ مَا يَدَّعِيهِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ وَهُوَ سَبَبُ الضَّمَانِ ثَابِتٌ بِإِقْرَارِ الْآخَرِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ (وَلَوْ وُقِّتَتْ الْبَيِّنَتَانِ وَقْتًا فَصَاحِبُ الْوَقْتِ الْأَخِيرِ أَوْلَى لِأَنَّ آخِرَ الشَّرْطَيْنِ يَنْقُضُ الْأَوَّلَ) وَإِنْ لَمْ تُوَقَّتَا أَوْ وُقِّتَتَا عَلَى السَّوَاءِ أَوْ وُقِّتَتْ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَالْبَيِّنَةُ لِرَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ بِهِمَا مَعًا لِلِاسْتِحَالَةِ وَعَلَى التَّعَاقُبِ لِعَدَمِ الشَّهَادَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَإِذَا تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ بِهِمَا تَعْمَلُ بَيِّنَةُ رَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[كتاب الوديعة]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْوَدِيعَةِ] وَجْهُ مُنَاسَبَةِ هَذَا الْكِتَابِ بِمَا تَقَدَّمَ قَدْ مَرَّ فِي أَوَّلِ الْإِقْرَارِ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ الْعَارِيَّةَ وَالْهِبَةَ وَالْإِجَارَةَ لِلتَّنَاسُبِ بِالتَّرَقِّي مِنْ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ أَمَانَةٌ لَا تَمْلِيكٌ بِشَيْءٍ. وَفِي الْعَارِيَّةِ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِلَا عِوَضٍ، وَفِي الْهِبَةِ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ بِلَا عِوَضٍ، وَفِي الْإِجَارَةِ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِعِوَضٍ، وَهِيَ أَعْلَى مِنْ الْهِبَةِ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ وَاللَّازِمُ أَقْوَى وَأَعْلَى مِمَّا لَيْسَ بِلَازِمٍ. وَمِنْ مَحَاسِنِهَا اشْتِمَالُهَا عَلَى بَذْلِ مَنَافِعِ بَدَنِهِ وَمَالِهِ فِي إعَانَةِ عِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتِيجَابِهِ الْأَجْرَ وَالثَّنَاءَ عَلَى ذَلِكَ. وَسَبَبُهَا تَعَلُّقُ الْبَقَاءِ الْمَقْدُورِ بِتَعَاطِيهَا مِنْ حَيْثُ التَّعَاضُدُ وَقَدْ مَرَّ مِرَارًا. وَمَشْرُوعِيَّتهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] بِإِطْلَاقِهِ. وَتَفْسِيرُهَا لُغَةً التَّرْكُ، وَسُمِّيَتْ الْوَدِيعَةُ بِهَا لِأَنَّهَا تُتْرَكُ بِيَدِ أَمِينٍ. وَفِي الِاصْطِلَاحِ التَّسْلِيطُ عَلَى حِفْظِ الْمَالِ. وَرُكْنُهَا: أَوْدَعْتُك هَذَا الْمَالَ أَوْ مَا قَامَ مَقَامَهَا فِعْلًا كَانَ أَوْ قَوْلًا وَالْقَبُولُ مِنْ الْمُودَعِ حَقِيقَةً أَوْ عُرْفًا، فَإِنَّ مَنْ وَضَعَ ثَوْبَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَجُلٍ وَقَالَ هَذَا وَدِيعَةٌ عِنْدَك وَذَهَبَ صَاحِبُ الثَّوْبِ ثُمَّ غَابَ الْآخَرُ وَتَرَكَ الثَّوْبَ ثَمَّةَ فَضَاعَ كَانَ ضَامِنًا، لِأَنَّ هَذَا قَبُولٌ لِلْوَدِيعَةِ عُرْفًا. وَشَرْطُهَا: كَوْنُ الْمَالِ قَابِلًا لِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْإِيدَاعَ عَقْدُ اسْتِحْفَاظٍ وَحِفْظُ الشَّيْءِ بِدُونِ إثْبَاتِ الْيَدِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ، فَإِيدَاعُ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالْعَبْدِ الْآبِقِ غَيْرُ

قَالَ (الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُودَعِ إذَا هَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ وَلَا عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ» وَلِأَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً إلَى الِاسْتِيدَاعِ، فَلَوْ ضَمِنَاهُ يَمْتَنِعُ النَّاسُ عَنْ قَبُولِ الْوَدَائِعِ فَتَتَعَطَّلُ مَصَالِحُهُمْ. قَالَ (وَلِلْمُودَعِ أَنْ يَحْفَظَهَا بِنَفْسِهِ وَبِمَنْ فِي عِيَالِهِ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَلْتَزِمُ حِفْظَ مَالِ غَيْرِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَحْفَظُ مَالَ نَفْسِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQصَحِيحٍ. وَحُكْمُهَا: كَوْنُ الْمَالِ أَمَانَةً عِنْدَهُ. قَالَ (الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُودَعِ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَدِيعَةَ فِي الِاصْطِلَاحِ هِيَ التَّسْلِيطُ عَلَى الْحِفْظِ وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْعَقْدِ، وَالْأَمَانَةُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهَا قَدْ تَكُونُ بِغَيْرِ عَقْدٍ كَمَا إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ فِي ثَوْبٍ فَأَلْقَتْهُ فِي بَيْتِ غَيْرِهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جَازَ حَمْلُ الْأَعَمِّ عَلَى الْأَخَصِّ، الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُودَعِ (إذَا هَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ، وَلَا عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ» ) وَالْغُلُولُ وَالْإِغْلَالُ: الْخِيَانَةُ إلَّا أَنَّ الْغُلُولَ فِي الْمَغْنَمِ خَاصَّةً وَالْإِغْلَالُ عَامٌّ قِيلَ فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَوْلُ شُرَيْحٍ لَيْسَ بِحَدِيثٍ مَرْفُوعٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مُسْنَدٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَلِأَنَّ شَرْعِيَّتَهَا لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا، فَلَوْ ضَمَّنَّا الْمُودَعَ امْتَنَعَ النَّاسُ عَنْ قَبُولِهَا، وَفِي ذَلِكَ تَعْطِيلٌ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ) قَالَ (وَلِلْمُودَعِ أَنْ يَحْفَظَهَا بِنَفْسِهِ وَبِمَنْ فِي عِيَالِهِ) قَالُوا الْمُرَادُ بِهِ مَنْ يُسَاكِنُهُ لَا الَّذِي يَكُونُ فِي نَفَقَةِ الْمُودَعِ فَحَسْبُ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أُودِعَ عِنْدَهَا شَيْءٌ جَازَ لَهَا أَنْ تَدْفَعَ إلَى زَوْجِهَا، وَابْنُ الْمُودَعِ الْكَبِيرُ إذَا كَانَ يُسَاكِنُهُ وَلَمْ يَكُنْ فِي نَفَقَتِهِ وَتَرَكَهُ الْأَبُ فِي بَيْتٍ فِيهِ الْوَدِيعَةُ لَمْ يَضْمَنْ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَعْلَمْ بِمَنْ فِي عِيَالِهِ الْخِيَانَةَ، فَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ وَحَفِظَ بِهِمْ ضَمِنَ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُنْهَ عَنْ الدَّفْعِ إلَيْهِمْ (لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَلْتَزِمُ حِفْظَ مَالِ غَيْرِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَحْفَظُ مَالَ نَفْسِهِ) وَهُوَ إنَّمَا يَحْفَظُ مَالَهُ بِمَنْ فِي عِيَالِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِمْ الْوَدِيعَةَ، وَعَنْ هَذَا قِيلَ الْعِيَالُ لَيْسَ بِشَرْطٍ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمُودَعَ إذَا دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى وَكِيلِهِ وَهُوَ لَيْسَ فِي عِيَالِهِ أَوْ دَفَعَ إلَى أَمِينٍ مِنْ أُمَنَائِهِ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ فِي مَالِهِ وَلَيْسَ فِي عِيَالِهِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَوْثُوقًا بِهِ فِي مَالِهِ كَانَ فِي الْوَدِيعَةِ كَذَلِكَ

وَلِأَنَّهُ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ الدَّفْعِ إلَى عِيَالِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ مُلَازَمَةُ بَيْتِهِ وَلَا اسْتِصْحَابُ الْوَدِيعَةِ فِي خُرُوجِهِ فَكَانَ الْمَالِكُ رَاضِيًا بِهِ (فَإِنْ حَفِظَهَا بِغَيْرِهِمْ أَوْ أَوْدَعَهَا غَيْرَهُمْ ضَمِنَ) لِأَنَّ الْمَالِكَ رَضِيَ بِيَدِهِ لَا بِيَدِ غَيْرِهِ، وَالْأَيْدِي تَخْتَلِفُ فِي الْأَمَانَةِ، وَلِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ كَالْوَكِيلِ لَا يُوَكِّلُ غَيْرَهُ، وَالْوَضْعُ فِي حِرْزِ غَيْرِهِ إيدَاعٌ، إلَّا إذَا اسْتَأْجَرَ الْحِرْزَ فَيَكُونُ حَافِظًا بِحِرْزِ نَفْسِهِ. قَالَ (إلَّا أَنْ يَقَعَ فِي دَارِهِ حَرِيقٌ فَيُسَلِّمَهَا إلَى جَارِهِ أَوْ يَكُونَ فِي سَفِينَةٍ فَخَافَ الْغَرَقَ فَيُلْقِيَهَا إلَى سَفِينَةٍ أُخْرَى) لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِلْحِفْظِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَيَرْتَضِيهِ الْمَالِكُ، وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ يَدَّعِي ضَرُورَةً مُسْقِطَةً لِلضَّمَانِ بَعْدَ تَحَقُّقِ السَّبَبِ فَصَارَ كَمَا إذَا ادَّعَى الْإِذْنَ فِي الْإِيدَاعِ. قَالَ (فَإِنْ طَلَبَهَا صَاحِبُهَا فَحَبَسَهَا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهَا ضَمِنَهَا) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْمَنْعِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا طَالَبَهُ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِإِمْسَاكِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ) دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّهُ: أَيْ الْمُودَعَ (لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ الدَّفْعِ إلَى عِيَالِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ مُلَازَمَةُ بَيْتِهِ) لَا مَحَالَةَ (وَلَا اسْتِصْحَابَ الْوَدِيعَةِ عِنْدَ خُرُوجِهِ) وَهَذَا مَعْلُومٌ لِلْمُودَعِ (فَيَكُونُ رَاضِيًا بِهِ، فَإِنْ حَفِظَهَا بِغَيْرِهِمْ) بِأَنْ تَرَكَ بَيْتًا فِيهِ الْوَدِيعَةُ وَخَرَجَ وَفِيهِ غَيْرُ عِيَالِهِ (أَوْ أَوْدَعَهَا غَيْرَهُمْ) بِأَنْ نَقَلَهَا مِنْ بَيْتِهِ وَأَوْدَعَهَا عِنْدَ غَيْرِهِمْ (ضَمِنَ، لِأَنَّ الْمَالِكَ رَضِيَ بِيَدِهِ لَا بِيَدِ غَيْرِهِ وَ) الْحَالُ أَنَّ (الْأَيْدِيَ تَخْتَلِفُ فِي الْأَمَانَةِ) قِيلَ هَذَا يُنَاقِضُ قَوْلَهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنْ يَلْتَزِمَ حِفْظَ مَالِ غَيْرِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَحْفَظُ مَالَ نَفْسِهِ لِأَنَّ الْمُودَعَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَوْدِعَ مَالَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَمْلِكَ إيدَاعَ الْوَدِيعَةِ أَيْضًا، وَخَطَؤُهُ ظَاهِرٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ الظَّاهِرُ أَنْ يَلْتَزِمَ حِفْظَ مَالِ غَيْرِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْإِيدَاعِ، لِأَنَّ الْإِيدَاعَ اسْتِحْفَاظٌ لَا حِفْظٌ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ) قَدْ تَقَدَّمَ مَا يَرُدُّ عَلَيْهِ مِنْ النَّقْضِ بِالْمُسْتَعِيرِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ فَإِنَّ لَهُمْ وِلَايَةَ فِعْلِ مَا فُعِلَ بِهِمْ، وَالْوَعْدُ بِالْجَوَابِ فِي مَظَانِّهَا وَلَا بَأْسَ بِذَكَرِهِ هَاهُنَا إجْمَالًا، وَهُوَ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ مَالِكٌ لِلْمَنْفَعَةِ وَالْمَأْذُونُ يَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ فَيَمْلِكُ كُلٌّ مِنْهُمَا التَّمْلِيكَ (وَالْوَضْعُ فِي حِرْزِ الْغَيْرِ إيدَاعٌ) كَالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ فَيُوجِبُ الضَّمَانَ (إلَّا إذَا اسْتَأْجَرَهُ فَيَكُونُ حَافِظًا بِحِرْزِ نَفْسِهِ) (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَقَعَ فِي دَارِهِ حَرِيقٌ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ حَفِظَهَا بِغَيْرِهِمْ ضَمِنَ، فَإِذَا وَقَعَ ذَلِكَ تَعَيَّنَ التَّسْلِيمُ إلَى جَارِهِ أَوْ الْإِلْقَاءُ إلَى سَفِينَةٍ أُخْرَى طَرِيقًا لِلْحِفْظِ فَيَكُونُ مَرْضِيَّ الْمَالِكِ وَيَنْتَفِي الضَّمَانُ، لَكِنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي دَعْوَى ذَلِكَ لِادِّعَائِهِ ضَرُورَةً مُسْقِطَةً لِلضَّمَانِ بَعْدَ تَحَقُّقِ السَّبَبِ وَهُوَ التَّسْلِيمُ وَالْإِلْقَاءُ فَصَارَ كَدَعْوَى الْإِذْنِ بِالْإِيدَاعِ فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ. وَقَالَ فِي الْمُنْتَقَى: إذَا عَلِمَ احْتِرَاقَ بَيْتِهِ قُبِلَ قَوْلُهُ يَعْنِي بِلَا بَيِّنَةٍ. قَالَ (فَإِنْ طَلَبَهَا صَاحِبُهَا فَحَبَسَهَا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهَا ضَمِنَهَا إلَخْ) إذَا طَلَبَ الْمُودِعُ الْوَدِيعَةَ وَحَبَسَهَا الْمُودَعُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى التَّسْلِيمِ ضَمِنَ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ إذْ الْمُتَعَدِّي هُوَ الَّذِي يَفْعَلُ الْوَدِيعَةِ

بَعْدَهُ فَيَضْمَنُهُ بِحَبْسِهِ عَنْهُ. قَالَ (وَإِنْ خَلَطَهَا الْمُودَعُ بِمَالِهِ حَتَّى لَا تَتَمَيَّزَ ضَمِنَهَا ثُمَّ لَا سَبِيلَ لِلْمُودَعِ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: إذَا خَلَطَهَا بِجِنْسِهَا شَرِكَهُ إنْ شَاءَ) مِثْلُ أَنْ يَخْلِطَ الدَّرَاهِمَ الْبِيضَ بِالْبِيضِ وَالسُّودَ بِالسُّودِ وَالْحِنْطَةَ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ. لَهُمَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَى عَيْنِ حَقِّهِ صُورَةً وَأَمْكَنَهُ مَعْنًى بِالْقِسْمَةِ فَكَانَ اسْتِهْلَاكًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ. وَلَهُ أَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّهُ فِعْلٌ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْوُصُولُ إلَى عَيْنِ حَقِّهِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْقِسْمَةِ لِأَنَّهَا مِنْ مُوجِبَاتِ الشَّرِكَةِ فَلَا تَصْلُحُ مُوجِبَةً لَهَا، وَلَوْ أَبْرَأَ الْخَالِطَ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْمَخْلُوطِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ إلَّا فِي الدَّيْنِ وَقَدْ سَقَطَ، وَعِنْدَهُمَا بِالْإِبْرَاءِ تَسْقُطُ خِيرَةُ الضَّمَانِ فَيَتَعَيَّنُ الشَّرِكَةُ فِي الْمَخْلُوطِ، وَخَلْطُ الْخَلِّ بِالزَّيْتِ وَكُلِّ مَائِعٍ بِغَيْرِ جِنْسِهِ يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّ الْمَالِكِ إلَى الضَّمَانِ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ صُورَةً وَكَذَا مَعْنًى لِتَعَذُّرِ الْقِسْمَةِ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ خَلْطُ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَخْلُو عَنْ حَبَّاتِ الْآخَرِ فَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ وَالْقِسْمَةُ. وَلَوْ خَلَطَ الْمَائِعَ بِجِنْسِهِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ إلَى ضَمَانٍ لِمَا ذَكَرْنَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُجْعَلُ الْأَقَلُّ تَابِعًا لِلْأَكْثَرِ اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ أَجْزَاءً، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ شَرِكَهُ بِكُلِّ حَالِ لِأَنَّ الْجِنْسَ لَا يَغْلِبُ الْجِنْسَ عِنْدَهُ عَلَى مَا مَرَّ فِي الرَّضَاعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا لَا يَرْضَى بِهِ الْمُودَعُ فَإِذَا طَلَبَهُ لَمْ يَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ بِإِمْسَاكِهِ وَقَدْ حَبَسَهُ فَصَارَ ضَامِنًا وَالْخَلْطُ النَّافِي لِلتَّمْيِيزِ تَعَدٍّ فَيُوجِبُ الضَّمَانَ وَيَقْطَعُ الشَّرِكَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: إنْ خَلَطَ بِالْجِنْسِ شَرِكَهُ إنْ شَاءَ، مِثْلُ أَنْ يَخْلِطَ الدَّرَاهِمَ الْبِيضَ بِمِثْلِهَا وَالسُّودَ بِمِثْلِهَا وَالْحِنْطَةَ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ وَإِلَّا تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَى حَقِّهِ صُورَةً وَأَمْكَنَهُ مَعْنًى بِالْقِسْمَةِ، وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ اسْتِهْلَاكٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ مَعَهُ إلَى عَيْنِ حَقِّهِ وَهَذَا مُسَلَّمٌ عِنْدَ الْخَصْمِ (قَوْلُهُ وَأَمْكَنَهُ مَعْنًى) غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ بِالْقِسْمَةِ وَهِيَ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرِكَةِ (فَلَا تَصْلُحُ مُوجِبَةً لَهَا) لِئَلَّا يَنْقَلِبَ الْمَعْلُولُ عِلَّةً (وَلَوْ أَبْرَأَ) الْمَالِكُ (الْخَالِطَ سَقَطَ حَقُّهُ عَنْ ذِمَّةِ الْمُودَعِ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ إلَّا فِي الدَّيْنِ وَقَدْ أُسْقِطَ وَعِنْدَهُمَا تَسْقُطُ خِيَرَةُ الضَّمَانِ لِتَعَيُّنِ الدَّيْنِ لِصَرْفِ الْإِبْرَاءِ إلَيْهِ فَتَبْقَى الشَّرِكَةُ فِي الْمَخْلُوطِ وَ) إنْ خَلَطَ الْمَائِعَ بِغَيْرِ الْجِنْسِ كَ (خَلْطِ الْحُلِّ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ دُهْنُ السِّمْسِمِ (بِزَيْتِ الزَّيْتُونِ) صَارَ مَذْهَبُهُمَا كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فَ (يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّ الْمَالِكِ إلَى الضَّمَانِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ صُورَةً) وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَمَعْنًى لِتَعَذُّرِ الْقِسْمَةِ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ) لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْقِسْمَةِ بِالْإِفْرَازِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ (وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ) أَيْ مِنْ قَبِيلِ انْقِطَاعِ حَقِّ الْمَالِكِ بِالْإِجْمَاعِ (خَلْطُ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ فِي الصَّحِيحِ) وَقَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ إنَّ الْجَوَابَ فِي ذَلِكَ كَالْجَوَابِ فِي خَلْطِ الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ فَكَانَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ (لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَخْلُو عَنْ حَبَّاتِ الْآخَرِ فَيَتَعَذَّرُ التَّمْيِيزُ) صُورَةً وَمَعْنًى (وَإِنْ خَلَطَ الْمَائِعَ بِجِنْسِهِ أَوْجَبَ الضَّمَانَ عِنْدَهُ لِمَا ذَكَرْنَا) مِنْ الِاسْتِهْلَاكِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُجْعَلُ الْأَقَلُّ تَابِعًا لِلْأَكْثَرِ) فَيَكُونُ الْمَخْلُوطُ لِصَاحِبِ الْكَثِيرِ وَيَضْمَنُ لِصَاحِبِ الْقَلِيلِ (اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ أَجْزَاءً وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ شَرِكَهُ بِكُلِّ حَالٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْخَلْطُ بِالْقَلِيلِ أَوْ بِغَيْرِهِ (لِأَنَّ الْجِنْسَ لَا يَغْلِبُ الْجِنْسَ عِنْدَهُ لِمَا مَرَّ فِي الرَّضَاعِ) إذَا جُمِعَ بَيْنَ لَبَنِ

وَنَظِيرُهُ خَلْطُ الدَّرَاهِمِ بِمِثْلِهَا إذَابَةً لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَائِعًا بِالْإِذَابَةِ. قَالَ (وَإِنْ اخْتَلَطَتْ بِمَالِهِ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ فَهُوَ شَرِيكٌ لِصَاحِبِهَا) كَمَا إذَا انْشَقَّ الْكِيسَانِ فَاخْتَلَطَا لِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُهَا لِعَدَمِ الصُّنْعِ مِنْهُ فَيَشْتَرِكَانِ وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ. قَالَ (فَإِنْ أَنْفَقَ الْمُودَعُ بَعْضَهَا ثُمَّ رَدَّ مِثْلَهُ فَخَلَطَهَا بِالْبَاقِي ضَمِنَ الْجَمِيعَ) لِأَنَّهُ خَلَطَ مَالَ غَيْرِهِ بِمَالِهِ فَيَكُونُ اسْتِهْلَاكًا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تَقَدَّمَ. قَالَ (وَإِذَا تَعَدَّى الْمُودَعُ فِي الْوَدِيعَةِ بِأَنْ كَانَتْ دَابَّةً فَرَكِبَهَا أَوْ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ أَوْ عَبْدًا فَاسْتَخْدَمَهُ أَوْ أَوْدَعَهَا غَيْرَهُ ثُمَّ أَزَالَ التَّعَدِّيَ فَرَدَّهَا إلَى يَدِهِ زَالَ الضَّمَانُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ لِأَنَّ عَقْدَ الْوَدِيعَةِ ارْتَفَعَ حِينَ صَارَ ضَامِنًا لِلْمُنَافَاةِ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِالرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ وَلَنَا أَنَّ الْأَمْرَ بَاقٍ لِإِطْلَاقِهِ، وَارْتِفَاعُ حُكْمِ الْعَقْدِ ضَرُورَةَ ثُبُوتِ نَقِيضِهِ، فَإِذَا ارْتَفَعَ عَادَ حُكْمُ الْعَقْدِ، كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِلْحِفْظِ شَهْرًا فَتَرَكَ الْحِفْظَ فِي بَعْضِهِ ثُمَّ حَفِظَ فِي الْبَاقِي ـــــــــــــــــــــــــــــQامْرَأَتَيْنِ فِي قَدَحٍ وَصُبَّ فِي حَلْقِ رَضِيعٍ يَثْبُتُ الرَّضَاعُ مِنْهُمَا جَمِيعًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ (وَنَظِيرُهُ خَلْطُ الدَّرَاهِمِ بِمِثْلِهَا إذَابَةً لِصَيْرُورَتِهِ مَائِعًا بِالْإِذَابَةِ) (وَإِنْ اخْتَلَطَتْ بِمَالِ الْمُودَعِ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ، كَمَا لَوْ انْشَقَّ الْكِيسَانِ فَاخْتَلَطَا صَارَا شَرِيكَيْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ) فَإِنْ هَلَكَ الْبَعْضُ كَانَ مِنْ مَالِهِمَا جَمِيعًا إذْ الْأَصْلُ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ أَنْ يَكُونَ الْهَالِكُ مِنْ مَالِهِمَا وَالْبَاقِي عَلَى الشَّرِكَةِ (فَإِنْ أَنْفَقَ الْمُودَعُ بَعْضَهَا ثُمَّ رَدَّ مِثْلَهُ فَخَلَطَهُ بِالْبَاقِي ضَمِنَ الْجَمِيعَ) الْبَعْضَ بِالِاسْتِهْلَاكِ اتِّفَاقًا وَالْبَعْضَ بِهِ خَلْطًا. لَا يُقَالُ: فَاجْعَلْ الرَّدَّ قَضَاءً لَا خَلْطًا لِعَدَمِ تَفَرُّدِهِ بِالْقَضَاءِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ، وَلَوْ لَمْ يَرُدَّ مَا أَنْفَقَ كَانَ ضَامِنًا لِمَا أَنْفَقَ دُونَ مَا بَقِيَ مِنْهَا لِبَقَاءِ الْحِفْظِ فِيهِ وَبِمَا أَنْفَقَ لَمْ يَتَعَيَّبْ الْبَاقِي، فَإِنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ إذْ الْكَلَامُ فِيهِ، وَإِنْ أَخَذَ وَلَمْ يُنْفِقْ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَرَدَّهُ إلَى مَوْضِعِهِ فَهَلَكَتْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ أَخْذَهُ لَمْ يُنَافِ الْحِفْظَ، وَبِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لَا يَصِيرُ ضَامِنًا، كَمَا لَوْ نَوَى أَنْ يَغْصِبَ مَالَ إنْسَانٍ وَلَمْ يَفْعَلْ. قَالَ (وَإِذَا تَعَدَّى الْمُودَعُ فِي الْوَدِيعَةِ إلَخْ) وَإِذَا تَعَدَّى الْمُودَعُ فِي الْوَدِيعَةِ فَرَكِبَ الدَّابَّةَ أَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ أَوْ اسْتَخْدَمَ الْعَبْدَ أَوْ أَوْدَعَهَا عِنْدَ غَيْرِهِ ثُمَّ أَزَالَ التَّعَدِّيَ فَرَدَّهَا إلَى يَدِهِ زَالَ الضَّمَانُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ لِأَنَّ عَقْدَ الْوَدِيعَةِ ارْتَفَعَ حِينَ صَارَ ضَامِنًا، لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ لِكَوْنِهَا أَمَانَةً تُنَافِي الضَّمَانَ، وَإِذَا ثَبَتَ الضَّمَانُ انْتَفَى الْمُنَافِي الْآخَرُ وَهُوَ الْوَدِيعَةُ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِالرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ. وَلَنَا أَنَّ الْأَمْرَ بَاقٍ لِإِطْلَاقِهِ عَنْ التَّقْيِيدِ بِوَقْتٍ فَيُوجِبُ بَقَاءَ الْمَأْمُورِ بِهِ وَهُوَ الْحِفْظُ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ، وَارْتِفَاعُ حُكْمِ الْعَقْدِ وَهُوَ الْحِفْظُ الْمَذْكُورُ ضَرُورَةَ ثُبُوتِ نَقِيضِهِ وَهُوَ الْأَمَانَةُ بِالْمُخَالَفَةِ، وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ وَهِيَ تَنْدَفِعُ بِإِثْبَاتِهِ مَا دَامَتْ الْمُخَالَفَةُ بَاقِيَةً فَلَا يَتَعَدَّى إلَى مَا بَعْدَ ارْتِفَاعِهِ، فَإِذَا ارْتَفَعَ عَادَ حُكْمُ الْعَقْدِ. وَعُورِضَ بِأَنَّ الْأَمْرَ بَاقٍ فَيَكُونُ مَأْمُورًا بِدَوَامِ الْحِفْظِ، وَمَا هَذَا شَأْنُهُ فَالْمُخَالَفَةُ فِيهِ رَدٌّ لِلْأَمْرِ مِنْ الْأَصْلِ كَالْجُحُودِ فَلَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ بِرَفْعِ الْمُخَالَفَةِ كَالِاعْتِرَافِ بَعْدَ الْجُحُودِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِيهِ رَدٌّ لَهُ مِنْ الْأَصْلِ لِأَنَّ بُطْلَانَ الشَّيْءِ إنَّمَا يَكُونُ بِمَا هُوَ مَوْضُوعٌ لِإِبْطَالِهِ أَوْ بِمَا يُنَافِيهِ، وَالْمُخَالَفَةُ بِالِاسْتِعْمَالِ لَيْسَتْ بِمَوْضُوعَةٍ لِإِبْطَالِ الْإِيدَاعِ وَلَا تُنَافِيهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْحِفْظِ مَعَ الِاسْتِعْمَالِ صَحِيحٌ ابْتِدَاءً بِأَنْ يَقُولَ لِلْغَاصِبِ أَوْدَعْتُك وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ، بِخِلَافِ الْجُحُودِ فَإِنَّهُ قَوْلٌ مَوْضُوعٌ لِلرَّدِّ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَدًّا لِقَوْلِ مِثْلِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْجُحُودَ فِي أَوَامِرِ الشَّرْعِ رَدٌّ لَهَا يَكْفُرُ بِهِ وَالْمُخَالَفَةُ بِتَرْكِ صَلَاةٍ أَوْ صَوْمٍ مَأْمُورٌ بِهِ لَيْسَتْ بِرَدٍّ وَلِهَذَا لَا يَكْفُرُ بِهَا (قَوْلُهُ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ) تَنْظِيرٌ لِمَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ بِالِاسْتِئْجَارِ فَإِنَّ الْمُخَالَفَةَ تَرْكُ الْحِفْظِ فِي بَعْضِ أَوْقَاتِ كَوْنِهَا وَدِيعَةً، فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِلْحِفْظِ شَهْرًا فَتَرَكَ الْحِفْظَ فِي بَعْضِهِ ثُمَّ عَادَ إلَى الْحِفْظِ فِي الْبَاقِي فَإِنَّهُ تَرَكَ الْحِفْظَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَلَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ أَمِينًا.

فَحَصَلَ الرَّدُّ إلَى نَائِبِ الْمَالِكِ. قَالَ (فَإِنْ طَلَبَهَا صَاحِبُهَا فَجَحَدَهَا ضَمِنَهَا) لِأَنَّهُ لَمَّا طَالَبَهُ بِالرَّدِّ فَقَدْ عَزَلَهُ عَنْ الْحِفْظِ فَبَعْدَ ذَلِكَ هُوَ بِالْإِمْسَاكِ غَاصِبٌ مَانِعٌ فَيَضْمَنُهَا، فَإِنْ عَادَ إلَى الِاعْتِرَافِ لَمْ يَبْرَأْ عَنْ الضَّمَانِ لِارْتِفَاعِ الْعَقْدِ، إذْ الْمُطَالَبَةُ بِالرَّدِّ رَفْعٌ مِنْ جِهَتِهِ وَالْجُحُودُ فَسْخٌ مِنْ جِهَةِ الْمُودَعِ كَجُحُودِ الْوَكِيلِ الْوَكَالَةَ وَجُحُودِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْبَيْعَ فَتَمَّ الرَّفْعُ، أَوْ لِأَنَّ الْمُودَعَ يَنْفَرِدُ بِعَزْلِ نَفْسِهِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْمُسْتَوْدِعِ كَالْوَكِيلِ يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ، وَإِذَا ارْتَفَعَ لَا يَعُودُ إلَّا بِالتَّجْدِيدِ فَلَمْ يُوجَدْ الرَّدُّ إلَى نَائِبِ الْمَالِكِ، بِخِلَافِ الْخِلَافِ ثُمَّ الْعَوْدِ إلَى الْوِفَاقِ، وَلَوْ جَحَدَهَا عِنْدَ غَيْرِ صَاحِبِهَا لَا يَضْمَنُهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّ الْجُحُودَ عِنْدَ غَيْرِهِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ لِأَنَّ فِيهِ قَطْعَ طَمَعِ الطَّامِعِينَ، وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْهُ أَوْ طَلَبِهِ فَبَقِيَ الْأَمْرُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِحَضْرَتِهِ. قَالَ (وَلِلْمُودَعِ أَنْ يُسَافِرَ الْوَدِيعَةِ وَإِنْ كَانَ لَهَا حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ لَهَا حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذَا التَّنْظِيرَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، لِأَنَّ بَقَاءَ كَوْنِهِ أَمِينًا بِاعْتِبَارِ أَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ عَقْدٌ لَازِمٌ فَلَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعَقْدَ اللَّازِمَ وَغَيْرَ اللَّازِمِ فِي الِانْتِقَاضِ بِعَدَمِ تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ بِالِاتِّفَاقِ كَالْإِجَارَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةُ تَنْتَقِضُ بِعَدَمِ تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ثُمَّ فِي الِاسْتِئْجَارِ وَرُدَّ الْعَقْدُ عَلَى مَنْفَعَةِ الْحَافِظِ فِي الْمُدَّةِ وَالْمَنْفَعَةُ تَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَبِتَرْكِ الْحِفْظِ فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ يَبْطُلُ الْعَقْدُ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ وَيَكُونُ بَاقِيًا لِبَقَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَكَذَا فِي الْحِفْظِ بِغَيْرِ بَدَلٍ. وَقَوْلُهُ (فَحَصَلَ الرَّدُّ إلَى نَائِبِ الْمَالِكِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِالرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُودَعَ نَائِبُ الْمَالِكِ، فَإِذَا ارْتَفَعَتْ الْمُخَالَفَةُ وَعَادَ مُودَعًا حَصَلَ الرَّدُّ إلَى نَائِبِ الْمَالِكِ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ طَلَبَهَا صَاحِبُهَا إلَخْ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ جَحَدَهَا عِنْدَ غَيْرِ صَاحِبِهَا) كَأَنْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ مَا حَالُ وَدِيعَةِ فُلَانٍ؟ فَقَالَ لَيْسَ لَهُ عِنْدِي وَدِيعَةٌ (لَا يَضْمَنُهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَكَذَا لَوْ جَحَدَهَا عِنْدَ صَاحِبِهَا مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ مِنْهُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: مَا حَالُ وَدِيعَتِي عِنْدَك؟ فَقَالَ لَيْسَ لَك عِنْدِي وَدِيعَةٌ (خِلَافًا لِزُفَرَ) وَإِنَّمَا ذَكَرَ خِلَافَهُمَا فَحَسْبُ، وَإِنْ كَانَ عَدَمُ وُجُوبِ الضَّمَانِ قَوْلَ الْعُلَمَاءِ الثَّلَاثَةِ. قِيلَ لِأَنَّ هَذَا الْفَصْلَ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي الْمَبْسُوطِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ فَذَكَرَ كَذَلِكَ. وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ الْجُحُودَ سَبَبٌ لِلضَّمَانِ سَوَاءٌ كَانَ عِنْدَ الْمَالِكِ أَوْ لَا كَالْإِتْلَافِ حَقِيقَةً. وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ لِأَنَّ فِيهِ قَطْعَ طَمَعِ الطَّامِعِينَ. قَالَ (وَلِلْمُودَعِ أَنْ يُسَافِرَ الْوَدِيعَةِ إلَخْ) وَلِلْمُودَعِ أَنْ يُسَافِرَ الْوَدِيعَةِ وَإِنْ كَانَ لَهَا حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ قَالُوا إذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا، فَإِنْ كَانَ مَخُوفًا ضَمِنَ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِذَا كَانَ آمِنًا وَلَهُ بُدٌّ مِنْ السَّفَرِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَسَافَرَ بِأَهْلِهِ لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ سَافَرَ بِنَفْسِهِ ضَمِنَ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ تَرْكُهَا فِي أَهْلِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ السَّفَرِ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ، وَقَالَا: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ لَهَا حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الْحَمْلِ وَالْمُؤْنَةِ، لَكِنْ قِيلَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ بَعِيدًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِي الْوَجْهَيْنِ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ لَهَا حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ أَوْ لَا. لِأَبِي حَنِيفَةَ إطْلَاقُ الْأَمْرِ لِأَنَّ الْآمِرَ أَمَرَهُ بِالْحِفْظِ مُطْلَقًا فَلَا يَتَقَيَّدُ بِمَكَانٍ كَمَا لَا يَتَقَيَّدُ بِزَمَانٍ. فَإِنْ قِيلَ: سَلَّمْنَا أَنَّ إطْلَاقَ الْأَمْرِ يَقْتَضِي الْجَوَازَ لَكِنَّ الْمَانِعَ عَنْهُ مُتَحَقِّقٌ وَهُوَ كَوْنُ الْمَفَازَةِ لَيْسَ مَحَلًّا لِلْحِفْظِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ وَالْمَفَازَةُ مَحَلٌّ لِلْحِفْظِ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا، وَلِهَذَا: أَيْ وَلِكَوْنِ الْمَفَازَةِ مَحَلًّا لِلْحِفْظِ يَمْلِكُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ الْمُسَافَرَةَ بِمَالِ الصَّبِيِّ، فَلَوْ كَانَ التَّلَفُ مَضْمُونًا لَمَا جَازَ لَهُمَا ذَلِكَ، قِيلَ مُسَافَرَةُ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ بِمَالِ الصَّبِيِّ لِلتِّجَارَةِ وَالنَّاسُ يُخَاطِرُونَ بِالتِّجَارَةِ لِطَمَعِ الرِّبْحِ وَلَيْسَ لِلْمُودَعِ حَقُّ التَّصَرُّفِ وَالِاسْتِرْبَاحِ فِي الْوَدِيعَةِ

فِي الْوَجْهَيْنِ، لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إطْلَاقُ الْأَمْرِ، وَالْمَفَازَة مَحَلٌّ لِلْحِفْظِ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ فِي مَالِ الصَّبِيِّ. وَلَهُمَا أَنَّهُ تَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ الرَّدِّ فِيمَا لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَرْضَى بِهِ فَيَتَقَيَّدُ، وَالشَّافِعِيُّ يُقَيِّدُهُ بِالْحِفْظِ الْمُتَعَارَفِ وَهُوَ الْحِفْظُ فِي الْأَمْصَارِ وَصَارَ كَالِاسْتِحْفَاظِ بِأَجْرٍ. قُلْنَا: مُؤْنَةُ الرَّدِّ تَلْزَمُهُ فِي مِلْكِهِ ضَرُورَةَ امْتِثَالِ أَمْرِهِ فَلَا يُبَالِي بِهِ وَالْمُعْتَادُ كَوْنُهُمْ فِي الْمِصْرِ لَا حِفْظُهُمْ، وَمَنْ يَكُونُ فِي الْمَفَازَةِ يَحْفَظُ مَالَهُ فِيهَا، بِخِلَافِ الِاسْتِحْفَاظِ بِأَجْرٍ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَقْتَضِي التَّسْلِيمَ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ (وَإِذَا نَهَاهُ الْمُودِعُ أَنْ يَخْرُجَ الْوَدِيعَةِ فَخَرَجَ بِهَا ضَمِنَ) لِأَنَّ التَّقْيِيدَ مُفِيدٌ إذْ الْحِفْظُ فِي الْمِصْرِ أَبْلَغُ فَكَانَ صَحِيحًا. قَالَ (وَإِذَا أَوْدَعَ رَجُلَانِ عِنْدَ رَجُلٍ وَدِيعَةً فَحَضَرَ أَحَدُهُمَا وَطَلَبَ نَصِيبَهُ مِنْهَا لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ حَتَّى يَحْضُرَ الْآخَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَدْفَعُ إلَيْهِ نَصِيبَهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا يَكُونُ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى الْمُودَعِ صَحِيحًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ تَوْضِيحٌ لِلِاسْتِدْلَالِ، وَلَئِنْ كَانَ اسْتِدْلَالًا فَهُوَ صَحِيحٌ لِأَنَّ وِلَايَتَهُمَا عَلَى مَالِ الصَّبِيِّ نَظَرِيَّةٌ. وَأَوْلَى وُجُوهِ النَّظَرِ رِعَايَتُهُ عَنْ مَوَاضِعِ التَّلَفِ، فَلَوْ كَانَ فِي السَّفَرِ وَهْمُ التَّلَفِ لَمَا جَازَ، وَحَيْثُ جَازَ بِالِاتِّفَاقِ انْتَفَى وَهْمُ التَّلَفِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ تَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ الرَّدِّ لِأَنَّ الْمُودَعَ يَجُوزُ أَنْ يَمُوتَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ فَيَلْزَمُ الْمَالِكَ مُؤْنَةُ الرَّدِّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَرْضَى بِهِ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ، لَكِنَّ أَبَا يُوسُفَ جَعَلَ السَّفَرَ الْقَرِيبَ عَفْوًا قِيَاسًا عَلَى الْغَبَنِ الْيَسِيرِ فِي التِّجَارَاتِ، وَالشَّافِعِيُّ يُقَيِّدُهُ بِالْحِفْظِ الْمُتَعَارَفِ وَهُوَ الْحِفْظُ فِي الْأَمْصَارِ وَجَعَلَهُ كَالِاسْتِحْفَاظِ بِالْأَجْرِ، فَإِنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَ رَجُلًا شَهْرًا بِدِرْهَمٍ لِيَحْفَظَ مَالَهُ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ السَّفَرَ بِذَلِكَ الْمَالِ، وَإِنْ سَافَرَ ضَمِنَ (قَوْلُهُ قُلْنَا مُؤْنَةُ الرَّدِّ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا وَتَقْرِيرُهُ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُؤْنَةَ تَلْحَقُ الْمَالِكَ لَكِنَّهُ لَيْسَ لِمَعْنًى مِنْ قِبَلِ الْمُودَعِ بَلْ مِنْ حَيْثُ ضَرُورَةُ امْتِثَالِ الْمُودَعِ أَمْرَهُ فَإِنَّهُ أَمَرَهُ مُطْلَقًا وَهُوَ لَا يَتَقَيَّدُ بِمَكَانٍ، فَهُوَ لِمَعْنًى رَاجِعٍ إلَى الْمَالِكِ فَلَا يُبَالِي بِهِ. وَقَوْلُهُ (وَالْمُعْتَادُ كَوْنُهُمْ فِي الْمِصْرِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: يَعْنِي أَنَّ الْمُعْتَادَ كَوْنُ الْمُودَعِينَ وَقْتَ الْإِيدَاعِ فِي الْمِصْرِ (لَا حِفْظُهُمْ، فَإِنَّ مَنْ كَانَ فِي الْمَفَازَةِ يَحْفَظُ مَالَهُ فِيهَا) وَلَا يَنْقُلُهُ إلَى الْأَمْصَارِ (بِخِلَافِ الِاسْتِحْفَاظِ بِالْأَجْرِ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَقْتَضِي التَّسْلِيمَ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ، وَإِذَا نَهَاهُ الْمَالِكُ أَنْ يَخْرُجَ الْوَدِيعَةِ فَخَرَجَ بِهَا ضَمِنَ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ مُفِيدٌ، إذْ الْحِفْظُ فِي الْمِصْرِ أَبْلَغُ فَكَانَ صَحِيحًا) قَالَ (وَإِذَا أَوْدَعَ رَجُلَانِ عِنْدَ رَجُلٍ وَدِيعَةً إلَخْ) إذَا تَعَدَّدَ الْمُودِعُ وَطَلَبَ بَعْضُهُمْ نَصِيبَهُ مِنْهَا فِي غَيْبَةِ الْبَاقِينَ لَمْ يُجْبَرْ الْمُودَعُ عَلَى الدَّفْعِ إلَيْهِ حَتَّى يَحْضُرَ الْبَاقِي. وَقَالَا: يَدْفَعُ إلَيْهِ نَصِيبَهُ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ قِسْمَةً عَلَى الْغَائِبِ، حَتَّى أَنَّ الْبَاقِيَ إنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُودَعِ كَانَ لِلْغَائِبِ أَنْ يُشَارِكَ الْقَابِضَ فِيمَا قَبَضَ. وَذَكَرَ رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِيَدُلَّ بِوَضْعِهِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ

وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: ثَلَاثَةٌ اسْتَوْدَعُوا رَجُلًا أَلْفًا فَغَابَ اثْنَانِ فَلَيْسَ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ عِنْدَهُ، وَقَالَا: لَهُ ذَلِكَ، وَالْخِلَافُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْمَذْكُورِ فِي الْمُخْتَصَرِ. لَهُمَا أَنَّهُ طَالَبَهُ بِدَفْعِ نَصِيبِهِ فَيُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ كَمَا فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِتَسْلِيمِ مَا سَلَّمَ إلَيْهِ وَهُوَ النِّصْفُ، وَهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ فَكَذَا يُؤْمَرُ هُوَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ طَالَبَهُ بِدَفْعِ نَصِيبِ الْغَائِبِ لِأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِالْمُفْرَزِ وَحَقِّهِ فِي الْمُشَاعِ، وَالْمُفْرَزُ الْمُعَيَّنُ يَشْتَمِلُ عَلَى الْحَقَّيْنِ، وَلَا يَتَمَيَّزُ حَقُّهُ إلَّا بِالْقِسْمَةِ، وَلَيْسَ لِلْمُودَعِ وِلَايَةُ الْقِسْمَةِ وَلِهَذَا لَا يَقَعُ دَفْعُهُ قِسْمَةً بِالْإِجْمَاعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَوْضِعِ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ مِنْ قَوْلِهِ وَدِيعَةُ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ الْأَلْفُ وَهُوَ مَوْزُونٌ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ الْخِلَافَ فِيمَا يُقْسَمُ وَمَا لَا يُقْسَمُ. قَالَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ: إنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الصَّحِيحُ حَتَّى إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مِنْ الثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَالْعَبِيدِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَحِكَايَةُ الْحَمَّامِيِّ فِي الْمَسْأَلَةِ مَشْهُورَةٌ: لَهُمَا أَنَّهُ طَالَبَهُ بِدَفْعِ نَصِيبِهِ فَيُؤْمَرُ

بِخِلَافِ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ لِأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِتَسْلِيمِ حَقِّهِ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا. قَوْلُهُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالدَّفْعِ إلَيْهِ كَمَا فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِتَسْلِيمِ مَا سَلَّمَ إلَيْهِ وَهُوَ النِّصْفُ، وَمَنْ طَلَبَ مَا سَلَّمَ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْمُودَعِ بِالِاتِّفَاقِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ طَالَبَهُ بِتَسْلِيمِ نَصِيبِهِ بَلْ بِدَفْعِ نَصِيبِ الْغَائِبِ لِأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِالْمُفْرِزِ وَحَقُّهُ لَيْسَ فِيهِ، لِأَنَّ الْمُفْرَزَ الْمُعَيَّنَ يَشْتَمِلُ عَلَى الْحَقَّيْنِ وَلَا يَتَمَيَّزُ حَقُّهُ إلَّا بِالْقِسْمَةِ، وَلَيْسَ لِلْمُودَعِ وِلَايَةُ الْقِسْمَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَكِيلٍ فِي ذَلِكَ، وَلِهَذَا لَا يَقَعُ دَفْعُهُ قِسْمَةً بِالْإِجْمَاعِ، بِخِلَافِ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ لِأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِتَسْلِيمِ حَقِّهِ: أَيْ حَقِّ الْمَدْيُونِ، لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَلَا يَكُونُ هَذَا تَصَرُّفًا فِي حَقِّ الْغَيْرِ بَلْ الْمَدْيُونُ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ نَفْسِهِ فَيَجُوزُ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُؤْمَرُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ بِالدَّفْعِ إلَى مَنْ لَا يَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ. وَالْحَقُّ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي حَقِّهِ لِلشَّرِيكِ لَا لِلْمَدْيُونِ كَمَا وَقَعَ فِي الشُّرُوحِ، وَمَعْنَاهُ لِأَنَّ الشَّرِيكَ يُطَالِبُ الْمَدْيُونَ بِتَسْلِيمِ حَقِّهِ: أَيْ بِقَضَاءِ حَقِّهِ، وَحَقُّهُ مِنْ حَيْثُ الْقَضَاءُ لَيْسَ بِمُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا، وَالْمِثْلُ مَالُ الْمَدْيُونِ لَيْسَ بِمُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا وَالْقَضَاءُ إنَّمَا يَقَعُ بِالْمُقَاصَّةِ. وَقَوْلُهُ (لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ، وَتَقْرِيرُهُ جَوَازُ الْأَخْذِ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يُجْبَرَ الْمُودَعُ عَلَى الدَّفْعِ، إذْ الْجَبْرُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِ الْجَوَازِ: يَعْنِي مِنْ لَوَازِمِهِ لِانْفِكَاكِهِ عَنْهُ، كَمَا إذَا كَانَتْ لَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً عِنْدَ إنْسَانٍ وَعَلَيْهِ أَلْفٌ لِغَيْرِهِ فَلِغَرِيمِهِ: أَيْ لِغَرِيمِ الْمُودِعِ

قُلْنَا: لَيْسَ مِنْ ضَرُورَتِهِ أَنْ يُجْبَرَ الْمُودَعُ عَلَى الدَّفْعِ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً عِنْدَ إنْسَانٍ وَعَلَيْهِ أَلْفٌ لِغَيْرِهِ فَلِغَرِيمِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ إذَا ظَفِرَ بِهِ، وَلَيْسَ لِلْمُودَعِ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ. قَالَ (وَإِنْ أَوْدَعَ رَجُلٌ عِنْدَ رَجُلَيْنِ شَيْئًا مِمَّا يُقْسَمُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَدْفَعَهُ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ وَلَكِنَّهُمَا يَقْتَسِمَانِهِ فَيَحْفَظُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُقْسَمُ جَازَ أَنْ يَحْفَظَ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَهُ فِي الْمُرْتَهِنَيْنِ وَالْوَكِيلَيْنِ بِالشِّرَاءِ إذَا سَلَّمَ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ. وَقَالَا: لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَحْفَظَ بِإِذْنِ الْآخَرِ فِي الْوَجْهَيْنِ. لَهُمَا أَنَّهُ رَضِيَ بِأَمَانَتِهِمَا فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُسَلِّمَ إلَى الْآخَرِ وَلَا يَضْمَنُهُ كَمَا فِيمَا لَا يُقْسَمُ. وَلَهُ أَنَّهُ رَضِيَ بِحِفْظِهِمَا وَلَمْ يَرْضَ بِحِفْظِ أَحَدِهِمَا كُلِّهِ لِأَنَّ الْفِعْلَ مَتَى أُضِيفَ إلَى مَا يَقْبَلُ الْوَصْفَ بِالتَّجَزِّي تَنَاوَلَ الْبَعْضَ دُونَ الْكُلَّ فَوَقَعَ التَّسْلِيمُ إلَى الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْمَالِكِ فَيَضْمَنُ الدَّافِعُ وَلَا يَضْمَنُ الْقَابِضُ لِأَنَّ مُودِعَ الْمُودَعَ عِنْدَهُ لَا يَضْمَنُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَا يُقْسَمُ لِأَنَّهُ لَمَّا أَوْدَعَهُمَا وَلَا يُمْكِنُهُمَا الِاجْتِمَاعُ عَلَيْهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَمْكَنَهُمَا الْمُهَايَأَةُ كَانَ الْمَالِكُ رَاضِيًا بِدَفْعِ الْكُلِّ إلَى أَحَدِهِمَا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ. قَالَ (وَإِذَا قَالَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ لِلْمُودَعِ لَا تُسَلِّمُهُ إلَى زَوْجَتِك فَسَلَّمَهَا إلَيْهَا لَا يَضْمَنُ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إذَا نَهَاهُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى أَحَدٍ مِنْ عِيَالِهِ فَدَفَعَهَا إلَى مَنْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ لَا يَضْمَنُ) كَمَا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ دَابَّةً فَنَهَاهُ عَنْ الدَّفْعِ إلَى غُلَامِهِ، وَكَمَا إذَا كَانَتْ شَيْئًا يُحْفَظُ فِي يَدِ النِّسَاءِ فَنَهَاهُ عَنْ الدَّفْعِ إلَى امْرَأَتِهِ وَهُوَ مَحْمَلُ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْعَمَلِ مَعَ مُرَاعَاةِ هَذَا الشَّرْطِ، وَإِنْ كَانَ مُفِيدًا فَيَلْغُو (وَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ ضَمِنَ) لِأَنَّ الشَّرْطَ مُفِيدٌ لِأَنَّ مِنْ الْعِيَالِ مَنْ لَا يُؤْتَمَنُ عَلَى الْمَالِ وَقَدْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِ مَعَ مُرَاعَاةِ هَذَا الشَّرْطِ فَاعْتُبِرَ (وَإِنْ قَالَ احْفَظْهَا فِي هَذَا الْبَيْتِ فَحَفِظَهَا فِي بَيْتٍ آخَرَ مِنْ الدَّارِ لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّ الشَّرْطَ غَيْرُ مُفِيدٍ، فَإِنَّ الْبَيْتَيْنِ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ لَا يَتَفَاوَتَانِ فِي الْحِرْزِ (وَإِنْ حَفِظَهَا فِي دَارٍ أُخْرَى ضَمِنَ) لِأَنَّ الدَّارَيْنِ يَتَفَاوَتَانِ فِي الْحِرْزِ فَكَانَ مُفِيدًا فَيَصِحُّ التَّقْيِيدُ، وَلَوْ كَانَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْبَيْتَيْنِ ظَاهِرًا بِأَنْ كَانَتْ الدَّارُ الَّتِي فِيهَا الْبَيْتَانِ عَظِيمَةً وَالْبَيْتُ الَّذِي نَهَاهُ عَنْ الْحِفْظِ فِيهِ عَوْرَةً ظَاهِرَةً صَحَّ الشَّرْطُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْكَسْرِ أَنْ يَأْخُذَهُ إذَا ظَفِرَ بِهِ، وَلَيْسَ لِلْمُودَعِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَوْدَعَ رَجُلٌ عِنْدَ رَجُلَيْنِ شَيْئًا مِمَّا يُقْسَمُ) مَا يُقْسَمُ هُوَ الَّذِي لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّفْرِيقِ الْحِسِّيِّ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَمَا لَا يُقْسَمُ هُوَ مَا يَتَعَيَّنُ بِهِ كَالْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ الْوَاحِدِ وَالطَّبَقِ، وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ. وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَقْيَسُ، لِأَنَّ رِضَاهُ بِأَمَانَةِ اثْنَيْنِ لَا يَكُونُ رِضًا بِأَمَانَةِ وَاحِدٍ، فَإِذَا كَانَ الْحِفْظُ مِمَّا يَتَأَتَّى مِنْهُمَا عَادَةً لَا يَصِيرُ رَاضِيًا بِحِفْظِ أَحَدِهِمَا لِلْكُلِّ (وَإِذَا قَالَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ لِلْمُودَعِ لَا تُسَلِّمْهَا إلَى زَوْجَتِك فَسَلَّمَهَا إلَيْهَا لَا يَضْمَنُ) مَعْنَاهُ: إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ التَّسْلِيمِ إلَيْهَا بُدٌّ، عُلِمَ ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَيْثُ قَالَ (إذَا نَهَاهُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى أَحَدٍ مِنْ عِيَالِهِ فَدَفَعَهَا إلَى مَنْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ لَا يَضْمَنُ، كَمَا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ دَابَّةً فَنَهَاهُ عَنْ الدَّفْعِ إلَى غُلَامِهِ، أَوْ كَانَتْ شَيْئًا يُحْفَظُ عَلَى أَيْدِي النِّسَاءِ فَنَهَاهُ عَنْ الدَّفْعِ إلَى امْرَأَتِهِ) وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ (وَهُوَ مَحْمَلُ الْأَوَّلِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الشَّرْطَ إذَا كَانَ مُفِيدًا وَالْعَمَلُ بِهِ

قَالَ (وَمَنْ أَوْدَعَ رَجُلًا وَدِيعَةً فَأَوْدَعَهَا آخَرَ فَهَلَكَتْ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْأَوَّلَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الثَّانِيَ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ أَيَّهمَا شَاءَ، فَإِنْ ضَمَّنَ الْآخَرَ رَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ) لَهُمَا أَنَّهُ قَبَضَ الْمَالَ مِنْ يَدِ ضَمِينٍ فَيُضَمِّنُهُ كَمُودَعِ الْغَاصِبِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَرْضَ بِأَمَانَةِ غَيْرِهِ، فَيَكُونُ الْأَوَّلُ مُتَعَدِّيًا بِالتَّسْلِيمِ وَالثَّانِي بِالْقَبْضِ فَيُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا، غَيْرَ أَنَّهُ إنْ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ فَظَهَرَ أَنَّهُ أَوْدَعَ مِلْكَ نَفْسِهِ، وَإِنْ ضَمَّنَ الثَّانِيَ رَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ، وَلَهُ أَنَّهُ قَبَضَ الْمَالَ مِنْ يَدِ أَمِينٍ لِأَنَّهُ بِالدَّفْعِ لَا يَضْمَنُ مَا لَمْ يُفَارِقْهُ لِحُضُورِ رَأْيِهِ فَلَا تَعَدِّيَ مِنْهُمَا فَإِذَا فَارَقَهُ فَقَدْ تَرَكَ الْحِفْظَ الْمُلْتَزَمَ فَيَضْمَنُهُ بِذَلِكَ، وَأَمَّا الثَّانِي فَمُسْتَمِرٌّ عَلَى الْحَالَةِ الْأُولَى وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صُنْعٌ فَلَا يَضْمَنُهُ كَالرِّيحِ إذَا أَلْقَتْ فِي حِجْرِهِ ثَوْبَ غَيْرِهِ. قَالَ (وَمَنْ كَانَ فِي يَدِهِ أَلْفٌ فَادَّعَاهُ رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا لَهُ أَوْدَعَهَا إيَّاهُ وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ لَهُمَا فَالْأَلْفُ بَيْنَهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمُمْكِنًا وَجَبَ مُرَاعَاتُهُ وَالْمُخَالَفَةُ فِيهِ تُوجِبُ الضَّمَانَ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُفِيدًا أَوْ كَانَ وَلَمْ يُمْكِنْ الْعَمَلُ بِهِ كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ يَلْغُو، وَعَلَى هَذَا إذَا نُهِيَ عَنْ الدَّفْعِ إلَى امْرَأَتِهِ وَلَهُ امْرَأَةٌ أُخْرَى أَمِينَةٌ، أَوْ عَنْ الْحِفْظِ فِي الدَّارِ وَلَهُ أُخْرَى فَخَالَفَ فَهَلَكَ ضَمِنَ، وَإِذَا نُهِيَ عَنْ الْحِفْظِ فِي بَيْتٍ مِنْ دَارٍ فَحَفِظَ فِي غَيْرِهِ وَلَيْسَ فِي الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ عَوْرَةٌ ظَاهِرَةٌ أَوْ نَهَى عَنْ الدَّفْعِ إلَى امْرَأَتِهِ وَلَيْسَ لَهُ سِوَاهَا أَوْ عَنْ الْحِفْظِ فِي دَارٍ لَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا فَخَالَفَ لَمْ يَضْمَنْ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ غَيْرُ مُفِيدٍ وَالثَّانِي غَيْرُ مَقْدُورٍ الْعَمَلُ بِهِ. قَالَ (وَمَنْ أَوْدَعَ رَجُلًا وَدِيعَةً إلَخْ) إذَا أَوْدَعَ الْمُودَعُ الْوَدِيعَةَ ضَمِنَ دُونَ الثَّانِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُخَيَّرُ رَبُّ الْمَالِ فِي تَضْمِينِ أَيِّهِمَا شَاءَ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ قَبَضَ مِنْ ضَمِينٍ، لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَرْضَ بِغَيْرِهِ فَكَانَ الْأَوَّلُ مُتَعَدِّيًا بِالتَّسْلِيمِ إلَى الثَّانِي، وَالثَّانِي قَدْ قَبَضَ مِنْهُ، وَالْقَابِضُ مِنْ الضَّمِينِ ضَمِينٌ كَمُودَعِ الْغَاصِبِ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ ضَمِنَ الْأَوَّلُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ فَظَهَرَ أَنَّهُ أَوْدَعَ مِلْكَ نَفْسِهِ، وَإِنْ ضَمِنَ الثَّانِي يَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَبَضَ الْمَالَ مِنْ يَدِ أَمِينٍ لِأَنَّهُ بِالدَّفْعِ لَا يَضْمَنُ مَا لَمْ يُفَارِقْهُ لِوُجُودِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ حِفْظٍ بِحَضْرَةِ رَأْيِهِ وَتَدْبِيرِهِ لَا مِنْ حِفْظٍ بِصُورَةِ يَدِهِ، وَلِهَذَا لَوْ دَفَعَ إلَى مَنْ يَحْفَظُهُ بِحَضْرَتِهِ كَعِيَالِهِ فَهَلَكَ عِنْدَهُ لَمْ يَضْمَنْ بِالِاتِّفَاقِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِالدَّفْعِ ضَامِنًا لَمْ يَكُنْ قَبَضَ الثَّانِي مِنْ ضَمِينٍ فَلَمْ يُوجَدْ تَعَدٍّ مِنْهُمَا، فَإِذَا فَارَقَهُ فَقَدْ تَرَكَ الْحِفْظَ الْمُلْتَزَمَ فَيَضْمَنُهُ. وَأَمَّا الثَّانِي فَمُسْتَمِرٌّ عَلَى الْحَالَةِ الْأُولَى وَهُوَ الْقَبْضُ مِنْ أَمِينٍ إذْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ صُنْعٌ فَلَا يَضْمَنُهُ، كَالرِّيحِ إذَا أَلْقَتْ فِي حِجْرِهِ ثَوْبَ غَيْرِهِ (وَإِذَا كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ أَلْفٌ فَادَّعَى رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا لَهُ أُودَعَهَا إلَخْ) ظَاهِرٌ سِوَى أَلْفَاظٍ نَذْكُرُهَا قَوْلُهُ لِتَغَايُرِ الْحَقَّيْنِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي أَلْفًا. قَوْلُهُ وَإِنْ نَكَلَ: أَعْنِي الثَّانِي: أَيْ بَعْدَ

وَعَلَيْهِ أَلْفٌ أُخْرَى بَيْنَهُمَا) وَشَرْحُ ذَلِكَ أَنَّ دَعْوَى كُلِّ وَاحِدٍ صَحِيحَةٌ لِاحْتِمَالِهَا الصِّدْقَ فَيَسْتَحِقُّ الْحَلِفَ عَلَى الْمُنْكِرِ بِالْحَدِيثِ وَيَحْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ لِتَغَايُرِ الْحَقَّيْنِ، وَبِأَيِّهِمَا بَدَأَ الْقَاضِي جَازَ لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ. وَلَوْ تَشَاحَّا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا تَطْيِيبًا لِقَلْبِهِمَا وَنَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمَيْلِ، ثُمَّ إنْ حَلَفَ لِأَحَدِهِمَا يَحْلِفُ لِلثَّانِي، فَإِنْ حَلَفَ فَلَا شَيْءَ لَهُمَا لِعَدَمِ الْحُجَّةِ، وَإِنْ نَكَلَ أَعْنِي لِلثَّانِي يَقْضِي لَهُ لِوُجُودِ الْحُجَّةِ، وَإِنْ نَكَلَ لِلْأَوَّلِ يَحْلِفُ لِلثَّانِي وَلَا يَقْضِي بِالنُّكُولِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ مُوجِبَةٌ بِنَفْسِهِ فَيَقْضِي بِهِ، أَمَّا النُّكُولُ إنَّمَا يَصِيرُ حُجَّةً عِنْدَ الْقَضَاءِ فَجَازَ أَنْ يُؤَخِّرَهُ لِيَحْلِفَ لِلثَّانِي ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا حَلَفَ الْأَوَّلُ. قَوْلُهُ وَلَا يُقْضَى بِالنُّكُولِ: يَعْنِي لِلْأَوَّلِ لِأَنَّ الثَّانِيَ رُبَّمَا يَقُولُ إنَّمَا نَكَلَ لَك لِأَنَّك بَدَأْت بِالِاسْتِحْلَافِ فَلَا تَنْقَطِعُ

فَيَنْكَشِفَ وَجْهُ الْقَضَاءِ، وَلَوْ نَكَلَ لِلثَّانِي أَيْضًا يَقْضِي بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحُجَّةِ كَمَا إذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ وَيَغْرَمُ أَلْفًا أُخْرَى بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ أَوْجَبَ الْحَقَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِبَذْلِهِ أَوْ بِإِقْرَارِهِ وَذَلِكَ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ، وَبِالصَّرْفِ إلَيْهِمَا صَارَ قَاضِيًا نِصْفَ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ بِنِصْفِ حَقِّ الْآخَرِ فَيَغْرَمُهُ، فَلَوْ قَضَى الْقَاضِي لِلْأَوَّلِ حِينَ نَكَلَ ذَكَرَ الْإِمَامُ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ يَحْلِفُ لِلثَّانِي وَإِذَا نَكَلَ يَقْضِي بِهَا بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْقَضَاءَ لِلْأَوَّلِ لَا يُبْطِلُ حَقَّ الثَّانِي لِأَنَّهُ يُقَدِّمُهُ إمَّا بِنَفْسِهِ أَوْ بِالْقُرْعَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُ حَقَّ الثَّانِي. وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ لِلْأَوَّلِ، وَوَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْعَبْدِ وَإِنَّمَا نَفَذَ لِمُصَادَفَتِهِ مَحَلَّ الِاجْتِهَادِ لِأَنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ يَقْضِي لِلْأَوَّلِ وَلَا يَنْتَظِرُ لِكَوْنِهِ إقْرَارَ دَلَالَةٍ ثُمَّ لَا يَحْلِفُ لِلثَّانِي مَا هَذَا الْعَبْدُ لِي لِأَنَّ نُكُولَهُ لَا يُفِيدُ بَعْدَمَا صَارَ لِلْأَوَّلِ، وَهَلْ يُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ مَا لِهَذَا عَلَيْك هَذَا الْعَبْدُ وَلَا قِيمَتُهُ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا وَلَا أَقَلَّ مِنْهُ. قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يُحَلِّفَهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُودَعَ إذَا أَقَرَّ الْوَدِيعَةِ وَدَفَعَ بِالْقَضَاءِ إلَى غَيْرِهِ يَضْمَنُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لَهُ وَهَذِهِ فُرَيْعَةُ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ وَقَعَ فِيهِ بَعْضُ الْإِطْنَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخُصُومَةُ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ فَيَنْكَشِفُ وَجْهُ الْقَضَاءِ) بِأَنْ يُقْضَى بِالْأَلْفِ لِلْأَوَّلِ أَوْ لِلثَّانِي أَوْ لَهُمَا جَمِيعًا، لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لِلثَّانِي فَلَا شَيْءَ لَهُ وَالْأَلْفُ كُلُّهُ لِلْأَوَّلِ (وَلَوْ نَكَلَ لِلثَّانِي) أَيْضًا كَانَ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا (فَذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَنْ الْقَضَاءِ) حَتَّى يَظْهَرَ وَجْهُهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ الْمُودَعَ الْمُنْكِرَ (أَوْجَبَ الْحَقَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِبَذْلِهِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَبِإِقْرَارِهِ) عِنْدَهُمَا (وَلَوْ قَضَى لِلْأَوَّلِ حِينَ نَكَلَ قَالَ الْإِمَامُ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إنَّهُ يَحْلِفُ لِلثَّانِي، وَإِذَا نَكَلَ يُقْضَى بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْقَضَاءَ لِلْأَوَّلِ لَا يُبْطِلُ حَقَّ الثَّانِي، لِأَنَّ الْقَاضِيَ قَدَّمَهُ إمَّا بِاخْتِيَارِهِ أَوْ بِالْقُرْعَةِ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُ حَقَّ الثَّانِي) وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لِلثَّانِي مَاذَا حُكْمُهُ. وَقَالَ أَخُوهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: فَإِنْ حَلَفَ يُقْضَى بِنُكُولِهِ لِلْأَوَّلِ. وَقَوْلُهُ (لِكَوْنِهِ إقْرَارًا) أَيْ لِكَوْنِ النُّكُولِ إقْرَارًا (دَلَالَةً) وَقَوْلُهُ (مَا هَذَا الْعَبْدُ لِي) يَعْنِي لَا يَقْتَصِرُ عَلَى لَفْظِ الْعَبْدِ بَلْ يُضَمُّ إلَيْهِ، وَلَا قِيمَتَهُ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِهِ لِلْأَوَّلِ وَثَبَتَ بِهِ حَقُّ الْأَوَّلِ لَا يُفِيدُ إقْرَارُهُ بِهِ لِلْقَاضِي لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ إلَى الثَّانِي بَعْدَ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (بِنَاءً) أَيْ قَالَ الْخَصَّافُ يُحَلِّفُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ بِنَاءً (عَلَى أَنَّ الْمُودَعَ إذَا أَقَرَّ الْوَدِيعَةِ وَدَفَعَ بِالْقَضَاءِ إلَى غَيْرِهِ يَضْمَنُهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) كَمَا إذَا أَقَرَّ الْوَدِيعَةِ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ قَالَ: أَخْطَأْت بَلْ هِيَ لِهَذَا. كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى الْأَوَّلِ، لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِهَا صَحِيحٌ وَرُجُوعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بَاطِلٌ، وَيَضْمَنُ لِلْآخَرِ قِيمَتَهَا لِإِقْرَارِهِ أَنَّهَا لِلثَّانِي، وَأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلِكًا عَلَى الثَّانِي لِإِقْرَارِهِ بِهَا لِلْأَوَّلِ فَيَكُونُ ضَامِنًا لَهُ قِيمَتَهَا، وَهَذَا إذَا دَفَعَهَا إلَى الْأَوَّلِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ، فَإِنْ دَفَعَهَا بِقَضَاءٍ فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ لَمْ يُفَوِّتْ عَلَى أَحَدٍ شَيْئًا، وَإِنَّمَا الْفَوَاتُ بِالدَّفْعِ إلَى الْأَوَّلِ، وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ بِقَضَاءٍ فَلَا يَضْمَنُ. وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّهُ سَلَّطَ الْقَاضِيَ عَلَى الْقَضَاءِ بِهَا لِلْأَوَّلِ لِإِقْرَارِهِ، وَقَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ مُودِعٌ لِلثَّانِي، وَالْمُودِعُ إذَا سَلَّطَ عَلَى الْوَدِيعَةِ غَيْرَهُ صَارَ ضَامِنًا، وَلِلْمَسْأَلَةِ تَفْرِيعَاتٌ ذُكِرَتْ فِي الْمُطَوَّلَاتِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[كتاب العارية]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ: (الْعَارِيَّةُ جَائِزَةٌ) ؛ لِأَنَّهَا نَوْعُ إحْسَانٍ " وَقَدْ «اسْتَعَارَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دُرُوعًا مِنْ صَفْوَانَ» (وَهِيَ تُمْلِيك الْمَنَافِعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ) وَكَانَ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: هُوَ إبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْعَارِيَّةِ] قَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ مُنَاسَبَةِ هَذَا الْكِتَابِ لِمَا قَبْلَهُ. وَمِنْ مَحَاسِنِهَا دَفْعُ حَاجَةِ الْمُحْتَاجِ: قِيلَ هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ التَّعَاوُرِ وَهُوَ التَّنَاوُبُ، فَكَأَنَّهُ جَعَلَ لِلْغَيْرِ نَوْبَةً فِي الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ إلَى أَنْ تَعُودَ النَّوْبَةُ إلَيْهِ بِالِاسْتِرْدَادِ مَتَى شَاءَ. وَاخْتُلِفَ فِي تَعْرِيفِهِ اصْطِلَاحًا فَقَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ (هِيَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ. وَكَانَ الْكَرْخِيُّ يَقُولُ: هِيَ إبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ) قِيلَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.

لِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظَةِ الْإِبَاحَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا ضَرْبُ الْمُدَّةِ، وَمَعَ الْجَهَالَةِ لَا يَصِحُّ التَّمْلِيكُ وَلِذَلِكَ يَعْمَلُ فِيهَا النَّهْيُ، وَلَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ مِنْ غَيْرِهِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ التَّمْلِيكِ، فَإِنَّ الْعَارِيَّةَ مِنْ الْعَرِيَّةِ وَهِيَ الْعَطِيَّةِ وَلِهَذَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ، وَالْمَنَافِعُ قَابِلَةٌ لِلْمِلْكِ كَالْأَعْيَانِ. وَالتَّمْلِيكُ نَوْعَانِ: بِعِوَضٍ، وَبِغَيْرِ عِوَضٍ. ثُمَّ الْأَعْيَانُ تَقْبَلُ النَّوْعَيْنِ، فَكَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (لِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا ضَرْبُ الْمُدَّةِ، وَالنَّهْيُ يَعْمَلُ فِيهِ وَلَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ مِنْ غَيْرِهِ) وَكُلٌّ مِنْ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا إبَاحَةٌ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ التَّمْلِيكَ لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ التَّمْلِيكَ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الْمَنَافِعُ مَعْلُومَةً لِأَنَّ تَمْلِيكَ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ وَلَا يُعْلَمُ إلَّا بِضَرْبِ الْمُدَّةِ وَهُوَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَكَانَ تَمْلِيكًا لِلْمَجْهُولِ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّ الْمُعِيرَ يَمْلِكُ النَّهْيَ عَنْ الِاسْتِعْمَالِ، وَلَوْ كَانَ تَمْلِيكًا لَمَا مَلَكَهُ كَالْأَجِيرِ لَا يَمْلِكُ نَهْيَ الْمُسْتَأْجِرِ عَنْ الِانْتِفَاعِ. وَأَمَّا الرَّابِعُ فَلِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَ الْمُسْتَأْجَرَ لِتَمَلُّكِهِ الْمَنَافِعَ، فَلَوْ كَانَتْ الْإِعَارَةُ تَمْلِيكًا لَجَازَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ وَالْهِبَةِ (وَقَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ: إنَّهَا تُنْبِئُ عَنْ التَّمْلِيكِ، فَإِنَّ الْعَارِيَّةَ مِنْ الْعَرِيَّةِ وَهِيَ الْعَطِيَّةُ) وَهِيَ إنَّمَا تَكُونُ تَمْلِيكًا (وَلِهَذَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ مَلَّكْتُك مَنْفَعَةَ دَارِي هَذِهِ شَهْرًا وَمَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ فَهُوَ تَمْلِيكٌ. فَإِنْ قِيلَ: الْمَنَافِعُ أَعْرَاضٌ لَا تَبْقَى فَلَا تَقْبَلُ التَّمْلِيكَ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَالْمَنَافِعُ قَابِلَةٌ لِلْمِلْكِ كَالْأَعْيَانِ) وَبَنَى عَلَى ذَلِكَ قَوْلَهُ (وَالتَّمْلِيكُ نَوْعَانِ بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ) وَذَلِكَ ظَاهِرٌ لَا نِزَاعَ فِيهِ (ثُمَّ الْأَعْيَانُ تَقْبَلُ النَّوْعَيْنِ فَكَذَا الْمَنَافِعُ وَالْجَامِعُ دَفْعُ الْحَاجَةِ) وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ فِي التَّعْرِيفَاتِ وَهِيَ لَا تَقْبَلُهُ؛ لِأَنَّ الْمُعَرِّفُ إذَا عَرَّفَ شَيْئًا بِالْجَامِعِ وَالْمَانِعِ، فَإِنْ سَلِمَ مِنْ النَّقْضِ فَذَاكَ، وَإِنْ اُنْتُقِضَ بِكَوْنِهِ غَيْرَ جَامِعِ أَوْ مَانِعٍ يُجَابُ عَنْ النَّقْضِ إنْ أَمْكَنَ. وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال فَإِنَّمَا يَكُونُ فِي التَّصْدِيقَاتِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ قِيَاسٌ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْقِيَاسِ تَعْدِيَةَ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الثَّابِتِ بِالنَّصِّ بِعَيْنِهِ إلَى فَرْعٍ هُوَ نَظِيرُهُ وَلَا نَصَّ فِيهِ، وَالْمَوْضُوعَاتُ لَيْسَتْ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَمَوْضُوعُهُ أُصُولُ الْفِقْهِ. وَالثَّالِثُ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْقِيَاسِ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ مُتَعَدِّيًا إلَى فَرْعٍ هُوَ نَظِيرُهُ، وَالْمَنَافِعُ لَيْسَتْ نَظِيرَ الْأَعْيَانِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهَا بِأَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ إمَّا لَفْظِيٌّ أَوْ رَسْمِيٌّ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَمَا ذُكِرَ فِي بَيَانِهِ يُجْعَلُ لِبَيَانِ الْمُنَاسَبَةِ لَا اسْتِدْلَالًا عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي جُعِلَ بَيَانًا لِخَوَاصَّ يَعْرِفُ بِهَا الْعَارِيَّةَ، وَلَوْ جَعَلْنَا الْمَذْكُورَ فِي الْكِتَابِ حُكْمَ الْعَارِيَّةِ وَعَرَّفْنَاهَا بِأَنَّهَا عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ بِغَيْرِ

الْمَنَافِعُ، وَالْجَامِعُ دَفْعُ الْحَاجَةِ، وَلَفْظَةُ الْإِبَاحَةِ اُسْتُعِيرَتْ لِلتَّمْلِيكِ، كَمَا فِي الْإِجَارَةِ، فَإِنَّهَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظَةِ الْإِبَاحَةِ، وَهِيَ تَمْلِيكٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعِوَضٍ كَانَ سَالِمًا مِنْ الشُّكُوكِ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يُنَافِيهِ ظَاهِرًا فَالْحَمْلُ عَلَيْهِ أَوْلَى (قَوْلُهُ وَلَفْظَةُ الْإِبَاحَةِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الْكَرْخِيِّ إنَّهَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ. وَوُجِّهَ أَنَّ ذَلِكَ مَجَازٌ كَمَا أَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ، وَلَا نِزَاعَ فِي كَوْنِهَا تَمْلِيكًا

وَالْجَهَالَةُ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لِعَدَمِ اللُّزُومِ فَلَا تَكُونُ ضَائِرَةً. وَلِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ بِالْقَبْضِ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ. وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا جَهَالَةَ، وَالنَّهْيُ مَنَعَ عَنْ التَّحْصِيلِ فَلَا يَتَحَصَّلُ الْمَنَافِعَ عَلَى مِلْكِهِ. وَلَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ لِدَفْعِ زِيَادَةِ الضَّرَرِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ (وَتَصِحُّ بِقَوْلِهِ أَعَرْتُك) ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ (وَأَطْعَمْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ) ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَالْجَهَالَةُ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَمَعَ الْجَهَالَةِ لَا يَصِحُّ التَّمْلِيكُ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْجَهَالَةَ الْمُفْضِيَةَ إلَى النِّزَاعِ هِيَ الْمَانِعَةُ، وَهَذِهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ لِعَدَمِ اللُّزُومِ. وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ الْمِلْكَ فِي الْعَارِيَّةِ يَثْبُتُ بِالْقَبْضِ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا جَهَالَةَ. وَقَوْلُهُ (وَالنَّهْيُ مَنَعَ عَنْ التَّحْصِيلِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَكَذَلِكَ يَعْمَلُ النَّهْيُ فِيهِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ عَمَلَ النَّهْيِ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْعَارِيَّةِ تَمْلِيكٌ بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ بِالنَّهْيِ يُمْنَعُ الْمُسْتَعِيرُ عَنْ تَحْصِيلِ الْمَنَافِعِ الَّتِي لَمْ يَتَمَلَّكْهَا بَعْدُ، وَلَهُ ذَلِكَ لِكَوْنِهَا عَقْدًا غَيْرَ لَازِمٍ فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى مِلْكِ الْمُسْتَعِيرِ: أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ كَمَا فِي الْهِبَةِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَلَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ مِنْ غَيْرِهِ وَذَلِكَ لِدَفْعِ زِيَادَةِ الضَّرَرِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ، هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِتَفْسِيرِهَا أَوْ حُكْمِهَا. وَشَرْطُهَا قَابِلِيَّةُ الْعَيْنِ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا مَعَ بَقَائِهَا. وَسَبَبُهَا مَا مَرَّ مِرَارًا مِنْ التَّعَاضُدِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ الْمَدَنِيِّ بِالطَّبْعِ، وَهِيَ عَقْدٌ جَائِزٌ لِأَنَّهُ نَوْعُ إحْسَانٍ " وَقَدْ «اسْتَعَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُرُوعًا مِنْ صَفْوَانَ» وَإِنَّمَا قَدَّمَ بَيَانَ الْجَوَازِ عَلَى تَفْسِيرِهَا لِشِدَّةِ تَعَلُّقِ الْفِقْهِ بِهِ. قَالَ (وَتَصِحُّ بِقَوْلِهِ أَعَرْتُك إلَخْ) هَذَا بَيَانُ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَنْعَقِدُ بِهَا الْعَارِيَّة وَتَصِحُّ بِقَوْلِهِ أَعَرْتُك لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ: أَيْ حَقِيقَةٌ فِي عَقْدِ الْعَارِيَّةِ وَأَطْعَمْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِ. قِيلَ أَيْ مَجَازٌ فِيهِ، وَفِي عِبَارَتِهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إذَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ مُسْتَعْمَلٌ أَنَّهُ مَجَازٌ فَهُوَ صَرِيحٌ لِأَنَّهُ مَجَازٌ مُتَعَارَفٌ وَالْمَجَازُ الْمُتَعَارَفُ صَرِيحٌ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، فَلَا فَرْقَ إذًا بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ. وَالْجَوَابُ: كِلَاهُمَا صَرِيحٌ لَكِنَّ أَحَدَهُمَا حَقِيقَةٌ وَالْآخَرَ مَجَازٌ فَأَشَارَ إلَى الثَّانِي بِقَوْلِهِ مُسْتَعْمَلٌ: أَيْ مَجَازٌ لِيُعْلَمَ أَنَّ الْآخَرَ حَقِيقَةٌ وَمَنَحْتُك هَذَا الثَّوْبَ: أَيْ أَعْطَيْتُك الْمِنْحَةَ وَهِيَ النَّاقَةُ: أَيْ أَوْ الشَّاةُ يُعْطِي الرَّجُلُ

(وَمَنَحَتْك هَذَا الثَّوْبَ وَحَمَلْتُك عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْهِبَةَ) ؛ لِأَنَّهُمَا لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ، وَعِنْدَ عَدَمِ إرَادَتِهِ الْهِبَةَ تُحْمَلُ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ تَجَوُّزًا. قَالَ (وَأَخْدَمْتُك هَذَا الْعَبْدَ) ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي اسْتِخْدَامِهِ (وَدَارِي لَك سُكْنَى) ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ سُكْنَاهَا لَك (وَدَارِي لَك عُمْرَى سُكْنَى) ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ سُكْنَاهَا لَهُ مُدَّةَ عُمُرِهِ. وَجَعَلَ قَوْلُهُ سُكْنَى تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ لَك؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ تَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ بِدَلَالَةٍ آخِرِهِ. قَالَ: (وَلِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْعَارِيَّةِ مَتَى شَاءَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ وَالْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ» وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ تُمْلَكُ شَيْئًا فَشَيْئًا عَلَى حَسَبِ حُدُوثِهَا فَالتَّمْلِيكُ فِيمَا لَمْ يُوجَدْ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْقَبْضُ فَيَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ. قَالَ: (وَالْعَارِيَّةُ أَمَانَةٌ إنْ هَلَكَتْ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ لَمْ يَضْمَنْ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ مَالَ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ لَا عَنْ اسْتِحْقَاقٍ فَيَضْمَنُهُ، وَالْإِذْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّجُلَ لِيَشْرَبَ مِنْ لَبَنِهَا ثُمَّ يَرُدَّهَا إذَا ذَهَبَ دَرُّهَا ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى قِيلَ فِي كُلِّ مَنْ أُعْطِيَ شَيْئًا مُنِحَ، وَحَمَلْتُك عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ إذَا لَمْ يَرِدْ بِهِ: أَيْ بِقَوْلِهِ هَذَا الْهِبَةُ لِأَنَّهَا لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ عُرْفًا، وَعِنْدَ عَدَمِ إرَادَتِهِ الْهِبَةَ يُحْمَلُ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ تَجَوُّزًا مِنْ حَيْثُ الْعُرْفُ الْعَامُّ وَأَخْدَمْتُك هَذَا الْعَبْدَ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِخْدَامِ وَهِيَ الْعَارِيَّةُ، وَدَارِي سُكْنَى لِأَنَّ مَعْنَاهُ سُكْنَاهَا لَك وَهِيَ الْعَارِيَّةُ، وَدَارِي لَك عُمْرَى سُكْنَى لِأَنَّهُ جَعَلَ سُكْنَاهَا لَهُ مُدَّةَ عُمْرِهِ، وَجَعَلَ قَوْلَهُ سُكْنَى تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ لَك لِأَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ مِنْ قَوْلِهِ لَك، لِأَنَّ قَوْلَهُ لَك يَحْتَمِلُ تَمْلِيكَ الْعَيْنِ وَتَمْلِيكَ الْمَنْفَعَةِ، فَإِذَا مَيَّزَهُ تَعَيَّنَ فِي الْمَنْفَعَةِ فَحُمِلَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ: أَيْ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ بِدَلَالَةِ آخِرِهِ حُمِلَ الْمُحْتَمَلُ عَلَى الْمُحْكَمِ. وَلِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْعَارِيَّةِ مَتَى شَاءَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ وَالْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ» وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ ظَاهِرٌ، وَفِيهِ تَعْمِيمٌ بَعْدَ التَّخْصِيصِ لِمَا عَرَفْت أَنَّ الْمِنْحَةَ عَارِيَّةٌ خَاصَّةٌ، وَفِيهِ زِيَادَةُ مُبَالَغَةٍ فِي أَنَّ الْعَارِيَّةَ مُسْتَحَقُّ الرَّدِّ، وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ تُمْلَكُ شَيْئًا فَشَيْئًا عَلَى حَسَبِ حُدُوثِهَا فَالتَّمْلِيكُ فِيمَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْقَبْضُ وَلَا يَمْلِكُ إلَّا بِهِ فَصَحَّ الرُّجُوعُ عَنْهُ. قَالَ (وَالْعَارِيَّةُ أَمَانَةٌ إنْ هَلَكَتْ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ لَمْ يَضْمَنْ إلَخْ) إنْ هَلَكَتْ الْعَارِيَّةُ، فَإِنْ كَانَ بِتَعَدٍّ كَحَمْلِ الدَّابَّةِ مَا لَا يَحْمِلُهُ مِثْلُهَا أَوْ اسْتِعْمَالِهَا اسْتِعْمَالًا لَا يُسْتَعْمَلُ مِثْلُهَا مِنْ الدَّوَابِّ أَوْجَبَ الضَّمَانَ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِ لَمْ يَضْمَنْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَضْمَنُ لِأَنَّهُ قَبَضَ مَالَ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ لَا عَنْ اسْتِحْقَاقٍ، فَيَضْمَنُ قَوْلُهُ لِنَفْسِهِ احْتِرَازٌ عَنْ الْوَدِيعَةِ، لِأَنَّ قَبْضَ الْمُودَعِ فِيهَا لِأَجْلِ الْمُودِعِ لَا لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ. وَقَوْلُهُ لَا عَنْ اسْتِحْقَاقٍ: أَيْ لَا عَنْ اسْتِيجَابِ قَبْضٍ بِحَيْثُ لَا يَنْقُضُهُ الْآخَرُ بِدُونِ رِضَاهُ احْتِرَازٌ عَنْ الْإِجَارَةِ، فَإِنَّ

ثَبَتَ ضَرُورَةَ الِانْتِفَاعِ فَلَا يَظْهَرُ فِيمَا وَرَاءَهُ، وَلِهَذَا كَانَ وَاجِبَ الرَّدِّ وَصَارَ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ. وَلَنَا أَنَّ اللَّفْظَ لَا يُنْبِئُ عَنْ الْتِزَامِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لِتَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْ لِإِبَاحَتِهَا، وَالْقَبْضُ لَمْ يَقَعْ تَعَدِّيًا لِكَوْنِهِ مَأْذُونًا فِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُسْتَأْجِرَ يَقْبِضُ الْمُسْتَأْجَرَ لِحَقٍّ لَهُ لَيْسَ لِلْمَالِكِ النَّقْضُ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ بِدُونِ رِضَاهُ. فَإِنْ قِيلَ: هُوَ قَبْضٌ بِإِذْنِهِ وَمِثْلُهُ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ وَالْإِذْنُ ثَبَتَ ضَرُورَةَ الِانْتِفَاعِ، وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَالضَّرُورَةُ حَالَةُ الِاسْتِعْمَالِ، فَإِنْ هَلَكَتْ فِيهَا فَلَا ضَمَانَ، وَإِنْ هَلَكَتْ فِي غَيْرِهَا لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ الْإِذْنُ لِكَوْنِهِ وَرَاءَ الضَّرُورَةِ، وَلِهَذَا أَيْ وَلِكَوْنِ الْإِذْنِ ضَرُورِيًّا كَانَ وَاجِبَ الرَّدِّ: يَعْنِي مُؤْنَةَ الرَّدِّ وَاجِبَةً عَلَى الْمُسْتَعِيرِ كَمَا فِي الْغَصْبِ، وَصَارَ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ بِإِذْنٍ لَكِنْ لَمَّا كَانَ قَبْضُ مَالِ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ لَا عَنْ اسْتِحْقَاقٍ إذَا هَلَكَ ضَمِنَ فَكَذَا هَذَا. وَلَنَا أَنَّ اللَّفْظَ لَا يُنْبِئُ عَنْ الْتِزَامِ الضَّمَانِ: يَعْنِي أَنَّ الضَّمَانَ إمَّا أَنْ يَجِبَ بِالْعَقْدِ أَوْ بِالْقَبْضِ أَوْ بِالْإِذْنِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِمُوجِبٍ لَهُ. أَمَّا الْعَقْدُ فَلِأَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي يَنْعَقِدُ بِهِ الْعَارِيَّةُ لَا يُنْبِئُ عَنْ الْتِزَامِ الضَّمَانِ لِأَنَّهُ لِتَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْ لِإِبَاحَتِهَا عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ، وَمَا وُضِعَ لِتَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ لَا يَتَعَرَّضُ لِلْعَيْنِ حَتَّى يُوجِبَ الضَّمَانَ عِنْدَ هَلَاكِهِ. وَأَمَّا الْقَبْضُ فَإِنَّمَا يُوجِبُ الضَّمَانَ إذَا وَقَعَ تَعَدِّيًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِكَوْنِهِ مَأْذُونًا فِيهِ،

وَالْإِذْنُ وَإِنْ ثَبَتَ لِأَجْلِ الِانْتِفَاعِ فَهُوَ مَا قَبَضَهُ إلَّا لِلِانْتِفَاعِ فَلَمْ يَقَعْ تَعَدِّيًا، وَإِنَّمَا وَجَبَ الرَّدُّ مُؤْنَةً كَنَفَقَةِ الْمُسْتَعَارِ فَإِنَّهَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ لَا لِنَقْضِ الْقَبْضِ. وَالْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ مَضْمُونٌ بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ فِي الْعَقْدِ لَهُ حُكْمُ الْعَقْدِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. قَالَ (وَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُؤَاجِرَ مَا اسْتَعَارَهُ؛ فَإِنْ آجَرَهُ فَعَطِبَ ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ دُونَ الْإِجَارَةِ وَالشَّيْءُ لَا يَتَضَمَّنُ مَا هُوَ فَوْقَهُ، وَلِأَنَّا لَوْ صَحَّحْنَاهُ لَا يَصِحُّ إلَّا لَازِمًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ بِتَسْلِيطٍ مِنْ الْمُعِيرِ، وَفِي وُقُوعِهِ لَازِمًا زِيَادَةُ ضَرَرٍ بِالْمُعِيرِ لِسَدِّ بَابِ الِاسْتِرْدَادِ إلَى انْقِضَاءِ مُدَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا الْإِذْنُ فَلِأَنَّ إضَافَةَ الضَّمَانِ إلَيْهِ فَسَادٌ فِي الْوَضْعِ، لِأَنَّ إذْنَ الْمَالِكِ فِي قَبْضِ الشَّيْءِ يَنْفِي الضَّمَانَ فَكَيْفَ يُضَافُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ وَالْإِذْنُ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَالْإِذْنُ ثَبَتَ ضَرُورَةَ الِانْتِفَاعِ فَلَا يَظْهَرُ فِيمَا وَرَاءَهُ: يَعْنِي أَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْعَيْنَ فَإِنَّهُ وَرَدَ عَلَى الْمَنْفَعَةِ نَصًّا وَلَمْ يَتَعَدَّ إلَى الْعَيْنِ، وَتَقْرِيرُهُ الْقَوْلَ بِالْمُوجِبِ: يَعْنِي سَلَّمْنَا أَنَّ الْإِذْنَ لَمْ يَكُنْ إلَّا لِضَرُورَةِ الِانْتِفَاعِ، لَكِنَّ الْقَبْضَ أَيْضًا لَمْ يَكُنْ إلَّا لِلِانْتِفَاعِ فَلَمْ يَكُنْ ثُمَّ تَعَدٍّ وَلَا ضَمَانَ بِدُونِهِ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا وَجَبَ الرَّدُّ مُؤْنَةً) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَلِهَذَا كَانَ وَاجِبَ الرَّدِّ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ وُجُوبَ الرَّدِّ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَضْمُونٌ لِأَنَّهُ وَجَبَ لِمُؤْنَةِ الْقَبْضِ الْحَاصِلِ لِلْمُسْتَعِيرِ كَنَفَقَةِ الْمُسْتَعَارِ فَإِنَّهَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، وَلَيْسَ لِنَقْدِ الْقَبْضِ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْقَبْضَ لَا عَنْ اسْتِحْقَاقٍ فَيُوجِبُ الضَّمَانَ، بِخِلَافِ الْغَصْبِ فَإِنَّ الرَّدَّ فِيهِ وَاجِبٌ فَنَقَضَ الْقَبْضَ لِكَوْنِهِ بِلَا إذْنٍ، فَإِذَا لَمْ يُوجِبْ الرَّدَّ وَجَبَ الضَّمَانُ. وَقَوْلُهُ (وَالْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَصَارَ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ بِالْقَبْضِ بَلْ بِالْعَقْدِ، لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ بِالْعَقْدِ لَهُ حُكْمُ الْعَقْدِ فَصَارَ كَالْمَأْخُوذِ بِالْعَقْدِ وَهُوَ يُوجِبُ الضَّمَانَ. فَإِنْ قِيلَ: سَلَّمْنَا أَنَّ الْأَخْذَ فِي الْعَقْدِ لَهُ حُكْمُ الْعَقْدِ، وَلَكِنْ لَا عَقْدَ هَاهُنَا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْعَقْدَ وَإِنْ كَانَ مَعْدُومًا حَقِيقَةً جُعِلَ مَوْجُودًا تَقْدِيرًا صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ عَنْ الضَّيَاعِ، إذْ الْمَالِكُ لَمْ يَرْضَ بِخُرُوجِ مِلْكِهِ مَجَّانًا، وَلِأَنَّ الْمَقْبُوضَ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ فَأُقِيمَتْ مَقَامَ الْحَقِيقَةِ نَظَرًا لَهُ، إلَّا أَنَّ الْأَصْلَ فِي ضَمَانِ الْعُقُودِ هُوَ الْقِيمَةُ لِكَوْنِهَا مِثْلًا كَامِلًا، وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى الثَّمَنِ عِنْدَ وُجُودِ الْعَقْدِ حَقِيقَةً وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ صُيِّرَ إلَى الْأَصْلِ، وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ) قِيلَ يُرِيدُ بِهِ نَسْخَ طَرِيقَةِ الْحَلَّافِ، وَقِيلَ كِتَابُ الْإِجَارَاتِ مِنْ الْمَبْسُوطِ. قَالَ (وَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُؤَاجِرَ مَا اسْتَعَارَهُ إلَخْ) وَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُؤَاجِرَ الْمُسْتَعَارَ، فَإِنْ آجَرَهُ

الْإِجَارَةِ فَأَبْطَلْنَاهُ، وَضَمِنَهُ حِينَ سَلَّمَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ تَتَنَاوَلْهُ الْعَارِيَّةُ كَانَ غَصْبًا، وَإِنْ شَاءَ الْمُعِيرُ ضَمَّنَ الْمُسْتَأْجِرَ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ إنْ ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ آجَرَ مِلْكَ نَفْسِهِ، وَإِنْ ضَمِنَ الْمُسْتَأْجِرُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُؤَاجِرِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ كَانَ عَارِيَّةً فِي يَدِهِ دَفْعًا لِضَرَرِ الْغُرُورِ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ. قَالَ (وَلَهُ أَنْ يُعِيرَهُ إذَا كَانَ مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيرَهُ؛ لِأَنَّهُ إبَاحَةُ الْمَنَافِعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ، وَالْمُبَاحُ لَهُ لَا يَمْلِكُ الْإِبَاحَةَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلْمِلْكِ لِكَوْنِهَا مَعْدُومَةٌ، وَإِنَّمَا جَعَلْنَاهَا مَوْجُودَةً فِي الْإِجَارَةِ لِلضَّرُورَةِ. وَقَدْ انْدَفَعَتْ بِالْإِبَاحَةِ هَاهُنَا. وَنَحْنُ نَقُولُ: هُوَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQفَعَطِبَ ضَمِنَ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْإِعَارَةَ دُونَ الْإِجَارَةِ وَالشَّيْءُ لَا يَتَضَمَّنُ مَا هُوَ فَوْقَهُ. وَالثَّانِي أَنَّا لَوْ صَحَّحْنَاهُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لَازِمًا أَوْ غَيْرَ لَازِمٍ، وَلَا سَبِيلَ إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. أَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ خِلَافُ مُقْتَضَى الْإِجَارَةِ فَإِنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ فَانْعِقَادُهُ غَيْرَ لَازِمٍ عَكْسُ الْمَوْضُوعِ. وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ بِتَسْلِيطِ الْمُعِيرِ وَمِنْ مُقْتَضَيَاتِ عَقْدِ الْعَارِيَّةِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى الِاسْتِرْدَادِ إلَى انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَيَكُونُ عَقْدُ الْإِعَارَةِ لَازِمًا، وَهُوَ أَيْضًا خِلَافُ مَوْضُوعِ الشَّرْعِ، وَفِيهِ زِيَادَةُ ضَرَرٍ بِالْمُعِيرِ فَأَبْطَلْنَاهَا، وَإِذَا كَانَتْ بَاطِلَةً كَانَ بِالتَّسْلِيمِ غَاصِبًا فَيَضْمَنُ حِينَ سَلَّمَ وَالْمُعِيرُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُسْتَأْجِرَ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ،

مَا ذَكَرْنَا فَيَمْلِكُ الْإِعَارَةَ كَالْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ، وَالْمَنَافِعُ اُعْتُبِرَتْ قَابِلَةٌ لِلْمِلْكِ فِي الْإِجَارَةِ فَتُجْعَلُ كَذَلِكَ فِي الْإِعَارَةِ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُسْتَعِيرَ لِكَوْنِهِ الْغَاصِبَ. ثُمَّ إنْ ضَمَّنَ الْمُسْتَعِيرَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ آجَرَ مِلْكَ نَفْسِهِ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُسْتَأْجِرَ رَجَعَ عَلَى الْمُؤَاجِرِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ كَوْنَهُ عَارِيَّةً فِي يَدِهِ دَفْعًا لِضَرَرِ الْغُرُورِ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ. وَلِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُعِيرَ الْمُسْتَعَارَ إذَا كَانَ مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ كَالْحَمْلِ وَالِاسْتِخْدَامِ وَالسُّكْنَى وَالزِّرَاعَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيرَهُ لِأَنَّهَا إبَاحَةُ الْمَنَافِعِ عَلَى مَا مَرَّ، وَالْمُبَاحُ لَهُ لَا يَمْلِكُ الْإِبَاحَةَ. وَهَذَا أَيْ كَوْنُ الْإِعَارَةِ إبَاحَةً لِأَنَّ الْمَنَافِعَ غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلْمِلْكِ لِكَوْنِهَا مَعْدُومَةً، وَإِنَّمَا جُعِلَتْ مَوْجُودَةً فِي الْإِجَارَةِ لِلضَّرُورَةِ، وَقَدْ انْدَفَعَتْ فِي الْإِعَارَةِ بِالْإِبَاحَةِ فَلَا يُصَارُ إلَى التَّمْلِيكِ. وَلَنَا أَنَّهَا تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ عَلَى مَا مَرَّ فَيَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ كَالْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ جَازَ أَنْ يُعِيرَ لِتَمَلُّكِهِ الْمَنْفَعَةَ (قَوْلُهُ وَالْمَنَافِعُ اُعْتُبِرَتْ قَابِلَةً) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَالْمَنَافِعُ غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلْمِلْكِ. وَتَقْرِيرُهُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلْمِلْكِ فَإِنَّهَا تُمْلَكُ بِالْعَقْدِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ فَتُجْعَلُ فِي الْإِعَارَةِ كَذَلِكَ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ وَقَدْ مَرَّ لَنَا الْكَلَامُ فِيهِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَتْ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ لَمَا تَفَاوَتَ الْحُكْمُ فِي الصِّحَّةِ بَيْنَ مَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ وَبَيْنَ مَا لَا يَخْتَلِفُ

وَإِنَّمَا لَا تَجُوزُ فِيمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ دَفْعًا لِمَزِيدِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُعِيرِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِاسْتِعْمَالِهِ لَا بِاسْتِعْمَالِ غَيْرِهِ. قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: وَهَذَا إذَا صَدَرَتْ الْإِعَارَةُ مُطْلَقَةً. وَهِيَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنْ تَكُونَ مُطْلَقَةً فِي الْوَقْتِ وَالِانْتِفَاعِ وَلِلْمُسْتَعِيرِ فِيهِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ أَيَّ نَوْعٍ شَاءَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ عَمَلًا بِالْإِطْلَاقِ. وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ مُقَيَّدَةً فِيهِمَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُجَاوِزَ فِيهِ مَا سَمَّاهُ عَمَلًا بِالتَّقْيِيدِ إلَّا إذَا كَانَ خِلَافًا إلَى مِثْلِ ذَلِكَ أَوْ إلَى خَيْرٍ مِنْهُ وَالْحِنْطَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالْمَالِكِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ فِيمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ دَفْعًا لِمَزِيدِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُعِيرِ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِاسْتِعْمَالِهِ لَا بِاسْتِعْمَالِ غَيْرِهِ، وَقَالَ هَذَا) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ وِلَايَةِ الْإِعَارَةِ لِلْمُسْتَعِيرِ (إذَا صَدَرَتْ الْإِعَارَةُ مُطْلَقَةً) فَوَجَبَ أَنْ يُبَيِّنَ أَقْسَامَهَا فَقَالَ (وَهِيَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ) وَهِيَ قِسْمَةٌ عَقْلِيَّةٌ (أَحَدُهَا أَنْ تَكُونَ مُطْلَقَةً فِي الْوَقْتِ وَالِانْتِفَاعِ. وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ مُقَيَّدَةً فِيهِمَا. وَالثَّالِثُ أَنْ تَكُونَ مُقَيَّدَةً فِي حَقِّ الْوَقْتِ مُطْلَقَةً فِي حَقِّ الِانْتِفَاعِ. وَالرَّابِعُ بِالْعَكْسِ) فَلِلْمُسْتَعِيرِ فِي الْأَوَّلِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ أَيِّ نَوْعٍ شَاءَ فِي أَيِّ

مِثْلُ الْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرُ خَيْرٌ مِنْ الْحِنْطَةِ إذَا كَانَ كَيْلًا. وَالثَّالِثُ أَنْ تَكُونَ مُقَيَّدَةً فِي حَقِّ الْوَقْتِ مُطْلَقَةً فِي حَقِّ الِانْتِفَاعِ. وَالرَّابِعُ عَكْسُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّى مَا سَمَّاهُ، فَلَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا لَهُ أَنْ يَحْمِلَ وَيُعِيرَ غَيْرَهُ لِلْحَمْلِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يَتَفَاوَتُ. وَلَهُ أَنْ يَرْكَبَ وَيُرْكِبَ غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَ الرُّكُوبُ مُخْتَلِفًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أُطْلِقَ فِيهِ فَلَهُ أَنْ يُعَيِّنَ، حَتَّى لَوْ رَكِبَ بِنَفْسِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ رُكُوبُهُ، وَلَوْ أَرْكَبَ غَيْرَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَهُ حَتَّى لَوْ فَعَلَهُ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ الْإِرْكَابُ. قَالَ: (وَعَارِيَّةُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ قَرْضٌ) ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ، وَلَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا إلَّا بِاسْتِهْلَاكِ عَيْنِهَا فَاقْتَضَى تَمْلِيكُ الْعَيْنِ ضَرُورَةً وَذَلِكَ بِالْهِبَةِ أَوْ بِالْقَرْضِ وَالْقَرْضُ أَدْنَاهُمَا فَيَثْبُتُ. أَوْ؛ لِأَنَّ مِنْ قَضِيَّةِ الْإِعَارَةِ الِانْتِفَاعَ وَرَدَّ الْعَيْنِ فَأُقِيمَ رَدُّ الْمِثْلِ مَقَامَهُ. قَالُوا: هَذَا إذَا أَطْلَقَ الْإِعَارَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقْتٍ شَاءَ عَمَلًا بِالْإِطْلَاقِ. وَفِي الثَّانِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يُجَاوِزَ فِيهِ مَا سَمَّاهُ مِنْ الْوَقْتِ وَالْمَنْفَعَةِ (إلَّا إذَا كَانَ خِلَافًا إلَى مِثْلِ ذَلِكَ) كَمَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا قَفِيزًا مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ فَحَمَلَهَا قَفِيزًا مِنْ حِنْطَةٍ أُخْرَى (أَوْ إلَى خَيْرٍ مِنْهُ) كَمَا إذَا حَمَلَ مِثْلَ ذَلِكَ شَعِيرًا اسْتِحْسَانًا. وَفِي الْقِيَاسِ يَضْمَنُ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ، فَإِنَّ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ لَا تُعْتَبَرُ الْمَنْفَعَةُ وَالضَّرَرُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إذَا بَاعَ بِأَلْفِ دِينَارٍ لَمْ يَنْفُذْ بَيْعُهُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِلْمَالِكِ فِي تَعْيِينِ الْحِنْطَةِ، إذْ مَقْصُودُهُ دَفْعُ زِيَادَةِ الضَّرَرِ عَنْ دَابَّتِهِ، وَمِثْلُ كَيْلِ الْحِنْطَةِ مِنْ الشَّعِيرِ أَخَفُّ عَلَى الدَّابَّةِ وَالتَّقْيِيدِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ إذَا كَانَ مُفِيدًا (وَفِي الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّى مَا سَمَّاهُ مِنْ الْوَقْتِ وَالنَّوْعِ) وَعَلَى هَذَا (فَلَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا لَهُ أَنْ يُحْمَلَ وَيُعِيرَ غَيْرَهُ لِلْحَمْلِ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يَتَفَاوَتُ. وَلَهُ أَنْ يَرْكَبَ وَيُرْكِبَ غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَ الرُّكُوبُ مُخْتَلِفًا، لِأَنَّهُ لَمَّا أَطْلَقَ كَانَ لَهُ التَّعْيِينُ، حَتَّى لَوْ رَكِبَ بِنَفْسِهِ تَعَيَّنَ الرُّكُوبُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ غَيْرَهُ وَبِالْعَكْسِ كَذَلِكَ، فَلَوْ فَعَلَهُ ضَمِنَ لِتَعَيُّنِ الرُّكُوبِ فِي الْأَوَّلِ وَالْإِرْكَابِ فِي الثَّانِي) وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ اخْتِيَارُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ: غَيْرُهُ: لَهُ أَنْ يَرْكَبَ بَعْدَ الْإِرْكَابِ وَيَرْكَبَ بَعْدَ الرُّكُوبِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ. قَالَ (وَعَارِيَّةُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ قَرْضٌ إلَخْ) إذَا اسْتَعَارَ الدَّرَاهِمَ فَقَالَ لَهُ أَعَرْتُك دَرَاهِمِي هَذِهِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَقُولَ أَقْرَضْتُك، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ وَمَعْدُودٍ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ، وَلَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا إلَّا بِاسْتِهْلَاكِ عَيْنِهَا، فَكَانَ ذَلِكَ تَمْلِيكًا لِلْعَيْنِ اقْتِضَاءً، وَتَمْلِيكُ الْعَيْنِ إمَّا بِالْهِبَةِ أَوْ الْقَرْضِ، وَالْقَرْضُ أَدْنَاهُمَا لِكَوْنِهِ مُتَيَقَّنًا بِهِ. قِيلَ لِأَنَّهُ أَقَلُّ ضَرَرًا عَلَى الْمُعْطِي لِأَنَّهُ يُوجِبُ رَدَّ الْمِثْلِ، وَمَا هُوَ أَقَلُّ ضَرَرًا فَهُوَ الثَّابِتُ يَقِينًا، وَلِأَنَّ مِنْ قَضِيَّةِ الْإِعَارَةِ الِانْتِفَاعَ وَرَدَّ الْعَيْنِ وَقَدْ عَجَزَ عَنْ رَدِّهِ فَأُقِيمَ رَدُّ الْمِثْلِ مَقَامَهُ. قَالَ الْمَشَايِخُ: هَذَا إذَا أَطْلَقَ الْإِعَارَةَ. وَأَمَّا إذَا عَيَّنَ الْجِهَةَ بِأَنْ اسْتَعَارَ دَرَاهِمَ لِيُعَايِرَ بِهَا مِيزَانًا أَوْ يُزَيِّنَ بِهَا دُكَّانًا لَمْ يَكُنْ قَرْضًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا الْمَنْفَعَةُ الْمُسَمَّاةُ، فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَعَارَ آنِيَةً لِيَتَجَمَّلَ بِهَا أَوْ سَيْفًا مُحَلًّى يَتَقَلَّدُهُ، يُقَالُ عَايَرْت الْمَكَايِيلَ أَوْ الْمَوَازِينَ إذَا قَايَسْتهَا، وَالْعِيَارُ الْمِعْيَارُ الَّذِي يُقَاسُ بِهِ غَيْرُهُ وَيُسَوَّى

وَأَمَّا إذَا عَيَّنَ الْجِهَةَ بِأَنْ اسْتَعَارَ دَرَاهِمَ لِيُعَايِرَ بِهَا مِيزَانًا أَوْ يُزَيِّنَ بِهَا دُكَّانًا لَمْ يَكُنْ قَرْضًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا الْمَنْفَعَةُ الْمُسَمَّاةُ، وَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَعَارَ آنِيَةً يَتَجَمَّلُ بِهَا أَوْ سَيْفًا مُحَلًّى يَتَقَلَّدُهُ. قَالَ (وَإِذَا اسْتَعَارَ أَرْضًا لِيَبْنِيَ فِيهَا أَوْ لِيَغْرِسَ فِيهَا جَازَ وَلِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا وَيُكَلِّفَهُ قَلْعَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ) أَمَّا الرُّجُوعُ فَلِمَا بَيَّنَّا، وَأَمَّا الْجَوَازُ فَلِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مَعْلُومَةٌ تُمْلَكُ بِالْإِجَارَةِ فَكَذَا بِالْإِعَارَةِ. وَإِذَا صَحَّ الرُّجُوعُ بَقِيَ الْمُسْتَعِيرُ شَاغِلًا أَرْضَ الْمُعِيرِ فَيُكَلَّفُ تَفْرِيغَهَا، ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ وَقَّتَ الْعَارِيَّةَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ مُغْتَرٌّ غَيْرُ مَغْرُورٍ حَيْثُ اعْتَمَدَ إطْلَاقَ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْبِقَ مِنْهُ الْوَعْدُ وَإِنْ كَانَ وَقَّتَ الْعَارِيَّةَ وَرَجَعَ قَبْلَ الْوَقْتِ صَحَّ رُجُوعُهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ خُلْفِ الْوَعْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِذَا اسْتَعَارَ أَرْضًا لِلْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ جَازَ وَلِلْمُعِيرِ الرُّجُوعُ فِيهَا وَتَكْلِيفُ قَلْعِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ. أَمَّا الْجَوَازُ فَلِأَنَّ هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ مَعْلُومَةٌ تُمْلَكُ بِالْإِجَارَةِ فَكَذَا بِالْإِعَارَةِ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ. وَأَمَّا الرُّجُوعُ فَلِمَا بَيَّنَّا، يَعْنِي بِهِ قَوْلَهُ وَلِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْعَارِيَّةِ مَتَى شَاءَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ وَالْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ» وَأَمَّا التَّكْلِيفُ فَلِأَنَّ الرُّجُوعَ إذَا كَانَ صَحِيحًا بَقِيَ الْمُسْتَعِيرُ شَاغِلًا أَرْضَ الْمُعِيرِ فَيُكَلَّفُ تَفْرِيغَهَا، ثُمَّ إنَّ الْمُعِيرَ إمَّا أَنْ وَقَّتَ الْعَارِيَّةَ أَوْ لَمْ يُوَقِّتْ، فَإِنْ لَمْ يُوَقِّتْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ مُغْتَرٌّ غَيْرُ مَغْرُورٍ مِنْ جَانِبِ الْمُعِيرِ حَيْثُ اعْتَمَدَ إطْلَاقَ الْعَقْدِ وَظَنَّ أَنَّهُ يَتْرُكُهَا فِي يَدِهِ مُدَّةً طَوِيلَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْبِقَ مِنْهُ الْوَعْدُ، وَإِنْ كَانَ وَقَّتَ الْعَارِيَّةَ فَيَرْجِعُ قَبْلَ الْوَقْتِ صَحَّ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَكِنْ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ خُلْفِ الْوَعْدِ وَضَمِنَ الْمُعِيرُ مَا نَقَصَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ بِالْقَلْعِ لِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَتِهِ حَيْثُ وَقَّتَ لَهُ، إذْ الظَّاهِرُ الْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ وَالْمَغْرُورُ يَرْجِعُ عَلَى الْغَارِّ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْغُرُورُ الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ هُوَ مَا كَانَ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ كَمَا مَرَّ وَالْإِعَارَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ التَّوْقِيتَ مِنْ الْمُعِيرِ الْتِزَامٌ مِنْهُ لِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ إنْ أَرَادَ إخْرَاجَهُ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ مَعْنًى. وَتَقْرِيرُ كَلَامِهِ ابْنِ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ بِنَفْسِك عَلَى أَنْ أَتْرُكَهَا فِي يَدِك إلَى مُدَّةِ كَذَا، فَإِنْ لَمْ أَتْرُكْهَا فَأَنَا ضَامِنٌ لَك بِقَرِينَةِ حَالِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ كَلَامَ الْعَاقِلِ مَحْمُولٌ عَلَى الْفَائِدَةِ مَا أَمْكَنَ، وَحَيْثُ كَانَتْ الْإِعَارَةُ بِدُونِ التَّوْقِيتِ صَحِيحَةً شَرْعًا لَا بُدَّ مِنْ فَائِدَةٍ لِذِكْرِ الْوَقْتِ وَذَلِكَ مَا قُلْنَا. وَوَجْهُ قَوْلِهِ مَا نَقَصَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ أَنْ يَنْظُرَكُمْ تَكُونُ قِيمَةُ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ إذَا بَقِيَ إلَى الْمُدَّةِ الْمَضْرُوبَةِ فَيَضْمَنُ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ: يَعْنِي إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْبِنَاءِ إلَى الْمُدَّةِ الْمَضْرُوبَةِ

(وَضَمِنَ الْمُعِيرُ مَا نَقَصَ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ بِالْقَلْعِ) ؛ لِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَتِهِ حَيْثُ وَقَّتَ لَهُ، وَالظَّاهِرُ هُوَ الْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ. كَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ. وَذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ أَنَّهُ يَضْمَنُ رَبُّ الْأَرْضِ لِلْمُسْتَعِيرِ قِيمَةَ غَرْسِهِ وَبِنَائِهِ وَيَكُونَانِ لَهُ، إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُسْتَعِيرُ أَنْ يَرْفَعَهُمَا وَلَا يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُمَا فَيَكُونَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ. قَالُوا: إذَا كَانَ فِي الْقَلْعِ ضَرَرٌ بِالْأَرْضِ فَالْخِيَارُ إلَى رَبِّ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ أَصْلٍ وَالْمُسْتَعِيرُ صَاحِبُ تَبَعٍ وَالتَّرْجِيحُ بِالْأَصْلِ، وَلَوْ اسْتَعَارَهَا لِيَزْرَعَهَا لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ حَتَّى يَحْصُدَ الزَّرْعَ وَقَّتَ أَوْ لَمْ يُوَقِّتْ؛ لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةً مَعْلُومَةً، وَفِي التَّرْكِ مُرَاعَاةُ الْحُقَّيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَشَرَةَ دَنَانِيرَ مَثَلًا، وَإِذَا قَلَعَ فِي الْحَالِ تَكُونُ قِيمَةُ النَّقْصِ دِينَارَيْنِ يَرْجِعُ بِهِمَا، كَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُرِيدُ بِهِ ضَمَانَ مَا نَقَصَ. وَذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ أَنَّ الْمُعِيرَ يُضَمِّنُ الْمُسْتَعِيرَ قِيمَةَ غَرْسِهِ وَبِنَائِهِ فَيَكُونَانِ لَهُ، إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُسْتَعِيرُ أَنْ يَرْفَعَهُمَا وَلَا يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُمَا فَلَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ. قَالُوا: يَعْنِي الْمَشَايِخَ إذَا كَانَ بِالْأَرْضِ ضَرَرٌ بِالْقَلْعِ فَالْخِيَارُ إلَى رَبِّ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ صَاحِبُ أَصْلٍ وَالْمُسْتَعِيرُ صَاحِبُ تَبَعٍ وَالتَّرْجِيحُ بِالْأَصْلِ. قِيلَ مَعْنَى كَلَامِهِ هَذَا أَنَّ مَا قَالَ الْقُدُورِيُّ إنَّ الْمُعِيرَ يَضْمَنُ نُقْصَانَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَلْحَقْ الْأَرْضَ بِالْقَلْعِ ضَرَرٌ، أَمَّا إذَا لَحِقَ فَالْخِيَارُ فِي الْإِبْقَاءِ بِالْقِيمَةِ مَقْلُوعًا وَتَكْلِيفُ الْقَلْعِ وَضَمَانُ النُّقْصَانِ إلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ: وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ إنَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْقَلْعِ وَتَرْكِ الضَّمَانِ إذَا لَمْ تَتَضَرَّرْ الْأَرْضُ بِالْقَلْعِ، وَأَمَّا إذَا تَضَرَّرَتْ فَالْخِيَارُ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ. وَلَوْ اسْتَعَارَهَا لِيَزْرَعَهَا لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ حَتَّى يُحْصَدَ الزَّرْعُ بَلْ تُتْرَكُ فِي يَدِهِ بِطَرِيقِ الْإِجَارَةِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ وَقَّتَ أَوْ لَمْ يُوَقِّتْ، لِأَنَّ الزَّرْعَ لَهُ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ،

بِخِلَافِ الْغَرْسِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ فَيُقْلَعُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمَالِكِ. قَالَ (وَأُجْرَةُ رَدِّ الْعَارِيَّةِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ) ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ لِمَا أَنَّهُ قَبَضَهُ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ وَالْأُجْرَةُ مُؤْنَةُ الرَّدِّ فَتَكُونُ عَلَيْهِ (وَأُجْرَةُ رَدِّ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ عَلَى الْمُؤَجِّرِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي التَّرْكِ مُرَاعَاةُ الْحَقَّيْنِ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ التَّرْكُ بِأَجْرٍ لَمْ تَفُتْ مَنْفَعَةُ أَرْضِهِ مَجَّانًا وَلَا زَرْعُ الْآخَرِ، بِخِلَافِ الْغَرْسِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ فَيُقْلَعُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمَالِكِ. قَالَ (وَأُجْرَةُ رَدِّ الْعَارِيَّةِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ إلَخْ) أُجْرَةُ رَدِّ الْعَارِيَّةِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَأُجْرَةُ رَدِّ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ عَلَى الْمُؤَجِّرِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَجْرَ مُؤْنَةُ الرَّدِّ، فَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّدُّ وَجَبَ أَجْرُهُ، وَالرَّدُّ فِي الْعَارِيَّةِ وَاجِبٌ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ، وَالْغُرْمُ بِإِزَاءِ الْغُنْمِ، وَفِي الْإِجَارَةِ لَيْسَ الرَّدُّ وَاجِبًا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ عَلَيْهِ التَّمْكِينُ وَالتَّخْلِيَةُ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ قَبْضِهِ سَالِمَةً لِلْمُؤَجِّرِ مَعْنًى فَيَكُونُ عَلَيْهِ مُؤْنَةُ رَدِّهِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَا يُعَارَضُ بِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ قَدْ انْتَفَعَ بِمَنَافِعِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْآجِرِ عَيْنٌ وَمَنْفَعَةَ الْمُسْتَأْجِرِ مَنْفَعَةٌ، وَالْعَيْنُ لِكَوْنِهِ مَتْبُوعًا أَوْلَى مِنْ الْمَنْفَعَةِ، وَعَلَى هَذَا كَانَ أُجْرَةُ رَدِّ الْمَغْصُوبِ عَلَى الْغَاصِبِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الرَّدُّ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمَالِكِ فَتَكُونُ الْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ. وَمَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً وَرَدَّهَا إلَى إصْطَبْلِ

لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ التَّمْكِينُ وَالتَّخْلِيَةُ دُونَ الرَّدِّ، فَإِنَّ مَنْفَعَةَ قَبْضِهِ سَالِمَةٌ لِلْمُؤَجِّرِ مَعْنًى فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ مُؤْنَةُ رَدِّهِ (وَأُجْرَةُ رَدِّ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ عَلَى الْغَاصِبِ) ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الرَّدُّ وَالْإِعَادَةُ إلَى يَدِ الْمَالِكِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ فَتَكُونَ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ. قَالَ: (وَإِذَا اسْتَعَارَ دَابَّةً فَرَدَّهَا إلَى إصْطَبْلِ مَالِكِهَا فَهَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَفِي الْقِيَاسِ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مَا رَدَّهَا إلَى مَالِكِهَا بَلْ ضَيَّعَهَا. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ أُتِيَ بِالتَّسْلِيمِ الْمُتَعَارَفِ؛ لِأَنَّ رَدَّ الْعَوَارِيّ إلَى دَارِ الْمُلَّاكِ مُعْتَادٌ كَآلَةِ الْبَيْتِ، وَلَوْ رَدَّهَا إلَى الْمَالِكِ فَالْمَالِكُ يَرُدُّهَا إلَى الْمَرْبِطِ. (وَإِنْ اسْتَعَارَ عَبْدًا فَرَدَّهُ إلَى دَارِ الْمَالِكِ وَلَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيْهِ لَمْ يَضْمَنْ) لِمَا بَيَّنَّا (وَلَوْ رَدَّ الْمَغْصُوبَ أَوْ الْوَدِيعَةَ إلَى دَارِ الْمَالِكِ وَلَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيْهِ ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْغَاصِبِ فَسْخُ فِعْلِهِ، وَذَلِكَ بِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ دُونَ غَيْرِهِ، الْوَدِيعَةُ لَا يَرْضَى الْمَالِكُ بِرَدِّهَا إلَى الدَّارِ وَلَا إلَى يَدِ مَنْ فِي الْعِيَالِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ارْتَضَاهُ لَمَا أَوْدَعَهَا إيَّاهُ، بِخِلَافِ الْعَوَارِيّ؛ لِأَنَّ فِيهَا عُرْفًا، حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ عُقْدَ جَوْهَرٍ لَمْ يَرُدَّهَا إلَّا إلَى الْمُعِيرِ؛ لِعَدَمِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْعُرْفِ فِيهِ. قَالَ: (وَمَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً فَرَدَّهَا مَعَ عَبْدِهِ أَوْ أَجِيرِهِ لَمْ يَضْمَنْ) وَالْمُرَادُ بِالْأَجِيرِ أَنْ يَكُونَ مُسَانَهَةً أَوْ مُشَاهَرَةً؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ، وَلَهُ أَنْ يَحْفَظَهَا بِيَدِ مَنْ فِي عِيَالِهِ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ، بِخِلَافِ الْأَجِيرِ مُيَاوَمَةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي عِيَالِهِ. (وَكَذَا إذَا رَدَّهَا مَعَ عَبْدِ رَبِّ الدَّابَّةِ أَوْ أَجِيرِهِ) ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَرْضَى بِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ رَدَّهُ إلَيْهِ فَهُوَ يَرُدُّهُ إلَى عَبْدِهِ، وَقِيلَ هَذَا فِي الْعَبْدِ الَّذِي يَقُومُ عَلَى الدَّوَابِّ، وَقِيلَ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يُدْفَعُ إلَيْهِ دَائِمًا يُدْفَعُ إلَيْهِ أَحْيَانًا (وَإِنْ رَدّهَا مَعَ أَجْنَبِيٍّ ضَمِنَ) وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَا يَمْلِكُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَالِكِهَا فَهَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْ، وَفِي الْقِيَاسِ هُوَ ضَامِنٌ لِأَنَّهُ تَضْيِيعٌ لَا رَدٌّ، وَصَارَ كَرَدِّ الْمَغْصُوبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ إلَى دَارِ الْمَالِكِ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ إلَيْهِ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْغَاصِبِ فَسْخُ فِعْلِهِ وَذَلِكَ بِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ دُونَ غَيْرِهِ، وَعَلَى الْمُودَعِ الرَّدُّ إلَى الْمَالِكِ لَا إلَى دَارِهِ وَمَنْ فِي عِيَالِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ ارْتَضَى بِالرَّدِّ إلَى عِيَالِهِ لَمَا أَوْدَعَهَا إيَّاهُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ فِي الْعَارِيَّةِ عُرْفًا لَيْسَ فِي غَيْرِهَا،

الْإِيدَاعَ قَصْدًا كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَمْلِكُهُ لِأَنَّهُ دُونَ الْإِعَارَةِ، وَأَوَّلُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِإِنْهَاءِ الْإِعَارَةِ لِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ. قَالَ: (وَمَنْ أَعَارَ أَرْضًا بَيْضَاءَ لِلزِّرَاعَةِ يَكْتُبُ إنَّك أَطْعَمْتنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا: يَكْتُبُ إنَّك أَعَرْتنِي) ؛ لِأَنَّ لَفْظَةَ الْإِعَارَةِ مَوْضُوعَةٌ لَهُ وَالْكِتَابَةُ بِالْمَوْضُوعِ لَهُ أَوْلَى كَمَا فِي إعَارَةِ الدَّارِ. وَلَهُ أَنَّ لَفْظَةَ الْإِطْعَامِ أَدَلُّ عَلَى الْمُرَادِ؛ لِأَنَّهَا تَخُصُّ الزِّرَاعَةَ وَالْإِعَارَةُ تَنْتَظِمُهَا وَغَيْرَهَا كَالْبِنَاءِ وَنَحْوِهِ فَكَانَتْ الْكِتَابَةُ بِهَا أَوْلَى، بِخِلَافِ الدَّارِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُعَارُ إلَّا لِلسُّكْنَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ أَنَّ رَدَّ الْعَوَارِيّ إلَى دَارِ الْمُلَّاكِ مُعْتَادٌ كَآلَةِ الْبَيْتِ، فَإِنَّهُ لَوْ رَدَّهَا إلَى الْمَالِكِ لَرَدَّهَا الْمَالِكُ إلَى الْمَرْبِطِ. وَعَلَى هَذَا إذَا اسْتَعَارَ عَبْدًا فَرَدَّهُ إلَى دَارِ الْمَالِكِ وَلَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيْهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ اسْتَعَارَ عِقْدَ لُؤْلُؤٍ لَمْ يَرُدَّهُ إلَّا إلَى الْمُعِيرِ لِلْعُرْفِ فِي الْأَوَّلِ وَعَدَمِهِ فِي الثَّانِي. وَمَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً فَرَدَّهَا مَعَ مَنْ فِي عِيَالِهِ كَعَبْدِهِ وَأَجِيرِهِ مُسَانَهَةً أَوْ مُشَاهَرَةً فَهُوَ صَحِيحٌ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ وَلَهُ حِفْظُهَا عَلَى يَدِهِمْ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ، وَكَذَا إذَا رَدَّهَا مَعَ عَبْدِ رَبِّ الدَّابَّةِ أَوْ أَجِيرِهِ لِوُجُودِ الرِّضَا بِهِ مِنْ الْمَالِكِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ رَدَّهَا إلَيْهِ فَهُوَ يَرُدُّهَا إلَى عَبْدِهِ. وَاخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ كَوْنِ هَذَا الْعَبْدِ مِمَّنْ يَقُومُ عَلَى الدَّوَابِّ فَقِيلَ بِهِ، وَقِيلَ هُوَ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِوُجُودِ الدَّفْعِ إلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ رَدَّهَا مَعَ أَجْنَبِيٍّ ضَمِنَ، وَدَلَّتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَا يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ قَصْدًا كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ وَهُوَ الْكَرْخِيُّ. وَمَنْ قَالَ بِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ وَهُوَ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ أَوَّلُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِانْتِهَاءِ الْإِعَارَةِ لِانْقِضَاءِ مُدَّتِهَا فَكَانَ إذْ ذَاكَ مُودَعًا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُودِعَ غَيْرَهُ، فَإِذَا أَوْدَعَهُ وَفَارَقَهُ ضَمِنَ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَبَاقِي كَلَامِهِ ظَاهِرٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْحٍ. (كِتَابُ الْهِبَةِ) : قَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ الْمُنَاسَبَةِ فِي الْوَدِيعَةِ، وَمِنْ مَحَاسِنِهَا جَلْبُ الْمَحَبَّةِ. وَهِيَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ إيصَالِ الشَّيْءِ إلَى الْغَيْرِ بِمَا يَنْفَعُهُ،

[كتاب الهبة]

[كِتَابُ الْهِبَةِ] الْهِبَةُ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَهَادَوْا تَحَابُّوا» وَعَلَى ذَلِكَ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ (وَتَصِحُّ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالْقَبْضِ) أَمَّا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فَلِأَنَّهُ عَقْدٌ، وَالْعَقْدُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ، وَالْقَبُولِ، وَالْقَبْضُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِثُبُوتِ الْمَلِكِ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ اعْتِبَارًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} [مريم: 5] وَفِي الشَّرِيعَةِ تَمْلِيكُ الْمَالِ بِلَا عِوَضٍ (وَهُوَ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَهَادَوْا تَحَابُّوا» وَعَلَى هَذَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ. وَتَصِحُّ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالْقَبْضِ) وَهَذَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ مِنْ جِهَةِ الْعَاقِدَيْنِ، أَمَّا مِنْ جِهَةِ الْوَاهِبِ فَلِأَنَّ الْإِيجَابَ كَافٍ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ عَلَى أَنَّهُ يَهَبُ عَبْدَهُ لِفُلَانٍ فَوَهَبَ وَلَمْ يَقْبَلْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَلِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ بِالْقَبُولِ بِدُونِ الْقَبْضِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ (وَقَالَ مَالِكٌ: يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهَا قَبْلَ الْقَبْضِ اعْتِبَارًا

بِالْبَيْعِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الصَّدَقَةُ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ إلَّا مَقْبُوضَةً» وَالْمُرَادُ نَفْيُ الْمِلْكِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْبَيْعِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الصَّدَقَةُ. وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ إلَّا مَقْبُوضَةً» أَيْ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْهِبَةِ وَهُوَ الْمِلْكُ

لِأَنَّ الْجَوَازَ بِدُونِهِ ثَابِتٌ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ، وَفِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ قَبْلَ الْقَبْضِ إلْزَامُ الْمُتَبَرِّعِ شَيْئًا لَمْ يَتَبَرَّعْ بِهِ، وَهُوَ التَّسْلِيمُ فَلَا يَصِحُّ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ أَوَانَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ فِيهَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَا إلْزَامَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ؛ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ اللُّزُومِ، وَحَقُّ الْوَارِثِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ فَلَمْ يَمْلِكْهَا. قَالَ: (فَإِنْ قَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْوَاهِبِ جَازَ) اسْتِحْسَانًا (وَإِنْ قَبَضَ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْوَاهِبُ فِي الْقَبْضِ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ فِي الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْوَاهِبِ، إذْ مِلْكُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بَاقٍ فَلَا يَصِحُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQإذْ الْجَوَازُ ثَابِتٌ قَبْلَ الْقَبْضِ) بِالِاتِّفَاقِ (وَلِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ) وَعَقْدُ التَّبَرُّعِ لَمْ يَلْزَمْ بِهِ شَيْءٌ لَمْ يُتَبَرَّعْ بِهِ (وَفِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ قَبْلَ الْقَبْضِ ذَلِكَ إذْ فِيهِ الْتِزَامُ التَّسْلِيمِ) . وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُتَبَرِّعَ بِالشَّيْءِ قَدْ يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَتَبَرَّعْ بِهِ إذَا كَانَ مِنْ تَمَامِهِ ضَرُورَةَ تَصْحِيحِهِ، كَمَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ وَهُوَ مُحْدِثٌ لَزِمَهُ الْوُضُوءُ، وَمَنْ شَرَعَ فِي صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مُغَالَطَةٌ، فَإِنَّ مَا لَا يَتِمُّ الشَّيْءُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ إذَا كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ وَاجِبًا كَمَا ذَكَرْت مِنْ الصُّوَرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ بِالنَّذْرِ أَوْ الشُّرُوعِ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ. وَالْهِبَةُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً، فَإِنَّهُ لَوْ وَهَبَ وَسَلَّمَ جَازَ لَهُ الرُّجُوعُ فَكَيْفَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَا يَجِبُ مَا يَتِمُّ بِهِ (بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ) فَإِنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ بِهَا بِدُونِ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ لَا إلْزَامَ ثُمَّ زِيَادَةً عَلَى مَا تَبَرَّعَ، وَذَلِكَ (لِأَنَّ أَوَانَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ فِيهَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَحِينَئِذٍ لَا يُتَصَوَّرُ الْإِلْزَامُ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ اللُّزُومِ) وَهَذَا مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ الْإِيضَاحِ. وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَلِأَنَّ هَذَا عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِ بِمُجَرَّدِ الْقَبُولِ كَالْوَصِيَّةِ، أَلْحَقَ الْهِبَةَ بِالْوَصِيَّةِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ عَقْدَ الْهِبَةِ لَمَّا كَانَ تَبَرُّعًا كَانَ ضَعِيفًا فِي نَفْسِهِ غَيْرَ لَازِمٍ، وَالْمِلْكُ الثَّابِتُ لِلْوَاهِبِ كَانَ قَوِيًّا فَلَا يَزُولُ بِالسَّبَبِ الضَّعِيفِ حَتَّى يَنْضَمَّ إلَيْهِ مَا يَتَأَيَّدُ بِهِ، وَهُوَ فِي الْهِبَةِ التَّسْلِيمُ وَفِي الْوَصِيَّةِ مَوْتُ الْمُوصِي لِكَوْنِ الْمَوْتِ يُنَافِي الْمَالِكِيَّةَ فَصَحَّ الْإِلْحَاقُ (قَوْلُهُ وَحَقُّ الْوَارِثِ مُتَأَخِّرٌ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْوَارِثُ يَخْلُفُ الْمُوصِيَ فِي مِلْكِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَتَوَقَّفَ مِلْكُ الْمُوصَى لَهُ عَلَى تَسْلِيمِ الْوَارِثِ إلَيْهِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ حَقَّ الْوَارِثِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ فَلَمْ يَكُنْ خَلِيفَةً لَهُ فِيهَا لِيُقَامَ مَقَامَ الْمَيِّتِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِتَسْلِيمِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا وَلَا قَامَ مَقَامَ الْمَالِكِ فِيهَا (فَإِنْ قَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَاهِبِ جَازَ اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ قَبَضَ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْوَاهِبُ فِي الْقَبْضِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ فِي الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، لِأَنَّ الْقَبْضَ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْوَاهِبِ لِأَنَّ مِلْكَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بَاقٍ) بِالِاتِّفَاقِ (وَالتَّصَرُّفَ فِي مِلْكِ

بِدُونِ إذْنِهِ، وَلَنَا أَنَّ الْقَبْضَ بِمَنْزِلَةِ الْقَبُولِ فِي الْهِبَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ثُبُوتُ حُكْمِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْغَيْرِ بِدُونِ الْإِذْنِ غَيْرُ صَحِيحٍ. وَلَنَا) وَهُوَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ فِي الْأَوَّلِ (أَنَّ الْقَبْضَ فِي الْهِبَةِ بِمَنْزِلَةِ الْقَبُولِ) فِي الْبَيْعِ (مِنْ حَيْثُ إنَّ الْحُكْمَ وَهُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ) فِيهَا كَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ فِيهِ، فَقَوْلُهُ فِي الْهِبَةِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ " أَنَّ الْقَبْضَ " لَا بِقَوْلِهِ " الْقَبُولُ ".

وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ إثْبَاتُ الْمِلْكِ فَيَكُونُ الْإِيجَابُ مِنْهُ تَسْلِيطًا عَلَى الْقَبْضِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَبَضَ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ؛ لِأَنَّا إنَّمَا أَثْبَتَنَا التَّسْلِيطَ فِيهِ إلْحَاقًا لَهُ بِالْقَبُولِ، وَالْقَبُولُ يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ، فَكَذَا مَا يُلْحَقُ بِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا نَهَاهُ عَنْ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ لَا تَعْمَلُ فِي مُقَابَلَةِ الصَّرِيحِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمَقْصُودُ مِنْهُ) أَيْ مَقْصُودُ الْوَاهِبِ مِنْ عَقْدِ الْهِبَةِ (إثْبَاتُ الْمِلْكِ) لِلْمَوْهُوبِ لَهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ (فَيَكُونُ الْإِيجَابُ مِنْهُ تَسْلِيطًا عَلَى الْقَبْضِ) تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِهِ فَكَانَ إذْنًا دَلَالَةً (وَلَا كَذَلِكَ الْقَبْضُ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ، لِأَنَّا إنَّمَا أَثْبَتْنَا التَّسْلِيطَ فِيهِ إلْحَاقًا لِلْقَبْضِ بِالْقَبُولِ وَالْقَبُولُ يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ فَكَذَا مَا قَامَ مَقَامَهُ) فَإِنْ قِيلَ: يَلْزَمُ عَلَى هَذَا مَا إذَا نَهَى عَنْ الْقَبْضِ فَإِنَّ التَّسْلِيطَ مَوْجُودٌ وَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْقَبْضُ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (بِخِلَافِ مَا إذَا نَهَاهُ) يَعْنِي صَرِيحًا (فِي الْمَجْلِسِ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ لَا تَعْمَلُ فِي مُقَابَلَةِ الصَّرِيحِ) وَفِيهِ بَحْثَانِ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقَبْضُ بِمَنْزِلَةِ الْقَبُولِ لَمَا صَحَّ الْأَمْرُ بِالْقَبْضِ بَعْدَ الْمَجْلِسِ كَالْبَيْعِ. وَالثَّانِي أَنَّ مَقْصُودَ الْبَائِعِ مِنْ الْبَيْعِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي، ثُمَّ إذَا تَمَّ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَالْمَبِيعُ حَاضِرٌ لَمْ يُجْعَلْ إيجَابُ الْبَائِعِ تَسْلِيطًا عَلَى الْقَبْضِ، حَتَّى لَوْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِدُونِ إذْنِهِ

قَالَ: (وَتَنْعَقِدُ الْهِبَةُ بِقَوْلِهِ وَهَبْت وَنَحَلْت وَأَعْطَيْت) ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ صَرِيحٌ فِيهِ وَالثَّانِي مُسْتَعْمَلٌ فِيهِ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَكُلَّ أَوْلَادِك نَحَلْتَ مِثْلَ هَذَا؟» وَكَذَلِكَ الثَّالِثُ، يُقَالُ: أَعْطَاك اللَّهُ وَوَهَبَك اللَّهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ (وَكَذَا تَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ أَطْعَمْتُك هَذَا الطَّعَامَ وَجَعَلْت هَذَا الثَّوْبَ لَك وَأَعْمَرْتُكَ هَذَا الشَّيْءَ وَحَمَلْتُك عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ إذَا نَوَى بِالْحُمْلَانِ الْهِبَةَ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْإِطْعَامَ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا يُطْعَمُ عَيْنُهُ يُرَادُ بِهِ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQجَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ وَيَحْبِسَهُ لِلثَّمَنِ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْإِيجَابَ مِنْ الْبَائِعِ شَطْرُ الْعَقْدِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ، وَفِي الْهِبَةِ وَحْدَهُ عَقْدٌ تَامٌّ وَهُوَ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَهُ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَقْصُودَ الْبَائِعِ مِنْ عَقْدِ الْبَيْعِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي بَلْ مَقْصُودُهُ مِنْهُ تَحْصِيلُ الثَّمَنِ لَا غَيْرُ وَثُبُوتُ الْمِلْكِ لَهُ ضِمْنِيٌّ لَا مُعْتَبَرَ بِهِ. قَالَ (وَتَنْعَقِدُ الْهِبَةُ بِقَوْلِهِ وَهَبْت وَنَحَلْت إلَخْ) هَذَا بَيَانُ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَنْعَقِدُ بِهَا الْهِبَةُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَنَا الْقَوْلُ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ صَرِيحٌ فِيهِ وَالثَّانِي مُسْتَعْمَلٌ فِيهِ، وَكَلَامُهُ وَافٍ بِإِفَادَةِ الْمَطْلُوبِ سِوَى أَلْفَاظٍ نَذْكُرُهَا (قَوْلُهُ أَكُلُّ أَوْلَادِك نَحَلْت مِثْلَ هَذَا) رَوَى النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «نَحَلَنِي

بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: أَطْعَمْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ حَيْثُ تَكُونُ عَارِيَّةً؛ لِأَنَّ عَيْنَهَا لَا تُطْعَمُ فَيَكُونُ الْمُرَادُ أَكْلَ غَلَّتِهَا. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ حَرْفَ اللَّامِ لِلتَّمْلِيكِ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَمَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلْمُعَمَّرِ لَهُ وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ» وَكَذَا إذَا قَالَ جَعَلْت هَذِهِ الدَّارَ لَك عُمْرَى لِمَا قُلْنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبِي غُلَامًا وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ، فَأَبَتْ أُمِّي إلَّا أَنْ تُشْهِدَ عَلَى ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَمَلَنِي أَبِي عَلَى عَاتِقِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ أَلَك وَلَدٌ سِوَاهُ؟ فَقَالَ نَعَمْ، فَقَالَ: أَكُلُّ وَلَدِك نَحَلْت مِثْلَ هَذَا؟ فَقَالَ لَا، فَقَالَ هَذَا جَوْرٌ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ) أَيْ وَلِوَرَثَةِ الْمُعْمَرِ لَهُ مِنْ بَعْدِ الْمُعْمَرِ لَهُ: يَعْنِي تَثْبُتُ بِهِ الْهِبَةُ وَيَبْطُلُ مَا اقْتَضَاهُ مِنْ شَرْطِ الرُّجُوعِ، وَكَذَا لَوْ شَرَطَ الرُّجُوعَ صَرِيحًا يَبْطُلُ شَرْطُهُ. وَقَوْلُهُ (لِمَا قُلْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ فَلِأَنَّ

وَأَمَّا الرَّابِعُ فَلِأَنَّ الْحَمْلَ هُوَ الْإِرْكَابُ حَقِيقَةً فَيَكُونُ عَارِيَّةً لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْهِبَةَ، يُقَالُ حَمَلَ الْأَمِيرُ فُلَانًا عَلَى فَرَسٍ وَيُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ نِيَّتِهِ. (وَلَوْ قَالَ كَسَوْتُك هَذَا الثَّوْبَ يَكُونُ هِبَةً) ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المائدة: 89] وَيُقَالُ كَسَا الْأَمِيرُ فُلَانًا ثَوْبًا: أَيْ مَلَّكَهُ مِنْهُ (وَلَوْ قَالَ مَنَحْتُك هَذِهِ الْجَارِيَةَ كَانَتْ عَارِيَّةً) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQحَرْفَ اللَّامِ لِلتَّمْلِيكِ، وَقَوْلُهُ (فَلِأَنَّ الْحَمْلَ هُوَ الْإِرْكَابُ حَقِيقَةً) يَعْنِي أَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْمَنَافِعِ (فَيَكُونُ عَارِيَّةً) إلَّا أَنْ يَقُولَ صَاحِبُ الدَّابَّةِ أَرَدْت الْهِبَةَ، لِأَنَّ اللَّفْظَ قَدْ يُذْكَرُ لِلتَّمْلِيكِ، فَإِذَا نَوَى مُحْتَمَلَ لَفْظِهِ فِيمَا فِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَيْهِ عَمِلَتْ نِيَّتُهُ. لَا يُقَالُ: هَذَا يُنَاقِضُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْعَارِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّهُمَا لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ، وَعِنْدَ عَدَمِ إرَادَتِهِ الْهِبَةَ يُحْمَلُ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ مَجَازًا لِمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ هُنَالِكَ أَنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّهُمَا لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ: يَعْنِي فِي الْعُرْفِ فَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَنَافِعِ مَجَازٌ عُرْفِيٌّ فَيَكُونُ قَوْلُهُ هَاهُنَا لِأَنَّ الْحَمْلَ هُوَ الْإِرْكَابُ حَقِيقَةً: يَعْنِي فِي اللُّغَةِ، فَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ (وَلَوْ قَالَ مَنَحْتُك هَذِهِ الْجَارِيَةَ كَانَتْ عَارِيَّةً لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ) يَعْنِي مَا تَقَدَّمَ

(وَلَوْ قَالَ دَارِي لَك هِبَةً سُكْنَى أَوْ سُكْنَى هِبَةً فَهِيَ عَارِيَّةٌ) ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ مُحْكَمٌ فِي تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ وَالْهِبَةُ تَحْتَمِلُهَا وَتَحْتَمِلُ تَمْلِيكَ الْعَيْنِ فَيُحْمَلُ الْمُحْتَمَلُ عَلَى الْمُحْكَمِ، وَكَذَا إذَا قَالَ عُمْرَى سُكْنَى أَوْ نَحْلِي سُكْنَى أَوْ سُكْنَى صَدَقَةً أَوْ صَدَقَةٌ عَارِيَّةً أَوْ عَارِيَّةٌ هِبَةً لِمَا قَدَّمْنَاهُ. (وَلَوْ قَالَ هِبَةٌ تَسْكُنُهَا فَهِيَ هِبَةٌ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَسْكُنُهَا مَشُورَةٌ وَلَيْسَ بِتَفْسِيرٍ لَهُ وَهُوَ تَنْبِيهٌ عَلَى الْمَقْصُودِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ هِبَةُ سُكْنَى؛ لِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لَهُ. قَالَ: (وَلَا تَجُوزُ الْهِبَةُ فِيمَا يُقَسَّمُ إلَّا مَحُوزَةً مَقْسُومَةً، وَهِبَةُ الْمُشَاعِ فِيمَا لَا يُقَسَّمُ جَائِزَةٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَجُوزُ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ تَمْلِيكٍ فَيَصِحُّ فِي الْمُشَاعِ وَغَيْرِهِ كَالْبَيْعِ بِأَنْوَاعِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ» . وَقَوْلُهُ (وَلَوْ قَالَ دَارِي لَك هِبَةُ سُكْنَى أَوْ سُكْنَى هِبَةٍ) إنَّمَا هُوَ بِنَصْبِ هِبَةٍ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إمَّا عَلَى الْحَالِ أَوْ التَّمْيِيزِ لِمَا فِي قَوْلِهِ دَارِي لَك مِنْ الْإِبْهَامِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ مُحَكَّمٌ فِي تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ) كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَقُولَ: لِأَنَّ سُكْنَى مُحَكَّمٍ فِي تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ إذْ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي كَلَامِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: سُكْنَى لَا يَحْتَمِلُ إلَّا الْعَارِيَّةَ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالْعَارِيَّةِ (وَلَوْ قَالَ هِبَةٌ تَسْكُنُهَا فَهِيَ هِبَةٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَسْكُنُهَا مَشُورَةٌ وَلَيْسَ بِتَفْسِيرٍ لَهُ وَهُوَ تَنْبِيهٌ عَلَى الْمَقْصُودِ) أَنَّهُ مَلَّكَهُ الدَّارَ عُمْرَهُ لِيَسْكُنَهَا وَهُوَ مَعْلُومٌ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِهِ حُكْمُ التَّمْلِيكِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ هَذَا الطَّعَامُ لَك تَأْكُلُهُ وَهَذَا الثَّوْبُ لَك تَلْبَسُهُ، فَإِنْ شَاءَ قَبِلَ مَشُورَتَهُ وَفَعَلَ مَا قَالَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْ (بِخِلَافِ قَوْلِهِ هِبَةُ سُكْنَى لِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لَهُ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ قَوْلَهُ سُكْنَى اسْمٌ فَجَازَ أَنْ يَقَعَ تَفْسِيرًا لِاسْمٍ آخَرَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ تَسْكُنُهَا لِكَوْنِهِ فِعْلًا، وَقِيلَ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَسْكُنُهَا فِعْلُ الْمُخَاطَبِ فَلَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِقَوْلِ الْمُتَكَلِّمِ. قَالَ (وَلَا تَجُوزُ الْهِبَةُ فِيمَا يُقْسَمُ إلَّا مَحُوزَةً مَقْسُومَةً إلَخْ) الْمَوْهُوبُ إمَّا أَنْ يَحْتَمِلَ الْقِسْمَةَ أَوْ لَا. وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ فَيُوجِبُ نُقْصَانًا فِي مَالِيَّتِهِ لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَمَا لَا يُوجِبُ ذَلِكَ فَهُوَ يَحْتَمِلُهَا، فَالثَّانِي كَالْعَبْدِ وَالْحَيَوَانِ وَالْبَيْتِ الصَّغِيرِ، وَالْأَوَّلُ كَالدَّارِ وَالْبَيْتِ الْكَبِيرِ، وَلَا تَجُوزُ الْهِبَةُ فِيمَا يُقْسَمُ إلَّا مَحُوزَةً مَقْسُومَةً، وَالْأَوَّلُ احْتِرَازٌ عَمَّا

وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُشَاعَ قَابِلٌ لِحُكْمِهِ، وَهُوَ الْمِلْكُ فَيَكُونُ مَحَلًّا لَهُ، وَكَوْنُهُ تَبَرُّعًا لَا يُبْطِلُهُ الشُّيُوعُ كَالْقَرْضِ وَالْوَصِيَّةِ. وَلَنَا أَنَّ الْقَبْضَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْهِبَةِ فَيُشْتَرَطُ كَمَالُهُ وَالْمُشَاعُ لَا يَقْبَلُهُ إلَّا بِضَمِّ غَيْرِهِ إلَيْهِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْهُوبٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا وَهَبَ التَّمْرَ عَلَى النَّخِيلِ دُونَ النَّخِيلِ أَوْ الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ دُونَهَا، فَإِنَّ الْمَوْهُوبَ لَيْسَ بِمَحُوزٍ: أَيْ لَيْسَ بِمَقْبُوضٍ، وَالثَّانِي عَنْ الْمُشَاعِ. فَإِنَّهُ إذَا جَزَّ وَقَبَضَ التَّمْرَ الْمَوْهُوبَ عَلَى النَّخِيلِ وَلَكِنَّ ذَلِكَ التَّمْرَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ أَيْضًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْسُومٍ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَا يَجُوزُ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِ إلَّا مَحُوزَةً مَقْسُومَةً، لِأَنَّ الْهِبَةَ فِي نَفْسِهَا فِيمَا يُقْسَمُ تَقَعُ جَائِزَةً وَلَكِنْ غَيْرَ مُثْبِتَةٍ لِلْمِلْكِ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ مُفْرَزًا، فَإِنَّهُ إذَا وَهَبَ مُشَاعًا فِيمَا يُقْسَمُ ثُمَّ أَفْرَزَهُ وَسَلَّمَ صَحَّتْ وَوَقَعَتْ مُثْبَتَةً لِلْمِلْكِ، فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ هِبَةَ الْمُشَاعِ فِيمَا يُقْسَمُ وَقَعَتْ جَائِزَةً فِي نَفْسِهَا، وَلَكِنْ تُوقَفُ إثْبَاتُهَا الْمُمَلِّكُ عَلَى الْإِفْرَازِ وَالتَّسْلِيمِ وَالْعَقْدِ الْمُتَوَقِّفِ ثُبُوتُ حُكْمِهِ عَلَى الْإِفْرَازِ وَالتَّسْلِيمِ لَا يُوصَفُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَهِبَةُ الْمُشَاعِ فِيمَا لَا يُقْسَمُ جَائِزَةٌ، وَمَعْنَاهُ هِبَةُ مُشَاعٍ لَا تَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ جَائِزَةٌ، لِأَنَّ الْمُشَاعَ غَيْرُ مَقْسُومٍ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ ظَاهِرًا، وَهِبَةُ النَّصِيبِ الْغَيْرِ الْمَقْسُومِ فِيمَا هُوَ غَيْرُ مَقْسُومٍ جَائِزَةٌ، وَذَلِكَ لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي وَتَصْحِيحُهُ بِمَا ذُكِرَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هِبَةُ الْمُشَاعِ جَائِزَةٌ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا مَعْنَاهُ مُثْبِتَةٌ لِلْمِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، لِأَنَّهُ عَقْدُ تَمْلِيكٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَعَقْدُ التَّمْلِيكِ يَصِحُّ فِي الْمُشَاعِ وَغَيْرِهِ كَالْبَيْعِ بِأَنْوَاعِهِ: يَعْنِي الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ وَالصَّرْفَ وَالسَّلَمَ، فَإِنَّ الشُّيُوعَ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْضِ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِذَا بَاعَ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي خَرَجَ عَنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَدَخَلَ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَمَلَكَهُ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا وَالْخُرُوجُ عَنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَالدُّخُولُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَبْضِ وَكَذَا يَصْلُحُ الْمُشَاعُ أَنْ يَكُونَ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ وَبَدَلَ الصَّرْفِ، وَالْقَبْضُ شَرْطٌ فِيهِمَا، وَهَذَا: أَيْ جَوَازُهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُشَاعَ قَابِلٌ لِحُكْمِهِ: أَيْ لِحُكْمِ عَقْدِ الْهِبَةِ وَهُوَ الْمِلْكُ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالْإِرْثِ، وَكُلُّ مَا هُوَ قَابِلٌ لِحُكْمِ عَقْدٍ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لَهُ، لِأَنَّ الْمَحَلِّيَّةَ عَيْنُ الْقَابِلِيَّةِ أَوْ لَازِمٌ مِنْ لَوَازِمِهَا فَكَانَ الْعَقْدُ صَادِرًا مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ، وَلَا مَانِعَ ثَمَّةَ فَكَانَ جَائِزًا. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ انْتِفَاءَ الْمَانِعِ فَإِنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشُّيُوعُ مُبْطِلًا. أَجَابَ بِقَوْلِهِ وَكَوْنُهُ تَبَرُّعًا: يَعْنِي لَمْ يُعْهَدْ ذَلِكَ مُبْطِلًا فِي التَّبَرُّعَاتِ كَالْقَرْضِ وَالْوَصِيَّةِ بِأَنْ دَفَعَ أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَى رَجُلٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ نِصْفُهُ قَرْضًا عَلَيْهِ وَيَعْمَلُ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ بِشَرِكَتِهِ وَبِأَنْ أَوْصَى لِرَجُلَيْنِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِنَّ ذَلِكَ صَحِيحٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الشُّيُوعَ لَا يُبْطِلُ التَّبَرُّعَ حَتَّى يَكُونَ مَانِعًا. وَلَنَا أَنَّ الْقَبْضَ فِي الْهِبَةِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ لِمَا رَوَيْنَا

وَلِأَنَّ فِي تَجْوِيزِهِ إلْزَامَهُ شَيْئًا لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَهُوَ مُؤْنَةُ الْقِسْمَةِ، وَلِهَذَا امْتَنَعَ جَوَازُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِئَلَّا يَلْزَمَهُ التَّسْلِيمُ، بِخِلَافِ مَا لَا يُقَسَّمُ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ الْقَاصِرَ هُوَ الْمُمْكِنُ فَيُكْتَفَى بِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ الْقِسْمَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَصِحُّ الْهِبَةُ إلَّا مَقْبُوضَةً» وَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ يُشْتَرَطُ كَمَالُهُ لِأَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى الِاعْتِنَاءِ بِوُجُودِهِ، وَقَبْضُ الْمُشَاعِ نَاقِصٌ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُهُ إلَّا بِضَمِّ غَيْرِهِ إلَيْهِ: أَيْ بِضَمِّ غَيْرِ الْمَوْهُوبِ إلَى الْمَوْهُوبِ أَوْ بِالْعَكْسِ، فَإِنَّ كَلَامَهُ يَحْتَمِلُهُمَا وَالْغَيْرُ غَيْرُ مَوْهُوبٍ وَغَيْرُ مُمْتَازٍ عَنْ الْمَوْهُوبِ. فَكُلُّ جُزْءٍ فَرَضْته يَشْتَمِلُ عَلَى مَا يَجِبُ قَبْضُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ قَبْضُهُ فَكَانَ مَقْبُوضًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَفِيهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ النَّافِيَةِ لِلِاعْتِنَاءِ بِشَأْنِهِ، وَلِأَنَّ فِي تَجْوِيزِهِ إلْزَامَ الْوَاهِبِ شَيْئًا لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَهُوَ مُؤْنَةُ الْقِسْمَةِ وَتَجْوِيزُ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِزِيَادَةِ الضَّرَرِ. فَإِنْ قِيلَ هَذَا ضَرَرٌ مَرْضِيٌّ، لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى هِبَةِ الْمُشَاعِ يَدُلُّ عَلَى الْتِزَامِهِ ضَرَرَ الْقِسْمَةِ وَالضَّائِرِ مِنْ الضَّرَرِ مَا لَمْ يَكُنْ مَرَضِيًّا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَرْضِيَّ مِنْهُ لَيْسَ الْقِسْمَةَ وَلَا مَا يَسْتَلْزِمُهَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ رَاضِيًا بِالْمِلْكِ الْمُشَاعِ وَهُوَ لَيْسَ

وَالْمُهَايَأَةُ تَلْزَمُهُ فِيمَا لَمْ يَتَبَرَّعْ بِهِ وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ، وَالْهِبَةُ لَاقَتْ الْعَيْنَ، وَالْوَصِيَّةُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا الْقَبْضُ، وَكَذَا الْبَيْعُ الصَّحِيحُ، وَأَمَّا الْبَيْعُ الْفَاسِدُ وَالصَّرْفُ وَالسَّلَمُ فَالْقَبْضُ فِيهَا غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهَا عُقُودُ ضَمَانٍ فَتُنَاسِبُ لُزُومَ مُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ، وَالْقَرْضُ تَبَرُّعٌ مِنْ وَجْهٍ وَعَقْدُ ضَمَانٍ مِنْ وَجْهٍ، فَشَرَطْنَا الْقَبْضَ الْقَاصِرَ فِيهِ دُونَ الْقِسْمَةِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ، عَلَى أَنَّ الْقَبْضَ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ فِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِقِسْمَةٍ وَلَا يَسْتَلْزِمُهَا، وَلِهَذَا: أَيْ وَلِأَنَّ فِي تَجْوِيزِ هَذَا الْعَقْدِ إلْزَامَ مَا لَمْ يَلْتَزِمْ امْتَنَعَ جَوَازُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِئَلَّا يَلْزَمَهُ التَّسْلِيمُ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ مُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ، بِخِلَافِ مَا لَا يُقْسَمُ لِأَنَّ الْمُمْكِنَ فِيهِ هُوَ الْقَبْضُ الْقَاصِرُ فَيُكْتَفَى بِهِ ضَرُورَةً، وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ الْقِسْمَةِ. فَإِنْ قِيلَ: لَزِمَهُ الْمُهَايَأَةُ، وَفِي إيجَابِهَا إلْزَامُ مَا لَمْ يَلْزَمْ بِالْعُقْدَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ الْعَقْدُ جَائِزٌ فَلْتَكُنْ مُؤْنَةُ الْقِسْمَةِ كَذَلِكَ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ وَالْمُهَايَأَةُ تَلْزَمُهُ فِيمَا لَمْ يَتَبَرَّعْ بِهِ وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ وَالْمُتَبَرَّعُ بِهِ هُوَ الْعَيْنُ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ إلْزَامَ مَا لَمْ يَلْتَزِمْ الْوَاهِبُ بِعَقْدِ الْهِبَةِ إنْ كَانَ مَانِعًا عَنْ جَوَازِهَا فَقَدْ وُجِدَ، وَإِنْ خَصَصْتُمْ بِعَوْدِهِ إلَى مَا تَبَرَّعَ بِهِ كَانَ تَحَكُّمًا. وَالْجَوَابُ بِتَخْصِيصِهِ بِذَلِكَ. وَيُدْفَعُ التَّحَكُّمُ بِأَنَّ فِي عَوْدِهِ إلَى ذَلِكَ إلْزَامَ زِيَادَةِ عَيْنٍ هِيَ أُجْرَةُ الْقِسْمَةِ عَلَى الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ بِإِخْرَاجِهَا عَنْ مِلْكِهِ، وَلَيْسَ فِي غَيْرِهِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا، وَلَا يَلْزَمُ مَا إذَا أَتْلَفَ الْوَاهِبُ الْمَوْهُوبَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ، وَفِي ذَلِكَ إلْزَامُ زِيَادَةِ عَيْنٍ عَلَى مَا تَبَرَّعَ بِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ بِالْإِتْلَافِ لَا بِعَقْدِ التَّبَرُّعِ (قَوْلُهُ وَالْوَصِيَّةُ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ كَالْقَرْضِ وَالْوَصِيَّةِ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الشُّيُوعَ مَانِعٌ فِيمَا يَكُونُ الْقَبْضُ مِنْ شَرْطِهِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِهِ فِي الْمُشَاعِ وَالْوَصِيَّةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْبَيْعُ الصَّحِيحُ، وَأَمَّا الْبَيْعُ الْفَاسِدُ وَالصَّرْفُ وَالسَّلَمُ وَإِنْ كَانَ الْقَبْضُ فِيهَا شَرْطًا لِلْمِلْكِ لَكِنَّهُ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ فِيهَا. فَإِنْ قِيلَ: الْقَبْضُ فِي الصَّرْفِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ نَفْيُهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا يَكُونُ الْقَبْضُ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ ابْتِدَاءً وَفِي الصَّرْفِ لِبَقَائِهِ فِي مِلْكِهِ فَلَيْسَ

وَلَوْ وَهَبَ مِنْ شَرِيكِهِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى نَفْسِ الشُّيُوعِ. قَالَ (وَمَنْ وَهَبَ شِقْصًا مُشَاعًا فَالْهِبَةُ فَاسِدَةٌ) لِمَا ذَكَرْنَا (فَإِنْ قَسَّمَهُ وَسَلَّمَهُ جَازَ) ؛ لِأَنَّ تَمَامَهُ بِالْقَبْضِ وَعِنْدَهُ لَا شُيُوعَ. قَالَ: (وَلَوْ وَهَبَ دَقِيقًا فِي حِنْطَةٍ أَوْ دُهْنًا فِي سِمْسِمٍ فَالْهِبَةُ فَاسِدَةٌ، فَإِنْ طَحَنَ وَسَلَّمَ لَمْ يَجُزْ) وَكَذَا السَّمْنُ فِي اللَّبَنِ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ مَعْدُومٌ، وَلِهَذَا لَوْ اسْتَخْرَجَهُ الْغَاصِبُ بِمِلْكِهِ، وَالْمَعْدُومُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْمِلْكِ فَوَقَعَ الْعَقْدُ بَاطِلًا، فَلَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِالتَّجْدِيدِ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الْمُشَاعَ مَحَلٌّ لَلتَّمْلِيكِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمِمَّا نَحْنُ فِيهِ، وَلِأَنَّهَا عُقُودُ ضَمَانٍ فَيُنَاسِبُ لُزُومَ مُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَتْ مِنْ الشَّرِيكِ لَمْ تَلْزَمْ الْقِسْمَةُ، وَمَا جَازَتْ فَالْجَوَابُ سَيَأْتِي، وَالْقَرْضُ تَبَرُّعٌ مِنْ وَجْهٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ، وَعَقْدُ ضَمَانٍ مِنْ وَجْهٍ فَإِنَّ الْمُقْرِضَ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ، فَلِشَبَهِهِ بِالتَّبَرُّعِ شَرَطْنَا الْقَبْضَ فِيهِ، وَلِشَبَهِهِ بِعَقْدِ الضَّمَانِ لَمْ نَشْتَرِطْ فِيهِ الْقِسْمَةَ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ، عَلَى أَنَّ الْقَبْضَ فِيهِ لَيْسَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فَيُرَاعَى عَلَى الْكَمَالِ (وَلَوْ وَهَبَ مِنْ شَرِيكِهِ لَمْ يَجُزْ) وَإِنْ لَمْ يَلْتَزِمْ فِيهِ مُؤْنَةَ الْقِسْمَةِ (لِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى نَفْسِ الشُّيُوعِ) فَإِنَّهُ مَانِعٌ عَنْ كَمَالِ الْقَبْضِ فِيمَا يَجِبُ الْقَبْضُ فِيهِ عَلَى الْكَمَالِ، فَكَأَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَعَلَى ذَلِكَ قِيلَ الْوَجْهُ الثَّانِي غَيْرُ مُتَمَشٍّ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ وَلَا يَكُونُ صَحِيحًا، وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّهُ عِلَّةُ النَّوْعِيَّةِ لِإِثْبَاتِ نَوْعِ الْحُكْمِ، وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ الِاطِّرَادَ فِي كُلِّ شَخْصٍ (وَمَنْ وَهَبَ شِقْصًا مُشَاعًا فَالْهِبَةُ فَاسِدَةٌ) أَيْ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَوْجِيهِ قَوْلِهِ وَلَا تَجُوزُ الْهِبَةُ فِيمَا يُقْسَمُ إلَّا مَحُوزَةً، وَقَوْلُهُ (لِمَا ذَكَرْنَا) إشَارَةٌ إلَى مَا ذُكِرَ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فَكَانَتْ مَعْلُومَةً مِنْ ذَلِكَ، لَكِنْ أَعَادَهَا تَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ (فَإِنْ قَسَمَهُ وَسَلَّمَهُ جَازَ لِأَنَّ تَمَامَهُ بِالْقَبْضِ وَعِنْدَهُ لَا شُيُوعَ) وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الشُّيُوعِ مَا كَانَ عِنْدَ الْقَبْضِ، حَتَّى لَوْ وَهَبَ نِصْفَ دَارِهِ لِرَجُلٍ وَلَمْ يُسَلِّمْ حَتَّى وَهَبَ لَهُ النِّصْفَ الْبَاقِيَ وَسَلَّمَهَا جُمْلَةً جَازَتْ. قَالَ (وَلَوْ وَهَبَ دَقِيقًا فِي حِنْطَةٍ إلَخْ) بَنِي كَلَامَهُ هَاهُنَا عَلَى أَنَّ الْمَحَلَّ إذَا كَانَ مَعْدُومًا حَالَةَ الْعَقْدِ لَمْ يَنْعَقِدْ إلَّا بِالتَّجْدِيدِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُشَاعًا فَإِنَّهُ بَعْدَ الْإِفْرَازِ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّجْدِيدِ، وَذَلِكَ وَاضِحٌ لِصَلَاحِيَّةِ الْمُشَاعِ لِلْمَحَلِّيَّةِ دُونَ الْمَعْدُومِ، وَهَذَا مِمَّا يُرْشِدُك أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ لَا تَجُوزُ هِبَةُ الْمُشَاعِ وَقَوْلُهُ فَالْهِبَةُ فَاسِدَةٌ، وَقَوْلُهُ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْجَوَازِ لِلِاتِّصَالِ هُوَ عَدَمُ إفَادَةِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ، فَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ اخْتَارَ قَوْلَ مَنْ ذَهَبَ إلَى عَدَمِ الْجَوَازِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ غَيْرَ جَائِزٍ لَاحْتَاجَ إلَى تَجْدِيدِ الْعَقْدِ عِنْدَ الْإِفْرَازِ فِي الْمُشَاعِ كَمَا فِي الْمَعْدُومِ، وَإِنَّمَا جُعِلَ الرَّهْنُ فِي السِّمْسِمِ وَالدَّقِيقِ وَالْحِنْطَةِ مَعْدُومًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ بِالْفِعْلِ، وَإِنَّمَا يَحْدُثُ بِالْعَصْرِ وَالطَّحْنِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِكَوْنِهِ مَوْجُودًا بِالْقُوَّةِ لِأَنَّ

وَهِبَةُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَالصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ وَالزَّرْعِ وَالنَّخْلِ فِي الْأَرْضِ وَالتَّمْرِ فِي النَّخِيلِ بِمَنْزِلَةِ الْمُشَاعِ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْجَوَازِ لِلِاتِّصَالِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ الْقَبْضَ كَالشَّائِعِ. قَالَ: (وَإِذَا كَانَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ مَلَكَهَا بِالْهِبَةِ وَإِنْ لَمْ يُجَدِّدْ فِيهَا قَبْضًا) ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ فِي قَبْضِهِ وَالْقَبْضُ هُوَ الشَّرْطُ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِي الْبَيْعِ مَضْمُونٌ فَلَا يَنُوبُ عَنْهُ قَبْضُ الْأَمَانَةِ، أَمَّا قَبْضُ الْهِبَةِ فَغَيْرُ مَضْمُونٍ فَيَنُوبُ عَنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَامَّةَ الْمُمْكِنَاتِ كَذَلِكَ وَلَا تُسَمَّى مَوْجُودَةً. وَإِذَا كَانَ الْعَيْنُ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى قَبْضٍ جَدِيدٍ لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ وَهُوَ عَدَمُ الْقَبْضِ، فَإِذَا وُجِدَ الْقَبْضُ أَمَانَةً جَازَ أَنْ يَنُوبَ عَنْ قَبْضِ الْهِبَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ مِنْهُ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِي الْبَيْعِ مَضْمُونٌ فَلَا يَنُوبُ عَنْهُ قَبْضُ الْأَمَانَةِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ تَجَانُسَ الْقَبْضَيْنِ يَجُوزُ نِيَابَةُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ، وَتَغَايُرُهُمَا يَجُوزُ نِيَابَةُ الْأَعْلَى عَنْ الْأَدْنَى دُونَ الْعَكْسِ، فَإِذَا كَانَ الشَّيْءُ وَدِيعَةً فِي يَدِ شَخْصٍ أَوْ عَارِيَّةً فَوَهَبَهُ إيَّاهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ قَبْضٍ، لِأَنَّ كِلَا الْقَبْضَيْنِ لَيْسَ

قَالَ: (وَإِذَا وَهَبَ الْأَبُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ هِبَةً مَلَكَهَا الِابْنُ بِالْعَقْدِ) ؛ لِأَنَّهُ فِي قَبْضِ الْأَبِ فَيَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْهِبَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ أَوْ فِي يَدِ مُودِعِهِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَرْهُونًا أَوْ مَغْصُوبًا أَوْ مَبِيعًا بَيْعًا فَاسِدًا؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ أَوْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، وَالصَّدَقَةُ فِي هَذَا مِثْلُ الْهِبَةِ، وَكَذَا إذَا وَهَبَتْ لَهُ أُمُّهُ وَهُوَ فِي عِيَالِهَا وَالْأَبُ مَيِّتٌ وَلَا وَصِيَّ لَهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ يَعُولُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبْضَ ضَمَانٍ فَكَانَا مُتَجَانِسَيْنِ، وَلَوْ كَانَ بِيَدِهِ مَغْصُوبًا أَوْ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ فَوَهَبَهُ إيَّاهُ لَمْ يَحْتَجْ إلَى تَجْدِيدِهِ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَقْوَى فَيَنُوبُ عَنْ الضَّعِيفِ، وَلَوْ كَانَتْ وَدِيعَةً فَبَاعَهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِأَنَّ قَبْضَ الْأَمَانَةِ ضَعِيفٌ فَلَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الضَّمَانِ، وَمَعْنَى تَجْدِيدِ الْقَبْضِ أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى مَوْضِعٍ فِيهِ الْعَيْنُ وَيَمْضِيَ وَقْتٌ يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ قَبْضِهَا (وَإِذَا وَهَبَ الْأَبُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ هِبَةً مَلَكَهَا الِابْنُ بِالْعَقْدِ) وَالْقَبْضُ فِيهِ بِإِعْلَامِ مَا وَهَبَهُ لَهُ، وَلَيْسَ الْإِشْهَادُ بِشَرْطٍ إلَّا أَنَّ فِيهِ احْتِيَاطًا لِلتَّحَرُّزِ عَنْ جُحُودِ الْوَرَثَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ جُحُودِهِ بَعْدَ إدْرَاكِ الْوَلَدِ (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ (فِي قَبْضِ الْأَبِ فَيَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْهِبَةِ) وَيَدُ مُودَعِهِ كَيَدِهِ (بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَرْهُونًا أَوْ مَغْصُوبًا أَوْ مَبِيعًا بَيْعًا فَاسِدًا لِأَنَّهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ) يَعْنِي فِي الْأَوَّلَيْنِ (أَوْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ) يَعْنِي فِي الْأَخِيرِ (وَالصَّدَقَةُ فِي هَذَا كَالْهِبَةِ، وَكَذَا إذَا وَهَبَتْ الْأُمُّ لِوَلَدِهَا الصَّغِيرِ وَهُوَ فِي عِيَالِهَا وَالْأَبُ مَيِّتٌ وَلَا وَصِيَّ لَهُ) وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ وَهُوَ فِي عِيَالِهَا لِيَكُونَ لَهَا عَلَيْهِ نَوْعُ وِلَايَةٍ، وَقُيِّدَ بِمَوْتِ الْأَبِ وَعَدَمِ الْوَصِيِّ لِأَنَّ عِنْدَ وُجُودِهِمَا لَيْسَ لَهَا وِلَايَةُ الْقَبْضِ (وَكَذَا كُلُّ مَنْ يَعُولُهُ) نَحْوُ الْأَخِ وَالْعَمِّ وَالْأَجْنَبِيِّ جَازَ لَهُ قَبْضُ الْهِبَةِ لِأَجْلِ الْيَتِيمِ. قِيلَ: أَطْلَقَ جَوَازَ قَبْضِ هَؤُلَاءِ، وَلَكِنْ ذُكِرَ فِي الْإِيضَاحِ وَمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ أَنَّ وِلَايَةَ الْقَبْضِ لِهَؤُلَاءِ إذَا لَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْ الْأَرْبَعَةِ وَهُوَ الْأَبُ وَوَصِيُّهُ وَالْجَدُّ أَبُو الْأَبِ بَعْدَ الْأَبِ وَوَصِيُّهُ، فَأَمَّا مَعَ وُجُودِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَلَا، سَوَاءٌ كَانَ الصَّبِيُّ فِي عِيَالِ الْقَابِضِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ أَوْ أَجْنَبِيًّا لِأَنَّهُ لَيْسَ لِهَؤُلَاءِ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ، فَقِيَامُ وِلَايَةِ مَنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَالِ يَمْنَعُ ثُبُوتَ حَقِّ الْقَبْضِ لَهُ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ جَازَ قَبْضُ مَنْ كَانَ الصَّبِيُّ فِي عِيَالِهِ لِثُبُوتِ نَوْعِ وِلَايَةٍ لَهُ حِينَئِذٍ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُؤَدِّبُهُ وَيُسَلِّمُهُ فِي الصَّنَائِعِ، فَقِيَامُ هَذَا الْقَدْرِ يُطْلِقُ حَقَّ الْقَبْضِ لِلْهِبَةِ لِكَوْنِهِ مِنْ بَابِ الْمَنْفَعَةِ، وَأَرَى أَنَّهُ لَمْ يُطْلِقْ وَلَكِنَّهُ اقْتَصَرَ فِي التَّقْيِيدِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ: وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ يَعُولُهُ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَكَذَلِكَ إذَا وَهَبَتْ لَهُ أُمُّهُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِقَوْلِهِ وَالْأَبُ مَيِّتٌ وَلَا وَصِيَّ لَهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ فِي الْمَعْطُوفِ أَيْضًا، لَكِنَّهُ اقْتَصَرَ

(وَإِنْ وَهَبَ لَهُ أَجْنَبِيٌّ هِبَةً تَمَّتْ بِقَبْضِ الْأَبِ) ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ عَلَيْهِ الدَّائِرَ بَيْنَ النَّافِعِ وَالضَّائِرِ فَأَوْلَى أَنْ يَمْلِكَ الْمَنَافِعَ. قَالَ (وَإِذَا وَهَبَ لِلْيَتِيمِ هِبَةً فَقَبَضَهَا لَهُ وَلِيُّهُ وَهُوَ وَصِيُّ الْأَبِ أَوْ جَدُّ الْيَتِيمِ أَوْ وَصِيُّهُ جَازَ) ؛ لِأَنَّ لِهَؤُلَاءِ وِلَايَةً عَلَيْهِ لِقِيَامِهِمْ مَقَامَ الْأَبِ (وَإِنْ كَانَ فِي حِجْرِ أُمِّهِ فَقَبْضُهَا لَهُ جَائِزٌ) ؛ لِأَنَّ لَهَا الْوِلَايَةَ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى حِفْظِهِ وَحِفْظِ مَالِهِ. وَهَذَا مِنْ بَابِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى إلَّا بِالْمَالِ فَلَا بُدَّ مِنْ وِلَايَةِ التَّحْصِيلِ (وَكَذَا إذَا كَانَ فِي حِجْرِ أَجْنَبِيٍّ يُرَبِّيهِ) ؛ لِأَنَّ لَهُ عَلَيْهِ يَدًا مُعْتَبَرَةً. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ أَجْنَبِيٌّ آخَرُ أَنْ يَنْزِعَهُ مِنْ يَدِهِ فَيَمْلِكُ مَا يَتَمَحَّضُ نَفْعًا فِي حَقِّهِ (وَإِنْ قَبَضَ الصَّبِيُّ الْهِبَةَ بِنَفْسِهِ جَازَ) مَعْنَاهُ إذَا كَانَ عَاقِلًا؛ لِأَنَّهُ نَافِعٌ فِي حَقِّهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ. وَفِيمَا وَهَبَ لِلصَّغِيرَةِ يَجُوزُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى ذِكْرِ الْجَدِّ وَوَصِيِّهِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْجَدَّ الصَّحِيحَ مِثْلُ الْأَبِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ، وَوَصِيُّهُ كَوَصِيِّ الْأَبِ (وَإِنْ وَهَبَ لِلصَّغِيرِ أَجْنَبِيٌّ هِبَةً تَمَّتْ بِقَبْضِ الْأَبِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ) الْأَمْرَ (الدَّائِرَ بَيْنَ الضَّرِّ وَالنَّفْعِ فَالنَّفْعُ الْمَحْضُ أَوْلَى بِذَلِكَ) قَالَ (وَإِذَا وُهِبَ لِلْيَتِيمِ هِبَةٌ إلَخْ) إذَا وُهِبَ لِلْيَتِيمِ مَالٌ فَالْقَبْضُ إلَى مَنْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ وَهُوَ وَصِيُّ الْأَبِ أَوْ جَدُّ الْيَتِيمِ أَوْ وَصِيُّهُ، لِأَنَّ لِهَؤُلَاءِ وِلَايَةً عَلَى الْيَتِيمِ لِقِيَامِهِمْ مَقَامَ الْأَبِ، وَإِنْ كَانَ الْيَتِيمُ فِي حِجْرِ أُمِّهِ: أَيْ فِي كَنَفِهَا وَتَرْبِيَتِهَا فَقَبْضُهَا لَهُ جَائِزٌ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ لَهَا الْوِلَايَةَ، وَكَذَا إذَا كَانَ فِي حِجْرِ أَجْنَبِيٍّ يُرَبِّيهِ لِأَنَّ لَهُ يَدًا مُعْتَبَرَةً؛ أَلَا تَرَى أَنَّ أَجْنَبِيًّا آخَرَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ نَزْعِهِ مِنْ يَدِهِ فَيَمْلِكُ مَا تَمَحَّضَ نَفْعًا فِي حَقِّهِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُوجَدَ وَاحِدٌ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنْ قَبَضَ الصَّبِيُّ الْهِبَةَ بِنَفْسِهِ وَهُوَ عَاقِلٌ جَازَ لِأَنَّهُ نَافِعٌ فِي حَقِّهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ: أَيْ مِنْ أَهْلِ مُبَاشَرَةِ مَا يَتَضَمَّنُ نَفْعًا لَهُ. فَإِنْ قِيلَ: عَقْدُ الصَّبِيِّ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي وَجَبَ أَنْ لَا يَصِحَّ قَبْضُهُ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ وَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ اعْتِبَارُ الْحَلِفِ مَعَ وُجُودِ أَهْلِيَّتِهِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ عَقْلَهُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ تَحْصِيلِ مَا هُوَ نَفْعٌ مَحْضٌ مُعْتَبَرٌ لِتَوْفِيرِ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ، وَفِي اعْتِبَارِ الْحَلِفِ تَوْفِيرُهَا أَيْضًا لِأَنَّهُ يَنْفَتِحُ بِهِ بَابٌ آخَرُ لِتَحْصِيلِهَا فَكَانَ جَائِزًا نَظَرًا لَهُ، وَلِهَذَا لَمْ يُعْتَبَرْ عَقْلُهُ فِي الْمُتَرَدِّدِ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرِّ سَدًّا لِبَابِ الْمَضَرَّةِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ عَقْلَهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ نَاقِصٌ فَلَا يَتِمُّ بِهِ النَّظَرُ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ فَلَا بُدَّ مِنْ جَبْرِهِ بِرَأْيِ الْوَلِيِّ، وَإِذَا وُهِبَ لِلصَّغِيرِ هِبَةٌ وَلَهَا زَوْجٌ فَأَمَّا إنْ زُفَّتْ إلَيْهِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ جَازَ قَبْضُ زَوْجِهَا لَهَا لِأَنَّ الْأَبَ قَدْ فَوَّضَ أُمُورَهَا إلَيْهِ وَهِيَ حِينَ زَفَّهَا إلَيْهِ صَغِيرَةٌ وَأَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي حِفْظِهَا وَحِفْظِ مَالِهَا، وَقَبْضُ الْهِبَةِ مِنْ حِفْظِ الْمَالِ، لَكِنْ لَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ وِلَايَةُ الْأَبِ حَتَّى لَوْ قَبَضَهَا جَازَ، وَكَذَا لَوْ قَبَضَتْ بِنَفْسِهَا وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ عَنْ كَوْنِهَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا لِأَنَّهُ هُوَ الصَّحِيحُ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إذَا كَانَتْ مِمَّنْ لَا يُجَامِعُ لَا يَصِحُّ قَبْضُ الزَّوْجِ لَهَا وَحُضُورُ الْأَبِ لَا يَمْنَعُ

قَبْضُ زَوْجِهَا لَهَا بَعْدَ الزِّفَافِ لِتَفْوِيضِ الْأَبِ أُمُورَهَا إلَيْهِ دَلَالَةً، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الزِّفَافِ وَيَمْلِكُهُ مَعَ حَضْرَةِ الْأَبِ، بِخِلَافِ الْأُمِّ وَكُلِّ مَنْ يَعُولُهَا غَيْرِهَا حَيْثُ لَا يَمْلِكُونَهُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ أَوْ غَيْبَتِهِ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ هَؤُلَاءِ لِلضَّرُورَةِ لَا بِتَفْوِيضِ الْأَبِ، وَمَعَ حُضُورِهِ لَا ضَرُورَةَ. قَالَ: (وَإِذَا وَهَبَ اثْنَانِ مِنْ وَاحِدٍ دَارًا جَازَ) ؛ لِأَنَّهُمَا سَلَّمَاهَا جُمْلَةً وَهُوَ قَدْ قَبَضَهَا جُمْلَةً فَلَا شُيُوعَ (وَإِنْ وَهَبَهَا وَاحِدٌ مِنْ اثْنَيْنِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يَصِحُّ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ هِبَةُ الْجُمْلَةِ مِنْهُمَا، إذْ التَّمْلِيكُ وَاحِدٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ الشُّيُوعُ كَمَا إذَا رَهَنَ مِنْ رَجُلَيْنِ. وَلَهُ أَنَّ هَذِهِ هِبَةُ النِّصْفِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ فِيمَا لَا يُقَسَّمُ فَقِبَلَ أَحَدُهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ وَإِنْ حَضَرَ الْأَبُ فِي الصَّحِيحِ، وَهُوَ احْتِرَازٌ عَمَّا ذُكِرَ فِي الْإِيضَاحِ أَنَّ قَبْضَ الزَّوْجِ لَهَا إنَّمَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَبُ حَيًّا، بِخِلَافِ الْأُمِّ وَكُلِّ مَنْ يَعُولُهَا غَيْرُهَا فَإِنَّهُمْ لَا يُمَلِّكُونَهُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ أَوْ بَعْدَ غَيْبَتِهِ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً لِأَنَّ تَصَرُّفَ هَؤُلَاءِ لِلضَّرُورَةِ لَا بِتَفْوِيضِ الْأَبِ وَلَا ضَرُورَةَ مَعَ الْحُضُورِ. وَقَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يَمْلِكُهُ مَعَ حَضْرَةِ الْأَبِ كَمَا ذَكَرْنَا. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَإِنَّمَا قُلْت هَذَا لِأَنَّ فِي قَوْلِهِ بِخِلَافِ الْأُمِّ وَكُلِّ مَنْ يَعُولُهَا غَيْرُهَا حَيْثُ لَا يَمْلِكُونَهُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ أَوْ غَيْبَتِهِ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً لَيْسَتْ رِوَايَةً أُخْرَى حَتَّى يَقَعَ قَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ احْتِرَازًا عَنْهَا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَا مُعْتَبَرَ بِقَبْضِ الزَّوْجِ لَهَا لِأَنَّ ذَلِكَ بِحُكْمِ أَنَّهُ يَعُولُهَا وَأَنَّ لَهُ عَلَيْهَا يَدًا مُسْتَحَقَّةً وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ قَبْلَ الزِّفَافِ. قَالَ (وَإِذَا وَهَبَ اثْنَانِ مِنْ وَاحِدٍ دَارًا جَازَ إلَخْ) وَإِذَا وَهَبَ اثْنَانِ دَارًا مِنْ وَاحِدٍ جَازَ لِانْتِفَاءِ الشُّيُوعِ، لِأَنَّ الشُّيُوعَ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِالتَّسْلِيمِ أَوْ الْقَبْضِ وَهُمَا سَلَّمَاهَا جُمْلَةً وَهُوَ قَوْلُهُ قَدْ قَبَضَهَا جُمْلَةً فَلَا شُيُوعَ، وَإِنْ كَانَتْ بِالْعَكْسِ لَا تَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: تَجُوزُ لِأَنَّ هَذِهِ هِبَةُ الْجُمْلَةِ بَيْنَهُمَا لِاتِّحَادِ التَّمْلِيكِ وَلَا شُيُوعَ فِي هِبَةِ الْجُمْلَةِ كَمَا إذَا رَهَنَ مِنْ رَجُلَيْنِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ تَأْثِيرَ الشُّيُوعِ فِي الرَّهْنِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي الْهِبَةِ حَتَّى لَا يَجُوزَ الرَّهْنُ فِي مُشَاعٍ لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ دُونَ الْهِبَةِ، ثُمَّ إنَّهُ لَوْ رَهَنَ مِنْ رَجُلَيْنِ جَازَ فَالْهِبَةُ أَوْلَى. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذِهِ هِبَةُ النِّصْفِ مِنْ كُلِّ

صَحَّ، وَلِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي النِّصْفِ فَيَكُونُ التَّمْلِيكُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حُكْمُهُ، وَعَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ يَتَحَقَّقُ الشُّيُوعُ، بِخِلَافِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ الْحَبْسُ، وَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَامِلًا، إذْ لَا تَضَايُفَ فِيهِ فَلَا شُيُوعَ وَلِهَذَا لَوْ قَضَى دَيْنَ أَحَدِهِمَا لَا يَسْتَرِدُّ شَيْئًا مِنْ الرَّهْنِ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إذَا تَصَدَّقَ عَلَى مُحْتَاجِينَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ وَهَبَهَا لَهُمَا جَازَ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى غَنِيَّيْنِ أَوْ وَهَبَهَا لَهُمَا لَمْ يَجُزْ، وَقَالَا: يَجُوزُ لِلْغَنِيَّيْنِ أَيْضًا) جَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَجَازًا عَنْ الْآخَرِ، وَالصَّلَاحِيَّةُ ثَابِتَةٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَمْلِيكٌ بِغَيْرِ بَدَلٍ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ فِي الْحُكْمِ. وَفِي الْأَصْلِ سَوَّى بَيْنَهُمَا فَقَالَ: وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ مَانِعٌ فِي الْفَصْلَيْنِ لِتَوَقُّفِهِمَا عَلَى الْقَبْضِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الصَّدَقَةَ يُرَادُ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ وَاحِدٌ، وَالْهِبَةُ يُرَادُ بِهَا وَجْهُ الْغَنِيِّ وَهُمَا اثْنَانِ. وَقِيلَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَالْمُرَادُ بِالْمَذْكُورِ فِي الْأَصْلِ الصَّدَقَةُ عَلَى غَنِيَّيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ فِيمَا لَا يُقْسَمُ فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا صَحَّ فَصَارَ كَمَا لَوْ وَهَبَ النِّصْفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ، وَهَذَا الِاسْتِدْلَال مِنْ جَانِبِ التَّمْلِيكِ وَلِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي النِّصْفِ وَهُوَ غَيْرُ مُمْتَازٍ فَكَانَ الشُّيُوعُ وَهُوَ يَمْنَعُ الْقَبْضَ عَلَى سَبِيلِ الْكَمَالِ، وَلَيْسَ مَنْعُ الشُّيُوعِ لِجَوَازِ الْهِبَةِ إلَّا لِذَلِكَ، وَإِذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ مُشَاعًا وَهُوَ حُكْمُ التَّمْلِيكِ ثَبَتَ التَّمْلِيكُ كَذَلِكَ، إذْ الْحُكْمُ يَثْبُتُ بِقَدْرِ دَلِيلِهِ، وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ مِنْ جَانِبِ الْمِلْكِ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى الْجَوَابِ عَمَّا يُقَالُ الشُّيُوعُ إنَّمَا يُؤَثِّرُ إذَا وُجِدَ فِي الطَّرَفَيْنِ جَمِيعًا، فَأَمَّا إذَا حَصَلَ فِي أَحَدِهِمَا فَلَا يُؤَثِّرُ لِأَنَّهُ لَا يُلْحِقُ بِالْمُتَبَرِّعِ ضَمَانَ الْقِسْمَةِ وَهُوَ الْمَانِعُ عَنْ جَوَازِهَا شَائِعًا. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الشُّيُوعَ إنَّمَا يُؤَثِّرُ إذَا وُجِدَ فِي الطَّرَفَيْنِ فَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الطَّرَفَيْنِ، وَأَمَّا الْمَانِعُ هُوَ إلْحَاقُ ضَمَانِ الْقِسْمَةِ بِالْمُتَبَرِّعِ فَقَدْ تَقَدَّمَ حَالُهُ، وَلَيْسَ الْمَانِعُ مُنْحَصِرًا فِيهِ بَلْ الْحُكْمُ يَدُورُ عَلَى نَفْسِ الشُّيُوعِ لِامْتِنَاعِ الْقَبْضِ بِهِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الرَّهْنِ) جَوَابٌ عَمَّا اسْتَشْهَدَا بِهِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ الْحَبْسُ وَلَا شُيُوعَ فِيهِ، بَلْ يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَلًا، وَلِهَذَا لَوْ قُضِيَ دَيْنُ أَحَدِهِمَا لَا يَسْتَرِدُّ شَيْئًا مِنْ الرَّهْنِ، وَذَكَرَ رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِبَيَانِ مَا وَقَعَ مِنْ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ رِوَايَةِ الْأَصْلِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشُّيُوعَ فِي الصَّدَقَةِ لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ عِنْدَهُ كَمَا كَانَ يَمْنَعُ عَنْ جَوَازِ الْهِبَةِ، وَرِوَايَةُ الْأَصْلِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فِي مَنْعِ الشُّيُوعِ فِيهِمَا عَنْ الْجَوَازِ لِأَنَّهُ سَوَّى بَيْنَهُمَا حَيْثُ عَطَفَ فَقَالَ: وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ لِتَوَقُّفِهِمَا عَلَى الْقَبْضِ، وَالشُّيُوعُ يَمْنَعُ الْقَبْضَ عَلَى سَبِيلِ الْكَمَالِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الصَّدَقَةَ يُرَادُ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ وَهُوَ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ فَيَقَعُ جَمِيعُ الْعَيْنِ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ فَلَا شُيُوعَ فِيهَا، وَأَمَّا الْهِبَةُ فَيُرَادُ بِهَا وَجْهُ الْغِنَى وَالْفَرْضُ أَنَّهُمَا اثْنَانِ. وَقِيلَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَتَأْوِيلُ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ الصَّدَقَةُ عَلَى غَنِيَّيْنِ فَتَكُونُ مَجَازًا لِلْهِبَةِ، وَيَجُوزُ الْمَجَازُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ

وَلَوْ وَهَبَ لِرَجُلَيْنِ دَارًا لِأَحَدِهِمَا ثُلُثَاهَا وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهَا لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجُوزُ. وَلَوْ قَالَ لِأَحَدِهِمَا نِصْفُهَا وَلِلْآخَرِ نِصْفُهَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ رِوَايَتَانِ، فَأَبُو حَنِيفَةَ مُرَّ عَلَى أَصْلِهِ، وَكَذَا مُحَمَّدٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْكِتَابِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَمْلِيكٌ بِغَيْرِ بَدَلٍ. قَالَ (وَلَوْ وَهَبَ لِرَجُلَيْنِ دَارًا إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ التَّفْصِيلَ فِي الْهِبَةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءً أَوْ بَعْدَ الْإِجْمَالِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَمْ يَجُزْ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَ التَّفْصِيلُ بِالتَّفْضِيلِ كَقَوْلِهِ وَهَبْت لَك ثُلُثَيْهِ لِشَخْصٍ وَوَهَبْت لَك ثُلُثَهُ الْآخَرَ أَوْ بِالتَّسَاوِي كَقَوْلِهِ لِشَخْصٍ وَهَبْت لَك نِصْفَهُ وَلِآخَرَ كَذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُطْلَقًا: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُتَفَاضِلًا أَوْ مُتَسَاوِيًا مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ، وَجَازَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ مُطْلَقًا مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ، وَفَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ بَيْنَ الْمُسَاوَاةِ وَالْمُفَاضَلَةِ، فَفِي الْمُفَاضَلَةِ لَمْ يُجَوِّزْ فِي الْمُسَاوَاةِ جَوَّزَ فِي رِوَايَةٍ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ رِوَايَتَانِ، هَذَا الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَصَاحِبُ النِّهَايَةِ جَعَلَ قَوْلَهُ وَلَوْ قَالَ لِأَحَدِهِمَا نِصْفُهَا وَلِلْآخَرِ نِصْفُهَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ رِوَايَتَانِ تَفْصِيلًا ابْتِدَائِيًّا، وَنُقِلَ عَنْ عَامَّةِ النَّسْخِ مِنْ الذَّخِيرَةِ وَالْإِيضَاحِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ بِلَا خِلَافٍ، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ عَطَفَ ذَلِكَ عَلَى التَّفْصِيلِ بَعْدَ الْإِجْمَالِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ ابْتِدَائِيًّا. وَالْفَرْقُ لِأَبِي يُوسُفَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ أَنَّ بِالتَّنْصِيصِ عَلَى الْأَبْعَاضِ يَظْهَرُ أَنَّ قَصْدَهُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِي الْبَعْضِ فَيَتَحَقَّقُ الشُّيُوعُ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى صُورَةِ التَّفْصِيلِ بِالتَّفْضِيلِ

[باب الرجوع في الهبة]

وَالْفَرْقُ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ بِالتَّنْصِيصِ عَلَى الْأَبْعَاضِ يَظْهَرُ أَنَّ قَصْدَهُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِي الْبَعْضِ فَيَتَحَقَّقُ الشُّيُوعُ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إذَا رَهَنَ مِنْ رَجُلَيْنِ وَنَصَّ عَلَى الْأَبْعَاضِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَلَى صُورَتِهِ بِالتَّسَاوِي عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ الْجَوَازِ. وَأَمَّا رِوَايَةُ الْجَوَازِ فَلِكَوْنِهَا غَيْرَ مَعْدُولَةٍ عَنْ أَصْلِهِ وَهُوَ أَصْلُ مُحَمَّدٍ فَلَيْسَتْ بِمُحْتَاجَةٍ إلَى دَلِيلٍ، وَبِهَذَا التَّوْجِيهِ يَظْهَرُ خَلَلُ مَا قِيلَ إنَّ فِي قَوْلِهِ إنَّ بِالتَّنْصِيصِ عَلَى الْأَبْعَاضِ يَظْهَرُ أَنَّ قَصْدَهُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِي الْبَعْضِ نَوْعُ إخْلَالٍ حَيْثُ لَا يُعْلَمُ بِمَا ذُكِرَ مَوْضِعُ خِلَافِهِ مِنْ الْأَبْعَاضِ، وَمَا لَيْسَ فِيهِ خِلَافٌ مِنْ الْأَبْعَاضِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ نَصَّ عَلَى الْأَبْعَاضِ بِالتَّنْصِيفِ بَعْدَ الْإِجْمَالِ كَمَا فِي قَوْلِهِ وَهَبْت لَكُمَا هَذِهِ الدَّارَ لَك نِصْفُهَا وَلِهَذَا نِصْفُهَا جَازَ، وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ التَّنْصِيصُ عَلَى الْأَبْعَاضِ بِالتَّنْصِيفِ إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْهُ الْإِجْمَالُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ عَلَى مَا عَدَلَ فِيهِ عَنْ أَصْلِهِ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَأَمَّا صُورَةُ الْجَوَازِ فَلَيْسَتْ بِمُحْتَاجَةٍ إلَى الدَّلِيلِ لِجَرَيَانِهَا عَلَى أَصْلِهِ، وَوَضَحَ دَلَالَةُ التَّنْصِيصِ عَلَى الْأَبْعَاضِ عَلَى تَحَقُّقِ الشُّيُوعِ فِي الْهِبَةِ بِالتَّنْصِيصِ عَلَى الْأَبْعَاضِ فِي الرَّهْنِ فَقَالَ: وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إذَا رَهَنَ مِنْ رَجُلَيْنِ وَنَصَّ عَلَى الْأَبْعَاضِ، خَلَا أَنَّهُ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُسَاوَاةُ وَالْمُفَاضَلَةُ بِنَاءً عَلَى أَصْلٍ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَبْنَى الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ فِي الْهِبَةِ أَيْضًا، وَهُوَ أَنَّ التَّفْصِيلَ إذَا لَمْ يُخَالِفْ مُقْتَضَى الْإِجْمَالِ كَانَ لَغْوًا كَمَا فِي التَّنْصِيفِ فِي الْهِبَةِ، لِأَنَّ مُوجِبَ الْعَقْدِ عِنْدَ الْإِجْمَالِ تَمَلُّكُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفَ، وَلَمْ يَزِدْ التَّفْصِيلُ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا فَكَانَ لَغْوًا، وَإِذَا خَالَفَهُ كَمَا فِي التَّثْلِيثِ كَانَ مُعْتَبَرًا وَيُفِيدُ تَفْرِيقَ الْعَقْدِ، فَكَأَنَّهُ أَوْجَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْعَقْدَ فِي جُزْءٍ شَائِعٍ حَمْلًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ عَلَى الْإِفَادَةِ، وَكَمَا فِي الرَّهْنِ فَإِنَّ حَالَةَ التَّفْصِيلِ فِيهِ تُخَالِفُ حَالَةَ الْإِجْمَالِ لِأَنَّ عِنْدَ الْإِجْمَالِ يَثْبُتُ حَقُّ الْحَبْسِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْكُلِّ وَعِنْدَ التَّفْصِيلِ لَا يَثْبُتُ. [بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ] قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ حُكْمَ الْهِبَةِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ غَيْرُ لَازِمٍ فَكَانَ الرُّجُوعُ صَحِيحًا، وَقَدْ يَمْنَعُ عَنْ ذَلِكَ مَانِعٌ فَيَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ

قَالَ: (وَإِذَا وَهَبَ هِبَةً لِأَجْنَبِيٍّ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا رُجُوعَ فِيهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَرْجِعُ الْوَاهِبُ فِي هِبَتِهِ إلَّا الْوَالِدُ فِيمَا يَهَبُ لِوَلَدِهِ» وَلِأَنَّ الرُّجُوعَ يُضَادُّ التَّمْلِيكَ، وَالْعَقْدُ لَا يَقْتَضِي مَا يُضَادُّهُ، بِخِلَافِ هِبَةِ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ عَلَى أَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ التَّمْلِيكُ؛ لِكَوْنِهِ جُزْءًا لَهُ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَاهِبُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا» أَيْ مَا لَمْ يُعَوَّضْ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ وَهَذَا الْبَابُ لِبَيَانِهِ (وَإِذَا وَهَبَ هِبَةً لِأَجْنَبِيٍّ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا) وَالْمُرَادُ بِالْأَجْنَبِيِّ هَاهُنَا مَنْ لَمْ يَكُنْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ. فَخَرَجَ مِنْهُ مَنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ وَلَيْسَ بِمَحْرَمٍ كَبَنِي الْأَعْمَامِ وَالْأَخْوَالِ وَمَنْ كَانَ مَحْرَمًا لَيْسَ بِذِي رَحِمٍ كَالْأَخِ الرَّضَاعِيِّ. وَخَرَجَ بِالتَّذْكِيرِ فِي قَوْلِهِ وَهَبَ وَأَجْنَبِيٌّ الزَّوْجَانِ وَلَا بُدَّ مِنْ قَيْدَيْنِ آخَرَيْنِ أَحَدُهُمَا وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ وَالثَّانِي وَلَمْ يَقْتَرِنْ مِنْ مَوَانِعِ الرُّجُوعِ شَيْءٌ حَالَ عَقْدِ الْهِبَةِ وَلَعَلَّهُ تَرَكَهُمَا اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّهُ يُفْهَمُ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا رُجُوعَ فِيهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَرْجِعُ الْوَاهِبُ فِي هِبَتِهِ إلَّا الْوَالِدُ فِيمَا يَهَبُ لِوَلَدِهِ» ) رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - (وَلِأَنَّ الرُّجُوعَ يُضَادُّ التَّمْلِيكَ وَالْعَقْدَ لَا يَقْتَضِي مَا يُضَادُّهُ) (قَوْلُهُ بِخِلَافِ هِبَةِ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ فَهَذِهِ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي هِبَةِ الْوَالِدِ لِلْوَلَدِ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ لَمْ يَتِمَّ لِكَوْنِهِ جُزْءًا لَهُ (قَوْلُهُ عَلَى أَصْلِهِ) أَيْ عَلَى الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ لِلْأَبِ حَقَّ الْمِلْكِ فِي مَالِ ابْنِهِ لِأَنَّهُ جُزْؤُهُ أَوْ كَسْبُهُ فَالتَّمْلِيكُ مِنْهُ كَالتَّمْلِيكِ مِنْ نَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ (وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَاهِبُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يَئِبْ مِنْهَا» أَيْ مَا لَمْ يُعَوِّضْ) لَا يُقَالُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَحَقُّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِغَيْرِهِ

وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْعَقْدِ هُوَ التَّعْوِيضُ لِلْعَادَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهَا حَقًّا وَلَا حَقَّ لِغَيْرِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَخَلَا قَوْلُهُ مَا لَمْ يَئِبْ مِنْهَا عَنْ الْفَائِدَةِ إذْ هُوَ أَحَقُّ وَإِنْ شَرَطَ الْعِوَضَ قَبْلَهُ (وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْهِبَةِ هُوَ التَّعْوِيضُ لِلْعَادَةِ) لِأَنَّ الْعَادَةَ الظَّاهِرَةَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُهْدَى إلَى مَنْ فَوْقَهُ لَيَصُونَهُ بِجَاهِهِ، وَإِلَى مَنْ دُونَهُ لِيَخْدُمَهُ، وَإِلَى مَنْ يُسَاوِيهِ لِيُعَوِّضَهُ، وَإِذَا تَطَرَّقَ الْخَلَلُ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْعَقْدِ يَتَمَكَّنُ الْعَاقِدُ مِنْ الْفَسْخِ كَالْمُشْتَرِي إذَا وَجَدَ

فَتَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ الْفَسْخِ عِنْدَ فَوَاتِهِ، إذْ الْعَقْدُ يَقْبَلُهُ، وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ نَفْيُ اسْتِبْدَادٍ وَالرُّجُوعُ وَإِثْبَاتُهُ لِلْوَالِدِ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَلَّكُهُ لِلْحَاجَةِ وَذَلِكَ يُسَمَّى رُجُوعًا. وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ فَلَهُ الرُّجُوعُ لِبَيَانِ الْحُكْمِ، أَمَّا الْكَرَاهَةُ فَلَازِمَةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ» وَهَذَا لِاسْتِقْبَاحِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْمَبِيعِ عَيْبًا (فَتَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ الْفَسْخِ عِنْدَ فَوَاتِ الْمَقْصُودِ إذْ الْعَقْدُ يَقْبَلُهُ، وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ نَفْيُ اسْتِبْدَادِ الرُّجُوعِ) يَعْنِي لَا يَسْتَبِدُّ الْوَاهِبُ بِالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ وَلَا يَنْفَرِدُ بِهِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ أَوْ رِضًا إلَّا الْوَالِدُ فَإِنَّ لَهُ ذَلِكَ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ لِحَاجَتِهِ، وَسُمِّيَ ذَلِكَ رُجُوعًا بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا فِي الْحُكْمِ (وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ) أَيْ الْقُدُورِيِّ (فَلَهُ الرُّجُوعُ لِبَيَانِ الْحُكْمِ، أَمَّا الْكَرَاهَةُ فَلَازِمَةٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ» وَهَذَا لِاسْتِقْبَاحِهِ) لَا لِتَحْرِيمِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثٍ آخَرَ

ثُمَّ لِلرُّجُوعِ مَوَانِعُ ذَكَرَ بَعْضَهَا فَقَالَ (إلَّا أَنْ يُعَوِّضَهُ عَنْهَا) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ (أَوْ تَزِيدَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً) ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى الرُّجُوعِ فِيهَا دُونَ الزِّيَادَةِ؛ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ وَلَا مَعَ الزِّيَادَةِ؛ لِعَدَمِ دُخُولِهَا تَحْتَ الْعَقْدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ» حَيْثُ شَبَّهَهُ بِعَوْدِ الْكَلْبِ فِي قَيْئِهِ، وَفِعْلُهُ لَا يُوصَفُ بِالْحُرْمَةِ. (ثُمَّ لِلرُّجُوعِ مَوَانِعُ ذَكَرَ بَعْضَهَا) يَعْنِي الْقُدُورِيَّ، وَقَدْ جَمَعَهَا الْقَائِلُ فِي قَوْلِهِ: مَوَانِعُ الرُّجُوعِ فِي فَصْلِ الْهِبَهْ ... يَا صَاحِبِي حُرُوفُ دَمْعِ خُزُقَهْ فَالدَّالُ الزِّيَادَةُ، وَالْمِيمُ مَوْتُ الْوَاهِبِ أَوْ الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَالْعَيْنُ الْعِوَضُ، وَالْخَاءُ خُرُوجُ الْهِبَةِ عَنْ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَالزَّايُ الزَّوْجِيَّةُ، وَالْقَافُ الْقَرَابَةُ، وَالْهَاءُ هَلَاكُ الْمَوْهُوبِ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ (فَقَالَ إلَّا أَنْ يُعَوِّضَهُ عَنْهَا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ أَوْ تَزِيدَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً) وَلَا بُدَّ مِنْ قَيْدٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: تُورَثُ زِيَادَةً فِي قِيمَةِ الْمَوْهُوبِ، أَمَّا اشْتِرَاطُ الزِّيَادَةِ فَلِأَنَّ النُّقْصَانَ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الِاتِّصَالِ فَلِأَنَّ الْمُنْفَصِلَةَ لَا تَمْنَعُ، فَإِنَّ الْجَارِيَةَ الْمَوْهُوبَةَ إذَا وَلَدَتْ كَانَ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ وَإِنَّمَا مَنَعَتْ الْمُتَّصِلَةَ (لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلرُّجُوعِ فِيهَا دُونَ الزِّيَادَةِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْفَصْلِ، وَلَا مَعَهَا لِعَدَمِ دُخُولِهَا تَحْتَ الْعَقْدِ) وَأَمَّا اشْتِرَاطُ كَوْنِهَا مُؤَثِّرَةً فِي زِيَادَةِ الْقِيمَةِ فَلِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ عَادَتْ نُقْصَانًا، فَرُبَّ زِيَادَةٍ صُورَةً كَانَتْ نُقْصَانًا فِي الْمَعْنَى كَالْإِصْبَعِ الزَّائِدَةِ مَثَلًا، وَطُولِبَ

قَالَ: (أَوْ يَمُوتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ) ؛ لِأَنَّ بِمَوْتِ الْمَوْهُوبِ لَهُ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إلَى الْوَرَثَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا انْتَقَلَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، وَإِذَا مَاتَ الْوَاهِبُ فَوَارِثُهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْعَقْدِ إذْ هُوَ مَا أَوْجَبَهُ. قَالَ (أَوْ تَخْرُجُ الْهِبَةُ عَنْ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِتَسْلِيطِهِ فَلَا يَنْقُضُهُ، وَلِأَنَّهُ تَجَدُّدُ الْمِلْكِ بِتَجَدُّدِ سَبَبِهِ. قَالَ: (فَإِنْ وَهَبَ لِآخَرَ أَرْضًا بَيْضَاءَ فَأَنْبَتَ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا نَخْلًا أَوْ بَنَى بَيْتًا أَوْ دُكَّانًا أَوْ آرِيًّا وَكَانَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِيهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ. وَقَوْلُهُ وَكَانَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِيهَا؛ لِأَنَّ الدُّكَّانَ قَدْ يَكُونُ صَغِيرًا حَقِيرًا لَا يُعَدُّ زِيَادَةً أَصْلًا، وَقَدْ تَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْفَرْقِ بَيْنَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ فِي أَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُنْفَصِلَةَ تَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ دُونَ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ وَالْمُتَّصِلَةِ بِالْعَكْسِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الرَّدَّ فِي الْمُنْفَصِلَةِ إمَّا أَنْ يَرِدَ عَلَى الْأَصْلِ وَالزِّيَادَةِ جَمِيعًا، أَوْ عَلَى الْأَصْلِ وَحْدَهُ لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الزِّيَادَةَ إمَّا أَنْ تَكُونَ مَقْصُودَةً بِالرَّدِّ أَوْ بِالتَّبَعِيَّةِ، وَالْأَوَّلُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهَا وَالْفَسْخُ يَرِدُ عَلَى مَوْرِدِ الْعَقْدِ، وَكَذَلِكَ الثَّانِي لِأَنَّ الْوَلَدَ بَعْدَ الِانْفِصَالِ لَا يَتْبَعُ الْأُمَّ لَا مَحَالَةَ، وَلَا إلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ تَبْقَى الزِّيَادَةُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مَجَّانًا وَهُوَ رِبًا، بِخِلَافِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ لَوْ بَقِيَتْ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ مَجَّانًا لَمْ تُفْضِ إلَى الرِّبَا، وَأَمَّا فِي الْمُتَّصِلَةِ فَلِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ إنَّمَا هُوَ مِمَّنْ حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِهِ فَكَانَ فِيهِ إسْقَاطُ حَقِّهِ بِرِضَاهُ فَلَا تَكُونُ الزِّيَادَةُ مَانِعَةً عَنْهُ، بِخِلَافِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ فَإِنَّ الرُّجُوعَ لَيْسَ بِرِضَا ذَلِكَ وَلَا بِاخْتِيَارِهِ فَكَانَتْ مَانِعَةً (وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَطَلَ الرُّجُوعُ أَيْضًا، لِأَنَّهُ إنْ مَاتَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَقَدْ انْتَقَلَ الْمِلْكُ إلَى الْوَرَثَةِ وَخَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا انْتَقَلَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، وَإِذَا مَاتَ الْوَاهِبُ فَوَارِثُهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْعَقْدِ إذْ هُوَ مَا أَوْجَبَهُ، وَكَذَلِكَ إذَا خَرَجَ الْهِبَةُ مِنْ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِتَسْلِيطِهِ وَلِأَنَّهُ تَجَدَّدَ الْمِلْكُ بِتَجَدُّدِ سَبَبِهِ) وَهُوَ التَّمْلِيكُ وَتَبَدُّلُ الْمِلْكِ كَتَبَدُّلِ الْعَيْنِ، وَفِي تَبَدُّلِ الْعَيْنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ فَكَذَا فِي تَبَدُّلِ السَّبَبِ. قَالَ (فَإِنْ وَهَبَ لِآخَرَ أَرْضًا بَيْضَاءَ إلَخْ) هَذَا نَوْعٌ مِنْ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ فَكَانَ حَقُّهَا التَّقْدِيمَ. وَالْآرِي هُوَ الْمَعْلَفُ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَهُوَ الْمُرَادُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ. وَعِنْدَ الْعَرَبِ الْآرِي: الْأَخِيَّةُ، وَهِيَ عُرْوَةُ حَبْلٍ تُشَدُّ إلَيْهَا الدَّابَّةُ فِي مَحْبِسِهَا، فَاعُولٌ مِنْ تَأَرَّى بِالْمَكَانِ: إذَا أَقَامَ فِيهِ، وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ (وَكَانَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِيهَا) وَالْوَاوُ لِلْحَالِ لِأَنَّ مَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ أَوْ كَانَ وَلَكِنْ لِعِظَمِ الْمَكَانِ بَعْدَ زِيَادَةٍ فِي قِطْعَةٍ مِنْهَا لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ فِي غَيْرِهَا، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ.

الْأَرْضُ عَظِيمَةً يُعَدُّ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي قِطْعَةٍ مِنْهَا فَلَا يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ فِي غَيْرِهَا. قَالَ: (فَإِنْ بَاعَ نِصْفَهَا غَيْرَ مَقْسُومٍ رَجَعَ فِي الْبَاقِي) ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ بِقَدْرِ الْمَانِعِ (وَإِنْ لَمْ يَبِعْ شَيْئًا مِنْهَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي نِصْفِهَا) ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي كُلِّهَا فَكَذَا فِي نِصْفِهَا بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى. قَالَ (وَإِنْ وَهَبَ هِبَةً لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَلَا رُجُوعَ فِيهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لَمْ يَرْجِعْ فِيهَا» ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا صِلَةُ الرَّحِمِ وَقَدْ حَصَلَ (وَكَذَلِكَ مَا وَهَبَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا الصِّلَةُ كَمَا فِي الْقَرَابَةِ، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَى هَذَا الْمَقْصُودِ وَقْتَ الْعَقْدِ، حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَمَا وَهَبَ لَهَا فَلَهُ الرُّجُوعُ، وَلَوْ أَبَانَهَا بَعْدَمَا وَهَبَ فَلَا رُجُوعَ. قَالَ: (وَإِذَا قَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ لِلْوَاهِبِ خُذْ هَذَا عِوَضًا عَنْ هِبَتِك أَوْ بَدَلًا عَنْهَا أَوْ فِي مُقَابَلَتِهَا فَقَبَضَهُ الْوَاهِبُ سَقَطَ الرُّجُوعُ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَهَذِهِ الْعِبَارَاتُ تُؤَدِّي مَعْنًى وَاحِدًا (وَإِنْ عَوَّضَهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ مُتَبَرِّعًا فَقَبَضَ الْوَاهِبُ الْعِوَضَ بَطَلَ الرُّجُوعُ) ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ لِإِسْقَاطِ الْحَقِّ فَيَصِحُّ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ كَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ لِلْوَاهِبِ) بَيَانُ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ فِي الْعِوَضِ عَنْ الْهِبَةِ لِيَقَعَ الْمَدْفُوعُ إلَى الْوَاهِبِ عِوَضًا يَبْطُلُ بِهِ الرُّجُوعُ، وَأَمَّا إذَا وَهَبَ مِنْ الْوَاهِبِ شَيْئًا وَلَمْ يَعْلَمْ الْوَاهِبُ أَنَّهُ عِوَضُ هِبَتِهِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْعِوَضِ أَنْ يُسَاوِيَ الْمَوْهُوبَ بَلْ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ الْجِنْسُ وَخِلَافُهُ سَوَاءٌ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُعَاوَضَةٍ مَحْضَةٍ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهَا الرِّبَا، وَلَا أَنْ يَنْحَصِرَ الْعِوَضُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، بَلْ لَوْ عَوَّضَهُ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ مُتَبَرِّعًا صَحَّ (وَإِذَا قَبَضَهُ الْوَاهِبُ بَطَلَ الرُّجُوعُ لِأَنَّ الْعِوَضَ لِإِسْقَاطِ الْحَقِّ فَيَصِحُّ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ كَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ) لَكِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ شَرَائِطُ الْهِبَةِ مِنْ الْقَبْضِ وَالْإِفْرَازِ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ الْعِوَضُ بَعْضَ الْمَوْهُوبِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْهُوبُ دَارًا وَالْعِوَضُ بَيْتٌ مِنْهَا أَوْ الْمَوْهُوبُ أَلْفًا وَالْعِوَضُ دِرْهَمٌ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الرُّجُوعِ لِأَنَّا نَعْلَمُ بِيَقِينٍ أَنَّ قَصْدَ الْوَاهِبِ مِنْ هِبَتِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنَّهُ قَالَ: الْتَحَقَ ذَلِكَ بِسَائِرِ أَمْوَالِهِ وَبِالْقَلِيلِ مِنْ مَالِهِ يَنْقَطِعُ الرُّجُوعُ فَكَذَا بِهَذَا. وَالْجَوَابُ أَنَّ الرُّجُوعَ فِيهِ قَبْلَ الْعِوَضِ صَحِيحٌ دُونَ سَائِرِ أَمْوَالِهِ فَلَمْ يَلْتَحِقْ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: هَلْ فِي قَوْلِهِ مُتَبَرِّعًا فَائِدَةٌ أَوْ ذَكَرَهُ اتِّفَاقًا؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ مِنْ إثْبَاتِ الْحُكْمِ بِطَرِيقِ الْأُولَى، وَذَلِكَ لِأَنَّ الرُّجُوعَ لَمَّا بَطَلَ بِتَعْوِيضِ الْمُتَبَرِّعِ كَانَ بِتَعْوِيضِ الْمَأْمُورِ بِذَلِكَ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْلَى أَنْ يَبْطُلَ، لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ يُؤَدِّي إلَى الْمُعَوِّضِ مَا أَمَرَهُ بِهِ ظَاهِرًا فَصَارَ كَتَعْوِيضِهِ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ عَوَّضَهُ بِنَفْسِهِ لَمْ يَبْقَ شُبْهَةٌ فِي بُطْلَانِ حَقِّ الرُّجُوعِ، فَكَذَلِكَ إذَا عُوِّضَ بِأَمْرِهِ، غَيْرَ أَنَّ الْمُعَوَّضَ عَنْهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا عُوِّضَ سَوَاءٌ كَانَ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ مَا لَمْ يَضْمَنْ الْمَوْهُوبُ لَهُ صَرِيحًا. أَمَّا إذَا كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بِأَمْرِهِ فَلِأَنَّ التَّعْوِيضَ لَمَّا كَانَ غَيْرَ مُسْتَحَقٍّ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ كَانَ أَمْرُهُ بِذَلِكَ أَمْرًا بِالتَّبَرُّعِ بِمَالِ نَفْسِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَذَلِكَ

قَالَ: (وَإِذَا اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْهِبَةِ رَجَعَ بِنِصْفِ الْعِوَضِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مَا يُقَابِلُ نِصْفَهُ (وَإِنْ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْعِوَضِ لَمْ يَرْجِعْ فِي الْهِبَةِ إلَّا أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ ثُمَّ يَرْجِعُ) وَقَالَ زُفَرُ: يَرْجِعُ بِالنِّصْفِ اعْتِبَارًا بِالْعِوَضِ الْآخَرِ. وَلَنَا أَنَّهُ يَصْلُحُ عِوَضًا لِلْكُلِّ مِنْ الِابْتِدَاءِ، وَبِالِاسْتِحْقَاقِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا عِوَضَ إلَّا هُوَ، إلَّا أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ؛ لِأَنَّهُ مَا أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الرُّجُوعِ إلَّا لِيَسْلَمَ لَهُ كُلُّ الْعِوَضِ وَلَمْ يَسْلَمْ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ. قَالَ (وَإِنْ وَهَبَ دَارًا فَعَوَّضَهُ مِنْ نِصْفِهَا) رَجَعَ الْوَاهِبُ فِي النِّصْفِ الَّذِي لَمْ يُعَوِّضْ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ خَصَّ النِّصْفَ. قَالَ (وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ) ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانَ مَا لَمْ يَضْمَنْ (وَإِذَا اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْهِبَةِ رَجَعَ بِنِصْفِ الْعِوَضِ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مَا يُقَابِلُ نِصْفَهُ، وَإِنْ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْعِوَضِ لَمْ يَرْجِعْ فِي الْهِبَةِ إلَّا أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ ثُمَّ يَرْجِعَ) عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ (وَقَالَ زُفَرُ: يَرْجِعُ بِنِصْفِ الْعِوَضِ) قَاسَ أَحَدَ الْعِوَضَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُقَابَلٌ بِالْآخَرِ كَمَا فِي بَيْعِ الْعَرْضِ بِالْعَرْضِ، فَإِنَّهُ إذَا اسْتَحَقَّ بَعْضَ أَحَدِهِمَا يَكُونُ لِلْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِمَا يُقَابِلُهُ (وَلَنَا أَنَّ الْبَاقِيَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا عَنْ الْكُلِّ مِنْ الِابْتِدَاءِ) وَمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا عَنْ الْكُلِّ مِنْ الِابْتِدَاءِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا عَنْهُ فِي الْبَقَاءِ لِأَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ، وَلِأَنَّ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا عَنْ الْكُلِّ فِي الِابْتِدَاءِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا عَنْهُ فِي الْبَقَاءِ بِالِاسْتِحْقَاقِ، إذْ بِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا عِوَضَ مِنْ الِابْتِدَاءِ إلَّا هُوَ. وَعُورِضَ بِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ عِوَضٌ وَأَجْزَاءُ الْعِوَضِ تَنْقَسِمُ عَلَى أَجْزَاءِ الْمُعَوَّضِ، فَإِذَا كَانَ الْكُلُّ فِي الِابْتِدَاءِ عِوَضًا عَنْ الْكُلِّ كَانَ النِّصْفُ فِي مُقَابَلَةِ النِّصْفِ فَكَانَ عِوَضًا عَنْ النِّصْفِ ابْتِدَاءً. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْمُبَادَلَاتِ تَحْقِيقًا لَهَا، وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْهِبَةِ مَعَ سَلَامَةِ جُزْءٍ مِنْ الْعِوَضِ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلِيلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْعِوَضُ مَشْرُوطًا لِأَنَّهَا تَتِمُّ مُبَادَلَةً فَيُوَزَّعُ الْبَدَلُ عَلَى الْمُبْدَلِ. وَالْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِ زُفَرَ أَنَّ الْمُعَوَّضَ يَمْلِكُ الْوَاهِبُ الْعِوَضَ فِي مُقَابَلَةِ الْمَوْهُوبِ قَطْعًا فَاعْتَبَرَ الْمُقَابَلَةَ وَالِانْقِسَامَ، وَأَمَّا الْوَاهِبُ فَيَمْلِكُ الْهِبَةَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَابِلَهُ شَيْءٌ، ثُمَّ أَخْذُ الْعِوَضِ عِلَّةٌ لِسُقُوطِ حَقِّ الرُّجُوعِ وَالْعِلَّةُ لَا تَنْقَسِمُ عَلَى أَجْزَاءِ الْحُكْمِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ) أَيْ إلَّا أَنَّ الْوَاهِبَ (يَتَخَيَّرُ) بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْعِوَضِ وَيَرْجِعَ فِي الْهِبَةِ وَبَيْنَ أَنْ يُمْسِكَهُ وَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ (لِأَنَّهُ مَا أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الرُّجُوعِ إلَّا لِيُسَلِّمَ لَهُ كُلَّ الْعِوَضِ وَلَمْ يُسَلِّمْ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْعِوَضِ، وَإِنْ وَهَبَ دَارًا فَعَوَّضَهُ مِنْ نِصْفِهَا رَجَعَ بِالنِّصْفِ الَّذِي لَمْ يُعَوَّضْ لِأَنَّ الْمَانِعَ خَصَّ النِّصْفَ) غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ الشُّيُوعُ لَكِنَّهُ طَارِئٌ فَلَا يَضُرُّ، كَمَا لَوْ رَجَعَ فِي النِّصْفِ بِلَا عِوَضٍ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْعِوَضَ لِإِسْقَاطِ الْحَقِّ فَوَجَبَ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْكُلِّ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَجَزُّؤُ الْإِسْقَاطِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِسْقَاطٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْمُقَابَلَةِ فَيَجُوزُ التَّجَزُّؤُ بِاعْتِبَارِهِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ. قَالَ (وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا إلَخْ) لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ إلَّا بِالرِّضَا أَوْ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ. قِيلَ لِأَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ ضَعِيفًا فَلَمْ يَعْمَلْ بِنَفْسِهِ فِي إيجَابِ حُكْمِهِ وَهُوَ الْفَسْخُ مَا لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ قَرِينَةٌ لِيَتَقَوَّى بِهَا كَالْهِبَةِ، فَإِنَّهَا لَمَّا ضَعُفَتْ

وَفِي أَصْلِهِ وَهَاءٌ وَفِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَعَدَمِهِ خَفَاءٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْفَصْلِ بِالرِّضَا أَوْ بِالْقَضَاءِ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْهِبَةُ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ نَفَذَ، وَلَوْ مَنَعَهُ فَهَلَكَ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِقِيَامِ مِلْكُهُ فِيهِ، وَكَذَا إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ الْقَبْضِ غَيْرُ مَضْمُونٍ، وَهَذَا دَوَامٌ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَمْنَعَهُ بَعْدَ طَلَبِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى، وَإِذَا رَجَعَ بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالتَّرَاضِي يَكُونُ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ حَتَّى لَا يَشْتَرِطُ قَبْضَ الْوَاهِبِ وَيَصِحُّ فِي الشَّائِعِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ جَائِزًا مُوجِبًا حَقَّ الْفَسْخِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِكَوْنِهَا تَبَرُّعًا لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهَا مَا لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهَا الْقَبْضُ، وَفِيهِ نَظَرٌ تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَالْمُخَلِّصُ حَمْلُهُ عَلَى اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ إنْ ثَبَتَ (قَوْلُهُ وَفِي أَصْلِهِ وَهَاءٌ) أَيْ فِي أَصْلِ الرُّجُوعِ ضَعْفٌ، لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لِكَوْنِهِ تَصَرُّفًا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، وَلِهَذَا يَبْطُلُ بِالزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ وَبِغَيْرِهَا مِنْ الْمَوَانِعِ. قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: الْوَهَاءُ بِالْمَدِّ خَطَأٌ، وَإِنَّمَا هُوَ الْوَهْيُ، وَهُوَ خَطَأٌ لِأَنَّ مَدَّ الْمَقْصُورِ السَّمَاعِيِّ لَيْسَ بِخَطَأٍ، وَتَخْطِئَةُ مَا لَيْسَ بِخَطَأٍ خَطَأٌ (قَوْلُهُ وَفِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَعَدَمِهِ خَفَاءٌ) لِأَنَّ مَقْصُودَهُ مِنْهَا إنْ كَانَ الثَّوَابُ فَقَدْ حَصَلَ، وَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ لَمْ يَحْصُلْ (فَإِذَا تَرَدَّدَ) لَا بُدَّ مِنْ الْفَصْلِ بِالرِّضَا أَوْ الْقَضَاءِ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْهِبَةُ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ نَفَذَ (وَلَوْ مَنَعَهُ فَهَلَكَ) قَبْلَهُ (لَمْ يَضْمَنْ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِيهِ، وَكَذَا إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ بَعْدَهُ لِأَنَّ أَوَّلَ الْقَبْضِ غَيْرُ مَضْمُونٍ، وَهَذَا دَوَامٌ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَمْنَعَهُ بَعْدَ الطَّلَبِ لِأَنَّهُ تَعَدِّي، وَإِذَا رَجَعَ بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالرِّضَا كَانَ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ) وَخَالَفَ زُفَرَ فِي الرُّجُوعِ بِالتَّرَاضِي وَجَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ الْمُبْتَدَأَةِ لِأَنَّ الْمِلْكَ عَادَ إلَيْهِ بِتَرَاضِيهِمَا فَأَشْبَهَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ بِالْقَضَاءِ كَانَ فَسْخًا وَإِذَا كَانَ بِالرِّضَا فَهُوَ كَالْبَيْعِ الْمُبْتَدَإِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّرَاضِيَ عَلَى سَبَبٍ مُوجِبٍ لِلْمِلْكِ أَوْ عَلَى رَفْعِ سَبَبٍ لَازِمٍ يَجْعَلُ الْعَقْدَ ابْتِدَائِيًّا، وَهَاهُنَا تَرَاضَيَا عَلَى رَفْعِ سَبَبٍ غَيْرِ لَازِمٍ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ مِلْكًا مُبْتَدَأً بَلْ يَكُونُ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ (حَتَّى لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُ الْوَاهِبِ وَيَصِحُّ فِي الشَّائِعِ) كَمَا إذَا وَهَبَ الدَّارَ ثُمَّ رَجَعَ فِي نِصْفِهَا، وَلَوْ كَانَ الرُّجُوعُ بِغَيْرِ الْقَضَاءِ هِبَةً مُبْتَدَأَةً لَمَا صَحَّ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَمَا فِي الِابْتِدَاءِ، فَصِحَّتُهُ دَلِيلٌ عَلَى بَقَاءِ الْعَقْدِ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ وَالشُّيُوعُ طَارِئٌ لَا أَثَرَ لَهُ فِيهَا (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعَقْدَ) هُوَ الدَّلِيلُ عَلَى الْمَطْلُوبِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ جَائِزُ الْفَسْخِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ثُبُوتِ حَقِّ الرُّجُوعِ، وَمَا هُوَ جَائِزُ الْفَسْخِ يَقْتَضِي جَوَازَ اسْتِيفَاءِ حَقٍّ ثَابِتٍ لَهُ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الرِّضَا وَالْقَضَاءِ لِأَنَّهُمَا يَفْعَلَانِ بِالتَّرَاضِي مَا يَفْعَلُ الْقَاضِي وَهُوَ الْفَسْخُ فَيَظْهَرُ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِيَشْمَلَ التَّرَاضِيَ وَالْقَضَاءَ.

فَكَانَ بِالْفَسْخِ مُسْتَوْفِيًا حَقًّا ثَابِتًا لَهُ فَيَظْهَرُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ هُنَاكَ فِي وَصْفِ السَّلَامَةِ لَا فِي الْفَسْخِ فَافْتَرَقَا. قَالَ: (وَإِذَا تَلِفَتْ الْعَيْنُ الْمَوْهُوبَةُ وَاسْتَحَقَّهَا مُسْتَحِقٌّ وَضَمِنَ الْمَوْهُوبُ لَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْوَاهِبِ بِشَيْءٍ) ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَلَا يَسْتَحِقُّ فِيهِ السَّلَامَةَ، وَهُوَ غَيْرُ عَامِلٍ لَهُ، وَالْغُرُورُ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ سَبَبُ الرُّجُوعِ لَا فِي غَيْرِهِ. قَالَ: (وَإِذَا وَهَبَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ اُعْتُبِرَ التَّقَابُضُ فِي الْعِوَضَيْنِ، وَتَبْطُلُ بِالشُّيُوعِ) ؛ لِأَنَّهُ هِبَةٌ ابْتِدَاءً (فَإِنْ تَقَابَضَا صَحَّ الْعَقْدُ وَصَارَ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ يُرَدُّ بِالْعَيْبِ وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَتُسْتَحَقُّ فِيهِ الشُّفْعَةُ) ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ انْتِهَاءً. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: هُوَ بَيْعٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْبَيْعِ وَهُوَ التَّمْلِيكُ بِعِوَضٍ، وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي، وَلِهَذَا كَانَ بَيْعُ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ إعْتَاقًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الرَّدِّ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ زُفَرَ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ إنَّمَا كَانَ فِي صُورَةِ الْقَضَاءِ خَاصَّةً، لِأَنَّ الْحَقَّ هُنَاكَ فِي وَصْفِ السَّلَامَةِ، حَتَّى لَوْ زَالَ الْعَيْبُ قَبْلَ رَدِّ الْمَبِيعِ بَطَلَ الرَّدُّ لِسَلَامَةِ حَقِّهِ لَهُ لَا فِي الْفَسْخِ، لِأَنَّ الْعَيْبَ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الْعَقْدِ، فَإِذَا كَانَ الْعَقْدُ تَامًّا لَمْ يَقْتَضِ الْفَسْخَ، فَإِذَا تَرَاضَيَا عَلَى مَا لَمْ يَقْتَضِهِ الْعَقْدُ مِنْ رَفْعِهِ كَانَ ذَلِكَ كَابْتِدَاءِ عَقْدٍ مِنْهُمَا، وَأَمَّا الْقَاضِي فَإِنَّمَا يَقْضِي أَوَّلًا بِمَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ مِنْ وَصْفِ السَّلَامَةِ، فَإِنْ عَجَزَ الْبَائِعُ قُضِيَ بِالْفَسْخِ فَلَمْ يَكُنْ مَا ثَبَتَ بِالتَّرَاضِي عَيْنُ مَا ثَبَتَ بِالْقَضَاءِ فَافْتَرَقَا، وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ سَوَاءٌ كَانَ بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالرِّضَا، وَفَائِدَةُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ وَهَبَ لِإِنْسَانٍ فَوَهَبَ الْمَوْهُوبَ لَهُ لِآخَرَ ثُمَّ رَجَعَ الثَّانِي فِي هِبَتِهِ كَانَ لِلْأَوَّلِ أَنْ يَرْجِعَ سَوَاءٌ رَجَعَ الثَّانِي بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ بِغَيْرِهِ خِلَافًا لِزُفَرَ فِي غَيْرِهِ، وَإِذَا رُدَّ الْمَبِيعُ بِعَيْبٍ عَلَى الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ كَذَلِكَ، وَبَعْدَ الْقَبْضِ إنْ كَانَ بِقَضَاءٍ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ (وَإِذَا تَلِفَتْ الْعَيْنُ الْمَوْهُوبَةُ إلَخْ) وَإِذَا تَلِفَ الْمَوْهُوبُ فَاسْتُحِقَّ فَضَمِنَ الْمَوْهُوبُ لَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْوَاهِبِ بِمَا ضَمِنَ لِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ، وَهُوَ لَا يَقْتَضِي السَّلَامَةَ وَهُوَ غَيْرُ عَامِلٍ لَهُ، أَيْ لِلْوَاهِبِ احْتِرَازٌ عَنْ الْمُودِعِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُودَعِ بِمَا ضَمِنَ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِلْمُودِعِ فِي ذَلِكَ الْقَبْضِ بِحِفْظِهَا لِأَجْلِهِ. فَإِنْ قِيلَ: غَرَّهُ

وَلَنَا أَنَّهُ اشْتَمَلَ عَلَى جِهَتَيْنِ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا مَا أَمْكَنَ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ، وَقَدْ أَمْكَنَ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ مِنْ حُكْمِهَا تَأَخُّرُ الْمِلْكِ إلَى الْقَبْضِ، وَقَدْ يَتَرَاخَى عَنْ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالْبَيْعُ مِنْ حُكْمِهِ اللُّزُومُ، وَقَدْ تَنْقَلِبُ الْهِبَةُ لَازِمَةً بِالتَّعْوِيضِ فَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا، بِخِلَافِ بَيْعِ نَفْسِ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْبَيْعِ فِيهِ، إذْ هُوَ لَا يُصْلَحُ مَالِكًا لِنَفْسِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِإِيجَابِهِ الْمِلْكَ لَهُ فِي الْمَحَلِّ وَإِخْبَارِهِ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَالْغُرُورُ يُوجِبُ الضَّمَانَ كَالْبَائِعِ إذَا غَرَّ الْمُشْتَرِيَ. أَجَابَ بِأَنَّ الْغُرُورَ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ سَبَبُ الرُّجُوعِ لَا مُطْلَقًا وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْوَاهِبَ لَوْ ضَمِنَ سَلَامَةَ الْمَوْهُوبِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ نَصًّا، فَإِنْ ضَمِنَ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ رَجَعَ عَلَى الْوَاهِبِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ فَكَانَ سَبَبَ الرُّجُوعِ. أَمَّا الْغُرُورُ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ أَوْ بِالضَّمَانِ نَصًّا. فَإِذَا وَهَبَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ وَهَبْتُك هَذَا الْعَبْدَ عَلَى أَنْ تَهَبَ لِي هَذَا الْعَبْدَ لَا أَنْ يَقُولَ بِالْيَاءِ فَإِنَّهُ يَكُونُ بَيْعًا ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً بِالْإِجْمَاعِ، أَمَّا إذَا كَانَ بِلَفْظِ عَلَيَّ فَإِنَّهُ يَكُونُ هِبَةً ابْتِدَاءً فَيُعْتَبَرُ التَّقَابُضُ فِي الْعِوَضَيْنِ وَلَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِدُونِ الْقَبْضِ وَيَبْطُلُ بِالشُّيُوعِ، فَإِنْ تَقَابَضَا صَحَّ الْعَقْدُ وَصَارَ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ يُرَدُّ بِالْعَيْبِ وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَتُسْتَحَقُّ الشُّفْعَةُ فِيهِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ انْتِهَاءً. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَزُفَرُ: هُوَ بَيْعٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْبَيْعِ وَهُوَ التَّمْلِيكُ بِعِوَضٍ، وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي، وَلِهَذَا كَانَ بَيْعُ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ إعْتَاقًا وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَلَنَا أَنَّهُ اشْتَمَلَ عَلَى جِهَتَيْنِ: جِهَةُ الْهِبَةِ لَفْظًا، وَجِهَةُ الْبَيْعِ مَعْنًى، وَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، وَكُلُّ مَا اشْتَمَلَ عَلَى جِهَتَيْنِ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَجَبَ إعْمَالُهُمَا لِأَنَّ إعْمَالَ الشَّبَهَيْنِ وَلَوْ بِوَجْهٍ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِ أَحَدِهِمَا. أَمَّا أَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْجِهَتَيْنِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا إمْكَانُ الْجَمْعِ فَلِمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْهِبَةَ مِنْ حُكْمِهَا تَأَخُّرُ الْمِلْكِ إلَى الْقَبْضِ، وَقَدْ يُوجَدُ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَالْبَيْعُ مِنْ حُكْمِهِ اللُّزُومُ، وَقَدْ يُوجَدُ ذَلِكَ فِي الْهِبَةِ كَمَا إذَا قَبَضَ الْعِوَضَ، وَإِذَا انْتَفَى الْمُنَافَاةُ أَمْكَنَ الْجَمْعُ لَا مَحَالَةَ، فَعَمِلْنَا بِهِمَا وَاعْتَبَرْنَا ابْتِدَاءً بِلَفْظِهَا وَهُوَ لَفْظُ الْهِبَةِ وَانْتِهَاءً بِمَعْنَاهَا وَهُوَ مَعْنَى الْبَيْعِ وَهُوَ التَّمْلِيكُ بِعِوَضٍ، كَالْهِبَةِ فِي الْمَرَضِ فَإِنَّهَا تَبَرُّعٌ فِي الْحَالِ صُورَةً وَوَصِيَّةٌ مَعْنًى، فَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهُ بِلَفْظِهِ حَتَّى يَبْطُلَ لِعَدَمِ الْقَبْضِ، وَلَا يَتِمُّ بِالشُّيُوعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَانْتِهَاؤُهُ بِمَعْنَاهُ حَتَّى يَكُونَ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ الدَّيْنِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْأَلْفَاظَ قَوَالِبُ الْمَعَانِي فَلَا يَجُوزُ إلْغَاءُ اللَّفْظِ وَإِنْ وَجَبَ اعْتِبَارُ الْمَعْنَى إلَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، كَمَا إذَا بَاعَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ مِنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْبَيْعِ فِيهِ إذْ هُوَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِنَفْسِهِ.

[فصل ومن وهب جارية إلا حملها]

قَالَ: (وَمَنْ وَهَبَ جَارِيَةً إلَّا حَمْلَهَا صَحَّتْ الْهِبَةُ وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَعْمَلُ إلَّا فِي مَحَلٍّ يَعْمَلُ فِيهِ الْعَقْدُ، وَالْهِبَةُ لَا تَعْمَلُ فِي الْحَمْلِ لِكَوْنِهِ وَصْفًا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْبُيُوعِ فَانْقَلَبَ شَرْطًا فَاسِدًا، وَالْهِبَةُ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَهَذَا هُوَ الْحُكْمُ فِي النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ؛ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ وَمَنْ وَهَبَ جَارِيَةً إلَّا حَمْلَهَا] فَصْلٌ) لَمَّا كَانَتْ الْمَسَائِلُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا الْفَصْلِ مُتَعَلِّقَةً بِالْهِبَةِ بِنَوْعٍ مِنْ التَّعَلُّقِ ذَكَرَهَا فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ. قَالَ (وَمَنْ وَهَبَ جَارِيَةً إلَّا حَمْلَهَا إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْحَمْلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ مِنْهَا مَا يَجُوزُ فِيهِ أَصْلُ الْعَقْدِ وَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ. وَقِسْمٌ مِنْهَا مَا يَبْطُلَانِ فِيهِ جَمِيعًا. وَقِسْمٌ مِنْهَا مَا يَصِحَّانِ فِيهِ جَمِيعًا. فَالْأَوَّلُ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْهِبَةِ وَمِنْ النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فَإِنَّهُ إذَا وَهَبَ الْجَارِيَةَ إلَّا حَمْلَهَا صَحَّتْ الْهِبَةُ وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ، لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَعْمَلُ إلَّا فِي مَحَلٍّ يَعْمَلُ فِيهِ الْعَقْدُ، وَالْهِبَةُ لَا تَعْمَلُ فِي الْحَمْلِ لِكَوْنِهِ وَصْفًا وَالْعَقْدُ لَا يَرِدُ عَلَى الْأَوْصَافِ مَقْصُودًا، حَتَّى لَوْ وَهَبَ الْحَمْلَ لِآخَرَ لَا يَصِحُّ، فَكَذَا إذَا اسْتَثْنَى عَلَى مَا مَرَّ فِي الْبُيُوعِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الِاسْتِثْنَاءُ عَامِلًا انْقَلَبَ شَرْطًا فَاسِدًا لِأَنَّ اسْمَ الْجَارِيَةِ يَتَنَاوَلُ الْحَمْلَ تَبَعًا لِكَوْنِهِ جُزْءًا مِنْهَا، فَلَمَّا اُسْتُثْنِيَ الْحَمْلُ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مُخَالِفًا لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ مَعْنَى الشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَالْهِبَةُ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ، وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْحَمْلِ وَبَيْنَ الصُّوفِ عَلَى الظَّهْرِ وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، فَإِنَّهُ إذَا وَهَبَ الصُّوفَ عَلَى الظَّهْرِ وَأَمَرَهُ بِجَزِّهِ أَوْ اللَّبَنَ فِي الضَّرْعِ وَحَلَبَهُ وَقَبَضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَإِنَّهُ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا دُونَ الْحَمْلِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَا فِي الْبَطْنِ لَيْسَ بِمَالٍ أَصْلًا وَلَا يُعْلَمُ لَهُ وُجُودٌ حَقِيقَةً، بِخِلَافِ الصُّوفِ وَاللَّبَنِ، وَبِأَنَّ إخْرَاجَ الْوَلَدِ مِنْ الْبَطْنِ لَيْسَ إلَيْهِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ فِي ذَلِكَ نَائِبًا عَنْ الْوَاهِبِ، بِخِلَافِ الْجِزَازِ فِي الصُّوفِ وَالْحَلْبِ فِي اللَّبَنِ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ صِحَّةُ أَصْلِ الْعَقْدِ وَبُطْلَانُ الِاسْتِثْنَاءِ (هُوَ الْحُكْمُ فِي النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ لِأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ) (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ) إشَارَةٌ إلَى الْقِسْمِ الثَّانِي (لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِهَا)

وَلَوْ أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِهَا ثُمَّ وَهَبَهَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ الْجَنِينُ عَلَى مِلْكِهِ فَأَشْبَهَ الِاسْتِثْنَاءَ، وَلَوْ دَبَّرَ مَا فِي بَطْنِهَا ثُمَّ وَهَبَهَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ بَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ فَلَمْ يَكُنْ شَبِيهَ الِاسْتِثْنَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْقِسْمَ الثَّالِثَ وَهُوَ فِي الْوَصِيَّةِ وَسَنَذْكُرُهُ فِيهَا (وَلَوْ أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِهَا ثُمَّ وَهَبَهَا جَازَتْ الْهِبَةُ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ الْجَنِينُ عَلَى مِلْكِ الْوَاهِبِ) لِخُرُوجِهِ عَنْهُ بِالْإِعْتَاقِ فَلَمْ يَكُنْ هِبَةَ مُشَاعٍ فَتَكُونُ جَائِزَةً (فَأَشْبَهَ الِاسْتِثْنَاءَ) فِي إمْكَانِ تَجْوِيزِ الْهِبَةِ (وَلَوْ دَبَّرَ مَا فِي بَطْنِهَا ثُمَّ وَهَبَهَا لَمْ تَجُزْ الْهِبَةُ لِأَنَّ الْحَمْلَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ فَلَمْ يُشْبِهْ الِاسْتِثْنَاءَ) فِي التَّجْوِيزِ لِأَنَّ الْجَوَازَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ

وَلَا يُمْكِنُ تَنْفِيذُ الْهِبَةِ فِيهِ لِمَكَانِ التَّدْبِيرِ فَبَقِيَ هِبَةُ الْمُشَاعِ أَوْ هِبَةُ شَيْءٍ هُوَ مَشْغُولٌ بِمِلْكِ الْمَالِكِ. قَالَ: (فَإِنْ وَهَبَهَا لَهُ عَلَى أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى أَنْ يَعْتِقَهَا أَوْ أَنْ يَتَّخِذَهَا أُمَّ وَلَدٍ أَوْ وَهَبَ دَارًا أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِدَارٍ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْهَا أَوْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مِنْهَا فَالْهِبَةُ جَائِزَةٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ) . لِأَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ تُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَكَانَتْ فَاسِدَةً، وَالْهِبَةُ لَا تَبْطُلُ بِهَا، أَلَا تَرَى «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَجَازَ الْعُمْرَى وَأَبْطَلَ شَرْطَ الْمُعْمِرِ» بِخِلَافِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ بِإِبْطَالِهِ وَجُعِلَ الْحَمْلُ مَوْهُوبًا (وَهَاهُنَا التَّدْبِيرُ يَمْنَعُ عَنْ ذَلِكَ فَبَقِيَ هِبَةُ الْمُشَاعِ) وَهِيَ لَا تَجُوزُ. فَإِنْ قِيلَ: هَبْ أَنَّهَا هِبَةُ مُشَاعٍ لَكِنَّهَا فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَهِيَ جَائِزَةٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ عَرْضِيَّةَ الِانْفِصَالِ فِي ثَانِي الْحَالِ ثَابِتَةٌ لَا مَحَالَةَ فَأُنْزِلَ مُنْفَصِلًا فِي الْحَالِ مَعَ أَنَّ الْجَنِينَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِ الْوَاهِبِ فَكَانَ فِي حُكْمِ مُشَاعٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمَّا اسْتَشْعَرَ هَذَا السُّؤَالَ أَرْدَفَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ هِبَةُ شَيْءٍ هُوَ مَشْغُولٌ بِمِلْكِ الْوَاهِبِ) فَهُوَ كَمَا إذَا وَهَبَ الْجَوَالِقَ وَفِيهِ طَعَامُ الْوَاهِبِ، وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ كَهِبَةِ الْمُشَاعِ الْحَقِيقِيِّ. فَإِنْ قِيلَ: هَلْ يَصِحُّ أَنْ تُجْعَلَ مَسْأَلَةُ التَّدْبِيرِ مُشَابِهَةً بِالِاسْتِثْنَاءِ وَمَسْأَلَةُ الْإِعْتَاقِ غَيْرُ مُشَابِهَةٍ؟ قُلْت: نَعَمْ إذَا أُرِيدَ بِالِاسْتِثْنَاءِ التَّكَلُّمُ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا، فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِهَذَا التَّفْسِيرِ يُورِثُ الشُّيُوعَ، وَمَسْأَلَةُ التَّدْبِيرِ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ فَكَانَتَا مُتَشَابِهَتَيْنِ، وَالْإِعْتَاقُ لَا يُورِثُ ذَلِكَ فَلَمْ يُشَابِهْهُ، وَالْمُصَنِّفُ أَرَادَ بِالِاسْتِثْنَاءِ اسْتِثْنَاءَ الْحَمْلِ، وَمَسْأَلَةُ الْإِعْتَاقِ تُشَابِهُهُ فِي جَوَازِ الْهِبَةِ وَالتَّدْبِيرُ لَمْ يُشَابِهْهُ كَمَا تَقَدَّمَ (فَإِنْ وَهَبَهَا لَهُ عَلَى أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى أَنْ يُعْتِقَهَا أَوْ أَنْ يَتَّخِذَهَا أُمَّ وَلَدٍ أَوْ وَهَبَ دَارًا أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِدَارٍ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْهَا أَوْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مِنْهَا فَالْهِبَةُ جَائِزَةٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ) وَلَا يُتَوَهَّمُ التَّكْرَارُ فِي قَوْلِهِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْهَا أَوْ يُعَوِّضَهُ لِأَنَّ

الْبَيْعِ «؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» وَلِأَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ فِي مَعْنَى الرِّبَا، وَهُوَ يَعْمَلُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ دُونَ التَّبَرُّعَاتِ. قَالَ: (وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ إذَا جَاءَ الْغَدُ فَهِيَ لَك أَوْ أَنْتَ مِنْهَا بَرِيءٌ. أَوْ قَالَ: إذَا أَدَّيْتَ إلَيَّ النِّصْفَ فَلَكَ نِصْفُهُ أَوْ أَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ النِّصْفِ الْبَاقِي فَهُوَ بَاطِلٌ) ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ تَمْلِيكٌ مِنْ وَجْهٍ إسْقَاطٌ مِنْ وَجْهٍ، وَهِبَةُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ إبْرَاءٌ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ كَانَ تَمْلِيكًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّدَّ عَلَيْهِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ عِوَضًا، فَإِنَّ كَوْنَهُ عِوَضًا إنَّمَا هُوَ بِأَلْفَاظٍ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا، وَإِنَّمَا بَطَلَ الشُّرُوطُ لِأَنَّهَا فَاسِدَةٌ لِمُخَالَفَتِهَا مُقْتَضَى الْعَقْدِ، لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ مُطْلَقًا بِلَا تَوْقِيتٍ، فَإِذَا شُرِطَ عَلَيْهِ الرَّدُّ أَوْ الْإِعْتَاقُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ فَمُقَيَّدٌ بِهَا، وَالْهِبَةُ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ. وَأَصْلُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَازَ الْعُمْرَى وَأَبْطَلَ شَرْطَ الْمُعْمِرِ فِي رُجُوعِهَا إلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُعَمَّرِ لَهُ وَجَعَلَهَا مِيرَاثًا لِوَرَثَةِ الْمُعَمَّرِ لَهُ» ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» وَلِأَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ فِي مَعْنَى الرِّبَا وَهُوَ يَعْمَلُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ وَالْهِبَةُ لَيْسَتْ مِنْهَا. قَالَ (وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَخْ) وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَهِيَ لَك أَوْ أَنْتَ مِنْهَا بَرِيءٌ أَوْ قَالَ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ النِّصْفَ فَلَكَ نِصْفُهُ أَوْ أَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ النِّصْفِ

وَوَصْفٌ مِنْ وَجْهٍ وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ كَانَ إسْقَاطًا، وَلِهَذَا قُلْنَا: إنَّهُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَاقِي فَهُوَ بَاطِلٌ، لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ تَمْلِيكٌ مِنْ وَجْهٍ لِارْتِدَادِهِ بِالرَّدِّ، إسْقَاطٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ، وَهِبَةُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ إبْرَاءٌ لِأَنَّهُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ فَكَانَ تَمْلِيكًا مِنْ وَجْهٍ إسْقَاطًا مِنْ وَجْهٍ. وَالتَّعْلِيقُ بِالشُّرُوطِ يَخْتَصُّ بِالْإِسْقَاطَاتِ الْمَحْضَةِ الَّتِي يُحْلَفُ بِهَا كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَلَا يَتَعَدَّاهَا إلَى مَا فِيهِ تَمْلِيكٌ. فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُمْ هِبَةُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ مَنْقُوضٌ بِدَيْنِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ فَإِنَّ رَبَّ الدَّيْنِ إذَا أَبْرَأَ الْمَدْيُونَ مِنْهُ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ تَوَقَّفَ عَلَى قَبُولِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ تَوَقُّفَهُ عَلَى ذَلِكَ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ هِبَةُ الدَّيْنِ بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُوجِبُ انْفِسَاخَ الْعَقْدِ بِفَوَاتِ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِعَقْدِ الصَّرْفِ، وَأَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ لَا يَنْفَرِدُ بِفَسْخِهِ فَلِهَذَا تَوَقَّفَ عَلَى الْقَبُولِ (قَوْلُهُ قُلْنَا إنَّهُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ) يُفِيدُ بِإِطْلَاقِهِ أَنَّ عَمَلَ الرَّدِّ فِي الْمَجْلِسِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ السَّلَفِ.

وَالتَّعْلِيقُ بِالشُّرُوطِ يَخْتَصُّ بِالْإِسْقَاطَاتِ الْمَحْضَةِ الَّتِي يُحْلَفُ بِهَا كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَلَا يَتَعَدَّاهَا. قَالَ: (وَالْعُمْرَى جَائِزَةٌ لِلْمُعَمَّرِ لَهُ حَالَ حَيَاتِهِ وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ) لِمَا رَوَيْنَا. وَمَعْنَاهُ أَنْ يَجْعَلَ دَارِهِ لَهُ عُمُرَهُ. وَإِذَا مَاتَ تُرَدُّ عَلَيْهِ فَيَصِحُّ التَّمْلِيكُ، وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ لِمَا رَوَيْنَا وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ (وَالرُّقْبَى بَاطِلَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: جَائِزَةٌ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ دَارِي لَك تَمْلِيكٌ. وَقَوْلُهُ رُقْبَى شَرْطٌ فَاسِدٌ كَالْعُمْرَى. وَلَهُمَا «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَجَازَ الْعُمْرَى وَرَدَّ الرُّقْبَى» وَلِأَنَّ مَعْنَى الرُّقْبَى عِنْدَهُمَا إنْ مِتُّ قَبْلَكَ فَهُوَ لَكَ، وَاللَّفْظُ مِنْ الْمُرَاقَبَةِ كَأَنَّهُ يُرَاقِبُ مَوْتَهُ، وَهَذَا تَعْلِيقُ التَّمْلِيكِ بِالْخَطَرِ فَبَطَلَ. وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ تَكُونُ عَارِيَّةً عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إطْلَاقَ الِانْتِفَاعِ بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجِبُ أَنْ يَرُدَّهُ فِي مَجْلِسِ الْإِبْرَاءِ وَالْهِبَةِ. وَقَوْلُهُ (بِالْإِسْقَاطَاتِ الْمَحْضَةِ الَّتِي يَحْلِفُ بِهَا) هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مِنْ الْإِسْقَاطَاتِ الْمَحْضَةِ مَا لَا يُحْلَفُ بِهَا: أَيْ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ كَالْحَجْرِ عَلَى الْمَأْذُونِ وَعَزْلِ الْوَكِيلِ وَالْإِبْرَاءِ عَنْ الدَّيْنِ مِنْهَا. وَمِنْهَا مَا يُحْلَفُ بِهَا (كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ) وَغَيْرِهِمَا (وَالْعُمْرَى) وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ دَارِهِ لِشَخْصٍ عُمْرَهُ، فَإِذَا مَاتَ تُرَدُّ عَلَيْهِ (جَائِزَةٌ لِلْمُعَمَّرِ لَهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ لِمَا رَوَيْنَا) «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَازَ الْعُمْرَى» (وَالشَّرْطُ) وَهُوَ قَوْلُهُ فَإِذَا مَاتَ تُرَدُّ عَلَيْهِ (بَاطِلٌ لِمَا رَوَيْنَا) «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَبْطَلَ شَرْطَ الْمُعْمِرِ» ، وَبُطْلَانُهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي بُطْلَانِ الْعَقْدِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ دَارِي لَك هِبَةٌ (وَالرُّقْبَى) وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِغَيْرِهِ دَارِي لَك رُقْبَى (بَاطِلَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ) لَا تُفِيدُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ عَارِيَّةً عِنْدَهُ يَجُوزُ لِلْمُعَمِّرِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ وَيَبِيعَهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ لِأَنَّهُ تَضَمَّنَ إطْلَاقَ الِانْتِفَاعِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ جَائِزَةٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ دَارِي لَك هِبَةٌ وَقَوْلُهُ رُقْبَى شَرْطٌ فَاسِدٌ) لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِالْخَطَرِ إنْ كَانَ الرُّقْبَى مَأْخُوذًا مِنْ الْمُرَاقَبَةِ وَإِنْ كَانَ مَأْخُوذًا مِنْ الْإِرْقَابِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: رَقَبَةُ دَارِي لَك فَصَارَ كَالْعُمْرَى (وَلَهُمَا) مَا رَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ شُرَيْحٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَازَ الْعُمْرَى وَرَدَّ الرُّقْبَى» وَلِأَنَّ مَعْنَى الرُّقْبَى عِنْدَهُمَا أَنْ يَقُولَ: إنْ مِتّ قَبْلَك فَهُوَ لَك أُخِذَتْ مِنْ الْمُرَاقَبَةِ كَأَنَّهُ يُرَاقِبُ مَوْتَهُ، وَهَذَا تَعْلِيقٌ بِالْخَطَرِ فَيَكُونُ بَاطِلًا) وَقَوْلُهُ لِأَنَّ مَعْنَى الرُّقْبَى عِنْدَهُمَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ

[فصل في الصدقة]

قَالَ: (وَالصَّدَقَةُ كَالْهِبَةِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِالْقَبْضِ) ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ (فَلَا تَجُوزُ فِي مُشَاعٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ) لِمَا بَيَّنَّا فِي الْهِبَةِ (وَلَا رُجُوعَ فِي الصَّدَقَةِ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الثَّوَابُ وَقَدْ حَصَلَ. وَكَذَا إذَا تَصَدَّقَ عَلَى غَنِيٍّ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ بِالصَّدَقَةِ عَلَى الْغَنِيِّ الثَّوَابَ. وَكَذَا إذَا وَهَبَ الْفَقِيرَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الثَّوَابُ وَقَدْ حَصَلَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِجَوَازِهَا لَا بِهَذَا التَّفْسِيرِ. بَلْ بِتَفْسِيرٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَهَا مِنْ الرَّقَبَةِ كَمَا ذَكَرْنَا. وَقِيلَ عَلَيْهِ أَنَّ اشْتِقَاقَ الرُّقْبَى مِنْ الرَّقَبَةِ مِمَّا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَإِبْدَاعُ الشَّيْءِ فِي اللُّغَةِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِهَا لِأَجْلِ مَا عَنْهُ مَنْدُوحَةٌ لَيْسَ بِمُسْتَحْسَنٍ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا جَوَابُهُمَا عَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَازَ الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى؟» أُجِيبَ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الرُّقْبَى مُفَسَّرًا بِوَجْهٍ وَاضِحٍ صَحِيحٍ فَأَجَابَ بِجَوَازِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي الصَّدَقَةِ] لَمَّا كَانَتْ الصَّدَقَةُ تُشَارِكُ الْهِبَةَ فِي الشُّرُوطِ وَتُخَالِفُهَا فِي الْحُكْمِ ذَكَرَهَا فِي كِتَابِ الْهِبَةِ وَجَعَلَ لَهَا فَصْلًا. قَالَ (الصَّدَقَةُ كَالْهِبَةِ) الصَّدَقَةُ لَا تَتِمُّ إلَّا مَقْبُوضَةً لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ فَلَا تَجُوزُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ مُشَاعًا، لِمَا بَيَّنَّا فِي الْهِبَةِ أَنَّ الشُّيُوعَ يَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْضِ الْمَشْرُوطِ، وَلَا رُجُوعَ فِيهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الثَّوَابُ وَقَدْ حَصَلَ فَصَارَتْ كَهِبَةِ عِوَضٍ عَنْهَا، وَفِيهِ تَأَمُّلٌ فَإِنَّ حُصُولَ الثَّوَابِ فِي الْآخِرَةِ فَضْلٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَلَا يُقْطَعُ بِحُصُولِهِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِهِ حُصُولُ الْوَعْدِ بِالثَّوَابِ فَإِذَا تَصَدَّقَ

[كتاب الإجارات]

(وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ يَتَصَدَّقُ بِجِنْسِ مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمِلْكِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْجَمِيعِ) وَيُرْوَى أَنَّهُ وَالْأَوَّلَ سَوَاءٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْفَرْقَ. وَوَجْهُ الرِّوَايَتَيْنِ فِي مَسَائِلِ الْقَضَاءِ (وَيُقَالُ لَهُ أَمْسِكْ مَا تُنْفِقُهُ عَلَى نَفْسِكَ وَعِيَالِكَ إلَى أَنْ تَكْتَسِبَ، فَإِذَا اكْتَسَبَ مَالًا يَتَصَدَّقُ بِمِثْلِ مَا أَنْفَقَ) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى غَنِيٍّ بَطَلَ الرُّجُوعُ اسْتِحْسَانًا. وَفِي الْقِيَاسِ لَهُ الرُّجُوعُ لِأَنَّ الْغَرَضَ ثَمَّةَ حُصُولُ الْعِوَضِ. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْغَنِيِّ قَدْ يُرَادُ بِهَا الثَّوَابُ، وَإِذَا وَهَبَ لِفَقِيرٍ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الثَّوَابُ وَقَدْ حَصَلَ، وَعَنْ هَذَا ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ عَلَى الْغَنِيِّ سَوَاءٌ فِي جَوَازِ الرُّجُوعِ، كَمَا أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي حَقِّ الْفَقِيرِ فِي عَدَمِهِ، وَلَكِنَّ الْعَامَّةَ قَالُوا: فِي ذِكْرِهِ لَفْظَ الصَّدَقَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْعِوَضَ، وَالتَّصَدُّقُ عَلَى الْغَنِيِّ لَا يُنَافِي الْقُرْبَةَ (قَوْلُهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ إلَخْ) ذَكَرْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَعَ وُجُوهِهَا فِي مَسَائِلِ الْقَضَاءِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى الْإِعَادَةِ هَاهُنَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ. [كِتَابُ الْإِجَارَاتِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ تَمْلِيكِ الْأَعْيَانِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهُوَ الْهِبَةُ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ وَهُوَ الْإِجَارَةُ، وَقَدَّمَ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَنَافِعِ، وَسَنَذْكُرُ مَعْنَى الْإِجَارَةِ لُغَةً وَشَرِيعَةً، وَإِنَّمَا جَمَعَهَا إشَارَةً إلَى أَنَّهَا حَقِيقَةٌ ذَاتُ أَفْرَادٍ، فَإِنَّ لَهَا نَوْعَيْنِ: نَوْعٌ يَرِدُ عَلَى مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ كَاسْتِئْجَارِ الدُّورِ وَالْأَرَاضِي وَالدَّوَابِّ. وَنَوْعٌ يَرِدُ عَلَى الْعَمَلِ

(الْإِجَارَةُ: عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQكَاسْتِئْجَارِ الْمُحْتَرِفِينَ لِلْأَعْمَالِ نَحْوِ الْقِصَارَةِ وَالْخِيَاطَةِ وَنَحْوِهِمَا. وَمِنْ مَحَاسِنِهَا دَفْعُ الْحَاجَةِ بِقَلِيلٍ مِنْ الْبَدَلِ، فَإِنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى دَارٍ يَسْكُنُهَا وَحَمَّامٍ يَغْتَسِلُ فِيهَا وَإِبِلٍ تَحْمِلُ أَثْقَالَهُ إلَى بَلَدٍ لَمْ يَكُنْ يَبْلُغُهُ إلَّا بِمَشَقَّةِ النَّفْسِ. وَسَبَبُهَا مَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ مِنْ تَعَلُّقِ الْبَقَاءِ الْمَقْدُورِ بِتَعَاطِيهَا. وَأَمَّا شَرْطُهَا فَمَعْلُومِيَّةُ الْبَدَلَيْنِ. وَأَمَّا رُكْنُهَا فَالْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ بِلَفْظَيْنِ مَاضِيَيْنِ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمَوْضُوعَةِ لِعَقْدِ الْإِجَارَةِ. وَأَمَّا حُكْمُهَا وَدَلِيلُ شَرْعِيَّتِهَا فَسَيُذْكَرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ (الْإِجَارَةُ عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ إلَخْ) بَيْنَ الْمَفْهُومِ الشَّرْعِيِّ

لِأَنَّ الْإِجَارَةَ فِي اللُّغَةِ بَيْعُ الْمَنَافِعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبْلَ اللُّغَوِيِّ لِأَنَّ اللُّغَوِيَّ هُوَ الشَّرْعِيُّ بِلَا مُخَالَفَةٍ وَهُوَ فِي بَيَانِ شَرْعِيَّتِهَا، فَالشَّرْعِيُّ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ. وَلَمَّا كَانَتْ عِبَارَةً عَنْ تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ وَهِيَ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي الْحَالِ لَمْ يَقْتَضِ الْقِيَاسُ جَوَازَهَا، إلَّا أَنَّهَا جُوِّزَتْ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِالْأَثَرِ لِحَاجَةِ النَّاسِ فَكَانَ اسْتِحْسَانًا بِالْأَثَرِ، وَمِنْ الْآثَارِ الدَّالَّةِ عَلَى صِحَّتِهَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ» فَإِنَّ الْأَمْرَ بِإِعْطَاءِ الْأَجْرِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الْعَقْدِ. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُعْلِمْهُ أَجْرَهُ» فِيهِ وَزِيَادَةُ

وَالْقِيَاسُ يَأْبَى جَوَازَهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةُ وَهِيَ مَعْدُومَةٌ، وَإِضَافَةُ التَّمْلِيكِ إلَى مَا سَيُوجَدُ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنَّا جَوَّزْنَاهُ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ، وَقَدْ شَهِدَتْ بِصِحَّتِهَا الْآثَارُ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُعْلِمْهُ أَجْرَهُ» وَتَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنْفَعَةِ، وَالدَّارُ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي حَقِّ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَيْهَا لِيَرْتَبِطَ الْإِيجَابُ بِالْقَبُولِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيَانِ أَنَّ مَعْلُومِيَّةَ الْأَجْرِ شَرْطُ جَوَازِهَا (وَتَنْعَقِدُ الْإِجَارَةُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ) لِأَنَّهَا هِيَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ، فَالْمِلْكُ فِي الْبَدَلَيْنِ أَيْضًا يَقَعُ سَاعَةً فَسَاعَةً لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ تَقْتَضِي التَّسَاوِيَ، وَالْمِلْكُ فِي الْمَنْفَعَةِ يَقَعُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِهَا فَكَذَا فِي بَدَلِهَا وَهُوَ الْأُجْرَةُ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَصِحَّ رُجُوعُ الْمُسْتَأْجِرِ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ قَبْلَ أَنْ يَنْعَقِدَ الْعَقْدُ فِيهَا، وَإِذَا اسْتَأْجَرَ شَهْرًا مَثَلًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ بِلَا عُذْرٍ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَالدَّارُ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي حَقِّ إضَافَةِ الْعَقْدِ لِيَرْتَبِطَ الْإِيجَابُ بِالْقَبُولِ) إلْزَامًا لِلْعَقْدِ فِي الْمِقْدَارِ الْمُعَيَّنِ،

ثُمَّ عَمَلُهُ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَنْفَعَةِ مِلْكًا وَاسْتِحْقَاقًا حَالَ وُجُودِ الْمَنْفَعَةِ. (وَلَا تَصِحُّ حَتَّى تَكُونَ الْمَنَافِعُ مَعْلُومَةً، وَالْأُجْرَةُ مَعْلُومَةً) لِمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَبَدَلِهِ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ كَجَهَالَةِ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ فِي الْبَيْعِ (وَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ جَازَ أَنْ يَكُونَ أُجْرَةً فِي الْإِجَارَةِ) ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ ثَمَنُ الْمَنْفَعَةِ، فَتُعْتَبَرُ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ يَظْهَرُ عَمَلُ الْعَقْدِ وَأَثَرُهُ فِي حَقِّ الْمَنْفَعَةِ) يَعْنِي يَتَرَاخَى حُكْمُ اللَّفْظِ إلَى حِينِ وُجُودِ الْمَنْفَعَةِ (مِلْكًا وَاسْتِحْقَاقًا) يَعْنِي يَثْبُتَانِ مَعًا (حَالَ وُجُودِ الْمَنْفَعَةِ) بِخِلَافِ بَيْعِ الْعَيْنِ، فَإِنَّ الْمِلْكَ فِي الْمَبِيعِ يَثْبُتُ فِي الْحَالِ وَيَتَأَخَّرُ الِاسْتِحْقَاقُ إلَى نَقْدِ الثَّمَنِ، وَجَازَ أَنْ يَنْفَصِلَ حُكْمُ الْعَقْدِ عَنْهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ (وَلَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ حَتَّى تَكُونَ الْمَنَافِعُ مَعْلُومَةً وَالْأُجْرَةُ مَعْلُومَةً لِمَا رَوَيْنَا) مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُعْلِمْهُ أَجْرَهُ» فَإِنَّهُ كَمَا يَدُلُّ بِعِبَارَتِهِ عَلَى كَوْنِ مَعْلُومِيَّةِ الْأُجْرَةِ شَرْطًا يَدُلُّ بِدَلَالَتِهِ عَلَى اشْتِرَاطِ مَعْلُومِيَّةِ الْمَنَافِعِ، لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ هُوَ الْمَنَافِعُ وَهُوَ الْأَصْلُ، وَالْمَعْقُودُ بِهِ وَهُوَ الْأُجْرَةُ كَالتَّبَعِ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ، فَإِذَا كَانَ مَعْلُومِيَّةُ التَّبَعِ شَرْطًا كَانَ مَعْلُومِيَّةُ الْأَصْلِ أَوْلَى بِذَلِكَ (وَلِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَبَدَلِهِ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ كَجَهَالَةِ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ فِي الْبَيْعِ) وَهُوَ وَاضِحٌ، وَمَا صَلُحَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ صَلُحَ

وَمَا لَا يَصْلُحُ ثَمَنًا يَصْلُحُ أُجْرَةً أَيْضًا كَالْأَعْيَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَكُونَ أُجْرَةً، لِأَنَّ الْأُجْرَةَ ثَمَنُ الْمَنْفَعَةِ فَتُعْتَبَرُ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ وَلَيْسَ كُلُّ مَا يَصْلُحُ ثَمَنًا لَا يَصْلُحُ أُجْرَةً، لِأَنَّ بَعْضَ مَا لَا يَصْلُحُ ثَمَنًا كَالْأَعْيَانِ الَّتِي هِيَ لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَالْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ مَثَلًا إذَا كَانَتْ مُعَيَّنَةً صَلُحَ أَنْ يَكُونَ أُجْرَةً، كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا بِثَوْبٍ مُعَيَّنٍ وَإِنْ كَانَ لَا يَصْلُحُ ثَمَنًا، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْمُقَايَضَةَ بَيْعٌ وَلَيْسَ فِيهَا إلَّا الْعَيْنُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، فَلَوْ لَمْ تَصْلُحْ الْعَيْنُ ثَمَنًا كَانَتْ بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ وَهُوَ بَاطِلٌ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ النَّظَرَ عَلَى الْمِثَالِ لَيْسَ مِنْ دَأْبِ الْمُنَاظِرِينَ، فَإِذَا كَانَ الْأَصْلُ صَحِيحًا جَازَ أَنْ يُمَثَّلَ بِمِثَالٍ آخَرَ فَلْيُمَثِّلْ بِالْمَنْفَعَةِ فَإِنَّهَا تَصْلُحُ أُجْرَةً إذَا اخْتَلَفَ جِنْسُ الْمَنَافِعِ، كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ سُكْنَى دَارٍ بِرُكُوبِ دَابَّةٍ وَلَا

فَهَذَا اللَّفْظُ لَا يَنْفِي صَلَاحِيَّةَ غَيْرِهِ؛ لِ أَنَّهُ عِوَضٌ مَالِيٌّ (وَالْمَنَافِعُ تَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِالْمُدَّةِ كَاسْتِئْجَارِ الدُّورِ، لِلسُّكْنَى وَالْأَرْضِينَ لِلزِّرَاعَةِ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ أَيِّ مُدَّةٍ كَانَتْ) ؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ إذَا كَانَتْ مَعْلُومَةً كَانَ قَدْرُ الْمَنْفَعَةِ فِيهَا مَعْلُومًا إذَا كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ لَا تَتَفَاوَتُ. وَقَوْلُهُ أَيِّ مُدَّةٍ كَانَتْ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ قَصُرَتْ لِكَوْنِهَا مَعْلُومَةً وَلِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا عَسَى، ـــــــــــــــــــــــــــــQتَصْلُحُ ثَمَنًا أَصْلًا (قَوْلُهُ فَهَذَا اللَّفْظُ) يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ وَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ إلَخْ (لَا يَنْفِي صَلَاحِيَّةَ غَيْرِهِ) كَمَا ذَكَرْنَا (لِأَنَّهُ عِوَضٌ مَالِيٌّ) فَيَعْتَمِدُ وُجُودَ الْمَالِ وَالْأَعْيَانُ وَالْمَنَافِعُ أَمْوَالٌ فَجَازَ أَنْ تَقَعَ أُجْرَةً. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الثَّمَنُ عِوَضٌ مَالِيٌّ إلَخْ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الثَّمَنَ مَشْرُوطٌ بِكَوْنِهِ مِمَّا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ فَيَخْتَصُّ بِذَلِكَ كَالنُّقُودِ وَالْمُقَدَّرَاتِ الْمَوْصُوفَةِ الَّتِي تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ بِخِلَافِ الْأُجْرَةِ. قَالَ (وَالْمَنَافِعُ تَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِالْمُدَّةِ إلَخْ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً فِي الْإِجَارَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَا تَكُونُ بِهِ مَعْلُومَةً، فَتَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِالْمُدَّةِ كَاسْتِئْجَارِ الدُّورِ لِلسُّكْنَى وَالْأَرَاضِي لِلزِّرَاعَةِ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَكَائِنَةً مَا كَانَتْ، لِأَنَّ الْمُدَّةَ إذَا كَانَتْ مَعْلُومَةً كَانَ مِقْدَارُ الْمَنْفَعَةِ فِيهَا مَعْلُومًا فَتَصِحُّ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُتَفَاوِتَةٍ بِأَنْ سَمَّى مَا يَزْرَعُ فِيهَا. فَإِنَّ مَا يُزْرَعُ فِيهَا مُتَفَاوِتٌ، فَإِذَا لَمْ يُعَيِّنْ أَفْضَى إلَى النِّزَاعِ الْمُفْسِدِ لِلْعَقْدِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ طَوِيلِ الْمُدَّةِ وَقَصِيرِهَا عِنْدَنَا إذَا كَانَتْ بِحَيْثُ يَعِيشُ إلَيْهَا الْعَاقِدَانِ، لِأَنَّ الْحَاجَةَ الَّتِي جَوَّزَتْ الْإِجَارَةَ لَهَا قَدْ تَمَسُّ إلَى ذَلِكَ، وَهِيَ مُدَّةٌ مَعْلُومَةٌ يُعْلَمُ بِهَا مِقْدَارُ الْمَنْفَعَةِ فَكَانَتْ صَحِيحَةً كَالْأَجَلِ فِي الْبَيْعِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ بِحَيْثُ لَا يَعِيشُ إلَيْهَا أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَمَنَعَهُ بَعْضُهُمْ لِأَنَّ الظَّنَّ فِي ذَلِكَ عَدَمُ الْبَقَاءِ إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ وَالظَّنُّ مِثْلُ التَّيَقُّنِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ فَصَارَتْ الْإِجَارَةُ مُؤَبَّدَةً مَعْنًى وَالتَّأْبِيدُ يُبْطِلُهَا. وَجَوَّزَهُ آخَرُونَ مِنْهُمْ الْخَصَّافُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي هَذَا الْبَابِ بِصِيغَةِ كَلَامِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَأَنَّهُ يَقْتَضِي التَّوْقِيتَ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِمَوْتِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا قَبْلَ انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَحَقَّقُ

إلَّا أَنَّ فِي الْأَوْقَافِ لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ الطَّوِيلَةُ كَيْ لَا يَدَّعِيَ الْمُسْتَأْجِرُ مِلْكَهَا وَهِيَ مَا زَادَ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ هُوَ الْمُخْتَارُ. قَالَ: (وَتَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِنَفْسِهِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا عَلَى صَبْغِ ثَوْبِهِ أَوْ خِيَاطَتِهِ أَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً؛ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مِقْدَارًا مَعْلُومًا أَوْ يَرْكَبَهَا مَسَافَةً سَمَّاهَا) ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَيَّنَ الثَّوْبَ وَلَوْنَ الصَّبْغِ وَقَدْرَهُ وَجِنْسَ الْخِيَاطَةِ وَالْقَدْرَ الْمَحْمُولَ وَجِنْسَهُ وَالْمَسَافَةَ صَارَتْ الْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةً فَيَصِحُّ الْعَقْدُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي مُدَّةٍ يَعِيشُ إلَيْهَا الْإِنْسَانُ غَالِبًا وَلَمْ يُعْتَبَرْ، كَمَا إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً إلَى مِائَةِ سَنَةٍ فَإِنَّهُ مُتْعَةٌ وَلَمْ يُجْعَلْ بِمَنْزِلَةِ التَّأْبِيدِ لِيَصِحَّ النِّكَاحُ وَإِنْ كَانَ لَا يَعِيشُ إلَى هَذِهِ الْمُدَّةِ غَالِبًا وَجُعِلَ ذَلِكَ نِكَاحًا مُؤَقَّتًا اعْتِبَارًا لِلصِّيغَةِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ فِي الْأَوْقَافِ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاءً مِنْ قَوْلِهِ: أَيَّ مُدَّةٍ كَانَتْ، وَإِنَّمَا لَا تَجُوزُ فِي الْأَوْقَافِ الْإِجَارَةُ إلَى مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ وَهِيَ مَا زَادَتْ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ هُوَ الْمُخْتَارُ كَيْ لَا يَدَّعِيَ الْمُسْتَأْجِرُ مِلْكَهَا، هَذَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْوَاقِفُ أَنْ لَا يُؤَاجِرَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ، وَأَمَّا إذَا شَرَطَ فَلَيْسَ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَتْ مَصْلَحَةُ الْوَقْفِ تَقْتَضِي ذَلِكَ يُرْفَعُ إلَى الْحَاكِمِ حَتَّى يَحْكُمَ بِجَوَازِهَا. (وَتَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِنَفْسِهِ) أَيْ بِنَفْسِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ رَجُلًا عَلَى صَبْغِ ثَوْبِهِ وَبَيَّنَ الثَّوْبَ وَلَوْنَ الصَّبْغِ وَقَدْرِهِ، أَوْ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا عَلَى خِيَاطَةِ ثَوْبِهِ وَبَيْنَ الثَّوْبِ وَجِنْسِ الْخِيَاطَةِ، أَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلْحَمْلِ أَوْ الرُّكُوبِ وَبَيَّنَ جِنْسَ الْمَحْمُولِ وَقَدْرِهِ وَالْمَسَافَةَ وَتَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِالتَّعْيِينِ وَالْإِشَارَةِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ.

[باب الأجر متى يستحق]

وَرُبَّمَا يُقَالُ: الْإِجَارَةُ قَدْ تَكُونُ عَقْدًا عَلَى الْعَمَلِ كَاسْتِئْجَارِ الْقَصَّارِ وَالْخَيَّاطِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ مَعْلُومًا وَذَلِكَ فِي الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ، وَقَدْ تَكُونُ عَقْدًا عَلَى الْمَنْفَعَةِ كَمَا فِي أَجِيرِ الْوَحْدِ، وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْوَقْتِ. قَالَ: (وَتَارَةً تَصِيرُ الْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةً بِالتَّعْيِينِ وَالْإِشَارَةِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا، لِيَنْقُلَ لَهُ هَذَا الطَّعَامَ إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا آرَاهَ مَا يَنْقُلُهُ وَالْمَوْضِعَ الَّذِي يَحْمِلُ إلَيْهِ كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةً فَيَصِحُّ الْعَقْدُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْأَجْرِ مَتَى يُسْتَحَقُّ] لَمَّا كَانَتْ الْإِجَارَةُ تُخَالِفُ غَيْرَهَا فِي تَخَلُّفِ الْمِلْكِ عَنْ الْعَقْدِ بِلَا خِيَارِ شَرْطٍ وَجَبَ إفْرَادُهَا بِبَابٍ عَلَى حِدَةٍ لِبَيَانِ وَقْتِ التَّمَلُّكِ

قَالَ: (الْأُجْرَةُ لَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ وَتُسْتَحَقُّ بِأَحَدِ مَعَانٍ ثَلَاثَةٍ: إمَّا بِشَرْطِ التَّعْجِيلِ، أَوْ بِالتَّعْجِيلِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ. قَالَ (الْأُجْرَةُ لَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: الْأُجْرَةُ لَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ؛ مَعْنَاهُ لَا يَجِبُ تَسْلِيمُهَا وَأَدَاؤُهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ لِأَنَّ نَفْيَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ التَّمَلُّكِ كَالْمَبِيعِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ مَا لَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ. وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: مَعْنَاهُ لَا تُمْلَكُ لِأَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ أَنَّ الْأُجْرَةَ لَا تُمْلَكُ، وَمَا لَا يُمْلَكُ لَا يَجِبُ إيفَاؤُهُ. فَإِنْ قُلْت: فَإِذَا لَمْ يَسْتَلْزِمْ نَفْيُ الْوُجُوبِ نَفْيَ التَّمَلُّكِ كَانَ أَعَمَّ مِنْهُ، وَإِرَادَةُ الْأَخَصِّ لَيْسَ بِمَجَازٍ شَائِعٍ لِعَدَمِ دَلَالَةِ الْأَعَمِّ عَلَيْهِ أَصْلًا. قُلْت: أَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ مِمَّا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ، وَنَفْيُ الْوُجُوبِ فِيهَا وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ

أَوْ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُمْلَكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْمَعْدُومَةَ صَارَتْ مَوْجُودَةً حُكْمًا ضَرُورَةَ تَصْحِيحِ الْعَقْدِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْبَدَلِ. وَلَنَا أَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ شَيْئًا فَشَيْئًا عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَالْعَقْدُ مُعَاوَضَةٌ، وَمِنْ قَضِيَّتِهَا الْمُسَاوَاةُ، فَمِنْ ضَرُورَةِ التَّرَاخِي فِي جَانِبِ الْمَنْفَعَةِ التَّرَاخِي ـــــــــــــــــــــــــــــQنَفْيَ التَّمَلُّكِ لَا مَحَالَةَ، وَعَلَى هَذَا كَانَ قَوْلُهُ يُسْتَحَقُّ بِمَعْنَى يَمْلِكُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا كُلِّهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُمْلَكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مَحَلُّ الْخِلَافِ مُتَّحِدًا، وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْمَعْدُومَةَ صَارَتْ مَوْجُودَةً ضَرُورَةَ تَصْحِيحِ الْعَقْدِ وَلِهَذَا صَحَّتْ الْإِجَارَةُ بِأُجْرَةٍ مُؤَجَّلَةٍ وَلَوْ لَمْ تُجْعَلْ مَوْجُودَةً كَانَ دَيْنًا بِدَيْنٍ وَهُوَ حَرَامٌ لَا مَحَالَةَ، وَإِذَا كَانَتْ مَوْجُودَةً وَجَبَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ بِالْعَقْدِ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْبَدَلِ. فَإِنْ قِيلَ: الثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ لَا يَتَعَدَّى مَوْضِعَهَا فَلَا يَتَعَدَّى مِنْ صِحَّةِ

فِي الْبَدَلِ الْآخَرِ. وَإِذَا اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِي الْأَجْرِ لِتَحَقُّقِ التَّسْوِيَةِ. وَكَذَا إذَا شَرَطَ التَّعْجِيلَ أَوْ عَجَّلَ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ تُثْبِتُ حَقًّا لَهُ وَقَدْ أَبْطَلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَقْدِ إلَى إفَادَةِ الْمِلْكِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الضَّرُورِيَّ إذَا ثَبَتَ يَسْتَتْبِعُ لَوَازِمَهُ، وَإِفَادَةُ الْمِلْكِ مِنْ لَوَازِمِ الْوُجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ. وَلَنَا أَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ شَيْئًا فَشَيْئًا عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَالْعَقْدُ: أَيْ عَقْدُ الْإِجَارَةِ مُعَاوَضَةً بِلَا خِلَافٍ، وَمِنْ قَضِيَّةِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ الْمُسَاوَاةُ. فَمِنْ ضَرُورَةِ التَّرَاخِي فِي جَانِبِ الْمَنْفَعَةِ التَّرَاخِي فِي الْبَدَلِ وَهُوَ الْأَجْرُ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ. وَإِذَا اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَثْبُتُ الْمِلْكُ فِي الْأَجْرِ لِذَلِكَ. وَكَذَا إذَا شَرَطَ التَّعْجِيلَ أَوْ عَجَّلَ بِلَا شَرْطٍ، لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ تَثْبُتُ حَقًّا لَهُ وَقَدْ أَبْطَلَهُ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ شَرْطَ التَّعْجِيلِ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَفِيهِ نَفْعٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَلَهُ مُطَالِبٌ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ بِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ إجَارَةً أَوْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مُعَاوَضَةً، وَالْأَوَّلُ مُسَلَّمٌ وَلَيْسَ جَوَازُ اشْتِرَاطِ التَّعْجِيلِ بِاعْتِبَارِهِ، وَالثَّانِي مَمْنُوعٌ. فَإِنَّ تَعْجِيلَ الْبَدَلِ وَاشْتِرَاطَهُ لَا يُخَالِفُهُ مِنْ حَيْثُ الْمُعَاوَضَةُ. وَعُورِضَ دَلِيلُنَا بِأَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْأُجْرَةِ وَالِارْتِهَانِ عَنْهَا وَالْكَفَالَةُ. بِهَا صَحِيحَةٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَوْلَا الْمِلْكُ لَمَا صَحَّتْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ صِحَّةَ الْإِبْرَاءِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مَمْنُوعَةٌ، وَجَوَّزَهُ مُحَمَّدٌ لِأَنَّ الْعَقْدَ سَبَبٌ فِي جَانِبِ الْأُجْرَةِ إذْ اللَّفْظُ صَالِحٌ لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ بِهِ، وَعَدَمُ الِانْعِقَادِ فِي جَانِبِ الْمَنْفَعَةِ لِضَرُورَةِ الْعَدَمِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْأُجْرَةِ فَظَهَرَ الِانْعِقَادُ فِي حَقِّهِ، وَيَصِحُّ الْإِبْرَاءُ لِوُجُودِهِ بَعْدَ السَّبَبِ، وَكَذَلِكَ الْكَفَالَةُ كَالْكَفَالَةِ بِمَا يَذُوبُ لَهُ عَلَى فُلَانٍ وَصِحَّةِ الرَّهْنِ، لِأَنَّ مُوجِبَهُ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ، وَاسْتِيفَاءُ الْأَجْرِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ صَحِيحٌ بِالتَّعْجِيلِ أَوْ اشْتِرَاطُهُ فَكَذَا الرَّهْنُ بِهِ. وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ وَلَوْ لَمْ تُجْعَلْ مَوْجُودَةً كَانَ دَيْنًا بِدَيْنٍ وَهُوَ حَرَامٌ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِدَيْنٍ، لِأَنَّ الدَّيْنَ مَا يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ وَالْمَنَافِعُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، عَلَى أَنَّهُ أُقِيمَتْ الْعَيْنُ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فَلَمْ يَكُنْ دَيْنًا بِدَيْنٍ، وَهَذَا طَرِيقٌ سَائِغٌ شَائِعٌ لِكَوْنِهِ إقَامَةَ السَّبَبِ مَقَامَ الْمُسَبَّبِ، وَأَمَّا جَعْلُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَعْدُومِ مَوْجُودًا فَلَمْ يُعْهَدْ كَذَلِكَ

(وَإِذَا قَبَضَ الْمُسْتَأْجِرُ الدَّارَ فَعَلَيْهِ الْأَجْرُ وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْهَا) ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ عَيْنِ الْمَنْفَعَةِ لَا يُتَصَوَّرُ فَأَقَمْنَا تَسْلِيمَ الْمَحَلِّ مَقَامَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِذَا قَبَضَ الْمُسْتَأْجِرُ الدَّارَ) لِبَيَانِ أَنَّ التَّمَكُّنَ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ يَقُومُ مَقَامَ الِاسْتِيفَاءِ. لَا يُقَالُ: فَعَلَى هَذَا كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَقُولَ بِأَحَدِ مَعَانٍ أَرْبَعَةٍ، وَأَنْ يَقُولَ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْ بِالتَّمَكُّنِ مِنْهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الِاسْتِيفَاءُ وَالتَّمَكُّنُ مِنْهُ يَقُومُ مَقَامَهُ أَحْيَانًا، وَبَدَلُ أَحَدِ الْأَقْسَامِ لَا يَكُونُ قِسْمًا بِذَاتِهِ، فَإِذَا قَبَضَ الْمُسْتَأْجِرُ بِإِجَارَةٍ صَحِيحَةٍ مَا اسْتَأْجَرَهُ وَلَمْ يَمْنَعْ عَنْ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ فِي الْمُدَّةِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي وَقَعَ الْعَقْدُ فِيهِ مَانِعٌ وَلَمْ يَسْتَوْفِهَا وَجَبَ الْأَجْرُ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْآجِرِ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ الَّتِي تَحْدُثُ مِنْهَا الْمَنْفَعَةُ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ لَا تَسْلِيمُ عَيْنِ الْمَنْفَعَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ، فَكَانَ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ قَائِمًا مَقَامَ تَسْلِيمِ الْمَنْفَعَةِ، فَإِذَا سَلَّمَ الْعَيْنَ فَارِغَةً عَنْ مَتَاعِهِ وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَانِعٌ مِنْهُ أَوْ مِنْ الْغَيْرِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ سُلْطَانٌ أَوْ غَاصِبٌ فَقَدْ حَصَلَ التَّمَكُّنُ وَتَرْكُ الِاسْتِيفَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ تَعْطِيلٌ مِنْ جِهَتِهِ وَتَقْصِيرٌ مِنْهُ فَلَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْأَجْرِ، وَاعْتَبَرَ الْقُيُودَ، فَإِنَّ بِزَوَالِ شَيْءٍ مِنْهَا زَوَالَ التَّمَكُّنِ فَلَا يَجِبُ الْأَجْرُ، فَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ الْعَيْنَ أَوْ سَلَّمَهَا مَشْغُولَةً بِمَتَاعِهِ أَوْ سَلَّمَهَا فَارِغَةً فِي غَيْرِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ مِثْلُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ دَابَّةً إلَى الْكُوفَةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَذَهَبَ إلَيْهَا بَعْدَ مُضِيِّ الْيَوْمِ بِالدَّابَّةِ وَلَمْ يَرْكَبْهَا أَوْ سَلَّمَهَا فَارِغَةً فِيهَا فِي غَيْرِ مَكَانِ الْعَقْدِ

إذْ التَّمَكُّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ يَثْبُتُ بِهِ. قَالَ: (فَإِنْ غَصَبَهَا غَاصِبٌ مِنْ يَدِهِ سَقَطَتْ الْأُجْرَةُ) ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْمَحَلِّ إنَّمَا أُقِيمَ مَقَامَ تَسْلِيمِ الْمَنْفَعَةِ لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ، فَإِذَا فَاتَ التَّمَكُّنُ فَاتَ التَّسْلِيمُ، وَانْفَسَخَ الْعَقْدُ فَسَقَطَ الْأَجْرُ، وَإِنْ وَجَدَ الْغَصْبَ فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ سَقَطَ الْأَجْرُ بِقَدْرِهِ. إذْ الِانْفِسَاخُ فِي بَعْضِهَا. قَالَ: (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا فَلِلْمُؤَجِّرِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِأُجْرَةِ كُلِّ يَوْمٍ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةً مَقْصُودَةً (إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ وَقْتَ الِاسْتِحْقَاقِ بِالْعَقْدِ) ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّأْجِيلِ (وَكَذَلِكَ إجَارَةُ الْأَرَاضِيِ) لِمَا بَيَّنَّا. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً فِي غَيْرِ بَغْدَادَ إلَى الْكُوفَةِ فَسَلَّمَهَا الْمُؤَجِّرُ وَأَمْسَكَهَا الْمُسْتَأْجِرُ بِبَغْدَادَ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةٌ يُمْكِنُهُ الْمَسِيرُ فِيهَا إلَى الْكُوفَةِ أَوْ سَلَّمَهَا فَارِغَةً فِيهَا فِي مَكَانِهِ لَكِنْ بِهَا عَرَجٌ فَاحِشٌ يَمْنَعُ الرُّكُوبَ، أَوْ سَلَّمَهَا فَارِغَةً فِيهَا فِي مَكَانِهِ صَحِيحَةً لَا عُذْرَ فِيهَا لَكِنْ مَنَعَهُ السُّلْطَانُ أَوْ غَصَبَهُ غَاصِبٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ أَصْلًا لَكِنَّ الْإِجَارَةَ كَانَتْ فَاسِدَةً فَإِنَّ الْأَجْرَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ مَا لَمْ يَسْتَوْفِ الْمَنْفَعَةَ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِهَتِهِ بَلْ لِفَوَاتِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ. فَإِنْ قِيلَ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ سَاكِتٌ عَنْ أَكْثَرِ هَذِهِ الْقُيُودِ فَمَا وَجْهُهُ؟ قُلْت: وَجْهُهُ الِاقْتِصَارُ لِلِاخْتِصَارِ اعْتِمَادًا عَلَى دَلَالَةِ الْحَالِ وَالْعُرْفِ، فَإِنَّ حَالَ الْمُسْلِمِ دَالَّةٌ عَلَى أَنْ يُبَاشِرَ الْعَقْدَ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدُ مِنْهُ يَمْنَعُهُ عَنْ الْإِقْدَامِ عَلَى الِانْتِفَاعِ، وَعَلَى أَنَّ الْعَاقِدَ يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ مَا عَقَدَ عَلَيْهِ فَارِغًا عَمَّا يَمْنَعُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَالْعُرْفُ فَاشٍ فِي تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي مُدَّةِ الْعَقْدِ وَمَكَانِهِ فَكَانَ مَعْلُومًا عَادَةً، وَعَلَى أَنَّ الْإِكْرَاهَ وَالْغَصْبَ مِمَّا يَمْتَنِعَانِ عَنْ الِانْتِفَاعِ فَاقْتَصَرَ عَنْ ذِكْرِ ذَلِكَ اعْتِمَادًا عَلَيْهِمَا، وَوُجُودُ الْمَانِعِ فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ وَالْمَكَانُ يُسْقِطُ الْأَجْرَ بِقَدْرِهِ لِوُجُوبِ الِانْفِسَاخِ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ. قَالَ (مَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا) ذَكَرَ هَذَا لِبَيَانِ وَقْتِ اسْتِحْقَاقِ مُطَالَبَةِ الْأَجْرِ وَالْحَالُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ وَقْتُ الِاسْتِحْقَاقِ مُبَيَّنًا بِالْعَقْدِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ إلَّا إذَا تَحَقَّقَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ شَهْرًا كَانَ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّأْجِيلِ، إذْ الِاسْتِحْقَاقُ يَتَحَقَّقُ عِنْدَ اسْتِيفَاءِ جُزْءٍ مِنْ الْمَنْفَعَةِ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ، وَالتَّأْجِيلُ يُسْقِطُ اسْتِحْقَاقَ الْمُطَالَبَةِ إلَى انْتِهَاءِ الْأَجَلِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلِلْمُؤَجِّرِ

(وَمَنْ اسْتَأْجَرَ بَعِيرًا إلَى مَكَّةَ فَلِلْجَمَّالِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِأُجْرَةِ كُلِّ مَرْحَلَةٍ) ؛ لِأَنَّ سَيْرَ كُلِّ مَرْحَلَةٍ مَقْصُودٌ. وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ أَوَّلًا: لَا يَجِبُ الْأَجْرُ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَانْتِهَاءِ السَّفَرِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ جُمْلَةُ الْمَنَافِعِ فِي الْمُدَّةِ فَلَا يَتَوَزَّعُ الْأَجْرُ عَلَى أَجْزَائِهَا، كَمَا إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ أَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي اسْتِحْقَاقَ الْأَجْرِ سَاعَةً فَسَاعَةً لِتَحَقُّقِ الْمُسَاوَاةِ، إلَّا أَنَّ الْمُطَالَبَةَ فِي كُلِّ سَاعَةٍ تُفْضِي إلَى أَنْ لَا يَتَفَرَّغَ لِغَيْرِهِ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يُطَالِبَهُ بِأُجْرَةِ كُلِّ يَوْمٍ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةً مَقْصُودَةً، وَكَذَلِكَ إجَارَةُ الْأَرَاضِي (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ بَعِيرًا إلَى مَكَّةَ فَلِلْجَمَّالِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِأُجْرَةِ كُلِّ مَرْحَلَةٍ لِأَنَّ سَيْرَ كُلِّ مَرْحَلَةٍ مَقْصُودٌ) كَسُكْنَى يَوْمٍ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ آخِرًا (وَكَانَ يَقُولُ أَوَّلًا لَا يَجِبُ الْأَجْرُ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَانْتِهَاءِ السَّفَرِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ جُمْلَةُ الْمَنَافِعِ فِي الْمُدَّةِ) وَمَا هُوَ جُمْلَةٌ فِي الْمُدَّةِ لَا تَكُونُ مُسَلَّمَةً فِي بَعْضِهَا لِأَنَّ أَجْزَاءَ الْأَعْوَاضِ مُنْطَبِقَةٌ عَلَى أَجْزَاءِ الزَّمَانِ فَلَا يُسْتَحَقُّ الْمُؤَجَّلُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ جُمْلَةِ الْمَنْفَعَةِ شَيْئًا كَمَا فِي الْمَبِيعِ فَإِنَّهُ مَا لَمْ يُسَلَّمْ جَمِيعُهُ لَا يُسْتَحَقُّ قَبْضُ الثَّمَنِ وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُوَ الْعَمَلُ كَالْخِيَاطَةِ، فَإِنَّ الْخَيَّاطَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْأُجْرَةِ وَقَبْلَ الْفَرَاغِ كَمَا سَيَأْتِي. فَإِنْ قِيلَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ (فَلَا يَتَوَزَّعُ الْأَجْرُ عَلَى أَجْزَائِهَا) يَعْنِي الْمَنَافِعَ وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ، فَإِنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ أَجْزَاءَ الْعِوَضِ تَنْقَسِمُ عَلَى أَجْزَاءِ الْمُعَوَّضِ وَقَاسَ الْمَنَافِعَ عَلَى الْعَمَلِ وَهُوَ فَاسِدٌ، لِأَنَّ شَرْطَ الْقِيَاسِ الْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَهُوَ مُنْتَفٍ، لِأَنَّ فِي الْمَنَافِعِ قَدْ اسْتَوْفَى الْمُسْتَأْجِرُ بَعْضَهَا فَيَلْزَمُهُ الْعِوَضُ بِقَدْرِهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْعَمَلُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَسَلَّمْ مِنْ الْخَيَّاطِ شَيْئًا. فَالْجَوَابُ أَنَّ أَجْزَاءَ الْعِوَضِ قَدْ تَنْقَسِمُ عَلَى أَجْزَاءِ الْمُعَوَّضِ وُجُوبًا، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْقَبْضِ وَفِي ذَلِكَ لَا يَتَوَزَّعُ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمُ فِي الْخَيَّاطِ وُجِدَ تَقْدِيرًا لِأَنَّ عَمَلَ الْخَيَّاطِ لَمَّا اتَّصَلَ بِالثَّوْبِ كَانَ ذَلِكَ تَسْلِيمًا تَقْدِيرًا عَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَلْتَزِمْ صِحَّةَ دَلِيلِ الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ عَنْهُ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ صَحِيحًا أَلْبَتَّةَ لَمْ يَكُنْ لِلرُّجُوعِ عَنْهُ وَجْهٌ (وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ أَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي اسْتِحْقَاقَ الْأَجْرِ سَاعَةً فَسَاعَةً تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ) بَيْنَ الْبَدَلَيْنِ (إلَّا أَنَّ الْمُطَالَبَةَ فِي كُلِّ سَاعَةٍ تُفْضِي إلَى أَنْ لَا يَتَفَرَّغَ لِغَيْرِهِ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ) بَلْ الْمُطَالَبَةُ حِينَئِذٍ تُفْضِي إلَى عَدَمِهِ، فَإِنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِأَمْرٍ مِنْ جِهَةِ الْمُؤَجِّرِ فَيَمْتَنِعُ

فَقَدَّرْنَا بِمَا ذَكَرْنَا. قَالَ: (وَلَيْسَ لِلْقَصَّارِ وَالْخَيَّاطِ أَنْ يُطَالِبَ بِأَجْرِهِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الْعَمَلِ) ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي الْبَعْضِ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ بِهِ الْأَجْرَ، وَكَذَا إذَا عَمِلَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ لَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ قَبْلَ الْفَرَاغِ لِمَا بَيَّنَّا. قَالَ: (إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ التَّعْجِيلَ) لِمَا مَرَّ أَنَّ الشَّرْطَ فِيهِ لَازِمٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالِانْتِفَاعُ مِنْ جِهَتِهِ فَتَمْتَنِعُ الْمُطَالَبَةُ، وَمَا أَفْضَى وُجُودُهُ إلَى عَدَمِهِ فَهُوَ مُنْتَفٍ (فَقَدَّرْنَا بِمَا ذَكَرْنَا) مِنْ الْيَوْمِ فِي الدَّارِ وَالْمَرْحَلَةِ فِي الْبَعِيرِ (وَلَيْسَ لِلْقَصَّارِ وَالْخَيَّاطِ أَنْ يُطَالِبَ بِأُجْرَةٍ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الْعَمَلِ) كُلِّهِ (لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي الْبَعْضِ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ فَلَا يُسْتَوْجَبُ بِهِ الْأَجْرُ) وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَا ثَوْبَيْنِ فَفَرَغَ مِنْ أَحَدِهِمَا جَازَ أَنْ يَطْلُبَ أُجْرَتَهُ لِأَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ (وَكَذَا إذَا عَمِلَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ لَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ قَبْلَ الْفَرَاغِ لِمَا بَيَّنَّا) أَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ (إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ التَّعْجِيلُ لِمَا مَرَّ أَنَّ الشَّرْطَ فِيهِ لَازِمٌ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هَذَا وَقَعَ مُخَالِفًا لِعَامَّةِ رِوَايَاتِ الْكُتُبِ فِي الْمَبْسُوطِ وَمَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَالذَّخِيرَةِ وَالْمُغْنِي وَشَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَقَاضِي خَانْ والتمرتاشي وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ، وَذُكِرَ عَنْ كُلِّ ذَلِكَ نَقْلًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا يَخِيطُ لَهُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ فَلَهُ الْأَجْرُ بِقَدْرِ مَا خَاطَهُ. وَنُقِلَ عَنْ الذَّخِيرَةِ: يَجِبُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ إيفَاءُ الْأَجْرِ بِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَى مِنْ الْمَنْفَعَةِ إذَا كَانَتْ لَهُ حِصَّةٌ مَعْلُومَةٌ مِنْ الْأَجْرِ كَمَا فِي الْجَمَّالِ. ثُمَّ قَالَ: وَلَكِنْ نُقِلَ فِي التَّجْرِيدِ أَنَّ الْحُكْمَ قَدْ ذُكِرَ فِيهِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَبِعَ صَاحِبَ التَّجْرِيدِ أَبَا الْفَضْلِ الْكَرْمَانِيَّ فِي هَذَا الْحُكْمِ. وَأَقُولُ: كَلَامُ صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ عَلَى مَا نَقَلَهُ يَدُلُّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى أَنَّ اسْتِحْقَاقَ بَعْضِ الْأُجْرَةِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ لَهُ حِصَّةٌ مَعْلُومَةٌ، وَأَرَى أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا عَيَّنَّا لِكُلِّ جُزْءٍ حِصَّةً مَعْلُومَةً، إذَا لَيْسَ لِلْكَمِّ مَثَلًا أَوْ لِلْبَدَنِ أَوْ لِلذَّوَائِلِ حِصَّةٌ مَعْلُومَةٌ مِنْ كُلِّ الثَّوْبِ عَادَةً فَلَمْ تَكُنْ الْحِصَّةُ مَعْلُومَةً إلَّا بِتَعْيِينِهِمَا وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ كُلُّ جُزْءٍ بِمَنْزِلَةِ ثَوْبٍ عَلَى حِدَةٍ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ مِنْ كُلِّ الثَّوْبِ قَدْ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ فَيَسْتَوْجِبُ أُجْرَةً كَمَا فِي كُلِّ الثَّوْبِ، وَلَعَلَّ هَذَا مُعْتَمَدُ

قَالَ: (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ خَبَّازًا لِيَخْبِزَ لَهُ فِي بَيْتِهِ قَفِيزًا مِنْ دَقِيقٍ بِدِرْهَمٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْأَجْرَ حَتَّى يُخْرِجَ الْخُبْزَ مِنْ التَّنُّورِ) ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْعَمَلِ بِالْإِخْرَاجِ. فَلَوْ احْتَرَقَ أَوْ سَقَطَ مِنْ يَدِهِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ فَلَا أَجْرَ لَهُ لِلْهَلَاكِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، (فَإِنْ أَخْرَجَهُ ثُمَّ احْتَرَقَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ فَلَهُ الْأَجْرُ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسَلَّمًا إلَيْهِ بِالْوَضْعِ فِي بَيْتِهِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ مِنْهُ الْجِنَايَةُ. قَالَ: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ، وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ مِثْلَ دَقِيقِهِ وَلَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بَعْدَ حَقِيقَةِ التَّسْلِيمِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ الْخُبْزَ، وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ خَبَّازًا لِيَخْبِزَ لَهُ) ذَكَرَ هَذَا الْبَيَانُ حُكْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ عَمَلِهِ، وَقَدْ عُلِمَ ذَلِكَ مِنْ مَسْأَلَةِ الْخَيَّاطِ آنِفًا. وَالثَّانِي أَنَّ فَرَاغَ الْعَمَلِ بِمَاذَا يَكُونُ، فَإِذَا اسْتَأْجَرَ خَبَّازًا لِيَخْبِزَ لَهُ فِي بَيْتِهِ قَفِيزَ دَقِيقٍ بِدِرْهَمٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يَخْرُجَ الْخُبْزُ مِنْ التَّنُّورِ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْأُجْرَةِ بِتَمَامِ الْعَمَلِ وَتَمَامُ الْعَمَلِ بِالْإِخْرَاجِ (فَلَوْ احْتَرَقَ أَوْ سَقَطَ مِنْ يَدِهِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ لَا أَجْرَ لَهُ لِلْهَلَاكِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ) فَإِنْ قِيلَ: خَبَزَهُ فِي بَيْتِهِ يَمْنَعُ أَنْ يَخْبِزَ لِغَيْرِهِ، وَمَنْ عَمِلَ لِوَاحِدٍ فَهُوَ أَجِيرُ وَحْدٍ، وَاسْتِحْقَاقُهُ الْأُجْرَةَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ. أُجِيبَ بِأَنَّ أَجِيرَ الْوَحْدِ مَنْ وَقَعَ الْعَقْدُ فِي حَقِّهِ عَلَى الْمُدَّةِ كَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ شَهْرًا لِلْخِدْمَةِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مُسْتَأْجَرٌ عَلَى الْعَمَلِ فَكَانَ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا تَوَقَّفَ اسْتِحْقَاقُهُ عَلَى فَرَاغِ الْعَمَلِ (فَإِنْ أَخْرَجَهُ مِنْ التَّنُّورِ ثُمَّ احْتَرَقَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ فَلَهُ الْأَجْرُ) لِأَنَّ عَمَلَهُ تَمَّ بِالْإِخْرَاجِ وَالتَّسْلِيمُ وُجِدَ بِالْوَضْعِ فِي بَيْتِهِ (وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ مِنْهُ جِنَايَةٌ تُوجِبُهُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهَذَا) أَيْ قَوْلُهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ (عِنْد أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ) وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَمِينِ (وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ) لِأَنَّ الْعَيْنَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ كَالْمَغْصُوبِ عَلَى الْغَاصِبِ (وَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِحَقِيقَةِ التَّسْلِيمِ) وَالْوَضْعُ

قَالَ: (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ طَبَّاخًا لِيَطْبُخَ لَهُ طَعَامًا لِلْوَلِيمَةِ فَالْعُرْفُ عَلَيْهِ) اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ. قَالَ: (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ إنْسَانًا لِيَضْرِبَ لَهُ لَبِنًا اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ إذَا أَقَامَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا يَسْتَحِقُّهَا حَتَّى يُشْرِجَهَا) ؛ لِأَنَّ التَّشْرِيجَ مِنْ تَمَامِ عَمَلِهِ، إذْ لَا يُؤْمَنُ مِنْ الْفَسَادِ قَبْلَهُ فَصَارَ كَإِخْرَاجِ الْخُبْزِ مِنْ التَّنُّورِ؛ وَلِأَنَّ الْأَجِيرَ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّاهُ عُرْفًا وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِيمَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَمَلَ قَدْ تَمَّ بِالْإِقَامَةِ، وَالتَّشْرِيجُ عَمَلٌ زَائِدٌ كَالنَّقْلِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ قَبْلَ التَّشْرِيجِ بِالنَّقْلِ إلَى مَوْضِعِ الْعَمَلِ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهُ طِينٌ مُنْتَشِرٌ، وَبِخِلَافِ الْخُبْزِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ. قَالَ: (وَكُلُّ صَانِعٍ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ كَالْقَصَّارِ وَالصَّبَّاغِ فَلَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْعَيْنَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْأَجْرَ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَصْفٌ قَائِمٌ فِي الثَّوْبِ فَلَهُ حَقُّ الْحَبْسِ؛ لِاسْتِيفَاءِ الْبَدَلِ كَمَا فِي الْمَبِيعِ، وَلَوْ حَبَسَهُ فَضَاعَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي الْحَبْسِ فَبَقِيَ أَمَانَةً كَمَا كَانَ عِنْدَهُ، وَلَا أَجْرَ لَهُ لِهَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: الْعَيْنُ كَانَتْ مَضْمُونَةً قَبْلَ الْحَبْسِ فَكَذَا بَعْدَهُ، لَكِنَّهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَعْمُولٍ وَلَا أَجْرَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ مَعْمُولًا وَلَهُ الْأَجْرُ، وَسَيُبَيِّنُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي بَيْتِهِ لَيْسَ كَذَلِكَ، ثُمَّ إذَا وَجَبَ الضَّمَانُ كَانَ صَاحِبُ الدَّقِيقِ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ مِثْلَ دَقِيقِهِ وَلَا أَجْرَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ الْخُبْزَ وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْحَطَبِ وَالْمِلْحِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ ذَلِكَ صَارَ مُسْتَهْلَكًا قَبْلَ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ وَحَالَ وُجُوبِهِ رَمَادًا لَا قِيمَةَ لَهُ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ، هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ الِاخْتِلَافِ اخْتِيَارُ الْقُدُورِيِّ، وَأَمَّا عِنْدَ غَيْرِهِ فَهُوَ مُجْرًى عَلَى عُمُومِهِ بِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ بِالِاتِّفَاقِ، أَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَهْلَكْ مِنْ عَمَلِهِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَلِأَنَّهُ هَلَكَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ، وَهَذَا يَتِمُّ إنْ كَانَ الْوَضْعُ فِي بَيْتِهِ تَسْلِيمًا (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ طَبَّاخًا لِيَطْبُخَ لَهُ طَعَامَ وَلِيمَةٍ فَعَلَيْهِ تَفْرِيغُهُ إلَى الْقِصَاعِ) لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ عَمَلِهِ عُرْفًا، وَإِنْ اُسْتُؤْجِرَ فِي طَبْخِ قِدْرٍ خَاصَّةً فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْغَرْفُ (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ إنْسَانًا لِيَضْرِبَ لَهُ لَبَنًا اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِإِقَامَتِهَا) فَإِنْ أَفْسَدَهُ الْمَطَرُ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ انْكَسَرَ فَلَا أَجْرَ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُسَلِّمًا مَا لَمْ يَصِرْ لَبَنًا، وَمَا دَامَ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَصِرْ لَبَنًا (وَقَالَا: لَا يَسْتَحِقُّهُ حَتَّى يُشَرِّجَهُ) أَيْ يُنَضِّدَهُ بِضَمِّ بَعْضِهِ إلَى بَعْضٍ (لِأَنَّ التَّشْرِيجَ مِنْ تَمَامِ عَمَلِهِ) عُرْفًا، وَبَاقِي كَلَامِهِ ظَاهِرٌ. قَالَ (وَكُلُّ صَانِعٍ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ كَالْقَصَّارِ إلَخْ) وَكُلُّ صَانِعٍ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ كَالْقَصَّارِ وَالصَّبَّاغِ فَلَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْعَيْنَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْأَجْرَ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَصْفٌ قَائِمٌ فِي الثَّوْبِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ جَازَ حَبْسُهُ لِاسْتِيفَاءِ الْبَدَلِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، فَالْوَصْفُ الْقَائِمُ فِي الثَّوْبِ جَازَ حَبْسُهُ لِاسْتِيفَاءِ الْبَدَلِ، وَالْوَصْفُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْعَيْنِ فَجَازَ حَبْسُهَا لِذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ يَكُونُ حَبْسُ الْعَيْنِ ضَرُورِيًّا فَلَا يَتَعَدَّى إلَى عَدَمِ الضَّمَانِ، وَلَوْ حَبَسَهُ فَضَاعَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، فَالْجَوَابُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ: يَعْنِي أَنَّ الضَّمَانَ لَا يَلْزَمُ إلَّا عَلَى الْمُتَعَدِّي وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فَلَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ، لَكِنَّهُ لَا أَجْرَ لَهُ لِهَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الْعَيْنُ كَانَتْ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ قَبْلَ الْحَبْسِ فَكَذَا بَعْدَهُ، لَكِنَّهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَعْمُولٍ وَلَا أَجْرَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ مَعْمُولًا وَلَهُ الْأَجْرُ، وَسَنَذْكُرُهُ فِي بَابِ ضَمَانِ الْأَخِيرِ. وَكُلُّ صَانِعٍ لَيْسَ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ كَالْحَمَّالِ بِالْحَاءِ وَالْجِيمِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ، لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ نَفْسُ الْعَمَلِ وَهُوَ غَيْرُ قَائِمٍ فِي الْعَيْنِ، بَلْ إنَّمَا هُوَ قَائِمٌ بِالْعَامِلِ أَوْ بِعَيْنٍ لَهُ، وَالْحَبْسُ فِيهِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ،

[فصل استأجر رجلا ليذهب إلى البصرة فيجيء بعياله]

قَالَ: (وَكُلُّ صَانِعٍ لَيْسَ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْعَيْنَ لِلْأَجْرِ كَالْحَمَّالِ وَالْمَلَّاحِ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ نَفْسُ الْعَمَلِ وَهُوَ غَيْرُ قَائِمٍ فِي الْعَيْنِ فَلَا يُتَصَوَّرُ حَبْسُهُ فَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْحَبْسِ وَغَسْلُ الثَّوْبِ نَظِيرُ الْحَمْلِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْآبِقِ حَيْثُ يَكُونُ لِلرَّادِّ حَقُّ حَبْسِهِ لِاسْتِيفَاءِ الْجُعْلِ، وَلَا أَثَرَ لِعَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى شَرَفِ الْهَلَاكِ وَقَدْ أَحْيَاهُ فَكَأَنَّهُ بَاعَهُ مِنْهُ فَلَهُ حَقُّ الْحَبْسِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ. وَقَالَ زُفَرُ: لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ التَّسْلِيمُ بِاتِّصَالِ الْمَبِيعِ بِمِلْكِهِ فَيَسْقُطَ حَقُّ الْحَبْسِ. وَلَنَا أَنَّ الِاتِّصَالَ بِالْمَحَلِّ ضَرُورَةُ إقَامَةِ تَسْلِيمِ الْعَمَلِ فَلَمْ يَكُنْ هُوَ رَاضِيًا بِهِ مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ تَسْلِيمٌ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الْحَبْسِ كَمَا إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ رِضَا الْبَائِعِ. قَالَ: (وَإِذَا شَرَطَ عَلَى الصَّانِعِ أَنْ يَعْمَلَ بِنَفْسِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ غَيْرَهُ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي مَحَلٍّ بِعَيْنِهِ فَيَسْتَحِقُّ عَيْنَهُ كَالْمَنْفَعَةِ فِي مَحَلٍّ بِعَيْنِهِ (وَإِنْ أَطْلَقَ لَهُ الْعَمَلَ فَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَعْمَلُهُ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَمَلٌ فِي ذِمَّتِهِ، وَيُمْكِنُ إيفَاؤُهُ بِنَفْسِهِ وَبِالِاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِهِ بِمَنْزِلَةِ إيفَاءِ الدَّيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَغَسْلُ الثَّوْبِ نَظِيرُ الْحَمْلِ: يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مِنْ النَّشَا وَغَيْرِهِ سِوَى إزَالَةِ الْوَسَخِ بِالْمَاءِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْقَصَّارِ وَهَذَا مُخْتَارُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَجَامِعِ قَاضِي خَانْ أَنَّ إحْدَاثَ الْبَيَاضِ فِي الثَّوْبِ بِإِزَالَةِ الدَّرَنِ بِمَنْزِلَةِ عَمَلٍ لَهُ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ. قِيلَ وَهُوَ الْأَصَحُّ، لِأَنَّ الْبَيَاضَ كَانَ مُسْتَتِرًا وَقَدْ ظَهَرَ بِفِعْلِهِ (قَوْلُهُ وَهَذَا بِخِلَافِ الْآبِقِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْآبِقُ إذَا رَدَّهُ إنْسَانٌ كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ قَائِمٌ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْآبِقَ كَانَ عَلَى شَرَفِ الْهَلَاكِ وَقَدْ أَحْيَاهُ بِرَدِّهِ فَكَأَنَّهُ بَاعَهُ مِنْهُ فَلَهُ حَقُّ الْحَبْسِ (وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا) يَعْنِي حَقَّ الْحَبْسِ لِلصَّانِعِ بِالْأَجْرِ فِيمَا إذَا كَانَ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ هُوَ (مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ الثَّلَاثَةِ. وَقَالَ زُفَرُ) قِيلَ هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ (لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ فِي الْوَجْهَيْنِ) يَعْنِي فِي الَّذِي لِعَمَلِهِ فِيهِ أَثَرٌ وَفِيمَا لَمْ يَكُنْ (لِأَنَّهُ وَقَعَ التَّسْلِيمُ بِاتِّصَالِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِمِلْكِهِ) وَالْمُسَلِّمُ إلَى صَاحِبِهِ لَا يُتَصَوَّرُ حَبْسُهُ كَمَا لَوْ عَمِلَ فِي بَيْتِ الصَّاحِبِ. وَالْجَوَابُ (أَنَّ الِاتِّصَالَ بِالْمَحَلِّ ضَرُورَةُ إقَامَةِ الْعَمَلِ) وَذَلِكَ جِهَةُ غَيْرِ التَّسْلِيمِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الرِّضَا بِالِاتِّصَالِ مِنْ حَيْثُ التَّسْلِيمُ (فَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الْحَبْسِ) وَنَظِيرُ ذَلِكَ الْوَكِيلُ إذَا نَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ وَقَبَضَ الْمَبِيعَ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ وَقَدْ تَقَدَّمَ، فَصَارَ كَقَبْضِ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِغَيْرِ رِضَا الْبَائِعِ، فَإِنَّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَحْبِسَ وَأَنْ يُسَلِّمَهُ الْمُشْتَرَى لِكَوْنِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ. قَالَ (وَإِذَا شُرِطَ عَلَى الصَّانِعِ أَنْ يَعْمَلَ بِنَفْسِهِ إلَخْ) وَإِذَا شُرِطَ عَلَى الصَّانِعِ أَنْ يَعْمَلَ بِنَفْسِهِ نُقِلَ عَنْ حُمَيْدِ الدِّينِ الضَّرِيرِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَنْ تَعْمَلَ بِنَفْسِك أَوْ بِيَدِك مَثَلًا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ أَنْ يَعْمَلَ بِنَفْسِهِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ غَيْرَهُ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ مِنْ مَحَلٍّ بِعَيْنِهِ فَيَسْتَحِقُّ عَيْنَهُ كَالْمَنْفَعَةِ فِي مَحَلٍّ بِعَيْنِهِ، كَأَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً بِعَيْنِهَا لِلْحَمْلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْمُؤَجِّرِ أَنْ يُسَلِّمَ غَيْرَهَا، وَفِيهِ تَأَمَّلْ لِأَنَّهُ إنْ خَالَفَهُ إلَى خَيْرٍ بِأَنْ اسْتَعْمَلَ مَنْ هُوَ أَصْنَعُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ الْفَنِّ أَوْ سَلَّمَ دَابَّةً أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ، وَإِنْ أَطْلَقَ الْعَمَلَ لَهُ فَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَعْمَلُهُ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ الْعَمَلُ وَيُمْكِنُ إيفَاؤُهُ بِنَفْسِهِ، وَبِالِاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِهِ بِمَنْزِلَةِ إيفَاءِ الدَّيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَذْهَبَ إلَى الْبَصْرَةِ فَيَجِيءَ بِعِيَالِهِ] (فَصْلٌ) لَمَّا ذَكَرَ اسْتِحْقَاقَ تَمَامِ الْأَجْرِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ عَدَمَ اسْتِحْقَاقِ تَمَامِ الْأَجْرِ أَوْ بَعْضِهِ، وَعَقَّبَهُ لِأَصْلِ الْبَابِ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ

[باب ما يجوز من الإجارة وما يكون خلافا فيها]

(وَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَذْهَبَ إلَى الْبَصْرَةِ فَيَجِيءَ بِعِيَالِهِ فَذَهَبَ فَوَجَدَ بَعْضُهُمْ قَدْ مَاتَ فَجَاءَ بِمَنْ بَقِيَ فَلَهُ الْأَجْرُ بِحِسَابِهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَوْفَى بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيَسْتَحِقُّ الْعِوَضَ بِقَدْرِهِ، وَمُرَادُهُ إذَا كَانُوا مَعْلُومِينَ (وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَذْهَبَ بِكِتَابِهِ إلَى فُلَانٍ بِالْبَصْرَةِ وَيَجِيءَ بِجَوَابِهِ فَذَهَبَ فَوَجَدَ فُلَانًا مَيِّتًا فَرَدَّهُ فَلَا أَجْرَ لَهُ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهُ الْأَجْرُ فِي الذَّهَابِ؛ لِأَنَّهُ أَوْفَى بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَطْعُ الْمَسَافَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ دُونَ حَمْلِ الْكِتَابِ لِخِفَّةِ مُؤْنَتِهِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ نَقْلُ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ أَوْ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ وَهُوَ الْعِلْمُ بِمَا فِي الْكِتَابِ وَلَكِنَّ الْحُكْمَ مُعَلَّقٌ بِهِ وَقَدْ نَقَضَهُ فَيَسْقُطُ الْأَجْرُ كَمَا فِي الطَّعَامِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَلِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ (وَإِنْ تَرَكَ الْكِتَابَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وَعَادَ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِالذَّهَابِ بِالْإِجْمَاعِ) ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَمْ يُنْتَقَضْ. (وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَذْهَبَ بِطَعَامٍ إلَى فُلَانٍ بِالْبَصْرَةِ فَذَهَبَ فَوَجَدَ فُلَانًا مَيِّتًا فَرَدَّهُ فَلَا أَجْرَ لَهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) ؛ لِأَنَّهُ نَقَضَ تَسْلِيمَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَهُوَ حَمْلُ الطَّعَامِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُنَاكَ قَطْعُ الْمَسَافَةِ عَلَى مَا مَرَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَمَامِ الْأَجْرِ وَهُوَ الْأَصْلُ وَالنُّقْصَانُ لِعَارِضٍ (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَذْهَبَ إلَى الْبَصْرَةِ فَيَجِيءُ بِعِيَالِهِ فَذَهَبَ فَوَجَدَ بَعْضَهُمْ مَيِّتًا فَجَاءَ بِالْبَاقِي) فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى جَمَاعَةٍ مَعْلُومِي الْعَدَدِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي اسْتَحَقَّ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ (فَلَهُ الْأَجْرُ بِحِسَابِهِ لِأَنَّهُ أَوْفَى بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيُسْتَحَقُّ الْعِوَضُ بِقَدْرِهِ) وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيِّ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَمُرَادُهُ) يَعْنِي الْقُدُورِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إذَا كَانُوا مَعْلُومِينَ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَذْهَبَ بِكِتَابِهِ إلَى فُلَانٍ بِالْبَصْرَةِ وَيَأْتِيَ بِالْجَوَابِ فَذَهَبَ فَوَجَدَهُ مَيِّتًا) فَإِمَّا أَنْ يَرُدَّ الْكِتَابَ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي اسْتَحَقَّ أَجْرَ الذَّهَابِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ (فَلَا أَجْرَ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَهُ أَجْرُ الذَّهَابِ) وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ قَطَعَ الْمَسَافَةَ أَوْ نَقَلَ الْكِتَابَ. وَوَقَعَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَطَعَ الْمَسَافَةَ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ فِيهِ دُونَ نَقْلِ الْكِتَابِ، وَقَدْ أَوْفَى بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِذَهَابِهِ فَيَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ الْمُقَابِلَ لَهُ، وَوَقَعَ عِنْدَهُمَا أَنَّهُ نَقَلَ الْكِتَابَ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ أَوْ وَسِيلَةٌ إلَى الْمَقْصُودِ وَهُوَ عَلِمَ مَا فِي الْكِتَابِ وَقَدْ نَقَضَهُ بِرَدِّهِ فَيَسْقُطُ الْأَجْرُ ، كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَذْهَبَ بِطَعَامٍ إلَى فُلَانٍ بِالْبَصْرَةِ فَذَهَبَ بِهِ وَوَجَدَهُ مَيِّتًا فَرَدَّهُ فَإِنَّهُ لَا أَجْرَ لَهُ بِالِاتِّفَاقِ لِنَقْضِهِ تَسْلِيمَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ حَمْلُ الطَّعَامِ، وَلَيْسَ بِنَاهِضٍ عَلَى مُحَمَّدٍ، لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ عِنْدَهُ قَطْعُ الْمَسَافَةِ وَلَمْ يَنْقَضِ مَا قَطَعَهُ مِنْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَة وَمَا يَكُونُ خِلَافًا فِيهَا] لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الْإِجَارَةِ وَشَرْطِهَا وَوَقْتِ اسْتِحْقَاقِ الْأُجْرَةِ ذَكَرَ هُنَا مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ بِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ وَتَقْيِيدِهِ، وَذَكَرَ

قَالَ: (وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ لِلسُّكْنَى وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ مَا يَعْمَلُ فِيهَا) ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ الْمُتَعَارَفَ فِيهَا السُّكْنَى فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْضًا مِنْ الْأَفْعَالِ مَا يُعَدُّ خِلَافًا مِنْ الْأَجِيرِ لِلْمُؤَجِّرِ وَمَا لَا يُعَدُّ خِلَافًا. قَالَ (وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ لِلسُّكْنَى إلَخْ) قِيلَ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ: اسْتَأْجَرْت هَذِهِ الدَّارَ شَهْرًا بِكَذَا وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا يَعْمَلُ فِيهِ مِنْ السُّكْنَى وَغَيْرِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَيَنْصَرِفُ إلَى السُّكْنَى وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ، لِأَنَّ الْعَمَلَ الْمُتَعَارَفَ فِيهَا هُوَ السُّكْنَى وَبِهِ يُسَمَّى مَسْكَنًا. وَفِي الْقِيَاسِ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الدُّورِ

وَأَنَّهُ لَا يَتَفَاوَتُ فَصَحَّ الْعَقْدُ (وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ كُلَّ شَيْءٍ) لِلْإِطْلَاقِ (إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْكِنُ حَدَّادًا وَلَا قَصَّارًا وَلَا طَحَّانًا؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا ظَاهِرًا) ؛ لِأَنَّهُ يُوهِنُ الْبِنَاءَ فَيَتَقَيَّدُ الْعَقْدُ بِمَا وَرَاءَهَا دَلَالَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْحَوَانِيتِ الِانْتِفَاعُ وَهُوَ مُتَنَوِّعٌ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ مَا لَمْ يُبَيِّنْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ نَصًّا فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَفَاوَتُ) جَوَابٌ عَمَّا عَسَى أَنْ يُقَالَ سَلَّمْنَا أَنَّ السُّكْنَى مُتَعَارَفٌ لَكِنْ قَدْ تَتَفَاوَتُ السُّكَّانُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ السُّكْنَى لَا تَتَفَاوَتُ، وَمَا لَا يَتَفَاوَتُ لَا يَشْتَمِلُ عَلَى مَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ فَيَصِحُّ (وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ كُلَّ شَيْءٍ) مِنْ السُّكْنَى وَالْإِسْكَانِ وَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَغَسْلِ الثِّيَابِ وَكَسْرِ الْحَطَبِ لِلْوَقِيدِ وَغَيْرِهَا مِمَّا هُوَ مِنْ تَوَابِعِ السُّكْنَى (لِلْإِطْلَاقِ) أَيْ لِإِطْلَاقِ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُقَيَّدٍ بِشَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ (إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْكِنُ حَدَّادًا وَلَا قَصَّارًا وَلَا طَحَّانًا) بِالْمَاءِ أَوْ الدَّابَّةِ دُونَ الْيَدِ إنْ لَمْ يُوهِنْ الْبِنَاءَ، وَفِي الْجُمْلَةِ كُلُّ مَا لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ الْبِنَاءُ جَازَ أَنْ يَعْمَلَهُ فِيهِ وَيَتَقَيَّدَ بِهِ. وَقَوْلُهُ لَا يَسْكُنُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِفَتْحِ الْيَاءِ. وَقَوْلُهُ حَدَّادًا يَكُونُ نَصْبًا عَلَى الْحَالِ، وَيَنْتَفِي بِهِ الْإِسْكَانُ دَلَالَةً لِاتِّحَادِ الْمَنَاطِ وَهُوَ الضَّرَرُ بِالْبِنَاءِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِضَمِّ الْيَاءِ

قَالَ: (وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْأَرَاضِي لِلزِّرَاعَةِ) ؛ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ مَعْهُودَةٌ فِيهَا (وَلِلْمُسْتَأْجِرِ الشُّرْبُ وَالطَّرِيقُ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ) لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تُعْقَدُ لِلِانْتِفَاعِ، وَلَا انْتِفَاعَ فِي الْحَالِ إلَّا بِهِمَا فَيَدْخُلَانِ فِي مُطْلَقِ الْعُقَدِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ مِلْكُ الرَّقَبَةِ لَا الِانْتِفَاعُ فِي الْحَالِ، حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُ الْجَحْشِ وَالْأَرْضِ السَّبْخَةِ دُونَ الْإِجَارَةِ فَلَا يَدْخُلَانِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْحُقُوقِ وَقَدْ مَرَّ فِي الْبُيُوعِ (وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ حَتَّى يُسَمِّيَ مَا يَزْرَعُ فِيهَا) ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تُسْتَأْجَرُ لِلزِّرَاعَةِ وَلِغَيْرِهَا وَمَا يُزْرَعُ فِيهَا مُتَفَاوِتٌ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ كَيْ لَا تَقَعَ الْمُنَازَعَةُ (أَوْ يَقُولَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا مَا شَاءَ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا فَوَّضَ الْخِيَرَةَ إلَيْهِ ارْتَفَعَتْ الْجَهَالَةُ الْمُفْضِيَةُ إلَى الْمُنَازَعَةِ. قَالَ: (وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ السَّاحَةُ؛ لِيَبْنِيَ فِيهَا أَوْ؛ لِيَغْرِسَ فِيهَا نَخْلًا أَوْ شَجَرًا) ؛ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ تُقْصَدُ بِالْأَرَاضِيِ (ثُمَّ إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ لَزِمَهُ أَنْ يَقْلَعَ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ وَيُسْلِمَهَا إلَيْهِ فَارِغَةً) ؛ لِأَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لَهُمَا وَفِي إبْقَائِهِمَا إضْرَارًا بِصَاحِبِ الْأَرْضِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمَنْصُوبَاتُ مَفْعُولٌ بِهِ، وَيَنْتَفِي بِهِ سُكْنَاهُ دَلَالَةً لِاتِّحَادِ الْمَنَاطِ وَهُوَ الضَّرَرُ بِالْبِنَاءِ. (وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْأَرَاضِي لِلزِّرَاعَةِ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ مَعْهُودَةٌ فِيهَا) وَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ أَنَّهُ يَسْتَأْجِرُهَا لِلزِّرَاعَةِ لِأَنَّهَا تُسْتَأْجَرُ لِغَيْرِهَا أَيْضًا فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ نَفْيًا لِلْجَهَالَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَا يُزْرَعُ فِيهَا لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ فِي الضَّرَرِ بِالْأَرْضِ وَعَدَمِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ، أَوْ يَقُولَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا مَا شَاءَ، لِأَنَّهُ لَمَّا فَوَّضَ الِاخْتِيَارَ إلَيْهِ ارْتَفَعَتْ الْجَهَالَةُ الْمُفْضِيَةُ إلَى النِّزَاعِ (وَيَدْخُلُ الشِّرْبُ وَالطَّرِيقُ فِي الْعَقْدِ بِلَا تَنْصِيصٍ، لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تُعْقَدُ لِلِانْتِفَاعِ وَلَا انْتِفَاعَ إلَّا بِهِمَا فَيَدْخُلَانِ فِي مُطْلَقِ الْعَقْدِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ مِلْكُ الرَّقَبَةِ) وَقَدْ مَرَّ فِي بَابِ الْحُقُوقِ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ (وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ السَّاحَةَ) وَهِيَ الْأَرْضُ الْخَالِيَةُ مِنْ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ (لِيَبْنِيَ فِيهَا أَوْ يَغْرِسَ لِأَنَّ ذَلِكَ مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ بِالْأَرَاضِيِ) فَيَصِحُّ بِهَا الْعَقْدُ (فَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ لَزِمَ الْمُسْتَأْجِرَ قَلْعُهُمَا وَتَسْلِيمُهَا فَارِغَةً لِأَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لَهُمَا، فَفِي إبْقَائِهِمَا ضَرَرٌ بِصَاحِبِ الْأَرْضِ) هَذَا مِنْ جَانِبِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَأَمَّا مِنْ جَانِبِ الْمُؤَجِّرِ فَلِأَنَّ الْأَرْضَ إمَّا أَنْ تَنْقُصَ بِالْقَلْعِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَإِنْ شَاءَ يَغْرَمُ لَهُ قِيمَةَ ذَلِكَ مَقْلُوعًا وَيَتَمَلَّكُهُ رَضِيَ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ لَا، وَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِتَرْكِهَا عَلَى حَالِهَا

بِخِلَافِ مَا إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَالزَّرْعُ بَقْلٌ حَيْثُ يُتْرَكُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ إلَى زَمَانِ الْإِدْرَاكِ؛ لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ فَأَمْكَنَ رِعَايَةُ الْجَانِبَيْنِ. قَالَ: (إلَّا أَنْ يَخْتَارَ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَنْ يَغْرَمَ لَهُ قِيمَةَ ذَلِكَ مَقْلُوعًا وَيَتَمَلَّكَهُ فَلَهُ ذَلِكَ) وَهَذَا بِرِضَا صَاحِبِ الْغَرْسِ وَالشَّجَرِ، إلَّا أَنْ تَنْقُصَ الْأَرْضُ بِقَلْعِهِمَا فَحِينَئِذٍ يَتَمَلَّكُهُمَا بِغَيْرِ رِضَاهُ. قَالَ: (أَوْ يَرْضَى بِتَرْكِهِ عَلَى حَالِهِ فَيَكُونَ الْبِنَاءُ لِهَذَا وَالْأَرْضُ لِهَذَا) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فَلَهُ أَنْ لَا يَسْتَوْفِيَهُ. قَالَ: (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ، وَفِي الْأَرْضِ رُطَبَةٌ فَإِنَّهَا تُقْلَعُ) ؛ لِأَنَّ الرِّطَابَ لَا نِهَايَةَ لَهَا فَأَشْبَهَ الشَّجَرَ. قَالَ: (وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الدَّوَابِّ لِلرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ) ؛ لِأَنَّهُ مَنْفَعَةٌ مَعْلُومَةٌ مَعْهُودَةٌ (فَإِنْ أَطْلَقَ الرُّكُوبَ جَازَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ مَنْ شَاءَ) عَمَلًا بِالْإِطْلَاقِ. وَلَكِنْ إذَا رَكِبَ بِنَفْسِهِ أَوْ أَرْكَبَ وَاحِدًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ مُرَادًا مِنْ الْأَصْلِ، وَالنَّاسُ يَتَفَاوَتُونَ فِي الرُّكُوبِ فَصَارَ كَأَنَّهُ نَصَّ عَلَى رُكُوبِهِ (وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا لِلُّبْسِ وَأَطْلَقَ جَازَ فِيمَا ذَكَرْنَا) لِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ وَتَفَاوُتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَكُونُ الْبِنَاءُ لِهَذَا وَالْأَرْضُ لِذَاكَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فَلَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَهُ أَنْ يَغْرَمَ قِيمَةَ ذَلِكَ مَقْلُوعًا لَكِنْ بِرِضَا الْمُسْتَأْجِرِ (وَهَذَا بِخِلَافِ الزَّرْعِ إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَهُوَ بَقْلٌ حَيْثُ يُتْرَكُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ إلَى أَنْ يُدْرِكَ لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ فَأَمْكَنَ رِعَايَةُ الْجَانِبَيْنِ) وَذَلِكَ لِأَنَّا لَوْ قَلَعْنَاهُ تَضَرَّرَ الْمُسْتَأْجِرُ، وَلَوْ تَرَكْنَا الْأَرْضَ بِيَدِهِ بِلَا أَجْرٍ تَضَرَّرَ الْمُؤَجِّرُ، وَفِي تَرْكِهِ بِأَجْرٍ رِعَايَةُ الْجَانِبَيْنِ فَصَيَّرَ إلَيْهِ. وَأَوْرَدَ مَسْأَلَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِبَيَانِ أَنَّ الرُّطَبَةَ كَالشَّجَرَةِ. قَالَ (وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الدَّوَابِّ لِلرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ إلَخْ) إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ، فَإِمَّا أَنْ يَقُولَ عِنْدَ الْعَقْدِ اسْتَأْجَرْت لِلرُّكُوبِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ، أَوْ زَادَ فَقَالَ عَلَى أَنْ يَرْكَبَ مَنْ شَاءَ، أَوْ عَلَى أَنْ يَرْكَبَ فُلَانٌ فَهِيَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا فَاحِشًا، فَإِنْ أَرْكَبَ شَخْصًا وَمَضَتْ الْمُدَّةُ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَلَا يَنْقَلِبُ إلَى الْجَوَازِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجِبُ الْمُسَمَّى وَيَنْقَلِبُ جَائِزًا لِأَنَّ الْفَسَادَ كَانَ لِلْجَهَالَةِ وَقَدْ ارْتَفَعَتْ حَالَةُ الِاسْتِعْمَالِ فَكَأَنَّهَا ارْتَفَعَتْ مِنْ الِابْتِدَاءِ لِأَنَّهَا عَقْدٌ يَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً فَكُلُّ جُزْءٍ مِنْهُ ابْتِدَاءً، وَإِذَا ارْتَفَعَتْ الْجَهَالَةُ مِنْ الِابْتِدَاءِ صَحَّ الْعَقْدُ، فَكَذَا هَاهُنَا. وَإِنْ كَانَ الثَّانِي صَحَّ الْعَقْدُ وَيَجِبُ الْمُسَمَّى، وَيَتَعَيَّنُ أَوَّلُ مَنْ رَكِبَ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَأْجِرَ أَوْ غَيْرَهُ، لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ مُرَادًا مِنْ الْأَصْلِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا، فَإِنْ أَرْكَبَ غَيْرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَعَطِبَتْ ضَمِنَ، وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ أَوَّلًا، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ أَطْلَقَ الرُّكُوبَ هُوَ أَنْ يَقُولَ عَلَى أَنْ يُرْكِبَ مَنْ شَاءَ، وَإِنْ كَانَ الثَّالِثُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّاهُ لِأَنَّهُ تَعْيِينٌ مُفِيدٌ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ، فَإِنْ تَعَدَّاهُ كَانَ ضَامِنًا، وَكَذَلِكَ

النَّاسِ فِي اللُّبْسِ (وَإِنْ قَالَ: عَلَى أَنْ يَرْكَبَهَا فُلَانٌ أَوْ يَلْبَسَ الثَّوْبَ فُلَانٌ فَأَرْكَبَهَا غَيْرَهُ أَوْ أَلْبَسَهُ غَيْرَهُ فَعَطِبَ كَانَ ضَامِنًا) ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي الرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ فَصَحَّ التَّعْيِينُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّاهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ لِمَا ذَكَرْنَا. فَأَمَّا الْعَقَارُ وَمَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ إذَا شَرَطَ سُكْنَى وَاحِدٍ فَلَهُ أَنْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ غَيْرُ مُفِيدٍ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ الَّذِي يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ، وَاَلَّذِي يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ خَارِجٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. قَالَ: (وَإِنْ سَمَّى نَوْعًا وَقَدْرًا مَعْلُومًا يَحْمِلُهُ عَلَى الدَّابَّةِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ خَمْسَةُ أَقْفِزَةِ حِنْطَةٍ فَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ مَا هُوَ مِثْلُ الْحِنْطَةِ فِي الضَّرَرِ أَوْ أَقَلُّ كَالشَّعِيرِ وَالسِّمْسِمِ) ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ تَحْتَ الْإِذْنِ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ، أَوْ لِكَوْنِهِ خَيْرًا مِنْ الْأَوَّلِ (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ مَا هُوَ أَضَرُّ مِنْ الْحِنْطَةِ كَالْمِلْحِ وَالْحَدِيدِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQكُلُّ مَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِينَ كَالثَّوْبِ وَالْخَيْمَةِ، وَحُكْمُ الْحَمْلِ كَحُكْمِ الرُّكُوبِ، بِخِلَافِ الْعَقَارِ فَإِنَّهُ إذَا شَرَطَ سُكْنَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ جَازَ إسْكَانُ غَيْرِهِ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ غَيْرُ مُفِيدٍ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ تَتَفَاوَتُ السُّكَّانُ أَيْضًا، فَإِنَّ سُكْنَى بَعْضٍ قَدْ يَتَضَرَّرُ بِهِ كَالْحَدَّادِ وَنَحْوِهِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَاَلَّذِي يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ خَارِجٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا) وَاعْتَبِرْ مَا ذَكَرْت لَك تَسْتَغْنِ عَمَّا فِي النِّهَايَةِ مِنْ التَّطْوِيلِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الدَّوَابِّ لِلرُّكُوبِ مَعْنَاهُ لِرُكُوبٍ مُعَيَّنٍ، إمَّا نَصًّا حَقِيقَةً وَتَقْدِيرًا (وَإِنْ سَمَّى نَوْعًا وَمِقْدَارًا مِنْ شَيْءٍ يَحْمِلُهُ عَلَى الدَّابَّةِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ خَمْسَةُ أَقْفِزَةِ حِنْطَةٍ بِعَيْنِهَا فَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ مَا هُوَ مِثْلُهُ فِي الضَّرَرِ) كَحِنْطَةٍ أُخْرَى غَيْرَهَا (أَوْ) مَا هُوَ (أَقَلُّ) ضَرَرًا (كَالشَّعِيرِ وَالسِّمْسِمِ) فَإِنَّهُمَا إذَا كَانَا خَمْسَةَ أَقْفِزَةٍ كَانَ أَقَلَّ وَزْنًا فَكَانَ أَقَلَّ ضَرَرًا. وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ فِي الْكَلَامِ لَفًّا وَنَشْرًا، فَإِنَّ الشَّعِيرَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمِثْلِ وَالسِّمْسِمُ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَقَلِّ إذَا كَانَ التَّقْدِيرُ مِنْ حَيْثُ الْكَيْلُ، وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ فَإِنَّ السِّمْسِمَ أَيْضًا مِثْلٌ إذَا كَانَ التَّقْدِيرُ مِنْ حَيْثُ الْكَيْلُ، وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ ذَلِكَ (لِأَنَّهُ دَخَلَ تَحْتَ الْإِذْنِ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ) يَعْنِي بِهِ إذَا كَانَ مِثْلًا (أَوْ لِكَوْنِهِ خَيْرًا) يَعْنِي بِهِ إذَا كَانَ أَقَلَّ ضَرَرًا (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ مَا هُوَ أَكْثَرُ ضَرَرًا مِنْ الْحِنْطَةِ كَالْمِلْحِ) إذَا كَانَ

لِانْعِدَامِ الرِّضَا فِيهِ (وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا قُطْنًا سَمَّاهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مِثْلَ وَزْنِهِ حَدِيدًا) ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ أَضَرَّ بِالدَّابَّةِ فَإِنَّ الْحَدِيدَ يَجْتَمِعُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ ظَهْرِهَا وَالْقُطْنُ يَنْبَسِطُ عَلَى ظَهْرِهَا. قَالَ: (وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا فَأَرْدَفَ مَعَهُ رَجُلًا فَعَطِبَتْ ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَلَا مُعْتَبَرَ بِالثِّقَلِ) ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ قَدْ يَعْقِرُهَا جَهْلُ الرَّاكِبِ الْخَفِيفِ وَيَخِفُّ عَلَيْهَا رُكُوبُ الثَّقِيلِ لِعِلْمِهِ بِالْفُرُوسِيَّةِ، وَلِأَنَّ الْآدَمِيَّ غَيْرُ مَوْزُونٍ فَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ الْوَزْنِ فَاعْتُبِرَ عَدَدُ الرَّاكِبِ كَعَدَدِ الْجُنَاةِ فِي الْجِنَايَاتِ. قَالَ: (وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مِقْدَارًا مِنْ الْحِنْطَةِ فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْهُ فَعَطِبَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِثْلُهَا كَيْلًا لِأَنَّهُ أَثْقَلُ (لِانْعِدَامِ الرِّضَا فِيهِ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مِقْدَارًا مِنْ الْقُطْنِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مِثْلَ وَزْنِهِ حَدِيدًا لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ أَضَرَّ عَلَى الدَّابَّةِ لِاجْتِمَاعِهِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الظَّهْرِ، بِخِلَافِ الْقُطْنِ فَإِنَّهُ يَنْبَسِطُ عَلَيْهِ) وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ مَعَ كَوْنِهِ مَعْلُومًا مِمَّا سَبَقَ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ نَظِيرَ الْمَكِيلِ وَهَذَا نَظِيرُ الْمَوْزُونِ. (وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا فَأَرْدَفَ مَعَهُ رَجُلًا فَعَطِبَتْ ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهَا) سَوَاءٌ كَانَ الرَّدِيفُ أَخَفَّ أَوْ أَثْقَلَ مِنْ الرَّاكِبِ (وَلَا مُعْتَبَرَ بِالثِّقَلِ لِأَنَّ الدَّابَّةَ قَدْ يَعْقِرُهَا جَهْلُ الرَّاكِبِ الْخَفِيفِ وَيَخِفُّ عَلَيْهَا رُكُوبُ الثَّقِيلِ لِعِلْمِهِ بِالْفُرُوسِيَّةِ، وَلِأَنَّ الْآدَمِيَّ غَيْرُ مَوْزُونٍ فَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ بِالْوَزْنِ فَاعْتُبِرَ عَدَدُ الرَّاكِبِ كَعَدَدِ الْجُنَاةِ فِي الْجِنَايَاتِ) وَالْجُنَاةُ جَمْعُ جَانٍ كَالْبُغَاةِ جَمْعُ بَاغٍ، فَإِنَّهُ إذَا جَرَحَ رَجُلٌ رَجُلًا جِرَاحَةً وَاحِدَةً وَالْآخَرُ عَشْرَ جِرَاحَاتٍ خَطَأً فَمَاتَ فَالدِّيَةُ بَيْنَهُمَا أَنْصَافًا لِأَنَّ رَبَّ جِرَاحَةٍ وَاحِدَةٍ أَكْثَرُ تَأْثِيرًا مِنْ عَشْرِ جِرَاحَاتٍ. قِيلَ وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِكَوْنِهِ رَجُلًا لِأَنَّهُ إذَا أَرْدَفَ صَبِيًّا ضَمِنَ بِقَدْرِ ثِقَلِهِ إذَا كَانَ لَا يَسْتَمْسِكُ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَمْلِ. (وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مِقْدَارًا مِنْ الْحِنْطَةِ فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْهُ فَعَطِبَتْ

ضَمِنَ مَا زَادَ الثِّقَلُ) ؛ لِأَنَّهَا عَطِبَتْ بِمَا هُوَ مَأْذُونٌ فِيهِ وَمَا هُوَ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ وَالسَّبَبُ الثِّقَلُ فَانْقَسَمَ عَلَيْهِمَا (إلَّا إذَا كَانَ حَمْلًا لَا يُطِيقُهُ مِثْلُ تِلْكَ الدَّابَّةِ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ كُلَّ قِيمَتِهَا) لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِيهَا أَصْلًا لِخُرُوجِهِ عَنْ الْعَادَةِ. قَالَ: (وَإِنْ كَبَحَ الدَّابَّةَ بِلِجَامِهَا أَوْ ضَرَبَهَا فَعَطِبَتْ ضَمِنَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: لَا يَضْمَنُ إذَا فَعَلَ فِعْلًا مُتَعَارَفًا) ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ الْعَقْدِ فَكَانَ حَاصِلًا بِإِذْنِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْإِذْنَ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ ـــــــــــــــــــــــــــــQضَمِنَ مَا زَادَ الثِّقَلُ لِأَنَّهَا عَطِبَتْ بِمَا هُوَ مَأْذُونٌ فِيهِ وَغَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ وَسَبَبُ الْهَلَاكِ الثِّقَلُ فَانْقَسَمَ عَلَيْهِمَا) إذَا كَانَ مِثْلُهَا يُطِيقُ حَمْلَهُ (وَأَمَّا إذَا كَانَ حَمْلًا لَا يُطِيقُهُ مِثْلُهَا ضَمِنَ كُلَّ قِيمَتِهَا لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِيهَا أَصْلًا لِخُرُوجِهِ عَنْ الْعَادَةِ) كَمَا إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ الْمُسَمَّى، كَمَنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيُحَمِّلَهَا خَمْسَةَ أَقْفِزَةٍ مِنْ شَعِيرٍ فَحَمَّلَهَا مِثْلَ كَيْلَةِ حِنْطَةٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهَا لِعَدَمِ الْإِذْنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسِهِ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي مِقْدَارِ الْمُسَمَّى وَغَيْرُ مَأْذُونٍ فِي الزِّيَادَةِ فَيُوَزَّعُ الضَّمَانُ. وَنُوقِضَ بِمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ ثَوْرًا لِيَطْحَنَ بِهِ عَشْرَةَ مَخَاتِيمِ حِنْطَةٍ فَطَحَنَ أَحَدَ عَشَرَ مَخْتُومًا فَهَلَكَ ضَمِنَ الْجَمِيعَ وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ الْجِنْسِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الطَّحْنَ إنَّمَا يَكُونُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَإِذَا طَحَنَ الْعَشَرَةَ انْتَهَى الْإِذْنُ، فَبَعْدَ ذَلِكَ هُوَ فِي الطَّحْنِ مُخَالِفٌ فِي اسْتِعْمَالِ الدَّابَّةِ بِغَيْرِ الْإِذْنِ فَيَضْمَنُ الْجَمِيعَ، فَأَمَّا فِي الْحَمْلِ فَيَكُونُ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَهُوَ مَأْذُونٌ فِي بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ فَيُوَزَّعُ الضَّمَانُ عَلَى ذَلِكَ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ عَلَى مَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا فَأَرْدَفَهَا رَجُلًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ كُلِّ الْقِيمَةِ، لِأَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا بِنَفْسِهِ فَأَرْكَبَهَا غَيْرَهُ ضَمِنَ جَمِيعَ الْقِيمَةِ، فَإِذَا أَرْدَفَ فَقَدْ أَرْكَبَ غَيْرَهُ وَرَكِبَ أَيْضًا فَرُكُوبُهُ زِيَادَةُ ضَرَرٍ عَلَيْهَا، فَإِنْ لَمْ يُوجِبْ زِيَادَةً لَا يُوجِبُ نُقْصَانًا لَا مَحَالَةَ، لِأَنَّهُ فِي الْإِرْكَابِ مُتَفَرِّدًا مُخَالِفٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَفِي الْإِرْدَافِ مَأْذُونٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَهُوَ يَقَعُ جُمْلَةً كَمَا مَرَّ. قَالَ (وَإِنْ كَبَحَ الدَّابَّةَ بِلِجَامِهَا إلَخْ) وَإِنْ كَبَحَ الدَّابَّةَ بِلِجَامِهَا: أَيْ جَذَبَهَا إلَى نَفْسِهِ لِتَقِفَ وَلَا تَجْرِيَ أَوْ ضَرَبَهَا فَعَطِبَتْ ضَمِنَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا يَضْمَنُ إذَا فَعَلَ فِعْلًا مُتَعَارَفًا، لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَهُ مُطْلَقُ الْعَقْدِ، وَمَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ لِحُصُولِهِ بِإِذْنِهِ. وَفِي عِبَارَتِهِ تَسَامُحٌ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ مُرَادٌ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ لَا دَاخِلٌ تَحْتَهُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ اللَّامَ فِي الْمُتَعَارَفِ لِلْعَهْدِ أَيْ

السَّلَامَةِ إذْ يَتَحَقَّقُ السَّوْقُ بِدُونِهِ، وَإِنَّمَا هُمَا لِلْمُبَالَغَةِ فَيَتَقَيَّدُ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ كَالْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ. قَالَ: (وَإِنَّ اسْتَأْجَرَهَا إلَى الْحِيرَةِ فَجَاوَزَ بِهَا إلَى الْقَادِسِيَّةِ ثُمَّ رَدَّهَا إلَى الْحِيرَةِ ثُمَّ نَفَقَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَكَذَلِكَ الْعَارِيَّةُ) وَقِيلَ تَأْوِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا اسْتَأْجَرَهَا ذَاهِبًا لَا جَائِيًا؛ لِيَنْتَهِيَ الْعَقْدُ بِالْوُصُولِ إلَى الْحِيرَةِ فَلَا يَصِيرُ بِالْعَوْدِ مَرْدُودًا إلَى يَدِ الْمَالِكِ مَعْنًى. وَأَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَهَا ذَاهِبًا وَجَائِيًا فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمُودَعِ إذَا خَالَفَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ. وَقِيلَ لَا، بَلْ الْجَوَابُ مُجْرًى عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُودَعَ بِأُمُورٍ بِالْحِفْظِ مَقْصُودًا فَبَقِيَ الْأَمْرُ بِالْحِفْظِ بَعْدَ الْعَوْدِ إلَى الْوِفَاقِ فَحَصَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكَبْحُ الْمُتَعَارَفُ أَوْ الضَّرْبُ الْمُتَعَارَفُ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ دَاخِلًا لَا مُرَادًا لِأَنَّ الْعَقْدَ الْمُطْلَقَ يَتَنَاوَلُهُ وَغَيْرَهُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ: أَيْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ حَاصِلٌ بِالْإِذْنِ، لَكِنَّ الْإِذْنَ فِيمَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَأْذُونُ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ إذَا أَمْكَنَ تَحَقُّقُ الْمَقْصُودِ بِهَا، وَهَاهُنَا مُمْكِنٌ إذْ يَتَحَقَّقُ السَّوْقُ بِدُونِهِ فَصَارَ كَالْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ (وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا إلَى الْحِيرَةِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مَدِينَةٌ كَانَ يَسْكُنُهَا النُّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ وَهِيَ عَلَى رَأْسِ مِيلٍ مِنْ الْكُوفَةِ (فَجَاوَزَ بِهَا إلَى الْقَادِسِيَّةِ) مَوْضِعٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكُوفَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ مِيلًا (ثُمَّ رَدَّهَا إلَى الْحِيرَةِ ثُمَّ نَفَقَتْ ضَمِنَهَا وَكَذَلِكَ الْعَارِيَّةُ) وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي مَعْنَى هَذَا الْوَضْعِ. فَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَ الْمَسْأَلَةَ بِأَنَّ الْمُرَادَ هُوَ إنْ اسْتَأْجَرَهَا ذَاهِبًا فَقَطْ لِيَنْتَهِيَ الْعَقْدُ بِالْوُصُولِ إلَى الْحِيرَةِ فَلَا يَصِيرُ الْمُسْتَأْجِرُ بِالْعَوْدِ مِنْ الْقَادِسِيَّةِ إلَيْهَا مَرْدُودًا إلَى يَدِ الْمَالِكِ مَعْنًى فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ مُودَعًا مَعْنًى فَهُوَ نَائِبُ الْمَالِكِ وَالرَّدُّ إلَى النَّائِبِ رَدٌّ إلَى الْمَالِكِ مَعْنًى. أَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَهَا ذَاهِبًا وَجَائِيًا كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمُودَعِ إذَا خَالَفَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ. وَمِنْهُمْ مَنْ أَجْرَى عَلَى الْإِطْلَاقِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُودَعِ بِأَنَّ الْمُودَعَ مَأْمُورٌ بِالْحِفْظِ مَقْصُودًا وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَكُلُّ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ يَبْقَى مَأْمُورًا بِالْحِفْظِ بَعْدَ الْعَوْدِ إلَى الْوِفَاقِ لِقُوَّةِ الْأَمْرِ لِكَوْنِهِ مَقْصُودًا، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الرَّدُّ رَدًّا إلَى نَائِبِ الْمَالِكِ وَالْمُسْتَأْجِرُ وَالْمُسْتَعِيرُ مَأْمُورَانِ بِالْحِفْظِ تَبَعًا لِلِاسْتِعْمَالِ لَا مَقْصُودًا، فَإِذَا انْقَطَعَ الِاسْتِعْمَالُ بِالتَّجَاوُزِ عَنْ الْمَوْضِعِ الْمُسَمَّى انْقَطَعَ مَا هُوَ تَابِعٌ لَهُ وَهُوَ الْحِفْظُ فَلَمْ يَبْقَ نَائِبًا لِيَكُونَ الرَّدُّ رَدًّا إلَيْهِ، وَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ أَوْ نَائِبِهِ. وَنُوقِضَ بِغَاصِبِ الْغَاصِبِ إذَا رَدَّ الْمَغْصُوبَ عَلَى الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الرَّدُّ عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الرَّدَّ عَلَى أَحَدِهِمَا يُوجِبُ الْبَرَاءَةَ أَلْبَتَّةَ، وَلَيْسَ كُلُّ مَا يُوجِبُ الْبَرَاءَةَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الرَّدُّ عَلَى أَحَدِهِمَا لِجَوَازِ أَنْ تَحْصُلَ الْبَرَاءَةُ بِسَبَبٍ آخَرَ. وَالسَّبَبُ فِي غَاصِبِ الْغَاصِبِ هُوَ الرَّدُّ إلَى مَنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ سَبَبُ ضَمَانٍ يَرْتَفِعُ بِالرَّدِّ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ مِنْ قَبْلُ، فَإِنْ قِيلَ: الرَّدُّ إلَى الْمَالِكِ أَوْ نَائِبِهِ إزَالَةٌ لِلتَّعَدِّي وَهُوَ يَصْلُحُ مُتَبَرِّئًا عَنْ الضَّمَانِ، وَالرَّدُّ إلَى مَنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ سَبَبُ ضَمَانٍ يَرْتَفِعُ بِالرَّدِّ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ مِنْ قَبْلُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا نُسَلِّمُ صَلَاحِيَّتَهُ لِذَلِكَ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الرَّدَّ عَلَى الْغَاصِبِ رَدٌّ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ، وَتَقَرُّرُ الضَّمَانِ عَلَى الْغَاصِبِ يُوجِبُ سُقُوطَهُ عَنْ غَاصِبِ الْغَاصِبِ لِئَلَّا يَلْزَمَ كَوْنُ الشَّيْءِ مَضْمُونًا بِضَمَانَيْنِ. قِيلَ إلْحَاقُ الْعَارِيَّةِ بِالْإِجَارَةِ بِقَوْلِهِ وَكَذَلِكَ الْعَارِيَّةُ وَعَكْسُهُ لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ لِثُبُوتِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ يَدَ الْمُسْتَأْجِرِ كَيَدِ الْمَالِكِ حَيْثُ يَرْجِعُ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الضَّمَانِ عَلَى الْمَالِكِ كَالْمُودَعِ، وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ بِخِلَافِ الْإِعَارَةِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الِاتِّحَادَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ يَرْفَعُ التَّعَدُّدَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَفْرِقَةٍ لِيَتَحَقَّقَ الْإِلْحَاقُ، وَالِاتِّحَادُ فِي الْمَنَاطِ كَافٍ لِلْإِلْحَاقِ وَهُوَ مَوْجُودٌ، فَإِنَّ الْمَنَاطَ هُوَ التَّجَاوُزُ عَنْ الْمُسَمَّى

الرَّدُّ إلَى يَدِ نَائِبِ الْمَالِكِ، وَفِي الْإِجَارَةِ وَالْعَارِيَّةِ يَصِيرُ الْحِفْظُ مَأْمُورًا بِهِ تَبَعًا لِلِاسْتِعْمَالِ لَا مَقْصُودًا، فَإِذَا انْقَطَعَ الِاسْتِعْمَالُ لَمْ يَبْقَ هُوَ نَائِبًا فَلَا يَبْرَأُ بِالْعَوْدِ وَهَذَا أَصَحُّ. قَالَ: (وَمَنْ اكْتَرَى حِمَارًا بِسَرْجٍ فَنَزَعَ السَّرْجَ وَأَسْرَجَهُ بِسَرْجٍ يُسْرَجُ بِمِثْلِهِ الْحُمُرُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يُمَاثِلُ الْأَوَّلَ تَنَاوَلَهُ إذْنُ الْمَالِكِ، إذْ لَا فَائِدَةَ فِي التَّقْيِيدِ بِغَيْرِهِ إلَّا إذَا كَانَ زَائِدًا عَلَيْهِ فِي الْوَزْنِ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ (وَإِنْ كَانَ لَا يُسْرَجُ بِمِثْلِهِ الْحُمُرُ ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُتَعَدِّيًا ثُمَّ الرُّجُوعُ إلَيْهِ فِيمَا لَمْ يَكُنْ الْحِفْظُ فِيهِ مَقْصُودًا وَذَلِكَ مَوْجُودًا فِيهِمَا لَا مَحَالَةَ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ الْإِجْرَاءُ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَصَحُّ (وَمَنْ اكْتَرَى حِمَارًا بِسَرْجٍ) فَاسْتِعْمَالُهُ بِهِ مُوَافَقَةٌ، فَإِنْ نَزَعَ فَإِمَّا أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ بِسَرْجٍ آخَرَ وَإِكَافٍ. وَكُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى قِسْمَيْنِ: إمَّا أَنْ يُسْرَجَ بِسَرْجٍ يُسْرَجُ بِمِثْلِهِ الْحُمُرُ أَوْ لَا وَكَذَلِكَ الْإِكَافُ، فَإِنْ أَسْرَجَ بِذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مِثْلُهُ تَنَاوَلَهُ الْإِذْنُ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي التَّقْيِيدِ بِغَيْرِهِ: أَيْ مِنْ حَيْثُ الْمَنْعُ: يَعْنِي لَا فَائِدَةَ فِي الْقَوْلِ بِأَنَّ هَذَا مُقَيَّدٌ بِأَنْ لَا يُسْرَجَ بِغَيْرِ هَذَا السَّرْجِ الَّذِي عَيَّنَهُ صَاحِبُهَا إذَا كَانَ غَيْرُهُ يُمَاثِلُهُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي التَّقْيِيدِ بِعَيْنِهِ وَهُوَ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (إلَّا إذَا كَانَ زَائِدًا عَلَيْهِ فِي الْوَزْنِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الزَّائِدَ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْإِذْنُ فَكَانَ مَأْذُونًا فِي الْمُسَمَّى غَيْرَ مَأْذُونٍ فِي الزِّيَادَةِ، وَفِي مِثْلِهِ يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى وَتُوضَعُ عَلَى الدَّابَّةِ دَفْعَةً كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحِنْطَةِ، وَإِنْ أَسْرَجَ بِمَا لَا يُسْرَجُ بِهِ مِثْلُهُ مِثْلُ أَنْ يُسْرِجَهُ بِسَرْجِ الْبِرْذَوْنِ

لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْإِذْنُ مِنْ جِهَتِهِ فَصَارَ مُخَالِفًا (وَإِنْ أَوْكَفَهُ بِإِكَافٍ لَا يُوكَفُ بِمِثْلِهِ الْحُمُرُ يَضْمَنُ) لِمَا قُلْنَا فِي السَّرْجِ، وَهَذَا أَوْلَى (وَإِنْ أَوْكَفَهُ بِإِكَافٍ يُوكَفُ بِمِثْلِهِ الْحُمُرُ يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَضْمَنُ بِحِسَابِهِ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يُوكَفُ بِمِثْلِهِ الْحُمُرُ كَانَ هُوَ وَالسَّرْجُ سَوَاءٌ فَيَكُونُ الْمَالِكُ رَاضِيًا بِهِ، إلَّا إذَا كَانَ زَائِدًا عَلَى السَّرْجِ فِي الْوَزْنِ فَيَضْمَنُ الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِالزِّيَادَةِ فَصَارَ كَالزِّيَادَةِ فِي الْحَمْلِ الْمُسَمَّى إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْإِكَافَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ السَّرْجِ؛ لِأَنَّهُ لِلْحَمْلِ، وَالسَّرْجُ لِلرُّكُوبِ، وَكَذَا يَنْبَسِطُ أَحَدُهُمَا عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ مَا لَا يَنْبَسِطُ عَلَيْهِ الْآخَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQضَمِنَ الْقِيمَةَ كُلَّهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْإِذْنُ مِنْ جِهَتِهِ فَصَارَ مُخَالِفًا (وَإِنْ أَوْكَفَهُ بِإِكَافٍ لَا يُوكَفُ بِمِثْلِهِ الْحُمُرُ يَضْمَنُ لِمَا قُلْنَا فِي السَّرْجِ) إنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْإِذْنُ (وَهَذَا أَوْلَى) لِأَنَّهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ (وَإِنْ أَوْكَفَهُ بِإِكَافٍ يُوكَفُ بِمِثْلِهِ الْحُمُرُ يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَلَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَ الْمَضْمُونِ اتِّبَاعًا لِرِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ أَنَّهُ ضَامِنٌ لِجَمِيعِ الْقِيمَةِ وَلَكِنَّهُ قَالَ هُوَ ضَامِنٌ. وَذُكِرَ فِي الْإِجَارَاتِ يَضْمَنُ بِقَدْرِ مَا زَادَ. فَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ: لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ، وَإِنَّمَا الْمُطْلَقُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُفَسَّرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِيهَا رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةِ الْإِجَارَاتِ يَضْمَنُ بِقَدْرِ مَا زَادَ، وَفِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَهَذَا أَصَحُّ. وَتَكَلَّمُوا فِي مَعْنَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَضْمَنُ بِحِسَابِهِ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْمُرَادُ الْمِسَاحَةُ حَتَّى إذَا كَانَ السَّرْجُ يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ قَدْرَ شِبْرَيْنِ وَالْإِكَافُ قَدْرَ أَرْبَعَةِ أَشْبَارٍ يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ بِحِسَابِهِ فِي الثِّقَلِ وَالْخِفَّةِ حَتَّى إذَا كَانَ وَزْنُ السَّرْجِ مَنَوَيْنِ وَالْإِكَافُ سِتَّةَ أَمْنَاءٍ يَضْمَنُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهَا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ فِي الدَّلِيلِ حَيْثُ قَالَ (لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يُوكَفُ بِمِثْلِهِ الْحُمُرُ كَانَ هُوَ وَالسَّرْجُ سَوَاءً فَيَكُونُ الْمَالِكُ رَاضِيًا بِهِ، إلَّا إذَا كَانَ زَائِدًا عَلَى السَّرْجِ فِي الْوَزْنِ فَيَضْمَنُ الزِّيَادَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِهَا فَصَارَ كَالزِّيَادَةِ فِي الْحَمْلِ الْمُسَمَّى إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِكَافَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ السَّرْجِ لِأَنَّهُ لِلْحَمْلِ وَالسَّرْجُ لِلرُّكُوبِ، وَيَنْبَسِطُ أَحَدُهُمَا عَلَى الظَّهْرِ أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ) فَصَارَ كَمَا لَوْ سَمَّى

فَكَانَ مُخَالِفًا كَمَا إذَا حَمَلَ الْحَدِيدَ وَقَدْ شَرَطَ لَهُ الْحِنْطَةَ. قَالَ: (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ حَمَّالًا لِيَحْمِلَ لَهُ طَعَامًا فِي طَرِيقِ كَذَا فَأَخَذَ فِي طَرِيقٍ غَيْرِهِ يَسْلُكُهُ النَّاسُ فَهَلَكَ الْمَتَاعُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ بَلَغَ فَلَهُ الْأَجْرُ) وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الطَّرِيقَيْنِ تَفَاوُتٌ؛ لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ التَّقْيِيدَ غَيْرُ مُفِيدٍ، أَمَّا إذَا كَانَ تَفَاوُتٌ يَضْمَنُ لِصِحَّةِ التَّقْيِيدِ فَإِنَّ التَّقْيِيدَ مُفِيدٌ إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ التَّفَاوُتِ إذَا كَانَ طَرِيقًا يَسْلُكُهُ النَّاسُ فَلَمْ يُفَصِّلْ (وَإِنْ كَانَ طَرِيقًا لَا يَسْلُكُهُ النَّاسُ فَهَلَكَ ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّهُ صَحَّ التَّقْيِيدُ فَصَارَ مُخَالِفًا (وَإِنْ بَلَغَ فَلَهُ الْأَجْرُ) ؛ لِأَنَّهُ ارْتَفَعَ الْخِلَافُ مَعْنًى، وَإِنْ بَقِيَ صُورَةً. قَالَ: (وَإِنْ حَمَلَهُ فِي الْبَحْرِ فِيمَا يَحْمِلُهُ النَّاسُ فِي الْبَرِّ ضَمِنَ) لِفُحْشِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (وَإِنْ بَلَغَ فَلَهُ الْأَجْرُ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَارْتِفَاعِ الْخِلَافِ مَعْنًى. قَالَ: (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا؛ لِيَزْرَعَهَا حِنْطَةً فَزَرَعَهَا رُطَبَةً ضَمِنَ مَا نَقَصَهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQحِنْطَةً وَحَمَلَ بِوَزْنِهَا شَعِيرًا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِأَنَّ الشَّعِيرَ يَنْبَسِطُ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَكْثَرَ مِنْ الْحِنْطَةِ (فَكَانَ مُخَالِفًا) وَقَوْلُهُ (كَمَا إذَا حَمَلَ الْحَدِيدَ وَقَدْ شَرَطَ لَهُ الْحِنْطَةَ) فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ عَكْسُ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْمِثَالِ، إلَّا إذَا جَعَلَ ذَلِكَ مِثَالًا لِلْمُخَالَفَةِ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الِانْبِسَاطِ وَعَدَمِهِ (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ حَمَّالًا لِيَحْمِلَ لَهُ طَعَامًا فِي طَرِيقِ كَذَا فَسَلَكَ غَيْرَهُ) فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مَا سَلَكَهُ مِمَّا يَسْلُكُهُ النَّاسُ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الطَّرِيقَيْنِ تَفَاوُتٌ بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَوْعَرَ أَوْ أَخْوَفَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ إذْ ذَاكَ غَيْرُ مُفِيدٍ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ ضَمِنَ لِصِحَّةِ التَّقْيِيدِ لِكَوْنِهِ مُفِيدًا. فَإِنْ قِيلَ: مُحَمَّدٌ أَطْلَقَ الرِّوَايَةَ لِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا إذَا أَخَذَ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي يَسْلُكُهُ النَّاسُ وَلَمْ يُقَيَّدْ فِي هَذَا التَّفْصِيلِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ التَّفَاوُتِ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ يَسْلُكُهُ النَّاسُ فَلَمْ يَفْصِلْ) وَإِنْ كَانَ الثَّانِي: أَعْنِي مَا لَا يَسْلُكُهُ النَّاسُ فَهَلَكَ ضَمِنَ لِصِحَّةِ التَّقْيِيدِ فَصَارَ مُخَالِفًا، وَإِذَا بَلَغَ فَلَهُ الْأَجْرُ لِأَنَّهُ ارْتَفَعَ الْخِلَافُ مَعْنًى وَإِنْ بَقِيَ صُورَةً (وَإِنْ حَمَلَهُ فِي الْبَحْرِ فِيمَا يَحْمِلُهُ النَّاسُ فِي الْبَرِّ ضَمِنَ لِفُحْشِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) حَتَّى أَنَّ لِلْمُودَعِ أَنْ يُسَافِرَ الْوَدِيعَةِ فِي طَرِيقِ الْبَرِّ دُونَ الْبَحْرِ (فَإِنْ بَلَغَ فَلَهُ الْأَجْرُ) لِأَنَّهُ ارْتَفَعَ الْخِلَافُ بِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَارْتِفَاعُ الْخِلَافِ مَعْنًى وَإِنْ بَقِيَ صُورَةً. قَالَ (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا حِنْطَةً إلَخْ) وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِزِرَاعَةِ شَيْءٍ فَزَرَعَ مِثْلَهُ فِي الضَّرَرِ بِالْأَرْضِ وَمَا هُوَ أَقَلُّ مِنْهُ يُوجِبُ الْأَجْرَ لِأَنَّهُ مُوَافَقَةٌ أَوْ مُخَالَفَةٌ إلَى خَيْرٍ وَزَرَعَ مَا هُوَ أَضَرُّ بِهَا كَالرِّطَابِ فِيمَنْ اسْتَأْجَرَهَا لِزِرَاعَةِ الْحِنْطَةِ فَخَالَفَهُ إلَى شَيْءٍ يَصِيرُ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ غَاصِبًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ، وَيَسْقُطُ الْأَجْرُ لِأَنَّ الْأَجْرَ وَالضَّمَانَ لَا يَجْتَمِعَانِ إذْ الْأَجْرُ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ التَّعَدِّي وَالضَّمَانُ يَسْتَلْزِمُهُ وَتَنَافِي اللَّوَازِمِ يَدُلُّ عَلَى تَنَافِي

[باب الإجارة الفاسدة]

لِأَنَّ الرِّطَابَ أَضَرُّ بِالْأَرْضِ مِنْ الْحِنْطَةِ لِانْتِشَارِ عُرُوقِهَا فِيهَا وَكَثْرَةِ الْحَاجَةِ إلَى سَقْيِهَا فَكَانَ خِلَافًا إلَى شَرٍّ فَيَضْمَنُ مَا نَقَصَهَا (وَلَا أَجْرَ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ لِلْأَرْضِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ. قَالَ: (وَمَنْ دَفَعَ إلَى خَيَّاطٍ ثَوْبًا لِيَخِيطَهُ قَمِيصًا بِدِرْهَمٍ فَخَاطَهُ قَبَاءً، فَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْقَبَاءَ وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ لَا يُجَاوَزُ بِهِ دِرْهَمًا) قِيلَ: مَعْنَاهُ الْقَرْطَفُ الَّذِي هُوَ ذُو طَاقٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْقَمِيصِ، وَقِيلَ هُوَ مُجْرًى عَلَى إطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَقَارَبَانِ فِي الْمَنْفَعَةِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُضَمِّنُهُ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ؛ لِأَنَّ الْقَبَاءَ خِلَافُ جِنْسِ الْقَمِيصِ. وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ قَمِيصٌ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ يُشَدُّ وَسَطُهُ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ مُخَالِفًا؛ لِأَنَّ الْقَمِيصَ لَا يُشَدُّ وَيُنْتَفَعُ بِهِ انْتِفَاعُ الْقَمِيصِ فَجَاءَتْ الْمُوَافَقَةُ وَالْمُخَالَفَةُ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّ الْجِهَتَيْنِ شَاءَ، إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ لِقُصُورِ جِهَةِ الْمُوَافَقَةِ، وَلَا يُجَاوِزُ بِهِ الدِّرْهَمَ الْمُسَمَّى كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي سَائِرِ الْإِجَارَاتِ الْفَاسِدَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَوْ خَاطَهُ سَرَاوِيلَ وَقَدْ أَمَرَ بِالْقَبَاءِ قِيلَ يَضْمَنُ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْمَنْفَعَةِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُخَيَّرُ لِلِاتِّحَادِ فِي أَصْلِ الْمَنْفَعَةِ، وَصَارَ كَمَا إذَا أُمِرَ بِضَرْبِ طَسْتٍ مِنْ شَبَّةٍ فَضَرَبَ مِنْهُ كُوزًا، فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ كَذَا هَذَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (الْإِجَارَةُ تُفْسِدُهَا الشُّرُوطُ كَمَا تُفْسِدُ الْبَيْعَ) ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَقْدٌ يُقَالُ وَيُفْسَخُ (وَالْوَاجِبُ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أَجْرُ الْمِثْلِ لَا يُجَاوَزُ بِهِ الْمُسَمَّى) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: يَجِبُ بَالِغًا مَا بَلَغَ اعْتِبَارًا بِبَيْعِ الْأَعْيَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَلْزُومَاتِ وَقَوْلُهُ {وَمَنْ دَفَعَ إلَى خَيَّاطٍ ثَوْبًا} ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ (وَيَنْتَفِعُ بِهِ انْتِفَاعَ الْقَمِيصِ يُرِيدُ بِهِ سَتْرَ الْعَوْرَةِ وَدَفْعَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ) . وَقَوْلُهُ (لِقُصُورِ جِهَةِ الْمُوَافَقَةِ) لِأَنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ رَضِيَ بِالْمُسَمَّى مُقَابَلًا بِخِيَاطَةِ الْقَمِيصِ دُونَ الْقَبَاءِ وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ. [بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ] تَأْخِيرُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ عَنْ صَحِيحِهَا لَا يَحْتَاجُ إلَى مَعْذِرَةٍ لِوُقُوعِهَا فِي مَحَلِّهَا. قَالَ (الْإِجَارَةُ تُفْسِدُهَا الشُّرُوطُ) تَفْسُدُ الْإِجَارَةُ

وَلَنَا أَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَتَقَوَّمُ بِنَفْسِهَا بَلْ بِالْعَقْدِ لِحَاجَةِ النَّاسِ فَيُكْتَفَى بِالضَّرُورَةِ فِي الصَّحِيحِ مِنْهَا، إلَّا أَنَّ الْفَاسِدَ تَبَعٌ لَهُ، وَيُعْتَبَرُ مَا يُجْعَلُ بَدَلًا فِي الصَّحِيحِ عَادَةً، لَكِنَّهُمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى مِقْدَارٍ فِي الْفَاسِدِ فَقَدْ أَسْقَطَا الزِّيَادَةَ، وَإِذَا نَقَصَ أَجْرُ الْمِثْلِ لَمْ يَجِبْ زِيَادَةُ الْمُسَمَّى لِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ مُتَقَوِّمَةٌ فِي نَفْسِهَا وَهِيَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ، فَإِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالشُّرُوطِ الَّتِي فَسَادُ الْبَيْعِ بِهَا لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَتِهِ فِي كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقْبَلُ الْإِقَالَةَ وَالْفَسْخَ، وَالْوَاجِبُ فِي الْإِجَارَةِ الَّتِي فَسَدَتْ بِالشُّرُوطِ الْأَقَلُّ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ وَالْمُسَمَّى، وَإِنَّمَا جَعَلْت اللَّامَ فِي قَوْلِهِ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ لِلْعَهْدِ كَمَا رَأَيْت لِسِيَاقِ الْكَلَامِ وَدَفْعًا لِمَا قِيلَ الْأَقَلُّ مِنْ الْأَجْرِ وَالْمُسَمَّى إنَّمَا يَجِبُ إذَا فَسَدَتْ بِشَرْطٍ، أَمَّا إذَا فَسَدَتْ لِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى أَوْ لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ وَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ نَقَلَهُ فِي النِّهَايَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَالْمُغْنِي وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: يَجِبُ بَالِغًا مَا بَلَغَ اعْتِبَارًا بِبَيْعِ الْأَعْيَانِ، فَإِنَّ الْبَيْعَ إذَا فَسَدَ وَجَبَ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَنَافِعَ عِنْدَهُ كَالْأَعْيَانِ. وَلَنَا أَنَّ تَقَوُّمَ الْمَنَافِعِ ضَرُورَةُ دَفْعِ الْحَاجَةِ بِالْعَقْدِ، وَالضَّرُورِيُّ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ، وَالضَّرُورَةُ تَنْدَفِعُ بِالصَّحِيحَةِ فَيُكْتَفَى بِهَا. وَهَذَا كَمَا تَرَى

صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ انْتَقَلَ عَنْهُ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ: (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ فَاسِدٌ فِي بَقِيَّةِ الشُّهُورِ، إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ جُمْلَةَ شُهُورٍ مَعْلُومَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ إذَا دَخَلَتْ فِيمَا لَا نِهَايَةَ لَهُ تَنْصَرِفُ إلَى الْوَاحِدِ لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِالْعُمُومِ فَكَانَ الشَّهْرُ الْوَاحِدُ مَعْلُومًا ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقْتَضِي عَدَمَ اعْتِبَارِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، إلَّا أَنَّ الْفَاسِدَةَ تَبَعٌ لِلصَّحِيحَةِ فَيَثْبُتُ فِيهَا مَا يَثْبُتُ فِي الصَّحِيحَةِ عَادَةً وَهُوَ قَدْرُ أَجْرِ الْمِثْلِ، وَهَذَا يَقْتَضِي لُزُومَ الْأَجْرِ الْمُسَمَّى بَالِغًا مَا بَلَغَ لَكِنَّهُمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى مِقْدَارٍ فِي الْفَاسِدِ سَقَطَتْ الزِّيَادَةُ وَهَذَا يَقْتَضِي لُزُومَ الْأَجْرِ الْمُسَمَّى بَالِغًا مَا بَلَغَ، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ التَّسْمِيَةُ فَاسِدَةً لَمْ يَجِبْ مِنْ الْمُسَمَّى مَا زَادَ عَلَى أَجْرِ الْمِثْلِ فَاسْتَقَرَّ الْوَاجِبُ عَلَى مَا هُوَ الْأَقَلُّ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ وَالْمُسَمَّى، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ الْعَيْنَ مُتَقَوِّمٌ فِي نَفْسِهِ، وَهُوَ أَيْ الْقِيمَةُ هُوَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِتَذْكِيرِ الْخَبَرِ، فَإِنْ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ انْتَقَلَ عَنْهُ وَإِلَّا فَلَا (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ صَحَّ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ جُمْلَةَ الشُّهُورِ) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ عَشَرَةَ أَشْهُرٍ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ (لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كَلِمَةَ كُلَّ إذَا دَخَلَتْ فِيمَا لَا نِهَايَةَ لَهُ تَنْصَرِفُ إلَى الْوَاحِدِ لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِالْعُمُومِ) لِأَنَّ جُمْلَةَ الشُّهُورِ مَجْهُولَةٌ وَالْبَعْضُ مِنْهَا غَيْرُ مَحْصُورٍ كَذَلِكَ وَمَحْصُورًا تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ (وَالْوَاحِدُ مِنْهَا مَعْلُومٌ) مُتَيَقَّنٌ

فَصَحَّ الْعَقْدُ فِيهِ، وَإِذَا تَمَّ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْقُضَ الْإِجَارَةَ لِانْتِهَاءِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ (وَلَوْ سَمَّى جُمْلَةَ شُهُورٍ مَعْلُومَةٍ جَازَ) ؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ صَارَتْ مَعْلُومَةً. قَالَ (وَإِنْ سَكَنَ سَاعَةً مِنْ الشَّهْرِ الثَّانِي صَحَّ الْعَقْدُ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُؤَجِّرِ أَنْ يُخْرِجَهُ إلَى أَنْ يَنْقَضِيَ، وَكَذَلِكَ كُلُّ شَهْرٍ سَكَنَ فِي أَوَّلِهِ سَاعَةً) ؛ لِأَنَّهُ تَمَّ الْعَقْدُ بِتَرَاضِيهِمَا بِالسُّكْنَى فِي الشَّهْرِ الثَّانِي، إلَّا أَنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ هُوَ الْقِيَاسُ، وَقَدْ مَالَ إلَيْهِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ، وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنْ يَبْقَى الْخِيَارُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى مِنْ الشَّهْرِ الثَّانِي وَيَوْمِهَا؛ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ الْأَوَّلِ بَعْضَ الْحَرَجِ. قَالَ: (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا سَنَةً بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ جَازَ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ قِسْطَ كُلِّ شَهْرٍ مِنْ الْأُجْرَةِ) ؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ مَعْلُومَةٌ بِدُونِ التَّقْسِيمِ فَصَارَ كَإِجَارَةِ شَهْرٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ قِسْطَ كُلِّ يَوْمٍ، ثُمَّ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِمَّا سَمَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصَحَّ الْعَقْدُ فِيهِ، وَإِذَا تَمَّ الشَّهْرُ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُنْقِضَ الْإِجَارَةَ لِانْتِهَاءِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ) وَهَلْ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ النَّقْضُ بِمَحْضَرِ الْآخَرِ أَوْ لَا؟ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مَحْضَرِ صَاحِبِهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَيَصِحُّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ لَا يَصِحُّ بِغَيْرِ مَحْضَرِهِ بِلَا خِلَافٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ (فَإِنْ سَكَنَ سَاعَةً مِنْ الشَّهْرِ الثَّانِي صَحَّ الْعَقْدُ فِيهِ) أَيْضًا (وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُؤَجِّرِ أَنْ يُخْرِجَهُ إلَى أَنْ يَنْقَضِيَ الشَّهْرُ، وَكَذَا كُلُّ شَهْرٍ سَكَنَ فِي أَوَّلِهِ لِأَنَّهُ تَمَّ الْعَقْدُ فِيهِ بِتَرَاضِيهِمَا بِالسُّكْنَى فِي أَوَّلِهِ، إلَّا أَنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ) أَيْ الْقُدُورِيُّ (هُوَ الْقِيَاسُ، وَإِلَيْهِ مَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنْ يَبْقَى الْخِيَارُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى وَيَوْمِهَا مِنْ الشَّهْرِ الثَّانِي، لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ الْأَوَّلِ بَعْضَ الْحَرَجِ) وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْفَسْخِ فِي رَأْسِ الشَّهْرِ الثَّانِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ رَأْسَهُ عِبَارَةٌ عَنْ السَّاعَةِ الَّتِي يُهِلُّ فِيهَا الْهِلَالُ، فَكَمَا أَهَلَّ مَضَى رَأْسُ الشَّهْرِ وَالْفَسْخُ بَعْدَ ذَلِكَ فَسْخٌ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْخِيَارِ. وَقِيلَ ذَلِكَ فَسْخٌ قَبْلَ مَجِيءِ وَقْتِهِ وَكِلَاهُمَا لَا يَجُوزُ. وَذَكَرُوا لِذَلِكَ طُرُقًا ثَلَاثَةً: مِنْهَا أَنْ يَقُولَ الَّذِي يُرِيدُ بِهِ الْفَسْخَ فِي خِلَالِ الشَّهْرِ فَسَخْت الْعَقْدَ رَأْسَ الشَّهْرِ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ إذَا أَهَلَّ الْهِلَالُ فَيَكُونُ هَذَا فَسْخًا مُضَافًا إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ، وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ يَصِحُّ مُضَافًا فَكَذَا فَسْخُهُ (فَإِنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا سَنَةً بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ قِسْطَ كُلِّ شَهْرٍ مِنْ الْأُجْرَةِ لِأَنَّ الْمُدَّةَ مَعْلُومَةٌ بِدُونِ التَّقْسِيمِ فَصَارَ كَإِجَارَةِ شَهْرٍ وَاحِدٍ وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِمَّا سَمَّاهُ)

وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا فَهُوَ مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ؛ لِأَنَّ الْأَوْقَاتِ كُلَّهَا فِي حَقِّ الْإِجَارَةِ عَلَى السَّوَاءِ فَأَشْبَهَ الْيَمِينَ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ اللَّيَالِيَ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لَهُ (ثُمَّ إنْ كَانَ الْعَقْدُ حِينَ يَهُلُّ الْهِلَالُ فَشُهُورُ السَّنَةِ كُلِّهَا بِالْأَهِلَّةِ) ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْأَصْلُ (وَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ فَالْكُلُّ بِالْأَيَّامِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ بِالْأَيَّامِ وَالْبَاقِي بِالْأَهِلَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَيَّامَ يُصَارُ إلَيْهَا ضَرُورَةً، وَالضَّرُورَةُ فِي الْأَوَّلِ مِنْهَا. وَلَهُ أَنَّهُ مَتَى تَمَّ الْأَوَّلُ بِالْأَيَّامِ ابْتَدَأَ الثَّانِيَ بِالْأَيَّامِ ضَرُورَةً وَهَكَذَا إلَى آخِرِ السَّنَةِ، وَنَظِيرُهُ الْعِدَّةُ وَقَدْ مَرَّ فِي الطَّلَاقِ. قَالَ: (وَيَجُوزُ أَخْذُ أُجْرَةِ الْحَمَّامِ وَالْحَجَّامِ) أَمَّا الْحَمَّامُ فَلِتَعَارُفِ النَّاسِ وَلَمْ تُعْتَبَرْ الْجَهَالَةُ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» وَأَمَّا الْحَجَّامُ فَلِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ الْأُجْرَةَ» وَلِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ فَيَقَعُ جَائِزًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَنْ يَقُولَ مِنْ شَهْرِ رَجَبٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ مَثَلًا (وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا فَهُوَ مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ لِأَنَّ الْأَوْقَاتِ كُلَّهَا فِي حَقِّ الْإِجَارَةِ سَوَاءٌ) لِذِكْرِ الشَّهْرِ مَنْكُورًا وَفِي مِثْلِهِ يَتَعَيَّنُ الزَّمَانُ الَّذِي يَعْتَقِبُ السَّبَبَ (كَمَا فِي الْأَيْمَانِ) كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا شَهْرًا بِدَلَالَةِ الْحَالِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْعَاقِلِ أَنْ يَقْصِدَ صِحَّةَ الْعَقْدِ وَصِحَّتَهُ بِذَلِكَ لِتَعَيُّنِهِ بِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ (بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ شَهْرًا) حَيْثُ لَا يَتَعَيَّنُ الشَّهْرُ الَّذِي يَتَعَقَّبُ نَذْرُهُ مَا لَمْ يُعَيِّنْهُ، لِأَنَّ الْأَوْقَاتِ كُلَّهَا لَيْسَتْ فِيهِ عَلَى السَّوَاءِ (لِأَنَّ اللَّيَالِيَ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لَهُ) تَوْضِيحُهُ أَنَّ الشُّرُوعَ فِي الصَّوْمِ لَا يَكُونُ إلَّا بِعَزِيمَةٍ مِنْهُ وَرُبَّمَا لَا يَقْتَرِنُ ذَلِكَ بِالسَّبَبِ (ثُمَّ إنْ كَانَ الْعَقْدُ حِينَ يُهَلُّ الْهِلَالُ) عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ أَيْ يُبْصَرُ (فَشُهُورُ السَّنَةِ كُلُّهَا بِالْأَهِلَّةِ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ) فِي الشُّهُورِ الْعَرَبِيَّةِ، فَمَهْمَا كَانَ الْعَمَلُ بِهِ مُمْكِنًا لَا يُصَارُ إلَى غَيْرِهِ (وَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ فَالْكُلُّ بِالْأَيَّامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْأَوَّلَ بِالْأَيَّامِ وَالْبَاقِيَ بِالْأَهِلَّةِ) فَيَكُونُ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا بِالْهِلَالِ وَشَهْرٌ بِالْأَيَّامِ يُكْمِلُ مَا بَقِيَ مِنْ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ مِنْ الشَّهْرِ الْأَخِيرِ (لِأَنَّ الْأَيَّامَ يُصَارُ إلَيْهَا ضَرُورَةً وَالضَّرُورَةُ فِي الْأَوَّلِ مِنْهَا) فَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ تَمَامَ الْأَوَّلِ وَاجِبٌ ضَرُورَةَ تَسْمِيَتِهِ شَهْرًا، وَتَمَامُهُ إنَّمَا يَكُونُ بِبَعْضِ الثَّانِي، فَإِذَا تَمَّ الْأَوَّلُ بِالْأَيَّامِ ابْتَدَأَ الثَّانِي بِالْأَيَّامِ ضَرُورَةً وَهَكَذَا إلَى آخِرِ السَّنَةِ، وَنَظِيرُهُ الْعِدَّةُ وَقَدْ مَرَّ فِي الطَّلَاقِ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: هَذِهِ حَوَالَةٌ غَيْرُ رَائِجَةٍ، فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا الِاخْتِلَافِ عَلَى أَنَّ الْأَشْهُرَ كُلَّهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالْأَيَّامِ وَعِنْدَهُمَا الْبَاقِي بَعْدَ الْأَوَّلِ وَالْأَخِيرِ بِالْأَشْهُرِ لَمْ يَمُرَّ فِي الطَّلَاقِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَهُوَ سَهْوٌ مِنْهُ، لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ: ثُمَّ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بِالْأَهِلَّةِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ تُعْتَبَرُ الشُّهُورُ بِالْأَهِلَّةِ، وَإِنْ كَانَ فِي وَسَطِهِ فَبِالْأَيَّامِ فِي حَقِّ التَّفْرِيقِ وَفِي حَقِّ الْعِدَّةِ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَكْمُلُ الْأَوَّلُ بِالْأَخِيرِ وَالْمُتَوَسِّطَانِ بِالْأَهِلَّةِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْإِجَارَاتِ. قَالَ (وَيَجُوزُ أَخْذُ أُجْرَةِ الْحَمَّامِ وَالْحَجَّامِ إلَخْ) اسْتِئْجَارُ الْحَمَّامِ وَالْحَجَّامِ وَأَخْذُ أُجْرَتِهِمَا جَائِزٌ، أَمَّا الْحَمَّامُ فَلِجَرَيَانِ الْعُرْفِ بِذَلِكَ

قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ أُجْرَةِ عَسْبِ التَّيْسِ) وَهُوَ أَنْ يُؤَجِّرَ فَحْلًا لِيَنْزُوَ عَلَى الْإِنَاثِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ مِنْ السُّحْتِ عَسْبَ التَّيْسِ» وَالْمُرَادُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ. قَالَ: (وَلَا الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْأَذَانِ وَالْحَجِّ، وَكَذَا الْإِمَامَةُ وَتَعْلِيمُ الْقُرْآنِ وَالْفِقْهِ) وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ طَاعَةٍ يَخْتَصُّ بِهَا الْمُسْلِمُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصِحُّ فِي كُلِّ مَا لَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْأَجِيرِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ غَيْرِ مُتَعَيَّنٍ عَلَيْهِ فَيَجُوزُ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْقِيَاسُ عَدَمُ الْجَوَازِ لِلْجَهَالَةِ وَلَكِنَّهُ تُرِكَ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» وَأَمَّا الْحَجَّامُ فَلِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - احْتَجَمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ الْأُجْرَةَ» وَلِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ بِلَا مَانِعٍ مَعْلُومٍ فَيَقَعُ جَائِزًا، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُمَا فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ مَعَ كَوْنِهِ جَائِزًا لِأَنَّ لِبَعْضِ النَّاسِ فِيهِ خِلَافًا، فَإِنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ كَرِهَ غَلَّةَ الْحَمَّامِ آخِذًا بِظَاهِرِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحَمَّامُ شَرُّ بَيْتٍ» وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَلَ بَيْنَ حَمَّامِ الرِّجَالِ وَحَمَّامِ النِّسَاءِ فَكَرِهَ اتِّخَاذَ الْحَمَّامِ لِلنِّسَاءِ لِأَنَّهُنَّ نُهِينَ عَنْ الْبُرُوزِ وَأُمِرْنَ بِالْقَرَارِ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ لَمْ يُبِحْ أُجْرَةَ الْحَجَّامِ، وَكَرِهَ كَسْبَهُ عُثْمَانُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَالْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ مِنْ السُّحْتِ عَسْبَ التَّيْسِ وَمَهْرَ الْبَغِيِّ وَكَسْبَ الْحَجَّامِ» وَالصَّحِيحُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِاِتِّخَاذِ الْحَمَّامِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا لِلْحَاجَةِ، وَالْحَاجَةُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ أَظْهَرُ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَحْتَاجُ إلَى الِاغْتِسَالِ عَنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَلَا تَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ فِي الْأَنْهَارِ وَالْحِيَاضِ تَمَكُّنَ الرِّجَالِ، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ حَمَّامَ الْجُحْفَةِ» . وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ مِنْ الْكَرَاهَةِ هُوَ أَنْ يَدْخُلَ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ، فَأَمَّا بَعْدَ التَّسَتُّرِ فَلَا بَأْسَ بِالدُّخُولِ، وَلَا كَرَاهَةَ فِي غَلَّتِهِ كَمَا لَا كَرَاهَةَ فِي غَلَّةِ الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ. وَالنَّهْيُ فِي كَسْبِ الْحَجَّامِ قَدْ انْتَسَخَ بِمَا ذُكِرَ فِي آخِرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «فَآتَاهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: إنَّ لِي نَاضِحًا وَحَجَّامًا أَفَأَعْلِفُ نَاضِحِي مِنْ كَسْبِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَتَاهُ آخَرُ فَقَالَ: إنَّ لِي عِيَالًا وَحَجَّامًا أَفَأُطْعِمُ عِيَالِي مِنْ كَسْبِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ» فَالرُّخْصَةُ بَعْدَ النَّهْيِ دَلِيلُ انْتِسَاخِ الْحُرْمَةِ (وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ أُجْرَةِ عَسْبِ الْفَحْلِ) أَيْ ضِرَابِهِ (وَهُوَ أَنْ يُؤَجِّرَ فَحْلًا لِيَنْزُوَ عَلَى الْإِنَاثِ) وَخَرَجَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ لِجَوَازِهِ وَجْهًا، وَهُوَ أَنَّهُ انْتِفَاعٌ مُبَاحٌ وَلِهَذَا جَازَ بِطَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ وَالْحَاجَةُ تَدْعُو إلَيْهِ فَكَانَ جَائِزًا كَاسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ لِلْإِرْضَاعِ، قُلْنَا هُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ مِنْ السُّحْتِ عَسْبَ التَّيْسِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَمُرَادُهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ) ، (وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْأَذَانِ وَالْحَجِّ) وَكَلَامُهُ فِيهِ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ غَيْرِ مُتَعَيَّنٍ عَلَيْهِ) إشَارَةً إلَى الِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ تَعَيَّنَ الشَّخْصُ لِلْإِمَامَةِ وَالْإِفْتَاءِ وَالتَّعْلِيمِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ بِالْإِجْمَاعِ

«اقْرَءُوا الْقُرْآنَ وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ» وَفِي آخِرِ مَا عَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ «وَإِنْ اُتُّخِذْتَ مُؤَذِّنًا فَلَا تَأْخُذْ عَلَى الْأَذَانِ أَجْرًا» وَلِأَنَّ الْقُرْبَةَ مَتَى حَصَلَتْ وَقَعَتْ عَنْ الْعَامِلِ وَلِهَذَا تُعْتَبَرُ أَهْلِيَّتُهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الْأَجْرِ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَلِأَنَّ التَّعْلِيمَ مِمَّا لَا يَقْدِرُ الْمُعَلِّمُ عَلَيْهِ إلَّا بِمَعْنًى مِنْ قِبَلِ الْمُتَعَلِّمِ فَيَكُونُ مُلْتَزِمًا مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَلَا يَصِحُّ. وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا اسْتَحْسَنُوا الِاسْتِئْجَارَ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ الْيَوْمَ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ التَّوَانِي فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ. فَفِي الِامْتِنَاعِ تَضْيِيعُ حِفْظِ الْقُرْآنِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْغِنَاءِ وَالنَّوْحِ، وَكَذَا سَائِرُ الْمَلَاهِي) ؛ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَالْمَعْصِيَةُ لَا تُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ. قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ إجَارَةُ الْمُشَاعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا مِنْ الشَّرِيكِ، وَقَالَا: إجَارَةُ الْمُشَاعِ جَائِزَةٌ) وَصُورَتُهُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَصِيبًا مِنْ دَارِهِ أَوْ نَصِيبَهُ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبَعْضُ مَشَايِخِنَا) يُرِيدُ بِهِ مَشَايِخَ بَلْخِي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - (اسْتَحْسَنُوا الِاسْتِئْجَارَ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ الْيَوْمَ) يَعْنِي فِي زَمَانِنَا، وَجَوَّزُوا لَهُ ضَرْبَ الْمُدَّةِ وَأَفْتَوْا بِوُجُوبِ الْمُسَمَّى، وَعِنْدَ عَدَمِ الِاسْتِئْجَارِ أَوْ عِنْدَ عَدَمِ ضَرْبِ الْمُدَّةِ أَفْتَوْا بِوُجُوبِ أَجْرِ الْمِثْلِ (لِأَنَّهُ ظَهَرَ التَّوَانِي فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ، فَفِي الِامْتِنَاعِ تَضْيِيعُ حِفْظِ الْقُرْآنِ) وَقَالُوا: إنَّمَا كَرِهَ الْمُتَقَدِّمُونَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ لِلْمُعَلِّمِينَ عَطِيَّاتٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَكَانُوا مُسْتَغْنِينَ عَمَّا لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ أَمْرِ مَعَاشِهِمْ، وَقَدْ كَانَ فِي النَّاسِ رَغْبَةٌ فِي التَّعْلِيمِ بِطَرِيقِ الْحِسْبَةِ وَلَمْ يَبْقَ ذَلِكَ، وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخَيْرَاخَرِيُّ: يَجُوزُ فِي زَمَانِنَا لِلْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ وَالْمُعَلِّمِ أَخْذُ الْأُجْرَةِ، ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ (وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى سَائِرِ الْمَلَاهِي لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَالْمَعْصِيَةُ لَا تُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ) فَإِنَّهُ لَوْ اُسْتُحِقَّتْ بِهِ لَكَانَ وُجُوبُ مَا يَسْتَحِقُّ الْمَرْءُ بِهِ عِقَابًا مُضَافًا إلَى الشَّرْعِ وَهُوَ بَاطِلٌ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ إجَارَةُ الْمُشَاعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا مِنْ الشَّرِيكِ) وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَ الرَّجُلُ

دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ مِنْ غَيْرِ الشَّرِيكِ. لَهُمَا أَنَّ لِلْمُشَاعِ مَنْفَعَةً وَلِهَذَا يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَالتَّسْلِيمُ مُمْكِنٌ بِالتَّخْلِيَةِ أَوْ بِالتَّهَايُؤِ فَصَارَ كَمَا إذَا آجَرَ مِنْ شَرِيكِهِ أَوْ مِنْ رَجُلَيْنِ وَصَارَ كَالْبَيْعِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ آجَرَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَلَا يَجُوزُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْمُشَاعِ وَحْدَهُ لَا يُتَصَوَّرُ، وَالتَّخْلِيَةُ اُعْتُبِرَتْ تَسْلِيمًا لِوُقُوعِهِ تَمْكِينًا وَهُوَ الْفِعْلُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ التَّمَكُّنُ وَلَا تَمَكُّنَ فِي الْمُشَاعِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِحُصُولِ التَّمَكُّنِ فِيهِ، وَأَمَّا التَّهَايُؤُ فَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ حُكْمًا لِلْعَقْدِ بِوَاسِطَةِ الْمِلْكِ، وَحُكْمُ الْعَقْدِ يَعْقُبُهُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ شَرْطُ الْعَقْدِ وَشَرْطُ الشَّيْءِ يَسْبِقُهُ، وَلَا يُعْتَبَرُ الْمُتَرَاخِي سَابِقًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQنَصِيبًا مِنْ دَارِهِ أَوْ نَصِيبَهُ مِنْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ مِنْ غَيْرِ الشَّرِيكِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ كَانَ النَّصِيبُ مَعْلُومًا كَالرُّبُعِ وَنَحْوِهِ أَوْ مَجْهُولًا (وَقَالَا: يَجُوزُ لِأَنَّ الْمُشَاعَ لَهُ مَنْفَعَةٌ وَلِهَذَا يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ) وَمَا لَهُ مَنْفَعَةٌ يُرَدُّ عَلَيْهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ فَكَانَ الْمُقْتَضِي مَوْجُودًا (وَالْمَانِعُ) وَهُوَ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ (مُنْتَفٍ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ بِالتَّخْلِيَةِ أَوْ بِالتَّهَايُؤِ، فَصَارَ كَمَا إذَا آجَرَ مِنْ شَرِيكِهِ أَوْ مِنْ رَجُلَيْنِ وَصَارَ كَالْبَيْعِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ آجَرَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ) وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مُعَارَضَةً، وَتَقْرِيرُهُ آجَرَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ (لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْمُشَاعِ وَحْدَهُ) سَوَاءٌ كَانَ مُحْتَمِلًا لِلْقِسْمَةِ كَالدَّارِ أَوْ لَا كَالْعَبْدِ (غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ) وَمَا لَا يُتَصَوَّرُ تَسْلِيمُهُ لَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَالْإِجَارَةُ عَقْدٌ عَلَى الْمَنْفَعَةِ فَيَكُونُ دَلِيلًا مُبْتَدَأً مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِدَلِيلِ الْخَصْمِ. وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مُمَانَعَةً وَتَقْرِيرُهُ لَا نُسَلِّمُ انْتِفَاءَ الْمَانِعِ فَإِنَّهُ آجَرَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّسْلِيمِ وَعَدَمُ التَّسْلِيمِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِجَارَةِ. وَقَوْلُهُ (وَالتَّخْلِيَةُ) جَوَابٌ عَمَّا قَالَا وَالتَّسْلِيمُ مُمْكِنٌ بِالتَّخْلِيَةِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ التَّخْلِيَةَ لَمْ تُعْتَبَرْ تَسْلِيمًا لِذَاتِهَا حَيْثُ اُعْتُبِرَتْ بَلْ لِكَوْنِهَا تَمْكِينًا (وَهُوَ) أَيْ التَّمْكِينُ هُوَ (الْفِعْلُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ التَّمَكُّنُ) فَكَأَنَّهَا اُعْتُبِرَتْ عِلَّةً وَهُوَ وَسِيلَةٌ إلَى التَّمَكُّنِ (وَالتَّمَكُّنُ فِي الْمُشَاعِ غَيْرُ حَاصِلٍ) فَفَاتَ الْمَعْلُولُ وَإِذَا فَاتَ الْمَعْلُولُ لَا مُعْتَبَرَ بِالْعِلَّةِ (بِخِلَافِ الْبَيْعِ) فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ لَيْسَ الِانْتِفَاعَ بَلْ الرَّقَبَةَ وَلِهَذَا جَازَ بَيْعُ الْجَحْشِ فَكَانَ التَّمَكُّنُ بِالتَّخْلِيَةِ فِيهِ حَاصِلًا. وَقَوْلُهُ (وَأَمَّا التَّهَايُؤُ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا أَوْ بِالتَّهَايُؤِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّهَايُؤَ مِنْ أَحْكَامِ الْعَقْدِ بِوَاسِطَةِ الْمِلْكِ فَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْعَقْدِ الْمُوجِبِ لِلْمِلْكِ وَهُوَ مُنْتَفٍ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَلَا يُمْكِنُ

وَبِخِلَافِ مَا إذَا آجَرَ مِنْ شَرِيكِهِ فَالْكُلُّ يَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِ فَلَا شُيُوعَ، وَالِاخْتِلَافُ فِي النِّسْبَةِ لَا يَضُرُّهُ، عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ، وَبِخِلَافِ الشُّيُوعِ الطَّارِئِ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِلْبَقَاءِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا آجَرَ مِنْ رَجُلَيْنِ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ يَقَعُ جُمْلَةً ثُمَّ الشُّيُوعُ بِتَفَرُّقِ الْمِلْكِ فِيمَا بَيْنَهُمَا طَارِئٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإثْبَاتُهُ بِالتَّهَايُؤِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ثُبُوتُ الشَّيْءِ بِمَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ ثُبُوتًا. وَقَوْلُهُ (وَبِخِلَافِ مَا إذَا آجَرَ مِنْ شَرِيكِهِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا فَصَارَ كَمَا إذَا آجَرَ مِنْ شَرِيكِهِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا آجَرَ مِنْ شَرِيكِهِ (فَالْكُلُّ يَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِ فَلَا شُيُوعَ) وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شُيُوعٌ؛ لَجَازَ الْهِبَةُ وَالرَّهْنُ مِنْ الشَّرِيكِ لَكِنَّهُ لَمْ يَجُزْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ لَا شُيُوعَ يَمْنَعُ التَّسْلِيمَ وَهُوَ الْمَقْصُودُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَالْمَنْفِيُّ شُيُوعٌ مَوْصُوفٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشُّيُوعُ مَانِعًا لِحُكْمٍ بِاعْتِبَارٍ دُونَ آخَرَ فَيَمْنَعُ عَنْ جَوَازِ الْهِبَةِ مِنْ حَيْثُ الْقَبْضُ فَإِنَّ الْقَبْضَ التَّامَّ لَا يَحْصُلُ فِي الشَّائِعِ، كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الشَّرِيكَ وَالْأَجْنَبِيَّ فِيهِ سَوَاءٌ، وَيَمْنَعُ جَوَازَ الرَّهْنِ لِانْعِدَامِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْحَبْسُ الدَّائِمُ لِأَنَّهُ فِي الشَّائِعِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ، وَالشَّرِيكُ وَالْأَجْنَبِيُّ فِيهِ سَوَاءٌ. وَأَمَّا هَاهُنَا فَلَا يَنْعَدِمُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ، وَإِنَّمَا يَتَعَذَّرُ التَّسْلِيمُ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي حَقِّ الشَّرِيكِ. وَقَوْلُهُ (وَالِاخْتِلَافُ فِي النِّسْبَةِ لَا يَضُرُّهُ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: سَلَّمْنَا أَنَّ الْكُلَّ يَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِ، لَكِنْ عَلَى اخْتِلَافٍ مَعَ النِّسْبَةِ لِأَنَّ الشَّرِيكَ يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ بِنِسْبَةِ الْمِلْكِ وَبِنَصِيبِ شَرِيكِهِ بِالِاسْتِئْجَارِ فَيَكُونُ الشُّيُوعُ مَوْجُودًا. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي السَّبَبِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ إذَا اتَّحَدَ الْمَقْصُودُ، عَلَى أَنَّا نَمْنَعُ جَوَازَهُ عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ فَكَانَ كَالرَّهْنِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَقَوْلُهُ (وَبِخِلَافِ الشُّيُوعِ الطَّارِئِ) بِأَنْ آجَرَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلَيْنِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ تَبْقَى الْإِجَارَةُ فِي نَصِيبِ الْحَيِّ شَائِعًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِلْبَقَاءِ) لِأَنَّ الْقُدْرَةَ لِوُجُوبِ التَّسْلِيمِ، وَوُجُوبُهُ فِي الِابْتِدَاءِ دُونَ الْبَقَاءِ لَيْسَ لَهُ تَعَلُّقٌ ظَاهِرًا إلَّا أَنْ يُجْعَلَ تَمْهِيدًا لِلْجَوَابِ عَنْ قَوْلِهِمَا أَوْ مِنْ رَجُلَيْنِ، لَكِنَّهُ فِي قَوْلِهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا آجَرَ نَبْوَةً عَنْ ذَلِكَ تُعْرَفُ بِالتَّأَمُّلِ. وَقَوْلُهُ (وَبِخِلَافِ مَا إذَا آجَرَ مِنْ رَجُلَيْنِ) جَوَابٌ عَنْ ذَلِكَ، وَوَجْهُهُ مَا قَالَ (إنَّ التَّسْلِيمَ يَقَعُ جُمْلَةً ثُمَّ الشُّيُوعُ بِتَفَرُّقِ الْمِلْكِ فِيمَا بَيْنَهُمَا طَارِئٌ) فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ طَارِئٌ بَلْ هُوَ مُقَارِنٌ لِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً. أُجِيبَ

قَالَ: (وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الظِّئْرِ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَنَّ بَقَاءَ الْإِجَارَةِ لَهُ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ فَلَا يَكُونُ مُقَارِنًا، وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْغَيْرَ اللَّازِمِ هُوَ الَّذِي يَكُونُ لِلْبَقَاءِ فِيهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَكَالَةِ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ هَذَا ابْتِدَاءً وَبَقَاءً سَقَطَ الِاعْتِرَاضُ، وَإِنَّمَا الْخَصْمُ يَقُولُ: لَا بَقَاءَ لِلْعَقْدِ فِيهَا. وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: الطَّرَيَانُ إنَّمَا هُوَ عَلَى التَّسْلِيمِ لَا عَلَى الْعَقْدِ وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَشُكُّ فِيهِ. قَالَ (وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الظِّئْرِ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ إلَخْ) اسْتِئْجَارُ الظِّئْرِ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ جَائِزٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] يَعْنِي بَعْدَ الطَّلَاقِ،

لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَلِأَنَّ التَّعَامُلَ بِهِ كَانَ جَارِيًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَبْلَهُ وَأَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ. ثُمَّ قِيلَ: إنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ عَلَى الْمَنَافِعِ وَهِيَ خِدْمَتُهَا لِلصَّبِيِّ وَالْقِيَامُ بِهِ وَاللَّبَنُ يُسْتَحَقُّ عَلَى طَرِيقِ التَّبَعِ بِمَنْزِلَةِ الصَّبْغِ فِي الثَّوْبِ. وَقِيلَ إنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ عَلَى اللَّبَنِ، وَالْخِدْمَةُ تَابِعَةٌ، وَلِهَذَا لَوْ أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ شَاةٍ لَا تَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِأَنَّ التَّعَامُلَ بِهِ كَانَ جَارِيًا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَبْلَهُ، وَأَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَقِيلَ هُوَ الْمَنَافِعُ وَهِيَ خِدْمَتُهَا لِلصَّبِيِّ وَالْقِيَامُ بِهِ، وَاللَّبَنُ تَبَعٌ كَالصَّبْغِ فِي الثَّوْبِ وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ وَالْإِيضَاحِ وَالْمُصَنِّفِ. وَقِيلَ هُوَ اللَّبَنُ وَالْخِدْمَةُ تَابِعَةٌ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ حَيْثُ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعَقْدَ يَرِدُ عَلَى اللَّبَنِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِ تَبَعٌ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ مَنْفَعَةُ الثَّدْيِ وَمَنْفَعَةُ كُلِّ عُضْوٍ عَلَى حَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ، وَاسْتَوْضَحَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْجِهَةَ بِقَوْلِهِ: وَلِهَذَا لَوْ أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ شَاةٍ لَا تَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ، وَبَيَّنَ مَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَهُ بِقَوْلِهِ: وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى الْفِقْهِ لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ لَا يَنْعَقِدُ عَلَى إتْلَافِ الْأَعْيَانِ مَقْصُودًا، كَمَنْ اسْتَأْجَرَ بَقَرَةً لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا وَوَعَدَ بِبَيَانِ الْعُذْرِ عَنْ الْإِرْضَاعِ بِلَبَنِ شَاةٍ. وَتَعَجَّبَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ مِنْ اخْتِيَارِ الْمُصَنِّفِ مَا أَعْرَضَ عَنْهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ الدَّلِيلَ الْوَاضِحَ، وَهُوَ تَقْلِيدٌ صِرْفٌ لِأَنَّ الدَّلِيلَ لَيْسَ بِوَاضِحٍ، لِأَنَّ مَدَارَهُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ مَمْنُوعٌ، بَلْ الْمَقْصُودُ هُوَ الْإِرْضَاعُ وَانْتِظَامُ أَمْرِ مَعَاشِ الصَّبِيِّ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ يَتَعَلَّقُ بِأُمُورٍ وَوَسَائِطَ مِنْهَا اللَّبَنُ، فَجَعَلَ الْعَيْنَ الْمَرْئِيَّةَ مَنْفَعَةً.

وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى الْفِقْهِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ لَا يَنْعَقِدُ عَلَى إتْلَافِ الْأَعْيَانِ مَقْصُودًا، كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ بَقَرَةً؛ لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا. وَسَنُبَيِّنُ الْعُذْرَ عَنْ الْإِرْضَاعِ بِلَبَنِ الشَّاةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَنَقْضُ الْقَاعِدَةِ الْكُلِّيَّةِ أَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ عَقْدٌ عَلَى إتْلَافِ الْمَنَافِعِ مَعَ الْغِنَى عَنْ ذَلِكَ بِمَا هُوَ وَجْهٌ صَحِيحٌ لَيْسَ بِوَاضِحٍ، وَلَا يَتَشَبَّثُ لَهُ بِمَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: اسْتِحْقَاقُ لَبَنِ الْآدَمِيَّةِ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَجَوَازُ بَيْعِ لَبَنِ الْأَنْعَامِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلَئِنْ كَانَ فَنَحْنُ مَا مَنَعْنَا أَنْ يَسْتَحِقَّ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ

وَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا يَصِحُّ إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ مَعْلُومَةً اعْتِبَارًا بِالِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْخِدْمَةِ. قَالَ: (وَيَجُوزُ بِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا اسْتِحْسَانًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا: لَا يَجُوزُ) ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ مَجْهُولَةٌ فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِلْخَبْزِ وَالطَّبْخِ. وَلَهُ أَنَّ الْجَهَالَةَ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّ فِي الْعَادَةِ التَّوْسِعَةَ عَلَى الْأَظْآرِ شَفَقَةٌ عَلَى الْأَوْلَادِ فَصَارَ كَبَيْعِ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ، بِخِلَافِ الْخَبْزِ وَالطَّبْخِ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهِ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: فَإِنْ سَمَّى الطَّعَامَ دَرَاهِمَ وَوَصَفَ جِنْسَ الْكِسْوَةِ وَأَجَلَهَا وَذَرْعَهَا فَهُوَ جَائِزٌ) يَعْنِي بِالْإِجْمَاعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي اسْتِحْقَاقِهِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مَقْصُودًا أَوْ تَبَعًا وَلَيْسَ فِي كَلَامِ مُحَمَّدٍ مَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي مِنْ جَوَازِ الْإِجَارَةِ بِأَحَدِ الطَّرِيقَيْنِ (صَحَّتْ إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ مَعْلُومَةً اعْتِبَارًا بِاسْتِئْجَارِ عَبْدٍ لِلْخِدْمَةِ مَثَلًا) فَإِنْ قِيلَ: قَدْ عُلِمَ مِنْ أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ جَوَازُهَا حَيْثُ صَدَرَ الْحُكْمُ فَاسْتَدَلَّ فَمَا فَائِدَةُ هَذَا الْكَلَامِ؟ قُلْت: أَثْبَتَ جَوَازَهَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوَّلًا ثُمَّ رَجَعَ إلَى إثْبَاتِهَا بِالْقِيَاسِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ (وَيَجُوزُ بِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا) يَعْنِي جَازَتْ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ كَسَائِرِ الْإِجَارَاتِ وَبِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا أَيْضًا (اسْتِحْسَانًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِأَنَّ الْعَادَةَ الْجَارِيَةَ بِالتَّوْسِعَةِ عَلَى الْأَظْآرِ شَفَقَةٌ عَلَى الْأَوْلَادِ تَرْفَعُ الْجَهَالَةَ، بِخِلَافِ مَا قَالَاهُ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ الْإِجَارَاتِ كَالْخَبْزِ وَالطَّبْخِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ الْجَهَالَةَ فِيهَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَلَا يَجُوزُ بِطَعَامِ الطِّبَاخَةِ وَكِسْوَتِهَا

وَمَعْنَى تَسْمِيَةِ الطَّعَامِ دَرَاهِمَ أَنْ يَجْعَلَ الْأُجْرَةَ دَرَاهِمَ ثُمَّ يَدْفَعُ الطَّعَامَ مَكَانَهُ، وَهَذَا لَا جَهَالَةَ فِيهِ (وَلَوْ سَمَّى الطَّعَامَ وَبَيَّنَ قَدْرَهُ جَازَ أَيْضًا) لِمَا قُلْنَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَذِكْرُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إشَارَةٌ إلَى مَا يَجْعَلُهُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ بِمَعْرِفَةِ الْجِنْسِ وَالْأَجَلِ وَالْمِقْدَارِ، وَفَسَّرَ قَوْلَهُ فَإِنْ سَمَّى الطَّعَامَ دَرَاهِمَ (بِأَنْ يَجْعَلَ الْأُجْرَةَ دَرَاهِمَ ثُمَّ يَدْفَعُ الطَّعَامَ مَكَانَهُ) أَيْ مَكَانَ الْمُسَمَّى مِنْ الدَّرَاهِمِ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَهَذَا التَّفْسِيرُ الَّذِي ذَكَرَهُ لَا يُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ، وَلَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: أَيْ سَمَّى الدَّرَاهِمَ الْمُقَدَّرَةَ بِمُقَابَلَةِ طَعَامِهَا، ثُمَّ أَعْطَى الطَّعَامَ بِإِزَاءِ الدَّرَاهِمِ الْمُسَمَّاةِ وَهُوَ حَقٌّ، وَلَكِنْ لَوْ قُدِّرَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَفْظَةُ بَدَلًا بِأَنْ يُقَالَ أَنْ يَجْعَلَ الْأُجْرَةَ دَرَاهِمَ بَدَلًا آلَ إلَى ذَلِكَ (وَهَذَا) أَيْ جَعَلَ الْأُجْرَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ (لَا جَهَالَةَ فِيهِ، وَكَذَا لَوْ سَمَّى الطَّعَامَ وَبَيَّنَ قَدْرَهُ

وَلَا يُشْتَرَطُ تَأْجِيلُهُ؛ لِأَنَّ أَوْصَافَهَا أَثْمَانٌ. (وَيُشْتَرَطُ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْبُيُوعِ (وَفِي الْكِسْوَةِ يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْأَجَلِ أَيْضًا مَعَ بَيَانِ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ إذَا صَارَ مَبِيعًا، وَإِنَّمَا يَصِيرُ مَبِيعًا عِنْدَ الْأَجَلِ كَمَا فِي السَّلَمِ. قَالَ (وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْنَعَ زَوْجَهَا مِنْ وَطْئِهَا) ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ حَقُّ الزَّوْجِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ صِيَانَةً لِحَقِّهِ، إلَّا أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَمْنَعُهُ عَنْ غِشْيَانِهَا فِي مَنْزِلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْزِلَ حَقُّهُ (فَإِنْ حَبِلَتْ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَفْسَخُوا الْإِجَارَةَ إذَا خَافُوا عَلَى الصَّبِيِّ مِنْ لَبَنِهَا) ؛ لِأَنَّ لَبَنَ الْحَامِلِ يُفْسِدُ الصَّبِيَّ وَلِهَذَا كَانَ لَهُمْ الْفَسْخُ إذَا مَرِضَتْ أَيْضًا (وَعَلَيْهَا أَنْ تُصْلِحَ طَعَامَ الصَّبِيِّ) ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ عَلَيْهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيمَا لَا نَصَّ عَلَيْهِ الْعُرْفُ فِي مِثْلِ هَذَا الْبَابِ، فَمَا جَرَى بِهِ الْعُرْفُ مِنْ غَسْلِ ثِيَابِ الصَّبِيِّ وَإِصْلَاحِ الطَّعَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى الظِّئْرِ أَمَّا الطَّعَامُ فَعَلَى وَالِدِ الْوَلَدِ، وَمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ أَنَّ الدُّهْنَ وَالرَّيْحَانَ عَلَى الظِّئْرِ فَذَلِكَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ. (وَإِنْ أَرْضَعَتْهُ فِي الْمُدَّةِ بِلَبَنِ شَاةٍ فَلَا أَجْرَ لَهَا) ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَأْتِ بِعَمَلٍ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهَا، وَهُوَ الْإِرْضَاعُ، فَإِنَّ هَذَا إيجَارٌ وَلَيْسَ بِإِرْضَاعٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الْأَجْرُ لِهَذَا الْمَعْنَى أَنَّهُ اخْتَلَفَ الْعَمَلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يُشْتَرَطُ تَأْجِيلُهُ) أَيْ تَأْجِيلُ الطَّعَامِ الْمُسَمَّى أُجْرَةً (لِأَنَّ أَوْصَافَهَا) أَيْ أَوْصَافَ الطَّعَامِ بِتَأْوِيلِ الْحِنْطَةِ (أَثْمَانٌ) أَيْ أَوْصَافُ أَثْمَانٍ مِنْ وُجُوبِهِ فِي الذِّمَّةِ إذَا كَانَ دَيْنًا، وَالْأَثْمَانُ لَا يُشْتَرَطُ تَأْجِيلُهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُسْلَمًا فِيهِ لِأَنَّهُ فِي السَّلَمِ مَبِيعٌ وَإِنْ كَانَ دَيْنًا فَاشْتُرِطَ تَأْجِيلُهُ بِالسَّنَةِ (وَيُشْتَرَطُ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ) إذَا كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَقَدْ مَرَّ فِي الْبُيُوعِ) وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ قَالَ (وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْنَعَ زَوْجَهَا مِنْ وَطْئِهَا إلَخْ) وَطْءُ الْمَرْأَةِ حَقُّ الزَّوْجِ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ إبْطَالِهِ وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ: أَيْ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ صِيَانَةً لِحَقِّهِ، وَلَفْظُ الْكِتَابِ مُطْلَقٌ يَتَنَاوَلُ مَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ مِمَّنْ يَشِينُهُ ظُئُورَةُ زَوْجَتِهِ أَوْ لَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ تُرْضِعُهُ فِي بَيْتِ أَبَوَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ مَنْزِلِهِ وَإِنْ كَانَتْ تُرْضِعُهُ فِي بَيْتِهِ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ إدْخَالِ صَبِيِّ الْغَيْرِ فِي مَنْزِلِهِ كَمَا أَنَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْنَعَ الزَّوْجَ مِنْ غَشَيَانِهَا فِي مَنْزِلِهِ بَعْدَ الرِّضَا بِالْعَقْدِ لِأَنَّ الْمَنْزِلَ حَقُّهُ، فَإِنْ حَبِلَتْ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَفْسَخُوا الْإِجَارَةَ إذَا خَافُوا عَلَى الصَّبِيِّ مِنْ لَبَنِهَا، لِأَنَّ لَبَنَ الْحَامِلِ يُفْسِدُ الصَّبِيَّ فَكَانَ الْخَوْفُ عُذْرًا تُفْسَخُ بِهِ الْإِجَارَةُ كَمَا لَوْ مَرِضَتْ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهَا أَنْ تُصْلِحَ طَعَامَ الصَّبِيِّ لِأَنَّ الْعَمَلَ) يَعْنِي الْعَمَلَ الرَّاجِعَ إلَى مَنْفَعَةِ الصَّبِيِّ (عَلَى الظِّئْرِ) وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ أَرْضَعَتْهُ فِي الْمُدَّةِ بِلَبَنِ شَاةٍ فَلَا أَجْرَ لَهَا، لِأَنَّهَا لَمْ تَأْتِ بِعَمَلٍ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهَا وَهُوَ الْإِرْضَاعُ، فَإِنَّ هَذَا إيجَارٌ وَلَيْسَ بِإِرْضَاعٍ) دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ (فَإِنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَجِبْ الْأَجْرُ لِاخْتِلَافِ الْعَمَلِ) لَا لِانْتِفَاءِ اللَّبَنِ، وَلِهَذَا لَوْ أُوجِرَ الصَّبِيُّ بِلَبَنِ الظِّئْرِ فِي الْمُدَّةِ لَمْ تُسْتَحَقَّ الْأُجْرَةُ، فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الْإِرْضَاعُ وَالْعَمَلُ دُونَ الْعَيْنِ وَهُوَ اللَّبَنُ. وَقَوْلُهُ (أَنَّهُ اخْتَلَفَ الْعَمَلُ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ لِهَذَا الْمَعْنَى. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَهُوَ أَنَّهُ وَفِي بَعْضِهَا " لِأَنَّهُ " فَإِنْ قِيلَ: الظِّئْرُ أَجِيرٌ خَاصٌّ أَوْ مُشْتَرَكٌ

قَالَ: (وَمَنْ دَفَعَ إلَى حَائِكٍ غَزْلًا لِيَنْسِجَهُ بِالنِّصْفِ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ. وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ حِمَارًا يَحْمِلُ طَعَامًا بِقَفِيزٍ مِنْهُ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْأَجْرَ بَعْضَ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ فَيَصِيرُ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ، وَهُوَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ ثَوْرًا لِيَطْحَنَ لَهُ حِنْطَةً بِقَفِيزٍ مِنْ دَقِيقِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأُجِيبَ بِأَنَّهَا أَجِيرٌ خَاصٌّ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْمَبْسُوطِ. قَالَ فِيهِ: وَلَوْ ضَاعَ الصَّبِيُّ مِنْ يَدِهَا أَوْ وَقَعَ فَمَاتَ أَوْ سُرِقَ مِنْ حُلِيِّ الصَّبِيِّ أَوْ ثِيَابِهِ شَيْءٌ لَمْ يَضْمَنْ الظِّئْرُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ، فَإِنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَى مَنَافِعِهَا فِي الْمُدَّةِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُؤَجِّرَ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِهِمْ بِمِثْلِ ذَلِكَ الْعَمَلِ، وَالْأَجِيرُ الْخَاصُّ أَمِينٌ فِيمَا فِي يَدِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ قَالَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ لَا عَيْنِهِ. وَذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ خَاصًّا وَمُشْتَرَكًا، فَإِنَّهَا لَوْ آجَرَتْ نَفْسَهَا لِقَوْمٍ آخَرِينَ لِذَلِكَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْأَوَّلُونَ فَأَرْضَعَتْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَفَرَغَتْ أَثِمَتْ، وَهَذِهِ جِنَايَةٌ مِنْهَا وَلَهَا الْأَجْرُ كَامِلًا عَلَى الْفَرِيقَيْنِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تَحْتَمِلُهُمَا، فَقُلْنَا بِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ مِنْهُمَا كَمَلًا تَشْبِيهًا بِالْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ، وَتَأْثَمُ بِمَا فَعَلَتْ نَظَرًا إلَى الْأَجِيرِ الْخَاصِّ. قَالَ (وَمَنْ دَفَعَ إلَى حَائِكٍ غَزْلًا لِيَنْسِجَهُ إلَخْ) وَمَنْ دَفَعَ إلَى حَائِكٍ غَزْلًا لِيَنْسِجَهُ بِالنِّصْفِ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ، وَكَذَلِكَ إذْ اسْتَأْجَرَ حِمَارًا يَحْمِلُ طَعَامًا لَهُ بِقَفِيزٍ مِنْهُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ فِي جَعْلِ الْأُجْرَةِ بَعْضَ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ، وَقَدْ «نَهَى النَّبِيُّ

وَهَذَا أَصْلٌ كَبِيرٌ يُعْرَفُ بِهِ فَسَادُ كَثِيرٍ مِنْ الْإِجَارَاتِ، لَا سِيَّمَا فِي دِيَارِنَا، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِ الْأَجْرِ وَهُوَ بَعْضُ الْمَنْسُوجِ أَوْ الْمَحْمُولِ. إذْ حُصُولُهُ بِفِعْلِ الْأَجِيرِ فَلَا يُعَدُّ هُوَ قَادِرًا بِقُدْرَةِ غَيْرِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ وَهُوَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ ثَوْرًا لِيَطْحَنَ لَهُ حِنْطَةً بِقَفِيزٍ مِنْ دَقِيقِهَا» وَهَذَا أَصْلٌ كَبِيرٌ يُعْرَفُ بِهِ فَسَادٌ كَثِيرٌ مِنْ الْإِجَارَاتِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ عُرْفُ دِيَارِنَا عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ يُتْرَكُ بِهِ الْقِيَاسُ؟ قُلْنَا: لَا، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَكَانَ ثَابِتًا بِدَلَالَةِ النَّصِّ، وَمِثْلُهُ لَا يُتْرَكُ بِالْعُرْفِ. فَإِنْ قِيلَ: لَا يُتْرَكُ بَلْ يُخَصَّصُ عَنْ الدَّلَالَةِ بَعْضُ مَا فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ بِالْعُرْفِ كَمَا فَعَلَ بَعْضُ مَشَايِخِ بَلْخِي فِي الثِّيَابِ لِجَرَيَانِ عُرْفِهِمْ بِذَلِكَ. قُلْت: الدَّلَالَةُ لَا عُمُومَ لَهَا حَتَّى يُخَصَّ عُرْفُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ (قَوْلُهُ وَالْمَعْنَى فِيهِ) يَعْنِي الْمَعْنَى الْفِقْهِيَّ فِي عَدَمِ جَوَازِ ذَلِكَ هُوَ (أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِ الْأَجْرِ وَهُوَ بَعْضُ الْمَنْسُوجِ أَوْ الْمَحْمُولِ لِأَنَّ حُصُولَهُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ وَالشَّخْصُ لَا يُعَدُّ قَادِرًا بِقُدْرَةِ غَيْرِهِ) فَإِذَا ثَبَتَ فَسَادُ الْعَقْدِ كَانَ لِلْحَائِكِ أَجْرُ مِثْلِهِ لِأَنَّ صَاحِبَ

وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْمِلَ نِصْفَ طَعَامِهِ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ حَيْثُ لَا يَجِبُ لَهُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ مَلَكَ الْأَجِيرَ فِي الْحَالِ بِالتَّعْجِيلِ فَصَارَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا. وَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِحَمْلِ طَعَامٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا لَا يَجِبُ الْأَجْرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّوْبِ اسْتَوْفَى مَنْفَعَتَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَكَانَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ (وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْمِلَ نِصْفَ طَعَامِهِ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ حَيْثُ لَا يَجِبُ لَهُ الْأَجْرُ) لَا الْمُسَمَّى وَلَا أَجْرُ الْمِثْلِ (لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ مَلَّكَ الْأَجِيرَ) الْأُجْرَةَ (فِي الْحَالِ بِالتَّعْجِيلِ) لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْأُجْرَةِ بِحُكْمِ التَّعْجِيلِ يُوجِبُ الْمِلْكَ فِي الْأُجْرَةِ (فَصَارَ) حَامِلًا طَعَامًا (مُشْتَرَكًا. وَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِحَمْلِ طَعَامٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا لَا يَجِبُ الْأَجْرُ.

لِأَنَّ مَا مِنْ جُزْءٍ يَحْمِلُهُ إلَّا وَهُوَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فِيهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. قَالَ (وَلَا يُجَاوِزُ بِالْأَجْرِ قَفِيزًا) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ فَالْوَاجِبُ الْأَقَلُّ مَا سَمَّى وَمِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِحَطِّ الزِّيَادَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَكَا فِي الِاحْتِطَابِ حَيْثُ يَجِبُ الْأَجْرُ بَالِغًا مَا بَلَغَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى هُنَاكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَلَمْ يَصِحَّ الْحَطُّ. قَالَ: (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَخْبِزَ لَهُ هَذِهِ الْعَشَرَةَ الْمَخَاتِيمَ مِنْ الدَّقِيقِ الْيَوْمَ بِدِرْهَمٍ فَهُوَ فَاسِدٌ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي الْإِجَارَاتِ: هُوَ جَائِزٌ) ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ عَمَلًا وَيَجْعَلُ ذِكْرَ الْوَقْتِ لِلِاسْتِعْجَالِ تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ فَتَرْتَفِعُ الْجَهَالَةُ. وَلَهُ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَجْهُولٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ مَا مِنْ جُزْءٍ يَحْمِلُهُ إلَّا وَهُوَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فِيهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ) وَقَوْلُهُ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ تَلْوِيحٌ إلَى مَسْأَلَةٍ أُخْرَى، وَهُوَ مَا إذَا قَالَ احْمِلْ هَذَا الْكُرَّ إلَى بَغْدَادَ بِنِصْفِهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ شَرِيكًا وَلَكِنْ تَفْسُدُ الْإِجَارَةُ لِكَوْنِهَا فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ، وَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ قِيمَةَ نِصْفِ الْكُرِّ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يُجَاوِزُ بِالْأَجْرِ قَفِيزًا) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ حِمَارًا لِيَحْمِلَ طَعَامًا بِقَفِيزٍ مِنْهُ (لِأَنَّهُ لَمَّا فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ فَالْوَاجِبُ الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى وَمِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِحَطِّ الزِّيَادَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَكَا فِي الِاحْتِطَابِ حَيْثُ يَجِبُ الْأَجْرُ بَالِغًا مَا بَلَغَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، لِأَنَّ الْمُسَمَّى) وَهُوَ نِصْفُ الْحَطَبِ (هُنَاكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَلَمْ يَصِحَّ الْحَطُّ) وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلَا يُجَاوِزُ بِأَجْرِهِ نِصْفَ ثَمَنِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِنِصْفِ الْمُسَمَّى حَيْثُ اشْتَرَكَ، وَهَذَا إذَا احْتَطَبَ أَحَدُهُمَا وَجَمَعَ الْآخَرُ، وَأَمَّا إذَا احْتَطَبَا جَمِيعًا وَجَمَعَا جَمِيعًا فَهُمَا شَرِيكَانِ عَلَى السَّوَاءِ. قَالَ (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَخْبِزَ لَهُ هَذِهِ الْعَشَرَةَ الْمَخَاتِيمَ إلَخْ) الْمَخَاتِيمُ جَمْعُ مَخْتُومٍ وَهُوَ الصَّاعُ سَمَّى بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتِمُ أَعْلَاهُ كَيْ لَا يَزْدَادَ أَوْ يَنْقُصَ، وَإِضَافَةُ الْعَشَرَةِ إلَى الْمَخَاتِيمِ مِنْ بَابِ الْخَمْسَةِ الْأَثْوَابِ عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ، وَالْيَوْمَ مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، وَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَخْبِزَ لَهُ هَذِهِ الْعَشَرَةَ الْمَخَاتِيمَ

لِأَنَّ ذِكْرَ الْوَقْتِ يُوجِبُ كَوْنَ الْمَنْفَعَةِ مَعْقُودًا عَلَيْهَا وَذِكْرَ الْعَمَلِ يُوجِبُ كَوْنَهُ مَعْقُودًا عَلَيْهِ وَلَا تَرْجِيحَ، وَنَفْعُ الْمُسْتَأْجِرِ فِي الثَّانِي وَنَفْعُ الْأَجِيرِ فِي الْأَوَّلِ فَيُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَصِحُّ الْإِجَارَةُ إذَا قَالَ: فِي الْيَوْمِ، وَقَدْ سَمَّى عَمَلًا؛ لِأَنَّهُ لِلظَّرْفِ فَكَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ الْيَوْمَ وَقَدْ مَرَّ مِثْلُهُ فِي الطَّلَاقِ. قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQالْيَوْمَ بِدِرْهَمٍ فَهُوَ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: هُوَ جَائِزٌ ذَكَرَهُ فِي إجَارَاتِ الْمَبْسُوطِ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ حَتَّى إذَا فَرَغَ مِنْهُ نِصْفَ النَّهَارِ فَلَهُ الْأَجْرُ كَامِلًا، وَإِنْ لَمْ يَفْرُغْ فِي الْيَوْمِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَهُ فِي الْغَدِ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الْعَمَلُ، وَإِذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُوَ الْعَمَلُ وَهُوَ مَعْلُومٌ جَازَ الْعَقْدُ وَيَجْعَلُ ذِكْرَ الْوَقْتِ لِلِاسْتِعْجَالِ لَا لِتَعْلِيقِ الْعَقْدِ بِهِ فَكَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِلْعَمَلِ عَلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْهُ فِي أَسْرَعِ الْأَوْقَاتِ، وَالْحَمْلُ عَلَى هَذَا مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ دَفْعًا لِلْجَهَالَةِ لِتَصْحِيحِ الْعَقْدِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَجْهُولٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا صَالِحٌ لِذَلِكَ، لِأَنَّ ذِكْرَ الْوَقْتِ يُوجِبُ كَوْنَ الْمَنْفَعَةِ مَعْقُودًا عَلَيْهَا، وَذِكْرُ الْعَمَلِ يُوجِبُ كَوْنَهُ مَعْقُودًا عَلَيْهِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَالْجَهَالَةُ الْمُفْضِيَةُ إلَى النِّزَاعِ تُفْسِدُ الْعَقْدَ، وَهَذِهِ كَذَلِكَ لِأَنَّ نَفْعَ الْمُسْتَأْجِرِ فِي الثَّانِي حَتَّى لَا يَجِبَ الْأَجْرُ عَلَيْهِ إلَّا بِتَسْلِيمِ الْعَمَلِ، وَنَفْعُ الْأَجِيرِ فِي الْأَوَّلِ لِاسْتِحْقَاقِهِ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ، فَإِنْ مَضَى الْيَوْمَ وَلَمْ يَفْرُغْ مِنْ الْعَمَلِ جَازَ أَنْ يَطْلُبَ الْأَجِيرُ أَجْرَهُ نَظَرًا إلَى الْأَوَّلِ وَيَمْنَعَهُ الْمُسْتَأْجِرُ نَظَرًا إلَى الثَّانِي فَأَفْضَى إلَى النِّزَاعِ، وَجَعْلُ ذِكْرِ الْوَقْتِ لِلتَّعْجِيلِ تَحَكُّمٌ لِتَفَاوُتِ الْأَغْرَاضِ، فَقَدْ يَكُونُ لِلتَّعْجِيلِ وَقَدْ يَكُونُ لِكَوْنِ الْمَنْفَعَةِ مَعْلُومَةً، وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ مَسْأَلَتِنَا وَبَيْنَ مَا إذَا قَالَ إنَّ خِطَّتَهُ الْيَوْمَ فَلَكَ دِرْهَمٌ، وَإِنَّ خِطَّتَهُ غَدًا فَلَكَ نِصْفُ دِرْهَمٍ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَجَازَ الشَّرْطَ الْأَوَّلَ وَجَعَلَ ذِكْرَ الْوَقْتِ لِلتَّعْجِيلِ وَبَيَّنَهَا وَبَيَّنَ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَخْبِزَ لَهُ قَفِيزَ دَقِيقٍ عَلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْهُ الْيَوْمَ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ فِيهَا جَائِزَةٌ بِالْإِجْمَاعِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأُولَى أَنَّ دَلِيلَ الْمَجَازِ وَهُوَ نُقْصَانُ الْأَجْرِ لِلتَّأْخِيرِ فِيهَا صَرْفُهُ عَنْ حَقِيقَتِهِ الَّتِي هِيَ التَّوْقِيتُ إلَى الْمَجَازِ الَّذِي هُوَ التَّعْجِيلُ، وَلَيْسَ لَهُ فِي مَسْأَلَتِنَا مَا يَصْرِفُهُ عَنْهَا فَلَا يُصَارُ إلَى الْمَجَازِ، وَكَذَلِكَ بَيَّنَهَا وَبَيَّنَ الثَّانِيَةَ، فَإِنَّ كَلِمَةَ عَلَى فِيهَا مَعْنَى الشَّرْطِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَحَيْثُ جَعَلَهُ شَرْطًا دَلَّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ التَّعْجِيلُ، يُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ إذَا قَالَ فِي الْيَوْمِ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ

(وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا عَلَى أَنْ يَكْرُبَهَا وَيَزْرَعَهَا أَوْ يَسْقِيَهَا وَيَزْرَعَهَا فَهُوَ جَائِزٌ) ؛ لِأَنَّ الزِّرَاعَةَ مُسْتَحَقَّةٌ بِالْعَقْدِ، وَلَا تَتَأَتَّى الزِّرَاعَةُ إلَّا بِالسَّقْيِ وَالْكِرَابِ. فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَحَقًّا. وَكُلُّ شَرْطٍ هَذِهِ صِفَتُهُ يَكُونُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ فَذِكْرُهُ لَا يُوجِبُ الْفَسَادَ (فَإِنْ اشْتَرَطَ أَنْ يُثَنِّيَهَا أَوْ يُكْرِيَ أَنْهَارَهَا أَوْ يُسَرْقِنَهَا فَهُوَ فَاسِدٌ) ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى أَثَرُهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ، وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ. وَمَا هَذَا حَالُهُ يُوجِبُ الْفَسَادَ؛ لِأَنَّ مُؤَجِّرَ الْأَرْضِ يَصِيرُ مُسْتَأْجِرًا مَنَافِعَ الْأَجِيرِ عَلَى وَجْهٍ يَبْقَى بَعْدَ الْمُدَّةِ فَيَصِيرُ صَفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. ثُمَّ قِيلَ: الْمُرَادُ بِالتَّثْنِيَةِ أَنْ يَرُدَّهَا مَكْرُوبَةً وَلَا شُبْهَةَ فِي فَسَادِهِ. وَقِيلَ أَنْ يُكْرِيَهَا مَرَّتَيْنِ، وَهَذَا فِي مَوْضِعٍ تُخْرِجُ الْأَرْضُ الرِّيعَ بِالْكِرَابِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَالْمُدَّةُ سَنَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ ثَلَاثَ سِنِينَ لَا تَبْقَى مَنْفَعَتُهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِكْرِي الْأَنْهَارِ الْجَدَاوِلَ بَلْ الْمُرَادُ مِنْهَا الْأَنْهَارُ الْعِظَامُ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ تَبْقَى مَنْفَعَتُهُ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ. قَالَ: (وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَزْرَعَهَا بِزِرَاعَةِ أَرْضٍ أُخْرَى فَلَا خَيْرَ فِيهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ جَائِزٌ، وَعَلَى هَذَا إجَارَةُ السُّكْنَى بِالسُّكْنَى وَاللُّبْسِ بِاللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ بِالرُّكُوبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ لِلظَّرْفِ وَالْمَظْرُوفُ لَا يَسْتَغْرِقُ الظَّرْفَ كَمَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إنْ عَمِلْت فِي بَعْضِ الْيَوْمِ وَذَلِكَ يُفِيدُ التَّعْجِيلَ فَكَانَ الْعَمَلُ هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ الْيَوْمَ فَإِنَّ الْمَنْفَعَةَ تَسْتَغْرِقُ الْوَقْتَ فَتَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مَعْقُودًا عَلَيْهِ وَتَلْزَمَ الْجَهَالَةُ. قَالَ (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا عَلَى أَنْ يُكْرِيَهَا إلَخْ) بَيَّنَ فِي هَذَا أَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي لَا يَقْتَضِيهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ شَرْطٌ فَاسِدٌ يَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ، وَالشَّرْطُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ لَا يُفْسِدُهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ، فَإِنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا عَلَى أَنْ يُكْرِيَهَا وَيَزْرَعَهَا أَوْ يَسْقِيَهَا وَيَزْرَعَهَا فَهُوَ جَائِزٌ، لِأَنَّ الزِّرَاعَةَ تُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ وَلَا تَتَأَتَّى إلَّا بِالسَّقْيِ وَالْكِرَابِ فَكَانَا مِنْ مُقْتَضَيَاتِهِ فَذِكْرُهُ لَا يُوجِبُ الْفَسَادَ، وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يُثْنِيَهَا أَوْ يُكْرِيَ أَنْهَارَهَا أَوْ يُسَرْقِنَهَا فَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ، وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِبَقَاءِ أَثَرِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، وَمَا هَذَا حَالُهُ يُوجِبُ الْفَسَادَ لِأَنَّ مُؤَجِّرَ الْأَرْضِ يَصِيرُ مُسْتَأْجِرًا مَنَافِعَ الْأَجِيرِ عَلَى وَجْهٍ تَبْقَى بَعْدَ الْمُدَّةِ فَيَصِيرُ صَفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّثْنِيَةِ إنْ كَانَ رَدَّهَا مَكْرُوبَةً فَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ لَا يَقْتَضِيهِ لِأَنَّ الزِّرَاعَةَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهَا أَنْ يُكْرِيَهَا مَرَّتَيْنِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي مَوْضِعٍ تُخْرِجُ الْأَرْضُ الرِّيعَ بِالْكِرَابِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَالْمُدَّةُ سَنَةٌ وَاحِدَةٌ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا تُخْرِجُ الْأَرْضُ الرِّيعَ إلَّا بِالْكِرَابِ مَرَّتَيْنِ أَوْ كَانَتْ تُخْرِجُ بِالْكِرَابِ مَرَّةً إلَّا أَنَّ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ كَانَتْ ثَلَاثَ سِنِينَ فَإِنَّهُ لَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ حِينَئِذٍ مِنْ مُقْتَضَيَاتِهِ، وَالثَّانِي لَيْسَ فِيهِ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مَنْفَعَةٌ لِعَدَمِ بَقَاءِ أَثَرِهِ بَعْدَ الْمُدَّةِ. وَأَمَّا كَرْيُ الْأَنْهَارِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ الْمُرَادُ بِهَا الْجَدَاوِلُ لِبَقَاءِ مَنْفَعَتِهِ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ وَنَفَاهُ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ: بَلْ الْمُرَادُ مِنْهَا الْأَنْهَارُ الْعِظَامُ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ تَبْقَى مَنْفَعَتُهُ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ دُونَ الْأَوَّلِ (وَإِذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا بِزِرَاعَةٍ أُخْرَى لَا يَجُوزُ أَصْلًا، وَكَذَا إجَارَةُ السُّكْنَى بِالسُّكْنَى وَاللُّبْسُ بِاللُّبْسِ وَالرُّكُوبُ بِالرُّكُوبِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ جَائِزٌ

أَنَّ الْمَنَافِعَ بِمَنْزِلَةِ الْأَعْيَانِ حَتَّى جَازَتْ الْإِجَارَةُ بِأُجْرَةِ دَيْنٍ وَلَا يَصِيرُ دَيْنًا بِدَيْنٍ، وَلَنَا أَنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ عِنْدَنَا فَصَارَ كَبَيْعِ الْقُوهِيِّ بِالْقُوهِيِّ نَسِيئَةً وَإِلَى هَذَا أَشَارَ مُحَمَّدٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْمَنَافِعَ بِمَنْزِلَةِ الْأَعْيَانِ وَلِهَذَا جَازَتْ الْإِجَارَةُ بِدَيْنٍ) أَيْ بِأُجْرَةٍ هِيَ دَيْنٌ عَلَى الْمُؤَجِّرِ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ الْمَنَافِعُ بِمَنْزِلَةِ الْأَعْيَانِ لَكَانَ ذَلِكَ دَيْنًا بِدَيْنٍ (وَلَنَا) فِي ذَلِكَ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا (أَنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ عِنْدَنَا فَصَارَ كَبَيْعِ الْقُوهِيِّ بِالْقُوهِيِّ نَسِيئَةً) وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ أَنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ، وَمَعْنَى الْقُوهِيِّ تَقَدَّمَ فِي الْبُيُوعِ (وَإِلَى هَذَا) أَيْ إلَى هَذَا الطَّرِيقِ (أَشَارَ مُحَمَّدٌ) وَهُوَ مَا رُوِيَ: أَنَّ ابْنَ سِمَاعَةَ كَتَبَ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَكَتَبَ فِي جَوَابِهِ، إنَّك أَطَلْت الْفِكْرَةَ فَأَصَابَتْك الْحَيْرَةُ، وَجَالَسْت الْحِنَّائِيَّ فَكَانَتْ مِنْك زَلَّةٌ، أَمَا عَلِمْت أَنَّ السُّكْنَى بِالسُّكْنَى كَبَيْعِ الْقُوهِيِّ بِالْقُوهِيِّ نَسَاءً. وَالْحِنَّائِيُّ اسْمٌ مُحْدَثٌ كَانَ يُنْكِرُ الْخَوْضَ عَلَى ابْنِ سِمَاعَةَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَيَقُولُ: لَا بُرْهَانَ لَكُمْ عَلَيْهَا. وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّ النَّسَاءَ مَا يَكُونُ عَنْ اشْتِرَاطِ أَجَلٍ فِي الْعَقْدِ وَتَأْخِيرُ الْمَنْفَعَةِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ. وَالثَّانِي أَنَّ النَّسَاءَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي مُبَادَلَةِ مَوْجُودٍ فِي الْحَالِ بِمَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ بَلْ يَحْدُثَانِ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُمَا لَمَّا أَقْدَمَا عَلَى عَقْدٍ يَتَأَخَّرُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِيهِ وَيَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا كَانَ ذَلِكَ أَبْلَغَ فِي وُجُوبِ التَّأْخِيرِ مِنْ الْمَشْرُوطِ فَأُلْحِقَ بِهِ دَلَالَةً احْتِيَاطًا عَنْ شُبْهَةِ الْحُرْمَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ فِي النَّسَاءِ شُبْهَةَ الْحُرْمَةِ، فَبِالْإِلْحَاقِ بِهِ تَكُونُ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ وَلَيْسَتْ بِمُحَرَّمَةٍ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الثَّابِتَ بِالدَّلَالَةِ كَالثَّابِتِ بِالْعِبَارَةِ، فَبِالْإِلْحَاقِ تَثْبُتُ الشُّبْهَةُ لَا شُبْهَتُهَا. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الَّذِي لَمْ تَصْحَبْهُ الْبَاءُ يُقَامُ فِيهِ الْعَيْنُ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ ضَرُورَةَ تَحَقُّقِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ دُونَ مَا تَصْحَبُهُ لِفِقْدَانِهَا فِيهِ وَلَزِمَ وُجُودُ أَحَدِهِمَا حُكْمًا وَعَدَمُ الْآخَرِ وَتَحَقُّقُ النَّسَاءِ، وَيَجُوزُ أَنْ نَسْلُكَ طَرِيقًا آخَرَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ أَنْ يُقَالَ: الْمُدَّعِي أَنَّ هَذِهِ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ، لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا دُونَ الْآخَرِ أَوَّلًا، فَإِنْ كَانَ لَزِمَ النَّسَاءُ وَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَكَذَلِكَ لِعَدَمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. لَا يُقَالُ: قِسْمَةٌ غَيْرُ حَاضِرَةٍ لِجَوَازِ أَنْ يُعْتَبَرَا مَوْجُودَيْنِ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَهُ قُدَّ

وَلِأَنَّ الْإِجَارَةَ جُوِّزَتْ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لِلْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ. قَالَ: (وَإِذَا كَانَ الطَّعَامُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَاسْتَأْجَرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ أَوْ حِمَارَ صَاحِبِهِ عَلَى أَنْ يَحْمِلَ نَصِيبَهُ فَحَمَلَ الطَّعَامَ كُلَّهُ فَلَا أَجْرَ لَهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهُ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ عَيْنٌ عِنْدَهُ وَبَيْعُ الْعَيْنِ شَائِعًا جَائِزٌ، وَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لِيَضَعَ فِيهَا الطَّعَامَ أَوْ عَبْدًا مُشْتَرَكًا لِيَخِيطَ لَهُ الثِّيَابَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَ) الثَّانِي (أَنَّ الْإِجَارَةَ جُوِّزَتْ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لِلْحَاجَةِ، وَلَا حَاجَةَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ) لِحُصُولِ مَقْصُودِهِ بِمَا هُوَ لَهُ مِنْ غَيْرِ مُبَادَلَةٍ (بِخِلَافِ مَا إذْ اخْتَلَفَ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ) كَالرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ وَالزِّرَاعَةِ وَالسُّكْنَى. فَإِنْ قِيلَ: إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ لَزِمَ الْكَالِئُ بِالْكَالِئِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ فِي الدَّيْنِ وَالْمَنْفَعَةُ لَيْسَتْ بِدَيْنٍ، وَإِنْ قِيلَ: انْتَفَى الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَنَعْنَاهُ بِقِيَامِ الْعَيْنِ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِيمَا لَمْ تَصْحَبْهُ الْبَاءُ ثُمَّ إذَا اسْتَوْفَى أَحَدُهُمَا الْمَنَافِعَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَتَهُ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ فَعَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ. وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ تُقَوَّمُ الْمَنْفَعَةُ بِالتَّسْمِيَةِ وَقَدْ فَسَدَتْ. قَالَ (وَإِذَا كَانَ الطَّعَامُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ إلَخْ) وَإِذَا كَانَ الطَّعَامُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَاسْتَأْجَرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ أَوْ حِمَارَ صَاحِبِهِ عَلَى أَنْ يَحْمِلَ نَصِيبَهُ فَحَمَلَ الطَّعَامَ كُلَّهُ فَلَا أَجْرَ لَهُ: يَعْنِي لَا الْمُسَمَّى وَلَا أَجْرَ الْمِثْلِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَهُ الْمُسَمَّى لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ عَيْنٌ عِنْدَهُ وَبَيْعُ الْعَيْنِ شَائِعًا جَائِزٌ، وَصَارَ كَمَا إذَا

وَلَنَا أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِعَمَلٍ لَا وُجُودَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ فِعْلٌ حِسِّيٌّ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الشَّائِعِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ حُكْمِيٌّ، وَإِذَا لَمْ يُتَصَوَّرْ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتَأْجَرَ دَارًا مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لِيَضَعَ فِيهِ الطَّعَامَ يَعْنِي الطَّعَامَ الْمُشْتَرَكَ أَوْ عَبْدًا مُشْتَرَكًا لِيَخِيطَ الثِّيَابَ. وَلَنَا أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِعَمَلٍ لَا وُجُودَ لَهُ، لِأَنَّ الْحَمْلَ فِعْلٌ حِسِّيٌّ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الشَّائِعِ إذْ الْحَمْلُ يَقَعُ عَلَى مُعَيَّنٍ وَالشَّائِعُ لَيْسَ بِمُعَيَّنٍ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا حَمَلَ الْكُلَّ فَقَدْ حَمَلَ الْبَعْضَ لَا مَحَالَةَ فَيَجِبُ الْأَجْرُ. أُجِيبَ بِأَنَّ حَمْلَ الْكُلِّ حَمْلٌ مُعَيَّنٌ وَهُوَ لَيْسَ بِمَعْقُودٍ عَلَيْهِ الِاسْتِئْجَارُ لِعَمَلٍ لَا وُجُودَ لَهُ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَإِذَا لَمْ يُتَصَوَّرْ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ أَصْلًا. وَفَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَإِجَارَةِ الْمُشَاعِ فَإِنَّهَا أَيْضًا فَاسِدَةٌ عِنْدَهُ، فَإِنْ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ بِأَنَّ هُنَاكَ تَسْلِيمَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مُتَعَذِّرٌ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ، فَإِنْ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ وَجَبَ الْأَجْرُ، وَأَمَّا هَاهُنَا فَإِنَّهُ مُتَعَذِّرٌ أَصْلًا فَلَا يَجِبُ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْبَيْعِ، وَذَلِكَ (لِأَنَّ الْبَيْعَ تَصَرُّفٌ حُكْمِيٌّ) أَيْ شَرْعِيٌّ، وَالتَّصَرُّفُ فِي الشَّائِعِ شَائِعٌ شَرْعًا، كَمَا إذَا بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ.

وَلِأَنَّ مَا مِنْ جُزْءٍ يَحْمِلُهُ إلَّا وَهُوَ شَرِيكٌ فِيهِ فَيَكُونُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّسْلِيمُ، بِخِلَافِ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُنَالِكَ الْمَنَافِعُ وَيَتَحَقَّقُ تَسْلِيمُهَا بِدُونِ وَضْعِ الطَّعَامِ، وَبِخِلَافِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ مِلْكُ نَصِيبِ صَاحِبِهِ وَأَنَّهُ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ يُمْكِنُ إيقَاعُهُ فِي الشَّائِعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ مَا مِنْ جُزْءٍ) دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَوَجْهُهُ أَنَّ حَامِلَ الشَّائِعِ مَا يُحْمَلُ مِنْ جُزْءٍ إلَّا وَهُوَ شَرِيكٌ فِيهِ، وَكُلُّ مَنْ حَمَلَ شَيْئًا هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ كَانَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ، وَمَنْ عَمِلَ لِنَفْسِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ أَجْرًا عَلَى غَيْرِهِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا يَخْلُو مِنْ أَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فَقَطْ أَوْ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ، وَالْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ شَرِيكٌ، وَالثَّانِي حَقٌّ لَكِنَّ عَدَمَ اسْتِحْقَاقِهِ الْأَجْرَ عَلَى فِعْلِهِ لِنَفْسِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا وَقَعَ لِغَيْرِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فَقَطْ، لِأَنَّ عَمَلَهُ لِنَفْسِهِ أَصْلٌ وَمُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ وَعَمَلُهُ لِغَيْرِهِ لَيْسَ بِأَصْلٍ بَلْ بِنَاءً عَلَى أَمْرٍ مُخَالِفٍ لِلْقِيَاسِ فِي الْحَاجَةِ، وَهِيَ تَنْدَفِعُ بِجَعْلِهِ عَامِلًا لِنَفْسِهِ لِحُصُولِ مَقْصُودِ الْمُسْتَأْجِرِ فَاعْتَبَرَ جِهَةَ كَوْنِهِ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فَقَطْ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ الْأَجْرَ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ الْخَصْمِ عَلَى اسْتِئْجَارِ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُنَاكَ مَنَافِعُ الدَّارِ وَتَسْلِيمُهَا مُتَحَقِّقٌ بِدُونِ وَضْعِ الطَّعَامِ فِيهِ، فَإِنَّهُ إذَا تَسَلَّمَ الْبَيْتَ وَلَمْ يَضَعْ فِيهِ الطَّعَامَ أَصْلًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ، بِخِلَافِ الْحَمْلِ فَإِنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الْعَمَلُ وَتَسْلِيمُهُ فِي الشَّائِعِ لَا يَتَحَقَّقُ كَمَا مَرَّ. وَقَوْلُهُ (وَبِخِلَافِ الْعَبْدِ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِهِ عَلَى اسْتِئْجَارِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لِلْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ نَصِيبِ صَاحِبِهِ وَالْمِلْكُ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ يُمْكِنُ إيقَاعُهُ فِي الشَّائِعِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، بِخِلَافِ الْحَمْلِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ فَكَانَ الضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ لَا يَجِبُ فِيهِ الْأَجْرُ إلَّا بِإِيقَاعِ عَمَلٍ فِي الْعَيْنِ الْمُشْتَرَكَةِ لَا يَجِبُ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ يَجِبُ كَالدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ وَالسَّفِينَةِ الْمُشْتَرَكَةِ لِحَمْلِ الطَّعَامِ الْمُشْتَرَكِ

(وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ يَزْرَعُهَا أَوْ أَيَّ شَيْءٍ يَزْرَعُهَا فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ) ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ تُسْتَأْجَرُ لِلزِّرَاعَةِ وَلِغَيْرِهَا، وَكَذَا مَا يُزْرَعُ فِيهَا مُخْتَلِفٌ، فَمِنْهُ مَا يَضُرُّ بِالْأَرْضِ مَا لَا يَضُرُّ بِهَا غَيْرُهُ، فَلَمْ يَكُنْ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَعْلُومًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهَا لِلزِّرَاعَةِ أَوْ لِغَيْرِهَا أَوْ بَيَّنَ أَنَّهَا لِلزِّرَاعَةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَاذَا يَزْرَعُ فِيهَا فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ) لِجَهَالَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَرْضَ كَمَا تُسْتَأْجَرُ لِلزِّرَاعَةِ تُسْتَأْجَرُ لِغَيْرِهَا كَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ (وَكَذَا مَا يُزْرَعُ فِيهَا مُخْتَلِفٌ، فَمِنْهُ مَا يَضُرُّ بِالْأَرْضِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ) كَالذُّرَةِ وَالْأَرُزِّ فَإِنَّ ضَرَرَهُمَا بِهَا أَكْثَرُ مِنْ ضَرَرِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَجَهَالَةُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ تُفْسِدُ الْعَقْدَ، فَإِنْ زَرَعَهَا وَمَضَى الْأَجَلُ وَجَبَ الْأَجْرُ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، لِأَنَّهُ انْعَقَدَ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْجَهَالَةَ قَدْ ارْتَفَعَتْ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ بِنَقْضِ الْحَاكِمِ بِوُقُوعِ مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ الزَّرْعِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ يُعْقَدُ لِلِاسْتِقْبَالِ، فَإِذَا شَاهَدَ الْمَزْرُوعَ فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ وَعَرَفَ أَنَّهُ ضَارٌّ أَوْ لَيْسَ بِضَارٍّ فَقَدْ ارْتَفَعَتْ الْجَهَالَةُ الْمُفْضِيَةُ إلَى النِّزَاعِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَارْتِفَاعُهَا مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ كَارْتِفَاعِهَا مِنْ حَالَةِ الْعَقْدِ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَائِهِ، وَلَوْ ارْتَفَعَتْ مِنْ الِابْتِدَاءِ جَازَ فَكَذَا هَاهُنَا. وَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ إلَى الدِّيَاسِ مَثَلًا ثُمَّ أَسْقَطَ الْأَجَلَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ النَّاسُ فِيهِ، وَكَمَا إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ إلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ أَسْقَطَ الرَّابِعَ، وَكَمَا إذَا بَاعَ بِشَرْطٍ قَبْلَ مَجِيئِهِ، وَهَذَا رَدُّ الْمُخْتَلِفِ عَلَى الْمُخْتَلَفِ، فَإِنَّ زُفَرَ لَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ أَيْضًا، وَلَكِنْ لَمَّا أَثْبَتَ ذَلِكَ بِدَلِيلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ ذَكَرَ هَاهُنَا بِطَرِيقِ الْمُبَادِي. لَا يُقَالُ: ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَكْرَارٌ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي أَوَّلِ بَابٍ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْأَرَاضِي لِلزِّرَاعَةِ، وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ حَتَّى يُسَمَّى مَا يُزْرَعُ فِيهَا لِأَنَّ ذَلِكَ وَضْعُ الْقُدُورِيِّ وَهَذَا وَضْعُ

(فَإِنْ زَرَعَهَا وَمَضَى الْأَجَلُ فَلَهُ الْمُسَمَّى) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَفِي الْقِيَاسِ: لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْجَهَالَةَ ارْتَفَعَتْ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ فَيَنْقَلِبُ جَائِزًا، كَمَا إذَا ارْتَفَعَتْ فِي حَالَةِ الْعَقْدِ، وَصَارَ كَمَا إذَا أَسْقَطَ الْأَجَلَ الْمَجْهُولَ قَبْلَ مُضِيِّهِ وَالْخِيَارَ الزَّائِدَ فِي الْمُدَّةِ. (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ حِمَارًا إلَى بَغْدَادَ بِدِرْهَمٍ وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ فَحَمَلَ مَا يَحْمِلُ النَّاسُ فَنَفَقَ فِي نِصْفِ الطَّرِيقِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَإِنْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ فَاسِدَةً (فَإِنْ بَلَغَ بَغْدَادَ فَلَهُ الْأَجْرُ الْمُسَمَّى اسْتِحْسَانًا) عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى (وَإِنْ اخْتَصَمَا قَبْلَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ) وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قَبْلَ أَنْ يَزْرَعَ (نُقِضَتْ الْإِجَارَةُ) دَفْعًا لِلْفَسَادِ إذْ الْفَسَادُ قَائِمٌ بَعْدُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَشْتَمِلُ عَلَى زِيَادَةِ فَائِدَةٍ هِيَ قَوْلُهُ فَإِنْ زَرَعَهَا وَمَضَى الْأَجَلُ فَلَهُ الْمُسَمَّى (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ حِمَارًا إلَى بَغْدَادَ بِدِرْهَمٍ وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ فَحَمَلَ عَلَيْهِ مَا يَحْمِلُهُ النَّاسُ فَهَلَكَ فِي نِصْفِ الطَّرِيقِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ) الْإِجَارَةَ وَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً فَ (الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ) لِأَنَّ حُكْمَ الْفَاسِدِ إنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْ الْجَائِزِ، إذْ لَا حُكْمَ لِلْفَاسِدِ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ مُبَاشَرَةٌ مَأْمُورٌ بِنَقْضِهِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَأْخُذَ مِنْ الصَّحِيحِ حُكْمَهُ (فَإِنْ بَلَغَ بَغْدَادَ فَلَهُ الْأَجْرُ الْمُسَمَّى اسْتِحْسَانًا كَمَا مَرَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى) وَهِيَ قَوْلُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْجَهَالَةَ ارْتَفَعَتْ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ، فَإِنَّهُ لَمَّا حَمَلَ عَلَيْهِ مَا يَحْمِلُهُ النَّاسُ مِنْ الْحَمْلِ فَقَدْ تَعَيَّنَ الْحَمْلُ وَارْتَفَعَتْ الْجَهَالَةُ الْمُفْضِيَةُ إلَى النِّزَاعِ فَانْقَلَبَ إلَى الْجَوَازِ وَوَجَبَ الْمُسَمَّى (وَإِنْ اخْتَصَمَا قَبْلَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قَبْلَ أَنْ يَزْرَعَ نُقِضَتْ الْإِجَارَةُ دَفْعًا لِلْفَسَادِ لِأَنَّهُ قَائِمٌ بَعْدُ) وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[باب ضمان الأجير]

قَالَ: (الْأُجَرَاءُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ، وَأَجِيرٌ خَاصٌّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ ضَمَانِ الْأَجِيرِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَنْوَاعِ الْإِجَارَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامٍ بَعْدَ الْإِجَارَةِ وَهِيَ الضَّمَانُ وَقَالَ (الْأُجَرَاءُ عَلَى ضَرْبَيْنِ إلَخْ) الْأُجَرَاءُ جَمْعُ أَجِيرٍ. وَهُوَ عَلَى نَوْعَيْنِ: أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ، وَأَجِيرٌ خَاصٌّ وَالسُّؤَالُ عَنْ وَجْهِ تَقْدِيمِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى الْخَاصِّ دَوْرِيٌّ. قِيلَ: وَتَعْرِيفُ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ بِقَوْلِهِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يَعْمَلَ أَيْضًا تَعْرِيفٌ دَوْرِيٌّ، لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا قَبْلَ الْعَمَلِ

فَالْمُشْتَرَكُ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يَعْمَلَ كَالصَّبَّاغِ وَالْقَصَّارِ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ هُوَ الْعَمَلَ أَوْ أَثَرَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ لِلْعَامَّةِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ لَمْ تَصِرْ مُسْتَحَقَّةً لِوَاحِدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQحَتَّى يَعْلَمَ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ فَيَكُونُ مَعْرِفَةُ الْمُعَرِّفِ مَوْقُوفَةً عَلَى مَعْرِفَةِ الْمُعَرِّفِ وَهُوَ الدَّوْرُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ مِمَّا سَبَقَ فِي بَابِ الْأَجْرِ مَتَى يُسْتَحَقُّ أَنَّ بَعْضَ الْأُجَرَاءِ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِالْعَمَلِ فَلَمْ تَتَوَقَّفْ مَعْرِفَتُهُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْمُعَرِّفِ. وَقِيلَ قَوْلُهُ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يَعْمَلَ مُفْرَدٌ وَالتَّعْرِيفُ بِالْمُفْرَدِ لَا يَصِحُّ عِنْدَ عَامَّةِ الْمُحَقِّقِينَ، وَإِذَا انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ كَالصَّبَّاغِ وَالْقَصَّارِ جَازَ أَنْ يَكُونَ تَعْرِيفٌ بِالْمِثَالِ وَهُوَ صَحِيحٌ لَكِنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ يُنَافِي ذَلِكَ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ عَلَى التَّعْرِيفِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَفِي كَوْنِهِ مُفْرَدًا لَا يَصِحُّ التَّعْرِيفُ بِهِ نَظَرٌ. وَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مِنْ التَّعْرِيفَاتِ اللَّفْظِيَّةِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ هُوَ الْعَمَلَ أَوْ أَثَرَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ لِلْعَامَّةِ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ لَمْ تَصِرْ مُسْتَحَقَّةً لِوَاحِدٍ) بَيَانٌ لِمُنَاسَبَةِ التَّسْمِيَةِ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يَعْمَلَ يُسَمَّى بِالْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ

فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يُسَمَّى مُشْتَرَكًا. قَالَ (وَالْمَتَاعُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ إنْ هَلَكَ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَيَضْمَنُهُ عِنْدَهُمَا إلَّا مِنْ شَيْءٍ غَالِبٍ كَالْحَرِيقِ الْغَالِبِ وَالْعَدُوِّ الْمُكَابِرِ) لَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا كَانَا يُضَمِّنَانِ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ؛ وَلِأَنَّ الْحِفْظَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ إذْ لَا يُمْكِنُهُ الْعَمَلُ إلَّا بِهِ، فَإِذَا هَلَكَ بِسَبَبٍ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ كَالْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ كَانَ التَّقْصِيرُ مِنْ جِهَتِهِ فَيَضْمَنُهُ كَالْوَدِيعَةِ إذَا كَانَتْ بِأَجْرٍ، بِخِلَافِ مَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ كَالْمَوْتِ حَتْفَ أَنْفِهِ وَالْحَرِيقِ الْغَالِبِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَقْصِيرَ مِنْ جِهَتِهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْعَيْنَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ حَصَلَ بِإِذْنِهِ، وَلِهَذَا لَوْ هَلَكَ بِسَبَبٍ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَلَوْ كَانَ مَضْمُونًا لَضَمِنَهُ كَمَا فِي الْمَغْصُوبِ، وَالْحِفْظُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ تَبَعًا لَا مَقْصُودًا وَلِهَذَا لَا يُقَابِلُهُ الْأَجْرُ، بِخِلَافِ الْمُودَعِ بِأَجْرٍ؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ مَقْصُودًا حَتَّى يُقَابِلَهُ الْأَجْرُ. قَالَ: (وَمَا تَلِفَ بِعَمَلِهِ، فَتَخْرِيقُ الثَّوْبِ مِنْ دَقِّهِ وَزَلَقُ الْحَمَّالِ وَانْقِطَاعُ الْحَبْلِ الَّذِي يَشُدُّ بِهِ الْمُكَارِي الْحِمْلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إلَخْ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ (فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يُسَمَّى مُشْتَرَكًا، وَالْمَتَاعُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ إنْ هَلَكَ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَيَضْمَنُهُ عِنْدَهُمَا إلَّا مِنْ شَيْءٍ غَالِبٍ كَالْحَرِيقِ الْغَالِبِ وَالْعَدُوِّ الْمُكَابِرِ لَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا كَانَا يَضْمَنَانِ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ، وَلِأَنَّ الْحِفْظَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ إذْ لَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ إلَّا بِهِ) وَلَا حِفْظَ (فَإِذَا هَلَكَ الْمَتَاعُ بِسَبَبٍ كَانَ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ مُمْكِنًا كَالْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ، وَتَرْكُ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ تَقْصِيرٌ مِنْ جِهَتِهِ فَيُوجِبُ الضَّمَانَ كَالْوَدِيعَةِ إذَا كَانَتْ بِأَجْرٍ) فَإِنَّهُمَا يَقُولَانِ إنَّمَا تَصَوُّرُ الْمَسْأَلَةِ فِي حَافِظِ الْأَمْتِعَةِ بِأَجْرٍ فَهَلَكَ الْأَمْتِعَةُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَإِنْ كَانَ الْعَيْنُ عِنْدَهُ أَمَانَةً (بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ كَالْمَوْتِ حَتْفَ أَنْفِهِ وَالْحَرِيقِ الْغَالِبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا تَقْصِيرَ مِنْ جِهَتِهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَيْنَ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ لِأَنَّ الْقَبْضَ حَصَلَ بِإِذْنِهِ، وَلِهَذَا لَوْ هَلَكَتْ فِي يَدِهِ بِسَبَبٍ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَلَوْ كَانَ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ مَضْمُونًا لَضَمِنَهُ كَمَا فِي الْمَغْصُوبِ) فَإِنْ قِيلَ: الِاعْتِبَارُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ الْحِفْظُ فِيهِ مُسْتَحَقٌّ وَقَدْ فَاتَ بِمَا أَمْكَنَهُ التَّحَرُّزُ فَوَجَبَ الضَّمَانُ وَالْغَصْبُ لَيْسَ كَذَلِكَ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَالْحِفْظُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ تَبَعًا لَا مَقْصُودًا) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَارِدٌ عَلَى الْعَمَلِ لِكَوْنِهِ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا وَالْحِفْظُ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ أَصْلِيٍّ بَلْ لِإِقَامَةِ الْعَمَلِ فَكَانَ تَبَعًا (وَلِهَذَا لَا يُقَابِلُهُ الْأَجْرُ) وَإِذَا كَانَ تَبَعًا ثَبَتَ ضَرُورَةُ إقَامَةِ الْعَمَلِ لَمْ يَتَعَدَّ إلَى إيجَابِ الضَّمَانِ (بِخِلَافِ الْمُودَعِ بِأَجْرٍ لِأَنَّ الْحِفْظَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ مَقْصُودًا حَتَّى يُقَابِلَهُ الْأَجْرُ) قَالَ (وَمَا تَلِفَ بِعَمَلِهِ كَتَخْرِيقِ الثَّوْبِ مِنْ دَقِّهِ إلَخْ) وَمَا تَلِفَ بِعَمَلِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ كَتَخْرِيقِ الثَّوْبِ مِنْ دَقِّهِ وَزَلْقِ الْحَمَّالِ وَانْقِطَاعِ الْحَبْلِ الَّذِي يَشُدُّ بِهِ الْمُكَارِي الْحَمْلَ وَغَرَقِ السَّفِينَةِ بِفَتْحِ الرَّاءِ مِنْ مَدِّهَا صَاحِبُهَا مَضْمُونٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْفِعْلِ

وَغَرَقُ السَّفِينَةِ مِنْ مَدِّهِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ) . وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْفِعْلِ مُطْلَقًا فَيَنْتَظِمُهُ بِنَوْعَيْهِ الْمَعِيبِ وَالسَّلِيمِ وَصَارَ كَأَجِيرِ الْوَحْدِ وَمُعِينِ الْقَصَّارِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمُطْلَقًا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَدُقَّ الثَّوْبَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى السَّلَامَةِ، وَالْمُطْلَقُ يَنْتَظِمُ الْفِعْلَ بِنَوْعَيْهِ السَّلِيمِ وَالْمَعِيبِ عَمَلًا بِالْإِطْلَاقِ

وَلَنَا أَنَّ الدَّاخِلَ تَحْتَ الْإِذْنُ مَا هُوَ الدَّاخِلُ تَحْتَ الْعَقْدِ وَهُوَ الْعَمَلُ الْمُصْلِحُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْوَسِيلَةُ إلَى الْأَثَرِ وَهُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ حَقِيقَةً، حَتَّى لَوْ حَصَلَ بِفِعْلِ الْغَيْرِ يَجِبُ الْأَجْرُ فَلَمْ يَكُنْ الْمُفْسِدُ مَأْذُونًا فِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصَارَ كَالْأَجِيرِ الْوَحْدِ وَمُعِينِ الْقَصَّارِ. وَلَنَا أَنَّ الدَّاخِلَ تَحْتَ الْإِذْنِ: أَيْ الْأَمْرِ مَا هُوَ الدَّاخِلُ تَحْتَ الْعَقْدِ، لِأَنَّ الْأَمْرَ إمَّا بِالْعَقْدِ أَوْ لَازِمٌ مِنْ لَوَازِمِهِ، وَالدَّاخِلُ تَحْتَ الْعَقْدِ هُوَ الْعَمَلُ الْمُصْلِحُ لِأَنَّهُ هُوَ الْوَسِيلَةُ إلَى الْأَثَرِ الْحَاصِلِ فِي الْعَيْنِ مِنْ فِعْلِهِ الَّذِي هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي الْحَقِيقَةِ لِكَوْنِهِ هُوَ الْمَقْصُودُ، حَتَّى لَوْ حَصَلَ ذَلِكَ بِفِعْلِ غَيْرِ الْأَجِيرِ وَجَبَ الْأَجْرُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْأَمْرُ مُقَيَّدًا بِالسَّلَامَةِ فَلَمْ يَكُنْ الْمُفْسِدُ مَأْمُورًا بِهِ، بِخِلَافِ مُعِينِ الْقَصَّارِ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فَلَا يُمْكِنُ تَقْيِيدُ عَمَلِهِ بِالْمُصْلِحِ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَنْ التَّبَرُّعِ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ يَعْمَلُ بِالْأَجْرِ فَأَمْكَنَ تَقْيِيدُهُ، وَالْمُلْتَزِمُ أَنْ يَلْتَزِمَ جَوَازَ الِامْتِنَاعِ عَنْ التَّبَرُّعِ فِيمَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَضَرَّةُ لِغَيْرِ مَنْ تَبَرَّعَ لَهُ، وَلَوْ

بِخِلَافِ الْمُعِينِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فَلَا يُمْكِنُ تَقْيِيدُهُ بِالْمُصْلِحِ؛ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَنْ التَّبَرُّعِ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ يَعْمَلُ بِالْأَجْرِ فَأَمْكَنَ تَقْيِيدُهُ. وَبِخِلَافِ أَجِيرِ الْوَحْدِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَانْقِطَاعُ الْحَبْلِ مِنْ قِلَّةِ اهْتِمَامِهِ فَكَانَ مِنْ صَنِيعِهِ قَالَ: (إلَّا أَنَّهُ لَا يُضَمَّنُ بِهِ بَنِي آدَمَ مِمَّنْ غَرِقَ فِي السَّفِينَةِ أَوْ سَقَطَ مِنْ الدَّابَّةِ وَإِنْ كَانَ بِسَوْقِهِ وَقَوْدِهِ) ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ ضَمَانُ الْآدَمِيِّ. وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ. وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْجِنَايَةِ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَضَمَانُ الْعُقُودِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعُلِّلَ بِأَنَّ التَّبَرُّعَ بِالْعَمَلِ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ وَهِيَ لَا تَقْتَضِي السَّلَامَةَ كَانَ أَسْلَمَ، وَبِخِلَافِ الْأَجِيرِ الْوَحْدِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ. وَقَوْلُهُ (وَانْقِطَاعُ الْحَبْلِ) جَوَابٌ عَمَّا عَسَى أَنْ يُقَالَ: انْقِطَاعُ الْحَبْلِ لَيْسَ مِنْ صَنِيعِ الْأَجِيرِ فَمَا وَجْهُ ذِكْرِهِ مِنْ جُمْلَةِ مَا تَلِفَ بِعَمَلِهِ فَإِنَّهُ (مِنْ قِلَّةِ اهْتِمَامِهِ فَكَانَ مِنْ صَنِيعِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِهِ) أَيْ بِفِعْلِهِ (بَنِي آدَمَ مِمَّنْ غَرِقَ فِي السَّفِينَةِ أَوْ سَقَطَ مِنْ الدَّابَّةِ وَإِنْ كَانَ بِسَوْقِهِ وَقَوْدِهِ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ ضَمَانُ الْآدَمِيِّ وَضَمَانُ الْآدَمِيِّ لَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ إنَّمَا يَجِبُ بِالْجِنَايَةِ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَالْعَاقِلَةُ لَا تَتَحَمَّلُ ضَمَانَ الْعُقُودِ

لَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ. قَالَ: (وَإِذَا اسْتَأْجَرَ مَنْ يَحْمِلُ لَهُ دَنًّا مِنْ الْفُرَاتِ فَوَقَعَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ فَانْكَسَرَ، فَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي حَمَلَهُ وَلَا أَجْرَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي انْكَسَرَ وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ بِحِسَابِهِ) أَمَّا الضَّمَانُ فَلِمَا قُلْنَا، وَالسُّقُوطُ بِالْعِثَارِ أَوْ بِانْقِطَاعِ الْحَبْلِ وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعِهِ، وَأَمَّا الْخِيَارُ فَلِأَنَّهُ إذَا انْكَسَرَ فِي الطَّرِيقِ، وَالْحِمْلُ شَيْءٌ وَاحِدٌ تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَقَعَ تَعَدِّيًا مِنْ الِابْتِدَاءِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَلَهُ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْحَمْلِ حَصَلَ بِإِذْنِهِ فَلَمْ يَكُنْ تَعَدِّيًا، وَإِنَّمَا صَارَ تَعَدِّيًا عِنْدَ الْكَسْرِ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّ الْوَجْهَيْنِ شَاءَ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي لَهُ الْأَجْرُ بِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَى، وَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَا اسْتَوْفَى أَصْلًا. قَالَ: (وَإِذَا فَصَدَ الْفَصَّادُ أَوْ بَزَغَ الْبَزَّاغُ وَلَمْ يَتَجَاوَزْ الْمَوْضِعَ الْمُعْتَادَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا عَطِبَ مِنْ ذَلِكَ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: بَيْطَارٌ بَزَغَ دَابَّةً بِدَانِقٍ فَنَفَقَتْ أَوْ حَجَّامٌ حَجَمَ عَبْدًا بِأَمْرِ مَوْلَاهُ فَمَاتَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِبَارَتَيْنِ نَوْعُ بَيَانٍ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْ السِّرَايَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَنْ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَحْمِلُ لَهُ دَنًّا مِنْ الْفُرَاتِ فَوَقَعَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ فَانْكَسَرَ فَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي حَمَلَهُ وَلَا أَجْرَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي انْكَسَرَ وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ بِحِسَابِهِ) وَإِنَّمَا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْفُرَاتِ لِأَنَّ الدِّنَانَ كَانَتْ تُبَاعُ هُنَاكَ (أَمَّا الضَّمَانُ فَلِمَا قُلْنَا) إنَّهُ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ وَقَدْ تَلِفَ الْمَتَاعُ بِصُنْعِهِ كَمَا فِي تَخْرِيقِ الثَّوْبِ بِالدَّقِّ (فَإِنَّ السُّقُوطَ بِالْعِثَارِ فِي الطَّرِيقِ أَوْ بِانْقِطَاعِ الْحَبْلِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعِهِ) وَلَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْعَقْدِ (وَأَمَّا الْخِيَارُ) مَعَ أَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُخَيَّرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَلْ يُضَمِّنُهُ قِيمَتَهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي انْكَسَرَ، لِأَنَّ الْمَالَ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ، وَإِذَا كَانَ أَمَانَةً وَجَبَ أَنْ لَا يَضْمَنَ قِيمَتَهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي حَمَلَهُ مِنْهُ (فَلِأَنَّهُ إذَا انْكَسَرَ فِي الطَّرِيقِ وَالْحَمْلُ شَيْءٌ وَاحِدٌ تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَقَعَ تَعَدِّيًا مِنْ الِابْتِدَاءِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّ ابْتِدَاءَ الْحَمْلِ حَصَلَ بِإِذْنِهِ لَمْ يَكُنْ تَعَدِّيًا) ، وَإِنَّمَا التَّعَدِّي عِنْدَ الْكَسْرِ فَيَخْتَارُ أَيَّ الْجِهَتَيْنِ شَاءَ فَإِنْ اخْتَارَ الْوَجْهَ الثَّانِيَ فَلَهُ الْأَجْرُ بِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَى مِنْ الْعَمَلِ، وَإِنْ اخْتَارَ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ فَلَا أَجْرَ لَهُ لِأَنَّهُ مَا اسْتَوْفَى أَصْلًا. (وَإِذَا فَصَّدَ الْفَصَّادُ أَوْ بَزَّغَ الْبَزَّاغُ وَلَمْ يَتَجَاوَزْ الْمَوْضِعَ الْمُعْتَادَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا عَطِبَ مِنْ ذَلِكَ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بَيْطَارٌ بَزَّغَ إلَخْ) وَإِنَّمَا أَعَادَ رِوَايَتَهُ لِنَوْعِ بَيَانٍ لَيْسَ فِي رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَشْتَمِلُ عَلَى نَوْعٍ مِنْ الْبَيَانِ، أَمَّا فِي الْقُدُورِيِّ فَلِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَمَ التَّجَاوُزِ عَنْ الْمَوْضِعِ الْمُعْتَادِ، وَيُفِيدُ أَنَّهُ إذَا تَجَاوَزَ ضَمِنَ. وَأَمَّا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَلِأَنَّهُ بَيْنَ الْأُجْرَةِ وَكَوْنِ الْحِجَامَةِ بِأَمْرِ الْمَوْلَى وَالْهَلَاكِ، وَيُفِيدُ أَنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ بِأَمْرِهِ ضَمِنَ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْهَلَاكَ لَيْسَ بِمُقَارِنٍ، وَإِنَّمَا هُوَ بِالسِّرَايَةِ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْعَمَلِ

لِأَنَّهُ يُبْتَنَى عَلَى قُوَّةِ الطِّبَاعِ وَضَعْفِهَا فِي تَحَمُّلِ الْأَلَمِ فَلَا يُمْكِنُ التَّقْيِيدُ بِالْمُصْلِحِ مِنْ الْعَمَلِ، وَلَا كَذَلِكَ دَقُّ الثَّوْبِ وَنَحْوُهُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ؛ لِأَنَّ قُوَّةَ الثَّوْبِ وَرِقَّتَهُ تُعْرَفُ بِالِاجْتِهَادِ فَأَمْكَنَ الْقَوْلُ بِالتَّقْيِيدِ. قَالَ: (وَالْأَجِيرُ الْخَاصُّ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ فِي الْمُدَّةِ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ كَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ شَهْرًا لِلْخِدْمَةِ أَوْ لِرَعْيِ الْغَنَمِ) وَإِنَّمَا سُمِّيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالتَّحَرُّزُ عَنْهَا غَيْرُ مُمْكِنٍ لِأَنَّهُ أَيْ السِّرَايَةَ يُبْتَنَى عَلَى قُوَّةِ الطِّبَاعِ وَضَعْفِهَا فِي تَحَمُّلِ الْأَلَمِ، وَمَا هُوَ كَذَلِكَ مَجْهُولٌ، وَالِاحْتِرَازُ عَنْ الْمَجْهُولِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فَلَمْ يُمْكِنْ التَّقْيِيدُ بِالْمُصْلِحِ مِنْ الْعَمَلِ لِئَلَّا يَتَقَاعَدَ النَّاسُ عَنْهُ مَعَ مِسَاسِ الْحَاجَةِ، وَلَا كَذَلِكَ دَقُّ الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ الْهَلَاكَ مُقَارِنٌ بِالدَّقِّ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ الْعَمَلُ مِنْ ضَمَانِ الْقَصَّارِ، وَالتَّحَرُّزُ عَنْهُ مُمْكِنٌ لِأَنَّ قُوَّةَ الثَّوْبِ وَرِقَّتَهُ تُعْرَفُ بِالِاجْتِهَادِ فَأَمْكَنَ الْقَوْلُ بِالتَّقْيِيدِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ عُلِمَ مِنْ رِوَايَةِ الْكِتَابَيْنِ أَنَّ الْحَجَّامَ إذَا حَجَمَ الْعَبْدَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ وَتَجَاوَزَ الْمُعْتَادَ وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ لَكِنْ لَمْ يُعْلَمْ مِنْهَا قَدْرُ الضَّمَانِ عَلَى تَقْدِيرِ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ بِحَسَبِ قَدْرِ التَّجَاوُزِ حَتَّى أَنَّ الْخِتَانَ إذَا خَتَنَ فَقَطَعَ الْحَشَفَةَ فَإِنْ بَرِئَ فَعَلَيْهِ ضَمَانٌ كَمَالِ الدِّيَةِ، وَإِنْ مَاتَ فَعَلَيْهِ نِصْفُ بَدَلِ نَفْسِهِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مُخَالِفٌ لِجَمِيعِ مَسَائِلِ الدِّيَاتِ فَإِنَّهُ كُلَّمَا ازْدَادَ أَثَرُ جِنَايَتِهِ انْتَقَضَ ضَمَانُهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ فِي النَّوَادِرِ: أَنَّهُ لَمَّا بَرِئَ كَانَ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْحَشَفَةِ وَهِيَ عُضْوٌ مَقْصُودٌ لَا ثَانِيَ لَهُ فِي النَّفْسِ فَيَتَقَدَّرُ بَدَلُهُ بِبَدَلِ النَّفْسِ كَمَا فِي قَطْعِ اللِّسَانِ. وَأَمَّا إذَا مَاتَ فَقَدْ حَصَلَ تَلَفُ النَّفْسِ بِفِعْلَيْنِ أَحَدُهُمَا مَأْذُونٌ فِيهِ وَهُوَ قَطْعُ الْجِلْدَةِ وَالْآخَرُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ وَهُوَ قَطْعُ الْحَشَفَةِ فَكَانَ ضَامِنًا نِصْفَ بَدَلِ النَّفْسِ لِذَلِكَ، فَإِنْ قِيلَ: التَّنْصِيفُ فِي الْبَدَلِ يَعْتَمِدُ التَّسَاوِي فِي السَّبَبِ وَقَدْ انْتَفَى، لِأَنَّ قَطْعَ الْحَشَفَةِ أَشَدُّ إفْضَاءً إلَى التَّلَفِ مِنْ قَطْعِ الْجِلْدَةِ لَا مَحَالَةَ فَكَانَ كَقَطْعِ الْيَدِ مَعَ حَزِّ الرَّقَبَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَقَعَ إتْلَافًا وَأَنْ لَا يَقَعَ إتْلَافًا، وَالتَّفَاوُتُ غَيْرُ مَضْبُوطٍ فَكَانَ هَذَا هَدَرًا بِخِلَافِ الْحُرِّ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَقَعَ إتْلَافًا. قَالَ (وَالْأَجِيرُ الْخَاصُّ إلَخْ) الْأَجِيرُ الْخَاصُّ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ فِي الْمُدَّةِ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ، كَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ شَهْرًا لِخِدْمَةِ شَخْصَيْنِ أَوْ لِرَعْيِ غَنَمِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا يُرَدُّ عَلَى الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ فَعَلَيْك

أَجِيرَ وَحْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْمَلَ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ فِي الْمُدَّةِ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً لَهُ وَالْأَجْرُ مُقَابَلٌ بِالْمَنَافِعِ، وَلِهَذَا يَبْقَى الْأَجْرُ مُسْتَحَقًّا، وَإِنْ نُقِضَ الْعَمَلُ. قَالَ: (وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَجِيرِ الْخَاصِّ فِيمَا تَلِفَ فِي يَدِهِ وَلَا مَا تَلِفَ مِنْ عَمَلِهِ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْعَيْنَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ بِإِذْنِهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ تَضْمِينَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ نَوْعُ اسْتِحْسَانٍ عِنْدَهُمَا لِصِيَانَةِ أَمْوَالِ النَّاسِ، وَالْأَجِيرُ الْوَحْدُ لَا يَتَقَبَّلُ الْأَعْمَالَ فَتَكُونُ السَّلَامَةُ غَالِبَةً فَيُؤْخَذُ فِيهِ الْقِيَاسُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ مَتَى صَارَتْ مَمْلُوكَةً لِلْمُسْتَأْجِرِ فَإِذَا أَمَرَهُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ صَحَّ وَيَصِيرُ نَائِبًا مَنَابَهُ فَيَصِيرُ فِعْلُهُ مَنْقُولًا إلَيْهِ كَأَنَّهُ فَعَلَ بِنَفْسِهِ فَلِهَذَا لَا يَضْمَنُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمِثْلِهِ هَاهُنَا، وَقَدْ ذُكِرَ وَجْهُ التَّسْمِيَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا) أَيْ وَلِأَنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِالْمَنَافِعِ وَالْمَنَافِعُ مُسْتَحَقَّةٌ لَهُ (يَبْقَى الْأَجْرُ مُسْتَحَقًّا وَإِنْ نُقِضَ الْعَمَلُ) عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ، بِخِلَافِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ. فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي خَيَّاطٍ خَاطَ ثَوْبَ رَجُلٍ بِأَجْرٍ فَفَتَقَهُ رَجُلٌ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ رَبُّ الثَّوْبِ فَلَا أَجْرَ لِلْخَيَّاطِ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ الْعَمَلَ إلَى رَبِّ الثَّوْبِ، وَلَا يُجْبَرُ الْخَيَّاطُ عَلَى أَنْ يُعِيدَ الْعَمَلَ لِأَنَّهُ لَوْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ أُجْبِرَ بِحُكْمِ الْعَقْدِ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ الْعَقْدُ قَدْ انْتَهَى بِتَمَامِ الْعَمَلِ، وَإِنْ كَانَ الْخَيَّاطُ هُوَ الَّذِي فَتَقَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْعَمَلَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْخَيَّاطَ لَمَّا فَتَقَ الثَّوْبَ فَقَدْ نَقَضَ عَمَلَهُ وَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، بِخِلَافِ مَا إذَا فَتَقَهُ أَجْنَبِيٌّ لِأَنَّهُ بِفَتْقِ الْأَجْنَبِيِّ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّ الْخَيَّاطَ لَمْ يَعْمَلْ أَصْلًا، وَلَوْ كَانَ أَجِيرًا خَاصًّا فَنَقَضَهُ اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ (وَلَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ فِي يَدِهِ) بِأَنْ سَرَقَ مِنْهُ أَوْ غَابَ أَوْ غَصَبَ (وَلَا مَا تَلِفَ مِنْ عَمَلِهِ) بِأَنْ انْكَسَرَ الْقَدُومُ فِي عَمَلِهِ أَوْ تَخَرَّقَ الثَّوْبُ مِنْ دَقِّهِ إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ الْفَسَادَ، فَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ ضَمِنَ كَالْمُودَعِ إذَا تَعَدَّى (أَمَّا الْأَوَّلُ) وَهُوَ مَا إذَا تَلِفَ فِي يَدِهِ (فَلِأَنَّ الْعَيْنَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ لِحُصُولِ الْقَبْضِ بِإِذْنِهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَا عِنْدَهُمَا هُمَا، لِأَنَّ تَضْمِينَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ نَوْعُ اسْتِحْسَانٍ عِنْدَهُمَا صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ) فَإِنَّهُ يَقْبَلُ أَعْيَانًا كَثِيرَةً رَغْبَةً فِي كَثْرَةِ الْأَجْرِ، وَقَدْ يَعْجِزُ عَنْ قَضَاءِ حَقِّ الْحِفْظِ فِيهَا فَضَمِنَ حَتَّى لَا يُقَصِّرَ فِي حِفْظِهَا وَلَا يَأْخُذَ إلَّا مَا يَقْدِرُ عَلَى حِفْظِهِ (وَالْأَجِيرُ الْوَحْدُ لَا يَقْبَلُ الْعَمَلَ) بَلْ يُسَلِّمُ نَفْسَهُ (فَتَكُونُ السَّلَامَةُ غَالِبَةً فَيُؤْخَذُ فِيهِ بِالْقِيَاسِ، وَأَمَّا الثَّانِي) وَهُوَ مَا إذَا تَلِفَ مِنْ عَمَلِهِ (فَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ مَتَى صَارَتْ مَمْلُوكَةً لِلْمُسْتَأْجِرِ) بِتَسْلِيمِ النَّفْسِ صَحَّ تَصَرُّفُهُ فِيهَا، وَالْأَمْرُ بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا (فَإِذَا أَمَرَهُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ صَحَّ وَيَصِيرُ الْمَأْمُورُ) أَيْ الْأَجِيرُ (نَائِبًا مَنَابَهُ فَصَارَ فِعْلُهُ مَنْقُولًا إلَيْهِ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ فَلِهَذَا لَا يُضَمِّنُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ)

[باب الإجارة على أحد الشرطين]

(وَإِذَا قَالَ لِلْخَيَّاطِ إنْ خِطْتَ هَذَا الثَّوْبَ فَارِسِيًّا فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ خِطْته رُومِيًّا فَبِدِرْهَمَيْنِ جَازَ، وَأَيَّ عَمَلٍ مِنْ هَذَيْنِ الْعَمَلَيْنِ عَمِلَ اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ بِهِ) وَكَذَا إذَا قَالَ لِلصَّبَّاغِ إنْ صَبَغْته بِعُصْفُرٍ فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ صَبَغْتَهُ بِزَعْفَرَانٍ فَبِدِرْهَمَيْنِ، وَكَذَا إذَا خَيَّرَهُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ بِأَنْ قَالَ: آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ شَهْرًا بِخَمْسَةٍ أَوْ هَذِهِ الدَّارَ الْأُخْرَى بِعَشَرَةٍ، وَكَذَا إذَا خَيَّرَهُ بَيْنَ مَسَافَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ بِأَنْ قَالَ: آجَرْتُك هَذِهِ الدَّابَّةَ إلَى الْكُوفَةِ بِكَذَا أَوْ إلَى وَاسِطَ بِكَذَا، وَكَذَا إذَا خَيَّرَهُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ، وَإِنْ خَيَّرَهُ بَيْنَ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ لَمْ يَجُزْ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ الْبَيْعُ وَالْجَامِعُ دَفْعُ الْحَاجَةِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ، وَفِي الْإِجَارَةِ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ إنَّمَا يَجِبُ بِالْعَمَلِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَصِيرُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَعْلُومًا، وَفِي الْبَيْعِ يَجِبُ الثَّمَنُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَتَتَحَقَّقُ الْجَهَالَةُ عَلَى وَجْهٍ لَا تَرْتَفِعُ الْمُنَازَعَةُ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ (وَلَوْ قَالَ: إنْ خِطْته الْيَوْمَ فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ خِطْته غَدًا فَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْإِجَارَةِ عَلَى أَحَدِ الشَّرْطَيْنِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الْإِجَارَةِ عَلَى شَرْطٍ وَاحِدٍ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ الْإِجَارَةَ عَلَى أَحَدِ الشَّرْطَيْنِ، لِأَنَّ الْوَاحِدَ قَبْلَ الِاثْنَيْنِ قَالَ (وَإِذَا قَالَ لِلْخَيَّاطِ إلَخْ) إذَا قَالَ رَجُلٌ لِلْخَيَّاطِ إنْ خِطْت هَذَا الثَّوْبَ فَارِسِيًّا فَلَكَ دِرْهَمٌ وَإِنْ خِطَّته رُومِيًّا فَلَكَ دِرْهَمًا جَازَ بِالِاتِّفَاقِ، وَأَيُّ الْعَمَلَيْنِ عُمِلَ اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ الْمُسَمَّى لَهُ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ التَّرْدِيدُ بَيْنَ الصَّبْغَيْنِ أَوْ الدَّارَيْنِ أَوْ الدَّابَّتَيْنِ أَوْ مَسَافَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ، أَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ فَلَمْ يَجُزْ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ الْبَيْعِ وَالْجَامِعِ دَفْعُ الْحَاجَةِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ، وَفِي الْإِجَارَةِ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَجْرَ إنَّمَا يَجِبُ بِالْعَمَلِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَصِيرُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ

فَإِنْ خَاطَهُ الْيَوْمَ فَلَهُ دِرْهَمٌ، وَإِنْ خَاطَهُ غَدًا فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُجَاوَزُ بِهِ نِصْفُ دِرْهَمٍ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: لَا يُنْقَصُ مِنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ وَلَا يُزَادُ عَلَى دِرْهَمٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: الشَّرْطَانِ جَائِزَانِ) قَالَ: زُفَرُ: الشَّرْطَانِ فَاسِدَانِ؛ لِأَنَّ الْخِيَاطَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَقَدْ ذُكِرَ بِمُقَابَلَتِهِ بَدَلَانِ عَلَى الْبَدَلِ فَيَكُونُ مَجْهُولًا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلتَّعْجِيلِ، وَذِكْرَ الْغَدِ لِلتَّرْفِيهِ فَيَجْتَمِعُ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَسْمِيَتَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعْلُومًا، وَفِي الْبَيْعِ يَجِبُ الثَّمَنُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَتَتَحَقَّقُ الْجَهَالَةُ وَلَا تَرْتَفِعُ الْمُنَازَعَةُ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ. وَإِذَا قَالَ: إنْ خِطَّته الْيَوْمَ فَبِدِرْهَمٍ وَإِنْ خِطَّته غَدًا فَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الشَّرْطُ الْأَوَّلُ جَائِزٌ وَالثَّانِي فَاسِدٌ، فَإِنْ خَاطَهُ الْيَوْمَ فَلَهُ دِرْهَمٌ وَإِنْ خَاطَهُ غَدًا فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: الشَّرْطَانِ جَائِزَانِ، فَفِي أَيِّهِمَا خَاطَ اسْتَحَقَّ الْمُسَمَّى فِيهِ. وَقَالَ زُفَرُ: الشَّرْطَانِ فَاسِدَانِ لِأَنَّ الْعَمَلَ الْوَاحِدَ قُوبِلَ بِبَدَلَيْنِ عَلَى الْبَدَلِ وَذَلِكَ يُفْضِي إلَى الْجَهَالَةِ الْمُفْضِيَةِ إلَى النِّزَاعِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلتَّعْجِيلِ لَا لِلتَّوْقِيتِ لِأَنَّهُ حَالَ إفْرَادِ الْعَقْدِ فِي الْيَوْمِ بِقَوْلِهِ خِطْهُ الْيَوْمَ بِدِرْهَمٍ كَانَ لِلتَّعْجِيلِ لَا لِلتَّوْقِيتِ حَتَّى لَوْ خَاطَهُ فِي الْغَدِ اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ فَكَذَا هَاهُنَا. وَذِكْرُ الْغَدِ لِلتَّرْفِيهِ لِأَنَّ حَالَ إفْرَادِ الْعَقْدِ فِي الْغَدِ بِقَوْلِهِ خِطْهُ غَدًا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ كَانَ لِلتَّرْفِيهِ فَكَذَا هَاهُنَا إذْ لَيْسَ لِتَعْدَادِ الشَّرْطِ أَثَرٌ فِي تَغْيِيرِهِ فَيَجْتَمِعُ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَسْمِيَتَانِ، أَمَّا فِي الْيَوْمِ فَلِأَنَّ ذِكْرَ الْغَدِ إذَا كَانَ لِلتَّرْفِيهِ كَانَ الْعَقْدُ الْمُضَافُ إلَى غَدٍ ثَابِتًا الْيَوْمَ مَعَ عَقْدِ الْيَوْمِ، وَأَمَّا فِي الْغَدِ فَلِأَنَّ الْعَقْدَ الْمُنْعَقِدَ فِي الْيَوْمِ بَاقٍ، لِأَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلتَّعْجِيلِ فَيَجْتَمِعُ مَعَ الْمُضَافِ إلَى غَدٍ، وَإِذَا اجْتَمَعَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَسْمِيَتَانِ لَزِمَ مُقَابَلَةُ الْعَمَلِ الْوَاحِدِ بِبَدَلَيْنِ عَلَى الْبَدَلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ خِطْهُ بِدِرْهَمٍ أَوْ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ وَهُوَ بَاطِلٌ لِكَوْنِ الْأَجْرِ مَجْهُولًا. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْجَهَالَةَ تَزُولُ بِوُقُوعِ الْعَمَلِ فَإِنَّ بِهِ يَتَعَيَّنُ الْأَجْرُ لِلُزُومِهِ عِنْدَ الْعَمَلِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَلَهُمَا أَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلتَّوْقِيتِ لِأَنَّهُ حَقِيقَتُهُ فَكَانَ قَوْلُهُ إنْ خِطْته الْيَوْمَ فَبِدِرْهَمٍ مُقْتَصِرًا عَلَى الْيَوْمِ، فَبِانْقِضَاءِ الْيَوْمِ لَا يَبْقَى الْعَقْدُ إلَى الْغَدِ بَلْ يَنْقَضِي بِانْقِضَاءِ الْوَقْتِ، وَذِكْرُ الْغَدِ لِلتَّعْلِيقِ: أَيْ لِلْإِضَافَةِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ لَكِنْ تَقْبَلُ الْإِضَافَةَ إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَتَكُونُ مُرَادَةً لِكَوْنِهَا حَقِيقَةً، وَإِذَا كَانَ لِلْإِضَافَةِ لَمْ يَكُنْ الْعَقْدُ ثَابِتًا فِي الْحَالِ فَلَا يَجْتَمِعُ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَسْمِيَتَانِ

وَلَهُمَا أَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلتَّأْقِيتِ. وَذِكْرَ الْغَدِ لِلتَّعْلِيقِ فَلَا يَجْتَمِعُ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَسْمِيَتَانِ؛ وَلِأَنَّ التَّعْجِيلَ وَالتَّأْخِيرَ مَقْصُودٌ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ اخْتِلَافِ النَّوْعَيْنِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ ذِكْرَ الْغَدِ لِلتَّعْلِيقِ حَقِيقَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلِأَنَّ التَّعْجِيلَ وَالتَّأْخِيرَ مَقْصُودٌ) دَلِيلٌ آخَرُ لَهُمَا، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَاحِدٌ وَهُوَ الْعَمَلُ وَلَكِنْ بِصِفَةٍ خَاصَّةٍ، فَيَكُونُ مُرَادُهُ التَّعْجِيلَ لِبَعْضِ أَغْرَاضِهِ فِي الْيَوْمِ مِنْ التَّجَمُّلِ وَالْبَيْعِ بِزِيَادَةِ فَائِدَةٍ فَيَفُوتُ ذَلِكَ وَيَكُونُ التَّأْجِيلُ مَقْصُودًا فَصَارَ بِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ كَالنَّوْعَيْنِ مِنْ الْعَمَلِ كَمَا فِي الْخِيَاطَةِ الْفَارِسِيَّةِ وَالرُّومِيَّةِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ ذِكْرَ الْغَدِ لِلتَّعْلِيقِ حَقِيقَةً) أَيْ لِلْإِضَافَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: عَبَّرَ عَنْ الْإِضَافَةِ بِالتَّعْلِيقِ إشَارَةً إلَى أَنَّ النِّصْفَ فِي الْغَدِ لَيْسَ بِتَسْمِيَةٍ جَدِيدَةٍ،

وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ الْيَوْمِ عَلَى التَّأْقِيتِ؛ لِأَنَّ فِيهِ فَسَادَ الْعَقْدِ لِاجْتِمَاعِ الْوَقْتِ وَالْعَمَلِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ التَّسْمِيَةَ الْأُولَى بَاقِيَةٌ، وَإِنَّمَا هُوَ لِحَطِّ النِّصْفِ الْآخَرِ بِالتَّأْخِيرِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ ذِكْرُ الْغَدِ لِلتَّعْلِيقِ: أَيْ لِتَعْلِيقِ الْحَطِّ بِالتَّأْخِيرِ وَهُوَ يَقْبَلُ التَّأْخِيرَ، وَإِذَا كَانَتْ الْحَقِيقَةُ يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهَا لَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إلَى الْمَجَازِ، وَإِذَا كَانَ لِلْإِضَافَةِ لَا تَجْتَمِعُ تَسْمِيَتَانِ فِي الْيَوْمِ (وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ الْيَوْمِ عَلَى حَقِيقَتِهِ الَّتِي هِيَ التَّأْقِيتُ لِأَنَّ فِيهِ فَسَادَ الْعَقْدِ لِاجْتِمَاعِ الْوَقْتِ وَالْعَمَلِ) فَإِنَّا إذَا نَظَرْنَا إلَى ذِكْرِ الْعَمَلِ كَانَ الْأَجِيرُ مُشْتَرَكًا، وَإِذَا نَظَرْنَا إلَى ذِكْرِ الْيَوْمِ كَانَ أَجِيرَ وَحْدٍ وَهُمَا مُتَنَافِيَانِ لِتَنَافِي لَوَازِمِهِمَا، فَإِنَّ ذِكْرَ الْعَمَلِ يُوجِبُ عَدَمَ وُجُوبِ الْأُجْرَةِ مَا لَمْ يَعْمَلْ، وَذِكْرُ الْوَقْتِ يُوجِبُ وُجُوبَهَا عِنْدَ تَسْلِيمِ النَّفْسِ فِي الْمُدَّةِ، وَتَنَافِي اللَّوَازِمِ يَدُلُّ عَلَى تَنَافِي الْمَلْزُومَاتِ، وَلِذَلِكَ عَدَلْنَا عَنْ

يَجْتَمِعُ فِي الْغَدِ تَسْمِيَتَانِ دُونَ الْيَوْمِ، فَيَصِحُّ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ وَيَجِبُ الْمُسَمَّى، وَيَفْسُدُ الثَّانِي وَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلُ لَا يُجَاوَزُ بِهِ نِصْفُ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسَمَّى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يُزَادُ عَلَى دِرْهَمٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ الْأُولَى لَا تَنْعَدِمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَقِيقَةِ الَّتِي هِيَ التَّأْقِيتُ إلَى الْمَجَازِ الَّذِي هُوَ التَّعْجِيلُ (وَحِينَئِذٍ تَجْتَمِعُ فِي الْغَدِ تَسْمِيَتَانِ دُونَ الْيَوْمِ فَيَصِحُّ الْأَوَّلُ وَيَجِبُ الْمُسَمَّى وَيَفْسُدُ الثَّانِي وَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ) وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: فِي جَعْلِ الْيَوْمِ لِتَعْجِيلٍ صِحَّةَ الْإِجَارَةِ الْأُولَى وَفَسَادَ الثَّانِيَةِ، وَفِي جَعْلِهِ لِلتَّوْقِيتِ فَسَادَ الْأُولَى وَصِحَّةَ الثَّانِيَةِ، وَلَا رُجْحَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَكَانَ تَحَكُّمًا. وَالْجَوَابُ أَنَّ فَسَادَ الْإِجَارَةِ الثَّانِيَةِ يَلْزَمُ فِي ضِمْنِ صِحَّةِ الْأُولَى وَالضِّمْنِيَّاتُ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ. وَاسْتَشْكَلَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَسْأَلَةِ الْمَخَاتِيمِ، فَإِنَّهُ جَعَلَ فِيهَا ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلتَّأْقِيتِ وَأَفْسَدَ الْعَقْدَ، وَهَاهُنَا لِلتَّعْجِيلِ وَصَحَّحَهُ. وَأُجِيبَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلتَّأْقِيتِ حَقِيقَةٌ لَا يُتْرَكُ إذَا لَمْ يَمْنَعْ عَنْ ذَلِكَ مَانِعٌ كَمَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ فَمَنَعْنَا ذَلِكَ عَنْ الْحَمْلِ عَلَيْهِ، وَقَامَ الدَّلِيلُ عَلَى الْمَجَازِ وَهُوَ نُقْصَانُ الْأَجْرِ لِلتَّأْخِيرِ، بِخِلَافِ حَالَةِ الِانْفِرَادِ فَإِنَّهُ لَا دَلِيلَ ثَمَّةَ عَلَى الْمَجَازِ فَكَانَ التَّأْقِيتُ مُرَادًا وَفَسَدَ الْعَقْدُ. وَرُدَّ بِأَنَّ دَلِيلَ الْمَجَازِ قَائِمٌ ثَمَّةَ وَهُوَ تَصْحِيحُ الْعَقْدِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّعْجِيلِ فَيَكُونُ مُرَادًا نَظَرًا إلَى ظَاهِرِ الْحَالِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْجَوَازَ بِظَاهِرِ الْحَالِ فِي حَيِّزِ النِّزَاعِ فَلَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ زَائِدٍ عَلَى ذَلِكَ وَلَيْسَ بِمَوْجُودٍ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ نُقْصَانَ الْأَجْرِ دَلِيلٌ زَائِدٌ عَلَى الْجَوَازِ بِظَاهِرِ الْحَالِ. وَمِمَّا ذَكَرْنَا عُلِمَ أَنَّ قِيَاسَ زُفَرَ حَالَةَ الِاجْتِمَاعِ بِحَالَةِ الِانْفِرَادِ فَاسِدٌ لِوُجُودِ الْفَارِقِ، وَإِذَا وَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ فَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا خَاطَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي. رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ لَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَجْرَ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ نِصْفَ دِرْهَمٍ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسَمَّى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي. قَالَ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هِيَ الصَّحِيحَةُ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يُزَادُ عَلَى دِرْهَمٍ وَلَا يَنْقُصُ مِنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ، لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ الْأُولَى لَا تَنْعَدِمُ

فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَتُعْتَبَرُ لِمَنْعِ الزِّيَادَةِ وَتُعْتَبَرُ التَّسْمِيَةُ الثَّانِيَةُ لِمَنْعِ النُّقْصَانِ، فَإِنْ خَاطَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ لَا يُجَاوَزُ بِهِ نِصْفُ دِرْهَمٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَرْضَ بِالتَّأْخِيرِ إلَى الْغَدِ فَبِالزِّيَادَةِ عَلَيْهِ إلَى مَا بَعْدَ الْغَدِ أَوْلَى (وَلَوْ قَالَ: إنْ سَكَّنْتَ فِي هَذَا الدُّكَّانِ عَطَّارًا فَبِدِرْهَمٍ فِي الشَّهْرِ، وَإِنْ سَكَّنْتَهُ حَدَّادًا فَبِدِرْهَمَيْنِ جَازَ، وَأَيَّ الْأَمْرَيْنِ فَعَلَ اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ الْمُسَمَّى فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: الْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ، وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ بَيْتًا عَلَى أَنَّهُ إنْ سَكَّنَ فِيهِ عَطَّارًا فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ سَكَّنَ فِيهِ حَدَّادًا فَبِدِرْهَمَيْنِ فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا: لَا يَجُوزُ) . (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى الْحِيرَةِ بِدِرْهَمٍ وَإِنْ جَاوَزَ بِهَا إلَى الْقَادِسِيَّةِ فَبِدِرْهَمَيْنِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَيُحْتَمَلُ الْخِلَافُ وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا إلَى الْحِيرَةِ عَلَى أَنَّهُ إنْ حَمَلَ عَلَيْهَا كُرَّ شَعِيرٍ فَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ، وَإِنْ حَمَلَ عَلَيْهَا كُرَّ حِنْطَةٍ فَبِدِرْهَمٍ فَهُوَ جَائِزٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَا: لَا يَجُوزُ) وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَجْهُولٌ، وَكَذَا الْأَجْرُ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ، وَهُوَ مَجْهُولٌ وَالْجَهَالَةُ تُوجِبُ الْفَسَادَ، بِخِلَافِ الْخِيَاطَةِ الرُّومِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ يَجِبُ بِالْعَمَلِ وَعِنْدَهُ تَرْتَفِعُ الْجَهَالَةُ. أَمَّا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ يَجِبُ الْأَجْرُ بِالتَّخْلِيَةِ وَالتَّسْلِيمِ فَتَبْقَى الْجَهَالَةُ، وَهَذَا الْحَرْفُ هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَهُمَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ خَيَّرَهُ بَيْنَ عَقْدَيْنِ صَحِيحَيْنِ مُخْتَلِفِينَ فَيَصِحُّ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الرُّومِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ سُكْنَاهُ بِنَفْسِهِ يُخَالِفُ إسْكَانَهُ الْحَدَّادَ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ ذَلِكَ فِي مُطْلَقِ الْعَقْدِ وَكَذَا فِي أَخَوَاتِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَنْعِ الزِّيَادَةِ وَتُعْتَبَرُ التَّسْمِيَةُ الثَّانِيَةُ لِمَنْعِ النُّقْصَانِ، فَإِنْ خَاطَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ نِصْفَ دِرْهَمٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَرْضَ بِالتَّأْخِيرِ إلَى الْغَدِ فَبِالزِّيَادَةِ عَلَيْهِ إلَى مَا بَعْدَ الْغَدِ أَوْلَى) وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ. قَالَ (وَلَوْ قَالَ: إنْ سَكَّنْت فِي هَذَا الدُّكَّانِ عَطَّارًا فَبِدِرْهَمٍ إلَخْ) وَلَوْ قَالَ: إنْ سَكَّنْت فِي هَذَا الدُّكَّانِ عَطَّارًا فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ سَكَّنْته حَدَّادًا فَبِدِرْهَمَيْنِ، وَكَذَا إنْ اسْتَأْجَرَ بَيْتًا فَقَالَ إنْ سَكَّنْت فِيهِ عَطَّارًا فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ سَكَّنْت فِيهِ حَدَّادًا فَبِدِرْهَمَيْنِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى الْحِيرَةِ عَلَى أَنَّهُ إنْ حَمَلَ عَلَيْهَا كُرَّ شَعِيرٍ فَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ، وَإِنْ حَمَلَ عَلَيْهَا كُرَّ حِنْطَةٍ فَبِدِرْهَمٍ فَذَلِكَ كُلُّهُ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا إلَى الْحِيرَةِ بِدِرْهَمٍ فَإِنْ جَاوَزَ بِهَا إلَى الْقَادِسِيَّةِ فَبِدِرْهَمَيْنِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَيُحْتَمَلُ الْخِلَافُ. وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ ذُكِرَتْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُطْلَقًا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلَ الْكُلِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً كَمَا فِي نَظَائِرِهَا. وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ، وَكَذَلِكَ الْأَجْرُ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَالْجَهَالَةُ الْوَاحِدَةُ تُوجِبُ الْفَسَادَ فَكَيْفَ الْجَهَالَتَانِ. فَإِنْ قِيلَ: مَسْأَلَةُ الْخِيَاطَةِ الرُّومِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ فِيهَا جَهَالَةُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَكَانَتْ صَحِيحَةً. أَجَابَ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ الْخِيَاطَةِ الرُّومِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ لِأَنَّ الْأَجْرَ ثَمَّةَ يَجِبُ بِالْعَمَلِ وَعِنْدَهُ تَرْتَفِعُ الْجَهَالَةُ. أَمَّا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ فَالْأَجْرُ يَجِبُ بِالتَّخْلِيَةِ فِي الدَّارِ وَالدُّكَّانِ وَالتَّسْلِيمِ فِي الْعَبْدِ فَتَبْقَى الْجَهَالَةُ. وَهَذَا الْحَرْفُ: أَيْ قَوْلُهُ يَجِبُ الْأَجْرُ بِالتَّخْلِيَةِ وَالتَّسْلِيمِ فَتَبْقَى الْجَهَالَةُ هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَهُمَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ خَيَّرَهُ بَيْنَ عَقْدَيْنِ صَحِيحَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَيَصِحُّ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الرُّومِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ، وَهَذَا أَيْ كَوْنُهُمَا مُخْتَلِفَيْنِ لِأَنَّ سُكْنَاهُ بِنَفْسِهِ يُخَالِفُ إسْكَانَهُ الْحَدَّادَ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَيْ إسْكَانَهُ الْحَدَّادَ لَا يَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ الْعَقْدِ وَكَذَا

[باب إجارة العبد]

وَالْإِجَارَةُ تُعْقَدُ لِلِانْتِفَاعِ وَعِنْدَهُ تَرْتَفِعُ الْجَهَالَةُ، وَلَوْ اُحْتِيجَ إلَى الْإِيجَابِ بِمُجَرَّدِ التَّسْلِيمِ يَجِبُ أَقَلُّ الْأَجْرَيْنِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي أَخَوَاتِهَا (قَوْلُهُ وَالْإِجَارَةُ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ يَجِبُ الْأَجْرُ بِالتَّخْلِيَةِ إلَخْ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْإِجَارَةَ (تُعْقَدُ لِلِانْتِفَاعِ وَعِنْدَهُ تَرْتَفِعُ الْجَهَالَةُ) أَمَّا تَرْكُ الِانْتِفَاعِ مِنْ التَّمَكُّنِ فَنَادِرٌ لَا مُعْتَبَرَ بِهِ (وَلَوْ اُحْتِيجَ إلَى إيجَابِ الْأَجْرِ بِمُجَرَّدِ التَّخْلِيَةِ) بِأَنْ يُسَلِّمَ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ حَتَّى يَعْلَمَ الْمَنْفَعَةَ (يَجِبُ أَقَلُّ الْأَجْرَيْنِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ) . [بَابُ إجَارَةِ الْعَبْدِ] تَأْخِيرُ ذِكْرِ إجَارَةِ الْعَبْدِ عَنْ إجَارَةِ الْحُرِّ لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ لِظُهُورِ وَجْهِهِ بِانْحِطَاطِ دَرَجَتِهِ

قَالَ: (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّ خِدْمَةَ السَّفَرِ اشْتَمَلَتْ عَلَى زِيَادَةِ مَشَقَّةٍ فَلَا يَنْتَظِمُهَا الْإِطْلَاقُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِيَخْدُمَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ ذَلِكَ، لِأَنَّ خِدْمَةَ السَّفَرِ تَشْتَمِلُ عَلَى زِيَادَةِ مَشَقَّةٍ) لَا مَحَالَةَ (فَلَا يَنْتَظِمُهَا الْإِطْلَاقُ) وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ فِي مِلْكِهِ مَنَافِعَهُ كَالْمَوْلَى، وَلِلْمَوْلَى أَنْ يُسَافِرَ بِعَبْدِهِ فَكَذَا لِلْمُسْتَأْجِرِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَوْلَى إنَّمَا يُسَافِرُ بِعَبْدِهِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ وَالْمُسْتَأْجِرُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَنُوقِضَ بِمَنْ ادَّعَى دَارًا وَصَالَحَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدِهِ سَنَةً فَإِنَّ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَخْرُجَ بِالْعَبْدِ إلَى السَّفَرِ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ رَقَبَتَهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ عَلَى الْآجِرِ بَعْدَ انْتِهَاءِ

وَلِهَذَا جُعِلَ السَّفَرُ عُذْرًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَقْدِ، لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِي النَّقْلِ كَانَتْ لَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَقَرَّرَ حَقُّهُ فِي الْأَجْرِ، فَالْمُسْتَأْجِرُ إذَا سَافَرَ بِعَبْدِهِ يَلْزَمُ الْمُؤَجِّرَ مَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ مِنْ مُؤْنَةِ الرَّدِّ، وَرُبَّمَا يَرْبُو عَلَى الْأُجْرَةِ. وَأَمَّا فِي الصُّلْحِ فَمُؤْنَةُ الرَّدِّ لَيْسَتْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَالْمُدَّعِي بِالْإِخْرَاجِ إلَى السَّفَرِ يَلْتَزِمُ مُؤْنَةَ الرَّدِّ وَلَهُ ذَلِكَ، وَهَذَا كَمَا تَرَى انْقِطَاعٌ لِأَنَّ الْمُعَلِّلَ احْتَاجَ إلَى أَنْ يَضُمَّ إلَى عِلَّتِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَالْمُسْتَأْجِرُ لَا يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ قَيْدًا وَهُوَ أَنْ يَقُولَ وَيَلْزَمَهُ مُؤْنَةُ الرَّدِّ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ فِي مَنَافِعِ الْعَبْدِ كَالْمَوْلَى، فَإِنَّ الْمَوْلَى لَهُ الْمَنْفَعَةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ زَمَانًا وَمَكَانًا وَنَوْعًا، وَلَيْسَ الْمُسْتَأْجِرُ كَذَلِكَ بَلْ يَمْلِكُهَا بِعَقْدٍ ضَرُورِيٍّ يَتَقَيَّدُ بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ، فَيَجُوزُ أَنْ يَتَقَيَّدَ بِمَا لَمْ يَتَقَيَّدْ بِهِ الْمَوْلَى، وَالْعُرْفُ يُوجِبُهُ، أَوْ دَفْعُ ضَرَرِ مُؤْنَةِ الرَّدِّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا يُوجِبُهُ (وَلِهَذَا جُعِلَ السَّفَرُ عُذْرًا) يَعْنِي إذَا اسْتَأْجَرَ غُلَامًا لِيَخْدُمَهُ فِي الْمِصْرِ ثُمَّ أَرَادَ الْمُسْتَأْجِرَ السَّفَرَ فَهُوَ عُذْرٌ فِي فَسْخِ الْإِجَارَةِ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْمُسَافَرَةِ بِالْعَبْدِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ مُنِعَ السَّفَرَ تَضَرَّرَ فَكَانَ عُذْرًا تُفْسَخُ بِهِ الْإِجَارَةُ

فَلَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِهِ كَإِسْكَانِ الْحَدَّادِ وَالْقَصَّارِ فِي الدَّارِ، وَلِأَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ الْخِدْمَتَيْنِ ظَاهِرٌ، فَإِذَا تَعَيَّنَ الْخِدْمَةُ فِي الْحَضَرِ لَا يَبْقَى غَيْرُهُ دَاخِلًا كَمَا فِي الرُّكُوبِ (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ شَهْرًا وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ الْأَجْرَ) وَأَصْلُهُ أَنَّ الْإِجَارَةَ صَحِيحَةٌ اسْتِحْسَانًا إذَا فَرَغَ مِنْ الْعَمَلِ. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِانْعِدَامِ إذْنِ الْمَوْلَى وَقِيَامِ الْحَجْرِ فَصَارَ كَمَا إذَا هَلَكَ الْعَبْدُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّصَرُّفَ نَافِعٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْفَرَاغِ سَالِمًا ضَارٌّ عَلَى اعْتِبَارِ هَلَاكِ الْعَبْدِ، وَالنَّافِعُ مَأْذُونٌ فِيهِ كَقَبُولِ الْهِبَةِ، وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ. (وَمَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَآجَرَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ فَأَخَذَ الْغَاصِبُ الْأَجْرَ فَأَكَلَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: هُوَ ضَامِنٌ) ؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ مَالَ الْمَالِكِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، إذْ الْإِجَارَةُ قَدْ صَحَّتْ عَلَى مَا مَرَّ. وَلَهُ أَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا يَجِبُ بِإِتْلَافِ مَالٍ مُحْرَزٍ؛ لِأَنَّ التَّقَوُّمَ بِهِ، وَهَذَا غَيْرُ مُحْرَزٍ فِي حَقِّ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ عَنْهُ فَكَيْفَ يُحْرِزُ مَا فِي يَدِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَلَا يَنْتَظِمُهَا الْإِطْلَاقُ (وَلِأَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ الْخِدْمَتَيْنِ ظَاهِرٌ) فَصَارَ كَالِاخْتِلَافِ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِينَ (فَإِذَا تَعَيَّنَتْ الْخِدْمَةُ فِي الْحَضَرِ عُرْفًا لَا يَبْقَى غَيْرُهَا دَاخِلًا كَمَا فِي الرُّكُوبِ) فَإِنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَ بِنَفْسِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ غَيْرَهُ لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ رُكُوبِ الرَّاكِبِينَ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ شَهْرًا) فَعَمِلَ (فَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْهُ الْأَجْرَ اسْتِحْسَانًا. وَفِي الْقِيَاسِ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا تَصِحَّ الْإِجَارَةُ لِانْعِدَامِ إذْنِ الْمَوْلَى وَقِيَامِ الْحَجْرِ) فَيَصِيرُ الْمُسْتَأْجِرُ غَاصِبًا بِالِاسْتِعْمَالِ وَلَا أَجْرَ عَلَى الْغَاصِبِ (فَصَارَ كَمَا إذَا هَلَكَ الْعَبْدُ) فَإِنَّهُ يَجِبُ لِلْمَوْلَى قِيمَتُهُ دُونَ الْأَجْرِ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ بِالْغَصْبِ، وَالْأَجْرُ وَالضَّمَانُ لَا يَجْتَمِعَانِ (وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّصَرُّفَ نَافِعٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْفَرَاغِ سَالِمًا ضَارٍّ عَلَى اعْتِبَارِ الْهَلَاكِ بِالِاسْتِعْمَالِ وَالنَّافِعُ مَأْذُونٌ فِيهِ كَقَبُولِ الْهِبَةِ، وَإِذَا جَازَ الدَّفْعُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْهُ) قَالَ (وَمَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَآجَرَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ إلَخْ) وَمَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَآجَرَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ فَأَخَذَ الْغَاصِبُ الْأَجْرَ فَأَكَلَهُ لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: هُوَ ضَامِنٌ لِأَنَّهُ أَكَلَ مَالَ الْمَالِكِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، إذْ الْإِجَارَةُ قَدْ صَحَّتْ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّصَرُّفَ نَافِعٌ، وَالْمَحْجُورُ مَأْذُونٌ فِي الْمَنَافِعِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا يَجِبُ بِإِتْلَافِ مَالٍ مُحْرَزٍ لِأَنَّ التَّقَوُّمَ بِالْإِحْرَازِ وَهَذَا الْمَالُ غَيْرُ مُحْرَزٍ فِي حَقِّ الْغَاصِبِ، إذْ الْعَبْدُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ عَنْهُ فَكَيْفَ يُحْرِزُ مَا فِي يَدِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِحْرَازَ إنَّمَا يَكُونُ بِيَدِ الْمَالِكِ أَوْ يَدِ نَائِبِهِ، وَيَدُ الْغَاصِبِ لَيْسَتْ بِهِمَا وَيَدُ الْعَبْدِ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ. فَإِنْ قِيلَ: الْغَاصِبُ إذَا اسْتَهْلَكَ وَلَدَ الْمَغْصُوبَةِ ضَمِنَهُ وَلَا

(وَإِنْ وَجَدَ الْمَوْلَى الْأَجْرَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ أَخَذَهُ) ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ (وَيَجُوزُ قَبْضُ الْعَبْدِ الْأَجْرَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ عَلَى اعْتِبَارِ الْفَرَاغِ عَلَى مَا مَرَّ. (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ شَهْرًا بِأَرْبَعَةٍ وَشَهْرًا بِخَمْسَةٍ فَهُوَ جَائِزٌ، وَالْأَوَّلُ مِنْهُمَا بِأَرْبَعَةٍ) ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ الْمَذْكُورَ أَوَّلًا يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِي الْعَقْدَ تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ أَوْ نَظَرًا إلَى تَنَجُّزِ الْحَاجَةِ فَيَنْصَرِفُ الثَّانِي إلَى مَا يَلِي الْأَوَّلَ ضَرُورَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــQإحْرَازَ فِيهِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْأُمِّ لِكَوْنِهِ جُزْءًا مِنْهَا وَهِيَ مُحْرَزَةٌ، بِخِلَافِ الْأَجْرِ فَإِنَّهُ حَصَلَ مِنْ الْمَنَافِعِ وَهِيَ غَيْرُ مُحْرَزَةٍ (وَإِنْ وَجَدَ الْمَوْلَى الْأَجْرَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ أَخَذَهُ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ، وَيَجُوزُ قَبْضُ الْعَبْدِ الْأَجْرَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ عَلَى اعْتِبَارِ الْفَرَاغِ عَلَى مَا مَرَّ) مِنْ قَوْلِهِ وَالنَّافِعُ مَأْذُونٌ فِيهِ كَقَبُولِ الْهِبَةِ، وَإِذَا كَانَ مَأْذُونًا لَهُ وَهُوَ الْعَاقِدُ رَجَعَ الْحُقُوقُ إلَيْهِ فَكَانَ لَهُ الْقَبْضُ وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِي حَقِّ خُرُوجِ الْمُسْتَأْجِرِ عَنْ عُهْدَةِ الْأُجْرَةِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ وَوَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا آجَرَ الْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ نَفْسَهُ، فَإِنْ آجَرَهُ الْغَاصِبُ كَانَ الْأَجْرُ لَهُ لَا لِلْمَالِكِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ آجَرَهُ الْمَوْلَى فَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَقْبِضَ الْأُجْرَةَ إلَّا بِوَكَالَةِ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ شَهْرًا بِأَرْبَعَةٍ وَشَهْرًا بِخَمْسَةٍ فَهُوَ جَائِزٌ، وَالشَّهْرُ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا بِأَرْبَعَةٍ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا، وَالْمَذْكُورُ أَوَّلًا يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِي الْعَقْدَ تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ) وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ شَهْرًا بِأَرْبَعَةٍ عَلَى سَبِيلِ التَّنْكِيرِ كَانَ مَجْهُولًا، وَالْإِجَارَةُ تَفْسُدُ بِالْجَهَالَةِ فَصَرَفْنَاهُ إلَى مَا يَلِي الْعَقْدَ تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ، كَمَا لَوْ قَالَ اسْتَأْجَرْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ شَهْرًا وَسَكَتَ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِي الْعَقْدَ (أَوْ نَظَرًا إلَى تَنَجُّزِ الْحَاجَةِ) فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَسْتَأْجِرُ الشَّيْءَ لِحَاجَةٍ تَدْعُوهُ إلَى ذَلِكَ، وَالظَّاهِرُ وُقُوعُهَا عِنْدَ الْعَقْدِ، وَإِذَا انْصَرَفَ الْأَوَّلُ إلَى مَا يَلِي الْعَقْدَ وَالثَّانِي مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِي الْأَوَّلَ ضَرُورَةً. قِيلَ مَبْنَى هَذَا الْكَلَامِ عَلَى أَنَّهُ ذُكِرَ مُنْكَرًا مَجْهُولًا، وَالْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ لَيْسَ كَذَلِكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْكِتَابِ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ وَاللَّامُ فِيهِ لِلْعَهْدِ لَمَّا كَانَ فِي كَلَامِ الْمُؤَجِّرِ مِنْ الْمُنْكَرِ، فَكَأَنَّ الْمُؤَجِّرَ قَالَ آجَرْت عَبْدِي هَذَا شَهْرَيْنِ شَهْرًا بِأَرْبَعَةٍ وَشَهْرًا بِخَمْسَةٍ

(وَمَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا شَهْرًا بِدِرْهَمٍ فَقَبَضَهُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ ثُمَّ جَاءَ آخِرُ الشَّهْرِ، وَهُوَ آبِقٌ أَوْ مَرِيضٌ فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ أَبَقَ أَوْ مَرِضَ حِينَ أَخَذْته وَقَالَ الْمَوْلَى لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِسَاعَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ اسْتَأْجَرْته هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ شَهْرًا بِأَرْبَعَةٍ وَشَهْرًا بِخَمْسَةٍ (قَوْلُهُ وَمَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا شَهْرًا بِدِرْهَمٍ إلَخْ) ظَاهِرٌ خَلَا قَوْلِهِ فَيَتَرَجَّحُ بِحُكْمِ الْحَالِ فَإِنَّهُ اسْتَشْكَلَ بِأَنَّ الْحَالَ تَصْلُحُ لِلدَّفْعِ دُونَ الِاسْتِحْقَاقِ، ثُمَّ لَوْ جَاءَ الْمُسْتَأْجِرُ بِالْعَبْدِ وَهُوَ صَحِيحٌ فَالْقَوْلُ لِلْمُؤَجِّرِ وَيَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ فَكَانَتْ مُوجِبَةً لِلِاسْتِحْقَاقِ وَلَيْسَ بِنَاهِضٍ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ إلَى دَفْعِهِ بِقَوْلِهِ وَهُوَ يَصْلُحُ مُرَجِّحًا إنْ لَمْ يَصْلُحْ حُجَّةً فِي نَفْسِهِ.

[باب الاختلاف في الإجارة]

وَإِنْ جَاءَ بِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُؤَجِّرِ) ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي أَمْرٍ مُحْتَمَلٍ فَيَتَرَجَّحُ بِحُكْمِ الْحَالِ، إذْ هُوَ دَلِيلٌ عَلَى قِيَامِهِ مِنْ قَبْلُ وَهُوَ يَصْلُحُ مُرَجِّحًا إنْ لَمْ يَصْلُحْ حُجَّةً فِي نَفْسِهِ. أَصْلُهُ الِاخْتِلَافُ فِي جَرَيَانِ مَاءِ الطَّاحُونَةِ وَانْقِطَاعِهِ. قَالَ: (وَإِذَا اخْتَلَفَ الْخَيَّاطُ وَرَبُّ الثَّوْبِ فَقَالَ رَبُّ الثَّوْبِ أَمَرْتُك أَنْ تَعْمَلَهُ قَبَاءً وَقَالَ الْخَيَّاطُ بَلْ قَمِيصًا أَوْ قَالَ: صَاحِبُ الثَّوْبِ لِلصَّبَّاغِ أَمَرْتُك أَنْ تَصْبُغَهُ أَحْمَرَ فَصَبَغْته أَصْفَرَ وَقَالَ الصَّبَّاغُ لَا بَلْ أَمَرْتنِي أَصْفَرَ فَالْقَوْلُ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ) ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ أَصْلَ الْإِذْنِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَكَذَا إذَا أَنْكَرَ صِفَتَهُ، لَكِنْ يَحْلِفُ؛ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ شَيْئًا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ. قَالَ: (وَإِذَا حَلَفَ فَالْخَيَّاطُ ضَامِنٌ) وَمَعْنَاهُ مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ، وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ، وَكَذَا يُخَيَّرُ فِي مَسْأَلَةِ الصَّبْغِ إذَا حَلَفَ إنْ شَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبَيَانُهُ أَنَّ الْمُوجِبَ لِلِاسْتِحْقَاقِ هُوَ الْعَقْدُ مَعَ تَسْلِيمِ الْعَبْدِ إلَيْهِ فِي الْمُدَّةِ، وَلَكِنَّ تَعَارُضَ كَلَامِهِمَا فِي اعْتِرَاضِ مَا يُوجِبُ السُّقُوطَ فَجُعِلَ الْحَالُ مُرَجِّحًا لِكَلَامِ الْمُؤَجِّرِ لَا مُوجِبًا لِلِاسْتِحْقَاقِ فَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ دَافِعَةً لِاسْتِحْقَاقِ السُّقُوطِ بَعْدَ الثُّبُوتِ لَا مُوجِبَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الْإِجَارَةِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ أَحْكَامِ اتِّفَاقِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَهُوَ الْأَصْلُ ذَكَرَ أَحْكَامَ اخْتِلَافِهِمَا وَهُوَ الْفَرْعُ، لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ إنَّمَا يَكُونُ لِعَارِضٍ قَالَ (وَإِذَا اخْتَلَفَ الْخَيَّاطُ وَرَبُّ الثَّوْبِ إلَخْ) إنْ اخْتَلَفَ الْمُتَعَاقِدَانِ فِي الْإِجَارَةِ فِي نَوْعِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَالْقَبَاءِ وَالْقَمِيصِ فِي الْخِيَاطَةِ أَوْ الْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يُسْتَفَادُ مِنْهُ الْإِذْنُ، وَهُوَ صَاحِبُ الثَّوْبِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، لِأَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ أَصْلَ الْإِذْنِ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ، فَكَذَا إذَا أَنْكَرَ صِفَتَهُ لَكِنْ بَعْدَ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ مَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ، فَإِنْ حَلَفَ فَهُوَ

ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ أَبْيَضَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّوْبَ وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ لَا يُجَاوَزُ بِهِ الْمُسَمَّى. وَذَكَرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: يُضَمِّنُهُ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَصْبِ. (وَإِنْ قَالَ: صَاحِبُ الثَّوْبِ عَمِلْته لِي بِغَيْرِ أَجْرٍ وَقَالَ الصَّانِعُ بِأَجْرٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ تَقَوُّمَ عَمَلِهِ إذْ هُوَ يَتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ وَيُنْكِرُ الضَّمَانَ وَالصَّانِعُ يَدِّعِيهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ كَانَ الرَّجُلُ حِرِّيفًا لَهُ) أَيْ خَلِيطًا لَهُ (فَلَهُ الْأَجْرُ وَإِلَّا فَلَا) ؛ لِأَنَّ سَبْقَ مَا بَيْنَهُمَا يُعَيِّنُ جِهَةَ الطَّلَبِ بِأَجْرٍ جَرْيًا عَلَى مُعْتَادِهِمَا (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ كَانَ الصَّانِعُ مَعْرُوفًا بِهَذِهِ الصَّنْعَةِ بِالْأَجْرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا فَتَحَ الْحَانُوتَ لِأَجْلِهِ جَرَى ذَلِكَ مَجْرَى التَّنْصِيصِ عَلَى الْأَجْرِ اعْتِبَارًا لِلظَّاهِرِ، وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ. وَالْجَوَابُ عَنْ اسْتِحْسَانِهِمَا أَنَّ الظَّاهِرَ لِلدَّفْعِ، وَالْحَاجَةُ هَاهُنَا إلَى الِاسْتِحْقَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى كَمَا مَرَّ قُبَيْلَ بَابِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ فِي قَوْلِهِ وَمَنْ دَفَعَ إلَى خَيَّاطٍ ثَوْبًا لِيَخِيطَهُ قَمِيصًا بِدِرْهَمِ فَخَاطَهُ قَبَاءً. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هُنَاكَ اتَّفَقَ الْمُتَعَاقِدَانِ عَلَى الْمَأْمُورِ بِهِ وَالْأَجِيرُ خَالَفَ وَهَاهُنَا قَدْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ فَكَيْفَ تَكُونُ هَذِهِ مِثْلَ تِلْكَ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا مِثْلُهَا انْتِهَاءً لَا ابْتِدَاءً، لِأَنَّهُ ذَكَرَ هَذَا الْحُكْمَ هُنَا بَعْدَ يَمِينِ صَاحِبِ الثَّوْبِ، وَلَمَّا حَلَفَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَلَمْ يَبْقَ لِخِلَافِ الْآخَرِ اعْتِبَارٌ فَكَانَتَا فِي الْحُكْمِ فِي الِانْتِهَاءِ سَوَاءً. وَذُكِرَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْقُدُورِيِّ يَضْمَنُهُ: أَيْ يَضْمَنُ صَاحِبُ الثَّوْبِ لِلصَّبَّاغِ قِيمَةَ زِيَادَةِ الصَّبْغِ، فَالْأَوْلَى أَعْنِي قَوْلَهُ لَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَالثَّانِيَةُ أَعْنِي قَوْلَهُ يَضْمَنُهُ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ. وَجْهُ الظَّاهِرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ الصَّبْغَ آلَةٌ لِلْعَمَلِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَى الصَّبَّاغِ بِمَنْزِلَةِ الْحَرَضِ وَالصَّابُونِ فِي عَمَلِ الْغَسَّالِ، فَلَا يَصِيرُ صَاحِبُ الثَّوْبِ مُشْتَرِيًا لِلصَّبْغِ حَتَّى تُعْتَبَرَ الْقِيمَةُ عِنْدَ فَسَادِ السَّبَبِ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الصَّبَّاغَ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ وَالْحُكْمُ فِي الْغَصْبِ كَذَلِكَ. وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الْأُجْرَةِ فَقَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ عَمِلْته لِي بِغَيْرِ أَجْرٍ وَقَالَ الصَّانِعُ بِأَجْرٍ فَالْقَوْلُ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ تَقَوُّمَ عَمَلِهِ، لِأَنَّهُ تَقَوُّمَهُ بِالْعَقْدِ وَيُنْكِرُ الضَّمَانَ وَالصَّانِعُ يَدَّعِيهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ كَانَ الرَّجُلُ حَرِيفًا لَهُ: أَيْ خَلِيطًا لَهُ وَذَلِكَ بِأَنْ تَكَرَّرَتْ تِلْكَ الْمُعَامَلَةَ بَيْنَهُمَا بِأَجْرٍ فَلَهُ الْأَجْرُ وَإِلَّا فَلَا، لِأَنَّ سَبْقَ مَا بَيْنَهُمَا بِأَجْرٍ يُعِينُ جِهَةَ الطَّلَبِ بِأَجْرٍ جَرْيًا عَلَى مُعْتَادِهِمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ كَانَ الصَّانِعُ مَعْرُوفًا بِهَذِهِ الصَّنْعَةِ بِالْأُجْرَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، لِأَنَّهُ لَمَّا فَتَحَ الْحَانُوتَ لِأَجْلِهِ جَرَى ذَلِكَ مَجْرَى التَّنْصِيصِ عَلَى الْأَجْرِ اعْتِبَارًا لِلظَّاهِرِ، وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَمَا ذَكَرَاهُ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الظَّاهِرَ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ وَالْحَاجَةُ هَاهُنَا لِلِاسْتِحْقَاقِ لَا لِلدَّفْعِ.

[باب فسخ الإجارة]

قَالَ: (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا يَضُرُّ بِالسُّكْنَى فَلَهُ الْفَسْخُ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْمَنَافِعُ، وَأَنَّهَا تُوجَدُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَكَانَ هَذَا عَيْبًا حَادِثًا قَبْلَ الْقَبْضِ فَيُوجِبُ الْخِيَارَ كَمَا فِي الْبَيْعِ، ثُمَّ الْمُسْتَأْجِرُ إذَا اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ فَقَدْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ فَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْبَدَلِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ فَعَلَ الْمُؤَجِّرُ مَا أَزَالَ بِهِ الْعَيْبَ فَلَا خِيَارَ لِلْمُسْتَأْجِرِ لِزَوَالِ سَبَبِهِ. قَالَ: (وَإِذَا خَرِبَتْ الدَّارُ أَوْ انْقَطَعَ شُرْبُ الضَّيْعَةِ أَوْ انْقَطَعَ الْمَاءُ عَنْ الرَّحَى انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ قَدْ فَاتَ، وَهِيَ الْمَنَافِعُ الْمَخْصُوصَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَشَابَهُ فَوْتُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَمَوْتِ الْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: إنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ قَدْ فَاتَتْ عَلَى وَجْهٍ يُتَصَوَّرُ عَوْدُهَا فَأَشْبَهَ الْإِبَاقَ فِي الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْآجِرَ لَوْ بَنَاهَا لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْتَنِعَ وَلَا لِلْآجِرِ، وَهَذَا تَنْصِيصٌ مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَنْفَسِخْ لَكِنَّهُ يُفْسَخُ. (وَلَوْ انْقَطَعَ مَاءُ الرَّحَى، وَالْبَيْتُ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ فَسْخِ الْإِجَارَةِ] تَأْخِيرُ هَذَا الْبَابِ عَمَّا قَبْلَهُ ظَاهِرُ الْمُنَاسَبَةِ، إذْ الْفَسْخُ يَعْقُبُ الْعَقْدَ لَا مَحَالَةَ. قَالَ (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا) تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ لِعُيُوبٍ تَضُرُّ بِالْمَنَافِعِ الَّتِي وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ لِأَجْلِهَا، وَكَذَا بِالْأَعْذَارِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، فَإِذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا (فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا يَضُرُّ بِالسُّكْنَى فَلَهُ الْفَسْخُ) وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ فَذَهَبَتْ كِلْتَا عَيْنَيْهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ عَيْبًا لَا يَضُرُّ كَحَائِطٍ سَقَطَ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا إلَيْهِ فِي السُّكْنَى أَوْ ذَهَبَتْ إحْدَى عَيْنَيْ الْعَبْدِ فَلَا فَسْخَ لَهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ) دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الْمَنَافِعُ وَأَنَّهَا تُوجَدُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ فَكُلُّ جُزْءٍ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ الِابْتِدَاءِ فَكَانَ الْعَيْبُ حَادِثًا قَبْلَ الْقَبْضِ وَذَلِكَ يُوجِبُ الْخِيَارَ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ حَادِثًا بَعْدَ قَبْضِ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ قَبْلَهُ، لِأَنَّ الَّذِي حَدَثَ بَعْدَ قَبْضِ الْمُسْتَأْجِرِ كَانَ قَبْلَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَنَافِعُ، ثُمَّ الْمُسْتَأْجِرُ إذَا اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ فَقَدْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ فَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْبَدَلِ كَمَا فِي الْبَيْعِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا رَضِيَ بِالْمَبِيعِ الْمَعِيبِ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَذَا إذَا أَزَالَ الْمُؤَجِّرُ مَا بِهِ مِنْ الْعَيْبِ لَا خِيَارَ لِلْمُسْتَأْجِرِ لِزَوَالِ سَبَبِهِ (وَإِذَا خَرِبَتْ الدَّارُ أَوْ انْقَطَعَ شِرْبُ الضَّيْعَةِ أَوْ انْقَطَعَ الْمَاءُ عَنْ الرَّحَى انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ) وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا. وَصَحَّحَ النَّقْلَ هَذَا الْقَائِلُ بِمَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ، وَلَوْ سَقَطَتْ الدَّارُ كُلُّهَا فَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُ الدَّارِ شَاهِدًا أَوْ غَائِبًا فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ يَنْفَسِخُ بِانْهِدَامِ الدَّارِ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ لِشَرْطِ حَضْرَةِ صَاحِبِ الدَّارِ لِأَنَّهُ رَدٌّ بِعَيْبٍ وَهُوَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِحَضْرَةِ الْمَالِكِ بِالْإِجْمَاعِ، وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ قَدْ فَاتَ وَهِيَ الْمَنَافِعُ الْمَخْصُوصَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَشَابَهَ فَوَاتَ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَمَوْتَ الْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: إنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ، وَ) صُحِّحَ النَّقْلُ بِمَا رَوَى هِشَامٌ (عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا فَانْهَدَمَ فَبَنَاهُ الْمُؤَجِّرُ لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْتَنِعَ وَلَا لِلْمُؤَجِّرِ، وَهَذَا تَنْصِيصٌ مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَنْفَسِخْ لَكِنَّهُ يُفْسَخُ) وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَنَافِعَ فَاتَتْ عَلَى وَجْهٍ يُتَصَوَّرُ عَوْدُهَا فَأَشْبَهَ إبَاقَ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ (قَوْلُهُ وَلَوْ انْقَطَعَ مَاءُ الرَّحَى وَالْبَيْتُ مِمَّا يَنْتَفِعُ بِهِ

لِغَيْرِ الطَّحْنِ فَعَلَيْهِ عَنْ الْأَجْرِ بِحِصَّتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. قَالَ: (وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَقَدْ عَقَدَ الْإِجَارَةَ لِنَفْسِهِ انْفَسَخَتْ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ الْعَقْدُ تَصِيرُ الْمَنْفَعَةُ الْمَمْلُوكَةُ بِهِ أَوْ الْأُجْرَةُ الْمَمْلُوكَةُ لِغَيْرِ الْعَاقِدِ مُسْتَحَقَّةً بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ بِالْمَوْتِ إلَى الْوَارِثِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ (وَإِنْ عَقَدَهَا لِغَيْرِهِ لَمْ تَنْفَسِخْ) مِثْلُ الْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ وَالْمُتَوَلِّي فِي الْوَقْفِ لِانْعِدَامِ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ مِنْ الْمَعْنَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِغَيْرِ الطَّحْنِ فَعَلَيْهِ مِنْ الْأَجْرِ بِحِصَّتِهِ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ) أَوْرَدَهُ اسْتِشْهَادًا بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ بِانْقِطَاعِ الْمَاءِ. قَالَ (وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَقَدْ عَقَدَ الْإِجَارَةَ لِنَفْسِهِ انْفَسَخَتْ، لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ الْعَقْدُ صَارَتْ الْمَنْفَعَةُ الْمَمْلُوكَةُ بِهِ أَوْ الْأُجْرَةُ الْمَمْلُوكَةُ لِغَيْرِ الْعَاقِدِ مُسْتَحَقَّةً بِالْعَقْدِ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ بِالْمَوْتِ إلَى الْوَارِثِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ) لِأَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ الْمُوَرِّثِ إلَى الْوَارِثِ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْأُجْرَةِ الْمَمْلُوكَةِ، لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ يَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى الْمَنَافِعِ، فَلَوْ قُلْنَا بِالِانْتِقَالِ كَانَ ذَلِكَ قَوْلًا بِانْتِقَالِ مَا لَمْ يَمْلِكْ الْمُوَرِّثُ إلَى الْوَارِثِ. وَأَمَّا إذَا عَقَدَهَا لِغَيْرِهِ كَالْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ وَالْمُتَوَلِّي فِي الْوَقْفِ (لَمْ تَنْفَسِخْ لِانْعِدَامِ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ) وَهُوَ صَيْرُورَةُ الْمَنْفَعَةِ لِغَيْرِ الْعَاقِدِ مُسْتَحَقَّةً بِالْعَقْدِ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ بِالْمَوْتِ إلَى الْوَارِثِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ الْمُوَرِّثِ إلَى الْوَارِثِ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْأُجْرَةِ الْمَمْلُوكَةِ، فَإِنَّهُ فِي الِابْتِدَاءِ كَانَ وَاقِعًا لِغَيْرِ الْعَاقِدِ وَبَقِيَ بَعْدَ الْمَوْتِ كَذَلِكَ. وَنُوقِضَ بِمَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مَكَان مُعَيَّنٍ فَمَاتَ صَاحِبُ الدَّابَّةِ فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ فَإِنَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَرْكَبَ الدَّابَّةَ إلَى الْمَكَانِ الْمُسَمَّى بِالْأَجْرِ فَقَدْ مَاتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَقَدْ عَقَدَ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ، فَإِنَّهُ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ حَيْثُ لَا يَجِدُ دَابَّةً أُخْرَى فِي وَسَطِ الْمَفَازَةِ، وَلَا يَكُونُ ثَمَّةَ قَاضٍ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَيْهِ فَيَسْتَأْجِرُ الدَّابَّةَ مِنْهُ، حَتَّى قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إنْ وَجَدَ ثَمَّةَ دَابَّةً أُخْرَى يَحْمِلُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ تُنْتَقَضُ الْإِجَارَةُ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ فِي مَوْضِعٍ فِيهِ قَاضٍ تُنْتَقَضُ الْإِجَارَةُ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَى إبْقَاءِ الْإِجَارَةِ مَعَ وُجُودِ مَا يُنَافِي الْبَقَاءَ وَهُوَ مَوْتُ الْمُؤَجِّرِ، وَإِذَا ثَبَتَتْ الضَّرُورَةُ كَانَ عَدَمُ الِانْفِسَاخِ بِالِاسْتِحْسَانِ الضَّرُورِيِّ، وَالْمُسْتَحْسَنُ لَا يُورَدُ نَقْضًا عَلَى الْقِيَاسِ كَتَطْهِيرِ الْحِيَاضِ وَالْأَوَانِي، وَنُوقِضَ بِمَا إذَا مَاتَ الْمُوَكِّلُ فَإِنَّهُ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ وَلَمْ يَعْقِدْ لِنَفْسِهِ وَلَيْسَ بِلَازِمٍ، فَإِنَّا قَدْ قُلْنَا إنْ كُلَّمَا مَاتَ الْعَاقِدُ لِنَفْسِهِ انْفَسَخَ وَلَمْ يَلْتَزِمْ بِأَنَّ كُلَّمَا انْفَسَخَ يَكُونُ بِمَوْتِ الْعَاقِدِ لِأَنَّ الْعَكْسَ غَيْرُ لَازِمٍ فِي مِثْلِهِ. وَوَجْهُ نَقْضِهِ هُوَ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي انْفَسَخَ الْعَقْدُ لِأَجْلِهِ إذَا مَاتَ الْعَاقِدُ لِنَفْسِهِ وَهُوَ ضَرُورَةُ الْمَنْفَعَةِ الْمَمْلُوكَةِ أَوْ الْأُجْرَةِ الْمَمْلُوكَةِ لِغَيْرِ مَنْ عُقِدَ

قَالَ: (وَيَصِحُّ شَرْطُ الْخِيَارِ فِي الْإِجَارَةِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يُمْكِنُهُ رَدُّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِكَمَالِهِ لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ لِفَوَاتِ بَعْضِهِ، وَلَوْ كَانَ لِلْمُؤَجِّرِ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّسْلِيمُ أَيْضًا عَلَى الْكَمَالِ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَمْنَعُ الْخِيَارَ. وَلَنَا أَنَّهُ عَقْدُ مُعَامَلَةٍ لَا يُسْتَحَقُّ الْقَبْضُ فِيهِ فِي الْمَجْلِسِ فَجَازَ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِيهِ كَالْبَيْعِ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا دَفْعُ الْحَاجَةِ، وَفَوَاتُ بَعْضُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِخِيَارِ الْعَيْبِ، فَكَذَا بِخِيَارِ الشَّرْطِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ رَدَّ الْكُلِّ مُمْكِنٌ فِي الْبَيْعِ دُونَ الْإِجَارَةِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ دُونَهَا وَلِهَذَا يُجْبَرُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الْقَبْضِ إذَا سَلَّمَ الْمُؤَجَّرَ بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِ الْمُدَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ مُسْتَحَقَّةٌ بِالْعَقْدِ مَوْجُودَةٌ فِيهِ فَالْفَسْخُ لِأَجْلِهِ. قَالَ (وَيَصِحُّ شَرْطُ الْخِيَارِ فِي الْإِجَارَةِ) إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا سَنَةً عَلَى أَنَّهُ أَوْ الْمُؤَجَّرُ فِيهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَنَا (وَفِي أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْخِيَارَ إنْ كَانَ لِلْمُسْتَأْجِرِ لَا يُمْكِنُهُ رَدُّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِكَمَالِهِ لِفَوَاتِ بَعْضِهِ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُؤَجِّرِ فَلَا يُمْكِنُهُ تَسْلِيمُهُ عَلَى الْكَمَالِ لِذَلِكَ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَمْنَعُ الْخِيَارَ) وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْمَنَافِعَ جُعِلَتْ فِي الْإِجَارَةِ كَالْأَعْيَانِ الْقَائِمَةِ، وَفَوَاتُ بَعْضِ الْعَيْنِ فِي الْبَيْعِ يَمْنَعُ الْفَسْخَ فَكَذَا هَاهُنَا (وَلَنَا أَنَّهُ عَقْدُ مُعَامَلَةٍ لَا يَسْتَحِقُّ الْقَبْضَ فِيهِ فِي الْمَجْلِسِ، وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ جَازَ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِيهِ، وَالْجَامِعُ دَفْعُ الْحَاجَةِ) فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ عَقْدُ مُعَامَلَةٍ يَحْتَاجُ إلَى التَّرَوِّي لِئَلَّا يَقَعَ فِيهِ الْغَبْنُ (وَفَوَاتُ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِيهِ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِخِيَارِ الْعَيْبِ) كَمَا تَقَدَّمَ (فَكَذَا بِخِيَارِ الشَّرْطِ) قَوْلُهُ عَقْدُ مُعَامَلَةٍ احْتِرَازٌ عَنْ النِّكَاحِ، وَقَوْلُهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْقَبْضَ فِيهِ فِي الْمَجْلِسِ احْتِرَازٌ عَنْ الصَّرْفِ فَإِنَّ الْخِيَارَ فِيهِمَا لَا يَصِحُّ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْبَيْعِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَفَوَاتُ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ (وَإِنَّمَا كَانَ فَوَاتُهُ فِي الْإِجَارَةِ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ وَفِي الْبَيْعِ يَمْنَعُ، لِأَنَّ رَدَّ الْكُلِّ فِي الْبَيْعِ مُمْكِنٌ دُونَ الْإِجَارَةِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ دُونَهَا) لِأَنَّ التَّكْلِيفَ إنَّمَا يَكُونُ بِحَسَبِ الْوُسْعِ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِأَنَّ رَدَّ الْكُلِّ مُمْكِنٌ فِي الْبَيْعِ دُونَ الْإِجَارَةِ (يُجْبَرُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الْقَبْضِ إذَا سَلَّمَ الْمُؤَجِّرُ بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِ الْمُدَّةِ) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ بِكَمَالِهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَهَذَا عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا سَنَةً فَلَمْ يُسَلِّمْهَا إلَيْهِ حَتَّى مَضَى شَهْرٌ وَقَدْ طَلَبَ التَّسْلِيمَ أَوْ لَمْ يَطْلُبْ ثُمَّ تَحَاكَمَا لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْقَبْضِ فِي بَقِيَّةِ السَّنَةِ عِنْدَنَا، وَلَا لِلْمُؤَجِّرِ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَفْسَخَ

قَالَ: (وَتُفْسَخُ الْإِجَارَةُ بِالْأَعْذَارِ) عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تُفْسَخُ إلَّا بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَعْيَانِ حَتَّى يَجُوزَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ. وَلَنَا أَنَّ الْمَنَافِعَ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ وَهِيَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا فَصَارَ الْعُذْرُ فِي الْإِجَارَةِ كَالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ فَتَنْفَسِخُ بِهِ، إذْ الْمَعْنَى يَجْمَعُهُمَا وَهُوَ عَجْزُ الْعَاقِدِ عَنْ الْمُضِيِّ فِي مُوجِبِهِ إلَّا بِتَحَمُّلِ ضَرَرٍ زَائِدٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ بِهِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْعُذْرِ عِنْدَنَا (وَهُوَ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ حَدَّادًا لِيَقْلَعَ ضِرْسَهُ لِوَجَعٍ بِهِ فَسَكَنَ الْوَجَعُ أَوْ اسْتَأْجَرَ طَبَّاخًا لِيَطْبُخَ لَهُ طَعَامَ الْوَلِيمَةِ فَاخْتَلَعَتْ مِنْهُ تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ) ؛ لِأَنَّ فِي الْمُضِيِّ عَلَيْهِ إلْزَامَ ضَرَرٍ زَائِدٍ لَمْ يُسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ (وَكَذَا مَنْ اسْتَأْجَرَ دُكَّانًا فِي السُّوقِ لِيَتَّجِرَ فِيهِ فَذَهَبَ مَالُهُ، وَكَذَا مَنْ أَجَّرَ دُكَّانًا أَوْ دَارًا ثُمَّ أَفْلَسَ، وَلَزِمَتْهُ دُيُونٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهَا إلَّا بِثَمَنِ مَا أَجَّرَ فَسَخَ الْقَاضِي الْعَقْدَ وَبَاعَهَا فِي الدُّيُونِ) ؛ لِأَنَّ فِي الْجَرْيِ عَلَى مُوجِبِ الْعَقْدِ إلْزَامَ ضَرَرٍ زَائِدٍ لَمْ يُسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ وَهُوَ الْحَبْسُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُصَدَّقُ عَلَى عَدَمِ مَالٍ آخَرَ. ثُمَّ قَوْلُهُ فَسَخَ الْقَاضِي الْعَقْدَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَقْدَ فِيمَا بَقِيَ بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي بَيَّنَّا أَنَّ الْمَنَافِعَ عِنْدَهُ فِي حُكْمِ الْأَعْيَانِ الْقَائِمَةِ، فَإِذَا فَاتَ بَعْضُ مَا تَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ قَبْلَ الْقَبْضِ يُخَيَّرُ فِيمَا بَقِيَ لِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ وَقَدْ تَفَرَّقَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّمَامِ وَذَلِكَ يُثْبِتُ حَقَّ الْفَسْخِ. قُلْنَا: الْإِجَارَةُ عُقُودٌ مُتَفَرِّقَةٌ فَلَا يُمْكِنُ فِيهَا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ وَلِهَذَا يُخَيَّرُ الْمُسْتَأْجِرُ. بَيَانُ فَرْعٍ آخَرَ لَنَا لَا اسْتِشْهَادًا حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْخَصْمُ قَائِلًا بِهِ. قَالَ (وَتُفْسَخُ الْإِجَارَةُ بِالْأَعْذَارِ عِنْدَنَا) تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ بِالْأَعْذَارِ عِنْدَنَا (وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: لَا تُفْسَخُ إلَّا بِالْعَيْبِ) بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ مِرَارًا (لِأَنَّ الْمَنَافِعَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَعْيَانِ حَتَّى يَجُوزَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا) فَكَانَتْ كَالْبَيْعِ وَالْبَيْعُ لَا يُفْسَخُ بِالْعُذْرِ فَكَذَا الْإِجَارَةُ (وَلَنَا أَنَّ الْمَنَافِعَ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ وَهِيَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا فَصَارَ الْعُذْرُ فِي الْإِجَارَةِ كَالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ فَتُفْسَخُ بِهِ) كَالْبَيْعِ (إذْ الْمَعْنَى الْمُجَوِّزُ لِلْفَسْخِ يَجْمَعُ الْإِجَارَةَ وَالْبَيْعَ جَمِيعًا، وَهُوَ) أَيْ الْمَعْنَى الْجَامِعُ (عَجْزُ الْعَاقِدِ عَنْ الْمُضِيِّ فِي مُوجِبِ الْعَقْدِ إلَّا بِتَحَمُّلِ ضَرَرٍ زَائِدٍ لَمْ يُسْتَحَقَّ بِهِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْعُذْرِ عِنْدَنَا) وَالشَّافِعِيُّ مَحْجُوجٌ بِمَا إذَا اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيُقْلِعَ ضِرْسَهُ لِوَجَعٍ ثُمَّ زَالَ الْوَجَعُ، أَوْ اسْتَأْجَرَ إنْسَانًا لِيَتَّخِذَ وَلِيمَةَ الْعُرْسِ فَمَاتَتْ الْعَرُوسُ، أَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَقْطَعَ يَدَهُ لِأَكَلَةٍ وَقَعَتْ بِهَا ثُمَّ بَرَأَتْ فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ الْمُسْتَأْجَرُ عَلَى قَلْعِ الضِّرْسِ وَاِتِّخَاذِ الْوَلِيمَةِ وَقَطْعِ الْيَدِ لَا مَحَالَةَ، لِأَنَّ فِي الْمُضِيِّ عَلَيْهَا إلْزَامَ ضَرَرٍ زَائِدٍ لَمْ يُسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ، وَكَذَا الْبَاقِي. ثُمَّ ذَكَرَ اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ فِي الِاحْتِيَاجِ إلَى الْحَاكِمِ. قَالَ (ثُمَّ قَوْلُهُ) أَيْ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ (فَسْخُ الْقَاضِي) إشَارَةٌ إلَى الِافْتِقَارِ إلَيْهِ

فِي النَّقْضِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ فِي عُذْرِ الدَّيْنِ، وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ عُذْرٌ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ فِيهِ تُنْتَقَضُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي. وَوَجْهُهُ أَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْمَبِيعِ عَلَى مَا مَرَّ فَيَنْفَرِدُ الْعَاقِدُ بِالْفَسْخِ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إلْزَامِ الْقَاضِي، وَمِنْهُمْ مَنْ وَفَّقَ فَقَالَ: إذَا كَانَ الْعُذْرُ ظَاهِرًا لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ لِظُهُورِ الْعُذْرِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ظَاهِرٍ كَالدَّيْنِ يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ لِظُهُورِ الْعُذْرِ (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيُسَافِرَ عَلَيْهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ مِنْ السَّفَرِ فَهُوَ عُذْرٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَضَى عَلَى مُوجِبِ الْعَقْدِ يَلْزَمُهُ ضَرَرٌ زَائِدٌ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَذْهَبُ لِلْحَجِّ فَذَهَبَ وَقْتُهُ أَوْ لِطَلَبِ غَرِيمِهِ فَحَضَرَ أَوْ لِلتِّجَارَةِ فَافْتَقَرَ (وَإِنْ بَدَا لِلْمُكَارِي فَلَيْسَ ذَلِكَ بِعُذْرٍ) ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْعُدَ وَيَبْعَثَ الدَّوَابَّ عَلَى يَدِ تِلْمِيذِهِ أَوْ أَجِيرِهِ (وَلَوْ مَرِضَ الْمُؤَاجِرُ فَقَعَدَ فَكَذَا الْجَوَابُ) عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ. وَرَوَى الْكَرْخِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ عُذْرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرَى عَنْ ضَرَرٍ فَيَدْفَعُ عَنْهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ دُونَ الِاخْتِيَارِ (وَمَنْ آجَرَ عَبْدَهُ ثُمَّ بَاعَهُ فَلَيْسَ بِعُذْرٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الضَّرَرُ بِالْمُضِيِّ عَلَى مُوجِبِ عَقْدٍ، وَإِنَّمَا يَفُوتُهُ الِاسْتِرْبَاحُ وَأَنَّهُ أَمْرٌ زَائِدٌ (وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الْخَيَّاطُ غُلَامًا فَأَفْلَسَ وَتَرَكَ الْعَمَلَ فَهُوَ الْعُذْرُ) ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الضَّرَرُ بِالْمُضِيِّ عَلَى مُوجِبِ الْعَقْدِ لِفَوَاتِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ رَأْسُ مَالِهِ، وَتَأْوِيلُ الْمَسْأَلَةِ خَيَّاطٌ يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ، أَمَّا الَّذِي يَخِيطُ بِأَجْرٍ فَرَأْسُ مَالِهِ الْخَيْطُ وَالْمَخِيطُ وَالْمِقْرَاضُ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْإِفْلَاسُ فِيهِ. (وَإِنْ أَرَادَ تَرْكَ الْخِيَاطَةِ، وَأَنْ يَعْمَلَ فِي الصَّرْفِ فَلَيْسَ بِعُذْرٍ) ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُقْعِدَ الْغُلَامَ لِلْخِيَاطَةِ فِي نَاحِيَةٍ، وَهُوَ يَعْمَلُ فِي الصَّرْفِ فِي نَاحِيَةٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ دُكَّانًا لِلْخِيَاطَةِ فَأَرَادَ أَنْ يَتْرُكَهَا وَيَشْتَغِلَ بِعَمَلٍ آخَرَ حَيْثُ جَعَلَهُ عُذْرًا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يُمْكِنُهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعَمَلَيْنِ، أَمَّا هَاهُنَا الْعَامِلُ شَخْصَانِ فَأَمْكَنَهُمَا (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ غُلَامًا يَخْدُمُهُ فِي الْمِصْرِ ثُمَّ سَافَرَ فَهُوَ عُذْرٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرَى عَنْ إلْزَامِ ضَرَرٍ زَائِدٍ؛ لِأَنَّ خِدْمَةَ السَّفَرِ أَشَقُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي النَّقْضِ وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ فِي عُذْرِ الدَّيْنِ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: (وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ عُذْرٌ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ فِيهِ تُنْتَقَضُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي) وَذَكَرَ وَجْهَهُ فِي الْكِتَابِ (وَذَكَرَ فِي وَجْهِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إلْزَامِ الْقَاضِي) وَفِيهِ مَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَصَحَّحَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ مَا ذُكِرَ فِي الزِّيَادَاتِ، وَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ وَالْمَحْبُوبِيُّ قَوْلَ مَنْ وَقَفَ فَقَالَ: (إذَا كَانَ الْعُذْرُ ظَاهِرًا لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ لِظُهُورِ الْعُذْرِ) أَيْ لِكَوْنِهِ ظَاهِرًا (وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ظَاهِرٍ) كَالدَّيْنِ (يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ لِظُهُورِ الْعُذْرِ) أَيْ لَأَنْ يَظْهَرَ الْعُذْرُ (قَوْلُهُ وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيُسَافِرَ عَلَيْهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ فِي السَّفَرِ) أَيْ ظَهَرَ لَهُ فِيهِ رَأْيٌ مَنَعَهُ عَنْ ذَلِكَ ظَاهِرٌ خَلَا مَوَاضِعَ بَيَّنَهَا (قَوْلُهُ وَمَنْ آجَرَ عَبْدَهُ ثُمَّ بَاعَهُ فَلَيْسَ بِعُذْرٍ) هُوَ لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، لَكِنْ هَلْ لَهُ أَنْ يَبِيعَ بَعْدَمَا آجَرَ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُ الرِّوَايَاتِ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: الصَّحِيحَةُ مِنْ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْبَيْعَ مَوْقُوفٌ عَلَى سُقُوطِ حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ، وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ وَإِلَيْهِ مَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ. وَقَوْلُهُ (أَمَّا الَّذِي يَخِيطُ بِأَجْرٍ فَرَأْسُ مَالِهِ الْخَيْطُ وَالْمَخِيطُ وَالْمِقْرَاضُ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْإِفْلَاسُ) قِيلَ: وَقَدْ يَتَحَقَّقُ إفْلَاسُهُ بِأَنْ تَظْهَرَ خِيَانَتُهُ عِنْدَ النَّاسِ فَيَمْتَنِعُونَ عَنْ تَسْلِيمِ الثِّيَابِ إلَيْهِ، أَوْ يَلْحَقُهُ دُيُونٌ كَثِيرَةٌ وَيَصِيرُ بِحَيْثُ إنَّ النَّاسَ لَا يَأْتَمِنُونَهُ عَلَى أَمْتِعَتِهِمْ (قَوْلُهُ وَمَنْ اسْتَأْجَرَ غُلَامًا يَخْدُمُهُ فِي الْمِصْرِ ثُمَّ سَافَرَ فَهُوَ عُذْرٌ)

[مسائل منثورة في الإجارة]

وَفِي الْمَنْعُ مِنْ السَّفَرِ ضَرَرٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَمْ يُسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ فَيَكُونُ عُذْرًا (وَكَذَا إذَا أَطْلَقَ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِالْحَضَرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا آجَرَ عَقَارًا ثُمَّ سَافَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ إذْ الْمُسْتَأْجِرُ يُمْكِنُهُ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بَعْدَ غَيْبَتِهِ، حَتَّى لَوْ أَرَادَ الْمُسْتَأْجِرُ السَّفَرَ فَهُوَ عُذْرٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَنْعِ مِنْ السَّفَرِ أَوْ إلْزَامِ الْأَجْرِ بِدُونِ السُّكْنَى وَذَلِكَ ضَرَرٌ. قَالَ: (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا أَوْ اسْتَعَارَهَا فَأَحْرَقَ الْحَصَائِدَ فَاحْتَرَقَ شَيْءٌ مِنْ أَرْضٍ أُخْرَى فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا التَّسْبِيبِ فَأَشْبَهَ حَافِرَ الْبِئْرِ فِي دَارِ نَفْسِهِ. وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَتْ الرِّيَاحُ هَادِئَةً ثُمَّ تَغَيَّرَتْ، أَمَّا إذَا كَانَتْ مُضْطَرِبَةً يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ مُوقِدَ النَّارِ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَسْتَقِرُّ فِي أَرْضِهِ. قَالَ: (وَإِذَا أَقْعَدَ الْخَيَّاطُ أَوْ الصَّبَّاغُ فِي حَانُوتِهِ مَنْ يَطْرَحُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ بِالنِّصْفِ فَهُوَ جَائِزٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقِيلَ: فَإِنْ قَالَ الْمُؤَجِّرُ إنَّهُ لَا يُرِيدُ السَّفَرَ وَلَكِنَّهُ يُرِيدُ فَسْخَ الْإِجَارَةِ وَأَصَرَّ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى دَعْوَى السَّفَرِ فَالْقَاضِي يَسْأَلُهُ عَمَّنْ يُسَافِرُ مَعَهُ، فَإِنْ قَالَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَالْقَاضِي يَسْأَلُهُمْ أَنَّ فُلَانًا هَلْ يَخْرُجُ مَعَكُمْ أَوْ لَا؟ فَإِنْ قَالُوا نَعَمْ ثَبَتَ الْعُذْرُ وَإِلَّا فَلَا. وَقِيلَ: يَنْظُرُ الْقَاضِي إلَى زِيِّهِ وَثِيَابِهِ، فَإِنْ كَانَتْ ثِيَابُهُ ثِيَابَ السَّفَرِ يَجْعَلُهُ مُسَافِرًا وَإِلَّا فَلَا. وَقِيلَ: إذَا أَنْكَرَ الْمُؤَجِّرُ السَّفَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ. وَقِيلَ: يَحْلِفُ الْقَاضِي الْمُسْتَأْجِرُ بِاَللَّهِ إنَّك عَزَمْت عَلَى السَّفَرِ، وَإِلَيْهِ مَالَ الْكَرْخِيُّ وَالْقُدُورِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. [مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ فِي الْإِجَارَة] (مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ) مَعْنَى الْمَسَائِلِ الْمَنْثُورَةِ قَدْ تَقَدَّمَ، وَحَصَدَ الزَّرْعَ: أَيْ جَذَّهُ، وَالْحَصَائِدُ جَمْعُ حَصِيدٍ وَحَصِيدَةٍ وَهُمَا الزَّرْعُ الْمَحْصُودُ، وَالْمُرَادُ بِهَا هَاهُنَا مَا يَبْقَى مِنْ أُصُولِ الْقَصَبِ الْمَحْصُودِ فِي الْأَرْضِ، وَمَعْنَاهُ ظَاهِرٌ. وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَتْ الرِّيحُ هَادِئَةً. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: بِالنُّونِ مِنْ هَدَنَ: أَيْ سَكَنَ. وَفِي نُسْخَةٍ هَادِئَةٌ مِنْ هَدَأَ بِالْهَمْزِ: أَيْ سَكَنَ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ الْهَادِئَةِ وَالْمُطْرِبَةِ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ (قَوْلُهُ وَإِذَا أَقْعَدَ الْخَيَّاطُ إلَخْ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْخَيَّاطُ أَوْ الصَّبَّاغُ مَعْرُوفًا وَهُوَ رَجُلٌ مَشْهُورٌ عِنْدَ النَّاسِ وَلَهُ جَاهٌ وَلَكِنَّهُ غَيْرُ حَاذِقٍ فَأَقْعَدَ فِي دُكَّانِهِ رَجُلًا حَاذِقًا لِيَتَقَبَّلَ صَاحِبُ الدُّكَّانِ الْعَمَلَ مِنْ النَّاسِ وَيَعْمَلَ الْحَاذِقُ وَجَعَلَا مَا يَحْصُلُ مِنْ الْأُجْرَةِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ جَازَ اسْتِحْسَانًا. وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ رَأْسَ مَالِ صَاحِبِ الدُّكَّانِ الْمَنْفَعَةُ وَهِيَ لَا تَصْلُحُ رَأْسَ مَالِ الشَّرِكَةِ، وَلِأَنَّ الْمُتَقَبِّلَ لِلْعَمَلِ عَلَى مَا ذَكَرَ صَاحِبُ الدُّكَّانِ فَيَكُونُ الْعَامِلُ أَجِيرَهُ بِالنِّصْفِ وَهُوَ مَجْهُولٌ،

لِأَنَّ هَذِهِ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ فِي الْحَقِيقَةِ، فَهَذَا بِوَجَاهَتِهِ يَقْبَلُ وَهَذَا بِحَذَاقَتِهِ يَعْمَلُ فَيَنْتَظِمُ بِذَلِكَ الْمَصْلَحَةُ فَلَا تَضُرُّهُ الْجَهَالَةُ فِيمَا يَحْصُلُ. قَالَ: (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ جَمَلًا لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ مَحْمَلًا وَرَاكِبَيْنِ إلَى مَكَّةَ جَازَ وَلَهُ الْمَحْمَلُ الْمُعْتَادُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ تَقَبَّلَ الْعَمَلَ الْعَامِلُ كَانَ مُسْتَأْجِرًا لِمَوْضِعِ جُلُوسِهِ مِنْ دُكَّانِهِ بِنِصْفِ مَا يَعْمَلُ وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَالطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَالَ إلَى وَجْهِ الْقِيَاسِ وَقَالَ: الْقِيَاسُ عِنْدِي أَوْلَى مِنْ الِاسْتِحْسَانِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِإِجَارَةٍ وَإِنَّمَا هِيَ شَرِكَةُ الصَّنَائِعِ وَهِيَ شَرِكَةُ التَّقَبُّلِ، لِأَنَّ شَرِكَةَ التَّقَبُّلِ أَنْ يَكُونَ ضَمَانُ الْعَمَلِ عَلَيْهِمَا وَأَحَدُهُمَا يَتَوَلَّى الْقَبُولَ مِنْ النَّاسِ وَالْآخَرُ يَتَوَلَّى الْعَمَلَ لِحَذَاقَتِهِ وَهُوَ مُتَعَارَفٌ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِهَا لِلتَّعَامُلِ بِهَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» فَإِنْ قِيلَ: شَرِكَةُ التَّقَبُّلِ هِيَ أَنْ يَشْتَرِكَا عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَا الْأَعْمَالَ وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُمَا اشْتَرَكَا فِي الْحَاصِلِ مِنْ الْأَجْرِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْخَارِجِ تَقْتَضِي إثْبَاتَ الشَّرِكَةِ فِي التَّقَبُّلِ فَثَبَتَ فِيهِ اقْتِضَاءً، إذْ لَيْسَ فِي كَلَامِهِمَا إلَّا تَخْصِيصُ أَحَدِهِمَا بِالتَّقَبُّلِ وَالْآخَرِ بِالْعَمَلِ ذِكْرًا، وَتَخْصِيصُ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَاهُ فَأَمْكَنَنَا إثْبَاتُ الشَّرِكَةِ فِي التَّقَبُّلِ اقْتِضَاءً فَكَأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي التَّقَبُّلِ صَرِيحًا، وَلَوْ صَرَّحَا بِشَرِكَةِ التَّقَبُّلِ ثُمَّ تَقَبَّلَ أَحَدُهُمَا وَعَمِلَ الْآخَرُ جَازَ فَكَذَا هَذَا. هَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّهُ قَالَ: لِأَنَّ هَذِهِ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ فِي الْحَقِيقَةِ، وَلَكِنَّ قَوْلَهُ فَهَذَا بِوَجَاهَتِهِ يَقْبَلُ وَهَذَا بِحَذَاقَتِهِ يَعْمَلُ أَنْسَبُ بِشَرِكَةِ التَّقَبُّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِذَا كَانَتْ شَرِكَةً لَا إجَارَةً لَمْ تَضُرَّهُ الْجَهَالَةُ فِيمَا يُحَصِّلْ كَمَا فِي الشَّرِكَةِ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ جَمَلًا لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ مَحْمَلًا)

وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ؛ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيُّ لِلْجَهَالَةِ وَقَدْ يُفْضِي ذَلِكَ إلَى الْمُنَازَعَةِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الرَّاكِبُ وَهُوَ مَعْلُومٌ وَالْمَحْمَلُ تَابِعٌ، وَمَا فِيهِ مِنْ الْجَهَالَةِ يَرْتَفِعُ بِالصَّرْفِ إلَى الْمُتَعَارَفِ فَلَا يُفْضِي ذَلِكَ إلَى الْمُنَازَعَةِ وَكَذَا إذَا لَمْ يَرَ الْوَطَاءَ وَالدُّثُرَ. قَالَ: (وَإِنْ شَاهَدَ الْجَمَّالُ الْحِمْلَ فَهُوَ أَجْوَدُ) ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَى لِلْجَهَالَةِ وَأَقْرَبُ إلَى تَحَقُّقِ الرِّضَا. قَالَ: (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ بَعِيرًا لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ مِقْدَارًا مِنْ الزَّادِ فَأَكَلَ مِنْهُ فِي الطَّرِيقِ جَازَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ عِوَضَ مَا أَكَلَ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ حِمْلًا مُسَمًّى فِي جَمِيعِ الطَّرِيقِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ (وَكَذَا غَيْرُ الزَّادِ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ) وَرَدُّ الزَّادِ مُعْتَادٌ عِنْدَ الْبَعْضِ كَرَدِّ الْمَاءِ فَلَا مَانِعَ مِنْ الْعَمَلِ بِالْإِطْلَاقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQظَاهِرٌ، وَالْوِطَاءُ الْفِرَاشُ، وَالدُّثُرُ جَمْعُ دِثَارٍ وَهُوَ مَا يُلْقَى عَلَيْك مِنْ كِسَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَرَدُّ الزَّادِ مُعْتَادٌ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ مُطْلَقُ الْعَقْدِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ، وَمِنْ عَادَةِ الْمُسَافِرِينَ أَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ مِنْ الزَّادِ وَلَا يَرُدُّونَ شَيْئًا مَكَانَهُ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعُرْفَ مُشْتَرَكٌ فَإِنَّهُ مُعْتَادٌ عِنْدَ الْبَعْضِ كَرَدِّ الْمَاءِ، وَالْعُرْفُ الْمُشْتَرَكُ لَا يَصْلُحُ مُقَيَّدًا فَلَا مَانِعَ مِنْ الْعَمَلِ بِالْإِطْلَاقِ، وَهُوَ أَنَّهُمَا أَطْلَقَا الْعَقْدَ عَلَى حَمْلِ قَدْرٍ مَعْلُومٍ فِي مَسَافَةٍ مَعْلُومَةٍ، وَلَمْ يُقَيَّدْ بِعَدَمِ رَدِّ مَا نَقَصَ مِنْ الْمَجْهُولِ فَوَجَبَ جَوَازُ رَدِّ قَدْرِ مَا نَقَصَ عَمَلًا بِالْإِطْلَاقِ وَهُوَ عَدَمُ الْمَانِعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[كتاب المكاتب]

قَالَ (وَإِذَا كَاتَبَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ عَلَى مَالٍ شَرَطَهُ عَلَيْهِ وَقَبِلَ الْعَبْدُ ذَلِكَ صَارَ مُكَاتَبًا) أَمَّا الْجَوَازُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْمُكَاتَبِ] (كِتَابُ الْمُكَاتَبِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَوْرَدَ عَقْدَ الْكِتَابَةِ بَعْدَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ لِمُنَاسَبَةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقْدٌ يُسْتَفَادُ بِهِ الْمَالُ بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ عَلَى وَجْهٍ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى ذِكْرِ الْعِوَضِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ، وَلِهَذَا وَقَعَ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ: يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُ بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ خَرَجَ بِهِ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ. وَقَوْلُهُ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ خَرَجَ بِهِ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ عَلَى مَالٍ، فَإِنَّ ذِكْرَ الْعِوَضِ فِيهَا لَيْسَ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ. وَذُكِرَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّ ذِكْرَ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ عَقِيبَ كِتَابِ الْعَتَاقِ كَانَ أَنْسَبَ، وَلِهَذَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي عَقِيبَ كِتَابِ الْعَتَاقِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مَآلُهَا الْوَلَاءُ وَالْوَلَاءُ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْعِتْقِ أَيْضًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِتْقَ إخْرَاجُ الرَّقَبَةِ عَنْ الْمِلْكِ بِلَا عِوَضٍ. وَالْكِتَابَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ فِيهَا مِلْكُ الرَّقَبَةِ لِشَخْصٍ وَمَنْفَعَتُهُ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ أَنْسَبُ لِلْإِجَارَةِ لِأَنَّ نِسْبَةَ الذَّاتِيَّاتِ أَوْلَى مِنْ نِسْبَةِ الْعَرْضِيَّاتِ، وَقَدَّمَ الْإِجَارَةَ لِشَبَهِهَا بِالْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ التَّمْلِيكُ وَالشَّرَائِطُ فَكَانَ أَنْسَبَ بِالتَّقْدِيمِ. وَالْكِتَابَةُ عَقْدٌ بَيْنَ الْمَوْلَى وَعَبْدِهِ بِلَفْظِ الْكِتَابَةِ وَمَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَقَوْلُهُ عَقْدٌ يُخْرِجُ تَعْلِيقَ الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يَحْتَاجُ إلَى إيجَابٍ وَقَبُولٍ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَشْرُوطٍ فِي التَّعْلِيقِ، فَإِنَّ التَّعْلِيقَ يَتِمُّ بِالْمَوْلَى، كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَأَمَّا الْإِعْتَاقُ عَلَى مَالٍ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ عَقْدًا لِاحْتِيَاجِهِ إلَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لَكِنَّهُ خَرَجَ بِقَوْلِهِ بِلَفْظِ الْكِتَابَةِ أَوْ مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ بِالْعَجْزِ يَعُودُ رَقِيقًا دُونَ الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ. وَسَبَبُهَا مَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ مِنْ تَعَلُّقِ الْبَقَاءِ الْمَقْدُورِ. وَشَرْطُهَا قِيَامُ الرِّقِّ فِي الْمَحَلِّ وَكَوْنُ الْمُسَمَّى مَالًا مَعْلُومًا قَدْرُهُ وَجِنْسُهُ. وَحُكْمُهَا مِنْ جَانِبِ الْعَبْدِ انْفِكَاكُ الْحَجْرِ فِي الْحَالِ وَثُبُوتُ مِلْكِ الْيَدِ حَتَّى يَكُونَ الْمُكَاتَبُ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ وَثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ إذَا أَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ، وَفِي جَانِبِ الْمَوْلَى ثُبُوتُ وِلَايَةِ مُطَالَبَةِ الْبَدَلِ فِي الْحَالِ إنْ كَانَتْ حَالَّةً، وَالْمِلْكُ فِي الْبَدَلِ إذَا قَبَضَهُ. وَأَلْفَاظُهَا الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ لِعَبْدِهِ كَاتَبْتُك عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ إذَا قَالَ قَبِلْت كَانَ ذَلِكَ كِتَابَةً، وَلَوْ قَالَ جَعَلْت عَلَيْك أَلْفًا تُؤَدِّيهَا إلَيَّ نُجُومًا أَوَّلَ نَجْمِ كَذَا وَآخِرَهُ كَذَا، فَإِذَا أَدَّيْتهَا فَأَنْتَ حُرٌّ وَإِنْ عَجَزْت فَأَنْتَ رَقِيقٌ كَانَ كِتَابَةً. قَالَ (وَإِذَا كَاتَبَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ إلَخْ) إذَا كَاتَبَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ عَلَى مَالٍ شَرَطَهُ عَلَيْهِ

{فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ وَقَبِلَ الْعَبْدُ ذَلِكَ صَارَ مُكَاتَبًا. أَمَّا جَوَازُ هَذَا الْعَمَلِ مِنْ الْمَوْلَى فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] وَدَلَالَتُهُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْعَقْدِ لَا تَخْفَى عَلَى عَارِفٍ بِلِسَانِ الْعَرَبِ سَوَاءٌ كَانَ الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ أَوْ لِغَيْرِهِ. وَلَمَّا كَانَ مَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيَانَ حُكْمٍ آخَرَ خِلَافُ الْمَشْرُوعِيَّةِ وَهُوَ أَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدٌ وَاجِبٌ أَنْ يَعْمَلَ أَوْ مَنْدُوبٌ أَوْ مُبَاحٌ تَعَرَّضَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَهَذَا لَيْسَ أَمْرَ إيجَابٍ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ، وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى نَفْيِ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إذَا طَلَبَ الْعَبْدُ مِنْ مَوْلَاهُ الْكِتَابَةَ وَقَدْ عَلِمَ

وَهَذَا لَيْسَ أَمْرَ إيجَابٍ بِإِجْمَاعٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَوْلَى فِيهِ خَيْرًا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُكَاتِبَهُ لِأَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ. وَقَالَ: إنَّمَا هُوَ أَمْرُ نَدْبٍ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازًا عَمَّا قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إنَّ الْأَمْرَ لِلْإِبَاحَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] وَقَوْلُهُ {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] مَذْكُورٌ عَلَى وِفَاقِ الْعَادَةِ، فَإِنَّهَا جَرَتْ عَلَى أَنَّ الْمَوْلَى إنَّمَا يُكَاتِبُ عَبْدَهُ إذَا عَلِمَ فِيهِ خَيْرًا. وَقَالَ: فَفِي الْحَمْلِ عَلَى الْإِبَاحَةِ إلْغَاءٌ لِلشَّرْطِ بَيَانٌ لِكَوْنِهِ لِلنَّدْبِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْإِبَاحَةِ إلْغَاءَ الشَّرْطِ لِأَنَّهَا ثَابِتَةٌ بِدُونِهِ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ، وَفِي الْحَمْلِ عَلَى النَّدْبِ إعْمَالٌ لَهُ لِأَنَّ النَّدْبِيَّةَ مُعَلَّقَةٌ بِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَيْرِ الْمَذْكُورِ عَلَى مَا قَالَ بَعْضُهُمْ أَنْ لَا يَضُرَّ بِالْمُسْلِمِينَ بَعْدَ الْعِتْقِ، فَإِنْ كَانَ يَضُرُّ بِهِمْ فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُكَاتِبَهُ، وَإِنْ فَعَلَ صَحَّ فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى النَّدْبِ. وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْقَبُولِ مِنْ الْعَبْدِ فَلِأَنَّهُ مَالٌ يَلْزَمُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الِالْتِزَامِ وَلَا

وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرُ نَدْبٍ هُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي الْحَمْلِ عَلَى الْإِبَاحَةِ إلْغَاءُ الشَّرْطِ إذْ هُوَ مُبَاحٌ بِدُونِهِ، أَمَّا النَّدْبِيَّةُ مُعَلَّقَةٌ بِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْخَيْرِ الْمَذْكُورِ عَلَى مَا قِيلَ أَنْ لَا يَضُرَّ بِالْمُسْلِمِينَ بَعْدَ الْعِتْقِ، فَإِنْ كَانَ يَضُرُّ بِهِمْ فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُكَاتِبَهُ وَإِنْ كَانَ يَصِحُّ لَوْ فَعَلَهُ. وَأَمَّا اشْتِرَاطُ قَبُولِ الْعَبْدِ فَلِأَنَّهُ مَالٌ يَلْزَمُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْتِزَامِهِ وَلَا يُعْتَقُ إلَّا بِأَدَاءِ كُلِّ الْبَدَلِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيُّمَا عَبْدٍ كُوتِبَ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ فَأَدَّاهَا إلَّا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَهُوَ عَبْدٌ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» وَفِيهِ اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَمَا اخْتَرْنَاهُ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQيُعْتَقُ إلَّا بِأَدَاءِ كُلِّ الْبَدَلِ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا عَبْدٍ كُوتِبَ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ فَأَدَّاهَا إلَّا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَهُوَ عَبْدٌ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» وَفِيهِ: أَيْ فِي وَقْتِ عِتْقِ الْمُكَاتَبِ اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَعِنْدَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُعْتَقُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى، وَعِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يُعْتَقُ كَمَا أَخَذَ الصَّحِيفَةَ مِنْ مَوْلَاهُ: يَعْنِي بِنَفْسِ الْعَقْدِ، لِأَنَّ الصَّحِيفَةَ عِنْدَ ذَلِكَ تُكْتَبُ، وَعِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُعْتَقُ إذَا أَدَّى قِيمَةَ نَفْسِهِ، وَعِنْدَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَيُعْتَقُ إذَا أَدَّى جَمِيعَ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، وَإِنْ يَقُلْ الْمَوْلَى إذَا أَدَّيْتهَا فَأَنْتَ حُرٌّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا يُعْتَقُ مَا لَمْ يَقُلْ كَاتَبْتُك عَلَى كَذَا عَلَى أَنَّك إذَا أَدَّيْته إلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ، لِأَنَّ الْكِتَابَةَ ضَمُّ نَجْمٍ إلَى نَجْمٍ، فَلَوْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ ضَرَبْت عَلَيْك أَلْفًا عَلَى أَنْ تُؤَدِّيَهَا إلَيَّ فِي كُلِّ شَهْرٍ كَذَا لَمْ يُعْتَقْ، فَكَذَا هَذَا. وَلَنَا أَنَّ مُوجِبَ الْعَقْدِ يَثْبُتُ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِهِ وَمُوجِبُهُ هَاهُنَا ضَمُّ حُرِّيَّةِ الْيَدِ الْحَاصِلِ فِي الْحَالِ إلَى حُرِّيَّةِ الرَّقَبَةِ عِنْدَ أَدَاءِ الْبَدَلِ فَيَثْبُتُ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ كَمَا

وَيُعْتَقُ بِأَدَائِهِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ الْمَوْلَى إذَا أَدَّيْتهَا فَأَنْتَ حُرٌّ لِأَنَّ مُوجِبَ الْعَقْدِ يَثْبُتُ مِنْ غَيْرِ التَّصْرِيحِ بِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَلَا يَجِبُ حَطُّ شَيْءٍ مِنْ الْبَدَلِ اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِكَوْنِهِ مُوجِبَهُ. وَلَا يَجِبُ حَطُّ شَيْءٍ مِنْ الْبَدَلِ اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ حَطُّ رُبُعِ الْبَدَلِ وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] فَإِنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ لِلْوُجُوبِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ دَلَالَةَ الْآيَةِ عَلَى ذَلِكَ خَفِيَّةٌ جِدًّا، لِأَنَّهُ قَالَ مِنْ مَالِ اللَّهِ وَهُوَ يُطْلَقُ عَلَى أَمْوَالِ الْقُرَبِ كَالصَّدَقَاتِ وَالزَّكَوَاتِ، فَكَأَنَّ اللَّهَ أَمَرَنَا أَنْ نُعْطِيَ الْمُكَاتَبِينَ مِنْ صَدَقَاتِنَا لِيَسْتَعِينُوا بِهِ عَلَى أَدَاءِ الْكِتَابَةِ، وَالْمَأْمُورُ بِهِ الْإِيتَاءُ وَهُوَ الْإِعْطَاءُ، وَالْحَطُّ لَا يُسَمَّى إعْطَاءً، وَالْمَالُ الَّذِي آتَانَا اللَّهُ هُوَ مَا فِي أَيْدِينَا لَا الْوَصْفُ الثَّابِتُ فِي ذِمَّةِ الْمُكَاتَبِينَ، فَحَمْلُهُ عَلَى حَطِّ رُبُعِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ عَمَلٌ بِلَا دَلِيلٍ، وَلَوْ سَلَّمَ فَالْمُرَادُ بِهِ النَّدْبُ كَاَلَّذِي فِي قَوْلِهِ {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: 33] . لَا يُقَالُ: الْقُرْآنُ فِي النَّظْمِ لَا يُوجِبُ الْقُرْآنَ فِي الْحُكْمِ، لِأَنَّا لَمْ نَجْعَلْ

قَالَ (وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمَالَ حَالًّا وَيَجُوزُ مُؤَجَّلًا وَمُنَجَّمًا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ حَالًّا وَلَا بُدَّ مِنْ نَجْمَيْنِ، لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ التَّسْلِيمِ فِي زَمَانٍ قَلِيلٍ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ قَبْلَهُ لِلرِّقِّ، بِخِلَافِ السَّلَمِ عَلَى أَصْلِهِ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْمِلْكِ فَكَانَ احْتِمَالُ الْقُدْرَةِ ثَابِتًا، وَقَدْ دَلَّ الْإِقْدَامُ عَلَى الْعَقْدِ عَلَيْهَا فَيَثْبُتُ. وَلَنَا ظَاهِرُ مَا تَلَوْنَا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ التَّنْجِيمِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَالْبَدَلُ مَعْقُودٌ بِهِ فَأَشْبَهَ الثَّمَنَ فِي الْبَيْعِ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ السَّلَمِ عَلَى أَصْلِنَا لِأَنَّ الْمُسَلَّمَ فِيهِ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ مَبْنَى الْكِتَابَةِ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ فَيُمْهِلُهُ الْمَوْلَى ظَاهِرًا، بِخِلَافِ السَّلَمِ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُضَايَقَةِ وَفِي الْحَالِ كَمَا امْتَنَعَ مِنْ الْأَدَاءِ يُرَدُّ إلَى الرِّقِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقُرْآنَ مُوجِبًا بَلْ نَقُولُ: الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ عَنْ قَرِينَةِ غَيْرِ الْوُجُوبِ لِلْوُجُوبِ، وَقَوْلُهُ {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: 33] قَرِينَةٌ لِذَلِكَ. قَالَ (وَيَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ الْمَالُ حَالًّا) بَدَلُ الْكِتَابَةِ يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ كَوْنُهُ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا غَيْرَ مُنَجَّمٍ وَمُنَجَّمًا عِنْدَنَا (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا بُدَّ مِنْ نَجْمَيْنِ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ التَّسْلِيمِ فِي قَلِيلٍ مِنْ الزَّمَانِ) لِخُرُوجِهِ مِنْ يَدِ مَوْلَاهُ مُفْلِسًا وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَ الْعَقْدِ أَهْلًا لِمِلْكِ الْمَالِ، وَالْعَاجِزُ عَنْ التَّسْلِيمِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَجَلٍ يَقْدِرُ بِهِ عَلَى تَسْلِيمِ الْيَدِ. فَإِنْ قِيلَ: الْمُسْلَمُ إلَيْهِ عَاجِزٌ عَنْ التَّسْلِيمِ لِأَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ لَمَا رَضِيَ بِأَخَسِّ الْبَدَلَيْنِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَجَلٍ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (بِخِلَافِ السَّلَمِ عَلَى أَصْلِهِ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْمِلْكِ قَبْلَ الْعَقْدِ لِكَوْنِهِ حُرًّا فَكَانَ احْتِمَالُ الْقُدْرَةِ ثَابِتًا، وَقَدْ دَلَّ الْإِقْدَامُ عَلَى الْعَقْدِ عَلَيْهَا فَيَثْبُتُ) وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: احْتِمَالُ الْقُدْرَةِ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ أَثْبَتُ، لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ مَأْمُورُونَ بِإِعَانَتِهِ، وَالطُّرُقُ مُتَّسِعَةٌ اسْتِدَانَةٌ وَاسْتِقْرَاضٌ وَاسْتِيهَابٌ وَاسْتِعَانَةٌ بِالزَّكَوَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْعُشُورِ وَالصَّدَقَاتِ، وَقَدْ دَلَّ الْإِقْدَامُ عَلَى الْعَقْدِ عَلَيْهَا فَتَثْبُتُ. وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: 33] مِنْ غَيْرِ شَرْطِ التَّنْجِيمِ، (وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ) وَهُوَ يَعْتَمِدُ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَالْمَعْقُودُ بِهِ وَوُجُودُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ» ، وَوُجُودُ الْمَعْقُودِ بِهِ لَيْسَ كَذَلِكَ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ ابْتِيَاعِ مَنْ لَا يَمْلِكُ الثَّمَنَ (وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ لَا مَحَالَةَ فَأَشْبَهَ الثَّمَنَ فِي الْبَيْعِ) وَالْقُدْرَةُ عَلَيْهِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فَكَذَا عَلَى الْبَدَلِ، وَالْمُسْلَمُ فِيهِ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ وَوُجُودُهُ شَرْطٌ فَأَشْبَهَ الْمَبِيعَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ كَمَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا، وَكَذَا ذَكَرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ مُسْتَوْفًى، وَلِأَنَّ مَبْنَى الْكِتَابَةِ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ لِأَنَّهُ عَقْدُ تَكَرُّمٍ إذْ الْعَبْدُ وَمَا يَمْلِكُهُ لِمَوْلَاهُ، فَالظَّاهِرُ مِنْ مَوْلَاهُ أَنْ يُمْهِلَهُ، فَإِنْ لَمْ يُمْهِلْهُ وَطَالَبَهُ بِالْأَدَاءِ وَامْتَنَعَ عَنْهُ يُرَدُّ رَقِيقًا بِالتَّرَاضِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي (بِخِلَافِ السَّلَمِ فَإِنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُضَايَقَةِ) فَلَيْسَ الْإِمْهَالُ فِيهِ

قَالَ (وَتَجُوزُ كِتَابَةُ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ إذَا كَانَ يَعْقِلُ الشِّرَاءَ وَالْبَيْعَ) لِتَحَقُّقِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، إذْ الْعَاقِلُ مِنْ أَهْلِ الْقَبُولِ وَالتَّصَرُّفُ نَافِعٌ فِي حَقِّهِ. وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِيهِ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ إذْنِ الصَّبِيِّ فِي التِّجَارَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَا يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ لِأَنَّ الْقَبُولَ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ فَلَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ، حَتَّى لَوْ أَدَّى عَنْهُ غَيْرُهُ لَا يَعْتِقُ وَيَسْتَرِدُّ مَا دَفَعَ. قَالَ (وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: جَعَلْت عَلَيْك أَلْفًا تُؤَدِّيهَا إلَيَّ نُجُومًا أَوَّلُ النَّجْمِ كَذَا وَآخِرُهُ كَذَا فَإِذَا أَدَّيْتهَا فَأَنْتَ حُرٌّ وَإِنْ عَجَزْت فَأَنْتَ رَقِيقٌ فَإِنَّ هَذِهِ مُكَاتَبَةٌ) لِأَنَّهُ أَتَى بِتَفْسِيرِ الْكِتَابَةِ، وَلَوْ قَالَ: إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا كُلَّ شَهْرٍ مِائَةً فَأَنْتَ حُرٌّ فَهَذِهِ مُكَاتَبَةٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ. لِأَنَّ التَّنْجِيمَ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ وَذَلِكَ بِالْكِتَابَةِ. وَفِي نُسَخِ أَبِي حَفْصٍ لَا تَكُونُ مُكَاتَبَةً اعْتِبَارًا بِالتَّعْلِيقِ بِالْأَدَاءِ مَرَّةً. قَالَ (وَإِذَا صَحَّتْ الْكِتَابَةُ خَرَجَ الْمُكَاتَبُ عَنْ يَدِ الْمَوْلَى وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQظَاهِرًا، وَيَجُوزُ حَالًّا (وَكِتَابَةُ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ الَّذِي يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ جَائِزَةٌ) لِتَحَقُّقِ الرُّكْنِ مِنْهُ وَهُوَ (الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، إذْ الْعَاقِلُ مِنْ أَهْلِ الْقَبُولِ وَالتَّصَرُّفِ نَافِعٌ فِي حَقِّهِ) وَلَا عَجْزَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَنَافِعِ (وَخَالَفْنَا الشَّافِعِيَّ فِيهِ، وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْخِلَافُ مِنْهُ (بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ إذْنِ الصَّبِيِّ فِي التِّجَارَةِ) فَإِنَّهُ لَا يُجَوِّزُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ فَلَا يَصِحُّ الْإِذْنُ لَهُ. وَعِنْدَنَا هُوَ مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ إذَا عَقَلَ الْعَقْدَ، وَنُقْصَانُ رَأْيِهِ يَنْجَبِرُ بِرَأْيِ الْمَوْلَى وَالتَّصَرُّفُ نَافِعٌ فَيَصِحُّ الْإِذْنُ (بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَا يَعْقِلُ الْعَقْدَ، لِأَنَّ الْقَبُولَ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ وَالْعَقْدُ لَا يَنْعَقِدُ بِدُونِهِ. حَتَّى لَوْ أَدَّى عَنْهُ غَيْرُهُ لَا يُعْتَقُ وَيَسْتَرِدُّ مَا دَفَعَ) (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ جَعَلْت عَلَيْك أَلْفًا تُؤَدِّيهَا إلَيَّ نُجُومًا أَوَّلَ نَجْمِ كَذَا وَآخِرَهُ كَذَا فَإِذَا أَدَّيْتهَا فَأَنْتَ حُرٌّ) لِبَيَانِ مَا يُفِيدُ فَائِدَةَ الْكِتَابَةِ بِلَفْظِهَا. فَإِنَّ الْمَجْمُوعَ الْمَذْكُورَ مُفِيدٌ لِذَلِكَ. فَإِنَّ قَوْلَهُ جَعَلْت عَلَيْك كَذَا عَلَى أَنْ تُؤَدِّيَهَا إلَيَّ نُجُومًا يَحْتَمِلُ مَعْنَى الْكِتَابَةِ وَمَعْنَى الضَّرِيبَةِ. فَالْمَوْلَى يَسْتَأْدِي عَبْدَهُ الضَّرِيبَةَ وَلَا تَتَعَيَّنُ جِهَةُ الْكِتَابَةِ مَا لَمْ يَقُلْ فَإِذَا أَدَّيْت فَأَنْتَ حُرٌّ. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَإِنْ عَجَزْت فَأَنْتَ رَقِيقٌ لَيْسَ بِلَازِمٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِحَثِّ الْعَبْدِ عَلَى أَدَاءِ الْمَالِ عِنْدَ النُّجُومِ، وَالْكِتَابَةُ بِدُونِهِ صَحِيحَةٌ. وَلَوْ قَالَ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا كُلَّ شَهْرٍ مِائَةً فَأَنْتَ حُرٌّ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ هُوَ مُكَاتَبَةٌ لِأَنَّ التَّنْجِيمَ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي التَّيْسِيرِ وَذَلِكَ فِي الْمَالِ، وَلَا يَجِبُ الْمَالُ إلَّا بِالْكِتَابَةِ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا إلَّا فِي الْكِتَابَةِ. وَفِي نُسْخَةِ أَبِي حَفْصٍ: قِيلَ أَيْ فِي رِوَايَتِهِ لَا تَكُونُ مُكَاتَبَةً قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ اعْتِبَارًا بِمَا لَوْ قَالَ: إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فِي هَذَا الشَّهْرِ فَأَنْتَ حُرٌّ. فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ كِتَابَةً، وَالتَّنْجِيمُ لَيْسَ مِنْ خَوَاصِّ الْكِتَابَةِ حَتَّى يُجْعَلَ تَفْسِيرًا لَهَا لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ وَقَدْ تَخْلُو الْكِتَابَةُ عَنْهُ، وَلَمْ يُوجَدْ لَفْظٌ يَخْتَصُّ بِالْكِتَابَةِ لِيَكُونَ تَفْسِيرًا فَلَا يَكُونُ كِتَابَةً. قَالَ (وَإِذَا صَحَّتْ الْكِتَابَةُ خَرَجَ الْمُكَاتَبُ عَنْ يَدِ الْمَوْلَى وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ) وَإِذَا صَحَّتْ الْكِتَابَةُ

أَمَّا الْخُرُوجُ مِنْ يَدِهِ فَلِتَحْقِيقِ مَعْنَى الْكِتَابَةِ وَهُوَ الضَّمُّ فَيَضُمُّ مَالِكِيَّةَ يَدِهِ إلَى مَالِكِيَّةِ نَفْسِهِ أَوْ لِتَحْقِيقِ مَقْصُودِ الْكِتَابَةِ وَهُوَ أَدَاءُ الْبَدَلِ فَيَمْلِكُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَالْخُرُوجَ إلَى السَّفَرِ وَإِنْ نَهَاهُ الْمَوْلَى، وَأَمَّا عَدَمُ الْخُرُوجِ عَنْ مِلْكِهِ فَلِمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَمَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَاوَاةِ، وَيَنْعَدِمُ ذَلِكَ بِتَنَجُّزِ الْعِتْقِ وَيَتَحَقَّقُ بِتَأَخُّرِهِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ نَوْعُ مَالِكِيَّةٍ وَيَثْبُتُ لَهُ فِي الذِّمَّةِ حَقٌّ مِنْ وَجْهٍ (فَإِنْ أَعْتَقَهُ عَتَقَ بِعِتْقِهِ) لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِرَقَبَتِهِ (وَسَقَطَ عَنْهُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ) لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَهُ إلَّا مُقَابَلًا بِحُصُولِ الْعِتْقِ بِهِ وَقَدْ حَصَلَ دُونَهُ. قَالَ (وَإِذَا وَطِئَ الْمَوْلَى مُكَاتَبَتَهُ لَزِمَهُ الْعُقْرُ) لِأَنَّهَا صَارَتْ أَخَصَّ بِأَجْزَائِهَا تَوَسُّلًا إلَى الْمَقْصُودِ بِالْكِتَابَةِ وَهُوَ الْوُصُولُ إلَى الْبَدَلِ مِنْ جَانِبِهِ وَإِلَى الْحُرِّيَّةِ مِنْ جَانِبِهَا بِنَاءً عَلَيْهِ، وَمَنَافِعُ الْبُضْعِ مُلْحَقَةٌ بِالْأَجْزَاءِ وَالْأَعْيَانِ (وَإِنْ جَنَى عَلَيْهَا أَوْ عَلَى وَلَدِهَا لَزِمَتْهُ الْجِنَايَةُ) لِمَا بَيَّنَّا (وَإِنْ أَتْلَفَ مَالًا لَهَا غَرِمَ) لِأَنَّ الْمَوْلَى كَالْأَجْنَبِيِّ فِي حَقِّ أَكْسَابِهَا وَنَفْسِهَا، إذْ لَوْ لَمْ يُجْعَلْ كَذَلِكَ لَأَتْلَفَهُ الْمَوْلَى فَيَمْتَنِعُ حُصُولُ الْغَرَضِ الْمُبْتَغَى بِالْعَقْدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِخُلُوِّهَا عَنْ الْمُفْسِدِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْمُقْتَضِي خَرَجَ الْمُكَاتَبُ عَنْ يَدِ الْمَوْلَى وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ (أَمَّا الْخُرُوجُ مِنْ يَدِهِ فَلِتَحْقِيقِ مَعْنَى الْكِتَابَةِ) لُغَةً (وَهُوَ الضَّمُّ فَيَضُمُّ مَالِكِيَّةَ يَدِهِ) الْحَاصِلَةَ فِي الْحَالِ (إلَى مَالِكِيَّةِ نَفْسِهِ) الَّتِي تَحْصُلُ عِنْدَ الْأَدَاءِ. فَإِنْ قِيلَ: ضَمُّ الشَّيْءِ إلَى الشَّيْءِ يَقْتَضِي وُجُودَهُمَا وَمَالِكِيَّةُ النَّفْسِ فِي الْحَالِ لَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ فَكَيْفَ يَتَحَقَّقُ الضَّمُّ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ مَالِكِيَّةَ النَّفْسِ قَبْلَ الْأَدَاءِ ثَابِتَةٌ مِنْ وَجْهٍ، وَلِهَذَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ الْمَوْلَى وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَرْشُ، وَلَوْ وَطِئَ الْمُكَاتَبَةَ لَزِمَهُ الْعُقْرُ فَيَتَحَقَّقُ الضَّمُّ (أَوْ لِتَحْقِيقِ مَقْصُودِ الْكِتَابَةِ وَهُوَ أَدَاءُ الْبَدَلِ فَيَمْلِكُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَالْخُرُوجَ إلَى السَّفَرِ) طَوِيلًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (نَهَاهُ الْمَوْلَى عَنْهُ أَوْ لَا) لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمَوْلَى وَهُوَ أَدَاءُ الْبَدَلِ قَدْ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالسَّفَرِ (وَأَمَّا عَدَمُ الْخُرُوجِ عَنْ مِلْكِهِ فَلِمَا رَوَيْنَا) مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» (وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ) كَمَا مَرَّ (وَمَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَاوَاةِ وَيَنْعَدِمُ ذَلِكَ) أَيْ الْمُسَاوَاةُ بِاعْتِبَارِ التَّسَاوِي (إنْ تَنَجَّزَ الْعِتْقُ وَيَتَحَقَّقُ إنْ تَأَخَّرَ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِهَا لِلْمُكَاتَبِ نَوْعُ مَالِكِيَّةٍ) وَهُوَ مَالِكِيَّةُ الْيَدِ (فَيَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ حَقٌّ مِنْ وَجْهٍ) وَهُوَ أَصْلُ الْبَدَلِ وَإِنَّمَا كَانَ حَقًّا مِنْ وَجْهٍ لِضَعْفِهِ فَإِنَّهُ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ مَعَ الْمُنَافِي، إذْ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا وَلِهَذَا لَا تَصِحُّ بِهِ الْكَفَالَةُ وَلَوْ ثَبَتَ الْعِتْقُ نَاجِزًا كَمَا قَالَ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَلَى مَا مَرَّ فَاتَتْ الْمُسَاوَاةُ. لَا يُقَالُ: الْمُسَاوَاةُ فَائِتَةٌ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ أَيْضًا لِأَنَّ نَوْعَ الْمَالِكِيَّةِ ثَابِتٌ لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْحَقُّ الثَّابِتُ عَلَيْهِ مِنْ وَجْهٍ فَأَيْنَ الْمُسَاوَاةُ، لِأَنَّ نَوْعَ مَالِكِيَّتِهِ أَيْضًا ضَعِيفٌ لِبُطْلَانِهِ بِعَوْدِهِ رَقِيقًا (فَإِنْ نَجَّزَ الْمَوْلَى عِتْقَهُ عَتَقَ بِعِتْقِهِ) لَا بِالْكِتَابَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ (لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِرَقَبَتِهِ) فَيَجُوزُ لَهُ إتْلَافُ مِلْكِهِ (وَسَقَطَ عَنْهُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ) لِحُصُولِ مَا يُقَابِلُهُ مَجَّانًا (وَإِذَا وَطِئَ الْمَوْلَى مُكَاتَبَتَهُ لَزِمَهُ الْعُقْرُ لِاخْتِصَاصِهِ بِأَجْزَائِهَا تَوَسُّلًا إلَى الْمَقْصُودِ بِالْكِتَابَةِ وَهُوَ الْوُصُولُ إلَى الْبَدَلِ مِنْ جَانِبِهِ وَإِلَى الْحُرِّيَّةِ مِنْ جَانِبِهَا بِنَاءً عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوُصُولِ إلَى الْبَدَلِ مِنْ جَانِبِهِ (وَمَنَافِعُ الْبُضْعِ مُلْحَقَةٌ بِالْأَجْزَاءِ وَالْأَعْيَانِ) قَابَلَهَا الشَّرْعُ بِالْأَعْيَانِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] وَأُلْزِمَ الْعُقْرَ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْجَارِيَةِ وَعِنْدَ وَطْئِهَا بِشُبْهَةٍ، وَلَوْ كَانَ الْوَطْءُ لِأَخْذِ الْمَنْفَعَةِ لِيَقْدِرَ بِقَدْرِ الِاسْتِعْمَالِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ بِإِيلَاجٍ وَاحِدٍ (وَإِنْ جَنَى عَلَيْهَا أَوْ عَلَى وَلَدِهَا لَزِمَهُ الْجِنَايَةُ) وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةً إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهَا صَارَتْ أَخَصَّ بِأَجْزَائِهَا.

[فصل في الكتابة الفاسدة]

(فَصْلٌ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ) : قَالَ (وَإِذَا كَاتَبَ الْمُسْلِمُ عَبْدَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ عَلَى قِيمَةِ نَفْسِهِ فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ لَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُسْلِمُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّهِ فَلَا يَصْلُحُ بَدَلًا فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْقِيمَةَ مَجْهُولَةٌ قَدْرًا وَجِنْسًا وَوَصْفًا فَتَفَاحَشَتْ الْجَهَالَةُ وَصَارَ كَمَا إذَا كَاتَبَ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ، وَلِأَنَّهُ تَنْصِيصٌ عَلَى مَا هُوَ مُوجِبُ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ لِلْقِيمَةِ. قَالَ (فَإِنْ أَدَّى الْخَمْرَ عَتَقَ) وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُعْتَقُ إلَّا بِأَدَاءِ قِيمَةِ نَفْسِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ] وَجْهُ تَأْخِيرِ الْفَاسِدَةِ عَنْ الصَّحِيحَةِ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ. قَالَ (وَإِذَا كَاتَبَ الْمُسْلِمُ عَبْدَهُ) جَمَعَ هَاهُنَا أُمُورًا يَفْسُدُ عَقْدُ الْكِتَابَةِ بِهَا ذَكَرَ بَعْضَهَا أَصَالَةً وَبَعْضَهَا اسْتِشْهَادًا. وَإِذَا كَاتَبَ الْمُسْلِمُ عَبْدَهُ (عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ عَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ نَفْسِهِ) أَوْ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ عَلَى مَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ (فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ، أَمَّا الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ فَلِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّهِ فَهُوَ لَا يَسْتَحِقُّهُمَا فَكَانَ عَقْدًا بِلَا بَدَلٍ وَهُوَ فَاسِدٌ، وَأَمَّا قِيمَةُ الْعَبْدِ فَلِأَنَّهَا مَجْهُولَةٌ جَهَالَةً فَاحِشَةً لِجَهَالَةِ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ وَالْوَصْفِ) وَكَذَلِكَ الثَّوْبُ وَالدَّابَّةُ. وَأَمَّا الدَّمُ وَالْمَيْتَةُ فَلِمَا ذَكَرْنَا فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ بَلْ أَوْلَى عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، وَإِذَا عُرِفَ ذَلِكَ (فَإِنْ أَدَّى الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ عَتَقَ) سَوَاءٌ قَالَ لَهُ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ لَمْ يَقُلْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ (وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُعْتَقُ إلَّا بِأَدَاءِ قِيمَةِ نَفْسِهِ) ،

لِأَنَّ الْبَدَلَ هُوَ الْقِيمَةُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ يُعْتَقُ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ لِأَنَّهُ بَدَلٌ صُورَةً، وَيُعْتَقُ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ أَيْضًا لِأَنَّهُ هُوَ الْبَدَلُ مَعْنًى. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إنَّمَا يُعْتَقُ بِأَدَاءِ عَيْنِ الْخَمْرِ إذَا قَالَ إنْ أَدَّيْتهَا فَأَنْتَ حُرٌّ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ الْعِتْقُ بِالشَّرْطِ لَا بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ، وَصَارَ كَمَا إذَا كَاتَبَ عَلَى مَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ وَلَا فَصْلَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمَيْتَةِ أَنَّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ مَالٌ فِي الْجُمْلَةِ فَأَمْكَنَ اعْتِبَارُ مَعْنَى الْعَقْدِ فِيهِ، وَمُوجِبُهُ الْعِتْقُ عِنْدَ أَدَاءِ الْعِوَضِ الْمَشْرُوطِ. وَأَمَّا الْمَيْتَةُ فَلَيْسَتْ بِمَالٍ أَصْلًا فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ مَعْنَى الْعَقْدِ فِيهِ فَاعْتُبِرَ فِيهِ مَعْنَى الشَّرْطِ وَذَلِكَ بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ (وَإِذَا عَتَقَ بِأَدَاءِ عَيْنِ الْخَمْرِ لَزِمَهُ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ) لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ رَقَبَتِهِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْبَدَلَ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ (هُوَ الْقِيمَةُ) كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ إلَّا بِأَدَاءِ قِيمَةِ الْخَمْرِ، قِيلَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ رِوَايَاتِ الْكُتُبِ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُعْتَقُ بِأَدَاءِ عَيْنِ الْخَمْرِ لِأَنَّهُ بَدَلٌ صُورَةً، وَيُعْتَقُ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ أَيْضًا) قِيلَ أَيْ بِأَدَاءِ قِيمَةِ نَفْسِهِ (لِأَنَّهُ الْبَدَلُ مَعْنًى) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ، فَعَلَى هَذَا كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ لَا يَخُصَّ أَبَا يُوسُفَ وَأَنْ لَا يَذْكُرَ بِكَلِمَةِ عَنْ. قُلْت: صَحِيحٌ إنْ كَانَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الْقِيمَةِ بَدَلًا عَنْ نَفْسِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بَدَلًا عَنْ الْخَمْرِ كَمَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ غَيْرَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنَّمَا يُعْتَقُ بِأَدَاءِ عَيْنِ الْخَمْرِ إذَا قَالَ إنْ أَدَّيْتهَا فَأَنْتَ حُرٌّ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ الْعِتْقُ بِوَاسِطَةِ حُصُولِ شَرْطٍ تَعَلَّقَ بِهِ الْعِتْقُ وَصَارَ كَمَا إذَا كَاتَبَ كِتَابَةً عَلَى مَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ) فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ بِتَسْلِيمِ عَيْنِهِمَا إلَّا إذَا قَالَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ (وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ (أَنَّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ مَالٌ فِي الْجُمْلَةِ فَأَمْكَنَ اعْتِبَارُ مَعْنَى الْعَقْدِ فِيهِ، وَمُوجِبُهُ الْعِتْقُ عِنْدَ أَدَاءِ الْبَدَلِ الْمَشْرُوطِ، بِخِلَافِ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ أَصْلًا فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ مَعْنَى الْعَقْدِ فِيهِ فَاعْتُبِرَ فِيهِ مَعْنَى الشَّرْطِ وَذَلِكَ بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ، وَإِذَا عَتَقَ بِأَدَاءِ عَيْنِ الْخَمْرِ لَزِمَهُ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ رَقَبَتِهِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ،

وَقَدْ تَعَذَّرَ بِالْعِتْقِ فَيَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ. قَالَ (وَلَا يَنْقُصُ عَنْ الْمُسَمَّى وَيُزَادُ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ عَقْدٌ فَاسِدٌ فَتَجِبُ الْقِيمَةُ عِنْدَ هَلَاكِ الْمُبْدَلِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَوْلَى مَا رَضِيَ بِالنُّقْصَانِ وَالْعَبْدُ رَضِيَ بِالزِّيَادَةِ كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّهُ فِي الْعِتْقِ أَصْلًا فَتَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِالْعِتْقِ فَيَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ، وَ) تَجِبُ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ (لَا يَنْقُصُ عَنْ الْمُسَمَّى وَيُزَادُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَقْدٌ فَاسِدٌ فَتَجِبُ الْقِيمَةُ عِنْدَ هَلَاكِ الْمُبْدَلِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَهَذَا) أَيْ وُجُوبُ الْقِيمَةِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ (لِأَنَّ الْمَوْلَى مَا رَضِيَ بِالنُّقْصَانِ) سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمُسَمَّى أَوْ فِي الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِلْكُهُ فِي مُقَابَلَةِ بَدَلٍ فَلَا يَرْضَى بِالنُّقْصَانِ، لِأَنَّ بِعَدَمِ الْإِخْرَاجِ يَبْقَى مِلْكُهُ عَلَى مَا كَانَ فَلَا يَفُوتُ لَهُ شَيْءٌ (وَالْعَبْدُ رَضِيَ بِالزِّيَادَةِ) سَوَاءٌ كَانَتْ فِي الْقِيمَةِ أَوْ فِي الْمُسَمَّى (كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّهُ فِي الْعِتْقِ أَصْلًا) فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَرْضَ بِهَا يَمْتَنِعُ الْمَوْلَى عَنْ الْعَقْدِ فَيَفُوتُ بِهِ إدْرَاكُ شَرَفِ الْحُرِّيَّةِ، وَلَعَلَّ التَّصَوُّرَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يُسْقِطُ مَا قِيلَ اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ وُقُوعِ الْعِتْقِ بِأَدَاءِ عَيْنِ الْخَمْرِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ بُطْلَانُ حَقِّهِ فِي الْعِتْقِ أَصْلًا بِعَدَمِ الرِّضَا بِالزِّيَادَةِ، لِأَنَّ اعْتِبَارَ

وَفِيمَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَتِهِ يُعْتَقُ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ هُوَ الْبَدَلُ. وَأَمْكَنَ اعْتِبَارُ مَعْنَى الْعَقْدِ فِيهِ وَأَثَرُ الْجَهَالَةِ فِي الْفَسَادِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا إنَّمَا هُوَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ لَا فِي بَقَائِهِ (وَفِيمَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَتِهِ يُعْتَقُ بِأَدَاءِ قِيمَتِهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْبَدَلُ، وَأَمْكَنَ اعْتِبَارُ مَعْنَى عَقْدِ الْكِتَابَةِ فِي الْقِيمَةِ) لِاسْتِحْقَاقِ الْمُسْلِمِ تَسَلُّمَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ الْقِيمَةَ بِمَاذَا تُعْرَفُ. قِيلَ: تُعْرَفُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَتَصَادَقَا عَلَى أَنَّ مَا أَدَّى قِيمَتَهُ فَيَثْبُتُ كَوْنُ الْمُؤَدِّي قِيمَتَهُ بِتَصَادُقِهِمَا لِأَنَّ الْحَقَّ فِيمَا بَيْنَهُمَا لَا يَعْدُوهُمَا فَصَارَ كَضَمَانِ الْغَصْبِ وَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ. وَإِمَّا بِتَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ، فَإِنْ اتَّفَقَ الِاثْنَانِ مِنْهُمْ عَلَى شَيْءٍ جُعِلَ ذَلِكَ قِيمَةً لَهُ، وَإِنْ اخْتَلَفَا لَا يُعْتَقُ مَا لَمْ يُؤَدِّ أَقْصَى الْقِيمَتَيْنِ، لِأَنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِيَقِينٍ. فَإِنْ قِيلَ: الْقِيمَةُ مَجْهُولَةٌ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يُقَيَّدَ الْبُطْلَانُ وَلَا يُعْتَقُ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَأَثَرُ الْجَهَالَةِ فِي الْفَسَادِ) أَيْ لَا فِي الْبُطْلَانِ كَمَا فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهَا تُفْسِدُهُ لَا تُبْطِلُهُ فَإِنْ قِيلَ: الْكِتَابَةُ عَلَى ثَوْبٍ كَالْكِتَابَةِ

بِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى ثَوْبٍ حَيْثُ لَا يُعْتَقُ بِأَدَاءِ ثَوْبٍ لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ فِيهِ عَلَى مُرَادِ الْعَاقِدِ لِاخْتِلَافِ أَجْنَاسِ الثَّوْبِ فَلَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ بِدُونِ إرَادَتِهِ. قَالَ (وَكَذَلِكَ إنْ كَاتَبَهُ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لِغَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَقَ بِأَدَاءِ ثَوْبٍ كَمَا عَتَقَ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (بِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى ثَوْبٍ حَيْثُ لَا يُعْتَقُ بِأَدَاءِ ثَوْبٍ) وَتَقْرِيرُهُ: الثَّوْبُ عِوَضٌ وَالْعِوَضُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مُرَادًا، وَالْمُطْلَقُ مِنْهُ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي الْخَارِجِ فَلَا يَكُونُ مُرَادًا، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُتَعَيِّنُ مُرَادًا، وَالِاطِّلَاعُ عَلَى ذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ لِاخْتِلَافِ أَجْنَاسِهِ فَلَا يُعْتَقُ بِدُونِ إرَادَتِهِ، بِخِلَافِ الْقِيمَةِ فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مَجْهُولَةً يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُ مُرَادِهِ بِتَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ. فَإِنْ قُلْت: فَإِنْ أَدَّى الْقِيمَةَ فِيمَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى ثَوْبٍ يُعْتَقُ أَوْ لَا؟ قُلْت: ذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ أَنَّ الْمُسَمَّى مَتَى كَانَ مَجْهُولَ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ الْعَبْدُ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ، وَلَا تَنْعَقِدُ هَذِهِ الْكِتَابَةُ أَصْلًا عَلَى الْمُسَمَّى وَلَا عَلَى الْقِيمَةِ. قَالَ (وَكَذَلِكَ إنْ كَاتَبَهُ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لِغَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ) إذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى شَيْءٍ هُوَ لِغَيْرِهِ فَإِمَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ بِالتَّعْيِينِ كَالْفَرَسِ وَالْعَبْدِ أَوْ لَا كَالنُّقُودِ، فَإِنَّهُ تَعَيَّنَ فَإِمَّا أَنْ يُجِيزَهُ أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ فَإِمَّا أَنْ يَمْلِكَهُ الْمُكَاتَبُ بِسَبَبٍ وَأَدَّاهُ إلَى الْمَوْلَى أَوْ لَا، فَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ بِالتَّعْيِينِ كَمَا لَوْ قَالَ كَاتَبْتُك عَلَى هَذِهِ الْأَلْفِ مِنْ الدَّرَاهِمِ

وَمُرَادُهُ شَيْءٍ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، حَتَّى لَوْ قَالَ كَاتَبْتُك عَلَى هَذِهِ الْأَلْفِ الدَّرَاهِمِ وَهِيَ لِغَيْرِهِ جَازَ لِأَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ فَيَتَعَلَّقُ بِدَرَاهِمِ دَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ فَيَجُوزُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّهُ يَجُوزُ، حَتَّى إذَا مَلَكَهُ وَسَلَّمَهُ يُعْتَقُ، وَإِنْ عَجَزَ يُرَدُّ فِي الرِّقِّ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَالٌ وَالْقُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ مَوْهُومٌ فَأَشْبَهَ الصَّدَاقَ. قُلْنَا: إنَّ الْعَيْنَ فِي الْمُعَاوَضَاتِ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ شَرْطٌ لِلصِّحَّةِ إذَا كَانَ الْعَقْدُ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ كَمَا فِي الْبَيْعِ، بِخِلَافِ الصَّدَاقِ فِي النِّكَاحِ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالنِّكَاحِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، فَعَلَى مَا هُوَ تَابِعٌ فِيهِ أَوْلَى. فَلَوْ أَجَازَ صَاحِبُ الْعَيْنِ ذَلِكَ فَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْبَيْعُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ فَالْكِتَابَةُ أَوْلَى. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِحَالِ عَدَمِ الْإِجَازَةِ عَلَى مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ، وَالْجَامِعُ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ مِلْكَ الْمَكَاسِبِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْأَدَاءِ مِنْهَا وَلَا حَاجَةَ فِيمَا إذَا كَانَ الْبَدَلُ عَيْنًا مُعَيَّنًا، وَالْمَسْأَلَةُ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهِيَ لِغَيْرِهِ جَازَ لِأَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ فَتُعَلَّقُ بِدَرَاهِمَ فِي الذِّمَّةِ، وَإِنْ تَعَيَّنَ بِهِ وَلَمْ يُجِزْهُ وَلَمْ يَمْلِكْهُ لَمْ تَجُزْ الْكِتَابَةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ، حَتَّى إذَا مَلَكَهُ وَسَلَّمَهُ عَتَقَ، وَإِنْ عَجَزَ يُرَدُّ رَقِيقًا لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَالٌ وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ مَوْهُومٌ، فَأَشْبَهَ مَا إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى عَبْدِ غَيْرِهِ فَإِنَّ التَّسْمِيَةَ صَحِيحَةٌ، حَتَّى لَوْ لَمْ يُجِزْ الْمَالِكُ رَجَعَتْ عَلَى الزَّوْجِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ لَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَلَوْ فَسَدَتْ لَرَجَعَتْ بِهِ، وَالْجَامِعُ كَوْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِوَضُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ. وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْعَيْنَ فِي الْمُعَاوَضَاتِ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ، وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ شَرْطُ الصِّحَّةِ إذَا كَانَ الْعَقْدُ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ كَمَا فِي الْبَيْعِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ لِبَدَلِ الْكِتَابَةِ حُكْمَ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ حَتَّى كَانَ ذَلِكَ مَبْنَى جَوَازِ الْكِتَابَةِ الْحَالَةِ وَالثَّمَنُ مَعْقُودٌ بِهِ لَا مَعْقُودٌ عَلَيْهِ فَلَا تَكُونُ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ شَرْطًا. فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ مِنْ النُّقُودِ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهَا وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْعَيْنِ فَيَصِيرُ عَقْدُ الْكِتَابَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمُقَايَضَةِ فَيَصِيرُ لِلْبَدَلِ حُكْمُ الْمَبِيعِ فَيُشْتَرَطُ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الصَّدَاقِ فِي النِّكَاحِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ فَأَشْبَهَ الصَّدَاقَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالنِّكَاحِ وَهُوَ التَّوَالُدُ وَالتَّنَاسُلُ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: مَنَافِعُ الْبُضْعِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَوَازِ نِكَاحِ الرَّضِيعَةِ، فَعَلَى مَا هُوَ تَابِعٌ وَهُوَ الصَّدَاقُ أَوْلَى. وَهَذَا الْجَوَابُ عَلَى طَرِيقَةِ تَخْصِيصِ الْعِلَلِ وَتَخَلُّصِهِ مَعْلُومٌ (وَإِنْ أَجَازَ صَاحِبُ الْعَيْنِ ذَلِكَ فَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَجُوزُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ فَإِنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِمَالِ الْغَيْرِ فَأَجَازَ صَاحِبُ الْمَالِ جَازَ فَالْكِتَابَةُ أَوْلَى، مَبْنَاهَا عَلَى الْمُسَامَحَةِ، وَقِيلَ لِأَنَّهَا لَا تَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ) ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَصَارَ صَاحِبُ الْمَالِ مُقْرِضًا الْمَالَ مِنْ الْعَبْدِ فَتَصِيرُ الْعَيْنُ مِنْ أَكْسَابِهِ (وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِحَالِ عَدَمِ الْإِجَازَةِ عَلَى مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ) أَيْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَشَارَ بِهِ إلَى قَوْلِهِ وَكَذَلِكَ إنْ كَاتَبَهُ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لِغَيْرِهِ (وَالْجَامِعُ) بَيْنَ مَا أَجَازَهُ الْمَالِكُ وَبَيْنَ مَا لَمْ يُجِزْهُ (أَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ) فِيمَا نَحْنُ فِيهِ (لَا يُفِيدُ مِلْكَ الْمَكَاسِبِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْكِتَابَةِ، لِأَنَّهُ) أَيْ مِلْكَ الْمَكَاسِبِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: لِأَنَّهَا أَيْ الْمَكَاسِبَ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ مُضَافٍ (يَثْبُتُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْأَدَاءِ مِنْهَا، وَلَا حَاجَةَ إلَى الْأَدَاءِ مِنْهَا فِيمَا إذَا كَانَ الْبَدَلُ عَيْنًا مُعَيَّنَةً لِغَيْرِهِ، وَالْمَسْأَلَةُ فِيهِ) أَيْ

عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَجَازَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَجُزْ، غَيْرَ أَنَّهُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ يَجِبُ تَسْلِيمُ عَيْنِهِ، وَعِنْدَ عَدَمِهَا يَجِبُ تَسْلِيمُ قِيمَتِهِ كَمَا فِي النِّكَاحِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا صِحَّةُ التَّسْمِيَةِ لِكَوْنِهِ مَالًا، وَلَوْ مَلَكَ الْمُكَاتَبُ ذَلِكَ الْعَيْنَ، فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَوَاهُ أَبُو يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا أَدَّاهُ لَا يُعْتَقُ، وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَمْ يَنْعَقِدْ الْعَقْدُ إلَّا إذَا قَالَ لَهُ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ فَحِينَئِذٍ يُعْتَقُ بِحُكْمِ الشَّرْطِ، وَهَكَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعَنْهُ أَنَّهُ يُعْتَقُ قَالَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَقُلْ، لِأَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ مَعَ الْفَسَادِ لِكَوْنِ الْمُسَمَّى مَالًا فَيُعْتَقُ بِأَدَاءِ الْمَشْرُوطِ. وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى عَيْنٍ فِي يَدِ الْمُكَاتَبِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابَةِ عَلَى الْأَعْيَانِ، وَقَدْ عُرِفَ ذَلِكَ فِي الْأَصْلِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى. قَالَ (وَإِذَا كَاتَبَهُ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ عَلَى أَنْ يَرُدَّ الْمَوْلَى عَلَيْهِ عَبْدًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ) فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هِيَ جَائِزَةٌ، وَيُقَسَّمُ الْمِائَةُ الدِّينَارِ عَلَى قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ وَعَلَى قِيمَةِ عَبْدٍ وَسَطٍ فَيَبْطُلُ مِنْهَا حِصَّةُ الْعَبْدِ فَيَكُونُ مُكَاتَبًا بِمَا بَقِيَ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمُطْلَقَ يَصْلُحُ بَدَلَ الْكِتَابَةِ وَيَنْصَرِفُ إلَى الْوَسَطِ، فَكَذَا يَصْلُحُ مُسْتَثْنًى مِنْهُ وَهُوَ الْأَصْلُ فِي أَبْدَالِ الْعُقُودِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا يُسْتَثْنَى الْعَبْدُ مِنْ الدَّنَانِيرِ، وَإِنَّمَا تُسْتَثْنَى قِيمَتُهُ وَالْقِيمَةُ لَا تَصْلُحُ بَدَلًا فَكَذَلِكَ مُسْتَثْنًى. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِي ذَلِكَ (عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) أَنَّ مُرَادَهُ شَيْءٌ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَجَازَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُجِزْ، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا أَجَازَ وَجَبَ تَسْلِيمُ عَيْنِهِ، وَإِذَا لَمْ يُجِزْ وَجَبَ تَسْلِيمُ قِيمَتِهِ كَمَا فِي النِّكَاحِ، وَالْجَامِعُ صِحَّةُ التَّسْمِيَةِ لِيَكُونَ الْمُسَمَّى مَالًا وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ لَكِنْ مَلَكَ الْمُكَاتَبُ الْعَيْنَ) بِسَبَبٍ وَأَدَّاهُ (فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَوَاهُ أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَمْ يَنْعَقِدْ الْعَقْدُ) وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ (إلَّا إذَا قَالَ لَهُ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ فَحِينَئِذٍ يُعْتَقُ بِحُكْمِ الشَّرْطِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُعْتَقُ قَالَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَقُلْ، لِأَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ مَعَ الْفَسَادِ لِكَوْنِ الْمُسَمَّى مَالًا فَيُعْتَقُ بِأَدَاءِ الْمَشْرُوطِ، وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى عَيْنٍ) مُعَيَّنٍ (فِي يَدِ الْمُكَاتَبِ) سِوَى النُّقُودِ (فَفِيهِ رِوَايَتَانِ) فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الشِّرْبِ يَجُوزُ، وَفِي رِوَايَةِ آخِرِ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ لَا يَجُوزُ (وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابَةِ عَلَى الْأَعْيَانِ) وَهِيَ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي قَوْلِهِ وَكَذَلِكَ إنْ كَاتَبَهُ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لِغَيْرِهِ (وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى) وَلَمْ نَذْكُرْهُ هَاهُنَا لِطُولِهِ. وَذَكَرَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِصَارِ فَقَالَ: وَجْهُ رِوَايَةِ الْجَوَازِ أَنَّهُ كَاتَبَهُ عَلَى مَالٍ مَعْلُومٍ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ فَيَجُوزُ. وَوَجْهُ عَدَمِهِ أَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ حَالَ الْكِتَابَةِ مِلْكُ الْمَوْلَى فَصَارَ كَمَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى عَيْنٍ مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا سِوَى النُّقُودِ لِأَنَّهُ لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فِي يَدِ الْعَبْدِ بِأَنْ كَانَ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ وَاكْتَسَبَ جَازَتْ الْكِتَابَةُ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ، لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَتَعَيَّنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ عَلَيْهَا كَالْكِتَابَةِ عَلَى دَرَاهِمَ مُطْلَقَةً وَهِيَ جَائِزَةٌ قَالَ (وَإِذَا كَاتَبَهُ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ إلَخْ) وَإِذَا كَاتَبَهُ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ عَبْدًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ

قَالَ (وَإِذَا كَاتَبَهُ عَلَى حَيَوَانٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ فَالْكِتَابَةُ جَائِزَةٌ) مَعْنَاهُ أَنْ يُبَيِّنَ الْجِنْسَ وَلَا يُبَيِّنَ النَّوْعَ وَالصِّفَةَ (وَيَنْصَرِفُ إلَى الْوَسَطِ وَيُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ الْقِيمَةِ) وَقَدْ مَرَّ فِي النِّكَاحِ، أَمَّا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْجِنْسَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ دَابَّةٌ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً فَتُتَفَاحَشُ الْجَهَالَةُ، وَإِذَا بَيَّنَ الْجِنْسَ كَالْعَبْدِ وَالْوَصِيفِ فَالْجَهَالَةُ يَسِيرَةٌ وَمِثْلُهَا يُتَحَمَّلُ فِي الْكِتَابَةِ فَتُعْتَبَرُ جَهَالَةُ الْبَدَلِ بِجَهَالَةِ الْأَجَلِ فِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هِيَ جَائِزَةٌ، وَتُقْسَمُ الْمِائَةُ دِينَارٍ عَلَى قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ وَقِيمَةُ عَبْدٍ وَسَطٍ، وَيَبْطُلُ مِنْهَا حِصَّةُ الْعَبْدِ وَيَكُونُ مُكَاتَبًا بِمَا بَقِيَ، لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمُطْلَقَ يَصْلُحُ بَدَلًا لِلْكِتَابَةِ وَيَنْصَرِفُ إلَى الْوَسَطِ، وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ، وَكُلُّ مَا صَلُحَ بَدَلًا صَلُحَ مُسْتَثْنًى مِنْ الْبَدَلِ وَهُوَ الْأَصْلُ فِي أَبْدَالِ الْعُقُودِ. وَقَالَا بِالْمُوجِبِ: أَيْ هَذَا الْأَصْلُ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ فِيمَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَاسْتِثْنَاءُ الْعَبْدِ عَيْنَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ غَيْرُ صَحِيحٍ. وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِاعْتِبَارِ قِيمَتِهِ وَهِيَ لَا تَصْلُحُ بَدَلًا لِتَفَاحُشِ الْجَهَالَةِ مِنْ حَيْثُ الْجِنْسُ وَالْقَدْرُ وَالْوَصْفُ. (وَإِذَا كَاتَبَهُ عَلَى حَيَوَانٍ وَبَيَّنَ جِنْسَهُ) كَالْعَبْدِ وَالْفَرَسِ (وَلَمْ يُبَيِّنْ النَّوْعَ) أَنَّهُ تُرْكِيٌّ أَوْ هِنْدِيٌّ (وَلَا الْوَصْفَ) أَنَّهُ جَيِّدٌ أَوْ رَدِيءٌ (جَازَتْ وَيَنْصَرِفُ إلَى الْوَسَطِ) مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ. وَقَدَّرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْعَبْدِ بِمَا قِيمَتُهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَقَالَا: هُوَ عَلَى قَدْرِ غَلَاءِ السِّعْرِ وَرُخْصِهِ، وَلَا يُنْظَرُ فِي قِيمَةِ الْوَسَطِ إلَى قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ عَقْدُ إرْفَاقٍ، فَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ الْبَدَلُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ، وَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْوَسَطِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْحَيَوَانِ الْمَجْهُولِ إذَا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى الْوَسَطِ كَمَا فِي الزَّكَاةِ وَالدِّيَةِ، وَالْوَسَطُ فِيهِ نَظَرٌ لِلْجَانِبَيْنِ (وَيُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ الْقِيمَةِ) لِأَنَّهُ قَضَاءٌ فِي مَعْنَى الْأَدَاءِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ لِأَنَّهَا أَصْلٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْبَدَلَ يُعْرَفُ بِهَا (وَقَدْ مَرَّ فِي النِّكَاحِ) فَصَارَ كَأَنَّهُ أَتَى بِعَيْنِ الْمُسَمَّى (وَإِنَّمَا صَحَّ الْعَقْدُ مَعَ الْجَهَالَةِ لِأَنَّهَا يَسِيرَةٌ، وَمِثْلُهَا يُتَحَمَّلُ فِي الْكِتَابَةِ) لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْمُسَاهَلَةِ (فَتُعْتَبَرُ جَهَالَةُ الْبَدَلِ لِجَهَالَةِ الْأَجَلِ فِيهِ) حَتَّى لَوْ قَالَ: كَاتَبْتُك إلَى الْحَصَادِ أَوْ الدِّيَاسِ أَوْ الْقِطَافِ صَحَّتْ الْكِتَابَةُ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَجَازَ الْكِتَابَةَ عَلَى

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ. وَلَنَا أَنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ أَوْ بِمَالٍ لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ يَسْقُطُ الْمِلْكُ فِيهِ فَأَشْبَهَ النِّكَاحَ، وَالْجَامِعُ أَنَّهُ يُبْتَنَى عَلَى الْمُسَامَحَةِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ. قَالَ (وَإِذَا كَاتَبَ النَّصْرَانِيُّ عَبْدَهُ عَلَى خَمْرٍ فَهُوَ جَائِزٌ) مَعْنَاهُ إذَا كَانَ مِقْدَارًا مَعْلُومًا وَالْعَبْدُ كَافِرًا لِأَنَّهَا مَالٌ فِي حَقِّهِمْ بِمَنْزِلَةِ الْخَلِّ فِي حَقِّنَا (وَأَيُّهُمَا أَسْلَمَ فَلِلْمَوْلَى قِيمَةُ الْخَمْرِ) لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ تَمْلِيكِ الْخَمْرِ وَتَمَلَّكَهَا، وَفِي التَّسْلِيمِ ذَلِكَ إذْ الْخَمْرُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فَيَعْجَزُ عَنْ تَسْلِيمِ الْبَدَلِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا تَبَايَعَ الذِّمِّيَّانِ خَمْرًا ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا حَيْثُ يَفْسُدُ الْبَيْعُ عَلَى مَا قَالَهُ الْبَعْضُ، لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَصْلُحُ بَدَلًا فِي الْكِتَابَةِ فِي الْجُمْلَةِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَاتِب عَلَى وَصِيفٍ وَأَتَى بِالْقِيمَةِ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ فَجَازَ أَنْ يَبْقَى الْعَقْدُ عَلَى الْقِيمَةِ، فَأَمَّا الْبَيْعُ فَلَا يَنْعَقِدُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوُصَفَاءِ وَهُوَ جَمْعُ وَصِيفٍ وَهُوَ الْعَبْدُ لِلْخِدْمَةِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ) فِي أَنَّ تَسْمِيَةَ الْبَدَلِ شَرْطٌ فِيهَا كَمَا هِيَ شَرْطٌ فِيهِ، وَالْبَيْعُ مَعَ الْبَدَلِ الْمَجْهُولِ أَوْ الْأَجَلِ الْمَجْهُولِ لَا يَجُوزُ، فَكَذَا الْكِتَابَةُ. وَلَنَا أَنَّ هَذَا قِيَاسٌ فَاسِدٌ لِأَنَّ قِيَاسَ الْكِتَابَةِ عَلَى الْبَيْعِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ حَيْثُ ابْتِدَاؤُهَا أَوْ مِنْ حَيْثُ الِانْتِهَاءُ، وَالْأَوَّلُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْبَيْعَ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِمَالٍ، وَالْكِتَابَةُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ فَكِّ الْحَجْرِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَكَذَلِكَ الثَّانِي لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ فِي الِانْتِهَاءِ مُعَاوَضَةَ مَالٍ بِمَالٍ وَهُوَ الرَّقَبَةُ لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِ فَأَشْبَهَ النِّكَاحَ فِي الِانْتِهَاءِ، وَفِي أَنَّ مَبْنَى كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْمُسَامَحَةِ، وَهَذَا الْمِقْدَارُ كَافٍ فِي إلْحَاقِهَا بِالنِّكَاحِ. وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ زِيَادَةُ اسْتِظْهَارٍ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ جِنْسَهُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ دَابَّةٌ أَوْ ثَوْبٌ لَمْ تَجُزْ الْكِتَابَةُ لِأَنَّهَا تَشْمَلُ أَجْنَاسًا، وَكَذَلِكَ الثَّوْبُ لِتَفَاحُشِ الْجَهَالَةِ. وَاعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ شُمُولَ اللَّفْظِ لِلْأَجْنَاسِ لَوْ مَنَعَ الْجَوَازَ لَمَا جَازَتْ فِيمَا إذَا كَاتَبَ عَلَى عَبْدٍ، لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ أَنَّ الْعَبْدَ يَتَنَاوَلُ أَجْنَاسًا وَلِهَذَا لَمْ يُجَوِّزْ التَّوْكِيلَ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ اللَّفْظَ إنْ شَمِلَ أَجْنَاسًا عَالِيَةً كَالدَّابَّةِ مَثَلًا أَوْ مُتَوَسِّطَةً كَالْمَرْكُوبِ مَنَعَ الْجَوَازَ مُطْلَقًا فِي الْوَكَالَةِ وَالْكِتَابَةِ وَالنِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَغَيْرِهَا، وَإِنْ شَمَلَ أَجْنَاسًا سَافِلَةً كَالْعَبْدِ مَنَعَهُ فِيمَا بُنِيَ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ كَالْبَيْعِ وَالْوَكَالَةِ لَا فِيمَا بُنِيَ عَلَى الْمُسَامَحَةِ كَالْكِتَابَةِ وَالنِّكَاحِ. قَالَ (وَإِذَا كَاتَبَ النَّصْرَانِيُّ عَبْدَهُ إلَخْ) وَإِذَا كَاتَبَ النَّصْرَانِيُّ عَبْدَهُ الْكَافِرَ عَلَى مِقْدَارٍ مِنْ الْخَمْرِ جَازَ،

صَحِيحًا عَلَى الْقِيمَةِ فَافْتَرَقَا. قَالَ (وَإِذَا قَبَضَهَا عَتَقَ) لِأَنَّ فِي الْكِتَابَةِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ. فَإِذَا وَصَلَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ إلَى الْمَوْلَى سَلَّمَ الْعِوَضَ الْآخَرَ لِلْعَبْدِ وَذَلِكَ بِالْعِتْقِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مُسْلِمًا حَيْثُ لَمْ تَجُزْ الْكِتَابَةُ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْتِزَامِ الْخَمْرِ، وَلَوْ أَدَّاهَا عَتَقَ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْخَمْرَ فِي حَقِّهِمْ كَالْخَلِّ فِي حَقِّنَا، وَأَيُّهُمَا أُسْلِمَ فَلِلْمَوْلَى قِيمَةُ الْخَمْرِ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ تَمْلِيكِ الْخَمْرِ وَتَمَلُّكِهَا. وَفِي التَّسْلِيمِ تَمْلِيكُ الْخَمْرِ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْخَمْرَ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ فَلَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ فِيهَا بِنَفْسِ الْعَقْدِ بَلْ بِالتَّسْلِيمِ. بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مُعَيَّنَةً فَإِنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ فِيهَا بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ، وَالتَّسْلِيمُ نَقْلٌ مِنْ يَدٍ إلَى يَدٍ، وَالْمُسْلِمُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْ نَقْلِ الْيَدِ. كَمَا إذَا غَصَبَ الْمُسْلِمُ مِنْ الذِّمِّيِّ خَمْرًا ثُمَّ أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ اسْتِرْدَادِ خَمْرِهِ مِنْ يَدِ الْغَاصِبِ. وَإِذَا كَانَ مَمْنُوعًا مِنْ التَّسْلِيمِ فَقَدْ عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِ الْبَدَلِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا تَبَايَعَ الذِّمِّيَّانِ خَمْرًا ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا حَيْثُ يَفْسُدُ الْبَيْعُ عَلَى مَا قَالَهُ الْبَعْضُ، لِأَنَّ الْعَجْزَ كَمَا وَقَعَ عَنْ تَسْلِيمِ الْمُسَمَّى وَقَعَ عَنْ قِيمَتِهِ، لِأَنَّ قِيمَةَ الْمُسَمَّى لَا تَصْلُحُ عِوَضًا فِي الْبَيْعِ بِحَالٍ فَفَسَدَ وَتَصْلُحُ فِي الْكِتَابَةِ فِي الْجُمْلَةِ. فَإِنَّهُ لَوْ كَاتَبَ عَلَى وَصِيفٍ: أَيْ عَبْدٍ لِلْخِدْمَةِ وَأَتَى بِالْقِيمَةِ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ فَجَازَ أَنْ يَبْقَى الْعَقْدُ عَلَى الْقِيمَةِ لِأَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِقَوْلِهِ عَلَى مَا قَالَهُ الْبَعْضُ لِأَنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِي الْبَيْعِ كَالْجَوَابِ فِي الْكِتَابَةِ مَعْنًى. وَالرِّوَايَةُ فِي الْكِتَابَةِ رِوَايَةٌ فِي الْبَيْعِ. قَالَ (وَإِذَا قَبَضَ الْمَوْلَى قِيمَةَ الْخَمْرِ عَتَقَ لِأَنَّ فِي الْكِتَابَةِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ، فَإِذَا وَصَلَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ إلَى الْمَوْلَى سَلَّمَ الْعِوَضَ الْآخَرَ لِلْعَبْدِ وَذَلِكَ بِالْعِتْقِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مُسْلِمًا حَيْثُ لَمْ تَجُزْ الْكِتَابَةُ، لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْتِزَامِ الْخَمْرِ، وَلَوْ أَدَّى الْخَمْرَ عَتَقَ لِمَا بَيَّنَّا فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ) أَنَّهُ إذَا أَدَّى الْخَمْرَ عَتَقَ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُعْتَقُ. وَهَذَا لِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ تَضْمَنُ تَعْلِيقَ الْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْبَدَلِ الْمَشْرُوطِ، فَإِذَا وُجِدَ الْبَدَلُ وَقَعَ الْعِتْقُ. وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّهُ لَوْ أَدَّى الْخَمْرَ لَا يُعْتَقُ فَكَانَ فِي الْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ رِوَايَتَانِ. وَالْفَرْقُ عَلَى إحْدَاهُمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ إذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى خَمْرٍ فَأَدَّاهَا إلَى مَوْلَاهُ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ انْقَلَبَتْ الْكِتَابَةُ إلَى قِيمَةِ الْخَمْرِ وَلَمْ يَبْقَ الْخَمْرُ بَدَلَ هَذَا الْعَقْدِ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ صَحِيحًا عَلَى الْخَمْرِ ابْتِدَاءً وَبَقِيَ عَلَى الْقِيمَةِ صَحِيحًا بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ بَقَاؤُهُ صَحِيحًا وَالْخَمْرُ بَدَلٌ فِيهِ، فَبَقَاؤُهُ صَحِيحًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخَمْرَ لَمْ يَبْقَ بَدَلًا فَلَا يُعْتَقُ. وَفِي مَسْأَلَةِ الْمُسْلِمِ وَقَعَ الْعَقْدُ فَاسِدًا بِسَبَبِ كَوْنِ الْخَمْرِ بَدَلًا وَبَقِيَ كَذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ إلَى إخْرَاجِهَا عَنْ الْبَدَلِيَّةِ، وَإِذَا بَقِيَ بَدَلًا عَتَقَ بِأَدَائِهَا.

[باب ما يجوز للمكاتب أن يفعله]

(بَابُ مَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَفْعَلَهُ) : قَالَ (وَيَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَالسَّفَرُ) لِأَنَّ مُوجَبَ الْكِتَابَةِ أَنْ يَصِيرَ حُرًّا يَدًا، وَذَلِكَ بِمَالِكِيَّةِ التَّصَرُّفِ مُسْتَبِدًّا بِهِ تَصَرُّفًا يُوَصِّلُهُ إلَى مَقْصُودِهِ وَهُوَ نَيْلُ الْحُرِّيَّةِ بِأَدَاءِ الْبَدَلِ، وَالْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، وَكَذَا السَّفَرُ لِأَنَّ التِّجَارَةَ رُبَّمَا لَا تَتَّفِقُ فِي الْحَضَرِ فَتَحْتَاجُ إلَى الْمُسَافَرَةِ، وَيَمْلِكُ الْبَيْعَ بِالْمُحَابَاةِ لِأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ، فَإِنَّ التَّاجِرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ مَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَفْعَلَهُ] لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ وَالْفَاسِدَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَفْعَلَهُ وَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ، فَإِنَّ جَوَازَ التَّصَرُّفِ يُبْتَنَى عَلَى الْعَقْدِ الصَّحِيحِ. قَالَ (وَيَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَالسَّفَرُ) قَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ حَيْثُ قَالَ:

قَدْ يُحَابِي فِي صَفْقَةٍ لِيَرْبَحَ فِي أُخْرَى. قَالَ (فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْكُوفَةِ فَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ اسْتِحْسَانًا) لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ مَالِكِيَّةُ الْيَدِ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِبْدَادِ وَثُبُوتِ الِاخْتِصَاصِ فَبَطَلَ الشَّرْطُ وَصَحَّ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَمْ يَتَمَكَّنْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، وَبِمِثْلِهِ لَا تَفْسُدُ الْكِتَابَةُ، وَهَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِذَا صَحَّتْ الْكِتَابَةُ خَرَجَ الْمُكَاتَبُ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِهِ، وَكَأَنَّهُ أَعَادَهَا تَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ (فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْكُوفَةِ فَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ اسْتِحْسَانًا) فَإِنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ بِبَيَانِهِ ثَمَّةَ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ (أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى عَقْدِ الْكِتَابَةِ، لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ مَالِكِيَّةُ الْيَدِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِبْدَادِ وَثُبُوتِ الِاخْتِصَاصِ) بِنَفْسِهِ وَمَنَافِعِهِ لِحُصُولِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْعَقْدِ، وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ بِالضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ وَالتَّقْيِيدِ بِمَكَانٍ يُنَافِيهِ، وَالشَّرْطُ الْمُخَالِفُ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ بَاطِلٌ فَهَذَا الشَّرْطُ بَاطِلٌ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ الْعَقْدِ كَمَا فِي الْبَيْعِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَصَحَّ الْعَقْدُ) يَعْنِي أَنَّ الشَّرْطَ الْبَاطِلَ إنَّمَا يُبْطِلُ الْكِتَابَةَ إذَا تَمَكَّنَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، وَهُوَ أَنْ يَدْخُلَ فِي أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ كَمَا إذَا قَالَ كَاتَبْتُك عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي مُدَّةً أَوْ زَمَانًا، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ (لِأَنَّهُ لَا شَرْطَ فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَلَا فِيمَا يُقَابِلُهُ فَلَا تَفْسُدُ بِهِ الْكِتَابَةُ، وَهَذَا) أَيْ هَذَا التَّفْصِيلُ

لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُشْبِهُ الْبَيْعَ وَتُشْبِهُ النِّكَاحَ فَأَلْحَقْنَاهُ بِالْبَيْعِ فِي شَرْطٍ تَمَكَّنَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، كَمَا إذَا شَرَطَ خِدْمَةً مَجْهُولَةً لِأَنَّهُ فِي الْبَدَلِ وَبِالنِّكَاحِ فِي شَرْطٍ لَمْ يَتَمَكَّنْ فِي صُلْبِهِ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ. أَوْ نَقُولُ: إنَّ الْكِتَابَةَ فِي جَانِبِ الْعَبْدِ إعْتَاقٌ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ الْمِلْكِ، وَهَذَا الشَّرْطُ يَخُصُّ الْعَبْدَ فَاعْتُبِرَ إعْتَاقًا فِي حَقِّ هَذَا الشَّرْطِ، وَالْإِعْتَاقُ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ. قَالَ (وَلَا يَتَزَوَّجُ إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى) ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُشْبِهُ الْبَيْعَ) مِنْ حَيْثُ الْمُعَاوَضَةُ وَعَدَمُ صِحَّتِهِمَا بِلَا بَدَلٍ وَاحْتِمَالُهُمَا الْفَسْخَ قَبْلَ الْأَدَاءِ (وَتُشْبِهُ النِّكَاحَ) مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ فَعَمِلْنَا فِيهِ بِالشَّبَهَيْنِ فَقُلْنَا بِبُطْلَانِ الشَّرْطِ وَصِحَّةِ الْعَقْدِ إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ عَمَلًا بِشَبَهِ النِّكَاحِ وَبِبُطْلَانِ الْعَقْدِ إذَا تَمَكَّنَ فِي صُلْبِهِ عَمَلًا بِشَبَهِ الْبَيْعِ (أَوْ نَقُولُ: إنَّ الْكِتَابَةَ فِي جَانِبِ الْعَبْدِ إعْتَاقٌ) لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ إزَالَةُ الْمِلْكِ لَا إلَى أَحَدٍ، وَالْكِتَابَةُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لِلْمُكَاتَبِ شَيْءٌ وَإِنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُ مِلْكُ مَوْلَاهُ، وَكُلُّ شَرْطٍ يَخْتَصُّ بِجَانِبِ الْعَبْدِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْإِعْتَاقِ لِدُخُولِهِ فِي الْكِتَابَةِ وَهِيَ إعْتَاقٌ (وَهَذَا الشَّرْطُ يَخْتَصُّ بِهِ) فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْإِعْتَاقِ (وَالْإِعْتَاقُ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ)

لِأَنَّ الْكِتَابَةَ فَكُّ الْحَجْرِ مَعَ قِيَامِ الْمِلْكِ ضَرُورَةَ التَّوَسُّلِ إلَى الْمَقْصُودِ، وَالتَّزَوُّجُ لَيْسَ وَسِيلَةً إلَيْهِ، وَيَجُوزُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ (وَلَا يَهَبُ وَلَا يَتَصَدَّقُ إلَّا بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ) لِأَنَّ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ تَبَرُّعٌ وَهُوَ غَيْرُ مَالِكٍ لَيُمَلِّكَهُ، إلَّا أَنَّ الشَّيْءَ الْيَسِيرَ مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ ضِيَافَةٍ وَإِعَارَةٍ لِيَجْتَمِعَ عَلَيْهِ الْمُجَاهِزُونَ. وَمَنْ مَلَكَ شَيْئًا يَمْلِكُ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ وَتَوَابِعِهِ (وَلَا يَتَكَفَّلُ) لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ مَحْضٌ، فَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ وَالِاكْتِسَابِ وَلَا يَمْلِكُهُ بِنَوْعَيْهِ نَفْسًا وَمَالًا لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ تَبَرُّعٌ (وَلَا يُقْرِضُ) لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ لَيْسَ مِنْ تَوَابِعِ الِاكْتِسَابِ (فَإِنْ وَهَبَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَالتَّزَوُّجُ لَيْسَ وَسِيلَةً إلَيْهِ) الْكِتَابَةُ فَكُّ الْحَجْرِ مَعَ قِيَامِ الْمِلْكِ ضَرُورَةَ التَّوَسُّلِ إلَى الْمَقْصُودِ: أَيْ إلَى مَقْصُودِ الْمَوْلَى مِنْ الْبَدَلِ وَذَلِكَ لِقِيَامِ الْمِلْكِ وَمَقْصُودُ الْمُكَاتَبِ وَهُوَ تَحْصِيلُ الْكَسْبِ لِلْإِيفَاءِ وَذَلِكَ بِفَكِّ الْحَجْرِ وَالتَّزَوُّجُ لَيْسَ وَسِيلَةً إلَى الْمَقْصُودِ، بَلْ هُوَ مَانِعٌ عَنْ ذَلِكَ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ فَكِّ الْحَجْرِ، لَكِنْ إذَا أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى بِذَلِكَ جَازَ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ قَائِمٌ (وَلَا يَهَبُ وَلَا يَتَصَدَّقُ) الْمُكَاتَبُ (إلَّا بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ) وَكَلَامُهُ فِيهِ ظَاهِرٌ، وَالْمُجَاهِزُ عِنْدَ الْعَامَّةِ: هُوَ الْغَنِيُّ مِنْ التُّجَّارِ، وَكَأَنَّهُ أُرِيدَ الْمُجَهِّزُ وَهُوَ الَّذِي يَبْعَثُ التُّجَّارَ بِالْجِهَازِ وَهُوَ فَاخِرُ الْمَتَاعِ وَيُسَافِرُ بِهِ فَحُرِّفَ إلَى الْمُجَاهِرِ، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ (وَلَا يَتَكَفَّلُ) لِمَا ذَكَرْنَا (وَلَا يَمْلِكُهُ بِنَوْعَيْهِ) يَعْنِي فِي الْحَالِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لِأَنَّ الثَّانِيَ تَبَرُّعٌ مَحْضٌ فَكَانَ كَالْهِبَةِ، وَالْأَوَّلُ إقْرَاضٌ لِأَنَّ الْكَفِيلَ مَتَى أَدَّى صَارَ مُقْرِضًا بِمَا أَدَّى لِلْمَكْفُولِ عَنْهُ، وَالْإِقْرَاضُ تَبَرُّعٌ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِالْحَالِ لِأَنَّهَا بَعْدَ الْعِتْقِ صَحِيحَةٌ فِي حَقِّهِ فَكَانَ كَفَالَتُهُ كَكَفَالَةِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: بَدَلُ الْكِتَابَةِ مَالٌ فِي ذِمَّتِهِ وَتَسْلِيمُ النَّفْسِ لَا يُنَافِي ذَلِكَ وَلَا يَضُرُّهُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ يَضُرُّهُ فَرُبَّمَا عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِ النَّفْسِ فَيُحْبَسُ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ يُخِلُّ

عَلَى عِوَضٍ لَمْ يَصِحَّ) لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً (وَإِنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ جَازَ) لِأَنَّهُ اكْتِسَابٌ لِلْمَالِ فَإِنَّهُ يَتَمَلَّكُ بِهِ الْمَهْرَ فَدَخَلَ تَحْتَ الْعَقْدِ. قَالَ (وَكَذَلِكَ إنْ كَاتَبَ عَبْدَهُ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ، لِأَنَّ مَآلَهُ الْعِتْقُ وَالْمُكَاتَبُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ كَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ عَقْدُ اكْتِسَابٍ لِلْمَالِ فَيَمْلِكُهُ كَتَزْوِيجِ الْأَمَةِ وَكَالْبَيْعِ وَقَدْ يَكُونُ هُوَ أَنْفَعَ لَهُ مِنْ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ إلَّا بَعْدَ وُصُولِ الْبَدَلِ إلَيْهِ وَالْبَيْعُ يُزِيلُهُ قَبْلَهُ وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ ثُمَّ هُوَ يُوجِبُ لِلْمَمْلُوكِ مِثْلَ مَا هُوَ ثَابِتٌ لَهُ. بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ لِأَنَّهُ يُوجِبُ فَوْقَ مَا هُوَ ثَابِتٌ لَهُ. قَالَ: فَإِنْ أَدَّى الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يُعْتَقَ الْأَوَّلُ فَوَلَاؤُهُ لِلْمَوْلَى، لِأَنَّ لَهُ فِيهِ نَوْعَ مِلْكٍ. وَتَصِحُّ إضَافَةُ الْإِعْتَاقِ إلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ إضَافَتُهُ إلَى مُبَاشِرِ الْعَقْدِ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ أُضِيفَ إلَيْهِ كَمَا فِي الْعَبْدِ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا (فَلَوْ أَدَّى الْأَوَّلُ بَعْدَ ذَلِكَ وَعَتَقَ لَا يَنْتَقِلُ الْوَلَاءُ إلَيْهِ) لِأَنَّ الْمَوْلَى جُعِلَ مُعْتِقًا وَالْوَلَاءُ لَا يَنْتَقِلُ عَنْ الْمُعْتِقِ (وَإِنْ أَدَّى الثَّانِي بَعْدَ عِتْقِ الْأَوَّلِ فَوَلَاؤُهُ لَهُ) لِأَنَّ الْعَاقِدَ مِنْ أَهْلِ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ وَهُوَ الْأَصْلُ فَيَثْبُتُ لَهُ. قَالَ (وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ أَوْ بَاعَهُ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ زَوَّجَ عَبْدَهُ لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَيْسَتْ مِنْ الْكَسْبِ وَلَا مِنْ تَوَابِعِهِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ إسْقَاطُ الْمِلْكِ عَنْ رَقَبَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالِاكْتِسَابِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْمَالُ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ جَازَ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ هُوَ يُوجِبُ لِلْمَمْلُوكِ مِثْلَ مَا هُوَ ثَابِتٌ لَهُ) يُرِيدُ بِهِ مِلْكَ الْيَدِ وَهُوَ يَمْلِكُهُ. وَمَنْ مَلَكَ شَيْئًا جَازَ أَنْ يَمْلِكَهُ غَيْرُهُ كَالْمُعِيرِ يُعِيرُ (بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ) فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ فَيُوجِبُ لِلثَّانِي فَوْقَ مَا أَوْجَبَ لِلْأَوَّلِ، فَإِنَّ الْعِتْقَ يَحْصُلُ لَهُ فِي الْحَالِ بِنَفْسِ الْقَبُولِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى أَدَاءِ الْمَالِ، وَهَذَا غَيْرُ ثَابِتٍ لِلْمُكَاتَبِ فَكَانَ تَمْلِيكُ مَا لَا يَمْلِكُهُ وَهُوَ لَا يَجُوزُ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَدَّى الثَّانِي) يَعْنِي إنْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ الثَّانِي بَدَلَ كِتَابَتِهِ قَبْلَ أَدَاءِ الْأَوَّلِ (عَتَقَ الثَّانِي) لِتَحَقُّقِ شَرْطِ عِتْقِهِ (وَوَلَاؤُهُ لِلْمَوْلَى لِأَنَّ لَهُ فِيهِ نَوْعَ مِلْكٍ) لِأَنَّ الثَّانِيَ مُكَاتَبٌ لِلْمَوْلَى بِوَاسِطَةِ الْأَوَّلِ فَكَانَ كِتَابَةُ الْمَوْلَى لِلْأَوَّلِ بِمَنْزِلَةِ عِلَّةِ الْعِلَّةِ، وَلِهَذَا لَوْ عَجَزَ الْأَوَّلُ كَانَ الثَّانِي مِلْكًا لِلْمَوْلَى كَالْأَوَّلِ (وَتَصِحُّ إضَافَةُ الْإِعْتَاقِ إلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ) يُقَالُ مَوْلَى زَيْدٍ وَمُعْتَقُ زَيْدٍ مَجَازًا وَإِنْ كَانَ مُعْتَقَ مُعْتِقِهِ وَلِهَذَا يَدْخُلُ فِي الِاسْتِئْمَانِ عَلَى مَوَالِيهِ (فَإِذَا تَعَذَّرَ إضَافَتُهُ إلَى مُبَاشِرِ الْعَقْدِ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ) لِكَوْنِهِ رَقِيقًا (أُضِيفَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمَوْلَى لِكَوْنِهِ عِلَّةَ الْعِلَّةِ (كَالْعَبْدِ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا) فَإِنَّهُ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمَوْلَى لِتَعَذُّرِ إثْبَاتِهِ لِلْعَبْدِ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ (فَلَوْ أَدَّى الْأَوَّلَ بَعْدَ ذَلِكَ وَعَتَقَ لَا يَنْتَقِلُ الْوَلَاءُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى جُعِلَ مُعْتِقًا) مُبَاشَرَةً حُكْمًا لِمَا أَنَّ الْعَقْدَ انْتَقَلَ إلَيْهِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْمُكَاتَبِ لِلْإِعْتَاقِ (وَالْوَلَاءُ لَا يَنْتَقِلُ عَنْ الْمُعْتِقِ) مُبَاشَرَةً، وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ مُبَاشَرَةً لِئَلَّا يُرَدُّ جَرُّ الْوَلَاءِ، فَإِنَّهُ ثَمَّةَ مَوْلَى الْجَارِيَةِ لَيْسَ بِمُعْتِقٍ لِلْوَلَدِ مُبَاشَرَةً بَلْ تَسَبُّبًا بِاعْتِبَارِ إعْتَاقِ الْأُمِّ. وَالْأَصْلُ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يُضَافُ إلَى السَّبَبِ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْإِضَافَةِ إلَى الْعِلَّةِ، وَالتَّعَذُّرُ عَنْ عَدَمِ عِتْقِ الْأَبِ، فَإِذَا عَتَقَ زَالَ فَيَنْجَرُّ الْوَلَاءُ إلَى قَوْمِ الْأَبِ (وَإِنْ أَدَّى الثَّانِي) بَدَلَ الْكِتَابَةِ (بَعْدَ عِتْقِ الْأَوَّلِ فَوَلَاؤُهُ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ مِنْ أَهْلِ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ وَهُوَ الْأَصْلُ فَيَثْبُتُ) . قَالَ (وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ)

وَإِثْبَاتُ الدَّيْنِ فِي ذَمِّهِ الْمُفْلِسِ فَأَشْبَهَ الزَّوَالَ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَكَذَا الثَّانِي لِأَنَّهُ إعْتَاقٌ عَلَى مَالٍ فِي الْحَقِيقَةِ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّهُ تَنْقِيصٌ لِلْعَبْدِ وَتَعْيِيبٌ لَهُ وَشَغْلُ رَقَبَتِهِ بِالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ، بِخِلَافِ تَزْوِيجِ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ اكْتِسَابٌ لِاسْتِفَادَتِهِ الْمَهْرَ عَلَى مَا مَرَّ. قَالَ (وَكَذَلِكَ) (الْأَبُ وَالْوَصِيُّ فِي رَقِيقِ الصَّغِيرِ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ) لِأَنَّهُمَا يَمْلِكَانِ الِاكْتِسَابَ كَالْمُكَاتَبِ، وَلِأَنَّ فِي تَزْوِيجِ الْأَمَةِ وَالْكِتَابَةِ نَظَرًا لَهُ، وَلَا نَظَرَ فِيمَا سِوَاهُمَا وَالْوِلَايَةُ نَظَرِيَّةٌ. قَالَ (فَأَمَّا الْمَأْذُونُ لَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُكَاتَبَ إنَّمَا يَمْلِكُ مَا كَانَ مِنْ التِّجَارَةِ أَوْ مِنْ ضَرُورَاتِهَا، وَإِعْتَاقُ الْعَبْدِ عَلَى مَالِ غَيْرِهِ مِمَّا ذَكَرَهُ هَاهُنَا لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَمْلِكُهُ. وَقَوْلُهُ (وَأَمَّا الثَّالِثُ فَتَنْقِيصٌ لَهُ) لِأَنَّ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا وَوَجَدَهُ ذَا زَوْجَةٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّدِّ بِذَلِكَ الْعَيْبِ، وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا مَرَّ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَإِنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ جَازَ لِأَنَّهُ اكْتِسَابٌ لِلْمَالِ (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ) ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ فِي تَزْوِيجِ الْأَمَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ نَظَرًا) أَمَّا فِي تَزْوِيجِ الْأَمَةِ فَلِمَا مَرَّ آنِفًا، وَأَمَّا فِي الْكِتَابَةِ فَلِأَنَّهُ بِالْعَجْزِ يُرَدُّ رَقِيقًا، فَرُبَّمَا كَانَ الْعَجْزُ بَعْدَ أَدَاءِ نُجُومٍ وَذَلِكَ لَا شَكَّ فِي كَوْنِهِ نَظَرًا (قَوْلُهُ فَأَمَّا الْمَأْذُونُ لَهُ) فَظَاهِرٌ.

وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمُضَارِبُ وَالْمُفَاوِضُ وَالشَّرِيكُ شَرِكَةَ عَنَانٍ هُوَ قَاسَهُ عَلَى الْمُكَاتَبِ وَاعْتَبَرَهُ بِالْإِجَارَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمُضَارِبُ وَالْمُفَاوِضُ) ذُكِرَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّ الْمُفَاوِضَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَ الشَّرِكَةِ بِلَا خِلَافٍ وَاسْتَدَلَّ بِنَقْلٍ عَنْ الْكَرْخِيِّ وَغَيْرِهِ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْخِلَافِ وَقَالَ: تَرْكُ ذِكْرِ الْخِلَافِ دَلِيلٌ عَلَى الِاتِّفَاقِ وَفِيهِ مَا فِيهِ. وَقَوْلُهُ (هُوَ) يَعْنِي أَبَا يُوسُفَ (قَاسَهُ عَلَى الْمُكَاتَبِ) فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ الْأَمَةَ فَكَذَلِكَ الْمَأْذُونُ لَهُ (وَاعْتَبَرَهُ بِالْإِجَارَةِ) أَيْ اعْتَبَرَ التَّزْوِيجَ بِالْإِجَارَةِ فَإِنَّ الْمَأْذُونَ لَهُ جَازَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ فَكَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ، وَقَاسَهُ وَاعْتَبَرَهُ مُتَرَادِفَانِ. وَقِيلَ اُسْتُعْمِلَ الْقِيَاسُ بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ: أَيْ الْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ، وَالِاعْتِبَارُ بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ: أَيْ التَّزْوِيجِ وَالْإِجَارَةِ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ ظَاهِرَةٌ، إذْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَكُّ الْحَجْرِ وَإِطْلَاقُ التَّصَرُّفِ فَكَانَ ذِكْرُ الْقِيَاسِ فِيهِ أَوْلَى، بِخِلَافِ الْفِعْلَيْنِ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ بَيْنَهُمَا لَيْسَتْ إلَّا مِنْ حَيْثُ الْفِعْلِيَّةُ لَا غَيْرُ، لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِمَالٍ بِخِلَافِ التَّزْوِيجِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقِيَاسِ إنْ كَانَ هُوَ الشَّرْعِيُّ فَذَلِكَ لَا يَكُونُ بَيْنَ عَيْنَيْنِ،

وَلَهُمَا أَنَّ الْمَأْذُونَ لَهُ يَمْلِكُ التِّجَارَةَ وَهَذَا لَيْسَ بِتِجَارَةٍ، فَأَمَّا الْمُكَاتَبُ يَتَمَلَّكُ الِاكْتِسَابَ وَهَذَا اكْتِسَابٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا نُسَلِّمُ أَوْلَوِيَّتَهُ (وَلَهُمَا) وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ (أَنَّ الْمَأْذُونَ لَهُ يَمْلِكُ التِّجَارَةَ، وَهَذَا) أَيْ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ (لَيْسَ بِتِجَارَةٍ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُبَادَلَةِ الْمَالِ بِالْمَالِ وَالتِّجَارَةُ ذَلِكَ (وَالْمُكَاتَبُ يَمْلِكُ الِاكْتِسَابَ وَهَذَا اكْتِسَابٌ) لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الْمَالِ، وَبِالتَّزْوِيجِ تَوَصَّلَ الْمَوْلَى إلَى الْمَهْرِ فَكَانَ اكْتِسَابًا.

وَلِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ فَيُعْتَبَرُ بِالْكِتَابَةِ دُونَ الْإِجَارَةِ، إذْ هِيَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ تَزْوِيجَ الْعَبْدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ) وَلِأَنَّهُ أَيْ التَّزْوِيجَ دَلِيلٌ آخَرُ وَمَعْنَاهُ أَنَّ اعْتِبَارَ التَّزْوِيجِ بِالْكِتَابَةِ لِأَنَّهَا مُبَادَلَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِهِ بِالْإِجَارَةِ لِأَنَّهَا مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، لِأَنَّ الْمَنَافِعَ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ مَال (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِأَنَّ التَّزْوِيجَ لَيْسَ مِنْ الِاكْتِسَابِ (لَا يَمْلِكُ هَؤُلَاءِ) أَيْ الْمَأْذُونُ وَالْمُضَارِبُ وَالْمُفَاوِضُ وَشَرِيكُ الْعَنَانِ وَالْمُكَاتَبُ (كُلُّهُمْ تَزْوِيجَ الْعَبْدِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِاكْتِسَابِ الْمَالِ.

[فصل في شراء المكاتب أباه أو ابنه]

(فَصْلٌ) : قَالَ (وَإِذَا اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ) لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ أَنْ يُكَاتِبَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْإِعْتَاقِ فَيُجْعَلُ مُكَاتَبًا تَحْقِيقًا لِلصِّلَةِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُرَّ مَتَى كَانَ يَمْلِكُ الْإِعْتَاقَ يُعْتَقُ عَلَيْهِ (وَإِنْ اشْتَرَى ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لِأَوْلَادٍ لَهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي كِتَابَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: يَدْخُلُ) اعْتِبَارًا بِقَرَابَةِ الْوِلَادِ إذْ وُجُوبُ الصِّلَةِ يَنْتَظِمُهُمَا وَلِهَذَا لَا يَفْتَرِقَانِ فِي الْحُرِّ فِي حَقِّ الْحُرِّيَّةِ. وَلَهُ أَنَّ لِلْمُكَاتَبِ كَسْبًا لَا مِلْكًا، غَيْرَ أَنَّ الْكَسْبَ يَكْفِي الصِّلَةَ فِي الْوِلَادِ حَتَّى أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْكَسْبِ يُخَاطَبُ بِنَفَقَةِ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ وَلَا يَكْفِي فِي غَيْرِهِمَا حَتَّى لَا تَجِبَ نَفَقَةُ الْأَخِ إلَّا عَلَى الْمُوسِرِ، وَلِأَنَّ هَذِهِ قَرَابَةٌ تَوَسَّطَتْ بَيْنَ بَنِي الْأَعْمَامِ وَقَرَابَةِ الْوِلَادِ فَأَلْحَقْنَاهَا بِالثَّانِي فِي الْعِتْقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي شِرَاء الْمُكَاتَبُ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ مَسَائِلِ مَنْ هُوَ دَاخِلٌ فِي الْكِتَابَةِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ مَسَائِلَ مَنْ يَدْخُلُ فِيهَا بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ وَمَا يَتْبَعُهَا وَالتَّبَعُ يَتْلُو الْأَصْلَ. قَالَ (وَإِذْ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ) تَقْدِيمُ الْأَبِ فِي الذِّكْرِ هَاهُنَا عَلَى ابْنِهِ لِلتَّعْظِيمِ، وَأَمَّا فِي تَرْتِيبِ الْقُوَّةِ فِي الدُّخُولِ فِي كِتَابَتِهِ فَالِابْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَبِ سَوَاءٌ كَانَ مَوْلُودًا فِي الْكِتَابَةِ أَوْ مُشْتَرًى وَالْمَوْلُودُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُشْتَرَى، فَإِنَّ الْمَوْلُودَ يَظْهَرُ فِي حَقِّهِ جَمِيعُ أَحْكَامِ الْكِتَابَةِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ بَيْعُهُ حَالَ حَيَاتِهِ وَيُقْبَلُ مِنْهُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ عَلَى نُجُومِ الْأَبِ، وَالْمُشْتَرِي يَحْرُمُ بَيْعُهُ حَالَ حَيَاتِهِ وَيُقْبَلُ مِنْهُ الْبَدَلُ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ حَالًّا، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ السِّعَايَةِ عَلَى نُجُومِ الْأَبِ لِيَظْهَرَ نُقْصَانُ حَالِهِ عَنْ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ فِي التَّبَعِيَّةِ. وَأَمَّا الْأَبُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ بَيْعُهُ حَالَ حَيَاةِ ابْنِهِ الْمُكَاتَبِ، وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ الْبَدَلُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا حَالًّا وَلَا مُؤَجَّلًا، وَإِنَّمَا قَالَ دَخَلَ فِي الْكِتَابَةِ وَلَا يَقُلْ صَارَ مُكَاتَبًا، لِأَنَّهُ لَوْ صَارَ مُكَاتَبًا لَكَانَ أَصْلًا وَلَقِيَتْ كِتَابَتُهُ بَعْدَ عَجْزِ الْمُكَاتَبِ الْأَصْلِيِّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ بِيعَ الْأَبُ لِمَا أَنَّ كِتَابَةَ الدَّاخِلِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لَا الْأَصَالَةِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُشْتَرَى فِي الْكِتَابَةِ مِنْ الْأَوْلَادِ وَبَيْنَ مَا إذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ، فَإِنَّهُ إذَا أَعْتَقَ الْمُشْتَرَى لَمْ يَسْقُطْ مِنْ الْبَدَلِ شَيْءٌ، وَإِذَا أَعْتَقَ الصَّغِيرَ يَسْقُطُ مِنْ الْبَدَلِ مَا يَخُصُّهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُشْتَرَى تَبَعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ فِي أَمْرِ الْبَدَلِ لِتَقَرُّرِهِ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الْكِتَابَةِ. وَأَمَّا الصَّغِيرُ فَقَدْ كَانَ مَقْصُودًا بِالْعَقْدِ مِنْ وَجْهٍ وَكَانَ الْبَدَلُ فِي مُقَابَلَتِهِ وَمُقَابَلَةِ وَالِدِهِ فَلِهَذَا يَسْقُطُ مَا يَخُصُّهُ، ثُمَّ الْمُكَاتَبُ إذَا اشْتَرَى مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَلَا دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ كَمَا ذَكَرْنَا لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْإِعْتَاقِ جُعِلَ مُكَاتَبًا تَحْقِيقًا لِلصِّلَةِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ (وَإِذَا اشْتَرَى ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لِأَوْلَادٍ لَهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي كِتَابَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَدْخُلُ اعْتِبَارًا بِقَرَابَةِ الْوِلَادِ لِأَنَّ وُجُوبَ الصِّلَةِ يَنْتَظِمُهُمَا، وَلِهَذَا لَا يَفْتَرِقَانِ فِي الْحُرِّ فِي حَقِّ الْحُرِّيَّةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لِلْمُكَاتَبِ كَسْبًا لَا مِلْكًا لِأَنَّهُ مِلْكٌ لِغَيْرِهِ كَمَا عُرِفَ وَهَذَا لَا يَمْلِكُ الْهِبَةَ، وَلَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ لَمْ يَفْسُدْ النِّكَاحُ وَالْكَسْبُ يَكْفِي لِلصِّلَةِ فِي الْوِلَادِ) لَا فِي غَيْرِهِ، أَلَا يَرَى أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْكَسْبِ مُخَاطَبٌ بِنَفَقَةِ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ وَلَا يَجِبُ نَفَقَةُ الْأَخِ إلَّا عَلَى الْمُوسِرِ، وَلِأَنَّ هَذِهِ: أَيْ قَرَابَةَ الْأُخُوَّةِ (تَوَسَّطَتْ بَيْنَ) الْقَرَابَةِ الْبَعِيدَةِ مِنْ (بَنِي الْأَعْمَامِ وَالْقَرَابَةُ) الْقَرِيبَةُ وَهِيَ (الْوِلَادُ) وَالْمُتَوَسِّطُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ ذُو حَظٍّ مِنْهُمَا (فَ) عَمِلْنَا بِالشَّبَهَيْنِ وَ (أَلْحَقْنَاهَا بِالثَّانِيَةِ) أَيْ الْقَرِيبَةِ فِي الْعِتْقِ حَتَّى إذَا مَلَكَ الْحُرُّ أَخَاهُ عَتَقَ عَلَيْهِ كَمَا إذَا مَلَكَ وَالِدَهُ

وَبِالْأَوَّلِ فِي الْكِتَابَةِ وَهَذَا أَوْلَى لِأَنَّ الْعِتْقَ أَسْرَعُ نُفُوذًا مِنْ الْكِتَابَةِ، حَتَّى أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا كَاتَبَ كَانَ لِلْآخَرِ فَسْخُهُ، وَإِذَا أَعْتَقَ لَا يَكُونُ لَهُ فَسْخُهُ. قَالَ (وَإِذَا اشْتَرَى أُمَّ وَلَدِهِ دَخَلَ وَلَدُهَا فِي الْكِتَابَةِ وَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا) وَمَعْنَاهُ إذَا كَانَ مَعَهَا وَلَدُهَا، أَمَّا دُخُولُ الْوَلَدِ فِي الْكِتَابَةِ فَلِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَأَمَّا امْتِنَاعُ بَيْعِهَا فَلِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْوَلَدِ فِي هَذَا الْحُكْمِ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدُهَا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ وَلَدَهُ (وَبِالْأَوْلَى) أَيْ بِالْبَعِيدَةِ (فِي الْكِتَابَةِ) حَتَّى إذَا مَلَكَ الْمُكَاتَبُ أَخَاهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي كِتَابَتِهِ كَمَا إذَا مَلَكَ ابْنَ عَمِّهِ (وَهَذَا أَوْلَى) مِنْ الْعَكْسِ. لِأَنَّا لَوْ أَلْحَقْنَاهَا بِالْوِلَادِ فِي الْكِتَابَةِ وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نُلْحِقَهَا بِهِ أَيْضًا فِي الْعِتْقِ (لِأَنَّهُ أَسْرَعُ نُفُوذًا مِنْ الْكِتَابَةِ، حَتَّى أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا كَاتَبَ كَانَ لِلْآخَرِ فَسْخُهُ، وَإِذَا أُعْتِقَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ) وَفِي ذَلِكَ إبْطَالٌ لِأَحَدِ الشَّبَهَيْنِ وَإِعْمَالُهُمَا وَلَوْ بِوَجْهٍ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِ أَحَدِهِمَا. قَالَ (وَإِذَا اشْتَرَى أُمَّ وَلَدِهِ إلَخْ) امْرَأَةُ الْمُكَاتَبِ الْقِنَّةُ إذَا وَلَدَتْ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهَا الْمُكَاتَبُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَمَلَكَهَا، فَإِنْ مَلَكَهَا مَعَ الْوَلَدِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ وَلَدَهَا دَخَلَ فِي الْكِتَابَةِ كَمَا مَرَّ وَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا إذَا عَجَزَ، وَالْأُمُّ تَابِعَةٌ لِلْوَلَدِ فِي هَذَا الْحُكْمِ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» وَإِنْ مَلَكَهَا وَحْدَهَا فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ. لَهُ أَنَّ الْقِيَاسَ جَوَازُ بَيْعِهَا وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ مَعَهَا، لِأَنَّ كَسْبَ الْمُكَاتَبِ مَوْقُوفٌ عَلَى أَدَاءِ جَمِيعِ الْبَدَلِ، فَإِنْ أَدَّى عَتَقَ، وَمَا فَضَلَ مَعَهُ فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ عَجَزَ عَادَ هُوَ وَمَالُهُ لِلْمَوْلَى، وَكُلُّ مَوْقُوفٍ يَقْبَلُ الْفَسْخَ فَكَسْبُ الْمُكَاتَبِ يَقْبَلُ الْفَسْخَ، وَمَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ مَا لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ كَالِاسْتِيلَادِ، لِأَنَّ مَا لَا يَقْبَلُهُ أَقْوَى مِنْ الَّذِي يَقْبَلُهُ، وَالْأَقْوَى لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَبَعًا لِلْأَدْنَى إلَّا أَنَّهُ يَثْبُتُ هَذَا الْحَقُّ وَهُوَ امْتِنَاعُ الْبَيْعِ فِيمَا إذَا كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ تَبَعًا لِثُبُوتِهِ فِي الْوَلَدِ بِنَاءً عَلَيْهِ، وَبِدُونِ الْوَلَدِ لَوْ ثَبَتَ هَذَا الْحَقُّ ثَبَتَ ابْتِدَاءً وَالْقِيَاسُ يَنْفِيهِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْقِيَاسُ كَمَا يَنْفِيهِ ابْتِدَاءً يَنْفِيهِ مَعَ الْوَلَدِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي أَوَّلِ الدَّلِيلِ. فَتَخْصِيصُ نَفْيِهِ بِالِابْتِدَاءِ مَعَ أَنَّهُ مُنَافٍ لِصَدْرِ الْكَلَامِ تَحَكُّمٌ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ بِتَحَكُّمٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الِاسْتِحْسَانِ بِالْأَثَرِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» وَلَا شَكَّ أَنَّ الْوَلَدَ إنَّمَا يُعْتِقُ الْأُمَّ إذَا مَلَكَهُ الْأَبُ. وَقَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ يَنْفِيهِ: يَعْنِي

وَلَهُ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يَجُوزَ بَيْعُهَا وَإِنْ كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ لِأَنَّ كَسْبَ الْمُكَاتَبِ مَوْقُوفٌ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، إلَّا أَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ هَذَا الْحَقُّ فِيمَا إذَا كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ تَبَعًا لِثُبُوتِهِ فِي الْوَلَدِ بِنَاءً عَلَيْهِ، وَبِدُونِ الْوَلَدِ لَوْ ثَبَتَ ثَبَتَ ابْتِدَاءً وَالْقِيَاسُ يَنْفِيهِ (وَإِنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ أَمَةٍ لَهُ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ) لِمَا بَيَّنَّا فِي الْمُشْتَرَى (وَكَانَ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ وَكَسْبُهُ لَهُ) لِأَنَّ كَسْبَ الْوَلَدِ كَسْبٌ كَسَبَهُ وَيَكُونُ كَذَلِكَ قَبْلَ الدَّعْوَةِ فَلَا يَنْقَطِعُ بِالدَّعْوَةِ اخْتِصَاصُهُ، وَكَذَلِكَ إنْ وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ وَلَدًا لِأَنَّ حَقَّ امْتِنَاعِ الْبَيْعِ ثَابِتٌ فِيهَا مُؤَكَّدًا فَيَسْرِي إلَى الْوَلَدِ كَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا نَصَّ فِيهِ يُتْرَكُ بِهِ الْقِيَاسُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَعَهَا الْوَلَدُ (وَإِنْ وُلِدَ لِلْمُكَاتَبِ وَلَدٌ مِنْ أَمَةٍ لَهُ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ لِمَا بَيَّنَّا فِي الْمُشْتَرِي) يَعْنِي فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ أَنْ يُكَاتِبَ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْإِعْتَاقِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَمْلِكُ التَّسَرِّيَ فَمِنْ أَيْنَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ الْأَمَةِ حَتَّى يَدْخُلَ فِي الْكِتَابَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا يَمْلِكُ التَّسَرِّيَ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ أَمَتِهِ، لَكِنْ إنْ وَطِئَ وَادَّعَى النَّسَبَ ثَبَتَ النَّسَبُ كَالْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ وَطْؤُهَا، لَكِنْ إنْ وَطِئَهَا فَوَلَدَتْ وَادَّعَاهُ ثَبَتَ النَّسَبُ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: جَارِيَةٌ بَيْنَ حُرٍّ وَمُكَاتَبٍ وَلَدَتْ وَلَدًا فَادَّعَاهُ الْمُكَاتَبُ، فَإِنَّ الْوَلَدَ وَلَدُهُ وَالْجَارِيَةُ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ، وَيَضْمَنُ نِصْفَ عُقْرِهَا وَنِصْفَ قِيمَتِهَا، وَلَا يَضْمَنُ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ شَيْئًا لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ بِمَالِهِ مِنْ حَقِّ الْمِلْكِ فِي كَسْبِهِ يَمْلِكُ الدَّعْوَةَ كَالْحُرِّ فَبِقِيَامِ الْمِلْكِ لَهُ فِي نِصْفِهَا هَاهُنَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ، وَيَثْبُتُ لَهَا حَقُّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ فِي حَقِّ امْتِنَاعِ الْبَيْعِ تَبَعًا لِثُبُوتِ حَقِّ الْوَلَدِ (قَوْلُهُ وَكَانَ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ) أَيْ حُكْمُ الْوَلَدِ كَحُكْمِ الْمُكَاتَبِ (وَكَسْبُهُ لَهُ) أَيْ كَسْبُ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ (لِأَنَّ كَسْبَ الْوَلَدِ كَسْبُ كَسْبِهِ) إذْ الْوَلَدُ كَسْبُهُ (وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الدَّعْوَةِ فَلَا يَنْقَطِعُ بِالدَّعْوَةِ اخْتِصَاصُ الْمُكَاتَبِ بِكَسْبِ وَلَدِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ مِنْ زَوْجِهَا دَخَلَ الْوَلَدُ فِي كِتَابَتِهَا لِأَنَّ حَقَّ امْتِنَاعِ الْبَيْعِ ثَابِتٌ فِيهَا مُؤَكَّدًا) فَصَارَ مِنْ الْأَوْصَافِ الْقَارَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْأَوْصَافُ الْقَارَّةُ الشَّرْعِيَّةُ فِي الْأُمَّهَاتِ (كَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ) وَالْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ تَسْرِي إلَى الْوِلَادِ، فَقَوْلُهُ مُؤَكَّدًا إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ احْتِرَازًا عَنْ وَلَدِ الْآبِقَةِ فَإِنَّ بَيْعَهَا لَا يَجُوزُ وَبَيْعَ وَلَدِهَا يَجُوزُ وَلِأَنَّ امْتِنَاعَ الْبَيْعِ فِي الْآبِقَةِ غَيْرُ مُؤَكَّدٍ إذْ الْإِبَاقُ مِمَّا لَا يَدُومُ، وَكَذَا بَيْعُ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَالْجَانِيَةِ فَإِنَّ الْأَمَةَ إذَا اتَّصَفَتْ بِهِمَا امْتَنَعَ بَيْعُهَا إلَّا مَقْرُونًا بِشَيْءٍ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمُؤَكَّدٍ، فَقَوْلُهُمْ الْأَوْصَافُ الْقَارَّةُ احْتِرَازٌ عَنْ مِثْلِ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ، وَقَوْلُهُمْ الشَّرْعِيَّةُ احْتِرَازٌ عَنْ السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَالطُّولِ وَالْقِصَرِ فَإِنَّهَا لَا تَسْرِي، وَإِذَا

قَالَ (وَمَنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ ثُمَّ كَاتَبَهُمَا فَوَلَدَتْ مِنْهُ وَلَدًا دَخَلَ فِي كِتَابَتِهَا وَكَانَ كَسْبُهُ لَهَا) لِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الْأُمِّ أَرْجَحُ وَلِهَذَا يَتْبَعُهَا فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ. قَالَ (وَإِنْ تَزَوَّجَ الْمُكَاتَبُ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ امْرَأَةً زَعَمَتْ أَنَّهَا حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ مِنْهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّتْ فَأَوْلَادُهَا عَبِيدٌ وَلَا يَأْخُذُهُمْ بِالْقِيمَةِ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ يَأْذَنُ لَهُ الْمَوْلَى بِالتَّزْوِيجِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَوْلَادُهَا أَحْرَارٌ بِالْقِيمَةِ) لِأَنَّهُ شَارَكَ الْحُرَّ فِي سَبَبِ ثُبُوتِ هَذَا الْحَقِّ وَهُوَ الْغُرُورُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ مَا رَغِبَ فِي نِكَاحِهَا إلَّا لِيَنَالَ حُرِّيَّةَ الْأَوْلَادِ، وَلَهُمَا أَنَّهُ مَوْلُودٌ بَيْنَ رَقِيقَيْنِ فَيَكُونُ رَقِيقًا، وَهَذَا لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، وَخَالَفَنَا هَذَا الْأَصْلَ فِي الْحُرِّ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَهَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى هُنَاكَ مَجْبُورٌ بِقِيمَةٍ نَاجِزَةٍ وَهَاهُنَا بِقِيمَةٍ مُتَأَخِّرَةٍ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQسَرَتْ كِتَابَتُهَا إلَى وَلَدِهَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ كَمَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُ أُمِّهِ. قَالَ (وَمَنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ) هَذَا أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَوْصَافَ الْقَارَّةَ الشَّرْعِيَّةَ فِي الْأُمَّهَاتِ تَسْرِي إلَى الْأَوْلَادِ وَلِهَذَا كَانَ الْوَلَدُ دَاخِلًا فِي كِتَابَةِ الْأُمِّ وَكَسْبُهُ لَهَا (قَوْلُهُ لِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الْأُمِّ أَرْجَحُ) إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرْنَا وَلِهَذَا اسْتَوْضَحَ بِقَوْلِهِ وَلِهَذَا يَتْبَعُهَا فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِمَا وَكَسْبُهُ لَهَا أَيْ فِي الدُّخُولِ يَتْبَعُهُمَا وَفِي الْكَسْبِ يَتْبَعُهَا خَاصَّةً، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْوَجْهُ لِأَنَّ فَائِدَةَ الدُّخُولِ هُوَ الْكَسْبُ، وَإِنَّمَا كَانَ تَبَعِيَّةُ الْأُمِّ أَرْجَحَ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا بِحَيْثُ يُقْرَضُ مِنْهُ بِالْمِقْرَاضِ. قَالَ (وَإِنْ تَزَوَّجَ الْمُكَاتَبُ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ امْرَأَةً زَعَمَتْ أَنَّهَا حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ مِنْهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ فَأَوْلَادُهَا عَبِيدٌ، وَلَا يَأْخُذُهُمْ الْمُكَاتَبُ بِقِيمَةٍ يُؤَدِّيهَا إلَى الْمُسْتَحِقِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَوْلَادُهَا أَحْرَارٌ بِالْقِيمَةِ) لِأَنَّهُ وَلَدُ الْمَغْرُورِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ وَهُوَ الْغُرُورُ، لِأَنَّهُ مَا رَغِبَ فِي نِكَاحِهَا إلَّا لِيَنَالَ حُرِّيَّةَ الْأَوْلَادِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْأَوْلَادِ وَالْمَهْرُ فِي الْحَالِ لِوُجُودِ الْإِذْنِ مِنْ الْمَوْلَى وَالْأَوْلَادُ أَحْرَارٌ، هَكَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. وَفِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ قِيمَةَ الْأَوْلَادِ عِنْدَهُ يَتَأَخَّرُ أَدَاؤُهَا إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى هُنَاكَ مَجْبُورٌ بِقِيمَةٍ نَاجِزَةٍ إلَخْ) ثُمَّ إذَا غَرِمَ الْقِيمَةَ يَرْجِعُ عَلَيْهَا عِنْدَهُ لِأَنَّ الْغُرُورَ حَصَلَ مِنْهَا (وَلَهُمَا أَنَّهُ مَوْلُودٌ بَيْنً رَقِيقَيْنِ، وَالْمَوْلُودُ بَيْنَ رَقِيقَيْنِ رَقِيقٌ، وَهَذَا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْوَلَدِ أَنْ يَتْبَعَ الْأُمَّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ. لَكِنْ تَرَكْنَا هَذَا الْأَصْلَ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّجُلُ حُرًّا بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ) وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ (وَهَذَا) أَيْ وَلَدُ الْمُكَاتَبِ (لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى هُنَاكَ مَجْبُورٌ بِقِيمَةٍ نَاجِزَةٍ وَهَاهُنَا بِقِيمَةٍ مُتَأَخِّرَةٍ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ) فَكَانَ الْمَانِعُ عَنْ

[فصل إذا ولدت المكاتبة من المولى]

فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ وَلَا يَلْحَقُ بِهِ. قَالَ (وَإِنْ وَطِئَ الْمُكَاتَبُ أَمَةً عَلَى وَجْهِ الْمِلْكِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ فَعَلَيْهِ الْعُقْرُ يُؤْخَذُ بِهِ فِي الْكِتَابَةِ، وَإِنْ وَطِئَهَا عَلَى وَجْهِ النِّكَاحِ لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ حَتَّى يُعْتَقَ وَكَذَلِكَ الْمَأْذُونُ لَهُ) وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ظَهَرَ الدَّيْنُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِأَنَّ التِّجَارَةَ وَتَوَابِعَهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ الْكِتَابَةِ، وَهَذَا الْعُقْرُ مِنْ تَوَابِعِهَا، لِأَنَّهُ لَوْلَا الشِّرَاءُ لَمَا سَقَطَ الْحَدُّ وَمَا لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ لَا يَجِبُ الْعُقْرُ. أَمَّا لَمْ يَظْهَرْ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي لِأَنَّ النِّكَاحَ لَيْسَ مِنْ الِاكْتِسَابِ فِي شَيْءٍ فَلَا تَنْتَظِمُهُ الْكِتَابَةُ كَالْكَفَالَةِ. قَالَ (وَإِذَا اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ جَارِيَةً شِرَاءً فَاسِدًا ثُمَّ وَطِئَهَا فَرَدَّهَا أُخِذَ بِالْعُقْرِ فِي الْمُكَاتَبَةِ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ) لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ، فَإِنَّ التَّصَرُّفَ تَارَةً يَقَعُ صَحِيحًا وَمَرَّةً يَقَعُ فَاسِدًا، وَالْكِتَابَةُ وَالْإِذْنُ يَنْتَظِمَانِهِ بِنَوْعَيْهِ كَالتَّوْكِيلِ فَكَانَ ظَاهِرًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى. [فَصْلٌ إذَا وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ مِنْ الْمَوْلَى] (فَصْلٌ) : قَالَ (وَإِذَا وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ مِنْ الْمَوْلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِلْحَاقِ بِهِ مَوْجُودًا وَهُوَ الضَّرَرُ اللَّاحِقُ بِالْمُسْتَحَقِّ فِي التَّأْخِيرِ (فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ وَلَا يَلْحَقُ بِهِ) . وَإِذَا (اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ أَمَةً وَوَطِئَهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى) أَوْ بِإِذْنِهِ لَكِنَّهُ قَالَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِيَتَبَيَّنَ مِنْهُ مَا إذَا كَانَ بِإِذْنِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ فَعَلَيْهِ الْعُقْرُ يُؤْخَذُ بِهِ فِي الْكِتَابَةِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ) إلَى الْإِعْتَاقِ (وَإِنْ وَطِئَهَا عَلَى وَجْهِ النِّكَاحِ لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ حَتَّى يُعْتَقَ) فِيمَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ (وَ) حُكْمُ (الْمَأْذُونِ لَهُ كَذَلِكَ) قِنًّا كَانَ أَوْ مُدَبَّرًا، وَالْفَرْقُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ تَقْرِيرُهُ الْكِتَابَةُ أَوْجَبَتْ الشِّرَاءَ وَالشِّرَاءُ أَوْجَبَ سُقُوطَ الْحَدِّ وَسُقُوطُ الْحَدِّ أَوْجَبَ الْعُقْرَ، فَالْكِتَابَةُ أَوْجَبَتْ الْعُقْرَ، وَلَا كَذَلِكَ النِّكَاحُ، وَبَاقِي كَلَامِهِ ظَاهِرٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْحٍ. فَصْلٌ: مَسَائِلُ هَذَا الْفَصْلِ نَوْعٌ آخَرُ مِنْ جِنْسِ مَسَائِلِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فَفَصَّلَهَا بِفَصْلٍ (قَوْلُهُ وَإِذَا وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ مِنْ الْمَوْلَى) وَذَلِكَ

فَهِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ مَضَتْ عَلَى الْكِتَابَةِ، وَإِنْ شَاءَتْ عَجَّزَتْ نَفْسَهَا، وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) لِأَنَّهَا تَلَقَّتْهَا جِهَتَا حُرِّيَّةٍ عَاجِلَةٌ بِبَدَلٍ وَآجِلَةٌ بِغَيْرِ بَدَلٍ فَتُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا، وَنَسَبُ وَلَدِهَا ثَابِتٌ مِنْ الْمَوْلَى وَهُوَ حُرٌّ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَمْلِكُ الْإِعْتَاقَ فِي وَلَدِهَا وَمَا لَهُ مِنْ الْمِلْكِ يَكْفِي لِصِحَّةِ الِاسْتِيلَادِ بِالدَّعْوَةِ. وَإِذَا مَضَتْ عَلَى الْكِتَابَةِ أَخَذَتْ الْعُقْرَ مِنْ مَوْلَاهَا لِاخْتِصَاصِهَا بِنَفْسِهَا وَبِمَنَافِعِهَا عَلَى مَا قَدَّمْنَا. ثُمَّ إنْ مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَتْ بِالِاسْتِيلَادِ وَسَقَطَ عَنْهَا بَدَلُ الْكِتَابَةِ، وَإِنْ مَاتَتْ هِيَ وَتَرَكَتْ مَالًا تُؤَدَّى مِنْهُ مُكَاتَبَتُهَا وَمَا بَقِيَ مِيرَاثٌ لِابْنِهَا جَرْيًا عَلَى مُوجَبِ الْكِتَابَةِ، وَإِنْ لَمْ تَتْرُكْ مَالًا فَلَا سِعَايَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَنْ ادَّعَاهَا (فَهِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ مَضَتْ عَلَى الْكِتَابَةِ، وَإِنْ شَاءَتْ عَجَّزَتْ نَفْسَهَا) وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ سَوَاءٌ صَدَّقَتْهُ إذَا ادَّعَى أَوْ كَذَّبَتْهُ، لِأَنَّ لِلْمَوْلَى حَقِيقَةَ الْمِلْكِ فِي رَقَبَتِهَا وَلَهَا حَقُّ الْمِلْكِ وَالْحَقِيقَةُ رَاجِحَةٌ فَيَثْبُتُ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقٍ وَإِنَّمَا تَتَخَيَّرُ (لِأَنَّهُ تَلَقَّتْهَا جِهَتَا حُرِّيَّةٍ عَاجِلَةٌ بِبَدَلٍ وَآجِلَةٌ بِغَيْرِ بَدَلٍ فَتَخَيَّرَ بَيْنَهُمَا وَنَسَبُ وَلَدِهَا ثَابِتٌ مِنْ الْمَوْلَى) سَوَاءٌ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ (وَهُوَ حُرٌّ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَمْلِكُ الْإِعْتَاقَ فِي وَلَدِهَا) لِأَنَّ الدَّعْوَى مِنْ الْمَوْلَى كَالتَّحْرِيرِ، وَأَنَّهُ يَمْلِكُ تَحْرِيرَ وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ قَصْدًا، فَلَأَنْ يَمْلِكَ ذَلِكَ ضِمْنًا لِلدَّعْوَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَقَوْلُهُ (وَمَا لَهُ مِنْ الْمِلْكِ) دَلِيلُ قَوْلِهِ وَنَسَبُ وَلَدِهَا ثَابِتٌ مِنْ الْمَوْلَى، وَيَنْدَفِعُ بِهِ مَا عَسَى أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى فِي الْكِتَابَةِ نَاقِصٌ فَلَا تَصِحُّ دَعْوَتُهُ، لِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهَا أَقْوَى مِنْ مِلْكِ الْمُكَاتَبِ فِي مُكَاتَبَتِهِ بِدَلِيلِ جَوَازِ إعْتَاقِ الْمَوْلَى مُكَاتَبَتَهُ دُونَ الْمُكَاتَبِ، وَالْمُكَاتَبُ إذَا ادَّعَى نَسَبَ الْوَلَدِ مِنْ مُكَاتَبَتِهِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ فَلَأَنْ يَثْبُتَ مِنْ الْمَوْلَى أَوْلَى، (فَإِنْ اخْتَارَتْ الْكِتَابَةَ وَمَضَتْ عَلَيْهَا أَخَذَتْ الْعُقْرَ مِنْ مَوْلَاهَا) أَيْ مَهْرَ مِثْلِهَا (لِاخْتِصَاصِهَا بِنَفْسِهَا وَبِمَنَافِعِهَا عَلَى مَا قَدَّمْنَا) يَعْنِي قَبْلَ فَصْلِ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهَا صَارَتْ أَخَصَّ بِأَجْزَائِهَا تَوَسُّلًا إلَى الْمَقْصُودِ بِالْكِتَابَةِ (ثُمَّ إنْ مَاتَ الْمَوْلَى) يَعْنِي بَعْدَ مُضِيِّهَا عَلَى الْكِتَابَةِ (عَتَقَتْ بِالِاسْتِيلَادِ وَسَقَطَ عَنْهَا بَدَلُ الْكِتَابَةِ) عَلَى مَا نَذْكُرُهُ. فَإِنْ قِيلَ: وَجَبَ أَنْ لَا يَسْقُطَ لِأَنَّ الْأَكْسَابَ هَاهُنَا تُسَلَّمُ لَهَا وَهَذَا آيَةُ بَقَاءِ الْكِتَابَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُشْبِهُ الْمُعَاوَضَةَ، وَبِالنَّظَرِ إلَى ذَلِكَ لَا يَسْقُطُ الْبَدَلُ وَتُشْبِهُ الشَّرْطَ، وَبِالنَّظَرِ إلَيْهِ يَسْقُطُ، أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا يَبْطُلُ التَّعْلِيقُ فَلَمَّا عَتَقَتْ بِالِاسْتِيلَادِ بَطَلَتْ جِهَةُ الْكِتَابَةِ بِهِ فَعَمِلْنَا بِالشَّبَهَيْنِ، وَقُلْنَا بِسَلَامَةِ الْأَكْسَابِ عَمَلًا يُشْبِهُ الْمُعَاوَضَةَ، وَقُلْنَا بِسُقُوطِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ عَمَلًا يُشْبِهُ الشَّرْطَ (وَإِنْ مَاتَتْ هِيَ وَتَرَكَتْ مَا لَا تُؤَدِّي مِنْهُ مُكَاتَبَتَهَا وَمَا بَقِيَ مِيرَاثٌ لِابْنِهَا جَرْيًا عَلَى مُوجِبِ الْكِتَابَةِ، وَإِنْ لَمْ تَتْرُكْ مَالًا فَلَا سِعَايَةَ

عَلَى الْوَلَدِ لِأَنَّهُ حُرٌّ، وَلَوْ وَلَدَتْ وَلَدًا آخَرَ لَمْ يَلْزَمْ الْمَوْلَى إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ لِحُرْمَةِ وَطْئِهَا عَلَيْهِ، فَلَوْ لَمْ يَدَّعِ وَمَاتَتْ مِنْ غَيْرِ وَفَاءٍ سَعَى هَذَا الْوَلَدُ لِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ تَبَعًا لَهَا، فَلَوْ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ ذَلِكَ عَتَقَ وَبَطَلَ عَنْهُ السِّعَايَةُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ إذْ هُوَ وَلَدُهَا فَيَتْبَعُهَا. قَالَ (وَإِذَا كَاتَبَ الْمَوْلَى أُمَّ وَلَدِهِ جَازَ) لِحَاجَتِهَا إلَى اسْتِفَادَةِ الْحُرِّيَّةِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَوْلَى وَذَلِكَ بِالْكِتَابَةِ، وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ تَلَقَّتْهَا جِهَتَا حُرِّيَّةٍ (فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَتْ بِالِاسْتِيلَادِ) لِتَعَلُّقِ عِتْقِهَا بِمَوْتِ السَّيِّدِ (وَسَقَطَ عَنْهَا بَدَلُ الْكِتَابَةِ) لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ إيجَابِ الْبَدَلِ الْعِتْقُ عِنْدَ الْأَدَاءِ، فَإِذَا عَتَقَتْ قَبْلَهُ لَمْ يُمْكِنْ تَوْفِيرُ الْغَرَضِ عَلَيْهِ فَسَقَطَ وَبَطَلَتْ الْكِتَابَةُ لِامْتِنَاعِ إبْقَائِهَا بِغَيْرِ فَائِدَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْوَلَدِ لِأَنَّهُ حُرٌّ وَلَوْ وَلَدَتْ وَلَدًا آخَرَ) وَهِيَ مَاضِيَةٌ عَلَى الْكِتَابَةِ (لَمْ يَلْزَمْ الْمَوْلَى) بِالسُّكُوتِ لِأَنَّ نَسَبَ وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالسُّكُوتِ إذَا لَمْ تَكُنْ مُحَرَّمَ الْوَطْءِ وَهَذِهِ مُحَرَّمٌ وَطْؤُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ الدَّعْوَةِ، وَبَاقِي كَلَامِهِ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (وَإِذَا كَاتَبَ الْمَوْلَى أُمَّ وَلَدِهِ جَازَ) وَإِذَا كَاتَبَ الْمَوْلَى أُمَّ وَلَدِهِ جَازَ، لِأَنَّ الْكِتَابَةَ يُتَوَسَّلُ بِهَا إلَى مِلْكِ السَّيِّدِ فِي الْحَالِ، وَالْحُرِّيَّةُ عِنْدَ أَدَاءِ الْبَدَلِ وَحَاجَةُ أُمِّ الْوَلَدِ إلَى اسْتِفَادَةِ هَذَا الْمَعْنَى قَبْلَ مَوْتِ الْمَوْلَى كَحَاجَةِ غَيْرِهَا فَكَانَ جَائِزًا. لَا يُقَالُ: أَحَدُهُمَا يَقْتَضِي الْعِتْقَ بِبَدَلٍ وَالْآخَرُ بِلَا بَدَلٍ وَالْعِتْقُ الْوَاحِدُ لَا يَثْبُتُ بِهِمَا فَكَانَا مُتَنَافِيَيْنِ، لِأَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا لِكَوْنِهِمَا جِهَتَيْ عِتْقٍ تَلَقَّتَاهَا عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ، وَعُورِضَ بِأَنَّ مَالِيَّةَ أُمِّ الْوَلَدِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَكَيْفَ يُقَابِلُهَا بَدَلٌ مُتَقَوِّمٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى فِيهَا ثَابِتٌ يَدًا وَرَقَبَةً، وَالْكِتَابَةُ لِرَفْعِ الْأَوَّلِ فِي أَوَّلِ الْحَالِ وَلِرَفْعِ الثَّانِي فِي الثَّانِي، وَالْمِلْكُ يَجُوزُ أَنْ يُقَابَلَ بِبَدَلٍ مُتَقَوِّمٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَقَوِّمًا كَمِلْكِ الْقِصَاصِ إذَا عَفَا بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ فَإِنَّهُ يُقَابِلُ حِصَّةَ الْآخَرِينَ بِالْمَالِ (فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَتْ بِالِاسْتِيلَادِ لِتَعَلُّقِ عِتْقِهَا بِمَوْتِ السَّيِّدِ وَسَقَطَ عَنْهَا بَدَلُ الْكِتَابَةِ، لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ إيجَابِ الْبَدَلِ الْعِتْقُ عِنْدَ الْأَدَاءِ، فَإِذَا عَتَقَتْ قَبْلَهُ لَمْ يُمْكِنْ تَوْفِيرُ الْغَرَضِ عَلَيْهِ فَيَسْقُطُ وَبَطَلَتْ الْكِتَابَةُ لِامْتِنَاعِ إبْقَائِهَا بِلَا فَائِدَةٍ) بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَدَلِ، وَبَقِيَتْ فِي حَقِّ الْأَوْلَادِ وَالْأَكْسَابِ يُعْتَقُ الْأَوْلَادُ وَتَخْلُصُ لَهَا الْأَكْسَابُ.

غَيْرَ أَنَّهُ تُسَلَّمُ لَهَا الْأَكْسَابُ وَالْأَوْلَادُ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ انْفَسَخَتْ فِي حَقِّ الْبَدَلِ وَبَقِيَتْ فِي حَقِّ الْأَكْسَابِ وَالْأَوْلَادِ، لِأَنَّ الْفَسْخَ لِنَظَرِهَا وَالنَّظَرُ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ. وَلَوْ أَدَّتْ الْمُكَاتَبَةُ قَبْلَ مَوْتِ الْمَوْلَى عَتَقَتْ بِالْكِتَابَةِ لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ. قَالَ (وَإِنْ كَاتَبَ مُدَبَّرَتَهُ جَازَ) لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَاجَةِ وَلَا تَنَافِي، إذْ الْحُرِّيَّةُ غَيْرُ ثَابِتَةٍ، وَإِنَّمَا الثَّابِتُ مُجَرَّدُ الِاسْتِحْقَاقِ (وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْكِتَابَةُ عَقْدٌ وَاحِدٌ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ بُطْلَانُهُ وَعَدَمُ بُطْلَانِهِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ. وَالْجَوَابُ أَنَّ تَحْقِيقَ كَلَامِهِ أَنَّ بُطْلَانَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ يُتَصَوَّرُ بِاعْتِبَارَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ تَبْطُلَ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ عَلَى إيفَاءِ الْبَدَلِ، وَالثَّانِي أَنْ تَبْطُلَ بِانْتِهَائِهِ بِإِيفَائِهِ، وَبِالْأَوَّلِ يَعُودُ رَقِيقًا وَأَوْلَادُهُ وَأَكْسَابُهُ لِمَوْلَاهُ، وَبِالثَّانِي يُعْتَقُ هُوَ وَأَوْلَادُهُ وَيَخْلُصُ لَهُ مَا بَقِيَ مِنْ أَكْسَابِهِ، وَحَيْثُ احْتَجْنَا هَاهُنَا إلَى بُطْلَانِ الْكِتَابَةِ نَظَرًا لِلْمُكَاتَبِ وَكَانَ النَّظَرُ لَهُ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ صِرْنَا إلَيْهِ. لَا يُقَالُ: فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَسَامُحٌ، لِأَنَّهُ عَلَّلَ بُطْلَانَهُ بِامْتِنَاعِ بَقَائِهِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ ثُمَّ عَلَّلَهُ بِالنَّظَرِ لَهُ، وَالْمَعْلُولُ الْوَاحِدُ بِالشَّخْصِ لَا يُعَلَّلُ بِعِلَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، لِأَنَّ لِلْكِتَابَةِ جِهَتَيْنِ: جِهَةٌ هِيَ لِلْمُكَاتَبِ، وَجِهَةٌ هِيَ عَلَيْهِ، وَعَلَّلَ الثَّانِيَةَ بِالْأُولَى وَالْأُولَى بِالثَّانِيَةِ فَتَأَمَّلْهُ فَلَعَلَّهُ سَدِيدٌ (وَلَوْ أَدَّتْ الْمُكَاتَبَةَ) بِالنَّصْبِ: أَيْ بَدَلَ الْكِتَابَةِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَلَوْ أَدَّتْ الْكِتَابَةَ وَهُوَ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ (قَبْلَ مَوْتِ الْمَوْلَى عَتَقَتْ بِالْكِتَابَةِ لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ) (وَإِنْ كَاتَبَ مُدَبَّرَتَهُ) وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ مُنَاسِبَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أُمِّ الْوَلَدِ وَوَضْعُهَا فِي الْمَبْسُوطِ فِي الْمُدَبَّرِ، وَإِنَّمَا جَازَ كِتَابَتُهَا لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَهُوَ الْحَاجَةُ، فَإِنَّ الثَّابِتَ بِالتَّدْبِيرِ مُجَرَّدُ اسْتِحْقَاقِ الْحُرِّيَّةِ لَا حَقِيقَتُهَا وَانْتِفَاءُ الْمَانِعِ وَهُوَ عَدَمُ الْمُنَافَاةِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ (وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى

وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا فَهِيَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ تَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهَا أَوْ جَمِيعِ مَالِ الْكِتَابَةِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تَسْعَى فِي أَقَلَّ مِنْهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثُلُثَيْ قِيمَتِهَا وَثُلُثَيْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، فَالْخِلَافُ فِي الْخِيَارِ وَالْمِقْدَارِ، فَأَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمِقْدَارِ، وَمَعَ مُحَمَّدٍ فِي نَفْيِ الْخِيَارِ. أَمَّا الْخِيَارُ فَفَرْعُ تَجَزُّؤِ الْإِعْتَاقِ عِنْدَهُ لَمَّا تَجَزَّأَ بَقِيَ الثُّلُثَانِ رَقِيقًا وَقَدْ تَلَقَّاهَا جِهَتَا حُرِّيَّةٍ بِبَدَلَيْنِ مُعَجَّلٌ بِالتَّدْبِيرِ وَمُؤَجَّلٌ بِالْكِتَابَةِ فَتُخَيَّرُ. وَعِنْدَهُمَا لَمَّا عَتَقَ كُلُّهَا بِعِتْقِ بَعْضِهَا فَهِيَ حُرَّةٌ وَجَبَ عَلَيْهَا أَحَدُ الْمَالَيْنِ فَتَخْتَارُ الْأَقَلَّ لَا مَحَالَةَ فَلَا مَعْنَى لِلتَّخْيِيرِ. وَأَمَّا الْمِقْدَارُ فَلِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَابَلَ الْبَدَلَ بِالْكُلِّ وَقَدْ سَلَّمَ لَهَا الثُّلُثَ بِالتَّدْبِيرِ فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَجِبَ الْبَدَلُ بِمُقَابَلَتِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ لَهَا الْكُلَّ بِأَنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ يَسْقُطُ كُلُّ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَهُنَا يَسْقُطُ الثُّلُثُ وَصَارَ كَمَا إذَا تَأَخَّرَ التَّدْبِيرُ عَنْ الْكِتَابَةِ. وَلَهُمَا أَنَّ جَمِيعَ الْبَدَلِ مُقَابَلٌ بِثُلُثَيْ رَقَبَتِهَا فَلَا يَسْقُطُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَهَذَا لِأَنَّ الْبَدَلَ وَإِنْ قُوبِلَ بِالْكُلِّ صُورَةً وَصِيغَةً لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا ذَكَرْنَا مَعْنًى وَإِرَادَةً لِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ حُرِّيَّةَ الثُّلُثِ ظَاهِرًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهَا تَخَيَّرَتْ بَيْنَ السَّعْيِ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهَا مُدَبَّرَةً لَا قِنَّةً وَفِي جَمِيعِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَقَدْ أَوْضَحَ كَلَامَهُ فَتَعْرِضُ لِبَعْضِهِ زِيَادَةُ إيضَاحٍ (قَوْلُهُ فَتَخَيَّرَ) لِأَنَّ فِي التَّخْيِيرِ فَائِدَةً وَإِنْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَدَاءُ أَكْثَرِ الْمَالَيْنِ أَيْسَرَ بِاعْتِبَارِ الْأَجَلِ، وَأَدَاءُ أَقَلِّهِمَا أَعْسَرُ لِكَوْنِهِ حَالًّا فَكَانَ التَّخْيِيرُ مُفِيدًا (قَوْلُهُ وَجَبَ عَلَيْهَا أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ فَتَخْتَارُ الْأَقَلَّ) قَدْ اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَمَّا لَمْ يَتَجَزَّأْ عِنْدَهُمَا عَتَقَ كُلُّهَا بِالتَّدْبِيرِ لِعِتْقِ بَعْضِهَا بِهِ وَانْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ فَوَجَبَتْ السِّعَايَةُ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهَا لَا غَيْرُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّا قَدْ حَكَمْنَا بِصِحَّةِ الْكِتَابَةِ نَظَرًا لَهَا فَتَبْقِيَتُهَا لِذَلِكَ فَلِرُبَّمَا يَكُونُ بَدَلُهَا أَقَلَّ فَيَحْصُلُ النَّظَرُ بِوُجُوبِهِ. وَقَوْلُهُ (أَنَّهُ قَابَلَ الْبَدَلَ بِالْكُلِّ) لِأَنَّهُ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى ذَاتِهَا فَقَالَ كَاتَبْتُك عَلَى كَذَا وَالْمَحَلُّ قَابِلٌ لَهَا كَالْقِنَّةِ فَتَصِيرُ كُلُّهَا مُكَاتَبَةً (وَقَدْ سَلَّمَ لَهَا الثُّلُثَ بِالتَّدْبِيرِ) فَيَسْقُطُ مَا قَابَلَهُ مِنْ الْبَدَلِ وَإِلَّا لَكَانَ مَا فَرَضْنَاهُ سَالِمًا غَيْرَ سَالِمٍ هَذَا خُلْفٌ بَاطِلٌ. وَقَوْلُهُ (وَصَارَ كَمَا إذَا تَأَخَّرَ التَّدْبِيرُ عَنْ الْكِتَابَةِ) وَصُورَتُهُ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ أَوَّلًا ثُمَّ يُدَبِّرُهُ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ ثُلُثُ الْبَدَلِ بِالِاتِّفَاقِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَلِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ حُرِّيَّةَ الثُّلُثِ ظَاهِرًا) أَيْ مَكْشُوفًا بَيِّنًا لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ، لِأَنَّ إخْرَاجَهَا عَنْ الْمِلْكِ بِغَيْرِ الْإِعْتَاقِ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنْ أَعْتَقَهَا خَرَجَ عَمَّا نَحْنُ فِيهِ، وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَهُ فَكَذَلِكَ وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى عَنْ مَالٍ تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ فَقَدْ

وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَلْتَزِمُ الْمَالَ بِمُقَابَلَةِ مَا يَسْتَحِقُّ حُرِّيَّتَهُ وَصَارَ كَمَا إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا عَلَى أَلْفٍ كَانَ جَمِيعُ الْأَلْفِ بِمُقَابَلَةِ الْوَاحِدَةِ الْبَاقِيَةِ لِدَلَالَةِ الْإِرَادَةِ، كَذَا هَاهُنَا، بِخِلَافِ مَا إذَا تَقَدَّمَتْ الْكِتَابَةُ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَلِيهِ لِأَنَّ الْبَدَلَ مُقَابَلٌ بِالْكُلِّ إذْ لَا اسْتِحْقَاقَ عِنْدَهُ فِي شَيْءٍ فَافْتَرَقَا قَالَ (وَإِنْ دَبَّرَ مُكَاتَبَتَهُ صَحَّ التَّدْبِيرُ) لِمَا بَيَّنَّا. (وَلَهَا الْخِيَارُ، إنْ شَاءَتْ مَضَتْ عَلَى الْكِتَابَةِ، وَإِنْ شَاءَتْ عَجَّزَتْ نَفْسَهَا وَصَارَتْ مُدَبَّرَةً) لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ فِي جَانِبِ الْمَمْلُوكِ، فَإِنْ مَضَتْ عَلَى كِتَابَتِهَا فَمَاتَ الْمَوْلَى وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا فَهِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ سَعَتْ فِي ثُلُثَيْ مَالِ الْكِتَابَةِ أَوْ ثُلُثَيْ قِيمَتِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: تَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْهُمَا، فَالْخِلَافُ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِي الْخِيَارِ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَا. أَمَّا الْمِقْدَارُ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَوَجْهُهُ مَا بَيَّنَّا. قَالَ (وَإِذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى مُكَاتَبَهُ عَتَقَ بِإِعْتَاقِهِ) لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِيهِ (وَسَقَطَ بَدَلُ الْكِتَابَةِ) لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَهُ إلَّا مُقَابَلًا بِالْعِتْقِ وَقَدْ حَصَلَ لَهُ دُونَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتَحَقَّتْ حُرِّيَّةَ كُلِّهَا، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ غَيْرَهَا فَقَدْ اسْتَحَقَّتْ حُرِّيَّةَ ثُلُثِهَا فَاسْتِحْقَاقُ الثُّلُثِ ثَابِتٌ قَطْعًا (وَالظَّاهِرُ) الْبَيِّنُ (أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَلْتَزِمُ الْمَالَ بِمُقَابَلَةِ مَا يَسْتَحِقُّ حُرِّيَّتَهُ) فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الْبَدَلِ بِمُقَابَلَةِ ثُلُثَيْ رَقَبَتِهَا فَلَا يَسْقُطُ مِنْهُ شَيْءٌ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا عَتَقَ الْجَمِيعُ إذَا أَدَّتْ كُلَّ الْبَدَلِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ الثُّلُثَيْنِ لَا الْكُلِّ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ بِتَجَزُّؤِ الْإِعْتَاقِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَالْجَوَابُ مَا مَرَّ أَنَّا حَكَمْنَا بِصِحَّةِ الْكِتَابَةِ نَظَرًا لِلْمُدَبَّرِ، وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ أَنْ يَبْقَى بَعْضُهُ غَيْرَ حُرٍّ وَيَغْرَمُ كُلَّ الْبَدَلِ، فَاعْتَبَرْنَا الْمُقَابَلَةَ الصُّورِيَّةَ قَبْلَ مَوْتِ الْمَوْلَى نَظَرًا لَهُ (قَوْلُهُ إذْ لَا اسْتِحْقَاقَ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ فَيَكُونُ الْبَدَلُ فِي مُقَابَلَةِ الْكُلِّ، فَإِذَا عَتَقَ بَعْضُ الرَّقَبَةِ بَعْدَ ذَلِكَ بِالتَّدْبِيرِ سَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ (وَإِنْ دَبَّرَ مُكَاتَبَتَهُ صَحَّ التَّدْبِيرُ لِمَا بَيَّنَّا) أَنَّهُ تَلَقَّتْهَا جِهَتَا حُرِّيَّةٍ (وَلَهَا الْخِيَارُ، إنْ شَاءَتْ مَضَتْ عَلَى الْكِتَابَةِ، وَإِنْ شَاءَتْ عَجَّزَتْ نَفْسَهَا وَصَارَتْ مُدَبَّرَةً، لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ فِي جَانِبِ الْمَمْلُوكِ) لِأَنَّ النَّفَقَةَ وَالْجِنَايَةَ عَلَى الْمُكَاتَبِ فِي حَالِ الْكِتَابَةِ، وَإِذَا عَجَّزَ نَفْسَهُ كَانَ كُلُّ ذَلِكَ عَلَى الْمَوْلَى فَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ (فَإِنْ مَضَتْ عَلَى كِتَابَتِهَا فَمَاتَ الْمَوْلَى وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا تَخَيَّرَتْ بَيْنَ السَّعْيِ فِي ثُلُثَيْ مَالِ الْكِتَابَةِ وَثُلُثَيْ قِيمَتِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا فِي الْأَقَلِّ مِنْهُمَا، فَاخْتَلَفُوا هَاهُنَا فِي الْخِيَارِ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَا) مِنْ تَجَزُّؤِ الْإِعْتَاقِ (وَأَمَّا الْمِقْدَارُ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) وَمُحَمَّدٌ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى فَرْقٍ، وَالْفَرْقُ لَهُمَا بَيْنَ هَذِهِ وَمَا تَقَدَّمَتْ مَا بَيَّنَّا أَنَّ الْبَدَلَ هَاهُنَا مُقَابَلٌ بِالْكُلِّ إلَخْ. قَالَ (وَإِذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى مُكَاتَبَهُ إلَخْ) وَإِذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى عَتَقَ بِإِعْتَاقِهِ لِقِيَامِ مِلْكِهِ وَسَقَطَ بَدَلُ الْكِتَابَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا كَانَ وَسِيلَةً إلَى تَحَصُّلِ شَيْءٍ وَحَصَلَ ذَلِكَ الشَّيْءُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى سَقَطَ الْوَسِيلَةُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا.

وَالْكِتَابَةُ وَإِنْ كَانَتْ لَازِمَةً فِي جَانِبِ الْمَوْلَى وَلَكِنَّهُ يُفْسَخُ بِرِضَا الْعَبْدِ وَالظَّاهِرُ رِضَاهُ تَوَسُّلًا إلَى عِتْقِهِ بِغَيْرِ بَدَلٍ مَعَ سَلَامَةِ الْأَكْسَابِ لَهُ لِأَنَّا نُبْقِي الْكِتَابَةَ فِي حَقِّهِ. قَالَ (وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ إلَى سَنَةٍ فَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ مُعَجَّلَةٍ فَهُوَ جَائِزٌ) اسْتِحْسَانًا. وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ اعْتِيَاضٌ عَنْ الْأَجَلِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ وَالدَّيْنُ مَالٌ فَكَانَ رِبًا، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ مِثْلُهُ فِي الْحُرِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ قِيلَ: الْكِتَابَةُ لَازِمَةٌ فِي جَانِبِ الْمَوْلَى فَلَا تَقْبَلُ الْفَسْخَ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَالْكِتَابَةُ وَإِنْ كَانَتْ لَازِمَةً فِي جَانِبِ الْمَوْلَى وَلَكِنَّهُ يُفْسَخُ بِرِضَا الْعَبْدِ) وَاللُّزُومُ كَانَ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ، فَإِذَا رَضِيَ بِالْفَسْخِ فَقَطْ أَسْقَطَ حَقَّهُ كَمَا لَوْ بَاعَهُ الْمَوْلَى أَوْ آجَرَهُ بِرِضَاهُ (وَالظَّاهِرُ رِضَاهُ تَوَسُّلًا إلَى عِتْقِهِ بِغَيْرِ بَدَلٍ) فَإِنَّهُ إذَا رَضِيَ بِهِ بِبَدَلٍ فَبِلَا بَدَلٍ يَكُونُ أَرْضَى، وَقَوْلُهُ (مَعَ سَلَامَةِ الْأَكْسَابِ لَهُ لِأَنَّا نُبْقِي الْكِتَابَةَ فِي حَقِّهِ) إشَارَةٌ إلَى جَوَابِ مَا عَسَى أَنْ يُقَالَ قَدْ يَكُونُ رَاضِيًا بِبَدَلٍ نَظَرًا إلَى سَلَامَةِ الْأَكْسَابِ لَهُ فَقَدْ تَكُونُ الْأَكْسَابُ كَثِيرَةً تَفْضُلُ بَعْدَ أَدَاءِ الْبَدَلِ مِنْهَا لَهُ جُمْلَةً. وَوَجْهٌ أَنَّ الْأَكْسَابَ سَالِمَةٌ لَهُ لِأَنَّا نُبْقِي الْكِتَابَةَ فِي حَقِّهِ لِتَبْقَى الْأَكْسَابُ عَلَى مِلْكِهِ نَظَرًا لَهُ، وَحِينَئِذٍ صَارَ الظَّاهِرُ كَالْمُتَحَقِّقِ الْوَاقِعِ فَيُعْتَقُ بِإِعْتَاقِهِ (وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ إلَى سَنَةٍ فَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ مُعَجَّلَةٍ فَهُوَ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّ هَذَا الصُّلْحَ اعْتِيَاضٌ عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ) بِمَا هُوَ مَالٌ (لِأَنَّ الْأَجَلَ لَيْسَ بِمَالٍ وَالدَّيْنُ مَالٌ) وَذَلِكَ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ لَا يَجُوزُ وَعَقْدُ الْكِتَابَةِ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ كَانَ خَمْسَمِائَةٍ بَدَلًا عَنْ أَلْفٍ (وَذَلِكَ رِبًا) لَا يُقَالُ: هَلَّا جَعَلْت إسْقَاطًا لِبَعْضِ الْحَقِّ لِيَجُوزَ لِأَنَّ الْإِسْقَاطَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمُسْتَحَقِّ وَالْمُعَجَّلُ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ مِثْلُهُ بَيْنَ الْحُرَّيْنِ

وَمُكَاتَبِ الْغَيْرِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْأَجَلَ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ إلَّا بِهِ فَأُعْطِيَ لَهُ حُكْمُ الْمَالِ، وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى لَا تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِهِ فَاعْتَدَلَا فَلَا يَكُونُ رِبًا، وَلِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ عَقْدٌ مِنْ وَجْهٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ إذَا كَانَ عَلَى مُكَاتَبِ الْغَيْرِ أَلْفٌ إلَى سَنَةٍ فَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ مُعَجَّلَةٍ (وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْأَجَلَ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَاءِ الْبَدَلِ إلَّا بِهِ فَأُعْطِيَ لَهُ حُكْمُ الْمَالِ وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى لَا تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِهِ فَاعْتَدَلَا) وَكَانَا اعْتِيَاضًا عَمَّا هُوَ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ بِمَا هُوَ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ (فَلَمْ يَكُنْ) ثَمَّةَ (رِبًا) وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ الْمَالَ مَا يُتَمَوَّلُ بِهِ وَهُوَ يَعْتَمِلُ الْإِحْرَازَ وَذَلِكَ فِي الْأَجَلِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ فَأُعْطِيَ لَهُ حُكْمُ الْمَالِ لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ لَفْظًا وَمَعْنًى، أَمَّا لَفْظًا فَلِأَنَّ أَعْطَى مُتَعَدٍّ إلَى مَفْعُولَيْهِ بِلَا وَاسِطَةٍ وَقَدْ اسْتَعْمَلَهُ بِاللَّامِ وَأَمَّا مَعْنًى فَلِأَنَّهُ قَالَ الْأَجَلُ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ، فَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ فَأُعْطِيَ لَهُ حُكْمَ الْمَالِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَاتَ الِاعْتِدَالُ إذْ الدَّيْنُ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ، وَإِنْ أَرَادَ حُكْمَ الْمَالِ مِنْ وَجْهٍ فَهُوَ تَحْصِيلٌ لِلْحَاصِلِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ أَنَّ الْمَالَ مَا يُتَمَوَّلُ بِهِ وَيُحْرَزُ صَحِيحٌ إذَا كَانَ مَالًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَيْسَ مَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ هَاهُنَا أَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْمُكَاتَبِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ كَعَيْنِ الدَّرَاهِمِ لِتَوَقُّفِ قُدْرَةِ الْأَدَاءِ عَلَيْهِ تَوَقُّفَهَا عَلَى عَيْنِ الدَّرَاهِمِ، وَضَمَّنَ أَعْطَى مَعْنَى اعْتَبَرَ، وَمَعْنَاهُ اعْتَبَرَ لِلْأَجَلِ حُكْمَ الْمَالِ، فَإِنَّ الشَّيْءَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جِهَةً فِي شَيْءٍ وَلَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا، فَبَيَّنَ أَنَّهُ اعْتَبَرَ لَهُ تِلْكَ الْجِهَةَ تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ وَنَظَرًا لِلْمُكَاتَبِ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ) وَجْهٌ آخَرُ لِلِاسْتِحْسَانِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ عَقْدٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ لَهُ شَبَهًا بِالتَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ فَيَكُونُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَمِينًا وَالْأَجَلُ رِبًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَفِيهِ شُبْهَةُ الرِّبَا، وَشُبْهَةُ الرِّبَا إذَا وَقَعَتْ فِي شُبْهَةِ الْعَقْدِ كَانَتْ

دُونَ وَجْهٍ وَالْأَجَلُ رِبًا مِنْ وَجْهٍ فَيَكُونُ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ، بِخِلَافِ الْعَقْدِ بَيْنَ الْحُرَّيْنِ لِأَنَّهُ عَقْدٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَكَانَ رِبًا وَالْأَجَلُ فِيهِ شُبْهَةٌ. قَالَ (وَإِذَا كَاتَبَ الْمَرِيضُ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفَيْ دِرْهَمٍ إلَى سَنَةٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ ثُمَّ مَاتَ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي ثُلُثَيْ الْأَلْفَيْنِ حَالًّا وَالْبَاقِيَ إلَى أَجَلِهِ أَوْ يُرَدُّ رَقِيقًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُؤَدِّي ثُلُثَيْ الْأَلْفِ حَالًّا وَالْبَاقِيَ إلَى أَجَلِهِ) لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ الزِّيَادَةَ بِأَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى قِيمَتِهِ فَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهَا وَصَارَ كَمَا إذَا خَالَعَ الْمَرِيضُ امْرَأَتَهُ عَلَى أَلْفٍ إلَى سَنَةٍ جَازَ، لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا بِغَيْرِ بَدَلٍ، وَلَهُمَا أَنَّ جَمِيعَ الْمُسَمَّى بَدَلُ الرَّقَبَةِ حَتَّى أُجْرِيَ عَلَيْهَا أَحْكَامُ الْأَبْدَالِ وَحَقُّ الْوَرَثَةِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُبْدَلِ فَكَذَا بِالْبَدَلِ، وَالتَّأْجِيلُ إسْقَاطٌ مَعْنًى فَيُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِ الْجَمِيعِ، بِخِلَافِ الْخُلْعِ لِأَنَّ الْبَدَلَ فِيهِ لَا يُقَابِلُ الْمَالَ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّ الْوَرَثَةِ بِالْمُبْدَلِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَدَلِ، وَنَظِيرُ هَذَا إذَا بَاعَ الْمَرِيضُ دَارِهِ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ إلَى سَنَةٍ وَقِيمَتُهَا أَلْفٌ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَعِنْدَهُمَا يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي أَدِّ ثُلُثَيْ جَمِيعِ الثَّمَنِ حَالًّا وَالثُّلُثَ إلَى أَجَلِهِ وَإِلَّا فَانْقُضْ الْبَيْعَ، وَعِنْدَهُ يُعْتَبَرُ الثُّلُثُ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ لَا فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى، قَالَ (وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ إلَى سَنَةٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ يُقَالُ لَهُ أَدِّ ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ حَالًّا أَوْ تُرَدُّ رَقِيقًا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ هَاهُنَا فِي الْقَدْرِ وَالتَّأْخِيرِ فَاعْتُبِرَ الثُّلُثُ فِيهِمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQشُبْهَةَ الشُّبْهَةِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِهَا، بِخِلَافِ الْعَقْدِ بَيْنَ الْحُرَّيْنِ لِأَنَّهُ عَقْدٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَكَانَ رِبًا وَالْأَجَلُ فِيهِ شُبْهَةٌ لَا شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ. قَالَ (وَإِذَا كَاتَبَ الْمَرِيضُ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفَيْنِ إلَى سَنَةٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ الْأَجَلَ) لِأَنَّ الْمَرِيضَ تَصَرَّفَ فِيهِ وَهُوَ حَقُّهُمْ فَلَهُمْ أَنْ يَرُدُّوهُ دَفْعًا لِضَرَرِ تَأْخِيرِ حَقِّهِمْ إلَى مُضِيِّ الْأَجَلِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ (فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ يُؤَدِّي ثُلُثَيْ الْأَلْفَيْنِ حَالًّا) وَهُوَ أَلْفٌ وَثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا وَثُلُثُ دِرْهَمٍ (وَالْبَاقِي) وَهُوَ سِتُّمِائَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ دِرْهَمًا وَثُلُثَا دِرْهَمٍ (إلَى أَجَلِهِ أَوْ يُرَدُّ رَقِيقًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُؤَدِّي ثُلُثَيْ الْأَلْفِ حَالًّا وَالْبَاقِي إلَى أَجَلِهِ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ الزَّائِدَ عَلَى قِيمَتِهِ) وَمَنْ لَهُ تَرْكُ شَيْءٍ لَهُ تَرْكُ وَصْفِهِ وَالتَّعْجِيلُ وَصْفٌ فَيَجُوزُ تَرْكُهُ (وَصَارَ) ذَلِكَ (كَمَا إذَا خَالَعَ الْمَرِيضُ امْرَأَتَهُ عَلَى أَلْفٍ إلَى سَنَةٍ جَازَ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا بِغَيْرِ بَدَلٍ) وَلَوْ قَالَ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ الزِّيَادَةَ وَثُلُثَ الْأَلْفِ فَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُمَا كَانَ أَحْسَنَ فَتَأَمَّلْ (وَلَهُمَا أَنَّ جَمِيعَ الْمُسَمَّى بَدَلُ الرَّقَبَةِ) بِدَلِيلِ جَرَيَانِ أَحْكَامِ الْأَبْدَالِ مِنْ جَوَازِ الْمُرَابَحَةِ عَلَى الْأَلْفَيْنِ وَجَوَازُ الْحَبْسِ عَلَى الْمُمَاطَلَةِ وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ فَإِنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ الْمُسَمَّى وَهُوَ الْأَلْفَانِ، وَبَدَلُ الرَّقَبَةِ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ لِتَعَلُّقِهِ بِالْمُبْدَلِ، فَإِنَّ الْمُبْدَلَ لَمَّا كَانَ مُتَقَوِّمًا كَانَ حُكْمُ بَدَلِهِ حُكْمَهُ فَجَمِيعُ الْمُسَمَّى يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ، وَمَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ جَازَ لِلْمَرِيضِ إسْقَاطُ ثُلُثِهِ فَيَجُوزُ تَأْجِيلُهُ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ مَعْنًى، بِخِلَافِ بَدَلِ الْخُلْعِ فَإِنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْمُبْدَلِ لِكَوْنِهِ لَيْسَ بِمَالٍ، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ اخْتِلَافُهُمْ إذَا بَاعَ الْمَرِيضُ دَارِهِ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ إلَى سِتَّةٍ وَقِيمَتُهَا أَلْفٌ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ التَّأْجِيلَ؛ فَعِنْدَهُمَا يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ أَدَاءِ ثُلُثَيْ جَمِيعِ الثَّمَنِ حَالًّا وَالثُّلُثِ إلَى أَجَلِهِ، وَبَيْنَ نَقْضِ الْبَيْعِ وَعِنْدَهُ يُعْتَبَرُ الثُّلُثُ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ لَا فِي الزِّيَادَةِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى: يَعْنِي الدَّلِيلَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ (وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ إلَى سَنَةٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ أَدَّى ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ حَالًّا أَوْ يُرَدُّ رَقِيقًا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ فِي الْقَدْرِ) وَهُوَ إسْقَاطُ أَلْفِ دِرْهَمٍ (وَالتَّأْخِيرِ) وَهُوَ تَأْجِيلُ الْأَلْفِ الْآخَرِ (فَاعْتُبِرَ الثُّلُثُ فِيهِمَا) أَيْ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِي ثُلُثِ قِيمَتِهِ فِي الْإِسْقَاطِ وَالتَّأْخِيرِ، لَكِنْ لَمَّا سَقَطَ ذَلِكَ الثُّلُثُ لَمْ يَبْقَ التَّأْخِيرُ أَيْضًا وَلَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ فِي ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ لَا فِي حَقِّ الْإِسْقَاطِ وَلَا فِي حَقِّ التَّأْخِيرِ.

[باب من يكاتب عن العبد]

قَالَ (وَإِذَا كَاتَبَ الْحُرُّ عَنْ عَبْدٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَإِنْ أَدَّى عَنْهُ عَتَقَ، وَإِنْ بَلَغَ الْعَبْدُ فَقَبِلَ فَهُوَ مُكَاتَبٌ) وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ الْحُرُّ لِمَوْلَى الْعَبْدِ كَاتِبْ عَبْدَك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنِّي إنْ أَدَّيْت إلَيْك أَلْفًا فَهُوَ حُرٌّ فَكَاتَبَهُ الْمَوْلَى عَلَى هَذَا يُعْتَقُ بِأَدَائِهِ بِحُكْمِ الشَّرْطِ، وَإِذَا قَبِلَ الْعَبْدُ صَارَ مُكَاتَبًا، لِأَنَّ الْكِتَابَةَ كَانَتْ مَوْقُوفَةٌ عَلَى إجَارَتِهِ وَقَبُولُهُ إجَازَةٌ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ عَلَى أَنِّي إنْ أَدَّيْت إلَيْك أَلْفًا فَهُوَ حُرٌّ فَأَدَّى لَا يُعْتَقُ قِيَاسًا لِأَنَّهُ لَا شَرْطَ وَالْعَقْدُ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْعَبْدِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُعْتَقُ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ لِلْعَبْدِ الْغَائِبِ فِي تَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْقَائِلِ فَيَصِحُّ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ وَيُتَوَقَّفُ فِي حَقِّ لُزُومِ الْأَلْفِ عَلَى الْعَبْدِ. وَقِيلَ هَذِهِ هِيَ صُورَةُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ (وَلَوْ أَدَّى الْحُرُّ الْبَدَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ مَنْ يُكَاتِبُ عَنْ الْعَبْدِ] (بَابُ مَنْ يُكَاتِبُ عَنْ الْعَبْدِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ أَحْكَامٍ تَتَعَلَّقُ بِالْأَصِيلِ فِي الْكِتَابَةِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ أَحْكَامًا تَتَعَلَّقُ بِالنَّائِبِ فِيهَا، وَقَدَّمَ أَحْكَامَ الْأَصِيلِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي تَصَرُّفِ الْمَرْءِ أَنْ يَكُونَ لِنَفْسِهِ. قَالَ (وَإِذَا كَاتَبَ الْحُرُّ عَنْ عَبْدٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَإِذَا كَاتَبَ الْحُرُّ عَنْ عَبْدٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِنْ أَدَّى عَنْهُ عَتَقَ، وَإِنْ بَلَغَ الْعَبْدُ وَقَبِلَ فَهُوَ مُكَاتَبٌ. وَاخْتَلَفَ شَارِحُوهُ فِي تَصْوِيرِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَنْ يَقُولَ الْحُرُّ لِمَوْلَى الْعَبْدِ كَاتِبْ عَبْدَك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنِّي إنْ أَدَّيْت إلَيْك أَلْفًا فَهُوَ حُرٌّ فَكَاتَبَهُ الْمَوْلَى عَلَى هَذَا يُعْتَقُ بِأَدَائِهِ بِحُكْمِ الشَّرْطِ، وَإِذَا قَبِلَ الْعَبْدُ صَارَ مُكَاتَبًا: يَعْنِي إنَّ هَذَا الْعَقْدَ نَافِذٌ فِي حَقِّ مَالِ الْعَبْدِ مِنْ حُرْمَةِ الْبَيْعِ وَنُفُوذِ عِتْقِهِ بِأَدَاءِ هَذَا الْقَائِلِ وَمَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَتِهِ فِيمَا عَلَيْهِ مِنْ لُزُومِ الْبَدَلِ لِأَنَّهُ عَقْدٌ جَرَى بَيْنَ فُضُولِيٍّ وَمَالِكٍ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ مَنْ لَهُ الْإِجَازَةُ، فَإِذَا قَبِلَهُ كَانَ ذَلِكَ إجَازَةً مِنْهُ فَيَصِيرُ مُكَاتَبًا، لِأَنَّ الْإِجَازَةَ فِي الِانْتِهَاءِ كَالْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَلَوْ وَكَّلَهُ الْعَبْدُ بِذَلِكَ نَفَذَ عَقْدُهُ عَلَيْهِ، فَكَذَا إذَا أَجَازَ بَعْدَ الْعِتْقِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَنْ يَقُولَ كَاتِبْ عَبْدَك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَقُلْ عَلَى أَنِّي إنْ أَدَّيْت إلَيْك أَلْفًا فَهُوَ حُرٌّ فَأَدَّى عَتَقَ اسْتِحْسَانًا. وَفِي الْقِيَاسِ لَا يُعْتَقُ لِأَنَّهُ لَا شَرْطَ حَتَّى يُعْتَقَ بِوُجُودِ الشَّرْطِ وَالْعَقْدُ مَوْقُوفٌ لِمَا مَرَّ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ لَا ضَرَرَ لِلْعَبْدِ الْغَائِبِ فِي تَعْلِيقِ الْعِتْقِ: أَيْ فِي تَوَقُّفِ الْعِتْقِ عَلَى أَدَاءِ الْقَائِلِ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ وَيَتَوَقَّفُ فِي لُزُومِ الْأَلْفِ الْعَبْدُ. قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الْبَيْعِ، فَإِنَّ بَيْعَ الْفُضُولِيِّ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمُجِيزِ فِيمَا لَهُ وَفِيمَا عَلَيْهِ، وَهَاهُنَا لَا يَتَوَقَّفُ فِيمَا لَهُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مَالَهُ هَاهُنَا إسْقَاطٌ وَهُوَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ وَمَا عَلَيْهِ إلْزَامٌ وَهُوَ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَدَّى الْحُرُّ الْبَدَلَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ حَيْثُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْأَدَاءِ وَلَا هُوَ مُضْطَرٌّ فِي أَدَائِهِ، وَهَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ مَا أَدَّى

لَا يَرْجِعُ عَلَى الْعَبْدِ) لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ. قَالَ (وَإِذَا كَاتَبَ الْعَبْدُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ عَبْدٍ آخَرَ لِمَوْلَاهُ وَهُوَ غَائِبٌ، فَإِنْ أَدَّى الشَّاهِدُ أَوْ الْغَائِبُ عَتَقَا) وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ كَاتِبْنِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى نَفْسِي وَعَلَى فُلَانٍ الْغَائِبِ، وَهَذِهِ كِتَابَةٌ جَائِزَةٌ اسْتِحْسَانًا. وَفِي الْقِيَاسِ: يَصِحُّ عَلَى نَفْسِهِ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهَا وَيُتَوَقَّفُ فِي حَقِّ الْغَائِبِ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْحَاضِرَ بِإِضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى نَفْسِهِ ابْتِدَاءً جَعَلَ نَفْسَهُ فِيهِ أَصْلًا وَالْغَائِبُ تَبَعًا، وَالْكِتَابَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَشْرُوعَةٌ كَالْأَمَةِ إذَا كُوتِبَتْ دَخَلَ أَوْلَادُهَا فِي كِتَابَتِهَا تَبَعًا حَتَّى عَتَقُوا بِأَدَائِهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْبَدَلِ شَيْءٌ وَإِذَا أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَنْفَرِدُ بِهِ الْحَاضِرُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِكُلِّ الْبَدَلِ لِأَنَّ الْبَدَلَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَصْلًا فِيهِ، وَلَا يَكُونُ عَلَى الْغَائِبِ مِنْ الْبَدَلِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ تَبَعٌ فِيهِ. قَالَ (وَأَيُّهُمَا أَدَّى عَتَقَا وَيُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ) أَمَّا الْحَاضِرُ فَلِأَنَّ الْبَدَلَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْغَائِبُ فَلِأَنَّهُ يَنَالُ بِهِ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْبَدَلُ عَلَيْهِ وَصَارَ كَمُعِيرِ الرَّهْنِ إذَا أَدَّى الدَّيْنَ يُجْبَرُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الْقَبُولِ لِحَاجَتِهِ إلَى اسْتِخْلَاصِ عَيْنِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ عَلَيْهِ. قَالَ (وَأَيُّهُمَا أَدَّى لَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ) لِأَنَّ الْحَاضِرَ قَضَى دَيْنًا عَلَيْهِ وَالْغَائِبُ مُتَبَرِّعٌ بِهِ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى الْمَوْلَى؟ فِيهِ تَطْوِيلٌ طَالِعْ النِّهَايَةَ تَطَّلِعُ عَلَيْهِ. قَالَ (وَإِذَا كَاتَبَ الْعَبْدُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ عَبْدٍ آخَرَ لِمَوْلَاهُ إلَخْ) إذَا قَالَ الْعَبْدُ لِمَوْلَاهُ كَاتِبْنِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى نَفْسِي وَعَلَى عَبْدِك فُلَانٍ الْغَائِبِ فَفَعَلَ جَازَ اسْتِحْسَانًا. وَفِي الْقِيَاسِ أَنْ يَصِحَّ عَلَى نَفْسِهِ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهَا، وَيَتَوَقَّفُ فِي حَقِّ الْغَائِبِ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ، كَمَنْ بَاعَ عَبْدَهُ وَعَبْدَ غَيْرِهِ أَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ وَأَمَةَ غَيْرِهِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْحَاضِرَ بِإِضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى نَفْسِهِ ابْتِدَاءً جَعَلَ نَفْسَهُ فِيهِ أَصْلًا وَالْغَائِبَ تَبَعًا، وَالْكِتَابَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَشْرُوعَةٌ كَالْأَمَةِ إذَا كُوتِبَتْ دَخَلَ أَوْلَادُهَا فِي كِتَابَتِهَا تَبَعًا حَتَّى عَتَقُوا بِأَدَائِهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْبَدَلِ شَيْءٌ. فَإِنْ قِيلَ: لَيْسَ مَا نَحْنُ فِيهِ كَالْمُسْتَشْهَدِ بِهَا لِأَنَّ الْأَوْلَادَ تَابِعَةٌ لَهَا. مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، حَتَّى أَنَّ الْمَوْلَى لَوْ أَعْتَقَ الْأَوْلَادَ لَمْ يَسْقُطْ مِنْ الْبَدَلِ شَيْءٌ وَتُعْتَقُ الْأَوْلَادُ إذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى الْأُمَّ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْغَائِبِ فَإِنَّهُ مَقْصُودٌ بِالْكِتَابَةِ مِنْ وَجْهٍ حَيْثُ أُضِيفَ الْعَقْدُ إلَيْهِمَا مَقْصُودًا، حَتَّى أَنَّ الْمَوْلَى إذَا أَعْتَقَ الْحَاضِرَ نَفَذَ عِتْقُهُ وَبَطَلَتْ الْكِتَابَةُ وَلَا يُعْتَقُ الْعَبْدُ الْغَائِبُ، وَإِذَا أُعْتِقَ الْعَبْدُ الْغَائِبُ سَقَطَتْ حِصَّتُهُ مِنْ الْمُكَاتَبَةِ وَيَجِبُ عَلَى الْحَاضِرِ حِصَّتُهُ لَا غَيْرُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نُفُوذِ مَا هُوَ تَبَعٌ مَحْضٌ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى قَبُولِهِ نُفُوذَ مَا هُوَ مَقْصُودٌ مِنْ وَجْهٍ بِلَا تَوَقُّفٍ. فَالْجَوَابُ أَنَّ مَا ذَكَرْت يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَجْهًا لِلْقِيَاسِ. وَأَمَّا فِي الِاسْتِحْسَانِ فَالنَّظَرُ إلَى ثُبُوتِ هَذَا الْعَقْدِ بِالتَّبَعِيَّةِ فِي الْبَعْضِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ فِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ جِهَةُ أَصَالَةٍ أَوْ لَا تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ وَنَظَرًا لِلْمُكَاتَبِ وَلِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْمُسَامَحَةِ، وَإِذَا أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَنْفَرِدُ بِهِ الْحَاضِرُ فَلَهُ: أَيْ فَلِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ الْعَبْدَ الْحَاضِرَ بِكُلِّ الْبَدَلِ، لِأَنَّ الْبَدَلَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَصْلًا فِيهِ، وَلَا يَكُونُ عَلَى الْغَائِبِ مِنْ الْبَدَلِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ تَبَعٌ فِيهِ وَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّ النَّظَرَ فِي مُجَرَّدِ التَّبَعِيَّةِ لَا مُعْتَبَرَ بِجِهَةِ الْأَصَالَةِ فِي انْعِقَادِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَأَيُّهُمَا أَدَّى عَتَقَا) تَكْرَارٌ لِأَنَّهُ قَالَ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ: فَإِنْ أَدَّى الشَّاهِدُ أَوْ الْغَائِبُ عَتَقَا، لَكِنَّهُ أَعَادَهُ تَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ (وَيُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ، أَمَّا الْحَاضِرُ فَلِأَنَّهُ الْبَدَلُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْغَائِبُ فَ) الْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ لَا يُجْبَرَ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ إذْ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ لَهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ (لِأَنَّهُ يَنَالُ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ وَصَارَ كَمُعِيرِ الرَّهْنِ إذَا أَدَّى الْمُرْتَهِنُ) لِفِكَاكِ عَيْنِهِ (يُجْبَرُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الْقَبُولِ لِحَاجَتِهِ إلَى اسْتِخْلَاصِ عَيْنِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ عَلَيْهِ، وَأَيُّهُمَا أَدَّى لَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ لِأَنَّ الْحَاضِرَ قَضَى دَيْنًا عَلَيْهِ) وَمِثْلُهُ لَا يَرْجِعُ (وَالْغَائِبُ مُتَبَرِّعٌ بِهِ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ) وَمِثْلُهُ أَيْضًا لَا يَرْجِعُ. فَإِنْ قِيلَ: الْغَائِبُ هَاهُنَا كَمُعِيرِ الرَّهْنِ وَمُعِيرُ الرَّهْنِ مُضْطَرٌّ وَلِهَذَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ بِمَا

قَالَ (وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ الْغَائِبَ بِشَيْءٍ) لِمَا بَيَّنَّا (فَإِنْ قَبِلَ الْعَبْدُ الْغَائِبُ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْهُ بِشَيْءٍ، وَالْكِتَابَةُ لَازِمَةٌ لِلشَّاهِدِ) لِأَنَّ الْكِتَابَةَ نَافِذَةٌ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ قَبُولِ الْغَائِبِ فَلَا تَتَغَيَّرُ بِقَبُولِهِ، كَمَنْ كَفَلَ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَبَلَغَهُ فَأَجَازَهُ لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُ، حَتَّى لَوْ أَدَّى لَا يُرْجَعُ عَلَيْهِ، كَذَا هَذَا. قَالَ (وَإِذَا كَاتَبَتْ الْأَمَةُ عَنْ نَفْسِهَا وَعَنْ ابْنَيْنِ لَهَا صَغِيرَيْنِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَأَيُّهُمْ أَدَّى لَمْ يَرْجِعْ عَلَى صَاحِبِهِ وَيُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ وَيُعْتَقُونَ) لِأَنَّهَا جَعَلَتْ نَفْسَهَا أَصْلًا فِي الْكِتَابَةِ وَأَوْلَادَهَا تَبَعًا عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهِيَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَدَّى فَكَيْفَ قَالَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ كَهُوَ فِي حَقِّ جَوَازِ الْأَدَاءِ مِنْ غَيْرِ دَيْنٍ عَلَيْهِ لَا فِي الِاضْطِرَارِ، فَإِنَّ الِاضْطِرَارَ إنَّمَا هُوَ إذَا فَاتَ لَهُ شَيْءٌ حَاصِلٌ وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ إنَّمَا هُوَ بِعَرْضِيَّةِ أَنْ تَحْصُلَ لَهُ الْحُرِّيَّةُ، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ عَدَمُ الرِّبْحِ لَا يُسَمَّى خُسْرَانًا. فَإِنْ قِيلَ: حَقُّ الْحُرِّيَّةِ حَاصِلٌ بِالْكِتَابَةِ وَرُبَّمَا فَاتَهُ لَوْ لَمْ يُؤَدِّ فَكَانَ مُضْطَرًّا. أُجِيبَ بِأَنَّهُ مُتَوَهَّمٌ، وَحَقُّ الرُّجُوعِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فَلَا يَثْبُتُ بِهِ (وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ الْغَائِبَ بِشَيْءٍ لِمَا بَيَّنَّا) أَنَّهُ فِيهِ تَبَعٌ (فَإِنْ قَبِلَ الْعَبْدُ الْغَائِبُ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْهُ بِشَيْءٍ وَالْكِتَابَةُ لَازِمَةٌ لِلشَّاهِدِ) وَإِنْ رَدَّهُ الْغَائِبُ لَا أَثَرَ لِرَدِّهِ وَقَبُولِهِ فِي ذَلِكَ (لِأَنَّ الْكِتَابَةَ نَافِذَةٌ عَلَى الْحَاضِرِ مِنْ غَيْرِ قَبُولِ الْغَائِبِ فَلَا تَتَغَيَّرُ بِقَبُولِهِ) فَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَهُ بِشَيْءٍ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ (كَمَنْ كَفَلَ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَبَلَغَهُ فَأَجَازَهُ لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُ حَتَّى لَوْ أَدَّى لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ، كَذَا هَذَا) . (وَإِذَا قَبِلَتْ الْأَمَةُ الْكِتَابَةَ عَنْ نَفْسِهَا وَعَنْ ابْنَيْنِ لَهَا صَغِيرَيْنِ جَازَ) وَإِنَّمَا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْأَمَةِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ سَوَاءٌ، فَإِنَّهُ لَوْ وَضَعَهَا فِي الْعَبْدِ لَرُبَّمَا تَوَهَّمَ أَنَّ الْجَوَازَ لِثُبُوتِ وِلَايَةِ الْأَبِ عَلَيْهِمَا فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْأَمَةِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهَا، إذْ الْأُمُّ الْحُرَّةُ لَا وِلَايَةَ لَهَا فَكَيْفَ بِالْأَمَةِ؟ (وَأَيُّهُمْ أَدَّى لَمْ يَرْجِعْ عَلَى صَاحِبِهِ، وَيُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ وَيُعْتَقُونَ لِأَنَّهَا جَعَلَتْ نَفْسَهَا أَصْلًا فِي الْكِتَابَةِ وَأَوْلَادُهَا تَبَعًا عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى) وَذَلِكَ أَنَّ الْأُمَّ إذَا أَدَّتْ فَقَدْ أَدَّتْ دَيْنًا عَلَى نَفْسِهَا، وَكُلٌّ مِنْ الْوَلَدَيْنِ إنْ أَدَّى فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ غَيْرُ مُضْطَرٍّ، وَفِي ذَلِكَ كُلِّهِ لَا رُجُوعَ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا أَدَّى أَحَدُهُمَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْتَقَ الِابْنُ الْآخَرُ لِأَنَّهُ لَا أَصَالَةَ بَيْنَهُمَا وَلَا تَبَعِيَّةَ. فَالْجَوَابُ أَنَّ أَحَدَهُمَا إذَا أَدَّى كَانَ أَدَاؤُهُ كَأَدَاءِ الْأُمِّ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَوْ أَدَّتْ الْأُمُّ عَتَقُوا، فَكَذَا إذَا أَدَّى أَحَدُهُمَا. قِيلَ وَهَذِهِ فَائِدَةُ وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ فِي صَغِيرَيْنِ دُونَ صَغِيرٍ وَاحِدٍ لِيُعْلَمَ هَذَا الْمَعْنَى (قَوْلُهُ وَهِيَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ) يُرِيدُ أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَجُوزُ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ، فَلَأَنْ يَجُوزَ فِي حَقِّ وَلَدِهَا لِأَنَّ وَلَدَهَا أَقْرَبُ إلَيْهَا مِنْ الْأَجْنَبِيِّ أَوْلَى. وَأَقُولُ: لَعَلَّهُ إشَارَةٌ إلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنَّ ثُبُوتَ الْجَوَازِ هَهُنَا قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ لِأَنَّ الْوَلَدَ تَابِعٌ لَهَا بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ. وَأَرَى أَنَّهُ الْحَقُّ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[باب كتابة العبد المشترك]

قَالَ (وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَذِنَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ أَنْ يُكَاتِبَ نَصِيبَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَيَقْبِضَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ فَكَاتَبَ وَقَبَضَ بَعْضَ الْأَلْفِ ثُمَّ عَجَزَ فَالْمَالُ لِلَّذِي قَبَضَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: هُوَ مُكَاتَبٌ بَيْنَهُمَا وَمَا أَدَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ كِتَابَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ] ذَكَرَ كِتَابَةَ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ الْوَاحِدِ لِأَنَّ الْوَاحِدَ قَبْلَ الِاثْنَيْنِ. قَالَ (وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ إلَخْ) إذَا أَذِنَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِصَاحِبِهِ أَنْ يُكَاتِبَ نَصِيبَ نَفْسِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَيَقْبِضَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ فَكَاتَبَ وَقَبَضَ بَعْضَ الْأَلْفِ ثُمَّ عَجَزَ فَالْمَالُ لِلَّذِي قَبَضَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: هُوَ مُكَاتَبٌ بَيْنَهُمَا وَمَا أَدَّى فَهُوَ بَيْنَهُمَا. وَأَصْلُ هَذَا الِاخْتِلَافِ أَنَّ الْكِتَابَةَ تَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا كَالْإِعْتَاقِ لِأَنَّهَا تُفِيدُ الْحُرِّيَّةَ مِنْ وَجْهٍ فَتَقْتَصِرُ عَلَى نَصِيبِهِ عِنْدَهُ، وَالْإِذْنُ لَا يُفِيدُ الِاشْتِرَاكَ فِي الْكِتَابَةِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ فَائِدَتُهُ انْتِفَاءَ مَا كَانَ لَهُ

فَهُوَ بَيْنَهُمَا) وَأَصْلُهُ أَنَّ الْكِتَابَةَ تَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ، لِأَنَّهَا تُفِيدُ الْحُرِّيَّةَ مِنْ وَجْهٍ فَتَقْتَصِرُ عَلَى نَصِيبِهِ عِنْدَهُ لِلتَّجَزُّؤِ، وَفَائِدَةُ الْإِذْنِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ كَمَا يَكُونُ لَهُ إذَا لَمْ يَأْذَنْ، وَإِذْنُهُ لَهُ بِقَبْضِ الْبَدَلِ إذْنٌ لِلْعَبْدِ بِالْأَدَاءِ فَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِنَصِيبِهِ عَلَيْهِ فَلِهَذَا كَانَ كُلُّ الْمَقْبُوضِ لَهُ. وَعِنْدَهُمَا الْإِذْنُ بِكِتَابَةِ نَصِيبِهِ إذْنٌ بِكِتَابَةِ الْكُلِّ لِعَدَمِ التَّجَزُّؤِ، فَهُوَ أَصِيلٌ فِي النِّصْفِ وَكِيلٌ فِي النِّصْفِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا وَالْمَقْبُوضُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَيَبْقَى كَذَلِكَ بَعْدَ الْعَجْزِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ حَقِّ الْفَسْخِ إنْ كَاتَبَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْكِتَابَةَ إمَّا أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهَا مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ أَوْ مَعْنَى الْإِعْتَاقِ أَوْ مَعْنَى تَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْمَالِ، وَلَوْ وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ لَيْسَ لِلْآخَرِ وِلَايَةُ الْفَسْخِ، فَمِنْ أَيْنَ لِلْمُكَاتَبَةِ ذَلِكَ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَيْسَتْ عَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعَانِي الْمَذْكُورَةِ، وَإِنَّمَا هِيَ تَشْتَمِلُ عَلَيْهَا، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهَا حُكْمٌ تَخْتَصُّ بِهِ وَهُوَ وِلَايَةُ الْفَسْخِ لِمَعْنًى يُوجِبُهُ وَهُوَ إلْحَاقُ الضَّرَرِ بِبُطْلَانِ حَقِّ الْبَيْعِ لِلشَّرِيكِ السَّاكِتِ بِالْكِتَابَةِ، وَتَصَرُّفُ الْإِنْسَانِ فِي خَالِصِ حَقِّهِ إنَّمَا يُسَوَّغُ إذَا لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ الْغَيْرُ، ثُمَّ الْمَحَلُّ وَهِيَ الْكِتَابَةُ تَقْبَلُ الْفَسْخَ وَلِهَذَا يُفْسَخُ بِتَرَاضِيهِمَا فَتَحَقَّقَ الْمُقْتَضِي وَانْتَفَى الْمَانِعُ. وَأَمَّا الْمَعَانِي الْمَذْكُورَةُ فَالْمُعَاوَضَةُ وَإِنْ قَبِلَتْ الْفَسْخَ لَكِنْ لَيْسَ فِيهَا ضَرَرٌ لِصَاحِبِهِ، فَإِنَّهُ إذَا بَاعَ نَصِيبَهُ لَمْ يَبْطُلْ عَلَى صَاحِبِهِ بَيْعُ نَصِيبِهِ، وَالْإِعْتَاقُ وَالتَّعْلِيقُ وَإِنْ كَانَ فِيهِمَا ضَرَرٌ لَكِنَّ الْمَحَلَّ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ. أَمَّا الْإِعْتَاقُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا التَّعْلِيقُ فَلِأَنَّهُ يَمِينٌ (قَوْلُهُ وَإِذْنُهُ لَهُ بِقَبْضِ الْبَدَلِ) بَيَانٌ لِاخْتِصَاصِ الْمُكَاتَبِ بِالْمَقْبُوضِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا أُذِنَ لَهُ بِالْقَبْضِ فَقَدْ أُذِنَ لِلْعَبْدِ بِالْأَدَاءِ مِنْ الْكَسْبِ إلَيْهِ فَيَصِيرُ الْآذِنُ مُتَبَرِّعًا بِنَصِيبِهِ مِنْ الْكَسْبِ عَلَيْهِ، أَيْ عَلَى الْمُكَاتَبِ، فَلِهَذَا كَانَ كُلُّ الْمَقْبُوضِ لَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرُ عَلَيْهِ لِلْعَبْدِ: أَيْ فَيَكُونُ الْآذِنُ مُتَبَرِّعًا بِنَصِيبِهِ عَلَى الْعَبْدِ ثُمَّ عَلَى الشَّرِيكِ، فَإِذَا تَمَّ تَبَرُّعُهُ بِقَبْضِ الشَّرِيكِ لَمْ يَرْجِعْ. فَإِنْ قِيلَ: الْمُتَبَرِّعُ يَرْجِعُ بِمَا تَبَرَّعَ إذَا لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ مِنْ التَّبَرُّعِ، كَمَنْ تَبَرَّعَ بِأَدَاءِ الثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي ثُمَّ هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ اُسْتُحِقَّ فَإِنَّ لَهُ الرُّجُوعَ لِعَدَمِ حُصُولِ مَقْصُودِهِ مِنْ التَّبَرُّعِ وَهُوَ سَلَامَةُ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُتَبَرَّعَ عَلَيْهِ هُوَ الْمُكَاتَبُ مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ مَقْصُودَ الْآذِنِ قَضَاءُ دَيْنِهِ مِنْ مَالِهِ وَبَعْدَ الْعَجْزِ صَارَ عَبْدًا لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ شَيْئًا بِخِلَافِ الْبَائِعِ فَإِنَّ ذِمَّتَهُ مَحَلٌّ صَالِحٌ لِوُجُوبِ دَيْنِ الْمُتَبَرِّعِ فَيَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ إذَا لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ. وَلَهُمَا أَنَّ الْإِذْنَ بِكِتَابَةِ نَصِيبِهِ إذْنٌ بِكِتَابَةِ الْكُلِّ لِعَدَمِ التَّجَزُّؤِ فَهُوَ أَصِيلٌ فِي النِّصْفِ وَكِيلٌ فِي النِّصْفِ، وَهُوَ أَيْ الْبَدَلُ بَيْنَهُمَا وَالْمَقْبُوضُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَيَبْقَى كَذَلِكَ بَعْدَ

قَالَ (وَإِذَا كَانَتْ جَارِيَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَاتَبَاهَا فَوَطِئَهَا أَحَدُهُمَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ ثُمَّ وَطِئَهَا الْآخَرُ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ ثُمَّ عَجَزَتْ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْوَلَدَ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ لِقِيَامِ الْمِلْكِ لَهُ فِيهَا وَصَارَ نَصِيبُهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، لِأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ لَا تَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَتَقْتَصِرُ أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ عَلَى نَصِيبِهِ كَمَا فِي الْمُدَبَّرَةِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَإِذَا ادَّعَى الثَّانِي وَلَدَهَا الْأَخِيرَ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ لِقِيَامِ مِلْكِهِ ظَاهِرًا، ثُمَّ إذَا عَجَزَتْ بَعْدَ ذَلِكَ جُعِلَتْ الْكِتَابَةُ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْجَارِيَةَ كُلَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ زَالَ الْمَانِعُ مِنْ الِانْتِقَالِ وَوَطْؤُهُ سَابِقٌ (وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا) لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ نَصِيبَهُ لَمَّا اسْتَكْمَلَ الِاسْتِيلَادَ (وَنِصْفَ عُقْرِهَا) لِوَطْئِهِ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً (وَيَضْمَنُ شَرِيكُهُ كَمَالَ عُقْرِهَا وَقِيمَةَ الْوَلَدِ وَيَكُونُ ابْنَهُ) لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْرُورِ، لِأَنَّهُ حِينَ وَطِئَهَا كَانَ مِلْكُهُ قَائِمًا ظَاهِرًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَجْزِ، كَمَا لَوْ كَاتَبَاهُ فَعَجَزَ وَفِي يَدِهِ مِنْ الْأَكْسَابِ. وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ مَالَ إلَى قَوْلِهِمَا حَيْثُ أَخَّرَهُ. قَالَ (وَإِذَا كَانَتْ جَارِيَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَاتَبَاهَا إلَخْ) وَإِذَا كَانَتْ جَارِيَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَاتَبَاهَا فَوَطِئَهَا أَحَدُهُمَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ: أَيْ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ وَثَبَتَ نَسَبُهُ ثُمَّ وَطِئَهَا الْآخَرُ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ: أَيْ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ أَيْضًا وَثَبَتَ نَسَبُهُ ثُمَّ عَجَزَتْ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ كُلُّهَا لِلْأَوَّلِ بِطَرِيقِ التَّبَيُّنِ، لِأَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْوَلَدَ الْأَوَّلَ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ لِقِيَامِ الْمِلْكِ لَهُ فِيهِ وَصَارَ نَصِيبُهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاسْتِيلَادَ فِي الْمُكَاتَبَةِ يَتَجَزَّأُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِتَكْمِيلِ الِاسْتِيلَادِ إلَّا بِتَمَلُّكِ نَصِيبِ صَاحِبِهِ وَالْمُكَاتَبَةُ لَا تَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَتَقْتَصِرُ أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ عَلَى نَصِيبِهِ، كَمَا فِي الْمُدَبَّرَةِ الْمُشْتَرَكَةِ فَإِنَّ الِاسْتِيلَادَ فِيهَا يَتَجَزَّأُ بِالِاتِّفَاقِ، وَالْجَامِعُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ يَمْنَعُ الِانْتِقَالَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ، وَلَا وَجْهَ لِفَسْخِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ قَدْ تَرْضَى بِحُرِّيَّةٍ عَاجِلَةٍ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ وَلَا تَرْضَى بِحُرِّيَّةٍ آجِلَةٍ بِجِهَةِ الِاسْتِيلَادِ، فَإِذَا لَمْ يَتَمَحَّضْ الْفَسْخُ مَنْفَعَةً، لَا تَنْفَسِخُ إلَّا بِفَسْخِ الْمُكَاتَبَةِ، وَإِذَا ادَّعَى الثَّانِي وَلَدَهَا الْآخَرَ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ لِقِيَامِ مِلْكِهِ ظَاهِرًا، وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِقَوْلِهِ ظَاهِرًا لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنْ تَمْضِيَ عَلَى كِتَابَتِهَا فَكَانَ مِلْكُهُ بَاقِيًا نَظَرًا إلَى الظَّاهِرِ، ثُمَّ إذَا عَجَزَتْ بَعْدَ ذَلِكَ جُعِلَتْ الْكِتَابَةُ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْجَارِيَةَ كُلَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ زَالَ الْمَانِعُ مِنْ الِانْتِقَالِ وَوَطْؤُهُ سَابِقٌ، وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ نَصِيبَهُ لَمَّا اسْتَكْمَلَ الِاسْتِيلَادَ وَنِصْفَ عُقْرِهَا لِوَطْئِهِ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً وَيَضْمَنُ شَرِيكُهُ كَمَالَ عُقْرِهَا فَيَكُونُ النِّصْفُ بِالنِّصْفِ قِصَاصًا وَيَبْقَى

وَوَلَدُ الْمَغْرُورِ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْهُ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ عَلَى مَا عُرِفَ لَكِنَّهُ وَطِئَ أُمَّ وَلَدِ الْغَيْرِ حَقِيقَةً فَيَلْزَمُهُ كَمَالُ الْعُقْرِ (وَأَيُّهُمَا دَفَعَ الْعُقْرَ إلَى الْمُكَاتَبَةِ جَازَ) لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مَا دَامَتْ بَاقِيَةً فَحَقُّ الْقَبْضِ لَهَا لِاخْتِصَاصِهَا بِمَنَافِعِهَا وَأَبْدَالِهَا، وَإِذَا عَجَزَتْ تَرُدُّ الْعُقْرَ إلَى الْمَوْلَى لِظُهُورِ اخْتِصَاصِهِ (وَهَذَا) الَّذِي ذَكَرْنَا (كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: هِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ وَلَا يَجُوزُ وَطْءُ الْآخَرِ) لِأَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى الْأَوَّلُ الْوَلَدَ صَارَتْ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِأَنَّ أُمُومِيَّةَ الْوَلَدِ يَجِبُ تَكْمِيلُهَا بِالْإِجْمَاعِ مَا أَمْكَنَ، وَقَدْ أَمْكَنَ بِفَسْخِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّهَا قَابِلَةٌ لِلْفَسْخِ فَتُفْسَخُ فِيمَا لَا تَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُكَاتَبَةُ وَتَبْقَى الْكِتَابَةُ فِيمَا وَرَاءَهُ، بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ، وَبِخِلَافِ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّ فِي تَجْوِيزِهِ إبْطَالَ الْكِتَابَةِ إذْ الْمُشْتَرِي ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي نِصْفُ الْعُقْرِ وَقِيمَةُ الْوَلَدِ، وَيَكُونُ الْوَلَدُ ابْنَهُ بِالنَّظَرِ إلَى الظَّاهِرِ وَالْحَقِيقَةِ أَمَّا بِالنَّظَرِ إلَى الظَّاهِرِ فَيَكُونُ الْوَلَدُ ابْنَهُ بِالْقِيمَةِ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْرُورِ لِأَنَّهُ حِينَ وَطِئَهَا كَانَ مِلْكُهُ قَائِمًا ظَاهِرًا كَمَا ذَكَرْنَا وَوَلَدُ الْمَغْرُورِ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْهُ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ عَلَى مَا عُرِفَ، وَأَمَّا بِالنَّظَرِ إلَى الْحَقِيقَةِ فَلُزُومُ كَمَالِ الْعُقْرِ لِأَنَّهُ وَطِئَ أُمَّ وَلَدِ الْغَيْرِ حَقِيقَةً. فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ الثَّانِي قِيمَةَ الْوَلَدِ لِلْأَوَّلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ حُكْمَ وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ حُكْمُ أُمِّهِ وَلَا قِيمَةَ لِأُمِّ الْوَلَدِ عِنْدَهُ فَكَذَا لِابْنِهَا. أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَةِ الْوَلَدِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقِيلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي تَقَوُّمِ أُمِّ الْوَلَدِ رِوَايَتَانِ، فَيَكُونُ الْوَلَدُ مُتَقَوِّمًا عَلَى إحْدَاهُمَا فَكَانَ حُرًّا بِالْقِيمَةِ، وَأَيُّهُمَا دَفَعَ الْعُقْرَ إلَى الْمُكَاتَبَةِ: يَعْنِي قَبْلَ الْعَجْزِ جَازَ، لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مَا دَامَتْ بَاقِيَةً فَحَقُّ الْقَبْضِ لَهَا لِاخْتِصَاصِهَا بِمَنَافِعِهَا وَأَبْدَالِهَا، وَإِذَا عَجَزَتْ تَرُدُّ الْعُقْرَ إلَى الْمَوْلَى لِظُهُورِ اخْتِصَاصِهِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: هِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ لَهُ وَيُعْتَقُ بِأَدَاءِ الْبَدَلِ إلَى الْأَوَّلِ وَلَا يَجُوزُ وَطْءٌ لِآخَرَ لِأَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى الْأَوَّلُ الْوَلَدَ صَارَتْ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِأَنَّ أُمُومِيَّةَ الْوَلَدِ يَجِبُ تَكْمِيلُهَا بِالْإِجْمَاعِ مَا أَمْكَنَ، لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ طَلَبُ الْوَلَدِ وَإِنَّهُ يَقَعُ بِالْفِعْلِ وَالْفِعْلُ لَا يَتَجَزَّأُ فَكَذَا مَا يَثْبُتُ بِهِ، وَلِهَذَا لَا يَكْمُلُ فِي الْقِنَّةِ بِالْإِجْمَاعِ، وَقَدْ أَمْكَنَ هَاهُنَا بِفَسْخِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّهَا قَابِلَةٌ لِلْفَسْخِ فَتُفْسَخُ تَكْمِيلًا لِلِاسْتِيلَادِ فِيمَا لَا تَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُكَاتَبَةُ وَهُوَ أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ، لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ لَهَا فِيهَا بَلْ لَهَا فِيهِ نَفْعٌ حَيْثُ لَمْ تَبْقَ مَحَلًّا لِلِابْتِذَالِ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَتَبْقَى الْكِتَابَةُ فِيمَا وَرَاءَهُ مَحَلًّا: أَيْ فِيمَا وَرَاءَ مَا لَا تَتَضَرَّرُ بِهِ وَهُوَ كَوْنُهَا أَحَقَّ بِأَكْسَابِهَا وَأَكْسَابِ وَلَدِهَا (قَوْلُهُ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ أَبِي حَنِيفَةَ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ عَلَى الْمُدَبَّرَةِ الْمُشْتَرَكَةِ. وَوَجْهُهُ أَنَّا قَدْ قُلْنَا إنَّ أُمُومِيَّةَ الْوَلَدِ تُسْتَكْمَلُ مَا أَمْكَنَ وَلَا إمْكَانَ هَاهُنَا لِأَنَّ التَّدْبِيرَ غَيْرُ قَابِلٍ لِلْفَسْخِ، فَإِذَا اسْتَوْلَدَ الشَّرِيكُ الثَّانِي بَعْدَ اسْتِيلَادِ الْأَوَّلِ الْمُدَبَّرَةَ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَهُمَا صَحَّ اسْتِيلَادُهُ (قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ) قِيلَ هُوَ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ هَلَّا فَسَخْتُمْ الْكِتَابَةَ فِي ضِمْنِ صِحَّةِ الْبَيْعِ فِيمَا إذَا بِيعَ

لَا يَرْضَى بِبَقَائِهِ مُكَاتِبًا. وَإِذَا صَارَتْ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَالثَّانِي وَطِئَ أُمَّ وَلَدِ الْغَيْرِ (فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ وَلَا يَكُونُ حُرًّا عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ) غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ (وَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْعُقْرِ) لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَعْرَى عَنْ إحْدَى الْغَرَامَتَيْنِ، وَإِذَا بَقِيَتْ الْكِتَابَةُ وَصَارَتْ كُلُّهَا مُكَاتَبَةً لَهُ، قِيلَ يَجِبُ عَلَيْهَا نِصْفُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ انْفَسَخَتْ فِيمَا لَا تَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُكَاتَبَةُ وَلَا تَتَضَرَّرُ بِسُقُوطِ نِصْفِ الْبَدَلِ. وَقِيلَ يَجِبُ كُلُّ الْبَدَلِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَمْ تَنْفَسِخْ إلَّا فِي حَقِّ التَّمَلُّكِ ضَرُورَةً فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ سُقُوطِ نِصْفِ الْبَدَلِ وَفِي إبْقَائِهِ فِي حَقِّهِ نَظَرٌ لِلْمَوْلَى وَإِنْ كَانَ لَا تَتَضَرَّرُ الْمُكَاتَبَةُ بِسُقُوطِهِ، وَالْمُكَاتَبَةُ هِيَ الَّتِي تُعْطِي الْعُقْرَ لِاخْتِصَاصِهَا بِأَبْدَالِ مَنَافِعِهَا. وَلَوْ عَجَزَتْ وَرُدَّتْ فِي الرِّقِّ تَرُدُّ إلَى الْمَوْلَى لِظُهُورِ اخْتِصَاصِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُكَاتَبُ كَمَا فَسَخْتُمُوهَا فِي ضِمْنِ صِحَّةِ الِاسْتِيلَادِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ فِي تَجْوِيزِ الْبَيْعِ إبْطَالَ الْكِتَابَةِ إذْ الْمُشْتَرِي لَا يَرْضَى بِبَقَائِهِ مُكَاتَبًا، وَلَوْ أَبْطَلْنَاهَا تَضَرَّرَ بِهِ الْمُكَاتَبُ وَفَسَخَ الْكِتَابَةَ فِيمَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُكَاتَبُ لَا يَصِحُّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِقَوْلِهِ وَتَبْقَى الْكِتَابَةُ فِيمَا وَرَاءَهُ، فَإِنَّ الْبَيْعَ وَرَاءَ مَا لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُكَاتَبُ يَتَضَرَّرُ بِهِ فَتَبْقَى الْكِتَابَةُ كَمَا كَانَتْ (قَوْلُهُ وَإِذَا صَارَتْ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ صَارَتْ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى الْأَوَّلَ صَارَتْ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَإِذَا صَارَتْ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَالثَّانِي وَطْءُ أُمِّ وَلَدِ الْغَيْرِ فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ وَلَا يَكُونُ حُرًّا عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ وَهِيَ شُبْهَةُ أَنَّهَا مُكَاتَبَةٌ بَيْنَهُمَا بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّهَا تَبْقَى مُكَاتَبَةً بَيْنَهُمَا فِيمَا تَتَضَرَّرُ بِهِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَا حَدَّ عَلَى وَطْءِ مُكَاتَبَتِهِ، وَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْعُقْرِ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَعْرَى عَنْ إحْدَى الْغَرَامَتَيْنِ، وَقَوْلُهُ (وَإِذَا بَقِيَتْ الْكِتَابَةُ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ وَتَبْقَى الْكِتَابَةُ فِيمَا وَرَاءَهُ، وَتَقْرِيرُهُ وَتَبْقَى الْكِتَابَةُ فِيمَا وَرَاءَهُ، وَإِذَا بَقِيَتْ الْكِتَابَةُ فَصَارَتْ كُلُّهَا مُكَاتَبَةً لَهُ: أَيْ لِلْأَوَّلِ. قِيلَ هُوَ جَزَاءُ إذَا بَقِيَتْ يَجِبُ عَلَيْهَا نِصْفُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ انْفَسَخَتْ فِيمَا لَا تَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُكَاتَبَةُ، وَلَا تَتَضَرَّرُ بِسُقُوطِ نِصْفِ الْبَدَلِ وَهُوَ نَصِيبُ الشَّرِيكِ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي مَنْصُورٍ. وَقِيلَ يَجِبُ كُلُّ الْبَدَلِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَمْ تَنْفَسِخْ إلَّا فِي حَقِّ التَّمَلُّكِ ضَرُورَةَ تَكْمِيلِ الِاسْتِيلَادِ، وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ لَا يَتَعَدَّى فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ سُقُوطِ نِصْفِ الْبَدَلِ. وَقَوْلُهُ (وَفِي إبْقَائِهِ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا عَمَّا يُقَالُ الْكِتَابَةُ تَنْفَسِخُ فِيمَا لَا تَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُكَاتَبَةُ، وَهِيَ لَا تَتَضَرَّرُ بِسُقُوطِ نِصْفِ الْبَدَلِ فَيَجِبُ أَنْ تَنْفَسِخَ. وَوَجْهُهُ أَنَّ فِي إبْقَاءِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ فِي حَقِّ نِصْفِ الْبَدَلِ نَظَرًا لِلْمَوْلَى وَإِنْ كَانَتْ لَا تَتَضَرَّرُ الْمُكَاتَبَةُ بِسُقُوطِهِ، فَرَجَّحْنَا جَانِبَ الْمَوْلَى لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْكِتَابَةِ عَدَمُ الْفَسْخِ (وَالْمُكَاتَبَةُ هِيَ الَّتِي تُعْطِي الْعُقْرَ لِاخْتِصَاصِهَا بِأَبْدَالِ مَنَافِعِهَا، وَلَوْ عَجَزَتْ وَرُدَّتْ فِي الرِّقِّ تُرَدُّ إلَى الْمَوْلَى لِظُهُورِ اخْتِصَاصِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا) فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.

قَالَ (وَيَضْمَنُ الْأَوَّلُ لِشَرِيكِهِ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نِصْفَ قِيمَتِهَا مُكَاتَبَةً) لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ فَيَضْمَنُهُ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا لِأَنَّهُ ضَمَانُ التَّمَلُّكِ (وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ: يَضْمَنُ الْأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهَا وَمِنْ نِصْفِ مَا بَقِيَ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ) لِأَنَّ حَقَّ شَرِيكِهِ فِي نِصْفِ الرَّقَبَةِ عَلَى اعْتِبَارِ الْعَجْزِ، وَفِي نِصْفِ الْبَدَلِ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَدَاءِ فَلِتَرَدُّدٍ بَيْنَهُمَا يَجِبُ أَقَلُّهُمَا. قَالَ (وَإِذَا كَانَ الثَّانِي لَمْ يَطَأْهَا وَلَكِنْ دَبَّرَهَا ثُمَّ عَجَزَتْ بَطَلَ التَّدْبِيرُ) لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ الْمِلْكَ. أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمُسْتَوْلِدَ تَمَلَّكَهَا قَبْلَ الْعَجْزِ. وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلِأَنَّهُ بِالْعَجْزِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ تَمَلَّكَ نَصِيبَهُ مِنْ وَقْتِ الْوَطْءِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مُصَادِفُ مِلْكِ غَيْرِهِ وَالتَّدْبِيرُ يَعْتَمِدُ الْمِلْكَ، بِخِلَافِ النَّسَبِ لِأَنَّهُ يَعْتَمِدُ الْغُرُورَ عَلَى مَا مَرَّ. قَالَ (وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَيَضْمَنُ الْأَوَّلُ لِشَرِيكِهِ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إلَخْ) إذَا كَاتَبَ الرَّجُلَانِ عَبْدًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا كِتَابَةً وَاحِدَةً ثُمَّ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ يَضْمَنُ الْمُعْتِقُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهِ مُكَاتَبًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا لِأَنَّهُ ضَمَانُ التَّمَلُّكِ وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ. وَعِنْدَمَا يَضْمَنُ الْأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ مُكَاتَبًا وَمِنْ نِصْفِ مَا بَقِيَ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ حَقَّ شَرِيكِهِ فِي نِصْفِ الرَّقَبَةِ عَلَى اعْتِبَارِ الْعَجْزِ، وَفِي نِصْفِ الْبَدَلِ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَدَاءِ، فَلِلتَّرَدُّدِ بَيْنَهُمَا يَجِبُ أَقَلُّهُمَا لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ. قَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ: وَلِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ مِنْ الْبَدَلِ دِرْهَمٌ يَكُونُ حِصَّتُهُ نِصْفَ دِرْهَمٍ وَقَدْ تَمَلَّكَهَا أَحَدُهُمَا بِالِاسْتِيلَادِ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ نِصْفُ الْقِيمَةِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا أَلْفَ دِرْهَمٍ وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ جَمِيعُ بَدَلِ نَصِيبِهِ مِنْ هَذِهِ الرَّقَبَةِ إلَّا نِصْفُ دِرْهَمٍ فَلِهَذَا أَوْجَبْنَا الْأَقَلَّ، هَذَا قَوْلُهُمَا فِي الْمُكَاتَبِ الْمُشْتَرَكِ إذَا أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ قَوْلُهُمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، فَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَضْمَنُ الْأَوَّلُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا مُكَاتَبَةً، وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَضْمَنُ الْأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهَا مُكَاتَبَةً وَمِنْ نِصْفِ مَا بَقِيَ مِنْ الْبَدَلِ وَالْوَجْهُ قَدْ ذَكَرْنَاهُ (وَإِذَا كَانَ الثَّانِي لَمْ يَطَأْهَا وَلَكِنْ دَبَّرَهَا ثُمَّ عَجَزَتْ بَطَلَ التَّدْبِيرُ لِعَدَمِ مُصَادِفَتِهِ الْمِلْكَ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ، لِأَنَّ الْمُسْتَوْلِدَ تَمَلَّكَهَا قَبْلَ الْعَجْزِ، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّهُ بِالْعَجْزِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ تَمَلَّكَ نَصِيبَهُ مِنْ وَقْتِ الْوَطْءِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ) أَيْ التَّدْبِيرَ (مُصَادِفٌ مِلْكَ غَيْرِهِ وَالتَّدْبِيرُ يَعْتَمِدُ الْمِلْكَ) فَلَا يَصِحُّ بِدُونِهِ (بِخِلَافِ النَّسَبِ) فَإِنَّهُ يَثْبُتُ مِنْ الثَّانِي إنْ وُجِدَ الْوَطْءُ مِنْهُ (لِأَنَّهُ يَعْتَمِدُ الْغُرُورَ) لَا الْمِلْكَ (وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ وَكَمَّلَ الِاسْتِيلَادَ عَلَى مَا بَيَّنَّا) يَعْنِي فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُهُ

لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ وَكَمَّلَ الِاسْتِيلَادَ عَلَى مَا بَيَّنَّا (وَيَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ عُقْرِهَا) لِوَطْئِهِ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً (وَنِصْفَ قِيمَتِهَا) لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ نِصْفَهَا بِالِاسْتِيلَادِ وَهُوَ تَمَلَّكَ بِالْقِيمَةِ (وَالْوَلَدُ وَلَدُ الْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ لِقِيَامِ الْمُصَحِّحِ، وَهَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا. وَوَجْهُهُ مَا بَيَّنَّا. قَالَ (وَإِنْ كَانَا كَاتَبَاهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُوسِرٌ ثُمَّ عَجَزَتْ يَضْمَنُ الْمُعْتِقُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا) لِأَنَّهَا لَمَّا عَجَزَتْ وَرُدَّتْ فِي الرِّقِّ تَصِيرُ كَأَنَّهَا لَمْ تَزَلْ قِنَّةً، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَبَيَّنَ أَنَّ الْجَارِيَةَ كُلَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ أَنَّهُ زَالَ الْمَانِعُ مِنْ الِانْتِقَالِ (وَيَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ عُقْرِهَا لِوَطْئِهِ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً وَنِصْفَ قِيمَتِهَا لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ نِصْفَهَا بِالِاسْتِيلَادِ وَهُوَ تَمَلُّكٌ بِالْقِيمَةِ، وَالْوَلَدُ وَلَدُ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ لِقِيَامِ الْمُصَحِّحِ) وَهُوَ الْمِلْكُ فِي الْمُكَاتَبَةِ (وَهَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا) لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ مَعَ بَقَاءِ الْكِتَابَةِ وَهَاهُنَا مَا بَقِيَتْ، لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَوْلَدَهَا الْأَوَّلُ مَلَكَ نِصْفَ شَرِيكِهِ وَلَمْ يَبْقَ مِلْكٌ لِلْمُدَبَّرِ فِيهَا فَلَا يَصِحُّ تَدْبِيرُهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ (وَوَجْهُهُ مَا بَيَّنَّا) أَيْ فِي تَعْلِيلِ الْقَوْلَيْنِ، أَمَّا طَرَفُ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ قَوْلِهِ وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْجَارِيَةَ إلَخْ، وَأَمَّا طَرَفُهُمَا فَهُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى الْأَوَّلُ صَارَتْ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ إلَخْ. (وَإِنْ كَانَ كَاتَبَاهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُوسِرٌ ثُمَّ عَجَزَتْ يَضْمَنُ الْمُعْتِقُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا لَمَّا عَجَزَتْ وَرُدَّتْ فِي الرِّقِّ صَارَتْ كَأَنَّهَا لَمْ تَزُلْ قِنَّةً.

وَالْجَوَابُ فِيهِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الرُّجُوعِ وَفِي الْخِيَارَاتِ وَغَيْرِهَا كَمَا هُوَ مَسْأَلَةُ تَجَزُّؤِ الْإِعْتَاقِ وَقَدْ قَرَرْنَاهُ فِي الْإِعْتَاقِ، فَأَمَّا قَبْلَ الْعَجْزِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَمَّا كَانَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ كَانَ أَثَرُهُ أَنْ يُجْعَلَ نَصِيبُ غَيْرِ الْمُعْتِقِ كَالْمُكَاتَبِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِهِ نَصِيبُ صَاحِبِهِ لِأَنَّهَا مُكَاتَبَةٌ قَبْلَ ذَلِكَ وَعِنْدَهُمَا لَمَّا كَانَ لَا يَتَجَزَّأُ بِعِتْقِ الْكُلِّ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مُكَاتَبًا إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَيُسْتَسْعَى الْعَبْدُ إنْ كَانَ مُعْسِرًا لِأَنَّهُ ضَمَانُ إعْتَاقٍ فَيَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ. قَالَ (وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْآخَرُ وَهُوَ مُوسِرٌ، فَإِنْ شَاءَ الَّذِي دَبَّرَهُ ضَمَّنَ الْمُعْتِقَ نِصْفَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ، وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا ثُمَّ دَبَّرَهُ الْآخَرُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ وَيُسْتَسْعَى أَوْ يُعْتَقُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَوَجْهُهُ أَنَّ التَّدْبِيرَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ فَتَدْبِيرُ أَحَدِهِمَا يَقْتَصِرُ عَلَى نَصِيبِهِ لَكِنْ يَفْسُدُ بِهِ نَصِيبُ الْآخَرِ فَيَثْبُتُ لَهُ خِيرَةُ الْإِعْتَاقِ وَالتَّضْمِينِ وَالِاسْتِسْعَاءِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ، فَإِذَا أَعْتَقَ لَمْ يَبْقَ لَهُ خِيَارُ التَّضْمِينِ وَالِاسْتِسْعَاءِ، وَإِعْتَاقُهُ يَقْتَصِرُ عَلَى نَصِيبِهِ لِأَنَّهُ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ، وَلَكِنْ يَفْسُدُ بِهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ، وَلَهُ خِيَارُ الْعِتْقِ وَالِاسْتِسْعَاءِ أَيْضًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ وَيُضَمِّنُهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مُدَبَّرًا لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ صَادَفَ الْمُدَبَّرَ. ثُمَّ قِيلَ: قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ تُعْرَفُ بِتَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ، وَقِيلَ يَجِبُ ثُلُثَا قِيمَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْجَوَابُ فِيهِ) أَيْ فِي إعْتَاقِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الْقِنَّ (عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِي الرُّجُوعِ) فَإِنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا ضَمِنَ السَّاكِتُ الْمُعْتِقَ فَالْمُعْتِقُ يَرْجِعُ عَلَى الْعَبْدِ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ (وَفِي الْخِيَارَاتِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ السَّاكِتُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْخِيَارَاتِ الثَّلَاثِ: إنْ شَاءَ أَعْتَقَ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ شَرِيكُهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ. وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ لَهُ إلَّا الضَّمَانُ مَعَ الْيَسَارِ وَالسِّعَايَةُ مَعَ الْإِعْسَارِ (وَغَيْرِهَا) يَعْنِي الْوَلَاءَ وَتَرْدِيدَ الِاسْتِسْعَاءِ، فَإِنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ أَعْتَقَ السَّاكِتُ أَوْ اسْتَسْعَى فَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ ضَمِنَ الْمُعْتَقُ فَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ، وَعِنْدَهُمَا لِلْمُعْتِقِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا. وَأَمَّا تَرْدِيدُ الِاسْتِسْعَاءِ فَإِنَّهُمَا لَا يَرَيَانِ الِاسْتِسْعَاءَ مَعَ الْيَسَارِ، وَيَقُولَانِ: إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا يَضْمَنُ نَصِيبَ السَّاكِتِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَى الْعَبْدُ لِنَصِيبِ السَّاكِتِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَرَاهُ (كَمَا هُوَ مَسْأَلَةُ تَجَزُّؤِ الْإِعْتَاقِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْعَتَاقِ) هَذَا إذَا عَجَزَ (فَأَمَّا قَبْلَ الْعَجْزِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَضْمَنَ الْمُعْتِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) خِلَافًا لَهُمَا وَهُوَ وَاضِحٌ، وَمَبْنَاهُ أَيْضًا عَلَى تَجَزُّؤِ الْإِعْتَاقِ، وَذَلِكَ (لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَمَّا تَجَزَّأَ عِنْدَهُ لَمْ يَظْهَرْ إفْسَادُ نَصِيبِ السَّاكِتِ مَا لَمْ يَعْجِزْ فَإِنَّ أَثَرَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يُجْعَلَ نَصِيبُ السَّاكِتِ كَالْمُكَاتَبِ) وَهُوَ حَاصِلٌ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ إذَا عَجَزَتْ كَمَا يُوجِبُ ذَلِكَ فِي الْقِنَّةِ. فَيُوجِبُ الضَّمَانَ (وَعِنْدَهُمَا لَمَّا لَمْ يَتَجَزَّأْ عَتَقَ الْكُلُّ فَلَهُ أَنْ يَضْمَنَ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مُكَاتَبًا إنْ كَانَ مُوسِرًا وَيُسْتَسْعَى الْعَبْدُ إنْ كَانَ مُعْسِرًا، لِأَنَّهُ ضَمَانُ إعْتَاقٍ فَيَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ) . قَالَ (وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا إلَخْ) وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْآخَرُ وَهُوَ مُوسِرٌ فَإِنَّ الْمُدَبَّرَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ تَضْمِينِ الْمُعْتِقِ نِصْفَ قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ وَبَيْنَ اسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ وَإِعْتَاقِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِالْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ إنْ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا ثُمَّ دَبَّرَهُ الْآخَرُ لَمْ يَضْمَنْ الْمُعْتِقُ وَلَكِنْ يُسْتَسْعَى أَوْ يُعْتِقُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَوَجْهُهُ أَنَّ التَّدْبِيرَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ فَتَدْبِيرُ أَحَدِهِمَا يَقْتَصِرُ عَلَى نَصِيبِهِ لَكِنَّهُ يَفْسُدُ بِهِ نَصِيبُ الْآخَرِ لِسَدِّ

زَهْوَ قِنٍّ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ: الْبَيْعُ وَأَشْبَاهُهُ، وَالِاسْتِخْدَامُ وَأَمْثَالُهُ، وَالْإِعْتَاقُ وَتَوَابِعُهُ، وَالْفَائِتُ الْبَيْعُ فَيَسْقُطُ الثُّلُثُ. وَإِذَا ضَمَّنَهُ لَا يَتَمَلَّكُهُ بِالضَّمَانِ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ، كَمَا إذَا غَصَبَ مُدَبَّرًا فَأَبَقَ. وَإِنْ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا أَوَّلًا كَانَ لِلْآخَرِ الْخِيَارَاتُ الثَّلَاثُ عِنْدَهُ، فَإِذَا دَبَّرَهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ خِيَارُ التَّضْمِينِ وَبَقِيَ خِيَارُ الْإِعْتَاقِ وَالِاسْتِسْعَاءِ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ يُعْتَقُ وَيُسْتَسْعَى (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إذَا دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا فَعِتْقُ الْآخَرِ بَاطِلٌ) لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا فَيَتَمَلَّكُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِالتَّدْبِيرِ (وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا) لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ فَلَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ قِنًّا لِأَنَّهُ صَادَفَهُ التَّدْبِيرُ وَهُوَ قِنٌّ (وَإِنْ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا فَتَدْبِيرُ الْآخَرِ بَاطِلٌ) لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ فَعَتَقَ كُلُّهُ فَلَمْ يُصَادِفْ التَّدْبِيرُ الْمِلْكَ وَهُوَ يَعْتَمِدُهُ (وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا) وَيَسْعَى الْعَبْدُ فِي ذَلِكَ إنْ كَانَ مُعْسِرًا لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ الْإِعْتَاقِ فَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ عِنْدَهُمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبَابِ النَّقْلِ عَلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَضْمَنَ قِيمَةَ نَصِيبِهِ وَلَهُ الْإِعْتَاقُ وَالِاسْتِسْعَاءُ، فَإِذَا أَعْتَقَ الْآخَرُ لَمْ يَبْقَ لَهُ خِيَارُ التَّضْمِينِ وَالِاسْتِسْعَاءِ، وَيَقْتَصِرُ الْإِعْتَاقُ عَلَى نَصِيبِهِ لِأَنَّهُ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ، وَلَكِنْ يَفْسُدُ بِهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ لِسَدِّ بَابِ الِاسْتِخْدَامِ عَلَيْهِ فَلَهُ تَضْمِينُ نَصِيبِهِ وَالْإِعْتَاقِ وَالسِّعَايَةِ أَيْضًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ، فَإِنْ ضَمِنَهُ ضَمِنَ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مُدَبَّرًا لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ صَادَفَ الْمُدَبَّرَ. وَاخْتَلَفُوا فِي قِيمَتِهِ، فَقِيلَ قِيمَتُهُ تُعْرَفُ بِتَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ، وَقِيلَ قِيمَتُهُ ثُلُثَا قِيمَةِ الْقِنِّ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ: الْبَيْعُ وَمَا أَشْبَهَهُ فِي كَوْنِهِ خُرُوجًا عَنْ الْمِلْكِ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ وَالِاسْتِخْدَامِ وَأَمْثَالِهِ فِي كَوْنِهِ انْتِفَاعًا بِالْمَنَافِعِ كَالْإِجَارَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْوَطْءِ. وَالْإِعْتَاقُ وَتَوَابِعُهُ كَالْكِتَابَةِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ، وَالْفَائِتُ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ الْأَوَّلِ فَيَسْقُطُ الثُّلُثُ، وَإِذَا ضَمِنَهُ لَا يَتَمَلَّكُ شَيْئًا بِالضَّمَانِ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ كَمَا إذَا غَصَبَ مُدَبَّرًا وَأَبَقَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ وَلَا يَتَمَلَّكُهُ فَكَانَ ضَمَانَ حَيْلُولَةٍ بَيْنَ الْمَالِكِ وَالْمَمْلُوكِ لَا ضَمَانَ تَمَلُّكٍ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ أَوَّلًا: يَعْنِي الْمَسْأَلَةَ الثَّانِيَةَ كَانَ لِلْآخَرِ الْخِيَارَاتُ الثَّلَاثُ عِنْدَهُ خِيَارُ التَّضْمِينِ وَالْإِعْتَاقِ وَالسِّعَايَةِ، لِأَنَّ الْمُعْتِقَ اقْتَصَرَ عَلَى نَصِيبِهِ وَأَفْسَدَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ كَمَا مَرَّ، فَإِذَا دَبَّرَهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ خِيَارُ التَّضْمِينِ، لِأَنَّهُ بِمُبَاشَرَةِ التَّدْبِيرِ يَصِيرُ مُبْرِئًا لِلْمُعْتِقِ عَنْ الضَّمَانِ لِمَعْنًى وَهُوَ أَنَّ نَصِيبَهُ كَانَ قِنًّا عِنْدَ إعْتَاقِ الْمُعْتِقِ فَكَانَ تَضْمِينُهُ إيَّاهُ مُتَعَلِّقًا بِشَرْطِ تَمْلِيكِ الْعَيْنِ بِالضَّمَانِ وَقَدْ فَوَّتَ ذَاكَ بِالتَّدْبِيرِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَهُنَاكَ كَانَ نَصِيبُهُ مُدَبَّرًا عِنْدَ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ التَّضْمِينُ مَشْرُوطًا بِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ مِنْهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الضَّمَانَ يَتَعَلَّقُ بِالتَّمْلِيكِ إذَا كَانَ الْمَحَلُّ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ قَابِلًا لِلتَّمْلِيكِ، كَمَا إذَا أَعْتَقَ أَوَّلًا أَوْ غَصَبَ الْقِنَّ فَمَاتَ أَوْ أَبَقَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَحَلُّ قَابِلًا لَهُ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ كَمَا إذَا تَقَدَّمَ التَّدْبِيرُ فَالضَّمَانُ يَتَعَلَّقُ بِمُجَرَّدِ الْحَيْلُولَةِ بَيْنَ الْمَالِكِ وَالْمَمْلُوكِ لَا بِالتَّمْلِيكِ، فَإِذَا اعْتَرَضَ ضَمَانُ الْحَيْلُولَةِ عَلَى مَا تَعَلَّقَ بِالتَّمْلِيكِ سَقَطَ الضَّمَانُ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ، فَصَارَ مُفَوَّتَ الشَّرْطِ بِتَفْوِيتِهِ مُبْرِئًا لِصَاحِبِهِ عَمَّا لَزِمَهُ، وَبَقِيَ لَهُ خِيَارُ الْإِعْتَاقِ وَالِاسْتِسْعَاءِ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ يُعْتَقُ وَيُسْتَسْعَى. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إذَا دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا فَعِتْقُ الْآخَرِ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا فَيَتَمَلَّكُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِالتَّدْبِيرِ وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ فَلَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ قِنًّا لِأَنَّ تَدْبِيرَهُ صَادَفَهُ وَهُوَ قِنٌّ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا فَتَدْبِيرُ الْآخَرِ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا فَيُعْتَقُ كُلُّهُ، وَكَلَامُهُ فِيهِ ظَاهِرٌ.

[باب موت المكاتب وعجزه وموت المولى]

قَالَ (وَإِذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ عَنْ نَجْمٍ نَظَرَ الْحَاكِمُ فِي حَالِهِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ يَقْبِضُهُ أَوْ مَالٌ يَقْدُمُ عَلَيْهِ لَمْ يَعْجَلْ بِتَعْجِيزِهِ وَانْتَظَرَ عَلَيْهِ الْيَوْمَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةَ) نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ، وَالثَّلَاثُ هِيَ الْمُدَّةُ الَّتِي ضُرِبَتْ لِإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ كَإِمْهَالِ الْخَصْمِ لِلدَّفْعِ وَالْمَدْيُونِ لِلْقَضَاءِ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَجْهٌ وَطَلَبَ الْمَوْلَى تَعْجِيزَهُ عَجَّزَهُ وَفَسَخَ الْكِتَابَةَ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُعَجِّزُهُ حَتَّى يَتَوَالَى عَلَيْهِ نَجْمَانِ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذَا تَوَالَى عَلَى الْمُكَاتَبِ نَجْمَانِ رُدَّ فِي الرِّقِّ عَلَّقَهُ بِهَذَا الشَّرْطِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ إرْفَاقٍ حَتَّى كَانَ أَحْسَنُهُ مُؤَجَّلَهُ وَحَالَةُ الْوُجُوبِ بَعْدَ حُلُولِ نَجْمٍ فَلَا بُدَّ مِنْ إمْهَالِ مُدَّةٍ اسْتِيسَارًا، وَأَوْلَى الْمُدَدِ مَا تَوَافَقَ عَلَيْهِ الْعَاقِدَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ مَوْتُ الْمُكَاتَبِ وَعَجْزُهُ وَمَوْتُ الْمَوْلَى] تَأْخِيرُ بَابِ أَحْكَامِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ظَاهِرُ التَّنَاسُبِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مُتَأَخِّرَةٌ مِنْ عَقْدِ الْكِتَابَةِ. قَالَ (وَإِذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ عَنْ نَجْمٍ) النَّجْمُ هُوَ الطَّالِعُ ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ الْوَقْتُ الْمَضْرُوبُ ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ مَا يُؤَدِّي فِيهِ مِنْ الْوَظِيفَةِ، وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ عَنْ نَجْمٍ (نَظَرَ الْحَاكِمُ فِي حَالِهِ فَإِنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ يَقْبِضُهُ أَوْ مَالٌ غَائِبٌ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ لَمْ يُعَجِّلْ بِتَعْجِيزِهِ وَانْتَظَرَ عَلَيْهِ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ وَالثَّلَاثُ هِيَ الْمُدَّةُ الَّتِي ضُرِبَتْ لِإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ كَإِمْهَالِ الْخَصْمِ لِلدَّفْعِ) فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا تَوَجَّهَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ فَادَّعَى الدَّفْعَ وَقَالَ لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ أَنَّهُ يُؤَخَّرُ يَوْمًا وَيَوْمَيْنِ وَثَلَاثَةً لَا يُزَادُ عَلَيْهِ، وَجَعَلُوا هَذَا التَّقْدِيرَ مِنْ بَابِ التَّعْجِيلِ دُونَ التَّأْخِيرِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قِصَّةُ مُوسَى مَعَ الْخَضِرِ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - حَيْثُ قَالَ فِي الْكَرَّةِ الثَّالِثَةِ: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف: 78] وَكَذَلِكَ قَدَّرَ صَاحِبُ الشَّرْعِ مُدَّةَ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (وَالْمَدْيُونِ) بِالْجَرِّ مَعْطُوفٌ عَلَى كَإِمْهَالِ: يَعْنِي إذَا ثَبَتَ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَمْهِلْنِي يَوْمًا أَوْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ يُمْهَلُ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَجْهٌ وَطَلَبَ الْمَوْلَى تَعْجِيزَهُ عَجَّزَهُ وَفَسَخَ الْكِتَابَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُعَجِّزُهُ حَتَّى يَتَوَالَى عَلَيْهِ نَجْمَانِ لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذَا تَوَالَى عَلَى الْمُكَاتَبِ نَجْمَانِ رُدَّ فِي الرِّقِّ عَلَّقَهُ بِهَذَا الشَّرْطِ) فَلَا يُوجَدُ دُونَهُ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا اسْتِدْلَالٌ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ، وَهُوَ لَيْسَ بِنَاهِضٍ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْوُجُودَ فَقَطْ. وَالْجَوَابُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِشَرْطَيْنِ، وَالْمُعَلَّقُ بِشَرْطَيْنِ لَا يُنَزَّلُ عِنْدَ أَحَدِهِمَا، كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت هَذَيْنِ الدَّارَيْنِ فَأَنْتِ طَالِقٌ (وَلِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ عَقْدُ إرْفَاقٍ) مَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَامَحَةِ (حَتَّى كَانَ أَحْسَنُهُ مُؤَجَّلَهُ، وَحَالَةُ الْوُجُوبِ بَعْدَ حُلُولِ نَجْمٍ) فَلَا إرْفَاقَ فِي الطَّلَبِ عِنْدَهُ (فَلَا بُدَّ مِنْ إمْهَالِ مُدَّةٍ إرْفَاقًا، وَأَوْلَى الْمُدَّةِ لِذَلِكَ مَا تَوَافَقَ عَلَيْهِ الْعَاقِدَانِ) فَإِنْ مَضَى النَّجْمُ الثَّانِي وَلَمْ يُؤَدِّ الْمَالَ

وَلَهُمَا أَنَّ سَبَبَ الْفَسْخِ قَدْ تَحَقَّقَ وَهُوَ الْعَجْزُ، لِأَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ نَجْمٍ وَاحِدٍ يَكُونُ أَعْجَزَ عَنْ أَدَاءِ نَجْمَيْنِ، وَهَذَا لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمَوْلَى الْوُصُولُ إلَى الْمَالِ عِنْدَ حُلُولِ نَجْمٍ وَقَدْ فَاتَ فَيُفْسَخُ إذَا لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِدُونِهِ، بِخِلَافِ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهَا لِإِمْكَانِ الْأَدَاءِ فَلَمْ يَكُنْ تَأْخِيرًا، وَالْآثَارُ مُتَعَارِضَةٌ، فَإِنَّ الْمَرْوِيَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ مُكَاتَبَةً لَهُ عَجَزَتْ عَنْ أَدَاءِ نَجْمٍ وَاحِدٍ فَرَدَّهَا فَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهَا. قَالَ (فَإِنْ أَخَلَّ بِنَجْمٍ عِنْدَ غَيْرِ السُّلْطَانِ فَعَجَزَ فَرَدَّهُ مَوْلَاهُ بِرِضَاهُ فَهُوَ جَائِزٌ) لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُفْسَخُ بِالتَّرَاضِي مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَبِالْعُذْرِ أَوْلَى (وَلَوْ لَمْ يَرْضَ بِهِ الْعَبْدُ لَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ بِالْفَسْخِ) لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ تَامٌّ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَحَقَّقَ الْعَجْزُ عَنْ أَدَائِهَا فَيُفْسَخُ لِوُجُودِ مُدَّةِ التَّأْجِيلِ الَّتِي اتَّفَقَ عَلَيْهَا الْعَاقِدَانِ (وَلَهُمَا أَنَّ سَبَبَ الْفَسْخِ) وَهُوَ الْعَجْزُ (قَدْ تَحَقَّقَ لِأَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ نَجْمٍ وَاحِدٍ كَانَ عَنْ أَدَاءِ نَجْمَيْنِ أَعْجَزَ، وَهَذَا) أَيْ كَوْنُ الْعَجْزِ سَبَبًا لِلْفَسْخِ (لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمَوْلَى الْوُصُولُ إلَى الْمَالِ عِنْدَ حُلُولِ نَجْمٍ وَقَدْ فَاتَ فَيُفْسَخُ إذَا لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِدُونِهِ) وَالضَّمِيرُ فِي يُفْسَخُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَوْلَى: أَيْ فَيَفْسَخُ الْمَوْلَى الْكِتَابَةَ إذَا لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا، وَأَنْ يَكُونَ لِلْقَاضِي: أَيْ فَيَفْسَخُ الْقَاضِي إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَوْلَى رَاضِيًا بِدُونِ ذَلِكَ النَّجْمِ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ، فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَلَمْ يَرْضَ بِالْفَسْخِ فَهَلْ يَسْتَبِدُّ الْمَوْلَى بِهِ أَوْ يَحْتَاجُ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي فِيهِ رِوَايَتَانِ (بِخِلَافِ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهَا لِإِمْكَانِ الْأَدَاءِ فَلَمْ يَكُنْ تَأْخِيرًا قَوْلُهُ. وَالْآثَارُ مُتَعَارِضَةٌ) جَوَابٌ عَنْ اسْتِدْلَالِهِ بِأَثَرِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ مُكَاتَبَةً لَهُ عَجَزَتْ عَنْ نَجْمٍ فَرَدَّهَا فَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهَا، لِأَنَّ الْآثَارَ إذَا تَعَارَضَتْ وَجُهِلَ التَّارِيخُ تَسَاقَطَتْ وَيُصَارُ إلَى مَا بَعْدَهَا مِنْ الْحُجَّةِ، فَيَبْقَى مَا قَالَاهُ مِنْ الدَّلِيلِ بِأَنَّ سَبَبَ الْفَسْخِ قَدْ تَحَقَّقَ إلَخْ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ، لِأَنَّ دَلِيلَ أَبِي يُوسُفَ حِكَايَةٌ لَا تُعَارِضُ الْمَعْقُولَ فَيَثْبُتُ الْفَسْخُ بِهِ. قَالَ (فَإِنْ أَخَلَّ بِنَجْمٍ عِنْدَ غَيْرِ السُّلْطَانِ) الْمُرَادُ بِالْإِخْلَالِ هَاهُنَا تَرْكُ أَدَاءِ وَظِيفَةِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي اتَّفَقَا عَلَى تَعْيِينِهِ فِي أَدَائِهَا: فَإِذَا أَخَلَّ بِهَذَا التَّعْيِينِ بِنَجْمٍ عِنْدَ غَيْرِ السُّلْطَانِ: أَيْ الْقَاضِي (فَعَجَزَ فَرَدَّهُ مَوْلَاهُ بِرِضَاهُ كَانَ جَائِزًا، لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُفْسَخُ بِالتَّرَاضِي مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَبِالْعُذْرِ أَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ الْعَبْدُ لَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ بِالْفَسْخِ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ) مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِبْطَالِ بِانْفِرَادِهِ (تَامٌّ) لَيْسَ فِيهِ خِيَارُ شَرْطٍ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ (فَفَسْخُهُ يَحْتَاجُ إلَى) الرِّضَا أَوْ (الْقَضَاءِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ) وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فِيهِ رِوَايَةً أُخْرَى أَنَّ الْفَسْخَ يَصِحُّ بِلَا قَضَاءٍ، وَوَجْهُهَا أَنَّ هَذَا عَيْبٌ تَمَكَّنَ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ، لِأَنَّ تَمَامَ الْكِتَابَةِ بِالْأَدَاءِ وَتَمَامَ الْعَقْدِ بِوُقُوعِ الْفَرَاغِ عَنْ اسْتِيفَاءِ أَحْكَامِهِ، فَشُبِّهَ بِهَذَا الْوَجْهِ بِمَا لَوْ وَجَدَ الْمُشْتَرَى مَعِيبًا قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهُنَاكَ يَنْفَرِدُ

قَالَ (وَإِذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ عَادَ إلَى أَحْكَامِ الرِّقِّ) لِانْفِسَاخِ الْكِتَابَةِ (وَمَا كَانَ فِي يَدِهِ مِنْ الْأَكْسَابِ فَهُوَ لِمَوْلَاهُ) لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مَوْلَاهُ وَقَدْ زَالَ التَّوَقُّفُ. قَالَ (فَإِنْ مَاتَ الْمَكَاتِبُ وَلَهُ مَالٌ لَمْ تَنْفَسِخْ الْكِتَابَةُ وَقَضَى مَا عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَحَكَمَ بِعِتْقِهِ فِي آخَرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ وَمَا بَقِيَ فَهُوَ مِيرَاثٌ لِوَرَثَتِهِ وَيَعْتِقُ أَوْلَادُهُ) وَهَذَا قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاؤُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَبْطُلُ الْكِتَابَةُ وَيَمُوتُ عَبْدًا وَمَا تَرَكَهُ لِمَوْلَاهُ، وَإِمَامُهُ فِي ذَلِكَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكِتَابَةِ عِتْقُهُ وَقَدْ تَعَذَّرَ إثْبَاتُهُ فَتَبْطُلُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَثْبُتَ بَعْدَ الْمَمَاتِ مَقْصُودًا أَوْ يَثْبُتَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُشْتَرِي بِالْفَسْخِ بِلَا قَضَاءٍ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا. قَالَ (وَإِذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ عَادَ إلَى أَحْكَامِ الرِّقِّ لِانْفِسَاخِ الْكِتَابَةِ، وَمَا كَانَ فِي يَدِهِ مِنْ الْأَكْسَابِ فَهُوَ لِمَوْلَاهُ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ) وَكَسْبُ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ (وَإِنَّمَا قَالَ: ظَهَرَ لِأَنَّ كَسْبَهُ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مَوْلَاهُ) لِأَنَّهُ إنْ أَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ فَهُوَ لَهُ وَإِلَّا فَلِمَوْلَاهُ (وَقَدْ زَالَ التَّوَقُّفُ) . قَالَ (فَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَلَهُ مَالٌ لَمْ تَنْفَسِخْ الْكِتَابَةُ وَقُضِيَ مَا عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَحُكِمَ بِعِتْقِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ وَمَا فَضَلَ فَهُوَ مِيرَاثٌ لِوَرَثَتِهِ وَيُعْتَقُ أَوْلَادُهُ) الْمَوْلُودُونَ وَالْمُشْتَرَوْنَ فِي حَالِ الْكِتَابَةِ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاؤُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَبْطُلُ الْكِتَابَةُ وَيَمُوتُ عَبْدًا، وَمَا تَرَكَهُ فَلِمَوْلَاهُ وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِالْمَعْقُولِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكِتَابَةِ عِتْقُهُ وَعِتْقُهُ بَاطِلٌ فَالْمَقْصُودُ مِنْهَا كَذَلِكَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِتْقَ إنْ ثَبَتَ فَإِمَّا أَنْ يَثْبُتَ بَعْدَ الْمَمَاتِ مَقْصُودًا أَوْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ مُسْتَنِدًا إلَى حَالِ حَيَاتِهِ، لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْعِتْقِ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَحَلٍّ، وَلَا إلَّا الثَّانِي لِأَنَّهُ مَشْرُوطٌ بِالْأَدَاءِ وَالْفَرْضُ عَدَمُهُ فَلَزِمَ وُجُودُ الْمَشْرُوطِ بِدُونِ شَرْطِهِ، وَلَا إلَى الثَّالِثِ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَثْبُتُ فِي الْحَالِ ثُمَّ يَسْتَنِدُ وَهَذَا الشَّيْءُ لَمْ يَثْبُتْ بَعْدُ

قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ مُسْتَنِدًا، لَا وَجْهَ إلَى الْأَوَّلِ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ، وَلَا إلَى الثَّانِي لِفَقْدِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْأَدَاءُ، وَلَا إلَى الثَّالِثِ لِتَعَذُّرِ الثُّبُوتِ فِي الْحَالِ وَالشَّيْءُ يَثْبُتُ ثُمَّ يَسْتَنِدُ. وَلَنَا أَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، وَلَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَهُوَ الْمَوْلَى فَكَذَا بِمَوْتِ الْآخَرِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا الْحَاجَةُ إلَى إبْقَاءِ الْعَقْدِ لِإِحْيَاءِ الْحَقِّ، بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ حَقَّهُ آكَدُ مِنْ حَقِّ الْمَوْلَى حَتَّى لَزِمَ الْعَقْدُ فِي جَانِبِهِ، وَالْمَوْتُ أَنَفَى لِلْمَالِكِيَّةِ مِنْهُ لِلْمَمْلُوكِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَنَا أَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَلَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَهُوَ الْمَوْلَى، فَكَذَا بِمَوْتِ الْآخَرِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا الْحَاجَةُ إلَى إبْقَاءِ الْعَقْدِ لِإِحْيَاءِ الْحَقِّ) وَعَلَيْك بِاسْتِحْضَارِ الْقَوَاعِدِ الْأَصْلِيَّةِ لِاسْتِخْرَاجِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْقِيَاسُ مِنْ بَيَانِ أَصْلٍ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ وَفَرْعٍ هُوَ نَظِيرُهُ وَلَا نَصَّ فِيهِ، وَبَيَانُ أَنَّ هَذَا النَّصَّ فِي الْحَالِ مَعْلُولٌ، وَبَيَانُ مَا يُمَيِّزُ هَذَا الْوَصْفَ عَنْ غَيْرِهِ، وَبَيَانُ صَلَاحِهِ بِمُلَاءَمَتِهِ لِلْعِلَلِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ السَّلَفِ. وَعَدَالَتِهِ بِظُهُورِ أَثَرِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ الْمُعَلَّلِ بِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ شُرُوطِ الْقِيَاسِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَارْجِعْ إلَى الْأُصُولِ الْجَدَلِيَّةِ بِادِّعَاءِ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى الْمُشْتَرَكِ وَسَدِّ طَرِيقِ مَا يَرِدُ مِنْ رَدِّهِ، وَادِّعَاءُ الْإِضَافَةِ إلَى الْمُخْتَصِّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَأَمْثَالِهِ. فَإِنْ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْك ذَلِكَ بِفَيْضٍ مِنْ عِنْدِهِ بَعْدَ الْجَثْوِ عَلَى الرُّكَبِ بِحَضْرَةِ الْمُحَقِّقِينَ فَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ قَدْرِهِ، وَإِلَّا فَإِيَّاكَ وَدَعْوَى مَعْرِفَةِ الْهِدَايَةِ فَتَكُونُ مِنْ الْجَهَالَةِ الَّذِي ظَهَرَ عِنْدَ ذَوِي التَّحْصِيلِ عُذْرُهُ، وَأُلْحِقَ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهْم يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (قَوْلُهُ بَلْ أَوْلَى) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا عَمَّا يُقَالُ لَيْسَ مَوْتُ الْمُكَاتَبِ كَمَوْتِ الْعَاقِدِ، لِأَنَّ الْعَقْدَ يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُكَاتَبُ دُونَ الْعَاقِدِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُوجِبَ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ بَعْدَ مَوْتِ الْعَاقِدِ هَاهُنَا إنَّمَا هُوَ الْحَاجَةُ، وَالْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ أَدْعَى مِنْ حَيْثُ الْمُقْتَضَى وَالْمَانِعِ. أَمَّا الْمُقْتَضَى فَ (لِأَنَّ حَقَّهُ آكَدُ مِنْ حَقِّ الْمَوْلَى حَتَّى لَزِمَ الْعَقْدُ فِي جَانِبِهِ، وَ) أَمَّا الْمَانِعُ فَلِأَنَّ (الْمَوْتَ أَنْفَى لِلْمَالِكِيَّةِ مِنْهُ لِلْمَمْلُوكِيَّةِ)

فَيَنْزِلُ حَيًّا تَقْدِيرًا، أَوْ تَسْتَنِدُ الْحُرِّيَّةُ بِاسْتِنَادِ سَبَبِ الْأَدَاءِ إلَى مَا قَبْلَ الْمَوْتِ وَيَكُونُ أَدَاءُ خَلَفِهِ كَأَدَائِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُمْكِنٌ عَلَى مَا عُرِفَ تَمَامُهُ فِي الْخِلَافِيَّاتِ. قَالَ (وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ الْمَمْلُوكِيَّةَ ضَعْفٌ وَالْمَوْتُ لَا يُنَافِيهِ لِكَوْنِهِ عَجْزًا صِرْفًا حَقِيقِيًّا وَفِي الْمَالِكِيَّةِ ضَرْبُ قُوَّةٍ وَالْمَوْتُ يُنَافِيهَا (فَيُنَزَّلُ حَيًّا تَقْدِيرًا) كَمَا أَنْزَلْنَا الْمَيِّتَ حَيًّا فِي حَقِّ بَقَاءِ التَّرِكَةِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ عَلَيْهِ وَفِي حَقِّ التَّجْهِيزِ وَالتَّكْفِينِ وَتَنْفِيذِ الْوَصَايَا فِي الثُّلُثِ (أَوْ تَسْتَنِدُ الْحُرِّيَّةُ بِاسْتِنَادِ سَبَبِ الْأَدَاءِ وَهُوَ عَقْدُ الْكِتَابَةِ إلَى مَا قَبْلَ الْمَوْتِ) فَإِنْ قِيلَ: يَلْزَمُ تَقَدُّمُ الْمَشْرُوطِ عَلَى الشَّرْطِ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَيَكُونُ أَدَاءُ خَلْفِهِ كَأَدَائِهِ) فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْعِتْقَ يَتَقَدَّمُ عَلَى الْأَدَاءِ بَلْ يُقَدَّرُ الْأَدَاءُ قَبْلَ الْعِتْقِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ بِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَيْسَ بِمَعْقُودٍ عَلَيْهِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ سَلَامَةُ مَالِكِيَّةِ الْيَدِ. قَالَ (وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً

وَتَرَكَ وَلَدًا مَوْلُودًا فِي الْكِتَابَةِ سَعَى فِي كِتَابَةِ أَبِيهِ عَلَى نُجُومِهِ فَإِذَا أَدَّى حَكَمْنَا بِعِتْقِ أَبِيهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَعِتْقِ الْوَلَدِ) لِأَنَّ الْوَلَدَ دَاخِلٌ فِي كِتَابَتِهِ وَكَسْبُهُ كَكَسْبِهِ فَيَخْلُفُهُ فِي الْأَدَاءِ وَصَارَ كَمَا إذَا تَرَكَ وَفَاءً (وَإِنْ تَرَكَ وَلَدًا مُشْتَرًى فِي الْكِتَابَةِ قِيلَ لَهُ إمَّا أَنْ تُؤَدِّيَ الْكِتَابَةَ حَالَّةً أَوْ تُرَدَّ رَقِيقًا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَأَمَّا عِنْدَهُمَا يُؤَدِّيهِ إلَى أَجَلِهِ اعْتِبَارًا بِالْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ، وَالْجَامِعُ أَنَّهُ يُكَاتِبُ عَلَيْهِ تَبَعًا لَهُ وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى إعْتَاقَهُ بِخِلَافِ سَائِرِ أَكْسَابِهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ أَنَّ الْأَجَلَ يَثْبُتُ شَرْطًا فِي الْعَقْدِ فَيَثْبُتُ فِي حَقِّ مَنْ دَخَلَ تَحْتَ الْعَقْدِ وَالْمُشْتَرَى لَمْ يَدْخُلْ لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْ إلَيْهِ الْعَقْدَ وَلَا يَسْرِي حُكْمُهُ إلَيْهِ لِانْفِصَالِهِ، بِخِلَافِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ وَقْتَ الْكِتَابَةِ فَيَسْرِي الْحُكْمُ إلَيْهِ وَحَيْثُ دَخَلَ فِي حُكْمِهِ سَعَى فِي نُجُومِهِ (فَإِنْ اشْتَرَى ابْنَهُ ثُمَّ مَاتَ وَتَرَكَ وَفَاءً وَرِثَهُ ابْنُهُ) لِأَنَّهُ لَمَّا حَكَمَ بِحُرِّيَّتِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ يُحْكَمُ بِحُرِّيَّةِ ابْنِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِأَبِيهِ فِي الْكِتَابَةِ فَيَكُونُ هَذَا حُرًّا يَرِثُ عَنْ حُرٍّ (وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ هُوَ وَابْنُهُ مُكَاتَبَيْنِ كِتَابَةً وَاحِدَةً) لِأَنَّ الْوَلَدَ إنْ كَانَ صَغِيرًا فَهُوَ تَبَعٌ لِأَبِيهِ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا جُعِلَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا حَكَمَ بِحُرِّيَّةِ الْأَبِ يَحْكُمُ بِحُرِّيَّتِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ عَلَى مَا مَرَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَرَكَ وَلَدًا مَوْلُودًا فِي الْكِتَابَةِ إلَخْ) الْوَلَدُ الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ يَسْعَى فِي كِتَابَةِ أَبِيهِ عَلَى نُجُومِهِ إنْ كَانَ مُفْلِسًا بِالِاتِّفَاقِ لِدُخُولِهِ فِي كِتَابَتِهِ فَكَانَ كَسْبُهُ كَكَسْبِهِ فَيَخْلُفُهُ فِي الْأَدَاءِ كَمَا لَوْ تَرَكَ وَفَاءً. وَأَمَّا الْوَلَدُ الْمُشْتَرَى فَكَالْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قِيلَ لَهُ إمَّا أَنْ تُؤَدِّيَ الْكِتَابَةَ حَالَّةً أَوْ تُرَدَّ رَقِيقًا. هُمَا اعْتَبَرَاهُ بِالْمَوْلُودِ بِجَامِعِ أَنَّهُ يُكَاتَبُ عَلَيْهِ تَبَعًا لَهُ وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى إعْتَاقَهُ كَالْمَوْلُودِ فِيهَا، بِخِلَافِ الْأَكْسَابِ فَإِنَّ الْمَوْلَى لَا تُصْرَفُ لَهُ فِي أَكْسَابِهِ وَلِهَذَا لَا يَقْدِرُ عَلَى إعْتَاقِ عَبْدِ الْمُكَاتَبِ. وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَرَّقَ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ. فَإِنْ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ ابْنَهُ ثُمَّ مَاتَ وَتَرَكَ وَفَاءً وَرِثَهُ ابْنُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَاهُ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ، فَلَمَّا أَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ، وَلَمَّا حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ حُكِمَ بِحُرِّيَّةِ ابْنِهِ أَيْضًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِأَبِيهِ فِي الْكِتَابَةِ فَيَكُونُ ذَلِكَ تَوْرِيثَ حُرٍّ عَنْ حُرٍّ، وَكَذَلِكَ إنْ كُوتِبَ الْأَبُ وَالِابْنُ كِتَابَةً وَاحِدَةً وَمَاتَ الْأَبُ وَتَرَكَ وَفَاءً وَرِثَهُ ابْنُهُ لِأَنَّ الْوَلَدَ إمَّا أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا، فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَهُوَ تَبَعٌ لِأَبِيهِ،

قَالَ (وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَلَهُ وَلَدٌ مِنْ حُرَّةٍ وَتَرَكَ دَيْنًا وَفَاءً بِمُكَاتَبَتِهِ فَجَنَى الْوَلَدُ فَقُضِيَ بِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الْأُمِّ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَضَاءً بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ) لِأَنَّ هَذَا الْقَضَاءَ يُقَرِّرُ حُكْمَ الْكِتَابَةِ، لِأَنَّ مِنْ قَضِيَّتِهَا إلْحَاقُ الْوَلَدِ بِمَوَالِي الْأُمِّ وَإِيجَابِ الْعَقْلِ عَلَيْهِمْ، لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يُعْتَقَ فَيَنْجَرَّ الْوَلَاءُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ، وَالْقَضَاءُ بِمَا يُقَرِّرُ حُكْمَهُ لَا يَكُونُ تَعْجِيزًا (وَإِنْ اخْتَصَمَ مَوَالِي الْأُمِّ وَمَوَالِي الْأَبِ فِي وَلَائِهِ فَقَضَى بِهِ لِمَوَالِي الْأُمِّ فَهُوَ قَضَاءٌ بِالْعَجْزِ) لِأَنَّ هَذَا اخْتِلَافٌ فِي الْوَلَاءِ مَقْصُودًا، وَذَلِكَ يَبْتَنِي عَلَى بَقَاءِ الْكِتَابَةِ وَانْتِقَاضِهَا، فَإِنَّهَا إذَا فُسِخَتْ مَاتَ عَبْدًا وَاسْتَقَرَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ كَانَ كَبِيرًا جُعِلَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ لِاتِّحَادِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ فِيهِمَا، فَالْحُكْمُ بِحُرِّيَّةِ الْأَبِ حُكْمٌ بِحُرِّيَّتِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ: يَعْنِي آخِرَ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ اسْتِنَادِ الْحُرِّيَّةِ بِاسْتِنَادِ سَبَبِ الْأَدَاءِ إلَى مَا قَبْلَ الْمَوْتِ. قَالَ (وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَلَهُ وَلَدٌ مِنْ حُرَّةٍ إلَخْ) ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا لِبَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا. وَصُورَتُهَا: مُكَاتَبٌ مَاتَ وَلَهُ وَلَدٌ حُرٌّ مِنْ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ وَتَرَكَ دَيْنًا عَلَى النَّاسِ وَفَاءً بِمُكَاتَبَتِهِ، فَالْكِتَابَةُ بَاقِيَةٌ وَوَلَاءُ الْوَلَدِ لِمَوَالِي الْأُمِّ. أَمَّا بَقَاءُ الْكِتَابَةِ فَلِمَا لَهُ مِنْ الْمَالِ الْمُنْتَظَرِ، لِأَنَّ الدَّيْنَ بِاعْتِبَارِ مَآلِهِ مَالٌ، وَلَكِنْ لَا يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْبَدَلَ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِالدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ عَيْنًا لَمْ يَتَأَتَّ الْقَضَاءُ بِالْإِلْحَاقِ بِالْأُمِّ لِإِمْكَانِ الْوَفَاءِ فِي الْحَالِ. وَأَمَّا أَنَّ الْوَلَاءَ لِمَوَالِي الْأُمِّ فَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُحْكَمْ بِعِتْقِهِ لَمْ يَظْهَرْ لِلْوَلَدِ وَلَاءٌ فِي جَانِبِ أَبِيهِ، فَإِنْ جَنَى هَذَا الْوَلَدُ جِنَايَةً وَقَضَى بِهِ: أَيْ بِمُوجِبِ الْجِنَايَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْأُمِّ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَضَاءً بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ وَفَسْخِ الْكِتَابَةِ، لِأَنَّ هَذَا الْقَضَاءَ يُقَرِّرُ حُكْمَ الْكِتَابَةِ، وَكُلُّ مَا يُقَرِّرُ شَيْئًا لَا يُبْطِلُهُ. أَمَّا أَنَّهُ يُقَرِّرُ حُكْمَ الْكِتَابَةِ فَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَسْتَلْزِمُ إلْحَاقَ الْوَلَدِ بِمَوَالِي الْأُمِّ وَإِيجَابُ الْعَقْلِ عَلَيْهِمْ عَلَى وَجْهٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يُعْتَقَ الْمُكَاتَبُ فَيَنْجَرُّ وَلَاءُ ابْنِهِ إلَى مَوَالِيهِ، لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ وَالنَّسَبُ إنَّمَا يَثْبُتُ مِنْ قَوْمِ الْأُمِّ عِنْدَ تَعَذُّرِ إثْبَاتِهِ مِنْ الْأَبِ، حَتَّى لَوْ ارْتَفَعَ الْمَانِعُ مِنْ إثْبَاتِهِ مِنْهُ، كَمَا إذَا أَكْذَبَ الْمُلَاعِنُ نَفْسَهُ عَادَ النَّسَبُ إلَيْهِ فَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ، فَكَانَ إيجَابُ الْعَقْلِ مِنْ لَوَازِمِهَا وَثُبُوتُ اللَّازِمِ يُقَرِّرُ ثُبُوتَ مَلْزُومِهِ. وَأَمَّا أَنَّ كُلَّ مَا يُقَرِّرُ شَيْئًا لَا يُبْطِلُهُ فَلِئَلَّا يَعُودَ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ (قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَصَمَ مَوَالِي الْأُمِّ إلَخْ) هُوَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ، وَصُورَتُهَا: مَاتَ هَذَا الْوَلَدُ بَعْدَ الْأَبِ وَاخْتَصَمَ مَوَالِي الْأَبِ وَمَوَالِي الْأُمِّ فَقَالَ مَوَالِي الْأُمِّ مَاتَ رَقِيقًا وَالْوَلَاءُ لَنَا، وَقَالَ مَوَالِي الْأَبِ مَاتَ حُرًّا وَالْوَلَاءُ لَنَا، فَقَضَى بِوَلَائِهِ لِمَوَالِي الْأُمِّ فَهُوَ قَضَاءٌ بِالْعَجْزِ

الْوَلَاءُ عَلَى مَوَالِي الْأُمِّ، وَإِذَا بَقِيَتْ وَاتَّصَلَ بِهَا الْأَدَاءُ مَاتَ حُرًّا وَانْتَقَلَ الْوَلَاءُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ، وَهَذَا فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَيَنْفُذُ مَا يُلَاقِيهِ مِنْ الْقَضَاءِ فَلِهَذَا كَانَ تَعْجِيزًا. قَالَ (وَمَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ مِنْ الصَّدَقَاتِ إلَى مَوْلَاهُ ثُمَّ عَجَزَ فَهُوَ طَيِّبٌ لِلْمَوْلَى لِتَبَدُّلِ الْمِلْكِ) فَإِنَّ الْعَبْدَ يَتَمَلَّكُهُ صَدَقَةً وَالْمَوْلَى عِوَضًا عَنْ الْعِتْقِ، وَإِلَيْهِ وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ النَّبَوِيَّةُ فِي حَدِيثِ بَرِيرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «هِيَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ» وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَبَاحَ لِلْغَنِيِّ وَالْهَاشِمِيِّ، لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَهُ يَتَنَاوَلُهُ عَلَى مِلْكِ الْمُبِيحِ، وَنَظِيرُهُ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا إذَا أَبَاحَ لِغَيْرِهِ لَا يَطِيبُ لَهُ وَلَوْ مَلَكَهُ يَطِيبُ، وَلَوْ عَجَزَ قَبْلَ الْأَدَاءِ إلَى الْمَوْلَى فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ، وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ ظَاهِرٌ لِأَنَّ بِالْعَجْزِ يَتَبَدَّلُ الْمِلْكُ عِنْدَهُ، وَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَإِنْ كَانَ بِالْعَجْزِ يَتَقَرَّرُ مِلْكُ الْمَوْلَى عِنْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفَسَخَ الْكِتَابَةَ، لِأَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ اخْتِلَافٌ فِي الْوَلَاءِ مَقْصُودًا وَهُوَ وَاضِحٌ. وَذَلِكَ يَنْبَنِي عَلَى بَقَاءِ الْكِتَابَةِ وَانْتِقَاضِهَا، فَإِنَّهَا إذَا فُسِخَتْ مَاتَ عَبْدًا وَاسْتَقَرَّ الْوَلَاءُ عَلَى مَوَالِي الْأُمِّ، وَإِذَا بَقِيَتْ وَاتَّصَلَ بِهَا الْأَدَاءُ مَاتَ حُرًّا وَانْتَقَلَ الْوَلَاءُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ، وَهَذَا: أَيْ بَقَاءُ الْكِتَابَةِ وَانْتِقَاضُهَا فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ كَمَا مَرَّ فَيَنْفُذُ مَا يُلَاقِيهِ مِنْ الْقَضَاءِ، وَإِذَا كَانَ الْقَضَاءُ بِالْوَلَاءِ نَافِذًا انْفَسَخَ الْكِتَابَةُ لِانْتِفَاءِ لَازِمِهَا وَهُوَ احْتِمَالُ جَرِّ الْوَلَاءِ، لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّ ذَلِكَ جُزْءُ اللَّازِمِ وَالشَّيْءُ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ جُزْئِهِ. قِيلَ فَسْخُ الْكِتَابَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى نُفُوذِ الْقَضَاءِ وَلُزُومِهِ وَذَلِكَ لِصِيَانَةِ الْقَضَاءِ عَنْ الْبُطْلَانِ وَفِي صِيَانَتِهِ بُطْلَانُ مَا يَجِبُ رِعَايَتُهُ وَهُوَ الْكِتَابَةُ رِعَايَةً لِحَقِّ الْمُكَاتَبِ، وَلَيْسَ أَحَدُ الْبُطْلَانَيْنِ أَرْجَحَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ صِيَانَةَ الْقَضَاءِ أَوْلَى لِأَنَّهُ إذَا لَاقَى فَصْلًا مُجْتَهَدًا فِيهِ نَفَذَ بِالْإِجْمَاعِ، وَصِيَانَةُ مَا هُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ صِيَانَةِ كِتَابَةٍ اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ فِي نَفَاذِهَا. قَالَ (وَمَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ مِنْ الصَّدَقَاتِ إلَى مَوْلَاهُ إلَخْ) إذَا كَانَ الْمُكَاتَبُ أَخَذَ مِنْ الزَّكَوَاتِ شَيْئًا وَعَجَزَ، فَأَمَّا إنْ عَجَزَ بَعْدَ أَدَائِهِ إلَى الْمَوْلَى أَوْ قَبْلَهُ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَهُوَ طَيِّبٌ

لِأَنَّهُ لَا خُبْثَ فِي نَفْسِ الصَّدَقَةِ، وَإِنَّمَا الْخُبْثُ فِي فِعْلِ الْآخِذِ لِكَوْنِهِ إذْلَالًا بِهِ. وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْغَنِيِّ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَلِلْهَاشِمِيِّ لِزِيَادَةِ حُرْمَتِهِ وَالْأَخْذُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمَوْلَى فَصَارَ كَابْنِ السَّبِيلِ إذَا وَصَلَ إلَى وَطَنِهِ وَالْفَقِيرِ إذَا اسْتَغْنَى وَقَدْ بَقِيَ فِي أَيْدِيهِمَا مَا أَخَذَا مِنْ الصَّدَقَةِ فَإِنَّهُ يَطِيبُ لَهُمَا، وَعَلَى هَذَا إذَا أُعْتِقَ الْمُكَاتَبُ وَاسْتَغْنَى يَطِيبُ لَهُ مَا بَقِيَ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْمَوْلَى بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ فِيهِ قَدْ تَبَدَّلَ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَتَمَلَّكُهُ صَدَقَةً وَالْمَوْلَى يَتَمَلَّكُهُ عِوَضًا عَنْ الْعِتْقِ، وَتَبَدُّلُ السَّبَبِ كَتَبَدُّلِ الْعَيْنِ. أَصْلُ ذَلِكَ حَدِيثُ بَرِيرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِيمَا أَهْدَتْ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ حَيْثُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هِيَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ» وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَبَاحَ الْفَقِيرُ مَا أَخَذَ مِنْ الزَّكَاةِ لِغَنِيٍّ أَوْ هَاشِمِيٍّ فَإِنَّهُ لَا يَطِيبُ لَهُمَا، لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَهُ يَتَنَاوَلُهُ عَلَى مِلْكِ الْمُبِيحِ فَلَمْ يَتَبَدَّلْ سَبَبُ الْمِلْكِ، وَنَظِيرُهُ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا إذَا أَبَاحَ لِغَيْرِهِ لَا يَطِيبُ لَهُ وَلَوْ مَلَكَهُ طَابَ لَهُ. وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ بِالْعَجْزِ يَتَبَدَّلُ الْمِلْكُ، فَإِنَّ عِنْدَهُ أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا عَجَزَ مَلَكَ الْمَوْلَى أَكْسَابَهُ مِلْكًا مُبْتَدَأً وَلِهَذَا أَوْجَبَ نَقْضَ الْإِجَارَةِ فِي الْمُكَاتَبِ إذَا آجَرَ أَمَتَهُ ظِئْرًا ثُمَّ عَجَزَ، وَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ كَانَ بِالْعَجْزِ يَتَقَرَّرُ مِلْكُ الْمَوْلَى عِنْدَهُ فَإِنَّ لِلْمَوْلَى نَوْعَ مِلْكٍ فِي أَكْسَابِهِ، وَبِالْعَجْزِ يَتَأَكَّدُ ذَلِكَ الْحَقُّ وَيَصِيرُ الْمُكَاتَبُ فِيمَا مَضَى كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ، وَلِهَذَا إذَا آجَرَ الْمُكَاتَبُ أَمَتَهُ ظِئْرًا ثُمَّ عَجَزَ لَا يُوجِبُ فَسْخَ الْإِجَارَةِ لِأَنَّ الْخَبَثَ لَيْسَ فِي نَفْسِ الصَّدَقَةِ، وَإِلَّا لَمَا فَارَقَهَا أَصْلًا، وَإِنَّمَا الْخَبَثُ فِي فِعْلِ الْآخِذِ لِكَوْنِهِ إذْلَالًا بِهِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلْغَنِيِّ بِلَا حَاجَةٍ وَلَا لِلْهَاشِمِيِّ لِزِيَادَةِ حُرْمَتِهِ، وَالْأَخْذُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمَوْلَى فَصَارَ كَابْنِ السَّبِيلِ إذَا وَصَلَ إلَى وَطَنِهِ وَالْفَقِيرِ إذَا اسْتَغْنَى وَقَدْ بَقِيَ فِي أَيْدِيهِمَا مَا أَخَذَا مِنْ الصَّدَقَةِ

الصَّدَقَةِ فِي يَدِهِ. قَالَ (وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ فَكَاتَبَهُ مَوْلَاهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْجِنَايَةِ ثُمَّ عَجَزَ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ أَوْ يَفْدِي) لِأَنَّ هَذَا مُوجِبُ جِنَايَةِ الْعَبْدِ فِي الْأَصْلِ وَلَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ عِنْدَ الْكِتَابَةِ حَتَّى يَصِيرَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ إلَّا أَنَّ الْكِتَابَةَ مَانِعَةٌ مِنْ الدَّفْعِ، فَإِذَا زَالَ عَادَ الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ (وَكَذَلِكَ إذَا جَنَى الْمُكَاتَبُ وَلَمْ يَقْضِ بِهِ حَتَّى عَجَزَ) لِمَا بَيَّنَّا مِنْ زَوَالِ الْمَانِعِ (وَإِنْ قَضَى بِهِ عَلَيْهِ فِي كِتَابَتِهِ ثُمَّ عَجَزَ فَهُوَ دَيْنٌ يُبَاعُ فِيهِ) لِانْتِقَالِ الْحَقِّ مِنْ الرَّقَبَةِ إلَى قِيمَتِهِ بِالْقَضَاءِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَدْ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ إلَيْهِ، وَكَانَ يَقُولُ أَوَّلًا يُبَاعُ فِيهِ وَإِنْ عَجَزَ قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الدَّفْعِ وَهُوَ الْكِتَابَةُ قَائِمٌ وَقْتَ الْجِنَايَةِ، فَكَمَا وَقَعَتْ انْعَقَدَتْ مُوجِبَةً لِلْقِيمَةِ كَمَا فِي جِنَايَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّهُ يَطِيبُ لَهُمَا، وَعَلَى هَذَا إذَا أُعْتِقَ الْمُكَاتَبُ وَاسْتَغْنَى يَطِيبُ لَهُ مَا بَقِيَ فِي يَدِهِ مِنْ الصَّدَقَةِ، وَإِنَّمَا قِيلَ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ قَالُوا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَطِيبُ، لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ عِنْدَهُ لَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى أَكْسَابَهُ مِلْكًا مُبْتَدَأً بَلْ كَانَ لَهُ نَوْعُ مِلْكٍ فِي أَكْسَابِهِ، وَبِالْعَجْزِ يَتَأَكَّدُ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا. وَهَاهُنَا سُؤَالٌ مُشْكِلٌ وَهُوَ أَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ كَانَ لِلْمَوْلَى فَأَنَّى يَتَحَقَّقُ تَبَدُّلُ الْمِلْكِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ لِلْمَوْلَى كَانَ مَغْلُوبًا فِي مُقَابَلَةِ مِلْكِ الْيَدِ لِلْمُكَاتَبِ، فَإِنَّ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَمْنَعَ الْمَوْلَى عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَمْنَعَ الْمُكَاتَبَ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ وَبِالْعَجْزِ يَنْعَكِسُ ذَلِكَ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا بِتَبَدُّلِ الْمِلْكِ لِلْمَوْلَى، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ ذَلِكَ تَبَدُّلٌ، وَلَئِنْ كَانَ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ مِثْلَهُ بِمَنْزِلَةِ تَبَدُّلِ الْعَيْنِ، وَلَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: الْمَوْلَى لَمْ يَكُنْ لَهُ مِلْكُ يَدٍ قَبْلَ الْعَجْزِ وَحَصَلَ بِهِ فَكَانَ تَبَدُّلًا. قَالَ (وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ فَكَاتَبَهُ مَوْلَاهُ إلَخْ) إذَا جَنَى الْعَبْدُ فَكَاتَبَهُ مَوْلَاهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْجِنَايَةِ لَمْ يُجْعَلْ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِعَدَمِ عِلْمِهِ بِالْجِنَايَةِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الدَّفْعَ قَدْ تَعَذَّرَ بِفِعْلِهِ وَهُوَ الْكِتَابَةُ كَمَا لَوْ بَاعَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ فَإِنْ عَجَزَ خُيِّرَ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْأَدَاءِ وَالْفِدَاءِ لِأَنَّ هَذَا: أَيْ أَحَدَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ مُوجِبُ جِنَايَةِ الْعَبْدِ فِي الْأَصْلِ، وَالْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ لَا يُتْرَكُ إلَّا بِمَانِعٍ، فَإِنَّ الْأَصْلَ عِبَارَةٌ عَنْ حَالَةٍ مُسْتَمِرَّةٍ لَا تَتَغَيَّرُ إلَّا بِأُمُورٍ ضَرُورِيَّةٍ وَالْمَانِعُ عَنْهُ حَالَ الْكِتَابَةِ قَائِمٌ، أَمَّا عَنْ الْفِدَاءِ فَلِمَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ الْعِلْمِ، وَأَمَّا عَنْ الدَّفْعِ فَلِتَعَذُّرِهِ بِالْكِتَابَةِ، فَأَمَّا إذَا عَجَزَ فَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ، وَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ عَادَ الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ، وَكَذَلِكَ: أَيْ وَكَمَا مَرَّ مِنْ عَوْدِ الْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ إذَا جَنَى الْمُكَاتَبُ وَلَمْ يَقْضِ بِهِ: أَيْ بِمُوجِبِ الْجِنَايَةِ حَتَّى عَجَزَ لِمَا بَيَّنَّا

الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ. وَلَنَا أَنَّ الْمَانِعَ قَابِلٌ لِلزَّوَالِ لِلتَّرَدُّدِ وَلَمْ يَثْبُتْ الِانْتِقَالُ فِي الْحَالِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا وَصَارَ كَالْعَبْدِ الْمَبِيعِ إذَا أَبَقَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَتَوَقَّفُ الْفَسْخُ عَلَى الْقَضَاءِ لِتَرَدُّدِهِ وَاحْتِمَالِ عَوْدِهِ، كَذَا هَذَا، بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ لِأَنَّهُمَا لَا يَقْبَلَانِ الزَّوَالَ بِحَالٍ. قَالَ (وَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى الْمَكَاتِبُ لَمْ تَنْفَسِخْ الْكِتَابَةُ) كَيْ لَا يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْمُكَاتَبِ، إذْ الْكِتَابَةُ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ وَسَبَبُ حَقِّ الْمَرْءِ حَقُّهُ (وَقِيلَ لَهُ أَدِّ الْمَالَ إلَى وَرَثَةِ الْمَوْلَى عَلَى نُجُومِهِ) لِأَنَّهُ اسْتِحْقَاقُ الْحُرِّيَّةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَالسَّبَبُ انْعَقَدَ كَذَلِكَ فَيَبْقَى بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَلَا يَتَغَيَّرُ، إلَّا أَنَّ الْوَرَثَةَ يَخْلُفُونَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ زَوَالِ الْمَانِعِ وَإِنْ قَضَى بِهِ: أَيْ بِمُوجِبِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ: أَيْ عَلَى الْمُكَاتَبِ فِي كِتَابَتِهِ ثُمَّ عَجَزَ فَهُوَ: أَيْ مَا قَضَى بِهِ مِنْ مُوجِبِهَا دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ يُبَاعُ فِيهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا جَنَى جِنَايَةَ خَطَأٍ فَإِنَّهُ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ، لِأَنَّ دَفْعَهُ مُتَعَذِّرٌ بِسَبَبِ الْكِتَابَةِ وَهُوَ أَحَقُّ بِكَسْبِهِ وَمُوجِبُ الْجِنَايَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الدَّفْعِ عَلَى مَنْ يَكُونُ الْكَسْبُ لَهُ، وَالْوَاجِبُ هُوَ الْأَقَلُّ مِنْ الْقِيمَةِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ فِي جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِمَا وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِكَسْبِهِمَا، هَكَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَيْرُهُ. وَإِذَا عَلِمْت هَذَا ظَهَرَ لَك أَنَّ الْحَقَّ قَدْ انْتَقَلَ بِالْقَضَاءِ مِنْ الْمُوجِبِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ دَفْعُ الرَّقَبَةِ إلَى الْقِيمَةِ قَبْلَ زَوَالِ الْمَانِعِ، فَإِذَا زَالَ لَمْ يَعُدْ الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ صِيَانَةً لِلْقَضَاءِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَدْ رَجَعَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - آخِرًا وَكَانَ يَقُولُ أَوَّلًا يُبَاعُ فِيهِ وَإِنْ عَجَزَ قَبْلَ الْقَضَاءِ إلَّا أَنْ يَقْضِيَ الْمَوْلَى عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الدَّفْعِ وَهُوَ الْكِتَابَةُ قَائِمٌ وَقْتَ الْجِنَايَةِ، فَالْجِنَايَةُ عِنْدَ مَا وَقَعَتْ انْعَقَدَتْ مُوجِبَةً لِلْقِيمَةِ كَمَا فِي جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ. وَقَوْلُهُ مِنْ الرَّقَبَةِ إلَى الْقِيمَةِ وَقَوْلُهُ انْعَقَدَتْ مُوجِبَةً لِلْقِيمَةِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْقِيمَةُ لَا الْأَقَلُّ مِنْهَا وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ وَالْمَبْسُوطِ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ تَأْوِيلُ كَلَامِهِ إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ. وَلَنَا الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ، وَهُوَ أَنَّا سَلَّمْنَا أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الدَّفْعِ قَائِمٌ، وَلَكِنَّ الْكَلَامَ فِي أَنَّهُ قَابِلٌ لِلزَّوَالِ أَوْ لَا، وَلَا شَكَّ فِي قَبُولِهِ لِإِمْكَانِ انْفِسَاخِ الْكِتَابَةِ وَعَدَمِ ثُبُوتِ الِانْتِقَالِ فِي الْحَالِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا. فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ وَلَمْ يَثْبُتْ الِانْتِقَالُ فِي الْحَالِ مُتَنَازَعٌ فِيهِ لِأَنَّ مَذْهَبَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ جِنَايَةَ الْمُكَاتَبِ تَصِيرُ مَالًا فِي الْحَالِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى الرِّضَا أَوْ الْقَضَاءِ فَمَا وَجْهُ أَخْذِهِ فِي الدَّلِيلِ؟ قُلْنَا: ظُهُورُهُ، فَإِنَّ التَّرَدُّدَ فِي زَوَالِ الْمَانِعِ يَمْنَعُ الِانْتِقَالَ لِإِمْكَانِ وُجُودِ الْمُوجِبِ الْأَصْلِيِّ فَصَارَ كَالْعَبْدِ الْمَبِيعِ إذَا أَبَقَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ الْفَسْخُ عَلَى الْقَضَاءِ لِتَرَدُّدِهِ وَاحْتِمَالِ عَوْدِهِ، بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَاءِ لِأَنَّهُمَا لَا يَقْبَلَانِ الزَّوَالَ بِحَالٍ فَكَانَ الْمُوجِبُ فِي الِابْتِدَاءِ هُوَ الْقِيمَةُ. قَالَ (وَإِذَا مَاتَ مَوْلَى الْمُكَاتَبِ لَمْ تَنْفَسِخْ الْكِتَابَةُ) الْكِتَابَةُ حَقُّ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهَا سَبَبُ حُرِّيَّتِهِ وَحُرِّيَّةِ حَقِّهِ فَهِيَ سَبَبُ حَقِّهِ وَسَبَبُ حَقِّ الْمَرْءِ حَقُّهُ لِإِفْضَائِهِ إلَى حُصُولِهِ فَالْكِتَابَةُ حَقُّهُ فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى لَا تَنْفَسِخُ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ مَوْتُهُ إلَى إبْطَالِ حَقِّ غَيْرِهِ، وَيُقَالُ لَهُ أَدِّ الْمَالَ إلَى وَرَثَةِ الْمَوْلَى عَلَى نُجُومِهِ: أَيْ مُؤَجَّلًا لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْحُرِّيَّةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَالسَّبَبُ انْعَقَدَ كَذَلِكَ فَيَبْقَى بِهَذِهِ الصِّفَةِ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمَّا كَانَ صَحِيحًا صَحَّ تَصَرُّفُهُ بِتَأْجِيلِ الْكُلِّ كَإِسْقَاطِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَرِيضًا وَكَاتَبَهُ فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ يُؤَدِّي ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ حَالًّا أَوْ يُرَدُّ رَقِيقًا لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَرِيضًا لَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ بِتَأْجِيلِ غَيْرِ الثُّلُثِ كَإِسْقَاطِهِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ الْوَرَثَةَ يَخْلُفُونَهُ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يَتَغَيَّرُ قِيلَ وَكَأَنَّهُ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ كَيْفَ لَا يَتَغَيَّرُ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ وَقَدْ كَانَ لَهُ حَقُّ اسْتِيفَاءِ الْبَدَلِ فَصَارَ لِلْوَرَثَةِ وَهُوَ تَغَيُّرٌ فَقَالَ قِيَامُهُمْ مَقَامَهُ فِي الِاسْتِيفَاءِ لَا يُسَمَّى تَغْيِيرًا فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ كَمَا كَانَتْ، فَكَمَا أَنَّ سَائِرَ الدُّيُونِ يَخْلُفُونَهُ فِيهِ وَلَا يُسَمَّى ذَلِكَ تَغَيُّرًا فَكَذَلِكَ دَيْنُ الْكِتَابَةِ

[كتاب الولاء]

فِي الِاسْتِيفَاءِ (فَإِنْ أَعْتَقَهُ أَحَدُ الْوَرَثَةِ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُكَاتِبَ لَا يَمْلِكُ بِسَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ فَكَذَا بِسَبَبِ الْوِرَاثَةِ. وَإِنْ أَعْتَقُوهُ جَمِيعًا عَتَقَ وَسَقَطَ عَنْهُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ إبْرَاءً عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ حَقُّهُمْ وَقَدْ جَرَى فِيهِ الْإِرْثُ، وَإِذَا بَرِئَ الْمُكَاتَبُ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ يُعْتَقُ كَمَا إذَا أَبْرَأَهُ الْمَوْلَى، إلَّا أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَهُ أَحَدُ الْوَرَثَةِ لَا يَصِيرُ إبْرَاءً عَنْ نَصِيبِهِ، لِأَنَّا نَجْعَلُهُ إبْرَاءَ اقْتِضَاءٍ تَصْحِيحًا لِعِتْقِهِ. وَالْعِتْقُ لَا يَثْبُتُ بِإِبْرَاءِ الْبَعْضِ أَوْ أَدَائِهِ فِي الْمُكَاتَبِ لَا فِي بَعْضِهِ وَلَا فِي كُلِّهِ، وَلَا وَجْهَ إلَى إبْرَاءِ الْكُلِّ لِحَقِّ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ أَعْتَقَهُ أَحَدُ الْوَرَثَةِ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ، إذْ الْمُكَاتَبُ لَا يَمْلِكُ بِسَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ فَكَذَا بِالْإِرْثِ) وَلَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ ابْنُ آدَمَ (وَإِنْ أَعْتَقُوهُ جَمِيعًا) عَتَقَ اسْتِحْسَانًا. وَجْهُ الْقِيَاسِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ عَدَمِ الْمِلْكِ. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنْ يَصِيرَ إعْتَاقُهُمْ إبْرَاءً عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُمْ يَمْلِكُونَهُ لِجَرَيَانِ الْإِرْثِ فِيهِ (وَإِذَا بَرِئَ الْمُكَاتَبُ عَنْ جَمِيعِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ عَتَقَ كَمَا إذَا أَبْرَأَهُ مَوْلَاهُ) فَإِنْ قِيلَ: فَاجْعَلْ إعْتَاقَ أَحَدِ الْوَرَثَةِ إبْرَاءً عَنْ نَصِيبِهِ. قُلْنَا: لَا يَصِحُّ، لِأَنَّا نَجْعَلُهُ إبْرَاءً اقْتِضَاءً تَصْحِيحًا لِعِتْقِهِ، وَالْعِتْقُ لَا يَثْبُتُ فِي الْمُكَاتَبِ بِإِبْرَاءِ بَعْضِ الْبَدَلِ أَوْ أَدَائِهِ لَا فِي بَعْضِهِ وَلَا فِي كُلِّهِ، لِأَنَّ عِتْقَهُ مُعَلَّقٌ بِسُقُوطِ جَمِيعِ الْبَدَلِ، وَلِهَذَا لَوْ أَبْرَأَ الْمُوَرِّثُ عَنْ بَعْضِ الْبَدَلِ لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ إثْبَاتُ الْمُقْتَضَى لَا يَثْبُتُ الْمُقْتَضِي فَلَا وَجْهَ لِإِبْرَاءِ الْبَعْضِ، وَكَذَلِكَ إلَى إبْرَاءِ الْكُلِّ لِحَقِّ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَآبُ. [كِتَابُ الْوَلَاءِ] أَوْرَدَ كِتَابَ الْوَلَاءِ عَقِيبَ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ مِنْ آثَارِ زَوَالِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ، وَقَدْ سَاقَ مُوجِبَ تَرْتِيبِ الْأَبْوَابِ عَلَى النَّهْجِ الْمُتَقَدِّمِ إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ فَوَجَبَ تَأْخِيرُ كِتَابِ الْوَلَاءِ عَنْ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ لِئَلَّا يَتَقَدَّمَ الْأَثَرُ عَلَى الْمُؤَثِّرِ. وَالْوَلَاءُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ النُّصْرَةِ

الْوَلَاءُ نَوْعَانِ: وَلَاءُ عَتَاقَةٍ وَيُسَمَّى وَلَاءَ نِعْمَةٍ وَسَبَبُهُ الْعِتْقُ عَلَى مُلْكِهِ فِي الصَّحِيحِ، حَتَّى لَوْ عَتَقَ قَرِيبُهُ عَلَيْهِ بِالْوِرَاثَةِ كَانَ الْوَلَاءُ لَهُ. وَوَلَاءُ مُوَالَاةٍ، وَسَبَبُهُ الْعَقْدُ وَلِهَذَا يُقَالُ وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ وَوَلَاءُ الْمُوَالَاةِ، وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمَحَبَّةِ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْوَلِيِّ وَهُوَ الْقُرْبُ، وَحُصُولُ الثَّانِي بَعْدَ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَفِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ عِبَارَةٌ عَنْ تَنَاصُرٍ يُوجِبُ الْإِرْثَ وَالْعَقْلَ. قَالَ (الْوَلَاءُ نَوْعَانِ) يُنَوَّعُ الْوَلَاءُ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ إلَى نَوْعَيْنِ: فَالْأَوَّلُ (وَلَاءُ عَتَاقَةٍ وَيُسَمَّى وَلَاءَ نِعْمَةٍ) اقْتِفَاءً بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 37] أَيْ بِالْإِعْتَاقِ وَهُوَ زَيْدٌ. (وَسَبَبُهُ الْعِتْقُ عَلَى مِلْكِهِ فِي الصَّحِيحِ) وَقَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا إنَّ سَبَبَهُ الْإِعْتَاقُ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا، لِأَنَّهُ لَوْ عَتَقَ عَلَى الرَّجُلِ قَرِيبُهُ بِالْوِرَاثَةِ كَانَ الْوَلَاءُ لَهُ وَلَا إعْتَاقَ، فَجُعِلَ الْعِتْقُ سَبَبًا أَوْلَى لِعُمُومِهِ، وَالثَّانِي وَلَاءُ مُوَالَاةٍ وَسَبَبُهُ الْعَقْدُ عَلَى مَا سَنَذْكُرُ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا يُقَالُ وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ وَوَلَاءُ الْمُوَالَاةِ) بَيَانٌ لِسَبَبِ النَّوْعَيْنِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُضَافُ

سَبَبِهِ، وَالْمَعْنَى فِيهِمَا التَّنَاصُرُ، وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَتَنَاصَرُ بِأَشْيَاءَ، وَقَرَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَنَاصُرَهُمْ بِالْوَلَاءِ بِنَوْعَيْهِ فَقَالَ: «إنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ وَحَلِيفُهُمْ مِنْهُمْ» وَالْمُرَادُ بِالْحَلِيفِ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُؤَكِّدُونَ الْمُوَالَاةَ بِالْحِلْفِ. قَالَ (وَإِذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى مَمْلُوكَهُ فَوَلَاؤُهُ لَهُ) لِقَوْلِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» ، ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى شَيْءٍ، وَالْإِضَافَةُ تَدُلُّ عَلَى السَّبَبِيَّةِ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ. وَقَوْلُهُ (وَالْمَعْنَى فِيهِمَا التَّنَاصُرُ) بَيَانُ مَفْهُومِهِمَا الشَّرْعِيِّ (قَوْلُهُ وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَتَنَاصَرُ بِأَشْيَاءَ) بَيَانُ وُجُوهِ التَّنَاصُرِ فِيهِمَا، فَإِنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَتَنَاصَرُ بِهِمَا وَبِالْحَلِفِ وَالْمُنَاطَاةِ (وَ) قَدْ (قَرَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَنَاصُرَهُمْ بِالْوَلَاءِ بِنَوْعَيْهِ فَقَالَ: «إنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ وَحَلِيفُهُمْ مِنْهُمْ» . وَالْمُرَادُ بِالْحَلِيفِ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُؤَكِّدُونَ الْمُوَالَاةَ بِالْحَلِفِ) . قَالَ (وَإِذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى مَمْلُوكَهُ إلَخْ) إذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى مَمْلُوكَهُ كَانَ الْوَلَاءُ لَهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا تَرَتَّبَ عَلَى مُشْتَقٍّ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَقَّ مِنْهُ عِلَّةٌ لِذَلِكَ الْحُكْمِ. فَإِنْ قِيلَ: الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يُنَاقِضُ جَعْلَ الْعِتْقِ سَبَبًا لِأَنَّ أَعْتَقَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْإِعْتَاقِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاشْتِقَاقِ هُوَ مَصْدَرُ

وَلِأَنَّ التَّنَاصُرَ بِهِ فَيَعْقِلُهُ وَقَدْ أَحْيَاهُ مَعْنًى بِإِزَالَةِ الرِّقِّ عَنْهُ فَيَرِثُهُ وَيَصِيرُ الْوَلَاءُ كَالْوِلَادِ، وَلِأَنَّ الْغُنْمَ بِالْغُرْمِ، وَكَذَا الْمَرْأَةُ تَعْتِقُ لِمَا رَوَيْنَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQالثُّلَاثِيِّ وَهُوَ الْعِتْقُ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ التَّنَاصُرَ بِهِ) أَيْ بِسَبَبِ الْإِعْتَاقِ دَلِيلٌ عَلَى الْأَثَرَيْنِ الثَّابِتَيْنِ بِهِ وَهُمَا الْعَقْلُ وَالْمِيرَاثُ. وَتَقْرِيرُهُ الْمَوْلَى يَنْتَصِرُ بِمَوْلَاهُ بِسَبَبِ الْعِتْقِ، وَمَنْ يَنْتَصِرُ بِشَخْصٍ يَعْقِلُهُ لِأَنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ فَحَيْثُ يَغْنَمُ بِنَصْرِهِ يَغْرَمُ عَقْلَهُ، وَالْمَوْلَى أَحْيَاهُ مَعْنًى بِإِزَالَةِ الرِّقِّ عَنْهُ، لِأَنَّ الرَّقِيقَ هَالِكٌ حُكْمًا، أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَعَلَّقَتْ بِالْأَحْيَاءِ نَحْوُ الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ وَالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ وَالْخُرُوجِ إلَى الْعِيدَيْنِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، وَبِالْإِعْتَاقِ تَثْبُتُ هَذِهِ الْأَحْكَامُ فِي حَقِّهِ فَكَانَ إحْيَاءً مَعْنًى، وَمَنْ أَحْيَا غَيْرَهُ مَعْنًى وَرِثَهُ كَالْوَالِدِ فَيَصِيرُ الْوَلَاءُ كَالْوِلَادِ وَالْوِلَادُ يُوجِبُ الْإِرْثَ، فَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ، وَلِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّهُ يَعْقِلُهُ فَيَرِثُهُ لِأَنَّ الْغُنْمَ بِالْغُرْمِ، فَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الْغُنْمَ بِالْغُرْمِ) يَخْدُمُ الْوَجْهَيْنِ فَلِهَذَا أَخَّرَهُ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْمَرْأَةُ تُعْتَقُ) يَعْنِي أَنَّ وَلَاءَ مُعْتِقِهَا لَهَا لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

«وَمَاتَ مُعْتَقٌ لِابْنَةِ حَمْزَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْهَا وَعَنْ بِنْتٍ فَجَعَلَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْمَالَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ» . وَيُسْتَوَى فِيهِ الْإِعْتَاقُ بِمَالٍ وَبِغَيْرِهِ لِإِطْلَاقِ مَا ذَكَرْنَاهُ. قَالَ (فَإِنْ شَرَطَ أَنَّهُ سَائِبَةٌ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَالْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) لِأَنَّ الشَّرْطَ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ فَلَا يَصِحُّ. قَالَ (وَإِذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ عَتَقَ وَوَلَاؤُهُ لِلْمَوْلَى وَإِنْ عَتَقَ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى) لِأَنَّهُ عَتَقَ عَلَيْهِ بِمَا بَاشَرَ مِنْ السَّبَبِ وَهُوَ الْكِتَابَةُ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي الْمُكَاتَبِ (وَكَذَا الْعَبْدُ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ أَوْ بِشِرَائِهِ وَعِتْقِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ) لِأَنَّ فِعْلَ الْوَصِيِّ بَعْدَ مَوْتِهِ كَفِعْلِهِ وَالتَّرِكَةُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ (وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ) لِمَا بَيَّنَّا فِي الْعَتَاقِ (وَوَلَاؤُهُمْ لَهُ) لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُمْ بِالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ (وَمَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ) لِمَا بَيَّنَّا فِي الْعَتَاقِ (وَوَلَاؤُهُ لَهُ) لِوُجُودِ السَّبَبِ وَهُوَ الْعِتْقُ عَلَيْهِ (وَإِذَا تَزَوَّجَ عَبْدُ رَجُلٍ أَمَةً لِآخَرَ فَأَعْتَقَ مَوْلَى الْأَمَةِ الْأَمَةَ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ الْعَبْدِ عَتَقَتْ وَعَتَقَ حَمْلُهَا، وَوَلَاءُ الْحَمْلِ لِمَوْلَى الْأُمِّ لَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ أَبَدًا) لِأَنَّهُ عَتَقَ عَلَى مُعْتِقِ الْأُمِّ مَقْصُودًا إذْ هُوَ جُزْءٌ مِنْهَا يَقْبَلُ الْإِعْتَاقَ مَقْصُودًا فَلَا يَنْتَقِلُ وَلَاؤُهُ عَنْهُ عَمَلًا بِمَا رَوَيْنَا (وَكَذَلِكَ إذَا وَلَدَتْ وَلَدًا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) لِلتَّيَقُّنِ بِقِيَامِ الْحَمْلِ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ (أَوْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) لِأَنَّهُمَا تَوْأَمَانِ يَتَعَلَّقَانِ مَعًا. وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَالَتْ رَجُلًا وَهِيَ حُبْلَى وَالزَّوْجُ وَالَى غَيْرَهُ حَيْثُ يَكُونُ وَلَاءُ الْوَلَدِ لِمَوْلَى الْأَبِ لِأَنَّ الْجَنِينَ غَيْرُ قَابِلٍ لِهَذَا الْوَلَاءِ مَقْصُودًا، لِأَنَّ تَمَامَهُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَقَوْلُهُ (وَمَاتَ مُعْتِقٌ لِابْنَةِ حَمْزَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِمَا رَوَيْنَا مَعْنَى ذَكَرَهُ اسْتِدْلَالًا عَلَى ثُبُوتِ الْوَلَاءِ لِلْمَرْأَةِ (رُوِيَ «أَنَّ بِنْتَ حَمْزَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَعْتَقَتْ غُلَامًا لَهَا ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتِقُ وَتَرَكَ ابْنَتَهُ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَالَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ» . وَيَسْتَوِي فِي ثُبُوتِ الْوَلَاءِ الْإِعْتَاقُ بِمَالٍ وَبِغَيْرِهِ) وَالْعِتْقُ بِقَرَابَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ عِنْدَ الْأَدَاءِ أَوْ تَدْبِيرٍ أَوْ اسْتِيلَادٍ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْعِتْقُ حَاصِلًا ابْتِدَاءً أَوْ بِجِهَةِ الْوَاجِبِ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَمَا أَشْبَهَهَا (لِإِطْلَاقِ مَا ذَكَرْنَاهُ) يَعْنِي قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَعْنَى الْمَعْقُولِ. (فَإِنْ شُرِطَ أَنَّهُ سَائِبَةٌ) أَيْ يَكُونُ حُرًّا وَلَا وَلَاءَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُعْتِقِهِ (فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَالْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، لِأَنَّ الشَّرْطَ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ فَلَا يَصِحُّ) . قَالَ (وَإِذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ) كَلَامُهُ ظَاهِرٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْحٍ. وَذَكَرَ مَسْأَلَةَ جَرِّ الْوَلَاءِ وَبَيَّنَ مَوَاضِعَ الْجَرِّ عَنْ غَيْرِهِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْعِتْقَ إذَا وَقَعَ مَقْصُودًا عَلَى

قَالَ (فَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَ عِتْقِهَا لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَدًا فَوَلَاؤُهُ لِمَوَالِي الْأُمِّ) لِأَنَّهُ عَتَقَ تَبَعًا لِلْأُمِّ لِاتِّصَالِهِ بِهَا بَعْدَ عِتْقِهَا فَيَتْبَعُهَا فِي الْوَلَاءِ وَلَمْ يَتَيَقَّنْ بِقِيَامِهِ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ حَتَّى يَعْتِقَ مَقْصُودًا (فَإِنْ أُعْتِقَ الْأَبُ جَرَّ وَلَاءَ ابْنِهِ وَانْتَقَلَ عَنْ مَوَالِي الْأُمِّ إلَى مَوَالِي الْأَبِ) لِأَنَّ الْعِتْقَ هَاهُنَا فِي الْوَلَدِ يَثْبُتُ تَبَعًا لِلْأُمِّ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَلَاءَ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ» ثُمَّ النَّسَبُ إلَى الْآبَاءِ فَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ وَالنِّسْبَةُ إلَى مَوَالِي الْأُمِّ كَانَتْ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْأَبِ ضَرُورَةً، فَإِذَا صَارَ أَهْلًا عَادَ الْوَلَاءُ إلَيْهِ؛ كَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ يُنْسَبُ إلَى قَوْمِ الْأُمِّ ضَرُورَةً، فَإِذَا أَكَذَبَ الْمُلَاعِنُ نَفْسَهُ يُنْسَبُ إلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أُعْتِقَتْ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ مَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ أَوْ الطَّلَاقِ حَيْثُ يَكُونُ الْوَلَدُ مَوْلًى لِمَوَالِي الْأُمِّ وَإِنْ أُعْتِقَ الْأَبُ لِتَعَذُّرِ إضَافَةِ الْعُلُوقِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالطَّلَاقِ الْبَائِنِ لِحُرْمَةِ الْوَطْءِ وَبَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ لِمَا أَنَّهُ يَصِيرُ مُرَاجَعًا بِالشَّكِّ فَأُسْنِدَ إلَى حَالَةِ النِّكَاحِ فَكَانَ الْوَلَدُ مَوْجُودًا عِنْدَ الْإِعْتَاقِ فَعَتَقَ مَقْصُودًا (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَلَدِ لَا يَنْتَقِلُ وَلَاؤُهُ أَبَدًا، وَإِنْ وَقَعَ تَبَعًا لِأُمِّهِ ثُمَّ أُعْتِقَ الْأَبُ جَرَّ وَلَاءَ ابْنِهِ إلَى مَوَالِيهِ. وَعَلَى هَذَا إذَا أَعْتَقَ الرَّجُلُ أَمَةً وَوَلَدَهَا عَتَقَا وَوَلَاؤُهُمَا لَهُ، فَإِنْ أُعْتِقَ الْأَبُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَجُرُّ وَلَاءَهُ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُنْفَصِلًا عَنْ الْأُمِّ كَانَ مَمْلُوكًا لِمَالِكِ الْأُمِّ وَالْعِتْقُ تَنَاوَلَهُ مَقْصُودًا فَلَا يَتَّبِعُ أَحَدًا، وَإِذَا أُعْتِقَتْ الْأُمُّ وَهِيَ حَامِلٌ أَوْ أُعْتِقَتْ وَوَلَدَتْ بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ وَلَدَتْ أَحَدَ التَّوْأَمَيْنِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بِيَوْمٍ ثُمَّ أَعْتَقَ الْأَبَ رَجُلٌ آخَرُ فَكَذَلِكَ لَا يَنْتَقِلُ الْوَلَاءُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ لِأَنَّ الْمَوْلَى قَصَدَ إعْتَاقَ الْأُمِّ، وَالْقَصْدُ إلَيْهَا بِالْإِعْتَاقِ قَصْدٌ إلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهَا وَالْحَمْلُ جُزْءٌ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَ الْحَمْلُ ظَاهِرًا وَقْتَ الْإِعْتَاقِ فَوَاضِحٌ، وَإِنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ حَصَلَ الْيَقِينُ بِقِيَامِهِ فِيهِ، وَكَذَا إذَا وَلَدَتْ أَحَدَ التَّوْأَمَيْنِ لِأَنَّهُمَا يَتَعَلَّقَانِ مَعًا. فَإِنْ قِيلَ: الْحُبْلَى إذَا وَالَتْ رَجُلًا وَالزَّوْجُ وَالَى غَيْرَهُ كَانَ وَلَاءُ الْوَلَدِ لِمَوْلَى الْأَبِ فَمَا الْفَرْقُ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْجَنِينَ غَيْرُ قَابِلٍ لِهَذَا الْوَلَاءِ مَقْصُودًا، لِأَنَّ تَمَامَهُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لَهُ، وَإِذَا أَعْتَقَهَا ثُمَّ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَوَلَاؤُهُ لِمَوَالِي الْأُمِّ لِأَنَّهَا لَمَّا وَلَدَتْ لِذَلِكَ لَمْ يَتَيَقَّنْ لِقِيَامِ الْحَمْلِ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ حَتَّى يُعْتَقَ مَقْصُودًا فَيُعْتَقَ تَبَعًا لِلْأُمِّ لِاتِّصَالِهِ بِهَا بَعْدَ عِتْقِهَا فَيَتْبَعُهَا فِي الْوَلَاءِ. فَإِنْ أُعْتِقَ الْأَبُ جَرَّ وَلَاءَ ابْنِهِ إلَى مَوَالِيهِ لِأَنَّ الْوَلَاءَ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» الْحَدِيثَ. ثُمَّ النَّسَبُ إلَى الْآبَاءِ فَكَذَلِكَ

وَإِذَا تَزَوَّجَتْ مُعْتَقَةً بِعَبْدٍ فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا فَجَنَى الْأَوْلَادُ فَعَقْلُهُمْ عَلَى مَوَالِي الْأُمِّ) لِأَنَّهُمْ عَتَقُوا تَبَعًا لِأُمِّهِمْ وَلَا عَاقِلَةَ لِأَبِيهِمْ وَلَا مَوْلَى، فَأُلْحِقُوا بِمَوَالِي الْأُمِّ ضَرُورَةً كَمَا فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا (فَإِنْ أُعْتِقَ الْأَبُ جَرَّ وَلَاءَ الْأَوْلَادِ إلَى نَفْسِهِ) لِمَا بَيَّنَّا (وَلَا يَرْجِعُونَ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ بِمَا عَقَلُوا) لِأَنَّهُمْ حِينَ عَقَلُوهُ كَانَ الْوَلَاءُ ثَابِتًا لَهُمْ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْأَبِ مَقْصُودًا لِأَنَّ سَبَبَهُ مَقْصُودٌ وَهُوَ الْعِتْقُ، بِخِلَافِ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ إذَا عَقَلَ عَنْهُ قَوْمُ الْأُمِّ ثُمَّ أَكْذَبَ الْمُلَاعِنُ نَفْسَهُ حَيْثُ يَرْجِعُونَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ النَّسَبَ هُنَالِكَ يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ وَكَانُوا مَجْبُورِينَ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَلَاءُ، وَالنِّسْبَةُ إلَى مَوَالِي الْأُمِّ كَانَتْ ضَرُورَةَ عَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْأَبِ لِرِقِّهِ، فَإِذَا صَارَ أَهْلًا عَادَ الْوَلَاءُ إلَيْهِ. كَمَا أَنَّ وَلَدَ الْمُلَاعَنَةِ يَنْتَسِبُ إلَى قَوْمِ الْأُمِّ ضَرُورَةً، فَإِذَا أَكْذَبَ الْمُلَاعِنُ نَفْسَهُ عَادَ انْتِسَابُ الْوَلَاءِ إلَيْهِ. وَنُوقِضَ قَوْلُهُ فَإِذَا صَارَ طِفْلًا عَادَ الْوَلَاءُ إلَيْهِ بِمَا إذَا أُعْتِقَتْ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ مَوْتٍ بِأَنْ كَانَتْ الْأَمَةُ امْرَأَةَ مُكَاتَبٍ فَمَاتَ عَنْ وَفَاءٍ أَوْ أُعْتِقَتْ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ طَلَاقٍ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ أَوْ الطَّلَاقِ حَيْثُ يَكُونُ الْوَلَدُ مَوْلًى لِمَوَالِي الْأُمِّ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْهُمْ، وَإِنْ أُعْتِقَ الْأَبُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعَوْدَ إلَيْهِ بِعَوْدِ الْأَهْلِيَّةِ، وَلَمْ يَثْبُتْ بِهَذَا الْعِتْقِ لِلْأَبِ أَهْلِيَّةٌ لِتَعَذُّرِ إضَافَةِ الْعُلُوقِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِلَى مَا بَعْدَ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ لِحُرْمَةِ الْوَطْءِ وَكَذَلِكَ بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ لِمَا أَنَّهُ يَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالشَّكِّ، لِأَنَّهَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا

ذَلِكَ فَيَرْجِعُونَ. قَالَ (وَمَنْ تَزَوَّجَ مِنْ الْعَجَمِ بِمُعْتَقَةٍ مِنْ الْعَرَبِ فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا) فَوَلَاءُ أَوْلَادِهَا لِمَوَالِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: حُكْمُهُ حُكْمُ أَبِيهِ، لِأَنَّ النَّسَبَ إلَى الْأَبِ كَمَا إذَا كَانَ الْأَبُ عَرَبِيًّا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْأَبُ عَبْدًا لِأَنَّهُ هَالِكٌ مَعْنًى. ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَ الطَّلَاقِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ الرَّجْعَةِ لِثُبُوتِ النَّسَبِ، وَاحْتُمِلَ أَنْ لَا يَكُونَ فَيَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهَا لِيَثْبُتَ النَّسَبُ، وَإِذَا تَعَذَّرَ إضَافَتُهُ إلَى مَا بَعْدَ ذَلِكَ أُسْنِدَ إلَى حَالَةِ النِّكَاحِ فَكَانَ الْوَلَدُ مَوْجُودًا عِنْدَ الْإِعْتَاقِ فَعَتَقَ مَقْصُودًا، وَمَنْ عَتَقَ مَقْصُودًا لَا يَنْتَقِلُ وَلَاؤُهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَتَبَيَّنُ مِنْ هَذَا أَنَّهَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى الْمُتَيَقَّنِ بِوُجُودِ الْوَلَدِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَالطَّلَاقِ. وَأَمَّا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ فَالْحُكْمُ فِيهِ يَخْتَلِفُ بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَالرَّجْعِيِّ، فَفِي الْبَائِنِ مِثْلُ مَا كَانَ، وَأَمَّا فِي الرَّجْعِيِّ فَوَلَاءُ الْوَلَدِ لِمَوَالِي الْأَبِ لِتَيَقُّنِنَا بِمُرَاجَعَتِهِ. وَذَكَرَ لَفْظَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى بَيَانِ الْعَقْلِ وَبَيَّنَ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ وَكَلَامُهُ فِيهِ وَاضِحٌ. قَالَ (وَمَنْ تَزَوَّجَ مِنْ الْعَجَمِ بِمُعْتَقَةٍ مِنْ الْعَرَبِ إلَخْ) تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ مِنْ الْعَجَمِ لَمْ يُعْتِقْهُ أَحَدُ مُعْتَقَةِ الْعَرَبِ فَوَلَاءُ أَوْلَادِهَا لِمَوَالِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَأَمْوَالُهُمْ لَهُمْ لَا لِذَوِي أَرْحَامِهِ، حَتَّى لَوْ تَرَكَ هَذَا الْوَلَدُ عَمَّةً أَوْ خَالَةً لَمْ يَكُنْ لَهُمَا شَيْءٌ فِي وُجُودِ مُعْتِقِ الْأُمِّ وَعَصَبَتِهِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حُكْمُهُ حُكْمُ أَبِيهِ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ وَلَاءُ عَتَاقَةٍ وَإِنَّمَا يُورَثُ مَا لَهُ بَيْنَ ذَوِي أَرْحَامِهِ، كَمَا إذَا كَانَ الْأَبُ عَرَبِيًّا وَالْأُمُّ مُعْتَقَةً فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ وَلَاؤُهُ لِمَوَالِي أُمِّهِ لِأَنَّ النَّسَبَ إلَى الْآبَاءِ. فَإِنْ قِيلَ: لَمَّا كَانَ النَّسَبُ إلَى الْآبَاءِ وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ الْأَبُ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. أَجَابَ بِأَنَّ الْعَبْدَ هَالِكٌ مَعْنًى لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا وَلِأَنَّهُ أَثَرُ الْكُفْرِ وَالْكُفْرُ مَوْتٌ حُكْمِيٌّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: 122] فَصَارَ حَالُ هَذَا الْوَلَدِ فِي الْحُكْمِ حَالَ مَنْ لَا أَبَ لَهُ فَيُنْسَبُ إلَى مَوَالِي الْأُمِّ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَعْدُومٌ إذَا كَانَ الْأَبُ حُرًّا لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ حَيَاةٌ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْعَرَبُ وَالْعَجَمُ فِيهِ سَوَاءٌ. وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ حَتَّى اُعْتُبِرَتْ الْكَفَاءَةُ فِيهِ أَنَّ النَّاسَ يَتَفَاخَرُونَ بِالْعَتَاقَةِ وَيَعْتَبِرُونَهَا فِي الْكَفَاءَةِ، فَمَنْ لَهُ أَبٌ وَاحِدٌ فِي الْحُرِّيَّةِ لَا يَكُونُ كُفُؤًا لِمَنْ لَهُ أَبَوَانِ فِيهَا، وَالنَّسَبُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْعَجَمَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ لَمْ يَعْتَبِرُوا ذَلِكَ وَكَانَ تَفَاخُرُهُمْ بِعِمَارَةِ الدُّنْيَا حَتَّى جَعَلُوا مَنْ لَهُ أَبٌ وَاحِدٌ فِي الْإِمَارَةِ كُفُؤًا لِمَنْ لَهُ أَبَوَانِ فِي ذَلِكَ،

وَلَهُمَا أَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ قَوِيٌّ مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ حَتَّى اُعْتُبِرَتْ الْكَفَاءَةُ فِيهِ، وَالنَّسَبُ فِي حَقِّ الْعَجَمِ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُمْ ضَيَّعُوا أَنْسَابَهُمْ وَلِهَذَا لَمْ تُعْتَبَرْ الْكَفَاءَةُ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِالنَّسَبِ، وَالْقَوِيُّ لَا يُعَارِضُهُ الضَّعِيفُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْأَبُ عَرِيبًا لِأَنَّ أَنْسَابَ الْعَرَبِ قَوِيَّةٌ مُعْتَبَرَةٌ فِي حُكْمِ الْكَفَاءَةِ وَالْعَقْلِ، كَمَا أَنَّ تَنَاصُرَهُمْ بِهَا فَأَغْنَتْ عَنْ الْوَلَاءِ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْخِلَافُ فِي مُطْلَقِ الْمُعْتَقَةِ وَالْوَضْعُ فِي مُعْتَقَةِ الْعَرَبِ وَقَعَ اتِّفَاقًا (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: نَبَطِيٌّ كَافِرٌ تَزَوَّجَ بِمُعْتَقَةٍ كَافِرَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَ النَّبَطِيُّ وَوَالَى رَجُلًا ثُمَّ وَلَدَتْ أَوْلَادًا. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: مَوَالِيهِمْ مَوَالِي أُمِّهِمْ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: مَوَالِيهمْ مَوَالِي أَبِيهِمْ) لِأَنَّ الْوَلَاءَ وَإِنْ كَانَ أَضْعَفَ فَهُوَ مِنْ جَانِبِ الْأَبِ فَصَارَ كَالْمَوْلُودِ بَيْنَ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوَالِي وَبَيْنَ الْعَرَبِيَّةِ. وَلَهُمَا أَنَّ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ أَضْعَفُ حَتَّى يَقْبَلَ الْفَسْخَ، وَوَلَاءُ الْعَتَاقَةِ لَا يَقْبَلُهُ، وَالضَّعِيفُ لَا يَظْهَرُ فِي مُقَابَلَةِ الْقَوِيِّ، وَإِنْ كَانَ الْأَبَوَانِ مُعْتَقَيْنِ فَالنِّسْبَةُ إلَى قَوْمِ الْأَبِ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا، وَالتَّرْجِيحُ لِجَانِبِهِ لِشَبَهِهِ بِالنَّسَبِ أَوْ لِأَنَّ النُّصْرَةَ بِهِ أَكْثَرُ. قَالَ (وَوَلَاءُ الْعَتَاقَةِ تَعْصِيبٌ وَهُوَ أَحَقُّ بِالْمِيرَاثِ مِنْ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلَّذِي اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ هُوَ أَخُوك وَمَوْلَاك، إنْ شَكَرَك فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَشَرٌّ لَك، وَإِنْ كَفَرَك فَهُوَ خَيْرٌ لَك وَشَرٌّ لَهُ، وَلَوْ مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا كُنْت أَنْتَ عَصَبَتَهُ» ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْخِلَافُ فِي مُطْلَقِ الْمُعْتَقَةِ) وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ الْمُعْتَقَةَ مُطْلَقًا، حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ بِمُعْتَقَةِ غَيْرِ الْعَرَبِيِّ كَانَ كَذَلِكَ، فَكَانَ وَضْعُ الْقُدُورِيِّ فِي مُعْتَقَةِ الْعَرَبِ اتِّفَاقِيًّا. وَذَكَرَ لَفْظَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِبَيَانِ أَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ الْمُعْتَقَةَ مُطْلَقًا وَلِاشْتِمَالِهِ عَلَى وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ، وَذَلِكَ وَاضِحٌ فِي الْكِتَابِ. (قَوْلُهُ كَالْمَوْلُودِ بَيْنَ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوَالِي) يَعْنِي الْعَجَمَ، فَإِنَّ الْعَجَمِيَّ إذَا تَزَوَّجَ بِعَرَبِيَّةٍ فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا فَإِنَّهَا تُنْسَبُ إلَى قَوْمِ أَبِيهِمْ، فَكَذَا إذَا كَانَتْ مُعْتَقَةً لِأَنَّ النِّسْبَةَ إلَى الْأُمِّ ضَعِيفَةٌ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الْأَبَوَانِ) أَيْ الْوَالِدَانِ (مُعْتَقَيْنَ) رَاجِعٌ إلَى أَوَّلِ الْخِلَافِ: يَعْنِي إنْ كَانَتْ الْأُمُّ مُعْتَقَةً وَالْأَبُ وَالَى رَجُلًا فَفِيهِ الْخِلَافُ. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْوَالِدَانِ مُعْتَقَيْنَ (فَ) قَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ (النَّسَبَ) إلَى قَوْمِ الْأَبِ لِاسْتِوَائِهِمَا وَالتَّرْجِيحُ لِجَانِبِهِ لِشَبَهِهِ (بِالنَّسَبِ) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» وَفِي حَقِيقَةِ النَّسَبِ يُضَافُ الْوَلَدُ إلَى الْأَبِ فِي الشَّرَفِ وَالدَّنَاءَةِ، فَكَذَلِكَ فِي الْوَلَاءِ، وَلِأَنَّ النُّصْرَةَ بِهِ: أَيْ بِالْأَبِ أَكْثَرُ. قَالَ (وَوَلَاءُ الْعَتَاقَةِ تَعْصِيبٌ) التَّعْصِيبُ هُوَ جَعْلُ الْإِنْسَانِ عَصَبَةً، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ الذَّكَرُ يُعَصِّبُ الْأُنْثَى (وَهُوَ) أَيْ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ (أَحَقُّ بِالْمِيرَاثِ مِنْ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ «هُوَ أَخُوك وَمَوْلَاك، إنْ شَكَرَك فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَشَرٌّ لَك، وَإِنْ كَفَرَك فَهُوَ خَيْرٌ لَك وَشَرٌّ لَهُ، وَلَوْ مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا كُنْت أَنْتَ عَصَبَتَهُ» ) قَوْلُهُ هُوَ أَخُوك: يَعْنِي فِي الدِّينِ، وَقَوْلُهُ إنْ شَكَرَك: يَعْنِي إنْ شَكَرَك بِالْمُجَازَاةِ عَلَى صَنِيعِك فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ لِأَنَّهُ انْتَدَبَ إلَى مَا نُدِبَ إلَيْهِ، وَشَرٌّ لَك لِأَنَّهُ أَوْصَلَ إلَيْك بَعْضَ الثَّوَابِ فِي الدُّنْيَا فَتَنْقُصُ بِقَدْرِهِ مِنْ ثَوَابِ الْآخِرَةِ، وَإِنْ كَفَرَك فَهُوَ خَيْرٌ لَك لِأَنَّهُ يَبْقَى لَك ثَوَابُ الْعَمَلِ كُلُّهُ فِي الْآخِرَةِ، وَشَرٌّ لَهُ لِأَنَّهُ كُفْرُ النِّعْمَةِ. وَقَوْلُهُ كُنْت أَنْتَ عَصَبَتَهُ يَدُلُّ عَلَى

«وَوَرَّثَ ابْنَةَ حَمْزَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَلَى سَبِيلِ الْعُصُوبَةِ مَعَ قِيَامِ وَارِثٍ» وَإِذْ كَانَ عَصَبَةً تَقَدَّمَ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (فَإِنْ كَانَ لِلْمُعْتَقِ عَصَبَةٌ مِنْ النَّسَبِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْمُعْتِقِ) ، لِأَنَّ الْمُعْتِقَ آخِرُ الْعَصَبَاتِ، وَهَذَا لِأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَلَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا» قَالُوا: الْمُرَادُ مِنْهُ وَارِثٌ هُوَ عَصَبَةٌ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ الثَّانِي فَتَأَخَّرَ عَنْ الْعَصَبَةِ دُونَ ذَوِي الْأَرْحَامِ. قَالَ (فَإِنْ كَانَ لِلْمُعْتَقِ عَصَبَةٌ مِنْ النَّسَبِ فَهُوَ أَوْلَى) لِمَا ذَكَرْنَا (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَصَبَةٌ مِنْ النَّسَبِ فَمِيرَاثُهُ لِلْمُعْتَقِ) تَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ صَاحِبُ فَرْضٍ ذُو حَالٍ، أَمَّا إذَا كَانَ فَلَهُ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضٍ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ عَلَى مَا رَوَيْنَا، وَهَذَا لِأَنَّ الْعَصَبَةَ مَنْ يَكُونُ التَّنَاصُرُ بِهِ لِبَيْتِ النِّسْبَةِ وَبِالْمَوَالِي الِانْتِصَارُ عَلَى مَا مَرَّ وَالْعَصَبَةُ تَأْخُذُ مَا بَقِيَ (فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتَقُ فَمِيرَاثُهُ لِبَنِي الْمَوْلَى دُونَ بَنَاتِهِ) ، وَلَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ أَوْ كَاتَبْنَ أَوْ كَاتَبَ مَنْ كَاتَبْنَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَرَدَ الْحَدِيثُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي آخِرِهِ «أَوْ جَرَّ وَلَاءَ مُعْتَقِهِنَّ» وَصُورَةُ الْجَرِّ قَدَّمْنَاهَا، وَلِأَنَّ ثُبُوتَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْقُوَّةِ فِي الْعِتْقِ مِنْ جِهَتِهَا فَيُنْسَبُ بِالْوَلَاءِ إلَيْهَا وَيُنْسَبُ إلَيْهَا مَنْ يُنْسَبُ إلَى مَوْلَاهَا، بِخِلَافِ النَّسَبِ لِأَنَّ سَبَبَ النِّسْبَةِ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الْمُرَادَ وَلَمْ يَتْرُكْ عَصَبَةً حَيْثُ لَمْ يَقُلْ كُنْت وَارِثَهُ (وَوَرَّثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنَةَ حَمْزَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَلَى سَبِيلِ الْعُصُوبَةِ مَعَ قِيَامِ وَارِثٍ) هِيَ بِنْتُ الْمَيِّتِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى بِنْتَ الْمَيِّتِ النِّصْفَ وَالْبَاقِيَ لِبِنْتِ حَمْزَةَ، وَالْعَصَبَةُ هُوَ الَّذِي يَأْخُذُ مَا أَبْقَتْهُ الْفَرَائِضُ (وَإِذَا كَانَ عَصَبَةً تُقَدَّمُ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) . (فَإِنْ كَانَ لِلْمُعْتِقِ عَصَبَةٌ مِنْ النَّسَبِ فَهُوَ أَوْلَى) لِأَنَّ الْعِتْقَ آخِرُ الْعَصَبَاتِ عَلَى مَا قَالُوا إنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَتْرُكْ عَصَبَةً وَارِثُ عَصَبَةٍ اسْتِدْلَالًا بِإِشَارَةِ الْحَدِيثِ كَمَا قُلْنَا فِي بَيَانِ قَوْلِهِ كُنْت أَنْتَ عَصَبَتَهُ، وَبِالْحَدِيثِ الثَّانِي: أَيْ بِحَدِيثِ بِنْتِ حَمْزَةَ فَتَأَخَّرَ عَنْ الْعَصَبَةِ دُونَ ذَوِي الْأَرْحَامِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ لِلْمُعْتِقِ (عَصَبَةٌ مِنْ النَّسَبِ فَمِيرَاثُهُ لِلْمُعْتِقِ، تَأْوِيلُهُ) أَيْ تَأْوِيلُ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ (إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ صَاحِبُ فَرْضٍ ذُو حَالٍ، أَمَّا إذَا كَانَ فَلَهُ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِهِ) وَذَكَرُوا لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ تَأْوِيلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ فَرْضٍ ذُو حَالٍ سِوَى حَالِ الْفَرْضِ كَالْأَبِ وَالْجَدِّ فَإِنَّ لَهُمَا حَالًا سِوَى حَالِ الْفَرْضِ وَهِيَ الْعُصُوبَةُ، أَمَّا إذَا كَانَ فَلَهُ: أَيْ فَلِمِثْلِ هَذَا الْوَارِثِ الْبَاقِي بِالْعُصُوبَةِ وَلَيْسَ لِلْمُعْتِقِ شَيْءٌ. وَالثَّانِي أَنَّ مَعْنَاهُ ذُو حَالٍ وَاحِدٍ كَالْبِنْتِ، أَمَّا إذَا كَانَ مِثْلَ ذَلِكَ فَلِلْمُعْتِقِ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ ذَلِكَ الْوَارِثِ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَالثَّانِي أَوْجَهُ لِأَنَّهُ عَلَّلَ قَوْلَهُ فَلَهُ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِهِ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ عَلَى مَا رَوَيْنَا) وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَلَوْ مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا كُنْت أَنْتَ عَصَبَتَهُ وَهُوَ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ: يَعْنِي إنَّمَا كَانَ عَصَبَةً (لِأَنَّ الْعَصَبَةَ مَنْ يَكُونُ التَّنَاصُرُ بِهِ لِبَيْتِ النِّسْبَةِ) أَيْ الْقَبِيلَةِ. وَتَقْرِيرُهُ الْعَصَبَةَ مَنْ يَكُونُ انْتِصَارُ الْقَبِيلَةِ بِهِ، وَبِالْمَوْلَى يَكُونُ الِانْتِصَارُ عَلَى مَا مَرَّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوَلَاءِ. وَهُوَ قَوْلُهُ وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَتَنَاصَرُ بِأَشْيَاءَ، وَقَرَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَنَاصُرَهُمْ بِالْوَلَاءِ بِنَوْعَيْهِ. وَقَوْلُهُ (وَالْعَصَبَةُ تَأْخُذُ مَا بَقِيَ) تَمَامُ الدَّلِيلِ. وَتَقْرِيرُهُ فَلَهُ الْبَاقِي لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ وَالْعَصَبَةُ تَأْخُذُ الْبَاقِيَ (فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتَقُ فَمِيرَاثُهُ لِبَنِي الْمَوْلَى دُونَ بَنَاتِهِ) لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَقَوْلُهُ (قَدَّمْنَاهَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ فَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَ عِتْقِهَا لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، إلَى أَنْ قَالَ: جَرَّ الْأَبُ وَلَاءَ ابْنِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ جَرَّ الْمُعْتِقِ وَمُعْتِقِ الْمُعْتِقِ فِي النِّهَايَةِ نَاقِلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ فَلْيُطْلَبْ ثَمَّةَ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ ثُبُوتَ الْمَالِكِيَّةِ إلَخْ) دَلِيلٌ مَعْقُولٌ عَلَى ثُبُوتِ الْوَلَاءِ مِمَّنْ أَعْتَقَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ. وَتَقْرِيرُهُ ثُبُوتُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْقُوَّةِ فِي الْمُعْتِقِ مِنْ جِهَةِ الْمُعْتَقَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَكُلُّ مَنْ ثَبَتَ مِنْ جِهَتِهِ شَيْءٌ يُنْسَبُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ عِلِّيَّتُهُ إذْ ذَاكَ فَثُبُوتُ الْمَالِكِيَّةِ يُنْسَبُ إلَيْهَا بِالْوَلَاءِ وَيُنْسَبُ إلَيْهَا مَنْ يُنْسَبُ إلَى مَوْلَاهَا، لِأَنَّ مُعْتَقَ الْمُعْتَقِ يُنْسَبُ إلَى مُعْتِقِهِ بِالْوَلَاءِ،

الْفِرَاشِ، وَصَاحِبُ الْفِرَاشِ إنَّمَا هُوَ الزَّوْجُ، وَالْمَرْأَةُ مَمْلُوكَةٌ لَا مَالِكَةٌ، وَلَيْسَ حُكْمُ مِيرَاثِ الْمُعْتَقِ مَقْصُورًا عَلَى بَنِي الْمَوْلَى بَلْ هُوَ لِعَصَبَتِهِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَا يُورَثُ وَيَخْلُفُهُ فِيهِ مَنْ تَكُونُ النُّصْرَةُ بِهِ، حَتَّى لَوْ تَرَكَ الْمَوْلَى أَبًا وَابْنًا فَالْوَلَاءُ لِلِابْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ أَقْرَبُهُمَا عُصُوبَةً، وَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ لِلْجَدِّ دُونَ الْأَخِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ فِي الْعُصُوبَةِ عِنْدَهُ. وَكَذَا الْوَلَاءُ لِابْنِ الْمُعْتَقَةِ حَتَّى يَرِثَهُ دُونَ أَخِيهَا لِمَا ذَكَرْنَا، إلَّا أَنَّ عَقْلَ جِنَايَةِ الْمُعْتَقِ عَلَى أَخِيهَا لِأَنَّهُ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا وَجِنَايَتُهُ كَجِنَايَتِهَا (وَلَوْ تَرَكَ الْمَوْلَى ابْنًا وَأَوْلَادَ ابْنٍ آخَرَ) مَعْنَاهُ بَنِي ابْنٍ آخَرَ (فَمِيرَاثُ الْمُعْتَقِ لِلِابْنِ دُونَ بَنِي الِابْنِ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِلْكِبَرِ) هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْهُمْ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ، وَمَعْنَاهُ الْقُرْبُ عَلَى مَا قَالُوا، وَالصُّلْبِيُّ أَقْرَبُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي ذَلِكَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ. بِخِلَافِ النَّسَبِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا مِنْ الْآبَاءِ، لِأَنَّ سَبَبَ النِّسْبَةِ فِيهِ الْفِرَاشُ، وَالْفِرَاشُ إنَّمَا هُوَ لِلزَّوْجِ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ وَالْمَرْأَةُ مَمْلُوكَةٌ، وَلَيْسَ حُكْمُ مِيرَاثِ الْمُعْتِقِ مَقْصُورًا عَلَى بَنِي الْمَوْلَى بَلْ هُوَ لِعَصَبَتِهِ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ. لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَا يُورَثُ حَتَّى يَكُونَ لِأَصْحَابِ الْفُرُوضِ مِنْهُ نَصِيبٌ، وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ بِاعْتِبَارِ النُّصْرَةِ فَيَخْلُفُهُ فِيهِ مَنْ تَكُونُ بِهِ النُّصْرَةُ، وَالنُّصْرَةُ بِالذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ، حَتَّى لَوْ تَرَكَ الْمَوْلَى أَبًا وَابْنًا فَالْوَلَاءُ لِلِابْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَصُورَتُهُ: امْرَأَةٌ أَعْتَقَتْ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَتْ عَنْ ابْنٍ وَأَبٍ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ فَمِيرَاثُهُ لِلِابْنِ خَاصَّةً عِنْدَهُمَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا، ثُمَّ رَاجَعَ فَقَالَ: لِأَبِيهَا السُّدُسُ وَالْبَاقِي لِلِابْنِ. لِأَنَّ الْأُبُوَّةَ تُسْتَحَقُّ بِهَا كَالْبُنُوَّةِ، لِأَنَّ الْوَلَاءَ يُسْتَحَقُّ بِالْعُصُوبَةِ وَالْأَبُ عَصَبَةٌ عِنْدَ عَدَمِ الِابْنِ، وَوُجُودُ الِابْنِ لَا يُوجِبُ حِرْمَانَ الْأَبِ وَلِهَذَا لَمْ يَصِرْ مَحْرُومًا عِنْدَ مِيرَاثِهَا فَكَذَا عَنْ مِيرَاثِ مُعْتِقِهَا. وَلَهُمَا أَنَّ أَقْرَبَ الْعَصَبَاتِ يَقُومُ مَقَامَ الْمُعْتِقِ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي مِيرَاثِ الْمُعْتِقِ وَالِابْنُ هُوَ الْعَصَبَةُ دُونَ الْأَبِ، وَاسْتِحْقَاقُ الْأَبِ السُّدُسَ مِنْهَا بِالْفَرِيضَةِ دُونَ الْعُصُوبَةِ وَكَذَا لَوْ تَرَكَ جَدُّ مَوْلَاهُ أَبَا أَبِيهِ وَأَخَاهُ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ كَانَ مِيرَاثُهُ لِلْجَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّهُ لَا يُوَرِّثُ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ، فَالْجَدُّ عِنْدَهُ أَقْرَبُ فِي الْعُصُوبَةِ. وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً أَعْتَقَتْ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَتْ وَتَرَكَتْ ابْنَهَا وَأَخَاهَا ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُمَا فَالْمِيرَاثُ لِابْنِهَا دُونَ أَخِيهَا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الِابْنَ أَقْرَبُ فِي الْعُصُوبَةِ إلَّا أَنَّ عَقْلَ جِنَايَةِ الْمُعْتِقِ عَلَى أَخِيهَا لِأَنَّهُ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا وَجِنَايَتُهُ كَجِنَايَتِهَا وَجِنَايَتُهَا عَلَى قَوْمِ أَبِيهَا فَكَذَلِكَ جِنَايَةُ مُعْتِقِهَا وَابْنِهَا لَيْسَ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا. وَلَوْ تَرَكَ الْمَوْلَى ابْنًا وَبَنِي ابْنٍ آخَرَ فَمِيرَاثُ الْمُعْتِقِ لِلِابْنِ دُونَ بَنِي الِابْنِ، لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِلْكِبَرِ هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَمَعْنَى الْكِبَرِ الْقُرْبُ فِي الْعُصُوبَةِ لَا فِي السِّنِّ عَلَى مَا قَالُوا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُعْتِقَ إذَا مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ صَغِيرًا وَكَبِيرًا ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتِقُ فَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُرْبِ إلَى الْمَيِّتِ مِنْ حَيْثُ النَّسَبُ وَالصُّلْبِيُّ أَقْرَبُ فَيَسْتَحِقُّ الْجَمِيعَ.

[فصل في ولاء الموالاة]

قَالَ (وَإِذَا أَسْلَمَ رَجُلٌ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ عَلَى أَنْ يَرِثُهُ وَيَعْقِلَ عَنْهُ أَوْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ وَوَالَاهُ فَالْوَلَاءُ صَحِيحٌ وَعَقْلُهُ عَلَى مَوْلَاهُ، فَإِنْ مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ فَمِيرَاثُهُ لِلْمَوْلَى) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْمُوَالَاةُ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ بَيْتِ الْمَالِ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ وَارِثٍ آخَرَ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ عِنْدَهُ الْوَصِيَّةُ بِجَمِيعِ الْمَالِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصِي وَارِثٌ لِحَقِّ بَيْتِ الْمَالِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ فِي الثُّلُثِ. وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء: 33] وَالْآيَةُ فِي الْمُوَالَاةِ. «وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رَجُلٍ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ آخَرَ وَوَالَاهُ فَقَالَ: هُوَ أَحَقُّ النَّاسِ بِهِ مَحْيَاهُ وَمَمَاتَهُ» وَهَذَا يُشِيرُ إلَى الْعَقْلِ وَالْإِرْثِ فِي الْحَالَتَيْنِ هَاتَيْنِ، وَلِأَنَّ مَالَهُ حَقُّهُ فَيَصْرِفُهُ إلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ] أَخَّرَ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ عَنْ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ لِأَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ قَابِلٍ لِلتَّحْوِيلِ كَانَ أَقْوَى، بِخِلَافِ وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ فَإِنَّ لِلْمَوْلَى فِيهِ أَنْ يَنْتَقِلَ قَبْلَ الْعَقْلِ، وَمَعْنَى الْوَلَاءِ قَدْ تَقَدَّمَ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا. وَصُورَةُ هَذَا الْوَلَاءِ أَنْ يَتَقَدَّمَ رَجُلٌ وَيُسَلِّمُ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ وَيَقُولُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ وَالَيْتُك عَلَى أَنِّي إنْ مِتّ فَمِيرَاثِي لَك، وَإِذَا جَنَيْت فَعَقْلِي عَلَيْك وَعَلَى عَاقِلَتِك وَقَبِلَ الْآخَرُ مِنْهُ. وَلَهُ ثَلَاثُ شَرَائِطَ: إحْدَاهَا أَنْ يَكُونَ مَجْهُولَ النَّسَبِ بِأَنْ لَا يُنْسَبَ إلَى غَيْرِهِ، وَأَمَّا نِسْبَةُ غَيْرِهِ إلَيْهِ فَغَيْرُ مَانِعٍ. وَالثَّانِيَةُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ وَلَاءُ عَتَاقَةٍ وَلَا وَلَاءُ مُوَالَاةٍ مَعَ أَحَدٍ وَقَدْ عَقَلَ عَنْهُ. وَالثَّالِثَةُ أَنْ لَا يَكُونَ عَرَبِيًّا. فَإِنْ قِيلَ: مِنْ شَرْطِ الْعَقْدِ عَقْلُ الْأَعْلَى وَحُرِّيَّتُهُ فَإِنَّ مُوَالَاةَ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ بَاطِلَةٌ فَكَيْفَ جَعَلَ الشَّرَائِطَ ثَلَاثًا؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَذْكُورَةَ إنَّمَا هِيَ الشَّرَائِطُ الْعَامَّةُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الصُّوَرِ. وَأَمَّا مَا ذَكَرْت فَإِنَّمَا هُوَ نَادِرٌ فَلَمْ يَذْكُرْهُ، وَأَمَّا حُكْمُهُ فَهُوَ وُجُوبُ الْعَقْلِ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَعْلَى إذَا جَنَى الْأَسْفَلَ، وَاسْتِحْقَاقُ مِيرَاثِهِ

حَيْثُ شَاءَ، وَالصَّرْفُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ ضَرُورَةُ عَدَمِ الْمُسْتَحِقِّ لَا أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ. قَالَ (وَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ فَهُوَ أَوْلَى مِنْهُ، وَإِنْ كَانَتْ عَمَّةٌ أَوْ خَالَةٌ أَوْ غَيْرُهُمَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ) لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ عَقْدُهُمَا فَلَا يَلْزَمُ غَيْرُهُمَا، وَذُو الرَّحِمِ وَارِثٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ الْإِرْثِ وَالْعَقْلِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ لِأَنَّهُ بِالِالْتِزَامِ وَهُوَ بِالشَّرْطِ، وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَوْلَى مِنْ الْعَرَبِ لِأَنَّ تَنَاصُرَهُمْ بِالْقَبَائِلِ فَأَغْنَى عَنْ الْمُوَالَاةِ. قَالَ (وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْهُ بِوَلَائِهِ إلَى غَيْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَارِثٍ، وَكَلَامُهُ فِي الْفَصْلِ وَاضِحٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَفْسِيرٍ، خَلَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ فَهُوَ أَوْلَى مِنْهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ) فَإِنَّهُ أَوْرَدَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الثُّلُثُ لِلْمَوْلَى كَمَا لَوْ أَوْصَى بِكُلِّ مَالِهِ لِآخَرَ وَلَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ جَعَلَهُ بِعَقْدِ الْوَلَاءِ وَارِثًا عَنْهُ، وَفِي سَبَبِ الْوِرَاثَةِ ذُو الْقَرَابَةِ أَرْجَحُ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ مُتَّفَقٌ عَلَى ثُبُوتِهَا شَرْعًا وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي كَوْنِهَا

مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ) لِأَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ، وَكَذَا لِلْأَعْلَى أَنْ يَتَبَرَّأَ عَنْ وَلَائِهِ لِعَدَمِ اللُّزُومِ، إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي هَذَا أَنْ يَكُونَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْآخَرِ كَمَا فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ قَصْدًا، بِخِلَافِ مَا إذَا عَقَدَ الْأَسْفَلُ مَعَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQسَبَبًا لِلْإِرْثِ، وَعَقْدُ الْوَلَاءِ مُخْتَلَفٌ فِي ثُبُوتِهِ شَرْعًا، وَلَا يَظْهَرُ الضَّعِيفُ فِي مُقَابَلَةِ الْقَوِيِّ فَلَا يَظْهَرُ اسْتِحْقَاقُ الْمَوْلَى مَعَهُ بِهَذَا السَّبَبِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَالِ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ فَإِنَّهَا خِلَافُهُ فِي الْمَآلِ مَقْصُودًا، فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ الثُّلُثِ لَهُ إلَّا بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ، لِأَنَّهُ مَا أَوْجَبَ لَهُ ذَلِكَ مَقْصُودًا، وَلَا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ لِتَرَجُّحِ اسْتِحْقَاقِ الْقَرِيبِ عَلَيْهِ. وَخَلَا قَوْلَهُ (إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي هَذَا أَنْ يَكُونَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْآخَرِ كَمَا فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ) فَإِنَّهُ أَوْرَدَ عَلَيْهِ بِأَنَّ سَبَبَ اشْتِرَاطِ حَضْرَةِ الْوَكِيلِ فِي حَقِّ الْعَزْلِ ظَاهِرٌ، وَهُوَ تَضَرُّرُ الْوَكِيلِ بِسَبَبِ الضَّمَانِ عِنْدَ رُجُوعِ الْحُقُوقِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ نَقَدَ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْوَكَالَةِ فَمَا مَعْنَى اشْتِرَاطِ تَوَقُّفِ الْفَسْخِ هَاهُنَا عَلَى حَضْرَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ سَبَبَ الِاشْتِرَاطِ هَاهُنَا هُوَ السَّبَبُ هُنَالِكَ وَهُوَ دَفْعُ الضَّرَرِ فَإِنَّ الْعَقْدَ كَانَ بَيْنَهُمَا، وَفِي تَفَرُّدِ أَحَدِهِمَا إلْزَامُ الْفَسْخِ عَلَى الْآخَرِ بِدُونِ عِلْمِهِ، وَإِلْزَامُ شَيْءٍ عَلَى الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ بِهِ نَفْسُهُ

مِنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ فَسْخٌ حُكْمِيٌّ بِمَنْزِلَةِ الْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ فِي الْوَكَالَةِ. قَالَ (وَإِذَا عَقَلَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ بِوَلَائِهِ إلَى غَيْرِهِ) لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ، وَلِأَنَّهُ قَضَى بِهِ الْقَاضِي، وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ عِوَضٍ نَالَهُ كَالْعِوَضِ فِي الْهِبَةِ، وَكَذَا لَا يَتَحَوَّلُ وَلَدُهُ، وَكَذَا إذَا عَقَلَ عَنْ وَلَدِهِ لَمْ يَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَحَوَّلَ لِأَنَّهُمْ فِي حَقِّ الْوَلَاءِ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ. قَالَ (وَلَيْسَ لِمَوْلَى الْعَتَاقَةِ أَنْ يُوَالِيَ أَحَدًا) لِأَنَّهُ لَازِمٌ، وَمَعَ بَقَائِهِ لَا يَظْهَرُ الْأَدْنَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQضَرَرٌ لَا مَحَالَةَ، لِأَنَّ فِيهِ جَعْلَ عَقْدِ الرَّجُلِ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ كَلَا عَقْدٍ، وَفِيهِ إبْطَالُ فِعْلِهِ بِدُونِ عِلْمِهِ، وَخَلَا قَوْلَهُ (لِأَنَّهُ فَسْخٌ حُكْمِيٌّ بِمَنْزِلَةِ الْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ فِي الْوَكَالَةِ) فَإِنَّ عَزْلَ الْوَكِيلِ حَالَ غَيْبَتِهِ مَقْصُودًا لَا يَصِحُّ وَحُكْمًا يَصِحُّ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ الَّذِي وَكَّلَهُ بِبَيْعِهِ. فَإِنَّهُ أَوْرَدَ عَلَيْهِ لِمَاذَا يَجْعَلُ صِحَّةَ الْعَقْدِ مَعَ الثَّانِي مُوجِبَةَ فَسْخِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ وَالنَّسَبُ مَا دَامَ ثَابِتًا مِنْ إنْسَانٍ لَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُهُ مِنْ غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ، فَعَرَفْنَا أَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ صِحَّةِ الْعَقْدِ مَعَ الثَّانِي بُطْلَانَ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ، ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي النِّهَايَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[كتاب الإكراه]

[كِتَابُ الْإِكْرَاهِ] قَالَ (الْإِكْرَاهُ يَثْبُتُ حُكْمُهُ إذَا حَصَلَ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى إيقَاعِ مَا تَوَعَّدَ بِهِ سُلْطَانًا كَانَ أَوْ لِصًّا) ـــــــــــــــــــــــــــــQكِتَابُ الْإِكْرَاهِ) قِيلَ الْمُوَالَاةُ تُغَيِّرُ حَالَ الْمَوْلَى الْأَعْلَى عَنْ حُرْمَةِ أَكْلِ مَالِ الْمَوْلَى الْأَسْفَلِ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَى حُكْمِهِ، كَمَا أَنَّ الْإِكْرَاهَ يُغَيِّرُ حَالَ الْمُخَاطَبِ مِنْ الْحُرْمَةِ إلَى الْحِلِّ فَكَانَ مُنَاسِبًا أَنْ يَذْكُرَ الْإِكْرَاهَ عَقِيبَ الْمُوَالَاةِ. وَهُوَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ حَمْلِ الْإِنْسَانِ عَلَى شَيْءٍ يَكْرَهُهُ، يُقَالُ أَكْرَهْت فُلَانًا: أَيْ حَمَلْته عَلَى أَمْرٍ يَكْرَهُهُ. وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ عَمَّا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ اسْمٌ لِفِعْلٍ يَفْعَلُهُ الْمَرْءُ بِغَيْرِهِ فَيَنْتَفِي بِهِ رِضَاهُ أَوْ يَفْسُدُ بِهِ اخْتِيَارُهُ مَعَ بَقَاءِ أَهْلِيَّتِهِ، وَتَفْسِيرُهُ أَنْ يَحْمِلَ الْمَرْءُ غَيْرَهُ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ حَمْلًا يَنْتَفِي بِهِ رِضَاهُ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعَ فَسَادِ اخْتِيَارٍ أَوْ مَعَ عَدَمِهِ، وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى نَوْعَيْ الْإِكْرَاهِ أَوْ يَفْسُدُ بِهِ اخْتِيَارُهُ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ عَدَمِ الرِّضَا وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى الْقِسْمِ الْآخَرِ، لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرٍ لَا فِي أَوْ يَفْسُدُ بِهِ اخْتِيَارُهُ فَذَلِكَ أَنْوَاعُ الْإِكْرَاهِ الثَّلَاثَةِ وَمَوْضِعُهُ أُصُولُ الْفِقْهِ.

لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ اسْمٌ لِفِعْلٍ يَفْعَلُهُ الْمَرْءُ بِغَيْرِهِ فَيَنْتَفِي بِهِ رِضَاهُ أَوْ يَفْسُدُ بِهِ اخْتِيَارُهُ مَعَ بَقَاءِ أَهْلِيَّتِهِ، وَهَذَا إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا خَافَ الْمُكْرَهُ تَحْقِيقَ مَا تَوَعَّدَ بِهِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْقَادِرِ وَالسُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ سِيَّانِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْقُدْرَةِ، وَاَلَّذِي قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا مِنْ السُّلْطَانِ لِمَا أَنَّ الْمَنَعَةَ لَهُ وَالْقُدْرَةُ لَا تَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْمَنَعَةِ. فَقَدْ قَالُوا هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ لَا اخْتِلَافُ حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ، وَلَمْ تَكُنْ الْقُدْرَةُ فِي زَمَنِهِ إلَّا لِلسُّلْطَانِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَغَيَّرَ الزَّمَانُ وَأَهْلُهُ، ثُمَّ كَمَا تُشْتَرَطُ قُدْرَةُ الْمُكْرِهِ لِتَحَقُّقِ الْإِكْرَاهِ يُشْتَرَطُ خَوْفُ الْمُكْرَهِ وُقُوعَ مَا يُهَدَّدُ بِهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ لِيَصِيرَ بِهِ مَحْمُولًا عَلَى مَا دُعِيَ إلَيْهِ مِنْ الْفِعْلِ. قَالَ (وَإِذَا أُكْرِهَ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ مَا لَهُ أَوْ عَلَى شِرَاءِ سِلْعَةٍ أَوْ عَلَى أَنْ يُقِرَّ لِرَجُلٍ بِأَلْفٍ أَوْ يُؤَاجِرَ دَارِهِ فَأُكْرِهَ عَلَى ذَلِكَ بِالْقَتْلِ أَوْ بِالضَّرْبِ الشَّدِيدِ أَوْ بِالْحَبْسِ فَبَاعَ أَوْ اشْتَرَى فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَمْضَى الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَهُ وَرَجَعَ بِالْمَبِيعِ) لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ هَذِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (مَعَ بَقَاءِ أَهْلِيَّتِهِ) إشَارَةٌ إلَى كَوْنِ الْمُكْرَهِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْخِطَابُ لِأَنَّ الْخِطَابَ بِالْأَهْلِيَّةِ، وَإِذَا كَانَتْ الْأَهْلِيَّةُ ثَابِتَةً كَانَ الْمُكْرَهُ مُخَاطَبًا، وَأَمَّا شَرْطُهُ وَحُكْمُهُ فَيَأْتِي فِي أَثْنَاءِ الْبَابِ، قَالَ (الْإِكْرَاهُ يَثْبُتُ حُكْمُهُ إذَا حَصَلَ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى إيقَاعِ مَا تَوَعَّدَ بِهِ) شَرْطُ الْإِكْرَاهِ حُصُولُهُ مِنْ قَادِرٍ عَلَى إيقَاعِ الْمُتَوَعَّدِ بِهِ (سُلْطَانًا كَانَ أَوْ لِصًّا) وَخَوْفُ الْمُكْرَهِ وُقُوعُهُ بِأَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ لِيَصِيرَ بِالْإِكْرَاهِ مَحْمُولًا عَلَى مَا دُعِيَ إلَيْهِ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ، فَإِذَا حَصَلَ بِشَرَائِطِهِ يَثْبُتُ حُكْمُهُ عَلَى مَا سَيَجِيءُ مُفَصَّلًا، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ حُصُولِهِ مِنْ السُّلْطَانِ وَاللِّصِّ (لِأَنَّ تَحَقُّقَهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى خَوْفِ الْمُكْرَهِ تَحْقِيقُ مَا تَوَعَّدَ بِهِ، وَلَا يَخَافُ إلَّا إذَا كَانَ الْمُكْرَهُ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ، وَالسُّلْطَانُ وَغَيْرُهُ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْقُدْرَةِ سِيَّانِ) عِنْدَهُمَا (وَاَلَّذِي قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَتَحَقَّقُ) إلَّا مِنْ السُّلْطَانِ، لِمَا أَنَّ الْمَنَعَةَ لَهُ وَالْقُدْرَةُ لَا تَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْمَنَعَةِ، فَقَدْ قَالَ الْمَشَايِخُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ لَا اخْتِلَافُ حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ، لِأَنَّ مَنَاطَ الْحُكْمِ الْقُدْرَةُ وَلَمْ تَكُنْ فِي زَمَنِهِ إلَّا لِلسُّلْطَانِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَغَيَّرَ أَهْلُ الزَّمَانِ. فَإِذَا (أُكْرِهَ عَلَى بَيْعِ مَا لَهُ أَوْ شِرَاءِ سِلْعَةٍ أَوْ الْإِقْرَارِ بِمَالِهِ أَوْ إجَارَةِ دَارِهِ بِالْقَتْلِ أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ أَوْ بِالضَّرْبِ الشَّدِيدِ أَوْ بِالْحَبْسِ) فَهُوَ إكْرَاهٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ، فَإِنْ فَعَلَ مَا دُعِيَ إلَيْهِ ثُمَّ زَالَ الْإِكْرَاهُ (فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَمْضَى وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ، لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ هَذِهِ

الْعُقُودِ التَّرَاضِي، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعُقُودِ التَّرَاضِي، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]

وَالْإِكْرَاهُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ يُعْدِمُ الرِّضَا فَيَفْسُدُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أُكْرِهَ بِضَرْبِ سَوْطٍ أَوْ حَبْسِ يَوْمٍ أَوْ قَيْدِ يَوْمٍ لِأَنَّهُ لَا يُبَالِي بِهِ بِالنَّظَرِ إلَى الْعَادَةِ فَلَا يَتَحَقَّقُ بِهِ الْإِكْرَاهُ إلَّا إذَا كَانَ الرَّجُلُ صَاحِبَ مَنْصِبٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَسْتَضِرُّ بِهِ لِفَوَاتِ الرِّضَا، وَكَذَا الْإِقْرَارُ حُجَّةٌ لِتَرَجُّحِ جَنَبَةِ الصِّدْقِ فِيهِ عَلَى جَنَبَةِ الْكَذِبِ، وَعِنْدَ الْإِكْرَاهِ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَكْذِبُ لِدَفْعِ الْمَضَرَّةِ، ثُمَّ إذَا بَاعَ مُكْرَهًا وَسَلَّمَ مُكْرَهًا يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَثْبُتُ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَوْقُوفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَجَازَ جَازَ وَالْمَوْقُوفُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ، وَلَنَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْإِكْرَاهُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَعْدَمُ الرِّضَا) وَانْتِفَاءُ الشَّرْطِ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْمَشْرُوطِ (فَيَفْسُدُ، وَإِنْ أُكْرِهَ بِضَرْبِ سَوْطٍ أَوْ حَبْسِ يَوْمٍ أَوْ قَيْدِ يَوْمٍ لَمْ يَكُنْ إكْرَاهًا لِأَنَّهُ لَا يُبَالِي بِهِ نَظَرًا إلَى الْعَادَةِ إلَّا إنْ كَانَ الْمُكْرِهُ صَاحِبَ مَنْصِبٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَسْتَضِرُّ بِهِ) فَهُوَ إكْرَاهٌ (لِ) وُجُودِ الْعِلَّةِ حِينَئِذٍ وَهُوَ (فَوَاتُ الرِّضَا) (قَوْلُهُ وَكَذَا الْإِقْرَارُ حُجَّةٌ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَالْإِكْرَاهُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَعْدَمُ الرِّضَا فَيَفْسُدُ: أَيْ وَالْإِقْرَارُ أَيْضًا يَفْسُدُ بِالْإِكْرَاهِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إنَّمَا صَارَ حُجَّةً فِي غَيْرِ الْإِكْرَاهِ لِتَرَجُّحِ جَنَبَةِ الصِّدْقِ، وَعِنْدَ الْإِكْرَاهِ يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ لِدَفْعِ الْمَضَرَّةِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً، بِخِلَافِ مَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِأَلْفٍ بِضَرْبِ سَوْطٍ أَوْ حَبْسِ يَوْمٍ فَأَقَرَّ بِهِ فَهُوَ إقْرَارٌ كَمَا فِي الْبَيْعِ، إلَّا إذَا كَانَ الْمُكْرِهُ صَاحِبَ مَنْصِبٍ: أَيْ عِزٍّ وَمَرْتَبَةٍ، فَإِنَّ الشُّرَفَاءَ وَالْأَجِلَّاءَ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْكُبَرَاءِ يَسْتَنْكِفُونَ عَنْ ضَرْبِ سَوْطٍ وَاحِدٍ وَحَبْسِ يَوْمٍ وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَنْكِفُ غَيْرُهُمْ مِنْ ضَرْبِ سِيَاطٍ وَحَبْسِ أَيَّامٍ، وَلِهَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَيْسَ فِي ذَلِكَ تَقْدِيرٌ لَازِمٌ، بَلْ ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى الْحَاكِمُ مِنْ حَالِ مَنْ اُبْتُلِيَ بِهِ (ثُمَّ إذَا بَاعَ مُكْرَهًا وَسَلَّمَ مُكْرَهًا يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ عِنْدَنَا. وَعِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَثْبُتُ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَوْقُوفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَجَازَ جَازَ وَالْمَوْقُوفُ) عَلَى الْإِجَارَةِ (قَبْلَ الْإِجَازَةِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ) كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ (وَلَنَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ) لِأَنَّ الْإِيجَابَ

وَالْفَسَادُ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَهُوَ التَّرَاضِي فَصَارَ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ الْمُفْسِدَةِ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ عِنْدَ الْقَبْضِ، حَتَّى لَوْ قَبَضَهُ وَأَعْتَقَهُ أَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفًا لَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ جَازَ، وَيَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ كَمَا فِي سَائِرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ وَبِإِجَازَةِ الْمَالِكِ يَرْتَفِعُ الْمُفْسِدُ وَهُوَ الْإِكْرَاهُ وَعَدَمُ الرِّضَا فَيَجُوزُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ اسْتِرْدَادِ الْبَائِعِ وَإِنْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي وَلَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ سَائِرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِيهَا لِحَقِّ الشَّرْعِ وَقَدْ تَعَلَّقَ بِالْبَيْعِ الثَّانِي حَقُّ الْعَبْدِ وَحَقُّهُ مُقَدَّمٌ لِحَاجَتِهِ، أَمَّا هَاهُنَا الرَّدُّ لِحَقِّ الْعَبْدِ وَهُمَا سَوَاءٌ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّ الْأَوَّلِ لِحَقِّ الثَّانِي. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: وَمَنْ جَعَلَ الْبَيْعَ الْجَائِزَ الْمُعْتَادَ بَيْعًا فَاسِدًا يَجْعَلُهُ كَبَيْعِ الْمُكْرَهِ حَتَّى يَنْقَضِ بَيْعُ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِهِ، لِأَنَّ الْفَسَادَ لِفَوَاتِ الرِّضَا، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ رَهْنًا لِقَصْدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ بَاطِلًا اعْتِبَارًا بِالْهَازِلِ وَمَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - جَعَلُوهُ بَيْعًا جَائِزًا مُفِيدًا بَعْضَ الْأَحْكَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْقَبُولَ صَدَرَ مِنْ الْمَالِكِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ وَصَادَفَ مَحَلَّهُ وَهُوَ الْمِلْكُ (وَالْفَسَادُ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَهُوَ التَّرَاضِي) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] وَتَأْثِيرُ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ فِي فَسَادِ الْعَقْدِ لَا غَيْرُ كَانْتِفَاءِ الْمُسَاوَاةِ فِي بَابِ الرِّبَا (فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ عِنْدَ الْقَبْضِ) وَالْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، إنَّمَا لَا يُفِيدُهُ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْعَقْدَ فِي حَقِّ حُكْمِهِ كَالْمُتَعَلِّقِ بِالشَّرْطِ، وَالْمُتَعَلِّقُ بِالشَّرْطِ مَعْدُومٌ قَبْلَ الشَّرْطِ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يُفِيدُ الْمِلْكَ عِنْدَ الْقَبْضِ. (فَلَوْ قَبَضَهُ وَأَعْتَقَهُ أَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفًا لَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ) كَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ (جَازَ وَلَزِمَهُ الْقِيمَةُ كَمَا فِي سَائِرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ) فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ كَسَائِرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ لَمَا عَادَ جَائِزًا بِالْإِجَازَةِ كَهُوَ. أَجَابَ بِأَنَّ بِإِجَازَةِ الْمَالِكِ يَرْتَفِعُ الْمُفْسِدُ وَهُوَ الْإِكْرَاهُ وَعَدَمُ الرِّضَا فَيَجُوزُ، بِخِلَافِ سَائِرِهَا فَإِنَّ الْمُفْسِدَ فِيهِ بَاقٍ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ بِهِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ فَإِنَّ فِيهِ إذَا بَاعَ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَاهُ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ لَمْ يَبْقَ لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ حَقُّ اسْتِرْدَادِهِ وَهَاهُنَا لَا يَنْقَطِعُ بِسَبَبِ الْإِكْرَاهِ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ لِلْبَائِعِ وَإِنْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي وَلَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ، لِأَنَّ الْفَسَادَ فِي الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ لِحَقِّ الشَّرْعِ وَقَدْ تَعَلَّقَ بِالْبَيْعِ الثَّانِي حَقُّ الْعَبْدِ وَحَقُّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لِحَاجَتِهِ، أَمَّا هَاهُنَا فَالرَّدُّ لِحَقِّ الْعَبْدِ وَهُمَا سَوَاءٌ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّ الْأَوَّلِ لِحَقِّ الثَّانِي. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ جَعَلَ الْبَيْعَ الْجَائِزَ الْمُعْتَادَ) يُرِيدُ بِهِ بَيْعَ الْوَفَاءِ، وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: بِعْت مِنْك هَذَا الْعَيْنَ بِمَا لَك عَلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى أَنِّي مَتَى قَضَيْت الدَّيْنَ فَهُوَ لِي، أَوْ يَقُولُ بِعْت مِنْك هَذَا الْعَيْنَ بِكَذَا عَلَى أَنِّي إنْ دَفَعْت إلَيْك ثَمَنَك تَدْفَعُ الْعَيْنَ إلَيَّ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ، وَمَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ جَعَلُوهُ بَيْعًا جَائِزًا مُفِيدًا بَعْضَ الْأَحْكَامِ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ بِهِ دُونَ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ عَلَى مَا هُوَ الْمُعْتَادُ بَيْنَ النَّاسِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ الْبَيْعُ الْجَائِزُ الْمُعْتَادُ. وَمِنْ الْمَشَايِخِ (مَنْ جَعَلَهُ بَيْعًا فَاسِدًا وَجَعَلَهُ كَالْبَيْعِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ حَتَّى يُنْقَضَ بَيْعُ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْفَسَادَ لِفَوَاتِ الرِّضَا) كَمَا فِي الْبَيْعِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ (وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ رَهْنًا لِقَصْدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ) لِأَنَّهُمَا وَإِنْ سَمَّيَا بَيْعًا لَكِنَّ غَرَضَهُمَا الرَّهْنُ وَالْعِبْرَةُ لِلْمَقَاصِدِ وَالْمَعَانِي، وَلَا يَمْلِكُهُ الْمُرْتَهِنُ وَلَا يُطْلَقُ لَهُ الِانْتِفَاعُ إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهِ وَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَكَلَ مِنْ ثَمَرِهِ وَاسْتَهْلَكَهُ مِنْ عَيْنِهِ، وَالدَّيْنُ سَاقِطٌ بِهَلَاكِهِ فِي يَدِهِ إذَا كَانَ وَفَّى بِالدَّيْنِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الزِّيَادَةِ إذَا هَلَكَ بِغَيْرِ صُنْعِهِ، وَلِلْبَائِعِ اسْتِرْدَادُهُ إذَا قَضَى دَيْنَهُ لَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّهْنِ. (وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ بَيْعًا بَاطِلًا اعْتِبَارًا بِالْهَازِلِ) لِأَنَّهُمَا تَكَلَّمَا بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَلَيْسَ

عَلَى مَا هُوَ الْمُعْتَادُ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ قَالَ (فَإِنْ كَانَ قَبَضَ الثَّمَنَ طَوْعًا فَقَدْ أَجَازَ الْبَيْعَ) لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْإِجَازَةِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ وَكَذَا إذَا سَلَّمَ طَائِعًا، بِأَنْ كَانَ الْإِكْرَاهُ عَلَى الْبَيْعِ لَا عَلَى الدَّفْعِ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْإِجَازَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَكْرَهَهُ عَلَى الْهِبَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الدَّفْعَ فَوَهَبَ وَدَفَعَ حَيْثُ يَكُونُ بَاطِلًا، لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُكْرِهِ الِاسْتِحْقَاقُ لَا مُجَرَّدُ اللَّفْظِ، وَذَلِكَ فِي الْهِبَةِ بِالدَّفْعِ وَفِي الْبَيْعِ بِالْعَقْدِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ، فَدَخَلَ الدَّفْعُ فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الْهِبَةِ دُونَ الْبَيْعِ. قَالَ (وَإِنْ قَبَضَهُ مُكْرَهًا فَلَيْسَ ذَلِكَ بِإِجَازَةٍ وَعَلَيْهِ رَدُّهُ إنْ كَانَ قَائِمًا فِي يَدِهِ) لِفَسَادِ الْعَقْدِ. قَالَ (وَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ غَيْرِ مُكْرَهٍ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلْبَائِعِ) مَعْنَاهُ وَالْبَائِعُ مُكْرَهٌ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَصْدَهُمَا، فَكَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَفْسَخَ بِغَيْرِ رِضَا صَاحِبِهِ، وَلَوْ أَجَازَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ عَلَى صَاحِبِهِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ (هُوَ الْمُعْتَادُ) أَنَّهُمْ فِي عُرْفِهِمْ لَا يَفْهَمُونَ لُزُومَ الْبَيْعِ بِهَذَا الْوَجْهِ، بَلْ يُجَوِّزُونَهُ إلَى أَنْ يَرُدَّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ إلَى الْمُشْتَرِي وَبَقِيَ الْمُشْتَرِي يَرُدُّ الْمَبِيعَ عَلَى الْبَائِعِ مِنْ غَيْرِ امْتِنَاعٍ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا إذَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ، وَلِهَذَا سَمَّوْهُ بَيْعَ الْوَفَاءِ لِأَنَّهُ وَفَّى بِمَا عَهِدَ مِنْ رَدِّ الْمَبِيعِ. قَالَ (فَإِنْ كَانَ قَبَضَ الثَّمَنَ طَوْعًا إلَخْ) إذَا قَبَضَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ طَوْعًا فَقَدْ أَجَازَ الْبَيْعَ لِأَنَّهُ دَلَالَةُ الْإِجَازَةِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ إذَا قَبَضَ الثَّمَنَ كَانَ إجَازَةً، وَدَلَالَةُ الْإِجَازَةِ تَقُومُ مَقَامَ الْإِجَازَةِ فَكَذَا إذَا سَلَّمَ الْمَبِيعَ طَائِعًا بِأَنْ كَانَ الْإِكْرَاهُ عَلَى الْبَيْعِ لَا عَلَى الدَّفْعِ لِأَنَّهُ دَلَالَةُ الْإِجَازَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْهِبَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الدَّفْعَ فَوَهَبَ كُرْهًا وَدَفَعَ طَائِعًا حَيْثُ يَكُونُ الْعَقْدُ بَاطِلًا: أَيْ فَاسِدًا يُوجِبُ الْمِلْكَ بَعْدَ الْقَبْضِ كَالْهِبَةِ الصَّحِيحَةِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِنَا أَنَّ فَسَادَ السَّبَبِ لَا يَمْنَعُ وُقُوعَ الْمِلْكِ بِالْقَبْضِ، فَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ وَعَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَقْصُودَ الْمُكْرَهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ لَا مُجَرَّدُ اللَّفْظِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ فِي الْهِبَةِ بِالْقَبْضِ وَفِي الْبَيْعِ بِالْعَقْدِ فَكَانَ الْإِكْرَاهُ عَلَى الْهِبَةِ إكْرَاهًا عَلَى الدَّفْعِ دُونَ الْبَيْعِ (وَإِنْ قَبَضَهُ) أَيْ الثَّمَنَ (مُكْرَهًا فَلَيْسَ ذَلِكَ بِإِجَازَةٍ، وَعَلَى الْمُكْرَهِ رَدُّهُ إنْ كَانَ قَائِمًا فِي يَدِهِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ) فَيَكُونُ الثَّمَنُ أَمَانَةً عِنْدَ الْمُكْرَهِ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي وَالْقَبْضُ مَتَى كَانَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ إنَّمَا يُوجِبُ الضَّمَانَ إذَا كَانَ لِلتَّمَلُّكِ، وَهَاهُنَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ مُكْرَهًا عَلَى قَبْضِهِ. (وَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ غَيْرُ مُكْرَهٍ، وَالْبَائِعُ مُكْرَهٌ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلْبَائِعِ) لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ لِعَدَمِ الرِّضَا.

[فصل من أكره على أن يأكل الميتة أو يشرب الخمر]

(وَلِلْمُكْرَهِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُكْرِهَ إنْ شَاءَ) لِأَنَّهُ آلَةٌ لَهُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْإِتْلَافِ، فَكَأَنَّهُ دَفَعَ مَالَ الْبَائِعِ إلَى الْمُشْتَرِي فَيُضَمِّنُ أَيَّهمَا شَاءَ كَالْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ، فَلَوْ ضَمِنَ الْمُكْرَهُ رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْقِيمَةِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْبَائِعِ، وَإِنْ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي نَفَذَ كُلُّ شِرَاءٍ كَانَ بَعْدَ شِرَائِهِ لَوْ تَنَاسَخَتْهُ الْعُقُودُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ فَظَهَرَ أَنَّهُ بَاعَ مِلْكَهُ، وَلَا يَنْفُذُ مَا كَانَ لَهُ قَبْلَهُ لِأَنَّ الِاسْتِنَادَ إلَى وَقْتِ قَبْضِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَجَازَ الْمَالِكُ الْمُكْرَهَ عَقْدًا مِنْهَا حَيْثُ يَجُوزُ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ وَهُوَ الْمَانِعُ فَعَادَ الْكُلُّ إلَى الْجَوَازِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا تَقَدَّمَ، وَمَا هُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ. (وَالْمُكْرَهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُكْرِهَ لِأَنَّ الْمُكْرِهَ آلَةٌ لَهُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْإِتْلَافِ) وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ آلَةً لَهُ مِنْ حَيْثُ الْكَلَامُ فَإِنَّ التَّكَلُّمَ بِلِسَانِ الْغَيْرِ لَا يُتَصَوَّرُ (فَكَأَنَّ الْمُكْرِهَ دَفَعَ مَالَ الْبَائِعِ إلَى الْمُشْتَرِي وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ) لِأَنَّ الْهَلَاكَ حَصَلَ عِنْدَهُ فَكَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَحْدَثَ سَبَبًا لِلضَّمَانِ (كَالْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ، فَلَوْ ضَمَّنَ الْمُكْرِهَ رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِقِيمَتِهِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْبَائِعِ) بِأَدَاءِ الضَّمَانِ (وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ) يَعْنِي أَيَّ مُشْتَرٍ كَانَ بَعْدَ الْأَوَّلِ (نَفَذَ كُلُّ شِرَاءٍ كَانَ بَعْدَ شِرَائِهِ لَوْ تَنَاسَخَتْهُ الْعُقُودُ) أَيْ تَدَاوَلَتْهُ (لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ فَظَهَرَ أَنَّهُ بَاعَ مِلْكَهُ، وَلَا يَنْفُذُ مَا كَانَ لَهُ قَبْلَهُ لِأَنَّ الِاسْتِنَادَ إلَى وَقْتِ قَبْضِهِ) وَقَالَ الشَّارِحُونَ: وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ: يَعْنِي فِي صُورَةِ الْغَصْبِ وَمَا عَرَفْت الْحَامِلَ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لَكِنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ إنَّمَا هُوَ عَلَى شِقَّيْ التَّرْدِيدِ مِنْ تَضْمِينِ الْمُكْرِهِ وَالْمُشْتَرِي، وَكَلَامُهُ فِي الْغَاصِبِ مِنْ جِهَةِ التَّمْثِيلِ لَا مِنْ حَيْثُ الْأَصَالَةُ. فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ تَضْمِينِهِ مُشْتَرِيًا وَإِجَازَتِهِ عَقْدًا مِنْهَا حَيْثُ اقْتَصَرَ النَّفَاذُ هَاهُنَا عَلَى مَا كَانَ بَعْدَهُ وَعَمَّ الْجَمِيعَ هُنَالِكَ؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ) يَعْنِي فِي صُورَةِ الْإِجَازَةِ (وَهُوَ) أَيْ حَقُّهُ هُوَ (الْمَانِعُ فَعَادَ الْكُلُّ إلَى الْجَوَازِ) فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ إجَازَةِ الْمُكْرَهِ وَإِجَازَةِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، فَإِنَّهُ إذَا أَجَازَ بَيْعًا مِنْ الْبُيُوعِ نَفَذَ مَا أَجَازَهُ خَاصَّةً؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يُزِيلُ مِلْكَهُ، فَكُلُّ بَيْعٍ مِنْ هَذِهِ الْبُيُوعِ تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَتِهِ بِهِ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ فَتَكُونُ إجَازَتُهُ أَحَدَ الْبُيُوعِ تَمْلِيكًا لِلْغَيْرِ مِنْ الْمُشْتَرِي بِحُكْمِ ذَلِكَ الْبَيْعِ فَلَا يَنْفُذُ مَا سِوَاهُ. وَأَمَّا الْمُشْتَرِي مِنْ الْمُكْرَهِ فَقَدْ مَلَكَهُ، فَالْبَيْعُ مِنْ كُلِّ مُشْتَرٍ صَادَفَ مِلْكَهُ، وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ نُفُوذُهُ عَلَى سُقُوطِ حَقِّ الْمُكْرَهِ فِي الِاسْتِرْدَادِ، وَفِي هَذَا لَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ إجَازَتِهِ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ وَالْآخَرَ، فَلِهَذَا نَفَذَ الْبُيُوعُ كُلُّهَا بِإِجَازَتِهِ عَقْدًا مِنْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ أَوْ يَشْرَبَ الْخَمْرَ] (فَصْلٌ) : لَمَّا ذَكَرَ حُكْمُ الْإِكْرَاهِ الْوَاقِعِ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ شَرَعَ فِي بَيَانِ حُكْمِ الْإِكْرَاهِ الْوَاقِعِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ لِأَنَّ حَقَّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ لِحَاجَتِهِ، وَذَكَرَ فِيهِ الْإِكْرَاهَ الْمُلْجِئَ وَهُوَ الَّذِي يَخَافُ فِيهِ تَلَفُ النَّفْسِ أَوْ عُضْوٍ مِنْ الْأَعْضَاءِ، وَغَيْرَ الْمُلْجِئِ

(وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ أَوْ يَشْرَبَ الْخَمْرَ، إنْ أُكْرِهَ عَلَى ذَلِكَ بِحَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ قَيْدٍ لَمْ يَحِلَّ لَهُ إلَّا أَنْ يُكْرَهَ بِمَا يَخَافُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ، فَإِذَا خَافَ عَلَى ذَلِكَ وَسِعَهُ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ) وَكَذَا عَلَى هَذَا الدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ، لِأَنَّ تَنَاوُلَ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ إنَّمَا يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْمَخْمَصَةِ لِقِيَامِ الْمُحَرَّمِ فِيمَا وَرَاءَهَا، وَلَا ضَرُورَةَ إلَّا إذَا خَافَ عَلَى النَّفْسِ أَوْ عَلَى الْعُضْوِ، حَتَّى لَوْ خِيفَ عَلَى ذَلِكَ بِالضَّرْبِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ (وَلَا يَسَعُهُ أَنْ يَصْبِرَ عَلَى مَا تُوُعِّدَ بِهِ، فَإِنْ صَبَرَ حَتَّى أَوْقَعُوا بِهِ وَلَمْ يَأْكُلْ فَهُوَ آثِمٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ الْإِكْرَاهُ بِالْحَبْسِ وَالضَّرْبِ الْيَسِيرِ وَالتَّقْيِيدِ، وَالْأَوَّلُ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا سَوَاءً كَانَ عَلَى الْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ، وَالثَّانِي إنْ كَانَ عَلَى فِعْلٍ يَسِيرٍ فَلَيْسَ مُعْتَبَرًا وَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْمُكْرَهَ فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ بِغَيْرِ إكْرَاهٍ، وَإِنْ كَانَ عَلَى قَوْلٍ فَإِنْ كَانَ قَوْلًا يَسْتَوِي فِيهِ الْجَدُّ وَالْهَزْلُ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَهُوَ مُعْتَبَرٌ فَعَلَى هَذَا (إذَا أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ أَوْ يَشْرَبَ الْخَمْرَ بِحَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ) يَسِيرٍ لَا يَخَافُ مِنْهُ تَلَفَ النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ (أَوْ قَيْدٍ لَمْ يَحِلَّ لَهُ) الْإِقْدَامُ عَلَى ذَلِكَ (وَإِنْ أُكْرِهَ بِمَا يَخَافُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ وَسِعَهُ أَنْ يُقْدِمَ، وَعَلَى هَذَا الدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ لِأَنَّ تَنَاوُلَ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ إنَّمَا يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْمَخْمَصَةِ لِقِيَامِ الْمُحَرَّمِ فِيمَا وَرَاءَهَا، وَلَا ضَرُورَةَ) عِنْدَ عَدَمِ الْخَوْفِ عَلَى النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ (حَتَّى لَوْ خَافَ عَلَى ذَلِكَ بِالضَّرْبِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أُبِيحَ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يَسَعُهُ أَنْ يَصِيرَ عَلَى مَا تُوُعِّدَ بِهِ) وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُلْجِئَ يَمْتَازُ عَنْ غَيْرِهِ لِغَلَّةِ الظَّنِّ، لِأَنَّ بَدَنَ الْإِنْسَانِ فِي احْتِمَالِ الضَّرْبِ مُتَفَاوِتٌ، وَلَيْسَ ثَمَّةَ نَصٌّ مُقَدَّرٌ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ غَالِبُ رَأْيِ مَنْ اُبْتُلِيَ بِهِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِمَنْ قَدَرَ فِي ذَلِكَ أَدْنَى الْحَدِّ وَهُوَ أَرْبَعُونَ فَقَالَ: إنْ تُهُدِّدَ بِأَقَلَّ مِنْهَا لَمْ يَسَعْهُ الْإِقْدَامُ، لِأَنَّ الْأَقَلَّ مَشْرُوعٌ بِطَرِيقِ التَّعْزِيرِ، وَالتَّعْزِيرُ يُقَامُ عَلَى وَجْهِ الزَّجْرِ لَا الْإِتْلَافِ، لِأَنَّ ذَلِكَ نَصْبُ الْمِقْدَارِ بِالرَّأْيِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ (فَإِنْ صَبَرَ حَتَّى أَوْقَعُوا بِهِ) أَيْ قَتَلُوهُ أَوْ أَتْلَفُوا عُضْوَهُ (وَلَمْ يَتَنَاوَلْ) وَعَلِمَ بِالْإِبَاحَةِ (فَهُوَ آثِمٌ

لِأَنَّهُ لَمَّا أُبِيحَ كَانَ بِالِامْتِنَاعِ عَنْهُ مُعَاوِنًا لِغَيْرِهِ عَلَى هَلَاكِ نَفْسِهِ فَيَأْثَمُ كَمَا فِي حَالَةِ الْمَخْمَصَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ إذْ الْحُرْمَةُ قَائِمَةٌ فَكَانَ آخِذًا بِالْعَزِيمَةِ. قُلْنَا: حَالَةُ الِاضْطِرَارِ مُسْتَثْنَاةٌ بِالنَّصِّ وَهُوَ تَكَلُّمٌ بِالْحَاصِلِ بَعْدَ الثُّنْيَا فَلَا مُحَرَّمَ فَكَانَ إبَاحَةً لَا رُخْصَةً إلَّا أَنَّهُ إنَّمَا يَأْثَمُ إذَا عَلِمَ بِالْإِبَاحَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، لِأَنَّ فِي انْكِشَافِ الْحُرْمَةِ خَفَاءٌ فَيُعْذَرُ بِالْجَهْلِ فِيهِ كَالْجَهْلِ بِالْخِطَابِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ. . قَالَ (وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ أَوْ سَبِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَيْدٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إكْرَاهًا حَتَّى يُكْرَهَ بِأَمْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ لَمَّا أُبِيحَ) مِنْ حَيْثُ إنَّ حُرْمَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَانَتْ بِاعْتِبَارِ خَلَلٍ يَعُودُ إلَى الْبَدَنِ أَوْ الْعَقْلِ أَوْ الْعُضْوِ وَحِفْظُ ذَلِكَ مَعَ فَوَاتِ النَّفْسِ غَيْرُ مُمْكِنٍ (كَانَ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ الْإِقْدَامِ مُعَاوِنًا لِغَيْرِهِ عَلَى هَلَاكِ نَفْسِهِ فَيَأْثَمُ كَمَا فِي حَالَةِ الْمَخْمَصَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى ذَلِكَ رُخْصَةٌ، إذْ الْحُرْمَةُ) بِصِفَةِ أَنَّهَا مَيْتَةٌ أَوْ خَمْرٌ وَهِيَ (قَائِمَةٌ فَ) إذَا امْتَنَعَ (كَانَ آخِذًا بِالْعَزِيمَةِ فَلَا يَأْثَمُ. قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحُرْمَةَ قَائِمَةٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اسْتَثْنَى حَالَةَ الِاضْطِرَارِ) فَقَالَ {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] (وَالِاسْتِثْنَاءُ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا) فَكَانَ لِبَيَانِ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى لَمْ يَدْخُلْ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ (فَلَا مُحَرَّمَ) حِينَئِذٍ (فَكَانَ إبَاحَةً لَا رُخْصَةً) فَامْتِنَاعُهُ مِنْ التَّنَاوُلِ كَامْتِنَاعِهِ عَنْ تَنَاوُلِ الطَّعَامِ الْحَلَالِ حَتَّى تَلِفَتْ نَفْسُهُ أَوْ عُضْوُهُ فَكَانَ آثِمًا (لَكِنَّهُ إنَّمَا يَأْثَمُ إذَا عَلِمَ بِالْإِبَاحَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، لِأَنَّ فِي انْكِشَافِ الْحُرْمَةِ خَفَاءً) لِأَنَّهُ أَمْرٌ يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَةِ الْفُقَهَاءِ (فَيُعْذَرُ) أَوْسَاطُ النَّاسِ (بِالْجَهْلِ فِيهِ كَالْجَهْلِ بِالْخِطَابِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ) فَإِنْ قِيلَ: إضَافَةُ الْإِثْمِ إلَى تَرْكِ الْمُبَاحِ مِنْ بَابِ فَسَادِ الْوَضْعِ وَهُوَ فَاسِدٌ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُبَاحَ إنَّمَا يَجُوزُ تَرْكُهُ وَالْإِيتَانُ بِهِ إذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مُحَرَّمٌ، وَهَاهُنَا قَدْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ قَتْلُ النَّفْسِ الْمُحَرَّمِ فَصَارَ التَّرْكُ حَرَامًا لِأَنَّ مَا أَفْضَى إلَى الْحَرَامِ حَرَامٌ. قَالَ (وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ بِاَللَّهِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ إلَخْ) عَلِمَ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يُعْتَبَرُ إكْرَاهًا فِي تَنَاوُلِ

يَخَافُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ) لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ لِمَا مَرَّ، فَفِي الْكُفْرِ وَحُرْمَتُهُ أَشَدُّ أَوْلَى وَأَحْرَى. قَالَ (وَإِذَا خَافَ عَلَى ذَلِكَ وَسِعَهُ أَنْ يُظْهِرَ مَا أَمَرُوهُ بِهِ وَيُوَرِّي، فَإِنْ أَظْهَرَ ذَلِكَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ) لِحَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَيْثُ اُبْتُلِيَ بِهِ، وَقَدْ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَيْفَ وَجَدْت قَلْبَك؟ قَالَ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ، وَفِيهِ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106] » الْآيَةَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ لَا يُعْتَبَرُ إكْرَاهًا فِي إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى اللِّسَانِ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْكُفْرِ أَشَدُّ، فَإِذَا أُكْرِهَ عَلَى ذَكَرَهُ بِمَا لَا يَخَافُ بِهِ عَلَى النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ لَا يَصِحُّ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ، وَإِذَا خَافَ عَلَى ذَلِكَ جَازَ لَهُ أَنْ يُظْهِرَ مَا أَمَرُوهُ بِهِ مِنْ إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ، لَكِنَّهُ يُوَرِّي وَالتَّوْرِيَةُ أَنْ يُظْهِرَ خِلَافَ مَا يُضْمِرُ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَا هَاهُنَا اطْمِئْنَانَ الْقَلْبِ، وَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْإِتْيَانُ بِلَفْظٍ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ فَإِنْ أَظْهَرَ مَا أَمَرَ بِهِ مُوَرِّيًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ لَمْ يَأْثَمْ لِحَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَيْثُ اُبْتُلِيَ بِهِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَيْفَ وَجَدْت قَلْبَك؟ قَالَ: مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ. قَالَ: فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ» . وَفِيهِ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106] " وَقِصَّتُهُ مَعْرُوفَةٌ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " فَعُدْ " عُدْ إلَى طُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ لَا إلَى الْإِجْرَاءِ وَالطُّمَأْنِينَةِ جَمِيعًا، لِأَنَّ أَدْنَى دَرَجَاتِ الْأَمْرِ الْإِبَاحَةُ فَيَكُونُ إجْرَاءُ كَلِمَةِ الْكُفْرِ مُبَاحًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ

وَلِأَنَّ بِهَذَا الْإِظْهَارِ لَا يَفُوتُ الْإِيمَانُ حَقِيقَةً لِقِيَامِ التَّصْدِيقِ، وَفِي الِامْتِنَاعِ فَوْتُ النَّفْسِ حَقِيقَةً فَيَسَعُهُ الْمَيْلُ إلَيْهِ. قَالَ (فَإِنْ صَبَرَ حَتَّى قُتِلَ وَلَمْ يُظْهِرْ الْكُفْرَ كَانَ مَأْجُورًا) لِأَنَّ «خُبَيْبًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَبَرَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى صُلِبَ وَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ، وَقَالَ فِي مِثْلِهِ هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ» وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ بَاقِيَةٌ، وَالِامْتِنَاعُ لِإِعْزَازِ الدِّينِ عَزِيمَةٌ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِلِاسْتِثْنَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْكُفْرَ لَا تَنْكَشِفُ حُرْمَتُهُ وَمَوْضِعُهُ أُصُولُ الْفِقْهِ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ بِهَذَا الْإِظْهَارِ) دَلِيلٌ مَعْقُولٌ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْإِيمَانَ (لَا يَفُوتُ بِهَذَا الْإِظْهَارِ حَقِيقَةً) لِأَنَّ الرُّكْنَ الْأَصْلِيَّ فِيهِ هُوَ التَّصْدِيقُ وَهُوَ قَائِمٌ حَقِيقَةً، وَالْإِقْرَارُ رُكْنٌ زَائِدٌ وَهُوَ قَائِمٌ تَقْدِيرًا لِأَنَّ التَّكْرَارَ لَيْسَ بِشَرْطٍ (وَفِي الِامْتِنَاعِ فَوْتُ النَّفْسِ حَقِيقَةً) فَكَانَ مِمَّا اجْتَمَعَ فِيهِ فَوْتُ حَقِّ الْعَبْدِ يَقِينًا وَفَوْتُ حَقِّ اللَّهِ تَوَهُّمًا (فَيَسَعُهُ الْمَيْلُ إلَى إحْيَاءِ حَقِّهِ، فَإِنْ صَبَرَ وَلَمْ يُظْهِرْ الْكُفْرَ حَتَّى قُتِلَ كَانَ مَأْجُورًا، لِأَنَّ خُبَيْبًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَبَرَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى صُلِبَ، وَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ، وَقَالَ فِي مِثْلِهِ) أَيْ فِيهِ وَكَلِمَةُ مِثْلِ زَائِدٌ (هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ) وَقِصَّتُهُ مَعْرُوفَةٌ أَيْضًا (وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ بَاقِيَةٌ) لِتَنَاهِي قُبْحِ الْكُفْرِ وَبَقَاؤُهَا يُوجِبُ الِامْتِنَاعَ (فَكَانَ الِامْتِنَاعُ عَزِيمَةً لِإِعْزَازِ الدِّينِ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ) مِنْ أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ، فَإِنَّ الْحُرْمَةَ هُنَاكَ لَمْ تَكُنْ بَاقِيَةً (لِلِاسْتِثْنَاءِ) كَمَا تَقَدَّمَ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ إجْرَاءَ كَلِمَةِ الْكُفْرِ أَيْضًا مُسْتَثْنًى بِقَوْلِهِ {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106] مِنْ قَوْلِهِ {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ} [النحل: 106] فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي الْآيَةِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا، وَتَقْدِيرُهُ: مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ مِنْ بَعْدِ إيمَانِهِ وَشَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ، فَاَللَّهُ تَعَالَى مَا أَبَاحَ إجْرَاءَ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى لِسَانِهِمْ حَالَةَ الْإِكْرَاهِ، وَإِنَّمَا

قَالَ (وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى إتْلَافِ مَالِ مُسْلِمٍ بِأَمْرٍ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ وَسِعَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ) لِأَنَّ مَالَ الْغَيْرِ يُسْتَبَاحُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي حَالَةِ الْمَخْمَصَةِ وَقَدْ تَحَقَّقَتْ (وَلِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُكْرِهَ) لِأَنَّ الْمُكْرَهَ آلَةٌ لِلْمُكْرِهِ فِيمَا يَصْلُحُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَضَعَ عَنْهُمْ الْعَذَابَ وَالْغَضَبَ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ نَفْيِ الْغَصْبِ وَهُوَ حُكْمُ الْحُرْمَةِ عَدَمُ الْحُرْمَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ عَدَمِ الْحُكْمِ عَدَمُ الْعِلَّةِ كَمَا فِي شُهُودِ الشَّهْرِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ فَإِنَّ السَّبَبَ مَوْجُودٌ وَالْحُكْمَ مُتَأَخِّرٌ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْغَضَبُ مُنْتَفِيًا مَعَ قِيَامِ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْغَضَبِ وَهِيَ الْحُرْمَةُ فَلَمْ يَثْبُتْ إبَاحَةُ إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلَّةِ إنْ كَانَ هُوَ الْمُصْطَلَحُ فَذَاكَ مُمْتَنِعُ التَّخَلُّفِ عَنْ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ مَعْلُولُهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهَا السَّبَبَ الشَّرْعِيَّ كَمَا مَثَّلَ بِهِ فَإِنَّمَا يَتَخَلَّفُ الْحُكْمُ عَنْهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ شَرْعِيٍّ يُوجِبُ تَأْخِيرَهُ كَمَا فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] وَلَا دَلِيلَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ. وَعَنْ هَذَا ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ إلَى أَنَّ الْأَمْرَ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ» لِلْإِبَاحَةِ، وَقَوْلُهُمْ لِأَنَّ الْكُفْرَ مِمَّا لَا يَنْكَشِفُ حُرْمَتُهُ صَحِيحٌ، وَلَكِنَّ الْكَلَامَ فِي إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ مُكْرَهًا لَا فِي الْكُفْرِ. قَالَ (وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى إتْلَافِ مَالِ مُسْلِمٍ) وَإِنْ أُكْرِهَ رَجُلٌ عَلَى إتْلَافِ مَالِ مُسْلِمٍ (بِأَمْرٍ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، لِأَنَّ مَالَ الْغَيْرِ يُسْتَبَاحُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي حَالَةِ الْمَخْمَصَةِ وَقَدْ تَحَقَّقَتْ، وَلِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُكْرَهَ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ آلَةٌ لِلْمُكْرِهِ فِيمَا يَصْلُحُ

آلَةً لَهُ وَالْإِتْلَافُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ (وَإِنْ أَكْرَهَهُ بِقَتْلِهِ عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يُقْدِمَ عَلَيْهِ وَيَصْبِرُ حَتَّى يُقْتَلَ، فَإِنْ قَتَلَهُ كَانَ آثِمًا) لِأَنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ مِمَّا لَا يُسْتَبَاحُ لِضَرُورَةٍ مَا فَكَذَا بِهَذِهِ الضَّرُورَةِ. قَالَ (وَالْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ إنْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ زُفَرُ: يَجِبُ عَلَى الْمُكْرَهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ عَلَيْهِمَا. لِزُفَرَ أَنَّ الْفِعْلَ مِنْ الْمُكْرَهِ حَقِيقَةً وَحِسًّا، وَقَرَّرَ الشَّرْعُ حُكْمَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْإِثْمُ، بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ عَلَى إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ لِأَنَّهُ سَقَطَ حُكْمُهُ وَهُوَ الْإِثْمُ فَأُضِيفَ إلَى غَيْرِهِ، وَبِهَذَا يَتَمَسَّكُ الشَّافِعِيُّ فِي جَانِبِ الْمُكْرَهِ، وَيُوجِبُهُ عَلَى الْمُكْرِهِ أَيْضًا لِوُجُودِ التَّسْبِيبِ إلَى الْقَتْلِ مِنْهُ، وَلِلتَّسْبِيبِ فِي هَذَا حُكْمُ الْمُبَاشَرَةِ عِنْدَهُ كَمَا فِي شُهُودِ الْقِصَاصِ، وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْقَتْلَ بَقِيَ مَقْصُورًا عَلَى الْمُكْرَهِ مِنْ وَجْهٍ نَظَرًا إلَى التَّأْثِيمِ، وَأُضِيفَ إلَى الْمُكْرِهِ مِنْ وَجْهٍ نَظَرًا إلَى الْحَمْلِ فَدَخَلَتْ الشُّبْهَةُ فِي كُلِّ جَانِبٍ. وَلَهُمَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْقَتْلِ بِطَبْعِهِ إيثَارًا لِحَيَاتِهِ فَيَصِيرُ آلَةً لِلْمُكْرِهِ فِيمَا يَصْلُحُ آلَةً لَهُ وَهُوَ الْقَتْلُ بِأَنْ يُلْقِيهِ عَلَيْهِ وَلَا يَصْلُحُ آلَةً لَهُ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى دِينِهِ فَيَبْقَى الْفِعْلُ مَقْصُورًا عَلَيْهِ فِي حَقِّ الْإِثْمِ كَمَا نَقُولُ فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِعْتَاقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQآلَةً لَهُ، وَالْإِتْلَافُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ) لِأَنَّ الْمُكْرِهَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمُكْرَهَ وَيُلْقِيَهُ عَلَى الْمَالِ فَيُتْلِفَهُ. وَقَوْلُهُ فِيمَا يَصْلُحُ احْتِرَازٌ عَنْ الْأَكْلِ وَالتَّكَلُّمِ وَالْوَطْءِ فَإِنَّهُ فِيهَا لَا يَصْلُحُ آلَةً لَهُ (وَإِنْ أَكْرَهَهُ بِقَتْلِهِ عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ بَلْ يَصْبِرُ حَتَّى يُقْتَلَ، فَإِنْ قَتَلَهُ كَانَ آثِمًا لِأَنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ) بِغَيْرِ حَقٍّ (مِمَّا لَا يُسْتَبَاحُ لِضَرُورَةِ مَا فَكَذَا بِالْإِكْرَاهِ) وَهَذَا لَا نِزَاعَ فِيهِ. وَأَمَّا وُجُوبُ الْقِصَاصِ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ بِحَسَبِ الْقِسْمَةِ الْعَقْلِيَّةِ، فَإِنَّهُ إمَّا إنْ كَانَ يَجِبُ عَلَى الْمُكْرَهِ وَالْمُكْرِهِ جَمِيعًا، أَوْ لَا يَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَوْ يَجِبُ عَلَى الْمُكْرِهِ وَحْدَهُ، أَوْ عَلَى الْعَكْسِ. وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَالثَّانِي قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَالثَّالِثُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَالرَّابِعُ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. لَهُ أَنَّ الْفِعْلَ مِنْ الْمُكْرَهِ حَقِيقَةٌ لِصُدُورِهِ مِنْهُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَحِسًّا فَإِنَّهُ مُعَايَنٌ مُشَاهَدٌ، وَكَذَا شَرْعًا لِأَنَّهُ قَرَّرَ عَلَيْهِ حُكْمَهُ وَهُوَ الْإِثْمُ، فَإِيجَابُ الْقِصَاصِ عَلَى غَيْرِهِ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَغَيْرُ مَشْرُوعٍ، بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ عَلَى إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ لِأَنَّهُ سَقَطَ حُكْمُهُ وَهُوَ الْإِثْمُ فَلَمْ يَكُنْ مُقَرَّرًا عَلَيْهِ شَرْعًا فَجَازَ إضَافَتُهُ إلَى غَيْرِهِ، وَبِهَذَا يَتَمَسَّكُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي جَانِبِ الْمُكْرَهِ وَيُوجِبُهُ عَلَى الْمُكْرِهِ أَيْضًا لِوُجُودِ التَّسْبِيبِ إلَى الْقَتْلِ مِنْهُ، وَلِلتَّسَبُّبِ فِي هَذَا: أَيْ فِي الْقَتْلِ حُكْمُ الْمُبَاشَرَةِ عِنْدَهُ، كَمَا إذَا شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ فَاقْتُصَّ مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَجَاءَ الْمَشْهُودُ بِقَتْلِهِ حَيًّا فَإِنَّهُ يُقْتَلُ الشَّاهِدَانِ عِنْدَهُ لِلتَّسْبِيبِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَسَامُحٌ، لِأَنَّ دَلِيلَ زُفَرَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ إضَافَةِ الْقَتْلِ إلَى غَيْرِ الْمُكْرِهِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ ذَلِكَ دَلِيلًا لِلشَّافِعِيِّ وَهُوَ يُضِيفُهُ إلَى غَيْرِهِ أَيْضًا. وَالْجَوَابُ أَنَّ دَلِيلَهُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ إضَافَتِهِ إلَى غَيْرِ الْمُكْرِهِ مُبَاشَرَةً، وَالشَّافِعِيُّ يُضِيفُهُ إلَى الْغَيْرِ تَسْبِيبًا فَلَا تَنَافِيَ. وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْقَتْلَ الْحَاصِلَ مِنْ الْمُكْرَهِ يَحْتَمِلُ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِ وَالتَّعَدِّيَ إلَى غَيْرِهِ نَظَرًا إلَى دَلِيلِ زُفَرَ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، لِأَنَّ تَأْثِيمَ الشَّارِعِ يَدُلُّ عَلَى تَقْرِيرِ الْحُكْمِ وَقَصْرِهِ عَلَيْهِ، وَكَوْنُهُ مَحْمُولًا عَلَى الْفِعْلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَالْآلَةِ وَالْفِعْلُ يَنْتَقِلُ عَنْهُ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ شُبْهَةً وَالْقِصَاصُ يَنْدَفِعُ بِهَا. وَلَهُمَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْقَتْلِ بِطَبْعِهِ إيثَارًا لِحَيَاتِهِ، وَالْمَحْمُولُ عَلَى الْفِعْلِ بِالطَّبْعِ آلَةٌ لِأَنَّ الْآلَةَ هِيَ الَّتِي تَعْمَلُ بِالطَّبْعِ، كَالسَّيْفِ فَإِنَّ طَبْعَهُ الْقَطْعُ عِنْدَ الِاسْتِعْمَالِ فِي مَحَلِّهِ فَيَصِيرُ آلَةً لِلْمُكْرِهِ فِيمَا يَصْلُحُ آلَةً لَهُ وَهُوَ الْقَتْلُ بِأَنْ يُلْقِيَهُ عَلَيْهِ، وَالْفِعْلُ يُضَافُ إلَى الْفَاعِلِ لَا إلَى الْآلَةِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ آلَةً لَأُضِيفَ الْإِثْمُ إلَى الْمُكْرَهِ كَالْقَتْلِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَلَا يَصْلُحُ آلَةً لَهُ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى دِيَتِهِ فَيَبْقَى الْفِعْلُ فِي حَقِّ الْإِثْمِ مَقْصُورًا عَلَيْهِ كَمَا نَقُولُ فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِعْتَاقِ) فَإِنَّ إعْتَاقَهُ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُكْرِهِ مِنْ

وَفِي إكْرَاهِ الْمَجُوسِيِّ عَلَى ذَبْحِ شَاةِ الْغَيْرِ يَنْتَقِلُ الْفِعْلُ إلَى الْمُكْرَهِ فِي الْإِتْلَافِ دُونَ الذَّكَاةِ حَتَّى يَحْرُمَ كَذَا هَذَا. قَالَ (وَإِنْ أَكْرَهَهُ عَلَى طَلَاقِ امْرَأَتِهِ أَوْ عِتْقِ عَبْدِهِ فَفَعَلَ وَقَعَ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَقَدْ مَرَّ فِي الطَّلَاقِ. قَالَ (وَيَرْجِعُ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ) لِأَنَّهُ صَلَحَ آلَةً لَهُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْإِتْلَافُ فَيُضَافُ إلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQحَيْثُ إتْلَافُ مَالِيَّةِ الْعَبْدِ حَتَّى وَجَبَتْ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَبْدِ وَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ التَّكَلُّمُ، فَإِنَّهُ لَوْ انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ التَّكَلُّمُ أَيْضًا لَمْ يُعْتَقْ الْعَبْدُ (وَ) كَمَا نَقُولُ (فِي إكْرَاهِ الْمَجُوسِيِّ عَلَى ذَبْحِ شَاةِ الْغَيْرِ، فَإِنَّ الْفِعْلَ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُكْرِهِ مِنْ حَيْثُ الْإِتْلَافُ دُونَ الذَّكَاةِ حَتَّى يَحْرُمَ كَذَا هَذَا) وَإِذَا ظَهَرَ أَنَّ الْمُكْرَهَ آلَةٌ لِلْمُكْرِهِ فِي الْقَتْلِ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ وَبَيْنَ مَنْ أَصَابَتْهُ مَخْمَصَةٌ فَقَتَلَ إنْسَانًا وَأَكَلَ لَحْمَهُ حَتَّى بَقِيَ هُوَ حَيًّا إيثَارًا لِحَيَاتِهِ بِطَبْعِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَإِنْ كَانَ مُضْطَرًّا كَالْمُكْرَهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ ثَمَّةَ مَنْ يَكُونُ آلَةً لَهُ فَيُضَافُ إلَى نَفْسِهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ النِّهَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: سَوَاءٌ كَانَ هَذَا الْمُكْرِهُ الْآمِرُ عَاقِلًا أَوْ مَعْتُوهًا أَوْ غُلَامًا غَيْرَ بَالِغٍ فَالْقَوَدُ عَلَى الْآمِرِ، وَعَزَاهُ إلَى الْمَبْسُوطِ، وَنَسَبَهُ شَيْخُ شَيْخِي عَلَاءُ الدِّينِ عَبْدُ الْعَزِيزِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى السَّهْوِ وَقَالَ: الرِّوَايَةُ فِي الْمَبْسُوطِ بِفَتْحِ الرَّاءِ دُونَ كَسْرِهَا، وَنُقِلَ عَنْ أَبِي الْيُسْرِ فِي مَبْسُوطِهِ: وَلَوْ كَانَ الْآمِرُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ عَلَى أَحَدٍ لِأَنَّ الْقَاتِلَ فِي الْحَقِيقَةِ هَذَا الصَّبِيُّ أَوْ الْمَجْنُونُ وَهُوَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِوُجُوبِ الْعُقُوبَةِ عَلَيْهِ. قَالَ (وَإِنْ أَكْرَهَهُ عَلَى طَلَاقِ امْرَأَتِهِ) وَإِنْ أُكْرِهَ الرَّجُلُ عَلَى طَلَاقِ امْرَأَتِهِ (أَوْ) عَلَى (عِتْقِ عَبْدِهِ فَفَعَلَ ذَلِكَ وَقَعَ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) فَإِنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُكْرَهِ كُلَّهَا بَاطِلَةٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ إكْرَاهًا بِحَقٍّ (وَقَدْ مَرَّ) دَلِيلُ الْفَرِيقَيْنِ (فِي الطَّلَاقِ، وَيَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرِهِ قِيمَةُ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ صَلُحَ آلَةً لَهُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْإِتْلَافُ فَيُضَافُ إلَيْهِ) وَمَنَعَ صَلَاحِيَّتَهُ لِذَلِكَ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ يَثْبُتُ فِي ضِمْنِ التَّلَفُّظِ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَهُوَ لَا يَصْلُحُ آلَةً لَهُ فِي حَقِّ التَّلَفُّظِ فَكَذَا فِي حَقِّ مَا يَثْبُتُ فِي ضِمْنِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْإِعْتَاقَ إتْلَافٌ وَهُوَ يَصْلُحُ آلَةً لَهُ فِيهِ، وَاللَّفْظُ قَدْ يَنْفَكُّ عَنْهُ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا فِي إعْتَاقِ الصَّبِيِّ فَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ آلَةً بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِتْلَافِ دُونَ التَّلَفُّظِ، وَإِذَا صَحَّ

فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا، وَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّ السِّعَايَةَ إنَّمَا تَجِبُ لِلتَّخْرِيجِ إلَى الْحُرِّيَّةِ أَوْ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQكَوْنُهُ آلَةً صَحَّتْ الْإِضَافَةُ إلَيْهِ (فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا، وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ) أَمَّا وُجُوبُ الضَّمَانِ فَفِيمَا إذَا قَالَ الْمُكْرِهُ أَرَدْت بِقَوْلِي هُوَ حُرٌّ عِتْقًا مُسْتَقْبَلًا كَمَا طَلَبَ مِنِّي فَإِنَّهُ يُعْتَقُ الْعَبْدُ قَضَاءً وَدِيَانَةً، وَيَضْمَنُ الْمُكْرَهُ قِيمَةَ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا أَمَرَهُ بِهِ عَلَى وَفْقِ مَا أَكْرَهَهُ، وَكَذَا إذَا قَالَ لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِي سِوَى الْإِتْيَانِ بِمَطْلُوبِهِ، وَإِنْ قَالَ خَطَرَ بِبَالِي الْإِخْبَارُ بِالْحُرِّيَّةِ فِيمَا مَضَى كَاذِبًا وَأَرَدْت ذَلِكَ لَا إنْشَاءَ الْحُرِّيَّةِ عَتَقَ الْعَبْدُ قَضَاءً لَا دِيَانَةً لِأَنَّهُ عَدَلَ عَمَّا أُكْرِهَ عَلَيْهِ فَكَانَ طَائِعًا فِي الْإِقْرَارِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي فِي دَعْوَى الْإِخْبَارِ كَاذِبًا، وَلَا يَضْمَنُ الْمُكْرَهُ شَيْئًا لِأَنَّ الْعَبْدَ عَتَقَ بِالْإِقْرَارِ طَائِعًا لَا بِالْإِكْرَاهِ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ الْمُكْرَهُ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ بِعِوَضٍ وَهُوَ الْوَلَاءُ، وَالْإِتْلَافُ بِعِوَضٍ كَلَا إتْلَافٍ. فَالْجَوَابُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْوَلَاءَ عِوَضٌ لِأَنَّ سَبَبَهُ الْعِتْقُ عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى فَكَيْفَ يَكُونُ الْمُكْرَهُ مُعَوَّضًا عَمَّا أَتْلَفَهُ بِمَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهِ أَصْلًا. سَلَّمْنَاهُ وَلَكِنْ إنَّمَا يَكُونُ كَلَا إتْلَافٍ إذَا كَانَ الْعِوَضُ مَالًا كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَكْلِ طَعَامِ الْغَيْرِ فَأَكَلَ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ لِأَنَّهُ حَصَلَ لِلْمُكْرَهِ عِوَضٌ، أَوْ فِي حُكْمِ الْمَالِ كَمَا فِي مَنَافِعِ الْبُضْعِ إذَا أَتْلَفَهَا مُكْرَهًا لِأَنَّ مَنَافِعَهُ تُعَدُّ مَالًا عِنْدَ الدُّخُولِ، وَالْوَلَاءُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا شَهِدَا بِالْوَلَاءِ ثُمَّ رَجَعَا لَا يَضْمَنَانِ. (وَأَمَّا عَدَمُ السِّعَايَةِ فَلِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ لِلتَّخْرِيجِ إلَى الْحُرِّيَّةِ) كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْمُسْتَسْعَى كَالْمُكَاتَبِ وَقَدْ خَرَجَ فَلَا يُمْكِنُ تَخْرِيجُهُ ثَانِيًا (أَوْ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْعَبْدِ حَقُّ الْغَيْرِ فَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ

وَلَا يَرْجِعُ الْمُكْرَهُ عَلَى الْعَبْدِ بِالضَّمَانِ لِأَنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِإِتْلَافِهِ. قَالَ (وَيَرْجِعُ بِنِصْفِ مَهْرِ الْمَرْأَةِ إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْعَقْدِ مُسَمًّى يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ الْمُتْعَةِ) لِأَنَّ مَا عَلَيْهِ كَانَ عَلَى شَرْفِ السُّقُوطِ بِأَنْ جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا، وَإِنَّمَا يَتَأَكَّدُ بِالطَّلَاقِ فَكَانَ إتْلَافًا لِلْمَالِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَيُضَافُ إلَى الْمُكْرَهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إتْلَافٌ. بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلَ بِهَا لِأَنَّ الْمَهْرَ قَدْ تَقَرَّرَ بِالدُّخُولِ لَا بِالطَّلَاقِ. (وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى التَّوْكِيلِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَفَعَلَ الْوَكِيلُ جَازَ اسْتِحْسَانًا) لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ مُؤَثِّرٌ فِي فَسَادِ الْعَقْدِ، وَالْوَكَالَةُ لَا تَبْطُلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ مُوجِبِي السِّعَايَةِ) ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مَرْهُونًا فَأُكْرِهَ الرَّاهِنُ عَلَى إعْتَاقِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ السِّعَايَةُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ وَهُوَ الْمُرْتَهِنُ بِهِ، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ سَالِمٌ عَنْ النَّقْضِ، وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِهِمَا فَإِنَّهُ يُنْتَقَضُ بِمَا إذَا أُعْتِقَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ، وَقَدْ أَعْتَقَ مِلْكَهُ وَلَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِيهِ، وَيُزَادُ لَهُمَا فِي التَّعْلِيلِ فَيُقَالُ عَتَقَ عَلَى مِلْكِهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ وَهُوَ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ (وَلَا يَرْجِعُ الْمُكْرَهُ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا ضَمِنَ لِأَنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِإِتْلَافِهِ) يَعْنِي أَنَّ الْمُكْرَهَ إنَّمَا يَضْمَنُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جُعِلَ مُتْلِفًا لِلْعَبْدِ حُكْمًا، فَكَأَنَّهُ قَتَلَهُ وَالْمَقْتُولُ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا. قَالَ (وَيَرْجِعُ بِنِصْفِ مَهْرِ الْمَرْأَةِ) الْجَوَابُ فِيمَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقِ امْرَأَتِهِ وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا نَظِيرُ الْجَوَابِ فِيمَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى عِتْقِ الْعَبْدِ فِي حَقِّ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَرُجُوعِ الزَّوْجِ عَلَى الْمُكْرَهِ، إلَّا أَنَّ الرُّجُوعَ هَاهُنَا بِنِصْفِ الصَّدَاقِ وَثَمَّةَ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ رَجَعَ عَلَى الْمُكْرَهِ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ الْمُتْعَةِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْكُلِّ وَاحِدَةٌ وَهُوَ الْإِتْلَافُ. أَمَّا فِي الْعِتْقِ فَقَدْ تَقَدَّمَ. أَمَّا فِي الطَّلَاقِ فَلِقَوْلِهِ لِأَنَّ مَا عَلَيْهِ: أَيْ عَلَى الزَّوْجِ كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ بِأَنْ جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا بِتَمْكِينِ ابْنِ الزَّوْجِ مِنْهَا بِغَيْرِ إكْرَاهٍ، أَوْ بِالِارْتِدَادِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَمَا كَانَ عَلَيْهِ تَأَكُّدٌ بِالطَّلَاقِ مُكْرَهًا، فَمَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ تَأَكَّدَ بِهِ وَلِلتَّأْكِيدِ شَبَهٌ بِالْإِيجَابِ، فَكَأَنَّهُ أَوْجَبَ عَلَى الْمُكْرَهِ ذَلِكَ ابْتِدَاءً فَكَانَ إتْلَافًا لِلْمَالِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَالْمُكْرَهُ فِي حَقِّ الْإِكْرَاهِ بِمَنْزِلَةِ الْآلَةِ فَيُضَافُ إلَى الْمُكْرَهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إتْلَافٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلَ بِهَا لِأَنَّ الْمَهْرَ تَقَرَّرَ بِالدُّخُولِ لَا بِالطَّلَاقِ فَبَقِيَ مُجَرَّدُ إتْلَافِ مِلْكِ النِّكَاحِ، وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ عِنْدَ الْخُرُوجِ، وَمَا لَيْسَ بِمَالٍ لَا يُضْمَنُ بِمَالٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ إذَا رَجَعَا بَعْدَ الشَّهَادَةِ بِالطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا يَضْمَنَانِ. (وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى التَّوْكِيلِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَفَعَلَ الْوَكِيلُ) أَيْ طَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ (فَهُوَ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِالْهَزْلِ فَكَذَا مَعَ الْإِكْرَاهِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ يُؤَثِّرُ فِي فَسَادِ الْعَقْدِ فَكَانَ كَالشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَالشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ لَا تُؤَثِّرُ فِي فَسَادِ الْوَكَالَةِ. أَمَّا أَنَّهُ كَالشَّرْطِ

بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَيَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرِهِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُكْرِهِ زَوَالُ مِلْكِهِ إذَا بَاشَرَ الْوَكِيلُ، وَالنَّذْرُ لَا يَعْمَلُ فِيهِ الْإِكْرَاهِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، وَلَا رُجُوعَ عَلَى الْمُكْرِهِ بِمَا لَزِمَهُ لِأَنَّهُ لَا مُطَالِبَ لَهُ فِي الدُّنْيَا فَلَا يُطَالَبُ بِهِ فِيهَا، وَكَذَا الْيَمِينُ، وَالظِّهَارُ لَا يَعْمَلُ فِيهِمَا الْإِكْرَاهُ لِعَدَمِ احْتِمَالِهِمَا الْفَسْخَ، وَكَذَا الرَّجْعَةُ وَالْإِيلَاءُ وَالْفَيْءُ فِيهِ بِاللِّسَانِ لِأَنَّهَا تَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ، وَالْخُلْعُ مِنْ جَانِبِهِ طَلَاقٌ أَوْ يَمِينٌ لَا يَعْمَلُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ، فَلَوْ كَانَ هُوَ مُكْرَهًا عَلَى الْخُلْعِ دُونَهَا لَزِمَهَا الْبَدَلُ لِرِضَاهَا بِالِالْتِزَامِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَاسِدِ فَلِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَعْدَمُ الرِّضَا فَيَفْسُدُ بِهِ الِاخْتِيَارُ فَصَارَ كَأَنَّهُ شَرْطًا شُرِطَ فَاسِدًا فَإِنَّهُ يُفْسِدُ الْعَقْدَ وَلَا يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ. وَأَمَّا أَنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فَلِأَنَّهَا مِنْ الْإِسْقَاطَاتِ، فَإِنَّ تَصَرُّفَ الْوَكِيلِ فِي مَالِ الْمُوَكِّلِ قَبْلَ التَّوْكِيلِ كَانَ مَوْقُوفًا حَقًّا لِلْمَالِكِ فَهُوَ بِالتَّوْكِيلِ أَسْقَطَهُ، فَإِذَا لَمْ يَفْسُدْ كَانَ تَصَرُّفُ الْوَكِيلِ نَافِذًا (وَيَرْجِعُ الْمُكْرَهُ عَلَى الْمُكْرِهِ) بِمَا عَزَمَ مِنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ وَقِيمَةِ الْعَبْدِ (اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَرْجِعَ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ وَقَعَ عَلَى الْوَكَالَةِ، وَزَوَالُ الْمِلْكِ لَمْ يَقَعْ بِهَا، فَإِنَّ الْوَكِيلَ قَدْ يَفْعَلُ وَقَدْ لَا يَفْعَلُ فَلَا يُضَافُ التَّلَفُ إلَيْهِ، كَمَا فِي الشَّاهِدَيْنِ شَهِدَا أَنَّ فُلَانًا وَكَّلَ فُلَانًا بِعِتْقِ عَبْدِهِ فَأَعْتَقَ الْوَكِيلُ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ مَقْصُودَ الْمُكْرَهِ زَوَالُ مِلْكِهِ بِمُبَاشَرَةِ الْوَكِيلِ وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ، وَكَانَ مَا فَعَلَهُ وَسِيلَةً إلَى الْإِزَالَةِ فَيَضْمَنُ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إكْرَاهٌ (قَوْلُهُ وَالنَّذْرُ لَا يَعْمَلُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ) بَيَانٌ لِمَا يَعْمَلُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ وَمَا لَا يَعْمَلُ فِيهِ، وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْفَسْخُ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا يَعْمَلُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ مِنْ حَيْثُ مَنْعُ الصِّحَّةِ، لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ يُفَوِّتُ الرِّضَا وَفَوَاتُ الرِّضَا يُؤَثِّرُ فِي عَدَمِ اللُّزُومِ وَعَدَمُ اللُّزُومِ يُمَكِّنُ الْمُكْرَهَ مِنْ الْفَسْخِ، فَالْإِكْرَاهُ يُمَكِّنُ الْمُكْرَهَ مِنْ الْفَسْخِ بَعْدَ التَّحَقُّقِ، فَمَا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ لَا يَعْمَلُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ فَيَصِحُّ النَّذْرُ مَعَ الْإِكْرَاهِ، فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُوجِبَ عَلَى نَفْسِهِ صَدَقَةً لَزِمَهُ ذَلِكَ (وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِمَا لَزِمَهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُطَالَبٍ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَلَا يُطَالَبُ بِهِ غَيْرُهُ فِيهَا، وَكَذَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى يَمِينٍ) فَحَلَفَ انْعَقَدَتْ (أَوْ عَلَى ظِهَارٍ) فَظَاهِرٌ صَحَّ (وَكَذَا عَلَى رَجْعَةٍ) فَفَعَلَ صَحَّ (أَوْ عَلَى إيلَاءٍ فَآلَى أَوْ عَلَى فَيْءٍ إلَيْهَا بِاللِّسَانِ) فَفَعَلَ صَحَّ (لِأَنَّهَا) أَيْ الرَّجْعَةَ وَالْإِيلَاءَ وَالْفَيْءَ (تَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ) وَمَا صَحَّ مَعَ الْهَزْلِ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى إعْتَاقِ عَبْدٍ عَنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أَوْ الظِّهَارِ فَفَعَلَ أَجْزَأَهُ عَنْهَا وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُكْرِهِ بِقِيمَتِهِ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْخُرُوجِ عَمَّا لَزِمَهُ وَذَلِكَ مِنْهُ حِسْبَةٌ لَا إتْلَافٌ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَإِنْ عَيَّنَ عَبْدًا لِذَلِكَ فَفَعَلَ عَتَقَ وَلَمْ يَجُزْ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَيَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِقِيمَتِهِ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيْهِ مَالِيَّةَ الْعَبْدِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ بِعَيْنِهِ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ، وَإِذَا ثَبَتَ لَهُ الرُّجُوعُ لَمْ يَكُنْ كَفَّارَةٌ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَضْمُونَةٍ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ تَرَكَ الَّتِي آلَى مِنْهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ حَتَّى بَانَتْ وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا وَجَبَ عَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ، وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُكْرَهِ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْقُرْبَانِ فِي الْمُدَّةِ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ كَانَ ذَلِكَ رِضًا مِنْهُ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ الصَّدَاقِ، وَإِنْ قَرِبَهَا وَكَفَّرَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُكْرَهِ بِشَيْءٍ، لِأَنَّهُ أَتَى بِضِدِّ مَا أَكْرَهَهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يُخَالِعَ امْرَأَتَهُ فَفَعَلَ صَحَّ الْخُلْعُ لِأَنَّهُ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ طَلَاقٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَالْإِكْرَاهُ لَا يَمْنَعُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِلَا بَدَلٍ فَكَذَا بِبَدَلٍ أَوْ يَمِينٍ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ وَالْيَمِينِ لَا يَعْمَلُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ (فَلَوْ كَانَ مُكْرَهًا عَلَى الْخُلْعِ دُونَهَا لَزِمَهَا الْبَدَلُ لِرِضَاهَا بِالِالْتِزَامِ) بِإِزَاءِ مَا سَلِمَ لَهَا

قَالَ (وَإِنْ أَكْرَهَهُ عَلَى الزِّنَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، إلَّا أَنْ يُكْرِهَهُ السُّلْطَانُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْحُدُودِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْبَيْنُونَةِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُكْرَهِ لِلزَّوْجِ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيْهِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ وَهُوَ النِّكَاحُ فَلَا يَضْمَنُ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: إنْ خَالَعَهَا وَهِيَ غَيْرُ مَلْمُوسَةٍ فَاسْتَحَقَّتْ نِصْفَ الصَّدَاقِ هَلْ يَرْجِعُ بِهِ الزَّوْجُ عَلَى الْمُكْرَهِ لِتَأْكِيدِ مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ أَوْ لَا؟ قُلْنَا: لَا يَخْلُو أَمَّا إنْ سَاقَ الزَّوْجُ الْمَهْرَ إلَيْهَا كُلَّهُ أَوَّلًا، فَإِنْ سَاقَ رَجَعَ عَلَى الْمُكْرَهِ بِنِصْفِهِ بِالِاتِّفَاقِ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ، لِأَنَّ الْخُلْعَ عَلَى مَالٍ مُسَمًّى لَا يُوجِبُ الْبَرَاءَةَ عَمَّا يَسْتَحِقُّهُ كُلٌّ مِنْهُمَا قَبْلَ صَاحِبِهِ بِحُكْمِ النِّكَاحِ. وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلِأَنَّهُ وَإِنْ أَوْجَبَ الْبَرَاءَةَ لَكِنَّهَا بَرَاءَةُ مُكْرَهٍ وَالْبَرَاءَةُ مَعَ الْإِكْرَاهِ لَا تَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يَسُقْ رَجَعَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى الْبَرَاءَةِ. قَالَ (وَإِنْ أَكْرَهَهُ عَلَى الزِّنَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلًا: إنْ أَكْرَهَهُ أَحَدٌ عَلَى الزِّنَا فَزَنَى وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّ الزِّنَا مِنْ الرَّجُلِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِانْتِشَارِ آلَتِهِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِلَذَاذَةٍ وَذَلِكَ دَلِيلُ الطَّوَاعِيَةِ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا مَحَلُّ الْفِعْلِ، وَمَعَ الْخَوْفِ يَتَحَقَّقُ التَّمْكِينُ مِنْهَا فَلَا يَكُونُ التَّمْكِينُ دَلِيلَ الطَّوَاعِيَةِ. ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ إذَا كَانَ الْمُكْرِهُ هُوَ السُّلْطَانُ، لِأَنَّ الْحَدَّ لِلزَّجْرِ وَلَا حَاجَةَ مَعَ الْإِكْرَاهِ، لِأَنَّ الِانْزِجَارَ كَانَ حَاصِلًا إلَى إنْ حَصَلَ خَوْفُ التَّلَفِ عَلَى نَفْسِهِ فَكَانَ قَصْدُهُ بِهَذَا الْفِعْلِ دَفْعَ الْهَلَاكِ عَنْ نَفْسِهِ لَا قَضَاءَ الشَّهْوَةِ، فَيَصِيرُ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ عَنْهُ، وَانْتِشَارُ الْآلَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْخَوْفِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ طَبِيعِيٌّ يَنْشُرُ مِنْ النَّائِمِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ. وَهَذَا وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ. وَأَمَّا تَقْيِيدُ الْإِكْرَاهِ بِالسُّلْطَانِ فَقَدْ قِيلَ إنَّهُ مِنْ قَبِيلِ اخْتِلَافِ الْعَصْرِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ هَذَا الْكِتَابِ، وَقِيلَ مِنْ قَبِيلِ اخْتِلَافِ الْحُكْمِ. وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْإِكْرَاهِ كَوْنُهُ مُلْجِئًا وَذَلِكَ بِقُدْرَةِ الْمُكْرَهِ عَلَى الْإِيقَاعِ، وَخَوْفُ الْمُكْرَهِ الْوُقُوعُ كَمَا مَرَّ، وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ السُّلْطَانِ أَكْثَرَ تَحَقُّقًا، لِأَنَّ السُّلْطَانَ يَعْلَمُ أَنْ لَا يَفُوتَهُ فَهُوَ ذُو أَنَاةٍ فِي أَمْرِهِ وَغَيْرُهُ يَخَافُ الْفَوْتَ بِالِالْتِجَاءِ إلَى السُّلْطَانِ فَيَجْعَلُ فِي الْإِيقَاعِ، وَوَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الْمُكْرَهَ يَعْجِزُ عَنْ دَفْعِ السُّلْطَانِ عَنْ نَفْسِهِ، إذْ لَيْسَ فَوْقَهُ مَنْ يَلْتَجِئُ إلَيْهِ وَيَقْدِرُ عَلَى دَفْعِ اللِّصِّ بِالِالْتِجَاءِ إلَى السُّلْطَانِ، فَإِنْ اتَّفَقَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ نَادِرٌ لَا حُكْمَ لَهُ، ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى الْمُكْرَهِ لَا يُحْسَبُ لَهَا الْمَهْرُ، لِأَنَّ الْحَدَّ وَالْمَهْرَ لَا يَجْتَمِعَانِ عِنْدَنَا بِفِعْلٍ وَاحِدٍ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ سَقَطَ الْحَدُّ وَجَبَ الْمَهْرُ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ أَحَدِهِمَا، فَإِنْ سَقَطَ الْحَدُّ وَجَبَ الْمَهْرُ إظْهَارًا لِخَطَرِ الْمَحَلِّ سَوَاءٌ كَانَتْ مُسْتَكْرَهَةً عَلَى الْفِعْلِ أَوْ أَذِنَتْ لَهُ بِذَلِكَ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهَا لَمْ تَرْضَ بِسُقُوطِ حَقِّهَا. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْإِذْنَ لَهُ لَيْسَ يَحِلُّ الْوَطْءَ فَكَانَ إذْنُهَا لَغْوًا لِكَوْنِهَا مَحْجُورَةً عَنْ ذَلِكَ شَرْعًا.

قَالَ (وَإِذَا أَكْرَهَهُ عَلَى الرِّدَّةِ لَمْ تَبِنْ امْرَأَتُهُ مِنْهُ) لِأَنَّ الرِّدَّةَ تَتَعَلَّقُ بِالِاعْتِقَادِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ لَا يَكْفُرُ وَفِي اعْتِقَادِهِ الْكُفْرَ شَكٌّ فَلَا تَثْبُتُ الْبَيْنُونَةُ بِالشَّكِّ، فَإِنْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ قَدْ بِنْتُ مِنْك وَقَالَ هُوَ قَدْ أَظْهَرْتُ ذَلِكَ وَقَلْبِي مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِذَا أَكْرَهَهُ عَلَى الرِّدَّةِ لَمْ تَبِنْ امْرَأَتُهُ مِنْهُ لِأَنَّ الرِّدَّةَ بِتَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ لَمْ يَكْفُرْ، وَفِي تَبَدُّلِهِ شَكٌّ) وَكَانَ الْإِيمَانُ ثَابِتًا بِيَقِينٍ فَلَا تَثْبُتُ الرِّدَّةُ بِالشَّكِّ وَلَا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ الْبَيْنُونَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ كَلَامَهُ دَلِيلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُقَالَ إنَّ الرِّدَّةَ بِتَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ وَتَبَدُّلُ الِاعْتِقَادِ لَيْسَ بِثَابِتٍ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ وَهُوَ الْإِكْرَاهُ، وَالثَّانِي أَنْ يُقَالَ الرِّدَّةُ بِاعْتِقَادِ الْكُفْرِ وَفِي اعْتِقَادِهِ الْكُفْرَ شَكٌّ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مُغَيَّبٌ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا بِتَرْجَمَةِ اللِّسَانِ وَقِيَامُ الْإِكْرَاهِ يَصْرِفُ عَنْ صِحَّةِ التَّرْجَمَةِ (فَلَا تَثْبُتُ الْبَيْنُونَةُ) الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى الْكُفْرِ (بِالشَّكِّ، فَإِنْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ قَدْ بِنْت مِنْك وَقَالَ الرَّجُلُ قَدْ أَظْهَرْت ذَلِكَ وَقَلْبِي مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ

فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا، لِأَنَّ اللَّفْظَ غَيْرُ مَوْضُوعٍ لِلْفُرْقَةِ وَهِيَ بِتَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ وَمَعَ الْإِكْرَاهِ لَا يَدُلُّ عَلَى التَّبَدُّلِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِسْلَامِ حَيْثُ يَصِيرُ بِهِ مُسْلِمًا، لِأَنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ وَاحْتَمَلَ رَجَّحْنَا الْإِسْلَامَ فِي الْحَالَيْنِ لِأَنَّهُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالْقَوْلُ قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا) وَفِي الْقِيَاسِ: الْقَوْلُ قَوْلُهَا فَتَقَعُ الْفُرْقَةُ، لِأَنَّ التَّكَلُّمَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ سَبَبٌ لِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ كَالتَّكَلُّمِ بِالطَّلَاقِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الطَّائِعُ وَالْمُكْرَهُ كَمَا فِي الطَّلَاقِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ (أَنَّ اللَّفْظَ) يَعْنِي كَلِمَةَ الْكُفْرِ (غَيْرُ مَوْضُوعٍ لِلْفُرْقَةِ) يَعْنِي لَمْ يَظْهَرْ فِيهَا ظُهُورًا بَيِّنًا مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ حَتَّى يَكُونَ صَرِيحًا يَقُومُ اللَّفْظُ فِيهِ مَقَامَ مَعْنَاهُ كَمَا فِي الطَّلَاقِ بَلْ دَلَالَتُهَا عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ إنَّ اللَّفْظَ دَلِيلٌ وَتَرْجَمَةٌ لِمَا فِي الْقَلْبِ، فَإِنْ دَلَّ عَلَى تَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلْفُرْقَةِ كَانَ دَلَالَتُهُ عَلَيْهَا دَلَالَةً مَجَازِيَّةً، وَمَعَ الْإِكْرَاهِ لَا يَدُلُّ عَلَى التَّبَدُّلِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا فِيهِ يَقُومُ لَفْظُهُ مَقَامَ مَعْنَاهُ (فَ) لِهَذَا (كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِسْلَامِ حَيْثُ يَصِيرُ بِهِ مُسْلِمًا لِأَنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ) أَنْ يَكُونَ لَفْظُهُ يُوَافِقُ اعْتِقَادَهُ (وَاحْتَمَلَ) أَنْ لَا يَكُونَ لَفْظُهُ (رَجَّحْنَا الْإِسْلَامَ فِي الْحَالَيْنِ) قِيلَ أَيْ فِي حَالِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الرِّدَّةِ وَالْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِسْلَامِ (لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى) فَلَمْ يُجْعَلْ كَافِرًا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى

وَهَذَا بَيَانُ الْحُكْمِ، أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إذَا لَمْ يَعْتَقِدْهُ فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ ثُمَّ رَجَعَ لَمْ يُقْتَلْ لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ وَهِيَ دَارِئَةٌ لِلْقَتْلِ. وَلَوْ قَالَ الَّذِي أُكْرِهَ عَلَى إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ أَخْبَرْتُ عَنْ أَمْرٍ مَاضٍ وَلَمْ أَكُنْ فَعَلْتُ بَانَتْ مِنْهُ حُكْمًا لَا دِيَانَةً. لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ طَائِعٌ بِإِتْيَانِ مَا لَمْ يُكْرَهْ عَلَيْهِ، وَحُكْمُ هَذَا الطَّائِعِ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَلَوْ قَالَ أَرَدْت مَا طُلِبَ مِنِّي وَقَدْ خَطَرَ بِبَالِي الْخَبَرُ عَمَّا مَضَى بَانَتْ دِيَانَةً وَقَضَاءً، لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ مُبْتَدِئٌ بِالْكُفْرِ هَازِلٌ بِهِ حَيْثُ عَلِمَ لِنَفْسِهِ مَخْلَصًا غَيْرَهُ. وَعَلَى هَذَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الصَّلَاةِ لِلصَّلِيبِ وَسَبِّ مُحَمَّدِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَفَعَلَ وَقَالَ نَوَيْت بِهِ الصَّلَاةَ لِلَّهِ تَعَالَى وَمُحَمَّدًا آخَرَ غَيْرَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَانَتْ مِنْهُ قَضَاءً لَا دِيَانَةً، وَلَوْ صَلَّى لِلصَّلِيبِ وَسَبَّ مُحَمَّدًا النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَدْ خَطَرَ بِبَالِهِ الصَّلَاةُ لِلَّهِ تَعَالَى وَسَبِّ غَيْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَجُعِلَ مُسْلِمًا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ تَرْجِيحًا لِلْإِسْلَامِ (وَهَذَا فِي حَقِّ الْحُكْمِ، أَمَّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إذَا لَمْ يَعْتَقِدْ الْإِسْلَامَ فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ) وَكَأَنَّ هَذَا إشَارَةٌ إلَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ التَّصْدِيقُ، وَالْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ شَرْطُ إجْرَاءِ الْأَحْكَامِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مَذْهَبَ أَهْلِ أُصُولِ الْفِقْهِ فَإِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ الْإِقْرَارَ رُكْنًا (وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ ثُمَّ رَجَعَ لَمْ يُقْتَلْ لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ) أَيْ شُبْهَةِ عَدَمِ الِارْتِدَادِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ التَّصْدِيقُ غَيْرَ قَائِمٍ بِقَلْبِهِ عِنْدَ الشَّهَادَتَيْنِ (وَالشُّبْهَةُ دَارِئَةٌ لِلْقَتْلِ) (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ الَّذِي أُكْرِهَ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَقَالَ هُوَ قَدْ أَظْهَرْت ذَلِكَ: يَعْنِي لَوْ قَالَ فِي جَوَابِ قَوْلِهَا قَدْ بِنْت مِنْك أَخْبَرَتْ عَنْ أَمْرٍ مَاضٍ وَلَمْ أَكُنْ فَعَلْت بَانَتْ مِنْهُ قَضَاءً لَا دِيَانَةً لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ طَائِعٌ بِإِتْيَانِ مَا لَمْ يُكْرَهْ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أُكْرِهَ عَلَى الْإِنْشَاءِ دُونَ الْإِقْرَارِ. وَمَنْ أَقَرَّ بِالْكُفْرِ طَائِعًا ثُمَّ قَالَ عَنَيْت بِهِ الْكَذِبَ لَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، إذْ الظَّاهِرُ هُوَ الصِّدْقُ حَالَةَ الطَّوَاعِيَةِ، لَكِنَّهُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً لِأَنَّهُ ادَّعَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ (وَلَوْ قَالَ أَرَدْت مَا طَلَبَ مِنِّي مِنْ الْكُفْرِ وَقَدْ خَطَرَ بِبَالِي الْخَبَرُ عَمَّا مَضَى بَانَتْ قَضَاءً وَدِيَانَةً لِأَنَّهُ مُبْتَدِئٌ بِالْكُفْرِ هَازِلٌ بِهِ حَيْثُ عَلِمَ لِنَفْسِهِ مُخَلِّصًا غَيْرَهُ) لِأَنَّهُ لَمَّا خَطَرَ هَذَا بِبَالِهِ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ عَمَّا اُبْتُلِيَ بِهِ بِأَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ، وَالضَّرُورَةُ قَدْ انْدَفَعَتْ بِهَذَا الْإِمْكَانِ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ وَأَنْشَأَ الْكُفْرَ كَمَنْ أَجْرَى كَلِمَةَ الْكُفْرِ طَائِعًا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِخْفَافِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ كُفْرٌ فَتَبِينُ امْرَأَتُهُ قَضَاءً وَدِيَانَةً. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَى إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: فِي وَجْهٍ لَا يَكْفُرُ لَا قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً، وَفِي وَجْهٍ يَكْفُرُ فِيهِمَا جَمِيعًا، وَفِي وَجْهٍ يَكْفُرُ قَضَاءً يُفَرِّقُ الْقَاضِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ وَلَمْ يَكْفُرْ دِيَانَةً، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا أَجْرَاهَا فَإِمَّا أَنْ يَخْطِرَ بِبَالِهِ غَيْرُ مَا طُلِبَ مِنْهُ أَوْ لَا، وَالثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ، وَالْأَوَّلُ إنْ خَطَرَ بِبَالِهِ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ وَيُرِيدَ الْإِخْبَارَ عَمَّا مَضَى كَاذِبًا وَأَرَادَهُ فَهُوَ الثَّالِثُ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ فَهُوَ الثَّانِي. وَإِذَا ظَهَرَ لَك هَذَا

[كتاب الحجر]

النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَانَتْ مِنْهُ دِيَانَةً وَقَضَاءً لِمَا مَرَّ، وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ زِيَادَةً عَلَى هَذَا فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمْكَنَك أَنْ تُخْرِجَ مَسْأَلَةَ الصَّلَاةِ لِلصَّلِيبِ وَسَبِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَوْلُهُ (لِمَا مَرَّ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ مُبْتَدِئٌ بِالْكُفْرِ هَازِلٌ بِهِ حَيْثُ عَلِمَ لِنَفْسِهِ مُخَلِّصًا غَيْرَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [كِتَابُ الْحَجْرِ] أَوْرَدَ الْحَجْرَ عَقِيبَ الْإِكْرَاهِ لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا سَلْبَ وِلَايَةِ الْمُخْتَارِ عَنْ الْجَرْيِ عَلَى مُوجِبِ اخْتِيَارِهِ، إلَّا أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَمَّا كَانَ أَقْوَى تَأْثِيرًا لِأَنَّ فِيهِ سَلْبَهَا عَمَّنْ لَهُ اخْتِيَارٌ صَحِيحٌ وَوِلَايَةٌ كَامِلَةٌ، بِخِلَافِ الْحَجْرِ كَانَ أَحَقَّ بِالتَّقْدِيمِ، وَهُوَ حَسَنٌ لِكَوْنِهِ شَفَقَةً عَلَى خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَهِيَ أَحَدُ قُطْبَيْ أَمْرِ الدِّيَانَةِ، وَالْآخَرُ التَّعْظِيمُ لِأَمْرِ اللَّهِ. وَهُوَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَنْعِ، وَفِي عُرْفِهِمْ هُوَ

قَالَ (الْأَسْبَابُ الْمُوجِبَةُ لِلْحَجْرِ ثَلَاثَةٌ: الصِّغَرُ، وَالرِّقُّ، وَالْجُنُونُ، فَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ الصَّغِيرِ إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، وَلَا تَصَرُّفُ الْعَبْدِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَلَا تَصَرُّفُ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ بِحَالٍ) . أَمَّا الصَّغِيرُ فَلِنُقْصَانِ عَقْلِهِ، غَيْرَ أَنَّ إذْنَ الْوَلِيِّ آيَةُ أَهْلِيَّتِهِ، وَالرِّقُّ لِرِعَايَةِ حَقِّ الْمَوْلَى كَيْ لَا يَتَعَطَّلَ مَنَافِعُ عَبْدِهِ. وَلَا يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ بِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِهِ، غَيْرَ أَنَّ الْمَوْلَى بِالْإِذْنِ رَضِيَ بِفَوَاتِ حَقِّهِ، وَالْجُنُونُ لَا تُجَامِعُهُ الْأَهْلِيَّةُ فَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ بِحَالٍ، أَمَّا الْعَبْدُ فَأَهْلٌ فِي نَفْسِهِ وَالصَّبِيُّ تُرْتَقَبُ أَهْلِيَّتُهُ فَلِهَذَا وَقَعَ الْفَرْقُ. قَالَ (وَمَنْ بَاعَ مِنْ هَؤُلَاءِ شَيْئًا وَهُوَ يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَيَقْصِدُهُ فَالْوَلِيُّ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَجَازَهُ إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَهُ) لِأَنَّ التَّوَقُّفَ فِي الْعَبْدِ لِحَقِّ الْمَوْلَى فَيَتَخَيَّرُ فِيهِ، وَفِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ نَظَرًا لَهُمَا فَيَتَحَرَّى مَصْلَحَتَهُمَا فِيهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَعْقِلَا الْبَيْعَ لِيُوجَدَ رُكْنُ الْعَقْدِ فَيَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ، وَالْمَجْنُونُ قَدْ يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَيَقْصِدُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُرَجِّحُ الْمَصْلَحَةَ عَلَى الْمَفْسَدَةِ وَهُوَ الْمَعْتُوهُ الَّذِي يَصْلُحُ وَكِيلًا عَنْ غَيْرِهِ كَمَا بَيَّنَّا فِي الْوَكَالَةِ. فَإِنْ قِيلَ: التَّوَقُّفُ عِنْدَكُمْ فِي الْبَيْعِ. أَمَّا الشِّرَاءُ فَالْأَصْلُ فِيهِ النَّفَاذُ عَلَى الْمُبَاشِرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَنْعُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي حَقِّ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ الصَّغِيرُ وَالرَّقِيقُ وَالْمَجْنُونُ. وَأَسْبَابُهُ مَصَادِرُ هَذِهِ الْأَسَامِي، وَأُلْحِقَ بِهَا الْمُفْتِي الْمَاجِنُ وَالطَّبِيبُ الْجَاهِلُ وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسُ بِالِاتِّفَاقِ. وَلَمَّا كَانَ أَسْبَابُهُ مَا ذَكَرْنَا لَمْ يَجُزْ تَصَرُّفُ الصَّغِيرِ إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، وَلَا تَصَرُّفُ الْعَبْدِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ بِحَالٍ مَا. وَأَمَّا الَّذِي لَا يَكُونُ مَغْلُوبًا وَهُوَ الَّذِي يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَيَقْصِدُهُ فَإِنَّ تَصَرُّفَهُ كَتَصَرُّفِ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ كَمَا سَيَجِيءُ. أَمَّا عَدَمُ جَوَازِ تَصَرُّفِ الصَّبِيِّ فَلِنُقْصَانِ عَقْلِهِ وَأَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ إنَّمَا هِيَ بِالْعَقْلِ لَكِنَّ أَهْلِيَّتَهُ مُتَرَقَّبَةٌ، وَإِذْنُ وَلِيِّهِ آيَةُ أَهْلِيَّتِهِ. وَأَمَّا الْعَبْدُ فَلَهُ أَهْلِيَّةٌ لَكِنَّهُ حَجَرَ عَلَيْهِ لِرِعَايَةِ حَقِّ الْمَوْلَى كَيْ لَا تَتَعَطَّلَ عَلَيْهِ مَنَافِعُ عَبْدِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ الْحَجْرُ لَنَفَذَ الْبَيْعُ الَّذِي بَاشَرَهُ وَشِرَاؤُهُ فَيَلْحَقُهُ دُيُونٌ فَيَأْخُذُ أَرْبَابُهَا أَكْسَابَهُ الَّتِي هِيَ مَنْفَعَةُ الْمَوْلَى وَذَلِكَ تَعْطِيلٌ لَهَا عَنْهُ، وَلِئَلَّا يَمْلِكَ رَقَبَةً يَتَعَلَّقُ الدَّيْنُ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ، غَيْرَ أَنَّ الْمَوْلَى إذَا أَذِنَ فَقَدْ رَضِيَ بِفَوَاتِ حَقِّهِ، وَالْجُنُونُ الْغَالِبُ لَا يُجَامِعُهُ أَهْلِيَّةٌ فَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ بِحَالٍ. قَالَ (وَمَنْ بَاعَ مِنْ هَؤُلَاءِ شَيْئًا) أَرَادَ بِهَؤُلَاءِ الصَّبِيَّ وَالْعَبْدَ وَالْمَجْنُونَ الَّذِي يَجِنُّ وَيُفِيقُ، وَتَصَرُّفُهُمْ فِيمَا يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الضُّرِّ وَالنَّفْعِ يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْبَيْعَ سَالِبٌ وَالشِّرَاءَ جَالِبٌ وَيَقْصِدُهُ لِإِفَادَةِ هَذَا الْحُكْمِ: أَعْنِي كَوْنَ الْبَيْعِ سَالِبًا وَالشِّرَاءِ جَالِبًا وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الْهَازِلِ، فَإِنَّ بَيْعَهُ لَيْسَ لِإِفَادَةِ هَذَا الْحُكْمِ (وَالْوَلِيُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَجَازَهُ إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَهُ، لِأَنَّ التَّوَقُّفَ فِي الْعَبْدِ لِحَقِّ الْمَوْلَى فَيَتَخَيَّرُ فِيهِ وَفِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ نَظَرًا لَهُمَا فَيَتَحَرَّى مَصْلَحَتَهُمَا فِيهِ) وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ، وَأَرَادَ سُؤَالًا عَلَى الشِّرَاءِ وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الشِّرَاءِ النَّفَاذُ عَلَى الْمُبَاشِرِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ فَكَيْفَ يَنْعَقِدُ هَاهُنَا مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ. وَأَجَابَ بِأَنَّ عَدَمَ التَّوَقُّفِ إنَّمَا يَكُونُ إذَا وُجِدَ عَلَى الْمُبَاشِرِ نَفَاذًا كَمَا فِي شِرَاءِ

قُلْنَا: نَعَمْ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا عَلَيْهِ كَمَا فِي شِرَاءِ الْفُضُولِيِّ، وَهَاهُنَا لَمْ نَجِدْ نَفَاذًا لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ أَوْ لِضَرَرِ الْمَوْلَى فَوَقَفْنَاهُ. قَالَ (وَهَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةُ تُوجِبُ الْحَجْرَ فِي الْأَقْوَالِ دُونَ الْأَفْعَالِ) لِأَنَّهُ لَا مَرَدَّ لَهَا لِوُجُودِهَا حِسًّا وَمُشَاهَدَةً، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفُضُولِيِّ، وَهَاهُنَا لَمْ نَجِدْ ذَلِكَ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةٍ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ أَوْ لِضَرَرِ الْمَوْلَى فَوَقَفْنَاهُ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْ الْإِشْكَالِ إنَّمَا يَرِدُ عَلَى لَفْظِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: وَمَنْ بَاعَ مِنْ هَؤُلَاءِ شَيْئًا أَوْ اشْتَرَى، أَمَّا هَاهُنَا يَعْنِي فِي الْهِدَايَةِ فَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ أَوْ اشْتَرَى فَلَا يَرِدُ الْإِشْكَالُ، وَلَكِنْ جَعَلَ الْمَذْكُورَ فِي الْقُدُورِيِّ مَذْكُورًا وَهَاهُنَا فَأَوْرَدَ الْإِشْكَالَ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَكَذَا فِي نُسْخَةٍ سَمَاعِيٌّ، وَكَذَا ذَكَرَهُ شَيْخِي فِي شَرْحِهِ (قَوْلُهُ وَهَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةُ) يَعْنِي الصِّغَرَ وَالرِّقَّ وَالْجُنُونَ (تُوجِبُ الْحَجْرَ فِي الْأَقْوَالِ) يَعْنِي مَا تَرَدَّدَ مِنْهَا بَيْنَ النَّفْعِ وَالضُّرِّ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ: أَيْ هَذِهِ الْمَعَانِي تُوجِبُ التَّوَقُّفَ عَلَى الْإِجَازَةِ عَلَى الْعُمُومِ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ وَالْعَبْدِ. وَأَمَّا مَا يَتَمَحَّضُ مِنْهَا ضَرَرًا كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْإِعْدَامَ مِنْ الْأَصْلِ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ دُونَ الْعَبْدِ، وَأَمَّا مَا يَتَمَحَّضُ مِنْهَا نَفْعًا كَقَبُولٍ الْهِبَةِ وَالْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ فَإِنَّهُ لَا حَجْرَ فِيهِ عَلَى الْعُمُومِ (قَوْلُهُ دُونَ الْأَفْعَالِ) يَعْنِي أَنَّ الْمَعَانِيَ الثَّلَاثَةَ لَا تُوجِبُ الْحَجْرَ عَنْ الْأَفْعَالِ (لِأَنَّ الشَّأْنَ أَنَّ الْأَفْعَالَ لَا مَرَدَّ لَهَا) حَتَّى إنَّ ابْنَ آدَمَ لَوْ انْقَلَبَ عَلَى قَارُورَةِ إنْسَانٍ فَكَسَرَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ فِي الْحَالِ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ وَالْمَجْنُونُ إذَا أَتْلَفَا شَيْئًا لَزِمَهُمَا الضَّمَانُ فِي الْحَالِ (لِأَنَّ الْأَفْعَالَ تُوجَدُ حِسًّا وَمُشَاهَدَةً) وَيَحْصُلُ بِهَا الْإِتْلَافُ، وَالْإِتْلَافُ بَعْدَ الْحُصُولِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ كَلَا إتْلَافَ،

بِخِلَافِ الْأَقْوَالِ، لِأَنَّ اعْتِبَارَهَا مَوْجُودَةً بِالشَّرْعِ وَالْقَصْدُ مِنْ شَرْطِهِ (إلَّا إذَا كَانَ فِعْلًا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ يَنْدَرِئُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِخِلَافِ الْأَقْوَالِ، لِأَنَّ اعْتِبَارَهَا) حَالَ كَوْنِهَا مَوْجُودَةً حَاصِلٌ (بِالشَّرْعِ وَالْقَصْدِ مِنْ شَرْطِ الِاعْتِبَارِ) وَلَيْسَ لِلصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ قَصْدٌ لِقُصُورِ الْعَقْلِ فَيَنْتَفِي الْمَشْرُوطُ بِهِ. وَأَمَّا فِي الْعَبْدِ فَالْقَصْدُ وَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ لَكِنَّهُ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ لِلُزُومِ الضَّرَرِ عَلَى الْمَوْلَى بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْأَقْوَالُ مَوْجُودَةٌ حِسًّا وَمُشَاهَدَةً فَمَا بَالُهَا شَرْطُ اعْتِبَارِهَا مَوْجُودَةً شَرْعًا بِالْقَصْدِ دُونَ الْأَفْعَالِ؟ فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْأَقْوَالَ الْمَوْجُودَةَ حِسًّا وَمُشَاهَدَةً لَيْسَتْ عَيْنَ مَدْلُولَاتِهَا بَلْ هِيَ دَلَالَاتٌ عَلَيْهَا وَيُمْكِنُ تَخَلُّفُ الْمَدْلُولِ عَنْ دَلِيلِهِ، فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْقَوْلُ الْمَوْجُودُ بِمَنْزِلَةِ الْمَعْدُومِ، بِخِلَافِ الْأَفْعَالِ فَإِنَّ الْمَوْجُودَ مِنْهَا عَيْنُهَا فَبَعْدَمَا وُجِدَتْ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ غَيْرَ مَوْجُودَةٍ، وَالثَّانِي أَنَّ الْقَوْلَ قَدْ يَقَعُ صِدْقًا وَقَدْ يَقَعُ كَذِبًا وَقَدْ يَقَعُ جِدًّا وَقَدْ يَقَعُ هَزْلًا، فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَصْدِ، أَلَا يَرَى أَنَّ الْقَوْلَ مِنْ الْحُرِّ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ إذَا وُجِدَ هَزْلًا لَمْ يُعْتَبَرْ شَرْعًا فَكَذَا مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، بِخِلَافِ الْأَفْعَالِ فَإِنَّهَا حَيْثُ وَقَعَتْ وَقَعَتْ حَقِيقَةً فَلَا يُمْكِنُ تَبْدِيلُهَا، وَقَوْلُهُ (إلَّا إذَا كَانَ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لَا مَرَدَّ لَهَا: يَعْنِي أَنَّ الْأَفْعَالَ إذَا وُجِدَتْ لَا مَرَدَّ لَهَا، لَكِنْ إذَا كَانَ فِعْلٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ يُجْعَلُ عَدَمُ الْقَصْدِ فِي ذَلِكَ شُبْهَةً دَارِئَةً لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ.

بِالشُّبُهَاتِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) فَيُجْعَلُ عَدَمُ الْقَصْدِ فِي ذَلِكَ شُبْهَةً فِي حَقِّ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ. قَالَ (وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَا تَصِحُّ عُقُودُهُمَا وَلَا إقْرَارُهُمَا) لِمَا بَيَّنَّا (وَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُمَا وَلَا عَتَاقُهُمَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ طَلَاقٍ وَاقِعٌ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ» وَالْإِعْتَاقُ يَتَمَحَّضُ مَضَرَّةً، وَلَا وُقُوفَ لِلصَّبِيِّ عَلَى الْمَصْلَحَةِ فِي الطَّلَاقِ بِحَالٍ لِعَدَمِ الشَّهْوَةِ، وَلَا وُقُوفَ لِلْوَلِيِّ عَلَى عَدَمِ التَّوَافُقِ عَلَى اعْتِبَارِ بُلُوغِهِ حَدَّ الشَّهْوَةِ، فَلِهَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَا يَصِحُّ عُقُودُهُمَا) أَرَادَ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ عَدَمَ النَّفَاذِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَمَنْ بَاعَ مِنْ هَؤُلَاءِ شَيْئًا فَالْمَوْلَى بِالْخِيَارِ، وَإِنَّمَا أَعَادَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَفْرِيعًا عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الْمَعَانِيَ الثَّلَاثَةَ تُوجِبُ الْحَجْرَ عَنْ الْأَقْوَالِ لِتَنْسَاقَ الْقَوْلِيَّاتُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَالْقَصْدُ مِنْ شَرْطِهِ (وَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُمَا وَلَا عَتَاقُهُمَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ طَلَاقٍ وَاقِعٌ إلَّا طَلَاقُ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ» ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (وَالْإِعْتَاقُ يَتَمَحَّضُ مَضَرَّةً)

لَا يَتَوَقَّفَانِ عَلَى إجَازَتِهِ وَلَا يَنْفُذَانِ بِمُبَاشَرَتِهِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْعُقُودِ. قَالَ (وَإِنْ أَتْلَفَا شَيْئًا لَزِمَهُمَا ضَمَانُهُ) إحْيَاءً لِحَقِّ الْمُتْلَفِ عَلَيْهِ، وَهَذَا لِأَنَّ كَوْنَ الْإِتْلَافِ مُوجِبًا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَصْدِ كَاَلَّذِي يَتْلَفُ بِانْقِلَابِ النَّائِمِ عَلَيْهِ وَالْحَائِطِ الْمَائِلِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ، بِخِلَافِ الْقَوْلِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ. قَالَ (فَأَمَّا الْعَبْدُ فَإِقْرَارُهُ نَافِذٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ) لِقِيَامِ أَهْلِيَّتِهِ (غَيْرُ نَافِذٍ فِي حَقِّ مَوْلَاهُ) (رِعَايَةً لِجَانِبِهِ) ، لِأَنَّ نَفَاذَهُ لَا يَعْرَى عَنْ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ أَوْ كَسْبِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ إتْلَافُ مَالِهِ. قَالَ (فَإِنْ أَقَرَّ بِمَالٍ لَزِمَهُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ) لِوُجُودِ الْأَهْلِيَّةِ وَزَوَالِ الْمَانِعِ وَلَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْحَالِ لِقِيَامِ الْمَانِعِ (وَإِنْ أَقَرَّ بِحَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ لَزِمَهُ فِي الْحَالِ) لِأَنَّهُ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الدَّمِ حَتَّى لَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ (وَيَنْفُذُ طَلَاقُهُ) لِمَا رَوَيْنَا، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ وَالْمُكَاتَبُ شَيْئًا إلَّا الطَّلَاقَ» وَلِأَنَّهُ عَارِفٌ بِوَجْهِ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ فَكَانَ أَهْلًا، وَلَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ مِلْكِ الْمَوْلَى وَلَا تَفْوِيتُ مَنَافِعِهِ فَيَنْفُذُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا مَحَالَةَ (وَ) الطَّلَاقُ وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَتَرَدَّدَ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضُّرِّ بِاعْتِبَارِ مُوَافَقَةِ الْأَخْلَاقِ بَعْدَ الْبُلُوغِ، لَكِنَّ الصَّبِيَّ (لَا وُقُوفَ لَهُ عَلَى الْمَصْلَحَةِ فِي الطَّلَاقِ بِحَالٍ) أَمَّا فِي الْحَالِ (فَلِعَدَمِ الشَّهْوَةِ) وَأَمَّا فِي الْمَآلِ فَلِأَنَّ عِلْمَ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِتَبَايُنِ الْأَخْلَاقِ وَتَنَافُرِ الطِّبَاعِ عِنْدَ بُلُوغِهِ حَدَّ الشَّهْوَةِ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِذَلِكَ (وَ) الْوَلِيُّ وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَقِفَ عَلَى مَصْلَحَتِهِ فِي الْحَالِ، لَكِنْ (لَا وُقُوفَ لَهُ عَلَى عَدَمِ التَّوَافُقِ عَلَى اعْتِبَارِ بُلُوغِهِ حَدَّ الشَّهْوَةِ، فَلِهَذَا لَا يَتَوَقَّفَانِ عَلَى إجَازَتِهِ وَلَا يَنْفُذَانِ بِمُبَاشَرَتِهِ) أَيْ الْوَلِيِّ (بِخِلَافِ سَائِرِ الْعُقُودِ) وَقَوْلُهُ (وَإِنْ أَتْلَفَا شَيْئًا) بَيَانٌ لِتَفْرِيعِ الْأَفْعَالِ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ، وَمَعْنَاهُ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَالْحَائِطُ الْمَائِلُ بَعْدَ الْإِشْهَادِ) يَعْنِي أَنَّهُ لَا قَصْدَ مِنْ صَاحِبِ الْحَائِطِ فِي وُقُوعِ الْحَائِطِ وَمَعَ ذَلِكَ يَجِبُ الضَّمَانُ (قَوْلُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ بِخِلَافِ الْأَقْوَالِ وَالْقَصْدُ مِنْ شَرْطِهِ. وَقَوْلُهُ (فَأَمَّا الْعَبْدُ فَإِقْرَارُهُ نَافِذٌ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَا يَصِحُّ عُقُودُهُمَا وَلَا إقْرَارُهُمَا، وَمَعْنَاهُ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ لِمَا رَوَيْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ طَلَاقٍ وَاقِعٌ إلَّا طَلَاقُ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ» وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ.

[باب الحجر للفساد]

(قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يُحْجَرُ عَلَى الْحُرِّ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ السَّفِيهِ، وَتَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ مُبَذِّرًا مُفْسِدًا يُتْلِفُ مَالَهُ فِيمَا لَا غَرَضَ لَهُ فِيهِ وَلَا مَصْلَحَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُحْجَرُ عَلَى السَّفِيهِ وَيُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْحَجْرِ لِلْفَسَادِ] أَخَّرَ هَذَا الْبَابَ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهَذَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَالْمُرَادُ بِالْفَسَادِ هَاهُنَا هُوَ السَّفَهُ. وَهُوَ خِفَّةٌ تَعْتَرِي الْإِنْسَانَ فَتَحْمِلُهُ عَلَى الْعَمَلِ بِخِلَافِ مُوجِبِ الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ مَعَ قِيَامِ الْعَقْلِ، وَقَدْ غَلَبَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ عَلَى تَبْذِيرِ الْمَالِ وَإِتْلَافِهِ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الْعَقْلِ وَالشَّرْعِ (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يُحْجَرُ عَلَى الْحُرِّ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ السَّفِيهِ، وَتَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ مُبَذِّرًا مُفْسِدًا يُتْلِفُ مَالَهُ فِيمَا لَا غَرَضَ لَهُ فِيهِ وَلَا مَصْلَحَةَ) كَالْإِلْقَاءِ فِي الْبَحْرِ وَالْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ. (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يُحْجَرُ عَلَى السَّفِيهِ وَيُمْنَعُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ) غَيْرَ أَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا يُؤَثِّرُ فِي حَقِّ تَصَرُّفٍ يَتَّصِلُ بِمَالِهِ، وَلَا يَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ وَالْإِكْرَاهِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْإِقْرَارِ بِالْمَالِ، وَمَا لَا يَتَّصِلُ بِمَالِهِ كَالْإِقْرَارِ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ أَوْ يَتَّصِلُ بِهِ، لَكِنَّهُ يَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، فَالْحَجْرُ لَا يَعْمَلُ فِيهِ حَتَّى صَحَّ مِنْهُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ بَعْدَ الْحَجْرِ

لِأَنَّهُ مُبَذِّرٌ مَالَهُ بِصَرْفِهِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَقْتَضِيه الْعَقْلُ فَيُحْجَرُ عَلَيْهِ نَظَرًا لَهُ اعْتِبَارًا بِالصَّبِيِّ بَلْ أَوْلَى، لِأَنَّ الثَّابِتَ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ احْتِمَالُ التَّبْذِيرِ وَفِي حَقِّهِ حَقِيقَتُهُ وَلِهَذَا مُنِعَ عَنْهُ الْمَالُ، ثُمَّ هُوَ لَا يُفِيدُ بِدُونِ الْحَجْرِ لِأَنَّهُ يُتْلِفُ بِلِسَانِهِ مَا مُنِعَ مِنْ يَدِهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ مُخَاطَبٌ عَاقِلٌ فَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ اعْتِبَارًا بِالرَّشِيدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى مَا سَيَجِيءُ. وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ (لِأَنَّهُ مُبَذِّرٌ مَالَهُ بِصَرْفِهِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْعَقْلُ وَ) كُلُّ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ (يُحْجَرُ عَلَيْهِ نَظَرًا لَهُ كَالصَّبِيِّ) فَهَذَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ (بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ احْتِمَالُ التَّبْذِيرِ وَفِي حَقِّهِ حَقِيقَتُهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا مَنْعُ الْمَالِ مِنْهُ، وَالْمَنْعُ لَا يُفِيدُ بِدُونِ الْحَجْرِ لِأَنَّهُ يَتْلَفُ بِلِسَانِهِ مَا يَمْنَعُ مِنْ يَدِهِ) وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ الدَّلِيلِ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى قَوْلِهِمَا. فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّ حَجْرَ السَّفِيهِ عِنْدَهُ بِطَرِيقِ الزَّجْرِ وَالْعُقُوبَةِ عَلَيْهِ لَا بِطَرِيقِ النَّظَرِ لَهُ. وَالْفَائِدَةُ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا كَانَ السَّفِيهُ مُفْسِدًا فِي دِينِهِ مُصْلِحًا فِي مَالِهِ كَالْفَاسِقِ، فَعِنْدَهُ يُحْجَرُ عَلَيْهِ زَجْرًا وَعُقُوبَةً وَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ مُخَاطَبٌ عَاقِلٌ) وَكُلُّ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ (لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ كَالرَّشِيدِ) وَنُوقِضَ بِالْعَبْدِ

وَهَذَا لِأَنَّ فِي سَلْبِ وِلَايَتِهِ إهْدَارُ آدَمِيَّتِهِ وَإِلْحَاقُهُ بِالْبَهَائِمِ وَهُوَ أَشَدُّ ضَرَرًا مِنْ التَّبْذِيرِ فَلَا يُتَحَمَّلُ الْأَعْلَى لِدَفْعِ الْأَدْنَى، حَتَّى لَوْ كَانَ فِي الْحَجْرِ دَفْعُ ضَرَرٍ عَامٍّ كَالْحَجْرِ عَلَى الْمُتَطَبِّبِ الْجَاهِلِ وَالْمُفْتِي الْمَاجِنِ وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسِ جَازَ فِيمَا يُرْوَى عَنْهُ، إذْ هُوَ دَفْعُ ضَرَرِ الْأَعْلَى بِالْأَدْنَى، وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى مَنْعِ الْمَالِ لِأَنَّ الْحَجْرَ أَبْلَغُ مِنْهُ فِي الْعُقُوبَةِ، وَلَا عَلَى الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ، وَهَذَا قَادِرٌ عَلَيْهِ نَظَرَ لَهُ الشَّرْعُ مَرَّةً بِإِعْطَاءِ آلَةِ الْقُدْرَةِ وَالْجَرْيُ عَلَى خِلَافِهِ لِسُوءِ اخْتِيَارِهِ، وَمَنْعُ الْمَالِ مُفِيدٌ لِأَنَّ غَالِبَ السَّفَهِ فِي الْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ وَذَلِكَ يَقِفُ عَلَى الْيَدِ. قَالَ (وَإِذَا حَجَرَ الْقَاضِي عَلَيْهِ ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَأَبْطَلَ حَجْرَهُ وَأَطْلَقَ عَنْهُ جَازَ) لِأَنَّ الْحَجْرَ مِنْهُ فَتْوَى وَلَيْسَ بِقَضَاءٍ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْمَقْضِيُّ لَهُ وَالْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ قَضَاءً فَنَفْسُ الْقَضَاءِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِمْضَاءِ، حَتَّى لَوْ رُفِعَ تَصَرُّفُهُ بَعْدَ الْحَجْرِ إلَى الْقَاضِي الْحَاجِرِ أَوْ إلَى غَيْرِهِ فَقَضَى بِبُطْلَانِ تَصَرُّفِهِ ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ نَفَذَ إبْطَالُهُ لِاتِّصَالِ الْإِمْضَاءِ بِهِ فَلَا يُقْبَلُ النَّقْضُ بَعْدَ ذَلِكَ (ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا بَلَغَ الْغُلَامُ غَيْرَ رَشِيدٍ لَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ مَالُهُ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، فَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ نَفَذَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّهُ مُخَاطَبٌ عَاقِلٌ وَيُحْجَرُ عَلَيْهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَالَ مُخَاطَبٌ وَهُوَ مُطْلَقٌ، وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ، وَالْعَبْدُ لَيْسَ بِكَامِلٍ فِي كَوْنِهِ مُخَاطَبًا لِسُقُوطِ الْخِطَابَاتِ الْمَالِيَّةِ كَالزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَالْكَفَّارَاتِ الْمَالِيَّةِ وَبَعْضِ الْخِطَابَاتِ الْغَيْرِ الْمَالِيَّةِ كَالْحَجِّ وَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالشَّهَادَاتِ وَشَطْرِ الْحُدُودِ وَغَيْرِهَا، وَلَوْ ضُمَّ إلَى ذَلِكَ حُرٌّ سَقَطَ الِاعْتِرَاضُ (وَهَذَا) أَيْ عَدَمُ الْحَجْرِ (لِأَنَّ) فِي الْحَجْرِ سَلْبَ وِلَايَتِهِ (فِي سَلْبِ وِلَايَتِهِ إهْدَارُ آدَمِيَّتِهِ) وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى مَنْعِ الْمَالِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا وَلِهَذَا مُنِعَ عَنْهُ الْمَالُ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ مَنْعَ الْمَالِ مِنْهُ لِيَكُونَ هُوَ بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ عَلَيْهِ زَجْرًا لَهُ عَلَى التَّبْذِيرِ، وَالْحَجْرِ أَبْلَغُ مِنْهُ فِي الْعُقُوبَةِ لِمَا ذَكَرْنَا فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا عَلَى الصَّبِيِّ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا اعْتِبَارًا بِالصَّبِيِّ: أَيْ لَا يُقَاسُ السَّفِيهُ عَلَى الصَّبِيِّ (لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ، وَهَذَا قَادِرٌ عَلَيْهِ نَظَرَ لَهُ الشَّارِعُ مَرَّةً بِإِعْطَاءِ آلَةِ الْقُدْرَةِ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ عَاقِلٌ (وَالْجَرْيُ عَلَى خِلَافِهِ لِسُوءِ اخْتِيَارِهِ) فَكَانَ قِيَاسٌ قَادِرٌ عَلَى عَاجِزٍ وَهُوَ فَاسِدٌ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْعُ الْمَالِ مُفِيدٌ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ ثُمَّ هُوَ لَا يُفِيدُ بِدُونِ الْحَجْرِ: يَعْنِي أَنَّ مَنْعَ الْمَالِ بِدُونِ الْحَجْرِ مُفِيدٌ (لِأَنَّ غَالِبَ السَّفَهِ) إنَّمَا يَكُونُ (فِي الْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ وَذَلِكَ يَقِفُ عَلَى الْيَدِ) أَيْ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ يَمْتَنِعُ عَنْ ذَلِكَ وَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُفِدْ. (قَوْلُهُ وَإِذَا حُجِرَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الْحَجْرِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْقَاضِيَ إنْ حَجَرَ عَلَى السَّفِيهِ عَلَى رَأْيِهِ ثُمَّ رَفَعَ حُكْمَهُ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَأَبْطَلَ حَجْرَهُ وَأَطْلَقَ جَازَ تَصَرُّفُهُ، وَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّ قَضَاءَهُ لَاقَى مُجْتَهَدًا فِيهِ وَنَقْضُهُ بَاطِلٌ، وَإِنَّمَا جَازَ لِأَنَّ الْحَجْرَ مِنْ الْقَاضِي فَتْوَى لَا قَضَاءٌ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَقْتَضِي الْمَقْضِيَّ لَهُ وَالْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ وَلَا مَقْضِيَّ لَهُ هَاهُنَا. سَلَّمْنَا وُجُودَ الْمَقْضِيِّ لَهُ عَلَى احْتِمَالٍ بَعِيدٍ وَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ السَّفِيهُ مَقْضِيًّا لَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْحَجْرَ نَظَرَ لَهُ، لَكِنَّ نَفْسَ هَذَا الْقَضَاءِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَقُلْ

تَصَرُّفُهُ، فَإِذَا بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً يُسَلَّمُ إلَيْهِ مَالُهُ وَإِنْ لَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُ الرُّشْدُ. وَقَالَا: لَا يُدْفَعُ إلَيْهِ مَالُهُ أَبَدًا حَتَّى يُؤْنَسَ مِنْهُ رُشْدُهُ، وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ) لِأَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ السَّفَهُ فَيَبْقَى مَا بَقِيَ الْعِلَّةُ وَصَارَ كَالصِّبَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مَنْعَ الْمَالِ عَنْهُ بِطَرِيقِ التَّأْدِيبِ، وَلَا يَتَأَدَّبُ بَعْدَ هَذَا ظَاهِرًا وَغَالِبًا؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ قَدْ يَصِيرُ جَدًّا فِي هَذَا السِّنِّ فَلَا فَائِدَةَ فِي الْمَنْعِ فَلَزِمَ الدَّفْعُ، وَلِأَنَّ الْمَنْعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِ فَصَارَ مَحَلًّا لِلْقَضَاءِ يَحْتَاجُ إلَى إمْضَاءٍ، فَلَوْ رَفَعَ تَصَرُّفَهُ بَعْدَ الْحَجْرِ إلَى الْقَاضِي الْحَاجِرِ أَوْ إلَى غَيْرِهِ فَقَضَى بِبُطْلَانِ تَصَرُّفِهِ وَصِحَّةِ الْحَجْرِ ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ نَفَذَ إبْطَالُهُ لِاتِّصَالِ الْإِمْضَاءِ بِهِ فَلَا يُقْبَلُ النَّقْضُ بَعْدَ ذَلِكَ. ثُمَّ إنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا بَلَغَ الْغُلَامُ سَفِيهًا مُنِعَ عَنْهُ مَالُهُ إلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَتَصَرُّفَاتُهُ قَبْلَ ذَلِكَ نَافِذَةٌ لِأَنَّهُ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ عِنْدَهُ، فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ سُلِّمَ إلَيْهِ مَالُهُ وَإِنْ لَمْ يُؤْنَسْ الرُّشْدُ مِنْهُ، وَقَالَا: لَا يُدْفَعُ إلَيْهِ مَالُهُ حَتَّى يُؤْنَسَ مِنْهُ رُشْدُهُ، وَتَسَامُحُ عِبَارَتِهِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَبَدِ وَحَتَّى ظَاهِرٌ (وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ، لِأَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ السَّفَهُ فَيَبْقَى بِبَقَائِهِ كَالصِّبَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مَنْعَ الْمَالِ عَنْهُ بِطَرِيقِ التَّأْدِيبِ) وَهَذَا الدَّلِيلُ يُمْكِنُ أَنْ يُوَجَّهَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُقَالَ: سَلَّمْنَا أَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ السَّفَهُ لَكِنَّ الْمَعْلُولَ هُوَ الْمَنْعُ مِنْ حَيْثُ التَّأْدِيبُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِلتَّأْدِيبِ، وَلَا تَأْدِيبَ بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ ظَاهِرًا وَغَالِبًا لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ يَصِيرُ جِدًّا بِاعْتِبَارِ أَقَلِّ مُدَّةِ الْبُلُوغِ فِي الْإِنْزَالِ وَهُوَ اثْنَتَا عَشَرَةَ سَنَةً وَأَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ وَهُوَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَإِذَا لَمْ يَبْقَ قَابِلًا لِلتَّأْدِيبِ فَلَا فَائِدَةَ فِي الْمَنْعِ فَلَزِمَ الدَّفْعُ. وَالثَّانِي أَنْ يُجْعَلَ مُعَارَضَةً فَيُقَالُ: مَا ذَكَرْتُمْ وَإِنْ دَلَّ عَلَى ثُبُوتِ الْمَدْلُولِ لَكِنْ عِنْدَنَا مَا يَنْفِيهِ، وَهُوَ أَنَّ مَنْعَ الْمَالِ عَنْهُ بِطَرِيقِ التَّأْدِيبِ إلَخْ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْمَنْعَ) دَلِيلٌ آخَرُ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمَنْعَ بَعْدَ الْبُلُوغِ إذَا لَمْ يُؤْنَسْ رُشْدُهُ بِاعْتِبَارِ أَثَرِ الصِّبَا، لِأَنَّ الْعَادَةَ وِجْدَانُهُ فِي أَوَائِلِ الْبُلُوغِ ثُمَّ يَنْقَطِعُ بِتَطَاوُلِ الْمُدَّةِ وَقُدِّرَ ذَلِكَ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَلِأَنَّ مُدَّةَ الْبُلُوغِ مِنْ حَيْثُ السِّنُّ

بِاعْتِبَارِ أَثَرِ الصِّبَا وَهُوَ فِي أَوَائِلِ الْبُلُوغِ وَيَتَقَطَّعُ بِتَطَاوُلِ الزَّمَانِ فَلَا يَبْقَى الْمَنْعُ، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَوْ بَلَغَ رَشِيدًا ثُمَّ صَارَ سَفِيهًا لَا يُمْنَعُ الْمَالُ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَثَرِ الصِّبَا، ثُمَّ لَا يَتَأَتَّى التَّفْرِيعُ عَلَى قَوْلِهِ وَإِنَّمَا التَّفْرِيعُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى الْحَجْرَ. فَعِنْدَهُمَا لَمَّا صَحَّ الْحَجْرُ لَا يَنْفُذُ بَيْعُهُ إذَا بَاعَ تَوْفِيرًا لِفَائِدَةِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ أَجَازَهُ الْحَاكِمُ لِأَنَّ رُكْنَ التَّصَرُّفِ قَدْ وُجِدَ وَالتَّوَقُّفُ لِلنَّظَرِ لَهُ وَقَدْ نَصَّبَ الْحَاكِمُ نَاظِرًا لَهُ فَيَتَحَرَّى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ، كَمَا فِي الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَيَقْصِدُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQثَمَانَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَمَا قَرُبَ مِنْ الْبُلُوغِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْبُلُوغِ، وَقُدِّرَ ذَلِكَ بِسَبْعِ سِنِينَ اعْتِبَارًا بِمُدَّةِ التَّمْيِيزِ فِي الِابْتِدَاءِ عَلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِقَوْلِهِ «مُرُوا صِبْيَانَكُمْ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغُوا سَبْعًا» (وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَوْ بَلَغَ رَشِيدًا ثُمَّ صَارَ سَفِيهًا لَا يُمْنَعُ عَنْهُ الْمَالُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَثَرِ الصِّبَا) فَإِنْ قِيلَ: الدَّفْعُ مُعَلَّقٌ بِإِينَاسِ الرُّشْدِ فَمَا لَمْ يُوجَدْ لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الشَّرْطَ يُوجِبُ الْوُجُودَ عِنْدَ الْوُجُودِ لَا الْعَدَمَ عِنْدَ الْعَدَمِ، سَلَّمْنَاهُ لَكِنَّهُ مُنْكَرٌ يُرَادُ بِهِ أَدْنَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ إذَا وَصَلَ الْإِنْسَانُ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ لِصَيْرُورَةِ فُرُوعِهِ أَصْلًا فَكَانَ مُتَنَاهِيًا فِي الْأَصَالَةِ. قَالَ (ثُمَّ لَا يَتَأَتَّى التَّفْرِيعُ عَلَى قَوْلِهِ) أَرَادَ أَنَّ التَّفْرِيعَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِ فَإِذَا بَاعَ لَا يَنْفُذُ لَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (وَإِنَّمَا التَّفْرِيعُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى الْحَجْرَ. فَعِنْدَهُمَا لَمَا صَحَّ الْحَجْرُ لَا يَنْفُذُ بَيْعُهُ إذَا بَاعَ لِتَظْهَرَ فَائِدَةُ الْحَجْرِ عَلَيْهِ) فَيَكُونُ مَوْقُوفًا (فَإِنْ رَأَى الْحَاكِمُ فِيهِ مَصْلَحَةً) بِأَنْ كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ كَانَ الْبَيْعُ رَابِحًا وَكَانَ الثَّمَنُ بَاقِيًا فِي يَدِهِ (أَجَازَهُ) وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ كَانَ الْبَيْعُ خَاسِرًا وَلَمْ يَبْقَ الثَّمَنُ فِي يَدِهِ لَمْ يُجِزْهُ، لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا بِهِ لِخُرُوجِ الْمَبِيعِ عَنْ يَدِهِ بِدُونِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ. وَاسْتَدَلَّ عَلَى الْجَوَازِ وَالتَّوَقُّفِ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ رُكْنَ التَّصَرُّفِ قَدْ وُجِدَ) وَذَلِكَ يُوجِبُ الْجَوَازَ. وَرُدَّ بِأَنَّ رُكْنَ التَّصَرُّفِ إذَا وُجِدَ مِنْ أَهْلِهِ يُوجِبُ ذَلِكَ وَالسَّفِيهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَهْلٌ لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ بِالْعَقْلِ وَالسَّفَهُ لَا يَنْفِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ. فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَامَ التَّوَقُّفُ؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ (لِلنَّظَرِ لَهُ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ نَصَبَ نَاظِرًا لَهُ فَيَتَحَرَّى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ كَمَا فِي الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَيَقْصِدُهُ) .

وَلَوْ بَاعَ قَبْلَ حَجْرِ الْقَاضِي جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حَجْرِ الْقَاضِي عِنْدَهُ، لِأَنَّ الْحَجْرَ دَائِرٌ بَيْنَ الضَّرَرِ وَالنَّظَرِ وَالْحَجْرُ لِنَظَرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ فِعْلِ الْقَاضِي. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَبْلُغُ مَحْجُورًا عِنْدَهُ، إذْ الْعِلَّةُ هِيَ السَّفَهُ بِمَنْزِلَةِ الصِّبَا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا بَلَغَ رَشِيدًا ثُمَّ صَارَ سَفِيهًا (وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدًا نَفَذَ عِتْقُهُ عِنْدَهُمَا) . وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَنْفُذُ. وَالْأَصْلُ عِنْدَهُمَا أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ يُؤَثِّرُ فِيهِ إلَخْ وَمَا لَا فَلَا، لِأَنَّ السَّفِيهَ فِي مَعْنَى الْهَازِلِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْهَازِلَ يُخْرِجُ كَلَامَهُ لَا عَلَى نَهْجِ كَلَامِ الْعُقَلَاءِ لِاتِّبَاعِ الْهَوَى وَمُكَابَرَةِ الْعَقْلِ لَا لِنُقْصَانٍ فِي عَقْلِهِ، فَكَذَلِكَ السَّفِيهُ وَالْعِتْقُ مِمَّا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ فَيَصِحُّ مِنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ بَاعَ السَّفِيهُ قَبْلَ حَجْرِ الْقَاضِي جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حَجْرِ الْقَاضِي عِنْدَهُ لِأَنَّ الْحَجْرَ دَائِرٌ بَيْنَ الضَّرَرِ) وَهُوَ إهْدَارُ آدَمِيَّتِهِ (وَالنَّظَرِ) لَهُ فِي إبْقَاءِ الْمَبِيعِ عَلَى مِلْكِهِ كَمَا كَانَ (فَلَا بُدَّ مِنْ مُرَجِّحٍ وَهُوَ الْقَضَاءُ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَبْلُغُ مَحْجُورًا) عَلَيْهِ (عِنْدَهُ إذْ الْعِلَّةُ عِنْدَهُ هِيَ السَّفَهُ بِمَنْزِلَةِ الصِّبَا) وَهُوَ مَوْجُودٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ (وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا بَلَغَ رَشِيدًا ثُمَّ صَارَ سَفِيهًا) عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَصِيرُ مَحْجُورًا حَتَّى يَقْضِيَ الْقَاضِي، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَصِيرُ مَحْجُورًا بِمُجَرَّدِ السَّفَهِ. (وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدًا) يَعْنِي بَعْدَ الْحَجْرِ (نَفَذَ عِتْقُهُ عِنْدَهُمَا) وَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَمْ يُخَصَّ قَوْلُهُمَا بِالذِّكْرِ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْحُكْمُ قَبْلَ الْحَجْرِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ فِي نَفَاذِ تَصَرُّفَاتِ الْمَحْجُورِ بِسَبَبِ السَّفَهِ لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِلْحَجْرِ عِنْدَهُ بَلْ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِهِمَا فِي سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي يُؤَثِّرُ فِيهَا الْحَجْرُ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِقْرَارِ بِالْمَالِ. وَعَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَا يَنْفُذُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ (وَ) ذَكَرَ أَنَّ (الْأَصْلَ عِنْدَهُمَا أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ يُؤَثِّرُ فِيهِ الْحَجْرُ، وَمَا لَا فَلَا لِأَنَّ السَّفِيهَ فِي مَعْنَى الْهَازِلِ) لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْهَازِلَ يَخْرُجُ كَلَامُهُ لَا عَلَى نَهْجِ كَلَامِ الْعُقَلَاءِ لِاتِّبَاعِ الْهَوَى وَمُكَابَرَةِ الْعَقْلِ لَا لِنُقْصَانٍ فِي عَقْلِهِ فَكَذَلِكَ السَّفِيهُ وَالْعِتْقُ مِمَّا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ فَيَصِحُّ مِنْهُ) وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ السَّفِيهَ لَوْ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ وَأَعْتَقَ رَقَبَةً لَمْ يُنَفِّذْهُ الْقَاضِي وَكَذَا لَوْ نَذَرَ بِهَدْيٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يُنَفِّذْهُ فَهَذَا مِمَّا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ» وَقَدْ أَثَّرَ فِيهِ الْحَجْرُ بِالسَّفَهِ. وَالثَّانِي أَنَّ الْهَازِلَ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَتَقَ وَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ سِعَايَةٌ وَالْمَحْجُورُ بِالسَّفَهِ إذَا أَعْتَقَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ، فَالْهَزْلُ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي وُجُوبِ السِّعَايَةِ وَالْحَجْرُ أَثَّرَ فِيهِ. وَالثَّالِثُ أَنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا يَصِحُّ فِي حَقِّ السَّفِيهِ لَا فِي حَقِّ الْهَازِلِ،

وَالْأَصْلُ عِنْدَهُ أَنَّ الْحَجْرَ بِسَبَبِ السَّفَهِ بِمَنْزِلَةِ الْحَجْرِ بِسَبَبِ الرِّقِّ حَتَّى لَا يَنْفُذُ بَعْدَهُ شَيْءٌ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ إلَّا الطَّلَاقَ كَالْمَرْقُوقِ، وَالْإِعْتَاقُ لَا يَصِحُّ مِنْ الرَّقِيقِ فَكَذَا مِنْ السَّفِيهِ (وَ) إذَا صَحَّ عِنْدَهُمَا (كَانَ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ) لِأَنَّ الْحَجْرَ لِمَعْنَى النَّظَرِ وَذَلِكَ فِي رَدِّ الْعِتْقِ إلَّا أَنَّهُ مُتَعَذِّرٌ فَيَجِبُ رَدُّهُ بِرَدِّ الْقِيمَةِ كَمَا فِي الْحَجْرِ عَلَى الْمَرِيضِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا تَجِبُ السِّعَايَةُ لِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ إنَّمَا تَجِبُ حَقًّا لِمُعْتِقِهِ وَالسِّعَايَةُ مَا عُهِدَ وُجُوبُهَا فِي الشَّرْعِ إلَّا لِحَقِّ غَيْرِ الْمُعْتِقِ (وَلَوْ دَبَّرَ عَبْدَهُ جَازَ) لِأَنَّهُ يُوجِبُ حَقَّ الْعِتْقِ فَيُعْتَبَرُ بِحَقِيقَتِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا تَجِبُ السِّعَايَةُ مَا دَامَ الْمَوْلَى حَيًّا لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالصَّحِيحُ فِيهِ أَنْ يُقَالَ لِقَصْدِهِ اللَّعِبَ بِهِ دُونَ مَا وُضِعَ الْكَلَامُ لَهُ لَا لِنُقْصَانٍ فِي الْعَقْلِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْحَجْرِ عَنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْإِتْلَافِ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ تَنْفِيذِ الْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ، لِأَنَّ فِي تَنْفِيذِهِمَا إضَاعَةَ الْمَقْصُودِ مِنْ الْحَجْرِ لِإِمْكَانِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي جَمِيعِ مَالِهِ بِالْيَمِينِ وَالْحِنْثِ وَالنَّذْرِ. وَعَنْ الثَّانِي مَا سَيَجِيءُ فِي الْكِتَابِ. وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ قَصْدَ اللَّعِبِ بِالْكَلَامِ وَتَرْكَ مَا وُضِعَ لَهُ مِنْ مُكَابَرَةِ الْعَقْلِ وَاتِّبَاعِ الْهَوَى فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا (وَالْأَصْلُ عِنْدَهُ أَنَّ الْحَجْرَ بِسَبَبِ السَّفَهِ بِمَنْزِلَةِ الْحَجْرِ بِسَبَبِ الرِّقِّ) فَإِنَّهُ لَا يُزِيلُ الْخِطَابَ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِإِلْزَامِ الْعُقُوبَةِ بِاللِّسَانِ بِاكْتِسَابِ سَبَبِهَا، كَمَا أَنَّ الرِّقَّ كَذَلِكَ (فَلَا يَنْفُذُ بَعْدَهُ شَيْءٌ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ إلَّا الطَّلَاقُ كَالرَّقِيقِ، وَالْإِعْتَاقُ لَا يَصِحُّ مِنْ الرَّقِيقِ فَكَذَا مِنْ السَّفِيهِ) قُلْنَا: لَيْسَ السَّفَهُ كَالرِّقِّ لِأَنَّ حَجْرَ الرِّقِّ لِحَقِّ الْغَيْرِ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي يُلَاقِيهِ تَصَرُّفُهُ، حَتَّى إنَّ تَصَرُّفَهُ فِيمَا لَا حَقَّ لِلْغَيْرِ فِيهِ نَافِذٌ كَالْإِقْرَارِ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، وَهَاهُنَا لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي يُلَاقِيهِ تَصَرُّفُهُ فَيَكُونُ نَافِذًا (فَإِذَا صَحَّ عِنْدَهُمَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ لِأَنَّ الْحَجْرَ لِمَعْنَى النَّظَرِ وَذَلِكَ فِي رَدِّ الْعِتْقِ إلَّا أَنَّهُ مُتَعَذِّرٌ) لِعَدَمِ قَبُولِهِ الْفَسْخَ (فَيَجِبُ رَدُّهُ بِرَدِّ الْقِيمَةِ كَمَا فِي الْحَجْرِ عَلَى الْمَرِيضِ) لِأَجْلِ النَّظَرِ لِغُرَمَائِهِ أَوْ وَرَثَتِهِ، فَإِذَا أَعْتَقَ الْمَرِيضُ عَبْدًا وَجَبَ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ لِغُرَمَائِهِ فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ أَوْ لِوَرَثَتِهِ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ لِمَعْنَى النَّظَرِ إلَى آخِرِ النُّكْتَةِ (وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ، لِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ لَوَجَبَتْ حَقًّا لِمُعْتِقِهِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْهُودٍ فِي الشَّرْعِ وَإِنَّمَا الْمَعْهُودُ أَنْ يَجِبَ لِغَيْرِ الْمُعْتِقِ) كَمَا فِي إعْتَاقِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فَإِنَّهُ يَسْعَى لِلسَّاكِتِ (وَلَوْ دَبَّرَ عَبْدَهُ جَازَ، لِأَنَّ التَّدْبِيرَ يُوجِبُ حَقَّ الْعِتْقِ فَيُعْتَبَرُ بِحَقِيقَتِهِ) لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَ إنْشَاءَ حَقِيقَةِ الْعِتْقِ فَلَأَنْ يَمْلِكَ إنْشَاءَ حَقِّهِ كَانَ أَوْلَى (إلَّا أَنَّهُ لَا تَجِبُ السِّعَايَةُ فِي حَيَاةِ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ) وَالْبَاقِي عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ دَيْنًا.

وَإِذَا مَاتَ وَلَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُ الرُّشْدُ سَعَى فِي قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا لِأَنَّهُ عَتَقَ بِمَوْتِهِ وَهُوَ مُدَبَّرٌ، فَصَارَ كَمَا إذَا أَعْتَقَهُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ (وَلَوْ جَاءَتْ جَارِيَتُهُ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ وَكَانَ الْوَلَدُ حُرًّا وَالْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى ذَلِكَ لِإِبْقَاءِ نَسْلِهِ فَأُلْحِقَ بِالْمُصْلِحِ فِي حَقِّهِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ وَقَالَ هَذِهِ أُمُّ وَلَدِي كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهَا، وَإِنْ مَاتَ سَعَتْ فِي جَمِيعِ قِيمَتِهَا) لِأَنَّهُ كَالْإِقْرَارِ بِالْحُرِّيَّةِ إذْ لَيْسَ لَهُ شَهَادَةُ الْوَلَدِ، بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْوَلَدَ شَاهِدٌ لَهَا. وَنَظِيرُهُ الْمَرِيضُ إذَا ادَّعَى وَلَدَ جَارِيَتِهِ فَهُوَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ. قَالَ (وَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً جَازَ نِكَاحُهَا) لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ، وَلِأَنَّهُ مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ (وَإِنْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا جَازَ مِنْهُ مِقْدَارُ مَهْرِ مِثْلِهَا) لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِ النِّكَاحِ (وَبَطَلَ الْفَضْلُ) لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِيهِ، وَهَذَا الْتِزَامٌ بِالتَّسْمِيَةِ وَلَا نَظَرَ لَهُ فِيهِ فَلَمْ تَصِحَّ الزِّيَادَةُ وَصَارَ كَالْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ (وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَجَبَ لَهَا النِّصْفُ فِي مَالِهِ) لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ صَحِيحَةٌ إلَى مِقْدَارِ مَهْرِ الْمِثْلِ (وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ أَوْ كُلَّ يَوْمٍ وَاحِدَةً) لِمَا بَيَّنَّا. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُ رُشْدٌ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا لِأَنَّهُ عَتَقَ وَهُوَ مُدَبَّرٌ وَالْعِتْقُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ يُوجِبُ السِّعَايَةَ فِي قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا) أَلَا يَرَى أَنَّ مُصْلِحًا لَوْ دَبَّرَ عَبْدَهُ فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِقِيمَتِهِ فَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا لِغُرَمَائِهِ. قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ قِنًّا، لِأَنَّ الْعِتْقَ حَصَلَ بِالتَّدْبِيرِ السَّابِقِ وَهُوَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ يُوجِبُ السِّعَايَةَ قِنًّا كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ لَيْسَ بِسَبَبٍ قَبْلَهُ، إلَّا إنْ جُعِلَ هَاهُنَا سَبَبًا قَبْلَهُ ضَرُورَةً فَلَا تَظْهَرُ سَبَبِيَّتُهُ فِي إيجَابِ السِّعَايَةِ عَلَيْهِ قِنًّا، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَنْعِ عَنْ الْبَيْعِ وَتَعَلَّقَ الْعِتْقُ بِمَوْتِهِ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا. قِيلَ سَلَّمْنَا ذَلِكَ، لَكِنْ يَجِبُ أَنْ يَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ وَفِيهَا يَسْعَى الْعَبْدُ كَذَلِكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ مِنْ حَيْثُ النَّفَاذِ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا غَيْرُ، أَلَا يَرَى أَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْوَصِيَّةِ صَحِيحٌ دُونَ التَّدْبِيرِ. (وَلَوْ وَلَدَتْ جَارِيَتُهُ فَادَّعَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَكَانَ الْوَلَدُ حُرًّا وَالْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى ذَلِكَ لِإِبْقَاءِ نَسْلِهِ) وَ (إبْقَاؤُهُ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ لِحَيَاةِ ذِكْرِ الْإِنْسَانِ) بِبَقَاءِ الْوَلَدِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَأُلْحِقَ السَّفِيهُ بِالْمُصْلِحِ فِي حَقِّ الِاسْتِيلَادِ، فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ هَذِهِ الدَّعْوَةِ كَانَتْ الْجَارِيَةُ حُرَّةً لَا سَبِيلَ عَلَيْهَا لِأَحَدٍ وَإِنْ مَاتَ مَدْيُونًا (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ) أَيْ إنْ لَمْ يُعْلَمْ لَهَا وَلَدٌ مِنْهُ (وَقَالَ هَذِهِ أُمُّ وَلَدِي كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ) لِأَنَّ الدَّعْوَةَ حِينَئِذٍ كَانَتْ دَعْوَةَ تَحْرِيرٍ (فَلَا يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهَا، وَإِنْ مَاتَ سَعَتْ فِي جَمِيعِ قِيمَتِهَا لِأَنَّهُ كَالْإِقْرَارِ بِالْحُرِّيَّةِ، إذْ لَيْسَ لَهَا شَهَادَةُ الْوَلَدِ) فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ حُرَّةٌ فَيَمْتَنِعُ بَيْعُهَا وَتَسْعَى فِي قِيمَتِهَا بَعْدَ مَوْتِهِ (بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْوَلَدَ شَاهِدٌ لَهَا) فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ فَكَذَا فِي دَفْعِ حُكْمِ الْحَجْرِ عَنْ تَصَرُّفِهِ (وَنَظِيرُهُ الْمَرِيضُ إذَا ادَّعَى وَلَدَ جَارِيَتِهِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ) يَعْنِي أَنْ يَكُونَ مَعَهَا وَلَدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ إلَخْ. قَالَ (وَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً جَازَ نِكَاحُهَا) كَلَامُهُ وَاضِحٌ، وَقَوْلُهُ (وَصَارَ كَالْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ) يَعْنِي فِي لُزُومِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِقْدَارَ مَهْرِ الْمِثْلِ وَسُقُوطِ الزِّيَادَةِ، إلَّا أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْمَرَضِ تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَهَاهُنَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ أَصْلًا. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ) يَعْنِي يُعْتَبَرُ مَهْرُ الْمِثْلِ لَا الزِّيَادَةُ سَوَاءٌ تَزَوَّجَ بِمَهْرٍ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَاحِدَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا وَفَعَلَ ذَلِكَ مِرَارًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ فِي مِقْدَارِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَتَبْطُلُ الزِّيَادَةُ (لِمَا بَيَّنَّا) يَعْنِي قَوْلَهُ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِ النِّكَاحِ، وَبِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اعْتَضَدَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى أَنَّهُ

قَالَ (وَتُخْرَجُ الزَّكَاةُ مِنْ مَالِ السَّفِيهِ) لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ (وَيُنْفَقُ عَلَى أَوْلَادِهِ وَزَوْجَتِهِ وَمَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ مِنْ ذَوِي أَرْحَامِهِ) لِأَنَّ إحْيَاءَ وَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ مِنْ حَوَائِجِهِ، وَالْإِنْفَاقُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ لِقَرَابَتِهِ، وَالسَّفَهُ لَا يُبْطِلُ حُقُوقَ النَّاسِ، إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ يَدْفَعُ الزَّكَاةَ إلَيْهِ لِيَصْرِفَهَا إلَى مَصْرِفِهَا، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّتِهِ لِكَوْنِهَا عِبَادَةً، لَكِنْ يَبْعَثُ أَمِينًا مَعَهُ كَيْ لَا يَصْرِفَهُ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ. وَفِي النَّفَقَةِ يَدْفَعُ إلَى أَمِينِهِ لِيَصْرِفَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّتِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ أَوْ نَذَرَ أَوْ ظَاهَرَ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ بَلْ يُكَفِّرُ يَمِينَهُ وَظِهَارَهُ بِالصَّوْمِ لِأَنَّهُ مِمَّا يَجِبُ بِفِعْلِهِ، فَلَوْ فَتَحْنَا هَذَا الْبَابَ يُبَذِّرُ أَمْوَالَهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ، وَلَا كَذَلِكَ مَا يَجِبُ ابْتِدَاءً بِغَيْرِ فِعْلِهِ. قَالَ (فَإِنْ أَرَادَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهَا) لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ صَنْعَةٍ (وَلَا يُسَلِّمُ الْقَاضِي النَّفَقَةَ إلَيْهِ وَيُسَلِّمُهَا إلَى ثِقَةٍ مِنْ الْحَاجِّ يُنْفِقُهَا عَلَيْهِ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ) كَيْ لَا يُتْلِفُهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ (وَلَوْ أَرَادَ عُمْرَةً وَاحِدَةً لَمْ يُمْنَعْ مِنْهَا) اسْتِحْسَانًا لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِهَا، بِخِلَافِ مَا زَادَ عَلَى مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ الْحَجِّ (وَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْقِرَانِ) لِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ إفْرَادِ السَّفَرِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا (وَلَا يُمْنَعُ مِنْ أَنْ يَسُوقَ بَدَنَةً) تَحَرُّزًا عَنْ مَوْضِعِ الْخِلَافِ، إذْ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهَا وَهِيَ جَزُورٌ أَوْ بَقَرَةٌ. قَالَ (فَإِنْ مَرِضَ وَأَوْصَى بِوَصَايَا فِي الْقُرَبِ وَأَبْوَابِ الْخَيْرِ جَازَ ذَلِكَ فِي ثُلُثِهِ) لِأَنَّ نَظَرَهُ فِيهِ إذْ هِيَ حَالَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا فَائِدَةَ فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُسَدُّ بَابُ إتْلَافِ الْمَالِ عَلَيْهِ بِهَذَا الطَّرِيقِ، بَلْ هَذَا أَضَرُّ لَهُ مِنْ إتْلَافِهِ بِطَرِيقِ الْهِبَةِ إذْ هُوَ يَكْتَسِبُ الْمَحْمَدَةَ فِي الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ وَالْمَذَمَّةِ فِي التَّزَوُّجِ وَالطَّلَاقِ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَنَ اللَّهُ كُلَّ ذَوَّاقٍ مِطْلَاقٍ» . قَالَ (وَتُخْرَجُ الزَّكَاةُ مِنْ مَالِ السَّفِيهِ) وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرٍ أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَالزَّكَاةِ وَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ، أَوْ كَانَ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ كَنَفَقَةِ مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ فَهَذَا وَالْمُصْلِحُ فِيهِ سَوَاءٌ، لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ وَبِالسَّفَهِ لَا يَسْتَحِقُّ النَّظَرَ فِي إسْقَاطِ شَيْءٍ مِنْ حُقُوقِ الشَّرْعِ عَنْهُ، وَلَا يُبْطِلُ شَيْئًا مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ، لَكِنْ لَا يُسْمَعُ قَوْلُهُ فِي الْقَرَابَةِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهَا وَعُسْرَةِ الْقَرِيبِ، لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يُلْزِمُ إقْرَارُهُ شَيْئًا إلَّا فِي الْوَلَدِ، فَإِنَّ الزَّوْجَيْنِ إذَا تَصَادَقَا عَلَى النَّسَبِ قُبِلَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي تَصْدِيقِ الْآخَرِ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِالنَّسَبِ، وَالسَّفَهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي مَنْعِ الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ لِكَوْنِهِ مِنْ حَوَائِجِهِ، لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ عُسْرَةِ الْمُقَرِّ لَهُ، وَالْإِقْرَارُ بِالزَّوْجِيَّةِ صَحِيحٌ وَيَجِبُ مَهْرُ مِثْلِهَا وَالنَّفَقَةُ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ مَا ذَكَرْنَاهُ مِمَّا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ (بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ أَوْ نَذَرَ أَوْ ظَاهَرَ) يَعْنِي مَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ (حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ بَلْ يُكَفِّرُ يَمِينَهُ وَظِهَارَهُ بِصَوْمٍ) لِكُلِّ حِنْثٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ وَعَنْ كُلِّ ظِهَارٍ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ. وَإِنْ كَانَ مَالِكًا لِلْمَالِ حَالَ التَّكْفِيرِ (لِأَنَّهُ) أَيْ كُلَّ وَاحِدٍ (مِمَّا يَجِبُ بِفِعْلِهِ) إذْ السَّبَبُ الْتِزَامُهُ فَيَتَمَكَّنُ فِيهِ مَعْنَى التَّبْذِيرِ بِفَتْحِ هَذَا الْبَابِ وَتَضْيِيعِ فَائِدَةِ الْحَجْرِ. فَإِنْ قِيلَ: التَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ مُرَتَّبٌ عَلَى عَدَمِ اسْتِطَاعَةِ الرَّقَبَةِ فَأَنَّى يَصِحُّ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ مُنْتَفِيَةٌ، لِأَنَّ دَلَائِلَ الْحَجْرِ تُوجِبُ السِّعَايَةَ عَلَى مَنْ يُعْتِقُهُ السَّفِيهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمَعَ السِّعَايَةِ لَا يَقَعُ الْعِتْقُ عَنْ الظِّهَارِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ أَرَادَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ) وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ أَرَادَ عُمْرَةً وَاحِدَةً لَمْ يُمْنَعْ مِنْهَا اسْتِحْسَانًا) لِذَلِكَ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُعْطِيَ لَهَا نَفَقَةَ السَّفَرِ، لِأَنَّ الْعُمْرَةَ عِنْدَنَا تَطَوُّعٌ. كَمَا لَوْ أَرَادَ الْخُرُوجَ لِلْحَجِّ تَطَوُّعًا، فَإِنْ جَنَى جِنَايَةً، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُجْزِئُ فِيهِ الصَّوْمُ فَعَلَيْهِ الصَّوْمُ لَيْسَ إلَّا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَلَزِمَهُ الدَّمُ يُؤَدِّي إذَا أَصْلَحَ. (فَإِنْ مَرِضَ وَأَوْصَى) وَقُيِّدَ بِالْمَرَضِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ غَالِبًا تَكُونُ فِي الْمَرَضِ، فَإِنَّ السَّفِيهَ الصَّحِيحَ

انْقِطَاعِهِ عَنْ أَمْوَالِهِ وَالْوَصِيَّةُ تَخْلُفُ ثَنَاءً أَوْ ثَوَابًا، وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ التَّفْرِيعَاتِ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى. قَالَ (وَلَا يُحْجَرُ عَلَى الْفَاسِقِ إذَا كَانَ مُصْلِحًا لِمَالِهِ عِنْدَنَا وَالْفِسْقُ الْأَصْلِيُّ وَالطَّارِئُ سَوَاءٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُحْجَرُ عَلَيْهِ زَجْرًا لَهُ وَعُقُوبَةً عَلَيْهِ كَمَا فِي السَّفِيهِ وَلِهَذَا لَمْ يُجْعَلْ أَهْلًا لِلْوِلَايَةِ وَالشَّهَادَةِ عِنْدَهُ. وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] الْآيَةَ. وَقَدْ أُونِسَ مِنْهُ نَوْعُ رُشْدٍ فَتَتَنَاوَلُهُ النَّكِرَةُ الْمُطْلَقَةُ، وَلِأَنَّ الْفَاسِقَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ عِنْدَنَا لِإِسْلَامِهِ فَيَكُونُ وَالِيًا لِلتَّصَرُّفِ، وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ فَحُكْمُهَا كَحُكْمِ الْمَرِيضِ، وَالْقِيَاسُ يَنْفِيهَا كَمَا لَوْ تَبَرَّعَ فِي حَيَاتِهِ، وَاسْتَحْسَنُوا فِيهَا إذَا وَافَقَ الْحَقَّ وَمَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ مِنْ الثُّلُثِ، لِأَنَّ نَظَرَهُ فِيهِ لِأَنَّ وُجُوبَهَا بَعْدَ وُقُوعِ الِاسْتِغْنَاءِ مِنْ الْمَالِ فِي أَمْرِ دُنْيَاهُ، وَحِينَئِذٍ لَا نَظَرَ لَهُ فِي الْمَانِعِ وَإِنَّمَا النَّظَرُ لَهُ فِي اكْتِسَابِ الثَّنَاءِ الْحَسَنِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَفِي تَنْفِيذِهَا ذَلِكَ (وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ التَّفْرِيعَاتِ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى) فَمِنْ ذَلِكَ مَا قَالَ: إنَّ الَّذِي بَلَغَ سَفِيهًا وَالصَّبِيُّ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ وَهُوَ يَعْقِلُ مَا يَصْنَعُهُ عِنْدَنَا سَوَاءٌ، إلَّا فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَبِ وَلِوَصِيِّ الْأَبِ أَنْ يَتَصَرَّفَ عَلَى الصَّغِيرِ يَشْتَرِي لَهُ مَالًا وَيَبِيعُ، وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ الْأَبِ وَلَا وَصِيُّ الْأَبِ عَلَى الْبَائِعِ السَّفِيهِ إلَّا بِأَمْرِ الْحَاكِمِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ يَجُوزُ نِكَاحُهُ، وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ. وَالثَّالِثُ أَنَّهُ يَجُوزُ طَلَاقُهُ وَعَتَاقُهُ، وَلَا يَجُوزُ طَلَاقُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ وَلَا عَتَاقُهُ، وَالرَّابِعُ أَنَّ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ إذَا دَبَّرَ عَبْدَهُ لَا يَصِحُّ تَدْبِيرُهُ، وَهَذَا السَّفِيهُ إذَا دَبَّرَ عَبْدَهُ صَحَّ تَدْبِيرُهُ. (قَوْلُهُ وَلَا يُحْجَرُ عَلَى الْفَاسِقِ إذَا كَانَ مُصْلِحًا لِمَالِهِ عِنْدَنَا، وَالْفِسْقُ الْأَصْلِيُّ وَالطَّارِئُ سَوَاءٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُحْجَرُ عَلَيْهِ) وَمَبْنَى هَذَا الِاخْتِلَافِ عَلَى أَنَّ الْحَجْرَ عِنْدَهُ لِلزَّجْرِ وَالْعُقُوبَةِ وَالْفَاسِقُ مُسْتَحِقٌّ لِذَلِكَ فَيُحْجَرُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُصْلِحًا لِمَالِهِ. وَعِنْدَهُمَا لِلنَّظَرِ لَهُ فِي مَالِهِ فَإِذَا أَصْلَحَ مَالَهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ حَجْرٌ (وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] الْآيَةَ) نَكَّرَ الرُّشْدَ وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ مِنْهُ وَالْكَثِيرَ، وَمَنْ أَصْلَحَ فِي مَالِهِ فَقَدْ أُونِسَ مِنْهُ رُشْدٌ (وَلِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْوِلَايَةِ عِنْدَنَا لِإِسْلَامِهِ فَيَكُونُ وَالِيًا لِلتَّصَرُّفِ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ) يَعْنِي فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ.

[فصل في حد البلوغ]

وَيَحْجُرُ الْقَاضِي عِنْدَهُمَا أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ بِسَبَبِ الْغَفْلَةِ وَهُوَ أَنْ يُغْبَنَ فِي التِّجَارَاتِ وَلَا يَصْبِرُ عَنْهَا لِسَلَامَةِ قَلْبِهِ لِمَا فِي الْحَجْرِ مِنْ النَّظَرِ لَهُ. (فَصْلٌ فِي حَدِّ الْبُلُوغِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَحْجُرُ الْقَاضِي عِنْدَهُمَا أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَنْ لَيْسَ بِسَفِيهٍ لَكِنَّهُ مُتَغَفِّلٌ) يَعْنِي فِي التِّجَارَاتِ (وَلَا يَصْبِرُ عَنْهَا لِسَلَامَةِ قَلْبِهِ لِمَا فِي الْحَجْرِ مِنْ النَّظَرِ لَهُ) وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ خِلَافُ مَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ مَا حَجَرَ عَلَى حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ وَكَانَ يُغْبَنُ فِي التِّجَارَاتِ بَلْ قَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قُلْ لَا خِلَابَةَ وَلِيَ الْخِيَارُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَى الْمُغَفَّلِ ثَبَتَ بِدَلَالَةِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] لِمَا أَنَّهُ يُتْلِفُ الْأَمْوَالَ كَالسَّفِيهِ فَلَا يُعَارِضُهُ خَبَرُ الْوَاحِدِ. وَرُدَّ بِأَنَّ ذَلِكَ لِمَنْعِ الْمَالِ، وَلَيْسَ النِّزَاعُ فِيهِ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي الْحَجْرِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي حَدِّ الْبُلُوغِ] الْبُلُوغُ فِي اللُّغَةِ: الْوُصُولُ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ: انْتِهَاءُ حَدِّ الصِّغَرِ. وَلَمَّا كَانَ الصِّغَرُ أَحَدَ أَسْبَابِ الْحَجْرِ وَجَبَ بَيَانُ انْتِهَائِهِ،

قَالَ (بُلُوغُ الْغُلَامِ بِالِاحْتِلَامِ وَالْإِحْبَالِ وَالْإِنْزَالِ إذَا وَطِئَ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَحَتَّى يَتِمَّ لَهُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَبُلُوغُ الْجَارِيَةِ بِالْحَيْضِ وَالِاحْتِلَامِ وَالْحَبَلِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَحَتَّى يَتِمَّ لَهَا سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: إذَا تَمَّ الْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَقَدْ بَلَغَا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَعَنْهُ فِي الْغُلَامِ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنْ يَطْعَنَ فِي التَّاسِعِ عَشْرَةَ سَنَةً وَيَتِمُّ لَهُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَا اخْتِلَافَ. وَقِيلَ فِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، أَمَّا الْعَلَامَةُ فَلِأَنَّ الْبُلُوغَ بِالْإِنْزَالِ حَقِيقَةً وَالْحَبَلُ وَالْإِحْبَالُ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ الْإِنْزَالِ، وَكَذَا الْحَيْضُ فِي أَوَانِ الْحَبَلِ، فَجُعِلَ كُلُّ ذَلِكَ عَلَامَةَ الْبُلُوغِ، وَأَدْنَى الْمُدَّةِ لِذَلِكَ فِي حَقِّ الْغُلَامِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً، وَفِي حَقِّ الْجَارِيَةِ تِسْعُ سِنِينَ. وَأَمَّا السِّنُّ فَلَهُمْ الْعَادَةُ الْفَاشِيَّةُ أَنَّ الْبُلُوغَ لَا يَتَأَخَّرُ فِيهِمَا عَنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ. وَلَهُ قَوْله تَعَالَى {حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الإسراء: 34] وَأَشُدُّ الصَّبِيِّ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، هَكَذَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَتَابَعَهُ الْقُتَبِيُّ، وَهَذَا أَقَلُّ مَا قِيلَ فِيهِ فَيُبْنَى الْحُكْمُ عَلَيْهِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ، غَيْرَ أَنَّ الْإِنَاثَ نُشُوءُهُنَّ وَإِدْرَاكُهُنَّ أَسْرَعُ فَنَقَصْنَا فِي حَقِّهِنَّ سَنَةً لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي يُوَافِقُ وَاحِدٌ مِنْهَا الْمِزَاجَ لَا مَحَالَةَ. قَالَ (وَإِذَا رَاهَقَ الْغُلَامُ أَوْ الْجَارِيَةُ الْحُلُمَ وَأَشْكَلَ أَمْرُهُ فِي الْبُلُوغِ فَقَالَ قَدْ بَلَغْتُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَأَحْكَامُهُ أَحْكَامُ الْبَالِغِينَ) لِأَنَّهُ مَعْنًى لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِمَا ظَاهِرًا، فَإِذَا أَخْبَرَا بِهِ وَلَمْ يُكَذِّبْهُمَا الظَّاهِرُ قُبِلَ قَوْلُهُمَا فِيهِ، كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ فِي الْحَيْضِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا الْفَصْلُ لِبَيَانِ ذَلِكَ. قَالَ (بُلُوغُ الْغُلَامِ بِالِاحْتِلَامِ إلَخْ) الْحُلُمُ بِالضَّمِّ مَا يَرَاهُ النَّائِمُ، يُقَالُ حَلُمَ وَاحْتَلَمَ بُلُوغُ الْغُلَامِ بِالِاحْتِلَامِ وَالْإِحْبَالِ وَالْإِنْزَالِ إذَا وَطِئَ، وَالْأَصْلُ هُوَ الْإِنْزَالُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ} [النور: 59] ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَحَتَّى يَتِمَّ لَهُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَبُلُوغُ الْجَارِيَةِ بِالْحَيْضِ وَالِاحْتِلَامِ وَالْحَبَلِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَحَتَّى يَتِمَّ لَهَا سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَا: إذَا تَمَّ لِلْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَقَدْ بَلَغَا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْحٍ، وَإِنَّمَا قَالَ: وَهَذَا أَقَلُّ مَا قِيلَ فِيهِ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ سَنَةً وَبَعْضُهُمْ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (قَوْلُهُ وَإِذَا رَاهَقَ الْغُلَامُ أَوْ الْجَارِيَةُ) يُقَالُ: رَهَقَهُ: أَيْ دَنَا مِنْهُ، وَصَبِيٌّ مُرَاهِقٌ أَيْ دَانٍ لِلْحُلُمِ (وَأَشْكَلَ أَمْرُهُ فِي الْبُلُوغِ وَلَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ إلَّا مِنْهُ فَقَالَ قَدْ بَلَغْت فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمَا) ثُمَّ قِيلَ: إنَّمَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ بِالْبُلُوغِ إذَا بَلَغَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ، وَلَا يُقْبَلُ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يُكَذِّبُهُ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَأَدْنَى الْمُدَّةِ لِذَلِكَ فِي حَقِّ الْغُلَامِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً وَفِي حَقِّ الْجَارِيَةِ تِسْعُ سِنِينَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[باب الحجر بسبب الدين]

(قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا أَحْجُرُ فِي الدَّيْنِ، وَإِذَا وَجَبَتْ دُيُونٌ عَلَى رَجُلٍ وَطَلَبَ غُرَمَاؤُهُ حَبْسَهُ وَالْحَجْرَ عَلَيْهِ لَمْ أَحْجُرْ عَلَيْهِ) لِأَنَّ فِي الْحَجْرِ إهْدَارَ أَهْلِيَّتِهِ فَلَا يَجُوزُ لِدَفْعِ ضَرَرٍ خَاصٍّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْحَجْرِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ] الدَّيْنُ أَيْضًا مِنْ أَسْبَابِ الْحَجْرِ عِنْدَهُمَا، لَكِنْ بِشَرْطِ طَلَبِ الْغُرَمَاءِ ذَلِكَ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمَرْكَبِ فَلَا جَرَمَ آثَرَ تَأْخِيرَهُ، وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُشْهِدَ أَنَّهُ حَجَرَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ احْتِيَاطًا لِنَفْيِ التَّجَاحُدِ إنْ وَقَعَ، وَأَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ الْحَجْرَ كَانَ بِسَبَبِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْمَالِ الْمَوْجُودِ لَهُ فِي الْحَالِ دُونَ مَا يَحْدُثُ لَهُ بِالْكَسْبِ أَوْ غَيْرِهِ، حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ لَوْ تَصَرَّفَ فِي الْحَادِثِ نَفَذَ، وَأَنْ يُبَيِّنَ مِنْ الْحَجْرِ لِأَجْلِهِ بِاسْمِهِ لِأَنَّهُ يَرْتَفِعُ بِإِبْرَاءِ الْغَرِيمِ وَوُصُولِ حَقِّهِ إلَيْهِ فَيَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَتِهِ (وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُجَوِّزُهُ لِأَنَّ فِيهِ إهْدَارَ أَهْلِيَّتِهِ) وَذَلِكَ ضَرَرٌ فَوْقَ ضَرَرِ الْمَالِ، فَلَا يُتْرَكُ الْأَعْلَى لِلْأَدْنَى. فَإِنْ قِيلَ: إهْدَارُ الْأَهْلِيَّةِ ضَرَرٌ يَلْحَقُ الْمَدْيُونَ وَتَرْكُ الْحَجْرِ ضَرَرٌ يَلْحَقُ الدَّائِنَ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْأَوَّلُ أَعْلَى أَنْ لَوْ كَانَا فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ، فَالْجَوَابُ أَنَّ ضَرَرَ الدَّائِنِ يَنْدَفِعُ بِالْحَبْسِ لَا مَحَالَةَ، وَالْحَبْسُ ضَرَرٌ يَلْحَقُ الْمَدْيُونَ مُجَازَاةً شَرْعًا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَعْلَى مَا انْدَفَعَ بِهِ ضَرَرُ الدَّائِنِ وَإِهْدَارُ الْأَهْلِيَّةِ أَعْلَى مِنْ الْحَبْسِ

(فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ الْحَاكِمُ) لِأَنَّهُ نَوْعُ حَجْرٍ، وَلِأَنَّهُ تِجَارَةٌ لَا عَنْ تَرَاضٍ فَيَكُونُ بَاطِلًا بِالنَّصِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَكُونُ أَعْلَى مِنْ ضَرَرِ الدَّائِنِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ (فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ الْحَاكِمُ لِأَنَّهُ نَوْعُ حَجْرٍ وَلِأَنَّهُ تِجَارَةٌ لَا عَنْ تَرَاضٍ فَيَكُونُ بَاطِلًا بِالنَّصِّ،

(وَلَكِنْ يَحْبِسُهُ أَبَدًا حَتَّى يَبِيعَهُ فِي دَيْنِهِ) إيفَاءً لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ وَدَفْعًا لِظُلْمِهِ (وَقَالَا: إذَا طَلَبَ غُرَمَاءُ الْمُفْلِسِ الْحَجْرَ عَلَيْهِ حَجَرَ الْقَاضِي عَلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَكِنْ يَحْبِسُهُ حَتَّى يَبِيعَهُ فِي دَيْنِهِ إيفَاءً لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ وَدَفْعًا لِظُلْمِهِ. وَقَالَا: إذَا طَلَبَ غُرَمَاءُ الْمُفْلِسِ الْحَجْرَ عَلَيْهِ حَجَرَ الْقَاضِي عَلَيْهِ.

وَمَنَعَهُ مِنْ الْبَيْعِ وَالتَّصَرُّفِ وَالْإِقْرَارِ حَتَّى لَا يُضِرَّ بِالْغُرَمَاءِ) لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَى السَّفِيهِ إنَّمَا جَوَّزَاهُ نَظَرًا لَهُ، وَفِي هَذَا الْحَجْرِ نَظَرٌ لِلْغُرَمَاءِ لِأَنَّهُ عَسَاهُ يُلْجِئُ مَالَهُ فَيَفُوتُ حَقُّهُمْ، وَمَعْنَى قَوْلِهِمَا وَمَنَعَهُ مِنْ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ، أَمَّا الْبَيْعُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ لَا يُبْطِلُ حَقَّ الْغُرَمَاءِ وَالْمَنْعُ لِحَقِّهِمْ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ. قَالَ (وَبَاعَ مَالَهُ إنْ امْتَنَعَ الْمُفْلِسُ مِنْ بَيْعِهِ وَقَسَمَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ بِالْحِصَصِ عِنْدَهُمَا) لِأَنَّ الْبَيْعَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ لِإِيفَاءِ دَيْنِهِ حَتَّى يُحْبَسَ لِأَجْلِهِ، فَإِذَا امْتَنَعَ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ كَمَا فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ. قُلْنَا: التَّلْجِئَةُ مَوْهُومَةٌ، وَالْمُسْتَحَقُّ قَضَاءُ الدَّيْنِ، وَالْبَيْعُ لَيْسَ بِطَرِيقٍ مُتَعَيِّنٍ لِذَلِكَ، بِخِلَافِ الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَالْحَبْسُ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ بِمَا يَخْتَارُهُ مِنْ الطَّرِيقِ، كَيْفَ وَلَوْ صَحَّ الْبَيْعُ كَانَ الْحَبْسُ إضْرَارًا بِهِمَا بِتَأْخِيرِ حَقِّ الدَّائِنِ وَتَعْذِيبِ الْمَدْيُونِ فَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا. قَالَ (وَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ دَرَاهِمَ وَلَهُ دَرَاهِمُ قَضَى الْقَاضِي بِغَيْرِ أَمْرِهِ) وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ، لِأَنَّ لِلدَّائِنِ حَقَّ الْأَخْذِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ فَلِلْقَاضِي أَنْ يُعِينَهُ (وَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ دَرَاهِمَ وَلَهُ دَنَانِيرُ أَوْ عَلَى ضِدِّ ذَلِكَ بَاعَهَا الْقَاضِي فِي دَيْنِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَنَعَهُ التَّصَرُّفَاتِ) وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ أَنْ يَبِيعَ بِالْغَبْنِ يَسِيرًا كَانَ أَوْ فَاحِشًا. وَقَوْلُهُ (التَّلْجِئَةُ مَوْهُومَةٌ) لِأَنَّهُ احْتِمَالٌ مَرْجُوحٌ فَلَا يُهْدَرُ بِهِ أَهْلِيَّةُ الْإِنْسَانِ وَلَا يُرْتَكَبُ الْبَيْعُ بِلَا تَرَاضٍ. وَقَوْلُهُ (وَالْبَيْعُ لَيْسَ بِطَرِيقٍ مُتَعَيَّنٍ لِذَلِكَ) لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْإِيفَاءُ بِالِاسْتِقْرَاضِ وَالِاسْتِيهَابِ وَالسُّؤَالِ مِنْ النَّاسِ، فَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي تَعْيِينُ هَذِهِ الْجِهَةِ عَلَيْهِ (بِخِلَافِ الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ) فَإِنَّ التَّفْرِيقَ هُنَاكَ مُتَعَيَّنٌ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْهُ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ التَّصْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ فَلَمَّا امْتَنَعَ عَنْ التَّسْرِيحِ بِالْإِحْسَانِ مَعَ عَجْزِهِ عَنْ الْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ فِي التَّفْرِيقِ (قَوْلُهُ وَالْحَبْسُ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا حَتَّى يُحْبَسُ بِرَفْعِ السِّينِ لِأَجْلِهِ: أَيْ لِأَجْلِ الْبَيْعِ وَتَقْرِيرُهُ. سَلَّمْنَا لُزُومَ الْحَبْسِ لَكِنَّهُ لَيْسَ لِأَجْلِ الْبَيْعِ بَلْ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ بِمَا اخْتَارَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ الِاسْتِقْرَاضِ وَالِاسْتِيهَابِ وَسُؤَالِ الصَّدَقَةِ وَبَيْعِ مَالِهِ بِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ كَيْفَ) أَيْ كَيْفَ صَحَّ الْبَيْعُ (وَلَوْ صَحَّ الْمَبِيعُ كَانَ الْحَبْسُ ظُلْمًا لِأَنَّهُ إضْرَارٌ بِهِمَا بِتَأْخِيرِ حَقِّ الدَّائِنِ وَتَعْذِيبِ الْمَدْيُونِ فَلَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا)

وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتِحْسَانٌ. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَبِيعَهُ كَمَا فِي الْعُرُوضِ، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يَأْخُذَهُ جَبْرًا. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمَا مُتَّحِدَانِ فِي الثَّمَنِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ مُخْتَلِفَانِ فِي الصُّورَةِ، فَبِالنَّظَرِ إلَى الِاتِّحَادِ يَثْبُتُ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ، وَبِالنَّظَرِ إلَى الِاخْتِلَافِ يُسْلَبُ عَنْ الدَّائِنِ وِلَايَةُ الْأَخْذِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ، بِخِلَافِ الْعُرُوضِ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَتَعَلَّقُ بِصُوَرِهَا وَأَعْيَانِهَا، أَمَّا النُّقُوذُ فَوَسَائِلُ فَافْتَرَقَا (وَيُبَاعُ فِي الدَّيْنِ النُّقُودُ ثُمَّ الْعُرُوض ثُمَّ الْعَقَارُ يُبْدَأُ بِالْأَيْسَرِ فَالْأَيْسَرِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُسَارَعَةِ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ مَعَ مُرَاعَاةِ جَانِبِ الْمَدْيُونِ (وَيُتْرَكُ عَلَيْهِ دَسْتٌ مِنْ ثِيَابِ بَدَنِهِ وَيُبَاعُ الْبَاقِي) لِأَنَّ بِهِ كِفَايَةً وَقِيلَ دَسْتَانِ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ، لِأَنَّهُ إذَا غَسَلَ ثِيَابَهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَلْبَسٍ. قَالَ (فَإِنْ أَقَرَّ فِي حَالِ الْحَجْرِ بِإِقْرَارٍ لَزِمَهُ ذَلِكَ بَعْدَ قَضَاءِ الدُّيُونِ) ، لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهَذَا الْمَالِ حَقُّ الْأَوَّلِينَ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِمْ بِالْإِقْرَارِ لِغَيْرِهِمْ، بِخِلَافِ الِاسْتِهْلَاكِ لِأَنَّهُ مُشَاهَدٌ لَا مَرَدَّ لَهُ (وَلَوْ اسْتَفَادَ مَالًا آخَرَ بَعْدَ الْحَجْرِ نَفَذَ إقْرَارُهُ فِيهِ) لِأَنَّ حَقَّهُمْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ لِعَدَمِهِ وَقْتَ الْحَجْرِ. قَالَ (وَيُنْفَقُ عَلَى الْمُفْلِسِ مِنْ مَالِهِ وَعَلَى زَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ الصِّغَارِ وَذَوِي أَرْحَامِهِ مِمَّنْ يَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ) لِأَنَّ حَاجَتَهُ الْأَصْلِيَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَقِّ الْغُرَمَاءِ، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ لِغَيْرِهِ فَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَكِنَّهُ مَشْرُوعٌ بِالْإِجْمَاعِ فَلَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ (قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَإِنَّمَا خَصَّهُ بِالذِّكْرِ وَإِنْ كَانَ هَذَا بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ تُرَدُّ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْقَاضِي عَلَى الْمَدْيُونِ فِي الْعُرُوضِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ فِي النَّقْدَيْنِ أَيْضًا لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْبَيْعِ وَهُوَ بَيْعُ الصَّرْفِ (قَوْلُهُ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ) قِيلَ: إنَّمَا لَمْ يَعْكِسْ حَيْثُ لَمْ يُجْعَلْ لِلْغَرِيمِ وِلَايَةُ الْأَخْذِ نَظَرًا إلَى الِاتِّحَادِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ تَرْكُ أَحَدِ الشَّبَهَيْنِ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْقَاضِي أَعَمُّ وَأَقْوَى، فَلَوْ ثَبَتَ لِلْغَرِيمِ وِلَايَةُ الْأَخْذِ مَعَ قُصُورِهِ لَثَبَتَ لِلْقَاضِي لِقُوَّتِهِ. وَقَوْلُهُ (وَيُبَاعُ فِي الدَّيْنِ النُّقُودُ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ نَصَّبَ نَاظِرًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ لِلْمَدْيُونِ كَمَا يَنْظُرُ لِلْغُرَمَاءِ فَيَبِيعُ مَا كَانَ أَنْظَرَ لَهُ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الِاسْتِهْلَاكِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ بَعْدَ قَضَاءِ الدُّيُونِ: يَعْنِي إذَا اسْتَهْلَكَ مَالَ الْغَيْرِ فِي حَالَةِ الْحَجْرِ يُؤَاخَذُ بِضَمَانِهِ قَبْلَ قَضَاءِ الدُّيُونِ فَكَانَ الْمُتْلَفُ عَلَيْهِ أُسْوَةً لِسَائِرِ الْغُرَمَاءِ (لِأَنَّهُ مُشَاهَدٌ لَا مَرَدَّ لَهُ) بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ فَإِنَّ سَبَبَهُ مُحْتَمَلٌ. وَقَوْلُهُ

يُبْطِلُهُ الْحَجْرُ، وَلِهَذَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً كَانَتْ فِي مِقْدَارِ مَهْرِ مِثْلِهَا أُسْوَةً لِلْغُرَمَاءِ. قَالَ (فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لِلْمُفْلِسِ مَالٌ وَطَلَبَ غُرَمَاؤُهُ حَبْسَهُ وَهُوَ يَقُولُ لَا مَالَ لِي حَبَسَهُ الْحَاكِمُ فِي كُلِّ دَيْنٍ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ كَالْمَهْرِ وَالْكَفَالَةِ) وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْفَصْلَ بِوُجُوهِهِ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي مِنْ هَذَا الْكِتَابِ فَلَا نُعِيدُهَا، إلَى أَنْ قَالَ: وَكَذَلِكَ إنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ: يَعْنِي خَلَّى سَبِيلَهُ لِوُجُوبِ النَّظِرَةِ إلَى الْمَيْسَرَةِ، وَلَوْ مَرِضَ فِي الْحَبْسِ يَبْقَى فِيهِ إنْ كَانَ لَهُ خَادِمٌ يَقُومُ بِمُعَالَجَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَخْرَجَهُ تَحَرُّزًا عَنْ هَلَاكِهِ، وَالْمُحْتَرِفُ فِيهِ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِعَمَلِهِ هُوَ الصَّحِيحُ لِيَضْجَرَ قَلْبُهُ فَيَنْبَعِثَ عَلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ وَفِيهِ مَوْضِعٌ يُمْكِنُهُ فِيهِ وَطْؤُهَا لَا يُمْنَعُ عَنْهُ لِأَنَّهُ قَضَاءُ إحْدَى الشَّهْوَتَيْنِ فَيُعْتَبَرُ بِقَضَاءِ الْأُخْرَى. قَالَ (وَلَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُرَمَائِهِ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْحَبْسِ يُلَازِمُونَهُ وَلَا يَمْنَعُونَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَالسَّفَرِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِصَاحِبِ الْحَقِّ يَدٌ وَلِسَانٌ» أَرَادَ بِالْيَدِ الْمُلَازَمَةَ وَبِاللِّسَانِ التَّقَاضِيَ. قَالَ (وَيَأْخُذُونَ فَضْلَ كَسْبِهِ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ) لِاسْتِوَاءِ حُقُوقِهِمْ فِي الْقُوَّةِ (وَقَالَا: إذَا فَلَّسَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَخْرَجَهُ تَحَرُّزًا عَنْ هَلَاكِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إهْلَاكُهُ لِمَكَانِ الدَّيْنِ، أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ تَوَجَّهَ الْهَلَاكُ إلَيْهِ بِالْمَخْمَصَةِ لَكَانَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ بِمَالِ الْغَيْرِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ إهْلَاكُهُ لِأَجْلِ مَالِ الْغَيْرِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ السِّجْنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا، لِأَنَّ الْهَلَاكَ لَوْ كَانَ إنَّمَا يَكُونُ بِسَبَبِ الْمَرَضِ، وَأَنَّهُ فِي الْحَبْسِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ. وَقَوْلُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ لَا يَمْنَعُ عَنْ الِاكْتِسَابِ فِي السِّجْنِ لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ، لِجَانِبِ الْمَدْيُونِ لِأَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ، وَلِرَبِّ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ إذَا فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ يُصْرَفُ ذَلِكَ إلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُرَمَائِهِ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْحَبْسِ) أَيْ لَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ أَنْ يَدُورُوا مَعَهُ أَيْنَمَا دَارَ (يُلَازِمُونَهُ وَلَا يَمْنَعُونَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَالسَّفَرِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِصَاحِبِ الْحَقِّ يَدٌ وَلِسَانٌ» أَرَادَ بِالْيَدِ الْمُلَازَمَةَ، وَبِاللِّسَانِ التَّقَاضِي) وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ أَنَّ الْحَدِيثَ مُطْلَقٌ فِي حَقِّ الزَّمَانِ فَيَتَنَاوَلُ الزَّمَانَ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَ الْإِطْلَاقِ عَنْ الْحَبْسِ وَقَبْلَهُ. وَقَوْلُهُ (يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ) أَيْ يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ، هَذَا إذَا أَخَذُوا فَضْلَ كَسْبِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ أَوْ أَخَذَهُ الْقَاضِي وَقَسَمَهُ بَيْنَهُمْ بِدُونِ اخْتِيَارِهِ. وَأَمَّا الْمَدْيُونُ فِي حَالِ صِحَّتِهِ لَوْ آثَرَ أَحَدَ الْغُرَمَاءِ عَلَى غَيْرِهِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ بِاخْتِيَارِهِ فَلَهُ

الْحَاكِمُ حَالَ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَبَيْنَهُ إلَّا أَنْ يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ مَالًا) لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْإِفْلَاسِ عِنْدَهُمَا يَصِحُّ فَتَثْبُتُ الْعُسْرَةُ وَيَسْتَحِقُّ النَّظِرَةَ إلَى الْمَيْسَرَةِ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَتَحَقَّقُ الْقَضَاءُ بِالْإِفْلَاسِ، لِأَنَّ مَالَ اللَّهِ تَعَالَى غَادٍ وَرَائِحٌ، وَلِأَنَّ وُقُوفَ الشُّهُودِ عَلَى عَدَمِ الْمَالِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا ظَاهِرًا فَيَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا لِإِبْطَالِ حَقِّ الْمُلَازَمَةِ. وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ بَيِّنَةَ الْيَسَارِ تَتَرَجَّحُ عَلَى بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا، إذْ الْأَصْلُ هُوَ الْعُسْرَةُ. وَقَوْلُهُ فِي الْمُلَازَمَةِ لَا يَمْنَعُونَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَالسَّفَرِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَدُورُ مَعَهُ أَيْنَمَا دَارَ وَلَا يُجْلِسُهُ فِي مَوْضِعٍ لِأَنَّهُ حَبْسٌ (وَلَوْ دَخَلَ دَارِهِ لِحَاجَتِهِ لَا يَتْبَعُهُ بَلْ يَجْلِسُ عَلَى بَابِ دَارِهِ إلَى أَنْ يَخْرُجَ) لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَوْضِعُ خَلْوَةٍ، وَلَوْ اخْتَارَ الْمَطْلُوبُ الْحَبْسَ وَالطَّالِبُ الْمُلَازَمَةَ فَالْخِيَارُ إلَى الطَّالِبِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ لِاخْتِيَارِهِ الْأَضْيَقَ عَلَيْهِ، إلَّا إذَا عَلِمَ الْقَاضِي أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ بِالْمُلَازَمَةِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ بِأَنْ لَا يُمَكِّنَهُ مِنْ دُخُولِهِ دَارِهِ فَحِينَئِذٍ يَحْبِسُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ (وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ لِلرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ لَا يُلَازِمُهَا) لِمَا فِيهَا مِنْ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَلَكِنْ يَبْعَثُ امْرَأَةً أَمِينَةً تُلَازِمُهَا. قَالَ (وَمَنْ أَفْلَسَ وَعِنْدَهُ مَتَاعٌ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ ابْتَاعَهُ مِنْهُ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أُسْوَةٌ لِلْغُرَمَاءِ فِيهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَحْجُرُ الْقَاضِي عَلَى الْمُشْتَرِي بِطَلَبِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ فَقَالَ: رَجُلٌ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ لِثَلَاثَةِ نَفَرٍ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسُمِائَةٍ وَلِآخَرَ مِنْهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ وَلِآخَرَ مِنْهُمْ مِائَتَانِ وَمَالُهُ خَمْسُمِائَةٍ، فَاجْتَمَعَ الْغُرَمَاءُ وَحَبَسُوهُ بِدُيُونِهِمْ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ كَيْفَ يَقْسِمُ أَمْوَالَهُ بَيْنَهُمْ؟ قَالَ: إذَا كَانَ الْمَدْيُونُ حَاضِرًا فَلَهُ أَنْ يَقْضِيَ دُيُونَهُ بِنَفْسِهِ، وَلَهُ أَنْ يُقَدِّمَ الْبَعْضَ عَلَى الْبَعْضِ فِي الْقَضَاءِ، وَيُؤْثِرَ الْبَعْضَ عَلَى الْبَعْضِ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ أَحَدٍ فَيَنْصَرِفُ فِيهِ عَلَى حَسَبِ مَشِيئَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَدْيُونُ غَائِبًا وَالدُّيُونُ ثَابِتَةٌ عِنْدَ الْقَاضِي فَالْقَاضِي يَقْسِمُ مَالَهُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ بِالْحِصَصِ، إذْ لَيْسَ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ تَقْدِيمِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ. وَقَوْلُهُ (بَيِّنَةُ الْيَسَارِ تَتَرَجَّحُ) الْيَسَارُ اسْمٌ لِلْإِيسَارِ مِنْ أَيْسَرَ: أَيْ اسْتَغْنَى، وَالْإِعْسَارُ مَصْدَرُ أَعْسَرَ: أَيْ افْتَقَرَ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَلَى بَيِّنَةِ الْعِسَارِ بِمَعْنَى الْإِعْسَارِ. قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: وَهُوَ خَطَأٌ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا) لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْإِعْسَارِ تُؤَكِّدُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، إذْ الْأَصْلُ هُوَ الْعُسْرَةُ فَصَارَ كَبَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ فِي مُقَابَلَةِ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ، وَقَوْلُهُ فِي الْمُلَازَمَةِ (لَا يَمْنَعُونَهُ إلَخْ) تَفْسِيرٌ لِلْمُلَازَمَةِ (وَلَا يُجْلِسُهُ فِي مَوْضِعٍ لِأَنَّهُ حَبْسٌ) وَلَيْسَ بِمُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَحْبِسَهُ فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ أَوْ فِي بَيْتِهِ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَطُوفُ فِي الْأَسْوَاقِ وَالسِّكَكِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَيَتَضَرَّرُ الْمُدَّعِي (وَلَوْ دَخَلَ دَارِهِ لِحَاجَتِهِ) كَغَدَاءٍ أَوْ غَائِطٍ (لَا يَتْبَعُهُ بَلْ يَجْلِسُ عَلَى بَابِ دَارِهِ إلَى أَنْ يَخْرُجَ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَوْضِعِ خَلْوَةٍ) وَعَنْ هَذَا قِيلَ: إذَا أَعْطَاهُ الْغَدَاءَ أَوْ أَعَدَّ لَهُ مَوْضِعًا لِأَجْلِ الْغَائِطِ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَهْرُبَ (وَلَوْ اخْتَارَ الْمَطْلُوبُ الْحَبْسَ وَالطَّالِبُ الْمُلَازَمَةَ فَالْخِيَارُ إلَى الطَّالِبِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ لِاخْتِيَارِهِ الْأَضْيَقَ) وَالْأَشَدَّ (عَلَيْهِ إلَّا إذَا عَلِمَ الْقَاضِي أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ بِالْمُلَازَمَةِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ بِأَنْ لَا يُمَكِّنَهُ مِنْ دُخُولِهِ دَارِهِ فَحِينَئِذٍ يَحْبِسُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ) وَفِي مَعْنَاهُ مَنْعُهُ عَنْ الْإِكْسَابِ بِقَدْرِ قُوتِ يَوْمِهِ وَلِعِيَالِهِ. (وَالدَّائِنُ الرَّجُلُ لَا يُلَازِمُ الْمَدْيُونَةَ لِاسْتِلْزَامِهَا الْخَلْوَةَ بِالْأَجْنَبِيَّةِ، لَكِنْ يَبْعَثُ امْرَأَةً أَمِينَةً تُلَازِمُهَا) . قَالَ (وَمَنْ أَفْلَسَ وَعِنْدَهُ مَتَاعٌ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ) إذَا اشْتَرَى مَتَاعًا مِنْ رَجُلٍ فَأَفْلَسَ وَالْمَتَاعُ بَاقٍ فِي يَدِهِ (فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أُسْوَةٌ لِلْغُرَمَاءِ فِيهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَحْجُرُ الْقَاضِي بِطَلَبِ الْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي) حَتَّى لَا يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ

ثُمَّ لِلْبَائِعِ خِيَارُ الْفَسْخِ لِأَنَّهُ عَجَزَ الْمُشْتَرِي عَنْ إيفَاءِ الثَّمَنِ فَيُوجِبُ ذَلِكَ حَقَّ الْفَسْخِ كَعَجْزِ الْبَائِعِ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَهَذَا لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، وَمِنْ قَضِيَّتِهِ الْمُسَاوَاةُ وَصَارَ كَالسَّلَمِ. وَلَنَا أَنَّ الْإِفْلَاسَ يُوجِبُ الْعَجْزَ عَنْ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ بِالْعَقْدِ فَلَا يَثْبُتُ حَقُّ الْفَسْخِ بِاعْتِبَارِهِ وَإِنَّمَا الْمُسْتَحَقُّ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ: أَعْنِي الدَّيْنَ، وَبِقَبْضِ الْعَيْنِ تَتَحَقَّقُ بَيْنَهُمَا مُبَادَلَةٌ، هَذَا هُوَ الْحَقِيقَةُ فَيَجِبُ اعْتِبَارُهَا، إلَّا فِي مَوْضِعِ التَّعَذُّرِ كَالسَّلَمِ لِأَنَّ الِاسْتِبْدَالَ مُمْتَنِعٌ فَأَعْطَى لِلْعَيْنِ حُكْمَ الدَّيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ لِلْبَائِعِ خِيَارُ الْفَسْخِ لِأَنَّهُ عَجَزَ الْمُشْتَرِي عَنْ إيفَاءِ الثَّمَنِ وَالْعَجْزُ) عَنْ إيفَاءِ الثَّمَنِ (يُوجِبُ حَقَّ الْفَسْخِ قِيَاسًا عَلَى الْعَجْزِ عَنْ إيفَاءِ الْمَبِيعِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَمِنْ قَضِيَّتِهِ الْمُسَاوَاةُ) فَإِنْ قِيلَ: قِيَاسٌ مَعَ وُجُودِ فَارِقٍ وَهُوَ فَاسِدٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الثَّمَنَ دَيْنٌ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ مَانِعٌ عَنْ الْفَسْخِ، بِخِلَافِ الْمَبِيعِ فَإِنَّهُ عَيْنٌ يُرَدُّ عَلَيْهَا الْفَسْخُ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَصَارَ كَالسَّلَمِ) يَعْنِي لَا نُسَلِّمُ أَنَّ كَوْنَهُ دَيْنًا يَمْنَعُ عَنْ الْفَسْخِ فَإِنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ دَيْنٌ لَا مَحَالَةَ، وَإِذَا تَعَذَّرَ قَبْضُهُ بِانْقِطَاعِهِ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ كَانَ لِرَبِّ السَّلَمِ حَقُّ الْفَسْخِ (وَلَنَا أَنَّ الْإِفْلَاسَ يُوجِبُ الْعَجْزَ عَمَّا هُوَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ بِالْعَقْدِ) لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْعَجْزَ عَنْ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ الْمَنْقُودَةِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ (وَهُوَ لَيْسَ بِمُسْتَحَقٍّ بِالْعَقْدِ، وَإِنَّمَا الْمُسْتَحَقُّ بِهِ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ: أَعْنِي الدَّيْنَ) وَالْعَجْزُ عَمَّا هُوَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ بِالْعَقْدِ لَا يُوجِبُ الْفَسْخَ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ عَلَى الْبَائِعِ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ عَقْدِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي مَلِيًّا. وَتَوْضِيحُ ذَلِكَ أَنَّ مُوجِبَ الْعَقْدِ مِلْكُ الثَّمَنِ وَهُوَ يَمْلِكُ بِهِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ، وَبَقَاءُ الدَّيْنِ بِبَقَاءِ مَحَلِّهِ وَالذِّمَّةُ بَعْدَ الْإِفْلَاسِ بَاقِيَةٌ كَمَا كَانَتْ قَبْلَهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُفْلِسِ وَالْمَلِيءِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا اسْتِدْلَالٌ فِي مُقَابَلَةِ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَيُّمَا رَجُلٍ أَفْلَسَ فَأَدْرَكَ رَجُلٌ وَفِي رِوَايَةٍ فَوَجَدَ الْبَائِعُ عِنْدَهُ مَتَاعَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» وَالِاسْتِدْلَالُ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَاسِدٌ. فَالْجَوَابُ أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِمَا رَوَى الْخَصَّافُ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَيُّمَا رَجُلٍ أَفْلَسَ فَوَجَدَ رَجُلٌ عِنْدَهُ مَتَاعَهُ فَهُوَ أُسْوَةُ غُرَمَائِهِ فِيهِ» وَتَأْوِيلُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْمُشْتَرِيَ كَانَ قَبَضَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ الدَّلِيلِ إنْ صَحَّ بِجَمِيعِ مُقَدِّمَاتِهِ لَزِمَ أَنْ لَا يَنْفَسِخَ الْعَقْدُ إذَا كَسَدَتْ الْفُلُوسُ، لِأَنَّ مُوجِبَ الْعَقْدِ لَمْ يَتَغَيَّرْ لِأَنَّ الثَّمَنَ دَيْنٌ فِي الذِّمَّةِ. وَهِيَ بَاقِيَةٌ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الْكَسَادِ، أُجِيبَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ التَّغْيِيرِ لِأَنَّ مُوجِبَ الْعَقْدِ مِلْكُ فُلُوسٍ هِيَ ثَمَنٌ وَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ الْكَسَادِ كَذَلِكَ. وَلَا يُشْكِلُ بِمَا إذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ عَنْ أَدَاءِ الْبَدَلِ فَإِنَّ مُوجِبَ الْعَقْدِ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَفْسَخَ لِأَنَّ مُوجِبَ الْعَقْدِ مِلْكُ الْمَوْلَى الْبَدَلَ بِالْقَبْضِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَيْنٍ حَقِيقَةً كَمَا تَقَدَّمَ، فَإِذَا عَجَزَ فَقَدْ تَغَيَّرَ مُوجِبُ الْعَقْدِ (قَوْلُهُ وَيَقْبِضُ الْعَيْنَ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: لَمَّا كَانَ الْعَيْنُ الْمَنْقُودَةُ غَيْرَ مُسْتَحَقَّةٍ بِالْعَقْدِ وَجَبَ أَنْ لَا تَبْرَأَ ذِمَّةُ الْمَدْيُونِ بِدَفْعِ الْمَنْقُودَةِ، وَتَقْدِيرُهُ أَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ وَاجِبٌ وَذَلِكَ بِالْوَصْفِ الثَّابِتِ فِي الذِّمَّةِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ وَجَعَلَ الشَّارِحُ الْعَيْنَ بَدَلًا عَنْهُ، فَإِذَا قَبَضَ الْعَيْنَ بَدَلًا عَنْهُ (تَحَقَّقَ بَيْنَهُمَا مُبَادَلَةٌ) مِنْ حَيْثُ إنَّهُ ثَبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ذِمَّةِ آخَرَ وَصْفٌ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا (هَذَا هُوَ الْحَقِيقَةُ) أَيْ تَحَقُّقُ الْمُبَادَلَةِ هُوَ الْحَقِيقَةُ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ (فَيَجِبُ اعْتِبَارُهَا مَا لَمْ يَتَعَذَّرْ) وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ غَيْرُ مُتَعَذِّرٍ فَكَانَ الْعَجْزُ عَنْ تَسْلِيمِ مَا هُوَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ بِالْعَقْدِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْفَسْخَ (بِخِلَافِ السَّلَمِ) فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَحَقُّقُ الْمُبَادَلَةِ فِيهِ لِحُرْمَةِ الِاسْتِبْدَالِ فِيهِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَأْخُذْ إلَّا سَلَمَك أَوْ رَأْسَ مَالِكَ» فَيَجِبُ أَنْ يَجْعَلَ الْعَيْنَ الْمَقْبُوضَةَ فِي مُقَابَلَةِ مَا فِي الذِّمَّةِ عَيْنَ مَا هُوَ فِي الذِّمَّةِ فَكَانَ الْعَجْزُ عَنْهُ عَجْزًا عَمَّا أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ وَذَلِكَ يُوجِبُ الْفَسْخَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[كتاب المأذون]

الْإِذْنُ: الْإِعْلَامُ لُغَةً، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْمَأْذُونِ] إيرَادُ كِتَابِ الْمَأْذُونِ بَعْدَ كِتَابِ الْحَجْرِ ظَاهِرُ الْمُنَاسَبَةِ، إذْ الْإِذْنُ يَقْتَضِي سَبْقَ الْحَجْرِ (وَهُوَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِعْلَامِ،

وَفِي الشَّرْعِ: فَكُّ الْحَجْرِ وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ عِنْدَنَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي الشَّرْعِ: فَكُّ الْحَجْرِ وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ عِنْدَنَا) فَإِنَّ الْمَوْلَى إذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ أَسْقَطَ حَقَّ نَفْسِهِ الَّذِي كَانَ الْعَبْدُ لِأَجْلِهِ

وَالْعَبْدُ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ بِأَهْلِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الرِّقِّ بَقِيَ أَهْلًا لِلتَّصَرُّفِ بِلِسَانِهِ النَّاطِقِ وَعَقْلِهِ الْمُمَيِّزِ وَانْحِجَارُهُ عَنْ التَّصَرُّفِ لِحَقِّ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مَا عَهِدَ تَصَرُّفَهُ إلَّا مُوجِبًا تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ وَبِكَسْبِهِ، وَذَلِكَ مَالُ الْمَوْلَى فَلَا بُدَّ مِنْ إذْنِهِ كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّهُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ، وَلِهَذَا لَا يَرْجِعُ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ عَلَى الْمَوْلَى، ـــــــــــــــــــــــــــــQمَحْجُورًا عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْمَوْلَى قَبْلَ إذْنِهِ (وَالْعَبْدُ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ بِأَهْلِيَّتِهِ لِأَنَّهُ بَعْدَ الرِّقِّ بَقِيَ أَهْلًا لِلتَّصَرُّفِ بِلِسَانِهِ النَّاطِقِ وَعَقْلِهِ الْمُمَيِّزِ) لَكِنْ لَمَّا كَانَ تَصَرُّفُهُ يُوجِبُ تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ أَوْ كَسْبِهِ وَذَلِكَ حَقُّ الْمَوْلَى انْحَجَرَ عَنْهُ (فَلَا بُدَّ مِنْ إذْنِهِ كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّهُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ) فَقَوْلُهُ وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ إلَخْ كَالتَّفْسِيرِ لِقَوْلِهِ فَكُّ الْحَجْرِ. وَقَوْلُهُ عِنْدَنَا إشَارَةٌ إلَى خِلَافِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّ الْإِذْنَ عِنْدَهُ تَوْكِيلٌ وَإِنَابَةٌ، وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَوْنَهُ إسْقَاطًا عِنْدَنَا بِقَوْلِهِ وَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ التَّأْقِيتُ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ تَصَرُّفُهُ بِحُكْمِ مَالِكِيَّتِهِ الْأَصْلِيَّةِ وَأَنَّهَا عَامَّةٌ لَا تَخْتَصُّ بِنَوْعٍ وَمَكَانٍ وَوَقْتٍ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ إسْقَاطٌ لِحَقِّ الْمَوْلَى لَا غَيْرُ، إذْ الْإِسْقَاطَاتُ لَا تَتَوَّقَتْ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ فَكَّ الْحَجْرِ جَوَابٌ وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ مَذْكُورٌ فِي حَيِّزِ التَّعْرِيفِ فَكَيْفَ جَازَ الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ؟ فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِاسْتِدْلَالٍ وَإِنَّمَا هُوَ تَصْحِيحُ النَّقْلِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَنَا مُعَرَّفٌ بِذَلِكَ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ. وَالثَّانِي أَنَّ حُكْمَهُ الشَّرْعِيَّ هُوَ تَعْرِيفُهُ فَكَانَ الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ حُكْمًا لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ تَعْرِيفًا، وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ كَوْنَهُ يَتَصَرَّفُ بِأَهْلِيَّةِ نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ (وَلِهَذَا لَا يَرْجِعُ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ عَلَى الْمَوْلَى) وَهَذَا لِأَنَّ أَوَّلَ تَصَرُّفٍ يُبَاشِرُهُ الْعَبْدُ

وَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ التَّأْقِيتُ، حَتَّى لَوْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا كَانَ مَأْذُونًا أَبَدًا حَتَّى يَحْجُرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِسْقَاطَاتِ لَا تَتَوَقَّتُ ثُمَّ الْإِذْنُ كَمَا يَثْبُتُ بِالصَّرِيحِ يَثْبُتُ بِالدَّلَالَةِ، كَمَا إذَا رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَأْذُونُ الشِّرَاءُ لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ حَتَّى يَبِيعَ، وَالْعَبْدُ فِي الشِّرَاءِ مُتَصَرِّفٌ لِنَفْسِهِ لَا لِلْمَوْلَى لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي ذِمَّتِهِ بِإِيجَابِ الثَّمَنِ فِيهَا، حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ عَنْ الْأَدَاءِ حَالَ الطَّلَبِ حُبِسَ وَذِمَّتُهُ خَالِصُ حَقِّهِ لَا مَحَالَةَ، وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْقِصَاصِ صَحَّ، وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمَوْلَى فَكَانَ الشِّرَاءُ حَقًّا لَهُ وَهَذَا الْمَعْنَى يَقْتَضِي نَفَاذَ تَصَرُّفَاتِهِ قَبْلَ الْإِذْنِ أَيْضًا، لَكِنْ شَرَطْنَا إذْنَ الْمَوْلَى دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَالرِّضَا بِالضَّرَرِ لَا يَتَفَاوَتُ بَيْنَ نَوْعٍ وَنَوْعٍ، فَالتَّقْيِيدُ بِالتَّوْقِيتِ غَيْرُ مُفِيدٍ فَلَا يُعْتَبَرُ. فَإِنْ قِيلَ: الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ عَدِيمُ الْأَهْلِيَّةِ بِحُكْمِ التَّصَرُّفِ وَهُوَ الْمِلْكُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ أَهْلًا لِنَفْسِ التَّصَرُّفِ، لِأَنَّ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةَ إنَّمَا تُرَادُ لِحُكْمِهَا وَهُوَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ حُكْمَ التَّصَرُّفِ مِلْكُ الْيَدِ وَالرَّقِيقُ أَصْلٌ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ قَرَّرْنَا تَمَامَ ذَلِكَ فِي التَّقْرِيرِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ الْإِذْنُ فَكَّ الْحَجْرِ وَالْعَبْدُ يَتَصَرَّفُ بِأَهْلِيَّتِهِ لَمَا كَانَ لِلْمَوْلَى وِلَايَةُ الْحَجْرِ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ وَالسَّاقِطُ لَا يَعُودُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الرِّقَّ لَمَّا كَانَ بَاقِيًا كَانَ الْحَجْرُ بَعْدَهُ امْتِنَاعًا بِحَقِّ الْإِسْقَاطِ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ (ثُمَّ إنَّ الْإِذْنَ كَمَا يَثْبُتُ صَرِيحًا يَثْبُتُ دَلَالَةً، كَمَا إذَا رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ)

وَيَشْتَرِي فَسَكَتَ يَصِيرُ مَأْذُونًا عِنْدَنَا خِلَافًا لَزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ مَالِهِ شَيْئًا (وَيَشْتَرِي فَسَكَتَ يَصِيرُ مَأْذُونًا عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ) وَهُوَ مِنْ بَابِ بَيَانِ الضَّرُورَةِ وَقَدْ عُرِفَ فِي الْأُصُولِ. قَالَا: السُّكُوتُ مُحْتَمِلٌ لِلرِّضَا وَفَرْطُ الْغَيْظِ وَقِلَّةُ الِالْتِفَاتِ إلَى تَصَرُّفِهِ لِعِلْمِهِ بِكَوْنِهِ مَحْجُورًا، وَالْمُحْتَمَلُ لَا يَكُونُ حُجَّةً. وَقُلْنَا: جُعِلَ سُكُوتُهُ حُجَّةً لِأَنَّهُ مَوْضِعُ بَيَانٍ، إذْ النَّاسُ يُعَامِلُونَ الْعَبْدَ حِينَ عِلْمِهِمْ بِسُكُوتِ الْمَوْلَى، وَمُعَامَلَتُهُمْ قَدْ تُفْضِي إلَى لُحُوقِ دُيُونٍ عَلَيْهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا تَتَأَخَّرُ الْمُطَالَبَةُ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ وَقَدْ يُعْتَقُ وَقَدْ لَا يُعْتَقُ وَفِي ذَلِكَ إضْرَارٌ بِالْمُسْلِمِينَ بِإِتْوَاءِ حَقِّهِمْ وَلَا إضْرَارَ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى فِيهِ ضَرَرٌ مُتَحَقِّقٌ لِأَنَّ الدَّيْنَ قَدْ يَلْحَقُهُ وَقَدْ لَا يَلْحَقُهُ، فَكَانَ مَوْضِعَ بَيَانِ أَنَّهُ رَاضٍ بِهِ أَوَّلًا، وَالسُّكُوتُ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ بَيَانٌ. فَإِنْ قِيلَ: عَيْنُ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ الَّذِي رَآهُ مِنْ الْبَيْعِ غَيْرُ صَحِيحٍ فَكَيْفَ يَصِحُّ غَيْرُهُ، وَكَذَا إذَا رَأَى أَجْنَبِيًّا يَبِيعُ مِنْ مَالِهِ وَسَكَتَ لَمْ يَكُنْ إذْنًا، وَالْمُرْتَهِنُ إذَا رَأَى الرَّاهِنَ يَبِيعُ الرَّهْنَ وَسَكَتَ لَمْ يَكُنْ إذْنًا، وَإِذَا رَأَى رَقِيقُهُ يُزَوِّجُ نَفْسَهُ وَسَكَتَ لَا يَكُونُ إذْنًا فَمَا الْفَرْقُ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الضَّرَرَ فِي التَّصَرُّفِ الَّذِي رَآهُ مُتَحَقِّقٌ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَمَّا يَبِيعُهُ فِي الْحَالِ فَلَا يَثْبُتُ بِسُكُوتِهِ، وَلَيْسَ فِي ثُبُوتِهِ الْإِذْنُ فِي غَيْرِهِ ذَلِكَ لِمَا قُلْنَا إنَّ الدَّيْنَ قَدْ يَلْحَقُهُ وَقَدْ لَا يَلْحَقُهُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ السُّكُوتِ إذْنًا بِالنَّظَرِ إلَى ضَرَرٍ مُتَوَهَّمٍ كَوْنُهُ إذْنًا بِالنَّظَرِ إلَى مُتَحَقَّقٍ، وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ بَيْعِ الْأَجْنَبِيِّ مَالَهُ، وَفِي الرَّهْنِ لَمْ يَصِرْ سُكُوتُهُ إذْنًا لِأَنَّ جَعْلَهُ إذْنًا يُبْطِلُ مِلْكَ الْمُرْتَهِنِ عَنْ الْيَدِ، وَقَدْ لَا يَصِلُ إلَى يَدِهِ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ فَكَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ مُتَحَقِّقٌ. لَا يُقَالُ: الرَّاهِنُ أَيْضًا يَتَضَرَّرُ بِبُطْلَانِ مِلْكِهِ عَنْ الثَّمَنِ فَتَرَجُّحُ ضَرَرِ الْمُرْتَهِنِ تَحَكُّمٌ، لِأَنَّ بُطْلَانَ مِلْكِهِ عَنْ الثَّمَنِ مَوْقُوفٌ، لِأَنَّ بَيْعَ الْمَرْهُونِ مَوْقُوفٌ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَبُطْلَانُ مِلْكِ الْمُرْتَهِنِ عَنْ الْيَدِ بَاتَ فَكَانَ أَقْوَى. وَأَمَّا الرَّقِيقُ عَبْدًا كَانَ أَوْ أَمَةً إذَا زَوَّجَ نَفْسَهُ فَإِنَّمَا لَمْ يَصِرْ السُّكُوتُ فِيهِ إذْنًا. قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ نَاقِلًا عَنْ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لِأَنَّ السُّكُوتَ إنَّمَا يَصِيرُ إذْنًا وَإِجَازَةً دَفْعًا لِلضَّرَرِ ، وَلَا ضَرَرَ عَلَى أَحَدٍ فِي نِكَاحِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ، لِأَنَّ النِّكَاحَ يَكُونُ مَوْقُوفًا، لِأَنَّ النِّكَاحَ الْمَمْلُوكَ مَمْلُوكُ الْمَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ إصْلَاحِ مِلْكِهِ، وَمَنَافِعُ بُضْعِ الْمَمْلُوكَةِ كَذَلِكَ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ إبْطَالُ مِلْكِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَكَانَ مَوْقُوفًا وَأَمْكَنَ فَسْخُهُ فَلَا يَتَضَرَّرُ بِهِ أَحَدٌ. وَقِيلَ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ لَا كَلَامَ فِي أَنَّ نِكَاحَ الرَّقِيقِ مَوْقُوفٌ عَلَى إذْنِ الْمَوْلَى وَإِجَازَتِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي أَنَّ سُكُوتَهُ إجَازَةٌ أَوَّلًا،

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَبِيعَ عَيْنًا مَمْلُوكًا أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ بَيْعًا صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ رَآهُ يَظُنُّهُ مَأْذُونًا لَهُ فِيهَا فَيُعَاقِدُهُ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا لَهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَوْلَى رَاضِيًا بِهِ لَمَنَعَهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمْ. قَالَ (وَإِذَا أَذِنَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ إذْنًا عَامًّا جَازَ تَصَرُّفُهُ فِي سَائِرِ التِّجَارَاتِ) وَمَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ لَهُ أَذِنْت لَك فِي التِّجَارَةِ وَلَا يُقَيِّدُهُ. وَوَجْهُهُ أَنَّ التِّجَارَةَ اسْمٌ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ الْجِنْسَ فَيَبِيعُ وَيَشْتَرِي مَا بَدَا لَهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَعْيَانِ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُ التِّجَارَةِ. (وَلَوْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى بِالْغَبْنِ الْيَسِيرِ فَهُوَ جَائِزٌ) لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ (وَكَذَا بِالْفَاحِشِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافًا لَهُمَا) هُمَا يَقُولَانِ إنَّ الْبَيْعَ بِالْفَاحِشِ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ التَّبَرُّعِ، حَتَّى اُعْتُبِرَ مِنْ الْمَرِيضِ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فَلَا يَنْتَظِمُهُ الْإِذْنُ كَالْهِبَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَعَلَّ الصَّوَابَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا مُحَقَّقًا لِلْمَوْلَى فَلَا يَكُونُ السُّكُوتُ إذْنًا (ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَبِيعَ عَيْنًا مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ بَيْعًا صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا، لِأَنَّ كُلَّ مَنْ رَآهُ يَظُنُّهُ مَأْذُونًا لَهُ فِيهَا فَيُعَاقِدُهُ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا لَهُ. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَوْلَى رَاضِيًا بِهِ لِمَنْعِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمْ) وَهَذَا الدَّلِيلُ كَمَا تَرَى لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ شَيْءٍ وَشَيْءٍ مِنْ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ: أَعْنِي أَنْ يَبِيعَ عَيْنًا مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى إلَخْ. قَالَ (وَإِذَا أَذِنَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ) إذَا قَالَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ أَذِنْت لَك فِي التِّجَارَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِشَيْءٍ كَانَ إذْنًا عَامًّا بِالتَّصَرُّفِ فِي جِنْسِ التِّجَارَةِ بِلَا خِلَافٍ، فَيَبِيعُ وَيَشْتَرِي مَا بَدَا لَهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَعْيَانِ، لِأَنَّ التِّجَارَةَ اسْمُ جِنْسٍ مُحَلًّى بِاللَّامِ فَكَانَ عَامًّا يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْأَعْيَانِ، لِأَنَّهُ أَيْ بَيْعَ الْأَعْيَانِ أَصْلُ التِّجَارَةِ، وَالْمَنَافِعُ لِكَوْنِهَا قَائِمَةً بِالْأَعْيَانِ أُلْحِقَتْ بِهَا (وَلَوْ بَاعَ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ جَازَ) بِالِاتِّفَاقِ (لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ وَكَذَا بِالْفَاحِشِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافًا لَهُمَا) قَالَا: الْبَيْعُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ خِلَافُ الْمَقْصُودِ، إذْ الْمَقْصُودُ بِالْبَيْعِ الِاسْتِرْبَاحُ دُونَ الْإِتْلَافِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ التَّبَرُّعِ، وَلِهَذَا اُعْتُبِرَ مِنْ الْمَرِيضِ مِنْ الثُّلُثِ، وَمَا هُوَ خِلَافُ الْمَقْصُودِ لَا يَنْتَظِمُهُ الْإِذْنُ بِالْمَقْصُودِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْبَيْعَ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ تِجَارَةٌ يَمْلِكُهُ الْحُرُّ فَيَمْلِكُهُ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْإِذْنِ كَالْحُرِّ يَتَصَرَّفُ بِأَهْلِيَّةِ نَفْسِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاعْتِبَارُهُ مِنْ الثُّلُثِ مِنْ الْمَرِيضِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ.

وَلَهُ أَنَّهُ تِجَارَةٌ وَالْعَبْدُ مُتَصَرِّفٌ بِأَهْلِيَّةِ نَفْسِهِ فَصَارَ كَالْحُرِّ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ. (وَلَوْ حَابَى فِي مَرَضِ مَوْتِهِ يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَإِنْ كَانَ فَمِنْ جَمِيعِ مَا بَقِيَ) ؛ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ فِي الْحُرِّ عَلَى الثُّلُثِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَلَا وَارِثَ لِلْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُحِيطًا بِمَا فِي يَدِهِ يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي أَدِّ جَمِيعَ الْمُحَابَاةِ وَإِلَّا فَارْدُدْ الْبَيْعَ كَمَا فِي الْحُرِّ. (وَلَهُ أَنْ يُسَلِّمَ وَيَقْبَلَ السَّلَمَ) ؛ لِأَنَّهُ تِجَارَةٌ. (وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَتَفَرَّغُ بِنَفْسِهِ . قَالَ (وَيَرْهَنُ وَيُرْتَهَنُ) ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ إيفَاءٌ وَاسْتِيفَاءٌ. (وَيَمْلِكُ أَنْ يَتَقَبَّلَ الْأَرْضَ وَيَسْتَأْجِرَ الْأُجَرَاءَ وَالْبُيُوتَ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ (وَيَأْخُذُ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً) ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْصِيلُ الرِّبْحِ (وَيَشْتَرِي طَعَامًا فَيَزْرَعُهُ فِي أَرْضِهِ) ؛ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِهِ الرِّبْحَ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الزَّارِعُ يُتَاجِرُ رَبَّهُ» . (وَلَهُ أَنْ يُشَارِكَ شَرِكَةَ عِنَان وَيَدْفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً وَيَأْخُذُهَا) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ (وَلَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ عِنْدَنَا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَهُوَ يَقُولُ: لَا يَمْلِكُ الْعَقْدَ عَلَى نَفْسِهِ فَكَذَا عَلَى مَنَافِعِهَا؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهَا. وَلَنَا أَنَّ نَفْسَهُ رَأْسُ مَالِهِ فَيَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ مِنْ الْمَأْذُونِ كَالْغَبْنِ الْيَسِيرِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مِنْ الْمَأْذُونِ بِالِاتِّفَاقِ، وَفِي حَقِّ الْمَرِيضِ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ، فَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَوَّى هَاهُنَا بَيْنَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْغَبْنِ الْفَاحِشِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَرْجِعُ عَلَى الْآمِرِ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْعُهْدَةِ فَكَانَ الْوَكِيلُ فِي الشِّرَاءِ مُتَّهَمًا فِي أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ، فَلَمَّا ظَهَرَ لَهُ الْعَيْبُ أَرَادَ أَنْ يُلْزِمَ الْآمِرَ، وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي تَصَرُّفِ الْمَأْذُونِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْعُهْدَةِ عَلَى أَحَدٍ فَكَانَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي حَقِّهِ سَوَاءً (وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الصَّبِيُّ) إذَا أَذِنَ لَهُ أَبُوهُ فِي التِّجَارَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ بِالْغَبْنِ الْيَسِيرِ بِالِاتِّفَاقِ وَبِالْفَاحِشِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَلَوْ حَابَى الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ اعْتَبَرَ مُحَابَاتَهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ) فَيَنْفُذُ وَإِنْ زَادَتْ عَلَى الثُّلُثِ (وَإِنْ كَانَ) عَلَيْهِ دَيْنٌ (فَمِنْ جَمِيعِ مَا بَقِيَ) يَعْنِي يُؤَدِّي دَيْنَهُ أَوَّلًا فَمَا بَقِيَ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ يَكُونُ كُلُّهُ مُحَابَاةً (لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ فِي الْحُرِّ عَلَى الثُّلُثِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَلَا وَارِثَ لِلْعَبْدِ) . لَا يُقَالُ: الْمَوْلَى وَارِثٌ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْإِذْنِ بِسُقُوطِ حَقِّهِ، وَلِهَذَا لَوْ أَسْقَطَ الْوَارِثُ حَقَّهُ فِي الثُّلُثَيْنِ لَنَفَذَ تَصَرُّفُ الْمَرِيضِ فِي الْكُلِّ (وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُحِيطًا بِمَالِهِ) تَبْطُلُ الْمُحَابَاةُ فَ (يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي: أَدِّ جَمِيعَ الْمُحَابَاةِ وَإِلَّا فَارْدُدْ الْبَيْعَ كَمَا فِي الْحُرِّ) يَعْنِي إذَا حَابَى فِي مَرَضِ مَوْتِهِ (وَالْمَأْذُونُ أَنْ يَجْعَلَ نَفْسَهُ رَبَّ السَّلَمِ وَالْمُسْلَمَ إلَيْهِ وَيُوَكِّلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ وَهُوَ لَا يَتَفَرَّعُ بِنَفْسِهِ) فَجَازَ الِاسْتِعَانَةُ بِغَيْرِهِ (وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْهَنَ وَيَرْتَهِنَ لِأَنَّهُمَا إيفَاءٌ وَاسْتِيفَاؤُهُمَا مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ) ، (وَيَمْلِكُ أَنْ يَتَقَبَّلَ الْأَرْضَ) أَيْ يَسْتَأْجِرَهَا (وَيَسْتَأْجِرَ الْأُجَرَاءَ وَالْبُيُوتَ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ) . (وَيَأْخُذَ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً لِأَنَّ فِيهِ تَحْصِيلَ الرِّبْحِ) لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ فَهُوَ مُسْتَأْجِرٌ لِلْأَرْضِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ، وَذَلِكَ أَنْفَعُ مِنْ الِاسْتِئْجَارِ بِالدَّرَاهِمِ، لِأَنَّهُ إذْ لَمْ يَحْصُلْ خَارِجٌ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِخِلَافِ الِاسْتِئْجَارِ بِالدَّرَاهِمِ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ فَهُوَ آجَرَ نَفْسَهُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ لِعَمَلِ الزِّرَاعَةِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ، وَلَوْ آجَرَ نَفْسَهُ بِالدَّرَاهِمِ جَازَ كَمَا سَيَجِيءُ فَكَذَا هَذَا (وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ طَعَامًا فَيَزْرَعَهُ فِي أَرْضِهِ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِهِ الرِّبْحَ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الزَّارِعُ يُتَاجِرُ رَبَّهُ» ) (وَلَهُ أَنْ يُشَارِكَ شَرِكَةَ عَنَانٍ) وَلَيْسَ أَنْ يُشَارِكَ شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ لِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْكَفَالَةِ وَلَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْإِذْنِ، فَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَتْ عَنَانًا لِأَنَّ فِي الْمُفَاوَضَةِ عَنَانًا وَزِيَادَةً فَصَحَّتْ بِقَدْرِ مَا يَمْلِكُهُ الْمَأْذُونُ وَهُوَ الْوَكَالَةُ (وَيَدْفَعُ الْمَالَ مُضَارَبَةً وَيَأْخُذُهَا لِأَنَّهُ مِنْ عَادَةِ التِّجَارَةِ) (وَلَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ (لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْعَقْدَ عَلَى نَفْسِهِ) لِكَوْنِهِ نَائِبًا عَنْ مَوْلَاهُ فِي التَّصَرُّفِ فِي كَسْبِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ نَفْسِهِ وَلَا رَهْنَهَا بِدَيْنٍ عَلَيْهِ (فَكَذَا عَلَى مَنَافِعِهَا لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهَا. وَلَنَا أَنَّ نَفْسَهُ رَأْسُ مَالِهِ) لِأَنَّ الْمَوْلَى أَذِنَ لَهُ بِالِاكْتِسَابِ وَلَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ مَالًا (وَ) مَا هُوَ رَأْسُ الْمَالِ الْمَأْذُونِ لَهُ بِالِاكْتِسَابِ (يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ)

إلَّا إذَا كَانَ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ الْإِذْنِ كَالْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يَنْحَجِرُ بِهِ، وَالرَّهْنُ؛ لِأَنَّهُ يُحْبَسُ بِهِ فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْمَوْلَى. أَمَّا الْإِجَارَةُ فَلَا يَنْحَجِرُ بِهِ وَيَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الرِّبْحُ فَيَمْلِكُهُ. قَالَ (فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي نَوْعٍ مِنْهَا دُونَ غَيْرِهِ فَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQضَرُورَةً، وَالْمَأْذُونُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي نَفْسِهِ، وَالتَّصَرُّفُ فِيهَا إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالرَّهْنِ أَوْ مِنْ حَيْثُ مَنَافِعُهَا، لَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا لِئَلَّا يَعُودَ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ فَإِنَّهُ مَا أُذِنَ لَهُ إلَّا لِلرِّبْحِ، فَلَوْ جَوَّزْنَا التَّصَرُّفَ مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ أَفْضَى إلَى عَدَمِ الرِّبْحِ، فَمَا فَرَضْنَاهُ لِلرِّبْحِ لَمْ يَكُنْ لِلرِّبْحِ هَذَا خُلْفٌ بَاطِلٌ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ حَيْثُ الْمَنَافِعُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ. قَالَ (فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي نَوْعٍ مِنْهَا دُونَ غَيْرِهِ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِذْنَ عِنْدَنَا فَكُّ الْحَجْرِ وَإِسْقَاطَ الْحَقِّ، وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ

مَأْذُونٌ فِي جَمِيعِهَا) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَكُونُ مَأْذُونًا إلَّا فِي ذَلِكَ النَّوْعِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا نَهَاهُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي نَوْعٍ آخَرَ. لَهُمَا أَنَّ الْإِذْنَ تَوْكِيلٌ وَإِنَابَةٌ مِنْ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْ جِهَتِهِ وَيَثْبُتُ الْحُكْمُ وَهُوَ الْمِلْكُ لَهُ دُونَ الْعَبْدِ، وَلِهَذَا يَمْلِكُ حَجْرَهُ فَيَتَخَصَّصُ بِمَا خَصَّهُ بِهِ كَالْمُضَارِبِ. وَلَنَا أَنَّهُ إسْقَاطُ الْحَقِّ وَفَكُّ الْحَجْرِ عَلَى مَا بَيِّنَاهُ، وَعِنْدَ ذَلِكَ تَظْهَرُ مَالِكِيَّةُ الْعَبْدِ فَلَا يَتَخَصَّصُ بِنَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ غَيْرِهِ فَيَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ مِنْ جِهَتِهِ، وَحُكْمُ التَّصَرُّفِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَاقِعٌ لِلْعَبْدِ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ تَوْكِيلٌ وَإِنَابَةٌ، وَعَلَى ذَلِكَ تَنْبَنِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، وَهِيَ أَنَّهُ إذَا أُذِنَ لَهُ فِي نَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ كَالْبَزِّ مَثَلًا دُونَ غَيْرِهِ (كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِهَا عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمَا فِي ذَلِكَ النَّوْعِ خَاصَّةً، وَكَذَا لَوْ كَانَ أَذِنَ لَهُ إذْنًا عَامًّا ثُمَّ نَهَاهُ عَنْ نَوْعٍ قَالَا: الْإِذْنُ تَوْكِيلٌ وَإِنَابَةٌ مِنْ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْ جِهَتِهِ وَالْمِلْكُ وَهُوَ الْحُكْمُ يَثْبُتُ لَهُ) أَيْ لِلْمَوْلَى (دُونَ الْعَبْدِ وَلِهَذَا يَمْلِكُ حَجْرَهُ فَيُتَخَصَّصُ الْإِذْنُ بِمَا خَصَّهُ بِهِ كَالْمُضَارِبِ) إذَا قَالَ لَهُ رَبُّ الْمَالِ اعْمَلْ مُضَارَبَةً فِي الْبَزِّ مَثَلًا (وَلَنَا أَنَّ الْإِذْنَ بِإِسْقَاطِ الْحَقِّ وَفَكِّ الْحَجْرِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْمَأْذُونِ (وَعِنْدَ ذَلِكَ تَظْهَرُ مَالِكِيَّةُ الْعَبْدِ فَلَا يَتَخَصَّصُ بِنَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ) لِكَوْنِ التَّخْصِيصِ إذْ ذَاكَ تَصَرُّفًا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ. وَنُوقِضَ بِالْإِذْنِ فِي النِّكَاحِ فَإِنَّهُ فَكُّ الْحَجْرِ وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ، وَإِذَا أُذِنَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ فُلَانَةَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ غَيْرَهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْإِذْنَ فِيهِ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ لَا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، لِأَنَّ النِّكَاحَ تَصَرُّفُ مَمْلُوكٍ لِلْمَوْلَى لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِوَلِيٍّ، وَالرِّقُّ أَخْرَجَ الْعَبْدَ مِنْ أَهْلِيَّةِ الْوِلَايَةِ عَلَى نَفْسِهِ فَكَانَتْ الْوِلَايَةُ لِلْمَوْلَى، وَلِهَذَا جَازَ أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَيْهِ فَكَانَ الْعَبْدُ كَالْوَكِيلِ وَالنَّائِبِ عَنْ مَوْلَاهُ فَيَتَخَصَّصُ بِمَا خَصَّهُ بِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الضَّرَرَ اللَّاحِقَ بِالْمَوْلَى يَمْنَعُ الْإِذْنَ وَقَدْ يَتَضَرَّرُ الْمَوْلَى بِغَيْرِ مَا خَصَّهُ بِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ عَالِمًا بِالتِّجَارَةِ فِي الْبَزِّ دُونَ الْخَزِّ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ ضَرَرٌ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ، وَلَئِنْ كَانَ فَلَهُ مِدْفَعٌ وَهُوَ التَّوْكِيلُ بِهِ، عَلَى أَنَّ جَوَازَ التَّصَرُّفِ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَدْفَعُ ذَلِكَ، وَبِالْجُمْلَةِ إذَا ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ أَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِأَهْلِيَّتِهِ وَمَالِكِيَّتِهِ فَلَيْسَ السُّؤَالُ وَارِدًا (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا عَنْ قَوْلِهِ كَالْمُضَارِبِ، لِأَنَّ الْمُضَارِبَ وَكِيلٌ وَالْوَكِيلُ يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْ جِهَتِهِ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ غَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ (وَحُكْمُ التَّصَرُّفِ)

وَالنَّفَقَةِ، وَمَا اسْتَغْنَى عَنْهُ يَخْلُفُهُ الْمَالِكُ فِيهِ. قَالَ (وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَلَيْسَ بِمَأْذُونٍ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتِخْدَامٌ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِشِرَاءِ ثَوْبٍ مُعَيَّنٍ لِلْكِسْوَةِ أَوْ طَعَامٍ رِزْقًا لِأَهْلِهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَارَ مَأْذُونًا يَنْسَدُّ عَلَيْهِ بَابُ الِاسْتِخْدَامِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: أَدِّ إلَيَّ الْغَلَّةَ كُلَّ شَهْرٍ كَذَا، أَوْ قَالَ أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا وَأَنْتَ حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ الْمَالَ وَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْكَسْبِ، أَوْ قَالَ لَهُ اُقْعُدْ صَبَّاغًا أَوْ قَصَّارًا؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ بِشِرَاءِ مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ وَهُوَ نَوْعٌ فَيَصِيرُ مَأْذُونًا فِي الْأَنْوَاعِ. قَالَ (وَإِقْرَارُ الْمَأْذُونِ بِالدُّيُونِ وَالْغُصُوبِ جَائِزٌ وَكَذَا بِالْوَدَائِعِ) ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQجَوَابٌ لِقَوْلِهِ وَيَثْبُتُ الْحُكْمُ لِلْمَوْلَى وَهُوَ مُمَانَعَةٌ بِالسَّنَدِ: أَيْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ حُكْمَ التَّصَرُّفِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَاقِعٌ لِلْمَوْلَى، بَلْ هُوَ وَاقِعٌ لِلْعَبْدِ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ وَالنَّفَقَةِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى، وَمَا اسْتَغْنَى عَنْهُ يَخْلُفُهُ الْمَالِكُ فِيهِ، وَمَوْضِعُهُ أُصُولُ الْفِقْهِ. قَالَ (وَإِنْ أُذِنَ لَهُ فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ) إذَا أَذِنَ الْمَوْلَى فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: اشْتَرِ هَذِهِ الثَّوْبَ بِعَيْنِهِ أَوْ ثَوْبًا لِلْكِسْوَةِ أَوْ طَعَامًا رِزْقًا لِلْأَهْلِ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ التَّخْصِيصَ قَدْ يَكُونُ مُفِيدًا إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الِاسْتِخْدَامَ، لِأَنَّهُ لَوْ جُعِلَ ذَلِكَ إذْنًا لَانْسَدَّ بَابُ الِاسْتِخْدَامِ لِإِفْضَائِهِ إلَى أَنَّ مَنْ أَمَرَ عَبْدَهُ بِشِرَاءِ بَقْلٍ بِفَلْسَيْنِ كَانَ مَأْذُونًا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِدُيُونٍ تَسْتَغْرِقُ رَقَبَتَهُ وَيُؤَاخَذُ بِهَا فِي الْحَالِ، فَلَا يَسْتَجْرِئُ أَحَدٌ عَلَى اسْتِخْدَامِ عَبْدِهِ فِيمَا اشْتَدَّتْ إلَيْهِ حَاجَتُهُ لِأَنَّ غَالِبَ اسْتِعْمَالِ الْعَبْدِ فِي شِرَاءِ الْأَشْيَاءِ الْحَقِيرَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ حَدٍّ فَاصِلٍ بَيْنَ الِاسْتِخْدَامِ وَالْإِذْنِ بِالتِّجَارَةِ. وَهُوَ أَنَّهُ إنْ أَذِنَ بِتَصَرُّفٍ يَتَكَرَّرُ صَرِيحًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ اشْتَرِ لِي ثَوْبًا وَبِعْهُ، أَوْ قَالَ بِعْ هَذَا الثَّوْبَ وَاشْتَرِ بِثَمَنِهِ أَوْ دَلَالَةً كَمَا إذَا قَالَ أَدِّ إلَيَّ الْغَلَّةَ كُلَّ شَهْرٍ، أَوْ أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا وَأَنْتَ حُرٌّ، فَإِنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ الْمَالَ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالتَّكَسُّبِ، فَهُوَ دَلَالَةُ التَّكْرَارِ، أَوْ قَالَ اُقْعُدْ صَبَّاغًا أَوْ قَصَّارًا، لِأَنَّهُ أَذِنَ بِشِرَاءِ مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ دَلَالَةً وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْأَنْوَاعِ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْعَمَلِ الْمَذْكُورِ كَانَ ذَلِكَ إذْنًا، وَإِنْ أَذِنَ بِتَصَرُّفٍ غَيْرِ مُكَرَّرٍ كَطَعَامِ أَهْلِهِ وَكِسْوَتِهِمْ لَا يَكُونُ إذْنًا. وَنُوقِضَ بِمَا إذَا غَصَبَ الْعَبْدُ مَتَاعًا وَأَمَرَهُ مَوْلَاهُ بِبَيْعِهِ فَإِنَّهُ إذْنٌ فِي التِّجَارَةِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ بِعَقْدٍ مُكَرَّرٍ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ أَمْرٌ بِالْعَقْدِ الْمُكَرَّرِ دَلَالَةً، وَذَلِكَ لِأَنَّ تَخْصِيصَهُ بِبَيْعِ الْمَغْصُوبِ بَاطِلٌ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ، وَالْإِذْنُ قَدْ صَدَرَ مِنْهُ صَرِيحًا، فَإِذَا بَطَلَ التَّقْيِيدُ ظَهَرَ الْإِطْلَاقُ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْفَاصِلَ هُوَ التَّصَرُّفُ النَّوْعِيُّ وَالشَّخْصِيُّ، وَالْإِذْنُ بِالْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي فَتَأَمَّلْ. قَالَ (وَإِقْرَارُ الْمَأْذُونِ بِالدُّيُونِ وَالْغُصُوبِ جَائِزٌ) إقْرَارُ الْمَأْذُونِ لَهُ بِالدُّيُونِ وَالْغُصُوبِ وَالْوَدَائِعِ جَائِزٌ (لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِهَا مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ أَمَّا بِالدُّيُونِ وَالْوَدَائِعِ فَظَاهِرٌ) ، فَإِنَّ الْبَائِعَ قَدْ لَا يَقْبِضُ الثَّمَنَ فَيَكُونُ دَيْنًا أَوْ يَقْبِضُ فَيُودَعُ عِنْدَهُ،

إذْ لَوْ لَمْ يَصِحَّ لَاجْتَنَبَ النَّاسُ مُبَايَعَتَهُ وَمُعَامَلَتَهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ إذَا كَانَ الْإِقْرَارُ فِي صِحَّتِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي مَرَضِهِ يُقَدَّمُ دَيْنُ الصِّحَّةِ كَمَا فِي الْحُرِّ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِمَا يَجِبُ مِنْ الْمَالِ لَا بِسَبَبِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَحْجُورِ فِي حَقِّهِ. . قَالَ (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتِجَارَةٍ. قَالَ (وَلَا يُزَوِّجُ مَمَالِيكَهُ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُزَوِّجُ الْأَمَةَ؛ لِأَنَّهُ تَحْصِيلُ الْمَالِ بِمَنَافِعِهَا فَأَشْبَهَ إجَارَتَهَا. وَلَهُمَا أَنَّ الْإِذْنَ يَتَضَمَّنُ التِّجَارَةَ وَهَذَا لَيْسَ بِتِجَارَةٍ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْعَبْدِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ وَالْمُضَارِبِ وَالشَّرِيكِ شَرِكَةَ عِنَانٍ وَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ. قَالَ (وَلَا يُكَاتِبُ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتِجَارَةٍ، إذْ هِيَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، وَالْبَدَلُ فِيهِ مُقَابَلٌ بِفَكِّ الْحَجْرِ فَلَمْ يَكُنْ تِجَارَةً (إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْمَوْلَى وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى قَدْ مَلَكَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا بِالْغُصُوبِ فَلِأَنَّ الْغَصْبَ يُوجِبُ الْمِلْكَ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ، فَالضَّمَانُ الْوَاجِبُ بِهِ مِنْ جِنْسِ التِّجَارَةِ، وَمَنْ مَلَكَ التِّجَارَةَ مَلَكَ تَوَابِعَهَا لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَمْلِكْهَا لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى انْتِفَاءِ التِّجَارَةِ، فَإِنَّ النَّاسَ إذَا عَلِمُوا أَنَّ إقْرَارَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ اجْتَنَبُوا عَنْ مُبَايَعَتِهِ وَمُعَامَلَتِهِ (وَلَا فَرْقَ فِي صِحَّتِهِ مَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ إذَا كَانَ الْإِقْرَارُ فِي صِحَّتِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي مَرَضِهِ يُقَدَّمُ دَيْنُ الصِّحَّةِ كَمَا فِي الْحُرِّ) وَالْجَامِعُ تَعَلُّقُ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِمَا فِي أَيْدِيهِمَا مِنْ الْمَالِ وَالْكَسْبِ (بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِمَا لَيْسَ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ) كَمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ وَطِئَ جَارِيَةَ هَذَا الرَّجُلِ بِنِكَاحٍ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَافْتَضَّهَا فَإِنَّهُ لَمْ يُصَدَّقْ فِيهِ (لِأَنَّهُ كَالْمَحْجُورِ فِي حَقِّهِ) وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِجِنَايَةٍ عَلَى حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ أَوْ مَهْرٍ وَجَبَ عَلَيْهِ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ أَوْ شُبْهَةٍ فَإِقْرَارُهُ بَاطِلٌ، وَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ حَتَّى يُعْتَقَ، لِأَنَّ فَكَّ الْحَجْرِ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ التِّجَارَةِ، فَمَا لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ لَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّهِ فَكَانَ إقْرَارُهُ كَإِقْرَارِ الْمَحْجُورِ. قَالَ (وَلَيْسَ لِلْمَأْذُونِ أَنْ يَتَزَوَّجَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتِجَارَةٍ) . (قَالَ: وَلَا يُزَوِّجُ مَمَالِيكَهُ) لِذَلِكَ (وَجَوَّزَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَزْوِيجَ الْإِمَاءِ لِأَنَّهُ تَحْصِيلُ الْمَالِ) وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْإِذْنِ (فَكَانَ كَالْإِجَارَةِ، وَقَالَا: الْإِذْنُ تَضَمَّنَ التِّجَارَةَ وَهَذَا لَيْسَ بِتِجَارَةٍ) وَمَعْنَاهُ سَلَّمْنَا أَنَّ الْإِذْنَ لِتَحْصِيلِ الْمَالِ لَكِنْ لَا مُطْلَقًا بَلْ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ، وَإِنْكَاحُ الْأَمَةِ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ (وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْعَبْدِ) تَوْضِيحٌ لَيْسَ بِوَاضِحٍ لِعَرَائِهِ عَنْ تَحْصِيلِ الْمَالِ بِالْكُلِّيَّةِ، بَلْ فِيهِ تَعْيِيبُ الْعَبْدِ وَشُغْلُ رَقَبَتِهِ بِالْمَهْرِ بِلَا مَنْفَعَةٍ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ وَالْمُضَارِبُ وَالشَّرِيكُ شَرِكَةَ عَنَانٍ وَالْأَبُ وَالْوَصِيُّ) يَعْنِي أَنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَمْلِكُونَ تَزْوِيجَ الْعَبْدِ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَا تَزْوِيجَ الْأَمَةِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، قَالَ فِي النِّهَايَةِ: فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ لَهُمَا: يَعْنِي الْأَبَ وَالْوَصِيَّ أَنْ يُزَوِّجَا أَمَةَ الصَّغِيرِ بِلَا خِلَافٍ، حَيْثُ جُعِلَ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ هُنَاكَ فِي رَقِيقِ الصَّغِيرِ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ، وَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ لِأَنَّهُ اكْتِسَابٌ لِاسْتِفَادَتِهِ الْمَهْرَ. قَالَ: وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُكَاتَبِ أَصَحُّ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِعَامَّةِ الرِّوَايَاتِ مِنْ رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ وَالتَّتِمَّةِ وَمُخْتَصَرِ الْكَافِي وَأَحْكَامِ الصَّفَّارِ. وَقَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ: يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ. قَالَ (وَلَا يُكَاتِبُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتِجَارَةٍ) وَلَا يَجُوزُ لِلْمَأْذُونِ أَنْ يُكَاتِبَ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ التِّجَارَةَ، وَهَذَا لَيْسَ بِتِجَارَةٍ (لِأَنَّ التِّجَارَةَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، وَالْبَدَلِ) وَإِنْ كَانَ مَالًا (لَكِنَّهُ مُقَابَلٌ بِفَكِّ الْحَجْرِ) وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ (فَلَمْ يَكُنْ تِجَارَةً إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْمَوْلَى وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ لَهُ مُجِيزٌ حَالَ وُقُوعِهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ فَتَكُونُ الْإِجَازَةُ فِي الِانْتِهَاءِ كَالْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَبَيَانُهُ مَا قَالَهُ (لِأَنَّ الْمَوْلَى قَدْ مَلَكَهُ) لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ خَالِصُ مِلْكِ الْمَوْلَى وَالْمَوْلَى يَمْلِكُ فِيهِ مُبَاشَرَةَ الْكِتَابَةِ فَيَمْلِكُ الْإِجَازَةَ

وَيَصِيرُ الْعَبْدُ نَائِبًا عَنْهُ وَتَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي الْكِتَابَةِ سَفِيرٌ. قَالَ (وَلَا يُعْتِقُ عَلَى مَالٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْكِتَابَةَ فَالْإِعْتَاقُ أَوْلَى (وَلَا يُقْرِضُ) ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ مَحْضٌ كَالْهِبَةِ. (وَلَا يَهَبُ بِعِوَضٍ وَلَا بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَكَذَا لَا يَتَصَدَّقُ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ تَبَرُّعٌ بِصَرِيحِهِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً أَوْ ابْتِدَاءً فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْإِذْنِ بِالتِّجَارَةِ. قَالَ (إلَّا أَنْ يُهْدِيَ الْيَسِيرَ مِنْ الطَّعَامِ أَوْ يُضَيِّفَ مَنْ يُطْعِمُهُ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ اسْتِجْلَابًا لِقُلُوبِ الْمُجَاهِزِينَ، بِخِلَافِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا إذْنَ لَهُ أَصْلًا فَكَيْفَ يَثْبُتُ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ إذَا أَعْطَاهُ الْمَوْلَى قُوتَ يَوْمِهِ فَدَعَا بَعْضَ رُفَقَائِهِ عَلَى ذَلِكَ الطَّعَامِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْطَاهُ قُوتَ شَهْرٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ أَكَلُوهُ قَبْلَ الشَّهْرِ يَتَضَرَّرُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَصِيرُ الْعَبْدُ نَائِبًا عَنْ الْمَوْلَى وَتَرْجِعُ الْحُقُوقُ) وَهِيَ مُطَالَبَةُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَالْفَسْخِ عِنْدَ الْعَجْزِ وَثُبُوتِ الْوَلَاءِ بَعْدَ الْعِتْقِ (إلَى الْمَوْلَى لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي الْكِتَابَةِ سَفِيرٌ) لِكَوْنِهَا إسْقَاطًا فَكَانَ قَبْضُ الْبَدَلِ إلَى مَنْ نَفَذَ الْعِتْقُ مِنْ جِهَتِهِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْوَكِيلُ سَوَاءٌ كَانَ سَفِيرًا أَوْ لَا إذَا عَقَدَ الْعَقْدَ لَا يَحْتَاجُ إلَى إجَازَةٍ وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِإِثْبَاتِ الْوَكَالَةِ بِطَرِيقِ الِانْقِلَابِ، وَإِنَّمَا قَالَ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا بَطَلَتْ كِتَابَتُهُ وَإِنْ أَجَازَهُ الْمَوْلَى لِأَنَّ الْمَوْلَى بِالْإِجَازَةِ يُخْرِجُ الْمُكَاتَبَ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَسْبًا لِلْعَبْدِ، وَقِيَامُ الدَّيْنِ يَمْنَعُ الْمَوْلَى مِنْ ذَلِكَ قَلَّ الدَّيْنُ أَوْ كَثُرَ (وَلَا يُعْتَقُ عَلَى مَالٍ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْكِتَابَةَ) وَالْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ (فَالْإِعْتَاقُ أَوْلَى) وَهَذَا إذَا لَمْ يُجِزْ الْمَوْلَى، فَإِنْ أَجَازَ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ جَازَ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إنْشَاءَ الْعِتْقِ فَيَمْلِكُ الْإِجَازَةَ وَقَبْضُ الْمَالِ إلَى الْمَوْلَى دُونَ الْعَبْدِ، وَكَذَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ عِنْدَهُمَا لَكِنْ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْعَبْدِ لِلْغُرَمَاءِ لِأَنَّهُ لَوْ أَنْشَأَ الْعِتْقَ جَازَ وَيَضْمَنُ الْقِيمَةَ فَكَذَا إذَا أَجَازَ وَلَا سَبِيلَ لِلْغُرَمَاءِ عَلَى الْعِوَضِ، لِأَنَّ مَا يُؤَدِّيهِ (كَسْبُ الْحُرِّ وَلَا حَقَّ لَهُمْ فِي كَسْبِ الْحُرِّ) ، بِخِلَافِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ يُؤَدَّى فِي حَالِ الرِّقِّ فَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُمْ (وَلَا يُقْرِضُ) (وَلَا يَهَبُ بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِهِ وَلَا يَتَصَدَّقُ، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ تَبَرُّعٌ بِصَرِيحِهِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً أَوْ ابْتِدَاءً فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْإِذْنِ بِالتِّجَارَةِ، إلَّا أَنْ يُهْدِيَ الْيَسِيرَ مِنْ الطَّعَامِ أَوْ يُضَيِّفَ) ضِيَافَةً يَسِيرَةً وَقَوْلُهُ مِنْ الطَّعَامِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ إهْدَاءَ غَيْرُ الْمَأْكُولَاتِ لَا يَجُوزُ أَصْلًا، وَالْإِهْدَاءُ الْيَسِيرُ رَاجِعٌ إلَى الضِّيَافَةِ الْيَسِيرَةِ، وَالضِّيَافَةُ الْيَسِيرَةُ مُعْتَبَرَةٌ بِمَالِ تِجَارَتِهِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ كَانَ مَالُ تِجَارَتِهِ مَثَلًا عَشْرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَاِتَّخَذَ ضِيَافَةً بِمِقْدَارِ عَشْرَةٍ كَانَ يَسِيرًا، وَإِنْ كَانَ مَالُ تِجَارَتِهِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مَثَلًا فَاتَّخَذَ ضِيَافَةً بِمِقْدَارِ دَانَقٍ فَذَاكَ يَكُونُ كَثِيرًا عُرْفًا، وَالْهَدِيَّةُ

الْمَوْلَى. قَالُوا: وَلَا بَأْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَصَدَّقَ مِنْ مَنْزِلِ زَوْجِهَا بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ كَالرَّغِيفِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَنْهُ فِي الْعَادَةِ. قَالَ (وَلَهُ أَنْ يَحُطَّ مِنْ الثَّمَنِ بِالْعَيْبِ مِثْلَ مَا يَحُطُّ التُّجَّارُ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِهِمْ، وَرُبَّمَا يَكُونُ الْحَطُّ أَنْظَرَ لَهُ مِنْ قَبُولِ الْمَعِيبِ ابْتِدَاءً، بِخِلَافِ مَا إذَا حَطَّ مِنْ غَيْرِ عَيْبٍ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ مَحْضٌ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ فَلَيْسَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ، وَلَا كَذَلِكَ الْمُحَابَاةُ فِي الِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَيْهَا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ (وَلَهُ أَنْ يُؤَجِّلَ فِي دَيْنٍ وَجَبَ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَادَةِ التِّجَارَةِ. قَالَ (وَدُيُونُهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِرَقَبَتِهِ يُبَاعُ لِلْغُرَمَاءِ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمَوْلَى) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يُبَاعُ وَيُبَاعُ كَسْبُهُ فِي دَيْنِهِ بِالْإِجْمَاعِ. لَهُمَا أَنَّ غَرَضَ الْمَوْلَى مِنْ الْإِذْنِ تَحْصِيلُ مَالٍ لَمْ يَكُنْ لَا تَفْوِيتُ مَالٍ قَدْ كَانَ لَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْمَأْكُولِ كَالضِّيَافَةِ بِهِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ، لَكِنْ تَرَكْنَاهُ فِي الْيَسِيرِ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ اسْتِجْلَابًا لِقُلُوبِ الْمُجَاهِزِينَ، وَالْمُجَاهِزُ هُوَ الْغَنِيُّ مِنْ التُّجَّارِ فَكَأَنَّهُ أُرِيدَ الْمُجَهِّزُ وَهُوَ الَّذِي يَبْعَثُ التُّجَّارَ بِالْجِهَازِ وَهُوَ فَاخِرُ الْمَتَاعِ أَوْ يُسَافِرُ بِهِ فَحُرِّفَ إلَى الْمُجَاهِزِ، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَبَاقِي كَلَامِهِ ظَاهِرٌ. قَالَ (وَدُيُونُهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِرَقَبَتِهِ) إذَا وَجَبَ دُيُونٌ عَلَى الْمَأْذُونِ بِالتِّجَارَةِ أَوْ بِمَا هُوَ فِي مَعْنَاهَا، فَإِنْ كَانَ لَهُ كَسْبٌ بِيعَ بِدَيْنِهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ وَتَعَلَّقَتْ بِرَقَبَتِهِ (يُبَاعُ لِلْغُرَمَاءِ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمَوْلَى. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا يُبَاعُ) لِأَنَّ غَرَضَ الْمَوْلَى مِنْ الْإِذْنِ تَحْصِيلُ مَالٍ لَهُ لَمْ يَكُنْ حَاصِلًا لَا تَفْوِيتُ مَالٍ حَاصِلٍ، وَذَلِكَ أَيْ غَرَضُ الْمَوْلَى حَاصِلٌ فِي تَعَلُّقِ الدَّيْنِ يَكْسِبُهُ حَتَّى إذَا فَضَلَ شَيْءٌ مِنْهُ عَنْ الدَّيْنِ يَحْصُلُ لِلْمَوْلَى.

وَذَلِكَ فِي تَعْلِيقِ الدَّيْنِ بِكَسْبِهِ، حَتَّى إذَا فَضَلَ شَيْءٌ مِنْهُ عَنْ الدَّيْنِ يَحْصُلُ لَهُ لَا بِالرَّقَبَةِ، بِخِلَافِ دَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ جِنَايَةٍ، وَاسْتِهْلَاكُ الرَّقَبَةِ بِالْجِنَايَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِذْنِ. وَلَنَا أَنَّ الْوَاجِبَ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ ظَهَرَ وُجُوبُهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ اسْتِيفَاءً كَدِينِ الِاسْتِهْلَاكِ، وَالْجَامِعُ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ النَّاسِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ التِّجَارَةُ وَهِيَ دَاخِلَةٌ تَحْتَ الْإِذْنِ، وَتَعَلُّقُ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ اسْتِيفَاءٌ حَامِلٌ عَلَى الْمُعَامَلَةِ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ صَلُحَ غَرَضًا لِلْمَوْلَى، وَيَنْعَدِمُ الضَّرَرُ فِي حَقِّهِ بِدُخُولِ الْمَبِيعِ فِي مِلْكِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (لَا بِالرَّقَبَةِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِكَسْبِهِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا اسْتَهْلَكَ شَيْئًا تَعَلَّقَ دَيْنُهُ بِرَقَبَتِهِ يُبَاعُ فِيهِ فَهَذَا كَذَلِكَ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (بِخِلَافِ دَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ لِأَنَّهُ نَوْعُ جِنَايَةٍ، وَاسْتِهْلَاكُ الرَّقَبَةِ بِالْجِنَايَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِذْنِ) وَلِهَذَا لَوْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِيعَ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِذْنِ (وَلَنَا أَنَّ ذَلِكَ دَيْنٌ وَاجِبٌ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ ظَهَرَ وُجُوبُهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى) بِالْإِذْنِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ (وَ) كُلُّ دَيْنٍ ظَهَرَ وُجُوبُهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى (تَعَلَّقَ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ اسْتِيفَاءً كَدَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ وَالْجَامِعُ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ النَّاسِ) (قَوْلُهُ وَهَذَا) إشَارَةٌ إلَى دَفْعِ الضَّرَرِ، وَبَيَانُهُ أَنَّ سَبَبَ هَذَا الدَّيْنِ التِّجَارَةُ لِأَنَّهُ الْمَفْرُوضُ وَالتِّجَارَةُ دَاخِلَةٌ تَحْتَ الْإِذْنِ بِلَا خِلَافٍ فَسَبَبُهَا دَاخِلٌ تَحْتَهُ، وَإِذَا كَانَ دَاخِلًا تَحْتَهُ كَانَ مُلْتَزِمًا، فَلَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِرَقَبَتِهِ اسْتِيفَاءٌ كَانَ إضْرَارًا لِأَنَّ الْكَسْبَ قَدْ لَا يُوجَدُ وَالْعِتْقُ كَذَلِكَ فَتَتْوَى حُقُوقُ النَّاسِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِقَوْلِهِ ظَهَرَ وُجُوبُهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى. وَقَوْلُهُ (وَتَعَلَّقَ الدَّيْنُ بِرَقَبَتِهِ اسْتِيفَاءً) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا إنَّ غَرَضَ الْمَوْلَى مِنْ الْإِذْنِ تَحْصِيلُ مَالٍ لَهُ إلَخْ، وَبَيَانُهُ أَنَّ الدَّيْنَ إذَا تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ اسْتِيفَاءً وَعَلِمَ الْمُعَامِلُونَ ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ حَامِلًا عَلَى الْمُعَامَلَةِ فَتَكْثُرُ الْمُعَامَلَةُ مَعَهُ وَيَزْدَادُ الرِّبْحُ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَإِنَّ خَوْفَ التَّوَى يَمْنَعُهُمْ عَنْ ذَلِكَ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ غَرَضًا لِلْمَوْلَى. فَإِنْ قِيلَ: لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ غَرَضًا لِلْمَوْلَى لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ وَالضَّرَرُ لَا يَكُونُ غَرَضًا. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَيَنْعَدِمُ الضَّرَرُ فِي حَقِّهِ بِدُخُولِ الْمَبِيعِ فِي مِلْكِهِ) وَفِيهِ إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمَبِيعَ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَفِيهِ وَفَاءٌ بِالدُّيُونِ لَا يَتَحَقَّقُ بَيْعُ الْعَبْدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَاقِيًا أَوْ كَانَ وَلَيْسَ فِيهِ وَفَاءٌ بِهَا لَمْ يَكُنْ دُخُولُهُ فِي مِلْكِهِ دَافِعًا لِلضَّرَرِ. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَبِيعٌ قَبَضَهُ الْمَوْلَى حِينَ لَا دَيْنَ عَلَى الْعَبْدِ ثُمَّ رَكِبَتْهُ دُيُونٌ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى رَدُّهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا، وَلَا ضَمَانُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ، بَلْ يُبَاعُ الْعَبْدُ بِالدَّيْنِ إنْ اخْتَارَهُ الْمَوْلَى وَيَكُونُ الْبَيْعُ جَابِرًا لِمَا فَاتَ مِنْ الْعَبْدِ، وَالظَّاهِرُ أَيْ الدَّيْنُ لَمَّا اسْتَغْرَقَ رَقَبَةَ الْعَبْدِ كَانَتْ قِيمَةُ الْمَبِيعِ مُسَاوِيَةً لِقِيمَةِ الْعَبْدِ. قِيلَ: وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا، غَيْرَ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْكَسْبِ فِي اسْتِيفَاءٍ نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ، وَعِنْدَ عَدَمِهِ يُسْتَوْفَى مِنْ الرَّقَبَةِ لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى ظُهُورِ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَا إذَا قَبَضَ مَبِيعًا قَبْلَ تَرَكُّبِ الدُّيُونِ دُونَ غَيْرِهِ، بَلْ الْوَاضِحُ فِيهِ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِالدُّيُونِ مَا وَجَبَ بِالتِّجَارَةِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ مَبِيعٍ، أَوْ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ فِي مِلْكِ الْمَوْلَى وَدُخُولُهُ فِي مِلْكِهِ يُقَابِلُ مَا يَفُوتُهُ، وَهَلَاكُهُ فِي مِلْكِهِ لَا يُخْرِجُهُ

وَتَعَلُّقُهُ بِالْكَسْبِ لَا يُنَافِي تَعَلُّقَهُ بِالرَّقَبَةِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِمَا، غَيْرَ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْكَسْبِ فِي الِاسْتِيفَاءِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ وَإِبْقَاءً لِمَقْصُودِ الْمَوْلَى، وَعِنْدَ انْعِدَامِهِ يُسْتَوْفَى مِنْ الرَّقَبَةِ. وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ دُيُونُهُ الْمُرَادُ مِنْهُ دَيْنٌ وَجَبَ بِالتِّجَارَةِ أَوْ بِمَا هُوَ فِي مَعْنَاهَا كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالِاسْتِئْجَارِ وَضَمَانِ الْغُصُوبِ وَالْوَدَائِعِ وَالْأَمَانَاتِ إذَا جَحَدَهَا، وَمَا يَجِبُ مِنْ الْعُقْرِ بِوَطْءِ الْمُشْتَرَاةِ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ لِاسْتِنَادِهِ إلَى الشِّرَاءِ فَيَلْحَقُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ الْمُقَابَلَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكُونُ بِمِقْدَارِ مَا يُؤَدِّي مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ بِغَبْنٍ نَادِرٍ، وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْمَوْلَى كَأَنَّهُ اشْتَرَى الدُّيُونَ الَّتِي عَلَى الْعَبْدِ بِالْعَبْدِ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مُسَاوِيَةً لِقِيمَتِهِ كَانَ ذَلِكَ شِرَاءً بِغَبْنٍ وَهُوَ نَادِرٌ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ مُسَاوِيَةً لَا اخْتَارَ أَدَاءَ الدُّيُونِ دُونَ بَيْعِ الْعَبْدِ. وَالْجَوَابُ الْأَوَّلُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِمَا ذَكَرَ الْمُعْتَرِضُ. وَالثَّانِي عَامٌّ لَكِنَّهُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى مَذْهَبِهِمَا، فَإِنَّ الْمَوْلَى يَمْلِكُ كَسْبَ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ عِنْدَهُمَا كَمَا سَيَجِيءُ. وَقَوْلُهُ (وَتَعَلُّقُهُ بِالْكَسْبِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ أَجْمَعْنَا أَنَّهُ تَعَلَّقَ بِالْكَسْبِ فَكَيْفَ يَتَعَلَّقُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالرَّقَبَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا غَيْرَ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْكَسْبِ فِي الِاسْتِيفَاءِ نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ، وَعِنْدَ عَدَمِهِ يُسْتَوْفَى مِنْ الرَّقَبَةِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ النَّاسِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمَوْلَى إشَارَةً إلَى الْبَيْعِ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ الْمَوْلَى حَاضِرًا، لِأَنَّ اخْتِيَارَ الْفِدَاءِ مِنْ الْغَائِبِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ لِأَنَّ الْخَصْمَ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ هُوَ الْمَوْلَى فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَّا بِحَضْرَتِهِ أَوْ بِحَضْرَةِ نَائِبِهِ، بِخِلَافِ بَيْعِ الْكَسْبِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى حُضُورِ الْمَوْلَى لِأَنَّ الْعَبْدَ خَصْمٌ فِيهِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا وَجْهُ الْبَيْعِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ لَا يَرَى الْحَجْرَ عَلَى الْحُرِّ الْعَاقِلِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ وَبَيْعُ الْقَاضِي الْعَبْدَ بِغَيْرِ أَمْرِ مَوْلَاهُ حَجْرٌ عَلَيْهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِحَجْرٍ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ مَحْجُورًا عَنْ بَيْعِهِ، إذْ لَا يَجُوزُ لِلْمَوْلَى بَيْعُ الْعَبْدِ الْمَدْيُونِ بِغَيْرِ رِضَا الْغُرَمَاءِ، وَحَجْرُ الْمَحْجُورِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ وَهُوَ كَالتَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرَقَةِ بِالدَّيْنِ فِي جَوَازِ أَنْ يَبِيعَهَا الْقَاضِي عَلَى الْوَرَثَةِ إذَا امْتَنَعُوا عَنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ لَا يُعَدُّ حَجْرًا لِكَوْنِهِمْ مَحْجُورِينَ عَنْ بَيْعِهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ رِضَا الْغُرَمَاءِ (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ)

قَالَ (وَيُقَسَّمُ ثَمَنُهُ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ) لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِالرَّقَبَةِ فَصَارَ كَتَعَلُّقِهَا بِالتَّرِكَةِ (فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ دُيُونِهِ طُولِبَ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ) لِتَقَرُّرِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ وَعَدَمِ وَفَاءِ الرَّقَبَةِ بِهِ (وَلَا يُبَاعُ ثَانِيًا) كَيْ لَا يَمْتَنِعَ الْبَيْعُ أَوْ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي (وَيَتَعَلَّقُ دَيْنُهُ بِكَسْبِهِ سَوَاءً حَصَلَ قَبْلَ لُحُوقِ الدَّيْنِ أَوْ بَعْدَهُ وَيَتَعَلَّقُ بِمَا يَقْبَلُ مِنْ الْهِبَةِ) ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى إنَّمَا يَخْلُفُهُ فِي الْمِلْكِ بَعْدَ فَرَاغِهِ عَنْ حَاجَةِ الْعَبْدِ وَلَمْ يَفْرُغْ (وَلَا يَتَعَلَّقُ بِمَا انْتَزَعَهُ الْمَوْلَى مِنْ يَدِهِ قَبْلَ الدَّيْنِ) لِوُجُودِ شَرْطِ الْخُلُوصِ لَهُ (وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ غَلَّةَ مِثْلِهِ بَعْدَ الدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ يَحْجُرُ عَلَيْهِ فَلَا يَحْصُلُ الْكَسْبُ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي مُخْتَصَرَ الْقُدُورِيِّ، وَمَعْنَاهُ ظَاهِرٌ. قَالَ (وَيُقْسَمُ ثَمَنُهُ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ) إذَا بَاعَ الْقَاضِي الْعَبْدَ يُقْسَمُ ثَمَنُهُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ بِالْحِصَصِ (لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِالرَّقَبَةِ فَصَارَ كَتَعَلُّقِ الْحُقُوقِ بِالتَّرِكَةِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَفَاءٌ بِالثَّمَنِ يَضْرِبُ كُلُّ غَرِيمٍ فِي الثَّمَنِ بِقَدْرِ حَقِّهِ كَالتَّرِكَةِ إذَا ضَاقَتْ عَنْ إيفَاءِ حُقُوقِ الْغُرَمَاءِ (فَإِنْ بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ دُيُونِهِ) أَيْ دُيُونِ الْعَبْدِ (طُولِبَ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ لِتَقَرُّرِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ وَعَدَمِ وَفَاءِ الرَّقَبَةِ بِهِ) وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ صَارَ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي، وَالدَّيْنُ مَا وَجَبَ بِإِذْنِهِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّهِ (وَلَا يُبَاعُ ثَانِيًا كَيْ لَا يَمْتَنِعَ الْبَيْعُ) فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْعَبْدَ الَّذِي يَشْتَرِيهِ يُبَاعُ فِي يَدِهِ ثَانِيًا بِدُونِ اخْتِيَارِهِ امْتَنَعَ عَنْ شِرَائِهِ فَلَا يَحْصُلُ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَيَتَضَرَّرُ الْغُرَمَاءُ (أَوْ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي) لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَن لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَلَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِبَيْعِهِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ، فَلَوْ بِيعَ عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ تَضَرَّرَ بِهِ، وَلَا يَلْزَمُ مَا لَوْ اشْتَرَاهُ الْبَائِعُ الْآذِنُ فَإِنَّهُ لَا يُبَاعُ عَلَيْهِ ثَانِيًا وَإِنْ كَانَ رَاضِيًا بِالْبَيْعِ، لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ تَبَدَّلَ وَتَبَدُّلُ الْمِلْكِ كَتَبَدُّلِ الذَّاتِ (قَوْلُهُ وَيَتَعَلَّقُ دَيْنُهُ بِكَسْبِهِ) لِبَيَانِ الْكَسْبِ الَّذِي يَبْدَأُ بِهِ. فَالْكَسْبُ الَّذِي لَمْ يَنْزِعْهُ الْمَوْلَى مِنْ يَدِهِ يَتَعَلَّقُ بِهِ الدَّيْنُ (سَوَاءٌ كَانَ حَصَلَ قَبْلَ لُحُوقِ الدَّيْنِ أَوْ بَعْدَهُ وَيَتَعَلَّقُ بِمَا قَبْلَهُ مِنْ الْهِبَةِ، لِأَنَّ الْمَوْلَى إنَّمَا يَخْلُفُهُ فِي الْمِلْكِ بَعْدَ فَرَاغِهِ عَنْ حَاجَةِ الْعَبْدِ وَلَمْ يَفْرُغْ) فَكَانَ كَكَسْبٍ غَيْرِ مُنْتَزَعٍ (وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِمَا انْتَزَعَهُ الْمَوْلَى مِنْ يَدِهِ قَبْلَ الدَّيْنِ لِحُصُولِ شَرْطِ الْخُلُوصِ لَهُ) وَهُوَ خُلُوصُ ذِمَّةِ الْعَبْدِ عَنْ الدَّيْنِ حَالَ أَخْذِ الْمَوْلَى ذَلِكَ (وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ غَلَّةَ مِثْلِهِ) وَالْغَلَّةُ كُلُّ مَا يَحْصُلُ مِنْ رِيعِ

غَلَّةِ الْمِثْلِ يَرُدُّهَا عَلَى الْغُرَمَاءِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ فِيهَا وَتَقَدُّمِ حَقِّهِمْ. قَالَ (فَإِنْ حُجِرَ عَلَيْهِ لَمْ يَنْحَجِرْ حَتَّى يَظْهَرَ حَجْرُهُ بَيْنَ أَهْلِ سُوقِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْحَجَرَ لَتَضَرَّرَ النَّاسُ بِهِ لِتَأَخُّرِ حَقِّهِمْ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ لِمَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِرَقَبَتِهِ وَكَسْبِهِ وَقَدْ بَايَعُوهُ عَلَى رَجَاءِ ذَلِكَ، وَيُشْتَرَطُ عِلْمُ أَكْثَرِ أَهْلِ سُوقِهِ، حَتَّى لَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ فِي السُّوقِ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ لَمْ يَنْحَجِرْ، وَلَوْ بَايَعُوهُ جَازَ، وَإِنْ بَايَعَهُ الَّذِي عَلِمَ بِحَجْرِهِ وَلَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ فِي بَيْتِهِ بِمَحْضَرٍ مِنْ أَكْثَرِ أَهْلِ سُوقِهِ يَنْحَجِرُ، وَالْمُعْتَبَرُ شُيُوعُ الْحَجْرِ وَاشْتِهَارُهُ فَيُقَامُ ذَلِكَ مَقَامَ الظُّهُورِ عِنْدَ الْكُلِّ كَمَا فِي تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ مِنْ الرُّسُلِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -، وَيَبْقَى الْعَبْدُ مَأْذُونًا إلَى أَنْ يَعْلَمَ بِالْحَجْرِ كَالْوَكِيلِ إلَى أَنْ يَعْلَمَ بِالْعَزْلِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ حَيْثُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْ خَالِصِ مَالِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَمَا رَضِيَ بِهِ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ الشُّيُوعُ فِي الْحَجْرِ إذَا كَانَ الْإِذْنُ شَائِعًا. أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ إلَّا الْعَبْدُ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ بِعِلْمٍ مِنْهُ يَنْحَجِرُ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ. قَالَ (وَلَوْ مَاتَ الْمَوْلَى أَوْ جُنَّ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا صَارَ الْمَأْذُونُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ غَيْرُ لَازِمٍ، وَمَا لَا يَكُونُ لَازِمًا مِنْ التَّصَرُّفِ يُعْطَى لِدَوَامِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ، هَذَا هُوَ الْأَصْلُ فَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ أَهْلِيَّةِ الْإِذْنِ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ وَهِيَ تَنْعَدِمُ بِالْمَوْتِ وَالْجُنُونِ، وَكَذَا بِاللُّحُوقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَرْضِ أَوْ كِرَائِهَا أَوْ أُجْرَةِ غُلَامٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. وَمَعْنَاهُ: لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الضَّرِيبَةَ الَّتِي ضَرَبَهَا عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ بَعْدَمَا لَزِمَتْهُ الدُّيُونُ كَمَا كَانَ يَأْخُذُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ رِيعِهِ كَانَ لِلْغُرَمَاءِ، وَلَا يَأْخُذُ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ يَأْخُذُهُ قَبْلَ الدُّيُونِ. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَأْخُذَ أَصْلًا، وَإِنْ أَخَذَ شَيْئًا رَدَّهُ لِأَنَّهُ أَخَذَ مِنْ كَسْبِهِ وَكَسْبُهُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقِيلَ لِسَلَامَةِ الْمُقَرَّرِ قَبْلَهُ لِلْمَوْلَى لِأَنَّ فِي أَخْذِ الْمَوْلَى ذَلِكَ مَنْفَعَةً لِلْغُرَمَاءِ بِإِبْقَائِهِ عَلَى الْإِذْنِ بِسَبَبِ مَا يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ الْغَلَّةِ، فَلَوْ لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ فَلَا يَحْصُلُ الْكَسْبُ. وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَأْخُذُهَا لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ حَيْثُ لَا يُعَدُّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ تَحْصِيلِ الْغَلَّةِ، فَإِنْ أَخَذَهَا رَدَّهَا عَلَى الْغُرَمَاءِ لِتَقَدُّمِ حَقِّهِمْ فِيهَا. ثُمَّ إذْنُ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ إمَّا أَنْ يَكُونَ شَائِعًا أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَمْ يَنْحَجِرْ بِحَجْرِهِ حَتَّى يَظْهَرَ الْحَجْرُ لَهُ وَلِأَكْثَرِ أَهْلِ سُوقِهِ لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ النَّاسُ بِمَا لَمْ يَرْضَوْا بِهِ مِنْ تَأَخُّرِ حَقِّهِمْ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ لَمَّا لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهُمْ بِرَقَبَتِهِ وَكَسْبِهِ، لِأَنَّ الْعَبْدَ إنْ اكْتَسَبَ شَيْئًا أَخَذَهُ الْمَوْلَى، وَإِنْ لَحِقَهُ دَيْنٌ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ حُجِرَ عَلَيْهِ فَيَتَأَخَّرُ حُقُوقُهُمْ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ وَهُوَ مَوْهُومٌ وَقَدْ بَايَعُوهُ عَلَى رَجَاءِ ذَلِكَ: أَيْ تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِرَقَبَتِهِ وَكَسْبِهِ وَهُوَ عَلَى إذْنِهِ إلَى أَنْ يَعْلَمَ بِالْحَجْرِ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ حَيْثُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْ خَالِصِ مَالِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ، فَكَانَ كَالْوَكِيلِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَزْلِ، وَلَوْ حَجَرَ فِي السُّوقِ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ فَكَذَلِكَ وَمُبَايَعَتُهُ جَائِزَةٌ، وَإِنْ بَايَعَهُ الَّذِي عَلِمَ بِحَجْرِهِ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَا يَتَجَزَّأُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ ابْتِدَاءً فَكَذَا بَقَاءً، وَلَوْ حَجَرَ فِي بَيْتِهِ بِمَحْضَرٍ مِنْ أَهْلِ سُوقِهِ انْحَجَرَ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ شُيُوعُ الْحَجْرِ وَاشْتِهَارُهُ، فَيُقَامُ ذَلِكَ مَقَامَ الظُّهُورِ عِنْدَ الْكُلِّ دَفْعًا لِلْحَرَجِ كَمَا فِي تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ مِنْ الرُّسُلِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَإِنْ كَانَ الثَّانِي بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْإِذْنِ إلَّا الْعَبْدُ ثُمَّ حَجَرَ عَلَيْهِ بِعِلْمٍ مِنْهُ يَنْحَجِرُ لِعَدَمِ الضَّرَرِ وَالْإِضْرَارِ. قَالَ (وَلَوْ مَاتَ الْمَوْلَى أَوْ جُنَّ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ التَّصَرُّفَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَازِمًا كَانَ لِدَوَامِهِ حُكْمُ ابْتِدَائِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى قِيَامِ الْأَهْلِيَّةِ حَالَةَ الْبَقَاءِ كَالِابْتِدَاءِ، وَعَلَى هَذَا إذَا مَاتَ الْمَوْلَى أَوْ جُنَّ جُنُونًا مُطْبِقًا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْوَكَالَةِ تَعْرِيفُهُ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ انْحَجَرَ الْمَأْذُونُ لِانْتِفَاءِ الْأَهْلِيَّةِ بِهَذِهِ الْعَوَارِضِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، لِأَنَّ اللِّحَاقَ مَوْتٌ حُكْمِيٌّ وَلِهَذَا يُقْسَمُ

لِأَنَّهُ مَوْتٌ حُكْمًا حَتَّى يُقَسَّمَ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ. قَالَ (وَإِذَا أَبَقَ الْعَبْدُ صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَبْقَى مَأْذُونًا؛ لِأَنَّ الْإِبَاقَ لَا يُنَافِي ابْتِدَاءَ الْإِذْنِ، فَكَذَا لَا يُنَافِي الْبَقَاءَ وَصَارَ كَالْغَصْبِ. وَلَنَا أَنَّ الْإِبَاقَ حَجْرُ دَلَالَةٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَرْضَى بِكَوْنِهِ مَأْذُونًا عَلَى وَجْهٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ تَقْضِيَةِ دَيْنِهِ بِكَسْبِهِ، بِخِلَافِ ابْتِدَاءِ الْإِذْنِ؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ لَا مُعْتَبَرَ بِهَا عِنْدَ وُجُودِ التَّصْرِيحِ بِخِلَافِهَا، وَبِخِلَافِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّ الِانْتِزَاعَ مِنْ يَدِ الْغَاصِبِ مُتَيَسِّرٌ. قَالَ (وَإِذَا وَلَدَتْ الْمَأْذُونُ لَهَا مِنْ مَوْلَاهَا) فَذَلِكَ حَجْرٌ عَلَيْهَا خِلَافًا لَزُفَرَ، وَهُوَ يَعْتَبِرُ حَالَةَ الْبَقَاءِ بِالِابْتِدَاءِ. وَلَنَا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يُحْصِنُهَا بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَيَكُونُ دَلَالَةَ الْحَجْرِ عَادَةً، بِخِلَافِ الِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّ الصَّرِيحَ قَاضٍ عَلَى الدَّلَالَةِ. (وَيَضْمَنُ الْمَوْلَى قِيمَتَهَا إنْ رَكِبَتْهَا دُيُونٌ) لِإِتْلَافِهِ مَحِلًّا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ، إذْ بِهِ يَمْتَنِعُ الْبَيْعُ وَبِهِ يُقْضَى حَقُّهُمْ. قَالَ (وَإِذَا اسْتَدَانَتْ الْأَمَةُ الْمَأْذُونُ لَهَا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا فَدَبَّرَهَا الْمَوْلَى فَهِيَ مَأْذُونٌ لَهَا عَلَى حَالِهَا) لِانْعِدَامِ دَلَالَةِ الْحَجْرِ، إذْ الْعَادَةُ مَا جَرَتْ بِتَحْصِينِ الْمُدَبَّرَةِ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ حُكْمَيْهَا أَيْضًا، وَالْمَوْلَى ضَامِنٌ لِقِيمَتِهَا لِمَا قَرَّرْنَاهُ فِي أُمِّ الْوَلَدِ. قَالَ (وَإِذَا حُجِرَ عَلَى الْمَأْذُونِ لَهُ فَإِقْرَارُهُ جَائِزٌ فِيمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ. قَالَ (وَإِذَا أَبَقَ الْعَبْدُ صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَبْقَى مَأْذُونًا لِأَنَّ الْإِبَاقَ لَا يُنَافِي ابْتِدَاءَ الْإِذْنِ) فَإِنَّ الْمَوْلَى إذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ الْآبِقِ فِي التِّجَارَةِ وَعَلِمَ بِهِ الْعَبْدُ كَانَ مَأْذُونًا، فَلَأَنْ لَا يُنَافِيَ بَقَاءَهُ أَوْلَى لِأَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ (وَصَارَ كَالْغَصْبِ) فَإِنَّ الْمَوْلَى لَوْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ الْمَغْصُوبِ الَّذِي يُمْكِنُ لِلْمَالِكِ أَخْذُهُ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ أَوْ يَكُونَ الْغَاصِبُ مُقِرًّا صَحَّ. وَكَوْنُهُ مَغْصُوبًا لَا يُنَافِي الْإِذْنَ فَكَذَا كَوْنُهُ آبِقًا (وَلَنَا أَنَّ الْإِبَاقَ حَجْرٌ دَلَالَةً، لِأَنَّهُ إنَّمَا يَرْضَى بِكَوْنِهِ مَأْذُونًا عَلَى وَجْهٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ تَقْضِيَةِ دَيْنِهِ بِكَسْبِهِ) وَلَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ مِنْ الْآبِقِ فَلَا يَكُونُ رَاضِيًا بِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ مَانِعًا فِي الِابْتِدَاءِ لِأَنَّا نَجْعَلُهُ حَجْرًا دَلَالَةً (وَلَا مُعْتَبَرَ بِالدَّلَالَةِ عِنْدَ التَّصْرِيحِ بِخِلَافِهَا وَبِخِلَافِ الْغَصْبِ، لِأَنَّ الِانْتِزَاعَ مِنْ يَدِ الْغَاصِبِ مُتَيَسِّرٌ) وَإِنْ عَادَ مِنْ الْإِبَاقِ هَلْ يَعُودُ الْإِذْنُ؟ لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَعُودُ (وَاسْتِيلَادُ الْمَأْذُونِ لَهَا حَجْرٌ عَلَيْهَا) إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِخِلَافِهِ (وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَيْسَ بِحَجْرٍ اعْتِبَارًا بِالِابْتِدَاءِ) فَإِنَّ الْمَوْلَى لَوْ أَذِنَ لِأُمِّ وَلَدِهِ جَازَ، فَكَذَا إذَا اسْتَوْلَدَهَا بَعْدَ الْإِذْنِ وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَاسْتَحْسَنَ الْعُلَمَاءُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - حَجْرَهَا بِالِاتِّفَاقِ، لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ فِي الظَّاهِرِ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُحَصِّنُ أُمَّ وَلَدِهِ وَلَا يَرْضَى بِخُرُوجِهَا وَاخْتِلَاطِهَا بِالنَّاسِ فِي الْمُعَامَلَةِ وَالتِّجَارَةِ فَيَكُونُ حَجْرًا دَلَالَةً، وَلَا مُعْتَبَرَ بِهَا عِنْدَ التَّصْرِيحِ بِخِلَافِهِ فِي الِابْتِدَاءِ (وَيَضْمَنُ الْمَوْلَى قِيمَتَهَا إنْ رَكِبَتْهَا الدُّيُونُ لِإِتْلَافِهِ مَحَلًّا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ، إذْ بِهِ يَمْتَنِعُ الْبَيْعُ وَبِهِ يُقْضَى حَقُّهُمْ) قَالَ (وَإِذَا اسْتَدَانَتْ الْأَمَةُ الْمَأْذُونُ لَهَا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا) مَعْنَاهُ ظَاهِرٌ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِكَوْنِهَا أَكْثَرَ لِتَظْهَرَ الْفَائِدَةُ فِي أَنَّ الْمَوْلَى يَضْمَنُ قِيمَتَهَا دُونَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا. وَقَوْلُهُ (وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ حُكْمِهَا) أَيْ حُكْمِ الْإِذْنِ وَالتَّدْبِيرِ لِأَنَّهُ بِالتَّدْبِيرِ يَثْبُتُ لِلْمُدَبَّرِ حَقُّ الْعِتْقِ، وَحَقُّ الْعِتْقِ إنْ كَانَ لَا يُؤَثِّرُ فِي فَكِّ الْحَجْرِ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ. قَالَ (وَإِذَا حُجِرَ عَلَى الْمَأْذُونِ لَهُ فَإِقْرَارُهُ جَائِزٌ) إذَا حُجِرَ عَلَى الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فَأَقَرَّ

وَمَعْنَاهُ أَنْ يُقَرَّ بِمَا فِي يَدِهِ أَنَّهُ أَمَانَةٌ لِغَيْرِهِ أَوْ غَصْبٌ مِنْهُ أَوْ يُقَرَّ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ فَيُقْضَى مِمَّا فِي يَدِهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ. لَهُمَا أَنَّ الْمُصَحِّحَ لِإِقْرَارِهِ إنْ كَانَ الْإِذْنَ فَقَدْ زَالَ بِالْحَجْرِ، وَإِنْ كَانَ الْيَدَ فَالْحَجْرُ أَبْطَلَهَا؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَحْجُورِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ وَصَارَ كَمَا إذَا أَخَذَ الْمَوْلَى كَسْبَهُ مِنْ يَدِهِ قَبْلَ إقْرَارِهِ أَوْ ثَبَتَ حَجْرُهُ بِالْبَيْعِ مِنْ غَيْرِهِ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ الرَّقَبَةِ بَعْدَ الْحَجْرِ، وَلَهُ أَنَّ الْمُصَحِّحَ هُوَ الْيَدُ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْمَأْذُونِ فِيمَا أَخَذَهُ الْمَوْلَى مِنْ يَدِهِ وَالْيَدُ بَاقِيَةٌ حَقِيقَةً، وَشَرْطُ بُطْلَانِهَا بِالْحَجْرِ حُكْمًا فَرَاغُهَا عَنْ حَاجَتِهِ، وَإِقْرَارُهُ دَلِيلُ تَحَقُّقِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا انْتَزَعَهُ الْمَوْلَى مِنْ يَدِهِ قَبْلَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَوْلَى ثَابِتَةٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَلَا تَبْطُلُ بِإِقْرَارِهِ، وَكَذَا مِلْكُهُ ثَابِتٌ فِي رَقَبَتِهِ فَلَا يَبْطُلُ بِإِقْرَارِهِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ قَدْ تَبَدَّلَ بِتَبَدُّلِ الْمِلْكِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ لِغَيْرِ مَوْلَاهُ فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَمَعْنَاهُ أَنْ يُقِرَّ بِمَا فِي يَدِهِ أَنَّهُ أَمَانَةٌ لِغَيْرِهِ) وَإِنَّمَا فَسَّرَهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْإِقْرَارِ يُفْهَمُ مِنْهُ مَا كَانَ مَضْمُونًا كَالدُّيُونِ وَالْغُصُوبِ، فَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّعْمِيمُ وَقَدَّمَ الْأَمَانَةَ لِذَلِكَ فَيُقْضَى بِمَا فِي يَدِهِ لِلْمُقَرِّ لَهُ. (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ) لِأَنَّ الْمُصَحِّحَ لِإِقْرَارِهِ إمَّا الْإِذْنُ أَوْ الْيَدُ، وَلَا شَيْءَ مِنْهُمَا بِمَوْجُودٍ بَعْدَ الْحَجْرِ. أَمَّا الْإِذْنُ فَلِزَوَالِهِ بِالْحَجْرِ، وَأَمَّا الْيَدُ فَلِأَنَّ الْحَجْرَ أَبْطَلَهَا لِأَنَّ يَدَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ شَرْعًا. وَرُدَّ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ يَدَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ، فَإِنَّهُ لَوْ اسْتَوْدَعَ وَدِيعَةً ثُمَّ غَابَ لَيْسَ لِمَوْلَاهُ أَخْذُهَا، وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْمَبْسُوطِ، وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ مُعْتَبَرَةٍ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ كَثَوْبٍ أَلْقَتْهُ الرِّيحُ فِي حِجْرِ رَجُلٍ وَكَانَ حُضُورُ الْعَبْدِ وَغَيْبَتُهُ سَوَاءً. وَأُجِيبَ بِأَنَّ تَأْوِيلَهَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُودَعُ أَنَّ الْوَدِيعَةَ كَسْبُ الْعَبْدِ. أَمَّا إذَا عَلِمَ ذَلِكَ فَلِلْمَوْلَى أَخْذُهُ وَكَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ مَالُ الْمَوْلَى وَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّهُ كَسْبُ الْعَبْدِ (قَوْلُهُ وَصَارَ كَمَا إذَا أَخَذَ الْمَوْلَى كَسْبَهُ مِنْ يَدِهِ قَبْلَ إقْرَارِهِ) بَيَانٌ لِإِبْطَالِ الْحَجْرِ يَدَهُ بِمَسَائِلَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، فَإِنَّ الْمَوْلَى إذَا انْتَزَعَ مَا بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ إقْرَارَ الْعَبْدِ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَذَا إذَا بَاعَ الْعَبْدَ مِنْ غَيْرِهِ وَثَبَتَ الْحَجْرُ بِهِ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ، وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ الرَّقَبَةِ بَعْدَ الْحَجْرِ حَتَّى لَا تُبَاعُ رَقَبَتُهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْإِقْرَارِ بِالِاتِّفَاقِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُصَحِّحَ لِإِقْرَارِهِ هُوَ الْيَدُ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِمَا انْتَزَعَهُ الْمَوْلَى مِنْ يَدِهِ) لِزَوَالِ الْمُصَحِّحِ (وَالْيَدُ بَاقِيَةٌ حَقِيقَةً) وَحُكْمًا، أَمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ، لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْإِقْرَارِ بِمَا فِي يَدِهِ. وَأَمَّا حُكْمًا فَلِأَنَّ شَرْطَ بُطْلَانِهَا بِالْحَجْرِ حُكْمًا فَرَاغُهَا عَنْ حَاجَتِهِ وَإِقْرَارُهُ دَلِيلُ تَحَقُّقِهَا. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ:

عَلَى مَا عُرِفَ فَلَا يَبْقَى مَا ثَبَتَ بِحُكْمِ الْمِلْكِ، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ خَصْمًا فِيمَا بَاشَرَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ. قَالَ (وَإِذَا لَزِمَتْهُ دُيُونٌ تُحِيطُ بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ لَمْ يَمْلِكْ الْمَوْلَى مَا فِي يَدِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِقْرَارُ دَلِيلُ تَحَقُّقِ الْحَاجَةِ مُطْلَقًا أَوْ عِنْدَ صِحَّتِهِ، وَالْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ، وَلَكِنَّ صِحَّةَ هَذَا الْإِقْرَارِ فِي حَيِّزِ النِّزَاعِ فَلَا يَصْلُحُ أَخْذُهُ فِي الدَّلِيلِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مُطْلَقَهُ دَلِيلُ تَحَقُّقِهَا حَمْلًا لِحَالِ الْمُقِرِّ عَلَى الصَّلَاحِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ إقْرَارُهُ دَلِيلَ تَحَقُّقِهَا لَصَحَّ بِمَا انْتَزَعَهُ الْمَوْلَى مِنْ يَدِهِ قَبْلَ الْإِقْرَارِ. أُجِيبَ بِأَنَّ يَدَ الْمَوْلَى ثَابِتَةٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا. أَمَّا حَقِيقَةً فَلِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا انْتَزَعَهُ مِنْ يَدِهِ قَبْلَ الْإِقْرَارِ. وَأَمَّا حُكْمًا فَلِأَنَّ النَّزْعَ كَانَ قَبْلَ ثُبُوتِ الدَّيْنِ فَلَا تَبْطُلُ يَدُهُ بِإِقْرَارِهِ، لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِمَا لَيْسَ فِي يَدِهِ أَصْلًا وَهُوَ بَاطِلٌ. وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ قَوْلَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا انْتَزَعَهُ الْمَوْلَى إلَخْ أَجْوِبَةٌ عَمَّا اسْتَشْهَدَا بِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا عُرِفَ) إشَارَةٌ إلَى حَدِيثِ بَرِيرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. وَقَوْلُهُ (فَلَا يَبْقَى مَا ثَبَتَ بِحُكْمِ الْمِلْكِ) يَعْنِي بِهِ الْإِذْنَ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لِلْعَبْدِ بِحُكْمِ أَنَّهُ مِلْكُ الْمَوْلَى وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ الْمِلْكُ. وَقَوْلُهُ (وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ خَصْمًا) تَوْضِيحٌ لِتَبَدُّلِ الْعَبْدِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إذَا بَاشَرَ شَيْئًا قَبْلَ الْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ خَصْمًا فِيهِ بِالتَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ وَالرَّدِّ بِعَيْبٍ وَغَيْرِهِ بَعْدَهُ كَعَبْدٍ آخَرَ لَمْ يُبَاشِرْهُ وَلَوْلَا تَبَدُّلُهُ لَكَانَ خَصْمًا لِصُدُورِ الْمُبَاشَرَةِ عَنْهُ حَقِيقَةً. قَالَ (وَإِذَا لَزِمَتْهُ دُيُونٌ) إذَا لَزِمَتْهُ دُيُونٌ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تُحِيطَ بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ أَوْ لَا تُحِيطُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ أَحَاطَتْ

وَلَوْ أَعْتَقَ مِنْ كَسْبِهِ عَبْدًا لَمْ يَعْتِقْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ وَيَعْتِقُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ سَبَبُ الْمِلْكِ فِي كَسْبِهِ وَهُوَ مِلْكُ رَقَبَتِهِ وَلِهَذَا يَمْلِكُ إعْتَاقَهَا، وَوَطْءَ الْجَارِيَةِ الْمَأْذُونِ لَهَا، وَهَذَا آيَةُ كَمَالِهِ، بِخِلَافِ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ نَظَرًا لِلْمُوَرِّثِ وَالنَّظَرُ فِي ضِدِّهِ عِنْدَ إحَاطَةِ الدَّيْنِ بِتَرِكَتِهِ. أَمَّا مِلْكُ الْمَوْلَى فَمَا ثَبَتَ نَظَرًا لِلْعَبْدِ. وَلَهُ أَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى إنَّمَا يَثْبُتُ خِلَافُهُ عَنْ الْعَبْدِ عِنْدَ فَرَاغِهِ عَنْ حَاجَتِهِ كَمِلْكِ الْوَارِثِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ وَالْمُحِيطُ بِهِ الدَّيْنُ مَشْغُولٌ بِهَا فَلَا يَخْلُفُهُ فِيهِ، وَإِذَا عُرِفَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ وَعَدَمُهُ فَالْعِتْقُ فُرَيْعَتُهُ، وَإِذَا نَفَذَ عِنْدَهُمَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِلْغُرَمَاءِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ. قَالَ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ مُحِيطًا بِمَالِهِ جَازَ عِتْقُهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ، وَكَذَا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرَى عَنْ قَلِيلِهِ، فَلَوْ جُعِلَ مَانِعًا ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَالِهِ دُونَ رَقَبَتِهِ، فَالْأَوَّلُ كَمَا إذَا أُذِنَ لِلْعَبْدِ فَاشْتَرَى عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا وَالْمَأْذُونُ أَيْضًا يُسَاوِي أَلْفًا وَعَلَيْهِ أَلْفَا دِرْهَمٍ. وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ. وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَفِي الْأَوَّلِ لَمْ يَمْلِكْ الْمَوْلَى مَا فِي يَدِهِ (وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا مِنْ كَسْبِهِ لَمْ يُعْتَقْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَا: لَا يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ وَيُعْتَقُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ فِي كَسْبِهِ وَهُوَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ قَدْ وُجِدَ) فَإِنَّ مِلْكَ الْأَصْلِ عِلَّةٌ لِمِلْكِ الْفَرْعِ (وَلِهَذَا يَمْلِكُ إعْتَاقَهَا) يَعْنِي الرَّقَبَةَ (وَوَطْءَ الْأَمَةِ الْمَأْذُونِ لَهَا، وَهَذَا) أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ مِلْكِ الْإِعْتَاقِ وَحِلِّ الْوَطْءِ (آيَةُ كَمَالِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ) فَكَانَ سَبَبُ الْمِلْكِ فِي الْكَسْبِ مَوْجُودًا عَلَى الْكَمَالِ فَيَمْلِكُهُ وَيَنْفُذُ فِيهِ إعْتَاقُهُ. فَإِنْ قِيلَ: سَلَّمْنَا ذَلِكَ، لَكِنَّ الْمَانِعَ مُتَحَقِّقٌ وَهُوَ إحَاطَةُ الدَّيْنِ فَإِنَّهَا تَمْنَعُ عَنْ ذَلِكَ كَمَا فِي التَّرِكَةِ إذَا اسْتَغْرَقَتْهَا الدُّيُونُ فَإِنَّهَا تَمْنَعُ إعْتَاقَ الْوَارِثِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (بِخِلَافِ الْوَارِثِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ نَظَرًا لِلْمُوَرِّثِ) بِإِيصَالِ مَالِهِ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ؛ وَلِهَذَا يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، وَلَا نَظَرَ لِلْمُوَرِّثِ فِي ذَلِكَ عِنْدَ إحَاطَةِ الدَّيْنِ بِتَرِكَتِهِ (بَلْ النَّظَرُ فِي ضِدِّهِ) أَيْ فِي ضِدِّ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْوَارِثِ وَهُوَ قَضَاءُ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ فَرْضٌ عَلَيْهِ وَالْمِيرَاثُ صِلَةٌ، وَإِذَا كَانَ سَبَبُ الْمِلْكِ النَّظَرَ وَقَدْ فَاتَ فَاتَ الْمِلْكُ وَلَا عِتْقَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ (أَمَّا مِلْكُ الْمَوْلَى فَمَا ثَبَتَ نَظَرًا لِلْعَبْدِ) لِيُرَاعَى ذَلِكَ بِعَدَمِ الْعِتْقِ حَتَّى تُقْضَى دُيُونُهُ (وَإِذَا نَفَذَ الْعِتْقُ عِنْدَهُمَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِلْغُرَمَاءِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى إنَّمَا يَثْبُتُ خِلَافَةً عَنْ الْعَبْدِ عِنْدَ فَرَاغِهِ عَنْ حَاجَتِهِ كَمِلْكِ الْوَارِثِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ) يَعْنِي فِي مَسْأَلَةِ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِكَسْبِهِ (وَالْمَالُ الَّذِي أَحَاطَ بِهِ الدَّيْنُ مَشْغُولٌ بِهَا فَلَا يَخْلُفُهُ فِيهِ) يَعْنِي كَمَا أَنَّ الدَّيْنَ الْمُحِيطَ بِالتَّرِكَةِ يَمْنَعُ مِلْكَ الْوَارِثِ فِي الرَّقَبَةِ فَكَذَلِكَ الدَّيْنُ الْمُحِيطُ بِالْكَسْبِ وَالرَّقَبَةِ يَمْنَعُ مِلْكَ الْمَوْلَى، لِأَنَّ الْخِلَافَةَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّةِ الْمِلْكِ فِي الْمَالِ، فَالْمَيِّتُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْمَالِكِيَّةِ كَالرَّقِيقِ، لِأَنَّ الْمَالِكِيَّةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُدْرَةِ، وَالْمَوْتُ وَالرِّقُّ يُنَافِيَانِ ذَلِكَ، بَلْ مُنَافَاةُ الْمَوْتِ أَظْهَرُ وَالْمَيِّتُ جُعِلَ كَالْمَالِكِ حُكْمًا لِقِيَامِ حَاجَتِهِ إلَى قَضَاءِ دُيُونِهِ فَكَذَلِكَ الرَّقِيقُ (وَإِذَا عُرِفَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ عِنْدَهُمَا وَعَدَمُهُ عِنْدَ عُرْفِ الْعِتْقِ وَعَدَمِهِ لِكَوْنِهِ فَرْعَهُ) فَمَنْ قَالَ بِثُبُوتِ الْمِلْكِ نَفَذَ الْعِتْقُ، وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَبْطَلَهُ، وَفِي الثَّانِي يَمْلِكُ الْمَوْلَى كَسْبَهُ (وَيَنْفُذُ عِتْقُهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا. أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ، وَكَذَا عِنْدَهُ لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ لَا يَعْرَى عَنْ قَلِيلِ الدَّيْنِ، فَلَوْ جُعِلَ مَانِعًا

لَانْسَدَّ بَابُ الِانْتِفَاعِ بِكَسْبِهِ فَيَخْتَلُّ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْإِذْنِ وَلِهَذَا لَا يَمْنَعُ مِلْكَ الْوَارِثِ وَالْمُسْتَغْرَقُ يَمْنَعُهُ. قَالَ (وَإِذَا بَاعَ مِنْ الْمَوْلَى شَيْئًا بِمِثْلِ قِيمَتِهِ جَازَ) ؛ لِأَنَّهُ كَالْأَجْنَبِيِّ عَنْ كَسْبِهِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِكَسْبِهِ (وَإِنْ بَاعَهُ بِنُقْصَانٍ لَمْ يَجُزْ مُطْلَقًا) ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَابَى الْأَجْنَبِيَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْمَرِيضُ مِنْ الْوَارِثِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَانْسَدَّ بَابُ الِانْتِفَاعِ بِكَسْبِهِ فَيَخْتَلُّ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْإِذْنِ وَلِهَذَا لَا يَمْنَعُ الْقَلِيلُ مِلْكَ الْوَارِثِ وَالْمُسْتَغْرِقُ يَمْنَعُهُ) وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ. وَنَقَلَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ عَنْ بُيُوعِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْعِتْقَ فِيهِ جَائِزٌ. قَالَ (وَإِذَا بَاعَ مِنْ الْمَوْلَى شَيْئًا بِمِثْلِ قِيمَتِهِ جَازَ) إذَا بَاعَ الْعَبْدَ الْمَدْيُونَ الَّذِي لَزِمَتْهُ دُيُونٌ مِنْ الْمَوْلَى شَيْئًا بِمِثْلِ قِيمَتِهِ جَازَ (لِأَنَّهُ كَالْأَجْنَبِيِّ عَنْ كَسْبِهِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ) وَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَجْنَبِيٍّ (وَإِذَا بَاعَ مِنْهُ بِنُقْصَانٍ لَمْ يَجُزْ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا (لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّ مَوْلَاهُ) بِمَيْلِهِ إلَيْهِ عَادَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهِ. فَإِنْ قِيلَ: التُّهْمَةُ فِيهِ قَدْ تَكُونُ مَوْجُودَةً. أُجِيبَ بِأَنَّهُ مَوْهُومٌ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يَنْشَأْ عَنْ دَلِيلٍ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْمَرِيضَ) مَرْوِيٌّ بِالْوَاوِ

لِأَنَّ حَقَّ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ تَعَلَّقَ بِعَيْنِهِ حَتَّى كَانَ لِأَحَدِهِمْ الِاسْتِخْلَاصُ بِأَدَاءِ قِيمَتِهِ. أَمَّا حَقُّ الْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ بِالْمَالِيَّةِ لَا غَيْرَ فَافْتَرَقَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إنْ بَاعَهُ بِنُقْصَانٍ يَجُوزُ الْبَيْعُ، وَيُخَيَّرُ الْمَوْلَى إنْ شَاءَ أَزَالَ الْمُحَابَاةَ، وَإِنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ، وَعَلَى الْمَذْهَبَيْنِ الْيَسِيرُ مِنْ الْمُحَابَاةِ وَالْفَاحِشُ سَوَاءٌ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الِامْتِنَاعَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْغُرَمَاءِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ عَنْهُمْ، وَهَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبِغَيْرِهِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَهَذَا الْخِلَافُ مُتَعَلِّقٌ بِأَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ وَإِذَا بَاعَ مِنْ الْمَوْلَى شَيْئًا بِمِثْلِ قِيمَتِهِ جَازَ هَذَا عَلَى تَقْدِيرِ الْوَاوِ فِي قَوْلِهِ وَبِخِلَافِ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ بِلَا مَعْطُوفٍ عَلَيْهِ، بَلْ الْمُنَاسِبُ لِذَلِكَ عَدَمُ الْوَاوِ. وَقَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِدُونِ الْوَاوِ فَيَتَعَلَّقُ بِحُكْمِ قَوْلِهِ الْمُتَّصِلِ بِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا حَابَى الْأَجْنَبِيَّ: أَيْ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي كُلِّ حَالٍ: أَعْنِي إذَا كَانَتْ الْمُحَابَاةُ يَسِيرَةً أَوْ فَاحِشَةً أَوْ كَانَ الْبَيْعُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ: وَبَيْعُ الْمَرِيضِ مِنْ وَارِثِهِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كُلِّ حَالٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ، وَهَذَا أَوْجَهُ، وَلَكِنَّ النُّسْخَةَ بِالْوَاوِ تَأْبَاهُ. قُلْت: ذَلِكَ أَوْجَهُ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ بِالْقُرْبِ دُونَ الْمَعْنَى، لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَابَى الْأَجْنَبِيَّ جَوَازُ الْمُحَابَاةِ مَعَهُ مُطْلَقًا، وَلَا يُرَدُّ بَيْعُ الْمَرِيضِ مِنْ وَارِثِهِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ إشْكَالًا عَلَيْهِ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى الْجَوَابِ. وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْوَاوِ بِجَعْلِهِ مُتَعَلِّقًا بِأَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ، وَفِي كَلَامِهِ تَعْقِيدٌ، وَتَقْرِيرُ كَلَامِهِ هَكَذَا: وَإِنْ بَاعَ مِنْ الْمَوْلَى شَيْئًا بِمِثْلِ الْقِيمَةِ جَازَ لِأَنَّهُ كَالْأَجْنَبِيِّ عَنْ كَسْبِهِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْمَرِيضُ مِنْ الْوَارِثِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ، لِأَنَّ حَقَّ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ تَعَلَّقَ بِعَيْنِهِ: أَيْ عَيْنِ مَالِ الْمَيِّتِ حَتَّى كَانَ لِأَحَدِهِمْ الِاسْتِخْلَاصُ بِأَدَاءِ قِيمَتِهِ، أَمَّا حَقُّ الْغُرَمَاءِ فَيَتَعَلَّقُ بِالْمَالِيَّةِ لَا غَيْرُ فَافْتَرَقَا: أَيْ الْمَوْلَى وَالْمَرِيضُ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ مِنْ الْمَوْلَى بِمِثْلِ الْقِيمَةِ دُونَ الْوَارِثِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَذْكُرُ قَوْلَهُ وَإِنْ بَاعَ بِنُقْصَانٍ لَمْ يَجُزْ إلَخْ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إنْ بَاعَهُ بِنُقْصَانٍ يَجُوزُ الْبَيْعُ وَيُخَيَّرُ الْمَوْلَى، إنْ شَاءَ أَزَالَ الْمُحَابَاةَ بِإِيصَالِ الثَّمَنِ إلَى تَمَامِ الْقِيمَةِ، وَإِنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ وَتَخْصِيصُهُمَا بِهَذَا الْحُكْمِ اخْتِيَارٌ مِنْ الْمُصَنِّفِ لِقَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ. قِيلَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ قَوْلُ الْكُلِّ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِسَبِيلٍ مِنْ تَخْلِيصِ كَسْبِهِ لِنَفْسِهِ بِالْقِيمَةِ بِدُونِ الْبَيْعِ، فَلَأَنْ يَكُونَ لَهُ ذَلِكَ بِالْبَيْعِ أَوْلَى، فَصَارَ الْعَبْدُ فِي تَصَرُّفِهِ مَعَ مَوْلَاهُ كَالْمَرِيضِ الْمَدْيُونِ فِي تَصَرُّفِهِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ (قَوْلُهُ وَعَلَى الْمَذْهَبَيْنِ) أَيْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَذْهَبِ صَاحِبَيْهِ اعْتِرَاضٌ بَيْنَ الْحُكْمِ وَالدَّلِيلِ لِبَيَانِ تَسَاوِي الْمُحَابَاةِ بِالْيَسِيرِ وَالْكَثِيرِ، فَإِنَّ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا بَاعَ مِنْ مَوْلَاهُ بِنُقْصَانٍ يَسِيرٍ أَوْ كَثِيرٍ لَا يَجُوزُ فَلَا يُخَيَّرُ، وَعَلَى مَذْهَبِهِمَا يَجُوزُ وَلَكِنْ يُخَيَّرُ الْمَوْلَى (وَوَجْهُ ذَلِكَ) أَيْ وَجْهُ الْجَوَازِ مَعَ التَّخْيِيرِ (أَنَّ الِامْتِنَاعَ) عَنْ الْبَيْعِ بِالنُّقْصَانِ (لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْغُرَمَاءِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ عَنْهُمْ، وَهَذَا) أَيْ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ

بِخِلَافِ الْبَيْعِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ بِالْمُحَابَاةِ الْيَسِيرَةِ حَيْثُ يَجُوزُ وَلَا يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ الْمُحَابَاةِ، وَالْمَوْلَى يُؤْمَرُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ بِالْيَسِيرِ مِنْهُمَا مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ التَّبَرُّعِ وَالْبَيْعِ لِدُخُولِهِ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ فَاعْتَبَرْنَاهُ تَبَرُّعًا فِي الْبَيْعِ مَعَ الْمَوْلَى لِلتُّهْمَةِ غَيْرَ تَبَرُّعٍ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ لِانْعِدَامِهَا، وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ بِالْكَثِيرِ مِنْ الْمُحَابَاةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ أَصْلًا عِنْدَهُمَا، وَمِنْ الْمَوْلَى يَجُوزُ وَيُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ الْمُحَابَاةِ؛ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ لَا تَجُوزُ مِنْ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ عَلَى أَصْلِهِمَا إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى، وَلَا إذْنَ فِي الْبَيْعِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ وَهُوَ إذْنٌ بِمُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ، غَيْرَ أَنَّ إزَالَةَ الْمُحَابَاةِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ، وَهَذَانِ الْفَرْقَانِ عَلَى أَصْلِهِمَا. قَالَ (وَإِنْ بَاعَهُ الْمَوْلَى شَيْئًا بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ أَقَلَّ جَازَ الْبَيْعُ) ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى أَجْنَبِيٌّ عَنْ كَسْبِهِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَلَا تُهْمَةَ فِي هَذَا الْبَيْعِ؛ وَلِأَنَّهُ مُفِيدٌ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي كَسْبِ الْعَبْدِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَيَتَمَكَّنُ الْمَوْلَى مِنْ أَخْذِ الثَّمَنِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ هَذَا التَّمَكُّنُ وَصِحَّةُ التَّصَرُّفِ تَتْبَعُ الْفَائِدَةَ (فَإِنْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ إلَيْهِ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ بَطَلَ الثَّمَنُ) ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى فِي الْعَيْنِ مِنْ حَيْثُ الْحَبْسُ، فَلَوْ بَقِيَ بَعْدَ سُقُوطِهِ يَبْقَى فِي الدَّيْنِ وَلَا يَسْتَوْجِبُهُ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ عَرَضًا؛ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ وَجَازَ أَنْ يَبْقَى حَقُّهُ مُتَعَلِّقًا بِالْعَيْنِ. قَالَ (وَإِنْ أَمْسَكَهُ فِي يَدِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ جَازَ) ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ فِي الْمَبِيعِ وَلِهَذَا كَانَ أَخَصَّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ، وَجَازَ أَنْ يَكُونَ لِلْمَوْلَى حَقٌّ فِي الدَّيْنِ إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجَوَازِ وَالتَّخْيِيرِ (بِخِلَافِ الْبَيْعِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ بِالْمُحَابَاةِ الْيَسِيرَةِ حَيْثُ يَجُوزُ وَلَا يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ الْمُحَابَاةِ، وَالْمَوْلَى يُؤْمَرُ بِهِ لِأَنَّ الْبَيْعَ بِالْيَسِيرِ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْمَوْلَى وَالْأَجْنَبِيِّ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ التَّبَرُّعِ وَالْبَيْعِ. أَمَّا التَّبَرُّعُ فَلِخُلُوِّ الْبَيْعِ عَنْ الثَّمَنِ فِي قَدْرِ الْمُحَابَاةِ، وَأَمَّا الْبَيْعُ (فَلِدُخُولِهِ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ فَاعْتَبَرْنَاهُ تَبَرُّعًا فِي الْبَيْعِ مَعَ الْمَوْلَى لِلتُّهْمَةِ غَيْرَ تَبَرُّعٍ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ لِانْعِدَامِهَا، وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ بِالْكَثِيرِ مِنْ الْمُحَابَاةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا أَصْلًا، لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ مِنْ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ لَا تَجُوزُ عَلَى أَصْلِهِمَا إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى وَلَا إذْنَ مِنْهُ فِي الْبَيْعِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ وَهُوَ إذْنٌ بِمُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ، غَيْرَ أَنَّ فِيهِ ضَرَرًا بِالْغُرَمَاءِ فَيُزَالُ بِإِزَالَةِ الْمُحَابَاةِ، وَهَذَانِ الْفَرْقَانِ) بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهَذَا الْفَرْقَانِ: قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ لِوُجُودِ هَذَيْنِ الْفَرْقَيْنِ عَلَى قَوْلِهِمَا وَكَوْنُهُ مُثْبَتًا فِي النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْفَرْقَيْنِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَوْلَى وَالْأَجْنَبِيِّ فِي حَقِّ الْمُحَابَاةِ الْيَسِيرَةِ حَيْثُ يُؤْمَرُ الْمَوْلَى بِإِزَالَتِهَا دُونَ الْأَجْنَبِيِّ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي الْكَثِيرَةِ حَيْثُ لَا تَجُوزُ عِنْدَهُمَا مَعَ الْأَجْنَبِيِّ أَصْلًا وَتَجُوزُ مَعَ الْمَوْلَى وَيُؤْمَرُ بِالْإِزَالَةِ. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ فَلَيْسَ بِمُحْتَاجٍ إلَى ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ مَعَ الْمَوْلَى شَيْئًا مِنْ الْمُحَابَاةِ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَوْلَى وَالْأَجْنَبِيِّ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ مُطْلَقًا وَمَعَ الْمَوْلَى بِمِثْلِ الْقِيمَةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ. قَالَ (وَإِنْ بَاعَهُ الْمَوْلَى شَيْئًا) كَلَامُهُ ظَاهِرٌ، إلَى قَوْلِهِ: فَإِنْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ إلَيْهِ: أَيْ الْعَبْدَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ بَطَلَ الثَّمَنُ، وَتَقْرِيرُ دَلِيلِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى ثَابِتٌ فِي الْعَيْنِ مِنْ حَيْثُ الْحَبْسُ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ حَقِّهِ بِمَالِيَّةِ الْعَيْنِ بَعْدَ الْبَيْعِ، وَالثَّابِتُ فِي الْعَيْنِ مِنْ حَيْثُ الْحَبْسُ سَقَطَ بِالتَّسْلِيمِ فَحَقُّ الْمَوْلَى سَقَطَ بِهِ، فَلَوْ فُرِضَ بَقَاءُ حَقِّهِ بَعْدَ سُقُوطِهِ لَكَانَ ذَلِكَ فِي الدَّيْنِ لِكَوْنِهِ فِي مُقَابَلَةِ الْعَيْنِ وَالْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُهُ عَلَى عَبْدِهِ، حَتَّى لَوْ أَتْلَفَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ لَمْ يَضْمَنْ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ عَرْضًا فَإِنَّ الْمَوْلَى يَسْتَوْجِبُهُ، وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِعَيْنِهِ بِالْعَقْدِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَيْنُ مِلْكِهِ فِي يَدِ غَيْرِهِ كَمَا لَوْ أَوْدَعَ عِنْدَ عَبْدِهِ شَيْئًا أَوْ غَصَبَهُ مِنْهُ (وَإِنْ أَمْسَكَ الْمَوْلَى الْمَبِيعَ فِي يَدِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ جَازَ لَهُ لِأَنَّهُ بَائِعٌ، وَلِلْبَائِعِ حَقُّ الْحَبْسِ فِي الْمَبِيعِ، وَلِهَذَا كَانَ هُوَ أَخَصَّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ) فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ اسْتَوْجَبَ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ حَتَّى حَبَسَ الْمَبِيعَ لِأَجْلِهِ وَهُوَ لَا يَسْتَوْجِبُهُ عَلَى مَا قُلْتُمْ آنِفًا. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَجَازَ أَنْ يَكُونَ لِلْمَوْلَى حَقٌّ فِي الدَّيْنِ إذَا

كَانَ يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ (وَلَوْ بَاعَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ الْمُحَابَاةِ أَوْ بِنَقْضِ الْبَيْعِ) كَمَا بَيَّنَّا فِي جَانِبِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْغُرَمَاءِ. قَالَ (وَإِذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى الْمَأْذُونَ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ فَعِتْقُهُ جَائِزٌ) ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهِ بَاقٍ وَالْمَوْلَى ضَامِنٌ لَقِيمَتِهِ لِلْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُمْ بَيْعًا وَاسْتِيفَاءً مِنْ ثَمَنِهِ (وَمَا بَقِيَ مِنْ الدُّيُونِ يُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ) ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ فِي ذِمَّتِهِ وَمَا لَزِمَ الْمَوْلَى إلَّا بِقَدْرِ مَا أَتْلَفَ ضَمَانًا فَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَيْهِ كَمَا كَانَ (فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ ضَمِنَ الدَّيْنَ لَا غَيْرَ) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ بِقَدْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَ الْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ الْمَأْذُونِ لَهُمَا وَقَدْ رَكِبَتْهُمَا دُيُونٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ) يَعْنِي يَجُوزُ أَنْ يَسْتَوْجِبَ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا إذَا كَانَ ذَلِكَ الدَّيْنُ مُتَعَلِّقًا بِالْعَيْنِ كَالْمُكَاتَبِ فَإِنَّ الْمَوْلَى اسْتَوْجَبَ عَلَيْهِ بَدَلَ الْكِتَابَةِ وَهُوَ دَيْنٌ لَمَّا تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْبَيْعَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ يُزِيلُ الْعَيْنَ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَا يُزِيلُ يَدَهُ مَا لَمْ يَسْتَوْفِ الثَّمَنَ، فَإِذَا كَانَتْ الْيَدُ بَاقِيَةً تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِالْعَيْنِ مِنْ حَيْثُ هِيَ وَبِالدَّيْنِ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقِهِ بِالْعَيْنِ (وَلَوْ بَاعَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ جَازَ لَكِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ إزَالَةِ الْمُحَابَاةِ وَنَقْضِ الْبَيْعِ كَمَا بَيَّنَّا فِي جَانِبِ الْعَبْدِ) سَوَاءٌ كَانَتْ يَسِيرَةً أَوْ كَثِيرَةً (لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْغُرَمَاءِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هَذَا عَلَى اخْتِيَارِ صَاحِبِ الْمَبْسُوطِ، وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ صَاحِبِ الْكِتَابِ وَهُوَ رِوَايَةُ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّ هَذَا الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَصْلًا بِمَا ذُكِرَ فِي جَانِبِ الْعَبْدِ. قَالَ (وَإِذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى) عَبْدَهُ (الْمَأْذُونَ) لَهُ (وَعَلَيْهِ دُيُونٌ) لَزِمَتْهُ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ أَوْ الْغَصْبِ أَوْ جُحُودِ الْوَدِيعَةِ أَوْ إتْلَافِ الْمَالِ (فَإِعْتَاقُهُ جَائِزٌ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ فِيهِ وَهُوَ ضَامِنٌ لِلْغُرَمَاءِ قِيمَتَهُ) بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ إذَا كَانَ الدَّيْنُ مِثْلَهَا أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا عَلِمَ بِالدَّيْنِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُمْ بَيْعًا وَاسْتِيفَاءً مِنْ ثَمَنِهِ وَضَمَانُ الْإِتْلَافِ لَا يَخْتَلِفُ بِالْعِلْمِ وَعَدَمِهِ وَلَا يُوجِبُ أَزْيَدَ مِنْ مِقْدَارِ مَا أَتْلَفَهُ (فَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَيْهِ كَمَا كَانَ) وَيُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ (فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ ضَمِنَ الدَّيْنَ لَا غَيْرُ لِأَنَّ حَقَّهُمْ بِقَدْرِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَ الْمُدَبَّرَ) عَلَى مَا ذَكَرَهُ وَهُوَ وَاضِحٌ

لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِرَقَبَتِهِمَا اسْتِيفَاءً بِالْبَيْعِ فَلَمْ يَكُنْ الْمَوْلَى مُتْلِفًا حَقَّهُمْ فَلَمْ يَتَضَمَّنْ شَيْئًا ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ (وَإِنْ بَاعَهُ الْمَوْلَى وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِرَقَبَتِهِ وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَغَيَّبَهُ، فَإِنْ شَاءَ الْغُرَمَاءُ ضَمَّنُوا الْبَائِعَ قِيمَتَهُ، وَإِنْ شَاءُوا ضَمَّنُوا الْمُشْتَرِيَ) ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُمْ حَتَّى كَانَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوهُ، إلَّا أَنْ يَقْضِيَ الْمَوْلَى دَيْنَهُمْ وَالْبَائِعُ مُتْلِفٌ حَقَّهُمْ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ وَالْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ وَالتَّغْيِيبِ فَيُخَيَّرُونَ فِي التَّضْمِينِ (وَإِنْ شَاءُوا أَجَازُوا الْبَيْعَ وَأَخَذُوا الثَّمَنَ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ وَالْإِجَازَةُ اللَّاحِقَةُ كَالْإِذْنِ السَّابِقِ كَمَا فِي الْمَرْهُونِ (فَإِنْ ضَمَّنُوا الْبَائِعَ قِيمَتَهُ ثُمَّ رُدَّ عَلَى الْمَوْلَى بِعَيْبٍ لِلْمَوْلَى أَنْ يَرْجِعَ بِالْقِيمَةِ وَيَكُونَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ فِي الْعَبْدِ) ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ قَدْ زَالَ وَهُوَ الْبَيْعُ وَالتَّسْلِيمُ، وَصَارَ كَالْغَاصِبِ إذَا بَاعَ وَسَلَّمَ وَضَمِنَ الْقِيمَةَ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى الْمَالِكِ وَيَسْتَرِدَّ الْقِيمَةَ كَذَا هَذَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَإِنْ بَاعَهُ الْمَوْلَى وَعَلَيْهِ دُيُونٌ تُحِيطُ بِرَقَبَتِهِ وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَغَيَّبَهُ) مَعْنَاهُ بَاعَهُ بِثَمَنٍ لَا يَفِي بِدُيُونِهِمْ بِدُونِ إذْنِ الْغُرَمَاءِ وَالدَّيْنُ حَالٌّ (فَإِنْ شَاءَ الْغُرَمَاءُ ضَمَّنُوا الْبَائِعَ قِيمَتَهُ وَإِنْ شَاءُوا ضَمَّنُوا الْمُشْتَرِيَ) ، لِأَنَّ حَقَّهُمْ تَعَلَّقَ بِالْعَبْدِ حَتَّى كَانَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوهُ إلَّا أَنْ يَقْضِيَ الْمَوْلَى دَيْنَهُمْ وَقَدْ أَتْلَفَاهُ، أَمَّا الْبَائِعُ فَبِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ، وَأَمَّا الْمُشْتَرِي فَبِالْقَبْضِ وَالتَّغْيِيبِ، فَيُخَيَّرُ الْغُرَمَاءُ فِي التَّضْمِينِ. وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لِأَنَّهُمَا لَا يَضْمَنَانِ بِمُجَرَّدِهِمَا، بَلْ بِتَغْيِيبِ مَا فِيهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ وَهُوَ الْعَبْدُ لِأَنَّهُمْ يَسْتَسْعَوْنَهُ أَوْ يَبِيعُونَهُ كَمَا يُرِيدُونَ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَفُوتُ بِالتَّسْلِيمِ وَالتَّغْيِيبِ لَا بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ (وَإِنْ شَاءُوا أَجَازُوا الْبَيْعَ وَأَخَذُوا الثَّمَنَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ فَلَهُمْ الْإِجَازَةُ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالْإِذْنِ السَّابِقِ) وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ بِإِذْنِهِمْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ ضَمَانٌ فَكَذَا إذَا أَجَازُوا، وَكَذَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ وَفَّى بِدُيُونِهِمْ وَوَصَلَ إلَيْهِمْ فَلَيْسَ لَهُمْ تَضْمِينُ الْبَائِعِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ الدُّيُونُ عَلَى الْمَأْذُونِ مُؤَجَّلَةً إلَى أَجَلٍ فَبَاعَهُ الْمَوْلَى بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ بِأَقَلَّ مِنْهَا جَازَ بَيْعُهُ، وَلَيْسَ لَهُمْ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ حَتَّى يَحِلَّ دَيْنُهُمْ، فَإِنْ حَلَّ ضَمَّنُوهُ قِيمَتَهُ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيْهِمْ مَحَلَّ حَقِّهِمْ وَهُوَ الْمَالِيَّةُ، وَهَذِهِ فَوَائِدُ الْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ، وَقَوْلُهُ (كَمَا فِي الْمَرْهُونِ) يَعْنِي أَنَّ الرَّاهِنَ إذَا بَاعَ الْمَرْهُونَ بِدُونِ إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ أَجَازَهُ الْمُرْتَهِنُ جَازَ الْبَيْعُ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ فِي الِانْتِهَاءِ كَالْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ (فَإِنْ ضَمَّنُوا الْبَائِعَ قِيمَتَهُ ثُمَّ رُدَّ عَلَى الْمَوْلَى) إلَخْ مَعْنَاهُ إذَا قَبِلَهُ بِقَضَاءٍ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا رَدَّهُ فَقَدْ فَسَخَ الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا فَعَادَ إلَى الْحَالِ الْأُولَى وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَكِنْ بَقِيَ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ حَقَّهُمْ كَانَ فِي بَيْعِ الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى قَدْ رَفَعَ عَنْهُمْ الْمُؤْنَةَ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ كَالْوَصِيِّ إذَا بَاعَ التَّرِكَةَ بِغَيْرِ إذْنِ الْغُرَمَاءِ. وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ حَقَّهُمْ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي الْبَيْعِ بَلْ لَهُمْ الِاسْتِسْعَاءُ وَقَدْ فَاتَ بِالْبَيْعِ، وَحَقُّ الْغُرَمَاءِ مُنْحَصِرٌ

قَالَ (وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى بَاعَهُ مِنْ رَجُلٍ وَأَعْلَمَهُ بِالدَّيْنِ فَلِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَرُدُّوا الْبَيْعَ) لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ وَهُوَ حَقُّ الِاسْتِسْعَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ مِنْ رَقَبَتِهِ، وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَائِدَةٌ، فَالْأَوَّلُ تَامٌّ مُؤَخَّرٌ وَالثَّانِي نَاقِصٌ مُعَجَّلٌ، وَبِالْبَيْعِ تَفُوتُ هَذِهِ الْخِيرَةُ فَلِهَذَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوهُ. قَالُوا: تَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِمْ الثَّمَنُ، فَإِنْ وَصَلَ وَلَا مُحَابَاةَ فِي الْبَيْعِ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوهُ لِوُصُولِ حَقِّهِمْ إلَيْهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي بَيْعِ التَّرِكَةِ فَافْتَرَقَا. قَالَ (وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى بَاعَهُ مِنْ رَجُلٍ وَأَعْلَمَهُ بِالدَّيْنِ) إذَا قَالَ الْمَوْلَى هَذَا الْعَبْدُ الَّذِي أَبِيعُهُ مَدْيُونٌ يُرِيدُ بِهِ سُقُوطَ خِيَارِ الْمُشْتَرِي فِي الرَّدِّ بِعَيْبِ الدَّيْنِ لِيَكُونَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا لَازِمًا فَذَلِكَ لَا يُوجِبُ اللُّزُومَ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ (فَلَهُمْ أَنْ يَرُدُّوا الْبَيْعَ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ وَهُوَ حَقُّ الِاسْتِسْعَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ مِنْ رَقَبَتِهِ) بِهِ وَكَلِمَةُ بِهِ مَحْذُوفَةٌ مِنْ الْمَتْنِ (وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَائِدَةٌ) فَالْأَوَّلُ يَعْنِي الِاسْتِسْعَاءَ (تَامٌّ مُؤَخَّرٌ وَالثَّانِي نَاقِصٌ) إنْ لَمْ يَفِ بِدُيُونِهِمْ (مُعَجَّلٌ وَبِالْبَيْعِ تَفُوتُ هَذِهِ الْخِيَرَةُ فَلِهَذَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوهُ. قَالَ الْمَشَايِخُ: تَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِمْ الثَّمَنُ، فَإِنْ وَصَلَ وَلَا مُحَابَاةَ فِي الْبَيْعِ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوهُ لِوُصُولِ حَقِّهِمْ إلَيْهِمْ) قَبِلَ فِي عِبَارَتِهِ تَسَامُحٌ لِأَنَّ وُصُولَ الثَّمَنِ إلَيْهِمْ مَعَ عَدَمِ الْمُحَابَاةِ فِي الْبَيْعِ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الرَّدِّ لِجَوَازِ أَنْ يَصِلَ إلَيْهِمْ الثَّمَنُ وَلَا مُحَابَاةَ فِي الْبَيْعِ لَكِنْ لَا يَفِي الثَّمَنُ بِدُيُونِهِمْ فَيَبْقَى لَهُمْ وِلَايَةُ الرَّدِّ وَالِاسْتِسْعَاءُ فِي الدُّيُونِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمْ قَدْ رَضُوا بِسُقُوطِ حَقِّهِمْ حَيْثُ قَبَضُوا الثَّمَنَ فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ وِلَايَةُ الرَّدِّ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَذْهَبُ بِفَائِدَةِ قَوْلِهِ وَلَا مُحَابَاةَ فِي الْبَيْعِ، فَإِنَّهُمْ إذَا قَبَضُوا الثَّمَنَ وَرَضُوا بِهِ سَقَطَ حَقُّهُمْ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مُحَابَاةٌ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ أَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ وَلَا مُحَابَاةَ فِي الْبَيْعِ مَعْنَاهُ أَنَّ الثَّمَنَ يَفِي بِدُيُونِهِمْ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَالثَّانِي نَاقِصٌ مُعَجَّلٌ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ نَاقِصًا إذَا لَمْ يَفِ بِالدُّيُونِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا بَاعَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ الْجَانِي بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ كَانَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ فَمَا بَالُ هَذَا لَا يَكُونُ

قَالَ (فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ غَائِبًا فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي) مَعْنَاهُ إذَا أَنْكَرَ الدَّيْنَ وَهَذَا (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْمُشْتَرِي خَصْمُهُمْ وَيَقْضِي لَهُمْ بِدَيْنِهِمْ) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا اشْتَرَى دَارًا وَوَهَبَهَا وَسَلَّمَهَا وَغَابَ ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ فَالْمَوْهُوبُ لَهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ. وَعَنْهُمَا مِثْلُ قَوْلِهِ فِي مَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَدَّعِي الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ فَيَكُونُ خَصْمًا لِكُلِّ مَنْ يُنَازِعُهُ. وَلَهُمَا أَنَّ الدَّعْوَى تَتَضَمَّنُ فَسْخَ الْعَقْدِ وَقَدْ قَامَ بِهِمَا فَيَكُونُ الْفَسْخُ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمُخْتَارًا لِقَضَاءِ الدُّيُونِ مِنْ مَالِهِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ مُوجِبَ الْجِنَايَةِ الدَّفْعُ عَلَى الْمَوْلَى، فَإِذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ طُولِبَ بِهِ لِبَقَاءِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الدَّيْنُ فَهُوَ وَاجِبٌ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ بِحَيْثُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْبَيْعِ وَالْإِعْتَاقِ حَتَّى يُؤَاخَذَ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ، فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْبَيْعُ مِنْ الْمَوْلَى بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَقُولَ أَنَا أَقْضِي دَيْنَهُ وَذَلِكَ عِدَةٌ مِنْهُ بِالتَّبَرُّعِ فَلَا يَلْزَمُهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنَا أَقْضِي دَيْنَهُ يَحْتَمِلُ الْكَفَالَةَ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ عِدَةً. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعِدَةَ أَدْنَى الِاحْتِمَالَيْنِ فَيَثْبُتُ بِهِ إلَّا أَنْ يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ (فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ غَائِبًا فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي إذَا أَنْكَرَ الدَّيْنَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِالْإِنْكَارِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا أَقَرَّ بِدَيْنِهِمْ وَصَدَّقَهُمْ فِي الدَّعْوَى كَانَ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوا الْبَيْعَ بِلَا خِلَافٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْمُشْتَرِي خَصْمُهُمْ وَيَقْضِي لَهُمْ بِدَيْنِهِمْ، لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ فَيَكُونُ خَصْمًا لِكُلِّ مَنْ يُنَازِعُهُ فِيمَا فِي يَدِهِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ لَوْ جَعَلَ خَصْمًا لَادَّعَى عَلَيْهِ، وَالدَّعْوَى تَتَضَمَّنُ فَسْخَ الْعَقْدِ وَالْعَقْدُ قَدْ قَامَ بِهِمَا فَيَكُونُ الْفَسْخُ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ دَارًا لَهَا شَفِيعٌ ثُمَّ وَهَبَهَا لِرَجُلٍ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ وَغَابَ الْوَاهِبُ ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ فَإِنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ وَعَنْهُمَا، وَهُوَ رِوَايَةُ

قَالَ (وَمَنْ قَدِمَ مِصْرًا وَقَالَ أَنَا عَبْدٌ لِفُلَانٍ فَاشْتَرَى وَبَاعَ لَزِمَهُ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ التِّجَارَةِ) ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَخْبَرَ بِالْإِذْنِ فَالْإِخْبَارُ دَلِيلٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُخْبِرْ فَتَصَرُّفُهُ دَلِيلٌ عَلَيْهِ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَحْجُورَ يَجْرِي عَلَى مُوجِبِ حَجْرِهِ وَالْعَمَلُ بِالظَّاهِرِ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْمُعَامَلَاتِ كَيْ لَا يَضِيقَ الْأَمْرُ عَلَى النَّاسِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنِ سِمَاعَةَ مِثْلُ قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. قَالَ (وَمَنْ قَدِمَ مِصْرًا) رَجُلٌ قَدِمَ مِصْرًا وَقَالَ أَنَا عَبْدٌ لِفُلَانِ فَاشْتَرَى وَبَاعَ لَزِمَهُ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ التِّجَارَةِ، لِأَنَّهُ إنْ أَخْبَرَ أَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فَإِخْبَارُهُ دَلِيلٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُخْبِرْ فَتَصَرُّفُهُ دَلِيلٌ عَلَى إذْنِهِ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِشَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ وَهَذَا إقْرَارٌ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ. وَالثَّانِي أَخْبَرَ أَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي التِّجَارَةِ وَهَذَا إقْرَارٌ عَلَى الْمَوْلَى، وَإِقْرَارُهُ عَلَيْهِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (كَيْ لَا يَضِيقَ الْأَمْرُ عَلَى النَّاسِ) تَوْضِيحُهُ أَنَّ لِلنَّاسِ حَاجَةً إلَى قَبُولِ قَوْلِهِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَبْعَثُ الْأَحْرَارَ وَالْعَبِيدَ فِي التِّجَارَةِ، فَلَوْ لَوْ يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَاحِدِ فِي الْمُعَامَلَاتِ لَاحْتَاجَ إلَى أَنْ يَبْعَثَ شَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ عِنْدَ كُلِّ تَصَرُّفٍ أَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، وَفِي ذَلِكَ مِنْ الضِّيقِ مَا لَا يَخْفَى.

[فصل إذا أذن ولي الصبي للصبي في التجارة]

(إلَّا أَنَّهُ لَا يُبَاعُ حَتَّى يَحْضُرَ مَوْلَاهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّهَا خَالِصُ حَقِّ الْمَوْلَى، بِخِلَافِ الْكَسْبِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا (فَإِنْ حَضَرَ فَقَالَ هُوَ مَأْذُونٌ بِيعَ فِي الدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ الدَّيْنُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى (وَإِنْ قَالَ هُوَ مَحْجُورٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ. (فَصْلٌ) : (وَإِذَا أَذِنَ وَلِيُّ الصَّبِيِّ لِلصَّبِيِّ فِي التِّجَارَةِ فَهُوَ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ إذَا كَانَ يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ حَتَّى يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَنْفُذُ؛ لِأَنَّ حَجْرَهُ لِصِبَاهُ فَيَبْقَى بِبَقَائِهِ، وَلِأَنَّهُ مُوَلًّى عَلَيْهِ حَتَّى يَمْلِكَ الْوَلِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّهُ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لَزِمَهُ كُلُّ شَيْءٍ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي كَسْبِهِ وَفَاءٌ لَا يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ حَتَّى يَحْضُرَ مَوْلَاهُ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّقَبَةِ لِأَنَّ بَيْعَهَا لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ الْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا أُذِنَ لِلْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَلَحِقَهُمَا الدَّيْنُ لَا يُبَاعَانِ فِيهِ فَكَانَتْ خَالِصَ حَقِّ الْمَوْلَى وَحِينَئِذٍ جَازَ أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا وَلَا يُبَاعُ، بِخِلَافِ الْكَسْبِ فَإِنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ كَسْبِهِ مِنْ لَوَازِمِ الْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ وَهُوَ حَقُّ الْعَبْدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ فِي وَسَطِ كِتَابِ الْمَأْذُونِ وَيَتَعَلَّقُ دَيْنُهُ بِكَسْبِهِ، إلَى أَنْ قَالَ: لِأَنَّ الْمَوْلَى إنَّمَا يَخْلُفُهُ فِي الْمِلْكِ بَعْدَ فَرَاغِهِ عَنْ حَاجَةِ الْعَبْدِ (فَإِنْ حَضَرَ مَوْلَاهُ فَقَالَ هُوَ مَأْذُونٌ لَهُ بَيْعٌ فِي الدَّيْنِ لِظُهُورِهِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَإِنْ قَالَ هُوَ مَحْجُورٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) وَعَلَى الْغُرَمَاءِ الْبَيِّنَةُ، لِأَنَّ دَعْوَاهُ الْإِذْنَ كَدَعْوَاهُ الْإِعْتَاقَ وَالْكِتَابَةَ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عِنْدَ جُحُودِ الْمَوْلَى، إلَّا بِبَيِّنَةٍ. [فَصْلٌ إذَا أَذِنَ وَلِيُّ الصَّبِيِّ لِلصَّبِيِّ فِي التِّجَارَةِ] (فَصْلٌ) : لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَحْكَامِ إذْنِ الْعَبْدِ فِي التِّجَارَةِ بَيَّنَ أَحْكَامَ إذْنِ الصَّبِيِّ، إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ الْأَوَّلَ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ، وَلِكَوْنِهِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ

التَّصَرُّفَ عَلَيْهِ وَيَمْلِكَ حَجْرَهُ فَلَا يَكُونُ وَالِيًا لِلْمُنَافَاةِ وَصَارَ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَامُ بِالْوَلِيِّ، وَكَذَا الْوَصِيَّةُ عَلَى أَصْلِهِ فَتَحَقَّقَتْ الضَّرُورَةُ إلَى تَنْفِيذِهِ مِنْهُ. أَمَّا بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَيَتَوَلَّاهُ الْوَلِيُّ فَلَا ضَرُورَةَ هَاهُنَا. وَلَنَا أَنَّ التَّصَرُّفَ الْمَشْرُوعَ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَوَجَبَ تَنْفِيذُهُ عَلَى مَا عُرِفَ تَقْرِيرُهُ فِي الْخِلَافِيَّاتِ. وَالصِّبَا سَبَبُ الْحَجْرِ لِعَدَمِ الْهِدَايَةِ لَا لِذَاتِهِ، وَقَدْ ثَبَتَتْ نَظَرًا إلَى إذْنِ الْوَلِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْجَوَازِ، وَالصَّبِيُّ الَّذِي يَعْقِلُ الْغَبْنَ الْيَسِيرَ مِنْ الْفَاحِشِ إذَا أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ كَانَ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ فِي نُفُوذِ تَصَرُّفِهِ وَعَدَمِ التَّقْيِيدِ بِنَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ وَصَيْرُورَتُهُ مَأْذُونًا بِالسُّكُوتِ وَصِحَّةِ إقْرَارِهِ بِمَا فِي يَدِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا ذُكِرَ فِي الْعَبْدِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ لِأَنَّ حَجْرَهُ لِصِيَانَةِ نَفْسِهِ وَهُوَ بَاقٍ بَعْدَ الْإِذْنِ، وَبَقَاءُ الْعِلَّةِ يَسْتَلْزِمُ الْمَعْلُولَ لَا مَحَالَةَ، بِخِلَافِ حَجْرِ الرَّقِيقِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلرِّقِّ نَفْسِهِ بَلْ لِحَقِّ الْمَوْلَى، وَهُوَ يَسْقُطُ بِإِذْنِهِ لِكَوْنِهِ رَاضِيًا بِتَصَرُّفِهِ حِينَئِذٍ، وَلِأَنَّهُ مُوَلًّى عَلَيْهِ حَتَّى يَمْلِكَ الْمَوْلَى التَّصَرُّفَ وَالْحَجْرَ عَلَيْهِ وَالْمُوَلَّى عَلَيْهِ لَا يَكُونُ وَالِيًا لِلْمُنَافَاةِ، لِأَنَّ كَوْنَهُ مَوْلِيًّا عَلَيْهِ سِمَةُ الْعَجْزِ وَكَوْنُهُ وَالِيًا سِمَةُ الْقُدْرَةِ فَصَارَ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَلَا يَصِحَّانِ مِنْهُ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ بِخِلَافِ الصَّوْمِ النَّفْلِ وَالصَّلَاةِ النَّافِلَةِ لِأَنَّهُمَا لَا يُقَامَانِ بِالْوَلِيِّ فَيَصِحَّانِ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْوَصِيَّةُ عَلَى أَصْلِهِ) يَعْنِي قُلْت بِصِحَّتِهَا كَصِحَّتِهِمَا إذَا كَانَتْ فِي أَبْوَابِ الْخَيْرِ، وَأَصْلُهُ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الْوَلِيِّ فِي حَقِّهِ صَحَّ تَصَرُّفُهُ بِنَفْسِهِ فِيهِ وَمَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ لَا يَصِحُّ مُبَاشَرَةُ الصَّبِيِّ فِيهِ بِنَفْسِهِ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ بِنَفْسِهِ بِسَبَبِ الضَّرُورَةِ (وَقَدْ تَحَقَّقَتْ) فَيَجِبُ تَنْفِيذُهَا (إمَّا بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَيَتَوَلَّاهُ الْوَلِيُّ فَلَا ضَرُورَةَ. وَلَنَا أَنَّ التَّصَرُّفَ الْمَشْرُوعَ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَوَجَبَ تَنْفِيذُهُ) أَمَّا أَنَّهُ تَصَرُّفٌ مَشْرُوعٌ فَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَلَّ الْبَيْعَ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْبَالِغِ وَالصَّبِيِّ، وَأَمَّا أَنَّهُ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فَلِأَنَّهُ عَاقِلٌ مُمَيِّزٌ يَعْلَمُ أَنَّ الْبَيْعَ سَالِبٌ وَالشِّرَاءَ جَالِبٌ وَيَعْلَمُ الْغَبْنَ الْيَسِيرَ مِنْ الْفَاحِشِ وَالْأَهْلِيَّةُ لِهَذَا التَّصَرُّفِ بِكَوْنِهِ كَذَلِكَ. وَأَمَّا أَنَّهُ فِي مَحَلِّهِ فَلِكَوْنِ الْمَبِيعِ مَالًا مُتَقَوِّمًا. وَأَمَّا الْوِلَايَةُ الشَّرْعِيَّةُ فَلِأَنَّهُ صَدَرَ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، وَالْوَلِيُّ لَهُ هَذَا التَّصَرُّفُ فَكَذَا مَنْ أُذِنَ لَهُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ لَمَّا لَمْ يَمْلِكْهُ الْوَلِيُّ لَا يَمْلِكُ الْإِذْنَ بِهِ، فَصُدُورُهُمَا مِنْ الصَّبِيِّ لَا يَكُونُ عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَإِنْ أَذِنَ الْوَلِيُّ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ وَالصِّبَا سَبَبُ الْحَجْرِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ حَجْرَهُ لِصِبَاهُ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ حَجْرَ الصَّبِيِّ لِذَاتِهِ بَلْ بِالْغَيْرِ وَهُوَ عَدَمُ الْهِدَايَةِ فِي أُمُورِ التِّجَارَةِ، فَصَارَ كَالْعَبْدِ فِي كَوْنِ حَجْرِهِ لِغَيْرِهِ وَهُوَ حَقُّ الْمَوْلَى، فَإِذَا أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ زَالَ ذَلِكَ الْغَيْرُ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ

وَبَقَاءُ وِلَايَتِهِ لِنَظَرِ الصَّبِيِّ لِاسْتِيفَاءِ الْمَصْلَحَةِ بِطَرِيقَيْنِ وَاحْتِمَالِ تَبَدُّلِ الْحَالِ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ؛ لِأَنَّهُ ضَارٌّ مَحْضٌ فَلَمْ يُؤَهَّلْ لَهُ. وَالنَّافِعُ الْمَحْضُ كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ يُؤَهَّلُ لَهُ قَبْلَ الْإِذْنِ، وَالْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ دَائِرٌ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ فَيُجْعَلُ أَهْلًا لَهُ بَعْدَ الْإِذْنِ لَا قَبْلَهُ، لَكِنْ قَبْلَ الْإِذْنِ يَكُونُ مَوْقُوفًا مِنْهُ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهِ نَظَرًا، وَصِحَّةُ التَّصَرُّفِ فِي نَفْسِهِ، وَذِكْرُ الْوَلِيِّ فِي الْكِتَابِ يَنْتَظِمُ الْأَبَ وَالْجَدَّ عِنْدَ عَدَمِهِ وَالْوَصِيَّ وَالْقَاضِي وَالْوَالِي، بِخِلَافِ صَاحِبِ الشُّرَطِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ إلَيْهِ تَقْلِيدُ الْقُضَاةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَوْ لَمْ يَكُنْ هَادِيًا فِي أُمُورِ التِّجَارَةِ لَمَّا أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ كَمَا لَوْ لِلْعَبْدِ الْمَوْلَى. وَقَوْلُهُ (وَبَقَاءُ وِلَايَتِهِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَوْ ثَبَتَ لَهُ الْهِدَايَةُ بِالْإِذْنِ لَمْ يَبْقَ الْوَلِيُّ وَلِيًّا. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ بَقَاءَ وِلَايَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَمْرَيْنِ لِلنَّظَرِ لَهُ، فَإِنَّ الصِّبَا مِنْ أَسْبَابِ الْمَرْحَمَةِ بِالْحَدِيثِ، وَفِي اعْتِبَارِ كَلَامِهِ فِي التَّصَرُّفِ نَفْعٌ مَحْضٌ لِاسْتِيفَاءِ الْمَصْلَحَةِ بِطَرِيقَيْنِ: أَيْ بِمُبَاشَرَةِ وَلِيِّهِ لَهُ وَبِمُبَاشَرَةِ نَفْسِهِ فَكَانَ مَرْحَمَةً فِي حَقِّهِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ، وَلِاحْتِمَالِ تَبَدُّلِ الْحَالِ فَإِنَّ حَالَ الصَّبِيِّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَتَبَدَّلَ مِنْ الْهِدَايَةِ إلَى غَيْرِهَا فَأَبْقَيْنَا وِلَايَةَ الْوَلِيِّ لِيُتَدَارَكَ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَصَارَ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ تَصَرُّفَاتِ الصَّبِيِّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: نَافِعٌ مَحْضٌ، وَضَارٌّ مَحْضٌ، وَمُتَرَدِّدٌ بَيْنَهُمَا. فَالْأَوَّلُ كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ يُؤَهَّلُ لَهُ قَبْلَ الْإِذْنِ وَبَعْدَهُ. وَالثَّانِي كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لَا يُؤَهَّلُ لَهُ أَصْلًا. وَالثَّالِثُ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ يُؤَهَّلُ لَهُ بَعْدَ الْإِذْنِ لِأَنَّ نُقْصَانَ رَأْيِهِ يَنْجَبِرُ بِرَأْيِ الْوَلِيِّ لَا قَبْلَهُ، لَكِنْ قَبْلَ الْإِذْنِ يَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهِ نَظَرًا فَإِنَّهُ أَحَدُ الْمُحْتَمَلَيْنِ، وَصِحَّةُ التَّصَرُّفِ فِي نَفْسِهِ لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا بَاعَ شَيْئًا بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ كَانَ نَافِعًا مَحْضًا كَقَبُولِ الْهِبَةِ فَيَجِبُ نُفُوذُهُ بِلَا تَوَقُّفٍ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ هُوَ الْوَضْعُ لَا الْجُزْئِيَّاتُ الْوَاقِعَةُ اتِّفَاقًا (وَذِكْرُ الْوَلِيِّ فِي الْكِتَابِ يَنْتَظِمُ الْأَبَ وَالْجَدَّ عِنْدَ عَدَمِهِ) وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ التَّرْتِيبَ؛ لِأَنَّ وَصِيَّ الْأَبِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَدِّ وَتَرْتِيبُهُ وَلِيُّهُ وَهُوَ الْأَبُ ثُمَّ وَصِيُّ الْأَبِ ثُمَّ الْجَدُّ أَبُ الْأَبِ ثُمَّ وَصِيُّهُ ثُمَّ الْقَاضِي أَوْ وَصِيُّهُ ثُمَّ الْوَالِي (بِخِلَافِ صَاحِبِ الشَّرْطِ) يُرِيدُ بِهِ أَمِيرَ الْبَلْدَةِ كَأَمِيرِ بُخَارَى فَكَانَ الْوَالِي أَكْبَرَ مِنْهُ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ

وَالشَّرْطُ أَنْ يَعْقِلَ كَوْنَ الْبَيْعِ سَالِبًا لِلْمِلْكِ جَالِبًا لِلرِّبْحِ، وَالتَّشْبِيهُ بِالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ يُفِيدُ أَنَّ مَا يَثْبُتُ فِي الْعَبْدِ مِنْ الْأَحْكَامِ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فَكُّ الْحَجْرِ وَالْمَأْذُونُ يَتَصَرَّفُ بِأَهْلِيَّةِ نَفْسِهِ عَبْدًا كَانَ أَوْ صَبِيًّا، فَلَا يَتَقَيَّدُ تَصَرُّفُهُ بِنَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ. وَيَصِيرُ مَأْذُونًا بِالسُّكُوتِ كَمَا فِي الْعَبْدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَقْلِيدِ الْقَاضِي دُونَ صَاحِبِ الشَّرْطِ، وَقَوْلُهُ (وَالشَّرْطُ أَنْ يَعْقِلَ) قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. وَقَوْلُهُ (وَالتَّشْبِيهُ بِالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ إلَخْ) كَذَلِكَ، لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ التَّعْمِيمَ لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ، فَإِنَّ الْمَوْلَى مَحْجُورٌ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ بِدَيْنٍ يُحِيطُ بِمَالِهِ دُونَ الْوَلِيِّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ انْحِجَارِ الْمَوْلَى وَعَدَمُ انْحِجَارِ الْوَلِيِّ لَيْسَ مِنْ التَّعْمِيمِ فِي تَصَرُّفِ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ، وَبِأَنَّ دَيْنَ الصَّبِيِّ لِكَوْنِهِ حُرًّا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ لَا بِمَالِهِ فَجَازَ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ الْوَلِيُّ، وَدَيْنُ الْعَبْدِ يَتَعَلَّقُ بِكَسْبِهِ وَالْمَوْلَى أَجْنَبِيٌّ مِنْهُ إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرَقًا

وَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ كَسْبِهِ وَكَذَا بِمَوْرُوثِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، كَمَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْعَبْدِ وَلَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ عَبْدِهِ وَلَا كِتَابَتِهِ كَمَا فِي الْعَبْدِ وَالْمَعْتُوهِ الَّذِي يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ يَصِيرُ مَأْذُونًا بِإِذْنِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْوَصِيِّ دُونَ غَيْرِهِمْ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الصَّبِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بَعْدَ الْإِذْنِ بِمَا هُوَ كَسْبُهُ) عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا لِوَلِيِّهِ وَلِغَيْرِهِ لِانْفِكَاكِ الْحَجْرِ عَنْهُ فَكَانَ كَالْبَالِغِينَ، وَأَوْرَدَ بِأَنَّ الْوِلَايَةَ الْمُتَعَدِّيَةَ فَرْعُ الْوِلَايَةِ الْقَائِمَةِ، وَالْوَلِيُّ لَا يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ عَلَى مَالِ الصَّبِيِّ فَكَيْفَ أَفَادَهُ ذَلِكَ بِإِذْنِهِ؟ . وَالْجَوَابُ أَنَّهُ أَفَادَهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ، وَالْوَلِيُّ يَمْلِكُ الْإِذْنَ بِالتِّجَارَةِ وَتَوَابِعِهَا (وَكَذَا بِمَوْرُوثِهِ فِي ظَاهِرِ الرَّاوِيَةِ) احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ، لِأَنَّ صِحَّةَ إقْرَارِهِ فِي كَسْبِهِ لِحَاجَتِهِ فِي التِّجَارَةِ إلَى ذَلِكَ لِئَلَّا يَمْتَنِعَ النَّاسُ عَنْ مُعَامَلَتِهِ فِي التِّجَارَةِ وَهِيَ مَعْدُومَةٌ فِي الْمَوْرُوثِ، وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْحَجْرَ لَمَّا انْفَكَّ عَنْهُ بِالْإِذْنِ الْتَحَقَ بِالْبَالِغِينَ، وَلِهَذَا نَفَذَ أَبُو حَنِيفَةَ بَعْدَ الْإِذْنِ تَصَرُّفُهُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ كَالْبَالِغِينَ فَكَانَ الْمَوْرُوثُ وَالْمُكْتَسَبُ فِي صِحَّةِ الْإِقْرَارِ سَوَاءً لِكَوْنِهِمَا مَالِيَّةً (وَلَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ عَبْدِهِ) بِالِاتِّفَاقِ، وَفِي تَزْوِيجِ أَمَتِهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ (وَلَا كِتَابَتَهُ) وَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ وَالْوَصِيُّ يَمْلِكَانِهَا لِأَنَّ الْإِذْنَ يَتَنَاوَلُ مَا كَانَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ وَالْكِتَابَةُ لَيْسَتْ مِنْهُ (وَالْمَعْتُوهُ الَّذِي يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ) بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ (بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ يَصِيرُ مَأْذُونًا بِإِذْنِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْوَصِيِّ دُونَ غَيْرِهِمْ) مِنْ الْأَقَارِبِ كَالِابْنِ لِلْمَعْتُوهِ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ دُونَ الْقَاضِي فَإِنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَى الْمَعْتُوهِ (عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) يَعْنِي قَوْلَهُ وَذِكْرُ الْوَلِيِّ فِي الْكِتَابِ يَنْتَظِمُ الْأَبَ وَالْجَدَّ إلَخْ (وَحُكْمُهُ حُكْمُ الصَّبِيِّ) إذَا بَلَغَ مَعْتُوهًا، فَأَمَّا إذَا بَلَغَ عَاقِلًا ثُمَّ عَتِهَ فَأَذِنَ لَهُ الْأَبُ فِي التِّجَارَةِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَصِحُّ قِيَاسًا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَيَصِحُّ اسْتِحْسَانًا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[كتاب الغصب]

(كِتَابُ الْغَصْبِ) : الْغَصْبُ فِي اللُّغَةِ: أَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ الْغَيْرِ عَلَى سَبِيلِ التَّغَلُّبِ لِلِاسْتِعْمَالِ فِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْغَصْبِ] إيرَادُ الْغَصْبِ بَعْدَ الْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْغَصْبَ مِنْ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ مَآلًا حَتَّى إنَّ إقْرَارَ الْمَأْذُونِ لَمَّا صَحَّ بِدُيُونِ التِّجَارَةِ دُونَ غَيْرِهَا صَحَّ بِدَيْنِ الْغَصْبِ وَلَمْ يَصِحَّ بِدَيْنِ الْمَهْرِ لِكَوْنِ الْأَوَّلِ مِنْ التِّجَارَةِ دُونَ الثَّانِي، فَكَانَ ذِكْرُ النَّوْعِ بَعْدَ ذِكْرِ الْجِنْسِ مُنَاسِبًا. وَالثَّانِي أَنَّ الْمَغْصُوبَ مَا دَامَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ لَا يَكُونُ الْغَاصِبُ مَالِكًا لِرَقَبَتِهِ، فَصَارَ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لِرَقَبَةِ مَا فِي يَدِهِ مِنْ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ وَإِنْ كَانَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ، فَذِكْرُ أَحَدِ الْمُتَجَانِسَيْنِ مُتَّصِلًا بِالْآخَرِ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ، إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ الْإِذْنَ فِي التِّجَارَةِ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالْغَصْبُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ. وَالْغَصْبُ فِي اللُّغَةِ:

وَفِي الشَّرِيعَةِ: أَخْذُ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ مُحْتَرَمٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ عَلَى وَجْهٍ يُزِيلُ يَدَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ الْغَيْرِ عَلَى سَبِيلِ التَّغَلُّبِ لِلِاسْتِعْمَالِ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ سَوَاءٌ كَانَ مُتَقَوِّمًا أَوْ غَيْرَهُ، يُقَالُ غَصَبَ زَوْجَةَ فُلَانٍ وَخَمْرَ فُلَانٍ. وَفِي الشَّرِيعَةِ: أَخْذُ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ مُحْتَرَمٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ عَلَى وَجْهٍ يُزِيلُ يَدَهُ، فَقَوْلُهُ أَخْذُ مَالٍ يَشْمَلُ الْمَحْدُودَ وَغَيْرَهُ. وَقَوْلُهُ مُتَقَوِّمٍ احْتِرَازٌ عَنْ الْخَمْرِ. وَقَوْلُهُ مُحْتَرَمٍ احْتِرَازٌ عَنْ مَالِ الْحَرْبِيِّ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُحْتَرَمٍ. وَقَوْلُهُ عَلَى وَجْهٍ يُزِيلُ يَدَهُ: أَيْ يَدَ الْمَالِكِ لِبَيَانِ أَنَّ إزَالَةَ يَدِ الْمَالِكِ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي الْغَصْبِ عِنْدَنَا. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ إثْبَاتُ يَدِ الْعُدْوَانِ عَلَيْهِ. وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي زَوَائِدِ الْمَغْصُوبِ كَوَلَدِ الْمَغْصُوبَةِ وَثَمَرَةُ الْبُسْتَانِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِمَضْمُونَةٍ عِنْدَنَا لِعَدَمِ إزَالَةِ الْيَدِ، وَعِنْدَهُ مَضْمُونَةٌ لِإِثْبَاتِ الْيَدِ،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاسْتِخْدَامُ الْعَبْدِ وَحَمْلُ الدَّابَّةِ غَصْبٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَالْجُلُوسُ عَلَى الْبِسَاطِ لَيْسَ بِغَصْبٍ عِنْدَنَا لِأَنَّ الْبَسْطَ فِعْلُ الْمَالِكِ فَلَا يَكُونُ الْغَاصِبُ مُزِيلًا لِيَدِهِ مَعَ بَقَاءِ أَثَرِ فِعْلِهِ. ثُمَّ إنْ كَانَ الْغَصْبُ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مِلْكُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ فَحُكْمُهُ الْمَأْثَمُ وَالْمَغْرَمُ. وَإِنْ كَانَ

حَتَّى كَانَ اسْتِخْدَامُ الْعَبْدِ وَحَمْلُ الدَّابَّةِ غَصْبًا دُونَ الْجُلُوسِ عَلَى الْبِسَاطِ، ثُمَّ إنْ كَانَ مَعَ الْعِلْمِ فَحُكْمُهُ الْمَأْثَمُ وَالْمَغْرَمُ، وَإِنْ كَانَ بِدُونِهِ فَالضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَصْدِهِ وَلَا إثْمَ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ مَوْضُوعٌ. . قَالَ (وَمَنْ غَصَبَ شَيْئًا لَهُ مِثْلٌ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مِثْلِهِ، وَلَا تَفَاوُتَ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْمِثْلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] ـــــــــــــــــــــــــــــQبِدُونِهِ فَالضَّمَانُ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَصْدِهِ وَلَا إثْمَ لِأَنَّ الْخَطَأَ مَوْضُوعٌ. قَالَ (وَمَنْ غَصَبَ شَيْئًا لَهُ مِثْلٌ إلَخْ) الْمَغْصُوبُ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَائِمًا فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَوْ لَا وَالْأَوَّلُ سَيَجِيءُ. وَالثَّانِي إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلٌ: أَيْ يَكُونُ بِمَا يَضْمَنُ بِمِثْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ. وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْقُدُورِيِّ: فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مِثْلِهِ، وَلَا تَفَاوُتَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْمِثْلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وَالْمِثْلُ إذَا أُطْلِقَ يَنْصَرِفُ إلَى مَا هُوَ مِثْلٌ صُورَةً وَمَعْنًى، وَلِأَنَّ الْمِثْلَ صُورَةً وَمَعْنًى أَعْدَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ مُرَاعَاةِ الْجِنْسِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ، لِأَنَّ الْحِنْطَةَ مَثَلًا مِثْلُ الْحِنْطَةِ جِنْسًا، وَمَالِيَّةُ الْحِنْطَةِ الْمُؤَدَّاةِ مِثْلُ مَالِيَّةِ الْحِنْطَةِ الْمَغْصُوبَةِ، لِأَنَّ الْجَوْدَةَ سَاقِطَةُ الْعِبْرَةِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ فَكَانَ أَدْفَعَ لِلضَّرَرِ، فَإِنَّ الْغَاصِبَ فَوَّتَ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ الصُّورَةَ وَالْمَعْنَى، فَالْجَبْرُ التَّامُّ أَنْ يَتَدَارَكَهُ بِمَا هُوَ مِثْلٌ لَهُ صُورَةً وَمَعْنًى، فَإِنْ انْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى مِثْلِهِ الْكَامِلِ فَعَلَيْهِ

وَلِأَنَّ الْمِثْلَ أَعْدَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ مُرَاعَاةِ الْجِنْسِ وَالْمَالِيَّةِ فَكَانَ أَدْفَعَ لِلضَّرَرِ. قَالَ (فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مِثْلِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ يَخْتَصِمُونَ) وَهَذَا (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَوْمَ الْغَصْبِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَوْمَ الِانْقِطَاعِ) لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَمَّا انْقَطَعَ الْتَحَقَ بِمَا لَا مِثْلَ لَهُ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ انْعِقَادِ السَّبَبِ إذْ هُوَ الْمُوجِبُ. وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْوَاجِبَ الْمِثْلُ فِي الذِّمَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقِيمَتُهُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَوْمَ الْغَصْبِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَوْمَ الِانْقِطَاعِ. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَمَّا انْقَطَعَ الْتَحَقَ بِمَا لَا مِثْلَ لَهُ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ انْعِقَادِ السَّبَبِ إذْ هُوَ الْمُوجِبُ (وَلِمُحَمَّدٍ إلَخْ) كَلَامُهُ فِيهِ وَاضِحٌ. قِيلَ إنَّمَا قَدَّمَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ لِتَثْبُتَ الْأَقْوَالُ بِحَسَبِ تَرْتِيبِ الزَّمَانِ عَلَى تِلْكَ الْأَقْوَالِ، فَإِنَّ أَوَّلَ الْأَوْقَاتِ يَوْمُ الْغَصْبِ ثُمَّ يَوْمُ الِانْقِطَاعِ ثُمَّ يَوْمُ الْخُصُومَةِ، وَإِيرَادُ الْأَقْوَالِ عَلَى هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ لَمْ يَتَأَتَّ إلَّا بِتَقْدِيمِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ

وَإِنَّمَا يُنْتَقَلُ إلَى الْقِيمَةِ بِالِانْقِطَاعِ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الِانْقِطَاعِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّقْلَ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ، وَلِهَذَا لَوْ صَبَرَ إلَى أَنْ يُوجَدَ جِنْسُهُ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ وَالْقَضَاءِ بِخِلَافِ مَا لَا مِثْلَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُطَالَبٌ بِالْقِيمَةِ بِأَصْلِ السَّبَبِ كَمَا وُجِدَ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ عِنْدَ ذَلِكَ. قَالَ (وَمَا لَا مِثْلَ لَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ غَصَبَهُ) مَعْنَاهُ الْعَدَدِيَّاتُ الْمُتَفَاوِتَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQيَوْمَ غَصْبِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَعْنَاهُ) أَيْ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا مِثْلَ لَهُ (الْعَدَدِيَّاتُ الْمُتَفَاوِتَةُ) وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ مَعْنَاهُ الشَّيْءُ وَاَلَّذِي لَا يَضْمَنُ بِمِثْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ، لِأَنَّ الَّذِي لَا مِثْلَ لَهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَذَلِكَ كَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ مِثْلِ الدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ قِيمَتُهُ

لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ مُرَاعَاةُ الْحَقِّ فِي الْجِنْسِ فَيُرَاعَى فِي الْمَالِيَّةِ وَحْدَهَا دَفْعًا لِلضَّرَرِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. أَمَّا الْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ فَهُوَ كَالْمَكِيلِ حَتَّى يَجِبَ مِثْلُهُ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ. وَفِي الْبُرِّ الْمَخْلُوطِ بِالشَّعِيرِ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ. قَالَ (وَعَلَى الْغَاصِبِ رَدُّ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ) مَعْنَاهُ مَا دَامَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِتَعَذُّرِ مُرَاعَاةِ الْحَقِّ فِي الْجِنْسِ فَيُرَاعَى فِي الْمَالِيَّةِ وَحْدَهَا دَفْعًا لِلضَّرَرِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، أَمَّا الْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ) كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ (فَهُوَ كَالْمَكِيلِ حَتَّى يَجِبَ مِثْلُهُ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ) قِيلَ: وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْمَكِيلِ وَلَمْ يَقُلْ وَالْمَوْزُونُ لِأَنَّ مِنْ

قَائِمًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مَتَاعَ أَخِيهِ لَاعِبًا وَلَا جَادًّا، فَإِنْ أَخَذَهُ فَلْيَرُدَّهُ عَلَيْهِ» وَلِأَنَّ الْيَدَ حَقٌّ مَقْصُودٌ وَقَدْ فَوَّتَهَا عَلَيْهِ فَيَجِبُ إعَادَتُهَا بِالرَّدِّ إلَيْهِ، وَهُوَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ عَلَى مَا قَالُوا، وَرَدُّ الْقِيمَةِ مُخَلِّصٌ خَلَفًا؛ لِأَنَّهُ قَاصِرٌ، إذْ الْكَمَالُ فِي رَدِّ الْعَيْنِ وَالْمَالِيَّةِ. وَقِيلَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ الْقِيمَةُ وَرَدُّ الْعَيْنِ مُخَلِّصٌ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَوْزُونَاتِ مَا لَيْسَ بِمِثْلٍ، وَهُوَ الَّذِي فِي تَبْعِيضِهِ ضَرَرٌ كَالْمَصُوغِ مِنْ الْقُمْقُمِ وَالطَّشْتِ وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ لِأَنَّ مِنْ الْمَكِيلِ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ كَالْبُرِّ الْمَخْلُوطِ بِالشَّعِيرِ فَإِنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ فَفِيهِ الْقِيمَةُ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَعَلَى الْغَاصِبِ رَدُّ الْعَيْنِ، وَلَعَمْرِي إنَّ تَقْدِيمَ هَذَا الْقِسْمِ كَانَ أَنْسَبَ فَتَأَمَّلْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ» أَيْ عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ عَيْنُ مَا أَخَذَتْ الْيَدُ حَتَّى تَرُدَّ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مَتَاعَ أَخِيهِ لَاعِبًا وَلَا جَادًّا، فَإِنْ أَخَذَهُ فَلْيَرُدَّهُ عَلَيْهِ» وَهُوَ وَاضِحٌ. وَرِوَايَةُ الْفَائِقِ وَالْمَصَابِيحِ بِدُونِ حَرْفِ الْعَطْفِ وَحَرْفِ النَّفْيِ، وَمَعْنَاهُ: أَنْ لَا يُرِيدَ بِأَخْذِهِ سَرِقَتَهُ وَلَكِنْ إدْخَالُ الْغَيْظِ عَلَى أَخِيهِ، فَهُوَ لَاعِبٌ فِي مَذْهَبِ السَّرِقَةِ جَادٌّ فِي إدْخَالِ الْأَذَى عَلَيْهِ، أَوْ قَاصِدٌ لِلْعَبْدِ وَهُوَ يُرِيدُ أَنَّهُ يَجِدُ فِي ذَلِكَ لِيَغِيظَهُ (وَلِأَنَّ الْيَدَ حَقٌّ مَقْصُودٌ) بِدَلِيلِ جَوَازِ إذْنِ الْعَبْدِ فِي التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ لَا حُكْمَ لِشِرَائِهِ فِي حَقِّهِ سِوَى التَّصَرُّفِ بِالْيَدِ، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مَدْيُونًا فَإِنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ شَائِبَةُ النِّيَابَةِ عَنْ الْمَوْلَى فِي التَّصَرُّفِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْيَدَ حَقٌّ مَقْصُودٌ (وَقَدْ فَوَّتَهَا عَلَيْهِ فَيَجِبُ) عَلَيْهِ (إعَادَتُهَا بِالرَّدِّ إلَيْهِ وَهُوَ الْمُوجِبُ) أَيْ رَدُّ الْعَيْنِ هُوَ الْمُوجِبُ (الْأَصْلِيُّ عَلَى مَا قَالُوا، وَرَدُّ الْقِيمَةِ مُخَلِّصٌ خَلَفًا لِأَنَّهُ قَاصِرٌ، إذْ الْكَمَالُ فِي رَدِّ الْعَيْنِ وَالْمَالِيَّةِ. وَقِيلَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ الْقِيمَةُ وَرَدُّ الْعَيْنِ مُخَلِّصٌ وَيَظْهَرُ مُخَلِّصٌ وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ) فَمِنْهَا مَا إذَا أَبْرَأَ الْغَاصِبَ عَنْ الضَّمَانِ حَالَ قِيَامِ الْعَيْنِ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ حَتَّى لَوْ هَلَكَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ وُجُوبُ الْقِيمَةِ عَلَى الْغَاصِبِ فِي الْحَالِ ثَابِتًا لَمَا صَحَّ الْإِبْرَاءُ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْعَيْنِ لَا يَصِحُّ. وَمِنْهَا صِحَّةُ الْكَفَالَةِ مَعَ أَنَّ الْكَفَالَةَ لَا تَصِحُّ بِالْعَيْنِ. وَمِنْهَا وُجُوبُ الزَّكَاةِ فَإِنَّ الْغَاصِبَ إذَا كَانَ لَهُ نِصَابٌ فِي مِلْكِهِ وَقَدْ غَصَبَ شَيْئًا وَهُوَ قَائِمٌ فِي يَدِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ إذَا انْتَقَصَ النِّصَابُ بِمُقَابَلَةِ وُجُوبِ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ. قِيلَ: وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ لَوْ كَانَ الْقِيمَةُ لَجَازَ لِلْغَاصِبِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ رَدِّ الْعَيْنِ إذَا قَدَرَ عَلَى الْقِيمَةِ، لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى الْخَلَفِ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَالْجَوَابُ عَنْ مَسْأَلَةِ الْإِبْرَاءِ إنَّمَا هُوَ بِعَرْضِيَّةِ أَنْ يُوجَدَ فَلَهُ شُبْهَةُ الْوُجُودِ فِي الْحَالِ وَالْقِيمَةِ كَذَلِكَ، فَكَانَ الْإِبْرَاءُ صَحِيحًا مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ، وَقَدْ قَرَّرْنَا ذَلِكَ فِي التَّقْرِيرِ وَالْأَنْوَارِ، وَعَنْ مَسْأَلَةِ الْكَفَالَةِ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا صَحِيحَةٌ، وَالْمَغْصُوبُ مِنْهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْكَفَالَةِ، وَعَنْ مَسْأَلَةِ الزَّكَاةِ بِمَا ذَكَرْنَا فِي مَسْأَلَةِ الْإِبْرَاءِ

(وَالْوَاجِبُ الرَّدُّ فِي الْمَكَانِ الَّذِي غَصَبَهُ) لِتَفَاوُتِ الْقِيَمِ بِتَفَاوُتِ الْأَمَاكِنِ (فَإِنْ ادَّعَى هَلَاكَهَا حَبَسَهُ الْحَاكِمُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً لَأَظْهَرَهَا ثُمَّ قَضَى عَلَيْهِ بِبَدَلِهَا) ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ رَدُّ الْعَيْنِ وَالْهَلَاكُ بِعَارِضٍ، فَهُوَ يَدَّعِي أَمْرًا عَارِضًا خِلَافَ الظَّاهِرِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ كَمَا إذَا ادَّعَى الْإِفْلَاسَ وَعَلَيْهِ ثَمَنُ مَتَاعٍ فَيُحْبَسُ إلَى أَنْ يُعْلَمَ مَا يَدَّعِيهِ، فَإِذَا عَلِمَ الْهَلَاكَ سَقَطَ عَنْهُ رَدُّهُ فَيَلْزَمُهُ رَدُّ بَدَلِهِ وَهُوَ الْقِيمَةُ. قَالَ (وَالْغَصْبُ فِيمَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ) ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ بِحَقِيقَتِهِ يَتَحَقَّقُ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ إزَالَةَ الْيَدِ بِالنَّقْلِ. (وَإِذَا غَصَبَ عَقَارًا فَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ) وَهَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ الْوَاجِبُ الرَّدُّ فِي الْمَكَانِ الَّذِي غَصَبَهُ لِتَفَاوُتِ الْقِيَمِ بِتَفَاوُتِ الْأَمَاكِنِ، (فَإِنْ ادَّعَى هَلَاكَهَا حَبَسَهُ الْحَاكِمُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً لِأَظْهَرَهَا) وَمِقْدَارُ ذَلِكَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَرْضَ الْمَالِكُ بِالْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ، فَإِنْ رَضِيَ أَوْ حَبَسَهُ الْحَاكِمُ مُدَّةً وَلَمْ يُظْهِرْهَا (قُضِيَ عَلَيْهِ بِبَدَلِهَا) بِمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ أَقَامَ الْمَالِكُ بَيِّنَةً عَلَى مَا يَدَّعِيهِ مِنْ الْقِيمَةِ (لِأَنَّ الْوَاجِبَ رَدُّ الْعَيْنِ وَالْهَلَاكُ بِعَارِضٍ، فَالْغَاصِبُ يَدَّعِي أَمْرًا عَارِضًا خِلَافَ الظَّاهِرِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ) وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ. فَإِنْ قِيلَ: ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي السِّيَرِ أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا عَيَّبَ الْمَغْصُوبَ وَالْقَاضِي يَقْضِي عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ مِنْ غَيْرِ تَلَوُّمٍ فَمَا وَجْهُهُ؟ قِيلَ: فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ، وَقِيلَ الْمَذْكُورُ فِي الذَّخِيرَةِ جَوَابُ الْجَوَازِ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ جَوَابُ الْأَفْضَلِ. قَالَ (وَالْغَصْبُ فِيمَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ إلَخْ) الْغَصْبُ كَائِنٌ فِيمَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ لَا فِي الْعَقَارِ وَهُوَ كُلُّ مَا لَهُ أَصْلٌ كَالدَّارِ وَالضَّيْعَةِ وَالنَّقْلُ وَالتَّحْوِيلُ وَاحِدٌ، وَقِيلَ التَّحْوِيلُ هُوَ النَّقْلُ مِنْ مَكَان وَالْإِثْبَاتُ فِي مَكَان آخَرَ كَمَا فِي حَوَالَةِ الْبَاذِنْجَانِ، وَالنَّقْلُ يُسْتَعْمَلُ بِدُونِ الْإِثْبَاتِ فِي مَكَان آخَرَ (لِأَنَّ الْغَصْبَ بِحَقِيقَتِهِ) حَوَالَةٌ (يَتَحَقَّقُ فِي الْمَنْقُولِ دُونَ غَيْرِهِ، لِأَنَّ إزَالَةَ الْيَدِ بِالنَّقْلِ) وَلَا نَقْلَ فِي الْعَقَارِ وَالْغَصْبُ بِدُونِ الْإِزَالَةِ لَا يَتَحَقَّقُ (فَإِذَا غَصَبَ عَقَارًا فَهَلَكَ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ صُنْعِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ

عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَضْمَنُهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لِتَحَقُّقِ إثْبَاتِ الْيَدِ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ زَوَالُ يَدِ الْمَالِكِ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ الْيَدَيْنِ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَتَحَقَّقُ الْوَصْفَانِ وَهُوَ الْغَصْبُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَصَارَ كَالْمَنْقُولِ وَجُحُودِ الْوَدِيعَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَضْمَنُهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِتَحَقُّقِ إثْبَاتِ الْيَدِ) بِالسُّكْنَى وَوَضْعِ الْأَمْتِعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (وَمِنْ ضَرُورَتِهِ زَوَالُ يَدِ الْمَالِكِ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ الْيَدَيْنِ) مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ (عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ) وَإِنَّمَا قِيلَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا آجَرَ دَارِهِ مِنْ رَجُلٍ فَإِنَّهَا فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ حَقِيقَةً وَفِي يَدِ الْآجِرِ حُكْمًا لَكِنَّهُمَا يَدَانِ مُخْتَلِفَتَانِ (فَيَتَحَقَّقُ الْوَصْفَانِ) يَعْنِي إزَالَةَ يَدِ الْمَالِكِ وَإِثْبَاتَ يَدِ الْغَاصِبِ (وَهُوَ الْغَصْبُ) أَيْ تَحَقُّقُ الْوَصْفَيْنِ هُوَ الْغَصْبُ (عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَصَارَ كَالْمَنْقُولِ) فِي تَحَقُّقِ الْوَصْفَيْنِ (وَجُحُودُ الْوَدِيعَةِ فِي الْعَقَارِ) فَإِنَّهُ إذَا كَانَ وَدِيعَةً فِي يَدِ شَخْصٍ فَجَحَدَهُ كَانَ ضَامِنًا بِالِاتِّفَاقِ، فَالْقَوْلُ بِالضَّمَانِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ جُحُودَ الْوَدِيعَةِ غَصْبٌ مَعَ عَدَمِ الْقَوْلِ بِهِ فِي غَيْرِ صُورَةِ الْجُحُودِ تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ، وَكَأَنَّ التَّكَلُّفَ بِإِثْبَاتِ إزَالَةِ الْيَدِ مِنْ

وَلَهُمَا أَنَّ الْغَصْبَ إثْبَاتُ الْيَدِ بِإِزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ بِفِعْلٍ فِي الْعَيْنِ، وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْعَقَارِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَالِكِ لَا تَزُولُ إلَّا بِإِخْرَاجِهِ عَنْهَا، وَهُوَ فِعْلٌ فِيهِ لَا فِي الْعَقَارِ فَصَارَ كَمَا إذَا بَعُدَ الْمَالِكُ عَنْ الْمَوَاشِي. وَفِي الْمَنْقُولِ: النَّقْلُ فِعْلٌ فِيهِ وَهُوَ الْغَصْبُ. وَمَسْأَلَةُ الْجُحُودِ مَمْنُوعَةٌ، وَلَوْ سُلِّمَ فَالضَّمَانُ هُنَاكَ بِتَرْكِ الْحِفْظِ الْمُلْتَزَمِ وَبِالْجُحُودِ تَارِكٌ لِذَلِكَ. قَالَ (وَمَا نَقَصَهُ مِنْهُ بِفِعْلِهِ أَوْ سُكْنَاهُ ضَمِنَهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ وَالْعَقَارُ يُضْمَنُ بِهِ كَمَا إذَا نَقَلَ تُرَابَهُ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ فِي الْعَيْنِ وَيَدْخُلُ فِيمَا قَالَهُ إذَا انْهَدَمَتْ الدَّارُ بِسُكْنَاهُ وَعَمَلِهِ، فَلَوْ غَصَبَ دَارًا وَبَاعَهَا وَسَلَّمَهَا وَأَقَرَّ بِذَلِكَ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُ غَصْبَ الْبَائِعِ وَلَا بَيِّنَةَ لِصَاحِبِ الدَّارِ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْغَصْبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQجَانِبِ الشَّافِعِيِّ لِلْإِلْزَامِ لِأَنَّهُ يُكْتَفَى فِي الْغَصْبِ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ الْبَاطِلَةِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْغَصْبَ إثْبَاتُ الْيَدِ بِإِزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ) أَيْ بِسَبَبِ ذَلِكَ (وَهَذَا) أَيْ هَذَا الْمَجْمُوعُ (وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي الْعَقَارِ، لِأَنَّ يَدَ الْمَالِكِ لَا تَزُولُ إلَّا بِإِخْرَاجِهِ) أَيْ بِإِخْرَاجِ الْمَالِكِ (عَنْهَا) أَيْ عَنْ الْعَقَارِ بِمَعْنَى الضَّيْعَةِ أَوْ الدَّارِ (وَهُوَ) أَيْ الْإِخْرَاجُ (فِعْلٌ فِي الْمَالِكِ لَا فِي الْعَقَارِ) فَانْتَفَى إزَالَةُ الْيَدِ وَالْكُلُّ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ جُزْئِهِ (فَصَارَ كَمَا إذَا بَعُدَ الْمَالِكُ عَنْ الْمَوَاشِي) حَتَّى تَلِفَتْ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ غَصْبًا لَهَا (وَفِي الْمَنْقُولِ النَّقْلُ فِعْلٌ فِيهِ وَهُوَ الْغَصْبُ، وَمَسْأَلَةُ الْجُحُودِ مَمْنُوعَةٌ) ذَكَرَ فِي الْمُخْتَلِفَاتِ أَنَّ الْوَدِيعَةَ لَوْ كَانَتْ عَقَارًا لَا يَضْمَنُ وَإِنْ جَحَدَ. وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَالْأَصَحُّ أَنْ يُقَالَ جُحُودُ الْوَدِيعَةِ بِمَنْزِلَةِ الْغَصْبِ فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ فِي الْعَقَارِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ (وَلَوْ سَلِمَ فَالضَّمَانُ هُنَاكَ بِتَرْكِ الْحِفْظِ الْمُلْتَزَمِ بِالْجُحُودِ تَارِكٌ لِذَلِكَ) قَالَ (وَمَا نَقَصَهُ مِنْهُ بِفِعْلِهِ أَوْ سُكْنَاهُ ضَمِنَهُ) وَمَا نَقَصَهُ الْغَاصِبُ مِنْ الْعَقَارِ بِفِعْلِهِ أَوْ سُكْنَاهُ ضَمِنَهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا. أَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَلِأَنَّهُ إتْلَافٌ، وَالْعَقَارُ يَضْمَنُ بِهِ كَمَا إذَا نَقَلَ تُرَابَهُ، لِأَنَّهُ فِعْلٌ فِي الْعَيْنِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَدْخُلُ فِيمَا قَالَهُ) يَعْنِي الْقُدُورِيَّ (إذَا انْهَدَمَتْ الدَّارُ بِسُكْنَاهُ وَعَمَلِهِ) بِأَنْ كَانَ عَمَلُهُ الْحِدَادَةَ أَوْ الْقِصَارَةَ فَوَهَى جِدَارُ الدَّارِ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَانْهَدَمَ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا انْهَدَمَتْ الدَّارُ بَعْدَمَا غَصَبَهَا وَسَكَنَ فِيهَا لَا بِسُكْنَاهُ وَعَمَلِهِ بَلْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (فَلَوْ غَصَبَ دَارًا وَبَاعَهَا وَسَلَّمَهَا وَأَقَرَّ بِالْغَصْبِ وَلَا بَيِّنَةَ لِصَاحِبِ الدَّارِ) عَلَى أَنَّهَا مِلْكُهُ (فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْغَصْبِ) لَا يَضْمَنُ الْبَائِعُ لِلْمَالِكِ شَيْئًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، لِأَنَّ الْبَيْعَ وَالتَّسْلِيمَ

هُوَ الصَّحِيحُ قَالَ (وَإِذَا انْتَقَصَ بِالزِّرَاعَةِ يَغْرَمُ النُّقْصَانَ) ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ الْبَعْضَ فَيَأْخُذُ رَأْسَ مَالِهِ وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ. قَالَ (وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ) وَسَنَذْكُرُ الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. قَالَ (وَإِذَا هَلَكَ النَّقْلِيُّ فِي يَدِ الْغَاصِبِ بِفِعْلِهِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ ضَمِنَهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQغَصْبٌ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ فِي الْغَصْبِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ لِأَنَّ إقْرَارَ الْبَائِعِ بِالْغَصْبِ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي بَاطِلٌ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ بَيِّنَةٌ تَحَقَّقَ الْغَصْبُ. وَأَمَّا إذَا كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ أَمْكَنَهُ أَنْ يُقِيمَهَا عَلَى أَنَّ الدَّارَ مِلْكُهُ وَيَأْخُذَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي فَلَا يَضْمَنُ الْبَائِعُ بِالِاتِّفَاقِ. وَقَوْلُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ بِأَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ الضَّمَانَ عَلَى الْبَائِعِ بِالِاتِّفَاقِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا شَهِدَا بِدَارٍ لِإِنْسَانٍ وَقَضَى لَهُ بِهَا ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا قِيمَتَهَا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِتْلَافُهُمَا كَإِتْلَافِ الْبَائِعِ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ وَلَا ضَمَانَ فِيهِ عِنْدَهُمَا. أُجِيبَ بِأَنَّ مَسْأَلَةَ الشَّهَادَةِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْجَمِيعِ، فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ الْإِتْلَافَ فِي مَسْأَلَةِ الشَّهَادَةِ حَصَلَ بِشَهَادَتِهِمَا، حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ لِنَفْسِهِ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَالْعَقَارُ يَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ. وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ الْإِتْلَافَ لَمْ يَحْصُلْ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ، بَلْ بِعَجْزِ الْمَالِكِ عَنْ إثْبَاتِ مِلْكِهِ بِبَيِّنَتِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهَا مِلْكُهُ قُضِيَ لَهُ بِهَا فَلِهَذَا لَا يَكُونُ الْبَائِعُ ضَامِنًا (وَإِنْ نَقَصَتْ بِالزِّرَاعَةِ يَغْرَمُ النُّقْصَانَ) ، وَيُعْرَفُ النُّقْصَانُ بِأَنْ يُنْظَرَ بِكَمْ تُسْتَأْجَرُ هَذِهِ الْأَرْضُ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهَا وَبِكَمْ تُسْتَأْجَرُ بَعْدَ اسْتِعْمَالِهَا فَتَفَاوُتُ مَا بَيْنَهُمَا نُقْصَانُهَا، وَهَذَا قَوْلُ نُصَيْرِ بْنِ يَحْيَى وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. قَالَ (وَإِذَا هَلَكَ النَّقْلِيُّ فِي يَدِ الْغَاصِبِ بِفِعْلِهِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ ضَمِنَهُ) ، وَذَكَرَ اخْتِلَافَ النُّسَخِ وَبَيَّنَ

وَفِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ: وَإِذَا هَلَكَ الْغَصْبُ وَالْمَنْقُولُ هُوَ الْمُرَادُ لِمَا سَبَقَ أَنَّ الْغَصْبَ فِيمَا يُنْقَلُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِالْغَصْبِ السَّابِقِ إذْ هُوَ السَّبَبُ. وَعِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ رَدِّهِ يَجِبُ الْقِيمَةُ أَوْ يَتَقَرَّرُ بِذَلِكَ السَّبَبُ وَلِهَذَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ. (وَإِنْ نَقَصَ فِي يَدِهِ ضَمِنَ النُّقْصَانَ) ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ جَمِيعُ أَجْزَائِهِ فِي ضَمَانِهِ بِالْغَصْبِ، فَمَا تَعَذَّرَ رَدُّ عَيْنِهِ يَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُرَادَ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ الْعَيْنَ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِالْغَصْبِ السَّابِقِ إذْ هُوَ السَّبَبُ، وَعِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ رَدِّهِ تَجِبُ الْقِيمَةُ) يَعْنِي عَلَى رَأْيِ مَنْ يَرَى أَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ فِي الْغَصْبِ رَدُّ الْعَيْنِ (وَرَدُّ الْقِيمَةِ مُخَلِّصٌ خَلَفًا أَوْ تَتَقَرَّرُ) أَيْ الْقِيمَةُ (بِذَلِكَ السَّبَبِ) يَعْنِي عَلَى رَأْيِ مَنْ يَرَى أَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْقِيمَةُ وَرَدُّ الْعَيْنِ خَلَفٌ عَنْهُ، فَإِنْ هَلَكَ الْعَيْنُ تَقَرَّرَتْ الْقِيمَةُ عَلَيْهِ كَمَا كَانَتْ وَاجِبَةً عِنْدَ الْغَصْبِ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ الْغَصْبِ السَّابِقِ هُوَ السَّبَبُ (تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ) وَلَا فَصْلَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَا يَكُونُ الْهَلَاكُ بِفِعْلِهِ أَوْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ (وَإِنْ نَقَصَ) الْمَغْصُوبُ (فِي يَدِ الْغَاصِبِ) وَلَمْ يَنْجَبِرْ نُقْصَانُهُ بِوَجْهٍ آخَرَ (ضَمِنَ النُّقْصَانَ) سَوَاءٌ كَانَ النُّقْصَانُ فِي بَدَنِهِ مِثْلُ أَنْ كَانَ جَارِيَةً فَاعْوَرَّتْ، أَوْ نَاهِدَةَ الثَّدْيَيْنِ فَانْكَسَرَ ثَدْيُهَا، أَوْ فِي غَيْرِ بَدَنِهِ مِثْلُ أَنْ كَانَ عَبْدًا مُحْتَرِفًا فَنَسِيَ الْحِرْفَةَ (لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ بِالْغَصْبِ) وَقَدْ فَاتَ مِنْهُ جُزْءٌ (فَ) تَعَذَّرَ رَدُّ عَيْنِهِ وَ (مَا تَعَذَّرَ رَدُّ عَيْنِهِ يَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهِ) وَأَمَّا إذَا انْجَبَرَ نُقْصَانُهُ مِثْلُ أَنْ وَلَدَتْ الْمَغْصُوبَةُ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَرَدَّهَا وَفِي قِيمَةِ الْوَلَدِ وَفَاءٌ بِنُقْصَانِ الْوِلَادَةِ فَلَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ شَيْئًا عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الرَّدُّ فِي مَكَانِ الْغَصْبِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ تَرَاجُعَ السِّعْرِ بِفُتُورِ الرَّغَبَاتِ لَا بِفَوَاتِ جُزْءٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ يُخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ أَخْذِ الْقِيمَةِ وَالِانْتِظَارِ إلَى

بِخِلَافِ تَرَاجُعِ السِّعْرِ إذَا رَدَّ فِي مَكَان الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ فُتُورِ الرَّغَبَاتِ دُونَ فَوْتِ الْجُزْءِ، وَبِخِلَافِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ عَقْدٍ. أَمَّا الْغَصْبُ فَقَبْضٌ وَالْأَوْصَافُ تُضْمَنُ بِالْفِعْلِ لَا بِالْعَقْدِ عَلَى مَا عُرِفَ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَمُرَادُهُ غَيْرُ الرِّبَوِيِّ، أَمَّا فِي الرِّبَوِيَّات لَا يُمْكِنُهُ تَضْمِينُ النُّقْصَانِ مَعَ اسْتِرْدَادِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا. قَالَ (وَمَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَاسْتَغَلَّهُ فَنَقَصَتْهُ الْغَلَّةُ فَعَلَيْهِ النُّقْصَانُ) ؛ لِمَا بَيَّنَّا (وَيَتَصَدَّقُ بِالْغَلَّةِ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا عِنْدَهُمَا أَيْضًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالذَّهَابِ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ فَيَسْتَرِدُّهُ، لِأَنَّ النُّقْصَانَ حَصَلَ مِنْ قِبَلِ الْغَاصِبِ بِنَقْلِهِ إلَى هَذَا الْمَكَانِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَلْتَزِمَ الضَّرَرَ وَيُطَالِبَهُ بِالْقِيمَةِ، وَلَهُ أَنْ يَنْتَظِرَ، فَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ تَرَاجُعِ السِّعْرِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَمَا تَعَذَّرَ رَدُّ عَيْنِهِ يَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهِ (وَبِخِلَافِ الْمَبِيعِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِخِلَافِ، يَعْنِي إذَا نَقَصَ شَيْءٌ مِنْ قِيمَةِ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ بِفَوَاتِ وَصْفٍ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي لَا يَضْمَنُ الْبَائِعُ شَيْئًا لِنُقْصَانِهِ حَتَّى لَا يَسْقُطَ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي بِسَبَبِ نُقْصَانِ الْوَصْفِ وَإِنْ فَحُشَ النُّقْصَانُ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِمِائَةٍ مَثَلًا فَاعْوَرَّتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَصَارَتْ تُسَاوِي خَمْسِينَ كَانَ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا بَيْنَ إمْضَاءِ الْبَيْعِ وَفَسْخِهِ، فَلَوْ اخْتَارَ الْبَيْعَ وَجَبَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ تَمَامِ الْمِائَةِ كَمَا شُرِطَ لِأَنَّهُ ضَمَانُ عَقْدٍ وَالْأَوْصَافُ لَا تُضْمَنُ بِهِ (أَمَّا الْغَصْبُ فَقَبْضٌ وَالْأَوْصَافُ تُضْمَنُ بِالْفِعْلِ) وَهُوَ الْقَبْضُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعَقْدَ يَرِدُ عَلَى الْأَعْيَانِ لَا عَلَى الْأَوْصَافِ، وَالْغَصْبُ فِعْلٌ يَحِلُّ الذَّاتَ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا وَصِفَاتِهَا فَكَانَتْ مَضْمُونَةً. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمُرَادُهُ) أَيْ مُرَادُ الْقُدُورِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ وَإِنْ نَقَصَ فِي يَدِهِ ضَمِنَ النُّقْصَانَ (غَيْرُ الرِّبَوِيِّ، أَمَّا فِي الرِّبَوِيَّاتِ) كَمَا إذَا غَصَبَ حِنْطَةً فَعَفِنَتْ عِنْدَهُ أَوْ إنَاءَ فِضَّةٍ فَانْهَشَمَ فِي يَدِهِ فَ (لَا يُمْكِنُهُ تَضْمِينُ النُّقْصَانِ مَعَ اسْتِرْدَادِ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا) لَكِنَّ صَاحِبَهُ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَخَذَ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَضَمَّنَهُ مِثْلَهُ. قَالَ (وَمَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَاسْتَغَلَّهُ) أَيْ وَمَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَآجَرَهُ وَقَبَضَ الْأُجْرَةَ فَصَارَ مَهْزُولًا فِي الْعَمَلِ فَعَلَيْهِ النُّقْصَانُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ دَخَلَ جَمِيعُ

وَعِنْدَهُ لَا يَتَصَدَّقُ بِالْغَلَّةِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أَجَّرَ الْمُسْتَعِيرُ الْمُسْتَعَارَ. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ حَصَلَ فِي ضَمَانِهِ وَمِلْكِهِ. أَمَّا الضَّمَانُ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا الْمِلْكُ؛ لِأَنَّ الْمَضْمُونَاتِ تُمْلَكُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدًا عِنْدَنَا. وَلَهُمَا أَنَّهُ حَصَلَ بِسَبَبٍ خَبِيثٍ وَهُوَ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، وَمَا هَذَا حَالُهُ فَسَبِيلُهُ التَّصَدُّقُ، إذْ الْفَرْعُ يَحْصُلُ عَلَى وَصْفِ الْأَصْلِ وَالْمِلْكُ الْمُسْتَنِدُ نَاقِصٌ فَلَا يَنْعَدِمُ بِهِ الْخَبَثُ. (فَلَوْ هَلَكَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ حَتَّى ضَمِنَهُ لَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِالْغَلَّةِ فِي أَدَاءِ الضَّمَانِ) ؛ لِأَنَّ الْخَبَثَ لِأَجَلِ الْمَالِكِ، وَلِهَذَا لَوْ أَدَّى إلَيْهِ يُبَاحُ لَهُ التَّنَاوُلُ فَيَزُولُ الْخَبَثُ بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ فَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ اُسْتُحِقَّ وَغَرِمَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَجْزَائِهِ فِي ضَمَانِهِ بِالْغَصْبِ، فَمَا تَعَذَّرَ رَدُّ عَيْنِهِ يَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهِ وَنُقْصَانُهُ وَصْفُهُ مِمَّا تَعَذَّرَ فِيهِ الرَّدُّ فَوَجَبَ رَدُّ قِيمَةِ النُّقْصَانِ، وَيَتَصَدَّقُ بِالْغَلَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَتَصَدَّقُ بِهَا. وَعَلَى هَذَا إذَا آجَرَ الْمُسْتَعِيرُ الْمُسْتَعَارَ وَالْمُودِعُ الْوَدِيعَةَ. لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ حَصَلَ فِي ضَمَانِهِ وَمِلْكِهِ، أَمَّا الضَّمَانُ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ دَخَلَ فِي ضَمَانِ الْغَاصِبِ، وَأَمَّا الْمِلْكُ فَلِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ مُسْتَنِدًا إذَا ضَمِنَ وَلَهُمَا الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ: أَيْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ حَصَلَ فِي مِلْكِهِ وَضَمَانُهُ لَكِنَّهُ بِسَبَبٍ خَبِيثٍ وَهُوَ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، وَمَا هُوَ كَذَلِكَ فَسَبِيلُهُ التَّصَدُّقُ، إذْ الْفَرْعُ يَحْصُلُ عَلَى وَصْفِ الْأَصْلِ، أَصْلُهُ حَدِيثُ الشَّاةِ الْمَصْلِيَّةِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ. فَإِنْ قِيلَ: التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِهِ مُسْتَنِدًا فَأَنَّى يَكُونُ الْخُبْثُ؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَالْمِلْكُ الْمُسْتَنِدُ نَاقِصٌ) يَعْنِي لِكَوْنِهِ ثَابِتًا فِيهِ مِنْ وَجْهٍ وَلِهَذَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْقَائِمِ دُونَ الْفَائِتِ (فَلَا يَنْعَدِمُ بِهِ الْخُبْثُ) . (فَلَوْ هَلَكَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ حَتَّى ضَمِنَهُ لَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِالْغَلَّةِ فِي أَدَاءِ الضَّمَانِ، لِأَنَّ الْخُبْثَ لِأَجْلِ الْمَالِكِ، وَلِهَذَا لَوْ سَلَّمَ الْغَلَّةَ مَعَ الْعَبْدِ إلَى الْمَالِكِ يُبَاحُ لَهُ التَّنَاوُلُ فَيَزُولُ الْخُبْثُ بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْغَاصِبُ الْعَبْدَ فَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ اسْتَحَقَّ وَغَرِمَهُ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْغَاصِبَ

لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِالْغَلَّةِ فِي أَدَاءِ الثَّمَنِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْخَبَثَ مَا كَانَ لِحَقِّ الْمُشْتَرِي إلَّا إذَا كَانَ لَا يَجِدُ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ، وَلَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى حَاجَةِ نَفْسِهِ، فَلَوْ أَصَابَ مَالًا تَصَدَّقَ بِمِثْلِهِ إنْ كَانَ غَنِيًّا وَقْتَ الِاسْتِعْمَالِ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا. قَالَ (وَمَنْ غَصَبَ أَلْفًا فَاشْتَرَى بِهَا جَارِيَةً فَبَاعَهَا بِأَلْفَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَى بِالْأَلْفَيْنِ جَارِيَةً فَبَاعَهَا بِثَلَاثَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِجَمِيعِ الرِّبْحِ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا) وَأَصْلُهُ أَنَّ الْغَاصِبَ أَوْ الْمُودَعَ إذَا تَصَرَّفَ فِي الْمَغْصُوبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ وَرَبِحَ لَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ عِنْدَهُمَا، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَقَدْ مَرَّتْ الدَّلَائِلُ وَجَوَابُهُمَا فِي الْوَدِيعَةِ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَنِدُ الْمِلْكُ إلَى مَا قَبْلَ التَّصَرُّفِ لِانْعِدَامِ سَبَبِ الضَّمَانِ فَلَمْ يَكُنْ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِهِ ثُمَّ هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا يَتَعَيَّنُ بِالْإِشَارَةِ، أَمَّا فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ كَالثَّمَنَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِالْغَلَّةِ فِي أَدَاءِ الثَّمَنِ إلَى الْمُشْتَرِي، لِأَنَّ الْخُبْثَ مَا كَانَ لِأَجْلِهِ إلَّا إذَا لَمْ يَجِدْ الْغَاصِبُ غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ الْغَلَّةِ بِتَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ أَوْ الْأَجْرِ أَوْ الْمَالِ (لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ، وَلِلْمُحْتَاجِ إلَيْهِ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى حَاجَةِ نَفْسِهِ) وَهُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ خُبْثٌ (فَلَوْ أَصَابَ مَالًا تَصَدَّقَ بِمِثْلِهِ إنْ كَانَ غَنِيًّا وَقْتَ الِاسْتِعْمَالِ) أَيْ وَقْتَ اسْتِهْلَاكِ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا) أَنَّهُ مُحْتَاجٌ، وَكَذَلِكَ إنْ اسْتَهْلَكَ الْغَلَّةَ مَكَانَ الثَّمَنِ إنْ كَانَ مُحْتَاجًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمِثْلِهِ. قَالَ (وَمَنْ غَصَبَ أَلْفًا فَاشْتَرَى بِهَا جَارِيَةً) الْغَاصِبُ إذَا تَصَرَّفَ فِي الْمَغْصُوبِ أَوْ الْمُودِعُ فِي الْوَدِيعَةِ وَرَبِحَ فِيهِ لَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ مَرَّ فِي الدَّلَائِلِ. وَجَوَابُهُمَا فِي الْوَدِيعَةِ أَظْهَرُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَسْتَنِدُ الْمِلْكُ إلَى مَا قَبْلَ التَّصَرُّفِ لِانْعِدَامِ سَبَبِ الضَّمَانِ، فَكَانَ التَّصَرُّفُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ مُطْلَقًا فَيَكُونُ الرِّبْحُ خَبِيثًا، وَإِنَّمَا كَرَّرَ الشِّرَاءَ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ تَنْبِيهًا عَلَى تَحَقُّقِ الْخُبْثِ وَإِنْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي، ثُمَّ هَذَا: أَيْ عَدَمُ طِيبِ

فَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ اشْتَرَى بِهَا إشَارَةً إلَى أَنَّ التَّصَدُّقَ إنَّمَا يَجِبُ إذَا اشْتَرَى بِهَا وَنَقَدَ مِنْهَا الثَّمَنَ. أَمَّا إذَا أَشَارَ إلَيْهَا وَنَقَدَ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ نَقَدَ مِنْهَا وَأَشَارَ إلَى غَيْرِهَا أَوْ أَطْلَقَ إطْلَاقًا وَنَقَدَ مِنْهَا يَطِيبُ لَهُ، وَهَكَذَا قَالَ الْكَرْخِيُّ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ إذَا كَانَتْ لَا تُفِيدُ التَّعْيِينَ لَا بُدَّ أَنْ يَتَأَكَّدَ بِالنَّقْدِ لِيَتَحَقَّقَ الْخَبَثُ. وَقَالَ مَشَايِخُنَا: لَا يَطِيبُ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَضْمَنَ، وَكَذَا بَعْدَ الضَّمَانِ بِكُلِّ حَالٍ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِإِطْلَاقِ الْجَوَابِ فِي الْجَامِعَيْنِ وَالْمُضَارَبَةِ. قَالَ (وَإِنْ اشْتَرَى بِالْأَلْفِ جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفَيْنِ فَوَهَبَهَا أَوْ طَعَامًا فَأَكَلَهُ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ) ، وَهَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ إنَّمَا يَتَبَيَّنُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالرِّبْحِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ بِالْإِشَارَةِ كَالْعُرُوضِ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَالثَّمَنَيْنِ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ. فَقَوْلُهُ (فِي الْكِتَابِ) يَعْنِي الْجَامِعَ الصَّغِيرَ (اشْتَرَى بِهَا إشَارَةً إلَى أَنَّ التَّصَدُّقَ إنَّمَا يَجِبُ إذَا اشْتَرَى بِهَا وَنَقَدَ مِنْهَا) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: لِأَنَّ ظَاهِرَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهَا إذَا أَشَارَ إلَيْهَا وَنَقَدَ مِنْهَا، أَمَّا إذَا أَشَارَ إلَيْهَا وَنَقَدَ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ نَقَدَ مِنْهَا وَأَشَارَ إلَى غَيْرِهَا أَوْ أَطْلَقَ إطْلَاقًا وَنَقَدَ مِنْهَا بِطِيبٍ لَهُ، وَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ، فَفِي وَاحِدٍ مِنْهَا لَا يَطِيبُ، وَفِي الْبَاقِي يَطِيبُ. وَذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَجْهًا آخَرَ لَا يَطِيبُ فِيهِ أَيْضًا، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا دَفَعَ إلَى الْبَائِعِ تِلْكَ الدَّرَاهِمَ أَوَّلًا ثُمَّ اشْتَرَى مِنْهُ بِتِلْكَ الدَّرَاهِمِ. وَهَذَا التَّفْصِيلُ فِي الْجَوَابِ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لِأَنَّ الْإِشَارَةَ إذَا كَانَتْ لَا تُفِيدُ التَّعْيِينَ كَانَ وُجُودُهَا وَعَدَمُهَا سَوَاءً، فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَأَكَّدَ بِالنَّقْدِ لِيَتَحَقَّقَ الْخَبَثُ. قَالُوا: وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى قَوْلِهِ لِكَثْرَةِ الْحَرَامِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ عَنْ النَّاسِ. وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ مَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لَا يَطِيبُ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَضْمَنَ وَكَذَا بَعْدَ الضَّمَانِ بِكُلِّ حَالٍ: أَيْ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِإِطْلَاقِ الْجَوَابِ فِي الْجَامِعَيْنِ وَالْمُضَارَبَةُ بِقَوْلِهِ يَتَصَدَّقُ بِجَمِيعِ الرِّبْحِ، وَقَالَ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا نَقَدَ مِنْهَا وَلَمْ يُشِرْ فَسَلَامَةُ الْمَبِيعِ حَصَلَتْ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ، فَأَمَّا أَنْ يَصِيرَ عَنْهَا عِوَضًا فَلَا تَثْبُتُ شُبْهَةُ الْخُبْثِ، وَإِنْ أَشَارَ إلَيْهَا وَنَقَدَ مِنْ غَيْرِهَا فَإِعْلَامُ جِنْسِ الثَّمَنِ وَقَدْرِهِ حَصَلَ بِهَذِهِ الْإِشَارَةِ فَكَانَ لِلْعَقْدِ تَعَلُّقٌ بِهَا فَتُمْكِنُ شُبْهَةُ الْخُبْثِ أَيْضًا، وَسَبِيلُ مِثْلِهِ التَّصَدُّقُ فَاسْتَوَتْ الْوُجُوهُ كُلُّهَا فِي الْخُبْثِ وَوُجُوبِ التَّصَدُّقِ (وَإِنْ اشْتَرَى بِأَلْفٍ جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفَيْنِ فَوَهَبَهَا أَوْ طَعَامًا فَأَكَلَهُ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ) بَلْ يَرُدُّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا غَصَبَ (فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّ الرِّبْحَ إنَّمَا يَتَبَيَّنُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ) بِأَنْ يَصِيرَ الْأَصْلُ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَصِرْ فَلَمْ يَظْهَرْ الرِّبْحُ.

[فصل فيما يتغير بعمل الغاصب]

(فَصْلٌ) : قَالَ (وَإِذَا تَغَيَّرَتْ الْعَيْنُ الْمَغْصُوبَةُ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ حَتَّى زَالَ اسْمُهَا وَعِظَمُ مَنَافِعُهَا زَالَ مِلْكُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَنْهَا وَمَلَكَهَا الْغَاصِبُ وَضَمِنَهَا، وَلَا يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا حَتَّى يُؤَدِّيَ بَدَلَهَا، كَمَنْ غَصَبَ شَاةً وَذَبَحَهَا وَشَوَاهَا أَوْ طَبَخَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِيمَا يَتَغَيَّرُ بِعَمَلِ الْغَاصِبِ] فَصْلٌ) : لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ حَقِيقَةِ الْغَصْبِ وَحُكْمُهُ مِنْ وُجُوبِ رَدِّ الْعَيْنِ أَوْ الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ أَعْقَبَهُ بِذِكْرِ مَا يَزُولُ بِهِ مِلْكُ الْمَالِكِ لِأَنَّهُ عَارِضٌ وَحَقُّهُ الْفَصْلُ عَمَّا قَبْلَهُ (وَإِذَا تَغَيَّرَتْ الْعَيْنُ الْمَغْصُوبَةُ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ حَتَّى زَالَ اسْمُهَا وَعِظَمِ مَنَافِعِهَا زَالَ مِلْكُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَنْهَا وَمَلَكَهَا الْغَاصِبُ وَضَمِنَهَا، وَلَا يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا حَتَّى يُؤَدِّيَ بَدَلَهَا) قَوْلُهُ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا تَغَيَّرَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ، مِثْلُ أَنْ صَارَ الْعِنَبُ زَبِيبًا بِنَفْسِهِ أَوْ خَلًّا أَوْ الرُّطَبُ تَمْرًا فَإِنَّ الْمَالِكَ فِيهِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَضَمِنَهُ. وَقَوْلُهُ حَتَّى زَالَ اسْمُهَا احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا غَصَبَ شَاةً فَذَبَحَهَا فَإِنَّهُ لَمْ يَزُلْ بِالذَّبْحِ الْمُجَرَّدِ مِلْكُ مَالِكِهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ اسْمُهَا يُقَالُ شَاةٌ مَذْبُوحَةٌ وَشَاةٌ حَيَّةٌ. وَقَوْلُهُ وَعِظَمِ مَنَافِعِهَا يَتَنَاوَلُ الْحِنْطَةَ إذَا غَصَبَهَا وَطَحَنَهَا، فَإِنَّ الْمَقَاصِدَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِعَيْنِ الْحِنْطَةِ كَجَعْلِهَا هَرِيسَةً وَكِشْكًا وَنَشَاءً وَبَذْرًا وَغَيْرَهَا يَزُولُ بِالطَّحْنِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَأْكِيدٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ زَالَ اسْمُهَا يَتَنَاوَلُهُ فَإِنَّهَا إذَا طَحَنَتْ صَارَتْ تُسَمَّى دَقِيقًا لَا حِنْطَةً، وَمِثْلُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (كَمَنْ غَصَبَ شَاةً وَذَبَحَهَا وَشَوَاهَا أَوْ طَبَخَهَا) وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الذَّبْحَ وَحْدَهُ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ،

أَوْ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا أَوْ حَدِيدًا فَاِتَّخَذَهُ سَيْفًا أَوْ صُفْرًا فَعَمِلَهُ آنِيَةً) وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَنْقَطِعَ حَقُّ الْمَالِكِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا اخْتَارَ أَخْذَ الدَّقِيقِ لَا يُضَمِّنُهُ النُّقْصَانَ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُضَمِّنُهُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ لَكِنَّهُ يُبَاعُ فِي دَيْنِهِ وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ بَعْدَ مَوْتِهِ. لِلشَّافِعِيِّ أَنَّ الْعَيْنَ بَاقٍ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَلْ الذَّبْحُ وَالطَّبْخُ بِمَنْزِلَةِ طَحْنِ الْحِنْطَةِ. وَالْأَمْثِلَةُ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْغَاصِبِ فِيهِ مِنْ فِعْلٍ (قَوْلُهُ وَهَذَا كُلُّهُ) يَعْنِي زَوَالَ مِلْكِ الْمَالِكِ وَتَمَلُّكَ الْغَاصِبِ وَضَمَانَهُ (عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - غَيْرَ أَنَّهُ إذَا اخْتَارَ أَخْذَ الدَّقِيقِ لَا يُضَمِّنُهُ النُّقْصَانَ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا) إذْ الدَّقِيقُ عَيْنُ الْحِنْطَةِ مِنْ وَجْهٍ، لِأَنَّ عَمَلَ الطَّحْنِ فِي تَفْرِيقِ الْأَجْزَاءِ لَا فِي إحْدَاثِ مَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا وَتَفْرِيقُ الْأَجْزَاءِ لَا يُبَدِّلُ الْعَيْنَ كَالْقَطْعِ فِي الثَّوْبِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الرِّبَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا وَلَا يَجْرِي الرِّبَا إلَّا بِاعْتِبَارِ الْمُجَانَسَةِ (وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَضْمَنُهُ) لِأَنَّ عَلَى أَصْلِهِ تَضْمِينَ النُّقْصَانِ مَعَ أَخْذِ الْعَيْنِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ جَائِزٌ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (وَعَنْهُ أَنَّهُ يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ) وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ حَقُّهُ (لَكِنَّهُ يُبَاعُ فِي دَيْنِهِ وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ بَعْدَ مَوْتِهِ) قَوْلُهُ (وَلِلشَّافِعِيِّ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ بَقَاءَ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبِ يُوجِبُ بَقَاءَهُ عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ فِي الْغَصْبِ رَدُّ الْعَيْنِ عِنْدَ قِيَامِهِ، وَلَوْلَا بَقَاؤُهُ عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ لَمَا كَانَ كَذَلِكَ وَالْعَيْنُ

وَتَتْبَعُهُ الصَّنْعَةُ كَمَا إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ فِي الْحِنْطَةِ وَأَلْقَتْهَا فِي طَاحُونَةٍ فَطُحِنَتْ. وَلَا مُعْتَبَرَ بِفِعْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ فَلَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ عَلَى مَا عُرِفَ، فَصَارَ كَمَا إذَا انْعَدَمَ الْفِعْلُ أَصْلًا وَصَارَ كَمَا إذَا ذَبَحَ الشَّاةَ الْمَغْصُوبَةَ وَسَلَخَهَا وَأَرَّبَهَا. وَلَنَا أَنَّهُ أَحْدَثَ صَنْعَةً مُتَقَوِّمَةً صَيَّرَ حَقَّ الْمَالِكِ هَالِكًا مِنْ وَجْهٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَبَدَّلَ الِاسْمُ وَفَاتَ مُعْظَمُ الْمَقَاصِدِ وَحَقُّهُ فِي الصَّنْعَةِ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَتَرَجَّحُ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ فَائِتٌ مِنْ وَجْهٍ، وَلَا نَجْعَلُهُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَحْظُورٌ، بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إحْدَاثُ الصَّنْعَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبَاقٍ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ (وَتُتْبِعُهُ الصَّنْعَةَ) الْحَادِثَةَ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْأَصْلِ (كَمَا إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ فِي الْحِنْطَةِ وَأَلْقَتْهَا فِي طَاحُونَةٍ فَطَحَنَتْ) فَإِنَّ الدَّقِيقَ يَكُونُ لِمَالِكِ الْحِنْطَةِ كَذَلِكَ هَذَا. فَإِنْ قِيلَ: تَمْثِيلٌ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ تَخَلَّلَ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ فِعْلُ الْغَاصِبِ دُونَ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَلَا مُعْتَبَرَ بِفِعْلِهِ لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ فَلَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْفِعْلَ الْمَحْظُورَ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلنِّعْمَةِ وَهُوَ الْمِلْكُ فَصَارَ كَمَا إذَا عُدِمَ الْفِعْلُ أَصْلًا) وَحِينَئِذٍ صَارَتْ صُورَةُ النِّزَاعِ كَالْمُسْتَشْهَدِ بِهِ لَا مَحَالَةَ (وَصَارَ كَمَا إذَا ذَبَحَ الشَّاةَ الْمَغْصُوبَةَ وَأَرَّبَهَا) أَيْ جَعَلَهَا عُضْوًا عُضْوًا، فَإِنَّ فِعْلَ الْغَاصِبِ فِيهِ مَوْجُودٌ وَلَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْمِلْكِ لِكَوْنِهِ مَحْظُورًا (وَلَنَا أَنَّهُ أَحْدَثَ صَنْعَةً مُتَقَوِّمَةً) لِأَنَّ قِيمَةَ الشَّاةِ تَزْدَادُ بِطَبْخِهَا وَشَيِّهَا، وَكَذَلِكَ قِيمَةُ الْحِنْطَةِ تَزْدَادُ بِجَعْلِهَا دَقِيقًا (وَإِحْدَاثُهَا صَيَّرَ) جِنْسَ (حَقِّ الْمَالِكِ هَالِكًا مِنْ وَجْهٍ) أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَبَدَّلَ الِاسْمُ وَفَاتَ مُعْظَمُ الْمَقَاصِدِ (وَحَقُّهُ) أَيْ حَقُّ الْغَاصِبِ (فِي الصَّنْعَةِ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ) وَمَا هُوَ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مُرَجَّحٌ عَلَى الْهَالِكِ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ مِنْ قَوْلِهِمْ: إذَا تَعَارَضَ ضَرْبًا بِالتَّرْجِيحِ كَانَ الرُّجْحَانُ فِي الذَّاتِ أَحَقَّ مِنْهُ فِي الْحَالِ، لِأَنَّ الْحَالَ قَائِمَةٌ بِالذَّاتِ تَابِعَةٌ لَهُ فَيَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ بِالشَّيِّ وَالطَّبْخِ، لِأَنَّ الصَّنْعَةَ قَائِمَةٌ بِذَاتِهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْعَيْنُ هَالِكَةٌ مِنْ وَجْهٍ (قَوْلُهُ وَلَا نَجْعَلُهُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَحْظُورٌ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِفِعْلِهِ لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ لِهَذَا الْفِعْلِ جِهَتَيْنِ: جِهَةُ تَفْوِيتِ يَدِ الْمَالِكِ عَنْ الْمَحَلِّ وَهُوَ مَحْظُورٌ، وَجِهَةُ إحْدَاثِ صَنْعَةٍ

بِخِلَافِ الشَّاةِ؛ لِأَنَّ اسْمَهَا بَاقٍ بَعْدَ الذَّبْحِ وَالسَّلْخِ، وَهَذَا الْوَجْهُ يَشْمَلُ الْفُصُولَ الْمَذْكُورَةَ وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ غَيْرُهَا فَاحْفَظْهُ. وَقَوْلُهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا حَتَّى يُؤَدِّيَ بَدَلَهَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَزُفَرَ، وَهَكَذَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَوَاهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ. وَوَجْهُهُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لِلتَّصَرُّفِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَهَبَهُ أَوْ بَاعَهُ جَازَ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي الشَّاةِ الْمَذْبُوحَةِ الْمَصْلِيَّةِ بِغَيْرِ رِضَاءِ صَاحِبِهَا أَطْعِمُوهَا الْأَسَارَى» أَفَادَ الْأَمْرُ بِالتَّصَدُّقِ زَوَالَ مِلْكِ الْمَالِكِ وَحُرْمَةَ الِانْتِفَاعِ لِلْغَاصِبِ قَبْلَ الْإِرْضَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمُتَقَوِّمَةٍ وَهُوَ سَبَبٌ مِنْ حَيْثُ هَذِهِ الْجِهَةُ لَا الْجِهَةُ الْأُولَى. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الشَّاةِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَصَارَ كَمَا إذَا ذَبَحَ الشَّاةَ الْمَغْصُوبَةَ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْعِلَّةَ حُدُوثُ الْفِعْلِ مِنْ الْغَاصِبِ عَلَى وَجْهٍ يَتَبَدَّلُ الِاسْمُ، وَاسْمُ الشَّاةِ بَعْدَ الذَّبْحِ وَالسَّلْخِ بَاقٍ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُقَالُ شَاةٌ مَذْبُوحَةٌ مَسْلُوخَةٌ كَمَا يُقَالُ شَاةٌ حَيَّةٌ. فَإِنْ قِيلَ: الْكَلَامُ فِيهَا بَعْدَ التَّأْرِيبِ وَلَا يُقَالُ شَاةٌ مَأْرُوبَةٌ بَلْ يُقَالُ لَحْمٌ مَأْرُوبٌ فَقَدْ حَصَلَ الْفِعْلُ وَتَبَدَّلَ الِاسْمُ وَلَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ الْمَالِكِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ كَذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا ذَبَحَهَا فَقَدْ أَبْقَى اسْمَ الشَّاةِ فِيهَا مَعَ تَرْجِيحِ جَانِبِ اللَّحْمِيَّةِ فِيهَا، إذْ مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ مِنْهَا اللَّحْمُ ثُمَّ السَّلْخُ، وَالتَّأْرِيبُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُفَوِّتُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالذَّبْحِ بَلْ يُحَقِّقُهُ فَلَا يَكُونُ دَلِيلُ تَبْدِيلِ الْعَيْنِ، بِخِلَافِ الطَّبْخِ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَا هُوَ الْمُتَعَلِّقُ بِاللَّحْمِ كَمَا كَانَ فَلَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَأْخُذَهَا (قَوْلُهُ وَهَذَا الْوَجْهُ) أَيْ وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِبَقَاءِ الِاسْمِ عَلَى عَدَمِ انْقِطَاعِ حَقِّ الْمَالِكِ، وَبِفَوَاتِ الِاسْمِ عَلَى انْقِطَاعِ حَقِّ الْمِلْكِ شَامِلٌ لِعَامَّةِ فُصُولِ مَسَائِلِ الْغَصْبِ، فَإِنَّهُ إذَا غَصَبَ دَقِيقًا فَخَبَزَهُ أَوْ غَزْلًا فَنَسَجَهُ أَوْ قُطْنًا فَغَزَلَهُ أَوْ سِمْسِمًا فَعَصَرَهُ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ لِتَبَدُّلِ الِاسْمِ. وَأَمَّا إذَا غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ بِعُصْفُرٍ لَمْ يَنْقَطِعْ، وَكَانَ بِالْخِيَارِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ لِأَنَّ عَيْنَ الثَّوْبِ قَائِمٌ لَمْ يَتَبَدَّلْ اسْمُهُ. وَقَوْلُهُ (لَا يَحِلُّ لَهُ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَوَجْهُهُ) أَيْ وَجْهُ الْقِيَاسِ (أَنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ مُطْلَقٌ لِلتَّصَرُّفِ) يَعْنِي أَنَّ الْمِلْكَ قَدْ ثَبَتَ لِلْغَاصِبِ وَانْقَطَعَ عَنْهُ الْمَالِكُ بِالدَّلَائِلِ الْمَذْكُورَةِ، وَالْمِلْكُ مُطْلَقٌ لِلتَّصَرُّفِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى رِضَا غَيْرِهِ (أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَهَبَهُ أَوْ بَاعَهُ جَازَ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ) وَهُوَ حَدِيثٌ رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ الْجَرْمِيِّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي ضِيَافَةِ أَنْصَارِيٍّ فَقَدَّمَ إلَيْهِ شَاةً صَلِيَّةً: أَيْ مَشْوِيَّةً فَأَخَذَ مِنْهَا لُقْمَةً فَجَعَلَ يَلُوكُهَا وَلَا يَسِيغُهَا، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. إنَّهَا تُخْبِرُنِي أَنَّهَا ذُبِحَتْ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: كَانَتْ شَاةَ أَخِي، وَلَوْ كَانَتْ أَعَزَّ مِنْ هَذَا لَمْ يُنَفِّسْ عَلَيَّ بِهَا وَسَأُرْضِيهِ بِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهَا إذَا رَجَعَ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَطْعِمُوهَا الْأَسَارَى» قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

وَلِأَنَّ فِي إبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ فَتْحُ بَابِ الْغَصْبِ فَيَحْرُمُ قَبْلَ الْإِرْضَاءِ حَسْمًا لِمَادَّةِ الْفَسَادِ وَنَفَاذِ بَيْعِهِ وَهِبَتِهِ مَعَ الْحُرْمَةِ لِقِيَامِ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْمِلْكِ الْفَاسِدِ. وَإِذَا أَدَّى الْبَدَلَ يُبَاحُ لَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَالِكِ صَارَ مُوَفًّى بِالْبَدَلِ فَحَصَلَتْ مُبَادَلَةٌ بِالتَّرَاضِي، وَكَذَلِكَ إذَا أَبْرَأَهُ لِسُقُوطِ حَقِّهِ بِهِ، وَكَذَا إذَا أَدَّى بِالْقَضَاءِ أَوْ ضَمِنَهُ الْحَاكِمُ أَوْ ضَمِنَهُ الْمَالِكُ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْضِي إلَّا بِطَلَبِهِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا غَصَبَ حِنْطَةً فَزَرَعَهَا أَوْ نَوَاةً فَغَرَسَهَا غَيْرَ أَنَّهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ فِيهِمَا قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ لِوُجُودِ الِاسْتِهْلَاكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِقِيَامِ الْعَيْنِ فِيهِ مِنْ وَجْهٍ. وَفِي الْحِنْطَةِ يَزْرَعُهَا لَا يَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَأَصْلُهُ مَا تَقَدَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي الْمُحْبَسِينَ فَأَمَرَهُ بِالتَّصَدُّقِ مَعَ كَوْنِ الْمَالِكِ مَعْلُومًا. بَيَانُ أَنَّ الْغَاصِبَ قَدْ مَلَكَهَا لِأَنَّ مَالَ الْغَيْرِ يَحْفَظُ عَلَيْهِ عَيْنَهُ إذَا أَمْكَنَ وَثَمَنُهُ بَعْدَ الْبَيْعِ إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ حِفْظُ عَيْنِهِ، وَلَمَّا أَمَرَ بِالتَّصَدُّقِ بِهَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَلَكَهَا وَعَلَى حُرْمَةِ الِانْتِفَاعِ لِلْغَاصِبِ قَبْلَ الْإِرْضَاءِ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ فِي إبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ) دَلِيلٌ مَعْقُولٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَنَفَاذُ بَيْعِهِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَلِهَذَا لَوْ وَهَبَهُ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ نَفَاذَ ذَلِكَ لِقِيَامِ الْمِلْكِ وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِبَاحَةَ كَمَا فِي الْمِلْكِ الْفَاسِدِ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا أَدَّى الْبَدَلَ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ بَدَلَهَا وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (أَوْ ضَمِنَهُ الْحَاكِمُ) يَعْنِي إذَا كَانَ مَالَ الْيَتِيمِ، وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ) أَشَارَ إلَى قَوْلِهِ كَمَنْ غَصَبَ شَاةً وَذَبَحَهَا وَشَوَاهَا أَوْ طَبَخَهَا أَوْ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا أَوْ حَدِيدًا فَاِتَّخَذَهُ سَيْفًا. وَقَوْلُهُ (وَأَصْلُهُ مَا تَقَدَّمَ) إشَارَةٌ إلَى مَا ذُكِرَ قَبْلَ هَذَا الْفَصْلِ

قَالَ (وَإِنْ غَصَبَ فِضَّةً أَوْ ذَهَبًا فَضَرَبَهَا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ آنِيَةً لَمْ يَزُلْ مِلْكُ مَالِكِهَا عَنْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَأْخُذُهَا وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ، وَقَالَا: يَمْلِكُهَا الْغَاصِبُ وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا) ؛ لِأَنَّهُ أَحْدَثَ صَنْعَةً مُعْتَبَرَةً صَيَّرَ حَقَّ الْمَالِكِ هَالِكًا مِنْ وَجْهٍ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ كَسَرَهُ وَفَاتَ بَعْضُ الْمَقَاصِدِ وَالتِّبْرُ لَا يَصْلُحُ رَأْسَ الْمَالِ فِي الْمُضَارَبَاتِ وَالشَّرِكَاتِ وَالْمَضْرُوبُ يَصْلُحُ لِذَلِكَ. وَلَهُ أَنَّ الْعَيْنَ بَاقٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الِاسْمَ بَاقٍ وَمَعْنَاهُ الْأَصْلِيُّ الثَّمَنِيَّةُ وَكَوْنُهُ مَوْزُونًا وَأَنَّهُ بَاقٍ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الرِّبَا بِاعْتِبَارِهِ وَصَلَاحِيَّتِهِ لِرَأْسِ الْمَالِ مِنْ أَحْكَامِ الصَّنْعَةِ دُونَ الْعَيْنِ، وَكَذَا الصَّنْعَةُ فِيهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهَا. قَالَ (وَمِنْ غَصَبَ سَاجَةً فَبَنَى عَلَيْهَا زَالَ مِلْكُ مَالِكِهَا عَنْهَا وَلَزِمَ الْغَاصِبَ قِيمَتُهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لِلْمَالِكِ أَخْذُهَا، وَالْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَدَّمْنَاهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ تَعْلِيلِ مَسْأَلَةٍ: وَمَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَاسْتَغَلَّهُ فَنَقَصَتْهُ الْغَلَّةُ فَعَلَيْهِ النُّقْصَانُ. قَالَ (وَإِنْ غَصَبَ فِضَّةً أَوْ ذَهَبًا) إذَا غَصَبَ فِضَّةً أَوْ ذَهَبًا فَضَرَبَهَا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ آنِيَةً لَمْ يَزُلْ مِلْكُ مَالِكِهَا عَنْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَيَأْخُذُهَا وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ. وَقَالَا: يَمْلِكُهَا الْغَاصِبُ وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا، لِأَنَّهُ أَحْدَثَ صَنْعَةً مُعْتَبَرَةً مُتَقَوِّمَةً صَيَّرَ إحْدَاثَهَا حَقَّ الْمَالِكِ هَالِكًا مِنْ وَجْهٍ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ كَسَرَهُ وَفَاتَ بَعْضُ الْمَقَاصِدِ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ تِبْرًا وَهُوَ لَا يَصْلُحُ رَأْسَ الْمَالِ فِي الْمُضَارَبَاتِ وَالشَّرِكَاتِ وَبَعْدَمَا ضَرَبَهُ صَلُحَ لِذَلِكَ. وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى تَغَايُرِهِمَا مَعْنًى وَاسْمًا، لِأَنَّهُ قَبْلَ الضَّرْبِ كَانَ يُسَمَّى تِبْرًا وَفِضَّةً وَذَهَبًا وَبَعْدَهُ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يَقْطَعُ حَقَّ الْمَالِكِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الِاسْمَ بَاقٍ وَالْأَحْكَامُ الْأَرْبَعَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَهِيَ الثَّمَنِيَّةُ وَكَوْنُهُ مَوْزُونًا وَجَرَيَانُ الرِّبَا وَوُجُوبُ الزَّكَاةِ كَذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ الْمَالِكِ (قَوْلُهُ وَصَلَاحِيَّتُهُ لِرَأْسِ الْمَالِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَالتِّبْرُ لَا يَصْلُحُ إلَخْ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الصَّلَاحِيَّةَ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى مُقْتَضَى الطَّبِيعَةِ يَحْدُثُ بِالصَّنْعَةِ لَا أَنَّهُ هَلَكَ الْعَيْنُ بِهَا مِنْ وَجْهٍ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا الصَّنْعَةُ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ أَحْدَثَ صَنْعَةً مُعْتَبَرَةً مُتَقَوِّمَةً، وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ لِأَنَّهَا لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهَا، وَإِنَّمَا تَتَقَوَّمُ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ، بِخِلَافِ الْجِنْسِ كَمَنْ اسْتَهْلَكَ قَلْبَ فِضَّةٍ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ مِنْ الذَّهَبِ مَصُوغًا عِنْدَنَا، وَذَلِكَ لِأَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ مِثْلَ قِيمَتِهَا مِنْ جِنْسِهَا أَدَّى إلَى الرِّبَا، وَلَوْ أَوْجَبْنَا مِثْلَ وَزْنِهَا كَانَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَنْ الْجَوْدَةِ وَالصَّنْعَةِ، فَلِمُرَاعَاةِ حَقِّ الْمَالِكِ وَالتَّحَرُّزِ عَنْ الرِّبَا قُلْنَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ مِنْ الذَّهَبِ مَصُوغًا، وَإِنْ وَجَدَهُ صَاحِبُهُ مَكْسُورًا فَرَضِيَ بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَضْلٌ مَا بَيْنَ الْمَكْسُورِ وَالصَّحِيحِ لِأَنَّهُ عَادَ إلَيْهِ عَيْنُ مَالِهِ فَبَقِيَتْ الصَّنْعَةُ مُنْفَرِدَةً عَنْ الْأَصْلِ، وَلَا قِيمَةَ لَهَا فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَتْ الصَّنْعَةُ مُتَقَوِّمَةً مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَلَا تَصْلُحُ لِإِبْطَالِ حَقٍّ ثَابِتٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (وَمَنْ غَصَبَ سَاجَةً) بِالْجِيمِ وَهِيَ الْخَشَبَةُ الْعَظِيمَةُ، لِأَنَّ السَّاحَةَ بِالْحَاءِ سَتَأْتِي بَعْدَ هَذَا (فَبَنَى عَلَيْهَا زَالَ مِلْكُ مَالِكِهَا عَنْهَا وَلَزِمَ الْغَاصِبَ قِيمَتُهَا) وَذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْبِنَاءِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ السَّاجَةِ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ السَّاجَةِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْبِنَاءِ فَلَمْ يَزُلْ مِلْكُ مَالِكِهَا عَنْهَا، وَسَيَظْهَرُ لَك وَجْهُ ذَلِكَ إنْ تَأَمَّلْت فِي قَوْلِهِ وَجْهٌ آخَرُ لَنَا فِيهِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لِلْمَالِكِ أَخْذُهَا، وَالْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَدَّمْنَاهُ) يَعْنِي فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ بِقَوْلِهِ وَإِذَا

وَوَجْهٌ آخَرُ لَنَا فِيهِ أَنَّ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ إضْرَارًا بِالْغَاصِبِ بِنَقْضِ بِنَائِهِ الْحَاصِلِ مِنْ غَيْرِ خَلَفٍ، وَضَرَرُ الْمَالِكِ فِيمَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ مَجْبُورٌ بِالْقِيمَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا خَاطَ بِالْخَيْطِ الْمَغْصُوبِ بَطْنَ جَارِيَتِهِ أَوْ عَبْدَهُ أَوْ أَدْخَلَ اللَّوْحَ الْمَغْصُوبَ فِي سَفِينَتِهِ. ثُمَّ قَالَ الْكَرْخِيُّ وَالْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرَ: إنَّمَا لَا يُنْقَضُ إذَا بَنَى فِي حَوَالِي السَّاجَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQتَغَيَّرَتْ الْعَيْنُ الْمَغْصُوبَةُ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ إلَخْ (وَوَجْهٌ آخَرُ لَنَا فِيهِ) أَيْ فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (أَنَّ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ) الشَّافِعِيُّ (إضْرَارًا بِالْغَاصِبِ بِنَقْضِ بِنَائِهِ الْحَاصِلِ مِنْ غَيْرِ خُلْفٍ، وَضَرَرُ الْمَالِكِ فِيمَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ مَجْبُورٌ بِالْقِيمَةِ، فَصَارَ كَمَا إذَا خَاطَ بِالْخَيْطِ الْمَغْصُوبِ بَطْنَ جَارِيَتِهِ أَوْ أَدْخَلَ اللَّوْحَ الْمَغْصُوبَ فِي سَفِينَتِهِ) وَالسَّفِينَةُ مَعَ مَنْ عَلَيْهَا فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ لَيْسَ لِلْمَالِكِ أَنْ يَنْزِعَ لَوْحَهُ مِنْهَا، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِذَلِكَ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ وَاقِفَةً كَانَ لَهُ أَنْ يَنْزِعَ عِنْدَهُ فَلَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِشْهَادِ. فَإِنْ قِيلَ: عَدَمُ جَوَازِ نَزْعِ الْخَيْطِ وَاللَّوْحِ عِنْدَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهِ تَلَفَ النَّاسِ لَا لِأَنَّ الْمَالِكَ مَلَكَ ذَلِكَ بِمَا صَنَعَ فَلَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِشْهَادِ لِاخْتِلَافِ الْمَنَاطِ. قُلْنَا: ثَبَتَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَقُّ الْمَالِكِ وَغَيْرُهُ، وَجَعَلَ حَقَّ غَيْرِهِ أَوْلَى لِأَنَّ بِإِبْطَالِهِ زِيَادَةَ ضَرَرٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى ضَرَرِ الْمَالِكِ فَكَانَتَا مُتَسَاوِيَتَيْنِ (ثُمَّ قَالَ الْكَرْخِيُّ وَالْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إنَّمَا لَا يُنْقَضُ إذَا بَنَى فِي حَوَالَيْ السَّاجَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي الْبِنَاءِ،

مَا إذَا بَنَى عَلَى نَفْسِ السَّاجَةِ يُنْقَضُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ. وَجَوَابُ الْكِتَابِ يَرُدُّ ذَلِكَ وَهُوَ الْأَصَحُّ. قَالَ (وَمِنْ ذَبَحَ شَاةَ غَيْرِهِ فَمَالِكُهَا بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ ضَمَّنَّهُ قِيمَتَهَا وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ نُقْصَانَهَا، وَكَذَا الْجَزُورُ، وَكَذَا إذَا قَطَعَ يَدَهُمَا) هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَجْهُهُ أَنَّهُ إتْلَافٌ مِنْ وَجْهٍ بِاعْتِبَارِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا إذَا بَنَى عَلَى السَّاجَةِ يُنْقَضُ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَجَوَابُ الْكِتَابِ) يَعْنِي قَوْلَهُ فَبَنَى عَلَيْهَا (يُرَدُّ ذَلِكَ وَهُوَ الْأَصَحُّ) قِيلَ: لِأَنَّهُ تَغَيَّرَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ السَّاجَةَ قَبْلَ الْبِنَاءِ عَلَيْهَا تَصْلُحُ لِلْإِحْرَاقِ تَحْتَ الْقُدُورِ وَلِأَبْوَابِ الدُّورِ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَبَعْدَهُ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِالنَّقْضِ، وَالتَّغْيِيرُ يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّ الْمَالِكِ. قَالَ (وَمَنْ ذَبَحَ شَاةَ غَيْرِهِ) وَمَنْ ذَبَحَ شَاةَ غَيْرِهِ

فَوْتِ بَعْضِ الْأَغْرَاضِ مِنْ الْحَمْلِ وَالدَّرِّ وَالنَّسْلِ وَبَقَاءِ بَعْضِهَا وَهُوَ اللَّحْمُ فَصَارَ كَالْخَرْقِ الْفَاحِشِ فِي الثَّوْبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِغَيْرِ أَمْرِهِ فَمَالِكُهَا بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ نُقْصَانَهَا وَكَذَلِكَ الْجَزُورُ وَهُوَ مَا أُعِدَّ لِلذَّبْحِ مِنْ الْجَزْرِ وَهُوَ الْقَطْعُ، وَإِنَّمَا خَصَّهُ لِدَفْعِ مَا عَسَى أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ غَاصِبَهُ يَجِبُ أَنْ يَسْتَحِقَّ أَجْرَ الْمِثْلِ لِجِزَارَتِهِ عَلَى الْمَالِكِ لِأَنَّهُ حَقَّقَ مَقْصُودَهُ فِيهِ فَكَانَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِيهِ لَا نُقْصَانًا حَيْثُ أُعِدَّ لِلْجَزْرِ غَيْرَ مَطْلُوبٍ مِنْهُ لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ نَفْسَ إزَالَةِ الْحَيَاةِ عَنْ الْحَيَوَانِ نُقْصَانٌ فَكَانَ لِلْمَالِكِ الْخِيَارُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهِ مَقْصُودٌ سِوَاهُمَا مِنْ زِيَادَةِ الِاسْمَانِ وَالتَّأْخِيرُ إلَى وَقْتٍ آخَرَ لِمَصْلَحَةٍ لَهُ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ إذَا قَطَعَ يَدَهُمَا: أَيْ يَدَ الشَّاةِ وَالْجَزُورِ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، بِخِلَافِ مَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنْ لَا يُضَمِّنَهُ شَيْئًا: يَعْنِي فِي ذَبْحِ الشَّاةِ لِأَنَّ الذَّبْحَ وَالسَّلْخَ فِي الشَّاةِ زِيَادَةً عَلَى مَا مَرَّ. وَوَجْهُ الظَّاهِرِ مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ إتْلَافٌ مِنْ وَجْهٍ بِاعْتِبَارِ فَوَاتِ بَعْضِ الْأَغْرَاضِ مِنْ الْحَمْلِ وَالدَّرِّ وَالنَّسْلِ، وَبَقَاءُ بَعْضِهَا وَهُوَ اللَّحْمُ فَصَارَ كَالْخَرْقِ الْفَاحِشِ فِي الثَّوْبِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ وَلَكِنَّهُ لَا يَعُمُّ الْجَزُورَ بِظَاهِرِهِ، وَلَكِنَّهُ يَعُمُّهُ مِنْ قَوْلِهِ فَوَّتَ بَعْضَ الْأَغْرَاضِ إذَا لَمْ يَجْعَلْ الْبَيَانَ مُنْحَصِرًا فِيهَا ذُكِرَ بِقَوْلِهِ مِنْ الْحَمْلِ وَالدَّرِّ وَالنَّسْلِ، وَلَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ غَيْرَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ فَقَطَعَ الْغَاصِبُ طَرَفَهَا فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَهُ جَمِيعَ قِيمَتِهَا لِوُجُودِ الِاسْتِهْلَاكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. قِيلَ: لَيْسَ لِتَقْيِيدِهِ بِغَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ فَائِدَةٌ، فَإِنَّ حُكْمَ مَأْكُولِهِ أَيْضًا كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ عَطَفَ قَوْلَهُ وَكَذَا إذَا قَطَعَ يَدَهُمَا عَلَى قَوْلِهِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ نُقْصَانَهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا فِي الْحُكْمِ سَوَاءٌ. وَمِنْ الشَّارِحِينَ مَنْ قَالَ: هَذَا إنَّمَا هُوَ عَلَى اخْتِيَارِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَالظَّاهِرُ وُجُوبُ تَضْمِينِ الْقِيمَةِ بِلَا خِيَارٍ فِيهِمَا: يَعْنِي فِي مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِ مَأْكُولِهِ إذَا قَطَعَ طَرَفَهُ فَكَانَ فَائِدَةُ ذِكْرِهِ رَدَّ ذَلِكَ الظَّاهِرِ. وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَفَى أَنْ يَقُولَ: وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ غَيْرَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ. وَالثَّانِي أَنَّ التَّعْلِيلَ يَدُلُّ عَلَى مُغَايَرَةِ الْحُكْمِ بَيْنَ قَطْعِ طَرَفِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِ

وَلَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ غَيْرَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ فَقَطَعَ الْغَاصِبُ طَرَفَهَا لِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَهُ جَمِيعَ قِيمَتِهَا لِوُجُودِ الِاسْتِهْلَاكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بِخِلَافِ قَطْعِ طَرَفِ الْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ حَيْثُ يَأْخُذُهُ مَعَ أَرْشِ الْمَقْطُوعِ؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ يَبْقَى مُنْتَفَعًا بِهِ بَعْدَ قَطْعِ الطَّرَفِ. قَالَ (وَمَنْ خَرَقَ ثَوْبَ غَيْرِهِ خَرْقًا يَسِيرًا ضَمِنَ نُقْصَانَهُ وَالثَّوْبُ لِمَالِكِهِ) ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِنَّمَا دَخَلَهُ عَيْبٌ فَيَضْمَنُهُ (وَإِنْ خَرَقَ خَرْقًا كَبِيرًا يُبْطِلَ عَامَّةَ مَنَافِعِهِ فَلِمَالِكِهِ أَنْ يُضَمِّنَهُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَكَأَنَّهُ أَحْرَقَهُ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَعْنَاهُ يَتْرُكُ الثَّوْبَ عَلَيْهِ: وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّوْبَ وَضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ؛ لِأَنَّهُ تَعْيِيبٌ مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَيْنَ بَاقٍ، وَكَذَا بَعْضُ الْمَنَافِعِ قَائِمٌ، ثُمَّ إشَارَةُ الْكِتَابِ إلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQمَأْكُولِهِ حَيْثُ قَالَ فِي الْأَوَّلِ: إنَّهُ إتْلَافٌ مِنْ وَجْهٍ. وَفِي الثَّانِي لِوُجُودِ الِاسْتِهْلَاكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِ نَفْيُ اخْتِيَارِ الْمَالِكِ بَيْنَ تَضْمِينِ قِيمَتِهَا وَبَيْنَ إمْسَاكِ الْجُثَّةِ وَتَضْمِينِ نُقْصَانِهَا، وَيَكُونُ ذَلِكَ اخْتِيَارًا مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ نَقْلُ الْكُتُبِ عَلَى خِلَافِهِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُغْنِي فَقَالَ: وَفِي الْمُنْتَقَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: رَجُلٌ قَطَعَ يَدَ حِمَارٍ أَوْ رِجْلَهُ وَكَانَ لِمَا بَقِيَ قِيمَةٌ فَلَهُ أَنْ يُمْسِكَ وَيَأْخُذَ النُّقْصَانَ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ قَطْعِ طَرَفِ الْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَهُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ. وَحَاصِلُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْآدَمِيَّ بِقَطْعِ طَرَفٍ مِنْهُ لَا يَصِيرُ مُسْتَهْلِكًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بِخِلَافِ الدَّابَّةِ فَإِنَّهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِهَا مِنْ الْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. قَالَ (وَمَنْ خَرَقَ ثَوْبَ غَيْرِهِ) اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْحَدِّ الْفَاصِلِ بَيْنَ الْخَرْقِ الْيَسِيرِ وَالْفَاحِشِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ رُبُعِ الْقِيمَةِ فَهُوَ فَاحِشٌ، وَمَا أَوْجَبَ دُونَهُ فَهُوَ يَسِيرٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ نِصْفِ الْقِيمَةِ فَهُوَ فَاحِشٌ، وَمَا أَوْجَبَ دُونَهُ فَهُوَ يَسِيرٌ. وَأَشَارَ فِي الْقُدُورِيِّ إلَى أَنَّ الْفَاحِشَ مَا يَبْطُلُ بِهِ عَامَّةُ الْمَنَافِعِ. قِيلَ: مَعْنَاهُ أَنْ

أَنَّ الْفَاحِشَ مَا يَبْطُلُ بِهِ عَامَّةُ الْمَنَافِعِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْفَاحِشَ مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْعَيْنِ وَجِنْسُ الْمَنْفَعَةِ وَيَبْقَى بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ، وَالْيَسِيرُ مَا لَا يَفُوتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِيهِ النُّقْصَانُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا جَعَلَ فِي الْأَصْلِ قَطْعَ الثَّوْبِ نُقْصَانًا فَاحِشًا وَالْفَائِتُ بِهِ بَعْضُ الْمَنَافِعِ. قَالَ (وَمَنْ غَصَبَ أَرْضًا فَغَرَسَ فِيهَا أَوْ بَنَى قِيلَ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَبْقَى لِلْبَاقِي مَنْفَعَةُ الثِّيَابِ بِأَنْ لَا يَصْلُحَ لِثَوْبٍ مَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْفَاحِشَ مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْعَيْنِ) قِيلَ يَعْنِي مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ وَالْغَالِبُ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الثَّوْبَ إذَا قُطِعَ يَفُوتُ شَيْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ (وَجِنْسُ الْمَنْفَعَةِ) يَعْنِي أَنْ لَا يَبْقَى جَمِيعُ مَنَافِعِهِ بَلْ يَفُوتُ بَعْضُهُ وَيَبْقَى بَعْضُهُ (وَالْيَسِيرُ مَا لَا يَفُوتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِيهِ النُّقْصَانُ) يَعْنِي مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ بِسَبَبِ فَوَاتِ الْجَوْدَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا دُونَ غَيْرِهِ (لِأَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَعَلَ فِي الْأَصْلِ قَطْعَ الثَّوْبِ نُقْصَانًا فَاحِشًا) فَقَالَ: وَإِذَا غَصَبَ ثَوْبًا فَقَطَعَهُ قَمِيصًا وَلَمْ يَخِطْهُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ ثَوْبَهُ وَضَمَّنَهُ مَا نَقَصَهُ الْقَطْعُ. وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ الثَّوْبَ عَلَيْهِ وَضَمَّنَهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْفَائِتَ بِهِ بَعْضُ الْمَنَافِعِ لِأَنَّهُ بَعْدَمَا قُطِعَ قَمِيصًا يَصْلُحُ لِلْقَمِيصِ وَإِنْ كَانَ لَا يَصْلُحُ لِلْقَبَاءِ وَأَمْثَالِهِ، وَالسَّاقِطُ مِنْ الْقِيمَةِ أَقَلُّ مِنْ الرُّبُعِ، وَمَعَ هَذَا اعْتَبَرَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَاحِشًا. وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَمَنْ خَرَقَ ثَوْبَ غَيْرِهِ خَرْقًا يَسِيرًا ضَمِنَ نُقْصَانَهُ وَالثَّوْبُ لِمَالِكِهِ لِأَنَّ الْعَيْنَ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَإِنَّمَا دَخَلَهُ عَيْبٌ فَيَضْمَنُهُ، وَإِنْ خَرَقَهُ خَرْقًا كَبِيرًا فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَهُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ وَيَتْرُكَ الثَّوْبَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، فَإِنَّهُ قَبْلَ الْقَطْعِ كَانَ صَالِحًا لِاِتِّخَاذِ الْقَبَاءِ وَالْقَمِيصِ وَبَعْدَهُ لَمْ يَبْقَ ذَلِكَ فَكَانَ مُسْتَهْلَكًا مِنْ وَجْهٍ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّوْبَ وَضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ لِأَنَّهُ تَعْيِيبٌ مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَيْنَ بَاقٍ، وَكَذَا بَعْضُ الْمَنَافِعِ قَائِمٌ فَيَمِيلُ إلَى جِهَةِ الِاسْتِهْلَاكِ وَضَمَّنَهُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ، أَوْ إلَى جَانِبِ الْبَقَاءِ وَأَخْذِ الْعَيْنِ وَضَمَّنَهُ نُقْصَانَ الْقَطْعِ، وَوَضْعُ الْمَسْأَلَةِ بِلَفْظِ الثَّوْبِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْحُكْمَ عَامٌّ فِي الَّذِي يُلْبَسُ كَالْقَمِيصِ وَغَيْرِهِ وَفِيمَا لَمْ يُلْبَسْ كَالْكِرْبَاسِ. قَالَ (وَمَنْ غَصَبَ أَرْضًا) كَلَامُهُ وَاضِحٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْحٍ، لَكِنْ كَانَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ يَحْكِي عَنْ الْكَرْخِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ ذَكَرَ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ تَفْصِيلًا فَقَالَ: إنْ كَانَتْ قِيمَةُ السَّاحَةِ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْبِنَاءِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ السَّاحَةِ أَكْثَرَ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا. قَالُوا: هَذَا قَرِيبٌ مِنْ مَسَائِلَ حُفِظَتْ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَيْثُ قَالَ فِي لُؤْلُؤَةٍ سَقَطَتْ مِنْ يَدِ إنْسَانٍ فَابْتَلَعَتْهَا دَجَاجَةُ إنْسَانٍ، يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ الدَّجَاجَةِ وَاللُّؤْلُؤَةِ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الدَّجَاجَةِ أَقَلَّ يُخَيَّرُ صَاحِبُ اللُّؤْلُؤَةِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الدَّجَاجَةَ وَضَمِنَ قِيمَتَهَا لِمَالِكِهَا وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ اللُّؤْلُؤَةَ وَضَمِنَ صَاحِبُ الدَّجَاجَةِ قِيمَةَ اللُّؤْلُؤَةِ وَكَذَا إذَا دَخَلَ قَرْنُ الشَّاةِ فِي قِدْرِ الْبَاقِلَّائِيِّ وَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ، يُنْظَرُ أَيُّهُمَا كَانَ أَكْثَرَ قِيمَةً فَيُؤْمَرُ صَاحِبُهُ بِدَفْعِ قِيمَةِ الْآخَرِ إلَى صَاحِبِهِ وَيَتَمَلَّكُ مَالَ صَاحِبِهِ وَيَتَخَيَّرُ

اقْلَعْ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ وَرُدَّهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» وَلِأَنَّ مِلْكَ صَاحِبِ الْأَرْضِ بَاقٍ، فَإِنَّ الْأَرْضَ لَمْ تَصِرْ مُسْتَهْلَكَةً وَالْغَصْبُ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهَا، وَلَا بُدَّ لِلْمِلْكِ مِنْ سَبَبٍ فَيُؤْمَرُ الشَّاغِلُ بِتَفْرِيغِهَا، كَمَا إذَا شَغَلَ ظَرْفَ غَيْرِهِ بِطَعَامِهِ (فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ تَنْقُصُ بِقَلْعِ ذَلِكَ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَ لَهُ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ مَقْلُوعًا وَيَكُونَانِ لَهُ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لَهُمَا وَدُفِعَ الضَّرَرُ عَنْهُمَا. وَقَوْلُهُ قِيمَتُهُ مَقْلُوعًا مَعْنَاهُ قِيمَةُ بِنَاءٍ أَوْ شَجَرٍ يُؤْمَرُ بِقَلْعِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِيهِ، إذْ لَا قَرَارَ لَهُ فِيهِ فَتَقُومُ الْأَرْضُ بِدُونِ الشَّجَرِ وَالْبِنَاءِ وَتَقُومُ وَبِهَا شَجَرٌ أَوْ بِنَاءٌ، لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِقَلْعِهِ فَيَضْمَنُ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا. قَالَ (وَمَنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ أَوْ سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِسَمْنٍ فَصَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبٍ أَبْيَضَ وَمِثْلَ السَّوِيقِ وَسَلَّمَهُ لِلْغَاصِبِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُمَا وَغَرِمَ مَا زَادَ الصَّبْغُ وَالسَّمْنُ فِيهِمَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الثَّوْبِ: لِصَاحِبِهِ أَنْ يَمْسِكَهُ وَيَأْمُرَ الْغَاصِبَ بِقَلْعِ الصَّبْغِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ اعْتِبَارًا بِفَصْلِ السَّاحَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْدَ ذَلِكَ فِي تَلَفِ أَيِّهِمَا شَاءَ، وَلَهُ أَمْثَالٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» صَحَّحَهُ فِي الْمُغْرِبِ بِتَنْوِينِ عِرْقٍ: أَيْ لِذَوِي عِرْقٍ ظَالِمٍ، وَهُوَ الَّذِي يُغْرَسُ فِي الْأَرْضِ غَرْسًا عَلَى وَجْهِ الِاغْتِصَابِ لِيَسْتَوْجِبَهَا وَصَفَ الْعِرْقَ بِالظُّلْمِ الَّذِي هُوَ صِفَةُ صَاحِبِهِ مَجَازًا، وَقَدْ رُوِيَ بِالْإِضَافَةِ أَيْ لَيْسَ لِعِرْقِ غَاصِبٍ ثُبُوتٌ بَلْ يُؤْمَرُ بِقَلْعِهِ. وَقَوْلُهُ (فَتُقَوَّمُ الْأَرْضُ إلَخْ) يُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْأَرْضِ بِدُونِ الشَّجَرِ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ مَثَلًا وَمَعَ الشَّجَرِ الْمُسْتَحَقِّ قَلْعُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَضْمَنُ صَاحِبُ الْأَرْضِ خَمْسَةَ دَنَانِيرَ لِلْغَاصِبِ فَيُسَلِّمُ الْأَرْضَ وَالشَّجَرَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَكَذَا الْبِنَاءُ (قَوْلُهُ وَمَنْ غَصَبَ ثَوْبًا إلَخْ) ظَاهِرٌ، وَقَوْلُهُ (اعْتِبَارًا بِفَصْلِ السَّاحَةِ) يَعْنِي

بَنَى فِيهَا؛ لِأَنَّ التَّمْيِيزَ مُمْكِنٌ، بِخِلَافِ السَّمْنِ فِي السَّوِيقِ؛ لِأَنَّ التَّمْيِيزَ مُتَعَذِّرٌ. وَلَنَا مَا بَيَّنَّا أَنَّ فِيهِ رِعَايَةَ الْجَانِبَيْنِ وَالْخِيَرَةُ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ لِكَوْنِهِ صَاحِبَ الْأَصْلِ، بِخِلَافِ السَّاحَةِ بَنَى فِيهَا؛ لِأَنَّ النَّقْضَ لَهُ بَعْدَ النَّقْضِ؛ أَمَّا الصِّبْغُ فَيَتَلَاشَى، وَبِخِلَافِ مَا إذَا انْصَبَغَ بِهُبُوبِ الرِّيحِ؛ لِأَنَّهُ لَا جِنَايَةَ مِنْ صَاحِبِ الصَّبْغِ لِيَضْمَنَ الثَّوْبَ فَيَتَمَلَّكُ صَاحِبُ الْأَصْلِ الصِّبْغَ. قَالَ أَبُو عِصْمَةَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: وَإِنْ شَاءَ رَبُّ الثَّوْبِ بَاعَهُ وَيَضْرِبُ بِقِيمَتِهِ أَبْيَضَ وَصَاحِبُ الصَّبْغِ بِمَا زَادَ الصِّبْغُ فِيهِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَتَمَلَّكَ الصَّبْغَ بِالْقِيمَةِ، وَعِنْدَ امْتِنَاعِهِ تَعَيَّنَ رِعَايَةُ الْجَانِبَيْنِ فِي الْبَيْعِ وَيَتَأَتَّى، هَذَا فِيمَا إذَا انْصَبَغَ الثَّوْبُ بِنَفْسِهِ، وَقَدْ ظَهَرَ بِمَا ذَكَرْنَا لِوَجْهٍ فِي السَّوِيقِ، غَيْرَ أَنَّ السَّوِيقَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَيَضْمَنُ مِثْلَهُ وَالثَّوْبُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ. وَقَالَ فِي الْأَصْلِ: يَضْمَنُ قِيمَةَ السَّوِيقِ؛ لِأَنَّ السَّوِيقَ يَتَفَاوَتُ بِالْقَلْيِ فَلَمْ يَبْقَ مِثْلِيًّا. وَقِيلَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْمِثْلُ سَمَّاهُ بِهِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ، وَالصُّفْرَةُ كَالْحُمْرَةِ. وَلَوْ صَبَغَهُ أَسْوَدَ فَهُوَ نُقْصَانٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا زِيَادَةٌ. وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ. وَقِيلَ إنْ كَانَ ثَوْبًا يُنْقِصُهُ السَّوَادُ فَهُوَ نُقْصَانٌ، وَإِنْ كَانَ ثَوْبًا يُزِيدُ فِيهِ السَّوَادُ فَهُوَ كَالْحُمْرَةِ وَقَدْ عُرِفَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَلَوْ كَانَ ثَوْبًا تُنْقِصُهُ الْحُمْرَةُ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا فَتَرَاجَعَتْ بِالصَّبْغِ إلَى عِشْرِينَ، فَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى ثَوْبٍ تُزِيدُ فِيهِ الْحُمْرَةُ، فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ خَمْسَةً يَأْخُذُ ثَوْبَهُ وَخَمْسَةَ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّ إحْدَى الْخَمْسَتَيْنِ جُبِرَتْ بِالصَّبْغِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا أَنَّ فِي فَصْلِ السَّاحَةِ يُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ إذَا لَمْ تَتَضَرَّرْ الْأَرْضُ بِهِ، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا شَغْلَ مِلْكِ الْغَيْرِ بِمِلْكِهِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ التَّمْيِيزَ مُمْكِنٌ) يَعْنِي بِالْعَصْرِ. وَقَوْلُهُ (وَلَنَا مَا بَيَّنَّا) يَعْنِي فِي مَسْأَلَةِ السَّاجَةِ بِالْجِيمِ بِقَوْلِهِ وَوَجْهٌ آخَرُ لَنَا. وَقَوْلُهُ (وَالْخَيْرُ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لِمَ لَا يَكُونُ الْخِيَارُ لِصَاحِبِ الصَّبْغِ: يَعْنِي إنْ شَاءَ سَلَّمَ الثَّوْبَ إلَى مَالِكِهِ وَضَمَّنَهُ قِيمَةَ صَبْغِهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ قِيمَةَ الثَّوْبِ أَبْيَضَ. وَبَيَانُهُ أَنَّ تَخْيِيرَ كُلٍّ مِنْهُمَا مُتَعَذِّرٌ لِجَوَازِ وُقُوعِ التَّنَافِي بَيْنَهُمَا، وَتَخْيِيرُ الْمَالِكِ أَوْلَى لِأَنَّ الثَّوْبَ أَصْلٌ وَالصَّبْغَ صِفَةٌ فَيَكُونُ كَالتَّابِعِ لَهُ، وَالسَّوِيقُ بِمَنْزِلَةِ الثَّوْبِ وَالسَّمْنُ بِمَنْزِلَةِ الصَّبْغِ (قَالَ أَبُو عِصْمَةَ الْمَرْوَزِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ) يَعْنِي فِي قَوْلِهِ وَمَنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ، وَاحْتُرِزَ بِهَذَا الْقَيْدِ عَنْ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو عِصْمَةَ مُتَّصِلٌ بِمَا يَلِيهِ مِنْ مَسْأَلَةِ الِانْصِبَاغِ وَإِنْ كَانَتْ مَسْأَلَةُ الِانْصِبَاغِ كَذَلِكَ، لَكِنْ وَقَعَ مِنْ أَبِي عِصْمَةَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَقَيَّدَهُ بِذَلِكَ تَصْحِيحًا لِلنَّقْلِ (وَقَدْ ظَهَرَ بِمَا ذَكَرْنَا) فِي مَسْأَلَةِ الصَّبْغِ وَالِانْصِبَاغِ (الْوَجْهُ) يَعْنِي جَوَابَ الْمَسْأَلَةِ وَتَعْلِيلَهَا (فِي السَّوِيقِ) مِنْ حَيْثُ الْخَلْطُ وَالِاخْتِلَاطُ بِغَيْرِ فِعْلٍ (غَيْرَ أَنَّ السَّوِيقَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَيَضْمَنُ مِثْلَهُ، وَالثَّوْبُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ. وَقَالَ فِي الْأَصْلِ: يَضْمَنُ قِيمَةَ السَّوِيقِ لِأَنَّ السَّوِيقَ يَتَفَاوَتُ بِالْقَلْيِ فَلَمْ يَبْقَ مِثْلِيًّا. وَقِيلَ الْمُرَادُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْقِيمَةِ (الْمِثْلُ سَمَّاهُ بِهِ) أَيْ سَمَّى الْمِثْلَ بِالْقِيمَةِ (لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ) أَيْ لِقِيَامِ الْمِثْلِ مَقَامَ الْمَغْصُوبِ، وَذَكَّرَ الضَّمِيرَ فِي مِنْهُ وَبِهِ بِتَأْوِيلِ مَا يُقَوَّمُ (قَوْلُهُ فَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَخْ) مَعْنَاهُ إنْ نَظَرَ إلَى ثَوْبٍ تَزِيدُ فِيهِ الْحُمْرَةُ فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ خَمْسَةً مَثَلًا يَأْخُذُ ثَوْبَهُ وَخَمْسَةَ دَرَاهِمَ، لِأَنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ اسْتَوْجَبَ نُقْصَانَ الثَّوْبِ عَشْرَةً وَاسْتَوْجَبَ الصَّبَّاغُ عَلَيْهِ قِيمَةَ الصَّبْغِ خَمْسَةً، فَالْخَمْسَةُ بِالْخَمْسَةِ قِصَاصٌ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ مَا بَقِيَ مِنْ النُّقْصَانِ وَهُوَ خَمْسَةٌ، وَهَذَا رِوَايَةُ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.

[فصل فيمن غصب عينا فغيبها]

وَمَنْ غَصَبَ عَيْنًا فَغَيَّبَهَا فَضَمَّنَهُ الْمَالِكُ قِيمَتَهَا مَلَكَهَا وَهَذَا عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَمْلِكُهَا لِأَنَّ الْغَصْبَ عُدْوَانٌ مَحْضٌ فَلَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ كَمَا فِي الْمُدَبَّرِ. وَلَنَا أَنَّهُ مَلَكَ الْبَدَلَ بِكَمَالِهِ، وَالْمُبَدَّلُ قَابِلٌ لِلنَّقْلِ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَيَمْلِكُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ، بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَابِلٍ لِلنَّقْلِ لِحَقِّ الْمُدَبَّرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِيمَنْ غَصَبَ عَيْنًا فَغَيَّبَهَا] (فَصْلٌ) : لَمَّا فَرَغَ مِنْ كَيْفِيَّةِ مَا يُوجِبُ الْمِلْكَ لِلْغَاصِبِ بِالضَّمَانِ شَرَعَ فِي ذِكْرِ مَسَائِلَ تَتَّصِلُ بِمَسَائِلِ الْغَصْبِ. قَالَ (وَمَنْ غَصَبَ عَيْنًا فَغَيَّبَهَا) فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ صَبَرَ إلَى أَنْ تُوجَدَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا، فَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْقِيمَةِ فَضَمِنَهَا الْغَاصِبُ مَلَكَهَا عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ (الْغَصْبُ عُدْوَانٌ مَحْضٌ، وَمَا هُوَ كَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ) كَمَا لَوْ غَصَبَ مُدَبَّرًا وَغَيَّبَهُ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِالِاتِّفَاقِ (وَلَنَا الْمَالِكُ مَلَكَ الْبَدَلَ وَهُوَ الْقِيمَةُ بِكَمَالِهِ) يَعْنِي يَدًا وَرَقَبَةً، وَكُلُّ مَنْ مَلَكَ بَدَلَ شَيْءٍ خَرَجَ الْمُبْدَلُ عَنْ مِلْكِهِ فِي مُقَابَلَتِهِ وَدَخَلَ فِي مِلْكِ صَاحِبِ الْبَدَلِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ مَالِكِ الْبَدَلِ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُبْدَلُ قَابِلًا لِلنَّقْلِ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ وَالْمُدَبَّرُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَكَلَامُهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ هُوَ الْغَصْبُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ تَعْلِيلُ الشَّافِعِيِّ بِذَلِكَ مُنَاسِبًا وَهُوَ مَذْهَبُ الْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْأَسْرَارِ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: الْغَصْبُ يُفِيدُ الْمِلْكَ فِي الْمَغْصُوبِ عِنْدَ الْقَضَاءِ

نَعَمْ قَدْ يُفْسَخُ التَّدْبِيرُ بِالْقَضَاءِ لَكِنَّ الْبَيْعَ بَعْدَهُ يُصَادِفُ الْقِنَّ. قَالَ (وَالْقَوْلُ فِي الْقِيمَةِ قَوْلُ الْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّ الْمَالِكَ يَدَّعِي الزِّيَادَةَ وَهُوَ يُنْكِرُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ (إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمَالِكُ الْبَيِّنَةَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ أَثْبَتَهُ بِالْحُجَّةِ الْمُلْزِمَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالضَّمَانِ أَوْ التَّرَاضِي. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمَبْسُوطِ: وَهَذَا وَهْمٌ، فَإِنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ لِلْغَاصِبِ حَقِيقَةً وَلِهَذَا لَا يُسَلَّمُ لَهُ الْوَلَدُ، وَلَوْ كَانَ الْغَصْبُ هُوَ السَّبَبُ لَكَانَ إذَا تَمَّ الْمِلْكُ بِذَلِكَ السَّبَبِ يَمْلِكُ الزَّوَائِدَ الْمُتَّصِلَةَ وَالْمُنْفَصِلَةَ وَمَعَ هَذَا فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ بَعْضُ الشُّنْعَةِ، فَالْغَصْبُ عُدْوَانٌ مَحْضٌ وَالْمِلْكُ حُكْمٌ مَشْرُوعٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ، فَيَكُونُ سَبَبُهُ مَشْرُوعًا مَرْغُوبًا فِيهِ، وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُجْعَلَ الْعُدْوَانُ الْمَحْضُ سَبَبًا لَهُ، فَإِنَّهُ تَرْغِيبٌ لِلنَّاسِ فِيهِ لِتَحْصِيلِ مَا هُوَ مَرْغُوبٌ لَهُمْ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ إضَافَةُ مِثْلِهِ إلَى الشَّرْعِ. وَقِيلَ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ بِكَوْنِ الْغَصْبِ سَبَبًا لِلْمِلْكِ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ أَنَّهُ يُوجِبُهُ مُطْلَقًا بَلْ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ، وَالثَّابِتُ بِهِ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَلَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي ثُبُوتِ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ. وَقَوْلُهُ (نَعَمْ قَدْ يُفْسَخُ التَّدْبِيرُ بِالْقَضَاءِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُدَبَّرَ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ، فَإِنَّ مَوْلَاهُ لَوْ بَاعَهُ وَحَكَمَ الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِهِ جَازَ الْبَيْعُ وَفُسِخَ التَّدْبِيرُ. وَتَقْرِيرُهُ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ: يَعْنِي نَعَمْ هُوَ كَذَلِكَ، لَكِنْ هُوَ فِي ضِمْنِ قَضَاءِ الْقَاضِي فِي الْفَصْلِ الْمُجْتَهَدِ فِيهِ فَحِينَئِذٍ كَانَ مُصَادِفًا لِلْقِنِّ لَا لِلْمُدَبَّرِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ لِمُصَادَفَتِهِ الْقِنَّ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَأَمَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَلَمْ يَنْفَسِخْ التَّدْبِيرُ وَالْكَلَامُ فِيهِ. قَالَ (وَالْقَوْلُ فِي الْقِيمَةِ قَوْلُ الْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ) إذَا اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ فَالْقَوْلُ فِيهَا قَوْلُ الْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ (إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمَالِكُ الْبَيِّنَةَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) فَحِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ الْقَوْلُ قَوْلَ الْغَاصِبِ بَلْ يَكُونُ لِلْمَالِكِ (لِأَنَّهُ أَثْبَتَهُ بِالْحُجَّةِ الْمُلْزِمَةِ) فَإِنْ عَجَزَ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَطَلَبَ يَمِينَ الْغَاصِبِ وَلِلْغَاصِبِ بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ بِقِيمَةِ الْمَغْصُوبِ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ، بَلْ يَحْلِفُ عَلَى دَعْوَاهُ لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ تَنْفِي الزِّيَادَةَ، وَالْبَيِّنَةُ عَلَى النَّفْيِ لَا تُقْبَلُ. وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ لِإِسْقَاطِ الْيَمِينِ كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ، وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ قُبِلَتْ. وَكَانَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عُدَّتْ مُشْكِلَةً. وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ الْمُودَعَ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْيَمِينُ، وَبِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَسْقَطَهَا وَارْتَفَعَتْ الْخُصُومَةُ. وَأَمَّا الْغَاصِبُ فَعَلَيْهِ هَاهُنَا الْيَمِينُ وَالْقِيمَةُ، وَبِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لَمْ يَسْقُطْ إلَّا الْيَمِينُ فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى الْوَدِيعَةِ. وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اخْتَارَ قَوْلَ مَنْ

قَالَ (فَإِنْ ظَهَرَتْ الْعَيْنُ وَقِيمَتُهَا أَكْثَرُ مِمَّا ضَمِنَ وَقَدْ ضَمِنَهَا بِقَوْلِ الْمَالِكِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ أَقَامَهَا أَوْ بِنُكُولِ الْغَاصِبِ عَنْ الْيَمِينِ فَلَا خِيَارَ لِلْمَالِكِ وَهُوَ الْغَاصِبُ) ؛ لِأَنَّهُ تَمَّ لَهُ الْمِلْكُ بِسَبَبٍ اتَّصَلَ بِهِ رِضَا الْمَالِكِ حَيْثُ ادَّعَى هَذَا الْمِقْدَارَ. قَالَ (فَإِنْ كَانَ ضَمِنَهُ بِقَوْلِ الْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَمْضَى الضَّمَانَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْعَيْنَ وَرَدَّ الْعِوَضَ) لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ رِضَاهُ بِهَذَا الْمِقْدَارِ حَيْثُ يَدَّعِي الزِّيَادَةَ وَأَخَذَهُ دُونَهَا لِعَدَمِ الْحُجَّةِ. وَلَوْ ظَهَرَتْ الْعَيْنُ وَقِيمَتُهَا مِثْلَ مَا ضَمَّنَهُ أَوْ دُونَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ الْأَخِيرِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ رِضَاهُ حَيْثُ لَمْ يُعْطِ لَهُ مَا يَدَّعِيهِ وَالْخِيَارُ لِفَوَاتِ الرِّضَا. قَالَ (وَمَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَبَاعَهُ فَضَمَّنَهُ الْمَالِكُ قِيمَتَهُ فَقَدْ جَازَ بَيْعُهُ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ ثُمَّ ضَمِنَ الْقِيمَةَ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ) لِأَنَّ مِلْكَهُ الثَّابِتَ فِيهِ نَاقِصٌ لِثُبُوتِهِ مُسْتَنِدًا أَوْ ضَرُورَةً، وَلِهَذَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْأَكْسَابِ دُونَ الْأَوْلَادِ، وَالنَّاقِصُ يَكْفِي لِنُقُودِ الْبَيْعِ دُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ: ذِكْرُ أَوْصَافِ الْمَغْصُوبِ فِي دَعْوَى الْغَصْبِ لَيْسَ بِشَرْطٍ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ. قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَصْلِ: إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ غَصَبَ مِنْهُ جَارِيَةً لَهُ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً يُحْبَسُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى يَجِيءَ بِهَا وَيَرُدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَنْبَغِي أَنْ تُحْفَظَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، لِأَنَّهُ قَالَ: أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ غَصَبَ جَارِيَةً لَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ جِنْسَهَا وَصِفَتَهَا وَقِيمَتَهَا، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ أَصَحَّ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ، فَإِنَّ الْغَاصِبَ يَمْتَنِعُ عَنْ إحْضَارِ الْمَغْصُوبِ عَادَةً، وَحِينَ يُغْصَبُ إنَّمَا يَتَأَتَّى مِنْ الشُّهُودِ مُعَايَنَةُ فِعْلِ الْغَصْبِ دُونَ الْعِلْمِ بِأَوْصَافِ الْمَغْصُوبِ، فَسَقَطَ اعْتِبَارُ عِلْمِهِمْ بِالْأَوْصَافِ لِأَجْلِ التَّعَذُّرِ، وَيَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمْ فِعْلُ الْغَصْبِ فِي مَحَلٍّ هُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ، فَصَارَ ثُبُوتُ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ كَثُبُوتِهِ بِإِقْرَارِهِ فَيُحْبَسُ حَتَّى يَجِيءَ بِهِ، وَعَلَى هَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلِ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ، وَهُوَ مَا قَالَ: تَأْوِيلُهَا أَنَّ الشُّهُودَ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الْغَاصِبِ بِذَلِكَ، فَأَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى فِعْلِ الْغَصْبِ فَلَا تُقْبَلُ مَعَ جَهَالَةِ الْمَغْصُوبِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ الْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي فِي الْمَغْصُوبِ وَالْقَضَاءُ بِالْمَجْهُولِ غَيْرُ مُمْكِنٍ (فَإِنْ ظَهَرَتْ الْعَيْنُ وَقِيمَتُهَا أَكْثَرُ مِمَّا ضَمِنَ) فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ضَمِنَ بَعْدَ تَمَامِ الرِّضَا أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ كَمَا لَوْ ضَمِنَهَا بِقَوْلِ الْمَالِكِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ أَقَامَهَا الْمَالِكُ أَوْ بِنُكُولِ الْغَاصِبِ عَنْ الْيَمِينِ فَلَا خِيَارَ لِلْمَالِكِ وَالْعَيْنُ لِلْغَاصِبِ، لِأَنَّهُ تَمَّ لَهُ الْمِلْكُ بِسَبَبٍ اتَّصَلَ بِهِ رِضَا الْمَالِكِ حَيْثُ ادَّعَى هَذَا الْمِقْدَارَ. وَإِنْ كَانَ الثَّانِي كَمَا لَوْ ضَمِنَهُ بِقَوْلِ الْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ فَلَهُ الْخِيَارُ، إنْ شَاءَ أَمْضَى الضَّمَانَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْعَيْنَ وَرَدَّ الْعِوَضَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ رِضَاهُ بِهَذَا الْمِقْدَارِ حَيْثُ يَدَّعِي الزِّيَادَةَ، فَإِنْ قِيلَ: أَخْذُهُ الْقِيمَةَ وَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً يَدُلُّ عَلَى تَمَامِ الرِّضَا فَكَانَتْ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَأَخْذُهُ دُونَهَا) أَيْ أَخْذُ الْمَالِكِ مَا دُونَ الزِّيَادَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى تَمَامِ الرِّضَا، لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ وَهِيَ عَدَمُ الْحُجَّةِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ، بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِأَنَّ دَعْوَاهُ تِلْكَ الْقِيمَةَ كَانَتْ بِاخْتِيَارِهِ (وَلَوْ ظَهَرَتْ الْعَيْنُ وَقِيمَتُهَا مِثْلُ مَا ضَمِنَهُ أَوْ دُونَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ الْأَخِيرِ) يَعْنِي مَا إذَا ضَمِنَهُ بِقَوْلِ الْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ (فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ) أَيْ فَهُوَ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَمْضَى الضَّمَانَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْعَيْنَ وَرَدَّ الْعِوَضَ (فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) وَقَالَ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا خِيَارَ لَهُ فِي اسْتِرْدَادِهَا لِأَنَّهُ تَوَفَّرَ عَلَيْهِ بَدَلُ مِلْكِهِ بِكَمَالِهِ (وَهُوَ) أَيْ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ (الْأَصَحُّ) لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ رِضَاهُ بِزَوَالِ الْعَيْنِ عَنْ مِلْكِهِ حَيْثُ لَمْ يُعْطِ مَا يَدَّعِيهِ مِنْ الْقِيمَةِ، وَمَا لَمْ يَتِمَّ الرِّضَا لَمْ يَسْقُطْ الْخِيَارُ. قَالَ (وَمَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَبَاعَهُ إلَخْ)

الْعِتْقِ كَمِلْكِ الْمُكَاتَبِ. قَالَ (وَوَلَدُ الْمَغْصُوبَةِ وَنَمَاؤُهَا، وَثَمَرَةُ الْبُسْتَانِ الْمَغْصُوبِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْغَاصِبِ إنْ هَلَكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يُتَعَدَّى فِيهَا أَوْ يَطْلُبَهَا مَالِكُهَا فَيَمْنَعُهَا إيَّاهُ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: زَوَائِدُ الْمَغْصُوبِ مَضْمُونَةٌ مُتَّصِلَةً كَانَتْ أَوْ مُنْفَصِلَةً لِوُجُودِ الْغَصْبِ، وَهُوَ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ رِضَاهُ، كَمَا فِي الظَّبْيَةِ الْمُخْرَجَةِ مِنْ الْحَرَمِ إذَا وَلَدَتْ فِي يَدِهِ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ. وَلَنَا أَنَّ الْغَصْبَ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهٍ يُزِيلُ يَدَ الْمَالِكِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَيَدُ الْمَالِكِ مَا كَانَتْ ثَابِتَةً عَلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ حَتَّى يُزِيلَهَا الْغَاصِبُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَبَاعَهُ فَضَمَّنَهُ الْمَالِكُ قِيمَتَهُ فَقَدْ جَازَ بَيْعُهُ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْغَاصِبُ عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ ضَمِنَ الْقِيمَةَ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ لِأَنَّ مِلْكَهُ الثَّابِتَ فِيهِ نَاقِصٌ لِثُبُوتِهِ مُسْتَنِدًا أَوْ ضَرُورَةَ اجْتِمَاعِ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ وَلِهَذَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْأَكْسَابِ دُونَ الْأَوْلَادِ عَلَى مَا نَذْكُرُ، وَالنَّاقِصُ يَكْفِي لِنُفُوذِ الْبَيْعِ دُونَ الْإِعْتَاقِ بِالنَّصِّ كَمِلْكِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ عَبْدَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ، وَقُيِّدَ بِإِعْتَاقِ الْغَاصِبِ ثُمَّ بِتَضْمِينِهِ احْتِرَازٌ عَنْ إعْتَاقِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ ثُمَّ تَضْمِينُ الْغَاصِبِ فَإِنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ: فِي رِوَايَةٍ يَصِحُّ إعْتَاقُهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ قِيَاسًا عَلَى الْوَقْفِ. وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَصِحُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ (وَوَلَدُ الْمَغْصُوبَةِ وَنَمَاؤُهَا) كَالسِّمَنِ وَالْجَمَالِ (وَثَمَرَةُ الْبُسْتَانِ الْمَغْصُوبِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْغَاصِبِ لَا تُضْمَنُ إلَّا بِالتَّعَدِّي أَوْ بِالْجُحُودِ عِنْدَ طَلَبِ الْمَالِكِ) وَالْأَكْسَابُ الْحَاصِلَةُ بِاسْتِغْلَالِ الْغَاصِبِ لَيْسَتْ مِنْ نَمَائِهِ فِي شَيْءٍ حَتَّى تُضْمَنَ بِالتَّعَدِّي لِمَا أَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ مَنَافِعِ الْمَغْصُوبِ، وَمَنَافِعُهُ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عِنْدَنَا فَكَذَا بَدَلُهَا. (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: زَوَائِدُ الْمَغْصُوبِ مَضْمُونَةٌ مُتَّصِلَةً كَانَتْ أَوْ مُنْفَصِلَةً) بِنَاءً عَلَى أَنَّ حَدَّ الْغَصْبِ عِنْدَهُ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، فَكَانَ كَالظَّبْيَةِ الْمُخْرَجَةِ مِنْ الْحَرَمِ إذَا وَلَدَتْ فِي يَدِهِ فَإِنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ لِوُجُودِ سَبَبِ الضَّمَانِ فِي حَقِّ الْأُمِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُنِعَ مِنْ الْمَخْرَجِ (وَلَنَا أَنَّ الْغَصْبَ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهٍ يُزِيلُ يَدَ الْمَالِكِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا) فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْغَصْبِ، وَإِثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّهَا مَا كَانَتْ ثَابِتَةً عَلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ حَتَّى يُزِيلَهَا الْغَاصِبُ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَضْمَنَ الْوَلَدَ إذَا غَصَبَ الْجَارِيَةَ حَامِلًا، لِأَنَّ الْيَدَ كَانَتْ ثَابِتَةً عَلَيْهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا غَصَبَهَا غَيْرَ حَامِلٍ فَحَبِلَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَوَلَدَتْ، وَالرِّوَايَةُ فِي الْأَسْرَارِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحَمْلَ قَبْلَ الِانْفِصَالِ لَيْسَ بِمَالٍ بَلْ يُعَدُّ عَيْبًا فِي الْأَمَةِ فَلَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهِ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ،

وَلَوْ اُعْتُبِرَتْ ثَابِتَةً عَلَى الْوَلَدِ لَا يُزِيلُهَا، إذْ الظَّاهِرُ عَدَمُ الْمَنْعِ، حَتَّى لَوْ مَنَعَ الْوَلَدَ بَعْدَ طَلَبِهِ يَضْمَنُهُ، وَكَذَا إذَا تَعَدَّى فِيهِ كَمَا قَالَ فِي الْكِتَابِ: وَذَلِكَ بِأَنْ أَتْلَفَهُ أَوْ ذَبَحَهُ وَأَكَلَهُ أَوْ بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ، وَفِي الظَّبْيَةِ الْمُخْرَجَةِ لَا يَضْمَنُ وَلَدَهَا إذَا هَلَكَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْإِرْسَالِ لِعَدَمِ الْمَنْعِ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُهُ إذَا هَلَكَ بَعْدَهُ لِوُجُودِ الْمَنْعِ بَعْدَ طَلَبِ صَاحِبِ الْحَقِّ وَهُوَ الشَّرْعُ، عَلَى هَذَا أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا. وَلَوْ أَطْلَقَ الْجَوَابَ فَهُوَ ضَمَانُ جِنَايَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQسَلَّمْنَا ذَلِكَ، لَكِنْ لَا إزَالَةَ ثَمَّةَ ظَاهِرًا، إذْ الظَّاهِرُ عَدَمُ الْمَنْعِ عِنْدَ الطَّلَبِ، حَتَّى لَوْ مَنَعَهُ بَعْدَ الطَّلَبِ أَوْ تَعَدَّى فِيهِ قُلْنَا بِالضَّمَانِ كَمَا قَالَ فِي الْكِتَابِ، وَذَلِكَ بِأَنْ أَتْلَفَهُ أَوْ ذَبَحَهُ وَأَكَلَهُ أَوْ بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ التَّسْلِيمَ لِأَنَّ التَّعَدِّيَ لَا يَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ بَلْ بِالتَّسْلِيمِ بَعْدَهُ فَإِنَّ تَفْوِيتَ يَدِهِ يَحْصُلُ بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ أَخْذِهِ مِنْ الْغَاصِبِ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ. وَعُورِضَ بِأَنَّ الْأُمَّ مَضْمُونَةٌ أَلْبَتَّةَ، وَالْأَوْصَافُ الْقَارَّةُ فِي الْأُمَّهَاتِ تَسْرِي إلَى الْأَوْلَادِ كَالْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ وَالْمِلْكِ فِي الشِّرَاءِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الضَّمَانَ لَيْسَ بِصِفَةٍ قَارَّةٍ فِي الْأُمِّ بَلْ هُوَ لُزُومُ حَقٍّ فِي ذِمَّةِ الْغَاصِبِ، فَإِنْ وُصِفَ بِهِ الْمَالُ كَانَ مَجَازًا. فَإِنْ قِيلَ: وَقَدْ وُجِدَ الضَّمَانُ فِي مَوَاضِعَ فَلَمْ تَتَحَقَّقْ الْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِيهَا فَكَانَ أَمَارَةَ زَيْفِهَا، وَذَلِكَ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَإِنْ لَمْ يُزِلْ يَدَ الْمَالِكِ بَلْ أَزَالَ يَدَ الْغَاصِبِ، وَالْمُلْتَقِطُ إذَا لَمْ يَشْهَدْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِشْهَادِ وَلَمْ يُزِلْ يَدًا، وَالْمَغْرُورُ إذَا مَنَعَ الْوَلَدَ يَضْمَنُ بِهِ الْوَلَدُ وَلَمْ يُزِلْ يَدًا فِي حَقِّ الْوَلَدِ، وَيَضْمَنُ الْأَمْوَالَ بِالْإِتْلَافِ تَسَبُّبًا كَحَفْرِ الْبِئْرِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ، وَلَيْسَ ثَمَّةَ إزَالَةُ يَدِ أَحَدٍ وَلَا إثْبَاتُهَا. فَالْجَوَابُ أَنَّ مَا قُلْنَا إنَّ الْغَصْبَ عَلَى التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ يُوجِبُ الضَّمَانَ مُطَّرِدٌ لَا مَحَالَةَ، وَأَمَّا أَنَّ كُلَّ مَا يُوجِبُ الضَّمَانَ كَانَ غَصْبًا فَلَمْ يَلْتَزِمْ ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ حُكْمًا نَوْعِيًّا يَثْبُتُ كُلُّ شَخْصٍ مِنْهُ بِشَخْصٍ مِنْ الْعِلَّةِ مِمَّا يَكُونُ تَعَدِّيًا (قَوْلُهُ وَفِي الظَّبْيَةِ الْمُخْرَجَةِ مِنْ الْحَرَمِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ كَمَا فِي الظَّبْيَةِ الْمُخْرَجَةِ مِنْ الْحَرَمِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْقِيَاسَ غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّهُ إنْ قَاسَ عَلَيْهَا قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْإِرْسَالِ فَهُوَ ظَاهِرُ الْفَسَادِ لِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ فِيهِ عِنْدَنَا لِعَدَمِ الْمَنْعِ، وَإِنْ قَاسَ عَلَيْهَا بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ الضَّمَانَ فِيهِ بِاعْتِبَارِ الْمَنْعِ بَعْدَ طَلَبِ صَاحِبِ الْحَقِّ وَهُوَ الشَّرْعُ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْأُمَّ مَضْمُونَةٌ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ الْجَوَابِ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا (وَإِذَا أَطْلَقَ) يَعْنِي لَوْ قِيلَ بِوُجُوبِ الضَّمَانِ فِي وَلَدِ الظَّبْيَةِ سَوَاءٌ هَلَكَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْإِرْسَالِ أَوْ بَعْدَهُ (فَهُوَ ضَمَانُ جِنَايَةٍ) أَيْ إتْلَافٍ لِأَنَّ صَيْدَ الْحَرَمِ وَزَوَائِدَهُ كَانَ

وَلِهَذَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهَا، وَيَجِبُ بِالْإِعَانَةِ وَالْإِشَارَةِ، فَلَأَنْ يَجِبَ بِمَا هُوَ فَوْقَهَا وَهُوَ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى مُسْتَحِقِّ الْأَمْنِ أَوْلَى وَأَحْرَى. قَالَ (وَمَا نَقَصَتْ الْجَارِيَةُ بِالْوِلَادَةِ فِي ضَمَانِ الْغَاصِبِ، فَإِنْ كَانَ فِي قِيمَةِ الْوَلَدِ وَفَاءً بِهِ انْجَبَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQآمِنًا فِي الْحَرَمِ صَيْدًا، وَذَلِكَ فِي بُعْدِهِ عَنْ أَيْدِينَا، فَالْوُقُوعُ فِي أَيْدِينَا تَلَفٌ لِمَعْنَى الصَّيْدِيَّةِ فَيَضْمَنُ لِذَلِكَ بِمُجَرَّدِ الْوُقُوعِ فِي أَيْدِينَا (وَلِهَذَا يَتَكَرَّرُ) الْجَزَاءُ (بِتَكَرُّرِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ) فَإِنَّهُ لَوْ أَدَّى الضَّمَانَ بِسَبَبِ إخْرَاجِ الصَّيْدِ عَنْ الْحَرَمِ ثُمَّ أَرْسَلَهُ فِيهِ ثُمَّ أَخْرَجَ ذَلِكَ الصَّيْدَ مِنْ الْحَرَمِ وَجَبَ جَزَاءٌ آخَرُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ يَتَكَرَّرُ وُجُوبُ الْإِرْسَالِ بِتَكَرُّرِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ الَّتِي هِيَ الْإِخْرَاجُ مِنْ الْحَرَمِ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ) يَعْنِي الضَّمَانَ (بِالْإِعَانَةِ وَالْإِشَارَةِ بِالنَّصِّ فَلَأَنْ يَجِبَ بِمَا هُوَ فَوْقَهَا وَهُوَ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى مُسْتَحَقِّ الْأَمْنِ أَوْلَى) قَالَ (وَمَا نَقَصَتْ الْجَارِيَةُ بِالْوِلَادَةِ إلَخْ) مَا نَقَصَتْ الْجَارِيَةُ بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَهُوَ فِي ضَمَانِ الْغَاصِبِ، فَلَوْ غَصَبَهَا فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ فَمَاتَ الْوَلَدُ فَعَلَيْهِ رَدُّ الْجَارِيَةِ وَرَدُّ نُقْصَانِ الْوِلَادَةِ بِاَلَّذِي ثَبَتَ فِيهَا بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ، لِأَنَّ الْجَارِيَةَ بِالْغَصْبِ دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا، وَقَدْ فَاتَ جُزْءٌ مَضْمُونٌ مِنْهَا فَتَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ كَمَا لَوْ فَاتَ كُلُّهَا، فَإِنْ رُدَّتْ الْجَارِيَةُ وَالْوَلَدُ وَقَدْ نَقَصَتْ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ وَقِيمَةُ الْوَلَدِ تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ جَابِرَةً لِذَلِكَ النُّقْصَانِ لَمْ يَضْمَنْ الْغَاصِبُ شَيْئًا. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا يَنْجَبِرُ النُّقْصَانُ بِالْوَلَدِ لِأَنَّ الْوَلَدَ مَلَكَهُ فَلَا يَصْلُحُ جَابِرًا لِمِلْكِهِ. كَمَا فِي وَلَدِ الظَّبْيَةِ الْمُخْرَجَةِ مِنْ الْحَرَمِ إذَا نَقَصَتْ قِيمَتُهَا وَقِيمَةُ

النُّقْصَانُ بِالْوَلَدِ وَسَقَطَ ضَمَانُهُ عَنْ الْغَاصِبِ) . وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَنْجَبِرُ النُّقْصَانُ بِالْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مِلْكُهُ فَلَا يَصْلُحُ جَابِرًا لِمِلْكِهِ كَمَا فِي وَلَدِ الظَّبْيَةِ، وَكَمَا إذَا هَلَكَ الْوَلَدُ قَبْلَ الرَّدِّ أَوْ مَاتَتْ الْأُمُّ وَبِالْوَلَدِ وَفَاءٌ، وَصَارَ كَمَا إذَا جَزَّ صُوفَ شَاةِ غَيْرِهِ أَوْ قَطَعَ قَوَائِمَ شَجَرِ غَيْرِهِ أَوْ خَصَى عَبْدَ غَيْرِهِ أَوْ عَلَّمَهُ الْحِرْفَةَ فَأَضْنَاهُ التَّعْلِيمُ. وَلَنَا أَنَّ سَبَبَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْوِلَادَةُ أَوْ الْعُلُوقُ عَلَى مَا عُرِفَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَدِهَا تُسَاوِي ذَلِكَ النُّقْصَانَ فَإِنَّهُ لَا يَنْجَبِرُ بِهَا، بَلْ يَجِبُ ضَمَانُ النُّقْصَانِ مَعَ وُجُوبِ رَدِّهِمَا إلَى الْحَرَمِ، وَكَمَا إذَا هَلَكَ الْوَلَدُ قَبْلَ الرَّدِّ أَوْ مَاتَتْ الْأُمُّ وَبِقِيمَةِ الْوَلَدِ وَفَاءٌ، وَكَمَا إذَا جَزَّ صُوفَ شَاةِ غَيْرِهِ فَنَبَتَ مَكَانَهُ آخَرُ، أَوْ قَطَعَ قَوَائِمَ شَجَرِ الْغَيْرِ فَنَبَتَتْ قَوَائِمُ أُخْرَى مَكَانَهَا. أَوْ خُصِيَ عَبْدُ غَيْرِهِ فَزَادَتْ قِيمَتُهُ بِسَبَبِ الْخِصَاءِ، أَوْ عَلَّمَهُ الْحِرْفَةَ فَأَضْنَاهُ التَّعْلِيمُ فَإِنَّهُ لَا يَنْجَبِرُ الصُّوفُ بِالصُّوفِ، وَالْقَوَائِمُ بِالْقَوَائِمِ، وَلَا مَا نَقَصَ مِنْ الْجُزْءِ بِالْخِصَاءِ وَالتَّعْلِيمِ بِمَا زَادَ مِنْ الْقِيمَةِ فِيهِ. وَلَنَا أَنَّ سَبَبَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْوِلَادَةُ عِنْدَهُمَا وَالْعُلُوقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَا عُرِفَ ذَلِكَ يَعْنِي فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ. وَقِيلَ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ غَصَبَ جَارِيَةً وَزَنَى بِهَا عَلَى مَا يَجِيءُ، وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ النُّقْصَانُ نُقْصَانًا لِأَنَّ السَّبَبَ الْوَاحِدَ لَمَّا أَثَّرَ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ كَانَتْ الزِّيَادَةُ خَلَفًا عَنْ النُّقْصَانِ، كَالْبَيْعِ لَمَّا أَزَالَ الْمَبِيعَ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ أَدْخَلَ الثَّمَنَ فِي مِلْكِهِ فَكَانَ الثَّمَنُ خَلَفًا عَنْ مَالِيَّةِ الْمَبِيعِ لِاتِّحَادِ السَّبَبِ حَتَّى أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ إذَا شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِبَيْعِ شَيْءٍ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ فَقَضَى الْقَاضِي بِهِ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا شَيْئًا، وَهَذَا لِأَنَّ الْفَوَاتَ إلَى خَلَفٍ

وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ نُقْصَانًا فَلَا يُوجِبُ ضَمَانًا، وَصَارَ كَمَا إذَا غَصَبَ جَارِيَةً سَمِينَةً فَهَزَلَتْ ثُمَّ سَمِنَتْ أَوْ سَقَطَتْ ثَنِيَّتُهَا ثُمَّ نَبَتَتْ أَوْ قُطِعَتْ يَدُ الْمَغْصُوبِ فِي يَدِهِ وَأَخَذَ أَرْشَهَا وَأَدَّاهُ مَعَ الْعَبْدِ يُحْتَسَبُ عَنْ نُقْصَانِ الْقَطْعِ، وَوَلَدُ الظَّبْيَةِ مَمْنُوعٌ، وَكَذَا إذَا مَاتَتْ الْأُمُّ. وَتَخْرِيجُ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْوِلَادَةَ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِمَوْتِ الْأُمِّ، إذْ الْوِلَادَةُ لَا تُفْضِي إلَيْهِ غَالِبًا، وَبِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ الرَّدِّ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ رَدِّ أَصْلِهِ لِلْبَرَاءَةِ، فَكَذَا لَا بُدَّ مِنْ رَدِّ خَلَفِهِ، وَالْخِصَاءُ لَا يُعَدُّ زِيَادَةً؛ لِأَنَّهُ غَرَضُ بَعْضِ الْفَسَقَةِ، وَلَا اتِّحَادَ فِي السَّبَبِ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ النُّقْصَانِ الْقَطْعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَلَا فَوَاتٍ، وَصَارَ كَمَا إذَا غَصَبَ جَارِيَةً سَمِينَةً ثُمَّ هَزَلَتْ ثُمَّ سَمِنَتْ أَوْ سَقَطَتْ ثَنِيَّتُهَا ثُمَّ نَبَتَتْ أَوْ قَطَعَتْ يَدَ الْمَغْصُوبِ فِي يَدِهِ وَأَخَذَ أَرْشَهَا وَأَدَّاهُ مَعَ الْعَبْدِ يُحْتَسَبُ عَنْ نُقْصَانِ الْقَطْعِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ النُّقْصَانُ لِكَوْنِهِ إلَى خَلَفٍ (قَوْلُهُ وَوَلَدُ الظَّبْيَةِ مَمْنُوعٌ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا، وَتَقْرِيرُهُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ نُقْصَانَ الظَّبْيَةِ بِالْوِلَادَةِ لَا يَنْجَبِرُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ، وَكَذَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْأُمَّ إذَا مَاتَتْ لَا تَنْجَبِرُ قِيمَتُهَا بِقِيمَةِ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا كَانَ فِيهَا وَفَاءٌ، وَهَذَا الْمَنْعُ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَأَمَّا تَخْرِيجُهَا عَلَى الظَّاهِرِ فَهُوَ أَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا إذَا كَانَ السَّبَبُ وَاحِدًا وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْوِلَادَةَ سَبَبٌ لِلزِّيَادَةِ وَلَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِمَوْتِ الْأُمِّ إذْ لَا تُفْضِي إلَيْهِ غَالِبًا. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رِوَايَةٌ أُخْرَى، وَهُوَ أَنَّهُ يُجْبَرُ بِالْوِلَادَةِ قَدْرُ نُقْصَانِ الْوِلَادَةِ وَيَضْمَنُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ قِيمَةِ الْأُمِّ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ لَا تُوجِبُ الْمَوْتَ فَالنُّقْصَانُ بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ دُونَ مَوْتِ الْأُمِّ وَرَدُّ الْقِيمَةِ كَرَدِّ الْعَيْنِ، وَلَوْ رَدَّ عَيْنَ الْجَارِيَةِ كَانَ النُّقْصَانُ مَجْبُورًا بِالْوَلَدِ فَكَذَا إذَا رَدَّ قِيمَتَهَا (وَبِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ الرَّدِّ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ كَمَا إذَا هَلَكَ الْوَلَدُ قَبْلَ الرَّدِّ. وَوَجْهُهُ أَنَّ

وَالْجَزُّ، وَسَبَبَ الزِّيَادَةِ النُّمُوُّ، وَسَبَبَ النُّقْصَانِ التَّعْلِيمُ، وَالزِّيَادَةُ سَبَبَهَا الْفَهْمُ. قَالَ (وَمَنْ غَصَبَ جَارِيَةً فَزَنَى بِهَا فَحَبِلَتْ ثُمَّ رَدَّهَا وَمَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا يَضْمَنُ قِيمَتَهَا يَوْمَ عَلِقَتْ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْحُرَّةِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا يَضْمَنُ فِي الْأَمَةِ أَيْضًا) لَهُمَا أَنَّ الرَّدَّ قَدْ صَحَّ، وَالْهَلَاكُ بَعْدَهُ بِسَبَبٍ حَدَثَ فِي يَدِ الْمَالِكِ وَهُوَ الْوِلَادَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَلَامَنَا فِيمَا إذَا رَدَّ الْأُمَّ بِنُقْصَانِ الْوِلَادَةِ هَلْ يَنْجَبِرُ النُّقْصَانُ بِرَدِّ الْوَلَدِ، وَإِذَا كَانَ الْوَلَدُ هَالِكًا كَيْفَ يَنْجَبِرُ النُّقْصَانُ بِهِ، وَالْخِصَاءُ لَا يُعَدُّ زِيَادَةً لِأَنَّهُ غَرَضُ بَعْضِ الْفَسَقَةِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ اعْتِبَارٌ فِي الشَّرْعِ، وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ الْمَسَائِلِ فَلَيْسَ فِيهِ اتِّحَادُ السَّبَبِ لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ فَلَا يَكُونُ مُتَّصِلًا بِمَحَلِّ النِّزَاعِ. فَإِنْ قِيلَ: الْمَذْكُورُ جَوَابُ الْمُسْتَشْهَدِ بِهَا، وَأَصْلُ نُكَتِهِ الْخَصْمِ وَهُوَ أَنَّ الْوَلَدَ مِلْكُ الْمَوْلَى فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ جَابِرًا لِنُقْصَانٍ وَقَعَ فِي مِلْكِهِ فَهُوَ عَلَى حَالِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَشَارَ إلَى جَوَابِهِ بِقَوْلِهِ لَا يُعَدُّ نُقْصَانًا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ نُقْصَانًا لَمْ يَحْتَجْ إلَى جَابِرٍ، فَإِطْلَاقُ الْجَابِرِ عَلَيْهِ تَوَسُّعٌ فِي الْعِبَارَةِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ الْوَلَدُ خَلَفًا وَبَدَلًا عَنْ النُّقْصَانِ لَمَا بَقِيَ مِلْكًا لِلْمَوْلَى عِنْدَ ارْتِفَاعِهِ بِضَمَانِ الْغَاصِبِ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ الْبَدَلَانِ فِي مَالِكٍ وَاحِدٍ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ مَالِكُ الْمَوْلَى لَا مَحَالَةَ، وَمِنْ حَيْثُ الْمِلْكُ لَيْسَ بِبَدَلٍ بَلْ هُوَ بَدَلٌ مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ، فَإِذَا ارْتَفَعَ النُّقْصَانُ بَطَلَتْ الْخَلْفِيَّةُ بَقِيَ فِي مِلْكِ الْمَوْلَى. فَإِنْ قِيلَ: الْوَلَدُ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ فَكَيْفَ يَكُونُ خَلَفًا عَنْ الْمَضْمُونِ؟ فَالْجَوَابُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ عَدَمِ عَدِّهِ نُقْصَانًا لَا تَضْمِينُهُ، هَذَا الْجَوَابُ صَالِحٌ لِلدَّفْعِ عَنْ السُّؤَالِ الثَّانِي أَيْضًا. فَلِلَّهِ دَرُّ الْمُصَنِّفِ مَا أَلْطَفَهُ ذِهْنًا، جَزَاهُ اللَّهُ عَنْ الْمُحَصِّلِينَ خَيْرًا. قَالَ (وَمَنْ غَصَبَ جَارِيَةً فَزَنَى بِهَا) قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يَغْصِبُ الْجَارِيَةَ فَيَزْنِي بِهَا ثُمَّ يَرُدُّهَا فَتَحْمِلُ فَتَمُوتُ فِي نِفَاسِهَا، قَالَ. هُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهَا يَوْمَ عَلِقَتْ. وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي الْحُرَّةِ ضَمَانٌ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْأَمَةِ أَيْضًا إذَا مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا بَعْدَمَا يَرُدُّهَا، وَتَابَعَهُ الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلٍ ثُمَّ يَرُدُّهَا فَتَحْبَلُ بِتَقْدِيمِ الرَّدِّ عَلَى الْحَبَلِ، وَوَقَعَ فِي عَامَّةِ النُّسَخِ بِتَقْدِيمِ الْحَبَلِ عَلَى الرَّدِّ لِبَيَانِ أَنَّ الْحَبَلَ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الرَّدِّ، قَالَ: الرَّدُّ قَدْ صَحَّ لِأَنَّهُ أَوْصَلَ الْحَقَّ إلَى الْمُسْتَحِقِّ، وَصِحَّتُهُ تُوجِبُ الْبَرَاءَةَ عَنْ الضَّمَانِ. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ صِحَّتَهُ حَيْثُ هَلَكَتْ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَهُ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَالْهَلَاكُ بَعْدَهُ بِسَبَبٍ حَدَثَ فِي يَدِ الْمَالِكِ وَهُوَ الْوِلَادَةُ) لَا بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَالْهَلَاكُ بِذَلِكَ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ

فَلَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ. كَمَا إذَا حُمَّتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ ثُمَّ رَدَّهَا فَهَلَكَتْ. أَوْ زَنَتْ فِي يَدِهِ ثُمَّ رَدَّهَا فَجُلِدَتْ فَهَلَكَتْ مِنْهُ، وَكَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً قَدْ حَبِلَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَمَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا لَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ. وَلَهُ أَنَّهُ غَصَبَهَا وَمَا انْعَقَدَ فِيهَا سَبَبُ التَّلَفِ وَرُدَّتْ وَفِيهَا ذَلِكَ فَلَمْ يُوجَدْ الرَّدُّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَخَذَ فَلَمْ يَصِحَّ الرَّدُّ، وَصَارَ كَمَا إذَا جَنَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ جِنَايَةً فَقُتِلَتْ بِهَا فِي يَدِ الْمَالِكِ، أَوْ دُفِعَتْ بِهَا بِأَنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً يُرْجَعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِكُلِّ الْقِيمَةِ. كَذَا هَذَا. بِخِلَافِ الْحُرَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ لِيَبْقَى ضَمَانُ الْغَصْبِ بَعْدَ فَسَادِ الرَّدِّ. وَفِي فَصْلِ الشِّرَاءِ الْوَاجِبِ ابْتِدَاءِ التَّسْلِيمِ. مَا ذَكَرْنَا شَرْطُ صِحَّةِ الرَّدِّ وَالزِّنَا سَبَبٌ لِجَلْدٍ مُؤْلِمٍ لَا جَارِحٍ وَلَا مُتْلِفٍ فَلَمْ يُوجَدْ السَّبَبُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ. قَالَ (وَلَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ مَنَافِعَ مَا غَصَبَهُ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ بِاسْتِعْمَالِهِ فَيَغْرَمُ النُّقْصَانَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا إذَا حُمَّتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ ثُمَّ رَدَّهَا فَهَلَكَتْ أَوْ زَنَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَرَدَّهَا فَجُلِدَتْ فَهَلَكَتْ مِنْهُ، وَكَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً قَدْ حَبِلَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ) وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِالْحَبَلِ (فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَمَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا لَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ) فَلَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ قِيمَتَهَا لَكِنْ يَضْمَنُ نُقْصَانَ الْحَبَلِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الرَّدَّ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا، لِأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَخَذَ وَلَمْ يُوجَدْ هَاهُنَا، فَإِنَّهُ غَصَبَهَا وَمَا انْعَقَدَ فِيهَا سَبَبُ التَّلَفِ وَرَدُّهَا وَفِيهَا ذَلِكَ (فَصَارَ كَمَا إذَا جَنَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَقُتِلَتْ بِهَا فِي يَدِ الْمَالِكِ أَوْ دَفَعَتْ بِهَا بِأَنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِكُلِّ الْقِيمَةِ كَذَا هَذَا. بِخِلَافِ الْحُرَّةِ) إذَا زَنَى بِهَا رَجُلٌ مُكْرَهَةً فَحَبِلَتْ وَمَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا (لِأَنَّهَا لَا تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ) وَلِهَذَا لَوْ هَلَكَتْ عِنْدَهُ لَا يَضْمَنُ فَلَا يَبْقَى ضَمَانُ الْغَصْبِ بَعْدَ فَسَادِ الرَّدِّ بِكَوْنِهَا حُبْلَى (قَوْلُهُ وَفِي فَصْلِ الشِّرَاءِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا كَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً قَدْ حَبِلَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ بِطَرِيقِ الْفَرْقِ، وَهُوَ أَنَّ فَصْلَ الشِّرَاءِ الْوَاجِبِ عَلَى الْبَائِعِ ابْتِدَاءُ التَّسْلِيمِ: أَيْ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَقَدْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَمَوْتُهَا بِالنِّفَاسِ لَا يَعْدَمُ التَّسْلِيمَ (وَمَا ذَكَرْنَاهُ) مِنْ وُجُوبِ الرَّدِّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَيْهِ (شَرْطٌ لِصِحَّةِ الرَّدِّ) وَلَمْ يُوجَدْ فَكَانَ تَمْثِيلُ مَا لَمْ يُوجَدْ بِشَرْطِهِ عَلَى مَا وُجِدَ بِشَرْطٍ وَهُوَ تَمْثِيلٌ فَاسِدٌ، قِيلَ: وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الشِّرَاءَ لَمْ يَتَنَاوَلْ إلَّا الْعَيْنَ إذْ الْأَوْصَافُ لَا تَدْخُلُ فِي الشِّرَاءِ وَلِهَذَا لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، فَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَى الْبَائِعِ تَسْلِيمَ الْعَيْنِ الَّذِي هُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ وَقَدْ وُجِدَ، فَلَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِالْهَلَاكِ فِي يَدِهِ. وَأَمَّا الْغَصْبُ فَالْأَوْصَافُ دَاخِلَةٌ فِيهِ، وَلِهَذَا لَوْ غَصَبَ جَارِيَةً سَمِينَةً فَهَزَلَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَرَدَّهَا كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ النُّقْصَانَ، وَإِذَا دَخَلَتْ الْأَوْصَافُ فِيهِ كَانَ الرَّدُّ بِدُونِهَا رَدًّا فَاسِدًا. وَأَمَّا إذَا حُمَّتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَلِأَنَّ سَبَبَ الْمَوْتِ مَا بِهَا مِنْ الْحُمَّى وَالضَّعْفِ وَقْتَ الْمَوْتِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهُ مَادَّةً كَانَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَوْ حَدَثَتْ فِي يَدِ الْمَالِكِ أَوْ مُرَكَّبَةً مِنْهُمَا فَلَا يُضَافُ إلَى سَبَبٍ قَائِمٍ فِي يَدِ الْغَاصِبِ بِالشَّكِّ (قَوْلُهُ وَالزِّنَا سَبَبٌ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا أَوْ زَيْتٌ فِي يَدِهِ إلَخْ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الزِّنَا الَّذِي وُجِدَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ إنَّمَا يُوجِبُ الْجَلْدَ الْمُؤْلِمَ لَا الْجَارِحَ وَلَا الْمُتْلِفَ، وَلَمَّا جُلِدَتْ فِي يَدِ الْمَالِكِ بِجَلْدٍ مُتْلِفٍ كَانَ غَيْرَ مَا وَجَبَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَلَا يَضْمَنُ. قَالَ (وَلَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ مَنَافِعَ مَا غَصَبَهُ إلَخْ) مَنَافِعُ الْغَصْبِ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ، لَكِنْ إنْ نَقَصَ بِاسْتِعْمَالِهِ غَرِمَ الْغَاصِبُ النُّقْصَانَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَضْمُونَةٌ بِأَجْرِ الْمِثْلِ وَلَا فَرْقَ فِي الْمَذْهَبَيْنِ بَيْنَ التَّعْطِيلِ وَالِاسْتِعْمَالِ، وَرُبَّمَا سَمَّى الْأَوَّلَ غَصْبًا وَالثَّانِي إتْلَافًا فِي شُمُولِ الْعَدَمِ عِنْدَنَا وَشُمُولِ الْوُجُودِ عِنْدَهُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَضْمَنُهَا، فَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْمَذْهَبَيْنِ بَيْنَ مَا إذَا عَطَّلَهَا أَوْ سَكَنَهَا. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ سَكَنَهَا يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ عَطَّلَهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. لَهُ أَنَّ الْمَنَافِعَ أَمْوَالٌ مُتَقَوِّمَةٌ حَتَّى تُضْمَنَ بِالْعُقُودِ فَكَذَا بِالْغُصُوبِ. وَلَنَا أَنَّهَا حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِ الْغَاصِبِ لِحُدُوثِهَا فِي إمْكَانِهِ إذْ هِيَ لَمْ تَكُنْ حَادِثَةً فِي يَدِ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهَا أَعْرَاضٌ لَا تَبْقَى فَيَمْلِكُهَا دَفْعًا لِحَاجَتِهِ، وَالْإِنْسَانُ لَا يَضْمَنُ مِلْكَهُ، كَيْفَ وَأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفَصَّلَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: إنْ سَكَنَهَا فَكَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِنْ عَطَّلَهَا فَكَانَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمَنَافِعَ أَمْوَالٌ مُتَقَوِّمَةٌ) لِكَوْنِهَا غَيْرَ الْآدَمِيِّ خُلِقَ لِمَصْلَحَةِ الْآدَمِيِّ وَيَجْرِي فِيهِ الشُّحُّ وَالضِّنَةُ (وَيَضْمَنُ بِالْعُقُودِ) صَحِيحَةً كَانَتْ أَوْ فَاسِدَةً بِالْإِجْمَاعِ (فَكَذَا بِالْغُصُوبِ) لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَجْعَلُ غَيْرَ الْمُتَقَوِّمِ مُتَقَوِّمًا كَمَا لَوْ وَرَدَ عَلَى الْمَيْتَةِ (وَلَنَا أَنَّهَا حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِ الْغَاصِبِ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ فِي إمْكَانِهِ) أَيْ تَصَرُّفِهِ وَقُدْرَتِهِ وَكَسْبِهِ (إذْ هِيَ لَمْ تَكُنْ حَادِثَةً فِي يَدِ الْمَالِكِ لِأَنَّهَا أَعْرَاضٌ لَا تَبْقَى) وَمَا حَدَثَ فِي إمْكَانِ الرَّجُلِ فَهُوَ فِي مِلْكِهِ دَفْعًا لِحَاجَتِهِ، فَإِنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَثْبُتْ لِلْعَبْدِ إلَّا دَفْعًا لِحَاجَتِهِ إلَى إقَامَةِ التَّكَالِيفِ، فَالْمَنَافِعُ حَاصِلَةٌ فِي مِلْكِ الرَّجُلِ وَالْإِنْسَانُ لَا يَضْمَنُ مِلْكَ نَفْسِهِ. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا حُدُوثَهَا عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ لَكِنْ لَا يَتَحَقَّقُ غَصْبَهَا وَإِتْلَافَهَا وَكَيْفَ يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ وَإِنَّهُ لَا بَقَاءَ لَهَا. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا تَحْقِيقَ غَصْبِهَا وَإِتْلَافَهَا لَكِنَّ شَرْطَ الضَّمَانِ الْمُمَاثَلَةُ وَالْمَنَافِعُ لَا تُمَاثِلُ الْأَعْيَانَ لِسُرْعَةِ فَنَائِهَا وَبَقَاءِ الْأَعْيَانِ. وَاعْتُرِضَ بِمَا إذَا أَتْلَفَ مَا يَسْرُعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي تَبْقَى، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ مِنْ حَيْثُ الْفِنَاءُ وَالْبَقَاءُ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ، وَبِمَا إذَا اسْتَأْجَرَ الْوَصِيُّ لِلْيَتِيمِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ بِدَرَاهِمِ الْيَتِيمِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ لَا مَحَالَةَ، وَلَوْ كَانَ مَا ذَكَرْتُمْ صَحِيحًا لَمَا جَازَ لِأَنَّ الْقُرْبَانَ إلَى مَالِ الْيَتِيمِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْوَجْهِ الْأَحْسَنِ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ الْمُعْتَبَرَةَ هِيَ مَا تَكُونُ بَيْنَ بَاقٍ وَبَاقٍ لَا بَيْنَ بَاقٍ وَأَبْقَى، فَكَانَ السُّؤَالُ غَيْرَ وَارِدٍ، وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى أَنَّهَا تُعْتَبَرُ بَيْنَ جَوْهَرَيْنِ لَا بَيْنَ جَوْهَرٍ وَعَرَضٍ أَلَا يَرَى أَنَّ بَيْعَ الثِّيَابِ بِالدَّرَاهِمِ جَائِزٌ

غَصْبُهَا وَإِتْلَافُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا بَقَاءَ لَهَا، وَلِأَنَّهَا لَا تُمَاثِلُ الْأَعْيَانَ لِسُرْعَةِ فَنَائِهَا وَبَقَاءِ الْأَعْيَانِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَبْلَى دُونَ الْآخَرِ، وَعَنْ الثَّانِي بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ شِرَاءَ الثِّيَابِ بِدَرَاهِمِ الْيَتِيمِ جَائِزٌ لِلْوَصِيِّ مَعَ وُجُودِ التَّفَاوُتِ كَمَا ذَكَرْنَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقُرْبَانَ الْأَحْسَنَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ هُوَ مَا لَا يُعَدُّ عَيْبًا فِي التَّصَرُّفَاتِ

وَقَدْ عَرَفْت هَذِهِ الْمَآخِذَ فِي الْمُخْتَلِفِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ فِي ذَاتِهَا، بَلْ تُقَوَّمُ ضَرُورَةً عِنْدَ وُرُودِ الْعَقْدِ وَلَمْ يُوجَدْ الْعَقْدُ، إلَّا أَنَّ مَا اُنْتُقِصَ بِاسْتِعْمَالِهِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ لِاسْتِهْلَاكِهِ بَعْضَ أَجْزَاءِ الْعَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدْ عَرَفْت هَذِهِ الْمَآخِذَ) أَيْ الْعِلَلَ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ الْحُكْمِ، أَوْ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا لِأَنَّهَا حَصَلَتْ فِي مِلْكِ الْغَاصِبِ، وَثَانِيًا بِقَوْلِهِ إنَّهَا لَا يَتَحَقَّقُ غَصْبُهَا وَإِتْلَافُهَا، وَثَالِثًا بِقَوْلِهِ لِأَنَّهَا لَا تُمَاثِلُ الْأَعْيَانَ إلَى آخِرِهِ (وَفِي الْمُخْتَلِفِ) يَعْنِي فِي مُخْتَلِفِ أَبِي اللَّيْثِ، وَقَوْلُهُ (وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ الْمَنَافِعُ أَمْوَالٌ مُتَقَوِّمَةٌ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ فِي ذَاتِهَا لِأَنَّ التَّقَوُّمَ لَا يَسْبِقُ الْوُجُودَ وَالْإِحْرَازَ، وَذَلِكَ فِيمَا لَا يَبْقَى غَيْرَ مُتَصَوَّرٍ بَلْ يَتَقَوَّمُ لِضَرُورَةِ دَفْعِ الْحَاجَةِ (عِنْدَ وُرُودِ الْعَقْدِ) عَلَيْهَا بِالتَّرَاضِي، وَلَا عَقْدَ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ (إلَّا أَنَّ) أَيْ لَكِنَّ (مَا يَنْقُصُ بِاسْتِعْمَالِهِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ لِاسْتِهْلَاكِهِ بَعْضَ أَجْزَاءِ الْعَيْنِ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فصل في غصب ما لا يتقوم]

(فَصْلٌ فِي غَصْبِ مَا لَا يَتَقَوَّمُ) : قَالَ (وَإِذَا أَتْلَفَ الْمُسْلِمُ خَمْرَ الذِّمِّيِّ أَوْ خِنْزِيرَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُمَا، فَإِنْ أَتْلَفَهُمَا لِمُسْلِمٍ لَمْ يَضْمَنْ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَضْمَنُهَا لِلذِّمِّيِّ أَيْضًا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أَتْلَفَهُمَا ذِمِّيٌّ عَلَى ذِمِّيٍّ أَوْ بَاعَهُمَا الذِّمِّيُّ مِنْ الذِّمِّيِّ. لَهُ أَنَّهُ سَقَطَ تَقَوُّمُهُمَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَكَذَا فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّهُمْ أَتْبَاعٌ لَنَا فِي الْأَحْكَامِ فَلَا يَجِبُ بِإِتْلَافِهِمَا مَالٌ مُتَقَوِّمٌ وَهُوَ الضَّمَانُ. وَلَنَا أَنَّ التَّقْوِيمَ بَاقٍ فِي حَقِّهِمْ، إذْ الْخَمْرُ لَهُمْ كَالْخَلِّ لَنَا وَالْخِنْزِيرُ لَهُمْ كَالشَّاةِ لَنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي غَصْبِ مَا لَا يُتَقَوَّمُ] فَصْلٌ) : فِي غَصْبِ مَا لَا يَتَقَوَّمُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ مَا هُوَ الْأَصْلُ وَهُوَ غَصْبُ مَا يَتَقَوَّمُ لِتَحْقِيقِ الْغَصْبِ فِيهِ حَقِيقَةً بَيَّنَ غَصْبَ مَا لَا يَتَقَوَّمُ بِاعْتِبَارِ عَرْضِيَّةِ أَنْ يَصِيرَ مُتَقَوِّمًا إمَّا بِاعْتِبَارِ دِيَانَةِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ بِتَقَوُّمِهِ أَوْ بِتَغَيُّرِهِ فِي نَفْسِهِ إلَى التَّقْوِيمِ (قَالَ: وَإِنْ أَتْلَفَ الْمُسْلِمُ خَمْرَ الذِّمِّيِّ أَوْ خِنْزِيرَهُ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: إتْلَافُ الْمُسْلِمِ خَمْرَ الْمُسْلِمِ. وَإِتْلَافُ الذِّمِّيِّ خَمْرَ الْمُسْلِمِ، وَإِتْلَافُ الذِّمِّيِّ خَمْرَ الذِّمِّيِّ، وَإِتْلَافُ الْمُسْلِمِ خَمْرَ الذِّمِّيِّ. وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُتْلِفِ فِي الْأَوَّلَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ. وَأَمَّا فِي الْآخَرَيْنِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا بَاعَهَا الذِّمِّيُّ مِنْ الذِّمِّيِّ جَازَ الْبَيْعُ عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ. قَالَ (سَقَطَ تَقَوُّمُهَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ بِلَا خِلَافٍ فَكَذَا فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ لِأَنَّهُمْ أَتْبَاعٌ لَنَا فِي الْأَحْكَامِ) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قَبِلُوا عَقْدَ الذِّمِّيِّ فَأَعْلِمُوهُمْ أَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ» أَوْ إذَا سَقَطَ تَقَوُّمُهَا (فَلَا يَجِبُ بِإِتْلَافِهَا مَالٌ مُتَقَوِّمٌ وَهُوَ الضَّمَانُ) أَيْ مَا يَضْمَنُ بِهِ (وَلَنَا أَنَّ التَّقَوُّمَ بَاقٍ فِي حَقِّهِمْ، إذْ الْخَمْرُ لَهُمْ كَالْخَلِّ وَالْخِنْزِيرُ عِنْدَهُمْ كَالشَّاةِ عِنْدَنَا) دَلَّ عَلَى قَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ سَأَلَ عَمَّا لَهُ: مَاذَا تَصْنَعُونَ بِمَا يَمُرُّ بِهِ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ الْخُمُورِ؟ فَقَالُوا: نَعْشِرُهَا، قَالَ: لَا تَفْعَلُوا، وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا وَخُذُوا الْعُشْرَ مِنْ أَثْمَانِهَا، فَقَدْ جَعَلَهَا مَالًا مُتَقَوِّمًا فِي حَقِّهِمْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQحَيْثُ جَوَّزَ بَيْعَهَا وَأَمَرَ بِأَخْذِ الْعُشْرِ مِنْ ثَمَنِهَا وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ إلَّا لِتَدَيُّنِهِمْ بِذَلِكَ

وَنَحْنُ أُمِرْنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ وَالسَّيْفُ مَوْضُوعٌ فَيَتَعَذَّرُ الْإِلْزَامُ، وَإِذَا بَقِيَ التَّقَوُّمُ فَقَدْ وُجِدَ إتْلَافُ مَالٍ مَمْلُوكٍ مُتَقَوِّمٍ فَيَضْمَنُهُ. بِخِلَافِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ؛ لِأَنَّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ لَا يَدِينُ تَمَوُّلَهُمَا، إلَّا أَنَّهُ تَجِبُ قِيمَةُ الْخَمْرِ وَإِنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ تَمْلِيكِهِ لِكَوْنِهِ إعْزَازًا لَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا جَرَتْ الْمُبَايَعَةُ بَيْنَ الذِّمِّيِّينَ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَنْ تَمْلِيكِ الْخَمْرِ وَتَمَلُّكِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَنَحْنُ أُمِرْنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ) يَعْنِي لَا نُجَادِلُهُمْ عَلَى التَّرْكِ (وَالسَّيْفُ مَوْضُوعٌ) يَعْنِي لَا يُجْبَرُونَ عَلَى التَّرْكِ بِالْإِلْزَامِ بِالسَّيْفِ لِعَقْدِ الذِّمَّةِ، وَحِينَئِذٍ تَعْذُرُ الْإِلْزَامُ عَلَى تَرْكِ التَّدَيُّنِ فَبَقِيَ التَّقَوُّمُ فِي حَقِّهِمْ، وَإِذَا بَقِيَ فَقَدْ وُجِدَ إتْلَافُ مَالٍ مَمْلُوكٍ مُتَقَوِّمٍ، وَذَلِكَ يُوجِبُ الضَّمَانَ بِالنَّصِّ فَيَضْمَنُهُ، وَنُوقِضَ بِمَا إذَا مَاتَ الْمَجُوسِيُّ عَنْ ابْنَتَيْنِ إحْدَاهُمَا امْرَأَتُهُ فَإِنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ بِالزَّوْجِيَّةِ شَيْئًا مِنْ الْمِيرَاثِ مَعَ اعْتِقَادِهِمْ صِحَّةَ ذَلِكَ النِّكَاحِ وَصِحَّةُ النِّكَاحِ تُوجِبُ تَوْرِيثَ الْمَرْأَةِ مِنْ زَوْجِهَا فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ إذَا لَمْ يُوجَدْ الْمَانِعُ وَلَمْ يُوجَدْ فِي دِيَانَتِهِمْ ثُمَّ لَمْ نَتْرُكْهُمْ وَمَا يَدِينُونَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ التَّوْرِيثَ بِأَنْكِحَةِ الْمَحَارِمِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ بَيَانٍ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ) جَوَابٌ لِمَقِيسٍ عَلَيْهِ لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ (لِأَنَّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ لَا يَدِينُ تَمَوُّلَهُمَا، إلَّا أَنَّهُ تَجِبُ قِيمَةُ الْخَمْرِ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً) وَتَذْكِيرُ الضَّمِيرِ فِي الْكِتَابِ بِتَأْوِيلِ الشَّرَابِ أَوْ الْمَذْكُورِ (لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ تَمَلُّكِهِ لِكَوْنِهِ إعْزَازًا لَهُ) بِخِلَافِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَمْنُوعِينَ عَنْ تَمْلِيكِهَا وَتَمَلُّكِهَا، فَإِنْ جَرَتْ بَيْنَهُمَا مُبَايَعَةٌ جَازَ لَهُمْ التَّمْلِيكُ وَالتَّمَلُّكُ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ جَازَ تَسْلِيمُ مِثْلِهَا وَتَسَلُّمُهُ

وَهَذَا بِخِلَافِ الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى عَنْ عُقُودِهِمْ، وَبِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ يَكُونُ لِلذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّا مَا ضَمِنَّا لَهُمْ تَرْكَ التَّعَرُّضِ لَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِخْفَافِ بِالدِّينِ، وَبِخِلَافِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا إذَا كَانَ لِمَنْ يُبِيحُهُ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْمُحَاجَّةِ ثَابِتَةٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَهَذَا بِخِلَافِ الرِّبَا) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَنْ تَمَلُّكِ تَمْلِيكِ الْخَمْرِ، كَذَا قِيلَ. وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ نَحْنُ أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ إلَى آخِرِهِ لَا تُسَاقُ مَا بَعْدَهُ مِنْ الْعَطْفِ حِينَئِذٍ (وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ عُقُودِهِمْ) يَعْنِي بِعَدَمِ الْجَوَازِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَا مَنْ أَرْبَى فَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ عَهْدٌ» وَذَلِكَ لِأَنَّهُ فِسْقٌ مِنْهُمْ لَا تَدَيُّنٌ لِثُبُوتِ حُرْمَةِ الرِّبَا فِي دِينِهِمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} [النساء: 161] (وَبِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ لِلذِّمِّيِّ) فَإِنَّ الْمُسْلِمَ إذَا أَتْلَفَهُ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ اعْتِقَادُ الذِّمِّيِّ أَنَّ الْعَبْدَ الْمُرْتَدَّ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ وَهُوَ أَيْضًا فِي الْحَقِيقَةِ مَقِيسٌ عَلَيْهِ لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَوَجْهُ الْجَوَابِ (أَنَّا مَا ضَمَّنَا لَهُمْ تَرْكُ التَّعَرُّضِ) لِلْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ لِلذِّمِّيِّ (لِمَا فِيهِ) أَيْ فِي تَرْكِ التَّعَرُّضِ (مِنْ الِاسْتِخْفَافِ بِالدِّينِ) بِالتَّرْكِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْهُ. وَاسْتَشْكَلَ هَذَا التَّعْلِيلُ بِمَا إذَا أَتْلَفَ عَلَى نَصْرَانِيٍّ صَلِيبًا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ صَلِيبًا، وَفِي تَرْكِ التَّعَرُّضِ اسْتِخْفَافٌ بِالدِّينِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ كُفْرٌ أَصْلِيٌّ، فَالنَّصْرَانِيُّ مُقِرٌّ عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ الِارْتِدَادِ (وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ) يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ: يَعْنِي لَمَّا أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَ أَهْلَ الذِّمَّةِ عَلَى مَا اعْتَقَدُوهُ مِنْ الْبَاطِلِ وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَتْرُكَ أَهْلَ الِاجْتِهَادِ عَلَى مَا اعْتَقَدُوهُ مَعَ احْتِمَالِ الصِّحَّةِ فِيهِ بِالطَّرِيقِ الْأُولَى. وَحِينَئِذٍ يَجِبُ أَنْ نَقُولَ بِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى مَنْ أَتْلَفَ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي اعْتِقَادِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَوَجْهُ الْجَوَابِ مَا قَالَهُ أَنَّ وِلَايَةَ الْمُحَاجَّةِ ثَابِتَةٌ، وَالدَّلِيلُ الدَّالُّ عَلَى حُرْمَتِهِ قَائِمٌ فَلَمْ يَعْتَبِر اعْتِقَادَهُمْ فِي إيجَابِ

قَالَ (فَإِنْ غَصَبَ مِنْ مُسْلِمٍ خَمْرًا فَخَلَّلَهَا أَوْ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَدَبَغَهُ فَلِصَاحِبِ الْخَمْرِ أَنْ يَأْخُذَ الْخَلَّ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَيَأْخُذَ جِلْدَ الْمَيْتَةِ وَيَرُدَّ عَلَيْهِ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ) ، وَالْمُرَادُ بِالْفَصْلِ الْأَوَّلِ إذَا خَلَّلَهَا بِالنَّقْلِ مِنْ الشَّمْسِ إلَى الظِّلِّ وَمِنْهُ إلَى الشَّمْسِ، وَبِالْفَصْلِ الثَّانِي إذَا دَبَغَهُ بِمَا لَهُ قِيمَةٌ كَالْقَرَظِ وَالْعَفْصِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَالْفَرْقُ أَنَّ هَذَا التَّخْلِيلَ تَطْهِيرٌ لَهُ بِمَنْزِلَةِ غَسْلِ الثَّوْبِ النَّجِسِ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ إذْ لَا تَثْبُتُ الْمَالِيَّةُ بِهِ وَبِهَذَا الدِّبَاغِ اتَّصَلَ بِالْجِلْدِ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ لِلْغَاصِبِ كَالصَّبْغِ فِي الثَّوْبِ فَكَانَ بِمَنْزِلَتِهِ فَلِهَذَا يَأْخُذُ الْخَلَّ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَيَأْخُذُ الْجِلْدَ وَيُعْطِي مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ. وَبَيَانُهُ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى قِيمَتِهِ ذَكِيًّا غَيْرَ مَدْبُوغٍ، وَإِلَى قِيمَتِهِ مَدْبُوغًا فَيَضْمَنُ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا، وَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ كَحَقِّ الْحَبْسِ فِي الْبَيْعِ. قَالَ (وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُمَا ضَمِنَ الْخَلَّ وَلَمْ يَضْمَنْ الْجِلْدَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَضْمَنُ الْجِلْدَ مَدْبُوغًا وَيُعْطِي مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالضَّمَانِ هَذَا مَا قَالُوهُ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ وِلَايَةَ الْمُحَاجَّةِ ثَابِتَةٌ، لِأَنَّ الدَّلِيلَ الدَّالَّ عَلَى تَرْكِ الْمُحَاجَّةِ مَعَ أَهْلِ الذِّمَّةِ دَالٌّ عَلَى تَرْكِهَا مَعَ الْمُجْتَهِدِينَ بِالطَّرِيقِ الْأُولَى عَلَى مَا قَرَّرْتُمْ وَالْجَوَابُ أَنَّ الدَّلِيلَ هُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُتْرُكُوهُمْ وَمَا يَدِينُونَ» وَكَانَ ذَلِكَ لِعَقْدِ الذِّمَّةِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِينَ. قَالَ (فَإِنْ غَصَبَ مِنْ مُسْلِمٍ خَمْرًا فَخَلَّلَهَا إلَخْ) مَنْ غَصَبَ مِنْ مُسْلِمٍ خَمْرًا فَخَلَّلَهَا أَوْ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَدَبَغَهُ فَكُلٌّ مِنْهَا عَلَى وَجْهَيْنِ، لِأَنَّ التَّخْلِيلَ أَوْ الدِّبَاغَ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِخَلْطِ شَيْءٍ وَبِمَا لَهُ قِيمَةٌ أَوْ لَا، فَإِنْ خُلِّلَ بِغَيْرِ شَيْءٍ بِالنَّقْلِ مِنْ الشَّمْسِ إلَى الظِّلِّ وَمِنْهُ إلَيْهَا، أَوْ دُبِغَ بِالْقَرَظِ بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ وَرَقُ السَّلَمِ وَالْعَفْصِ وَنَحْوِهِمَا، فَإِمَّا أَنْ يَكُون الْخَلُّ وَالْجِلْدُ بَاقِيَيْنِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَا بَاقِيَيْنِ أَخَذَ الْمَالِكُ الْخَلَّ بِلَا شَيْءٍ وَأَخَذَ الْجِلْدَ وَرَدَّ عَلَيْهِ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ. وَطَرِيقُ عِلْمِهِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى قِيمَتِهِ ذَكِيًّا غَيْرَ مَدْبُوغٍ وَإِلَى قِيمَتِهِ مَدْبُوغًا فَيَضْمَنُ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا، وَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ كَحَقِّ الْحَبْسِ فِي الْمَبِيعِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ نَيِّرٌ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا بَاقِيَيْنِ، فَإِنْ اسْتَهْلَكَهُمَا الْغَاصِبُ ضَمِنَ الْخَلَّ وَلَمْ يَضْمَنْ الْجِلْدَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَا: يَضْمَنُ الْجِلْدَ مَدْبُوغًا وَيُعْطِي مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ، وَإِنْ هَلَكَا فِي يَدِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْمُجْمَعُ عَلَيْهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ لِأَنَّ دَلِيلَهُ الْإِجْمَاعُ فَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْبَيِّنَةُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ

وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ لَا يَضْمَنُهُ بِالْإِجْمَاعِ. أَمَّا الْخَلُّ؛ فَلِأَنَّهُ لَمَّا بَقِيَ عَلَى مِلْكِ مَالِكِهِ وَهُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ ضَمِنَهُ بِالْإِتْلَافِ، يَجِبُ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ الْخَلَّ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ. وَأَمَّا الْجِلْدُ فَلَهُمَا أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَهُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فَيَضْمَنُهُ مَدْبُوغًا بِالِاسْتِهْلَاكِ وَيُعْطِيهِ الْمَالِكُ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ كَمَا إذَا غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهُ وَيَضْمَنُهُ وَيُعْطِيه الْمَالِكُ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ وَاجِبُ الرَّدِّ، فَإِذَا فَوَّتَهُ عَلَيْهِ خَلَّفَهُ قِيمَتَهُ كَمَا فِي الْمُسْتَعَارِ. وَبِهَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQضَمِنَ فَلَا وَجْهَ لِضَمَانِ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْغَصْبِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ يَوْمَئِذٍ، وَلَا لِضَمَانِ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْهَلَاكِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا بِفِعْلٍ مَوْصُوفٍ بِالتَّعَدِّي وَالْفَرْضُ عَدَمُهُ (وَقَوْلُهُ أَمَّا الْخَلُّ) دَلِيلُ صُورَةِ الِاسْتِهْلَاكِ وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَأَمَّا الْجِلْدُ فَلَهُمَا أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ) قَالَ الْقُدُورِيُّ: يَعْنِي إذَا غَصَبَ الْجِلْدَ مِنْ مَنْزِلِهِ، فَأَمَّا إذَا أَلْقَاهُ صَاحِبُهُ فِي الطَّرِيقِ فَأَخَذَهُ رَجُلٌ فَدَبَغَهُ فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ أَنْ يَأْخُذَهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا. وَإِذَا كَانَ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِهِ (وَهُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ) وَقَدْ اسْتَهْلَكَهُ (يَضْمَنُهُ وَيُعْطِيهِ الْمَالِكُ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ إذَا غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهُ يَضْمَنُهُ وَيُعْطِيهِ الْمَالِكُ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ) وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ نَفْسَ الْغَصْبِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُوجِبُ الضَّمَانَ بِخِلَافِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ وَاجِبُ الرَّدِّ) دَلِيلٌ آخَرُ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْجِلْدَ لَوْ كَانَ قَائِمًا وَجَبَ عَلَى الْغَاصِبِ رَدُّهُ، فَإِذَا فَوَّتَ الرَّدَّ خَلَفَهُ قِيمَتُهُ كَمَا فِي الْمُسْتَعَارِ يَضْمَنُ بِالِاسْتِهْلَاكِ لَا الْهَلَاكِ، وَبِهَذَا فَارَقَ الْهَلَاكَ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَا تَفْوِيتَ مِنْهُ هُنَاكَ. قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَيْرُهُ

فَارَقَ الْهَلَاكُ بِنَفْسِهِ. وَقَوْلُهُمَا يُعْطِي مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى اخْتِلَافِ الْجِنْسِ. أَمَّا عِنْدَ اتِّحَادِهِ فَيَطْرَحُ عَنْهُ ذَلِكَ الْقَدْرَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْبَاقِي لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي الْأَخْذِ مِنْهُ ثُمَّ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ. وَلَهُ أَنَّ التَّقَوُّمَ حَصَلَ بِصُنْعِ الْغَاصِبِ وَصَنْعَتُهُ مُتَقَوِّمَةٌ لِاسْتِعْمَالِهِ مَالًا مُتَقَوِّمًا فِيهِ، وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ فَكَانَ حَقًّا لَهُ وَالْجِلْدُ تَبَعٌ لَهُ فِي حَقِّ التَّقَوُّمِ، ثُمَّ الْأَصْلُ وَهُوَ الصَّنْعَةُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ فَكَذَا التَّابِعُ، كَمَا إذَا هَلَكَ مِنْ غَيْرِ صَنْعَةٍ، بِخِلَافِ وُجُوبِ الرَّدِّ حَالَ قِيَامِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ الْمِلْكَ، وَالْجِلْدُ غَيْرُ تَابِعٍ لِلصَّنْعَةِ فِي حَقِّ الْمِلْكِ لِثُبُوتِهِ قَبْلَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَقَوِّمًا، بِخِلَافِ الذَّكِيِّ وَالثَّوْبِ؛ لِأَنَّ التَّقَوُّمَ فِيهِمَا كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ الدَّبْغِ وَالصَّبْغِ فَلَمْ يَكُنْ تَابِعًا لِلصَّنْعَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: قَوْلُهُمَا يُعْطِي مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى اخْتِلَافِ الْجِنْسِ: يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ قَوَّمَ الْجِلْدَ بِالدَّرَاهِمِ وَالدِّبَاغَ بِالدَّنَانِيرِ، فَيَضْمَنُ الْغَاصِبُ الْقِيمَةَ وَيَأْخُذُ مَا زَادَ الدِّبَاغُ، أَمَّا إذَا قَوَّمَهُمَا بِالدَّرَاهِمِ أَوْ بِالدَّنَانِيرِ فَيُطْرَحُ عَنْهُ ذَلِكَ الْقَدْرُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْبَاقِي لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي الْأَخْذِ مِنْهُ ثُمَّ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْجِلْدَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ بِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا حَصَلَ لَهُ التَّقَوُّمُ بِصَنْعَةِ الْغَاصِبِ وَصَنْعَتُهُ مُتَقَوِّمَةٌ لِاسْتِعْمَالِهِ مَالًا مُتَقَوِّمًا فِيهِ، وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مَا زَادَ الدِّبَاغُ، فَكَانَ التَّقَوُّمُ حَقًّا لِلْغَاصِبِ وَكَانَ الْجِلْدُ تَابِعًا لِصَنْعَةِ الْغَاصِبِ فِي حَقِّ التَّقَوُّمِ، ثُمَّ الْأَصْلُ وَهُوَ الصَّنْعَةُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ فَكَذَا التَّابِعُ لِئَلَّا يَلْزَمَ مُخَالَفَةُ التَّبَعِ أَصْلَهُ، كَمَا إذَا هَلَكَ مِنْ غَيْرِ صَنْعَةٍ فَإِنَّ عَدَمَ الضَّمَانِ هُنَاكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْأَصْلَ وَهُوَ الصَّنْعَةُ غَيْرُ مَضْمُونٍ فَكَذَلِكَ الْجِلْدُ، وَإِلَّا فَالْغَصْبُ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ فِي الْهَلَاكِ وَالِاسْتِهْلَاكِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الرَّدِّ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا وَلِأَنَّهُ وَاجِبُ الرَّدِّ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ وُجُوبَ الرَّدِّ حَالَ قِيَامِهِ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ الْمِلْكَ، وَالْجِلْدُ غَيْرُ تَابِعٍ لِلصَّنْعَةِ فِي حَقِّ الْمِلْكِ لِثُبُوتِهِ قَبْلَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَقَوِّمًا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الضَّمَانَ يَعْتَمِدُ التَّقَوُّمَ وَالْأَصْلُ فِيهِ الصَّنْعَةُ وَهِيَ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ فَكَذَا مَا يَتْبَعُهَا وَالرَّدُّ يَعْتَمِدُ الْمِلْكَ وَالْجِلْدُ فِيهِ أَصْلٌ لَا تَابِعٌ فَوَجَبَ رَدُّهُ وَتَتْبَعُهُ الصَّنْعَةُ. قَوْلُهُ (بِخِلَافِ الذَّكِيِّ وَالثَّوْبِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا كَمَا إذَا غَصَبَ ثَوْبًا وَأَقْحَمَ الذَّكِيَّ اسْتِظْهَارًا

وَلَوْ كَانَ قَائِمًا فَأَرَادَ الْمَالِكُ أَنْ يَتْرُكَهُ عَلَى الْغَاصِبِ فِي هَذَا الْوَجْهِ وَيُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُ قِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجِلْدَ لَا قِيمَةَ لَهُ، بِخِلَافِ صَبْغِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ لَهُ قِيمَةً. وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَرَكَهُ عَلَيْهِ وَضَمَّنَهُ عَجَزَ الْغَاصِبُ عَنْ رَدِّهِ فَصَارَ كَالِاسْتِهْلَاكِ، وَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ التَّقَوُّمَ فِيهِمَا: أَيْ فِي الذَّكِيِّ وَالثَّوْبِ كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ الدَّفْعِ وَالصَّبْغِ فَلَمْ يَكُنْ تَابِعًا لِلصَّنْعَةِ، وَالتَّقَوُّمُ يُوجِبُ الضَّمَانَ (وَلَوْ كَانَ) الْجِلْدُ (قَائِمًا فَأَرَادَ الْمَالِكُ أَنْ نَتْرُكَهُ عَلَى الْغَاصِبِ فِي هَذَا الْوَجْهِ) أَيْ الَّذِي كَانَ الدِّبَاغُ فِيهِ بِشَيْءٍ مُتَقَوِّمٍ (وَيُضَمِّنُهُ قِيمَتَهُ قِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ) بِلَا خِلَافٍ (لِأَنَّ الْجِلْدَ لَا قِيمَةَ لَهُ، بِخِلَافِ صَبْغِ الثَّوْبِ لِأَنَّ لَهُ قِيمَةً. وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعِنْدَهُمَا لَهُ ذَلِكَ) وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ إذَا تَرَكَهُ) دَلِيلُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ لَا دَلِيلُ الْمُخَالِفِينَ. وَوَجْهُ ذَلِكَ إذَا تَرَكَ الْجِلْدَ عَلَى الْغَاصِبِ وَضَمِنَهُ عَجَزَ الْغَاصِبُ عَنْ رَدِّهِ فَصَارَ كَالِاسْتِهْلَاكِ، وَهُوَ أَيْ الِاسْتِهْلَاكُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ

ثُمَّ قِيلَ: يُضَمِّنُهُ قِيمَةَ جِلْدٍ مَدْبُوغٍ وَيُعْطِيهِ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ كَمَا فِي الِاسْتِهْلَاكِ. وَقِيلَ يُضَمِّنُهُ قِيمَةَ جِلْدِ ذَكِيٍّ غَيْرِ مَدْبُوغٍ، وَلَوْ دَبَغَهُ بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ كَالتُّرَابِ وَالشَّمْسِ فَهُوَ لِمَالِكِهِ بِلَا شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ غَسْلِ الثَّوْبِ. وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ الْغَاصِبُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ مَدْبُوغًا. وَقِيلَ طَاهِرًا غَيْرَ مَدْبُوغٍ؛ لِأَنَّ وَصْفَ الدِّبَاغَةِ هُوَ الَّذِي حَصَّلَهُ فَلَا يَضْمَنُهُ. وَجْهُ الْأَوَّلِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ أَنَّ صِفَةَ الدِّبَاغَةِ تَابِعَةٌ لِلْجِلْدِ فَلَا تُفْرَدُ عَنْهُ، وَإِذَا صَارَ الْأَصْلُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَكَذَا صِفَتُهُ، وَلَوْ خَلَّلَ الْخَمْرَ بِإِلْقَاءِ الْمِلْحِ فِيهِ قَالُوا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: صَارَ مِلْكًا لِلْغَاصِبِ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ. وَعِنْدَهُمَا أَخَذَهُ الْمَالِكُ وَأَعْطَى مَا زَادَ الْمِلْحُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ دَبْغِ الْجِلْدِ، وَمَعْنَاهُ هَاهُنَا أَنْ يُعْطِيَ مِثْلَ وَزْنِ الْمِلْحِ مِنْ الْخَلِّ، وَإِنْ أَرَادَ الْمَالِكُ تَرْكَهُ عَلَيْهِ وَتَضْمِينَهُ فَهُوَ عَلَى مَا قِيلَ. وَقِيلَ فِي دَبْغِ الْجِلْدِ وَلَوْ اسْتَهْلَكَهَا لَا يَضْمَنُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا فِي دَبْغِ الْجِلْدِ، وَلَوْ خَلَّلَهَا بِإِلْقَاءِ الْخَلِّ فِيهِمَا، فَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنْ صَارَ خَلًّا مِنْ سَاعَتِهِ يَصِيرُ مِلْكًا لِلْغَاصِبِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ لَهُ وَهُوَ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ، وَإِنْ لَمْ تَصِرْ خَلًّا إلَّا بَعْدَ زَمَانٍ بِأَنْ كَانَ الْمُلْقَى فِيهِ خَلًّا قَلِيلًا فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ كِلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ خَلْطَ الْخَلِّ بِالْخَلِّ فِي التَّقْدِيرِ وَهُوَ عَلَى أَصْلِهِ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَجْزَ فِي الِاسْتِهْلَاكِ لِأَمْرٍ مِنْ جِهَةِ الْغَاصِبِ وَفِيمَا تَرَكَهُ وَضَمِنَهُ الْقِيمَةُ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ التَّضْمِينِ فِي صُورَةٍ تَعَدَّى فِيمَا الْغَاصِبُ جَوَازُهُ فِيمَا لَيْسَ كَذَلِكَ. ثُمَّ اخْتَلَفَ فِي كَيْفِيَّةِ الضَّمَانِ عَلَى قَوْلِهِمَا فَقِيلَ يُضَمِّنُهُ قِيمَةَ جِلْدٍ مَدْبُوغٍ وَيُعْطِيهِ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ كَمَا فِي صُورَةِ الِاسْتِهْلَاكِ. وَقِيلَ قِيمَةُ جِلْدٍ ذَكِيٍّ غَيْرِ مَدْبُوغٍ، هَذَا كُلُّهُ إذَا دُبِغَ بِمَا لَهُ قِيمَةٌ وَخُلِّلَ بِغَيْرِ خَلْطِ شَيْءٍ أَمَّا إذَا دَبَغَهُ بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ كَالتُّرَابِ وَالشَّمْسِ فَهُوَ لِصَاحِبِهِ بِلَا شَيْءٍ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ غَسْلِ الثَّوْبِ وَهُوَ لَا يُزِيلُ مِلْكَ الْمَالِكِ. وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ الْغَاصِبُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّهُ صَارَ مَالًا عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ وَلَا حَقَّ لِلْغَاصِبِ فِيهِ، فَكَانَتْ الْمَالِيَّةُ وَالتَّقَوُّمُ جَمِيعًا حَقَّ الْمَالِكِ فَيَضْمَنُ بِالِاسْتِهْلَاكِ. وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الضَّمَانِ فَقِيلَ: ضَمِنَ قِيمَتَهُ مَدْبُوغًا، وَقِيلَ طَاهِرًا غَيْرَ مَدْبُوغٍ. وَقَدْ ذُكِرَ وَجْهُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَإِذَا خَلَّلَ الْخَمْرَ بِإِلْقَاءِ الْمِلْحِ فِيهِ قَالَ الْمَشَايِخُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: صَارَ الْخَلُّ مِلْكًا لِلْغَاصِبِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعِنْدَهُمَا أَخَذَهُ الْمَالِكُ وَأَعْطَى مَا زَادَ الْمِلْحُ فِيهِ كَمَا فِي دِبَاغِ الْجِلْدِ. وَقَوْلُهُ (قَالُوا) يُشِيرُ إلَى أَنَّ ثَمَّةَ قَوْلًا آخَرَ، وَهُوَ مَا قِيلَ إنَّ هَذَا وَالْأَوَّلَ سَوَاءٌ لِأَنَّ الْمِلْحَ مُسْتَهْلَكًا فِيهِ فَلَا يُعْتَبَرُ، وَبَاقِي كَلَامِهِ ظَاهِرٌ سِوَى أَلْفَاظٍ يُشِيرُ إلَيْهَا قَوْلُهُ (فَهُوَ عَلَى مَا قِيلَ وَقِيلَ) بِتَكْرِيرٍ قِيلَ إشَارَةٌ إلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي دَبْغِ الْجِلْدِ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ كَانَ قَائِمًا فَأَرَادَ الْمَالِكُ، إلَى أَنْ قَالَ: قِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَوْلُهُ (وَهُوَ عَلَى أَصْلِهِ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ)

وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ لِلْغَاصِبِ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْخَلْطِ اسْتِهْلَاكٌ عِنْدَهُ، وَلَا ضَمَانَ فِي الِاسْتِهْلَاكِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مِلْكَ نَفْسِهِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَضْمَنُ بِالِاسْتِهْلَاكِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لِمَا بَيَّنَّا. وَيَضْمَنُ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مِلْكَ غَيْرِهِ. وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ أَجْرَوْا جَوَابَ الْكِتَابِ عَلَى إطْلَاقِهِ أَنَّ لِلْمَالِكِ أَنْ يَأْخُذَ الْخَلَّ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمُلْقَى فِيهِ يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا فِي الْخَمْرِ فَلَمْ يَبْقَ مُتَقَوِّمًا. وَقَدْ كَثُرَتْ فِيهِ أَقْوَالُ الْمَشَايِخِ وَقَدْ أَثْبَتْنَاهَا فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى. قَالَ (وَمَنْ كَسَرَ لِمُسْلِمٍ بَرْبَطًا أَوْ طَبْلًا أَوْ مِزْمَارًا أَوْ دُفًّا أَوْ أَرَاقَ لَهُ سَكَرًا أَوْ مُنَصَّفًا فَهُوَ ضَامِنٌ، وَبَيْعُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ جَائِزٌ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يَضْمَنُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا. وَقِيلَ الِاخْتِلَافُ فِي الدُّفِّ وَالطَّبْلِ الَّذِي يُضْرَبُ لِلَّهْوِ. فَأَمَّا طَبْلُ الْغُزَاةِ وَالدُّفُّ الَّذِي يُبَاحُ ضَرْبُهُ فِي الْعُرْسِ يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ. وَقِيلَ الْفَتْوَى فِي الضَّمَانِ عَلَى قَوْلِهِمَا. وَالسَّكَرُ اسْمٌ لِلنِّيءِ مِنْ مَاءِ الرُّطَبِ إذَا اشْتَدَّ. وَالْمُنَصَّفُ مَا ذَهَبَ نِصْفُهُ بِالطَّبْخِ. وَفِي الْمَطْبُوخِ أَدْنَى طَبْخَةٍ وَهُوَ الْبَاذَقُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ فِي التَّضْمِينِ وَالْبَيْعِ. لَهُمَا أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ أُعِدَّتْ لِلْمَعْصِيَةِ فَبَطَلَ تَقَوُّمُهَا كَالْخَمْرِ، وَلِأَنَّهُ فَعَلَ مَا فَعَلَ آمِرًا بِالْمَعْرُوفِ وَهُوَ بِأَمْرِ الشَّرْعِ فَلَا يَضْمَنُهُ كَمَا إذَا فَعَلَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا أَمْوَالٌ لِصَلَاحِيَّتِهَا لِمَا يَحِلُّ مِنْ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ وَإِنْ صَلُحَتْ لِمَا لَا يَحِلُّ فَصَارَ كَالْأَمَةِ الْمُغَنِّيَةِ. وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ بِفِعْلِ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ فَلَا يُوجِبُ سُقُوطَ التَّقَوُّمِ، وَجَوَازُ الْبَيْعِ وَالتَّضْمِينِ مُرَتَّبَانِ عَلَى الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ بِالْيَدِ إلَى الْأُمَرَاءِ لِقُدْرَتِهِمْ وَبِاللِّسَانِ إلَى غَيْرِهِمْ، وَتَجِبُ قِيمَتُهَا غَيْرُ صَالِحَةٍ لِلَّهْوِ كَمَا فِي الْجَارِيَةِ الْمُغَنِّيَةِ وَالْكَبْشِ النَّطُوحِ وَالْحَمَامَةِ الطَّيَّارَةِ وَالدِّيكِ الْمُقَاتِلِ وَالْعَبْدِ الْخَصِيِّ تَجِبْ الْقِيمَةُ غَيْرُ صَالِحَةٍ لِهَذِهِ الْأُمُورِ، كَذَا هَذَا، وَفِي السَّكَرِ وَالْمُنَصَّفِ تَجِبُ قِيمَتُهُمَا، وَلَا يَجِبُ الْمِثْلُ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ تَمَلُّكِ عَيْنِهِ وَإِنْ كَانَ لَوْ فَعَلَ جَازَ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَتْلَفَ عَلَى نَصْرَانِيٍّ صَلِيبًا حَيْثُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ أَصْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَإِنَّ أَصْلَهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا أَنَّ خَلْطَ الشَّيْءِ بِجِنْسِهِ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ عِنْدَهُمَا وَحِينَئِذٍ كَانَ الْخَلُّ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، فَإِذَا أَتْلَفَهُ فَقَدْ أَتْلَفَ حَقَّ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ فَيَضْمَنُ خَلًّا مِثْلَ خَلِّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ. وَقَوْلُهُ (هُوَ لِلْغَاصِبِ فِي الْوَجْهَيْنِ) يَعْنِي مَا إذَا صَارَتْ خَلًّا مِنْ سَاعَتِهِ أَوْ بَعْدَ زَمَانٍ، وَقَوْلُهُ (أَجْرَوْا جَوَابَ الْكِتَابِ) يَعْنِي الْجَامِعَ الصَّغِيرَ وَهُوَ قَوْلُهُ لِصَاحِبِ الْخَمْرِ أَنْ يَأْخُذَ الْخَلَّ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَمَعْنَاهُ أَنَّ بَعْضَهُمْ حَمَلُوهُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ التَّخْلِيلُ بِغَيْرِ شَيْءٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَبَعْضُهُمْ أَجْرَوْهُ عَلَى إطْلَاقِهِ وَقَالُوا لِلْمَالِكِ أَنْ يَأْخُذَ الْخَلَّ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا، وَهِيَ التَّخْلِيلُ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَالتَّخْلِيلُ بِإِلْقَاءِ الْمِلْحِ وَالتَّخْلِيلُ بِصَبِّ الْخَلِّ فِيهِ لِأَنَّ الْمُلْقَى فِيهِ يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا فِي الْخَمْرِ فَلَمْ يَبْقَ مُتَقَوِّمًا. قَالَ (وَمَنْ كَسَرَ لِمُسْلِمٍ بَرْبَطًا أَوْ طَبْلًا) قَالَ فِي جَامِعِ الصَّغِيرِ: وَمَنْ كَسَرَ لِمُسْلِمٍ بَرْبَطًا وَهُوَ آلَةٌ مِنْ آلَاتِ الطَّرَبِ وَالطَّبْلُ وَالْمِزْمَارُ وَالدُّفُّ مَعْرُوفَةٌ. وَقَوْلُهُ (أَهَرَاقَ لَهُ سَكَرًا) أَيْ صَبَّهُ، يُقَالُ فِيهِ هَرَاقَ يُهَرِيق بِتَحْرِيكِ الْهَاءِ، وَأَهْرَاق يُهْرِيقُ بِسُكُونِهَا، وَالْهَاءُ فِي الْأَوَّلِ بَدَلٌ عَنْ الْهَمْزَةِ وَفِي الثَّانِي زَائِدَةٌ، وَكَلَامُهُ إلَى آخِرِهِ ظَاهِرٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْحٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

يَضْمَنُ قِيمَتَهُ صَلِيبًا؛ لِأَنَّهُ مُقَرٌّ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ (وَمَنْ غَصَبَ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُدَبَّرَةً فَمَاتَتْ فِي يَدِهِ ضَمِنَ قِيمَةَ الْمُدَبَّرَةِ وَلَا يَضْمَنُ قِيمَةَ أُمِّ الْوَلَدِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَضْمَنُ قِيمَتَهُمَا؛ لِأَنَّ مَالِيَّةَ الْمُدَبَّرَةِ مُتَقَوِّمَةٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَمَالِيَّةَ أُمِّ الْوَلَدِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا مُتَقَوِّمَةٌ، وَالدَّلَائِلُ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ (كِتَابُ الشُّفْعَةِ) وَجْهُ مُنَاسَبَةِ الشُّفْعَةِ بِالْغَصْبِ تَمَلُّكُ الْإِنْسَانِ مَالَ غَيْرِهِ بِلَا رِضَاهُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا. وَالْحَقُّ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ لِكَوْنِهَا مَشْرُوعَةً دُونَهُ، لَكِنْ تَوَفُّرُ الْحَاجَةِ إلَى مَعْرِفَتِهِ لِلِاحْتِرَازِ مَعَ كَثْرَتِهِ بِكَثْرَةِ أَسْبَابِهِ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ فِي الْبِيَاعَاتِ وَالْأَشْرِبَةِ وَالْإِجَارَاتِ وَالشَّرِكَاتِ

[كتاب الشفعة]

[كِتَابُ الشُّفْعَةِ] الشُّفْعَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الشَّفْعِ وَهُوَ الضَّمُّ، سُمِّيَتْ بِهَا لِمَا فِيهَا مِنْ ضَمِّ الْمُشْتَرَاةِ إلَى عَقَارِ الشَّفِيعِ. قَالَ (الشُّفْعَةُ وَاجِبَةٌ لِلْخَلِيطِ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ ثُمَّ لِلْخَلِيطِ فِي حَقِّ الْمَبِيعِ كَالشُّرْبِ وَالطَّرِيقِ ثُمَّ لِلْجَارِ) أَفَادَ هَذَا اللَّفْظُ ثُبُوتَ حَقِّ الشُّفْعَةِ لِكُلِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُزَارَعَاتِ أَوْجَبَ تَقْدِيمَهَا. وَسَبَبُهَا اتِّصَالُ مِلْكِ الشَّفِيعِ بِمِلْكِ الْمُشْتَرِي. وَشَرْطُهَا كَوْنُ الْمَبِيعِ عَقَارًا وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الشَّفْعِ وَهُوَ الضَّمُّ، سُمِّيَتْ بِهَا لِمَا فِيهَا مِنْ ضَمِّ الْمُشْتَرَاةِ إلَى عَقَارِ الشَّفِيعِ. وَفِي الشَّرِيعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ تَمَلُّكِ الْمَرْءِ مَا اتَّصَلَ بِعَقَارِهِ مِنْ الْعَقَارِ عَلَى الْمُشْتَرِي بِشَرِكَةٍ أَوْ جِوَارٍ. قَالَ (الشُّفْعَةُ وَاجِبَةٌ لِلْخَلِيطِ إلَخْ) الشُّفْعَةُ وَاجِبَةٌ: أَيْ ثَابِتَةٌ لِلْخَلِيطِ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ: أَيْ لِلشَّرِيكِ ثُمَّ لِلْخَلِيطِ فِي حَقِّهِ كَالشَّرَابِ وَالطَّرِيقِ، ثُمَّ لِلْجَارِ: يَعْنِي الْمُلَاصِقَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَفَادَ هَذَا اللَّفْظُ ثُبُوتَ حَقِّ الشُّفْعَةِ لِكُلِّ

وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ وَأَفَادَ التَّرْتِيبَ، أَمَّا الثُّبُوتُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشُّفْعَةُ لِشَرِيكٍ لَمْ يُقَاسِمْ» وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ وَأَفَادَ التَّرْتِيبَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى الْأَوَّلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الشُّفْعَةُ لِشَرِيكٍ لَمْ يُقَاسِمْ» ) أَيْ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِلشَّرِيكِ إذَا كَانَتْ الدَّارُ مُشْتَرَكَةً فَبَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، أَمَّا إذَا بَاعَ بَعْدَهَا فَلَمْ يَبْقَ لِلشَّرِيكِ الْآخَرِ حَقٌّ لَا فِي الْمَدْخَلِ وَلَا فِي نَفْسِ الدَّارِ فَحِينَئِذٍ لَا شُفْعَةَ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

«جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ وَالْأَرْضِ، يَنْتَظِرُ لَهُ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا إذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا» وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا سَقَبُهُ؟ قَالَ شُفْعَتُهُ» وَيُرْوَى «الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَتِهِ» . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا شُفْعَةَ بِالْجِوَارِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمُ، فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطَّرِيقُ فَلَا شُفْعَةَ» ـــــــــــــــــــــــــــــQ «جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ وَالْأَرْضُ يَنْتَظِرُ لَهُ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا إذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا» وَالْمُرَادُ بِالْجَارِ الشَّرِيكُ فِي حَقِّ الدَّارِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ إنْ كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا، وَقَوْلُهُ يَنْتَظِرُ لَهُ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا يَعْنِي يَكُونُ عَلَى شُفْعَتِهِ مُدَّةَ غَيْبَتِهِ، إذْ لَا تَأْثِيرَ لِلْغَيْبَةِ فِي إبْطَالِ حَقٍّ تَقَرَّرَ سَبَبُهُ. قِيلَ مَعْنَاهُ أَحَقُّ بِهِ عَرْضًا عَلَيْهِ لِلْبَيْعِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ فَسَّرَ الْحَقَّ بِالِانْتِظَارِ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَهُ أَحَقَّ عَلَى الْإِطْلَاقِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَبَعْدَهُ. وَقَوْلُهُ يَنْتَظِرُ تَفْسِيرٌ لِبَعْضِ مَا شَمَلَهُ كَلِمَةُ " أَحَقُّ " وَهُوَ كَوْنُهُ عَلَى شُفْعَتِهِ مُدَّةَ الْغَيْبَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ. قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا سَقَبُهُ؟ قَالَ: شُفْعَتُهُ» وَفِي رِوَايَةٍ «الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَتِهِ» وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ لِلشَّرِيكِ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ وَالثَّانِي لِلشَّرِيكِ فِي حَقِّ الْمَبِيعِ، وَالثَّالِثُ لِلْجَارِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا شُفْعَةَ لِلْجَارِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» ) . وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ اللَّامَ لِلْجِنْسِ لِقَوْلِهِ

وَلِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ مَعْدُولٌ بِهِ عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَمَلُّكِ الْمَالِ عَلَى الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ، وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ، وَهَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الْقِسْمَةِ تَلْزَمُهُ فِي الْأَصْلِ دُونَ الْفَرْعِ، وَلَنَا مَا رَوَيْنَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» فَتَنْحَصِرُ الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ: يَعْنِي إذَا كَانَ قَابِلًا لِلْقِسْمَةِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ عِنْدَهُ، وَأَنَّهُ قَالَ «فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ» وَفِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى عَدَمِ الشُّفْعَةِ فِي الْمَقْسُومِ وَالشَّرِيكُ فِي حَقِّ الْمَبِيعِ وَالْجَارِ حَقُّ كُلٍّ مِنْهُمَا مَقْسُومٌ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ. قَوْلُهُ (وَلِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ) دَلِيلٌ لَهُ مَعْقُولٌ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ مَعْدُولٌ بِهِ عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَمَلُّكِ الْمَالِ عَلَى الْغَيْرِ بِلَا رِضَاهُ، فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يَثْبُتَ حَقُّ الشُّفْعَةِ أَصْلًا، لَكِنْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ قِيَاسًا أَصْلًا، وَلَا دَلَالَةَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (وَهَذَا) أَيْ الْجَارُ: يَعْنِي شُفْعَةَ الْجَارِ لَيْسَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ، لِأَنَّ ثُبُوتَهَا فِيهِ لِضَرُورَةِ دَفْعِ مُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ الَّتِي تَلْزَمُهُ. وَقَوْلُهُ (فِي الْأَصْلِ) أَيْ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ، وَلَا مُؤْنَةَ عَلَيْهِ فِي الْفَرْعِ وَهُوَ الْمَقْسُومُ، وَيُفْهَمُ مِنْ جُمْلَةِ كَلَامِهِ أَنَّ نِزَاعَهُ لَيْسَ فِي الْجَارِ وَحْدَهُ بَلْ فِيهِ وَفِي الشَّرِيكِ فِي حَقِّ الْمَبِيعِ لِأَنَّهُ مَقْسُومٌ أَيْضًا، وَفِيمَا لَمْ يَحْتَمِلْ الْقِسْمَةَ كَالْبِئْرِ وَالْحَمَّامِ (وَلَنَا مَا رَوَيْنَا) مِنْ الْأَحَادِيثِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ»

وَلِأَنَّ مِلْكَهُ مُتَّصِلٌ بِمِلْكِ الدَّخِيلِ اتِّصَالَ تَأْبِيدٍ وَقَرَارٍ فَيَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الشُّفْعَةِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُعَاوَضَةِ بِالْمَالِ اعْتِبَارًا بِمَوْرِدِ الشَّرْعِ، وَهَذَا لِأَنَّ الِاتِّصَالَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ إنَّمَا انْتَصَبَ سَبَبًا فِيهِ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْجِوَارِ، إذْ هُوَ مَادَّةُ الْمَضَارِّ عَلَى مَا عُرِفَ، وَقَطْعُ هَذِهِ الْمَادَّةِ بِتَمَلُّكِ الْأَصْلِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ فِي حَقِّهِ بِإِزْعَاجِهِ عَنْ خُطَّةِ آبَائِهِ أَقْوَى، ـــــــــــــــــــــــــــــQرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد (وَلِأَنَّ مِلْكَ الشَّفِيعِ مُتَّصِلٌ بِمِلْكِ الدَّخِيلِ اتِّصَالَ تَأْبِيدٍ وَقَرَارٍ) وَهُوَ ظَاهِرٌ، لِأَنَّهُ الْمَفْرُوضُ. وَقَوْلُهُ تَأْبِيدٍ احْتِرَازٌ عَنْ الْمَنْقُولِ وَالسُّكْنَى بِالْعَارِيَّةِ. وَقَوْلُهُ وَقَرَارٍ احْتِرَازٌ عَنْ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا فَإِنَّهُ لَا قَرَارَ لَهُ لِوُجُوبِ النَّقْضِ دَفْعًا لِلْفَسَادِ ، وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ فَلَهُ حَقُّ الشُّفْعَةِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُعَارَضَةِ بِالْمَالِ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الْإِجَارَةِ وَالْمَرْهُونَةِ وَالْمَجْعُولَةِ مَهْرًا اعْتِبَارًا: أَيْ إلْحَاقًا بِالدَّلَالَةِ بِمَوْرِدِ الشَّرْعِ وَهُوَ مَا لَا يُقْسَمُ، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ وَهَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ (لِأَنَّ الِاتِّصَالَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ) يَعْنِي اتِّصَالَ التَّأْبِيدِ وَالْقَرَارِ (إنَّمَا انْتَصَبَ سَبَبًا فِي مَوْرِدِ الشَّرْعِ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْجِوَارِ إذْ الْجِوَارُ مَادَّةُ الْمَضَارِّ) مِنْ إيقَادِ النَّارِ وَإِثَارَةِ الْغُبَارِ وَمَنْعِ ضَوْءِ النَّهَارِ وَإِعْلَاءِ الْجِدَارِ لِلِاطِّلَاعِ عَلَى الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ (وَقَطْعُ هَذِهِ الْمَادَّةِ بِتَمَلُّكِ الْأَصْلِ) يَعْنِي الشَّفِيعَ (أَوْلَى لِأَنَّ الضَّرَرَ فِي حَقِّهِ بِإِزْعَاجِهِ عَنْ خُطَّةِ آبَائِهِ أَقْوَى) فَيُلْحَقُ بِهِ دَلَالَةً. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْأَصِيلَ دَافِعٌ وَالدَّخِيلَ رَافِعٌ وَالدَّفْعُ

وَضَرَرُ الْقِسْمَةِ مَشْرُوعٌ لَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِتَحْقِيقِ ضَرَرِ غَيْرِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَسْهَلُ مِنْ الرَّفْعِ (قَوْلُهُ وَضَرَرُ الْقِسْمَةِ مَشْرُوعٌ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الْقِسْمَةِ تَلْزَمُهُ جَعَلَ الْعِلَّةَ الْمُؤَثِّرَةَ فِي اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ عِنْدَ الْبَيْعِ لُزُومَ مُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ، فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْ الشَّفِيعُ الْمَبِيعَ بِالشُّفْعَةِ طَالَبَهُ الْمُشْتَرِي بِالْقِسْمَةِ فَيَلْحَقُهُ بِسَبَبِهِ مُؤْنَةُ الْقِسْمَةِ وَذَلِكَ ضَرَرٌ بِهِ فَمَكَّنَهُ الشَّرْعُ مِنْ أَخْذِ الشُّفْعَةِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ. وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنَّ مُؤْنَةَ الْقِسْمَةِ أَمْرٌ مَشْرُوعٌ لَا يَصْلُحُ عِلَّة لِتَحْقِيقِ ضَرَرِ غَيْرِهِ وَهُوَ التَّمَلُّكُ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَوَابَ عَنْ اسْتِدْلَالِهِ بِالْحَدِيثِ لِأَنَّهُ فِي حَيِّزِ التَّعَارُضِ. وَقَدْ أَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ» مِنْ بَابِ تَخْصِيصِ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ، وَهُوَ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَاهُ، وَبِأَنَّ قَوْلَهُ " فَإِنْ وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ " مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّقَ عَدَمَ الشُّفْعَةِ بِالْأَمْرَيْنِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَلَمْ تُصْرَفْ الطُّرُقُ بِأَنْ كَانَ الطَّرِيقُ وَاحِدًا تَجِبُ الشُّفْعَةُ، وَإِنَّمَا نَفْيُ الشُّفْعَةِ فِي هَذَا الصُّورَةِ لِأَنَّهَا مَوْضِعُ الْإِشْكَالِ، لِأَنَّ فِي الْقِسْمَةِ

وَأَمَّا التَّرْتِيبُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشَّرِيكُ أَحَقُّ مِنْ الْخَلِيطِ، وَالْخَلِيطُ أَحَقُّ مِنْ الشَّفِيعِ» فَالشَّرِيكُ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ وَالْخَلِيطُ فِي حُقُوقِ الْمَبِيعِ وَالشَّفِيعُ هُوَ الْجَارُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ، فَرُبَّمَا يُشْكِلُ أَنَّهُ هَلْ يَسْتَحِقُّ بِهَا الشُّفْعَةَ أَوْ لَا، فَبَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَدَمَ الشُّفْعَةِ فِيهَا (الدَّلِيلُ عَلَى الثَّانِي) أَعْنِي عَلَى التَّرْتِيبِ (قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الشَّرِيكُ أَحَقُّ مِنْ الْخَلِيطِ، وَالْخَلِيطُ أَحَقُّ مِنْ الشَّفِيعِ» ) قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَالشَّرِيكُ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ وَالْخَلِيطُ فِي حُقُوقِ الْمَبِيعِ وَالشَّفِيعُ هُوَ الْجَارُ) وَدَلَالَتُهُ عَلَى التَّرْتِيبِ غَيْرُ خَافِيَةٍ،

وَلِأَنَّ الِاتِّصَالَ بِالشَّرِكَةِ فِي الْمَبِيعِ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُ فِي كُلِّ جُزْءٍ، وَبَعْدَهُ الِاتِّصَالُ فِي الْحُقُوقِ؛ لِأَنَّهُ شَرِكَةٌ فِي مَرَافِقِ الْمِلْكِ، وَالتَّرْجِيحُ يَتَحَقَّقُ بِقُوَّةِ السَّبَبِ، وَلِأَنَّ ضَرَرَ الْقِسْمَةِ إنْ لَمْ يَصْلُحْ عِلَّةً صَلَحَ مُرَجِّحًا. قَالَ (وَلَيْسَ لِلشَّرِيكِ فِي الطَّرِيقِ وَالشِّرْبِ وَالْجَارِ شُفْعَةٌ مَعَ الْخَلِيطِ فِي الرَّقَبَةِ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مُقَدَّمٌ. قَالَ (فَإِنْ سُلِّمَ فَالشُّفْعَةُ لِلشَّرِيكِ فِي الطَّرِيقِ، فَإِنْ سُلِّمَ أَخَذَهَا الْجَارُ) لِمَا بَيَّنَّا مِنْ التَّرْتِيبِ، وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْجَارُ الْمُلَاصِقُ، وَهُوَ الَّذِي عَلَى ظَهْرِ الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ وَبَابُهُ فِي سِكَّةٍ أُخْرَى. عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَعَ وُجُودِ الشَّرِيكِ فِي الرَّقَبَةِ لَا شُفْعَةَ لِغَيْرِهِ سَلَّمَ أَوْ اسْتَوْفَى؛ لِأَنَّهُمْ مَحْجُوبُونَ بِهِ. وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ السَّبَبَ تَقَرَّرَ فِي حَقِّ الْكُلِّ، إلَّا أَنَّ لِلشَّرِيكِ حَقُّ التَّقَدُّمِ، فَإِذَا سَلَّمَ كَانَ لِمَنْ يَلِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِأَنَّ الِاتِّصَالَ) دَلِيلٌ عَقْلِيٌّ عَلَى التَّرْتِيبِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَكَذَا قَوْلُهُ (وَلِأَنَّ ضَرَرَ الْقِسْمَةِ) يَعْنِي قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ دَفْعَ ضَرَرِ مُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ لَمْ يَصْلُحْ عِلَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ، لَكِنَّهُ إنْ لَمْ يَصْلُحْ عِلَّةَ الِاسْتِحْقَاقِ صَلَحَ مُرَجِّحًا، لِأَنَّ التَّرْجِيحَ أَبَدًا إنَّمَا يَقَعُ بِمَا لَا يَكُونُ عِلَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ. قَالَ (وَلَيْسَ لِلشَّرِيكِ فِي الطَّرِيقِ وَالشِّرْبِ إلَخْ) إذَا ثَبَتَ التَّرْتِيبُ ثَبَتَ أَنَّ الْمُتَأَخِّرَ لَيْسَ لَهُ حَقٌّ إلَّا إذَا سَلَّمَ الْمُتَقَدِّمَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، فَإِنْ سَلَّمَ فَلِلْمُتَأَخِّرِ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَقَرَّرَ فِي حَقِّ الْكُلِّ، إلَّا أَنَّ لِلشَّرِيكِ حَقَّ التَّقَدُّمِ، لَكِنْ مِنْ شَرْطِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْجَارُ طَلَبَ الشُّفْعَةَ مَعَ الشَّرِيكِ إذَا عَلِمَ بِالْبَيْعِ لِيُمْكِنَهُ الْأَخْذُ إذَا سَلَّمَ الشَّرِيكُ، فَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ حَتَّى سَلَّمَ الشَّرِيكُ فَلَا حَقَّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ جَعَلَ الْمُتَقَدِّمَ حَاجِبًا، فَلَا فَرْقَ إذْ ذَاكَ بَيْنَ الْأَخْذِ وَالتَّسْلِيمِ، وَالشَّرِيكُ فِي الْبَيْعِ قَدْ يَكُونُ فِي بَعْضٍ مِنْهَا كَمَا فِي مَنْزِلٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الدَّارِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ فِي دَارٍ كَبِيرَةٍ بُيُوتٌ وَفِي بَيْتٍ مِنْهَا شَرِكَةٌ فَالشُّفْعَةُ لِلشَّرِيكِ دُونَ الْجَارِ، وَكَذَا هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَارِ فِي بَقِيَّةِ الدَّارِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لِأَنَّ اتِّصَالَهُ أَقْوَى لِأَنَّ الْمَنْزِلَ مِنْ حُقُوقِ الدَّارِ وَمَرَافِقِهِ، وَلِهَذَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ مَتَى ذُكِرَ مَعَ كُلِّ حَقٍّ

بِمَنْزِلَةِ دَيْنِ الصِّحَّةِ مَعَ دَيْنِ الْمَرَضِ، وَالشَّرِيكُ فِي الْمَبِيعِ قَدْ يَكُونُ فِي بَعْضٍ مِنْهَا كَمَا فِي مَنْزِلٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الدَّارِ أَوْ جِدَارٍ مُعَيَّنٍ مِنْهَا وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَارِ فِي مَنْزِلٍ، وَكَذَا عَلَى الْجَارِ فِي بَقِيَّةِ الدَّارِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ اتِّصَالَهُ أَقْوَى وَالْبُقْعَةَ وَاحِدَةٌ. ثُمَّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الطَّرِيقُ أَوْ الشِّرْبُ خَاصًّا حَتَّى تَسْتَحِقَّ الشُّفْعَةُ بِالشَّرِكَةِ فِيهِ فَالطَّرِيقُ الْخَاصُّ أَنْ لَا يَكُونَ نَافِذًا، وَالشِّرْبُ الْخَاصُّ أَنْ يَكُونَ نَهْرًا لَا تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ وَمَا تَجْرِي فِيهِ فَهُوَ عَامٌّ. وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْخَاصَّ أَنْ يَكُونَ نَهْرًا يُسْقَى مِنْهُ قَرَاحَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ عَامٌّ، وَإِنْ كَانَتْ سِكَّةٌ غَيْرَ نَافِذَةٍ يَتَشَعَّبُ مِنْهَا سِكَّةٌ غَيْرُ نَافِذَةٍ وَهِيَ مُسْتَطِيلَةٌ فَبِيعَتْ دَارٌ فِي السُّفْلَى فَلِأَهْلِهَا الشُّفْعَةُ خَاصَّةً دُونَ أَهْلِ الْعُلْيَا، وَإِنْ بِيعَتْ لِلْعُلْيَا فَلِأَهْلِ السِّكَّتَيْنِ، وَالْمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي. وَلَوْ كَانَ نَهْرٌ صَغِيرٌ يَأْخُذُ مِنْهُ نَهْرٌ أَصْغَرُ مِنْهُ فَهُوَ عَلَى قِيَاسِ الطَّرِيقِ فِيمَا بَيَّنَّاهُ. قَالَ (وَلَا يَكُونُ الرَّجُلُ بِالْجُذُوعِ عَلَى الْحَائِطِ شَفِيعَ شَرِكَةٍ وَلَكِنَّهُ شَفِيعُ جِوَارٍ) ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الشَّرِكَةُ فِي الْعَقَارِ وَبِوَضْعِ الْجُذُوعِ لَا يَصِيرُ شَرِيكًا فِي الدَّارِ إلَّا أَنَّهُ جَارٌ مُلَازِقٌ. قَالَ (وَالشَّرِيكُ فِي الْخَشَبَةِ تَكُونُ عَلَى حَائِطِ الدَّارِ جَارٌ) لِمَا بَيَّنَّا. قَالَ (وَإِذَا اجْتَمَعَ الشُّفَعَاءُ فَالشُّفْعَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ وَلَا يُعْتَبَرُ اخْتِلَافُ الْأَمْلَاكِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هِيَ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQهُوَ لَهَا وَالْبُقْعَةُ وَاحِدَةٌ أَرَادَ الْمَوْضِعَ الَّذِي هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالشَّفِيعِ وَذَلِكَ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا صَارَ أَحَقَّ بِالْبَعْضِ كَانَ أَحَقَّ بِالْجَمِيعِ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى أَنَّهُ وَالْجَارُ سَوَاءٌ فِي بَقِيَّةِ الدَّارِ، ثُمَّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الطَّرِيقُ وَالشِّرْبُ خَاصًّا حَتَّى يَسْتَحِقَّ بِهِ الشُّفْعَةَ، وَفُسِّرَ الْخَاصُّ بِمَا اخْتَارَهُ مِنْ بَيْنِ التَّفَاسِيرِ الْمَذْكُورَةِ لَهُ. وَالْقِرْوَاحُ مِنْ الْأَرْضِ: كُلُّ قِطْعَةٍ عَلَى حِيَالِهَا لَيْسَ فِيهَا شَجَرٌ وَلَا شَائِبَةُ شَجَرٍ. وَذَكَرَ اسْتِحْقَاقَ الشُّفْعَةِ فِي السِّكَّةِ وَأَحَالَهُ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ وَهُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّ فَتْحَهُ لِلْمُرُورِ وَلَا حَقَّ لَهُمْ فِي الْمُرُورِ، وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الشُّفْعَةِ وَجَوَازَ فَتْحِ الْبَابِ يَتَلَازَمَانِ، فَكَانَ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ فَتْحِ الْبَابِ فِي سِكَّةٍ فَلَهُ اسْتِحْقَاقُ الشُّفْعَةِ فِي تِلْكَ السِّكَّةِ وَمَنْ لَا فَلَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ صُورَةُ ذَلِكَ، وَمَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ وَمَنْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ (وَلَوْ كَانَ نَهْرٌ صَغِيرٌ يَأْخُذُ مِنْهُ نَهْرٌ أَصْغَرُ مِنْهُ فَهُوَ عَلَى قِيَاسِ الطَّرِيقِ فِيمَا بَيَّنَّاهُ) يَعْنِي قَوْلَهُ وَإِنْ كَانَتْ سِكَّةٌ غَيْرُ نَافِذَةٍ يَتَشَعَّبُ مِنْهَا سِكَّةٌ غَيْرُ نَافِذَةٍ، إلَخْ، فَإِنَّ اسْتِحْقَاقَ الشُّفْعَةِ هُنَاكَ بِاعْتِبَارِ جَوَازِ التَّطَرُّقِ فَلِذَلِكَ قَالَ عَلَى قِيَاسِ الطَّرِيقِ: يَعْنِي لَوْ بِيعَ أَرْضٌ مُتَّصِلَةٌ بِالنَّهْرِ الْأَصْغَرِ كَانَتْ الشُّفْعَةُ لِأَهْلِ النَّهْرِ الْأَصْغَرِ لَا لِأَهْلِ النَّهْرِ الصَّغِيرِ كَمَا فِي السِّكَّةِ الْمُتَشَعِّبَةِ مَعَ السِّكَّةِ الْمُسْتَطِيلَةِ الْعُظْمَى، وَذَكَرَ مَسْأَلَةَ صَاحِبِ الْجُذُوعِ وَهِيَ وَاضِحَةٌ. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الشَّرِكَةُ فِي الْعَقَارِ. قَالَ (وَإِذَا اجْتَمَعَ الشُّفَعَاءُ إلَخْ)

مَقَادِيرِ الْأَنْصِبَاءِ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ مِنْ مَرَافِقِ الْمِلْكِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهَا لِتَكْمِيلِ مَنْفَعَتِهِ فَأَشْبَهَ الرِّبْحَ وَالْغَلَّةَ وَالْوَلَدَ وَالثَّمَرَةَ. وَلَنَا أَنَّهُمْ اسْتَوَوْا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ الِاتِّصَالُ فَيَسْتَوُونَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ انْفَرَدَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ اسْتَحَقَّ كُلَّ الشُّفْعَةِ. وَهَذَا آيَةُ كَمَالِ السَّبَبِ وَكَثْرَةُ الِاتِّصَالِ تُؤْذِنُ بِكَثْرَةِ الْعِلَّةِ، وَالتَّرْجِيحُ بِقُوَّةِ الدَّلِيلِ لَا بِكَثْرَتِهِ، وَلَا قُوَّةَ هَاهُنَا لِظُهُورِ الْأُخْرَى بِمُقَابِلَتِهِ وَتَمَلُّكُ مِلْكِ غَيْرِهِ لَا يُجْعَلُ ثَمَرَةً مِنْ ثَمَرَاتِ مِلْكِهِ، بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ وَأَشْبَاهِهَا، وَلَوْ أَسْقَطَ بَعْضُهُمْ حَقَّهُ فَهِيَ لِلْبَاقِينَ فِي الْكُلِّ عَلَى عَدَدِهِمْ؛ لِأَنَّ الِانْتِقَاصَ لِلْمُزَاحَمَةِ مَعَ كَمَالِ السَّبَبِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَقَدْ انْقَطَعَتْ. وَلَوْ كَانَ الْبَعْضُ غُيَّبًا يَقْضِي بِهَا بَيْنَ الْحُضُورِ عَلَى عَدَدِهِمْ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ لَعَلَّهُ لَا يَطْلُبُ، وَإِنْ قَضَى لِحَاضِرٍ بِالْجَمِيعِ ثُمَّ حَضَرَ آخَرُ يَقْضِي لَهُ بِالنِّصْفِ، وَلَوْ حَضَرَ ثَالِثٌ فَبِثُلُثِ مَا فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ تَحْقِيقًا لِلتَّسْوِيَةِ، فَلَوْ سَلَّمَ الْحَاضِرَ بَعْدَمَا قَضَى لَهُ بِالْجَمِيعِ لَا يَأْخُذُ الْقَادِمُ إلَّا النِّصْفَ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي بِالْكُلِّ لِلْحَاضِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا اجْتَمَعَ الشُّفَعَاءُ فَالشُّفْعَةُ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَإِذَا كَانَ الدَّارُ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ لِأَحَدِهِمْ نِصْفُهَا وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهَا وَلِلْآخَرِ سُدُسُهَا بَاعَ صَاحِبُ النِّصْفِ نَصِيبَهُ وَطَلَبَ الشَّرِيكَانِ الشُّفْعَةَ قَضَى بَيْنَهُمَا بِذَلِكَ نِصْفَيْنِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَثْلَاثًا بِقَدْرِ مِلْكِهِمَا لِأَنَّ الشُّفْعَةَ مِنْ مَرَافِقِ الْمِلْكِ لِأَنَّهَا لِتَكْمِيلِ مَنْفَعَتِهِ، وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ مُقَدَّرٌ بِقَدْرِ الْمِلْكِ كَالرِّبْحِ وَالْغَلَّةِ وَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ. وَلَنَا أَنَّهُمْ تَسَاوَوْا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ الِاتِّصَالُ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ انْفَرَدَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ اسْتَحَقَّ كُلَّ الشُّفْعَةِ وَهَذَا آيَةُ كَمَالِ السَّبَبِ، وَالتَّسَاوِي فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ يُوجِبُ التَّسَاوِي فِيهِ لَا مَحَالَةَ لِيَثْبُتَ الْحُكْمُ بِقَدْرِ دَلِيلِهِ. فَإِنْ قِيلَ: الِاتِّصَالُ سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ وَصَاحِبُ الْكَثِيرِ أَكْثَرُ اتِّصَالًا فَأَتَى يَتَسَاوَيَانِ؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ وَكَثْرَةُ الِاتِّصَالِ تُؤْذِنُ بِكَثْرَةِ الْعِلَّةِ، لِأَنَّ الِاتِّصَالَ بِكُلِّ جُزْءٍ عِلَّةٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ صَاحِبَ الْقَلِيلِ لَوْ انْفَرَدَ اسْتَحَقَّ الْجَمِيعَ، وَالتَّرْجِيحُ إنَّمَا يَكُونُ بِقُوَّةٍ فِي الدَّلِيلِ لَا بِكَثْرَتِهِ، وَلَا قُوَّةَ هَاهُنَا لِظُهُورِ الْأُخْرَى بِمُقَابَلَتِهَا حَيْثُ يَسْتَحِقُّ صَاحِبُ الْقَلِيلِ، وَلَوْ كَانَ مَرْجُوحًا لَمَا اسْتَحَقَّ شَيْئًا لِأَنَّ الْمَرْجُوحَ يَنْدَفِعُ فِي مُقَابَلَةِ الرَّاجِحِ. وَعُورِضَ بِأَنَّ الْهَيْئَةَ الِاجْتِمَاعِيَّةَ قَدْ تَسْتَلْزِمُ مَالًا يَسْتَلْزِمُهُ الْأَفْرَادُ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ يَسْتَحِقُّ الْجَمِيعَ، وَإِذَا انْضَمَّ إلَيْهِ صَاحِبُ الْكَثِيرِ يَتَفَاوَتَانِ، كَالِابْنِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ التَّرِكَةِ عِنْدَ انْفِرَادِهِ وَالثُّلُثَيْنِ مَعَ الْبِنْتِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْهَيْئَةَ الِاجْتِمَاعِيَّةَ مُطْلَقًا تَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ، أَوْ الَّتِي لَمْ تَجْتَمِعْ مِنْ عِلَّتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ، وَالْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ عِلَّتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ وَالْهَيْئَةُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ مِنْهُمَا لَا تَسْتَلْزِمُ زِيَادَةً وَإِلَّا لَزِمَ التَّرْجِيحُ بِكَثْرَةِ الْعِلَّةِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ وَالْأَرْبَعَةَ سَوَاءٌ وَلَمْ تَسْتَلْزِمْ الْهَيْئَةُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ زِيَادَةً، وَمَسْأَلَةُ الْمِيرَاثِ لَيْسَتْ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، إذْ لَمْ يَجْتَمِعْ فِي الِابْنِ عِلَّتَانِ إنْ ضَمِنَتْ إحْدَاهُمَا إلَى الْأُخْرَى فَاسْتَلْزَمَتْ الزِّيَادَةُ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ تَفَاوُتِ فِي عُصُوبَتِهِ بِجَعْلِ الشَّارِعِ كَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْحَالَتَانِ. وَقَوْلُهُ (وَتَمَلَّكَ مِلْكَ غَيْرِهِ) جَوَابٌ عَنْ جَعْلِهِ الشُّفْعَةَ مِنْ ثَمَرَاتِ الْمِلْكِ: يَعْنِي أَنَّ التَّمَكُّنَ مِنْ التَّمَلُّكِ لَا يَجْعَلُ الشُّفْعَةَ مِنْ ثَمَرَاتِ مِلْكِهِ كَالْأَبِ فَإِنَّ لَهُ التَّمَكُّنَ مِنْ تَمَلُّكِ جَارِيَةِ ابْنِهِ وَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ مِنْ ثَمَرَاتِ مِلْكِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَسْقَطَ بَعْضُهُمْ) يَعْنِي وَإِذَا اجْتَمَعَ الشُّفَعَاءُ وَأَسْقَطَ بَعْضُهُمْ حَقَّهُ، فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَهُ بِحَقِّهِ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَالشُّفْعَةُ لِلْبَاقِينَ فِي الْكُلِّ عَلَى عَدَدِهِمْ دُونَ أَنْصِبَائِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ، لِأَنَّ السَّبَبَ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَامِلٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالِانْتِقَاصُ كَانَ لِلْمُزَاحَمَةِ وَقَدْ انْقَطَعَتْ بِالتَّسْلِيمِ

يَقْطَعُ حَقَّ الْغَائِبِ عَنْ النِّصْفِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْقَضَاءِ. قَالَ (وَالشُّفْعَةُ تَجِبُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ) وَمَعْنَاهُ بَعْدَهُ لَا أَنَّهُ هُوَ السَّبَبُ؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا الِاتِّصَالُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ كَانَ الْبَعْضُ غَائِبًا يُقْضَى بِهَا بَيْنَ الْحَاضِرِينَ عَلَى عَدَدِهِمْ لِأَنَّ الْغَائِبَ لَعَلَّهُ لَا يَطْلُبُ: يَعْنِي قَدْ يَطْلُبُ وَقَدْ لَا يَطْلُبُ، فَلَا يُتْرَكُ حَقُّ الْحَاضِرِينَ بِالشَّكِّ؛ وَإِنْ قُضِيَ لِحَاضِرٍ بِالْجَمِيعِ ثُمَّ حَضَرَ آخَرُ وَطَلَبَهَا يُقْضَى لَهُ بِالنِّصْفِ، فَإِنْ حَضَرَ ثَالِثٌ فَبِثُلُثِ مَا فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَحْقِيقًا لِلتَّسْوِيَةِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَهُ فَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ إلَّا النِّصْفَ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَمَّا قَضَى بَيْنَهُمَا صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْضِيًّا عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ صَاحِبٍ فِيمَا قُضِيَ بِهِ لِصَاحِبِهِ، وَالْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ فِي قَضِيَّةٍ لَا يَصِيرُ مَقْضِيًّا لَهُ فِيهَا، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ مَا اسْتَوَوْا فِي سَبَبِهَا وَبَيْنَ مَا يَكُونُ بَعْضُهُمْ أَقْوَى كَالشَّرِيكِ مَعَ الْجَارِ، وَكَذَا لَوْ سَلَّمَ: أَيْ أَصَرَّ بَعْدَمَا قُضِيَ لَهُ بِالْجَمِيعِ لَا يَأْخُذُ الْقَادِمُ إلَّا النِّصْفَ وَهُوَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ، لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي بِالْكُلِّ لِلْحَاضِرِ قَطَعَ حَقَّ الْغَائِبِ عَنْ النِّصْفِ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْقَضَاءِ قَالَ (وَالشُّفْعَةُ تَجِبُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ) وَهُوَ يُوهِمُ أَنَّ الْبَاءَ لِلسَّبَبِيَّةِ فَيَكُونُ سَبَبُهَا الْعَقْدَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ (لِأَنَّ سَبَبَهَا الِاتِّصَالُ عَلَى مَا بَيَّنَّا) يَعْنِي فِي قَوْلِهِ وَلَنَا أَنَّهُمْ اسْتَوَوْا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ الِاتِّصَالُ، وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ لِدَفْعِ ضَرَرِ الدَّخِيلِ عَنْ الْأَصِيلِ لِسُوءِ الْمُعَامَلَةِ وَالْمُعَاشَرَةِ، وَالضَّرَرُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِاتِّصَالِ مِلْكِ الْبَائِعِ بِمِلْكِ الشَّفْعِ، وَلِهَذَا قُلْنَا بِثُبُوتِهَا لِلشَّرِيكِ فِي حُقُوقِ الْمَبِيعِ وَلِلْجَارِ لِتَحْقِيقِ ذَلِكَ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ السَّبَبُ لَجَازَ تَسْلِيمُهَا قَبْلَ الْمَبِيعِ لِوُجُودِهِ بَعْدَ السَّبَبِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ سَائِرِ الْحُقُوقِ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ صَحِيحٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَبِيعَ شَرْطٌ وَلَا وُجُودَ لِلْمَشْرُوطِ قَبْلَهُ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِوُجُودِ الشَّرْطِ بَعْدَ تَحْقِيقِ السَّبَبِ فِي حَقِّ صَحِيحَةِ التَّسْلِيمِ كَأَدَاءِ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ وَإِسْقَاطِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطُ الْوُجُوبِ وَلَا كَلَامَ فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي شَرْطِ الْجَوَازِ وَامْتِنَاعِ الْمَشْرُوطِ قَبْلَ تَحْقِيقِ الشَّرْطِ غَيْرُ خَافٍ عَلَى أَحَدٍ

وَالْوَجْهُ فِيهِ أَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا تَجِبُ إذَا رَغِبَ الْبَائِعُ عَنْ مِلْكِ الدَّارِ، وَالْبَيْعُ يُعَرِّفُهَا وَلِهَذَا يُكْتَفَى بِثُبُوتِ الْبَيْعِ فِي حَقِّهِ حَتَّى يَأْخُذَهَا الشَّفِيعُ إذَا أَقَرَّ الْبَائِعُ بِالْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي يُكَذِّبُهُ. قَالَ (وَتَسْتَقِرُّ بِالْإِشْهَادِ، وَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ) لِأَنَّهُ حَقٌّ ضَعِيفٌ يَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِشْهَادِ وَالطَّلَبِ لِيُعْلَمَ بِذَلِكَ رَغْبَتُهُ فِيهِ دُونَ إعْرَاضِهِ عَنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَالْوَجْهُ فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا التَّأْوِيلِ (أَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا تَجِبُ إذَا رَغِبَ الْبَائِعُ عَنْ مِلْكِ الدَّارِ) وَرَغْبَتُهُ عَنْهُ أَمْرٌ خَفِيٌّ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ، وَلَهُ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ وَهُوَ الْبَيْعُ فَيُقَامُ مَقَامَهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاتِّصَالَ بِالْمِلْكِ سَبَبٌ، وَالرَّغْبَةُ عَنْ الْمِلْكِ شَرْطٌ، وَالْبَيْعُ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ قَائِمٌ مَقَامَهُ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْبَيْعَ إذَا ثَبَتَ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ بِهِ صَحَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ، وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمُشْتَرِي. وَنُوقِضَ بِمَا إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ أَوْ وَهَبَ وَسَلَّمَ فَإِنَّ الرَّغْبَةَ عَنْهُ قَدْ عُرِفَتْ وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَرَدُّدًا لِبَقَاءِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ، بِخِلَافِ الْخِيَارِ فَإِنَّهُ يُخْبِرُ بِهِ عَنْ انْقِطَاعِ مِلْكِهِ عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ فَعُومِلَ بِهِ كَمَا زَعَمَهُ، وَالْهِبَةُ لَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ إذْ غَرَضُ الْوَاهِبِ الْمُكَافَأَةُ وَلِهَذَا كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فَلَا يَنْقَطِعُ عَنْهُ حَقُّهُ بِالْكُلِّيَّةِ. قَالَ (وَتَسْتَقِرُّ بِالْإِشْهَادِ) لِلشُّفْعَةِ أَحْوَالُ اسْتِحْقَاقٍ، وَهُوَ بِالِاتِّصَالِ بِالْمِلْكِ بِشَرْطِ الْبَيْعِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاسْتِقْرَارٍ وَهُوَ بِالْإِشْهَادِ وَهُوَ يَعْتَمِدُ الطَّلَبَ، وَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ: أَيْ مِنْ طَلَبِ الشُّفْعَةِ عَلَى الْمُسَارَعَةِ قَضَى فِي الطَّلَبِ إلَى الْمُوَاثَبَةِ لِتَلَبُّسِهِ بِهَا لِأَنَّهُ: أَيْ الشُّفْعَةَ ذَكَّرَ الضَّمِيرَ نَظَرًا إلَى حَقٍّ يَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَالشُّفْعَةُ كَحَلِّ الْعِقَالِ، إنْ قَيَّدَهَا ثَبَتَ» وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ سُرْعَةِ السُّقُوطِ، كُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَعْرَضَ

وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ طَلَبِهِ عِنْدَ الْقَاضِي وَلَا يُمْكِنُهُ إلَّا بِالْإِشْهَادِ. قَالَ (وَتُمْلَكُ بِالْأَخْذِ إذَا سَلَّمَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ حَكَمَ بِهَا الْحَاكِمُ) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي قَدْ تَمَّ فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الشَّفِيعِ إلَّا بِالتَّرَاضِي أَوْ قَضَاءِ الْقَاضِي كَمَا فِي الرُّجُوعِ وَالْهِبَةِ. وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ هَذَا فِيمَا إذَا مَاتَ الشَّفِيعُ بَعْدَ الطَّلَبَيْنِ وَبَاعَ دَارِهِ الْمُسْتَحَقَّ بِهَا الشُّفْعَةُ أَوْ بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِ الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ قَبْلَ حُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْ تَسْلِيمِ الْمُخَاصِمِ لَا تُوَرَّثُ عَنْهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَتَبْطُلُ شُفْعَتُهُ فِي الثَّانِيَةِ وَلَا يَسْتَحِقُّهَا فِي الثَّالِثَةِ لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ لَهُ. ثُمَّ قَوْلُهُ تَجِبُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ بَيَانٌ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا عِنْدَ مُعَارَضَةِ الْمَالِ بِالْمَالِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْهُ أَوْ دَامَ عَلَيْهِ. وَالْإِشْهَادُ وَالطَّلَبُ يَدُلَّانِ عَلَى الدَّوَامِ فَلَا بُدَّ مِنْهُمَا، وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ طَلَبِهِ عِنْدَ الْقَاضِي، وَلَا يُمْكِنُهُ إلَّا بِالْإِشْهَادِ. وَتُمْلَكُ. وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْأَخْذِ إمَّا بِتَسْلِيمِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَدَلِيلُهُ الْمَذْكُورُ ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ (وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ هَذَا) أَيْ تَوَقُّفُ الْمِلْكِ فِي الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ بَعْدَ الطَّلَبَيْنِ إلَى وَقْتِ أَخْذِ الدَّارِ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ. وَقَوْلُهُ (يَعْنِي فِي الصُّورَةِ الْأُولَى) إذَا مَاتَ الشَّفِيعُ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا فَلَا تُورَثُ عَنْهُ. وَقَوْلُهُ (فِي الثَّانِيَةِ) يَعْنِي إذَا بَاعَ دَارِهِ لِزَوَالِ السَّبَبِ وَهُوَ الِاتِّصَالُ قَبْلَ ثُبُوتِ الْحُكْمِ. وَقَوْلُهُ (فِي الثَّالِثَةِ) يَعْنِي إذَا بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِ الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ الْمَشْفُوعَةَ فَكَيْفَ يَمْلِكُ بِهَا غَيْرَهَا. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ قَوْلُهُ تَجِبُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ) يَعْنِي قَوْلَ الْقُدُورِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[باب طلب الشفعة والخصومة فيها]

(بَابُ طَلَبِ الشُّفْعَةِ وَالْخُصُومَةُ فِيهَا) قَالَ (وَإِذَا عَلِمَ الشَّفِيعُ بِالْبَيْعِ أَشْهَدَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ عَلَى الْمُطَالَبَةِ) اعْلَمْ أَنَّ الطَّلَبَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ وَهُوَ أَنْ يَطْلُبَهَا كَمَا عَلِمَ، حَتَّى لَوْ بَلَغَ الشَّفِيعُ الْبَيْعَ وَلَمْ يَطْلُبْ شُفْعَةً بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا» وَلَوْ أُخْبِرَ بِكِتَابٍ وَالشُّفْعَةُ فِي أَوَّلِهِ أَوْ فِي وَسَطِهِ فَقَرَأَ الْكِتَابَ إلَى آخِرِهِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَعَلَى هَذَا عَامَّةُ الْمَشَايِخِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ. وَعَنْهُ أَنَّ لَهُ مَجْلِسَ الْعِلْمِ، وَالرِّوَايَتَانِ فِي النَّوَادِرِ. وَبِالثَّانِيَةِ أَخَذَ الْكَرْخِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ لَهُ خِيَارُ التَّمَلُّكِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ زَمَانِ التَّأَمُّلِ كَمَا فِي الْمُخَيَّرَةِ، وَلَوْ قَالَ بَعْدَمَا بَلَغَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ طَلَبِ الشُّفْعَةِ وَالْخُصُومَةِ فِيهَا] طَلَبُ الشُّفْعَةِ وَالْخُصُومَةِ فِيهَا لَمَّا لَمْ تَثْبُتْ الشُّفْعَةُ بِدُونِ الطَّلَبِ شَرَعَ فِي بَيَانِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ وَتَقْسِيمِهِ. قَالَ (وَإِذَا عَلِمَ الشَّفِيعُ بِالْبَيْعِ) كَلَامُهُ ظَاهِرٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ سِوَى أَلْفَاظٍ نُنَبِّهُ عَلَيْهَا (طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ) سُمِّيَ بِهَا تَبَرُّكًا بِلَفْظِ الْحَدِيثِ «الشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا» أَيْ طَلَبَهَا عَلَى وَجْهِ السُّرْعَةِ وَالْمُبَادَرَةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يَطْلُبَهَا كَمَا عُلِمَ) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ، سَوَاءٌ كَانَ عِنْدَهُ إنْسَانٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ. قَوْلُهُ (لِمَا ذَكَرْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ قَبْلَ

الْبَيْعُ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ " لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ " أَوْ قَالَ " سُبْحَانَ اللَّهِ " لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ حَمْدٌ عَلَى الْخَلَاصِ مِنْ جِوَارِهِ وَالثَّانِيَ تَعَجُّبٌ مِنْهُ لِقَصْدِ إضْرَارِهِ، وَالثَّالِثَ لِافْتِتَاحِ كَلَامِهِ فَلَا يَدُلُّ شَيْءٌ مِنْهُ عَلَى الْإِعْرَاضِ، وَكَذَا إذَا قَالَ مَنْ ابْتَاعَهَا وَبِكَمْ بِيعَتْ؛ لِأَنَّهُ يَرْغَبُ فِيهَا بِثَمَنٍ دُونَ ثَمَنٍ وَيَرْغَبُ عَنْ مُجَاوَرَةِ بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ أَشْهَدُ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ عَلَى الْمُطَالَبَةِ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ، وَالْإِشْهَادُ فِيهِ لَيْسَ بِلَازِمٍ، إنَّمَا هُوَ لِنَفْيِ التَّجَاحُدِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْمَجْلِسِ إشَارَةً إلَى مَا اخْتَارَهُ الْكَرْخِيُّ. وَيَصِحُّ الطَّلَبُ بِكُلِّ لَفْظٍ يُفْهَمُ مِنْهُ طَلَبُ الشُّفْعَةِ كَمَا لَوْ قَالَ: طَلَبْت الشُّفْعَةَ أَوْ أَطْلُبُهَا أَوْ أَنَا طَالِبُهَا؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْمَعْنَى، وَإِذَا بَلَغَ الشَّفِيعُ بَيْعَ الدَّارِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْإِشْهَادُ حَتَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَابِ لِأَنَّهُ حَقٌّ ضَعِيفٌ. وَقَوْلُهُ (وَالْإِشْهَادُ فِيهِ لَيْسَ بِلَازِمٍ إنَّمَا هُوَ لِنَفْيِ التَّجَاحُدِ) يَعْنِي رُبَّمَا يَجْحَدُ الْخَصْمُ فَيَحْتَاجُ إلَى الشُّهُودِ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ لَيْسَ لِإِثْبَاتِ الْحَقِّ وَإِنَّمَا شَرْطٌ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ غَيْرُ مُعْرِضٍ عَنْ الشُّفْعَةِ، وَالْإِشْهَادُ فِي ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ. وَقَوْلُهُ (بِكُلِّ لَفْظٍ يُفْهَمُ مِنْهُ طَلَبُ الشُّفْعَةِ) قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْبُخَارِيُّ: لَوْ قِيلَ لِقَرَوِيٍّ بِيعَ أَرْضٌ بِجَنْبِ أَرْضِك فَقِيلَ شُفْعَةٌ شُفْعَةٌ كَانَ ذَلِكَ طَلَبًا مِنْهُ صَحِيحًا، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ: إذَا قَالَ الشَّفِيعُ طَلَبْت الشُّفْعَةَ وَأَخَذْتهَا بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ لِأَنَّ كَلَامَهُ وَقَعَ كَذِبًا فِي الِابْتِدَاءِ فَكَانَ كَالسُّكُوتِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ عُرْفًا. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَوْ قَالَ أَطْلُبُ وَآخُذُ بَطَلَ لِأَنَّهُ عِدَةٌ

يُخْبِرَهُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ وَاحِدٌ عَدْلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُشْهِدَ إذَا أَخْبَرَهُ وَاحِدٌ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا صَبِيًّا كَانَ أَوْ امْرَأَةً إذَا كَانَ الْخَبَرُ حَقًّا. وَأَصْلُ الِاخْتِلَافِ فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِدَلَائِلِهِ وَأَخَوَاتِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُخَيَّرَةِ إذَا أَخْبَرَتْ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلْزَامُ حُكْمٍ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَخْبَرَهُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ خَصْمٌ فِيهِ وَالْعَدَالَةُ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي الْخُصُومِ. وَالثَّانِي طَلَبُ التَّقْرِيرِ وَالْإِشْهَادِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِإِثْبَاتِهِ عِنْدَ الْقَاضِي عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَلَا يُمْكِنُهُ الْإِشْهَادُ ظَاهِرًا عَلَى طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى فَوْرِ الْعِلْمِ بِالشِّرَاءِ فَيَحْتَاجُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى طَلَبِ الْإِشْهَادِ وَالتَّقْرِيرِ وَبَيَانُهُ مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ (ثُمَّ يَنْهَضُ مِنْهُ) يَعْنِي مِنْ الْمَجْلِسِ (وَيَشْهَدُ عَلَى الْبَائِعِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ) مَعْنَاهُ لَمْ يُسَلَّمْ إلَى الْمُشْتَرِي (أَوْ عَلَى الْمُبْتَاعِ أَوْ عِنْدَ الْعَقَارِ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ اسْتَقَرَّتْ شُفْعَتُهُ) وَهَذَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَصْمٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ لِلْأَوَّلِ الْيَدَ وَلِلثَّانِي الْمِلْكَ، وَكَذَا يَصِحُّ الْإِشْهَادُ عِنْدَ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، فَإِنْ سَلَّمَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ لَمْ يَصِحَّ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ لِخُرُوجِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَصْمًا، إذْ لَا يَدَ لَهُ وَلَا مِلْكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَحْضٌ، وَالْمُخْتَارُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَقَوْلُهُ (وَأَصْلُ الِاخْتِلَافِ فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي آخِرِ فَصْلِ الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ وَهُوَ مِنْ فُصُولِ كِتَابِ آدَابِ الْقَاضِي، وَأَرَادَ بِأَخَوَاتِهِ الْمَوْلَى إذَا أُخْبِرَ بِجِنَايَةِ عَبْدِهِ وَالشَّفِيعَ وَالْبِكْرَ وَالْمُسْلِمَ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ إلَيْهَا. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْمُخَيَّرَةِ إذَا أُخْبِرَتْ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: يَعْنِي أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أُخْبِرَتْ بِأَنَّ زَوْجَهَا خَيَّرَهَا فِي نَفْسِهَا ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ عَدْلًا كَانَ الْمُخْبِرُ أَوْ غَيْرَهُ، فَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فِي مَجْلِسِهَا وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَإِلَّا فَلَا لِمَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلْزَامُ حُكْمٍ حَتَّى يُشْتَرَطَ فِيهِ أَحَدُ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ. وَقَوْلُهُ (أَوْ عَلَى الْمُبْتَاعِ) يَعْنِي الْمُشْتَرِيَ (أَوْ عِنْدَ الْعَقَارِ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: الشَّفِيعُ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى طَلَبِ الْإِشْهَادِ بَعْدَ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْإِشْهَادُ عِنْدَ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ بِأَنْ سَمِعَ الشِّرَاءَ حَالَ غَيْبَتِهِ عَنْ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعِ وَالدَّارِ. أَمَّا إذَا سَمِعَ الشِّرَاءَ بِحَضْرَةِ أَحَدِ هَؤُلَاءِ فَطَلَبَ الْمُوَاثَبَةَ وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ فَذَلِكَ يَكْفِيهِ وَيَقُومُ مَقَامَ الطَّلَبَيْنِ، فَإِنْ تَرَكَ الْأَقْرَبَ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَقَصَدَ الْأَبْعَدَ وَكَانُوا فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ قِيَاسًا وَلَمْ تَبْطُلْ اسْتِحْسَانًا، لِأَنَّ نَوَاحِيَ الْمِصْرِ جُعِلَتْ كَنَاحِيَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ فِي مِصْرٍ وَالْآخَرَانِ فِي مِصْرٍ آخَرَ أَوْ فِي رُسْتَاقِ هَذَا الْمِصْرِ فَتَرَكَ الْأَقْرَبَ إلَى الْأَبْعَدِ بَطَلَتْ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا ثُمَّ مُدَّةُ هَذَا الطَّلَبِ مُقَدَّرَةٌ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الْإِشْهَادِ عِنْدَ حَضْرَةِ أَحَدِ هَؤُلَاءِ، حَتَّى لَوْ تَمَكَّنَ وَلَمْ يَطْلُبْ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ.

فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ. وَصُورَةُ هَذَا الطَّلَبِ أَنْ يَقُولَ: إنَّ فُلَانًا اشْتَرَى هَذِهِ الدَّارَ وَأَنَا شَفِيعُهَا وَقَدْ كُنْت طَلَبْت الشُّفْعَةَ وَأَطْلُبُهَا الْآنَ فَاشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ تَسْمِيَةُ الْمَبِيعِ وَتَحْدِيدُهُ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا فِي مَعْلُومٍ. وَالثَّالِثُ طَلَبُ الْخُصُومَةِ وَالتَّمَلُّكِ، وَسَنَذْكُرُ كَيْفِيَّتَهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ (وَلَا تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ بِتَأْخِيرِ هَذَا الطَّلَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ تَرَكَهَا شَهْرًا بَعْدَ الْإِشْهَادِ بَطَلَتْ) وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، مَعْنَاهُ: إذَا تَرَكَهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ الْمُخَاصَمَةَ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْقَاضِي تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَضَى مَجْلِسٌ مِنْ مَجَالِسِهِ وَلَمْ يُخَاصِمْ فِيهِ اخْتِيَارًا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى إعْرَاضِهِ وَتَسْلِيمِهِ. وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْقُطْ بِتَأْخِيرِ الْخُصُومَةِ مِنْهُ أَبَدًا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّصَرُّفُ حَذَارِ نَقْضِهِ مِنْ جِهَةِ الشَّفِيعِ فَقَدَّرْنَاهُ بِشَهْرٍ؛ لِأَنَّهُ آجِلٌ وَمَا دُونَهُ عَاجِلٌ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْأَيْمَانِ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى أَنَّ الْحَقَّ مَتَى ثَبَتَ وَاسْتَقَرَّ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِإِسْقَاطِهِ وَهُوَ التَّصْرِيحُ بِلِسَانِهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ، وَمَا ذَكَرَ مِنْ الضَّرَرِ يَشْكُلُ بِمَا إذَا كَانَ غَائِبًا، وَلَا فَرْقَ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وَلَوْ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ قَاضٍ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ بِالتَّأْخِيرِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْخُصُومَةِ إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي فَكَانَ عُذْرًا. . قَالَ (وَإِذَا تَقَدَّمَ الشَّفِيعُ إلَى الْقَاضِي فَادَّعَى الشِّرَاءَ وَطَلَبَ الشُّفْعَةَ سَأَلَ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ اعْتَرَفَ بِمِلْكِهِ الَّذِي يُشْفَعُ بِهِ وَإِلَّا كَلَّفَهُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ) لِأَنَّ الْيَدَ ظَاهِرٌ مُحْتَمِلٌ فَلَا تَكْفِي لِإِثْبَاتِ الِاسْتِحْقَاقِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَسْأَلُ الْقَاضِي الْمُدَّعِيَ قَبْلَ أَنْ يُقْبِلَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ مَوْضِعِ الدَّارِ وَحُدُودِهَا؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى حَقًّا فِيهَا فَصَارَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلَا يَسْقُطُ بِتَأْخِيرِ هَذَا الطَّلَبِ) يُرِيدُ بِهِ الطَّلَبَ الثَّالِثَ وَهُوَ طَلَبُ الْخُصُومَةِ، وَإِنَّمَا قَالَ مَعْنَاهُ إذَا تَرَكَهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ تَرَكَهُ بِمَرَضٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَلَمْ يُمْكِنْهُ التَّوْكِيلُ بِهَذَا الطَّلَبِ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ (قَوْلُهُ وَمَا ذُكِرَ مِنْ الضَّرَرِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ: يَعْنِي أَنَّ الشَّفِيعَ إذَا كَانَ غَائِبًا لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ بِتَأْخِيرِ هَذَا الطَّلَبِ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَا فَرْقَ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فِي لُزُومِ الضَّرَرِ، فَكَمَا لَا يَبْطُلُ وَهُوَ غَائِبٌ لَا يَبْطُلُ وَهُوَ حَاضِرٌ. نُقِلَ فِي النِّهَايَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّ الشَّفِيعَ إذَا كَانَ غَائِبًا فَعَلِمَ بِالشِّرَاءِ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَطْلُبَ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ، ثُمَّ لَهُ مِنْ الْأَجَلِ عَلَى قَدْرِ الْمَسِيرِ إلَى الْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعِ أَوْ الدَّارِ الْمَبِيعَةِ لِطَلَبِ الْإِشْهَادِ، فَإِذَا مَضَى ذَلِكَ الْأَجَلُ وَهُوَ قَدْرُ الْمَسِيرِ إلَى أَحَدِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ أَنْ يَطْلُبَ هَذَا الطَّلَبَ أَوْ أَنْ يَبْعَثَ مَنْ يَطْلُبُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ. قَالَ (وَإِذَا تَقَدَّمَ الشَّفِيعُ إلَى الْقَاضِي إلَخْ) هَذَا هُوَ الْمَوْعُودُ بِقَوْلِهِ وَسَنَذْكُرُ كَيْفِيَّتَهُ مِنْ بَعْدُ

كَمَا إذَا ادَّعَى رَقَبَتَهَا، وَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ يَسْأَلُهُ عَنْ سَبَبِ شُفْعَتِهِ لِاخْتِلَافِ أَسْبَابِهَا، فَإِنْ قَالَ: أَنَا شَفِيعُهَا بِدَارٍ لِي تُلَاصِقُهَا الْآنَ تَمَّ دَعْوَاهُ عَلَى مَا قَالَهُ الْخَصَّافُ. وَذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى تَحْدِيدَ هَذِهِ الدَّارِ الَّتِي يُشْفَعُ بِهَا أَيْضًا، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْكِتَابِ الْمَوْسُومِ بِالتَّجْنِيسِ وَالْمَزِيدِ. قَالَ (فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْبَيِّنَةِ اسْتَحْلَفَ الْمُشْتَرِيَ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مَالِكٌ لِلَّذِي ذَكَرَهُ مِمَّا يُشْفَعُ بِهِ) مَعْنَاهُ بِطَلَبِ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ مَعْنًى لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ، ثُمَّ هُوَ اسْتِحْلَافٌ عَلَى مَا فِي يَدِهِ فَيَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ (فَإِنْ نَكَلَ أَوْ قَامَتْ لِلشَّفِيعِ بَيِّنَةٌ ثَبَتَ مِلْكُهُ فِي الدَّارِ الَّتِي يُشْفَعُ بِهَا وَثَبَتَ الْجِوَارُ فَبَعْدَ ذَلِكَ سَأَلَهُ الْقَاضِي) يَعْنِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (هَلْ ابْتَاعَ أَمْ لَا، فَإِنْ أَنْكَرَ الِابْتِيَاعَ قِيلَ لِلشَّفِيعِ أَقِمْ الْبَيِّنَةَ) ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَجِبُ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْبَيْعِ وَثُبُوتُهُ بِالْحُجَّةِ. قَالَ (فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا اسْتَحْلَفَ الْمُشْتَرِيَ بِاَللَّهِ مَا ابْتَاعَ أَوْ بِاَللَّهِ مَا اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الدَّارِ شُفْعَةً مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ) فَهَذَا عَلَى الْحَاصِلِ، وَالْأَوَّلُ عَلَى السَّبَبِ وَقَدْ اسْتَوْفَيْنَا الْكَلَامَ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ لِاخْتِلَافِ أَسْبَابِهَا) لِأَنَّهَا عَلَى مَرَاتِبَ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ السَّبَبِ لِيُعْلَمَ هَلْ هُوَ مَحْجُوبٌ بِغَيْرِهِ أَوْ لَا، وَرُبَّمَا ظَنَّ مَا لَيْسَ بِسَبَبٍ كَالْجَادِّ الْمُقَابِلِ سَبَبًا فَإِنَّهُ سَبَبٌ عِنْدَ شُرَيْحٍ إذَا كَانَ أَقْرَبَ بَابًا فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانٍ. وَقَوْلُهُ (تَمَّ دَعْوَاهُ) قِيلَ لَمْ يَتِمَّ بَعْدُ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَسْأَلَهُ فَيَقُولُ: هَلْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ أَوْ لَا، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْبِضْ لَمْ تَصِحَّ الدَّعْوَى عَلَى الْمُشْتَرِي مَا لَمْ يَحْضُرْ الْبَائِعُ ثُمَّ يَسْأَلُهُ عَنْ السَّبَبِ ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: مَتَى أُخْبِرْت بِالشِّرَاءِ وَكَيْفَ صَنَعْت حِينَ أُخْبِرْت بِهِ لِيَعْلَمَ أَنَّ الْمُدَّةَ طَالَتْ أَوْ لَا، فَإِنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ فَالْقَاضِي لَا يَلْتَفِتُ إلَى دَعْوَاهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَهَذَا لَا يَلْزَم الْمُصَنِّفَ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي عَدَمِ الْبُطْلَانِ بِالتَّأْخِيرِ. وَقِيلَ سَأَلَهُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ سَأَلَهُ عَنْ طَلَبِ الْإِشْهَادِ، فَإِذَا قَالَ طَلَبْت حِينَ عَلِمَتْ وَأُخْبِرَتْ عَنْ غَيْرِ لُبْثٍ سَأَلَهُ عَنْ طَلَبِ الِاسْتِفْرَادِ، فَإِنْ قَالَ طَلَبْته مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ سَأَلَهُ عَنْ الْمَطْلُوبِ بِحَضْرَتِهِ هَلْ كَانَ أَقْرَبَ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ قَالَ نَعَمْ صَحَّ دَعْوَاهُ، ثُمَّ يُقْبَلُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ اعْتَرَفَ بِمِلْكِهِ الَّذِي يَشْفَعُ بِهِ وَإِلَّا كَلَّفَهُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّ الْيَدَ ظَاهِرًا يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ يَدَ مِلْكٍ وَإِجَادَةٍ وَعَارِيَّةٍ، وَالْمُحْتَمَلُ لَا يَكْفِي لِإِثْبَاتِ الِاسْتِحْقَاقِ، فَإِنْ أَقَامَ فَقَدْ نَوَّرَ دَعْوَاهُ، وَإِنْ عَجَزَ اُسْتُحْلِفَ الْمُشْتَرِي بِطَلَبِ الشَّفِيعِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الشَّفِيعَ مَالِكٌ لِلَّذِي ذَكَرَهُ مِمَّا يَشْفَعُ بِهِ لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ أَمْرًا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ، فَإِذَا أَنْكَرَهُ لَزِمَا الْيَمِينُ عَلَى الْعِلْمِ لِكَوْنِهِ اسْتِحْلَافًا عَلَى مَا فِي يَدِ غَيْرِهِ، فَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ دَعْوَى الشَّفِيعِ فَبَعْدَ ذَلِكَ يَسْأَلُ الْحَاكِمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَلْ ابْتَاعَ أَمْ لَا، فَإِنْ أَقَرَّ فَذَاكَ، وَإِنْ أَنْكَرَ قِيلَ لِلشَّفِيعِ أَقِمْ الْبَيِّنَةَ، فَإِنْ أَقَامَهَا فَذَاكَ (وَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا اُسْتُحْلِفَ الْمُشْتَرِي عَلَى أَنَّهُ مَا اشْتَرَاهُ أَوْ مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الشُّفْعَةَ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَ فَهَذَا عَلَى الْحَاصِلِ وَالْأَوَّلُ عَلَى السَّبَبِ، وَذَكَرْنَا الِاخْتِلَافَ فِيهِ)

فِي الدَّعْوَى، وَذَكَرْنَا الِاخْتِلَافَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ، وَإِنَّمَا يُحَلِّفُهُ عَلَى الْبَتَاتِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِحْلَافُ فِعْلِ نَفْسِهِ وَعَلَى مَا فِي يَدِهِ أَصَالَةً، وَفِي مِثْلِهِ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ. قَالَ (وَتَجُوزُ الْمُنَازَعَةُ فِي الشُّفْعَةِ وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْ الشَّفِيعُ الثَّمَنَ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي، فَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِالشُّفْعَةِ لَزِمَهُ إحْضَارُ الثَّمَنِ) وَهَذَا ظَاهِرُ رِوَايَةِ الْأَصْلِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَقْضِي حَتَّى يُحْضِرَ الشَّفِيعُ الثَّمَنَ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ عَسَاهُ يَكُونُ مُفْلِسًا فَيَتَوَقَّفُ الْقَضَاءُ عَلَى إحْضَارِهِ حَتَّى لَا يَتْوِيَ مَالُ الْمُشْتَرِي. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ لَا ثَمَنَ لَهُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ تَسْلِيمُهُ، فَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ إحْضَارُهُ (وَإِذَا قَضَى لَهُ بِالدَّارِ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ) وَيَنْفُذُ الْقَضَاءُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الثَّمَنُ فَيُحْبَسُ فِيهِ، فَلَوْ أَخَّرَ أَدَاءَ الثَّمَنِ بَعْدَمَا قَالَ لَهُ ادْفَعْ الثَّمَنَ إلَيْهِ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّهَا تَأَكَّدَتْ بِالْخُصُومَةِ عِنْدَ الْقَاضِي. قَالَ (وَإِنْ أَحْضَرَ الشَّفِيعُ الْبَائِعَ، وَالْمَبِيعُ فِي يَدِهِ فَلَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ فِي الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَهُ وَهِيَ يَدٌ مُسْتَحَقَّةٌ) وَلَا يَسْمَعُ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي فَيَفْسَخَ الْبَيْعَ بِمَشْهَدٍ مِنْهُ وَيَقْضِيَ بِالشُّفْعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُرِيدُ مَا ذَكَرَهُ فِي فَصْلِ كَيْفِيَّةِ الْيَمِينِ وَالِاسْتِحْلَافِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى. قَالَ (وَتَجُوزُ الْمُنَازَعَةُ فِي الشُّفْعَةِ إلَخْ) وَتَجُوزُ الْمُنَازَعَةُ فِي الشُّفْعَةِ وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْ الشَّفِيعُ الثَّمَنَ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي، فَإِذَا قَضَى بِهَا لَزِمَهُ إحْضَارُ الثَّمَنِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا ظَاهِرُ رِوَايَةِ الْأَصْلِ) وَلَمْ يَقُلْ هَذَا رِوَايَةُ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ فِي الْأَصْلِ هَكَذَا، وَلَكِنَّهُ ذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِالشُّفْعَةِ مِنْ غَيْرِ إحْضَارِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ قَالَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَ الدَّارَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ مِنْهُ أَوْ مِنْ وَرَثَتِهِ إنْ مَاتَ (وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَقْضِي حَتَّى يُحْضِرَ الشَّفِيعُ الثَّمَنَ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّ الشَّفِيعَ قَدْ يَكُونُ مُفْلِسًا فَيَتَوَقَّفُ الْقَضَاءُ عَلَى إحْضَارِهِ حَتَّى لَا يُتْوَى مَالُ الْمُشْتَرِي) وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي مَعَ الْبَائِعِ أَنَّ الْبَائِعَ أَزَالَ الْمَبِيعَ عَنْ مِلْكِهِ قَبْلَ وُصُولِ الثَّمَنِ إلَيْهِ فَقَدْ أَضَرَّ بِنَفْسِهِ عَنْ اخْتِيَارٍ فَلَا يُنْظَرُ لَهُ بِإِبْطَالِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ لَهُ بِإِثْبَاتِ وِلَايَةِ حَبْسِ الْمَبِيعِ، فَأَمَّا الْمُشْتَرِي هَاهُنَا فَلَا يُزِيلُ مِلْكَ نَفْسِهِ عَنْ اخْتِيَارٍ لِيُقَالَ أَضَرَّ بِنَفْسِهِ قَبْلَ وُصُولِ الثَّمَنِ إلَيْهِ بَلْ الشَّفِيعُ يَتَمَلَّكُ عَلَيْهِ كُرْهًا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ بِغَيْرِهِ، وَدَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي بِإِبْطَالِ الشُّفْعَةِ إذَا مَاطَلَ فِي دَفْعِ الثَّمَنِ (وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا ثَمَنَ لَهُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ تَسْلِيمُهُ، وَمَا لَيْسَ بِثَابِتٍ عَلَيْهِ لَا يُشْتَرَطُ إحْضَارُهُ) فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ بِهَا لِيَتَمَكَّنَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمُطَالَبَةِ (إذَا قُضِيَ لَهُ بِالدَّارِ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ وَيَكُونَ الْقَضَاءُ نَافِذًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَيْضًا لِأَنَّهُ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الثَّمَنُ فَيَحْبِسُهُ فِيهِ، فَلَوْ أَخَّرَ أَدَاءَ الثَّمَنِ بَعْدَمَا قَالَ لَهُ ادْفَعْ إلَيْهِ الثَّمَنَ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ لِأَنَّهَا تَأَكَّدَتْ بِالْخُصُومَةِ عِنْدَ الْقَاضِي، قَالَ: وَإِنْ أَحْضَرَ الشَّفِيعُ الْبَائِعَ إلَخْ) وَإِنْ أَحْضَرَ الشَّفِيعُ الْبَائِعَ إلَى الْحَاكِمِ وَالْمَبِيعِ فِي يَدِهِ، فَلَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ فِي الشُّفْعَةِ، لِأَنَّ الْيَدَ لَهُ وَهِيَ يَدٌ مُسْتَحَقَّةٌ: أَيْ مُعْتَبَرَةٌ كَيَدِ الْمَالِكِ وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ، وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ هَلَكَ مِنْ مَالِهِ، إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ احْتِرَازًا عَنْ يَدِ الْمُودَعِ وَالْمُسْتَعِيرِ، وَمَنْ لَهُ يَدٌ كَذَلِكَ فَهُوَ خَصْمُ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ،

عَلَى الْبَائِعِ وَيَجْعَلَ الْعُهْدَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي وَالْيَدَ لِلْبَائِعِ، وَالْقَاضِي يَقْضِي بِهِمَا لِلشَّفِيعِ فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِمَا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ قَدْ قُبِضَتْ حَيْثُ لَا يُعْتَبَرُ حُضُورُ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَجْنَبِيًّا إذْ لَا يَبْقَى لَهُ يَدٌ وَلَا مِلْكٌ. وَقَوْلُهُ فَيَفْسَخُ الْبَيْعَ بِمَشْهَدٍ مِنْهُ إشَارَةٌ إلَى عِلَّةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الْبَيْعَ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ يَنْفَسِخُ لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ لِيَقْضِيَ بِالْفَسْخِ عَلَيْهِ، ثُمَّ وَجْهُ هَذَا الْفَسْخِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَنْفَسِخَ فِي حَقِّ الْإِضَافَةِ لِامْتِنَاعِ قَبْضِ الْمُشْتَرِي بِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَهُوَ يُوجِبُ الْفَسْخَ، إلَّا أَنَّهُ يَبْقَى أَصْلُ الْبَيْعِ لِتَعَذُّرِ انْفِسَاخِهِ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ بِنَاءٌ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ تَتَحَوَّلُ الصَّفْقَةُ إلَيْهِ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ هُوَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ فَلِهَذَا يَرْجِعُ بِالْعُهْدَةِ عَلَى الْبَائِعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي فَأَخَذَهُ مِنْ يَدِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْبَائِعِ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي فَيَفْسَخَ الْبَيْعَ بِمَحْضَرٍ مِنْهُ وَيَقْضِيَ بِالشُّفْعَةِ عَلَى الْبَائِعِ وَيَجْعَلَ الْعُهْدَةَ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ جُمْلَةُ قَضَايَا كَمَا تَرَى، أَمَّا كَوْنُهُ خَصْمًا فَقَدْ بَيَّنَّاهُ، وَأَمَّا كَوْنُ الْمُشْتَرِي لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ مَعَ الْبَائِعِ لِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ فَلِعِلَّتَيْنِ اشْتَرَكَ فِي إحْدَاهُمَا مَعَ الْبَائِعِ وَتَفَرَّدَ بِالْأُخْرَى. وَأَمَّا مَا اشْتَرَكَا فِيهِ فَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي وَالْيَدُ لِلْبَائِعِ وَالْقَاضِي يَقْضِي بِهِمَا لِلشَّفِيعِ) عَلَيْهِمَا، وَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ لِلْقَضَاءِ (بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ قَدْ قُبِضَتْ) فَإِنَّ حُضُورَ الْبَائِعِ إذْ ذَاكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لِصَيْرُورَتِهِ أَجْنَبِيًّا لَمْ يَبْقَ لَهُ مِلْكٌ وَلَا يَدٌ، وَأَمَّا مَا تَفَرَّدَ بِهِ فَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (هُوَ أَنَّ الْبَيْعَ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ يَنْفَسِخُ لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ لِيَقْضِيَ بِالْفَسْخِ عَلَيْهِ) وَلَمَّا كَانَ فَسْخُ الْبَيْعِ يُوهِمُ الْعَوْدَ عَلَى مَوْضِعِهِ بِالنَّقْضِ فِي الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ نَقْضَ الْبَيْعِ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ الشُّفْعَةِ وَنَقْضُهُ يُفْضِي إلَى انْتِفَائِهَا لِكَوْنِهَا مَبْنِيَّةً عَلَى الْبَيْعِ بَيَّنَ وَجْهَ النَّقْضِ بِقَوْلِهِ (ثُمَّ وَجْهُ هَذَا الْفَسْخِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَنْفَسِخَ فِي حَقِّ الْإِضَافَةِ) لِأَنَّ قَبْضَ الْمُشْتَرِي مَعَ ثُبُوتِ حَقِّ الْأَخْذِ لِلشَّفِيعِ بِالشُّفْعَةِ مُمْتَنِع، وَإِذَا كَانَ مُمْتَنِعًا فَاتَ الْغَرَضُ مِنْ الشِّرَاءِ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ بِالْبَيْعِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَسْخِ. لِأَنَّ الْأَسْبَابَ شُرِعَتْ لِأَحْكَامِهَا لَا لِذَاتِهَا، لَكِنَّهُ يَبْقَى أَصْلُ الْبَيْعِ: أَعْنِي الصَّادِرَ مِنْ الْبَائِعِ وَهُوَ قَوْلُهُ بِعْت مُجَرَّدًا عَنْ إضَافَتِهِ إلَى ضَمِيرِ الْمُشْتَرِي لِتَعَذُّرِ انْفِسَاخِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ انْفَسَخَ عَادَ إلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ (فَيَتَحَيَّلُ لِبَقَائِهِ بِتَحْوِيلِ الصَّفْقَةِ إلَى الشَّفِيعِ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْبَائِعِ) وَهَذَا لِأَنَّ الشُّفْعَةَ ثَابِتَةٌ فِي الشَّرْعِ أَلْبَتَّةَ وَثُبُوتُهَا مَعَ بَقَاءِ الْعَقْدِ كَمَا كَانَ مُتَعَذِّرًا لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ رُدَّ فَكَانَ فَسْخُهُ مِنْ ضَرُورَاتِهَا. وَهِيَ تَنْدَفِعُ بِفَسْخِهِ مِنْ جَانِبِ الْمُشْتَرِي فَلَا تَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَنْتَقِلُ الدَّارُ مِنْ الْمُشْتَرِي إلَى الشَّفِيعِ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ. قَالُوا: لَوْ كَانَ بِطَرِيقِ التَّحْوِيلِ لَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ رَآهُ، لَكِنْ لَهُ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي. وَلَمَّا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الدَّارَ إذَا اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ وَالْمُشْتَرِي اشْتَرَاهَا عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهَا لَكِنْ لَهُ ذَلِكَ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مِنْ الْعَيْبِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي بِعَارِضٍ لَمْ يُوجَدْ فِي الشَّفِيعِ وَهُوَ الرُّؤْيَةُ وَقَبُولُ الْمُشْتَرِي الْعَيْبَ فَتَحَوَّلَتْ الصَّفْقَةُ إلَى الشَّفِيعِ مُوجِبَةً لِلسَّلَامَةِ نَظَرًا إلَى الْأَصْلِ (قَوْلُهُ فَلِهَذَا) أَيْ فَلِتَحَوُّلِ الصَّفْقَةِ إلَيْهِ (يَرْجِعُ بِالْعُهْدَةِ عَلَى الْبَائِعِ) لِأَنَّهُ كَمَا كَانَ، وَلَوْ كَانَ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ كَانَتْ عَلَى الْمُشْتَرِي (بِخِلَافِ مَا إذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي)

حَيْثُ تَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ. وَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ امْتَنَعَ قَبْضُ الْمُشْتَرِي وَأَنَّهُ يُوجِبُ الْفَسْخَ، وَقَدْ طَوَّلْنَا الْكَلَامَ فِيهِ فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى دَارًا لِغَيْرِهِ فَهُوَ الْخَصْمُ لِلشَّفِيعِ) ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ، وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ فَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ. قَالَ (إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهَا إلَى الْمُوَكِّلِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ يَدٌ وَلَا مِلْكٌ فَيَكُونُ الْخَصْمُ هُوَ الْمُوَكِّلُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ كَالْبَائِعِ مِنْ الْمُوَكِّلِ عَلَى مَا عُرِفَ فَتَسْلِيمُهُ إلَيْهِ كَتَسْلِيمِ الْبَائِعِ إلَى الْمُشْتَرِي فَتَصِيرُ الْخُصُومَةُ مَعَهُ، إلَّا أَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فَيَكْتَفِي بِحُضُورِهِ فِي الْخُصُومَةِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَكِيلَ الْغَائِبِ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْهُ إذَا كَانَتْ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ عَاقِدٌ وَكَذَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَصِيًّا لِمَيِّتٍ فِيمَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِمَا ذَكَرْنَا. قَالَ (وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي لِلشَّفِيعِ بِالدَّارِ وَلَمْ يَكُنْ رَآهَا فَلَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ، وَإِنْ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي شَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْهُ) لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ فَيَثْبُتُ فِيهِ الْخِيَارَانِ كَمَا فِي الشِّرَاءِ، وَلَا يَسْقُطُ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَلَا بِرُؤْيَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْهُ فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَأَخَذَهُ الشَّفِيعُ مِنْ يَدِهِ حَيْثُ تَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ تَمَّ مِلْكُهُ بِالْقَبْضِ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى دَارًا لِغَيْرِهِ فَهُوَ الْخَصْمُ إلَخْ) الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ وَكِيلًا، فَإِمَّا أَنْ يُسَلِّمَ الْمَبِيعَ إلَى مُوَكِّلِهِ قَبْلَ الْخُصُومَةِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَهُوَ الْخَصْمُ لِلشَّفِيعِ (لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ) وَالْعَاقِدُ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ حُقُوقُ الْعَقْدِ (وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ مِنْ حُقُوقِهِ) وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَالْمُوَكِّلُ هُوَ الْخَصْمُ (لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِلْوَكِيلِ يَدٌ وَلَا مِلْكٌ) وَهَذَا لِأَنَّ الْوَكِيلَ كَالْبَائِعِ مِنْ الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ يَجْرِي بَيْنَهُمَا مُبَادَلَةٌ حُكْمِيَّةٌ عَلَى مَا عُرِفَ، فَتَسْلِيمُهُ إلَى الْمُوَكِّلِ كَتَسْلِيمِ الْبَائِعِ إلَى الْمُشْتَرِي، وَلَوْ سَلَّمَ الْمُشْتَرِي كَانَ هُوَ الْخَصْمُ فَكَذَا الْمُوَكِّلُ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ كَالْبَائِعِ مِنْ الْمُوَكِّلِ لَكَانَ حُضُورُ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ جَمِيعًا شَرْطًا فِي الْخُصُومَةِ فِي الشُّفْعَةِ إذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِ الْوَكِيلِ، كَمَا أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ فِي الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (إلَّا أَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ) لِكَوْنِهِ نَائِبًا عَنْهُ (فَيُكْتَفَى بِحُضُورِهِ) وَالْبَائِعُ ثَمَّةَ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْ الْمُشْتَرِي فَلَا يُكْتَفَى بِحُضُورِهِ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَكِيلًا) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَصِيًّا) يَعْنِي يَكُونُ الْخَصْمُ لِلشَّفِيعِ هُوَ الْوَصِيُّ إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ صِغَارًا، وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ (فِيمَا يَجُوزُ بَيْعُهُ) احْتِرَازًا عَمَّا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ، فَإِنَّ بَيْعَهُ بِهِ لَا يَجُوزُ. وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ كَوْنُ الْوَرَثَةِ صِغَارًا، فَإِنَّ الْوَصِيَّ يَبِيعُ التَّرِكَةَ، أَمَّا إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ كِبَارًا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَنَّهُمْ مُتَمَكِّنُونَ مِنْ النَّظَرِ لِأَنْفُسِهِمْ وَقَوْلُهُ (وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي لِلشَّفِيعِ بِالدَّارِ إلَخْ) ظَاهِرٌ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ أَيْضًا.

[فصل في الاختلاف]

(فَصْلٌ فِي مَسَائِلِ الِاخْتِلَافِ) : قَالَ (وَإِنْ اخْتَلَفَ الشَّفِيعُ وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي) ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ الدَّارِ عَلَيْهِ عِنْدَ نَقْدِ الْأَقَلِّ وَهُوَ يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَا يَتَحَالَفَانِ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ إنْ كَانَ يَدَّعِي عَلَيْهِ اسْتِحْقَاقَ الدَّارِ فَالْمُشْتَرِي لَا يَدَّعِي عَلَيْهِ شَيْئًا لِتَخَيُّرِهِ بَيْنَ التَّرْكِ وَالْأَخْذِ وَلَا نَصَّ هَاهُنَا، فَلَا يَتَحَالَفَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ] لَمَّا ذَكَرَ مَسَائِلَ الِاتِّفَاقِ بَيْنَ الشَّفِيعِ وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ وَهُوَ الْأَصْلُ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَسَائِلِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمَا فِيهِ. قَالَ (وَإِنْ اخْتَلَفَ الشَّفِيعُ وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ إلَخْ) الشَّفِيعُ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَا بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي لَكِنَّهُمَا لَيْسَا كَذَلِكَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَدَّعِي عَلَى الْمُشْتَرِي اسْتِحْقَاقَ الدَّارِ) بِأَقَلَّ الثَّمَنَيْنِ وَالْمُشْتَرِي لَا يَدَّعِي عَلَيْهِ شَيْئًا فَيُخَيَّرُ الشَّفِيعُ بَيْنَ الْأَخْذِ وَالتَّرْكِ. فَإِذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي الثَّمَنِ وَعَجَزَا عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ يُنْكِرُ مَا يَدَّعِيهِ الشَّفِيعُ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الدَّارِ (عَلَيْهِ عِنْدَ فَقْدِ الْأَقَلِّ) وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَا يَتَحَالَفَانِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ ثَمَّةَ نَصٌّ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ

قَالَ (وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ لِلشَّفِيعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا) فَصَارَ كَبَيِّنَةِ الْبَائِعِ وَالْوَكِيلِ وَالْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ. وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْمَوْجُودَ بَيْعَانِ، وَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَهَذَا بِخِلَافِ الْبَائِعِ مَعَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَالَى بَيْنَهُمَا عَقْدَانِ إلَّا بِانْفِسَاخِ الْأَوَّلِ وَهَاهُنَا الْفَسْخُ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ وَهُوَ التَّخْرِيجُ لِبَيِّنَةِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ كَالْبَائِعِ وَالْمُوَكِّلِ كَالْمُشْتَرِي مِنْهُ، كَيْفَ وَأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ كُلِّ وَجْهٍ (وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَهِيَ لِلشَّفِيعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هِيَ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا فَصَارَ كَبَيِّنَةِ الْبَائِعِ) إذَا اخْتَلَفَ هُوَ وَالْمُشْتَرِي فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَإِنَّهَا لِلْبَائِعِ، وَكَبَيِّنَةِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ مَعَ بَيِّنَةِ الْمُوَكِّلِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ فَإِنَّهَا لِلْوَكِيلِ وَكَبَيِّنَةِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَبْدِ مَعَ بَيِّنَةِ الْمَوْلَى الْقَدِيمِ إذَا اخْتَلَفَا فِي ثَمَنِ الْعَبْدِ الْمَأْسُورِ فَإِنَّهَا لِلْمُشْتَرِي لِمَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ إثْبَاتِ الزِّيَادَةِ (وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ) فِي حَقِّ الشَّفِيعِ لِجَوَازِ تَحْقِيقِ الْبَيْعَيْنِ مَرَّةً بِأَلْفٍ وَأُخْرَى بِأَلْفَيْنِ عَلَى مَا شَهِدَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَتَانِ وَفُسِخَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ لِتَأَكُّدِ حَقِّهِ فَجَازَ أَنْ يُجْعَلَا مَوْجُودَيْنِ فِي حَقِّهِ (وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْبَائِعِ مَعَ الْمُشْتَرِي لَا يَتَوَالَى بَيْنَهُمَا عَقْدَانِ إلَّا بِانْفِسَاخِ الْأَوَّلِ) فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا غَيْرُ مُمْكِنٍ فَيُصَارُ إلَى أَكْثَرِهِمَا إثْبَاتًا لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى التَّرْجِيحِ عِنْدَ تَعَذُّرِ التَّوْفِيقِ (وَهَذَا هُوَ التَّخْرِيجُ لِبَيِّنَةِ الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ كَالْبَائِعِ وَالْمُوَكِّلُ كَالْمُشْتَرِي) فَلَا يُمْكِنُ تَوَالِي الْعَقْدَيْنِ بَيْنَهُمَا إلَّا بِانْفِسَاخِ الْأَوَّلِ

وَأَمَّا الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ فَقُلْنَا ذُكِرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةُ الْمَالِكِ الْقَدِيمِ. فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ (وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ نَقُولُ: لَا يَصِحُّ الثَّانِي هُنَالِكَ إلَّا بِفَسْخِ الْأَوَّلِ، أَمَّا هَاهُنَا فَبِخِلَافِهِ) ، وَلِأَنَّ بَيِّنَةَ الشَّفِيعِ مُلْزِمَةٌ وَبَيِّنَةَ الْمُشْتَرِي غَيْرُ مُلْزِمَةٍ وَالْبَيِّنَاتُ لِلْإِلْزَامِ. قَالَ (وَإِذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي ثَمَنًا وَادَّعَى الْبَائِعُ أَقَلَّ مِنْهُ وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِمَا قَالَهُ الْبَائِعُ وَكَانَ ذَلِكَ حَطًّا عَنْ الْمُشْتَرِي) ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْأَمْرَ إنْ كَانَ عَلَى مَا قَالَ الْبَائِعُ فَقَدْ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى مَا قَالَ الْمُشْتَرِي فَقَدْ حَطَّ الْبَائِعُ بَعْضَ الثَّمَنِ، وَهَذَا الْحَطُّ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلِأَنَّ التَّمَلُّكَ عَلَى الْبَائِعِ بِإِيجَابِهِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ مَا بَقِيَتْ مُطَالَبَتُهُ فَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِقَوْلِهِ. قَالَ (وَلَوْ ادَّعَى الْبَائِعُ الْأَكْثَرَ يَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ، وَأَيُّهُمَا نَكَلَ ظَهَرَ أَنَّ الثَّمَنَ مَا يَقُولُهُ الْآخَرُ فَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِذَلِكَ، وَإِنْ حَلَفَا يَفْسَخُ الْقَاضِي الْبَيْعَ عَلَى مَا عُرِفَ وَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِقَوْلِ الْبَائِعِ) ؛ لِأَنَّ فَسْخَ الْبَيْعِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ حَقِّ الشَّفِيعِ. قَالَ (وَإِنْ كَانَ قَبَضَ الثَّمَنَ أَخَذَ بِمَا قَالَ الْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى قَوْلِ الْبَائِعِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQفَتَعَذَّرَ التَّوْفِيقُ، عَلَى أَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ عَلَى مَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةُ الْمُوَكِّلِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ صَدَرَ مِنْهُ إقْرَارَانِ: أَيْ بِحَسَبِ مَا تُوجِبُهُ الْبَيِّنَتَانِ، فَكَانَ الْمُوَكِّلُ أَنْ يَأْخُذَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ (وَأَمَّا الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ فَقَدْ ذُكِرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةُ الْمَالِكِ الْقَدِيمِ) ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ لِلْمُشْتَرِي فَذَاكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ التَّوْفِيقَ مُتَعَذِّرٌ، إذْ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ الثَّانِي هُنَاكَ إلَّا بِفَسْخِ الْأَوَّلِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَكَاهَا مُحَمَّدٌ وَأَخَذَ بِهَا (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ بَيِّنَةَ الشَّفِيعِ مُلْزِمَةٌ) لِأَنَّهَا إذَا قَبِلَتْ وَجَبَ عَلَى الْمُشْتَرِي تَسْلِيمُ الدَّارِ بِمَا ادَّعَاهُ الشَّفِيعُ شَاءَ أَوْ أَبَى. وَالْمُلْزِمُ مِنْهَا أَوْلَى لِأَنَّهَا وُضِعَتْ لِلْإِلْزَامِ، وَبَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ غَيْرُ مُلْزِمَةٍ لِأَنَّهَا إذَا قَبِلَتْ لَا يَجِبُ عَلَى الشَّفِيعِ شَيْءٌ وَلَكِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ أَوْ يَتْرُكَ، وَغَيْرُ الْمُلْزِمِ مُسْتَمِرٌّ فِي مُقَابَلَةِ الْمُلْزِمِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ طَرِيقَةً أُخْرَى لَهُ حَكَاهَا أَبُو يُوسُفَ وَلَمْ يَأْخُذْ بِهَا، وَعَلَى هَذِهِ وَقَعَتْ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ بَيِّنَةِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَالْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُلْزِمَةٌ، فَلِهَذَا صِرْنَا إلَى التَّرْجِيحِ لِلزِّيَادَةِ وَرَجَّحْنَا بَيِّنَةَ الْمَوْلَى الْقَدِيمِ لِكَوْنِهَا مُلْزِمَةً عَلَى بَيِّنَةِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُلْزِمَةٍ. قَالَ (وَإِذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي ثَمَنًا وَادَّعَى الْبَائِعُ أَقَلَّ مِنْهُ إلَخْ) إذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا أَوْ غَيْرَ مَقْبُوضٍ، أَوْ يَكُونَ الْقَبْضُ غَيْرَ ظَاهِرٍ: يَعْنِي غَيْرَ مَعْلُومٍ لِلشَّفِيعِ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَقْبُوضٍ فَإِمَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْبَائِعُ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِمَا قَالَ الْبَائِعُ وَكَانَ ذَلِكَ حَطًّا عَنْ الْمُشْتَرِي. وَوَجْهُهُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ وَلِأَنَّ التَّمَلُّكَ وَجْهٌ آخَرُ وَإِنَّمَا كَانَ التَّمَلُّكُ عَلَى الْبَائِعِ بِإِيجَابِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقُلْ بِعْت لَا يَثْبُتُ لِلشَّفِيعِ شَيْءٌ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالْبَيْعِ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ وَلَيْسَ لَهُمَا بَيِّنَةٌ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا بِالْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ، وَأَيُّهُمَا نَكَلَ ظَهَرَ أَنَّ الثَّمَنَ مَا يَقُولُهُ الْآخَرُ فَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِذَلِكَ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فَسَخَ الْقَاضِي الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا عُرِفَ. وَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِقَوْلِ الْبَائِعِ لِأَنَّ فَسْخَ الْبَيْعِ وَلَا يُوجِبُ بُطْلَانَ حَقِّ الشَّفِيعِ إنْ كَانَ الْفَسْخُ بِالْقَضَاءِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نُصِبَ نَاظِرًا لِلْمُسْلِمِينَ لَا مُبْطِلًا لِحُقُوقِهِمْ (وَإِنْ كَانَ مَقْبُوضًا أَخَذَهَا بِقَوْلِ الْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى قَوْلِ الْبَائِعِ)

[فصل فيما يؤخذ به المشفوع]

اسْتَوْفَى الثَّمَنَ انْتَهَى حُكْمُ الْعَقْدِ، وَخَرَجَ هُوَ مِنْ الْبَيِّنِ وَصَارَ هُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ وَبَقِيَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ. وَلَوْ كَانَ نَقْدُ الثَّمَنِ غَيْرَ ظَاهِرٍ فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْت الدَّارَ بِأَلْفٍ وَقَبَضْت الثَّمَنَ يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِأَلْفٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ بِالْبَيْعِ تَعَلَّقَتْ الشُّفْعَةُ بِهِ، فَبِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ قَبَضْتُ الثَّمَنَ يُرِيدُ إسْقَاطَ حَقِّ الشَّفِيعِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ. وَلَوْ قَالَ قَبَضْت الثَّمَنَ وَهُوَ أَلْفٌ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ بِالْأَوَّلِ وَهُوَ الْإِقْرَارُ بِقَبْضِ الثَّمَنِ خَرَجَ مِنْ الْبَيِّنِ وَسَقَطَ اعْتِبَارُ قَوْلِهِ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ (فَصْلٌ فِيمَا يُؤْخَذُ بِهِ الْمَشْفُوعُ) : قَالَ (وَإِذَا حَطَّ الْبَائِعُ عَنْ الْمُشْتَرِي بَعْضَ الثَّمَنِ يَسْقُطُ ذَلِكَ عَنْ الشَّفِيعِ، وَإِنْ حَطَّ جَمِيعَ الثَّمَنِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْ الشَّفِيعِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمَّا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَعْلُومِ الْقَبْضِ فَإِمَّا أَنْ يُقِرَّ الْبَائِعُ بِالْقَبْضِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَا إذَا كَانَ غَيْرَ مَقْبُوضٍ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ وَالْفَرْضُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَدَّعِي أَكْثَرَ مِمَّا يَقُولُ الْبَائِعُ وَالدَّارُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِمَّا أَنْ يُقِرَّ أَوَّلًا بِمِقْدَارِ الثَّمَنِ ثُمَّ بِالْقَبْضِ أَوْ بِالْعَكْسِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ كَمَا لَوْ قَالَ (بِعْت الدَّارَ مِنْهُ بِأَلْفٍ وَقَبَضْت الثَّمَنَ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِقَوْلِ الْبَائِعِ) أَيْ بِالْأَلْفِ (لِأَنَّهُ لَمَّا بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ بِالْبَيْعِ بِمِقْدَارٍ تَعَلَّقَتْ الشُّفْعَةُ بِهِ) أَيْ بِالْبَيْعِ بِذَلِكَ الْمِقْدَارِ تَمَّ بِقَوْلِهِ (قَبَضْت الثَّمَنَ يُرِيدُ إسْقَاطَ حَقِّ الشَّفِيعِ) الْمُتَعَلِّقِ بِإِقْرَارِهِ مِنْ الثَّمَنِ، لِأَنَّهُ إنْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ يَبْقَى أَجْنَبِيًّا مِنْ الْعَقْدِ، إذْ لَا مِلْكَ لَهُ وَلَا يَدَ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ أَنْ يَأْخُذَ مَا يَدَّعِيه الْمُشْتَرِي كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا أَنَّ الثَّمَنَ إذَا كَانَ مَقْبُوضًا أَخَذَ بِمَا قَالَ الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ لَهُ إسْقَاطُ حَقِّ الشَّفِيعِ (فَيُرَدُّ عَلَيْهِ) قَبَضْت وَإِنْ كَانَ الثَّانِي كَمَا لَوْ قَالَ (قَبَضْت الثَّمَنَ) وَهُوَ أَلْفٌ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى قَوْلِهِ وَيَأْخُذُهَا بِمَا قَالَ الْمُشْتَرِي (لِأَنَّ بِالْأَوَّلِ وَهُوَ الْإِقْرَارُ بِقَبْضِ الثَّمَنِ خَرَجَ مِنْ الْبَيِّنِ وَصَارَ أَجْنَبِيًّا وَسَقَطَ اعْتِبَارُ قَوْلِهِ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ) وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَأَقَرَّ بِقَبْضِ الثَّمَنِ وَزَعَمَ أَنَّهُ أَلْفٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، لِأَنَّ التَّمَلُّكَ يَقَعُ عَلَى الْبَائِعِ فَيَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ أَجْنَبِيًّا لِكَوْنِهِ ذَا الْيَدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِيمَا يُؤْخَذُ بِهِ الْمَشْفُوعُ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْمَشْفُوعِ وَهُوَ الْأَصْلُ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْ حَقِّ الشُّفْعَةِ ذَكَرَ مَا يُؤْخَذُ بِهِ الْمَشْفُوعُ وَهُوَ الثَّمَنُ الَّذِي يُؤَدِّيهِ الشَّفِيعُ لِأَنَّ الثَّمَنَ تَابِعٌ (إذَا حَطَّ الْبَائِعُ عَنْ الْمُشْتَرِي) حَطَّ بَعْضَ الثَّمَنِ وَالزِّيَادَةَ يَسْتَوِيَانِ فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ دُونَ الشُّفْعَةِ، لِأَنَّ

لِأَنَّ حَطَّ الْبَعْضِ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مَا بَقِيَ، وَكَذَا إذَا حَطَّ بَعْدَمَا أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِالثَّمَنِ يَحُطُّ عَنْ الشَّفِيعِ حَتَّى يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ، بِخِلَافِ حَطِّ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ بِحَالٍ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْبُيُوعِ. (وَإِنْ زَادَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ لَمْ تَلْزَمْ الزِّيَادَةُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ) ؛ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ الزِّيَادَةِ ضَرَرًا بِالشَّفِيعِ لِاسْتِحْقَاقِهِ الْأَخْذَ بِمَا دُونَهَا. بِخِلَافِ الْحَطِّ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً لَهُ، وَنَظِيرُ الزِّيَادَةِ إذَا جَدَّدَ الْعَقْدَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ لَمْ يَلْزَمْ الشَّفِيعَ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ لِمَا بَيَّنَّا كَذَا هَذَا. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى دَارًا بِعَرَضٍ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِقِيمَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ (وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ أَخَذَهَا بِمِثْلِهِ) ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ. وَهَذَا لِأَنَّ الشَّرْعَ أَثْبَتَ لِلشَّفِيعِ وِلَايَةَ التَّمَلُّكِ عَلَى الْمُشْتَرِي بِمِثْلِ مَا تَمَلَّكَهُ فَيُرَاعَى بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ كَمَا فِي الْإِتْلَافِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ. (وَإِنْ بَاعَ عَقَارًا بِعَقَارٍ أَخَذَ الشَّفِيعُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقِيمَةِ الْآخَرِ) ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُهُ وَهُوَ ذَوَاتُ الْقِيَمِ فَيَأْخُذُهُ بِقِيمَتِهِ. قَالَ (وَإِذَا بَاعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَلِلشَّفِيعِ الْخِيَارُ، إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِثَمَنِ حَالٍّ، وَإِنْ شَاءَ صَبَرَ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْأَجَلُ ثُمَّ يَأْخُذُهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْمُرَابَحَةِ لَيْسَ فِي الْتِزَامِ الزِّيَادَةِ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ، بِخِلَافِ الشُّفْعَةِ فَإِنَّ فِي الزِّيَادَةِ فِيهَا إبْطَالَ حَقٍّ ثَبَتَ لِلشَّفِيعِ بِأَقَلَّ مِنْهَا، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا حَطَّ عَنْ الْمُشْتَرِي بَعْضَ الثَّمَنِ سَقَطَ ذَلِكَ عَنْ الشَّفِيعِ وَإِنْ حَطَّ الْجَمِيعَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ شَيْءٌ لِأَنَّ حَطَّ الْبَعْضِ مُلْتَحِقٌ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُهَا بِالثَّمَنِ وَالثَّمَنُ مَا بَقِيَ، وَإِنْ حَطَّ بَعْدَهُ رَجَعَ الشَّفِيعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ الْقَدْرِ، بِخِلَافِ حَطِّ الْكُلِّ لِأَنَّهُ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ لِئَلَّا يَخْرُجَ الْعَقْدُ عَنْ مَوْضُوعِهِ وَقَدْ بَيَّنَهُ فِي الْبُيُوعِ فِي فَصْلٍ قُبَيْلَ الرِّبَا، وَبَاقِي كَلَامِهِ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى دَارًا بِعَرْضٍ) أَيْ مَتَاعٍ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ كَالْعَبْدِ مَثَلًا (أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِقِيمَتِهِ) أَيْ بِقِيمَةِ الْعَرْضِ (لِأَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ، وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ أَخَذَهَا بِمِثْلِهِ لِأَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ) وَهَذَا لِأَنَّ الشَّرْعَ أَثْبَتَ لِلشَّفِيعِ وِلَايَةَ التَّمَلُّكِ عَلَى الْمُشْتَرِي بِمِثْلِ مَا يَمْلِكُهُ فَيُرَاعَى بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مِثْلُ صُورَةِ مِلْكِهِ بِهَا، وَإِلَّا فَالْمِثْلُ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ وَهُوَ الْقِيمَةُ. وَقَوْلُهُ (بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ) يُشِيرُ إلَى الْجَوَابِ عَمَّا قِيلَ الْقِيمَةُ تُعْرَفُ بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ فَفِيهَا جَهَالَةٌ وَهِيَ تَمْنَعُ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّفِيعَ لَوْ سَلَّمَ شُفْعَةَ الدَّارِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا بَيْتًا بِعَيْنِهِ كَانَ التَّسْلِيمُ بَاطِلًا وَهُوَ عَلَى شُفْعَةِ الْجَمِيعِ لِكَوْنِ قِيمَةِ الْبَيْتِ مِمَّا يُعْرَفُ بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ. وَوَجْهُهُ أَنَّ مُرَاعَاةَ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَلَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا، بِخِلَافِ الْبَيْتِ فَإِنَّ أَخْذَهُ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ مُمْكِنٌ فَكَانَتْ الْجَهَالَةُ مَانِعَةً. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ بَاعَ عَقَارًا بِعَقَارٍ) ظَهَرَ وَجْهُهُ مِمَّا تَقَدَّمَ (وَإِذَا بَاعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ) إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ (فَلِلشَّفِيعِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِثَمَنٍ حَالٍ، وَإِنْ شَاءَ صَبَرَ عَنْ الْأَخْذِ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْأَجَلُ ثُمَّ يَأْخُذَهَا)

وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا فِي الْحَالِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ) وَقَالَ زُفَرُ: لَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مُؤَجَّلًا وَصْفٌ فِي الثَّمَنِ كَالزِّيَافَةِ وَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ بِهِ فَيَأْخُذُ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ كَمَا فِي الزُّيُوفِ. وَلَنَا أَنَّ الْأَجَلَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالشَّرْطِ، وَلَا شَرْطَ فِيمَا بَيْنَ الشَّفِيعِ وَالْبَائِعِ أَوْ الْمُبْتَاعِ، وَلَيْسَ الرِّضَا بِهِ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي رِضًا بِهِ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي الْمَلَاءَةِ، وَلَيْسَ الْأَجَلُ وَصْفَ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْمُشْتَرِي؛ وَلَوْ كَانَ وَصْفًا لَهُ لَتَبِعَهُ فَيَكُونُ حَقًّا لِلْبَائِعِ كَالثَّمَنِ وَصَارَ كَمَا إذَا اشْتَرَى شَيْئًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ ثُمَّ وَلَّاهُ غَيْرَهُ لَا يَثْبُتُ الْأَجَلُ إلَّا بِالذِّكْرِ كَذَا هَذَا، ثُمَّ إنْ أَخَذَهَا بِثَمَنٍ حَالٍّ مِنْ الْبَائِعِ سَقَطَ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ، وَإِنْ أَخَذَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي رَجَعَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ كَمَا كَانَ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا لَمْ يَبْطُلْ بِأَخْذِ الشَّفِيعِ فَبَقِيَ مُوجِبُهُ فَصَارَ ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّمَا وَصَفْنَا الْأَجَلَ بِكَوْنِهِ مَعْلُومًا، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَجْهُولًا كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا وَلَا شُفْعَةَ فِيهِ (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا فِي الْحَالِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ) عِنْدَنَا (قَالَ: زُفَرُ: لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ) الْقَدِيمُ (لِأَنَّ الْأَجَلَ وَصْفٌ فِي الثَّمَنِ كَالزِّيَافَةِ وَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ بِهِ) أَيْ بِالثَّمَنِ (فَيَأْخُذُهُ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ كَمَا فِي الزُّيُوفِ. وَلَنَا أَنَّ الْأَجَلَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالشَّرْطِ، وَلَا شَرْطَ فِيمَا بَيْنَ الشَّفِيعِ وَالْبَائِعِ أَوْ الْمُبْتَاعِ) فَلَا أَجَلَ فِيمَا بَيْنَ الشَّفِيعِ وَبَيْنَهُمَا. وَقَوْلُهُ (وَلَيْسَ الرِّضَا) دَلِيلٌ آخَرُ وَتَقْرِيرُهُ لَا بُدَّ فِي الشُّفْعَةِ مِنْ الرِّضَا لِكَوْنِهَا مُبَادَلَةً وَلَا رِضًا فِي حَقِّ الشَّفِيعِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَجَلِ لِأَنَّ الرِّضَا بِهِ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي لَيْسَ بِرِضًا فِي حَقِّ الشَّفِيعِ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي الْمَلَاءَةِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَهُوَ مَصْدَرُ مَلُأَ الرَّجُلُ بِالضَّمِّ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَمَّا كَانَ الرِّضَا شَرْطًا وَجَبَ أَنْ لَا يَثْبُتَ حَقُّ الشُّفْعَةِ لِانْتِفَائِهِ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي جَمِيعًا، وَحَيْثُ ثَبَتَ بِدُونِهِ جَازَ أَنْ يَثْبُتَ الْأَجَلُ كَذَلِكَ وَالْجَوَابُ أَنَّ ثُبُوتَ بِدُونِهِ ضَرُورِيٌّ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي ثُبُوتِ الْأَجَلِ. وَقَوْلُهُ (وَلَيْسَ الْأَجَلُ وَصْفًا فِي الثَّمَنِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ زُفَرَ. وَوَجْهُهُ أَنَّ وَصْفَ الشَّيْءِ يَتْبَعُهُ لَا مَحَالَةَ وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ (لِأَنَّهُ حَقُّ الْمُشْتَرِي) وَالثَّمَنُ حَقُّ الْبَائِعِ. وَقَوْلُهُ (وَصَارَ كَمَا إذَا اشْتَرَى شَيْئًا) ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِامْتِنَاعِ قَبْضِ الْمُشْتَرِي بِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَهُوَ يُوجِبُ الْفَسْخَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ فِي أَوَاخِرِ بَابِ طَلَبِ الشُّفْعَةِ وَقَوْلُهُ (وَإِنْ أَخَذَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي رَجَعَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ إلَخْ) يُوهِمُ أَنَّ الشَّفِيعَ يَمْلِكُهُ بِبَيْعٍ جَدِيدٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ كَمَا تَقَدَّمَ،

كَمَا إذَا بَاعَهُ بِثَمَنٍ حَالٍّ وَقَدْ اشْتَرَاهُ مُؤَجَّلًا، وَإِنْ اخْتَارَ الِانْتِظَارَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَلْتَزِمَ زِيَادَةَ الضَّرَرِ مِنْ حَيْثُ النَّقْدِيَّةُ. وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ وَإِنْ شَاءَ صَبَرَ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْأَجَلُ مُرَادُهُ الصَّبْرُ عَنْ الْأَخْذِ، أَمَّا الطَّلَبُ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ حَتَّى لَوْ سَكَتَ عَنْهُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْبَيْعِ، وَالْأَخْذُ يَتَرَاخَى عَنْ الطَّلَبِ، وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْأَخْذِ فِي الْحَالِ بِأَنْ يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ حَالًّا فَيُشْتَرَطُ الطَّلَبُ عِنْدَ الْعِلْمِ بِالْبَيْعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ بِطَرِيقِ تَحَوُّلِ الصَّفْقَةِ كَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ، لَكِنْ يَتَحَوَّلُ مَا كَانَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَالْأَجَلُ يَقْتَضِي الشَّرْطَ فَبَقِيَ مَعَ مَنْ ثَبَتَ الشَّرْطُ فِي حَقِّهِ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَارَ الِانْتِظَارَ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (لِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ) احْتِزَازٌ عَنْ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ. رَوَى ابْنُ أَبِي مَالِكٍ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ كَانَ يَقُولُ أَوَّلًا كَقَوْلِهِمَا، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ فِي الْحَالِ، لِأَنَّ الطَّلَبَ إنَّمَا هُوَ لِلْأَخْذِ، وَهُوَ الْحَالُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَطْلُبُهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُرِيدُ الْأَخْذَ بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ أَوْ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فِي الْحَالِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا فَائِدَةَ فِي طَلَبِهِ فِي الْحَالِ، فَسُكُوتُهُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي الطَّلَبِ لَا لِإِعْرَاضِهِ عَنْ الْأَخْذِ. وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا وَقَوْلُهُ أَوَّلًا مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَفِيهِ إغْلَاقٌ، وَتَقْرِيرُهُ حَقَّ الشُّفْعَةِ يَثْبُتُ بِالْبَيْعِ عِنْدَ الْعِلْمِ بِهِ، وَالشَّرْطُ الطَّلَبُ عِنْدَ ثُبُوتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَقْرِيرُهُ هَكَذَا الشَّرْطُ الطَّلَبُ عِنْدَ حَقِّ الشُّفْعَةِ وَحَقِّ الشُّفْعَةِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْبَيْعِ فَيُشْتَرَطُ الطَّلَبُ عِنْدَ الْعِلْمِ بِهِ، وَأَمَّا الْأَخْذُ فَإِنَّهُ يَتَرَاخَى عَنْ الطَّلَبِ فَيَجُوزُ أَنْ يَتَأَخَّرَ إلَى انْقِضَاءِ الْأَجَلِ. وَقَوْلُهُ (وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْأَخْذِ فِي الْحَالِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ، وَتَقْرِيرُهُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ الْأَخْذُ، وَلَئِنْ كَانَ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَيْسَ

قَالَ (وَإِنْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ دَارًا وَشَفِيعُهَا ذِمِّيٌّ أَخَذَهَا بِمِثْلِ الْخَمْرِ وَقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ) لِأَنَّ هَذَا الْبَيْعَ مَقْضِيٌّ بِالصِّحَّةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَحَقُّ الشُّفْعَةِ يَعُمُّ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ، وَالْخَمْرُ لَهُمْ كَالْخَلِّ لَنَا وَالْخِنْزِيرُ كَالشَّاةِ، فَيَأْخُذُ فِي الْأَوَّلِ بِالْمِثْلِ وَالثَّانِي بِالْقِيمَةِ. قَالَ (وَإِنْ كَانَ شَفِيعُهَا مُسْلِمًا أَخَذَهَا بِقِيمَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ) أَمَّا الْخِنْزِيرُ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا الْخَمْرُ لِامْتِنَاعِ التَّسَلُّمِ وَالتَّسْلِيمِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَالْتَحَقَ بِغَيْرِ الْمِثْلِيِّ، وَإِنْ كَانَ شَفِيعُهَا مُسْلِمًا وَذِمِّيًّا أَخَذَ الْمُسْلِمُ نِصْفَهَا بِنِصْفِ قِيمَةِ الْخَمْرِ وَالذِّمِّيُّ نِصْفَهَا بِنِصْفِ مِثْلِ الْخَمْرِ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ، فَلَوْ أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ أَخَذَهَا بِنِصْفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمُتَمَكِّنٍ مِنْ الْأَخْذِ فِي الْحَالِ بَلْ هُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْهُ بِأَنْ يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ حَالًّا. قَالَ (وَإِذَا اشْتَرَى ذِمِّيٌّ دَارًا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَشَفِيعُهَا ذِمِّيٌّ أَخَذَهَا بِمِثْلِ الْخَمْرِ وَقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ) وَجْهٌ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ وَشَفِيعُهَا ذِمِّيٌّ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا كَانَ مُرْتَدًّا فَإِنَّهُ لَا شُفْعَةَ لَهُ سَوَاءٌ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ مَاتَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَلَا لِوَرَثَتِهِ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تُورَثُ (وَإِنْ كَانَ شَفِيعُهَا مُسْلِمًا أَخَذَهَا بِقِيمَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ: أَمَّا الْخِنْزِيرُ فَظَاهِرٌ: يَعْنِي لِكَوْنِهِ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ. وَاسْتَشْكَلَ بِأَنَّ قِيمَةَ الْخِنْزِيرِ لَهَا حُكْمُ عَيْنِ الْخِنْزِيرِ وَلِهَذَا لَا يَعْشُرُ الْعَاشِرُ عَنْ قِيمَتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ مِنْ يَمُرُّ عَلَى الْعَاشِرِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مُرَاعَاةَ حَقِّ الشَّفِيعِ وَاجِبَةٌ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَمِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ دَفْعُ قِيمَةِ الْخِنْزِيرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ، وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ قِيمَةِ الْخِنْزِيرِ وَالْخَمْرِ الرُّجُوعُ إلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ مَنْ تَابَ مِنْ فَسَقَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي ذَلِكَ فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْمُشْتَرِي، مِثْلُ مَا إذَا اخْتَلَفَ الشَّفِيعُ وَالْمُشْتَرِي فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ، وَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَالْخَمْرُ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ انْتَقَضَ الْبَيْعُ لِفَوَاتِ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ، وَالْإِسْلَامُ

[فصل بنى المشتري فيها أو غرس ثم قضي للشفيع بالشفعة]

قِيمَةِ الْخَمْرِ لِعَجْزِهِ عَنْ تَمْلِيكِ الْخَمْرِ وَبِالْإِسْلَامِ يَتَأَكَّدُ حَقُّهُ لَا أَنْ يَبْطُلَ، فَصَارَ كَمَا إذَا اشْتَرَاهَا بِكُرٍّ مِنْ رُطَبٍ فَحَضَرَ الشَّفِيعُ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ يَأْخُذُ بِقِيمَةِ الرُّطَبِ كَذَا هَذَا. قَالَ (وَإِذَا بَنَى الْمُشْتَرِي فِيهَا أَوْ غَرَسَ ثُمَّ قُضِيَ لِلشَّفِيعِ بِالشُّفْعَةِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِالثَّمَنِ وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، وَإِنْ شَاءَ كَلَّفَ الْمُشْتَرِيَ قَلْعَهُ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ الْقَلْعَ وَيُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ بِالثَّمَنِ وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَبَيْنَ أَنْ يَتْرُكَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، إلَّا أَنَّ عِنْدَهُ لَهُ أَنْ يُقْلِعَ وَيُعْطِي قِيمَةَ الْبِنَاءِ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ مُحِقٌّ فِي الْبِنَاءِ لِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ الدَّارَ مِلْكُهُ، وَالتَّكْلِيفُ بِالْقَلْعِ مِنْ أَحْكَامِ الْعُدْوَانِ وَصَارَ كَالْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا، وَكَمَا إذَا زَرَعَ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ لَا يُكَلَّفُ الْقَلْعَ، وَهَذَا لِأَنَّ فِي إيجَابِ الْأَخْذِ بِالْقِيمَةِ دَفْعَ أَعْلَى الضَّرَرَيْنِ بِتَحَمُّلِ الْأَدْنَى فَيُصَارَ إلَيْهِ. وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ بَنَى فِي مَحِلٍّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ مُتَأَكِّدٌ لِلْغَيْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَمْنَعُ قَبْضَ الْخَمْرِ بِحُكْمِ الْبَيْعِ كَمَا يَمْنَعُ الْعَقْدَ عَلَى الْخَمْرِ وَلَكِنْ لَا يَبْطُلُ حَقُّ الشَّفِيعِ فِي الشُّفْعَةِ لِأَنَّ وُجُوبَ الشُّفْعَةِ بِأَصْلِ الْبَيْعِ وَقَدْ كَانَ صَحِيحًا وَبَقَاؤُهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِبَقَاءِ الشُّفْعَةِ وَبَاقِي كَلَامِهِ ظَاهِرٌ [فَصْلٌ بَنَى الْمُشْتَرِي فِيهَا أَوْ غَرَسَ ثُمَّ قُضِيَ لِلشَّفِيعِ بِالشُّفْعَةِ] (فَصْلٌ) : الْأَصْلُ فِي الْمَشْفُوعِ عَدَمُ التَّغَيُّرِ، وَالتَّغَيُّرُ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِفِعْلِ الْغَيْرِ عَارِضٌ، فَكَانَ جَدِيرًا بِالتَّأْخِيرِ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ (وَإِذَا بَنَى الْمُشْتَرِي فِيهَا أَوْ غَرَسَ ثُمَّ قَضَى لِلشَّفِيعِ بِالشُّفْعَةِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَخَذَ الْأَرْضَ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ الْمُشْتَرِي وَقِيمَةُ الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ، وَإِنْ شَاءَ كُلِّفَ الْمُشْتَرِي قَلْعَهُ) . وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ الْقَلْعَ وَيُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ بِالثَّمَنِ وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ (وَالْغَرْسِ، وَبَيْنَ أَنْ يَتْرُكَ) وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ وَهُوَ لَهُ أَنْ يُقْلِعَ وَيُعْطِيَ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ مُحِقٌّ فِي الْبِنَاءِ لِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَنَّهُ مِلْكُهُ، وَالْمُحِقُّ فِي شَيْءٍ لَا يُكَلَّفُ قَلْعَهُ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِالْقَلْعِ مِنْ أَحْكَامِ الْعُدْوَانِ، وَاسْتَوْضَحَ ذَلِكَ بِالْمَوْهُوبِ لَهُ، فَإِنَّهُ إذَا بَنَى لَيْسَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يُكَلِّفَهُ الْقَلْعَ وَيَرْجِعَ فِي الْأَرْضِ وَبِالْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا إذَا بَنَى، وَبِالْمُشْتَرِي إذَا زَرَعَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَلِّفَهُ قَلْعَ مَا لَمْ يَزْرَعْ اتِّفَاقًا (وَهَذَا) أَيْ مَا قُلْنَا إنَّهُ لَا يُكَلَّفُ (لِأَنَّ فِي إيجَابِ الْأَخْذِ بِالْقِيمَةِ دَفْعَ أَعْلَى الضَّرَرَيْنِ ) ضَرَرُ الْمُشْتَرِي وَهُوَ الْقَلْعُ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ يُقَابِلُهُ (بِتَحَمُّلِ الْأَدْنَى) وَهُوَ زِيَادَةُ الثَّمَنِ عَلَى الشَّفِيعِ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ لِوُجُوبِ مَا يُقَابِلُهَا وَهُوَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ. (وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بَنَى فِي مَحَلٍّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ مُؤَكَّدٌ لِلْغَيْرِ)

مِنْ غَيْرِ تَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ فَيُنْقَضُ كَالرَّاهِنِ إذَا بَنَى فِي الْمَرْهُونِ، وَهَذَا لِأَنَّ حَقَّهُ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ وَهَذَا يَنْقُضُ بَيْعَهُ وَهِبَتَهُ وَغَيْرَهُ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ، بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إسْقَاطِهِ جَبْرًا (مِنْ غَيْرِ تَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ) وَكُلُّ مَنْ بَنَى فِي ذَلِكَ نُقِضَ بِنَاؤُهُ كَالرَّاهِنِ إذَا بَنَى فِي الْمَرْهُونِ وَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ احْتِرَازٌ عَنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمُشْتَرِي بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ فَإِنَّ بِنَاءَهُمَا حَصَلَ بِتَسْلِيطِ الْوَاهِبِ وَالْبَائِعِ (وَهَذَا) أَيْ نَقْضُ الْبِنَاءِ لِحَقِّ الشَّفِيعِ (لِأَنَّ حَقَّهُ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الْمُشْتَرِي) وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا بَيَانًا لِكَوْنِ حَقِّ الشَّفِيعِ مُتَأَكِّدًا (لِأَنَّهُ) أَيْ الشَّفِيعَ (يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَلِهَذَا يُنْقَضُ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَغَيْرُهُ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ كَإِجَارَتِهِ وَجَعْلِهِ مَسْجِدًا أَوْ مَقْبَرَةً، فَكَذَا تُنْقَضُ تَصَرُّفَاتُهُ غَرْسًا وَبِنَاءً. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْهِبَةِ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيطٍ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا يُنْقَضُ، وَبِخِلَافِ الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِقَوْلِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ عَدَمَ اسْتِرْدَادِ الْبَائِعِ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ إذَا بَنَى الْمُشْتَرِي

حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ، وَلِأَنَّ حَقَّ الِاسْتِرْدَادِ فِيهِمَا ضَعِيفٌ وَلِهَذَا لَا يَبْقَى بَعْدَ الْبِنَاءِ، وَهَذَا الْحَقُّ يَبْقَى فَلَا مَعْنَى لِإِيجَابِ الْقِيمَةِ كَمَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَالزَّرْعُ يُقْلَعُ قِيَاسًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْمُشْتَرَى إنَّمَا هُوَ قَوْلُهُ. وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَهُ الِاسْتِرْدَادُ بَعْدَ الْبِنَاءِ كَالشَّفِيعِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ حَقَّ الِاسْتِرْدَادِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ حَصَلَ (قَوْلُهُ فَبِهِمَا) أَيْ فِي الْهِبَةِ وَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ (ضَعِيفٌ) (وَلِهَذَا لَا يَبْقَى بَعْدَ الْبِنَاءِ، وَهَذَا الْحَقُّ) أَيْ حَقُّ الشُّفْعَةِ وَيَبْقَى وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ تَكْلِيفِ الْقَلْعِ لِحَقٍّ ضَعِيفٍ عَدَمُهُ لِحَقٍّ قَوِيٍّ. قِيلَ فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الِاسْتِرْدَادَ بَعْدَ الْبِنَاءِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إنَّمَا لَا يَبْقَى عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ لَا يَصِحُّ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَكُونُ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، أَوْ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ ثَابِتًا بِدَلِيلٍ ظَاهِرٍ لَمْ يُعْتَبَرْ بِخِلَافِهِمَا. وَقَوْلُهُ (فَلَا مَعْنَى لِإِيجَابِ الْقِيمَةِ) رَاجِعٌ إلَى أَوَّلِ الْكَلَامِ: يَعْنِي إذَا ثَبَتَ التَّكْلِيفُ بِالْقَلْعِ فَلَا مَعْنَى لِإِيجَابِ الْقِيمَةِ عَلَى الشَّفِيعِ، لِأَنَّ الشَّفِيعَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَحِقِّ، وَالْمُشْتَرِي إذَا بَنَى أَوْ غَرَسَ ثُمَّ اسْتَحَقَّ رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ عَلَى الْبَائِعِ دُونَ الْمُسْتَحِقِّ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا. وَقَوْلُهُ (وَالزَّرْعُ يُقْلَعُ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَكَمَا إذَا زَرَعَ الْمُشْتَرِي، وَلَمْ يَجِبْ عَنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ فِي إيجَابِ الْأَخْذِ بِالْقِيمَةِ دَفْعَ أَعْلَى الضَّرَرَيْنِ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَهَذَا لِأَنَّ حَقَّهُ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الْمُشْتَرِي تَضَمَّنَ ذَلِكَ،

وَإِنَّمَا لَا يُقْلَعُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةً مَعْلُومَةً وَيَبْقَى بِالْأَجْرِ وَلَيْسَ فِيهِ كَثِيرُ ضَرَرٍ، وَإِنْ أَخَذَ بِالْقِيمَةِ يَعْتَبِرُ قِيمَتَهُ مَقْلُوعًا كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْغَصْبِ (وَلَوْ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ فَبَنَى فِيهَا أَوْ غَرَسَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ رَجَعَ بِالثَّمَنِ) لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، لَا عَلَى الْبَائِعِ إنْ أَخَذَهَا مِنْهُ، وَلَا عَلَى الْمُشْتَرِي إنْ أَخَذَهَا مِنْهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرْجِعُ لِأَنَّهُ مُتَمَلِّكٌ عَلَيْهِ فَنَزَلَا مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، وَالْفَرْقُ عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ وَمُسَلَّطٌ عَلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ، وَلَا غُرُورَ وَلَا تَسْلِيطَ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ مِنْ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ التَّرْجِيحَ بِدَفْعِ أَعْلَى الضَّرَرَيْنِ بِالْأَهْوَنِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْمُسَاوَاةِ فِي أَصْلِ الْحَقِّ، وَلَا مُسَاوَاةَ لِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ مُقَدَّمٌ، وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ بِنَاءِ الْمُشْتَرِي فِي الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ وَصَبْغِهَا بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ، فَإِنَّ الشَّفِيعَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهَا وَيُعْطِيَ مَا زَادَ فِيهَا بِالصَّبْغِ وَبَيْنَ أَنْ يَتْرُكَهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَيْضًا عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَلَوْ كَانَ بِالِاتِّفَاقِ فَالْفَرْقُ أَنَّ النَّقْضَ لَا يَتَصَدَّرُ بِهِ الْمُشْتَرِي كَثِيرًا لِسَلَامَةِ النَّقْضِ لَهُ، بِخِلَافِ الصَّبْغِ، قَوْلُهُ (وَإِذَا أَخَذَهُ بِالْقِيمَةِ) مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ دَلَّ عَلَيْهِ التَّخْيِيرُ، وَتَقْرِيرُهُ الشَّفِيعَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ كُلِّفَ الْقَلْعَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِالْقِيمَةِ، فَإِنْ كَلَّفَهُ فَذَاكَ، وَإِنْ أَخَذَهُ بِالْقِيمَةِ يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ مَقْلُوعًا كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْغَصْبِ (وَلَوْ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ فَبَنَى فِيهَا أَوْ غَرَسَ فَاسْتَحَقَّ الْأَرْضَ رَجَعَ الثَّمَنُ) لَا غَيْرُ أَخَذَهُ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي (لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ أَخْذَهُ كَانَ بِغَيْرِ حَقٍّ) عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ أَيْضًا لِأَنَّهُ مُتَمَلِّكٌ عَنْ الْمُشْتَرِي فَنُزِّلَا مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، ثُمَّ الْمُشْتَرِي فِي صُورَةِ الِاسْتِحْقَاقِ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ فَكَذَلِكَ الشَّفِيعُ (وَالْفَرْقُ عَلَى الْمَشْهُورِ) مِنْ الرِّوَايَةِ مَا ذَكَرَهُ (أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَغْرُورٌ) وَمُسَلَّطٌ عَلَى الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ (مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ) وَلَا تَسْلِيطَ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ مِنْ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَيْهِ.

قَالَ (وَإِذَا انْهَدَمَتْ الدَّارُ أَوْ احْتَرَقَ بِنَاؤُهَا أَوْ جَفَّ شَجَرُ الْبُسْتَانِ بِغَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ فَالشَّفِيعُ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ) لِأَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ تَابِعٌ حَتَّى دَخَلَا فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ فَلَا يُقَابِلُهُمَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ مَا لَمْ يَصِرْ مَقْصُودًا وَلِهَذَا جَازَ بَيْعُهَا مُرَابَحَةً بِكُلِّ الثَّمَنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا غَرِقَ نِصْفُ الْأَرْضِ حَيْثُ يَأْخُذُ الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ لِأَنَّ الْفَائِتَ بَعْضُ الْأَصْلِ قَالَ. (وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ) لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ تَمَلُّكِ الدَّارِ بِمَالِهِ قَالَ (وَإِنْ نَقَضَ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ قِيلَ لِلشَّفِيعِ إنْ شِئْت فَخُذْ الْعَرْصَةَ بِحِصَّتِهَا، وَإِنْ شِئْت فَدَعْ) لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْإِتْلَافِ فَيُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْهَلَاكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ (وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ النَّقْضَ) لِأَنَّهُ صَارَ مَفْصُولًا فَلَمْ يَبْقَ تَبَعًا قَالَ (وَمَنْ ابْتَاعَ أَرْضًا وَعَلَى نَخْلِهَا ثَمَرٌ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِثَمَرِهَا) وَمَعْنَاهُ إذَا ذُكِرَ الثَّمَرُ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ اسْتِحْسَانٌ وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَأْخُذُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَبَعٍ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ فَأَشْبَهَ الْمَتَاعَ فِي الدَّارِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الِاتِّصَالِ صَارَ تَبَعًا لِلْعَقَارِ كَالْبِنَاءِ فِي الدَّارِ، وَمَا كَانَ مُرَكَّبًا فِيهِ فَيَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ قَالَ (وَكَذَلِكَ إنْ ابْتَاعَهَا وَلَيْسَ فِي النَّخِيلِ ثَمَرٌ فَأَثْمَرَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي) يَعْنِي يَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ تَبَعًا لِأَنَّ الْبَيْعَ سَرَى إلَيْهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي وَلَدِ الْمَبِيعِ قَالَ (فَإِنْ جَدَّهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ جَاءَ الشَّفِيعُ لَا يَأْخُذُ الثَّمَرَ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ تَبَعًا لِلْعَقَارِ وَقْتَ الْأَخْذِ حَيْثُ صَارَ مَفْصُولًا عَنْهُ فَلَا يَأْخُذُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَإِذَا انْهَدَمَتْ الدَّارُ إلَخْ) كَلَامُهُ ظَاهِرٌ، وَالتَّأَمُّلُ فِيهِ يُرْشِدُ إلَى أَنَّ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّهُمْ: يَعْنِي أَئِمَّتَنَا زَعَمُوا أَنَّ الْبِنَاءَ إذَا احْتَرَقَ لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ عَنْ الشَّفِيعِ، وَإِذَا غَرِقَ بَعْضُ الْأَرْضِ سَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ فَكَأَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا فِعْلَ الْمَاءِ دُونَ النَّارِ تَعَسُّفًا لِقِلَّةِ التَّأَمُّلِ، فَإِنَّ مَنْشَأَ الْفَرْقِ لَيْسَ فِعْلَ الْمَاءِ، وَإِنَّمَا مَنْشَؤُهُ أَنَّ الْبِنَاءَ وَصْفٌ وَالْأَوْصَافُ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ إذَا فَاتَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ، وَأَمَّا بَعْضُ الْأَرْضِ لَيْسَ بِوَصْفٍ لِبَعْضٍ آخَرَ فَلَا بُدَّ مِنْ إسْقَاطِ حِصَّةِ مَا غَرِقَ مِنْ الثَّمَنِ (وَإِنْ نَقَضَ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ) فَالشَّفِيعُ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْعَرْصَةَ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ لِأَنَّ الْبِنَاءَ صَارَ مَقْصُودًا بِالْإِتْلَافِ وَيُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَقَدْ مَرَّ فِي الْبُيُوعِ (وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ النَّقْضَ لِأَنَّهُ صَارَ مَفْصُولًا فَلَمْ يَبْقَ تَبَعًا) فَبَقِيَ مَنْقُولًا وَلَا شُفْعَةَ فِيهِ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ ابْتَاعَ أَرْضًا) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَمَا كَانَ مُرَكَّبًا فِيهِ) يَعْنِي مِثْلَ الْأَبْوَابِ وَالسُّرَرِ الْمُرَكَّبَةِ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا عُرِفَ فِي وَلَدِ الْمَبِيعَةِ) يَعْنِي أَنَّ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ إذَا وَلَدَتْ وَلَدًا قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي يَسْرِي حُكْمُ الْبَيْعِ إلَى الْوَلَدِ حَتَّى يَكُونَ الْوَلَدُ مِلْكَ الْمُشْتَرِي كَالْأُمِّ، وَقَوْلُهُ (فِي الْفَصْلَيْنِ) يُرِيدُ بِهِ

[باب ما تجب فيه الشفعة وما لا تجب]

قَالَ فِي الْكِتَابِ (وَإِنْ جَدّه الْمُشْتَرِي سَقَطَ عَنْ الشَّفِيعِ حِصَّتُهُ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (وَهَذَا جَوَابُ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ مَقْصُودًا فَيُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ (أَمَّا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي يَأْخُذُ مَا سِوَى الثَّمَرِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ) لِأَنَّ الثَّمَرَ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَلَا يَكُونُ مَبِيعًا إلَّا تَبَعًا فَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ مَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَمَا لَا تَجِبُ) قَالَ (الشُّفْعَةُ وَاجِبَةٌ فِي الْعَقَارِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُقْسَمُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا شُفْعَةَ فِيمَا لَا يُقْسَمُ، لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ دَفْعًا لِمُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ، وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا لَا يُقْسَمُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ عَقَارٌ أَوْ رَبْعٌ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعُمُومَاتِ، وَلِأَنَّ الشُّفْعَةَ سَبَبُهَا الِاتِّصَالُ فِي الْمِلْكِ وَالْحِكْمَةَ دَفْعُ ضَرَرِ سُوءِ الْجِوَارِ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا إذَا كَانَ فِي النَّخْلِ ثَمَرٌ وَقْتَ الشِّرَاءِ ثُمَّ جَذَّهُ الْمُشْتَرِي، وَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ ثَمَرٌ ثُمَّ جَاءَ الشَّفِيعُ لِاتِّحَادِ الْعِلَّةِ وَهُوَ عَدَمُ الِاتِّصَالِ لِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ كَانَتْ بِهِ وَقَدْ زَالَتْ. وَقَوْلُهُ (فِي الْكِتَابِ) يَعْنِي مُخْتَصَرَ الْقُدُورِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ مَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَمَا لَا تَجِبُ] ُ ذِكْرُ تَفْصِيلِ مَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَمَا لَا تَجِبُ بَعْدَ ذِكْرِ الْوُجُوبِ مُجْمَلًا، لِأَنَّ التَّفْصِيلَ بَعْدَ الْإِجْمَالِ. قَالَ (الشُّفْعَةُ وَاجِبَةٌ فِي الْعَقَارِ إلَخْ) الشُّفْعَةُ وَاجِبَةٌ: أَيْ ثَابِتَةٌ فِي الْعَقَارِ، وَهُوَ مَا لَهُ أَصْلٌ مِنْ دَارٍ أَوْ ضَيْعَةٍ (وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُقْسَمُ) أَيْ لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَالْحَمَّامِ وَالرَّحَى، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ مَا كَانَ مُتَّصِلًا بِطَرِيقِ الشُّفْعَةِ فَلَا تُؤْخَذُ الْقِصَاعُ مَعَ الْحَمَّامِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَّصِلَةٍ، وَالْمُرَادُ بِالرَّحَى بَيْتُ الرَّحَى، وَالرُّبُعُ الدَّارُ، وَالْحَائِطُ الْبُسْتَانُ، وَأَصْلُهُ مَا أَحَاطَ بِهِ، وَالْحَسْبُ بِسُكُونِ السِّينِ وَفَتْحِهَا فِي مَعْنَى

مَا مَرَّ، وَأَنَّهُ يَنْتَظِمُ الْقِسْمَيْنِ مَا يُقْسَمُ وَمَا لَا يُقْسَمُ وَهُوَ الْحَمَّامُ وَالرَّحَى وَالْبِئْرُ وَالطَّرِيقُ. قَالَ (وَلَا شُفْعَةَ فِي الْعُرُوضِ وَالسُّفُنِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا شُفْعَةَ إلَّا فِي رَبْعٍ أَوْ حَائِطٍ» وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ فِي إيجَابِهَا فِي السُّفُنِ، وَلِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ لِدَفْعِ ضَرَرِ سُوءِ الْجِوَارِ عَلَى الدَّوَامِ، وَالْمِلْكُ فِي الْمَنْقُولِ لَا يَدُومُ حَسَبَ دَوَامِهِ فِي الْعَقَارِ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ وَلَا شُفْعَةَ فِي الْبِنَاءِ وَالنَّخْلِ إذَا بِيعَتْ دُونَ الْعَرْصَةِ وَهُوَ صَحِيحٌ مَذْكُورٌ فِي الْأَصْلِ، لِأَنَّهُ لَا قَرَارَ لَهُ فَكَانَ نَقْلِيًّا، وَهَذَا بِخِلَافِ الْعُلُوِّ حَيْثُ يُسْتَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ وَيُسْتَحَقُّ بِهِ الشُّفْعَةُ فِي السُّفْلِ إذَا لَمْ يَكُنْ طَرِيقُ الْعُلُوِّ فِيهِ، لِأَنَّهُ بِمَا لَهُ مِنْ حَقِّ الْقَرَارِ الْتَحَقَ بِالْعَقَارِ قَالَ (وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ فِي الشُّفْعَةِ سَوَاءٌ) لِلْعُمُومَاتِ وَلِأَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ فِي السَّبَبِ وَالْحِكْمَةِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَلِهَذَا يَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالْبَاغِي وَالْعَادِلُ وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ إذَا كَانَ مَأْذُونًا أَوْ مُكَاتَبًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَدْرِ، وَاخْتَارَ الْجَوْهَرِيُّ الْفَتْحَ وَقَالَ: إنَّمَا تُسَكَّنُ فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ. وَقَوْلُهُ (إذَا لَمْ يَكُنْ طَرِيقُ الْعُلْوِ فِيهِ) لِبَيَانِ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الشُّفْعَةِ لِلْعُلْوِ بِسَبَبِ الْجِوَارِ لَا بِسَبَبِ الشَّرِكَةِ، وَلَيْسَ لِنَفْيِ الشُّفْعَةِ إذَا كَانَ لَهُ طَرِيقٌ فِي السُّفْلِ، بَلْ إذَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ كَانَ اسْتِحْقَاقُهَا بِالشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ لَا بِالْجِوَارِ فَيَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَى الْجَارِ (وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ فِيهَا سَوَاءٌ) وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: الشُّفْعَةُ رِفْقٌ شَرْعِيٌّ فَلَا يَسْتَحِقُّهَا مَنْ يُنْكِرُ الشَّرْعَ وَهُوَ الْكَافِرُ. وَلَنَا الْعُمُومَاتُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَالِاسْتِوَاءُ فِي السَّبَبِ وَالْحِكْمَةِ وَهِيَ دَفْعُ ضَرَرِ سُوءِ الْجِوَارِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي الِاسْتِوَاءَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ (وَلِهَذَا قُلْنَا يَسْتَوِي فِيهِ الذِّكْرُ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ) وَقَالَ: لَا شُفْعَةَ لِلصَّغِيرِ لِأَنَّهُ لَا يَتَضَرَّرُ بِسُوءِ الْمُجَاوَرَةِ. قُلْنَا: إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ فِي الْحَالِ يَتَضَرَّرُ فِي الْمَآلِ (وَيَسْتَوِي الْبَاغِي وَالْعَادِلُ وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ إذَا كَانَ مَأْذُونًا أَوْ مُكَاتَبًا) فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ غَيْرَ الْمَوْلَى فَلِلْعَبْدِ الْمَأْذُونِ الشُّفْعَةُ مَدْيُونًا كَانَ أَوْ لَا، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمَوْلَى، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ وَشِرَاءُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ مِنْ الْمَوْلَى جَائِزٌ دُونَ غَيْرِهِ.

قَالَ (وَإِذَا مَلَكَ الْعَقَارَ بِعِوَضٍ هُوَ مَالٌ وَجَبَتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ) لِأَنَّهُ أَمْكَنَ مُرَاعَاةُ شَرْطِ الشَّرْعِ فِيهِ وَهُوَ التَّمَلُّكُ بِمِثْلِ مَا تَمَلَّكَ بِهِ الْمُشْتَرِي صُورَةً أَوْ قِيمَةً عَلَى مَا مَرَّ قَالَ (وَلَا شُفْعَةَ فِي الدَّارِ الَّتِي يَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ عَلَيْهَا أَوْ يُخَالِعُ الْمَرْأَةَ بِهَا أَوْ يَسْتَأْجِرُ بِهَا دَارًا أَوْ غَيْرَهَا أَوْ يُصَالِحُ بِهَا عَنْ دَمٍ عَمْدٍ أَوْ يَعْتِقُ عَلَيْهَا عَبْدًا) لِأَنَّ الشُّفْعَةَ عِنْدَنَا إنَّمَا تَجِبُ فِي مُبَادَلَةِ الْمَالِ بِالْمَالِ لِمَا بَيَّنَّا، وَهَذِهِ الْأَعْوَاضُ لَيْسَتْ بِأَمْوَالٍ، فَإِيجَابُ الشُّفْعَةِ فِيهَا خِلَافُ الْمَشْرُوعِ وَقَلْبُ الْمَوْضُوعِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَجِبُ فِيهَا الشُّفْعَةُ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْوَاضَ مُتَقَوِّمَةٌ عِنْدَهُ فَأَمْكَنَ الْأَخْذُ بِقِيمَتِهَا إنْ تَعَذَّرَ بِمِثْلِهَا كَمَا فِي الْبَيْعِ بِالْعَرْضِ، بِخِلَافِ الْهِبَةِ لِأَنَّهُ لَا عِوَضَ فِيهَا رَأْسًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَإِذَا مَلَكَ الْعَقَارَ بِعِوَضٍ هُوَ مَالٌ إلَخْ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا تَجِبُ فِي الْعَقَارِ وَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ تُتَمَلَّكَ بِمَا هُوَ مَالٌ (لِأَنَّهُ أَمْكَنَ مُرَاعَاةُ شَرْطِ الشَّرْعِ فِيهِ وَهُوَ التَّمَلُّكُ بِمِثْلِ مَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي صُورَةً) فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ أَوْ قِيمَةً فِي ذَوَاتِ الْقِيَمِ عَلَى مَا مَرَّ فِي فَصْلِ مَا يُؤْخَذُ بِهِ الْمَشْفُوعُ وَاجِبَةً، وَهِيَ إنَّمَا تُمْكِنُ إذَا كَانَ الْعِوَضُ مَالًا فَإِنَّ الشَّرْعَ قَدَّمَ الشَّفِيعَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي إثْبَاتِ حَقِّ الْأَخْذِ لَهُ بِذَلِكَ السَّبَبِ لَا بِإِنْشَاءِ سَبَبٍ آخَرَ، وَلِهَذَا لَا يَجِبُ فِي الْمَوْهُوبِ، لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ أَخَذَهُ بِعِوَضٍ وَكَانَ سَبَبًا غَيْرَ السَّبَبِ الَّذِي يَمْلِكُ بِهِ الْمُتَمَلِّكُ وَعَلَى هَذَا (لَا شُفْعَةَ فِي الدَّارِ يَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ عَلَيْهَا أَوْ يُخَالِعُ الْمَرْأَةَ بِهَا أَوْ يَسْتَأْجِرُ بِهَا دَارًا أَوْ غَيْرَهَا أَوْ يُصَالِحُ بِهَا عَنْ دَمِ عَمْدٍ) أَيْ غَيْرِ دَارٍ مِنْ عَبْدٍ أَوْ حَانُوتٍ وَيُصَالِحُ بِهَا عَنْ دَمِ الْعَمْدِ أَوْ يُعْتِقُ عَلَيْهِ عَبْدًا، لِأَنَّ الشَّفِيعَ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَمَلُّكِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِلْمُشْتَرِي حَتَّى يَتَحَقَّقَ التَّمَلُّكُ بِمِثْلِ مَا تَمَلَّكَ بِهِ، وَكَانَ تَفْرِيعُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ مُرَاعَاةُ شَرْطِ الشَّرْعِ إلَخْ كَافِيًا، وَلَكِنَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِدَلِيلٍ مُسْتَقِلٍّ وَهُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ عِنْدَنَا إنَّمَا تَجِبُ إلَخْ اسْتِظْهَارًا. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَجِبُ فِيهَا الشُّفْعَةُ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْوَاضَ مُتَقَوِّمَةٌ عِنْدَهُ فَأَمْكَنَ الْأَخْذُ بِقِيمَتِهَا وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَأَجْرُ الْمِثْلِ فِي التَّزَوُّجِ وَالْخُلْعِ وَالْإِجَارَةِ وَقِيمَةِ الدَّارِ وَالْعَبْدِ فِي الصُّلْحِ وَالْإِعْتَاقِ (إنْ تَعَذَّرَ الْأَخْذُ بِمِثْلِهَا كَمَا فِي الْبَيْعِ بِالْعَرْضِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ لِأَنَّهُ لَا عِوَضَ فِيهَا أَصْلًا) وَقَوْلُهُ:

وَقَوْلُهُ يَتَأَتَّى فِيمَا إذَا جَعَلَ شِقْصًا مِنْ دَارٍ مَهْرًا أَوْ مَا يُضَاهِيهِ لِأَنَّهُ لَا شُفْعَةَ عِنْدَهُ إلَّا فِيهِ وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ تَقَوُّمَ مَنَافِعِ الْبُضْعِ فِي النِّكَاحِ وَغَيْرِهَا بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ ضَرُورِيٌّ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الشُّفْعَةِ، وَكَذَا الدَّمُ وَالْعِتْقُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ لِأَنَّ الْقِيمَةَ مَا يَقُومُ مَقَامَ غَيْرِهِ فِي الْمَعْنَى الْخَاصِّ الْمَطْلُوبِ وَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِمَا، وَعَلَى هَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ مَهْرٍ ثُمَّ فَرَضَ لَهَا الدَّارَ مَهْرًا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَفْرُوضِ فِي الْعَقْدِ فِي كَوْنِهِ مُقَابِلًا بِالْبُضْعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ بِالْمُسَمَّى لِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى دَارٍ عَلَى أَنْ تَرُدَّ عَلَيْهِ أَلْفًا فَلَا شُفْعَةَ فِي جَمِيعِ الدَّارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: تَجِبُ فِي حِصَّةِ الْأَلْفِ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ مَالِيَّةٌ فِي حَقِّهِ. وَهُوَ يَقُولُ مَعْنَى الْبَيْعِ فِيهِ تَابِعٌ وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَلَا يَفْسُدُ بِشَرْطِ النِّكَاحِ فِيهِ، وَلَا شُفْعَةَ فِي الْأَصْلِ فَكَذَا فِي التَّبَعِ، وَلِأَنَّ الشُّفْعَةَ شُرِعَتْ فِي الْمُبَادَلَةِ الْمَالِيَّةِ الْمَقْصُودَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَتَأَتَّى فِيمَا إذَا جَعَلَ شِقْصًا مِنْ دَارٍ مَهْرًا أَوْ مَا يُضَاهِيهِ) أَيْ مَا يُشَابِهُ الْمَهْرَ كَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالْأَجْرِ (لِأَنَّهُ لَا شُفْعَةَ عِنْدَهُ إلَّا فِيهِ) حَيْثُ لَا يَرَى الشُّفْعَةَ لَا فِي الْجِوَارِ وَلَا فِيمَا لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ كَالْحَمَّامِ (وَنَحْنُ نَقُولُ) جَوَابٌ عَنْ جَعْلِهِ هَذِهِ الْأَعْوَاضَ مُتَقَوِّمَةً، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ تَقَوُّمَ هَذِهِ الْأَعْوَاضِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا أَوْ ضَرُورِيًّا، وَالْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الشُّفْعَةِ (قَوْلُهُ وَكَذَا الدَّمُ وَالْعِتْقُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ) وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُمَا لِأَنَّ تَقَوُّمَهُمَا أَبْعَدُ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمَالَيْنِ فَضْلًا عَنْ التَّقَوُّمِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ الْقِيمَةَ مَا يَقُومُ مَقَامَ غَيْرِهِ فِي الْمَعْنَى الْخَاصِّ الْمَطْلُوبِ) وَهُوَ الْمَالِيَّةُ لِأَنَّ الْقِيمَةَ إنَّمَا تَقُومُ مَقَامَ الْغَيْرِ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ لَا بِغَيْرِهَا مِنْ الْأَوْصَافِ كَالْجَوْهَرِيَّةِ وَالْجِسْمِيَّةِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ الْمَعْنَى الْخَاصُّ فِيهِمَا لِأَنَّ الْعِتْقَ إسْقَاطٌ، وَإِزَالَةُ الدَّمِ لَيْسَ إلَّا حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ وَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا يُتَمَوَّلُ بِهِ وَيُدَّخَرُ. وَقَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا) لِبَيَانِ أَنَّ الْفَرْضَ عِنْدَ الْعَقْدِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ فِي كَوْنِهِ مُقَابَلًا بِالْبُضْعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الدَّارَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ بِالْمُسَمَّى فَإِنَّ فِيهِ الشُّفْعَةَ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْبَيْعَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ فَاسِدٌ لِجَهَالَتِهِ وَلَا شُفْعَةَ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ جَازَ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمَا وَبِأَنَّهُ جَهَالَةٌ فِي السَّاقِطِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَالْمَفْسَدَةِ مَا أَفَضْت إلَيْهَا (وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى دَارٍ عَلَى أَنْ تَرُدَّ عَلَيْهِ أَلْفًا فَلَا شُفْعَةَ فِي جَمِيعِ الدَّارِ) أَيْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا (وَقَالَا: تَجِبُ فِي حِصَّةِ الْأَلْفِ) تُقْسَمُ قِيمَةُ الدَّارِ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ وَأَلْفِ دِرْهَمٍ (لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ مَالِيَّةٌ فِي حَقِّهِ) أَيْ فِي حَقِّ مَا يَخُصُّ الْأَلْفَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ مَعْنَى الْبَيْعِ فِيهِ تَابِعٌ وَالْمَقْصُودُ هُوَ النِّكَاحُ (وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَلَا يَفْسُدُ بِشَرْطِ النِّكَاحِ فِيهِ) وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ أَصْلًا يَفْسُدُ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْت مِنْك هَذِهِ الدَّارَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تُزَوِّجِينِي نَفْسَك. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الشُّفْعَةَ) دَلِيلٌ آخَرُ، وَفِيهِ إشَارَةً إلَى دَفْعِ مَا يُقَالُ الشُّفْعَةُ تُفْضِي إلَى الْمُبَادَلَةِ الْمَالِيَّةِ، وَأَمَّا أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمَقْصُودَةُ فَمَمْنُوعٌ. وَوَجْهُهُ أَنَّ

حَتَّى أَنَّ الْمُضَارِبَ إذَا بَاعَ دَارًا وَفِيهَا رِبْحٌ لَا يَسْتَحِقُّ رَبُّ الْمَالِ الشُّفْعَةَ فِي حِصَّةِ الرِّبْحِ لِكَوْنِهِ تَابِعًا فِيهِ قَالَ (أَوْ يُصَالِحُ عَلَيْهَا بِإِنْكَارٍ، فَإِنْ صَالَحَ عَلَيْهَا بِإِقْرَارٍ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَكَذَا ذُكِرَ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ، وَالصَّحِيحُ أَوْ يُصَالِحُ عَنْهَا بِإِنْكَارٍ مَكَانَ قَوْلِهِ أَوْ يُصَالِحُ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ إذَا صَالَحَ عَنْهَا بِإِنْكَارٍ بَقِيَ الدَّارُ فِي يَدِهِ فَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّهَا لَمْ تَزُلْ عَنْ مِلْكِهِ، وَكَذَا إذَا صَالَحَ عَنْهَا بِسُكُوتٍ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ بَذَلَ الْمَالَ افْتِدَاءً لِيَمِينِهِ وَقَطْعًا لِشَغَبِ خَصْمِهِ، كَمَا إذَا أَنْكَرَ صَرِيحًا، بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ عَنْهَا بِإِقْرَارٍ لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِالْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي، وَإِنَّمَا اسْتَفَادَهُ بِالصُّلْحِ فَكَانَ مُبَادَلَةً مَالِيَّةً. أَمَّا إذَا صَالَحَ عَلَيْهَا بِإِقْرَارٍ أَوْ سُكُوتٍ أَوْ إنْكَارٍ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا عِوَضًا عَنْ حَقِّهِ فِي زَعْمِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِهِ فَيُعَامَلَ بِزَعْمِهِ قَالَ (وَلَا شُفْعَةَ فِي هِبَةٍ لِمَا ذَكَرْنَا، إلَّا أَنْ تَكُونَ بِعِوَضٍ مَشْرُوطٍ) لِأَنَّهُ بَيْعٌ انْتِهَاءً، وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبْضِ وَأَنْ لَا يَكُونَ الْمَوْهُوبُ وَلَا عِوَضُهُ شَائِعًا لِأَنَّهُ هِبَةٌ ابْتِدَاءً وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْعِوَضُ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هِبَةٌ مُطْلَقَةٌ، إلَّا أَنَّهُ أُثِيبَ مِنْهَا فَامْتَنَعَ الرُّجُوعُ قَالَ (وَمَنْ بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ) لِأَنَّهُ يَمْنَعُ زَوَالَ الْمِلْكِ عَنْ الْبَائِعِ (فَإِنْ أُسْقِطَ الْخِيَارُ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ) لِأَنَّهُ زَالَ الْمَانِعُ عَنْ الزَّوَالِ وَيُشْتَرَطُ الطَّلَبُ عِنْدَ سُقُوطِ الْخِيَارِ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَصِيرُ سَبَبًا لِزَوَالِ الْمِلْكِ عِنْدَ ذَلِكَ. (وَإِنْ اشْتَرَى بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَجَبَ الشُّفْعَةُ) لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ زَوَالَ الْمِلْكِ عَنْ الْبَائِعِ بِالِاتِّفَاقِ، وَالشُّفْعَةُ تُبْتَنَى عَلَيْهِ عَلَى مَا مَرَّ، وَإِذَا أَخَذَهَا فِي الثُّلُثِ وَجَبَ الْبَيْعُ لِعَجْزِ الْمُشْتَرِي عَنْ الرَّدِّ، وَلَا خِيَارَ لِلشَّفِيعِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِالشَّرْطِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQكَوْنَهَا مَقْصُودَةً لَا بُدَّ مِنْهُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُضَارِبَ إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفًا فَاتَّجَرَ وَرَبِحَ أَلْفًا ثُمَّ اشْتَرَى بِأَلْفَيْنِ دَارًا فِي جِوَارِ رَبِّ الْمَالِ ثُمَّ بَاعَهَا بِالْأَلْفَيْنِ فَإِنَّ رَبَّ الْمَالِ لَا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ فِي حِصَّةِ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ لِأَنَّ الرِّبْحَ تَبَعٌ لِرَأْسِ الْمَالِ، وَلَيْسَ فِي مُقَابَلَةِ رَأْسِ الْمَالِ شُفْعَةٌ لِرَبِّ الْمَالِ لِأَنَّ الْبَيْعَ كَانَ لِرَبِّ الْمَالِ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ وَكِيلُهُ فِي حَقِّهِ وَلَيْسَ فِي بَيْعِ الْوَكِيلِ شُفْعَةٌ لِلْمُوَكِّلِ عَلَى مَا يَجِيءُ فَكَذَا فِي حِصَّةِ الرِّبْحِ وَهُوَ الْبَيْعُ. قَالَ (أَوْ يُصَالِحُ عَلَيْهَا بِإِنْكَارٍ إلَخْ) عَطَفَ الْقُدُورِيُّ قَوْلَهُ أَوْ يُصَالِحُ عَلَيْهَا بِإِنْكَارٍ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ يُعْتِقُ عَلَيْهَا عَبْدًا مِنْ الصُّوَرِ الَّتِي لَا يَجِبُ فِيهَا الشُّفْعَةُ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ بِلَفْظِ عَلَيْهَا كَمَا وَقَعَ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِهِ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ الْعِوَضُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ، وَقُيِّدَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ بِأَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْمُصَالَحِ عَنْهُ حَقَّهُ كَانَ آخِذًا حَقَّهُ فَلَيْسَ فِيهِ مُعَاوَضَةٌ فَلَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ. قَوْلُهُ (وَلَا شُفْعَةَ فِي هِبَةٍ لِمَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي فِي قَوْلِهِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ لِأَنَّهُ لَا عِوَضَ فِيهَا رَأْسًا (إلَّا أَنْ يَكُونَ بِعِوَضٍ مَشْرُوطٍ) فِي الْعَقْدِ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبْضِ، فَإِنَّهُ إذَا وَهَبَ دَارًا لِرَجُلٍ عَلَى أَنْ يَهَبَ لَهُ الْآخَرُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ مَا لَمْ يَتَقَابَضَا (وَلَا بُدَّ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَوْهُوبُ وَلَا عِوَضُهُ شَائِعًا لِأَنَّهُ هِبَةٌ ابْتِدَاءً، وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ) لِأَنَّ الْهِبَةَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً وَمُعَاوَضَةٌ انْتِهَاءً، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْعِوَضُ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ فَإِنَّهُ لَا تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لَا فِي الْمَوْهُوبِ وَلَا فِي الْعِوَضِ إنْ كَانَ الْعِوَضُ دَارًا (لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُطْلَقَةٌ عَنْ الْعِوَضِ، إلَّا أَنَّهُ أُثِيبَ مِنْهَا فَامْتَنَعَ الرُّجُوعُ) وَلَا شُفْعَةَ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ زَوَالَ الْمِلْكِ عَنْ الْبَائِعِ، وَبَقَاءُ حَقِّ الْبَائِعِ يَمْنَعُ الشُّفْعَةَ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، فَلَأَنْ يَمْنَعَ بَقَاءَ مِلْكِهِ كَانَ أَوْلَى (فَإِنْ أَسْقَطَ الْخِيَارَ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ عَنْ الزَّوَالِ (وَيُشْتَرَطُ الطَّلَبُ عِنْدَ سُقُوطِ الْخِيَارِ فِي الصَّحِيحِ) لِأَنَّ الْبَيْعَ يَصِيرُ سَبَبًا لِزَوَالِ الْمِلْكِ عِنْدَ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ: إنَّهُ يُشْتَرَطُ الطَّلَبُ عِنْدَ وُجُودِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ هُوَ السَّبَبُ (قَوْلُهُ وَإِنْ اشْتَرَى بِشَرْطِ إلَخْ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا مَرَّ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ مِنْ قَبْلُ وَتَجِبُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ إلَى أَنْ قَالَ: وَالْوَجْهُ فِيهِ أَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا تَجِبُ إذَا رَغِبَ الْبَائِعُ عَنْ مِلْكِ الدَّارِ إلَخْ (قَوْلُهُ وَإِذَا أَخَذَهَا) أَيْ أَخَذَ الشَّفِيعُ الدَّارَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ (وَجَبَ الْبَيْعُ وَسَقَطَ الْخِيَارُ بِعَجْزِ الْمُشْتَرِي عَنْ الرَّدِّ، وَلَا خِيَارَ لِلشَّفِيعِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِالشَّرْطِ

وَهُوَ لِلْمُشْتَرِي دُونَ الشَّفِيعِ، وَإِنْ بِيعَتْ دَارٌ إلَى جَنْبِهَا وَالْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا فَلَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ أَمَّا لِلْبَائِعِ فَظَاهِرٌ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ فِي الَّتِي يُشْفَعُ بِهَا، وَكَذَا إذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَفِيهِ إشْكَالٌ أَوْضَحْنَاهُ فِي الْبُيُوعِ فَلَا نُعِيدُهُ، وَإِذَا أَخَذَهَا كَانَ إجَازَةً مِنْهُ لِلْبَيْعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَاهَا وَلَمْ يَرَهَا حَيْثُ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ بِأَخْذِ مَا بِيعَ بِجَنْبِهَا بِالشُّفْعَةِ، لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَا يَبْطُلُ بِصَرِيحِ الْإِبْطَالِ فَكَيْفَ بِدَلَالَتِهِ، ثُمَّ إذَا حَضَرَ شَفِيعُ الدَّارِ الْأُولَى لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا دُونَ الثَّانِيَةِ لِانْعِدَامِ مِلْكِهِ فِي الْأُولَى حِينَ بِيعَتْ الثَّانِيَةُ قَالَ (وَمَنْ ابْتَاعَ دَارًا شِرَاءً فَاسِدًا فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا) أَمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلِعَدَمِ زَوَالِ مِلْكِ الْبَائِعِ، وَبَعْدَ الْقَبْضِ لِاحْتِمَالِ الْفَسْخِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ لِلْمُشْتَرِي دُونَ الشَّفِيعِ وَإِنْ بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا وَالْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا) أَيْ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ مِنْ الْمُشْتَرِي (فَلَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ أَمَّا الْبَائِعُ فَظَاهِرٌ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ فِي الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا) فَإِنْ أَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ كَانَ نَقْضًا لِبَيْعِهِ لِأَنَّهُ قَرَّرَ مِلْكَهُ، وَإِقْرَارُ الْبَائِعِ عَلَى إقْرَارِ مِلْكِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ نَقْضٌ لِلْبَيْعِ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُجْعَلْ نَقْضًا لَكَانَ إذَا أَجَازَ الْبَيْعَ فِيهَا مَلَكَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ حِينِ الْعَقْدِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ بِزَوَائِدِهَا الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخَذَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ (وَكَذَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ) لِلْمُشْتَرِي (وَفِيهِ إشْكَالٌ) وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْبَلْخِيُّ مِنْ أَنَّ أَصْلَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِخِيَارِ الشَّرْطِ لَا يَمْلِكُ الْمَبِيعَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَالشُّفْعَةُ لَا تُسْتَحَقُّ إلَّا بِالْمِلْكِ فَكَانَ تَنَاقُضًا. وَقَوْلُهُ (أَوْضَحْنَاهُ فِي الْبُيُوعِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هَذِهِ الْحَوَالَةُ فِي حَقِّ الْإِشْكَالِ غَيْرُ رَائِجَةٍ، بَلْ فِيهِ جَوَابُ الْإِشْكَالِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى دَارًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فَبِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا إلَخْ. وَقِيلَ إذَا كَانَتْ الْحَوَالَةُ فِي حَقِّ جَوَابِ الْإِشْكَالِ رَائِجَةً كَانَتْ فِي حَقِّ السُّؤَالِ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْجَوَابَ يَتَضَمَّنُ السُّؤَالَ. وَقِيلَ لَمْ يَقُلْ فِي الْبُيُوعِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ وَاضِحَةً فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى، وَلَوْ كَانَ بِالْخِيَارِ لَهُمَا لَمْ تَثْبُتْ الشُّفْعَةُ لِأَجْلِ خِيَارِ الْبَائِعِ لَا لِأَجْلِ خِيَارِ الْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ وَإِذَا أَخَذَهَا) يَعْنِي أَخَذَ الْمُشْتَرِي بِخِيَارِ الشَّرْطِ الدَّارَ الْمَبِيعَةَ بِجَنْبِ الدَّارِ الْمُشْتَرَاةِ كَانَ الْأَخْذُ مِنْهُ إجَازَةً لِلْبَيْعِ الْأَوَّلِ فَيَسْقُطُ خِيَارُهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي طَرَفِ الْبَائِعِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَاهَا وَلَمْ يَرَهَا) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ إذَا حَضَرَ شَفِيعُ الدَّارِ الْأُولَى) يَعْنِي الَّتِي اشْتَرَاهَا الْمُشْتَرِي بِشَرْطِ الْخِيَارِ (لَهُ) أَيْ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا دُونَ الثَّانِيَةِ وَهِيَ الَّتِي أَخَذَهَا الْمُشْتَرِي بِطَرِيقِ الشُّفْعَةِ لِانْعِدَامِ مِلْكِهِ فِي الْأُولَى حِينَ بِيعَتْ الثَّانِيَةُ. قَالَ (وَمَنْ ابْتَاعَ دَارًا شِرَاءً فَاسِدًا) أَوَّلُ كَلَامِهِ ظَاهِرٌ. وَفِي قَوْلِ وَمَنْ ابْتَاعَ دَارًا شِرَاءً فَاسِدًا تَلْوِيحٌ إلَى أَنَّ عَدَمَ الشُّفْعَةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا وَقَعَ

وَحَقُّ الْفَسْخِ ثَابِتٌ بِالشَّرْعِ لِدَفْعِ الْفَسَادِ، وَفِي إثْبَاتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ تَقْرِيرُ الْفَسَادِ فَلَا يَجُوزُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ صَارَ أَخَصَّ بِهِ تَصَرُّفًا وَفِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مَمْنُوعٌ عَنْهُ قَالَ (فَإِنْ سَقَطَ حَقُّ الْفَسْخِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَاسِدًا ابْتِدَاءً، لِأَنَّ الْفَسَادَ إذَا كَانَ بَعْدَ انْعِقَادِهِ صَحِيحًا فَحَقُّ الشُّفْعَةِ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ النَّصْرَانِيَّ إذَا اشْتَرَى مِنْ نَصْرَانِيٍّ دَارًا بِخَمْرٍ وَلَمْ يَتَقَابَضَا حَتَّى أَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا أَوْ قَبَضَ الدَّارَ وَلَمْ يَقْبِضْ الْخَمْرَ فَإِنَّهُ يَفْسُدُ الْبَيْعُ وَحَقُّ الشَّفِيعِ فِي الشُّفْعَةِ بَاقٍ لِأَنَّ فَسَادَهَا بَعْدَ وُقُوعِهِ صَحِيحًا (قَوْلُهُ وَفِي إثْبَاتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ تَقْرِيرُ الْفَسَادِ فَلَا يَجُوزُ) يَعْنِي الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ. وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ لَا يَثْبُتَ الْمُفْسِدُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ كَمَا لَمْ يَثْبُتْ فِي حَقِّهِ الْخِيَارُ الثَّابِتُ لِلْمُشْتَرِي الَّذِي اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَيَثْبُتُ الْبَيْعُ فِي حَقِّهِ بِلَا مُفْسِدٍ لِيَصِلَ إلَى حَقِّهِ، وَلَا يَلْزَمُ تَقْرِيرُ الْفَسَادِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ فَسَادَ الْبَيْعِ إنَّمَا ثَبَتَ لِمَعْنًى رَاجِعٍ إلَى الْعِوَضِ، إمَّا بِالشَّرْطِ فِي حَقِّهِ أَوْ الْفَسَادِ فِي نَفْسِهِ كَجَعْلِ الْخَمْرِ ثَمَنًا، فَلَوْ أَسْقَطْنَا الْعِوَضَ لِفَسَادٍ فِيهِ رَجَعَ الْبَيْعُ بِلَا ثَمَنٍ وَهُوَ فَاسِدٌ، وَمَا يَلْزَمُ مِنْ فَرْضِ عَدَمِهِ وُجُودُهُ فَهُوَ مَوْجُودٌ فَلَا يُمْكِنُ انْفِكَاكُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ عَنْ مُفْسِدٍ. وَأَمَّا الْبَيْعُ الصَّحِيحُ فَيُمْكِنُ وُجُودُهُ بِلَا شَرْطِ خِيَارٍ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: احْتِمَالُ الْفَسْخِ فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ إذَا كَانَ الْخِيَارُ فِيهِ لِلْمُشْتَرِي قَائِمٌ وَلَمْ يَمْنَعْ حَقَّ الشُّفْعَةِ. وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنَّ مُشْتَرِيَ ذَلِكَ صَارَ أَخَصَّ بِالْبَيْعِ تَصَرُّفًا حَيْثُ تَعَلَّقَ بِتَصَرُّفِهِ الْفَسْخُ وَالْإِجَازَةُ، وَذَلِكَ يُوجِبُ حَقَّ الشُّفْعَةِ كَالْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ إذَا بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا، وَفِي الْفَاسِدِ الْمُشْتَرِي مَمْنُوعٌ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفَسْخَ وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا فِيهِمَا لَكِنْ فِي الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْحَالِ عَلَى وَجْهٍ يُزِيلُ مُوجِبَ الِاحْتِمَالِ بِإِسْقَاطِهِ، وَفِي الْفَاسِدِ لَا يَمْلِكُ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ التَّصَرُّفِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ التَّصَرُّفِ، بَلْ لَهُ أَنْ يَبِيعَ بَيْعًا صَحِيحًا وَلَا يَبْقَى لِبَائِعِهِ حَقُّ النَّقْضِ، وَفِيهِ تَقْرِيرُ الْفَسَادِ أَيْضًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ بَلْ هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَقَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمَحْظُورِ مِنْ الْأَحْكَامِ كَالْوَطْءِ حَالَةَ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ يُحَلِّلُ الْمَرْأَةَ عَلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ، وَتَقْرِيرُ الْفَسَادِ الْمَأْمُورِ بِنَقْضِهِ مِنْ الشَّرْعِ مُمْتَنِعٌ، وَفِي شَرْعِ الشُّفْعَةِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ ذَلِكَ وَالْبَيْعُ الْمَحْظُورُ الصَّادِرُ مِنْ الْعَبْدِ لَيْسَ بِمُضَافٍ إلَى الشَّرْعِ. وَأَرَى أَنَّ قَوْلَهُ وَحَقُّ الْفَسْخِ ثَابِتٌ بِالشَّرْعِ لِدَفْعِ الْفَسَادِ وَفِي إثْبَاتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ تَقْرِيرُهُ لَهُ كَانَ كَافِيًا، وَوُرُودُ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي كَانَ يَنْدَفِعُ بِقَوْلِهِ لِدَفْعِ الْفَسَادِ، فَإِنَّ الْفَسْخَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا بِالشَّرْعِ لَكِنَّهُ لَيْسَ لِدَفْعِ الْفَسَادِ، وَلَكِنَّهُ أَتَى بِالسُّؤَالِ وَالْجَوَابِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الشُّفْعَةَ تُسْتَحَقُّ عَلَى الْمَالِكِ بِمِلْكٍ غَيْرِ مَحْظُورٍ أَوْ عَلَى مَنْ صَارَ أَحَقَّ بِالْبَيْعِ تَصَرُّفًا، وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا فَهُوَ أَحَقُّ بِالتَّصَرُّفِ، وَالْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا لَيْسَ مِنْهُمَا، فَإِنْ سَقَطَ الْفَسْخُ بِالزِّيَادَةِ فِي الْمَبِيعِ كَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِالْبَيْعِ مِنْ آخَرَ بِالِاتِّفَاقِ وَجَبَتْ

وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَإِنْ بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا وَهِيَ فِي يَدِ الْبَائِعِ بَعْدُ فَلَهُ الشُّفْعَةُ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ، وَإِنْ سَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي فَهُوَ شَفِيعُهَا لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ) ثُمَّ إنْ سَلَّمَ الْبَائِعُ قَبْلَ الْحُكْمِ بِالشُّفْعَةِ لَهُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ كَمَا إذَا بَاعَ، بِخِلَافِ مَا إذَا سَلَّمَ بَعْدَهُ لِأَنَّ بَقَاءَ مِلْكِهِ فِي الدَّارِ الَّتِي يُشْفَعُ بِهَا بَعْدَ الْحُكْمِ بِالشُّفْعَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَبَقِيَتْ الْمَأْخُوذَةُ بِالشُّفْعَةِ عَلَى مِلْكِهِ، وَإِنْ اسْتَرَدَّهَا الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْحُكْمِ بِالشُّفْعَةِ لَهُ بَطَلَتْ لِانْقِطَاعِ مِلْكِهِ عَنْ الَّتِي يُشْفَعُ بِهَا قَبْلَ الْحُكْمِ بِالشُّفْعَةِ، وَإِنْ اسْتَرَدَّهَا بَعْدَ الْحُكْمِ بَقِيَتْ الثَّانِيَةُ عَلَى مِلْكِهِ لِمَا بَيَّنَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQالشُّفْعَةُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ (وَإِنْ بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا وَهِيَ فِي يَدِ الْبَائِعِ بَعْدُ فَلِلْبَائِعِ الشُّفْعَةُ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ، وَإِنْ سَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي فَهُوَ) أَيْ الْمُشْتَرِي (شَفِيعُهَا، لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ) لَا يُقَالُ: فِي ذَلِكَ تَقْرِيرُ الْفَسَادِ حَيْثُ أَخَذَ الدَّارَ الْمَبِيعَةَ بِالشُّفْعَةِ بِالدَّارِ الْمُشْتَرَاةِ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ. لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُشْتَرِي بَعْدَ أَخْذِ الدَّارِ الثَّانِيَةِ بِالشُّفْعَةِ مُتَمَكِّنٌ مِنْ نَقْضِ الْمُشْتَرَاةِ شِرَاءً فَاسِدًا مَعَ عَدَمِ الْفَسَادِ فِي الَّتِي أَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ؛ فَإِنَّهُ لَوْ ثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ ثَمَّ لَانْتَقَلَ الشِّرَاءُ الْفَاسِدُ مِنْ الْمُشْتَرِي إلَى الشَّفِيعِ بِوَصْفِ الْفَسَادِ، وَفِي ذَلِكَ تَقْرِيرُهُ فَلَا يَجُوزُ. فَإِنْ قِيلَ: الْمِلْكُ وَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَهُوَ يَقْتَضِي ثُبُوتَ حَقِّ الشُّفْعَةِ لَكِنَّ الْمَانِعَ مُتَحَقِّقٌ وَهُوَ بَقَاءُ حَقِّ الْبَائِعِ فِي اسْتِرْدَادِ مَا يَثْبُتُ بِهِ حَقُّ الشُّفْعَةِ، وَهُوَ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا، فَإِنَّ بَقَاءَ ذَلِكَ مَنْعُ الشُّفْعَةِ عَنْ أَخْذِ الْمُشْتَرِي بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ مُجَرَّدُ تَعَلُّقٍ بِحَقِّ الْغَيْرِ وَهُوَ الْمَنْعُ عَنْ الشُّفْعَةِ، كَقِيَامِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الشُّفْعَةِ لِلرَّاهِنِ إذَا بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا وَامْتِنَاعُ الشَّفِيعِ عَنْ الْأَخْذِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ لَمْ يَكُنْ لِمُجَرَّدِ بَقَاءِ حَقِّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ بَلْ مَعَ لُزُومِ تَقْرِيرِ الْفَسَادِ، وَلَا تَقْرِيرَ هَاهُنَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَمَكُّنِ الْمُشْتَرِي مِنْ فَسْخِ مَا اشْتَرَاهُ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ (ثُمَّ إنْ سَلَّمَ الْبَائِعُ) الدَّارَ الْمَبِيعَةَ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ إلَى الْمُشْتَرِي (قَبْلَ الْحُكْمِ بِالشُّفْعَةِ) لِلْبَائِعِ (بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ) لِزَوَالِ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهَا بِهِ (كَمَا إذَا بَاعَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ بَعْدَهُ) لِأَنَّ بَقَاءَ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الشُّفْعَةَ فِي مِلْكِ الشَّفِيعِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ (وَإِنْ اسْتَرَدَّهَا) أَيْ الدَّارَ الْمَبِيعَةَ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِنْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْحُكْمِ بِالشُّفْعَةِ لَهُ بَطَلَتْ شُفْعَةُ الْمُشْتَرِي لِانْقِطَاعِ مِلْكِهِ عَمَّا اسْتَحَقَّهَا بِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا، وَلَا تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي وَقْتِ بَيْعِ الْمَشْفُوعِ جَارًا (وَإِنْ اسْتَرَدَّهَا بَعْدَ الْحُكْمِ بَقِيَتْ الثَّانِيَةُ عَلَى مِلْكِهِ لِمَا بَيَّنَّا) أَنَّ بَقَاءَ مِلْكِهِ فِي الدَّارِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا بَعْدَ الْحُكْمِ

قَالَ (وَإِذَا اقْتَسَمَ الشُّرَكَاءُ الْعَقَارَ فَلَا شُفْعَةَ لِجَارِهِمْ بِالْقِسْمَةِ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهَا مَعْنَى الْإِفْرَازِ وَلِهَذَا يَجْرِي فِيهَا الْجَبْرُ؛ وَالشُّفْعَةُ مَا شُرِعَتْ إلَّا فِي الْمُبَادَلَةِ الْمُطْلَقَةِ قَالَ (وَإِذَا اشْتَرَى دَارًا فَسَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ ثُمَّ رَدَّهَا الْمُشْتَرِي بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ قَاضٍ فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ) لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَعَادَ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ وَالشُّفْعَةُ فِي إنْشَاءِ الْعَقْدِ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الْقَبْضِ وَعَدَمِهِ (وَإِنْ رَدَّهَا بِعَيْبٍ بِغَيْرِ قَضَاءٍ أَوْ تَقَايَلَا الْبَيْعَ فَلِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ) لِأَنَّهُ فَسْخٌ فِي حَقِّهِمَا لِوِلَايَتِهِمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَقَدْ قَصَدَا الْفَسْخَ وَهُوَ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقٍّ ثَالِثٍ لِوُجُودِ حَدِّ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِالتَّرَاضِي وَالشَّفِيعُ ثَالِثٌ، وَمُرَادُهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ لِأَنَّ قَبْلَهُ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ وَإِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالشُّفْعَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ. قَالَ (وَإِذَا اقْتَسَمَ الشُّرَكَاءُ الْعَقَارَ فَلَا شُفْعَةَ لِجَارِهِمْ بِالْقِسْمَةِ إلَخْ) وَإِذَا اقْتَسَمَ الشُّرَكَاءُ الْعَقَارَ فَلَا شُفْعَةَ لِجَارِهِمْ بِالْقِسْمَةِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهَا مَعْنَى الْإِفْرَازِ (وَلِهَذَا يَجْرِي فِيهَا جَبْرُ الْقَاضِي وَالشُّفْعَةُ مَا شُرِعَتْ إلَّا فِي الْمُبَادَلَةِ الْمُطْلَقَةِ) وَلِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ لَوَجَبَتْ لِلْمُقَاسِمِ لِكَوْنِهِ جَارًا بَعْدَ الْإِفْرَازِ وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ (وَإِذَا اشْتَرَى دَارًا فَسَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ ثُمَّ رَدَّهَا الْمُشْتَرِي بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ خِيَارِ شَرْطٍ أَوْ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ قَاضٍ فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَعَادَ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ) وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا: يَعْنِي فِيمَا إذَا كَانَ الرَّدُّ بِالْقَضَاءِ بَيْنَ الْقَبْضِ وَعَدَمِهِ. وَأَمَّا إذَا رَدَّهَا بِعَيْبٍ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَا شُفْعَةَ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ وَلِهَذَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّدِّ بِغَيْرِ رِضَا صَاحِبِهِ أَوْ قَضَاءِ الْقَاضِي، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي وَهُوَ مُرَادُ الْقُدُورِيِّ فَفِيهَا الشُّفْعَةُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ. قَالَ الشَّارِحُونَ: قَوْلُهُ وَمُرَادُهُ: أَيْ مُرَادُ الْقُدُورِيِّ فِي قَوْلِهِ أَوْ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ قَاضٍ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُنَاقِضُ قَوْلَهُ هُنَاكَ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الْقَبْضِ وَعَدَمِهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِبَيَانِ اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ وَمَا هُوَ صَحِيحٌ مِنْهُمَا، وَأَمَّا رِوَايَةُ الْكَسْرِ فَمَعْنَاهَا. وَلَا شُفْعَةَ فِي قِسْمَةٍ وَلَا فِي الرَّدِّ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ، وَأَمَّا رِوَايَةُ الْفَتْحِ فَقَدْ أَثْبَتَهَا الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَمَعْنَاهَا: لَا شُفْعَةَ وَلَا خِيَارَ رُؤْيَةٍ فِي قِسْمَةٍ، لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّهُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ طَلَبِ الْقِسْمَةِ فِي سَاعَتِهِ لَمْ يَكُنْ فِي الرَّدِّ فَائِدَةٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ سَيُعْلَمُ. وَأَنْكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ كَالصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَمَنْ تَابَعَهُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَالْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ

كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ عَلَى مَا عُرِفَ؛ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَلَا شُفْعَةَ فِي قِسْمَةٍ وَلَا خِيَارِ رُؤْيَةٍ، وَهُوَ بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَمَعْنَاهُ: لَا شُفْعَةَ بِسَبَبِ الرَّدِّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِمَا بَيَّنَّاهُ، وَلَا تَصِحُّ الرِّوَايَةُ بِالْفَتْحِ عَطْفًا عَلَى الشُّفْعَةِ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ مَحْفُوظَةٌ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّهُ يَثْبُتُ فِي الْقِسْمَةِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ لِأَنَّهُمَا يَثْبُتَانِ لِخَلَلٍ فِي الرِّضَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ لُزُومُهُ بِالرِّضَا، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْقِسْمَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَمَلَ رِوَايَةَ الْفَتْحِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ الرَّدَّ فِيهِ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ غَيْرُ مُفِيدٍ لِأَنَّ نَصِيبَهُ فِي الْقِسْمَةِ الثَّانِيَةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَا وَقَعَ فِي الْأُولَى أَوْ مِثْلَهُ، وَلَا فَائِدَةَ فِيهِ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ عَقَارًا أَوْ غَيْرَهُ فَإِنَّهُمْ إذَا اقْتَسَمُوا ثَانِيًا رُبَّمَا يَقَعُ نَصِيبُهُ فِيمَا يُوَافِقُهُ فَيَكُونُ مُفِيدًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[باب ما يبطل به الشفعة]

(بَابُ مَا يَبْطُلُ بِهِ الشُّفْعَةُ) قَالَ (وَإِذَا تَرَكَ الشَّفِيعُ الْإِشْهَادَ حِينَ عَلِمَ بِالْبَيْعِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ) لِإِعْرَاضِهِ عَنْ الطَّلَبِ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِعْرَاضَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ وَهِيَ عِنْدَ الْقُدْرَةِ (وَكَذَلِكَ إنْ أَشْهَدَ فِي الْمَجْلِسِ وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَى أَحَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ مَا يَبْطُلُ بِهِ الشُّفْعَةُ] ُ تَأْخِيرُ الْبُطْلَانِ عَنْ الثُّبُوتِ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ وَجْهٍ. اعْلَمْ أَنَّ تَسْلِيمَ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الْمَبِيعِ لَا يَصِحُّ وَبَعْدَهُ يَصِحُّ عَلِمَ الشَّفِيعُ بِوُجُوبِ الشُّفْعَةِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَعَلِمَ مَنْ أُسْقِطَ إلَيْهِ هَذَا الْحَقُّ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، لِأَنَّ تَسْلِيمَ الشُّفْعَةِ إسْقَاطُ حَقٍّ وَلِهَذَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ وَلَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ يَعْتَمِدُ وُجُوبَ الْحَقِّ دُونَ عِلْمِ الْمُسْقِطِ، وَالْمُسْقَطُ إلَيْهِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ (قَوْلُهُ وَإِذَا تَرَكَ الشَّفِيعُ الْإِشْهَادَ حِينَ عَلِمَ) يَعْنِي طَلَبَ الْمُوَاثَبَةَ بِالْبَيْعِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا بِذَلِكَ لِئَلَّا يَرُدَّ مَا ذُكِرَ قَبْلَ هَذَا أَنَّ الْإِشْهَادَ لَيْسَ بِشَرْطٍ. فَإِنْ تَرَكَ مَا لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي شَيْءٍ لَا يُبْطِلُهُ، وَيَعْضُدُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مِنْ قَبْلُ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ أَشْهَدَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ عَلَى الْمُطَالَبَةِ: أَيْ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةَ، وَقَوْلُهُ هَاهُنَا لِإِعْرَاضِهِ عَنْ الطَّلَبِ، وَهَذَا يَعْنِي اشْتِرَاطَهُ بِالْقُدْرَةِ (لِأَنَّ الْإِعْرَاضَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ وَهِيَ عِنْدَ الْقُدْرَةِ) فَالْإِعْرَاضُ يَتَحَقَّقُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ، حَتَّى لَوْ سَمِعَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَتَرَكَ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ فَهُوَ عَلَى

الْمُتَبَايِعَيْنِ وَلَا عِنْدَ الْعَقَارِ) وَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ قَالَ (وَإِنْ صَالَحَ مِنْ شُفْعَتِهِ عَلَى عِوَضٍ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَرَدَّ الْعِوَضَ) لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ لَيْسَ بِحَقٍّ مُتَقَرِّرٍ فِي الْمَحِلِّ، بَلْ هُوَ مُجَرَّدُ حَقِّ التَّمَلُّكِ فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ، وَلَا يَتَعَلَّقُ إسْقَاطُهُ بِالْجَائِزِ مِنْ الشَّرْطِ فَبِالْفَاسِدِ أَوْلَى فَيَبْطُلَ الشَّرْطُ وَيَصِحَّ الْإِسْقَاطُ ـــــــــــــــــــــــــــــQشُفْعَتِهِ، وَكَذَا إنْ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةَ وَتَرَكَ طَلَبَ التَّقْرِيرِ وَالْإِشْهَادَ عَلَى مَا أَوْضَحَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ صَالَحَ مِنْ شُفْعَتِهِ عَلَى عِوَضٍ بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ وَرَدَّ الْعِوَضَ) أَمَّا بُطْلَانُ الشُّفْعَةِ فَلِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ لَيْسَ بِحَقٍّ مُتَقَرِّرٌ فِي الْمَحَلِّ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ حَقِّ التَّمَلُّكِ، وَمَا لَيْسَ بِحَقٍّ مُتَقَرِّرٍ فِي الْمَحَلِّ لَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ. وَأَمَّا رَدُّ الْعِوَضِ فَلِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ إسْقَاطٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَائِزِ مِنْ الشَّرْطِ: يَعْنِي الشَّرْطَ الْمُلَائِمَ وَهُوَ أَنْ يُعَلِّقَ إسْقَاطَهُ بِشَرْطٍ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْمَالِ مِثْلُ قَوْلِ الشَّفِيعِ لِلْمُشْتَرِي سَلَّمْتُك شُفْعَةَ هَذِهِ الدَّارِ إنْ أَجَّرْتَنِيهَا أَوْ أَعَرْتَنِيهَا (فَبِالْفَاسِدِ) وَهُوَ مَا ذُكِرَ فِيهِ الْمَالُ (أَوْلَى) وَالْفَاصِلُ بَيْنَ الْمُلَائِمِ وَغَيْرِهِ أَنَّ مَا كَانَ فِيهِ تَوَقُّعُ الِانْتِفَاعِ بِمَنَافِعِ الْمَشْفُوعِ كَالْإِجَارَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَنَحْوِهَا فَهُوَ مُلَائِمٌ، لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ يَسْتَلْزِمُهُ، وَمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ذَلِكَ كَأَخْذِ الْعِوَضِ فَهُوَ غَيْرُ مُلَائِمٍ لِأَنَّهُ إعْرَاضٌ عَنْ لَازِمِ الْأَخْذِ، وَإِذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالشَّرْطِ وَقَدْ وُجِدَ الْإِسْقَاطُ بَطَلَ الشَّرْطُ وَصَحَّ الْإِسْقَاطُ. لَا يُقَالُ: لَمْ يَثْبُتْ فَسَادُ هَذَا الشَّرْطِ فَكَيْفَ يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ. لِأَنَّا نَقُولُ: ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ الْأَوَّلِ فَصَحَّ بِهِ الِاسْتِدْلَال. وَقَوْلُهُ عَلَى عِوَضٍ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الصُّلْحَ إذَا كَانَ عَلَى بَعْضِ الدَّارِ صَحَّ وَلَمْ تَبْطُلْ الشُّفْعَةُ، لِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُصَالِحَهُ عَلَى أَخْذِ نِصْفِ الدَّارِ بِنِصْفِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّمَنِ وَفِيهِ الصُّلْحُ جَائِزٌ لِفَقْدِ الْإِعْرَاضِ، وَالثَّانِي أَنْ يُصَالِحَهُ عَلَى أَخْذِ بَيْتٍ بِعَيْنِهِ مِنْ الدَّارِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ؛ وَالصُّلْحُ فِيهِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ

وَكَذَا لَوْ بَاعَ شُفْعَتَهُ بِمَالٍ لِمَا بَيَّنَّا، بِخِلَافِ الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ حَقٌّ مُتَقَرِّرٌ، وَبِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لِأَنَّهُ اعْتِيَاضٌ عَنْ مِلْكٍ فِي الْمَحِلِّ وَنَظِيرُهُ إذَا قَالَ لِلْمُخَيَّرَةِ اخْتَارِينِي بِأَلْفٍ أَوْ قَالَ الْعِنِّينُ لِامْرَأَتِهِ اخْتَارِي تَرْكَ الْفَسْخِ بِأَلْفٍ فَاخْتَارَتْ سَقَطَ الْخِيَارُ وَلَا يَثْبُتُ الْعِوَضُ، وَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الشُّفْعَةِ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي أُخْرَى: لَا تَبْطُلُ الْكَفَالَةُ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ وَقِيلَ هَذِهِ رِوَايَةٌ فِي الشُّفْعَةِ، وَقِيلَ هِيَ فِي الْكَفَالَةِ خَاصَّةً وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ (وَإِذَا مَاتَ الشَّفِيعُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُورَثُ عَنْهُ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَعْنَاهُ إذَا مَاتَ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالشُّفْعَةِ، أَمَّا إذَا مَاتَ ـــــــــــــــــــــــــــــQحِصَّتَهُ مَجْهُولَةٌ وَلَهُ الشُّفْعَةُ لِفَقْدِ الْإِعْرَاضِ. قَوْلُهُ (وَكَذَا لَوْ بَاعَ شُفْعَتَهُ) يَعْنِي أَنَّهَا تَبْطُلُ (لِمَا بَيَّنَّا) أَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ لَيْسَ بِحَقٍّ مُتَقَرِّرٍ فِي الْمَحَلِّ حَتَّى يَصِحَّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ فَكَانَ إعْرَاضًا. فَإِنْ قِيلَ: حَقُّ الشُّفْعَةِ كَحَقِّ الْقِصَاصِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فِي كَوْنِهَا غَيْرَ أَمْوَالٍ وَالِاعْتِيَاضُ عَنْهَا صَحِيحٌ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ حَقٌّ مُتَقَرِّرٌ، وَالْفَاصِلُ بَيْنَ الْمُتَقَرِّرِ وَغَيْرِهِ أَنَّ مَا يَتَغَيَّرُ بِالصُّلْحِ عَمَّا كَانَ قَبْلَهُ فَهُوَ مُتَقَرِّرٌ وَغَيْرُهُ غَيْرُ مُتَقَرِّرٍ، وَاعْتُبِرَ ذَلِكَ فِي الشُّفْعَةِ وَالْقِصَاصِ، فَإِنَّ نَفْسَ الْقَاتِلِ كَانَتْ مُبَاحَةً فِي حَقِّ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ، وَبِالصُّلْحِ حَصَلَ لَهُ الْعِصْمَةُ فِي دَمِهِ فَكَانَ حَقًّا مُتَقَرِّرًا، فَأَمَّا فِي الشُّفْعَةِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْلِكُ الدَّارَ قَبْلَ الصُّلْحِ وَبَعْدَهُ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ فَلَمْ يَكُنْ حَقًّا مُتَقَرِّرًا، وَبِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لِأَنَّهُ اعْتِيَاضٌ عَنْ مِلْكٍ فِي الْمَحَلِّ، وَنَظِيرُهُ إذْ قَالَ الزَّوْجُ لِلْمُخَيَّرَةِ اخْتَارِينِي بِأَلْفٍ أَوْ قَالَ الْعِنِّينُ لِامْرَأَتِهِ اخْتَارِي تَرْكَ الْفَسْخِ بِأَلْفٍ فَاخْتَارَتْ الْمُخَيَّرَةُ الزَّوْجَ وَامْرَأَةُ الْعِنِّينِ تَرْكَ الْفَسْخِ سَقَطَ الْخِيَارُ، وَلَا يَثْبُتُ الْعِوَضُ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِبَعْضِهَا قَبْلَ اخْتِيَارِهَا وَبَعْدَهُ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ فَكَانَ أَخْذُ الْعِوَضِ أَكْلَ مَالٍ بِالْبَاطِلِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ (الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فِي هَذَا) أَيْ فِي بُطْلَانِ الْكَفَالَةِ، وَالْعِوَضُ (بِمَنْزِلَةِ الشُّفْعَةِ) فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الشُّفْعَةِ وَالْحَوَالَةِ وَالْكَفَالَةِ وَالصُّلْحِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ. وَقِيلَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى: وَوَجْهُهُ أَنَّ حَقَّ الْكَفِيلِ فِي الطَّلَبِ وَهُوَ فِعْلٌ فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ (وَفِي رِوَايَةِ) كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ (لَا تَبْطُلُ الْكَفَالَةُ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشُّفْعَةِ أَنَّ الْكَفَالَةَ لَا تَسْقُطُ إلَّا بِتَمَامِ الرِّضَا وَلِهَذَا لَا تَسْقُطُ بِالسُّكُوتِ، وَتَمَامُ الرِّضَا إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا وَجَبَ الْمَالُ، وَأَمَّا حَقُّ الشُّفْعَةِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِالسُّكُوتِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ. وَقِيلَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ: أَيْ رِوَايَةُ أَبِي سُلَيْمَانَ فِي الْكَفَالَةِ تَكُونُ رِوَايَةً فِي الشُّفْعَةِ أَيْضًا حَتَّى لَا تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ بِالصُّلْحِ عَلَى مَالٍ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ (وَقِيلَ هِيَ) أَيْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ الْمَذْكُورَةُ (فِي الْكَفَالَةِ خَاصَّةٌ) يَعْنِي لَا تَبْطُلُ الْكَفَالَةُ بِالصُّلْحِ عَلَى مَالٍ وَتَبْطُلُ الشُّفْعَةُ بِالصُّلْحِ عَلَى مَالٍ (وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ) أَيْ فِي الْمَبْسُوطِ. قَالَ (وَإِذَا مَاتَ الشَّفِيعُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ إلَخْ) إذَا طَلَبَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ وَأَثْبَتَهَا بِطَلَبَيْنِ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْأَخْذِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَوْتُهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالشُّفْعَةِ أَوْ تَسْلِيمِ

بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ وَقَبَضَهُ فَالْبَيْع لَازِمٌ لِوَرَثَتِهِ، وَهَذَا نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَقَدْ مَرَّ فِي الْبُيُوعِ، وَلِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ دَارِهِ وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْوَارِثِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقِيَامُهُ وَقْتَ الْبَيْعِ وَبَقَاؤُهُ لِلشَّفِيعِ إلَى وَقْتِ الْقَضَاءِ شَرْطًا فَلَا يَسْتَوْجِبُ الشُّفْعَةَ بِدُونِهِ (وَإِنْ مَاتَ الْمُشْتَرِي لَمْ تَبْطُلْ) لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ بَاقٍ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ سَبَبُ حَقِّهِ، وَلَا يُبَاعُ فِي دَيْنِ الْمُشْتَرِي وَوَصِيَّتِهِ، وَلَوْ بَاعَهُ الْقَاضِي أَوْ الْوَصِيُّ أَوْ أَوْصَى الْمُشْتَرِي فِيهَا بِوَصِيَّةٍ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يُبْطِلَهُ وَيَأْخُذَ الدَّارَ لِتَقَدُّمِ حَقِّهِ وَلِهَذَا يُنْقَضُ تَصَرُّفُهُ فِي حَيَاتِهِ قَالَ (وَإِذَا بَاعَ الشَّفِيعُ مَا يُشْفَعُ بِهِ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى لَهُ بِالشُّفْعَةِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ) لِزَوَالِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ قَبْلَ التَّمَلُّكِ وَهُوَ الِاتِّصَالُ بِمِلْكِهِ وَلِهَذَا يَزُولُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِشِرَاءِ الْمَشْفُوعَةِ كَمَا إذَا سَلَّمَ صَرِيحًا أَوْ إبْرَاءً عَنْ الدَّيْنِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الشَّفِيعُ دَارِهِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الزَّوَالَ فَبَقِيَ الِاتِّصَالُ قَالَ (وَوَكِيلُ الْبَائِعِ إذَا بَاعَ وَهُوَ الشَّفِيعُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ، وَوَكِيلُ الْمُشْتَرِي إذَا ابْتَاعَ فَلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُشْتَرِي إلَيْهِ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَأْخُذُوهَا، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَهُمْ ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْأَوَّلُ كَالثَّانِي بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْحُقُوقَ تَنْتَقِلُ إلَى الْوَرَثَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ مِمَّا يُعَوَّضُ عَنْهَا أَوْ لَمْ تَكُنْ، لِأَنَّ الْوَارِثَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ لِكَوْنِ حَاجَتِهِ كَحَاجَتِهِ. وَقُلْنَا: الشُّفْعَةُ بِالْمِلْكِ وَقَدْ زَالَ بِالْمَوْتِ، وَاَلَّذِي يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ حَادِثٌ بَعْدَ الْبَيْعِ وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ وَهُوَ قِيَامُهُ وَقْتَ الْبَيْعِ وَبَقَاؤُهُ إلَى وَقْتِ الْقَضَاءِ، وَلِهَذَا لَوْ أَزَالَهُ بِاخْتِيَارِهِ بِأَنْ بَاعَ تَسْقُطُ، وَهَذَا نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ فِي أَنَّ الثَّابِتَ لِلشَّفِيعِ حَقُّ أَنْ يَتَمَلَّكَ وَالْخِيَارُ بَيْنَ الْأَخْذِ وَالتَّرْكِ، وَإِنْ مَاتَ الْمُشْتَرِي لَمْ تَبْطُلْ الشُّفْعَةُ لِبَقَاءِ الْمُسْتَحَقِّ (وَلَا تُبَاعُ الدَّارُ فِي دَيْنِ الْمُشْتَرِي وَوَصِيَّتِهِ) أَيْ لَا يُقَدَّمُ دَيْنُ الْمُشْتَرِي وَوَصِيَّتُهُ عَلَى حَقِّ الشَّفِيعِ، لِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمُشْتَرِي كَمَا تَقَدَّمَ فَكَانَ مُقَدَّمًا عَلَى حَقِّ مَنْ يَثْبُتُ حَقُّهُ مِنْ جِهَتِهِ أَيْضًا وَهُوَ الْغَرِيمُ وَالْمُوصَى لَهُ، فَإِنْ بَاعَهَا الْقَاضِي أَوْ وَصِيُّهُ فِي دَيْنِ الْمَيِّتِ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَقْضِيَهُ كَمَا لَوْ بَاعَهَا الْمُشْتَرِي فِي حَيَاتِهِ. لَا يُقَالُ: بَيْعُ الْقَاضِي حُكْمٌ مِنْهُ فَكَيْفَ يُنْتَقَضُ بِأَنَّهُ قَضَاءٌ مِنْهُ بِخِلَافِ الْإِجْمَاعِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ لِلشَّفِيعِ حَقَّ نَقْضِ تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَكُونُ نَافِذًا، وَإِذَا بَاعَ الشَّفِيعُ مَا يَشْفَعُ فِيهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِهَا، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَاتًّا أَوْ بِالْخِيَارِ لَهُ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ لِزَوَالِ السَّبَبِ وَهُوَ الِاتِّصَالُ بِالْمِلْكِ قَبْلَ التَّمَلُّكِ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِأَنَّ زَوَالَ السَّبَبِ مُبْطِلٌ (يَزُولُ بِهِ) أَيْ بِالْبَيْعِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الشَّفِيعُ بِشِرَاءِ الْمَشْفُوعَةِ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْمُسْقِطِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْإِسْقَاطِ، كَمَا إذَا سَلَّمَ صَرِيحًا أَوْ إبْرَاءً عَنْ الدَّيْنِ وَلَا يَعْلَمُ أَنَّ لَهُ دَيْنًا وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهَا، وَبَيْنَ مَا إذَا سَاوَمَ الشَّفِيعُ الْمَشْفُوعَةَ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ اسْتَأْجَرَهَا مِنْهُ، فَإِنْ عَلِمَ بِالشِّرَاءِ سَقَطَتْ وَإِلَّا فَلَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُسَاوَمَةَ وَالْإِجَارَةَ لَمْ يُوضَعَا لِلتَّسْلِيمِ، وَإِنَّمَا تَسْقُطُ بِهَا لِدَلَالَتِهِ عَلَى رِضَا الشَّفِيعِ وَالرِّضَا بِدُونِ الْعِلْمِ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ، بِخِلَافِ التَّسْلِيمِ الصَّرِيحِ وَالْإِبْرَاءِ، وَرُدَّ بِأَنَّ بَيْعَ مَا يُشْفَعُ بِهِ لَمْ يُوضَعْ لِلتَّسْلِيمِ وَقَدْ ذَكَرْتُمْ أَنَّهُ يُبْطِلُهَا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ بَقَاءَ مَا يُشْفَعُ بِهِ شَرْطٌ إلَى وَقْتِ الْقَضَاءِ بِالشُّفْعَةِ، وَانْتِفَاءُ الشَّرْطِ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْمَشْرُوطِ فَكَانَ كَالْمَوْضُوعِ لَهُ فِي قُوَّةِ الدَّلَالَةِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ لِأَنَّ الْخِيَارَ يَمْنَعُ الزَّوَالَ فَبَقِيَ الِاتِّصَالُ. قَالَ (وَوَكِيلُ الْبَائِعِ إذَا بَاعَ وَهُوَ الشَّفِيعُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ إلَخْ) ذَكَرَ الْأَصْلَ وَهُوَ أَنَّ مَنْ بَاعَ عَقَارًا هُوَ شَفِيعُهُ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ

الشُّفْعَةُ) وَالْأَصْلُ أَنَّ مَنْ بَاعَ أَوْ بِيعَ لَا شُفْعَةَ لَهُ، وَمَنْ اشْتَرَى أَوْ اُبْتِيعَ لَهُ فَلَهُ الشُّفْعَةُ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ بِأَخْذِ الْمَشْفُوعَةِ يَسْعَى فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ الْبَيْعُ، وَالْمُشْتَرِي لَا يُنْقَضُ شِرَاؤُهُ بِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ لِأَنَّهُ مِثْلُ الشِّرَاءِ (وَكَذَلِكَ لَوْ ضَمِنَ الدَّرْكَ عَنْ الْبَائِعِ وَهُوَ الشَّفِيعُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ) وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِغَيْرِهِ فَأَمْضَى الْمَشْرُوطُ لَهُ الْخِيَارُ الْبَيْعَ وَهُوَ الشَّفِيعُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ، لِأَنَّ الْبَيْعَ تَمَّ بِإِمْضَائِهِ، بِخِلَافِ جَانِبِ الْمَشْرُوطِ لَهُ الْخِيَارُ مِنْ جَانِبِ الْمُشْتَرِي قَالَ (وَإِذَا بَلَغَ الشَّفِيعَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَسَلَّمَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِأَقَلَّ أَوْ بِحِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ قِيمَتُهَا أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرُ فَتَسْلِيمُهُ بَاطِلٌ وَلَهُ الشُّفْعَةُ) لِأَنَّهُ إنَّمَا سَلَّمَ لِاسْتِكْثَارِ الثَّمَنِ فِي الْأَوَّلِ وَلِتَعَذُّرِ الْجِنْسِ الَّذِي بَلَغَهُ وَتَيَسُّرِ مَا بِيعَ بِهِ فِي الثَّانِي إذْ الْجِنْسُ مُخْتَلِفٌ، وَكَذَا كُلُّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ أَوْ عَدَدِيٍّ مُتَقَارِبٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِعَرَضٍ، قِيمَتُهُ أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرُ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقِيمَةُ وَهِيَ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ، وَإِنْ بَانَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِدَنَانِيرَ قِيمَتُهَا أَلْفٌ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ. وَقَالَ زُفَرُ: لَهُ الشُّفْعَةُ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَلَنَا أَنَّ الْجِنْسَ مُتَّحِدٌ فِي حَقِّ الثَّمَنِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ بِيعَ لَهُ كَرَبِّ الْمَالِ إذَا بَاعَ الْمُضَارِبُ دَارًا مِنْ الْمُضَارَبَةِ وَرَبُّ الْمَالِ شَفِيعُهَا فَلَا شُفْعَةَ لَهُ، وَمَنْ اشْتَرَى لِوَكِيلِ الْمُشْتَرِي أَوْ اشْتَرَى لَهُ كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ فَلَهُ الشُّفْعَةُ لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ أَنَّ الْأَوَّلَ يَسْعَى فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ الْبَيْعُ، وَالثَّانِي لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ أَخْذَهُ بِالشُّفْعَةِ كَالشِّرَاءِ فِي كَوْنِهَا رَغْبَةً فِي الْمَشْفُوعَةِ وَالشُّفْعَةُ إنَّمَا تَبْطُلُ فِي الرَّغْبَةِ عَنْهَا (وَكَذَلِكَ) أَيْ كَوَكِيلِ الْبَائِعِ لَوْ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِي الدَّرَكَ رَجُلًا عَنْ الْبَائِعِ وَهُوَ الشَّفِيعُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ، لِأَنَّ تَمَامَ الْبَيْعِ إنَّمَا كَانَ مِنْ جِهَتِهِ حَيْثُ لَمْ يَرْضَ الْمُشْتَرِي إلَّا بِضَمَانِهِ فَكَانَ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ سَعْيًا فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ (وَكَذَا إذَا بَاعَ وَشَرْطُ الْخِيَارِ لِغَيْرِهِ إلَخْ) وَإِذَا بَلَغَ الشَّفِيعُ أَنَّهَا بِيعَتْ بِأَلْفٍ فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِأَقَلَّ مِنْهَا أَوْ بِحِنْطَةٍ أَوْ بِشَعِيرٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرَ فَتَسْلِيمُهُ بَاطِلٌ وَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ. أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّهُ إنَّمَا سَلَّمَ اسْتِكْثَارًا بِالثَّمَنِ الْمَذْكُورِ، فَإِذَا ظَهَرَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ بَطَلَ تَسْلِيمُهُ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: كَأَنَّهُ قَالَ: سَلَّمْت إنْ كَانَ الثَّمَنُ أَلْفًا أَرَادَ أَنَّهُ تَسْلِيمٌ مَشْرُوطٌ بِشَرْطٍ فَيَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ سَيَأْتِي، بِخِلَافِ مَا إذَا ظَهَرَ أَكْثَرُ مِنْ الْأَلْفِ، فَإِنَّ مُسْتَكْثِرَ الْأَلْفِ أَكْثَرُ اسْتِكْثَارًا لِلْأَكْثَرِ فَكَانَ التَّسْلِيمُ صَحِيحًا. وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّهُ رُبَّمَا سَلَّمَ لِتَعَذُّرِ الْجِنْسِ الَّذِي بَلَغَهُ وَتَيَسَّرَ مَا بِيعَ بِهِ، إذْ الْجِنْسُ مُخْتَلِفٌ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: تَقْيِيدُهُ بِقَوْلِهِ قِيمَتُهَا أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرُ غَيْرُ مُفِيدٍ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ قِيمَتُهَا أَقَلَّ مِمَّا اشْتَرَى مِنْ الدَّرَاهِمِ كَانَ تَسْلِيمُهُ بَاطِلًا أَيْضًا وَتَكَلَّفَ لِذَلِكَ كَثِيرًا وَهُوَ يَعْلَمُ بِالْأَوْلَوِيَّةِ، فَإِنَّ التَّسْلِيمَ إذَا لَمْ يَصِحَّ فِيمَا إذَا ظَهَرَ الثَّمَنُ أَكْثَرَ مِنْ الْمُسَمَّى

قَالَ (وَإِذَا قِيلَ لَهُ إنَّ الْمُشْتَرِيَ فُلَانٌ فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ غَيْرُهُ فَلَهُ الشُّفْعَةُ) لِتَفَاوُتِ الْجِوَارِ (وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ هُوَ مَعَ غَيْرِهِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ غَيْرِهِ) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّهِ (وَلَوْ بَلَغَهُ شِرَاءُ النِّصْفِ فَسَلَّمَ ثُمَّ ظَهَرَ شِرَاءُ الْجَمِيعِ فَلَهُ الشُّفْعَةُ) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ وَلَا شَرِكَةَ، وَفِي عَكْسِهِ لَا شُفْعَةَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِي الْكُلِّ تَسْلِيمٌ فِي أَبْعَاضِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَأَنْ لَا يَصِحَّ إذَا ظَهَرَ أَقَلَّ كَانَ أَوْلَى، وَكَذَا كُلُّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ أَوْ عَدَدِيٍّ مُتَقَارِبٍ لِكَوْنِهِ فِي مَعْنَى الْمَكِيلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِعَرْضٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرُ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقِيمَةُ وَهِيَ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ فَصَارَ كَمَا لَوْ قِيلَ بِيعَتْ بِأَلْفٍ فَسَلَّمَ ثُمَّ ظَهَرَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ التَّسْلِيمُ، وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِدَنَانِيرَ قِيمَتُهَا أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ. وَقَالَ زُفَرُ: لَهُ الشُّفْعَةُ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَلِهَذَا حَلَّ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا. وَلَنَا أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فِي حَقِّ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الثَّمَنِيَّةُ وَمُبَادَلَةُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَيَسِّرَةٌ عَادَةً (وَإِذَا قِيلَ لِلشَّفِيعِ إنَّ الْمُشْتَرِيَ فُلَانٌ فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُهُ فَلَهُ الشُّفْعَةُ لِتَفَاوُتِ الْجِوَارِ) فَالرِّضَا بِجِوَارِ شَخْصٍ قَدْ لَا يَكُونُ رِضًا بِجِوَارِ غَيْرِهِ. قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَامِعِ: لَوْ قَالَ الشَّفِيعُ سَلَّمْت شُفْعَةَ هَذِهِ الدَّارِ إنْ كُنْت اشْتَرَيْتهَا لِنَفْسِك وَقَدْ اشْتَرَاهَا لِغَيْرِهِ فَهَذَا لَيْسَ بِتَسْلِيمٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّفِيعَ عَلَّقَ التَّسْلِيمَ بِشَرْطٍ وَصَحَّ هَذَا التَّعْلِيقُ، لِأَنَّ تَسْلِيمَ الشُّفْعَةِ إسْقَاطٌ مَحْضٌ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ فَلَا يَتْرُكُ الْأَبْعَدَ وُجُودُهُ، وَهَذَا كَمَا تَرَى يُنَاقِضُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا تَقَدَّمَ، وَلَا يَتَعَلَّقُ إسْقَاطُهُ بِالْجَائِزِ مِنْ الشَّرْطِ فَبِالْفَاسِدِ أَوْلَى. وَقَوْلُهُ (فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) احْتِرَازٌ عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَلَى عَكْسِ هَذَا، لِأَنَّهُ قَدْ يَتَمَكَّنُ مِنْ تَحْصِيلِ ثَمَنِ النِّصْفِ دُونَ النِّصْفِ، وَقَدْ تَكُونُ حَاجَتُهُ إلَى النِّصْفِ لِيَتِمَّ بِهِ مَرَافِقُ مِلْكِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْجَمِيعِ.

[فصل باع دارا إلا مقدار ذراع منها في طول الحد الذي يلي الشفيع]

(فَصْلٌ) : قَالَ (وَإِذَا بَاعَ دَارًا إلَّا مِقْدَارَ ذِرَاعٍ مِنْهَا فِي طُولِ الْحَدِّ الَّذِي يَلِي الشَّفِيعَ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ) لِانْقِطَاعِ الْجِوَارِ، وَهَذِهِ حِيلَةٌ، وَكَذَا إذَا وَهَبَ مِنْهُ هَذَا الْمِقْدَارَ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ لِمَا بَيَّنَّا، قَالَ (وَإِذَا ابْتَاعَ مِنْهَا سَهْمًا بِثَمَنٍ ثُمَّ ابْتَاعَ بَقِيَّتَهَا فَالشُّفْعَةُ لِلْجَارِ فِي السَّهْمِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي) لِأَنَّ الشَّفِيعَ جَارٍ فِيهِمَا، إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ فِي الثَّانِي شَرِيكٌ فَيَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ بَاعَ دَارًا إلَّا مِقْدَارَ ذِرَاعٍ مِنْهَا فِي طُولِ الْحَدِّ الَّذِي يَلِي الشَّفِيعَ] فَصْلٌ) : لَمَّا كَانَتْ الشُّفْعَةُ تَسْقُطُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ عَلِمَ تِلْكَ الْأَحْوَالَ فِي هَذَا الْفَصْلِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْجَارُ فَاسِقًا يَتَأَذَّى بِهِ، وَفِي اسْتِعْمَالِ الْحِيلَةِ لِإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ تَحْصِيلُ الْخَلَاصِ مِنْ مِثْلِ هَذَا الْجَارِ فَاحْتِيجَ إلَى بَيَانِهِ، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِانْقِطَاعِ الْجِوَارِ. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ فِي الثَّانِي شَرِيكٌ) لِأَنَّهُ حِينَ اشْتَرَى الْبَاقِيَ كَانَ شَرِيكًا بِشِرَاءِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ،

فَإِنْ أَرَادَ الْحِيلَةَ ابْتَاعَ السَّهْمَ بِالثَّمَنِ إلَّا دِرْهَمًا مَثَلًا وَالْبَاقِي بِالْبَاقِي، وَإِنْ ابْتَاعَهَا بِثَمَنٍ ثُمَّ دَفَعَ إلَيْهِ ثَوْبًا عِوَضًا عَنْهُ فَالشُّفْعَةُ بِالثَّمَنِ دُونَ الثَّوْبِ لِأَنَّهُ عَقْدٌ آخَرُ، وَالثَّمَنُ هُوَ الْعِوَضُ عَنْ الدَّارِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذِهِ حِيلَةٌ أُخْرَى تَعُمُّ الْجِوَارَ وَالشَّرِكَةَ فَيُبَاعَ بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ وَيُعْطَى بِهَا ثَوْبٌ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ، إلَّا أَنَّهُ لَوْ اسْتَحَقَّتْ الْمَشْفُوعَةُ يَبْقَى كُلُّ الثَّمَنِ عَلَى مُشْتَرِي الثَّوْبِ لِقِيَامِ الْبَيْعِ الثَّانِي فَيَتَضَرَّرَ بِهِ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُبَاعَ بِالدَّرَاهِمِ الثَّمَنُ دِينَارٌ حَتَّى إذَا اسْتَحَقَّ الْمَشْفُوعُ يَبْطُلُ الصَّرْفُ فَيَجِبَ رَدُّ الدِّينَارُ لَا غَيْرُ قَالَ (وَلَا تُكْرَهُ الْحِيلَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاسْتِحْقَاقُ الشَّفِيعِ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ لَا يُبْطِلُ شُفْعَةَ الْمُشْتَرِي فِي الْجُزْءِ الثَّانِي قَبْلَ الْخُصُومَةِ لِكَوْنِهِ فِي مِلْكِهِ بَعْدُ فَيَتَقَدَّمُ عَلَى الْجَارِ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ أَرَادَ الْحِيلَةَ) هَذِهِ حِيلَةٌ تَرْجِعُ إلَى تَقْلِيلِ رَغْبَةِ الشَّفِيعِ فِي الشُّفْعَةِ، وَالْأُولَى تَرْجِعُ إلَى إبْطَالِ حَقِّ الشُّفْعَةِ. وَقَوْلُهُ (إلَّا إذَا اُسْتُحِقَّتْ الْمَشْفُوعَةُ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَهَذِهِ أُخْرَى: يَعْنِي أَنَّهَا حِيلَةٌ عَامَّةٌ، إلَّا أَنَّ فِيهَا وَهْمَ وُقُوعِ الضَّرَرِ عَلَى الْبَائِعِ عَلَى تَقْدِيرِ ظُهُورِ مُسْتَحِقٍّ يَسْتَحِقُّ الدَّارَ لِأَنَّهُ يَبْقَى كُلُّ الثَّمَنِ عَلَى مُشْتَرِي الثَّوْبِ وَهُوَ بَائِعُ الدَّارِ يَتَضَرَّرُ بِهِ: أَيْ بِرُجُوعِ مُشْتَرِي الدَّارِ عَلَيْهِ بِكُلِّ الثَّمَنِ الَّذِي هُوَ أَضْعَافُ قِيمَةِ الدَّارِ. وَقَوْلُهُ (وَالْأَوْجَهُ إلَخْ) تَقْرِيرُهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ الدَّارَ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ يَبِيعُهَا بِعِشْرِينَ أَلْفًا فَلَا يَرْغَبُ فِي الشُّفْعَةِ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِعِشْرِينَ أَلْفًا وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِمَا أَعْطَاهُ، لِأَنَّهُ إذَا اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ثَمَنُ الدَّارِ فَيَبْطُلُ الصَّرْفُ، كَمَا لَوْ بَاعَ الدِّينَارَ بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ ثُمَّ تَصَادَقَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ الصَّرْفُ. وَقَوْلُهُ (وَلَا تُكْرَهُ الْحِيلَةُ) اعْلَمْ أَنَّ الْحِيلَةَ فِي هَذَا الْبَابِ إمَّا أَنْ تَكُونَ لِلرَّفْعِ بَعْدَ الْوُجُوبِ أَوْ لِدَفْعِهِ، فَالْأَوَّلُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي لِلشَّفِيعِ أَنَا أُوَلِّيهَا لَك فَلَا حَاجَةَ لَك فِي الْأَخْذِ فَيَقُولُ نَعَمْ تَسْقُطُ بِهِ الشُّفْعَةُ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ

[مسائل متفرقة في الكراهية]

فِي إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَتُكْرَهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ، وَلَوْ أَبَحْنَا الْحِيلَةَ مَا دَفَعْنَاهُ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ مَنَعَ عَنْ إثْبَاتِ الْحَقِّ فَلَا يُعَدُّ ضَرَرًا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْحِيلَةُ فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ (مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ) قَالَ (وَإِذَا اشْتَرَى خَمْسَةُ نَفَرٍ دَارًا مِنْ رَجُلٍ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِهِمْ، وَإِنْ اشْتَرَاهَا رَجُلٌ مِنْ خَمْسَةٍ أَخَذَهَا كُلَّهَا أَوْ تَرَكَهَا) وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي بِأَخْذِ الْبَعْضِ تَتَفَرَّقُ الصَّفْقَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَيَتَضَرَّرَ بِهِ زِيَادَةَ الضَّرَرِ، وَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَقُومُ الشَّفِيعُ مَقَامَ أَحَدِهِمْ فَلَا تَتَفَرَّقُ الصَّفْقَةُ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ مَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ هُوَ الصَّحِيحُ، إلَّا أَنَّ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يُمْكِنُهُ أَخْذُ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ إذَا نَقَدَ مَا عَلَيْهِ مَا لَمْ يَنْقُدْ الْآخَرُ حِصَّتَهُ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَفْرِيقِ الْيَدِ عَلَى الْبَائِعِ بِمَنْزِلَةِ أَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ سَقَطَتْ يَدُ الْبَائِعِ، وَسَوَاءً سَمَّى لِكُلِّ بَعْضٍ ثَمَنًا أَوْ كَانَ الثَّمَنُ جُمْلَةً، لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي هَذَا لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ لَا لِلثَّمَنِ، وَهَاهُنَا تَفْرِيعَاتٌ ذَكَرْنَاهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْإِجْمَاعِ. وَالثَّانِي مُخْتَلَفٌ فِيهِ. قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: غَيْرُ مَكْرُوهٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَهُوَ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَهَذَا الْقَائِلُ قَاسَ فَصْلَ الشُّفْعَةِ عَلَى فَصْلِ الزَّكَاةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا تُكْرَهُ الْحِيلَةُ لِمَنْعِ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي فَصْلِ الزَّكَاةِ. [مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَة فِي الْكَرَاهِيَة] مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ ذَكَرَ مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةً فِي آخِرِ الْكِتَابِ كَمَا هُوَ الْمَعْهُودُ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ مَسَائِلِ الشُّفْعَةِ إلَّا هَذِهِ، وَأَلْفَاظُهُ ظَاهِرَةٌ سِوَى مَا نُنَبِّهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ) أَيْ بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ وَزِيَادَةُ الضَّرَرِ هِيَ زِيَادَةُ ضَرَرِ التَّشْقِيصِ، فَإِنَّ أَخْذَ الْمِلْكِ مِنْهُ ضَرَرٌ وَضَرَرُ التَّشْقِيصِ زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَالشُّفْعَةُ شُرِعَتْ لِدَفْعِ ضَرَرِ الدَّخِيلِ فَلَا تُشْرَعُ عَلَى وَجْهٍ يَتَضَرَّرُ بِهِ الدَّخِيلُ ضَرَرًا زَائِدًا، وَقَوْلُهُ (وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا) أَيْ فِي جَوَازِ أَخْذِ الشَّفِيعِ نَصِيبَ أَحَدِ الْمُشْتَرَيَيْنِ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي الدَّارَ وَبَعْدَهُ. وَقَوْلُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا رَوَاهُ الْقُدُورِيُّ. قَالَ: رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا كَانَ اثْنَيْنِ لَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ، لِأَنَّ التَّمَلُّكَ يَقَعُ عَلَى الْبَائِعِ فَتَتَفَرَّقُ عَلَيْهِ الصَّفْقَةُ. وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا بَعْدَ الْقَبْضِ لِأَنَّ التَّمَلُّكَ حِينَئِذٍ يَقَعُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَقَدْ أَخَذَ مِنْهُ جَمِيعَ مِلْكِهِ. وَقَوْلُهُ (بِمَنْزِلَةِ أَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ) يَعْنِي أَنَّ أَحَدَ الْمُشْتَرِيَيْنِ إذَا نَقَدَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ نَصِيبَهُ مِنْ الدَّارِ حَتَّى يُؤَدِّيَ كُلُّهُمْ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ الثَّمَنِ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَفْرِيقُ الْيَدِ عَلَى الْبَائِعِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي هَذَا لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ لَا لِلثَّمَنِ) حَتَّى لَوْ تَفَرَّقَتْ الصَّفْقَةُ مِنْ الِابْتِدَاءِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي وَاحِدًا وَالْبَائِعُ اثْنَيْنِ وَاشْتَرَى نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَفْقَةٍ عَلَى حِدَةٍ كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا، وَإِنْ لَحِقَ الْمُشْتَرِيَ ضَرَرُ عَيْبِ الشَّرِكَةِ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهَذَا

فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى نِصْفَ دَارٍ غَيْرَ مَقْسُومٍ فَقَاسَمَهُ الْبَائِعُ أَخَذَ الشَّفِيعُ النِّصْفَ الَّذِي صَارَ لِلْمُشْتَرِي أَوْ يَدَعُ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْمِيلِ الِانْتِفَاعِ وَلِهَذَا يَتِمُّ الْقَبْضُ بِالْقِسْمَةِ فِي الْهِبَةِ، وَالشَّفِيعُ لَا يَنْقُضُ الْقَبْضَ وَإِنْ كَانَ لَهُ نَفْعٌ فِيهِ بِعَوْدِ الْعُهْدَةِ عَلَى الْبَائِعِ، فَكَذَا لَا يُنْقَضُ مَا هُوَ مِنْ تَمَامِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ الدَّارِ الْمُشْتَرِكَةِ وَقَاسَمَ الْمُشْتَرِيَ الَّذِي لَمْ يَبِعْ حَيْثُ يَكُونُ لِلشَّفِيعِ نَقْضُهُ، لِأَنَّ الْعَقْدَ مَا وَقَعَ مَعَ الَّذِي قَاسَمَ فَلَمْ تَكُنْ الْقِسْمَةُ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ الَّذِي هُوَ حُكْمُ الْعَقْدِ بَلْ هُوَ تَصَرُّفٌ بِحُكْمِ الْمِلْكِ فَيَنْقُضَهُ الشَّفِيعُ كَمَا يَنْقُضُ بَيْعَهُ وَهِبَتَهُ، ثُمَّ إطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي الْكِتَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ النِّصْفَ الَّذِي صَارَ لِلْمُشْتَرِي فِي أَيِّ جَانِبٍ كَانَ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حَقِّهِ بِالْقِسْمَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُهُ إذَا وَقَعَ فِي جَانِبِ الدَّارِ الَّتِي يُشْفَعُ بِهَا لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى جَارًا فِيمَا يَقَعُ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ. قَالَ (وَمَنْ بَاعَ دَارًا وَلَهُ عَبْدٌ مَأْذُونٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَهُ الشُّفْعَةُ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الْبَائِعُ فَلِمَوْلَاهُ الشُّفْعَةُ) لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ تَمَلُّكٌ بِالثَّمَنِ فَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الشِّرَاءِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ مُفِيدٌ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ لِلْغُرَمَاءِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِأَنَّهُ يَبِيعُهُ لِمَوْلَاهُ، وَلَا شُفْعَةَ لِمَنْ يَبِيعُ لَهُ قَالَ (وَتَسْلِيمُ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ الشُّفْعَةَ عَلَى الصَّغِيرِ جَائِزٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَيْبِ حَيْثُ اشْتَرَى كَذَلِكَ، وَأَمَّا بَيَانُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَاتِّحَادُهَا فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ (وَمَنْ اشْتَرَى نِصْفَ دَارٍ غَيْرَ مَقْسُومٍ فَقَاسَمَهُ الْبَائِعُ أَخَذَ الشَّفِيعُ النِّصْفَ الَّذِي صَارَ لِلْمُشْتَرِي أَوْ تَرَكَ) وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْقِسْمَةَ بِأَنْ يَقُولَ لِلْمُشْتَرِي ادْفَعْ إلَى الْبَائِعِ حَتَّى آخُذَ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِحُكْمٍ أَوْ بِغَيْرِهِ (لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْمِيلِ الِانْتِفَاعِ وَلِهَذَا يَتِمُّ الْقَبْضُ فِي الْهِبَةِ بِالْقِسْمَةِ، وَالشَّفِيعُ لَا يَنْقُضُ الْقَبْضَ) لِيُعِيدَ الدَّارَ إلَى الْبَائِعِ (وَإِنْ كَانَ لَهُ فِيهِ نَفْعٌ بِعَوْدِ الْعُهْدَةِ إلَى الْبَائِعِ فَكَذَا لَا يُنْقَضُ مَا هُوَ مِنْ تَمَامِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ وَقَاسَمَ الْمُشْتَرِي الشَّرِيكَ الَّذِي لَمْ يَبِعْ نَصِيبَهُ) فَإِنَّ لِلشَّفِيعِ نَقْضَهُ (لِأَنَّ الْعَقْدَ مَا وَقَعَ مَعَ الَّذِي قَاسَمَ) فَإِنَّهُ لَمْ يَجْرِ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (وَلَمْ تَكُنْ الْقِسْمَةُ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ الَّذِي هُوَ حُكْمُ الْبَيْعِ، بَلْ هُوَ تَصَرُّفٌ بِحُكْمِ الْمِلْكِ) فَكَانَ مُبَادَلَةً، وَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَنْقُضَ الْمُبَادَلَةَ كَالْبَيْعِ وَغَيْرِهَا مِنْ التَّصَرُّفَاتِ كَالْهِبَةِ (وَإِطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي الْكِتَابِ) أَيْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهُوَ قَوْلُهُ أَخَذَ الشَّفِيعُ النِّصْفَ الَّذِي صَارَ لِلْمُشْتَرِي (يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ النِّصْفَ الَّذِي صَارَ لِلْمُشْتَرِي فِي أَيِّ جَانِبٍ كَانَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ. قَالَ (وَتَسْلِيمُ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ الشُّفْعَةَ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْحَمْلَ وَالصَّغِيرَ فِي اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ كَالْكَبِيرِ لِاسْتِوَائِهِمْ فِي سَبَبِهِ، فَيُقَوَّمُ بِالطَّلَبِ وَالْأَخْذِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ شَرْعًا فِي اسْتِيفَاءِ حُقُوقِهِ وَهُوَ الْأَبُ ثُمَّ وَصِيُّهُ ثُمَّ جَدُّهُ أَبُو أَبِيهِ ثُمَّ وَصِيُّهُ ثُمَّ الْوَصِيُّ الَّذِي نَصَبَهُ الْقَاضِي، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ

عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: هُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ إذَا بَلَغَ) قَالُوا: وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا بَلَغَهُمَا شِرَاءُ دَارٍ بِجِوَارِ دَارِ الصَّبِيِّ فَلَمْ يَطْلُبَا الشُّفْعَةَ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ تَسْلِيمُ الْوَكِيلِ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْوِكَالَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ أَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ لِلصَّغِيرِ فَلَا يَمْلِكَانِ إبْطَالَهُ كَدِيَتِهِ وَقَوْدِهِ، وَلِأَنَّهُ شُرِعَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ فَكَانَ إبْطَالُهُ إضْرَارًا بِهِ وَلَهُمَا أَنَّهُ فِي مَعْنَى التِّجَارَةِ فَيَمْلِكَانِ تَرْكَهُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَوْجَبَ بَيْعًا لِلصَّبِيِّ صَحَّ رَدُّهُ مِنْ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ، وَلِأَنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ، وَقَدْ يَكُونُ النَّظَرُ فِي تَرْكِهِ لِيَبْقَى الثَّمَنُ عَلَى مِلْكِهِ وَالْوِلَايَةُ نَظَرِيَّةٌ فَيَمْلِكَانِهِ وَسُكُوتُهُمَا كَإِبْطَالِهِمَا لِكَوْنِهِ دَلِيلَ الْإِعْرَاضِ، وَهَذَا إذَا بِيعَتْ بِمِثْلِ قِيمَتِهَا، فَإِنْ بِيعَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ قِيلَ جَازَ التَّسْلِيمُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ تَمَحَّضَ نَظَرًا وَقِيلَ لَا يَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْأَخْذَ فَلَا يَمْلِكُ التَّسْلِيمَ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَإِنْ بِيعَتْ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا مُحَابَاةً كَثِيرَةً، فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّسْلِيمُ مِنْهُمَا أَيْضًا وَلَا رِوَايَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَدُ هَؤُلَاءِ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ إذَا أَدْرَكَ فَإِنْ تَرَكَ هَؤُلَاءِ الطَّلَبَ بَعْدَ الْإِمْكَانِ أَوْ سَلَّمَ بَعْدَ الطَّلَبِ سَقَطَتْ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: هُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ إذَا بَلَغَ. قَالَ الْمَشَايِخُ (وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ تَسْلِيمُ الْوَكِيلِ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ) لَكِنْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا كَانَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِطَلَبِهَا قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي الْخُصُومَةِ وَمَحَلُّهَا مَجْلِسُ الْقَاضِي، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ لِكَوْنِهِ نَائِبًا عَنْ الْمُوَكِّلِ مُطْلَقًا. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا يَصِحُّ مِنْهُ التَّسْلِيمُ أَصْلًا. وَقَوْلُهُ (وَهُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا رُوِيَ أَنَّ مُحَمَّدًا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي جَوَازِ تَسْلِيمِ الْوَكِيلِ الشُّفْعَةَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ (لِمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ لِلصَّغِيرِ فَلَا يَمْلِكَانِ إبْطَالَهُ كَدِيَتِهِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ كَدَيْنِهِ بِالنُّونِ، وَالْأَوَّلُ يُنَاسِبُ مَا قُرِنَ بِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ (وَقَوْدِهِ) وَالثَّانِي يُنَاسِبُ رِوَايَةَ الْمَبْسُوطِ، لِأَنَّهُ قَالَ: كَالْإِبْرَاءِ عَنْ الدُّيُونِ وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ الْوَاجِبِ لَهُ (وَلِأَنَّهُ شُرِعَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ) وَفِي إبْطَالِهِ إضْرَارٌ بِهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ فِي مَعْنَى التِّجَارَةِ لِأَنَّهُ بِمِلْكِ الْعَيْنِ فَيَمْلِكَانِهِ. يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَوْ أَخَذَهَا الْوَلِيُّ بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ بَائِعِهِ جَازَ، فَكَذَلِكَ إذَا سَلَّمَهَا إلَيْهِ بَلْ أَوْلَى لِسَلَامَتِهِ عَنْ تَوَجُّهِ الْعُهْدَةِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ مِنْهُ، وَوَضَّحَهُ بِقَوْلِهِ (أَلَا تَرَى) وَهُوَ وَاضِحٌ، وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ دَائِرٌ) دَلِيلٌ آخَرُ يَتَضَمَّنُ الْجَوَابَ عَنْ الدِّيَةِ وَالْقَوَدِ، لِأَنَّ النَّظَرَ فِي هَذَا قَدْ يَكُونُ فِي تَرْكِهِ لِيَبْقَى الثَّمَنُ عَلَى مِلْكِهِ، بِخِلَافِ الدِّيَةِ وَالْقَوَدِ فَإِنْ تَرَكَهُمَا تَرَكَ بِلَا عِوَضٍ فَيَكُونُ إضْرَارًا بِهِ. وَقَوْلُهُ (وَسُكُوتُهُمَا كَإِبْطَالِهِمَا) لَمَّا كَانَ مَا ذُكِرَ مِنْ الدَّلِيلِ مُخْتَصًّا بِالتَّسْلِيمِ أَرْدَفَهُ بِقَوْلِهِ وَسُكُوتُهُمَا كَإِبْطَالِهِمَا (لِكَوْنِهِ دَلِيلَ الْإِعْرَاضِ وَهَذَا إذَا بِيعَتْ بِمِثْلِ قِيمَتِهَا) أَوْ الْغَبْنُ الْيَسِيرُ مِنْ الْمِثْلِ (فَإِنْ بِيعَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا) بِغَبْنٍ فَاحِشٍ (قِيلَ جَازَ التَّسْلِيمُ بِالْإِجْمَاعِ) يَعْنِي مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ لِمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ لِأَنَّهُ تَمَحَّضَ نَظَرًا، وَقِيلَ لَا يَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ (وَهُوَ الْأَصَحُّ) لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْأَخْذَ فَلَا يَمْلِكُ التَّسْلِيمَ (كَالْأَجْنَبِيِّ) فَيَكُونُ الصَّبِيُّ عَلَى حَقِّهِ إذَا بَلَغَ (وَإِنْ بِيعَتْ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا بِمُحَابَاةٍ كَثِيرَةٍ، فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَصِحُّ التَّسْلِيمُ) مِنْهُمَا، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ أَيْضًا لِأَنَّهُمَا لَمْ يَرَيَا تَسْلِيمَهَا

[كتاب القسمة]

(كِتَابُ الْقِسْمَةِ) : الْقِسْمَةُ فِي الْأَعْيَانِ الْمُشْتَرَكَةِ مَشْرُوعَةٌ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَاشَرَهَا فِي الْمَغَانِمِ وَالْمَوَارِيثِ، وَجَرَى ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا بِيعَتْ بِمِثْلِ الثَّمَنِ، فَلَأَنْ لَا يَرَيَا إذَا بِيعَتْ بِأَقَلَّ بِمُحَابَاةٍ كَثِيرَةٍ أَوْلَى، وَإِنَّمَا خُصَّ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ الْكَثِيرَةَ لَا تُخْرِجُهَا عَنْ كَوْنِهَا بِمَعْنَى التِّجَارَةِ وَلَهُمَا وِلَايَةُ الِامْتِنَاعِ عَنْ الِاتِّجَارِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ، وَلَكِنْ قَالَ: لَا يَصِحُّ التَّسْلِيمُ فِي هَذَا لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمَا فِي مَالِهِ إنَّمَا يَكُونُ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، وَلَيْسَ تَرْكُهَا هَاهُنَا كَذَلِكَ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا خُصَّ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ بِقَوْلِهِ (وَلَا رِوَايَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) لِأَنَّهُ كَانَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي صِحَّةِ التَّسْلِيمِ فِيمَا إذَا بِيعَتْ بِمِثْلِ قِيمَتِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [كِتَابُ الْقِسْمَةِ] أَوْرَدَ الْقِسْمَةَ عَقِيبَ الشُّفْعَةِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِنْ نَتَائِجِ النَّصِيبِ الشَّائِعِ، فَإِنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا أَرَادَ الِافْتِرَاقَ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ طَلَبَ الْقِسْمَةَ، وَمَعَ عَدَمِهِ بَاعَ وَوَجَبَ عِنْدَهُ الشُّفْعَةُ. وَقَدَّمَ الشُّفْعَةَ لِأَنَّ بَقَاءَ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ أَصْلٌ. وَهِيَ فِي اللُّغَةِ: اسْمٌ لِلِاقْتِسَامِ كَالْقُدْوَةِ لِلِاقْتِدَاءِ. وَفِي الشَّرِيعَةِ: جَمْعُ النَّصِيبِ الشَّائِعِ فِي مَكَان مُعَيَّنٍ. وَسَبَبُهَا طَلَبُ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ الِانْتِفَاعَ بِنَصِيبِهِ عَلَى الْخُلُوصِ. وَرُكْنُهَا مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِفْرَازُ وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَ النَّصِيبَيْنِ كَالْكَيْلِ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْوَزْنِ فِي الْمَوْزُونَاتِ وَالذَّرْعِ فِي الْمَذْرُوعَاتِ وَالْعَدِّ فِي الْمَعْدُودَاتِ. وَشَرْطُهَا أَنْ لَا تَفُوتَ مَنْفَعَتُهُ بِالْقِسْمَةِ، وَلِهَذَا لَا يُقْسَمُ الْحَائِطُ وَالْحَمَّامُ وَنَحْوُهُمَا، وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ فِي الْأَعْيَانِ الْمُشْتَرَكَةِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَاشَرَهَا فِي الْمَغَانِمِ وَالْمَوَارِيثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَجَرَى التَّوَارُثُ بِهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ. ثُمَّ هِيَ

التَّوَارُثُ بِهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، ثُمَّ هِيَ لَا تَعْرَى عَنْ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ، لِأَنَّ مَا يَجْتَمِعُ لِأَحَدِهِمَا بَعْضُهُ كَانَ لَهُ وَبَعْضُهُ كَانَ لِصَاحِبِهِ فَهُوَ يَأْخُذُهُ عِوَضًا عَمَّا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ فَكَانَ مُبَادَلَةً وَإِفْرَازًا، وَالْإِفْرَازُ هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ، حَتَّى كَانَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ حَالَ غَيْبَةِ صَاحِبِهِ، وَلَوْ اشْتَرَيَاهُ فَاقْتَسَمَاهُ يَبِيعُ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مُرَابَحَةً بِنِصْفِ الثَّمَنِ، وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْحَيَوَانَاتِ وَالْعُرُوضِ لِلتَّفَاوُتِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا أَخْذُ نَصِيبِهِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْآخَرِ. وَلَوْ اشْتَرَيَاهُ فَاقْتَسَمَاهُ لَا يَبِيعُ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مُرَابَحَةً بَعْدَ الْقِسْمَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا تَعْرَى عَنْ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ أَوْ فِي غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، لِأَنَّ مَا يَجْتَمِعُ لِأَحَدِهِمَا بَعْضُهُ كَانَ لَهُ وَبَعْضُهُ لِصَاحِبِهِ فَهُوَ يَأْخُذُهُ عِوَضًا عَمَّا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ، فَعَلَى هَذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ مُبَادَلَةً وَإِفْرَازًا، وَالْمَعْنَى مِنْ الْإِفْرَازِ هُوَ أَنْ يَقْبِضَهُ بِعَيْنِ حَقِّهِ، وَالْإِفْرَازُ هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ، فَكَانَ كُلُّ مَا أَخَذَ أَحَدُهُمَا مِنْ نَصِيبِهِ مِثْلَ مَا تُرِكَ عَلَيْهِ بِيَقِينٍ فَأَخَذَ مِثْلَ الْحَقِّ بِيَقِينٍ بِمَنْزِلَةِ أَخْذِ الْعَيْنِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ أَخْذَ الْمِثْلِ فِي الْقَرْضِ جُعِلَ كَأَخْذِ الْعَيْنِ فَجُعِلَ الْقَرْضُ بِذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ فَكَانَ الْإِفْرَازُ فِيهَا أَظْهَرَ لَا مَحَالَةَ، وَلِهَذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ حَالَ غَيْبَةِ صَاحِبِهِ، وَلَوْ اشْتَرَيَاهُ وَاقْتَسَمَاهُ جَازَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ مُرَابَحَةً بِنِصْفِ الثَّمَنِ. وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْحَيَوَانَاتِ وَالْعُرُوضِ لِلتَّفَاوُتِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا أَخْذُ نَصِيبِهِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْآخَرِ. وَلَوْ اشْتَرَيَاهُ فَاقْتَسَمَاهُ لَا يَبِيعُ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مُرَابَحَةً بَعْدَ الْقِسْمَةِ. وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ مَا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَيْسَ بِمِثْلٍ لِمَا تُرِكَ عَلَى صَاحِبِهِ بِيَقِينٍ فَلَمْ يَكُنْ بِمَنْزِلَةِ أَخْذِ الْعَيْنِ حُكْمًا، وَلَمَّا اسْتَشْعَرَ أَنْ يُقَالَ: لَوْ كَانَ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْحَيَوَانَاتِ وَالْعُرُوضِ لَمَا أُجْبِرَ الْآبِي عَلَى الْقِسْمَةِ فِي ذَلِكَ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ: إلَّا أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أُجْبِرَ الْقَاضِي عَلَى الْقِسْمَةِ عِنْدَ طَلَبِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ لِتَقَارُبِ الْمَقَاصِدِ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْجَبْرِ وَالْمُبَادَلَةِ لِأَنَّهَا مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الْجَبْرُ، كَمَا فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ فَإِنَّ الْمَدْيُونَ يُجْبَرُ عَلَى الْقَضَاءِ مَعَ أَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَصَارَ مَا يُؤَدَّى بَدَلًا عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا جَبْرٌ فِي الْمُبَادَلَةِ قَصْدًا وَقَدْ جَازَ فَلَأَنْ يَجُوزَ بِلَا قَصْدٍ إلَيْهِ أَوْلَى، وَهَذَا لِأَنَّ أَحَدَهُمْ يَطْلُبُ الْقِسْمَةَ يَسْأَلُ الْقَاضِيَ أَنْ يَخُصَّهُ بِالِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ وَيَمْنَعُ الْغَيْرَ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ فَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي إجَابَتُهُ، فَكَانَ الْقَصْدُ إلَى الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ عَلَى الْخُلُوصِ دُونَ الْإِجْبَارِ عَلَى غَيْرِهِ؛ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ لَا يُجْبَرُ الْقَاضِي الْآبِي عَلَى قِسْمَتِهَا لِتَعَذُّرِ الْمُعَادَلَةِ بِاعْتِبَارِ فُحْشِ التَّفَاوُتِ فِي الْمَقَاصِدِ، وَلَوْ تَرَاضَوْا عَلَى ذَلِكَ جَازَ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِي مُخْتَلِفِ الْجِنْسِ مُبَادَلَةٌ كَالتِّجَارَةِ وَالتَّرَاضِي فِي التِّجَارَةِ

إلَّا أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَجْبَرَ الْقَاضِي عَلَى الْقِسْمَةِ عِنْدَ طَلَبِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ لِتَقَارُبِ الْمَقَاصِدِ وَالْمُبَادَلَةُ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الْجَبْرُ كَمَا فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَهَذَا لِأَنَّ أَحَدَهُمْ بِطَلَبِ الْقِسْمَةِ يَسْأَلُ الْقَاضِيَ أَنْ يَخُصَّهُ بِالِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ وَيَمْنَعَ الْغَيْرَ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ، فَيَجِبَ عَلَى الْقَاضِي إجَابَتُهُ وَإِنْ كَانَتْ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً لَا يُجْبِرُ الْقَاضِي عَلَى قِسْمَتِهَا لِتَعَذُّرِ الْمُعَادَلَةِ بِاعْتِبَارِ فُحْشِ التَّفَاوُتِ فِي الْمَقَاصِدِ، وَلَوْ تَرَاضَوْا عَلَيْهَا جَازَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ قَالَ (وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُنَصِّبَ قَاسِمًا يَرْزُقُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِيَقْسِمَ بَيْنَ النَّاسِ بِغَيْرِ أَجْرٍ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ جِنْسِ عَمَلِ الْقَضَاءِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتِمُّ بِهِ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ فَأَشْبَهَ رِزْقَ الْقَاضِي، وَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ نَصْبِ الْقَاسِمِ تَعُمُّ الْعَامَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQشَرْطٌ بِالنَّصِّ. قَالَ (وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَنْصِبَ قَاسِمًا) كَلَامُهُ وَاضِحٌ إلَّا مَا نُنَبِّهُ عَلَيْهِ.

فَتَكُونَ كِفَايَتُهُ فِي مَالِهِمْ غُرْمًا بِالْغُنْمِ قَالَ (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ نَصَّبَ قَاسِمًا يَقْسِمُ بِالْأَجْرِ) مَعْنَاهُ بِأَجْرٍ عَلَى الْمُتَقَاسِمِينَ، لِأَنَّ النَّفْعَ لَهُمْ عَلَى الْخُصُوصِ، وَبِقَدْرِ أَجْرِ مِثْلِهِ كَيْ لَا يَتَحَكَّمَ بِالزِّيَادَةِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَرْزُقَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِالنَّاسِ وَأَبْعَدُ عَنْ التُّهْمَةِ. (وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا مَأْمُونًا عَالِمًا بِالْقِسْمَةِ) لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ عَمَلِ الْقَضَاءِ، وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْقُدْرَةِ وَهِيَ بِالْعِلْمِ، وَمِنْ الِاعْتِمَادِ عَلَى قَوْلِهِ وَهُوَ بِالْأَمَانَةِ (وَلَا يُجْبِرُ الْقَاضِي النَّاسَ عَلَى قَاسِمٍ وَاحِدٍ) مَعْنَاهُ لَا يُجْبِرُهُمْ عَلَى أَنْ يَسْتَأْجِرُوهُ لِأَنَّهُ لَا جَبْرَ عَلَى الْعُقُودِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ تَعَيَّنَ لَتَحَكَّمَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى أَجْرِ مِثْلِهِ (وَلَوْ اصْطَلَحُوا فَاقْتَسَمُوا جَازَ، إلَّا إذَا كَانَ فِيهِمْ صَغِيرٌ فَيَحْتَاجُ إلَى أَمْرِ الْقَاضِي) لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ عَلَيْهِ (وَلَا يَتْرُكُ الْقُسَّامَ يَشْتَرِكُونَ) كَيْ لَا تَصِيرَ الْأُجْرَةُ غَالِيَةً بِتَوَاكُلِهِمْ، وَعِنْدَ عَدَمِ الشَّرِكَةِ يَتَبَادَرُ كُلٌّ مِنْهُمْ إلَيْهِ خِيفَةَ الْفَوْتِ فَيُرَخِّصُ الْأَجْرَ قَالَ (وَأُجْرَةُ الْقِسْمَةِ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ) لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ كَأُجْرَةِ الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ وَحَفْرِ الْبِئْرِ الْمُشْتَرَكَةِ وَنَفَقَةِ الْمَمْلُوكِ الْمُشْتَرَكِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِالتَّمْيِيزِ، وَأَنَّهُ لَا يَتَفَاوَتُ، وَرُبَّمَا يَصْعُبُ الْحِسَابُ بِالنَّظَرِ إلَى الْقَلِيلِ، وَقَدْ يَنْعَكِسُ الْأَمْرُ فَيَتَعَذَّرَ اعْتِبَارُهُ فَيَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِالنَّاسِ وَأَبْعَدُ عَنْ التُّهْمَةِ) لِأَنَّهُ مَتَى يَصِلُ إلَيْهِ أَجْرُ عَمَلِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لَا يَمِيلُ بِأَخْذِ الرِّشْوَةِ إلَى الْبَعْضِ، وَيَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْسِمَ بِنَفْسِهِ وَيَأْخُذَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْمُتَقَاسِمِينَ أَجْرًا، لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَأْخُذَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَيْسَتْ بِقَضَاءٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ حَتَّى لَا يُفْتَرَضَ عَلَى الْقَاضِي مُبَاشَرَتُهَا، وَإِنَّمَا الَّذِي يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ جَبْرُ الْآبِي عَلَى الْقِسْمَةِ، إلَّا أَنَّ لَهَا شَبَهًا بِالْقَضَاءِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُسْتَفَادُ بِوِلَايَةِ الْقَضَاءِ، فَإِنَّ الْأَجْنَبِيَّ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجَبْرِ، فَمِنْ حَيْثُ إنَّهَا لَيْسَتْ بِقَضَاءٍ جَازَ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهَا، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُشْبِهُ الْقَضَاءَ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَأْخُذَ. وَقَوْلُهُ (عَدْلًا مَأْمُونًا) ذَكَرَ الْأَمَانَةَ بَعْدَ الْعَدَالَةِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ لَوَازِمِهَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ ظَاهِرِ الْأَمَانَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ اصْطَلَحُوا فَاقْتَسَمُوا) يَعْنِي لَمْ يَرْفَعُوا الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ بَلْ اقْتَسَمُوا بِأَنْفُسِهِمْ بِاصْطِلَاحِهِمْ، فَهُوَ جَائِزٌ لِمَا أَنَّ فِي الْقِسْمَةِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فَتَثْبُتُ بِالتَّرَاضِي كَمَا فِي سَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ. وَقَوْلُهُ (كَأُجْرَةِ الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ وَحَفْرِ الْبِئْرِ الْمُشْتَرَكَةِ) يَعْنِي إذَا اسْتَأْجَرُوا الْكَيَّالَ لِيَفْعَلَ الْكَيْلَ فِيمَا هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ فَالْأُجْرَةُ عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ، وَكَذَلِكَ الْوَزَّانُ وَالْحَافِرُ (وَقَوْلُهُ إنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِالتَّمْيِيزِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَتَفَاوَتُ) تَحْقِيقُهُ أَنَّ الْقَاسِمَ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِالْمِسَاحَةِ وَمَدِّ الْأَطْنَابِ وَالْمَشْيِ عَلَى الْحُدُودِ، لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَعَانَ فِي ذَلِكَ بِأَرْبَابِ الْمِلْكِ اسْتَوْجَبَ كَمَالَ الْأَجْرِ إذَا قَسَمَ بِنَفْسِهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأُجْرَةَ فِي مُقَابَلَةِ الْقِسْمَةِ، وَرُبَّمَا يَصْعُبُ الْحِسَابُ بِالنَّظَرِ إلَى الْقَلِيلِ لِأَنَّ الْحِسَابَ يَدُقُّ بِتَفَاوُتِ الْأَنْصِبَاءِ وَيَزْدَادُ دِقَّةً بِقِلَّةِ الْأَنْصِبَاءِ، فَلَعَلَّ تَمْيِيزَ نَصِيبِ صَاحِبِ الْقَلِيلِ أَشَقُّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْهِ تَمْيِيزُ

بِأَصْلِ التَّمْيِيز، بِخِلَافِ حَفْرِ الْبِئْرِ لِأَنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِنَقْلِ التُّرَابِ وَهُوَ يَتَفَاوَتُ، وَالْكَيْلُ وَالْوَزْنُ إنْ كَانَ لِلْقِسْمَةِ قِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْقِسْمَةِ فَالْأَجْرُ مُقَابَلٌ بِعَمَلِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَهُوَ يَتَفَاوَتُ وَهُوَ الْعُذْرُ لَوْ أُطْلِقَ وَلَا يُفَصَّلُ وَعَنْهُ أَنَّهُ عَلَى الطَّالِبِ دُونَ الْمُمْتَنِعِ لِنَفْعِهِ وَمَضَرَّةِ الْمُمْتَنِعِ قَالَ. (وَإِذَا حَضَرَ الشُّرَكَاءُ عِنْدَ الْقَاضِي وَفِي أَيْدِيهِمْ دَارٌ أَوْ ضَيْعَةٌ وَادَّعَوْا أَنَّهُمْ وَرِثُوهَا عَنْ فُلَانٍ لَمْ يَقْسِمْهَا الْقَاضِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى مَوْتِهِ وَعَدَدِ وَرَثَتِهِ وَقَالَ صَاحِبَاهُ: يَقْسِمُهَا بِاعْتِرَافِهِمْ، وَيَذْكُرُ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّهُ قَسَمَهَا بِقَوْلِهِمْ وَإِنْ كَانَ الْمَالُ الْمُشْتَرَكُ مَا سِوَى الْعَقَارِ وَادَّعَوْا أَنَّهُ مِيرَاثٌ قَسَمَهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، وَلَوْ ادَّعَوْا فِي الْعَقَارِ أَنَّهُمْ اشْتَرَوْهُ قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ) لَهُمَا أَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ وَالْإِقْرَارَ أَمَارَةُ الصِّدْقِ وَلَا مُنَازِعَ لَهُمْ فَيَقْسِمَهُ بَيْنَهُمْ كَمَا فِي الْمَنْقُولِ الْمَوْرُوثِ وَالْعَقَارِ الْمُشْتَرَى، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا مُنْكِرَ وَلَا بَيِّنَةَ إلَّا عَلَى الْمُنْكِرِ فَلَا يُفِيدُ، إلَّا أَنَّهُ يَذْكُرُ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّهُ قَسَمَهَا بِإِقْرَارِهِمْ لِيَقْتَصِرَ عَلَيْهِمْ وَلَا يَتَعَدَّاهُمْ وَلَهُ أَنْ يَقْسِمَ قَضَاءً عَلَى الْمَيِّتِ إذْ التَّرِكَةُ مُبْقَاةٌ عَلَى مِلْكِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، حَتَّى لَوْ حَدَثَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQنَصِيبِ صَاحِبِ الْكَثِيرِ لِكُسُورٍ وَقَعَتْ فِيهِ فَيَتَعَذَّرُ اعْتِبَارُ الْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِأَصْلِ التَّمْيِيزِ، بِخِلَافِ حَفْرِ الْبِئْرِ لِأَنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِنَقْلِ التُّرَابِ وَهُوَ يَتَفَاوَتُ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْقِسْمَةِ) بِأَنْ اشْتَرَيَا مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا وَأَمَرَا إنْسَانًا بِكَيْلِهِ لِيَصِيرَ الْكُلُّ مَعْلُومَ الْقَدْرِ (فَالْأَجْرُ بِقَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ وَهُوَ الْعُذْرُ لَوْ أَطْلَقَ وَلَا يَفْصِلُ) يَعْنِي لَوْ أَطْلَقَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَوَابِ، وَقَالَ: أُجْرَةُ الْكَيَّالِ بِقَدْرِ عَمَلِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْكَيْلُ لِلْقِسْمَةِ أَوْ لَا، فَالْعُذْرُ لَهُ فِي ذَلِكَ هُوَ التَّفَاوُتُ لِأَنَّ عَمَلَهُ فِي ذَلِكَ لِصَاحِبِ الْكَثِيرِ أَكْثَرُ فَكَانَ أَصْعَبَ وَالْأَجْرُ بِقَدْرِ الْعَمَلِ، بِخِلَافِ الْقَسَّامِ فَإِنَّهُ قَدْ يَعْكِسُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يَفْصِلُ) تَأْكِيدٌ وَبَيَانٌ. وَقَوْلُهُ (وَعَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (أَنَّ الْأَجْرَ كُلَّهُ عَلَى الطَّالِبِ دُونَ الْمُمْتَنِعِ لِنَفْعِهِ وَمَضَرَّةِ الْمُمْتَنِعِ) . قَالَ (وَإِذَا حَضَرَ الشُّرَكَاءُ عِنْدَ الْقَاضِي) إلَخْ إذَا حَضَرَ الشُّرَكَاءُ عِنْدَ الْقَاضِي وَفِي أَيْدِيهِمْ مَالٌ وَطَلَبُوا قِسْمَتَهُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَقَارًا أَوْ غَيْرَهُ، فَإِنْ كَانَ عَقَارًا فَأَمَّا إنْ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ وَرِثُوهُ أَوْ اشْتَرَوْهُ أَوْ سَكَتُوا عَنْ كَيْفِيَّةِ الِانْتِقَالِ إلَيْهِمْ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَمْ يَقْسِمْهُ الْقَاضِي حَتَّى يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى مَوْتِهِ، وَعَدَدِ وَرَثَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَالَا: يَقْسِمُهُ بِاعْتِرَافِهِمْ) وَإِنْ كَانَ الثَّانِي قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ الثَّالِثُ قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَقَارٍ وَادَّعَوْا أَنَّهُ مِيرَاثٌ قَسَمَهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا. لَهُمَا أَنَّ الِامْتِنَاعَ عَنْ الْقِسْمَةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ لِشُبْهَةٍ فِي الْمِلْكِ أَوْ لِتُهْمَةٍ فِي دَعْوَاهُ أَوْ لِمُنَازِعٍ لِلْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ، وَلَا شَيْءَ مِنْ ذَلِكَ بِمُتَحَقِّقٍ لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ وَالْإِقْرَارُ أَمَارَةُ الصِّدْقِ وَالْفَرْضُ عَدَمُ الْمُنَازِعِ فَيَقْسِمُهُ بَيْنَهُمْ كَمَا فِي الْمَنْقُولِ الْمَوْرُوثِ وَالْعَقَارِ الْمُشْتَرَى، وَطَلَبُ الْبَيِّنَةِ لَيْسَ بِلَازِمٍ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا عَلَى مُنْكِرٍ وَلَا مُنْكِرَ هَاهُنَا فَلَا تُفِيدُ إلَّا أَنَّهُ يُذْكَرُ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ: أَيْ فِي الصَّكِّ الَّذِي يَكْتُبُهُ الْقَاضِي أَنَّهُ قَسَمَهُ بِاعْتِرَافِهِمْ لِئَلَّا يَكُونَ حُكْمُهُ مُتَعَدِّيًا إلَى غَيْرِهِمْ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقِسْمَةَ قَضَاءٌ عَلَى الْمَيِّتِ. إذْ التَّرِكَةُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مُبْقَاةٌ عَلَى مِلْكِهِ، حَتَّى لَوْ حَدَثَتْ

الزِّيَادَةُ قَبْلَهَا تُنَفَّذُ وَصَايَاهُ فِيهَا وَتُقْضَى دُيُونُهُ مِنْهَا، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ، وَإِذَا كَانَتْ قَضَاءً عَلَى الْمَيِّتِ فَالْإِقْرَارُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ وَهُوَ مُفِيدٌ، لِأَنَّ بَعْضَ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْمُورِثِ. وَلَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ كَمَا فِي الْوَارِثِ أَوْ الْوَصِيِّ الْمُقِرِّ بِالدَّيْنِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ مَعَ إقْرَارِهِ، بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ لِأَنَّ فِي الْقِسْمَةِ نَظَرًا لِلْحَاجَةِ إلَى الْحِفْظِ أَمَّا الْعَقَارُ فَمُحْصَنٌ بِنَفْسِهِ، وَلِأَنَّ الْمَنْقُولَ مَضْمُونٌ عَلَى مَنْ وَقَعَ فِي يَدِهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْعَقَارُ عِنْدَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالزِّيَادَةُ تَنْفُذُ وَصَايَاهُ فِيهَا وَتُقْضَى دُيُونُهُ مِنْهَا. وَعَنْ هَذَا قَالُوا: إذَا أَوْصَى بِجَارِيَةٍ لِإِنْسَانٍ فَوَلَدَتْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِيهِمَا بِقَدْرِ الثُّلُثِ كَأَنَّهُ أَوْصَى بِهِمَا، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمُوصَى لَهُ، فَدَلَّ أَنَّ التَّرِكَةَ مُبْقَاةٌ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ فَكَانَتْ الْقِسْمَةُ قَضَاءً عَلَى الْمَيِّتِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ حُجَّةٍ وَهِيَ إمَّا إقْرَارُ الْوَرَثَةِ أَوْ بَيِّنَتُهُمْ، وَإِقْرَارُهُمْ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الْمَيِّتِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ. وَقَوْلُهُ وَهُوَ مُفِيدُ جَوَابٍ عَنْ قَوْلِهِمَا فَلَا يُفِيدُ ذَلِكَ، لِأَنَّ بَعْضَ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا بِأَنْ يُجْعَلَ أَحَدُ الْحَاضِرِينَ مُدَّعِيًا وَالْآخَرُ مُدَّعًى عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: كُلٌّ مِنْهُمَا مُقِرٌّ بِدَعْوَى صَاحِبِهِ وَالْمُقِرُّ لَا يَصْلُحُ خَصْمًا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ وَلَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ: أَيْ كَوْنُهُ خَصْمًا بِسَبَبِ إقْرَارِهِ لِجَوَازِ اجْتِمَاعِ الْإِقْرَارِ مَعَ كَوْنِهِ خَصْمًا كَمَا فِي الْوَارِثِ أَوْ الْوَصِيِّ الْمُقِرِّ بِالدُّيُونِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُقْضَى عَلَيْهِمَا بِالْبَيِّنَةِ بِدُيُونِ الْمَيِّتِ وَإِنْ كَانَا مُقِرِّينَ بِهَا، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ الدَّيْنِ فِي حَقِّهِمْ وَحَقِّ غَيْرِهِمْ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ لِلْمَيِّتِ غَرِيمُ دَيْنِهِ ظَاهِرٌ وَدَيْنُ الْمُقَرِّ لَهُ بِإِقْرَارِ الْوَرَثَةِ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّهِ فَيَحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لِيَكُونَ حَقُّهُ فِي جَمِيعِ مَالِ الْمَيِّتِ وَيَلْزَمُ ذَلِكَ جَمِيعَ الْوَرَثَةِ وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا كَمَا فِي الْمَنْقُولِ الْمَوْرُوثِ، وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ لِأَنَّ فِي الْقِسْمَةِ نَظَرًا إلَخْ. وَالثَّانِي أَنَّ الْمَنْقُولَ مَضْمُونٌ عَلَى مَنْ وَقَعَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَفِي الْقِسْمَةِ جَعَلَهُ مَضْمُونًا،

وَبِخِلَافِ الْمُشْتَرَى لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَا يَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ وَإِنْ لَمْ يَقْسِمْ فَلَمْ تَكُنْ الْقِسْمَةُ قَضَاءً عَلَى الْغَيْرِ قَالَ (وَإِنْ ادَّعَوْا الْمِلْكَ وَلَمْ يَذْكُرُوا كَيْفَ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقِسْمَةِ قَضَاءٌ عَلَى الْغَيْرِ، فَإِنَّهُمْ مَا أَقَرُّوا بِالْمِلْكِ لِغَيْرِهِمْ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَذِهِ رِوَايَةُ كِتَابِ الْقِسْمَةِ. (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: أَرْضٌ ادَّعَاهَا رَجُلَانِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمَا وَأَرَادَا الْقِسْمَةَ لَمْ يَقْسِمْهَا حَتَّى يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُمَا) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِمَا ثُمَّ قِيلَ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ لِلْمَيِّتِ، بِخِلَافِ الْعَقَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ مَضْمُونًا عَلَى مَنْ وَقَعَ فِي يَدِهِ عِنْدَهُ (وَبِخِلَافِ الْمُشْتَرِي) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا وَالْعَقَارُ الْمُشْتَرَى عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ الْأُصُولِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْسِمُهُ بَيْنَهُمْ وَسَوَّى بَيْنَ الشِّرَاءِ وَالْمِيرَاثِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْعَقْدِ لَا يَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ وَإِنْ لَمْ يُقْسَمْ فَلَمْ تَكُنْ الْقِسْمَةُ قَضَاءً عَلَى الْغَيْرِ (قَوْلُهُ وَإِنْ ادَّعَوْا الْمِلْكَ) هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ الْمَوْعُودُ وَمَعْنَاهُ ظَاهِرٌ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هَذِهِ) يَعْنِي الْقِسْمَةَ فِيمَا بَيْنَهُمْ مِنْ غَيْرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ (رِوَايَةُ كِتَابِ الْقِسْمَةِ) وَأَعَادَ لَفْظَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُقْسَمُ حَتَّى يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَا فِي أَيْدِيهِمَا مِلْكًا لِغَيْرِهِمَا فَإِنَّهُمَا لَمَّا لَمْ يَذْكُرَا السَّبَبَ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مِيرَاثًا فَيَكُونُ مِلْكًا لِلْغَيْرِ وَأَنْ يَكُونَ مُشْتَرًى فَيَكُونُ مِلْكًا لَهُمَا، لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ تَكُونَ الْأَمْلَاكُ فِي يَدِ مُلَّاكِهَا فَلَا تُقْسَمُ احْتِيَاطًا. قِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً، وَعِنْدَهُمَا تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُمَا يُقْسَمَانِ فِي الْمِيرَاثِ بِلَا بَيِّنَةٍ فَفِي هَذَا أَوْلَى. وَقِيلَ قَوْلُ الْكُلِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ، لِأَنَّ الْقِسْمَةَ نَوْعَانِ: قِسْمَةٌ لِحَقِّ الْمِلْكِ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ، وَقِسْمَةٌ لِحَقِّ الدَّارِ لِأَجْلِ الْحِفْظِ وَالصِّيَانَةِ. وَالثَّانِي فِي الْعَقَارِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فَتَعَيَّنَ قِسْمَةُ الْمِلْكِ،

وَقِيلَ قَوْلُ الْكُلِّ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ قِسْمَةَ الْحِفْظِ فِي الْعَقَارِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ، وَقِسْمَةُ الْمِلْكِ تَفْتَقِرُ إلَى قِيَامِهِ وَلَا مِلْكَ فَامْتَنَعَ الْجَوَازُ قَالَ (وَإِذَا حَضَرَ وَارِثَانِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَفَاةِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ وَالدَّارُ فِي أَيْدِيهمْ وَمَعَهُمْ وَارِثٌ غَائِبٌ قَسَمَهَا الْقَاضِي بِطَلَبِ الْحَاضِرِينَ وَيُنَصِّبُ وَكِيلًا يَقْبِضُ نَصِيبَ الْغَائِبِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَكَانَ الْغَائِبِ صَبِيٌّ يَقْسِمُ وَيُنَصِّبُ وَصِيًّا يَقْبِضُ نَصِيبَهُ) لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لِلْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ، وَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَهُ أَيْضًا خِلَافًا لَهُمَا كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ (وَلَوْ كَانُوا مُشْتَرِينَ لَمْ يَقْسِمْ مَعَ غَيْبَةِ أَحَدِهِمْ) وَالْفَرْقُ أَنْ مِلْكَ الْوَارِثِ مِلْكُ خِلَافَةٍ حَتَّى يُرَدَّ بِالْعَيْبِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ فِيمَا اشْتَرَاهُ الْمُورِثُ أَوْ بَاعَ وَيَصِيرُ مَغْرُورًا بِشِرَاءِ الْمُورِثِ فَانْتَصَبَ أَحَدُهُمَا خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ فِيمَا فِي يَدِهِ وَالْآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ فَصَارَتْ الْقِسْمَةُ قَضَاءً بِحَضْرَةِ الْمُتَخَاصِمِينَ. أَمَّا الْمِلْكُ الثَّابِتُ بِالشِّرَاءِ مِلْكٌ مُبْتَدَأٌ وَلِهَذَا لَا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ عَلَى بَائِعِ بَائِعِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقِسْمَةُ الْمِلْكِ تَفْتَقِرُ إلَى قِيَامِ الْمِلْكِ، وَلَا مِلْكَ بِدُونِ الْبَيِّنَةِ فَامْتَنَعَ الْجَوَازُ. قَالَ (وَإِنْ حَضَرَ وَارِثَانِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَفَاةِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ وَالدَّارُ فِي أَيْدِيهِمْ وَمَعَهُمْ وَارِثٌ غَائِبٌ قَسَمَهَا الْقَاضِي بِطَلَبِ الْحَاضِرِينَ وَيَنْصِبُ لِلْغَائِبِ وَكِيلًا يَقْبِض نَصِيبِهِ) قِيلَ قَوْلُهُ فِي أَيْدِيهِمْ وَمَعَهُمْ وَارِثٌ غَائِبٌ وَقَعَ سَهْوًا مِنْ النَّاسِخِ، وَالصَّحِيحُ فِي أَيْدِيهِمَا، لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمْ لَكَانَ الْبَعْضُ فِي يَدِ الْغَائِبِ ضَرُورَةً، وَقَدْ ذُكِرَ بَعْدَ هَذَا فِي الْكِتَابِ وَإِنْ كَانَ الْعَقَارُ فِي يَدِ الْوَارِثِ الْغَائِبِ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ لَمْ يُقْسَمْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَطْلَقَ الْجَمْعَ وَأَرَادَ الْمُثَنَّى بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ وَارِثَانِ وَأَقَامَا لَكِنَّهُ مُلْتَبِسٌ (وَكَذَا لَوْ كَانَ مَكَانَ الْغَائِبِ صَبِيٌّ يُقْسَمُ وَيَنْصِبُ وَصِيًّا يَقْبِضُ نَصِيبَهُ لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لِلْغَائِبِ وَالصَّبِيِّ) لِظُهُورِ نَصِيبِهِمَا بِمَا فِي يَدِ الْغَيْرِ (وَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ) يَعْنِي فِيمَا إذَا كَانَ مَعَهُمَا صَبِيٌّ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) كَمَا إذَا كَانَ مَعَهُمَا غَائِبٌ (خِلَافًا لَهُمَا كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ) يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ لَمْ يَقْسِمْهَا الْقَاضِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى مَوْتِهِ وَعَدَدِ وَرَثَتِهِ. وَقَالَ صَاحِبَاهُ: يَقْسِمُهَا بِاعْتِرَافِهِمْ (وَلَوْ كَانُوا مُشْتَرِينَ لَمْ يُقْسَمْ مَعَ غَيْبَةِ أَحَدِهِمْ) وَإِنْ أَقَامُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ وَذَكَرَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ وَاضِحٌ (قَوْلُهُ وَيَصِيرُ مَغْرُورًا بِشِرَاءِ الْمُوَرِّثِ) صُورَتُهُ: اشْتَرَى

فَلَا يَصْلُحُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ فَوَضَحَ الْفَرْقُ (وَإِنْ كَانَ الْعَقَارُ فِي يَدِ الْوَارِثِ الْغَائِبِ أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ لَمْ يُقْسَمْ، وَكَذَا إذَا كَانَ فِي يَدِ مُودِعِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ فِي يَدِ الصَّغِيرِ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ بِاسْتِحْقَاقِ يَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ عَنْهُمَا، وَأَمِينُ الْخَصْمِ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْهُ فِيمَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ، وَالْقَضَاءُ مِنْ غَيْرِ الْخَصْمِ لَا يَجُوزُ. وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا الْفَصْلِ بَيْنَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَعَدَمِهَا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا أُطْلِقَ فِي الْكِتَابِ قَالَ (وَإِنْ حَضَرَ وَارِثٌ وَاحِدٌ لَمْ يَقْسِمْ وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ خَصْمَيْنِ، لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَصْلُحُ مُخَاصِمًا وَمُخَاصَمًا، وَكَذَا مُقَاسِمًا وَمُقَاسَمًا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْحَاضِرُ اثْنَيْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا (وَلَوْ كَانَ الْحَاضِرُ كَبِيرًا وَصَغِيرًا نَصَبَ الْقَاضِي عَنْ الصَّغِيرِ وَصِيًّا وَقَسَمَ إذَا أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ، وَكَذَا إذَا حَضَرَ وَارِثٌ كَبِيرٌ وَمُوصًى لَهُ بِالثُّلُثِ فِيهَا وَطَلَبَا الْقِسْمَةَ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ يَقْسِمُهُ) لِاجْتِمَاعِ الْخَصْمَيْنِ الْكَبِيرِ عَنْ الْمَيِّتِ وَالْمُوصَى لَهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَكَذَا الْوَصِيُّ عَنْ الصَّبِيِّ كَأَنَّهُ حَضَرَ بِنَفْسِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُورِثُ جَارِيَةً وَمَاتَ وَاسْتَوْلَدَهَا الْوَارِثُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ يَكُونُ الْوَلَدُ حُرًّا بِالْقِيمَةِ وَيَرْجِعُ الْوَارِثُ بِهَا عَلَى الْبَائِعِ كَالْمُوَرِّثِ (وَقَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا الْفَصْلِ بَيْنَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَعَدَمِهَا) يَعْنِي فِيمَا إذَا كَانَ الْعَقَارُ فِي يَدِ الْوَارِثِ الْغَائِبِ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ. وَقَوْلُهُ (كَمَا أُطْلِقَ فِي الْكِتَابِ) يَعْنِي قَوْلَهُ لَمْ يُقْسَمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَذْكُرَ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ. وَقَوْلُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ الْعَقَارِ فِي يَدِ الصَّغِيرِ أَوْ الْغَائِبِ لَمْ أَقْسِمْهَا بِإِقْرَارِ الْحُضُورِ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى أَصْلِ الْمِيرَاثِ، لِأَنَّ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ بِإِخْرَاجِ شَيْءٍ مِمَّا كَانَ فِي يَدِهِ عَنْ يَدِهِ (وَإِنْ حَضَرَ وَارِثٌ وَاحِدٌ لَمْ يُقْسَمْ وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ خَصْمَيْنِ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَصْلُحُ مُخَاصِمًا وَمُخَاصَمًا) فَالْحَاضِرُ إنْ كَانَ خَصْمًا عَنْ نَفْسِهِ فَلَيْسَ ثَمَّةَ خَصْمٌ عَنْ الْمَيِّتِ وَعَنْ الْغَائِبِ، وَإِنْ كَانَ خَصْمًا عَنْهُمَا فَمَا ثَمَّةَ مَنْ يُخَاصِمُ عَنْ نَفْسِهِ لِيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ بِذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْحَاضِرُ اثْنَيْنِ، وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ.

[فصل فيما يقسم وما لا يقسم]

(فَصْلٌ فِيمَا يُقْسَمُ وَمَا لَا يُقْسَمُ) : قَالَ (وَإِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ قَسَمَ بِطَلَبِ أَحَدِهِمْ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ حَقٌّ لَازِمٌ فِيمَا يَحْتَمِلُهَا عِنْدَ طَلَبِ أَحَدِهِمْ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ (وَإِنْ كَانَ يَنْتَفِعُ أَحَدُهُمْ وَيَسْتَضِرُّ بِهِ الْآخَرُ لِقِلَّةِ نَصِيبِهِ، فَإِنْ طَلَبَ صَاحِبُ الْكَثِيرِ قَسَمَ، وَإِنْ طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ لَمْ يَقْسِمْ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَنْتَفِعُ بِهِ فَيُعْتَبَرَ طَلَبُهُ، وَالثَّانِي مُتَعَنِّتٌ فِي طَلَبِهِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ وَذَكَرَ الْجَصَّاصُ عَلَى قَلْبِ هَذَا لِأَنَّ صَاحِبَ الْكَثِيرِ يُرِيدُ الْإِضْرَارَ بِغَيْرِهِ وَالْآخَرُ يَرْضَى بِضَرَرِ نَفْسِهِ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّ أَيَّهمَا طَلَبَ الْقِسْمَةَ يَقْسِمُ الْقَاضِي، وَالْوَجْهُ انْدَرَجَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ وَالْأَصَحُّ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ الْأَوَّلُ (وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَضِرُّ لِصِغَرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِيمَا يُقْسَمُ وَمَا لَا يُقْسَمُ] فَصْلٌ) : فِيمَا يُقْسَمُ وَمَا لَا يُقْسَمُ لَمَّا تَنَوَّعَتْ مَسَائِلُ الْقِسْمَةِ إلَى مَا يُقْسَمُ وَمَا لَا يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا فَقَالَ (وَإِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ إلَخْ) إذَا طَلَبَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ الْقِسْمَةَ فَإِمَّا أَنْ يَنْتَفِعَ كُلٌّ بِنَصِيبِهِ أَوْ بَعْضُهُمْ أَوْ لَا يَنْتَفِعُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ قَسَمَ الْقَاضِي بِطَلَبِ أَحَدِهِمْ جَبْرًا عَلَى مَنْ أَبَى (لِأَنَّ الْقِسْمَةَ حَقٌّ لَازِمٌ فِيمَا يَحْتَمِلُهَا عِنْدَ طَلَبِ أَحَدِهِمْ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أُجْبِرَ الْقَاضِي عَلَى الْقِسْمَةِ عِنْدَ طَلَبِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ لِتَفَاوُتِ الْمَقَاصِدِ وَالْمُبَادَلَةُ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الْجَبْرُ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ إلَى آخِرِهِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَإِنْ طَلَبَ صَاحِبُ الْكَثِيرِ قُسِمَ، وَإِنْ طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ لَمْ يُقْسَمْ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْفَرْقِ فِي الْكِتَابِ. وَذَكَرَ الْجَصَّاصُ عَلَى قَلْبِ هَذَا وَهُوَ أَنْ يَطْلُبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ الْقِسْمَةَ وَيَأْبَى صَاحِبُ الْكَثِيرِ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ (وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّ أَيَّهُمَا طَلَبَ الْقِسْمَةَ يَقْسِمُ الْقَاضِي وَالْوَجْهُ انْدَرَجَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ) لِأَنَّ دَلِيلَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ دَلِيلُ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَدَلِيلُ قَوْلِ الْجَصَّاصِ دَلِيلُ الْجَانِبِ الْآخَرِ (وَالْأَصَحُّ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ) أَيْ الْقُدُورِيِّ (وَهُوَ الْأَوَّلُ) لِأَنَّ رِضَا صَاحِبِ الْقَلِيلِ بِالْتِزَامِ الضَّرَرِ لَا يَلْزَمُ الْقَاضِي شَيْئًا وَإِنَّمَا الْمُلْزَمُ طَلَبُ الْإِنْصَافِ مِنْ الْقَاضِي وَإِيصَالُهُ إلَى مَنْفَعَةٍ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ عِنْدَ طَلَبِ صَاحِبِ الْقَلِيلِ (وَإِنْ كَانَ) الثَّالِثُ بِأَنْ كَانَ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا بَيْتًا صَغِيرًا (يَسْتَضِرُّ) كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْقِسْمَةِ وَطَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ

لَمْ يَقْسِمْهَا إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا) لِأَنَّ الْجَبْرَ عَلَى الْقِسْمَةِ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ، وَفِي هَذَا تَفْوِيتُهَا، وَتَجُوزُ بِتَرَاضِيهِمَا لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا وَهُمَا أَعْرَفُ بِشَأْنِهِمَا. أَمَّا الْقَاضِي فَيَعْتَمِدُ الظَّاهِرَ قَالَ (وَيُقْسَمُ الْعُرُوض إذَا كَانَتْ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ) لِأَنَّ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ يَتَّحِدُ الْمَقْصُودُ فَيَحْصُلَ التَّعْدِيلُ فِي الْقِسْمَةِ وَالتَّكْمِيلُ فِي الْمَنْفَعَةِ (وَلَا يَقْسِمُ الْجِنْسَيْنِ بَعْضَهُمَا فِي بَعْضٍ) لِأَنَّهُ لَا اخْتِلَاطَ بَيْنَ الْجِنْسَيْنِ فَلَا تَقَعُ الْقِسْمَةُ تَمْيِيزًا بَلْ تَقَعُ مُعَاوَضَةً، وَسَبِيلُهَا التَّرَاضِي دُونَ جَبْرِ الْقَاضِي (وَيَقْسِمُ كُلَّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ كَثِيرٍ أَوْ قَلِيلٍ وَالْمَعْدُودِ الْمُتَقَارِبِ وَتِبْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالْإِبِلِ بِانْفِرَادِهَا وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَلَا يَقْسِمُ شَاةً وَبَعِيرًا وَبِرْذَوْنًا وَحِمَارًا وَلَا يَقْسِمُ الْأَوَانِيَ) لِأَنَّهَا بِاخْتِلَافِ الصَّنْعَةِ الْتَحَقَتْ بِالْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ (وَيَقْسِمُ الثِّيَابَ الْهَرَوِيَّةَ) لِاتِّحَادِ الصِّنْفِ (وَلَا يَقْسِمُ ثَوْبًا وَاحِدًا) لِاشْتِمَالِ الْقِسْمَةِ عَلَى الضَّرَرِ إذْ هِيَ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْقَطْعِ (وَلَا ثَوْبَيْنِ إذَا اخْتَلَفَتْ قِيمَتُهُمَا) لِمَا بَيَّنَّا، بِخِلَافِ ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ إذَا جُعِلَ ثَوْبٌ بِثَوْبَيْنِ أَوْ ثَوْبٌ وَرُبْعُ ثَوْبٍ بِثَوْبٍ وَثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ ثَوْبٍ لِأَنَّهُ قِسْمَةُ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ وَذَلِكَ جَائِزٌ. (وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَقْسِمُ الرَّقِيقَ وَالْجَوَاهِرَ) لِتَفَاوُتِهِمَا (وَقَالَا: يَقْسِمُ الرَّقِيقَ) لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ كَمَا فِي الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَرَقِيقِ الْمَغْنَمِ وَلَهُ أَنَّ التَّفَاوُتَ فِي الْآدَمِيِّ فَاحِشٌ لِتَفَاوُتِ الْمَعَانِي الْبَاطِنَةِ فَصَارَ كَالْجِنْسِ الْمُخْتَلِفِ بِخِلَافِ الْحَيَوَانَاتِ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهَا يَقِلُّ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ وَمِنْ الْحَيَوَانَاتِ جِنْسٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَقْسِمْهَا إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا لِأَنَّ الْجَبْرَ عَلَى الْقِسْمَةِ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ وَفِي هَذَا تَفْوِيتُهَا، وَتَجُوزُ بِتَرَاضِيهِمَا لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا وَهُمَا أَعْرَفُ بِشَأْنِهِمَا أَمَّا الْقَاضِي فَيَعْتَمِدُ الظَّاهِرَ وَيَقْسِمُ الْعُرُوضَ إذَا كَانَتْ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ) كَالثِّيَابِ مَثَلًا: يَعْنِي بِهِ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ، لِأَنَّ فِي حَقِّ التَّرَاضِي لَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الصِّنْفِ (لِأَنَّ عِنْدَ اتِّحَادِهِ يَتَّحِدُ الْمَقْصُودُ فَيَحْصُلُ التَّعْدِيلُ فِي الْقِسْمَةِ وَالتَّكْمِيلُ فِي الْمَنْفَعَةِ، وَلَا يَقْسِمُ الْجِنْسَيْنِ بَعْضَهُمَا فِي بَعْضٍ لِعَدَمِ الِاخْتِلَاطِ بَيْنَ الْجِنْسَيْنِ فَلَا تَقَعُ الْقِسْمَةُ تَمْيِيزًا بَلْ تَقَعُ مُعَاوَضَةً وَسَبِيلُهَا التَّرَاضِي دُونَ جَبْرِ الْقَاضِي) . وَقَوْلُهُ (وَيُقْسَمُ الْقَاضِي كُلُّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ إلَخْ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يَقْسِمُ شَاةً وَبَعِيرًا) يَعْنِي لَا يُقْسَمُ جَبْرًا فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قِسْمَةَ جَمْعٍ بِأَنْ يَجْمَعَ نَصِيبَ أَحَدِ الْوَرَثَةِ فِي الشَّاةِ خَاصَّةً وَنَصِيبُ الْآخَرِ فِي الْبَعِيرِ خَاصَّةً، بَلْ يَقْسِمُ الشَّاةَ بَيْنَهُمْ جَمِيعًا عَلَى مَا يَسْتَحِقُّونَ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ فِي الْبَعِيرِ وَغَيْرِهِ وَالْأَوَانِي الْمُتَّخَذَةِ مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ كَالْإِجَّانَةِ وَالْقُمْقُمِ وَالطَّشْتِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ صُفْرٍ مُلْحَقَةٌ بِمُخْتَلِفَةِ الْجِنْسِ فَلَا يَقْسِمُهَا الْقَاضِي جَبْرًا، وَكَذَلِكَ الْأَثْوَابُ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ الْقُطْنِ أَوْ الْكَتَّانِ إذَا اخْتَلَفَتْ بِالصَّنْعَةِ كَالْقَبَاءِ وَالْجُبَّةِ وَالْقَمِيصِ (وَيَقْسِمُ الثِّيَابَ الْهَرَوِيَّةَ لِاتِّحَادِ الصِّنْفِ، وَلَا يَقْسِمُ ثَوْبًا وَاحِدًا لِاشْتِمَالِ الْقِسْمَةِ عَلَى الضَّرَرِ) بِسَبَبِ الْقَطْعِ لِأَنَّ فِيهِ إتْلَافَ جُزْءٍ فَلَا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي مَعَ كَرَاهَةِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ. فَإِنْ رَضِيَا بِذَلِكَ قَسَمَهُ بَيْنَهُمَا (وَلَا ثَوْبَيْنِ إذَا اخْتَلَفَتْ قِيمَتُهُمَا لِمَا بَيَّنَّا) يَعْنِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ بَلْ تَقَعُ مُعَاوَضَةً وَسَبِيلُهَا التَّرَاضِي. وَوَجْهُ الْمُعَاوَضَةِ أَنَّ التَّعْدِيلَ بَيْنَهُمَا لَا يُمْكِنُ إلَّا بِزِيَادَةِ دَرَاهِمَ مَعَ الْأَوْكَسِ، وَالدَّرَاهِمُ لَمْ تَكُنْ مُشْتَرَكَةً فَتَرِدُ عَلَيْهَا الْقِسْمَةُ فَكَانَ مُعَاوَضَةً (بِخِلَافِ ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ إذَا دَخَلَ ثَوْبٌ بِثَوْبَيْنِ) يَعْنِي إذَا كَانَ قِيمَةُ الثَّوْبِ الْوَاحِدِ مِثْلَ قِيمَةِ الثَّوْبَيْنِ وَأَرَادَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ وَأَبَى الْآخَرُ يَقْسِمُ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَيُعْطِي أَحَدُهُمَا ثَوْبًا وَالْآخَرُ ثَوْبَيْنِ (وَكَذَا إنْ اسْتَقَامَ أَنْ يَجْعَلَ ثَوْبَ أَحَدِ الْقِسْمَيْنِ ثَوْبًا وَرُبُعَ ثَوْبٍ وَالْآخَرُ ثَوْبًا وَثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ ثَوْبٍ) فَإِنَّهُ يَقْسِمُ بَيْنَهُمَا وَيُتْرَكُ الثَّوْبُ الثَّالِثُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ (لِأَنَّهُ قِسْمَةُ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ وَذَلِكَ جَائِزٌ) لِأَنَّهُ تَيَسَّرَ عَلَيْهِ التَّمْيِيزُ فِي بَعْضِ الْمُشْتَرَكِ، وَلَوْ تَيَسَّرَ ذَلِكَ فِي الْكُلِّ قَسَمَ الْكُلَّ عِنْدَ طَلَبِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ فَكَذَلِكَ فِي الْبَعْضِ، وَمَا ثَمَّةَ مُعَاوَضَةٌ تَحْتَاجُ إلَى التَّرَاضِي (وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَقْسِمُ الرَّقِيقَ وَالْجَوَاهِرَ لِتَفَاوُتِهِمَا) الرَّقِيقُ إذَا كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَطَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الرَّقِيقُ

وَاحِدٌ، بِخِلَافِ الْمَغَانِمِ لِأَنَّ حَقَّ الْغَانِمِينَ فِي الْمَالِيَّةِ حَتَّى كَانَ لِلْإِمَامِ بَيْعُهَا وَقِسْمَةُ ثَمَنِهَا وَهُنَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ وَالْمَالِيَّةِ جَمِيعًا فَافْتَرَقَا وَأَمَّا الْجَوَاهِرُ فَقَدْ قِيلَ إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ لَا يَقْسِمُ كَاللَّآلِئِ وَالْيَوَاقِيتِ وَقِيلَ لَا يَقْسِمُ الْكِبَارَ مِنْهَا لِكَثْرَةِ التَّفَاوُتِ، وَيَقْسِمُ الصِّغَارَ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ. وَقِيلَ يَجْرِي الْجَوَابُ عَلَى إطْلَاقِهِ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْجَوَاهِرِ أَفْحَشُ مِنْ جَهَالَةِ الرَّقِيقِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ عَلَى لُؤْلُؤَةٍ أَوْ يَاقُوتَةٍ أَوْ خَالَعَ عَلَيْهَا لَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ، وَيَصِحُّ ذَلِكَ عَلَى عَبْدٍ فَأَوْلَى أَنْ لَا يُجْبَرَ عَلَى الْقِسْمَةِ. قَالَ (وَلَا يُقْسَمُ حَمَّامٌ وَلَا بِئْرٌ، وَلَا رَحًى إلَّا بِتَرَاضِي الشُّرَكَاءِ، وَكَذَا الْحَائِطُ بَيْنَ الدَّارَيْنِ) لِأَنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى الضَّرَرِ فِي الطَّرَفَيْنِ، إذْ لَا يَبْقَى كُلُّ نَصِيبٍ مُنْتَفَعًا بِهِ انْتِفَاعًا مَقْصُودًا فَلَا يَقْسِمُ الْقَاضِي بِخِلَافِ التَّرَاضِي لِمَا بَيَّنَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعَ شَيْءٍ آخَرَ يَصِحُّ فِيهِ الْقِسْمَةُ جَبْرًا كَالْغَنَمِ وَالثِّيَابِ أَوْ لَا يَكُونَ، فَإِنْ كَانَ فَالْأَصَحُّ الْقِسْمَةُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا عَلَى الْأَظْهَرِ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيُجْعَلُ الَّذِي مَعَ الرَّقِيقِ أَصْلًا فِي الْقِسْمَةِ جَبْرًا وَيُجْعَلُ الرَّقِيقُ تَابِعًا لَهُ فِي الْقِسْمَةِ، وَقَدْ يَثْبُتُ الْحُكْمُ لِشَيْءٍ تَبَعًا وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ قَصْدًا كَالشِّرْبِ فِي الْبَيْعِ وَالْمَنْقُولَاتِ فِي الْوَقْفِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ كَانُوا ذُكُورًا وَإِنَاثًا لَا يُقْسَمُ إلَّا بِرِضَاهُمَا، وَإِنْ كَانُوا ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا لَا يَقْسِمُ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يُجْبِرُهُمَا عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ صَاحِبَاهُ: يُجْبِرُهُمَا عَلَى الْقِسْمَةِ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ كَمَا فِي الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَرَقِيقِ الْمَغْنَمِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّفَاوُتَ فِي الْآدَمِيِّ فَاحِشٌ لِتَفَاوُتِ الْمَعَانِي الْبَاطِنَةِ كَالذِّهْنِ وَالْكِيَاسَةِ، لِأَنَّ مِنْ الْعَبِيدِ مَنْ يَصْلُحُ لِلْأَمَانَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَصْلُحُ لِلتِّجَارَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَصْلُحُ لِلْفُرُوسِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَمَتَى جَمَعَ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي وَاحِدٍ فَإِنَّهُ سَائِرُ الْمَنَافِعِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قِسْمَةً وَإِفْرَازًا، بِخِلَافِ الْحَيَوَانَاتِ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهَا يَقِلُّ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ وَمِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ جِنْسٌ وَاحِدٌ (بِخِلَافِ الْمَغَانِمِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا وَرَقِيقُ الْمَغْنَمِ، وَذَلِكَ (لِأَنَّ حَقَّ الْغَانِمِينَ فِي الْمَالِيَّةِ حَتَّى كَانَ لِلْإِمَامِ بَيْعُهَا وَقِسْمَةُ ثَمَنِهَا، وَهَاهُنَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ وَالْمَالِيَّةِ فَافْتَرَقَا) فَإِنْ قِيلَ: لَوْ تَزَوَّجَ أَوْ خَالَعَ عَلَى عَبْدٍ صَحَّ فَصَارَ كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ فَلْيَكُنْ فِي الْقِسْمَةِ كَذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَحْتَاجُ إلَى الْإِفْرَازِ وَلَا يَتَحَقَّقُ فِي الْقِسْمَةِ، بِخِلَافِ مَا ذَكَرْتُمْ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْجَوَاهِرُ إلَخْ) وَاضِحٌ. قَالَ (وَلَا يُقْسَمُ حَمَّامٌ وَلَا بِئْرٌ وَلَا رَحًى) وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْجَبْرَ فِي الْقِسْمَةِ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ انْتِفَاءِ الضَّرَرِ عَنْهُمَا بِأَنْ يَبْقَى نَصِيبُ كُلٍّ مِنْهُمَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ مُنْتَفَعًا بِهِ انْتِفَاعَ ذَلِكَ الْجِنْسِ، وَفِي قِسْمَةِ الْبِئْرِ وَالْحَمَّامِ وَالرَّحَى ضَرَرٌ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا فَلَا يُقْسَمُ إلَّا بِالتَّرَاضِي. وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ: الْقَاضِي لَا يَقْسِمُ عِنْدَ الضَّرَرِ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْصَبْ مُتْلِفًا، لَكِنْ لَوْ اقْتَسَمَ لَمْ يَمْنَعْهُمَا عَنْ ذَلِكَ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ يَسْتَضِرُّ لِصِغَرِهِ لَمْ يَقْسِمْهَا

قَالَ (وَإِذَا كَانَتْ دُورٌ مُشْتَرَكَةً فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ قَسَمَ كُلَّ دَارٍ عَلَى حِدَتِهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: إنْ كَانَ الْأَصْلَحُ لَهُمْ قِسْمَةَ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ قَسَمَهَا) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْأَقْرِحَةُ الْمُتَفَرِّقَةُ الْمُشْتَرِكَةُ لَهُمَا أَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ اسْمًا وَصُورَةً، وَنَظَرًا إلَى أَصْلِ السُّكْنَى أَجْنَاسٌ مَعْنًى نَظَرًا إلَى اخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ، وَوُجُوهِ السُّكْنَى فَيُفَوَّضُ التَّرْجِيحُ إلَى الْقَاضِي وَلَهُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْمَعْنَى وَهُوَ الْمَقْصُودُ، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ وَالْمَحَالِّ وَالْجِيرَانِ وَالْقُرْبِ إلَى الْمَسْجِدِ وَالْمَاءِ اخْتِلَافًا فَاحِشًا فَلَا يُمْكِنُ التَّعْدِيلُ فِي الْقِسْمَةِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِشِرَاءِ دَارٍ، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ عَلَى دَارٍ لَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِيهِمَا فِي الثَّوْبِ بِخِلَافِ الدَّارِ الْوَاحِدَةِ إذَا اخْتَلَفَتْ بُيُوتُهَا، لِأَنَّ فِي قِسْمَةِ كُلِّ بَيْتٍ عَلَى حِدَةٍ ضَرَرًا فَقُسِمَتْ الدَّارُ قِسْمَةً وَاحِدَةً قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: تَقْيِيدُ الْوَضْعِ فِي الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الدَّارَيْنِ إذَا كَانَتَا فِي مِصْرَيْنِ لَا تَجْتَمِعَانِ فِي الْقِسْمَةِ عِنْدَهُمَا، وَهُوَ رِوَايَةُ هِلَالٍ عَنْهُمَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُقْسَمُ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى وَالْبُيُوتُ فِي مُحَلَّةٍ أَوْ مَحَالٍ تُقْسَمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيمَا بَيْنَهَا يَسِيرٌ، وَالْمَنَازِلُ الْمُتَلَازِقَةُ كَالْبُيُوتِ وَالْمُتَبَايِنَةُ كَالدُّورِ لِأَنَّهُ بَيْنَ الدَّارِ وَالْبَيْتِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ فَأَخَذَ شَبِيهًا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ. قَالَ (وَإِنْ كَانَتْ دَارٌ وَضِيعَةٌ أَوْ دَارٌ وَحَانُوتٌ قُسِمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ) لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: جَعَلَ الدَّارَ وَالْحَانُوتَ جِنْسَيْنِ، وَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ وَقَالَ فِي إجَارَاتِ الْأَصْلِ: إنَّ إجَارَةَ مَنَافِعِ الدَّارِ بِالْحَانُوتِ لَا تَجُوزُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، فَيُجْعَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ أَوْ تُبْنَى حُرْمَةُ الرِّبَا هُنَالِكَ عَلَى شُبْهَةِ الْمُجَانَسَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا بِتَرَاضِيهِمَا (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَتْ دُورٌ مُشْتَرَكَةٌ) هَاهُنَا ثَلَاثَةُ فُصُولٍ: الدُّورُ، وَالْبُيُوتُ، وَالْمَنَازِلُ. فَالدُّورُ مُتَلَازِقَةً كَانَتْ أَوْ مُتَفَرِّقَةً لَا تُقْسَمُ عِنْدَهُ قِسْمَةً وَاحِدَةً إلَّا بِالتَّرَاضِي، وَالْبُيُوتُ تُقْسَمُ مُطْلَقًا لِتَقَارُبِهَا فِي مَعْنَى السُّكْنَى، وَالْمَنَازِلُ إنْ كَانَتْ مُجْتَمِعَةً فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ مُتَلَازِقًا بَعْضُهَا بِبَعْضٍ قُسِمَتْ قِسْمَةً وَاحِدَةً وَإِلَّا فَلَا سَوَاءٌ كَانَتْ فِي مَحَالَّ أَوْ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ بَعْضُهَا فِي أَدْنَاهَا وَبَعْضُهَا فِي أَقْصَاهَا، لِأَنَّ الْمَنْزِلَ فَوْقَ الْبَيْتِ دُونَ الدَّارِ فَالْمَنَازِلُ تَتَفَاوَتُ فِي مَعْنَى السُّكْنَى، وَلَكِنَّ التَّفَاوُتَ فِيهَا دُونَ التَّفَاوُتِ فِي الدُّورِ فَهِيَ تُشْبِهُ الْبُيُوتَ مِنْ وَجْهٍ وَالدُّورَ مِنْ وَجْهٍ، فَلِشَبَهِهَا بِالْبُيُوتِ قُلْنَا إذَا كَانَتْ مُتَلَازِقَةً تُقْسَمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً، لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهَا يَقِلُّ فِي مَكَان وَاحِدٍ، وَلِشَبَهِهَا بِالدُّورِ قُلْنَا: إذَا كَانَتْ فِي أَمْكِنَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ لَا تُقْسَمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً، وَهُمَا فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا يَقُولَانِ: يَنْظُرُ الْقَاضِي إلَى أَعْدَلِ الْوُجُوهِ فَيُمْضِي الْقِسْمَةَ عَلَى ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا مَرَّ) يَعْنِي فِي بَابِ الْحُقُوقِ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ دَارٌ وَضِيعَةٌ أَوْ دَارٌ وَحَانُوتٌ إلَخْ) وَاضِحٌ إلَّا مَا نَذْكُرُهُ، إنَّمَا خَصَّ الْخَصَّافَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَمْ تُذْكَرْ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَلَا ذَكَرَهَا الطَّحَاوِيُّ وَلَا الْكَرْخِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَوْلُهُ (إنَّ إجَارَةَ مَنَافِعِ الدَّارِ بِالْحَانُوتِ) أَيْ بِمَنَافِعِ الْحَانُوتِ، لِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَ نَفْسَ الْحَانُوتِ أُجْرَةً لِمَنَافِعِ الدَّارِ صَحَّ. وَقَوْلُهُ (أَوْ تُبْنَى حُرْمَةُ الرِّبَا هُنَالِكَ) أَيْ فِي إجَارَاتِ الْأَصْلِ (عَلَى شُبْهَةِ الْمُجَانَسَةِ) يَعْنِي إنْ كَانَتْ مَنَافِعُ الدَّارِ وَمَنَافِعُ الْحَانُوتِ مُخْتَلِفَةً رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ تَحْمِلُ حُرْمَةَ الرِّبَا هُنَالِكَ عَلَى

[فصل في كيفية القسمة]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQشُبْهَةِ الْمُجَانَسَةِ بَيْنَ مَنَافِعِ الدَّارِ وَالْحَانُوتِ لِاتِّحَادِ أَصْلِ السُّكْنَى الْمَقْصُودِ مِنْهُمَا. وَاسْتَشْكَلَ كَلَامُهُ هَذَا لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى اعْتِبَارِ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ، فَإِنَّ الْجِنْسَ إذَا اتَّحَدَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مُبَادَلَةِ الشَّيْءِ بِجِنْسِهِ نَسِيئَةً، وَبِالْجِنْسِ يَحْرُمُ النَّسَاءُ عِنْدَنَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِي ذَلِكَ شُبْهَةُ الرِّبَا فَإِذَا اُعْتُبِرَتْ شُبْهَةُ الْجِنْسِيَّةِ كَانَ ذَلِكَ اعْتِبَارًا لِشُبْهَةِ الشُّبْهَةِ، وَالْمُعْتَبَرُ الشُّبْهَةُ دُونَ النَّازِلِ عَنْهَا. وَقَدْ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ، أَوْ يَكُونَ مِنْ مُشْكِلَاتِ هَذَا الْكِتَابِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَا إشْكَالَ فِيهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِشُبْهَةِ الْمُجَانَسَةِ الشُّبْهَةَ الثَّابِتَةَ بِهَا لِأَنَّهُ قَالَ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَكَيْفَ يَقُولُ بِشُبْهَةِ الْمُجَانَسَةِ. وَوَجْهٌ آخَرُ فِي التَّوْفِيقِ أَنْ يُرَادَ بِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ الِاخْتِلَافُ مِنْ حَيْثُ اخْتِلَافِ الذَّاتِ، فَلَا تَجُوزُ الْقِسْمَةُ الْوَاحِدَةُ، وَبِاتِّحَادِهِ الِاتِّحَادُ فِي الْمَنْفَعَةِ وَهِيَ السُّكْنَى فَتَمْتَنِعُ الْإِجَارَةُ لِشُبْهَةِ الرِّبَا. [فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ مَا يُقْسَمُ وَمَا لَا يُقْسَمُ بَيْنَ كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ فِيمَا يُقْسَمُ لِأَنَّ الْكَيْفِيَّةَ صِفَةٌ فَتَتْبَعُ جَوَازَ أَصْلِ الْقِسْمَةِ الَّذِي هُوَ

(فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ) : قَالَ (وَيَنْبَغِي لِلْقَاسِمِ أَنْ يُصَوِّرَ مَا يَقْسِمُهُ) لِيُمْكِنَهُ حِفْظُهُ (وَيَعْدِلَهُ) يَعْنِي يُسَوِّيَهُ عَلَى سِهَامِ الْقِسْمَةِ وَيُرْوَى يَعْزِلَهُ: أَيْ يَقْطَعَهُ بِالْقِسْمَةِ عَنْ غَيْرِهِ (وَيَذْرَعَهُ) لِيَعْرِفَ قَدْرَهُ (وَيُقَوِّمَ الْبِنَاءَ) لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ (وَيَفْرِزَ كُلَّ نَصِيبٍ عَنْ الْبَاقِي بِطَرِيقِهِ وَشُرْبِهِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِنَصِيبِ بَعْضِهِمْ بِنَصِيبِ الْآخَرِ تَعَلُّقٌ) فَتَنْقَطِعَ الْمُنَازَعَةُ وَيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الْقِسْمَةِ عَلَى التَّمَامِ (ثُمَّ يُلَقِّبَ نَصِيبًا بِالْأَوَّلِ، وَاَلَّذِي يَلِيهِ بِالثَّانِي وَالثَّالِثُ عَلَى هَذَا ثُمَّ يُخْرِجَ الْقُرْعَةَ، فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ أَوَّلًا فَلَهُ السَّهْمُ الْأَوَّلُ، وَمَنْ خَرَجَ ثَانِيًا فَلَهُ السَّهْمُ الثَّانِي) وَالْأَصْلُ أَنْ يَنْظُرَ فِي ذَلِكَ إلَى أَقَلِّ الْأَنْصِبَاءِ، حَتَّى إذَا كَانَ الْأَقَلُّ ثُلُثًا جَعَلَهَا أَثْلَاثًا، وَإِنْ كَانَ سُدُسًا جَعَلَهَا أَسْدَاسًا لِتَمَكُّنِ الْقِسْمَةِ، وَقَدْ شَرَحْنَاهُ مُشَبَّعًا فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ: وَيَفْرِزَ كُلَّ نَصِيبٍ بِطَرِيقِهِ وَشُرْبِهِ بَيَانُ الْأَفْضَلِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ جَازَ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ بِتَفْصِيلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْقُرْعَةُ لِتَطْيِيبِ الْقُلُوبِ وَإِزَاحَةِ تُهْمَةِ الْمِيلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَوْصُوفُ. قَالَ (وَيَنْبَغِي لِلْقَاسِمِ أَنْ يُصَوِّرَ مَا يَقْسِمُهُ) إذَا شَرَعَ الْقَاسِمُ فِي الْقِسْمَةِ يَنْبَغِي أَنْ يُصَوِّرَ مَا يَقْسِمُهُ بِأَنْ يَكْتُبَ عَلَى كَاغِدَةٍ إنَّ فُلَانًا نَصِيبُهُ كَذَا وَفُلَانًا نَصِيبُهُ كَذَا لِيُمْكِنَهُ حِفْظُهُ إنْ أَرَادَ رَفْعَ تِلْكَ الْكَاغَدَةِ إلَى الْقَاضِي لِيَتَوَلَّى الْإِقْرَاعَ بَيْنَهُمْ بِنَفْسِهِ (وَيَعْدِلهُ يَعْنِي يُسَوِّيهِ عَلَى سِهَامِ الْقِسْمَةِ، وَيُرْوَى يَعْزِلُهُ: أَيْ يَقْطَعُهُ بِالْقِسْمَةِ عَنْ غَيْرِهِ وَيَذْرَعُهُ لِيَعْرِفَ قَدْرَهُ وَيُقَوَّمُ الْبِنَاءُ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ) إذْ الْبِنَاءُ يُقْسَمُ عَلَى حِدَةٍ، فَرُبَّمَا يَقَعُ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمْ شَيْءٌ مِنْهُ فَيَكُونُ عَالِمًا بِقِيمَتِهَا (وَيُفْرَزُ كُلُّ نَصِيبٍ عَنْ الْبَاقِي بِطَرِيقِهِ وَشِرْبِهِ) إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ لِيَنْقَطِعَ النِّزَاعُ وَيَتِمَّ مَعْنَى الْقِسْمَةِ. (ثُمَّ يُلَقَّبُ نَصِيبًا بِالْأَوَّلِ وَاَلَّذِي يَلِيه بِالثَّانِي وَالثَّالِثِ إلَى أَنْ تَفْرُغَ السِّهَامُ وَيَكْتُبَ أَسْمَاءَهُمْ وَيُخْرِجَ الْقُرْعَةَ، فَمِنْ خَرَجَ اسْمُهُ أَوَّلًا إلَخْ) قَالَ الْإِمَامُ حَمِيدُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: صُورَتُهُ أَرْضٌ بَيْنَ جَمَاعَةٍ لِأَحَدِهِمْ سُدُسُهَا وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهَا وَلِلْآخَرِ نِصْفُهَا يَجْعَلُهَا سِتَّةَ أَسْهُمٍ، وَيُلَقَّبُ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ بِالسَّهْمِ الْأَوَّلِ وَاَلَّذِي يَلِيه بِالثَّانِي وَالثَّالِثُ عَلَى هَذَا، ثُمَّ يَكْتُبُ أَسْمَاءَهُمْ وَيَجْعَلُهَا قُرْعَةً ثُمَّ يُلْقِيهَا فِي كُمِّهِ، فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ أَوَّلًا فَلَهُ السَّهْمُ الْأَوَّلُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ صَاحِبَ السُّدُسِ فَلَهُ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ الثُّلُثِ فَلَهُ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ وَاَلَّذِي يَلِيهِ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ النِّصْفِ فَلَهُ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ وَاَللَّذَانِ يَلِيَانِهِ (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ) وَاضِحٌ. قَوْلُهُ (وَالْقُرْعَةُ لِتَطْيِيبِ الْقُلُوبِ) جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ، وَالْقِيَاسُ يَأْبَاهَا لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الِاسْتِحْقَاقِ بِخُرُوجِ الْقُرْعَةِ وَذَلِكَ قِمَارٌ وَلِهَذَا لَمْ تُجَوِّزْ عُلَمَاؤُنَا اسْتِعْمَالَهَا فِي دَعْوَى النَّسَبِ وَدَعْوَى الْمَالِ وَتَعْيِينِ الْمُطَلَّقَةِ، وَلَكِنْ تَرَكْنَاهَا هَاهُنَا بِالتَّعَامُلِ الظَّاهِرِ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَلَيْسَ فِي مَعْنَى الْقِمَارِ لِأَنَّ أَصْلَ الِاسْتِحْقَاقِ فِيهِ يَتَعَلَّقُ بِمَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ. وَأَمَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الْقَاسِمَ لَوْ قَالَ أَنَا عَدَلْت فِي الْقِسْمَةِ فَخُذْ أَنْتَ هَذَا الْجَانِبَ وَأَنْتَ هَذَا الْجَانِبَ كَانَ مُسْتَقِيمًا، إلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا يُتَّهَمُ فِي ذَلِكَ فَيَسْتَعْمِلُ الْقُرْعَةَ لِتَطْيِيبِ قُلُوبِ الشُّرَكَاءِ وَنَفْيِ تُهْمَةِ الْمَيْلِ عَنْ نَفْسِهِ وَذَلِكَ جَائِزٌ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ زَكَرِيَّا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَيْثُ اسْتَعْمَلَ الْقُرْعَةَ مَعَ الْأَحْبَارِ فِي ضَمِّ مَرْيَمَ إلَى نَفْسِهِ مَعَ عِلْمِهِ

حَتَّى لَوْ عَيَّنَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ نَصِيبًا مِنْ غَيْرِ إقْرَاعٍ جَازَ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْقَضَاءِ فَيَمْلِكَ الْإِلْزَامَ. قَالَ (وَلَا يَدْخُلُ فِي الْقِسْمَةِ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ إلَّا بِتَرَاضِيهِمْ لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ فِي الدَّرَاهِمِ وَالْقِسْمَةُ مِنْ حُقُوقِ الِاشْتِرَاكِ) ، وَلِأَنَّهُ يَفُوتُ بِهِ التَّعْدِيلُ فِي الْقِسْمَةِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَصِلُ إلَى عَيْنِ الْعَقَارِ وَدَرَاهِمُ الْآخَرِ فِي ذِمَّتِهِ وَلَعَلَّهَا لَا تُسَلَّمُ لَهُ (وَإِذَا كَانَ أَرْضٌ وَبِنَاءٌ؛ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَقْسِمُ كُلَّ ذَلِكَ عَلَى اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُعَادَلَةِ إلَّا بِالتَّقْوِيمِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَقْسِمُ الْأَرْضَ بِالْمَسَّاحَةِ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْمَمْسُوحَاتِ، ثُمَّ يَرُدُّ مَنْ وَقَعَ الْبِنَاءُ فِي نَصِيبِهِ أَوْ مَنْ كَانَ نَصِيبُهُ أَجْوَدَ دَرَاهِمَ عَلَى الْآخَرِ حَتَّى يُسَاوِيَهُ فَتَدْخُلَ الدَّرَاهِمُ فِي الْقِسْمَةِ ضَرُورَةً كَالْأَخِ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي الْمَالِ، ثُمَّ يَمْلِكُ تَسْمِيَةَ الصَّدَاقِ ضَرُورَةَ التَّزْوِيجِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى شَرِيكِهِ بِمُقَابَلَةِ الْبِنَاءِ مَا يُسَاوِيهِ مِنْ الْعَرْصَةِ، وَإِذَا بَقِيَ فَضْلٌ وَلَمْ يُمْكِنْ تَحْقِيقُ التَّسْوِيَةِ بِأَنْ كَانَ لَا تَفِي الْعَرْصَةُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ فَحِينَئِذٍ يُرَدُّ لِلْفَضْلِ دَرَاهِمُ، لِأَنَّ الضَّرُورَةَ فِي هَذَا الْقَدْرِ فَلَا يُتْرَكُ الْأَصْلُ إلَّا بِهَا. وَهَذَا يُوَافِقُ رِوَايَةَ الْأَصْلِ قَالَ (فَإِنْ قَسَمَ بَيْنَهُمْ وَلِأَحَدِهِمْ مَسِيلٌ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ أَوْ طَرِيقٌ لَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْقِسْمَةِ) ، فَإِنْ أَمْكَنَ صَرْفُ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ عَنْهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَطْرِقَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَحْقِيقُ مَعْنَى الْقِسْمَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِكَوْنِهِ أَحَقَّ بِهَا لِكَوْنِ خَالَتِهَا عِنْدَهُ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ. قَالَ (وَلَا يَدْخُلُ فِي الْقِسْمَةِ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ إلَخْ) جَمَاعَةٌ فِي أَيْدِيهِمْ عَقَارٌ طَلَبُوا قِسْمَتَهُ وَفِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَصْلٌ، فَأَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَكُونَ عِوَضُ الْفَضْلِ دَرَاهِمَ وَآخَرُ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ لَمْ تَدْخُلْ الدَّرَاهِمُ فِي الْقِسْمَةِ، وَإِنْ تَرَاضَوْا أَدْخَلَهَا لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ فِي الدَّرَاهِمِ وَالْقِسْمَةُ فِيمَا فِيهِ الشَّرِكَةُ، وَلِأَنَّهُ يَفُوتُ التَّعْدِيلُ الْمُرَادُ بِالْقِسْمَةِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَصِلُ إلَى عَيْنِ الْعَقَارِ وَدَرَاهِمُ الْآخَرِ فِي ذِمَّتِهِ قَدْ لَا يَصِلُ إلَيْهَا، وَلَيْسَ بَيْنَ مَا يَصِلُ إلَيْهِ الرَّجُلُ فِي الْحَالِ وَمَا لَا يَصِلُ مُعَادَلَةً، فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَلِهَذَا ذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا إذَا كَانَ أَرْضٌ وَبِنَاءٌ إلَى أَنَّهُ يُقْسَمُ كُلُّ ذَلِكَ عَلَى اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُعَادَلَةِ إلَّا بِالتَّقْوِيمِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّ الْأَرْضَ تُقْسَمُ بِالْمِسَاحَةِ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي الْمَمْسُوحَاتِ، ثُمَّ يُرَدُّ مَنْ وَقَعَ الْبِنَاءُ فِي نَصِيبِهِ أَوْ مَنْ كَانَ نَصِيبُهُ أَجْوَدَ دَرَاهِمَ عَلَى الْآخَرِ حَتَّى يُسَاوِيَهُ فَتَدْخُلَ الدَّرَاهِمُ فِي الْقِسْمَةِ ضَرُورَةً كَالْأَخِ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي الْمَالِ ثُمَّ يَمْلِكُ تَسْمِيَةَ الصَّدَاقِ ضَرُورَةَ التَّزْوِيجِ. وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى شَرِيكِهِ بِمُقَابَلَةِ الْبِنَاءِ مَا يُسَاوِيهِ مِنْ الْعَرْصَةِ، فَإِنْ لَمْ تَفِ الْعَرْصَةُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ فَحِينَئِذٍ يَرُدُّ الْفَضْلَ دَرَاهِمَ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَحَقَّقَتْ فِي هَذَا الْقَدْرِ فَلَا يُتْرَكُ الْأَصْلُ إلَّا لَهَا، وَهَذَا يُوَافِقُ رِوَايَةَ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ: يَقْسِمُ الدَّارَ مُذَارَعَةً فَلَا يُجْعَلُ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَضْلًا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَغَيْرِهَا، كَذَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ قَسَمَ بَيْنَهُمْ) يَعْنِي إنْ قَسَمَ الْقَسَّامُ الدَّارَ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ وَلِأَحَدِهِمَا مَسِيلُ الْمَاءِ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ أَوْ طَرِيقٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُمْكِنَ صَرْفُ ذَلِكَ عَنْهُ أَوْ لَا (فَإِنْ أَمْكَنَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَطْرِقَ) وَيَسِيلَ (فِي نَصِيبِ الْآخَرِ) سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مَشْرُوطًا فِي الْقِسْمَةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ (لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَحْقِيقُ مَعْنَى الْقِسْمَةِ) وَهُوَ الْإِفْرَازُ وَالتَّمْيِيزُ (مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ) بِأَنْ لَا يَبْقَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَعَلُّقٌ بِنَصِيبِ الْآخَرِ بِصَرْفِ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ إلَى غَيْرِهِ فَلَا تَدْخُلُ فِيهِ الْحُقُوقُ وَإِنْ شُرِطَتْ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ

(وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فُسِخَتْ الْقِسْمَةُ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مُخْتَلَّةٌ لِبَقَاءِ الِاخْتِلَاطِ فَتُسْتَأْنَفَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ لَا يَفْسُدُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ تَمَلُّكُ الْعَيْنِ، وَأَنَّهُ يُجَامَعُ تَعَذُّرُ الِانْتِفَاعِ فِي الْحَالِ، أَمَّا الْقِسْمَةُ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا بِالطَّرِيقِ، وَلَوْ ذَكَرَ الْحُقُوقَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ كَذَلِكَ الْجَوَابُ، لِأَنَّ مَعْنَى الْقِسْمَةِ الْإِفْرَازُ وَالتَّمْيِيزُ، وَتَمَامُ ذَلِكَ بِأَنْ لَا يَبْقَى لِكُلِّ وَاحِدٍ تَعَلُّقٌ بِنَصِيبِ الْآخَرِ وَقَدْ أَمْكَنَ تَحْقِيقُهُ بِصَرْفِ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ إلَى غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فَيُصَارَ إلَيْهِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ إذَا ذُكِرَ فِيهِ الْحُقُوقُ حَيْثُ يَدْخُلُ فِيهِ مَا كَانَ لَهُ مِنْ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ، لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَحْقِيقُ مَعْنَى الْبَيْعِ وَهُوَ التَّمْلِيكُ مَعَ بَقَاءِ هَذَا التَّعَلُّقِ بِمِلْكِ غَيْرِهِ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يَدْخُلُ فِيهَا لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ وَذَلِكَ بِالطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ فَيَدْخُلَ عِنْدَ التَّنْصِيصِ بِاعْتِبَارِهِ، وَفِيهَا مَعْنَى الْإِفْرَازِ وَذَلِكَ بِانْقِطَاعِ التَّعَلُّقِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، فَبِاعْتِبَارِهِ لَا يَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ تَنْصِيصٍ، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ حَيْثُ يَدْخُلُ فِيهَا بِدُونِ التَّنْصِيصِ، لِأَنَّ كُلَّ الْمَقْصُودِ الِانْتِفَاعُ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِإِدْخَالِ الشُّرْبِ وَالطَّرِيقِ فَيَدْخُلَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ (وَلَوْ اخْتَلَفُوا فِي رَفْعِ الطَّرِيقِ بَيْنَهُمْ فِي الْقِسْمَةِ، إنْ كَانَ يَسْتَقِيمُ لِكُلِّ وَاحِدٍ طَرِيقٌ يَفْتَحُهُ فِي نَصِيبِهِ قَسَمَ الْحَاكِمُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقٍ يُرْفَعُ لِجَمَاعَتِهِمْ) لِتَحَقُّقِ الْإِفْرَازِ بِالْكُلِّيَّةِ دُونَهُ. (وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَقِيمُ ذَلِكَ رَفَعَ طَرِيقًا بَيْنَ جَمَاعَتِهِمْ) لِيَتَحَقَّقَ تَكْمِيلُ الْمَنْفَعَةِ فِيمَا وَرَاءَ الطَّرِيقِ (وَلَوْ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِهِ جُعِلَ عَلَى عَرْضِ بَابِ الدَّارِ وَطُولِهِ) لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَنْدَفِعُ بِهِ (وَالطَّرِيقُ عَلَى سِهَامِهِمْ كَمَا كَانَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيمَا وَرَاءَ الطَّرِيقِ لَا فِيهِ (وَلَوْ شَرَطُوا أَنْ يَكُونَ الطَّرِيقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّهَا إذَا شُرِطَتْ فِيهِ دَخَلَتْ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَحْقِيقُ مَعْنَى الْبَيْعِ وَهُوَ التَّمْلِيكُ مَعَ بَقَاءِ هَذَا التَّعَلُّقِ بِمِلْكِ غَيْرِهِ فَلَا تَدْخُلُ إلَّا بِالشَّرْطِ (وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ) فَإِمَّا أَنْ يُشْتَرَطَ ذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي (فُسِخَتْ الْقِسْمَةُ لِأَنَّهَا مُخْتَلَّةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ وَبَقَاءِ الِاخْتِلَاطِ فَتُسْتَأْنَفُ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ) فَإِنَّهُ إذَا بَاعَ دَارًا أَوْ أَرْضًا وَلَا يَتَمَكَّنُ الْمُشْتَرِي مِنْ الِاسْتِطْرَاقِ وَلَا مِنْ تَسْيِيلِ الْمَاءِ وَلَمْ تُذْكَرْ الْحُقُوقُ فَإِنَّهُ (لَا يَفْسُدُ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ تَمَلُّكُ الْعَيْنِ وَأَنَّهُ يُجَامِعُ تَعَذُّرَ الِانْتِفَاعِ فِي الْحَالِ) كَمَا لَوْ اشْتَرَى جَحْشًا صَغِيرًا (وَأَمَّا الْقِسْمَةُ فَإِنَّهَا لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ، وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا بِالطَّرِيقِ) وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ يَدْخُلُ فِيهَا لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ وَذَلِكَ بِالطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ، فَيَدْخُلُ عِنْدَ التَّنْصِيصِ بِاعْتِبَارِ التَّكْمِيلِ، وَفِيهَا مَعْنَى الْإِفْرَازِ وَذَلِكَ بِانْقِطَاعِ التَّعَلُّقِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا؛ فَبِاعْتِبَارِهِ لَا يَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ تَنْصِيصٍ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ فِي الْقِسْمَةِ تَكْمِيلًا وَإِفْرَازًا، وَالْحُقُوقُ بِالنَّظَرِ إلَى التَّكْمِيلِ تَدْخُلُ وَإِنْ لَمْ تُذْكَرْ، وَبِالنَّظَرِ إلَى الْإِفْرَازِ لَا تَدْخُلُ وَإِنْ ذُكِرَتْ لِأَنَّ دُخُولَهَا يُنَافِي الْإِفْرَازَ، فَقُلْنَا: تَدْخُلُ عِنْدَ التَّنْصِيصِ وَلَا تَدْخُلُ عِنْدَ عَدَمِهِ إعْمَالًا لِلْوَجْهَيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ حَيْثُ تَدْخُلُ فِيهَا بِدُونِ التَّنْصِيصِ لِأَنَّ كُلَّ الْمَقْصُودِ الِانْتِفَاعُ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِإِدْخَالِ الشِّرْبِ وَالطَّرِيقِ، فَيَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ (وَلَوْ اخْتَلَفَ الشُّرَكَاءُ فِي رَفْعِ الطَّرِيقِ بَيْنَهُمْ عَنْ الْقِسْمَةِ) فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نَدَعُ طَرِيقًا مُشْتَرَكًا بَيْنَنَا بَلْ نَقْسِمُ الْكُلَّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نَدَعُ يَنْظُرُ الْقَاضِي فِي حَالِهِمْ إنْ كَانَ يَسْتَقِيمُ لِكُلِّ وَاحِدٍ طَرِيقٌ يَفْتَحُهُ فِي نَصِيبِهِ قَسَمَ الْحَاكِمُ بِغَيْرِ طَرِيقٍ يُتْرَكُ لِلْجَمَاعَةِ (لِتَحَقُّقِ الْإِفْرَازِ بِالْكُلِّيَّةِ دُونَهُ) أَيْ دُونَ رَفْعِ الطَّرِيقِ (وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَقِيمُ رَفَعَ طَرِيقًا بَيْنَ جَمَاعَتِهِمْ لِيَتَحَقَّقَ تَكْمِيلُ الْمَنْفَعَةِ فِيمَا وَرَاءَ الطَّرِيقِ. وَلَوْ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِهِ) أَيْ فِي سَعَةِ الطَّرِيقِ وَضِيقِهِ وَطُولِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تُجْعَلُ سَعَةُ الطَّرِيقِ أَكْبَرَ مِنْ عَرْضِ الْبَابِ الْأَعْظَمِ وَطُولُهُ مِنْ الْأَعْلَى إلَى السَّمَاءِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ غَيْرُ ذَلِكَ (جَعَلَ عَلَى عَرْضِ الْبَابِ وَطُولِهِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَنْدَفِعُ بِهِ) فَلَا فَائِدَةَ فِي جَعْلِهِ أَعْرَضَ مِنْ ذَلِكَ، وَفَائِدَةُ قِسْمَةِ مَا وَرَاءَ طُولِ الْبَابِ مِنْ الْأَعْلَى هِيَ أَنَّ أَحَدَ الشُّرَكَاءِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَشْرَعَ جَنَاحًا فِي نَصِيبِهِ، إنْ كَانَ فَوْقَ طُولِ الْبَابِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْهَوَاءَ فِيمَا زَادَ عَلَى طُولِ الْبَابِ مَقْسُومٌ

بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا جَازَ وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الدَّارِ نِصْفَيْنِ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ عَلَى التَّفَاضُلِ جَائِزَةٌ بِالتَّرَاضِي. قَالَ (وَإِذَا كَانَ سُفْلٌ لَا عُلُوَّ عَلَيْهِ وَعُلُوٌّ لَا سُفْلَ لَهُ وَسُفْلٌ لَهُ عُلُوٌّ قُوِّمَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَتِهِ وَقُسِمَ بِالْقِيمَةِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِغَيْرِ ذَلِكَ) قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْنَهُمْ فَكَانَ بَانِيًا عَلَى خَالِصِ حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ فِيمَا دُونَ طُولِ الْبَابِ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ قَدْرَ طُولِهِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ فَصَارَ بَانِيًا عَلَى الْهَوَاءِ الْمُشْتَرَكِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ رِضَا الشُّرَكَاءِ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْسُومُ أَرْضًا يُرْفَعُ مِنْ الطَّرِيقِ بِمِقْدَارِ مَا يَمُرُّ فِيهِ ثَوْرٌ وَاحِدٌ، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلزِّرَاعَةِ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يُجْعَلُ مِقْدَارُ مَا يَمُرُّ فِيهِ ثَوْرَانِ مَعًا، وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَمَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا يَحْتَاجُ إلَى الْعَجَلَةِ فَيُؤَدِّي إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى، كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَبَاقِي كَلَامِهِ وَاضِحٌ. قَالَ (وَإِذَا كَانَ سُفْلٌ لَا عُلْوَ لَهُ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ عُلْوٌ مُشْتَرَكًا بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَسُفْلُهُ لِآخَرَ وَسُفْلٌ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَعُلْوُهُ لِآخَرَ وَبَيْتٌ كَامِلٌ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَالْكُلُّ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي دَارَيْنِ لَكِنْ تَرَاضَيَا عَلَى الْقِسْمَةِ وَطَلَبَا مِنْ الْقَاضِي الْقِسْمَةَ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِذَلِكَ لِئَلَّا يُقَالَ: تَقْسِيمُ الْعُلْوِ مَعَ السُّفْلِ قِسْمَةٌ وَاحِدَةٌ إذَا كَانَتْ الْبُيُوتُ مُتَفَرِّقَةً لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِذَا ظَهَرَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ عُلَمَاءَنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ قِسْمَةِ ذَلِكَ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يُقْسَمُ بِالذَّرْعِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْقِسْمَةِ فِي الْمَذْرُوعِ لِكَوْنِ الشَّرِكَةِ فِيهِ لَا فِي الْقِيمَةِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُقْسَمُ بِالْقِيمَةِ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ كَانَ ذِرَاعٌ بِذِرَاعٍ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا

- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: يُقْسَمُ بِالذَّرْعِ؛ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ السُّفْلَ يَصْلُحُ لِمَا لَا يَصْلُحُ لَهُ الْعُلُوُّ مِنْ اتِّخَاذِهِ بِئْرَ مَاءٍ أَوْ سِرْدَابًا أَوْ إصْطَبْلًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّعْدِيلُ إلَّا بِالْقِيمَةِ، وَهُمَا يَقُولَانِ إنَّ الْقِسْمَةَ بِالذَّرْعِ هِيَ الْأَصْلُ، لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْمَذْرُوعِ لَا فِي الْقِيمَةِ فَيُصَارَ إلَيْهِ مَا أَمْكَنَ، وَالْمُرَاعَى التَّسْوِيَةُ فِي السُّكْنَى لَا فِي الْمَرَافِقِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِيمَا بَيْنَهُمَا فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ بِالذَّرْعِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذِرَاعٌ مِنْ سُفْلٍ بِذِرَاعَيْنِ مِنْ عُلُوٍّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذِرَاعٌ بِذِرَاعٍ قِيلَ أَجَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ عَصْرِهِ أَوْ أَهْلِ بَلَدِهِ فِي تَفْضِيلِ السُّفْلِ عَلَى الْعُلُوِّ وَاسْتِوَائِهِمَا وَتَفْضِيلِ السُّفْلِ مَرَّةً وَالْعُلُوِّ أُخْرَى. وَقِيلَ هُوَ اخْتِلَافُ مَعْنًى وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مَنْفَعَةَ السُّفْلِ تَرْبُو عَلَى مَنْفَعَةِ الْعُلُوِّ بِضَعْفِهِ لِأَنَّهَا تَبْقَى بَعْدَ فَوَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQنِصْفَ قِيمَةِ الْآخَرِ يُحْسَبُ ذِرَاعٌ بِذِرَاعَيْنِ، وَعَلَى هَذَا الْحِسَابِ لِأَنَّ السُّفْلَ يَصْلُحُ لِمَا لَا يَصْلُحُ لَهُ الْعُلْوُ مِنْ حَفْرِ الْبِئْرِ وَاِتِّخَاذِ السِّرْدَابِ وَالْإِصْطَبْلِ وَغَيْرِهَا فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّعْدِيلُ إلَّا بِالْقِيمَةِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ الشَّيْخَانِ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ بِالذَّرْعِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: ذِرَاعُ سُفْلٍ بِذِرَاعَيْنِ مِنْ عُلْوٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: ذِرَاعٌ بِذِرَاعٍ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ بِأَنَّ مَبْنَى هَذَا الِاخْتِلَافِ اخْتِلَافُ عَادَةِ أَهْلِ الْعَصْرِ وَالْبُلْدَانِ فِي تَفْضِيلِ السُّفْلِ عَلَى الْعُلْوِ أَوْ الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ أَوْ اسْتِوَائِهِمَا أَوْ هُوَ مَعْنًى فِقْهِيٌّ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَجَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ

الْعُلُوِّ، وَمَنْفَعَةُ الْعُلُوِّ لَا تَبْقَى بَعْدَ فِنَاءِ السُّفْلِ، وَكَذَا السُّفْلُ فِيهِ مَنْفَعَةُ الْبِنَاءِ وَالسُّكْنَى، وَفِي الْعُلُوِّ السُّكْنَى لَا غَيْرُ إذْ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى عَادَةِ أَهْلِ عَصْرِهِ: أَجَابَ أَبُو حَنِيفَةَ بِنَاءً عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فِي اخْتِيَارِ السُّفْلِ عَلَى الْعُلْوِ، وَأَبُو يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ بَغْدَادَ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْعُلْوِ وَالسُّفْلِ فِي مَنْفَعَةِ السُّكْنَى، وَمُحَمَّدٌ عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْ اخْتِلَافِ الْعَادَاتِ فِي الْبُلْدَانِ مِنْ تَفْضِيلِ السُّفْلِ مَرَّةً وَالْعُلْوِ أُخْرَى. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ مَبْنَاهُ مَعْنَى فِقْهِيٌّ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مَنْفَعَةَ السُّفْلِ تَرْبُو عَلَى مَنْفَعَةِ الْعُلْوِ بِضِعْفِهِ لِأَنَّهَا تَبْقَى بَعْدَ فَوَاتِ الْعُلْوِ دُونَ الْعَكْسِ، وَكَذَا السُّفْلُ فِيهِ مَنْفَعَةُ الْبِنَاءِ وَالسُّكْنَى، وَفِي الْعُلْوِ مَنْفَعَةُ السُّكْنَى لَا غَيْرُ، إذْ لَا يُمْكِنُهُ الْبِنَاءُ عَلَى عُلْوِهِ إلَّا بِرِضَا صَاحِبِ السُّفْلِ فَيُعْتَبَرُ ذِرَاعَانِ مِنْهُ بِذِرَاعٍ مِنْ السُّفْلِ. وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمَقْصُودَ أَصْلُ السُّكْنَى وَهُمَا يَتَسَاوَيَانِ فِيهِ، وَالْمَنْفَعَتَانِ مُتَمَاثِلَتَانِ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَفْعَلَ مَا لَا يَضُرُّ بِالْآخَرِ عَلَى أَصْلِهِ. وَلِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِمَا، فَلَا يُمْكِنُ التَّعْدِيلُ إلَّا بِالْقِيمَةِ، وَقَوْلُهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى التَّفْسِيرِ. وَتَفْسِيرُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَنْ يُجْعَلَ بِمُقَابَلَةِ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلْوِ الْمُجَرَّدِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثُ ذِرَاعٍ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ، لِأَنَّ الْعُلْوَ عِنْدَهُ مِثْلُ نِصْفِ السُّفْلِ، فَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ مِنْ الْعُلْوِ الْكَامِلِ فِي مُقَابَلَةِ مِثْلِهِ مِنْ الْعُلْوِ الْمُجَرَّدِ، وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ مِنْ سُفْلِ الْكَامِلِ فِي مُقَابَلَةِ سِتَّةٍ وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ مِنْ الْعُلْوِ الْمُجَرَّدِ فَذَلِكَ تَمَامُ مِائَةٍ، وَيُجْعَلُ بِمُقَابَلَةِ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَا ذِرَاعٍ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ، لِأَنَّ عُلْوَهُ مِثْلُ نِصْفِ سُفْلِهِ، فَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ مِنْ

لَا يُمْكِنُهُ الْبِنَاءُ عَلَى عُلُوِّهِ إلَّا بِرِضَا صَاحِبِ السُّفْلِ، فَيُعْتَبَرَ ذِرَاعَانِ مِنْهُ بِذِرَاعٍ مِنْ السُّفْلِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَقْصُودَ أَصْلُ السُّكْنَى وَهُمَا يَتَسَاوَيَانِ فِيهِ، وَالْمَنْفَعَتَانِ مُتَمَاثِلَتَانِ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَفْعَلَ مَا لَا يَضُرُّ بِالْآخَرِ عَلَى أَصْلِهِ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِمَا فَلَا يُمْكِنُ التَّعْدِيلُ إلَّا بِالْقِيمَةِ، وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلُهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى التَّفْسِيرِ، وَتَفْسِيرُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَنْ يُجْعَلَ بِمُقَابَلَةِ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثُ ذِرَاعٍ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ لِأَنَّ الْعُلُوَّ مِثْلُ نِصْفِ السُّفْلِ فَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ مِنْ السُّفْلِ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ وَمَعَهُ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثُ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلُوِّ فَبَلَغَتْ مِائَةَ ذِرَاعٍ تُسَاوِي مِائَةً مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ، وَيُجْعَلُ بِمُقَابَلَةِ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَا ذِرَاعٍ، لِأَنَّ عُلُوَّهُ مِثْلُ نِصْفِ سُفْلِهِ فَبَلَغَتْ مِائَةَ ذِرَاعٍ كَمَا ذَكَرْنَا، وَالسُّفْلُ الْمُجَرَّدُ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ لِأَنَّهُ ضَعْفُ الْعُلُوِّ فَيُجْعَلَ بِمُقَابَلَةِ مِثْلِهِ وَتَفْسِيرُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنْ يُجْعَلَ بِإِزَاءِ خَمْسِينَ ذِرَاعًا مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ مِائَةُ ذِرَاعٍ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ، وَمِائَةُ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ، لِأَنَّ السُّفْلَ وَالْعُلُوَّ عِنْدَهُ سَوَاءٌ، فَخَمْسُونَ ذِرَاعًا مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ بِمَنْزِلَةِ مِائَةِ ذِرَاعٍ خَمْسُونَ مِنْهَا سُفْلٌ وَخَمْسُونَ مِنْهَا عُلُوٌّ قَالَ (وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَقَاسِمُونَ وَشَهِدَ الْقَاسِمَانِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تُقْبَلُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَذَكَرَ الْخَصَّافُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ قَوْلِهِمَا وَقَاسَمَا الْقَاضِيَ وَغَيْرَهُمَا سَوَاءٌ، لِمُحَمَّدٍ أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى فِعْلِ أَنْفُسِهِمَا فَلَا تُقْبَلُ، كَمَنْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِفِعْلِ غَيْرِهِ فَشَهِدَ ذَلِكَ الْغَيْرُ عَلَى فِعْلِهِ وَلَهُمَا أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِمَا وَهُوَ الِاسْتِيفَاءُ وَالْقَبْضُ لَا عَلَى فِعْلِ أَنْفُسِهِمَا، لِأَنَّ فِعْلَهُمَا التَّمْيِيزُ وَلَا حَاجَةَ إلَى الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ، أَوْ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ مَشْهُودًا بِهِ لِمَا أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ بِالْقَبْضِ وَالِاسْتِيفَاءِ وَهُوَ فِعْلُ الْغَيْرِ فَتُقْبَلَ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: إذَا قَسَمَا بِأَجْرٍ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِلَيْهِ مَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ لِأَنَّهُمَا يَدَّعِيَانِ إيفَاءَ عَمَلٍ اُسْتُؤْجِرَا عَلَيْهِ فَكَانَتْ شَهَادَةً صُورَةً وَدَعْوَى مَعْنًى فَلَا تُقْبَلُ إلَّا أَنَّا نَقُولُ: هُمَا لَا يَجُرَّانِ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ إلَى أَنْفُسِهِمَا مَغْنَمًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالسُّفْلِ الْكَامِلِ بِمُقَابَلَةِ مِثْلِهِ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ مِنْ عُلْوِ الْكَامِلِ فِي مُقَابَلَةِ ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ وَثُلُثِ ذِرَاعٍ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ فَذَلِكَ تَمَامُ مِائَةٍ، وَتَفْسِيرُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظَاهِرٌ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ (قَوْلُهُ وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَقَاسِمُونَ) فَقَالَ بَعْضُهُمْ بَعْضُ نَصِيبِي فِي يَدِ صَاحِبِي (وَشَهِدَ الْقَاسِمَانِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا) ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا، وَكَأَنَّهُ مَالَ إلَى قَوْلِ الْخَصَّافِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ كَقَوْلِهِمَا. وَقَوْلُهُ أَوْ لِأَنَّهُ: أَيْ التَّمْيِيزَ لَا يَصْلُحُ مَشْهُودًا بِهِ لِمَا أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ قَبْلُ، لِأَنَّ الرُّجُوعَ

[باب دعوى الغلط في القسمة والاستحقاق فيها]

لِاتِّفَاقِ الْخُصُومِ عَلَى إيفَائِهِمَا الْعَمَلَ الْمُسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ وَهُوَ التَّمْيِيزُ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي الِاسْتِيفَاءِ فَانْتَفَتْ التُّهْمَةُ (وَلَوْ شَهِدَ قَاسِمٌ وَاحِدٌ لَا تُقْبَلُ) لِأَنَّ شَهَادَةَ الْفَرْدِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ عَلَى الْغَيْرِ، وَلَوْ أَمَرَ الْقَاضِي أَمِينَهُ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَى آخَرَ يُقْبَلُ قَوْلُ الْأَمِينِ فِي دَفْعِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يُقْبَلُ فِي إلْزَامِ الْآخَرِ إذَا كَانَ مُنْكِرًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ دَعْوَى الْغَلَطِ فِي الْقِسْمَةِ وَالِاسْتِحْقَاقُ فِيهَا) قَالَ (وَإِذَا ادَّعَى أَحَدُهُمْ الْغَلَطَ وَزَعَمَ أَنَّ مِمَّا أَصَابَهُ شَيْئًا فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَقَدْ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّهُ يَدَّعِي فَسْخَ الْقِسْمَةِ بَعْدَ وُقُوعِهَا فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ اسْتَحْلَفَ الشُّرَكَاءَ فَمَنْ نَكَلَ مِنْهُمْ جُمِعَ بَيْنَ نَصِيبِ النَّاكِلِ وَالْمُدَّعِي فَيُقْسَمَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ أَنْصِبَائِهِمَا) ، لِأَنَّ النُّكُولَ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ خَاصَّةً ـــــــــــــــــــــــــــــQصَحِيحٌ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهُوَ صَحِيحٌ إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِتَرَاضِيهِمَا. أَمَّا إذَا كَانَ الْقَاضِي أَوْ نَائِبُهُ يَقْسِمُ فَلَيْسَ لِبَعْضِ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَأْبَى ذَلِكَ بَعْدَ خُرُوجِ بَعْضِ السِّهَامِ، وَالْبَاقِي وَاضِحٌ. [بَاب دَعْوَى الْغَلَطِ فِي الْقِسْمَةِ وَالِاسْتِحْقَاقِ فِيهَا] لَمَّا كَانَ دَعْوَى الْغَلَطِ وَالِاسْتِحْقَاقِ مِنْ عَوَارِضِ الْقِسْمَةِ أَخَّرَ ذِكْرَهَا. وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي مِقْدَارِ مَا حَصَلَ بِالْقِسْمَةِ أَوْ فِي أَمْرٍ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ تَحَالَفَا وَتُفْسَخُ الْقِسْمَةُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي دَعْوَاهُ مُتَنَاقِضًا، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَحُكْمُهُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ فَعَلَى هَذَا إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْغَلَطَ فِي الْقِسْمَةِ وَزَعَمَ أَنَّ مِمَّا أَصَابَهُ شَيْئًا فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَقَدْ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ يَدَّعِي فَسْخَ الْقِسْمَةِ بَعْدَ وُقُوعِهَا فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ كَالْمُشْتَرِي إذَا ادَّعَى لِنَفْسِهِ خِيَارَ الشَّرْطِ، فَإِنْ أَقَامَهَا فَقَدْ نَوَّرَ دَعْوَاهُ بِهَا، وَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا اُسْتُحْلِفَ الشُّرَكَاءُ، لِأَنَّهُمْ لَوْ أَقَرُّوا

فَيُعَامَلَانِ عَلَى زَعْمِهِمَا قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ دَعْوَاهُ أَصْلًا لِتَنَاقُضِهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ مَنْ بَعْدُ (وَإِنْ قَالَ قَدْ اسْتَوْفَيْتُ حَقِّي وَأَخَذْتُ بَعْضَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ خَصْمِهِ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْغَصْبَ وَهُوَ مُنْكِرٌ (وَإِنْ قَالَ أَصَابَنِي إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَلَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيَّ وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ وَكَذَّبَهُ شَرِيكُهُ تَحَالَفَا وَفُسِخَتْ الْقِسْمَةُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَزِمَهُمْ فَإِذَا أَنْكَرُوا اُسْتُحْلِفُوا لِرَجَاءِ النُّكُولِ، فَمَنْ حَلَفَ لَا سَبِيلَ عَلَيْهِ، وَمَنْ نَكَلَ جَمَعَ بَيْنَ نَصِيبِهِ وَنَصِيبِ الْمُدَّعِي كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَلَا تَحَالُفَ لِوُجُودِ التَّنَاقُضِ فِي دَعْوَاهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْبَلَ دَعْوَاهُ أَصْلًا) يَعْنِي وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ لِتَنَاقُضِهِ، لِأَنَّهُ إذَا أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ: أَيْ أَقَرَّ بِالِاسْتِيفَاءِ وَالِاسْتِيفَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ قَبْضِ الْحَقِّ بِكَمَالِهِ كَانَ الدَّعْوَى بَعْدَ ذَلِكَ تَنَاقُضًا. قَوْلُهُ (وَإِلَيْهِ أَشَارَ مِنْ بُعْدٍ) يُرِيدُ قَوْلَهُ وَإِنْ قَالَ أَصَابَنِي إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَلَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيَّ وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ

لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي مِقْدَارِ مَا حَصَلَ لَهُ بِالْقِسْمَةِ فَصَارَ نَظِيرَ الِاخْتِلَافِ فِي مِقْدَارِ الْمَبِيعِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَحْكَامِ التَّحَالُفِ فِيمَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي التَّقْوِيمِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ) لِأَنَّهُ دَعْوَى الْغَبَنِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ فِي الْبَيْعِ فَكَذَا فِي الْقِسْمَةِ لِوُجُودِ التَّرَاضِي، إلَّا إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَالْغَبْنُ فَاحِشٌ (لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مُقَيَّدٌ بِالْعَدْلِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَذَّبَهُ شَرِيكُهُ تَحَالَفَا وَفُسِخَتْ الْقِسْمَةُ، لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي مِقْدَارِ مَا حَصَلَ لَهُ بِالْقِسْمَةِ فَصَارَ نَظِيرَ الِاخْتِلَافِ فِي مِقْدَارِ الْمَبِيعِ. وَوَجْهُ الْإِشَارَةِ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى قَدْ وُجِدَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَلَا تَحَالُفَ فِيهَا وَلَا سَبَبَ لَهُ سِوَى كَوْنِ التَّنَاقُضِ مَانِعًا لِصِحَّةِ الدَّعْوَى، وَإِذَا كَانَ التَّنَاقُضُ مَوْجُودًا وَجَبَ أَنْ لَا تُقْبَلَ دَعْوَاهُ أَصْلًا، وَإِنْ قَالَ قَدْ اسْتَوْفَيْت حَقِّي وَأَخَذْت بَعْضَهُ وَعَجَزَ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ خَصْمِهِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْغَصْبَ وَهُوَ يُنْكِرُ. وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي التَّقْوِيمِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا أَوْ فَاحِشًا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى دَعْوَاهُ سَوَاءٌ كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِالتَّرَاضِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ مِثْلِهِ عَسِرٌ جِدًّا؛ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي، فَإِنْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فُسِخَتْ لِأَنَّ الرِّضَا مِنْهُمْ لَمْ يُوجَدْ، وَتَصَرُّفُ الْقَاضِي مُقَيَّدٌ بِالْعَدْلِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَإِنْ كَانَتْ بِالتَّرَاضِي لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَحُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا تُسْمَعُ هَذِهِ الدَّعْوَى لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ وَدَعْوَى الْغَبْنِ فِيهِ مِنْ الْمَالِكِ لَا تُوجِبُ نَقْضَهُ

[فصل استحق بعض نصيب أحدهما بعينه]

(وَلَوْ اقْتَسَمَا دَارًا وَأَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ طَائِفَةً فَادَّعَى أَحَدُهُمْ بَيْتًا فِي يَدِ الْآخَرِ أَنَّهُ مِمَّا أَصَابَهُ بِالْقِسْمَةِ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَعَلَيْهِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ) لِمَا قُلْنَا (وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ يُؤْخَذُ بِبَيِّنَةِ الْمُدَّعِي) لِأَنَّهُ خَارِجٌ، وَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ تَتَرَجَّحُ عَلَى بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ (وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْإِشْهَادِ عَلَى الْقَبْضِ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا، وَكَذَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْحُدُودِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ يُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ بِالْجُزْءِ الَّذِي هُوَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ) لِمَا بَيَّنَّا (وَإِنْ قَامَتْ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ قُضِيَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا تَحَالَفَا) كَمَا فِي الْبَيْعِ. قَالَ (وَإِذَا اسْتَحَقَّ بَعْضَ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ لَمْ تُفْسَخْ الْقِسْمَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَجَعَ بِحِصَّةِ ذَلِكَ فِي نَصِيبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمَّا الْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ فَإِنَّهُ يُنْقَضُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ كَبَيْعِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: تُسْمَعُ هَذِهِ الدَّعْوَى لِأَنَّ الْمُعَادَلَةَ شَرْطٌ فِي الْقِسْمَةِ، وَالتَّعْدِيلُ فِي الْأَشْيَاءِ الْمُتَفَاوِتَةِ يَكُونُ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ، فَإِذَا ظَهَرَ فِي الْقِيمَةِ غَبْنٌ فَاحِشٌ فَاتَ شَرْطُ جَوَازِ الْقِسْمَةِ فَيَجِبُ نَقْضُهَا. وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ حُسَامُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ يَأْخُذُ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - كَانُوا يَأْخُذُونَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي. قَوْلُهُ (وَلَوْ اقْتَسَمَا دَارًا) هُوَ عَيْنُ مَسْأَلَةِ أَوَّلِ الْبَابِ لَكِنْ أَعَادَهُ لِزِيَادَةِ بَيَانٍ، وَقَوْلُهُ (لِمَا قُلْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ يَدَّعِي فَسْخَ الْقِسْمَةِ بَعْدَ وُقُوعِهَا. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْحُدُودِ) قِيلَ صُورَتُهُ: دَارٌ اقْتَسَمَهَا رَجُلَانِ فَأَصَابَ أَحَدَهُمَا جَانِبٌ مِنْهُ وَفِي طَرَفِ حَدِّهِ بَيْتٌ فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَأَصَابَ الْآخَرَ جَانِبٌ وَفِي طَرَفِ حَدِّهِ بَيْتٌ فِي يَدِ صَاحِبِهِ فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِي يَدِ صَاحِبِهِ دَاخِلٌ فِي حَدِّهِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ يُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ بِالْجُزْءِ الَّذِي فِي يَدِ صَاحِبِهِ لِمَا بَيَّنَّا: يَعْنِي قَوْلَهُ لِأَنَّهُ خَارِجٌ وَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ تُرَجَّحُ عَلَى بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ، وَالْبَاقِي وَاضِحٌ. [فَصْلٌ اسْتَحَقَّ بَعْضَ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ] (فَصْلٌ) : لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْغَلَطِ بَيَّنَ الِاسْتِحْقَاقَ (وَإِذَا اُسْتُحِقَّ بَعْضُ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا) هَاهُنَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: اسْتِحْقَاقُ بَعْضٍ مُعَيَّنٍ

صَاحِبِهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تُفْسَخُ الْقِسْمَةُ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ بِعَيْنِهِ، وَهَكَذَا ذُكِرَ فِي الْأَسْرَارِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ شَائِعٍ مِنْ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا، فَأَمَّا فِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ مُعَيَّنٍ لَا تُفْسَخُ الْقِسْمَةُ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ شَائِعٌ فِي الْكُلِّ تُفْسَخُ بِالِاتِّفَاقِ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ مُحَمَّدٍ، وَذَكَرَهُ أَبُو سُلَيْمَانَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَأَبُو حَفْصٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْأَصَحُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي أَحَدِ النَّصِيبَيْنِ أَوْ فِيهِمَا جَمِيعًا. وَاسْتِحْقَاقُ بَعْضٍ شَائِعٍ فِي النَّصِيبَيْنِ. وَاسْتِحْقَاقُ بَعْضٍ شَائِعٍ فِي أَحَدِ النَّصِيبَيْنِ. فَفِي الْأَوَّلِ لَا تُفْسَخُ الْقِسْمَةُ بِالِاتِّفَاقِ. وَفِي الثَّانِي تُفْسَخُ بِالِاتِّفَاقِ. وَفِي الثَّالِثِ لَمْ تُفْسَخْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَكِنْ يُخَيَّرُ إنْ شَاءَ رَجَعَ بِحِصَّةِ ذَلِكَ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ مَا بَقِيَ وَاقْتَسَمَ ثَانِيًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تُفْسَخُ، وَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إنْ أَخَذَ أَحَدُهُمَا الثُّلُثَ الْمُقَدَّمَ مِنْ الدَّارِ وَالْآخَرُ الثُّلُثَيْنِ مِنْ الْمُؤَخَّرِ وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ بِأَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الدَّارِ أَلْفًا وَمِائَتَيْ دِرْهَمٍ مَثَلًا وَقِيمَةُ الثُّلُثِ الْمُقَدَّمِ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ وَقِيمَةُ مَا بَقِيَ مِثْلُهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ نِصْفُ الثُّلُثِ الْمُقَدَّمِ، فَعِنْدَهُمَا إنْ شَاءَ نَقَضَ الْقِسْمَةَ دَفْعًا لِعَيْبِ التَّشْقِيصِ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِرُبُعِ مَا فِي يَدِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ اُسْتُحِقَّ كُلُّ الْمُقَدَّمِ رَجَعَ بِنِصْفِ مَا فِي يَدِهِ وَقِيمَتُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ، فَإِذَا اُسْتُحِقَّ النِّصْفُ رَجَعَ بِنِصْفِ النِّصْفِ وَهُوَ الرُّبُعُ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ فَيَصِيرُ فِي يَدِ كُلٍّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا وَالْمَجْمُوعُ تِسْعُمِائَةٍ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ) يَعْنِي الْقُدُورِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضِ بِعَيْنِهِ، وَهَكَذَا ذُكِرَ فِي الْأَسْرَارِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ مُعَيَّنٍ مِنْ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَصِفَةُ الْحَوَالَةِ هَذِهِ إلَى الْأَسْرَارِ وَقَعَتْ سَهْوًا، لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَذْكُورَةٌ فِي الْأَسْرَارِ فِي الشَّائِعِ وَضْعًا وَتَعْلِيلًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَتَكْرَارًا بِلَفْظِ الشَّائِعِ غَيْرَ مَرَّةٍ. وَأَقُولُ: وَفِي قَوْلِهِ ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ بِعَيْنِهِ أَيْضًا نَظَرٌ، فَإِنَّ قَوْلَ الْقُدُورِيِّ وَإِذَا اُسْتُحِقَّ بَعْضُ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ لَيْسَ بِنَصٍّ فِي ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ بِعَيْنِهِ مُتَعَلِّقًا بِنَصِيبِ أَحَدِهِمَا لَا بِبَعْضٍ، فَيَكُونُ تَقْدِيرُ كَلَامِهِ:

لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ بِاسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ شَائِعٍ ظَهَرَ شَرِيكٌ ثَالِثٌ لَهُمَا، وَالْقِسْمَةُ بِدُونِ رِضَاهُ بَاطِلَةٌ، كَمَا إذَا اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ شَائِعٌ فِي النَّصِيبَيْنِ، وَهَذَا لِأَنَّ بِاسْتِحْقَاقِ جُزْءٍ شَائِعٍ يَنْعَدِمُ مَعْنَى الْقِسْمَةِ وَهُوَ الْإِفْرَازُ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الرُّجُوعَ بِحِصَّتِهِ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ شَائِعًا، بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ. وَلَهُمَا أَنَّ مَعْنَى الْإِفْرَازِ لَا يَنْعَدِمُ بِاسْتِحْقَاقِ جُزْءٍ شَائِعٍ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا وَلِهَذَا جَازَتْ الْقِسْمَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي الِابْتِدَاءِ بِأَنْ كَانَ النِّصْفُ الْمُقَدَّمُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ ثَالِثٍ وَالنِّصْفُ الْمُؤَخَّرُ بَيْنَهُمَا لَا شَرِكَةَ لِغَيْرِهِمَا فِيهِ فَاقْتَسَمَا عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا مَا لَهُمَا مِنْ الْمُقَدَّمِ وَرُبُعِ الْمُؤَخَّرِ يَجُوزُ فَكَذَا فِي الِانْتِهَاءِ وَصَارَ كَاسْتِحْقَاقِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، بِخِلَافِ الشَّائِعِ فِي النَّصِيبَيْنِ لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَتْ الْقِسْمَةُ لَتَضَرَّرَ الثَّالِثُ بِتَفَرُّقِ نَصِيبِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِذَا اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ شَائِعٌ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الِاخْتِلَافُ فِي الشَّائِعِ لَا فِي الْمُعَيَّنِ. لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ بِاسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ شَائِعٍ ظَهَرَ شَرِيكٌ ثَالِثٌ لَهُمَا وَالْقِسْمَةُ بِدُونِ رِضَاهُ بَاطِلَةٌ، لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا تَرَاضَيَا عَلَى الْقِسْمَةِ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ الْقِيمَةَ فِيهَا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّرَاضِي، وَصَارَ كَمَا إذَا اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ شَائِعٌ فِي النَّصِيبَيْنِ فِي انْعِدَامِ مَعْنَى الْقِسْمَةِ وَهُوَ الْإِفْرَازُ، أَمَّا فِيمَا ظَهَرَ فِيهِ الِاسْتِحْقَاقُ فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا فِي النَّصِيبِ الْآخَرِ فَلِأَنَّهُ يُوجِبُ الرُّجُوعَ بِحِصَّتِهِ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ شَائِعًا، بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ فَإِنَّ بِاسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ مُعَيَّنٍ يَبْقَى الْإِفْرَازُ فِيمَا وَرَاءَهُ، لَكِنَّهُ يَتَخَيَّرُ إنْ شَاءَ نَقَضَ الْقِسْمَةَ مِنْ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِهَا إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ الْمُعَادَلَةِ وَقَدْ فَاتَتْ. وَلَهُمَا أَنَّ مَعْنَى الْإِفْرَازِ لَا يَنْعَدِمُ بِاسْتِحْقَاقِ جُزْءٍ شَائِعٍ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الشُّيُوعَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ، وَلِهَذَا جَازَتْ الْقِسْمَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي الِابْتِدَاءِ بِأَنْ كَانَتْ دَارٌ نِصْفَيْنِ وَالنِّصْفُ الْمُقَدَّمُ مِنْهَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ وَالنِّصْفُ الْمُقَدَّمُ مِنْ هَذَا النِّصْفِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَلَى السَّوِيَّةِ وَالنِّصْفُ الْمُؤَخَّرُ بَيْنَ هَذَيْنِ الِاثْنَيْنِ عَلَى السَّوِيَّةِ أَيْضًا فَاقْتَسَمَا الِاثْنَانِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُمَا مِنْ الْمُقَدَّمِ وَرُبُعِ الْمُؤَخَّرِ، وَإِذَا جَازَ ابْتِدَاءً جَازَ انْتِهَاءً بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَصَارَ كَاسْتِحْقَاقِ بَيْتٍ مُعَيَّنٍ فِي عَدَمِ انْتِفَاءِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ، بِخِلَافِ الشَّائِعِ فِي النَّصِيبَيْنِ، فَإِنَّهُ لَوْ بَقِيَتْ الْقِسْمَةُ لَتَضَرَّرَ الثَّالِثُ

فِي النَّصِيبَيْنِ، أَمَّا هَاهُنَا لَا ضَرَرَ بِالْمُسْتَحِقِّ فَافْتَرَقَا، وَصُوَرُ الْمَسْأَلَةِ: إذَا أَخَذَ أَحَدُهُمَا الثُّلُثَ الْمُقَدَّمَ مِنْ الدَّارِ وَالْآخَرُ الثُّلُثَيْنِ مِنْ الْمُؤَخَّرِ وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ ثُمَّ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْمُقَدَّمِ، فَعِنْدَهُمَا إنْ شَاءَ نَقَضَ الْقِسْمَةَ دَفْعًا لِعَيْبِ التَّشْقِيصِ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِرُبُعِ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمُؤَخَّرِ، لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَحَقَّ كُلَّ الْمُقَدَّمِ رَجَعَ بِنِصْفِ مَا فِي يَدِهِ، فَإِذَا اسْتَحَقَّ النِّصْفَ رَجَعَ بِنِصْفِ النِّصْفِ وَهُوَ الرُّبُعُ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ، وَلَوْ بَاعَ صَاحِبُ الْمُقَدَّمِ نِصْفَهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّ النِّصْفَ الْبَاقِي شَائِعًا رَجَعَ بِرُبُعِ مَا فِي يَدِ الْآخَرِ عِنْدَهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا وَسَقَطَ خِيَارُهُ بِبَيْعِ الْبَعْضِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: مَا فِي يَدِ صَاحِبِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَيَضْمَنُ قِيمَةَ نِصْفِ مَا بَاعَ لِصَاحِبِهِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَنْقَلِبُ فَاسِدَةً عِنْدَهُ، وَالْمَقْبُوضُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ مَمْلُوكٌ فَنَفَذَ الْبَيْعُ فِيهِ وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ فَيَضْمَنُ نِصْفَ نَصِيبِ صَاحِبِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِتَفْرِيقِ نَصِيبِهِ فِي النَّصِيبَيْنِ وَأَمَّا هَاهُنَا فَلَا ضَرَرَ لِلْمُسْتَحِقِّ وَقَوْلُهُ (وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ) يَعْنِي مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ لَا الْمُسْتَشْهَدَ بِهَا، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ دَفْعًا لِهَذَا اللَّبْسِ، قَوْلُهُ (وَلَوْ بَاعَ صَاحِبُ الْمُقَدَّمِ نِصْفَهُ) يَعْنِي النِّصْفَ مِنْ الثُّلُثِ الْمُقَدَّمِ الَّذِي وَقَعَ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّ النِّصْفُ الثَّانِي رَجَعَ بِرُبُعِ مَا فِي يَدِ الْآخَرِ عِنْدَهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا يَعْنِي مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَوْ اُسْتُحِقَّ كُلُّ الْمُقَدَّمِ رَجَعَ بِنِصْفِ مَا فِي يَدِهِ إلَى قَوْلِهِ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ وَسَقَطَ خِيَارُهُ بِبَيْعِ الْبَعْضِ فِي فَسْخِ الْقِسْمَةِ، لِأَنَّ الْفَسْخَ إنَّمَا يَرِدُ عَلَى مَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْقِسْمَةُ وَقَدْ فَاتَ بَعْضُ ذَلِكَ بِالْبَيْعِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا فِي يَدِ صَاحِبِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَيَضْمَنُ قِيمَةَ نِصْفِ مَا بَاعَ لِصَاحِبِهِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَنْقَلِبُ فَاسِدَةً عِنْدَهُ فَيَقْتَسِمَانِ الْبَاقِيَ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ قَوْلُهُ (وَالْمَقْبُوضُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: يَنْبَغِي أَنْ يُنْقَضَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ بِنَاءً عَلَى الْقِسْمَةِ الْفَاسِدَةِ. وَالْبِنَاءُ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقِسْمَةَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ لِوُجُودِ الْمُبَادَلَةِ، وَإِذَا كَانَتْ فَاسِدَةً كَانَتْ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَالْمَقْبُوضُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ مَمْلُوكٌ فَيَنْفُذُ الْبَيْعُ فِيهِ، وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ لِتَعَذُّرِ

قَالَ (وَلَوْ وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ ثُمَّ ظَهَرَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ مُحِيطٌ رُدَّتْ الْقِسْمَةُ) لِأَنَّهُ يَمْنَعُ وُقُوعَ الْمِلْكِ لِلْوَارِثِ، وَكَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ مُحِيطٍ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِالتَّرِكَةِ، إلَّا إذَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ مَا يَفِي بِالدَّيْنِ وَرَاءَ مَا قَسَمَ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى نَقْضِ الْقِسْمَةِ فِي إيفَاءِ حَقِّهِمْ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ الْغُرَمَاءُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَوْ أَدَّاهُ الْوَرَثَةُ مِنْ مَالِهِمْ وَالدَّيْنُ مُحِيطٌ أَوْ غَيْرُ مُحِيطٍ جَازَتْ الْقِسْمَةُ لِأَنَّ الْمَانِعَ قَدْ زَالَ. وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُ الْمُتَقَاسِمَيْنِ دَيْنًا فِي التَّرِكَةِ صَحَّ دَعْوَاهُ لِأَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ، إذْ الدَّيْنُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْنَى وَالْقِسْمَةُ تُصَادِفُ الصُّورَةَ، وَلَوْ ادَّعَى عَيْنًا بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ لَمْ يُسْمَعْ لِلتَّنَاقُضِ، إذْ الْإِقْدَامُ عَلَى الْقِسْمَةِ اعْتِرَافٌ بِكَوْنِ الْمَقْسُومِ مُشْتَرَكًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوُصُولِ إلَى عَيْنِ حَقِّهِ لِمَكَانِ الْبَيْعِ فَيَضْمَنُ نِصْفَ نَصِيبِ صَاحِبِهِ، قَالَ (وَلَوْ وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ إلَخْ) وَلَوْ وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ ثُمَّ ظَهَرَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ مُحِيطٌ وَلَمْ تُوَفِّ الْوَرَثَةَ مِنْ مَالِهِمْ وَلَمْ يَبْرَأْ الْغُرَمَاءُ رُدَّتْ الْقِسْمَةُ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ وُقُوعَ الْمِلْكِ لِلْوَارِثِ، حَتَّى لَوْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرَقَةِ بِالدَّيْنِ عَبْدٌ وَهُوَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ لِوَارِثٍ لَمْ يُعْتَقْ، وَكَذَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ مُحِيطٍ بِالتَّرِكَةِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِالتَّرِكَةِ إلَّا إذَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ مَا بَقِيَ مِنْ الدُّيُونِ وَرَاءَ مَا قُسِمَ، لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى نَقْضِ الْقِسْمَةِ فِي إيفَاءِ حَقِّهِمْ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ الْغُرَمَاءُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَوْ أَدَّاهُ لِلْوَرَثَةِ مِنْ مَالِهِمْ جَازَتْ الْقِسْمَةُ أَيْ تَبَيَّنَ جَوَازُهَا سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ مُحِيطًا أَوْ غَيْرَ مُحِيطٍ لِأَنَّ الْمَانِعَ قَدْ زَالَ، بِخِلَافِ مَا إذَا ظَهَرَ لَهُ وَارِثٌ أَوْ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ أَوْ الرُّبُعِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ نَحْنُ نَقْضِي حَقَّهُمَا فَإِنَّ الْقِسْمَةَ تُنْقَضُ إنْ لَمْ يَرْضَ لِلْوَارِثِ أَوْ الْمُوصَى لَهُ، لِأَنَّ حَقَّهُمَا فِي عَيْنِ التَّرِكَةِ فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى مَالٍ آخَرَ إلَّا بِرِضَاهُمَا، وَعَلَى هَذَا لَوْ ادَّعَى أَحَدُ الْمُتَقَاسِمِينَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ صَحَّ، وَلَوْ ادَّعَى عَيْنًا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَتَعَلَّقُ بِمَالِيَّةِ التَّرِكَةِ وَالْقِسْمَةُ تُصَادِفُ الصُّورَةَ فَلَمْ

[فصل في المهايأة]

(فَصْلٌ فِي الْمُهَايَأَةِ) : الْمُهَايَأَةُ جَائِزَةٌ اسْتِحْسَانًا لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ، إذْ قَدْ يَتَعَذَّرُ الِاجْتِمَاعُ عَلَى الِانْتِفَاعِ فَأَشْبَهَ الْقِسْمَةَ. وَلِهَذَا يَجْرِي فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَتَنَاقَضْ فِي دَعْوَاهُ بِالْإِقْدَامِ عَلَى الْقِسْمَةِ، وَدَعْوَى الْعَيْنِ تَتَعَلَّقُ بِالصُّورَةِ وَالْقِسْمَةُ تُصَادِفُهَا، فَالْإِقْدَام عَلَى الْقِسْمَةِ اعْتِرَافٌ مِنْهُ بِكَوْنِ الْمَقْسُومِ مُشْتَرَكًا وَدَعْوَى الْخُصُوصِ يُنَاقِضُهُ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنْ لَمْ تَكُنْ دَعْوَى الدَّيْنِ بَاطِلَةً لِعَدَمِ التَّنَاقُضِ فَلْتَكُنْ بَاطِلَةً بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا إذَا صَحَّتْ كَانَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْقِسْمَةَ وَذَلِكَ سَعْيٌ فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الدَّيْنُ بِالْبَيِّنَةِ لَمْ تَكُنْ الْقِسْمَةُ تَامَّةً فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ [فَصْلٌ فِي الْمُهَايَأَةِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ قِسْمَةِ الْأَعْيَانِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ قِسْمَةِ الْأَعْرَاضِ وَهِيَ الْمُهَايَأَةُ، وَأَخَّرَهَا عَنْ قِسْمَةِ الْأَعْيَانِ

جَبْرُ الْقَاضِي كَمَا يَجْرِي فِي الْقِسْمَةِ، إلَّا أَنَّ الْقِسْمَةَ أَقْوَى مِنْهُ فِي اسْتِكْمَالِ الْمَنْفَعَةِ لِأَنَّهُ جَمْعُ الْمَنَافِعِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ، وَالتَّهَايُؤُ جَمْعٌ عَلَى التَّعَاقُبِ، وَلِهَذَا لَوْ طَلَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْقِسْمَةَ وَالْآخَرُ الْمُهَايَأَةَ يَقْسِمُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّكْمِيلِ. وَلَوْ وَقَعَتْ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ ثُمَّ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ يَقْسِمُ وَتَبْطُلُ الْمُهَايَأَةُ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ، وَلَا يَبْطُلُ التَّهَايُؤُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلَا بِمَوْتِهِمَا لِأَنَّهُ لَوْ انْتَقَضَ لَاسْتَأْنَفَهُ الْحَاكِمُ فَلَا فَائِدَةَ فِي النَّقْضِ ثُمَّ الِاسْتِئْنَافِ (وَلَوْ تَهَايَأَ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ هَذَا طَائِفَةً وَهَذَا طَائِفَةً أَوْ هَذَا عُلُوَّهَا وَهَذَا سُفْلَهَا جَازَ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ جَائِزَةٌ فَكَذَا الْمُهَايَأَةُ، وَالتَّهَايُؤُ فِي هَذَا الْوَجْهِ إفْرَازٌ لِجَمِيعِ الْأَنْصِبَاءِ لَا مُبَادَلَةٌ وَلِهَذِهِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّأْقِيتُ (وَلِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَسْتَغِلَّ مَا أَصَابَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِكَوْنِهَا فَرْعًا عَلَيْهَا، وَإِخَالُ أَنَّ التَّرْجَمَةَ بِالْبَابِ أَوْلَى، لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي بَابِ دَعْوَى الْغَلَطِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَالْمُهَايَأَةُ لَيْسَتْ مِنْهُمَا لَكِنَّهَا بَابٌ مِنْ كِتَابِ الْقِسْمَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا فَصْلٌ مِنْ كِتَابِ الْقِسْمَةِ وَفِيهِ مَا فِيهِ. وَالْمُهَايَأَةُ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْهَيْئَةِ وَهِيَ الْحَالَةُ الظَّاهِرَةُ لِلْمُتَهَيِّئِ لِلشَّيْءِ وَقَدْ تُبْدَلُ الْهَمْزَةُ أَلِفًا، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يَرْضَى بِهَيْئَةٍ وَاحِدَةٍ وَيَخْتَارُهَا، أَوْ أَنَّ الشَّرِيكَ الثَّانِي يَنْتَفِعُ بِالْعَيْنِ عَلَى الْهَيْئَةِ الَّتِي يَنْتَفِعُ بِهَا الشَّرِيكُ الْأَوَّلُ. وَفِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ: هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ قِسْمَةِ الْمَنَافِعِ، وَهِيَ جَائِزَةٌ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ يَأْبَاهَا لِأَنَّهَا مُبَادَلَةُ الْمَنْفَعَةِ بِجِنْسِهَا، إذَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ فِي نَوْبَتِهِ يَنْتَفِعُ بِمِلْكِ شَرِيكِهِ عِوَضًا مِنْ انْتِفَاعِ الشَّرِيكِ بِمِلْكِهِ فِي نَوْبَتِهِ، لَكِنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء: 155] وَهُوَ الْمُهَايَأَةُ بِعَيْنِهَا وَلِلْحَاجَةِ إلَيْهَا إذْ يَتَعَذَّرُ الِاجْتِمَاعُ عَلَى الِانْتِفَاعِ فَأَشْبَهَ الْقِسْمَةَ، وَلِهَذَا يَجْرِي فِيهِ جَبْرُ الْقَاضِي إذَا طَلَبَهَا بَعْضُ الشُّرَكَاءِ وَأَبَى غَيْرُهُ وَلَمْ يَطْلُبْ قِسْمَةَ الْعَيْنِ كَمَا يَجْرِي فِي الْقِسْمَةِ إلَّا أَنَّ الْقِسْمَةَ أَقْوَى مِنْهَا فِي اسْتِكْمَالِ الْمَنْفَعَةِ لِأَنَّهُ جَمَعَ الْمَنَافِعَ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ. وَالتَّهَايُؤُ جَمْعٌ عَلَى التَّعَاقُبِ وَلِهَذَا: أَيْ وَلِكَوْنِ الْقِسْمَةِ أَقْوَى إذَا طَلَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْقِسْمَةَ وَالْآخَرُ الْمُهَايَأَةَ يَقْسِمُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّكْمِيلِ، وَلَوْ وَقَعَتْ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ ثُمَّ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ يُقْسَمُ وَتَبْطُلُ الْمُهَايَأَةُ وَلَا تَبْطُلُ الْمُهَايَأَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلَا بِمَوْتِهِمَا، لِأَنَّهُ لَوْ انْتَقَضَتْ لَاسْتَأْنَفَهُ الْحَاكِمُ لِجَوَازِ أَنْ يَطْلُبَ الْوَرَثَةُ الْمُهَايَأَةَ فَلَا فَائِدَةَ فِي النَّقْضِ ثُمَّ الِاسْتِئْنَافِ، وَلَوْ تَهَايَآ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ هَذَا طَائِفَةً وَهَذَا طَائِفَةً أَوْ هَذَا عُلْوَهَا وَهَذَا سُفْلَهَا جَازَ لِمَا ذُكِرَ فِي الْمَتْنِ، فَالتَّهَايُؤُ فِي هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ أَنْ يَسْكُنَ هَذَا فِي جَانِبٍ مِنْ الدَّارِ وَيَسْكُنَ هَذَا فِي جَانِبٍ آخَرَ مِنْهَا فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ إفْرَازٌ لَا مُبَادَلَةٌ لِتَحَقُّقِ مَعْنَاهُ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَجْمَعُ جَمِيعَ مَنَافِعِ أَحَدِهِمَا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ شَائِعَةً فِي الْبَيْتَيْنِ، وَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْآخَرِ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّأْقِيتُ. وَلَوْ كَانَ مُبَادَلَةً كَانَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِالْعِوَضِ فَيُلْحَقُ بِالْإِجَارَةِ وَيُشْتَرَطُ التَّأْقِيتُ، قِيلَ (قَوْلُهُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَسْتَغِلَّ مَا أَصَابَهُ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَوْضِيحًا لِكَوْنِهِ إفْرَازًا فَإِنَّهُ إذَا كَانَ إفْرَازًا

بِالْمُهَايَأَةِ شُرِطَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ أَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ) لِحُدُوثِ الْمَنَافِعِ عَلَى مِلْكِهِ (وَلَوْ تَهَايَئَا فِي عَبْدٍ وَاحِدٍ عَلَى أَنْ يَخْدُمَ هَذَا يَوْمًا وَهَذَا يَوْمًا جَازَ) ، وَكَذَا هَذَا فِي الْبَيْتِ الصَّغِيرِ (لِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ قَدْ تَكُونُ فِي الزَّمَانِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَتْ الْمَنَافِعُ حَادِثَةً عَلَى مِلْكِهِ، وَمَنْ حَدَثَتْ الْمَنَافِعُ عَلَى مِلْكِهِ جَازَ أَنْ يَسْتَغِلَّ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ فِي الْعَقْدِ ذَلِكَ وَهُوَ بِظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُبَادَلَةً كَانَ كَذَلِكَ أَيْضًا، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءَ كَلَامٍ لِنَفْيِ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّهُمَا إذَا تَهَايَآ وَلَمْ يَشْتَرِطَا الْإِجَازَةَ فِي أَوَّلِ الْعَقْدِ لَمْ يَمْلِكْ أَحَدُهُمَا أَنْ يَسْتَغِلَّ مَا أَصَابَهُ (وَلَوْ تَهَايَآ فِي عَبْدٍ وَاحِدٍ عَلَى أَنْ يَخْدُمَ هَذَا يَوْمًا وَهَذَا يَوْمًا جَازَ، وَكَذَا هَذَا فِي الْبَيْتِ الصَّغِيرِ لِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ قَدْ تَكُونُ فِي الزَّمَانِ،

وَقَدْ تَكُونُ مِنْ حَيْثُ الْمَكَانِ) وَالْأَوَّلُ مُتَعَيِّنٌ هَاهُنَا (وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي التَّهَايُؤِ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ فِي مَحَلٍّ يَحْتَمِلُهُمَا يَأْمُرُهُمَا الْقَاضِي بِأَنْ يَتَّفِقَا) لِأَنَّ التَّهَايُؤَ فِي الْمَكَانِ أَعْدَلُ وَفِي الزَّمَانِ أَكْمَلُ، فَلَمَّا اخْتَلَفَتْ الْجِهَةُ لَا بُدَّ مِنْ الِاتِّفَاقِ (فَإِنْ اخْتَارَاهُ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانِ يُقْرَعُ فِي الْبِدَايَةِ) نَفْيًا لِلتُّهَمَةِ (وَلَوْ تَهَايَئَا فِي الْعَبْدَيْنِ عَلَى أَنْ يَخْدُمَ هَذَا هَذَا الْعَبْدُ وَالْآخَرَ الْآخَرُ جَازَ عِنْدَهُمَا) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ جَائِزَةٌ عِنْدَهُمَا جَبْرًا مِنْ الْقَاضِي وَبِالتَّرَاضِي فَكَذَا الْمُهَايَأَةُ. وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَقْسِمُ الْقَاضِي. وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَا يَجْرِي فِيهِ الْجَبْرُ عِنْدَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ حَيْثُ الْمَكَانُ، وَالْأَوَّلُ مُتَعَيِّنٌ هَاهُنَا) وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّ هَذَا إفْرَازٌ أَوْ مُبَادَلَةٌ لِأَنَّهُ عَطَفَهُ عَلَى صُورَةِ الْإِفْرَازِ فَكَانَ مَعْلُومًا، فَإِذَا كَانَتْ الْمُهَايَأَةُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَالْمَنْفَعَةُ مُتَفَاوِتَةٌ تَفَاوُتًا يَسِيرًا كَمَا فِي الثِّيَابِ وَالْأَرَاضِي تُعْتَبَرُ إفْرَازًا مِنْ وَجْهٍ مُبَادَلَةً مِنْ وَجْهٍ حَتَّى لَا يَنْفَرِدَ أَحَدُهُمَا بِهَذِهِ الْمُهَايَأَةِ، وَإِذَا طَلَبَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَطْلُبْ الْآخَرُ قِسْمَةَ الْأَصْلِ أُجْبِرَ عَلَيْهَا. وَقِيلَ تُعْتَبَرُ إفْرَازًا مِنْ وَجْهٍ عَارِيَّةً مِنْ وَجْهٍ، لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُبَادَلَةً لَمَا جَازَتْ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُبَادَلَةَ الْمَنْفَعَةِ بِجِنْسِهَا وَأَنَّهُ يَحْرُمُ رِبَا النَّسَاءِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ لَيْسَ فِيهَا عِوَضٌ وَهَذَا بِعِوَضٍ، وَرِبَا النَّسَاءِ ثَابِتٌ عِنْدَ أَحَدِ وَصْفَيْ الْعِلَّةِ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِيمَا هُوَ مُبَادَلَةٌ فِي الْأَعْيَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْمَجْلِسِ الْمُخْتَلِفِ كَالدُّورِ وَالْعَبِيدِ تُعْتَبَرُ مُبَادَلَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ حَتَّى لَا تَجُوزَ بِدُونِ رِضَاهُمَا لِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ، وَقِسْمَةُ الْمَنَافِعِ مُعْتَبَرَةٌ بِقِسْمَةِ الْأَعْيَانِ، وَقِسْمَةُ الْأَعْيَانِ اُعْتُبِرَتْ مُبَادَلَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي الْجِنْسِ الْمُخْتَلِفِ، فَكَذَا فِي قِسْمَةِ الْمَنَافِعِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي التَّهَايُؤِ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ فِي مَحَلٍّ يَحْتَمِلُهُمَا كَالدَّارِ مَثَلًا بِأَنْ يَطْلُبَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَسْكُنَ فِي مُقَدَّمِهَا وَصَاحِبُهُ فِي مُؤَخَّرِهَا وَالْآخَرُ يَطْلُبُ أَنْ يَسْكُنَ جَمِيعَ الدَّارِ شَهْرًا وَصَاحِبُهُ شَهْرًا آخَرَ يَأْمُرُهُمَا الْقَاضِي أَنْ يَتَّفِقَا، لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَزِيَّةً فَلَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِهِمَا، إذْ التَّهَايُؤُ فِي الْمَكَانِ أَعْدَلُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي زَمَانِ الِانْتِفَاعِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيمٍ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَفِي الزَّمَانِ أَكْمَلَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَنْتَفِعُ بِجَمِيعِ جَوَانِبِ الدَّارِ فِي نَوْبَتِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ الِاتِّفَاقِ دَفْعًا لِلتَّحَكُّمِ، فَإِنْ اخْتَارَاهُ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ يُقْرَعُ فِي الْبِدَايَةِ نَفْيًا لِلتُّهْمَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَهَايَآ فِي الْعَبْدَيْنِ) وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يُقْسَمُ) أَيْ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - عَنْهُ. وَقَوْلُهُ (وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْهُ) يَعْنِي رَوَى الْخَصَّافُ عَنْهُ

وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقْسِمُ الْقَاضِي عِنْدَهُ أَيْضًا، لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مِنْ حَيْثُ الْخِدْمَةِ قَلَّمَا تَتَفَاوَتُ، بِخِلَافِ أَعْيَانِ الرَّقِيقِ لِأَنَّهَا تَتَفَاوَتُ تَفَاوُتًا فَاحِشًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ تَهَايَئَا فِيهِمَا عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ كُلِّ عَبْدٍ عَلَى مَنْ يَأْخُذُهُ جَازَ) اسْتِحْسَانًا لِلْمُسَامَحَةِ فِي إطْعَامِ الْمَمَالِيكِ بِخِلَافِ شَرْطِ الْكِسْوَةِ لَا يُسَامَحُ فِيهَا (وَلَوْ تَهَايَئَا فِي دَارَيْنِ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَارًا جَازَ وَيُجْبِرُ الْقَاضِي عَلَيْهِ) وَهَذَا عِنْدَهُمَا ظَاهِرٌ، لِأَنَّ الدَّارَيْنِ عِنْدَهُمَا كَدَارٍ وَاحِدَةٍ. وَقَدْ قِيلَ لَا يُجْبِرُ عِنْدَهُ اعْتِبَارًا بِالْقِسْمَةِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّهَايُؤُ فِيهِمَا أَصْلًا بِالْجَبْرِ لِمَا قُلْنَا، وَبِالتَّرَاضِي لِأَنَّهُ بَيْعُ السُّكْنَى بِالسُّكْنَى، بِخِلَافِ قِسْمَةِ رَقَبَتِهِمَا لِأَنَّ بَيْعَ بَعْضُ أَحَدِهِمَا بِبَعْضِ الْآخَرِ جَائِزٌ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ التَّفَاوُتَ يَقِلُّ فِي الْمَنَافِعِ فَيَجُوزُ بِالتَّرَاضِي وَيَجْرِي فِيهِ جَبْرُ الْقَاضِي وَيُعْتَبَرُ إفْرَازًا أَمَّا يَكْثُرُ التَّفَاوُتُ فِي أَعْيَانِهِمَا فَاعْتُبِرَ مُبَادَلَةً (وَفِي الدَّابَّتَيْنِ لَا يَجُوزُ التَّهَايُؤُ عَلَى الرُّكُوبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ) اعْتِبَارًا بِقِسْمَةِ الْأَعْيَانِ. وَلَهُ أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ يَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ الرَّاكِبِينَ فَإِنَّهُمْ بَيْنَ حَاذِقٍ وَأَخْرَقَ. وَالتَّهَايُؤُ فِي الرُّكُوبِ فِي دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ لِمَا قُلْنَا، بِخِلَافِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ يَخْدُمُ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا يَتَحَمَّلُ زِيَادَةً عَلَى طَاقَتِهِ وَالدَّابَّةُ تَحْمِلُهَا. وَأَمَّا التَّهَايُؤُ فِي الِاسْتِغْلَالِ يَجُوزُ فِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمِثْلِ مَا قَالَ الْمَشَايِخُ. وَقَوْلُهُ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقْسِمُ الْقَاضِي عِنْدَهُ أَيْضًا) قَالَ الْكَرْخِيُّ: مَعْنَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّ الدُّورَ لَا تُقْسَمُ: أَيْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْسِمُهَا، فَإِنْ فَعَلَ جَازَ، وَعَلَى هَذَا تَجُوزُ الْقِسْمَةُ فِي الْأُصُولِ فَكَذَا فِي الْمَنَافِعِ، وَتَعْلِيلُ الْكِتَابِ وَهُوَ قَوْلُهُ (لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مِنْ حَيْثُ الْخِدْمَةُ قَلَّمَا تَتَفَاوَتُ) أَوْجُهٌ لِبَقَاءِ قَوْلِهِ فِي الْأُصُولِ بِلَا تَأْوِيلٍ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ تَهَايَآ فِيهِمَا) وَاضِحٌ،

وَفِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ وَالدَّابَّةِ الْوَاحِدَةِ لَا يَجُوزُ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ هُوَ أَنَّ النَّصِيبَيْنِ، يَتَعَاقَبَانِ فِي الِاسْتِيفَاءِ، وَالِاعْتِدَالُ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ. وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ فِي الْعَقَارِ وَتَغَيُّرُهُ فِي الْحَيَوَانِ لِتَوَالِي أَسْبَابِ التَّغَيُّرِ عَلَيْهِ فَتَفُوتُ الْمُعَادَلَةُ. وَلَوْ زَادَتْ الْغَلَّةُ فِي نَوْبَةِ أَحَدِهِمَا عَلَيْهَا فِي نَوْبَةِ الْآخَرِ يَشْتَرِكَانِ فِي الزِّيَادَةِ لِيَتَحَقَّقَ التَّعْدِيلُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ التَّهَايُؤُ عَلَى الْمَنَافِعِ فَاسْتَغَلَّ أَحَدُهُمَا فِي نَوْبَتِهِ زِيَادَةً، لِأَنَّ التَّعْدِيلَ فِيمَا وَقَعَ عَلَيْهِ التَّهَايُؤُ حَاصِلٌ وَهُوَ الْمَنَافِعُ فَلَا تَضُرُّهُ زِيَادَةُ الِاسْتِغْلَالِ مِنْ بَعْدُ (وَالتَّهَايُؤُ عَلَى الِاسْتِغْلَالِ فِي الدَّارَيْنِ جَائِزٌ) أَيْضًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ فَضَلَ غَلَّةُ أَحَدِهِمَا لَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ بِخِلَافِ الدَّارِ الْوَاحِدَةِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الدَّارَيْنِ مَعْنَى التَّمْيِيزِ، وَالْإِفْرَازُ رَاجِحٌ لِاتِّحَادِ زَمَانِ الِاسْتِيفَاءِ، وَفِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ يَتَعَاقَبُ الْوُصُولُ فَاعْتُبِرَ قَرْضًا وَجُعِلَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي نَوْبَتِهِ كَالْوَكِيلِ عَنْ صَاحِبِهِ فَلِهَذَا يَرُدُّ عَلَيْهِ حِصَّتَهُ مِنْ الْفَضْلِ، وَكَذَا يَجُوزُ فِي الْعَبْدَيْنِ عِنْدَهُمَا اعْتِبَارًا بِالتَّهَايُؤِ فِي الْمَنَافِعِ، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي أَعْيَانِ الرَّقِيقِ أَكْثَرُ مِنْهُ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانِ فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ فَأَوْلَى أَنْ يَمْتَنِعَ الْجَوَازُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَوَجْهُ الْفَرْقِ) يَعْنِي بَيْنَ جَوَازِ التَّهَايُؤِ فِي الِاسْتِغْلَالِ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ وَعَدَمِهِ فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ وَالدَّابَّةِ الْوَاحِدَةِ. وَقَوْلُهُ (فَتَفُوتُ الْمُعَادَلَةُ) لِأَنَّ الِاسْتِغْلَالَ إنَّمَا يَكُونُ بِالِاسْتِعْمَالِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَمَلَهُ فِي الزَّمَانِ الثَّانِي لَا يَكُونُ كَمَا كَانَ فِي الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الْقُوَى الْجُسْمَانِيَّةَ مُتَنَاهِيَةٌ، وَقَوْلُهُ (وَلَوْ زَادَتْ الْغَلَّةُ فِي نَوْبَةِ أَحَدِهِمَا) يَعْنِي فِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ. وَقَوْلُهُ (فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) احْتِرَازٌ عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْكَيْسَانِيَّاتِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ قِسْمَةَ الْمَنْفَعَةِ تُعْتَبَرُ بِقِسْمَةِ الْعَيْنِ وَهِيَ عِنْدَهُ فِي الدَّارَيْنِ لَا تَجُوزُ لِلتَّفَاوُتِ. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةً إلَى قَوْلِهِ وَالِاعْتِدَالُ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ إلَخْ. وَقَوْلُهُ (اعْتِبَارًا بِالتَّهَايُؤِ فِي الْمَنَافِعِ) يَعْنِي فِي الِاسْتِخْدَامِ الْخَالِي عَنْ الِاسْتِغْلَالِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي أَعْيَانِ الرَّقِيقِ أَكْثَرُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ التَّفَاوُتِ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ، لِأَنَّهُ قَدْ

وَالتَّهَايُؤُ فِي الْخِدْمَةِ جُوِّزَ ضَرُورَةً، وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْغَلَّةِ لِإِمْكَانِ قِسْمَتِهَا لِكَوْنِهَا عَيْنًا، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ التَّسَامُحُ فِي الْخِدْمَةِ وَالِاسْتِقْصَاءُ فِي الِاسْتِغْلَالِ فَلَا يَنْقَسِمَانِ (وَلَا يَجُوزُ فِي الدَّابَّتَيْنِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا) وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ فِي الرُّكُوبِ (وَلَوْ كَانَ نَخْلٌ أَوْ شَجَرٌ أَوْ غَنَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَتَهَايَئَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَائِفَةً يَسْتَثْمِرُهَا أَوْ يَرْعَاهَا وَيَشْرَبُ أَلْبَانَهَا لَا يَجُوزُ) لِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ فِي الْمَنَافِعِ ضَرُورَةٌ أَنَّهَا لَا تَبْقَى فَيَتَعَذَّرُ قِسْمَتُهَا، وَهَذِهِ أَعْيَانٌ بَاقِيَةٌ تَرِدُ عَلَيْهَا الْقِسْمَةُ عِنْدَ حُصُولِهَا. وَالْحِيلَةُ أَنْ يَبِيعَ حِصَّتَهُ مِنْ الْآخَرِ ثُمَّ يَشْتَرِيَ كُلَّهَا بَعْدَ مُضِيِّ نَوْبَتِهِ أَوْ يَنْتَفِعَ بِاللَّبَنِ بِمِقْدَارٍ مَعْلُومٍ اسْتِقْرَاضًا لِنَصِيبِ صَاحِبِهِ، إذْ قَرْضُ الْمُشَاعِ جَائِزٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونُ فِي أَحَدِهِمَا كِيَاسَةٌ وَحِذْقٌ وَلَبَاقَةٌ يُحَصِّلُ فِي الشَّهْرِ الْوَاحِدِ مِنْ الْغَلَّةِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْآخَرُ. ثُمَّ التَّهَايُؤُ فِي اسْتِغْلَالِ الْعَبْدِ الْوَاحِدِ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ، فَفِي اسْتِغْلَالِ الْعَبْدَيْنِ أَوْلَى أَنْ لَا يَجُوزَ، وَعُورِضَ بِأَنَّ مَعْنَى الْإِفْرَازِ وَالتَّمْيِيزِ رَاجِعٌ فِي غَلَّةِ الْعَبْدَيْنِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَصِلُ إلَى الْغَلَّةِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَصِلُ إلَيْهَا فِيهِ صَاحِبُهُ فَكَانَ كَالْمُهَايَأَةِ فِي الْخِدْمَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّفَاوُتَ يَمْنَعُ مِنْ رُجْحَانِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ، بِخِلَافِ الْخِدْمَةِ؛ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ وَجْهِ الْأَصَحِّ أَنَّ الْمَنَافِعَ فِي الْخِدْمَةِ قَلَّمَا تَتَفَاوَتُ. وَقَوْلُهُ (وَالتَّهَايُؤُ فِي الْخِدْمَةِ جُوِّزَ ضَرُورَةً) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا اعْتِبَارًا بِالتَّهَايُؤِ فِي الْمَنَافِعِ وَبَيَانُ الضَّرُورَةِ مَا نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا أَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَبْقَى فَتَتَعَذَّرُ قِسْمَتُهَا وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْغَلَّةِ لِإِمْكَانِ قِسْمَتِهَا لِكَوْنِهَا أَعْيَانًا فَيَسْتَغِلَّانِهِ عَلَى طَرِيقِ الشَّرِكَةِ، ثُمَّ يَقْسِمَانِ مَا حَصَلَ مِنْ الْغَلَّةِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: عِلَلُ جَوَازِ التَّهَايُؤِ فِي الْمَنَافِعِ بِقَوْلِهِ مِنْ قَبْلُ، لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مِنْ حَيْثُ الْخِدْمَةُ قَلَّمَا تَتَفَاوَتُ، وَعَلَّلَهُ هُنَا بِضَرُورَةِ تَعَذُّرِ الْقِسْمَةِ، وَفِي ذَلِكَ تَوَارُدُ عِلَّتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ بِالشَّخْصِ وَهُوَ بَاطِلٌ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَذْكُورَ مِنْ قَبْلُ تَتِمَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ، لِأَنَّ عِلَّةَ الْجَوَازِ تَعَذُّرُ الْقِسْمَةِ وَقِلَّةُ التَّفَاوُتِ جَمِيعًا، لَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ) وَجْهٌ آخَرُ لِإِبْطَالِ الْقِيَاسِ وَلَا يَجُوزُ فِي الدَّابَّتَيْنِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ فِي الرُّكُوبِ وَهُوَ قَوْلُهُ اعْتِبَارًا بِقِسْمَةِ الْأَعْيَانِ إلَخْ وَقَوْلُهُ (وَلَوْ كَانَ نَخْلٌ أَوْ شَجَرٌ إلَخْ) وَاضِحٌ

[كتاب المزارعة]

(كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ) : (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْمُزَارَعَةُ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ بَاطِلَةٌ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ لُغَةً: مُفَاعَلَةٌ مِنْ الزَّرْعِ. وَفِي الشَّرِيعَةِ: هِيَ عَقْدٌ عَلَى الزَّرْعِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ. وَهِيَ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ: هِيَ جَائِزَةٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى نِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ» ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ] لَمَّا كَانَ الْخَارِجُ فِي عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ مِنْ أَنْوَاعِ مَا يَقَعُ فِيهِ الْقِسْمَةُ ذَكَرَ الْمُزَارَعَةَ بَعْدَهَا، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعْنَاهَا لُغَةً وَشَرِيعَةً فَأَغْنَانَا عَنْ ذِكْرِهِ. وَسَبَبُهُ سَبَبُ الْمُعَامَلَاتِ وَشَرْعِيَّتُهُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا. قَالَ (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْمُزَارَعَةُ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ بَاطِلَةٌ) وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ لِتَبْيِينِ مَحَلِّ النِّزَاعِ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعَيِّنْ أَصْلًا أَوْ عَيَّنَ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً كَانَتْ فَاسِدَةً بِالْإِجْمَاعِ (وَقَالَا: هِيَ جَائِزَةٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى نِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ) وَلِمَا ذُكِرَ

وَلِأَنَّهُ عَقْدُ شَرِكَةٍ بَيْنَ الْمَالِ وَالْعَمَلِ فَيَجُوزُ اعْتِبَارًا بِالْمُضَارَبَةِ وَالْجَامِعُ دَفْعُ الْحَاجَةِ، فَإِنَّ ذَا الْمَالِ قَدْ لَا يَهْتَدِي إلَى الْعَمَلِ وَالْقَوِيُّ عَلَيْهِ لَا يَجِدُ الْمَالَ، فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى انْعِقَادِ هَذَا الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ دَفْعِ الْغَنَمِ وَالدَّجَاجِ وَدُودِ الْقَزِّ مُعَامَلَةً بِنِصْفِ الزَّوَائِدِ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ هُنَاكَ لِلْعَمَلِ فِي تَحْصِيلِهَا فَلَمْ تَتَحَقَّقْ شَرِكَةٌ. وَلَهُ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ الْمُخَابَرَةِ وَهِيَ الْمُزَارَعَةُ» وَلِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ، وَلِأَنَّ الْأَجْرَ مَجْهُولٌ أَوْ مَعْدُومٌ وَكُلُّ ذَلِكَ مُفْسِدٌ، وَمُعَامَلَةُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَهْلَ خَيْبَرَ كَانَ خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ بِطَرِيقِ الْمَنِّ وَالصُّلْحِ وَهُوَ جَائِزٌ (وَإِذَا فَسَدَتْ عِنْدَهُ فَإِنْ سَقَى الْأَرْضَ وَكَرَبَهَا وَلَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ مِنْهُ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى إجَارَةٍ فَاسِدَةٍ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ. وَإِذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ فَعَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْكِتَابِ مِنْ الْقِيَاسِ وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ هُنَالِكَ لِلْعَمَلِ فِي تَحْصِيلِهَا) يَعْنِي لِأَنَّهُ تَخَلَّلَ فِعْلُ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ وَهُوَ أَكْلُ الْحَيَوَانِ فَيُضَافُ إلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ مُضَافًا إلَيْهِ لَا يُضَافُ إلَى غَيْرِهِ وَهُوَ الْعَامِلُ فَلَمْ تَتَحَقَّقْ فِيهِ الشَّرِكَةُ. (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْمُخَابَرَةِ فَقِيلَ: وَمَا الْمُخَابَرَةُ؟ قَالَ: الْمُزَارَعَةُ بِالثُّلُثِ أَوْ الرُّبُعِ» (وَلِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ) فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ بِدُونِ ذِكْرِ الْمُدَّةِ وَذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ الْإِجَارَةِ (فَتَكُونُ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ، وَلِأَنَّ الْأَجْرَ مَجْهُولٌ) عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِ الْخَارِجِ فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ نَصِيبَهُ الثُّلُثُ أَوْ الرُّبُعُ يَبْلُغُ مِقْدَارَ عَشْرَةِ أَقْفِزَةٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ (أَوْ مَعْدُومٌ) عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْخَارِجِ (وَكُلُّ ذَلِكَ مُفْسِدٌ، وَمُعَامَلَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ خَيْبَرَ كَانَ خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ) وَهِيَ أَنْ يَقْسِمَ الْإِمَامُ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ وَكَانَ (بِطَرِيقِ الْمَنِّ وَالصُّلْحِ) لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ الْكُلَّ جَازَ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَلَكَهَا غَنِيمَةً، فَكَانَ مَا تَرَكَ فِي أَيْدِيهِمْ فَضْلًا وَلَمْ يُبَيِّنْ مُدَّةً مَعْلُومَةً، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ عَقْدَ الْمُزَارَعَةِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِبَيَانِ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ (وَهُوَ) أَيْ خَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ بِطَرِيقِ الْمَنِّ وَالصُّلْحِ (جَائِزٌ) فَلَمْ يَكُنْ الْحَدِيثُ حُجَّةً لِمَحْجُوزِهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَوَابَ عَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ لِظُهُورِ فَسَادِهِ، فَإِنَّ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَتَعَدَّى الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ إلَى فَرْعٍ هُوَ نَظِيرُهُ وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ مَعْنَى الْإِجَارَةِ فِيهَا أَغْلَبُ حَتَّى اُشْتُرِطَتْ فِيهَا الْمُدَّةُ بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا فَسَدَتْ عِنْدَهُ) وَاضِحٌ.

أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ وَالْخَارِجُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ وَلِلْآخَرِ الْأَجْرُ كَمَا فَصَّلْنَا، إلَّا أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلَهُمَا لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا وَلِظُهُورِ تَعَامُلِ الْأُمَّةِ بِهَا. وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ بِالتَّعَامُلِ كَمَا فِي الِاسْتِصْنَاعِ (ثُمَّ الْمُزَارَعَةُ لِصِحَّتِهَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجِيزُهَا شُرُوطٌ: أَحَدُهَا كَوْنُ الْأَرْضُ صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِدُونِهِ (وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ رَبُّ الْأَرْضِ وَالْمُزَارِعُ مِنْ أَهْلِ الْعَقْدِ وَهُوَ لَا يَخْتَصُّ بِهِ) لِأَنَّهُ عَقَدَ مَا لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ الْأَهْلِ (وَالثَّالِثُ بَيَانُ الْمُدَّةِ) لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنَافِعِ الْأَرْضِ أَوْ مَنَافِعِ الْعَامِلِ وَالْمُدَّةُ هِيَ الْمِعْيَارُ لَهَا لِيَعْلَمَ بِهَا (وَالرَّابِعُ بَيَانُ مَنْ عَلَيْهِ الْبَذْرُ) قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ وَإِعْلَامًا لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَنَافِعُ الْأَرْضِ أَوْ مَنَافِعُ الْعَامِلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَالْخَارِجُ فِي الْوَجْهَيْنِ) يَعْنِي فِيمَا إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ، وَفِيمَا إذَا كَانَ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ، وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ) مَنْقُوضٌ بِمَنْ غَصَبَ بَذْرًا فَزَرَعَهُ فَإِنَّ الزَّرْعَ لَهُ وَإِنْ كَانَ نَمَاءَ مِلْكِ صَاحِبِ الْبَذْرِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْغَاصِبَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ بِاخْتِيَارِهِ وَتَحْصِيلِهِ، فَكَانَ إضَافَةُ الْحَادِثِ إلَى عَمَلِهِ أَوْلَى وَالْمُزَارِعُ عَامِلٌ بِأَمْرِ غَيْرِهِ فَجُعِلَ الْعَمَلُ مُضَافًا إلَى الْآمِرِ. وَقَوْلُهُ (كَمَا فَصَّلْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَهَذَا إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ إلَخْ. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا) وَاضِحٌ، وَقَوْلُهُ (بَيَانُ الْمُدَّةِ) يُرِيدُ بِهِ مُدَّةً يُمْكِنُ خُرُوجُ الزَّرْعِ فِيهَا، حَتَّى لَوْ بَيَّنَ مُدَّةً لَا يَتَمَكَّنُ فِيهَا مِنْ الْمُزَارَعَةِ فَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ، وَكَذَا إذَا بَيَّنَ مُدَّةً لَا يَعِيشُ أَحَدُهُمَا إلَى مِثْلِهَا غَالِبًا لِأَنَّهُ يَصِيرُ فِي مَعْنَى اشْتِرَاطِ بَقَاءِ الْعَقْدِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُزَارَعَةِ (عَقْدٌ عَلَى مَنَافِعِ الْأَرْضِ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ (أَوْ مَنَافِعِ الْعَامِلِ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ، وَالْمُدَّةُ هِيَ الْمِعْيَارُ لَهَا أَيْ لِلْمَنَافِعِ بِمَنْزِلَةِ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ. وَقَوْلُهُ (وَهُوَ أَيْ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَنَافِعُ الْأَرْضِ) إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ (أَوْ مَنَافِعِ الْعَامِلِ) إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ، فَفِي الْأَوَّلِ الْعَامِلُ مُسْتَأْجِرٌ لِلْأَرْضِ، وَفِي الثَّانِي رَبُّ الْأَرْضِ مُسْتَأْجِرٌ لِلْعَامِلِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ ذَلِكَ بِالْإِعْلَامِ.

(وَالْخَامِسُ بَيَانُ نَصِيبِ مَنْ لَا بَذْرَ مِنْ قِبَلِهِ) لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ عِوَضًا بِالشَّرْطِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا، وَمَا لَا يُعْلَمُ لَا يَسْتَحِقُّ شَرْطًا بِالْعَقْدِ. (وَالسَّادِسُ أَنْ يُخَلِّيَ رَبُّ الْأَرْضِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَامِلِ، حَتَّى لَوْ شَرَطَ عَمَلَ رَبِّ الْأَرْضِ يُفْسِدُ الْعَقْدَ) لِفَوَاتِ التَّخْلِيَةِ (وَالسَّابِعُ الشَّرِكَةُ فِي الْخَارِجِ بَعْدَ حُصُولِهِ) لِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ شَرِكَةً فِي الِانْتِهَاءِ، فَمَا يَقْطَعُ هَذِهِ الشَّرِكَةَ كَانَ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ (وَالثَّامِنُ بَيَانُ جِنْسِ الْبَذْرِ) لِيَصِيرَ الْأَجْرُ مَعْلُومًا. قَالَ (وَهِيَ عِنْدَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْبَذْرُ لِوَاحِدٍ وَالْبَقَرُ وَالْعَمَلُ لِوَاحِدٍ جَازَتْ الْمُزَارَعَةُ) لِأَنَّ الْبَقَرَ آلَةُ الْعَمَلِ فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ بِإِبْرَةِ الْخَيَّاطِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (فَمَا يَقْطَعُ هَذِهِ الشَّرِكَةَ كَانَ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ) لِأَنَّهُ إذَا شَرَطَ فِيهَا مَا يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ فِي الْخَارِجِ يَقَعُ إجَارَةً مَحْضَةً، وَالْقِيَاسُ يَأْبَى جَوَازَ الْإِجَارَةِ الْمَحْضَةِ بِأَجْرٍ مَعْدُومٍ. وَقَوْلُهُ (بَيَانُ جِنْسِ الْبَذْرِ) وَجْهُ الْقِيَاسِ لِيَصِيرَ الْأَجْرُ مَعْلُومًا إذَا هُوَ جُزْءٌ مِنْ الْخَارِجِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ لِيُعْلَمَ أَنَّ الْخَارِجَ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ وَلَوْ لَمْ يُعْلَمْ عَسَى أَنْ لَا يَرْضَى، لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُعْطَى بَذْرًا لَا يَحْصُلُ الْخَارِجُ بِهِ إلَّا بِعَمَلٍ كَثِيرٍ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ بَيَانُ مَا يُزْرَعُ فِي الْأَرْضِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، فَوَّضَ الرَّأْيَ إلَى الْمُزَارِعِ أَوْ لَمْ يُفَوِّضْ بَعْدَ أَنْ يَنُصَّ عَلَى الْمُزَارَعَةِ فَإِنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَيْهِ. قَالَ (وَهِيَ عِنْدَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ) قِيَامُ الْمُزَارَعَةِ بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: الْأَرْضُ، وَالْبَذْرُ، وَالْعَمَلُ، وَالْبَقَرُ لَا مَحَالَةَ، ثُمَّ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ لِأَحَدِهِمَا أَوَّلًا، لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ شَرِكَةٌ فِي الِانْتِهَاءِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَحَدِ

(وَإِنْ كَانَ الْأَرْضُ لِوَاحِدٍ وَالْعَمَلُ وَالْبَقَرُ وَالْبَذْرُ لِوَاحِدٍ جَازَتْ) لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ بِبَعْضٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْخَارِجِ فَيَجُوزُ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ (وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْبَذْرُ وَالْبَقَرُ لِوَاحِدٍ وَالْعَمَلُ مِنْ آخَرَ جَازَتْ) لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِلْعَمَلِ بِآلَةِ الْمُسْتَأْجِرِ فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ ثَوْبَهُ بِإِبْرَتِهِ أَوْ طَيَّانًا لِيُطَيِّنَ بِمَرِّهِ (وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْبَقَرُ لِوَاحِدٍ وَالْبَذْرُ وَالْعَمَلُ لِآخَرَ فَهِيَ بَاطِلَةٌ) وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجَانِبَيْنِ شَيْءٌ لَمْ تُتَصَوَّرْ الشَّرِكَةُ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي، وَهُوَ إمَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا بِالتَّنْصِيفِ أَوْ بِإِثْبَاتِ الْأَكْثَرِ، وَالْأَوَّلُ عَلَى وَجْهَيْنِ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمُخْتَصَرِ: أَنْ يَكُونَ الْأَرْضُ وَالْبَذْرُ لِوَاحِدٍ وَالْعَمَلُ وَالْبَقَرُ لِآخَرَ وَهُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فِي الْكِتَابِ، وَأَنْ يَكُونَ الْأَرْضُ وَالْبَقَرُ لِوَاحِدٍ وَالْبَذْرُ وَالْعَمَلُ لِآخَرَ وَهُوَ الْوَجْهُ الرَّابِعُ فِيهِ. وَالثَّانِي أَيْضًا عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْأَرْضُ لِوَاحِدٍ وَالْبَاقِي لِآخَرَ وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي، وَالْآخَرُ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ لِأَحَدِهِمَا وَالْبَاقِي لِآخَرَ وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ، وَهِيَ جَائِزَةٌ إلَّا الرَّابِعُ. وَوَجْهُ

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَيْضًا، لِأَنَّهُ لَوْ شَرَطَ الْبَذْرَ وَالْبَقَرَ عَلَيْهِ يَجُوزُ فَكَذَا إذَا شُرِطَ وَحْدَهُ وَصَارَ كَجَانِبِ الْعَامِلِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ مَنْفَعَةَ الْبَقَرِ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ. لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ قُوَّةٌ فِي طَبْعِهَا يَحْصُلُ بِهَا النَّمَاءُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQكُلِّ وَاحِدٍ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ وَسَأُوَضِّحُهُ. وَالْمَذْكُورُ مِنْ بُطْلَانِ الرَّابِعِ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ جَائِزٌ أَيْضًا. وَاعْلَمْ أَنَّ مَبْنَى جَوَازِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَفَسَادَهَا عَلَى أَنَّ الْمُزَارَعَةَ تَنْعَقِدُ إجَارَةً وَتَتِمُّ شَرِكَةً، وَانْعِقَادُهَا إجَارَةً إنَّمَا هُوَ عَلَى مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ أَوْ مَنْفَعَةِ الْعَامِلِ دُونَ غَيْرِهِمَا مِنْ مَنْفَعَةِ الْبَقَرِ وَالْبَذْرِ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ بِبَعْضِ الْخَارِجِ. وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَجُوزَ فِي الْأَرْضِ وَالْعَامِلُ أَيْضًا، لَكِنَّا جَوَّزْنَاهُ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَإِنَّمَا وَرَدَ النَّصُّ فِيهِمَا دُونَ الْبَذْرِ وَالْبَقَرِ. أَمَّا فِي الْأَرْضِ فَأَثَرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَتَعَامَلَ النَّاسُ فَإِنَّهُمْ تَعَامَلُوا اشْتِرَاطَ الْبَذْرِ عَلَى الْمُزَارِعِ وَحِينَئِذٍ كَانَ مُسْتَأْجِرًا لِلْأَرْضِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ وَأَمَّا فِي الْعَامِلِ فَفِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَهْلِ خَيْبَرَ وَالتَّعَامُلُ فَإِنَّهُمْ رُبَّمَا كَانُوا يَشْتَرِطُونَ الْبَذْرَ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ فَكَانَ حِينَئِذٍ مُسْتَأْجِرًا لِلْعَامِلِ بِذَلِكَ فَاقْتَصَرْنَا عَلَى الْجَوَازِ بِالنَّصِّ فِيهِمَا وَبَقِيَ غَيْرُهُمَا عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ، فَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ صُوَرِ الْجَوَازِ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ اسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ أَوْ الْعَامِلِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ، أَوْ كَانَ الْمَشْرُوطُ عَلَى أَحَدِهِمَا شَيْئَيْنِ مُتَجَانِسَيْنِ، وَلَكِنَّ الْمَنْظُورَ فِيهِ هُوَ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ أَوْ الْعَامِلِ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ مَوْرِدَ الْأَثَرِ، وَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ صُوَرِ الْعَدَمِ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ اسْتِئْجَارِ الْآخَرِينَ، أَوْ كَانَ الْمَشْرُوطُ عَلَى أَحَدِهِمَا شَيْئَيْنِ غَيْرِ مُتَجَانِسَيْنِ وَلَكِنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ ذَلِكَ: وَالضَّابِطُ فِي مَعْرِفَةِ التَّجَانُسِ مَا فُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ وَهُوَ أَنَّ مَا صَدَرَ فِعْلُهُ عَنْ الْقُوَّةِ الْحَيَوَانِيَّةِ فَهُوَ جِنْسٌ وَمَا صَدَرَ عَنْ غَيْرِهَا فَهُوَ جِنْسٌ آخَرُ. فَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَلَا عَلَيْنَا فِي تَطْبِيقِ الْوُجُوهِ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ، فَأَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فَهُوَ مِمَّا كَانَ الْمَشْرُوطُ عَلَى أَحَدِهِمَا شَيْئَيْنِ مُتَجَانِسَيْنِ، فَإِنَّ الْأَرْضَ وَالْبَذْرَ مِنْ جِنْسٍ وَالْعَمَلَ وَالْبَقَرَ مِنْ جِنْسٍ؛ وَالْمَنْظُورُ إلَيْهِ الِاسْتِئْجَارُ يُجْعَلُ كَأَنَّ الْعَامِلَ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ أَوْ رَبُّ الْأَرْضِ اسْتَأْجَرَ الْعَامِلَ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ مِمَّا فِيهِ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ، وَأَمَّا الْوَجْهُ الرَّابِعُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَبَاطِلٌ، لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ شَيْئَانِ غَيْرُ مُتَجَانِسَيْنِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا تَابِعًا لِلْآخَرِ، بِخِلَافِ الْمُتَجَانِسَيْنِ فَإِنَّ الْأَشْرَافَ أَوْ الْأَصْلَ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَتْبِعَ الْأَخَسَّ وَالْفَرْعَ. وَوَجْهُ غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ: لَوْ شَرَطَ الْبَذْرَ وَالْبَقَرَ عَلَيْهِ: أَيْ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ جَازَ، فَكَذَا إذَا شَرَطَ الْبَقَرَ

وَمَنْفَعَةُ الْبَقَرِ صَلَاحِيَةٌ يُقَامُ بِهَا الْعَمَلُ كُلُّ ذَلِكَ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَتَجَانَسَا فَتَعَذَّرَ أَنْ تُجْعَلَ تَابِعَةً لَهَا، بِخِلَافِ جَانِبِ الْعَامِلِ لِأَنَّهُ تَجَانَسَتْ الْمَنْفَعَتَانِ فَجُعِلَتْ تَابِعَةً لِمَنْفَعَةِ الْعَامِلِ. وَهَاهُنَا وَجْهَانِ آخَرَانِ لَمْ يَذْكُرْهُمَا: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ لِأَحَدِهِمَا وَالْأَرْضُ وَالْبَقَرُ وَالْعَمَلُ لِآخَرَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَتِمُّ شَرِكَةً بَيْنَ الْبَذْرِ وَالْعَمَلِ وَلَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ. وَالثَّانِي أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الْبَذْرِ وَالْبَقَرِ. وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الِانْفِرَادِ فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ، وَالْخَارِجُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ فِي رِوَايَةٍ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْمُزَارَعَاتِ الْفَاسِدَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَيَصِيرُ مُسْتَقْرِضًا لِلْبَذْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَحْدَهُ وَصَارَ كَجَانِبِ الْعَمَلِ إذَا شَرَطَ الْبَقَرَ عَلَيْهِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْبَذْرَ إذَا اجْتَمَعَ مَعَ الْأَرْضِ اسْتَتْبَعَتْهُ لِلتَّجَانُسِ وَضَعُفَ جِهَةُ الْبَقَرِ مَعَهُمَا فَكَانَ اسْتِئْجَارًا لِلْعَامِلِ. وَأَمَّا إذَا اجْتَمَعَ الْأَرْضُ وَالْبَقَرُ فَلَمْ تَسْتَتْبِعْهُ، وَكَذَا فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ فَكَانَ فِي كُلٍّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مُعَارَضَةٌ بَيْنَ اسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ وَغَيْرِ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ وَغَيْرِهِ فَكَانَ بَاطِلًا. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ دُونَ الْآخَرِينَ فَكَانَ أَرْجَحَ، وَيَلْزَمُ الْجَوَازُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ النَّصَّ فِي الْمُزَارَعَةِ لِمَا وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ عَلَى مَا مَرَّ ضَعَّفَ الْعَمَلَ بِهِ مَعَ وُجُودِ الْمُعَارِضِ. وَقَوْلُهُ كُلُّ ذَلِكَ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الدَّلِيلِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ إلَى قُوَّةٍ فِي طَبْعِهَا تُوُهِّمَ أَنْ يُنْسَبَ إلَى الْقَوْلِ بِالطَّبِيعَةِ فَدَفَعَ ذَلِكَ. وَهَاهُنَا وَجْهَانِ آخَرَانِ لَمْ يَذْكُرْهُمَا الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُمَا فَاسِدَانِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجْهَ ذَلِكَ. وَبَقِيَ عَلَيْهِ إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ لَمْ يُسَلِّمْ الْأَرْضَ إلَى صَاحِبِ الْبَذْرِ فَيَسْتَوْجِبُ عَلَيْهِ أَجْرَ مِثْلِ أَرْضِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْعَامِلِ وَمَنْفَعَةَ الْأَرْضِ صَارَتَا مُسَلَّمَتَيْنِ إلَى صَاحِبِ الْبَذْرِ لِسَلَامَةِ الْخَارِجِ لَهُ حُكْمًا وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ تُخْرِجْ الْأَرْضُ شَيْئًا لِأَنَّ عَمَلَ الْعَامِلِ بِأَمْرِهِ فِي إلْقَاءِ بَذْرِهِ كَعَمَلِهِ بِنَفْسِهِ فَيَسْتَوْجِبُ عَلَيْهِ أَجْرَ مِثْلِهِ فِي الْوَجْهَيْنِ. وَثَمَّةَ وَجْهٌ آخَرُ لَمْ يَذْكُرَاهُ: أَيْ الْقُدُورِيُّ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ جَمِيعًا وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِكَ أَرْبَعَةٌ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ وَاحِدٍ وَالْعَمَلُ مِنْ آخَرَ وَالْأَرْضُ مِنْ آخَرَ وَالْبَقَرُ مِنْ آخَرَ. قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ الْآثَارِ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ وَاصِلِ بْنِ أَبِي جَمِيلٍ عَنْ مُجَاهِدٍ «أَنَّهُ وَقَعَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَلْغَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَاحِبَ الْأَرْضِ وَجَعَلَ لِصَاحِبِ الْفَدَّانِ أَجْرًا مُسَمًّى وَجَعَلَ لِصَاحِبِ الْعَمَلِ دِرْهَمًا لِكُلِّ يَوْمٍ وَأَلْحَقَ الزَّرْعَ كُلَّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ» فَهَذِهِ مُزَارَعَةٌ فَاسِدَةٌ لِمَا

قَابِضًا لَهُ لِاتِّصَالِهِ بِأَرْضِهِ. قَالَ (وَلَا تَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ إلَّا عَلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ) لِمَا بَيَّنَّا (وَأَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ شَائِعًا بَيْنَهُمَا) تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الشَّرِكَةِ (فَإِنْ شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا قُفْزَانًا مُسَمَّاةً فَهِيَ بَاطِلَةٌ) لِأَنَّ بِهِ تَنْقَطِعُ الشَّرِكَةُ لِأَنَّ الْأَرْضَ عَسَاهَا لَا تُخْرِجُ إلَّا هَذَا الْقَدْرَ، فَصَارَ كَاشْتِرَاطِ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ لِأَحَدِهِمَا فِي الْمُضَارَبَةِ، وَكَذَا إذَا شَرَطَا أَنْ يَرْفَعَ صَاحِبُ الْبَذْرِ بَذْرَهُ وَيَكُونَ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِي بَعْضٍ مُعَيَّنٍ أَوْ فِي جَمِيعِهِ بِأَنْ لَمْ يُخْرِجْ إلَّا قَدْرَ الْبَذْرِ فَصَارَ كَمَا إذَا شَرَطَا رَفْعَ الْخَرَاجِ، وَالْأَرْضُ خَرَاجِيَّةٌ وَأَنْ يَكُونَ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ صَاحِبُ الْبَذْرِ عُشْرَ الْخَارِجُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْآخَرِ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ مُشَاعٌ فَلَا يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ، كَمَا إذَا شَرَطَا رَفْعَ الْعُشْرِ، وَقِسْمَةُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا وَالْأَرْضُ عُشْرِيَّةٌ. قَالَ (وَكَذَا إذَا شَرَطَا مَا عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ وَالسَّوَّاقِي) مَعْنَاهُ لِأَحَدِهِمَا، لِأَنَّهُ إذَا شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا زَرْعَ مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ أَفْضَى ذَلِكَ إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ، لِأَنَّهُ لَعَلَّهُ لَا يَخْرُجُ إلَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهَا مِنْ اشْتِرَاطِ الْفَدَّانِ عَلَى أَحَدِهِمَا مَقْصُودًا بِهِ، وَفِيهَا الْخَارِجُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ لِأَنَّهُ نَمَاءُ بَذْرِهِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَلْغَى صَاحِبَ الْأَرْضِ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ شَيْئًا مِنْ الْخَارِجِ لَا أَنَّهُ لَا يَسْتَوْجِبُ أَجْرَ مِثْلِ الْأَرْضِ وَأَعْطَى لِصَاحِبِ الْعَمَلِ كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمًا لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ أَجْرَ مِثْلِ عَمَلِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَجْرَ الْفَدَّانِ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا مِنْ أَجْرِ الْعَامِلِ. قَالَ (وَلَا تَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ إلَّا عَلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ إلَخْ) مَعْلُومِيَّةُ مُدَّةِ الْمُزَارَعَةِ شَرْطُ جَوَازِهَا لِمَا بَيَّنَّا: يَعْنِي قَوْلَهُ فِي بَيَانِ شُرُوطِهَا. وَالثَّالِثُ بَيَانُ الْمُدَّةِ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنَافِعِ الْأَرْضِ إلَخْ. وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ وُجُودُهُ شَرْطًا لِلْجَوَازِ فَعَدَمُهُ مَانِعٌ عَنْهُ، لِأَنَّ الشَّرْطَ لَازِمٌ وَانْتِفَاؤُهُ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْمَلْزُومِ، وَكَذَا شُيُوعُ الْخَارِجِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الشَّرِكَةِ شَرْطُ الْجَوَازِ، فَإِذَا انْتَفَى فَسَدَتْ. وَقَوْلُهُ (وَصَارَ كَمَا إذَا شَرَطَا رَفْعَ الْخَرَاجِ) وَالْأَرْضُ خَرَاجِيَّةٌ، وَالْخَرَاجُ خَرَاجُ وَظِيفَةٍ بِأَنْ يَكُونَ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً بِحَسَبِ الْخَارِجِ وَقُفْزَانًا مَعْلُومَةً. وَأَمَّا إذَا كَانَ خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ الْخَارِجِ مُشَاعًا نَحْوُ الثُّلُثِ أَوْ الرُّبُعِ فَإِنَّهُ لَا تَفْسُدُ الْمُزَارَعَةُ بِهَذَا الشَّرْطِ. وَالْمَاذِيَانَاتُ جَمْعُ الْمَاذِيَانِ وَهُوَ أَصْغَرُ مِنْ النَّهْرِ وَأَعْظَمُ مِنْ الْجَدْوَلِ، وَقِيلَ مَا يَجْتَمِعُ فِيهِ مَاءُ السَّيْلِ ثُمَّ تُسْقَى مِنْهُ الْأَرْضُ. وَالسَّوَاقِي جَمْعُ السَّاقِيَةِ وَهُوَ فَوْقُ الْجَدْوَلِ وَدُونَ النَّهْرِ.

مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَعَلَى هَذَا إذَا شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا مَا يَخْرُجُ مِنْ نَاحِيَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَلِآخَرَ مَا يَخْرُجُ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى (وَكَذَا إذَا شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا التِّبْنَ وَلِلْآخَرِ الْحَبَّ) لِأَنَّهُ عَسَى أَنْ يُصِيبَهُ آفَةٌ فَلَا يَنْعَقِدُ الْحَبُّ وَلَا يَخْرُجُ إلَّا التِّبْنُ (وَكَذَا إذَا شَرَطَا التِّبْنَ نِصْفَيْنِ وَالْحَبُّ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ) لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الْحَبُّ (وَلَوْ شَرَطَ الْحَبَّ نِصْفَيْنِ وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِلتِّبْنِ صَحَّتْ) لِاشْتِرَاطِهِمَا الشَّرِكَةَ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ، (ثُمَّ التِّبْنُ يَكُونُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ) لِأَنَّهُ نَمَاءُ بَذْرِهِ وَفِي حَقِّهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الشَّرْطِ. وَالْمُفْسِدُ هُوَ الشَّرْطُ، وَهَذَا سُكُوتٌ عَنْهُ. وَقَالَ مَشَايِخُ بَلْخِي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: التِّبْنُ بَيْنَهُمَا أَيْضًا اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ فِيمَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ الْمُتَعَاقِدَانِ، وَلِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْحَبِّ وَالتَّبَعُ يَقُومُ بِشَرْطِ الْأَصْلِ. (وَلَوْ شَرَطَا الْحَبَّ نِصْفَيْنِ وَالتِّبْنَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ صَحَّتْ) لِأَنَّهُ حُكْمُ الْعَقْدِ (وَإِنْ شَرَطَا التِّبْنَ لِلْآخَرِ فَسَدَتْ) لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ بِأَنْ لَا يَخْرُجَ إلَّا التِّبْنُ وَاسْتِحْقَاقُ غَيْرِ صَاحِبِ الْبَذْرِ بِالشَّرْطِ. قَالَ (وَإِذَا صَحَّتْ الْمُزَارَعَةُ فَالْخَارِجُ عَلَى الشَّرْطِ) لِصِحَّةِ الِالْتِزَامِ (وَإِنْ لَمْ تُخْرِجْ الْأَرْضُ شَيْئًا فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ) لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ شَرِكَةً، وَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQكَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَقَوْلُهُ (اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ فِيمَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ الْمُتَعَاقِدَانِ) فَإِنَّ الْعُرْفَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْحَبَّ وَالتِّبْنَ يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَتَحْكِيمُ الْعُرْفِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ وَاجِبٌ. وَقَوْلُهُ (وَالتَّبَعُ يَقُومُ بِشَرْطِ الْأَصْلِ) يَعْنِي لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ وَهُوَ الْحَبُّ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا بِاشْتِرَاطِهِمَا فِيهِ نَصًّا كَانَ التَّبَعُ وَهُوَ التِّبْنُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا أَيْضًا تَبَعًا لِلْأَصْلِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرَا فِيهِ الشَّرِكَةَ فَكَانَ مَعْنَاهُ وَالتَّبَعُ يَتَّصِفُ بِصِفَةِ الْأَصْلِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ حُكْمُ الْعَقْدِ) يَعْنِي أَنَّهُمَا لَوْ سَكَتَا عَنْ ذِكْرِ التِّبْنِ كَانَ التِّبْنُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ لِأَنَّهُ مُوجِبُ الْعَقْدِ، فَإِذَا نَصَّا عَلَيْهِ كَأَنَّمَا صَرَّحَا بِمَا هُوَ مُوجِبُ الْعَقْدِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِهِ وَصْفُ الْعَقْدِ، فَكَانَ وُجُودُ الشَّرْطِ وَعَدَمُهُ سَوَاءً. وَأَمَّا إذَا شَرَطَا التِّبْنَ لِغَيْرِ صَاحِبِ الْبَذْرِ فَإِنَّ اسْتِحْقَاقَهُ لَهُ يَكُونُ بِالشَّرْطِ لِأَنَّهُ لَيْسَ حُكْمَ الْعَقْدِ، وَذَلِكَ شَرْطٌ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ بِأَنْ يَخْرُجَ إلَّا التِّبْنُ، وَكُلُّ شَرْطٍ شَأْنُهُ ذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ فَكَانَتْ الْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةً. قَالَ (وَإِذَا صَحَّتْ الْمُزَارَعَةُ فَالْخَارِجُ عَلَى الشَّرْطِ) الْمُزَارَعَةُ

شَرِكَةَ فِي غَيْرِ الْخَارِجِ، وَإِنْ كَانَتْ إجَارَةً فَالْأَجْرُ مُسَمًّى فَلَا يَسْتَحِقُّ غَيْرَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا فَسَدَتْ لِأَنَّ أَجْرَ الْمِثْلِ فِي الذِّمَّةِ وَلَا تَفُوتُ الذِّمَّةُ بِعَدَمِ الْخَارِجِ قَالَ (وَإِذَا فَسَدَتْ فَالْخَارِجُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ) لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ، وَاسْتِحْقَاقُ الْأَجْرِ بِالتَّسْمِيَةِ وَقَدْ فَسَدَتْ فَبَقِيَ النَّمَاءُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ. قَالَ (وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُزَادُ عَلَى مِقْدَارِ مَا شَرَطَ لَهُ مِنْ الْخَارِجِ) لِأَنَّهُ رَضِيَ بِسُقُوطِ الزِّيَادَةِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنَافِعَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَتَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا إذْ لَا مِثْلَ لَهَا) وَقَدْ مَرَّ فِي الْإِجَارَاتِ (وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ فَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَجْرُ مِثْلِ أَرْضِهِ) لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنَافِعَ الْأَرْضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَيَجِبُ رَدُّهَا وَقَدْ تَعَذَّرَ. وَلَا مِثْلَ لَهَا فَيَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهَا. وَهَلْ يُزَادُ عَلَى مَا شَرَطَ لَهُ مِنْ الْخَارِجِ؟ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ (وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالْبَقَرِ حَتَّى فَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ فَعَلَى الْعَامِلِ أَجْرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQإمَّا أَنْ تَكُونَ صَحِيحَةً أَوْ فَاسِدَةً، فَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً فَأَمَّا إنْ أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ شَيْئًا أَوْ لَمْ تُخْرِجْ، فَإِنْ أَخْرَجَتْ فَالْخَارِجُ عَلَى مَا شَرَطَا لِصِحَّةِ الِالْتِزَامِ، فَإِنَّ الْعَقْدَ إذَا كَانَ صَحِيحًا يَجِبُ فِيهِ الْمُسَمَّى وَهَذَا عَقْدٌ صَحِيحٌ فَيَجِبُ فِيهِ الْمُسَمَّى، وَإِنْ لَمْ تُخْرِجْ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ شَرِكَةً: يَعْنِي فِي الِانْتِهَاءِ، وَلَا شَرِكَةَ فِي غَيْرِ الْخَارِجِ. فَإِنْ قِيلَ: كَانَتْ الْمُزَارَعَةُ إجَارَةً ابْتِدَاءً فَلَا بُدَّ مِنْ الْأُجْرَةِ: أَجَابَ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ كَانَتْ الْمُزَارَعَةُ إجَارَةً فَالْأَجْرُ مُسَمًّى وَقَدْ فَاتَ فَلَا يَسْتَحِقُّ غَيْرَهُ. وَاسْتَشْكَلَ بِمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا بِعَيْنِ فِعْلِ الْأَجِيرِ وَهَلَكَتْ الْعَيْنُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَإِنَّهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَجْرُ الْمِثْلِ كَمَلًا فَلْيَكُنْ هَذَا مِثْلَهُ، لِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ قَدْ صَحَّتْ وَالْأَجْرُ مُسَمًّى وَهَلَكَ الْأَجْرُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَجْرَ هَاهُنَا هَلَكَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ لِأَنَّ الْمُزَارِعَ قَبَضَ الْبَذْرَ الَّذِي يَتَفَرَّعُ مِنْهُ الْخَارِجُ وَقَبْضُ الْأَصْلِ قَبْضٌ لِفَرْعِهِ وَالْأُجْرَةُ الْعَيْنُ إذَا هَلَكَتْ بَعْدَ التَّسْلِيمِ إلَى الْأَجِيرِ لَا يَجِبُ لِلْأَجِيرِ شَيْءٌ آخَرُ فَكَذَا هَاهُنَا، وَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تُخْرِجَ الْأَرْضُ وَأَنْ لَا تُخْرِجَ فِي وُجُوبِ أَجْرِ الْمِثْلِ لِلْعَامِلِ، لِأَنَّهُ فِي الذِّمَّةِ وَالذِّمَّةُ لَا تَفُوتُ بِعَدَمِ الْخَارِجِ. فَإِنْ أَخْرَجَتْ شَيْئًا فَالْخَارِجُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ وَاسْتِحْقَاقُ الْأَجْرِ مِنْهُ بِالتَّسْمِيَةِ وَقَدْ فَسَدَتْ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُزَادُ عَلَى قَدْرِ الْمَشْرُوطِ لَهُ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِسُقُوطِ الزِّيَادَةِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنَافِعَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا إذْ لَا مِثْلَ لَهَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَدْ مَرَّ فِي الْإِجَارَاتِ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَفِي هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ الْحَوَالَةِ نَوْعُ تَغْيِيرٍ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ مِنْ كِتَابِ الْإِجَارَاتِ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ حِمَارًا لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ طَعَامًا بِقَفِيزٍ مِنْهُ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ ثُمَّ قَالَ: وَلَا يُجَاوَزُ بِالْأَجْرِ قَفِيزٌ، لِأَنَّهُ لَمَّا فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ فَالْوَاجِبُ الْأَقَلُّ مِمَّا سَمَّى وَمِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا

مِثْلِ الْأَرْضِ وَالْبَقَرِ) هُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ لَهُ مَدْخَلًا فِي الْإِجَارَةِ وَهِيَ إجَارَةٌ مَعْنًى (وَإِذَا اسْتَحَقَّ رَبُّ الْأَرْضِ الْخَارِجَ لِبَذْرِهِ فِي الْمُزَارَعَةِ الْفَاسِدَةِ طَابَ لَهُ جَمِيعُهُ) لِأَنَّ النَّمَاءَ حَصَلَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ (وَإِنْ اسْتَحَقَّهُ الْعَامِلُ أَخَذَ قَدْرَ بَذْرِهِ وَقَدْرَ أَجْرِ الْأَرْضِ وَتَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ) لِأَنَّ النَّمَاءَ يَحْصُلُ مِنْ الْبَذْرِ وَيَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ، وَفَسَادُ الْمِلْكِ فِي مَنَافِعِ الْأَرْضِ أَوْجَبَ خُبْثًا فِيهِ. فَمَا سُلِّمَ لَهُ بِعِوَضٍ طَابَ لَهُ وَمَا لَا عِوَضَ لَهُ تَصَدَّقَ بِهِ قَالَ (وَإِذَا عُقِدَتْ الْمُزَارَعَةُ فَامْتَنَعَ صَاحِبُ الْبَذْرِ مِنْ الْعَمَلُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْمُضِيُّ فِي الْعَقْدِ إلَّا بِضَرَرٍ يَلْزَمُهُ. فَصَارَ كَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQاشْتَرَكَا فِي الِاحْتِطَابِ حَيْثُ يَجِبُ الْأَجْرُ بَالِغًا مَا بَلَغَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لِأَنَّ الْمُسَمَّى هُنَاكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ، فَلَمْ يَصِحَّ الْحَطُّ فَبِمَجْمُوعِ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْإِجَارَةِ يُعْلَمُ أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَبْلُغُ أَجْرَ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ كَمَا هُوَ قَوْلُهُمَا إلَّا فِي الشَّرِكَةِ فِي الِاحْتِطَابِ، ثُمَّ ذَكَرَ هَاهُنَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، إلَى أَنْ قَالَ: وَقَدْ مَرَّ فِي الْإِجَارَاتِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ فِي جَمِيعِ الْإِجَارَاتِ الْفَاسِدَةِ يَبْلُغُ الْأَجْرُ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ الْإِجَارَةَ مِنْ قَبِيلِ الشَّرِكَةِ فِي الِاحْتِطَابِ لِأَنَّ الْأَجْرَ غَيْرُ مَعْلُومٍ قَبْلَ خُرُوجِ الْخَارِجِ وَهَذِهِ حَوَالَةٌ بِلَا تَغْيِيرٍ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ فَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَجْرُ مِثْلِ أَرْضِهِ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنَافِعَ الْأَرْضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَيَجِبُ رَدُّهَا وَقَدْ تَعَذَّرَ فَيُصَارُ إلَى الْمِثْلِ وَلَا مِثْلَ لَهَا فَيَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهَا، وَهَلْ يُزَادُ عَلَى قَدْرِ الْمَشْرُوطِ لَهُ مِنْ الْخَارِجِ أَوْ لَا؟ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَارِّ، وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالْبَقَرِ حَتَّى فَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ كَانَ عَلَى الْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ وَالْبَقَرِ هُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ لِلْبَقَرِ مَدْخَلًا فِي الْإِجَارَةِ لِجَوَازِ إيرَادِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ وَالْمُزَارَعَةُ إجَارَةٌ مَعْنًى فَتَنْعَقِدُ الْمُزَارَعَةُ عَلَيْهِ فَاسِدًا وَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ (وَقَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ تَأْوِيلِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَصْلِ: لِصَاحِبِ الْبَقَرِ وَالْأَرْضِ أَجْرُ مِثْلِ أَرْضِهِ وَبَقَرِهِ عَلَى صَاحِبِ الْبَذْرِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنْ يَجِبَ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ مَكْرُوبَةً أَمَّا الْبَقَرُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ بِعَقْدِ الْمُزَارَعَةِ بِحَالٍ فَلَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ عَلَيْهِ صَحِيحًا وَلَا فَاسِدًا، وَوُجُوبُ أَجْرِ الْمِثْلِ لَا يَكُونُ بِدُونِ عَقْدٍ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَتَقَوَّمُ بِدُونِهِ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا اسْتَحَقَّ رَبُّ الْأَرْضِ إلَخْ) وَاضِحٌ خَلَا أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى فَارِقٍ بَيْنَ خُبْثٍ يُمْكِنُ فِي مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ فَأَوْجَبَ التَّصَدُّقَ بِالْفَضْلِ، وَبَيْنَ خُبْثٍ يُمْكِنُ فِي عَمَلِ الْعَامِلِ فَلَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ. وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّ النَّمَاءَ يَحْصُلُ مِنْ الْبَذْرِ وَيَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ: يَعْنِي فَهُوَ يَحْتَاجُ إلَيْهِمَا عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ احْتِيَاجًا بَالِغًا فَكَانَ الْخُبْثُ شَدِيدًا فَأَوْرَثَ وُجُوبَ التَّصَدُّقِ، وَعَمَلُ الْعَامِلِ وَهُوَ إلْقَاءُ الْبَذْرِ وَفَتْحُ الْجَدَاوِلِ لَيْسَ بِتِلْكَ الْمَثَابَةِ لِجَوَازِ حُصُولِهِ بِدُونِهِ عَادَةً، كَمَا إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ فَأَلْقَتْ الْبَذْرَ فِي أَرْضٍ وَأَمْطَرَتْ السَّمَاءُ فَكَانَ مَا يُمْكِنُ بِهِ شُبْهَةُ الْخُبْثِ فَلَمْ يُوَرِّثْ وُجُوبَ ذَلِكَ. قَالَ (وَإِذَا عُقِدَتْ الْمُزَارَعَةُ) فِي هَذَا بَيَانُ صِفَةِ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ بِكَوْنِهِ لَازِمًا أَوْ غَيْرَهُ وَهُوَ لَازِمٌ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ، أَمَّا بَعْدَ

إذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَهْدِمَ دَارِهِ (وَإِنْ امْتَنَعَ الَّذِي لَيْسَ مِنْ قِبَلِهِ الْبَذْرُ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى الْعَمَلِ) لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ بِالْوَفَاءِ بِالْعَقْدِ ضَرَرٌ وَالْعَقْدُ لَازِمٌ بِمَنْزِلَةِ الْإِجَارَةِ، إلَّا إذَا كَانَ عُذْرٌ يَفْسَخُ بِهِ الْإِجَارَةَ فَيَفْسَخُ بِهِ الْمُزَارَعَةَ. قَالَ (وَلَوْ امْتَنَعَ رَبُّ الْأَرْضِ وَالْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ وَقَدْ كَرَبَ الْمُزَارِعُ الْأَرْضَ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي عَمَلُ الْكِرَابِ) قِيلَ هَذَا فِي الْحُكْمِ، فَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى يَلْزَمُهُ اسْتِرْضَاءُ الْعَامِلِ لِأَنَّهُ غَرَّهُ فِي ذَلِكَ. قَالَ (وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَطَلَتْ الْمُزَارَعَةُ) اعْتِبَارًا بِالْإِجَارَةِ، وَقَدْ مَرَّ الْوَجْهُ فِي الْإِجَارَاتِ، فَلَوْ كَانَ دَفَعَهَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فَلَمَّا نَبَتَ الزَّرْعُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَلَمْ يَسْتَحْصِدْ الزَّرْعَ حَتَّى مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ تَرَكَ الْأَرْضَ فِي يَدِ الْمُزَارِعِ حَتَّى يَسْتَحْصِدَ الزَّرْعَ وَيَقْسِمَ عَلَى الشَّرْطِ، وَتَنْتَقِضُ الْمُزَارَعَةُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ السَّنَتَيْنِ لِأَنَّ فِي إبْقَاءِ الْعَقْدِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مُرَاعَاةً لِلْحَقَّيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQإلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ فَإِنَّهُ لَازِمٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا فَسْخُهُ إلَّا بِعُذْرٍ، وَأَمَّا قَبْلَهُ فَلَازِمٌ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَيْسَ الْبَذْرُ مِنْ جِهَتِهِ وَغَيْرُ لَازِمٍ مِنْ جِهَةِ مَنْ هُوَ مِنْ جِهَتِهِ، فَلَوْ امْتَنَعَ صَاحِبُ الْبَذْرِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْمُضِيُّ عَلَى الْعَقْدِ إلَّا بِضَرَرٍ يَلْزَمُهُ وَهُوَ اسْتِهْلَاكُ الْبَذْرِ فِي الْحَالِ فَصَارَ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَهْدِمَ دَارِهِ (وَإِنْ امْتَنَعَ غَيْرُهُ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى الْعَمَلِ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ بِالْوَفَاءِ بِالْعَقْدِ ضَرَرٌ) سِوَى مَا الْتَزَمَهُ بِالْعَقْدِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ إقَامَةَ الْعَمَلِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهَا (وَالْعَقْدُ لَازِمٌ) مِنْ جِهَتِهِ (بِمَنْزِلَةِ الْإِجَارَةِ إلَّا إذَا كَانَ عُذْرٌ يَفْسَخُ بِهِ الْإِجَارَةَ) كَالْمَرَضِ الْمَانِعِ لِلْعَامِلِ عَنْ الْعَمَلِ وَالدَّيْنِ الَّذِي لَا وَفَاءَ بِهِ عِنْدَهُ إلَّا بِبَيْعِ الْأَرْضِ (فَتُفْسَخُ بِهِ الْمُزَارَعَةُ، وَلَوْ امْتَنَعَ رَبُّ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ مِنْ قِبَلِهِ وَقَدْ كَرَبَ الْمُزَارِعُ الْأَرْضَ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي عَمَلِ الْكِرَابِ) لِأَنَّ الْمَأْتِيَّ بِهِ مُجَرَّدُ الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ لَا يَتَقَوَّمُ إلَّا بِالْعَقْدِ، وَالْعَقْدُ قَوَّمَهُ بِجُزْءٍ مِنْ الْخَارِجِ وَقَدْ فَاتَ (قِيلَ هَذَا) الْجَوَابُ (فِي الْحُكْمِ، فَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَلْزَمُهُ اسْتِرْضَاءُ الْعَامِلِ لِأَنَّهُ غَرَّهُ فِي الِاسْتِعْمَالِ) . (وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَطَلَتْ الْمُزَارَعَةُ) قِيَاسًا عَلَى الْإِجَارَةِ لِكَوْنِهَا عَقْدًا فِيهِ الْإِجَارَةُ (وَقَدْ مَرَّ الْوَجْهُ فِي الْإِجَارَاتِ) وَهُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ الْعَقْدُ صَارَ الْمَنْفَعَةُ الْمَمْلُوكَةُ أَوْ الْأُجْرَةُ لِغَيْرِ الْعَاقِدِ مُسْتَحَقًّا بِالْعَقْدِ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ بِالْمَوْتِ إلَى الْوَارِثِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَبْقَى الْعَقْدُ إلَى أَنْ يُسْتَحْصَدَ الزَّرْعُ نَظَرًا لِلْمُزَارِعِ، فَإِنَّهُ فِي الزَّرْعِ غَيْرُ مُتَعَدٍّ، فَلَوْ لَمْ يَبْقَ الْعَقْدُ وَانْتَقَلَ الْأَرْضُ إلَى وَرَثَةِ رَبِّهَا لَقَلَعُوا الزَّرْعَ وَتَضَرَّرَ بِهِ الْمُزَارِعُ، وَلَا يَجُوزُ إلْحَاقُ الضَّرَرِ عَلَى غَيْرِ الْمُتَعَدِّي، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ كَانَ دَفْعُهَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ إلَخْ) وَاعْلَمْ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَعْدَ الزَّرْعِ، لِأَنَّ الَّذِي يَكُونُ قَبْلَهُ مَذْكُورٌ فِيمَا يَلِيهِ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إذَا نَبَتَ الزَّرْعُ أَوْ لَمْ يَنْبُتْ، وَلَكِنَّهُ ذَكَرَ جَوَابَ النَّابِتِ فِي قَوْلِهِ فِي وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ (فَلَمَّا نَبَتَ الزَّرْعُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى) وَلَمْ يَذْكُرْ جَوَابَ مَا لَمْ يَنْبُتْ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَلَعَلَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ

بِخِلَافِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ بِالْعَامِلِ فَيُحَافِظُ فِيهِمَا عَلَى الْقِيَاسِ (وَلَوْ مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ بَعْدَ مَا كَرَبَ الْأَرْضَ وَحَفَرَ الْأَنْهَارَ انْتَقَضَتْ الْمُزَارَعَةُ) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ مَالٍ عَلَى الْمُزَارِعِ (وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ بِمُقَابَلَةِ مَا عَمِلَ) لِمَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَإِذَا فُسِخَتْ الْمُزَارَعَةُ بِدَيْنٍ فَادِحٍ لَحِقَ صَاحِبَ الْأَرْضِ فَاحْتَاجَ إلَى بَيْعِهَا جَازَ) كَمَا فِي الْإِجَارَةِ (وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِمَا كَرَبَ الْأَرْضَ وَحَفَرَ الْأَنْهَارَ بِشَيْءٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQاعْتِمَادًا عَلَى دُخُولِهِ فِي إطْلَاقِ أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ (وَلَوْ مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ بَعْدَمَا كَرَبَ الْعَامِلُ الْأَرْضَ وَحَفَرَ الْأَنْهَارَ انْتَقَضَتْ الْمُزَارَعَةُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ مَالٍ عَلَى الْمُزَارِعِ، وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ بِمُقَابَلَةِ مَا عَمِلَ) لِمَا سَيُذْكَرُ بُعَيْدَ هَذَا (وَإِذَا فُسِخَتْ الْمُزَارَعَةُ بِدَيْنٍ فَادِحٍ) أَيْ ثَقِيلٍ، مِنْ فَدَحَهُ الْأَمْرُ: أَيْ أَثْقَلَهُ (لِحَقِّ صَاحِبِ الْأَرْضِ أَحْوَجَهُ إلَى بَيْعِهَا جَازَ) الْفَسْخُ (كَمَا فِي الْإِجَارَةِ) وَالتَّشْبِيهُ بِالْإِجَارَةِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ اخْتَارَ رِوَايَةَ الزِّيَادَاتِ فَإِنَّهُ عَلَيْهَا لَا بُدَّ لِصِحَّةِ الْفَسْخِ مِنْ الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ وَعَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ وَالْإِجَارَاتِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى ذَلِكَ (وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِمَا كَرَبَ الْأَرْضَ وَحَفَرَ الْأَنْهَارَ بِشَيْءٍ)

لِأَنَّ الْمَنَافِعَ إنَّمَا تَتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ وَهُوَ إنَّمَا قُوِّمَ بِالْخَارِجِ فَإِذَا انْعَدَمَ الْخَارِجُ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ (وَلَوْ نَبَتَ الزَّرْعُ وَلَمْ يُسْتَحْصَدْ لَمْ تُبَعْ الْأَرْضُ فِي الدَّيْنِ حَتَّى يُسْتَحْصَدَ الزَّرْعُ) لِأَنَّ فِي الْبَيْعِ إبْطَالَ حَقِّ الْمُزَارِعِ، وَالتَّأْخِيرُ أَهْوَنُ مِنْ الْإِبْطَالِ (وَيُخْرِجُهُ الْقَاضِي مِنْ الْحَبْسِ إنْ كَانَ حَبَسَهُ بِالدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَمَّا امْتَنَعَ بَيْعَ الْأَرْضِ لَمْ يَكُنْ هُوَ ظَالِمًا وَالْحَبْسُ جَزَاءُ الظُّلْمِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْمَنَافِعَ إنَّمَا تَتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ وَهُوَ إنَّمَا قُوِّمَ بِالْخَارِجِ، فَإِذَا انْعَدَمَ الْخَارِجُ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ) وَهَذَا هُوَ الْمَوْعُودُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَهَذَا الْجَوَابُ بِهَذَا التَّعْلِيلِ إنَّمَا يَصِحُّ أَنْ لَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ، أَمَّا إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَذْرَ إذَا كَانَ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ يَكُونُ مُسْتَأْجِرًا لِلْأَرْضِ فَيَكُونُ الْعَقْدُ وَارِدًا عَلَى مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ لَا عَلَى عَمَلِ الْعَامِلِ فَيَبْقَى عَمَلُ الْعَامِلِ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ وَلَا شُبْهَةِ عَقْدٍ فَلَا يَتَقَوَّمُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ حَتَّى كَانَ رَبُّ الْأَرْضِ مُسْتَأْجِرًا لِلْعَامِلِ فَكَانَ الْعَقْدُ وَارِدًا عَلَى مَنَافِعِ الْأَجِيرِ فَيَتَقَوَّمُ مَنَافِعُهُ وَعَمَلُهُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ وَيَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ بِأَجْرِ مِثْلِ عَمَلِهِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ مَحَالَةٌ إلَى مُزَارَعَةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ مَنَافِعَ الْأَجِيرِ وَعَمَلَهُ إنَّمَا يَتَقَوَّمُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ بِالْعَقْدِ، وَالْعَقْدُ إنَّمَا قُوِّمَ بِالْخَارِجِ (فَإِذَا انْعَدَمَ الْخَارِجُ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ) ثُمَّ الْفَسْخُ بَعْدَ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ وَعَمَلِ الْعَامِلِ مُتَصَوَّرٌ فِي صُوَرٍ ثَلَاثٍ: مَا إذَا فُسِخَ بَعْدَمَا كَرَبَ الْأَرْضَ وَحَفَرَ الْأَنْهَارَ وَهُوَ مَا نَحْنُ فِيهِ وَقَدْ ظَهَرَ حُكْمُهُ. وَمَا إذَا فَسَخَ وَقَدْ نَبَتَ الزَّرْعُ وَلَمْ يُسْتَحْصَدْ بَعْدُ، وَحُكْمُهُ أَنْ لَا تُبَاعَ الْأَرْضُ بِالدَّيْنِ حَتَّى يُسْتَحْصَدَ الزَّرْعُ لِأَنَّ فِي الْبَيْعِ إبْطَالَ حَقِّ الْمُزَارِعِ، وَفِي التَّأْخِيرِ إنْ كَانَ إضْرَارًا بِالْغُرَمَاءِ لَكِنَّ التَّأْخِيرَ أَهْوَنُ مِنْ الْإِبْطَالِ، وَيُخْرِجُهُ الْقَاضِي مِنْ الْحَبْسِ إنْ كَانَ حَبْسُهُ فِي الدَّيْنِ لِأَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ بَيْعِ الْأَرْضِ وَلَمْ يَكُنْ هُوَ ظَالِمًا فِي ذَلِكَ وَالْحَبْسُ جَزَاءُ الظُّلْمِ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الصُّورَةَ الثَّالِثَةَ مَا إذَا فَسَخَ بَعْدَمَا زَرَعَ الْعَامِلُ الْأَرْضَ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَنْبُتْ حَتَّى لَحِقَ رَبَّ الْأَرْضِ دَيْنٌ فَادِحٌ هَلْ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْأَرْضَ؟ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. قَالَ بَعْضُهُمْ: لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ عَيْنٌ قَائِمٌ، لِأَنَّ التَّبْذِيرَ اسْتِهْلَاكٌ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا قَبْلَ التَّبْذِيرِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ التَّبْذِيرَ اسْتِنْمَاءُ مَالٍ وَلَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ، وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ زِرَاعَةَ أَرْضِ الصَّبِيِّ وَلَا يَمْلِكَانِ اسْتِهْلَاكَ مَالِهِ فَكَانَ لِلْمُزَارِعِ فِي الْأَرْضِ عَيْنٌ قَائِمٌ، وَلَعَلَّ هَذَا اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَمْ يَذْكُرْهُ لِأَنَّ الْبَذْرَ إنْ كَانَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَالُ الْغَيْرِ حَتَّى يَكُونَ مَانِعًا عَنْ الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ لِلْعَامِلِ فَقَدْ دَخَلَ

قَالَ (وَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمُزَارَعَةِ وَالزَّرْعُ لَمْ يُدْرَكْ كَانَ عَلَى الْمُزَارِعِ أَجْرُ مِثْلِ نَصِيبِهِ مِنْ الْأَرْضِ إلَى أَنْ يُسْتَحْصَدَ وَالنَّفَقَةُ عَلَى الزَّرْعِ عَلَيْهِمَا عَلَى مِقْدَارِ حُقُوقِهِمَا) مَعْنَاهُ حَتَّى يُسْتَحْصَدَ، لِأَنَّ فِي تَبْقِيَةِ الزَّرْعِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ تَعْدِيلَ النَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَيُصَارُ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْعَمَلُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ انْتَهَى بِانْتِهَاءِ الْمُدَّةِ وَهَذَا عَمَلٌ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ وَالزَّرْعُ بَقْلٌ حَيْثُ يَكُونُ الْعَمَلُ فِيهِ عَلَى الْعَامِلِ، لِأَنَّ هُنَاكَ أَبْقَيْنَا الْعَقْدَ فِي مُدَّتِهِ وَالْعَقْدُ يَسْتَدْعِي الْعَمَلَ عَلَى الْعَامِلِ، أَمَّا هَاهُنَا الْعَقْدُ قَدْ انْتَهَى فَلَمْ يَكُنْ هَذَا إبْقَاءَ ذَلِكَ الْعَقْدِ فَلَمْ يَخْتَصَّ الْعَامِلُ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ عَلَيْهِ (فَإِنْ أَنْفَقَ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ وَأَمْرِ الْقَاضِي فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ) لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ (وَلَوْ أَرَادَ رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ يَأْخُذَ الزَّرْعَ بَقْلًا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ) لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِالْمُزَارِعِ، (وَلَوْ أَرَادَ الْمُزَارِعُ) أَنْ يَأْخُذَهُ بَقْلًا قِيلَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ اقْلَعْ الزَّرْعَ فَيَكُونُ بَيْنَكُمَا أَوْ أَعْطِهِ قِيمَةَ نَصِيبِهِ أَوْ أَنْفِقْ أَنْتَ عَلَى الزَّرْعُ وَارْجِعْ بِمَا تُنْفِقُهُ فِي حِصَّتِهِ، لِأَنَّ الْمُزَارِعَ لَمَّا امْتَنَعَ مِنْ الْعَمَلِ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ إبْقَاءَ الْعَقْدِ بَعْدَ وُجُودِ الْمَنْهِيِّ نَظَرٌ لَهُ وَقَدْ تَرَكَ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ. وَرَبُّ الْأَرْضِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ هَذِهِ الْخِيَارَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (وَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمُزَارَعَةِ إلَخْ) إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمُزَارَعَةِ وَالزَّرْعُ لَمْ يُدْرِكْ يَبْقَى الزَّرْعُ وَكَانَ عَلَى الْمُزَارِعِ أَجْرُ مِثْلِ نَصِيبِهِ مِنْ الْأَرْضِ إلَى أَنْ يُسْتَحْصَدَ الزَّرْعُ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْمُزَارَعَةُ بِالنِّصْفِ كَانَ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ نِصْفِ الْأَرْضِ لِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ لَمَّا انْقَضَتْ بِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ لَمْ يَبْقَ لِلْعَامِلِ حَقٌّ فِي مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ، وَهُوَ يَسْتَوْفِيهَا بِتَرْبِيَةِ نَصِيبِهِ مِنْ الزَّرْعِ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ فَلَا تُسَلَّمُ لَهُ مَجَّانًا، وَالنَّفَقَةُ عَلَى الزَّرْعِ وَهِيَ مُؤْنَةُ الْحِفْظِ وَالسَّقْيِ وَكَرْيُ الْأَنْهَارِ عَلَيْهِمَا عَلَى مِقْدَارِ نَصِيبِهِمَا حَتَّى يُسْتَحْصَدَ كَنَفَقَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ الْعَاجِزِ عَنْ الْكَسْبِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ فِي تَبْقِيَةِ الزَّرْعِ) دَلِيلَ وُجُوبِ الْأَجْرِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّا لَوْ أَمَرْنَا الْعَامِلَ بِقَلْعِ الزَّرْعِ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ تَضَرَّرَ بِهِ، وَإِنْ أَبْقَيْنَاهُ بِلَا أَجْرٍ تَضَرَّرَ رَبُّ الْأَرْضِ فَبَقَّيْنَاهُ بِالْأَجْرِ تَعْدِيلًا لِلنَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِمَا لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ يَبْقَى الزَّرْعُ بِلَا أَجْرٍ وَلَا اشْتِرَاكٍ فِي النَّفَقَةِ وَلَا اشْتِرَاكٍ فِي الْعَمَلِ، وَكَلَامُهُ فِيهِ أَيْضًا وَاضِحٌ، فَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَاحْتَاجَ الزَّرْعُ إلَى النَّفَقَةِ فَأَنْفَقَ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ لِأَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَى مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ. لَا يُقَالُ: هُوَ مُضْطَرٌّ لِإِحْيَاءِ حَقِّهِ فَلَا يُوصَفُ بِالتَّبَرُّعِ، لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ الِاسْتِئْذَانِ مِنْ الْقَاضِي يَمْنَعُ الِاضْطِرَارَ (وَلَوْ أَرَادَ رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ يَأْخُذَ الزَّرْعَ بَقْلًا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْمُزَارِعِ) وَلَوْ أَرَادَ الْمُزَارِعُ ذَلِكَ مُكِّنَ مِنْهُ، وَيُخَيَّرُ رَبُّ الْأَرْضِ بَيْنَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ بِدَلِيلِهَا. فَإِنْ قِيلَ تَرَكَ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ غَيْرُهُ وَهَاهُنَا يَتَضَرَّرُ رَبُّ الْأَرْضِ وَاسْتِدْفَاعُ الضَّرَرِ لَيْسَ بِمُنْحَصِرٍ فِي ذَلِكَ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِالْمَنْعِ عَنْ الْقَلْعِ كَرَبِّ الْأَرْضِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ مُتَعَنِّتٌ فِي طَلَبِ الْقَلْعِ لِانْتِفَاعِهِ بِنَصِيبِهِ وَبِأَجْرِ الْمِثْلِ فَرُدَّ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْمُزَارِعِ فَإِنَّهُ يَرُدُّ عَنْ نَفْسِهِ بِالْقَلْعِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ، فَرُبَّمَا يَخَافُ أَنَّ نَصِيبَهُ مِنْ الزَّرْعِ لَا يَفِي بِذَلِكَ

لِأَنَّ بِكُلِّ ذَلِكَ يُسْتَدْفَعُ الضَّرَرُ (وَلَوْ مَاتَ الْمُزَارِعُ بَعْدَ نَبَاتِ الزَّرْعِ فَقَالَتْ وَرَثَتُهُ نَحْنُ نَعْمَلُ إلَى أَنْ يُسْتَحْصَدَ الزَّرْعُ وَأَبَى رَبُّ الْأَرْضِ فَلَهُمْ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ (وَلَا أَجْرَ لَهُمْ بِمَا عَمِلُوا) لِأَنَّا أَبْقَيْنَا الْعَقْدَ نَظَرًا لَهُمْ، فَإِنْ أَرَادُوا قَلْعَ الزَّرْعِ لَمْ يُجْبَرُوا عَلَى الْعَمَلِ لِمَا بَيَّنَّا، وَالْمَالِكُ عَلَى الْخِيَارَاتِ الثَّلَاثِ لِمَا بَيَّنَّا. قَالَ (وَكَذَلِكَ أُجْرَةُ الْحَصَادِ وَالرِّفَاعِ وَالدِّيَاسِ وَالتَّذْرِيَةِ عَلَيْهِمَا بِالْحِصَصِ. فَإِنْ شَرَطَاهُ فِي الْمُزَارَعَةِ عَلَى الْعَامِلِ فَسَدَتْ) وَهَذَا الْحُكْمُ لَيْسَ بِمُخْتَصٍّ بِمَا ذَكَرَ مِنْ الصُّورَةِ وَهُوَ انْقِضَاءُ الْمُدَّةِ وَالزَّرْعُ لَمْ يُدْرَكْ بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْمُزَارَعَاتِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَقْدَ يَتَنَاهَى بِتَنَاهِي الزَّرْعِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ فَيَبْقَى مَالٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَلَا عَقْدَ فَيَجِبُ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِمَا. وَإِذَا شَرَطَ فِي الْعَقْدِ ذَلِكَ وَلَا يَقْتَضِيهِ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِهِمَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ كَشَرْطِ الْحَمْلِ أَوْ الضِّمْنِ عَلَى الْعَامِلِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ إذَا شَرَطَ ذَلِكَ عَلَى الْعَامِلِ لِلتَّعَامُلِ اعْتِبَارًا بِالِاسْتِصْنَاعِ وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ بَلْخِي. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي دِيَارِنَا. فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ عَمَلٍ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ كَالسَّقْيِ وَالْحِفْظِ فَهُوَ عَلَى الْعَامِلِ، وَمَا كَانَ مِنْهُ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ عَلَيْهِمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَأَشْبَاهِهِمَا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَمَا كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلَوْ مَاتَ الْمُزَارِعُ) ظَاهِرٌ، وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ إبْقَاءَ الْعَقْدِ بَعْدَ وُجُودِ الْمَنْهِيِّ إلَخْ (قَوْلُهُ وَالْمَالِكُ عَلَى الْخِيَارَاتِ الثَّلَاثِ) يَعْنِي الْمَذْكُورَةَ إلَّا أَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَوْ رَجَعَ بِالنَّفَقَةِ رَجَعَ بِكُلِّهَا إذْ الْعَمَلُ عَلَى الْعَامِلِ مُسْتَحَقٌّ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الْمُزَارِعَ لَمَّا امْتَنَعَ عَنْ الْعَمَلِ إلَخْ. قَالَ (وَكَذَا أُجْرَةُ الْحَصَادِ وَالرِّفَاعِ) قَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ. وَالرِّفَاعُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ: هُوَ أَنْ يَرْفَعَ الزَّرْعَ إلَى الْبَيْدَرِ. وَالتَّذْرِيَةُ: تَمْيِيزُ الْحَبِّ مِنْ التِّبْنِ بِالرِّيحِ. وَلَمَّا كَانَ الْقُدُورِيُّ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَقِيبَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الزَّرْعِ وَالزَّرْعُ لَمْ يُدْرِكْ رُبَّمَا يُوهِمُ اخْتِصَاصَهَا بِذَلِكَ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا الْحُكْمُ لَيْسَ يَخْتَصُّ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الصُّورَةِ وَهُوَ انْقِضَاءُ الْمُدَّةِ وَالزَّرْعُ لَمْ يُدْرِكْ بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْمُزَارَعَاتِ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ وَالْأَصْلُ أَنَّ اشْتِرَاطَ مَا لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الْمُزَارَعَةِ عَلَى أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ يُفْسِدُهَا لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِهِمَا وَمِثْلُهُ يُفْسِدُ الْإِجَارَةَ فَكَذَا الْمُزَارَعَةُ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْإِجَارَةِ وَالْفَاصِلُ بَيْنَ مَا هُوَ مِنْ أَعْمَالِهَا وَغَيْرِهِ أَنَّ كُلَّ مَا يَنْبُتُ وَيَنْمِي وَيَزِيدُ فِي الْخَارِجِ فَهُوَ مِنْ أَعْمَالِهَا وَمَا لَا فَلَا وَعَلَى هَذَا فَالْحَصَادُ وَالدِّيَاسُ وَالتَّذْرِيَةُ وَرَفْعُهُ إلَى الْبَيْدَرِ إذَا شُرِطَ شَيْءٌ مِنْهَا عَلَى أَحَدِهِمَا فَسَدَتْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَرَوَى أَصْحَابُ الْأَمَالِي عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا إذَا شُرِطَتْ عَلَى الْعَامِلِ جَازَتْ لِلتَّعَامُلِ اعْتِبَارًا لِلِاسْتِصْنَاعِ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي دِيَارِنَا، وَالْمُصَنِّفُ جَعَلَ الْأَعْمَالَ ثَلَاثَةً: مَا كَانَ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ كَالسَّقْيِ وَالْحِفْظِ وَهُوَ مِنْ أَعْمَالِهَا، وَمَا كَانَ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَنَحْوِهِمَا، وَمَا كَانَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ كَالْحَمْلِ إلَى الْبَيْتِ وَالطَّحْنِ وَأَشْبَاهِهِمَا وَهُمَا لَيْسَا مِنْ أَعْمَالِهَا فَيَكُونَانِ عَلَيْهِمَا، لَكِنْ فِيمَا هُوَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ عَلَى الِاشْتِرَاكِ وَفِيمَا هُوَ بَعْدَهَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً لِيَتَمَيَّزَ مِلْكُ

[كتاب المساقاة]

بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ عَلَيْهِمَا. وَالْمُعَامَلَةُ عَلَى قِيَاسُ هَذَا مَا كَانَ قَبْلَ إدْرَاكِ الثَّمَرِ مِنْ السَّقْيِ وَالتَّلْقِيحِ وَالْحِفْظِ فَهُوَ عَلَى الْعَامِلِ، وَمَا كَانَ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ كَالْجَدَادِ وَالْحِفْظِ فَهُوَ عَلَيْهِمَا؛ وَلَوْ شَرَطَ الْجَدَادَ عَلَى الْعَامِلِ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ لَا عُرْفَ فِيهِ. وَمَا كَانَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ مَالٌ مُشْتَرَكٌ وَلَا عَقْدَ، وَلَوْ شَرَطَ الْحَصَادَ فِي الزَّرْعِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ الْعُرْفِ فِيهِ، وَلَوْ أَرَادَا فَصْلَ الْقَصِيلِ أَوْ جَدَّ التَّمْرِ بُسْرًا أَوْ الْتِقَاطَ الرُّطَبِ فَذَلِكَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا أَنْهَيَا الْعَقْدَ لَمَّا عَزَمَا عَلَى الْفَصْلِ وَالْجَدَادِ بُسْرًا فَصَارَ كَمَا بَعْدَ الْإِدْرَاكِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ) : (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْمُسَاقَاةُ بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَرِ بَاطِلَةٌ، وَقَالَا: جَائِزَةٌ إذَا ذَكَرَ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَسَمَّى جُزْءًا مِنْ الثَّمَرِ مُشَاعًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَنْ مِلْكِ الْآخَرِ فَكَانَ التَّدْبِيرُ فِي مِلْكِهِ إلَيْهِ خَاصَّةً (وَالْمُعَامَلَةُ قِيَاسُ هَذَا) أَيْ الْمُسَاقَاةُ أَيْضًا عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ مَالٌ مُشْتَرَكٌ) سَمَّاهُ مُشْتَرَكًا بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ. وَقِيلَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَجْمُوعَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بَيْنَهُمَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا فِي قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الْقَرْيَةِ. [كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ] كَانَ مِنْ حَقِّ الْمُسَاقَاةِ التَّقْدِيمُ عَلَى الْمُزَارَعَةِ لِكَثْرَةِ مَنْ يَقُولُ بِجَوَازِهَا، وَلِوُرُودِ الْأَحَادِيثِ فِي مُعَامَلَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلُ خَيْبَرَ، إلَّا أَنَّ اعْتِرَاضَ مُوجِبَيْنِ صَوَّبَ إيرَادَ الْمُزَارَعَةِ قَبْلَ الْمُسَاقَاةِ: أَحَدُهُمَا شِدَّةُ الِاحْتِيَاجِ إلَى مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ

وَالْمُسَاقَاةُ: هِيَ الْمُعَامَلَةُ وَالْكَلَامُ فِيهَا كَالْكَلَامِ فِي الْمُزَارَعَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْمُعَامَلَةُ جَائِزَةٌ، وَلَا تَجُوزُ الْمُزَارَعَةُ إلَّا تَبَعًا لِلْمُعَامَلَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي هَذَا الْمُضَارَبَةُ، وَالْمُعَامَلَةُ أَشْبَهُ بِهَا لِأَنَّ فِيهِ شَرِكَةً فِي الزِّيَادَةِ دُونَ الْأَصْلِ. وَفِي الْمُزَارَعَةِ لَوْ شَرَطَا الشَّرِكَةَ فِي الرِّبْحِ دُونَ الْبَذْرِ بِأَنْ شَرَطَا رَفْعَهُ مِنْ رَأْسِ الْخَارِجِ تَفْسُدُ، فَجَعَلْنَا الْمُعَامَلَةَ أَصْلًا، وَجَوَّزْنَا الْمُزَارَعَةَ تَبَعًا لَهَا كَالشُّرْبِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ وَالْمَنْقُولِ فِي وَقْفِ الْعَقَارِ، وَشَرْطُ الْمُدَّةِ قِيَاسٌ فِيهَا لِأَنَّهَا إجَارَةٌ مَعْنًى كَمَا فِي الْمُزَارَعَةُ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمُدَّةَ يَجُوزُ وَيَقَعُ عَلَى أَوَّلِ ثَمَرٍ يَخْرُجُ، لِأَنَّ الثَّمَرَ لِإِدْرَاكِهَا وَقْتٌ مَعْلُومٌ وَقَلَّمَا يَتَفَاوَتُ وَيَدْخُلُ فِيمَا مَا هُوَ الْمُتَيَقَّنُ، وَإِدْرَاكُ الْبَذْرِ فِي أُصُولِ الرَّطْبَةِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ إدْرَاكِ الثِّمَارِ، لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةً مَعْلُومَةً فَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْمُدَّةِ، بِخِلَافِ الزَّرْعِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ يَخْتَلِفُ كَثِيرًا خَرِيفًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُزَارَعَةِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا، وَالثَّانِي كَثْرَةُ تَفْرِيعِ مَسَائِلِ الْمُزَارَعَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُسَاقَاةِ (وَالْمُسَاقَاةُ هِيَ الْمُعَامَلَةُ) بِلُغَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: وَمَفْهُومُهَا اللُّغَوِيُّ هُوَ مَفْهُومُهَا الشَّرْعِيُّ فَهِيَ مُعَاقَدَةُ دَفْعِ الْأَشْجَارِ وَالْكُرُومِ إلَى مَنْ يَقُومُ بِإِصْلَاحِهَا عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُمْ سَهْمٌ مَعْلُومٌ مِنْ ثَمَرِهَا، وَالْكَلَامُ فِيهَا كَالْكَلَامِ فِي الْمُزَارَعَةِ: يَعْنِي شَرَائِطَهَا هِيَ الشَّرَائِطُ الَّتِي ذُكِرَتْ لِلْمُزَارَعَةِ، وَهِيَ غَيْرُ جَائِزَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَالْمُزَارَعَةِ وَبِهِ أَخَذَ زُفَرُ. وَجَائِزَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْمُعَامَلَةُ جَائِزَةٌ وَالْمُزَارَعَةُ لَا تَجُوزُ إلَّا تَبَعًا لَهَا، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ النَّخِيلُ وَالْكَرْمُ فِي أَرْضٍ بَيْضَاءَ تُسْقَى بِمَاءِ النَّخِيلِ فَيَأْمُرُ بِأَنْ يَزْرَعَ الْأَرْضَ أَيْضًا بِالنِّصْفِ، وَقَدْ ذُكِرَ دَلِيلُهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مِسَاسَ الْحَاجَةِ إلَى تَجْوِيزِهَا وَالْعُرْفُ الظَّاهِرُ بَيْنَ النَّاسِ فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ أَلْحَقَاهَا بِالْمُضَارَبَةِ فَجَازَتْ مُنْفَكَّةً عَنْ الْمُعَامَلَةِ. وَقَوْلُهُ (وَإِدْرَاكُ الْبَذْرِ فِي أُصُولِ الرَّطْبَةِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ إدْرَاكِ الثَّمَنِ) مَعْنَاهُ: لَوْ دَفَعَ رَطْبَةً قَدْ انْتَهَى جُذَاذُهَا عَلَى أَنْ يَقُومَ عَلَيْهَا وَيَسْقِيَهَا حَتَّى يَخْرُجَ بَذْرُهَا عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ بَذْرٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ جَازَ إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِمَّا يُرْغَبُ فِيهِ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فِي مَعْنَى الثَّمَرِ لِلشَّجَرِ، وَهَذَا لِأَنَّ إدْرَاكَ الْبَذْرِ لَهُ وَقْتٌ مَعْلُومٌ وَعِنْدَ الْمُزَارِعِينَ فَكَانَ ذِكْرُهُ بِمَنْزِلَةِ ذِكْرِ وَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَالْبَذْرُ يَحْصُلُ بِعَمَلِ الْعَامِلِ، فَاشْتِرَاطُ الْمُنَاصَفَةِ فِيهِ يَكُونُ صَحِيحًا

وَصَيْفًا وَرَبِيعًا، وَالِانْتِهَاءُ بِنَاءٌ عَلَيْهِ فَتَدْخُلُهُ الْجَهَالَةُ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَ إلَيْهِ غَرْسًا قَدْ عُلِّقَ وَلَمْ يَبْلُغْ الثَّمَرُ مُعَامَلَةً حَيْثُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِبَيَانِ الْمُدَّةِ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ بِقُوَّةِ الْأَرَاضِيِ وَضَعْفِهَا تَفَاوُتًا فَاحِشًا، وَبِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَ نَخِيلًا أَوْ أُصُولَ رُطَبَةٍ عَلَى أَنْ يَقُومَ عَلَيْهَا أَوْ أَطْلَقَ فِي الرُّطَبَةِ تَفْسُدُ الْمُعَامَلَةُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لِذَلِكَ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ، لِأَنَّهَا تَنْمُو مَا تُرِكَتْ فِي الْأَرْضِ فَجُهِلَتْ الْمُدَّةُ (وَيُشْتَرَطُ تَسْمِيَةُ الْجُزْءِ مُشَاعًا) لِمَا بَيَّنَّا فِي الْمُزَارَعَةِ إذْ شَرْطُ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ (فَإِنْ سَمَّيَا فِي الْمُعَامَلَةِ وَقْتًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ الثَّمَرُ فِيهَا فَسَدَتْ الْمُعَامَلَةُ) لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الشَّرِكَةُ فِي الْخَارِجِ (وَلَوْ سَمَّيَا مُدَّةً قَدْ يَبْلُغُ الثَّمَرُ فِيهَا وَقَدْ يَتَأَخَّرُ عَنْهَا جَازَتْ) لِأَنَّا لَا نَتَيَقَّنُ بِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ، ثُمَّ لَوْ خَرَجَ فِي الْوَقْتِ الْمُسَمَّى فَهُوَ عَلَى الشَّرِكَةِ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ الْمِثْلِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ الْخَطَأَ فِي الْمُدَّةِ الْمُسَمَّاةِ فَصَارَ كَمَا إذَا عَلِمَ ذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَخْرُجْ أَصْلًا لِأَنَّ الذَّهَابَ بِآفَةٍ فَلَا يَتَبَيَّنُ فَسَادَ الْمُدَّةِ فَيَبْقَى الْعَقْدُ صَحِيحًا، وَلَا شَيْءَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ. قَالَ (وَتَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي النَّخْلِ وَالشَّجَرِ وَالْكَرْمِ وَالرِّطَابِ وَأُصُولِ الْبَاذِنْجَانِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ: لَا تَجُوزُ إلَّا فِي الْكَرْمِ وَالنَّخْلِ، لِأَنَّ جَوَازَهَا بِالْأَثَرِ وَقَدْ خَصَّهُمَا وَهُوَ حَدِيثُ خَيْبَرَ. وَلَنَا أَنَّ الْجَوَازَ لِلْحَاجَةِ وَقَدْ عَمَّتْ، وَأَثَرُ خَيْبَرَ لَا يَخُصُّهُمَا لِأَنَّ أَهْلَهَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فِي الْأَشْجَارِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالرَّطْبَةُ لِصَاحِبِهِ. وَقَوْلُهُ (غَرْسًا قَدْ عَلَّقَ) أَيْ نَبَتَ وَلَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الْإِثْمَارِ ظَاهِرٌ، وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَ نَخِيلًا أَوْ أُصُولَ رَطْبَةٍ عَلَى أَنْ يَقُومَ عَلَيْهَا) مَعْنَاهُ: حَتَّى تَذْهَبَ أُصُولُهُمَا وَيَنْقَطِعُ نَبَاتُهَا، وَقَوْلُهُ (أَوْ أَطْلَقَ فِي الرَّطْبَةِ) يَعْنِي لَمْ يَقُلْ حَتَّى تَذْهَبَ أُصُولُهَا (فَسَدَتْ الْمُعَامَلَةُ) مَعْنَاهُ: إذَا لَمْ يَكُنْ لِلرَّطْبَةِ جَذَّةٌ مَعْلُومَةٌ، فَإِنْ كَانَ فَهِيَ جَائِزَةٌ كَمَا لَوْ أَطْلَقَ فِي النَّخِيلِ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الثَّمَرَةِ الْأُولَى، وَقَدْ تَرَكَ الْمُصَنِّفُ فِي كَلَامِهِ قَيْدَيْنِ لَا غِنًى عَنْهُمَا فَكَانَ إيجَازًا مُخِلًّا. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهَا تَنْمُو مَا تُرِكَتْ فِي الْأَرْضِ) دَلِيلُ الرَّطْبَةِ وَلَمْ يُذْكَرْ دَلِيلُ النَّخِيلِ وَالرَّطْبَةِ إذَا شَرَطَ الْقِيَامَ عَلَيْهِمَا حَتَّى تَذْهَبَ أُصُولُهَا لِأَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لِذَلِكَ فَكَانَ غَيْرَ مَعْلُومٍ وَقَوْلُهُ (لَا يَخْرُجُ الثَّمَرُ فِيهَا) أَيْ فِي الْوَقْتِ أَنَّثَهُ بِتَأْوِيلِ الْمُدَّةِ. قَالَ (وَتَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي النَّخِيلِ وَالشَّجَرِ) هَذَا بَيَانُ مَا تَجْرِي فِيهِ الْمُسَاقَاةُ وَمَا لَا تَجْرِي فِيهِ، وَخَصَّصَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَوَازَهَا بِمَا وَرَدَ فِيهِ الْأَثَرُ مِنْ حَدِيثِ خَيْبَرَ وَكَانَ فِي النَّخْلِ وَالْكَرْمِ (وَلَنَا أَنَّ الْجَوَازَ لِلْحَاجَةِ وَقَدْ عَمَّتْ) وَعُمُومُ الْعِلَّةِ يَقْتَضِي عُمُومَ الْحُكْمِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ أَثَرَ خَيْبَرَ خَصَّهُمَا لِأَنَّ أَهْلَهَا يَعْمَلُونَ فِي الْأَشْجَارِ وَالرِّطَابِ أَيْضًا، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ لَكِنَّ الْأَصْلَ فِي النُّصُوصِ التَّعْلِيلُ لَا سِيَّمَا عَلَى أَصْلِهِ، فَإِنَّ بَابَهُ عِنْدَهُ أَوْسَعُ لِأَنَّهُ يَرَى التَّعْلِيلَ بِالْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ وَبِكُلِّ وَصْفٍ قَامَ دَلِيلُ التَّمْيِيزِ عَلَى كَوْنِهِ جَامِعًا بَيْنَ الْأَوْصَافِ، وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّا لَا نُجَوِّزُهُ بِالْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ، وَيُشْتَرَطُ قِيَامُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ

وَالرِّطَابِ أَيْضًا، وَلَوْ كَانَ كَمَا زَعَمَ فَالْأَصْلُ فِي النُّصُوصِ أَنْ تَكُونَ مَعْلُولَةً سِيَّمَا عَلَى أَصْلِهِ (وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْكَرْمِ أَنْ يُخْرِجَ الْعَامِلَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ) لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي الْوَفَاءِ بِالْعَقْدِ (وَكَذَا لَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يَتْرُكَ الْعَمَلَ بِغَيْرِ عُذْرٍ) بِخِلَافِ الْمُزَارَعَةِ بِالْإِضَافَةِ إلَى صَاحِبِ الْبَذْرِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. قَالَ (فَإِنْ دَفَعَ نَخْلًا فِيهِ تَمْرٌ مُسَاقَاةً وَالتَّمْرُ يَزِيدُ بِالْعَمَلِ جَازَ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ انْتَهَتْ لَمْ يَجُزْ) وَكَذَا عَلَى هَذَا إذَا دَفَعَ الزَّرْعَ وَهُوَ بَقْلٌ جَازَ، وَلَوْ اُسْتُحْصِدَ وَأُدْرِكَ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّ الْعَامِلَ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالْعَمَلِ، وَلَا أَثَرَ لِلْعَمَلِ بَعْدَ التَّنَاهِي وَالْإِدْرَاكِ، فَلَوْ جَوَّزْنَاهُ لَكَانَ اسْتِحْقَاقًا بِغَيْرِ عَمَلٍ وَلَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ ذَلِكَ لِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ إلَى الْعَمَلِ. قَالَ (وَإِذَا فَسَدَتْ الْمُسَاقَاةُ فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، وَصَارَ كَالْمُزَارَعَةِ إذَا فَسَدَتْ. قَالَ (وَتَبْطُلُ الْمُسَاقَاةُ بِالْمَوْتِ) لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِيهَا، فَإِنْ مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ وَالْخَارِجُ بُسْرٌ فَلِلْعَامِلِ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ كَمَا كَانَ يَقُومُ قَبْلَ ذَلِكَ إلَى أَنْ يُدْرِكَ الثَّمَرَ، وَإِنْ كَرِهَ ذَلِكَ وَرَثَةُ رَبِّ الْأَرْضُ اسْتِحْسَانًا فَيَبْقَى الْعَقْدُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ، وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْآخَرِ (وَلَوْ الْتَزَمَ الْعَامِلُ الضَّرَرَ يُتَخَيَّرُ وَرَثَةُ الْآخَرِ بَيْنَ أَنْ يَقْسِمُوا الْبُسْرَ عَلَى الشَّرْطِ وَبَيْنَ أَنْ يُعْطُوهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مِنْ الْبُسْرِ وَبَيْنَ أَنْ يُنْفِقُوا عَلَى الْبُسْرِ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَرْجِعُوا بِذَلِكَ فِي حِصَّةِ الْعَامِلِ مِنْ الثَّمَرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلْحَاقُ الضَّرَرِ بِهِمْ) ، وَقَدْ بَيَّنَّا نَظِيرَهُ فِي الْمُزَارَعَةِ (وَلَوْ مَاتَ الْعَامِلُ فَلِوَرَثَتِهِ أَنْ يَقُومُوا عَلَيْهِ وَإِنْ كَرِهَ رَبُّ الْأَرْضِ) لِأَنَّ فِيهِ النَّظَرَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ (فَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَصْرِمُوهُ بُسْرًا كَانَ صَاحِبُ الْأَرْضِ بَيْنَ الْخِيَارَاتِ الثَّلَاثَةِ) الَّتِي بَيَّنَّاهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا النَّصَّ بِعَيْنِهِ مَعْلُولٌ وَمَوْضِعُهُ أُصُولُ الْفِقْهِ. وَقَوْلُهُ (وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْكَرْمِ) وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (لِمَا قَدَّمْنَاهُ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُزَارَعَةِ بِقَوْلِهِ: (وَإِذَا عُقِدَتْ الْمُزَارَعَةُ فَامْتَنَعَ صَاحِبُ الْبَذْرِ مِنْ الْعَمَلِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ إلَخْ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُسَاقَاةَ لَمْ تَشْتَمِلْ عَلَى ضَرَرٍ فَكَانَتْ لَازِمَةً مِنْ الْجَانِبَيْنِ، بِخِلَافِ الْمُزَارَعَةِ فَإِنَّ صَاحِبَ الْبَذْرِ يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ فِي الْحَالِ بِإِلْقَاءِ بَذْرِهِ فِي الْأَرْضِ فَلَمْ تَكُنْ لَازِمَةً مِنْ جِهَتِهِ، ثُمَّ عُذْرُ صَاحِبِ الْكَرْمِ لُحُوقُ دَيْنٍ فَادِحٍ لَا يُمْكِنْهُ الْإِيفَاءُ إلَّا بِبَيْعِ الْكَرْمِ، وَعُذْرُ الْعَامِلِ الْمَرَضُ، وَقَوْلُهُ (وَلَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ) لِأَنَّهَا جُوِّزَتْ بِالْأَثَرِ فِيمَا يَكُونُ أَجْرُ الْعَامِلِ بَعْضَ الْخَارِجِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا فَسَدَتْ الْمُسَاقَاةُ) وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَالْخَارِجُ بُسْرٌ فَلِلْعَامِلِ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ) جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ إبْقَاءً لِلْعَقْدِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ. وَأَمَّا فِي الْقِيَاسِ فَقَدْ انْتَقَضَتْ الْمُسَاقَاةُ بَيْنَهُمَا وَكَانَ الْبُسْرُ بَيْنَ وَرَثَةِ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَبَيْنَ الْعَامِلِ نِصْفَيْنِ إنْ شَرَطَا أَنْصَافًا، لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ اسْتَأْجَرَ الْعَامِلَ بِبَعْضِ الْخَارِجِ وَالْإِجَارَةُ تُنْتَقَضُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَالْبَاقِي وَاضِحٌ عُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ نَظِيرُهُ فِي الْمُزَارَعَةِ.

(وَإِنْ مَاتَا جَمِيعًا فَالْخِيَارُ لِوَرَثَةِ الْعَامِلِ) لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ، وَهَذَا خِلَافَةٌ فِي حَقٍّ مَالِيٍّ وَهُوَ تَرْكُ الثِّمَارِ عَلَى الْأَشْجَارِ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ لَا أَنْ يَكُونَ وَارِثُهُ فِي الْخِيَارِ (فَإِنْ أَبَى وَرَثَةُ الْعَامِلِ أَنْ يَقُومُوا عَلَيْهِ كَانَ الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ لِوَرَثَةِ رَبِّ الْأَرْضُ) عَلَى مَا وَصْفنَا. قَالَ (وَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمُعَامَلَةِ وَالْخَارِجُ بُسْرٌ أَخْضَرُ فَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ، وَلِلْعَامِلِ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهَا إلَى أَنْ يُدْرِكَ لَكِنْ بِغَيْرِ أَجْرٍ) لِأَنَّ الشَّجَرَ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ، بِخِلَافِ الْمُزَارَعَةِ فِي هَذَا لِأَنَّ الْأَرْضَ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهَا، وَكَذَلِكَ الْعَمَلُ كُلُّهُ عَلَى الْعَامِلِ هَاهُنَا وَفِي الْمُزَارَعَةِ فِي هَذَا عَلَيْهِمَا، لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ عَلَى الْعَامِلِ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْعَمَلَ وَهَاهُنَا لَا أَجْرَ فَجَازَ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْعَمَلَ كَمَا يَسْتَحِقُّ قَبْلَ انْتِهَائِهَا. قَالَ (وَتُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ) لِمَا بَيَّنَّا فِي الْإِجَارَاتِ، وَقَدْ بَيَّنَّا وُجُوهَ الْعُذْرِ فِيهَا. وَمِنْ جُمْلَتِهَا أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ سَارِقًا يَخَافُ عَلَيْهِ سَرِقَةَ السَّعَفِ وَالثَّمَرِ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ لِأَنَّهُ يُلْزِمُ صَاحِبَ الْأَرْضِ ضَرَرًا لَمْ يَلْتَزِمْهُ فَتُفْسَخُ بِهِ. وَمِنْهَا مَرَضُ الْعَامِلِ إذَا كَانَ يُضْعِفُهُ عَنْ الْعَمَلِ، لِأَنَّ فِي إلْزَامِهِ اسْتِئْجَارَ الْأُجَرَاءِ زِيَادَةَ ضَرَرٍ عَلَيْهِ وَلَمْ يَلْتَزِمْهُ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ عُذْرًا، وَلَوْ أَرَادَ الْعَامِلُ تَرْكَ ذَلِكَ الْعَمَلِ هَلْ يَكُونُ عُذْرًا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَهَذَا خِلَافَةٌ فِي حَقٍّ مَالِيٍّ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: كَانَ لِلْمُوَرِّثِ الْخِيَارُ وَقَدْ مَاتَ وَالْخِيَارُ لَا يُوَرَّثُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ وَهُوَ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَالْخَارِجُ بُسْرٌ أَخْضَرُ فَهَذَا وَالْأَوَّلُ) يَعْنِي صُورَةَ الْمَوْتِ (سَوَاءٌ وَالْعَامِلُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ عَمِلَ كَمَا كَانَ يَعْمَلُ لَكِنْ بِغَيْرِ أَجْرٍ لِأَنَّ الشَّجَرَ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ) وَإِنْ أَبَى خُيِّرَ الْآخَرُ بَيْنَ الْخِيَارَاتِ الثَّلَاثِ، بِخِلَافِ الْمُزَارَعَةِ فِي هَذَا: أَيْ فِيمَا إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمُزَارَعَةِ لِأَنَّ الْأَرْضَ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهَا، وَكَذَلِكَ الْعَمَلُ كُلُّهُ عَلَى الْعَامِلِ هَاهُنَا لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ قَالَ (وَتُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ لِمَا بَيَّنَّا فِي الْإِجَارَاتِ) يُرَدُّ بِهِ قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْمَنَافِعَ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ وَهِيَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا، فَصَارَ الْعُذْرُ فِي الْإِجَارَةِ كَالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ إلَى آخِرِهِ (وَقَدْ بَيَّنَّا وُجُوهَ الْعُذْرِ فِيهَا) أَيْ فِي الْإِجَارَةِ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (فِيهِ رِوَايَتَانِ) يَعْنِي فِي كَوْنِ تَرْكِ الْعَمَلِ عُذْرًا رِوَايَتَانِ: فِي إحْدَاهُمَا لَا يَكُونُ عُذْرًا، وَيُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَازِمٌ لَا يُفْسَخُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ وَهُوَ مَا يَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَفِي الْأُخْرَى عُذْرٌ، وَتَأْوِيلُهُ أَنْ يُشْتَرَطَ الْعَمَلُ بِيَدِهِ، فَإِذَا تُرِكَ ذَلِكَ الْعَمَلُ كَانَ عُذْرًا، أَمَّا إذَا رُفِعَ إلَيْهِ النَّخِيلُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا بِنَفْسِهِ وَبِأُجَرَائِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ غَيْرَهُ فَلَا يَكُونُ تَرْكُ الْعَمَلِ عُذْرًا

وَتَأْوِيلُ إحْدَاهُمَا أَنْ يَشْتَرِطَ الْعَمَلَ بِيَدِهِ فَيَكُونَ عُذْرًا مِنْ جِهَتِهِ (وَمَنْ دَفَعَ أَرْضًا بَيْضَاءَ إلَى رَجُلٍ سِنِينَ مَعْلُومَةً يَغْرِسُ فِيهَا شَجَرًا عَلَى أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ وَالشَّجَرُ بَيْنَ رَبِّ الْأَرْضِ وَالْغَارِسِ نِصْفَيْنِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ) لِاشْتِرَاطِ الشَّرِكَةِ فِيمَا كَانَ حَاصِلًا قَبْلَ الشَّرِكَةِ لَا بِعَمَلِهِ (وَجَمِيعُ الثَّمَرِ وَالْغَرْسِ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَلِلْغَارِسِ قِيمَةُ غَرْسِهِ وَأَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ: إذْ هُوَ اسْتِئْجَارٌ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ وَهُوَ نِصْفُ الْبُسْتَانُ فَيَفْسُدُ وَتَعَذَّرَ رَدُّ الْغِرَاسِ لِاتِّصَالِهَا بِالْأَرْضِ فَيَجِبُ قِيمَتُهَا وَأَجْرُ مِثْلِهِ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي قِيمَةِ الْغِرَاسِ لِتَقَوُّمِهَا بِنَفْسِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي فَسْخِ الْمُعَامَلَةِ. (وَمَنْ دَفَعَ أَرْضًا بَيْضَاءَ لَيْسَ فِيهَا شَجَرٌ إلَى رَجُلٍ سِنِينَ مَعْلُومَةً يَغْرِسُ فِيهَا شَجَرًا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْأَرْضُ وَالشَّجَرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لِاشْتِرَاطِهِ الشَّرِكَةَ فِيمَا كَانَ حَاصِلًا قَبْلَ الشَّرِكَةِ) وَهُوَ الْأَرْضُ (وَكَانَ جَمِيعُ الثَّمَرِ وَالْغَرْسِ لِرَبِّ الْأَرْضِ، وَلِلْغَارِسِ قِيمَةُ غَرْسِهِ وَأَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ إذَا هُوَ اسْتِئْجَارٌ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ وَهُوَ نِصْفُ الْبُسْتَانِ فَكَانَ فَاسِدًا وَتَعَذَّرَ رَدُّ الْغِرَاسِ لِاتِّصَالِهَا بِالْأَرْضِ) فَإِنَّهُ لَوْ قَلَعَ الْغِرَاسَ وَسَلَّمَهَا لَمْ يَكُنْ تَسْلِيمًا لِلشَّجَرِ بَلْ يَكُونُ تَسْلِيمًا لِقِطْعَةِ خَشَبَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا بَلْ الْمَشْرُوطُ تَسْلِيمُ الشَّجَرِ بِقَوْلِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْأَرْضُ وَالشَّجَرُ بَيْنَ رَبِّ الْأَرْضِ وَالْغَارِسِ نِصْفَيْنِ، فَلَمَّا لَمْ يُمْكِنْ تَسْلِيمُهَا شَجَرًا وَجَبَ قِيمَتُهَا وَأَجْرُ مِثْلِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي قِيمَةِ الْغِرَاسِ لِأَنَّهَا أَعْيَانٌ مُتَقَوِّمَةٌ بِنَفْسِهَا لَا مُجَانَسَةَ

[كتاب الذبائح]

وَفِي تَخْرِيجِهَا طَرِيقٌ آخَرُ بَيَّنَّاهُ فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى، وَهَذَا أَصَحُّهُمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (كِتَابُ الذَّبَائِحِ) : ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ عَمَلِ الْعَامِلِ لِأَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ بِالْعَقْدِ لَا قِيمَةَ لَهُ فِي نَفْسِهِ (وَفِي تَخْرِيجِهَا طَرِيقٌ آخَرُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى) وَهُوَ شِرَاءُ رَبِّ الْأَرْضِ نِصْفَ الْغِرَاسِ مِنْ الْعَامِلِ بِنِصْفِ أَرْضِهِ، أَوْ شِرَاؤُهُ جَمِيعَ الْغِرَاسِ بِنِصْفِ أَرْضِهِ وَنِصْفِ الْخَارِجِ، فَكَانَ عَدَمُ جَوَازِ هَذَا الْعَقْدِ لِجَهَالَةِ الْغِرَاسِ نِصْفِهَا أَوْ جَمِيعِهَا لِكَوْنِهَا مَعْدُومَةً عِنْدَ الْعَقْدِ لَا لِكَوْنِهِ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهَذَا) يَعْنِي الْمَذْكُورَ فِي الْهِدَايَةِ (أَصَحُّهُمَا) لِأَنَّهُ نَظِيرُ مَنْ اسْتَأْجَرَ صَبَّاغًا لِيَصْبُغَ ثَوْبَهُ وَبِصَبْغِ نَفْسِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ نِصْفُ الْمَصْبُوغِ لِلصَّبَّاغِ فِي أَنَّ الْغِرَاسَ آلَةٌ يَجْعَلُ الْأَرْضَ بِهَا بُسْتَانًا كَالصَّبْغِ لِلثَّوْبِ، فَإِذَا فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ بَقِيَتْ الْآلَةُ مُتَّصِلَةً بِمِلْكِ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَهِيَ مُتَقَوِّمَةٌ فَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا كَمَا يَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الثَّوْبِ قِيمَةُ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِي ثَوْبِهِ وَأَجْرُ عَمَلِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الذَّبَائِحِ] الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْمُزَارَعَةِ وَالذَّبَائِحِ كَوْنُهُمَا إتْلَافًا فِي الْحَالِ لِلِانْتِفَاعِ فِي الْمَآلِ، فَإِنَّ الزِّرَاعَةَ إنَّمَا تَكُونُ بِإِتْلَافِ الْحَبِّ فِي الْأَرْضِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلِانْتِفَاعِ بِمَا يَنْبُتُ مِنْهَا، وَالذَّبْحُ إتْلَافُ الْحَيَوَانِ بِإِزْهَاقِ رُوحِهِ فِي الْحَالِ لِلِانْتِفَاعِ بِلَحْمِهِ بَعْدَ ذَلِكَ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْعِرَاقِيِّينَ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ الذَّبْحَ مَحْظُورًا عَقْلًا، وَلَكِنَّ الشَّرْعَ أَحَلَّهُ لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِالْحَيَوَانِ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: هَذَا عِنْدِي بَاطِلٌ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَتَنَاوَلُ اللَّحْمَ قَبْلَ مَبْعَثِهِ، وَلَا يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ ذَبَائِحَ الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَذْبَحُونَ بِأَسْمَاءِ الْأَصْنَامِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ كَانَ يَذْبَحُ وَيَصْطَادُ بِنَفْسِهِ، وَمَا كَانَ بِفِعْلِ مَا كَانَ مَحْظُورًا عَقْلًا كَالْكَذِبِ وَالظُّلْمِ وَالسَّفَهِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا كَانَ يَأْكُلُ ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلَيْسَ الذَّبْحُ كَالْكَذِبِ وَالظُّلْمِ، لِأَنَّ الْمَحْظُورَ الْعَقْلِيَّ ضَرْبَانِ: مَا يُقْطَعُ بِتَحْرِيمِهِ فَلَا يَرِدُ الشَّرْعُ بِإِبَاحَتِهِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَمَا فِيهِ نَوْعُ تَجْوِيزٍ مِنْ حَيْثُ تَصَوُّرِ مَنْفَعَةٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَرِدَ الشَّرْعُ بِإِبَاحَتِهِ وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ قَبْلَهُ نَظَرًا إلَى نَفْعِهِ كَالْحِجَامَةِ لِلْأَطْفَالِ وَتَدَاوِيهِمْ بِمَا فِيهِ أَلَمٌ لَهُمْ، وَالذَّكَاةُ الذَّبْحُ، وَأَصْلُ تَرْكِيبِ التَّذْكِيَةِ يَدُلُّ عَلَى التَّمَامِ وَمِنْهُ ذَكَاءُ السِّنِّ

قَالَ (الذَّكَاةُ شَرْطُ حِلِّ الذَّبِيحَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وَلِأَنَّ بِهَا يَتَمَيَّزُ الدَّمُ النَّجِسُ مِنْ اللَّحْمُ الطَّاهِرُ. وَكَمَا يَثْبُتُ بِهِ الْحِلُّ يَثْبُتُ بِهِ الطَّهَارَةُ فِي الْمَأْكُولِ وَغَيْرُهُ، فَإِنَّهَا تُنْبِئُ عَنْهَا. وَمِنْهَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ذَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا» وَهِيَ اخْتِيَارِيَّةٌ كَالْجُرْحِ فِيمَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ، وَاضْطِرَارِيَّةٌ وَهِيَ الْجُرْحُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ مِنْ الْبَدَنُ. وَالثَّانِي كَالْبَدَلِ عَنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْأَوَّلِ. وَهَذَا آيَةُ الْبَدَلِيَّةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَعْمَلُ فِي إخْرَاجِ الدَّمِ وَالثَّانِيَ أَقْصَرُ فِيهِ، فَاكْتَفَى بِهِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْأَوَّلِ، إذْ التَّكْلِيفُ بِحَسْبِ الْوُسْعِ. وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ الذَّابِحُ صَاحِبَ مِلَّةِ التَّوْحِيدِ إمَّا اعْتِقَادًا كَالْمُسْلِمِ أَوْ دَعْوَى كَالْكِتَابِيِّ، وَأَنْ يَكُونَ حَلَالًا ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْمَدِّ لِنِهَايَةِ الشَّبَابِ، وَذَكَا النَّارَ بِالْقَصْرِ لِتَمَامِ اشْتِعَالِهَا، وَمَعْنَى قَوْلِهِ (الذَّكَاةُ شَرْطُ حِلِّ الذَّبِيحَةِ) الذَّبْحُ شَرْطُ حِلِّ أَكْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الْحَيَوَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] بَعْدَ قَوْلِهِ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3] إلَخْ. اسْتَثْنَى مِنْ الْحُرْمَةِ الْمُذَكَّى فَيَكُونُ حَلَالًا، وَالْمُتَرَتِّبُ عَلَى الْمُشْتَقِّ مَعْلُومٌ لِلصِّفَةِ الْمُشْتَقِّ مِنْهَا، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْحِلُّ ثَابِتًا بِالشَّرْعِ جُعِلَتْ شَرْطًا، وَلِأَنَّ غَيْرَ الْمُذَكَّى مَيْتَةٌ وَهِيَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا بِالْحُرْمَةِ، وَلِأَنَّ الدَّمَ حَرَامٌ لِنَجَاسَتِهِ لِمَا تَلَوْنَا، وَهُوَ غَيْرُ مُتَمَيِّزٍ مِنْ اللَّحْمِ، وَإِنَّمَا يَتَمَيَّزُ بِالذَّكَاةِ فَلَا بُدَّ مِنْهَا لِيَتَمَيَّزَ النَّجِسُ مِنْ الطَّاهِرِ، وَلَا يَلْزَمُ الْجَرَادُ وَالسَّمَكُ لِأَنَّ حِلَّهُمَا بِلَا ذَبْحٍ ثَبَتَ بِالنَّصِّ. وَكَمَا يَثْبُتُ بِالذَّبْحِ الْحِلُّ فِي الْمَأْكُولِ يَثْبُتُ بِهِ الطَّهَارَةُ فِي غَيْرِهِ، لِأَنَّ الذَّكَاةَ تُنْبِئُ عَنْ الطَّهَارَةِ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ذَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا» يَعْنِي أَنَّهَا إذَا يَبِسَتْ مِنْ رُطُوبَةِ النَّجَاسَةِ طَهُرَتْ وَطَابَتْ كَمَا أَنَّ الذَّبِيحَةَ بِالذَّكَاةِ تَطْهُرُ وَتَطِيبُ (وَهِيَ) يَعْنِي الذَّكَاةَ (اخْتِيَارِيَّةٌ كَالْجُرْحِ فِيمَا بَيْنَ اللَّبَّةِ) وَهِيَ الصَّدْرُ وَاللَّحْيَانِ، وَاضْطِرَارِيَّةٌ وَهُوَ الْجُرْحُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ مِنْ الْبَدَنِ. قَوْلُهُ (وَالثَّانِي كَالْبَدَلِ عَنْ الْأَوَّلِ) وَاضِحٌ، وَإِنَّمَا قَالَ كَالْبَدَلِ لِأَنَّ الْأَبْدَالَ تُعْرَفُ بِالنَّصِّ وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ، وَقَدْ وُجِدَتْ أَمَارَةُ الْبَدَلِيَّةِ فَقَالَ كَالْبَدَلِ (وَمِنْ شَرْطِهِ)

خَارِجَ الْحَرَمِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ (وَذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ وَالْكِتَابِيِّ حَلَالٌ) لِمَا تَلَوْنَا. وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] وَيَحِلُّ إذَا كَانَ يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ وَالذَّبِيحَةَ وَيَضْبِطُ وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ امْرَأَةً، أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَضْبِطُ وَلَا يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ وَالذَّبِيحَةَ لَا تَحِلُّ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ شَرْطٌ بِالنَّصِّ وَذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ وَمِنْ شَرْطِ الذَّبْحِ أَنْ يَكُونَ الذَّابِحُ صَاحِبَ مِلَّةِ التَّوْحِيدِ، إمَّا اعْتِقَادًا كَالْمُسْلِمِ، أَوْ دَعْوَى كَالْكِتَابِيِّ فَإِنَّهُ يَدَّعِي مِلَّةَ التَّوْحِيدِ، وَإِنَّمَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ إذَا لَمْ يَذْكُرْ وَقْتَ الذَّبْحِ اسْمَ عُزَيْرٍ وَالْمَسِيحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} [البقرة: 173] وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ حَلَالًا خَارِجَ الْحَرَمِ كَمَا سَيَجِيءُ. قَالَ (وَذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ وَالْكِتَابِيِّ حَلَالٌ إلَخْ) ذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ وَالْكِتَابِيِّ ذِمِّيًّا كَانَ أَوْ حَرْبِيًّا حَلَالٌ إذَا أَتَى بِهِ مَذْبُوحًا، وَأَمَّا إذَا ذَبَحَ بِالْحُضُورِ فَلَا بُدَّ مِنْ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ أَنْ لَا يَذْكُرَ غَيْرَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى (وَقَوْلُهُ لِمَا تَلَوْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْله تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وَلَمَّا اسْتَشْعَرَ أَنْ يُقَالَ {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] عَامٌّ مَخْصُوصٌ لِخُرُوجِ الْوَثَنِيِّ وَالْمُرْتَدِّ وَالْمَجُوسِيِّ فَلَا يَكُونُ قَاطِعًا فِي الْإِفَادَةِ ضَمَّ إلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: طَعَامُهُمْ ذَبَائِحُهُمْ. وَاسْتَدَلَّ بَعْضُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالذِّكْرِ فَائِدَةٌ، فَإِنَّ الْمَجُوسِيَّ إذَا اصْطَادَ سَمَكَةً حَلَّ أَكْلُهَا: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ التَّخْصِيصَ بِاسْمِ الْعَلَمِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَاهُ (وَيَحِلُّ إذَا كَانَ الذَّابِحُ يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ) قِيلَ يَعْنِي يَعْقِلُ لَفْظَ التَّسْمِيَةِ، وَقِيلَ يَعْقِلُ أَنَّ حِلَّ الذَّبِيحَةِ بِالتَّسْمِيَةِ (وَالذَّبِيحَةُ) يَعْنِي يَقْدِرُ عَلَى الذَّبْحِ وَيَضْبِطُهُ: أَيْ يَعْلَمُ شَرَائِطَ الذَّبْحِ مِنْ فَرْيِ الْأَوْدَاجِ وَالْحُلْقُومِ (وَإِنْ كَانَ) أَيْ الذَّابِحُ (صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ مَعْتُوهًا، لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَا قَصْدَ لَهُ وَلَا بُدَّ مِنْهُ، لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ شَرْطٌ بِالنَّصِّ وَهِيَ بِالْقَصْدِ، وَصِحَّةُ الْقَصْدِ بِمَا ذَكَرْنَا: يَعْنِي قَوْلَهُ إذَا كَانَ يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ وَالذَّبِيحَةَ وَيَضْبِطُهُ، وَالْأَقْلَفُ وَالْمَخْتُونُ سَوَاءٌ لِمَا ذَكَرْنَا. قِيلَ أَرَادَ الْآيَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ عَادَتَهُ فِي مِثْلِهِ لِمَا تَلَوْنَا. وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ قَوْلَهُ لِأَنَّ حِلَّ الذَّبِيحَةِ يَعْتَمِدُ الْمِلَّةَ وَهَذَا لَيْسَ بِمَذْكُورٍ فِي الْكِتَابِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ إشَارَةً إلَى الْآيَةِ وَإِلَى قَوْلِهِ وَلِأَنَّ بِهِ يَتَمَيَّزُ الدَّمُ النَّجِسُ مِنْ اللَّحْمِ الطَّاهِرِ وَعَادَتُهُ فِي مِثْلِهِ ذَلِكَ. قِيلَ إنَّمَا ذَكَرَ الْأَقْلَفَ

بِالْقَصْدِ. وَصِحَّةُ الْقَصْدِ بِمَا ذَكَرْنَا. وَالْأَقْلَفُ وَالْمَخْتُونُ سَوَاءٌ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِطْلَاقُ الْكِتَابِيِّ يَنْتَظِمُ الْكِتَابِيَّ وَالذِّمِّيَّ وَالْحَرْبِيَّ وَالْعَرَبِيَّ وَالتَّغْلِبِيَّ، لِأَنَّ الشَّرْطَ قِيَامُ الْمِلَّةِ عَلَى مَا مَرَّ. قَالَ (وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الْمَجُوسِيِّ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ غَيْرَ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ وَلَا آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ» وَلِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي التَّوْحِيدَ فَانْعَدَمَتْ الْمِلَّةُ اعْتِقَادًا وَدَعْوَى. قَالَ (وَالْمُرْتَدِّ) لِأَنَّهُ لَا مِلَّةَ لَهُ. فَإِنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَى مَا انْتَقَلَ إلَيْهِ، بِخِلَافِ الْكِتَابِيِّ إذَا تَحَوَّلَ إلَى غَيْرِ دِينِهِ لِأَنَّهُ يُقِرُّ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فَيُعْتَبَرُ مَا هُوَ عَلَيْهِ عِنْدَ الذَّبْحِ لَا مَا قَبْلَهُ. قَالَ (وَالْوَثَنِيِّ) لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ الْمِلَّةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQاحْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَإِنَّهُ يَقُولُ: شَهَادَةُ الْأَقْلَفِ وَذَبِيحَتُهُ لَا تَجُوزُ. وَقَوْلُهُ وَإِطْلَاقُ الْكِتَابِ يَنْتَظِمُ كَذَا ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الشَّرْطَ قِيَامُ الْمِلَّةِ) فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ وُجُودَ الشَّرْطِ لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْمَشْرُوطِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ، وَقَوْلُهُ (وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الْمَجُوسِيِّ) وَاضِحٌ. قَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْكِتَابِيِّ إذَا تَحَوَّلَ إلَى غَيْرِ دِينِهِ) يُرِيد بِهِ مِنْ

قَالَ (وَالْمُحَرَّمُ) يَعْنِي مِنْ الصَّيْدِ (وَكَذَا لَا يُؤْكَلُ مَا ذُبِحَ فِي الْحَرَمِ مِنْ الصَّيْدِ) وَالْإِطْلَاقُ فِي الْمُحَرَّمِ يَنْتَظِمُ الْحِلَّ وَالْحَرَمَ، وَالذَّبْحُ فِي الْحَرَمِ يَسْتَوِي فِيهِ الْحَلَالُ وَالْمُحْرِمُ، وَهَذَا لِأَنَّ الذَّكَاةَ فِعْلٌ مَشْرُوعٌ وَهَذَا الصَّنِيعُ مُحَرَّمٌ فَلَمْ تَكُنْ ذَكَاةً، بِخِلَافِ مَا إذَا ذَبَحَ الْمُحْرِمُ غَيْرَ الصَّيْدِ أَوْ ذَبَحَ فِي الْحَرَمِ غَيْرَ الصَّيْدِ صَحَّ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مَشْرُوعٌ، إذْ الْحَرَمُ لَا يُؤَمِّنُ الشَّاةَ، وَكَذَا لَا يَحْرُمُ ذَبْحُهُ عَلَى الْمُحْرِمُ. قَالَ (وَإِنْ تَرَكَ الذَّابِحُ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا فَالذَّبِيحَةُ مَيْتَةٌ لَا تُؤْكَلُ وَإِنْ تَرَكَهَا نَاسِيًا أُكِلَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أُكِلَ فِي الْوَجْهَيْنِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُؤْكَلُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَالْمُسْلِمُ وَالْكِتَابِيُّ فِي تَرْكُ التَّسْمِيَةُ سَوَاءٌ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ إرْسَالِ الْبَازِي وَالْكَلْبِ، وَعِنْدَ الرَّمْيِ، وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ الشَّافِعِيِّ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَهُ فِي حُرْمَةِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ نَاسِيًا. فَمِنْ مَذْهَبِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ يَحْرُمُ، وَمِنْ مَذْهَبِ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُ يَحِلُّ، بِخِلَافِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالْمَشَايِخُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: إنَّ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَدْيَانِ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَمَّا إذَا تَمَجَّسَ فَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ. قَالَ (وَإِنْ تَرَكَ الذَّابِحُ التَّسْمِيَةَ إلَخْ) إنْ تَرَكَ الذَّابِحُ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ الذَّبْحِ اخْتِيَارِيًّا كَانَ أَوْ اضْطِرَارِيًّا عَامِدًا كَانَ أَوْ نَاسِيًا: قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِشُمُولِ الْجَوَازِ وَمَالِكٍ بِشُمُولِ الْعَدَمِ. وَعُلَمَاؤُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فَصَّلُوا، إنْ تَرَكَهَا عَامِدًا فَالذَّبِيحَةُ مَيْتَةٌ لَا تُؤْكَلُ، وَإِنْ تَرَكَهَا نَاسِيًا أُكِلَ اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

عَامِدًا لَا يَسَعُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ، وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِهِ لَا يَنْفُذُ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ، لَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُسْلِمُ يَذْبَحُ عَلَى اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى سَمَّى أَوْ لَمْ يُسَمِّ» وَلِأَنَّ التَّسْمِيَةَ لَوْ كَانَتْ شَرْطًا لِلْحِلِّ لَمَا سَقَطَتْ بِعُذْرِ النِّسْيَانِ كَالطَّاهِرَةِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ، وَلَوْ كَانَتْ شَرْطًا فَالْمِلَّةُ أُقِيمَتْ مَقَامَهَا كَمَا فِي النَّاسِي، وَلَنَا الْكِتَابُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] الْآيَةَ، نَهْيٌ وَهُوَ لِلتَّحْرِيمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ «الْمُسْلِمُ يَذْبَحُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى سَمَّى أَوْ لَمْ يُسَمِّ» سَوَّى بَيْنَ التَّسْمِيَةِ وَعَدَمِهَا وَالشَّرْطُ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ، وَبِأَنَّ التَّسْمِيَةَ لَوْ كَانَتْ شَرْطًا لِلْحِلِّ لَمَا سَقَطَتْ بِعُذْرِ النِّسْيَانِ، كَالطَّهَارَةِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا لَمَّا كَانَتْ شَرْطًا لَمْ تَجُزْ صَلَاةُ مَنْ نَسِيَ الطَّهَارَةَ لَكِنَّهَا سَقَطَتْ بِعُذْرِ النِّسْيَانِ سَلَّمْنَا أَنَّهَا شَرْطٌ لَكِنَّ الْمِلَّةَ أُقِيمَتْ مَقَامَهَا كَمَا فِي النَّاسِي. وَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ النِّسْيَانِ دَفْعًا لِلتَّعَارُضِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ وَعَنْ الِاسْتِدْلَالِ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ الْمُلَازَمَةَ فَإِنَّهَا تُفْضِي إلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالنِّسْيَانِ وَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالنِّسْيَانِ مَعْهُودَةٌ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَى النَّاسِي هَيْئَةٌ مَذْكُورَةٌ كَالْأَكْلِ فِي الصَّلَاةِ وَالْجِمَاعِ فِي الْإِحْرَامِ، وَهَاهُنَا إنْ لَمْ تَكُنْ هَيْئَةٌ تُوجِبُ النِّسْيَانَ وَهِيَ مَا يَحْصُلُ لِلذَّابِحِ عِنْدَ زَهُوقِ رُوحِ حَيَوَانٍ مِنْ تَغَيُّرِ الْحَالِ فَلَيْسَ هَيْئَةٌ مُذْكَرَةٌ بِمَوْجُودَةٍ، وَلِمَانِعِ أَنْ يَمْنَعَ بُطْلَانَ التَّالِي أَيْضًا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَنْ التَّنَزُّلِ بِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ: يَعْنِي أَنَّ إقَامَةَ الْمِلَّةِ مَقَامَ التَّسْمِيَةِ فِي حَقِّ النَّاسِي وَهُوَ مَعْذُورٌ لَا يَدُلُّ فِي حَقِّ الْعَامِدِ وَلَا عُذْرَ لَهُ، وَأَمَّا مَا شَنَّعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِكَوْنِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ فَوَاضِحٌ. وَاسْتَدَلَّ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] فَإِنَّ فِيهِ النَّهْيَ بِأَبْلَغِ وَجْهٍ، وَهُوَ تَأْكِيدُهُ بِمِنْ الِاسْتِغْرَاقِيَّةِ عَنْ أَكْلِ مَتْرُوك التَّسْمِيَةِ، وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَقْتَضِي الْحُرْمَةَ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَهُوَ أَقْرَبُ لَا مَحَالَةَ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ غَيْرُ مُجْرًى عَلَى ظَاهِرِهِ، إذْ لَوْ أُرِيدَ بِهِ لَجَرَتْ الْمُحَاجَّةُ وَظَهَرَ الِانْقِيَاد وَارْتَفَعَ الْخِلَاف فِي الصَّدْر الْأَوَّل، لِأَنَّ ظَاهِر مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ لَا يَخْفَى عَلَى أَهْلِ اللِّسَانِ، وَفِي ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ الْحَرَجِ مَا لَا يَخْفَى، إذْ الْإِنْسَانُ كَثِيرُ النِّسْيَانِ، وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] فَيُحْمَلُ عَلَى حَالَةِ الْعَمْدِ دَفْعًا لِلتَّعَارُضِ. وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] . وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ السَّلَفَ أَجْمَعُوا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الذِّكْرُ حَالَ الذَّبْحِ لَا غَيْرُ، وَصِلَةُ عَلَى تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ يُقَالُ ذَكَرَ عَلَيْهِ إذَا ذَكَرَ بِاللِّسَانِ، وَذَكَرَهُ إذَا ذَكَرَ بِالْقَلْبِ. وَقَوْلُهُ {وَلا تَأْكُلُوا} [الأنعام: 121] عَامٌّ مُؤَكَّدٌ بِمِنْ الِاسْتِغْرَاقِيَّةِ الَّتِي تُفِيدُ التَّأْكِيدَ، وَتَأْكِيدُ

وَالْإِجْمَاعُ وَهُوَ مَا بَيَّنَّا. وَالسُّنَّةُ وَهُوَ حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ فِي آخِرِهِ «فَإِنَّك إنَّمَا سَمَّيْت عَلَى كَلْبِك وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى كَلْبِ غَيْرِك» عَلَّلَ الْحُرْمَةَ بِتَرْكِ التَّسْمِيَةِ. وَمَالِكٌ يَحْتَجُّ بِظَاهِرِ مَا ذَكَرْنَا، إذْ لَا فَصْلَ فِيهِ وَلَكِنَّا نَقُولُ: فِي اعْتِبَارِ ذَلِكَ مِنْ الْحَرَجِ مَا لَا يَخْفَى، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ كَثِيرُ النِّسْيَانِ وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ وَالسَّمْعُ غَيْرُ مُجْرًى عَلَى ظَاهِرِهِ، إذْ لَوْ أُرِيدَ بِهِ لَجَرَتْ الْمُحَاجَّةُ وَظَهَرَ الِانْقِيَادُ وَارْتَفَعَ الْخِلَافُ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلُ. وَالْإِقَامَةُ فِي حَقِّ النَّاسِي وَهُوَ مَعْذُورٌ لَا يَدُلُّ عَلَيْهَا فِي حَقِّ الْعَامِدِ وَلَا عُذْرَ، وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ النِّسْيَانِ ثُمَّ التَّسْمِيَةُ فِي ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ تُشْتَرَطُ عِنْدَ الذَّبْحِ وَهِيَ عَلَى الْمَذْبُوحِ. وَفِي الصَّيْدِ تُشْتَرَطُ عِنْدَ الْإِرْسَالِ وَالرَّمْيِ وَهِيَ عَلَى الْآلَةِ، لِأَنَّ الْمَقْدُورَ لَهُ فِي الْأَوَّلِ الذَّبْحُ وَفِي الثَّانِي الرَّمْيُ وَالْإِرْسَالُ دُونَ الْإِصَابَةِ فَتُشْتَرَطُ عِنْدَ فِعْلٍ يَقْدِرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَامِّ يَنْفِي احْتِمَالَ الْخُصُوصِ فَهُوَ غَيْرُ مُحْتَمِلٍ لِلتَّخْصِيصِ فَيَعُمُّ كُلَّ مَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ حَالَ الذَّبْحِ عَامِدًا كَانَ أَوْ نَاسِيًا، إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ النَّاسِيَ ذَاكِرًا لِعُذْرٍ كَانَ مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ النِّسْيَانُ فَإِنَّهُ مِنْ الشَّرْعِ بِإِقَامَةِ الْمِلَّةِ مَقَامَ الذِّكْرِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ، كَمَا أَقَامَ الْأَكْلَ نَاسِيًا مَقَامَ الْإِمْسَاكِ فِي الصَّوْمِ لِذَلِكَ، وَمَجَالُ الْكَلَامِ فِي الْآيَةِ وَاسِعٌ، وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ وَفِي الْأَنْوَارِ وَالتَّقْرِيرِ (وَالْإِجْمَاعُ وَهُوَ مَا بَيَّنَّاهُ) يُرِيدُ بِهِ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّشْنِيعِ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَهُ فِي حُرْمَةِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ نَاسِيًا إلَخْ (وَالسُّنَّةُ) وَهُوَ حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ. «فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ سَأَلَهُ عَدِيٌّ عَمَّا إذَا وَجَدَ مَعَ كَلْبِهِ كَلْبًا آخَرَ قَالَ لَا تَأْكُلْ فَإِنَّك إنَّمَا سَمَّيْت عَلَى كَلْبِك وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى كَلْبِ غَيْرِك» عَلَّلَ الْحُرْمَةَ بِتَرْكِ التَّسْمِيَةِ وَالْمُسْلِمُ وَالْكِتَابِيُّ فِي تَرْكِ التَّسْمِيَةِ سَوَاءٌ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ إرْسَالِ الْبَازِي وَالْكَلْبِ وَعِنْدَ الرَّمْيِ لَكِنَّهَا فِي ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ تُشْتَرَطُ عِنْدَ الذَّبْحِ وَهِيَ عَلَى الْمَذْبُوحِ، وَفِي الصَّيْدِ تُشْتَرَطُ عِنْدَ الْإِرْسَالِ وَالرَّمْيِ وَهِيَ عَلَى الْآلَةِ لِأَنَّ الطَّاعَةَ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ، وَالْمَقْدُورُ لَهُ فِي الْأَوَّلِ الذَّبْحُ، وَفِي الثَّانِي الرَّمْيُ وَالْإِرْسَالُ، وَقَدْ فَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ تَفْرِيعَاتٍ وَهِيَ وَاضِحَةٌ.

عَلَيْهِ، حَتَّى إذَا أَضْجَعَ شَاةً وَسَمَّى فَذَبَحَ غَيْرَهَا بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ لَا يَجُوزُ. وَلَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ وَسَمَّى وَأَصَابَ غَيْرَهُ حَلَّ، وَكَذَا فِي الْإِرْسَالِ، وَلَوْ أَضْجَعَ شَاةً وَسَمَّى ثُمَّ رَمَى بِالشَّفْرَةِ وَذَبَحَ بِالْأُخْرَى أُكِلَ، وَلَوْ سَمَّى عَلَى سَهْمٍ ثُمَّ رَمَى بِغَيْرِهِ صَيْدًا لَا يُؤْكَلُ. قَالَ (وَيُكْرَهُ أَنْ يَذْكُرَ مَعَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى شَيْئًا غَيْرَهُ. وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ الذَّبْحِ: اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ فُلَانٍ) وَهَذِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا أَنْ يَذْكُرَ مَوْصُولًا لَا مَعْطُوفًا فَيُكْرَهُ وَلَا تَحْرُمُ الذَّبِيحَةُ. وَهُوَ الْمُرَادُ بِمَا قَالَ. وَنَظِيرُهُ أَنْ يَقُولَ: بِاسْمِ اللَّهِ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ. لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَمْ تُوجَدْ فَلَمْ يَكُنْ الذَّبْحُ وَاقِعًا لَهُ. إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِوُجُودِ الْقُرْآنِ صُورَةً فَيُتَصَوَّرُ بِصُورَةِ الْمُحَرَّمِ. وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَذْكُرَ مَوْصُولًا عَلَى وَجْهِ الْعَطْفِ وَالشَّرِكَةِ بِأَنْ يَقُولَ: بِاسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ فُلَانٍ، أَوْ يَقُولَ: بِاسْمِ اللَّهِ وَفُلَانٍ. أَوْ بِاسْمِ اللَّهِ وَمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ بِكَسْرِ الدَّالِ فَتَحْرُمُ الذَّبِيحَةُ لِأَنَّهُ أَهَلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ. وَالثَّالِثَةُ أَنْ يَقُولَ مَفْصُولًا عَنْهُ صُورَةً وَمَعْنًى بِأَنْ يَقُولَ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ وَقَبْلَ أَنْ يُضْجِعَ الذَّبِيحَةَ أَوْ بَعْدَهُ، وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ الذَّبْحِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ هَذِهِ عَنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ مِمَّنْ شَهِدَ لَكَ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَلِي بِالْبَلَاغِ» وَالشَّرْطُ هُوَ الذِّكْرُ الْخَالِصُ الْمُجَرَّدُ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَرِّدُوا التَّسْمِيَةَ حَتَّى لَوْ قَالَ عِنْدَ الذَّبْحِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَسُؤَالٌ، وَلَوْ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ يُرِيدُ التَّسْمِيَةَ حَلَّ، وَلَوْ عَطَسَ عِنْدَ الذَّبْحِ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا يَحِلُّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. لِأَنَّهُ يُرِيدُ بِهِ الْحَمْدَ عَلَى نِعَمِهِ دُونَ التَّسْمِيَةِ. وَمَا تَدَاوَلَتْهُ الْأَلْسُنُ عِنْدَ الذَّبْحِ وَهُوَ قَوْلُهُ بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ مَنْقُولٌ عَنْ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي قَوْله تَعَالَى {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] قَالَ (وَالذَّبْحُ بَيْنَ الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ) وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: لَا بَأْسَ بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْقِ كُلِّهِ وَسَطِهِ وَأَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الذَّكَاةُ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَيُكْرَهُ أَنْ يَذْكُرَ مَعَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى شَيْئًا غَيْرَهُ إلَخْ) الْمَسَائِلُ الْمَذْكُورَةُ ظَاهِرَةٌ وَقَوْلُهُ (وَمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ بِكَسْرِ الدَّالِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ غَيْرَ مَكْسُورٍ لَا يَحْرُمُ، قِيلَ هَذَا إذَا كَانَ يَعْرِفُ النَّحْوَ. وَقَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ: إنْ خَفَضَهُ لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ يَصِيرُ ذَابِحًا بِهِمَا، وَإِنْ رَفَعَهُ حَلَّ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ، وَإِنْ نَصَبَهُ اخْتَلَفُوا فِيهِ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى قِيَاسِ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ لَا يَرَى الْخَطَأَ فِي النَّحْوِ مُعْتَبَرًا فِي بَابِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا لَا يَحْرُمُ وَقَوْلُهُ (حَتَّى لَوْ قَالَ عِنْدَ الذَّبْحِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَدَّمَهُ أَوْ أَخَّرَهُ لَا بَأْسَ بِهِ (وَلَوْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ يُرِيدُ التَّسْمِيَةَ حَلَّ بِلَا خِلَافٍ) وَالْفَرْقُ لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ التَّكْبِيرِ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ هَاهُنَا الذِّكْرُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] : أَيْ قَائِمَاتٍ صَفَفْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَأَرْجُلَهُنَّ وَهُنَاكَ التَّكْبِيرُ، وَبِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ لَا يَكُونُ مُكَبِّرًا (وَلَوْ عَطَسَ عِنْدَ الذَّبْحِ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا يَحِلُّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْخَطِيبِ وَإِذَا عَطَسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ بِذَلِكَ الْقَدْرِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ هُنَاكَ ذِكْرُ اللَّهِ مُطْلَقًا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] وَهَاهُنَا الذِّكْرُ عَلَى الذَّبْحِ (وَالذَّبْحُ بَيْنَ الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: لَا بَأْسَ بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْقِ كُلِّهِ وَسَطَهُ وَأَعْلَاهُ وَأَسْفَلَهُ) وَأَتَى بِلَفْظِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِأَنَّ

وَاللَّحْيَيْنِ» ، وَلِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْمَجْرَى وَالْعُرُوقِ فَيَحْصُلُ بِالْفِعْلِ فِيهِ إنْهَارُ الدَّمِ عَلَى أَبْلَغِ الْوُجُوهِ فَكَانَ حُكْمُ الْكُلِّ سَوَاءً. قَالَ (وَالْعُرُوقُ الَّتِي تُقْطَعُ فِي الذَّكَاةِ أَرْبَعَةٌ: الْحُلْقُومُ، وَالْمَرِيءُ، وَالْوَدَجَانِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْرِ الْأَوْدَاجَ بِمَا شِئْت» . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ بَيَانًا لَيْسَ فِي رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ فِي رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ الذَّبْحَ بَيْنَ الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا مَذْبَحٌ غَيْرُهُمَا، فَيُحْمَلُ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الذَّكَاةُ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ» وَهُوَ يَقْتَضِي جَوَازَ الذَّبْحِ فَوْقَ الْحَلْقِ قَبْلَ الْعُقْدَةِ، لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْعُقْدَةِ فَهُوَ بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ، وَهُوَ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ لِلْإِمَامِ الرُّسْتُغْفَنِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي حِلِّ مَا بَقِيَ عُقْدَةُ الْحُلْقُومِ مِمَّا يَلِي الصَّدْرَ. وَرِوَايَةُ الْمَبْسُوطِ أَيْضًا تُسَاعِدُهُ، وَلَكِنْ صَرَّحَ فِي ذَبَائِحِ الذَّخِيرَةِ أَنَّ الذَّبْحَ إذَا وَقَعَ أَعْلَى مِنْ الْحُلْقُومِ لَا يَحِلُّ، وَكَذَلِكَ فِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ لِأَنَّهُ ذَبَحَ فِي غَيْرِ الْمَذْبَحِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ كَمَا تَرَى، وَلِأَنَّ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ مَجْمَعُ الْعُرُوقِ وَالْمَجْرَى فَيَحْصُلُ بِالْفِعْلِ فِيهِ إنْهَارُ الدَّمِ عَلَى أَبْلَغِ الْوُجُوهِ، وَكَانَ حُكْمُ الْكُلِّ سَوَاءً، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْعُقْدَةِ. قَالَ (وَالْعُرُوقُ الَّتِي تُقْطَعُ فِي الذَّكَاةِ إلَخْ) الْعُرُوقُ الَّتِي تُقْطَعُ فِي الذَّكَاةِ أَرْبَعَةٌ: الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ، وَالْوَدَجَانِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي اشْتِرَاطِ مَا يُقْطَعُ مِنْهَا لِلْحِلِّ؛ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى الِاكْتِفَاءِ بِالْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ: وَذَهَبَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى اشْتِرَاطِ قَطْعِ جَمِيعِهَا، وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى اشْتِرَاطِ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَأَحَدِ الْوَدَجَيْنِ رَجَعَ إلَيْهِ بَعْدَمَا كَانَ قَوْلُهُ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ كَمَا نَذْكُرُهُ. وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَيْضًا. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَحْدَهُ. وَذُكِرَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ أَكْثَرَ كُلِّ فَرْدٍ مِنْهَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَقَدْ اكْتَفَى بِقَطْعِ الثَّلَاثِ أَيُّهَا كَانَتْ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، وَإِنْ قَطَعَ الْجَمِيعُ فَهُوَ أَوْلَى وَهُوَ وَجْهٌ رَابِعٌ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْرِ الْأَوْدَاجَ بِمَا شِئْت» وَالْفَرْيُ: الْقَطْعُ لِلْإِصْلَاحِ، وَالْإِفْرَاءُ: الْقَطْعُ لِلْإِفْسَادِ فَيَكُونُ كَسْرُ الْهَمْزَةِ أَنْسَبَ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْدَ هَذَا لِوُرُودِ الْأَمْرِ بِفَرْيِهِ. احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّهُ جَمَعَ الْأَوْدَاجَ وَمَا ثَمَّةَ إلَّا الْوَدَجَانِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا مَا يَحْصُلُ بِهِ زُهُوقُ الرُّوحِ وَهُوَ بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ، لِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يَعِيشُ بَعْدَ قَطْعِهِمَا، وَهُوَ ضَعِيفٌ لَفْظًا وَمَعْنًى. أَمَّا لَفْظًا فَلِأَنَّ الْأَوْدَاجَ لَا دَلَالَةَ لَهَا عَلَى الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ أَصْلًا. وَأَمَّا مَعْنًى فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ إسَالَةُ الدَّمِ

وَهِيَ اسْمُ جَمْعٍ وَأَقَلُّهُ الثَّلَاثُ فَيَتَنَاوَلُ الْمَرِيءَ وَالْوَدَجَيْنِ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَطْعُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ إلَّا بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ فَيَثْبُتُ قَطْعُ الْحُلْقُومِ بِاقْتِضَائِهِ، وَبِظَاهِرِ مَا ذَكَرْنَا يَحْتَجُّ مَالِكٌ وَلَا يُجَوِّزُ الْأَكْثَرَ مِنْهَا بَلْ يَشْتَرِطُ قَطْعَ جَمِيعِهَا (وَعِنْدَنَا إنْ قَطَعَهَا حَلَّ الْأَكْلُ، وَإِنْ قَطَعَ أَكْثَرَهَا فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَقَالَا: لَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَأَحَدِ الْوَدَجَيْنِ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَكَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ الِاخْتِلَافَ فِي مُخْتَصَرِهِ. وَالْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَحْدَهُ. وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إنْ قَطَعَ نِصْفَ الْحُلْقُومِ وَنِصْفَ الْأَوْدَاجِ لَمْ يُؤْكَلْ. وَإِنْ قَطَعَ أَكْثَرَ الْأَوْدَاجِ وَالْحُلْقُومَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ أُكِلَ. وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا فَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِيهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا قَطَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّجِسِ، وَهُوَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِقَطْعِ مَجْرَاهُ، وَاحْتَجَّ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِظَاهِرِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ وَبِمَا يَقْتَضِيهِ، فَإِنَّ الْأَوْدَاجَ جَمْعٌ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثٌ فَيَتَنَاوَلُ الْمَرِيءَ وَالْوَدَجَيْنِ، وَقَطْعُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ بِدُونِ قَطْعِ الْحُلْقُومِ مُتَعَذِّرٌ فَثَبَتَ قَطْعُ الْحُلْقُومِ بِالِاقْتِضَاءِ، وَجَوَابُهُ سَيَجِيءُ. وَاحْتَجَّ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ قَطْعِ الْوَدَجَيْنِ إنْهَارُ الدَّمِ فَيَنُوبُ أَحَدُهُمَا مَنَابَ الْآخَرِ، إذَا كُلٌّ مِنْهُمَا مَجْرَى الدَّمِ، أَمَّا الْحُلْقُومُ فَيُخَالِفُ الْمَرِيءَ، فَإِنَّ الْمَرِيءَ مَجْرَى الْعَلَفِ وَالْمَاءِ وَالْحُلْقُومُ مَجْرَى النَّفَسِ. وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْعَكْسِ، وَلَيْسَ يُجِيدُ فَلَا بُدَّ مِنْ قَطْعِهِمَا وَهُوَ قَرِيبٌ، وَجَوَابُهُ سَيَجِيءُ. وَاحْتَجَّ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّ كُلَّ فَرْدٍ مِنْهَا أَصْلٌ بِنَفْسِهِ لِانْفِصَالِهِ عَنْ غَيْرِهِ وَلِوُرُودِ الْأَمْرِ بِفَرْيِهِ، وَالْأَكْثَرُ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ فَيُعْتَبَرُ أَكْثَرُ كُلٍّ مِنْ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ وَهُوَ أَقْرَبُ كَمَا تَرَى. وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّ الْأَكْثَرَ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَأَيُّ ثَلَاثٍ قَطَعَهَا فَقَدْ قَطَعَ الْأَكْثَرَ مِنْهَا وَمَا هُوَ الْمَقْصُودُ يَحْصُلُ بِهَا

الثَّلَاثَ: أَيَّ ثَلَاثٍ كَانَ يَحِلُّ، وَبِهِ كَانَ يَقُولُ أَبُو يُوسُفَ أَوَّلًا ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذَكَرْنَا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ أَكْثَرَ كُلِّ فَرْدٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لِأَنَّ كُلَّ فَرْدٍ مِنْهَا أَصْلٌ بِنَفْسِهِ لِانْفِصَالِهِ عَنْ غَيْرِهِ وَلِوُرُودِ الْأَمْرِ بِفَرْيِهِ فَيُعْتَبَرُ أَكْثَرُ كُلِّ فَرْدٍ مِنْهَا. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ قَطْعِ الْوَدَجَيْنِ إنْهَارُ الدَّمِ فَيَنُوبُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ، إذْ كُلُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَجْرَى الدَّمِ. أَمَّا الْحُلْقُومُ فَيُخَالِفُ الْمَرِيءَ فَإِنَّهُ مَجْرَى الْعَلَفِ وَالْمَاءِ، وَالْمَرِيءُ مَجْرَى النَّفَسِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَطْعِهِمَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَكْثَرَ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَأَيَّ ثَلَاثٍ قَطَعَهَا فَقَدْ قَطَعَ الْأَكْثَرَ مِنْهَا وَمَا هُوَ الْمَقْصُودُ يَحْصُلُ بِهَا هُوَ إنْهَارُ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ وَالتَّوْحِيَةُ فِي إخْرَاجِ الرُّوحِ، لِأَنَّهُ لَا يَحْيَا بَعْدَ قَطْعِ مَجْرَى النَّفَسِ أَوْ الطَّعَامِ، وَيَخْرُجُ الدَّمُ بِقَطْعِ أَحَدِ الْوَدَجَيْنِ فَيُكْتَفَى بِهِ تَحَرُّزًا عَنْ زِيَادَةِ التَّعْذِيبِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ النِّصْفَ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ بَاقٍ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقْطَعْ شَيْئًا احْتِيَاطًا لِجَانِبِ الْحُرْمَةِ. قَالَ (وَيَجُوزُ الذَّبْحُ بِالظُّفْرِ وَالسِّنِّ وَالْقَرْنِ إذَا كَانَ مَنْزُوعًا حَتَّى لَا يَكُونَ بِأَكْلِهِ بَأْسٌ، إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ هَذَا الذَّبْحُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ إنْهَارُ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ وَالتَّوْحِيَةُ: أَيْ التَّعْجِيلُ فِي إخْرَاجِ الرُّوحِ، لِأَنَّهُ لَا يَحْيَا بَعْدَ قَطْعِ مَجْرَى النَّفَسِ أَوْ الطَّعَامِ. وَبِهَذَا يَحْصُلُ جَوَابُ أَبِي يُوسُفَ، وَبِقَوْلِهِ (وَيَخْرُجُ الدَّمُ بِقَطْعِ أَحَدِ الْوَدَجَيْنِ فَيُكْتَفَى بِهِ تَحَرُّزًا عَنْ زِيَادَةِ التَّعْذِيبِ) جَوَابُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُقَالُ: الْأَوْدَاجُ جَمْعٌ دَخَلَ عَلَيْهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ وَلَيْسَ ثَمَّةَ مَعْهُودٌ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْوَاحِدِ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ} [الأحزاب: 52] لِأَنَّ مَا تَحْتَهُ لَيْسَ أَفْرَادَهُ حَقِيقَةً وَالِانْصِرَافُ إلَى الْجِنْسِ فِيمَا يَكُونُ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ النِّصْفَ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ بَاقٍ) قِيلَ: يَعْنِي أَكْثَرَ الْمُرَخَّصِ فِيهِ وَهُوَ الثَّلَاثَةُ، فَإِنَّ الِاثْنَيْنِ لَمَّا كَانَا بَاقِيَيْنِ كَانَ أَكْثَرُ الْمُرَخَّصِ بَاقِيًا فَلَا يَحِلُّ. وَقِيلَ لَمَّا كَانَ جَانِبُ الْحُرْمَةِ مُرَجَّحًا كَانَ لِلنِّصْفِ الْبَاقِي حُكْمُ الْأَكْثَرِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقْطَعْ شَيْئًا وَرُبَّمَا لَوَّحَ إلَى هَذَا بِقَوْلِهِ احْتِيَاطًا لِجَانِبِ الْحُرْمَةِ. قَالَ (وَيَجُوزُ الذَّبْحُ بِالظُّفْرِ وَالْقَرْنِ وَالسِّنِّ إلَخْ) الذَّبْحُ بِالظُّفْرِ وَالْقَرْنِ وَالسِّنِّ الْمَنْزُوعَةِ جَائِزٌ مَكْرُوهٌ، وَأَكْلُ الذَّبِيحِ بِهَا لَا بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هُوَ مَيْتَةٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَأَفْرَى الْأَوْدَاجَ مَا خَلَا الظُّفْرَ وَالسِّنَّ فَإِنَّهُمَا مُدَى الْحَبَشَةِ» اسْتَثْنَاهُمَا بِالْإِطْلَاقِ عَمَّا يَجُوزُ أَكْلُهُ فَيَتَنَاوَلُ الْحُرْمَةَ بِالْمَنْزُوعِ وَالْقَائِمِ، وَلِأَنَّ الذَّكَاةَ فِعْلٌ مَشْرُوعٌ، وَإِنْهَارُ الدَّمِ بِهَا مُطْلَقًا غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَلَا يَكُونُ ذَكَاةً كَغَيْرِ الْمَنْزُوعِ، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنْهِرْ الدَّمَ بِمَا شِئْت» وَيُرْوَى «أَفْرِ الْأَوْدَاجَ بِمَا شِئْت» وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَقْتَضِي الْجَوَازَ بِالْمَنْزُوعِ وَغَيْرِهِ، إلَّا أَنَّا تَرَكْنَا غَيْرَ الْمَنْزُوعِ بِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فَإِنَّ فِيهِ دَلَالَةً عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " فَإِنَّهَا مُدَى الْحَبَشَةِ " فَإِنَّهُمْ لَا يُقَلِّمُونَ الْأَظْفَارَ وَيُحَدِّدُونَ الْأَسْنَانَ وَيُقَاتِلُونَ بِالْخَدْشِ وَالْعَضِّ، وَهَذَا

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْمَذْبُوحُ مَيْتَةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَأَفْرَى الْأَوْدَاجَ مَا خَلَا الظُّفْرُ وَالسِّنِّ فَإِنَّهُمَا مُدَى الْحَبَشَةِ» وَلِأَنَّهُ فِعْلٌ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَلَا يَكُونُ ذَكَاةً كَمَا إذَا ذُبِحَ بِغَيْرِ الْمَنْزُوعِ، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنْهِرْ الدَّمَ بِمَا شِئْت» وَيُرْوَى «أَفْرِ الْأَوْدَاجَ بِمَا شِئْت» وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْمَنْزُوعِ فَإِنَّ الْحَبَشَةَ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ آلَةٌ جَارِحَةٌ فَيَحْصُلُ بِهِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ إخْرَاجُ الدَّمِ وَصَارَ كَالْحَجَرِ وَالْحَدِيدِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَنْزُوعِ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ بِالثِّقْلِ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْمُنْخَنِقَةِ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ لِأَنَّ فِيهِ اسْتِعْمَالَ جُزْءِ الْآدَمِيِّ وَلِأَنَّ فِيهِ إعْسَارًا عَلَى الْحَيَوَانِ وَقَدْ أُمِرْنَا فِيهِ بِالْإِحْسَانِ. قَالَ (وَيَجُوزُ الذَّبْحُ بِاللِّيطَةِ وَالْمَرْوَةِ وَكُلِّ شَيْءٍ أَنْهَرَ الدَّمَ إلَّا السِّنَّ الْقَائِمَ وَالظُّفْرَ الْقَائِمَ) فَإِنَّ الْمَذْبُوحَ بِهِمَا مَيْتَةٌ لِمَا بَيَّنَّا، وَنَصَّ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى أَنَّهَا مَيْتَةٌ لِأَنَّهُ وَجَدَ فِيهِ نَصًّا. وَمَا لَمْ يَجِدْ فِيهِ نَصًّا يَحْتَاطُ فِي ذَلِكَ، فَيَقُولُ فِي الْحِلِّ لَا بَأْسَ بِهِ وَفِي الْحُرْمَةِ يَقُولُ يُكْرَهُ أَوْ لَمْ يُؤْكَلْ. قَالَ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُحِدَّ الذَّابِحُ شَفْرَتَهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» وَيُكْرَهُ أَنْ يُضْجِعَهَا ثُمَّ يُحِدَّ الشَّفْرَةَ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا أَضْجَعَ شَاةً وَهُوَ يُحِدُّ شَفْرَتَهُ فَقَالَ: لَقَدْ أَرَدْت أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَاتٍ، هَلَّا حَدَدْتهَا قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا» قَالَ (وَمَنْ بَلَغَ بِالسِّكِّينِ النُّخَاعَ أَوْ قَطَعَ الرَّأْسَ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعْنَى قَوْلِهِ وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْمَنْزُوعِ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ آلَةٌ جَارِحَةٌ) جَوَابٌ عَنْ دَلِيلِهِ الْمَعْقُولِ. وَتَقْرِيرُهُ: إنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ إنْهَارَ الدَّمِ بِالظُّفْرِ وَالسِّنِّ الْمَنْزُوعَيْنِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، فَإِنَّهُ أَيْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا آلَةٌ جَارِحَةٌ يَحْصُلُ بِهَا الْمَقْصُودُ وَهُوَ إخْرَاجُ الدَّمِ فَصَارَ كَاللِّيطَةِ وَالْحَجَرِ وَالْحَدِيدِ وَالسِّكِّينِ الْكَلِيلِ، وَبَاقِي كَلَامِهِ ظَاهِرٌ سِوَى أَلْفَاظٍ نُفَسِّرُهَا: اللِّيطَةُ بِكَسْرِ اللَّامِ: قِشْرُ الْقَصَبِ، وَالْمَرْوَةُ: الْحَجَرُ الْحَادُّ (وَقَوْلُهُ لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ يَقْتُلُ بِالثِّقَلِ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْمُنْخَنِقَةِ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَقَدْ أَرَدْت أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَاتٍ» قِيلَ إنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ إذَا عُلِمَ الْمَقْصُودُ بِالذَّبْحِ أَنَّ التَّحْدِيدَ لِذَبْحِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَذْبُوحَ لَا عَقْلَ لَهُ، وَهُوَ مَعَ كَوْنِهِ سُوءَ أَدَبٍ سَاقِطٌ لِأَنَّ الْوَهْمَ فِي ذَلِكَ كَافٍ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِيهِ وَالْعَقْلُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَعْرِفَةِ الْكُلِّيَّاتِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ مِنْهَا. وَالنُّخَاعُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ وَالضَّمِّ لُغَةٌ فِيهِ، فَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ عِرْقٌ أَبْيَضُ فِي عَظْمِ الرَّقَبَةِ، وَنَسَبَهُ صَاحِبُ

وَتُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: قَطَعَ مَكَانَ بَلَغَ. وَالنُّخَاعُ عِرْقٌ أَبْيَضُ فِي عَظْمِ الرَّقَبَةِ، أَمَّا الْكَرَاهَةُ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّهُ نَهَى أَنْ تُنْخَعَ الشَّاةُ إذَا ذُبِحَتْ» وَتَفْسِيرُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: أَنْ يَمُدَّ رَأْسَهُ حَتَّى يَظْهَرَ مَذْبَحُهُ، وَقِيلَ أَنْ يَكْسِرَ عُنُقَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْكُنَ مِنْ الِاضْطِرَابِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَهَذَا لِأَنَّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَفِي قَطْعِ الرَّأْسِ زِيَادَةَ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ بِلَا فَائِدَةٍ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا فِيهِ زِيَادَةَ إيلَامٍ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الذَّكَاةِ مَكْرُوهٌ. وَيُكْرَهُ أَنْ يَجُرَّ مَا يُرِيدُ ذَبْحَهُ بِرِجْلِهِ إلَى الْمَذْبَحِ، وَأَنْ تُنْخَعَ الشَّاةُ قَبْلَ أَنْ تَبْرُدَ: يَعْنِي تَسْكُنَ مِنْ الِاضْطِرَابِ، وَبَعْدَهُ لَا أَلَمَ فَلَا يُكْرَهُ النَّخْعُ وَالسَّلْخُ، إلَّا أَنَّ الْكَرَاهَةَ لِمَعْنًى زَائِدٍ وَهُوَ زِيَادَةُ الْأَلَمِ قَبْلَ الذَّبْحِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا يُوجِبُ التَّحْرِيمَ فَلِهَذَا قَالَ: تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ. قَالَ (فَإِنْ ذَبَحَ الشَّاةَ مِنْ قَفَاهَا فَبَقِيَتْ حَيَّةً حَتَّى قَطَعَ الْعُرُوقَ حَلَّ) لِتَحَقُّقِ الْمَوْتِ بِمَا هُوَ ذَكَاةٌ، وَيُكْرَهُ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ الْأَلَمِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَصَارَ كَمَا إذَا جَرَحَهَا ثُمَّ قَطَعَ الْأَوْدَاجَ (وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ قَطْعِ الْعُرُوقِ لَمْ تُؤْكَلْ) لِوُجُودِ الْمَوْتِ بِمَا لَيْسَ بِذَكَاةٍ فِيهَا. قَالَ (وَمَا اسْتَأْنَسَ مِنْ الصَّيْدِ فَذَكَاتُهُ الذَّبْحُ، وَمَا تَوَحَّشَ مِنْ النَّعَمِ فَذَكَاتُهُ الْعَقْرُ وَالْجُرْحُ) لِأَنَّ ذَكَاةَ الِاضْطِرَارِ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ عَلَى مَا مَرَّ، وَالْعَجْزُ مُتَحَقِّقٌ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ (وَكَذَا مَا تَرَدَّى مِنْ النَّعَمِ فِي بِئْرٍ وَوَقَعَ الْعَجْزُ عَنْ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ) لِمَا بَيَّنَّا. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَحِلُّ بِذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ نَادِرٌ. وَنَحْنُ نَقُولُ: الْمُعْتَبَرُ حَقِيقَةُ الْعَجْزِ وَقَدْ تَحَقَّقَ فَيُصَارُ إلَى الْبَدَلِ، كَيْفَ وَإِنَّا لَا نُسَلِّمُ النُّدْرَةَ بَلْ هُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنِّهَايَةِ إلَى السَّهْوِ. وَقَالَ: وَهُوَ خَيْطٌ أَبْيَضُ فِي جَوْفِ عَظْمِ الرَّقَبَةِ مُمْتَدٌّ إلَى الصُّلْبِ، وَرُدَّ بِأَنَّ بَدَنَ الْحَيَوَانِ مُرَكَّبٌ مِنْ عِظَامٍ وَأَعْصَابٍ وَعُرُوقٍ هِيَ شَرَايِينُ وَأَوْتَارٌ، وَمَا ثَمَّةَ شَيْءٌ يُسَمَّى بِالْخَيْطِ أَصْلًا. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَصْلَ الْجَامِعَ فِي إفَادَةِ مَعْنَى الْكَرَاهَةِ وَهُوَ كُلُّ مَا فِيهِ زِيَادَةُ أَلَمٍ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الذَّكَاةِ. قَالَ (وَمَا اسْتَأْنَسَ مِنْ الصَّيْدِ) قَدْ مَرَّ أَنَّ الذَّبْحَ الِاضْطِرَارِيَّ بَدَلٌ عَنْ الِاخْتِيَارِيِّ فَلَا مَصِيرَ إلَى الْأَوَّلِ قَبْلَ الْعَجْزِ عَنْ الثَّانِي، وَهَذَا مَخْرَجُ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ (وَقَوْلُهُ لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ ذَكَاةَ الِاضْطِرَارِ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ الْعَجْزِ (وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَحِلُّ الْأَكْلُ بِذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ فِي الْوَجْهَيْنِ) يَعْنِي مَا تَوَحَّشَ وَمَا تَرَدَّى، لِأَنَّ ذَلِكَ نَادِرٌ وَالنَّادِرُ لَا حُكْمَ لَهُ. قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ النُّدْرَةَ، وَلَئِنْ كَانَتْ فَالْمُعْتَبَرَةُ حَقِيقَةُ الْعَجْزِ وَقَدْ تَحَقَّقَ

غَالِبٌ. وَفِي الْكِتَابِ أَطْلَقَ فِيمَا تَوَحَّشَ مِنْ النَّعَمِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الشَّاةَ إذَا نَدَّتْ فِي الصَّحْرَاءِ فَذَكَاتُهَا الْعَقْرُ، وَإِنْ نَدَّتْ فِي الْمِصْرِ لَا تَحِلُّ بِالْعَقْرِ لِأَنَّهَا لَا تَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهَا فَيُمْكِنُ أَخْذُهَا فِي الْمِصْرُ فَلَا عَجْزَ، وَالْمِصْرُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ فِي الْبَقَرِ وَالْبَعِيرِ لِأَنَّهُمَا يَدْفَعَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا فَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِمَا، وَإِنْ نَدَّا فِي الْمِصْرِ فَيَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ، وَالصِّيَالُ كَالنَّدِّ إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ، حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ الْمَصُولُ عَلَيْهِ وَهُوَ يُرِيدُ الذَّكَاةَ حَلَّ أَكْلُهُ. قَالَ (وَالْمُسْتَحَبُّ فِي الْإِبِلِ النَّحْرُ، فَإِنْ ذَبَحَهَا جَازَ وَيُكْرَهُ. وَالْمُسْتَحَبُّ فِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الذَّبْحُ فَإِنْ نَحَرَهُمَا جَازَ وَيُكْرَهُ) أَمَّا الِاسْتِحْبَابُ فَلِمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ الْمُتَوَارَثَةِ وَلِاجْتِمَاعِ الْعُرُوقِ فِيهَا فِي الْمَنْحَرِ وَفِيهِمَا فِي الْمَذْبَحِ، وَالْكَرَاهَةُ لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ وَهِيَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ فَلَا تَمْنَعُ الْجَوَازَ وَالْحِلَّ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ مَالِكٌ إنَّهُ لَا يَحِلُّ. قَالَ (وَمَنْ نَحَرَ نَاقَةً أَوْ ذَبَحَ بَقَرَةً فَوَجَدَ فِي بَطْنِهَا جَنِينًا مَيِّتًا لَمْ يُؤْكَلْ أَشْعَرَ أَوْ لَمْ يُشْعِرْ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إذَا تَمَّ خَلْقُهُ أُكِلَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» وَلِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْأُمِّ حَقِيقَةً لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِهَا حَتَّى يُفْصَلَ بِالْمِقْرَاضِ وَيَتَغَذَّى بِغِذَائِهَا وَيَتَنَفَّسُ بِتَنَفُّسِهَا، وَكَذَا حُكْمًا حَتَّى يَدْخُلَ فِي الْبَيْعِ الْوَارِدِ عَلَى الْأُمِّ وَيُعْتَقَ بِإِعْتَاقِهَا. وَإِذَا كَانَ جُزْءًا مِنْهَا فَالْجُرْحُ فِي الْأُمِّ ذَكَاةٌ لَهُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ ذَكَاتِهِ كَمَا فِي الصَّيْدِ. وَلَهُ أَنَّهُ أَصْلٌ فِي الْحَيَاةِ حَتَّى تُتَصَوَّرَ حَيَاتُهُ بَعْدَ مَوْتِهَا وَعِنْدَ ذَلِكَ يُفْرَدُ بِالذَّكَاةِ، وَلِهَذَا يُفْرَدُ بِإِيجَابِ الْغُرَّةِ وَيُعْتَقُ بِإِعْتَاقٍ مُضَافٍ إلَيْهِ، وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ وَبِهِ، وَهُوَ حَيَوَانٌ دَمَوِيٌّ، وَمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الذَّكَاةِ وَهُوَ الْمَيْزُ بَيْنَ الدَّمِ وَاللَّحْمِ لَا يَتَحَصَّلُ بِجُرْحِ الْأُمِّ، إذْ هُوَ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِخُرُوجِ الدَّمِ عَنْهُ فَلَا يُجْعَلُ تَبَعًا فِي حَقِّهِ، بِخِلَافِ الْجُرْحِ فِي الصَّيْدِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِخُرُوجِهِ نَاقِصًا فَيُقَامُ مَقَامَ الْكَامِلِ فِيهِ عِنْدَ التَّعَذُّرِ. وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَحَرِّيًا لِجَوَازِهِ كَيْ لَا يَفْسُدَ بِاسْتِثْنَائِهِ، وَيُعْتَقُ بِإِعْتَاقِهَا كَيْ لَا يَنْفَصِلَ مِنْ الْحُرَّةِ وَلَدَ رَقِيقٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ وَفِي الْكِتَابِ) يُرِيدُ بِهِ الْقُدُورِيَّ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَالنَّحْرُ: قَطْعُ الْعُرُوقِ عِنْدَ الصَّدْرِ، وَالذَّبْحُ: قَطْعُهَا تَحْتَ اللَّحْيَيْنِ، وَالْمُسْتَحَبُّ فِي الْإِبِلِ الْأَوَّلُ وَفِي غَيْرِهِ الثَّانِي، وَالْعَكْسُ يَجُوزُ. وَيُكْرَهُ لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ (وَقَوْلُهُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ) أَيْ فِي غَيْرِ الذَّبْحِ وَهُوَ تَرْكُ السُّنَّةِ (وَقَوْلُهُ أَشْعَرَ) مَعْنَاهُ نَبَتَ شَعْرُهُ مِثْلُ أَعْشَبَ الْمَكَانُ، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ خَلَا أَنَّهُ لَمْ يُجِبْ عَنْ الْحَدِيثِ الَّذِي اسْتَدَلَّا بِهِ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ لِلِاسْتِدْلَالِ لِأَنَّهُ رُوِيَ «ذَكَاةُ أُمِّهِ» بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ، فَإِنْ كَانَ مَنْصُوبًا فَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ تَشْبِيهٌ، وَإِنْ كَانَ مَرْفُوعًا فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَقْوَى فِي التَّشْبِيهِ مِنْ الْأَوَّلِ، عُرِفَ ذَلِكَ فِي عِلْمِ الْبَيَانِ. قِيلَ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَقْدِيمُ ذَكَاةِ الْجَنِينِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَعَيْنَاك عَيْنَاهَا وَجِيدُك جِيدُهَا ... سِوَى أَنَّ عَظْمَ السَّاقِ مِنْك دَقِيقُ

[فصل فيما يحل أكله وما لا يحل]

قَالَ (وَلَا يَجُوزُ أَكْلُ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَلَا ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطُّيُورِ) لِأَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطُّيُورِ وَكُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ» . وَقَوْلُهُ مِنْ السِّبَاعِ ذُكِرَ عَقِيبَ النَّوْعَيْنِ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِمَا فَيَتَنَاوَلُ سِبَاعَ الطُّيُورِ وَالْبَهَائِمِ لِأَكْلِ مَا لَهُ مِخْلَبٌ أَوْ نَابٌ. وَالسَّبُعُ كُلُّ مُخْتَطِفٍ مُنْتَهِبٍ جَارِحٍ قَاتِلٍ عَادٍ عَادَةً. وَمَعْنَى التَّحْرِيمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَرَامَةُ بَنِي آدَمَ كَيْ لَا يَعْدُوَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ الذَّمِيمَةِ إلَيْهِمْ بِالْأَكْلِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الضَّبُعُ وَالثَّعْلَبُ، فَيَكُونُ الْحَدِيثُ حُجَّةً عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي إبَاحَتِهِمَا، وَالْفِيلُ ذُو نَابٍ فَيُكْرَهُ، وَالْيَرْبُوعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِيمَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا لَا يَحِلُّ] فَصْلٌ فِيمَا يُؤْكَلُ وَمَا لَا يُؤْكَلُ) : ذَكَرَ هَذَا الْفَصْلَ عَقِيبَ الذَّبَائِحِ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْ الذَّبَائِحِ وَالْوَسِيلَةُ إلَى الشَّيْءِ تُقَدَّمُ عَلَيْهِ فِي الذِّكْرِ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَوْصَافَ السَّبْعِ لِيَبْنِيَ عَلَى ذَلِكَ قَوْلَهُ (كَيْ لَا يَعْدُوَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ الذَّمِيمَةِ إلَيْهِمْ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ الِاخْتِطَافِ وَالِانْتِهَابِ أَنَّ الِاخْتِطَافَ مِنْ فِعْلِ الطُّيُورِ وَالِانْتِهَابَ مِنْ فِعْلِ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ، قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: فَالْمُرَادُ بِذِي الْخَطْفَةِ مَا يَخْطِفُ بِمِخْلَبِهِ مِنْ الْهَوَاءِ كَالْبَازِي وَالْعُقَابِ، وَمِنْ ذِي النُّهْيَةِ مَا يَنْتَهِبُ بِنَابِهِ مِنْ الْأَرْضِ كَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ (قَوْلُهُ وَيَدْخُلُ فِي الضَّبُعِ. وَالثَّعْلَبُ) لِأَنَّ لَهُمَا نَابًا يُقَاتِلَانِ بِهِ فَلَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُمَا كَالذِّئْبِ فَيَكُونُ الْحَدِيثُ حُجَّةً عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي إبَاحَتِهِمَا فَإِنْ قِيلَ: يُعَارِضُهُ حَدِيثُ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الضَّبُعِ أَصَيْدٌ هُوَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقِيلَ أَيُؤْكَلُ لَحْمُهُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقِيلَ أَشَيْءٌ سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَ: نَعَمْ» فَلَا يَكُونُ حُجَّةً. أُجِيبَ بِأَنَّ حَدِيثَنَا مَشْهُورٌ لَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ جَابِرٍ إنْ صَحَّ، وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وَابْنُ عِرْسٍ دُوَيْبَّةٌ، وَالرَّخَمُ جَمْعُ رَخَمَةٍ وَهُوَ طَائِرٌ أَبْلَقُ يُشْبِهُ النِّسْرَ فِي الْخِلْقَةِ، وَالْبُغَاثُ مَا لَا يَصِيدُ مِنْ صِغَارِ الطَّيْرِ وَضِعَافِهِ، وَأَمَّا الْغُرَابُ الْأَسْوَدُ وَالْأَبْقَعُ فَهُوَ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ: نَوْعٌ

وَابْنُ عِرْسٍ مِنْ السِّبَاعِ الْهَوَامِّ وَكَرِهُوا أَكْلَ الرَّخَمِ وَالْبُغَاثِ لِأَنَّهُمَا يَأْكُلَانِ الْجِيَفَ قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِغُرَابِ الزَّرْعِ) لِأَنَّهُ يَأْكُلُ الْحَبَّ وَلَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ وَلَيْسَ مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ. قَالَ (وَلَا يُؤْكَلُ الْأَبْقَعُ الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ، وَكَذَا الْغُدَافُ) (وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْعَقْعَقِ) لِأَنَّهُ يُخَلَّطُ فَأَشْبَهَ الدَّجَاجَةَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِأَنَّ غَالِبَ أَكْلِهِ الْجِيَفُ قَالَ (وَيُكْرَهُ أَكْلُ الضَّبُعِ وَالضَّبِّ وَالسُّلَحْفَاةِ وَالزُّنْبُورِ وَالْحَشَرَاتِ كُلِّهَا) أَمَّا الضَّبُعُ فَلِمَا ذَكَرْنَا، وَأَمَّا الضَّبُّ فَلِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حِينَ سَأَلَتْهُ عَنْ أَكْلِهِ. وَهِيَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي إبَاحَتِهِ، وَالزُّنْبُورُ مِنْ الْمُؤْذِيَاتِ. وَالسُّلَحْفَاةُ مِنْ خَبَائِثِ الْحَشَرَاتِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِقَتْلِهِ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا تُكْرَهُ الْحَشَرَاتُ كُلُّهَا اسْتِدْلَالًا بِالضَّبِّ لِأَنَّهُ مِنْهَا. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ أَكْلُ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَالْبِغَالِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيَلْتَقِطُ الْحَبَّ وَلَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ وَلَيْسَ بِمَكْرُوهٍ، وَنَوْعٌ مِنْهُ لَا يَأْكُلُ إلَّا الْجِيَفَ وَهُوَ الَّذِي سَمَّاهُ الْمُصَنِّفُ الْأَبْقَعُ الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ وَأَنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَنَوْعٌ يَخْلِطُ بِأَكْلِ الْحَبِّ مَرَّةً وَالْجِيَفِ أُخْرَى وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْغُدَافُ) وَهُوَ غُرَابُ الْقَيْظِ لَا يُؤْكَلُ. وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ مَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ فَلَحْمُهُ نَبَتَ مِنْ الْحَرَامِ فَيَكُونُ خَبِيثًا عَادَةً، وَمَا يَأْكُلُ الْحَبَّ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِيهِ، وَمَا خَلَطَ كَالدَّجَاجِ وَالْعَقْعَقِ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْأَصَحُّ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكَلَ الدَّجَاجَةَ وَهِيَ مِمَّا يَخْلِطُ. وَقَوْلُهُ (أَمَّا الضَّبُعُ فَلَمَّا ذَكَرْنَا) يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ وَيَدْخُلُ فِيهِ الضَّبُعُ: يَعْنِي أَنَّهُ ذُو نَابٍ (وَقَوْلُهُ وَهِيَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ) يَعْنِي نَهْيَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنَّثَهُ لِتَأْنِيثِ الْخَبَرِ. فَإِنْ قِيلَ: يُعَارِضُهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الضَّبِّ فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ مِنْ طَعَامِ قَوْمِي،

لِمَا رَوَى خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ لُحُومِ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ» وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَهْدَرَ الْمُتْعَةَ وَحَرَّمَ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ» قَالَ (وَيُكْرَهُ لَحْمُ الْفَرَسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ يَوْمَ خَيْبَرَ» وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8] خَرَجَ مَخْرَجَ الِامْتِنَانِ وَالْأَكْلُ مِنْ أَعْلَى مَنَافِعِهَا، وَالْحَكَمُ لَا يَتْرُكُ الِامْتِنَانَ بِأَعْلَى النِّعَمِ وَيَمْتَنُّ بِأَدْنَاهَا، وَلِأَنَّهُ آلَةُ إرْهَابِ الْعَدُوِّ فَيُكْرَهُ أَكْلُهُ احْتِرَامًا لَهُ وَلِهَذَا يُضْرَبُ لَهُ بِسَهْمٍ فِي الْغَنِيمَةِ، وَلِأَنَّ فِي إبَاحَتِهِ تَقْلِيلَ آلَةِ الْجِهَادِ، وَحَدِيثُ. جَابِرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَأَجِدُ نَفْسِي تَعَافُهُ فَلَا أُحِلُّهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ» وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «أُكِلَ الضَّبُّ عَلَى مَائِدَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِي الْآكِلِينَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -» أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْحَاظِرَ وَالْمُبِيحَ إذَا تَعَارَضَا يُرَجَّحُ الْحَاظِرُ، عَلَى أَنَّ الْمُبِيحَ مُؤَوَّلٌ بِمَا قَبْلَ التَّحْرِيمِ. وَلَا تُؤْكَلُ الْحُمُرُ الْأَهْلِيَّةُ لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَذَهَبَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيُّ إلَى إبَاحَتِهِ، وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَشَبُّثًا بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ ذَلِكَ فَتَلَتْ قَوْله تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145] الْآيَةُ، وَبِحَدِيثِ غَالِبِ بْنِ أَبْجَرَ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمْ يَبْقَ مِنْ مَالِي إلَّا حُمَيْرَاتٌ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كُلْ مِنْ سَمِينِ مَالِكِ» وَاسْتِدْلَالًا بِحِلِّ أَكْلِ الْوَحْشِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ. أَمَّا الْآيَةُ فَلِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ حُرْمَةِ لَحْمِ الْحُمُرِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ حُرْمَةُ الْأَشْيَاءِ الْمُحَرَّمَةِ الْخَارِجَةِ عَنْ مَدْلُولِهَا. وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَلِأَنَّهُ مُؤَوَّلٌ بِأَكْلِ ثَمَنِهَا. وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال فَلِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ لَا يَكُونَ الْفَرْعُ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ وَالنَّصُّ النَّاهِي عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ قَائِمٌ فَبَطَلَ الْقِيَاسُ قَالَ (وَيُكْرَهُ لَحْمُ الْفَرَسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَخْ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَدْ اُعْتُرِضَ عَلَى قَوْلِهِ وَالْحَكِيمُ لَا يَتْرُكُ الِامْتِنَانَ بِأَعْلَى النِّعَمِ وَيَمْتَنُّ بِأَدْنَاهَا بِأَنَّهُ تَرَكَ ذِكْرَ الْحَمْلِ

مُعَارَضٌ بِحَدِيثِ خَالِدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَالتَّرْجِيحُ لِلْمُحَرِّمِ. ثُمَّ قِيلَ: الْكَرَاهَةُ عِنْدَهُ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ. وَقِيلَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَأَمَّا لَبَنُهُ فَقَدْ قِيلَ: لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شُرْبِهِ تَقْلِيلُ آلَةِ الْجِهَادِ قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْأَرْنَبِ) لِأَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَكَلَ مِنْهُ حِينَ أُهْدِيَ إلَيْهِ مَشْوِيًّا وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِالْأَكْلِ مِنْهُ» ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ السِّبَاعِ وَلَا مِنْ أَكَلَةِ الْجِيَفِ فَأَشْبَهَ الظَّبْيَ قَالَ (وَإِذَا ذُبِحَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَهُرَ جِلْدُهُ وَلَحْمُهُ إلَّا الْآدَمِيَّ وَالْخِنْزِيرَ) فَإِنَّ الذَّكَاةَ لَا تَعْمَلُ فِيهِمَا، أَمَّا الْآدَمِيُّ فَلِحُرْمَتِهِ وَكَرَامَتِهِ وَالْخِنْزِيرُ لِنَجَاسَتِهِ كَمَا فِي الدِّبَاغِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الذَّكَاةُ لَا تُؤَثِّرُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي إبَاحَةِ اللَّحْمِ أَصْلًا. وَفِي طَهَارَتِهِ وَطَهَارَةِ الْجِلْدِ تَبَعًا وَلَا تَبَعَ بِدُونِ الْأَصْلِ وَصَارَ كَذَبْحِ الْمَجُوسِيِّ. وَلَنَا أَنَّ الذَّكَاةَ مُؤَثِّرَةٌ فِي إزَالَةِ الرُّطُوبَاتِ وَالدِّمَاءِ السَّيَّالَةِ وَهِيَ النَّجِسَةُ دُونَ ذَاتِ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ، فَإِذَا زَالَتْ طَهُرَ كَمَا فِي الدِّبَاغِ. وَهَذَا الْحُكْمُ مَقْصُودٌ فِي الْجِلْدِ كَالتَّنَاوُلِ فِي اللَّحْمِ وَفِعْلُ الْمَجُوسِيِّ إمَاتَةٌ فِي الشَّرْعِ فَلَا بُدَّ مِنْ الدِّبَاغِ، وَكَمَا يَطْهُرُ لَحْمُهُ يَطْهُرُ شَحْمُهُ، حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ لَا يُفْسِدُهُ خِلَافًا لَهُ. وَهَلْ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي غَيْرِ الْأَكْلِ؟ قِيلَ: لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِالْأَكْلِ. وَقِيلَ يَجُوزُ كَالزَّيْتِ إذَا خَالَطَهُ وَدَكُ الْمَيْتَةِ. وَالزَّيْتُ غَالِبٌ لَا يُؤْكَلُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ فِي غَيْرِ الْأَكْلِ قَالَ (وَلَا يُؤْكَلُ مِنْ حَيَوَانِ الْمَاءِ إلَّا السَّمَكَ) وَقَالَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِإِطْلَاقِ جَمِيعِ مَا فِي الْبَحْرِ. وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ الْخِنْزِيرَ وَالْكَلْبَ وَالْإِنْسَانَ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ أَطْلَقَ ذَاكَ كُلَّهُ، وَالْخِلَافُ فِي الْأَكْلِ وَالْبَيْعِ وَاحِدٌ لَهُمْ قَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحِلَّ الْحَمْلُ عَلَيْهِ وَهُوَ فَاسِدٌ، فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي أَنَّ تَرْكَ أَعْلَى النِّعَمِ وَالذَّهَابَ إلَى مَا دُونَهُ دَلِيلُ حُرْمَةِ الْأَعْلَى وَالْحَمْلُ لَيْسَ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَالْأَوَّلُ) يَعْنِي كَوْنَ الْكَرَاهَةِ لِلتَّحْرِيمِ (أَصَحُّ) لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ سَأَلَ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا قُلْت فِي شَيْءٍ أَكْرَهُهُ فَمَا رَأْيُك فِيهِ؟ قَالَ التَّحْرِيمُ وَمَبْنَى اخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى اخْتِلَافِ اللَّفْظِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ: رَخَّصَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي لَحْمِ الْخَيْلِ، فَأَمَّا أَنَا فَلَا يُعْجِبُنِي أَكْلُهُ، وَهَذَا يُلَوِّحُ إلَى التَّنْزِيهِ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ أَكْرَهُهُ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ عَلَى مَا رَوَيْنَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَلَا يُؤْكَلُ مِنْ حَيَوَانِ الْمَاءِ إلَّا السَّمَكُ) وَاضِحٌ وَالطَّافِي اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ طَفَا الشَّيْءُ فَوْقَ الْمَاءِ يَطْفُو إذَا عَلَا، وَالْمُرَادُ مِنْ السَّمَكِ الطَّافِي الَّذِي يَمُوتُ فِي الْمَاءِ

مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْبَحْرِ «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ وَالْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَلِأَنَّهُ لَا دَمَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إذْ الدَّمَوِيُّ لَا يَسْكُنُ الْمَاءَ وَالْمُحَرَّمُ هُوَ الدَّمُ فَأَشْبَهَ السَّمَكَ. قُلْنَا: قَوْله تَعَالَى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وَمَا سِوَى السَّمَكِ خَبِيثٌ. «وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ دَوَاءٍ يُتَّخَذُ فِيهِ الضُّفْدَعُ» ، وَنَهَى عَنْ بَيْعِ السَّرَطَانِ وَالصَّيْدُ الْمَذْكُورُ فِيمَا تَلَا مَحْمُولٌ عَلَى الِاصْطِيَادِ وَهُوَ مُبَاحٌ فِيمَا لَا يَحِلُّ، وَالْمَيْتَةُ الْمَذْكُورَةُ فِيمَا رَوَى مَحْمُولَةٌ عَلَى السَّمَكِ وَهُوَ حَلَالٌ مُسْتَثْنًى مِنْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، أَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالسَّمَكُ وَالْجَرَادُ وَأَمَّا الدَّمَانِ فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ» قَالَ (وَيُكْرَهُ أَكْلُ الطَّافِي مِنْهُ) وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّ مَيْتَةَ الْبَحْرِ مَوْصُوفَةٌ بِالْحِلِّ بِالْحَدِيثِ. وَلَنَا مَا رَوَى جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ. النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «مَا نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ فَكُلُوا، وَمَا لَفَظَهُ الْمَاءُ فَكُلُوا، وَمَا طَفَا فَلَا تَأْكُلُوا» وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِثْلُ مَذْهَبِنَا، وَمَيْتَةُ الْبَحْرِ مَا لَفَظَهُ الْبَحْرُ لِيَكُونَ مَوْتُهُ مُضَافًا إلَى الْبَحْرِ لَا مَا مَاتَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ آفَةٍ. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْجِرِّيثِ وَالْمَارْمَاهِيِّ وَأَنْوَاعِ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ بِلَا ذَكَاةٍ) وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَحِلُّ الْجَرَادُ إلَّا أَنْ يَقْطَعَ الْآخِذُ رَأْسَهُ أَوْ يَشْوِيَهُ لِأَنَّهُ صَيْدُ الْبَرِّ، وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِقَتْلِهِ جَزَاءٌ يَلِيقُ بِهِ فَلَا يَحِلُّ إلَّا بِالْقَتْلِ كَمَا فِي سَائِرِهِ. وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا. وَسُئِلَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الْجَرَادِ يَأْخُذُهُ الرَّجُلُ مِنْ الْأَرْضِ وَفِيهَا الْمَيِّتُ وَغَيْرُهُ فَقَالَ: كُلْهُ كُلَّهُ. وَهَذَا عُدَّ مِنْ فَصَاحَتِهِ، وَدَلَّ عَلَى إبَاحَتِهِ وَإِنْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ، بِخِلَافِ السَّمَكِ إذَا مَاتَ مِنْ غَيْرِ آفَةٍ لِأَنَّا خَصَّصْنَاهُ بِالنَّصِّ الْوَارِدِ فِي الطَّافِي، ثُمَّ الْأَصْلُ فِي السَّمَكِ عِنْدَنَا أَنَّهُ إذَا مَاتَ بِآفَةٍ يَحِلُّ كَالْمَأْخُوذِ، وَإِذَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ مِنْ غَيْرِ آفَةٍ لَا يَحِلُّ كَالطَّافِي، وَتَنْسَحِبُ عَلَيْهِ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ بَيَّنَّاهَا فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى. وَعِنْدَ التَّأَمُّلِ يَقِفُ الْمُبَرِّزُ عَلَيْهَا: مِنْهَا إذَا قَطَعَ بَعْضَهَا فَمَاتَ يَحِلُّ أَكْلُ مَا أُبِينَ وَمَا بَقِيَ. لِأَنَّ مَوْتَهُ بِآفَةٍ وَمَا أُبِينَ مِنْ الْحَيِّ وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَمَيْتَتُهُ حَلَالٌ. وَفِي الْمَوْتِ بِالْحَرِّ وَالْبَرْدِ رِوَايَتَانِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَتْفَ أَنْفِهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ فَيَعْلُو، وَالْجِرِّيثُ نَوْعٌ مِنْ السَّمَكِ وَالْمَارْمَاهِي كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا) يَعْنِي قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ» إلَخْ وَقَوْلُهُ (وَتَنْسَحِبُ عَلَيْهِ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ بَيَّنَّاهَا فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى) مِنْهَا أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ فِي بَطْنِ السَّمَكَةِ سَمَكَةً أُخْرَى فَإِنَّهَا تُؤْكَلُ لِأَنَّ ضِيقَ الْمَكَانِ سَبَبٌ لِمَوْتِهَا، وَكَذَلِكَ إنْ قَتَلَهَا طَيْرُ الْمَاءِ وَغَيْرُهُ، وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَتْ فِي جُبِّ مَاءٍ لِأَنَّ ضِيقَ الْمَكَانِ سَبَبٌ لِمَوْتِهَا، وَكَذَلِكَ إنْ جَمَعَهَا فِي حَظِيرَةٍ لَا تَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ مِنْهَا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهَا بِغَيْرِ صَيْدٍ فَمُتْنَ فِيهَا كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُؤْخَذُ بِغَيْرِ صَيْدٍ فَلَا خَيْرَ فِي أَكْلِهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لِمَوْتِهَا سَبَبٌ، وَإِذَا مَاتَتْ السَّمَكَةُ فِي الشَّبَكَةِ وَهِيَ لَا تَقْدِرُ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْهَا أَوْ أَكَلَ شَيْئًا أَلْقَاهُ فِي الْمَاءِ لِتَأْكُلَ مِنْهُ فَمَاتَتْ مِنْهُ وَذَلِكَ مَعْلُومٌ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا، وَهُوَ فِي مَعْنَى مَا انْحَسَرَ

[كتاب الأضحية]

كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْهُ الْمَاءُ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا انْحَسَرَ عَنْهُ الْمَاءُ فَكُلْ» ، وَقَوْلُهُ (وَفِي الْمَوْتِ بِالْحَرِّ وَالْبَرْدِ رِوَايَتَانِ) إحْدَاهُمَا أَنَّهَا تُؤْكَلُ لِأَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبٍ حَادِثٍ فَكَانَ كَمَا لَوْ أَلْقَاهُ الْمَاءُ عَلَى الْيَبَسِ، وَالْأُخْرَى أَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ لِأَنَّ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ صِفَتَانِ مِنْ صِفَاتِ الزَّمَانِ وَلَيْسَتَا مِنْ أَسْبَابِ الْمَوْتِ فِي الْغَالِبِ، وَأَطْلَقَ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الرِّوَايَتَيْنِ وَلَمْ يَنْسِبْهُمَا لِأَحَدٍ. وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَحِلُّ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحِلُّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ] أَوْرَدَ الْأُضْحِيَّةَ عَقِيبَ الذَّبَائِحِ لِأَنَّ التَّضْحِيَةَ ذَبْحٌ خَاصٌّ وَالْخَاصُّ بَعْدَ الْعَامِّ، وَالْأُضْحِيَّةُ فِي اللُّغَةِ: اسْمُ مَا يُذْبَحُ فِي يَوْمِ الْأُضْحِيَّةِ وَهِيَ أُفْعُولَةٌ وَكَانَ أَصْلُهُ أُضْحُويَةٌ اجْتَمَعَتْ الْوَاوُ وَالْيَاءُ وَسَبَقَتْ إحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ فَقُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً وَأُدْغِمَتْ الْيَاءُ فِي الْيَاءِ وَكُسِرَتْ الْحَاءُ لِتُنَاسِبَ الْيَاءَ، وَيُجْمَعُ عَلَى أَضَاحِيٍّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: وَفِيهَا أَرْبَعُ لُغَاتٍ: أُضْحِيَّةٌ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَبِكَسْرِهَا وَضَحِيَّةٌ بِفَتْحِ الضَّادِ عَلَى وَزْنِ فَعِيلَةٍ كَهَدِيَّةٍ وَهَدَايَا وَأَضْحَاةٌ وَجَمْعُهُ أَضْحَى كَأَرْطَاةَ وَأَرْطَى وَقَالَ الْفَرَّاءُ الْأَضْحَى يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي الشَّرِيعَةِ: عِبَارَةٌ عَنْ ذَبْحِ حَيَوَانٍ مَخْصُوصٍ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ يَوْمُ الْأَضْحَى. وَشَرَائِطُهَا سَتُذْكَرُ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ. وَسَبَبُهَا الْوَقْتُ وَهُوَ أَيَّامُ النَّحْرِ، لِأَنَّ السَّبَبَ إنَّمَا يُعْرَفُ بِنِسْبَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ وَتَعَلُّقِهِ بِهِ، إذْ الْأَصْلُ فِي إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى الشَّيْءِ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا، وَكَذَا إذَا لَازَمَهُ فَتَكَرَّرَ بِتَكَرُّرِهِ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ. ثُمَّ إنَّ الْأُضْحِيَّةَ تَكَرَّرَتْ بِتَكَرُّرِ الْوَقْتِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَقَدْ أُضِيفَ السَّبَبُ إلَى حُكْمِهِ. يُقَالُ يَوْمُ الْأَضْحَى فَكَانَ كَقَوْلِهِمْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَيَوْمُ الْعِيدِ، وَلَا نِزَاعَ فِي سَبَبِيَّةِ ذَلِكَ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى سَبَبِيَّةِ الْوَقْتِ امْتِنَاعُ التَّقْدِيمِ عَلَيْهِ كَامْتِنَاعِ تَقْدِيمِ الصَّلَاةِ عَلَى وَقْتِهَا، لَا يُقَالُ: لَوْ كَانَ الْوَقْتُ سَبَبًا لَوَجَبَ عَلَى الْفَقِيرِ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ، لِأَنَّ الْغِنَى شَرْطُ الْوُجُوبِ وَالْفَرْضَ عَدَمُهُ، وَهِيَ وَاجِبَةٌ بِالْقُدْرَةِ الْمُمْكِنَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُوسِرَ إذَا اشْتَرَى شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ فِي أَوَّلِ يَوْمِ النَّحْرِ وَلَمْ يُضَحِّ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ ثُمَّ أَفَاتَهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِعَيْنِهَا أَوْ بِقِيمَتِهَا وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْأُضْحِيَّةُ، فَلَوْ كَانَتْ بِالْقُدْرَةِ الْمُيَسَّرَةِ لَكَانَ دَوَامُهَا شَرْطًا كَمَا فِي الزَّكَاةِ وَالْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ حَيْثُ تَسْقُطُ بِهَلَاكِ النِّصَابِ وَالْخَارِجِ وَاصْطِلَامُ الزَّرْعِ آفَةٌ. لَا يُقَالُ: أَدْنَى مَا يَتَمَكَّنُ بِهِ الْمَرْءُ مِنْ إقَامَتِهَا تَمْلِكُ قِيمَةِ مَا يَصْلُحُ لِلْأُضْحِيَّةِ وَلَمْ تَجِبْ إلَّا بِمِلْكِ النِّصَابِ فَدَلَّ أَنَّ وُجُوبَهَا بِالْقُدْرَةِ الْمُيَسَّرَةِ، لِأَنَّ اشْتِرَاطَ النِّصَابِ لَا يُنَافِي وُجُوبَهَا بِالْمُمْكِنَةِ كَمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَهَذَا لِأَنَّهَا وَظِيفَةٌ مَالِيَّةٌ نَظَرًا إلَى شَرْطِهَا وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا الْغِنَى كَمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ لَا يُقَالُ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَوَجَبَ التَّمْلِيكُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الْقُرَبَ الْمَالِيَّةَ قَدْ تَحْصُلُ بِالْإِتْلَافِ كَالْإِعْتَاقِ، وَالْمُضَحِّي إنْ تَصَدَّقَ بِاللَّحْمِ فَقَدْ حَصَلَ النَّوْعَانِ: أَعْنِي التَّمْلِيكَ وَالْإِتْلَافَ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ، وَإِنْ لَمْ يَتَصَدَّقْ حَصَلَ الْأَخِيرُ. وَأَمَّا حُكْمُهَا فَالْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ فِي الدُّنْيَا وَالْوُصُولُ إلَى الثَّوَابِ بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْعُقْبَى

قَالَ (الْأُضْحِيَّةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ حُرٍّ مُسْلِمٍ مُقِيمٍ مُوسِرٍ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ وَلَدِهِ الصِّغَارِ) أَمَّا الْوُجُوبُ فَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وَعَنْهُ أَنَّهَا سُنَّةٌ، ذَكَرَهُ فِي الْجَوَامِعِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَاجِبَةٌ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَهَكَذَا ذَكَرَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ الِاخْتِلَافَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (الْأُضْحِيَّةُ وَاجِبَةٌ إلَخْ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ، وَالْجَوَامِعُ اسْمُ كِتَابٍ فِي الْفِقْهِ صَنَّفَهُ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي الْوَظَائِفِ الْمَالِيَّةِ احْتِرَازًا عَنْ الْبَدَنِيَّةِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَإِنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ فِيهَا لِأَنَّ الْمُسَافِرَ يَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ فِي أَدَائِهَا. وَالْعَتِيرَةُ ذَبِيحَةٌ كَانَتْ تُذْبَحُ فِي رَجَبٍ يَتَقَرَّبُ بِهَا أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْمُسْلِمُونَ فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ.

وَجْهُ السُّنَّةِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ مِنْكُمْ فَلَا يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ شَيْئًا» وَالتَّعْلِيقُ بِالْإِرَادَةِ يُنَافِي الْوُجُوبَ، وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عَلَى الْمُقِيمِ لَوَجَبَتْ عَلَى الْمُسَافِرِ لِأَنَّهُمَا لَا يَخْتَلِفَانِ فِي الْوَظَائِفِ الْمَالِيَّةِ كَالزَّكَاةِ وَصَارَ كَالْعَتِيرَةِ. وَوَجْهُ الْوُجُوبِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ وَجَدَ سَعَةً وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» وَمِثْلُ هَذَا الْوَعِيدِ لَا يَلْحَقُ بِتَرْكِ غَيْرِ الْوَاجِبِ، وَلِأَنَّهَا قُرْبَةٌ يُضَافُ إلَيْهَا وَقْتُهَا. يُقَالُ يَوْمَ الْأَضْحَى، وَذَلِكَ يُؤْذِنُ بِالْوُجُوبِ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلِاخْتِصَاصِ وَهُوَ بِالْوُجُودِ، وَالْوُجُوبُ هُوَ الْمُفْضِي إلَى الْوُجُودِ ظَاهِرًا بِالنَّظَرِ إلَى الْجِنْسِ، غَيْرَ أَنَّ الْأَدَاءَ يَخْتَصُّ بِأَسْبَابٍ يَشُقُّ عَلَى الْمُسَافِرِ اسْتِحْضَارُهَا وَيَفُوتُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْجُمُعَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْإِرَادَةِ فِيمَا رُوِيَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَمِثْلُ هَذَا الْوَعِيدِ لَا يَلْحَقُ بِتَرْكِ غَيْرِ الْوَاجِبِ) اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَرَكَ سُنَّتِي لَمْ تَنَلْهُ شَفَاعَتِي» . أُجِيبَ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّرْكِ اعْتِقَادًا أَوْ التَّرْكِ أَصْلًا، فَإِنَّ تَرْكَ السُّنَّةِ أَصْلًا حَرَامٌ قَدْ تَجِبُ الْمُقَاتَلَةُ بِهِ، لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ الْأَذَانِ وَلَا مُقَاتَلَةَ فِي غَيْرِ الْحَرَامِ، وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلِاخْتِصَاصِ) ظَاهِرٌ، وَقَوْلُهُ (وَهُوَ) أَيْ الِاخْتِصَاصُ (بِالْوُجُودِ) لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ لَا يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِهِ فَضْلًا عَنْ الِاخْتِصَاصِ (وَالْوُجُوبُ هُوَ الْمُفْضِي إلَى الْوُجُودِ ظَاهِرًا بِالنَّظَرِ إلَى الْجِنْسِ) لِجَوَازِ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَى تَرْكِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ السُّنَّةَ أَيْضًا تُفْضِي إلَى الْوُجُودِ ظَاهِرًا بِالنَّظَرِ إلَى الْجِنْسِ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى تَرْكِ السُّنَّةِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوُجُوبَ يُفْضِي إلَيْهِ لِاسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ بِتَرْكِهِ، وَقَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ الْأَدَاءَ اخْتَصَّ بِأَسْبَابٍ: أَيْ بِشَرَائِطَ يَشُقُّ عَلَى الْمُسَافِرِ اسْتِحْضَارُهَا وَهِيَ تَحْصِيلُ الشَّاةِ وَالِاشْتِغَالُ بِذَبْحِهَا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَقَدْ تَعَيَّنَ لَهُ السَّفَرُ قَبْلَ ذَلِكَ وَفِي ذَلِكَ مَشَقَّةٌ وَالسَّفَرُ مُؤَثِّرٌ فِي التَّخْفِيفِ؛ أَلَا تَرَى إلَى جَوَازِ التَّيَمُّمِ عِنْدَ زِيَادَةِ ثَمَنِ الْمَاءِ الَّتِي لَا تَبْلُغُ قِيمَةَ الْأُضْحِيَّةِ وَلَا عُشْرَهَا فَأَوْلَى أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ وُجُوبُ الْأُضْحِيَّةِ وَهُوَ أَقْوَى حَرَجًا مِنْ زِيَادَةِ ثَمَنِ الْمَاءِ. وَقَوْلُهُ (وَالْمُرَادُ بِالْإِرَادَةِ) جَوَابٌ عَمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ مِنْكُمْ " فَكَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

مَا هُوَ ضِدُّ السَّهْوِ لَا التَّخْيِيرُ. وَالْعَتِيرَةُ مَنْسُوخَةٌ، وَهِيَ شَاةٌ تُقَامُ فِي رَجَبٍ عَلَى مَا قِيلَ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّ الْوُجُوبُ بِالْحُرِّيَّةِ لِأَنَّهَا وَظِيفَةٌ مَالِيَّةٌ لَا تَتَأَدَّى إلَّا بِالْمِلْكِ، وَالْمَالِكُ هُوَ الْحُرُّ؛ وَبِالْإِسْلَامِ لِكَوْنِهَا قُرْبَةً، وَبِالْإِقَامَةِ لِمَا بَيَّنَّا، وَالْيَسَارِ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ اشْتِرَاطِ السَّعَةِ؛ وَمِقْدَارُهُ مَا يَجِبُ بِهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَقَدْ مَرَّ فِي الصَّوْمِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنْ أَرَادَ مِنْ قَصْدِ التَّضْحِيَةِ الَّتِي هِيَ وَاجِبَةٌ، كَقَوْلِ مَنْ يَقُولُ مَنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ فَلْيَتَوَضَّأْ. قَوْلُهُ (وَالْعَتِيرَةُ) جَوَابٌ عَمَّا اسْتَشْهَدُوا بِهِ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا قِيلَ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ فِي تَفْسِيرِهَا اخْتِلَافًا، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا يُوَافِقُ تَفْسِيرَ الْمُصَنِّفِ وَذَكَرَ فِي الْإِيضَاحِ أَنَّهَا عِبَارَةٌ عَمَّا إذَا وَلَدَتْ النَّاقَةُ أَوْ الشَّاةُ وَذَبَحَ أَوَّلَ وَلَدِهَا فَأَكَلَ وَأَطْعَمَ، وَهِيَ مَنْسُوخَةٌ بِالْأُضْحِيَّةِ. وَعُورِضَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُتِبَتْ عَلَيَّ الْأُضْحِيَّةُ وَلَمْ تُكْتَبْ عَلَيْكُمْ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ضَحُّوا فَإِنَّهَا سُنَّةُ أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ» وَبِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَا لَا يُضَحِّيَانِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ مَخَافَةَ أَنْ يَرَاهَا النَّاسُ وَاجِبَةً. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمَكْتُوبَةَ الْفَرْضُ وَنَحْنُ نَقُولُ بِأَنَّهَا غَيْرُ فَرْضٍ وَإِنَّمَا هِيَ وَاجِبَةٌ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ " ضَحُّوا " أَمْرٌ وَهُوَ لِلْوُجُوبِ، وَقَوْلُهُ " فَإِنَّهَا سُنَّةُ أَبِيكُمْ " أَيْ طَرِيقَتُهُ، فَالسُّنَّةُ هِيَ الطَّرِيقَةُ الْمَسْلُوكَةُ فِي الدِّينِ. وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّهُمَا كَانَ لَا يُضَحِّيَانِ فِي حَالَةِ الْإِعْسَارِ مَخَافَةَ أَنْ يَرَاهَا النَّاسُ وَاجِبَةً عَلَى الْمُعْسِرِينَ. وَقَوْلُهُ (وَإِنَّمَا اخْتَصَّ الْوُجُوبُ بِالْحُرِّيَّةِ) بَيَانٌ لِلشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ غَيْرَ أَنَّ الْأَدَاءَ يَخْتَصُّ بِأَسْبَابٍ يَشُقُّ عَلَى الْمُسَافِرِ اسْتِحْضَارُهَا. قَوْلُهُ (لِمَا رَوَيْنَا)

وَبِالْوَقْتِ وَهُوَ يَوْمُ الْأَضْحَى لِأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِهِ، وَسَنُبَيِّنُ مِقْدَارَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَتَجِبُ عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي الْوُجُوبِ عَلَيْهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَعَنْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى نَفْسِهِ فَيَلْحَقُ بِهِ كَمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ. وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَنْ وَلَدِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ لِأَنَّ السَّبَبَ هُنَاكَ رَأْسٌ يَمُونُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ وَهُمَا مَوْجُودَانِ فِي الصَّغِيرِ وَهَذِهِ قُرْبَةٌ مَحْضَةٌ. وَالْأَصْلُ فِي الْقُرَبِ أَنْ لَا تَجِبَ عَلَى الْغَيْرِ بِسَبَبِ الْغَيْرِ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ عَنْ عَبْدِهِ وَإِنْ كَانَ يَجِبُ عَنْهُ صَدَقَةُ فِطْرِهِ، وَإِنْ كَانَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ يُضَحِّي عَنْهُ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ مِنْ مَالِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يُضَحِّي مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ، فَالْخِلَافُ فِي هَذَا كَالْخِلَافِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ. وَقِيلَ لَا تَجُوزُ التَّضْحِيَةُ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ، فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، لِأَنَّ هَذِهِ الْقُرْبَةَ تَتَأَدَّى بِالْإِرَاقَةِ وَالصَّدَقَةُ بَعْدَهَا تَطَوُّعٌ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْكُلَ كُلَّهُ. وَالْأَصَحُّ أَنْ يُضَحِّيَ مِنْ مَالِهِ وَيَأْكُلَ مِنْهُ مَا أَمْكَنَهُ وَيَبْتَاعَ بِمَا بَقِيَ مَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ قَالَ (وَيَذْبَحُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَاةً أَوْ يَذْبَحُ بَقَرَةً أَوْ بَدَنَةً عَنْ سَبْعَةٍ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ إلَّا عَنْ وَاحِدٍ، لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ وَاحِدَةٌ وَهِيَ الْقُرْبَةُ، إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ بِالْأَثَرِ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ» . وَلَا نَصَّ فِي الشَّاةِ، فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ. وَتَجُوزُ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQإشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ «مَنْ وَجَدَ سَعَةً وَلَمْ يُضَحِّ» الْحَدِيثُ. وَقَوْلُهُ (سَنُبَيِّنُ مِقْدَارَهُ) أَيْ مِقْدَارَ الْوَقْتِ. وَقَوْلُهُ (لَا تَجِبُ عَنْ وَلَدِهِ) يَعْنِي سَوَاءً كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (وَالْأَصَحُّ أَنْ يُضَحِّيَ مِنْ مَالِهِ) أَيْ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ (وَيَأْكُلَ) أَيْ الصَّغِيرُ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ الَّتِي هِيَ مِنْ مَالِهِ (مَا أَمْكَنَهُ وَيَبْتَاعَ بِمَا بَقِيَ مَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ) كَالْغِرْبَالِ وَالْمُنْخُلِ كَمَا فِي الْجِلْدِ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، وَهَكَذَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وَقِيلَ ذَلِكَ يَصِحُّ فِي جِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ مِنْ غَيْرِ خِلَافِ أَحَدٍ، وَأَمَّا فِي لَحْمِهَا فَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَنْ يُطْعِمَ أَوْ يَأْكُلَ. قَالَ (وَيَذْبَحُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَاةً) كَلَامُهُ وَاضِحٌ.

سِتَّةٍ أَوْ خَمْسَةٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ، ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَصْلِ، لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ عَنْ السَّبْعَةِ فَعَمَّنْ دُونَهُمْ أَوْلَى، وَلَا تَجُوزُ عَنْ ثَمَانِيَةٍ أَخْذًا بِالْقِيَاسِ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ وَكَذَا إذَا كَانَ نَصِيبُ أَحَدِهِمْ أَقَلَّ مِنْ السُّبُعِ، وَلَا تَجُوزُ عَنْ الْكُلِّ لِانْعِدَامِ وَصْفِ الْقُرْبَةِ فِي الْبَعْضِ، وَسَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ مَالِكٌ: تَجُوزُ عَنْ أَهْلِ بَيْتٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ، وَلَا تَجُوزُ عَنْ أَهْلِ بَيْتَيْنِ وَإِنْ كَانُوا أَقَلَّ مِنْهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أَضْحَاةٌ وَعَتِيرَةٌ» قُلْنَا: الْمُرَادُ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَيِّمُ أَهْلِ الْبَيْتِ لِأَنَّ الْيَسَارَ لَهُ يُؤَيِّدُهُ مَا يُرْوَى «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ عَامٍ أَضْحَاةٌ وَعَتِيرَةٌ» وَلَوْ كَانَتْ الْبَدَنَةُ بَيْنَ اثْنَيْنِ نِصْفَيْنِ تَجُوزُ فِي الْأَصَحِّ، لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ ثَلَاثَةُ الْأَسْبَاعِ جَازَ نِصْفُ السُّبُعِ تَبَعًا، وَإِذَا جَازَ عَلَى الشَّرِكَةِ فَقِسْمَةُ اللَّحْمِ بِالْوَزْنِ لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ، وَلَوْ اقْتَسَمُوا جُزَافًا لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَكَارِعِ وَالْجِلْدِ اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ قَالَ (وَلَوْ اشْتَرَى بَقَرَةً يُرِيدُ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ اشْتَرَكَ فِيهَا سِتَّةٌ مَعَهُ جَازَ اسْتِحْسَانًا) وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّهُ أَعَدَّهَا لِلْقُرْبَةِ فَيُمْنَعُ عَنْ بَيْعِهَا تَمَوُّلًا وَالِاشْتِرَاكُ هَذِهِ صِفَتُهُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ قَدْ يَجِدُ بَقَرَةً سَمِينَةً يَشْتَرِيهَا وَلَا يَظْفَرُ بِالشُّرَكَاءِ وَقْتَ الْبَيْعِ، وَإِنَّمَا يَطْلُبُهُمْ بَعْدَهُ فَكَانَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ مَاسَّةً فَجَوَّزْنَاهُ دَفْعًا لِلْحَرَجِ، وَقَدْ أَمْكَنَ لِأَنَّ بِالشِّرَاءِ لِلتَّضْحِيَةِ لَا يَمْتَنِعُ الْبَيْعُ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ الشِّرَاءِ لِيَكُونَ أَبْعَدَ عَنْ الْخِلَافِ، وَعَنْ صُورَةِ الرُّجُوعِ فِي الْقُرْبَةِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُكْرَهُ الِاشْتِرَاكُ بَعْدَ الشِّرَاءِ لِمَا بَيَّنَّا قَالَ (وَلَيْسَ عَلَى الْفَقِيرِ وَالْمُسَافِرِ أُضْحِيَّةٌ) لِمَا بَيَّنَّا. وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ كَانَا لَا يُضَحِّيَانِ إذَا كَانَا مُسَافِرَيْنِ، وَعَنْ عَلِيٍّ: وَلَيْسَ عَلَى الْمُسَافِرِ جُمُعَةٌ وَلَا أُضْحِيَّةٌ قَالَ (وَوَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ يَدْخُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ) ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَهْلِ الْأَمْصَارِ الذَّبْحُ حَتَّى يُصَلِّيَ الْإِمَامُ الْعِيدَ، فَأَمَّا أَهْلُ السَّوَادِ فَيَذْبَحُونَ بَعْدَ الْفَجْرِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ (وَكَذَا إذَا كَانَ نَصِيبُ أَحَدِهِمْ أَقَلَّ مِنْ السُّبُعِ لَا يَجُوزُ) كَمَا إذَا مَاتَ وَتَرَكَ امْرَأَةً وَابْنًا وَبَقَرَةً فَضَحَّيَا بِهَا يَوْمَ الْعِيدِ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّ نَصِيبَ الْمَرْأَةِ أَقَلُّ مِنْ السُّبُعِ فَلَمْ يَجُزْ نَصِيبُهَا وَلَا نَصِيبُ الِابْنِ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ (يَجُوزُ فِي الْأَصَحِّ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَةُ أَسْبَاعٍ وَنِصْفُ سُبُعٍ وَنِصْفُ السُّبُعُ لَا يَجُوزُ فِي الْأُضْحِيَّةِ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ الْبَعْضُ لَمْ يَجُزْ الْبَاقِي. وَجْهُ الْأَصَحِّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَوْلُهُ (إلَّا إذَا كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَكَارِعِ وَالْجِلْدِ) بِأَنْ يَكُونَ مَعَ أَحَدِهِمَا بَعْضُ اللَّحْمِ مَعَ الْأَكَارِعِ وَمَعَ الْآخَرِ الْبَعْضُ مَعَ الْجِلْدِ صَرْفًا لِلْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ. وَقَوْلُهُ (اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ) لِأَنَّ فِي الْقِسْمَةِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ فَلَمْ يَجُزْ مُجَازَفَةٌ عِنْدَ وُجُودِ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ أَمْكَنَ) يَعْنِي دَفْعَ الْحَرَجِ لِأَنَّ بِالشِّرَاءِ لِلتَّضْحِيَةِ لَا يَمْتَنِعُ الْبَيْعُ، وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى أُضْحِيَّةً ثُمَّ بَاعَهَا وَاشْتَرَى مِثْلَهُ لَمْ يَكُنْ بَأْسٌ. (وَقَوْلُهُ لِمَا بَيَّنَّا) أَرُدُّ بِهِ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ أَعَدَّهَا لِلْقُرْبَةِ فَيَمْتَنِعُ عَنْ بَيْعِهَا إلَى آخِرِهِ.

«مَنْ ذَبَحَ شَاةً قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ ذَبِيحَتَهُ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي هَذَا الْيَوْمِ الصَّلَاةُ ثُمَّ الْأُضْحِيَّةُ» غَيْرُ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ فِي حَقِّ مَنْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَهُوَ الْمِصْرِيُّ دُونَ أَهْلِ السَّوَادِ، لِأَنَّ التَّأْخِيرَ لِاحْتِمَالِ التَّشَاغُلِ بِهِ عَنْ الصَّلَاةِ، وَلَا مَعْنَى لِلتَّأْخِيرِ فِي حَقِّ الْقَرَوِيِّ وَلَا صَلَاةَ عَلَيْهِ، وَمَا رَوَيْنَاهُ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي نَفْيِهِمَا الْجَوَازَ بَعْدَ الصَّلَاةِ قَبْلَ نَحْرِ الْإِمَامِ، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ مَكَانُ الْأُضْحِيَّةِ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ فِي السَّوَادِ وَالْمُضَحِّي فِي الْمِصْرِ يَجُوزُ كَمَا انْشَقَّ الْفَجْرُ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ الصَّلَاةِ. وَحِيلَةُ الْمِصْرِيِّ إذَا أَرَادَ التَّعْجِيلَ أَنْ يَبْعَثَ بِهَا إلَى خَارِجِ الْمِصْرِ فَيُضَحِّيَ بِهَا كَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ، لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الزَّكَاةَ مِنْ حَيْثُ أَنَّهَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ قَبْلَ مُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ كَالزَّكَاةِ بِهَلَاكِ النِّصَابِ فَيُعْتَبَرُ فِي الصَّرْفِ مَكَانُ الْمَحَلِّ لَا مَكَانُ الْفَاعِلِ اعْتِبَارًا بِهَا، بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ لِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ بَعْدَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ وَلَوْ ضَحَّى بَعْدَمَا صَلَّى أَهْلُ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُصَلِّ أَهْلُ الْجَبَّانَةِ أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مُعْتَبَرَةٌ، حَتَّى لَوْ اكْتَفَوْا بِهَا أَجْزَأَتْهُمْ وَكَذَا عَلَى عَكْسِهِ. وَقِيلَ هُوَ جَائِزٌ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَمَا رَوَيْنَاهُ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ " وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ " فَإِنَّهُ بِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُ مَا قَبْلَ نَحْرِ الْإِمَامِ وَمَا بَعْدَهُ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ ضَحَّى بَعْدَمَا صَلَّى أَهْلُ الْمَسْجِدِ) مَعْنَاهُ أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ بِالنَّاسِ إلَى الْجَبَّانَةِ وَيَسْتَخْلِفَ مَنْ يُصَلِّي بِالضَّعَفَةِ فِي الْجَامِعِ هَكَذَا فَعَلَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ قَدِمَ الْكُوفَةَ وَقَوْلُهُ (أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قِيَاسًا، لِأَنَّ اعْتِبَارَ جَانِبِ أَهْلِ الْجَبَّانَةِ يَمْنَعُ الْجَوَازَ وَاعْتِبَارَ جَانِبِ أَهْلِ الْمَسْجِدِ يُجَوِّزُ، وَفِي الْعِبَادَاتِ يُؤْخَذُ بِالِاحْتِيَاطِ. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (وَقِيلَ وَهُوَ جَائِزٌ) أَيْ الْعَكْسُ جَائِزٌ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَسْنُونَ فِي الْعِيدِ هُوَ

قَالَ (وَهِيَ جَائِزَةٌ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ: يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ كُلُّهَا أَيَّامُ ذَبْحٍ» وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُمْ قَالُوا: أَيَّامُ النَّحْرِ ثَلَاثَةٌ أَفْضَلُهَا أَوَّلُهَا وَقَدْ قَالُوهُ سَمَاعًا لِأَنَّ الرَّأْيَ لَا يَهْتَدِي إلَى الْمَقَادِيرِ، وَفِي الْأَخْبَارِ تَعَارُضٌ فَأَخَذْنَا بِالْمُتَيَقَّنِ وَهُوَ الْأَقَلُّ، وَأَفْضَلُهَا أَوَّلُهَا كَمَا قَالُوا وَلِأَنَّ فِيهِ مُسَارَعَةً إلَى أَدَاءِ الْقُرْبَةِ وَهُوَ الْأَصْلُ إلَّا لِمُعَارِضٍ. وَيَجُوزُ الذَّبْحُ فِي لَيَالِيِهَا إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِاحْتِمَالِ الْغَلَطِ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ، وَأَيَّامُ النَّحْرِ ثَلَاثَةٌ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ ثَلَاثَةٌ، وَالْكُلُّ يَمْضِي بِأَرْبَعَةٍ أَوَّلُهَا نَحْرٌ لَا غَيْرُ وَآخِرُهَا تَشْرِيقٌ لَا غَيْرُ، وَالْمُتَوَسِّطَانِ نَحْرٌ وَتَشْرِيقٌ، وَالتَّضْحِيَةُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ التَّصَدُّقِ بِثَمَنِ الْأُضْحِيَّةِ لِأَنَّهَا تَقَعُ وَاجِبَةً أَوْ سُنَّةً، وَالتَّصَدُّقُ تَطَوُّعٌ مَحْضٌ فَتَفْضُلُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهَا تَفُوتُ بِفَوَاتِ وَقْتِهَا، وَالصَّدَقَةُ يُؤْتَى بِهَا فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا فَنَزَلَتْ مَنْزِلَةَ الطَّوَافِ وَالصَّلَاةِ فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ (وَلَوْ لَمْ يُضَحِّ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ إنْ كَانَ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ كَانَ فَقِيرًا وَقَدْ اشْتَرَى الْأُضْحِيَّةَ تَصَدَّقَ بِهَا حَيَّةً وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا تَصَدَّقَ بِقِيمَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخُرُوجُ إلَى الْجَبَّانَةِ، وَأَهْلُ الْجَبَّانَةِ هُمْ الْأَصْلُ وَقَدْ صَلَّوْا فَيَجُوزُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا قَالَ (وَهِيَ جَائِزَةٌ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إلَخْ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ الذَّبْحُ فِي لَيَالِيهَا) أَيْ فِي لَيَالِي أَيَّامِ النَّحْرِ الْمُرَادُ بِهَا اللَّيْلَتَانِ الْمُتَوَسِّطَانِ لَا غَيْرُ، فَلَا تَدْخُلُ اللَّيْلَةُ الْأُولَى وَهِيَ لَيْلَةُ الْعَاشِرِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَلَا لَيْلَةُ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، لِأَنَّ وَقْتَ الْأُضْحِيَّةِ يَدْخُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ، وَيَفُوتُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِيَ عَشَرَ، فَلَا يَجُوزُ فِي لَيْلَةِ النَّحْرِ أَلْبَتَّةَ لِوُقُوعِهَا قَبْلَ وَقْتِهَا وَلَا فِي لَيْلَةِ التَّشْرِيقِ الْمَحْضِ لِخُرُوجِهِ، وَإِنَّمَا جَازَتْ فِي اللَّيْلِ لِأَنَّ اللَّيَالِيَ تَبَعٌ لِلْأَيَّامِ، وَأَمَّا الْكَرَاهَةُ فَلِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (وَالتَّضْحِيَةُ فِيهَا) أَيْ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ (أَفْضَلُ مِنْ التَّصَدُّقِ بِثَمَنِ الْأُضْحِيَّةِ) أَمَّا فِي حَقِّ الْمُوسِرِ فَلِأَنَّهَا تَقَعُ وَاجِبَةً فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَوْ سُنَّةً فِي أَحَدِ قَوْلَيْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالتَّصَدُّقُ بِالثَّمَنِ تَطَوُّعٌ مَحْضٌ، وَلَا شَكَّ فِي أَفْضَلِيَّةِ الْوَاجِبِ أَوْ السُّنَّةِ عَلَى التَّطَوُّعِ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الْمُعْسِرِ فَلِأَنَّ فِيهَا جَمْعًا بَيْنَ التَّقَرُّبِ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ، وَالتَّصَدُّقُ وَالْإِرَاقَةُ قُرْبَةٌ تَفُوتُ بِفَوَاتِ هَذِهِ الْأَيَّامِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ أَفْضَلُ، وَهَذَا الدَّلِيلُ يَشْمَلُ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ وَتَشْبِيهُهُ بِالصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ ظَاهِرٌ، فَإِنَّ الطَّوَافَ فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ لِفَوَاتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ الَّتِي لَا تَفُوتُ، بِخِلَافِ الْمَكِّيِّ فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ (لَوْ لَمْ يُضَحِّ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ إنْ كَانَ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ) بِأَنْ عَيَّنَ شَاةً فَقَالَ: لِلَّهِ عَلِيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَذِهِ الشَّاةِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُوجِبُ فَقِيرًا أَوْ غَنِيًّا (أَوْ كَانَ) الْمُضَحِّي (فَقِيرًا وَقَدْ اشْتَرَى شَاةً بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ تَصَدَّقَ بِهَا حَيَّةً وَإِنْ كَانَ) مَنْ لَمْ يُضَحِّ (غَنِيًّا) وَلَمْ يُوجِبْ عَلَى نَفْسِهِ شَاةً بِعَيْنِهَا (تَصَدَّقَ بِقِيمَةِ

شَاةٍ اشْتَرَى أَوْ لَمْ يَشْتَرِ) لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْغَنِيِّ. وَتَجِبُ عَلَى الْفَقِيرِ بِالشِّرَاءِ بِنِيَّةِ التَّضْحِيَةِ عِنْدَنَا، فَإِذَا فَاتَ الْوَقْتُ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ إخْرَاجًا لَهُ عَنْ الْعُهْدَةِ، كَالْجُمُعَةِ تُقْضَى بَعْدَ فَوَاتِهَا ظُهْرًا، وَالصَّوْمِ بَعْدَ الْعَجْزِ فِدْيَةً قَالَ: (وَلَا يُضَحِّي بِالْعَمْيَاءِ وَالْعَوْرَاءِ وَالْعَرْجَاءِ الَّتِي لَا تَمْشِي إلَى الْمَنْسِكِ وَلَا الْعَجْفَاءِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا تُجْزِئُ فِي الضَّحَايَا أَرْبَعَةٌ: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرْجُهَا وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي» قَالَ (وَلَا تُجْزِئُ مَقْطُوعَةُ الْأُذُنِ وَالذَّنَبِ) . أَمَّا الْأُذُنُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اسْتَشْرِفُوا الْعَيْنَ وَالْأُذُنَ» أَيْ اُطْلُبُوا سَلَامَتَهُمَا. وَأَمَّا الذَّنَبُ فَلِأَنَّهُ عُضْوٌ كَامِلٌ مَقْصُودٌ فَصَارَ كَالْأُذُنِ. قَالَ (وَلَا الَّتِي ذَهَبَ أَكْثَرُ أُذُنِهَا وَذَنَبِهَا، وَإِنْ بَقِيَ أَكْثَرُ الْأُذُنِ وَالذَّنَبِ جَازَ) لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ بَقَاءً وَذَهَابًا وَلِأَنَّ الْعَيْبَ الْيَسِيرَ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَجُعِلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQاشْتَرَى أَوْ لَمْ يَشْتَرِ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْغَنِيِّ) عَيَّنَهَا أَوْ لَمْ يُعَيِّنْهَا (وَعَلَى الْفَقِيرِ بِالشِّرَاءِ بِنِيَّةِ التَّضْحِيَةِ عِنْدَنَا فَإِذَا فَاتَ وَقْتُ التَّقَرُّبِ بِالْإِرَاقَةِ) وَالْحَقُّ مُسْتَحَقٌّ (وَجَبَ التَّصَدُّقُ) بِالْعَيْنِ أَوْ الْقِيمَةِ (إخْرَاجًا لَهُ عَنْ الْعُهْدَةِ، كَالْجُمُعَةِ تُقْضَى بَعْدَ فَوَاتِهَا ظُهْرًا، وَالصَّوْمِ بَعْدَ الْعَجْزِ فِدْيَةً) وَالْجَامِعُ بَيْنُهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ قَضَاءَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي الْأَدَاءِ بِجِنْسٍ خِلَافُ الْأَدَاءِ. قَالَ (وَلَا يُضَحَّى بِالْعَمْيَاءِ وَالْعَوْرَاءِ) هَذَا بَيَانُ مَا لَا يَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِهِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْعَيْبَ الْفَاحِشَ مَانِعٌ وَالْيَسِيرَ غَيْرُ مَانِعٍ، لِأَنَّ الْحَيَوَانَ قَلَّمَا يَنْجُو عَنْ يَسِيرِ الْعَيْبِ، وَالْيَسِيرُ مَا لَا أَثَرَ لَهُ فِي لَحْمِهَا، وَلِلْعَوَرِ أَثَرٌ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُبْصِرُ بِعَيْنٍ وَاحِدَةٍ مِنْ الْعَلَفِ مَا يُبْصِرُ بِعَيْنَيْنِ، وَقِلَّةُ الْعَلَفِ تُورِثُ الْهُزَالَ، وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ دَالٌّ عَلَى ذَلِكَ. وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا: هِيَ مَا لَا يُمْكِنُهَا الْمَشْيُ بِرِجْلِهَا الْعَرْجَاءِ،

عَفْوًا، وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مِقْدَارِ الْأَكْثَرِ. فَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْهُ: وَإِنْ قُطِعَ مِنْ الذَّنَبِ أَوْ الْأُذُنِ أَوْ الْعَيْنِ أَوْ الْأَلْيَةِ الثُّلُثُ أَوْ أَقَلُّ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّ الثُّلُثَ تَنْفُذُ فِيهِ الْوَصِيَّةُ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْوَرَثَةِ فَاعْتُبِرَ قَلِيلًا، وَفِيمَا زَادَ لَا تَنْفُذُ إلَّا بِرِضَاهُمْ فَاعْتُبِرَ كَثِيرًا، وَيُرْوَى عَنْهُ الرُّبُعُ لِأَنَّهُ يَحْكِي حِكَايَةَ الْكَمَالِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الصَّلَاةِ، وَيُرْوَى الثُّلُثُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ الْوَصِيَّةِ «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إذَا بَقِيَ الْأَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ أَجْزَأَهُ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: أَخْبَرْت بِقَوْلِي أَبَا حَنِيفَةَ، فَقَالَ قَوْلِي هُوَ قَوْلُك. قِيلَ هُوَ رُجُوعٌ مِنْهُ إلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ قَوْلِي قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِك. وَفِي كَوْنِ النِّصْفِ مَانِعًا رِوَايَتَانِ عَنْهُمَا كَمَا فِي انْكِشَافِ الْعُضْوِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، ثُمَّ مَعْرِفَةُ الْمِقْدَارِ فِي غَيْرِ الْعَيْنِ مُتَيَسَّرٌ، وَفِي الْعَيْنِ قَالُوا: تُشَدُّ الْعَيْنُ الْمَعِيبَةُ بَعْدَ أَنْ لَا تَعْتَلِفَ الشَّاةُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ يُقَرَّبُ الْعَلَفُ إلَيْهَا قَلِيلًا قَلِيلًا، فَإِذَا رَأَتْهُ مِنْ مَوْضِعٍ أُعْلِمَ عَلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ ثُمَّ تُشَدُّ عَيْنُهَا الصَّحِيحَةُ وَقُرِّبَ إلَيْهَا الْعَلَفُ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى إذَا رَأَتْهُ مِنْ مَكَان أُعْلِمَ عَلَيْهِ. ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى تَفَاوُتِ مَا بَيْنَهُمَا، فَإِنْ كَانَ ثُلُثًا فَالذَّاهِبُ الثُّلُثُ، وَإِنْ كَانَ نِصْفًا فَالنِّصْفُ قَالَ (وَيَجُوزُ أَنْ يُضَحِّيَ بِالْجَمَّاءِ) وَهِيَ الَّتِي لَا قَرْنَ لَهَا لِأَنَّ الْقَرْنَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَقْصُودٌ، وَكَذَا مَكْسُورَةُ الْقَرْنِ لِمَا قُلْنَا (وَالْخَصِيِّ) لِأَنَّ لَحْمَهَا أَطْيَبُ وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ» (وَالثَّوْلَاءِ) وَهِيَ الْمَجْنُونَةُ، وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَتْ تَعْتَلِفُ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ، أَمَّا إذَا كَانَتْ لَا تَعْتَلِفُ فَلَا تُجْزِئُهُ. وَالْجَرْبَاءُ إنْ كَانَتْ سَمِينَةً جَازَ لِأَنَّ الْجَرَبَ فِي الْجِلْدِ وَلَا نُقْصَانَ فِي اللَّحْمِ، وَإِنْ كَانَتْ مَهْزُولَةً لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْجَرَبَ فِي اللَّحْمِ فَانْتَقَصَ. وَأَمَّا الْهَتْمَاءُ وَهِيَ الَّتِي لَا أَسْنَانَ لَهَا؛ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْأَسْنَانِ الْكَثْرَةُ وَالْقِلَّةُ، وَعَنْهُ إنْ بَقِيَ مَا يُمْكِنُهُ الِاعْتِلَافُ بِهِ أَجْزَأَهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ. وَالسَّكَّاءُ وَهِيَ الَّتِي لَا أُذُنَ لَهَا خِلْقَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنَّمَا تَمْشِي بِثَلَاثِ قَوَائِمَ حَتَّى لَوْ كَانَتْ تَضَعُ الرَّابِعَةَ عَلَى الْأَرْضِ وَتَسْتَعِينُ بِهَا جَازَ. وَالْعَجْفَاءُ: الَّتِي لَا تُنَقَّى: هِيَ الَّتِي لَيْسَ لَهَا نِقًى: أَيْ مُخٌّ مِنْ شِدَّةِ الْعَجَفِ، وَبَقِيَّةُ كَلَامِهِ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَقِيلَ مَعْنَاهُ قَوْلِي قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِك) أَيْ قَوْلِي الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ مَانِعٌ لَا مَا دُونَهُ أَقْرَبُ إلَى قَوْلِك الَّذِي هُوَ أَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ إذَا بَقِيَ أَجْزَأَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّ الرُّبُعَ أَوْ الثُّلُثَ مَانِعٌ. وَفِي كَوْنِ النِّصْفِ مَانِعًا عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ رِوَايَتَانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُ ذَلِكَ فِي الْكَشَّافِ الْعُضْوُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْقَرْنَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَقْصُودُ) أَلَا تَرَى أَنَّ التَّضْحِيَةَ بِالْإِبِلِ جَائِزَةٌ وَلَا قَرْنَ لَهُ، وَالْكَبْشُ الْأَمْلَحُ مَا فِيهِ مُلْحَةٌ، وَهِيَ بَيَاضٌ

لَا تَجُوزُ، لِأَنَّ مَقْطُوعَ أَكْثَرِ الْأُذُنِ إذَا كَانَ لَا يَجُوزُ فَعَدِيمُ الْأُذُنِ أَوْلَى (وَهَذَا) الَّذِي ذَكَرْنَا (إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْعُيُوبُ قَائِمَةً وَقْتَ الشِّرَاءِ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا سَلِيمَةً ثُمَّ تَعَيَّبَتْ بِعَيْبٍ مَانِعٍ إنْ كَانَ غَنِيًّا عَلَيْهِ غَيْرُهَا، وَإِنْ فَقِيرًا تُجْزِئُهُ هَذِهِ) لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْغَنِيِّ بِالشَّرْعِ ابْتِدَاءً لَا بِالشِّرَاءِ فَلَمْ تَتَعَيَّنْ بِهِ، وَعَلَى الْفَقِيرِ بِشِرَائِهِ بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ فَتَعَيَّنَتْ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ نُقْصَانِهِ كَمَا فِي نِصَابِ الزَّكَاةِ، وَعَنْ هَذَا الْأَصْلِ قَالُوا: إذَا مَاتَتْ الْمُشْتَرَاةُ لِلتَّضْحِيَةِ؛ عَلَى الْمُوسِرِ مَكَانَهَا أُخْرَى وَلَا شَيْءَ عَلَى الْفَقِيرِ، وَلَوْ ضَلَّتْ أَوْ سُرِقَتْ فَاشْتَرَى أُخْرَى ثُمَّ ظَهَرَتْ الْأُولَى فِي أَيَّامِ النَّحْرِ عَلَى الْمُوسِرِ ذَبْحُ إحْدَاهُمَا وَعَلَى الْفَقِيرِ ذَبْحُهُمَا (وَلَوْ أَضْجَعَهَا فَاضْطَرَبَتْ فَانْكَسَرَتْ رِجْلُهَا فَذَبَحَهَا أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا) عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، لِأَنَّ حَالَةَ الذَّبْحِ وَمُقَدِّمَاتِهِ مُلْحَقَةٌ بِالذَّبْحِ فَكَأَنَّهُ حَصَلَ بِهِ اعْتِبَارًا وَحُكْمًا (وَكَذَا لَوْ تَعَيَّبَتْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَانْفَلَتَتْ ثُمَّ أُخِذَتْ مِنْ فَوْرِهِ، وَكَذَا بَعْدَ فَوْرِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) لِأَنَّهُ حَصَلَ بِمُقَدِّمَاتِ الذَّبْحِ. قَالَ (وَالْأُضْحِيَّةُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيَشُوبُهُ شُعَيْرَاتٌ سُودٌ. وَالْوَجْءُ نَوْعٌ مِنْ الْخِصَاءِ، وَهُوَ أَنْ تُرَضَّ الْعُرُوقُ مِنْ غَيْرِ إخْرَاجِ الْخُصْيَتَيْنِ. وَقَوْلُهُ (فَتَعَيَّنَتْ) يَعْنِي هَذِهِ الشَّاةَ الْمُشْتَرَاةَ لِلْأُضْحِيَّةِ. وَقَوْلُهُ (كَمَا فِي نِصَابِ الزَّكَاةِ) فَإِنَّهُ إذَا نَقَصَ بَعْدَمَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِيهِ يَسْقُطُ بِقَدْرِهِ وَلَا يَضْمَنُهُ رَبُّ الْمَالِ لِأَنَّ النُّقْصَانَ لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَحِلَّ الْوُجُوبِ فِيهِمَا جَمِيعًا الْمَالُ لَا الذِّمَّةُ، فَإِذَا هَلَكَ الْمَالُ سَقَطَ الْوُجُوبُ (وَعَنْ هَذَا الْأَصْلِ) يَعْنِي كَوْنَ الْوُجُوبِ عَلَى الْغَنِيِّ بِالشِّرْعَةِ لَا بِالشِّرَاءِ وَعَلَى الْفَقِيرِ بِالْعَكْسِ. وَقَوْلُهُ (وَعَلَى الْفَقِيرِ ذَبْحُهُمَا) لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ وَقَدْ تَعَدَّدَ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ الْأَصْلِ يُوَافِقُ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا كَانَ مُوسِرًا لَا تَصِيرُ وَاجِبَةً بِالشِّرَاءِ بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - تَجِبُ. وَرَوَى الزَّعْفَرَانِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا لَا تَجِبُ وَهُوَ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ. وَقَوْلُهُ (فَانْكَسَرَتْ رِجْلُهَا) مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْخَاصِّ وَإِرَادَةِ الْعَامِّ، فَإِنَّهُ إذَا أَصَابَهَا مَانِعٌ غَيْرُ الِانْكِسَارِ بِالِاضْطِرَابِ حَالَةَ الْإِضْجَاعِ لِلذَّبْحِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ الْإِجْزَاءُ بِالِاسْتِحْسَانِ لِأَنَّ وَجْهَ الْقِيَاسِ بِخِلَافِهِ، لِأَنَّ تَأْدِي الْوَاجِبِ بِالتَّضْحِيَةِ لَا بِالْإِضْجَاعِ وَهِيَ مَعِيبَةٌ عِنْدَهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ قَبْلَهُ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ حَصَلَ بِمُقَدِّمَاتِ الذَّبْحِ) دَلِيلُ مُحَمَّدٍ. وَدَلِيلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الْفَوْرَ لَمَّا انْقَطَعَ خَرَجَ الْفِعْلُ الَّذِي تَعَيَّنَتْ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا مِنْ أَسْبَابِ هَذَا الذَّبْحِ الَّذِي وُجِدَ بَعْدَ الْفَوْرِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَا حَصَلَ بِفِعْلٍ آخَرَ. قَالَ (وَالْأُضْحِيَّةُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ إلَخْ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي مَذْهَبِ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ الْجَذَعُ مِنْ الشِّيَاهِ مَا تَمَّتْ لَهَا سَنَةٌ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ. وَقَوْلُهُ لِأَنَّهَا هِيَ الْأَصْلُ فِي التَّبَعِيَّةِ لِأَنَّهُ جُزْؤُهَا وَلِهَذَا يَتْبَعُهَا فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُنْفَصِلَ مِنْ الْفَحْلِ هُوَ الْمَاءُ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مَحِلٍّ لِهَذَا الْحُكْمِ،

لِأَنَّهَا عُرِفَتْ شَرْعًا وَلَمْ تُنْقَلْ التَّضْحِيَةُ بِغَيْرِهَا مِنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. قَالَ (وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ الثَّنِيُّ فَصَاعِدًا. إلَّا الضَّأْنَ فَإِنَّ الْجَذَعَ مِنْهُ يُجْزِئُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ضَحُّوا بِالثَّنَايَا إلَّا أَنْ يُعْسِرَ عَلَى أَحَدِكُمْ فَلْيَذْبَحْ الْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نِعْمَتْ الْأُضْحِيَّةُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ» قَالُوا: وَهَذَا إذَا كَانَتْ عَظِيمَةً بِحَيْثُ لَوْ خُلِطَتْ بِالثُّنْيَانِ يَشْتَبِهُ عَلَى النَّاظِرِ مِنْ بَعِيدٍ. وَالْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ مَا تَمَّتْ لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فِي مَذْهَبِ الْفُقَهَاءِ، وَذَكَرَ الزَّعْفَرَانِيُّ أَنَّهُ ابْنُ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ. وَالثَّنِيُّ مِنْهَا وَمِنْ الْمَعَزِ سَنَةٌ، وَمِنْ الْبَقَرِ ابْنُ سَنَتَيْنِ، وَمِنْ الْإِبِلِ ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ، وَيَدْخُلُ فِي الْبَقَرِ الْجَامُوسُ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ، وَالْمَوْلُودُ بَيْنَ الْأَهْلِيِّ وَالْوَحْشِيِّ يَتْبَعُ الْأُمَّ لِأَنَّهَا هِيَ الْأَصْلُ فِي التَّبَعِيَّةِ، حَتَّى إذَا نَزَا الذِّئْبُ عَلَى الشَّاةِ يُضَحَّى بِالْوَلَدِ. قَالَ (وَإِذَا اشْتَرَى سَبْعَةٌ بَقَرَةً لِيُضَحُّوا بِهَا فَمَاتَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ النَّحْرِ وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ اذْبَحُوهَا عَنْهُ وَعَنْكُمْ أَجْزَأَهُمْ، وَإِنْ كَانَ شَرِيكُ السِّتَّةِ نَصْرَانِيًّا أَوْ رَجُلًا يُرِيدُ اللَّحْمَ لَمْ يُجْزِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ) وَوَجْهُهُ أَنَّ الْبَقَرَةَ تَجُوزُ عَنْ سَبْعَةٍ، وَلَكِنَّ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ قَصْدُ الْكُلِّ الْقُرْبَةَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ جِهَاتُهَا كَالْأُضْحِيَّةِ وَالْقِرَانِ وَالْمُتْعَةِ عِنْدَنَا لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْقُرْبَةُ، وَقَدْ وُجِدَ هَذَا الشَّرْطُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الضَّحِيَّةَ عَنْ الْغَيْرِ عُرِفَتْ قُرْبَةً؛ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ضَحَّى عَنْ أَمَتِهِ عَلَى مَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي لِأَنَّ النَّصْرَانِيَّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَكَذَا قَصْدُ اللَّحْمِ يُنَافِيهَا. وَإِذَا لَمْ يَقَعْ الْبَعْضُ قُرْبَةً وَالْإِرَاقَةُ لَا تَتَجَزَّأُ فِي حَقِّ الْقُرْبَةِ لَمْ يَقَعْ الْكُلُّ أَيْضًا فَامْتَنَعَ الْجَوَازُ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ اسْتِحْسَانٌ. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِالْإِتْلَافِ فَلَا يَجُوزُ عَنْ غَيْرِهِ كَالْإِعْتَاقِ عَنْ الْمَيِّتِ، لَكِنَّا نَقُولُ: الْقُرْبَةُ قَدْ تَقَعُ عَنْ الْمَيِّتِ كَالتَّصَدُّقِ، بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّ فِيهِ إلْزَامَ الْوَلَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ (فَلَوْ ذَبَحُوهَا عَنْ صَغِيرٍ فِي الْوَرَثَةِ أَوْ أُمِّ وَلَدٍ جَازَ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ قُرْبَةٌ (وَلَوْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَذَبَحَهَا الْبَاقُونَ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَرَثَةِ لَا تُجْزِيهِمْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ بَعْضُهَا قُرْبَةً، وَفِيمَا تَقَدَّمَ وُجِدَ الْإِذْنُ مِنْ الْوَرَثَةِ فَكَانَ قُرْبَةً. قَالَ (وَيَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ وَيُطْعِمُ الْأَغْنِيَاءَ وَالْفُقَرَاءَ وَيَدَّخِرُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَكُلُوا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُنْفَصِلُ مِنْ الْأُمِّ هُوَ الْحَيَوَانُ وَهُوَ مَحِلٌّ لَهُ فَاعْتُبِرَ بِهَا قَوْلُهُ (لَكِنْ مِنْ شَرْطِ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ بِالْكُلِّ الْقُرْبَةَ) لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: النَّصُّ وَرَدَ فِي الْأُضْحِيَّةِ فَكَيْفَ جَوَّزْتُمْ مَعَ اخْتِلَافِ جِهَاتِ الْقُرَبِ كَالْأُضْحِيَّةِ وَالْقِرَانِ وَالْمُتْعَةِ؟ قُلْنَا: اعْتَمَدَ عَلَى ذَلِكَ زُفَرُ وَلَمْ يُجَوِّزْ عِنْدَ اخْتِلَافِهَا. لَكِنَّا نَقُولُ: إذَا كَانَتْ الْجِهَاتُ قُرَبًا اتَّحَدَ مَعْنَاهَا مِنْ حَيْثُ كَوْنِهَا قُرْبَةً فَجَازَ الْإِلْحَاقُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بَعْضُهَا غَيْرَ قُرْبَةٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهَا، وَإِذَا بَطَلَ فِي ذَلِكَ بَطَلَ فِي الْبَاقِي لِعَدَمِ التَّجَزِّي. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ قُرْبَةٌ) يُشِيرُ إلَى وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ. وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ لَا تَتَجَزَّأُ، وَبَعْضُ الْإِرَاقَةِ وَقَعَ نَفْلًا أَوْ لَحْمًا فَصَارَ الْكُلُّ كَذَلِكَ، وَلَمْ يُعْكَسْ لِأَنَّ الْوَاجِبَ قَدْ يَنْقَلِبُ تَطَوُّعًا بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَالْإِرَاقَةُ قَدْ تَصِيرُ لِلَحْمٍ مَعَ نِيَّةِ الْقُرْبَةِ إذَا لَمْ تُصَادِفْ مَحِلَّهَا أَوْ كَانَتْ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ، وَالْإِرَاقَةُ لِلَحْمٍ لَا تَصِيرُ قُرْبَةً بِحَالٍ. وَقَالَ (وَيَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ إلَخْ) الْأُضْحِيَّةُ إمَّا أَنْ

مِنْهَا وَادَّخِرُوا» وَمَتَى جَازَ أَكْلُهُ وَهُوَ غَنِيٌّ جَازَ أَنْ يُؤَكِّلَهُ غَنِيًّا قَالَ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ الصَّدَقَةَ عَنْ الثُّلُثِ) لِأَنَّ الْجِهَاتِ ثَلَاثَةٌ: الْأَكْلُ وَالِادِّخَارُ لِمَا رَوَيْنَا، وَالْإِطْعَامُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى " {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] فَانْقَسَمَ عَلَيْهِمْ أَثْلَاثًا قَالَ (وَيَتَصَدَّقُ بِجِلْدِهَا) لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا (أَوْ يَعْمَلُ مِنْهُ آلَةً تُسْتَعْمَلُ فِي الْبَيْتِ) كَالنِّطْعِ وَالْجِرَابِ وَالْغِرْبَالِ وَنَحْوِهَا، لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهِ غَيْرُ مُحَرَّمٍ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ مَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ فِي الْبَيْتِ مَعَ بَقَائِهِ) اسْتِحْسَانًا، وَذَلِكَ مِثْلُ مَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ لِلْبَدَلِ حُكْمَ الْمُبْدَلِ، (وَلَا يَشْتَرِي بِهِ مَا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ إلَّا بَعْدَ اسْتِهْلَاكِهِ كَالْخَلِّ وَالْأَبَازِيرِ) اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ بِالدَّرَاهِمِ. وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ تَصَرُّفٌ عَلَى قَصْدِ التَّمَوُّلِ، وَاللَّحْمُ بِمَنْزِلَةِ الْجِلْدِ فِي الصَّحِيحِ، فَلَوْ بَاعَ الْجِلْدَ أَوْ اللَّحْمَ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ بِمَا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ إلَّا بَعْدَ اسْتِهْلَاكِهِ تَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ، لِأَنَّ الْقُرْبَةَ انْتَقَلَتْ إلَى بَدَلِهِ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ بَاعَ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِ فَلَا أُضْحِيَّةَ لَهُ» يُفِيدُ كَرَاهَةَ الْبَيْعِ، الْبَيْعُ جَائِزٌ لِقِيَامِ الْمِلْكِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ قَالَ (وَلَا يُعْطِي أُجْرَةَ الْجَزَّارِ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَصَدَّقْ بِجِلَالِهَا وَخِطَامِهَا وَلَا تُعْطِ أَجْرَ الْجَزَّارِ مِنْهَا شَيْئًا» وَالنَّهْيُ عَنْهُ نَهْيٌ عَنْ الْبَيْعِ أَيْضًا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ قَالَ (وَيُكْرَهُ أَنْ يَجُزَّ صُوفَ أُضْحِيَّتِهِ وَيَنْتَفِعَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَهَا) لِأَنَّهُ الْتَزَمَ إقَامَةَ الْقُرْبَةِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الذَّبْحِ لِأَنَّهُ أُقِيمَتْ الْقُرْبَةُ بِهَا كَمَا فِي الْهَدْيِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَحْلُبَ لَبَنَهَا فَيَنْتَفِعَ بِهِ كَمَا فِي الصُّوفِ. قَالَ (وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَذْبَحَ أُضْحِيَّتَهُ بِيَدِهِ إنْ كَانَ يُحْسِنُ الذَّبْحَ) وَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُهُ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِغَيْرِهِ، وَإِذَا اسْتَعَانَ بِغَيْرِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَشْهَدَهَا بِنَفْسِهِ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِفَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قُومِي فَاشْهَدِي أُضْحِيَّتَك، فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَك بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا كُلُّ ذَنْبٍ» قَالَ (وَيُكْرَهُ أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَكُونَ مَنْذُورَةً أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَالْحُكْمُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْ لَحْمِهَا وَلَا أَنْ يُطْعِمَ الْأَغْنِيَاءَ لِأَنَّ سَبِيلَهَا التَّصَدُّقُ، وَلَيْسَ لِلْمُتَصَدِّقِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ صَدَقَتِهِ، وَلَوْ أَكَلَ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ مَا أَكَلَ. وَقَوْلُهُ (لِمَا رَوَيْنَا) يَعْنِي قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَكُلُوا مِنْهَا وَادَّخِرُوا» وَالْقَانِعُ: هُوَ السَّائِلُ، مِنْ الْقَنُوعِ لَا مِنْ الْقَنَاعَةِ، وَالْمُعْتَرُّ: هُوَ الَّذِي يَتَعَرَّضُ لِلسُّؤَالِ وَلَا يَسْأَلُ. وَقَوْلُهُ (كَالْخَلِّ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ (وَالْأَبَازِيرُ) التَّوَابِلُ جَمْعُ أَبْزَارٍ بِالْفَتْحِ. وَقَوْلُهُ (فِي الصَّحِيحِ) احْتِرَازًا عَمَّا قَبْلُ إنَّهُ لَيْسَ فِي اللَّحْمِ إلَّا الْأَكْلَ وَالْإِطْعَامَ، فَلَوْ بَاعَ بِشَيْءٍ يُنْتَفَعُ بِهِ بِعَيْنِهِ لَا يَجُوزُ، وَالصَّحِيحُ مَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إنَّ اللَّحْمَ بِمَنْزِلَةِ الْجِلْدِ، إنْ بَاعَهُ بِشَيْءٍ يُنْتَفَعُ بِهِ بِعَيْنِهِ جَازَ. وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى بِاللَّحْمِ ثَوْبًا فَلَا بَأْسَ بِلُبْسِهِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْقُرْبَةَ انْتَقَلَتْ إلَى بَدَلِهِ) لِأَنَّ تَمَلُّكَ الْبَدَلِ مِنْ حَيْثُ التَّمَوُّلِ سَاقِطٌ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا جِهَةُ الْقُرْبَةِ وَسَبِيلُهَا التَّصَدُّقُ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ. قَوْلُهُ (مِنْ دَمِهَا كُلُّ ذَنْبٍ) ، تَمَامُ الْحَدِيثِ «أَمَّا أَنَّهُ يُجَاءُ بِدَمِهَا

يَذْبَحَهَا الْكِتَابِيُّ) لِأَنَّهُ عَمَلٌ هُوَ قُرْبَةٌ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، فَلَوْ أَمَرَهُ فَذَبَحَ جَازَ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ، وَالْقُرْبَةُ أُقِيمَتْ بِإِنَابَتِهِ وَنِيَّتِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَ الْمَجُوسِيَّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ فَكَانَ إفْسَادًا. قَالَ (وَإِذَا غَلِطَ رَجُلَانِ فَذَبَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُضْحِيَّةَ الْآخَرِ أَجْزَأَ عَنْهُمَا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ مَنْ ذَبَحَ أُضْحِيَّةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهَا، وَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْأُضْحِيَّةِ فِي الْقِيَاسِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الذَّابِحِ، وَهُوَ قَوْلُنَا. وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ ذَبَحَ شَاةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَيَضْمَنُ، كَمَا إذَا ذَبَحَ شَاةً اشْتَرَاهَا الْقَصَّابُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا تَعَيَّنَتْ لِلذَّبْحِ لِتَعَيُّنِهَا لِلْأُضْحِيَّةِ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا بِعَيْنِهَا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ. وَيُكْرَهُ أَنْ يُبْدِلَ بِهَا غَيْرَهَا فَصَارَ الْمَالُ مُسْتَعِينًا بِكُلِّ مَنْ يَكُونُ أَهْلًا لِلذَّبْحِ آذِنًا لَهُ دَلَالَةً لِأَنَّهَا تَفُوتُ بِمُضِيِّ هَذِهِ الْأَيَّامِ، وَعَسَاهُ يَعْجَزُ عَنْ إقَامَتِهَا بِعَوَارِضَ فَصَارَ كَمَا إذَا ذَبَحَ شَاةً شَدَّ الْقَصَّابُ رِجْلَهَا، فَإِنْ قِيلَ: يَفُوتُهُ أَمْرٌ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ أَنْ يَذْبَحَهَا بِنَفْسِهِ أَوْ يَشْهَدَ الذَّبْحَ فَلَا يَرْضَى بِهِ. قُلْنَا: يَحْصُلُ لَهُ بِهِ مُسْتَحَبَّانِ آخَرَانِ، صَيْرُورَتُهُ مُضَحِّيًا لِمَا عَيَّنَهُ، وَكَوْنُهُ مُعَجِّلًا بِهِ فَيَرْتَضِيهِ، وَلِعُلَمَائِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مِنْ هَذَا الْجِنْسِ مَسَائِلُ اسْتِحْسَانِيَّةٌ، وَهِيَ أَنَّ مَنْ طَبَخَ لَحْمَ غَيْرِهِ أَوْ طَحَنَ حِنْطَتَهُ أَوْ رَفَعَ جَرَّتَهُ فَانْكَسَرَتْ أَوْ حَمَّلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَعَطِبَتْ كُلُّ ذَلِكَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمَالِكِ يَكُونُ ضَامِنًا، وَلَوْ وَضَعَ الْمَالِكُ اللَّحْمَ فِي الْقِدْرِ وَالْقِدْرَ عَلَى الْكَانُونِ وَالْحَطَبَ تَحْتَهُ، أَوْ جَعَلَ الْحِنْطَةَ فِي الدَّوْرَقِ وَرَبَطَ الدَّابَّةَ عَلَيْهِ، أَوْ رَفَعَ الْجَرَّةَ وَأَمَالَهَا إلَى نَفْسِهِ أَوْ حَمَّلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَسَقَطَ فِي الطَّرِيقِ، فَأَوْقَدَ هُوَ النَّارَ فِيهِ وَطَبَخَهُ، أَوْ سَاقَ الدَّابَّةَ فَطَحَنَهَا، أَوْ أَعَانَهُ عَلَى رَفْعِ الْجَرَّةِ فَانْكَسَرَتْ فِيمَا بَيْنَهُمَا، أَوْ حَمَّلَ عَلَى دَابَّتِهِ مَا سَقَطَ فَعَطِبَتْ لَا يَكُونُ ضَامِنًا فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا اسْتِحْسَانًا لِوُجُودِ الْإِذْنِ دَلَالَةً. إذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ: ذَبَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُضْحِيَّةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ صَرِيحًا فَهِيَ خِلَافِيَّةُ زُفَرَ بِعَيْنِهَا وَيَتَأَتَّى فِيهَا الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ كَمَا ذَكَرْنَا، فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَسْلُوخَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَحْمِهَا فَيُوضَعُ فِي مِيزَانِك وَسَبْعُونَ ضَعْفًا فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَذَا لِآلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً أَمْ لِآلِ مُحَمَّدٍ وَالْمُسْلِمِينَ عَامَّةً؟ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِآلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً، وَلِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً» . وَقَوْلُهُ (حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا بِعَيْنِهَا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُضَحِّي فَقِيرًا (وَيُكْرَهُ أَنْ يُبْدِلَ بِهَا غَيْرَهَا) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ غَنِيًّا قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: هَكَذَا وَجَدْت بِخَطِّ شَيْخِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَوْلُهُ (فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ أُضْحِيَّتَهُ) يَعْنِي لَوْ بَاعَ أُضْحِيَّتَهُ وَاشْتَرَى بِقِيمَتِهَا غَيْرَهَا، فَلَوْ كَانَ غَيْرَهَا انْتَقَصَ

مِنْ صَاحِبِهِ، وَلَا يُضَمِّنُهُ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ فِيمَا فَعَلَ دَلَالَةً، فَإِذَا كَانَا قَدْ أَكَلَا ثُمَّ عَلِمَا فَلْيُحَلِّلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَيُجْزِيهِمَا، لِأَنَّهُ لَوْ أَطْعَمَهُ فِي الِابْتِدَاءِ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَكَذَا لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهُ فِي الِانْتِهَاءِ وَإِنْ، تَشَاحَّا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُضَمِّنَ صَاحِبَهُ قِيمَةَ لَحْمِهِ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ اللَّحْمِ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ أُضْحِيَّتَهُ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّضْحِيَةَ لَمَّا وَقَعَتْ عَنْ صَاحِبِهِ كَانَ اللَّحْمُ لَهُ وَمَنْ أَتْلَفَ لَحْمَ أُضْحِيَّةِ غَيْرِهِ كَانَ الْحُكْمُ مَا ذَكَرْنَاهُ (وَمَنْ غَصَبَ شَاةً فَضَحَّى بِهَا ضَمِنَ قِيمَتَهَا وَجَازَ عَنْ أُضْحِيَّتِهِ) لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِسَابِقِ الْغَصْبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْأُولَى تَصَدَّقَ بِمَا فَضَلَ عَلَى الثَّانِيَةِ، وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ تَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا كُلِّهِ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ أَتْلَفَ لَحْمَ أُضْحِيَّةِ غَيْرِهِ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ وَإِنْ تَشَاحَّا: يَعْنِي إنْ تَشَاحَّا عَنْ التَّحْلِيلِ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتْلِفًا لَحْمَ أُضْحِيَّةِ صَاحِبِهِ. وَمَنْ أَتْلَفَ لَحْمَ أُضْحِيَّةِ صَاحِبِهِ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُضَمِّنَ صَاحِبَهُ قِيمَةَ لَحْمِهِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِسَابِقِ الْغَصْبِ) يَعْنِي فَكَانَتْ التَّضْحِيَةُ وَارِدَةً عَلَى مِلْكِهِ، وَهَذَا يَكْفِي فِي التَّضْحِيَةِ. لَا يُقَالُ: الِاسْتِنَادُ يَظْهَرُ فِي الْقَائِمِ وَالتَّضْحِيَةُ بِالْإِرَاقَةِ وَالْإِرَاقَةُ قَدْ فَاتَتْ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ فِعْلِ الْمُضَحِّي، لِأَنَّا نَقُولُ: الْإِرَاقَةُ لَيْسَتْ مِنْ الْمَمْلُوكِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ صِفَةً لِلشَّاةِ لِيَصِحَّ أَنْ يُقَالَ

بِخِلَافِ مَا لَوْ أُودِعَ شَاةً فَضَحَّى بِهَا لِأَنَّهُ يُضَمِّنُهُ بِالذَّبْحِ فَلَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ لَهُ إلَّا بَعْدَ الذَّبْحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَظْهَرُ الِاسْتِنَادُ فِيهَا أَوْ لَا يَظْهَرُ، فَإِنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ فِي الشَّاةِ الْمَذْبُوحَةِ وَيَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْغَصْبِ فَتَكُونُ الْإِرَاقَةُ وَالتَّضْحِيَةُ وَاقِعَةً عَلَى مِلْكِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[كتاب الكراهية]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْكَرَاهِيَةِ] [فَصْلٌ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ] أَوْرَدَ الْكَرَاهِيَةَ بَعْدَ الْأُضْحِيَّةِ، لِأَنَّ عَامَّةَ مَسَائِلِ كُلِّ وَاحِدَةٍ لَمْ تَخْلُ مِنْ مُتَأَصِّلٍ أَوْ فَرْعٍ تَرِدُ فِيهِ الْكَرَاهَةُ،

كِتَابُ الْكَرَاهِيَةِ) : قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: تَكَلَّمُوا فِي مَعْنَى الْمَكْرُوهِ. وَالْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ نَصًّا أَنَّ كُلَّ مَكْرُوهٍ حَرَامٌ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجِدْ فِيهِ نَصًّا قَاطِعًا لَمْ يُطْلِقْ عَلَيْهِ لَفْظَ الْحَرَامِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إلَى الْحَرَامِ أَقْرَبُ، وَهُوَ يَشْتَمِلُ عَلَى فُصُولٍ مِنْهَا (فَصْلٌ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ) : (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُكْرَهُ لُحُومُ الْأُتُنِ وَأَلْبَانُهَا وَأَبْوَالُ الْإِبِلِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا بَأْسَ بِأَبْوَالِ الْإِبِلِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَلَا يُرَى أَنَّ فِي وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ مِنْ لَيَالِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَفِي التَّصَرُّفِ فِي الْأُضْحِيَّةِ بِجَزِّ الصُّوفِ وَحَلْبِ اللَّبَنِ وَفِي إقَامَةِ غَيْرِهِ مَقَامَهُ كَيْفَ تَحَقَّقَتْ الْكَرَاهَةُ، وَفِي كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ أَيْضًا كَذَلِكَ

وَتَأْوِيلُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهَا لِلتَّدَاوِي، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْجُمْلَةَ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ وَالذَّبَائِحِ فَلَا نُعِيدُهَا، وَاللَّبَنُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ اللَّحْمِ فَأَخَذَ حُكْمَهُ قَالَ (وَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالِادِّهَانُ وَالتَّطَيُّبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الَّذِي يَشْرَبُ فِي إنَاءِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ «إنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» «وَأُتِيَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِشَرَابٍ فِي إنَاءِ فِضَّةٍ فَلَمْ يَقْبَلْهُ وَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ) : قَوْلُهُ (وَاللَّبَنُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ اللَّحْمِ فَأَخَذَ حُكْمَهُ) يَرِدُ عَلَيْهِ لَبَنُ الْخَيْلِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ حَيْثُ جَعَلَ لَبَنَهُ حَلَالًا مِمَّا لَا بَأْسَ بِهِ وَأَكْلَ لَحْمِهِ مُحَرَّمًا مَعَ أَنَّ لَبَنَ الْخَيْلِ مُتَوَلِّدٌ مِنْ لَحْمِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةِ قَيْدٍ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ فَأَخَذَ حُكْمَهُ فِيمَا لَمْ يَخْتَلِفْ مَا هُوَ الْمَطْلُوبُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ تَحْرِيمِ لَحْمِهِ عَدَمُ تَقْلِيلِ آلَةِ الْجِهَادِ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي اللَّبَنِ فَكَانَ شُرْبُهُ مِمَّا لَا بَأْسَ بِهِ. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» قِيلَ مَعْنَاهُ:

نَهَانَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي الشُّرْبِ فَكَذَا فِي الِادِّهَانِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَلِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِزِيِّ الْمُشْرِكِينَ وَتَنَعُّمٌ بِنِعَمِ الْمُتْرَفِينَ وَالْمُسْرِفِينَ، وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: يُكْرَهُ وَمُرَادُهُ التَّحْرِيمُ وَيَسْتَوِي فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ لِعُمُومِ النَّهْيِ، وَكَذَلِكَ الْأَكْلُ بِمِلْعَقَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالِاكْتِحَالُ بِمِيلِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَكَذَا مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ كَالْمُكْحُلَةِ وَالْمِرْآةِ وَغَيْرِهِمَا لِمَا ذَكَرْنَا. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِ آنِيَةِ الرَّصَاصِ وَالزُّجَاجِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُرَدِّدُ، مِنْ جَرْجَرَ الْفَحْلُ: إذَا رَدَّدَ صَوْتَهُ فِي حَنْجَرَتِهِ، وَنَارًا مَنْصُوبٌ عَلَى مَا هُوَ الْمَحْفُوظُ مِنْ الثِّقَاتِ، وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ) أَيْ لِأَنَّ الِادِّهَانَ مِنْ آنِيَةِ الذَّهَبِ فِي مَعْنَى الشُّرْبِ مِنْهَا، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا اسْتِعْمَالٌ لَهَا وَالْمُحَرَّمُ هُوَ الِاسْتِعْمَالُ. قِيلَ صُورَةُ الِادِّهَانِ الْمُحَرَّمِ هُوَ أَنْ يَأْخُذَ آنِيَةَ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ وَيَصُبَّ الدُّهْنَ عَلَى الرَّأْسِ، وَأَمَّا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا وَأَخَذَ الدُّهْنَ ثُمَّ صَبَّهُ عَلَى الرَّأْسِ مِنْ الْيَدِ لَا يُكْرَهُ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: هَكَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَأَرَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُكْحُلَةِ، فَإِنَّ الْكُحْلَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَنْفَصِلَ عَنْهَا حِينَ الِاكْتِحَالِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ ذَكَرَهَا فِي الْمُحَرَّمَاتِ. الْمُضَبَّبُ الْمَشْدُودُ بِالضِّبَابِ جَمْعُ ضَبَّةٍ،

وَالْبَلُّورِ وَالْعَقِيقِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُكْرَهُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي التَّفَاخُرِ بِهِ. قُلْنَا: لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ التَّفَاخُرُ بِغَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. قَالَ (وَيَجُوزُ الشُّرْبُ فِي الْإِنَاءِ الْمُفَضَّضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالرُّكُوبُ عَلَى السَّرْجِ الْمُفَضَّضِ وَالْجُلُوسُ عَلَى الْكُرْسِيِّ الْمُفَضَّضِ وَالسَّرِيرِ الْمُفَضَّضِ إذَا كَانَ يَتَّقِي مَوْضِعَ الْفِضَّةِ) وَمَعْنَاهُ: يَتَّقِي مَوْضِعَ الْفَمِ، وَقِيلَ هَذَا وَمَوْضِعُ الْيَدِ فِي الْأَخْذِ وَفِي السَّرِيرِ وَالسَّرْجِ مَوْضِعُ الْجُلُوسِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُكْرَهُ ذَلِكَ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ يُرْوَى مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُرْوَى مَعَ أَبِي يُوسُفَ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْإِنَاءُ الْمُضَبَّبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْكُرْسِيُّ الْمُضَبَّبُ بِهِمَا، وَكَذَا إذَا جَعَلَ ذَلِكَ فِي السَّيْفِ وَالْمِشْحَذِ وَحَلْقَةِ الْمَرْأَةِ، أَوْ جَعَلَ الْمُصْحَفَ مُذَهَّبًا أَوْ مُفَضَّضًا، وَكَذَا الِاخْتِلَافُ فِي اللِّجَامِ وَالرِّكَابِ وَالثَّفْرِ إذَا كَانَ مُفَضَّضًا، وَكَذَا الثَّوْبُ فِيهِ كِتَابَةٌ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ عَلَى هَذَا، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِيمَا يَخْلُصُ، فَأَمَّا التَّمْوِيهُ الَّذِي ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهِيَ حَدِيدَةٌ عَرِيضَةٌ. وَالْمِشْحَذُ: الْمِسَنُّ. وَالثُّفْرُ: مَا يُجْعَلُ تَحْتَ ذَنَبِ الدَّابَّةِ.

لَا يَخْلُصُ فَلَا بَأْسَ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ. لَهُمَا أَنَّ مُسْتَعْمِلَ جُزْءٍ مِنْ الْإِنَاءِ مُسْتَعْمِلَ جَمِيعِ الْأَجْزَاءِ فَيُكْرَهُ، كَمَا إذَا اسْتَعْمَلَ مَوْضِعَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ ذَلِكَ تَابِعٌ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّوَابِعِ فَلَا يُكْرَهُ. كَالْجُبَّةِ الْمَكْفُوفَةِ بِالْحَرِيرِ وَالْعَلَمِ فِي الثَّوْبِ وَمِسْمَارِ الذَّهَبِ فِي الْفَصِّ. قَالَ (وَمَنْ أَرْسَلَ أَجِيرًا لَهُ مَجُوسِيًّا أَوْ خَادِمًا فَاشْتَرَى لَحْمًا فَقَالَ اشْتَرَيْته مِنْ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ مُسْلِمٍ وَسِعَهُ أَكْلُهُ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْكَافِرِ مَقْبُولٌ فِي الْمُعَامَلَاتِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ صَحِيحٌ لِصُدُورِهِ عَنْ عَقْلٍ وَدِينٍ يُعْتَقَدُ فِيهِ حُرْمَةُ الْكَذِبِ وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَى قَبُولِهِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِ الْمُعَامَلَاتِ (وَإِنْ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ ذَلِكَ تَابِعٌ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّوَابِعِ) حُكِيَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَقَعَتْ فِي دَارِ أَبِي جَعْفَرٍ الدَّوَانِقِيِّ بِحَضْرَةِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَئِمَّةِ عَصْرِهِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، فَقَالَتْ الْأَئِمَّةُ: يُكْرَهُ، فَقِيلَ لِأَبِي حَنِيفَةَ: مَا تَقُولُ؟ فَقَالَ: إنْ وَضَعَ فَمَه عَلَى الْفِضَّةِ يُكْرَهُ وَإِلَّا فَلَا، فَقِيلَ لَهُ: مَا الْحُجَّةُ فِيهِ؟ فَقَالَ: أَرَأَيْت لَوْ كَانَ فِي أُصْبُعِهِ خَاتَمٌ فِضَّةٌ فَشَرِبَ مِنْ كَفِّهِ أَيُكْرَهُ؟ فَوَقَفَ كُلُّهُمْ وَتَعَجَّبَ أَبُو جَعْفَرٍ. قَالَ (وَمَنْ أَرْسَلَ أَجِيرًا لَهُ مَجُوسِيًّا إلَخْ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ.

غَيْرَ ذَلِكَ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ) مَعْنَاهُ: إذَا كَانَ ذَبِيحَةَ غَيْرِ الْكِتَابِيِّ وَالْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَبِلَ قَوْلَهُ فِي الْحِلِّ أَوْلَى أَنْ يَقْبَلَ فِي الْحُرْمَةِ. قَالَ (وَيَجُوزُ أَنْ يُقْبَلَ فِي الْهَدِيَّةِ وَالْإِذْنِ قَوْلُ الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ وَالصَّبِيِّ) ؛ لِأَنَّ الْهَدَايَا تُبْعَثُ عَادَةً عَلَى أَيْدِي هَؤُلَاءِ، وَكَذَا لَا يُمْكِنُهُمْ اسْتِصْحَابُ الشُّهُودِ عَلَى الْإِذْنِ عِنْدَ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ وَالْمُبَايَعَةِ فِي السُّوقِ، فَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُمْ يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إذَا قَالَتْ جَارِيَةٌ لِرَجُلٍ بَعَثَنِي مَوْلَايَ إلَيْك هَدِيَّةً وَسِعَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا أَخْبَرَتْ بِإِهْدَاءِ الْمَوْلَى غَيْرَهَا أَوْ نَفْسَهُ لِمَا قُلْنَا (قَالَ وَيُقْبَلُ فِي الْمُعَامَلَاتِ قَوْلُ الْفَاسِقِ، وَلَا يُقْبَلُ فِي الدِّيَانَاتِ إلَّا قَوْلُ الْعَدْلِ) . وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْمُعَامَلَاتِ يَكْثُرُ وُجُودُهَا فِيمَا بَيْنَ أَجْنَاسِ النَّاسِ، فَلَوْ شَرَطْنَا شَرْطًا زَائِدًا يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ فَيُقْبَلُ قَوْلُ الْوَاحِدِ فِيهَا عَدْلًا كَانَ أَوْ فَاسِقًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ لِمَا قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الْحِلِّ) يَعْنِي فِي قَوْلِهِ وَسِعَهُ أَكْلُهُ فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْحِلَّ لَا مَحَالَةَ أَوْلَى أَنْ يُقْبَلَ فِي الْحُرْمَةِ، لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مُرَجَّحَةٌ عَلَى الْحِلِّ دَائِمًا، وَأَتَى بِرِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِأَنَّ الْهَدِيَّةَ فِيهَا نَفْسُ الْجَارِيَةِ. وَقَوْلُهُ (لِمَا قُلْنَا) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الْهَدَايَا تُبْعَثُ عَادَةً عَلَى أَيْدِي هَؤُلَاءِ.

كَافِرًا أَوْ مُسْلِمًا عَبْدًا أَوْ حُرًّا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى دَفْعًا لِلْحَرَجِ. أَمَّا الدِّيَانَاتُ فَلَا يَكْثُرُ وُقُوعُهَا حَسَبِ وُقُوعِ الْمُعَامَلَاتِ فَجَازَ أَنْ يَشْتَرِطَ فِيهَا زِيَادَةَ شَرْطٍ، فَلَا يُقْبَلُ فِيهَا إلَّا قَوْلُ الْمُسْلِمِ الْعَدْلِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ مُتَّهَمٌ وَالْكَافِرَ لَا يَلْتَزِمُ الْحُكْمَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَ الْمُسْلِمَ، بِخِلَافِ الْمُعَامَلَاتِ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُمْكِنُهُ الْمَقَامُ فِي دِيَارِنَا إلَّا بِالْمُعَامَلَةِ. وَلَا يَتَهَيَّأُ لَهُ الْمُعَامَلَةُ إلَّا بَعْدَ قَبُولِ قَوْلِهِ فِيهَا فَكَانَ فِيهِ ضَرُورَةً، وَلَا يُقْبَلُ فِيهَا قَوْلُ الْمَسْتُورِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهَا جَرْيًا عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِهِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ هُوَ وَالْفَاسِقُ فِيهِ سَوَاءٌ حَتَّى يُعْتَبَرَ فِيهِمَا أَكْبَرُ الرَّأْيِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلَا يُقْبَلُ فِيهَا) أَيْ فِي الْعِبَادَاتِ (قَوْلُ الْمَسْتُورِ) وَقَوْلُهُ (جَرْيًا عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِهِ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَطْعَنْ الْخَصْمُ، وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَصَحُّ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ أَحَدِ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ لِيَكُونَ الْخَبَرُ مُلْزِمًا وَقَدْ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْعَدَدِ فَبَقِيَ اعْتِبَارُ الْعَدَالَةِ. وَقَوْلُهُ (حَتَّى يُعْتَبَرَ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْفَاسِقِ وَالْمَسْتُورِ إذَا أَخْبَرَ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ (أَكْبَرُ الرَّأْيِ) .

قَالَ (وَيُقْبَلُ فِيهَا قَوْلُ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالْأَمَةِ إذَا كَانُوا عُدُولًا) ؛ لِأَنَّ عِنْدَ الْعَدَالَةِ الصِّدْقُ رَاجِحٌ وَالْقَبُولُ لِرُجْحَانِهِ. فَمِنْ الْمُعَامَلَاتِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَمِنْهَا التَّوْكِيلُ. وَمِنْ الدِّيَانَاتِ الْإِخْبَارُ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ حَتَّى إذَا أَخْبَرَهُ مُسْلِمٌ مَرْضِيٌّ لَمْ يَتَوَضَّأْ بِهِ وَيَتَيَمَّمُ، وَلَوْ كَانَ الْمُخْبِرُ فَاسِقًا أَوْ مَسْتُورًا تَحَرَّى، فَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ يَتَيَمَّمُ وَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ، وَإِنْ أَرَاقَ الْمَاءَ ثُمَّ تَيَمَّمَ كَانَ أَحْوَطَ، وَمَعَ الْعَدَالَةِ يَسْقُطُ احْتِمَالُ الْكَذِبِ فَلَا مَعْنَى لِلِاحْتِيَاطِ بِالْإِرَاقَةِ، أَمَّا التَّحَرِّي فَمُجَرَّدُ ظَنٍّ. وَلَوْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ كَاذِبٌ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَلَا يَتَيَمَّمُ لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الْكَذِبِ بِالتَّحَرِّي، وَهَذَا جَوَابُ الْحُكْمِ. فَأَمَّا فِي الِاحْتِيَاطِ فَيَتَيَمَّمُ بَعْدَ الْوُضُوءِ لِمَا قُلْنَا. وَمِنْهَا الْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ زَوَالُ الْمِلْكِ، وَفِيهَا تَفَاصِيلُ وَتَفْرِيعَاتٌ ذَكَرْنَاهَا فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَيُقْبَلُ فِيهَا) أَيْ فِي الدِّيَانَاتِ قَوْلُ الْعَبْدِ وَالْحَرِّ وَالْأَمَةِ، لِأَنَّ خَبَرَ هَؤُلَاءِ فِي أُمُورِ الدِّينِ كَخَبَرِ الْحُرِّ إذَا كَانُوا عُدُولًا كَمَا فِي رِوَايَةِ الْأَخْبَارِ لِأَنَّهُ يَلْتَزِمُ بِنَفْسِهِ أَوَّلًا ثُمَّ يَتَعَدَّى مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ عَلَى الْغَيْرِ. وَقَوْلُهُ (مَا ذَكَرْنَاهُ) إشَارَةٌ إلَى الْهَدِيَّةِ وَالْإِذْنِ، وَقَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ كَاذِبٌ يَتَوَضَّأُ بِهِ) يَعْنِي حُكْمًا لَا فِي الِاحْتِيَاطِ، وَالِاحْتِيَاطُ فِي التَّيَمُّمِ بَعْدَ الْوُضُوءِ، وَإِنْ لَمْ يَتَرَجَّحْ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، قِيلَ الْأَصْلُ الطَّهَارَةُ. وَقَوْلُهُ (لِمَا قُلْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ أَمَّا التَّحَرِّي فَمُجَرَّدُ ظَنٍّ فَفِيهِ احْتِمَالُ الْخَطَأِ، وَقَوْلُهُ (وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الدِّيَانَاتِ (الْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ) يُقْبَلُ فِيهِمَا خَبَرُ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ إذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ زَوَالَ الْمِلْكِ كَالْإِخْبَارِ بِحُرْمَةِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ يُقْبَلُ فِيهَا قَوْلُ الْعَدْلِ فَلَا يَحِلُّ الْأَكْلُ وَلَا الْإِطْعَامُ لِأَنَّهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَيَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ، لِأَنَّ بُطْلَانَ الْمِلْكِ لَا يَثْبُتُ بِخَبَرِهِ. وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بُطْلَانُ الْمِلْكِ. وَأَمَّا إذَا تَضَمَّنَ زَوَالَهُ فَلَا يُقْبَلُ، كَمَا إذَا أَخْبَرَ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ عَدْلٌ لِلزَّوْجَيْنِ بِأَنَّهُمَا ارْتَضَعَا مِنْ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، بَلْ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ هَاهُنَا مَعَ بَقَاءِ النِّكَاحِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فَكَانَ مُتَضَمِّنًا لِزَوَالِ الْمِلْكِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا قُبِلَ قَوْلُهُ

قَالَ (وَمَنْ دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ أَوْ طَعَامٍ فَوَجَدَ ثَمَّةَ لَعِبًا أَوْ غِنَاءً فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَقْعُدَ وَيَأْكُلَ) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اُبْتُلِيت بِهَذَا مَرَّةً فَصَبَرْت. وَهَذَا لِأَنَّ إجَابَةَ الدَّعْوَةِ سُنَّةٌ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» فَلَا يَتْرُكُهَا لِمَا اقْتَرَنَ بِهَا مِنْ الْبِدْعَةِ مِنْ غَيْرِهِ، كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَاجِبَةُ الْإِقَامَةِ وَإِنْ حَضَرَتْهَا نِيَاحَةٌ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْمَنْعِ مَنَعَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ يَصْبِرْ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُقْتَدًى بِهِ، فَإِنْ كَانَ مُقْتَدًى وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَنْعِهِمْ يَخْرُجُ وَلَا يَقْعُدُ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ شِينُ الدِّينِ وَفَتْحُ بَابِ الْمَعْصِيَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَالْمَحْكِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْكِتَابِ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مُقْتَدًى بِهِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى الْمَائِدَةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْعُدَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ قَوْلُ الْمَجُوسِيِّ فِي الْحِلِّ أَوْلَى أَنْ يُقْبَلَ فِي الْحُرْمَةِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَدَالَةَ فِي الْخَبَرِ بِالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ غَيْرُ شَرْطٍ فَكَانَ كَلَامُهُ مُتَنَاقِضًا. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ ضِمْنِيًّا، وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا، فَلَا تَنَاقُضَ لِأَنَّ الْمُرَادَ هَاهُنَا مَا كَانَ قَصْدِيًّا. قَالَ (وَمَنْ دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ أَوْ طَعَامٍ إلَخْ) قِيلَ الْوَلِيمَةُ طَعَامُ الْعُرْسِ وَالْغِنَاءُ بِالْكَسْرِ السَّمَاعُ. قَوْلُهُ (كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ) قِيلَ عَلَيْهِ إنَّهُ قِيَاسُ السُّنَّةِ عَلَى الْفَرْضِ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَحَمُّلِ الْمَحْذُورِ لِإِقَامَةِ الْفَرْضِ تَحَمُّلُهُ لِإِقَامَةِ السُّنَّةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا سُنَّةٌ فِي قُوَّةِ الْوَاجِبِ لِوُرُودِ الْوَعِيدِ عَلَى تَارِكِهَا، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: وَجْهُ التَّشْبِيهِ اقْتِرَانُ الْعِبَادَةِ بِالْبِدْعَةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ صِفَةِ تِلْكَ الْعِبَادَةِ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْمَنْعِ مَنَعَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ يَصْبِرُ) لِيَكُونَ عَامِلًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ» الْحَدِيثَ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ كَانَ عَلَى الْمَائِدَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْعُدَ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ إنَّمَا جَازَ إذَا كَانَ الْغِنَاءُ فِي ذَلِكَ الْمَنْزِلِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَائِدَةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْمَعِيَّةِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى الْمَائِدَةِ

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقْتَدًى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68] وَهَذَا كُلُّهُ بَعْدَ الْحُضُورِ، وَلَوْ عَلِمَ قَبْلَ الْحُضُورِ لَا يَحْضُرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ حَقُّ الدَّعْوَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا هَجَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ، وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْمَلَاهِيَ كُلَّهَا حَرَامٌ حَتَّى التَّغَنِّي بِضَرْبِ الْقَضِيبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ قَاعِدًا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَقَوْلُهُ (وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْمَلَاهِيَ كُلَّهَا حَرَامٌ) لِأَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَطْلَقَ اسْمَ اللَّعِبِ وَالْغِنَاءِ بِقَوْلِهِ فَوُجِدَ ثَمَّةَ اللَّعِبُ وَالْغِنَاءُ فَاللَّعِبُ وَهُوَ اللَّهْوُ حَرَامٌ. لَا يُقَالُ: الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} [الحديد: 20] وَالْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَيْسَتْ بِحَرَامٍ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ بَعْضُ اللَّهْوِ، وَاللَّعِبُ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَهُوَ مَا اسْتَثْنَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ «لَهْوُ الْمُؤْمِنِ بَاطِلٌ إلَّا فِي ثَلَاثٍ: تَأْدِيبِهِ لِفَرَسِهِ، وَرَمْيِهِ عَنْ قَوْسِهِ، وَمُلَاعَبَتِهِ مَعَ أَهْلِهِ» . وَقَوْلُهُ (بِضَرْبِ الْقَضِيبِ) عَنَى بِهِ خَشَبَ الْحَارِسِ.

وَكَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اُبْتُلِيت، لِأَنَّ الِابْتِلَاءَ بِالْمُحَرَّمِ يَكُونُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَكَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ.

[فصل في اللبس]

(فَصْلٌ فِي اللُّبْسِ) : قَالَ (لَا يَحِلُّ لِلرِّجَالِ لُبْسُ الْحَرِيرِ وَيَحِلُّ لِلنِّسَاءِ) ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَقَالَ: إنَّمَا يَلْبَسُهُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ» وَإِنَّمَا حَلَّ لِلنِّسَاءِ بِحَدِيثٍ آخَرَ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ عِدَّةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْهُمْ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ وَبِإِحْدَى يَدَيْهِ حَرِيرٌ وَبِالْأُخْرَى ذَهَبٌ وَقَالَ: هَذَانِ مُحَرَّمَانِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حَلَالٌ لِإِنَاثِهِمْ» وَيُرْوَى «حِلٌّ لِإِنَاثِهِمْ» ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي اللُّبْسِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ مُقَدِّمَاتِ مَسَائِلِ الْكَرَاهِيَةِ ذَكَرَ تَفْصِيلَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْإِنْسَانُ، وَقَدَّمَ اللُّبْسَ لِكَثْرَةِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ. قَالَ (لَا يَحِلُّ لِلرِّجَالِ لُبْسُ الْحَرِيرِ وَيَحِلُّ لِلنِّسَاءِ إلَخْ) لَمَّا ذَكَرَ الْحُرْمَةَ وَالْحِلَّ اسْتَدَلَّ عَلَى الْحُرْمَةِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا يَلْبَسُهُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ» وَهُوَ عَامٌّ فِي الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى لَزِمَ أَنْ يَقُولَ (وَإِنَّمَا حَلَّ لِلنِّسَاءِ بِحَدِيثٍ آخَرَ) فَإِنْ قِيلَ: الْحَدِيثُ الدَّالُّ عَلَى حِلِّهِ لَهُنَّ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْأَوَّلِ فَيُنْسَخُ بِهِ أَوْ بَعْدَهُ فَيَتَعَارَضَانِ، لِأَنَّ الْعَامَّ كَالْخَاصِّ فِي إفَادَةِ الْقَطْعِ عِنْدَنَا، أَوْ لَا يُعْلَمُ التَّارِيخُ فَيُجْعَلُ الْمُحَرَّمُ مُتَأَخِّرًا لِئَلَّا يَلْزَمَ النَّسْخُ مَرَّتَيْنِ. فَالْجَوَابُ أَنَّهُ بَعْدَهُ بِدَلِيلِ اسْتِعْمَالِهِنَّ إيَّاهُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَذَلِكَ آيَةٌ قَاطِعَةٌ عَلَى تَأَخُّرِهِ فَيُنْسَخُ بِهِ الْمُحَرَّمُ، وَتَكْرَارُ النَّسْخِ بِالدَّلِيلِ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ. فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

(إلَّا أَنَّ الْقَلِيلَ عَفْوٌ وَهُوَ مِقْدَارُ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ أَوْ أَرْبَعَةٍ كَالْأَعْلَامِ وَالْمَكْفُوفِ بِالْحَرِيرِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إلَّا مَوْضِعَ إصْبَعَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ» أَرَادَ الْأَعْلَامَ. وَعَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّهُ كَانَ يَلْبَسُ جُبَّةً مَكْفُوفَةً بِالْحَرِيرِ» . قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِتَوَسُّدِهِ وَالنَّوْمِ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يُكْرَهُ) وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ذَكَرَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَحْدَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَشَايِخِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَانِ حَرَامَانِ " إشَارَةٌ إلَى جُزْئِيَّيْنِ فَمِنْ أَيْنَ الْعُمُومُ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْجِنْسُ وَلَئِنْ كَانَ شَخْصًا فَغَيْرُهُ يَلْحَقُ بِهِ بِالدَّلَالَةِ. وَقَوْلُهُ (قَالَا: وَيُكْرَهُ) يَعْنِي لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ جَمِيعًا، بِخِلَافِ اللُّبْسِ.

وَكَذَا الِاخْتِلَافُ فِي سِتْرِ الْحَرِيرِ وَتَعْلِيقِهِ عَلَى الْأَبْوَابِ. لَهُمَا الْعُمُومَاتُ، وَلِأَنَّهُ مِنْ زِيِّ الْأَكَاسِرَةِ وَالْجَبَابِرَةِ وَالتَّشَبُّهُ بِهِمْ حَرَامٌ. وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إيَّاكُمْ وَزِيَّ الْأَعَاجِمِ. وَلَهُ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَلَسَ عَلَى مِرْفَقَةِ حَرِيرٍ» ، وَقَدْ كَانَ عَلَى بِسَاطِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِرْفَقَةُ حَرِيرٍ، وَلِأَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ الْمَلْبُوسِ مُبَاحٌ كَالْأَعْلَامِ فَكَذَا الْقَلِيلَ مِنْ اللُّبْسِ وَالِاسْتِعْمَالِ، وَالْجَامِعُ كَوْنُهُ نَمُوذَجًا عَلَى مَا عُرِفَ. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ فِي الْحَرْبِ عِنْدَهُمَا) لِمَا رَوَى الشَّعْبِيُّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَخَّصَ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ فِي الْحَرْبِ» وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً فَإِنَّ الْخَالِصَ مِنْهُ أَدْفَعُ لِمَعَرَّةِ السِّلَاحِ وَأَهْيَبُ فِي عَيْنِ الْعَدُوِّ لِبَرِيقِهِ (وَيُكْرَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) ؛ لِأَنَّهُ لَا فَصْلَ فِيمَا رَوَيْنَاهُ، وَالضَّرُورَةُ انْدَفَعَتْ بِالْمَخْلُوطِ وَهُوَ الَّذِي لُحْمَتُهُ حَرِيرٌ وَسَدَّاهُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَالْمَحْظُورُ لَا يُسْتَبَاحُ إلَّا لِضَرُورَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (لَهُمَا الْعُمُومَاتُ) يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ «نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ» وَقَوْلُهُ «وَإِنَّمَا يَلْبَسُهُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ» وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ اسْتَقْبَلَ جَيْشًا مِنْ الْغُزَاةِ رَجَعُوا بِغَنَائِمَ وَلَبِسُوا الْحَرِيرَ، فَلَمَّا وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَيْهِمْ أَعْرَضَ عَنْهُمْ، فَقَالُوا: لِمَ أَعْرَضْت عَنَّا؟ قَالَ: لِأَنِّي أَرَى عَلَيْكُمْ ثِيَابَ أَهْلِ النَّارِ. وَالْمِرْفَقَةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ: وِسَادَةُ الِاتِّكَاءِ. وَقَوْلُهُ (وَالْجَامِعُ كَوْنُهُ نَمُوذَجًا) يُرِيدُ بِهِ أَنَّ الْمُسْتَعْمِلَ يَعْلَمُ بِهَذَا الْمِقْدَارِ لَذَّةَ مَا وُعِدَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْهُ لِيَرْغَبَ فِي تَحْصِيلِ سَبَبٍ يُوَصِّلُهُ إلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (لَا فَصْلَ فِيمَا رَوَيْنَاهُ) يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هَذَانِ حَرَامَانِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي» .

وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَخْلُوطِ قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ مَا سَدَّاهُ حَرِيرٌ وَلُحْمَتُهُ غَيْرُ حَرِيرٍ كَالْقُطْنِ وَالْخَزِّ فِي الْحَرْبِ وَغَيْرِهِ) لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا يَلْبَسُونَ الْخَزَّ، وَالْخَزُّ مُسْدًى بِالْحَرِيرِ، وَلِأَنَّ الثَّوْبَ إنَّمَا يَصِيرُ ثَوْبًا بِالنَّسْجِ وَالنَّسْجُ بِاللُّحْمَةِ فَكَانَتْ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ دُونَ السَّدَى. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: أَكْرَهُ ثَوْبَ الْقَزِّ يَكُونُ بَيْنَ الْفَرْوِ وَالظِّهَارَةِ، وَلَا أَرَى بِحَشْوِ الْقَزِّ بَأْسًا؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ مَلْبُوسٌ وَالْحَشْوَ غَيْرُ مَلْبُوسٍ. قَالَ (وَمَا كَانَ لُحْمَتُهُ حَرِيرًا وَسَدَاهُ غَيْرَ حَرِيرٍ لَا بَأْسَ بِهِ فِي الْحَرْبِ) لِلضَّرُورَةِ (وَيُكْرَهُ فِي غَيْرِهِ) لِانْعِدَامِهَا، وَالِاعْتِبَارُ لِلُّحْمَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَالْخَزُّ مُسَدًّى بِالْحَرِيرِ) قِيلَ هُوَ اسْمٌ لِثَوْبٍ سُدَاهُ حَرِيرٌ وَلُحْمَتُهُ صُوفُ حَيَوَانٍ فِي الْمَاءِ. وَجُمْلَةُ وُجُوهِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ مَا يَكُونُ كُلُّهُ حَرِيرًا وَهُوَ الدِّيبَاجُ لَا يَجُوزُ لُبْسُهُ فِي غَيْرِ الْحَرْبِ بِالِاتِّفَاقِ، وَأَمَّا فِي الْحَرْبِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ وَقَدْ مَرَّ الْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. وَالثَّانِي مَا يَكُونُ سُدَاهُ حَرِيرًا وَلُحْمَتُهُ غَيْرَهُ فَلَا بَأْسَ بِلُبْسِهِ فِي الْحَرْبِ وَغَيْرِهِ، لِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا تَعَلَّقَ بِعِلَّةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ يُضَافُ إلَى آخِرِهِمَا وُجُودًا وَاللُّحْمَةُ كَذَلِكَ. وَالثَّالِثُ عَكْسُ الثَّانِي وَهُوَ مُبَاحٌ فِي الْحَرْبِ لِلضَّرُورَةِ وَهُوَ إيقَاعُ الْهَيْبَةِ فِي عَيْنِ الْعَدُوِّ لِبَرِيقِهِ وَدَفْعِ مَعَرَّةِ السِّلَاحِ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي غَيْرِهِ فَيَكُونُ مَكْرُوهًا. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الثَّوْبَ إنَّمَا يَصِيرُ ثَوْبًا بِالنَّسْجِ وَالنَّسْجُ بِاللُّحْمَةِ. رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ كَانَ يَرَى بِاللِّبَاسِ الْمُرْتَفِعِ جِدًّا بَأْسًا، قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ وَعَلَيْهِ رِدَاءٌ قِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ. وَرُبَّمَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ وَعَلَيْهِ رِدَاءٌ قِيمَتُهُ

قَالَ (وَلَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ التَّحَلِّي بِالذَّهَبِ) لِمَا رَوَيْنَا (وَلَا بِالْفِضَّةِ) لِأَنَّهَا فِي مَعْنَاهُ (إلَّا بِالْخَاتَمِ وَالْمِنْطَقَةِ وَحِلْيَةِ السَّيْفِ مِنْ الْفِضَّةِ) تَحْقِيقًا لِمَعْنَى النَّمُوذَجِ، وَالْفِضَّةُ أَغْنَتْ عَنْ الذَّهَبِ إذْ هُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، كَيْفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ» وَأَبُو حَنِيفَةَ كَانَ يَرْتَدِي بِرِدَاءٍ قِيمَتُهُ أَرْبَعُمِائَةِ دِينَارٍ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [الأعراف: 32] قَالَ (وَلَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ التَّحَلِّي بِالذَّهَبِ إلَخْ) لَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ التَّحَلِّي بِالذَّهَبِ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هَذَانِ

وَقَدْ جَاءَ فِي إبَاحَةِ ذَلِكَ آثَارٌ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَلَا يَتَخَتَّمُ إلَّا بِالْفِضَّةِ، وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ التَّخَتُّمَ بِالْحَجَرِ وَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ حَرَامٌ. «وَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى رَجُلٍ خَاتَمَ صُفْرٍ فَقَالَ: مَالِي أَجِدُ مِنْك رَائِحَةَ الْأَصْنَامِ. وَرَأَى عَلَى آخَرِ خَاتَمَ حَدِيدٍ فَقَالَ: مَالِي أَرَى عَلَيْك حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ» وَمِنْ النَّاسِ مَنْ أَطْلَقَ الْحَجَرَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ يَشْبُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَجَرٍ، إذْ لَيْسَ لَهُ ثِقَلُ الْحَجَرِ، وَإِطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي الْكِتَابِ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهِ (وَالتَّخَتُّمُ بِالذَّهَبِ عَلَى الرِّجَالِ حَرَامٌ) لِمَا رَوَيْنَا. وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ» وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ التَّحْرِيمُ، وَالْإِبَاحَةُ ضَرُورَةُ الْخَتْمِ أَوْ النَّمُوذَجِ، وَقَدْ انْدَفَعَتْ بِالْأَدْنَى وَهُوَ الْفِضَّةُ، وَالْحَلْقَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ؛ لِأَنَّ قِوَامَ الْخَاتَمِ بِهَا، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْفَصِّ حَتَّى يَجُوزَ أَنْ يَكُونَ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَرَامَانِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي» وَلَا بِالْفِضَّةِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ. فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هَذَانِ حَرَامَانِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي» لِكَوْنِهِ خَبَرَ الْوَاحِدِ لَا يُعَارِضُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى " {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ} [الأعراف: 32] " الْآيَةَ، وَلَا يُقَيِّدُهُ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ نَسْخٌ. فَالْجَوَابُ أَنَّهُ مَشْهُورٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ فَجَازَ التَّقْيِيدُ بِهِ. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ جَاءَ فِي إبَاحَةِ ذَلِكَ آثَارٌ) هُوَ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاتَمُ فِضَّةٍ فَصُّهُ مِنْهُ وَنَقْشُهُ: مُحَمَّدٌ سَطْرٌ وَرَسُولُ سَطْرٌ وَاَللَّهُ سَطْرٌ» . وَعَنْ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ كَانَ لَهُ خَاتَمٌ مِنْ فِضَّةٍ وَنَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا نَقْشُ خَاتَمِك يَا مُعَاذُ؟ فَقَالَ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: آمَنَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ مُعَاذٍ حَتَّى خَاتَمُهُ، ثُمَّ اسْتَوْهَبَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مُعَاذٍ فَوَهَبَهُ مِنْهُ، فَكَانَ فِي يَدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَنْ تُوُفِّيَ. ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى أَنْ تُوُفِّيَ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى أَنْ تُوُفِّيَ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَتَّى وَقَعَ مِنْ يَدِهِ فِي الْبِئْرِ فَأَنْفَقَ مَالًا عَظِيمًا فِي طَلَبِهِ فَلَمْ يَجِدْهُ» فَوَقَعَ الْخِلَافُ وَالتَّشْوِيشُ بَيْنَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ. وَأَتَى بِلَفْظِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِأَدَاءِ الْحَصْرِ فِيهِ (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ أَطْلَقَ) مِنْهُمْ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ كَالْعَقِيقِ فَإِنَّهُ مُبَارَكٌ تَخَتَّمَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَجَرٍ إذْ لَيْسَ لَهُ ثِقَلُ الْحَجَرِ، وَإِطْلَاقُ جَوَابِ الْكِتَابِ: يَعْنِي الْجَامِعَ الصَّغِيرَ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَلِأَنَّهُ يُتَّخَذُ مِنْهُ الْأَصْنَامُ فَأَشْبَهَ الصُّفْرَ الَّذِي هُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (لِمَا رَوَيْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ " هَذَانِ حَرَامَانِ " وَمِنْ النَّاسِ مَنْ جَوَّزَ التَّخَتُّمَ بِالذَّهَبِ لِمَا رُوِيَ «عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَبِسَ خَاتَمَ ذَهَبٍ وَقَالَ: كَسَانِيهِ رَسُولُ اللَّهِ

حَجَرٍ وَيَجْعَلَ الْفَصَّ إلَى بَاطِنِ كَفِّهِ بِخِلَافِ النِّسْوَانِ؛ لِأَنَّهُ تَزَيُّنٌ فِي حَقِّهِنَّ، وَإِنَّمَا يَتَخَتَّمُ الْقَاضِي وَالسُّلْطَانُ لِحَاجَتِهِ إلَى الْخَتْمِ، وَأَمَّا غَيْرُهُمَا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَتْرُكَهُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ . قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِمِسْمَارِ الذَّهَبِ يُجْعَلُ فِي حَجَرِ الْفَصِّ) أَيْ فِي ثُقْبِهِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ كَالْعَلَمِ فِي الثَّوْبِ فَلَا يُعَدُّ لَابِسًا لَهُ. قَالَ (وَلَا تُشَدُّ الْأَسْنَانُ بِالذَّهَبِ وَتُشَدُّ بِالْفِضَّةِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا بَأْسَ بِالذَّهَبِ أَيْضًا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلَ قَوْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا. لَهُمَا «أَنَّ عَرْفَجَةَ بْنَ أَسْعَدَ الْكِنَانِيَّ أُصِيبَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكِلَابِ فَاِتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ فِضَّةٍ فَأَنْتَنَ. فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَنْ يَتَّخِذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ» وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ التَّحْرِيمُ وَالْإِبَاحَةُ لِلضَّرُورَةِ ، وَقَدْ انْدَفَعَتْ بِالْفِضَّةِ وَهِيَ الْأَدْنَى فَبَقِيَ الذَّهَبُ عَلَى التَّحْرِيمِ. وَالضَّرُورَةُ فِيمَا رُوِيَ لَمْ تَنْدَفِعْ فِي الْأَنْفِ دُونَهُ حَيْثُ أَنْتَنَ. قَالَ (وَيُكْرَهُ أَنْ يَلْبَسَ الذُّكُورُ مِنْ الصِّبْيَانِ الذَّهَبَ وَالْحَرِيرَ) ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَمَّا ثَبَتَ فِي حَقِّ الذُّكُورِ وَحَرُمَ اللُّبْسُ حَرُمَ الْإِلْبَاسُ كَالْخَمْرِ لَمَّا حَرُمَ شُرْبُهَا حَرُمَ سَقْيُهَا. قَالَ (وَتُكْرَهُ الْخِرْقَةُ الَّتِي تُحْمَلُ فَيُمْسَحُ بِهَا الْعَرَقُ) ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ تَجَبُّرٍ وَتَكَبُّرٍ (وَكَذَا الَّتِي يُمْسَحُ بِهَا الْوُضُوءَ أَوْ يُمْتَخَطُ بِهَا) وَقِيلَ إذَا كَانَ عَنْ حَاجَةٍ لَا يُكْرَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ عَنْ تَكَبُّرٍ وَتَجَبُّرٍ وَصَارَ كَالتَّرَبُّعِ فِي الْجُلُوسِ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَرْبِطَ الرَّجُلُ فِي أُصْبُعِهِ أَوْ خَاتَمِهِ الْخَيْطَ لِلْحَاجَةِ) وَيُسَمَّى ذَلِكَ الرَّتَمُ وَالرَّتِيمَةُ. وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ. قَالَ قَائِلُهُمْ: لَا يَنْفَعَنَّكَ الْيَوْمَ إنْ هَمَّتْ بِهِمْ كَثْرَةُ مَا تُوصِي وَتَعْقَادُ الرَّتَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . وَلِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ اسْتِعْمَالِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ سَوَاءٌ. فَلَمَّا حَلَّ التَّخَتُّمُ بِالْفِضَّةِ لِقِلَّتِهِ وَلِكَوْنِهِ نَمُوذَجًا وَجُعِلَ كَالْعَلَمِ فِي الثَّوْبِ فَكَذَا فِي الْآخَرِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ ذَلِكَ " وَرُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فَاِتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ ذَهَبٍ فَرَمَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: لَا أَلْبَسُهُ أَبَدًا، فَرَمَاهُ النَّاسُ» وَقَوْلُهُ (وَيُجْعَلُ الْفَصُّ إلَى بَاطِنِ كَفِّهِ) أَيْ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَكَذَا. وَقَوْلُهُ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِثْلُ قَوْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا) يَعْنِي اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، فَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَ قَوْلَهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَكَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَذَكَرَ فِي الْأَمَالِي مَعَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالْكُلَابُ بِضَمِّ الْكَافِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ اسْمُ مَاءٍ كَانَتْ عِنْدَهُ وَقْعَةٌ لَهُمْ. وَقَوْلُهُ (وَهُوَ الصَّحِيحُ) لِأَنَّ عَامَّةَ الْمُسْلِمِينَ اسْتَعْمَلُوا هَكَذَا فِي عَامَّةِ الْبُلْدَانِ لِدَفْعِ الْأَذَى عَنْ الثِّيَابِ النَّفِيسَةِ وَمَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَمْسَحُ وُضُوءُهُ بِالْخِرْقَةِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ» فَلَمْ يَكُنْ بِدْعَةً. وَحَاصِلُهُ أَنَّ كُلَّ مَا فُعِلَ عَلَى وَجْهِ التَّجَبُّرِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ بِدْعَةٌ، وَمَا فُعِلَ لِحَاجَةٍ وَضَرُورَةٍ لَا يُكْرَهُ، وَهُوَ نَظِيرُ التَّرَبُّعِ فِي الْجُلُوسِ وَالِاتِّكَاءِ. وَمَعْنَى قَوْلِ الشَّاعِرِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا خَرَجَ فِي سَفَرٍ عَمَدَ إلَى شَجَرٍ يُقَالُ لَهُ رَتَمٌ فَشَدَّ بَعْضَ أَغْصَانِهِ بِبَعْضٍ، فَإِذَا رَجَعَ وَأَصَابَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ قَالَ لَمْ تَخُنِّي امْرَأَتِي، وَإِنْ أَصَابَهُ وَقَدْ انْحَلَّ قَالَ خَانَتْنِي، هَكَذَا الْمَرْوِيُّ عَنْ

[فصل في الوطء والنظر واللمس]

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بَعْضَ أَصْحَابِهِ بِذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَبَثٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَضِ الصَّحِيحِ وَهُوَ التَّذَكُّرُ عَنْدَ النِّسْيَانِ. (فَصْلٌ فِي الْوَطْءِ وَالنَّظَرِ وَاللَّمْسِ) : قَالَ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -؛ مَا ظَهَرَ مِنْهَا الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ، وَالْمُرَادُ مَوْضِعُهُمَا وَهُوَ الْوَجْهُ وَالْكَفُّ، كَمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالزِّينَةِ الْمَذْكُورَةِ مَوْضِعُهَا، وَلِأَنَّ فِي إبْدَاءِ الْوَجْهِ وَالْكَفِّ ضَرُورَةً لِحَاجَتِهَا إلَى الْمُعَامَلَةِ مَعَ الرِّجَالِ أَخْذًا وَإِعْطَاءً وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبَاحُ النَّظَرُ إلَى قَدِمَهَا. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالثِّقَاتِ، إلَّا أَنَّ اللَّيْثَ ذَكَرَ الرَّتَمَ بِمَعْنَى الرَّتِيمَةِ وَهِيَ خَيْطُ التَّذْكِرَةِ يُعْقَدُ بِالْأُصْبُعِ، وَكَذَلِكَ الرَّتَمَةُ، قَالَ الشَّاعِرُ: إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَاتُنَا فِي نُفُوسِكُمْ ... فَلَيْسَ بِمُغْنٍ عَنْك عَقْدُ الرَّتَائِمِ وَالتِّعْقَادُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْعَقْدِ لِلْمُبَالَغَةِ عَلَى وَزْنِ التِّفْعَالِ كَالتِّهْذَارِ وَالتِّلْعَابِ بِمَعْنَى الْهَذَرِ وَاللَّعِبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [فَصْلٌ فِي الْوَطْءِ وَالنَّظَرِ وَاللَّمْسِ] مَسَائِلُ النَّظَرِ أَرْبَعٌ: نَظَرُ الرَّجُلِ إلَى الْمَرْأَةِ، وَنَظَرُهَا إلَيْهِ، وَنَظَرُ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ، وَنَظَرُ الْمَرْأَةِ إلَى الْمَرْأَةِ. وَالْأُولَى عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: نَظَرُهُ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ الْحَرَّةِ، وَنَظَرُهُ إلَى مَنْ يَحِلُّ لَهُ مِنْ الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ، وَنَظَرُهُ إلَى ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ، وَنَظَرُهُ إلَى أَمَةِ الْغَيْرِ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ إلَخْ) الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ نَظَرُ الرَّجُلِ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ مِنْ قَرْنِهَا إلَى قَدَمِهَا، إلَيْهِ أَشَارَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ مَسْتُورَةٌ» ثُمَّ أُبِيحَ النَّظَرُ إلَى بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَهُوَ مَا اسْتَثْنَاهُ فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ (إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا) لِلْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ وَكَانَ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا لِقَوْلِهِ أَرْفَقَ بِالنَّاسِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] وَفَسَّرَ ذَلِكَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِالْكُحْلِ وَالْخَاتَمِ، وَالْمُرَادُ مَوْضِعُهُمَا. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ فِي إبْدَاءِ الْوَجْهِ وَالْكَفِّ ضَرُورَةً) دَلِيلٌ مَعْقُولٌ

يُبَاحُ؛ لِأَنَّ فِيهِ بَعْضَ الضَّرُورَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُبَاحُ النَّظَرُ إلَى ذِرَاعِهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَبْدُو مِنْهَا عَادَةً قَالَ (فَإِنْ كَانَ لَا يَأْمَنُ الشَّهْوَةَ لَا يَنْظُرُ إلَى وَجْهِهَا إلَّا لِحَاجَةٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ نَظَرَ إلَى مَحَاسِنِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ عَنْ شَهْوَةٍ صُبَّ فِي عَيْنَيْهِ الْآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَإِذَا خَافَ الشَّهْوَةَ لَمْ يَنْظُرْ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ تَحَرُّزًا عَنْ الْمُحَرَّمِ. وَقَوْلُهُ لَا يَأْمَنُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبَاحُ إذَا شَكَّ فِي الِاشْتِهَاءِ كَمَا إذَا عَلِمَ أَوْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ ذَلِكَ (وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَمَسَّ وَجْهَهَا وَلَا كَفَّيْهَا وَإِنْ كَانَ يَأْمَنُ الشَّهْوَةَ) لِقِيَامِ الْمُحَرَّمِ وَانْعِدَامِ الضَّرُورَةِ وَالْبَلْوَى، بِخِلَافِ النَّظَرِ لِأَنَّ فِيهِ بَلْوَى. وَالْمُحَرَّمُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ مَسَّ كَفَّ امْرَأَةٍ لَيْسَ مِنْهَا بِسَبِيلٍ وُضِعَ عَلَى كَفِّهِ جَمْرَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَهَذَا إذَا كَانَتْ شَابَّةً تُشْتَهَى، أَمَّا إذَا كَانَتْ عَجُوزًا لَا تُشْتَهَى فَلَا بَأْسَ بِمُصَافَحَتِهَا وَمَسِّ يَدِهَا لِانْعِدَامِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُدْخِلُ بَعْضَ الْقَبَائِلِ الَّتِي كَانَ مُسْتَرْضَعًا فِيهِمْ وَكَانَ يُصَافِحُ الْعَجَائِزَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَأْجَرَ عَجُوزًا لِتُمَرِّضَهُ، وَكَانَتْ تَغْمِزُ رِجْلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ ظَاهِرٌ، وَالْآنُكُ: الرَّصَاصُ. وَقَوْلُهُ (فَإِذَا خَافَ الشَّهْوَةَ لَمْ يَنْظُرْ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «لَا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإِنَّ الْأُولَى لَك وَالثَّانِيَةَ عَلَيْك» يَعْنِي بِالثَّانِيَةِ أَنْ يُبْصِرَهَا عَنْ شَهْوَةٍ. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَبْصِرْهَا

وَتُفَلِّي رَأْسَهُ، وَكَذَا إذَا كَانَ شَيْخًا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَيْهَا لِمَا قُلْنَا، فَإِنْ كَانَ لَا يَأْمَنُ عَلَيْهَا لَا تَحِلُّ مُصَافَحَتُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْرِيضِ لِلْفِتْنَةِ. وَالصَّغِيرَةُ إذَا كَانَتْ لَا تُشْتَهَى يُبَاحُ مَسُّهَا وَالنَّظَرُ إلَيْهَا لِعَدَمِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ. قَالَ (وَيَجُوزُ لِلْقَاضِي إذَا أَرَادَ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهَا وَلِلشَّاهِدِ إذَا أَرَادَ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ عَلَيْهَا النَّظَرُ إلَى وَجْهِهَا وَإِنْ خَافَ أَنْ يَشْتَهِيَ) لِلْحَاجَةِ إلَى إحْيَاءِ حُقُوقِ النَّاسِ بِوَاسِطَةِ الْقَضَاءِ وَأَدَاءِ الشَّهَادَةِ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَ بِهِ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ أَوْ الْحُكْمَ عَلَيْهَا لَا قَضَاءَ الشَّهْوَةِ تَحَرُّزًا عَمَّا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَهُوَ قَصْدُ الْقَبِيحِ. وَأَمَّا النَّظَرُ لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ إذَا اشْتَهَى قِيلَ يُبَاحُ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ مَنْ لَا يَشْتَهِي فَلَا ضَرُورَةَ، بِخِلَافِ حَالَةِ الْأَدَاءِ. (وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَشْتَهِيهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِ «أَبْصِرْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» وَلِأَنَّ مَقْصُودَهُ إقَامَةُ السُّنَّةِ لَا قَضَاءُ الشَّهْوَةِ. (وَيَجُوزُ لِلطَّبِيبِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَوْضِعِ الْمَرَضِ مِنْهَا) لِلضَّرُورَةِ (وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَلِّمَ امْرَأَةً مُدَاوَاتَهَا) لِأَنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ أَسْهَلُ (فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا يَسْتُرُ كُلَّ عُضْوٍ مِنْهَا سِوَى مَوْضِعِ الْمَرَضِ) ثُمَّ يَنْظُرُ وَيَغُضُّ بَصَرَهُ مَا اسْتَطَاعَ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَصَارَ كَنَظَرِ الْخَافِضَةِ وَالْخَتَّانِ. (وَكَذَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ النَّظَرُ إلَى مَوْضِعِ الِاحْتِقَانِ مِنْ الرَّجُلِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» أَيْ يُوَفَّقَ، قَالَهُ لِلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً (وَالْخَافِضَةُ لِلْجَارِيَةِ كَالْخَاتِنِ لِلْغُلَامِ)

لِأَنَّهُ مُدَاوَاةٌ وَيَجُوزُ لِلْمَرَضِ وَكَذَا لِلْهُزَالِ الْفَاحِشِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ أَمَارَةُ الْمَرَضِ. قَالَ (وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ إلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ إلَّا مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَوْرَةُ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ» وَيُرْوَى «مَا دُونَ سُرَّتِهِ حَتَّى يُجَاوِزَ رُكْبَتَيْهِ» وَبِهَذَا ثَبَتَ أَنَّ السُّرَّةَ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ أَبُو عِصْمَةَ وَالشَّافِعِيُّ، وَالرُّكْبَةُ عَوْرَةٌ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، وَالْفَخِذُ عَوْرَةٌ خِلَافًا لِأَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ، وَمَا دُونَ السُّرَّةِ إلَى مَنْبَتِ الشَّعْرِ عَوْرَةٌ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْكَمَارِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي أَنَّ الْخَافِضَةَ وَالْخَتَّانَ يَنْظُرَانِ إلَى الْعَوْرَةِ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ، لِأَنَّ الْخِتَانَ سُنَّةٌ فِي حَقِّ الرِّجَالِ مَكْرُمَةٌ فِي حَقِّ النِّسَاءِ فَلَا يُتْرَكُ. وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَوْضِعِ الِاحْتِقَانِ لِأَنَّهُ مُدَاوَاةٌ يَجُوزُ لِلْمَرَضِ وَالْهُزَالِ الْفَاحِشِ لِكَوْنِهِ نَوْعَ مَرَضٍ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِذَا جَازَ الِاحْتِقَانُ جَازَ لِلْحَاقِنِ النَّظَرُ إلَى مَوْضِعِهِ. قَالَ (وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ أَصْلِ التَّقْسِيمِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ أَبُو عِصْمَةَ) يَعْنِي سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ الْمَرْوَزِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ السُّرَّةَ أَحَدُ حَدَّيْ الْعَوْرَةِ فَتَكُونُ مِنْ

مُعْتَمِدًا فِيهِ الْعَادَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِهَا مَعَ النَّصِّ بِخِلَافِهِ، وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «الرُّكْبَةُ مِنْ الْعَوْرَةِ» وَأَبْدَى الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سُرَّتَهُ فَقَبَّلَهَا أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَوْرَةِ كَالرُّكْبَةِ. قِيلَ عَطْفُ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَبِي عِصْمَةَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِأَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّ الرُّكْبَةَ عَوْرَةٌ وَهُوَ لَا يَقُولُ بِهِ، وَهَذَا سَاقِطٌ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يُعَلِّلْ بِهَذَا التَّعْلِيلِ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمَذْهَبَ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَذْهَبُهُمَا وَاحِدًا وَالْمَأْخَذُ مُتَعَدِّدًا، فَالْمَذْكُورُ يَكُونُ تَعْلِيلًا لِأَبِي عِصْمَةَ وَتَعْلِيلُ الشَّافِعِيِّ غَيْرُ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ السُّرَّةَ مَحَلُّ الِاشْتِهَاءِ، وَالرُّكْبَةُ عَوْرَةٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسْتِدْلَالًا بِالْغَايَةِ فَإِنَّهَا لَا تُدْخِلُ الْمُغَيَّا. وَالْفَخِذُ عَوْرَةٌ خِلَافًا لِأَهْلِ الظَّاهِرِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ الْعَوْرَةُ هِيَ السَّوْءَةُ دُونَ مَا عَدَاهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} [طه: 121] وَالْمُرَادُ بِهِ الْعَوْرَةُ، وَمَا دُونَ السُّرَّةِ إلَى مَنْبَتِ الشَّعْرِ عَوْرَةٌ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْكَمَارِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُعْتَمِدًا فِيهِ عَلَى الْعَادَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِهَا) أَيْ بِالْعَادَةِ (مَعَ وُجُودِ النَّصِّ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ وَمَا دُونَ السُّرَّةِ إلَى مَنْبَتِ الشَّعْرِ عَوْرَةٌ. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرُّكْبَةَ عَوْرَةٌ. وَقَوْلُهُ (وَأَبْدَى الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) جَوَابٌ عَنْ

وَقَالَ لِجَرْهَدٍ: «وَارِ فَخِذَك، أَمَا عَلِمْت أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ؟» وَلِأَنَّ الرُّكْبَةَ مُلْتَقَى عَظْمِ الْفَخِذِ وَالسَّاقِ فَاجْتَمَعَ الْمُحَرَّمُ وَالْمُبِيحُ وَفِي مِثْلِهِ يَغْلِبُ الْمُحَرَّمُ، وَحُكْمُ الْعَوْرَةِ فِي الرُّكْبَةِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي الْفَخِذِ، وَفِي الْفَخِذِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي السَّوْأَةِ، حَتَّى أَنَّ كَاشِفَ الرُّكْبَةِ يُنْكَرُ عَلَيْهِ بِرِفْقٍ وَكَاشِفَ الْفَخِذِ يُعَنَّفُ عَلَيْهِ وَكَاشِفَ السَّوْءَةِ يُؤَدَّبُ إنْ لَجَّ (وَمَا يُبَاحُ النَّظَرُ إلَيْهِ لِلرَّجُلِ مِنْ الرَّجُلِ يُبَاحُ الْمَسُّ) لِأَنَّهُمَا فِيمَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ سَوَاءٌ. قَالَ (وَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ مِنْ الرَّجُلِ إلَى مَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَيْهِ مِنْهُ إذَا أَمِنَتْ الشَّهْوَةَ) لِاسْتِوَاءِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي النَّظَرِ إلَى مَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ كَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ. وَفِي كِتَابِ الْخُنْثَى مِنْ الْأَصْلِ: أَنَّ نَظَرَ الْمَرْأَةِ إلَى الرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ بِمَنْزِلَةِ نَظَرِ الرَّجُلِ إلَى مَحَارِمِهِ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ أَغْلَظُ، فَإِنْ كَانَ فِي قَلْبِهَا شَهْوَةٌ أَوْ أَكْبَرُ رَأْيِهَا أَنَّهَا تَشْتَهِي أَوْ شَكَّتْ فِي ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَغُضَّ بَصَرَهَا، وَلَوْ كَانَ النَّاظِرُ هُوَ الرَّجُلُ إلَيْهَا وَهُوَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَمْ يَنْظُرْ، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى التَّحْرِيمِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الشَّهْوَةَ عَلَيْهِنَّ غَالِبَةٌ وَهُوَ كَالْمُتَحَقِّقِ اعْتِبَارًا، فَإِذَا اشْتَهَى الرَّجُلُ كَانَتْ الشَّهْوَةُ مَوْجُودَةً فِي الْجَانِبَيْنِ، وَلَا كَذَلِكَ إذَا اشْتَهَتْ الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي جَانِبِهِ حَقِيقَةً وَاعْتِبَارًا فَكَانَتْ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ، وَالْمُتَحَقِّقُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي الْإِفْضَاءِ إلَى الْمُحَرَّمِ أَقْوَى مِنْ الْمُتَحَقِّقِ فِي جَانِبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلَ أَبِي عِصْمَةَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَوْلُهُ (وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِجَرْهَدٍ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ أَهْلِ الظَّاهِرِ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الرُّكْبَةَ) دَلِيلٌ مَعْقُولٌ عَلَى كَوْنِ الرُّكْبَةِ عَوْرَةً، وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُمَا) أَيْ لِأَنَّ النَّظَرَ وَالْمَسَّ فِيمَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ سَوَاءٌ. وَقَوْلُهُ (وَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ مِنْ الرَّجُلِ إلَى مَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَيْهِ مِنْهُ) عَكْسُ هَذَا الْقِسْمِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ. وَقَوْلُهُ (وَوَجْهُ الْفَرْقِ) أَيْ فَرْقِ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ مِنْ جَعْلِ عَدَمِ نَظَرِهَا إلَيْهِ مُسْتَحَبًّا وَعَدَمُ نَظَرِهِ إلَيْهَا وَاجِبًا هُوَ أَنَّ الشَّهْوَةَ عَلَيْهِنَّ غَالِبَةٌ وَالْغَالِبُ كَالْمُتَحَقِّقِ غَالِبًا أَلَا تَرَى أَنَّ وُجُوبَ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ بِسَبَبِ غَلَبَةِ الصِّدْقِ وَغَلَبَةِ الصِّحَّةِ لَا بِحَقِيقَتِهِمَا، وَأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ جَوَّزَ الصَّلَاةَ

وَاحِدٍ. قَالَ (وَتَنْظُرُ الْمَرْأَةُ مِنْ الْمَرْأَةِ إلَى مَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ الرَّجُلِ) لِوُجُودِ الْمُجَانَسَةِ، وَانْعِدَامِ الشَّهْوَةِ غَالِبًا كَمَا فِي نَظَرِ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ، وَكَذَا الضَّرُورَةُ قَدْ تَحَقَّقَتْ إلَى الِانْكِشَافِ فِيمَا بَيْنَهُنَّ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ نَظَرَ الْمَرْأَةِ إلَى الْمَرْأَةِ كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى مَحَارِمِهِ، بِخِلَافِ نَظَرِهَا إلَى الرَّجُلِ؛ لِأَنَّ الرِّجَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي السَّفِينَةِ قَاعِدًا لِأَنَّ دُوَارَ الرَّأْسِ فِيهَا غَالِبٌ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَإِذَا نَظَرَ الرَّجُلُ إلَيْهَا مُشْتَهِيًا وُجِدَتْ الشَّهْوَةُ فِي الْجَانِبَيْنِ فِي جَانِبِهِ حَقِيقَةً لِأَنَّهُ هُوَ الْمَفْرُوضُ، وَفِي جَانِبِهَا اعْتِبَارًا لِقِيَامِ الْغَلَبَةِ مَقَامَ الْحَقِيقَةِ، وَإِذَا نَظَرَتْ إلَيْهِ مُشْتَهِيَةً لَمْ تُوجَدْ الشَّهْوَةُ مِنْ جَانِبِهِ حَقِيقَةً لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ لَمْ يَنْظُرُ، وَلَا اعْتِبَارَ لِعَدَمِ الْغَلَبَةِ فَكَانَتْ الشَّهْوَةُ مِنْ جَانِبِهَا فَقَطْ، وَالْمُتَحَقِّقُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي الْإِفْضَاءِ إلَى الْمُحَرَّمِ أَقْوَى مِنْ الْمُتَحَقِّقِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ لَا مَحَالَةَ. قَالَ (وَتَنْظُرُ الْمَرْأَةُ مِنْ الْمَرْأَةِ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَصْلِ التَّقْسِيمِ: مَا جَازَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ الرَّجُلِ جَازَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ الْمَرْأَةِ لِوُجُودِ الْمُجَانَسَةِ وَعَدَمِ الشَّهْوَةِ غَالِبًا، وَالْغَالِبُ كَالْمُتَحَقِّقِ كَمَا فِي نَظَرِ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ. وَالضَّرُورَةُ إلَى الِانْكِشَافِ فِيمَا بَيْنَهُنَّ مُتَحَقِّقَةٌ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: أَيْ فِي الْحَمَّامِ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَنْ أَنَّهُنَّ لَا يُمْنَعْنَ عَنْ الدُّخُولِ فِي الْحَمَّامِ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ بَعْضُ النَّاسِ. لِأَنَّ الْعُرْفَ الظَّاهِرَ فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ بِبِنَاءِ الْحَمَّامَاتِ لِلنِّسَاءِ وَتَمْكِينِهِنَّ مِنْ دُخُولِ الْحَمَّامَاتِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا. وَحَاجَةُ النِّسَاءِ إلَى دُخُولِ الْحَمَّامَاتِ فَوْقَ حَاجَةِ الرِّجَالِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَحْصِيلُ الزِّينَةِ وَالْمَرْأَةُ إلَى هَذَا أَحْوَجُ مِنْ الرَّجُلِ، وَيَتَمَكَّنُ الرَّجُلُ مِنْ الِاغْتِسَالِ فِي الْأَنْهَارِ وَالْحِيَاضِ وَالْمَرْأَةُ لَا تَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ. إلَى هَذَا أَشَارَ

يَحْتَاجُونَ إلَى زِيَادَةِ الِانْكِشَافِ لِلِاشْتِغَالِ بِالْأَعْمَالِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. قَالَ (وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ مِنْ أَمَتِهِ الَّتِي تَحِلُّ لَهُ وَزَوْجَتِهِ إلَى فَرْجِهَا) وَهَذَا إطْلَاقٌ فِي النَّظَرِ إلَى سَائِرِ بَدَنِهَا عَنْ شَهْوَةٍ وَغَيْرِ شَهْوَةٍ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «غُضَّ بَصَرَك إلَّا عَنْ أَمَتِك وَامْرَأَتِك» وَلِأَنَّ مَا فَوْقَ ذَلِكَ مِنْ الْمَسِّ وَالْغَشَيَانِ مُبَاحٌ فَالنَّظَرُ أَوْلَى، إلَّا أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَنْظُرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى عَوْرَةِ صَاحِبِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ فَلْيَسْتَتِرْ مَا اسْتَطَاعَ وَلَا يَتَجَرَّدَانِ تَجَرُّدَ الْعِيرِ» وَلِأَنَّ ذَلِكَ يُورِثُ النِّسْيَانَ لِوُرُودِ الْأَثَرِ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَقُولُ: الْأَوْلَى أَنْ يَنْظُرَ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي تَحْصِيلِ مَعْنَى اللَّذَّةِ. قَالَ (وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ إلَى الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَالصَّدْرِ وَالسَّاقَيْنِ وَالْعَضُدَيْنِ. وَلَا يَنْظُرُ إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا وَفَخِذِهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْمَبْسُوطِ. وَقَوْلُهُ كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى مَحَارِمِهِ: يَعْنِي لَا يَنْظُرُ إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا وَفَخِذِهَا كَمَا سَيَأْتِي. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ) لِأَنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ أَخَفُّ. قَالَ (وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ مِنْ أَمَتِهِ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ نَظَرِ الرَّجُلِ إلَى الْمَرْأَةِ، وَالتَّسَامُحُ فِي رِعَايَةِ التَّرْتِيبِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ظَاهِرٌ، وَقَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ مِنْ أَمَتِهِ الَّتِي تَحِلُّ لَهُ، لِأَنَّ حُكْمَ أَمَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ وَاَلَّتِي هِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ حُكْمُ أَمَةِ الْغَيْرِ فِي النَّظَرِ إلَيْهَا، لِأَنَّ إبَاحَةَ النَّظَرِ إلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى حِلِّ الْوَطْءِ فَتَنْتَفِي بِانْتِفَائِهِ. وَالْعِيرُ: هُوَ الْحِمَارُ الْوَحْشِيُّ. وَخَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ لِلْأَهْلِيِّ نَوْعُ سَتْرٍ مِنْ الْأَقْتَابِ وَالثُّفْرِ. وَقَدْ قِيلَ هُوَ الْأَهْلِيُّ أَيْضًا. وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: الْأَوْلَى أَنْ يَنْظُرَ: يَعْنِي وَقْتَ الْوِقَاعِ. رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَمَالِي قَالَ: سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ الرَّجُلِ يَمَسُّ فَرْجَ امْرَأَتِهِ أَوْ تَمَسُّ هِيَ فَرْجَهُ لِيَتَحَرَّكَ عَلَيْهَا هَلْ تَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا؟ قَالَ لَا، أَرْجُو أَنْ يَعْظُمَ الْأَجْرُ. قَالَ (وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ ذَلِكَ نَظَرُ الرَّجُلِ إلَى الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَالصَّدْرِ وَالسَّاقَيْنِ وَالْعَضُدَيْنِ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ جَائِزٌ دُونَ بَطْنِهَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَظَهْرِهَا وَفَخِذِهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْقَدِيمِ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، جَعَلَ حَالَهَا كَحَالِ الْجِنْسِ فِي النَّظَرِ، وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِحُكْمِ الظِّهَارِ فَإِنَّهُ ثَابِتٌ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، فَلَوْ كَانَ النَّظَرُ إلَيْهِ حَلَالًا لَمَا كَانَ ظِهَارًا لِأَنَّ الظِّهَارَ تَشْبِيهُ الْمُحَلَّلَةِ بِالْمُحَرَّمَةِ.

وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور: 31] الْآيَةَ، وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَوَاضِعُ الزِّينَةِ وَهِيَ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ السَّاعِدُ وَالْأُذُنُ وَالْعُنُقُ وَالْقَدَمُ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَوْضِعُ الزِّينَةِ، بِخِلَافِ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ وَالْفَخِذِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ مَوَاضِعِ الزِّينَةِ، وَلِأَنَّ الْبَعْضَ يَدْخُلُ عَلَى الْبَعْضِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَاحْتِشَامٍ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِهَا فِي ثِيَابِ مِهْنَتِهَا عَادَةً، فَلَوْ حَرُمَ النَّظَرُ إلَى هَذِهِ الْمَوَاضِعِ أَدَّى إلَى الْحَرَجِ، وَكَذَا الرَّغْبَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَالْأَصْلُ فِيهِ) أَيْ فِي جَوَازِ مَا جَازَ وَعَدَمِ جَوَازِ مَا لَمْ يَجُزْ عَلَى تَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ قَوْله تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 31] الْآيَةَ وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَوَاضِعُ الزِّينَةِ، ذَكَرَ الْحَالَّ وَأَرَادَ الْمَحَلَّ مُبَالَغَةً فِي النَّهْيِ عَنْ الْإِبْدَاءِ، لِأَنَّ إبْدَاءَ مَا كَانَ مُنْفَصِلًا إذَا كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ فَإِبْدَاءُ الْمُتَّصِلِ أَوْلَى، وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا الْقَلائِدَ} [المائدة: 2] فِي حُرْمَةِ تَعَرُّضِ مَحَلِّهَا. وَقَوْلُهُ (وَهِيَ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ) يُرِيدُ بِهِ الْوَجْهَ إلَى آخِرِهِ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ: أَيْ فِي مَوَاضِعِ الزِّينَةِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهَا بِالزِّينَةِ السَّاعِدُ وَالْأُذُنُ وَالْعُنُقُ وَالْقَدَمُ، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَوْضِعُ الزِّينَةِ؛ أَمَّا الرَّأْسُ فَلِأَنَّهُ مَوْضِعُ التَّاجِ وَالْإِكْلِيلِ، وَالشَّعْرُ مَوْضِعُ الْعِقَاصِ، وَالْعُنُقُ مَوْضِعُ الْقِلَادَةِ وَالصَّدْرُ كَذَلِكَ، وَالْأُذُنُ مَوْضِعُ الْقُرْطِ، وَالْعَضُدُ مَوْضِعُ الدُّمْلُجِ، وَالسَّاعِدُ مَوْضِعُ السِّوَارِ، وَالْكَفُّ مَوْضِعُ الْخَاتَمِ، وَالْخِضَابِ وَالسَّاقُ مَوْضِعُ الْخَلْخَالِ، وَالْقَدَمُ

تَقِلُّ لِلْحُرْمَةِ الْمُؤَبَّدَةِ فَقَلَّمَا تُشْتَهَى، بِخِلَافِ مَا وَرَاءَهَا، لِأَنَّهَا لَا تَنْكَشِفُ عَادَةً. وَالْمَحْرَمُ مِنْ لَا تَجُوزُ الْمُنَاكَحَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِنَسَبٍ كَانَ أَوْ بِسَبَبٍ كَالرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ لِوُجُودِ الْمَعْنَيَيْنِ فِيهِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْمُصَاهَرَةُ بِنِكَاحٍ أَوْ سِفَاحٍ فِي الْأَصَحِّ لِمَا بَيَّنَّا. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَمَسَّ مَا جَازَ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْهَا) لِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ فِي الْمُسَافَرَةِ وَقِلَّةِ الشَّهْوَةِ لِلْمَحْرَمِيَّةِ، بِخِلَافِ وَجْهِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَكَفَّيْهَا حَيْثُ لَا يُبَاحُ الْمَسُّ وَإِنْ أُبِيحَ النَّظَرُ؛ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ مُتَكَامِلَةٌ (إلَّا إذَا كَانَ يَخَافُ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى نَفْسِهِ الشَّهْوَةَ) فَحِينَئِذٍ لَا يَنْظُرُ وَلَا يَمَسُّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْبَطْشُ» ، وَحُرْمَةُ الزِّنَا بِذَوَاتِ الْمَحَارِمِ أَغْلَظُ فَيُجْتَنَبُ. (وَلَا بَأْسَ بِالْخَلْوَةِ وَالْمُسَافَرَةِ بِهِنَّ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا إلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا» ـــــــــــــــــــــــــــــQمَوْضِعُ الْخِضَابِ، بِخِلَافِ الظَّهْرِ وَالْفَخِذِ وَالْبَطْنِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَوَاضِعَ الزِّينَةِ، وَبَاقِي كَلَامِهِ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (لِوُجُودِ الْمَعْنَيَيْنِ) يَعْنِي الضَّرُورَةَ وَقِلَّةَ الرَّغْبَةِ فِيهِ: أَيْ فِي الْمُحَرَّمِ. وَقَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أَوْ سِفَاحٍ، لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ فِي الْمُصَاهَرَةِ بِالزِّنَا لَا فِيهَا بِالنِّكَاحِ، فَإِنَّ بَعْضَ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قَالَ: لَا يَثْبُتُ حِلُّ الْمَسِّ وَالنَّظَرِ بِالْمُصَاهَرَةِ سِفَاحًا، لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُرْمَةِ بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ عَلَى الزَّانِي لَا بِطَرِيقِ النِّعْمَةِ، لِأَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَتْ خِيَانَتُهُ مَرَّةً لَا يُؤْتَمَنُ ثَانِيًا. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ ثُبُوتُ الْحُرْمَةِ بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ بِاعْتِبَارِ كَرَامَةِ الْوَلَدِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ (قَالَ: وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَمَسَّ مَا جَازَ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْهَا لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي لِلْإِبَاحَةِ) وَهُوَ الْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ فِي الْمُسَافَرَةِ وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ وَهُوَ وَفَوْرُ الشَّهْوَةِ. وَقَوْلُهُ (إلَّا إذَا كَانَ يَخَافُ عَلَيْهَا) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا بَأْسَ وَكَلِمَةُ فَوْقَ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» صِلَةٌ، لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمُسَافَرَةِ ثَابِتَةٌ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَيْضًا فَكَانَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} [النساء: 11] وَإِذَا جَازَتْ الْمُسَافَرَةُ بِهِنَّ جَازَتْ الْخَلْوَةُ

وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مِنْهَا بِسَبِيلٍ فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ» وَالْمُرَادُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَحْرَمًا، فَإِنْ احْتَاجَ إلَى الْإِرْكَابِ وَالْإِنْزَالِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَمَسَّهَا مِنْ وَرَاءِ ثِيَابِهَا وَيَأْخُذَ ظَهْرَهَا وَبَطْنَهَا دُونَ مَا تَحْتَهُمَا إذَا أَمِنَا الشَّهْوَةَ، فَإِنْ خَافَهَا عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَيْهَا تَيَقُّنًا أَوْ ظَنًّا أَوْ شَكًّا فَلْيَجْتَنِبْ ذَلِكَ بِجَهْدِهِ، ثُمَّ إنْ أَمْكَنَهَا الرُّكُوبَ بِنَفْسِهَا يَمْتَنِعُ عَنْ ذَلِكَ أَصْلًا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهَا يَتَكَلَّفُ بِالثِّيَابِ كَيْ لَا تُصِيبَهُ حَرَارَةُ عُضْوِهَا، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الثِّيَابَ يَدْفَعُ الشَّهْوَةَ عَنْ قَلْبِهِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. قَالَ (وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ مِنْ مَمْلُوكَةِ غَيْرِهِ إلَى مَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ) لِأَنَّهَا تَخْرُجُ لِحَوَائِجِ مَوْلَاهَا وَتَخْدُمُ أَضْيَافَهُ وَهِيَ فِي ثِيَابِ مِهْنَتِهَا، فَصَارَ حَالُهَا خَارِجَ الْبَيْتِ فِي حَقِّ الْأَجَانِبِ كَحَالِ الْمَرْأَةِ دَاخِلَهُ فِي حَقِّ مَحَارِمِهِ الْأَقَارِبِ. وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا رَأَى جَارِيَةً مُتَقَنِّعَةً عَلَاهَا بِالدُّرَّةِ وَقَالَ: أَلْقِي عَنْك الْخِمَارَ يَا دَفَارُ أَتَتَشَبَّهِينَ بِالْحَرَائِرِ وَلَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَى بَطْنِهَا وَظَهْرِهَا خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَنَّهُ يُبَاحُ إلَّا إلَى مَا دُونَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ كَمَا فِي الْمَحَارِمِ، بَلْ أَوْلَى لِقِلَّةِ الشَّهْوَةِ فِيهِنَّ وَكَمَالِهَا فِي الْإِمَاءِ. وَلَفْظَةُ الْمَمْلُوكَةِ تَنْتَظِمُ الْمُدَبَّرَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ لِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ، وَالْمُسْتَسْعَاةُ كَالْمُكَاتَبَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا عُرِفَ، وَأَمَّا الْخَلْوَةُ بِهَا وَالْمُسَافَرَةُ مَعَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِنَّ لِأَنَّ فِي الْمُسَافَرَةِ خَلْوَةٌ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ احْتَاجَ إلَى الْإِرْكَابِ) أَيْ إرْكَابِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنْ لَا يَجُوزَ مَسُّ مَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ إلَيْهِ لِأَنَّ الْمَسَّ فَوْقَ النَّظَرِ، لَكِنَّهُ جَازَ " لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُقَبِّلُ رَأْسَ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَيَقُولُ: أَجِدُ مِنْهَا رِيحَ الْجَنَّةِ» وَكَانَ ذَلِكَ لَا عَنْ شَهْوَةٍ قَطْعًا، فَيَجُوزُ الْمَسُّ مَعَ الِاتِّقَاءِ عَنْ الشَّهْوَةِ مَا أَمْكَنَ. قَالَ (وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ مِنْ مَمْلُوكَةِ غَيْرِهِ إلَخْ) هَذَا آخِرُ الْأَقْسَامِ مِنْ ذَلِكَ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ عَلَاهَا: أَيْ ضَرَبَ عِلَاوَتَهَا وَهِيَ رَأْسُهَا بِالدِّرَّةِ. وَقَوْلُهُ (خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُبَاحُ إلَّا إلَى مَا دُونَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ) وَجْهُهُ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ: وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً فَلْيَنْظُرْ إلَيْهَا إلَّا فِي مَوْضِعِ الْمِئْزَرِ. وَتَعَامُلُ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ وَوَجْهُ الْعَامَّةِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (وَأَمَّا الْخَلْوَةُ بِهَا وَالْمُسَافَرَةُ مَعَهَا) يَعْنِي إذَا أَمِنَ بِذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَيْهَا فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِيهِ: فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ:

فَقَدْ قِيلَ يُبَاحُ كَمَا فِي الْمَحَارِمِ، وَقَدْ قِيلَ لَا يُبَاحُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ فِيهِنَّ، وَفِي الْإِرْكَابِ وَالْإِنْزَالِ اعْتَبَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ الضَّرُورَةَ فِيهِنَّ وَفِي ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ مُجَرَّدَ الْحَاجَةِ. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَمَسَّ ذَلِكَ إذَا أَرَادَ الشِّرَاءَ، وَإِنْ خَافَ أَنْ يَشْتَهِيَ) كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَأَطْلَقَ أَيْضًا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يُفَصِّلْ. قَالَ مَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يُبَاحُ النَّظَرُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَإِنْ اشْتَهَى لِلضَّرُورَةِ، وَلَا يُبَاحُ الْمَسُّ إذَا اشْتَهَى أَوْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ اسْتِمْتَاعٍ، وَفِي غَيْرِ حَالَةِ الشِّرَاءِ يُبَاحُ النَّظَرُ وَالْمَسُّ بِشَرْطِ عَدَمِ الشَّهْوَةِ. قَالَ (وَإِذَا حَاضَتْ الْأَمَةُ لَمْ تَعْرِضْ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ) وَمَعْنَاهُ بَلَغَتْ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الظَّهْرَ وَالْبَطْنَ مِنْهَا عَوْرَةٌ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ تُشْتَهَى وَيُجَامَعُ مِثْلُهَا فَهِيَ كَالْبَالِغَةِ لَا تَعْرِضُ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ لِوُجُودِ الِاشْتِهَاءِ. قَالَ (وَالْخَصِيُّ فِي النَّظَرِ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ كَالْفَحْلِ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: الْخِصَاءُ مِثْلُهُ فَلَا يُبِيحُ مَا كَانَ حَرَامًا قَبْلَهُ وَلِأَنَّهُ فَحْلٌ يُجَامِعُ. وَكَذَا الْمَجْبُوبُ؛ لِأَنَّهُ يَسْحَقُ وَيُنْزِلُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQيَحِلُّ وَاعْتَبَرَهَا بِالْمَحَارِمِ وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقِيلَ لَا يَحِلُّ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ وَإِلَيْهِ مَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي الْإِرْكَابِ وَالْإِنْزَالِ اعْتَبَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الضَّرُورَةَ فِيهِنَّ) يَعْنِي الَّتِي لَا مَدْفَعَ لَهَا (وَفِي الْمَحَارِمِ مُجَرَّدُ الْحَاجَةِ) أَيْ نَفْسُ الْحَاجَةِ لَا الضَّرُورَةُ. وَقَوْلُهُ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَمَسَّ ذَلِكَ) أَيْ الْمَوَاضِعَ الَّتِي يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهَا (إذَا أَرَادَ الشِّرَاءَ وَإِنْ خَافَ أَنْ يَشْتَهِيَ كَذَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَأَطْلَقَ فِي الْجَامِعِ) لَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَقَالَ: رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً لَا بَأْسَ بِأَنْ يَمَسَّ سَاقَهَا وَذِرَاعَيْهَا وَصَدْرَهَا وَيَنْظُرَ إلَى صَدْرِهَا

وَكَذَا الْمُخَنَّثُ فِي الرَّدِيءِ مِنْ الْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّهُ فَحْلٌ فَاسِقٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ فِيهِ بِمُحْكَمِ كِتَابِ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ فِيهِ، وَالطِّفْلُ الصَّغِيرُ مُسْتَثْنًى بِالنَّصِّ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ لِلْمَمْلُوكِ أَنْ يَنْظُرَ مِنْ سَيِّدَتِهِ إلَّا مَا يَجُوزُ لِلْأَجْنَبِيِّ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْهَا) . وَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ كَالْمَحْرَمِ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: 31] وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ مُتَحَقِّقَةٌ لِدُخُولِهِ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ. وَلَنَا أَنَّهُ فَحْلٌ غَيْرُ مَحْرَمٍ وَلَا زَوْجٍ، وَالشَّهْوَةُ مُتَحَقِّقَةٌ لِجَوَازِ النِّكَاحِ فِي الْجُمْلَةِ وَالْحَاجَةُ قَاصِرَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ خَارِجَ الْبَيْتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَسَاقِهَا مَكْشُوفَيْنِ، وَالْبَاقِي وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا الْمُخَنَّثُ فِي الرَّدِيءِ مِنْ الْأَفْعَالِ) يَعْنِي مَنْ يُمَكِّنُ غَيْرَهُ مِنْ نَفْسِهِ، احْتِرَازًا عَنْ الْمُخَنَّثِ الَّذِي فِي أَعْضَائِهِ لِينٌ وَتَكَسُّرٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ وَلَا يَشْتَهِي النِّسَاءَ فَإِنَّهُ رَخَّصَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي تَرْكِ مِثْلِهِ مَعَ النِّسَاءِ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} [النور: 31] قِيلَ هُوَ الْمُخَنَّثُ الَّذِي لَا يَشْتَهِي النِّسَاءَ، وَقِيلَ هُوَ الْمَجْبُوبُ الَّذِي جَفَّ مَاؤُهُ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْأَبْلَهُ الَّذِي لَا يَدْرِي مَا يَصْنَعُ بِالنِّسَاءِ إنَّمَا هَمُّهُ بَطْنُهُ وَفِيهِ كَلَامٌ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ شَابًّا يُنَحَّى عَنْ النِّسَاءِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ إذَا كَانَ شَيْخًا كَبِيرًا مَاتَتْ شَهْوَتُهُ. وَالْأَصَحُّ أَنْ نَقُولَ قَوْله تَعَالَى {أَوِ التَّابِعِينَ} [النور: 31] مِنْ الْمُتَشَابِهَاتِ وَقَوْله تَعَالَى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30] مُحْكَمٌ نَأْخُذُ بِهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ فِيهِ بِمُحْكَمِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُنَزَّلِ فِيهِ (وَالطِّفْلُ الصَّغِيرُ مُسْتَثْنًى بِالنَّصِّ) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} [النور: 31] أَيْ لَمْ يَطَّلِعُوا: أَيْ لَا يَعْرِفُونَ الْعَوْرَةَ وَلَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا. وَقَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ لِلْمَمْلُوكِ) وَاضِحٌ.

وَالْمُرَادُ بِالنَّصِّ الْإِمَاءُ، قَالَ سَعِيدٌ وَالْحَسَنُ وَغَيْرُهُمَا: لَا تَغُرَّنَّكُمْ سُورَةُ النُّورِ فَإِنَّهَا فِي الْإِنَاثِ دُونَ الذُّكُورِ قَالَ (وَيَعْزِلُ عَنْ أَمَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا وَلَا يَعْزِلُ عَنْ زَوْجَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهَا) «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَالْمُرَادُ بِالنَّصِّ الْإِمَاءُ) يُرِيدُ بِالنَّصِّ قَوْله تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: 31] وَهُوَ جَوَابٌ عَنْ اسْتِدْلَالِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ بِهِ (قَالَ سَعِيدٌ) أَيْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَوْ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَطْلَقَ اسْمَ سَعِيدٍ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالنِّسْبَةِ لِيَتَنَاوَلَ السَّعِيدَيْنِ (وَالْحَسَنَ وَغَيْرُهُمَا) سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ (لَا تَغَرْنَكُمْ سُورَةُ النُّورِ فَإِنَّهَا فِي الْإِنَاثِ دُونَ الذُّكُورِ) وَلِأَنَّ الذُّكُورَ مُخَاطَبُونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30] فَلَوْ دَخَلُوا فِي قَوْله تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: 31] لَزِمَ التَّعَارُضَ. وَعُورِضَ بِأَنَّ نَظَرَ الْإِمَاءِ إلَى سَيِّدَتِهِنَّ اُسْتُفِيدَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النور: 31] فَلَوْ حُمِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى الْإِمَاءِ لَزِمَ التَّكْرَارُ، وَبِأَنَّ الْإِمَاءَ لَوْ لَمْ تَكُنْ مُرَادَةً مِنْ قَوْله تَعَالَى {أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النور: 31] وَجَبَ أَنْ لَا تَكُونَ مُرَادَةً مِنْ قَوْله تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: 31] أَيْضًا، لِأَنَّ الْبَيَانَ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي مَوْضِعِ

الْعَزْلِ عَنْ الْحُرَّةِ إلَّا بِإِذْنِهَا، وَقَالَ لِمَوْلَى أَمَةٍ: اعْزِلْ عَنْهَا إنْ شِئْت» ، وَلِأَنَّ الْوَطْءَ حَقُّ الْحُرَّةِ قَضَاءً لِلشَّهْوَةِ وَتَحْصِيلًا لِلْوَلَدِ وَلِهَذَا تُخَيِّرُ فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ، وَلَا حَقَّ لِلْأَمَةِ فِي الْوَطْءِ فَلِهَذَا لَا يُنْقَصُ حَقُّ الْحُرَّةِ بِغَيْرِ إذْنِهَا وَيَسْتَبِدُّ بِهِ الْمَوْلَى وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ أَمَةَ غَيْرِهِ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي النِّكَاحِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِشْكَالِ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَى أَحَدٍ أَنَّ لِلْأَمَةِ أَنْ تَنْظُرَ إلَى سَيِّدَتِهَا كَالْأَجْنَبِيَّاتِ، وَالْمِلْكُ إنْ لَمْ يَزِدْ تَوْسِعَةً فَلَا أَقَلَّ أَنْ لَا يَزِيدَ تَضْيِيقًا. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّسَاءِ الْحَرَائِرُ الْمُسْلِمَاتُ اللَّاتِي فِي صُحْبَتِهِنَّ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لِمُؤْمِنَةٍ أَنْ تَتَجَرَّدَ بَيْنَ يَدَيْ مُشْرِكَةٍ أَوْ كِتَابِيَّةٍ. كَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِنِسَائِهِنَّ مَنْ يَصْحَبُهُنَّ مِنْ الْحَرَائِرِ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا. وَالنِّسَاءُ كُلُّهُنَّ فِي حِلِّ نَظَرِ بَعْضِهِنَّ إلَى بَعْضٍ سَوَاءٌ، وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: 31] الْإِمَاءُ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ حَالَ الْأَمَةِ يَقْرُبُ مِنْ حَالِ الرِّجَالِ حَتَّى تُسَافِرَ مِنْ غَيْرِ مَحْرَمٍ، فَكَانَ يُشْكِلُ أَنَّهُ يُبَاحُ لَهَا التَّكَشُّفُ بَيْنَ يَدَيْ أَمَتِهَا، وَلَمْ يَزُلْ هَذَا الْإِشْكَالُ بِقَوْلِهِ أَوْ نِسَائِهِنَّ لِأَنَّ مُطْلَقَ هَذَا اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ الْحَرَائِرَ دُونَ الْإِمَاءِ، وَالْبَاقِي وَاضِحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فصل في الاستبراء وغيره]

[فَصْلٌ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَغَيْرِهِ] قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَإِنَّهُ لَا يَقْرَبُهَا وَلَا يَلْمِسُهَا وَلَا يُقَبِّلُهَا وَلَا يَنْظُرُ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ «أَلَا لَا تُوطَأُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ، وَلَا الْحَيَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَغَيْرِهِ) أَخَّرَ الِاسْتِبْرَاءَ لِأَنَّهُ احْتِرَازٌ عَنْ وَطْءٍ مُقَيَّدٍ وَالْمُقَيَّدُ بَعْدَ الْمُطْلَقِ يُقَالُ اسْتِبْرَاءُ الْجَارِيَةِ أَيْ طَلَبُ بَرَاءَةِ رَحِمِهَا مِنْ الْحَمْلِ. وَأَوْطَاسُ مَوْضِعٌ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ، كَانَتْ بِهِ وَقْعَةٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الِاسْتِبْرَاءُ وَاجِبٌ، وَلَهُ سَبَبٌ وَعِلَّةٌ وَحِكْمَةٌ. أَمَّا وُجُوبُهُ فَبِحَدِيثِ سَبَايَا أَوْطَاسٍ «أَلَا لَا تُوطَأُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ، وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يُسْتَبْرَأْنَ بِحَيْضَةٍ» . وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الِاسْتِمْتَاعِ أَبْلَغَ نَهْيٍ مَعَ وُجُودِ الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لَهُ وَالْيَدِ الْمُمَكَّنَةِ مِنْهُ

حَتَّى يُسْتَبْرَأْنَ بِحَيْضَةٍ» أَفَادَ وُجُوبَ الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى الْمَوْلَى، وَدَلَّ عَلَى السَّبَبِ فِي الْمَسْبِيَّةِ وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ وَالْيَدِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَوْجُودُ فِي مَوْرِدِ النَّصِّ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ التَّعَرُّفُ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ صِيَانَةً لِلْمِيَاهِ الْمُحْتَرَمَةِ عَنْ الِاخْتِلَاطِ وَالْأَنْسَابِ عَنْ الِاشْتِبَاهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْوُجُوبِ. وَأَمَّا سَبَبُهُ فَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ وَالْيَدِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَوْجُودُ فِي مَوْرِدِ النَّصِّ. وَأَمَّا عِلَّتُهُ فَهِيَ إرَادَةُ الْوَطْءِ. فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا فِي مَحَلٍّ فَارِغٍ فَيُوجِبُ مَعْرِفَةَ فَرَاغِهِ. وَأَمَّا حِكْمَتُهُ فَهُوَ التَّعَرُّفُ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ صِيَانَةً لِلْمِيَاهِ الْمُحْتَرَمَةِ عَنْ الِاخْتِلَاطِ وَالْأَنْسَابِ عَنْ الِاشْتِبَاهِ، وَذَلِكَ عِنْدَ حَقِيقَةِ الشَّغْلِ أَوْ تَوَهُّمِهِ بِمَاءٍ مُحْتَرَمٍ بِأَنْ لَا يَكُونَ مِنْ بَغِيٍّ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ فِي غَيْرِ الْمُحْتَرَمِ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْجَارِيَةَ الْحَامِلَ مِنْ الزِّنَا لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا حَمْلًا لِلْحَالِ عَلَى الصَّلَاحِ، أَمَّا الْحِكْمَةُ فَلَا تَصْلُحُ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا لِتَأَخُّرِهَا عَنْهُ، وَأَمَّا الْعِلَّةُ هَاهُنَا فَكَذَلِكَ.

وَذَلِكَ عِنْدَ حَقِيقَةِ الشُّغْلِ أَوْ تَوَهُّمِ الشُّغْلِ بِمَاءٍ مُحْتَرَمٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ ثَابِتَ النَّسَبِ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْحَقِيقِيَّةَ إرَادَةُ الْوَطْءِ، وَالْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي يُرِيدُهُ دُونَ الْبَائِعِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْإِرَادَةَ أَمْرٌ مُبْطَنٌ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ بَعْضَ مَنْ يَسْتَحْدِثُ الْمِلْكَ قَدْ لَا يُرِيدُ ذَلِكَ فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى دَلِيلِ الْإِرَادَةِ وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ

غَيْرَ أَنَّ الْإِرَادَةَ أَمْرٌ مُبْطَنٌ فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى دَلِيلِهَا، وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْوَطْءِ وَالتَّمَكُّنُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْمِلْكِ وَالْيَدِ فَانْتَصَبَ سَبَبًا وَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ تَيْسِيرًا، فَكَانَ السَّبَبُ اسْتِحْدَاثَ مِلْكِ الرَّقَبَةِ الْمُؤَكَّدِ بِالْيَدِ وَتَعَدِّي الْحُكْمِ إلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَطْءِ، فَإِنَّ صَحِيحَ الْمِزَاجِ إذَا تَمَكَّنَ مِنْهُ أَرَادَهُ وَالتَّمَكُّنُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْمِلْكِ وَالْيَدِ فَانْتَصَبَ سَبَبًا وَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ وُجُودًا وَعَدَمًا تَيْسِيرًا. هَذَا فِي الْمُسَبَّبَةِ، ثُمَّ تَعَدَّى الْحُكْمُ إلَى سَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ كَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ وَالْخُلْعِ بِأَنْ جَعَلَتْ الْأَمَةَ بَدَلَ الْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ بِأَنْ جَعَلَتْ الْأَمَةَ بَدَلًا فِيهَا. فَإِنْ قِيلَ: الْمُوجِبُ وَرَدَ فِي الْمَسْبِيَّةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِتَحَقُّقِ الْمُطْلَقِ كَمَا ذَكَرْتُمْ فَهَلَّا يَقْتَصِرُ عَلَيْهَا؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ غَيْرَهَا فِي مَعْنَاهَا حِكْمَةً وَعِلَّةً وَسَبَبًا فَأُلْحِقَ بِهَا دَلَالَةً. وَإِذَا ظَهَرَ هَذَا قُلْنَا: وَجَبَ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ. بِأَنْ بَاعَ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَحَقَّقُ الشَّغْلُ شَرْعًا فَيَحْتَاجُ إلَى التَّعَرُّفِ عَنْ الْبَرَاءَةِ وَمِنْ الْمَرْأَةِ وَالْمَمْلُوكِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ. وَمِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا لِكَوْنِهَا أُخْتَهُ رَضَاعًا أَوْ وَرِثَهَا وَهِيَ مَوْطُوءَةُ أَبِيهِ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ بِكْرًا لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ وَالْيَدِ، وَلَا يُجْتَزَأُ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا فِي أَثْنَائِهَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُجْتَزَأُ بِهَا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ تَعَرُّفُ الْبَرَاءَةِ. وَلَا بِاَلَّتِي حَصَلَتْ بَعْدَ الِاسْتِحْدَاثِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلَا بِالْوِلَادَةِ الْحَاصِلَةِ بَعْدَهَا: أَيْ بَعْدَ أَسْبَابِ الْمِلْكِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِتَحَقُّقِ ذَلِكَ قَبْلَ تَمَامِ السَّبَبِ، لِأَنَّ السَّبَبَ اسْتَحْدَثَ الْمِلْكَ وَالْيَدَ وَهِيَ إنَّمَا تَكُونُ بِالْقَبْضِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْحُكْمِ قَبْلَ السَّبَبِ وَمَا بَعْدَهُ

سَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ كَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ وَالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَكَذَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ وَمِنْ الْمَرْأَةِ وَالْمَمْلُوكِ وَمِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا، وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْمُشْتَرَاةُ بِكْرًا لَمْ تُوطَأْ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ وَإِدَارَةِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْأَسْبَابِ دُونَ الْحُكْمِ لِبُطُونِهَا فَيُعْتَبَرُ تَحَقُّقُ السَّبَبِ عِنْدَ تَوَهُّمِ الشُّغْلِ. وَكَذَا لَا يُجْتَزَأُ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا فِي أَثْنَائِهَا وَلَا بِالْحَيْضَةِ الَّتِي حَاضَتْهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلَا بِالْوِلَادَةِ الْحَاصِلَةِ بَعْدَهَا قَبْلَ الْقَبْضِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ السَّبَبَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ وَالْيَدِ، وَالْحُكْمُ لَا يَسْبِقُ السَّبَبَ، وَكَذَا لَا يُجْتَزَأُ بِالْحَاصِلِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، وَلَا بِالْحَاصِلِ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا شِرَاءً صَحِيحًا لِمَا قُلْنَا. (وَيَجِبُ فِي جَارِيَةٍ لِلْمُشْتَرِي فِيهَا شِقْصٌ فَاشْتَرَى الْبَاقِيَ) ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَمَّ الْآنَ، وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَى تَمَامِ الْعِلَّةِ، وَيُجْتَزَأُ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي حَاضَتْهَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَهِيَ مَجُوسِيَّةٌ أَوْ مُكَاتَبَةٌ بِأَنْ كَاتَبَهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ الْمَجُوسِيَّةُ أَوْ عَجَزَتْ الْمُكَاتَبَةُ لِوُجُودِهَا بَعْدَ السَّبَبِ وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ وَالْيَدِ إذْ هُوَ مُقْتَضٍ لِلْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ لِمَانِعٍ كَمَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ (وَلَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ إذَا رَجَعَتْ الْآبِقَةُ أَوْ رُدَّتْ الْمَغْصُوبَةُ أَوْ الْمُؤَاجَرَةُ) أَوْ فُكَّتْ الْمَرْهُونَةُ لِانْعِدَامِ السَّبَبِ وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ وَالْيَدِ وَهُوَ سَبَبٌ مُتَعَيَّنٌ فَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ وُجُودًا وَعَدَمًا، وَلَهَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ كَتَبْنَاهَا فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى. وَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ الِاسْتِبْرَاءِ وَحُرْمَةُ الْوَطْءِ حَرُمَ الدَّوَاعِي لِإِفْضَائِهَا إلَيْهِ. أَوْ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهَا فِي غَيْرِ الْمِلْكِ عَلَى اعْتِبَارِ ظُهُورِ الْحَبَلِ وَدَعْوَةِ الْبَائِعِ. بِخِلَافِ الْحَائِضِ حَيْثُ لَا تَحْرُمُ الدَّوَاعِي فِيهَا لِأَنَّهُ لَا يُحْتَمَلُ الْوُقُوعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاضِحٌ وَقَوْلُهُ (لِمَا قُلْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ السَّبَبَ اسْتِحْدَاثُ الْمَلِكِ وَالْيَدِ وَالْحُكْمُ لَا يَسْبِقُ السَّبَبَ (وَلَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ عَلَى الْآبِقَةِ) يَعْنِي الَّتِي أَبَقَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ رَجَعَتْ إلَى مَوْلَاهَا، فَإِنْ أَبَقَتْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوهَا فَلَمْ يَحْدُثْ الْمِلْكُ، وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا. وَقَوْلُهُ (حَرُمَ الدَّوَاعِي لِإِفْضَائِهَا إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْوَطْءِ كَمَا إذَا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ فَإِنَّهُ حَرَّمَ وَطْأَهَا وَحَرَّمَ دَوَاعِيَهُ لِإِفْضَائِهَا إلَيْهِ.

فِي غَيْرِ الْمِلْكِ، وَلِأَنَّهُ زَمَانُ نَفْرَةٍ فَالْإِطْلَاقُ فِي الدَّوَاعِي لَا يُفْضِي إلَى الْوَطْءِ وَالرَّغْبَةُ فِي الْمُشْتَرَاةِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَصْدَقُ الرَّغَبَاتِ فَتُفْضِي إلَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الدَّوَاعِيَ فِي الْمَسْبِيَّةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ؛ لِأَنَّهَا لَا يُحْتَمَلُ وُقُوعُهَا فِي غَيْرِ الْمِلْكِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلَمْ يَذْكُرْ الدَّوَاعِيَ فِي الْمُسَبَّبَةِ) يَعْنِي فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ. وَاسْتُشْكِلَ ذَلِكَ حَيْثُ تَعَدَّى الْحُكْمُ مِنْ الْأَصْلِ وَهِيَ الْمَسْبِيَّةُ إلَى الْفَرْعِ وَهُوَ غَيْرُهَا حَيْثُ حَرُمَتْ الدَّوَاعِي فِي غَيْرِ الْمَسْبِيَّةِ دُونَهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ اقْتِضَاءِ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ. وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ التَّعَدِّيَ إنْ كَانَ بِالْقِيَاسِ فَالْجَوَابُ الْمَذْكُورُ غَيْرُ دَافِعٍ لِأَنَّ عَدَمَ التَّغْيِيرِ شَرْطُ الْقِيَاسِ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَانْتِفَاءُ الشَّرْطِ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْمَشْرُوطِ. وَالثَّانِي أَنَّ مَا دَلَّ عَلَى حُرْمَةِ الدَّوَاعِي فِي غَيْرِ الْمَسْبِيَّةِ أَمْرَانِ: الْإِفْضَاءُ وَالْوُقُوعُ فِي غَيْرِ الْمَالِكِ، فَإِنْ لَمْ تَحْرُمْ بِالثَّانِي فَلْتَحْرُمْ بِالْأَوَّلِ، إذْ الْحُرْمَةُ تُؤْخَذُ بِالِاحْتِيَاطِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ التَّعْدِيَةَ هُنَا بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ لِلْأَحَقِّ دَلَالَةُ حُكْمِ الدَّلِيلِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُلْحَقِ بِهِ لِعَدَمِهِ، وَالدَّلِيلُ هَاهُنَا أَنَّ حُرْمَةَ الدَّوَاعِي فِي هَذَا الْبَابِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ وَلَمْ يَقُلْ بِهَا الشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فَلَمَّا كَانَ عِلَّتُهَا فِي الْمَسْبِيَّةِ أَمْرًا وَاحِدًا لَمْ تُعْتَبَرْ

لِأَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ بِهَا حَبَلٌ لَا تَصِحُّ دَعْوَةُ الْحَرْبِيِّ، بِخِلَافِ الْمُشْتَرَاةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. (وَالِاسْتِبْرَاءُ فِي الْحَامِلِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ) لِمَا رَوَيْنَا (وَفِي ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ بِالشَّهْرِ) ؛ لِأَنَّهُ أُقِيمَ فِي حَقِّهِنَّ مَقَامَ الْحَيْضِ كَمَا فِي الْمُعْتَدَّةِ، وَإِذَا حَاضَتْ فِي أَثْنَائِهِ بَطَلَ الِاسْتِبْرَاءُ بِالْأَيَّامِ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ كَمَا فِي الْمُعْتَدَّةِ. فَإِنْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا تَرَكَهَا، حَتَّى إذَا تَبَيَّنَ أَنْ لَيْسَتْ بِحَامِلٍ وَقَعَ عَلَيْهَا وَلَيْسَ فِيهِ تَقْدِيرٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَقِيلَ يَتَبَيَّنُ بِشَهْرَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَمَّا كَانَ فِي غَيْرِهَا أَمْرَانِ تَعَاضَدَا اُعْتُبِرَتْ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَالرَّغْبَةُ فِي الْمُشْتَرَاةِ أَصْدَقُ الرَّغَبَاتِ. وَقَوْلُهُ لِمَا رَوَيْنَا إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَلَا الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ» وَقَوْلُهُ (وَإِنْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا) أَيْ امْتَدَّ طُهْرُهَا فِي أَوَانِ

أَوْ ثَلَاثَةٍ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرَةُ أَيَّامٍ، وَعَنْهُ شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ اعْتِبَارًا بِعِدَّةِ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ فِي الْوَفَاةِ. وَعَنْ زُفَرَ سَنَتَانِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِالِاحْتِيَالِ لِإِسْقَاطِ الِاسْتِبْرَاءِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) وَقَدْ ذَكَرْنَا الْوَجْهَيْنِ فِي الشُّفْعَةِ. وَالْمَأْخُوذُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا عَلِمَ أَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَقْرَبْهَا فِي طُهْرِهَا ذَلِكَ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا قَرِبَهَا. وَالْحِيلَةُ إذَا لَمْ يَكُنْ تَحْتَ الْمُشْتَرِي حُرَّةٌ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا. وَلَوْ كَانَتْ فَالْحِيلَةُ أَنْ يُزَوِّجَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ الشِّرَاءِ أَوْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا وَيَقْبِضَهَا ثُمَّ يُطَلِّقَ الزَّوْجُ؛ لِأَنَّ عِنْدَ وُجُودِ السَّبَبِ وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ الْمُؤَكَّدِ بِالْقَبْضِ إذَا لَمْ يَكُنْ فَرْجُهَا حَلَالًا لَهُ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ. وَإِنَّ حَلَّ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَوَانُ وُجُودِ السَّبَبِ كَمَا إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةَ الْغَيْرِ. قَالَ (وَلَا يَقْرَبُ الْمَظَاهِرُ وَلَا يَلْمِسُ وَلَا يُقَبِّلُ وَلَا يَنْظُرُ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ حَتَّى يُكَفِّرَ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَرُمَ الْوَطْءُ إلَى أَنْ يُكَفِّرَ حَرُمَ الدَّوَاعِي لِلْإِفْضَاءِ إلَيْهِ. لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ سَبَبَ الْحَرَامِ حَرَامٌ كَمَا فِي الِاعْتِكَافِ وَالْإِحْرَامِ وَفِي ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَيْضِ لَا يَطَؤُهَا حَتَّى إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَامِلٍ جَامَعَهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَعَرُّفُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَقَدْ حَصَلَ بِمُضِيِّ مُدَّةٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَبَلَ لَوْ كَانَ لِظُهْرٍ وَلَيْسَ فِيهَا تَقْدِيرٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إلَّا أَنَّ مَشَايِخَنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قَالُوا يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ بِشَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ إلَخْ. قِيلَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَهُوَ أَنْ يَتْرُكَهَا شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً لِظُهُورِ الْحَبَلِ فِي ذَلِكَ غَالِبًا. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا وَيَقْبِضَهَا أَوْ يَقْبِضَهَا) لَفٌّ وَنَشْرٌ: يَعْنِي يَشْتَرِيهَا وَيَقْبِضُهَا إذَا زَوَّجَهَا الْبَائِعُ أَوْ يَقْبِضُهَا إذَا زَوَّجَهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ. وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُوثَقْ بِهِ رُبَّمَا لَا يُطَلِّقُهَا فَكَانَ احْتِيَالًا عَلَيْهِ لَا لَهُ. وَالْحِيلَةُ فِي تَمْشِيَةِ هَذِهِ الْحِيلَةِ أَنْ يُزَوِّجَهَا عَلَى أَنْ يَكُونَ أَمْرُهَا بِيَدِهِ يُطَلِّقُهَا مَتَى شَاءَ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ ثُمَّ يُطَلِّقُ الزَّوْجُ: يَعْنِي بَعْدَ الْقَبْضِ، لِأَنَّهُ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَهُ كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي الِاسْتِبْرَاءُ إذَا قَبَضَهَا فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. لِأَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِذَا قَبَضَهَا وَالْقَبْضُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ بِمَنْزِلَةِ الْعَقْدِ صَارَ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَيْسَتْ فِي نِكَاحٍ وَلَا عِدَّةٍ فَيَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ. وَقَوْلُهُ (إذَا لَمْ يَكُنْ فَرْجُهَا حَلَالًا لَهُ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ) لِأَنَّ الْقَبْضَ إذْ ذَلِكَ لَيْسَ بِمُمَكِّنٍ مِنْ الْوَطْءِ وَالْمُمَكِّنُ مِنْهُ جُزْءُ الْعِلَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّ تَزْوِيجَ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ قَبْضًا حُكْمًا لَمْ يُعْتَبَرْ لِكَوْنِهِ مُزِيلًا لِلتَّمَكُّنِ. وَقَوْلُهُ (كَمَا إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةَ الْغَيْرِ) يَعْنِي إذَا اشْتَرَى أَمَةً مُعْتَدَّةً وَقَبَضَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ، لِأَنَّ عِنْدَ اسْتِحْدَاثِ الْمِلْكِ الْمُؤَكَّدِ بِالْقَبْضِ لَمْ يَكُنْ فَرْجُهَا حَلَالًا لِلْمُشْتَرِي. فَلَمَّا لَمْ يَجِبْ وَقْتَ الِاسْتِحْدَاثِ لَمْ يَجِبْ بَعْدَهُ لِعَدَمِ تَجَدُّدِ السَّبَبِ. قَالَ (وَلَا يَقْرَبُ الْمُظَاهِرُ وَلَا يَلْمِسُ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَيْسَتْ مِنْ مَسَائِلِ الِاسْتِبْرَاءِ، لَكِنَّهَا مَذْكُورَةٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اسْتِطْرَادًا،

الْمَنْكُوحَةِ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ، بِخِلَافِ حَالَةِ الْحَيْضِ وَالصَّوْمِ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ يَمْتَدُّ شَطْرَ عُمْرِهَا وَالصَّوْمَ يَمْتَدُّ شَهْرًا فَرْضًا وَأَكْثَرُ الْعُمْرِ نَفْلًا، فَفِي الْمَنْعِ عَنْهَا بَعْضُ الْحَرَجِ، وَلَا كَذَلِكَ مَا عَدَدْنَاهَا لِقُصُورِ مُدَدِهَا. وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ وَيُضَاجِعُ نِسَاءَهُ وَهُنَّ حُيَّضٌ» قَالَ (وَمَنْ لَهُ أَمَتَانِ أُخْتَانِ فَقَبَّلَهُمَا بِشَهْوَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُجَامِعُ وَاحِدَةً مِنْهُمَا وَلَا يُقَبِّلُهَا وَلَا يَمَسُّهَا بِشَهْوَةٍ وَلَا يَنْظُرُ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ حَتَّى يَمْلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ الْكَلَامَ لَمَّا انْسَاقَ فِي الِاسْتِبْرَاءِ إلَى حُرْمَةِ الدَّوَاعِي وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حُرْمَةُ الدَّوَاعِي ذَكَرَهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: صَدَّرَ الْفَصْلَ بِالِاسْتِبْرَاءِ وَغَيْرِهِ وَهَذِهِ مِنْ غَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْحَيْضَ يَمْتَدُّ شَطْرَ عُمُرِهَا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَيْ يَقْرُبُ مِنْ شَطْرِ عُمُرِهَا وَهُوَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ فَكَانَ قَرِيبًا مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَهِيَ نِصْفُ الشَّهْرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الشَّطْرَ هُوَ النِّصْفُ. وَيَتَقَوَّى بِذَلِكَ اسْتِدْلَالُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَيْنَا بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ لَهُ أَمَتَانِ أُخْتَانِ فَقَبَّلَهُمَا) هَذِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَمَّا إنْ قَبَّلَهُمَا أَوْ لَمْ يُقَبِّلْهُمَا أَوْ قَبَّلَ إحْدَاهُمَا، فَإِنْ لَمْ يُقَبِّلْهُمَا أَصْلًا

فَرْجَ الْأُخْرَى غَيْرُهُ بِمِلْكٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ يُعْتِقُهَا) ، وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ الْمَمْلُوكَتَيْنِ لَا يَجُوزُ وَطْئًا لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] وَلَا يُعَارَضُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] ؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ لِلْمُحَرَّمِ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الدَّوَاعِي لِإِطْلَاقِ النَّصِّ، وَلِأَنَّ الدَّوَاعِيَ إلَى الْوَطْءِ بِمَنْزِلَةِ الْوَطْءِ فِي التَّحْرِيمِ عَلَى مَا مَهَّدْنَاهُ مِنْ قَبْلُ، فَإِذَا قَبَّلَهُمَا فَكَأَنَّهُ وَطِئَهُمَا، وَلَوْ وَطِئَهُمَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُجَامِعَ إحْدَاهُمَا وَلَا أَنْ يَأْتِيَ بِالدَّوَاعِي فِيهِمَا، فَكَذَا إذَا قَبَّلَهُمَا وَكَذَا إذَا مَسَّهُمَا بِشَهْوَةٍ أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهِمَا بِشَهْوَةٍ لِمَا بَيَّنَّا إلَّا أَنْ يَمْلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ لَهُ أَنْ يُقَبِّلَ وَيَطَأَ أَيَّتَهمَا شَاءَ سَوَاءٌ كَانَ اشْتَرَاهُمَا مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ، وَإِنْ كَانَ قَبَّلَ إحْدَاهُمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْمُقَبَّلَةَ دُونَ الْأُخْرَى. وَأَمَّا إذَا قَبَّلَهُمَا بِشَهْوَةٍ، وَقَيَّدَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِشَهْوَةٍ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا فَالْحُكْمُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَلًا بِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] وَكَانَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ: أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] وَالْأَصْلُ فِي الْأَبْضَاعِ الْحِلُّ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ الْحِلِّ وَقَدْ وُجِدَ وَهُوَ مِلْكُ الْيَمِينِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُعَارَضُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] لِأَنَّ التَّرْجِيحَ لِلْمُحَرِّمِ) لَا يُقَالُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا نِكَاحًا فَلَا يَتَنَاوَلُ مَحَلَّ النِّزَاعِ لِأَنَّ النِّكَاحَ سَبَبٌ مَشْرُوعٌ لِلْوَطْءِ. فَحُرْمَةُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا

فَرْجَ الْأُخْرَى غَيْرُهُ بِمِلْكٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ يُعْتِقَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَرُمَ عَلَيْهِ فَرْجُهَا لَمْ يَبْقَ جَامِعًا. وَقَوْلُهُ بِمِلْكٍ أَرَادَ بِهِ مِلْكَ يَمِينٍ فَيَنْتَظِمُ التَّمْلِيكُ بِسَائِرِ أَسْبَابِهِ بَيْعًا أَوْ غَيْرَهُ، وَتَمْلِيكُ الشِّقْصِ فِيهِ كَتَمْلِيكِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ يَحْرُمُ بِهِ، وَكَذَا إعْتَاقُ الْبَعْضِ مِنْ إحْدَاهُمَا كَإِعْتَاقِ كُلِّهَا، وَكَذَا الْكِتَابَةُ كَالْإِعْتَاقِ فِي هَذَا لِثُبُوتِ حُرْمَةِ الْوَطْءِ بِذَلِكَ كُلِّهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQنِكَاحًا دَلِيلٌ عَلَى حُرْمَةِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَطْئًا فَوَجَبَ تَرْجِيحُ الْمُحَرِّمِ، وَالْبَاقِي وَاضِحٌ. قَوْلُهُ (وَكَذَا الْكِتَابَةُ كَالْإِعْتَاقِ) كَلِمَةُ كَذَا زَائِدَةٌ وَقَوْلُهُ (فِي هَذَا) أَيْ فِي أَنَّهُ يَحِلُّ وَطْءُ الْأُخْرَى. وَاسْتُشْكِلَ ذَلِكَ لِأَنَّهَا بِالْكِتَابَةِ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِ الْمَوْلَى حَتَّى يَلْزَمَهُ اسْتِبْرَاءٌ جَدِيدٌ بَعْدَ الْعَجْزِ وَلَمْ يَحِلَّ فَرْجُهَا لِغَيْرِهِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ لَهُ وَطْءُ الْأُخْرَى، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحِلَّ يَزُولُ بِالْكِتَابَةِ وَلِهَذَا يَلْزَمُهُ الْعَقْدُ بِوَطْئِهَا،

وَبِرَهْنِ إحْدَاهُمَا وَإِجَارَتِهَا وَتَدْبِيرِهَا لَا تَحِلُّ الْأُخْرَى؛ أَلَا يَرَى أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ بِهَا عَنْ مِلْكِهِ، وَقَوْلُهُ أَوْ نِكَاحٍ أَرَادَ بِهِ النِّكَاحَ الصَّحِيحَ. أَمَّا إذَا زَوَّجَ إحْدَاهُمَا نِكَاحًا فَاسِدًا لَا يُبَاحُ لَهُ وَطْءُ الْأُخْرَى إلَّا أَنْ يَدْخُلَ الزَّوْجُ بِهَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا، وَالْعِدَّةُ كَالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ فِي التَّحْرِيمِ. وَلَوْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا حَلَّ لَهُ وَطْءُ الْمَوْطُوءَةِ دُونَ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ جَامِعًا بِوَطْءِ الْأُخْرَى لَا بِوَطْءِ الْمَوْطُوءَةِ. وَكُلُّ امْرَأَتَيْنِ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا نِكَاحًا فِيمَا ذَكَرْنَاهُ بِمَنْزِلَةِ الْأُخْتَيْنِ. قَالَ (وَيُكْرَهُ أَنْ يُقَبِّلَ الرَّجُلُ فَمَ الرَّجُلِ أَوْ يَدَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ أَوْ يُعَانِقَهُ) وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا بَأْسَ بِالتَّقْبِيلِ وَالْمُعَانَقَةِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَانَقَ جَعْفَرًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ قَدِمَ مِنْ الْحَبَشَةِ وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ» وَلَهُمَا مَا رُوِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَجُعِلَ زَوَالُ الْحِلِّ عَنْهَا بِالْكِتَابَةِ كَزَوَالِهِ بِالتَّزْوِيجِ فَيَحِلُّ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْأُخْرَى. وَقَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ أَنْ يُقَبِّلَ الرَّجُلُ فَمَ الرَّجُلِ إلَخْ) وَاضِحٌ. وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - سُئِلَ عَنْ الْمُعَانَقَةِ فَقَالَ: أَوَّلُ مَنْ عَانَقَ إبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه، كَانَ بِمَكَّةَ فَأَقْبَلَ إلَيْهَا ذُو الْقَرْنَيْنِ، فَلَمَّا كَانَ بِالْأَبْطَحِ قِيلَ لَهُ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ إبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ: مَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَرْكَبَ فِي بَلْدَةٍ فِيهَا إبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ، فَنَزَلَ وَمَشَى إلَى إبْرَاهِيمَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَاعْتَنَقَهُ، فَكَانَ هُوَ أَوَّلَ مَنْ عَانَقَ. وَالشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفَّقَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَقَالَ: الْمَكْرُوهُ مِنْ الْمُعَانَقَةِ مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الشَّهْوَةِ، وَعَبَّرَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ سَبَبٌ يُفْضِي إلَيْهَا، فَأَمَّا عَلَى وَجْهِ الْبِرِّ وَالْكَرَامَةِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ قَمِيصٌ أَوْ جُبَّةٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ. وَعَنْ سُفْيَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَقْبِيلُ يَدِ الْعَالِمِ سُنَّةٌ، وَتَقْبِيلُ يَدِ غَيْرِهِ لَا يُرَخَّصُ فِيهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْقِيَامَ تَعْظِيمًا لِلْغَيْرِ. وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَكْرَهُ الْقِيَامَ» وَعَنْ الشَّيْخِ الْحَكِيمِ أَبِي الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ كَانَ إذَا دَخَلَ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ يَقُومُ وَيُعَظِّمُهُ وَلَا يَقُومُ لِلْفُقَرَاءِ وَطَلَبَةِ الْعِلْمِ. فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: لِأَنَّ الْأَغْنِيَاءَ يَتَوَقَّعُونَ مِنِّي التَّعْظِيمَ، فَلَوْ تَرَكْت تَعْظِيمَهُمْ

«أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ الْمُكَامَعَةِ وَهِيَ الْمُعَانَقَةُ، وَعَنْ الْمُكَاعَمَةِ وَهِيَ التَّقْبِيلُ» . وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ التَّحْرِيمِ. قَالُوا: الْخِلَافُ فِي الْمُعَانَقَةِ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ، أَمَّا إذَا كَانَ عَلَيْهِ قَمِيصٌ أَوْ جُبَّةٌ فَلَا بَأْسَ بِهَا بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِالْمُصَافَحَةِ) ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَوَارَثُ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَافَحَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ وَحَرَّكَ يَدَهُ تَنَاثَرَتْ ذُنُوبُهُ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQتَضَرَّرُوا، وَالْفُقَرَاءُ وَطَلَبَةُ الْعِلْمِ لَا يَطْمَعُونَ مِنِّي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَطْمَعُونَ جَوَابَ السَّلَامِ وَالْكَلَامَ مَعَهُمْ فِي الْعِلْمِ وَنَحْوِهِ فَلَا يَتَضَرَّرُونَ بِتَرْكِ الْقِيَامِ

[فصل في البيع]

قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ السِّرْقِينِ، وَيُكْرَهُ بَيْعُ الْعَذِرَةِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ السِّرْقِينِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ فَشَابَهُ الْعَذِرَةَ وَجِلْدَ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدِّبَاغِ. وَلَنَا أَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُلْقَى فِي الْأَرَاضِيِ لِاسْتِكْثَارِ الرِّيعِ فَكَانَ مَالًا، وَالْمَالُ مَحَلٌّ لِلْبَيْعِ. بِخِلَافِ الْعَذِرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا إلَّا مَخْلُوطًا. وَيَجُوزُ بَيْعُ الْمَخْلُوطِ هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَكَذَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِالْمَخْلُوطِ لَا بِغَيْرِ الْمَخْلُوطِ فِي الصَّحِيحِ، وَالْمَخْلُوطُ بِمَنْزِلَةِ زَيْتٍ خَالَطَتْهُ النَّجَاسَةُ. قَالَ (وَمَنْ عَلِمَ بِجَارِيَةٍ أَنَّهَا لِرَجُلٍ فَرَأَى آخَرَ يَبِيعُهَا وَقَالَ وَكَّلَنِي صَاحِبُهَا بِبَيْعِهَا فَإِنَّهُ يَسَعُهُ أَنَّهُ يَبْتَاعُهَا وَيَطَؤُهَا) ؛ لِأَنَّهُ أُخْبِرَ بِخَبَرٍ صَحِيحٍ لَا مُنَازِعَ لَهُ، وَقَوْلُ الْوَاحِدِ فِي الْمُعَامَلَاتِ مَقْبُولٌ عَلَى أَيِّ وَصْفٍ كَانَ لِمَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ. وَكَذَا إذَا قَالَ اشْتَرَيْتهَا مِنْهُ أَوْ وَهَبَهَا لِي أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيَّ لِمَا قُلْنَا. وَهَذَا إذَا كَانَ ثِقَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الْبَيْعِ] أَخَّرَ فَصْلَ الْبَيْعِ عَنْ فَصْلِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللَّمْسِ وَالْوَطْءِ لِأَنَّ أَثَرَ تِلْكَ الْأَفْعَالِ مُتَّصِلٌ بِبَدَنِ الْإِنْسَانِ وَهَذَا لَا، وَمَا كَانَ أَكْثَرَ اتِّصَالًا كَانَ أَحَقَّ بِالتَّقْدِيمِ. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ السِّرْقِينِ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (فِي الصَّحِيحِ) احْتِرَازٌ عَنْ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْعَذِرَةِ الْخَالِصَةِ يَجُوزُ. وَقَوْلُهُ (عَلَى أَيِّ وَصْفٍ كَانَ) يَعْنِي حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا رَجُلًا أَوْ امْرَأَة. وَقَوْلُهُ (لِمَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ) يَعْنِي فِي فَصْلِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي قَوْلِهِ وَمَنْ أَرْسَلَ أَجِيرًا لَهُ مَجُوسِيًّا، وَهَذَا لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ فِي الْمُعَامَلَاتِ مَقْبُولٌ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْعَدَالَةِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ. وَقَوْلُهُ (لِمَا قُلْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِخَبَرٍ صَحِيحٍ لَا مُنَازِعَ لَهُ. فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ وَهَذَا إذَا كَانَ ثِقَةً يُنَاقِضُ قَوْلَهُ عَلَى أَيِّ وَصْفٍ كَانَ. أُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ ثِقَةً أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَى كَلَامِهِ وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا لِجَوَازِ أَنْ لَا يَكْذِبَ الْفَاسِقُ لِمُرُوءَتِهِ أَوْ لِوَجَاهَتِهِ.

وَكَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ، وَأَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ؛ لِأَنَّ عَدَالَةَ الْمُخْبِرِ فِي الْمُعَامَلَاتِ غَيْرُ لَازِمَةٍ لِلْحَاجَةِ عَلَى مَا مَرَّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ كَاذِبٌ لَمْ يَسَعْ لَهُ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَكْبَرَ الرَّأْيِ يُقَامُ مَقَامَ الْيَقِينِ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا لِفُلَانٍ، وَلَكِنْ أَخْبَرَهُ صَاحِبُ الْيَدِ أَنَّهَا لِفُلَانٍ، وَأَنَّهُ وَكَّلَهُ بِبَيْعِهَا أَوْ اشْتَرَاهَا مِنْهُ، وَالْمُخْبِرُ ثِقَةٌ قُبِلَ قَوْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثِقَةً يُعْتَبَرُ أَكْبَرُ رَأْيِهِ؛ لِأَنَّ إخْبَارَهُ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ، وَإِنْ لَمْ يُخْبِرْهُ صَاحِبُ الْيَدِ بِشَيْءٍ. فَإِنْ كَانَ عَرَّفَهَا لِلْأَوَّلِ لَمْ يَشْتَرِهَا حَتَّى يَعْلَمَ انْتِقَالَهَا إلَى مِلْكِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ يَدَ الْأَوَّلِ دَلِيلُ مِلْكِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا وَإِنْ كَانَ ذُو الْيَدِ فَاسِقًا؛ لِأَنَّ يَدَ الْفَاسِقِ دَلِيلُ الْمِلْكِ فِي حَقِّ الْفَاسِقِ وَالْعَدْلِ وَلَمْ يُعَارِضْهُ مُعَارِضٌ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِأَكْبَرِ الرَّأْيِ عِنْدَ وُجُودِ الدَّلِيلِ الظَّاهِرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ لَا يَمْلِكُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَحِينَئِذٍ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَنَزَّهَ، وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ اشْتَرَاهَا يُرْجَى أَنْ يَكُونَ فِي سَعَةٍ مِنْ ذَلِكَ لِاعْتِمَادِهِ الدَّلِيلَ الشَّرْعِيَّ. وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَتَاهُ بِهَا عَبْدًا أَوْ أَمَةً لَمْ يَقْبَلْهَا وَلَمْ يَشْتَرِهَا حَتَّى يَسْأَلَ؛ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ لَا مِلْكَ لَهُ فَيَعْلَمُ أَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا لِغَيْرِهِ، فَإِنْ أَخْبَرَهُ أَنَّ مَوْلَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (لِأَنَّ أَكْبَرَ الرَّأْيِ يَقُومُ مَقَامَ الْيَقِينِ) يَعْنِي فِيمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا كَالْفُرُوجِ وَالدِّمَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَأَدْخَلَهَا عَلَيْهِ إنْسَانٌ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ وَسِعَهُ أَنْ يَطَأَهَا إذَا كَانَ ثِقَةً عِنْدَهُ أَوْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ، وَكَذَا إذَا دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى غَيْرِهِ لَيْلًا شَاهِرًا سَيْفَهُ فَلِصَاحِبِ الْمَنْزِلِ أَنْ يَقْتُلَهُ إذَا كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ لِصٌّ قَصَدَ قَتْلَهُ وَأَخْذَ مَالِهِ، وَإِذَا كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ هَارِبٌ مِنْ لِصٍّ لَمْ يُعَجِّلْ بِذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ لَا يَمْلِكُ مِثْلَ ذَلِكَ) كَدِرَّةٍ فِي يَدِ فَقِيرٍ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا. أَوْ كِتَابٍ فِي يَدِ جَاهِلٍ لَمْ يَكُنْ فِي آبَائِهِ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَنَزَّهَ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَتَاهُ بِهَا) أَيْ الْجَارِيَةِ لِأَنَّ هَذَا كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِ وَمَنْ عَلِمَ بِجَارِيَةٍ أَنَّهَا لِفُلَانٍ فَرَأَى آخَرَ يَبِيعُهَا: يَعْنِي أَنَّ الْآتِيَ بِالْجَارِيَةِ إذَا كَانَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً وَقَالَ لِآخَرَ وَهَبْتهَا مِنْك أَوْ بِعْتهَا مِنْك فَلَيْسَ

أَذِنَ لَهُ وَهُوَ ثِقَةٌ قُبِلَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثِقَةً يُعْتَبَرُ أَكْبَرُ الرَّأْيِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ لَمْ يَشْتَرِهَا لِقِيَامِ الْحَاجِرِ فَلَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ. قَالَ (وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً أَخْبَرَهَا ثِقَةٌ أَنَّ زَوْجَهَا الْغَائِبَ مَاتَ عَنْهَا، أَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ وَأَتَاهَا بِكِتَابٍ مِنْ زَوْجِهَا بِالطَّلَاقِ، وَلَا تَدْرِي أَنَّهُ كِتَابُهُ أَمْ لَا. إلَّا أَنَّ أَكْبَرَ رَأْيِهَا أَنَّهُ حَقٌّ) يَعْنِي بَعْدَ التَّحَرِّي (فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَعْتَدَّ ثُمَّ تَتَزَوَّجَ) ؛ لِأَنَّ الْقَاطِعَ طَارِئٌ وَلَا مُنَازِعَ، وَكَذَا لَوْ قَالَتْ لِرَجُلٍ طَلَّقَنِي زَوْجِي وَانْقَضَتْ عِدَّتِي فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا. وَكَذَا إذَا قَالَتْ الْمُطَلَّقَةُ الثَّلَاثَ انْقَضَتْ عِدَّتِي وَتَزَوَّجْت بِزَوْجٍ آخَرَ، وَدَخَلَ بِي ثُمَّ طَلَّقَنِي وَانْقَضَتْ عِدَّتِي فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَزَوَّجَهَا الزَّوْجُ الْأَوَّلُ، وَكَذَا لَوْ قَالَتْ جَارِيَةٌ كُنْت أَمَةَ فُلَانٍ فَأَعْتَقَنِي؛ لِأَنَّ الْقَاطِعَ طَارِئٌ. وَلَوْ أَخْبَرَهَا مُخْبِرٌ أَنَّ أَصْلَ النِّكَاحِ كَانَ فَاسِدًا أَوْ كَانَ الزَّوْجُ حِينَ تَزَوَّجَهَا مُرْتَدًّا أَوْ أَخَاهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ حَتَّى يَشْهَدَ بِذَلِكَ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ. وَكَذَا إذَا أَخْبَرَهُ مُخْبِرٌ أَنَّك تَزَوَّجْتهَا وَهِيَ مُرْتَدَّةٌ أَوْ أُخْتُك مِنْ الرَّضَاعَةِ لَمْ يَتَزَوَّجْ بِأُخْتِهَا أَوْ أَرْبَعٍ سِوَاهَا حَتَّى يَشْهَدَ بِذَلِكَ عَدْلَانِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِفَسَادٍ مُقَارَنٍ، وَالْإِقْدَامُ عَلَى الْعَقْدِ يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ وَإِنْكَارِ فَسَادِهِ فَثَبَتَ الْمُنَازَعُ بِالظَّاهِرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْمَنْكُوحَةُ صَغِيرَةً فَأَخْبَرَ الزَّوْجُ أَنَّهَا ارْتَضَعَتْ مِنْ أُمِّهِ أَوْ أُخْتِهِ حَيْثُ يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَاحِدِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقَاطِعَ طَارِئٌ، وَالْإِقْدَامُ الْأَوَّلُ لَا يَدُلُّ عَلَى انْعِدَامِهِ فَلَمْ يَثْبُتْ الْمُنَازِعُ فَافْتَرَقَا، وَعَلَى هَذَا الْحَرْفِ يَدُورُ الْفَرْقُ. وَلَوْ كَانَتْ جَارِيَةً صَغِيرَةً لَا تُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهَا فِي يَدِ رَجُلٍ يَدَّعِي أَنَّهَا لَهُ فَلَمَّا كَبُرَتْ لَقِيَهَا رَجُلٌ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَقَالَتْ أَنَا حُرَّةُ الْأَصْلِ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِتَحَقُّقِ الْمُنَازِعِ وَهُوَ ذُو الْيَدِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ. قَالَ (وَإِذَا بَاعَ الْمُسْلِمُ خَمْرًا وَأَخَذَ ثَمَنَهَا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ نَصْرَانِيًّا فَلَا بَأْسَ بِهِ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْعَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ قَدْ بَطَلَ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَبَقِيَ الثَّمَنُ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَحِلُّ أَخْذُهُ مِنْ الْبَائِعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْآخَرِ أَنْ يَقْبَلَهَا مِنْهُ وَلَا أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْمُنَافِيَ لِلْمِلْكِ وَهُوَ الرِّقُّ مَعْلُومٌ فِيهِ، فَمَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ دَلِيلٌ مُطْلَقٌ لِلتَّصَرُّفِ فِي حَقِّ مَنْ رَآهُ فِي يَدِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ الشِّرَاءُ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ لَمْ يَشْتَرِهَا لِقِيَامِ الْحَاجِرِ) بِالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ: أَيْ الْمَانِعِ فَلَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً أَخْبَرَهَا ثِقَةٌ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَاطِعَ إذَا كَانَ طَارِئًا وَلَا مُنَازِعَ لِلْمَخْبَرِ بِهِ يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَاحِدِ. فَإِنْ كَانَ ثِقَةً لَا يَحْتَاجُ إلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَا بُدَّ مِنْ انْضِمَامِ أَكْبَرِ رَأْيِ الْمُخْبِرِ لَهُ، وَإِذَا ظَهَرَ ذَلِكَ سَهُلَ تَطْبِيقُ الْفُرُوعِ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْقَاطِعَ طَارِئٌ فِيهِ) وَالْإِقْدَامُ الْأَوَّلُ لَا يَدُلُّ عَلَى انْعِدَامِهِ فَلَمْ يَثْبُتْ الْمُنَازِعُ اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ إنْ قُبِلَ خَبَرُ الْوَاحِدِ فِي إفْسَادِ النِّكَاحِ بَعْدَ الصِّحَّةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَوَجْهٌ آخَرُ فِيهِ يُوجِبُ عَدَمَ الْقَبُولِ، وَهُوَ أَنَّ الْمِلْكَ لِلزَّوْجِ فِيهَا ثَابِتٌ وَالْمِلْكُ الثَّابِتُ لِلْغَيْرِ فِيهَا لَا يَبْطُلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ ثَابِتًا بِدَلِيلٍ مُوجِبٍ وَمِلْكُهُ فِيهَا لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ أَقْوَى مِنْهُ وَالْبَاقِي وَاضِحٌ. قَالَ (وَإِذَا بَاعَ الْمُسْلِمُ خَمْرًا إلَخْ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ: هَذَا إذَا كَانَ الْقَضَاءُ

وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي صَحَّ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ فَمَلَكَهُ الْبَائِعُ فَيَحِلُّ الْأَخْذُ مِنْهُ. قَالَ (وَيُكْرَهُ الِاحْتِكَارُ فِي أَقْوَاتِ الْآدَمِيِّينَ وَالْبَهَائِمِ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي بَلَدٍ يَضُرُّ الِاحْتِكَارُ بِأَهْلِهِ وَكَذَلِكَ التَّلَقِّي. فَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يَضُرُّ فَلَا بَأْسَ بِهِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ» وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَامَّةِ، وَفِي الِامْتِنَاعِ عَنْ الْبَيْعِ إبْطَالُ حَقِّهِمْ وَتَضْيِيقُ الْأَمْرِ عَلَيْهِمْ فَيُكْرَهُ إذَا كَانَ يَضُرُّ بِهِمْ ذَلِكَ بِأَنْ كَانَتْ الْبَلْدَةُ صَغِيرَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَضُرَّ بِأَنْ كَانَ الْمِصْرُ كَبِيرًا؛ لِأَنَّهُ حَابِسٌ مِلْكَهُ مِنْ غَيْرِ إضْرَارٍ بِغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ التَّلَقِّي عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «؛ نَهَى عَنْ تَلَقِّي الْجَلَبِ وَعَنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ» . قَالُوا هَذَا إذَا لَمْ يُلَبِّسْ الْمُتَلَقِّي عَلَى التُّجَّارِ سِعْرَ الْبَلْدَةِ. فَإِنْ لَبَّسَ فَهُوَ مَكْرُوهٌ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ غَادِرٌ بِهِمْ. وَتَخْصِيصُ الِاحْتِكَارِ بِالْأَقْوَاتِ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتِّبْنِ وَالْقَتِّ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كُلُّ مَا أَضَرَّ بِالْعَامَّةِ حَبْسُهُ فَهُوَ احْتِكَارٌ وَإِنْ كَانَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً أَوْ ثَوْبًا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ: لَا احْتِكَارَ فِي الثِّيَابِ؛ فَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ حَقِيقَةَ الضَّرَرِ إذْ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْكَرَاهَةِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ اعْتَبَرَ الضَّرَرَ الْمَعْهُودَ الْمُتَعَارَفَ. ثُمَّ الْمُدَّةُ إذَا قَصُرَتْ لَا يَكُونُ احْتِكَارًا لِعَدَمِ الضَّرَرِ، وَإِذَا طَالَتْ يَكُونُ احْتِكَارًا مَكْرُوهًا لِتَحَقُّقِ الضَّرَرِ. ثُمَّ قِيلَ: هِيَ مُقَدَّرَةٌ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَدْ بَرِئَ مِنْ اللَّهِ وَبَرِئَ اللَّهُ مِنْهُ» وَقِيلَ بِالشَّهْرِ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ قَلِيلٌ عَاجِلٌ، وَالشَّهْرُ وَمَا فَوْقَهُ كَثِيرٌ آجِلٌ، وَقَدْ مَرَّ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَيَقَعُ التَّفَاوُتُ فِي الْمَأْثَمِ بَيْنَ أَنْ يَتَرَبَّصَ الْعِزَّةَ وَبَيْنَ أَنْ يَتَرَبَّصَ الْقَحْطَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ، وَقِيلَ الْمُدَّةُ لِلْمُعَاقَبَةِ فِي الدُّنْيَا إمَّا يَأْثَمُ وَإِنْ قَلَّتْ الْمُدَّةُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ التِّجَارَةَ فِي الطَّعَامِ غَيْرُ مَحْمُودَةٍ. قَالَ (وَمَنْ احْتَكَرَ غَلَّةَ ضَيْعَتِهِ أَوْ مَا جَلَبَهُ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ فَلَيْسَ بِمُحْتَكَرٍ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْعَامَّةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَزْرَعَ فَكَذَلِكَ لَهُ أَنْ لَا يَبِيعَ. وَأَمَّا الثَّانِي فَالْمَذْكُورُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْعَامَّةِ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا جُمِعَ فِي الْمِصْرِ وَجُلِبَ إلَى فِنَائِهَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُكْرَهُ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: كُلُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاقْتِضَاءَ بِالتَّرَاضِي، فَإِنْ كَانَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِأَنْ قَضَى عَلَيْهِ بِهَذَا الثَّمَنِ غَيْرَ عَالِمٍ بِكَوْنِهِ ثَمَنَ الْخَمْرِ طَابَ لَهُ ذَلِكَ بِقَضَائِهِ. وَقَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ الِاحْتِكَارُ) الِاحْتِكَارُ افْتِعَالٌ مِنْ حَكَرَ: أَيْ حَبَسَ، وَالْمُرَادُ بِهِ حَبْسُ الْأَقْوَاتِ مُتَرَبِّصًا لِلْغَلَاءِ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ لَيْسَ فَهُوَ مَكْرُوهٌ فِي الْوَجْهَيْنِ) يَعْنِي فِي الْإِضْرَارِ وَعَدَمِهِ.

مَا يُجْلَبُ مِنْهُ إلَى الْمِصْرِ فِي الْغَالِبِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ فِنَاءِ الْمِصْرِ يَحْرُمُ الِاحْتِكَارُ فِيهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَامَّةِ بِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَلَدُ بَعِيدًا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِالْحَمْلِ مِنْهُ إلَى الْمِصْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْعَامَّةِ. قَالَ (وَلَا يَنْبَغِي لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُسَعِّرَ عَلَى النَّاسِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُسَعِّرُوا فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ» وَلِأَنَّ الثَّمَنَ حَقُّ الْعَاقِدِ فَإِلَيْهِ تَقْدِيرُهُ، فَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِحَقِّهِ إلَّا إذَا تَعَلَّقَ بِهِ دَفْعُ ضَرَرِ الْعَامَّةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ. وَإِذَا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي هَذَا الْأَمْرُ يَأْمُرُ الْمُحْتَكِرَ بِبَيْعِ مَا فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ أَهْلِهِ عَلَى اعْتِبَارِ السَّعَةِ فِي ذَلِكَ وَيَنْهَاهُ عَنْ الِاحْتِكَارِ، فَإِنْ رُفِعَ إلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى حَبَسَهُ وَعَزَّرَهُ عَلَى مَا يَرَى زَجْرًا لَهُ وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ النَّاسِ، فَإِنْ كَانَ أَرْبَابُ الطَّعَامِ يَتَحَكَّمُونَ وَيَتَعَدَّوْنَ عَنْ الْقِيمَةِ تَعَدِّيًا فَاحِشًا، وَعَجَزَ الْقَاضِي عَنْ صِيَانَةِ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا بِالتَّسْعِيرِ فَحِينَئِذٍ لَا بَأْسَ بِهِ بِمَشُورَةٍ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ وَالْبَصِيرَةِ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَتَعَدَّى رَجُلٌ عَنْ ذَلِكَ وَبَاعَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ أَجَازَهُ الْقَاضِي، وَهَذَا ظَاهِرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الْحَجْرَ عَلَى الْحُرِّ وَكَذَا عِنْدَهُمَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَجْرُ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ. وَمَنْ بَاعَ مِنْهُمْ بِمَا قَدَّرَهُ الْإِمَامُ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ عَلَى الْبَيْعِ، هَلْ يَبِيعُ الْقَاضِي عَلَى الْمُحْتَكِرِ طَعَامَهُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ. قِيلَ هُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي عُرِفَ فِي بَيْعِ مَالِ الْمَدْيُونِ، وَقِيلَ يَبِيعُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَرَى الْحَجْرَ لِدَفْعِ ضَرَرٍ عَامٍّ، وَهَذَا كَذَلِكَ. قَالَ (وَيُكْرَهُ بَيْعُ السِّلَاحِ فِي أَيَّامِ الْفِتْنَةِ) مَعْنَاهُ مِمَّنْ يُعْرَفُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ؛ لِأَنَّهُ تَسْبِيبٌ إلَى الْمَعْصِيَةِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي السِّيَرِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُعْرَفُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَسْتَعْمِلَهُ فِي الْفِتْنَةِ فَلَا يُكْرَهُ بِالشَّكِّ. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْعَصِيرِ مِمَّنْ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا) ؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تُقَامُ بِعَيْنِهِ بَلْ بَعْدَ تَغْيِيرِهِ، بِخِلَافِ بَيْعِ السِّلَاحِ فِي أَيَّامِ الْفِتْنَةِ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ تَقُومُ بِعَيْنِهِ. قَالَ (وَمَنْ أَجَّرَ بَيْتًا لِيُتَّخَذَ فِيهِ بَيْتُ نَارٍ أَوْ كَنِيسَةٌ أَوْ بِيعَةٌ أَوْ يُبَاعُ فِيهِ الْخَمْرُ بِالسَّوَادِ فَلَا بَأْسَ بِهِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُكْرِيَهُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ. وَلَهُ أَنَّ الْإِجَارَةَ تَرِدُ عَلَى مَنْفَعَةِ الْبَيْتِ، وَلِهَذَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ بِمُجَرَّدِ التَّسْلِيمِ، وَلَا مَعْصِيَةَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْمَعْصِيَةُ بِفِعْلِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَهُوَ مُخْتَارٌ فِيهِ فَقَطَعَ نِسْبَتَهُ عَنْهُ، وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِالسَّوَادِ لِأَنَّهُمْ لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ اتِّخَاذِ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ وَإِظْهَارِ بَيْعِ الْخُمُورِ وَالْخَنَازِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَيَتَعَدَّوْنَ عَنْ الْقِيمَةِ تَعَدِّيًا فَاحِشًا) بِأَنْ يَبِيعُوا قَفِيزًا بِمِائَةٍ وَهُوَ يُشْتَرَى بِخَمْسِينَ فَيَمْنَعُونَ مِنْهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ. وَقَوْلُهُ (يَرَى الْحَجْرَ لِدَفْعِ ضَرَرٍ عَامٍّ) يَعْنِي كَالطَّبِيبِ الْجَاهِلِ وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسِ.

فِي الْأَمْصَارِ لِظُهُورِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ فِيهَا. بِخِلَافِ السَّوَادِ. قَالُوا: هَذَا كَانَ فِي سَوَادِ الْكُوفَةِ، لِأَنَّ غَالِبَ أَهْلِهَا أَهْلُ الذِّمَّةِ. فَأَمَّا فِي سَوَادِنَا فَأَعْلَامُ الْإِسْلَامِ فِيهَا ظَاهِرَةٌ فَلَا يُمَكَّنُونَ فِيهَا أَيْضًا، وَهُوَ الْأَصَحُّ. قَالَ (وَمَنْ حَمَلَ لِذِمِّيٍّ خَمْرًا فَإِنَّهُ يَطِيبُ لَهُ الْأَجْرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَقَدْ صَحَّ " أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَعَنَ فِي الْخَمْرِ عَشْرًا حَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَ إلَيْهِ " لَهُ أَنَّ الْمَعْصِيَةَ فِي شُرْبِهَا وَهُوَ فِعْلُ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ، وَلَيْسَ الشِّرْبُ مِنْ ضَرُورَاتِ الْحَمْلِ وَلَا يُقْصَدُ بِهِ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَمْلِ الْمَقْرُونِ بِقَصْدِ الْمَعْصِيَةِ. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ بِنَاءِ بُيُوتِ مَكَّةَ، وَيُكْرَهُ بَيْعُ أَرْضِهَا) وَهَذَا عِنْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلَيْسَ الشُّرْبُ مِنْ ضَرُورَاتِ الْحَمْلِ) لِأَنَّ الشُّرْبَ قَدْ يُوجَدُ بِدُونِ الْحَمْلِ، وَبِالْعَكْسِ فَلَا يَكُونُ الْحَمْلُ مُسْتَلْزِمًا لِلْمَعْصِيَةِ.

أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ أَرْضِهَا أَيْضًا. وَهَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ لِظُهُورِ الِاخْتِصَاصِ الشَّرْعِيِّ بِهَا فَصَارَ كَالْبِنَاءِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَا إنَّ مَكَّةَ حَرَامٌ لَا تُبَاعُ رِبَاعُهَا وَلَا تُورَثُ» وَلِأَنَّهَا حُرَّةٌ مُحْتَرَمَةٌ لِأَنَّهَا فِنَاءُ الْكَعْبَةِ. وَقَدْ ظَهَرَ آيَةُ أَثَرِ التَّعْظِيمِ فِيهَا حَتَّى لَا يُنَفَّرَ صَيْدُهَا وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا، فَكَذَا فِي حَقِّ الْبَيْعِ، بِخِلَافِ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ مِلْكِ الْبَانِي. وَيُكْرَهُ إجَارَتُهَا أَيْضًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ آجَرَ أَرْضِ مَكَّةَ فَكَأَنَّمَا أَكَلَ الرِّبَا» وَلِأَنَّ أَرَاضِيَ مَكَّةَ تُسَمَّى السَّوَائِبَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنْ احْتَاجَ إلَيْهَا سَكَنَهَا وَمَنْ اسْتَغْنَى عَنْهَا أُسْكِنَ غَيْرَهُ (وَمَنْ وَضَعَ دِرْهَمًا عِنْدَ بَقَّالٍ يَأْخُذُ مِنْهُ مَا شَاءَ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَهُ قَرْضًا جَرَّ بِهِ نَفْعًا، وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مَا شَاءَ حَالًّا فَحَالًّا. «وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا» ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَوْدِعَهُ ثُمَّ يَأْخُذَ مِنْهُ مَا شَاءَ جُزْءًا فَجُزْءًا؛ لِأَنَّهُ وَدِيعَةٌ وَلَيْسَ بِقَرْضٍ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ لَا شَيْءَ عَلَى الْآخِذِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَمَنْ وَضَعَ دِرْهَمًا عِنْدَ بَقَّالٍ يَأْخُذُ مِنْهُ مَا شَاءَ) وَاضِحٌ، وَلَكِنْ فِي لَفْظِ الْكِتَابِ اشْتِبَاهٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ عِنْدَ لِلْوَدِيعَةِ، فَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ صُورَةِ الْوَدِيعَةِ وَالْقَرْضِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ يَأْخُذُ مِنْهُ مَا شَاءَ خَارِجًا مَخْرَجَ الشَّرْطِ: يَعْنِي وَضَعَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مَا شَاءَ، وَأَمَّا إذَا وَضَعَهُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ شَيْئًا فَهُوَ وَدِيعَةٌ إنْ هَلَكَ لَمْ يَضْمَنْ الْبَقَّالُ شَيْئًا.

[مسائل متفرقة]

قَالَ (وَيُكْرَهُ التَّعْشِيرُ وَالنَّقْطُ فِي الْمُصْحَفِ) لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: جَرِّدُوا الْقُرْآنَ. وَيُرْوَى: جَرِّدُوا الْمَصَاحِفَ. وَفِي التَّعْشِيرِ وَالنَّقْطِ تَرْكُ التَّجْرِيدِ. وَلِأَنَّ التَّعْشِيرَ يُخِلُّ بِحِفْظِ الْآيِ وَالنَّقْطُ بِحِفْظِ الْإِعْرَابِ اتِّكَالًا عَلَيْهِ فَيُكْرَهُ. قَالُوا: فِي زَمَانِنَا لَا بُدَّ لِلْعَجَمِ مِنْ دَلَالَةٍ. فَتَرْكُ ذَلِكَ إخْلَالٌ بِالْحِفْظِ وَهِجْرَانٌ لِلْقُرْآنِ فَيَكُونُ حَسَنًا قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِتَحْلِيَةِ الْمُصْحَفَ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِهِ. وَصَارَ كَنَقْشِ الْمَسْجِدِ وَتَزْيِينِهِ بِمَاءِ الذَّهَبِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَدْخُلَ أَهْلُ الذِّمَّةِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُكْرَهُ ذَلِكَ: وَقَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ] ٌ) التَّعْشِيرُ: جَعْلُ الْعَوَاشِرِ فِي الْمُصْحَفِ، وَهُوَ كِتَابَةُ الْعَلَامَةِ عِنْدَ مُنْتَهَى عَشْرِ آيَاتٍ. وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: جَرِّدُوا الْقُرْآنَ. فَقِيلَ الْمُرَادُ نَقْطُ الْمَصَاحِفِ فَيَكُونُ دَلِيلًا عَلَى كَرَاهَةِ نَقْطِ الْمَصَاحِفِ، وَقِيلَ هُوَ أَمْرٌ بِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَتَرْكِ الْأَحَادِيثِ، وَقَالُوا: هَذَا بَاطِلٌ، وَقِيلَ هُوَ حَثٌّ عَلَى أَنْ لَا يُتَعَلَّمَ شَيْءٌ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ غَيْرِ الْقُرْآنِ، لِأَنَّ غَيْرَهُ إنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَلَيْسُوا بِمُؤْتَمَنِينَ عَلَيْهَا. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ) يَعْنِي فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ مِنْ الصَّلَاةِ.

مَالِكٌ: يُكْرَهُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ. لِلشَّافِعِيِّ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] وَلِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَخْلُو عَنْ جَنَابَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَغْتَسِلُ اغْتِسَالًا يُخْرِجُهُ عَنْهَا، وَالْجُنُبُ يَجْنَبُ الْمَسْجِدَ، وَبِهَذَا يَحْتَجُّ مَالِكٌ، وَالتَّعْلِيلُ بِالنَّجَاسَةِ عَامٌّ فَيَنْتَظِمُ الْمَسَاجِدَ كُلَّهَا. وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْزَلَ وَفْدَ ثَقِيفٍ فِي مَسْجِدِهِ وَهُمْ كُفَّارٌ» وَلِأَنَّ الْخُبْثَ فِي اعْتِقَادِهِمْ فَلَا يُؤَدِّي إلَى تَلْوِيثِ الْمَسْجِدِ. وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْحُضُورِ اسْتِيلَاءً وَاسْتِعْلَاءً أَوْ طَائِفِينَ عُرَاةً كَمَا كَانَتْ عَادَتُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. قَالَ (وَيُكْرَهُ اسْتِخْدَامُ الْخُصْيَانِ) ؛ لِأَنَّ الرَّغْبَةَ فِي اسْتِخْدَامِهِمْ حَثُّ النَّاسِ عَلَى هَذَا الصَّنِيعِ وَهُوَ مُثْلَةٌ مُحَرَّمَةٌ قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِخِصَاءِ الْبَهَائِمِ وَإِنْزَاءِ الْحَمِيرِ عَلَى الْخَيْلِ) ؛ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ مَنْفَعَةٌ لِلْبَهِيمَةِ وَالنَّاسِ. وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَكِبَ الْبَغْلَةَ» فَلَوْ كَانَ هَذَا الْفِعْلُ حَرَامًا لَمَا رَكِبَهَا لِمَا فِيهِ مِنْ فَتْحِ بَابِهِ. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِعِيَادَةِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ) ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ بِرٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلَا بَأْسَ بِعِيَادَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى) قَيَّدَ بِهِمَا لِأَنَّ فِي عِيَادَةِ الْمَجُوسِ اخْتِلَافًا بَيْنَ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُمْ أَبْعَدُ عَنْ الْإِسْلَامِ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَلَا تَرَى

فِي حَقِّهِمْ، وَمَا نُهِينَا عَنْ ذَلِكَ، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَادَ يَهُودِيًّا مَرِضَ بِجِوَارِهِ» . قَالَ (وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ فِي دُعَائِهِ: أَسْأَلُك بِمَعْقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِك) وَلِلْمَسْأَلَةِ عِبَارَتَانِ: هَذِهِ، وَمَقْعَدُ الْعِزِّ، وَلَا رَيْبَ فِي كَرَاهَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْقُعُودِ، وَكَذَا الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ تَعَلُّقَ عِزِّهِ بِالْعَرْشِ وَهُوَ مُحْدَثٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ قَدِيمٌ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ. وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ مَأْثُورٌ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ دُعَائِهِ «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِمَعْقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِك؛ وَمُنْتَهَى الرَّحْمَةِ مِنْ كِتَابِك، وَبِاسْمِك الْأَعْظَمِ وَجَدِّك الْأَعْلَى وَكَلِمَاتِك التَّامَّةِ» وَلَكِنَّا نَقُولُ: هَذَا خَبَرُ وَاحِدٍ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الِامْتِنَاعِ (وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ فِي دُعَائِهِ بِحَقِّ فُلَانٍ أَوْ بِحَقِّ أَنْبِيَاؤُك وَرُسُلِك) ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْمَخْلُوقِ عَلَى الْخَالِقِ. قَالَ (وَيُكْرَهُ اللَّعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ وَالنَّرْدِ وَالْأَرْبَعَةَ عَشَرَ وَكُلِّ لَهْوٍ) ؛ لِأَنَّهُ إنْ قَامَرَ بِهَا فَالْمَيْسِرُ حَرَامٌ بِالنَّصِّ وَهُوَ اسْمٌ لِكُلِّ قِمَارٍ، وَإِنْ لَمْ يُقَامِرْ فَهُوَ عَبَثٌ وَلَهْوٌ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَهْوُ الْمُؤْمِنِ بَاطِلٌ إلَّا الثَّلَاثَ: تَأْدِيبُهُ لِفَرَسِهِ، وَمُنَاضَلَتُهُ عَنْ قَوْسِهِ، وَمُلَاعَبَتُهُ مَعَ أَهْلِهِ» وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: يُبَاحُ اللَّعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ لَا يُبَاحُ ذَبِيحَةُ الْمَجُوسِ وَنِكَاحُهُمْ بِخِلَافِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. وَاخْتَلَفُوا فِي عِيَادَةِ الْفَاسِقِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ، وَالْعِيَادَةُ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ.

لِمَا فِيهِ مِنْ تَشْحِيذِ الْخَوَاطِرِ وَتَذْكِيَةِ الْأَفْهَامِ، وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. لَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ لَعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ وَالنَّرْدَشِيرِ فَكَأَنَّمَا غَمَسَ يَدَهُ فِي دَمِ الْخِنْزِيرِ» وَلِأَنَّهُ نَوْعُ لَعِبٍ يَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الْجُمَعِ وَالْجَمَاعَاتِ فَيَكُونُ حَرَامًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا أَلْهَاك عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَهُوَ مَيْسِرٌ» ثُمَّ إنْ قَامَرَ بِهِ تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يُقَامِرْ لَا تَسْقُطُ؛ لِأَنَّهُ مُتَأَوِّلٌ فِيهِ. وَكَرِهَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ التَّسْلِيمَ عَلَيْهِمْ تَحْذِيرًا لَهُمْ، وَلَمْ يَرَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِهِ بَأْسًا لِيَشْغَلَهُمْ عَمَّا هُمْ فِيهِ. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِقَبُولِ هَدِيَّةِ الْعَبْدِ التَّاجِرِ وَإِجَابَةِ دَعْوَتِهِ وَاسْتِعَارَةِ دَابَّتِهِ. وَتُكْرَهُ كِسْوَتُهُ الثَّوْبَ وَهَدِيَّتُهُ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَفِي الْقِيَاسِ: كُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَالْعَبْدُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَبِلَ هَدِيَّةَ سَلْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ كَانَ عَبْدًا، وَقَبِلَ هَدِيَّةَ بَرِيرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَكَانَتْ مُكَاتَبَةً» وَأَجَابَ رَهْطٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - دَعْوَةَ مَوْلَى أَبِي أُسَيْدٍ وَكَانَ عَبْدًا، وَلِأَنَّ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ضَرُورَةً لَا يَجِدُ التَّاجِرُ بُدًّا مِنْهَا، وَمَنْ مَلَكَ شَيْئًا يَمْلِكُ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْكِسْوَةِ وَإِهْدَاءِ الدَّرَاهِمِ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ. قَالَ (وَمَنْ كَانَ فِي يَدِهِ لَقِيطٌ لَا أَبَ لَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَبْضُهُ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ لَهُ) وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ التَّصَرُّفَ عَلَى الصِّغَارِ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ: نَوْعٌ هُوَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا مَنْ هُوَ وَلِيٌّ كَالْإِنْكَاحِ وَالشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ لِأَمْوَالِ الْقُنْيَةِ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ هُوَ الَّذِي قَامَ مَقَامَهُ بِإِنَابَةِ الشَّرْعِ، وَنَوْعٌ آخَرُ مَا كَانَ مِنْ ضَرُورَةِ حَالِ الصِّغَارِ وَهُوَ شِرَاءُ مَا لَا بُدَّ لِلصَّغِيرِ مِنْهُ وَبَيْعُهُ وَإِجَارَةُ الْأَظْآرِ. وَذَلِكَ جَائِزٌ مِمَّنْ يَعُولُهُ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ وَالْأُمِّ وَالْمُلْتَقِطُ إذَا كَانَ فِي حِجْرِهِمْ. وَإِذَا مَلَكَ هَؤُلَاءِ هَذَا النَّوْعَ فَالْوَلِيُّ أَوْلَى بِهِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّ الْوَلِيِّ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ فِي حِجْرِهِ، وَنَوْعٌ ثَالِثٌ مَا هُوَ نَفْعٌ مَحْضٌ كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْقَبْضِ، فَهَذَا يَمْلِكُهُ الْمُلْتَقِطُ وَالْأَخُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَمَنْ كَانَ فِي يَدِهِ لَقِيطٌ لَا أَبَ لَهُ إلَخْ) ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ قَوْلَهُ لَا أَبَ لَهُ بِشَرْطٍ لَازِمٍ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ فِي صَغِيرَةٍ لَهَا زَوْجٌ هِيَ عِنْدَهُ يَعُولُهَا وَلَهُ أَبٌ فَوَهَبَ لَهَا أَنَّهَا لَوْ قَبَضَتْ أَوْ قَبَضَ لَهَا أَبُوهَا أَوْ زَوْجُهَا أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فَلَمْ يَمْتَنِعْ صِحَّةُ قَبْضِ الزَّوْجِ لَهَا بِقِيَامِ الْأَبِ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ نَفْعًا مَحْضًا كَانَ تَحْقِيقُ مَعْنَاهُ فِي فَتْحِ بَابِ الْإِصَابَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ: مِنْ وَجْهِ الْوِلَايَةِ وَمِنْ وَجْهِ الْعَوْلِ وَالنَّفَقَةِ وَمِنْ وَجْهِ الْعَقْلِ وَالتَّمْيِيزِ، فَثَبَتَ أَنَّ عَدَمَ الْأَبِ لَيْسَ بِلَازِمٍ، كَذَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَأَمْوَالُ الْقُنْيَةِ مَا يَكُونُ لِلنَّسْلِ لَا لِلتِّجَارَةِ. وَقَوْلُهُ (وَإِجَارَةُ الصِّغَارِ) فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْقُدُورِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَفِي بَعْضِهَا: وَإِجَارَةُ الْأَظْآرِ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ.

وَالْعَمُّ وَالصَّبِيُّ بِنَفْسِهِ إذَا كَانَ يَعْقِلُ، لِأَنَّ اللَّائِقَ بِالْحِكْمَةِ فَتْحُ بَابِ مِثْلِهِ نَظَرًا لِلصَّبِيِّ فَيَمْلِكُ بِالْعَقْلِ وَالْوِلَايَةِ وَالْحِجْرِ وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْإِنْفَاقِ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يُؤَاجِرَهُ، وَيَجُوزُ لِلْأُمِّ أَنْ تُؤَاجِرَ ابْنَهَا إذَا كَانَ فِي حِجْرِهَا وَلَا يَجُوزُ لِلْعَمِّ) ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ تَمْلِكُ إتْلَافَ مَنَافِعِهِ بِاسْتِخْدَامٍ، وَلَا كَذَلِكَ الْمُلْتَقِطُ وَالْعَمُّ (وَلَوْ أَجَّرَ الصَّبِيُّ نَفْسَهُ لَا يَجُوزُ) ؛ لِأَنَّهُ مَشُوبٌ بِالضَّرَرِ (إلَّا إذَا فَرَغَ مِنْ الْعَمَلِ) ؛ لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ تَمَحَّضَ نَفْعًا فَيَجِبُ الْمُسَمَّى وَهُوَ نَظِيرُ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ يُؤَاجِرُ نَفْسَهُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. قَالَ (وَيُكْرَهُ أَنْ يَجْعَلَ الرَّجُلُ فِي عُنُقِ عَبْدِهِ الرَّايَةَ) وَيَرْوُونَ الدَّايَةَ، وَهُوَ طَوْقُ الْحَدِيدِ الَّذِي يَمْنَعُهُ مِنْ أَنْ يُحَرِّكَ رَأْسَهُ، وَهُوَ مُعْتَادٌ بَيْنَ الظَّلَمَةِ؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةُ أَهْلِ النَّارِ فَيُكْرَهُ كَالْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ (وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يُقَيِّدَهُ) لِأَنَّهُ سُنَّةُ الْمُسْلِمِينَ فِي السُّفَهَاءِ وَأَهْلِ الدَّعَارَةِ فَلَا يُكْرَهُ فِي الْعَبْدِ تَحَرُّزًا عَنْ إبَاقِهِ وَصِيَانَةً لِمَالِهِ. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِالْحُقْنَةِ يُرِيدُ بِهِ التَّدَاوِيَ) لِأَنَّ التَّدَاوِيَ مُبَاحٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَقَدْ وَرَدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يُؤَاجِرَ) هَذَا يُنَاقِضُ قَوْلَهُ وَإِجَارَةُ الصِّغَارِ ظَاهِرًا فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فَالْأَوَّلُ عَلَى رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ كَمَا مَرَّ وَالثَّانِي عَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَمِنْهُمْ مَنْ غَيَّرَ لَفْظَ الْكِتَابِ إلَى لَفْظِ الْأَظْآرِ كَمَا مَرَّ. وَمِنْهُمْ مَنْ وَفَّقَ بَيْنَهُمَا فَحَمَلَ جَوَازَ إجَارَتِهِ عَلَى مَا إذَا تَحَقَّقَتْ الضَّرُورَةُ بِدَلِيلِ وُقُوعِهِ فِي النَّوْعِ الَّذِي فِيهِ تَعْدَادُ الضَّرُورَةِ وَعَدَمُ جَوَازِهَا عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرُورَةٌ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْعَمِّ) يَعْنِي وَإِنْ كَانَ فِي حَجْرِهِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ آجَرَ الصَّبِيُّ نَفْسَهُ لَا يَجُوزُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَيْ لَا يَلْزَمُ. وَقَوْلُهُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ يَعْنِي فِي بَابِ إجَارَةِ الْعَبْدِ. وَقَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ أَنْ يَجْعَلَ فِي عُنُقِ عَبْدِهِ الرَّايَةَ) رَايَةُ الْغُلَامِ غُلٌّ يُجْعَلُ فِي عِتْقِ الْغُلَامِ عَلَامَةً يُعْلَمُ بِهَا أَنَّهُ آبِقٌ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَأَمَّا الدَّايَةُ بِالدَّالِ فَغَلَطٌ، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ. قَالُوا: هَذَا كَانَ فِي زَمَانِهِمْ عِنْدَ قِلَّةِ الْإِبَاقِ، أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا بَأْسَ بِهِ لِغَلَبَةِ الْإِبَاقِ خُصُوصًا فِي الْهُنُودِ. وَقَوْلُهُ (يُرِيدُ بِهِ التَّدَاوِيَ) احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ أَرَادَ بِهِ التَّسْمِينَ فَإِنَّهُ لَا يُبَاحُ. وَقَوْلُهُ وَقَدْ وَرَدَ بِإِبَاحَتِهِ: أَيْ بِإِبَاحَةِ التَّدَاوِي، الْحَدِيثُ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا خَلَقَ دَاءً إلَّا وَقَدْ خَلَقَ لَهُ دَوَاءً، إلَّا السَّامَ وَالْهَرَمَ» وَالْأَمْرُ بِالتَّوَكُّلِ مَحْمُولٌ عَلَى التَّوَكُّلِ عِنْدَ اكْتِسَابِ الْأَسْبَابِ، ثُمَّ التَّوَكُّلُ بَعْدَهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى دُونَ الْأَسْبَابِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِمَرْيَمَ {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} [مريم: 25] مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى أَنْ يَرْزُقَهَا مِنْ غَيْرِ هَزٍّ، كَذَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

بِإِبَاحَتِهِ الْحَدِيثَ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَعْمَلَ الْمُحَرَّمُ كَالْخَمْرِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِشْفَاءَ بِالْمُحَرَّمِ حَرَامٌ. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِرِزْقِ الْقَاضِي) «؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَعَثَ عَتَّابَ بْنَ أُسَيْدٍ إلَى مَكَّةَ وَفَرَضَ لَهُ، وَبَعَثَ عَلِيًّا إلَى الْيَمَنِ وَفَرَضَ لَهُ» وَلِأَنَّهُ مَحْبُوسٌ لِحَقِّ الْمُسْلِمِينَ فَتَكُونُ نَفَقَتُهُ فِي مَالِهِمْ وَهُوَ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحَبْسَ مِنْ أَسْبَابِ النَّفَقَةِ كَمَا فِي الْوَصِيِّ وَالْمُضَارِبِ إذَا سَافَرَ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَهَذَا فِيمَا يَكُونُ كِفَايَةً، فَإِنْ كَانَ شَرْطًا فَهُوَ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ عَلَى الطَّاعَةِ، إذْ الْقَضَاءُ طَاعَةٌ بَلْ هُوَ أَفْضَلُهَا، ثُمَّ الْقَاضِي إذَا كَانَ فَقِيرًا: فَالْأَفْضَلُ بَلْ الْوَاجِبُ الْأَخْذُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إقَامَةُ فَرْضِ الْقَضَاءِ إلَّا بِهِ، إذْ الِاشْتِغَالُ بِالْكَسْبِ يُقْعِدُهُ عَنْ إقَامَتِهِ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَالْأَفْضَلُ الِامْتِنَاعُ عَلَى مَا قِيلَ رِفْقًا بِبَيْتِ الْمَالِ. وَقِيلَ الْأَخْذُ وَهُوَ الْأَصَحُّ صِيَانَةً لِلْقَضَاءِ عَنْ الْهَوَانِ وَنَظَرًا لِمَنْ يُوَلَّى بَعْدَهُ مِنْ الْمُحْتَاجِينَ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْقَطَعَ زَمَانًا يَتَعَذَّرُ إعَادَتُهُ ثُمَّ تَسْمِيَتُهُ رِزْقًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ، وَقَدْ جَرَى الرَّسْمُ بِإِعْطَائِهِ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ يُؤْخَذُ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ وَهُوَ يُعْطَى مِنْهُ، وَفِي زَمَانِنَا الْخَرَاجُ يُؤْخَذُ فِي آخَرِ السَّنَةِ وَالْمَأْخُوذُ مِنْ الْخَرَاجِ خَرَاجُ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَلَوْ اسْتَوْفَى رِزْقَ سَنَةٍ وَعُزِلَ قَبْلَ اسْتِكْمَالِهَا، قِيلَ هُوَ عَلَى اخْتِلَافٍ مَعْرُوفٍ فِي نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَعْمَلَ الْمُحَرَّمُ كَالْخَمْرِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّ الِاسْتِشْفَاءَ بِالْمُحَرَّمِ حَرَامٌ) قِيلَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ فِيهِ شِفَاءً، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ فِيهِ شِفَاءً وَلَيْسَ لَهُ دَوَاءٌ آخَرُ غَيْرُهُ يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِشْفَاءُ بِهِ. وَمَعَ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ. يُحْتَمَلُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ ذَلِكَ فِي دَاءٍ عُرِفَ لَهُ دَوَاءٌ غَيْرُ الْمُحَرَّمِ، لِأَنَّهُ يُسْتَغْنَى بِالْحَلَالِ عَنْ الْحَرَامِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: تَنْكَشِفُ الْحُرْمَةُ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَلَا يَكُونُ الشِّفَاءُ بِالْحَرَامِ وَإِنَّمَا يَكُونُ بِالْحَلَالِ. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِرِزْقِ الْقَاضِي إلَخْ) إذَا قَلَّدَ السُّلْطَانُ رَجُلًا الْقَضَاءَ لَا بَأْسَ أَنْ يُعَيِّنَ لَهُ رِزْقًا بِطَرِيقِ الْكِفَايَةِ لَا أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ التَّقْلِيدِ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَعَثَ عَتَّابَ بْنَ أُسَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى مَكَّةَ وَفَرَضَ لَهُ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً فِي السَّنَةِ» وَالْأُوقِيَّةُ بِالتَّشْدِيدِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَتَكَلَّمُوا فِي أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَيِّ مَالٍ رَزَقَهُ وَلَمْ تَكُنْ يَوْمَئِذٍ الدَّوَاوِينُ وَلَا بَيْتُ الْمَالِ، فَإِنَّ الدَّوَاوِينَ وُضِعَتْ فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَقِيلَ إنَّمَا رَزَقَهُ مِنْ الْفَيْءِ، وَقِيلَ مِنْ الْمَالِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ نَصَارَى نَجْرَانَ وَمِنْ الْجِزْيَةِ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ. وَقَوْلُهُ (عَلَى اخْتِلَافٍ مَعْرُوفٍ فِي نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ) يَعْنِي عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجِبُ رَدُّ حِصَّةِ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجِبُ. قَاسُوا عَلَى نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ إذَا

[كتاب إحياء الموات]

مَاتَتْ فِي السَّنَةِ بَعْدَ اسْتِعْجَالِ نَفَقَةِ السَّنَةِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجِبُ الرَّدُّ. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ تُسَافِرَ الْأَمَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ) ؛ لِأَنَّ الْأَجَانِبَ فِي حَقِّ الْإِمَاءِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى النَّظَرِ وَالْمَسِّ بِمَنْزِلَةِ الْمَحَارِمِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ أَمَةٌ لِقِيَامِ الْمِلْكِ فِيهَا وَإِنْ امْتَنَعَ بَيْعُهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتَعْجَلَتْ نَفَقَةَ السَّنَةِ فَمَاتَ الزَّوْجُ فِي نِصْفِ السَّنَةِ رَدَّتْ نَفَقَةَ مَا بَقِيَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. وَقَوْلُهُ (وَلَا بَأْسَ أَنْ تُسَافِرَ الْأَمَةُ إلَى آخِرِهِ) قِيلَ هَذَا كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ. أَمَّا الْآنَ فَيُكْرَهُ ذَلِكَ لِغَلَبَةِ أَهْلِ الْفُسُوقِ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ) إشَارَةٌ إلَى مَا ذُكِرَ مِنْ قَبْلِ فَصْلِ الِاسْتِبْرَاءِ بِقَوْلِهِ وَأَمَّا الْخَلْوَةُ بِهَا وَالْمُسَافَرَةُ فَقَدْ قِيلَ يُبَاحُ كَمَا فِي الْمَحَارِمِ. [كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ] مُنَاسَبَةُ هَذَا الْكِتَابِ بِكِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِي مَسَائِلِ هَذَا الْكِتَابِ مَا يُكْرَهُ، وَمَا لَا يُكْرَهُ، وَمِنْ مَحَاسِنِهِ

قَالَ (الْمَوَاتُ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ الْأَرَاضِيِ لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ عَنْهُ أَوْ لِغَلَبَةِ الْمَاءِ عَلَيْهِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ الزِّرَاعَةَ) سُمِّيَ بِذَلِكَ لِبُطْلَانِ الِانْتِفَاعِ بِهِ. قَالَ (فَمَا كَانَ مِنْهَا عَادِيًّا لَا مَالِكَ لَهُ أَوْ كَانَ مَمْلُوكًا فِي الْإِسْلَامِ لَا يُعْرَفُ لَهُ مَالِكٌ بِعَيْنِهِ وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ الْقَرْيَةِ بِحَيْثُ إذَا وَقَفَ إنْسَانٌ مِنْ أَقْصَى الْعَامِرِ فَصَاحَ لَا يُسْمَعُ الصَّوْتُ فِيهِ فَهُوَ مَوَاتٌ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ، وَمَعْنَى الْعَادِيِّ مَا قَدُمَ خَرَابُهُ. وَالْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَشْتَرِطُ أَنْ لَا يَكُونَ مَمْلُوكًا لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ مَعَ انْقِطَاعِ الِارْتِفَاقِ بِهَا لِيَكُونَ مَيْتَةً مُطْلَقًا، فَأَمَّا الَّتِي هِيَ مَمْلُوكَةٌ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لَا تَكُونُ مَوَاتًا، وَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ مَالِكُهُ تَكُونُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ ظَهَرَ لَهُ مَالِكٌ يُرَدُّ عَلَيْهِ، وَيَضْمَنُ الزَّارِعُ نُقْصَانَهَا، وَالْبُعْدُ عَنْ الْقَرْيَةِ عَلَى مَا قَالَ شَرَطَهُ أَبُو يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَا يَكُونُ قَرِيبًا مِنْ الْقَرْيَةِ لَا يَنْقَطِعُ ارْتِفَاقُ أَهْلِهَا عَنْهُ فَيُدَارِ الْحُكْمُ عَلَيْهِ. وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْتَبَرَ انْقِطَاعَ ارْتِفَاقِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ عَنْهَا حَقِيقَةً، وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْقَرْيَةِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّسْبِيبُ لِلْخِصْبِ فِي أَقْوَاتِ الْأَنَامِ وَمَشْرُوعِيَّتُهُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» وَشُرُوطُهُ سَتُذْكَرُ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ. وَسَبَبُهُ تَعَلُّقُ الْبَقَاءِ الْمُقَدَّرِ كَمَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ. وَحُكْمُهُ تَمَلُّكُ الْمُحْيِي مَا أَحْيَاهُ. قَالَ (الْمَوَاتُ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ الْأَرَاضِي) شِبْهُ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ الْأَرَاضِيِ لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ عَنْهُ أَوْ لِغَلَبَةِ الْمَاءِ عَلَيْهِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ بِأَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الرِّمَالُ أَوْ صَارَ سَبْخَةً بِالْمَيِّتِ مِنْ الْحَيَوَانِ الَّذِي بَطَلَتْ مَنَافِعُهُ فَسُمِّيَ مَوَاتًا، وَإِحْيَاؤُهُ عِبَارَةٌ عَنْ جَعْلِهِ بِحَيْثُ يُنْتَفَعُ بِهِ. قَوْلُهُ (فَمَا كَانَ مِنَّا عَادِيًا) لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ لَفْظِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوبًا إلَى عَادٍ. لِأَنَّ عَادًا لَمْ يَمْلِكْ جَمِيعَ أَرَاضِي الْمَوَاتِ. وَلَكِنْ مُرَادُهُ مَا تَقَدَّمَ خَرَابُهُ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (أَوْ كَانَ مَمْلُوكًا فِي الْإِسْلَامِ لَا يُعْرَفُ لَهُ مَالِكٌ بِعَيْنِهِ) قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْأَرَاضِي الْمَمْلُوكَةُ إذَا انْقَرَضَ أَهْلُهَا فَهِيَ كَاللُّقَطَةِ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ مَالِكُهُ) مِنْ تَتِمَّةِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَوْلُهُ (فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْقُرْبِ

- رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْتَمَدَ عَلَى مَا اخْتَارَهُ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ مَنْ أَحْيَاهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ مَلَكَهُ، وَإِنْ أَحْيَاهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَمْلِكْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: يَمْلِكُهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» وَلِأَنَّهُ مَالٌ مُبَاحٌ سَبَقَتْ يَدُهُ إلَيْهِ فَيَمْلِكُهُ كَمَا فِي الْحَطَبِ وَالصَّيْدِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ لِلْمَرْءِ إلَّا مَا طَابَتْ نَفْسُ إمَامِهِ بِهِ» وَمَا رَوَيَاهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ إذْنٌ لِقَوْمٍ لَا نَصْبٌ لِشَرْعٍ، وَلِأَنَّهُ مَغْنُومٌ لِوُصُولِهِ إلَى يَدِ الْمُسْلِمِينَ بِإِيجَافِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَخْتَصَّ بِهِ بِدُونِ إذْنِ الْإِمَامِ كَمَا فِي سَائِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَرْجِعٌ حُكْمِيٌّ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ قَرِيبًا. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ مَنْ أَحْيَاهُ) وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَمَا رَوَيَاهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ إذْنٌ لِقَوْمٍ لَا نَصْبٌ لِشَرْعٍ) تَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمَشْرُوعَاتِ عَلَى نَوْعَيْنِ: أَحَدُهُمَا نَصْبُ الشَّرْعِ. وَالْآخَرُ إذْنٌ بِالشَّرْعِ. فَالْأَوَّلُ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ» وَالْآخَرُ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» أَيْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ لِلْغَازِي بِهَذَا الْقَوْلِ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذْنًا لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا فَهِيَ لَهُ» مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ، وَمَا ذَكَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُفَسَّرٌ لَا يَقْبَلُهُ فَكَانَ رَاجِحًا، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» يَدُلُّ عَلَى السَّبَبِ فَإِنَّ الْحُكْمَ إذَا تَرَتَّبَ عَلَى مُشْتَقٍّ دَلَّ عَلَى عِلِّيَّةِ الْمُشْتَقِّ مِنْهُ لِذَلِكَ الْحُكْمِ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ مَشْرُوطًا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ لِلْمَرْءِ إلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِهِ»

الْغَنَائِمِ. وَيَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ تَوْظِيفِ الْخَرَاجِ عَلَى الْمُسْلِمِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا سَقَاهُ بِمَاءِ الْخَرَاجِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ إبْقَاءُ الْخَرَاجِ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَاءِ. فَلَوْ أَحْيَاهَا، ثُمَّ تَرَكَهَا فَزَرَعَهَا غَيْرُهُ فَقَدْ قِيلَ الثَّانِي أَحَقُّ بِهَا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَلَكَ اسْتِغْلَالَهَا لَا رَقَبَتَهَا، فَإِذَا تَرَكَهَا كَانَ الثَّانِي أَحَقَّ بِهَا. وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَوَّلَ يَنْزِعُهَا مِنْ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالْإِحْيَاءِ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ الْحَدِيثُ، إذْ الْإِضَافَةُ فِيهِ فَاللَّامُ التَّمْلِيكِ وَمِلْكُهُ لَا يَزُولُ بِالتَّرْكِ. وَمَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً ثُمَّ أَحَاطَ الْإِحْيَاءُ بِجَوَانِبِهَا الْأَرْبَعَةِ مِنْ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَلَى التَّعَاقُبِ؛ فَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ طَرِيقَ الْأَوَّلِ فِي الْأَرْضِ الرَّابِعَةِ لِتَعَيُّنِهَا لِتَطَرُّقِهِ وَقَصَدَ الرَّابِعُ إبْطَالَ حَقِّهِ. قَالَ (وَيَمْلِكُ الذِّمِّيُّ بِالْإِحْيَاءِ كَمَا يَمْلِكُهُ الْمُسْلِمُ) ؛ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ سَبَبُ الْمِلْكِ، إلَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذْنُ الْإِمَامِ مِنْ شَرْطِهِ فَيَسْتَوِيَانِ فِيهِ كَمَا فِي سَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ حَتَّى الِاسْتِيلَاءِ عَلَى أَصْلِنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَوَّلَ يَنْزِعُهَا مِنْ الثَّانِي) بَيَانُهُ أَنَّ الْمَشَايِخَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ إحْيَاءَ الْمَوَاتِ يُثْبِتُ مِلْكَ الِاسْتِغْلَالِ أَوْ مِلْكَ الرَّقَبَةِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ مِنْهُمْ الْفَقِيهُ أَبُو الْقَاسِمِ أَحْمَدُ الْبَلْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى الْأَوَّلِ قِيَاسًا عَلَى مَنْ جَلَسَ فِي مَوْضِعٍ مُبَاحٍ فَإِنَّ لَهُ الِانْتِفَاعَ بِهِ. فَإِذَا قَامَ عَنْهُ وَأَعْرَضَ بَطَلَ حَقُّهُ. وَعَامَّتُهُمْ إلَى الثَّانِي اسْتِدْلَالًا بِالْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ أَضَافَ فَاللَّامُ التَّمْلِيكِ فِي قَوْلِهِ فَهِيَ لَهُ وَمِلْكُهُ لَا يَزُولُ بِالتَّرْكِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَذْهَبِهِمَا صَحِيحٌ، وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى كَوْنِهِ إذْنًا لَا شَرْعًا فَكَيْفَ يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ إذْنًا لَهُ لَكِنَّهُ إذَا أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ كَانَ شَرْعًا؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لَهُ الْإِمَامُ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ مَلَكَ سَلَبَ مَنْ قَتَلَهُ. وَقَوْلُهُ (لِتَعَيُّنِهَا لِتَطَرُّفِهِ) لِأَنَّهُ حِينَ سَكَتَ عَنْ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثِ صَارَ الْبَاقِي طَرِيقًا لَهُ، فَإِذَا أَحْيَاهُ الرَّابِعُ فَقَدْ أَحْيَا طَرِيقَهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَيَكُونُ لَهُ فِيهِ طَرِيقٌ. قَالَ (وَيَمْلِكُ الذِّمِّيُّ بِالْإِحْيَاءِ) الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ فِي تَمَلُّكِ مَا أَحْيَاهُ سَوَاءٌ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي السَّبَبِ، وَالِاسْتِوَاءُ فِي السَّبَبِ يُوجِبُ الِاسْتِوَاءَ فِي الْحُكْمِ كَمَا فِي سَائِرِ

قَالَ (وَمَنْ حَجَرَ أَرْضًا وَلَمْ يَعْمُرْهَا ثَلَاثَ سِنِينَ أَخَذَهَا الْإِمَامُ وَدَفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ) لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَى الْأَوَّلِ كَانَ لِيَعْمُرَهَا فَتَحْصُلُ الْمَنْفَعَةُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ حَيْثُ الْعُشْرُ أَوْ الْخَرَاجُ. فَإِذَا لَمْ تَحْصُلْ يَدْفَعُ إلَى غَيْرِهِ تَحْصِيلًا لِلْمَقْصُودِ، وَلِأَنَّ التَّحْجِيرَ لَيْسَ بِإِحْيَاءٍ لِيَمْلِكَهُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ إنَّمَا هُوَ الْعِمَارَةُ وَالتَّحْجِيرُ الْإِعْلَامُ، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُعَلِّمُونَهُ بِوَضْعِ الْأَحْجَارِ حَوْلَهُ أَوْ يُعَلِّمُونَهُ لِحَجْرِ غَيْرِهِمْ عَنْ إحْيَائِهِ فَبَقِيَ غَيْرَ مَمْلُوكٍ كَمَا كَانَ هُوَ الصَّحِيحُ. وَإِنَّمَا شَرَطَ تَرْكَ ثَلَاثِ سِنِينَ لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَيْسَ لِمُتَحَجِّرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ حَقٌّ. وَلِأَنَّهُ إذَا أَعْلَمَهُ لَا بُدَّ مِنْ زَمَانٍ يَرْجِعُ فِيهِ إلَى وَطَنِهِ وَزَمَانٍ يُهَيِّئُ أُمُورَهُ فِيهِ، ثُمَّ زَمَانٍ يَرْجِعُ فِيهِ إلَى مَا يَحْجُرُهُ فَقَدَّرْنَاهُ بِثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهَا مِنْ السَّاعَاتِ وَالْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ لَا يَفِي بِذَلِكَ، وَإِذَا لَمْ يَحْضُرْ بَعْدَ انْقِضَائِهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَرَكَهَا. قَالُوا: هَذَا كُلُّهُ دِيَانَةً، فَأَمَّا إذَا أَحْيَاهَا غَيْرُهُ قَبْلَ مُضِيِّ هَذِهِ الْمُدَّةِ مَلَكَهَا لِتَحَقُّقِ الْإِحْيَاءِ مِنْهُ دُونَ الْأَوَّلِ وَصَارَ كَالِاسْتِيَامِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ، وَلَوْ فُعِلَ يَجُوزُ الْعَقْدُ. ثُمَّ التَّحْجِيرُ قَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ الْحَجَرِ بِأَنْ غَرَزَ حَوْلَهَا أَغْصَانًا يَابِسَةً أَوْ نَقَّى الْأَرْضَ وَأَحْرَقَ مَا فِيهَا مِنْ الشَّوْكِ أَوْ خَضَدَ مَا فِيهَا مِنْ الْحَشِيشِ أَوْ الشَّوْكِ، وَجَعَلَهَا حَوْلَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَسْبَابِ الْمِلْكِ حَتَّى الِاسْتِيلَاءِ، فَإِنَّ الْكَافِرَ يَمْلِكُ مَالَ الْمُسْلِمِ بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَى أَصْلِنَا كَالْمُسْلِمِينَ. (قَوْلُهُ وَمَنْ حَجَّرَ أَرْضًا) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْحَجَرِ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِهِ، وَمَعْنَى الْأَوَّلِ أَعْلَمَ بِوَضْعِ الْأَحْجَارِ حَوْلَهُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَمَعْنَى الثَّانِي أَعْلَمَ بِحَجْرِ الْغَيْرِ عَنْ إحْيَائِهَا فَكَانَ التَّحْجِيرُ هُوَ الْإِعْلَامُ، فَإِذَا حَجَّرَ أَرْضًا وَلَمْ يَعْمُرْهَا ثَلَاثَ سِنِينَ أَخَذَهَا الْإِمَامُ وَدَفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمَشَايِخَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - اخْتَلَفُوا فِي كَوْنِهِ مُفِيدًا لِلْمِلْكِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُفِيدُ مِلْكًا مُؤَقَّتًا إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ، وَقِيلَ لَا يُفِيدُ وَهُوَ مُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (هُوَ الصَّحِيحُ) قِيلَ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا جَاءَ إنْسَانٌ آخَرُ قَبْلَ مُضِيِّ ثَلَاثِ سِنِينَ وَأَحْيَاهُ، فَإِنَّهُ مَلَكَهُ عَلَى الثَّانِي وَلَمْ يَمْلِكْهُ عَلَى الْأَوَّلِ. وَجْهُ الْأَوَّلِ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَيْسَ لِمُتَحَجِّرٍ حَقٌّ بَعْدَ

وَجَعَلَ التُّرَابَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُتِمَّ الْمُسَنَّاةَ لِيَمْنَعَ النَّاسَ مِنْ الدُّخُولِ، أَوْ حَفَرَ مِنْ بِئْرٍ ذِرَاعًا أَوْ ذِرَاعَيْنِ، وَفِي الْأَخِيرِ وَرَدَ الْخَبَرُ. وَلَوْ كَرَبَهَا وَسَقَاهَا فَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إحْيَاءٌ، وَلَوْ فَعَلَ أَحَدَهُمَا يَكُونُ تَحْجِيرًا، وَلَوْ حَفَرَ أَنْهَارَهَا وَلَمْ يَسْقِهَا يَكُونُ تَحْجِيرًا، وَإِنْ سَقَاهَا مَعَ حَفْرِ الْأَنْهَارِ كَانَ إحْيَاءً لِوُجُودِ الْفِعْلَيْنِ، وَلَوْ حَوَّطَهَا أَوْ سَنَّمَهَا بِحَيْثُ يَعْصِمُ الْمَاءَ يَكُونُ إحْيَاءً؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْبِنَاءِ، وَكَذَا إذَا بَذَرَهَا قَالَ (وَلَا يَجُوزُ إحْيَاءُ مَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ وَيُتْرَكُ مَرْعًى لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ وَمَطْرَحًا لِحَصَائِدِهِمْ) لِتَحَقُّقِ حَاجَتِهِمْ إلَيْهَا حَقِيقَةً أَوْ دَلَالَةً عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، فَلَا يَكُونُ مَوَاتًا لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهَا بِمَنْزِلَةِ الطَّرِيقِ وَالنَّهْرِ. عَلَى هَذَا قَالُوا: لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْطَعَ مَا لَا غِنًى بِالْمُسْلِمِينَ عَنْهُ كَالْمِلْحِ وَالْآبَارِ الَّتِي يَسْتَقِي النَّاسُ مِنْهَا لِمَا ذَكَرْنَا. قَالَ (وَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي بَرِّيَّةٍ فَلَهُ حَرِيمُهَا) وَمَعْنَاهُ إذَا حَفَرَ فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ بِإِذْنِ الْإِمَامِ عِنْدَهُ أَوْ بِإِذْنِهِ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ حَفْرَ الْبِئْرِ إحْيَاءٌ. قَالَ (فَإِنْ كَانَتْ لِلْعَطَنِ فَحَرِيمُهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فَلَهُ مِمَّا حَوْلَهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا عَطَنًا لِمَاشِيَتِهِ» ثُمَّ قِيلَ: الْأَرْبَعُونَ مِنْ كُلِّ الْجَوَانِبِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ؛ لِأَنَّ فِي الْأَرَاضِيِ رَخْوَةً وَيَتَحَوَّلُ الْمَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــQثَلَاثِ سِنِينَ نَفَى الْحَقَّ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ فَيَكُونُ لَهُ الْحَقُّ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ، وَالْحَقُّ الْكَامِلُ هُوَ الْمِلْكُ. وَوَجْهُ الصَّحِيحِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ. وَالْجَوَابُ عَنْ اسْتِدْلَالِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ مَفْهُومٌ وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ. وَقَوْلُهُ (مِنْ غَيْرِ أَنْ يُتِمَّ الْمُسَنَّاةَ) هُوَ مَا يُبْنَى لِلسَّيْلِ لِيَرُدَّ الْمَاءَ. وَقَوْلُهُ (وَفِي الْأَخِيرِ) يُرِيدُ حَفْرَ الْبِئْرِ (وَرَدَ الْخَبَرُ) وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ حَفَرَ بِئْرًا مِقْدَارَ ذِرَاعٍ فَهُوَ مُتَحَجِّرٌ» . وَقَوْلُهُ (لِتَحَقُّقِ حَاجَتِهِمْ إلَيْهَا حَقِيقَةً) يَعْنِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ دَلَالَةً) عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَمُحَمَّدٌ اعْتَبَرَ انْقِطَاعَ ارْتِفَاقِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ عَنْهَا حَقِيقَةً إلَخْ. وَقَوْلُهُ (لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْطَعَ الْإِمَامُ) يُقَالُ أَقْطَعَ السُّلْطَانُ رَجُلًا أَرْضًا: أَيْ أَعْطَاهُ إيَّاهَا وَخَصَّصَهُ بِهَا. وَقَوْلُهُ (لِمَا ذَكَرْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِتَحَقُّقِ حَاجَتِهِمْ إلَيْهَا. الْعَطَنُ: مُنَاخُ الْإِبِلِ وَمَبْرَكُهَا. قَوْلُهُ (قِيلَ الْأَرْبَعُونَ مِنْ كُلِّ الْجَوَانِبِ) يَعْنِي يَكُونُ فِي كُلِّ جَانِبٍ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فَلَهُ مِمَّا حَوْلَهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا عَطَنًا لِمَاشِيَتِهِ» فَإِنَّهُ بِظَاهِرِهِ يَجْمَعُ الْجَوَانِبَ الْأَرْبَعَ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْحَرِيمِ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ صَاحِبِ الْبِئْرِ الْأُولَى كَيْ لَا يَحْفِرَ بِحَرِيمِهِ أَحَدٌ بِئْرًا أُخْرَى فَيَتَحَوَّلَ إلَيْهَا

إلَى مَا حُفِرَ دُونَهَا (وَإِنْ كَانَتْ لِلنَّاضِحِ فَحَرِيمُهَا سِتُّونَ ذِرَاعًا، وَهَذَا عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا) لَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حَرِيمُ الْعَيْنِ خَمْسمِائَةِ ذِرَاعٍ. وَحَرِيمُ بِئْرِ الْعَطَنِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا، وَحَرِيمُ بِئْرِ النَّاضِحِ سِتُّونَ ذِرَاعًا» وَلِأَنَّهُ قَدْ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى أَنْ يُسَيِّرَ دَابَّتَهُ لِلِاسْتِقَاءِ، وَقَدْ يَطُولُ الرِّشَاءُ وَبِئْرُ الْعَطَنِ لِلِاسْتِقَاءِ مِنْهُ بِيَدِهِ فَقَلَّتْ الْحَاجَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّفَاوُتِ. وَلَهُ مَا رَوَيْنَا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَالْعَامُّ الْمُتَّفَقُ عَلَى قَبُولِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَاءُ بِئْرِهِ، وَهَذَا الضَّرَرُ لَا يَنْدَفِعُ بِعَشَرَةِ أَذْرُعٍ " مِنْ " كُلِّ جَانِبٍ بِيَقِينٍ، فَإِنَّ الْأَرَاضِيَ تَخْتَلِفُ فِي الصَّلَابَةِ وَالرَّخَاوَةِ، وَفِي مِقْدَارِ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ يَتَيَقَّنُ بِدَفْعِ الضَّرَرِ. وَالنَّاضِحُ: الْبَعِيرُ. وَقَوْلُهُ (وَلَهُ مَا رَوَيْنَا) يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فَلَهُ مِمَّا حَوْلَهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ» يَعْنِي بَيْنَ الْعَطَنِ وَالنَّاضِحِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِقَوْلِهِ عَطَنًا لِمَاشِيَتِهِ، فَيَكُونُ قَدْ فَصَلَ بَيْنَ الْعَطَنِ وَالنَّاضِحِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذِكْرَ ذَلِكَ اللَّفْظِ لِلتَّغْلِيبِ لَا لِلتَّقْيِيدِ، فَإِنَّ الْغَالِبَ فِي انْتِفَاعِ الْآبَارِ فِي الْفَلَوَاتِ هَذَا الطَّرِيقُ فَيَكُونُ ذِكْرُ الْعَطَنِ ذِكْرًا لِجَمِيعِ الِانْتِفَاعَاتِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] قَيَّدَ بِالْبَيْعِ لِمَا أَنَّ الْغَالِبَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الْبَيْعُ، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: 10] وَالْوَعِيدُ لَيْسَ بِمَخْصُوصٍ بِالْأَكْلِ، وَلَكِنَّ الْغَالِبَ مِنْ أَمْرِهِ الْأَكْلُ فَأَخْرَجَهُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْغَالِبُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَى أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: حَدَّثَنَا أَشْعَبُ بْنُ سَوَّارٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: حَرِيمُ الْبِئْرِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا مِنْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا وَهَاهُنَا وَهَاهُنَا لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ أَحَدٌ فِي حَرِيمِهِ وَفِي مَائِهِ. وَقَوْلُهُ (وَالْعَامُّ الْمُتَّفَقُ عَلَى قَبُولِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ)

أَوْلَى عِنْدَهُ مِنْ الْخَاصِّ الْمُخْتَلَفِ فِي قَبُولِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ، وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى اسْتِحْقَاقَ الْحَرِيمِ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ فِي مَوْضِعِ الْحَفْرِ، وَالِاسْتِحْقَاقُ بِهِ، فَفِيمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْحَدِيثَانِ تَرَكْنَاهُ وَفِيمَا تَعَارَضَا فِيهِ حَفِظْنَاهُ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يُسْتَقَى مِنْ الْعَطَنِ بِالنَّاضِحِ وَمِنْ بِئْرِ النَّاضِحِ بِالْيَدِ فَاسْتَوَتْ الْحَاجَةُ فِيهِمَا، وَيُمْكِنُهُ أَنْ يُدْبِرَ الْبَعِيرَ حَوْلَ الْبِئْرِ فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى زِيَادَةِ مَسَافَةٍ: قَالَ (وَإِنْ كَانَتْ عَيْنًا فَحَرِيمُهَا خَمْسمِائَةِ ذِرَاعٍ) لِمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ فِيهِ إلَى زِيَادَةِ مَسَافَةٍ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ تُسْتَخْرَجُ لِلزِّرَاعَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ مَوْضِعٍ يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ وَمِنْ حَوْضٍ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ. وَمِنْ مَوْضِعٍ يُجْرَى فِيهِ إلَى الْمَزْرَعَةِ فَلِهَذَا يُقَدَّرُ بِالزِّيَادَةِ، وَالتَّقْدِيرُ بِخَمْسِمِائَةٍ بِالتَّوْقِيفِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْعَطَنِ، وَالذِّرَاعُ هِيَ الْمُكَسَّرَةُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيُرِيدُ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " مَنْ حَفَرَ بِئْرًا " لِأَنَّ كَلِمَةَ " مَنْ " تُفِيدُ الْعُمُومَ (أَوْلَى عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مِنْ الْخَاصِّ الْمُخْتَلَفِ فِي قَبُولِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ) يُرِيدُ بِهِ حَدِيثَ الزُّهْرِيِّ: «حَرِيمُ الْعَيْنِ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ، وَحَرِيمُ الْبِئْرِ الْعَطَنُ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا، وَحَرِيمُ بِئْرِ النَّاضِحِ سِتُّونَ ذِرَاعًا» . وَرُدَّ عُمُومُ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مَعْنَاهُ: مَنْ حَفَرَ بِئْرًا لِلْعَطَنِ فَلَهُ مِمَّا حَوْلَهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا، وَهُوَ خَاصٌّ بِالْعَطَنِ كَمَا تَرَى. وَأُجِيبَ بِأَنَّ عَطَنًا لَيْسَ صِفَةً لِبِئْرٍ حَتَّى يَكُونَ مُخَصِّصًا، وَإِنَّمَا هُوَ بَيَانُ الْحَاجَةِ إلَى الْأَرْبَعِينَ لِيَكُونَ دَافِعًا لِمُقْتَضَى الْقِيَاسِ، فَإِنَّهُ يَأْبَى اسْتِحْقَاقَ الْحَرِيمِ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْحَافِرِ فِي مَوْضِعِ الْحَفْرِ وَاسْتِحْقَاقَهُ بِالْعَمَلِ، فَفِي مَوْضِعِ الْحَفْرِ اسْتِحْقَاقُهُ لَكِنَّا تَرَكْنَاهُ بِهِ، فَإِنْ قِيلَ: فَاتْرُكْهُ فِي النَّاضِحِ أَيْضًا لِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّحَكُّمُ. قُلْنَا: حَدِيثُهُ فِيهِ مُعَارَضٌ بِالْعُمُومِ فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إلَى مَا بَعْدَهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ فَحَفِظْنَاهُ. وَقَوْلُهُ لِمَا رَوَيْنَا إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حَرِيمُ الْعَيْنِ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ» وَقَوْلُهُ (وَالذِّرَاعُ هِيَ الْمُكَسَّرَةُ) يَعْنِي أَنْ يَكُونَ سِتَّ قَبَضَاتِ وَهُوَ ذِرَاعُ الْعَامَّةِ، وَإِنَّمَا وُصِفَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا نَقَصَتْ عَنْ ذِرَاعِ الْمَلِكِ وَهُوَ بَعْضُ الْأَكَاسِرَةِ بِقَبْضَةٍ، وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنْ قَوْلِهِ بِذِرَاعِ الْكِرْبَاسِ تَوْسِعَةً عَلَى النَّاسِ فَإِنَّهَا هِيَ الْمُكَسَّرَةُ.

وَقِيلَ إنَّ التَّقْدِيرَ فِي الْعَيْنِ وَالْبِئْرِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي أَرَاضِيهِمْ لِصَلَابَةٍ بِهَا وَفِي أَرَاضِيِنَا رَخَاوَةٌ فَيُزَادُ كَيْ لَا يَتَحَوَّلَ الْمَاءُ إلَى الثَّانِي فَيَتَعَطَّلَ الْأَوَّلُ. قَالَ (فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْفِرَ فِي حَرِيمِهَا مُنِعَ مِنْهُ) كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَفْوِيتِ حَقِّهِ وَالْإِخْلَالِ بِهِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ بِالْحَفْرِ مَلَكَ الْحَرِيمَ ضَرُورَةً تُمَكِّنُهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ؛ فَإِنْ احْتَفَرَ آخَرُ بِئْرًا فِي حَرِيمِ الْأَوَّلِ لِلْأَوَّلِ أَنْ يُصْلِحَهُ وَيَكْبِسَهُ تَبَرُّعًا، وَلَوْ أَرَادَ أَخْذَ الثَّانِي فِيهِ قِيلَ: لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيَكْبِسَهُ؛ لِأَنَّ إزَالَةَ جِنَايَةِ حَفْرِهِ بِهِ كَمَا فِي الْكُنَاسَةِ يُلْقِيهَا فِي دَارِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِرَفْعِهَا، وَقِيلَ يُضَمِّنُهُ النُّقْصَانَ ثُمَّ يَكْبِسُهُ بِنَفْسِهِ كَمَا إذَا هَدَمَ جِدَارَ غَيْرِهِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ ذَكَرَهُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ. وَذَكَرَ طَرِيقَ مَعْرِفَةِ النُّقْصَانِ، وَمَا عَطِبَ فِي الْأَوَّلِ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ، إنْ كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا إنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ عِنْدَهُمَا. وَالْعُذْرُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ جَعَلَ فِي الْحَفْرِ تَحْجِيرًا وَهُوَ بِسَبِيلٍ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُهُ بِدُونِهِ، وَمَا عَطِبَ فِي الثَّانِيَةِ فَفِيهِ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ حَيْثُ حَفَرَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، وَإِنْ حَفَرَ الثَّانِي بِئْرًا وَرَاءَ حَرِيمِ الْأَوَّلِ فَذَهَبَ مَاءُ الْبِئْرِ الْأَوَّلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي حَفْرِهَا، وَلِلثَّانِي الْحَرِيمُ مِنْ الْجَوَانِبِ الثَّلَاثَةِ دُونَ الْجَانِبِ الْأَوَّلِ لِسَبْقِ مِلْكِ الْحَافِرِ الْأَوَّلِ فِيهِ (وَالْقَنَاةُ لَهَا حَرِيمٌ بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُهَا) وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبِئْرِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْحَرِيمِ. وَقِيلَ هُوَ عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَهُ لَا حَرِيمَ لَهَا مَا لَمْ يَظْهَرْ الْمَاءُ عَلَى الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ نَهْرٌ فِي التَّحْقِيقِ فَيُعْتَبَرُ بِالنَّهْرِ الظَّاهِرِ. قَالُوا: وَعِنْدَ ظُهُورِ الْمَاءِ عَلَى الْأَرْضِ هُوَ بِمَنْزِلَةِ عَيْنٍ فَوَّارَةٍ فَيُقَدَّرُ حَرِيمُهُ بِخَمْسِمِائَةِ ذِرَاعٍ (وَالشَّجَرَةُ تُغْرَسُ فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ لَهَا حَرِيمٌ أَيْضًا حَتَّى لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ أَنْ يَغْرِسَ شَجَرًا فِي حَرِيمِهَا) ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى حَرِيمٍ لَهُ يَجِدُ فِيهِ ثَمَرَهُ وَيَضَعُهُ فِيهِ وَهُوَ مُقَدَّرٌ بِخَمْسَةِ أَذْرُعٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، بِهِ وَرَدَ الْحَدِيثُ. قَالَ (وَمَا تَرَكَ الْفُرَاتُ أَوْ الدِّجْلَةُ وَعَدَلَ عَنْهُ الْمَاءُ وَيَجُوزُ عَوْدُهُ إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ إحْيَاؤُهُ) لِحَاجَةِ الْعَامَّةِ إلَى كَوْنِهِ نَهْرًا (وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ فَهُوَ كَالْمَوَاتِ إذَا لَمْ يَكُنْ حَرِيمًا لِعَامِرٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مِلْكِ أَحَدٍ، لِأَنَّ قَهْرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْفِرَ فِي حَرِيمِهَا يُمْنَعُ مِنْهُ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (أَنْ يَطِمَّهُ) أَيْ يُصْلِحَهُ وَيَكْبِسَهُ مِنْ بَابِ: أَعْجَبَنِي زَيْدٌ وَكَرْمُهُ فِي كَوْنِ الْعَطْفِ لِلتَّفْسِيرِ فَإِنَّ إصْلَاحَهُ كَبْسُهُ. قَوْلُهُ (وَذَكَرَ طَرِيقَةَ مَعْرِفَةِ النُّقْصَانِ) وَهُوَ أَنْ يَقُومَ الْأَوَّلُ قَبْلَ حَفْرِ الثَّانِيَةِ وَبَعْدَهُ فَيَضْمَنُ نُقْصَانَ مَا بَيْنَهُمَا. وَالْقَنَاةُ: مَجْرَى الْمَاءِ تَحْتَ الْأَرْضِ تُسَمَّى بِالْفَارِسِيَّةِ كاريز. وَقَوْلُهُ (بِهِ وَرَدَ الْحَدِيثُ) يُرِيدُ بِهِ مَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا

الْمَاءِ يَدْفَعُ قَهْرَ غَيْرِهِ وَهُوَ الْيَوْمَ فِي يَدِ الْإِمَامِ. قَالَ (وَمَنْ كَانَ لَهُ نَهْرٌ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ حَرِيمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَا: لَهُ مُسْنَاةُ النَّهْرِ يَمْشِي عَلَيْهَا وَيُلْقِي عَلَيْهَا طِينَهُ) قِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنْ حَفَرَ نَهْرًا فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ بِإِذْنِ الْإِمَامِ لَا يَسْتَحِقُّ الْحَرِيمَ عِنْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا يَسْتَحِقُّهُ؛ لِأَنَّ النَّهْرَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِالْحَرِيمِ لِحَاجَتِهِ إلَى الْمَشْيِ لِتَسْيِيلِ الْمَاءِ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ عَادَةً فِي بَطْنِ النَّهْرِ وَإِلَى إلْقَاءِ الطِّينِ، وَلَا يُمْكِنُهُ النَّقْلُ إلَى مَكَان بَعِيدٍ إلَّا بِحَرَجٍ فَيَكُونُ لَهُ الْحَرِيمُ اعْتِبَارًا بِالْبِئْرِ. وَلَهُ أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَاهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَفِي الْبِئْرِ عَرَفْنَاهُ بِالْأَثَرِ، وَالْحَاجَةُ إلَى الْحَرِيمِ فِيهِ فَوْقَهَا إلَيْهِ فِي النَّهْرِ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْمَاءِ فِي النَّهْرِ مُمْكِنٌ بِدُونِ الْحَرِيمِ، وَلَا يُمْكِنُ فِي الْبِئْرِ إلَّا بِالِاسْتِقَاءِ وَلَا اسْتِقَاءَ إلَّا بِالْحَرِيمِ فَتَعَذَّرَ الْإِلْحَاقُ. وَوَجْهُ الْبِنَاءِ أَنَّ بِاسْتِحْقَاقِ الْحَرِيمِ تَثْبُتُ الْيَدُ عَلَيْهِ اعْتِبَارًا تَبَعًا لِلنَّهْرِ، وَالْقَوْلُ لِصَاحِبِ الْيَدِ، وَبِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ تَنْعَدِمُ الْيَدُ، وَالظَّاهِرُ يَشْهَدُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَتْ مَسْأَلَةً مُبْتَدَأَةً فَلَهُمَا أَنَّ الْحَرِيمَ فِي يَدِ صَاحِبِ النَّهْرِ بِاسْتِمْسَاكِهِ الْمَاءَ بِهِ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ صَاحِبُ الْأَرْضِ نَقْضَهُ. وَلَهُ أَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْأَرْضِ صُورَةً وَمَعْنًى، أَمَّا صُورَةً فَلِاسْتِوَائِهِمَا، وَمَعْنًى مِنْ حَيْثُ صَلَاحِيَّتُهُ لِلْغَرْسِ وَالزِّرَاعَةِ، وَالظَّاهِرُ شَاهِدٌ لِمَنْ فِي يَدِهِ مَا هُوَ أَشْبَهُ بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQغَرَسَ شَجَرَةً فِي أَرْضٍ فَلَاةٍ فَجَاءَ آخَرُ فَأَرَادَ أَنْ يَغْرِسَ شَجَرَةً أُخْرَى بِجَنْبِ شَجَرَتِهِ، فَشَكَا صَاحِبُ الشَّجَرَةِ الْأُولَى إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَجَعَلَ لَهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ الْحَرِيمِ خَمْسَةَ أَذْرُعٍ وَأَطْلَقَ لِلْآخَرِ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ» وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ كَانَ لَهُ نَهْرٌ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ) ذَكَرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: لَوْ أَنَّ نَهْرًا لِرَجُلٍ وَأَرْضًا عَلَى شَاطِئِ النَّهْرِ لِآخَرَ فَتَنَازَعَا فِي الْمُسَنَّاةِ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْأَرْضِ وَبَيْنَ النَّهْرِ حَائِلٌ كَالْحَائِطِ وَنَحْوِهِ فَالْمُسَنَّاةُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هِيَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَلِصَاحِبِ النَّهْرِ فِيهَا حَقٌّ، حَتَّى إنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ إذَا أَرَادَ رَفْعَهَا: أَيْ هَدْمَهَا كَانَ لِصَاحِبِ النَّهْرِ مَنْعَهُ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: الْمُسَنَّاةُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ. وَذَكَرَ فِي كَشْفِ الْغَوَامِضِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي نَهْرٍ كَبِيرٍ لَا يُحْتَاجُ إلَى كَرْبِهِ فِي كُلِّ حِينٍ، أَمَّا الْأَنْهَارُ الصِّغَارُ الَّتِي يُحْتَاجُ إلَى كَرْبِهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ فَلَهَا حَرِيمٌ بِالِاتِّفَاقِ، هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يُنَافِيهِ وَقَوْلُهُ (فَيَكُونُ لَهُ حَرِيمٌ اعْتِبَارًا بِالْبِئْرِ) يَعْنِي بِجَامِعِ الِاحْتِيَاجِ فَإِنَّ اسْتِحْقَاقَ الْحَرِيمِ الْحَاجَةَ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي النَّهْرِ كَهِيَ فِي الْبِئْرِ وَالْعَيْنِ فَيَتَعَدَّى الْحُكْمُ مِنْهُمَا إلَيْهِ (وَلَهُ أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَاهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ) يَعْنِي قَوْلَهُ وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى اسْتِحْقَاقَ الْحَرِيمِ إلَى آخِرِهِ. وَفِي الْبِئْرِ عَرَفْنَاهُ بِالْأَثَرِ فَكَانَ الْحُكْمُ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ فِي الْأَصْلِ فَلَا يَصِحُّ تَعْدِيَتُهُ، وَقَوْلُهُ (وَالْحَاجَةُ إلَى الْحَرِيمِ فِيهِ) أَيْ فِي الْبِئْرِ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ هَبْ أَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلْيَلْحَقْ بِهِ بِالدَّلَالَةِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْإِلْحَاقَ بِالدَّلَالَةِ إنَّمَا يَكُونُ لِلْأَعْلَى بِالْأَدْنَى أَوْ الْمُسَاوِي، وَالْأَمْرُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْحَرِيمِ فِيهِ: أَيْ فِي الْبِئْرِ بِمَعْنَى الْقَلِيبِ فَوْقَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فِي النَّهْرِ، لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْمَاءِ فِي النَّهْرِ مُمْكِنٌ بِدُونِ الْحَرِيمِ، وَلَا يُمْكِنُ فِي الْبِئْرِ إلَّا بِالِاسْتِقَاءِ، وَلَا اسْتِقَاءَ إلَّا بِالْحَرِيمِ فَتَعَذَّرَ الْإِلْحَاقُ. وَقَوْلُهُ (وَوَجْهُ الْبِنَاءِ، إلَى قَوْلِهِ: وَالْقَوْلُ لِصَاحِبِ الْيَدِ) مِنْ جِهَتِهِمَا. وَقَوْلُهُ (وَلِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ إلَى آخِرِهِ) مِنْ جِهَةِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَوْلُهُ (أَمَّا صُورَةً فَلِاسْتِوَائِهِمَا) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْمُسَنَّاةُ مُرْتَفِعَةً

كَاثْنَيْنِ تَنَازَعَا فِي مِصْرَاعِ بَابٍ لَيْسَ فِي يَدِهِمَا، وَالْمِصْرَاعُ الْآخَرُ مُعَلَّقٌ عَلَى بَابِ أَحَدِهِمَا يُقْضَى لِلَّذِي فِي يَدِهِ مَا هُوَ أَشْبَهُ بِالْمُتَنَازَعِ فِيهِ، وَالْقَضَاءُ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ قَضَاءُ تَرْكٍ، وَلَا نِزَاعَ فِيمَا بِهِ اسْتِمْسَاكُ الْمَاءِ إنَّمَا النِّزَاعُ فِيمَا وَرَاءَهُ مِمَّا يَصْلُحُ لِلْغَرْسِ، عَلَى أَنَّهُ إنْ كَانَ مُسْتَمْسِكًا بِهِ مَاءُ نَهْرِهِ فَالْآخَرُ دَافِعٌ بِهِ الْمَاءَ عَنْ أَرْضِهِ، وَالْمَانِعُ مِنْ نَقْضِهِ تَعَلُّقُ حَقِّ صَاحِبِ النَّهْرِ لَا مِلْكُهُ. كَالْحَائِطِ لِرَجُلٍ وَلِآخَرَ عَلَيْهِ جُذُوعٌ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ نَقْضِهِ وَإِنْ كَانَ مَلَكَهُ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ نَهْرٌ لِرَجُلٍ إلَى جَنْبِهِ مُسَنَّاةٌ وَلِآخَرَ خَلْفَ الْمُسَنَّاةِ أَرْضٌ تَلْزَقُهَا، وَلَيْسَتْ الْمُسَنَّاةُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَهِيَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) . وَقَالَا: هِيَ لِصَاحِبِ النَّهْرِ حَرِيمًا لِمُلْقَى طِينِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ وَلَيْسَتْ الْمُسَنَّاةُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا مَعْنَاهُ: لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ غَرْسٌ وَلَا طِينٌ مُلْقًى فَيَنْكَشِفُ بِهَذَا اللَّفْظِ مَوْضِعُ الْخِلَافِ، أَمَّا إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ ذَلِكَ فَصَاحِبُ الشُّغْلِ أَوْلَى، لِأَنَّهُ صَاحِبُ يَدٍ. وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ غَرْسٌ لَا يُدْرَى مَنْ غَرَسَهُ فَهُوَ مِنْ مَوَاضِعِ الْخِلَافِ أَيْضًا. وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ أَنَّ وِلَايَةَ الْغَرْسِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لِصَاحِبِ النَّهْرِ. وَأَمَّا إلْقَاءُ الطِّينِ فَقَدْ قِيلَ إنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ، وَقِيلَ إنَّ لِصَاحِبِ النَّهْرِ ذَلِكَ مَا لَمْ يُفْحِشْ. وَأَمَّا الْمُرُورُ فَقَدْ قِيلَ يُمْنَعُ صَاحِبُ النَّهْرِ عِنْدَهُ، وَقِيلَ لَا يُمْنَعُ لِلضَّرُورَةِ. قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: آخُذُ بِقَوْلِهِ فِي الْغَرْسِ وَبِقَوْلِهِمَا فِي إلْقَاءِ الطِّينِ. ثُمَّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ حَرِيمَهُ مِقْدَارُ نِصْفِ النَّهْرِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ مِقْدَارُ بَطْنِ النَّهْرِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. وَهَذَا أَرْفَقُ بِالنَّاسِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ الْأَرْضِ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْمُسَنَّاةُ أَرْفَعَ مِنْ الْأَرْضِ فَهِيَ لِصَاحِبِ النَّهْرِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ارْتِفَاعَهُ لِإِلْقَاءِ طِينِهِ. وَقَوْلُهُ (يُقْضَى لِلَّذِي فِي يَدِهِ مَا هُوَ أَشْبَهُ بِالْمُتَنَازَعِ فِيهِ) هُوَ الْمَوْعُودُ بِقَوْلِهِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ. وَقَوْلُهُ (وَالْقَضَاءُ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ كَانَ لَهُ نَهْرٌ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ قَضَاءُ تَرْكٍ لَا قَضَاءُ مِلْكٍ، فَلَوْ أَقَامَ صَاحِبُ النَّهْرِ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمُسَنَّاةَ مِلْكُهُ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، وَلَوْ كَانَ قَضَاءَ مِلْكٍ لَمَا قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ فِي حَادِثَةٍ قَضَاءُ مِلْكٍ لَا يَصِيرُ مَقْضِيًّا لَهُ فِيهَا. وَقَوْلُهُ (وَلَا نِزَاعَ فِيمَا بِهِ اسْتِمْسَاكُ الْمَاءِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا إنَّ الْحَرِيمَ فِي يَدِ صَاحِبِ النَّهْرِ بِإِمْسَاكِ الْمَاءِ وَهُوَ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَالْمَانِعُ مِنْ نَقْضِهِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ صَاحِبُ الْأَرْضِ نَقْضَهُ، وَذَكَرَ رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِهَا مَوْضِعُ الْخِلَافِ. وَقَوْلُهُ (لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُسَنَّاةِ بِتَأْوِيلِ الْحَرِيمِ.

[فصول في مسائل الشرب]

(وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ نَهْرٌ أَوْ بِئْرٌ أَوْ قَنَاةٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ شَيْئًا مِنْ الشَّفَةِ، وَالشَّفَةُ الشِّرْبُ لِبَنِي آدَمَ وَالْبَهَائِمِ) اعْلَمْ أَنَّ الْمِيَاهَ أَنْوَاعٌ: مِنْهَا مَاءُ الْبِحَارِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ فِيهَا حَقُّ الشَّفَةِ وَسَقْيِ الْأَرَاضِيِ، حَتَّى إنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكْرِيَ نَهْرًا مِنْهَا إلَى أَرْضِهِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ، وَالِانْتِفَاعُ بِمَاءِ الْبَحْرِ كَالِانْتِفَاعِ بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْهَوَاءِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ شَاءَ، وَالثَّانِي مَاءُ الْأَوْدِيَةِ الْعِظَامِ كَجَيْحُونَ وَسَيْحُونَ وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ لِلنَّاسِ فِيهِ حَقُّ الشَّفَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَحَقُّ سَقْيِ الْأَرَاضِيِ، فَإِنْ أَحْيَا وَاحِدٌ أَرْضًا مَيْتَةً وَكَرَى مِنْهُ نَهْرًا لِيَسْقِيَهَا. إنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِالْعَامَّةِ وَلَا يَكُونُ النَّهْرُ فِي مِلْكِ أَحَدٍ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مُبَاحَةٌ فِي الْأَصْلِ إذْ قَهْرُ الْمَاءِ يَدْفَعُ قَهْرَ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ يَضُرُّ بِالْعَامَّةِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْهُمْ وَاجِبٌ، وَذَلِكَ فِي أَنْ يَمِيلَ الْمَاءُ إلَى هَذَا الْجَانِبِ إذَا انْكَسَرَتْ ضِفَّتُهُ فَيُغْرِقَ الْقُرَى وَالْأَرَاضِي، وَعَلَى هَذَا نَصْبُ الرَّحَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ شَقَّ النَّهْرِ لِلرَّحَى ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فُصُولٌ فِي مَسَائِلِ الشِّرْبِ] [فَصْلٌ فِي الْمِيَاهِ] ِ) (فَصْلٌ فِي الْمِيَاهِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ ذَكَرَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ مَسَائِلِ الشُّرْبِ، لِأَنَّ إحْيَاءَ الْمَوَاتِ يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَقَدَّمَ فَصْلَ الْمِيَاهِ عَلَى فَصْلِ الْكَرْيِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْمَاءُ. وَالشَّفَةُ أَصْلُهَا شَفَهَةٌ أُسْقِطَتْ الْهَاءُ تَخْفِيفًا، وَالْمُرَادُ بِهَا هَاهُنَا الشُّرْبُ بِالشِّفَاهِ. وَجَيْحُونُ: نَهْرُ خُوَارِزْمَ وَسَيْحُونٌ: نَهْرُ التُّرْكِ. وَدِجْلَةُ نَهْرُ بَغْدَادَ: وَالْفُرَاتُ نَهْرُ الْكُوفَةِ: وَضِفَّةُ النَّهْرِ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ: حَافَّتُهُ وَأَنَّثَ ثَلَاثٍ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ» لِأَنَّ الْفَصِيحَ فِي الْكَلَامِ إذَا لَمْ يُذْكَرْ الْمَعْدُودُ أَنْ يُذْكَرَ عَلَى لَفْظِ الْمُؤَنَّثِ نَظَرًا إلَى لَفْظِ الْأَعْدَادِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ» الْحَدِيثَ. وَالصَّوْمُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي الْأَيَّامِ لَا فِي اللَّيَالِي. وَلَكِنْ لَمَّا لَمْ يَذْكُرْ الْمَعْدُودَ وَهُوَ الْأَيَّامُ أَنَّثَهُ. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " شُرَكَاءُ " يُرِيدُ بِهِ الْإِبَاحَةَ فِي الْمَاءِ الَّذِي لَمْ يُحْرَزْ نَحْوُ الْحِيَاضِ وَالْعُيُونِ وَالْآبَارِ وَالْأَنْهَارِ. وَأَمَّا الْكَلَأُ وَهُوَ مَا لَا سَاقَ لَهُ فَإِمَّا أَنْ يَنْبُتَ فِي أَرْضِ شَخْصٍ أَوْ أَنْبَتَهُ فِيهَا بِكَرْيِ الْأَرْضِ وَسَقْيِهَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ كَانَ مُبَاحًا لِلنَّاسِ إلَّا أَنَّ أَحَدًا لَا يَدْخُلُ مِلْكَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ؛ فَإِمَّا أَنْ يَخْرُجَ لَهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ بِالدُّخُولِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْتَفِعَ بِشَيْءٍ مِنْهُ إلَّا بِرِضَاهُ لِأَنَّهُ

كَشَقِّهِ لِلسَّقْيِ بِهِ. وَالثَّالِثُ إذَا دَخَلَ الْمَاءُ فِي الْمَقَاسِمِ فَحَقُّ الشَّفَةِ ثَابِتٌ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: الْمَاءِ، وَالْكَلَإِ، وَالنَّارِ» وَأَنَّهُ يَنْتَظِمُ الشِّرْبَ، وَالشِّرْبُ خُصَّ مِنْهُ الْأَوَّلُ وَبَقِيَ الثَّانِي وَهُوَ الشَّفَةُ، وَلِأَنَّ الْبِئْرَ وَنَحْوَهَا مَا وُضِعَ لِلْإِحْرَازِ. وَلَا يُمْلَكُ الْمُبَاحُ بِدُونِهِ كَالظَّبْيِ إذَا تَكَنَّسَ فِي أَرْضِهِ، وَلِأَنَّ فِي إبْقَاءِ الشَّفَةِ ضَرُورَةً؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِصْحَابُ الْمَاءِ إلَى كُلِّ مَكَان وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِنَفْسِهِ وَظَهْرِهِ؛ فَلَوْ مُنِعَ عَنْهُ أَفْضَى إلَى حَرَجٍ عَظِيمٍ، وَإِنْ أَرَادَ رَجُلٌ أَنْ يَسْقِيَ بِذَلِكَ أَرْضًا أَحْيَاهَا كَانَ لِأَهْلِ النَّهْرِ أَنْ يَمْنَعُوهُ عَنْهُ أَضَرَّ بِهِمْ أَوْ لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ خَاصٌّ لَهُمْ وَلَا ضَرُورَةَ. وَلِأَنَّا لَوْ أَبَحْنَا ذَلِكَ لَانْقَطَعَتْ مَنْفَعَةُ الشِّرْبِ. وَالرَّابِعُ: الْمَاءُ الْمُحَرَّزُ فِي الْأَوَانِي وَأَنَّهُ صَارَ مَمْلُوكًا لَهُ بِالْإِحْرَازِ، وَانْقَطَعَ حَقُّ غَيْرِهِ عَنْهُ كَمَا فِي الصَّيْدِ الْمَأْخُوذِ، إلَّا أَنَّهُ بَقِيَتْ فِيهِ شُبْهَةُ الشَّرِكَةِ نَظَرًا إلَى الدَّلِيلِ وَهُوَ مَا رَوَيْنَا، حَتَّى لَوْ سَرَقَهُ إنْسَانٌ فِي مَوْضِعٍ يَعِزُّ وُجُودُهُ وَهُوَ يُسَاوِي نِصَابًا لَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ. وَلَوْ كَانَ الْبِئْرُ أَوْ الْعَيْنُ أَوْ الْحَوْضُ أَوْ النَّهْرُ فِي مِلْكِ رَجُلٍ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ يُرِيدُ الشَّفَةَ مِنْ الدُّخُولِ فِي مِلْكِهِ إذَا كَانَ يَجِدُ مَاءً آخَرَ يَقْرُبُ مِنْ هَذَا الْمَاءِ فِي غَيْرِ مِلْكِ أَحَدٍ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجِدُ يُقَالُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ: إمَّا أَنْ تُعْطِيَهُ الشَّفَةَ أَوْ تَتْرُكَهُ يَأْخُذُ بِنَفْسِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكْسِرَ ضِفَّتَهُ، وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ الطَّحَاوِيِّ، وَقِيلَ مَا قَالَهُ صَحِيحٌ فِيمَا إذَا احْتَفَرَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ. أَمَّا إذَا احْتَفَرَهَا فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ؛ لِأَنَّ الْمَوَاتَ كَانَ مُشْتَرَكًا وَالْحَفْرُ لِإِحْيَاءِ حَقٍّ مُشْتَرَكٍ فَلَا يَقْطَعُ الشِّرْكَةَ فِي الشَّفَةِ، وَلَوْ مَنَعَهُ عَنْ ذَلِكَ، وَهُوَ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ ظَهْرِهِ الْعَطَشَ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ بِالسِّلَاحِ لِأَنَّهُ قَصَدَ إتْلَافَهُ بِمَنْعِ حَقِّهِ وَهُوَ الشَّفَةُ، وَالْمَاءُ فِي الْبِئْرِ مُبَاحٌ غَيْرُ مَمْلُوكٍ، بِخِلَافِ الْمَاءِ الْمُحَرَّزِ فِي الْإِنَاءِ حَيْثُ يُقَاتِلُهُ بِغَيْرِ السِّلَاحِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهُ، وَكَذَا الطَّعَامُ عِنْدَ إصَابَةِ الْمَخْمَصَةِ، وَقِيلَ فِي الْبِئْرِ وَنَحْوِهَا الْأَوْلَى أَنْ يُقَاتِلَهُ بِغَيْرِ السِّلَاحِ بِعَصًا؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً فَقَامَ ذَلِكَ مَقَامَ التَّعْزِيرِ لَهُ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَصَلَ بِكَسْبِهِ وَالْكَسْبُ لِلْمُكْتَسِبِ. وَأَمَّا النَّارُ فَمَنْ أَوْقَدَ نَارًا فِي أَرْضٍ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهَا حَقٌّ فَلَهُمْ أَنْ يَنْتَفِعُوا بِنَارِهِ مِنْ حَيْثُ الِاصْطِلَاءُ بِهَا وَتَجْفِيفُ الثِّيَابِ وَأَنْ يَعْمَلَ بِضَوْئِهَا، وَأَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ الْجَمْرَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَاهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ فَحْمٌ أَوْ حَطَبٌ قَدْ أَحْرَزَهُ الْمُوقِدُ لَيْسَ مِمَّا تَثْبُتُ فِيهِ الشَّرِكَةُ. وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّهُ بَقِيَتْ فِيهِ شُبْهَةُ الشَّرِكَةِ نَظَرًا إلَى الدَّلِيلِ) يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ» وَقَوْلُهُ (حَتَّى لَوْ سَرَقَهُ إنْسَانٌ لَمْ يُقْطَعْ) اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ عَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ فِي الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا، لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] يُورِثُ الشُّبْهَةَ بِهَذَا الطَّرِيقِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعَمَلَ بِالْحَدِيثِ يُوَافِقُ الْعَمَلَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ الْآيَةَ، وَلَا يَلْزَمُ بِالْعَمَلِ بِهِ إبْطَالُ الْكِتَابِ. بِخِلَافِ قَوْله تَعَالَى هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ فَإِنَّ الْعَمَلَ بِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ يُبْطِلُ قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] . {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: 38] وَغَيْرَ ذَلِكَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَيْرُ مَا دَلَّ

[فصل في كري الأنهار]

وَالشَّفَةُ إذَا كَانَ يَأْتِي عَلَى الْمَاءِ كُلِّهِ بِأَنْ كَانَ جَدْوَلًا صَغِيرًا. وَفِيمَا يَرِدُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْمَوَاشِي كَثْرَةٌ يَنْقَطِعُ الْمَاءُ بِشُرْبِهَا قِيلَ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْإِبِلَ لَا تَرِدُهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَصَارَ كَالْمُيَاوَمَةِ وَهُوَ سَبِيلٌ فِي قِسْمَةِ الشِّرْبِ. وَقِيلَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ اعْتِبَارًا: بِسَقْيِ الْمَزَارِعِ وَالْمَشَاجِرِ وَالْجَامِعُ تَفْوِيتُ حَقِّهِ، وَلَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا الْمَاءَ مِنْهُ لِلْوُضُوءِ وَغَسْلِ الثِّيَابِ فِي الصَّحِيحِ،؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فِيهِ كَمَا قِيلَ يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ وَهُوَ مَدْفُوعٌ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَسْقِيَ شَجَرًا أَوْ خَضِرًا فِي دَارِهِ حَمْلًا بِجِرَارِهِ لَهُ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَوَسَّعُونَ فِيهِ وَيَعُدُّونَ الْمَنْعَ مِنْ الدَّنَاءَةِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْقِيَ أَرْضَهُ وَنَخْلَهُ وَشَجَرَهُ مِنْ نَهْرِ هَذَا الرَّجُلِ وَبِئْرِهِ وَقَنَاتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ نَصًّا، وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مَتَى دَخَلَ فِي الْمَقَاسِمِ انْقَطَعَتْ شِرْكَةُ الشِّرْبِ بِوَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ فِي إبْقَائِهِ قَطْعَ شِرْبَ صَاحِبِهِ، وَلِأَنَّ الْمَسِيلَ حَقُّ صَاحِبِ النَّهْرِ، وَالضِّفَّةِ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّهُ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّسْيِيلُ فِيهِ وَلَا شَقُّ الضِّفَّةِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ صَاحِبُهُ فِي ذَلِكَ أَوْ أَعَارَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ فَتُجْرَى فِيهِ الْإِبَاحَةُ كَالْمَاءِ الْمُحَرَّزِ فِي إنَائِهِ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْأَنْهَارُ ثَلَاثَةٌ: نَهْرٌ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ وَلَمْ يَدْخُلْ مَاؤُهُ فِي الْمَقَاسِمِ بَعْدُ كَالْفُرَاتِ وَنَحْوِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ الْخُصُوصَاتُ. وَقَوْلُهُ (وَقِيلَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ اعْتِبَارًا بِسَقْيِ الْمُزَارِعِ وَالْمَشَاجِرِ) ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ. وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُمْنَعَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّوَرِ، لِأَنَّ الشَّفَةَ مَا لَا يَضُرُّ بِصَاحِبِ النَّهْرِ وَالْبِئْرِ. فَأَمَّا مَا يَضُرُّ وَيَقْطَعُ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَلَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْجَدْوَلِ الصَّغِيرِ عُلِمَ مِنْ وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ فِيهِ. وَقَوْلُهُ (فِي الصَّحِيحِ) إشَارَةٌ إلَى اخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَأْخُذُونَ الْمَاءَ لِلْوُضُوءِ وَغَسْلِ الثِّيَابِ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَثْبُتُ فِي حَقِّ الشَّفَةِ لَا غَيْرُ. وَالصَّحِيحُ جَوَازُهُ دَفْعًا لِلْحَرَجِ. وَقَوْلُهُ (لَهُ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَئِمَّةِ بَلْخِي إذْ قَالُوا: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِ النَّهْرِ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْمَاءَ مَتَى دَخَلَ فِي الْمُقَاسِمِ) أَيْ مَتَى دَخَلَ فِي قِسْمَةِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ. وَقَوْلُهُ (بِوَاحِدَةٍ) أَيْ بِالْكُلِّيَّةِ. [فَصْلٌ فِي كَرْيِ الْأَنْهَارِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ مَسَائِلِ الشُّرْبِ احْتَاجَ إلَى ذِكْرِ مُؤْنَةِ كَرْيِ الْأَنْهَارِ الَّتِي كَانَ الشُّرْبُ مِنْهَا. وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتْ مُؤْنَةُ الْكَرْيِ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى النَّهْرِ إذْ النَّهْرُ يُوجَدُ بِدُونِ مُؤْنَةِ الْكَرْيِ كَالنَّهْرِ الْعَامِّ أَخَّرَ ذِكْرَهُ. وَوَجْهُ الْحَصْرِ فِي الثَّلَاثَةِ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ النَّهْرَ إمَّا أَنْ

وَنَهْرٌ مَمْلُوكٌ دَخَلَ مَاؤُهُ فِي الْقِسْمَةِ إلَّا أَنَّهُ عَامٌّ. وَنَهْرٌ مَمْلُوكٌ دَخَلَ مَاؤُهُ فِي الْقِسْمَةِ وَهُوَ خَاصٌّ. وَالْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا اسْتِحْقَاقُ الشَّفَةِ بِهِ وَعَدَمُهُ. فَالْأَوَّلُ كَرْيُهُ عَلَى السُّلْطَانِ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْكَرْيِ لَهُمْ فَتَكُونُ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِمْ، وَيُصْرَفُ إلَيْهِ مِنْ مُؤْنَةِ الْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ دُونَ الْعُشُورِ وَالصَّدَقَاتِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ لِلْفُقَرَاءِ وَالْأَوَّلَ لِلنَّوَائِبِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ فَالْإِمَامُ يُجْبِرُ النَّاسَ عَلَى كَرْيِهِ إحْيَاءً لِمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ إذْ هُمْ لَا يُقِيمُونَهَا بِأَنْفُسِهِمْ، وَفِي مِثْلِهِ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَوْ تُرِكْتُمْ لَبِعْتُمْ أَوْلَادَكُمْ، إلَّا أَنَّهُ يُخْرِجُ لَهُ مَنْ كَانَ يُطِيقُهُ وَيُجْعَلُ مُؤْنَتُهُ عَلَى الْمَيَاسِيرِ الَّذِينَ لَا يُطِيقُونَهُ بِأَنْفُسِهِمْ. وَأَمَّا الثَّانِي فَكَرْيُهُ عَلَى أَهْلِهِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ وَالْمَنْفَعَةَ تَعُودُ إلَيْهِمْ عَلَى الْخُصُوصِ وَالْخُلُوصِ، وَمَنْ أَبَى مِنْهُمْ يُجْبَرُ عَلَى كَرْيِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ الْعَامِّ وَهُوَ ضَرَرُ بَقِيَّةِ الشُّرَكَاءِ وَضَرَرُ الْآبِي خَاصٌّ وَيُقَابِلُهُ عِوَضٌ فَلَا يُعَارَضُ بِهِ؛ وَلَوْ أَرَادُوا أَنْ يُحَصِّنُوهُ خِيفَةَ الِانْبِثَاقِ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَامٌّ كَغَرَقِ الْأَرَاضِيِ وَفَسَادِ الطُّرُقِ يُجْبَرُ الْآبِي، وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ مَوْهُومٌ بِخِلَافِ الْكَرْيِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ. وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ الْخَاصُّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَكَرْيُهُ عَلَى أَهْلِهِ لِمَا بَيَّنَّا ثُمَّ قِيلَ يُجْبَرُ الْآبِي كَمَا فِي الثَّانِي. وَقِيلَ لَا يُجْبَرُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الضَّرَرَيْنِ خَاصٌّ. وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ عَنْهُمْ بِالرُّجُوعِ عَلَى الْآبِي بِمَا أَنْفَقُوا فِيهِ إذَا كَانَ بِأَمْرِ الْقَاضِي فَاسْتَوَتْ الْجِهَتَانِ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ، وَلَا يُجْبَرُ لِحَقِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونَ عَامًّا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ خَاصًّا كَذَلِكَ، أَوْ عَامًّا مِنْ وَجْهٍ خَاصًّا مِنْ وَجْهٍ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَكَالْفُرَاتِ وَسَيْحُونَ وَجَيْحُونَ وَدِجْلَةَ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَقَدْ فَصَلَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَهُمَا بِاسْتِحْقَاقِ الشَّفَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِيهَا. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّهُ يَخْرُجُ لَهُ) أَيْ لِلْكَرْيِ مَنْ كَانَ يُطِيقُهُ: أَيْ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ (وَيَجْعَلُ مُؤْنَتَهُ) أَيْ مُؤْنَةَ مَنْ يُطِيقُهُ عَلَى الْمَيَاسِيرِ الَّذِينَ لَا يُطِيقُونَهُ بِأَنْفُسِهِمْ كَمَا يُفْعَلُ ذَلِكَ فِي تَجْهِيزِ الْجُيُوشِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مَنْ كَانَ يُطِيقُ الْقِتَالَ وَيَجْعَلُ مُؤْنَتَهُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ. وَقَوْلُهُ (وَيُقَابِلُهُ عِوَضٌ) يَعْنِي حِصَّةً مِنْ الشُّرْبِ فَلَا يُعَارَضُ بِهِ، أَيْ فَلَا يُعَارَضُ الضَّرَرُ الْعَامُّ بِالضَّرَرِ الْخَاصِّ، بَلْ يُغَلَّبُ جَانِبُ الضَّرَرِ الْعَامِّ فَيُجْعَلُ ضَرَرًا، وَيَجِبُ السَّعْيُ فِي إعْدَامِهِ وَإِنْ بَقِيَ الضَّرَرُ الْخَاصُّ. وَقَوْلُهُ (خِيفَةَ الِانْبِثَاقِ) يُقَالُ بَثَقَ السَّيْلُ مَوْضِعَ كَذَا: أَيْ خَرَقَهُ وَشَقَّهُ. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ وَالْمَنْفَعَةُ تَعُودُ إلَيْهِمْ عَلَى الْخُلُوصِ. ثُمَّ قِيلَ: يُجْبَرُ الْآبِي كَمَا فِي الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقِيلَ لَا يُجْبَرُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْبَلْخِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَوْلُهُ (فَاسْتَوَتْ الْجِهَتَانِ) يَعْنِي فِي الْخُصُوصِ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ وَهُوَ الْإِجْبَارُ فِي النَّهْرِ الثَّانِي، فَإِنَّ مَنْ أَبَى مِنْ أَهْلِهِ يُجْبَرُ عَلَيْهِ هُنَاكَ لِأَنَّ إحْدَى الْجِهَتَيْنِ عَامٌّ وَالْأُخْرَى خَاصٌّ، فَيُجْبَرُ الْآبِي دَفْعًا لِلضَّرَرِ الْعَامِّ عَنْ غَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا جَبْرَ لِحَقِّ الشَّفَةِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ فِي كَرْيِ النَّهْرِ الْخَاصِّ إحْيَاءُ حَقِّ الشَّفَةِ الْعَامَّةِ فَيَكُونُ فِي التَّرْكِ ضَرَرٌ عَامٌّ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْبَرَ الْآبِي عَلَى الْكَرْيِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ أَهْلِ الشَّفَةِ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يُجْبَرُ الْآبِي لِحَقِّ

الشَّفَةِ كَمَا إذَا امْتَنَعُوا جَمِيعًا وَمُؤْنَةُ كَرْيِ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ عَلَيْهِمْ مِنْ أَعْلَاهُ، فَإِذَا جَاوَزَ أَرْضَ رَجُلٍ رُفِعَ عَنْهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَا: هِيَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ بِحِصَصِ الشِّرْبِ وَالْأَرْضِينَ؛ لِأَنَّ لِصَاحِبِ الْأَعْلَى حَقًّا فِي الْأَسْفَلِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى تَسْيِيلِ مَا فَضَلَ مِنْ الْمَاءِ فِيهِ. وَلَهُ أَنَّ الْمَقْصِدَ مِنْ الْكَرْيِ الِانْتِفَاعُ بِالسَّقْيِ، وَقَدْ حَصَلَ لِصَاحِبِ الْأَعْلَى فَلَا يَلْزَمُهُ إنْفَاعُ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ عَلَى صَاحِبِ السَّيْلِ عِمَارَتُهُ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ مَسِيلٌ عَلَى سَطْحِ غَيْرِهِ، كَيْفَ وَأَنَّهُ يُمْكِنُهُ دَفْعَ الْمَاءِ عَنْ أَرْضِهِ بِسَدِّهِ مِنْ أَعْلَاهُ، ثُمَّ إنَّمَا يُرْفَعُ عَنْهُ إذَا جَاوَزَ أَرْضَهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَقِيلَ إذَا جَاوَزَ فُوَّهَةَ نَهْرِهِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ لَهُ رَأْيًا فِي اتِّخَاذِ الْفُوَّهَةِ مِنْ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ، فَإِذَا جَاوَزَ الْكَرْيُ أَرْضَهُ حَتَّى سَقَطَتْ عَنْهُ مُؤْنَتُهُ قِيلَ لَهُ أَنْ يَفْتَحَ الْمَاءُ لِيَسْقِيَ أَرْضَهُ لِانْتِهَاءِ الْكَرْيِ فِي حَقِّهِ، وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَفْرُغْ شُرَكَاؤُهُ نَفْيًا لِاخْتِصَاصِهِ، وَلَيْسَ عَلَى أَهْلِ الشَّفَةِ مِنْ الْكَرْيِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُحْصَوْنَ وَلِأَنَّهُمْ أَتْبَاعٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَهْلِ الشَّفَةِ كَمَا لَوْ امْتَنَعَ جَمِيعُ أَهْلِ النَّهْرِ عَنْ كَرْيِهِ فَإِنَّهُمْ لَا يُجْبَرُونَ عَلَى الْكَرْيِ لِحَقِّ أَهْلِ الشَّفَةِ. وَقَوْلُهُ (وَمُؤْنَةُ كَرْيِ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ) ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ (فَلَا يَلْزَمُهُ إنْفَاعُ غَيْرِهِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الصَّوَابُ نَفْعُ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْإِنْفَاعَ فِي مَعْنَى النَّفْعِ غَيْرُ مَسْمُوعٍ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُمْ لَا يُحْصَوْنَ) يَعْنِي فَكَانُوا مَجْهُولِينَ.

[فصل في الدعوى والاختلاف والتصرف فيه]

قَالَ (وَتَصِحُّ دَعْوَى الشِّرْبِ بِغَيْرِ أَرْضٍ اسْتِحْسَانًا) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُمْلَكُ بِدُونِ الْأَرْضِ إرْثًا، وَقَدْ يَبِيعُ الْأَرْضَ وَيَبْقَى الشِّرْبُ لَهُ وَهُوَ مَرْغُوبٌ فِيهِ فَيَصِحُّ فِيهِ الدَّعْوَى (وَإِذَا كَانَ نَهْرٌ لِرَجُلٍ يَجْرِي فِي أَرْضِ غَيْرِهِ فَأَرَادَ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَنْ لَا يُجْرَى النَّهْرُ فِي أَرْضِهِ تُرِكَ عَلَى حَالِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ لَهُ بِإِجْرَاءِ مَائِهِ. فَعِنْدَ الِاخْتِلَافِ يَكُونُ الْقَوْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الدَّعْوَى وَالِاخْتِلَافِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ] لَمَّا قَرُبَ مِنْ فَرَاغِ بَيَانِ مَسَائِلِ الشُّرْبِ خَتَمَهُ بِفَصْلٍ يَشْتَمِلُ عَلَى مَسَائِلَ شَتَّى مِنْ مَسَائِلِ الشُّرْبِ (يَجُوزُ دَعْوَى الشُّرْبِ بِلَا أَرْضٍ اسْتِحْسَانًا) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: يَنْبَغِي فِي الْقِيَاسِ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ ذَلِكَ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الدَّعْوَى إعْلَامُ الْمُدَّعِي فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ، وَالشُّرْبُ مَجْهُولٌ جَهَالَةً لَا تَقْبَلُ الْإِعْلَامَ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (تُرِكَ عَلَى حَالِهِ) مَعْنَاهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ.

قَوْلَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ، وَلَمْ يَكُنْ جَارِيًا فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّ هَذَا النَّهْرَ لَهُ، أَوْ أَنَّهُ قَدْ كَانَ مَجْرَاهُ لَهُ فِي هَذَا النَّهْرِ يَسُوقُهُ إلَى أَرْضِهِ لِيَسْقِيَهَا فَيَقْضِي لَهُ لِإِثْبَاتِهِ بِالْحُجَّةِ مِلْكًا لَهُ أَوْ حَقًّا مُسْتَحَقًّا فِيهِ، وَعَلَى هَذَا الْمَصَبُّ فِي نَهْرٍ أَوْ عَلَى سَطْحٍ أَوْ الْمِيزَابُ أَوْ الْمَمْشَى فِي دَارِ غَيْرِهِ، فَحُكْمُ الِاخْتِلَافِ فِيهَا نَظِيرُهُ فِي الشِّرْبِ (وَإِذَا كَانَ نَهْرٌ بَيْنَ قَوْمٍ وَاخْتَصَمُوا فِي الشِّرْبِ كَانَ الشِّرْبُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَرَاضِيهِمْ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الِانْتِفَاعُ بِسَقْيِهَا فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ، بِخِلَافِ الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّطَرُّقُ وَهُوَ فِي الدَّارِ الْوَاسِعَةِ وَالضَّيِّقَةِ عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ كَانَ الْأَعْلَى مِنْهُمْ لَا يَشْرَبُ حَتَّى يَسْكُرَ النَّهْرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْبَاقِينَ، وَلَكِنَّهُ يَشْرَبُ بِحِصَّتِهِ، فَإِنْ تَرَاضَوْا عَلَى أَنْ يَسْكُرَ الْأَعْلَى النَّهْرَ حَتَّى يَشْرَبَ بِحِصَّتِهِ أَوْ اصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يَسْكُرَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فِي نَوْبَتِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، إلَّا أَنَّهُ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ بِلَوْحٍ لَا يَسْكُرُ بِمَا يَنْكَبِسُ بِهِ النَّهْرُ مِنْ غَيْرِ تَرَاضٍ لِكَوْنِهِ إضْرَارًا بِهِمْ، وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَكْرِيَ مِنْهُ نَهْرًا أَوْ يَنْصِبَ عَلَيْهِ رَحَى مَاءٍ إلَّا بِرِضَا أَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ كَسْرَ ضِفَّةِ النَّهْرِ وَشَغْلَ مَوْضِعٍ مُشْتَرَكٍ بِالْبِنَاءِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ رَحًى لَا يَضُرُّ بِالنَّهْرِ وَلَا بِالْمَاءِ، وَيَكُونُ مَوْضِعُهَا فِي أَرْضِ صَاحِبِهَا؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ وَلَا ضَرَرَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ) يَعْنِي بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَعْمَلًا بِإِجْرَائِهِ مَاءَهُ فِيهِ أَوْ لَمْ تَكُنْ أَشْجَارُهُ فِي طَرَفَيْ النَّهْرِ فَعَلَيْهِ: أَيْ فَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ أَنَّ هَذَا النَّهْرَ لَهُ إنْ كَانَ يَدَّعِي رَقَبَةَ النَّهْرِ، أَوْ أَنَّهُ قَدْ كَانَ مَجْرَاهُ فِي هَذَا النَّهْرِ يَسُوقُهُ إلَى أَرْضِهِ لِيَسْقِيَهَا إنْ كَانَ يَدَّعِي الْإِجْرَاءَ فِي هَذَا النَّهْرِ، فَإِذَا أَقَامَهَا يُقْضَى لَهُ لِإِثْبَاتِهِ بِالْحُجَّةِ مِلْكًا لَهُ: يَعْنِي فِي الْأَوَّلِ أَوْ حَقًّا مُسْتَحَقًّا فِيهِ: يَعْنِي فِي الثَّانِي، فَإِنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً. وَقَوْلُهُ (فَحُكْمُ الِاخْتِلَافِ فِيهَا) أَيْ اخْتِلَافُ الْمُدَّعِينَ فِي الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ (نَظِيرُهُ) أَيْ نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِي الشُّرْبِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الِانْتِفَاعُ بِسَقْيِهَا فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ) مُعَارَضٌ لِأَنَّهُمْ قَالُوا قَدْ اسْتَوَوْا فِي إثْبَاتِ الْيَدِ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي فِي النَّهْرِ، وَالْمُسَاوَاةُ فِي الْيَدِ تُوجِبُ الْمُسَاوَاةَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ إثْبَاتَ الْيَدِ عَلَى الْمَاءِ إنَّمَا هُوَ بِالِانْتِفَاعِ بِالْمَاءِ، وَانْتِفَاعُ مَنْ لَهُ عَشْرُ قِطَعٍ لَا يَكُونُ مِثْلَ انْتِفَاعِ مَنْ لَهُ قِطْعَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّسَاوِي فِي إثْبَاتِ الْيَدِ. وَقَوْلُهُ (لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ) أَيْ لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الْأَعْلَى السَّكْرُ (لِمَا فِيهِ) أَيْ فِي السَّكْرِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْبَاقِينَ وَلَكِنْ يَشْرَبُ بِحِصَّتِهِ يَعْنِي مِنْ غَيْرِ سَكْرٍ. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّهُ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ)

وَمَعْنَى الضَّرَرِ بِالنَّهْرِ مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ كَسْرِ ضِفَّتِهِ، وَبِالْمَاءِ أَنْ يَتَغَيَّرَ عَنْ سُنَنِهِ الَّذِي كَانَ يَجْرِي عَلَيْهِ، وَالدَّالِيَةُ وَالسَّانِيَةُ نَظِيرُ الرَّحَى، وَلَا يَتَّخِذَ عَلَيْهِ جِسْرًا وَلَا قَنْطَرَةً بِمَنْزِلَةِ طَرِيقٍ خَاصٍّ بَيْنَ قَوْمٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لِوَاحِدٍ نَهْرٌ خَاصٌّ يَأْخُذُ مِنْ نَهْرٍ خَاصٍّ بَيْنَ قَوْمٍ فَأَرَادَ أَنْ يُقَنْطِرَ عَلَيْهِ وَيَسْتَوْثِقَ مِنْهُ لَهُ ذَلِكَ، أَوْ كَانَ مُقَنْطِرًا مُسْتَوْثِقًا فَأَرَادَ أَنْ يَنْقُضَ ذَلِكَ وَلَا يَزِيدَ ذَلِكَ فِي أَخْذِ الْمَاءِ حَيْثُ يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ {لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ وَضْعًا وَرَفْعًا. وَلَا ضَرَرَ بِالشُّرَكَاءِ بِأَخْذِ زِيَادَةِ الْمَاءِ، وَيُمْنَعُ مِنْ أَنْ يُوَسِّعَ فَمَ النَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ يَكْسِرُ ضِفَّةَ النَّهْرِ، وَيَزِيدُ عَلَى مِقْدَارِ حَقِّهِ فِي أَخْذِ الْمَاءِ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِالْكُوَى، وَكَذَا إذَا أَرَادَ أَنْ يُؤَخِّرَهَا عَنْ فَمِ النَّهْرِ فَيَجْعَلَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ مِنْهُ لِاحْتِبَاسِ الْمَاءِ فِيهِ فَيَزْدَادُ دُخُولُ الْمَاءِ فِيهِ. بِخِلَافِ مَا إذَا أَرَادَ أَنْ يُسْفِلَ كُوَاهُ أَوْ يَرْفَعَهَا حَيْثُ يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ الْمَاءِ فِي الْأَصْلِ بِاعْتِبَارِ سَعَةِ الْكُوَّةِ وَضِيقِهَا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ التَّسَفُّلِ وَالتَّرَفُّعِ وَهُوَ الْعَادَةُ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ تَغْيِيرُ مَوْضِعِ الْقِسْمَةِ، وَلَوْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ وَقَعَتْ بِالْكُوَى فَأَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يُقَسِّمَ بِالْأَيَّامِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَدِيمَ يُتْرَكُ عَلَى قِدَمِهِ لِظُهُورِ الْحَقِّ فِيهِ. وَلَوْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ كُوًى مُسَمَّاةٌ فِي نَهْرٍ خَاصٍّ لَيْسَ لِوَاحِدٍ أَنْ يَزِيدَ كُوَّةً وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِأَهْلِهِ؛ لِأَنَّ الشِّرْكَةَ خَاصَّةٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْكُوَى فِي النَّهْرِ الْأَعْظَمِ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمْ أَنْ يَشُقَّ نَهْرًا مِنْهُ ابْتِدَاءً فَكَانَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي الْكُوَى بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى (وَلَيْسَ لِأَحَدِ الشُّرَكَاءِ فِي النَّهْرِ أَنْ يَسُوقَ شِرْبَهُ إلَى أَرْضٍ لَهُ أُخْرَى لَيْسَ لَهَا فِي ذَلِكَ شِرْبٌ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَقَادَمَ الْعَهْدُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ حَقُّهُ (وَكَذَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَسُوقَ شِرْبَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي إذَا اصْطَلَحُوا عَلَى السَّكْرِ لَيْسَ لِمَنْ يَسْكُرُ أَنْ يَسْكُرَ بِمَا يَنْكَبِسُ بِهِ النَّهْرُ كَالطِّينِ وَنَحْوِهِ إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَسْكُرَ بِلَوْحٍ أَوْ بَابِ خَشَبٍ لِكَوْنِهِ إضْرَارًا بِهِمْ فَيَمْنَعُ مَا فَضَلَ عَنْ السَّكْرِ عَنْهُمْ إلَّا إذَا رَضُوا بِذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ الشُّرْبُ إلَّا بِالسَّكْرِ وَلَمْ يَصْطَلِحُوا عَلَى شَيْءٍ يَبْدَأُ أَهْلُ الْأَسْفَلِ حَتَّى يَرْوُوا، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْأَهْلِ لِأَعْلَى أَنْ يَسْكُرُوا لِأَنَّ فِي السَّكْرِ إحْدَاثُ شَيْءٍ فِي وَسَطِ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ، فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ مَا بَقِيَ حَقُّ جَمِيعِ الشُّرَكَاءِ، وَحَقُّ أَهْلِ الْأَسْفَلِ ثَابِتٌ مَا لَمْ يَرْوُوا فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوا أَهْلَ الْأَعْلَى مِنْ السَّكْرِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَهْلُ أَسْفَلِ النَّهْرِ أُمَرَاءُ عَلَى أَهْلِ أَعْلَاهُ حَتَّى يَرْوُوا لِأَنَّ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوا أَهْلَ الْأَعْلَى مِنْ السَّكْرِ وَعَلَيْهِمْ طَاعَتُهُ فِي ذَلِكَ، وَمَنْ لَزِمَك طَاعَتُهُ فَهُوَ أَمِيرُك. وَقَوْلُهُ (وَالدَّالِيَةُ وَالسَّانِيَةُ نَظِيرُ الرَّحَى) الدَّالِيَةُ: جِذْعٌ طَوِيلٌ مُرَكَّبٌ تَرْكِيبَ مَدَاقِّ الْأَرُزِّ وَفِي رَأْسِهِ مِغْرَفَةٌ كَبِيرَةٌ يُسْقَى بِهَا. وَالسَّانِيَةُ الْبَعِيرُ يَسْتَقِي مِنْ الْبِئْرِ. وَالْجِسْرُ: اسْمٌ لِمَا يُوضَعُ وَيُرْفَعُ مِمَّا يَكُونُ مُتَّخَذًا مِنْ الْخَشَبِ وَالْأَلْوَاحِ، وَالْقَنْطَرَةُ: مِمَّا يُتَّخَذُ مِنْ الْحَجَرِ وَالْآجُرِّ مَوْضُوعًا لَا يُرْفَعُ، وَكُلُّ ذَلِكَ يُحْدِثُهُ مَنْ يَتَّخِذُهُ فِي مِلْكٍ مُشْتَرَكٍ فَلَا يُمْلَكُ إلَّا بِرِضَاهُمْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِالْكُوَى) الْكُوَّةُ: ثُقْبُ الْبَيْتِ وَالْجَمْعُ كِوَاءٌ بِالْمَدِّ، وَكُوًى مَقْصُورٌ، وَيُسْتَعَارُ لِمَفَاتِحِ الْمَاءِ إلَى الْمَزَارِعِ وَالْجَدَاوِلِ فَيُقَالُ كُوَى النَّهْرِ، وَمَعْنَاهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَسِّعَ الْكَوَّةَ وَقَوْلُهُ (وَكَذَا إذَا أَرَادَ أَنْ يُؤَخِّرَهَا عَنْ فَمِ النَّهْرِ فَيَجْعَلَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ فَمِ النَّهْرِ، هَذَا تَقْدِيرٌ اتِّفَاقِيٌّ وَالْعِبْرَةُ لِلِاحْتِبَاسِ.

فِي أَرْضِهِ الْأُولَى حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى هَذِهِ الْأَرْضِ الْأُخْرَى) ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَوْفِي زِيَادَةً عَلَى حَقِّهِ، إذْ الْأَرْضُ الْأُولَى تُنَشِّفُ بَعْضَ الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ تُسْقَى الْأَرْضُ الْأُخْرَى، وَهُوَ نَظِيرُ طَرِيقٍ مُشْتَرَكٍ أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَفْتَحَ فِيهِ بَابًا إلَى دَارٍ أُخْرَى سَاكِنُهَا غَيْرُ سَاكِنِ هَذِهِ الدَّارِ الَّتِي يَفْتَحُهَا فِي هَذَا الطَّرِيقِ، وَلَوْ أَرَادَ الْأَعْلَى مِنْ الشَّرِيكَيْنِ فِي النَّهْرِ الْخَاصِّ وَفِيهِ كُوًى بَيْنَهُمَا أَنْ يَسُدَّ بَعْضَهَا دَفْعًا لِفَيْضِ الْمَاءِ عَنْ أَرْضِهِ كَيْ لَا تَنِزَّ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ بِالْآخَرِ، وَكَذَا إذَا أَرَادَ أَنْ يُقَسِّمَ الشِّرْبَ مُنَاصَفَةً بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بِالْكُوَى تَقَدَّمَتْ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا، وَبَعْضُ التَّرَاضِي لِصَاحِبِ الْأَسْفَلِ أَنْ يَنْقُضَ ذَلِكَ. وَكَذَا لِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ؛ لِأَنَّهُ إعَارَةُ الشِّرْبِ، فَإِنَّ مُبَادَلَةَ الشِّرْبِ بِالشِّرْبِ بَاطِلَةٌ، وَالشِّرْبُ مِمَّا يُورَثُ وَيُوصَى بِالِانْتِفَاعِ بِعَيْنِهِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ بِذَلِكَ حَيْثُ لَا تَجُوزُ الْعُقُودُ إمَّا لِلْجَهَالَةِ أَوْ لِلْغَرَرِ، أَوْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٌ حَتَّى لَا يَضْمَنَ إذَا سَقَى مِنْ شِرْبِ غَيْرِهِ، وَإِذَا بَطَلَتْ الْعُقُودُ فَالْوَصِيَّةُ بِالْبَاطِلِ بَاطِلَةٌ، وَكَذَا لَا يَصْلُحُ مُسَمًّى فِي النِّكَاحِ حَتَّى يَجِبَ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَلَا فِي الْخُلْعِ حَتَّى يَجِبَ رَدُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَصُورَةُ هَذَا إذَا كَانَتْ الْأَلْوَاحُ الَّتِي فِيهَا الْكُوَّةُ فِي فَمِ النَّهْرِ فَأَرَادَ أَنْ يُؤَخِّرَهَا عَنْ ضِفَّةِ النَّهْرِ فَيَجْعَلَهَا فِي وَسَطِ النَّهْرِ وَيَدَعُ فُوَّهَةَ النَّهْرِ بِغَيْرِ لَوْحٍ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ يُسْفِلُ كُوَاهُ: أَيْ يَجْعَلُهَا أَعْمَقَ مِمَّا كَانَتْ وَهِيَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَوْ يَرْفَعُهَا إلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. وَقَوْلُهُ (وَهُوَ نَظِيرُ طَرِيقٍ مُشْتَرَكٍ) يَعْنِي مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَزِيدُ فِي الشِّرْبِ مَا لَيْسَ لَهُ مِنْهُ حَقٌّ فِي الشُّرْبِ وَيَزِيدُ مِنْ الْمَارَّةِ مَنْ لَيْسَ لَهُ حَقٌّ فِي الْمُرُورِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ (سَاكِنُهَا غَيْرُ سَاكِنِ هَذِهِ الدَّارِ) لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ سَاكِنُ الدَّارَيْنِ وَاحِدًا كَانَ لَهُ أَنْ يَفْتَحَ بَابًا إلَى دَارٍ أُخْرَى. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَقْسِمَ الشِّرْبَ مُنَاصَفَةً بَيْنَهُمَا) بِأَنْ يَقُولَ لِشَرِيكِهِ اجْعَلْ لِي نِصْفَ الشَّهْرِ وَلَك نِصْفَهُ، فَإِذَا كَانَ فِي حِصَّتِي سَدَدْت مَا بَدَا لِي مِنْهَا وَأَنْتَ فِي حِصَّتِك فَتَحْتهَا كُلَّهَا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَمَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمَا بِالْكُوَى، لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْمَاءِ فِي الْقِسْمَةِ الْأُولَى مُسْتَدَامٌ وَفِي الثَّانِيَةِ فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ، وَرُبَّمَا يَضُرُّ ذَلِكَ بِصَاحِبِ السُّفْلِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ إعَارَةٌ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُعِيرٌ لِصَاحِبِهِ نَصِيبَهُ مِنْ الشِّرْبِ مِنْ الشَّهْرِ لِتَعَذُّرِ جَعْلِ مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ مُبَادَلَةً، فَإِنَّ بَيْعَ الشِّرْبِ بِالشِّرْبِ وَإِجَارَتَهُ بِهِ بَاطِلٌ، وَإِذَا كَانَتْ عَارِيَّةً فَلِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ مَتَى شَاءَ. وَقَوْلُهُ (وَالشِّرْبُ مِمَّا يُورَثُ وَيُوصَى بِالِانْتِفَاعِ بِعَيْنِهِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَرَثَةَ خُلَفَاءُ الْمَيِّتِ فَيَقُومُونَ مَقَامَهُ فِي أَمْلَاكِهِ وَحُقُوقِهِ، وَعَدَمُ جَوَازِ بَيْعِهِ وَهِبَتِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ جَوَازِ ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقِصَاصَ وَالدَّيْنَ وَالْخَمْرَ يُمْلَكُ بِالْإِرْثِ وَإِنْ لَمْ يُمْلَكْ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، وَالْوَصِيَّةُ أُخْتُ الْمِيرَاثِ. وَقَوْلُهُ (بِعَيْنِهِ) احْتِرَازٌ عَنْ الْإِيصَاءِ بِبَيْعِ الشِّرْبِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشِّرْبَ بِغَيْرِ الْأَرْضِ لَا يُمْلَكُ بِشَيْءٍ مِنْ الْعُقُودِ، فَإِذَا سَمَّاهُ فِي النِّكَاحِ صَحَّ النِّكَاحُ وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَإِذَا سَمَّاهُ فِي الْخُلْعِ صَحَّ الْخُلْعُ وَعَلَيْهَا رَدُّ

[كتاب الأشربة]

مَا قَبَضَتْ مِنْ الصَّدَاقِ لِتَفَاحُشِ الْجَهَالَةِ. وَلَا يَصْلُحُ بَدَلُ الصُّلْحِ عَنْ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْلَكُ بِشَيْءٍ مِنْ الْعُقُودِ. وَلَا يُبَاعُ الشِّرْبُ فِي دَيْنِ صَاحِبِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِدُونِ أَرْضٍ كَمَا فِي حَالِ حَيَاتِهِ، وَكَيْفَ يَصْنَعُ الْإِمَامُ؟ الْأَصَحُّ أَنْ يَضُمَّهُ إلَى أَرْضٍ لَا شِرْبَ لَهَا فَيَبِيعَهَا بِإِذْنِ صَاحِبِهَا، ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى قِيمَةِ الْأَرْضِ مَعَ الشِّرْبِ وَبِدُونِهِ فَيَصْرِفُ التَّفَاوُتَ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ اشْتَرَى عَلَى تَرِكَةِ الْمَيِّتِ أَرْضًا بِغَيْرِ شِرْبٍ، ثُمَّ ضَمَّ الشِّرْبَ إلَيْهَا وَبَاعَهُمَا فَيَصْرِفُ مِنْ الثَّمَنِ إلَى ثَمَنِ الْأَرْضِ وَيَصْرِفُ الْفَاضِلَ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ (وَإِذَا سَقَى الرَّجُلُ أَرْضَهُ أَوْ مَخَرَهَا مَاءً) أَيْ مَلَأَهَا (فَسَالَ مِنْ مَائِهَا فِي أَرْضِ رَجُلٍ فَغَرَّقَهَا أَوْ نَزَّتْ أَرْضُ جَارِهِ مِنْ هَذَا الْمَاءِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَمَانُهَا) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا قَبَضَتْ مِنْ الْمَهْرِ، وَإِذَا جَعَلَهُ بَدَلَ الصُّلْحِ فَالْمُدَّعِي عَلَى دَعْوَاهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ قِصَاصٍ، فَإِنْ كَانَ فَعَلَى الْقَاتِلِ الدِّيَةُ وَأَرْشُ الْجِرَاحَةِ وَقَوْلُهُ (وَالْأَصَحُّ) إشَارَةٌ إلَى وُجُودِ الِاخْتِلَافِ. فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ قَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ قِيمَةِ الشِّرْبِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ السَّبِيلُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ لِلْمُقَوِّمِينَ إنَّ الْعُلَمَاءَ لَوْ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الشِّرْبِ بِكَمْ يُشْتَرَى هَذَا الشِّرْبُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُضَمُّ هَذَا الشِّرْبُ إلَى جَرِيبٍ مِنْ الْأَرْضِ مِنْ أَقْرَبِ مَا يَكُونُ مِنْ هَذَا الشِّرْبِ وَيُنْظَرُ بِكَمْ يُشْتَرَى مَعَ الشِّرْبِ وَبِكَمْ يُشْتَرَى بِدُونِ الشِّرْبِ فَيَكُونُ فَضْلُ مَا بَيْنَهُمَا قِيمَةَ الشِّرْبِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ يَتَّخِذُ حَوْضًا وَيَجْمَعُ ذَلِكَ الْمَاءَ فِيهِ فِي كُلِّ نَوْبَةٍ ثُمَّ يَبِيعُ الْمَاءَ الَّذِي جَمَعَهُ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ يَقْضِي دَيْنَهُ بِذَلِكَ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (أَوْ مَخَرَهَا) قَالَ فِي الصِّحَاحِ مَخَرْت الْأَرْضَ: أَيْ أَرْسَلْت الْمَاءَ فِيهَا. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِيهِ) يَلُوحُ إلَيَّ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا ضَمِنَ. وَعَدَمُ التَّعَدِّي إنَّمَا يَكُونُ إذَا سَقَى أَرْضَهُ سَقْيًا يُسْقَى مِثْلُهُ فِي الْعَادَةِ وَكَانَ ذَلِكَ فِي نَوْبَتِهِ. وَقِيلَ إنْ كَانَ جَارُهُ تَقَدَّمَ إلَيْهِ بِالْأَحْكَامِ ضَمِنَ. وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَمْ يَضْمَنْ اعْتِبَارًا بِالْحَائِطِ الْمَائِلِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ] ذَكَرَ الْأَشْرِبَةَ بَعْدَ الشِّرْبِ لِأَنَّهُمَا شُعْبَتَا عِرْقٍ وَاحِدٍ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَقَدَّمَ الشِّرْبَ لِمُنَاسَبَتِهِ لِإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ.

(كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ) سُمِّيَ بِهَا وَهِيَ جَمْعُ شَرَابٍ لِمَا فِيهِ مِنْ بَيَانِ حُكْمِهَا قَالَ (الْأَشْرِبَةُ الْمُحَرَّمَةُ أَرْبَعَةٌ: الْخَمْرُ وَهِيَ عَصِيرُ الْعِنَبِ إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ، وَالْعَصِيرُ إذَا طُبِخَ حَتَّى يَذْهَبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ) وَهُوَ الطِّلَاءُ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَنَقِيعُ التَّمْرِ وَهُوَ السَّكَرُ، وَنَقِيعُ الزَّبِيبِ إذَا اشْتَدَّ وَغَلَى) أَمَّا الْخَمْرُ فَالْكَلَامُ فِيهَا فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمِنْ مَحَاسِنِهِ بَيَانُ حُرْمَتِهَا، إذْ لَا شُبْهَةَ فِي حُسْنِ تَحْرِيمِ مَا يُزِيلُ الْعَقْلَ الَّذِي هُوَ مِلَاكُ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَشُكْرُ إنْعَامِهِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا بَالُهُ حَلَّ لِلْأُمَمِ السَّالِفَةِ مَعَ احْتِيَاجِهِمْ إلَى ذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ السَّكْرَ حَرَامٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ وَحَرُمَ شُرْبُ الْقَلِيلِ عَلَيْنَا مِنْ الْخَمْرِ كَرَامَةً لَنَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِئَلَّا نَقَعَ فِي الْمَحْظُورِ وَنَحْنُ مَشْهُودٌ لَنَا بِالْخَيْرِيَّةِ. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا حُرِّمَتْ ابْتِدَاءً وَالدَّاعِي الْمَذْكُورُ مَوْجُودٌ. أُجِيبَ إمَّا بِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْخَيْرِيَّةِ لَمْ تَكُنْ إذْ ذَاكَ وَإِمَّا لِتَدْرِيجِ الضَّارِي لِئَلَّا يَنْفِرَ مِنْ الْإِسْلَامِ (وَسُمِّيَ هَذَا الْكِتَابُ بِهَا) أَيْ بِالْأَشْرِبَةِ (وَهِيَ جَمْعُ شَرَابٍ) اسْمٌ لِمَا هُوَ حَرَامٌ مِنْهُ عِنْدَ أَهْلِ الشَّرْعِ لِمَا فِيهِ مِنْ بَيَانِ حُكْمِهَا. قَالَ (الْأَشْرِبَةُ الْمُحَرَّمَةُ أَرْبَعَةٌ إلَخْ) الْأَشْرِبَةُ الْمُحَرَّمَةُ أَرْبَعَةٌ: الْخَمْرُ، وَهِيَ عَصِيرُ الْعِنَبِ

أَحَدُهَا فِي بَيَانِ مَائِيَّتِهَا وَهِيَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ إذَا صَارَ مُسْكِرًا وَهَذَا عِنْدَنَا وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: هُوَ اسْمٌ لِكُلِّ مُسْكِرٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» : وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ» وَأَشَارَ إلَى الْكَرْمَةِ وَالنَّخْلَةِ، وَلِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ مُخَامَرَةِ الْعَقْلِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي كُلِّ مُسْكِرٍ وَلَنَا أَنَّهُ اسْمٌ خَاصٌّ بِإِطْبَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ وَلِهَذَا اُشْتُهِرَ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ غَيْرُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا غُلِيَ وَاشْتَدَّ، وَالْمُرَادُ بِالِاشْتِدَادِ صَلَاحِيَتُهُ لِلْإِسْكَارِ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ وَقَوْلُهُ (وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ) قِيلَ يُرِيدُ بِهِ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَوْلُهُ (فِيمَا ذَكَرْنَاهُ) إشَارَةٌ إلَى النِّيءِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ. وَقَوْلُهُ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ وَاشْتُهِرَ فِي غَيْرِ النِّيءِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ إذَا صَارَ

وَلِأَنَّ حُرْمَةَ الْخَمْرِ قَطْعِيَّةٌ وَهِيَ فِي غَيْرِهَا ظَنِّيَّةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمُسْكِرًا غَيْرُ لَفْظِ الْخَمْرِ كَالْمُثَلَّثِ وَالطِّلَاءِ وَالْبَاذِقِ وَالْمُنَصَّفِ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ حُرْمَةَ الْخَمْرِ قَطْعِيَّةٌ) يَعْنِي أَنَّ حُرْمَةَ الْخَمْرِ ثَابِتَةٌ بِالْإِجْمَاعِ فَتَكُونُ قَطْعِيَّةً، وَمَا هُوَ قَطْعِيٌّ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِقَطْعِيٍّ، وَكَوْنُ النِّيءِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ خَمْرًا قَطْعِيٌّ بِلَا خِلَافٍ فَيَثْبُتُ بِهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّ فِيهِ اخْتِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وَأَدْنَى دَرَجَاتِ الِاخْتِلَافِ إيرَاثُ الشُّبْهَةِ فَتَكُونُ الْحُرْمَةُ قَطْعِيَّةً وَمَا يَدُلُّ عَلَيْهَا ظَنِّيٌّ

وَإِنَّمَا سُمِّيَ خَمْرًا لِتَخَمُّرِهِ لَا لِمُخَامَرَتِهِ الْعَقْلَ، عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ لَا يُنَافِي كَوْنَ الِاسْمِ خَاصًّا فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَإِنَّمَا سُمِّيَ) يَعْنِي غَيْرَ النِّيءِ (خَمْرًا لِتَخَمُّرِهِ) أَيْ لِصَيْرُورَتِهِ مُرًّا كَالْخَمْرِ لَا لِمُخَامَرَتِهِ، جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمْ سُمِّيَ خَمْرًا لِمُخَامَرَتِهِ الْعَقْلَ. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْهَا لَكِنْ لَا يُنَافِي اخْتِصَاصَهُ بِالنِّيءِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَقُّ مَخْصُوصًا، فَإِنَّ النَّجْمَ مُشْتَقٌّ مِنْ نَجَمَ إذَا ظَهَرَ، ثُمَّ هُوَ خَاصٌّ بِالثُّرَيَّا، وَكَالْقَارُورَةِ مُشْتَقٌّ مِنْ الْقَرَارِ وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْكُوزِ وَإِنْ وُجِدَ فِيهِ الْقَرَارُ وَأَنْظَارُهُ

فَإِنَّ النَّجْمَ مُشْتَقٌّ مِنْ النُّجُومِ وَهُوَ الظُّهُورُ، ثُمَّ هُوَ اسْمٌ خَاصٌّ لِلنَّجْمِ الْمَعْرُوفِ لَا لِكُلِّ مَا ظَهَرَ وَهَذَا كَثِيرُ النَّظِيرِ وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ طَعَنَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالثَّانِي أُرِيدَ بِهِ بَيَانُ الْحُكْمِ؛ إذْ هُوَ اللَّائِقُ بِمَنْصِبِ الرِّسَالَةِ وَالثَّانِي فِي حَقِّ ثُبُوتِ هَذَا الِاسْمِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا إذَا اشْتَدَّ صَارَ خَمْرًا، وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَذْفُ بِالزَّبَدِ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَثْبُتُ بِهِ، وَكَذَا الْمَعْنَى الْمُحَرَّمُ وَهُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْفَسَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَثِيرَةٌ. وَقَوْلُهُ (وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) يُرِيدُ بِهِ «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» رُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ: الْأَحَادِيثُ الثَّلَاثَةُ لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَحَدُهَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» وَالثَّانِي «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» وَالثَّالِثُ «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» وَكَانَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ إمَامًا حَافِظًا مُتْقِنًا حَتَّى قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كُلُّ حَدِيثٍ لَا يَعْرِفُهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فَلَيْسَ بِحَدِيثٍ. وَقَوْلُهُ (وَالثَّانِي) يُرِيدُ بِهِ الْخَمْرَ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ (أُرِيدَ بِهِ بَيَانُ الْحُكْمِ) يَعْنِي إذَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ كَانَ حُكْمُهُ فِي الْإِسْكَارِ حُكْمَ الْخَمْرِ فِي الْحُرْمَةِ وَثُبُوتِ الْحَدِّ، إذْ هُوَ اللَّائِقُ بِمَنْصِبِ الرِّسَالَةِ لِكَوْنِهِ مَبْعُوثًا لِبَيَانِ الشَّرَائِعِ

بِالِاشْتِدَادِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْغَلَيَانَ بِدَايَةُ الشِّدَّةِ، وَكَمَالُهَا بِقَذْفٍ بِالزَّبَدِ وَسُكُونِهِ؛ إذْ بِهِ يَتَمَيَّزُ الصَّافِي مِنْ الْكَدِرِ، وَأَحْكَامُ الشَّرْعِ قَطْعِيَّةٌ فَتُنَاطُ بِالنِّهَايَةِ كَالْحَدِّ وَإِكْفَارِ الْمُسْتَحِلِّ وَحُرْمَةِ الْبَيْعِ وَقِيلَ يُؤْخَذُ فِي حُرْمَةِ الشُّرْبِ بِمُجَرَّدِ الِاشْتِدَادِ احْتِيَاطًا وَالثَّالِثُ أَنَّ عَيْنَهَا حَرَامٌ غَيْرُ مَعْلُولٍ بِالسُّكْرِ وَلَا مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ أَنْكَرَ حُرْمَةَ عَيْنِهَا، وَقَالَ: إنَّ السُّكْرَ مِنْهَا حَرَامٌ؛ لِأَنَّ بِهِ يَحْصُلُ الْفَسَادُ وَهُوَ الصَّدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَهَذَا كُفْرٌ؛ لِأَنَّهُ جُحُودُ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ تَعَالَى سَمَّاهُ رِجْسًا وَالرِّجْسُ مَا هُوَ مُحَرَّمُ الْعَيْنِ، وَقَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ مُتَوَاتِرَةً " أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا لِبَيَانِ الْحَقَائِقِ. وَقَوْلُهُ (وَقِيلَ يُؤْخَذُ فِي حُرْمَةِ الشُّرْبِ بِمُجَرَّدِ الِاشْتِدَادِ احْتِيَاطًا) يَعْنِي وَفِي الْحَدِّ يُؤْخَذُ بِقَذْفِ الزَّبَدِ احْتِيَاطًا أَيْضًا وَقَوْلُهُ (وَهَذَا) أَيْ إنْكَارُ حُرْمَةِ عَيْنِهَا (كُفْرٌ) مِنْ الْمُنْكِرِ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لِحُرْمَةِ السُّكْرِ مِنْهُ (لِأَنَّهُ جُحُودُ الْكِتَابِ) يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} [المائدة: 90] ، إلَى قَوْله تَعَالَى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 91] وَقَدْ ذَكَرْنَا دَلَالَتَهُ عَلَى ذَلِكَ فِي " الْإِشْرَاقِ شَرْحِ مَشَارِقِ الْأَنْوَارِ " عَلَى أَحْسَنِ مَا يَكُونُ فَلْيُطْلَبْ مِنْهُ ثَمَّةَ. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ مُتَوَاتِرَةً) مَعْنَاهُ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخَمْرِ أَحَادِيثُ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى حُرْمَةِ الْخَمْرِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا إنْ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ التَّوَاتُرِ فَالْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ مِنْهَا مُتَوَاتِرٌ، كَشَجَاعَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

حَرَّمَ الْخَمْرَ؛ وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ، وَلِأَنَّ قَلِيلَهُ يَدْعُو إلَى كَثِيرِهِ وَهَذَا مِنْ خَوَاصِّ الْخَمْرِ، وَلِهَذَا تَزْدَادُ لِشَارِبِهِ اللَّذَّةُ بِالِاسْتِكْثَارِ مِنْهُ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَطْعُومَاتِ ثُمَّ هُوَ غَيْرُ مَعْلُولٍ عِنْدَنَا حَتَّى لَا يَتَعَدَّى حُكْمُهُ إلَى سَائِرِ الْمُسْكِرَاتِ، وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُعَدِّيهِ إلَيْهَا، وَهَذَا بَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ وَتَعْلِيلُهُ لِتَعْدِيَةِ الِاسْمِ، وَالتَّعْلِيلُ فِي الْأَحْكَامِ لَا فِي الْأَسْمَاءِ وَالرَّابِعُ أَنَّهَا نَجِسَةٌ نَجَاسَةً غَلِيظَةً كَالْبَوْلِ لِثُبُوتِهَا بِالدَّلَائِلِ الْقَطْعِيَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْخَامِسُ أَنَّهُ يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا لِإِنْكَارِهِ الدَّلِيلَ الْقَطْعِيَّ. وَالسَّادِسُ سُقُوطُ تَقَوُّمِهَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ حَتَّى لَا يَضْمَنَ مُتْلِفُهَا وَغَاصِبُهَا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا نَجَّسَهَا فَقَدْ أَهَانَهَا وَالتَّقَوُّمُ يُشْعِرُ بِعِزَّتِهَا وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوُجُودِ حَاتِمٍ، وَيُسَمَّى هَذَا التَّوَاتُرُ بِالْمَعْنَى. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا مِنْ خَوَاصِّ الْخَمْرِ) يَعْنِي دُعَاءَ الْقَلِيلِ إلَى الْكَثِيرِ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: مَا مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ إلَّا وَلَذَّتُهُ فِي الِابْتِدَاءِ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى اللَّذَّةِ فِي الِانْتِهَاءِ إلَّا الْخَمْرَ، فَإِنَّ اللَّذَّةَ لِشَارِبِهَا تَزْدَادُ بِالِاسْتِكْثَارِ مِنْهَا. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ) يَعْنِي مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حُرِّمَتْ الْخَمْرُ لِعَيْنِهَا وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ» وَلَمَّا كَانَتْ حُرْمَتُهَا لِعَيْنِهَا لَا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِمَعْنَى الْمُخَامَرَةِ لِتَعَدِّيهِ اسْمَهَا إلَى غَيْرِهَا. وَقَوْلُهُ (حَتَّى لَا يَضْمَنَ مُتْلِفُهَا)

«إنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا وَأَكْلَ ثَمَنِهَا» وَاخْتَلَفُوا فِي سُقُوطِ مَالِيَّتِهَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَالٌ؛ لِأَنَّ الطِّبَاعَ تَمِيلُ إلَيْهَا وَتَضِنُّ بِهَا وَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى مُسْلِمٍ دَيْنٌ فَأَوْفَاهُ ثَمَنَ خَمْرٍ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ، وَلَا لِلْمَدْيُونِ أَنْ يُؤَدِّيَهُ؛ لِأَنَّهُ ثَمَنُ بَيْعٍ بَاطِلٍ وَهُوَ غَصْبٌ فِي يَدِهِ أَوْ أَمَانَةٌ عَلَى حَسَبِ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ كَمَا فِي بَيْعِ الْمَيْتَةِ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى ذِمِّيٍّ فَإِنَّهُ يُؤَدِّيهِ مِنْ ثَمَنِ الْخَمْرِ، وَالْمُسْلِمُ الطَّالِبُ يَسْتَوْفِيهِ؛ لِأَنَّ بَيْعَهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ جَائِزٌ. وَالسَّابِعُ حُرْمَةُ الِانْتِفَاعِ بِهَا؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالنَّجَسِ حَرَامٌ، وَلِأَنَّهُ وَاجِبُ الِاجْتِنَابِ وَفِي الِانْتِفَاعِ بِهِ اقْتِرَابٌ. وَالثَّامِنُ أَنْ يُحَدَّ شَارِبُهَا وَإِنْ لَمْ يَسْكَرْ مِنْهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْتُلُوهُ» إلَّا أَنَّ حُكْمَ الْقَتْلِ قَدْ انْتَسَخَ فَبَقِيَ الْجَلْدُ مَشْرُوعًا، وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَتَقْدِيرُهُ ذَكَرْنَاهُ فِي الْحُدُودِ. وَالتَّاسِعُ أَنَّ الطَّبْخَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لِلْمَنْعِ مِنْ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ لَا لِرَفْعِهَا بَعْدَ ثُبُوتِهَا، إلَّا أَنَّهُ لَا يُحَدُّ فِيهِ مَا لَمْ يَسْكَرْ مِنْهُ عَلَى مَا قَالُوا؛ لِأَنَّ الْحَدَّ بِالْقَلِيلِ فِي النِّيءِ خَاصَّةً، لِمَا ذَكَرْنَا وَهَذَا قَدْ طُبِخَ. وَالْعَاشِرُ جَوَازُ تَخْلِيلِهَا وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ وَسَنَذْكُرُهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، هَذَا هُوَ الْكَلَامُ فِي الْخَمْرِ. وَأَمَّا الْعَصِيرُ إذَا طُبِخَ حَتَّى يَذْهَبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ وَهُوَ الْمَطْبُوخُ أَدْنَى طَبْخَةٍ وَيُسَمَّى الْبَاذَقَ وَالْمُنَصَّفَ وَهُوَ مَا ذَهَبَ نِصْفُهُ بِالطَّبْخِ فَكُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ عِنْدَنَا إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ أَوْ إذَا اشْتَدَّ عَلَى الِاخْتِلَافِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ إتْلَافِهَا. وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهَا، فَقِيلَ: يُبَاحُ، وَقِيلَ لَا يُبَاحُ إلَّا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ بِأَنْ كَانَتْ عِنْدَ شِرِّيبٍ خِيفَ عَلَيْهِ الشُّرْبُ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ عِنْدَ صَالِحٍ فَلَا يُبَاحُ لِأَنَّهُ يُخَلِّلُهَا وَقَوْلُهُ (وَالسَّابِعُ حُرْمَةُ الِانْتِفَاعِ بِهَا) يُرِيدُ التَّدَاوِيَ بِالِاحْتِقَانِ وَسَقْيَ الدَّوَابِّ وَالْإِقْطَارَ فِي الْإِحْلِيلِ وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّ حُكْمَ الْقَتْلِ قَدْ انْتَسَخَ) يَعْنِي بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى مَعَانٍ ثَلَاثٍ» الْحَدِيثَ وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا قَالُوا) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ إذَا شَرِبَ بَعْدَ الطَّبْخِ وَلَمْ يَسْكَرْ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ؟ ثُمَّ قَالَ: وَيَجِبُ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَمْرٍ لُغَةً، فَإِنَّ الْخَمْرَ لُغَةً هُوَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ وَهَذَا لَيْسَ بِنِيءٍ وَقَوْلُهُ (وَالْمُنَصَّفَ) قِيلَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ الْبَاذَقَ: أَيْ يُسَمَّى الْعَصِيرُ الذَّاهِبُ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ الْبَاذَقَ، وَيُسَمَّى الْمُصَنَّفَ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَالَ: الْأَشْرِبَةُ الْمُحَرَّمَةُ أَرْبَعَةٌ: وَهِيَ الْخَمْرُ، وَالْعَصِيرُ الذَّاهِبُ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ، وَنَقِيعُ التَّمْرِ،

وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إنَّهُ مُبَاحٌ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوبٌ طَيِّبٌ وَلَيْسَ بِخَمْرٍ وَلَنَا أَنَّهُ رَقِيقٌ مُلِذٌّ مُطْرِبٌ وَلِهَذَا يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْفُسَّاقُ فَيَحْرُمُ شُرْبُهُ دَفْعًا لِلْفَسَادِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ، وَأَمَّا نَقِيعُ التَّمْرِ وَهُوَ السُّكْرُ وَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ التَّمْرِ: أَيْ الرَّطْبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَنَقِيعُ الزَّبِيبِ. فَلَوْ كَانَ الْبَاذَقُ غَيْرَ الْمُنَصَّفِ لَكَانَتْ الْأَشْرِبَةُ الْمُحَرَّمَةُ خَمْسَةً. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الذَّاهِبِ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ لِأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُنَصَّفًا أَوْ غَيْرَهُ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ مَعْنًى وَهَذَا أَوْجَهُ لَفْظًا، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَنْصُوبًا لَقَالَ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ (وَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ التَّمْرِ: أَيْ الرَّطْبُ) إنَّمَا فَسَّرَ التَّمْرَ بِالرَّطْبِ لِأَنَّ الْمُتَّخَذَ مِنْ التَّمْرِ اسْمُهُ نَبِيذُ التَّمْرِ لَا السَّكَرُ وَهُوَ حَلَالٌ

فَهُوَ حَرَامٌ مَكْرُوهٌ وَقَالَ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: إنَّهُ مُبَاحٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} [النحل: 67] اُمْتُنَّ عَلَيْنَا بِهِ، وَهُوَ بِالْمُحَرَّمِ لَا يَتَحَقَّقُ وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ، وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ إذْ كَانَتْ الْأَشْرِبَةُ مُبَاحَةً كُلُّهَا، وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ التَّوْبِيخَ، مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَتَدَّعُونَ رِزْقًا حَسَنًا وَأَمَّا نَقِيعُ الزَّبِيبِ وَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الزَّبِيبِ فَهُوَ حَرَامٌ إذَا اشْتَدَّ وَغَلَى وَيَتَأَتَّى فِيهِ خِلَافُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى مِنْ قَبْلُ، إلَى أَنَّ حُرْمَةَ هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ دُونَ حُرْمَةِ الْخَمْرِ حَتَّى لَا يَكْفُرَ مُسْتَحِلُّهَا، وَيَكْفُرُ مُسْتَحِلُّ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا اجْتِهَادِيَّةٌ، وَحُرْمَةُ الْخَمْرِ قَطْعِيَّةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ عَلَى مَا سَيَجِيءُ. وَقَوْلُهُ (فَهُوَ حَرَامٌ مَكْرُوهٌ) أَرْدَفَ الْحَرَامَ بِالْكَرَاهَةِ إشَارَةً إلَى أَنَّ حُرْمَتَهُ لَيْسَتْ كَحُرْمَةِ الْخَمْرِ، لِأَنَّ مُسْتَحِلَّ الْخَمْرِ يَكْفُرُ وَمُسْتَحِلَّ غَيْرِهَا لَا يَكْفُرُ. وَقَوْلُهُ (وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَاهُ مِنْ قَبْلُ) يَعْنِي قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ» وَأَشَارَ إلَى الْكَرْمَةِ وَالنَّخْلَةِ. وَقَوْلُهُ (وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ إذْ كَانَتْ الْأَشْرِبَةُ مُبَاحَةً) لِأَنَّهَا مَكِّيَّةٌ وَحُرِّمَ الْخَمْرُ بِالْمَدِينَةِ، وَهَذَا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ الِامْتِنَانُ كَمَا قَالَ الْخَصْمُ. وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ التَّوْبِيخَ، وَمَعْنَاهُ: أَنْتُمْ لِسَفَاهَتِكُمْ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا حَرَامًا وَتَدَّعُونَ رِزْقًا حَسَنًا. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى مِنْ قَبْلُ) يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ وَلَنَا أَنَّهُ رَقِيقٌ مُلِذٌّ مُطْرِبٌ إلَخْ.

وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ بِشُرْبِهَا حَتَّى يَسْكَرَ، وَيَجِبُ بِشُرْبِ قَطْرَةٍ مِنْ الْخَمْرِ، وَنَجَاسَتُهَا خَفِيفَةٌ فِي رِوَايَةٍ وَغَلِيظَةٌ فِي أُخْرَى، وَنَجَاسَةُ الْخَمْرِ غَلِيظَةٌ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَيَجُوزُ بَيْعُهَا، وَيَضْمَنُ مُتْلِفُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ، وَمَا شَهِدْت دَلَالَةٌ قَطْعِيَّةٌ بِسُقُوطِ تَقَوُّمِهَا، بِخِلَافِ الْخَمْرِ، غَيْرَ أَنَّ عِنْدَهُ يَجِبُ قِيمَتُهَا لَا مِثْلُهَا عَلَى مَا عُرِفَ، وَلَا يُنْتَفَعُ بِهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا إذَا كَانَ الذَّاهِبُ بِالطَّبْخِ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ دُونَ الثُّلُثَيْنِ (وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ) قَالُوا: هَذَا الْجَوَابُ عَلَى هَذَا الْعُمُومِ وَالْبَيَانِ لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ، وَهُوَ نَصٌّ عَلَى أَنَّ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْعَسَلِ وَالذُّرَةِ حَلَالٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا يُحَدُّ شَارِبُهُ عِنْدَهُ وَإِنْ سَكِرَ مِنْهُ، وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ السَّكْرَانِ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ النَّائِمِ وَمَنْ ذَهَبَ عَقْلُهُ بِالْبَنْجِ وَلَبَنِ الرِّمَاكِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ حَرَامٌ وَيُحَدُّ شَارِبُهُ وَيَقَعُ طَلَاقُهُ إذَا سَكِرَ مِنْهُ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ عِنْدَهُ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَجِبُ قِيمَتُهَا لَا مِثْلُهَا) كَمَا إذَا أَتْلَفَ الْمُسْلِمُ خَمْرَ الذِّمِّيِّ عَلَى مَا عُرِفَ أَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي الْحَرَامِ. وَأَوْرَدَ رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهِيَ قَوْلُهُ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ: أَيْ مَا سِوَى الْمَذْكُورِ وَهُوَ الْخَمْرُ وَالسَّكَرُ وَنَقِيعُ الزَّبِيبِ وَالطِّلَاءُ وَهُوَ الْبَاذَقُ وَالْمُنَصَّفُ لِبَيَانِ أَنَّ الْعُمُومَ الْمَذْكُورَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ.

(وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا: وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: مَا كَانَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ يَبْقَى بَعْدَ مَا يَبْلُغُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَلَا يَفْسُدُ فَإِنِّي أَكْرَهُهُ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ) وَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إلَّا أَنَّهُ تَفَرَّدَ بِهَذَا الشَّرْطِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: يَبْلُغُ: يَغْلِي وَيَشْتَدُّ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَلَا يَفْسُدُ: لَا يُحَمَّضُ وَوَجْهُهُ أَنَّ بَقَاءَهُ هَذِهِ الْمُدَّةَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحَمَّضَ دَلَالَةُ قُوَّتِهِ وَشِدَّتِهِ فَكَانَ آيَةَ حُرْمَتِهِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَعْتَبِرُ حَقِيقَةَ الشِّدَّةِ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِيمَا يَحْرُمُ أَصْلُ شُرْبِهِ وَفِيمَا يَحْرُمُ السُّكْرُ مِنْهُ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَبُو يُوسُفَ رَجَعَ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَمْ يُحَرِّمْ كُلَّ مُسْكِرٍ، وَرَجَعَ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ أَيْضًا (وَقَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَنَبِيذُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ إذَا طُبِخَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَدْنَى طَبْخَةٍ حَلَالٌ وَإِنْ اشْتَدَّ إذَا شُرِبَ مِنْهُ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يُسْكِرُهُ مِنْ غَيْرِ لَهْوٍ وَلَا طَرِبٍ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ حَرَامٌ، وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي الْمُثَلَّثِ الْعِنَبِيِّ وَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِالْخَلِيطَيْنِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ قَالَ: سَقَانِي ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شَرْبَةً مَا كِدْت أَهْتَدِي إلَى مَنْزِلِي فَغَدَوْت إلَيْهِ مِنْ الْغَدِ فَأَخْبَرْته بِذَلِكَ فَقَالَ: مَا زِدْنَاك عَلَى عَجْوَةٍ وَزَبِيبٍ وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ الْخَلِيطَيْنِ وَكَانَ مَطْبُوخًا؛ لِأَنَّ الْمَرْوِيَّ عَنْهُ حُرْمَةُ نَقِيعِ الزَّبِيبِ وَهُوَ النِّيءُ مِنْهُ، وَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، وَالزَّبِيبِ وَالرُّطَبِ، وَالرُّطَبِ وَالْبُسْرِ» مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الشِّدَّةِ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ. قَالَ (وَنَبِيذُ الْعَسَلِ وَالتِّينِ وَنَبِيذُ الْحِنْطَةِ وَالذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ حَلَالٌ وَإِنْ لَمْ يُطْبَخْ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ لَهْوٍ وَطَرَبٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ، وَأَشَارَ إلَى الْكَرْمَةِ وَالنَّخْلَةِ» خَصَّ التَّحْرِيمَ بِهِمَا وَالْمُرَادُ بَيَانُ الْحُكْمِ، ثُمَّ قِيلَ يُشْتَرَطُ الطَّبْخُ فِيهِ لِإِبَاحَتِهِ، وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَقَالَ فِيهِ) يَعْنِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِالْخَلِيطَيْنِ) الْخَلِيطَانِ مَاءُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ إذَا خُلِطَا فَطُبِخَا بَعْدَ ذَلِكَ أَدْنَى طَبْخَةٍ وَيُتْرَكُ إلَى أَنْ يَغْلِيَ وَيَشْتَدَّ. وَالْعَجْوَةُ: التَّمْرُ الَّذِي يَغِيبُ فِيهِ الضِّرْسُ لِجَوْدَتِهِ. وَقَوْلُهُ (مَحْمُولٌ عَلَى الشِّدَّةِ وَكَانَ ذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ) يَعْنِي أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ فِي وَقْتٍ كَانَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ضِيقٌ وَشِدَّةٌ فِي أَمْرِ الطَّعَامِ لِئَلَّا

فِي الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ قَلِيلَهُ لَا يَدْعُو إلَى كَثِيرِهِ كَيْفَمَا كَانَ وَهَلْ يُحَدُّ فِي الْمُتَّخَذِ مِنْ الْحُبُوبِ إذَا سَكِرَ مِنْهُ؟ قِيلَ لَا يُحَدُّ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْوَجْهَ مِنْ قَبْلُ قَالُوا: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُحَدُّ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ سَكِرَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ أَنَّهُ يُحَدُّ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْفُسَّاقَ يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ فِي زَمَانِنَا اجْتِمَاعَهُمْ عَلَى سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ، بَلْ فَوْقَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْمُتَّخَذُ مِنْ الْأَلْبَانِ إذَا اشْتَدَّ فَهُوَ عَلَى هَذَا وَقِيلَ: إنَّ الْمُتَّخَذَ مِنْ لَبَنِ الرِّمَاكِ لَا يَحِلُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارًا بِلَحْمِهِ؛ إذْ هُوَ مُتَوَلِّدٌ مِنْهُ قَالُوا: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَحِلُّ؛ لِأَنَّ كَرَاهَةَ لَحْمِهِ لِمَا فِي إبَاحَتِهِ مِنْ قَطْعِ مَادَّةِ الْجِهَادِ أَوْ لِاحْتِرَامِهِ فَلَا يُتَعَدَّى إلَى لَبَنِهِ قَالَ (وَعَصِيرُ الْعِنَبِ إذَا طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ حَلَالٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَجْمَعَ بَيْنَ الطَّعَامَيْنِ وَيَتْرُكَ جَارَهُ جَائِعًا بَلْ يَأْكُلُ أَحَدُهُمَا وَيُؤْثِرُ بِالْآخَرِ عَلَى جَارِهِ، ثُمَّ لَمَّا وَسَّعَ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ النِّعَمَ أَبَاحَ الْجَمْعَ بَيْنَ النِّعْمَتَيْنِ وَقَوْلُهُ (قِيلَ لَا يُحَدُّ) هُوَ قَوْلُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ ذَكَرْنَا الْوَجْهَ مِنْ قَبْلُ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ قَلِيلَهُ لَا يَدْعُو إلَى كَثِيرِهِ. قِيلَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إشَارَةً إلَى الْمَعْنَى الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ» يَعْنِي

وَإِنْ اشْتَدَّ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: حَرَامٌ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا قَصَدَ بِهِ التَّقَوِّي، أَمَّا إذَا قَصَدَ بِهِ التَّلَهِّيَ لَا يَحِلُّ بِالِاتِّفَاقِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ مِثْلُ قَوْلِهِمَا، وَعَنْهُ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ، وَعَنْهُ أَنَّهُ تَوَقَّفَ فِيهِ لَهُمْ فِي إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» وَيُرْوَى عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا أَسْكَرَ الْجَرَّةُ مِنْهُ فَالْجَرْعَةُ مِنْهُ حَرَامٌ» وَلِأَنَّ الْمُسْكِرَ يُفْسِدُ الْعَقْلَ فَيَكُونُ حَرَامًا قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ كَالْخَمْرِ وَلَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حُرِّمَتْ الْخَمْرُ لِعَيْنِهَا» ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ هَذِهِ الْأَنْبِذَةَ لَيْسَتْ بِمُتَّخَذَةٍ مِمَّا هُوَ أَصْلُ الْخَمْرِ. وَقِيلَ هُوَ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ بِمَنْزِلَةِ النَّائِمِ وَمَنْ ذَهَبَ عَقْلُهُ بِالْبَنْجِ وَلَبَنِ الرِّمَاكِ، وَبَاقِي كَلَامِهِ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِثْلُ قَوْلِهِمَا) أَيْ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مَذْكُورٌ فِي النَّوَادِرِ

وَيُرْوَى «بِعَيْنِهَا قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا، وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ» خَصَّ السُّكْرَ بِالتَّحْرِيمِ فِي غَيْرِ الْخَمْرِ؛ إذْ الْعَطْفُ لِلْمُغَايَرَةِ، وَلِأَنَّ الْمُفْسِدَ هُوَ الْقَدَحُ الْمُسْكِرُ وَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَنَا: أَيْ لِعُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ عَلَى الْقَوْلِ الْمُوَافِقِ لِمُحَمَّدٍ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَهُمَا: أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الْمُفْسِدَ) لِلْعَقْلِ (هُوَ الْقَدَحُ الْمُسْكِرُ وَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَنَا) لَا مَا قَبْلَهُ. فَإِنْ قِيلَ الْقَدَحُ الْأَخِيرُ لَيْسَ بِمُسْكِرٍ عَلَى انْفِرَادِهِ بَلْ بِمَا تَقَدَّمَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ مَا تَقَدَّمَ أَيْضًا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْحُكْمَ يُضَافُ إلَى الْعِلَّةِ مَعْنًى وَحُكْمًا، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْعِلَّةِ اسْمًا وَمَعْنًى وَحُكْمًا أَوْلَى وَالْمَجْمُوعُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ الْحَرَامُ هُوَ الْمُسْكِرُ، وَإِطْلَاقُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مَجَازٌ وَعَلَى الْقَدَحِ الْأَخِيرِ حَقِيقَةٌ وَهُوَ مُرَادٌ فَلَا يَكُونُ الْمَجَازُ مُرَادًا

وَإِنَّمَا يَحْرُمُ الْقَلِيلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَدْعُو لِرِقَّتِهِ وَلَطَافَتِهِ إلَى الْكَثِيرِ فَأُعْطِيَ حُكْمَهُ، وَالْمُثَلَّثُ لِغِلَظِهِ لَا يَدْعُو وَهُوَ فِي نَفْسِهِ غِذَاءٌ فَبَقِيَ عَلَى الْإِبَاحَةِ: وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ غَيْرُ ثَابِتٍ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، ثُمَّ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْقَدَحِ الْأَخِيرِ إذْ هُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَإِنَّمَا يَحْرُمُ الْقَلِيلُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْخَمْرِ جَوَابُ سُؤَالٍ يُمْكِنُ تَقْرِيرُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: لَمَّا كَانَ الْمُفْسِدُ هُوَ الْأَخِيرَ دُونَ مَا تَقَدَّمَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي الْخَمْرِ كَذَلِكَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا عَنْ قَوْلِهِمْ وَلِأَنَّ الْمُسْكِرَ يُفْسِدُ الْعَقْلَ فَيَكُونُ حَرَامًا قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ، وَهَذَا وَاضِحٌ. وَوَجْهُ الْجَوَابِ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْقِيَاسَ ذَلِكَ، وَلَكِنْ تَرَكْنَاهُ لِأَنَّ الْخَمْرَ لِرِقَّتِهَا وَلَطَافَتِهَا تَدْعُو إلَى الْكَثِيرِ فَأُعْطِيَ الْقَلِيلُ حُكْمَ الْكَثِيرِ، وَالْمُثَلَّثُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِغِلَظِهِ، وَعَلَى الثَّانِي بِطَرِيقِ الْفَرْقِ وَهُوَ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ)

الْمُسْكِرُ حَقِيقَةً وَاَلَّذِي يُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ بَعْدَ مَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ بِالطَّبْخِ حَتَّى يَرِقَّ ثُمَّ يُطْبَخُ طَبْخَةً حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُثَلَّثِ؛ لِأَنَّ صَبَّ الْمَاءِ لَا يَزِيدُهُ إلَّا ضَعْفًا، بِخِلَافِ مَا إذَا صُبَّ الْمَاءُ عَلَى الْعَصِيرِ ثُمَّ يُطْبَخُ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَا الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَذْهَبُ أَوَّلًا لِلَطَافَتِهِ، أَوْ يَذْهَبُ مِنْهُمَا فَلَا يَكُونُ الذَّاهِبُ ثُلُثَيْ مَاءِ الْعِنَبِ وَلَوْ طُبِخَ الْعِنَبُ كَمَا هُوَ ثُمَّ يُعْصَرُ يُكْتَفَى بِأَدْنَى طَبْخَةٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ لَا يَحِلُّ مَا لَمْ يَذْهَبْ ثُلُثَاهُ بِالطَّبْخِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْعَصِيرَ قَائِمٌ فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَغَيُّرٍ فَصَارَ كَمَا بَعْدَ الْعَصْرِ، وَلَوْ جُمِعَ فِي الطَّبْخِ بَيْنَ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ أَوْ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي قَوْلَهُ «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» لَيْسَ بِثَابِتٍ لِمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ طَعْنِ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا ثُبُوتَهُ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْقَدَحِ الْأَخِيرِ. وَقَوْلُهُ (وَاَلَّذِي يُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ بَعْدَمَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ بِالطَّبْخِ حَتَّى يَرِقَّ) وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَهُ لِاخْتِلَافٍ وَقَعَ فِيهِ، فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ سَمَّاهُ يُوسُفِيًّا وَيَعْقُوبِيًّا لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَثِيرًا مَا كَانَ يَسْتَعْمِلُ هَذَا، وَمِنْهُمْ مَنْ سَمَّاهُ بَخْتَجًا وَحُمَيْدِيًّا، قَالَ: لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى رَجُلٍ اسْمُهُ حُمَيْدٌ. وَهَلْ يُشْتَرَطُ لِإِبَاحَتِهِ عِنْدَهُمَا بَعْدَمَا صَبَّ الْمَاءَ فِيهِ أَدْنَى طَبْخَةٍ؟ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِيهِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَوْلُهُ (أَوْ يَذْهَبُ مِنْهُمَا) يَعْنِي تَارَةً يَذْهَبُ الْمَاءُ أَوَّلًا لِلَطَافَتِهِ، وَتَارَةً يَذْهَبُ الْعَصِيرُ وَالْمَاءُ مَعًا، فَلَوْ ذَهَبَا مَعًا يَحِلُّ شُرْبُهُ كَمَا يَحِلُّ شُرْبُ الْمُثَلَّثِ، لِأَنَّهُمَا لَمَّا ذَهَبَا مَعًا كَانَ الذَّاهِبُ مِنْ الْعَصِيرِ أَيْضًا ثُلُثَيْنِ كَالْمَاءِ، لَكِنْ لَمَّا يُتَيَقَّنْ بِذَهَابِهِمَا مَعًا وَاحْتُمِلَ ذَهَابُ الْمَاءِ أَوَّلًا لِلَطَافَتِهِ بِحُرْمَةِ شُرْبِهِ احْتِيَاطًا، لِأَنَّهُ إذَا ذَهَبَ الْمَاءُ أَوَّلًا كَانَ الذَّاهِبُ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثَيْ الْعَصِيرِ وَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَنَا وَهُوَ الْبَاذَقُ. وَقَوْلُهُ (فَلَا يَكُونُ الذَّاهِبُ ثُلُثَيْ مَاءِ الْعِنَبِ) أَيْ عَلَى الْقَطْعِ وَالْبَتَاتِ. وَقَوْلُهُ (يُكْتَفَى بِأَدْنَى طَبْخَةٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) هِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْهُ وَأَنْكَرَهَا الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ مَشَايِخِنَا، فَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: سَمِعْت

لِأَنَّ التَّمْرَ إنْ كَانَ يُكْتَفَى فِيهِ بِأَدْنَى طَبْخَةٍ فَعَصِيرُ الْعِنَبِ لَا بُدَّ أَنْ يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ فَيُعْتَبَرُ جَانِبُ الْعِنَبِ احْتِيَاطًا، وَكَذَا إذَا جُمِعَ بَيْنَ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَنَقِيعِ التَّمْرِ لِمَا قُلْنَا. وَلَوْ طُبِخَ نَقِيعُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ أَدْنَى طَبْخَةٍ ثُمَّ أُنْقِعَ فِيهِ تَمْرٌ أَوْ زَبِيبٌ، إنْ كَانَ مَا أَنْقَعَ فِيهِ شَيْئًا يَسِيرًا لَا يُتَّخَذُ النَّبِيذُ مِنْ مِثْلِهِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ يُتَّخَذُ النَّبِيذُ مِنْ مِثْلِهِ لَمْ يَحِلَّ كَمَا إذَا صُبَّ فِي الْمَطْبُوخِ قَدَحٌ مِنْ النَّقِيعِ وَالْمَعْنَى تَغْلِيبُ جِهَةِ الْحُرْمَةِ، وَلَا حَدَّ فِي شُرْبِهِ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لِلِاحْتِيَاطِ وَهُوَ لِلْحَدِّ فِي دَرْئِهِ. وَلَوْ طُبِخَ الْخَمْرُ أَوْ غَيْرُهُ بَعْدَ الِاشْتِدَادِ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ لَمْ يَحِلَّ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ قَدْ تَقَرَّرَتْ فَلَا تَرْتَفِعُ بِالطَّبْخِ. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِالِانْتِبَاذِ فِي الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ وَالنَّقِيرِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثٍ فِيهِ طُولٌ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْأَوْعِيَةِ «فَاشْرَبُوا فِي كُلِّ ظَرْفٍ، فَإِنَّ الظَّرْفَ لَا يُحِلُّ شَيْئًا وَلَا يُحَرِّمُهُ وَلَا تُشْرِبُوا الْمُسْكِرَ» وَقَالَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا أَخْبَرَ عَنْ النَّهْيِ عَنْهُ فَكَانَ نَاسِخًا لَهُ، وَإِنَّمَا يُنْتَبَذُ فِيهِ بَعْدَ تَطْهِيرِهِ، فَإِنْ كَانَ الْوِعَاءُ عَتِيقًا يُغْسَلُ ثَلَاثًا فَيَطْهُرُ، وَإِنْ كَانَ جَدِيدًا لَا يَطْهُرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِتَشَرُّبِ الْخَمْرِ فِيهِ بِخِلَافِ الْعَتِيقِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُغْسَلُ ثَلَاثًا وَيُجَفَّفُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهِيَ مَسْأَلَةُ مَا لَا يَنْعَصِرُ بِالْعَصْرِ، وَقِيلَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: يُمْلَأُ مَاءً مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، حَتَّى إذَا خَرَجَ الْمَاءُ صَافِيًا غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ. قَالَ (وَإِذَا تَخَلَّلَتْ الْخَمْرُ حَلَّتْ سَوَاءٌ صَارَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: إنَّهَا لَا تَحِلُّ مَا لَمْ يَذْهَبْ ثُلُثَاهُ بِالطَّبْخِ، وَهَذَا أَصَحُّ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ (قَالَ وَلَا بَأْسَ بِالِانْتِبَاذِ فِي الدُّبَّاءِ إلَخْ) جَوَّزَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ الِانْتِبَاذَ فِي الدُّبَّاءِ وَهُوَ الْقَرْعُ وَالْحَنْتَمُ وَهُوَ جِرَارٌ حُمْرٌ أَوْ خُضْرٌ يُحْمَلُ فِيهَا الْخَمْرُ إلَى الْمَدِينَةِ. الْوَاحِدَةُ حَنْتَمَةٌ. وَالْمُزَفَّتُ وَهُوَ الظَّرْفُ الْمَطْلِيُّ بِالزِّفْتِ وَهُوَ الْقِيرُ، وَالنَّقِيرُ وَهُوَ الْخَشَبَةُ الْمَنْقُورَةُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَيْتُكُمْ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا فَقَدْ أُذِنَ لِمُحَمَّدٍ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ أُمِّهِ وَلَا تَقُولُوا هُجْرًا، وَعَنْ لَحْمِ الْأَضَاحِيِّ أَنْ تُمْسِكُوهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ لِيَتَّسِعَ بِهِ مُوسِعُكُمْ عَلَى مُعْسِرِكُمْ، وَعَنْ النَّبِيذِ فِي الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ فَاشْرَبُوا فِي كُلِّ ظَرْفٍ، فَإِنَّ الظَّرْفَ لَا يُحِلُّ شَيْئًا وَلَا يُحَرِّمُهُ» وَلَكِنْ إنَّمَا يُنْبَذُ فِيهِ إنْ كَانَ فِيهِ خَمْرٌ بَعْدَ التَّطْهِيرِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَبْسُوطِهِ: إنَّمَا نُهِيَ عَنْ هَذِهِ الْأَوْعِيَةِ عَلَى الْخُصُوصِ، لِأَنَّ الْأَنْبِذَةَ تَشْتَدُّ فِي هَذِهِ الظُّرُوفِ أَكْثَرَ مِمَّا تَشْتَدُّ فِي غَيْرِهَا: يَعْنِي فَصَاحِبُهَا عَلَى خَطَرٍ مِنْ الْوُقُوعِ فِي شُرْبِ الْمُحَرَّمِ وَقَوْلُهُ (وَإِذَا تَخَلَّلَتْ الْخَمْرُ) يَعْنِي أَنَّ خَلَّ الْخَمْرِ حَلَالٌ عِنْدَنَا سَوَاءٌ تَخَلَّلَتْ بِنَفْسِهَا أَوْ خُلِّلَتْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ كَانَ التَّخَلُّلُ بِإِلْقَاءِ شَيْءٍ فِيهَا كَالْمِلْحِ وَغَيْرِهِ فَهُوَ حَرَامٌ قَوْلًا وَاحِدًا،

خَلًّا بِنَفْسِهَا أَوْ بِشَيْءٍ يُطْرَحُ فِيهَا، وَلَا يُكْرَهُ تَخْلِيلُهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُكْرَهُ التَّخْلِيلُ وَلَا يَحِلُّ الْخَلُّ الْحَاصِلُ بِهِ إنْ كَانَ التَّخْلِيلُ بِإِلْقَاءِ شَيْءٍ فِيهِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إلْقَاءِ شَيْءٍ فِيهِ فَلَهُ فِي الْخَلِّ الْحَاصِلِ بِهِ قَوْلَانِ لَهُ أَنَّ فِي التَّخْلِيلِ اقْتِرَابًا مِنْ الْخَمْرِ عَلَى وَجْهِ التَّمَوُّلِ، وَالْأَمْرُ بِالِاجْتِنَابِ يُنَافِيه وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلُّ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خَيْرُ خَلِّكُمْ خَلُّ خَمْرِكُمْ» وَلِأَنَّ بِالتَّخْلِيلِ يَزُولُ الْوَصْفُ الْمُفْسِدُ وَتَثْبُتُ صِفَةُ الصَّلَاحِ مِنْ حَيْثُ تَسْكِينُ الصَّفْرَاءِ وَكَسْرُ الشَّهْوَةِ، وَالتَّغَذِّي بِهِ وَالْإِصْلَاحُ مُبَاحٌ، وَكَذَا الصَّالِحُ لِلْمَصَالِحِ اعْتِبَارًا بِالْمُتَخَلِّلِ بِنَفْسِهِ وَبِالدِّبَاغِ وَالِاقْتِرَابِ لِإِعْدَامِ الْفَسَادِ فَأَشْبَهَ الْإِرَاقَةَ، وَالتَّخْلِيلُ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ إحْرَازِ مَالٍ يَصِيرُ حَلَالًا فِي الثَّانِي فَيَخْتَارُهُ مَنْ اُبْتُلِيَ بِهِ، وَإِذَا صَارَ الْخَمْرُ خَلًّا يَطْهُرُ مَا يُوَازِيهَا مِنْ الْإِنَاءِ، فَأَمَّا أَعْلَاهُ وَهُوَ الَّذِي نَقَصَ مِنْهُ الْخَمْرُ قِيلَ يَطْهُرُ تَبَعًا وَقِيلَ لَا يَطْهُرُ؛ لِأَنَّهُ خَمْرٌ يَابِسٌ إلَّا إذَا غُسِلَ بِالْخَلِّ فَيَتَخَلَّلُ مِنْ سَاعَتِهِ فَيَطْهُرُ، وَكَذَا إذَا صُبَّ فِيهِ الْخَمْرُ ثُمَّ مُلِئَ خَلًّا يَطْهُرُ فِي الْحَالِ عَلَى مَا قَالُوا. قَالَ (وَيُكْرَهُ شُرْبُ دُرْدِيِّ الْخَمْرِ وَالِامْتِشَاطُ بِهِ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَجْزَاءَ الْخَمْرِ، وَالِانْتِفَاعُ بِالْمُحَرَّمِ حَرَامٌ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُدَاوِيَ بِهِ جُرْحًا أَوْ دَبْرَةَ دَابَّةٍ وَلَا أَنْ يَسْقِيَ ذِمِّيًّا وَلَا أَنْ يَسْقِيَ صَبِيًّا لِلتَّدَاوِي، وَالْوَبَالُ عَلَى مَنْ سَقَاهُ، وَكَذَا لَا يَسْقِيهَا الدَّوَابَّ وَقِيلَ: لَا تُحْمَلُ الْخَمْرُ إلَيْهَا، أَمَّا إذَا قُيِّدَتْ إلَى الْخَمْرِ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا فِي الْكَلْبِ وَالْمَيْتَةِ وَلَوْ أُلْقِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ كَانَ بِالنَّقْلِ مِنْ الظِّلِّ إلَى الشَّمْسِ وَعَكْسِهِ فَلَهُ قَوْلَانِ. وَقَالَ فِي الْفَرْقِ: مَا أُلْقِيَ فِي الْخَمْرِ يَتَنَجَّسُ بِمُلَاقَاتِهِ الْخَمْرَ، وَالْمُتَنَجِّسُ لَا يُفِيدُ الطَّهَارَةَ لِغَيْرِهِ، وَلَيْسَ فِيمَا إذَا تَخَلَّلَتْ بِنَفْسِهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. وَدَلِيلُهُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلُّ» هُوَ يَتَنَاوَلُ الْمُخَلَّلَ وَالْمُتَخَلِّلَ لَا مَحَالَةَ، وَلِأَنَّ التَّخْلِيلَ إصْلَاحُ الْمُفْسِدِ بِإِثْبَاتِ صِفَةِ الصَّلَاحِ مِنْ حَيْثُ التَّغَذِّي بِهِ وَكَسْرُ الشَّهْوَةِ وَتَسْكِينُ الصَّفْرَاءِ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَإِصْلَاحُ الْمُفْسِدِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا فَلَا أَقَلَّ مِنْ الْإِبَاحَةِ وَالْمُنَازِعُ مُكَابِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا الصَّالِحُ لِلْمَصَالِحِ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ الْمُخَلَّلُ صَالِحٌ لِلْمَصَالِحِ، وَالصَّالِحُ لِلْمَصَالِحِ مُبَاحٌ اعْتِبَارًا بِالْمُتَخَلِّلِ بِنَفْسِهِ وَبِالدِّبَاغِ. وَقَوْلُهُ (وَالِاقْتِرَابُ لِإِعْدَامِ الْفَسَادِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ إنَّ فِي التَّخْلِيلِ اقْتِرَابًا مِنْ الْخَمْرِ عَلَى وَجْهِ التَّمَوُّلِ. وَوَجْهُهُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ عَلَى وَجْهِ التَّمَوُّلِ بَلْ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ إعْدَامُ الْفَسَادِ وَذَلِكَ بِالْإِرَاقَةِ جَائِزٌ فَبِالتَّخْلِيلِ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ إحْرَازِ مَالٍ يَصِيرُ حَلَالًا فِي الْمَآلِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَمَا بَعْدَهُ إلَّا الْمُكَابَرَةَ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَصْنَعُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا وَلَكِنْ أَرَقُّهَا حِينَ سَأَلَهُ أَبُو طَلْحَةَ عَنْ تَخْلِيلِ خَمْرِ أَيْتَامٍ عِنْدَهُ» ، وَبِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُتَّخَذَ الْخَمْرُ خَلًّا» أُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ التَّحْرِيمِ قَمْعًا لَهُمْ أَنْ يَحُومُوا حَوْلَ الْخُمُورِ كَمَا حَرَّمَ الِانْتِبَاذَ فِي الْأَوْعِيَةِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ تَصْرِيحِهِ ثَانِيًا بِأَنَّ الظَّرْفَ لَا يُحَرِّمُهُ. وَيُوَضِّحُهُ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِكَسْرِ الدِّنَانِ وَشَقِّ الزِّقَاقِ» وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاتِّخَاذِ الِاسْتِعْمَالُ كَمَا فِي النَّهْيِ عَنْ اتِّخَاذِ الدَّوَابِّ كَرَاسِيَّ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الِاسْتِعْمَالُ «وَلَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31] قَالَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ: مَا عَبَدْنَاهُمْ قَطُّ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَلَيْسَ كَانُوا يَأْمُرُونَ وَيَنْهَوْنَ وَتُطِيعُونَهُمْ؟ قَالَ نَعَمْ، فَقَالَ: هُوَ ذَاكَ» فَسَّرَ الِاتِّخَاذَ بِالِاسْتِعْمَالِ دُرْدِيُّ الْخَمْرِ وَغَيْرِهَا: مَا يَبْقَى فِي أَسْفَلِهِ، وَمَعْنَاهُ يَحْرُمُ شُرْبُ دُرْدِيِّ الْخَمْرِ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ،

[فصل في طبخ العصير]

الدُّرْدِيُّ فِي الْخَلِّ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ خَلًّا لَكِنْ يُبَاحُ حَمْلُ الْخَلِّ إلَيْهِ لَا عَكْسُهُ لِمَا قُلْنَا. قَالَ (وَلَا يُحَدُّ شَارِبُهُ) أَيْ شَارِبُ الدُّرْدِيِّ (إنْ لَمْ يَسْكَرْ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ شَرِبَ جُزْءًا مِنْ الْخَمْرِ وَلَنَا أَنَّ قَلِيلَهُ لَا يَدْعُو إلَى كَثِيرِهِ لِمَا فِي الطِّبَاعِ مِنْ النَّبْوَةِ عَنْهُ فَكَانَ نَاقِصًا فَأَشْبَهَ غَيْرَ الْخَمْرِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ وَلَا حَدَّ فِيهَا إلَّا بِالسُّكْرِ، وَلِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ الثُّفْلُ فَصَارَ كَمَا إذَا غَلَبَ عَلَيْهِ الْمَاءُ بِالِامْتِزَاجِ (وَيُكْرَهُ الِاحْتِقَانُ بِالْخَمْرِ وَإِقْطَارُهَا فِي الْإِحْلِيلِ) ؛ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِالْمُحَرَّمِ وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ لِعَدَمِ الشُّرْبِ وَهُوَ السَّبَبُ، وَلَوْ جُعِلَ الْخَمْرُ فِي مَرَقَةٍ لَا تُؤْكَلُ لِتَنَجُّسِهَا بِهَا وَلَا حَدَّ مَا لَمْ يَسْكَرْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَصَابَهُ الطَّبْخُ وَيُكْرَهُ أَكْلُ خُبْزٍ عُجِنَ عَجِينُهُ بِالْخَمْرِ لِقِيَامِ أَجْزَاءِ الْخَمْرِ فِيهِ. [فَصْلٌ فِي طَبْخِ الْعَصِيرِ] وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا ذَهَبَ بِغَلَيَانِهِ بِالنَّارِ وَقَذَفَهُ بِالزَّبَدِ يُجْعَلُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَيُعْتَبَرُ ذَهَابُ ثُلُثَيْ مَا بَقِيَ لِيَحِلَّ الثُّلُثُ الْبَاقِي، بَيَانُهُ عَشَرَةُ دَوَارِقَ مِنْ عَصِيرٍ طُبِخَ فَذَهَبَ دَوْرَقٌ بِالزَّبَدِ يُطْبَخُ الْبَاقِي حَتَّى يَذْهَبَ سِتَّةُ دَوَارِقَ وَيَبْقَى الثُّلُثُ فَيَحِلُّ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَذْهَبُ زَبَدًا هُوَ الْعَصِيرُ أَوْ مَا يُمَازِجُهُ، وَأَيًّا مَا كَانَ جُعِلَ كَأَنَّ الْعَصِيرَ تِسْعَةُ دَوَارِقَ فَيَكُونُ ثُلُثُهَا ثَلَاثَةً وَأَصْلٌ آخَرُ أَنَّ الْعَصِيرَ إذَا صُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ قَبْلَ الطَّبْخِ ثُمَّ طُبِخَ بِمَائِهِ، إنْ كَانَ الْمَاءُ أَسْرَعَ ذَهَابًا لِرِقَّتِهِ وَلَطَافَتِهِ يُطْبَخُ الْبَاقِي بَعْدَ مَا ذَهَبَ مِقْدَارُ مَا صُبَّ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ؛ لِأَنَّ الذَّاهِبَ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَاءُ وَالثَّانِي الْعَصِيرُ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذَهَابِ ثُلُثَيْ الْعَصِيرِ، وَإِنْ كَانَا يَذْهَبَانِ مَعًا تُغْلَى الْجُمْلَةُ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ وَيَبْقَى ثُلُثُهُ فَيَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ ذَهَبَ الثُّلُثَانِ مَاءً وَعَصِيرًا وَالثُّلُثُ الْبَاقِي مَاءٌ وَعَصِيرٌ فَصَارَ كَمَا إذَا صُبَّ الْمَاءُ فِيهِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ مِنْ الْعَصِيرِ بِالْغَلْيِ ثُلُثَاهُ بَيَانُهُ عَشَرَةُ دَوَارِقَ مِنْ عَصِيرٍ وَعِشْرُونَ دَوْرَقًا مِنْ مَاءٍ فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنَّمَا خَصَّ الِامْتِشَاطَ لِأَنَّ لَهُ تَأْثِيرًا فِي تَحْسِينِ الشَّعْرِ. وَقَوْلُهُ لِمَا قُلْنَا إشَارَةٌ إلَى التَّعْلِيلِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَوْلِهِ كَمَا فِي الْكَلْبِ وَالْمَيْتَةِ (وَلَا يُحَدُّ شَارِبُ الدُّرْدِيِّ إنْ لَمْ يَسْكَرْ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ قَالَ: لِأَنَّهُ شَرِبَ جُزْءًا مِنْ الْخَمْرِ فَيَجِبُ الْحَدُّ وَلَنَا إلَخْ وَاضِحٌ (فَصْلٌ فِي طَبْخِ الْعَصِيرِ) لَمَّا كَانَ طَبْخُ الْعَصِيرِ مِنْ أَسْبَابِ مَنْعِهِ عَنْ التَّخَمُّرِ أَلْحَقَهُ بِالْأَشْرِبَةِ تَعْلِيمًا لِإِبْقَاءِ مَا هُوَ حَلَالٌ عَلَى حِلِّهِ. الدَّوْرَقُ: مِكْيَالٌ لِلشَّرَابِ وَهُوَ عَجَمِيٌّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ يَذْهَبَانِ مَعًا تُغْلَى الْجُمْلَةُ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: كَأَنَّ مُحَمَّدًا عَلِمَ أَنَّ الْعَصِيرَ عَلَى نَوْعَيْنِ: مِنْهُ مَا لَوْ صُبَّ فِيهِ الْمَاءُ وَطُبِخَ يَذْهَبُ الْمَاءُ أَوَّلًا، وَمِنْهُ إذَا صُبَّ فِيهِ الْمَاءُ يَذْهَبَانِ مَعًا. فَفَصَّلَ الْجَوَابَ فِيهِ تَفْصِيلًا. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَاءَ مَتَى مَا كَانَ أَسْرَعَ ذَهَابًا فَإِنَّهُ يُطْبَخُ حَتَّى يَبْقَى ثُلُثُ الْعَصِيرِ، وَإِنْ كَانَا يَذْهَبَانِ مَعًا فَإِنَّهُ يُطْبَخُ حَتَّى يَبْقَى ثُلُثُ الْكُلِّ. وَقَوْلُهُ (فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ) يَعْنِي مَا يَذْهَبُ فِيهِ الْمَاءُ أَوَّلًا. وَقَوْلُهُ يُطْبَخُ حَتَّى يَبْقَى تُسْعُ الْجُمْلَةِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: طَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ أَنْ

يُطْبَخُ حَتَّى يَبْقَى تُسْعُ الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّهُ ثُلُثُ الْعَصِيرِ؛ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَا الْجُمْلَةِ لِمَا قُلْنَا، وَالْغَلْيُ بِدَفْعَةٍ أَوْ دَفَعَاتٍ سَوَاءٌ إذَا حَصَلَ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مُحَرَّمًا وَلَوْ قُطِعَ عَنْهُ النَّارُ فَغَلَى حَتَّى ذَهَبَ الثُّلُثَانِ يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ أَثَرُ النَّارِ وَأَصْلٌ آخَرُ أَنَّ الْعَصِيرَ إذَا طُبِخَ فَذَهَبَ بَعْضُهُ ثُمَّ أُهْرِيقَ بَعْضُهُ كَمْ تُطْبَخُ الْبَقِيَّةُ حَتَّى يَذْهَبَ الثُّلُثَانِ فَالسَّبِيلُ فِيهِ أَنْ تَأْخُذَ ثُلُثَ الْجَمِيعِ فَتَضْرِبَهُ فِي الْبَاقِي بَعْدَ الْمُنْصَبِّ ثُمَّ تَقْسِمَهُ عَلَى مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَهَابِ مَا ذَهَبَ بِالطَّبْخِ قَبْلَ أَنْ يَنْصَبَّ مِنْهُ شَيْءٌ فَمَا يَخْرُجُ بِالْقِسْمَةِ فَهُوَ حَلَالٌ بَيَانُهُ عَشَرَةُ أَرْطَالِ عَصِيرٍ طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ رِطْلٌ ثُمَّ أُهْرِيقَ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَرْطَالٍ تَأْخُذُ ثُلُثَ الْعَصِيرِ كُلَّهُ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ وَتَضْرِبُهُ فِيمَا بَقِيَ بَعْدَ الْمُنْصَبِّ هُوَ سِتَّةٌ فَيَكُونُ عِشْرِينَ ثُمَّ تَقْسِمُ الْعِشْرِينَ عَلَى مَا بَقِيَ بَعْدَ مَا ذَهَبَ بِالطَّبْخِ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَبَّ مِنْهُ شَيْءٌ وَذَلِكَ تِسْعَةٌ، فَيَخْرُجُ لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ ذَلِكَ اثْنَانِ وَتُسْعَانِ، فَعَرَفْت أَنَّ الْحَلَالَ فِيمَا بَقِيَ مِنْهُ رِطْلَانِ وَتُسْعَانِ، وَعَلَى هَذَا تُخَرَّجُ الْمَسَائِلُ وَلَهَا طَرِيقٌ آخَرُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQيُجْعَلَ كُلُّ عَشَرَةٍ مِنْ الْمَاءِ وَالْعَصِيرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ، لِأَنَّك تَحْتَاجُ إلَى أَنْ تَجْعَلَ عَشَرَةَ دَوَارِقَ عَصِيرٍ عَلَى ثَلَاثَةٍ لِحَاجَتِك إلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ فَيَكُونُ الْمَاءُ سِتَّةً وَالْعَصِيرُ ثَلَاثَةً وَالْكُلُّ تِسْعَةَ أَسْهُمٍ، فَإِذَا ذَهَبَ الْمَاءُ أَوَّلًا فَقَدْ ذَهَبَ سِتَّةٌ مِنْ تِسْعَةٍ، وَمَا ذَهَبَ يُجْعَلُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّهُ مَا بَقِيَ الْعَصِيرُ لَا غَيْرُ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ يُطْبَخُ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ فَقَدْ ذَهَبَ مَرَّةً سِتَّةٌ وَمَرَّةً اثْنَانِ فَقَدْ ذَهَبَ ثَمَانِيَةٌ وَبَقِيَ وَاحِدٌ وَهُوَ تُسْعُ الْكُلِّ. وَقَوْلُهُ (وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي) يَعْنِي الَّذِي يَذْهَبُ الْمَاءُ وَالْعَصِيرُ مَعًا (يُطْبَخُ حَتَّى يَذْهَبَ عِشْرُونَ وَيَبْقَى عَشَرَةٌ) لِأَنَّهُ يَذْهَبُ بِالْغَلَيَانِ ثُلُثَا الْعَصِيرِ وَثُلُثَا الْمَاءِ وَالْبَاقِي ثُلُثُ الْعَصِيرِ وَثُلُثُ الْمَاءِ، فَهِيَ وَمَا لَوْ صُبَّ الْمَاءُ فِي الْعَصِيرِ بَعْدَ مَا صَارَ مُثَلَّثًا سَوَاءً. وَقَوْلُهُ (يَحِلُّ) لِأَنَّهُ أَثَرُ النَّارِ. مِثَالُهُ لَوْ طُبِخَ عَصِيرٌ حَتَّى ذَهَبَ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ وَبَقِيَ خُمُسَاهُ ثُمَّ قُطِعَ عَنْهُ النَّارُ فَلَمْ يَبْرُدْ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ تَمَامُ الثُّلُثَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ صَارَ مُثَلَّثًا بِقُوَّةِ النَّارِ، فَإِنَّ الَّذِي بَقِيَ مِنْ الْحَرَارَةِ بَعْدَمَا قَطَعَ عَنْهُ أَثَرَ تِلْكَ النَّارِ فَهُوَ وَمَا لَوْ صَارَ مُثَلَّثًا وَالنَّارُ تَحْتَهُ سَوَاءٌ، هَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا بَرَدَ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مُثَلَّثًا ثُمَّ غُلِيَ وَاشْتَدَّ حَتَّى ذَهَبَ بِالْغَلَيَانِ مِنْهُ شَيْءٌ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَنَّ الْغَلَيَانَ بَعْدَمَا انْقَطَعَ عَنْهُ أَثَرُ النَّارِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الشِّدَّةِ وَحِينَ اشْتَدَّ صَارَ مُحَرَّمًا. وَقَوْلُهُ (بَيَانُهُ عَشَرَةُ أَرْطَالِ عَصِيرٍ، إلَى قَوْلِهِ: فَعَرَفْت أَنَّ الْحَلَالَ مَا بَقِيَ مِنْهُ رِطْلَانِ وَتُسْعَانِ) وَهَذَا لِأَنَّ الرِّطْلَ الذَّاهِبَ بِالطَّبْخِ فِي الْمَعْنَى دَاخِلٌ فِيمَا بَقِيَ، وَكَانَ الْبَاقِي إنْ لَمْ يُنَصَّبْ مِنْهُ شَيْءٌ تِسْعَةُ أَرْطَالٍ فَعَرَفْنَا أَنَّ كُلَّ رِطْلٍ مِنْ ذَلِكَ فِي مَعْنَى رِطْلٍ وَتُسْعِ رِطْلٍ، لِأَنَّ الرِّطْلَ الذَّاهِبَ بِالْغَلَيَانِ يُقْسَمُ عَلَى مَا بَقِيَ اتِّسَاعًا، فَإِذَا انْصَبَّ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَرْطَالٍ فَهَذَا فِي الْمَعْنَى ثَلَاثَةُ أَرْطَالٍ وَثَلَاثَةُ أَتْسَاعِ رِطْلٍ فَيَكُونُ الْبَاقِي مِنْهُ سِتَّةَ أَرْطَالٍ وَسِتَّةَ أَتْسَاعِ رِطْلٍ فَيَطْبُخُهُ حَتَّى يَبْقَى مِنْهُ الثُّلُثُ وَهُوَ رِطْلَانِ وَتُسْعَا رِطْلٍ. وَقَوْلُهُ (وَلَهَا طَرِيقٌ آخَرُ) قِيلَ هُوَ أَنْ يُجْعَلَ الذَّاهِبُ بِالْغَلَيَانِ مِنْ الْحَرَامِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يُطْبَخُ لِيَذْهَبَ الْحَرَامُ وَيَبْقَى الْحَلَالُ، فَثُلُثَا عَشَرَةِ أَرْطَالٍ حَرَامٌ وَهُوَ سِتَّةُ أَرْطَالٍ،

[كتاب الصيد]

وَفِيمَا اكْتَفَيْنَا بِهِ كِفَايَةٌ وَهِدَايَةٌ إلَى تَخْرِيجِ غَيْرِهَا مِنْ الْمَسَائِلِ (كِتَابُ الصَّيْدِ) : قَالَ: الصَّيْدُ الِاصْطِيَادُ، وَيُطْلَقُ عَلَى مَا يُصَادُ، وَالْفِعْلُ مُبَاحٌ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَثُلُثَا رِطْلٍ وَثُلُثُهُ حَلَالٌ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ رِطْلٍ، وَالذَّاهِبُ بِالطَّبْخِ ذَاهِبٌ مِنْ الْحَرَامِ، وَالْبَاقِي تِسْعَةُ أَرْطَالٍ وَالْحَلَالُ مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ رِطْلٍ، وَالْحَرَامُ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثَا رِطْلٍ، فَإِذَا أُرِيقَ ثُلُثُهُ فَهُوَ مِنْ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ جَمِيعًا لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لِلذَّاهِبِ عَيْنًا بِالْحَلَالِ أَوْ بِالْحَرَامِ وَكَانَ الذَّاهِبُ مِنْهُمَا عَلَى السَّوَاءِ، فَذَهَبَ مِنْ الْحَلَالِ ثُلُثُهُ وَهُوَ رِطْلٌ وَتُسْعٌ فَيَبْقَى ثُلُثَاهُ رِطْلَانِ وَتُسْعَا رِطْلٍ. وَلَوْ رُمْت زِيَادَةَ الِانْكِشَافِ فَاجْعَلْ كُلَّ رِطْلٍ تُسْعًا لِاحْتِيَاجِك إلَى حِسَابٍ لَهُ ثُلُثٌ وَلِثُلُثِهِ ثُلُثٌ وَهُوَ تِسْعَةٌ فَصَارَتْ أَرْطَالُ الْحَلَالِ ثَلَاثِينَ سَهْمًا وَقَدْ أُرِيقَ ثُلُثُهُ وَهُوَ عَشَرَةٌ فَيَبْقَى عِشْرُونَ وَهُوَ رِطْلَانِ وَتُسْعَا رِطْلٍ [كِتَابُ الصَّيْدِ] مُنَاسَبَةُ كِتَابِ الصَّيْدِ لِكِتَابِ الْأَشْرِبَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَشْرِبَةِ وَالصَّيْدِ مِمَّا يُورِثُ السُّرُورَ، إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ الْأَشْرِبَةَ

لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] ـــــــــــــــــــــــــــــQلِحُرْمَتِهَا اعْتِنَاءً بِالِاحْتِرَازِ عَنْهَا وَمَحَاسِنُهُ مَحَاسِنُ الْمَكَاسِبِ. وَسَبَبُهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الصَّائِدِ، فَقَدْ يَكُونُ الْحَاجَةُ إلَيْهِ، وَقَدْ يَكُونُ إظْهَارَ الْجَلَادَةِ، وَقَدْ يَكُونُ الْفَرَحُ. وَالصَّيْدُ مَصْدَرٌ وَقَدْ يُرَادُ بِهِ الْمَفْعُولُ، وَهُوَ حَلَالٌ وَحَرَامٌ، لِأَنَّ الصَّائِدَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ فَهُوَ حَرَامٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَإِمَّا إنْ اصْطَادَ فِي الْحَرَم أَوْ لَا؛ فَإِنْ اصْطَادَ فِيهِ فَكَذَلِكَ، وَإِلَّا فَهُوَ حَلَالٌ إذَا وُجِدَ خَمْسَةَ عَشَرَ شَرْطًا: خَمْسَةٌ فِي الصَّائِدِ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ، وَأَنْ يُوجَدَ مِنْهُ الْإِرْسَالُ، وَأَنْ لَا يُشَارِكَهُ فِي الْإِرْسَالِ مَنْ لَا يَحِلُّ صَيْدُهُ، وَأَنْ لَا يَتْرُكَ التَّسْمِيَةَ عَامِدًا، وَأَنْ لَا يَشْتَغِلَ بَيْنَ الْإِرْسَالِ وَالْأَخْذِ بِعَمَلٍ آخَرَ، وَخَمْسَةٌ فِي الْكَلْبِ: أَنْ يَكُونَ مُعَلَّمًا وَأَنْ يَذْهَبَ عَلَى سُنَنِ الْإِرْسَالِ وَأَنْ لَا يُشَارِكَهُ فِي الْأَخْذِ مَا لَا يَحِلُّ صَيْدُهُ، وَأَنْ يَقْتُلَهُ جَرْحًا، وَأَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْهُ. وَخَمْسَةٌ فِي الصَّيْدِ: أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ الْحَشَرَاتِ وَأَنْ لَا يَكُونَ مِنْ بَنَاتِ الْمَاءِ إلَّا السَّمَكَ وَأَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ بِجَنَاحَيْهِ أَيْ قَوَائِمِهِ وَأَنْ لَا يَكُونَ مُتَقَوِّيًا بِأَنْيَابِهِ أَوْ بِمِخْلَبِهِ وَأَنْ يَمُوتَ بِهَذَا قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى ذَبْحِهِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ مَنْسُوبًا إلَى الْخُلَاصَةِ وَفِيهِ تَسَامُحٌ لِأَنَّ هَذَا شَرْطُ الِاصْطِيَادِ لِلْأَكْلِ بِالْكَلْبِ لَا غَيْرُ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ انْتَفَى بَعْضُهُ لَمْ يَحْرُمْ كَمَا لَوْ اشْتَغَلَ بِعَمَلٍ آخَرَ لَكِنْ أَدْرَكَهُ حَيًّا فَذَبَحَهُ وَكَذَا إذَا لَمْ يَمُتْ بِهَذَا لَكِنَّهُ ذَبَحَهُ فَإِنَّهُ صَيْدٌ، وَهُوَ حَلَالٌ، وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] ؛

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ، وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ فَلَا تَأْكُلْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ شَارَكَ كَلْبَك كَلْبٌ آخَرُ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّك إنَّمَا سَمَّيْت عَلَى كَلْبِك وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى كَلْبِ غَيْرِك» وَعَلَى إبَاحَتِهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ وَلِأَنَّهُ نَوْعُ اكْتِسَابٍ وَانْتِفَاعٍ بِمَا هُوَ مَخْلُوقٌ لِذَلِكَ، وَفِيهِ اسْتِبْقَاءُ الْمُكَلَّفِ وَتَمْكِينُهُ مِنْ إقَامَةِ التَّكَالِيفِ فَكَانَ مُبَاحًا بِمَنْزِلَةِ الِاحْتِطَابِ ثُمَّ جُمْلَةُ مَا يَحْوِيهِ الْكِتَابُ فَصْلَانِ: أَحَدُهُمَا فِي الصَّيْدِ بِالْجَوَارِحِ وَالثَّانِي فِي الِاصْطِيَادِ بِالرَّمْيِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ أَدْنَى مَرْتَبَةِ الْأَمْرِ الْإِبَاحَةُ وقَوْله تَعَالَى {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْحِلِّ إذَا زَالَ الْإِحْرَامُ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بِمَفْهُومِ الْغَايَةِ وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَلَوْ ذَكَرَ مَكَانَهُ {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] كَانَ أَنْسَبَ. وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَلَمْ يُرْوَ خِلَافٌ لِأَحَدٍ فِي إبَاحَتِهِ فَكَانَ إجْمَاعًا. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ نَوْعُ اكْتِسَابٍ، وَالِاكْتِسَابُ مُبَاحٌ كَالِاحْتِطَابِ) اسْتِدْلَالٌ بِالْمَعْقُولِ.

[فصل الجوارح]

(فَصْلٌ فِي الْجَوَارِحِ) : قَالَ (وَيَجُوزُ الِاصْطِيَادُ بِالْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ وَالْفَهْدِ وَالْبَازِي وَسَائِرِ الْجَوَارِحِ الْمُعَلَّمَةِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَكُلُّ شَيْءٍ عَلَّمْته مِنْ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ فَلَا بَأْسَ بِصَيْدِهِ، وَلَا خَيْرَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ تُدْرِكَ ذَكَاتَهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلُ الْجَوَارِحِ] فَصْلُ فِي الْجَوَارِحِ) قَدَّمَ فَصْلَ الْجَوَارِحِ عَلَى فَصْلِ الرَّمْيِ لِمَا أَنَّ آلَةَ الصَّيْدِ هَاهُنَا حَيَوَانٌ وَفِي الرَّمْيِ جَمَادٌ، وَلِلْفَاضِلِ تَقَدُّمٌ عَلَى الْمَفْضُولِ. قَالَ (وَيَجُوزُ الِاصْطِيَادُ بِالْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ إلَخْ) يَجُوزُ الِاصْطِيَادُ بِالْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ وَالْفَهْدِ الْمُعَلَّمِ وَالْبَازِي الْمُعَلَّمِ وَسَائِرِ الْجَوَارِحِ الْمُعَلَّمَةِ، وَهَذَا بِعُمُومِهِ يَتَنَاوَلُ الْأَسَدَ وَالذِّئْبَ وَالدُّبَّ وَالْخِنْزِيرَ، لَكِنَّ الْخِنْزِيرَ لِكَوْنِهِ نَجِسَ الْعَيْنِ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ مَعْلُومًا لِكُلِّ أَحَدٍ فَلَمْ يَسْتَثْنِهِ، وَالْبَاقِيَةُ إنْ أَمْكَنَ تَعْلِيمُهَا جَازَ الِاصْطِيَادُ بِهَا، لَكِنَّهُمْ قَالُوا: لَا يُمْكِنُ تَعْلِيمُ الْأَسَدِ وَالدُّبِّ لِأَنَّ مِنْ عَادَتِهِمَا أَنَّهُمَا إذَا أَمْسَكَا صَيْدًا لَا يَأْكُلَانِهِ فِي الْحَالِ، وَالتَّعَلُّمُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِتَرْكِ الْأَكْلِ فَلَا يُعْلَمُ أَنَّهُ تَرَكَ عَادَةً أَوْ تَعَلُّمًا، وَلِأَنَّ التَّعْلِيمَ لَأَنْ يُمْسِكَ لِلْغَيْرِ وَالْأَسَدُ لِعُلُوِّ هِمَّتِهِ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ وَالدُّبُّ لِخَسَاسَتِهِ، وَلِهَذَا اسْتَثْنَاهُمَا أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَأَلْحَقَ بَعْضُهُمْ الْحِدَأَةَ بِالدُّبِّ لِمَعْنَى الْخَسَاسَةِ، وَإِنَّمَا أَوْرَدَ رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَوْلِهِ: وَلَا خَيْرَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ: أَيْ فِيمَا سِوَى الْمُعَلَّمَةِ مِنْ ذِي النَّابِ وَالْمِخْلَبِ، فَإِنَّ رِوَايَةَ الْقُدُورِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَدُلُّ عَلَى الْإِثْبَاتِ لَا غَيْرُ، وَرِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ تَدُلُّ عَلَى الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ جَمِيعًا.

وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي جَوَازِ الِاصْطِيَادِ بِالْمَذْكُورِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 4] أَيْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَصَيْدُ مَا عَلَّمْتُمْ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْقِرَانَ فِي النَّظْمِ لَا يُوجِبُ الْقِرَانَ فِي الْحُكْمِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى الْقِرَانِ وَهَاهُنَا قَدْ دَلَّ، فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى {قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 4] جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ} [المائدة: 4] فَإِنْ لَمْ يَكُنْ {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4] مُقَارِنًا لَهُ لَمْ يَكُنْ ذِكْرُهُ عَلَى مَا يَنْبَغِي، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ شَرْطِيَّةً، وَجَوَابُهُ {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] وَهُوَ سَالِمٌ عَنْ الِاعْتِرَاضِ الْمَذْكُورِ فَالْحَمْلُ عَلَيْهِ أَوْلَى. وَالْجَوَارِحُ: الْكَوَاسِبُ مِنْ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ وَالطَّيْرِ كَالْكَلْبِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَالْعُقَابِ وَالصَّقْرِ وَالْبَازِي وَالشَّاهِينِ وَغَيْرِهِمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ} [الجاثية: 21] وَإِنَّمَا قَالَ فِي تَأْوِيلٍ لِأَنَّهُ فِي تَأْوِيلٍ آخَرَ هِيَ الَّتِي تَجْرَحُ مِنْ الْجِرَاحَةِ، وَالْمُكَلِّبِينَ بِمَعْنَى الْمُسَلَّطِينَ فَيَتَنَاوَلُ الْكُلَّ بِعُمُومِهِ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ التَّأْدِيبُ غَالِبًا فِي الْكِلَابِ اُشْتُقَّ مِنْ لَفْظِهِ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى نَفْيِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ عُمَرَ وَمُجَاهِدٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ

وَالْجَوَارِحُ: الْكَوَاسِبُ قَالَ فِي تَأْوِيلِ الْمُكَلِّبِينَ: الْمُسَلَّطِينَ، فَيَتَنَاوَلُ الْكُلَّ بِعُمُومِهِ، دَلَّ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ عَدِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاسْمُ الْكَلْبِ فِي اللُّغَةِ يَقَعُ عَلَى كُلِّ سَبُعٍ حَتَّى الْأَسَدِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اُسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ الْأَسَدُ وَالدُّبُّ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَعْمَلَانِ لِغَيْرِهِمَا الْأَسَدُ لِعُلُوِّ هِمَّتِهِ وَالدُّبُّ لِخَسَاسَتِهِ، وَأَلْحَقَ بِهِمَا بَعْضُهُمْ الْحِدَأَةَ لِخَسَاسَتِهَا، وَالْخِنْزِيرُ مُسْتَثْنًى؛ لِأَنَّهُ نَجَسُ الْعَيْنِ فَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ التَّعْلِيمِ؛ لِأَنَّ مَا تَلُونَا مِنْ النَّصِّ يَنْطِقُ بِاشْتِرَاطِ التَّعْلِيمِ وَالْحَدِيثِ بِهِ وَبِالْإِرْسَالِ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ آلَةً بِالتَّعْلِيمِ لِيَكُونَ عَامِلًا لَهُ فَيَتَرَسَّلُ بِإِرْسَالِهِ وَيُمْسِكُهُ عَلَيْهِ. قَالَ (تَعْلِيمُ الْكَلْبِ أَنْ يَتْرُكَ الْأَكْلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَتَعْلِيمُ الْبَازِي أَنْ يَرْجِعَ وَيُجِيبَ إذَا دَعَوْتَهُ) وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَلِأَنَّ بَدَنَ الْبَازِيِّ لَا يَحْتَمِلُ الضَّرْبَ، وَبَدَنُ الْكَلْبِ يَحْتَمِلُهُ فَيُضْرَبُ لِيَتْرُكَهُ، وَلِأَنَّ آيَةَ التَّعْلِيمِ تَرْكُ مَا هُوَ أَلُوفٌ عَادَةً، وَالْبَازِيُّ مُتَوَحِّشٌ مُتَنَفِّرٌ فَكَانَتْ الْإِجَابَةُ آيَةَ تَعْلِيمِهِ وَأَمَّا الْكَلْبُ فَهُوَ مَأْلُوفٌ يَعْتَادُ الِانْتِهَابَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاصْطِيَادُ إلَّا بِالْكَلْبِ مُسْتَدِلِّينَ بِلَفْظِ مُكَلِّبِينَ. وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى صِحَّةِ التَّأْوِيلِ بِعُمُومِ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ. وَقَالَ: وَاسْمُ الْكَلْبِ يَقَعُ فِي اللُّغَةِ عَلَى كُلِّ سَبُعٍ حَتَّى الْأَسَدِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي دُعَائِهِ «اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلَابِك» فَافْتَرَسَهُ الْأَسَدُ. وَقَوْلُهُ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَيَتَنَاوَلُ الْكُلَّ بِعُمُومِهِ وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ آيَةَ تَعْلِيمِهِ تَرْكُ مَا هُوَ مَأْلُوفُهُ عَادَةً) .

فَكَانَ آيَةُ تَعْلِيمِهِ تَرْكَ مَأْلُوفِهِ وَهُوَ الْأَكْلُ وَالِاسْتِلَابُ ثُمَّ شُرِطَ تَرْكُ الْأَكْلِ ثَلَاثًا وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ فِيمَا دُونَهُ مَزِيدَ الِاحْتِمَالِ فَلَعَلَّهُ تَرَكَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ شِبَعًا، فَإِذَا تَرَكَهُ ثَلَاثًا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ صَارَ عَادَةً لَهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ مُدَّةٌ ضُرِبَتْ لِلِاخْتِبَارِ وَإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ كَمَا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَفِي بَعْضِ قَصَصِ الْأَخْيَارِ: وَلِأَنَّ الْكَثِيرَ هُوَ الَّذِي يَقَعُ أَمَارَةً عَلَى الْعِلْمِ دُونَ الْقَلِيلِ، وَالْجَمْعُ هُوَ الْكَثِيرُ وَأَدْنَاهُ الثَّلَاثُ فَقُدِّرَ بِهَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ: لَا يَثْبُتُ التَّعْلِيمُ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّ الصَّائِدِ أَنَّهُ مُعَلَّمٌ، وَلَا يُقَدَّرُ بِالثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ لَا تُعْرَفُ اجْتِهَادًا بَلْ نَصًّا وَسَمَاعًا وَلَا سَمْعَ فَيُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ كَمَا هُوَ أَصْلُهُ فِي جِنْسِهَا وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى عِنْدَهُ يَحِلُّ مَا اصْطَادَهُ ثَالِثًا وَعِنْدَهُمَا لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ مُعَلَّمًا بَعْدَ تَمَامِ الثَّلَاثِ وَقَبْلَ التَّعْلِيمِ غَيْرُ مُعَلَّمٍ، فَكَانَ الثَّالِثُ صَيْدَ كَلْبٍ جَاهِلٍ وَصَارَ كَالتَّصَرُّفِ الْمُبَاشِرِ فِي سُكُوتِ الْمَوْلَى وَلَهُ أَنَّهُ آيَةُ تَعْلِيمِهِ عِنْدَهُ فَكَانَ هَذَا صَيْدَ جَارِحَةٍ مُعَلَّمَةٍ، بِخِلَافِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ إعْلَامٌ وَلَا يَتَحَقَّقُ دُونَ عِلْمِ الْعَبْدِ وَذَلِكَ بَعْدَ الْمُبَاشَرَةِ. قَالَ (وَإِذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ الْمُعَلَّمَ أَوْ بَازِيَهُ وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ إرْسَالِهِ فَأَخَذَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقِيلَ فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ هَذَا الْفَرْقَ لَا يَتَأَتَّى فِي الْفَهْدِ وَالنَّمِرِ فَإِنَّهُ مُتَوَحِّشٌ كَالْبَازِي، ثُمَّ الْحُكْمُ فِيهِ وَفِي الْكَلْبِ سَوَاءٌ فَالْمُعْتَمَدُ هُوَ الْأَوَّلُ، وَلَيْسَ بِوَارِدٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ فَرْقًا بَيْنَ الْكَلْبِ وَالْبَازِي لَا غَيْرُ وَذَلِكَ صَحِيحٌ، وَإِذَا أُرِيدَ الْفَرْقُ عُمُومًا فَالْمُعْتَمَدُ هُوَ الْأَوَّلُ. وَقَوْلُهُ (وَفِي بَعْضِ قَصَصِ الْأَخْيَارِ) قِيلَ أَرَادَ بِهِ حِكَايَةَ مُوسَى مَعَ الْخَضِرِ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَيْثُ قَالَ فِي الْكَرَّةِ الثَّالِثَةِ {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف: 78] وَقَوْلُهُ (كَمَا هُوَ أَصْلُهُ فِي جِنْسِهَا) أَيْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي جِنْسِ الْمَقَادِيرِ نَحْوُ حَبْسِ الْغَرِيمِ وَحَدِّ التَّقَادُمِ وَتَقْدِيرِ مَا غَلَبَ فِي نَزْحِ مَاءِ الْبِئْرِ الْمُعَيَّنَةِ. وَقَوْلُهُ (وَلَهُ أَنَّهُ آيَةُ تَعْلِيمِهِ عِنْدَهُ) أَيْ أَنَّ تَرْكَ الْأَكْلِ عَلَامَةُ

الصَّيْدَ وَجَرَحَهُ فَمَاتَ حَلَّ أَكْلُهُ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ عَدِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلِأَنَّ الْكَلْبَ أَوْ الْبَازِي آلَةٌ، وَالذَّبْحُ لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْآلَةِ إلَّا بِالِاسْتِعْمَالِ وَذَلِكَ فِيهِمَا بِالْإِرْسَالِ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الرَّمْيِ وَإِمْرَارِ السِّكِّينِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّسْمِيَةِ عِنْدَهُ وَلَوْ تَرَكَهُ نَاسِيًا حَلَّ أَيْضًا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَحُرْمَةُ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا فِي الذَّبَائِحِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْجُرْحِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِيَتَحَقَّقَ الذَّكَاةُ الِاضْطِرَارِيُّ وَهُوَ الْجُرْحُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ مِنْ الْبَدَنِ بِانْتِسَابِ مَا وُجِدَ مِنْ الْآلَةِ إلَيْهِ بِالِاسْتِعْمَالِ وَفِي ظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4] مَا يُشِيرُ إلَى اشْتِرَاطِ الْجُرْحِ؛ إذْ هُوَ مِنْ الْجُرْحِ بِمَعْنَى الْجِرَاحَةِ فِي تَأْوِيلٍ فَيُحْمَلُ عَلَى الْجَارِحِ الْكَاسِبُ بِنَابِهِ وَمِخْلَبِهِ وَلَا تَنَافِيَ، وَفِيهِ أَخْذٌ بِالْيَقِينِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعْلِيمِهِ عِنْدَ الثَّالِثِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يُحْكَمُ بِكَوْنِهِ مُعَلَّمًا بِطَرِيقِ تَعْيِينِ إمْسَاكِهِ الثَّالِثِ عَلَى صَاحِبِهِ، وَإِذَا حَكَمْنَا أَنَّهُ يُمْسِكُهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَقَدْ أَخَذَهُ بَعْدَ إرْسَالِ صَاحِبِهِ فَيَحِلُّ وَقَوْلُهُ (فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ) يُرِيدُ رِوَايَةَ الزِّيَادَاتِ فَإِنَّهُ قَالَ: لَوْ قَتَلَ الْكَلْبُ أَوْ الْبَازِي الصَّيْدَ مِنْ غَيْرِ جَرْحٍ لَا يَحِلُّ، وَأَشَارَ فِي الْأَصْلِ إلَى أَنَّهُ يَحِلُّ، وَالْفَتْوَى عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَقَوْلُهُ (فِي تَأْوِيلٍ) يَعْنِي غَيْرَ مَا أَوَّلْنَاهُ أَوَّلًا وَهُوَ قَوْلُهُ وَالْجَوَارِحُ الْكَوَاسِبُ فِي تَأْوِيلٍ. وَذَلِكَ مَا يَكُونُ جَارِحًا حَقِيقَةً بِنَابِهِ وَمِخْلَبِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْجَارِحِ الْكَاسِبِ: يَعْنِي يُجْمَعُ فِي الْآيَةِ بَيْنَ التَّأْوِيلَيْنِ لِعَدَمِ التَّنَافِي بَيْنَهُمَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ النَّصَّ إذَا أُورِدَ وَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَعَانِي، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَنَافٍ يُحْمَلُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِدَلِيلٍ يُوجِبُ التَّرْجِيحَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا تَنَافٍ يَثْبُتُ الْجَمِيعُ أَخْذًا بِالْمُتَيَقَّنِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228] قِيلَ أُرِيدَ بِهِ الْحَبَلُ، وَقِيلَ الْحَيْضُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا مُرَادَانِ لِأَنَّهُ لَا تَنَافِيَ هَاهُنَا، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْجَرْحَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْكَسْبِ وَالْجَرْحِ الَّذِي تَحْصُلُ بِهِ الْجِرَاحَةُ، أَوْ يَكُونَ حَقِيقَةً فِي أَحَدِهِمَا مَجَازًا فِي الْآخَرِ، وَالْمُشْتَرَكُ لَا عُمُومَ لَهُ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ عِنْدَنَا لَا يَجُوزُ، بِخِلَافِ قَوْله تَعَالَى {مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228] فَإِنَّهُ لَفْظٌ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ بِالتَّوَاطُؤِ وَقَوْلُهُ (وَفِيهِ) أَيْ فِي الْجَارِحِ الْكَاسِبِ أَخْذٌ بِالْيَقِينِ.

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ رُجُوعًا إلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا. قَالَ (فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ أَوْ الْفَهْدُ لَمْ يُؤْكَلْ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ الْبَازِي أُكِلَ) وَالْفَرْقُ مَا بَيَّنَّاهُ فِي دَلَالَةِ التَّعْلِيمِ وَهُوَ مُؤَيَّدٌ بِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ عَدِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ الْقَدِيمِ فِي إبَاحَةِ مَا أَكَلَ الْكَلْبُ مِنْهُ (وَلَوْ أَنَّهُ صَادَ صُيُودًا وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (رُجُوعًا إلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ) يَعْنِي مَا سَبَقَ مِنْ الْكَوَاسِبِ. وَقَوْلُهُ (وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا) يَعْنِي قَوْلَهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا، وَفِيهِ أَخْذٌ بِالْيَقِينِ وَقَوْلُهُ (وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي قَوْلِهِ الْقَدِيمِ فِي إبَاحَةِ مَا أَكَلَ الْكَلْبُ مِنْهُ) يَعْنِي حَدِيثَ عَدِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. فَإِنْ قِيلَ: رَوَى أَبُو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لَهُ فِي صَيْدِ الْكَلْبِ: كُلْ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ» وَذَلِكَ

ثُمَّ أَكَلَ مِنْ صَيْدٍ لَا يُؤْكَلُ هَذَا الصَّيْدُ) ؛ لِأَنَّهُ عَلَامَةُ الْجَهْلِ، وَلَا مَا يَصِيدُهُ بَعْدَهُ حَتَّى يَصِيرَ مُعَلَّمًا عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ كَمَا بَيَّنَّاهَا فِي الِابْتِدَاءِ وَأَمَّا الصُّيُودُ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ قَبْلُ فَمَا أَكَلَ مِنْهَا لَا تَظْهَرُ الْحُرْمَةُ فِيهِ لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّيَّةِ وَمَا لَيْسَ بِمُحْرَزٍ بِأَنْ كَانَ فِي الْمَفَازَةِ بِأَنْ لَمْ يَظْفَرْ صَاحِبُهُ بَعْدَ تَثَبُّتِ الْحُرْمَةِ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ، وَمَا هُوَ مُحْرَزٌ فِي بَيْتِهِ يَحْرُمُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا هُمَا يَقُولَانِ: إنَّ الْأَكْلَ لَيْسَ يَدُلُّ عَلَى الْجَهْلِ فِيمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الْحِرْفَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQدَلِيلٌ وَاضِحٌ لَهُمَا أُجِيبَ بِأَنَّهُ خَبَرُ وَاحِدٍ لَا يُعَارِضُ قَوْله تَعَالَى {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] فَإِنَّ الْإِمْسَاكَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْهُ، وَحِينَ أَكَلَ مِنْهُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ عَدِيٍّ «فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ فَلَا تَأْكُلْ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ» وَقَوْلُهُ (عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ كَمَا بَيَّنَّاهَا ابْتِدَاءً) أَرَادَ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ يَحِلُّ عِنْدَهُ مَا اصْطَادَهُ ثَالِثًا إلَخْ، وَقَوْلُهُ (وَأَمَّا الصَّيُودُ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ قَبْلُ) وَاضِحٌ، وَحَاصِلُ ذَلِكَ فِي الْمُحْرَزِ الَّذِي لَمْ يُؤْكَلْ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَحْكُمُ بِجَهْلِهِ مُسْتَنِدًا، وَهُمَا يَقُولَانِ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى مَا أُكِلَ، لِأَنَّ مَا أَحْرَزَهُ الْمَالِكُ حَكَمَ بِإِبَاحَتِهِ بِاجْتِهَادٍ وَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِهِ وَهُوَ الْإِحْرَازُ فَلَا يُنْقَضُ بِاجْتِهَادٍ آخَرَ مِثْلِهِ بَعْدَهُ. وَالْجَوَابُ مَا قَالَ، وَتَبَدُّلُ الِاجْتِهَادِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْأَكْلُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يُنْقَضُ بِاجْتِهَادٍ آخَرَ كَتَبَدُّلِ اجْتِهَادِ الْقَاضِي قَبْلَ الْقَضَاءِ. وَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَقْرَبُ إلَى الِاحْتِيَاطِ وَعَلَيْهِ مَبْنَى الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا بَاعَ شَيْئًا مِنْ صُوَرِهِ الْمُقَدَّرَةِ وَالْحُكْمُ فِيهِ كَاَلَّذِي فِيهِ الْخِلَافُ إذَا تَصَادَقَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي عَلَى جَهَالَةِ الْكَلْبِ.

قَدْ تُنْسَى، وَلِأَنَّ فِيمَا أَحْرَزَهُ قَدْ أَمْضَى الْحُكْمَ فِيهِ الِاجْتِهَادُ فَلَا يُنْقَضُ بِاجْتِهَادٍ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَدْ حَصَلَ بِالْأَوَّلِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُحْرَزِ؛ لِأَنَّهُ مَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِبَقَائِهِ صَيْدًا مِنْ وَجْهٍ لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ فَحَرَّمْنَاهُ احْتِيَاطًا وَلَهُ أَنَّهُ آيَةُ جَهْلِهِ مِنْ الِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّ الْحِرْفَةَ لَا يُنْسَى أَصْلُهَا، فَإِذَا أَكَلَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ تَرَكَ الْأَكْلَ لِلشِّبَعِ لَا لِلْعِلْمِ، وَتَبَدَّلَ الِاجْتِهَادُ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّهُ بِالْأَكْلِ فَصَارَ كَتَبَدُّلِ اجْتِهَادِ الْقَاضِي قَبْلَ الْقَضَاءِ (وَلَوْ أَنَّ صَقْرًا فَرَّ مِنْ صَاحِبِهِ فَمَكَثَ حِينًا ثُمَّ صَادَ لَا يُؤْكَلُ صَيْدُهُ) ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ مَا صَارَ بِهِ عَالِمًا فَيُحْكَمُ بِجَهْلِهِ كَالْكَلْبِ إذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ (وَلَوْ شَرِبَ الْكَلْبُ مِنْ دَمِ الصَّيْدِ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ أُكِلَ) ؛ لِأَنَّهُ مُمْسِكٌ لِلصَّيْدِ عَلَيْهِ، وَهَذَا مِنْ غَايَةِ عِلْمِهِ حَيْثُ شَرِبَ مَا لَا يَصْلُحُ لِصَاحِبِهِ وَأَمْسَكَ عَلَيْهِ مَا يَصْلُحُ لَهُ (وَلَوْ أَخَذَ الصَّيْدَ مِنْ الْمُعَلَّمِ ثُمَّ قَطَعَ مِنْهُ قِطْعَةً وَأَلْقَاهَا إلَيْهِ فَأَكَلَهَا يُؤْكَلُ مَا بَقِيَ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ صَيْدًا فَصَارَ كَمَا إذَا أَلْقَى إلَيْهِ طَعَامًا غَيْرَهُ، وَكَذَا إذَا وَثَبَ الْكَلْبُ فَأَخَذَهُ مِنْهُ وَأَكَلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ، وَالشَّرْطُ تَرْكُ الْأَكْلِ مِنْ الصَّيْدِ فَصَارَ كَمَا إذَا افْتَرَسَ شَاتَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِزَهُ الْمَالِكُ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَتْ فِيهِ جِهَةُ الصَّيْدِيَّةِ (وَلَوْ نَهَسَ الصَّيْدَ فَقَطَعَ مِنْهُ بِضْعَةً فَأَكَلَهَا ثُمَّ أَدْرَكَ الصَّيْدَ فَقَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ لَمْ يُؤْكَلْ) ؛ لِأَنَّهُ صَيْدُ كَلْبٍ جَاهِلٍ حَيْثُ أَكَلَ مِنْ الصَّيْدَ (وَلَوْ أَلْقَى مَا نَهَسَهُ وَاتَّبَعَ الصَّيْدَ فَقَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ وَأَخَذَهُ صَاحِبُهُ ثُمَّ مَرَّ بِتِلْكَ الْبِضْعَةِ فَأَكَلَهَا يُؤْكَلُ الصَّيْدُ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَكَلَ مِنْ نَفْسِ الصَّيْدِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَضُرَّهُ، فَإِذَا أَكَلَ مَا بَانَ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لِصَاحِبِهِ أَوْلَى، بِخِلَافِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ فِي حَالَةِ الِاصْطِيَادِ فَكَانَ جَاهِلًا مُمْسِكًا لِنَفْسِهِ، وَلِأَنَّ نَهْسَ الْبِضْعَةِ قَدْ يَكُونُ لِيَأْكُلَهَا وَقَدْ يَكُونُ حِيلَةً فِي الِاصْطِيَادِ لِيَضْعُفَ بِقَطْعِ الْقِطْعَةِ مِنْهُ فَيُدْرِكَهُ، فَالْأَكْلُ قَبْلَ الْأَخْذِ يَدُلُّ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَبَعْدَهُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي فَلَا يَدُلُّ عَلَى جَهْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلَوْ أَنَّ صَقْرًا فَرَّ مِنْ صَاحِبِهِ فَمَكَثَ حِينًا ثُمَّ صَادَ) يَعْنِي بَعْدَمَا رَجَعَ إلَى صَاحِبِهِ لَمْ يُؤْكَلْ، وَأَمَّا قَبْلَ الرُّجُوعِ إلَيْهِ فَلَا شُبْهَةَ فِي حُرْمَةِ مَا صَادَهُ لِانْتِفَاءِ الْإِرْسَالِ، وَمَسْأَلَةُ الْوَثْبَةِ فِي الْكِتَابِ مَعْلُومَةٌ، وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ مَا وَثَبَ فَأَخَذَ مِنْ صَاحِبِهِ وَأَكَلَ وَبَيْنَ مَا أَكَلَ بَعْدَمَا قَتَلَ، فَإِنَّ الصَّيْدَ كَمَا خَرَجَ عَنْ الصَّيْدِيَّةِ بِأَخْذِ صَاحِبِهِ جَازَ أَنْ يَخْرُجَ أَيْضًا بِقَتْلِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ بِالْأَكْلِ حَتَّى أَخَذَهُ صَاحِبُهُ دَلَّ أَنَّهُ كَانَ مُمْسِكًا عَلَى صَاحِبِهِ وَانْتِهَاسُهُ مِنْهُ وَمِنْ لَحْمٍ آخَرَ فِي خَلَاةِ صَاحِبِهِ

قَالَ (وَإِنْ أَدْرَكَ الْمُرْسِلُ الصَّيْدَ حَيًّا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُذَكِّيَهُ، وَإِنْ تَرَكَ تَذْكِيَتَهُ حَتَّى مَاتَ لَمْ يُؤْكَلْ، وَكَذَا الْبَازِيُّ وَالسَّهْمُ) ؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ، إذْ الْمَقْصُودُ هُوَ الْإِبَاحَةُ وَلَمْ تَثْبُتْ قَبْلَ مَوْتِهِ فَبَطَلَ حُكْمُ الْبَدَلِ، وَهَذَا إذَا تَمَكَّنَ مِنْ ذَبْحِهِ أَمَّا إذَا وَقَعَ فِي يَدِهِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهِ وَفِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ فَوْقَ مَا يَكُونُ فِي الْمَذْبُوحِ لَمْ يُؤْكَلْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَحِلُّ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْأَصْلِ فَصَارَ كَمَا إذَا رَأَى الْمَاءَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ قَدَرَ اعْتِبَارًا؛ لِأَنَّهُ ثَبَّتَ يَدَهُ عَلَى حَسَبِ تَفَاوُتِهِمْ فِي الْكِيَاسَةِ وَالْهِدَايَةِ فِي أَمْرِ الذَّبْحِ فَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، بِخِلَافِ مَا إذَا بَقِيَ فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ مِثْلُ مَا يَبْقَى فِي الْمَذْبُوحِ؛ لِأَنَّهُ مَيِّتٌ حُكْمًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ وَهُوَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَحْرُمْ كَمَا إذَا وَقَعَ وَهُوَ مَيِّتٌ وَالْمَيِّتُ لَيْسَ بِمُذْبَحٍ وَفَصَّلَ بَعْضُهُمْ فِيهَا تَفْصِيلًا وَهُوَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ لِفَقْدِ الْآلَةِ لَمْ يُؤْكَلْ، وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ بِضِيقِ الْوَقْتِ لَمْ يُؤْكَلْ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي يَدِهِ لَمْ يَبْقَ صَيْدًا فَبَطَلَ حُكْمُ ذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQسَوَاءٌ، أَمَّا إذَا أَكَلَ قَبْلَ الْأَخْذِ فَقَدْ كَانَ مُمْسِكًا عَلَى نَفْسِهِ. قَالَ (وَإِنْ أَدْرَكَ الْمُرْسِلُ الصَّيْدَ حَيًّا وَجَبَ عَلَيْهِ إلَخْ) الْمُرْسِلُ إنْ أَدْرَكَ الصَّيْدَ حَيًّا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَمَكَّنَ مِنْ ذَبْحِهِ أَوْ لَا، فَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ ذَبْحِهِ وَلَمْ يَذْبَحْ حَتَّى مَاتَ لَمْ يُؤْكَلْ سَوَاءٌ كَانَتْ الْحَيَاةُ فِيهِ بَيِّنَةً أَوْ خَفِيَّةً، وَإِنْ ذَبَحَ حَلَّ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا، وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْبَازِيِّ وَالسَّهْمِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْبَدَلِ إبَاحَةُ الْأَكْلِ وَلَمْ يَثْبُتْ قَبْلَ مَوْتِهِ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ ذَلِكَ تُبْطِلُ الْبَدَلَ وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهِ لِعَدَمِ الْآلَةِ أَوْ ضِيقِ الْوَقْتِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ فَوْقَ مَا يَكُونُ فِي الْمَذْبُوحِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ لَمْ يُؤْكَلْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُؤْكَلُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الذَّبْحِ فَصَارَ كَمَنْ رَأَى الْمَاءَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ. وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَقْدِرْ حَقِيقَةً فَقَدْ قَدَرَ اعْتِبَارًا لِأَنَّهُ تَثْبُتُ يَدُهُ عَلَى الْمَذْبُوحِ وَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَ التَّمَكُّنِ مِنْ الذَّبْحِ، إذْ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ: أَيْ اعْتِبَارُ التَّمَكُّنِ مِنْ الذَّبْحِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُدَّةٍ وَالنَّاسُ

وَهَذَا إذَا كَانَ يُتَوَهَّمُ بَقَاؤُهُ، أَمَّا إذَا شَقَّ بَطْنَهُ وَأَخْرَجَ مَا فِيهِ ثُمَّ وَقَعَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ حَلَّ؛ لِأَنَّ مَا بَقِيَ اضْطِرَابُ الْمَذْبُوحِ فَلَا يُعْتَبَرُ كَمَا إذَا وَقَعَتْ شَاةٌ فِي الْمَاءِ بَعْدَمَا ذُبِحَتْ وَقِيلَ هَذَا قَوْلُهُمَا، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يُؤْكَلُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي يَدِهِ حَيًّا فَلَا يَحِلُّ إلَّا بِذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ رُدَّ إلَى الْمُتَرَدِّيَةِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا تَرَكَ التَّذْكِيَةَ، فَلَوْ أَنَّهُ ذَكَّاهُ حَلَّ أَكْلُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا الْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ، وَاَلَّذِي يَبْقُرُ الذِّئْبُ بَطْنَهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ خَفِيَّةٌ أَوْ بَيِّنَةٌ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] اسْتَثْنَاهُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ بِحَالٍ لَا يَعِيشُ مِثْلُهُ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْتُهُ بِالذَّبْحِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ كَانَ يَعِيشُ فَوْقَ مَا يَعِيشُ الْمَذْبُوحُ يَحِلُّ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِهَذِهِ الْحَيَاةِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَتَفَاوَتُونَ فِيهَا عَلَى حَسَبِ تَفَاوُتِهِمْ فِي الْكِيَاسَةِ وَالْهِدَايَةِ فِي أَمْرِ الذَّبْحِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَتَمَكَّنُ فِي سَاعَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَتَمَكَّنُ فِي أَكْثَرَ. وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يُدَارُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهِ فَأُدِيرَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ ثُبُوتِ الْيَدِ عَلَى الْمَذْبَحِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْحَيَاةُ فِيهِ فَوْقَ مَا تَكُونُ فِي الْمَذْبُوحِ بَلْ كَانَتْ بِمِقْدَارِ مَا يَكُونُ فِيهِ وَلَمْ يَذْبَحْ حَتَّى مَاتَ أُكِلَ لِأَنَّهُ مَيِّتٌ حُكْمًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ وَهُوَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَا يَحْرُمُ كَمَا إذَا وَقَعَ وَهُوَ مَيِّتٌ، وَالْمَيِّتُ لَيْسَ بِمَذْبَحٍ: أَيْ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلذَّبْحِ فَلَمْ تَثْبُتْ يَدُهُ عَلَى الذَّبْحِ لِيُقَامَ مَقَامَ التَّمَكُّنِ مِنْ الذَّبْحِ. وَفَصَّلَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْحَيَاةُ فِيهِ فَوْقَ مَا تَكُونُ فِي الْمَذْبُوحِ فَقَالَ: إنْ كَانَ عَدَمُ التَّمَكُّنِ لِفَقْدِ الْآلَةِ لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ، وَإِنْ كَانَ لِضِيقِ الْوَقْتِ لَمْ يُؤْكَلْ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ قَالُوا: لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْأَصْلِ وَلَمْ يُفَرِّطْ فَكَانَ حَلَالًا. وَقُلْنَا: وَقَعَ فِي يَدِهِ وَهُوَ حَيٌّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَلَمْ يَبْقَ صَيْدًا فَبَطَلَ حُكْمُ ذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ. فَإِنْ قِيلَ: وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا تَكُونُ الْحَيَاةُ فِيهِ فَوْقَ مَا تَكُونُ فِي الْمَذْبُوحِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ ضِيقُ الْوَقْتِ عَنْ الذَّبْحِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمِقْدَارَ الَّذِي يَكُونُ فِي الْمَذْبُوحِ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ لِكَوْنِ الصَّيْدِ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ، وَالزَّائِدُ عَلَى ذَلِكَ قَدْ لَا يَسَعُ الذَّبْحَ فَكَانَ عَدَمُ التَّمَكُّنِ مُتَصَوَّرًا (وَهَذَا) أَيْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ إقَامَةِ ثُبُوتِ الْيَدِ مَقَامَ التَّمَكُّنِ حَتَّى لَا يَحِلَّ بِدُونِ الذَّكَاةِ فِيمَا إذَا كَانَ بَقَاؤُهُ مُتَوَهَّمًا. أَمَّا إذَا شَقَّ الْكَلْبُ الْمُعَلَّمُ بَطْنَهُ وَأَخْرَجَ مَا فِيهِ ثُمَّ وَقَعَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَلَمْ يُدْرِكْهُ حَلَّ، لِأَنَّ مَا بَقِيَ اضْطِرَابُ مَذْبُوحٍ فَلَا يُعْتَبَرُ كَمَا إذَا وَقَعَتْ شَاةٌ فِي الْمَاءِ بَعْدَ مَا ذُبِحَتْ (وَقِيلَ) هُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ (هَذَا قَوْلُهُمَا. أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَا يُؤْكَلُ هَذَا أَيْضًا لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي يَدِهِ حَيًّا فَلَا يَحِلُّ إلَّا بِذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ رَدًّا إلَى الْمُتَرَدِّيَةِ) أَيْ اعْتِبَارًا بِهَا (هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا) أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ عِنْدَهُ إذَا شَقَّ بَطْنَهُ وَأَخْرَجَ مَا فِيهِ إذَا تَرَكَ التَّذْكِيَةَ، فَأَمَّا إذَا ذَكَّاهُ فَقَدْ حَلَّ أَكْلُهُ عِنْدَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، (وَكَذَا الْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَاَلَّذِي بُقِرَ) أَيْ شَقَّ (الذِّئْبُ بَطْنَهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ خَفِيَّةٌ أَوْ بَيِّنَةٌ) إذَا ذُبِحَ حَلَّ عِنْدَهُ (وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] اسْتَثْنَاهُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ) وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا بُدَّ مِنْ حَيَاةٍ بَيِّنَةٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ يَعِيشُ مِثْلُهُ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْتُهُ بِالذَّبْحِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا بُدَّ مِنْ حَيَاةٍ بَيِّنَةٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ يَعِيشُ فَوْقَ مَا يَعِيشُ الْمَذْبُوحُ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ حَلَّ أَكْلُهُ وَإِلَّا فَلَا (لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِهَذِهِ الْحَيَاةِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ) إشَارَةً إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ مَيِّتٌ حُكْمًا، وَقِيلَ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ مَا بَقِيَ اضْطِرَابُ الْمَذْبُوحِ فَلَا يُعْتَبَرُ

(وَلَوْ أَدْرَكَهُ وَلَمْ يَأْخُذْهُ، فَإِنْ كَانَ فِي وَقْتٍ لَوْ أَخَذَهُ أَمْكَنَهُ ذَبْحُهُ لَمْ يُؤْكَلْ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ فِي حُكْمِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ (وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ ذَبْحُهُ أُكِلَ) ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَمْ تَثْبُتْ بِهِ، وَالتَّمَكُّنُ مِنْ الذَّبْحِ لَمْ يُوجَدْ (وَإِنْ أَدْرَكَهُ فَذَكَّاهُ حَلَّ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَالذَّكَاةُ وَقَعَتْ مَوْقِعَهَا بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ؛ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَاتُهُ الذَّبْحُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَقَدْ وُجِدَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يُحْتَاجُ إلَى الذَّبْحِ (وَإِذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ الْمُعَلَّمَ عَلَى صَيْدٍ وَأَخَذَ غَيْرَهُ حَلَّ) وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ إرْسَالٍ؛ إذْ الْإِرْسَالُ مُخْتَصٌّ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ وَلَنَا أَنَّهُ شَرْطٌ غَيْرُ مُفِيدٍ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ حُصُولُ الصَّيْدِ إذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ؛ إذْ لَا يُمْكِنُهُ تَعْلِيمُهُ عَلَى وَجْهٍ يَأْخُذُ مَا عَيَّنَهُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ (وَلَوْ أَرْسَلَهُ عَلَى صَيْدٍ كَثِيرٍ وَسَمَّى مَرَّةً وَاحِدَةً حَالَةَ الْإِرْسَالِ، فَلَوْ قَتَلَ الْكُلَّ يَحِلُّ بِهَذِهِ التَّسْمِيَةِ الْوَاحِدَةِ) ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ يَقَعُ بِالْإِرْسَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَلِهَذَا تُشْتَرَطُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَهُ وَالْفِعْلُ وَاحِدٌ فَيَكْفِيهِ تَسْمِيَةٌ وَاحِدَةٌ، بِخِلَافِ ذَبْحِ الشَّاتَيْنِ بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ تَصِيرُ مَذْبُوحَةً بِفِعْلٍ غَيْرِ الْأَوَّلِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةٍ أُخْرَى، حَتَّى لَوْ أَضْجَعَ إحْدَاهُمَا فَوْقَ الْأُخْرَى، وَذَبَحَهُمَا بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ تَحِلَّانِ بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ (وَمَنْ أَرْسَلَ فَهْدًا فَكَمَنْ حَتَّى يَسْتَمْكِنَ ثُمَّ أَخَذَ الصَّيْدَ فَقَتَلَهُ يُؤْكَلُ) ؛ لِأَنَّ مُكْثَهُ ذَلِكَ حِيلَةٌ مِنْهُ لِلصَّيْدِ لَا اسْتِرَاحَةٌ فَلَا يَقْطَعُ الْإِرْسَالَ (وَكَذَا الْكَلْبُ إذَا اعْتَادَ عَادَتَهُ) (وَلَوْ أَخَذَ الْكَلْبُ صَيْدًا فَقَتَلَهُ ثُمَّ أَخَذَ آخَرَ فَقَتَلَهُ وَقَدْ أَرْسَلَهُ صَاحِبُهُ أُكِلَا جَمِيعًا) ؛ لِأَنَّ الْإِرْسَالَ قَائِمٌ لَمْ يَنْقَطِعْ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ رَمَى سَهْمًا إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَهُ وَأَصَابَ آخَرَ (وَلَوْ قَتَلَ الْأَوَّلَ فَجَثَمَ عَلَيْهِ طَوِيلًا مِنْ النَّهَارِ ثُمَّ مَرَّ بِهِ صَيْدٌ آخَرُ فَقَتَلَهُ لَا يُؤْكَلُ الثَّانِي) لِانْقِطَاعِ الْإِرْسَالِ بِمُكْثِهِ إذْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حِيلَةً مِنْهُ لِلْأَخْذِ وَإِنَّمَا كَانَ اسْتِرَاحَةً، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ أَرْسَلَ بَازِيَهُ الْمُعَلَّمَ عَلَى صَيْدٍ فَوَقَعَ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ اتَّبَعَ الصَّيْدَ فَأَخَذَهُ وَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ) وَهَذَا إذَا لَمْ يَمْكُثْ زَمَانًا طَوِيلًا لِلِاسْتِرَاحَةِ، وَإِنَّمَا مَكَثَ سَاعَةً لِلتَّمْكِينِ لِمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْكَلْبِ (وَلَوْ أَنَّ بَازِيًا مُعَلَّمًا أَخَذَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ وَلَا يُدْرَى أَرْسَلَهُ إنْسَانٌ أَمْ لَا لَا يُؤْكَلُ) لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي الْإِرْسَالِ، وَلَا تَثْبُتُ الْإِبَاحَةُ بِدُونِهِ. قَالَ (وَإِنْ خَنَقَهُ الْكَلْبُ وَلَمْ يَجْرَحْهُ لَمْ يُؤْكَلْ) ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ شَرْطُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ بِالْكَسْرِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا كَسَرَ عُضْوًا فَقَتَلَهُ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ؛ لِأَنَّهُ جِرَاحَةٌ بَاطِنَةٌ فَهِيَ كَالْجِرَاحَةِ الظَّاهِرَةِ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ جُرْحٌ يَنْتَهِضُ سَبَبًا لِإِنْهَارِ الدَّمِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالْكَسْرِ فَأَشْبَهَ التَّخْنِيقَ قَالَ (وَإِنْ شَارَكَهُ كَلْبٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ أَوْ كَلْبُ مَجُوسِيٍّ أَوْ كَلْبٌ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ يُرِيدُ بِهِ عَمْدًا لَمْ يُؤْكَلْ) لِمَا رَوَيْنَا فِي حَدِيثِ عَدِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ الْمُبِيحُ وَالْمُحْرِمُ فَيَغْلِبُ جِهَةُ الْحُرْمَةِ نَصًّا أَوْ احْتِيَاطًا (وَلَوْ رَدَّهُ عَلَيْهِ الْكَلْبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلَوْ أَدْرَكَهُ وَلَمْ يَأْخُذْهُ) يُرِيدُ أَنَّ الْمَسَائِلَ الْمُتَقَدِّمَةَ كَانَتْ فِيمَا أَخَذَهُ الصَّائِدُ وَهَاهُنَا أَدْرَكَهُ وَلَمْ يَأْخُذْهُ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي يَدِهِ حَيًّا قَوْلُهُ (وَإِذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ الْمُعَلَّمَ عَلَى صَيْدٍ) يَعْنِي صَيْدًا مُعَيَّنًا (فَأَخَذَهُ غَيْرُهُ حَلَّ) يَعْنِي مَا دَامَ فِي وَجْهِ إرْسَالِهِ. وَقَوْلُهُ (وَلَنَا أَنَّهُ) أَيْ شَرْطَ التَّعْيِينِ (شَرْطٌ غَيْرُ مُفِيدٍ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ حُصُولُ الصَّيْدِ) وَالْجَمِيعُ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذَا الْمَقْصُودِ سَوَاءٌ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ يَكُونُ مَقْصُودُهُ صَيْدًا مُعَيَّنًا. أُجِيبَ بِأَنَّهُ مُتَعَذِّرٌ، إذْ لَا يَقْدِرُ الصَّائِدُ أَوْ الْكَلْبُ عَلَى الْوَفَاءِ بِذَلِكَ حَيْثُ لَا يُمْكِنُ تَعْلِيمُهُ عَلَى وَجْهٍ يَأْخُذُ مَا عَيَّنَهُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) يَعْنِي فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الذَّبَائِحِ حَيْثُ قَالَ: تُشْتَرَطُ عِنْدَ الْإِرْسَالِ وَالرَّمْيِ. وَقَوْلُهُ (وَلِهَذَا تُشْتَرَطُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الْإِرْسَالِ وَقَوْلُهُ (فَيَغْلِبُ جَانِبُ الْحُرْمَةِ نَصًّا) أَيْ

الثَّانِي وَلَمْ يَجْرَحْهُ مَعَهُ وَمَاتَ بِجُرْحِ الْأَوَّلِ يُكْرَهُ أَكْلُهُ) لِوُجُودِ الْمُشَارَكَةِ فِي الْأَخْذِ وَفَقْدِهَا فِي الْجُرْحِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّهُ الْمَجُوسِيُّ بِنَفْسِهِ حَيْثُ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمَجُوسِيِّ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ فِعْلِ الْكَلْبِ فَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُشَارَكَةُ وَتَتَحَقَّقُ بَيْنَ فِعْلَيْ الْكَلْبَيْنِ لِوُجُودِ الْمُجَانَسَةِ (وَلَوْ لَمْ يَرُدَّهُ الْكَلْبُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ لَكِنَّهُ أَشَدَّ عَلَى الْأَوَّلِ حَتَّى اشْتَدَّ عَلَى الصَّيْدِ فَأَخَذَهُ وَقَتَلَهُ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ) ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الثَّانِي أَثَرٌ فِي الْكَلْبِ الْمُرْسَلِ دُونَ الصَّيْدِ حَيْثُ ازْدَادَ بِهِ طَلَبًا فَكَانَ تَبَعًا لِفِعْلِهِ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَيْهِ فَلَا يُضَافُ الْأَخْذُ إلَى التَّبَعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ رَدَّهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ تَبَعًا فَيُضَافُ إلَيْهِمَا. قَالَ (وَإِذَا أَرْسَلَ الْمُسْلِمُ كَلْبَهُ فَزَجَرَهُ مَجُوسِيٌّ فَانْزَجَرَ بِزَجْرِهِ فَلَا بَأْسَ بِصَيْدِهِ) وَالْمُرَادُ بِالزَّجْرِ الْإِغْرَاءُ بِالصِّيَاحِ عَلَيْهِ، وَبِالِانْزِجَارِ إظْهَارُ زِيَادَةِ الطَّلَبِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْفِعْلَ يُرْفَعُ بِمَا هُوَ فَوْقَهُ أَوْ مِثْلُهُ كَمَا فِي نَسْخِ الْآيِ، وَالزَّجْرُ دُونَ الْإِرْسَالِ لِكَوْنِهِ بِنَاءً عَلَيْهِ قَالَ (وَلَوْ أَرْسَلَهُ مَجُوسِيٌّ فَزَجَرَهُ مُسْلِمٌ فَانْزَجَرَ بِزَجْرِهِ لَمْ يُؤْكَلْ) ؛ لِأَنَّ الزَّجْرَ دُونَ الْإِرْسَالِ وَلِهَذَا لَمْ تَثْبُتْ بِهِ شُبْهَةُ الْحُرْمَةِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَثْبُتَ بِهِ الْحِلُّ، وَكُلُّ مَنْ لَا تَجُوزُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ إلَّا وَقَدْ غَلَبَ الْحَرَامُ الْحَلَالَ» . وَهَاهُنَا ثَلَاثَةُ فُصُولٍ: أَحَدُهَا مَا اشْتَرَكَ فِيهِ الْكَلْبَانِ فِي الْأَخْذِ وَالْجَرْحِ، وَفِيهِ الْحُرْمَةُ لِمَا رَوَيْنَاهُ. وَالثَّانِي مَا اشْتَرَكَا فِيهِ فِي الْأَخْذِ دُونَ الْجَرْحِ، وَفِيهِ الْكَرَاهَةُ لِأَنَّ جِهَةَ الْحِلِّ أَرْجَحُ، لِأَنَّ الْمُعَلَّمَ تَفَرَّدَ بِالْجَرْحِ. وَالثَّالِثُ مَا لَمْ يَشْتَرِكَا فِي شَيْءٍ لَكِنَّ الثَّانِي أَشَدُّ: أَيْ حُمِلَ عَلَى الْأَوَّلِ حَتَّى اشْتَدَّ عَلَى الصَّيْدِ، وَفِيهِ الْإِبَاحَةُ لِأَنَّ الثَّانِيَ لَمْ يُشَارِكْ الْأَوَّلَ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّيْدِ، وَإِنَّمَا أَثَّرَ فِي الْكَلْبِ الْمُرْسَلِ دُونَ الصَّيْدِ فَكَانَ فِعْلُهُ تَبَعًا لِفِعْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَيْهِ فَلَا يُضَافُ الْأَخْذُ إلَى التَّبَعِ قَالَ (وَإِذَا أَرْسَلَ الْمُسْلِمُ إلَخْ) الْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْفِعْلَ يُرْفَعُ بِالْأَقْوَى وَالْمُسَاوِي دُونَ الْأَدْنَى، فَإِذَا أَرْسَلَ الْمُسْلِمُ كَلْبَهُ وَزَجَرَهُ: أَيْ أَغْرَاهُ الْمَجُوسِيُّ حَلَّ أَكْلُهُ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الزَّجْرِ عِنْدَ الْإِرْسَالِ لِكَوْنِ الزَّجْرِ دُونَهُ لِبِنَائِهِ عَلَيْهِ. وَنُوقِضَ بِالْمُحْرِمِ إذَا زَجَرَ كَلْبَ حَلَالٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْجَزَاءَ فِي الْمُحَرَّمِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ فَإِنَّهُ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْجَزَاءَ بِمَا هُوَ دُونَهُ وَهُوَ الدَّلَالَةُ فَوَجَبَ بِالزَّجْرِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (وَإِذَا أَرْسَلَهُ مَجُوسِيٌّ فَزَجَرَهُ مُسْلِمٌ فَانْزَجَرَ لَمْ يُؤْكَلْ كَذَلِكَ وَلِهَذَا) أَيْ وَلِأَنَّ الزَّجْرَ دُونَ الْإِرْسَالِ (لَمْ يَثْبُتْ بِهِ) أَيْ بِالزَّجْرِ (شُبْهَةُ الْحُرْمَةِ) يَعْنِي فِي الصُّورَةِ الْأُولَى مَعَ أَنَّ الْحُرْمَةَ

[فصل في الرمي]

ذَكَاتُهُ كَالْمُرْتَدِّ وَالْمُحْرِمِ وَتَارِكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمَجُوسِيِّ (وَإِنْ لَمْ يُرْسِلْهُ أَحَدٌ فَزَجَرَهُ مُسْلِمٌ فَانْزَجَرَ فَأَخَذَ الصَّيْدَ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ) ؛ لِأَنَّ الزَّجْرَ مِثْلُ الِانْفِلَاتِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ دُونَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ بِنَاءٌ عَلَيْهِ فَهُوَ فَوْقَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ فَاسْتَوَيَا فَصَلَحَ نَاسِخًا (وَلَوْ أَرْسَلَ الْمُسْلِمُ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ وَسَمَّى فَأَدْرَكَهُ فَضَرَبَهُ وَوَقَذَهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ أُكِلَ، وَكَذَا إذَا أَرْسَلَ كَلْبَيْنِ فَوَقَذَهُ أَحَدُهُمَا ثُمَّ قَتَلَهُ الْآخَرُ أُكِلَ) ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ عَنْ الْجُرْحِ بَعْدَ الْجُرْحِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ التَّعْلِيمِ فَجُعِلَ عَفْوًا (وَلَوْ أَرْسَلَ رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَلْبًا فَوَقَذَهُ أَحَدُهُمَا وَقَتَلَهُ الْآخَرُ أُكِلَ) لِمَا بَيَّنَّا (وَالْمِلْكُ لِلْأَوَّلِ) ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَخْرَجَهُ عَنْ حَدِّ الصَّيْدِيَّةِ إلَّا أَنَّ الْإِرْسَالَ مِنْ الثَّانِي بَعْدَ الْخُرُوجِ عَنْ الصَّيْدِيَّةِ بِجُرْحِ الْكَلْبِ الْأَوَّلِ. (فَصْلٌ فِي الرَّمْيِ) : (وَمَنْ سَمِعَ حِسًّا ظَنَّهُ حِسَّ صَيْدٍ فَرَمَاهُ أَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا أَوْ بَازِيًا عَلَيْهِ فَأَصَابَ صَيْدًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَسْرَعُ ثُبُوتًا لِغَلَبَةِ الْحُرْمَةِ عَلَى الْحِلِّ دَائِمًا فَأَوْلَى أَنْ لَا يَثْبُتَ بِهِ الْحِلُّ: يَعْنِي بِزَجْرِ الْمُسْلِمِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الزَّجْرَ مِثْلُ الِانْفِلَاتِ) يَعْنِي مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ غَيْرُ مَشْرُوطٍ فِي حِلِّ الصَّيْدِ بِخِلَافِ الْإِرْسَالِ، وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ إنْ كَانَ دُونَهُ) يَعْنِي أَنَّ الِانْزِجَارَ إنْ كَانَ دُونَ الِانْفِلَاتِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ بِنَاءً عَلَيْهِ فَهُوَ فَوْقَهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ فِعْلَ الْمُكَلَّفِ فَاسْتَوَيَا فَصَلَحَ الزَّجْرُ نَاسِخًا وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ فَيُجْعَلُ نَاسِخًا. وَقَوْلُهُ (وَقَذَهُ) أَيْ جَرَحَهُ جِرَاحَةً أَثْخَنَتْهُ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ عَنْ الْجَرْحِ بَعْدَ الْجَرْحِ) دَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ يُشِيرُ إلَى الْجَوَابِ عَمَّا يُقَالُ الضَّرْبَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي قَتَلَ الْكَلْبُ بِهَا الصَّيْدَ إنَّمَا حَصَلَتْ بَعْدَ الْإِثْخَانِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْ الصَّيْدِيَّةِ، فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يَحِلَّ أَكْلُهُ لِأَنَّ الصَّيْدَ بَعْدَ الْإِثْخَانِ مُلْحَقٌ بِالدَّوَاجِنِ فَيَحِلُّ الذَّبْحُ لَا بِضَرْبِ الْكَلْبِ. وَجَوَابُهُ أَنَّهُ تَعَذَّرَ رَفْعُهُ، وَمَا تَعَذَّرَ رَفْعُهُ تَقَرَّرَ عَفْوُهُ. وَقَوْلُهُ (بِجَرْحِ الْكَلْبِ الْأَوَّلِ) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ لِأَنَّ الصَّيْدَ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ عَنْ الصَّيْدِيَّةِ كَانَتْ ذَكَاتُهُ بَعْدَ الذَّبْحِ فِي الْمَذْبَحِ. لَا بِجَرْحِ الْكَلْبِ فَجَرْحُ الْكَلْبِ فِي مِثْلِهِ يُوجِبُ الْحُرْمَةَ، وَلَمَّا اجْتَمَعَ فِيهِ الْمُوجِبُ لِلْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ غَلَبَ الْحُرْمَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي الرَّمْيِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ حُكْمِ الْآلَةِ الْحَيَوَانِيَّةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ حُكْمِ الْآلَةِ الْجَمَادِيَّةِ. وَالْحِسُّ: الصَّوْتُ الْخَفِيُّ (وَمَنْ سَمِعَ حِسًّا فَظَنَّهُ حِسَّ صَيْدٍ فَرَمَاهُ أَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ أَوْ بَازِيَهُ فَأَصَابَ صَيْدًا) ظَبْيًا مَثَلًا، فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَسْمُوعَ حِسُّهُ آدَمِيٌّ أَوْ بَقَرٌ أَوْ شَاةٌ لَمْ يَحِلَّ الظَّبْيُ

ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حِسُّ صَيْدٍ حَلَّ الْمُصَابُ) أَيَّ صَيْدٍ كَانَ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ الِاصْطِيَادَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ خَصَّ مِنْ ذَلِكَ الْخِنْزِيرَ لِتَغْلِيظِ التَّحْرِيمِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ الْإِبَاحَةُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ بِخِلَافِ السِّبَاعِ؛ لِأَنَّهُ يُؤْثَرُ فِي جِلْدِهَا وَزُفَرُ خَصَّ مِنْهَا مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ؛ لِأَنَّ الْإِرْسَالَ فِيهِ لَيْسَ لِلْإِبَاحَةِ وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ اسْمَ الِاصْطِيَادِ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَأْكُولِ فَوَقَعَ الْفِعْلُ اصْطِيَادًا وَهُوَ فِعْلٌ مُبَاحٌ فِي نَفْسِهِ، وَإِبَاحَةُ التَّنَاوُلِ تَرْجِعُ إلَى الْمَحَلِّ فَتَثْبُتُ بِقَدْرِ مَا يَقْبَلُهُ لَحْمًا وَجِلْدًا، وَقَدْ لَا تَثْبُتُ إذَا لَمْ يَقْبَلْهُ، وَإِذَا وَقَعَ اصْطِيَادًا صَارَ كَأَنَّهُ رَمَى إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ غَيْرَهُ (وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حِسُّ آدَمِيٍّ أَوْ حَيَوَانٍ أَهْلِيٍّ لَا يَحِلُّ الْمُصَابُ) ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَيْسَ بِاصْطِيَادٍ (وَالطَّيْرُ الدَّاجِنُ الَّذِي يَأْوِي الْبُيُوتَ أَهْلِيٌّ وَالظَّبْيُ الْمُوَثَّقُ بِمَنْزِلَتِهِ) لِمَا بَيَّنَّا (وَلَوْ رَمَى إلَى طَائِرٍ فَأَصَابَ صَيْدًا وَمَرَّ الطَّائِرُ وَلَا يَدْرِي وَحْشِيٌّ هُوَ أَوْ غَيْرُ وَحْشِيٍّ حَلَّ الصَّيْدُ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِيهِ التَّوَحُّشُ (وَلَوْ رَمَى إلَى بَعِيرٍ فَأَصَابَ صَيْدًا وَلَا يَدْرِي نَادٌّ هُوَ أَمَّ لَا لَا يَحِلُّ الصَّيْدُ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الِاسْتِئْنَاسُ (وَلَوْ رَمَى إلَى سَمَكَةٍ أَوْ جَرَادَةٍ فَأَصَابَ صَيْدًا يَحِلُّ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) ؛ لِأَنَّهُ صَيْدٌ، وَفِي أُخْرَى عَنْهُ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ لَا ذَكَاةَ فِيهِمَا (وَلَوْ رَمَى فَأَصَابَ الْمَسْمُوعَ حِسُّهُ وَقَدْ ظَنَّهُ آدَمِيًّا فَإِذَا هُوَ صَيْدٌ يَحِلُّ) ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِظَنِّهِ مَعَ تَعَيُّنِهِ (فَإِذَا سَمَّى الرَّجُلُ عِنْدَ الرَّمْيِ أُكِلَ مَا أَصَابَ إذَا جَرَحَ السَّهْمُ فَمَاتَ) ؛ لِأَنَّهُ ذَابِحٌ بِالرَّمْيِ لِكَوْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُصَابُ مَثَلًا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّهُ أَرْسَلَ إلَى غَيْرِ صَيْدٍ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمُ الْإِبَاحَةِ وَصَارَ كَأَنَّهُ رَمَى إلَى آدَمِيٍّ عَالِمًا بِهِ فَأَصَابَ صَيْدًا فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ (وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَسْمُوعَ حِسُّهُ صَيْدٌ حَلَّ الْمُصَابُ أَيَّ صَيْدٍ كَانَ) الْمَسْمُوعُ حِسُّهُ: يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ مَأْكُولَ اللَّحْمِ أَوْ لَمْ يَكُنْ (لِأَنَّهُ قَصَدَ الِاصْطِيَادَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَسْمُوعَ حِسُّهُ إذَا ظَهَرَ خِنْزِيرًا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُ الصَّيْدِ الْمُصَابِ لِتَغْلِيظِ التَّحْرِيمِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ الْإِبَاحَةُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ بِخِلَافِ سَائِرِ السِّبَاعِ) لِأَنَّهُ أَيْ الِاصْطِيَادُ (يُؤَثِّرُ فِي جِلْدِهَا، وَزُفَرُ خَصَّ مِنْهَا) أَيْ مِنْ جُمْلَةِ الْمَسْمُوعِ حِسُّهُ (مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، لِأَنَّ الْإِرْسَالَ فِيهِ لَيْسَ لِلْإِبَاحَةِ) فَكَانَ هُوَ وَالْآدَمِيُّ سَوَاءً (وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ اسْمَ الِاصْطِيَادِ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَأْكُولِ) وَمَا هُوَ كَذَلِكَ فَالْمَأْكُولُ وَغَيْرُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ سَوَاءٌ فَإِذَا قَصَدَ بِفِعْلِهِ الِاصْطِيَادَ وَقَعَ الْفِعْلُ اصْطِيَادًا، إذْ الِاصْطِيَادُ فِعْلٌ مُبَاحٌ فِي نَفْسِهِ يُفِيدُ إبَاحَةَ الْمُصَابِ بِشَرْطِ قَبُولِهِ الْإِبَاحَةَ حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْبَلْهَا كَمَا إذَا كَانَ خِنْزِيرًا لَمْ تَثْبُتْ الْإِبَاحَةُ وَلَكِنْ لَا يَخْرُجُ الْفِعْلُ عَنْ كَوْنِهِ اصْطِيَادًا مُبَاحًا. وَإِذَا قَتَلَهَا، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَحِلُّ تَنَاوُلُهُ تَثْبُتُ إبَاحَةُ تَنَاوُلِهِ لِغَيْرِ السِّبَاعِ مِنْ الْبَهَائِمِ وَالطُّيُورِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَحِلُّ تَنَاوُلُهُ تَثْبُتُ إبَاحَةُ جِلْدِهِ فَثَبَتَ أَنَّ فِعْلَهُ وَقَعَ اصْطِيَادًا، وَإِبَاحَةُ التَّنَاوُلِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْمَحَلِّ لَيْسَ بِمُخْرِجٍ لَهُ عَنْ ذَلِكَ، وَإِذَا وَقَعَ اصْطِيَادًا كَانَ كَأَنَّهُ رَمَى إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ غَيْرَهُ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حِسُّ آدَمِيٍّ) قَدَّمْنَاهُ آنِفًا. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْفِعْلَ لَيْسَ بِاصْطِيَادٍ) إذْ الِاصْطِيَادُ عِبَارَةٌ عَنْ تَحْصِيلِ مُتَوَحِّشٍ، وَعَلَى هَذَا فَالدَّاجِنُ الَّذِي يَأْوِي الْبُيُوتَ أَهْلِيٌّ، وَالظَّبْيُ الْمُوثَقُ: أَيْ الْمَشْدُودُ بِالْوَثَاقِ بِمَنْزِلَتِهِ: أَيْ بِمَنْزِلَةِ الْآدَمِيِّ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْفِعْلَ لَيْسَ بِاصْطِيَادٍ، ثُمَّ إذَا جَهِلَ تَوَحُّشَ الْمَقْصُودِ بِرَمْيِهِ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْأَصْلُ، وَعَلَى هَذَا تَخْرُجُ الْمَسْأَلَتَانِ الْمَذْكُورَتَانِ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (وَفِي أُخْرَى عَنْهُ لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ لَا ذَكَاةَ فِيهِمَا)

السَّهْمِ آلَةً لَهُ فَتُشْتَرَطُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَهُ، وَجَمِيعُ الْبَدَنِ مَحَلٌّ لِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الذَّكَاةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْجُرْحِ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الذَّكَاةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ قَالَ (وَإِذَا أَدْرَكَهُ حَيًّا ذَكَّاهُ) وَقَدْ بَيَّنَّاهَا بِوُجُوهِهَا، وَالِاخْتِلَافِ فِيهَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فَلَا نُعِيدُهُ قَالَ (وَإِذَا وَقَعَ السَّهْمُ بِالصَّيْدِ فَتَحَامَلَ حَتَّى غَابَ عَنْهُ وَلَمْ يَزَلْ فِي طَلَبِهِ حَتَّى أَصَابَهُ مَيِّتًا أُكِلَ، وَإِنْ قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ) ثُمَّ أَصَابَهُ مَيِّتًا لَمْ يُؤْكَلْ، لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّهُ كَرِهَ أَكْلَ الصَّيْدِ إذَا غَابَ عَنْ الرَّامِي وَقَالَ: لَعَلَّ هَوَامَّ الْأَرْضِ قَتَلَتْهُ» وَلِأَنَّ احْتِمَالَ الْمَوْتِ بِسَبَبٍ آخَرَ قَائِمٌ فَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُومَ فِي هَذَا كَالْمُتَحَقِّقِ لِمَا رَوَيْنَا، إلَّا أَنَّا أَسْقَطْنَا اعْتِبَارَهُ مَا دَامَ فِي طَلَبِهِ ضَرُورَةَ أَنْ لَا يَعْرَى الِاصْطِيَادُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُشِيرُ إلَى أَنَّ كَوْنَ مَا تَبَيَّنَ حِسُّهُ مِنْ الصَّيُودِ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ حَلَّ أَكْلُهُ مَشْرُوطًا بِالذَّبْحِ، حَتَّى لَوْ سَمِعَ حِسًّا فَظَنَّهُ صَيْدًا فَرَمَاهُ فَأَصَابَ ظَبْيًا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَسْمُوعَ حِسُّهُ سَمَكَةٌ لَمْ يُؤْكَلْ الصَّيْدُ، وَلَوْ سَمِعَ حِسًّا وَظَنَّهُ آدَمِيًّا وَرَمَاهُ فَأَصَابَ الْمَسْمُوعَ حِسُّهُ وَهُوَ صَيْدٌ حَلَّ لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِظَنِّهِ مَعَ تَعَيُّنِ كَوْنِهِ صَيْدًا. فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ، وَهِيَ أَنَّ مَنْ سَمِعَ حِسًّا ظَنَّهُ صَيْدًا فَرَمَاهُ فَأَصَابَ صَيْدًا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حِسُّ آدَمِيٍّ أَوْ حَيَوَانٍ أَهْلِيٍّ لَا يَحِلُّ الْمُصَابُ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ رَمْيَ الْآدَمِيِّ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَصَدَ رَمْيِ الْآدَمِيِّ وَرَمْيُ الْآدَمِيِّ لَيْسَ بِاصْطِيَادٍ وَقَدْ حَلَّ الْمُصَابُ. وَالْقِيَاسُ إمَّا شُمُولُ الْحِلِّ أَوْ شُمُولُ عَدَمِهِ أَوْ انْعِكَاسُ الْجَوَابِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا حَلَّ الْمُصَابُ مَعَ اقْتِرَانِ ظَنِّهِ بِأَنَّهُ آدَمِيٌّ فَفِيمَا إذَا اقْتَرَنَ ظَنُّهُ بِأَنَّهُ صَيْدٌ أَوْلَى، أَوْ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِعْلُهُ اصْطِيَادًا نَظَرًا إلَى قَصْدِهِ فَلَا يَحِلُّ الْمُصَابُ هَاهُنَا، وَحَلَّ هُنَاكَ لِذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْفَرْقَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِظَنِّهِ مَعَ تَعَيُّنِهِ: أَيْ تَعَيُّنِ كَوْنِهِ صَيْدًا. وَبَيَانُهُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَصَابَ سَهْمُهُ غَيْرَ الْمَسْمُوعِ حِسُّهُ وَالْمَسْمُوعُ حِسُّهُ لَيْسَ بِصَيْدٍ فَكَانَ فِعْلُهُ مُتَوَجِّهًا إلَى غَيْرِ الصَّيْدِ نَظَرًا إلَى فِعْلِهِ الَّذِي تَوَجَّهَ لِلْمَسْمُوعِ حِسُّهُ وَهُوَ لَيْسَ بِصَيْدٍ فَلَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ اصْطِيَادًا، وَحِلُّ الصَّيْدِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِوُجُودِ فِعْلِ الِاصْطِيَادِ فَلَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ لِانْعِدَامِ فِعْلِ الِاصْطِيَادِ. وَأَمَّا هَاهُنَا فَسَهْمُهُ أَصَابَ عَيْنَ الْمَسْمُوعِ حِسُّهُ وَعَيْنُهُ صَيْدٌ فَكَانَ الْفِعْلُ وَاقِعًا عَلَى الصَّيْدِ وَهُوَ الِاصْطِيَادُ بِحَقِيقَتِهِ، فَلَمَّا وَجَدَ الِاصْطِيَادَ بِحَقِيقَتِهِ لَمْ يُعْتَبَرْ ظَنُّهُ ذَلِكَ الْمُخَالِفَ لِفِعْلِهِ الَّذِي هُوَ اصْطِيَادٌ بِحَقِيقَتِهِ، وَالظَّنُّ إذَا وَقَعَ مُخَالِفًا لِحَقِيقَةِ فِعْلِهِ كَانَ الظَّنُّ لَغْوًا فَيَحِلُّ أَكْلُ الْمُصَابِ لِوُجُودِ فِعْلِ الِاصْطِيَادِ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) يَعْنِي فِي فَصْلِ الْجَوَارِحِ بِقَوْلِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْجَرْحِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إلَخْ. وَقَوْلُهُ (فَتَحَامَلَ) التَّحَامُلُ فِي الْمَشْيِ أَنْ يَتَكَلَّفَهُ عَلَى مَشَقَّةٍ وَإِعْيَاءٍ يُقَالُ تَحَامَلْت فِي الْمَشْيِ. وَقَوْلُهُ (حَتَّى أَصَابَهُ مَيِّتًا أُكِلَ) قِيلَ إذَا وَجَدَهُ وَفِيهِ جِرَاحَةُ سَهْمِهِ لَا غَيْرُ، وَأَمَّا إذَا وَجَدَهُ وَفِيهِ جِرَاحَةٌ أُخْرَى فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَهُ تَرَكَ الطَّلَبَ أَوْ لَمْ يَتْرُكْ كَمَا سَيَجِيءُ، لِأَنَّهُ ظَهَرَ لِمَوْتِهِ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا يُوجِبُ الْحِلَّ، وَالْآخَرُ يُوجِبُ الْحُرْمَةَ فَيَغْلِبُ الْمُوجِبُ لِلْحُرْمَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ ظَهَرَ لِمَوْتِهِ سَبَبٌ وَهُوَ مَا كَانَ مَعَهُ مِنْ الرَّمْيِ، وَالْحُكْمُ مَتَى ظَهَرَ عَقِيبَ سَبَبٍ يُحَالُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ جَرَحَ إنْسَانًا فَلَمْ يَزَلْ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ يُجْعَلُ قَاتِلًا. قُلْنَا: لَمَّا وُجِدَ فِيهِ جَرْحُ غَيْرِهِ كَانَ الْقَتْلُ مِنْهُ مَوْهُومًا: وَالْمَوْهُومُ فِي هَذَا كَالْمُتَحَقِّقِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَلَّ هَوَامَّ الْأَرْضِ قَتَلَتْهُ» قَالَهُ حِينَ «أَهْدَى رَجُلٌ إلَيْهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَيْدًا فَقَالَ مَنْ أَيْنَ لَك هَذَا؟ قَالَ كُنْت رَمَيْته بِالْأَمْسِ وَكُنْت فِي طَلَبِهِ حَتَّى حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ ظُلْمَةُ اللَّيْلِ ثُمَّ وَجَدَتْهُ الْيَوْمَ مَيِّتًا وَفِيهِ مِزْرَاقِي، وَهُوَ الرُّمْحُ الصَّغِيرُ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: لَا أَدْرِي لَعَلَّ هَوَامَّ الْأَرْضِ قَتَلَتْهُ» الْحَدِيثَ، وَهُوَ كَمَا يَدُلُّ عَلَى حُرْمَةِ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى حُرْمَةِ مَا إذَا قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ احْتِمَالَ الْمَوْتِ) دَلِيلٌ

عَنْهُ، وَلَا ضَرُورَةَ فِيمَا إذَا قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ لِإِمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْ تَوَارٍ يَكُونُ بِسَبَبِ عَمَلِهِ، وَاَلَّذِي رَوَيْنَاهُ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ إنَّ مَا تَوَارَى عَنْهُ إذَا لَمْ يَبِتْ يَحِلُّ فَإِذَا بَاتَ لَيْلَةً لَمْ يَحِلَّ (وَلَوْ وُجِدَ بِهِ جِرَاحَةٌ سِوَى جِرَاحَةِ سَهْمِهِ لَا يَحِلُّ) ؛ لِأَنَّهُ مَوْهُومٌ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَاعْتُبِرَ مُحَرَّمًا، بِخِلَافِ وَهْمِ الْهَوَامِّ وَالْجَوَابُ فِي إرْسَالِ الْكَلْبِ فِي هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعْقُولٌ عَلَى ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا الِاحْتِمَالُ بَاقٍ إذَا كَانَ فِي طَلَبِهِ أَيْضًا. أَجَابَ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنَّا أَسْقَطْنَا اعْتِبَارَهُ مَا دَامَ فِي طَلَبِهِ ضَرُورَةَ أَنَّ الِاصْطِيَادَ لَا يَعْرَى عَنْ ذَلِكَ، وَلَا ضَرُورَةَ فِيمَا إذَا قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ لِإِمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْ تَوَارٍ يَكُونُ بِسَبَبِ عَمَلِهِ. وَقَوْلُهُ (وَاَلَّذِي رَوَيْنَاهُ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ إنَّ مَا تَوَارَى عَنْهُ مَا إذَا لَمْ يَبِتْ يَحِلُّ) يَعْنِي وَإِنْ رَأَى فِيهِ أَثَرَ سَبُعٍ، وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ كَذَلِكَ وَكَأَنَّهُ بَنَى الْأَمْرَ عَلَى الْغَالِبِ، لِأَنَّهُ إذَا بَاتَ عَنْهُ قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ غَالِبًا. وَوَجْهُ كَوْنِ مَا رَوَيْنَاهُ حُجَّةً عَلَيْهِ أَنَّهُ كَرِهَ أَكْلَ الصَّيْدِ إذَا غَابَ عَنْ الرَّامِي. فَإِنْ قِيلَ: إنْ كَانَ مَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ كَرَاهَتِهِ أَكْلَ الصَّيْدِ إذَا غَابَ عَنْ الرَّامِي حُجَّةً عَلَيْهِ، فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَلَّ هَوَامَّ الْأَرْضِ قَتَلَتْهُ» حُجَّةٌ لَهُ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قِصَّتِهِ، فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَهُ لِمَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّيْدِ ظُلْمَةُ اللَّيْلِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ خُصُوصَ السَّبَبِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَاعْتِبَارُ قَتْلِ الْهَوَامِّ عِنْدَ الْغَيْبَةِ مَوْجُودٌ فَيَكُونُ حَرَامًا. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ وَجَدَ بِهِ جِرَاحَةً) قَدَّمْنَاهُ وَالْخِلَافُ فِيهِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ مَوْهُومٌ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ) لِأَنَّ الصَّيْدَ قَدْ يَخْلُو عَنْ رَمْيِ الْغَيْرِ مُحَرَّمًا، بِخِلَافِ وَهْمِ الْهَوَامِّ فَإِنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِأَنَّ الصَّيْدَ لَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ وَالْأَرْضُ

كَالْجَوَابِ فِي الرَّمْيِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ. قَالَ (وَإِذَا رَمَى صَيْدًا فَوَقَعَ فِي الْمَاءِ أَوْ وَقَعَ عَلَى سَطْحٍ أَوْ جَبَلٍ ثُمَّ تَرَدَّى مِنْهُ إلَى الْأَرْضِ لَمْ يُؤْكَلْ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَرَدِّيَةُ وَهِيَ حَرَامٌ بِالنَّصِّ، وَلِأَنَّهُ احْتَمَلَ الْمَوْتَ بِغَيْرِ الرَّمْيِ؛ إذْ الْمَاءُ مُهْلِكٌ وَكَذَا السُّقُوطُ مِنْ عَالٍ، يُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَدِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «وَإِنْ وَقَعَتْ رَمِيَّتُك فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّك لَا تَدْرِي أَنَّ الْمَاءَ قَتَلَهُ أَوْ سَهْمُك» (وَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ ابْتِدَاءً أُكِلَ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَفِي اعْتِبَارِهِ سَدَّ بَابِ الِاصْطِيَادِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، فَصَارَ الْأَصْلُ أَنَّ سَبَبَ الْحُرْمَةِ وَالْحِلِّ إذَا اجْتَمَعَا وَأَمْكَنَ التَّحَرُّزُ عَمَّا هُوَ سَبَبُ الْحُرْمَةِ تُرَجَّحُ جِهَةُ الْحُرْمَةِ احْتِيَاطًا، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ جَرَى وُجُودُهُ مَجْرَى عَدَمِهِ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِحَسَبِ الْوُسْعِ، فَمِمَّا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ إذَا وَقَعَ عَلَى شَجَرٍ أَوْ حَائِطٍ أَوْ آجُرَّةٍ ثُمَّ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ رَمَاهُ، وَهُوَ عَلَى جَبَلٍ فَتَرَدَّى مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ حَتَّى تَرَدَّى إلَى الْأَرْضِ، أَوْ رَمَاهُ فَوَقَعَ عَلَى رُمْحٍ مَنْصُوبٍ أَوْ عَلَى قَصَبَةٍ قَائِمَةٍ أَوْ عَلَى حَرْفِ آجُرَّةٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّ حَدَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَتَلَهُ، وَمِمَّا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ إذَا وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، أَوْ عَلَى مَا هُوَ مَعْنَاهُ كَجَبَلٍ أَوْ ظَهْرِ بَيْتٍ أَوْ لَبِنَةٍ مَوْضُوعَةٍ أَوْ صَخْرَةٍ فَاسْتَقَرَّ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ وُقُوعَهُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْأَرْضِ سَوَاءٌ وَذُكِرَ فِي الْمُنْتَفَى: لَوْ وَقَعَ عَلَى صَخْرَةٍ فَانْشَقَّ بَطْنُهُ لَمْ يُؤْكَلْ لِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ بِسَبَبٍ آخَرَ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ وَحُمِلَ مُطْلَقُ الْمَرْوِيِّ فِي الْأَصْلِ عَلَى غَيْرِ حَالَةِ الِانْشِقَاقِ، وَحَمَلَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَا أَصَابَهُ حَدُّ الصَّخْرَةِ فَانْشَقَّ بَطْنُهُ بِذَلِكَ، وَحَمَلَ الْمَرْوِيَّ فِي الْأَصْلِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُصِبْهُ مِنْ الْآجُرَّةِ إلَّا مَا يُصِيبُهُ مِنْ الْأَرْضِ لَوْ وَقَعَ عَلَيْهَا وَذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا تَخْلُو عَنْهَا فَلَا يُجْعَلُ مُحَرَّمًا إذَا لَمْ يَقْعُدْ عَنْ الطَّلَبِ. قَالَ (وَإِذَا رَمَى صَيْدًا فَوَقَعَ فِي الْمَاءِ إلَخْ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ، وَهُوَ فِي الْمَعْنَى مُقَيَّدٌ بِأَنْ لَا يَكُونَ الْجَرْحُ مُهْلِكًا فِي الْحَالِ عَلَى مَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ (وَكَذَا السُّقُوطُ مِنْ عَالٍ) وَهُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ عُلْوٍ، وَهُوَ لُغَةٌ فِي الْأَوَّلِ مَضْمُومًا وَمَفْتُوحًا وَمَكْسُورًا. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ ابْتِدَاءً أُكِلَ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْأَرْضِ مَا يَقْتُلُهُ كَحَدِّ الرُّمْحِ وَالْقَصَبَةِ الْمَنْصُوبَةِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ (وَقَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى) يُرِيدُ بَيَانَ مَا وَقَعَ مِنْ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَهِيَ قَوْلُهُ أَوْ صَخْرَةً فَاسْتَقَرَّ عَلَيْهَا وَبَيْنَ رِوَايَةِ الْمُنْتَقَى وَصَحَّحَ الْحَاكِمُ رِوَايَةَ الْمُنْتَقَى وَحَمَلَ الْمُطْلَقَ الْمَرْوِيَّ فِي الْأَصْلِ مِنْ قَوْلِهِ فَاسْتَقَرَّ عَلَيْهَا عَلَى غَيْرِ حَالَةِ الِانْشِقَاقِ وَحَمَلَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ رِوَايَةَ الْمُنْتَقَى عَلَى مَا أَصَابَهُ حَدُّ الصَّخْرَةِ فَانْشَقَّ بَطْنُهُ لِذَلِكَ وَحُمِلَ الْمَرْوِيُّ فِي الْأَصْلِ عَلَى أَنَّهُ

عَفْوٌ وَهَذَا أَصَحُّ وَإِنْ كَانَ الطَّيْرُ مَائِيًّا، فَإِنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ لَا تَنْغَمِسُ فِي الْمَاءِ أُكِلَ، وَإِنْ انْغَمَسَتْ لَا يُؤْكَلُ كَمَا إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ قَالَ (وَمَا أَصَابَهُ الْمِعْرَاضُ بِعَرْضِهِ لَمْ يُؤْكَلْ، وَإِنْ جَرَحَهُ يُؤْكَلُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِ «مَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْ، وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْ» وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْجُرْحِ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الذَّكَاةِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. قَالَ (وَلَا يُؤْكَلُ مَا أَصَابَتْهُ الْبُنْدُقَةُ فَمَاتَ بِهَا) ؛ لِأَنَّهَا تَدُقُّ وَتَكْسِرُ وَلَا تَجْرَحُ فَصَارَ كَالْمِعْرَاضِ إذَا لَمْ يَخْزِقُ، وَكَذَلِكَ إنْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ، وَكَذَا إنْ جَرَحَهُ قَالُوا: تَأْوِيلُهُ إذَا كَانَ ثَقِيلًا وَبِهِ حِدَةٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِثِقَلِهِ، وَإِنْ كَانَ الْحَجَرُ خَفِيفًا وَبِهِ حِدَةٌ يَحِلُّ لِتَعَيُّنِ الْمَوْتِ بِالْجُرْحِ، وَلَوْ كَانَ الْحَجَرُ خَفِيفًا، وَجَعَلَهُ طَوِيلًا كَالسَّهْمِ وَبِهِ حِدَةٌ فَإِنَّهُ يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ يَقْتُلُهُ بِجُرْحِهِ، وَلَوْ رَمَاهُ بِمَرْوَةِ حَدِيدَةٍ وَلَمْ تُبْضِعْ بِضْعًا لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ دَقًّا، وَكَذَا إذَا رَمَاهُ بِهَا فَأَبَانَ رَأْسَهُ أَوْ قَطَعَ أَوْدَاجَهُ؛ لِأَنَّ الْعُرُوقَ تَنْقَطِعُ بِثِقَلِ الْحَجَرِ كَمَا تَنْقَطِعُ بِالْقَطْعِ فَوْقَ الشَّكِّ أَوْ لَعَلَّهُ مَاتَ قَبْلَ قَطْعِ الْأَوْدَاجِ، وَلَوْ رَمَاهُ بِعَصًا أَوْ بِعُودٍ حَتَّى قَتَلَهُ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ يَقْتُلُهُ ثِقَلًا لَا جُرْحًا، اللَّهُمَّ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ حِدَةٌ يُبْضِعُ بِضْعًا فَحِينَئِذٍ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ السَّيْفِ وَالرُّمْحِ وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْمَوْتَ إذَا كَانَ مُضَافًا إلَى الْجُرْحِ بِيَقِينٍ كَانَ الصَّيْدُ حَلَالًا، وَإِذَا كَانَ مُضَافًا إلَى الثِّقَلِ بِيَقِينٍ كَانَ حَرَامًا، وَإِنْ وَقَعَ الشَّكُّ وَلَا يَدْرِي مَاتَ بِالْجُرْحِ أَوْ بِالثِّقَلِ كَانَ حَرَامًا احْتِيَاطًا، وَإِنْ رَمَاهُ بِسَيْفٍ أَوْ بِسِكِّينٍ فَأَصَابَهُ بِحَدِّهِ فَجَرَحَهُ حَلَّ، وَإِنْ أَصَابَهُ بِقَفَا السِّكِّينِ أَوْ بِمِقْبَضِ السَّيْفِ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ دَقًّا، وَالْحَدِيدُ وَغَيْرُهُ فِيهِ سَوَاءٌ وَلَوْ رَمَاهُ فَجَرَحَهُ وَمَاتَ بِالْجُرْحِ، إنْ كَانَ الْجُرْحُ مُدْمِيًا يَحِلُّ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُدْمِيًا فَكَذَلِكَ عِنْدَ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ سَوَاءٌ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً؛ لِأَنَّ الدَّمَ قَدْ يَحْتَبِسُ بِضِيقِ الْمَنْفَذِ أَوْ غِلَظِ الدَّمِ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ يُشْتَرَطُ الْإِدْمَاءُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَأَفْرَى الْأَوْدَاجَ فَكُلْ» شَرَطَ الْإِنْهَارَ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ إنْ كَانَتْ كَبِيرَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يُصِبْهُ مِنْ الْآجِرَةِ إلَّا مَا يُصِيبُهُ مِنْ الْأَرْضِ لَوْ وَقَعَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ عَفْوٌ كَمَا إذَا وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ وَانْشَقَّ بَطْنُهُ. وَفِي الْجُمْلَةِ فَلَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ، وَهَذَا: أَيْ مَا فَعَلَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَصَحُّ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْأَصْلِ مُطْلَقٌ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ، وَحَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ حَالَةِ الِانْشِقَاقِ يُحْوِجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْجَبَلِ وَالْأَرْضِ فِي الِانْشِقَاقِ، فَإِنَّهُ لَوْ انْشَقَّ بِوُقُوعِهِ عَلَى الْأَرْضِ أُكِلَ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ. وَقَوْلُهُ (كَمَا إذَا وَقَعَ) أَيْ غَيْرُ الْمَائِيِّ (فِي الْمَاءِ) . وَقَوْلُهُ (وَمَا أَصَابَ الْمِعْرَاضُ بِعَرْضِهِ) الْمِعْرَاضُ سَهْمٌ لَا رِيشَ لَهُ يَمْضِي عَرْضًا فَيُصِيبُ بِعَرْضِهِ لَا بِحَدِّهِ، وَالْبُنْدُقَةُ طِينَةٌ مُدَوَّرَةٌ يُرْمَى بِهَا. وَقَوْلُهُ (إذَا لَمْ يَخْزِقْ) بِالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ خَزَقَ الْمِعْرَاضُ: أَيْ نَفَذَ، وَبِالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ خَطَأٌ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إنْ جَرَحَهُ) يَعْنِي إذَا رَمَاهُ بِحَجَرٍ فَجَرَحَهُ، فَإِنْ كَانَ ثَقِيلًا وَبِهِ حِدَةٌ، قَالُوا لَا يُؤْكَلُ

حَلَّ بِدُونِ الْإِدْمَاءِ، وَلَوْ ذَبَحَ شَاةً وَلَمْ يَسِلْ مِنْهُ الدَّمُ قِيلَ لَا تَحِلُّ وَقِيلَ تَحِلُّ وَوَجْهُ الْقَوْلَيْنِ دَخَلَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ وَإِذَا أَصَابَ السَّهْمُ ظِلْفَ الصَّيْدِ أَوْ قَرْنَهُ، فَإِنْ أَدْمَاهُ حَلَّ وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا يُؤَيِّدُ بَعْضَ مَا ذَكَرْنَاهُ قَالَ (وَإِذَا رَمَى صَيْدًا فَقَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ أُكِلَ الصَّيْدُ) لِمَا بَيَّنَّاهُ (وَلَا يُؤْكَلُ الْعُضْوُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أُكِلَا إنْ مَاتَ الصَّيْدُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُبَانٌ بِذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ فَيَحِلُّ الْمُبَانُ وَالْمُبَانُ مِنْهُ كَمَا إذَا أُبِينَ الرَّأْسُ بِذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَمُتْ؛ لِأَنَّهُ مَا أُبِينَ بِالذَّكَاةِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا أُبِينَ مِنْ الْحَيِّ فَهُوَ مَيِّتٌ» ذِكْرُ الْحَيِّ مُطْلَقًا فَيَنْصَرِفُ إلَى الْحَيِّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَالْعُضْوُ الْمُبَانُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ الْمُبَانَ مِنْهُ حَيٌّ حَقِيقَةً لِقِيَامِ الْحَيَاةِ فِيهِ، وَكَذَا حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ تُتَوَهَّمُ سَلَامَتُهُ بَعْدَ هَذِهِ الْجِرَاحَةِ وَلِهَذَا اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ حَيًّا، حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ وَفِيهِ حَيَاةٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يَحْرُمُ وَقَوْلُهُ أُبِينَ بِالذَّكَاةِ قُلْنَا حَالَ وُقُوعِهِ لَمْ يَقَعْ ذَكَاةً لِبَقَاءِ الرُّوحِ فِي الْبَاقِي، وَعِنْدَ زَوَالِهِ لَا يَظْهَرُ فِي الْمُبَانِ لِعَدَمِ الْحَيَاةِ فِيهِ، وَلَا تَبَعِيَّةَ لِزَوَالِهَا بِالِانْفِصَالِ فَصَارَ هَذَا الْحَرْفُ هُوَ الْأَصْلَ؛ لِأَنَّ الْمُبَانَ مِنْ الْحَيِّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لَا يَحِلُّ، وَالْمُبَانُ مِنْ الْحَيِّ صُورَةً لَا حُكْمًا يَحِلُّ وَذَلِكَ بِأَنْ يَبْقَى فِي الْمُبَانِ مِنْهُ حَيَاةٌ بِقَدْرِ مَا يَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِاحْتِمَالِ أَنَّ قَتْلَهُ بِثِقَلِهِ، وَإِنْ كَانَ خَفِيفًا وَبِهِ حِدَةٌ أُكِلَ. وَالْمَرْوَةُ: حَجَرٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ كَالسِّكِّينِ يُذْبَحُ بِهِ، وَاَللَّهُمَّ يُسْتَعْمَلُ عَقِيبَهُ إلَّا إذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى عَزِيزًا نَادِرًا إيذَانًا بِأَنَّهُ بَلَغَ فِي النُّدْرَةِ حَدَّ الشُّذُوذِ. وَقَوْلُهُ (قِيلَ لَا يَحِلُّ) هُوَ قَوْلُ أَبِي الْقَاسِمِ الصَّفَّارِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الدَّمَ النَّجِسَ لَمْ يَسِلْ فَلَا يَكُونُ بِمَعْنَى الذَّبْحِ. وَقِيلَ يَحِلُّ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ لِوُجُودِ الذَّكَاةِ بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ، وَالدَّمُ قَدْ يُحْتَبَسُ لِغِلَظِهِ أَوْ لِضِيقِ الْمَنْفَذِ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا يُؤَيِّدُ بَعْضَ مَا ذَكَرْنَاهُ) يُرِيدُ بِهِ قَوْلَ أَبِي الْقَاسِمِ الصَّفَّارِ فَإِنَّهُ شَرَطَ سَيَلَانَ الدَّمِ. قَالَ (وَإِنْ رَمَى صَيْدًا إلَخْ) إذَا قَطَعَ بِالرَّمْيِ عُضْوًا مِنْ الصَّيْدِ أُكِلَ الصَّيْدُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الرَّمْيَ مَعَ الْجَرْحِ مُبِيحٌ وَقَدْ وُجِدَ، وَلَا يُؤْكَلُ الْعُضْوُ إنْ أَمْكَنَ حَيَاتُهُ بَعْدَ الْإِبَانَةِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَكْلًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى إنْ مَاتَ الصَّيْدُ مِنْهُ أُكِلَ لِأَنَّهُ مُبَانٌ بِذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ حَلَّ الْمُبَانُ (وَالْمُبَانُ مِنْهُ كَمَا إذَا أُبِينَ الرَّأْسُ بِذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ) وَذَلِكَ لِأَنَّ قَطْعَ أَيِّ عُضْوٍ كَانَ فِي ذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ كَقَطْعِ الرَّأْسِ فِي ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ، وَالرَّأْسُ يُؤْكَلُ فِي ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ فَكَذَا الْعُضْوُ الْمُبَانُ فِي ذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا أُبِينَ مِنْ الْحَيِّ فَهُوَ مَيِّتٌ» وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ ذَكَرَ الْحَيَّ مُطْلَقًا، وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْفَرْدِ الْكَامِلِ، وَالْكَامِلُ هُوَ الْحَيُّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَالْعُضْوُ الْمُبَانُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ: يَعْنِي أُبِينَ مِنْ الْحَيِّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، أَمَّا حَقِيقَةً فَلِقِيَامِ الْحَيَاةِ بِهِ، وَأَمَّا حُكْمًا فَلِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ حَيَاتُهُ بَعْدَ إبَانَةِ هَذَا الْعُضْوِ، وَلِهَذَا: أَيْ وَلِكَوْنِهِ حَيًّا حُكْمًا اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ وَفِيهِ حَيَاةٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَمْ يُؤْكَلْ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَوْتُهُ بِوُقُوعِهِ فِي الْمَاءِ. وَقَوْلُهُ (أُبِينَ بِالذَّكَاةِ) ذَكَرَهُ لِيُجِيبَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ قُلْنَا وَتَقْرِيرُهُ سَلَّمْنَا أَنَّ مَا أُبِينَ بِالذَّكَاةِ يُؤْكَلُ وَلَكِنْ لَا ذَكَاةَ هَاهُنَا لِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ وَهُوَ إبَانَةُ الْعُضْوِ

فِي الْمَذْبُوحِ فَإِنَّهُ حَيَاةٌ صُورَةً لَا حُكْمًا، وَلِهَذَا لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ وَبِهِ هَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْحَيَاةِ أَوْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ أَوْ سَطْحٍ لَا يَحْرُمُ فَتُخَرَّجُ عَلَيْهِ الْمَسَائِلُ، فَنَقُولُ: إذَا قَطَعَ يَدًا أَوْ رِجْلًا أَوْ فَخِذًا أَوْ ثُلُثَهُ مِمَّا يَلِي الْقَوَائِمَ أَوْ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الرَّأْسِ يَحْرُمُ الْمُبَانُ وَيَحِلُّ الْمُبَانُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ بَقَاءُ الْحَيَاةِ فِي الْبَاقِي (وَلَوْ قَدَّهُ بِنِصْفَيْنِ أَوْ قَطَّعَهُ أَثْلَاثًا وَالْأَكْثَرُ مِمَّا يَلِي الْعَجُزَ أَوْ قَطَعَ نِصْفَ رَأْسِهِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ يَحِلُّ الْمُبَانُ وَالْمُبَانُ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّ الْمُبَانَ مِنْهُ حَيٌّ صُورَةً لَا حُكْمًا؛ إذْ لَا يُتَوَهَّمُ بَقَاءُ الْحَيَاةِ بَعْدَ هَذَا الْجُرْحِ، وَالْحَدِيثُ وَإِنْ تَنَاوَلَ السَّمَكَ وَمَا أُبِينَ مِنْهُ فَهُوَ مَيِّتٌ، إلَّا أَنَّ مَيْتَتَهُ حَلَالٌ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ (وَلَوْ ضَرَبَ عُنُقَ شَاةٍ فَأَبَانَ رَأْسَهَا يَحِلُّ لِقَطْعِ الْأَوْدَاجِ) وَيُكْرَهُ هَذَا الصَّنِيعُ لِإِبْلَاغِهِ النُّخَاعَ، وَإِنْ ضَرَبَهُ مِنْ قِبَلِ الْقَفَا، إنْ مَاتَ قَبْلَ قَطْعِ الْأَوْدَاجِ لَا يَحِلُّ، وَإِنْ لَمْ يَمُتْ حَتَّى قَطَعَ الْأَوْدَاجَ حَلَّ (وَلَوْ ضَرَبَ صَيْدًا فَقَطَعَ يَدًا أَوْ رِجْلًا وَلَمْ يُبِنْهُ؛ إنْ كَانَ يُتَوَهَّمُ الِالْتِئَامُ وَالِانْدِمَالُ فَإِذَا مَاتَ حَلَّ أَكْلُهُ) ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ أَجْزَائِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُتَوَهَّمُ بِأَنْ بَقِيَ مُتَعَلِّقًا بِجِلْدِهِ حَلَّ مَا سِوَاهُ لِوُجُودِ الْإِبَانَةِ مَعْنًى وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعَانِي. قَالَ (وَلَا يُؤْكَلُ صَيْدُ الْمَجُوسِيِّ وَالْمُرْتَدِّ وَالْوَثَنِيِّ) ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الذَّبَائِحِ، وَلَا بُدَّ مِنْهَا فِي إبَاحَةِ الصَّيْدِ بِخِلَافِ النَّصْرَانِيِّ وَالْيَهُودِيِّ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ اخْتِيَارًا فَكَذَا اضْطِرَارًا. قَالَ (وَمَنْ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَهُ وَلَمْ يُثْخِنْهُ وَلَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ فَرَمَاهُ آخَرُ فَقَتَلَهُ فَهُوَ لِلثَّانِي وَيُؤْكَلُ) ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْآخِذُ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الصَّيْدُ لِمَنْ أَخَذَ» (وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَثْخَنَهُ فَرَمَاهُ الثَّانِي فَقَتَلَهُ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ وَلَمْ يُؤْكَلْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQحَالَ وُقُوعِهِ لَيْسَ بِذَكَاةٍ لِبَقَاءِ الرُّوحِ فِي الْبَاقِي عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُ الْحَيَاةُ بَعْدَهُ إذْ الْفَرْضُ ذَلِكَ، وَالْجَرْحُ يُعْتَبَرُ ذَكَاةً إذَا مَاتَ مِنْهُ، أَوْ يَكُونُ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ الْحَيَاةُ بَعْدَهُ، وَلِهَذَا لَوْ وَجَدَهُ وَفِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ فَوْقَ مَا فِي الْمَذْبُوحِ لَا بُدَّ مِنْ ذَبْحِهِ وَعِنْدَ زَوَالِ الرُّوحِ وَإِنْ كَانَ ذَكَاةً بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّيْدِ، لَكِنَّهُ لَيْسَ بِذَكَاةٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُبَانِ لِعَدَمِ تَأْثِيرِهِ فِي مَوْتِهِ لِفَقْدِ الْحَيَاةِ فِيهِ حِينَئِذٍ. فَإِنْ قِيلَ: فَلْيَكُنْ ذَكَاةً لِلْمُبَانِ بِتَبَعِيَّةِ الْأَكْثَرِ إذَا مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْقَطْعِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ وَلَا تَبَعِيَّةَ: يَعْنِي: الْأَقَلُّ يَتْبَعُ الْأَكْثَرَ إذَا لَمْ يَنْفَصِلْ عَنْهُ، وَهَاهُنَا قَدْ انْفَصَلَ فَزَالَتْ التَّبَعِيَّةُ، وَالْأَصْلُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَالْأَكْثَرُ مِمَّا يَلِي الْعَجُزَ) احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا كَانَ الْأَكْثَرُ مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ الْأَكْثَرُ لَا غَيْرُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْأَوْدَاجَ مِنْ الْقَلْبِ إلَى الدِّمَاغِ، فَإِنْ أَبَانَ الثُّلُثَ مِمَّا يَلِي الْعَجُزَ لَمْ يَقَعْ الْفِعْلُ ذَكَاةً لِعَدَمِ قَطْعِ الْأَوْدَاجِ، وَإِنَّمَا وَقَعَتْ بِمَوْتِهِ، وَالْجُزْءُ مُبَانٌ عِنْدَ ذَلِكَ. وَأَمَّا إذَا أَبَانَ الثُّلُثَ مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ فَقَدْ وَقَعَ الذَّكَاةُ بِقَطْعِ الْأَوْدَاجِ نَفْسِهِ، وَحِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ الْجُزْءُ مُبَانًا، وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ (وَلَا يُؤْكَلُ صَيْدُ الْمَجُوسِيِّ) مَبْنَاهُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ غَيْرَ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ الْكُفَّارِ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلذَّكَاةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ وَلَا بُدَّ مِنْهَا فِي إبَاحَةِ الصَّيْدِ. قَالَ (وَمَنْ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَهُ وَلَمْ يُثْخِنْهُ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الرَّجُلَيْنِ إذَا رَمَيَا صَيْدًا فَذَاكَ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ: إمَّا أَنْ يَرْمِيَاهُ مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبًا. وَالْأَوَّلُ عَلَى أَوْجُهٍ: فَإِنَّهُ إذَا رَمَيَاهُ مَعًا فَإِمَّا أَنْ يُصِيبَا مَعًا أَوْ يُصِيبَ أَحَدُهُمَا أَوَّلًا، فَإِنْ أَصَابَ فَإِمَّا أَنْ يُثْخِنَهُ قَبْلَ إصَابَةِ الثَّانِي أَوَّلًا. وَالثَّانِي كَذَلِكَ فَإِنَّهُ إمَّا إنْ رَمَاهُ الثَّانِي قَبْلَ إصَابَةِ السَّهْمِ الْأَوَّلِ أَوْ بَعْدَهَا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَإِمَّا أَنْ يُثْخِنَهُ الْأَوَّلُ أَوْ لَمْ يُثْخِنْهُ، وَالْأَوَّلُ بِوُجُوهِهِ وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ مِنْ الثَّانِي غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي الْكِتَابِ، وَأَنَا أَذْكُرُ ذَلِكَ تَكْمِلَةً لِلْإِفَادَةِ، فَإِنْ رَمَيَا مَعًا وَأَصَابَا مَعًا فَقَتَلَاهُ فَهُوَ لَهُمَا جَمِيعًا، وَيُؤْكَلُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَمَى إلَى صَيْدٍ مُبَاحٍ فَيَحِلُّ تَنَاوُلُهُ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الرَّمْيِ، فَإِنَّهُ كَانَ صَيْدًا حَالَ رَمْيِهِمَا فَيَقَعُ فِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذَكَاةً وَأَصَابَتْ الرَّمْيَتَانِ مَعًا فَاسْتَوَيَا فِي السَّبَبِيَّةِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْمِلْكِ، وَإِنْ رَمَيَاهُ مَعًا فَأَصَابَهُ سَهْمُ أَحَدِهِمَا أَوَّلًا فَأَثْخَنَهُ: أَيْ أَضْعَفَهُ

لِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ بِالثَّانِي، وَهُوَ لَيْسَ بِذَكَاةٍ لِلْقُدْرَةِ عَلَى ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ، بِخِلَافِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الرَّمْيُ الْأَوَّلُ بِحَالٍ يَنْجُو مِنْهُ الصَّيْدُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَوْتُ مُضَافًا إلَى الرَّمْيِ الثَّانِي وَأَمَّا إذَا كَانَ الْأَوَّلُ بِحَالٍ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ الصَّيْدُ بِأَنْ لَا يَبْقَى فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَبْقَى فِي الْمَذْبُوحِ، كَمَا إذَا أَبَانَ رَأْسَهُ يَحِلُّ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَا يُضَافُ إلَى الرَّمْيِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ وَعَدَمَهُ بِمَنْزِلَةٍ، وَإِنْ كَانَ الرَّمْيُ الْأَوَّلُ بِحَالٍ لَا يَعِيشُ مِنْهُ الصَّيْدُ إلَّا أَنَّهُ بَقِيَ فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ أَكْثَرُ مِمَّا يَكُونُ بَعْدَ الذَّبْحِ بِأَنْ كَانَ يَعِيشُ يَوْمًا أَوْ دُونَهُ؛ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَحْرُمُ بِالرَّمْيِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْحَيَاةِ لَا عِبْرَةَ بِهَا عِنْدَهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْحَيَاةِ مُعْتَبَرٌ عِنْدَهُ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِ فَصَارَ الْجَوَابُ فِيهِ وَالْجَوَابُ فِيمَا إذَا كَانَ الْأَوَّلُ بِحَالٍ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ الصَّيْدُ سَوَاءٌ فَلَا يَحِلُّ قَالَ (وَالثَّانِي ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ لِلْأَوَّلِ غَيْرَ مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ) ؛ لِأَنَّهُ بِالرَّمْيِ أَتْلَفَ صَيْدًا مَمْلُوكًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالرَّمْيِ الْمُثْخِنِ وَهُوَ مَنْقُوصٌ بِجِرَاحَتِهِ، وَقِيمَةُ الْمُتْلَفِ تُعْتَبَرُ يَوْمَ الْإِتْلَافِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: تَأْوِيلُهُ إذَا عُلِمَ أَنَّ الْقَتْلَ حَصَلَ بِالثَّانِي بِأَنْ كَانَ الْأَوَّلُ بِحَالٍ يَجُوزُ أَنْ يَسْلَمَ الصَّيْدُ مِنْهُ وَالثَّانِي بِحَالٍ لَا يَسْلَمُ الصَّيْدُ مِنْهُ لِيَكُونَ الْقَتْلُ كُلُّهُ مُضَافًا إلَى الثَّانِيَ وَقَدْ قَتَلَ حَيَوَانًا مَمْلُوكًا لِلْأَوَّلِ مَنْقُوصًا بِالْجِرَاحَةِ فَلَا يَضْمَنُهُ كَمَلًا، كَمَا إذَا قَتَلَ عَبْدًا مَرِيضًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَخْرَجَهُ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ ثُمَّ أَصَابَ سَهْمُ الْآخَرِ فَقَتَلَهُ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ، وَحَلَّ أَكْلُهُ عِنْدَنَا، خِلَافًا لِزُفَرَ. هُوَ يَعْتَبِرُ حَالَةَ الِاتِّصَالِ وَالسَّهْمُ الثَّانِي أَصَابَهُ وَهُوَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ رَمَى شَاةً، وَنَحْنُ نَعْتَبِرُ لِلْحِلِّ حَالَةَ الْإِرْسَالِ لِأَنَّ الْإِصَابَةَ بِالْمَحَلِّ تُبِيحُهُ وَلِهَذَا تَعَيَّنَ التَّسْمِيَةُ حَالَةَ الْإِرْسَالِ وَالْإِرْسَالُ قَدْ حَصَلَ مِنْهُمَا وَالْمَحَلُّ صَيْدٌ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِالثَّانِي حَظْرٌ، وَلِلْمِلْكِ حَالَةَ الِاتِّصَالِ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَتَّصِلُ بِالْمَحَلِّ، وَسَهْمُ الْأَوَّلِ أَخْرَجَهُ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ فَمَلَكَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَّصِلَ بِهِ الثَّانِي، وَإِنْ لَمْ يُثْخِنْهُ فَهُوَ لِلثَّانِي وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِنْ رَمَاهُ الثَّانِي بَعْدَمَا رَمَاهُ الْأَوَّلُ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَ سَهْمُهُ وَهُوَ الْأَوَّلُ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ رَمَيَاهُ مَعًا هُوَ لَهُمَا وَحَلَّ أَكْلُهُ. وَأَمَّا الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ فَقَدْ أَمْعَنَ الْمُصَنِّفُ فِي بَيَانِهِ، وَنُشِيرُ إلَى بَعْضِ أَلْفَاظِهِ إنْ خَفِيَ. فَقَوْلُهُ (هَذَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَلَمْ يُؤْكَلْ.

إنْ عَلِمَ أَنَّ الْمَوْتَ يَحْصُلُ مِنْ الْجِرَاحَتَيْنِ أَوْ لَا يَدْرِي قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ: يَضْمَنُ الثَّانِي مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ ثُمَّ يُضَمِّنُهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا بِجِرَاحَتَيْنِ ثُمَّ يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَةِ لَحْمِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ جَرَحَ حَيَوَانًا مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ وَقَدْ نَقَصَهُ فَيَضْمَنُ مَا نَقَصَهُ أَوَّلًا وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ بِالْجِرَاحَتَيْنِ فَيَكُونُ هُوَ مُتْلِفًا نِصْفَهُ وَهُوَ مَمْلُوكٌ لِغَيْرِهِ فَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا بِالْجِرَاحَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأُولَى مَا كَانَتْ بِصُنْعِهِ، وَالثَّانِيَةُ ضَمِنَهَا مَرَّةً فَلَا يَضْمَنُهَا ثَانِيًا وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّ بِالرَّمْيِ الْأَوَّلِ صَارَ بِحَالٍ يَحِلُّ بِذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ لَوْلَا رَمْيُ الثَّانِي، فَهَذَا بِالرَّمْيِ الثَّانِي أَفْسَدَ عَلَيْهِ نِصْفَ اللَّحْمِ فَيَضْمَنُهُ، وَلَا يَضْمَنُ النِّصْفَ الْآخَرَ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَهُ مَرَّةً فَدَخَلَ ضَمَانُ اللَّحْمِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ رَمَاهُ الْأَوَّلُ ثَانِيًا فَالْجَوَابُ فِي حُكْمِ الْإِبَاحَةِ كَالْجَوَابِ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّامِي غَيْرَهُ، وَيَصِيرُ كَمَا إذَا رَمَى صَيْدًا عَلَى قِمَّةِ جَبَلٍ فَأَثْخَنَهُ ثُمَّ رَمَاهُ ثَانِيًا فَأَنْزَلَهُ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ مُحَرَّمٌ، كَذَا هَذَا. قَالَ (وَيَجُوزُ اصْطِيَادُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الْحَيَوَانِ وَمَا لَا يُؤْكَلُ) لِإِطْلَاقِ مَا تَلُونَا وَالصَّيْدُ لَا يَخْتَصُّ بِمَأْكُولِ اللَّحْمِ قَالَ قَائِلُهُمْ: صَيْدُ الْمُلُوكِ أَرَانِب وَثَعَالِب ... وَإِذَا رَكِبْتُ فَصَيْدِي الْأَبْطَالُ وَلِأَنَّ صَيْدَهُ سَبَبٌ لِلِانْتِفَاعِ بِجِلْدِهِ أَوْ شَعْرِهِ أَوْ رِيشَةِ أَوْ لِاسْتِدْفَاعِ شَرِّهِ وَكُلُّ ذَلِكَ مَشْرُوعٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ مِنْ الْجِرَاحَتَيْنِ أَوْ لَا يَدْرِي قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ إلَخْ) بَيَانٌ لِحُكْمِ الضَّمَانِ وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الْحِلِّ. وَحُكْمُهُ أَنَّهُ لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّ إحْدَى الرَّمْيَتَيْنِ تَعَلَّقَ بِهَا حَظْرٌ وَالْأُخْرَى تَعَلَّقَ بِهَا الْإِبَاحَةُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّهُ يُعْلَمُ مِنْ ضَمَانِ اللَّحْمِ، وَإِنَّمَا كَانَ حُكْمُ صُوَرِهِ الْجَهَالَةَ وَهِيَ أَنْ لَا يَدْرِيَ أَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ بِأَيِّهِمَا كَصُورَةِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْجِرَاحَتَيْنِ سَبَبٌ لِلْقَتْلِ ظَاهِرًا فَيُضَافُ إلَيْهِمَا. قِيلَ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ ضَمَانُ نُقْصَانِ الْجِرَاحَةِ لِدُخُولِهِ تَحْتَ ضَمَانِ نِصْفِ الْقِيمَةِ، وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّ ضَمَانَ نُقْصَانِ الْجِرَاحَةِ إنَّمَا هُوَ بِسَبَبٍ قَبْلَ سَبَبِ ضَمَانِ نِصْفِ الْقِيمَةِ فَكَيْفَ يَدْخُلُ فِيهِ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ رَمَاهُ الْأَوَّلُ ثَانِيًا) يَعْنِي أَنَّ مَا تَقَدَّمَ كَانَ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّامِي الثَّانِي غَيْرَ الرَّامِي الْأَوَّلِ، وَهَذَا فِيمَا إذَا رَمَاهُ الْأَوَّلُ ثَانِيًا. قَوْلُهُ (فَالْجَوَابُ فِي حُكْمِ الْإِبَاحَةِ إلَخْ) يَعْنِي لَا فِي حُكْمِ الضَّمَانِ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَضْمَنُ مِلْكَ نَفْسِهِ بِفِعْلِهِ لِنَفْسِهِ، وَالْبَاقِي وَاضِحٌ

[كتاب الرهن]

[كِتَابُ الرَّهْنِ] (كِتَابُ الرَّهْنِ) الرَّهْنُ لُغَةً: حَبْسُ الشَّيْءِ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ وَفِي الشَّرِيعَةِ: جَعْلُ الشَّيْءِ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ كَالدُّيُونِ، وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] وَبِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا وَرَهَنَهُ بِهِ دِرْعَهُ» وَقَدْ انْعَقَدَ عَلَى ذَلِكَ الْإِجْمَاعُ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ وَثِيقَةٍ لِجَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ فَيُعْتَبَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكِتَابُ الرَّهْنِ) وَجْهُ مُنَاسَبَةِ الرَّهْنِ لِكِتَابِ الصَّيْدِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُمَا سَبَبَيْنِ لِتَحْصِيلِ الْمَالِ، وَمِنْ مَحَاسِنِهِ حُصُولُ النَّظَرِ لِجَانِبِ الدَّائِنِ وَالْمَدْيُونِ. وَسَبَبُهُ مَا ذَكَرْنَا غَيْرَ مَرَّةٍ. وَشَرْطُ جَوَازِهِ وَتَفْسِيرُهُ وَمَشْرُوعِيَّتُهُ وَحُكْمُهُ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ، وَسَنَذْكُرُهُ شَيْئًا فَشَيْئًا. أَمَّا تَفْسِيرُهُ فَمَا ذَكَرَهُ (الرَّهْنُ لُغَةً حَبْسُ الشَّيْءِ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ، وَفِي الشَّرِيعَةِ جَعْلُ الشَّيْءِ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْهُ) أَيْ اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ مِنْ الرَّهْنِ بِمَعْنَى الْمَرْهُونِ (كَالدُّيُونِ) وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ ارْتِهَانِ الْخَمْرِ وَعَنْ الرَّهْنُ عَنْ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، وَأَمَّا مَشْرُوعِيَّتُهُ فَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] وَهُوَ جَمْعُ رَهْنٍ كَعِبَادٍ فِي جَمْعِ عَبْدٍ، وَبِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ» وَبِالْإِجْمَاعِ فَإِنَّ الْأُمَّةَ اجْتَمَعَتْ عَلَى جَوَازِهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَبِالْمَعْقُولِ وَهُوَ أَنَّهُ عَقْدُ وَثِيقَةٍ لِجَانِبِ

بِالْوَثِيقَةِ فِي طَرَفِ الْوُجُوبِ وَهِيَ الْكَفَالَةُ قَالَ (الرَّهْنُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَيَتِمُّ بِالْقَبْضِ) قَالُوا: الرُّكْنُ الْإِيجَابُ بِمُجَرَّدِهِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَيَتِمُّ بِالْمُتَبَرَّعِ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاسْتِيفَاءِ فَيُعْتَبَرُ بِالْوَثِيقَةِ فِي طَرَفِ الْوُجُوبِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ لِلدَّيْنِ طَرَفَيْنِ: طَرَفُ الْوُجُوبِ وَطَرَفُ الِاسْتِيفَاءِ لِأَنَّهُ يَجِبُ أَوَّلًا فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ يُسْتَوْفَى الْمَالُ بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ الْوَثِيقَةُ لِطَرَفِ الْوُجُوبِ الَّذِي يَخْتَصُّ بِالذِّمَّةِ وَهِيَ الْكَفَالَةُ جَائِزَةٌ، فَكَذَا الْوَثِيقَةُ الَّتِي تَخْتَصُّ بِالْمَالِ، بَلْ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ هُوَ الْمَقْصُودُ وَالْوُجُوبُ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ. قَالَ (الرَّهْنُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ) رُكْنُ الرَّهْنِ الْإِيجَابُ، وَهُوَ قَوْلُ الرَّاهِنِ رَهَنْتُك هَذَا الْمَالَ بِدَيْنٍ لَك عَلَيَّ وَمَا أَشْبَهَهُ. وَالْقَبُولُ: وَهُوَ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ قَبِلْت، لِأَنَّهُ عَقْدٌ وَالْعَقْدُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَعَلَى ذَلِكَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ (قَالُوا) أَرَادَ بِهِ شَيْخَ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ (الرُّكْنُ بِالْإِيجَابِ بِمُجَرَّدِهِ لِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ، وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ يَتِمُّ بِالْمُتَبَرِّعِ) فَالرَّهْنُ يَتِمُّ بِالْمُتَبَرِّعِ، أَمَّا أَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَلِأَنَّ الرَّاهِنَ لَمْ يَسْتَوْجِبْ بِإِزَاءِ مَا أَثْبَتَ لِلْمُرْتَهِنِ مِنْ الْيَدِ شَيْئًا عَلَيْهِ، وَلَا نَعْنِي بِالتَّبَرُّعِ إلَّا ذَلِكَ. وَأَمَّا أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ كَذَلِكَ يَتِمُّ بِالْمُتَبَرِّعِ فَكَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ اسْتَوْجَبَ عَلَيْهِ صَيْرُورَتَهُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ عِنْدَ الْهَلَاكِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِيجَابِ مَا يَكُونُ ابْتِدَاءً وَالرَّهْنُ لَيْسَ كَذَلِكَ.

وَالْقَبْضُ شَرْطُ اللُّزُومِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ مَالِكٌ: يَلْزَمُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْمَالِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَصَارَ كَالْبَيْعِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ وَثِيقَةٍ فَأَشْبَهَ الْكَفَالَةَ وَلَنَا مَا تَلَوْنَا، وَالْمَصْدَرُ الْمَقْرُونُ بِحَرْفِ الْفَاءِ فِي مَحَلِّ الْجَزَاءِ يُرَادُ بِهِ الْأَمْرُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ (وَالْقَبْضُ شَرْطُ اللُّزُومِ) كَأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ الْقُدُورِيِّ وَيَتِمُّ الْقَبْضُ فَيَكُونُ الرَّهْنُ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزًا وَبِهِ يَلْزَمُ، وَهُوَ أَيْضًا اخْتِيَارُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِرِوَايَةِ عَامَّةِ الْكُتُبِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ إلَّا مَقْبُوضًا. وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي: لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ غَيْرُ مَقْبُوضٍ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ إلَّا مَقْبُوضًا مُفَرَّغًا مَحُوزًا. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ إلَّا مَقْبُوضًا. وَقَالَ مَالِكٌ: يَلْزَمُ الرَّهْنُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِنَفْسِ الْمَالِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَصَارَ كَالْبَيْعِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ وَثِيقَةٍ فَلَا يَكُونُ الْقَبْضُ شَرْطًا كَالْكَفَالَةِ (وَلَنَا مَا تَلَوْنَا) مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] وَالْمَصْدَرُ الْمَقْرُونُ بِحَرْفِ الْفَاءِ فِي مَحَلِّ الْجَزَاءِ يُرَادُ بِهِ الْأَمْرُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] أَيْ فَلْيَصُمْ، وَكَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] أَيْ فَلْيُحَرِّرْ فَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَإِذَا كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَارْهَنُوا وَارْتَهِنُوا، لَكِنْ تَرَكَ كَوْنَهُ مَعْمُولًا بِهِ فِي حَقِّ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَجِبْ الرَّهْنُ عَلَى الْمَدْيُونِ وَلَا قَبُولُهُ عَلَى الدَّائِنِ بِالْإِجْمَاعِ فَوَجَبَ أَنْ يَعْمَلَ فِي شَرْطِهِ وَهُوَ الْقَبْضُ كَمَا فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» بِالنَّصْبِ: أَيْ بِيعُوا، فَلَمْ يَعْمَلْ الْأَمْرُ فِي نَفْسِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْبَيْعَ مُبَاحٌ فَصُرِفَ إلَى شَرْطِهِ وَهُوَ الْمُمَاثَلَةُ فِي أَمْوَالِ

وَلِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ لِمَا أَنَّ الرَّاهِنَ لَا يَسْتَوْجِبُ بِمُقَابَلَتِهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ شَيْئًا وَلِهَذَا لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إمْضَائِهِ كَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالرِّبَا فَكَذَا هَذَا. وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ مَا قِيلَ إنَّ الْمُصَنِّفَ جَعَلَ الرِّهَانَ مَصْدَرًا وَهُوَ جَمْعُ رَهْنٍ. وَالثَّانِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ لِلْإِبَاحَةِ بِقَرِينَةِ الْإِجْمَاعِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الرَّهْنِ لَا إلَى الْقَبْضِ. وَالثَّالِثُ أَنَّ الْقَبْضَ إنْ كَانَ شَرْطًا لِلْجَوَازِ أَوْ لِلُّزُومِ وَسُلِّمَ ذَلِكَ فَقَدْ ارْتَفَعَ النِّزَاعُ وَلَا حَاجَةَ إلَى الدَّلِيلِ. وَالرَّابِعُ أَنَّ الْآيَةَ مَتْرُوكَةُ الظَّاهِرِ، لِأَنَّ ظَاهِرَهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّهْنَ إنَّمَا يَكُونُ فِي السَّفَرِ كَمَا قَالَ بِهِ مُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ وَقَدْ تُرِكَ، وَمَتْرُوكُ الظَّاهِرِ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مِمَّا يُقْضَى مِنْهُ الْعَجَبُ لِأَنَّهُ جَمْعُ رَهْنٍ وَالرَّهْنُ مَصْدَرٌ فَجَمْعُهُ كَذَلِكَ، وَإِسْنَادُ " مَقْبُوضَةٌ " إلَى ضَمِيرِ الْمَصْدَرِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ كَمَا فِي: سَيْلٌ مُفْعَمٌ. وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الْأَمْرَ فِي الْوُجُوبِ حَقِيقَةٌ كَمَا عُرِفَ وَالْإِجْمَاعُ لَا يَصْلُحُ قَرِينَةً لِلْمَجَازِ لِأَنَّ الْمَجَازَ هُوَ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ بِقَرِينَةٍ وَالْإِجْمَاعُ لَمْ يَكُنْ حَالَ اسْتِعْمَالِ هَذَا اللَّفْظِ، وَإِعْمَالُ الْحَقِيقَةِ فِي الرَّهْنِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَصُرِفَ إلَى الْقَبْضِ. وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ الدَّلِيلَ لِإِلْزَامِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَيْثُ لَا يَجْعَلُهُ شَرْطَ اللُّزُومِ وَلَا الْجَوَازِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ الرَّهْنَ بِالْقَبْضِ كَمَا وَصَفَ التِّجَارَةَ بِالتَّرَاضِي، وَالتَّرَاضِي وَصْفٌ لَازِمٌ فِي التِّجَارَةِ فَكَذَا الْقَبْضُ فِي الرَّهْنِ. لَا يُقَالُ: هَذَا اسْتِدْلَالٌ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ، وَهُوَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، إمَّا لِأَنَّ ذَلِكَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ مِنْ أَصْحَابِنَا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُصَنِّفُ قَدْ اخْتَارَهُ، وَإِمَّا لِأَنَّ عَدَمَ الصِّحَّةِ إنَّمَا يَكُونُ إذَا لَمْ تَكُنْ الصِّفَةُ مَقْصُودَةً، وَقَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا أَنَّ الْوُجُوبَ انْصَرَفَ إلَيْهَا. وَعَنْ الرَّابِعِ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ بِدَلِيلٍ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، لِأَنَّ النُّصُوصَ الْمُؤَوَّلَةَ مَتْرُوكَةُ الظَّاهِرِ وَهِيَ عَامَّةُ الدَّلَائِلِ، هَذَا مَا سَنَحَ لِي فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ) دَلِيلٌ مَعْقُولٌ عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ وَهُوَ وَاضِحٌ.

فِي الْوَصِيَّةِ وَذَلِكَ بِالْقَبْضِ، ثُمَّ يَكْتَفِي فِيهِ بِالتَّخْلِيَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ قَبْضٌ بِحُكْمِ عَقْدٍ مَشْرُوعٍ فَأَشْبَهَ قَبْضَ الْمَبِيعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ (ثُمَّ يُكْتَفَى فِيهِ بِالتَّخْلِيَةِ) يُرِيدُ بِهَا رَفْعَ الْمَانِعِ، وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ) أَيْ قَبْضَ الرَّهْنِ

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي الْمَنْقُولِ إلَّا بِالنَّقْلِ؛ لِأَنَّهُ قَبْضٌ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ ابْتِدَاءً بِمَنْزِلَةِ الْغَصْبِ، بِخِلَافِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ نَاقِلٌ لِلضَّمَانِ مِنْ الْبَائِعِ إلَى الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ بِمُوجِبٍ ابْتِدَاءً وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. قَالَ (وَإِذَا قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ مَحُوزًا مُفَرَّغًا مُتَمَيِّزًا تَمَّ الْعَقْدُ فِيهِ) لِوُجُودِ الْقَبْضِ بِكَمَالِهِ فَلَزِمَ الْعَقْدُ (وَمَا لَمْ يَقْبِضْهُ فَالرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ سَلَّمَهُ وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَنْ الرَّهْنِ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ اللُّزُومَ بِالْقَبْضِ إذْ الْمَقْصُودُ لَا يَحْصُلُ قَبْلَهُ. قَالَ (وَإِذَا سَلَّمَهُ إلَيْهِ فَقَبَضَهُ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبْضٌ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ ابْتِدَاءً) لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَى الرَّاهِنِ قَبْلَ الْقَبْضِ حَتَّى يَنْتَقِلَ الضَّمَانُ مِنْهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ، وَكُلُّ قَبْضٍ هَذَا شَأْنُهُ لَا يُكْتَفَى فِيهِ بِالتَّخْلِيَةِ كَمَا فِي الْغَصْبِ، فَإِنَّ الْمَغْصُوبَ لَا يَصِيرُ مَضْمُونًا بِدُونِ النَّقْلِ فَكَذَلِكَ الْمَرْهُونُ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْقَبْضَ بِعَقْدِ التَّبَرُّعِ لَمْ يُعْهَدْ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ وَبَيْنَ التَّبَرُّعِ وَالضَّمَانِ مُنَافَاةٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ الضَّمَانِ فِي الرَّهْنِ عِنْدَ الْهَلَاكِ فَيَنْتَفِي التَّبَرُّعُ فَلَا يَنْعَقِدُ الرَّهْنُ إلَّا بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَعَلَى ذَلِكَ رِوَايَةُ الْكُتُبِ كَالْمُنْتَقَى وَالْمُحِيطِ وَغَيْرِهِمَا (بِخِلَافِ الشِّرَاءِ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ وَجْهِ الظَّاهِرِ بِأَنَّ الْقَبْضَ فِي الشِّرَاءِ نَاقِلٌ لِلضَّمَانِ مِنْ الْبَائِعِ إلَى الْمُشْتَرِي لِكَوْنِ الْمَبِيعِ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُشْتَرِي مَضْمُونًا عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ، وَبِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ يَنْتَقِلُ الضَّمَانُ مِنْهُ إلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَى الْقَابِضِ ابْتِدَاءً. وَقَوْلُهُ (وَالْأَوَّلُ) أَيْ وَجْهُ الظَّاهِرِ (أَصَحُّ) لِأَنَّ الرَّهْنَ تَوْثِقَةٌ لِجِهَةِ الِاسْتِيفَاءِ، وَحَقِيقَةُ الِاسْتِيفَاءِ تَثْبُتُ بِالتَّخْلِيَةِ بِأَنْ يُخْلِيَ الرَّاهِنُ بَيْنَ الْمُرْتَهِنِ وَدَيْنِهِ فَكَذَلِكَ جِهَتُهُ، إذْ الْحَقِيقَةُ أَقْوَى مِنْ الْجِهَةِ، وَمَا يَثْبُتُ بِهِ الْأَقْوَى يَثْبُتُ بِهِ الْأَدْنَى. وَأَمَّا الْوَصْفُ الْمَذْكُورُ فِي وَجْهِ غَيْرِ الظَّاهِرِ وَهُوَ كَوْنُ الْقَبْضِ فِي الشِّرَاءِ نَاقِلًا لِلضَّمَانِ وَفِي الرَّهْنِ مُثْبِتًا لَهُ ابْتِدَاءً فَلَا يَكَادُ يُبَيِّنُ. وَقَوْلُهُ (فَإِذَا قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ إلَخْ) قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْقَبْضَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْهِبَةِ أَنَّ الْمَنْصُوصَ مُعْتَنًى بِشَأْنِهِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْكَمَالَ، وَالْكَامِلُ فِي الْقَبْضِ هُوَ أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ مَحُوزًا مُفَرَّغًا مُتَمَيِّزًا فَيَجِبُ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ مَحُوزًا احْتِرَازٌ عَنْ رَهْنِ التَّمْرِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ بِدُونِهَا. وَقَوْلُهُ (مُفَرَّغًا) احْتِرَازٌ عَنْ عَكْسِهِ. وَقَوْلُهُ (مُتَمَيِّزًا) احْتِرَازٌ عَنْ الشُّيُوعِ فِي الرَّهْنِ، فَإِنْ قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ تَمَّ الْعَقْدُ وَلَزِمَ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ فَالرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ التَّسْلِيمِ وَعَدَمِهِ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ، وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بِهَلَاكِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ، قَالَهَا ثَلَاثَةً، لِصَاحِبِهِ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» قَالَ: وَمَعْنَاهُ لَا يَصِيرُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ، وَلِأَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ بِالدَّيْنِ فَبِهَلَاكِهِ لَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ اعْتِبَارًا بِهَلَاكِ الصَّكِّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ بَعْدَ الْوَثِيقَةِ يَزْدَادُ مَعْنَى الصِّيَانَةِ، وَالسُّقُوطُ بِالْهَلَاكِ يُضَادُّ مَا اقْتَضَاهُ الْعَقْدُ إذَا لَحِقَ بِهِ يَصِيرُ بِعَرْضِ الْهَلَاكِ وَهُوَ ضِدُّ الصِّيَانَةِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْمُرْتَهِنِ بَعْدَ مَا نَفَقَ فَرَسُ الرَّهْنِ عِنْدَهُ «ذَهَبَ حَقُّك» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا غَمَّى الرَّهْنَ فَهُوَ بِمَا فِيهِ» مَعْنَاهُ: عَلَى مَا قَالُوا إذَا اشْتَبَهَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ بَعْدَ مَا هَلَكَ وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى أَنَّ الرَّاهِنَ مَضْمُونٌ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي كَيْفِيَّتِهِ، وَالْقَوْلُ بِالْأَمَانَةِ خَرْقٌ لَهُ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ» عَلَى مَا قَالُوا الِاحْتِبَاسُ الْكُلِّيُّ وَالتَّمَكُّنُ بِأَنْ يَصِيرَ مَمْلُوكًا لَهُ كَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ عَنْ السَّلَفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ اللُّزُومَ أَوْ الْجَوَازَ بِالْقَبْضِ، إذْ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الِاسْتِيفَاءُ لَا يَحْصُلُ قَبْلَهُ: أَيْ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَإِذَا قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ لَا يَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ» قَالَهَا أَيْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ ثَلَاثًا «لِصَاحِبِهِ غُنْمُهُ» : أَيْ زَوَائِدُهُ «وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» أَيْ هَلَاكُهُ. قَالَ: وَمَعْنَاهُ لَا يَصِيرُ: أَيْ الرَّهْنُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ، وَلِأَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ بِالدَّيْنِ لِيَزْدَادَ بِهِ الصِّيَانَةُ، فَلَوْ سَقَطَ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ عَادَ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ. وَلَنَا «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُرْتَهِنِ بَعْدَمَا نَفَقَ فَرَسُ الرَّهْنِ عِنْدَهُ ذَهَبَ حَقُّك» وَحَقُّهُ الدَّيْنُ فَيَكُونُ ذَاهِبًا. لَا يُقَالُ: الْمُرَادُ بِهِ ذَهَبَ حَقُّك مِنْ الْإِمْسَاكِ أَوْ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِرَهْنٍ آخَرَ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُشَاهَدٌ فَلَا فَائِدَةَ فِي الْإِخْبَارِ عَنْهُ، وَالثَّانِي لَيْسَ بِحَقٍّ لَهُ وَلِأَنَّهُ ذَكَرَ الْحَقَّ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ مُنَكَّرًا «أَنَّ رَجُلًا رَهَنَ فَرَسًا عِنْدَ رَجُلٍ بِحَقٍّ لَهُ عَلَيْهِ فَنَفَقَ الْفَرَسُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَاخْتَصَمَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لِلْمُرْتَهِنِ: ذَهَبَ حَقُّك» فَذَكَرَ الْحَقَّ مُنَكَّرًا، ثُمَّ أَعَادَهُ مُعَرَّفًا. وَفِي ذَلِكَ يَكُونُ الثَّانِي عَيْنَ الْأَوَّلِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ. وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ أَحَدَهُمَا كَلَامُ الرَّاوِي وَالْآخَرُ كَلَامُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ، إلَّا إذَا عُلِمَ أَنَّ الْمُنَكَّرَ كَانَ وَاقِعًا مِنْ الْمُرْتَهِنِ فِي حَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا غَمَّى الرَّهْنَ فَهُوَ بِمَا فِيهِ» مَعْنَاهُ عَلَى مَا قَالُوا: إذَا اشْتَبَهَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ بَعْدَمَا هَلَكَ: يَعْنِي إذَا قَالَ الرَّاهِنُ لَا أَدْرِي كَمْ كَانَ قِيمَتُهُ وَالْمُرْتَهِنُ كَذَلِكَ قَالَ: يَكُونُ الرَّهْنُ بِمَا فِيهِ، حُكِيَ هَذَا التَّأْوِيلُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ. وَقَوْلُهُ (مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي كَيْفِيَّتِهِ) يَعْنِي أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ لَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّتِهِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُمَا قَالَا: الرَّهْنُ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ. وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ إجْمَاعٌ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ مَضْمُونٌ، فَالْقَوْلُ بِكَوْنِهِ أَمَانَةً خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ» عَلَى مَا قَالُوا: الِاحْتِبَاسُ الْكُلِّيُّ: أَيْ يَصِيرُ مَمْلُوكًا لَهُ، كَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ عَنْ السَّلَفِ كَطَاوُوسٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ فِيمَا يُرَى أَنْ يَرْهَنَ الرَّجُلُ الرَّهْنَ بِالشَّيْءِ وَفِي الرَّهْنِ فَضْلٌ عَمَّا رَهَنَ بِهِ، فَيَقُولُ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ إنْ جِئْتُك بِحَقِّك إلَى أَجَلٍ يُسَمِّيهِ لَهُ وَإِلَّا فَالرَّهْنُ لَك بِمَا فِيهِ، فَهَذَا لَا يَصِحُّ وَلَا يَحِلُّ، وَهَذَا الَّذِي يَنْهَى عَنْهُ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُك بِمَا فِيهِ بَعْدَ الْأَجَلِ فَهُوَ لَهُ. وَقَوْلُهُ لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ: ذَهَبُوا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ يَعْنِي أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَبَا يُوسُفَ وَمُحَمَّدًا إلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ إذَا بِيعَ الرَّهْنُ بِثَمَنٍ

وَلِأَنَّ الثَّابِتَ لِلْمُرْتَهِنِ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ وَهُوَ مِلْكُ الْيَدِ وَالْحَبْسِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يُنْبِئُ عَنْ الْحَبْسِ الدَّائِمِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38] وَقَالَ قَائِلُهُمْ: وَفَارَقْتُك بِرَهْنٍ لَا فِكَاكَ لَهُ ... يَوْمَ الْوَدَاعِ فَأَمْسَى الرَّهْنُ قَدْ غَلِقَا وَالْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ تَنْعَطِفُ عَلَى الْأَلْفَاظِ عَلَى وَفْقِ الْأَنْبَاءِ، وَلِأَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ لِجَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ مُوصِلَةً إلَيْهِ وَذَلِكَ ثَابِتٌ لَهُ بِمِلْكِ الْيَدِ وَالْحَبْسِ لِيَقَعَ الْأَمْنُ مِنْ الْجُحُودِ مَخَافَةَ جُحُودِ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ، وَلِيَكُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ نَقْصٌ عَنْ الدَّيْنِ غَرِمَ الرَّاهِنُ ذَلِكَ النَّقْصَ، وَإِنْ بِيعَ بِفَضْلٍ عَنْ الدَّيْنِ أَخَذَ الرَّاهِنُ ذَلِكَ الْفَضْلَ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الثَّابِتَ لِلْمُرْتَهِنِ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ) دَلِيلٌ مَعْقُولٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ. وَتَقْرِيرُهُ: الثَّابِتُ لِلْمُرْتَهِنِ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ، وَيَدُ الِاسْتِيفَاءِ هُوَ مِلْكُ الْيَدِ وَالْحَبْسُ، لِأَنَّ الرَّهْنَ لُغَةً يُنْبِئُ عَنْ الْحَبْسِ الدَّائِمِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38] أَيْ مَحْبُوسَةٌ بِوَبَالِ مَا اكْتَسَبَتْ مِنْ الْمَعَاصِي. وَقَالَ زُهَيْرٌ: وَفَارَقْتُك بِرَهْنٍ لَا فِكَاكَ لَهُ ... يَوْمَ الْوَدَاعِ فَأَمْسَى الرَّهْنُ قَدْ غَلَقَا أَيْ ارْتَهَنَتْ الْمَحْبُوبَةُ قَلْبَهُ يَوْمَ الْوَدَاعِ وَاحْتَبَسَ قَلْبُهُ عِنْدَهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ فِكَاكُهُ، وَلَيْسَ فِيهِ ضَمَانٌ وَلَا هَلَاكٌ كَمَا تَرَى يَدُلُّ عَلَى الْحَبْسِ الدَّائِمِ. قِيلَ الدَّوَامُ إنَّمَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ لَا فِكَاكَ لَهُ لَا مِنْ لَفْظِ الرَّهْنِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا دَامَ وَتَأَبَّدَ بِنَفْيِ الْفِكَاكِ دَلَّ أَنَّهُ عَنْ الدَّوَامِ، إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لِذَلِكَ لَمَا دَامَ بِنَفْيِ مَا يَعْتَرِضُهُ بَلْ كَانَ الدَّوَامُ يَثْبُتُ بِإِثْبَاتِ مَا يُوجِبُهُ، فَثَبَتَ أَنَّ اللُّغَةَ تَدُلُّ عَلَى إنْبَاءِ الرَّهْنِ عَنْ الْحَبْسِ الدَّائِمِ، وَالْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ تَنْعَطِفُ عَلَى الْأَلْفَاظِ عَلَى وَفْقِ الْأَنْبَاءِ فَيَكُونُ لَفْظُ الرَّهْنِ فِي الْعَقْدِ الشَّرْعِيِّ مُنْبِئًا عَنْ الْحَبْسِ الدَّائِمِ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ وَلَا مُقْتَضَى لِلْعُدُولِ عَنْهُ، وَلِتَكُنْ هَذِهِ الْقَضِيَّةُ عِنْدَك، وَلِأَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ بِجَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ، وَمَعْنَاهُ: أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ مُوَصِّلًا إلَيْهِ: أَيْ إلَى الِاسْتِيفَاءِ، وَذَلِكَ: أَيْ كَوْنُهُ مُوَصِّلًا إلَيْهِ ثَابِتٌ بِمِلْكِ الْيَدِ وَالْحَبْسِ لِيَقَعَ الْأَمْنُ عَنْ جُحُودِ الرَّهْنِ مَخَافَةَ جُحُودِ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ. وَمَعْنَاهُ: أَنَّ الْحَبْسَ يُفْضِي إلَى أَدَاءِ الْحَقِّ لِأَنَّ الرَّاهِنَ يُخْشَى إنْ جَحَدَ الدَّيْنَ أَنْ يَجْحَدَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ، لِأَنَّ قِيمَةَ الرَّهْنِ قَدْ تَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ وَلِيَكُونَ عَاجِزًا عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى إيفَاءِ الْأَقَلِّ لِتَخْلِيصِ الْأَكْثَرِ أَوْ لِضَجَرِهِ عَنْ الْمُطَالَبَةِ، وَهَذِهِ أَيْضًا قَضِيَّةٌ تَدُلُّ عَلَى الْيَدِ وَالْحَبْسِ فَتُضَمُّ إلَيْهِمَا. قَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ)

عَاجِزًا عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ فَيَتَسَارَعُ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ لِحَاجَتِهِ أَوْ لِضَجَرِهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَثْبُتُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ وَجْهٍ وَقَدْ تَقَرَّرَ بِالْهَلَاكِ، فَلَوْ اسْتَوْفَاهُ ثَانِيًا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا، بِخِلَافِ حَالَةِ الْقِيَامِ؛ لِأَنَّهُ يَنْقُضُ هَذَا الِاسْتِيفَاءَ بِالرَّدِّ عَلَى الرَّاهِنِ فَلَا يَتَكَرَّرُ، وَلَا وَجْهَ إلَى اسْتِيفَاءِ الْبَاقِي بِدُونِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ، وَالِاسْتِيفَاءُ يَقَعُ بِالْمَالِيَّةِ أَمَّا الْعَيْنُ فَأَمَانَةٌ حَتَّى كَانَتْ نَفَقَةُ الْمَرْهُونِ عَلَى الرَّاهِنِ فِي حَيَاتِهِ وَكَفَنِهِ بَعْدَ مَمَاتِهِ، وَكَذَا قَبْضُ الرَّهْنِ لَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الشِّرَاءِ إذَا اشْتَرَاهُ الْمُرْتَهِنُ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ أَمَانَةٌ فَلَا تَنُوبُ عَنْ قَبْضِ ضَمَانٍ، وَمُوجِبُ الْعَقْدِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ وَهَذَا يُحَقِّقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ إذَا ثَبَتَ أَنَّ الرَّهْنَ يَدُلُّ عَلَى الْيَدِ وَالْحَبْسِ ثَبَتَ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ وَجْهٍ، لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْيَدِ وَالرَّقَبَةِ وَقَدْ حَصَلَ بَعْضُهُ، وَتَقَرَّرَ بِالْهَلَاكِ لِانْتِفَاءِ احْتِمَالِ النَّقْضِ، فَلَوْ لَمْ يَسْقُطْ الدَّيْنُ وَاسْتَوْفَاهُ ثَانِيًا أَدَّى إلَى تَكْرَارِ الْأَدَاءِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْيَدِ وَهُوَ رِبًا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ قَائِمًا لِأَنَّهُ يَنْتَقِضُ هَذَا الِاسْتِيفَاءُ: أَيْ لِلدَّيْنِ بِالْحَبْسِ بِالرَّدِّ عَلَى الرَّاهِنِ فَلَا يَتَكَرَّرُ الْأَدَاءُ. فَإِنْ قِيلَ: فَاجْعَلْ الْهَلَاكَ كَالرَّدِّ فِي نَقْضِ الِاسْتِيفَاءِ فَإِنَّ الْهَلَاكَ لَمْ يَتَعَيَّنْ لِتَقْرِيرِ الِاسْتِيفَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَإِنَّهُ لَا يُقَرِّرُ اسْتِيفَاءَ الثَّمَنِ بَلْ يُنْقَضُ الِاسْتِيفَاءُ بِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ النَّقْضَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا أَمْكَنَ رَدُّ الْعَيْنِ إلَى الْمَالِكِ كَالثَّمَنِ فِيمَا ذَكَرْتُمْ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي هَلَاكِ الرَّهْنِ. فَإِنْ قِيلَ: فَلْيَسْتَوْفِ الْمُرْتَهِنُ الدَّيْنَ عَلَى وَجْهٍ لَا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا وَهُوَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ رَقَبَةً لَا يَدًا. أَجَابَ بِقَوْلِهِ وَلَا وَجْهَ إلَى اسْتِيفَاءِ الْبَاقِي وَهُوَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ بِدُونِ مَا اسْتَوْفَاهُ مِنْ الْيَدِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ. وَقَوْلُهُ (وَالِاسْتِيفَاءُ يَقَعُ بِالْمَالِيَّةِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَوْ كَانَ بِالرَّهْنِ اسْتِيفَاءٌ لَكَانَ إمَّا لِعَيْنِ الدَّيْنِ أَوْ لِبَدَلِهِ، لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ، وَاسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ جِنْسِهِ، وَلَا إلَى الثَّانِي لِأَنَّ الرَّهْنَ بِبَدَلِ الصَّرْفِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ جَائِزٌ وَالِاسْتِبْدَالُ بِهِمَا غَيْرُ جَائِزٍ. وَوَجْهُ الْجَوَابِ أَنَّا نَخْتَارُ الْأَوَّلَ. وَقَوْلُهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ. قُلْنَا: لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ أَوْ الْمَالِيَّةُ، وَالْأَوَّلُ مُسَلَّمٌ، وَلَيْسَ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ بَلْ هُوَ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ أَمَانَةً، حَتَّى كَانَتْ نَفَقَةُ الْمَرْهُونِ عَلَى الرَّاهِنِ فِي حَيَاتِهِ وَكَفَنِهِ بَعْدَ مَمَاتِهِ وَكَذَا قَبْضُ الرَّهْنِ لَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الشِّرَاءِ إنْ اشْتَرَاهُ الْمُرْتَهِنُ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْهِبَةِ أَنَّ قَبْضَ الْأَمَانَةِ لَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الضَّمَانِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ، وَالثَّانِي مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ مَالِيَّةٌ وَالِاسْتِيفَاءُ يَقَعُ بِهَا. وَقَوْلُهُ (وَمُوجَبُ الْعَقْدِ) جَوَابٌ عَمَّا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الرَّهْنُ وَثِيقَةٌ بِالدَّيْنِ وَبَعْدَ الْوَثِيقَةِ يَزْدَادُ مَعْنَى الصِّيَانَةِ، وَالسُّقُوطُ بِالْهَلَاكِ يُضَادُّ مَا اقْتَضَاهُ الْعَقْدُ. وَوَجْهُهُ أَنَّ مُوجَبَ الْعَقْدِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَذَلِكَ يُحَقِّقُ الصِّيَانَةَ لَا مَحَالَةَ، وَفَرَاغُ ذِمَّةِ الرَّاهِنِ مِنْ ضَرُورَاتِهِ كَمَا فِي الْحَوَالَةِ فَإِنَّهَا تُوجِبُ الدَّيْنَ فِي ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لِصِيَانَةِ حَقِّ الطَّالِبِ، وَإِنْ كَانَ فَرَاغُ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ مِنْ ضَرُورَاتِهِ فَلَا يَنْعَدِمُ بِهِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْمَوْضُوعَاتِ الْأَصْلِيَّةِ لَا اللَّوَازِمِ الضِّمْنِيَّةِ. وَنُوقِضَ بِنَقْضٍ إجْمَالِيٍّ وَهُوَ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ بَعْدَ الْفَسْخِ مَحْبُوسٌ عِنْدَ الْمُسْتَأْجِرِ بِالْأُجْرَةِ الْمُعَجَّلَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمَرْهُونِ، حَتَّى إذَا مَاتَ الْآجِرُ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ ثُمَّ إذَا هَلَكَ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا،

الصِّيَانَةَ، وَإِنْ كَانَ فَرَاغُ الذِّمَّةِ مِنْ ضَرُورَاتِهِ كَمَا فِي الْحَوَالَةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَنَا حُكْمَ الرَّهْنِ صَيْرُورَةُ الرَّهْنِ مُحْتَبِسًا بِدَيْنِهِ بِإِثْبَاتِ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ تَعَلُّقُ الدَّيْنِ بِالْعَيْنِ اسْتِيفَاءً مِنْهُ عَيْنًا بِالْبَيْعِ، فَيُخَرَّجُ عَلَى هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ عِدَّةٌ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ عَدَدْنَاهَا فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى جُمْلَةً: مِنْهَا أَنَّ الرَّاهِنَ مَمْنُوعٌ عَنْ الِاسْتِرْدَادِ لِلِانْتِفَاعِ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ مُوجَبُهُ وَهُوَ الِاحْتِبَاسُ عَلَى الدَّوَامِ، وَعِنْدَهُ لَا يَمْنَعُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي مُوجِبَهُ وَهُوَ تَعَيُّنُهُ لِلْبَيْعِ وَسَيَأْتِيك الْبَوَاقِي فِي أَثْنَاءِ الْمَسَائِلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ (وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ إلَّا بِدَيْنٍ مَضْمُونٍ) ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ، وَالِاسْتِيفَاءُ يَتْلُو الْوُجُوبَ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَيَدْخُلُ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ الرَّهْنُ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِأَنْفُسِهَا، فَإِنَّهُ يَصِحُّ الرَّهْنُ بِهَا وَلَا دَيْنَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ فِيهَا هُوَ الْقِيمَةُ وَرَدُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأُجِيبَ بِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَأْجِرِ بَعْدَ فَسْخِهَا لَيْسَتْ بِيَدِ اسْتِيفَاءٍ، لِأَنَّ يَدَ الِاسْتِيفَاءِ هِيَ الَّتِي كَانَتْ لَهُ قَبْلَ الْفَسْخِ، وَإِنَّمَا قَبَضَ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ لِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ لَا لِاسْتِيفَاءِ الْأُجْرَةِ مِنْ الْمَالِيَّةِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَصِرْ مُسْتَوْفِيًا بِالْهَلَاكِ فِي يَدِهِ. وَأَمَّا اخْتِصَاصُهُ بِهِ دُونَ الْغُرَمَاءِ فَلِأَنَّهُ كَانَ مَخْصُوصًا بِهِ قَبْلَ الْفَسْخِ لِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ وَبَعْدَ الْفَسْخِ يَبْقَى الِاخْتِصَاصُ فِي حَقِّ اسْتِرْدَادِ الْأُجْرَةِ. وَقَوْلُهُ (فَالْحَاصِلُ إلَخْ) وَاضِحٌ قَالَ (وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ إلَّا بِدَيْنٍ مَضْمُونٍ إلَخْ) قِيلَ ذَكَرَ " مَضْمُونٍ " لِلتَّأْكِيدِ لِأَنَّ كُلَّ دَيْنٍ مَضْمُونٌ، وَقِيلَ هُوَ احْتِرَازٌ عَنْ دَيْنٍ سَيَجِبُ كَمَا لَوْ رَهَنَ بِالدَّرْكِ وَهُوَ ضَمَانُ الثَّمَنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ، لِأَنَّ حُكْمَهُ: أَيْ حُكْمَ الرَّهْنِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالِاسْتِيفَاءُ يَتْلُو الْوُجُوبَ، وَأَمَّا صِحَّتُهُ بِالدَّيْنِ الْمَوْعُودِ فَسَيَجِيءُ الْكَلَامُ فِيهِ. وَقَوْلُهُ (وَيَدْخُلُ) أَيْ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ أَيْ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى الْحَصْرِ صِحَّةُ جَوَازِ الرَّهْنِ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِأَنْفُسِهَا كَالْمَغْصُوبِ وَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ. وَقِيلَ قَوْلُهُ بِأَنْفُسِهَا احْتِرَازٌ عَنْ غَيْرِهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرَّهْنَ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِالدَّيْنِ أَوْ بِالْعَيْنِ، وَالْأَوَّلُ صَحِيحٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَالثَّانِي إمَّا أَنْ يَكُونَ بِعَيْنٍ مَضْمُونٍ أَوْ لَا، وَالثَّانِي غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا فِي الْوَدَائِعِ وَالْعَوَارِيّ وَالْمُضَارَبَاتِ وَالشَّرِكَاتِ، وَالْأَوَّلُ إمَّا أَنْ تَكُونَ بِنَفْسِهَا وَهُوَ مَا يَجِبُ عِنْدَ هَلَاكِهِ الْمِثْلُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ قِيمَتُهُ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا، أَوْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِغَيْرِهَا وَهُوَ الْمَضْمُونُ بِغَيْرِ الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ. وَإِذَا ظَهَرَ ذَلِكَ فَقَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ إلَّا بِدَيْنٍ مَضْمُونٍ يُشْكِلُ عَلَيْهِ الْأَعْيَانُ الْمَضْمُونَةُ بِنَفْسِهَا، فَإِنَّ الرَّهْنَ بِهَا صَحِيحٌ وَلَا دَيْنَ ثَمَّةَ. وَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ عَلَى مَا اخْتَارَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنَّ الْمُوجِبَ

الْعَيْنِ مُخَلِّصٌ عَلَى مَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ وَهُوَ دَيْنٌ وَلِهَذَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا، وَلَئِنْ كَانَ لَا يَجِبُ إلَّا بَعْدَ الْهَلَاكِ وَلَكِنَّهُ يَجِبُ عِنْدَ الْهَلَاكِ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ، وَلِهَذَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ فَيَكُونُ رَهْنًا بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ وُجُوبِهِ فَيَصِحُّ كَمَا فِي الْكَفَالَةِ، وَلِهَذَا لَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ الْمُقَيَّدَةُ بِهِ بِهَلَاكِهِ، بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ، قَالَ (وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ، فَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، وَقِيمَتُهُ وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَصْلِيَّ فِيهَا هُوَ الْقِيمَةُ، وَرَدُّ الْعَيْنِ مُخَلِّصٌ وَالْقِيمَةُ دَيْنٌ (وَلِهَذَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا) أَيْ بِالْعَيْنِ الْمَضْمُونِ بِنَفْسِهِ، وَقَوْلُهُ (وَلَئِنْ كَانَ لَا يَجِبُ الْقِيمَةُ إلَّا بَعْدَ هَلَاكِ الْعَيْنِ لَكِنْ عِنْدَ الْهَلَاكِ يَجِبُ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ، وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ قَبْضِ الْغَاصِبِ الْمَغْصُوبَ مِنْ الْمَالِكِ فَيَكُونُ رَهْنًا بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ) جَوَابٌ عَمَّا اخْتَارَهُ بَعْضٌ آخَرُ مِنْ الْمَشَايِخِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهِ قَدْ انْعَقَدَ فَكَانَ كَالْمَوْجُودِ فَصَحَّ الرَّهْنُ كَمَا صَحَّتْ الْكَفَالَةُ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ لَا تَسْتَلْزِمُ صِحَّةَ الرَّهْنِ، فَإِنَّهَا تَصِحُّ بِدَيْنٍ سَيَجِبُ كَمَا لَوْ قَالَ مَا ذَابَ لَك عَلَى فُلَانٍ فَعَلَيَّ دُونَ الرَّهْنِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ مَا ذَابَ لَك إضَافَةٌ لِلْكَفَالَةِ لَا كَفَالَةٌ، وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ قَوْلُك دُونَ الرَّهْنِ يُرِيدُ بِهِ دَيْنًا مَا انْعَقَدَ سَبَبُ وُجُوبِهِ أَوْ دَيْنًا انْعَقَدَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ كَلَامُنَا فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَهُوَ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ عَيْنُ مَا نَحْنُ فِيهِ. وَقَوْلُهُ (وَلِهَذَا) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَوْضِيحًا عَلَى كُلٍّ مِنْ التَّخْرِيجَيْنِ. أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَتَقْرِيرُهُ وَلِكَوْنِ الْمُوجَبِ الْأَصْلِيِّ فِيهَا الْقِيمَةَ لَا تُبْطِلُ الْحَوَالَةَ الْمُقَيَّدَةَ بِالْعَيْنِ الْمَضْمُونِ بِنَفْسِهِ بِهَلَاكِهِ، فَلَوْ أَحَالَ عَلَى الْغَاصِبِ فَهَلَكَ الْمَغْصُوبُ لَمْ تَبْطُلْ الْحَوَالَةُ لِأَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ لَمَّا كَانَ هَلَاكُ الْعَيْنِ كَلَا هَلَاكَ لِقِيَامِ الْقِيمَةِ فِي ذِمَّتِهِ، وَرَدُّ الْعَيْنِ كَانَ مُخَلِّصًا وَلَمْ يَحْصُلْ. وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَتَقْرِيرُهُ وَلِكَوْنِ سَبَبِ وُجُوبِ الْقِيمَةِ قَدْ انْعَقَدَ جُعِلَتْ كَالْمَوْجُودِ فَبِهَلَاكِ الْعَيْنِ لَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ، بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ فَإِنَّ الْحَوَالَةَ عَلَيْهَا لَا تَبْطُلُ بِهَلَاكِهَا لِأَنَّهُ لَا وُجُوبَ هُنَاكَ لِلْقِيمَةِ وَلَا سَبَبَ لِلْوُجُوبِ. قَالَ (وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ إلَخْ)

قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ فَالْفَضْلُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ) ؛ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ بِقَدْرِ مَا يَقَعُ بِهِ الِاسْتِيفَاءُ وَذَاكَ بِقَدْرِ الدَّيْنِ (وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهِ وَرَجَعَ الْمُرْتَهِنُ بِالْفَضْلِ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ بِقَدْرِ الْمَالِيَّةِ وَقَالَ زُفَرُ: الرَّهْنُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ، وَقِيمَتُهُ يَوْمَ الرَّهْنِ أَلْفٌ وَخَمْسمِائَةٍ وَالدَّيْنُ أَلْفٌ رَجَعَ الرَّاهِنُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِخَمْسِمِائَةٍ لَهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ " يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ فِي الرَّهْنِ " وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الدَّيْنِ مَرْهُونَةٌ لِكَوْنِهَا مَحْبُوسَةً بِهِ فَتَكُونُ مَضْمُونَةً اعْتِبَارًا بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَمَذْهَبُنَا مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ فَلَا تُوجِبُ الضَّمَانَ إلَّا بِالْقَدْرِ الْمُسْتَوْفِي كَمَا فِي حَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ، وَالزِّيَادَةُ مَرْهُونَةٌ بِهِ ضَرُورَةَ امْتِنَاعِ حَبْسِ الْأَصْلِ بِدُونِهَا وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ الضَّمَانِ وَالْمُرَادُ بِالتَّرَادِّ فِيمَا يُرْوَى حَالَةَ الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: الْمُرْتَهِنُ أَمِينٌ فِي الْفَضْلِ. قَالَ (وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُطَالِبَ الرَّاهِنَ بِدَيْنِهِ وَيَحْبِسَهُ بِهِ) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ بَاقٍ بَعْدَ الرَّهْنِ وَالرَّهْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّهْنُ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ أَيْ بِمَا هُوَ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَمِنْ الدَّيْنِ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْقُدُورِيِّ: بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ مَعْنَى الْمُعَرَّفِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَمَعْنَى الْمُنَكَّرِ ثَالِثٌ، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ) يَعْنِي أَنَّ التَّرَادَّ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. وَقَوْلُهُ (كَمَا فِي حَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ) مِثْلُ مَا إذَا أَوْفَاهُ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ فِي كِيسٍ وَحَقُّهُ فِي أَلْفٍ فَإِنَّهُ يَصِيرُ ضَامِنًا قَدْرَ الدَّيْنِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ أَمَانَةٌ فَكَذَا هَذَا. وَقَوْلُهُ (ضَرُورَةُ امْتِنَاعِ حَبْسِ الْأَصْلِ بِدُونِهَا) لِأَنَّا لَوْ لَمْ نَجْعَلْ الزِّيَادَةَ مَرْهُونَةً أَدَّى إلَى الشُّيُوعِ أَوْ لِعَدَمِ انْفِكَاكِهَا عَنْهُ. وَقَوْلُهُ (وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ الضَّمَانِ) لِأَنَّ بَقَاءَ الرَّهْنِ مَعَ عَدَمِ الضَّمَانِ مُمْكِنٌ بِأَنْ اسْتَعَارَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ، فَإِنَّ الرَّهْنَ بَاقٍ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ كَمَا سَيَجِيءُ. وَقَوْلُهُ (وَالْمُرَادُ بِالتَّرَادِّ فِيمَا رُوِيَ حَالَةُ الْبَيْعِ) يَعْنِي تَوْفِيقًا بَيْنَ حَدِيثَيْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ «الْمُرْتَهِنُ أَمِينٌ فِي الْفَضْلِ» فَيَجِبُ حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى حَالَةِ الْبَيْعِ: يَعْنِي إذَا بَاعَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ يُرَدُّ مَا زَادَ عَلَى الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ إلَى الرَّاهِنِ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ زَائِدًا يَرُدُّ الرَّاهِنُ زِيَادَةَ الدَّيْنِ.

لِزِيَادَةِ الصِّيَانَةِ فَلَا تَمْتَنِعُ بِهِ الْمُطَالَبَةُ، وَالْحَبْسُ جَزَاءُ الظُّلْمِ، فَإِذَا ظَهَرَ مَطْلُهُ عِنْدَ الْقَاضِي يَحْبِسُهُ كَمَا بَيَّنَّاهُ عَلَى التَّفْصِيلِ فِيمَا تَقَدَّمَ (وَإِذَا طَلَبَ الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ يُؤْمَرُ بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ) ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ قَبْضُ اسْتِيفَاءٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْبِضَ مَالَهُ مَعَ قِيَامِ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ الِاسْتِيفَاءُ عَلَى اعْتِبَارِ الْهَلَاكِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ (وَإِذَا أُحْضِرَ أُمِرَ الرَّاهِنُ بِتَسْلِيمِ الدَّيْنِ إلَيْهِ أَوَّلًا) لِيَتَعَيَّنَ حَقُّهُ كَمَا تَعَيَّنَ حَقُّ الرَّاهِنِ تَحْقِيقًا لِلتَّسْوِيَةِ كَمَا فِي تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ يُحْضَرُ الْمَبِيعُ ثُمَّ يُسَلَّمُ الثَّمَنُ أَوَّلًا (وَإِنْ طَالَبَهُ بِالدَّيْنِ فِي غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي وَقَعَ الْعَقْدُ فِيهِ، إنْ كَانَ الرَّهْنُ مِمَّا لَا حَمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ، فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ) ؛ لِأَنَّ الْأَمَاكِنَ كُلَّهَا فِي حَقِّ التَّسْلِيمِ كَمَكَانٍ وَاحِدٍ فِيمَا لَيْسَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ؛ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ فِيهِ فِي بَابِ السَّلَمِ بِالْإِجْمَاعِ (وَإِنْ كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ يَسْتَوْفِي دَيْنَهُ وَلَا يُكَلَّفُ إحْضَارَ الرَّهْنِ) ؛ لِأَنَّ هَذَا نَقْلٌ، وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ بِمَعْنَى التَّخْلِيَةِ، لَا النَّقْلُ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ زِيَادَةَ الضَّرَرِ وَلَمْ يَلْتَزِمْهُ. (وَلَوْ سَلَّطَ الرَّاهِنُ الْعَدْلَ عَلَى بَيْعِ الْمَرْهُونِ فَبَاعَهُ بِنَقْدٍ أَوْ نَسِيئَةٍ جَازَ) لِإِطْلَاقِ الْأَمْرِ (فَلَوْ طَالَبَ الْمُرْتَهِنُ بِالدَّيْنِ لَا يُكَلَّفُ الْمُرْتَهِنُ إحْضَارَ الرَّهْنِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْإِحْضَارِ (وَكَذَا إذَا أَمَرَ الْمُرْتَهِنُ بِبَيْعِهِ فَبَاعَهُ وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ دَيْنًا بِالْبَيْعِ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ، فَصَارَ كَأَنَّ الرَّاهِنَ رَهَنَهُ وَهُوَ دَيْنٌ (وَلَوْ قَبَضَهُ يُكَلَّفُ إحْضَارَهُ لِقِيَامِ الْبَدَلِ مَقَامَ الْمُبْدَلِ) ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَتَوَلَّى قَبْضَ الثَّمَنِ هُوَ الْمُرْتَهِنُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ فَتَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (كَمَا بَيَّنَّاهُ عَلَى التَّفْصِيلِ فِيمَا تَقَدَّمَ) يَعْنِي فِي فَصْلِ الْحَبْسِ مِنْ أَدَبِ الْقَاضِي. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا طَلَبَ الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ) وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (تَحْقِيقًا لِلتَّسْوِيَةِ) قِيلَ لِأَنَّ الرَّهْنَ وَإِنْ كَانَ لِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ بِحُكْمِ الْوَضْعِ لَكِنْ فِيهِ شُبْهَةُ الْمُبَادَلَةِ، فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ اسْتِيفَاءٌ لِحَقِّهِ قُلْنَا بِأَنَّ قَبْضَ الدَّيْنِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إحْضَارِ الرَّهْنِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ تَسْلِيمُهُ، وَبِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ الْمُبَادَلَةِ يَتَوَقَّفُ قَبْضُ الدَّيْنِ عَلَى إحْضَارِ الرَّهْنِ عِنْدَ وُجُوبِ تَسْلِيمِهِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ زِيَادَةَ الضَّرَرِ وَلَمْ يَلْتَزِمْهُ) يَعْنِي الْمُرْتَهِنَ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ هُنَاكَ احْتِمَالُ تَكْرَارِ الِاسْتِيفَاءِ عَلَى اعْتِبَارِ الْهَلَاكِ لِأَنَّهُ مَوْهُومٌ، فَلَا يَظْهَرُ فِي مُقَابَلَةِ ضَرَرٍ مُتَيَقَّنٍ وَهُوَ تَأَخُّرُ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ، بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ. وَقَوْلُهُ (لِإِطْلَاقِ الْأَمْرِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَيَّدَهُ بِالنَّقْدِ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ نَسِيئَةً. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْإِحْضَارِ) لِأَنَّ الرَّهْنَ بَيْعٌ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى إحْضَارِهِ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا إذَا أَمَرَ الْمُرْتَهِنُ) يَعْنِي لَا يُكَلَّفُ إحْضَارَ الرَّهْنِ، لِأَنَّهُ: أَيْ الرَّهْنَ صَارَ دَيْنًا بِالْبَيْعِ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ، فَصَارَ كَأَنَّ الرَّاهِنَ رَهَنَهُ وَهُوَ دَيْنٌ، لِأَنَّهُ لَمَّا بَاعَهُ بِإِذْنِهِ صَارَ كَأَنَّهُمَا تَفَاسَخَا الرَّهْنَ وَصَارَ الثَّمَنُ رَهْنًا بِتَرَاضِيهِمَا ابْتِدَاءً لَا بِطَرِيقِ انْتِقَالِ حُكْمِ الرَّهْنِ إلَى الثَّمَنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الرَّهْنَ بِأَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ لَمْ يَسْقُطْ مِنْ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ شَيْءٌ فَصَارَ كَأَنَّهُ رَهَنَهُ وَلَمْ يُسَلِّمْ إلَيْهِ بَلْ وَضَعَهُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّ الَّذِي يَتَوَلَّى قَبْضَ الثَّمَنِ هُوَ الْمُرْتَهِنُ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ فَصَارَ كَأَنَّ الرَّاهِنَ رَهَنَهُ وَهُوَ دَيْنٌ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَمَا كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَقْبِضَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي

وَكَمَا يُكَلَّفُ إحْضَارَ الرَّهْنِ لِاسْتِيفَاءِ كُلِّ الدَّيْنِ يُكَلَّفُ لِاسْتِيفَاءِ نَجْمٍ قَدْ حَلَّ لِاحْتِمَالِ الْهَلَاكِ، ثُمَّ إذَا قَبَضَ الثَّمَنَ يُؤْمَرُ بِإِحْضَارِهِ لِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْعَيْنِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ رَجُلٌ الْعَبْدَ الرَّهْنَ خَطَأً حَتَّى قَضَى بِهِ بِالْقِيمَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لَمْ يُجْبَرْ الرَّاهِنُ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ حَتَّى يُحْضِرَ كُلَّ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ خَلَفٌ عَنْ الرَّهْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ إحْضَارِ كُلِّهَا كَمَا لَا بُدَّ مِنْ إحْضَارِ كُلِّ عَيْنِ الرَّهْنِ وَمَا صَارَتْ قِيمَةً بِفِعْلِهِ، وَفِيمَا تَقَدَّمَ صَارَ دَيْنًا بِفِعْلِ الرَّاهِنِ فَلِهَذَا افْتَرَقَا (وَلَوْ وَضَعَ الرَّهْنَ عَلَى يَدِ الْعَدْلِ وَأُمِرَ أَنْ يُودِعَهُ غَيْرَهُ فَفَعَلَ ثُمَّ جَاءَ الْمُرْتَهِنُ يَطْلُبُ دَيْنَهُ لَا يُكَلَّفُ إحْضَارَ الرَّهْنِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْتَمَنْ عَلَيْهِ حَيْثُ وُضِعَ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ تَسْلِيمُهُ فِي قُدْرَتِهِ (وَلَوْ وَضَعَهُ الْعَدْلُ فِي يَدِ مَنْ فِي عِيَالِهِ وَغَابَ وَطَلَبَ الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ وَاَلَّذِي فِي يَدِهِ يَقُولُ أَوْدَعَنِي فُلَانٌ وَلَا أَدْرِي لِمَنْ هُوَ يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّ إحْضَارَ الرَّهْنِ لَيْسَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ شَيْئًا. (وَكَذَلِكَ إذَا غَابَ الْعَدْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا لَوْ كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِ عَدْلٍ لَكِنْ لَهُ ذَلِكَ. وَوَجْهُ مَا ذُكِرَ أَنَّ وِلَايَةَ الْقَبْضِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ عَاقِدًا وَالْحُقُوقُ تَرْجِعُ إلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (وَكَمَا يُكَلَّفُ إحْضَارَ الرَّهْنِ لِاسْتِيفَاءِ الْكُلِّ يُكَلَّفُ لِاسْتِيفَاءِ نَجْمٍ) قِيلَ إذَا ادَّعَى الرَّاهِنُ هَلَاكَ الرَّهْنِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَدَّعِ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ لِاحْتِمَالِ الْهَلَاكِ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ إذَا قَبَضَ الثَّمَنَ) يَعْنِي إذَا بَاعَ الرَّهْنَ وَقَبَضَ الثَّمَنَ، فَإِذَا قَبَضَهُ وَجَبَ إحْضَارُهُ لِاسْتِيفَاءِ نَجْمٍ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْعَيْنِ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَكَذَا إذَا أُمِرَ الْمُرْتَهِنُ بِبَيْعِهِ إلَى آخِرِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الْإِحْضَارِ، بَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْأَدَاءِ بِدُونِ إحْضَارِ شَيْءٍ بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ رَجُلٌ عَبْدَ الرَّهْنِ خَطَأً حَتَّى قُضِيَ بِالْقِيمَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ. فَإِنَّ الرَّاهِنَ لَا يُجْبَرُ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ حَتَّى يُحْضِرَ الْمُرْتَهِنُ كُلَّ الْقِيمَةِ، لِأَنَّ الْقِيمَةَ خَلَفٌ عَنْ الْعَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ إحْضَارِ كُلِّهَا كَمَا لَا بُدَّ مِنْ إحْضَارِ كُلِّ عَيْنِ الرَّهْنِ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا تَكُونُ الْقِيمَةُ هَاهُنَا كَالثَّمَنِ ثَمَّةَ وَهِيَ لَيْسَتْ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَيُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى الْقَضَاءِ كَمَا كَانَ ثَمَّةَ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ وَمَا صَارَتْ قِيمَةً بِفِعْلِهِ حَتَّى تَنْتَقِلَ إلَيْهَا الرَّهِينَةُ فَصَارَ كَالرَّهْنِ فِي يَدِ عَدْلٍ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ الرَّهْنَ صَارَ دَيْنًا بِفِعْلِهِ فَكَأَنَّهُمَا تَفَاسَخَا، وَجُعِلَ الثَّمَنُ رَهْنًا ابْتِدَاءً كَمَا مَرَّ فَافْتَرَقَا. وَفِي النِّهَايَةِ جَعَلَ قَوْلَهُ وَهَذَا إشَارَةً إلَى قَوْلِهِ يُكَلَّفُ لِاسْتِيفَاءِ نَجْمٍ قَدْ حَلَّ، وَوَجْهُهُ هَكَذَا: أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْقَتْلِ لَمْ يُجْبَرْ الرَّاهِنُ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ حَتَّى يُحْضِرَ الْمُرْتَهِنُ كُلَّ الْقِيمَةِ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ بِخِلَافِهِ حَيْثُ يُكَلَّفُ الْمُرْتَهِنُ بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ عِنْدَ كُلِّ نَجْمٍ يُؤَدِّيهِ الرَّاهِنُ مِنْ الدَّيْنِ وَهُوَ كَمَا تَرَى مُتَعَسِّفٌ.

بِالرَّهْنِ وَلَا يُدْرَى أَيْنَ هُوَ) لِمَا قُلْنَا (وَلَوْ أَنَّ الَّذِي أَوْدَعَهُ الْعَدْلُ جَحَدَ الرَّهْنَ وَقَالَ هُوَ مَالِيٌّ لَمْ يَرْجِعْ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ حَتَّى يَثْبُتَ كَوْنُهُ رَهْنًا) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَحَدَ الرَّهْنَ فَقَدْ تَوَى الْمَالُ وَالْتَوَى عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَيَتَحَقَّقُ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ وَلَا يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِهِ قَالَ (وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ الْبَيْعِ حَتَّى يَقْضِيَهُ الدَّيْنَ) ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ الْحَبْسُ الدَّائِمُ إلَى أَنْ يَقْضِيَ الدَّيْنَ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ (وَلَوْ قَضَاهُ الْبَعْضَ فَلَهُ أَنْ يَحْبِسَ كُلَّ الرَّهْنِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْبَقِيَّةَ) اعْتِبَارًا بِحَبْسِ الْمَبِيعِ (فَإِذَا قَضَاهُ الدَّيْنَ قِيلَ لَهُ سَلِّمْ الرَّهْنَ إلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ زَالَ الْمَانِعُ مِنْ التَّسْلِيمِ لِوُصُولِ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ (فَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ اسْتَرَدَّ الرَّاهِنُ مَا قَضَاهُ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا عِنْدَ الْهَلَاكِ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ، فَكَانَ الثَّانِي اسْتِيفَاءً بَعْدَ اسْتِيفَاءٍ فَيَجِبُ رَدُّهُ (وَكَذَلِكَ لَوْ تَفَاسَخَا الرَّهْنَ لَهُ حَبْسُهُ مَا لَمْ يَقْبِضْ الدَّيْنَ أَوْ يُبْرِئْهُ، وَلَا يَبْطُلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (لِمَا قُلْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لَمْ يَقْبِضْ شَيْئًا. قَالَ (وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ إلَخْ) إذَا كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُمَكِّنَ الرَّاهِنَ مِنْ بَيْعِهِ وَأَنْ لَا يُمَكِّنَ، لِأَنَّ حُكْمَهُ الْحَبْسُ الدَّائِمُ إلَى أَنْ يَقْضِيَ الدَّيْنَ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَذَلِكَ حَقُّهُ فَلَهُ إسْقَاطُهُ، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (فَلَوْ هَلَكَ) أَيْ الرَّهْنُ (قَبْلَ الرَّدِّ اسْتَرَدَّ الرَّاهِنُ مَا قَضَاهُ) لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ، وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا ارْتَهَنَ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبَضَهُ وَقِيمَتُهُ مِثْلُ الدَّيْنِ ثُمَّ وَهَبَ الْمُرْتَهِنُ الْمَالَ لِلرَّاهِنِ أَوْ أَبْرَأَهُ وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ الرَّهْنَ حَتَّى هَلَكَ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمْنَعَهُ إيَّاهُ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ ثَبَتَتْ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ لِلْمُرْتَهِنِ بِقَبْضِهِ السَّابِقِ وَقَدْ تَقَرَّرَ بِالْهَلَاكِ فَصَيْرُورَتُهُ مُسْتَوْفِيًا بِهَلَاكِ الرَّهْنِ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ بِمَنْزِلَةِ اسْتِيفَائِهِ حَقِيقَةً، وَفِي الِاسْتِيفَاءِ حَقِيقَةٌ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ يَرُدُّ الْمُسْتَوْفِي فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَاهُنَا كَذَلِكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدُ اسْتِيفَاءٍ بِالْيَدِ وَالْحَبْسِ كَمَا تَقَدَّمَ وَذَلِكَ الِاسْتِيفَاءُ يَتَقَرَّرُ بِالْهَلَاكِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْقَبْضِ، فَالْقَضَاءُ بَعْدَ الْهَلَاكِ اسْتِيفَاءٌ بَعْدَ اسْتِيفَاءٍ فَيَجِبُ الرَّدُّ. وَأَمَّا الْإِبْرَاءُ

الرَّهْنُ إلَّا بِالرَّدِّ عَلَى الرَّاهِنِ عَلَى وَجْهِ الْفَسْخِ) ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى مَضْمُونًا مَا بَقِيَ الْقَبْضُ وَالدَّيْنُ (وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ سَقَطَ الدَّيْنُ إذَا كَانَ بِهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ) لِبَقَاءِ الرَّهْنِ (وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالرَّهْنِ لَا بِاسْتِخْدَامٍ، وَلَا بِسُكْنَى وَلَا لُبْسٍ، إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْمَالِكُ) ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْحَبْسِ دُونَ الِانْتِفَاعِ (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ إلَّا بِتَسْلِيطٍ مِنْ الرَّاهِنِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ وَيُعِيرَ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الِانْتِفَاعِ بِنَفْسِهِ فَلَا يَمْلِكُ تَسْلِيطَ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، فَإِنْ فَعَلَ كَانَ مُتَعَدِّيًا، وَلَا يَبْطُلُ عَقْدُ الرَّهْنِ بِالتَّعَدِّي. قَالَ (وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْفَظَ الرَّهْنَ بِنَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَخَادِمِهِ الَّذِي فِي عِيَالِهِ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ فِي عِيَالِهِ أَيْضًا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ عَيْنَهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ فَصَارَ كَالْوَدِيعَةِ (وَإِنْ حَفِظَهُ بِغَيْرِ مَنْ فِي عِيَالِهِ أَوْ أَوْدَعَهُ ضَمِنَ) هَلْ يَضْمَنُ الثَّانِي فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ، وَقَدْ بَيَّنَّا جَمِيعَ ذَلِكَ بِدَلَائِلِهِ فِي الْوَدِيعَةِ (وَإِذَا تَعَدَّى الْمُرْتَهِنُ فِي الرَّهْنِ ضَمِنَهُ ضَمَانَ الْغَصْبِ بِجَمِيعِ قِيمَتِهِ) ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى مِقْدَارِ الدَّيْنِ أَمَانَةٌ، وَالْأَمَانَاتُ تُضْمَنُ بِالتَّعَدِّي (وَلَوْ رَهَنَهُ خَاتَمًا فَجَعَلَهُ فِي خِنْصِرِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالِاسْتِعْمَالِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْإِذْنُ بِالْحِفْظِ وَالْيُمْنَى وَالْيُسْرَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ (وَلَوْ جَعَلَهُ فِي بَقِيَّةِ الْأَصَابِعِ كَانَ رَهْنًا بِمَا فِيهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُلْبَسُ كَذَلِكَ عَادَةً فَكَانَ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ، وَكَذَا الطَّيْلَسَانُ إنْ لَبِسَهُ لُبْسًا مُعْتَادًا ضَمِنَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَيْسَ فِيهِ اسْتِيفَاءُ شَيْءٍ لِيَجِبَ رَدُّهُ، وَإِنَّمَا هُوَ إسْقَاطٌ، وَإِسْقَاطُ الدَّيْنِ مِمَّنْ لَيْسَ عَلَيْهِ لَغْوٌ. وَقَوْلُهُ (عَلَى وَجْهِ الْفَسْخِ) احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا رَدَّهُ عَلَى وَجْهِ الْعَارِيَّةِ فَإِنَّهُ لَا يُبْطِلُ الرَّهْنَ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ) أَيْ الرَّهْنَ (يَبْقَى مَضْمُونًا مَا دَامَ الْقَبْضُ وَالدَّيْنُ بَاقِيًا) أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ رَدَّ الرَّهْنَ سَقَطَ الضَّمَانُ لِفَوَاتِ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ بَاقِيًا، وَإِذَا أَبْرَأَهُ عَنْ الدَّيْنِ سَقَطَ الضَّمَانُ وَإِنْ كَانَ الْقَبْضُ بَاقِيًا، لِأَنَّ الْعِلَّةَ إذَا كَانَتْ ذَاتَ وَصْفَيْنِ يَعْدَمُ الْحُكْمُ بِعَدَمِ أَحَدِهِمَا. فَإِنْ قِيلَ: فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْقَى مَضْمُونًا بَعْدَ قَبْضِ الدَّيْنِ إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ فَكَانَ الْكَلَامُ مُتَنَاقِضًا. أُجِيبَ بِأَنَّ بَقَاءَ احْتِمَالِ الْحَبْسِ بِاحْتِمَالِ اسْتِحْقَاقِ الْمُؤَدَّى يُوجِبُ بَقَاءَ الضَّمَانِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الِاحْتِمَالَ لَا يُوجِبُ التَّحْقِيقَ لَا سِيَّمَا إذَا لَمْ يَنْشَأْ عَنْ دَلِيلٍ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ) . يَعْنِي إذَا حَبَسَهُ بَعْدَ التَّفَاسُخِ فَهَلَكَ سَقَطَ الدَّيْنُ إذَا كَانَ بِهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ لِبَقَاءِ الرَّهْنِ. وَقَوْلُهُ (وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ) مَعْنَاهُ انْتِفَاءُ جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِالرَّهْنِ وَالْإِنْفَاعِ بِهِ. قَالَ (وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْفَظَ الرَّهْنَ بِنَفْسِهِ إلَخْ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ وَالْعِبْرَةُ فِي الْعِيَالِ لِلْمُسَاكَنَةِ لَا لِلنَّفَقَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ

وَإِنْ وَضَعَهُ عَلَى عَاتِقِهِ لَمْ يَضْمَنْ (وَلَوْ رَهَنَهُ سَيْفَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَتَقَلَّدَهَا لَمْ يَضْمَنْ فِي الثَّلَاثَةِ وَضَمِنَ فِي السَّيْفَيْنِ) ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بَيْنَ الشُّجْعَانِ بِتَقَلُّدِ السَّيْفَيْنِ فِي الْحَرْبِ وَلَمْ تَجْرِ بِتَقَلُّدِ الثَّلَاثَةِ، وَإِنْ لَبِسَ خَاتَمًا فَوْقَ خَاتَمٍ، إنْ كَانَ هُوَ مِمَّنْ يَتَجَمَّلُ بِلُبْسِ خَاتَمَيْنِ ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَجَمَّلُ بِذَلِكَ فَهُوَ حَافِظٌ فَلَا يَضْمَنُ قَالَ (وَأُجْرَةُ الْبَيْتِ الَّذِي يُحْفَظُ فِيهِ الرَّهْنُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَكَذَلِكَ أُجْرَةُ الْحَافِظِ وَأُجْرَةُ الرَّاعِي وَنَفَقَةُ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ) وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَصْلَحَةِ الرَّهْنِ وَتَبْقِيَتِهِ فَهُوَ عَلَى الرَّاهِنِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الرَّهْنِ فَضْلٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ، وَكَذَلِكَ مَنَافِعُهُ مَمْلُوكَةٌ لَهُ فَيَكُونُ إصْلَاحُهُ وَتَبْقِيَتُهُ عَلَيْهِ لِمَا أَنَّهُ مُؤْنَةُ مِلْكِهِ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ، وَذَلِكَ مِثْلُ النَّفَقَةِ فِي مَأْكَلِهِ وَمَشْرَبِهِ، وَأُجْرَةُ الرَّاعِي فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَفُ الْحَيَوَانِ، وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ كِسْوَةُ الرَّقِيقِ وَأُجْرَةُ ظِئْرِ وَلَدِ الرَّهْنِ، وَسَقْيُ الْبُسْتَانِ، وَكَرْيُ النَّهْرِ وَتَلْقِيحُ نَخِيلِهِ وَجُذَاذُهُ، وَالْقِيَامُ بِمَصَالِحِهِ، وَكُلُّ مَا كَانَ لِحِفْظِهِ أَوْ لِرَدِّهِ إلَى يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ لِرَدِّ جُزْءٍ مِنْهُ فَهُوَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ مِثْلُ أُجْرَةِ الْحَافِظِ؛ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ حَقٌّ لَهُ وَالْحِفْظُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَيَكُونُ بَدَلُهُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ أُجْرَةُ الْبَيْتِ الَّذِي يُحْفَظُ الرَّهْنُ فِيهِ، وَهَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ كِرَاءَ الْمَأْوَى عَلَى الرَّاهِنِ بِمَنْزِلَةِ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ سَعَى فِي تَبْقِيَتِهِ، وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ جُعْلُ الْآبِقِ فَإِنَّهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى إعَادَةِ الِاسْتِيفَاءِ الَّتِي كَانَتْ لَهُ لِيَرُدَّهُ فَكَانَتْ مُؤْنَةُ الرَّدِّ فَيَلْزَمُهُ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ وَالدَّيْنِ سَوَاءً، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ فَعَلَيْهِ بِقَدْرِ الْمَضْمُونِ وَعَلَى الرَّاهِنِ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَالرَّدُّ لِإِعَادَةِ الْيَدِ، وَيَدُهُ فِي الزِّيَادَةِ يَدُ الْمَالِكِ إذْ هُوَ كَالْمُودِعِ فِيهَا فَلِهَذَا يَكُونُ عَلَى الْمَالِكِ، وَهَذَا بِخِلَافِ أُجْرَةِ الْبَيْتِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَإِنَّ كُلَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ كَانَ فِي قِيمَةِ الرَّهْنِ فَضْلٌ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ ذَلِكَ بِسَبَبِ الْحَبْسِ، وَحَقُّ الْحَبْسِ فِي الْكُلِّ ثَابِتٌ لَهُ فَأَمَّا الْجُعْلُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ لِأَجْلِ الضَّمَانِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْمَضْمُونِ وَمُدَاوَاةُ الْجِرَاحَةِ وَالْقُرُوحِ وَمُعَالَجَةُ الْأَمْرَاضِ وَالْفِدَاءُ مِنْ الْجِنَايَةِ تَنْقَسِمُ عَلَى الْمَضْمُونِ وَالْأَمَانَةِ، وَالْخَرَاجُ عَلَى الرَّاهِنِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ مِنْ مُؤَنِ الْمِلْكِ، وَالْعُشْرُ فِيمَا يَخْرُجُ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ لِتَعَلُّقِهِ بِالْعَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا ارْتَهَنَتْ وَسَلَّمَتْ الرَّهْنَ إلَى الزَّوْجِ لَمْ يَضْمَنْ، وَالِابْنُ الْكَبِيرُ الَّذِي لَا يَكُونُ فِي نَفَقَتِهِ إذَا سَاكَنَ الْأَبَ وَخَرَجَ الْأَبُ عَنْ الْمَنْزِلِ وَتَرَكَ الْمَنْزِلَ عَلَى الِابْنِ لَمْ يَضْمَنْ. قَالَ (وَأُجْرَةُ الرَّاعِي وَنَفَقَةُ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ) فَإِنْ أَبَى فَالْقَاضِي يَأْمُرُ الْمُرْتَهِنَ بِأَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ، فَإِذَا قَضَى الدَّيْنَ فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْبِسَ الرَّهْنَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ النَّفَقَةَ، وَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا شَيْءَ عَلَى الرَّاهِنِ فِي قَوْلِ زُفَرَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: النَّفَقَةُ دَيْنٌ عَلَى الرَّاهِنِ، وَالْأَصْلُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَكُلُّ مَا كَانَ لِحِفْظِهِ أَوْ لِرَدِّهِ إلَى يَدِ الْمُرْتَهِنِ) كَجُعْلِ الْآبِقِ (أَوْ لِرَدِّ جُزْءٍ مِنْهُ) كَمُدَاوَاةِ الْجِرَاحِ. وَقَوْلُهُ (وَالْحِفْظُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَيَكُونُ بَدَلُهُ عَلَيْهِ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: لَوْ شَرَطَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ شَيْئًا عَلَى الْحِفْظِ لَا يَصِحُّ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ. وَقَوْلُهُ (لِتَعَلُّقِهِ بِالْعَيْنِ) يَعْنِي بِخِلَافِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ،

[باب ما يجوز ارتهانه والارتهان به وما لا يجوز]

وَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ فِي الْبَاقِي؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لَا يُنَافِي مِلْكَهُ، بِخِلَافِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَمَا أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا مِمَّا وَجَبَ عَلَى صَاحِبِهِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ، وَمَا أَنْفَقَ أَحَدُهُمَا مِمَّا يَجِبُ عَلَى الْآخَرِ بِأَمْرِ الْقَاضِي رَجَعَ عَلَيْهِ كَأَنَّ صَاحِبَهُ أَمَرَهُ بِهِ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْقَاضِي عَامَّةٌ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إذَا كَانَ صَاحِبُهُ حَاضِرًا وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنَّهُ يَرْجِعُ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَهِيَ فَرْعُ مَسْأَلَةِ الْحَجْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ مَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ وَالِارْتِهَانُ بِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ) قَالَ (وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ الْمُشَاعِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ حَقَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالرَّهْنِ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ لَا مِنْ حَيْثُ الْعَيْنُ، وَالْعَيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَالِيَّةِ فَكَذَلِكَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ يُقَدَّمُ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِيَّةِ. فَإِنْ قِيلَ: لَمَّا كَانَ الْعُشْرُ مُتَعَلِّقًا بِالْعَيْنِ كَانَ اسْتِحْقَاقُهُ كَاسْتِحْقَاقِ جُزْءٍ مِنْ الْأَرْضِ لِكَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَيْنًا وَرُدَّ عَلَيْهِ عَقْدُ الرَّهْنِ فَإِنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا ارْتَهَنَ أَرْضًا عُشْرِيَّةً مَعَ شَجَرٍ أَوْ زَرْعٍ فِيهَا فَأَخَذَ الْعُشْرَ، وَالِاسْتِحْقَاقُ فِي جُزْءٍ مِنْ الْأَرْضِ يُبْطِلُ الرَّهْنَ لِظُهُورِ الشُّيُوعِ فِيهِ فَكَذَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْعُشْرِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ فِي الْبَاقِي لِأَنَّ وُجُوبَهُ) أَيْ وُجُوبَ الْعُشْرِ (لَا يُنَافِي مِلْكَهُ) فِي جَمِيعِ مَا رَهَنَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ جَازَ، وَلَوْ أَدَّى الْعُشْرَ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ جَازَ فَصَحَّ الرَّهْنُ فِي الْكُلِّ ثُمَّ خَرَجَ جُزْءٌ مُعَيَّنٌ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ الشُّيُوعُ فِي الرَّهْنِ لَا مُقَارِنًا وَلَا طَارِئًا، بِخِلَافِ الِاسْتِحْقَاقِ لِأَنَّ الْمِلْكَ الْمُسْتَحَقَّ مِلْكُ الْغَيْرِ فَلَمْ يَصِحَّ الرَّهْنُ فِيهِ، وَكَذَا فِيمَا وَرَاءَهُ لِأَنَّهُ مُشَاعٌ (قَوْلُهُ وَمَا أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا مِمَّا وَجَبَ عَلَى صَاحِبِهِ) يَعْنِي مِنْ أُجْرَةٍ وَغَيْرِهَا (فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ) لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ (وَمَا أَنْفَقَ أَحَدُهُمَا مِمَّا يَجِبُ عَلَى الْآخَرِ) فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ كَأَنَّ صَاحِبَهُ أَمَرَهُ بِهِ لِعُمُومِ وِلَايَةِ الْقَاضِي: وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ بِمُجَرَّدِ أَمْرِ الْقَاضِي بِالنَّفَقَةِ لَا يَصِيرُ دَيْنًا عَلَى الرَّاهِنِ مَا لَمْ يَجْعَلْهُ دَيْنًا عَلَيْهِ بِالتَّنْصِيصِ، لِأَنَّ أَمْرَهُ هَاهُنَا لَيْسَ لِلْإِلْزَامِ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْهَا بِالِاتِّفَاقِ فَيَكُونُ الْأَمْرُ بِذَلِكَ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الْإِنْفَاقِ حِسْبَةً وَدَيْنًا، فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَثْبُتُ الْأَدْنَى. وَقَوْلُهُ (وَهِيَ فَرْعُ مَسْأَلَةِ الْحَجْرِ) فَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَلِي عَلَى الْحَاضِرِ وَعِنْدَهُمَا يَلِي عَلَيْهِ. يَعْنِي عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَمَّا نَفَذَ حَجْرُ الْقَاضِي عَلَى الْحُرِّ كَانَ نَافِذًا حَالَ غَيْبَتِهِ وَحَضْرَتِهِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَوْ نَفَذَ عَلَيْهِ أَمْرُ الْقَاضِي حَالَ حُضُورِهِ يَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يَرَاهُ بِخِلَافِ حَالِ غَيْبَتِهِ لِأَنَّ فِيهَا ضَرُورَةً [بَابُ مَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ وَالِارْتِهَانُ بِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ] (بَابُ مَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ وَالِارْتِهَانُ بِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ) لَمَّا ذَكَرَ مُقَدِّمَاتِ مَسَائِلِ الرَّهْنِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ تَفْصِيلَ مَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ، إذْ التَّفْصِيلُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْإِجْمَالِ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ الْمُشَاعِ إلَخْ) رَهْنُ الْمُشَاعِ الْقَابِلِ لِلْقِسْمَةِ وَغَيْرِهِ فَاسِدٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ إذَا قُبِضَ؛ وَقِيلَ بَاطِلٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ذَلِكَ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ، وَلَنَا فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا يَبْتَنِي عَلَى حُكْمِ الرَّهْنِ، فَإِنَّهُ عِنْدَنَا ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ، وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا يَتَنَاوَلُهُ الْعَقْدُ وَهُوَ الْمُشَاعُ وَعِنْدَهُ الْمُشَاعُ يَقْبَلُ مَا هُوَ الْحُكْمُ عِنْدَهُ وَهُوَ تَعَيُّنُهُ لِلْبَيْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الْبَاطِلَ مِنْهُ هُوَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ مَالًا أَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُقَابَلُ بِهِ مَضْمُونًا وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ تَمَامِ الْعَقْدِ لَا شَرْطُ جَوَازِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هُوَ جَائِزٌ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ فِي الْكِتَابِ دَلِيلًا لِأَنَّ أَصْلَ دَلِيلِهِ، وَمُعْظَمَهُ قَدْ عُلِمَ فِي ضِمْنِ ذِكْرِ دَلِيلِنَا عَلَى مَا سَيَظْهَرُ، وَدَلِيلُنَا مَوْقُوفٌ عَلَى مُقَدِّمَةٍ هِيَ أَنَّ الْعُقُودَ شُرِعَتْ لِأَحْكَامِهَا، فَإِذَا فَاتَ الْحُكْمُ كَانَ الْعَقْدُ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ، وَتَقْرِيرُ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مِنْ كَلَامِهِ حُكْمُ الرَّهْنِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِفْتَاءِ عَلَى مَا تَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ وَثِيقَةٌ لِجَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ وَثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ فِيمَا تَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ وَهُوَ الْمُشَاعُ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ لِأَنَّ الْيَدَ تَثْبُتُ عَلَى مُعَيَّنٍ وَالْمَرْهُونُ مِنْ الْمُشَاعِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَالْمُعَيَّنُ غَيْرُ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ فَتَكُونُ الْيَدُ ثَابِتَةً عَلَى غَيْرِ الْمَرْهُونِ وَفِيهِ فَوَاتُ حُكْمِهِ. وَأَدْرَجَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - دَلِيلَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَعِنْدَهُ الْمُشَاعُ يَقْبَلُ مَا هُوَ الْحُكْمُ عِنْدَهُ وَهُوَ تَعَيُّنُهُ لِلْبَيْعِ، فَيَكُونُ تَقْرِيرُ كَلَامِهِ حُكْمُ الرَّهْنِ تَعَيُّنُهُ لِلْبَيْعِ وَالْمُشَاعُ عَيْنٌ يَجُوزُ بَيْعُهُ، فَحُكْمُ الرَّهْنِ يَجُوزُ فِي الْمُشَاعِ، وَإِذَا كَانَ الْحُكْمُ مُتَصَوَّرًا كَانَ الْعَقْدُ مُقَيَّدًا، وَتَقْرِيرُ الثَّانِي أَنَّ مُوجَبَ الرَّهْنِ: أَيْ مُوجَبَ حُكْمِهِ: يَعْنِي لَازِمَهُ هُوَ الْحَبْسُ الدَّائِمُ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا مَقْبُوضًا بِالنَّصِّ وَهُوَ

وَالثَّانِي أَنَّ مُوجِبَ الرَّهْنِ هُوَ الْحَبْسُ الدَّائِمُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا مَقْبُوضًا بِالنَّصِّ، أَوْ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَقْصُودِ مِنْهُ وَهُوَ الِاسْتِيثَاقُ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِالدَّوَامِ، وَلَا يُفْضِي إلَيْهِ إلَّا اسْتِحْقَاقُ الْحَبْسِ، وَلَوْ جَوَّزْنَاهُ فِي الْمُشَاعِ يَفُوتُ الدَّوَامُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْمُهَايَأَةِ فَيَصِيرُ كَمَا إذَا قَالَ رَهَنْتُك يَوْمًا وَيَوْمًا لَا، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَمَا لَا يَحْتَمِلُهَا، بِخِلَافِ الْهِبَةِ حَيْثُ يَجُوزُ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ فِي الْهِبَةِ غَرَامَةُ الْقِسْمَةِ وَهُوَ فِيمَا يُقَسَّمُ، أَمَّا حُكْمُ الْهِبَةِ الْمِلْكُ وَالْمُشَاعُ يَقْبَلُهُ، وَهَا هُنَا الْحُكْمُ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ وَالْمُشَاعُ لَا يَقْبَلُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، وَلَا يَجُوزُ مِنْ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ حُكْمُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي يَسْكُنُ يَوْمًا بِحُكْمِ الْمِلْكِ وَيَوْمًا بِحُكْمِ الرَّهْنِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ رَهَنَ يَوْمًا وَيَوْمًا لَا وَالشُّيُوعُ الطَّارِئُ يَمْنَعُ بَقَاءَ الرَّهْنِ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْبَقَاءِ أَسْهَلُ مِنْ حُكْمِ الِابْتِدَاءِ فَأَشْبَهَ الْهِبَةَ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الِامْتِنَاعَ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ وَمَا يَرْجِعُ إلَيْهِ، فَالِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ سَوَاءٌ كَالْمَحْرَمِيَّةِ فِي بَابِ النِّكَاحِ، بِخِلَافِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ الْمُشَاعَ يَقْبَلُ حُكْمَهَا وَهُوَ الْمِلْكُ، وَاعْتِبَارُ الْقَبْضِ فِي الِابْتِدَاءِ لِنَفْيِ الْغَرَامَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَلَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْله تَعَالَى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] أَوْ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَقْصُودِ وَهُوَ الِاسْتِيثَاقُ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ: يَعْنِي مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ وَلِيَكُونَ عَاجِزًا عَنْ الِانْتِفَاعِ فَيَتَسَارَعَ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ لِحَاجَتِهِ أَوْ لِضَجَرِهِ (وَكُلُّ ذَلِكَ) أَيْ كُلُّ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا مَقْبُوضًا بِالنَّصِّ أَوْ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَقْصُودِ (يَتَعَلَّقُ بِالدَّوَامِ) أَمَّا تَعَلُّقُهُ بِالدَّوَامِ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَقْصُودِ فَظَاهِرٌ، فَإِنَّهُ لَوْ تَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ رُبَّمَا جَحَدَ الرَّهْنَ وَالدَّيْنَ جَمِيعًا فَيَفُوتُ الِاسْتِيثَاقُ. وَأَمَّا بِالنَّظَرِ إلَى النَّصِّ فَلِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ الْقَبْضُ ابْتِدَاءً وَجَبَ بَقَاءً، لِأَنَّ مَا تَعَلَّقَ بِالْمَحَلِّ فَالِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ فِيهِ سَوَاءٌ كَالْمَحْرَمِيَّة فِي النِّكَاحِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ عِنْدَنَا ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَالْقَبْضُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ يَقْتَضِي الدَّوَامَ فَكَانَ دَوَامُ الْحَبْسِ لَازِمًا بِحُكْمِ الرَّهْنِ وَيَفُوتُ فِي الْمُشَاعِ، وَالدَّاعِي إلَى هَذَا التَّوْجِيهِ تَخْلِيصُ الْكَلَامِ عَنْ التَّكْرَارِ فَإِنَّهُ قَالَ: أَحَدُهُمَا يَنْبَنِي عَلَى حُكْمِ الرَّهْنِ، وَالثَّانِي عَلَى مُوجَبِ الرَّهْنِ فَلَوْ كَانَ الْمُوجَبُ مُفَسَّرًا بِالْحُكْمِ كَمَا هُوَ الْمَعْهُودُ تَكَرَّرَ كَلَامُهُ وَقَوْلُهُ (وَلَا يُفْضِي إلَيْهِ) أَيْ إلَى دَوَامِ الْحَبْسِ مِنْ تَمَامِ الدَّلِيلِ: يَعْنِي ثَبَتَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الدَّوَامِ، وَلَا يُفْضِي إلَيْهِ إلَّا اسْتِحْقَاقُ الْحَبْسِ وَلَا اسْتِحْقَاقَ لِلْحَبْسِ فِي الْمُشَاعِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْمُهَايَأَةِ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ لَهُ رَهَنْتُك يَوْمًا دُونَ يَوْمٍ، وَلَا شَكَّ فِي عَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ لِلْحَبْسِ سِوَى يَوْمٍ فَيَفُوتُ الدَّوَامُ الْوَاجِبُ تَحَقُّقُهُ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِأَنَّ الدَّوَامَ يَفُوتُ فِي الْمُشَاعِ تَسَاوَى مَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَمَا لَا يَحْتَمِلُهَا فِي الرَّهْنِ، بِخِلَافِ الْهِبَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ (وَقَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ) أَيْ الرَّهْنُ (مِنْ شَرِيكِهِ) عَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا. أَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ حُكْمَهُ. وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَلِأَنَّهُ يَفُوتُ بِهِ دَوَامُ الْحَبْسِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَصُورَةُ الشُّيُوعِ الطَّارِئِ أَنْ يَرْهَنَ الْجَمِيعَ ثُمَّ يَتَفَاسَخَا فِي الْبَعْضِ، أَوْ أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْعَدْلِ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ كَيْفَ شَاءَ فَبَاعَ نِصْفَهُ وَأَنَّهُ يَمْنَعُ بَقَاءَ الرَّهْنِ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ.

فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ وَلِهَذَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِي بَعْضِ الْهِبَةِ، وَلَا يَجُوزُ فَسْخُ الْعَقْدِ فِي بَعْضِ الرَّهْنِ قَالَ (وَلَا رَهْنُ ثَمَرَةٍ عَلَى رُءُوسِ النَّخِيلِ، وَلَا زَرْعِ الْأَرْضِ دُونَ الْأَرْضِ، وَلَا رَهْنُ النَّخِيلِ فِي الْأَرْضِ دُونَهَا) ؛ لِأَنَّ الْمَرْهُونَ مُتَّصِلٌ بِمَا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ خِلْقَةً فَكَانَ فِي مَعْنَى الشَّائِعِ (وَكَذَا إذَا رَهَنَ الْأَرْضَ دُونَ النَّخِيلِ أَوْ دُونَ الزَّرْعِ أَوْ النَّخِيلِ دُونَ الثَّمَرِ) ؛ لِأَنَّ الِاتِّصَالَ يَقُومُ بِالطَّرَفَيْنِ، فَصَارَ الْأَصْلُ أَنَّ الْمَرْهُونَ إذَا كَانَ مُتَّصِلًا بِمَا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَبْضُ الْمَرْهُونِ وَحْدَهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ رَهْنَ الْأَرْضِ بِدُونِ الشَّجَرِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الشَّجَرَ اسْمٌ لِلنَّابِتِ فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءُ الْأَشْجَارِ بِمَوَاضِعِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ الدَّارَ دُونَ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ اسْمٌ لِلْمَبْنَى فَيَصِيرُ رَاهِنًا جَمِيعَ الْأَرْضِ وَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِمِلْكِ الرَّاهِنِ (وَلَوْ رَهَنَ النَّخِيلَ بِمَوَاضِعِهَا جَازَ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مُجَاوِرَةٌ وَهِيَ لَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ (وَلَوْ كَانَ فِيهِ ثَمَرٌ يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ) ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِاتِّصَالِهِ بِهِ فَيَدْخُلُ تَبَعًا تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ النَّخِيلِ بِدُونِ الثَّمَرِ جَائِزٌ، وَلَا ضَرُورَةَ إلَى إدْخَالِهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ، وَبِخِلَافِ الْمَتَاعِ فِي الدَّارِ حَيْثُ لَا يَدْخُلُ فِي رَهْنِ الدَّارِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَابِعٍ بِوَجْهٍ مَا، وَكَذَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ وَالرَّطْبَةُ فِي رَهْنِ الْأَرْضِ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الثَّمَرَةِ (وَيَدْخُلُ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ فِي رَهْنِ الْأَرْضِ وَالدَّارِ وَالْقَرْيَةِ) لِمَا ذَكَرْنَا (وَلَوْ رَهَنَ الدَّارَ بِمَا فِيهَا جَازَ وَلَوْ اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ، إنْ كَانَ الْبَاقِي يَجُوزُ ابْتِدَاءُ الرَّهْنِ عَلَيْهِ وَحْدَهُ بَقِيَ رَهْنًا بِحِصَّتِهِ وَإِلَّا بَطَلَ كُلُّهُ) ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ جُعِلَ كَأَنَّهُ مَا وَرَدَ إلَّا عَلَى الْبَاقِي، وَيَمْنَعُ التَّسْلِيمَ كَوْنُ الرَّاهِنِ أَوْ مَتَاعِهِ فِي الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ، وَكَذَا مَتَاعُهُ فِي الْوِعَاءِ الْمَرْهُونِ، وَيَمْنَعُ تَسْلِيمَ الدَّابَّةِ الْمَرْهُونَةِ الْحَمْلُ عَلَيْهَا فَلَا يَتِمُّ حَتَّى يُلْقِيَ الْحِمْلَ؛ لِأَنَّهُ شَاغِلٌ لَهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ الْحِمْلَ دُونَهَا حَيْثُ يَكُونُ رَهْنًا تَامًّا إذَا دَفَعَهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ مَشْغُولَةٌ بِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا رَهَنَ مَتَاعًا فِي دَارٍ أَوْ فِي وِعَاءٍ دُونَ الدَّارِ وَالْوِعَاءِ، بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ سَرْجًا عَلَى دَابَّةٍ أَوْ لِجَامًا فِي رَأْسِهَا وَدَفَعَ الدَّابَّةَ مَعَ السَّرْجِ وَاللِّجَامِ حَيْثُ لَا يَكُونُ رَهْنًا حَتَّى يَنْزِعَهُ مِنْهَا ثُمَّ يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الدَّابَّةِ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَرَةِ لِلنَّخِيلِ حَتَّى قَالُوا يَدْخُلُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ. قَالَ (وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِالْأَمَانَاتِ) كَالْوَدَائِعِ وَالْعَوَارِيّ وَالْمُضَارَبَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَلَا رَهْنُ ثَمَرَةٍ عَلَى رُءُوسِ النَّخِيلِ دُونَ النَّخِيلِ) هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ الْمُشَاعِ وَعِلَّتُهُ عِلَّتُهُ، فَإِنَّ الْأَصْلَ الْجَامِعَ أَنَّ اتِّصَالَ الْمَرْهُونِ بِغَيْرِ الْمَرْهُونِ يَمْنَعُ جَوَازَ الرَّهْنِ لِانْتِفَاءِ الْقَبْضِ فِي الْمَرْهُونِ وَحْدَهُ لِاخْتِلَاطِهِ بِغَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْمَتَاعِ فِي الدَّارِ) يَعْنِي إذَا رَهَنَ دَارًا مَشْغُولَةً بِأَمْتِعَةِ الرَّاهِنِ لَمْ يَصِحَّ الرَّهْنُ لِأَنَّهَا لَمَّا لَمْ تَكُنْ تَابِعَةً لِلدَّارِ بِوَجْهٍ لَمْ تَدْخُلْ فِي رَهْنِهَا مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ فَانْتَفَى الْقَبْضُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الدَّارَ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهَا أَوْ مِنْهَا لَمْ تَدْخُلْ الْأَمْتِعَةُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ النَّخِيلَ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهَا أَوْ مِنْهَا فَإِنَّهُ تَدْخُلُ الثِّمَارُ فَتَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ لِاتِّصَالِهَا بِهَا خِلْقَةً. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ) يَعْنِي بَعْضَ الرَّهْنِ بِأَنْ رَهَنَ دَارًا أَوْ أَرْضًا فَاسْتَحَقَّ بَعْضَهَا، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي غَيْرَ مُشَاعٍ بِأَنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ جُزْءًا مُعَيَّنًا غَيْرَ مُشَاعٍ أَوْ كَانَ مُشَاعًا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ صَحَّ الرَّهْنُ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الرَّهْنَ مِنْ الِابْتِدَاءِ كَانَ مَا بَقِيَ وَهُوَ غَيْرُ مُشَاعٍ وَكَانَ جَائِزًا، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي تَبَيَّنَ أَنَّ الرَّهْنَ مِنْ الْأَوَّلِ مُشَاعٌ وَهُوَ مَانِعٌ. وَقَوْلُهُ (حَتَّى قَالُوا يَدْخُلُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ) يَعْنِي قَالَ الْمَشَايِخُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: إذَا رَهَنَ دَابَّةً عَلَيْهَا لِجَامٌ أَوْ سَرْجٌ دَخَلَ ذَلِكَ فِي الرَّهْنِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ تَبَعًا. وَقَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِالْأَمَانَاتِ) قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.

(وَمَالِ الشِّرْكَةِ) ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِي بَابِ الرَّهْنِ قَبْضٌ مَضْمُونٌ فَلَا بُدَّ مِنْ ضَمَانٍ ثَابِتٍ لِيَقَعَ الْقَبْضُ مَضْمُونًا وَيَتَحَقَّقَ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُ (وَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ) ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، فَإِنَّهُ إذَا هَلَكَ الْعَيْنُ لَمْ يَضْمَنْ الْبَائِعُ شَيْئًا لَكِنَّهُ يَسْقُطُ الثَّمَنُ وَهُوَ حَقُّ الْبَائِعِ فَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ فَأَمَّا الْأَعْيَانُ الْمَضْمُونَةُ بِعَيْنِهَا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِالْمِثْلِ أَوْ بِالْقِيمَةِ عِنْدَ هَلَاكِهِ مِثْلَ الْمَغْصُوبِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ يَصِحُّ الرَّهْنُ بِهَا؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ مُتَقَرِّرٌ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ قَائِمًا وَجَبَ تَسْلِيمُهُ، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا تَجِبُ قِيمَتُهُ فَكَانَ رَهْنًا بِمَا هُوَ مَضْمُونٌ فَيَصِحُّ. قَالَ (وَالرَّهْنُ بِالدَّرَكِ بَاطِلٌ وَالْكَفَالَةُ بِالدَّرَكِ جَائِزَةٌ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّهْنَ لِلِاسْتِيفَاءِ وَلَا اسْتِيفَاءَ قَبْلَ الْوُجُوبِ، وَإِضَافَةُ التَّمْلِيكِ إلَى زَمَانٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا تَجُوزُ أَمَّا الْكَفَالَةُ فَلِالْتِزَامِ الْمُطَالَبَةِ، وَالْتِزَامُ الْأَفْعَالِ يَصِحُّ مُضَافًا إلَى الْمَآلِ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَلِهَذَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِمَا ذَابَ لَهُ عَلَى فُلَانٍ وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ، فَلَوْ قَبَضَهُ قَبْلَ الْوُجُوبِ فَهَلَكَ عِنْدَهُ يَهْلِكُ أَمَانَةً؛ لِأَنَّهُ لَا عَقْدَ حَيْثُ وَقَعَ بَاطِلًا، بِخِلَافِ الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ الْمَوْعُودِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ رَهَنْتُك هَذَا لِتُقْرِضَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ وَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ حَيْثُ يَهْلِكُ بِمَا سَمَّى مِنْ الْمَالِ بِمُقَابَلَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْعُودَ جُعِلَ كَالْمَوْجُودِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَالرَّهْنُ بِالدَّرْكِ بَاطِلٌ) قَدْ تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ الدَّرْكَ هُوَ رُجُوعُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ. وَصُورَةُ الرَّهْنِ بِذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا وَيُسَلِّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي فَيَخَافَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَحِقَّهُ أَحَدٌ فَيَأْخُذَ مِنْ الْبَائِعِ رَهْنًا بِالثَّمَنِ لَوْ اسْتَحَقَّهُ أَحَدٌ وَهُوَ بَاطِلٌ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْمُرْتَهِنُ حَبْسَ الرَّهْنِ، إنْ قَبَضَهُ قَبْلَ الْوُجُوبِ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ أَوَّلًا. وَأَمَّا الْكَفَالَةُ بِذَلِكَ فَهِيَ جَائِزَةٌ، وَالْفَرْقُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ. وَذَكَرَ فِي فَائِدَةِ ضَمَانِ الدَّرْكِ مَعَ اسْتِحْقَاقِ رُجُوعِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ ضَمِنَ الْبَائِعُ دَرْكَهُ أَوَّلًا، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَضْمَنْ لَا يَقْدِرُ الْمُشْتَرِي عَلَى الرُّجُوعِ إلَّا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِنَقْضِ الْبَيْعِ، وَأَمَّا إذَا ضَمِنَهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ قَضَى الْقَاضِي بِنَقْضِ الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا أَوْ لَمْ يَقْضِ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا اُسْتُحِقَّ لَمْ يَنْتَقِضْ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا بِدُونِ رِضَا الْبَائِعِ أَوْ قَضَاءِ الْقَاضِي، لِأَنَّ احْتِمَالَ إقَامَةِ الْبَائِعِ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ أَوْ التَّلَقِّي مِنْ جِهَةِ الْمُسْتَحِقِّ قَائِمٌ، أَمَّا إذَا قَضَى الْقَاضِي ثَبَتَ الْعَجْزُ وَانْفَسَخَ الْعَقْدُ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ الْمَوْعُودِ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ يَهْلِكُ أَمَانَةً، وَصُورَتُهُ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْمَوْعُودَ) يَعْنِي مِنْ الدَّيْنِ جُعِلَ كَالْمَوْجُودِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ يَحْتَاجُ إلَى اسْتِقْرَاضِ شَيْءٍ وَصَاحِبُ الْمَالِ لَا يُعْطِيهِ قَبْلَ قَبْضِ الرَّهْنِ فَيَجْعَلُ الدَّيْنَ الْمَوْعُودَ مَوْجُودًا احْتِيَالًا لِلْجَوَازِ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ عَنْ الْمُسْتَقْرِضِ. فَإِنْ قِيلَ: فَلْيُجْعَلْ الْمَعْدُومُ فِي الدَّرْكِ مَوْجُودًا لِلِاشْتِرَاكِ فِي الْحَاجَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْدُومَ يُجْعَلُ مَوْجُودًا إذَا كَانَ عَلَى شَرَفِ الْوُجُودِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ إنْجَازُ وَعْدِهِ، وَالدَّرْكُ لَيْسَ

وَلِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِجِهَةِ الرَّهْنِ الَّذِي يَصِحُّ عَلَى اعْتِبَارِ وُجُودِهِ فَيُعْطَى لَهُ حُكْمُهُ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ فَيَضْمَنُهُ. قَالَ (وَيَصِحُّ الرَّهْنُ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَبِثَمَنِ الصَّرْفِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ) وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ الِاسْتِيفَاءُ، وَهَذَا اسْتِبْدَالٌ لِعَدَمِ الْمُجَانِسَةِ، وَبَابُ الِاسْتِبْدَالِ فِيهَا مَسْدُودٌ وَلَنَا أَنَّ الْمُجَانَسَةَ ثَابِتَةٌ فِي الْمَالِيَّةِ فَيَتَحَقَّقُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ حَيْثُ الْمَالُ وَهُوَ الْمَضْمُونُ عَلَى مَا مَرَّ قَالَ (وَالرَّهْنُ بِالْمَبِيعِ بَاطِلٌ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِنَفْسِهِ (فَإِنْ هَلَكَ ذَهَبَ بِغَيْرِ شَيْءٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِلْبَاطِلِ فَبَقِيَ قَبْضًا بِإِذْنِهِ (وَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ بِثَمَنِ الصَّرْفِ وَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ تَمَّ الصَّرْفُ وَالسَّلَمُ وَصَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ حُكْمًا) لِتَحَقُّقِ الْقَبْضِ حُكْمًا (وَإِنْ افْتَرَقَا قَبْلَ هَلَاكِ الرَّهْنِ بَطَلَا) لِفَوَاتِ الْقَبْضِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا (وَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ بَطَلَ السَّلَمُ بِهَلَاكِهِ) وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ فَلَمْ يَبْقَ السَّلَمُ (وَلَوْ تَفَاسَخَا السَّلَمَ وَبِالْمُسْلَمِ فِيهِ رَهْنٌ يَكُونُ ذَلِكَ رَهْنًا بِرَأْسِ الْمَالِ حَتَّى يَحْبِسَهُ) ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَذَلِكَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ الِاسْتِحْقَاقِ، فَإِنَّ الْمُسْلِمَ الْعَاقِلَ لَا يُقْدِمُ عَلَى بَيْعِ مَالِ غَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِجِهَةِ الرَّهْنِ الَّذِي يَصِحُّ عَلَى اعْتِبَارِ وُجُودِهِ) أَيْ وُجُودِ الدَّيْنِ وَلِلْمَقْبُوضِ بِجِهَةِ الشَّيْءِ حُكْمُ ذَلِكَ الشَّيْءِ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ (فَيُعْطَى لَهُ) أَيْ لِلَّذِي قَبَضَ بِجِهَةِ الرَّهْنِ (حُكْمُ الرَّهْنِ) حَتَّى يَهْلِكَ بِمَا سَمَّى مِنْ الْمَالِ بِمُقَابَلَتِهِ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُقْرِضِ إيفَاءُ مَا وَعَدَهُ، وَهَذَا إذَا سَاوَى قِيمَةَ مَا اسْتَقْرَضَهُ، وَإِنَّمَا أَطْلَقَ جَرْيًا عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ الْغَالِبَ فِي الرَّهْنِ أَنْ يُسَاوِيَ الدَّيْنَ. فَإِنْ قِيلَ: قِيَاسُ هَذَا بِالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقِيمَةُ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ الْمَوْعُودُ. فَالْجَوَابُ أَنَّ التَّسَاوِيَ بَيْنَ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ لَيْسَ بِلَازِمٍ، وَاعْتِبَارُهُ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَهْلِكُ مَضْمُونًا لَا أَمَانَةً. وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ وُجُوبُ الْقِيمَةِ وَالْمَوْعُودُ فَبِاعْتِبَارِ أَنَّ ضَمَانَ الرَّهْنِ ضَمَانُ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ وَحَيْثُ جُعِلَ الدَّيْنُ مَوْجُودًا فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ، وَضَمَانُ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ ضَمَانٌ مُبْتَدَأٌ يَجِبُ بِالْعَقْدِ إذْ لَيْسَ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي شَيْءٌ قَبْلَ الْبَيْعِ فَيُجْعَلُ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ إيجَابِ الْمُسَمَّى كَضَمَانِ الْغَصْبِ. وَقَوْلُهُ (فَيَضْمَنُهُ) أَيْ فَيَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ مَا قَبَضَ رَهْنًا عَنْ الدَّيْنِ الْمَوْعُودِ. قَالَ (وَيَصِحُّ الرَّهْنُ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ إلَخْ) قَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حُكْمُ الرَّهْنِ الِاسْتِيفَاءُ وَهُوَ وَاضِحٌ (وَهَذَا) أَيْ أَخْذُ الرَّهْنِ عَنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَيْسَ بِاسْتِيفَاءٍ لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ فَكَانَ اسْتِبْدَالًا، وَبَابُ الِاسْتِبْدَالِ فِيهَا مَسْدُودٌ. قُلْنَا: هُوَ اسْتِيفَاءٌ لِوُجُودِ الْمُجَانَسَةِ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ، فَإِنَّ الِاسْتِيفَاءَ فِي الرَّهْنِ إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ. وَأَمَّا عَيْنُ الرَّهْنِ فَهُوَ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ كَمَا لَوْ كَانَ الرَّهْنُ عَبْدًا فَمَاتَ كَانَ كَفَنُهُ عَلَى الرَّاهِنِ، وَالْأَعْيَانُ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ جِنْسٌ وَاحِدٌ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَصَحَّ الِاسْتِبْدَالُ فِي رَأْسِ الْمَالِ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ لِوُجُودِ الْمُجَانَسَةِ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ. فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا غَلَطٌ، لِأَنَّا إنَّمَا اعْتَبَرْنَا التَّجَانُسَ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ فِي الرَّهْنِ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى كَوْنِهِ مَضْمُونًا مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ، وَعَلَى تَعَذُّرِ تَمَلُّكِ الْعَيْنِ لِكَوْنِهِ أَمَانَةً وَفِي الِاسْتِبْدَالِ لَا يُكْتَفَى بِذَلِكَ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى تَمَلُّكِ الْعَيْنِ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ (لِفَوَاتِ الْقَبْضِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا) أَمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا حُكْمًا فَلِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ إنَّمَا يَصِيرُ قَابِضًا بِالْهَلَاكِ وَكَانَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ. وَقَوْلُهُ (يَكُونُ ذَلِكَ رَهْنًا بِرَأْسِ الْمَالِ حَتَّى يَحْبِسُهُ) بِالرَّفْعِ لِكَوْنِ حَتَّى بِمَعْنَى الْفَاءِ عَلَى مَا عُرِفَ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ بَدَلُهُ) أَيْ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ بَدَلُ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَبَدَلُ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَهُ كَالرَّهْنِ بِالْمَغْصُوبِ إذَا هَلَكَ فَإِنَّهُ رَهْنٌ بِقِيمَتِهِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ. وَفِي

فَصَارَ كَالْمَغْصُوبِ إذَا هَلَكَ وَبِهِ رَهْنٌ يَكُونُ رَهْنًا بِقِيمَتِهِ (وَلَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ بَعْدَ التَّفَاسُخِ يَهْلِكُ بِالطَّعَامِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ) ؛ لِأَنَّهُ رَهَنَهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مَحْبُوسًا بِغَيْرِهِ كَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ وَأَخَذَ بِالثَّمَنِ رَهْنًا ثُمَّ تَقَايَلَا الْبَيْعَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ لِأَخْذِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ بَدَلَهُ، وَلَوْ هَلَكَ الْمَرْهُونُ يَهْلِكُ بِالثَّمَنِ لِمَا بَيَّنَّا؛ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا شِرَاءً فَاسِدًا وَأَدَّى ثَمَنَهُ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ لِيَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ، ثُمَّ لَوْ هَلَكَ الْمُشْتَرَى فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يَهْلِكُ بِقِيمَتِهِ فَكَذَا هَذَا قَالَ (وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ الْحُرِّ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ وَأُمِّ الْوَلَدِ) ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ هَؤُلَاءِ لِعَدَمِ الْمَالِيَّةِ فِي الْحُرِّ وَقِيَامِ الْمَانِعِ فِي الْبَاقِينَ، (وَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ، وَكَذَا بِالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا) لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقِيَاسِ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ الرَّهْنَ كَانَ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ وَقَدْ سَقَطَ، وَرَأْسُ الْمَالِ دَيْنٌ آخَرُ وَاجِبٌ بِسَبَبٍ آخَرَ هُوَ وَالْقَبْضُ فَلَا يَكُونُ رَهْنًا بِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ عَلَى آخَرَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ فَرَهَنَ بِالدَّنَانِيرِ رَهْنًا ثُمَّ أَبْرَأَهُ الْمُرْتَهِنُ عَنْ الدَّنَانِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ رَهْنًا بِالدَّرَاهِمِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الدَّرَاهِمَ لَيْسَتْ بَدَلًا مِنْ الدَّنَانِيرِ بِخِلَافِ السَّلَمِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ إلَخْ) أَيْ لَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ رَبِّ السَّلَمِ بَعْدَ التَّفَاسُخِ هَلَكَ بِالطَّعَامِ الْمُسْلَمِ فِيهِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لِرَبِّ السَّلَمِ مُطَالَبَةُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِالطَّعَامِ لِأَنَّهُ رَهَنَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مَحْبُوسًا بِغَيْرِهِ: أَيْ بِغَيْرِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَهُوَ رَأْسُ الْمَالِ. وَقَوْلُهُ (هَلَكَ بِالطَّعَامِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَهْلِكْ بِرَأْسِ الْمَالِ فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ وَهُوَ رَبُّ السَّلَمِ أَنْ يُعْطِيَ مِثْلَ الطَّعَامِ الَّذِي كَانَ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَيَأْخُذَ رَأْسَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ بِقَبْضِ الرَّهْنِ صَارَتْ مَالِيَّتُهُ مَضْمُونَةً بِطَعَامِ السَّلَمِ، وَقَدْ بَقِيَ حُكْمُ الرَّهْنِ إلَى أَنْ هَلَكَ فَصَارَ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ مُسْتَوْفِيًا طَعَامَ السَّلَمِ، وَلَوْ اسْتَوْفَاهُ حَقِيقَةً قَبْلَ الْإِقَالَةِ ثُمَّ تَقَايَلَا أَوْ بَعْدَ الْإِقَالَةِ لَزِمَهُ رَدُّ الْمُسْتَوْفَى وَاسْتِرْدَادُ رَأْسِ الْمَالِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فِي بَابِ السَّلَمِ لَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ ثُبُوتِهَا، فَهَلَاكُ الرَّهْنِ لَا يُبْطِلُ الْإِقَالَةَ. فَإِنْ قِيلَ: ذِمَّةُ رَبِّ السَّلَمِ اشْتَغَلَتْ بِمَالِيَّةِ الرَّهْنِ مِنْ الدَّرَاهِمِ بِقَدْرِ مَالِيَّةِ الطَّعَامِ وَلَهُ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ دَيْنٌ مِنْ جِنْسِ مَالِيَّةِ الرَّهْنِ وَهُوَ رَأْسُ الْمَالِ فَوَجَبَ الْقِصَاصُ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ رَدُّ الطَّعَامِ. أُجِيبَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَالِيَّةَ الرَّهْنِ هَاهُنَا مِنْ الدَّرَاهِمِ، فَإِنَّ تَقْدِيرَ مَالِيَّةِ الْأَشْيَاءِ بِالنُّقُودِ لَيْسَ بِحَتْمٍ، وَإِنَّمَا جَاءَ الشَّرْعُ بِتَقْدِيرِهِ بِهَا تَيْسِيرًا فَلَا يَقْتَضِي الْحَجْرَ عَلَى التَّقْدِيرِ بِغَيْرِهَا، وَلَمَّا جَعَلَا الرَّهْنَ بِالطَّعَامِ مَعَ عِلْمِهِمَا بِأَنَّهُ عَقْدُ اسْتِيفَاءٍ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمَا تَقْدِيرَ الْمَالِيَّةِ بِالطَّعَامِ تَحْقِيقًا لِغَرَضِهِمَا، فَكَانَ الرَّهْنُ مِنْ جِنْسِ الطَّعَامِ تَقْدِيرًا، فَعِنْدَ هَلَاكِهِ اشْتَغَلَتْ الذِّمَّةُ بِالطَّعَامِ دُونَ الدَّرَاهِمِ، فَلَا يَكُونُ مَا عَلَيْهِ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ مِنْ جِنْسِ مَالِهِ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ حَتَّى يَلْتَقِيَا قِصَاصًا، بَلْ يَلْزَمُهُ رَدُّ مِثْلِ الطَّعَامِ الْمُسْلَمِ فِيهِ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى الْمُسْلَمَ فِيهِ، وَالْإِقَالَةُ مُتَقَرِّرَةٌ لِمَا مَرَّ آنِفًا أَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ لِأَنَّ الثَّمَنَ بَدَلُهُ. وَقَوْلُهُ (وَأَدَّى ثَمَنَهُ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ) يَعْنِي أَدَّى ثَمَنَهُ ثُمَّ أَرَادَ فَسْخَهُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَ الْعَبْدَ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ، لِأَنَّ الْعَبْدَ هُنَاكَ بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لِاسْتِيفَاءِ ثَمَنِهِ مِنْ الْبَائِعِ، فَإِنْ هَلَكَ الْمُشْتَرَى بَعْدَ الْحَبْسِ فِي يَدِهِ هَلَكَ بِقِيمَتِهِ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ الْحُرِّ وَالْمُدَبَّرِ إلَخْ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَقِيَامُ الْمَانِعِ فِي الْبَاقِينَ) يَعْنِي حَقَّ الْحُرِّيَّةِ، وَلِهَذَا لَوْ طَرَأَتْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ أَبْطَلَتْهُ، فَإِذَا كَانَتْ مُقَارِنَةً مَنَعَتْهُ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ بِالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ) لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ أَنَّ اسْتِيفَاءَ الْمَكْفُولِ بِهِ مِنْ الرَّهْنِ غَيْرُ مُمْكِنٍ. وَالثَّانِي أَنَّ الْمَكْفُولَ بِهِ غَيْرُ مَضْمُونٍ فِي نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ هَلَكَ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ وَهُمَا جَارِيَانِ فِي الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهُ. وَأَمَّا لَوْ رَهَنَ عَنْ بَدَلِ الصُّلْحِ فِيهِمَا فَإِنَّهُ صَحِيحٌ لِأَنَّ الْبَدَلَ

لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْأَرْشِ مِنْ الرَّهْنِ مُمْكِنٌ (وَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِالشُّفْعَةِ) ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمُشْتَرِي (وَلَا بِالْعَبْدِ الْجَانِي وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَالْمَدْيُونِ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمَوْلَى، فَإِنَّهُ لَوْ هَلَكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ (وَلَا بِأُجْرَةِ النَّائِحَةِ وَالْمُغَنِّيَةِ، حَتَّى لَوْ ضَاعَ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مَضْمُونٌ (وَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَرْهَنَ خَمْرًا أَوْ يَرْتَهِنَهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ) لِتَعَذُّرِ الْإِيفَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ، ثُمَّ الرَّاهِنُ إذَا كَانَ ذِمِّيًّا فَالْخَمْرُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ لِلذِّمِّيِّ كَمَا إذَا غَصَبَهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ ذِمِّيًّا لَمْ يَضْمَنْهَا لِلْمُسْلِمِ كَمَا لَا يَضْمَنُهَا بِالْغَصْبِ مِنْهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا جَرَى ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ فِي حَقِّهِمْ، أَمَّا الْمَيْتَةُ فَلَيْسَتْ بِمَالٍ عِنْدَهُمْ فَلَا يَجُوزُ رَهْنُهَا وَارْتِهَانُهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ، كَمَا لَا يَجُوزُ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بِحَالٍ (وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا وَرَهَنَ بِثَمَنِهِ عَبْدًا أَوْ خَلًّا أَوْ شَاةً مَذْبُوحَةً ثُمَّ ظَهَرَ الْعَبْدُ حُرًّا أَوْ الْخَلُّ خَمَرًا أَوْ الشَّاةُ مَيْتَةً فَالرَّهْنُ مَضْمُونٌ) ؛ لِأَنَّهُ رَهَنَهُ بِدَيْنٍ وَاجِبٍ ظَاهِرًا (وَكَذَا إذَا قَتَلَ عَبْدًا وَرَهَنَ بِقِيمَتِهِ رَهْنًا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ حُرٌّ) وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (وَكَذَا إذَا صَالَحَ عَلَى إنْكَارٍ وَرَهَنَ بِمَا صَالَحَ عَلَيْهِ رَهْنًا ثُمَّ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ فَالرَّهْنُ مَضْمُونٌ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ خِلَافُهُ، وَكَذَا قِيَاسُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ جِنْسِهِ. قَالَ (وَيَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يَرْهَنَ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ عَبْدًا لِابْنِهِ الصَّغِيرِ) ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ، وَهَذَا أَنْظَرُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ قِيَامَ الْمُرْتَهِنِ بِحِفْظِهِ أَبْلَغُ خِيفَةَ الْغَرَامَةِ (وَلَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ مَضْمُونًا، الْوَدِيعَةُ تَهْلِكُ أَمَانَةً وَالْوَصِيُّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ) فِي هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمَضْمُونٌ بِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً، لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْأَرْشِ مِنْ الرَّهْنِ مُمْكِنٌ، وَلَوْ صَالَحَ عَنْهَا عَلَى عَيْنٍ ثُمَّ رَهَنَ بِهَا رَهْنًا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ، فَإِنَّهُ إذَا هَلَكَ يَنْفَسِخُ الصُّلْحُ فَكَانَ كَالْمَبِيعِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ بِالشُّفْعَةِ) صُورَتُهُ أَنْ يَطْلُبَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ وَيَقْضِيَ الْقَاضِي بِذَلِكَ فَيَقُولُ لِلْمُشْتَرِي أَعْطِنِي رَهْنًا بِالدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ. وَقَوْلُهُ (حَتَّى لَوْ ضَاعَ) يَعْنِي الرَّهْنَ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا لِأَنَّهُ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مَضْمُونٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ رَفَعَا الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي قَبْلَ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ لَا يَأْمُرُ الْمُسْتَأْجِرَ بِتَسْلِيمِ الْأَجْرِ. وَقَوْلُهُ (فَالرَّهْنُ مَضْمُونٌ) يَعْنِي بِالْأَقَلِّ وَمِنْ قِيمَتِهِ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ (لِأَنَّهُ رَهَنَهُ بِدَيْنٍ وَاجِبٍ ظَاهِرًا) أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ لَوْ اخْتَصَمَا إلَى الْقَاضِي قَبْلَ ظُهُورِ الْحُرِّيَّةِ وَالِاسْتِحْقَاقِ فَالْقَاضِي يَقْضِي بِالثَّمَنِ، وَوُجُوبُ الدَّيْنِ ظَاهِرًا يَكْفِي لِصِحَّةِ الرَّهْنِ وَلِصَيْرُورَتِهِ مَضْمُونًا. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ) أَيْ الْعَبْدَ الْمَقْتُولَ (حُرٌّ) وَقَدْ هَلَكَ الرَّهْنُ فَإِنَّهُ يَهْلِكُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ فَالرَّهْنُ مَضْمُونٌ) يَعْنِي فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَجْهُهُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ قَبْضٌ بِمَالٍ مَضْمُونٍ ظَاهِرًا فَكَانَ كَالدَّيْنِ الثَّابِتِ حَقِيقَةً. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافُهُ: يَعْنِي لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ شَيْئًا لِأَنَّهُمَا لَمَّا تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ فَقَدْ تَصَادَقَا عَلَى عَدَمِ الضَّمَانِ، وَتَصَادُقُهُمَا حُجَّةٌ فِي حَقِّهِمَا وَالِاسْتِيفَاءُ بِدُونِ الدَّيْنِ لَا يُتَصَوَّرُ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا قِيَاسُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ جِنْسِهِ) يَعْنِي أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مَحْفُوظَةٌ فِي مَسْأَلَةِ الصُّلْحِ عَنْ إنْكَارٍ وَالْمَشَايِخُ قَالُوا الْقِيَاسُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْمَسَائِلِ الْبَاقِيَةِ مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ وَالْخَلِّ وَالشَّاةِ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (لِابْنِهِ الصَّغِيرِ) احْتِرَازٌ عَنْ الِابْنِ الْكَبِيرِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يَرْهَنَ عَبْدَهُ بِدَيْنِ نَفْسِهِ إلَّا بِإِذْنِ الِابْنِ.

الْبَابِ لِمَا بَيَّنَّا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْهُمَا، وَهُوَ الْقِيَاسُ اعْتِبَارًا بِحَقِيقَةِ الْإِيفَاءِ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى الظَّاهِرِ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ فِي حَقِيقَةِ الْإِيفَاءِ إزَالَةَ مِلْكِ الصَّغِيرِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ يُقَابِلُهُ فِي الْحَالِ، وَفِي هَذَا نَصْبٌ حَافِظٌ لِمَالِهِ نَاجِزًا مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ فَوَضَحَ الْفَرْقُ (وَإِذَا جَازَ الرَّهْنُ يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ وَيَصِيرُ الْأَبُ) أَوْ الْوَصِيُّ (مُوفِيًا لَهُ وَيَضْمَنُهُ لِلصَّبِيِّ) ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ بِمَالِهِ، وَكَذَا لَوْ سَلَّطَا الْمُرْتَهِنَ عَلَى بَيْعِهِ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ بِالْبَيْعِ وَهُمَا يَمْلِكَانِهِ قَالُوا: أَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْبَيْعُ، فَإِنَّ الْأَبَ أَوْ الْوَصِيَّ إذَا بَاعَ مَالَ الصَّبِيِّ مِنْ غَرِيمِ نَفْسِهِ جَازَ وَتَقَعُ الْمُقَاصَّةُ وَيَضْمَنُهُ لِلصَّبِيِّ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ، وَكَذَا وَكِيلُ الْبَائِعِ بِالْبَيْعِ، وَالرَّهْنُ نَظِيرُ الْبَيْعِ نَظَرًا إلَى عَاقِبَتِهِ مِنْ حَيْثُ وُجُوبُ الضَّمَانِ (وَإِذَا رَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ الصَّغِيرِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ ابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ أَوْ عَبْدٍ لَهُ تَاجِرٍ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ جَازَ) ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ أُنْزِلَ مَنْزِلَةَ شَخْصَيْنِ وَأُقِيمَتْ عِبَارَتُهُ مَقَامَ عِبَارَتَيْنِ فِي هَذَا الْعَقْدِ كَمَا فِي بَيْعِهِ مَالَ الصَّغِيرِ مِنْ نَفْسِهِ فَتَوَلَّى طَرَفِي الْعَقْدِ (وَلَوْ ارْتَهَنَهُ الْوَصِيُّ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ هَذَيْنِ أَوْ رَهْنًا عَيْنًا لَهُ مِنْ الْيَتِيمِ بِحَقٍّ لِلْيَتِيمِ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ) ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مَحْضٌ، وَالْوَاحِدُ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ فِي الرَّهْنِ كَمَا لَا يَتَوَلَّاهُمَا فِي الْبَيْعِ، وَهُوَ قَاصِرُ الشَّفَقَةِ فَلَا يَعْدِلُ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي حَقِّهِ إلْحَاقًا لَهُ بِالْأَبِ، وَالرَّهْنِ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَهَذَا أَنْظَرُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ، فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ هَلَكَ بِمَا فِيهِ وَيَضْمَنُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ لِلصَّغِيرِ قِيمَةَ الرَّهْنِ إذَا كَانَتْ مِثْلَ الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ ضَمِنَا مِقْدَارَ الدَّيْنِ دُونَ الزِّيَادَةِ لِأَنَّهُمَا فِيهَا مُودَعٌ وَلَهُمَا الْوِلَايَةُ عَلَى ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ) بَلْ يَبْقَى دَيْنُ الْغَرِيمِ عَلَى الْأَبِ كَمَا كَانَ وَيَصِيرُ لِلصَّغِيرِ الثَّمَنُ عَلَى الْمُشْتَرِي. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا رَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ) يُرِيدُ بَيَانَ جَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْأَبُ رَاهِنًا وَمُرْتَهِنًا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَالٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ فَيَأْخُذَ شَيْئًا رَهْنًا مِنْ مَتَاعِهِ فَيَكُونَ رَاهِنًا مِنْ جِهَةِ ابْنِهِ وَمُرْتَهِنًا لِذَاتِهِ. وَقَوْلُهُ (أَوْ عَبْدٌ لَهُ تَاجِرٌ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ) قَيَّدَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ، أَمَّا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَا شَكَّ فِي جَوَازِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ مِنْ الْوَصِيِّ فَلَأَنْ يَجُوزَ مِنْ الْأَبِ أَوْلَى، فَلَوْ رَهَنَ الْوَصِيُّ مِنْ عَبْدِهِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ، وَذَلِكَ لِأَنَّا نَجْعَلُ رَهْنَهُ مِنْ عَبْدِهِ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ كَرَهْنِهِ مِنْ نَفْسِهِ، إلَّا أَنَّهُ لَوْ رَهَنَ الْأَبُ مِنْ نَفْسِهِ جَازَ فَكَذَا إذَا رَهَنَ مِنْ عَبْدِهِ، وَالْوَصِيُّ لَوْ رَهَنَ مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ فَكَذَا مِنْ عَبْدِهِ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الْأَبِ مَالَ وَلَدِهِ مِنْ نَفْسِهِ جَائِزٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ بِأَنْ بَاعَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ مِنْ نَفْسِهِ فَكَذَا جَازَ رَهْنُهُ وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ يَصِيرُ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ. وَأَمَّا بَيْعُ الْوَصِيِّ مِنْ نَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا بِمِثْلِ الْقِيمَةِ فَكَذَا رَهْنُهُ

وَعَبْدِهِ التَّاجِرِ الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ مِنْ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ ابْنِهِ الْكَبِيرِ وَأَبِيهِ وَعَبْدِهِ الَّذِي عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمْ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَ مِنْ هَؤُلَاءِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيهِ وَلَا تُهْمَةَ فِي الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ لَهُ حُكْمًا وَاحِدًا. (وَإِنْ اسْتَدَانَ الْوَصِيُّ لِلْيَتِيمِ فِي كِسْوَتِهِ وَطَعَامِهِ فَرَهَنَ بِهِ مَتَاعًا لِلْيَتِيمِ جَازَ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِدَانَةَ جَائِزَةٌ لِلْحَاجَةِ وَالرَّهْنُ يَقَعُ إيفَاءً لِلْحَقِّ فَيَجُوزُ (وَكَذَلِكَ لَوْ اتَّجَرَ لِلْيَتِيمِ فَارْتَهَنَ أَوْ رَهَنَ) ؛ لِأَنَّ الْأَوْلَى لَهُ التِّجَارَةُ تَثْمِيرًا لِمَالِ الْيَتِيمِ فَلَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ الِارْتِهَانِ وَالرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ إيفَاءٌ وَاسْتِيفَاءٌ (وَإِذَا رَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ الصَّغِيرِ فَأَدْرَكَ الِابْنُ وَمَاتَ الْأَبُ لَيْسَ لِلِابْنِ أَنْ يَرُدَّهُ حَتَّى يَقْضِيَ الدَّيْنَ) لِوُقُوعِهِ لَازِمًا مِنْ جَانِبِهِ؛ إذْ تَصَرُّفُ الْأَبِ بِمَنْزِلَةِ تَصَرُّفِهِ بِنَفْسِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ (وَلَوْ كَانَ الْأَبُ رَهَنَهُ لِنَفْسِهِ فَقَضَاهُ الِابْنُ رَجَعَ بِهِ فِي مَالِ الْأَبِ) ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِيهِ لِحَاجَتِهِ إلَى إحْيَاءِ مِلْكِهِ فَأَشْبَهَ مُعِيرَ الرَّهْنِ (وَكَذَا إذَا هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَفْتَكَّهُ) ؛ لِأَنَّ الْأَبَ يَصِيرُ قَاضِيًا دَيْنَهُ بِمَالِهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ (وَلَوْ رَهَنَهُ بِدَيْنٍ عَلَى نَفْسِهِ وَبِدَيْنٍ عَلَى الصَّغِيرِ جَازَ) لِاشْتِمَالِهِ عَلَى أَمْرَيْنِ جَائِزَيْنِ (فَإِنْ هَلَكَ ضَمِنَ الْأَبُ حِصَّتَهُ مِنْ ذَلِكَ لِلْوَلَدِ) لِإِيفَائِهِ دَيْنَهُ مِنْ مَالِهِ بِهَذَا الْمِقْدَارِ، وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ، وَكَذَلِكَ الْجَدُّ أَبُ الْأَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَبُ أَوْ وَصِيُّ الْأَبِ (وَلَوْ رَهَنَ الْوَصِيُّ مَتَاعًا لِلْيَتِيمِ فِي دَيْنٍ اسْتَدَانَهُ عَلَيْهِ وَقَبَضَ الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ اسْتَعَارَهُ الْوَصِيُّ لِحَاجَةِ الْيَتِيمِ فَضَاعَ فِي يَدِ الْوَصِيِّ فَإِنَّهُ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ وَهَلَكَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ) ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْوَصِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ نَفْسِهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ، فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَابْنِهِ الْكَبِيرِ وَعَبْدِهِ لِلْوَصِيِّ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ لَهُ حُكْمًا وَاحِدًا) يُرِيدُ كَوْنَهُ مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ الْقِيمَةِ وَالدَّيْنِ، سَوَاءٌ رَهَنَهُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ أَوْ عِنْدَ أَجْنَبِيٍّ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا رَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ الصَّغِيرِ) يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلصَّغِيرِ. وَقَوْلُهُ (وَمَاتَ الْأَبُ) قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَيًّا كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ. ثُمَّ إذَا قَضَى الِابْنُ دَيْنَ الْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ لِنَفْسِهِ فَذَاكَ، وَإِنْ كَانَ لِوَالِدِهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي مَالِ وَالِدِهِ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (لِاشْتِمَالِهِ عَلَى أَمْرَيْنِ جَائِزَيْنِ) يُرِيدُ بِهِ رَهْنَ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ مَتَاعَ الصَّغِيرِ بِدَيْنٍ عَلَى نَفْسِهِ وَرَهْنُهُمَا ذَلِكَ بِدَيْنٍ عَلَى الصَّغِيرِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَ أَنْ يَرْهَنَ بِدَيْنٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ مَلَكَ بِدَيْنِهِمَا، لِأَنَّ كُلَّ مَا جَازَ أَنْ يَثْبُتَ لِكُلِّ

كَفِعْلِهِ بِنَفْسِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعَارَهُ لِحَاجَةِ الصَّبِيِّ وَالْحُكْمُ فِيهِ هَذَا عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالْمَالُ دَيْنٌ عَلَى الْوَصِيِّ) مَعْنَاهُ هُوَ الْمُطَالِبُ بِهِ (ثُمَّ يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الصَّبِيِّ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي هَذِهِ الِاسْتِعَارَةِ؛ إذْ هِيَ لِحَاجَةِ الصَّبِيِّ (وَلَوْ اسْتَعَارَهُ لِحَاجَةِ نَفْسِهِ ضَمِنَهُ لِلصَّبِيِّ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ؛ إذْ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِعْمَالِ فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ (وَلَوْ غَصَبَهُ الْوَصِيُّ بَعْدَ مَا رَهَنَهُ فَاسْتَعْمَلَهُ لِحَاجَةِ نَفْسِهِ حَتَّى هَلَكَ عِنْدَهُ فَالْوَصِيُّ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِالْغَصْبِ وَالِاسْتِعْمَالِ، وَفِي حَقِّ الصَّبِيِّ بِالِاسْتِعْمَالِ فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ، فَيُقْضَى بِهِ الدَّيْنُ إنْ كَانَ قَدْ حَلَّ (فَإِنْ كَانَ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ أَدَّاهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْيَتِيمِ) ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لِلْيَتِيمِ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا وَجَبَ لَهُ عَلَى الْيَتِيمِ فَالْتَقَيَا قِصَاصًا (وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ) مِنْ الدَّيْنِ (أَدَّى قَدْرَ الْقِيمَةِ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَأَدَّى الزِّيَادَةَ مِنْ مَال الْيَتِيمِ) ؛ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ عَلَيْهِ قَدْرُ الْقِيمَةِ لَا غَيْرَ (وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ أَدَّى قَدْرَ الدَّيْنِ مِنْ الْقِيمَةِ إلَى الْمُرْتَهِنِ، وَالْفَضْلُ لِلْيَتِيمِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَحِلَّ الدَّيْنُ فَالْقِيمَةُ رَهْنٌ) ؛ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ لِلْمُرْتَهِنِ بِتَفْوِيتِ حَقِّهِ الْمُحْتَرَمِ فَتَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ، ثُمَّ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ كَانَ الْجَوَابُ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي فَصَّلْنَاهُ (وَلَوْ أَنَّهُ غَصَبَهُ وَاسْتَعْمَلَهُ لِحَاجَةِ الصَّغِيرِ حَتَّى هَلَكَ فِي يَدِهِ يَضْمَنُهُ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ، وَلَا يَضْمَنُهُ لِحَقِّ الصَّغِيرِ) ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ لِحَاجَةِ الصَّغِيرِ لَيْسَ بِتَعَدٍّ، وَكَذَا الْأَخْذُ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ أَخْذِ مَالِ الْيَتِيمِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ: إذَا أَقَرَّ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ بِغَصْبِ مَالِ الصَّغِيرِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ غَصْبُهُ لِمَا أَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْأَخْذِ، فَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ يَضْمَنُهُ لِلْمُرْتَهِنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاحِدٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمُرَكَّبِ جَازَ أَنْ يَثْبُتَ لِلْكُلِّ دُونَ الْعَكْسِ. وَقَوْلُهُ (كَفِعْلِهِ بِنَفْسِهِ) أَيْ كَفِعْلِ الْيَتِيمِ بِنَفْسِهِ. وَقَوْلُهُ (وَالْحُكْمُ فِيهِ هَذَا) يَعْنِي لَوْ كَانَ الْيَتِيمُ بَالِغًا فَرَهَنَ مَتَاعَهُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ اسْتَعَارَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَمْ يَسْقُطْ الدَّيْنُ، لِأَنَّ عِنْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ صَاحِبُ الدَّيْنِ مُسْتَوْفِيًا، لِدَيْنِهِ بِاعْتِبَارِ يَدِ الْمَدْيُونِ، وَإِذَا لَمْ يَسْقُطْ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الْوَصِيِّ بِالدَّيْنِ كَمَا كَانَ يَرْجِعُ بِهِ قَبْلَ الرَّهْنِ، وَيَرْجِعُ بِهِ الْوَصِيُّ عَلَى الْيَتِيمِ وَقَدْ ضَاعَتْ الْعَيْنُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَعَارَهُ لِحَاجَةِ الْيَتِيمِ. وَقَوْلُهُ (يَضْمَنُهُ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ) يَعْنِي قَدْرَ الدَّيْنِ، وَلَا يَضْمَنُهُ لِحَقِّ الصَّغِيرِ: يَعْنِي قَدْرَ الزِّيَادَةِ عَلَى الدَّيْنِ. وَقَوْلُهُ

[رهن الدراهم والدنانير والمكيل والموزون]

يَأْخُذُهُ بِدَيْنِهِ إنْ كَانَ قَدْ حَلَّ، وَيَرْجِعُ الْوَصِيُّ عَلَى الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ بَلْ هُوَ عَامِلٌ لَهُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَحِلَّ يَكُونُ رَهْنًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ، ثُمَّ إذَا حَلَّ الدَّيْنُ يَأْخُذُ دَيْنَهُ مِنْهُ وَيَرْجِعُ الْوَصِيُّ عَلَى الصَّبِيِّ بِذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ (وَيَجُوزُ رَهْنُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ) ؛ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ فَكَانَ مَحَلًّا لِلرَّهْنِ (فَإِنْ رُهِنَتْ بِجِنْسِهَا فَهَلَكَتْ هَلَكَتْ بِمِثْلِهَا مِنْ الدَّيْنِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْجَوْدَةِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِالْجَوْدَةِ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهَا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ دُونَ الْقِيمَةِ، وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْقِيمَةَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ وَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: فَإِنْ رَهَنَ إبْرِيقَ فِضَّةٍ وَزْنُهُ عَشَرَةٌ بِعَشَرَةٍ فَضَاعَ فَهُوَ بِمَا فِيهِ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَعْنَاهُ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ مِثْلَ وَزْنِهِ أَوْ أَكْثَرَ هَذَا الْجَوَابُ فِي الْوَجْهَيْنِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ عِنْدَهُ بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ وَعِنْدَهُمَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، وَهِيَ مِثْلُ الدَّيْنِ فِي الْأَوَّلِ وَزِيَادَةٌ عَلَيْهِ فِي الثَّانِي فَيَصِيرُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ مُسْتَوْفِيًا (فَإِنْ كَانَ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ) الْمَذْكُورِ لَهُمَا أَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى الِاسْتِيفَاءِ بِالْوَزْنِ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ بِالْمُرْتَهِنِ، وَلَا إلَى اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا فَصِرْنَا إلَى التَّضْمِينِ، بِخِلَافِ الْجِنْسِ لِيَنْتَقِضَ الْقَبْضُ وَيُجْعَلَ مَكَانَهُ ثُمَّ يَتَمَلَّكَهُ وَلَهُ أَنَّ الْجَوْدَةَ سَاقِطَةُ الْعِبْرَةِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهَا، وَاسْتِيفَاءُ الْجَيِّدِ بِالرَّدِيءِ جَائِزٌ كَمَا إذَا تَجَوَّزَ بِهِ وَقَدْ حَصَلَ الِاسْتِيفَاءُ بِالْإِجْمَاعِ وَلِهَذَا يُحْتَاجُ إلَى نَقْضِهِ، وَلَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ بِإِيجَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَأْخُذُهُ بِدَيْنِهِ) أَيْ يَأْخُذُ الْمُرْتَهِنُ مَا ضَمِنَهُ الْوَصِيُّ بِمُقَابَلَةِ دَيْنِهِ. فَصَلَهُ عَمَّا قَبْلَهُ لِلِاسْتِئْنَافِ. وَقَوْلُهُ (لِمَا ذَكَرْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ بَلْ هُوَ عَامِلٌ لَهُ. [رَهْنُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ] (قَالَ: وَيَجُوزُ رَهْنُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ كُلَّ مَا يُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ جَازَ أَنْ يُرْهَنَ بِدَيْنٍ مَضْمُونٍ وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَيَجُوزُ رَهْنُهَا، فَإِنْ رُهِنَتْ بِجِنْسِهَا وَهَلَكَتْ هَلَكَتْ بِمِثْلِهَا مِنْ الدَّيْنِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْجَوْدَةِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْجَوْدَةِ لِسُقُوطِهَا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: يَضْمَنُ الْقِيمَةَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ وَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ، وَأَتَى بِرِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِاحْتِيَاجِهَا إلَى تَفْصِيلِ ذِكْرِهِ. وَقَوْلُهُ (فَهُوَ بِمَا فِيهِ) يَعْنِي فَذَلِكَ الرَّهْنُ يُبَاعُ بِمُقَابَلَةِ الدَّيْنِ كُلِّهِ. وَقَوْلُهُ (فِي الْوَجْهَيْنِ) يُرِيدُ بِهِ مَا يَكُونُ قِيمَتُهُ مِثْلَ وَزْنِهِ أَوْ أَكْثَرَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَهْلِكُ بِالدَّيْنِ، وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْقِيمَةَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ، وَقَوْلُهُ (ثُمَّ يَتَمَلَّكُهُ) يَعْنِي الرَّاهِنُ يَتَمَلَّكُ الرَّهْنَ الَّذِي جُعِلَ مَكَانَ الرَّهْنِ الْأَوَّلِ. وَقَوْلُهُ (وَاسْتِيفَاءُ الْجَيِّدِ بِالرَّدِيءِ جَائِزٌ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هَكَذَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ، وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنْ يُقَالَ: وَاسْتِيفَاءُ الرَّدِيءِ بِالْجَيِّدِ جَائِزٌ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ هَذَا أَصَحُّ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِقَوْلِهِ كَمَا إذَا تَجَوَّزَ بِهِ أَيْ فِي بَدَلِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ يُؤْذِنُ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنْ يُقَالَ: وَاسْتِيفَاءُ الرَّدِيءِ بِالْجَيِّدِ، لِأَنَّ التَّجَوُّزَ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا إذَا أَخَذَ الرَّدِيءَ مَكَانَ الْجَيِّدِ، وَلِأَنَّ جَوَازَ اسْتِيفَاءِ الْجَيِّدِ بِالرَّدِيءِ لَا شُبْهَةَ لِأَحَدٍ فِيهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِشَيْءٍ آخَرَ. وَالثَّانِي الِاسْتِدْلَال بِوَضْعِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا اسْتَوْفَى الْمُرْتَهِنُ بِعَشَرَتِهِ قِيمَةَ إبْرِيقٍ هِيَ أَقَلُّ مِنْ الْعَشَرَةِ لِرَدَاءَتِهِ فَكَانَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا الرَّدِيءَ بِمُقَابَلَةِ جَيِّدِهِ. وَأَرَى أَنَّ مَا فِي النُّسَخِ حَقٌّ وَيُفِيدُ مَا يَرُومُهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلْيُتَأَمَّلْ. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ حَصَلَ الِاسْتِيفَاءُ بِالْإِجْمَاعِ)

الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لَهُ مِنْ مُطَالِبٍ وَمُطَالَبٍ، وَكَذَا الْإِنْسَانُ لَا يَضْمَنُ مِلْكَ نَفْسِهِ وَبِتَعَذُّرِ التَّضْمِينِ يَتَعَذَّرُ النَّقْضُ، وَقِيلَ: هَذِهِ فُرَيْعَةُ مَا إذَا اسْتَوْفَى الزُّيُوفَ مَكَانَ الْجِيَادِ فَهَلَكَتْ ثُمَّ عَلِمَ بِالزِّيَافَةِ يُمْنَعُ الِاسْتِيفَاءُ وَهُوَ مَعْرُوفٌ، غَيْرَ أَنَّ الْبِنَاءَ لَا يَصِحُّ مَا هُوَ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا فِيهَا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي هَذَا مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَبَضَ الزُّيُوفَ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْ عَيْنِهَا، وَالزِّيَافَةُ لَا تَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءَ، وَقَدْ تَمَّ بِالْهَلَاكِ وَقَبْضِ الرَّهْنِ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ فَلَا بُدَّ مِنْ نَقْضِ الْقَبْضِ، وَقَدْ أَمْكَنَ عِنْدَهُ بِالتَّضْمِينِ، وَلَوْ انْكَسَرَ الْإِبْرِيقُ فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَا عُرِفَ أَنَّ بِقَبْضِ الرَّهْنِ يَثْبُتُ الِاسْتِيفَاءُ وَلَا يَنْتَقِضُ إلَّا بِالرَّدِّ، وَالْفَرْضُ عَدَمُهُ، وَلَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ بِإِيجَابِ الضَّمَانِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُطَالِبٍ وَهُوَ إمَّا أَنْ يَكُونَ الرَّاهِنَ أَوْ الْمُرْتَهِنَ، لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ لِكَوْنِهِ مُتَعَنِّتًا لِطَلَبِهِ مَا يَضُرُّهُ، وَلَا الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ مُطَالِبٌ فَلَا يَكُونُ مُطَالَبًا، وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ تَضْمِينُ الْإِنْسَانِ مِلْكَ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ نَقْضُهُ تَعَذَّرَ التَّضْمِينُ. وَقَوْلُهُ (قِيلَ وَهَذِهِ فُرَيْعَةُ مَا إذَا إلَخْ) إنَّمَا يُتَصَوَّرُ جَعْلُهَا فُرَيْعَةَ تِلْكَ بِنَاءً عَلَى مَا رَوَى عِيسَى بْنُ أَبَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مُحَمَّدًا مَعَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ. وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ لِأَنَّ مُحَمَّدًا فِيهَا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي هَذِهِ مَعَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَوْلُهُ (وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ) يَعْنِي عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِنَاءً عَلَى تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ أَيْ رَبَّ الدَّيْنِ قَبَضَ الزُّيُوفَ لِيَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ مِنْ عَيْنِهَا: أَيْ أَنْ يَكُونَ عَيْنُهَا مَقَامَ مَا لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ وَالزِّيَافَةُ لَا تَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءَ وَقَدْ تَمَّ بِالْهَلَاكِ، وَلِلْمُرْتَهِنِ قَبْضُ الرَّهْنِ لِيَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ فَكَانَ قَابِلًا لِرَدِّهِ بِالضَّمَانِ وَأَخْذِ مِثْلِ حَقِّهِ فَيَنْتَقِضُ الْقَبْضُ. وَوَجْهُ الْبِنَاءِ مَا قِيلَ إنَّ الزَّيْفَ مَقْبُوضٌ لِلِاسْتِيفَاءِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمَقْبُوضِ لِحَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ، وَهُنَاكَ الْمُسْتَوْفِي إذَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ بِالْهَلَاكِ يَسْقُطُ حَقُّهُ وَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَكَانِ الْجَوْدَةِ فَكَذَا فِي الرَّهْنِ، وَعِنْدَهُمَا هُنَاكَ يَضْمَنُ مِثْلَ الْمُسْتَوْفَى وَيُقَامُ رَدُّ الْمِثْلِ مَقَامَ رَدِّ الْعَيْنِ لِمُرَاعَاةِ حَقِّهِ فِي الْجَوْدَةِ فَكَذَلِكَ فِي الرَّهْنِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَبْسُوطِهِ: وَلَكِنْ جَعْلُهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُبْتَدَأَةً أَوْلَى، لِأَنَّهُ وَجَدَ هَاهُنَا لِلْمُرْتَهِنِ الرِّضَا بِالِاسْتِيفَاءِ مِنْ الرَّهْنِ عِنْدَ الْهَلَاكِ لِعِلْمِهِ أَنَّ بِالْهَلَاكِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ وَلَمْ يُوجَدْ ثَمَّةَ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ انْكَسَرَ الْإِبْرِيقُ) كَانَ الْكَلَامُ فِيمَا مَرَّ مِنْ حَيْثُ هَلَاكُ الرَّهْنِ وَهَاهُنَا مِنْ حَيْثُ انْكِسَارُهُ، وَلَوْ انْكَسَرَ الْإِبْرِيقُ وَكَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ وَزْنِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى الْفِكَاكِ لِأَنَّهُ إنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ ذَهَابِ شَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ مَعَ كَمَالِهِ وَهُوَ نُقْصَانٌ مِنْ جِهَةِ الرَّهْنِ، لَا وَجْهَ إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ: أَيْ الْمُرْتَهِنُ يَصِيرُ قَاضِيًا دَيْنَهُ بِالْجَوْدَةِ عَلَى الِانْفِرَادِ، فَإِنَّهُ

قِيمَتُهُ مِثْلَ وَزْنِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْفِكَاكِ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى أَنْ يَذْهَبَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَاضِيًا دَيْنَهُ بِالْجَوْدَةِ عَلَى الِانْفِرَاد، وَلَا إلَى أَنْ يَفْتَكَّهُ مَعَ النُّقْصَانِ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ فَخَيَّرْنَاهُ، إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِمَا فِيهِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ خِلَافِ جِنْسِهِ، وَتَكُونُ رَهْنًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ، وَالْمَكْسُورُ لِلْمُرْتَهِنِ بِالضَّمَانِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ نَاقِصًا، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ بِالدَّيْنِ اعْتِبَارًا لِحَالَةِ الِانْكِسَارِ بِحَالَةِ الْهَلَاكِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْفِكَاكُ مَجَّانًا صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْهَلَاكِ، وَفِي الْهَلَاكِ الْحَقِيقِيِّ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ بِالْإِجْمَاعِ فَكَذَا فِيمَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ قُلْنَا: الِاسْتِيفَاءُ عِنْدَ الْهَلَاكِ بِالْمَالِيَّةِ، وَطَرِيقُهُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ ثُمَّ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ، وَفِي جَعْلِهِ بِالدَّيْنِ إغْلَاقُ الرَّهْنِ وَهُوَ حُكْمٌ جَاهِلِيٌّ فَكَانَ التَّضْمِينُ بِالْقِيمَةِ أَوْلَى وَفِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ ثَمَانِيَةً يَضْمَنُ قِيمَتَهُ جَيِّدًا مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ أَوْ رَدِيئًا مِنْ جِنْسِهِ وَتَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ، وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَنْقُصْ مِنْ الدَّيْنِ إلَّا فِي مُقَابَلَةِ مَا فَاتَ مِنْ جَوْدَةِ الْإِبْرِيقِ بِالْكَسْرِ وَذَلِكَ رِبًا، وَلَا إلَى الثَّانِي لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالرَّاهِنِ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ قَبَضَ الرَّهْنَ سَلِيمًا عَنْ الْعَيْبِ وَبِالِانْكِسَارِ صَارَ مَعِيبًا فَيَصِلُ إلَيْهِ حَقُّهُ نَاقِصًا إذْ لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِ وَذَلِكَ ضَرَرٌ بِهِ لَا مَحَالَةَ فَخَيَّرْنَاهُ بَيْنَ أَنْ يَفْتَكَّهُ بِمَا فِيهِ: أَيْ بِالدَّيْنِ الَّذِي فِي الْمَكْسُورِ وَهُوَ جَمِيعُ الدَّيْنِ، وَبَيْنَ أَنْ يَضْمَنَ الْمُرْتَهِنُ قِيمَتَهُ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ خِلَافِ جِنْسِهِ مَصُوغًا فَتَكُونُ رَهْنًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ وَيَمْلِكُ الْمَكْسُورَ بِالضَّمَانِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ نَاقِصًا، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ بِالدَّيْنِ اعْتِبَارًا لِحَالَةِ الِانْكِسَارِ بِحَالَةِ الْهَلَاكِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْفِكَاكُ مَجَّانًا: يَعْنِي لَمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى أَنْ يَذْهَبَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ وَلَا أَنْ يَفْتَكَّهُ مَعَ النُّقْصَانِ بَقِيَ أَنْ يَفْتَكَّهُ مَجَّانًا وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْهَلَاكِ فِي تَعَذُّرِ الْفِكَاكِ وَفِي الْحَقِيقِيِّ مِنْ الْهَلَاكِ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ بِالْإِجْمَاعِ فَكَذَا فِيمَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ. وَقُلْنَا: الِاسْتِيفَاءُ عِنْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ اسْتِيفَاءٌ بِالْمَالِيَّةِ، وَكُلُّ مَا هُوَ اسْتِيفَاءٌ عِنْدَ الْهَلَاكِ بِالْمَالِيَّةِ فَطَرِيقُهُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ لِفَوَاتِ عَيْنِهِ، ثُمَّ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بَيْنَ الدَّيْنَيْنِ وَهُوَ مَشْرُوعٌ، وَفِي جَعْلِهِ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ إغْلَاقُ الرَّهْنِ وَهُوَ الِاحْتِبَاسُ الْكُلِّيُّ بِأَنْ يَصِيرَ الرَّهْنُ مَمْلُوكًا كَالْمُرْتَهِنِ وَهُوَ حُكْمٌ جَاهِلِيٌّ فَكَانَ التَّضْمِينُ بِالْقِيمَةِ أَوْلَى. وَفِي عِبَارَتِهِ تَسَامُحٌ، وَالْحَقُّ فَكَانَ التَّضْمِينُ بِالْقِيمَةِ وَاجِبًا أَوْ صَوَابًا أَوْ الصَّحِيحُ أَوْ مَا شَاكَلَ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَفِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ) بِأَنْ يَكُونَ الْوَزْنُ عَشَرَةً كَالدَّيْنِ وَقِيمَتُهُ ثَمَانِيَةٌ لِوُجُودِ عَشَرَةٍ فِيهِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ جَيِّدًا مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ احْتِرَازًا عَنْ الرِّبَا أَوْ رَدِيئًا مِنْ جِنْسِهِ، وَيَكُونُ الْمَضْمُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ إلَى أَنْ يَحِلَّ الْأَجَلُ وَيَكُونُ الْمَكْسُورُ لَهُ، وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ. وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ كَمَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ وَزْنِهِ فِي حَالَةِ الِانْكِسَارِ عَلَى مَا مَرَّ، وَكَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ الِانْكِسَارُ بِالْهَلَاكِ، وَالْهَلَاكُ عِنْدَهُ بِالْقِيمَةِ: يَعْنِي فِي هَذَا الْفَصْلِ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْإِبْرِيقِ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ لَا بِالدَّيْنِ فَكَذَا الِانْكِسَارُ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْوَجْهَ الثَّالِثَ عَلَى الثَّانِي لِاحْتِيَاجِ الثَّانِي إلَى زِيَادَةِ بَيَانٍ فِيهِ طُولٌ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا كَانَ وَزْنُهُ عَشَرَةً كَالدَّيْنِ وَقِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ اثْنَيْ عَشَرَ لِجَوْدَةٍ وَصِنَاعَةٍ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ وَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَضْمَنُ خَمْسَةَ أَسْدَاسِ قِيمَتِهِ وَيَمْلِكُ خَمْسَةَ أَسْدَاسِ الْإِبْرِيقِ وَيُفْرِزُ سُدُسَهُ حَذَرًا عَنْ طَرَيَانِ الشُّيُوعِ، فَإِنَّ الطَّارِئَ مِنْهُ فِيهِ

أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ وَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ حَالَةَ الِانْكِسَارِ بِحَالَةِ الْهَلَاكِ، وَالْهَلَاكُ عِنْدَهُ بِالْقِيمَةِ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ اثْنَيْ عَشَرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ وَتَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْوَزْنِ عِنْدَهُ لَا لِلْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ فَإِنْ كَانَ بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ كُلِّهِ مَضْمُونًا يُجْعَلُ كُلُّهُ مَضْمُونًا، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ فَبَعْضُهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْجَوْدَةَ تَابِعَةٌ لِلذَّاتِ، وَمَتَى صَارَ الْأَصْلُ مَضْمُونًا اسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ التَّابِعُ أَمَانَةً وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَضْمَنُ خَمْسَةَ أَسْدَاسِ قِيمَتِهِ، وَيَكُونُ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْإِبْرِيقِ لَهُ بِالضَّمَانِ وَسُدُسُهُ يُفْرَزُ حَتَّى لَا يَبْقَى الرَّهْنُ شَائِعًا، وَيَكُونُ مَعَ قِيمَتِهِ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْمَكْسُورِ رَهْنًا؛ فَعِنْدَهُ تُعْتَبَرُ الْجَوْدَةُ وَالرَّدَاءَةُ، وَتُجْعَلُ زِيَادَةُ الْقِيمَةِ كَزِيَادَةِ الْوَزْنِ كَأَنَّ وَزْنَهُ اثْنَا عَشَرَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْجَوْدَةَ مُتَقَوِّمَةٌ فِي ذَاتِهَا حَتَّى تُعْتَبَرَ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ، بِخِلَافِ جِنْسِهَا، وَفِي تَصَرُّفِ الْمَرِيضِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُعْتَبَرُ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهَا سَمْعًا فَأَمْكَنَ اعْتِبَارُهَا، وَفِي بَيَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالْمُقَارِنِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ النَّقْصَ بِالِانْكِسَارِ إنْ كَانَ دِرْهَمًا أَوْ دِرْهَمَيْنِ يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى الْفِكَاكِ بِقَضَاءِ جَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يُخَيَّرُ الرَّاهِنُ بَيْنَ أَنْ يُجْعَلَ الرَّهْنُ لِلْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ بِقَضَاءِ جَمِيعِ الدَّيْنِ وَوَجْهُ قَوْلِ. أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ لِلْوَزْنِ لَا لِلْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ، فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ كُلِّهِ مَضْمُونًا كَمَا إذَا كَانَ وَزْنُ الرَّهْنِ مِثْلَ وَزْنِ الدَّيْنِ جُعِلَ الرَّهْنُ كُلُّهُ مَضْمُونًا مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ مَضْمُونًا كَمَا إذَا كَانَ وَزْنُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِ الدَّيْنِ فَبَعْضُهُ مَضْمُونٌ وَهُوَ مِقْدَارُ الدَّيْنِ لَا الزَّائِدُ عَلَيْهِ. وَتَنْقَسِمُ الْجَوْدَةُ عَلَى الْمَضْمُونِ وَالْأَمَانَةِ، فَحِصَّةُ الْمَضْمُونِ مَضْمُونَةٌ وَغَيْرُهَا أَمَانَةٌ وَهَذَا لِأَنَّ الْجَوْدَةَ تَابِعَةٌ لِلذَّاتِ، وَمَتَى صَارَ الْأَصْلُ مَضْمُونًا اسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ التَّابِعُ أَمَانَةً، وَفِي مَسْأَلَتِنَا كَانَ كُلُّهُ مَضْمُونًا مِنْ حَيْثُ الْوَزْنُ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ وَزْنَ الرَّهْنِ مِثْلُ وَزْنِ الدَّيْنِ فَيَكُونُ كُلُّهُ مَضْمُونًا مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ لِئَلَّا يَكُونَ حُكْمُ الْبَيْعِ مُخَالِفًا لِحُكْمِ الْأَصْلِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ حَالَةِ الْهَلَاكِ أَنَّ حَالَةَ الْهَلَاكِ حَالَةُ اسْتِيفَاءٍ فَيَقَعُ الْفَضْلُ أَمَانَةً، وَهَذِهِ الْحَالَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ عِنْدَهُ بَلْ هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْغَصْبِ فِي كَوْنِهَا عَلَى خِلَافِ رِضَا الرَّاهِنِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ كَالْمَغْصُوبِ، لَكِنْ بِخِلَافِ جِنْسِهِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الضَّمَانَ وَالْأَمَانَةَ يَشِيعُ فِي الْوَزْنِ وَالْجَوْدَةِ؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ مُتَقَوِّمَةٌ فِي ذَاتِهَا بِدَلِيلِ اعْتِبَارِهَا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ (بِخِلَافِ جِنْسِهَا وَفِي تَصَرُّفِ الْمَرِيضِ) فَإِنَّهُ إذَا بَاعَ قَلْبًا وَزْنُهُ عَشَرَةً وَقِيمَتُهُ عِشْرُونَ بِعَشَرَةٍ لَمْ يُسَلَّمْ لِلْمُشْتَرِي وَيُعْتَبَرُ خُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِهْدَارُهَا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ لَا لِكَوْنِهَا هَدَرًا فِي ذَاتِهَا فَكَانَتْ زِيَادَةُ الْقِيمَةِ بِالْجَوْدَةِ كَالزِّيَادَةِ فِي الْوَزْنِ فَأَمْكَنَ اعْتِبَارُهَا، وَيَصِيرُ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْإِبْرِيقِ مَضْمُونًا لِجَوْدَتِهِ وَصَنْعَتِهِ وَسُدُسُهُ أَمَانَةٌ، فَالتَّغَيُّرُ بِالِانْكِسَارِ فِيمَا هُوَ أَمَانَةٌ لَا يُعْتَبَرُ وَفِيمَا هُوَ مَضْمُونٌ يُعْتَبَرُ. وَحَالَةُ الِانْكِسَارِ لَيْسَتْ بِحَالَةِ الِاسْتِيفَاءِ عِنْدَهُ أَيْضًا فَيَضْمَنُ قِيمَةَ خَمْسَةِ أَسْدَاسِهِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ. وَوَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْوَزْنَ مَضْمُونٌ وَالْجَوْدَةَ أَمَانَةٌ لِلْمُنَاسَبَةِ، لِأَنَّ الْجَوْدَةَ تَابِعَةٌ لِلْوَزْنِ لَا تَنْفَصِلُ عَنْهُ، وَصِفَةُ الْأَمَانَةِ فِي الْمَرْهُونِ كَذَلِكَ فَيُجْعَلُ الْأَصْلُ فِي مُقَابَلَةِ الْأَصْلِ وَالتَّبَعُ بِمُقَابِلَةِ التَّبَعِ، وَإِذَا ظَهَرَ ذَلِكَ فَإِنْ زَادَ النُّقْصَانُ عَلَى الدِّرْهَمَيْنِ وَقَعَ النُّقْصَانُ

قَوْلِ مُحَمَّدٍ نَوْعُ طُولٍ يُعْرَفُ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ الْمَبْسُوطِ وَالزِّيَادَاتِ مَعَ جَمِيعِ شُعَبِهَا قَالَ (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ الْمُشْتَرِي شَيْئًا بِعَيْنِهِ جَازَ اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ إذَا بَاعَ شَيْئًا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ كَفِيلًا مُعَيَّنًا حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ فَقُبِلَ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ صَفْقَةٌ فِي صَفْقَةٍ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِهِمَا، وَمِثْلُهُ يُفْسِدُ الْبَيْعَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ شَرْطٌ مُلَائِمٌ لِلْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ وَالرَّهْنَ لِلِاسْتِيثَاقِ وَأَنَّهُ يُلَائِمُ الْوُجُوبَ، فَإِذَا كَانَ الْكَفِيلُ حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ وَالرَّهْنُ مُعَيَّنًا اعْتَبَرْنَا فِيهِ الْمَعْنَى وَهُوَ مُلَائِمٌ فَصَحَّ الْعَقْدُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ وَلَا الْكَفِيلُ مُعَيَّنًا أَوْ كَانَ الْكَفِيلُ غَائِبًا حَتَّى افْتَرَقَا لَمْ يَبْقَ مَعْنَى الْكَفَالَةِ وَالرَّهْنِ لِلْجَهَالَةِ فَبَقِيَ الِاعْتِبَارُ لِعَيْنِهِ فَيَفْسُدُ، وَلَوْ كَانَ غَائِبًا فَحَضَرَ فِي الْمَجْلِسِ وَقَبِلَ صَحَّ (وَلَوْ امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي عَنْ تَسْلِيمِ الرَّهْنِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ) وَقَالَ زُفَرُ: يُجْبَرُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ إذَا شُرِطَ فِي الْبَيْعِ صَارَ حَقًّا مِنْ حُقُوقِهِ كَالْوَكَالَةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الرَّهْنِ فَيَلْزَمُهُ بِلُزُومِهِ وَنَحْنُ نَقُولُ: الرَّهْنُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ مِنْ جَانِبِ الرَّاهِنِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَلَا جَبْرَ عَلَى التَّبَرُّعَاتِ (وَلَكِنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِتَرْكِ الرَّهْنِ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ) ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ وَمَا رَضِيَ إلَّا بِهِ فَيَتَخَيَّرُ بِفَوَاتِهِ (إلَّا أَنْ يَدْفَعَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ حَالًّا) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ (أَوْ يَدْفَعَ قِيمَةَ الرَّهْنِ رَهْنًا) ؛ لِأَنَّ يَدَ الِاسْتِيفَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْمَضْمُونِ وَهُوَ الْعَشَرَةُ بِالِانْكِسَارِ، وَالِانْكِسَارُ عِنْدَهُ كَالْهَلَاكِ، وَفِي هَذَا الْفَصْلِ عِنْدَ الْهَلَاكِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الِانْكِسَارِ يَكُونُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ وَيَتَخَيَّرُ الرَّاهِنُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى الدِّرْهَمَيْنِ وَقَعَ النُّقْصَانُ فِي الْأَمَانَةِ وَالرَّهْنِ، وَالْمَضْمُونُ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ فَيُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى الْفِكَاكِ كَمَا لَوْ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ شَيْءٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ الدِّرْهَمَ وَالدِّرْهَمَيْنِ لَيْسَا بِحَدٍّ فَاصِلٍ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْفَاصِلُ نُقْصَانُ مِقْدَارِ الصِّنَاعَةِ كَائِنًا مَا كَانَ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الدِّرْهَمَانِ هَاهُنَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ مَفْرُوضَةٌ بِذَلِكَ. قَالَ (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ الْمُشْتَرِي شَيْئًا بِعَيْنِهِ إلَخْ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَلَمْ يَبْقَ مَعْنَى الْكَفَالَةِ وَالرَّهْنِ لِلْجَهَالَةِ) يَعْنِي أَنَّ جَوَازَ الْعَقْدِ اسْتِحْسَانًا مَعَ وُجُودِ الشَّرْطِ إنَّمَا كَانَ بِالنَّظَرِ إلَى مَعْنَاهُ، وَإِذَا كَانَ الرَّهْنُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَالْكَفِيلُ غَائِبًا فَاتَ مَعْنَاهُ وَهُوَ الِاسْتِيثَاقُ، لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ رُبَّمَا يَأْتِي بِشَيْءٍ يُسَاوِي عُشْرَ حَقِّهِ أَوْ يُعْطِي كَفِيلًا غَيْرَ مَلِيءٍ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مِنْ التَّوَثُّقِ شَيْءٌ فَبَقِيَ

[فصل ومن رهن عبدين بألف فقضى حصة أحدهما]

تَثْبُتُ عَلَى الْمَعْنَى وَهُوَ الْقِيمَةُ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِدَرَاهِمَ فَقَالَ لِلْبَائِعِ أَمْسِكْ هَذَا الثَّوْبَ حَتَّى أُعْطِيَك الثَّمَنَ فَالثَّوْبُ رَهْنٌ) ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا يُنْبِئُ عَنْ مَعْنَى الرَّهْنِ وَهُوَ الْحَبْسُ إلَى وَقْتِ الْإِعْطَاءِ، وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي حَتَّى كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ حَوَالَةً، وَالْحَوَالَةُ فِي ضِدِّ ذَلِكَ كَفَالَةٌ وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَكُونُ رَهْنًا، وَمِثْلُهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَمْسِكْ يَحْتَمِلُ الرَّهْنَ وَيَحْتَمِلُ الْإِيدَاعَ، وَالثَّانِي أَقَلُّهُمَا فَيَقْضِي بِثُبُوتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: أَمْسِكْهُ بِدَيْنِك أَوْ بِمَالِك؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَابَلَهُ بِالدَّيْنِ فَقَدْ عَيَّنَ جِهَةَ الرَّهْنِ قُلْنَا: لَمَّا مَدَّهُ إلَى الْإِعْطَاءِ عَلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ الرَّهْنُ. (وَمَنْ رَهَنَ عَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ فَقَضَى حِصَّةَ أَحَدِهِمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ بَاقِيَ الدَّيْنِ) وَحِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَخُصُّهُ إذَا قُسِّمَ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَتِهِمَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مَحْبُوسٌ بِكُلِّ الدَّيْنِ فَيَكُونُ مَحْبُوسًا بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ مُبَالَغَةً فِي حَمْلِهِ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ وَصَارَ كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ، فَإِنْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَعْيَانِ الرَّهْنِ شَيْئًا مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاعْتِبَارُ لِعَيْنِ الشَّرْطِ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِدَرَاهِمَ فَقَالَ لِلْبَائِعِ أَمْسِكْ هَذَا الثَّوْبَ حَتَّى أُعْطِيَك الثَّمَنَ) قِيلَ يُرِيدُ بِهِ ثَوْبًا غَيْرَ الْمُشْتَرَى. وَالصَّوَابُ أَنَّهُ وَغَيْرَهُ سَوَاءٌ، وَلَوْ قَالَ أَمْسِكْهُ بِدَيْنِك أَوْ قَالَ أَمْسِكْهُ رَهْنًا حَتَّى أُعْطِيَك ثَمَنَك فَهُوَ رَهْنٌ بِلَا خِلَافٍ. وَقَوْلُهُ (عُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ الرَّهْنُ) لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ هُوَ الْحَبْسُ الدَّائِمُ إلَى وَقْتِ الْفِكَاكِ، فَإِذَا صَرَّحَ بِهَذَا عُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ الرَّهْنُ. [فَصْلٌ وَمَنْ رَهَنَ عَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ فَقَضَى حِصَّةَ أَحَدِهِمَا] (فَصْلٌ) وَجْهُ الْفَصْلِ كَوْنُ الرَّهْنِ مُتَعَدِّدًا وَلَا خَفَاءَ فِي تَأَخُّرِ التَّعَدُّدِ عَنْ الْإِفْرَادِ. قَوْلُهُ (وَصَارَ كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ) فِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا أَدَّى حِصَّةَ أَحَدِهِمَا مِنْ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ بَاقِي الثَّمَنِ، فَإِذَا سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَعْيَانِ الرَّهْنِ شَيْئًا

الْمَالِ الَّذِي رَهَنَهُ بِهِ، فَكَذَا الْجَوَابُ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ: وَفِي الزِّيَادَاتِ: لَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ إذَا أَدَّى مَا سَمَّى لَهُ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعَقْدَ مُتَّحِدٌ لَا يَتَفَرَّقُ بِتَفَرُّقِ التَّسْمِيَةِ كَمَا فِي الْمَبِيعِ وَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الِاتِّحَادِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْعَقْدَيْنِ لَا يَصِيرُ مَشْرُوطًا فِي الْآخَرِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ قَبِلَ الرَّهْنَ فِي أَحَدِهِمَا جَازَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا لَوْ رَهَنَ عَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ كُلَّ عَبْدٍ بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ قَضَاهُ خَمْسَمِائَةٍ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ. وَفِي الزِّيَادَاتِ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ إذَا أَدَّى مَا سَمَّى، وَوَجْهُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (أَلَا يُرَى) تَوْضِيحٌ لِذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَمَّا تَمَكَّنَ الْمُرْتَهِنُ مِنْ تَفْرِيقِ الْقَبُولِ فِي الِابْتِدَاءِ وَجَبَ أَنْ يَتَمَكَّنَ الرَّاهِنُ مِنْ تَفْرِيقِ الْقَبْضِ فِي الِانْتِهَاءِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الصَّفْقَةَ تَتَفَرَّقُ فِي بَابِ الرَّهْنِ بِتَفَرُّقِ التَّسْمِيَةِ فَكَأَنَّهُ رَهَنَ كُلَّ عَبْدٍ بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهَا لَا تَتَفَرَّقُ فِيهِ بِتَفَرُّقِ التَّسْمِيَةِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ عَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي الْعَقْدَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ كَمَا فِي حَالَةِ الْإِجْمَالِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْبَيْعَ عَقْدُ تَمْلِيكٍ وَالْهَلَاكُ قَبْلَ الْقَبْضِ يُبْطِلُهُ، فَبَعْدَمَا نَقَدَ بَعْضَ الثَّمَنِ لَوْ تَمَكَّنَ مِنْ قَبْضِ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَدَّى إلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ بِأَنْ يَهْلِكَ مَا بَقِيَ فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فِيهِ، بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ بِالْهَلَاكِ يَنْتَهِي حُكْمُ الرَّهْنِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ، كَمَا أَنَّ بِالِافْتِكَاكِ يَنْتَهِي حُكْمُ الرَّهْنِ

قَالَ (فَإِنْ رَهَنَ عَيْنًا وَاحِدَةً عِنْدَ رَجُلَيْنِ بِدَيْنٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ جَازَ، وَجَمِيعُهَا رَهْنٌ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ أُضِيفَ إلَى جَمِيعِ الْعَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا شُيُوعَ فِيهِ، وَمُوجِبُهُ صَيْرُورَتُهُ مُحْتَبِسًا بِالدَّيْنِ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَقْبَلُ الْوَصْفَ بِالتَّجَزِّيِ فَصَارَ مَحْبُوسًا بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَهَذَا بِخِلَافِ الْهِبَةِ مِنْ رَجُلَيْنِ حَيْثُ لَا تَجُوزُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَوْ تَمَكَّنَ مِنْ اسْتِرْدَادِ الْبَعْضِ عِنْدَ قَضَاءِ بَعْضِ الدَّيْنِ لَمْ يُؤَدِّ ذَلِكَ إلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنْ يَهْلِكَ مَا بَقِيَ فَيَنْتَهِي حُكْمُ الرَّهْنِ فِيهِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا فِي حَالَةِ الْإِجْمَالِ مَوْجُودٌ. قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَكِنْ حِصَّةُ كُلِّ عَبْدٍ مِنْ الدَّيْنِ فِيهَا غَيْرُ مَعْلُومٍ بِيَقِينٍ، فَرُبَّمَا كَانَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ أَكْثَرَ قِيمَةً مِثْلُ أَنْ يُسَاوِيَ أَحَدُهُمَا أَلْفًا وَالْآخَرُ أَلْفَيْنِ وَرَهَنَهُمَا بِثَلَاثَةِ آلَافٍ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنْ هَذَا مِنْ ذَاكَ وَأَرَادَ الرَّاهِنُ فِكَاكَ الَّذِي قِيمَتُهُ أَلْفَانِ فَأَدَّى أَلْفًا وَيَقُولُ هَذَا الَّذِي رَهَنْته بِأَلْفٍ وَالْمُرْتَهِنُ يَقُولُ بَلْ هَذَا رُهِنَ بِأَلْفَيْنِ، فَكَانَ ذَلِكَ جَهَالَةً تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ. فَأَمَّا عِنْدَ التَّفْصِيلِ فَحِصَّةُ كُلِّ عَبْدٍ مَعْلُومَةٌ بِالتَّسْمِيَةِ لَا جَهَالَةَ هُنَاكَ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، فَلِهَذَا تَمَكَّنَ مِنْ فِكَاكِ الْبَعْضِ بِقَضَاءِ بَعْضِ الدَّيْنِ. قَالَ (فَإِنْ رَهَنَ عَيْنًا وَاحِدَةً عِنْدَ رَجُلَيْنِ إلَخْ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ ظَاهِرَةٌ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِكَوْنِهِمَا شَرِيكَيْنِ فِي الدَّيْنِ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَا لِكَوْنِ الدَّيْنَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ بِأَنْ يَكُونَ دَيْنُ أَحَدِهِمَا دَرَاهِمَ وَدَيْنُ الْآخَرِ دَنَانِيرُ لِأَنَّ الْكُلَّ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الرَّهْنَ أُضِيفَ إلَى جَمِيعِ الْعَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا شُيُوعَ فِيهِ) قِيلَ هُوَ مَنْقُوضٌ بِمَا إذَا بَاعَ مِنْ رَجُلَيْنِ أَوْ وَهَبَ مِنْ رَجُلَيْنِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، فَإِنَّ الْعَقْدَ فِيهِمَا أُضِيفَ إلَى جَمِيعِ الْعَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَفِيهِ الشُّيُوعُ حَتَّى كَانَ الْمَبِيعُ وَالْمَوْهُوبُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ كَمَا لَوْ نَصَّ عَلَى الْمُنَاصَفَةِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ إضَافَةَ الْعَقْدِ إلَى اثْنَيْنِ تُوجِبُ الشُّيُوعَ فِيمَا يَكُونُ الْعَقْدُ مُفِيدًا لِلْمِلْكِ كَالْهِبَةِ وَالْبَيْعِ فَإِنَّ الْعَيْنَ الْوَاحِدَةَ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مَمْلُوكَةً لِشَخْصَيْنِ عَلَى الْكَمَالِ فَتُجْعَلُ شَائِعَةً تَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا لِلْجَوَازِ، وَالرَّهْنُ غَيْرُ مُفِيدٍ لِلْمِلْكِ وَإِنَّمَا يُفِيدُ الِاحْتِبَاسَ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ

عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (فَإِنْ تَهَايَآ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَوْبَتِهِ كَالْعَدْلِ فِي حَقِّ الْآخَرِ) قَالَ (وَالْمَضْمُونُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِصَّتُهُ مِنْ الدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّ عِنْدَ الْهَلَاكِ يَصِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَوْفِيًا حِصَّتَهُ؛ إذْ الِاسْتِيفَاءُ مِمَّا يَتَجَزَّأُ قَالَ (فَإِنْ أَعْطَى أَحَدُهُمَا دَيْنَهُ كَانَ كُلُّهُ رَهْنًا فِي يَدِ الْآخَرِ) ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْعَيْنِ رَهْنٌ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ تَفَرُّقٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَاحِدَةُ مُحْتَبِسَةً لِحَقَّيْنِ عَلَى الْكَمَالِ فَيَمْتَنِعُ الشُّيُوعُ فِيهِ تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ لِكَوْنِ الْقَبْضِ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الرَّهْنِ، وَالشُّيُوعُ يَمْنَعُ عَنْهُ، وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي جَعْلِ ذَلِكَ شَائِعًا مَانِعًا عَنْ الْهِبَةِ دُونَ الرَّهْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَقَوْلُهُ (فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَوْبَتِهِ كَالْعَدْلِ فِي حَقِّ الْآخَرِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ ارْتِهَانَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَاقٍ مَا لَمْ يَصِلْ الرَّهْنُ إلَى الرَّاهِنِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ جَمِيعَ الْعَيْنِ رَهْنٌ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ تَفَرُّقٍ) اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ الَّذِي اسْتَوْفَى حَقَّهُ انْتَهَى مَقْصُودُهُ مِنْ الرَّهْنِ وَهُوَ كَوْنُهُ وَسِيلَةً إلَى الِاسْتِيفَاءِ الْحَقِيقِيِّ بِالِاسْتِيفَاءِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْآخَرِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مِنْ غَيْرِ نِيَابَةٍ عَنْ صَاحِبِهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَسْتَرِدَّ الرَّاهِنُ مَا قَضَاهُ إلَى الْأَوَّلِ مِنْ الدَّيْنِ عِنْدَ الْهَلَاكِ لَكِنَّهُ يَسْتَرِدُّهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ارْتِهَانَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَاقٍ مَا لَمْ يَصِلْ الرَّهْنُ إلَى الرَّاهِنِ كَمَا ذَكَرْنَا، فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ مِنْ نِصْفِ مَالِيَّةِ الرَّهْنِ، فَإِنَّ فِيهِ وَفَاءً بِدِينِهِمَا، فَتَبَيَّنَ أَنَّ

وَعَلَى هَذَا حَبْسُ الْمَبِيعِ إذَا أَدَّى أَحَدُ الْمُشْتَرِيَيْنِ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ. قَالَ (وَإِنْ رَهَنَ رَجُلَانِ بِدَيْنٍ عَلَيْهِمَا رَجُلًا رَهْنًا وَاحِدًا فَهُوَ جَائِزٌ وَالرَّهْنُ رَهْنٌ بِكُلِّ الدَّيْنِ، وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُمْسِكَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ الدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ يَحْصُلُ فِي الْكُلِّ مِنْ غَيْرِ شُيُوعٍ (فَإِنْ أَقَامَ الرَّجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ رَهَنَهُ عَبْدَهُ الَّذِي فِي يَدِهِ وَقَبَضَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ أَنَّهُ رَهَنَهُ كُلَّ الْعَبْدِ، وَلَا وَجْهَ إلَى الْقَضَاءِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْوَاحِدَ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ رَهْنًا لِهَذَا وَكُلُّهُ رَهْنًا لِذَلِكَ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا إلَى الْقَضَاءِ بِكُلِّهِ لِوَاحِدٍ بِعَيْنِهِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَلَا إلَى الْقَضَاءِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالنِّصْفِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الشُّيُوعِ فَتَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِهِمَا وَتَعَيَّنَ التَّهَاتُرُ وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ يَكُونُ رَهْنًا لَهُمَا كَأَنَّهُمَا ارْتَهَنَاهُ مَعًا إذَا جُهِلَ التَّارِيخُ بَيْنَهُمَا، وَجُعِلَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ هَذَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا عَمَلٌ عَلَى خِلَافِ مَا اقْتَضَتْهُ الْحُجَّةُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ حَبْسًا يَكُونُ وَسِيلَةً إلَى مِثْلِهِ فِي الِاسْتِيفَاءِ، وَبِهَذَا الْقَضَاءِ يَثْبُتُ حَبْسٌ يَكُونُ وَسِيلَةً إلَى شَطْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَابِضَ اسْتَوْفَى حَقَّهُ مَرَّتَيْنِ فَعَلَيْهِ رَدُّ مَا قَبَضَهُ ثَانِيًا. قَالَ (وَإِنْ رَهَنَ رَجُلَانِ بِدَيْنٍ عَلَيْهِمَا رَجُلًا رَهْنًا إلَخْ) هَذِهِ عَكْسُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ وَهِيَ وَاضِحَةٌ. وَمِنْ شُعَبِهَا مَا إذَا كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ ادَّعَاهُ رَجُلٌ أَنَّهُ رَهَنَهُ عَبْدَهُ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ وَقَبَضَهُ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً وَادَّعَاهُ آخَرُ كَذَلِكَ وَهُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ فِيهَا، وَجُمْلَتُهَا أَنَّ الْعَبْدَ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي أَيْدِيهِمَا أَوَّلًا فِي يَدِ وَاحِدٍ أَوْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَهُوَ أَوْلَى بِهِ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ الْقَبْضِ دَلِيلُ سَبْقِ عَقْدِهِ كَمَا فِي الشِّرَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ، إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي السَّبْقِ وَهُوَ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ أَوَّلًا وَكَلَامُهُ فِيهِ وَاضِحٌ. وَإِنْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا فَإِنْ عُلِمَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا فَهُوَ أَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ فَهُوَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِيهَا مِنْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ. قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَصْلِ: وَبِهِ أَيْ بِالْقِيَاسِ نَأْخُذُ، وَوَجْهُهُ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّهْنِ مِنْ رَجُلَيْنِ أَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَّةَ يَثْبُتُ فِي جَمِيعِ الرَّهْنِ، حَتَّى إذَا قَضَى دَيْنَ أَحَدِهِمَا فَهُوَ رَهْنٌ كُلُّهُ عِنْدَ الْآخَرِ حَتَّى يَقْضِيَ دَيْنَهُ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِثُبُوتِ حَقِّ صَاحِبِهِ فِي الْحَبْسِ مَعَهُ، وَهَاهُنَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ رَاضٍ بِذَلِكَ، وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى هَذَا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا عَمَلٌ عَلَى خِلَافِ مَا اقْتَضَتْهُ الْحُجَّةُ إلَخْ، وَبَاقِي كَلَامِهِ وَاضِحٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[باب الرهن يوضع على يد العدل]

فِي الِاسْتِيفَاءِ، وَلَيْسَ هَذَا عَمَلًا عَلَى وَفْقِ الْحُجَّةِ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ وَإِنْ كَانَ قِيَاسًا لَكِنَّ مُحَمَّدًا أَخَذَ بِهِ لِقُوَّتِهِ، وَإِذَا وَقَعَ بَاطِلًا فَلَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ أَمَانَةً؛ لِأَنَّ الْبَاطِلَ لَا حُكْمَ لَهُ قَالَ (وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ وَالْعَبْدُ فِي أَيْدِيهِمَا فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا وَصَفْنَاهُ كَانَ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ رَهْنًا يَبِيعُهُ بِحَقِّهِ اسْتِحْسَانًا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَفِي الْقِيَاسِ: هَذَا بَاطِلٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ لِلِاسْتِيفَاءِ حُكْمٌ أَصْلِيٌّ لِعَقْدِ الرَّهْنِ فَيَكُونُ الْقَضَاءُ بِهِ قَضَاءً بِعَقْدِ الرَّهْنِ وَأَنَّهُ بَاطِلٌ لِلشُّيُوعِ كَمَا فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يُرَادُ لِذَاتِهِ، وَإِنَّمَا يُرَادُ لِحُكْمِهِ، وَحُكْمُهُ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ الْحَبْسُ وَالشُّيُوعُ يَضُرُّهُ، وَبَعْدَ الْمَمَاتِ الِاسْتِيفَاءُ بِالْبَيْعِ فِي الدَّيْنِ وَالشُّيُوعُ لَا يَضُرُّهُ، وَصَارَ كَإِذَا ادَّعَى الرَّجُلَانِ نِكَاحَ امْرَأَةٍ أَوْ ادَّعَتْ أُخْتَانِ النِّكَاحَ عَلَى رَجُلٍ وَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ تَهَاتَرَتْ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ وَيُقْضَى بِالْمِيرَاثِ بَيْنَهُمْ بَعْدَ الْمَمَاتِ؛ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ الِانْقِسَامَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَالَ وَإِذَا اتَّفَقَا عَلَى وَضْعِ الرَّهْنِ عَلَى يَدِ الْعَدْلِ جَازَ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ) ذَكَرَ قَوْلَهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ؛ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الرَّهْنِ يُوضَعُ عَلَى يَدِ الْعَدْلِ] ِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْأَحْكَامِ الرَّاجِعَةِ إلَى نَفْسِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ ذَكَرَ مَا يَرْجِعُ إلَى نَائِبِهِمَا وَهُوَ الْعَدْلُ، لِأَنَّ حُكْمَ النَّائِبِ يَقْفُو حُكْمَ الْأَصْلِ، وَالْمُرَادُ بِالْعَدْلِ هَاهُنَا مَنْ رَضِيَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ بِوَضْعِ الرَّهْنِ فِي يَدِهِ وَرَضِيَا بِبَيْعِهِ الرَّهْنَ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَهُوَ وَكِيلُ الرَّاهِنِ بِبَيْعِهِ، لَكِنَّهُ يُخَالِفُ الْمُفْرَدَ فِي مَسَائِلَ ذَكَرَهَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَالتُّمُرْتَاشِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَالَ (وَإِذَا اتَّفَقَا عَلَى وَضْعِ الرَّهْنِ عَلَى يَدِ عَدْلٍ إلَخْ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (ذَكَرَ قَوْلَهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ فِي بَعْضِهَا لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطَيْنِ وَشَرْحِ الْأَقْطَعِ ابْنَ أَبِي لَيْلَى بَدَلَ مَالِكٍ، وَكَأَنَّهُ شَكَّ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ مَالِكٍ، فَإِنَّ الْقَبْضَ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَهُ

يَدَ الْعَدْلِ يَدُ الْمَالِكِ وَلِهَذَا يَرْجِعُ الْعَدْلُ عَلَيْهِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ فَانْعَدَمَ الْقَبْضُ وَلَنَا أَنَّ يَدَهُ عَلَى الصُّورَةِ يَدُ الْمَالِكِ فِي الْحِفْظِ؛ إذْ الْعَيْنُ أَمَانَةٌ، وَفِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ يَدُ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ ضَمَانٍ وَالْمَضْمُونُ هُوَ الْمَالِيَّةُ فَنُزِّلَ مَنْزِلَةَ الشَّخْصَيْنِ تَحْقِيقًا لِمَا قَصَدَاهُ مِنْ الرَّهْنِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ الْعَدْلُ عَلَى الْمَالِكِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ فِي حِفْظِ الْعَيْنِ كَالْمُودَعِ قَالَ (وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ وَلَا لِلرَّاهِنِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الرَّاهِنِ فِي الْحِفْظِ بِيَدِهِ وَأَمَانَتِهِ وَتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ اسْتِيفَاءً فَلَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا إبْطَالَ حَقِّ الْآخَرِ (فَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ هَلَكَ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ) ؛ لِأَنَّ يَدَهُ فِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ يَدُ الْمُرْتَهِنِ وَهِيَ الْمَضْمُونَةُ (وَلَوْ دَفَعَ الْعَدْلُ إلَى الرَّاهِنِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّهُ مُودَعُ الرَّاهِنِ فِي حَقِّ الْعَيْنِ وَمُودَعُ الْمُرْتَهِنِ فِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ وَأَحَدُهُمَا أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْآخَرِ، وَالْمُودَعُ يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ إلَى الْأَجْنَبِيِّ (وَإِذَا ضَمِنَ الْعَدْلُ قِيمَةَ الرَّهْنِ بَعْدَ مَا دَفَعَ إلَى أَحَدِهِمَا وَقَدْ اسْتَهْلَكَهُ الْمَدْفُوعُ عَلَيْهِ أَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَجْعَلَ الْقِيمَةَ رَهْنًا فِي يَدِهِ) ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَاضِيًا وَمُقْتَضِيًا وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ، لَكِنْ يَتَّفِقَانِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَاهَا مِنْهُ وَيَجْعَلَاهَا رَهْنًا عِنْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا مَرَّ فِي أَوَّلِ هَذَا الْكِتَابِ، فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَهُ كَانَ عَنْهُ رِوَايَتَانِ. وَقَوْلُهُ (وَلِهَذَا يَرْجِعُ الْعَدْلُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الرَّاهِنِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ. يَعْنِي إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْعَدْلِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ وَضَمِنَ الْعَدْلُ قِيمَتَهُ يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا ضَمِنَ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ يَدُهُ يَدَ الرَّاهِنِ لَمَّا رَجَعَ، وَهُوَ كَالْمُودَعِ إذَا ضَمِنَ قِيمَةَ الْوَدِيعَةِ بَعْدَ الْهَلَاكِ بِالِاسْتِحْقَاقِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُودَعِ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ مُودَعِهِ. وَقَوْلُهُ (وَلَنَا) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ فِي حِفْظِ الْعَيْنِ كَالْمُودَعِ) يُشِيرُ إلَى دَفْعِ مَا عَسَى أَنْ يُقَالَ، كَمَا أَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الرَّاهِنِ فَهُوَ نَائِبٌ عَنْ الْمُرْتَهِنِ فِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ، وَالضَّمَانُ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ فَلِمَ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَدْلَ يَضْمَنُ لِلْمُسْتَحِقِّ ضَمَانَ الْغَصْبِ، وَالْغَصْبُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ، وَذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ دُونَ الْمَالِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ سُؤَالٌ سَاقِطٌ لِأَنَّ الْخَصْمَ لَيْسَ بِقَائِلٍ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْقَبْضُ شَرْطٌ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُرْتَهِنِ حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا حُكْمًا لِأَنَّ ذَلِكَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ حَيْثُ أَمْرُهُ بِذَلِكَ، وَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْأَمْرَ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا لَاقَى حَقًّا مُسْتَحَقًّا لِلْآمِرِ، وَبِعَقْدِ الرَّهْنِ لَمْ يَصِرْ الْقَبْضُ حَقًّا لَهُ حَتَّى كَانَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ حَيْثُ مُوَافَقَةُ الرَّاهِنِ إيَّاهُ فِي الْوَضْعِ عَلَى يَدِ الْعَدْلِ، وَلَا تَأْثِيرَ لِذَلِكَ لِأَنَّهُمَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى قَبْضِ الرَّاهِنِ لَمْ يَتِمَّ، فَكَذَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى قَبْضِ الْعَدْلِ. فَالْجَوَابُ أَنَّهُ قَابِضٌ مِنْ حَيْثُ أَمْرُهُ الْعَدْلَ بِالْقَبْضِ وَهُوَ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ لَهُ بِعَقْدِ الرَّهْنِ، وَتَمَكُّنُهُ مِنْ الْمَنْعِ لَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ حَقِّهِ لِأَنَّهُ فَسْخٌ لِلْعَقْدِ، وَالرَّاهِنُ يَنْفَرِدُ بِهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ لَازِمٍ، وَالْقَبْضُ حَقُّهُ مَا دَامَ الْعَقْدُ بَاقِيًا. وَقَوْلُهُ (لَا يَقْدِرُ أَنْ يَجْعَلَ الْقِيمَةَ) أَيْ الْعَدْلُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرَهُ.

أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ وَلَوْ تَعَذَّرَ اجْتِمَاعُهُمَا يَرْفَعُ أَحَدُهُمَا إلَى الْقَاضِي لِيَفْعَلَ كَذَلِكَ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ ثُمَّ قَضَى الرَّاهِنُ الدَّيْنَ وَقَدْ ضَمِنَ الْعَدْلُ الْقِيمَةَ بِالدَّفْعِ إلَى الرَّاهِنِ فَالْقِيمَةُ سَالِمَةٌ لَهُ لِوُصُولِ الْمَرْهُونِ إلَى الرَّاهِنِ وَوُصُولِ الدَّيْنِ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَلَا يَجْتَمِعُ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ (وَإِنْ كَانَ ضَمِنَهَا بِالدَّفْعِ إلَى الْمُرْتَهِنِ فَالرَّاهِنُ يَأْخُذُ الْقِيمَةَ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَوْ كَانَتْ قَائِمَةً فِي يَدِهِ يَأْخُذُهَا إذَا أَدَّى الدَّيْنَ، فَكَذَلِكَ يَأْخُذُ مَا قَامَ مَقَامَهَا، وَلَا جَمْعَ فِيهِ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ قَالَ (وَإِذَا وَكَّلَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ أَوْ الْعَدْلَ أَوْ غَيْرَهُمَا بِبَيْعِ الرَّهْنِ عِنْدَ حُلُولِ الدَّيْنِ فَالْوَكَالَةُ جَائِزَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ بِبَيْعِ مَالِهِ (وَإِنْ شُرِطَتْ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ فَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَعْزِلَ الْوَكِيلَ، وَإِنْ عَزَلَهُ لَمْ يَنْعَزِلْ) ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا شُرِطَتْ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الرَّهْنِ صَارَ وَصْفًا مِنْ أَوْصَافِهِ وَحَقًّا مِنْ حُقُوقِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لِزِيَادَةِ الْوَثِيقَةِ فَيَلْزَمُ بِلُزُومِ أَصْلِهِ، وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ وَفِي الْعَزْلِ إتْوَاءُ حَقِّهِ وَصَارَ كَالْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي (وَلَوْ وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا حَتَّى مَلَكَ الْبَيْعَ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ ثُمَّ نَهَاهُ عَنْ الْبَيْعِ نَسِيئَةً لَمْ يَعْمَلْ نَهْيُهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ بِأَصْلِهِ، فَكَذَا بِوَصْفِهِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَا إذَا عَزَلَهُ الْمُرْتَهِنُ لَا يَنْعَزِلُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَكِّلْهُ وَإِنَّمَا وَكَّلَهُ غَيْرُهُ (وَإِنْ مَاتَ الرَّاهِنُ لَمْ يَنْعَزِلْ) ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ بَطَلَ إنَّمَا يَبْطُلُ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ مُقَدَّمٌ قَالَ (وَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَهُ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْوَرَثَةِ كَمَا يَبِيعُهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْهُ، وَإِنْ مَاتَ الْمُرْتَهِنُ فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَبْطُلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلَوْ تَعَذَّرَ اجْتِمَاعُهُمَا يُرْفَعُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَيْ يَرْفَعُ الْعَدْلُ أَحَدَهُمَا إلَى الْقَاضِي، وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ: يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي أَحَدُهُمَا إمَّا الرَّاهِنُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ وَهُوَ أَظْهَرُ (وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ) أَيْ جَعَلَ الْقِيمَةَ فِي يَدِ الْعَدْلِ رَهْنًا ثُمَّ قَضَى الرَّاهِنُ الدَّيْنَ وَالْحَالُ أَنَّ الْعَدْلَ ضَمِنَ الْقِيمَةَ بِالدَّفْعِ إلَى الرَّاهِنِ، فَالْقِيمَةُ سَالِمَةٌ لَهُ: أَيْ لِلْعَدْلِ، لِأَنَّ كُلَّ ذِي حَقٍّ وَصَلَ إلَى حَقِّهِ: الرَّاهِنُ إلَى الرَّهْنِ وَالْمُرْتَهِنُ إلَى الدَّيْنِ، فَلَوْ أَخَذَهَا أَحَدُهُمَا اجْتَمَعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّ الْقِيمَةَ بَدَلُ الرَّهْنِ مِنْ حَيْثُ الْعَيْنُ فِي حَقِّ الرَّاهِنِ وَبَدَلُهُ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ كَانَ ضَمِنَهَا بِالدَّفْعِ إلَى الْمُرْتَهِنِ فَالرَّاهِنُ يَأْخُذُ الْقِيمَةَ مِنْهُ، لِأَنَّ الْعَيْنَ لَوْ كَانَ قَائِمًا فِي يَدِهِ أَخَذَهُ إذَا أَدَّى الدَّيْنَ، فَكَذَا مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَلَا جَمْعَ فِيهِ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ، وَهَلْ يَرْجِعُ الْعَدْلُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ؟ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْعَدْلُ دَفَعَهُ عَلَى وَجْهِ الْعَارِيَّةِ أَوْ الْوَدِيعَةِ وَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَا يَرْجِعُ، وَإِنْ اُسْتُهْلِكَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَدْلَ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مَلَكَهُ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَعَارَ أَوْ أَوْدَعَ مِلْكَ نَفْسِهِ، فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ الْعَدْلُ دَفَعَ إلَى الْمُرْتَهِنِ رَهْنًا بِأَنْ قَالَ هَذَا رَهْنُك خُذْهُ بِحَقِّك وَاحْبِسْهُ بِدَيْنِك رَجَعَ الْعَدْلُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ اسْتَهْلَكَهُ الْمُرْتَهِنُ أَوْ هَلَكَ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الضَّمَانِ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا وَكَّلَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (فَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَعْزِلَ الْوَكِيلَ) يَعْنِي بِدُونِ رِضَا الْمُرْتَهِنِ وَقَوْلُهُ (أَلَا تَرَى أَنَّهُ) أَيْ أَنَّ عَقْدَ الْوَكَالَةِ (لِزِيَادَةِ الْوَثِيقَةِ فَيَلْزَمُ بِلُزُومِ أَصْلِهِ) أَيْ عَقْدِ الرَّهْنِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ) أَيْ عَقْدُ الْوَكَالَةِ (لَازِمٌ بِأَصْلِهِ فَكَذَا بِوَصْفِهِ) وَهُوَ الْإِطْلَاقُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ صَارَ حَقًّا مِنْ حُقُوقِهِ وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْعَقْدَ) أَيْ عَقْدَ الرَّهْنِ (لَا يَبْطُلُ

بِمَوْتِهِمَا وَلَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا فَيَبْقَى بِحُقُوقِهِ وَأَوْصَافِهِ (وَإِنْ مَاتَ الْوَكِيلُ انْتَقَضَتْ الْوَكَالَةُ وَلَا يَقُومُ وَارِثُهُ وَلَا وَصِيُّهُ مَقَامَهُ) ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَا يَجْرِي فِيهَا الْإِرْثُ، وَلِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِرَأْيِهِ لَا بِرَأْيِ غَيْرِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنَّ وَصِيَّ الْوَكِيلِ يَمْلِكُ بَيْعَهُ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَازِمَةٌ فَيَمْلِكُهُ الْوَصِيُّ، كَالْمُضَارِبِ إذَا مَاتَ بَعْدَمَا صَارَ رَأْسُ الْمَالِ أَعْيَانًا يَمْلِكُ وَصِيُّ الْمُضَارِبِ بَيْعَهَا لِمَا أَنَّهُ لَازِمٌ بَعْدَ مَا صَارَ أَعْيَانًا قُلْنَا: التَّوْكِيلُ حَقٌّ لَازِمٌ لَكِنْ عَلَيْهِ، وَالْإِرْثُ يَجْرِي فِيمَا لَهُ بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهَا حَقُّ الْمُضَارِبِ (وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَبِيعَهُ إلَّا بِرِضَا الرَّاهِنِ) ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ وَمَا رَضِيَ بِبَيْعِهِ (وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَبِيعَهُ إلَّا بِرِضَا الْمُرْتَهِنِ) ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ أَحَقُّ بِمَالِيَّتِهِ مِنْ الرَّاهِنِ فَلَا يَقْدِرُ الرَّاهِنُ عَلَى تَسْلِيمِهِ بِالْبَيْعِ قَالَ (فَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ وَأَبَى الْوَكِيلُ الَّذِي فِي يَدِهِ الرَّهْنُ أَنْ يَبِيعَهُ وَالرَّاهِنُ غَائِبٌ أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ) لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِي لُزُومِهِ (وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يُوَكِّلُ غَيْرَهُ بِالْخُصُومَةِ وَغَابَ الْمُوَكِّلُ فَأَبَى أَنْ يُخَاصِمَ أُجْبِرَ عَلَى الْخُصُومَةِ) لِلْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّ فِيهِ إتْوَاءَ الْحَقِّ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ يَبِيعُ بِنَفْسِهِ فَلَا يَتْوِي حَقَّهُ، أَمَّا الْمُدَّعِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الدَّعْوَى وَالْمُرْتَهِنُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ بِنَفْسِهِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ التَّوْكِيلُ مَشْرُوطًا فِي عَقْدِ الرَّهْنِ وَإِنَّمَا شُرِطَ بَعْدَهُ قِيلَ لَا يُجْبَرُ اعْتِبَارًا بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَقِيلَ يُجْبَرُ رُجُوعًا إلَى الْوَجْهِ الثَّانِي، وَهَذَا أَصَحُّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْجَوَابَ فِي الْفَصْلَيْنِ وَاحِدٌ، وَيُؤَيِّدُهُ إطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفِي الْأَصْلِ (وَإِذَا بَاعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ، وَالثَّمَنُ قَائِمٌ مَقَامَهُ فَكَانَ رَهْنًا، وَإِنْ لَمْ يُقْبَضْ بَعْدُ) لِقِيَامِهِ مَقَامَ مَا كَانَ مَقْبُوضًا، وَإِذَا تَوَى كَانَ مَالَ الْمُرْتَهِنِ لِبَقَاءِ عَقْدِ الرَّهْنِ فِي الثَّمَنِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمَبِيعِ الْمَرْهُونِ، وَكَذَلِكَ إذَا قُتِلَ الْعَبْدُ الرَّهْنُ وَغَرِمَ الْقَاتِلُ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ، وَإِنْ كَانَ بَدَلَ الدَّمِ فَأَخَذَ حُكْمَ ضَمَانِ الْمَالِ فِي حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ فَبَقِيَ عَقْدُ الرَّهْنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَهُ عَبْدٌ فَدُفِعَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَوَّلِ لَحْمًا وَدَمًا قَالَ (وَإِنْ بَاعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ فَأَوْفَى ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَوْتِهِمَا وَلَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا فَيَبْقَى بِحُقُوقِهِ) الَّتِي هِيَ الْحَبْسُ وَالِاسْتِيفَاءُ وَالْوَكَالَةُ (وَأَوْصَافُهُ) الَّتِي هِيَ اللُّزُومُ وَجَبْرُ الْوَكِيلِ وَحَقُّ بَيْعِ وَلَدِ الرَّهْنِ وَحَقُّ صَرْفِ الدَّرَاهِمِ بِالدَّنَانِيرِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا مَاتَ الْوَكِيلُ انْتَقَضَتْ الْوَكَالَةُ) يَعْنِي وَالرَّهْنُ بَاقٍ كَمَا كَانَ، لِأَنَّ الرَّهْنَ لَوْ كَانَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَمَاتَ لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ بِهِ، فَلَأَنْ لَا يَبْطُلَ بِمَوْتِ الْعَدْلِ أَوْلَى. وَقَوْلُهُ (وَالْإِرْثُ يَجْرِي فِيمَا لَهُ) أَيْ لَا فِيمَا عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَيِّتَ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَجِبُ عَلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ قَضَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى غَيْرِهِ وَرِثُوهُ وَقَوْلُهُ (أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ) يَعْنِي يُحْبَسُ أَيَّامًا حَتَّى يَبِيعَهُ، فَإِنْ لَجَّ بَعْدَمَا حَبَسَهُ أَيَّامًا ذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَبِيعُ عَلَيْهِ وَهُوَ عَلَى قَوْلِهِمَا ظَاهِرٌ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِيهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَبِيعُ قِيَاسًا عَلَى مَالِ الْمَدْيُونِ، وَقَالَ آخَرُونَ: يَبِيعُهُ لِأَنَّ جِهَةَ الْبَيْعِ تَعَيَّنَتْ. وَقَوْلُهُ (لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَصْفٌ مِنْ أَوْصَافِهِ وَالْآخَرُ أَنَّ فِيهِ إتْوَاءَ حَقِّهِ. وَقَوْلُهُ (قِيلَ لَا يُجْبَرُ اعْتِبَارًا لِلْوَجْهِ الْأَوَّلِ) ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَقَوْلُهُ (أَنَّ الْجَوَابَ فِي الْفَصْلَيْنِ) أَيْ فِيمَا كَانَ مَشْرُوطًا فِي الرَّهْنِ وَفِيمَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ (وَاحِدٌ) أَيْ يُجْبَرُ فِيهِمَا (وَيُؤَيِّدُهُ إطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ) حَيْثُ قَالَ فِيهِ: إذَا أَتَى الْوَكِيلُ يُجْبَرُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ مُطْلَقًا وَقَوْلُهُ (فَقَدْ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ) لِأَنَّهُ صَارَ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي وَمِلْكُهُ لَا يَكُونُ رَهْنًا (وَإِذَا تَوَى كَانَ مَالَ الْمُرْتَهِنِ) بِنَصَبِ مَالٍ عَلَى مَا صَحَّحَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ مَالِ الْمُرْتَهِنِ. وَقَوْلُهُ (وَغَرِمَ الْقَاتِلُ قِيمَتَهُ) يَعْنِي تَكُونُ الْقِيمَةُ رَهْنًا مَقَامَ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ لِأَنَّ الْمَالِكَ وَهُوَ الْمَوْلَى يَسْتَحِقُّهُ: أَيْ هَذَا الضَّمَانُ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ، وَإِنْ كَانَ مُقَابَلًا بِالدَّمِ حَتَّى لَا يُزَادَ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ (فَأَخَذَ حُكْمَ ضَمَانِ الْمَالِ فِي حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ) وَهُوَ الْمَوْلَى فَيَبْقَى عَقْدُ الرَّهْنِ.

الْمُرْتَهِنَ الثَّمَنَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الرَّهْنُ فَضَمِنَهُ الْعَدْلُ كَانَ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ قِيمَتَهُ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ الثَّمَنَ الَّذِي أَعْطَاهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ غَيْرَهُ) وَكَشْفُ هَذَا أَنَّ الْمَرْهُونَ الْمَبِيعَ إذَا اُسْتُحِقَّ إمَّا أَنْ يَكُونَ هَالِكًا أَوْ قَائِمًا فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الْمُسْتَحِقُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ فِي حَقِّهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْعَدْلَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي حَقِّهِ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ فَإِنْ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ نَفَذَ الْبَيْعُ وَصَحَّ الِاقْتِضَاءُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِبَيْعِ مِلْكِ نَفْسِهِ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْبَائِعَ يَنْفُذُ الْبَيْعُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ وَإِذَا ضَمَّنَ الْعَدْلَ فَالْعَدْلُ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ جِهَتِهِ عَامِلٌ لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ وَنَفَذَ الْبَيْعُ وَصَحَّ الِاقْتِضَاءُ فَلَا يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ دَيْنِهِ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخَذَ الثَّمَنَ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْعَبْدَ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ وَنَفَذَ بَيْعُهُ عَلَيْهِ فَصَارَ الثَّمَنُ لَهُ، وَإِنَّمَا أَدَّاهُ إلَيْهِ عَلَى حُسْبَانِ أَنَّهُ مِلْكُ الرَّاهِنِ، فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِلْكُهُ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَيْهِ، وَإِذَا رَجَعَ بَطَلَ الِاقْتِضَاءُ فَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِدَيْنِهِ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَائِمًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ ثُمَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْعَدْلِ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ فَتَتَعَلَّقُ بِهِ حُقُوقُ الْعَقْدِ، وَهَذَا مِنْ حُقُوقِهِ حَيْثُ وَجَبَ بِالْبَيْعِ، وَإِنَّمَا أَدَّاهُ لِيُسَلِّمَ لَهُ الْمَبِيعَ وَلَمْ يُسَلِّمْ ثُمَّ الْعَدْلُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي هَذِهِ الْعُهْدَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَخْلِيصُهُ وَإِذَا رَجَعَ عَلَيْهِ صَحَّ قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ سُلِّمَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْتَقَضَ الْعَقْدُ بَطَلَ الثَّمَنُ وَقَدْ قَبَضَهُ ثَمَنًا فَيَجِبُ نَقْضُ قَبْضِهِ ضَرُورَةً، وَإِذَا رَجَعَ عَلَيْهِ وَانْتُقِضَ قَبْضُهُ عَادَ حَقُّهُ فِي الدَّيْنِ كَمَا كَانَ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ وَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ سَلَّمَ الثَّمَنَ إلَى الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْعَدْلِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْبَيْعِ عَامَلَ لِلرَّاهِنِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا قَبَضَ وَلَمْ يَقْبِضْ فَبَقِيَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَلَوْ كَانَ التَّوْكِيلُ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ غَيْرَ مَشْرُوطٍ فِي الْعَقْدِ فَمَا لَحِقَ الْعَدْلَ مِنْ الْعُهْدَةِ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ قَبَضَ الثَّمَنَ الْمُرْتَهِنُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَذَا التَّوْكِيلِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فَلَا رُجُوعَ، كَمَا فِي الْوَكَالَةِ الْمُفْرَدَةِ عَنْ الرَّهْنِ إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ وَدَفَعَ الثَّمَنَ إلَى مَنْ أَمَرَهُ الْمُوَكِّلُ ثُمَّ لَحِقَهُ عُهْدَةٌ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُقْتَضَى، بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فَيَكُونُ الْبَيْعُ لِحَقِّهِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَكَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ، وَهَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ غَيْرَهُ) أَيْ لَيْسَ لِلْعَدْلِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُرْتَهِنَ غَيْرَ الثَّمَنِ الَّذِي أَعْطَاهُ وَكَلَامُهُ مَكْشُوفٌ بِكَشْفِهِ وَإِيضَاحِهِ شَكَرَ اللَّهُ سَعْيَهُ سِوَى أَلْفَاظٍ وَضَمَائِرَ نُوَضِّحُهَا زِيَادَةَ إيضَاحٍ. فَقَوْلُهُ (وَصَحَّ الِاقْتِضَاءُ) أَيْ صَحَّ قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ الثَّمَنَ بِمُقَابَلَةِ دَيْنِهِ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ ضَمَّنَ الْبَائِعَ) أَيْ الْعَدْلُ. وَقَوْلُهُ (فَلَا يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ. وَقَوْلُهُ (فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِلْكُهُ) أَيْ مِلْكُ الْعَدْلِ. وَقَوْلُهُ (لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِهِ) أَيْ بِأَدَاءِ الثَّمَنِ إلَى الْمُرْتَهِنِ. وَقَوْلُهُ (فَلَهُ) أَيْ فَلِلْعَدْلِ. وَقَوْلُهُ (بَطَلَ الِاقْتِضَاءُ) أَيْ بَطَلَ قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ. وَقَوْلُهُ (إنَّمَا أَدَّاهُ) أَيْ إنَّمَا أَدَّى الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إلَى الْعَدْلِ لِيُسَلِّمْ لِلْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَلَمْ يُسَلِّمْ. وَقَوْلُهُ (رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِالْقِيمَةِ) أَيْ بِالثَّمَنِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ سَلَّمَ لَهُ) أَيْ لِأَنَّ الثَّمَنَ الْمَقْبُوضَ مِنْ الْعَدْلِ سُلِّمَ لِلْمُرْتَهِنِ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ شَاءَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ) أَيْ وَإِنْ شَاءَ الْعَدْلُ رَجَعَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِالثَّمَنِ الَّذِي أَدَّاهُ إلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (فَيَرْجِعُ بِهِ) أَيْ فَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ بِحَقِّهِ الَّذِي هُوَ دَيْنُهُ عَلَى الرَّاهِنِ. وَقَوْلُهُ (لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُقْتَضِي) أَيْ عَلَى الْقَابِضِ. وَقَوْلُهُ (فَيَكُونُ الْبَيْعُ لِحَقِّهِ) فَإِذَا وَقَعَ الْبَيْعُ لِحَقِّهِ وَسَلَّمَ لَهُ جَازَ أَنْ يَلْزَمَهُ الضَّمَانُ وَهَذَا يُؤَيِّدُ قَوْلَ

يُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ لَا يَرَى جَبْرَ هَذَا الْوَكِيلِ عَلَى الْبَيْعِ قَالَ (وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ اسْتَحَقَّهُ رَجُلٌ فَلَهُ الْخِيَارُ، إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَعَدٍّ فِي حَقِّهِ بِالتَّسْلِيمِ أَوْ بِالْقَبْضِ (فَإِنْ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ فَقَدْ مَاتَ بِالدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَصَحَّ الْإِيفَاءُ (وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا ضَمِنَ مِنْ الْقِيمَةِ وَبِدَيْنِهِ) أَمَّا بِالْقِيمَةِ فَلِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ، وَأَمَّا بِالدَّيْنِ فَلِأَنَّهُ انْتَقَضَ اقْتِضَاؤُهُ فَيَعُودُ حَقُّهُ كَمَا كَانَ فَإِنْ قِيلَ: لَمَّا كَانَ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الرَّاهِنِ بِرُجُوعِ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ، وَالْمِلْكُ فِي الْمَضْمُونِ يَثْبُتُ لِمَنْ عَلَيْهِ قَرَارُ الضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا ضَمَّنَ الْمُسْتَحِقُّ الرَّاهِنَ ابْتِدَاءً قُلْنَا: هَذَا طَعْنُ أَبِي خَازِمٍ الْقَاضِي وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْغُرُورِ وَالْغُرُورُ بِالتَّسْلِيمِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، أَوْ بِالِانْتِقَالِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ إلَيْهِ كَأَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُ، وَالْمِلْكُ بِكُلِّ ذَلِكَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ عَقْدِ الرَّهْنِ، بِخِلَافِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ يَضْمَنُهُ بِاعْتِبَارِ الْقَبْضِ السَّابِقِ عَلَى الرَّهْنِ فَيَسْتَنِدُ الْمِلْكُ إلَيْهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ وَقَدْ طَوَّلْنَا الْكَلَامَ فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنْ لَا يَرَى جَبْرَ هَذَا الْوَكِيلِ عَلَى الْبَيْعِ: أَيْ الْوَكِيلِ الَّذِي لَمْ تَكُنْ وَكَالَتُهُ مَشْرُوطَةً فِي الْعَقْدِ حَيْثُ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَكَالَةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْعَقْدِ وَبَيْنَ الْوَكَالَةِ الَّتِي بَعْدَ الْعَقْدِ فَقَالَ فِي الْوَكِيلِ الَّذِي كَانَتْ وَكَالَتُهُ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ: يَرْجِعُ الْوَكِيلُ بِالْعُهْدَةِ عَلَى الرَّاهِنِ لَا عَلَى الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَذَا التَّوْكِيلِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ (وَقَوْلُهُ مُتَعَدٍّ فِي حَقِّهِ بِالتَّسْلِيمِ أَوْ بِالْقَبْضِ) يَعْنِي الرَّاهِنَ بِالتَّسْلِيمِ وَالْمُرْتَهِنَ بِالْقَبْضِ فَكَانَ كَالْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ وَقَوْلُهُ (فَلِأَنَّهُ انْتَقَضَ اقْتِضَاؤُهُ) أَيْ قَبْضُهُ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَمْ يَكُنْ مِلْكَ الرَّاهِنِ حَتَّى يَكُونَ بِهَلَاكِهِ مُسْتَوْفِيًا. وَقَوْلُهُ (طَعْنُ أَبِي خَازِمٍ) يَعْنِي هَذَا السُّؤَالَ طَعَنَ بِهِ أَبُو خَازِمٍ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَأَبُو خَازِمٍ هُوَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْقَاضِي الْحَنَفِيُّ بِبَغْدَادَ. وَقَوْلُهُ (وَالْغُرُورُ بِالتَّسْلِيمِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ) يَعْنِي بِقَوْلِهِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَعَدٍّ فِي حَقِّهِ بِالتَّسْلِيمِ. وَقَوْلُهُ (أَوْ بِالِانْتِقَالِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الرَّاهِنِ (كَأَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُ) أَيْ كَأَنَّ الْمُرْتَهِنَ وَكِيلٌ عَنْ الرَّاهِنِ مِنْ حَيْثُ انْتِقَالُ الْمِلْكِ مِنْهُ إلَيْهِ كَانْتِقَالِ الْمِلْكِ مِنْ الْوَكِيلِ إلَى الْمُوَكِّلِ (وَالْمِلْكُ بِكُلِّ ذَلِكَ) أَيْ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالِانْتِقَالِ (مُتَأَخِّرٌ عَنْ عَقْدِ الرَّهْنِ) أَمَّا بِالتَّسْلِيمِ فَظَاهِرٌ، لِأَنَّ التَّسْلِيمَ كَانَ بَعْدَ الْعَقْدِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ غَيْرَ مِلْكِهِ. وَأَمَّا بِالِانْتِقَالِ فَلِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ غَاصِبٌ فِي حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ، فَإِذَا ضَمِنَ مَلَكَ الْمَضْمُونَ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الرَّاهِنِ انْتَقَلَ إلَيْهِ فَيَمْلِكُهُ مِنْ جِهَةِ الْمُرْتَهِنِ وَالْمُرْتَهِنُ مَلَكَهُ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا بِهِ فَيَمْلِكُ الرَّهْنَ بَعْد ذَلِكَ مِنْ جِهَتِهِ فَيَكُونُ مِلْكُ الرَّهْنِ مُتَأَخِّرًا عَنْ عَقْدِ الرَّهْنِ فَكَأَنَّهُ رَهَنَ غَيْرَ مِلْكِهِ، وَلَا يُشْكِلُ إذَا اسْتَحَقَّ رَأْسَ مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَضَمِنَهُ الْمُضَارِبُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَالْمُضَارَبَةُ نَافِذَةٌ وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ مُتَأَخِّرًا عَنْ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ لِمَا ذَكَرْتُمْ أَنَّ الرُّجُوعَ بِالْغُرُورِ وَالْغُرُورَ بِالتَّسْلِيمِ أَوْ بِالِانْتِقَالِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ إلَيْهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْعَقْدِ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ، وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ فَلِدَوَامِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَنْشَأَ الْعَقْدَ بَعْدَ الرُّجُوعِ فَيَتَقَدَّرُ، بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ لَيْسَ لِدَوَامِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ) يَعْنِي مَا إذَا ضَمِنَ الْمُسْتَحِقُّ الرَّاهِنَ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ يَضْمَنُهُ بِاعْتِبَارِ الْقَبْضِ السَّابِقِ عَلَى الرَّهْنِ فَيَسْتَنِدُ الْمِلْكُ إلَيْهِ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ طَوَّلْنَا الْكَلَامَ فِيهِ فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى) قِيلَ مُرَادُهُ مَسْأَلَةَ الْمُضَارَبَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ. وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَا لَوْ كَانَ الرَّهْنُ عَبْدًا فَأَبَقَ وَضَمَّنَ الْمُسْتَحِقُّ الْمُرْتَهِنَ قِيمَتَهُ وَرَجَعَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ وَبِالدَّيْنِ ثُمَّ ظَهَرَ الْعَبْدُ فَإِنَّهُ لِلرَّاهِنِ لِقَرَارِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ

[باب التصرف في الرهن والجناية عليه وجنايته على غيره]

قَالَ (وَإِذَا بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ فَالْبَيْعُ مَوْقُوفٌ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ وَهُوَ الْمُرْتَهِنُ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِهِ كَمَنْ أَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ تَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ (فَإِنْ أَجَازَ الْمُرْتَهِنُ جَازَ) ؛ لِأَنَّ التَّوَقُّفَ لِحَقِّهِ وَقَدْ رَضِيَ بِسُقُوطِهِ (وَإِنْ قَضَاهُ الرَّاهِنُ دَيْنَهُ جَازَ أَيْضًا) ؛ لِأَنَّهُ زَالَ الْمَانِعُ مِنْ النُّفُوذِ وَالْمُقْتَضِي مَوْجُودٌ وَهُوَ التَّصَرُّفُ الصَّادِرُ مِنْ الْأَهْلِ فِي الْمَحَلِّ (وَإِذَا نَفَذَ الْبَيْعُ بِإِجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ يَنْتَقِلُ حَقُّهُ إلَى بَدَلِهِ هُوَ الصَّحِيحُ) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِالْمَالِيَّةِ، وَالْبَدَلُ لَهُ حُكْمُ الْمُبْدَلِ فَصَارَ كَالْعَبْدِ الْمَدْيُونِ الْمَأْذُونِ إذَا بِيعَ بِرِضَا الْغُرَمَاءِ يَنْتَقِلُ حَقُّهُمْ إلَى الْبَدَلِ؛ لِأَنَّهُمْ رَضُوا بِالِانْتِقَالِ دُونَ السُّقُوطِ رَأْسًا فَكَذَا هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQرَهْنًا لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَحَقَّ بَطَلَ الرَّهْنُ لِمَا قُلْنَا إنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ لِلرَّاهِنِ فِيهِ مِنْ وَقْتِ التَّسْلِيمِ بِحُكْمِ الرَّهْنِ وَعَقْدُ الرَّهْنِ كَانَ سَابِقًا عَلَى ذَلِكَ [بَابُ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَجِنَايَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ] التَّصَرُّفُ فِي الرَّهْنِ وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ وَجِنَايَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ كَوْنِهِ رَهْنًا فَكَانَ مُتَأَخِّرًا طَبْعًا فَأَخَّرَهُ وَضْعًا. قَالَ (وَإِذَا بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ إلَخْ) إذَا بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ سَوَاءٌ عَلِمَ بِالْبَيْعِ وَلَمْ يَأْذَنْ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، فَقَدْ اخْتَلَفَ عِبَارَةُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ. فِي مَوْضِعٍ قَالَ بَيْعُ الْمَرْهُونِ فَاسِدٌ، وَفِي مَوْضِعٍ قَالَ جَائِزٌ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ جَائِزٌ مَوْقُوفٌ. وَقَوْلُهُ فَاسِدٌ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَمْ يَجُزْ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُفْسِدُهُ إذَا خُوصِمَ إلَيْهِ فِيهِ وَطَلَبَ الْمُشْتَرِي التَّسْلِيمَ. وَقَوْلُهُ جَائِزٌ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَجَازَهُ وَسَلَّمَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّ مَنْ تَصَرَّفَ فِي مَالٍ لَهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ جَازَ مَوْقُوفًا كَمَنْ أَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ تَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، فَإِنْ أَجَازَ الْمُرْتَهِنُ تَمَّ الْعَقْدُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ رَاضِيًا، وَكَذَا لَوْ قَضَاهُ الرَّاهِنُ دَيْنَهُ فَإِنْ أَجَازَ يَنْتَقِلُ حَقُّهُ إلَى بَدَلِهِ لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إنْ شَرَطَ عِنْدَ الْإِجَازَةِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ رَهْنًا كَانَ رَهْنًا وَإِلَّا فَلَا، لِأَنَّ الرَّاهِنَ مَلَكَ الثَّمَنَ بِنُفُوذِ الْبَيْعِ بِإِجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ فَلَا يَصِيرُ رَهْنًا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَإِنْ فَسَخَهُ

(وَإِنْ لَمْ يُجِزْ الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ وَفَسَخَهُ انْفَسَخَ فِي رِوَايَةٍ، حَتَّى لَوْ افْتَكَّ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ لَا سَبِيلَ لِلْمُشْتَرِي عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الثَّابِتَ لِلْمُرْتَهِنِ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْكِ فَصَارَ كَالْمَالِكِ لَهُ أَنْ يُجِيزَ وَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ (وَفِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ لَا يَنْفَسِخُ بِفَسْخِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ حَقُّ الْفَسْخِ لَهُ إنَّمَا يُثْبِتُ ضَرُورَةَ صِيَانَةِ حَقِّهِ، وَحَقُّهُ فِي الْحَبْسِ لَا يَبْطُلُ بِانْعِقَادِ هَذَا الْعَقْدِ فَبَقِيَ مَوْقُوفًا، فَإِنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي صَبَرَ حَتَّى يَفْتَكَّ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ؛ إذْ الْعَجْزُ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ، وَإِنْ شَاءَ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي، وَلِلْقَاضِي أَنْ يَفْسَخَ لِفَوَاتِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَوِلَايَةُ الْفَسْخِ إلَى الْقَاضِي لَا إلَيْهِ، وَصَارَ كَمَا إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ الْمُشْتَرَى قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي لِمَا ذَكَرْنَا كَذَلِكَ هَذَا (وَلَوْ بَاعَهُ الرَّاهِنُ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ بَاعَهُ بَيْعًا ثَانِيًا مِنْ غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يُجِيزَهُ الْمُرْتَهِنُ فَالثَّانِي مَوْقُوفٌ أَيْضًا عَلَى إجَازَتِهِ) ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَنْفُذْ وَالْمَوْقُوفُ لَا يَمْنَعُ تَوَقُّفَ الثَّانِي، فَلَوْ أَجَازَ الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ الثَّانِي جَازَ الثَّانِي (وَلَوْ بَاعَ الرَّاهِنُ ثُمَّ أَجَّرَ أَوْ وَهَبَ أَوْ رَهَنَ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَجَازَ الْمُرْتَهِنُ هَذِهِ الْعُقُودَ جَازَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ ذُو حَظٍّ مِنْ الْبَيْعِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ حَقُّهُ بِبَدَلِهِ فَيَصِحُّ تَعْيِينُهُ لِتَعَلُّقِ فَائِدَتِهِ بِهِ، أَمَّا لَا حَقَّ لَهُ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ؛ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ فِي الْهِبَةِ وَالرَّهْنِ، وَاَلَّذِي فِي الْإِجَارَةِ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ لَا بَدَلُ الْعَيْنِ، وَحَقُّهُ فِي مَالِيَّةِ الْعَيْنِ لَا فِي الْمَنْفَعَةِ فَكَانَتْ إجَازَتُهُ إسْقَاطًا لِحَقِّهِ فَزَالَ الْمَانِعُ فَنَفَذَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ فَوَضَحَ الْفَرْقُ قَالَ (وَلَوْ أَعْتَقَ الرَّاهِنُ عَبْدَ الرَّهْنِ نَفَذَ عِتْقُهُ) وَفِي بَعْضِ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ لَا يَنْفُذُ إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّ فِي تَنْفِيذِهِ إبْطَالَ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُوسِرًا حَيْثُ يَنْفُذُ عَلَى بَعْضِ أَقْوَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ مَعْنًى بِالتَّضْمِينِ، وَبِخِلَافِ إعْتَاقِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَبْقَى مُدَّتُهَا؛ إذْ الْحُرُّ يَقْبَلُهَا، أَمَّا مَا لَا يَقْبَلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَفِي الِانْفِسَاخِ رِوَايَتَانِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (وَوِلَايَةُ الْفَسْخِ إلَى الْقَاضِي لَا إلَيْهِ) أَيْ لَا إلَى الْمُرْتَهِنِ، لِأَنَّ هَذَا الْفَسْخَ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ وَهُوَ إلَى الْقَاضِي. وَقَوْلُهُ (لِمَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي لِفَوَاتِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ. قَوْلُهُ (وَلَوْ بَاعَهُ الرَّاهِنُ إلَخْ) يَعْنِي لَوْ بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ وَلَمْ يُجِزْهُ الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ بَاعَهُ بَيْعًا ثَانِيًا فَالثَّانِي مَوْقُوفٌ كَالْأَوَّلِ، لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ لَا يَمْنَعُ عَنْ التَّوَقُّفِ، فَلَوْ أَجَازَ الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ الثَّانِي جَازَ الثَّانِي كَالْأَوَّلِ، وَلَوْ أَجَازَ الْأَوَّلَ جَازَ الْأَوَّلُ. وَهَذَا لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ يَتَعَلَّقُ بِالثَّمَنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ يَرْهَنُ لِيُبَاعَ فَأَيَّهمَا أَجَازَهُ الْمُرْتَهِنُ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ نَفَذَ وَيَأْخُذُ الثَّمَنَ وَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ، وَإِنَّمَا خَصَّ إجَازَةَ الْبَيْعِ الثَّانِي لِبَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعُقُودِ الْبَاقِيَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَإِنَّهُ بِإِجَازَتِهَا يَصِحُّ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْبَيْعُ وَلَمْ تَصِحَّ هِيَ، وَبِإِجَازَةِ الْبَيْعِ الثَّانِي لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَإِنْ كَانَ سَابِقًا وَيَصِحُّ هُوَ. وَالْفَرْقُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ مَنْ تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِشَيْءٍ وَتَبَدَّلَ بِإِجَازَتِهِ إلَى غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ الْبَدَلُ عَمَّا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُ، وَإِنْ كَانَ عَنْ غَيْرِهِ لَمْ يَتَعَلَّقْ، فَعَلَى هَذَا إذَا بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ ثَانِيًا وَأَجَازَهُ الْمُرْتَهِنُ كَانَ الثَّمَنُ رَهْنًا عِنْدَهُ فَكَانَ ذَا حَظٍّ مِنْ الْعَقْدِ الثَّانِي لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِبَدَلِهِ فَيَصِحُّ تَعْيِينُهُ. وَإِذَا آجَرَ بَعْدَ الْبَيْعِ أَوْ رَهَنَ وَسَلَّمَ أَوْ وَهَبَ وَسَلَّمَ وَأَجَازَ هَذِهِ الْعُقُودَ جَازَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَسَمَّاهُ أَوَّلًا لِوُقُوعِهِ قَبْلَهَا، لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ بَعْضُهَا لَا بَدَلَ فِيهِ كَمَا فِي الْهِبَةِ وَالرَّهْنِ وَبَعْضُهَا وَإِنْ كَانَ فِيهِ بَدَلٌ لَكِنْ لَيْسَ عَمَّا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ فَإِنَّهُ فِيهَا بَدَلٌ عَنْ الْمَنْفَعَةِ وَحَقُّهُ فِي مَالِيَّةِ الْعَيْنِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهَا حَظٌّ لَمْ يَصِحَّ تَعْيِينُهُ وَكَانَتْ إجَازَتُهُ إسْقَاطًا لِحَقِّهِ فَنَفَذَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ. وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ اشْتِرَاطِ التَّسْلِيمِ فِي الرَّهْنِ وَالْهِبَةِ اعْتِمَادًا عَلَى كَوْنِهِ مَعْلُومًا قَالَ (وَلَوْ أَعْتَقَ الرَّاهِنُ عَبْدَ الرَّهْنِ نَفَذَ عِتْقُهُ إلَخْ) إذَا أَعْتَقَ الرَّاهِنُ عَبْدَهُ الْمَرْهُونَ نَفَذَ عِتْقُهُ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا. وَلِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَقْوَالٌ شُمُولُ النُّفُوذِ وَعَدَمُهُ وَالْفَصْلُ بَيْنَ الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ. قَالَ فِي الْمُعْسِرِ: فِي تَنْفِيذِهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَلَا يَجُوزُ كَالْبَيْعِ، بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَسْرَعُ نُفُوذًا مِنْ الْعِتْقِ حَيْثُ جَازَ مِنْ الْمُكَاتَبِ دُونَ الْعِتْقِ. وَلَنَا أَنَّهُ

الرَّهْنَ فَلَا يَبْقَى وَلَنَا أَنَّهُ مُخَاطَبٌ أَعْتَقَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَلَا يَلْغُو بِصَرْفِهِ بِعَدَمِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ كَمَا إذَا أَعْتَقَ الْعَبْدُ الْمُشْتَرَى قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ أَعْتَقَ الْآبِقَ أَوْ الْمَغْصُوبَ، وَلَا خَفَاءَ فِي قِيَامِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ لِقِيَامِ الْمُقْتَضِي، وَعَارِضُ الرَّهْنِ لَا يُنْبِئُ عَنْ زَوَالِهِ ثُمَّ إذَا زَالَ مِلْكُهُ فِي الرَّقَبَةِ بِإِعْتَاقِهِ يَزُولُ مِلْكُ الْمُرْتَهِنِ فِي الْيَدِ بِنَاءً عَلَيْهِ كَإِعْتَاقِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ أَقْوَى مِنْ مِلْكِ الْيَدِ، فَلَمَّا لَمْ يُمْنَعْ الْأَعْلَى لَا يُمْنَعُ الْأَدْنَى بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى، وَامْتِنَاعُ النَّفَاذِ فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ لِانْعِدَامِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَإِعْتَاقُ الْوَارِثِ الْعَبْدَ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ لَا يَلْغُو بَلْ يُؤَخَّرُ إلَى أَدَاءِ السِّعَايَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِذَا نَفَذَ الْإِعْتَاقُ بَطَلَ الرَّهْنُ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ (ثُمَّ) بَعْدَ ذَلِكَ (إنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا، وَالدَّيْنُ حَالًّا طُولِبَ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طُولِبَ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ (وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا أُخِذَتْ مِنْهُ قِيمَةُ الْعَبْدِ وَجُعِلَتْ رَهْنًا مَكَانَهُ حَتَّى يَحِلَّ الدَّيْنُ) ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ مُتَحَقِّقٌ، وَفِي التَّضْمِينِ فَائِدَةٌ فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ اقْتَضَاهُ بِحَقِّهِ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَرَدَّ الْفَضْلَ (وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ وَقَضَى بِهِ الدَّيْنَ إلَّا إذَا كَانَ بِخِلَافِ جِنْسِ حَقِّهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَى عَيْنِ حَقِّهِ مِنْ جِهَةِ الْمُعْتَقِ يَرْجِعُ إلَى مَنْ يَنْتَفِعُ بِعِتْقِهِ وَهُوَ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَتَأْوِيلُهُ إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ، أَمَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ أَقَلَّ نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (ثُمَّ يَرْجِعُ بِمَا سَعَى عَلَى مَوْلَاهُ إذَا أَيْسَرَ) ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ وَهُوَ مُضْطَرٌّ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُخَاطَبٌ أَعْتَقَ مِلْكَ نَفْسِهِ، وَكُلُّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ صَحَّ كَمَا إذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَى قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ الْآبِقَ أَوْ الْمَغْصُوبَ فَإِنَّهَا تُشْرِكُ الْمَرْهُونَ فِي فَوَاتِ يَدِ الْمَالِكِ وَفِي انْتِفَاءِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ إنْ بَاعَ، فَكَانَ الْمُقْتَضَى مُتَحَقِّقًا وَالْمَانِعُ مُنْتَفِيًا فَثَبَتَ الْحُكْمُ. أَمَّا تَحَقُّقُ الْمُقْتَضَى فَلِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ صَدَرَ عَنْ أَهْلِهِ، وَلَا نِزَاعَ فِيهِ مُضَافٌ إلَى مَحَلِّهِ، لِأَنَّهُ لَا خَفَاءَ فِي قِيَامِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ لِقِيَامِ مُقْتَضِيهِ وَهُوَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِتَمَلُّكِهِ قَبْلَ الرَّهْنِ. وَأَمَّا انْتِفَاءُ الْمَانِعِ فَلِأَنَّ عَارِضَ النَّهْيِ لَا يُنْبِئُ عَنْ زَوَالِهِ لِأَنَّ مُوجَبَ عَقْدِ الرَّهْنِ إمَّا ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ لِلْمُرْتَهِنِ كَمَا هُوَ عِنْدَنَا أَوْ هُوَ حَقُّ الْبَيْعِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْخَصْمِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَشَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا يُزِيلُ مِلْكَ الْعَيْنِ فَيَبْقَى الْعَيْنُ عَلَى مَا كَانَ عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ، وَإِذَا كَانَ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِهِ وَقَدْ أَزَالَهُ بِالْإِعْتَاقِ صَحَّ، وَيَزُولُ مِلْكُ الْمُرْتَهِنِ فِي الْيَدِ بِنَاءً عَلَيْهِ كَمَا إذَا أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ لِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ أَقْوَى مِنْ مِلْكِ الْيَدِ فَلَمَّا لَمْ يَمْنَعْ الْأَعْلَى وَهُوَ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ لِلشَّرِيكِ عَنْ صِحَّةِ الْعِتْقِ فَلَأَنْ لَا يَمْنَعَ الْأَدْنَى وَهُوَ يَدُ الْمُرْتَهِنِ أَوْلَى. فَإِنْ قِيلَ: لَيْسَ الْمَانِعُ مُنْحَصِرًا فِيمَا يُزِيلُ الْمِلْكَ بَلْ مُجَرَّدُ تَعَلُّقِ الْحَقِّ مَانِعٌ وَلِهَذَا مَنَعَ النَّفَاذَ فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ وَامْتِنَاعُ النَّفَاذِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ إنَّمَا صَلَحَ مَانِعًا فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ لِإِعْدَامِهِ قُدْرَةَ الْعَاقِدِ عَلَى التَّسْلِيمِ الْمَشْرُوطِ بِصِحَّةِ الْعَقْدَيْنِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَوْجُودٍ فِي الْإِعْتَاقِ فَلَا يَصْلُحُ مَانِعًا. وَقَوْلُهُ (وَإِعْتَاقُ الْوَارِثِ) جَوَابٌ عَمَّا تَمَسَّكَ بِهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَادَّعَى أَنَّ إعْتَاقَهُ لَغْوٌ. وَصُورَتُهُ مَرِيضٌ أَوْ وَصِيٌّ بِرَقَبَةِ عَبْدِهِ لِشَخْصٍ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ ثُمَّ مَاتَ وَأَعْتَقَ الْوَارِثُ الْعَبْدَ لَمْ يَنْفُذْ لِحَقِّ الْمُوصَى لَهُ فَكَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي الرَّهْنِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْغُو بَلْ يُؤَخَّرُ إلَى أَدَاءِ السِّعَايَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا إشْكَالَ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ فِي الْحَالِ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا نَفَذَ الْإِعْتَاقُ) رَاجِعٌ إلَى أَوَّلِ الْكَلَامِ: يَعْنِي فَإِذَا ثَبَتَ تَحَقُّقُ الْمُقْتَضِي وَانْتِفَاءُ الْمَانِعِ نَفَذَ الْإِعْتَاقُ، وَإِذَا نَفَذَ الْإِعْتَاقُ بَطَلَ الرَّهْنُ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ وَمَا بَعْدَهُ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (إلَّا إذَا كَانَ بِخِلَافِ جِنْسِ حَقِّهِ) يَعْنِي إلَّا إذَا كَانَ الْحَاصِلُ مِنْ السِّعَايَةِ بِخِلَافِ جِنْسِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ بَلْ يُبْدِلُ بِهِ جِنْسَ حَقِّهِ وَيَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْوُصُولُ) دَلِيلُ وُجُوبِ السِّعَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ. وَقَوْلُهُ (نَذْكُرُهُ) يَعْنِي

فِيهِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا تَحَمَّلَ عَنْهُ، بِخِلَافِ الْمُسْتَسْعَى فِي الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي ضَمَانًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْعَى لِتَحْصِيلِ الْعِتْقِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لِتَكْمِيلِهِ، وَهُنَا يَسْعَى فِي ضَمَانٍ عَلَى غَيْرِهِ بَعْدَ تَمَامِ إعْتَاقِهِ فَصَارَ كَمُعِيرِ الرَّهْنِ ثُمَّ أَبُو حَنِيفَةَ أَوْجَبَ السِّعَايَةَ فِي الْمُسْتَسْعَى الْمُشْتَرَكِ فِي حَالَتَيْ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، وَفِي الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ شَرَطَ الْإِعْسَارَ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ الْمِلْكِ وَأَنَّهُ أَدْنَى مِنْ حَقِيقَتِهِ الثَّابِتَةِ لِلشَّرِيكِ السَّاكِتِ فَوَجَبَ السِّعَايَةُ هُنَا فِي حَالَةِ وَاحِدَةٍ إظْهَارُ النُّقْصَانِ رُتْبَتَهُ بِخِلَافِ الْمُشْتَرَى قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي حَيْثُ لَا يَسْعَى لِلْبَائِعِ إلَّا رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْمَرْهُونُ يَسْعَى؛ لِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ فِي الْحَبْسِ أَضْعَفُ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَمْلِكُهُ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُسْتَوْفَى مِنْ عَيْنِهِ، وَكَذَلِكَ يَبْطُلُ حَقُّهُ فِي الْحَبْسِ بِالْإِعَارَةِ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَالْمُرْتَهِنُ يَنْقَلِبُ حَقُّهُ مِلْكًا، وَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِالْإِعَارَةِ مِنْ الرَّاهِنِ حَتَّى يُمْكِنَهُ الِاسْتِرْدَادُ، فَلَوْ أَوْجَبْنَا السِّعَايَةَ فِيهِمَا لَسَوَّيْنَا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ (وَلَوْ أَقَرَّ الْمَوْلَى بِرَهْنِ عَبْدِهِ) بِأَنْ قَالَ (لَهُ رَهَنْتُك عِنْدَ فُلَانٍ وَكَذَّبَهُ الْعَبْدُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ تَجِبُ السِّعَايَةُ) عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ، وَهُوَ يُعْتَبَرُ، بِإِقْرَارِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَنَحْنُ نَقُولُ أَقَرَّ بِتَعَلُّقِ الْحَقِّ فِي حَالٍ يَمْلِكُ التَّعْلِيقَ فِيهِ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فَيَصِحُّ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ حَالَ انْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ قَالَ (وَلَوْ دَبَّرَهُ الرَّاهِنُ صَحَّ تَدْبِيرُهُ بِالِاتِّفَاقِ) أَمَّا عِنْدَنَا فَظَاهِرٌ، وَكَذَا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يَمْنَعُ الْبَيْعَ عَلَى أَصْلِهِ (وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً فَاسْتَوْلَدَهَا الرَّاهِنُ صَحَّ الِاسْتِيلَادُ بِالِاتِّفَاقِ) ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ بِأَدْنَى الْحَقَّيْنِ وَهُوَ مَا لِلْأَبِ فِي جَارِيَةِ الِابْنِ فَيَصِحُّ بِالْأَعْلَى (وَإِذَا صَحَّا خَرَجَا مِنْ الرَّهْنِ) لِبُطْلَانِ الْمَحَلِّيَّةِ؛ إذْ لَا يَصِحُّ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُمَا (فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا ضَمِنَ قِيمَتَهُمَا) عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْإِعْتَاقِ (وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا اسْتَسْعَى الْمُرْتَهِنُ الْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ فِي جَمِيعِ الدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُمَا مَالُ الْمَوْلَى، بِخِلَافِ الْمُعْتَقِ حَيْثُ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ الدَّيْنِ وَمِنْ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ حَقُّهُ، وَالْمُحْتَبَسُ عِنْدَهُ لَيْسَ إلَّا قَدْرَ الْقِيمَةِ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ، وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ فَلَا تَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ وَلَا يَرْجِعَانِ بِمَا يُؤَدِّيَانِ عَلَى الْمَوْلَى بَعْدَ يَسَارِهِ؛ لِأَنَّهُمَا أَدَّيَاهُ مِنْ مَالِ الْمَوْلَى، وَالْمُعْتَقُ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى مِلْكَهُ عَنْهُ وَهُوَ مُضْطَرٌّ عَلَى مَا مَرَّ وَقِيلَ الدَّيْنُ إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا يَسْعَى الْمُدَبَّرُ فِي قِيمَتِهِ قِنًّا؛ لِأَنَّهُ عِوَضُ الرَّهْنِ حَتَّى تُحْبَسَ مَكَانَهُ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْعِوَضِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ حَالًّا؛ لِأَنَّهُ يَقْضِي بِهِ الدَّيْنَ، وَلَوْ أَعْتَقَ الرَّاهِنُ الْمُدَبَّرَ وَقَدْ قَضَى عَلَيْهِ بِالسِّعَايَةِ أَوْ لَمْ يَقْضِ لَمْ يَسْعَ إلَّا بِقَدْرِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ مِلْكُهُ، وَمَا أَدَّاهُ قَبْلَ الْعِتْقِ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَوْلَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي هَذَا الْبَابِ فِي مَسْأَلَةِ اسْتِيلَادِ الْأَمَةِ الْمَرْهُونَةِ. وَقَوْلُهُ (وَعِنْدَهُمَا لِتَكْمِيلِهِ) يَعْنِي وَإِنْ عَتَقَ عِنْدَهُمَا لَكِنْ فِي عِتْقِهِ نُقْصَانٌ لِكَوْنِهِ مَطْلُوبًا بِالسِّعَايَةِ، فَإِذَا أَدَّاهَا كَمُلَ الْعِتْقُ. وَقَوْلُهُ إلَّا رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّ الْمَبِيعَ مَحْبُوسٌ فِي يَدِ الْبَائِعِ كَالرَّهْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ. وَقَوْلُهُ (وَالْمُرْتَهِنُ يَنْقَلِبُ حَقُّهُ مِلْكًا) يَعْنِي أَنَّ الرَّهْنَ إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ كَانَ مَالِكًا مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ، وَبَاقِي كَلَامِهِ وَاضِحٌ قَالَ (وَلَوْ دَبَّرَهُ الرَّاهِنُ صَحَّ تَدْبِيرُهُ إلَخْ) الرَّاهِنُ إذَا دَبَّرَ الرَّهْنَ صَحَّ تَدْبِيرُهُ بِالِاتِّفَاقِ، أَمَّا عِنْدَنَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ يُوجِبُ حَقَّ الْعِتْقِ وَحَقِيقَتُهُ لَمْ تُمْنَعْ فَحَقُّهُ أَوْلَى، وَأَمَّا عِنْدَهُ: أَيْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْبَيْعَ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا صَحَّا) يَعْنِي التَّدْبِيرَ وَالِاسْتِيلَادَ (خَرَجَا) أَيْ الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ: يَعْنِي عِنْدَنَا. وَأَمَّا عِنْدَهُ فَإِنَّ الْمُدَبَّرَ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ لِقَبُولِهِ حُكْمِ الرَّهْنِ كَمَا مَرَّ

لِأَنَّهُ أَدَّاهُ مِنْ مَالِ الْمَوْلَى قَالَ (وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَهْلَكَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ) ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مُحْتَرَمٌ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالْإِتْلَافِ، وَالضَّمَانُ رَهْنٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْعَيْنِ (فَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ أَجْنَبِيٌّ فَالْمُرْتَهِنُ هُوَ الْخَصْمُ فِي تَضْمِينِهِ فَيَأْخُذُ الْقِيمَةَ وَتَكُونُ رَهْنًا فِي يَدِهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِعَيْنِ الرَّهْنِ حَالَ قِيَامِهِ فَكَذَا فِي اسْتِرْدَادِ مَا قَامَ مَقَامَهُ، وَالْوَاجِبُ عَلَى هَذَا الْمُسْتَهْلِكِ قِيمَتُهُ يَوْمَ هَلَكَ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ اسْتَهْلَكَهُ خَمْسَمِائَةٍ وَيَوْمَ رَهَنَ أَلْفًا غَرِمَ خَمْسَمِائَةٍ وَكَانَتْ رَهْنًا وَسَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ فَصَارَ الْحُكْمُ فِي الْخَمْسِمِائَةِ الزِّيَادَةَ كَأَنَّهَا هَلَكَتْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي ضَمَانِ الرَّهْنِ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْقَبْضِ لَا يَوْمَ الْفِكَاكِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ السَّابِقَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَبْضٌ اسْتِيفَاءً، إلَّا أَنَّهُ يَتَقَرَّرُ عِنْدَ الْهَلَاكِ (وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ الْمُرْتَهِنُ وَالدَّيْنُ مُؤَجَّلٌ غَرِمَ الْقِيمَةَ) ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مِلْكَ الْغَيْرِ (وَكَانَتْ رَهْنًا فِي يَدِهِ حَتَّى يَحِلَّ الدَّيْنُ) ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ بَدَلُ الْعَيْنِ فَأَخَذَ حُكْمَهُ (وَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ وَهُوَ عَلَى صِفَةِ الْقِيمَةِ اسْتَوْفَى الْمُرْتَهِنُ مِنْهَا قَدْرَ حَقِّهِ) ؛ لِأَنَّهُ جِنْسُ حَقِّهِ (ثُمَّ إنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ يَرُدُّهُ عَلَى الرَّاهِنِ) ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ وَقَدْ فَرَغَ عَنْ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ (وَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ الدَّيْنِ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ إلَى خَمْسِمِائَةٍ وَقَدْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الرَّهْنِ أَلْفًا وَجَبَ بِالِاسْتِهْلَاكِ خَمْسُمِائَةٍ وَسَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ) ؛ لِأَنَّ مَا انْتَقَصَ كَالْهَالِكِ ـــــــــــــــــــــــــــــQآنِفًا، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ وَقَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَهْلَكَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا ضَمِنَ قِيمَتَهُمَا. وَقَوْلُهُ وَالْوَاجِبُ عَلَى هَذَا الْمُسْتَهْلِكِ: يَعْنِي الْأَجْنَبِيَّ، وَقَيَّدَهُ بِذَلِكَ احْتِرَازًا عَنْ اسْتِهْلَاكِ الْمُرْتَهِنِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ قَبَضَ لَا يَوْمَ هَلَكَ كَمَا سَيَجِيءُ. وَقَوْلُهُ (كَأَنَّهَا هَلَكَتْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ) يَعْنِي تَكُونُ الزِّيَادَةُ مَضْمُونَةً عَلَى الْمُرْتَهِنِ. وَقَوْلُهُ (وَالْمُعْتَبَرُ فِي ضَمَانِ الرَّهْنِ) تَعْلِيلُ ذَلِكَ، قِيلَ عَلَيْهِ النُّقْصَانُ إنَّمَا هُوَ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ وَأَنَّهُ لَا يُسْقِطُ مِنْ الدَّيْنِ شَيْئًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعَيْنَ قَدْ تَغَيَّرَتْ فَكَانَتْ بِمَثَابَةِ لَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً تَرْجِعُ إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ، فَبِالْهَلَاكِ فَاتَتْ تِلْكَ الصَّلَاحِيَةُ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي ابْتِدَاءِ الْقَبْضِ ضَمَانُ تِلْكَ الْقِيمَةِ فَسَقَطَ قَدْرُ النُّقْصَانِ مِنْ الْعَيْنِ عِنْدَ الْقَتْلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَتَغَيَّرْ الْعَيْنُ وَقَدْ تَرَاجَعَ السِّعْرُ، لِأَنَّ الْعَيْنَ الَّتِي قَبَضَهَا بِحَالِهَا مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ فَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ الدَّيْنِ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ) إشَارَةٌ إلَى هَذَا السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ.

وَسَقَطَ الدَّيْنُ بِقَدْرِهِ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ فَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ لَا بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْبَاقِي بِالْإِتْلَافِ وَهُوَ قِيمَتُهُ يَوْمَ أُتْلِفَ قَالَ (وَإِذَا أَعَارَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ لِلرَّاهِنِ لِيَخْدُمَهُ أَوْ لِيَعْمَلَ لَهُ عَمَلًا فَقَبَضَهُ خَرَجَ مِنْ ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ) لِمُنَافَاةٍ بَيْنَ يَدِ الْعَارِيَّةِ وَيَدِ الرَّهْنِ (فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ هَلَكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ) لِفَوَاتِ الْقَبْضِ الْمَضْمُونِ (وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَسْتَرْجِعَهُ إلَى يَدِهِ) ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ بَاقٍ إلَّا فِي حُكْمِ الضَّمَانِ فِي الْحَالِّ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ الرَّاهِنُ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ كَانَ الْمُرْتَهِنُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ يَدَ الْعَارِيَّةِ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ وَالضَّمَانُ لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ الرَّهْنِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ ثَابِتٌ فِي وَلَدِ الرَّهْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا بِالْهَلَاكِ، وَإِذَا بَقِيَ عَقْدُ الرَّهْنِ فَإِذَا أَخَذَهُ عَادَ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ عَادَ الْقَبْضُ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ فَيَعُودُ بِصِفَتِهِ (وَكَذَلِكَ لَوْ أَعَارَهُ أَحَدُهُمَا أَجْنَبِيًّا بِإِذْنِ الْآخَرِ سَقَطَ حُكْمُ الضَّمَانِ) لِمَا قُلْنَا (وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرُدَّهُ رَهْنًا كَمَا كَانَ) ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقًّا مُحْتَرَمًا فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَإِذَا أَعَارَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ لِلرَّاهِنِ) فِيهِ تَسَامُحٌ، لِأَنَّ الْإِعَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَالْمُرْتَهِنُ لَا يَمْلِكُهَا فَكَيْفَ يَمْلِكُهَا غَيْرُهُ، وَلَكِنْ لَمَّا عُومِلَ مُعَامَلَةَ الْإِعَارَةِ مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ وَتَمَكَّنَ اسْتِرْدَادُ الْمُعِيرِ أَطْلَقَ الْإِعَارَةَ. وَقَوْلُهُ (لِمُنَافَاةٍ بَيْنَ يَدِ الْعَارِيَّةِ وَيَدِ الرَّهْنِ) لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ يُوجِبُ الضَّمَانَ وَقَبْضَ الْعَارِيَّةِ لَا يُوجِبُهُ. وَفِي إيجَابِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بَعْدَ الْإِعَارَةِ يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا يَجِبُ إذَا كَانَ يَدُ الرَّاهِنِ بَعْدَ الْإِعَارَةِ يَدَ الْمُرْتَهِنِ، وَيَدُهُ إذْ ذَاكَ يَدُ عَارِيَّةٍ وَفِي ذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَهُمَا لَا مَحَالَةَ، فَاعْتَبَرْنَا يَدَ الرَّاهِنِ يَدَ رَهْنٍ لِلُزُومِ عَقْدِ الرَّهْنِ وَأَزَلْنَا الضَّمَانَ لِفَوَاتِ الْقَبْضِ الْمُوجِبِ لَهُ وَهُوَ مَحْسُوسٌ لَا يَرِدُ، وَلِجَوَازِ انْفِكَاكِ الرَّهْنِ عَنْ كَوْنِهِ مَضْمُونًا فِي الْجُمْلَةِ كَمَا فِي وَلَدِ الرَّهْنِ، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ فِي غَايَةِ التَّحْقِيقِ شَكَرَ اللَّهُ سَعْيَهُ. وَقَوْلُهُ (لِمَا قُلْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِمُنَافَاةٍ بَيْنَ يَدِ الْعَارِيَّةِ وَيَدِ الرَّهْنِ.

وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ إذَا بَاشَرَهَا أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ حَيْثُ يَخْرُجُ عَنْ الرَّهْنِ فَلَا يَعُودُ إلَّا بِعَقْدٍ مُبْتَدَإٍ (وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ قَبْلَ الرَّدِّ إلَى الْمُرْتَهِنِ يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ أُسْوَةً لِلْغُرَمَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِالرَّهْنِ حَقٌّ لَازِمٌ بِهَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ فَيَبْطُلُ بِهِ حُكْمُ الرَّهْنِ، أَمَّا بِالْعَارِيَّةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ فَافْتَرَقَا (وَإِذَا اسْتَعَارَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ مِنْ الرَّاهِنِ لِيَعْمَلَ بِهِ فَهَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي الْعَمَلِ هَلَكَ عَلَى ضَمَانِ الرَّهْنِ) لِبَقَاءِ يَدِ الرَّهْنِ (وَكَذَا إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ) لِارْتِفَاعِ يَدِ الْعَارِيَّةِ (وَلَوْ هَلَكَ فِي حَالَةِ الْعَمَلِ هَلَكَ بِغَيْرِ ضَمَانٍ) لِثُبُوتِ يَدِ الْعَارِيَّةِ بِالِاسْتِعْمَالِ، وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِيَدِ الرَّاهِنِ فَانْتَفَى الضَّمَانُ (وَكَذَا إذَا أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ بِالِاسْتِعْمَالِ) لِمَا بَيَّنَّاهُ (وَمَنْ اسْتَعَارَ مِنْ غَيْرِهِ ثَوْبًا لِيَرْهَنَهُ فَمَا رَهَنَهُ بِهِ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ فَهُوَ جَائِزٌ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِإِثْبَاتِ مِلْكِ الْيَدِ فَيُعْتَبَرُ بِالتَّبَرُّعِ بِإِثْبَاتِ مِلْكِ الْعَيْنِ وَالْيَدِ وَهُوَ قَضَاءُ الدَّيْنِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَنْفَصِلَ مِلْكُ الْيَدِ عَنْ مِلْكِ الْعَيْنِ ثُبُوتًا لِلْمُرْتَهِنِ كَمَا يَنْفَصِلُ زَوَالًا فِي حَقِّ الْبَائِعِ، وَالْإِطْلَاقُ وَاجِبُ الِاعْتِبَارِ خُصُوصًا فِي الْإِعَارَةِ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهَا لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ (وَلَوْ عَيَّنَ قَدْرًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَهَذَا) أَيْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ إعَارَةِ أَحَدِهِمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ أَجْنَبِيًّا (بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ) وَجُمْلَةُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ سِتَّةٌ: الْعَارِيَّةُ، الْوَدِيعَةُ، وَالرَّهْنُ، وَالْإِجَارَةُ، وَالْبَيْعُ، وَالْهِبَةُ فَالْعَارِيَّةُ تُوجِبُ سُقُوطَ الضَّمَانِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَعِيرُ هُوَ الرَّاهِنَ أَوْ الْمُرْتَهِنَ إذَا هَلَكَ حَالَةَ الِاسْتِعْمَالِ أَوْ أَجْنَبِيًّا وَلَا يُرْفَعُ عَقْدُ الرَّهْنِ، وَحُكْمُ الْوَدِيعَةِ كَحُكْمِ الْعَارِيَّةِ، وَالرَّهْنُ يُبْطِلُ عَقْدَ الرَّهْنِ، وَأَمَّا الْإِجَارَةُ فَالْمُسْتَأْجِرُ إنْ كَانَ هُوَ الرَّاهِنَ فَهِيَ بَاطِلَةٌ وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَعَارَ مِنْهُ أَوْ أَوْدَعَهُ فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُرْتَهِنَ وَجَدَّدَ الْقَبْضَ لِلْإِجَارَةِ أَوْ أَجْنَبِيًّا بِمُبَاشَرَةِ أَحَدِهِمَا الْعَقْدَ بِإِذْنِ الْآخَرِ بَطَلَ الرَّهْنُ وَالْأُجْرَةُ لِلرَّاهِنِ وَوِلَايَةُ الْقَبْضِ لِلْعَاقِدِ وَلَا يَعُودُ رَهْنًا إلَّا بِالِاسْتِئْنَافِ، وَأَمَّا الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ فَإِنَّ الْعَقْدَ يَبْطُلُ بِهِمَا إذَا كَانَا مِنْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ بِمُبَاشَرَةِ أَحَدِهِمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ، وَأَمَّا مِنْ الرَّاهِنِ فَلَا يُتَصَوَّرُ (وَقَوْلُهُ لِمَا بَيَّنَّا) يَعْنِي فِي صُورَةِ الْعَارِيَّةِ، ثُمَّ لَوْ اخْتَلَفَا فِي وَقْتِ الْهَلَاكِ فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ وَالْبَيِّنَةُ لِلرَّاهِنِ. قَالَ (وَمَنْ اسْتَعَارَ مِنْ غَيْرِهِ ثَوْبًا إلَخْ) وَمَنْ اسْتَعَارَ ثَوْبًا لِيَرْهَنَهُ فَالْمُعِيرُ إمَّا أَنْ يُطْلِقَ فِي ذَلِكَ أَوْ يُقَيِّدَهُ بِشَيْءٍ. فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَمَا رَهَنَهُ الْمُسْتَعِيرُ بِهِ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ جَائِزٌ عَمَلًا بِالْإِطْلَاقِ وَكَانَ ذَلِكَ تَبَرُّعًا مِنْ الْمُعِيرِ بِإِثْبَاتِ مِلْكِ الْيَدِ فَيُعْتَبَرُ بِإِثْبَاتِ مِلْكِ الْعَيْنِ وَالْيَدِ جَمِيعًا بِأَنْ اسْتَأْذَنَ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنًا عَلَيْهِ بِمَالِهِ. فَإِنْ قِيلَ: اعْتِبَارٌ غَيْرُ صَحِيحٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ صِحَّةُ ذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ الْعَيْنِ وَالْيَدِ فِيهِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الِاتِّصَالَ غَيْرُ مَانِعٍ لِعَدَمِ اسْتِلْزَامِ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْفَصِلَ مِلْكُ الْيَدِ عَنْ مِلْكِ الْعَيْنِ ثُبُوتًا كَالصَّبِيِّ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ مِلْكُ الْعَيْنِ دُونَ الْيَدِ، وَزَوَالًا كَالْبَائِعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَإِنَّهُ يَزُولُ مِلْكُ الْيَدِ دُونَ مِلْكِ الْعَيْنِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جَازَ أَنْ يَثْبُتَ لِلْمُرْتَهِنِ مِلْكُ الْيَدِ دُونَ الْعَيْنِ. قَوْلُهُ (لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهَا لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ) يَعْنِي الْمُنَازَعَةَ الْمَانِعَةَ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ فَإِنَّهَا هِيَ الْمُفْسِدَةُ لِلْعَقْدِ، فَصَارَ كَمَا إذَا أَعَارَ ثَوْبًا وَأَطْلَقَ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي سَوَاءٌ كَانَ التَّقْيِيدُ بِالْقَدْرِ أَوْ الْجِنْسِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْبَلَدِ ضَمِنَ الْقِيمَةَ بِالْمُخَالَفَةِ لِصَيْرُورَتِهِ غَاصِبًا بِالتَّصَرُّفِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَإِنْ كَانَ

لَا يَجُوزُ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَرْهَنَهُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ، وَلَا بِأَقَلَّ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ مُفِيدٌ، وَهُوَ يَنْفِي الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ الِاحْتِبَاسُ بِمَا تَيَسَّرَ أَدَاؤُهُ، وَيَنْفِي النُّقْصَانَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ أَنْ يَصِيرَ مُسْتَوْفِيًا لِلْأَكْثَرِ بِمُقَابَلَتِهِ عِنْدَ الْهَلَاكِ لِيَرْجِعَ بِهِ عَلَيْهِ (وَكَذَلِكَ التَّقْيِيدُ بِالْجِنْسِ وَبِالْمُرْتَهِنِ وَبِالْبَلَدِ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مُفِيدٌ لِتَيَسُّرِ الْبَعْضِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْبَعْضِ وَتَفَاوُتِ الْأَشْخَاصِ فِي الْأَمَانَةِ وَالْحِفْظِ (فَإِذَا خَالَفَ كَانَ ضَامِنًا، ثُمَّ إنْ شَاءَ الْمُعِيرُ ضَمَّنَ الْمُسْتَعِيرَ وَيَتِمُّ عَقْدُ الرَّهْنِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْتَهِنِ) ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ (وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ، وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ بِمَا ضَمِنَ وَبِالدَّيْنِ عَلَى الرَّاهِنِ) وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ (وَإِنْ وَافَقَ) بِأَنْ رَهَنَهُ بِمِقْدَارِ مَا أَمَرَهُ بِهِ (إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَهَلَكَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ يَبْطُلُ الْمَالُ عَنْ الرَّاهِنِ) لِتَمَامِ الِاسْتِيفَاءِ بِالْهَلَاكِ (وَوَجَبَ مِثْلُهُ لِرَبِّ الثَّوْبِ عَلَى الرَّاهِنِ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَاضِيًا دَيْنَهُ بِمَالِهِ بِهَذَا الْقَدْرِ وَهُوَ الْمُوجِبُ لِلرُّجُوعِ دُونَ الْقَبْضِ بِذَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ بِرِضَاهُ، وَكَذَلِكَ إنْ أَصَابَهُ عَيْبٌ ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِهِ وَوَجَبَ مِثْلُهُ لِرَبِّ الثَّوْبِ عَلَى الرَّاهِنِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ. (وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ ذَهَبَ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ وَعَلَى الرَّاهِنِ بَقِيَّةُ دَيْنِهِ لِلْمُرْتَهِنِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الِاسْتِيفَاءُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى قِيمَتِهِ وَعَلَى الرَّاهِنِ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ مَا صَارَ بِهِ مُوفِيًا لِمَا بَيَّنَّاهُ (وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ فَأَرَادَ الْمُعِيرُ أَنْ يَفْتَكَّهُ جَبْرًا عَنْ الرَّاهِنِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ إذَا قَضَى دَيْنَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَبَرِّعٍ حَيْثُ يُخَلِّصُ مِلْكَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّقْيِيدُ بِالْقَدْرِ هِيَ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ لِفَوَاتِ الْغَرَضِ فَإِنَّ غَرَضَهُ الِاحْتِبَاسُ بِمَا تَيَسَّرَ أَدَاؤُهُ إنْ احْتَاجَ إلَى فِكَاكِهِ وَهُوَ أَقَلُّ الْمَالَيْنِ، فَالزِّيَادَةُ زِيَادَةُ ضَرَرٍ وَبَقِيَ النُّقْصَانُ لِأَنَّ غَرَضَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ أَكْثَرَ الْمَالَيْنِ إنْ هَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ، فَإِنَّ الرَّاهِنَ يَرُدُّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا تَمَّ الِاسْتِيفَاءُ بِهِ بِالْهَلَاكِ، وَيَفُوتُ ذَلِكَ إذَا رَهَنَ بِالْأَقَلِّ وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَوَجَبَ مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ مَا تَمَّ الِاسْتِيفَاءُ بِهِ بِالْهَلَاكِ وَهُوَ مِقْدَارُ الدَّيْنِ الْمُسَمَّى لَا مِثْلُ قِيمَةِ الثَّوْبِ إنْ كَانَتْ أَكْثَرَ، لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ عِنْدَ الْهَلَاكِ أَمَانَةٌ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، وَهُوَ مَا إذَا وَافَقَ الْمُسْتَعِيرُ الْمُعِيرَ فِيمَا شَرَطَهُ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) يَعْنِي قَوْلَهُ لِأَنَّهُ صَارَ قَاضِيًا دَيْنَهُ بِمَالِهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ لِمَا بَيَّنَّاهُ إشَارَةٌ إلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (أَنْ يَفْتَكَّهُ جَبْرًا عَنْ الرَّاهِنِ) قِيلَ مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ. وَقِيلَ نِيَابَةً وَلَعَلَّهُ مِنْ الْجُبْرَانِ: يَعْنِي جُبْرَانًا

وَلِهَذَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا أَدَّى الْمُعِيرُ فَأُجْبِرَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الدَّفْعِ (بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ إذَا قَضَى الدَّيْنَ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ؛ إذْ هُوَ لَا يَسْعَى فِي تَخْلِيصِ مِلْكِهِ وَلَا فِي تَفْرِيغِ ذِمَّتِهِ فَكَانَ لِلطَّالِبِ أَنْ لَا يَقْبَلَهُ (وَلَوْ هَلَكَ الثَّوْبُ الْعَارِيَّةُ عِنْدَ الرَّاهِنِ قَبْلَ أَنْ يَرْهَنَهُ أَوْ بَعْدَ مَا افْتَكَّهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ قَاضِيًا بِهَذَا، وَهُوَ الْمُوجِبُ عَلَى مَا بَيَّنَّا (وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ فَالْقَوْلُ لِلرَّاهِنِ) لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْإِيفَاءَ بِدَعْوَاهُ الْهَلَاكَ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ. (كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ مَا أَمَرَهُ بِالرَّهْنِ بِهِ فَالْقَوْلُ لِلْمُعِيرِ) ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَا فَاتَ عَنْ الرَّاهِنِ مِنْ الْقَضَاءِ بِنَفْسِهِ. وَقَوْلُهُ (وَلِهَذَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا أَدَّى) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: لَيْسَ مُجْرًى عَلَى إطْلَاقِهِ، بَلْ مَعْنَاهُ يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا أَدَّى إذَا كَانَ مَا أَدَّاهُ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ لَا مَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْهَا: يَعْنِي إنْ كَانَ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَلْفًا وَرَهَنَهُ بِأَلْفَيْنِ فَافْتَكَّهُ الْمُعِيرُ بِأَلْفَيْنِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا زَادَ عَلَى قِيمَتِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ لَمْ يَضْمَنْ الرَّاهِنُ لِلْمُعِيرِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَيْسَ بِوَارِدٍ عَلَى الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ مِثْلَ الدَّيْنِ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ صَارَ قَاضِيًا دَيْنَهُ بِمَالِهِ (وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي كَوْنِ الْهَلَاكِ حَالَ الرَّهْنِ أَوْ غَيْرَهُ فَقَالَ الْمُعِيرُ هَلَكَ حَالَ الرَّهْنِ وَقَالَ الْمُسْتَعِيرُ هَلَكَ قَبْلَ الرَّهْنِ أَوْ بَعْدَ الِافْتِكَاكِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ لِمَا ذُكِرَ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُعِيرِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الضَّمَانَ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا ادَّعَى الرَّاهِنُ الْهَلَاكَ بَعْدَ الْفِكَاكِ فَقَدْ أَقَرَّ بِسَبَبِ وُجُوبِ الضَّمَانِ وَهُوَ رَهْنُهُ الثَّوْبَ بِدَيْنِهِ ثُمَّ ادَّعَى مَا يَنْسَخُهُ وَهُوَ الْفِكَاكُ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ حُجَّةٍ كَمَا إذَا ادَّعَى الْغَاصِبُ رَدَّ الْمَغْصُوبِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ فَرَاغُ ذِمَّتِهِ عَنْ الدَّيْنِ بِمَالِيَّةِ الرَّهْنِ وَلَمْ يُقِرَّ بِذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ اخْتَلَفَا) هَكَذَا فِي نُسْخَةِ قِرَاءَتِي عَلَى الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَدْ وَقَعَ فِي النُّسَخِ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوحِ: لَيْسَ بِصَحِيحٍ

فِي إنْكَارِ أَصْلِهِ فَكَذَا فِي إنْكَارِ وَصْفِهِ (وَلَوْ رَهَنَهُ الْمُسْتَعِيرُ بِدَيْنٍ مَوْعُودٍ وَهُوَ أَنْ يَرْهَنَهُ بِهِ لِيُقْرِضَهُ كَذَا فَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ قَبْلَ الْإِقْرَاضِ وَالْمُسَمَّى وَالْقِيمَةُ سَوَاءٌ يَضْمَنُ قَدْرَ الْمَوْعُودِ الْمُسَمَّى) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ كَالْمَوْجُودِ وَيَرْجِعُ الْمُعِيرُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّ سَلَامَةَ مَالِيَّةِ الرَّهْنِ بِاسْتِيفَائِهِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ كَسَلَامَتِهِ بِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ عَنْهُ (وَلَوْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْمُعِيرُ جَازَ) لِقِيَامِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ (ثُمَّ الْمُرْتَهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَجَعَ بِالدَّيْنِ عَلَى الرَّاهِنِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِهِ (وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمُعِيرُ قِيمَتَهُ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ بِرِضَاهُ وَقَدْ أَتْلَفَهُ بِالْإِعْتَاقِ (وَتَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ إلَى أَنْ يَقْبِضَ دَيْنَهُ فَيَرُدَّهَا إلَى الْمُعِيرِ) ؛ لِأَنَّ اسْتِرْدَادَ الْقِيمَةِ كَاسْتِرْدَادِ الْعَيْنِ (وَلَوْ اسْتَعَارَ عَبْدًا أَوْ دَابَّةً لِيَرْهَنَهُ فَاسْتَخْدَمَ الْعَبْدَ أَوْ رَكِبَ الدَّابَّةَ قَبْلَ أَنْ يَرْهَنَهُمَا ثُمَّ رَهَنَهُمَا بِمَالٍ مِثْلِ قِيمَتِهِمَا ثُمَّ قَضَى الْمَالَ فَلَمْ يَقْبِضْهُمَا حَتَّى هَلَكَا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الرَّاهِنِ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ حِينَ رَهَنَهُمَا، فَإِنَّهُ كَانَ أَمِينًا خَالَفَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ (وَكَذَا إذَا افْتَكَّ الرَّهْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالصَّوَابُ بِالْوَاوِ لِأَنَّ فِي لَفْظٍ كَمَا يَخْتَلِفُ الْغَرَضُ، إذْ فِي الْأَوَّلِ الْقَوْلُ لِلرَّاهِنِ وَهُوَ الْمُسْتَعِيرُ وَفِي الثَّانِي لِلْمُعِيرِ فَكَيْفَ يَصِحُّ التَّشْبِيهُ. وَقَوْلُهُ (فِي إنْكَارِ أَصْلِهِ) يُرِيدُ عَقْدَ الْعَارِيَّةِ وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ اسْتِرْدَادَ الْقِيمَةِ كَاسْتِرْدَادِ الْعَيْنِ) يَعْنِي أَنَّ الْمُرْتَهِنَ اسْتَرَدَّ قِيمَةَ الرَّهْنِ مِنْ الْمُعِيرِ وَاسْتِرْدَادُ الْقِيمَةِ كَاسْتِرْدَادِ الْعَيْنِ، وَلَوْ اسْتَرَدَّ الْعَيْنَ ثُمَّ اسْتَوْفَى دَيْنَهُ مِنْ الرَّاهِنِ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ الْعَيْن فَكَذَلِكَ رَدُّ قِيمَتِهِ وَقَوْلُهُ (وَلَوْ اسْتَعَارَ عَبْدًا أَوْ دَابَّةً لِيَرْهَنَهُ) وَاضِحٌ.

[وجناية الراهن على الرهن]

ثَمَّ رَكِبَ الدَّابَّةَ أَوْ اسْتَخْدَمَ الْعَبْدَ فَلَمْ يَعْطَبْ ثُمَّ عَطِبَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ لَا يَضْمَنُ) ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْفِكَاكِ بِمَنْزِلَةِ الْمُودَعِ لَا بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَعِيرِ لِانْتِهَاءِ حُكْمِ الِاسْتِعَارَةِ بِالْفِكَاكِ وَقَدْ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ فَيَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ نَفْسِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْوُصُولِ إلَى يَدِ الْمَالِكِ، أَمَّا الْمُسْتَعِيرُ فِي الرَّهْنِ فَيَحْصُلُ مَقْصُودُ الْآمِرِ وَهُوَ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْهَلَاكِ وَتَحَقُّقِ الِاسْتِيفَاءِ قَالَ (وَجِنَايَةُ الرَّاهِنِ عَلَى الرَّهْنِ مَضْمُونَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ تَفْوِيتُ حَقٍّ لَازِمٍ مُحْتَرَمٍ، وَتَعَلُّقُ مِثْلِهِ بِالْمَالِ يَجْعَلُ الْمَالِكَ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي حَقِّ الضَّمَانِ كَتَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِمَالِ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ يَمْنَعُ نَفَاذَ تَبَرُّعِهِ فِيمَا وَرَاءَ الثُّلُثِ، وَالْعَبْدُ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ إذَا أَتْلَفَهُ الْوَرَثَةُ ضَمِنُوا قِيمَتَهُ لِيُشْتَرَى بِهَا عَبْدٌ يَقُومُ مَقَامَهُ قَالَ (وَجِنَايَةُ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ تَسْقُطُ مِنْ دَيْنِهِ بِقَدْرِهَا) وَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ عَلَى صِفَةِ الدَّيْنِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ مِلْكُ الْمَالِكِ، وَقَدْ تَعَدَّى عَلَيْهِ الْمُرْتَهِنُ فَيَضْمَنُهُ لِمَالِكِهِ قَالَ (وَجِنَايَةُ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ وَعَلَى مَالِهِمَا هَدْرٌ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: جِنَايَتُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ مُعْتَبَرَةٌ، وَالْمُرَادُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ مَا يُوجِبُ الْمَالَ، أَمَّا الْوِفَاقِيَّةُ فَلِأَنَّهَا جِنَايَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ كَانَ الْكَفَنُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ جِنَايَةِ الْمَغْصُوبِ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ يَثْبُتُ لِلْغَاصِبِ مُسْتَنِدًا حَتَّى يَكُونَ الْكَفَنُ عَلَيْهِ، فَكَانَتْ جِنَايَةً عَلَى غَيْرِ الْمَالِكِ فَاعْتُبِرَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ فِي آخِرِهِ (أَمَّا الْمُسْتَعِيرُ فِي الرَّهْنِ فَيَحْصُلُ مَقْصُودُ الْآمِرِ) يَعْنِي بِتَسْلِيمِ الرَّهْنِ إلَى الْمُرْتَهِنِ سَعَى فِي جَعْلِ الْمُسْتَعِيرِ فِي الرَّهْنِ بِمَعْنَى الْمُودَعِ لِيَكُونَ التَّسْلِيمُ إلَى الْمُرْتَهِنِ بِمَنْزِلَةِ رَدِّهِ إلَى صَاحِبِهِ فَيَبْرَأَ مِنْ الضَّمَانِ، وَهُوَ صَحِيحٌ ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الِاسْتِعْمَالُ قَبْلَ الرَّهْنِ، أَمَّا بَعْدَ فِكَاكِهِ فَلَيْسَ ثَمَّةَ تَحْصِيلُ مَقْصُودِ الْآمِرِ فَلَا يَكُونُ دَافِعًا لِمَا يَرِدُ مِنْ صُورَةِ الْمُسْتَعِيرِ فِي غَيْرِ الرَّهْنِ. وَقَدْ أُجِيبَ بِأَنَّ ثَمَّ الرَّدُّ إلَى نَائِبِ الْمُعِيرِ وَهُوَ الْمُسْتَعِيرُ نَفْسُهُ قَدْ وُجِدَ، لِأَنَّ الرَّاهِنَ الَّذِي هُوَ الْمُسْتَعِيرُ بَعْدَ الْفِكَاكِ مُودَعٌ وَالْمُودَعُ يَبْرَأُ بِالْعَوْدِ إلَى الْوِفَاقِ. فَالْعَوْدُ إلَى الْوِفَاقِ قَبْلَ الرَّهْنِ كَأَنَّهُ رَدَّ إلَى صَاحِبِهِ حُكْمًا وَبَعْدَهُ إلَى نَائِبِهِ كَذَلِكَ وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ مُخْتَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَأَمَّا اخْتِيَارُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَهُوَ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ بِالْعَوْدِ إلَى الْوِفَاقِ دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ [وَجِنَايَةُ الرَّاهِنِ عَلَى الرَّهْنِ] قَالَ (وَجِنَايَةُ الرَّاهِنِ عَلَى الرَّهْنِ مَضْمُونَةٌ) مَعْنَاهُ وَاضِحٌ وَعَنَى بِاللَّازِمِ مَا لَا يُقْدَرُ عَلَى إسْقَاطِهِ بِانْفِرَادِهِ وَبِالْمُحْتَرَمِ هُوَ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ مَمْنُوعًا عَنْ إبْطَالِهِ وَقَوْلُهُ (وَالْمُرَادُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ مَا يُوجِبُ الْمَالَ) يَعْنِي أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ فِي النَّفْسِ أَوْ مَا دُونَهَا خَطَأً أَمَّا مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِالْإِجْمَاعِ. وَقَوْلُهُ (أَمَّا الْوِفَاقِيَّةُ) يَعْنِي أَمَّا وَجْهُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي اتَّفَقُوا فِي حُكْمِهَا وَهِيَ أَنَّ جِنَايَةَ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ هَدَرٌ (فَلِأَنَّهَا جِنَايَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ) فِيمَا يُوجِبُ الْمَالَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا مَاتَ وَجَبَ الْكَفَنُ عَلَى مَوْلَاهُ وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ هَدَرٌ لِأَنَّهُ لَوْ جَنَى عَلَى غَيْرِهِ وَجَبَ عَلَى مَوْلَاهُ مِنْ مَالِهِ، فَإِذَا جَنَى عَلَيْهِ شَيْءٌ لَكَانَ وَاجِبًا لَهُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ. وَنُوقِضَ بِالْمَغْصُوبِ إذَا جَنَى عَلَى مَالِكِهِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ فَإِنَّهَا تُوجِبُ الضَّمَانَ. وَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَا فِي الْكِتَابِ، بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقِصَاصِ فَإِنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِهَا دَمُهُ وَالْمَوْلَى أَجْنَبِيٌّ عَنْهُ. يُوَضِّحُهُ أَنَّ إقْرَارَ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقِصَاصِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَبِالْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ

وَلَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ الْجِنَايَةَ حَصَلَتْ عَلَى غَيْرِ مَالِكِهِ وَفِي الِاعْتِبَارِ فَائِدَةٌ وَهُوَ دَفْعُ الْعَبْدِ إلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ فَتُعْتَبَرُ ثُمَّ إنْ شَاءَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ أَبْطَلَا الرَّهْنَ وَدَفَعَاهُ بِالْجِنَايَةِ إلَى الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ لَا أَطْلُبُ الْجِنَايَةَ فَهُوَ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ وَلَهُ أَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ لَوْ اعْتَبَرْنَا لِلْمُرْتَهِنِ كَانَ عَلَيْهِ التَّطْهِيرُ مِنْ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ فِي ضَمَانِهِ فَلَا يُفِيدُ وُجُوبُ الضَّمَانِ لَهُ مَعَ وُجُوبِ التَّخْلِيصِ عَلَيْهِ، وَجِنَايَتُهُ عَلَى مَالِ الْمُرْتَهِنِ لَا تُعْتَبَرُ بِالِاتِّفَاقِ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ وَالدَّيْنُ سَوَاءً؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي اعْتِبَارِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَلَّكُ الْعَبْدَ وَهُوَ الْفَائِدَةُ، وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ؛ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِقَدْرِ الْأَمَانَةِ؛ لِأَنَّ الْفَضْلَ لَيْسَ فِي ضَمَانِهِ فَأَشْبَهَ جِنَايَةُ الْعَبْدِ الْوَدِيعَةَ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ وَعَنْهُ أَنَّهَا لَا تُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ وَهُوَ الْحَبْسُ فِيهِ ثَابِتٌ فَصَارَ كَالْمَضْمُونِ، وَهَذَا بِخِلَافِ جِنَايَةِ الرَّهْنِ عَلَى ابْنِ الرَّاهِنِ أَوْ ابْنِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ حَقِيقَةٌ مُتَبَايِنَةٌ فَصَارَ كَالْجِنَايَةِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ قَالَ (وَمَنْ رَهَنَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفٍ إلَى أَجَلٍ فَنَقَصَ فِي السِّعْرِ فَرَجَعَتْ قِيمَتُهُ إلَى مِائَةٍ ثُمَّ قَتَلَهُ رَجُلٌ وَغَرِمَ قِيمَتَهُ مِائَةً ثُمَّ حَلَّ الْأَجَلُ فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ يَقْبِضُ الْمِائَةَ قَضَاءً عَنْ حَقِّهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ) وَأَصْلُهُ أَنَّ النُّقْصَانَ مِنْ حَيْثُ السِّعْرُ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الدَّيْنِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ، وَهُوَ يَقُولُ: إنَّ الْمَالِيَّةَ قَدْ انْتَقَصَتْ فَأَشْبَهَ انْتِقَاصَ الْعَيْنِ وَلَنَا أَنَّ نُقْصَانَ السِّعْرِ عِبَارَةٌ عَنْ فُتُورِ رَغَبَاتِ النَّاسِ وَذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ فِي الْبَيْعِ حَتَّى لَا يَثْبُتَ بِهِ الْخِيَارُ وَلَا فِي الْغَصْبِ حَتَّى لَا يَجِبَ الضَّمَانُ، بِخِلَافِ نُقْصَانِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ بِفَوَاتِ جُزْءٍ مِنْهُ يَتَقَرَّرُ الِاسْتِيفَاءُ فِيهِ؛ إذْ الْيَدُ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ، وَإِذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQصَحِيحٌ وَإِقْرَارُ الْعَبْدِ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ. وَلَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ الْجِنَايَةَ حَصَلَتْ عَلَى غَيْرِ مَالِكِهِ. إذْ الْمُرْتَهِنُ غَيْرُ مَالِكٍ لِلْعَيْنِ وَحُصُولُهَا عَلَى غَيْرِ الْمَالِكِ يُوجِبُ الضَّمَانَ كَمَا لَوْ حَصَلَتْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ آخَرَ. فَإِنْ قِيلَ: مَالِيَّتُهُ مُحْتَبِسَةٌ بِدَيْنِهِ فَلَا فَائِدَةَ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَفِي الِاعْتِبَارِ فَائِدَةٌ وَهُوَ دَفْعُ الْعَبْدِ إلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ فَتُعْتَبَرُ) وَإِنْ كَانَ يَسْقُطُ حَقُّهُ فِي الدَّيْنِ فَإِنَّ إبْقَاءَهُ رَهْنًا وَجَعْلَهُ بِالدَّيْنِ لَا يُثْبِتُ لَهُ مِلْكَ الْعَيْنِ، وَرُبَّمَا يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي مِلْكِ الْعَيْنِ فَيَحْصُلُ لَهُ بِاعْتِبَارِ الْجِنَايَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَرَضٌ فِي ذَلِكَ يَتْرُكُ طَلَبَ الْجِنَايَةِ وَيَسْتَبْقِيهِ رَهْنًا كَمَا كَانَ. وَقَوْلُهُ (وَدَفَعَاهُ) فِيهِ تَسَامُحٌ، لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا يَدْفَعُ الْعَبْدَ إلَى نَفْسِهِ، وَمُخَلِّصُهُ الْمُشَاكَلَةُ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ قَابِلًا ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الدَّافِعِ لِوُقُوعِهِ فِي صُحْبَتِهِ أَوْ التَّغْلِيبِ سَمَّاهُ دَافِعًا وَثَنَّاهُ (وَلَهُ أَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ لَوْ اعْتَبَرْنَاهَا لِلْمُرْتَهِنِ كَانَ التَّطْهِيرُ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ فِي ضَمَانِهِ) لِكَوْنِهِ مُخَاطَبًا بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ كَالرَّاهِنِ، فَكَانَ حُكْمُ الدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ لَهُ وَعَلَيْهِ فِي حَقِّ شَيْءٍ وَاحِدٍ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ، وَلَا فَائِدَةَ فِي ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ) بِأَنْ كَانَ الْعَيْنُ وَالدَّيْنُ أَلْفًا وَأَتْلَفَ مَتَاعَ الْمُرْتَهِنِ فَقَالَ لِلرَّاهِنِ إمَّا أَنْ تَقْضِيَ نِصْفَ دَيْنِهِ أَوْ يُبَاعَ عَلَيْك الْعَبْدُ، فَإِنْ امْتَنَعَ عَنْ الْقَضَاءِ بِيعَ الْعَبْدُ وَيَسْتَوْفِي الْمُرْتَهِنُ مِنْ ثَمَنِهِ تَمَامَ قِيمَةِ الْمَتَاعِ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ أَخَذَ الرَّاهِنُ نِصْفَهُ وَالْمُرْتَهِنُ نِصْفَهُ، لِأَنَّهُ بَدَلُ عَبْدٍ نِصْفُهُ أَمَانَةٌ وَنِصْفُهُ مَضْمُونٌ، وَبَدَلُ الْأَمَانَةِ لِلرَّاهِنِ وَبَدَلُ الْمَضْمُونِ لِلْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ قَضَى النِّصْفَ زَالَ الدَّيْنُ وَبَقِيَ الْعَبْدُ رَهْنًا بِحَالِهِ، وَهَذَا وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَوَجْهُ غَيْرِهِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا) أَيْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ كَوْنِ الْجِنَايَةِ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ هَدَرًا (بِخِلَافِ جِنَايَةِ الرَّهْنِ عَلَى ابْنِ الرَّاهِنِ أَوْ ابْنِ الْمُرْتَهِنِ) لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ بَيْنَ الْأَبِ وَالِابْنِ حَقِيقَةٌ مُتَبَايِنَةٌ فَصَارَ كَالْجِنَايَةِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ قَالَ (وَمَنْ رَهَنَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفٍ) نُقْصَانُ الْقِيمَةِ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ بَعْدَ مَا قَبَضَ الرَّهْنَ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ فَلَا يُوجِبُ سُقُوطَ الدَّيْنِ، وَلِهَذَا لَوْ

لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بِنُقْصَانِ السِّعْرِ بَقِيَ مَرْهُونًا بِكُلِّ الدَّيْنِ، فَإِذَا قَتَلَهُ حُرٌّ غَرِمَ قِيمَتَهُ مِائَةً؛ لِأَنَّهُ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْإِتْلَافِ فِي ضَمَانِ الْإِتْلَافِ؛ لِأَنَّ الْجَابِرَ بِقَدْرِ الْفَائِتِ، وَأَخَذَهُ الْمُرْتَهِنُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَالِيَّةِ فِي حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ وَإِنْ كَانَ مُقَابَلًا بِالدَّمِ عَلَى أَصْلِنَا حَتَّى لَا يُزَادَ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى اسْتَحَقَّهُ بِسَبَبِ الْمَالِيَّةِ وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَالِيَّةِ فَكَذَا فِيمَا قَامَ مَقَامَهُ، ثُمَّ لَا يُرْجَعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ يَدَ الرَّهْنِ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَبِالْهَلَاكِ يَتَقَرَّرُ، وَقِيمَتُهُ كَانَتْ فِي الِابْتِدَاءِ أَلْفًا فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِلْكُلِّ مِنْ الِابْتِدَاءِ أَوْ نَقُولُ: لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُسْتَوْفِيًا الْأَلْفَ بِمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا الْمِائَةَ وَبَقِيَ تِسْعُمِائَةٍ فِي الْعَيْنِ، فَإِذَا هَلَكَ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا تِسْعَمِائَةٍ بِالْهَلَاكِ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ مِنْ غَيْرِ قَتْلِ أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا الْكُلَّ بِالْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا قَالَ (وَإِنْ كَانَ أَمَرَهُ الرَّاهِنُ أَنْ يَبِيعَهُ فَبَاعَهُ بِمِائَةٍ وَقَبَضَ الْمِائَةَ قَضَاءً مِنْ حَقِّهِ فَيَرْجِعُ بِتِسْعِمِائَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَاعَهُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ صَارَ كَأَنَّ الرَّاهِنَ اسْتَرَدَّهُ وَبَاعَهُ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ يَبْطُلُ الرَّهْنُ وَيَبْقَى الدَّيْنُ إلَّا بِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَى، وَكَذَا هَذَا قَالَ (وَإِنْ قَتَلَهُ عَبْدٌ قِيمَتُهُ مِائَةٌ فَدُفِعَ مَكَانَهُ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ الْعَبْدَ الْمَدْفُوعَ إلَى الْمُرْتَهِنِ بِمَالِهِ وَقَالَ زُفَرُ: يَصِيرُ رَهْنًا بِمِائَةٍ لَهُ أَنَّ يَدَ الرَّهْنِ يَدُ اسْتِيفَاءٍ وَقَدْ تَقَرَّرَ بِالْهَلَاكِ، إلَّا أَنَّهُ أَخْلَفَ بَدَلًا بِقَدْرِ الْعُشْرِ فَيَبْقَى الدَّيْنُ بِقَدْرِهِ وَلِأَصْحَابِنَا عَلَى زُفَرَ أَنَّ الْعَبْدَ الثَّانِيَ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَوَّلِ لَحْمًا وَدَمًا، وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ قَائِمًا وَانْتُقِضَ السِّعْرُ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ عِنْدَنَا لِمَا ذَكَرْنَا، فَكَذَلِكَ إذَا قَامَ الْمَدْفُوعُ مَكَانَهُ وَلِمُحَمَّدٍ فِي الْخِيَارِ أَنَّ الْمَرْهُونَ تَغَيَّرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQنَقَصَ بِهِ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ فَالرَّاهِنُ يُطَالَبُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ عِنْدَ رَدِّ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ إلَى الرَّاهِنِ. وَقَوْلُهُ (حَتَّى لَا يُزَادَ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ) نَتِيجَةُ قَوْلِهِ كَانَ مُقَابَلًا بِالدَّمِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْمَوْلَى اسْتَحَقَّهُ) دَلِيلُ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَالِيَّةِ فِي حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ. وَقَوْلُهُ (أَوْ نَقُولُ) دَلِيلٌ آخَرُ: أَيْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِأَلْفِ الدَّيْنِ بِالْمِائَةِ الَّتِي غَرِمَهَا الْحُرُّ بِقَتْلِ الرَّهْنِ وَجُعِلَتْ رَهْنًا مَكَانَهُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا الْمِائَةَ وَبَقِيَ تِسْعُمِائَةٍ فِي الْعَيْنِ، وَإِذَا هَلَكَ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا تِسْعَمِائَةٍ بِالْهَلَاكِ وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ صُوَرَ الْمَسَائِلِ هَاهُنَا ثَلَاثٌ: تَرَاجُعُ قِيمَةِ الرَّهْنِ مِنْ أَلْفٍ إلَى مِائَةٍ مَعَ قِيَامِ عَيْنِهِ بِحَالِهِ. وَقَتْلُ حُرٍّ الْعَبْدَ الَّذِي قِيمَتُهُ مِائَةٌ بَعْدَ التَّرَاجُعِ، وَضَمَانُ قِيمَتِهِ مِائَةٌ. وَقَتْلُ عَبْدِ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ وَدَفْعُهُ بِهِ. وَأَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ فِيهَا أَيْضًا ثَلَاثَةٌ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَحُكْمُ الصُّورَةِ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنَّ الرَّاهِنَ يَفْتَكُّهَا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ بِلَا خِيَارٍ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأُولَى كَقَوْلِهِمَا وَفِي الثَّالِثَةِ أَنَّ الرَّاهِنَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الرَّهْنَ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ كَالْأُولَى وَبَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ بِمَالِهِ كَالثَّانِيَةِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ. وَقَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ حُكْمَ الصُّورَةِ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ وَاحِدٌ فِي أَنَّ الرَّاهِنَ يَفْتَكُّهَا بِالْمِائَةِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ التِّسْعُمِائَةِ قِيَاسًا عَلَى الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ، فَإِنَّ حُكْمَهَا أَنَّ التِّسْعَمِائَةِ سَاقِطَةٌ عَنْ الرَّاهِنِ بِالِاتِّفَاقِ وَلِلْمُرْتَهِنِ تِلْكَ الْمِائَةُ الَّتِي ضَمِنَهَا الْحُرُّ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ، وَوُجُوهُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مَذْكُورَةٌ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (لَحْمًا وَدَمًا) يَعْنِي صُورَةً وَمَعْنًى، أَمَّا صُورَةً فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا مَعْنًى فَلِأَنَّ الْقَاتِلَ كَالْمَقْتُولِ فِي الْآدَمِيَّةِ وَالشَّرْعُ اعْتَبَرَهُ جُزْءًا مِنْ حَيْثُ الْآدَمِيَّةُ دُونَ الْمَالِيَّةِ أَلَا تَرَى إلَى اسْتِوَائِهِمَا فِي حَقِّ الْقِصَاصِ فَكَذَا فِي حَقِّ الدَّفْعِ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ (لِمَا ذَكَرْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَلَنَا أَنَّ نُقْصَانَ السِّعْرِ عِبَارَةٌ عَنْ فُتُورِ رَغَبَاتِ النَّاسِ إلَخْ.

فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ فَيُخَيَّرُ الرَّاهِنُ كَالْمَبِيعِ إذَا قُتِلَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْمَغْصُوبِ إذَا قُتِلَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي، وَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ كَذَا هَذَا وَلَهُمَا أَنَّ التَّغَيُّرَ لَمْ يَظْهَرْ فِي نَفْسِ الْعَبْدِ لِقِيَامِ الثَّانِي مَقَامَ الْأَوَّلِ لَحْمًا وَدَمًا كَمَا ذَكَرْنَاهُ مَعَ زُفَرَ، وَعَيْنُ الرَّهْنِ أَمَانَةٌ عِنْدَنَا فَلَا يَجُوزُ تَمْلِيكُهُ مِنْهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَلِأَنَّ جَعْلَ الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ حُكْمٌ جَاهِلِيٌّ، وَأَنَّهُ مَنْسُوخٌ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ فِيهِ حُكْمُهُ الْفَسْخُ وَهُوَ مَشْرُوعٌ وَبِخِلَافِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّ تَمَلُّكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مَشْرُوعٌ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ تَرَاجَعَ سِعْرُهُ حَتَّى صَارَ يُسَاوِي مِائَةً ثُمَّ قَتَلَهُ عَبْدٌ يُسَاوِي مِائَةً فَدُفِعَ بِهِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ (وَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ الرَّهْنُ قَتِيلًا خَطَأً فَضَمَانُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّمْلِيكَ (وَلَوْ فُدِيَ طَهُرَ الْمَحَلُّ فَبَقِيَ الدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ مِنْ الْفِدَاءِ) ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ حَصَلَتْ فِي ضَمَانِهِ فَكَانَ عَلَيْهِ إصْلَاحُهَا (وَلَوْ أَبَى الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَفْدِيَ قِيلَ لِلرَّاهِنِ ادْفَعْ الْعَبْدَ أَوْ افْدِهِ بِالدِّيَةِ) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الرَّقَبَةِ قَائِمٌ لَهُ، وَإِنَّمَا إلَى الْمُرْتَهِنِ الْفِدَاءُ لِقِيَامِ حَقِّهِ (فَإِذَا امْتَنَعَ عَنْ الْفِدَاءِ يُطَالَبُ الرَّاهِنُ بِحُكْمِ الْجِنَايَةِ وَمِنْ حُكْمِهَا التَّخْيِيرُ) بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ (فَإِنْ اخْتَارَ الدَّفْعَ سَقَطَ الدَّيْنُ) ؛ لِأَنَّهُ اُسْتُحِقَّ لِمَعْنًى فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ فَصَارَ كَالْهَلَاكِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (كَالْمَبِيعِ إذَا قَتَلَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْمَغْصُوبِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ) يَعْنِي إذَا قَتَلَهُمَا عَبْدٌ وَدَفَعَ مَكَانَهُمَا فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ وَبَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ لِتَغَيُّرِ الْمَبِيعِ وَفِي الْغَصْبِ يَتَخَيَّرُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْمَدْفُوعَ مَكَانَهُ وَبَيْنَ أَنْ يُطَالِبَ الْغَاصِبَ بِقِيمَةِ الْمَقْتُولِ. وَقَوْلُهُ (وَأَنَّهُ مَفْسُوخٌ) يَعْنِي بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ ثَلَاثًا» وَقَوْلُهُ (لَوْ كَانَ الْعَبْدُ تَرَاجَعَ سِعْرُهُ إلَى قَوْلِهِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ) قِيلَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ: هَذَا تَكْرَارٌ لَا مَحَالَةَ، لِأَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ: يَعْنِي مَا عَبَّرْنَا عَنْهُ هَاهُنَا بِالصُّورَةِ الثَّالِثَةِ فِيمَا إذَا تَرَاجَعَ سِعْرُ الرَّهْنِ إلَى مِائَةٍ فَقَتَلَهُ عَبْدٌ قِيمَتُهُ مِائَةٌ فَدُفِعَ بِهِ وَقَدْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِيهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يَقُولَ بَعْدَ ذَلِكَ فِيهِ بِعَيْنِهِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَكَذَلِكَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ جَعَلَ الصُّورَةَ الثَّالِثَةَ فِيمَا إذَا تَرَاجَعَ السِّعْرُ لَكِنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِوُقُوعِ التَّكْرَارِ وَهُوَ لَازِمٌ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَفِي ذَلِكَ سُوءُ ظَنٍّ بِمِثْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ الَّذِي حَازَ قَصَبَاتِ السَّبْقِ فِي مِضْمَارِ التَّحْقِيقِ، وَإِنَّمَا الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ فِي غَيْرِ تَرَاجُعِ السِّعْرِ كَمَا ذَكَرْنَا. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي صُورَةِ التَّرَاجُعِ وَلَا تَكْرَارَ ثَمَّةَ. (وَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ الرَّهْنُ قَتِيلًا خَطَأً فَضَمَانُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ وَالدَّيْنُ سَوَاءً، أَمَّا إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ فَسَيَأْتِي، وَإِنَّمَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ

(وَكَذَلِكَ إنْ فَدَى) ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ كَالْحَاصِلِ لَهُ بِعِوَضٍ كَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَهُوَ الْفِدَاءُ، بِخِلَافِ وَلَدِ الرَّهْنِ إذَا قَتَلَ إنْسَانًا أَوْ اسْتَهْلَكَ مَالًا حَيْثُ يُخَاطَبُ الرَّاهِنُ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ فِي الِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ دَفَعَ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ وَلَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ كَمَا لَوْ هَلَكَ فِي الِابْتِدَاءِ، وَإِنْ فَدَى فَهُوَ رَهْنٌ مَعَ أُمِّهِ عَلَى حَالِهِمَا (وَلَوْ اسْتَهْلَكَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ مَالًا يَسْتَغْرِقُ رَقَبَتَهُ، فَإِنْ أَدَّى الْمُرْتَهِنُ الدَّيْنَ الَّذِي لَزِمَ الْعَبْدَ فَدَيْنُهُ عَلَى حَالِهِ كَمَا فِي الْفِدَاءِ، وَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلرَّاهِنِ بِعْهُ فِي الدَّيْنِ إلَّا أَنْ يَخْتَارَ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ، فَإِنْ أَدَّى بَطَلَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ) كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْفِدَاءِ (وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ وَبِيعَ الْعَبْدُ فِيهِ يَأْخُذُ صَاحِبُ دَيْنِ الْعَبْدِ دَيْنَهُ) ؛ لِأَنَّ دَيْنَ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عَلَى دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ وَحَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي ضَمَانِهِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْعَبْدَ كَالْحَاصِلِ لَهُ بِعِوَضٍ كَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ) يَعْنِي وَإِذَا كَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَقَدْ أَدَّاهُ الرَّاهِنُ وَجَبَ لَهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ مِثْلُ مَا أَدَّى إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ وَلِلْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّاهِنِ دَيْنٌ فَالْتَقَيَا قِصَاصًا فَيُسَلَّمُ الرَّهْنُ لِلرَّاهِنِ وَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا فِي أَدَاءِ الْفِدَاءِ لِأَنَّهُ يَسْعَى فِي تَخْلِيصِ مِلْكِهِ كَمُعِيرِ الرَّهْنِ. وَقَوْلُهُ (وَحَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ) بِالْجَرِّ مَعْطُوفٌ عَلَى دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ: يَعْنِي أَنَّ دَيْنَ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عَلَى دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ وَعَلَى حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ أَيْضًا، حَتَّى لَوْ جَنَى الْعَبْدُ الْمَدْيُونُ دُفِعَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ ثُمَّ يُبَاعُ لِلْغُرَمَاءِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الدِّيَاتِ. وَقَوْلُهُ (لِتَقَدُّمِهِ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى) أَيْ لِتَقَدُّمِ دَيْنِ الْعَبْدِ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى، وَإِذَا كَانَ مُقَدِّمًا عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى

(فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ وَدَيْنُ غَرِيمِ الْعَبْدِ مِثْلُ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ أَكْثَرُ فَالْفَضْلُ لِلرَّاهِنِ وَبَطَلَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ) ؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ اُسْتُحِقَّتْ لِمَعْنًى هُوَ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ فَأَشْبَهَ الْهَلَاكَ (وَإِنْ كَانَ دَيْنُ الْعَبْدِ أَقَلَّ سَقَطَ مِنْ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ بِقَدْرِ دَيْنِ الْعَبْدِ وَمَا فَضَلَ مِنْ دَيْنِ الْعَبْدِ يَبْقَى رَهْنًا كَمَا كَانَ، ثُمَّ إنْ كَانَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ قَدْ حَلَّ أَخَذَهُ بِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ (وَإِنْ كَانَ لَمْ يَحِلَّ أَمْسَكَهُ حَتَّى يَحِلَّ، وَإِنْ كَانَ ثَمَنُ الْعَبْدِ لَا يَفِي بِدَيْنِ الْغَرِيمِ أَخَذَ الثَّمَنَ وَلَمْ يَرْجِعْ بِمَا بَقِيَ عَلَى أَحَدٍ حَتَّى يُعْتَقَ الْعَبْدُ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي دَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ وَقَدْ اُسْتُوْفِيَتْ فَيَتَأَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ (ثُمَّ إذَا أَدَّى بَعْدَهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ) ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ (وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفَيْنِ وَهُوَ رَهْنٌ بِأَلْفٍ وَقَدْ جَنَى الْعَبْدُ يُقَالُ لَهُمَا افْدِيَاهُ) ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ مِنْهُ مَضْمُونٌ، وَالنِّصْفُ أَمَانَةٌ، وَالْفِدَاءُ فِي الْمَضْمُونِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَفِي الْأَمَانَةِ عَلَى الرَّاهِنِ، فَإِنْ أَجْمَعَا عَلَى الدَّفْعِ دَفَعَاهُ وَبَطَلَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ، وَالدَّفْعُ لَا يَجُوزُ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ لِمَا بَيَّنَّا، وَإِنَّمَا مِنْهُ الرِّضَا بِهِ (فَإِنْ تَشَاحَّا فَالْقَوْلُ لِمَنْ قَالَ أَنَا أَفْدِي رَاهِنًا كَانَ أَوْ مُرْتَهِنًا) أَمَّا الْمُرْتَهِنُ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْفِدَاءِ إبْطَالُ حَقِّ الرَّاهِنِ، وَفِي الدَّفْعِ الَّذِي يَخْتَارُهُ الرَّاهِنُ إبْطَالُ الْمُرْتَهِنِ، وَكَذَا فِي جِنَايَةِ الرَّهْنِ إذَا قَالَ الْمُرْتَهِنُ أَنَا أَفْدِي لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ مُقَدَّمًا عَلَى حَقِّ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ وَهُوَ الْمُرْتَهِنُ وَوَلِيُّ الْجِنَايَةِ، فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ يَقُومُ مَقَامَ الْمَوْلَى فِي الْمَالِيَّةِ وَوَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِي مِلْكِ الْعَيْنِ وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّمْلِيكَ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ تَشَاحَّا) بِأَنْ اخْتَارَ الرَّاهِنُ الْفِدَاءَ وَالْمُرْتَهِنُ الدَّفْعَ أَوْ بِالْعَكْسِ

ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ يَخْتَارُ الدَّفْعَ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا فَهُوَ مَحْبُوسٌ بِدَيْنِهِ وَلَهُ فِي الْفِدَاءِ غَرَضٌ صَحِيحٌ، وَلَا ضَرَرَ عَلَى الرَّاهِنِ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَفْدِيَ، وَأَمَّا الرَّاهِنُ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ وِلَايَةُ الدَّفْعِ لِمَا بَيَّنَّا فَكَيْفَ يَخْتَارُهُ (وَيَكُونُ الْمُرْتَهِنُ فِي الْفِدَاءِ مُتَطَوِّعًا فِي حِصَّةِ الْأَمَانَةِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ عَلَى الرَّاهِنِ) ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ لَا يَخْتَارَهُ فَيُخَاطَبُ الرَّاهِنُ، فَلَمَّا الْتَزَمَهُ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ كَانَ مُتَبَرِّعًا، وَهَذَا عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ مَعَ الْحُضُورِ، وَسَنُبَيِّنُ الْقَوْلَيْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلَوْ أَبَى الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَفْدِيَ وَفَدَاهُ الرَّاهِنُ فَإِنَّهُ يَحْتَسِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ نِصْفَ الْفِدَاءِ مِنْ دَيْنِهِ) ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الدَّيْنِ أَمْرٌ لَازِمٌ فَدَى أَوْ دَفَعَ فَلَمْ يُجْعَلْ الرَّاهِنُ فِي الْفِدَاءِ مُتَطَوِّعًا، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ نِصْفُ الْفِدَاءِ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ بَطَلَ الدَّيْنُ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ نِصْفِ الْفِدَاءِ، وَكَانَ الْعَبْدُ رَهْنًا بِمَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ الْفِدَاءَ فِي نِصْفٍ كَانَ عَلَيْهِ، فَإِذَا أَدَّاهُ الرَّاهِنُ، وَهُوَ لَيْسَ بِمُتَطَوِّعٍ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ فَيَصِيرُ قِصَاصًا بِدَيْنِهِ كَأَنَّهُ أَوْفَى نِصْفَهُ فَيَبْقَى الْعَبْدُ رَهْنًا بِمَا بَقِيَ (وَلَوْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ فَدَى، وَالرَّاهِنُ حَاضِرٌ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا لَمْ يَكُنْ مُتَطَوِّعًا) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالْحَسَنُ وَزُفَرُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: الْمُرْتَهِنُ مُتَطَوِّعٌ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ فَدَى مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَأَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ وَلَهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الرَّاهِنُ حَاضِرًا أَمْكَنَهُ مُخَاطَبَتُهُ، فَإِذَا فَدَاهُ الْمُرْتَهِنُ فَقَدْ تَبَرَّعَ كَالْأَجْنَبِيِّ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الرَّاهِنُ غَائِبًا تَعَذَّرَ مُخَاطَبَتُهُ، وَالْمُرْتَهِنُ يَحْتَاجُ إلَى إصْلَاحِ الْمَضْمُونِ، وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِصْلَاحِ الْأَمَانَةِ فَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا قَالَ (وَإِذَا مَاتَ الرَّاهِنُ بَاعَ وَصِيُّهُ الرَّهْنَ وَقَضَى الدَّيْنَ) ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَهُ، وَلَوْ تَوَلَّى الْمُوصَى حَيًّا بِنَفْسِهِ كَانَ لَهُ وِلَايَةُ الْبَيْعِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ فَكَذَا لِوَصِيِّهِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَصِيٌّ نَصَّبَ الْقَاضِي لَهُ وَصِيًّا وَأَمَرَهُ بِبَيْعِهِ) ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَصَّبَ نَاظِرًا لِحُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ إذَا عَجَزُوا عَنْ النَّظَرِ لِأَنْفُسِهِمْ، وَالنَّظَرُ فِي نَصْبِ الْوَصِيِّ لِيُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ وَيَسْتَوْفِيَ مَالَهُ مِنْ غَيْرِهِ (وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ فَرَهَنَ الْوَصِيُّ بَعْضَ التَّرِكَةِ عِنْدَ غَرِيمٍ مِنْ غُرَمَائِهِ لَمْ يَجُزْ وَلِلْآخَرِينَ أَنْ يَرُدُّوهُ) ؛ لِأَنَّهُ آثَرَ بَعْضَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْفِدَاءُ، وَذَكَرَ جَانِبَ الْمُرْتَهِنِ إذَا اخْتَارَ الْفِدَاءَ وَالْمُرْتَهِنُ الدَّفْعَ أَوْ بِالْعَكْسِ فَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْفِدَاءُ، وَذَكَرَ جَانِبَ الْمُرْتَهِنِ إذَا اخْتَارَ الْفِدَاءَ، ثُمَّ ذَكَرَ جَانِبَ الرَّاهِنِ إذَا اخْتَارَ ذَلِكَ بَعْدَ ذِكْرِهِ جِنَايَةَ وَلَدِ الرَّهْنِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ سُقُوطَ الدَّيْنِ أَمْرٌ لَازِمٌ فُدِيَ أَوْ دُفِعَ) يَعْنِي أَنَّ الرَّاهِنَ إذَا خُوطِبَ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَأَيَّهمَا كَانَ سَقَطَ الدَّيْنُ فَلَمْ يُجْعَلْ الرَّاهِنُ فِي الْفِدَاءِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ مُتَطَوِّعًا. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ غَائِبًا) ذَكَرَ فِي الْأَسْرَارِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْغَيْبَةُ الْمُنْقَطِعَةُ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَمَا بَعْدَهُ هُوَ الْمَوْعُودُ بِقَوْلِهِ وَسَنُبَيِّنُ الْقَوْلَيْنِ وَمَا بَعْدَهُ وَاضِحٌ إلَخْ.

[فصل ومن رهن عصيرا بعشرة قيمته عشرة فتخمر]

الْغُرَمَاءِ بِالْإِيفَاءِ الْحُكْمِيِّ فَأَشْبَهَ الْإِيثَارَ بِالْإِيفَاءِ الْحَقِيقِيِّ (فَإِنْ قَضَى دَيْنَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَرُدُّوهُ جَازَ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ بِوُصُولِ حَقِّهِمْ إلَيْهِمْ (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ غَرِيمٌ آخَرُ جَازَ الرَّهْنُ) اعْتِبَارًا بِالْإِيفَاءِ الْحَقِيقِيِّ (وَبِيعَ فِي دَيْنِهِ) ؛ لِأَنَّهُ يُبَاعُ فِيهِ قَبْلَ الرَّهْنِ فَكَذَا بَعْدَهُ (وَإِذَا ارْتَهَنَ الْوَصِيُّ بِدَيْنٍ لِلْمَيِّتِ عَلَى رَجُلٍ جَازَ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ وَهُوَ يَمْلِكُهُ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَفِي رَهْنِ الْوَصِيِّ تَفْصِيلَاتٌ نَذْكُرُهَا فِي كِتَابِ الْوَصَايَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى [فَصْلٌ وَمَنْ رَهَنَ عَصِيرًا بِعَشَرَةٍ قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ فَتَخَمَّرَ] قَالَ (وَمَنْ رَهَنَ عَصِيرًا بِعَشَرَةٍ قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ فَتَخَمَّرَ ثُمَّ صَارَ خَلًّا يُسَاوِي عَشَرَةً فَهُوَ رَهْنٌ بِعَشَرَةٍ) ؛ لِأَنَّ مَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ يَكُونُ مَحَلًّا لِلرَّهْنِ، إذْ الْمَحَلِّيَّةُ بِالْمَالِيَّةِ فِيهِمَا، وَالْخَمْرُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ ابْتِدَاءً فَهُوَ مَحَلٌّ لَهُ بَقَاءً حَتَّى إنَّ مَنْ اشْتَرَى عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَبْقَى الْعَقْدُ إلَّا أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ فِي الْبَيْعِ لِتَغَيُّرِ وَصْفِ الْمَبِيعِ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) هَذَا الْفَصْلُ كَالْمَسَائِلِ الْمُتَفَرِّقَةِ الَّتِي تُذْكَرُ فِي أَوَاخِرِ الْكُتُبِ (وَمَنْ رَهَنَ عَصِيرًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ صَارَ خَلًّا وَلَمْ يَنْقُصْ مِقْدَارُهُ فَهُوَ رَهْنٌ بِعَشَرَةٍ) وَإِنْ نَقَصَ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِنُقْصَانِ الْقِيمَةِ لِأَنَّ الْفَائِتَ مُجَرَّدُ وَصْفٍ، وَبِفَوَاتِهِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ عِنْدَهُمْ، وَإِنَّمَا يَتَخَيَّرُ الرَّاهِنُ بَيْنَ أَنْ يَفْتَكَّهُ نَاقِصًا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَبَيْنَ أَنْ يَضْمَنَ قِيمَتَهُ وَيَجْعَلَهَا رَهْنًا عِنْدَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بَيْنَ أَنْ يَفْتَكَّهُ نَاقِصًا وَبَيْنَ أَنْ يَجْعَلَهُ بِالدَّيْنِ كَمَا فِي الْقَلْبِ إذَا انْكَسَرَ فَقَوْلُهُ يُسَاوِي عَشَرَةً وَقَعَ اتِّفَاقًا. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ مَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ) يَعْنِي أَنَّ الرَّهْنَ كَالْبَيْعِ فِي الِاحْتِيَاجِ إلَى الْمَحَلِّ فَيُعْتَبَرُ مَحَلُّهُ بِمَحَلِّهِ، وَالْخَمْرُ لَا يَصْلُحُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ ابْتِدَاءً وَيَصْلُحُ بَقَاءً، حَتَّى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَبْطُلْ عَقْدُهُ فَكَذَا فِي الرَّهْنِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مَا يَرْجِعُ إلَى الْمَحَلِّ فَالِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ فِيهِ سَوَاءٌ، فَمَا بَالُ هَذَا تَخَلَّفَ عَنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ؟ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ كَذَلِكَ فِيمَا يَكُونُ الْمَحَلُّ بَاقِيًا، وَهَاهُنَا يَتَبَدَّلُ الْمَحَلُّ حُكْمًا بِتَبَدُّلِ الْوَصْفِ فَلِذَلِكَ تَخَلَّفَ عَنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَصِيرَ الْمَرْهُونَ إذَا تَخَمَّرَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ مُسْلِمَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ أَوْ يَكُونَ الرَّاهِنُ وَحْدَهُ مُسْلِمًا أَوْ بِالْعَكْسِ، فَإِنْ كَانَا كَافِرَيْنِ فَالرَّهْنُ بِحَالِهِ تَخَلَّلَ أَوْ لَمْ يَتَخَلَّلْ، وَفِي الْأَقْسَامِ الْبَاقِيَةِ إنْ تَخَلَّلَ فَكَذَلِكَ، وَإِلَيْهِ يَلُوحُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَيْثُ قَالَ: ثُمَّ صَارَ خَلًّا:

تَعَيَّبَا (وَلَوْ رَهَنَ شَاةً قِيمَتُهَا عَشَرَةٌ بِعَشَرَةٍ فَمَاتَتْ فَدُبِغَ جِلْدُهَا فَصَارَ يُسَاوِي دِرْهَمًا فَهُوَ رَهْنٌ بِدِرْهَمٍ) ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يَتَقَرَّرُ بِالْهَلَاكِ، فَإِذَا حَيِيَ بَعْضُ الْمَحَلِّ يَعُودُ حُكْمُهُ بِقَدْرِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَتْ الشَّاةُ الْمَبِيعَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَدُبِغَ جِلْدُهَا حَيْثُ لَا يَعُودُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يُنْتَقَضُ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْمُنْتَقَضُ لَا يَعُودُ، أَمَّا الرَّهْنُ يَتَقَرَّرُ بِالْهَلَاكِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ يَمْنَعُ مَسْأَلَةَ الْبَيْعِ وَيَقُولُ: يَعُودُ الْبَيْعُ قَالَ (وَنَمَاءُ الرَّهْنِ لِلرَّاهِنِ وَهُوَ مِثْلُ الْوَلَدِ وَالثَّمَرِ وَاللَّبَنِ وَالصُّوفِ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ مِلْكِهِ وَيَكُونُ رَهْنًا مَعَ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ، وَالرَّهْنُ حَقٌّ لَازِمٌ فَيَسْرِي إلَيْهِ (فَإِنْ هَلَكَ يَهْلَكُ بِغَيْرِ شَيْءٍ) ؛ لِأَنَّ الْأَتْبَاعَ لَا قِسْطَ لَهَا مِمَّا يُقَابَلُ بِالْأَصْلِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ الْعَقْدِ مَقْصُودًا؛ إذْ اللَّفْظُ لَا يَتَنَاوَلُهَا (وَإِنْ هَلَكَ الْأَصْلُ وَبَقِيَ النَّمَاءُ افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ بِحِصَّتِهِ يُقَسَّمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الرَّهْنِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَقِيمَةِ النَّمَاءِ يَوْمَ الْفِكَاكِ) ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يَصِيرُ مَضْمُونًا بِالْقَبْضِ، وَالزِّيَادَةُ تَصِيرُ مَقْصُودَةً بِالْفِكَاكِ إذَا بَقِيَ إلَى وَقْتِهِ، وَالتَّبَعُ يُقَابِلُهُ شَيْءٌ إذَا صَارَ مَقْصُودًا كَوَلَدِ الْمَبِيعِ، فَمَا أَصَابَ الْأَصْلَ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُقَابِلُهُ الْأَصْلُ مَقْصُودًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي بِنَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ بِنَفْسِهِ فَهَلْ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُخَلِّلَهُ أَوْ لَا؟ فِيهِ تَفْصِيلٌ، إنْ كَانَا مُسْلِمِينَ أَوْ كَانَ الرَّاهِنُ مُسْلِمًا جَازَ تَخْلِيلُهُ، لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ وَإِنْ تَلِفَتْ بِالتَّخَمُّرِ بِحَيْثُ لَا يُضْمَنُ وَذَلِكَ يُسْقِطُ الدَّيْنَ، لَكِنَّ إعَادَتَهَا مُمْكِنَةٌ بِالتَّخَلُّلِ فَصَارَ كَتَخْلِيصِ الرَّهْنِ مِنْ الْجِنَايَةِ وَلِلْمُرْتَهِنِ ذَلِكَ، وَإِذَا أَجَازَ ذَلِكَ فِي الْمُسْلِمِينَ وَالْخَمْرُ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ فَلَأَنْ يَجُوزَ فِي الْمُرْتَهِنِ الْكَافِرِ أَوْلَى لِأَنَّهَا مَحَلٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الرَّاهِنُ كَافِرًا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الرَّهْنَ وَالدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ، لِأَنَّ صِفَةَ الْخَمْرِيَّةِ لَا تَعْدَمُ الْمَالِيَّةَ فِي حَقِّهِ فَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ الْمُسْلِمِ تَخْلِيلُهَا، فَإِنْ خَلَّلَهَا ضَمِنَ قِيمَتَهَا يَوْمَ خَلَّلَهَا لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا بِمَا صَنَعَ، كَمَا لَوْ غَصَبَ خَمْرَ ذِمِّيٍّ فَخَلَّلَهَا فَالْخَلُّ لَهُ، وَتَقَعُ الْمُقَاصَّةُ إنْ كَانَ الدَّيْنُ مِنْ جِنْسِ الْقِيمَةِ، وَيَرْجِعُ بِالزِّيَادَةِ إنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا يَوْمَ التَّخْلِيلِ مِنْ دَيْنِهِ. وَقَوْلُهُ (فَهُوَ رَهْنٌ بِدِرْهَمٍ) يَعْنِي إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْجِلْدِ يَوْمَ الرَّهْنِ دِرْهَمًا، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَئِذٍ دِرْهَمَيْنِ فَهُوَ رَهْنٌ بِدِرْهَمَيْنِ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِأَنْ يُنْظَرَ إلَى قِيمَةِ الشَّاةِ حَيَّةً وَمَسْلُوخَةً فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا حَيَّةً عَشَرَةً وَقِيمَتُهَا مَسْلُوخَةً تِسْعَةٌ كَانَتْ قِيمَةُ الْجِلْدِ يَوْمَ الِارْتِهَانِ دِرْهَمًا، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا مَسْلُوخَةً ثَمَانِيَةً كَانَتْ دِرْهَمَيْنِ، هَذَا إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ مِثْلَ الدَّيْنِ، فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ فَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي النِّهَايَةِ قَالَ (وَنَمَاءُ الرَّهْنِ لِلرَّاهِنِ إلَخْ) الْأَصْلُ أَنَّ الْأَوْصَافَ الْقَارَّةَ فِي الْأُمَّهَاتِ تَسْرِي إلَى الْأَوْلَادِ إذَا كَانَتْ صَالِحَةً لِأَحْكَامِهَا، وَالرَّهْنُ مِنْهَا لِكَوْنِهِ حَقًّا لَازِمًا إذْ اللَّازِمُ هُوَ الْقَارُّ، وَالْقَارُّ مَا يَكُونُ ثَابِتًا فِي جُمْلَةِ الْأُمِّ، وَلَا يَنْفَرِدُ مَنْ عَلَيْهِ بِإِبْطَالِ حُكْمِهِ كَكَوْنِهَا حُرَّةً وَقِنَّةً وَمَبِيعَةً وَمُكَاتَبَةً وَمُدَبَّرَةً، وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا بِذَلِكَ لِئَلَّا تَرِدَ كَفَالَةُ الْحُرَّةِ فَإِنَّهَا مَا تَسْرِي إلَى الْأَوْلَادِ، وَالزَّكَاةُ بَعْدَ كَمَالِ الْحَوْلِ كَذَلِكَ فَإِنَّهُمَا يَثْبُتَانِ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ وَالْمَالِكِ لَا فِي عَيْنِ الْأُمَّهَاتِ، وَلِئَلَّا يَرِدَ وَلَدُ الْجَانِيَةِ فَإِنَّ مَنْ عَلَيْهِ يَنْفَرِدُ بِالْإِبْطَالِ بِاخْتِيَارِ الْفِدَاءِ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا الْأَوْلَادَ بِصَلَاحِيَتِهَا لِأَحْكَامِ الْأَوْصَافِ لِئَلَّا يَرِدَ وَلَدُ الْمَغْصُوبَةِ وَالْمُسْتَأْجَرَة وَالْمَنْكُوحَةِ وَالْمُوصَى بِخِدْمَتِهَا، لِأَنَّ الْأَوْلَادَ

وَمَا أَصَابَ النَّمَاءَ افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ لِمَا ذَكَرْنَا وَصُوَرُ الْمَسَائِلِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ تُخَرَّجُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَهَا فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى، وَتَمَامُهُ فِي الْجَامِعِ وَالزِّيَادَاتِ (وَلَوْ رَهَنَ شَاةً بِعَشَرَةٍ وَقِيمَتُهَا عَشَرَةٌ وَقَالَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ: احْلِبْ الشَّاةَ فَمَا حَلَبَتْ فَهُوَ لَك حَلَالٌ فَحَلَبَ وَشَرِبَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ) أَمَّا الْإِبَاحَةُ فَيَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ وَالْخَطَرِ؛ لِأَنَّهَا إطْلَاقٌ وَلَيْسَ بِتَمْلِيكٍ فَتَصِحُّ مَعَ الْخَطَرِ (وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ (فَإِنْ لَمْ يَفْتَكَّ الشَّاةَ حَتَّى مَاتَتْ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ قُسِّمَ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ اللَّبَنِ الَّذِي شَرِبَ وَعَلَى قِيمَةِ الشَّاةِ، فَمَا أَصَابَ الشَّاةَ سَقَطَ، وَمَا أَصَابَ اللَّبَنَ أَخَذَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الرَّاهِنِ) ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ تَلِفَ عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ بِفِعْلِ الْمُرْتَهِنِ وَالْفِعْلُ حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ قِبَلِهِ فَصَارَ كَأَنَّ الرَّاهِنَ أَخَذَهُ وَأَتْلَفَهُ فَكَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَيَكُونُ لَهُ حِصَّتُهُ مِنْ الدَّيْنِ فَبَقِيَ بِحِصَّتِهِ، وَكَذَلِكَ وَلَدُ ـــــــــــــــــــــــــــــQحِينَ الْوِلَادَةِ لَمْ تَصْلُحْ لِأَحْكَامِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ. أَمَّا فِي غَيْرِ الْغَصْبِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي الْغَصْبِ فَلِأَنَّ الضَّمَانَ بِهِ يَعْتَمِدُ قَبْضًا مَقْصُودًا بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ فِي الْوَلَدِ، وَإِذَا ظَهَرَ هَذَا عُلِمَ أَنَّ نَمَاءَ الرَّهْنِ كَاللَّبَنِ وَالثَّمَرِ وَالصُّوفِ وَالْوَلَدِ لِلرَّاهِنِ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ مِلْكِهِ وَيَكُونُ رَهْنًا مَعَ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ. فَفِي الْأَصْلِ وَصْفَانِ لَازِمَانِ: الْمَلِكُ، وَكَوْنُهُ رَهْنًا فَيَسْرِيَانِ إلَى الْوَلَدِ، فَإِنْ هَلَكَ الْوَلَدُ هَلَكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ لِأَنَّ الْأَتْبَاعَ لَا قِسْطَ لَهَا مِمَّا يُقَابَلُ بِالْأَصْلِ إذَا لَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً لِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ الْعَقْدِ مَقْصُودًا إذْ اللَّفْظُ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا، وَإِنْ هَلَكَ الْأَصْلُ وَبَقِيَ النَّمَاءُ افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ بِحِصَّتِهِ يُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الرَّهْنِ يَوْمَ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْقَبْضِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقِيمَةُ النَّمَاءِ يَوْمَ الْفِكَاكِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا صَارَ مَضْمُونًا بِهِ، وَلَوْ هَلَكَ قَبْلَهُ هَلَكَ مَجَّانًا، وَالتَّبَعُ يُقَابِلُهُ شَيْءٌ إذَا صَارَ مَقْصُودًا كَوَلَدِ الْمَبِيعِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ إذْ صَارَ مَقْصُودًا بِالْقَبْضِ، وَالزِّيَادَةُ هَاهُنَا صَارَتْ مَقْصُودَةً بِالْفِكَاكِ فَيَخُصُّهُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ، فَمَا أَصَابَ الْأَصْلَ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهِ لِأَنَّهُ يُقَابِلُهُ الْأَصْلُ مَقْصُودًا، وَمَا أَصَابَ النَّمَاءَ افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ بِهِ. وَقَوْلُهُ (وَصُوَرُ الْمَسَائِلِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ) يَعْنِي مَا ذَكَرْنَا مِنْ قِسْمَةِ الدَّيْنِ عَلَى قِيمَتِهِمَا يَوْمَ الْقَبْضِ وَالْفِكَاكِ (تَخْرُجُ) وَفِي ذَلِكَ كَثْرَةٌ وَتَطْوِيلٌ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَتَابَعْنَاهُ فِي ذَلِكَ وَقَوْلُهُ (فَيَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ) يُرِيدُ بِالشَّرْطِ قَوْلَهُ فَمَا حَلَبَتْ فَإِنَّ كَلِمَةَ " مَا " تَضَمَّنَتْ مَعْنَى الشَّرْطِ وَلِهَذَا دَخَلَ الْفَاءُ فِي خَبَرِهَا. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَتْلَفَ بِغَيْرِ إذْنِهِ ضَمِنَ وَكَانَتْ الْقِيمَةُ رَهْنًا مَعَ الشَّاةِ، وَكَذَا

الشَّاةِ إذَا أَذِنَ لَهُ الرَّاهِنُ فِي أَكْلِهِ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ النَّمَاءِ الَّذِي يَحْدُثُ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ قَالَ (وَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ وَلَا تَجُوزُ فِي الدَّيْنِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَلَا يَصِيرُ الرَّهْنُ رَهْنًا بِهَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ أَيْضًا وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا تَجُوزُ فِيهِمَا، وَالْخِلَافُ مَعَهُمَا فِي الرَّهْنِ، وَالثَّمَنُ وَالْمُثَمَّنُ وَالْمَهْرُ وَالْمَنْكُوحَةُ سَوَاءٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْبُيُوعِ وَلِأَبِي يُوسُفَ فِي الْخِلَافِيَّةِ الْأُخْرَى أَنَّ الدَّيْنَ فِي بَابِ الرَّهْنِ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ، وَالرَّهْنُ كَالْمُثَمَّنِ فَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِيهِمَا كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا الِالْتِحَاقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ لِلْحَاجَةِ وَالْإِمْكَانِ وَلَهُمَا وَهُوَ الْقِيَاسُ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الدَّيْنِ تُوجِبُ الشُّيُوعَ فِي الرَّهْنِ، وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ عِنْدَنَا، وَالزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ تُوجِبُ الشُّيُوعَ فِي الدَّيْنِ، وَهُوَ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ صِحَّةِ الرَّهْنِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ رَهَنَ عَبْدًا بِخَمْسِمِائَةٍ مِنْ الدَّيْنِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَوْ فَعَلَ الرَّاهِنُ ذَلِكَ بِدُونِ إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ قَالَ (وَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ إلَخْ) الزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ مِثْلُ أَنْ يَرْهَنَ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ يُسَاوِي عَشَرَةً ثُمَّ يَزِيدُ الرَّاهِنُ ثَوْبًا آخَرَ لِيَكُونَ مَعَ الْأَوَّلِ رَهْنًا بِالْعَشَرَةِ جَازَ عِنْدَ عُلَمَائِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَالزِّيَادَةُ عَلَى الدَّيْنِ لَا تَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِيهِمَا جَمِيعًا، وَالْخِلَافُ مَعَهُمَا فِي الرَّهْنِ وَالثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ وَالْمَهْرِ وَالْمَنْكُوحَةِ، وَهُوَ أَنْ يُزَوِّجَ الْمَوْلَى أَمَتَهُ مِنْ رَجُلٍ بِأَلْفٍ ثُمَّ زَوَّجَ أَمَةً أُخْرَى بِذَلِكَ الْأَلْفِ وَقَبِلَ الزَّوْجُ يَصِحُّ الْعَقْدَانِ وَيُقْسَمُ الْأَلْفُ عَلَيْهِمَا. وَذَكَرَ فِي الْأَسْرَارِ وَطَرِيقَةِ الْبَرْغَزِيِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ، وَنَقَلَ عَنْ حَمِيدِ الدِّينِ الضَّرِيرِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الْمَنْكُوحَةِ أَنْ يَقُولَ الْمَوْلَى زِدْت لَك أَمَةً أُخْرَى بِذَلِكَ الْمَهْرِ، أَمَّا لَوْ قَالَ زَوَّجْتُك هَذِهِ الْأَمَةَ الْأُخْرَى بِذَلِكَ الْمَهْرِ لَزِمَ أَنْ يَصِحَّ. وَقَوْلُهُ (أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ رَهَنَ عَبْدًا بِخَمْسِمِائَةٍ) يَعْنِي مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي هُوَ

الدَّيْنُ أَلْفًا وَهَذَا شُيُوعٌ فِي الدَّيْنِ، وَالِالْتِحَاقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِي طَرَفِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ وَلَا مَعْقُودٍ بِهِ بَلْ وُجُوبُهُ سَابِقٌ عَلَى الرَّهْنِ، وَكَذَا يَبْقَى بَعْدَ انْفِسَاخِهِ، وَالِالْتِحَاقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فِي بَدَلَيْ الْعَقْدِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ بَدَلٌ يَجِبُ بِالْعَقْدِ، ثُمَّ إذَا صَحَّتْ الزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ وَتُسَمَّى هَذِهِ زِيَادَةً قَصْدِيَّةً يُقَسَّمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الْأَوَّلِ يَوْمَ الْقَبْضِ، وَعَلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ يَوْمَ قُبِضَتْ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الزِّيَادَةِ يَوْمَ قَبْضِهَا خَمْسَمِائَةٍ، وَقِيمَةُ الْأَوَّلِ يَوْمَ الْقَبْضِ أَلْفًا وَالدَّيْنُ أَلْفًا يُقَسَّمُ الدَّيْنُ أَثْلَاثًا، فِي الزِّيَادَةِ ثُلُثُ الدَّيْنِ، وَفِي الْأَصْلِ ثُلُثَا الدَّيْنِ اعْتِبَارًا بِقِيمَتِهِمَا فِي وَقْتَيْ الِاعْتِبَارِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَثْبُتُ بِالْقَبْضِ فَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقْتَ الْقَبْضِ (وَإِذَا وَلَدَتْ الْمَرْهُونَةُ وَلَدًا ثُمَّ إنَّ الرَّاهِنَ زَادَ مَعَ الْوَلَدِ عَبْدًا، وَقِيمَةُ كُلِّ وَاحِد أَلْفٌ فَالْعَبْدُ رَهْنٌ مَعَ الْوَلَدِ خَاصَّةً يُقَسَّمُ مَا فِي الْوَلَدِ عَلَيْهِ وَعَلَى الْعَبْدِ الزِّيَادَةُ) ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ زِيَادَةً مَعَ الْوَلَدِ دُونَ الْأُمِّ (وَلَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مَعَ الْأُمِّ يُقَسَّمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الْأُمِّ يَوْمَ الْعَقْدِ وَعَلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ، فَمَا أَصَابَ الْأُمَّ قُسِّمَ عَلَيْهَا وَعَلَى وَلَدِهَا) ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ دَخَلَتْ عَلَى الْأُمِّ قَالَ (فَإِنْ رَهَنَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفٍ ثُمَّ أَعْطَاهُ عَبْدًا آخَرَ قِيمَتُهُ أَلْفٌ رَهْنًا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَلْفٌ فَيَكُونُ بِنِصْفِ الدَّيْنِ كَانَ جَائِزًا، وَلَوْ رَهَنَ ثَوْبًا بِعِشْرِينَ نِصْفُهُ بِعَشَرَةٍ وَنِصْفُهُ بِعَشَرَةٍ لَمْ يَصِحَّ. وَقَوْلُهُ (وَالِالْتِحَاقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ) إفْسَادٌ لِلْجَامِعِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ وَاضِحٌ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الِالْتِحَاقَ بِأَصْلِ الْعَقْدِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْ الْمَعْقُودِ بِهِ وَالزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ لَيْسَتْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، أَمَّا أَنَّهُ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْقُودٍ بِهِ فَلِوُجُوبِهِ بِسَبَبِهِ قَبْلَ عَقْدِ الرَّهْنِ، بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَحْبُوسًا قَبْلَ عَقْدِ الرَّهْنِ وَلَا يَبْقَى بَعْدَهُ. وَقَوْلُهُ (وَتُسَمَّى هَذِهِ زِيَادَةً قَصْدِيَّةً) يَعْنِي بِخِلَافِ نَمَاءِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ زِيَادَةً قَصْدِيَّةً بَلْ ضِمْنِيَّةً وَلِهَذَا اخْتَلَفَ حُكْمًا. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا وَلَدَتْ الْمَرْهُونَةُ وَلَدًا) يَعْنِي إذَا رَهَنَ جَارِيَةً بِأَلْفٍ تُسَاوِي أَلْفًا فَوَلَدَتْ وَلَدًا يُسَاوِي أَلْفًا فَقَالَ الرَّاهِنُ زِدْتُك هَذَا الْعَبْدَ مَعَ الْوَلَدِ رَهْنًا وَهُوَ أَيْضًا يُسَاوِي أَلْفًا جَازَ الْعَقْدُ وَيَكُونُ الْعَبْدُ رَهْنًا مَعَ الْوَلَدِ دُونَ الْأُمِّ، فَيُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ الْوَلَدِ يَوْمَ الْفِكَاكِ وَإِلَى قِيمَةِ الْأُمِّ يَوْمَ الْعَقْدِ، فَمَا أَصَابَ الْوَلَدَ قُسِمَ عَلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ الْفِكَاكِ وَقِيمَةِ الْعَبْدِ يَوْمَ قَبْضِهِ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ، فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ بَعْدَ الزِّيَادَةِ بَطَلَتْ لِأَنَّهُ إذَا هَلَكَ خَرَجَ مِنْ الْعَقْدِ وَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَبَطَلَ الْحُكْمُ فِي الزِّيَادَةِ. وَلَوْ قَالَ الرَّاهِنُ زِدْتُك هَذَا الْعَبْدَ مَعَ الْأُمِّ قُسِمَ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الْأُمِّ يَوْمَ الْعَقْدِ وَعَلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ، فَمَا أَصَابَ الْأُمَّ قُسِمَ عَلَيْهَا وَعَلَى وَلَدِهَا، لِأَنَّ الزِّيَادَةَ دَخَلَتْ عَلَى الْأُمِّ فَصَارَتْ كَأَنَّهَا كَانَتْ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ فَيَكُونُ الْوَلَدُ دَاخِلًا فِي حِصَّةِ الْأُمِّ خَاصَّةً، فَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ بَعْدَ الزِّيَادَةِ ذَهَبَ مَا كَانَ فِيهَا وَبَقِيَ الْوَلَدُ وَالزِّيَادَةُ نَمَاءٌ فِيهِمَا لِأَنَّ هَلَاكَ الْأُمِّ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الضَّمَانِ بَلْ يُقَرِّرُهُ فَلَا يَبْطُلُ الْحُكْمُ فِي الزِّيَادَةِ، وَلَوْ مَاتَ الْوَلَدُ بَعْدَ الزِّيَادَةِ ذَهَبَ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَكَانَ الْعَقْدُ فِي الْأُمِّ وَلَا وَلَدَ مَعَهَا قَالَ (فَإِنْ رَهَنَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا إلَخْ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ.

مَكَانَ الْأَوَّلِ، فَالْأَوَّلُ رَهْنٌ حَتَّى يَرُدَّهُ إلَى الرَّاهِنِ، وَالْمُرْتَهِنُ فِي الْآخَرِ أَمِينٌ حَتَّى يَجْعَلَهُ مَكَانَ الْأَوَّلِ) ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ إنَّمَا دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ وَالدَّيْنِ وَهُمَا بَاقِيَانِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الضَّمَانِ إلَّا بِنَقْضِ الْقَبْضِ مَا دَامَ الدَّيْنُ بَاقِيًا، وَإِذَا بَقِيَ الْأَوَّلُ فِي ضَمَانِهِ لَا يَدْخُلُ الثَّانِي فِي ضَمَانِهِ؛ لِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِدُخُولِ أَحَدِهِمَا فِيهِ لَا بِدُخُولِهِمَا فَإِذَا رُدَّ الْأَوَّلُ دَخَلَ الثَّانِي فِي ضَمَانِهِ ثُمَّ قِيلَ: يُشْتَرَطُ تَجْدِيدُ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الثَّانِي يَدُ أَمَانَةٍ وَيَدُ الرَّهْنِ بَعْدَ اسْتِيفَاءٍ وَضَمَانٍ فَلَا يَنُوبُ عَنْهُ، كَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ جِيَادٌ فَاسْتَوْفَى زُيُوفًا ظَنَّهَا جِيَادًا ثُمَّ عَلِمَ بِالزِّيَافَةِ وَطَالَبَهُ بِالْجِيَادِ وَأَخَذَهَا فَإِنَّ الْجِيَادَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ مَا لَمْ يَرُدَّ الزُّيُوفَ وَيُجَدِّدَ الْقَبْضَ وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ وَقَبْضُ الْأَمَانَةِ يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْهِبَةِ، وَلِأَنَّ الرَّهْنَ عَيْنَهُ أَمَانَةٌ، وَالْقَبْضُ يُرَدُّ عَلَى الْعَيْنِ فَيَنُوبُ قَبْضُ الْأَمَانَةِ عَنْ قَبْضِ الْعَيْنِ (وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ عَنْ الدَّيْنِ أَوْ وَهَبَهُ مِنْهُ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ يَهْلَكُ بِغَيْرِ شَيْءٍ اسْتِحْسَانًا) خِلَافًا لِزُفَرَ،؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ أَوْ بِجِهَتِهِ عِنْدَ تَوَهُّمِ الْوُجُودِ كَمَا فِي الدَّيْنِ الْمَوْعُودِ وَلَمْ يَبْقَ الدَّيْنُ بِالْإِبْرَاءِ أَوْ الْهِبَةِ وَلَا جِهَتِهِ لِسُقُوطِهِ، إلَّا إذَا أَحْدَثَ مَنْعًا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِهِ غَاصِبًا إذَا لَمْ تَبْقَ لَهُ وِلَايَةُ الْمَنْعِ (وَكَذَا إذَا ارْتَهَنَتْ الْمَرْأَةُ رَهْنًا بِالصَّدَاقِ فَأَبْرَأَتْهُ أَوْ وَهَبَتْهُ أَوْ ارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ عَلَى صَدَاقِهَا ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهَا يَهْلَكُ بِغَيْرِ شَيْءٍ فِي هَذَا كُلِّهِ وَلَمْ تَضْمَنْ شَيْئًا لِسُقُوطِ الدَّيْنِ كَمَا فِي الْإِبْرَاءِ، وَلَوْ اسْتَوْفَى الْمُرْتَهِنُ الدَّيْنَ بِإِيفَاءِ الرَّاهِنِ أَوْ بِإِيفَاءِ مُتَطَوِّعٍ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ يَهْلَكُ بِالدَّيْنِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ مَا اسْتَوْفَى إلَى مَا اسْتَوْفَى مِنْهُ وَهُوَ مَنْ عَلَيْهِ أَوْ الْمُتَطَوِّعُ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ) وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ بِالْإِبْرَاءِ يَسْقُطُ الدَّيْنُ أَصْلًا كَمَا ذَكَرْنَا، وَبِالِاسْتِيفَاءِ لَا يَسْقُطُ لِقِيَامِ الْمُوجِبِ، إلَّا أَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الِاسْتِيفَاءُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ؛ لِأَنَّهُ يَعْقُبُ مُطَالَبَةَ مِثْلِهِ، فَأَمَّا هُوَ فِي نَفْسِهِ فَقَائِمٌ، فَإِذَا هَلَكَ يَتَقَرَّرُ الِاسْتِيفَاءُ الْأَوَّلُ فَانْتَقَضَ الِاسْتِيفَاءُ الثَّانِي. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ) يَعْنِي فِي صَدْرِ كِتَابِ الرَّهْنِ فِي تَعْلِيلِ أَنَّ تَمَامَ الرَّهْنِ بِالْقَبْضِ. وَقَوْلُهُ (خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) هُوَ يَقُولُ: إنَّ الضَّمَانَ فِي بَابِ الرَّهْنِ إنَّمَا يَجِبُ بِاعْتِبَارِ الْقَبْضِ وَهُوَ قَائِمٌ فَكَانَ مَا بَعْدَ الْإِبْرَاءِ وَمَا قَبْلَهُ سَوَاءً، وَلِهَذَا كَانَ مَضْمُونًا بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ الدَّيْنُ بَعْدَهُ. وَلَنَا مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ أَوْ بِجِهَتِهِ عِنْدَ تَوَهُّمِ الْوُجُودِ كَمَا فِي الدَّيْنِ الْمَوْعُودِ، وَلَمْ يَبْقَ الدَّيْنُ بِالْإِبْرَاءِ: أَيْ بِسَبَبِهِ وَلَا جِهَتِهِ لِسُقُوطِهِ فَلَمْ يَبْقَ الرَّهْنُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: سُقُوطُ الدَّيْنِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الضَّمَانِ، فَإِنَّهُ إذَا طَلَبَهُ الرَّاهِنُ وَمَنَعَ الْمُرْتَهِنَ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَقَدْ سَقَطَ الدَّيْنُ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ إلَّا إذَا أَحْدَثَ مَنْعًا لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِهِ غَاصِبًا لِانْتِفَاءِ وِلَايَةِ مَنْعِهِ. وَالْجَوَابُ عَنْ صُورَةِ الِاسْتِيفَاءِ مَا ذَكَرَهُ عَلَى وَجْهِ الْفَرْقِ بِقَوْلِهِ إنَّ بِالْإِبْرَاءِ يَسْقُطُ الدَّيْنُ أَصْلًا كَمَا ذَكَرْنَا، وَبِالِاسْتِيفَاءِ لَا يَسْقُطُ لِقِيَامِ الْمُوجِبِ وَهُوَ الْعَقْدُ الَّذِي لَزِمَ الدَّيْنُ بِهِ، إلَّا أَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الِاسْتِيفَاءُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ لِأَنَّهُ يَعْقُبُ مُطَالَبَةَ مِثْلِهِ فَيُفْضِي إلَى الدَّوْرِ وَقَوْلُهُ (فَأَمَّا هُوَ) يَعْنِي تَعَذُّرُ الِاسْتِيفَاءِ، فَأَمَّا الدَّيْنُ فَهُوَ قَائِمٌ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ تَكْرِيرٌ لِلتَّوْكِيدِ (فَإِذَا هَلَكَ) يَعْنِي الرَّهْنَ بِتَقَرُّرِ الِاسْتِيفَاءِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْحُكْمِيُّ فَانْتَقَضَ الِاسْتِيفَاءُ الثَّانِي وَهُوَ الْحَقِيقِيُّ لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ الِاسْتِيفَاءُ،

(وَكَذَا إذَا اشْتَرَى بِالدَّيْنِ عَيْنًا أَوْ صَالَحَ عَنْهُ عَلَى عَيْنٍ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ (وَكَذَلِكَ إذَا أَحَالَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ بِالدَّيْنِ عَلَى غَيْرِهِ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ وَيَهْلَكُ بِالدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَرَاءَةِ بِطَرِيقِ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَزُولُ بِهِ عَنْ مِلْكِ الْمُحِيلِ مِثْلَ مَا كَانَ لَهُ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ، أَوْ مَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ (وَكَذَا لَوْ تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ يَهْلَكُ بِالدَّيْنِ) لِتَوَهُّمِ وُجُوبِ الدَّيْنِ بِالتَّصَادُقِ عَلَى قِيَامِهِ فَتَكُونُ الْجِهَةُ بَاقِيَةً بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَكَذَا إذَا اشْتَرَى) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَوْ اسْتَوْفَى. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشِّرَاءِ وَالصُّلْحِ عَلَى عَيْنٍ اسْتِيفَاءٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ الرَّهْنِ إنْ كَانَ بَاقِيًا أَوْ قِيمَتِهِ إنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ الرَّدِّ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ) يَعْنِي الْبَرَاءَةَ بِطَرِيقِ الْأَدَاءِ إشَارَةٌ إلَى الْجَوَابِ عَمَّا يُقَالُ ذِمَّةُ الْمُحِيلِ تَبْرَأُ بِالْحَوَالَةِ عَمَّا عَلَيْهِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْإِبْرَاءِ فَيَهْلِكُ أَمَانَةً. وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ أَنَّ الْحَوَالَةَ وَإِنْ كَانَتْ إبْرَاءً لَكِنَّهَا بِطَرِيقِ الْأَدَاءِ دُونَ الْإِسْقَاطِ (لِأَنَّهُ يَزُولُ بِهِ) أَيْ: بِعَقْدِ الْحَوَالَةِ إلَخْ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ) يَعْنِي الْمُحَالَ عَلَيْهِ (بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ) عَنْ الْمُحِيلِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ لَوْ تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ إلَخْ) اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إذَا كَانَ التَّصَادُقُ بَعْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ وَالدَّيْنِ كَانَ وَاجِبًا ظَاهِرًا فَهُوَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ وُجُوبَهُ ظَاهِرًا يَكْفِي لِضَمَانِ الرَّهْنِ فَكَانَ مُسْتَوْفِيًا، فَأَمَّا إذَا كَانَ قَبْلَهُ هَلَكَ أَمَانَةً لِأَنَّهُ بِتَصَادُقِهِمَا يَنْتَفِي الدَّيْنُ مِنْ الْأَصْلِ وَضَمَانُ الرَّهْنِ لَا يَبْقَى بِدُونِ الدَّيْنِ. وَوَجْهُ مُخْتَارِ الْمُصَنِّفِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَوَهُّمِ وُجُوبِ الدَّيْنِ بِالتَّصَادُقِ عَلَى قِيَامِهِ يَعْنِي بَعْدَ التَّصَادُقِ عَلَى عَدَمِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَتَذَكَّرَا وُجُوبَهُ بَعْدَ التَّصَادُقِ عَلَى انْتِفَائِهِ فَتَكُونَ الْجِهَةُ بَاقِيَةً، وَضَمَانُ الرَّهْنِ مُتَحَقِّقٌ بِتَوَهُّمِ الْوُجُوبِ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ وَلَوْ اسْتَوْفَى، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ ثَمَّةَ إلَى هَاهُنَا نُقُوضٌ عَلَى جَوَابِ الِاسْتِحْسَانِ فِي صُورَةِ الْإِبْرَاءِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَرْجِعَ إلَى قَوْلِهِ فَتَكُونُ الْجِهَةُ بَاقِيَةً.

[كتاب الجنايات]

قَالَ (الْقَتْلُ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: عَمْدٌ، وَشِبْهُ عَمْدٍ، وَخَطَأٌ، وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ، وَالْقَتْلُ بِسَبَبٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْجِنَايَاتِ] ذَكَرَ الْجِنَايَاتِ عَقِبَ الرَّهْنِ لِأَنَّ الرَّهْنَ لِصِيَانَةِ الْمَالِ وَحُكْمُ الْجِنَايَاتِ لِصِيَانَةِ الْأَنْفُسِ وَالْمَالُ وَسِيلَةٌ لِلنَّفْسِ فَكَانَ مُقَدَّمًا عَلَيْهَا، وَمَحَاسِنُ أَجْزَيَتْهَا مَحَاسِنُ الْحُدُودِ. وَالْجِنَايَةُ فِي اللُّغَةِ: اسْمٌ لِمَا يُكْتَسَبُ مِنْ الشَّرِّ تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ مِنْ جَنَى عَلَيْهِ شَرًّا، وَهُوَ عَامٌّ إلَّا أَنَّهُ فِي الشَّرْعِ خُصَّ بِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ شَرْعًا حَلَّ بِالنُّفُوسِ وَالْأَطْرَافِ، وَالْأَوَّلُ يُسَمَّى قَتْلًا وَهُوَ فِعْلٌ مِنْ الْعِبَادِ تَزُولُ بِهِ الْحَيَاةُ، وَالثَّانِي يُسَمَّى قَطْعًا وَجَرْحًا. وَسَبَبُهَا سَبَبُ الْحُدُودِ. وَشَرْطُهَا كَوْنُ الْمَحَلِّ حَيَوَانًا، قَالَ (الْقَتْلُ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ) الْقَتْلُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ مِنْ قِصَاصٍ وَدِيَةٍ وَكَفَّارَةٍ وَحِرْمَانِ إرْثٍ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّا قَدْ اسْتَقْرَيْنَا فَوَجَدْنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَحْكَامِ

وَالْمُرَادُ بَيَانُ قَتْلٍ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَذْكُورَةِ. وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ حَصَلَ بِسِلَاحٍ أَوْ بِغَيْرِ سِلَاحٍ، فَإِنْ حَصَلَ بِسِلَاحٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَ بِهِ قَصْدُ الْقَتْلِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ فَهُوَ الْعَمْدُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ الْخَطَأُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِسِلَاحٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَ مَعَهُ قَصْدُ التَّأْدِيبِ وَالضَّرْبِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ فَهُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَ جَارِيًا مَجْرَى الْخَطَأِ أَمْ لَا، فَإِنْ كَانَ فَهُوَ هُوَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ الْقَتْلُ بِالسَّبَبِ، وَبِهَذَا الِانْحِصَارِ تَعْرِفُ أَيْضًا تَفْسِيرَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَضَعْفُهُ وَرَكَاكَتُهُ ظَاهِرَانِ.

قَالَ (فَالْعَمْدُ مَا تَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِسِلَاحٍ أَوْ مَا أُجْرِيَ مَجْرَى السِّلَاحِ كَالْمُحَدَّدِ مِنْ الْخَشَبِ وَلِيطَةِ الْقَصَبِ وَالْمَرْوَةِ الْمُحَدَّدَةِ وَالنَّارِ) ؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ هُوَ الْقَصْدُ، وَلَا يُوقَفُ عَلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلِهِ وَهُوَ اسْتِعْمَالُ الْآلَةِ الْقَاتِلَةِ فَكَانَ مُتَعَمِّدًا فِيهِ عِنْدَ ذَلِكَ (وَمُوجِبُ ذَلِكَ الْمَأْثَمُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] الْآيَةَ، وَقَدْ نَطَقَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ السُّنَّةِ، وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (أَوْ مَا أُجْرِيَ مَجْرَى السِّلَاحِ) يَعْنِي فِي تَفْرِيقِ الْأَجْزَاءِ كَالْمُحَدَّدِ مِنْ الْخَشَبِ وَلِيطَةِ الْقَصَبِ وَهِيَ قِشْرُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَقَوْلُهُ (وَقَدْ نَطَقَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ السُّنَّةِ) مِنْهَا مَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي خُطْبَتِهِ بِعَرَفَاتٍ «أَلَا إنَّ دِمَاءَكُمْ وَنُفُوسَكُمْ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ

قَالَ (وَالْقَوَدُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] إلَّا أَنَّهُ تَقَيَّدَ بِوَصْفِ الْعَمْدِيَّةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَمْدُ قَوَدٌ» أَيْ مُوجِبُهُ، وَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ بِهَا تَتَكَامَلُ وَحِكْمَةُ الزَّجْرِ عَلَيْهَا تَتَوَفَّرُ، وَالْعُقُوبَةُ الْمُتَنَاهِيَةُ لَا شَرْعَ لَهَا دُونَ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَوْمِي هَذَا فِي شَهْرِي هَذَا فِي مَقَامِي هَذَا» وَمِنْهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ» . وَقَوْلُهُ (وَالْقَوَدُ) يَعْنِي الْقِصَاصَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ الْمَأْثَمُ: أَيْ مُوجَبُ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْإِثْمُ فِي الْآخِرَةِ وَالْقِصَاصُ فِي الدُّنْيَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ} [البقرة: 178] الْآيَةَ وَهُوَ بِظَاهِرِهِ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ لَكِنَّهُ تَقَيَّدَ بِوَصْفِ الْعَمْدِيَّةِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْعَمْدُ قَوَدٌ» أَيْ مُوجَبُهُ، وَالْحَدِيثُ مَشْهُورٌ، وَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ بِهَا: أَيْ بِالْعَمْدِيَّةِ تَتَكَامَلُ. وَقَوْلُهُ (لَا شَرْعَ لَهَا دُونَ ذَلِكَ) أَيْ لَا شَرْعِيَّةَ لِلْعُقُوبَةِ الْمُتَنَاهِيَةِ بِدُونِ الْعَمْدِيَّةِ. وَتَقْرِيرُ حُجَّتِهِ أَنَّ الْعَمْدِيَّةَ تَتَكَامَلُ بِهَا الْجِنَايَةُ، وَكُلُّ مَا تَتَكَامَلُ بِهِ الْجِنَايَةُ كَانَتْ حِكْمَةُ الزَّجْرِ عَلَيْهَا أَكْمَلَ، وَقَوْلُهُ (وَالْعُقُوبَةُ الْمُتَنَاهِيَةُ إلَخْ) حُجَّةٌ أُخْرَى. وَتَقْرِيرُهَا: الْقَوَدُ عُقُوبَةٌ مُتَنَاهِيَةٌ وَالْعُقُوبَةُ

قَالَ (إلَّا أَنْ يَعْفُوَ الْأَوْلِيَاءُ أَوْ يُصَالِحُوا) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ ثُمَّ هُوَ وَاجِبٌ عَيْنًا، وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ أَخْذُ الدِّيَةِ إلَّا بِرِضَا الْقَاتِلِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، إلَّا أَنَّ لَهُ حَقَّ الْعُدُولِ إلَى الْمَالِ مِنْ غَيْرِ مَرْضَاةِ الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ مَدْفَعًا لِلْهَلَاكِ فَيَجُوزُ بِدُونِ رِضَاهُ، وَفِي قَوْلِ الْوَاجِبِ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ وَيَتَعَيَّنُ بِاخْتِيَارِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْعَبْدِ شُرِعَ جَابِرًا وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ نَوْعُ جَبْرٍ فَيَتَخَيَّرُ وَلَنَا مَا تَلَوْنَا مِنْ الْكِتَابِ وَرَوَيْنَا مِنْ السُّنَّةِ، وَلِأَنَّ الْمَالَ لَا يَصْلُحُ مُوجِبًا لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ، وَالْقِصَاصُ يَصْلُحُ لِلتَّمَاثُلِ، وَفِيهِ مَصْلَحَةُ الْأَحْيَاءِ زَجْرًا وَجَبْرًا فَيَتَعَيَّنُ، وَفِي الْخَطَإِ وُجُوبُ الْمَالِ ضَرُورَةَ صَوْنِ الدَّمِ عَنْ الْإِهْدَارِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُتَنَاهِيَةُ لَا شَرْعَ لَهَا دُونَ الْعَمْدِيَّةِ، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ هُوَ) يَعْنِي الْقَوَدَ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ مِدْفَعًا لِلْهَلَاكِ) يَعْنِي لِأَنَّ الْقَاتِلَ فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ أَدَاءِ الدِّيَةِ بَعْدَمَا اُسْتُحِقَّتْ نَفْسُهُ قِصَاصًا يُسَفَّهُ وَيُلْقِي نَفْسَهُ فِي التَّهْلُكَةِ فَيُحْجَرُ عَلَيْهِ وَيُمْنَعُ عَنْهُ شَرْعًا (وَلَنَا مَا تَلَوْنَا) مِنْ قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ فِي الْخَطَأِ الدِّيَةَ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْقِصَاصُ الْمَذْكُورُ فِيهِ فِيمَا هُوَ ضِدُّ الْخَطَأِ وَهُوَ الْعَمْدُ، وَلَمَّا تَعَيَّنَ بِالْعَمْدِ لَا يُعْدَلُ عَنْهُ لِئَلَّا تَلْزَمَ الزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ بِالرَّأْيِ. وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ بِالسُّنَّةِ أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِي قَوْلِهِ الْعَمْدُ قَوَدٌ لِلْجِنْسِ، إذْ لَا مَعْهُودَ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ، فَفِيهِ تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ حُكْمَ جِنْسِ الْعَمْدِ ذَلِكَ، فَمَنْ عَدَلَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ زَادَ عَلَى النَّصِّ أَثَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي قَوْلِهِ: الْعَمْدُ قَوَدٌ لَا مَالَ فِيهِ إلَى ذَلِكَ. وَوَجْهُ الْمَعْقُولِ أَنَّ الْمَالَ لَا يَصْلُحُ مُوجَبًا فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ، لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مَالِكٌ مُبْتَذِلٌ وَالْمَالَ مَمْلُوكٌ مُبْتَذَلٌ فَأَنَّى يَتَمَاثَلَانِ، بِخِلَافِ الْقِصَاصِ فَإِنَّهُ يَصْلُحُ مُوجَبًا لِلتَّمَاثُلِ، وَفِيهِ زِيَادَةُ حِكْمَةٍ وَهِيَ مَصْلَحَةُ الْإِحْيَاءِ زَجْرًا لِلْغَيْرِ عَنْ وُقُوعِهِ فِيهِ وَجَبْرًا لِلْوَرَثَةِ فَيَتَعَيَّنُ، فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ صَلَحَ مُوجَبًا فِي الْخَطَأِ وَالْفَائِتُ فِيهِ مِثْلُ الْفَائِتِ فِي الْعَمْدِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ وَفِي الْخَطَأِ وُجُوبُ الْمَالِ ضَرُورَةَ صَوْنِ الدَّمِ عَنْ الْإِهْدَارِ، فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ الِاقْتِصَاصُ فِيهِ هُدِرَ الدَّمُ لَوْ لَمْ يَجِبْ الْمَالُ وَالْآدَمِيُّ مُكَرَّمٌ لَا يَجِبُ إهْدَارُ دَمِهِ، عَلَى أَنَّ

وَلَا يُتَيَقَّنُ بِعَدَمِ قَصْدِ الْوَلِيِّ بَعْدَ أَخْذِ الْمَالِ فَلَا يَتَعَيَّنُ مَدْفَعًا لِلْهَلَاكِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَالْعَمْدُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ حَتَّى يَلْحَقَ بِهِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يُتَيَقَّنُ بِعَدَمِ قَصْدِ الْوَلِيِّ بَعْدَ أَخْذِ الْمَالِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ مِدْفَعًا لِلْهَلَاكِ وَذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يَأْخُذَ الْوَلِيُّ الْمَالَ مِنْ الْقَاتِلِ بِدُونِ رِضَاهُ ثُمَّ يَقْتُلُهُ. قِيلَ هَذَا الْوَهْمُ مَوْجُودٌ فِيمَا إذَا أَخَذَ الْمَالَ صُلْحًا وَقَدْ جَازَ. أُجِيبَ بِأَنَّ فِي الصُّلْحِ الْمُرَاضَاةَ وَالْقَتْلُ بَعْدَهُ ظَاهِرُ الْعَدَمِ. وَعُورِضَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ: إنْ أَحَبُّوا قَتَلُوا، وَإِنْ أَحَبُّوا أَخَذُوا الدِّيَةَ» وَبِأَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ الْقِصَاصَ لِمَعْنَى الِانْتِقَامِ وَتَشَفِّي صُدُورِ الْأَوْلِيَاءِ، بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ تُقْتَلُ بِوَاحِدٍ وَالْقِيَاسُ لَا يَقْتَضِيهِ، فَكَانَ لِمَعْنَى النَّظَرِ لِلْوَلِيِّ وَذَلِكَ بِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْقِصَاصِ وَأَخْذِ الدِّيَةِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْحَدِيثَ خَبَرُ وَاحِدٍ فَلَا يُعَارِضُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ الْمَشْهُورَةَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَأَنَّ الْقِصَاصَ لِمَعْنَى النَّظَرِ لِلْوَلِيِّ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ وَهُوَ الِانْتِقَامُ وَتَشَفِّي الصُّدُورِ، فَإِنَّهُ شُرِعَ زَجْرًا عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ إفْنَاءِ قَبِيلَةٍ بِوَاحِدٍ لَا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَأْخُذُونَ أَمْوَالًا كَثِيرَةً عِنْدَ قَتْلِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، بَلْ الْقَاتِلُ وَأَهْلُهُ لَوْ بَذَلُوا مَا مَلَكُوهُ وَأَمْثَالَهُ مَا رَضِيَ بِهِ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ، فَكَانَ إيجَابُ الْمَالِ فِي مُقَابَلَةِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ تَضْيِيعُ حِكْمَةِ الْقِصَاصِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْقِصَاصُ لَمْ يَجُزْ الْمَصِيرُ إلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ مِثْلُ أَنْ يَعْفُوَ أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ فَإِنَّهُ تَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ حِينَئِذٍ، أَوْ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْقِصَاصِ نَاقِصًا بِأَنْ تَكُونَ يَدُ

وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ عِنْدَنَا: وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجِبُ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى التَّكْفِيرِ فِي الْعَمْدِ أَمَسُّ مِنْهَا إلَيْهِ فِي الْخَطَأِ فَكَانَ أَدْعَى إلَى إيجَابِهَا وَلَنَا أَنَّهُ كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ، وَفِي الْكَفَّارَةِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فَلَا تُنَاطُ بِمِثْلِهَا، وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مِنْ الْمَقَادِيرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَاطِعِ الْيَدِ أَقَلَّ أُصْبُعًا وَأَمْثَالُ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ عِنْدَنَا) أَيْ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ سَوَاءٌ وَجَبَ فِيهِ الْقِصَاصُ أَوْ لَمْ يَجِبْ كَالْأَبِ إذَا قَتَلَ ابْنَهُ عَمْدًا. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجِبُ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى التَّكْفِيرِ فِي الْعَمْدِ أَمَسُّ مِنْهَا إلَيْهِ فِي الْخَطَأِ لِأَنَّهَا لِسَتْرِ الذَّنْبِ وَالذَّنْبُ فِي الْعَمْدِ أَعْظَمُ (وَلَنَا أَنَّهُ كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ) وَمَا هُوَ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِمَا فِيهِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَالْكَفَّارَةُ فِيهَا ذَلِكَ وَمَوْضِعُهُ أُصُولُ الْفِقْهِ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ وَاضِحٌ. فَإِنْ قِيلَ: هَبْ أَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَصِحُّ فَلْيَلْحَقْ دَلَالَةً لِأَنَّهُمَا مِثْلَانِ

وَتَعَيُّنُهَا فِي الشَّرْعِ لِدَفْعِ الْأَدْنَى لَا يُعَيِّنُهَا لِدَفْعِ الْأَعْلَى وَمِنْ حُكْمِهِ حِرْمَانُ الْمِيرَاثِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا مِيرَاثَ لِقَاتِلٍ» قَالَ (وَشِبْهُ الْعَمْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَتَعَمَّدَ الضَّرْبَ بِمَا لَيْسَ بِسِلَاحٍ وَلَا مَا أُجْرِيَ مَجْرَى السِّلَاحِ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: إذَا ضَرَبَهُ بِحَجَرٍ عَظِيمٍ أَوْ بِخَشَبَةٍ عَظِيمَةٍ فَهُوَ عَمْدٌ وَشِبْهُ الْعَمْدِ أَنْ يَتَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِمَا لَا يُقْتَلُ بِهِ غَالِبًا؛ لِأَنَّهُ يَتَقَاصَرُ مَعْنَى الْعَمْدِيَّةِ بِاسْتِعْمَالِ آلَةٍ صَغِيرَةٍ لَا يُقْتَلُ بِهَا غَالِبًا لِمَا أَنَّهُ يَقْصِدُ بِهَا غَيْرَهُ كَالتَّأْدِيبِ وَنَحْوِهِ فَكَانَ شِبْهَ الْعَمْدِ، وَلَا يَتَقَاصَرُ بِاسْتِعْمَالِ آلَةٍ لَا تَلْبَثُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِهِ إلَّا الْقَتْلَ كَالسَّيْفِ فَكَانَ عَمْدًا مُوجِبًا لِلْقَوَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْمَنَاطِ وَهُوَ السَّتْرُ وَلَا مُعْتَبَرَ لِصِفَةِ الْعَمْدِيَّةِ كَالْمُحْرِمِ إذَا قَتَلَ الصَّيْدَ عَمْدًا فَإِنَّهُ كَقَتْلِهِ خَطَأً. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ مَمْنُوعَةٌ، فَإِنَّ ذَنْبَ الْعَمْدِ مِمَّا لَا يُسْتَرُ بِهَا لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ لَعَلَّهَا كَمَا مَرَّ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ صِفَةِ الْعَمْدِيَّةِ وَهُوَ حَدِيثُ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ «أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَاحِبٍ لَنَا قَدْ اسْتَوْجَبَ النَّارَ بِالْقَتْلِ، فَقَالَ: أَعْتِقُوا عَنْهُ رَقَبَةً يُعْتِقُ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ» وَإِيجَابُ النَّارِ إنَّمَا يَكُونُ بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ. قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ اسْتَوْجَبَهَا بِشِبْهِ الْعَمْدِ كَالْقَتْلِ بِالْحَجَرِ أَوْ الْعَصَا الْكَبِيرَيْنِ. سَلَّمْنَاهُ لَكِنَّهُ لَا يُعَارِضُ إشَارَةَ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 93] فَإِنَّ الْفَاءَ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورُ كُلَّ الْجَزَاءِ، فَلَوْ أَوْجَبْنَا الْكَفَّارَةَ لَكَانَ الْمَذْكُورُ بَعْضَهُ وَهُوَ خَلَفٌ قَالَ (وَشِبْهُ الْعَمْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ) اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْقَتْلِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - شِبْهُ الْعَمْدِ هُوَ أَنْ يَتَعَمَّدَ الضَّرْبَ بِمَا لَيْسَ بِسِلَاحٍ وَلَا أُجْرِيَ مَجْرَاهُ سَوَاءٌ كَانَ الْهَلَاكُ بِهِ غَالِبًا كَالْحَجَرِ وَالْعَصَا الْكَبِيرَيْنِ وَمِدَقَّةِ الْقَصَّارِ أَوْ لَمْ يَكُنْ كَالْعَصَا الصَّغِيرَةِ. وَقَالَا: هُوَ أَنْ يَتَعَمَّدَ الضَّرْبَ بِمَا لَا يَحْصُلُ الْهَلَاكُ بِهِ غَالِبًا كَالْعَصَا الصَّغِيرَةِ إذَا لَمْ يُوَالِ فِي الضَّرَبَاتِ. فَأَمَّا إذَا وَالَى فِيهَا فَقِيلَ شِبْهُ عَمْدٍ عِنْدَهُمَا وَقِيلَ عَمْدٌ مَحْضٌ، قَالَا: سُمِّيَ هَذَا النَّوْعُ شِبْهَ الْعَمْدِ لِاقْتِصَارِ مَعْنَى الْعَمْدِ فِيهِ وَإِلَّا لَكَانَ عَمْدًا، وَاقْتِصَارُهُ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي اسْتِعْمَالِ آلَةٍ لَا يُقْتَلُ بِهَا غَالِبًا كَالْعَصَا الصَّغِيرَةِ فَإِنَّهُ يُقْصَدُ بِاسْتِعْمَالِهَا غَيْرُ الْقَتْلِ كَالتَّأْدِيبِ وَنَحْوِهِ. لَا فِي اسْتِعْمَالِ آلَةٍ لَا تَلْبَثُ فَإِنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِاسْتِعْمَالِهَا إلَّا الْقَتْلُ

وَلَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَأِ الْعَمْدِ قَتِيلُ السَّوْطِ وَالْعَصَا، وَفِيهِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَلِأَنَّ الْآلَةَ غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِلْقَتْلِ وَلَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِيهِ؛ إذْ لَا يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُهَا عَلَى غِرَّةٍ مِنْ الْمَقْصُودِ قَتْلُهُ، وَبِهِ يَحْصُلُ الْقَتْلُ غَالِبًا فَقُصِرَتْ الْعَمْدِيَّةُ نَظَرًا إلَى الْآلَةِ، فَكَانَ شِبْهُ الْعَمْدِ كَالْقَتْلِ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا الصَّغِيرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَإِ الْعَمْدِ قَتِيلُ السَّوْطِ وَالْعَصَا، وَفِيهِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» رَوَاهُ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَعَلَ قَتِيلَ السَّوْطِ وَالْعَصَا مُطْلَقًا شِبْهَ عَمْدٍ فَتَخْصِيصُهُ بِهِ بِالصَّغِيرَةِ إبْطَالٌ لِلْإِطْلَاقِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ، وَلِأَنَّ الْعَصَا الْكَبِيرَةَ وَالصَّغِيرَةَ تَسَاوَيَا فِي كَوْنِهِمَا غَيْرَ مَوْضُوعَتَيْنِ لِلْقَتْلِ وَلَا مُسْتَعْمَلَتَيْنِ لَهُ، إذْ لَا يُمْكِنُ الِاسْتِعْمَالُ عَلَى غُرَّةٍ مِنْ الْمَقْصُودِ قَتْلُهُ، وَبِالِاسْتِعْمَالِ عَلَى غُرَّةٍ يَحْصُلُ الْقَتْلُ غَالِبًا، وَإِذَا تَسَاوَيَا وَالْقَتْلُ بِالْعَصَا

قَالَ (وَمُوجِبُ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْإِثْمُ) ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ وَهُوَ قَاصِدٌ فِي الضَّرْبِ (وَالْكَفَّارَةُ) لِشَبَهِهِ بِالْخَطَأِ (وَالدِّيَةُ مُغَلَّظَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ) وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ دِيَةٍ وَجَبَتْ بِالْقَتْلِ ابْتِدَاءً لَا بِمَعْنًى يَحْدُثُ مِنْ بُعْدٍ فَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ اعْتِبَارًا بِالْخَطَأِ، وَتَجِبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لِقَضِيَّةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَتَجِبُ مُغَلَّظَةً، وَسَنُبَيِّنُ صِفَةَ التَّغْلِيظِ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَيَتَعَلَّقُ بِهِ حِرْمَانُ الْمِيرَاثِ) ؛ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الْقَتْلِ، وَالشُّبْهَةُ تُؤَثِّرُ فِي سُقُوطِ الْقِصَاصِ دُونَ حِرْمَانِ الْمِيرَاثِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّغِيرَةِ شِبْهُ عَمْدٍ فَكَذَا بِالْكَبِيرَةِ. وَقَوْلُهُ (وَمُوجَبُ ذَلِكَ) أَيْ مُوجَبُ شِبْهِ الْعَمْدِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ: يَعْنِي قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَوْلَهُمَا (الْإِثْمُ لِأَنَّهُ قَتْلٌ وَهُوَ قَاصِدٌ فِي الضَّرْبِ) عَلَى مَا مَرَّ مِنْ تَفْسِيرِهِ (وَالْكَفَّارَةُ لِشَبَهِهِ بِالْخَطَأِ، وَالدِّيَةُ مُغَلَّظَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ. وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ دِيَةٍ وَجَبَتْ بِالْقَتْلِ ابْتِدَاءً لَا بِمَعْنًى يَحْدُثُ مِنْ بَعْدُ فَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ) احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ لَا بِمَعْنًى يَحْدُثُ مِنْ بَعْدُ عَمَّا تَصَالَحُوا فِيهِ عَلَى الدِّيَةِ وَعَنْ قَتْلِ الْوَالِدِ وَلَدَهُ عَمْدًا وَعَنْ إقْرَارِ الْقَاتِلِ بِالْقَتْلِ خَطَأً وَقَدْ كَانَ قَتْلُهُ عَمْدًا فَإِنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْقَاتِلِ فِي مَالِهِ. وَقَوْلُهُ (لِقَضِيَّةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) يَعْنِي مَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَالْمَرْوِيُّ عَنْهُ

وَمَالِكٌ وَإِنْ أَنْكَرَ مَعْرِفَةَ شِبْهِ الْعَمْدِ فَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا أَسْلَفْنَاهُ قَالَ (وَالْخَطَأُ عَلَى نَوْعَيْنِ: خَطَأٌ فِي الْقَصْدِ، وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ شَخْصًا يَظُنُّهُ صَيْدًا، فَإِذَا هُوَ آدَمِيٌّ، أَوْ يَظُنُّهُ حَرْبِيًّا فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ وَخَطَأٌ فِي الْفِعْلِ، وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ غَرَضًا فَيُصِيبَ آدَمِيًّا، وَمُوجَبُ ذَلِكَ الْكَفَّارَةُ، وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] الْآيَةَ، وَهِيَ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالْمَرْوِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِالرَّأْيِ. وَقَوْلُهُ (فَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا أَسْلَفْنَاهُ) قِيلَ أَرَادَ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَأِ الْعَمْدِ قَتِيلَ السَّوْطِ وَالْعَصَا» الْحَدِيثَ، وَلَكِنَّ الْمَعْهُودَ مِنْ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مِثْلِهِ أَنْ يَقُولَ مَا رَوَيْنَا وَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا قَالَ أَسْلَفْنَا نَظَرًا إلَى الْحَدِيثِ وَالْمَعْنَى الْمَعْقُولِ قَالَ (وَالْخَطَأُ عَلَى نَوْعَيْنِ) إنَّمَا انْحَصَرَ الْخَطَأُ فِي نَوْعَيْنِ، لِأَنَّ الرَّمْيَ إلَى شَيْءٍ مَثَلًا مُشْتَمِلٌ عَلَى فِعْلِ الْقَلْبِ وَهُوَ الْقَصْدُ وَالْجَارِحَةُ وَهُوَ الرَّمْيُ، فَإِنْ اتَّصَلَ الْخَطَأُ بِالْأَوَّلِ فَهُوَ الْأَوَّلُ، وَإِنْ اتَّصَلَ

لِمَا بَيَّنَّاهُ (وَلَا إثْمَ فِيهِ) يَعْنِي فِي الْوَجْهَيْنِ قَالُوا: الْمُرَادُ إثْمُ الْقَتْلِ، فَأَمَّا فِي نَفْسِهِ فَلَا يَعْرَى عَنْ الْإِثْمِ مِنْ حَيْثُ تَرْكُ الْعَزِيمَةِ وَالْمُبَالَغَةُ فِي التَّثَبُّتِ فِي حَالِ الرَّمْيِ، إذْ شَرْعُ الْكَفَّارَةِ يُؤْذِنُ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَعْنَى (وَيُحْرَمُ عَنْ الْمِيرَاثِ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ إثْمًا فَيَصِحُّ تَعْلِيقُ الْحِرْمَانِ بِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَعَمَّدَ الضَّرْبَ مَوْضِعًا مِنْ جَسَدِهِ فَأَخْطَأَ فَأَصَابَ مَوْضِعًا آخَرَ فَمَاتَ حَيْثُ يَجِبُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ قَدْ وُجِدَ بِالْقَصْدِ إلَى بَعْضِ بَدَنِهِ، وَجَمِيعُ الْبَدَنِ كَالْمَحَلِّ الْوَاحِدِ قَالَ (وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ مِثْلُ النَّائِمِ يَنْقَلِبُ عَلَى رَجُلٍ فَيَقْتُلُهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْخَطَأِ فِي الشَّرْعِ، وَأَمَّا الْقَتْلُ بِسَبَبٍ كَحَافِرِ الْبِئْرِ وَوَاضِعِ الْحَجَرِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ، وَمُوجِبُهُ إذَا تَلِفَ فِيهِ آدَمِيٌّ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ) ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ التَّلَفِ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ فَأُنْزِلَ مَوْقِعًا دَافِعًا فَوَجَبَتْ الدِّيَةُ (وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حِرْمَانُ الْمِيرَاثِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُلْحَقُ بِالْخَطَإِ فِي أَحْكَامِهِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَنْزَلَهُ قَاتِلًا وَلَنَا أَنَّ الْقَتْلَ مَعْدُومٌ مِنْهُ حَقِيقَةً فَأُلْحِقَ بِهِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ فَبَقِيَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ عَلَى الْأَصْلِ، وَهُوَ إنْ كَانَ يَأْثَمُ بِالْحَفْرِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لَا يَأْثَمُ بِالْمَوْتِ عَلَى مَا قَالُوا، وَهَذِهِ كَفَّارَةُ ذَنْبِ الْقَتْلِ وَكَذَا الْحِرْمَانُ بِسَبَبِهِ (وَمَا يَكُونُ شِبْهَ عَمْدٍ فِي النَّفْسِ فَهُوَ عَمْدٌ فِيمَا سِوَاهَا) ؛ لِأَنَّ إتْلَافَ النَّفْسِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ، وَمَا دُونَهَا لَا يَخْتَصُّ إتْلَافُهُ بِآلَةٍ دُونَ آلَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالثَّانِي فَهُوَ الثَّانِي. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّاهُ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَتَجِبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لِقَضِيَّةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (وَلَا إثْمَ فِيهِ فِي الْوَجْهَيْنِ) أَيْ النَّوْعَيْنِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ» الْحَدِيثَ. وَقَوْلُهُ (وَيُحْرَمُ عَنْ الْمِيرَاثِ لِأَنَّ فِيهِ إثْمًا) بِدَلِيلِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، وَالْحِرْمَانُ يَجِبُ بِأَنْوَاعِ الْقَتْلِ فِيمَا هُوَ جِنَايَةٌ، قِيلَ عَلَى الْمُوَرِّثِ تَضَمَّنَتْ تُهْمَةَ الِاسْتِعْجَالِ عَلَى الْمِيرَاثِ، وَهَذَا كَذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَصَدَهُ، إلَّا أَنَّهُ أَظْهَرَ الْخَطَأَ مِنْ نَفْسِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَمُخْتَصَرِ الضَّوْءِ فِي الْفَرَائِضِ مُسْتَوْفًى بِتَأْيِيدِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ مَا إذَا تَعَمَّدَ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ وَمُوجَبُ ذَلِكَ الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ. وَصُورَةُ ذَلِكَ رَجُلٌ تَعَمَّدَ أَنْ يَضْرِبَ يَدَ رَجُلٍ فَأَخْطَأَ فَأَصَابَ عُنُقَهُ فَقَتَلَهُ فَهُوَ عَمْدٌ فِيهِ الْقَوَدُ. وَلَوْ أَرَادَ يَدَ رَجُلٍ فَأَصَابَ عُنُقَ غَيْرِهِ وَأَبَانَهُ فَهُوَ خَطَأٌ، وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ مِثْلُ النَّائِمِ يَنْقَلِبُ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ لِأَنَّ النَّائِمَ لَا يُوصَفُ فِعْلُهُ بِالْعَمْدِ وَلَا بِالْخَطَأِ، إلَّا أَنَّهُ كَالْخَطَأِ فِي الْأَحْكَامِ لِأَنَّ الْمَقْتُولَ مَاتَ بِثِقَلِهِ فَكَأَنَّهُ مَاتَ بِفِعْلِهِ وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الشَّرْعَ أَنْزَلَهُ قَاتِلًا) يَعْنِي فِي حَقِّ الضَّمَانِ فَكَذَا فِي الْكَفَّارَةِ وَالْحِرْمَانِ. وَلَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ بِالْقَتْلِ وَهُوَ مَعْدُومٌ مِنْهُ حَقِيقَةً لِعَدَمِ اتِّصَالِ فِعْلِهِ بِهِ، وَإِنَّمَا أُلْحِقَ بِهِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ صِيَانَةً لِلدِّمَاءِ عَنْ الْهَدَرِ فَيَبْقَى فِي حَقِّ غَيْرِهِ عَلَى الْأَصْلِ. فَإِنْ قِيلَ: الْحَافِرُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ يَأْثَمُ وَمَا فِيهِ إثْمٌ مِنْ الْقَتْلِ يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْحِرْمَانِ بِهِ كَمَا ذَكَرْتُمْ فِي الْخَطَأِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَهُوَ إنْ كَانَ يَأْثَمُ بِالْحَفْرِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ) أَيْ الْإِثْمُ الْحَاصِلُ بِالْقَتْلِ يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْحِرْمَانِ بِهِ، وَمَا ذَكَرْتُمْ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ إثْمَهُ إثْمُ الْحَفْرِ لَا الْمَوْتِ. وَقَوْلُهُ (وَمَا يَكُونُ شِبْهَ عَمْدٍ فِي النَّفْسِ فَهُوَ عَمْدٌ فِيمَا سِوَاهَا) يَعْنِي لَيْسَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ شِبْهُ عَمْدٍ إنَّمَا هُوَ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ (لِأَنَّ إتْلَافَ النَّفْسِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ) فَإِنَّ إتْلَافَ النَّفْسِ لَا يُقْصَدُ إلَّا بِالسِّلَاحِ وَمَا جَرَى

[باب ما يوجب القصاص وما لا يوجبه]

قَالَ (الْقِصَاصُ وَاجِبٌ بِقَتْلِ كُلِّ مَحْقُونِ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ إذَا قَتَلَ عَمْدًا) أَمَّا الْعَمْدِيَّةُ فَلِمَا بَيَّنَّاهُ، وَأَمَّا حَقْنُ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ فَلِتَنْتَفِيَ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ وَتَتَحَقَّقَ الْمُسَاوَاةُ قَالَ (وَيُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْحُرُّ بِالْعَبْدِ) لِلْعُمُومَاتِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178] وَمِنْ ضَرُورَةِ هَذِهِ الْمُقَابَلَةِ أَنْ لَا يُقْتَلَ حُرٌّ بِعَبْدٍ، وَلِأَنَّ مَبْنَى الْقِصَاصِ عَلَى الْمُسَاوَاةِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ بَيْنَ الْمَالِكِ وَالْمَمْلُوكِ وَلِهَذَا لَا يُقْطَعُ طَرَفُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَجْرَاهُ، وَأَمَّا مَا دُونَهَا فَإِنَّهُ يَقْصِدُ إتْلَافَهُ بِغَيْرِهِ كَمَا يَقْصِدُ بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ فَقْءَ الْعَيْنِ كَمَا يُقْصَدُ بِالسِّكِّينِ يُقْصَدُ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا الصَّغِيرَةِ [بَابُ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَمَا لَا يُوجِبُهُ] (بَابُ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَمَا لَا يُوجِبُهُ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَقْسَامِ الْقَتْلِ وَكَانَ مِنْ جُمْلَتِهَا الْعَمْدُ وَهُوَ قَدْ يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَقَدْ لَا يُوجِبُهُ احْتَاجَ إلَى تَفْصِيلِ ذَلِكَ فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ. قَالَ (الْقِصَاصُ وَاجِبٌ بِقَتْلِ كُلِّ مَحْقُونِ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ إلَخْ) هَذِهِ ضَابِطَةٌ كُلِّيَّةٌ لِمَعْرِفَةِ مَنْ يَجِبُ لَهُ الْقِصَاصُ، وَحَقْنُ الدَّمِ مَنَعَهُ أَنْ يَسْفِكَ. وَقَوْلُهُ (عَلَى التَّأْبِيدِ) احْتِرَازٌ عَنْ الْمُسْتَأْمَنِ، فَإِنَّ فِي دَمِهِ شُبْهَةَ الْإِبَاحَةِ بِالْعَوْدِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ الْمُزِيلَةِ لِلْمُسَاوَاةِ الْمُنْبِئِ عَنْهَا الْقِصَاصُ، وَلَا بُدَّ مِنْ صِفَةِ الْعَمْدَيْنِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْعَمْدُ قَوَدٌ» وَمِنْ أَنَّ الْجِنَايَةَ بِهَا تَتَكَامَلُ، وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ الْعَفْوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَذَلِكَ يُنَافِي وَصْفَ الْقِصَاصِ بِالْوُجُوبِ. الثَّانِي أَنَّ حَقْنَ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ لِأَنَّ أَنْهَى مَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْلِمِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ يَزُولُ بِالِارْتِدَادِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى. الثَّالِثُ أَنَّهَا مَنْقُوضَةٌ بِمُسْلِمٍ قَتَلَ ابْنَهُ الْمُسْلِمَ فَإِنَّهَا مَوْجُودَةٌ فِيهِ وَلَا قِصَاصَ، الرَّابِعُ أَنَّ قَيْدَ التَّأْبِيدِ لِثُبُوتِ الْمُسَاوَاةِ، وَإِذَا قَتَلَ الْمُسْتَأْمَنُ مُسْلِمًا وَجَبَ الْقِصَاصُ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا فَأَجَابَ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُوبِ ثُبُوتُ حَقِّ الِاسْتِيفَاءِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَفْوِ. وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَقْنِ عَلَى التَّأْبِيدِ مَا هُوَ بِحَسَبِ الْأَصْلِ وَالِارْتِدَادُ عَارِضٌ لَا مُعْتَبَرَ بِهِ وَرُجُوعُ الْحَرْبِيِّ إلَى دَارِهِ أَصْلٌ لَا عَارِضٌ. وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّ الْقِصَاصَ ثَابِتٌ لَكِنَّهُ انْقَلَبَ مَالًا لِشُبْهَةِ الْأُبُوَّةِ. وَعَنْ الرَّابِعِ بِأَنَّ التَّفَاوُتَ إلَى نُقْصَانٍ غَيْرُ مَانِعٍ عَنْ الِاسْتِيفَاءِ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ.

الْحُرِّ بِطَرَفِهِ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ بِالْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ، وَبِخِلَافِ الْعَبْدِ حَيْثُ يُقْتَلُ بِالْحُرِّ؛ لِأَنَّهُ تَفَاوُتٌ إلَى نُقْصَانٍ وَلَنَا أَنَّ الْقِصَاصَ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْعِصْمَةِ وَهِيَ بِالدِّينِ وَبِالدَّارِ وَيَسْتَوِيَانِ فِيهِمَا، وَجَرَيَانُ الْقِصَاصِ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ يُؤْذِنُ بِانْتِفَاءِ شُبْهَةِ الْإِبَاحَةِ، وَالنَّصُّ تَخْصِيصٌ بِالذِّكْرِ فَلَا يَنْفِي مَا عَدَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ لِلْعُمُومَاتِ يُرِيدُ بِهِ مِثْلَ قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] وَقَوْلُهُ {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] وَقَوْلَهُ {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وَقَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْعَمْدُ قَوَدٌ» وَذَكَرَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَوَجْهَهُ وَهُوَ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَهِيَ) أَيْ الْعِصْمَةُ (بِالدَّيْنِ) يَعْنِي عِنْدَهُ (أَوْ بِالدَّارِ) يَعْنِي عِنْدَنَا (وَ) الْعَبْدُ وَالْحُرُّ (يَسْتَوِيَانِ فِيهِمَا) فَيَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ قَالَ جَازَ أَنْ تَكُونَ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ مَانِعَةً وَهِيَ ثَابِتَةٌ لِأَنَّ الرِّقَّ أَثَرُ الْكُفْرِ وَحَقِيقَةُ الْكُفْرِ تَمْنَعُ مِنْهُ كَمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْمُسْتَأْمَنِ فَكَذَا أَثَرُهُ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَجَرَيَانُ الْقِصَاصِ) مَعْنَاهُ لَا يَصْلُحُ ذَلِكَ مَانِعًا، إذْ لَوْ صَلَحَ لَمَا جَرَى بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ كَمَا لَا يَجْرِي بَيْنَ الْمُسْتَأْمَنِينَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَالنَّصُّ تَخْصِيصٌ بِالذَّكَرِ) جَوَابٌ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ الْمُقَابَلَةِ فِي الْآيَةِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ ذَلِكَ تَخْصِيصٌ بِالذَّكَرِ وَهُوَ لَا يَنْفِي مَا عَدَاهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ {وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى} [البقرة: 178] فَإِنَّهُ لَا يَنْفِي الذَّكَرَ بِالْأُنْثَى وَلَا الْعَكْسَ بِالْإِجْمَاعِ، وَفَائِدَةُ التَّخْصِيصِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ أَرَادَ قَتْلَ غَيْرِ الْقَاتِلِ بِالْمَقْتُولِ، وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - رَوَى أَنَّ قَبِيلَتَيْنِ مِنْ الْعَرَبِ تَدَّعِي إحْدَاهُمَا فَضْلًا عَلَى الْأُخْرَى اقْتَتَلَتَا، فَقَالَتْ مُدَّعِيَةُ الْفَضْلِ: لَا نَرْضَى إلَّا بِقَتْلِ الذَّكَرِ مِنْهُمْ بِالْأُنْثَى مِنَّا وَالْحَرِّ مِنْهُمْ بِقَتْلِ الْعَبْدِ مِنَّا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ رَدًّا عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَوَابَ عَنْ الْأَطْرَافِ. وَقَدْ أُجِيبَ بِأَنَّ الْقِصَاصَ فِي الْأَطْرَافِ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْجُزْءِ الْمُبَانِ، فَإِنَّهُ لَا تُقْطَعُ الْيَدُ الصَّحِيحَةُ بِالشَّلَّاءِ، وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الرِّقَّ ثَابِتٌ فِي أَجْزَاءِ الْجِسْمِ،

قَالَ (وَالْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ» وَلِأَنَّهُ لَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا وَقْتَ الْجِنَايَةِ، وَكَذَا الْكُفْرُ مُبِيحٌ فَيُورِثُ الشُّبْهَةَ وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَتَلَ مُسْلِمًا بِذِمِّيٍّ» وَلِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي الْعِصْمَةِ ثَابِتَةٌ نَظَرًا إلَى التَّكْلِيفِ وَالدَّارِ وَالْمُبِيحُ كُفْرُ الْمُحَارِبِ دُونَ الْمُسَالِمِ، وَالْقَتْلُ بِمِثْلِهِ يُؤْذِنُ بِانْتِفَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِخِلَافِ النُّفُوسِ فَإِنَّ الْقِصَاصَ فِيهَا يَعْتَمِدُهَا فِي الْعِصْمَةِ وَقَدْ تَسَاوَيَا فِيهَا عَلَى مَا مَرَّ. قَالَ (وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ فِيهِ سَوَاءٌ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي ثُبُوتِ اقْتِصَاصِ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ، فَذَهَبَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ إلَى عَدَمِهِ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إلَى ثُبُوتِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ. اسْتَدَلَّ الْأَوَّلُونَ بِمَا رَوَى أَبُو جُحَيْفَةَ قَالَ: «سَأَلْت عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ عِنْدَك مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِوَى الْقُرْآنِ؟ قَالَ لَا، وَاَلَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إلَّا أَنْ يُعْطَى فَهْمًا فِي كِتَابِهِ وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ، قُلْت: وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: الْعَقْلُ وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ وَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» . وَبِأَنَّ الْقِصَاصَ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ فِي وَقْتِ الْجِنَايَةِ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا فِيهِ. وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِوَقْتِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ الْقَاتِلَ إذَا كَانَ ذِمِّيًّا وَقْتَ الْقَتْلِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَبِأَنَّ الْكُفْرَ مُبِيحٌ لِدَمِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193] أَيْ فِتْنَةُ الْكُفْرِ فَيُورِثُ شُبْهَةَ عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ. وَلَنَا مَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ إبْرَاهِيمَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَنَا أَحَقُّ مَنْ وَفَّى بِذِمَّتِهِ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ» وَفِي دَلَالَتِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ جَلَاءٌ لَا يُمَارَى. وَرُدَّ بِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى ابْنِ السَّلْمَانِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ. قَالَ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ابْنُ السَّلْمَانِيِّ حَدِيثُهُ مُنْكَرٌ، رُوِيَ عَنْهُ رَبِيعَةُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَتَلَ مُسْلِمًا بِمُعَاهَدٍ» وَهُوَ مُرْسَلٌ مُنْكَرٌ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ابْنُ السَّلْمَانِيِّ لَا يَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ إذَا وَصَلَ فَكَيْفَ إذَا أَرْسَلَ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الطَّعْنَ بِالْإِرْسَالِ وَالطَّعْنُ الْمُبْهَمُ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَقَدْ عُرِفَ فِي الْأُصُولِ (وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْعِصْمَةِ وَهِيَ ثَابِتَةٌ نَظَرًا إلَى التَّكْلِيفِ) يَعْنِي عِنْدَهُ (أَوْ الدَّارِ) يَعْنِي عِنْدَنَا فَيَثْبُتُ. وَقَوْلُهُ (وَالْمُبِيحُ كُفْرُ الْمُحَارِبِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَكَذَا الْكُفْرُ مُبِيحٌ،

الشُّبْهَةِ، وَالْمُرَادُ بِمَا رَوَى الْحَرْبِيَّ لِسِيَاقِهِ «وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» وَالْعَطْفُ لِلْمُغَايَرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَقْرِيرُهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مُطْلَقَ الْكُفْرِ مُبِيحٌ بَلْ الْمُبِيحُ كُفْرُ الْمُحَارِبِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: 29] إلَى قَوْلِهِ {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29] وَقَوْلُهُ وَالْقَتْلُ بِمِثْلِهِ لِدَفْعِ قَوْلِهِ فَيُورِثُ الشُّبْهَةُ: أَيْ قَتْلُ الذِّمِّيِّ بِالذِّمِّيِّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كُفْرَ الذِّمِّيِّ لَا يُورِثُ الشُّبْهَةَ إذْ لَوْ أَوْرَثَهَا لَمَا جَرَى الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا كَمَا لَا يَجْرِي بَيْنَ الْحَرْبِيِّينَ. فَإِنْ قِيلَ: يُورِثُ الشُّبْهَةَ إذَا قَتَلَهُ مُسْلِمٌ. قُلْنَا: فَيَكُونُ قَبْلَ قَتْلِهِ الْمُسْلِمَ مَعْصُومًا كَالْمُسْلِمِ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ. وَقَوْلُهُ (وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ) جَوَابٌ عَمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَتَقْرِيرُهُ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْآثَارِ أَنَّ الَّذِي حَكَاهُ أَبُو جُحَيْفَةَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَكُنْ مُفْرَدًا، وَلَوْ كَانَ مُفْرَدًا لَاحْتَمَلَ مَا قَالُوا وَلَكِنْ مَوْصُولًا بِغَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ «وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ (لِسِيَاقِهِ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ) وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَطَفَ هَذَا عَلَى الْأَوَّلِ وَالْعَطْفُ لِلْمُغَايَرَةِ فَيَكُونُ كَلَامًا تَامًّا فِي نَفْسِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَدَائِهِ إلَى أَنْ لَا يُقْتَلَ ذُو عَهْدٍ مُدَّةَ عَهْدِهِ وَإِنْ قَتَلَ مُسْلِمًا، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ بِالْإِجْمَاعِ فَيُقَدَّرُ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِكَافٍ عَلَى طَرِيقَةِ قَوْله تَعَالَى {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ} [البقرة: 285] ثُمَّ الْكَافِرُ الَّذِي لَا يُقْتَلُ بِهِ ذُو عَهْدٍ هُوَ الْحَرْبِيُّ فَيُقَدَّرُ بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ، وَإِذْ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ حَرْبِيٍّ يُقَدَّرُ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ كَذَلِكَ، وَإِلَّا لَكَانَ ذَلِكَ أَعَمَّ وَالْأَعَمُّ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الْأَخَصِّ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، فَمَا فَرَضْنَاهُ دَلِيلًا لَا يَكُونُ دَلِيلًا هَذَا خَلَفٌ بَاطِلٌ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا كَيْفِيَّةُ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْحَرْبِيِّ حَتَّى صَحَّ نَفْيُهُ وَقَتْلُهُمْ وَاجِبٌ؟

قَالَ (وَلَا يُقْتَلُ بِالْمُسْتَأْمَنِ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْقُونِ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَكَذَلِكَ كُفْرُهُ بَاعِثٌ عَلَى الْحِرَابِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالْجَوَابُ مِنْ جِهَتَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْمُسْلِمُ دَخَلَ دَارَهُمْ بِأَمَانٍ فَقَتَلَ كَافِرًا حَرْبِيًّا فَهُوَ حَرَامٌ لَكِنْ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ. وَالثَّانِي أَنْ يَقْتُلَ مَنْ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ كَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مَعَارِكِ الْآرَاءِ لَا طَائِلَ تَحْتَ تَطْوِيلِهَا فَلْنَقْتَصِرْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. وَقَوْلُهُ (وَلَا يُقْتَلُ) يَعْنِي الْمُسْلِمَ (بِالْمُسْتَأْمَنِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْقُونِ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ (وَلِأَنَّ كُفْرَهُ بَاعِثٌ عَلَى الْحِرَابِ

لِأَنَّهُ عَلَى قَصْدِ الرُّجُوعِ (وَلَا يُقْتَلُ الذِّمِّيُّ بِالْمُسْتَأْمَنِ) لِمَا بَيَّنَّا (وَيُقْتَلُ الْمُسْتَأْمَنُ بِالْمُسْتَأْمَنِ) قِيَاسًا لِلْمُسَاوَاةِ، وَلَا يُقْتَلُ اسْتِحْسَانًا لِقِيَامِ الْمُبِيحِ (وَيُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ، وَالْكَبِيرُ بِالصَّغِيرِ، وَالصَّحِيحُ بِالْأَعْمَى وَالزَّمِنُ وَبِنَاقِصِ الْأَطْرَافِ وَبِالْمَجْنُونِ) لِلْعُمُومَاتِ، وَلِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ التَّفَاوُتِ فِيمَا وَرَاءَ الْعِصْمَةِ امْتِنَاعَ الْقِصَاصِ وَظُهُورَ التَّقَاتُلِ وَالتَّفَانِي قَالَ (وَلَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِابْنِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ» وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ عَلَى قَصْدِ الرُّجُوعِ) إلَى دَارِهِ فَكَانَ كَالْحَرْبِيِّ (وَلَا يُقْتَلُ الذِّمِّيُّ بِالْمُسْتَأْمَنِ لِمَا بَيَّنَّا) أَنَّهُ لَيْسَ مَحْقُونَ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ. وَقِيلَ هُوَ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ لِأَنَّ الْمَعْهُودَ مِنْهُ مِثْلُهُ لِمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّا قَدَّرْنَا ذَلِكَ بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ إلَّا إذَا أُرِيدَ هُنَاكَ بِالْحَرْبِيِّ أَعَمَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْمَنًا أَوْ مُحَارِبًا وَهُوَ الْحَقُّ، وَيُغْنِينَا عَنْ السُّؤَالِ عَنْ كَيْفِيَّةِ قَتْلِ الْمُسْلِمِ الْحَرْبِيِّ وَالْجَوَابِ عَنْهُ. وَعَبَّرَ بِقَوْلِهِ لِمَا بَيَّنَّا لِأَنَّ التَّقْدِيرَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ بِمَرْوِيٍّ وَإِنَّمَا هُوَ تَأْوِيلٌ فَلَمْ يَقُلْ لِمَا رَوَيْنَا وَقَوْلُهُ (لِلْعُمُومَاتِ) يَعْنِي الْآيَاتِ الدَّالَّةَ بِعُمُومِهَا عَلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ التَّفَاوُتِ إلَخْ) يَصْلُحُ لِجَمِيعِ مَا خَالَفْنَا فِيهِ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ (وَلَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِابْنِهِ إلَخْ) لَا يُقْتَلُ الْإِنْسَانُ بِوَلَدِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ يُقَادُ إذَا ذَبَحَهُ ذَبْحًا، وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ لِإِحْيَائِهِ، فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُسْتَحَقَّ لَهُ إفْنَاؤُهُ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ، وَإِنْ وَجَدَهُ فِي صَفِّ الْأَعْدَاءِ مُقَاتِلًا أَوْ زَانِيًا وَهُوَ مُحْصَنٌ، وَالْقِصَاصُ يَسْتَحِقُّهُ الْمَقْتُولُ ثُمَّ يَخْلُفُهُ وَارِثُهُ، وَالْجَدُّ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ، وَإِنْ عَلَا فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ، وَكَذَا الْوَالِدَةُ وَالْجَدَّةُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ قَرُبَتْ أَوْ بَعُدَتْ لِمَا بَيَّنَّا، وَيُقْتَلُ الْوَلَدُ بِالْوَالِدِ لِعَدَمِ الْمُسْقِطِ قَالَ (وَلَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِعَبْدِهِ وَلَا مُدَبَّرِهِ وَلَا مُكَاتَبِهِ وَلَا بِعَبْدِ وَلَدِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْجِبُ لِنَفْسِهِ عَلَى نَفْسِهِ الْقِصَاصَ وَلَا وَلَدِهِ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَا يُقْتَلُ بِعَبْدٍ مَلَكَ بَعْضَهُ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَتَجَزَّأُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ «لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ» وَهُوَ مَعْلُولٌ بِكَوْنِهِ سَبَبًا لِإِحْيَائِهِ وَهُوَ وَصْفٌ مُعَلَّلٌ ظَهَرَ أَثَرُهُ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ الْمُعَلَّلِ بِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْتُلَ وَالِدَهُ وَإِنْ وَجَدَهُ فِي صَفِّ الْأَعْدَاءِ مُقَاتِلًا أَوْ وَجَدَهُ زَانِيًا وَهُوَ مُحْصَنٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَدَّى بِهِ الْحُكْمُ مِنْ الْوَالِدِ إلَى الْجَدِّ مُطْلَقًا وَإِلَى الْأُمِّ وَالْجَدَّاتِ كَذَلِكَ فَإِنَّهُمْ أَسْبَابٌ لِإِحْيَائِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِإِفْنَائِهِمْ. قَوْلُهُ (وَالْقِصَاصُ يَسْتَحِقُّهُ الْمَقْتُولُ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْوَارِثُ يَسْتَحِقُّ إفْنَاءَهُ لَا الْوَلَدُ وَلَا مَحْذُورَ فِيهِ، وَلَوْ قَالَ فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَتَسَبَّبَ لِفَنَائِهِ لَاسْتَغْنَى عَنْ هَذَا السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ. وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ ذَبَحَهُ يُقَادُ بِهِ لِانْتِفَاءِ شُبْهَةِ الْخَطَأِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا رَمَاهُ بِسَيْفٍ أَوْ سِكِّينٍ فَإِنَّ فِيهِ تَوَهُّمَ التَّأْدِيبِ، لِأَنَّ شَفَقَةَ الْأُبُوَّةِ تَمْنَعُهُ عَنْ ذَلِكَ فَيَتَمَكَّنُ فِيهِ نَوْعُ شُبْهَةٍ، قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَنْ زَنَى بِابْنَتِهِ وَهُوَ مُحْصَنٌ فَإِنَّهُ يُرْجَمُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الرَّجْمَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ، بِخِلَافِ الْقِصَاصِ. لَا يُقَالُ: فَيَجِبُ أَنْ يُحَدَّ إذَا زَنَى بِجَارِيَةِ ابْنِهِ، لِأَنَّ حَقَّ الْمِلْكِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» صَارَ شُبْهَةً فِي الدَّرْءِ. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِإِحْيَائِهِ وَقَوْلُهُ (وَلَا وَلَدُهُ) بِالرَّفْعِ مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمُسْتَكِنِ

قَالَ (وَمَنْ وَرِثَ قِصَاصًا عَلَى أَبِيهِ سَقَطَ) لِحُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ قَالَ (وَلَا يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ إلَّا بِالسَّيْفِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُفْعَلُ بِهِ مِثْلُ مَا فَعَلَ إنْ كَانَ فِعْلًا مَشْرُوعًا، فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا تُحَزَّ رَقَبَتُهُ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْقِصَاصِ عَلَى الْمُسَاوَاةِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» وَالْمُرَادُ بِهِ السِّلَاحُ، وَلِأَنَّ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ اسْتِيفَاءُ الزِّيَادَةِ لَوْ لَمْ يَحْصُلْ الْمَقْصُودُ بِمِثْلِ مَا فَعَلَ فَيُحَزُّ فَيَجِبُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ كَمَا فِي كَسْرِ الْعَظْمِ قَالَ (وَإِذَا قُتِلَ الْمُكَاتَبُ عَمْدًا وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ إلَّا الْمَوْلَى وَتَرَكَ وَفَاءً فَلَهُ الْقِصَاصُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا أَرَى فِي هَذَا قِصَاصًا) ؛ لِأَنَّهُ اشْتَبَهَ سَبَبُ الِاسْتِيفَاءِ فَإِنَّهُ الْوَلَاءُ إنْ مَاتَ حُرًّا وَالْمِلْكُ إنْ مَاتَ عَبْدًا، وَصَارَ كَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْنِي هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِكَذَا، وَقَالَ الْمَوْلَى زَوَّجْتُهَا مِنْك لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ كَذَا هَذَا وَلَهُمَا أَنَّ حَقَّ الِاسْتِيفَاءِ لِلْمَوْلَى بِيَقِينٍ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ وَهُوَ مَعْلُومٌ وَالْحُكْمُ مُتَّحِدٌ، وَاخْتِلَافُ السَّبَبِ لَا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَلَا إلَى اخْتِلَافِ حُكْمٍ فَلَا يُبَالَى بِهِ، بِخِلَافِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ مِلْكِ الْيَمِينِ يُغَايِرُ حُكْمَ النِّكَاحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي يَسْتَوْجِبُ، وَجَازَ ذَلِكَ بِلَا تَأْكِيدٍ بِمُنْفَصِلٍ لِوُقُوعِ الْفَصْلِ: يَعْنِي وَلَا يَسْتَوْجِبُ وَلَدُهُ عَلَى أَبِيهِ إذَا قَتَلَ الْأَبُ عَبْدَ وَلَدِهِ وَقَوْلُهُ (وَمَنْ وَرِثَ قِصَاصًا عَلَى أَبِيهِ) مِثْلُ أَنْ يَقْتُلَ الرَّجُلُ أُمَّ ابْنِهِ مَثَلًا وَقَوْلُهُ (وَلَا يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ إلَّا بِالسَّيْفِ) يَعْنِي إذَا وُجِدَ الْقَتْلُ الْمُوجَبُ لِلْقَوَدِ لَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِالسَّيْفِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُنْظَرُ إنْ كَانَ قَتْلٌ بِفِعْلٍ مَشْرُوعٍ مِثْلُ أَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ فَمَاتَ مِنْهُ فُعِلَ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَيُمْهَلُ مِثْلَ تِلْكَ الْمُدَّةِ فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا تُحَزُّ رَقَبَتُهُ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ مَشْرُوعٍ كَأَنْ سَقَاهُ الْخَمْرَ حَتَّى قَتَلَهُ أَوْ لَاطَ بِصَغِيرٍ فَقَتَلَهُ يُقْتَلُ بِالسَّيْفِ، لِأَنَّ مَبْنَى الْقِصَاصِ الْمُسَاوَاةُ وَذَلِكَ فِيمَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ فِيهِ مُسَاوَاةً فِي أَصْلِ الْوَصْفِ وَالْفِعْلِ الْمَقْصُودِ بِهِ (وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» وَهُوَ نَصٌّ عَلَى نَفْيِ اسْتِيفَاءِ الْقَوَدِ بِغَيْرِهِ وَيَلْحَقُ بِهِ مَا كَانَ سِلَاحًا) فَإِنْ قِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ لَا قَوَدَ يَجِبُ إلَّا بِالسَّيْفِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْقَوَدَ اسْمٌ لِفِعْلٍ هُوَ جَزَاءُ الْفِعْلِ كَالْقِصَاصِ دُونَ مَا يَجِبُ شَرْعًا وَالْحَمْلُ عَلَيْهِ مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ، وَهَذَا مُخْتَارُ صَاحِبِ الْأَسْرَارِ. فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدَّرَهُ بِلَا قَوَدٍ يَجِبُ إلَّا بِالسَّيْفِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي نَفْيِ الْقِصَاصِ عَنْ الْقَتْلِ بِالْمُثْقِلِ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ) دَلِيلٌ مَعْقُولٌ يَتَضَمَّنُ الْجَوَابَ عَنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ مَبْنَى الْقِصَاصِ عَلَى الْمُسَاوَاةِ. وَوَجْهُهُ لَا نُسَلِّمُ وُجُودَ الْمُسَاوَاةِ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ لِأَنَّ فِيهِ الزِّيَادَةَ لَوْ لَمْ يَحْصُلْ الْمَقْصُودُ بِمِثْلِ مَا فَعَلَ، لِأَنَّ فِيهِ الْحَزَّ بَعْدَ فِعْلِ مِثْلِ مَا فَعَلَ بِهِ، وَأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَدَائِهِ إلَى انْتِفَاءِ الْقِصَاصِ فَيَجِبُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ كَمَا فِي كَسْرِ الْعَظْمِ، فَإِنَّ مَنْ كَسَرَ عَظْمَ إنْسَانٍ سِوَى السِّنِّ عَمْدًا فَإِنَّهُ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَإِذَا جَازَ تَرْكُ الْقِصَاصِ كُلِّهِ عِنْدَ تَوَهُّمِ الزِّيَادَةِ فَلَأَنْ يَجُوزَ تَرْكُ الْبَعْضِ أَوْلَى قَالَ (وَإِذْ قَتَلَ الْمُكَاتَبُ عَمْدًا وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ إلَى الْمَوْلَى إلَخْ) إذَا قَتَلَ الْمُكَاتَبُ عَمْدًا فَلَا

(وَلَوْ تَرَكَ وَفَاءً وَلَهُ وَارِثٌ غَيْرُ الْمَوْلَى فَلَا قِصَاصَ، وَإِنْ اجْتَمَعُوا مَعَ الْمَوْلَى) ؛ لِأَنَّهُ اشْتَبَهَ مَنْ لَهُ الْحَقُّ؛ لِأَنَّهُ الْمَوْلَى إنْ مَاتَ عَبْدًا، وَالْوَارِثُ إنْ مَاتَ حُرًّا إذْ ظَهَرَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي مَوْتِهِ عَلَى نَعْتِ الْحُرِّيَّةِ أَوْ الرِّقِّ، بِخِلَافِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مُتَعَيَّنٌ فِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQيَخْلُو إمَّا أَنْ تَرَكَ وَفَاءً أَوْ لَمْ يَتْرُكْ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُ الْمَوْلَى أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلِلْمَوْلَى الْقِصَاصُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا أَرَى فِي هَذَا قِصَاصًا. وَاسْتَدَلَّ بِمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ وَكَأَنَّهُ حَامَ حَوْلَ الدَّرْءِ بِالشُّبُهَاتِ وَلَهُمَا أَنَّ حَقَّ الِاسْتِيفَاءِ لِلْمَوْلَى بِيَقِينٍ إلَخْ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ نَفْيُ اعْتِبَارِ مِثْلِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ لِانْحِطَاطِهَا عَنْ دَرَجَةِ الِاعْتِبَارِ، لِأَنَّ السَّبَبَيْنِ إذَا رَجَعَا إلَى شَخْصٍ وَحُكْمُهُمَا لَمْ يَخْتَلِفْ صَارَا كَسَبَبٍ وَاحِدٍ لِحُكْمٍ وَاحِدٍ. وَأَمَّا إذَا رَجَعَا إلَى شَخْصَيْنِ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُ الْمَوْلَى وَاخْتَلَفَ حُكْمُهُمَا كَالْمَسْأَلَةِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهَا فَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مُعْتَبَرَةً، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَا قِصَاصَ وَإِنْ اجْتَمَعُوا لِوُجُودِ الِاشْتِبَاهِ عَلَى مَا ذُكِرَ، لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - اخْتَلَفُوا فِي مَوْتِهِ عَلَى نَعْتِ الْحُرِّيَّةِ أَوْ الرِّقِّ، فَإِنَّهُ عَلَى قَوْلِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَمُوتُ حُرًّا إذَا أُدِّيَتْ كِتَابَتُهُ فَيَكُونُ الِاسْتِيفَاءُ لِوَرَثَتِهِ، وَعَلَى قَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَمُوتُ عَبْدًا فَيَكُونُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ لِلْمَوْلَى (بِخِلَافِ الْأُولَى فَإِنَّ الْمَوْلَى مُتَعَيِّنٌ فِيهَا) وَإِنْ كَانَ الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً فَوَاضِحٌ كَمَا ذُكِرَ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَلَا وَارِثَ لَهُ أَوْ لَهُ وَرَثَةٌ أَرِقَّاءُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ

(وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَلَهُ وَرَثَةٌ أَحْرَارٌ وَجَبَ الْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ عَبْدًا بِلَا رَيْبٍ لِانْفِسَاخِ الْكِتَابَةِ، بِخِلَافِ مُعْتَقِ الْبَعْضِ إذَا مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْبَعْضِ لَا يَنْفَسِخُ بِالْعَجْزِ (وَإِذَا قُتِلَ عَبْدُ الرَّهْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ حَتَّى يَجْتَمِعَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ) ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا مِلْكَ لَهُ فَلَا يَلِيهِ، وَالرَّاهِنُ لَوْ تَوَلَّاهُ لَبَطَل حَقُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي ذِكْرِهِ، لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ مُعْتَقِ الْبَعْضِ إذَا مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً) يَعْنِي لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ

الْمُرْتَهِنِ فِي الدَّيْنِ فَيُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُهُمَا لِيَسْقُطَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ بِرِضَاهُ قَالَ (وَإِذَا قُتِلَ وَلِيُّ الْمَعْتُوهِ فَلِأَبِيهِ أَنْ يَقْتُلَ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْوِلَايَةِ عَلَى النَّفْسِ شُرِعَ لِأَمْرٍ رَاجِعٍ إلَيْهَا وَهُوَ تَشَفِّي الصَّدْرِ فَيَلِيهِ كَالْإِنْكَاحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى لَا يَعُودُ بِمَوْتِهِ وَلَا يَنْفَسِخُ بِالْعَجْزِ مَا عَتَقَ مِنْهُ وَقَوْلُهُ (وَإِذَا قَتَلَ وَلِيُّ الْمَعْتُوهِ) يَعْنِي ابْنَهُ (فَلِأَبِيهِ) وَهُوَ جَدُّ الْمَقْتُولِ الِاسْتِيفَاءُ (لِأَنَّهُ مِنْ) بَابِ (الْوِلَايَةِ عَلَى النَّفْسِ شُرِعَ لِأَمْرٍ رَاجِعٍ إلَيْهَا) أَيْ إلَى النَّفْسِ (وَهُوَ تَشَفِّي الصَّدْرِ فَيَلِيهِ كَالْإِنْكَاحِ)

(وَلَهُ أَنْ يُصَالِحَ) ؛ لِأَنَّهُ أَنْظَرُ فِي حَقِّ الْمَعْتُوهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّهِ (وَكَذَلِكَ إنْ قُطِعَتْ يَدُ الْمَعْتُوهِ عَمْدًا) لِمَا ذَكَرْنَا (وَالْوَصِيُّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْتُلُ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ وَهَذَا مِنْ قَبِيلِهِ، وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ هَذَا الْإِطْلَاقِ الصُّلْحُ عَنْ النَّفْسِ وَاسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ فَإِنَّهُ لَمْ يُسْتَثْنَ إلَّا الْقَتْلُ وَفِي كِتَابِ الصُّلْحِ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَمْلِكُ الصُّلْحَ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي النَّفْسِ بِالِاعْتِيَاضِ عَنْهُ فَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الِاسْتِيفَاءِ وَوَجْهُ الْمَذْكُورِ هَاهُنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ كُلَّ مَنْ مَلَكَ الْإِنْكَاحَ مَلَكَ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ كَالْأَخِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الْإِنْكَاحَ دُونَ الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلتَّشَفِّي وَلِلْأَبِ شَفَقَةٌ كَامِلَةٌ يُعَدُّ ضَرَرُ الْوَلَدِ ضَرَرَ نَفْسِهِ فَجُعِلَ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ التَّشَفِّي كَالْحَاصِلِ لِلِابْنِ بِخِلَافِ الْأَخِ (وَلَهُ) أَيْ لِوَلِيِّ الْمَعْتُوهِ (أَنْ يُصَالِحَ) لَكِنْ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ، فَإِنْ نَقَصَ يَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ أَنْظَرُ فِي حَقِّ الْمَعْتُوهِ. وَقَوْلُهُ (لِمَا ذَكَرْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ مِنْ الْوِلَايَةِ عَلَى النَّفْسِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ) أَيْ نَفْسِ الْمَعْتُوهِ (وَهَذَا) أَيْ الِاسْتِيفَاءُ (مِنْ قَبِيلِهِ وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ هَذَا الْإِطْلَاقِ) يُرِيدُ قَوْلَهُ وَالْوَصِيُّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (إنَّ الْوَصِيَّ لَا يَمْلِكُ الصُّلْحَ) يَعْنِي عَنْ النَّفْسِ، وَأَمَّا

أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الصُّلْحِ الْمَالُ وَأَنَّهُ يَجِبُ بِعَقْدِهِ كَمَا يَجِبُ بِعَقْدِ الْأَبِ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّشَفِّي وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالْأَبِ وَلَا يَمْلِكُ الْعَفْوَ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَا يَمْلِكُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِبْطَالِ فَهُوَ أَوْلَى وَقَالُوا الْقِيَاسُ أَلَّا يَمْلِكَ الْوَصِيُّ الِاسْتِيفَاءَ فِي الطَّرَفِ كَمَا لَا يَمْلِكُهُ فِي النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مُتَّحِدٌ وَهُوَ التَّشَفِّي وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ فَإِنَّهَا خُلِقَتْ وِقَايَةً لِلْأَنْفُسِ كَالْمَالِ عَلَى مَا عُرِفَ فَكَانَ اسْتِيفَاؤُهُ بِمَنْزِلَةِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ، وَالصَّبِيُّ بِمَنْزِلَةِ الْمَعْتُوهِ فِي هَذَا، وَالْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِي الصَّحِيحِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قُتِلَ وَلَا وَلِيَّ لَهُ يَسْتَوْفِيهِ السُّلْطَانُ، وَالْقَاضِي بِمَنْزِلَتِهِ فِيهِ قَالَ (وَمَنْ قُتِلَ وَلَهُ أَوْلِيَاءٌ صِغَارٌ وَكِبَارٌ فَلِلْكِبَارِ أَنْ يَقْتُلُوا الْقَاتِلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ حَتَّى يُدْرِكَ الصِّغَارُ) ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَمَّا دُونَهَا فَيَمْلِكُهُ. وَقَوْلُهُ (وَأَنَّهُ) أَيْ الْمَالُ يَجِبُ بِعَقْدِهِ أَيْ بِعَقْدِ الْوَصِيِّ قَالَ (وَمَنْ قُتِلَ وَلَهُ أَوْلِيَاءٌ صِغَارٌ وَكِبَارٌ إلَخْ) إذَا كَانَ أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ صِغَارًا وَكِبَارًا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ الْأَبُ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ فَلَهُمْ الِاسْتِيفَاءُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَا: لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ حَتَّى يُدْرِكَ الصِّغَارُ وَوَجْهُهُمَا ظَاهِرٌ عَلَى مَا ذُكِرَ. وَوَجْهُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَبْنِيٌّ عَلَى ثُبُوتِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الصِّغَارِ وَالْغُيَّبِ مِنْ حَيْثُ احْتِمَالُ الْعَفْوِ فِي الْحَالِ وَعَدَمِهِ، فَإِنَّهُ فِي الْغَائِبِ مَوْهُومٌ فَالِاسْتِيفَاءُ يَقَعُ مَعَ الشُّبْهَةِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ، وَفِي الصَّغِيرِ مَأْيُوسٌ حَالَ الِاسْتِيفَاءِ فَانْتَفَى الشُّبْهَةُ، وَإِذَا انْتَفَى الشُّبْهَةُ وَهُوَ حَقٌّ لَا يَتَجَزَّى لِثُبُوتِهِ بِسَبَبٍ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ الْقَرَابَةُ يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ كَمَلًا كَالْوِلَايَةِ فِي الْإِنْكَاحِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا سَقَطَ الْقِصَاصُ بِعَفْوِ أَحَدِهِمَا، كَمَا لَوْ تَعَدَّدَ الْقَتِيلُ وَعَفَا أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ فَإِنَّ لِغَيْرِهِ وِلَايَةَ اسْتِيفَاءِ قِصَاصِ قَتِيلِهِ لَا مَحَالَةَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ، فَلَوْ لَمْ يَسْقُطْ كَانَ ثَابِتًا سَاقِطًا وَهُوَ مُحَالٌ فَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ وَيَنْقَلِبُ مَالًا نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَعَدَّدَ الْقَتِيلُ فَإِنَّ الْحَقَّ ثَمَّةَ مُتَعَدِّدٌ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ

الْبَعْضِ لِعَدَمِ التَّجَزِّي، وَفِي اسْتِيفَائِهِمْ الْكُلَّ إبْطَالُ حَقِّ الصِّغَارِ فَيُؤَخَّرُ إلَى إدْرَاكِهِمْ كَمَا إذَا كَانَ بَيْنَ الْكَبِيرَيْنِ وَأَحَدُهُمَا غَائِبٌ أَوْ كَانَ بَيْنَ الْمَوْلَيَيْنِ وَلَهُ أَنَّهُ حَقٌّ لَا يَتَجَزَّأُ لِثُبُوتِهِ بِسَبَبٍ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ الْقَرَابَةُ، وَاحْتِمَالُ الْعَفْوِ مِنْ الصَّغِيرِ مُنْقَطِعٌ فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَلًا كَمَا فِي وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ، بِخِلَافِ الْكَبِيرَيْنِ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ الْعَفْوِ مِنْ الْغَائِبِ ثَابِتٌ وَمَسْأَلَةُ الْمَوْلَيَيْنِ مَمْنُوعَةٌ قَالَ (وَمَنْ ضَرَبَ رَجُلًا بِمَرٍّ فَقَتَلَهُ، فَإِنْ أَصَابَهُ بِالْحَدِيدِ قُتِلَ بِهِ وَإِنْ أَصَابَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQسُقُوطِ بَعْضٍ سُقُوطُ غَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ (وَمَسْأَلَةُ الْمَوْلَيَيْنِ مَمْنُوعَةٌ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ أَوْ كَانَ بَيْنَ الْمَوْلَيَيْنِ، وَسَنَدُ مَنْعِهِ مَا ذُكِرَ فِي الْأَسْرَارِ لَا رِوَايَةَ فِي عَبْدٍ أَعْتَقَهُ رَجُلَانِ ثُمَّ قَتَلَ أَوْ قُتِلَ وَلَهُ مَوْلَيَانِ فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَنْفَرِدُ بِالِاسْتِيفَاءِ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَأَحَدُ الْمَوْلَيَيْنِ إنَّمَا لَمْ يَنْفَرِدْ بِالِاسْتِيفَاءِ لِأَنَّ السَّبَبَ لَمْ يَكْمُلْ فِي حَقِّهِ، لِأَنَّ بَعْضَ الْمِلْكِ وَبَعْضَ الْوَلَاءِ لَيْسَ بِسَبَبٍ أَصْلًا فَكَانَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ، وَالْوَاحِدُ مِنْهُمَا كَنِصْفِ رَجُلٍ وَشَطْرِ عِلَّةٍ وَقَوْلُهُ (وَمَنْ ضَرَبَ رَجُلًا بِمَرٍّ إلَخْ) وَاضِحٌ وَكَذَا قَوْلُهُ

بِالْعُودِ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذَا إذَا أَصَابَهُ بِحَدِّ الْحَدِيدِ لِوُجُودِ الْجُرْحِ فَكَمُلَ السَّبَبُ، وَإِنْ أَصَابَهُ بِظَهْرِ الْحَدِيدِ فَعِنْدَهُمَا يَجِبُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارًا مِنْهُ لِلْآلَةِ، وَهُوَ الْحَدِيدُ وَعَنْهُ إنَّمَا يَجِبُ إذَا جَرَحَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَعَلَى هَذَا الضَّرْبُ بِسِنْجَاتِ الْمِيزَانِ؛ وَأَمَّا إذَا ضَرَبَهُ بِالْعُودِ فَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ لِوُجُودِ قَتْلِ النَّفْسِ الْمَعْصُومَةِ وَامْتِنَاعِ الْقِصَاصِ حَتَّى لَا يُهْدَرَ الدَّمُ، ثُمَّ قِيلَ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَصَا الْكَبِيرَةِ فَيَكُونُ قَتْلًا بِالْمُثْقَلِ، وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا نُبَيِّنُ، وَقِيلَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ السَّوْطِ، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُوَالَاةِ لَهُ أَنَّ الْمُوَالَاةَ فِي الضَّرَبَاتِ إلَى أَنْ مَاتَ دَلِيلُ الْعَمْدِيَّةِ فَيَتَحَقَّقُ الْمُوجِبُ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا «أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَإِ الْعَمْدِ» وَيُرْوَى " شِبْهِ الْعَمْدِ " الْحَدِيثَ وَلِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ عَدَمِ الْعَمْدِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ قَدْ تُسْتَعْمَلُ لِلتَّأْدِيبِ أَوْ لَعَلَّهُ اعْتَرَاهُ الْقَصْدُ فِي خِلَالِ الضَّرَبَاتِ فَيَعْرَى أَوَّلُ الْفِعْلِ عَنْهُ وَعَسَاهُ أَصَابَ الْمَقْتَلَ، وَالشُّبْهَةُ دَارِئَةٌ لِلْقَوَدِ فَوَجَبَ الدِّيَةُ قَالَ (وَمَنْ غَرَّقَ صَبِيًّا أَوْ بَالِغًا فِي الْبَحْرِ فَلَا قِصَاصَ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ: يُقْتَصُّ مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، غَيْرَ أَنَّ عِنْدَهُمَا يُسْتَوْفَى حَزًّا وَعِنْدَهُ يُغَرَّقُ كَمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ لَهُمْ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ غَرَّقَ غَرَّقْنَاهُ» وَلِأَنَّ الْآلَةَ قَاتِلَةٌ فَاسْتِعْمَالُهَا أَمَارَةُ الْعَمْدِيَّةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَنْ غَرَّقَ صَبِيًّا) وَ (كَمَا بَيَّنَّاهُ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ يُفْعَلُ بِهِ كَمَا فَعَلَ إنْ كَانَ فِعْلًا مَشْرُوعًا. وَقَوْلُهُ (لَهُمْ) أَيْ لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، لَكِنَّ اسْتِدْلَالَ الشَّافِعِيِّ بِالْحَدِيثِ وَاسْتِدْلَالهمَا بِالْمَعْقُولِ.

وَلَا مِرَاءَ فِي الْعِصْمَةِ وَلَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَإِ الْعَمْدِ قَتِيلُ السَّوْطِ وَالْعَصَا» وَفِيهِ «وَفِي كُلِّ خَطَإٍ أَرْشٌ» ؛ لِأَنَّ الْآلَةَ غَيْرُ مُعَدَّةٍ لِلْقَتْلِ، وَلَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِيهِ لِتَعَذُّرِ اسْتِعْمَالِهِ فَتَمَكَّنَتْ شُبْهَةُ عَدَمِ الْعَمْدِيَّةِ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ يُنْبِئُ عَنْ الْمُمَاثَلَةِ، وَمِنْهُ يُقَالُ: اقْتَصَّ أَثَرَهُ، وَمِنْهُ الْقُصَّةُ لِلْجَلَمَيْنِ، وَلَا تَمَاثُلَ بَيْنَ الْجَرْحِ وَالدَّقِّ لِقُصُورِ الثَّانِي عَنْ تَخْرِيبِ الظَّاهِرِ، وَكَذَا لَا يَتَمَاثَلَانِ فِي حِكْمَةِ الزَّجْرِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ بِالسِّلَاحِ غَالِبٌ وَبِالْمُثْقَلِ نَادِرٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلَا مِرَاءَ فِي الْعِصْمَةِ) أَيْ لَا شَكَّ فِيهَا. وَقَوْلُهُ (وَمِنْهُ الْمَقَصَّةُ لِلْجَلَمَيْنِ) الْجَلَمُ الَّذِي يُجَزُّ بِهِ وَهُمَا جَلَمَانِ.

وَمَا رَوَاهُ غَيْرُ مَرْفُوعٍ أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ، وَقَدْ أَوْمَتْ إلَيْهِ إضَافَتُهُ إلَى نَفْسِهِ فِيهِ وَإِذَا امْتَنَعَ الْقِصَاصُ وَجَبَتْ الدِّيَةُ، وَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَاخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْكَفَّارَةِ. قَالَ (وَمَنْ جَرَحَ رَجُلًا عَمْدًا فَلَمْ يَزَلْ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ) لِوُجُودِ السَّبَبِ وَعَدَمِ مَا يُبْطِلُ حُكْمَهُ فِي الظَّاهِرِ فَأُضِيفَ إلَيْهِ قَالَ (وَإِذَا الْتَقَى الصَّفَّانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ فَقَتَلَ مُسْلِمٌ مُسْلِمًا ظَنَّ أَنَّهُ مُشْرِكٌ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) ؛ لِأَنَّ هَذَا أَحَدُ نَوْعَيْ الْخَطَإِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَالْخَطَأُ بِنَوْعَيْهِ لَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، وَكَذَا الدِّيَةُ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ نَصُّ الْكِتَابِ «وَلَمَّا اخْتَلَفَتْ سُيُوفُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْيَمَانِ أَبِي حُذَيْفَةَ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالدِّيَةِ» قَالُوا: إنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ إذَا كَانُوا مُخْتَلَطِينَ، فَإِنْ كَانَ فِي صَفِّ الْمُشْرِكِينَ لَا تَجِبُ لِسُقُوطِ عِصْمَتِهِ بِتَكْثِيرِ سَوَادِهِمْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَثَّرَ سَوَادَ قَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» قَالَ (وَمَنْ شَجَّ نَفْسَهُ وَشَجَّهُ رَجُلٌ وَعَقَرَهُ أَسَدٌ وَأَصَابَتْهُ حَيَّةٌ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَعَلَى الْأَجْنَبِيِّ ثُلُثُ الدِّيَةِ) ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْأَسَدِ وَالْحَيَّةِ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِكَوْنِهِ هَدَرًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَفِعْلُهُ بِنَفْسِهِ هَدَرٌ فِي الدُّنْيَا مُعْتَبَرٌ فِي الْآخِرَةِ حَتَّى يَأْثَمَ عَلَيْهِ وَفِي النَّوَادِرِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَفِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ ذَكَرَ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ عَلَى مَا كَتَبْنَاهُ فِي كِتَابِ التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيدِ فَلَمْ يَكُنْ هَدَرًا مُطْلَقًا وَكَانَ جِنْسًا آخَرَ، وَفِعْلُ الْأَجْنَبِيِّ مُعْتَبَرٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَصَارَتْ ثَلَاثَةَ أَجْنَاسٍ فَكَأَنَّ النَّفْسَ تَلِفَتْ بِثَلَاثَةِ أَفْعَالٍ فَيَكُونُ التَّالِفُ بِفِعْلِ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَمَا رَوَاهُ غَيْرُ مَرْفُوعٍ) لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى قَوْلِهِ التَّحْرِيقُ بِالتَّحْرِيقِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُعَذِّبُوا أَحَدًا بِعَذَابِ اللَّهِ» (أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ وَقَدْ أَوْمَتْ) أَيْ أَشَارَتْ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى كَوْنِهِ مَحْمُولًا عَلَى السِّيَاسَةِ (إضَافَتُهُ إلَى نَفْسِهِ) حَيْثُ قَالَ غَرَّقْنَا وَلَمْ يَقُلْ غَرِّقُوهُ. وَقَوْلُهُ (وَاخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ) مَرْفُوعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ. وَقَوْلُهُ (فِي الْكَفَّارَةِ) خَيَّرَهُ: يَعْنِي أَنَّ اخْتِلَافَ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا كَانَ فِي الْكَفَّارَةِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنْ لَا كَفَّارَةَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ، وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّ فِيهِ الْكَفَّارَةَ عِنْدَهُ، وَأَمَّا الدِّيَةُ فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ وَقَوْلُهُ (لِوُجُودِ السَّبَبِ) يَعْنِي سَفْكَ دَمٍ مَحْقُونٍ عَلَى التَّأْبِيدِ عَمْدًا (وَعَدَمُ مَا يُبْطِلُ حُكْمَهُ) يَعْنِي مِنْ عَفْوٍ أَوْ شُبْهَةٍ وَقَوْلُهُ (وَإِذَا الْتَقَى الصَّفَّانِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (أَحَدُ نَوْعَيْ الْخَطَأِ) يُرِيدُ بِهِ الْخَطَأَ فِي الْقَصْدِ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا الدِّيَةُ) مَنْصُوبٌ عَطْفًا عَلَى الْكَفَّارَةِ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ النَّصُّ) يُرِيدُ بِهِ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} [النساء: 92] الْآيَةَ. وَقَوْلُهُ (وَلَمَّا اخْتَلَفَتْ سُيُوفُ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ تَوَالَتْ رَوَى «أَنَّ سُيُوفَ الْمُسْلِمِينَ تَوَالَتْ عَلَى الْيَمَانِ أَبِي حُذَيْفَةَ فِي بَعْضِ اللَّيَالِيِ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ فَقَتَلُوهُ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ مُشْرِكٌ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالدِّيَةِ فَوَهَبَهَا لَهُمْ حُذَيْفَةُ» وَقَوْلُهُ (وَمَنْ شَجَّ نَفْسَهُ) وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَفِعْلُهُ بِنَفْسِهِ هَدَرٌ فِي الدُّنْيَا) يَعْنِي فَلَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا فِي حَقِّ الضَّمَانِ لِمَكَانِ الِاسْتِحَالَةِ وَالتَّنَافِي. وَقَوْلُهُ (يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ) أَثَرُ كَوْنِ فِعْلِهِ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ صَارَ كَأَنَّهُ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ بِمَرَضٍ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ فِي نَفْسِهِ وَقَوْلُهُ (وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ) لِأَنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ مُعْتَبَرَةٌ فَصَارَ كَالْبَاغِي. وَقَوْلُهُ (فَلَمْ يَكُنْ هَدَرًا مُطْلَقًا) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ هَدَرٌ فِي الدُّنْيَا مُعْتَبَرٌ فِي الْآخِرَةِ وَالْبَاقِي وَاضِحٌ

[فصل ومن شهر على المسلمين سيفا]

قَالَ (وَمَنْ شَهَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَيْفًا فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْتُلُوهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ شَهَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَيْفًا فَقَدْ أَطَلَّ دَمَهُ» وَلِأَنَّهُ بَاغٍ فَتَسْقُطُ عِصْمَتُهُ بِبَغْيِهِ، وَلِأَنَّهُ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِدَفْعِ الْقَتْلِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَهُ قَتْلُهُ وَقَوْلُهُ فَعَلَيْهِمْ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَحَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقْتُلُوهُ إشَارَةٌ إلَى الْوُجُوبِ، وَالْمَعْنَى وُجُوبُ دَفْعِ الضَّرَرِ وَفِي سَرِقَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَمَنْ شَهَرَ عَلَى رَجُلٍ سِلَاحًا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا أَوْ شَهَرَ عَلَيْهِ عَصًا لَيْلًا فِي مِصْرٍ أَوْ نَهَارًا فِي طَرِيقٍ فِي غَيْرِ مِصْرٍ فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ عَمْدًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا بَيَّنَّا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ السِّلَاحَ لَا يَلْبَثُ فَيَحْتَاجُ إلَى دَفْعِهِ بِالْقَتْلِ وَالْعَصَا الصَّغِيرَةِ، وَإِنْ كَانَتْ تَلْبَثُ وَلَكِنْ فِي اللَّيْلِ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ فَيُضْطَرُّ إلَى دَفْعِهِ بِالْقَتْلِ، وَكَذَا فِي النَّهَارِ فِي غَيْرِ الْمِصْرِ فِي الطَّرِيقِ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ فَإِذَا قَتَلَهُ كَانَ دَمُهُ هَدَرًا قَالُوا: فَإِنْ كَانَ عَصًا لَا تَلْبَثُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مِثْلَ السِّلَاحِ عِنْدَهُمَا قَالَ (وَإِنْ شَهَرَ الْمَجْنُونُ عَلَى غَيْرِهِ سِلَاحًا فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الصَّبِيُّ وَالدَّابَّةُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ فِي الدَّابَّةِ وَلَا يَجِبُ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَتَلَهُ دَافِعًا عَنْ نَفْسِهِ فَيُعْتَبَرُ بِالْبَالِغِ الشَّاهِرِ، وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ مَحْمُولًا عَلَى قَتْلِهِ بِفِعْلِهِ فَأَشْبَهَ الْمُكْرَهَ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ فِعْلَ الدَّابَّةِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ أَصْلًا حَتَّى لَوْ تَحَقَّقَ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ وَمَنْ شَهَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَيْفًا] فَصْلٌ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْمَسَائِلِ الَّتِي تُوجِبُ الْقِصَاصَ أَلْحَقَ بِهَا فَصْلًا يَشْتَمِلُ عَلَى الْمَسَائِلِ الَّتِي لَهَا عَرْضِيَّةُ إيجَابِ الْقِصَاصِ وَهِيَ كُلُّهَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (أُطِلَّ دَمُهُ) أَيْ أُهْدِرَ، وَقَوْلُهُ (وَالْمَعْنَى) أَيْ وَمَعْنَى الْوُجُوبِ (دَفْعُ الضَّرَرِ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ دَفْعُ الشَّرِّ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ لَا عَيْنُ الْقَتْلِ. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْحَدِيثِ وَالْمَعْقُولِ وَقَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الصَّبِيُّ وَالدَّابَّةُ) يَعْنِي إذَا صَالَا عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ الْمَصُولُ عَلَيْهِ عَمْدًا يَضْمَنُ الدِّيَةَ وَالْقِيمَةَ. وَقَوْلُهُ (فَأَشْبَهَ الْمُكْرَهَ) يَعْنِي أَنَّ الْمُكْرَهَ لَمَّا صَارَ مَسْلُوبَ الِاخْتِيَارِ مِنْ جِهَةِ الْمُكْرِهِ أُضِيفَ التَّلَفُ إلَى الْمُكْرِهِ فَكَذَلِكَ الْمَصُولُ عَلَيْهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ

[باب القصاص فيما دون النفس]

أَمَّا فِعْلُهُمَا مُعْتَبَرٌ فِي الْجُمْلَةِ حَتَّى لَوْ حَقَّقْنَاهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الضَّمَانُ، وَكَذَا عِصْمَتُهُمَا لِحَقِّهِمَا وَعِصْمَةُ الدَّابَّةِ لِحَقِّ مَالِكِهَا فَكَانَ فِعْلُهُمَا مُسْقِطًا لِلْعِصْمَةِ دُونَ فِعْلِ الدَّابَّةِ، وَلَنَا أَنَّهُ قَتَلَ شَخْصًا مَعْصُومًا أَوْ أَتْلَفَ مَالًا مَعْصُومًا حَقًّا لِلْمَالِكِ وَفِعْلُ الدَّابَّةِ لَا يَصْلُحُ مُسْقِطًا وَكَذَا فِعْلُهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ عِصْمَتُهُمَا حَقَّهُمَا لِعَدَمِ اخْتِيَارٍ صَحِيحٍ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِتَحَقُّقِ الْفِعْلِ مِنْهُمَا، بِخِلَافِ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ؛ لِأَنَّ لَهُ اخْتِيَارًا صَحِيحًا، وَإِنَّمَا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِوُجُودِ الْمُبِيحِ وَهُوَ دَفْعُ الشَّرِّ فَتَجِبُ الدِّيَةُ قَالَ (وَمَنْ شَهَرَ عَلَى غَيْرِهِ سِلَاحًا فِي الْمِصْرِ فَضَرَبَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ الْآخَرُ فَعَلَى الْقَاتِلِ الْقِصَاصُ) مَعْنَاهُ: إذَا ضَرَبَهُ فَانْصَرَفَ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُحَارِبًا بِالِانْصِرَافِ فَعَادَتْ عِصْمَتُهُ قَالَ (وَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ لَيْلًا وَأَخْرَجَ السَّرِقَةَ فَاتَّبَعَهُ وَقَتَلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَاتِلْ دُونَ مَالِك» وَلِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْقَتْلُ دَفْعًا فِي الِابْتِدَاءِ فَكَذَا اسْتِرْدَادًا فِي الِانْتِهَاءِ، وَتَأْوِيلُ الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ إلَّا بِالْقَتْلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (وَمَنْ قَطَعَ يَدَ غَيْرِهِ عَمْدًا مِنْ الْمِفْصَلِ قُطِعَتْ يَدُهُ وَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ أَكْبَرَ مِنْ الْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] وَهُوَ يُنْبِئُ عَنْ الْمُمَاثَلَةِ، فَكُلُّ مَا أَمْكَنَ رِعَايَتُهَا فِيهِ يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ وَمَا لَا فَلَا، وَقَدْ أَمْكَنَ فِي الْقَطْعِ مِنْ الْمِفْصَلِ فَاعْتُبِرَ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِكِبَرِ الْيَدِ وَصِغَرِهَا لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْيَدِ لَا تَخْتَلِفُ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَأَشْبَهَ الْمُكْرَهَ يَعُودُ عَلَى الْمُكْرِهِ فَيَقْتُلُهُ. وَقَوْلُهُ (قَاتِلْ دُونَ مَالِك) أَيْ لِأَجْلِ مَالِك. وَقَوْلُهُ (فَكَذَا اسْتِرْدَادًا فِي الِانْتِهَاءِ) لِأَنَّهُ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ] ِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ أَتْبَعَهُ بِمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّبَعِ وَهُوَ الْقِصَاصُ فِي الْأَطْرَافِ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ قَوْلُهُ (وَلَا مُعْتَبَرَ بِكِبَرِ الْيَدِ وَصِغَرِهَا) لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْيَدِ وَهُوَ الْبَطْشِ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ وَلَا تَرِدُ الشَّجَّةُ الْمُوضِحَةُ إذَا أَخَذَتْ مَا بَيْنِ قَرْنَيْ الْمَشْجُوجِ وَلَمْ تَأْخُذْهُ مِنْ الشَّاجِّ لِكِبَرِ رَأْسِهِ فَإِنَّ الْكِبَرَ قَدْ اُعْتُبِرَ وَخُيِّرَ الْمَشْجُوجِ بَيْنِ الْقِصَاصِ بِمِقْدَارِ شَجَّتِهِ وَبَيْنِ أَخْذِهِ أَرْشَ الْمُوضِحَةِ

الرِّجْلُ وَمَارِنُ الْأَنْفِ وَالْأُذُنُ لِإِمْكَانِ رِعَايَةِ الْمُمَاثَلَةِ. قَالَ: (وَمَنْ ضَرَبَ عَيْنَ رَجُلٍ فَقَلَعَهَا لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ) لِامْتِنَاعِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْقَلْعِ، وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً فَذَهَبَ ضَوْءُهَا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ لِإِمْكَانِ الْمُمَاثَلَةِ عَلَى مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ: تُحْمَى لَهُ الْمِرْآةُ وَيُجْعَلُ عَلَى وَجْهِهِ قُطْنٌ رَطْبٌ وَتُقَابَلُ عَيْنُهُ بِالْمِرْآةِ فَيَذْهَبُ ضَوْءُهَا، وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالَ: (وَفِي السِّنِّ الْقِصَاصُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: 45] (وَإِنْ كَانَ سِنُّ مَنْ يُقْتَصُّ مِنْهُ أَكْبَرَ مِنْ سِنِّ الْآخَرِ) لِأَنَّ مَنْفَعَةَ السِّنِّ لَا تَتَفَاوَتُ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ. قَالَ: (وَفِي كُلِّ شَجَّةٍ تَتَحَقَّقُ فِيهَا الْمُمَاثَلَةُ الْقِصَاصُ) لِمَا تَلَوْنَا. قَالَ (وَلَا قِصَاصَ فِي عَظْمٍ إلَّا فِي السِّنِّ) وَهَذَا اللَّفْظُ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قِصَاصَ فِي الْعَظْمِ» وَالْمُرَادُ غَيْرُ السِّنِّ، وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ الْمُمَاثَلَةِ فِي غَيْرِ السِّنِّ مُتَعَذِّرٌ لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، بِخِلَافِ السِّنِّ لِأَنَّهُ يُبْرَدُ بِالْمِبْرَدِ، وَلَوْ قَلَعَ مِنْ أَصْلِهِ يُقْلَعُ الثَّانِي فَيَتَمَاثَلَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ الشَّيْنُ، وَفِي الِاقْتِصَاصِ بِمِقْدَارِهَا يَقِلُّ شَيْنُ الشَّاجِّ وَيَأْخُذُ مَا بَيْنَ قَرْنَيْهِ بِالشَّجَّةِ زِيَادَةً عَلَى حَقِّهِ فَانْتَفَى الْمُمَاثَلَةُ الْوَاجِبَةُ فِي الْقِصَاصِ صُورَةً وَمَعْنًى، فَإِنْ شَاءَ اسْتَوْفَاهُ مَعْنًى وَهُوَ مِقْدَارُ شَجَّتِهِ وَيَتْرُكُ الصُّورَةَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ أَرْشَهَا. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ) يَعْنِي الْقُدُورِيَّ، وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. رُوِيَ أَنَّ هَذَا حَدَثَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَسَأَلَ عَنْهُ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ فِيهِ شَيْءٌ حَتَّى جَاءَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَضَى بِذَلِكَ وَعَمِلَ عَلَيْهِ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَوْلُهُ (لِمَا تَلَوْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْله تَعَالَى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لِمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ يُنْبِئُ عَنْ الْمُمَاثَلَةِ، وَقَوْلُهُ (وَلَا قِصَاصَ فِي عَظْمٍ إلَّا فِي السِّنِّ، وَهَذَا اللَّفْظُ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) فَإِنْ كَانَ السِّنُّ عَظْمًا فَالِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ وَلَا بُدَّ مِنْ فَرْقٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا مِنْ الْعِظَامِ وَهُوَ إمْكَانُ الْقِصَاصِ فِيهَا بِأَنْ يُبْرَدَ بِالْمِبْرَدِ بِقَدْرِ مَا كُسِرَ مِنْهَا أَوْ إلَى أَصْلِهَا إنْ قَلَعَهَا وَلَا يُقْلَعُ لِتَعَذُّرِ الْمُمَاثَلَةِ فَرُبَّمَا تَفْسُدُ بِهِ لِثَاتُهُ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَظْمٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا قِصَاصَ فِي عَظْمٍ» حَيْثُ لَمْ يُسْتَثْنَ السِّنُّ فَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ. وَقَدْ اخْتَلَفَ الْأَطِبَّاءُ فِي ذَلِكَ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ طَرَفُ عَصَبٍ يَابِسٍ لِأَنَّهُ يَحْدُثُ وَيَنْمُو بَعْدَ تَمَامِ الْخِلْقَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ

قَالَ: (وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ شِبْهُ عَمْدٍ إنَّمَا هُوَ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ) لِأَنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ يَعُودُ إلَى الْآلَةِ، وَالْقَتْلُ هُوَ الَّذِي يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا دُونَ مَا دُونَ النَّفْسِ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ إتْلَافُهُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ. (وَلَا قِصَاصَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، وَلَا بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَلَا بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا فِي الْحُرِّ يَقْطَعُ طَرَفَ الْعَبْدِ. وَيُعْتَبَرُ الْأَطْرَافُ بِالْأَنْفُسِ لِكَوْنِهَا تَابِعَةً لَهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ هُوَ عَظْمٌ وَكَأَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ عَظْمٌ حَتَّى قَالَ وَالْمُرَادُ مِنْهُ غَيْرُ السِّنِّ. وَقَوْلُهُ (وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ شِبْهُ عَمْدٍ) قَدْ ذَكَرَهُ مَرَّةً، لَكِنَّهُ قَدْ ذَكَرَ هُنَاكَ أَنَّهُ عَمْدٌ وَهَاهُنَا أَنَّهُ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إنْ أَمْكَنَ الْقِصَاصُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ إذَا حَصَلَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَأَمْكَنَ الْقِصَاصُ جُعِلَ عَمْدًا. رُوِيَ «أَنَّ الرُّبَيِّعَ عَمَّةَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ بِلَطْمَةٍ فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقِصَاصِ» وَاللَّطْمَةُ إذَا أَتَتْ عَلَى النَّفْسِ لَا تُوجِبُ الْقَوَدَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الْقِصَاصُ جُعِلَ خَطَأً وَوَجَبَ الْأَرْشُ وَقَوْلُهُ (وَلَا قِصَاصَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (إلَّا فِي الْحُرِّ يَقْطَعُ طَرَفَ الْعَبْدِ) يَعْنِي لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيهِ عِنْدَهُ أَيْضًا، وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَخَذَ بِقَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَسَلَكَا فِي الْبَابِ طَرِيقًا سَهْلًا وَهُوَ اعْتِبَارُ الْأَطْرَافِ بِالنُّفُوسِ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلنُّفُوسِ فَكَمَا يَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي النُّفُوسِ فَكَذَلِكَ فِي الْأَطْرَافِ لِكَوْنِهَا

وَلَنَا أَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكُ الْأَمْوَالِ فَيَنْعَدِمُ التَّمَاثُلُ بِالتَّفَاوُتِ فِي الْقِيمَةِ، وَهُوَ مَعْلُومٌ قَطْعًا بِتَقْوِيمِ الشَّرْعِ فَأَمْكَنَ اعْتِبَارُهُ. بِخِلَافِ التَّفَاوُتِ فِي الْبَطْشِ لِأَنَّهُ لَا ضَابِطَ لَهُ فَاعْتُبِرَ أَصْلُهُ، وَبِخِلَافِ الْأَنْفُسِ لِأَنَّ الْمُتْلَفَ إزْهَاقُ الرُّوحِ وَلَا تَفَاوَتَ فِيهِ. (وَيَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْأَطْرَافِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ) لِلتَّسَاوِي بَيْنَهُمَا فِي الْأَرْشِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَابِعَةً لَهَا (وَلَنَا أَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ فَيَنْعَدِمُ التَّمَاثُلُ بِالتَّفَاوُتِ فِي الْقِيمَةِ وَهُوَ) أَيْ التَّفَاوُتُ (مَعْلُومٌ قَطْعًا بِتَقْوِيمِ الشَّرْعِ) فَإِنَّ الشَّرْعَ قَوَّمَ الْيَدَ الْوَاحِدَةَ لِلْحُرِّ بِخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ قَطْعًا وَيَقِينًا، وَلَا تَبْلُغُ قِيمَةُ يَدِ الْعَبْدِ إلَى ذَلِكَ، فَإِنْ بَلَغَتْ كَانَ بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ فَلَا تَكُونُ مُسَاوِيَةً لِيَدِ الْحُرِّ يَقِينًا، فَإِذَا كَانَ التَّفَاوُتُ مَعْلُومًا قَطْعًا أَمْكَنَ اعْتِبَارُهُ (بِخِلَافِ التَّفَاوُتِ فِي الْبَطْشِ لِأَنَّهُ لَا ضَابِطَ لَهُ فَاعْتُبِرَ أَصْلُهُ) فَإِنْ قِيلَ: إنْ اسْتَقَامَ فِي الْحُرِّ وَالْعَبْدِ لَمْ يَسْتَقِمْ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ لِإِمْكَانِ التَّسَاوِي فِي قِيمَتِهِمَا بِتَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّسَاوِيَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ، وَالْمُمَاثَلَةُ الْمَشْرُوطَةُ شَرْعًا لَا تَثْبُتُ بِذَلِكَ كَالْمُمَاثَلَةِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهَا. فَإِنْ قِيلَ: سَلَّمْنَا وُجُودَ التَّفَاوُتِ فِي الْبَدَلِ وَأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءَ لَكِنَّ الْمَعْقُولَ مِنْهُ مَنْعُ اسْتِيفَاءِ الْأَكْمَلِ بِالْأَنْقَصِ دُونَ الْعَكْسِ فَإِنَّ الشَّلَّاءَ تُقْطَعُ بِالصَّحِيحَةِ وَأَنْتُمْ لَا تَقْطَعُونَ يَدَ الْمَرْأَةِ بِيَدِ الرَّجُلِ. فَالْجَوَابُ أَنَّا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ وِقَايَةً لِلْأَنْفُسِ كَالْمَالِ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ التَّفَاوُتُ الْمَالِيُّ مَانِعًا مُطْلَقًا، وَالشَّلَلُ لَيْسَ مِنْهُ فَيُعْتَبَرُ مَانِعًا مِنْ جِهَةِ الْأَكْمَلِ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ تَفَاوُتًا مَالِيًّا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْتَبَرَ فِيمَا يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُوجِبُ تَفَاوُتًا فِي الْمَنْفَعَةِ تَنْتَفِي بِهِ الْمُمَاثَلَةُ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ، فَقُلْنَا: يُعْتَبَرُ مِنْ جِهَةِ الْأَكْمَلِ لِئَلَّا يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ بَاذِلًا لِلزِّيَادَةِ فِي الْأَطْرَافِ، وَلَا يُعْتَبَرُ مِنْ جِهَةِ الْأَنْقَصِ

قَالَ: (وَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ مِنْ نِصْفِ السَّاعِدِ أَوْ جَرَحَهُ جَائِفَةً فَبَرَأَ مِنْهَا فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ، إذْ الْأَوَّلُ كَسْرُ الْعَظْمِ وَلَا ضَابِطَ فِيهِ، وَكَذَا الْبُرْءُ نَادِرٌ فَيُفْضِي الثَّانِي إلَى الْهَلَاكِ ظَاهِرًا. قَالَ: (وَإِذَا كَانَتْ يَدُ الْمَقْطُوعِ صَحِيحَةً وَيَدُ الْقَاطِعِ شَلَّاءَ أَوْ نَاقِصَةَ الْأَصَابِعِ فَالْمَقْطُوعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَطَعَ الْيَدَ الْمَعِيبَةَ وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهَا وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْأَرْشَ كَامِلًا) لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْحَقِّ كَامِلًا مُتَعَذَّرٌ فَلَهُ أَنْ يَتَجَوَّزَ بِدُونِ حَقِّهِ وَلَهُ أَنْ يَعْدِلَ إلَى الْعِوَضِ كَالْمِثْلِيِّ إذَا انْصَرَمَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ بَعْدَ الْإِتْلَافِ ثُمَّ إذَا اسْتَوْفَاهَا نَاقِصًا فَقَدْ رَضِيَ بِهِ فَيَسْقُطُ حَقُّهُ كَمَا إذَا رَضِيَ بِالرَّدِيءِ مَكَانَ الْجَيِّدِ (وَلَوْ سَقَطَتْ الْمُؤْنَةُ قَبْلَ اخْتِيَارِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ قُطِعَتْ ظُلْمًا فَلَا شَيْءَ لَهُ) عِنْدَنَا لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَيِّنٌ فِي الْقِصَاصِ، وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْمَالِ بِاخْتِيَارِهِ فَيَسْقُطُ بِفَوَاتِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قُطِعَتْ بِحَقٍّ عَلَيْهِ مِنْ قِصَاصٍ أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ إسْقَاطٌ وَالْإِسْقَاطُ جَائِزٌ دُونَ الْبَدَلِ بِالْأَطْرَافِ، وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ (قَالَ وَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ مِنْ نِصْفِ السَّاعِدِ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَيِّنٌ فِي الْقِصَاصِ) لِأَنَّهُ لَوْ زَالَ الشَّلَلُ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى الْأَرْشُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا الْقِصَاصُ، وَهَذَا عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ: إمَّا الْقِصَاصُ، أَوْ الْأَرْشُ، فَإِذَا تَعَذَّرَ أَحَدُهُمَا لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ تَعَيَّنَ الْآخَرُ

سَرِقَةٍ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَرْشُ لِأَنَّهُ أَوْفَى بِهِ حَقًّا مُسْتَحَقًّا فَصَارَتْ سَالِمَةً لَهُ مَعْنًى. قَالَ: (وَمَنْ شَجَّ رَجُلًا فَاسْتَوْعَبَتْ الشَّجَّةُ مَا بَيْنَ قَرْنَيْهِ وَهِيَ لَا تَسْتَوْعِبُ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّاجِّ فَالْمَشْجُوجُ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ اقْتَصَّ بِمِقْدَارِ شَجَّتِهِ يَبْتَدِئُ مِنْ أَيِّ الْجَانِبَيْنِ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْأَرْشَ) لِأَنَّ الشَّجَّةَ مُوجِبَةٌ لِكَوْنِهَا مَشِينَةٌ فَقَطْ فَيَزْدَادُ الشَّيْنُ بِزِيَادَتِهَا، وَفِي اسْتِيفَائِهِ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّاجِّ زِيَادَةٌ عَلَى مَا فَعَلَ، وَلَا يَلْحَقُهُ مِنْ الشَّيْنِ بِاسْتِيفَائِهِ قَدْرَ حَقِّهِ مَا يَلْحَقُ الْمَشْجُوجَ فَيَنْتَقِصُ فَيُخَيَّرُ كَمَا فِي الشَّلَّاءِ وَالصَّحِيحَةِ، وَفِي عَكْسِهِ يُخَيَّرُ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الِاسْتِيفَاءُ كَامِلًا لِلتَّعَدِّي إلَى غَيْرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَمَنْ شَجَّ رَجُلًا) قَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ وَيَدُ الْقَاطِعِ أَكْبَرُ مِنْ يَدِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهِ. وَقَوْلُهُ (وَفِي عَكْسِهِ يُخَيَّرُ أَيْضًا) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَشْجُوجِ أَكْبَرَ مِنْ رَأْسِ الشَّاجِّ لِأَنَّهُ إنْ اسْتَوْفَى الْمَشْجُوجُ مِثْلَ حَقِّهِ مِسَاحَةً كَانَ

[فصل وإذا اصطلح القاتل وأولياء القتيل على مال]

حَقِّهِ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ الشَّجَّةُ فِي طُولِ الرَّأْسِ وَهِيَ تَأْخُذُ مِنْ جَبْهَتِهِ إلَى قَفَاهُ وَلَا تَبْلُغُ إلَى قَفَا الشَّاجِّ فَهُوَ بِالْخِيَارِ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ. قَالَ: (وَلَا قِصَاصَ فِي اللِّسَانِ وَلَا فِي الذَّكَرِ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا قُطِعَ مِنْ أَصْلِهِ يَجِبُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ. وَلَنَا أَنَّهُ يَنْقَبِضُ وَيَنْبَسِطُ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ (إلَّا أَنْ تُقْطَعَ الْحَشَفَةُ) لِأَنَّ مَوْضِعَ الْقَطْعِ مَعْلُومٌ كَالْمَفْصِلِ، وَلَوْ قَطَعَ بَعْضَ الْحَشَفَةِ أَوْ بَعْضَ الذَّكَرِ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ لِأَنَّ الْبَعْضَ لَا يُعْلَمُ مِقْدَارُهُ، بِخِلَافِ الْأُذُنِ إذَا قُطِعَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ لِأَنَّهُ لَا يَنْقَبِضُ وَلَا يَنْبَسِطُ وَلَهُ حَدٌّ يُعْرَفُ فَيُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ، وَالشَّفَةُ إذَا اسْتَقْصَاهَا بِالْقَطْعِ يَجِبُ الْقِصَاصُ لِإِمْكَانِ اعْتِبَارِ الْمُسَاوَاةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قُطِعَ بَعْضُهَا لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ اعْتِبَارُهَا. [فَصْلٌ وَإِذَا اصْطَلَحَ الْقَاتِلُ وَأَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ عَلَى مَالٍ] قَالَ: (وَإِذَا اصْطَلَحَ الْقَاتِلُ وَأَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ عَلَى مَالٍ سَقَطَ الْقِصَاصُ وَوَجَبَ الْمَالُ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] الْآيَةُ عَلَى مَا قِيلَ نَزَلَتْ الْآيَةُ فِي الصُّلْحِ. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: ـــــــــــــــــــــــــــــQأَزْيَدَ فِي الشَّيْنِ مِنْ الْأَوَّلِ، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى مَا يَكُونُ مِثْلُ الْأَوَّلِ فِي الشَّيْنِ كَانَ دُونَ حَقِّهِ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ الِاقْتِصَاصِ وَأَخْذِ الْأَرْشِ، وَالْبَاقِي إلَى آخِرِهِ ظَاهِرٌ (فَصْلٌ) لَمَّا كَانَ تَصَوُّرُ الصُّلْحِ بَعْدَ تَصَوُّرِ الْجِنَايَةِ وَمُوجَبِهَا أَتْبَعَهُ ذَلِكَ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ (إذَا اصْطَلَحَ الْقَاتِلُ وَأَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ عَنْ الْقِصَاصِ عَلَى مَالٍ سَقَطَ الْقِصَاصُ وَوَجَبَ الْمَالُ الْمُسَمَّى قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا زَائِدًا عَلَى مِقْدَارِ الدِّيَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] الْآيَةَ عَلَى مَا قِيلَ إنَّهَا نَزَلَتْ فِي الصُّلْحِ) وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَالضَّحَّاكِ وَمُجَاهِدٍ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْأُمِّ، فَإِنْ عَفَا

«مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ» الْحَدِيثُ، وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْأَخْذُ بِالرِّضَا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَهُوَ الصُّلْحُ بِعَيْنِهِ، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ لِلْوَرَثَةِ يَجْرِي فِيهِ الْإِسْقَاطُ عَفْوًا فَكَذَا تَعْوِيضًا لِاشْتِمَالِهِ عَلَى إحْسَانِ الْأَوْلِيَاءِ وَإِحْيَاءِ الْقَاتِلِ فَيَجُوزُ بِالتَّرَاضِي. وَالْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ فِيهِ سَوَاءٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ مُقَدَّرٌ فَيُفَوَّضُ إلَى اصْطِلَاحِهِمَا كَالْخُلْعِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا حَالًّا وَلَا مُؤَجَّلًا فَهُوَ حَالٌّ لِأَنَّهُ مَالٌ وَاجِبٌ بِالْعَقْدِ، وَالْأَصْلُ فِي أَمْثَالِهِ الْحُلُولُ نَحْوُ الْمَهْرِ وَالثَّمَنِ، بِخِلَافِ الدِّيَةِ لِأَنَّهَا مَا وَجَبَتْ بِالْعَقْدِ. قَالَ: (وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ حُرًّا وَعَبْدًا فَأَمَرَ الْحُرُّ وَمَوْلَى الْعَبْدِ رَجُلًا بِأَنْ يُصَالِحَ عَنْ دَمِهِمَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَفَعَلَ فَالْأَلْفُ عَلَى الْحُرِّ وَالْمَوْلَى نِصْفَانِ) لِأَنَّ عَقْدَ الصُّلْحِ أُضِيفَ إلَيْهِمَا. (وَإِذَا عَفَا أَحَدُ الشُّرَكَاءِ مِنْ الدَّمِ أَوْ صَالَحَ مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى عِوَضٍ سَقَطَ حَقُّ الْبَاقِينَ عَنْ الْقِصَاصِ وَكَانَ لَهُمْ نُصِيبُهُمْ مِنْ الدِّيَةِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا اُسْتُعْمِلَ بِاللَّامِ كَانَ مَعْنَاهُ الْبَدَلَ: أَيْ فَمَنْ أُعْطِيَ مِنْ جِهَةِ أَخِيهِ الْمَقْتُولِ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ فَاتِّبَاعٌ: أَيْ فَمَنْ أُعْطِيَ وَهُوَ وَلِيُّ الْقَتْلِ مُطَالَبَةَ بَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ مُجَامَلَةٍ وَحُسْنِ مُعَامَلَةٍ. وَإِنَّمَا قَالَ عَلَى مَا قِيلَ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّهَا فِي عَفْوِ بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ شَيْءٌ فَإِنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْبَعْضُ، وَتَقْرِيرُهُ فَمَنْ عُفِيَ عَنْهُ وَهُوَ الْقَاتِلُ مِنْ أَخِيهِ فِي الدِّينِ وَهُوَ الْمَقْتُولُ شَيْءٌ مِنْ الْقِصَاصِ بِأَنْ كَانَ لِلْقَتِيلِ أَوْلِيَاءٌ فَعَفَا بَعْضُهُمْ فَقَدْ صَارَ نَصِيبُ الْبَاقِينَ مَالًا وَهُوَ الدِّيَةُ عَلَى حِصَصِهِمْ مِنْ الْمِيرَاثِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ: أَيْ فَلْيَتَّبِعْ غَيْرُ الْعَافِي بِطَلَبِ حِصَّتِهِ بِقَدْرِ حَقِّهِ، وَلِيُؤَدِّ الْقَاتِلُ إلَيْهِ حَقَّهُ وَافِيًا مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ: إنْ شَاءُوا قَادُوا، وَإِنْ شَاءُوا أَخَذُوا الدِّيَةَ» قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْأَخْذُ بِالرِّضَا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) يَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ الْعُدُولُ إلَى الْمَالِ إلَّا بِرِضَا الْقَاتِلِ وَهُوَ الصُّلْحُ بِعَيْنِهِ وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (نَصُّ مُقَدِّرٍ) بِكَسْرِ الدَّالِ. وَقَوْلُهُ (كَالْخُلْعِ وَغَيْرُهُ) يَعْنِي كَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ

وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْقِصَاصَ حَقُّ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ، وَكَذَا الدِّيَةَ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الزَّوْجَيْنِ. لَهُمَا أَنَّ الْوِرَاثَةَ خِلَافَةٌ وَهِيَ بِالنَّسَبِ دُونَ السَّبَبِ لِانْقِطَاعِهِ بِالْمَوْتِ، وَلَنَا «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِتَوْرِيثِ امْرَأَةِ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ مِنْ عَقْلِ زَوْجِهَا أَشْيَمَ» ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (خِلَافًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي الزَّوْجَيْنِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هَذَا اللَّفْظُ كَمَا تَرَى يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجَيْنِ حَقٌّ فِي الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ جَمِيعًا عِنْدَهُمَا. وَنُقِلَ عَنْ الْمَبْسُوطِ وَالْإِيضَاحِ وَالْأَسْرَارِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَالِكٍ فِي الدِّيَةِ خَاصَّةً وَأَنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: النِّسَاءُ لَا تَسْتَوْفِي الْقِصَاصَ وَلَهُنَّ حَقُّ الْعَفْوِ. ثُمَّ قَالَ: وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ مِنْ أَنَّهُ لَا حَظَّ لِلزَّوْجَيْنِ فِي الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ مُخَالِفٌ لِرِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ وَالْإِيضَاحِ وَالْأَسْرَارِ، وَهُوَ مُؤَاخَذَةٌ ضَعِيفَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْمُخَالَفَةِ لَهَا عَدَمُ صِحَّةِ مَا نَقَلَهُ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِمَا مَا نَقَلَهُ. وَقَوْلُهُ (لَهُمَا أَنَّ الْوِرَاثَةَ خِلَافَةٌ) يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ تَوْرِيثِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الْآخَرِ شَيْئًا وَهُوَ بَاطِلٌ، وَلَكِنْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ الْوِرَاثَةُ فِيمَا يَجِبُ بَعْدَ الْمَوْتِ خِلَافًا وَهِيَ فِيهِ بِالنَّسَبِ لَا السَّبَبِ لِانْقِطَاعِهِ بِالْمَوْتِ وَالْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ إنَّمَا يَجِبَانِ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَقُلْنَا: إنَّهُ فَاسِدٌ بِالنَّقْلِ وَالْعَقْلِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَحَدِيثُ امْرَأَةِ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ كَمَا

وَلِأَنَّهُ حَقٌّ يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ، حَتَّى أَنَّ مَنْ قُتِلَ وَلَهُ ابْنَانِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ ابْنٍ كَانَ الْقِصَاصُ بَيْنَ الصُّلْبِيِّ وَابْنِ الِابْنِ فَيَثْبُتُ لِسَائِرِ الْوَرَثَةِ، وَالزَّوْجِيَّةُ تَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ حُكْمًا فِي حَقِّ الْإِرْثِ أَوْ يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ مُسْتَنِدًا إلَى سَبَبِهِ وَهُوَ الْجُرْحُ، وَإِذَا ثَبَتَ لِلْجَمِيعِ فَكُلٌّ مِنْهُمْ يَتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ وَالْإِسْقَاطِ عَفْوًا وَصُلْحًا وَمِنْ ضَرُورَةِ سُقُوطِ حَقِّ الْبَعْضِ فِي الْقِصَاصِ سُقُوطُ حَقِّ الْبَاقِينَ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ، بِخِلَافِ مَا إذَا قُتِلَ رَجُلَيْنِ وَعَفَا أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَاكَ قِصَاصَانِ مِنْ غَيْرِ شُبْهَةٍ لِاخْتِلَافِ الْقَتْلِ وَالْمَقْتُولِ وَهَاهُنَا وَاحِدٌ لِاتِّحَادِهِمَا، وَإِذَا سَقَطَ الْقِصَاصُ يَنْقَلِبُ نَصِيبُ الْبَاقِينَ مَالًا لِأَنَّهُ امْتَنَعَ لِمَعْنًى رَاجِعٍ إلَى الْقَاتِلِ، وَلَيْسَ لِلْعَافِي شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ بِفِعْلِهِ وَرِضَاهُ، ثُمَّ يَجِبُ مَا يَجِبُ مِنْ الْمَالِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَقَالَ زُفَرُ: يَجِبُ فِي سَنَتَيْنِ فِيمَا إذَا كَانَ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ وَعَفَا أَحَدُهُمَا، لِأَنَّ الْوَاجِبَ نِصْفُ الدِّيَةِ فَيُعْتَبَرُ بِمَا إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ خَطَأً. ـــــــــــــــــــــــــــــQذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُمَا مَوْرُوثَانِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ بِالِاتِّفَاقِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَا فِي حَقِّ الزَّوْجَيْنِ كَذَلِكَ لِأَنَّ وُجُوبَهُمَا أَوَّلًا لِلْمَيِّتِ ثُمَّ يَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ وَلَا يَقَعُ لِلْمَيِّتِ إلَّا بِأَنْ يُسْنَدَ الْوُجُوبُ إلَى سَبَبِهِ وَهُوَ الْجَرْحُ فَكَانَا كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ فِي ثُبُوتِهِمَا قَبْلَ الْمَوْتِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ دَخَلَتْ دِيَتُهُ فِيهَا وَتُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ. وَكَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقْسِمُ الدِّيَةَ عَلَى مَنْ أَحْرَزَ الْمِيرَاثَ وَكَفَى بِهِ قُدْوَةً، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَكُلٌّ مِنْهُمْ يَتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ وَالْعَفْوِ وَالْبَاقِي وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْوَاجِبَ نِصْفُ الدِّيَةِ) يَعْنِي بِالْعَفْوِ فَيَكُونُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى الثُّلُثُ وَفِي الثَّانِيَةِ السُّدُسُ كَمَا إذَا قَطَعَ يَدَ إنْسَانٍ خَطَأً. وَقُلْنَا: الْوَاجِبُ بَعْضُ بَدَلِ الدَّمِ لَا بَدَلِ الْجُزْءِ، وَكُلُّهُ مُؤَجَّلٌ إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ، فَكَذَا بَعْضُهُ كَالْأَلْفِ الْمُؤَجَّلَةِ إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ، فَإِنَّ كُلَّ دِرْهَمٍ مِنْهَا كَذَلِكَ.

وَلَنَا أَنَّ هَذَا بَعْضُ بَدَلِ الدَّمِ وَكُلَّهُ مُؤَجَّلٌ إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ فَكَذَلِكَ بَعْضُهُ، وَالْوَاجِبُ فِي الْيَدِ كُلُّ بَدَلِ الطَّرَفِ وَهُوَ فِي سَنَتَيْنِ فِي الشَّرْعِ وَيَجِبُ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ عَمْدٌ. قَالَ: (وَإِذَا قَتَلَ جَمَاعَةٌ وَاحِدًا عَمْدًا اُقْتُصَّ مِنْ جَمِيعِهِمْ) لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيهِ: لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَالْوَاجِبُ فِي الْيَدِ) جَوَابُ اعْتِبَارِهِ وَهُوَ وَاضِحٌ قَالَ (وَإِذَا قَتَلَ جَمَاعَةٌ وَاحِدًا إلَخْ) إذَا تَعَدَّدَ الْقَاتِلُ اُقْتُصَّ مِنْ جَمِيعِهِمْ، وَالْقِيَاسُ لَا يَقْتَضِيهِ لِانْتِفَاءِ الْمُسَاوَاةِ، لَكِنَّهُ تَرْكٌ بِمَا رُوِيَ أَنَّ سَبْعَةً مِنْ أَهْلِ صَنْعَاءَ قَتَلُوا رَجُلًا فَقَضَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالْقِصَاصِ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتهمْ. وَالتَّمَالُؤُ التَّعَاوُنُ، وَصَنْعَاءُ الْيَمَنِ: قَصَبَتُهَا. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَتَلَ ثَلَاثَةً بِوَاحِدٍ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَتَلَ جَمَاعَةً بِوَاحِدٍ، وَكَانَتْ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُتَوَافِرِينَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّ الْقَتْلَ بِطَرِيقِ التَّغَالُبِ غَالِبٌ فَإِنَّ الْقَتْلَ بِغَيْرِ حَقٍّ لَا يَتَحَقَّقُ غَالِبًا إلَّا بِالِاجْتِمَاعِ، لِأَنَّ الْوَاحِدَ يُقَاوِمُ الْوَاحِدَ، وَمَا غَلَبَ وُقُوعُهُ مِنْ الْفَسَادِ يُوجِبُ مَزْجَرَةً فَيَجِبُ الْقِصَاصُ تَحْقِيقًا لِحِكْمَةِ الْإِحْيَاءِ، فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ لَمَا عَجَزَ الْمُفْسِدُ عَنْ أَنْ يَجْمَعَ عَلَيْهِ أَمْثَالَهُ وَيَقْتُلَ لِعِلْمِهِ أَنْ لَا قِصَاصَ فَيُؤَدِّيَ إلَى سَدِّ بَابِ الْقِصَاصِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ الْمَعْقُولِ إنْ لَمْ يَكُنْ قِيَاسًا عَلَى مُجْمَعٍ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا فِي الشَّرْعِ، وَإِنْ كَانَ فَلَا يَرْبُو عَلَى الْقِيَاسِ الْمُقْتَضِي لِعَدَمِهِ الْمُؤَيَّدِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وَالْجَوَابُ أَنَّهُ قِيَاسٌ عَلَى سَائِرِ أَبْوَابِ الْعُقُوبَاتِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى مَا يُوجِبُ الْفَسَادَ مِنْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ، وَيَرْبُو

وَلِأَنَّ الْقَتْلَ بِطَرِيقِ التَّغَالُبِ غَالِبٌ، وَالْقِصَاصُ مَزْجَرَةٌ لِلسُّفَهَاءِ فَيَجِبُ تَحْقِيقًا لِحِكْمَةِ الْإِحْيَاءِ. (وَإِذَا قَتَلَ وَاحِدٌ جَمَاعَةً فَحَضَرَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِينَ قُتِلَ لِجَمَاعَتِهِمْ وَلَا شَيْءَ لَهُمْ غَيْرُ ذَلِكَ، فَإِنْ حَضَرَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قُتِلَ لَهُ وَسَقَطَ حَقُّ الْبَاقِينَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقْتَلُ بِالْأَوَّلِ مِنْهُمْ وَيَجِبُ لِلْبَاقِينَ الْمَالُ، وَإِنْ اجْتَمَعُوا وَلَمْ يُعْرَفْ الْأَوَّلُ قُتِلَ لَهُمْ وَقُسِمَتْ الدِّيَاتُ بَيْنَهُمْ، وَقِيلَ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ فَيُقْتَلُ لِمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ. لَهُ أَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْ الْوَاحِدِ قِتْلَاتٌ وَاَلَّذِي تَحَقَّقَ فِي حَقِّهِ قَتْلُ وَاحِدٍ فَلَا تَمَاثُلَ، وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، إلَّا أَنَّهُ عُرِفَ بِالشَّرْعِ. وَلَنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتِلٌ بِوَصْفِ الْكَمَالِ فَجَاءَ التَّمَاثُلُ أَصْلُهُ الْفَصْلُ الْأَوَّلُ، إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمَا وَجَبَ الْقِصَاصُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى ذَلِكَ بِقُوَّةِ أَثَرِهِ الْبَاطِنِ وَهُوَ إحْيَاءُ حِكْمَةِ الْإِحْيَاءِ. وقَوْله تَعَالَى {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] لَا يُنَافِيهِ لِأَنَّهُمْ فِي إزْهَاقِ الرُّوحِ الْغَيْرِ الْمُتَجَزِّئِ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ، وَإِذَا كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِالْعَكْسِ وَحَضَرَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِينَ قُتِلَ بِجَمَاعَتِهِمْ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ. (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُقْتَلُ بِالْأَوَّلِ مِنْهُمْ وَيَجِبُ الْمَالُ لِلْبَاقِينَ) يَعْنِي أَنَّ قَتْلَهُمْ عَلَى التَّعَاقُبِ، وَإِنْ قَتَلَهُمْ جُمْلَةً أَوْ جُهِلَ الْأَوَّلُ قُتِلَ بِهِمْ وَقُسِمَ الدِّيَاتُ بَيْنَهُمْ أَوْ يُقْرَعُ. وَقَوْلُهُ (وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ) وَهُوَ مَا إذَا قَتَلَ جَمَاعَةٌ وَاحِدًا (إلَّا أَنَّهُ عُرِفَ بِالشَّرْعِ) يُرِيدُ قَضِيَّةَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (وَلَنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْقَتْلَى (قَاتِلٌ قِصَاصًا بِوَصْفِ الْكَمَالِ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ أَصْلُهُ الْفَصْلُ الْأَوَّلُ) فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ تُقْتَلُ بِالْوَاحِدِ اتِّفَاقًا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُمَاثَلَةٌ لَمَا جَازَ ذَلِكَ، وَإِذَا كَانَتْ الْجَمَاعَةُ مَثَلًا لِلْوَاحِدِ كَانَ

وَلِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جُرْحٌ صَالِحٌ لِلْإِزْهَاقِ فَيُضَافُ إلَى كُلٍّ مِنْهُمْ إذْ هُوَ لَا يَتَجَزَّأُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَكْسُ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ إنَّمَا تَكُونُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. قَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جُرْحٌ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْقَتْلَ جُرْحٌ صَالِحٌ لِإِزْهَاقِ الرُّوحِ وَقَدْ وُجِدَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، بِحَيْثُ إنَّهُ لَوْ انْفَرَدَ عَنْ الْبَاقِينَ كَانَ قَاتِلًا بِصِفَةِ الْكَمَالِ، وَالْحُكْمُ إذَا حَصَلَ عَقِيبَ عِلَلٍ لَا بُدَّ مِنْ الْإِضَافَةِ إلَيْهَا، فَإِمَّا أَنْ يُضَافَ إلَيْهَا تَوْزِيعًا أَوْ كَمَلًا، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِعَدَمِ التَّجَزُّؤِ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي،

وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ شُرِعَ مَعَ الْمُنَافِي لِتَحْقِيقِ الْإِحْيَاءِ وَقَدْ حَصَلَ بِقَتْلِهِ فَاكْتَفَى بِهِ. قَالَ: (وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ إذَا مَاتَ سَقَطَ الْقِصَاصُ) لِفَوَاتِ مَحِلِّ الِاسْتِيفَاءِ فَأَشْبَهَ مَوْتَ الْعَبْدِ الْجَانِي، وَيَتَأَتَّى فِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ إذْ الْوَاجِبُ أَحَدُهُمَا عِنْدَهُ. قَالَ (وَإِذَا قَطَعَ رَجُلَانِ يَدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَلَا قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَعَلَيْهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُقْطَعُ يَدَاهُمَا، وَالْمُفْرِضُ إذَا أَخَذَ سِكِّينًا وَأَمَرَّهُ عَلَى يَدِهِ حَتَّى انْقَطَعَتْ لَهُ الِاعْتِبَارُ بِالْأَنْفُسِ، وَالْأَيْدِي تَابِعَةٌ لَهَا فَأَخَذَتْ حُكْمَهَا، أَوْ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِجَامِعِ الزَّجْرِ. وَلَنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَاطِعٌ بَعْضَ الْيَدِ، لِأَنَّ الِانْقِطَاعَ حَصَلَ بِاعْتِمَادِيِّهِمَا وَالْمَحَلُّ مُتَجَزِّئٌ فَيُضَافُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَعْضُ فَلَا مُمَاثَلَةَ، بِخِلَافِ النَّفْسِ لِأَنَّ الِانْزِهَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ، وَلِأَنَّ الْقَتْلَ بِطَرِيقِ الِاجْتِمَاعِ غَالِبٌ حَذَارِ الْغَوْثِ، وَالِاجْتِمَاعُ عَلَى قَطْعِ الْيَدِ مِنْ الْمِفْصَلِ فِي حَيِّزِ النُّدْرَةِ لِافْتِقَارِهِ إلَى مُقَدَّمَاتٍ بَطِيئَةٍ فَيَلْحَقُهُ الْغَوْثُ. قَالَ (وَعَلَيْهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ) لِأَنَّهُ دِيَةُ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ وَهُمَا قَطَعَاهَا. (وَإِنْ قَطَعَ وَاحِدٌ يَمِينَيْ رَجُلَيْنِ فَحَضَرَا فَلَهُمَا أَنْ يَقْطَعَا يَدَهُ وَيَأْخُذَا مِنْهُ نِصْفَ الدِّيَةِ يَقْسِمَانِهِ نِصْفَيْنِ سَوَاءٌ قَطَعَهُمَا مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي التَّعَاقُبِ يُقْطَعُ بِالْأَوَّلِ، وَفِي الْقِرَانِ يُقْرَعُ لِأَنَّ الْيَدَ اسْتَحَقَّهَا الْأَوَّلُ فَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ فِيهَا لِلثَّانِي كَالرَّهْنِ بَعْدَ الرَّهْنِ، وَفِي الْقِرَانِ الْيَدُ الْوَاحِدَةُ لَا تَفِي بِالْحَقَّيْنِ فَتُرَجَّحُ بِالْقُرْعَةِ. وَلَنَا أَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي حُكْمِهِ كَالْغَرِيمَيْنِ فِي التَّرِكَةِ، وَالْقِصَاصُ مِلْكُ الْفِعْلِ يَثْبُتُ مَعَ الْمُنَافِي فَلَا يَظْهَرُ إلَّا فِي حَقِّ الِاسْتِيفَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِهَذَا إذَا حَلَفَ جَمَاعَةٌ كُلٌّ مِنْهُمْ أَنْ لَا يَقْتُلَ فُلَانًا فَاجْتَمَعُوا عَلَى قَتْلِهِ حَنِثُوا (وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ شُرِعَ مَعَ الْمُنَافِي) وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْآدَمِيُّ بُنْيَانُ الرَّبِّ، مَلْعُونٌ مَنْ هَدَمَ بُنْيَانَ الرَّبِّ» (لِتَحْقِيقِ الْإِحْيَاءِ وَتَحْقِيقُ الْإِحْيَاءِ قَدْ حَصَلَ بِقَتْلِهِ) أَيْ بِقَتْلِ الْقَاتِلِ (فَاكْتَفَى بِهِ) وَلَا شَيْءَ لَهُمْ غَيْرَ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ (وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ) ظَاهِرٌ. قَالَ (وَإِذَا قَطَعَ رَجُلَانِ يَدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ إلَخْ) تَعَدُّدُ الْجَانِي فِي الْأَطْرَافِ لَيْسَ كَتَعَدُّدِهِ فِي النَّفْسِ عِنْدَنَا، فَإِذَا قَطَعَ يَدًا فَلَا قِصَاصَ أَصْلًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ وَضَعَ أَحَدُهُمَا السِّكِّينَ مِنْ جَانِبٍ وَالْآخَرُ مِنْ آخَرَ وَأَمَرَّا حَتَّى الْتَقَى السِّكِّينَانِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَمْ يَقْطَعْ إلَّا بَعْضَ الْيَدِ فَلَا يُقْطَعُ بِهِ كُلُّ يَدِهِ، وَإِنْ أَخَذَا سِكِّينًا وَأَمَرَّاهَا عَلَى يَدِهِ حَتَّى انْقَطَعَتْ قُطِعَتْ أَيْدِيهِمَا اعْتِبَارًا بِالْأَنْفُسِ، إمَّا لِكَوْنِهَا تَابِعَةً لَهَا، وَإِمَّا أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا بِجَامِعِ الزَّجْرِ. وَلَنَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَاطِعٌ بَعْضَ الْيَدِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَحَلُّ مُتَّحِدًا أَوْ مُخْتَلِفًا، لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ مَا انْقَطَعَ بِفِعْلِ أَحَدِهِمَا لَمْ يَنْقَطِعْ بِفِعْلِ الْآخَرِ، وَقَاطِعُ بَعْضِ الْيَدِ لَا يُقْطَعُ كُلُّ يَدِهِ قِصَاصًا لِانْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَحَلَّ مُتَجَزِّئٌ فَإِنَّ قَطْعَ بَعْضٍ وَتَرْكَ بَعْضٍ مُتَصَوَّرٌ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ فَاعِلًا كَمَلًا، بِخِلَافِ النَّفْسِ فَإِنَّ الِانْزِهَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ وَقَدْ مَرَّ، وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ قَطَعَ وَاحِدٌ يَمِينَيْ رَجُلَيْنِ) قَيَّدَ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَوْ قَطَعَ يَمِينَ أَحَدِهِمَا وَيَسَارَ الْآخَرِ قُطِعَتْ يَدَاهُ. لَا يُقَالُ: تَنْتَفِي الْمُمَاثَلَةُ حِينَئِذٍ، لِأَنَّهُ مَا فَوَّتَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جِنْسَ الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ فَوَّتَاهُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مَا اسْتَوْفَاهُ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ وَلَا زِيَادَةَ عَلَى حَقِّهِ. قَوْلُهُ (وَالْقِصَاصُ مِلْكُ الْفِعْلِ ثَبَتَ مَعَ الْمُنَافِي) يَعْنِي لِأَنَّ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ حُرٌّ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ الْيَدَ اسْتَحَقَّهَا الْأَوَّلُ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْقِصَاصَ مِلْكُ الْفِعْلِ ثَبَتَ ضَرُورَةَ الِاسْتِيفَاءِ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى شَغْلِ الْمَحَلِّ الْخَالِي بِتَجْزِئَتِهِ عَنْهُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْمَحَلُّ مَشْغُولًا لَمْ يَمْنَعْ عَنْ ثُبُوتِ الثَّانِي، بِخِلَافِ الرَّهْنِ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الْمَحَلِّ لِكَوْنِهِ

أَمَّا الْمَحِلُّ فَخُلُوٌّ عَنْهُ فَلَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الثَّانِي، بِخِلَافِ الرَّهْنِ لِأَنَّ الْحَقَّ ثَابِتٌ فِي الْمَحَلِّ. فَصَارَ كَمَا إذَا قَطَعَ الْعَبْدُ يَمِينَيْهِمَا عَلَى التَّعَاقُبِ فَتُسْتَحَقُّ رَقَبَتُهُ لَهُمَا، وَإِنْ حَضَرَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَقَطَعَ يَدَهُ فَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، لِأَنَّ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ لِثُبُوتِ حَقِّهِ وَتَرَدُّدِ حَقِّ الْغَائِبِ، وَإِذَا اسْتَوْفَى لَمْ يَبْقَ مَحِلُّ الِاسْتِيفَاءِ فَيَتَعَيَّنُ حَقُّ الْآخَرِ فِي الدِّيَةِ لِأَنَّهُ أَوْفَى بِهِ حَقًّا مُسْتَحَقًّا. قَالَ: (وَإِذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ بِقَتْلِ الْعَمْدِ لَزِمَهُ الْقَوَدُ) وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ لِأَنَّهُ يُلَاقِي حَقَّ الْمَوْلَى بِالْإِبْطَالِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِالْمَالِ. وَلَنَا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِيهِ لِأَنَّهُ مُضِرٌّ بِهِ فَيُقْبَلُ، وَلِأَنَّ الْعَبْدَ مُبْقَى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الدَّمِ عَمَلًا بِالْآدَمِيَّةِ حَتَّى لَا يَصِحَّ إقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ، وَبُطْلَانُ حَقِّ الْمَوْلَى بِطَرِيقِ الضِّمْنِ فَلَا يُبَالَى بِهِ. (وَمَنْ رَمَى رَجُلًا عَمْدًا فَنَفَذَ السَّهْمُ مِنْهُ إلَى آخَرَ فَمَاتَا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ لِلْأَوَّلِ وَالدِّيَةُ لِلثَّانِي عَلَى عَاقِلَتِهِ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ عَمْدٌ وَالثَّانِي أَحَدُ نَوْعَيْ الْخَطَأِ، كَأَنَّهُ رَمَى إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ آدَمِيًّا وَالْفِعْلُ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْأَثَرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَمْلُوكًا. وَقَوْلُهُ (وَلِتَرَدُّدِ حَقِّ الْآخَرِ) يَعْنِي أَنَّ حَقَّ الْحَاضِرِ ثَابِتٌ فِي الْيَدِ وَمُزَاحَمَةُ الْآخَرِ لَهُ فِي الِاسْتِيفَاءِ مَوْهُومَةٌ عَسَى أَنْ يَعْفُوَ أَوْ لَا يَحْضُرَ فَلَا يُؤَخَّرُ الْمَعْلُومُ لِلْمَوْهُومِ كَأَحَدِ الشَّفِيعَيْنِ إذَا ادَّعَى الشُّفْعَةَ وَالْآخَرُ غَائِبٌ يُقْضَى بِالْجَمِيعِ لَهُ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ أَوْفَى بِهِ حَقًّا مُسْتَحَقًّا) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا قُضِيَ بِجَمِيعِ طَرَفِهِ حَقًّا مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ فَيُقْضَى لِلْآخَرِ بِالْأَرْشِ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ بِقَتْلِ الْعَمْدِ لَزِمَهُ الْقَوَدُ) وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْعَمْدِ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالْخَطَأِ لَا يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَ مَأْذُونًا أَوْ مَحْجُورًا، أَمَّا الْمَحْجُورُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْمَأْذُونُ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ. وَقَوْلُهُ (حَتَّى لَا يَصِحَّ إقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ) تَوْضِيحٌ لِبَقَائِهِ عَلَى الْحُرِّيَّةِ، وَكُلُّ مَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَى الْعَبْدِ فِيهِ فَهُوَ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ، وَلِهَذَا وَقَعَ طَلَاقُ زَوْجَتِهِ بِالْإِقْرَارِ لِوُقُوعِهِ بِالْإِيقَاعِ، وَإِذَا أَقَرَّ بِسَبَبٍ يُوجِبُ الْحَدَّ يُؤْخَذُ بِهِ. وَقَوْلُهُ (وَالْفِعْلُ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْأَثَرِ) قِيلَ: فَإِنَّ الرَّمْيَ إذَا أَصَابَ حَيَوَانًا وَمَزَّقَ جِلْدَهُ سُمِّيَ جَرْحًا، وَإِنْ قَتَلَهُ سُمِّيَ قَتْلًا، وَإِنْ أَصَابَ الْكُوزَ وَكَسَرَهُ سُمِّيَ كَسْرًا، فَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَحَلٍّ عَمْدًا وَبِالنِّسْبَةِ إلَى آخَرَ خَطَأً، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ تَسْمِيَةُ الْفِعْلِ الْوَاحِدِ بِأَسَامٍ مُخْتَلِفَةٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَحَالِّ وَلَا نِزَاعَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنْ يَتَعَدَّدَ الْفِعْلُ الْوَاحِدُ فَيَصِيرُ فِعْلَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْفِعْلَ يُوصَفُ بِوَصْفَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَمْرَيْنِ، كَالْحَرَكَةِ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تُوصَفَ بِالسُّرْعَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى حَرَكَةٍ وَبِالْبُطْءِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أُخْرَى، فَكَذَا هَذَا الْفِعْلُ يُوصَفُ بِالْعَمْدِ نَظَرًا إلَى قَصْدِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّخْصِ الْأَوَّلِ وَبِالْخَطَأِ نَظَرًا إلَى عَدَمِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الثَّانِي. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْخَطَأُ يَسْتَلْزِمُ إبَاحَةً لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ، وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا أَمْرًا دَائِرًا بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ وَلَمْ يُوجَدْ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْخَطَأَ هُوَ تَحَقُّقُ الْجِنَايَةِ فِي إنْسَانٍ مُخَالِفٍ لِظَنِّ الْجَانِي، كَمَنْ رَمَى إلَى شَيْءٍ يَظُنُّهُ صَيْدًا فَإِذَا هُوَ إنْسَانٌ، أَوْ لِقَصْدِهِ مُطْلَقًا كَمَنْ رَمَى إلَى هَدَفٍ فَأَصَابَ إنْسَانًا، وَكَاَلَّذِي نَحْنُ فِيهِ، وَالرَّمْيُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُخَالِفِ لَهُمَا كَالرَّمْيِ لَا إلَى مُعَيَّنٍ وَذَلِكَ مُبَاحٌ لَا مَحَالَةَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا مُطْلَقًا لِيَخْرُجَ مَنْ قَصَدَ قَطْعَ يَدِ رَجُلٍ بِسَيْفٍ فَأَصَابَ

[فصل في حكم الفعلين]

قَالَ: (وَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ خَطَأً ثُمَّ قَتَلَهُ عَمْدًا قَبْلَ أَنْ تَبْرَأَ يَدُهُ أَوْ قَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا ثُمَّ قَتَلَهُ خَطَأً أَوْ قَطَعَ يَدَهُ خَطَأً ـــــــــــــــــــــــــــــQعُنُقَهُ وَمَاتَ فَإِنَّهُ عَمْدٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِلْمَقْصُودِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَإِنَّ قَطْعَ الْيَدِ قَدْ يَكُونُ قَتْلًا بِالسِّرَايَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ ذَلِكَ فَأَصَابَ رَقَبَةَ غَيْرِهِ فَحَزَّهَا أَوْ رَمَى إلَى شَخْصٍ فَأَصَابَ غَيْرَهُ فَمَاتَ فَإِنَّ ذَلِكَ خَطَأٌ، لِأَنَّ قَطْعَ يَدِ رَجُلٍ أَوْ قَتْلَهُ لَا يَكُونُ قَتْلًا لِغَيْرِهِ فَكَانَ مُخَالِفًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. [فَصْل فِي حُكْمِ الْفِعْلَيْنِ] (فَصْلٌ) ذَكَرَ حُكْمَ الْفِعْلَيْنِ عَقِيبَ فِعْلٍ وَاحِدٍ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ رِعَايَةً لِلتَّنَاسُبِ (وَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ خَطَأً ثُمَّ قَتَلَهُ عَمْدًا) الْقَطْعُ وَالْقَتْلُ إذَا حَصَلَا فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ كَانَا عَلَى وُجُوهٍ: أَنْ يَكُونَا خَطَأَيْنِ أَوْ عَمْدَيْنِ، أَوْ يَكُونَ الْقَتْلُ خَطَأً وَالْقَطْعُ عَمْدًا أَوْ بِالْعَكْسِ، فَذَلِكَ بِالْقِسْمَةِ الْعَقْلِيَّةِ أَرْبَعَةٌ. ثُمَّ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْبُرْءِ أَوْ بَعْدَهُ فَذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَوْجُهٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ إمَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ

فَبَرِئَتْ يَدُهُ ثُمَّ قَتَلَهُ خَطَأً أَوْ قَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا فَبَرَأَتْ ثُمَّ قَتَلَهُ عَمْدًا فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِالْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْجِرَاحَاتِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ تَتْمِيمًا لِلْأَوَّلِ، لِأَنَّ الْقَتْلَ فِي الْأَعَمِّ يَقَعُ بِضَرَبَاتٍ مُتَعَاقِبَةٍ، وَفِي اعْتِبَارِ كُلِّ ضَرْبَةٍ بِنَفْسِهَا بَعْضُ الْحَرَجِ، إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ الْجَمْعُ فَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ حُكْمَ نَفْسِهِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ فِي الْأَوَّلَيْنِ لِاخْتِلَافِ حُكْمِ الْفِعْلَيْنِ، وَفِي الْآخَرَيْنِ لِتَخَلُّلِ الْبُرْءِ وَهُوَ قَاطِعٌ لِلسَّرَايَةِ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَتَخَلَّلْ وَقَدْ تَجَانَسَا بِأَنْ كَانَا خَطَأَيْنِ يَجْمَعُ بِالْإِجْمَاعِ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ وَاكْتَفَى بِدِيَةٍ وَاحِدَةٍ (وَإِنْ كَانَ قَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا ثُمَّ قَتَلَهُ عَمْدًا قَبْلَ أَنْ تَبْرَأَ يَدُهُ، فَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ قَالَ: اقْطَعُوهُ ثُمَّ اُقْتُلُوهُ، وَإِنْ شَاءَ قَالَ: اُقْتُلُوهُ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يُقْتَلُ وَلَا تُقْطَعُ يَدُهُ لِأَنَّ الْجَمْعَ مُمْكِنٌ لِتَجَانُسِ الْفِعْلَيْنِ وَعَدَمِ تَخَلُّلِ الْبُرْءِ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا. وَلَهُ أَنَّ الْجَمْعَ مُتَعَذِّرٌ، إمَّا لِلِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ هَذَيْنِ لِأَنَّ الْمُوجِبَ الْقَوَدُ وَهُوَ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْفِعْلِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ بِالْقَتْلِ وَالْقَطْعُ بِالْقَطْعِ وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ، أَوْ لِأَنَّ الْحَزَّ يَقْطَعُ إضَافَةَ السِّرَايَةِ إلَى الْقَطْعِ، حَتَّى لَوْ صَدَرَ مِنْ شَخْصَيْنِ يَجِبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ أَوْ شَخْصَيْنِ فَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ وَجْهًا، فَإِنْ كَانَا مِنْ شَخْصَيْنِ يُفْعَلُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُوجَبُ فِعْلِهِ مِنْ الْقِصَاصِ وَأَخْذِ الْأَرْشِ مُطْلَقًا، لِأَنَّ التَّدَاخُلَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَحَلِّ لَا غَيْرُ، وَإِنْ كَانَا مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَإِيجَابُ مُوجَبِ الْفِعْلَيْنِ أَوْ إهْدَارُ أَحَدِهِمَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ (وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْجَمْعَ) يَعْنِي الِاكْتِفَاءَ بِمُوجَبِ أَحَدِهِمَا وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ تَتْمِيمًا لِلْأَوَّلِ، لِأَنَّ الْقَتْلَ فِي الْأَعَمِّ: يَعْنِي فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ يَقَعُ بِضَرَبَاتٍ مُتَعَاقِبَةٍ، وَفِي اعْتِبَارِ كُلِّ ضَرْبَةٍ بِنَفْسِهَا بَعْضُ الْحَرَجِ فَيُجْعَلُ الثَّانِي مُتَمِّمًا لِلْأَوَّلِ وَيُجْعَلُ الْكُلُّ وَاحِدًا، إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ الْجَمْعُ إمَّا بِاخْتِلَافِ الْفِعْلَيْنِ وَصْفًا أَوْ مُوجَبًا أَوْ بِتَخَلُّلِ الْبُرْءِ، فَحِينَئِذٍ يُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ حُكْمَ نَفْسِهِ. فَإِنْ تَخَلَّلَ الْبُرْءُ فَلَا جَمْعَ أَصْلًا لِأَنَّ الْفِعْلَ الْأَوَّلَ قَدْ انْتَهَى فَيَكُونُ الْقَتْلُ بَعْدَهُ ابْتِدَاءً، فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ وَقَدْ اخْتَلَفَا جِنْسًا فَكَذَلِكَ كَمَا فِي الصُّورَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ، وَإِنْ تَجَانَسَا خَطَأً جُمِعَ بِالْإِجْمَاعِ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ وَهُوَ تَخَلُّلُ الْبُرْءِ وَالِاخْتِلَافِ وَاكْتُفِيَ بِدِيَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ تَجَانُسًا عَمْدًا فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْوَلِيُّ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَقْطَعَ ثُمَّ يَقْتُلَ وَبَيْنَ أَنْ يَقْتُلَ وَقَالَا يَقْتُلُ وَلَا يَقْطَعُ، وَقَوْلُهُ (فَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ قَالَ اقْطَعُوهُ)

الْقَوَدُ عَلَى الْحَازِّ فَصَارَ كَتَخَلُّلِ الْبُرْءِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ وَسَرَى لِأَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا خَطَأَيْنِ لِأَنَّ الْمُوجَبَ الدِّيَةُ وَهِيَ بَدَلُ النَّفْسِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْمُسَاوَاةِ، وَلِأَنَّ أَرْشَ الْيَدِ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ اسْتِحْكَامِ أَثَرِ الْفِعْلِ وَذَلِكَ بِالْحَزِّ الْقَاطِعِ لِلسِّرَايَةِ فَيَجْتَمِعُ ضَمَانُ الْكُلِّ وَضَمَانُ الْجُزْءِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يَجْتَمِعَانِ. أَمَّا الْقَطْعُ وَالْقَتْلُ قِصَاصًا يَجْتَمِعَانِ. قَالَ (وَمَنْ ضَرَبَ رَجُلًا مِائَةَ سَوْطٍ فَبَرَأَ مِنْ تِسْعِينَ وَمَاتَ مِنْ عَشَرَةٍ فَفِيهِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّهُ لَمَّا بَرَأَ مِنْهَا لَا تَبْقَى مُعْتَبَرَةٌ فِي حَقِّ الْأَرْشِ وَإِنْ بَقِيَتْ مُعْتَبَرَةٌ فِي حَقِّ التَّعْزِيرِ فَبَقِيَ الِاعْتِبَارُ لِلْعَشَرَةِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْخِيَارَ لِلْإِمَامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْخِيَارُ لِلْوَلِيِّ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ فَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ مَعْنَاهُ يُبَيِّنُ لَهُمْ أَنَّ لَهُمْ الْخِيَارَ، قَالَا: الْجَمْعُ مُمْكِنٌ لِتَجَانُسِ الْفِعْلَيْنِ وَعَدَمِ تَخَلُّلِ الْبُرْءِ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ: بَلْ الْجَمْعُ مُتَعَذِّرٌ إمَّا لِلِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ لِأَنَّ الْمُوجَبَ الْقَوَدُ وَهُوَ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْفِعْلِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ بِالْقَتْلِ وَالْقَطْعُ بِالْقَطْعِ وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ لِخُلُوِّ الْقَطْعِ إذْ ذَاكَ عَنْ الْجَزَاءِ، وَإِمَّا لِأَنَّ الْحَزَّ يَقْطَعُ إضَافَةَ السِّرَايَةِ إلَى الْقَطْعِ حَتَّى لَوْ صَدَرَا مِنْ شَخْصَيْنِ وَجَبَ الْقَوَدُ عَلَى الْحَازِّ، وَإِذَا انْقَطَعَ إضَافَةُ السِّرَايَةِ إلَيْهِ صَارَ كَتَخَلُّلِ الْبُرْءِ وَلَا جَمْعَ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ وَسَرَى لِأَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا خَطَأَيْنِ لِأَنَّ الْمُوجَبَ هُوَ الدِّيَةُ وَهُوَ بَدَلُ النَّفْسِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْمُسَاوَاةِ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ أَرْشَ الْيَدِ) دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى جَوَازِ الْجَمْعِ إذَا كَانَا خَطَأَيْنِ. وَتَقْرِيرُهُ: أَرْشُ الْيَدِ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ اسْتِحْكَامِ أَثَرِ الْفِعْلِ: يَعْنِي الْقَطْعَ بِانْقِطَاعِ تَوَهُّمِ السِّرَايَةِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْجَزِّ الْقَاطِعِ لِلسِّرَايَةِ، فَأَرْشُ الْيَدِ إنَّمَا يَجِبُ بِالْحَزِّ الْقَاطِعِ لِلسِّرَايَةِ، وَبِهِ يَجِبُ ضَمَانُ الْكُلِّ فَيَجْتَمِعُ ضَمَانُ الْكُلِّ وَضَمَانُ الْجُزْءِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ حَالَةُ الْحَزِّ، وَفِي ذَلِكَ تَكْرَارُ دِيَةِ الْيَدِ لِأَنَّ ضَمَانَ الْكُلِّ يَشْمَلُهَا وَالتَّكْرَارُ فِيهِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَلَا يَجْتَمِعَانِ. فَإِنْ قِيلَ: قِصَاصُ الْيَدِ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ اسْتِحْكَامِ أَثَرِ الْفِعْلِ وَذَلِكَ بِالْحَزِّ الْقَاطِعِ لِلسَّرَايَةِ فَيَجْتَمِعُ قِصَاصُ الْكُلِّ وَالْجُزْءِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يَجْتَمِعَانِ. قُلْنَا: بَلْ يَجْتَمِعَانِ لِأَنَّ مَبْنَى الْقِصَاصِ الْمُسَاوَاةُ، وَهِيَ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ بِاجْتِمَاعِهِمَا، وَهَذَا فِي غَايَةِ التَّحْقِيقِ لِأَنَّ الْعَمْدَ مَبْنَاهُ عَلَى التَّغْلِيظِ وَالتَّشْدِيدِ وَلِهَذَا تُقْتَلُ الْعَشَرَةُ بِالْوَاحِدِ، وَفِي مُرَاعَاةِ صُورَةِ الْفِعْلِ مَعْنَى التَّغْلِيظِ فَيَجُوزُ اعْتِبَارُهُ فِيهِ، وَأَمَّا الْخَطَأُ فَمَبْنَاهُ عَلَى التَّخْفِيفِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الدِّيَةَ لَا تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْقَاتِلِينَ، فَاعْتِبَارُ التَّغْلِيظِ فِيهِ لَا يَكُونُ مُنَاسِبًا. قَالَ (وَمَنْ ضَرَبَ رَجُلًا مِائَةَ سَوْطٍ فَبَرَأَ إلَخْ) وَمَنْ ضَرَبَ رَجُلًا تِسْعِينَ سَوْطًا فِي مَكَان وَعَشَرَةً فِي مَكَان فَبَرِئَ مِنْ تِسْعِينَ وَسَرَى مَوْضِعُ الْعَشَرَةِ وَمَاتَ مِنْهُ فَفِيهِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا كُلُّ

جِرَاحَةٍ انْدَمَلَتْ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي مِثْلِهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ تَجِبُ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ (وَإِنْ ضَرَبَ رَجُلًا مِائَةَ سَوْطٍ وَجَرَحَتْهُ وَبَقِيَ لَهُ أَثَرٌ تَجِبُ حُكُومَةُ الْعَدْلِ) لِبَقَاءِ الْأَثَرِ وَالْأَرْشِ إنَّمَا يَجِبُ بِاعْتِبَارِ الْأَثَرِ فِي النَّفْسِ. قَالَ: (وَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ فَعَفَا الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ عَنْ الْقَطْعِ ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَى الْقَاطِعِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ، وَإِنْ عَفَا عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ عَفْوٌ عَنْ النَّفْسِ، ثُمَّ إنْ كَانَ خَطَأً فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَهُوَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: إذَا عَفَا عَنْ الْقَطْعِ فَهُوَ عَفْوٌ عَنْ النَّفْسِ أَيْضًا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا عَفَا عَنْ الشَّجَّةِ ثُمَّ سَرَى إلَى النَّفْسِ وَمَاتَ، لَهُمَا أَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْقَطْعِ عَفْوٌ عَنْ مُوجِبِهِ، وَمُوجِبُهُ الْقَطْعُ لَوْ اقْتَصَرَ أَوْ الْقَتْلُ إذَا سَرَى، فَكَانَ الْعَفْوُ عَنْهُ عَفْوًا عَنْ أَحَدِ مُوجِبَيْهِ أَيُّهُمَا كَانَ، وَلِأَنَّ اسْمَ الْقَطْعِ يَتَنَاوَلُ السَّارِيَ وَالْمُقْتَصَرَ فَيَكُونُ الْعَفْوُ عَنْ قَطْعٍ عَفْوًا عَنْ نَوْعَيْهِ وَصَارَ كَمَا إذَا عَفَا عَنْ الْجِنَايَةِ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْجِنَايَةَ السَّارِيَةَ وَالْمُقْتَصِرَةَ. كَذَا هَذَا. وَلَهُ أَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ قَدْ تَحَقَّقَ وَهُوَ قَتْلُ نَفْسٍ مَعْصُومَةٍ مُتَقَوِّمَةٍ وَالْعَفْوُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ بِصَرِيحِهِ لِأَنَّهُ عَفَا عَنْ الْقَطْعِ وَهُوَ غَيْرُ الْقَتْلِ، وَبِالسِّرَايَةِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَاقِعَ قَتْلٌ وَحَقُّهُ فِيهِ وَنَحْنُ نُوجِبُ ضَمَانَهُ. وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُوجِبُ لِلْعَمْدِ، إلَّا أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQجِرَاحَةٍ انْدَمَلَتْ) يَعْنِي مِثْلَ أَنْ كَانَتْ شَجَّةً فَالْتَحَمَتْ وَنَبَتَ الشَّعْرُ فَإِنَّهَا لَا تَبْقَى مُعْتَبَرَةً لَا فِي حَقِّ الْأَرْشِ وَلَا فِي حَقِّ حُكُومَةِ عَدْلٍ، وَإِنَّمَا تَبْقَى فِي حَقِّ التَّعْزِيرِ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مِثْلِهِ حُكُومَة عَدْلٍ، وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهَا فِي آخِرِ فَصْلِ الشِّجَاجِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَجِبُ أَجْرُ الطَّبِيبِ (وَإِنْ ضَرَبَهُ مِائَةَ سَوْطٍ وَجَرَحَتْهُ وَبَقِيَ لَهُ أَثَرٌ يَجِبُ لَهُ حُكُومَة عَدْلٍ) دُونَ الْأَرْشِ لِأَنَّ حُكُومَةَ عَدْلٍ إنَّمَا تَكُونُ لِبَقَاءِ الْأَثَرِ وَهُوَ مَوْجُودٌ، وَالْأَرْشُ إنَّمَا يَجِبُ بِاعْتِبَارِ الْأَثَرِ فِي النَّفْسِ بِأَنْ لَمْ يَبْرَأْ وَلَيْسَ بِمَوْجُودٍ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَجْرَحْ فِي الِابْتِدَاءِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ جَرَحَ وَانْدَمَلَ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ فَكَذَلِكَ كَمَا هُوَ أَصْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ إلَّا مُجَرَّدُ الْأَلَمِ وَهُوَ لَا يُوجِبُ شَيْئًا كَمَا لَوْ ضَرَبَهُ ضَرْبًا مُؤْلِمًا، وَمِثْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ هَذَا الِاخْتِلَافِ، وَدَلِيلُهَا يَأْتِي قَبْلَ فَصْلِ الْجَنِينِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْقَطْعِ وَالشَّجَّةِ وَالْجِرَاحَةِ لَيْسَ بِعَفْوٍ عَمَّا يَحْدُثُ مِنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافًا لَهُمَا، فَإِذَا وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَعَفَا الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَنْهُ ثُمَّ سَرَى وَمَاتَ فَعَلَى الْجَانِي الدِّيَةُ فِي مَالِهِ عِنْدَهُ، وَقَالَا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْقَطْعِ عَفْوٌ عَنْ مُوجَبِهِ، لِأَنَّ الْفِعْلَ عَرَضٌ لَا يَبْقَى فَلَا يُتَصَوَّرُ الْعَفْوُ عَنْهُ فَيَكُونُ الْعَفْوُ عَنْهُ عَفْوًا عَنْ مُوجَبِهِ وَمُوجَبُهُ إمَّا الْقَطْعُ أَوْ الْقَتْلُ إذَا اقْتَصَرَ أَوْ سَرَى فَكَانَ الْعَفْوُ عَفْوًا عَنْهُمَا، وَلِأَنَّ اسْمَ الْقَطْعِ يَتَنَاوَلُ السَّارِيَ وَالْمُقْتَصِرَ فَإِنَّ الْإِذْنَ بِالْقَطْعِ إذْنٌ بِهِ وَبِمَا حَدَثَ مِنْهُ. حَتَّى إذَا قَالَ شَخْصٌ آخَرُ اقْطَعْ يَدِي فَقَطَعَهُ ثُمَّ سَرَى إلَى النَّفْسِ لَمْ يَضْمَنْ وَالْعَفْوُ إذْنٌ انْتِهَاءً فَيُعْتَبَرُ بِالْإِذْنِ ابْتِدَاءً، فَصَارَ كَمَا إذَا عَفَا عَنْ الْجِنَايَةِ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ السَّارِيَةَ وَالْمُقْتَصِرَةَ، فَكَذَا هَذَا.

فِي الِاسْتِحْسَانِ تَجِبُ الدِّيَةُ، لِأَنَّ صُورَةَ الْعَفْوِ أَوْرَثَتْ شُبْهَةً وَهِيَ دَارِئَةٌ لِلْقَوَدِ. وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ السَّارِيَ نَوْعٌ مِنْ الْقَطْعِ، وَأَنَّ السِّرَايَةَ صِفَةٌ لَهُ، بَلْ السَّارِي قَتْلٌ مِنْ الِابْتِدَاءِ، وَكَذَا لَا مُوجِبَ لَهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ قَطْعًا فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْعَفْوُ، بِخِلَافِ الْعَفْوِ عَنْ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ، وَبِخِلَافِ الْعَفْوِ عَنْ الشَّجَّةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْعَفْوِ عَنْ السِّرَايَةِ وَالْقَتْلِ، وَلَوْ كَانَ الْقَطْعُ خَطَأً فَقَدْ أَجْرَاهُ مَجْرَى الْعَمْدِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ وِفَاقًا وَخِلَافًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ وَهُوَ قَتْلُ النَّفْسِ الْمَعْصُومَةِ الْمُتَقَوِّمَةِ قَدْ تَحَقَّقَ، وَالْمَانِعُ مُنْتَفٍ لِأَنَّ الْعَفْوَ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ بِصَرِيحِهِ لِأَنَّهُ عَفَا عَنْ الْقَطْعِ وَهُوَ غَيْرُ الْقَتْلِ لَا مَحَالَةَ، وَبِالسَّرَايَةِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَاقِعَ قَتَلَ وَحَقُّهُ فِيهِ، فَمَا هُوَ حَقُّهُ لَمْ يَعْفُ عَنْهُ، وَمَا عَفَا عَنْهُ فَلَيْسَ بِحَقِّهِ فَلَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَلِيَّ لَوْ قَالَ بَعْدَ السِّرَايَةِ عَفَوْتُك عَنْ الْيَدِ لَمْ يَكُنْ عَفْوًا، وَلَوْ قَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَفَوْتُك عَنْ الْقَتْلِ وَاقْتَصَرَ عَلَى الْقَطْعِ لَمْ يَكُنْ عَفْوًا، فَكَذَا إذَا عَفَا عَنْ الْيَدِ ثُمَّ سَرَى، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْعَفْوُ مُعْتَبَرًا وَجَبَ الضَّمَانُ، وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي الْقِصَاصَ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُوجِبُ لِلْعَمْدِ، إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ لِأَنَّ صُورَةَ الْعَفْوِ أَوْرَثَتْ شُبْهَةً وَهِيَ دَارِئَةٌ لِلْقَوَدِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ. وَقَوْلُهُ (وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ السَّارِيَ نَوْعٌ مِنْ الْقَطْعِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا فَيَكُونُ الْعَفْوُ عَفْوًا عَنْ نَوْعَيْهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ مَنَعَ كَوْنَ السِّرَايَةِ صِفَةً لَهُ، وَيُقَالُ سَرَى الْقَطْعُ وَقَطْعٌ سَارٍ فَكَيْفَ يَصِحُّ ذَلِكَ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ صِفَةٌ مُنَوَّعَةٌ وَهِيَ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، بَلْ هِيَ مُخْرِجَةٌ عَنْ حَقِيقَتِهَا كَمَا يُقَالُ عَصِيرٌ مُسْكِرٌ. وَقَوْلُهُ (بَلْ السَّارِي قَتْلٌ مِنْ الِابْتِدَاءِ) إضْرَابٌ عَنْ قَوْلِهِ نَوْعٌ مِنْ الْقَطْعِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَتْلَ فِعْلٌ مُزْهِقٌ لِلرُّوحِ وَلَمَّا انْزَهَقَ الرُّوحُ بِهِ عَرَفْنَا أَنَّهُ كَانَ قَتْلًا وَقَوْلُهُ (وَكَذَا لَا مُوجَبَ لَهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ قَطْعًا) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ أَوْ الْقَتْلُ إذَا سَرَى، يُرِيدُ أَنَّ الْقَتْلَ لَيْسَ بِمُوجِبٍ لِلْقَطْعِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ قَطْعًا، لِأَنَّهُ إذَا سَرَى وَمَاتَ تَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْقَطْعَ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُوجَبٌ أَصْلًا، إنَّمَا الثَّابِتُ مُوجَبُ الْقَتْلِ وَهُوَ الدِّيَةُ فَكَانَ الْعَفْوُ الْمُضَافُ إلَى الْقَطْعِ مُضَافًا إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ فَلَا يَصِحُّ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الْعَفْوُ عَنْ الْقَطْعِ لَا يَكُونُ عَفْوًا عَنْ الْقَتْلِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْعَفْوُ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْعَفْوِ عَنْ الْجِنَايَةِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ) وَهِيَ الْعَفْوُ عَنْ الْقَطْعِ مُطْلَقًا وَالْعَفْوُ عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ وَالْعَفْوُ عَنْ الشَّجَّةِ وَالْعَفْوُ عَنْ الْجِنَايَةِ (وِفَاقًا) وَهُوَ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ عَفْوٌ عَنْ الدِّيَةِ بِالِاتِّفَاقِ فِيمَا إذَا كَانَ الْقَطْعُ خَطَأً، وَالثَّانِي الْعَفْوُ عَنْ الْجِنَايَةِ فَإِنَّهُ عَفْوٌ عَنْ الدِّيَةِ أَيْضًا (وَخِلَافًا) وَهُوَ أَيْضًا فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْقَطْعِ مُطْلَقًا عَفْوٌ عَنْ الدِّيَةِ عِنْدَهُمَا إذَا كَانَ خَطَأً، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَكُونُ عَفْوًا عَنْ أَرْشِ الْيَدِ لَا غَيْرُ. وَالثَّانِي أَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الشَّجَّةِ عَفْوٌ عَنْ الدِّيَةِ إذَا

آذَنَ بِذَلِكَ إطْلَاقَهُ، إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ خَطَأً فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَهُوَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، لِأَنَّ مُوجِبَ الْعَمْدِ الْقَوَدُ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ لِمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فَصَارَ كَمَا إذَا أَوْصَى بِإِعَارَةِ أَرْضِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQسَرَتْ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ عَنْ أَرْشِ الشَّجَّةِ لَا غَيْرُ (آذَنَ) أَيْ أَعْلَمَ (بِذَلِكَ إطْلَاقُهُ) أَيْ إطْلَاقُ لَفْظِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ فَعَفَا الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ عَنْ الْقَطْعِ غَيْرُ مُتَعَرِّضٍ لِلْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، وَمُنِعَ الْإِطْلَاقُ بِأَنَّ قَوْلَهُ فَعَلَى الْقَاطِعِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فِي الْعَمْدِ لِأَنَّ الدِّيَةَ فِي الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوَضْعَ مُطْلَقٌ لَا مَحَالَةَ، وَالْجَوَابُ إنَّمَا هُوَ لِأَحَدِ نَوْعَيْهِ، وَتَقْرِيرُهُ فَعَلَى الْقَاتِلِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ الْقَطْعُ عَمْدًا. وَقَوْلُهُ (كَمَا لَوْ أَوْصَى بِإِعَارَةِ أَرْضِهِ) يَعْنِي إذَا تَبَرَّعَ بِمَنَافِع أَرْضِهِ فِي مَرَضِهِ بِالْعَارِيَّةِ وَانْتَفَعَ بِهَا الْمُسْتَعِيرُ ثُمَّ مَاتَ الْمُعِيرُ كَانَ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَيْسَتْ بِأَمْوَالٍ، وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ الْقِصَاصَ مَوْرُوثٌ بِالِاتِّفَاقِ فَكَيْفَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ. الثَّانِي أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِإِعَارَةِ أَرْضِهِ بَاطِلَةٌ وَإِنْ صَحَّتْ فَحُكْمُهُ التَّهَايُؤُ يَسْكُنُ الْمُوصَى لَهُ يَوْمًا وَالْوَرَثَةُ يَوْمَيْنِ إنْ لَمْ يَقْبَلْ الْقِسْمَةَ، وَإِنْ قَبِلَهَا يُفْرَزُ الثُّلُثُ لِلْمُوصَى لَهُ. وَالثَّالِثُ أَنَّ الْمَنَافِعَ أَمْوَالٌ فَكَيْفَ صَارَتْ نَظِيرًا لِمَا لَيْسَ بِمَالٍ؟ . وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَفَى تَعَلُّقَ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِهِ لَا كَوْنَهُ مَوْرُوثًا، وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ، وَحُكْمُ الْخَلَفِ لَا يَثْبُتُ مَعَ وُجُودِ الْأَصْلِ وَالْقِيَاسُ فِي الْمَالِ أَيْضًا أَنْ لَا يَثْبُتَ فِيهِ تَعَلُّقُ

أَمَّا الْخَطَأُ فَمُوجِبُهُ الْمَالُ، وَحَقُّ الْوَرَثَةِ يَتَعَلَّقُ بِهِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ. قَالَ: (وَإِذَا قَطَعَتْ الْمَرْأَةُ يَدَ رَجُلٍ فَتَزَوَّجَهَا عَلَى يَدِهِ ثُمَّ مَاتَ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، وَعَلَى عَاقِلَتِهَا الدِّيَةُ إنْ كَانَ خَطَأً، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَفِي مَالِهَا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْيَدِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَفْوًا عَمَّا يَحْدُثُ مِنْهُ عِنْدَهُ فَالتَّزَوُّجُ عَلَى الْيَدِ لَا يَكُونُ تَزَوُّجًا عَلَى مَا يَحْدُثُ مِنْهُ. ثُمَّ الْقَطْعُ إذَا كَانَ عَمْدًا يَكُونُ هَذَا تَزَوُّجًا عَلَى الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَصْلُحُ مَهْرًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQحَقِّهِمْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ، لَكِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ شَرْعًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَأَنْ تَدَعَ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» وَتَرْكُهُمْ أَغْنِيَاءَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِمَا يَتَحَقَّقُ بِهِ الْغِنَى وَهُوَ الْمَالُ، فَلَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ لَتَصَرَّفَ فِيهِ فَيَتْرُكُهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَالْقِصَاصُ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ لَكِنَّهُ مَوْرُوثٌ، لِأَنَّ الْإِرْثَ خِلَافَةُ ذِي نَسَبِ الْمَيِّتِ الْحَقِيقِيِّ أَوْ الْحُكْمِيِّ أَوْ نِكَاحُهُ أَوْ وِلَايَةٌ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فِي مَالِهِ أَوْ حَقٌّ قَابِلٌ لَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ. وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي الْفَرَائِضِ وَهُوَ كَمَا تَرَى لَا يَنْحَصِرُ فِي الْمَالِ، بَلْ إذَا كَانَ حَقًّا قَابِلًا لِلْخِلَافَةِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَوْرُوثًا، وَلَا شَكَّ فِي قَبُولِهِ الْقِصَاصِ لِذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ أَوْصَى تَبَرُّعٌ كَمَا عَبَّرْنَا عَنْهُ آنِفًا وَالْوَصِيَّةُ تَبَرُّعٌ خَاصٌّ فَيَجُوزُ أَنْ يُسْتَعَارَ لِمُطْلَقِهِ. وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّ الْمَنَافِعَ أَمْوَالٌ إذَا كَانَتْ فِي عَقْدٍ فِيهِ مُعَاوَضَةٌ. وَقَوْلُهُ (فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ) فِيهِ إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ كَانَ وَصِيَّةً وَالْقَاتِلُ مِنْ الْعَاقِلَةِ وَالْوَصِيَّةُ لِلْقَاتِلِ بَاطِلَةٌ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَصِحَّ فِي حِصَّتِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَجْرُوحَ لَمْ يَقُلْ أَوْصَيْت لَك بِثُلُثِ الدِّيَةِ، وَإِنَّمَا عَفَا عَنْ الْمَالِ بَعْدَ سَبَبِ الْوُجُوبِ فَكَانَ تَبَرُّعًا مُبْتَدَأً وَلَا مَانِعَ عَنْهُ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ وَهَبَ لَهُ شَيْئًا وَسَلَّمَ جَازَ. قَالَ (وَإِذَا قَطَعَتْ الْمَرْأَةُ يَدَ رَجُلٍ إلَخْ) إذَا قَطَعَتْ الْمَرْأَةُ يَدَ رَجُلٍ فَتَزَوَّجَهَا عَلَى يَدِهِ فَإِمَّا أَنْ يَقْتَصِرَ أَوْ يَسْرِيَ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ وَيَصِيرُ الْأَرْشُ وَهُوَ خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ مَهْرًا لَهَا بِالْإِجْمَاعِ سَوَاءٌ كَانَ الْقَطْعُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَتَزَوَّجَهَا عَلَى الْقَطْعِ فَقَطْ أَوْ عَلَيْهِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ، لِأَنَّهُ لَمَّا بَرَأَ تَبَيَّنَ أَنَّ مُوجَبَهَا الْأَرْشُ دُونَ الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ لَا يَجْرِي فِي الْأَطْرَافِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْأَرْشُ يَصْلُحُ صَدَاقًا. وَإِنْ كَانَ الثَّانِي وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ ثُمَّ مَاتَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْقَطْعُ خَطَأً أَوْ عَمْدًا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَهَا ذَلِكَ وَالدِّيَةُ فِي مَالِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْيَدِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَفْوًا عَمَّا يَحْدُثُ مِنْهُ عِنْدَهُ

لَا سِيَّمَا عَلَى تَقْدِيرِ السُّقُوطِ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَعَلَيْهَا الدِّيَةُ فِي مَالِهَا لِأَنَّ التَّزَوُّجَ وَإِنْ كَانَ يَتَضَمَّنُ الْعَفْوَ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَكِنْ عَنْ الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالتَّزَوُّجُ عَلَى الْيَدِ لَا يَكُونُ تَزَوُّجًا عَلَى مَا يَحْدُثُ مِنْهُ فَيَكُونُ مَا لَهَا مِنْ الْمَهْرِ غَيْرَ مَا عَلَيْهَا مِمَّا يَحْدُثُ مِنْهُ ثُمَّ الْقَطْعُ إذَا كَانَ عَمْدًا كَانَ التَّزَوُّجُ تَزَوُّجًا عَلَى الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَصْلُحُ مَهْرًا لَا سِيَّمَا عَلَى تَقْدِيرِ سُقُوطِ الْقِصَاصِ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَصْلُحْ مَهْرًا عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ لَا يَصْلُحُ عَلَى تَقْدِيرِ سُقُوطِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَالْقِصَاصُ يَسْقُطُ هَاهُنَا إمَّا بِقَبُولِهَا التَّزَوُّجَ لِأَنَّ سُقُوطَهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَبُولِ فَلَمَّا قَبِلَتْ سَقَطَ، وَإِمَّا بِاعْتِبَارِ تَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ، فَإِنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الْقِصَاصَ مَهْرًا جَعَلَ لَهَا وِلَايَةَ الِاسْتِيفَاءِ وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ عَنْ نَفْسِهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْوَاجِبُ فِي الْأَطْرَافِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ هُوَ الْأَرْشُ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ وَهُوَ مَعْلُومٌ فَمَا الْمَانِعُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَهْرَ؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَيِّنٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ خَمْسَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَيَكُونَ مَجْهُولًا، وَإِذَا لَمْ يَصْلُحْ الْقِصَاصُ وَلَا بَدَلُهُ مَهْرًا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَعَلَيْهَا الدِّيَةُ فِي مَالِهَا. فَإِنْ قِيلَ: قَبُولُ التَّزَوُّجِ يَتَضَمَّنُ الْعَفْوَ وَالْعَفْوُ لَا يُضْمَنُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا الدِّيَةُ، أَشَارَ إلَى الْجَوَابِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ وَإِنْ كَانَ يَتَضَمَّنُ الْعَفْوَ لَكِنْ (فِيمَا نَحْنُ فِيهِ يَتَضَمَّنُ الْعَفْوَ، عَنْ الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ،

وَإِذَا سَرَى تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَتْلُ النَّفْسِ وَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْعَفْوُ فَتَجِبُ الدِّيَةُ وَتَجِبُ فِي مَالِهَا لِأَنَّهُ عَمْدٌ. وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ. وَإِذَا وَجَبَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ وَعَلَيْهَا الدِّيَةُ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ إنْ كَانَا عَلَى السَّوَاءِ، وَإِنْ كَانَ فِي الدِّيَةِ فَضْلٌ تَرُدُّهُ عَلَى الْوَرَثَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَهْرِ فَضْلٌ يَرُدُّهُ الْوَرَثَةُ عَلَيْهَا، وَإِذَا كَانَ الْقَطْعُ خَطَأً يَكُونُ هَذَا تَزَوُّجًا عَلَى أَرْشِ الْيَدِ، وَإِذَا سَرَى إلَى النَّفْسِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا أَرْشَ لِلْيَدِ وَأَنَّ الْمُسَمَّى مَعْدُومٌ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى مَا فِي الْيَدِ وَلَا شَيْءَ فِيهَا. وَلَا يَتَقَاصَّانِ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي الْخَطَأِ وَالْمَهْرُ لَهَا. قَالَ: (وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى الْيَدِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا أَوْ عَلَى الْجِنَايَةِ ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ وَالْقَطْعُ عَمْدٌ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا) لِأَنَّ هَذَا تَزَوُّجٌ عَلَى الْقِصَاصِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَصَارَ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الْقِصَاصَ مَهْرًا فَقَدْ رَضِيَ بِسُقُوطِهِ بِجِهَةِ الْمَهْرِ فَيَسْقُطُ أَصْلًا كَمَا إذَا أَسْقَطَ الْقِصَاصَ بِشَرْطِ أَنْ يَصِيرَ مَالًا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ أَصْلًا (وَإِنْ كَانَ خَطَأً يُرْفَعُ عَنْ الْعَاقِلَةِ مَهْرُ مِثْلِهَا، وَلَهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِذَا سَرَى تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَتَلَ وَالْعَفْوُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ فَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهَا لِأَنَّهُ عَمْدٌ) وَالْعَاقِلَةُ لَا تَتَحَمَّلُ الْعَمْدَ (وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُوجِبُ لِلْعَمْدِ (وَإِذَا وَجَبَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ وَعَلَيْهَا الدِّيَةُ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ إنْ تَسَاوَيَا) وَإِنْ لَمْ يَتَسَاوَيَا رَدَّ مَنْ عَلَيْهِ الْفَضْلُ عَلَى مَنْ لَهُ ذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ الْقَطْعُ خَطَأً كَانَ التَّزَوُّجُ عَلَى أَرْشِ الْيَدِ، وَإِذَا سَرَى إلَى النَّفْسِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا أَرْشَ لِلْيَدِ وَأَنَّ الْمُسَمَّى مَعْدُومٌ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى مَا فِي الْيَدِ وَلَا شَيْءَ فِيهَا وَلَا يَتَقَاصَّانِ لِأَنَّ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي الْخَطَأِ وَالْمَهْرُ لَهَا فَاخْتَلَفَ ذِمَّةُ مَنْ لَهُ وَذِمَّةُ مَنْ عَلَيْهِ وَشَرْطُ التَّقَاصِّ اتِّحَادُهُمَا. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى الْيَدِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا) ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا) أَيْ لَا دِيَةَ وَلَا قِصَاصَ. وَقَوْلُهُ (يَرْفَعُ عَنْ الْعَاقِلَةِ مَهْرَ مِثْلِهَا) أَيْ قَدْرَ مَهْرِ الْمِثْلِ. وَقَوْلُهُ (وَلَهُمْ)

ثُلُثُ مَا تَرَكَ وَصِيَّةً) لِأَنَّ هَذَا تَزَوُّجٌ عَلَى الدِّيَةِ وَهِيَ تَصْلُحُ مَهْرًا إلَّا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِقَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ لِأَنَّهُ مَرِيضٌ مَرَضَ الْمَوْتِ وَالتَّزَوُّجُ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ وَلَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الزِّيَادَةِ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ مُحَابَاةٌ فَيَكُونُ وَصِيَّةً فَيُرْفَعُ عَنْ الْعَاقِلَةِ لِأَنَّهُمْ يَتَحَمَّلُونَ عَنْهَا، فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ تَرْجِعَ عَلَيْهِمْ بِمُوجِبِ جِنَايَتِهَا، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ وَصِيَّةٌ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْوَصِيَّةِ لِمَا أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِقَتَلَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ تَسْقُطُ، وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ يَسْقُطُ ثُلُثُهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: كَذَلِكَ الْجَوَابُ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى الْيَدِ، لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْيَدِ عَفْوٌ عَمَّا يَحْدُثُ مِنْهُ عِنْدَهُمَا فَاتَّفَقَ جَوَابُهُمَا فِي الْفَصْلَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ لِلْعَاقِلَةِ (ثُلُثُ مَا تَرَكَ) أَيْ ثُلُثُ مَا زَادَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ إلَى تَمَامِ الدِّيَةِ يَكُونُ وَصِيَّةً. وَقَوْلُهُ (فَاتَّفَقَ جَوَابُهُمَا فِي الْفَصْلَيْنِ) يَعْنِي فِي التَّزَوُّجِ عَلَى الْيَدِ إذَا كَانَ الْقَطْعُ خَطَأً، وَفِي التَّزَوُّجِ عَلَى الْيَدِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا أَوْ عَلَى الْجِنَايَةِ، وَعَبَّرَ بِالْفَصْلَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْمُخْتَلِفِ

قَالَ: (وَمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ فَاقْتُصَّ لَهُ مِنْ الْيَدِ ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ) لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْجِنَايَةَ كَانَتْ قَتْلَ عَمْدٍ وَحَقُّ الْمُقْتَصِّ لَهُ الْقَوَدُ، وَاسْتِيفَاءُ الْقَطْعِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الْقَوَدِ كَمَنْ كَانَ لَهُ الْقَوَدُ إذَا اسْتَوْفَى طَرَفَ مَنْ عَلَيْهِ الْقَوَدُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّهُ فِي الْقِصَاصِ، لِأَنَّهُ لَمَّا أَقْدَمَ عَلَى الْقَطْعِ فَقَدْ أَبْرَأَهُ عَمَّا وَرَاءَهُ. وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّمَا أَقْدَمَ عَلَى الْقَطْعِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ حَقَّهُ فِيهِ وَبَعْدَ السِّرَايَةِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ فِي الْقَوَدِ فَلَمْ يَكُنْ مُبْرِئًا عَنْهُ بِدُونِ الْعِلْمِ بِهِ. قَالَ: (وَمَنْ قَتَلَ وَلِيَّهُ عَمْدًا فَقَطَعَ يَدَ قَاتِلِهِ ثُمَّ عَفَا وَقَدْ قُضِيَ لَهُ بِالْقِصَاصِ أَوْ لَمْ يُقْضَ فَعَلَى قَاطِعِ الْيَدِ دِيَةُ الْيَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ فَلَا يَضْمَنُهُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ إتْلَافَ النَّفْسِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا، وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَعْفُ لَا يَضْمَنُهُ، وَكَذَا إذَا سَرَى وَمَا بَرَأَ أَوْ مَا عَفَا وَمَا سَرَى، أَوْ قَطَعَ ثُمَّ حَزَّ رَقَبَتَهُ قَبْلَ الْبُرْءِ أَوْ بَعْدَهُ وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ قِصَاصٌ فِي الطَّرَفِ فَقَطَعَ أَصَابِعَهُ ثُمَّ عَفَا لَا يَضْمَنُ الْأَصَابِعَ. وَلَهُ أَنَّهُ اسْتَوْفَى غَيْرَ حَقِّهِ، لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْقَتْلِ. وَهَذَا قَطْعٌ وَإِبَانَةٌ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُتْلِفَهُ تَبَعًا، وَإِذَا سَقَطَ وَجَبَ الْمَالُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُتَّفِقِ وَإِلَّا فَالْفُصُولُ ثَلَاثَةٌ. (قَالَ وَمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ فَاقْتُصَّ لَهُ مِنْ الْيَدِ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا مَاتَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ مِنْ الْقَطْعِ، وَحُكْمُهُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُقْتَصِّ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ وَقَوْلُهُ (وَمَنْ قَتَلَ وَلِيُّهُ عَمْدًا) صُورَتُهُ ظَاهِرَةٌ وَكَذَلِكَ دَلِيلُهُمَا، وَأَمَّا دَلِيلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَحْتَاجُ إلَى كَلَامٍ، فَقَوْلُهُ إنَّهُ اسْتَوْفَى غَيْرَ حَقِّهِ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْقَتْلِ، وَهَذَا قَطْعٌ وَإِبَانَةٌ فِي الْأَصْلِ ظَاهِرٌ لَا يَقْبَلُ التَّشْكِيكَ، وَقَدْ شَكَّكَ بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ بِالْقَتْلِ فَقَطَعَ الْوَلِيُّ يَدَهُ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا الْيَدَ، وَإِنَّمَا يَضْمَنَانِ مَا أَتْلَفَاهُ بِشَهَادَتِهِمَا وَمَا شَهِدَا إلَّا بِالْقَتْلِ، وَلَوْ كَانَ الْقَطْعُ غَيْرَ الْقَتْلِ لَمَا ضَمِنَا، وَكَوْنُ الْقَطْعِ غَيْرَ الْقَتْلِ لَا يَرْتَابُ فِيهِ أَحَدٌ، وَلَيْسَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا هِيَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّهُمَا أَوْجَبَا لَهُ قَتْلَ

وَإِنَّمَا لَا يَجِبُ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَصِيرَ قَتْلًا بِالسِّرَايَةِ فَيَكُونُ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ، وَمِلْكُ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ ضَرُورِيٌّ لَا يَظْهَرُ إلَّا عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ أَوْ الْعَفْوِ أَوْ الِاعْتِيَاضِ لِمَا أَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِيهِ، فَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَظْهَرْ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا سَرَى لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْفُ وَمَا سَرَى، قُلْنَا: إنَّمَا يَتَبَيَّنُ كَوْنُهُ قَطْعًا بِغَيْرِ حَقٍّ بِالْبُرْءِ حَتَّى لَوْ قَطَعَ وَمَا عَفَا وَبَرَأَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَإِذَا قَطَعَ ثُمَّ حَزَّ رَقَبَتَهُ قَبْلَ الْبُرْءِ فَهُوَ اسْتِيفَاءٌ وَلَوْ حَزَّ بَعْدَ الْبُرْءِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَالْأَصَابِعُ وَإِنْ كَانَتْ تَابِعَةً قِيَامًا بِالْكَفِّ فَالْكَفُّ تَابِعَةٌ لَهَا غَرَضًا، بِخِلَافِ الطَّرَفِ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلنَّفْسِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. قَالَ: (وَمَنْ لَهُ الْقِصَاصُ فِي الطَّرَفِ إذَا اسْتَوْفَاهُ ثُمَّ سَرَى إلَى النَّفْسِ وَمَاتَ يَضْمَنُ دِيَةَ النَّفْسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: لَا يَضْمَنُ) لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَهُوَ الْقَطْعُ، وَلَا يُمْكِنُ التَّقْيِيدُ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ سَدِّ بَابِ الْقِصَاصِ، إذْ الِاحْتِرَازُ عَنْ السِّرَايَةِ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ فَصَارَ كَالْإِمَامِ وَالْبَزَّاغِ وَالْحَجَّامِ وَالْمَأْمُورِ بِقَطْعِ الْيَدِ. وَلَهُ أَنَّهُ قَتْلٌ بِغَيْرِ حَقٍّ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْقَطْعِ وَهَذَا وَقَعَ قَتْلًا وَلِهَذَا لَوْ وَقَعَ ظُلْمًا كَانَ قَتْلًا. وَلِأَنَّهُ جُرْحٌ أَفْضَى إلَى فَوَاتِ الْحَيَاةِ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ وَهُوَ مُسَمَّى الْقَتْلِ، إلَّا أَنَّ الْقِصَاصَ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ فَوَجَبَ الْمَالُ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَا بِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ إلَّا أَنَّهُ مُكَلَّفٌ فِيهَا بِالْفِعْلِ، إمَّا تَقَلُّدًا كَالْإِمَامِ أَوْ عَقْدًا كَمَا فِي غَيْرِهِ مِنْهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّفْسِ، وَذَلِكَ يُبَرِّئُ الْقَاطِعَ عَنْ الضَّمَانِ فَيَضْمَنَانِ لِإِيجَابِ الْبَرَاءَةِ لَهُ بَعْدَ عِلَّةِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَبْرَأَ غَرِيمَهُ عَنْ الدَّيْنِ ثُمَّ رَجَعُوا. وَقَوْلُهُ (وَإِنَّمَا لَا يَجِبُ الْمَالُ فِي الْحَالِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَمَّا اسْتَوْفَى غَيْرَ حَقِّهِ وَجَبَ أَنْ يَضْمَنَ فِي الْحَالِ. وَقَوْلُهُ (وَمِلْكُ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ ضَرُورِيٌّ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا إنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ: يَعْنِي لَمَّا كَانَ مِلْكُ الْقِصَاصِ ضَرُورِيًّا لِثُبُوتِهِ مَعَ الْمُنَافِي وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ كَمَا مَرَّ بِحَيْثُ لَا يَظْهَرُ إلَّا فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ: اسْتِيفَاءُ النَّفْسِ بِالْقِصَاصِ، وَالْعَفْوُ، وَالِاعْتِيَاضُ لَا يَصِحُّ التَّصَرُّفُ فِي الْقَائِلِ بِغَيْرِهَا، وَالْقَطْعُ مَقْصُودًا غَيْرَهَا فَيَكُونُ تَصَرُّفًا فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ. وَقَوْلُهُ (فَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ) يَعْنِي قَبْلَ التَّصَرُّفِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ يُرِيدُ بِهِ الْقَطْعَ (فَلَمْ يَظْهَرْ) يَعْنِي مِلْكَ الْقِصَاصِ (لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ) وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ مَا إذَا سَرَى) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا وَكَذَا إذَا سَرَى. وَقَوْلُهُ (وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْفُ وَمَا سَرَى) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا أَوْ مَا عُفِيَ وَمَا سَرَى. وَقَوْلُهُ (الصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ) يَعْنِي فَلَا يَكُونُ مُسْتَشْهَدًا بِهِ، وَكَذَا قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ. وَقَوْلُهُ (وَالْأَصَابِعُ وَإِنْ كَانَتْ تَابِعَةً) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ قِصَاصٌ فِي الطَّرَفِ فَقَطَعَ أَصَابِعَهُ ثُمَّ عَفَا وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ فَإِنَّهُمْ تَبَرَّعُوا بِالْفَرْقِ. وَأَمَّا صَاحِبُ الْأَسْرَارِ فَمَنَعَهُ وَقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُ الْأَصَابِعِ بَلْ يَلْزَمُهُ إذَا عَفَا عَنْ الْكَفِّ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ لَهُ الْقِصَاصُ فِي الطَّرَفِ إذَا اسْتَوْفَاهُ) وَاضِحٌ، وَقَدْ أَشَرْنَا إلَيْهِ مِنْ قَبْلُ. وَقَوْلُهُ (فَصَارَ كَالْإِمَامِ) أَيْ الْقَاضِي إذَا قَطَعَ يَدَ السَّارِقِ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (وَالْمَأْمُورُ بِقَطْعِ الْيَدِ) كَمَا إذَا قَالَ اقْطَعْ يَدِي فَفَعَلَ فَمَاتَ لَا شَيْءَ عَلَى الْقَاطِعِ. وَقَوْلُهُ (فِي مَجْرَى الْعَادَةِ) يَعْنِي أَنَّ الْمَوْتَ مِنْ الْجُرْحِ لَيْسَ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ فِيهَا) (أَيْ فِي الْمَسَائِلِ) بِالْفِعْلِ إمَّا تَقَلُّدًا كَالْإِمَامِ فَإِنَّهُ إذَا تَقَلَّدَ الْقَضَاءَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْكُمَ (أَوْ عَقْدًا) كَمَا مَرَّ فِي غَيْرِ الْإِمَامِ مِنْ

[باب الشهادة في القتل]

وَالْوَاجِبَاتُ لَا تَتَقَيَّدُ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ كَالرَّمْيِ إلَى الْحَرْبِيِّ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَا الْتِزَامَ وَلَا وُجُوبَ، إذْ هُوَ مَنْدُوبٌ إلَى الْعَفْوِ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْإِطْلَاقِ فَأَشْبَهَ الِاصْطِيَادَ. (بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ) قَالَ: (وَمَنْ قُتِلَ وَلَهُ ابْنَانِ حَاضِرٌ وَغَائِبٌ فَأَقَامَ الْحَاضِرُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْقَتْلِ ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الْبَيِّنَةَ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَسَائِلِ: يَعْنِي الْبَزَّاغَ وَالْحَجَّامَ فَإِنَّ الْفِعْلَ يَجِبُ عَلَيْهِمَا بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ (وَالْوَاجِبَاتُ لَا تَتَقَيَّدُ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ كَالرَّمْيِ إلَى الْحَرْبِيِّ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ) مِنْ الِاسْتِيفَاءِ (لَا وُجُوبَ وَلَا الْتِزَامَ) إذْ الْعَفْوُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237] فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْإِطْلَاقِ: أَيْ الْإِبَاحَةِ فَأَشْبَهَ الِاصْطِيَادَ، وَلَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ إنْسَانًا ضَمِنَ كَذَا هَذَا، وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ، وَمُعَلِّمٍ ضَرَبَ الصَّبِيَّ بِإِذْنِ الْأَبِ فَمَاتَ، وَقَاطِعِ يَدِ حَرْبِيٍّ أَوْ مُرْتَدٍّ أَسْلَمَ بَعْدَ الْقَطْعِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَالْمُسْتَعِيرِ لِلرُّكُوبِ إذَا نَفَقَتْ الدَّابَّةُ مِنْهُ، وَعَلَى الْمُعَلِّمِ وَالْقَاطِعِ ضَمَانٌ، وَهَاهُنَا يَجِبُ إذَا سَرَى. وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُولَى حَصَلَ سَبَبُ الْهَلَاكِ بِالْإِذْنِ فَيَنْتَقِلُ الْفِعْلُ إلَى الْإِذْنِ، وَلَوْ أَهْلَكَ الْمَالِكُ دَابَّتَهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَكَذَا إذَا أَذِنَ بِسَبَبِ الْهَلَاكِ، وَالْأَبُ إذَا قَتَلَ ابْنَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الدِّيَةُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا، بِخِلَافِ الْمُقْتَصِّ لَهُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِالْمِلْكِ دُونَ الْإِذْنِ، وَلَمَّا قَطَعَ وَسَرَى كَانَ الْقَطْعُ قَتْلًا وَلَيْسَ لَهُ مِلْكُ الْقَتْلِ فَكَانَ تَصَرُّفًا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ وَهُوَ يُوجِبُ الضَّمَانَ. وَأَمَّا الرَّابِعُ فَلِأَنَّ الْقَطْعَ مَعَ السِّرَايَةِ يَصِيرُ قَتْلًا مِنْ الِابْتِدَاءِ، وَلَوْ قَتَلَ ابْتِدَاءً وَقَعَ الْقَتْلُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فِي مُبَاحِ الدَّمِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ، فَكَذَا إذَا صَارَ قَتْلًا مِنْ الِابْتِدَاءِ لِأَنَّهُ مُسْتَنِدٌ إلَى ابْتِدَاءِ الْقَطْعِ. [بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ] (بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ) الْقَتْلُ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ رُبَّمَا يُجْحَدُ فَيَحْتَاجُ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ إلَى إثْبَاتِهِ بِالْبَيِّنَةِ فَبَيَّنَ الشَّهَادَةَ فِيهِ فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ (وَمَنْ قُتِلَ وَلَهُ ابْنَانِ حَاضِرٌ وَغَائِبٌ فَأَقَامَ الْحَاضِرُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْقَتْلِ ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الْبَيِّنَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَقَالَا: لَا يُعِيدُ (وَإِنْ كَانَ خَطَأً لَمْ يُعِدْهَا بِالْإِجْمَاعِ) وَكَذَلِكَ الدَّيْنُ يَكُونُ لِأَبِيهِمَا عَلَى آخَرَ. لَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ الْقِصَاصَ طَرِيقُهُ طَرِيقُ الْوِرَاثَةِ كَالدَّيْنِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ نَفْسِهِ فَيَكُونُ الْمِلْكُ فِيهِ لِمَنْ لَهُ الْمِلْكُ فِي الْمُعَوَّضِ كَمَا فِي الدِّيَةِ، وَلِهَذَا لَوْ انْقَلَبَ مَالًا يَكُونُ لِلْمَيِّتِ، وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِعَفْوِهِ بَعْدَ الْجُرْحِ قَبْلَ الْمَوْتِ فَيَنْتَصِبُ أَحَدُ الْوَرَثَةِ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ. وَلَهُ أَنَّ الْقِصَاصَ طَرِيقُهُ الْخِلَافَةُ دُونَ الْوِرَاثَةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مِلْكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَا: لَا يُعِيدُ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً. لَا يُعِيدُ بِالْإِجْمَاعِ) وَكَذَلِكَ الدَّيْنُ يَكُونُ لِأَبِيهِمَا عَلَى آخَرَ، وَالْأَصْلُ أَنَّ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ حَقُّ الْوَرَثَةِ عِنْدَهُ وَحَقُّ الْمُورِثِ عِنْدَهُمَا، وَلَيْسَ لِأَبِي حَنِيفَةَ تَمَسُّكٌ بِصِحَّةِ الْعَفْوِ مِنْ الْوَارِثِ حَالَ حَيَاةِ الْمُوَرِّثِ اسْتِحْسَانًا، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا ذَلِكَ بِصِحَّةِ الْعَفْوِ مِنْ الْمُوَرِّثِ الْمَجْرُوحِ اسْتِحْسَانًا لِلتَّدَافُعِ. وَالْقِيَاسُ عَدَمُ الْجَوَازِ، أَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمُوَرِّثِ فَلِأَنَّ الْقَتْلَ لَمْ يُوجَدْ بَعْدُ، وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْوَارِثِ فَلِوُقُوعِهِ قَبْلَ ثُبُوتِ حَقِّهِ. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَحَقَّقَ فَصَحَّ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا لِذَلِكَ، وَإِذَا ظَهَرَ ذَلِكَ ظَهَرَ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْقِصَاصَ طَرِيقُهُ طَرِيقُ الْوِرَاثَةِ كَالدَّيْنِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الدَّيْنِ، وَحُكْمُهُ أَنْ يَنْتَصِبَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ، وَاسْتَدَلَّ لَهُمَا عَلَى أَنَّ طَرِيقَهُ طَرِيقُ الْوِرَاثَةِ بِقَوْلِهِ وَهَذَا لِأَنَّهُ عِوَضُ نَفْسٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى

الْقِصَاصِ يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْمَيِّتُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، بِخِلَافِ الدَّيْنِ وَالدِّيَةِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ فِي الْأَمْوَالِ، كَمَا إذَا نَصَبَ شَبَكَةً فَتَعَلَّقَ بِهَا صَيْدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ، وَإِذَا كَانَ طَرِيقُهُ الْإِثْبَاتَ ابْتِدَاءً لَا يَنْتَصِبُ أَحَدُهُمْ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ فَيُعِيدُ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ حُضُورِهِ (فَإِنْ كَانَ أَقَامَ الْقَاتِلُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْغَائِبَ قَدْ عَفَا فَالشَّاهِدُ خَصْمٌ وَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ) لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَى الْحَاضِرِ سُقُوطَ حَقِّهِ فِي الْقِصَاصِ إلَى مَالٍ، وَلَا يُمْكِنُهُ إثْبَاتُهُ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْعَفْوِ مِنْ الْغَائِبِ فَيَنْتَصِبُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ (وَكَذَلِكَ عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ قُتِلَ عَمْدًا وَأَحَدُ الرَّجُلَيْنِ غَائِبٌ فَهُوَ عَلَى هَذَا) لِمَا بَيَّنَّاهُ. قَالَ: (فَإِنْ كَانَ الْأَوْلِيَاءُ ثَلَاثَةً فَشَهِدَ أَثْنَانِ مِنْهُمْ عَلَى الْآخَرِ أَنَّهُ قَدْ عَفَا فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ وَهُوَ عَفْوٌ مِنْهُمَا) لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ بِشَهَادَتِهِمَا إلَى أَنْفُسِهِمَا مَغْنَمًا وَهُوَ انْقِلَابُ الْقَوَدِ مَالًا (فَإِنْ صَدَّقَهُمَا الْقَاتِلُ فَالدِّيَةُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا) مَعْنَاهُ: إذَا صَدَّقَهُمَا وَحْدَهُ، لِأَنَّهُ لَمَّا صَدَّقَهُمَا فَقَدْ أَقَرَّ بِثُلْثَيْ الدِّيَةِ لَهُمَا فَصَحَّ إقْرَارُهُ، إلَّا أَنَّهُ يَدَّعِي سُقُوطَ حَقِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ يُنْكِرُ فَلَا يُصَدَّقُ وَيَغْرَمُ نَصِيبَهُ (وَإِنْ كَذَّبَهُمَا فَلَا شَيْءَ لَهُمَا وَلِلْآخَرِ ثُلُثُ الدِّيَةِ) وَمَعْنَاهُ: إذَا كَذَّبَهُمَا الْقَاتِلُ أَيْضًا، وَهَذَا لِأَنَّهُمَا أَقَرَّا عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِسُقُوطِ الْقِصَاصِ فَقِبَلَ وَادَّعَيَا انْقِلَابَ نَصِيبِهِمَا مَالًا فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَيَنْقَلِبُ نَصِيبُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مَالًا لِأَنَّ دَعْوَاهُمَا الْعَفْوَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُنْكِرُ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ الْعَفْوِ مِنْهُمَا فِي حَقِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQ {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] فَيَكُونُ الْمِلْكُ فِيهِ لِمَنْ لَهُ الْمِلْكُ فِي الْمُعَوَّضِ كَمَا فِي الدِّيَةِ، وَلِهَذَا لَوْ انْقَلَبَ مَا لَا يَكُونُ لِلْمَيِّتِ تُقْضَى بِهِ دُيُونُهُ وَتُنَفَّذُ مِنْهُ وَصَايَاهُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ طَرِيقَهُ طَرِيقُ الْخِلَافَةِ، وَهُوَ أَنْ يَثْبُتَ لِمَنْ يَحْلِفُ ابْتِدَاءً، كَالْعَبْدِ إذَا اتَّهَبَ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمَوْلَى ابْتِدَاءً بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْمِلْكِ، كَمَا أَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقِصَاصِ لِكَوْنِهِ مَلَكَ الْفِعْلَ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْفِعْلُ مِنْ الْمَيِّتِ وَالْوِرَاثَةُ هُوَ أَنْ يَثْبُتَ الْمِلْكُ لِلْمُورِثِ ابْتِدَاءً ثُمَّ لِلْوَارِثِ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الدَّيْنِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا كَالدَّيْنِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَيِّتَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ فِي الْأَمْوَالِ كَمَا إذَا نَصَبَ شَبَكَةً فَتَعَلَّقَ بِهَا صَيْدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ، وَإِذَا كَانَ طَرِيقُهُ الْإِثْبَاتَ ابْتِدَاءً لَا يَنْتَصِبُ أَحَدُهُمْ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ فَيُعِيدُ الْغَائِبُ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ حُضُورِهِ، وَهَذَا أَنْسَبُ لِلْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، فَإِنَّ الْمَحَلَّ مِمَّا لِلشُّبْهَةِ فِيهِ مَجَالٌ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ أَقَامَ الْقَاتِلُ الْبَيِّنَةَ) وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ، وَتَعْلِيلُ قَوْلِهِ وَهُوَ عَفْوٌ مِنْهُمَا لَمْ يَذْكُرْهُ، وَهُوَ مَا قَالَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ لِأَنَّهُمَا زَعَمَا أَنَّ الْقَوَدَ قَدْ سَقَطَ وَزَعْمُهُمَا مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّهِمَا. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ صَدَّقَهُمَا الْقَاتِلُ فَالدِّيَةُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا) يَتَأَتَّى فِيهِ الْأَقْسَامُ الْعَقْلِيَّةُ، لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُصَدِّقَهُمَا الْقَاتِلُ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ جَمِيعًا أَوْ يُكَذِّبَاهُمَا أَوْ يُصَدِّقَهُمَا الْقَاتِلُ دُونَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَوْ بِالْعَكْسِ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ أَوَّلًا هُوَ أَنْ يُصَدِّقَهُمَا الْقَاتِلُ وَحْدَهُ وَفِيهِ الدِّيَةُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا لِمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ التَّعْلِيلِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَحْدَهُ إلَى أَنَّهُمَا لَوْ صَدَّقَاهُمَا ضَمِنَ الْقَاتِلُ لِلشَّاهِدَيْنِ ثُلُثَيْ الدِّيَةِ لَا غَيْرُ لِأَنَّهُمَا ادَّعَيَا عَلَى الْقَاتِلِ الْمَالَ وَصَدَّقَهُمَا الْقَاتِلُ فِيهِ، وَلَا شَيْءَ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بِتَصْدِيقِهِ الشَّاهِدَيْنِ فِيمَا شَهِدَا أَقَرَّا بِالْعَفْوِ فَصَارَ كَمَا لَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ عِيَانًا. وَقَوْلُهُ (إنْ كَذَّبَهُمَا) أَيْ كَذَّبَهُمَا الْقَاتِلُ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَيْضًا (فَلَا شَيْءَ لِلشَّاهِدَيْنِ وَلِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ) لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ.

الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ سُقُوطَ الْقَوَدِ مُضَافٌ إلَيْهِمَا، وَإِنْ صَدَّقَهُمَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ غَرِمَ الْقَاتِلُ ثُلُثَ الدِّيَةِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لِإِقْرَارِهِ لَهُ بِذَلِكَ. قَالَ: (وَإِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهُ ضَرَبَهُ فَلَمْ يَزَلْ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ إذَا كَانَ عَمْدًا) لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالشَّهَادَةِ كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً، وَفِي ذَلِكَ الْقِصَاصُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى قَتْلِ الْعَمْدِ تَتَحَقَّقُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، لِأَنَّ الْمَوْتَ بِسَبَبِ الضَّرْبِ إنَّمَا يُعْرَفُ إذَا صَارَ بِالضَّرْبِ صَاحِبُ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ، وَتَأْوِيلُهُ إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ ضَرَبَهُ بِشَيْءٍ جَارِحٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ وَإِنْ صَدَّقَهُمَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ) يَعْنِي وَكَذَّبَهُمَا الْقَاتِلُ (غَرِمَ الْقَاتِلُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ثُلُثَ الدِّيَةِ لِإِقْرَارِهِ لَهُ بِذَلِكَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَكِنَّهُ يَصْرِفُ ذَلِكَ إلَى الشَّاهِدَيْنِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ شَيْءٌ لِأَنَّ مَا ادَّعَاهُ الشَّاهِدَانِ عَلَى الْقَاتِلِ لَمْ يَثْبُتْ لِإِنْكَارِهِ. وَمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاتِلُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ قَدْ بَطَلَ بِتَكْذِيبِهِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْقَاتِلَ بِتَكْذِيبِهِ الشَّاهِدَيْنِ أَقَرَّ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِثُلُثِ الدِّيَةِ لِزَعْمِهِ أَنَّ الْقِصَاصَ سَقَطَ بِدَعْوَاهُمَا الْعَفْوَ عَنْ الثَّالِثِ وَانْقَلَبَ نَصِيبُهُ مَالًا وَالثَّالِثُ لَمَّا صَدَّقَ الشَّاهِدَيْنِ فِي الْعَفْوِ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ نَصِيبَهُمَا انْقَلَبَ مَالًا فَصَارَ مُقِرًّا لَهُمَا بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاتِلُ فَيَجُوزُ قَرَارُهُ بِذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْمَقَرُّ لَهُ هَذِهِ الْأَلْفُ لَيْسَتْ لِي وَلَكِنَّهَا لِفُلَانٍ جَازَ وَصَارَ الْأَلْفُ لِفُلَانٍ، كَذَا هَذَا. قَالَ (وَإِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهُ ضَرَبَهُ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ ظَاهِرَةٌ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَ عَمْدًا) أَقُولُ: الْمُصَنِّفُ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْخَطَأِ. ثُمَّ قَالَ (وَتَأْوِيلُهُ إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ ضَرَبَهُ بِشَيْءٍ جَارِحٍ) لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَجِبُ الْقَوَدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا تَقَدَّمَ. قِيلَ الشُّهُودُ شَهِدُوا عَلَى الضَّرْبِ بِشَيْءٍ جَارِحٍ، وَلَكِنْ قَدْ يَكُونُ خَطَأً فَكَيْفَ يَثْبُتُ الْقَوَدُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمْ لَمَّا شَهِدُوا أَنَّهُ ضَرَبَهُ بِسِلَاحٍ فَقَدْ شَهِدُوا أَنَّهُ قَصَدَ ضَرْبَهُ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُخْطِئًا لَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ ضَرَبَهُ، وَإِنَّمَا يَشْهَدُونَ أَنَّهُ قَصَدَ ضَرْبَ غَيْرِهِ فَأَصَابَهُ. وَأَقُولُ: هَذَا لَيْسَ بِوَارِدٍ عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ، لِأَنَّهُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ إذَا

قَالَ: (وَإِذَا اخْتَلَفَ شَاهِدَا الْقَتْلِ فِي الْأَيَّامِ أَوْ فِي الْبَلَدِ أَوْ فِي الَّذِي كَانَ بِهِ الْقَتْلُ فَهُوَ بَاطِلٌ) لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يُعَادُ وَلَا يُكَرَّرُ، وَالْقَتْلُ فِي زَمَانٍ أَوْ فِي مَكَان غَيْرُ الْقَتْلِ فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان آخَرَ، وَالْقَتْلُ بِالْعَصَا غَيْرُ الْقَتْلِ بِالسِّلَاحِ لِأَنَّ الثَّانِيَ عَمْدٌ وَالْأَوَّلَ شِبْهُ الْعَمْدِ، وَيَخْتَلِفُ أَحْكَامُهُمَا فَكَانَ عَلَى كُلِّ قَتْلٍ شَهَادَةٌ فَرُدَّ (وَكَذَا إذَا قَالَ أَحَدُهُمَا: قَتَلَهُ بِعَصًا وَقَالَ الْآخَرُ لَا أَدْرِي بِأَيِّ شَيْءٍ قَتَلَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ) لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُغَايِرُ الْمُقَيَّدَ. قَالَ: (وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ قَتَلَهُ وَقَالَا: لَا نَدْرِي بِأَيِّ شَيْءٍ قَتَلَهُ فَفِيهِ الدِّيَةُ اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ هَذِهِ الشَّهَادَةُ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ فَجُهِلَ الْمَشْهُودُ بِهِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِقَتْلٍ مُطْلَقٍ وَالْمُطْلَقُ لَيْسَ بِمُجْمَلٍ فَيَجِبُ أَقَلُّ مُوجِبَيْهِ وَهُوَ الدِّيَةُ وَلِأَنَّهُ يُحْمَلُ إجْمَالُهُمْ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى إجْمَالِهِمْ بِالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ سِتْرًا عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ عَمْدًا، نَعَمْ يَرِدُ عَلَى عِبَارَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلِهَذَا احْتَرَزَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ. (وَقَوْلُهُ وَإِذَا اخْتَلَفَ شَاهِدَا الْقَتْلِ) ظَاهِرٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الشَّهَادَاتِ أَنَّ اخْتِلَافَ الشَّاهِدَيْنِ فِي الْأَمْوَالِ يَمْنَعُ مِنْ الْحُكْمِ بِهَا فَفِي النُّفُوسِ أَوْلَى. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُغَايِرُ الْمُقَيَّدَ) فَإِنَّ الْمُطْلَقَ يُوجِبُ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ وَالْمُقَيَّدَ بِالْعَصَا عَلَى الْعَاقِلَةِ وَقَوْلُهُ (فَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ قَتَلَهُ) وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ يُحْمَلُ إجْمَالُهُمْ فِي الشَّهَادَةِ) فِيهِ صَنْعَةُ التَّجْنِيسِ التَّامِّ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} [الروم: 55] الْأَوَّلُ بِمَعْنَى الْإِبْهَامِ وَالثَّانِي بِمَعْنَى الصَّنِيعِ وَهُوَ الْإِحْسَانُ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ جَوَابٌ عَمَّا يَرِدُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: الشُّهُودُ فِي قَوْلِهِمْ لَا نَدْرِي بِأَيِّ شَيْءٍ قَتَلَهُ إمَّا صَادِقُونَ أَوْ كَاذِبُونَ لِعَدَمِ الْوَاسِطَةِ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ يَجِبُ أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُمْ، لِأَنَّهُمْ إنْ صَدَقُوا امْتَنَعَ الْقَضَاءُ بِهَا لِاخْتِلَافِ مُوجَبِ السَّيْفِ وَالْعَصَا، وَإِنْ كَذَبُوا فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ صَارُوا فَسَقَةً. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ جُعِلُوا عَالِمِينَ بِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِالسَّيْفِ، لَكِنَّهُمْ بِقَوْلِهِمْ لَا نَدْرِي اخْتَارُوا حِسْبَةَ السَّتْرِ عَلَى الْقَاتِلِ وَأَحْسَنُوا إلَيْهِ بِالْإِحْيَاءِ وَجُعِلَ كَذِبُهُمْ هَذَا مَعْفُوًّا

وَأَوَّلُوا كَذِبَهُمْ فِي نَفْيِ الْعِلْمِ بِظَاهِرِ مَا وَرَدَ بِإِطْلَاقِهِ فِي إصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَهَذَا فِي مَعْنَاهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَ اللَّهِ لِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «لَيْسَ كَذَّابٌ مَنْ يُصْلِحُ بَيْنَ اثْنَيْنِ» فَبِتَأْوِيلِهِمْ كَذِبُهُمْ بِهَذَا لَمْ يَكُونُوا فَسَقَةً فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ (وَأَوَّلُوا كَذِبَهُمْ بِظَاهِرِ مَا وَرَدَ بِإِطْلَاقِهِ) أَيْ بِتَجْوِيزِ الْكَذِبِ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا فِي مَعْنَاهُ) أَيْ سَتْرُ الشَّاهِدِ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فِي مَعْنَى إصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ بِجَامِعِ أَنَّ الْعَفْوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ هَاهُنَا، كَمَا أَنَّ الْإِصْلَاحَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ هُنَالِكَ، فَكَانَ وُرُودُ الْحَدِيثِ

فَلَا يَثْبُتُ الِاخْتِلَافُ بِالشَّكِّ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْفِعْلِ الْعَمْدُ فَلَا يَلْزَمُ الْعَاقِلَةُ. قَالَ: (وَإِذَا أَقَرَّ رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا فَقَالَ الْوَلِيُّ: قَتَلْتُمَاهُ جَمِيعًا فَلَهُ أَنْ يَقْتُلَهُمَا، وَإِنْ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا وَشَهِدَ آخَرُونَ عَلَى آخَرَ بِقَتْلِهِ وَقَالَ الْوَلِيُّ: قَتَلْتُمَاهُ جَمِيعًا بَطَلَ ذَلِكَ كُلُّهُ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِقْرَارَ وَالشَّهَادَةَ يَتَنَاوَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وُجُودَ كُلِّ الْقَتْلِ وَوُجُوبَ الْقِصَاصِ، وَقَدْ حَصَلَ التَّكْذِيبُ فِي الْأُولَى مِنْ الْمُقِرِّ لَهُ وَفِي الثَّانِيَةِ مِنْ الْمَشْهُودِ لَهُ، غَيْرَ أَنَّ تَكْذِيبَ الْمُقِرِّ لَهُ الْمُقِرُّ فِي بَعْضِ مَا أَقَرَّ بِهِ لَا يُبْطِلُ إقْرَارَهُ فِي الْبَاقِي، وَتَكْذِيبُ الْمَشْهُودِ لَهُ الشَّاهِدَ فِي بَعْضِ مَا شَهِدَ بِهِ يُبْطِلُ شَهَادَتَهُ أَصْلًا، لِأَنَّ التَّكْذِيبَ تَفْسِيقٌ وَفِسْقُ الشَّاهِدِ يَمْنَعُ الْقَبُولَ، أَمَّا فِسْقُ الْمُقِرِّ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQهُنَالِكَ وُرُودًا هَاهُنَا، وَقَوْلُهُ (فَلَا يَثْبُتُ الِاخْتِلَافُ بِالشَّكِّ) يَعْنِي إذَا اُحْتُمِلَ أَنْ يَكُونُوا عَالِمِينَ وَأَجْمَلُوا وَاحْتُمِلَ أَنْ لَا يَكُونُوا كَذَلِكَ وَقَعَ الشَّكُّ، وَالِاخْتِلَافُ لَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ (وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْفِعْلِ الْعَمْدُ فَلَا يَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ) . وَقَوْلُهُ (وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلَانِ إلَخْ) مَسْأَلَتَانِ مَبْنَاهُمَا عَلَى أَنَّ تَكْذِيبَ الْمَقَرِّ لَهُ الْمُقِرَّ فِي بَعْضِ مَا أَقَرَّ بِهِ لَا يُبْطِلُ إقْرَارَهُ فِي الْبَاقِي، فَإِنَّ مَنْ أَقَرَّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَصَدَّقَهُ الْمَقَرُّ لَهُ فِي النِّصْفِ وَكَذَّبَهُ فِي النِّصْفِ يَصِحُّ الْإِقْرَارُ فِيمَا صَدَّقَهُ، وَتَكْذِيبُ الْمَشْهُودِ لَهُ الشَّاهِدَ فِي بَعْضِ مَا يَشْهَدُ بِهِ يُبْطِلُ شَهَادَتَهُ أَصْلًا لِكَوْنِهِ تَفْسِيقًا لَهُ، وَفِسْقُ الشَّاهِدِ يَمْنَعُ الْقَبُولَ، بِخِلَافِ فِسْقِ الْمُقِرِّ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي بَعْضِ مَا أَقَرَّ بِهِ لِأَنَّهُ إذَا أَكْذَبَهُ فِي كُلِّ مَا أَقَرَّ بِهِ بَطَلَ الْإِقْرَارُ لِأَنَّهُ رَدٌّ لِإِقْرَارِهِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ الْمَقَرُّ لَهُ بَدَلَ قَوْلِهِ قَتَلْتُمَاهُ صَدَقْتُمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ وَاحِدًا مِنْهُمَا

[باب في اعتبار حالة القتل]

قَالَ: (وَمَنْ رَمَى مُسْلِمًا فَارْتَدَّ الْمَرْمِيُّ إلَيْهِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ وَقَعَ بِهِ السَّهْمُ فَعَلَى الرَّامِي الدِّيَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ بِالِارْتِدَادِ أَسْقَطَ تَقَوُّمَ نَفْسِهِ فَيَكُونُ مُبْرِئًا لِلرَّامِي عَنْ مُوجِبِهِ كَمَا إذَا أَبْرَأَهُ بَعْدَ الْجُرْحِ قَبْلَ الْمَوْتِ. وَلَهُ أَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ بِفِعْلِهِ وَهُوَ الرَّمْيُ إذْ لَا فِعْلَ مِنْهُ بَعْدُ فَتُعْتَبَرُ حَالَةُ الرَّمْيِ وَالْمَرْمِيِّ إلَيْهِ فِيهَا مُتَقَوِّمٌ. وَلِهَذَا تُعْتَبَرُ حَالَةُ الرَّمْي فِي حَقِّ الْحِلِّ حَتَّى لَا يَحْرُمَ بِرِدَّةِ الرَّامِي بَعْدَ الرَّمْي، وَكَذَا فِي حَقِّ التَّكْفِيرِ حَتَّى جَازَ بَعْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ صَدَقْتُمَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَدَقْت لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَمَعْنَاهُ أَنْتَ قَتَلْت وَحْدَك وَفِي ذَلِكَ تَكْذِيبُ الْآخَرِ فِي الْجَمِيعِ وَهُوَ تَكْذِيبٌ لَهُمَا. [بَابٌ فِي اعْتِبَارِ حَالَةِ الْقَتْلِ] (بَابٌ فِي اعْتِبَارِ حَالَةِ الْقَتْلِ) لَمَّا كَانَتْ الْأَحْوَالُ صِفَاتٍ لِذَوِيهَا ذَكَرَهَا بَعْدَ ذِكْرِ نَفْسِ الْقَتْلِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ (وَمَنْ رَمَى مُسْلِمًا فَارْتَدَّ الْمَرْمِيُّ إلَيْهِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ وَقَعَ بِهِ السَّهْمُ فَعَلَى الرَّامِي الدِّيَةُ لِوَرَثَةِ الْمُرْتَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بِالِارْتِدَادِ أَسْقَطَ تَقَوُّمَ نَفْسِهِ وَذَلِكَ إبْرَاءٌ لِلضَّامِنِ) لِأَنَّ مَنْ أَخْرَجَ الْمُتَقَوِّمَ عَنْ التَّقَوُّمِ سَقَطَ حَقُّهُ كَالْمَغْصُوبِ مِنْهُ إذَا أَعْتَقَ الْمَغْصُوبَ فَإِنَّهُ صَارَ مُبَرِّئًا لِلْغَاصِبِ عَنْ الضَّمَانِ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ وَصَارَ بِهِ مُبَرِّئًا (كَمَا إذَا أَبْرَأَهُ) أَيْ الرَّامِي عَنْ الْجِنَايَةِ أَوْ حَقِّهِ (بَعْدَ الْجَرْحِ) أَيْ انْعِقَادِ سَبَبِهِ وَهُوَ الرَّامِي قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهُ السَّهْمُ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ بِفِعْلِهِ وَهُوَ الرَّمْيُ إذْ لَا فِعْلَ مِنْهُ بَعْدَهُ) وَمَا هُوَ كَذَلِكَ فَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ وَقْتُ الْفِعْلِ كَالْغَصْبِ (فَيُعْتَبَرُ حَالَةَ الرَّمْيِ وَالْمَرْمِيُّ إلَيْهِ فِيهَا مُتَقَوِّمٌ) وَاسْتَوْضَحَ اعْتِبَارَ وَقْتِ الرَّمْيِ بِمَا إذَا رَمَى صَيْدًا ثُمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ أَصَابَ فَإِنَّ رِدَّتَهُ بَعْدَ الرَّمْيِ لَا تَحْرُمُ لِأَنَّ فِعْلَهُ ذَكَاةٌ شَرْعًا وَقَدْ تَمَّ مُوجِبًا لِلْحِلِّ بِشَرْطِهِ وَهُوَ التَّسْمِيَةُ، وَبِمَا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً فَكَفَّرَ بَعْدَ الرَّمْيِ قَبْلَ الْإِصَابَةِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ، وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَنْسَبُ مِمَّا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ حَتَّى جَازَ بَعْدَ الْجَرْحِ قَبْلَ الْمَوْتِ لِإِمْكَانِ اعْتِبَارِ

الْجُرْحِ قَبْلَ الْمَوْتِ. وَالْفِعْلُ وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَالْقَوَدُ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ. (وَلَوْ رَمَى إلَيْهِ وَهُوَ مُرْتَدٌّ فَأَسْلَمَ ثُمَّ وَقَعَ بِهِ السَّهْمُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، وَكَذَا إذَا رَمَى حَرْبِيًّا فَأَسْلَمَ) لِأَنَّ الرَّمْيَ مَا انْعَقَدَ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ لِعَدَمِ تَقَوُّمِ الْمَحِلِّ فَلَا يَنْقَلِبُ مُوجِبًا لِصَيْرُورَتِهِ مُتَقَوِّمًا بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ: (وَإِنْ رَمَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ ثُمَّ وَقَعَ السَّهْمُ بِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِلْمَوْلَى) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ فَضْلُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مَرْمِيًّا إلَى غَيْرِ مَرْمِيٍّ، وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مَعَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. لَهُ أَنَّ الْعِتْقَ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ، وَإِذَا انْقَطَعَتْ بَقِيَ مُجَرَّدُ الرَّمْيِ وَهُوَ جِنَايَةٌ يَنْتَقِصُ بِهَا قِيمَةُ الْمَرْمِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقْتِ الْإِصَابَةِ هُنَاكَ. فَإِنْ قِيلَ: إنْ كَانَ مَا ذَكَرْتُمْ صَحِيحًا بِجَمِيعِ مُقَدِّمَاتِهِ وَالْفِعْلُ عَمْدٌ فَالْوَاجِبُ الْقِصَاصُ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَالْفِعْلُ وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَالْقَوَدُ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ) يَعْنِي الشُّبْهَةَ النَّاشِئَةَ مِنْ اعْتِبَارِ حَالَةِ الْإِصَابَةِ (وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ) أَيْ فِي مَالِهِ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِالْعَكْسِ فَلَا شَيْءَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا. (وَكَذَا إذَا رَمَى حَرْبِيًّا فَأَسْلَمَ) ثُمَّ وَقَعَ بِهِ السَّهْمُ (لِأَنَّ الرَّمْيَ مَا انْعَقَدَ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ لِعَدَمِ تَقَوُّمِ الْمَحَلِّ فَلَا يَنْقَلِبُ مُوجِبًا لِصَيْرُورَتِهِ مُتَقَوِّمًا بَعْدَ ذَلِكَ) وَنُوقِضَ بِمَا إذَا رَمَى إلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ فَدَخَلَ الْحَرَمَ ثُمَّ أَصَابَهُ السَّهْمُ فَمَاتَ وَجَبَ الْجَزَاءُ عَلَى الرَّامِي. وَأُجِيبَ بِأَنَّ جَزَاءَ صَيْدِ الْحَرَمِ لَا يَخْتَصُّ بِالْفِعْلِ وَلِهَذَا يَجِبُ بِدَلَالَةِ الْمُحْرِمِ وَإِشَارَتِهِ وَهَذَا لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ. (وَإِنْ رَمَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ ثُمَّ وَقَعَ بِهِ السَّهْمُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِلْمَوْلَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ فَضْلُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مَرْمِيًّا إلَى غَيْرِ مَرْمِيٍّ) حَتَّى لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ قَبْلَ الرَّمْيِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَبَعْدَهُ ثَمَانَمِائَةِ دِرْهَمٍ لَزِمَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ، لِأَنَّ الْعِتْقَ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ لِاشْتِبَاهِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ، لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ حَالَ ابْتِدَاءِ الْجِنَايَةِ الْمَوْلَى وَحَالَ الْإِصَابَةِ الْعَبْدُ لِحُرِّيَّتِهِ، فَصَارَ الْعِتْقُ بِمَنْزِلَةِ الْبُرْءِ كَمَا إذَا قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ أَوْ جَرَحَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى ثُمَّ سَرَى فَإِنَّ الْعِتْقَ يَقْطَعُ السِّرَايَةَ حَتَّى لَا يَجِبَ بَعْدَ الْعِتْقِ شَيْءٌ مِنْ الدِّيَةِ وَالْقِيمَةِ وَإِنَّمَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ. وَإِذَا انْقَطَعَتْ السِّرَايَةُ بَقِيَ مُجَرَّدُ الرَّمْيِ وَهِيَ جِنَايَةٌ تَنْتَقِصُ بِهَا قِيمَةُ الْمَرْمِيِّ إلَيْهِ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا قَبْلَ الرَّمْيِ فَيَجِبُ ذَلِكَ: أَيْ فَضْلُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مَرْمِيًّا إلَى غَيْرِ مَرْمِيٍّ. وَلَهُمَا أَنَّهُ يَصِيرُ قَاتِلًا إلَى آخِرِ مَا فِي الْكِتَابِ وَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَا إذَا رَمَى مُسْلِمًا فَارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ قَبْلَ الْإِصَابَةِ حَيْثُ اُعْتُبِرَ هُنَاكَ حَالَةَ الْإِصَابَةِ وَهَاهُنَا حَالَةَ الرَّمْيِ، وَهُوَ أَنَّ الْمَرْمِيَّ إلَيْهِ خَرَجَ بِالِارْتِدَادِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا وَالضَّمَانُ يَعْتَمِدُ الْعِصْمَةَ فَلَا يَجِبُ

إلَيْهِ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا قَبْلَ الرَّمْيِ فَيَجِبُ ذَلِكَ. وَلَهُمَا أَنَّهُ يَصِيرُ قَاتِلًا مِنْ وَقْتِ الرَّمْيِ لِأَنَّ فِعْلَهُ الرَّمْيَ وَهُوَ مَمْلُوكٌ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ، بِخِلَافِ الْقَطْعِ وَالْجُرْحِ لِأَنَّهُ إتْلَافُ بَعْضِ الْمَحِلِّ، وَأَنَّهُ يُوجِبُ الضَّمَانَ لِلْمَوْلَى، وَبَعْدَ السِّرَايَةِ لَوْ وَجَبَ شَيْءٌ لَوَجَبَ لِلْعَبْدِ فَتَصِيرُ النِّهَايَةُ مُخَالِفَةً لِلْبِدَايَةِ. أَمَّا الرَّمْيُ قَبْلَ الْإِصَابَةِ لَيْسَ بِإِتْلَافِ شَيْءٍ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْمَحَلِّ. وَإِنَّمَا قَلَّتْ الرَّغَبَاتُ فِيهِ فَلَا يَجِبُ بِهِ ضَمَانٌ فَلَا تَتَخَالَفُ النِّهَايَةُ وَالْبِدَايَةُ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ لِلْمَوْلَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQالضَّمَانُ بِالْمُنَافِي. وَأَمَّا الْإِعْتَاقُ فَإِنَّهُ لَا يُنَافِي الْعِصْمَةَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهِ لِلْمَوْلَى، وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَعْتَبِرُ وَقْتَ الرَّمْيِ إلَّا فِي صُورَةِ الِارْتِدَادِ (وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْقَطْعِ وَالْجَرْحِ) جَوَابٌ عَمَّا ذَكَرْنَا لِمُحَمَّدٍ مِنْ صُورَةِ الْجَرْحِ وَالْقَطْعِ اسْتِشْهَادًا عَلَى قَطْعِ السِّرَايَةِ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْعِتْقَ فِيهِمَا يُوجِبُ قَطْعَ السِّرَايَةِ لِاخْتِلَافِ نِهَايَةِ الْجِنَايَةِ وَبِدَايَتِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ تَبَدُّلِ الْمَحَلِّ وَلَا نُسَلِّمُ تَحَقُّقَهُ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ، لِأَنَّ الرَّمْيَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ لَيْسَ بِإِتْلَافِ شَيْءٍ مِنْهُ لِعَدَمِ أَثَرٍ مِنْهُ فِي الْمَحَلِّ، وَإِنَّمَا تَقِلُّ بِهِ الرَّغَبَاتُ فَلَمْ يُخَالِفْ الِانْتِهَاءُ

[كتاب الديات]

وَزُفَرُ وَإِنْ كَانَ يُخَالِفُنَا فِي وُجُوبِ الْقِيمَةِ نَظَرًا إلَى حَالَةِ الْإِصَابَةِ فَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا حَقَقْنَاهُ. قَالَ: (وَمَنْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالرَّجْمِ فَرَمَاهُ رَجُلٌ ثُمَّ رَجَعَ أَحَدُ الشُّهُودِ ثُمَّ وَقَعَ بِهِ الْحَجَرُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الرَّامِي) لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالَةُ الرَّمْيِ وَهُوَ مُبَاحُ الدَّمِ فِيهَا. (وَإِذَا رَمَى الْمَجُوسِيُّ صَيْدًا ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ وَقَعَتْ الرَّمْيَةُ بِالصَّيْدِ لَمْ يُؤْكَلْ، وَإِنْ رَمَاهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ ثُمَّ تَمَجَّسَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ أُكِلَ) لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالُ الرَّمْيِ فِي حَقِّ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ إذْ الرَّمْيُ هُوَ الذَّكَاةُ فَتُعْتَبَرُ الْأَهْلِيَّةُ وَانْسِلَابُهَا عِنْدَهُ. (وَلَوْ رَمَى الْمُحْرِمُ صَيْدًا ثُمَّ حَلَّ فَوَقَعَتْ الرَّمْيَةُ بِالصَّيْدِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ، وَإِنْ رَمَى حَلَالٌ صَيْدًا ثُمَّ أَحْرَمَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا يَجِبُ بِالتَّعَدِّي وَهُوَ رَمْيُهُ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ، وَفِي الْأَوَّلِ هُوَ مُحْرِمٌ وَقْتَ الرَّمْيِ وَفِي الثَّانِي حَلَالٌ فَلِهَذَا افْتَرَقَا. [كِتَابُ الدِّيَاتِ] قَالَ (وَفِي شِبْهِ الْعَمْدِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَكَفَّارَةٌ عَلَى الْقَاتِلِ) وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي أَوَّلِ الْجِنَايَاتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالِابْتِدَاءَ، فَتَجِبُ قِيمَتُهُ لِلْمَوْلَى. وَزُفَرُ وَإِنْ كَانَ يُخَالِفُنَا فِي وُجُوبِ الْقِيمَةِ يَعْنِي وَيَقُولُ بِالدِّيَةِ نَظَرًا إلَى حَالَةِ الْإِصَابَةِ فَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا حَقَقْنَاهُ، وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ إلَخْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (كِتَابُ الدِّيَاتِ) ذِكْرُ الدِّيَاتِ بَعْدَ الْجِنَايَاتِ ظَاهِرُ الْمُنَاسَبَةِ لِمَا أَنَّ الدِّيَةَ إحْدَى مُوجَبَيْ الْجِنَايَةِ الْمَشْرُوعَيْنِ لِلصِّيَانَةِ، لَكِنَّ الْقِصَاصَ أَشَدُّ صِيَانَةً فَقُدِّمَ، وَمَحَاسِنُهَا مَحَاسِنُ الْقِصَاصِ، وَالدِّيَةُ مَصْدَرٌ مِنْ وَدَى الْقَاتِلُ الْمَقْتُولَ إذَا أَعْطَى وَلِيَّهُ الْمَالَ الَّذِي هُوَ بَدَلُ النَّفْسِ كَالْعِدَةِ مِنْ وَعَدَ. قَالَ (وَفِي شِبْهِ الْعَمْدِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ) شِبْهُ الْعَمْدِ قَدْ تَقَدَّمَ مَعَنَا. وَحُكْمُهُ الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَكَفَّارَةٌ عَلَى الْقَاتِلِ،

قَالَ: (وَكَفَّارَتُهُ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] الْآيَةُ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) بِهَذَا النَّصِّ (وَلَا يُجْزِئُ فِيهِ الْإِطْعَامُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ وَالْمَقَادِيرُ تُعْرَفُ بِالتَّوْقِيفِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي أَوَّلِ الْجِنَايَاتِ (وَكَفَّارَتُهُ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] إلَى قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: 92] الْآيَةَ، وَهُوَ نَصُّ كَوْنِهَا بِالتَّحْرِيرِ أَوْ الصَّوْمِ فَقَطْ (فَلَا يُجْزِئُ فِيهِ الْإِطْعَامُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ، وَالْمَقَادِيرُ تُعْرَفُ بِالتَّوْقِيفِ)

وَلِأَنَّهُ جَعَلَ الْمَذْكُورَ كُلَّ الْوَاجِبِ بِحَرْفِ الْفَاءِ، أَوْ لِكَوْنِهِ كُلَّ الْمَذْكُورِ عَلَى مَا عُرِفَ (وَيُجْزِئُهُ رَضِيعُ أَحَدِ أَبَوَيْهِ مُسْلِمٌ) لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ بِهِ وَالظَّاهِرُ بِسَلَامَةِ أَطْرَافِهِ (وَلَا يُجْزِئُ مَا فِي الْبَطْنِ) لِأَنَّهُ لَا تُعْرَفُ حَيَاتُهُ وَلَا سَلَامَتُهُ. قَالَ (وَهُوَ الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَأِ) لِمَا تَلَوْنَاهُ (وَدِيَتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَاعًا: خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً) وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ أَثْلَاثًا: ثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَثَلَاثُونَ حِقَّةً، وَأَرْبَعُونَ ثَنِيَّةً، كُلُّهَا خَلْفَاتٌ فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ جَعَلَ الْمَذْكُورَ كُلَّ الْوَاجِبِ) اسْتِدْلَالٌ مِنْ الْآيَةِ بِوَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ: أَحَدُهُمَا بِالنَّظَرِ إلَى الْفَاءِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَاقِعَ بَعْدَ فَاءِ الْجَزَاءِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلَّ الْجَزَاءِ، إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَالْتَبَسَ فَلَا يُعْلَمُ أَنَّهُ هُوَ الْجَزَاءُ أَوْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ وَمِثْلُهُ مُخِلٌّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفِي نِيَّتِهِ أَنْ يَقُولَ وَعَبْدِي حُرٌّ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَقُلْ لَا يَكُونُ الْجَزَاءُ إلَّا الْمَذْكُورَ لِئَلَّا يَخْتَلَّ الْفَهْمُ وَالْآخَرُ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَذْكُورِ: يَعْنِي لَوْ كَانَ الْغَيْرُ مُرَادًا لَذَكَرَهُ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ، وَالسُّكُوتُ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ بَيَانٌ (عَلَى مَا عُرِفَ) يَعْنِي فِي أُصُولِ الْفِقْهِ (وَيَجْزِيهِ رَضِيعٌ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمٌ) لِأَنَّ شَرْطَ هَذَا الْإِعْتَاقِ الْإِسْلَامُ وَسَلَامَةُ الْأَطْرَافِ، وَالْأَوَّلُ يَحْصُلُ بِإِسْلَامِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ وَالثَّانِي بِالظُّهُورِ، إذْ الظَّاهِرُ سَلَامَةُ أَطْرَافِهِ، وَلَا يَجْزِيهِ مَا فِي الْبَطْنِ لِأَنَّهُ لَمْ تُعْرَفْ حَيَاتُهُ وَلَا سَلَامَتُهُ. قَالَ (وَهُوَ الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَأِ لِمَا تَلَوْنَا) يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] (وَدِيَتُهُ) أَيْ دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَاعًا: خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً) وَلَمْ يَذْكُرْ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِرِوَايَةِ عَامَّةِ الْكُتُبِ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ: ثَلَاثُونَ جَذَعَةً، وَثَلَاثُونَ حِقَّةً، وَأَرْبَعُونَ ثَنِيَّةً كُلُّهَا خَلِفَاتٌ فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا)

لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَإِ الْعَمْدِ قَتِيلُ السَّوْطِ وَالْعَصَا، وَفِيهِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَعُونَ مِنْهَا فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا» وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً، وَلِأَنَّ دِيَةَ شِبْهِ الْعَمْدِ أَغْلَظُ وَذَلِكَ فِيمَا قُلْنَا. وَلَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي نَفْسِ الْمُؤْمِنِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَمَا رَوَيَاهُ غَيْرُ ثَابِتٍ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي صِفَةِ التَّغْلِيظِ، وَابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ بِالتَّغْلِيظِ أَرْبَاعًا كَمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ كَالْمَرْفُوعِ فَيُعَارَضُ بِهِ. قَالَ (وَلَا يَثْبُتُ التَّغْلِيظُ إلَّا فِي الْإِبِلِ خَاصَّةً) لِأَنَّ التَّوْقِيفَ فِيهِ، فَإِنْ قَضَى بِالدِّيَةِ فِي غَيْرِ الْإِبِلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْخَلِفَاتُ جَمْعُ خَلِفَةٍ: وَهِيَ الْحَوَامِلُ مِنْ النُّوقِ، فَقَوْلُهُ فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا صِفَةٌ كَاشِفَةٌ، وَالضَّمِيرُ فِي كُلِّهَا لِلثَّنِيَّةِ، وَاسْتَدَلَّا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَإِ الْعَمْدِ قَتِيلَ السَّوْطِ وَالْعَصَا فِيهِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَعُونَ مِنْهَا فِي بُطُونِهَا أَوْلَادِهَا» (وَلِأَنَّ دِيَةَ شِبْهِ الْعَمْدِ أَغْلَظُ) يَعْنِي مِنْ دِيَةِ الْخَطَأِ الْمَحْضِ، فَإِنَّ الْإِبِلَ فِيهِ تَجِبُ أَخْمَاسًا (وَذَلِكَ) أَيْ كَوْنُهُ أَغْلَظَ (فِيمَا قُلْنَا) لِأَنَّا نَقُولُ أَثْلَاثًا وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ أَرْبَاعًا (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي نَفْسِ الْمُؤْمِنِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» ) وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّ الثَّابِتَ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى صِفَةٍ مِنْ التَّغْلِيظِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَمَا رَوَيَاهُ غَيْرُ ثَابِتٍ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي صِفَةِ التَّغْلِيظِ، فَإِنَّ عُمَرَ وَزَيْدًا وَغَيْرَهُمَا قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَا، وَقَالَ عَلِيٌّ: تَجِبُ أَثْلَاثًا ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ حِقَّةً، وَثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ خَلِفَةً. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ بِمِثْلِ مَا قُلْنَا أَرْبَاعًا، وَالرَّأْيُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي التَّقَادِيرِ فَكَانَ كَالْمَرْفُوعِ وَيَصِيرُ مُعَارِضًا لِمَا رَوَيَاهُ، وَإِذَا تَعَارَضَا كَانَ الْأَخْذُ بِالْمُتَيَقَّنِ أَوْلَى. وَقَوْلُهُ (وَلَا يَثْبُتُ التَّغْلِيظُ إلَّا فِي الْإِبِلِ خَاصَّةً) يَعْنِي لَا يُزَادُ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ عَلَى عَشَرَةِ الْأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ أَلْفِ دِينَارٍ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ: تُغَلَّظُ فِي النَّوْعَيْنِ الْآخَرَيْنِ: أَيْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ بِأَنْ يُنْظَرَ إلَى قِيمَةِ أَسْنَانِ الْإِبِلِ فِي دِيَةِ الْخَطَأِ وَإِلَى قِيمَةِ أَسْنَانِ الْإِبِلِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ، فَمَا زَادَ عَلَى أَسْنَانِ دِيَةِ الْخَطَأِ يُزَادُ عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ إنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْوَرِقِ، وَيُزَادُ عَلَى أَلْفِ دِينَارٍ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الذَّهَبِ، لِأَنَّ التَّغْلِيظَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ شُرِعَ فِي الْإِبِلِ بِزِيَادَةِ جِنَايَةٍ وُجِدَتْ مِنْهُ وَلَمْ تُوجَدْ فِي الْخَطَأِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْحَجَرَيْنِ فَيَجِبُ التَّغْلِيظُ فِيهِمَا. وَلَنَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ أَنَّ التَّغْلِيظَ فِي الْإِبِلِ ثَبَتَ تَوْقِيفًا فَلَا يَثْبُتُ فِي غَيْرِهِ

لَمْ تَتَغَلَّظْ لِمَا قُلْنَا. قَالَ (وَقَتْلُ الْخَطَأِ تَجِبُ بِهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَالْكَفَّارَةُ عَلَى الْقَاتِلِ) لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ. قَالَ: (وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَخْمَاسًا عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ ابْنَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً) وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَأَخَذْنَا نَحْنُ وَالشَّافِعِيُّ بِهِ لِرِوَايَتِهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي قَتِيلٍ قُتِلَ خَطَأً أَخْمَاسًا» عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ، وَلِأَنَّ مَا قُلْنَاهُ أَخَفُّ فَكَانَ أَلْيَقَ بِحَالَةِ الْخَطَإِ لِأَنَّ الْخَاطِئَ مَعْذُورٌ، غَيْرَ أَنَّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَقْضِي بِعِشْرِينَ ابْنَ لَبُونٍ مَكَانَ ابْنِ مَخَاضٍ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَاهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقِيَاسًا لِأَنَّهُ يَأْبَى التَّغْلِيظَ، لِأَنَّ عَمْدَ الْإِتْلَافِ وَخَطَأَهُ فِي بَابِ الْغُرْمِ سَوَاءٌ، وَلَا دَلَالَةَ لِئَلَّا يَبْطُلَ الْمِقْدَارُ الثَّابِتُ بِصَرِيحِ النَّصِّ بِالدَّلَالَةِ. وَقَوْلُهُ (لِمَا قُلْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ التَّوْقِيفَ فِيهِ. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ) يَعْنِي فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ. قَالَ (وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَخْمَاسًا) قِيلَ مَنْصُوبٌ بِإِضْمَارِ كَانَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ الضَّمِيرِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ فِي الْخَطَأِ، وَقَدْ أَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى الْمِائَةِ لَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي سِنِّهَا، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: عِشْرُونَ بِنْتِ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ ابْنَ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً. وَبِهِ أَخَذْنَا نَحْنُ وَالشَّافِعِيُّ، لِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَضَى فِي قَتِيلٍ قُتِلَ خَطَأً أَخْمَاسًا» عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ بِهِ ابْنُ مَسْعُودٍ. وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ أَوْجَبَ أَرْبَاعًا: خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَالْمَقَادِيرُ لَا تُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا لَكِنَّ مَا قُلْنَا أَخَفُّ وَكَانَ أَوْلَى بِحَالِ الْخَطَأِ لِأَنَّ الْخَاطِئَ مَعْذُورٌ (قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَبِهِ أَخَذْنَا وَالشَّافِعِيُّ: يَعْنِي أَنَّهُ يَقْضِي بِعِشْرِينَ

قَالَ (وَمِنْ الْعَيْنِ أَلْفُ دِينَارٍ وَمِنْ الْوَرِقِ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مِنْ الْوَرِقِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَى بِذَلِكَ. وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَى بِالدِّيَةِ فِي قَتِيلٍ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ» . وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ أَنَّهُ قَضَى مِنْ دَرَاهِمَ كَانَ وَزْنُهَا وَزْنَ سِتَّةٍ وَقَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ. قَالَ (وَلَا تَثْبُتُ الدِّيَةُ إلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا مِنْهَا وَمِنْ الْبَقَرِ مِائَتَا بَقَرَةٍ، وَمِنْ الْغَنَمِ أَلْفَا شَاةٍ، وَمِنْ الْحُلَلِ مِائَتَا حُلَّةٍ كُلُّ حُلَّةٍ ثَوْبَانِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنَ لَبُونٍ مَكَانَ ابْنِ مَخَاضٍ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ أَلْيَقُ بِحَالِ الْخَطَأِ (وَقَوْلُهُ وَمِنْ الْعَيْنِ) يَعْنِي الذَّهَبِ (أَلْفُ دِينَارٍ وَمِنْ الْوَرِقِ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ) يَعْنِي وَزْنَ سَبْعَةٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مِنْ الْوَرِقِ: أَيْ الْفِضَّةِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِذَلِكَ. وَلَنَا أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَضَى بِالدِّيَةِ فِي قَتِيلٍ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ» فَتَعَارَضَا فَيَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلٍ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ تَأْوِيلَ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ قَضَى مِنْ دَرَاهِمَ كَانَ وَزْنُهَا وَزْنَ سِتَّةٍ، وَقَدْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ كَذَلِكَ إلَى عَهْدِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَبْطَلَ عُمَرُ ذَلِكَ الْوَزْنَ. وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ: رَوَى عُمَرُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ» ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ كَذَلِكَ: يَعْنِي إلَى عَهْدِ عُمَرَ وَذَلِكَ تَنَاقُضٌ. وَالثَّانِي أَنَّ وَزْنَ سِتَّةٍ يَزِيدُ عَلَيْهِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا فَلَا يَكُونُ التَّأْوِيلُ كَذَلِكَ صَحِيحًا. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمَنْقُولَ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَزْنُ الدَّرَاهِمِ وَزْنَ سِتَّةٍ ثُمَّ صَارَ وَزْنَ سَبْعَةٍ، وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي آخِرِ عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُؤْخَذُ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَزْنُ سَبْعَةٍ أَيْضًا وَلَا تَنَاقُضَ حِينَئِذٍ. وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ شَيْخَ الْإِسْلَامِ قَالَ فِي مَبْسُوطِهِ: يُحْتَمَلُ أَنَّ الدَّرَاهِمَ كَانَتْ وَزْنَ سِتَّةٍ إلَّا شَيْئًا، إلَّا أَنَّهُ أُضِيفَ الْوَزْنُ إلَى سِتَّةٍ تَقْرِيبًا، وَقَوْلُهُ (وَلَا تَثْبُتُ الدِّيَةُ إلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: مِنْهَا) أَيْ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ الْإِبِلُ وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ (وَمِنْ الْبَقَرِ مِائَتَا بَقَرَةٍ، وَمِنْ الْغَنَمِ أَلْفَا شَاةٍ، وَمِنْ الْحُلَلِ مِائَتَا حُلَّةً كُلُّ حُلَّةٍ ثَوْبَانِ) وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِ ذَلِكَ: قِيمَةُ كُلِّ بَقَرَةٍ خَمْسُونَ دِرْهَمًا، وَقِيمَةُ كُلِّ شَاةٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ. وَقِيمَةُ كُلِّ حُلَّةٍ خَمْسُونَ دِرْهَمًا، قَالَ الْمُصَنِّفُ: كُلُّ حُلَّةٍ ثَوْبَانِ، قِيلَ هُمَا إزَارٌ وَرِدَاءٌ هُوَ الْمُخْتَارُ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَقِيلَ فِي دِيَارِنَا

لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَكَذَا جَعَلَ عَلَى أَهْلِ كُلِّ مَالٍ مِنْهَا. وَلَهُ أَنَّ التَّقْدِيرَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ بِشَيْءٍ مَعْلُومِ الْمَالِيَّةِ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مَجْهُولَةُ الْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا لَا يُقَدَّرُ بِهَا ضَمَانٌ، وَالتَّقْدِيرُ بِالْإِبِلِ عُرِفَ بِالْآثَارِ الْمَشْهُورَةِ وَعَدِمْنَاهَا فِي غَيْرِهَا. وَذُكِرَ فِي الْمُعَاقِلِ أَنَّهُ لَوْ صَالَحَ عَلَى الزِّيَادَةِ عَلَى مِائَتَيْ حُلَّةٍ أَوْ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ لَا يَجُوزُ، وَهَذَا آيَةُ التَّقْدِيرِ بِذَلِكَ. ثُمَّ قِيلَ: هُوَ قَوْلُ الْكُلِّ فَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ، وَقِيلَ هُوَ قَوْلُهُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَمِيصٌ وَسَرَاوِيلُ. قَالَ: وَفَائِدَةُ هَذَا الِاخْتِلَافِ إنَّمَا تَظْهَرُ فِيمَا إذَا صَالَحَ الْقَاتِلُ مَعَ وَلِيِّ الْقَتِيلِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ أَوْ غَيْرِهَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ يَجُوزُ، كَمَا لَوْ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ فَرَسٍ وَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ عُمَرَ هَكَذَا جَعَلَ عَلَى أَهْلِ كُلِّ مَالٍ مِنْهَا) قَالَ أَبُو يُوسُفَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُبَيْدَة السَّلْمَانِيِّ قَالَ: وَضَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الدِّيَاتِ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الشِّيَاهِ أَلْفَيْ شَاةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَيْ حُلَّةٍ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّقْدِيرَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ بِشَيْءٍ مَعْلُومِ الْمَالِيَّةِ) وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، وَلِهَذَا لَا يُقَدَّرُ بِهَا ضَمَانُ شَيْءٍ مِمَّا وَجَبَ ضَمَانُهُ بِالْإِتْلَافِ أَوْ غَيْرِهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَالْإِبِلُ كَذَلِكَ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَالتَّقْدِيرُ بِالْإِبِلِ عُرِفَ بِالْآثَارِ الْمَشْهُورَةِ) كَمَا رَوَيْنَاهَا (وَعَدِمْنَاهَا فِي غَيْرِهَا) فَإِنْ قِيلَ: فَلْيَلْحَقْ بِهَا دَلَالَةً. قُلْنَا: حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (وَقَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي الْمَعَاقِلِ) أَيْ فِي مَعَاقِلِ الْمَبْسُوطِ: أَوْرَدَ هَذَا شُبْهَةً عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا تَثْبُتُ الدِّيَةُ إلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ وَوَجْهُ وُرُودِهَا أَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي الْمَعَاقِلِ أَنَّهُ لَوْ صَالَحَ الْوَلِيُّ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَلْفَيْ شَاةٍ أَوْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ أَوْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ حُلَّةٍ لَا يَجُوزُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ فِيهِ. وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَصْنَافَ الثَّلَاثَةَ أَيْضًا مِنْ الْأُصُولِ الْمُقَدَّرَةِ فِي الدِّيَةِ عِنْدَهُ أَيْضًا. وَذَكَرَ الْجَوَابَ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا يُقَرِّرُ الشُّبْهَةَ وَيَرْفَعُ الْخِلَافَ، وَلَا أَرَى صِحَّتَهُ لِأَنَّهُ يُنَاقِضُ رِوَايَةَ كِتَابِ الدِّيَاتِ كَمَا مَرَّ آنِفًا. وَالثَّانِي يَرْفَعُهَا بِحَمْلِ رِوَايَةِ الْمَعَاقِلِ عَلَى أَنَّهَا قَوْلُهُمَا، وَحَمَلَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ عَنْهُ رِوَايَتَيْنِ.

قَالَ: (وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ) وَقَدْ وَرَدَ هَذَا اللَّفْظُ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا دُونَ الثُّلُثِ لَا يُتَنَصَّفُ، وَإِمَامُهُ فِيهِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَاهُ بِعُمُومِهِ، وَلِأَنَّ حَالَهَا أَنْقَصُ مِنْ حَالِ الرَّجُلِ وَمَنْفَعَتُهَا أَقَلُّ، وَقَدْ ظَهَرَ أَثَرُ النُّقْصَانِ بِالتَّنْصِيفِ فِي النَّفْسِ فَكَذَا فِي أَطْرَافِهَا وَأَجْزَائِهَا اعْتِبَارًا بِهَا وَبِالثُّلُثِ وَمَا فَوْقَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ (وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ إلَخْ) دِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ، وَقَدْ وَرَدَ هَذَا اللَّفْظُ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ وَمَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْمَوْقُوفُ فِي مِثْلِهِ كَالْمَرْفُوعِ، إذْ لَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِيهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا دُونَ الثُّلُثِ لَا يَتَنَصَّفُ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الثُّلُثُ وَمَا دُونَهُ لَا يَتَنَصَّفُ. وَذَكَرَ فِي دِيَاتِ الْمَبْسُوطِ: وَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَقُولُ: إنَّهَا تُعَاقِلُ الرَّجُلَ إلَى ثُلُثِ دِيَتِهَا: يَعْنِي إذَا كَانَ الْأَرْشُ بِقَدْرِ ثُلُثِ الدِّيَةِ أَوْ دُونَ ذَلِكَ فَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِيهِ سَوَاءٌ، فَإِنْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَحِينَئِذٍ حَالُهَا فِيهِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ حَالِ الرَّجُلِ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْدَ هَذَا فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ اعْتِبَارًا بِهَا وَبِالثُّلُثِ وَمَا فَوْقَهُ. وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالُ: اعْتِبَارًا بِهَا وَبِمَا فَوْقَ الثُّلُثِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي: قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ: بَلَغَنَا عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: دِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَ النَّفْسِ. قَالَ: وَبِذَلِكَ نَأْخُذُ، ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: ثُلُثُ الدِّيَةِ وَمَا فَوْقَهَا يَتَنَصَّفُ وَمَا دُونَهُ لَا يَتَنَصَّفُ، وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ، وَهَذَا يُصَحِّحُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «تُعَاقِلُ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ إلَى ثُلُثِ الدِّيَةِ» وَبِمَا حُكِيَ عَنْ رَبِيعَةَ قَالَ: قُلْت لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: مَا تَقُولُ فِيمَنْ قَطَعَ أُصْبُعَ امْرَأَةٍ قَالَ: عَلَيْهِ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ، قُلْت: فَإِنْ قَطَعَ أُصْبُعَيْنِ مِنْهَا؟ قَالَ: عَلَيْهِ عِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ، قُلْت: فَإِنْ قَطَعَ ثَلَاثَ أَصَابِعَ؟ قَالَ: عَلَيْهِ ثَلَاثُونَ مِنْ الْإِبِلِ، قُلْت: فَإِنْ قَطَعَ أَرْبَعَ أَصَابِعَ؟ قَالَ: عَلَيْهِ عِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ، قُلْت: سُبْحَانَ اللَّهِ لَمَّا كَثُرَ أَلَمُهَا وَاشْتَدَّ مُصَابُهَا قَلَّ أَرْشُهَا؟ قَالَ: أَعِرَاقِيٌّ أَنْتَ؟ فَقُلْت لَا بَلْ جَاهِلٌ مُسْتَرْشِدٌ أَوْ عَاقِلٌ مُسْتَثْبِتٌ، فَقَالَ: إنَّهُ السُّنَّةُ. وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ: السُّنَّةُ إذَا أُطْلِقَتْ فَالْمُرَادُ بِهَا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَاهُ بِعُمُومِهِ، وَأَنَّ حَالَهَا أَنْقَصُ مِنْ حَالِ الرَّجُلِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228] وَمَنْفَعَتُهَا أَقَلُّ لَا تَتَمَكَّنُ مِنْ التَّزَوُّجِ بِأَكْثَرَ مِنْ زَوْجٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ ظَهَرَ أَثَرُ النُّقْصَانِ فِي التَّنْصِيفِ فِي النَّفْسِ فَكَذَا فِي أَطْرَافِهَا وَأَجْزَائِهَا اعْتِبَارًا بِالنَّفْسِ وَبِالثُّلُثِ

قَالَ: (وَدِيَةُ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ سَوَاءٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَدِيَةُ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ سِتَّةُ آلَافِ دِرْهَمٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَقْلُ الْكَافِرِ نِصْفُ عَقْلِ الْمُسْلِمِ» وَالْكُلُّ عِنْدَهُ اثْنَا عَشْرَ أَلْفًا. وَلِلشَّافِعِيِّ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَعَلَ دِيَةَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَدِيَةَ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ» . وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دِيَةُ كُلِّ ذِي عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ أَلْفُ دِينَارٍ» وَكَذَلِكَ قَضَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يُعْرَفْ رَاوِيهِ وَلَمْ يُذْكَرْ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ، وَمَا رَوَيْنَاهُ أَشْهُرُ مِمَّا رَوَاهُ مَالِكٌ فَإِنَّهُ ظَهَرَ بِهِ عَمَلُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَا فَوْقَهُ لِئَلَّا يَلْزَمَ مُخَالَفَةُ التَّبَعِ لِلْأَصْلِ، وَالْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ نَادِرٌ، وَمِثْلُ هَذَا الْحُكْمِ الَّذِي يُحِيلُهُ عَقْلُ كُلِّ عَاقِلٍ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِالشَّاذِّ النَّادِرِ، وَقَوْلُ سَعِيدٍ إنَّهُ السُّنَّةُ يُرِيدُ بِهِ سُنَّةَ زَيْدٍ، فَإِنَّ كِبَارَ الصَّحَابَةِ أَفْتَوْا بِخِلَافِهِ، وَلَوْ كَانَتْ سُنَّةَ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَا خَالَفُوهَا. قَالَ (وَدِيَةُ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ سَوَاءٌ) دِيَةُ الذِّمِّيِّ كَدِيَةِ الْمُسْلِمِ رِجَالُهُمْ كَرِجَالِهِمْ وَنِسَاؤُهُمْ كَنِسَائِهِمْ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا، وَكَلَامُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَاضِحٌ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الحشر: 20] وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18] وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ دِمَاءَ غَيْرِهِمْ لَا تَتَكَافَأُ، وَلِأَنَّ نُقْصَانَ الْكُفْرِ فَوْقَ نُقْصَانِ الْأُنُوثَةِ، وَبِالْأُنُوثَةِ تَنْقُصُ الدِّيَةُ فَبِالْكُفْرِ أَوْلَى، وَبِأَنَّ الرِّقَّ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْكُفْرِ وَبِهِ تَنْقُصُ الدِّيَةُ فَبِالْكُفْرِ الْمُوجِبِ لَهُ أَوْلَى. وَالْجَوَابُ عَنْ الْآيَتَيْنِ أَنَّ الْمُرَادَ أَحْكَامُ الْآخِرَةِ عَلَى أَنَّهُمَا لَا يُعَارِضَانِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] وَالْمَعْهُودُ مِنْ الدِّيَةِ الدِّيَةُ فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ. وَعَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مَفْهُومُ مُخَالَفَةٍ وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَعَنْ الْمَعْقُولِ بِأَنَّ النُّقْصَانَ بِالْأُنُوثَةِ وَالرِّقِّ مِنْ حَيْثُ النُّقْصَانُ فِي الْمَالِكِيَّةِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تَمْلِكُ الْمَالَ دُونَ النِّكَاحِ، وَكَذَلِكَ الرِّقُّ يُوجِبُ نُقْصَانَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالذِّمِّيُّ يُسَاوِي الْمُسْلِمَ فِي الْمَالِكِيَّةِ فَكَذَلِكَ فِي الدِّيَةِ، وَلَا يَرْتَابُ أَحَدٌ أَنَّ نَفْسَ كُلِّ شَخْصٍ أَعَزَّ مِمَّا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ، وَالذِّمِّيُّ يُسَاوِي الْمُسْلِمَ فِي ضَمَانِ مَالِهِ إذَا أُتْلِفَ فَفِي النَّفْسِ أَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَنَا فِي الْمَسْأَلَةِ إلَّا مَا رَوَى الزُّهْرِيُّ أَنَّ دِيَةَ الذِّمِّيِّ كَانَتْ مِثْلَ دِيَةِ الْمُسْلِمِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَلَمَّا كَانَ زَمَنُ مُعَاوِيَةَ جَعَلَهَا عَلَى النِّصْفِ، وَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِشُهْرَتِهِ: إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا، وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: دِيَةُ الذِّمِّيِّ مِثْلُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَمَا رَوَى عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَى ذِمِّيًّا قُتِلَ بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ» لَكَانَ لَنَا مِنْ الظُّهُورِ فِي الْمَسْأَلَةِ مَا لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ

[فصل فيما دون النفس]

(فَصْلٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ) قَالَ: (وَفِي النَّفْسِ الدِّيَةُ) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. قَالَ (وَفِي الْمَارِنِ الدِّيَةُ، وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ، وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ) وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «فِي النَّفْسِ الدِّيَةُ، وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ، وَفِي الْمَارِنِ الدِّيَةُ» وَهَكَذَا هُوَ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَالْأَصْلُ فِي الْأَطْرَافِ أَنَّهُ إذَا فَوَّتَ جِنْسَ مَنْفَعَةٍ عَلَى الْكَمَالِ أَوْ أَزَالَ جَمَالًا مَقْصُودًا فِي الْآدَمِيِّ عَلَى الْكَمَالِ يَجِبُ كُلُّ الدِّيَةِ لِإِتْلَافِهِ النَّفْسَ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ مُلْحَقٌ بِالْإِتْلَافِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ تَعْظِيمًا لِلْآدَمِيِّ. أَصْلُهُ قَضَاءُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالدِّيَةِ كُلِّهَا فِي اللِّسَانِ وَالْأَنْفِ، وَعَلَى هَذَا تَنْسَحِبُ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ فَنَقُولُ: فِي الْأَنْفِ الدِّيَةُ لِأَنَّهُ أَزَالَ الْجَمَالَ عَلَى الْكَمَالِ وَهُوَ مَقْصُودٌ، وَكَذَا إذَا قَطَعَ الْمَارِنَ أَوْ الْأَرْنَبَةَ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ قَطَعَ الْمَارِنَ مَعَ الْقَصَبَةِ لَا يُزَادُ عَلَى دِيَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ عُضْوٌ وَاحِدٌ، وَكَذَا اللِّسَانُ لِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ مَقْصُودَةٍ وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ] ِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ النَّفْسِ ذَكَرَ مَا هُوَ تَبَعٌ لَهَا وَهُوَ مَا دُونَهَا. قَالَ (وَفِي النَّفْسِ الدِّيَةُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ) وَأَعَادَ ذِكْرَ النَّفْسِ فِي فَصْلِ مَا دُونَ النَّفْسِ تَمْهِيدًا لِذِكْرِ مَا بَعْدَهُ. وَقَوْلُهُ ذَكَرْنَاهُ: يَعْنِي فِي أَوَائِلِ الْجِنَايَاتِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ فِي النَّفْسِ الدِّيَةُ: يَجِبُ الدِّيَةُ بِسَبَبِ إتْلَافِهَا، كَمَا يُقَالُ فِي النِّكَاحِ حَلَّ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ شَاةٌ» . وَقَوْلُهُ (وَفِي الْمَارِنِ الدِّيَةُ) يَعْنِي فِيمَا دُونَ قَصَبَةِ الْأَنْفِ وَهُوَ مَا لَانَ مِنْهُ كُلُّ مَا لَا ثَانِيَ لَهُ فِي الْبَدَنِ عُضْوًا كَانَ أَوْ مَعْنًى مَقْصُودًا تَجِبُ بِإِتْلَافِهِ كَمَالُ الدِّيَةِ، وَمِنْ الْأَعْضَاءِ مَا هُوَ إفْرَادٌ كَالْأَنْفِ وَاللِّسَانِ وَالذَّكَرِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُزْدَوِجٌ كَالْعَيْنَيْنِ وَالْأُذُنَيْنِ وَالْحَاجِبَيْنِ وَالشَّفَتَيْنِ وَالْيَدَيْنِ وَثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ أَرْبَعٌ كَأَشْفَارِ الْعَيْنَيْنِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ أَعْشَارٌ كَأَصَابِع الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، وَمِنْهَا مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ كَالْأَسْنَانِ (وَالْأَصْلُ فِي الْأَطْرَافِ أَنَّهُ إذَا فَوَّتَ جِنْسَ مَنْفَعَةٍ عَلَى الْكَمَالِ أَوْ أَزَالَ جَمَالًا مَقْصُودًا، فِي الْآدَمِيِّ عَلَى الْكَمَالِ يَجِبُ كُلُّ الدِّيَةِ) وَقَيَّدَ الْمَنْفَعَةَ وَالْجَمَالَ بِالْكَمَالِ، لِأَنَّ غَيْرَ الْكَامِلِ لَا يَجِبُ فِيهِ كُلُّ الدِّيَةِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَفْوِيتُ عُضْوٍ مَقْصُودٍ، كَمَا إذَا قَطَعَ لِسَانَ الْأَخْرَسِ أَوْ آلَةَ الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ وَالْيَدَ الشَّلَّاءَ وَالرِّجْلَ الْعَرْجَاءَ وَالْعَيْنَ الْعَوْرَاءَ وَالسِّنَّ السَّوْدَاءَ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ وَلَا الدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ جِنْسَ مَنْفَعَةٍ وَلَا فَوَّتَ جَمَالًا عَلَى الْكَمَالِ، وَإِنَّمَا فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَأَمَّا إذَا أَتْلَفَ الْكَامِلَ فَيَجِبُ فِيهِ كَمَالُ الدِّيَةِ (لِإِتْلَافِهِ كُلَّ النَّفْسِ مِنْ وَجْهٍ، وَهُوَ مُلْحَقٌ بِالْإِتْلَافِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ تَعْظِيمًا لِلْآدَمِيِّ، أَصْلُهُ قَضَاءُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالدِّيَةِ كُلِّهَا فِي اللِّسَانِ وَالْأَنْفِ، وَعَلَى هَذَا تَنْسَحِبُ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ) فَإِنْ كَانَ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ أَوْ الْكَمَالِ قَائِمًا بِعُضْوٍ وَاحِدٍ فَعِنْدَ إتْلَافِهِ يَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا بِعُضْوَيْنِ فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ،

النُّطْقُ، وَكَذَا فِي قَطْعِ بَعْضِهِ إذَا مَنَعَ الْكَلَامَ لِتَفْوِيتِ مَنْفَعَةٍ مَقْصُودَةٍ وَإِنْ كَانَتْ الْآلَةُ قَائِمَةً، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى التَّكَلُّمِ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ قِيلَ: تُقْسَمُ عَلَى عَدَدِ الْحُرُوفِ، وَقِيلَ: عَلَى عَدَدِ حُرُوفٍ تَتَعَلَّقُ بِاللِّسَانِ؛ فَبِقَدْرِ مَا لَا يَقْدِرُ تَجِبُ، وَقِيلَ: إنْ قَدَرَ عَلَى أَدَاءِ أَكْثَرِهَا تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِحُصُولِ الْإِفْهَامِ مَعَ الِاخْتِلَالِ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ الْأَكْثَرِ يَجِبُ كُلُّ الدِّيَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا تَحْصُلُ مَنْفَعَةُ الْكَلَامِ، وَكَذَا الذَّكَرُ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ بِهِ مَنْفَعَةَ الْوَطْءِ وَالْإِيلَادِ وَاسْتِمْسَاكِ الْبَوْلِ وَالرَّمْي بِهِ وَدَفْقِ الْمَاءِ وَالْإِيلَاجِ الَّذِي هُوَ طَرِيقُ الْإِعْلَاقِ عَادَةً، وَكَذَا فِي الْحَشَفَةِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، لِأَنَّ الْحَشَفَةَ أَصْلٌ فِي مَنْفَعَةِ الْإِيلَاجِ وَالدَّفْقِ وَالْقَصَبَةُ كَالتَّابِعِ لَهُ. قَالَ: (وَفِي الْعَقْلِ إذَا ذَهَبَ بِالضَّرْبِ الدِّيَةُ) لِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْإِدْرَاكِ إذْ بِهِ يَنْتَفِعُ بِنَفْسِهِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ (وَكَذَا إذَا ذَهَبَ سَمْعُهُ أَوْ بَصَرُهُ أَوْ شَمُّهُ أَوْ ذَوْقُهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ كَانَ قَائِمًا بِأَرْبَعَةِ أَعْضَاءٍ فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا رُبْعُ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا بِعَشَرَةٍ فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا عُشْرُ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا بِأَكْثَرَ فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (قِيلَ تُقْسَمُ الدِّيَةُ عَلَى عَدَدِ الْحُرُوفِ) يَعْنِي عَلَى جُمْلَةِ الْحُرُوفِ مِمَّا تَعَلَّقَ بِاللِّسَانِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ عَلَى عَدَدِ حُرُوفٍ تَتَعَلَّقُ بِاللِّسَانِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هِيَ الْأَلِفُ وَالتَّاءُ وَالثَّاءُ وَالْجِيمُ وَالدَّالُ وَالرَّاءُ وَالزَّايُ وَالسِّينُ وَالشِّينُ وَالصَّادُ وَالضَّادُ وَالطَّاءُ وَالظَّاءُ وَاللَّامُ وَالنُّونُ، وَفِي كَوْنِ الْأَلِفِ مِنْ ذَلِكَ نَظَرٌ لِأَنَّهُ مِنْ أَقْصَى الْحَلْقِ عَلَى مَا عُرِفَ، فَمَا لَمْ يُمْكِنْهُ إتْيَانُ حَرْفٍ مِنْهَا يَلْزَمُهُ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الدِّيَةِ. رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَطَعَ طَرَفَ لِسَانِ رَجُلٍ فِي زَمَانِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَمَرَهُ أَنْ يَقْرَأَ (اب ت ث) ، فَكُلَّمَا قَرَأَ حَرْفًا أَسْقَطَ مِنْ الدِّيَةِ بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَمَا لَمْ يَقْرَأْ أَوْجَبَ مِنْ الدِّيَةِ بِحِسَابِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْقِيلِ الْأَوَّلِ، وَبِهِ صَحَّحَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَبِأَنَّ إقَامَةَ بَعْضِ الْحُرُوفِ وَهُوَ مَا لَا يَفْتَقِرُ إلَى اللِّسَانِ إنْ تَهَيَّأَتْ بِدُونِ اللِّسَانِ، لَكِنَّ الْإِفْهَامَ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ لَا يَتَهَيَّأُ فَيَجِبُ الِامْتِحَانُ بِالْجَمِيعِ، وَكَذَا إذَا ذَهَبَ سَمْعُهُ أَوْ بَصَرُهُ اخْتَلَفَ طُرُقُ التَّعْبِيرِ عَنْ مَعْرِفَةِ ذَهَابِ هَذِهِ الْحَوَاسِّ، فَقِيلَ إذَا صَدَّقَهُ الْجَانِي أَوْ اسْتَحْلَفَهُ عَلَى الْبَتَاتِ وَنَكَلَ ثَبَتَ قِوَامُهَا، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ فِيهِ الدَّلَائِلُ الْمُوَصِّلَةُ إلَى ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الْعِلْمُ بِذَلِكَ يُعْتَبَرُ فِيهِ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارُ، فَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ السَّمْعِ أَنْ يُتَغَافَلَ وَيُنَادَى، فَإِنْ أَجَابَ عُلِمَ أَنَّهُ يَسْمَعُ. وَحَكَى النَّاطِفِيُّ عَنْ أَبِي خَازِمٍ الْقَاضِي أَنَّ امْرَأَةً تَطَارَشَتْ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ، فَاشْتَغَلَ بِالْقَضَاءِ عَنْ النَّظَرِ إلَيْهَا ثُمَّ قَالَ لَهَا فَجْأَةً: غَطِّي عَوْرَتَك، فَاضْطَرَبَتْ وَتَسَارَعَتْ إلَى جَمْعِ ثِيَابِهَا وَظَهَرَ مَكْرُهَا. وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَهَابِ الْبَصَرِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الشَّمْسَ مَفْتُوحَ الْعَيْنِ، فَإِنْ دَمَعَتْ عَيْنُهُ عُلِمَ أَنَّ الضَّوْءَ بَاقٍ، وَإِنْ لَمْ تَدْمَعْ عُلِمَ أَنَّ الضَّوْءَ ذَاهِبٌ. وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يُلْقَى بَيْنَ يَدَيْهِ حَيَّةٌ، فَإِنْ هَرَبَ مِنْ الْحَيَّةِ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ بَصَرُهُ. وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ الشَّمِّ بِأَنْ يُوضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ مَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ، فَإِنْ نَفَرَ عَنْهَا عُلِمَ أَنَّهُ

لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ، وَقَدْ رُوِيَ: أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَضَى بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ فِي ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ ذَهَبَ بِهَا الْعَقْلُ وَالْكَلَامُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ. قَالَ: (وَفِي اللِّحْيَةِ إذَا حُلِقَتْ فَلَمْ تَنْبُتُ الدِّيَةُ) لِأَنَّهُ يُفَوِّتَ بِهِ مَنْفَعَةَ الْجَمَالِ. قَالَ (وَفِي شَعْرِ الرَّأْسِ الدِّيَةُ) لِمَا قُلْنَا. وَقَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ تَجِبُ فِيهِمَا حُكُومَةُ عَدْلٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ زِيَادَةٌ فِي الْآدَمِيِّ، وَلِهَذَا يُحْلَقُ شَعْرُ الرَّأْسِ كُلُّهُ، وَاللِّحْيَةُ بَعْضُهَا فِي بَعْضِ الْبِلَادِ وَصَارَ كَشَعْرِ الصَّدْرِ وَالسَّاقِ وَلِهَذَا يَجِبُ فِي شَعْرِ الْعَبْدِ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ. وَلَنَا أَنَّ اللِّحْيَةَ فِي وَقْتِهَا جَمَالٌ وَفِي حَلْقِهَا تَفْوِيتُهُ عَلَى الْكَمَالِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ كَمَا فِي الْأُذُنَيْنِ الشَّاخِصَتَيْنِ، وَكَذَا شَعْرُ الرَّأْسِ جَمَالٌ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ عَدِمَهُ خِلْقَةً يَتَكَلَّفُ فِي سَتْرِهِ، بِخِلَافِ شَعْرِ الصَّدْرِ وَالسَّاقِ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ جَمَالٌ. وَأَمَّا لِحْيَةُ الْعَبْدِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهَا كَمَالُ الْقِيمَةِ، وَالتَّخْرِيجُ عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْعَبْدِ الْمَنْفَعَةُ بِالِاسْتِعْمَالِ دُونَ الْجَمَالِ بِخِلَافِ الْحُرِّ. قَالَ: (وَفِي الشَّارِبِ حُكُومَةُ عَدْلٍ هُوَ الْأَصَحُّ) لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلِّحْيَةِ فَصَارَ كَبَعْضِ أَطْرَافِهَا. (وَلِحْيَةُ الْكَوْسَجِ إنْ كَانَ عَلَى ذَقَنِهِ شَعَرَاتٌ مَعْدُودَةٌ فَلَا شَيْءَ فِي حَلْقِهِ) لِأَنَّ وُجُودَهُ يَشِينُهُ وَلَا يَزِينُهُ (وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ عَلَى الْخَدِّ وَالذَّقَنِ جَمِيعًا لَكِنَّهُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ) لِأَنَّ فِيهِ بَعْضَ الْجَمَالِ (وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا فَفِيهِ كَمَالُ الدِّيَةِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَوْسَجٍ وَفِيهِ مَعْنَى الْجَمَالِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا فَسَدَ الْمَنْبَتُ، فَإِنْ نَبَتَتْ حَتَّى اسْتَوَى كَمَا كَانَ لَا يَجِبُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ أَثَرُ الْجِنَايَةِ وَيُؤَدَّبُ عَلَى ارْتِكَابِهِ مَا لَا يَحِلُّ، وَإِنْ نَبَتَتْ بَيْضَاءَ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ فِي الْحُرِّ لِأَنَّهُ يَزِيدُ جَمَالًا، وَفِي الْعَبْدِ تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِأَنَّهُ يَنْقُصُ قِيمَتُهُ، وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ يَشِينُهُ وَلَا يَزِينُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَذْهَبْ شَمُّهُ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ) يَعْنِي لَيْسَ فِيهَا اسْتِتْبَاعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا الْآخَرَ، بِخِلَافِ قَتْلِ النَّفْسِ حَيْثُ لَا يَجِبُ إلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ تَتْبَعُ النَّفْسَ. أَمَّا الطَّرَفُ فَلَا يَتْبَعُ طَرَفًا آخَرَ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ لَوْ مَاتَ مِنْ الشَّجَّةِ لَمْ تَلْزَمْهُ إلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ فَبِفَوَاتِ هَذِهِ الْمَنَافِعِ بِدُونِ الْمَوْتِ أَوْلَى، فَإِنَّ فِي الْمَوْتِ اسْتِتْبَاعًا دُونَ عَدَمِهِ، وَعَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (لِمَا قُلْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِهِ مَنْفَعَةُ الْجَمَالِ، قَالُوا: لَوْ حَلَقَ رَأْسَ إنْسَانٍ أَوْ لِحْيَتَهُ لَا يُطَالَبُ بِالدِّيَةِ حَالَةَ الْحَلْقِ بَلْ يُؤَجَّلُ سَنَةً لِتَصَوُّرِ النَّبَاتِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ وَلَمْ يَنْبُتْ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْحَالِقِ، وَقَالَا: فِيهِ حُكُومَةٌ، وَشَعْرُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. وَقَوْلُهُ (كَمَا فِي الْأُذُنَيْنِ الشَّاخِصَتَيْنِ) أَيْ الْمُرْتَفِعَتَيْنِ وَصَفَهُمَا لِدَفْعِ إرَادَةِ السَّمْعِ. وَقَوْلُهُ (أَنَّهُ يَجِبُ فِيهَا كَمَالُ الْقِيمَةِ) هِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارًا بِالدِّيَةِ فِي الْحُرِّ لِفَوَاتِ الْجَمَالِ (وَالتَّخْرِيجُ عَلَى الظَّاهِرِ) وَهُوَ أَنَّهُ يَجِبُ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ. وَقَوْلُهُ (هُوَ الْأَصَحُّ) احْتِرَازٌ عَمَّا قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: يَجِبُ فِيهِ كَمَالُ

وَيَسْتَوِي الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ عَلَى هَذَا الْجُمْهُورِ. (وَفِي الْحَاجِبَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ) وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَجِب حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ فِيهِ فِي اللِّحْيَةِ. . قَالَ (وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الْيَدَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الرِّجْلَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الْأُذُنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الْأُنْثَيَيْنِ الدِّيَةُ) كَذَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. قَالَ: (وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ نِصْفُ الدِّيَةِ) وَفِيمَا كَتَبَهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ «وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ» وَلِأَنَّ فِي تَفْوِيتِ الِاثْنَيْنِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ أَوْ كَمَالِ الْجَمَالِ فَيَجِبُ كُلُّ الدِّيَةِ، وَفِي تَفْوِيتِ إحْدَاهُمَا تَفْوِيتُ النِّصْفِ فَيَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ. قَالَ: (وَفِي ثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ الدِّيَةُ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ (وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ دِيَةِ الْمَرْأَةِ) لِمَا بَيَّنَّا، بِخِلَافِ ثَدْيَيْ الرَّجُلِ حَيْثُ تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ وَالْجَمَالِ. (وَفِي حَلَمَتَيْ الْمَرْأَةِ الدِّيَةُ كَامِلَةً) لِفَوَاتِ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْإِرْضَاعِ وَإِمْسَاكِ اللَّبَنِ (وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُهَا) لِمَا بَيَّنَّاهُ. قَالَ (وَفِي أَشْفَارِ الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي إحْدَاهَا رُبْعُ الدِّيَةِ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَهُ الْأَهْدَابُ مَجَازًا كَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ لِلْمُجَاوِرَةِ كَالرَّاوِيَةِ لِلْقِرْبَةِ وَهِيَ حَقِيقَةٌ فِي الْبَعِيرِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ الْجَمَالَ عَلَى الْكَمَالِ وَجِنْسَ الْمَنْفَعَةِ وَهِيَ مَنْفَعَةُ دَفْعِ الْأَذَى وَالْقَذَى عَنْ الْعَيْنِ إذْ هُوَ يَنْدَفِعُ بِالْهُدْبِ، وَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ فِي الْكُلِّ كُلَّ الدِّيَةِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ كَانَ فِي أَحَدِهَا رُبْعُ الدِّيَةِ وَفِي ثَلَاثَةٍ مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ مَنْبَتَ الشَّعْرِ وَالْحُكْمُ فِيهِ هَكَذَا. (وَلَوْ قَطَعَ الْجُفُونَ بِأَهْدَابِهَا فَفِيهِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّ الْكُلَّ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ وَصَارَ كَالْمَارِنِ مَعَ الْقَصَبَةِ. قَالَ (وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ عُشْرُ الدِّيَةِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشَرٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَلِأَنَّ فِي قَطْعِ الْكُلِّ تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ وَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَهِيَ عَشَرٌ فَتَنْقَسِمُ الدِّيَةُ عَلَيْهَا. قَالَ (وَالْأَصَابِعُ كُلُّهَا سَوَاءٌ) لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ، وَلِأَنَّهَا سَوَاءٌ فِي أَصْلِ الْمَنْفَعَةِ فَلَا تُعْتَبَرُ الزِّيَادَةُ فِيهِ كَالْيَمِينِ مَعَ الشِّمَالِ، وَكَذَا أَصَابِعُ الرِّجْلَيْنِ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ بِقَطْعِ كُلِّهَا مَنْفَعَةَ الْمَشْيِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ، ثُمَّ فِيهِمَا عَشَرُ أَصَابِعَ فَتَنْقَسِمُ الدِّيَةُ عَلَيْهَا أَعْشَارًا. قَالَ (وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ فِيهَا ثَلَاثَةُ مَفَاصِلَ؛ فَفِي أَحَدِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالدِّيَةِ لِأَنَّهُ عُضْوٌ عَلَى حِدَةٍ وَيَفُوتُ بِهِ الْجَمَالُ وَقَوْلُهُ (وَيَسْتَوِي الْخَطَأُ وَالْعَمْدُ) يَعْنِي كَمَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ خَطَأً فَكَذَا إذَا حَلَقَهُمَا عَمْدًا. قِيلَ وَصُورَةُ حَلْقِهِمَا خَطَأً أَنْ يَظُنَّهُ مُبَاحَ الدَّمِ فَحَلَقَ الْوَلِيُّ لِحْيَتَهُ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ غَيْرُ مُبَاحِ الدَّمِ قِيلَ مُوجَبُ الْقِصَاصِ مَوْجُودٌ إذَا كَانَ عَمْدًا فَمَا الْمَانِعُ عَنْهُ مَعَ الْإِمْكَانِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقِصَاصَ عُقُوبَةٌ وَالْعُقُوبَةُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالنَّصِّ أَوْ دَلَالَتِهِ، وَلَا نَصَّ فِي الشُّعُورِ، وَلَيْسَتْ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ وَهُوَ الْجُرُوحُ لِأَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِي تَفْوِيتِهَا إلَى الْجِرَاحَةِ وَالضَّرْبِ، وَلَا يُتَوَهَّمُ فِيهَا السِّرَايَةُ كَمَا تُتَوَهَّمُ فِي الْجِرَاحَاتِ، وَلَيْسَ فِيهِ إمَاتَةُ ذِي الرُّوحِ فَلَا يَجُوزُ إلْحَاقُهَا بِالْمَنْصُوصِ دَلَالَةً كَمَا لَا يَجُوزُ قِيَاسًا قَالَ (وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ) الْأَصْلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي صَدْرِ الْفَصْلِ يَشْمَلُ هَذِهِ الْفُرُوعَ كُلَّهَا. وَالْأَشْفَارُ جَمْعُ شُفْرٍ بِالضَّمِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: يَحْتَمِلُ أَنَّ مُرَادَهُ الْأَهْدَابُ مَجَازًا، وَلَعَلَّهُ قَالَ ذَلِكَ دَفْعًا لِتَخْطِئَةِ مَنْ خَطَّأَ مُحَمَّدًا فِي إطْلَاقِ الْأَشْفَارِ عَلَى الْأَهْدَابِ، قَالُوا: الْأَشْفَارُ مَنَابِتُ الشَّعْرِ وَهِيَ حُرُوفُ الْعَيْنَيْنِ وَأَطْرَافُهَا، وَالشُّعُورُ الَّتِي عَلَيْهَا تُسَمَّى الْهُدْبَ، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ: يُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَهُ الْأَهْدَابُ فَيَكُونُ مَجَازًا لِلْمُجَاوَرَةِ مِنْ ذِكْرِ الْمَحَلِّ وَإِرَادَةِ الْحَالِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَهُ الْحَقِيقَةُ، فَإِنَّ فِي تَفْوِيتِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَحَلِّ وَالْحَالِّ

ثُلُثُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ وَمَا فِيهَا مِفْصَلَانِ فَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ) وَهُوَ نَظِيرُ انْقِسَامِ دِيَةِ الْيَدِ عَلَى الْأَصَابِعِ. قَالَ: (وَفِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «وَفِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَالْأَسْنَانُ وَالْأَضْرَاسُ كُلُّهَا سَوَاءٌ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا، وَلِمَا رُوِيَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: وَالْأَسْنَانُ كُلُّهَا سَوَاءٌ، وَلِأَنَّ كُلَّهَا فِي أَصْلِ الْمَنْفَعَةِ سَوَاءٌ فَلَا يُعْتَبَرُ التَّفَاضُلُ كَالْأَيْدِي وَالْأَصَابِعِ، وَهَذَا إذَا كَانَ خَطَأً، فَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَفِيهِ الْقِصَاصُ وَقَدْ مَرَّ فِي الْجِنَايَاتِ. قَالَ: (وَمَنْ ضَرَبَ عُضْوًا فَأَذْهَب مَنْفَعَتَهُ فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ كَالْيَدِ إذَا شُلَّتْ وَالْعَيْنِ إذَا ذَهَبَ ضَوْءُهَا) لِأَنَّ الْمُتَعَلِّقَ تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ لَا فَوَاتُ الصُّورَةِ. (وَمَنْ ضَرَبَ صُلْبَ غَيْرِهِ فَانْقَطَعَ مَاؤُهُ تَجِبُ الدِّيَةُ) لِتَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ (وَكَذَا لَوْ أَحْدَبَهُ) لِأَنَّهُ فَوَّتَ جَمَالًا عَلَى الْكَمَالِ وَهُوَ اسْتِوَاءُ الْقَامَةِ (فَلَوْ زَالَتْ الْحُدُوبَةُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِزَوَالِهَا لَا عَنْ أَثَرٍ.. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ وَالْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ عَلَى مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ وَقَوْلُهُ (وَهُوَ نَظِيرُ انْقِسَامِ دِيَةِ الْيَدِ عَلَى الْأَصَابِعِ) يَعْنِي أَنَّ عُشْرَ الدِّيَةِ الْوَاجِبَ بِإِزَاءِ كُلِّ أُصْبُعٍ إنَّمَا هُوَ بِمُقَابَلَةِ مَفَاصِلِهَا، فَمَا فِيهِ ثَلَاثَةُ مَفَاصِلَ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهَا ثُلُثُهُ، وَمَا فِيهِ مَفْصِلَانِ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُهُ. وَقَوْلُهُ (وَالْأَسْنَانُ وَالْأَضْرَاسُ كُلُّهَا سَوَاءٌ) قَالُوا: فِيهِ نَظَرٌ. وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: وَالْأَسْنَانُ كُلُّهَا سَوَاءٌ، أَوْ يُقَالَ: وَالْأَنْيَابُ وَالْأَضْرَاسُ كُلُّهَا سَوَاءٌ، لِأَنَّ السِّنَّ اسْمُ جِنْسٍ يَدْخُلُ تَحْتَهُ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ: أَرْبَعٌ مِنْهَا ثَنَايَا وَهِيَ الْأَسْنَانُ الْمُتَقَدِّمَةُ اثْنَتَانِ فَوْقُ وَاثْنَتَانِ أَسْفَلُ، وَمِثْلُهَا رَبَاعِيَاتٌ وَهِيَ مَا يَلِي الثَّنَايَا، وَمِثْلُهَا أَنْيَابٌ تَلِي الرَّبَاعِيَاتِ، وَمِثْلُهَا ضَوَاحِكُ تَلِي الْأَنْيَابَ، وَاثْنَتَا عَشْرَةَ سِنًّا تُسَمَّى بِالطَّوَاحِنِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ثَلَاثٌ فَوْقُ وَثَلَاثٌ أَسْفَلُ، وَبَعْدَهَا سِنٌّ وَهِيَ آخِرُ الْأَسْنَانِ يُسَمَّى ضِرْسَ الْحُلُمِ لِأَنَّهُ يَنْبُتُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَقْتَ كَمَالِ الْعَقْلِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ الْأَسْنَانُ وَالْأَضْرَاسُ سَوَاءٌ لِعَوْدِهِ إلَى مَعْنَى أَنْ يُقَالَ الْأَسْنَانُ وَبَعْضُهَا سَوَاءٌ، فَإِذَا ضَرَبَ رَجُلٌ رَجُلًا حَتَّى سَقَطَتْ أَسْنَانُهُ كُلُّهَا كَانَتْ عَلَيْهِ دِيَةٌ وَثَلَاثَةٌ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ، وَهِيَ مِنْ الدَّرَاهِمِ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَلَيْسَ فِي الْبَدَنِ جِنْسُ عُضْوٍ يَجِبُ بِتَفْوِيتِهِ أَكْثَرُ مِنْ مِقْدَارِ الدِّيَةِ سِوَى الْأَسْنَانِ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ فَضَّلَ الطَّوَاحِنَ عَلَى الضَّوَاحِكِ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ خِلَافُ النَّصِّ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْمُتَعَلِّقَ) يَعْنِي الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ كُلِّ الدِّيَةِ هُوَ تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ لَا فَوَاتُ الصُّورَةِ. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ: أَنَّ فَوَاتَ الصُّورَةِ لَيْسَ مُتَعَلَّقَ وُجُوبِ الدِّيَةِ، بَلْ الْجَمَالُ أَيْضًا مَقْصُودٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَلْقِ الْحَاجِبَيْنِ وَاللِّحْيَةِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِاسْتِتْبَاعِهِ الْآخَرَ فَيَكُونُ الْحَصْرُ فِي غَيْرِ مَوْقِعِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْجَمَالَ مَقْصُودٌ فِي عُضْوٍ لَا يَكُونُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمَنْفَعَةُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ فَالْجَمَالُ تَابِعٌ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قَطَعَ الْيَدَ الشَّلَّاءَ تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ لَا الدِّيَةُ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْيَدِ لَمَّا كَانَ الْمَنْفَعَةَ لَمْ تَتَكَامَلْ الْجِنَايَةُ مِنْ حَيْثُ تَفْوِيتُ الْجَمَالِ، فَإِذَا اجْتَمَعَا جُعِلَ الْجَمَالُ تَابِعًا أَيْضًا، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ تَابِعًا عِنْدَ الِانْفِرَادِ فَلَأَنْ يَكُونَ تَابِعًا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ لِوُجُودِ الْمُسْتَتْبَعِ أَوْلَى. وَقَوْلُهُ (لِتَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ) يَعْنِي مَنْفَعَةَ النَّسْلِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ فَوَّتَ جَمَالًا عَلَى الْكَمَالِ) هُوَ اسْتِقَامَةُ الْقَامَةِ. قِيلَ وَفِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4] أَيْ مُنْتَصِبَ الْقَامَةِ وَهِيَ تَزُولُ بِالْحُدُوبَةِ

[فصل في الشجاج]

(فَصْلٌ فِي الشِّجَاجِ) قَالَ (الشِّجَاجُ عَشْرَةٌ: الْحَارِصَةُ) وَهِيَ الَّتِي تَحْرِصُ الْجِلْدَ: أَيْ تَخْدِشُهُ وَلَا تُخْرِجُ الدَّمَ (وَالدَّامِعَةُ) وَهِيَ الَّتِي تُظْهِرُ الدَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الشِّجَاجِ] لَمَّا كَانَ الشِّجَاجُ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ مَا دُونَ النَّفْسِ وَتَكَاثَرَ مَسَائِلُهُ ذَكَرَهُ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ. قَالَ (الشِّجَاجُ عَشَرَةٌ) وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ قَطْعَ الْجِلْدِ لَا بُدَّ مِنْهُ لِلشَّجَّةِ، وَبَعْدَ الْقَطْعِ إمَّا أَنْ يَظْهَرَ الدَّمُ أَوْ لَا، الثَّانِي هُوَ الْحَارِصَةُ. وَالْأَوَّلُ إمَّا أَنْ يَسِيلَ الدَّمُ بَعْدَ

وَلَا تُسِيلُهُ كَالدَّمْعِ مِنْ الْعَيْنِ (وَالدَّامِيَةُ) وَهِيَ الَّتِي تُسِيلُ الدَّمَ (وَالْبَاضِعَةُ) وَهِيَ الَّتِي تَبْضَعُ الْجِلْدَ أَيْ تَقْطَعُهُ (وَالْمُتَلَاحِمَةُ) وَهِيَ الَّتِي تَأْخُذُ فِي اللَّحْمِ (وَالسِّمْحَاقُ) وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى السِّمْحَاقِ وَهِيَ جَلْدَةٌ رَقِيقَةٌ بَيْنَ اللَّحْمِ وَعَظْمِ الرَّأْسِ (وَالْمُوضِحَةُ) وَهِيَ الَّتِي تُوضِحُ الْعَظْمَ أَيْ تُبَيِّنُهُ (وَالْهَاشِمَةُ) وَهِيَ الَّتِي تُهَشِّمُ الْعَظْمَ: أَيْ تَكْسِرُهُ (وَالْمُنَقِّلَةُ) وَهِيَ الَّتِي تُنَقِّلُ الْعَظْمَ بَعْدَ الْكَسْرِ: أَيْ تُحَوِّلُهُ (وَالْآمَّةُ) وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى أُمِّ الرَّأْسِ وَهُوَ الَّذِي فِيهِ الدِّمَاغُ. قَالَ: (فَفِي الْمُوضِحَةِ الْقِصَاصُ إنْ كَانَتْ عَمْدًا) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَى بِالْقِصَاصِ فِي الْمُوضِحَةِ» وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَنْتَهِيَ السِّكِّينُ إلَى الْعَظْمِ فَيَتَسَاوَيَانِ فَيَتَحَقَّقُ الْقِصَاصُ. قَالَ: (وَلَا قِصَاصَ فِي بَقِيَّةِ الشِّجَاجِ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ فِيهَا لِأَنَّهُ لَا حَدَّ يَنْتَهِي السِّكِّينُ إلَيْهِ، وَلِأَنَّ فِيمَا فَوْقَ الْمُوضِحَةِ كَسْرَ الْعَظْمِ وَلَا قِصَاصَ فِيهِ، وَهَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ: يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيمَا قَبْلَ الْمُوضِحَةِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ، إذْ لَيْسَ فِيهِ كَسْرُ الْعَظْمِ وَلَا خَوْفُ هَلَاكٍ غَالِبٍ فَيُسْبَرُ غَوْرُهَا بِمِسْبَارٍ ثُمَّ تُتَّخَذُ حَدِيدَةٌ بِقَدْرِ ذَلِكَ فَيُقْطَعُ بِهَا مِقْدَارُ مَا قَطَعَ فَيَتَحَقَّقُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ. قَالَ (وَفِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ حُكُومَةُ عَدْلٍ) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ وَلَا يُمْكِنُ إهْدَارُهُ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ بِحُكْمِ الْعَدْلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِظْهَارِ أَوْ لَا، وَالثَّانِي هُوَ الدَّامِعَةُ. وَالْأَوَّلُ إمَّا أَنْ يَقْطَعَ بَعْضَ اللَّحْمِ أَوْ لَا، وَالثَّانِي هُوَ الدَّامِيَةُ. وَالْأَوَّلُ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَطَعَ أَكْثَرَ اللَّحْمِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَظْمِ أَوْ لَا، وَالثَّانِي هُوَ الْبَاضِعَةُ. وَالْأَوَّلُ إمَّا أَنْ أَظْهَرَ الْجِلْدَةَ الرَّقِيقَةَ الْحَائِلَةَ بَيْنَ اللَّحْمِ وَالْعَظْمِ أَوْ لَا، وَالثَّانِي هُوَ الْمُتَلَاحِمَةُ. وَالْأَوَّلُ إمَّا أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْإِظْهَارِ أَوْ يَتَعَدَّى، وَالْأَوَّلُ هُوَ السِّمْحَاقُ، وَالثَّانِي إمَّا أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى إظْهَارِ الْعَظْمِ أَوْ لَا، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُوضِحَةُ، وَالثَّانِي إمَّا أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى كَسْرِ الْعَظْمِ أَوْ - لَا، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْهَاشِمَةُ، وَالثَّانِي إمَّا أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى نَقْلِ الْعَظْمِ وَتَحْوِيلِهِ مِنْ غَيْرِ وُصُولِهِ إلَى الْجِلْدَةِ الَّتِي بَيْنَ الْعَظْمِ وَالدِّمَاغِ أَوْ لَا، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُنَقِّلَةُ، وَالثَّانِي هُوَ الْآمَّةُ وَهِيَ الْعَاشِرَةُ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهَا وَهِيَ الدَّامِغَةُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، وَهِيَ الَّتِي تُخْرِجُ الدِّمَاغَ لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تَبْقَى بَعْدَهَا عَادَةً فَكَانَ ذَلِكَ قَتْلًا لَا شَجَّةً عَلَى مَا يَجِيءُ فِي الْكِتَابِ. وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ، فَقَدْ عُلِمَ بِالِاسْتِقْرَاءِ بِحَسَبِ الْآثَارِ أَنَّ الشِّجَاجَ لَا تَزِيدُ عَلَى مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ، وَقَدْ عُلِمَ بِذَلِكَ حَقِيقَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا، ثُمَّ ذَكَرَ الْحُكْمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ وَاضِحٌ. قَوْلُهُ (وَلِأَنَّ فِيمَا فَوْقَ الْمُوضِحَةِ) يُرِيدُ مَا هُوَ أَكْبَرُ شَجَّةٍ مِنْهَا وَهُوَ الْهَاشِمَةُ وَالْمُنَقِّلَةُ وَالْآمَّةُ. وَقَوْلُهُ (وَفِيمَا قَبْلَ الْمُوضِحَةِ) يُرِيدُ السِّتَّ الْمُتَقَدِّمَةَ عَلَيْهَا مِنْ الْحَارِصَةِ إلَى السِّمْحَاقِ.

وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ النَّخَعِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. قَالَ (وَفِي الْمُوضِحَةِ إنْ كَانَتْ خَطَأً نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَفِي الْهَاشِمَةِ عُشْرُ الدِّيَةِ، وَفِي الْمُنَقِّلَةِ عُشْرُ الدِّيَةِ وَنِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَفِي الْآمَّةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، فَإِنْ نَفَذَتْ فَهُمَا جَائِفَتَانِ فَفِيهِمَا ثُلُثَا الدِّيَةِ) لِمَا رُوِيَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْهَاشِمَةِ عَشْرٌ، وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَفِي الْآمَّةِ» وَيُرْوَى «الْمَأْمُومَةُ ثُلُثُ الدِّيَةِ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ» وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ حَكَمَ فِي جَائِفَةٍ نَفَذَتْ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ، وَلِأَنَّهَا إذَا نَفَذَتْ نَزَلَتْ مَنْزِلَةَ جَائِفَتَيْنِ إحْدَاهُمَا مِنْ جَانِبِ الْبَطْنِ وَالْأُخْرَى مِنْ جَانِبِ الظَّهْرِ وَفِي كُلِّ جَائِفَةٍ ثُلُثُ الدِّيَةِ فَلِهَذَا وَجَبَ فِي النَّافِذَةِ ثُلُثَا الدِّيَةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ جَعَلَ الْمُتَلَاحِمَةَ قَبْلَ الْبَاضِعَةِ وَقَالَ: هِيَ الَّتِي يَتَلَاحَمُ فِيهَا الدَّمُ وَيَسْوَدُّ. وَمَا ذَكَرْنَاهُ بَدْءًا مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهَذَا اخْتِلَافُ عِبَارَةٍ لَا يَعُودُ إلَى مَعْنًى وَحُكْمٍ. . وَبَعْدَ هَذَا شَجَّةٌ أُخْرَى تُسَمَّى الدَّامِغَةُ وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى الدِّمَاغِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمِسْبَارُ مَا يُسْبَرُ بِهِ الْجُرْحُ: أَيْ يُقَدَّرُ قَدْرُ غَوْرِهِ بِحَدِيدَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ مَا قَبْلَهَا وَهِيَ السِّتُّ الْمَذْكُورَةُ وَوُجُوبُ حُكُومَةِ عَدْلٍ فِيهَا إنَّمَا هُوَ عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِ الْأَصْلِ، وَأَمَّا عَلَى رِوَايَتِهِ فَقَدْ قَالَ: يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيمَا فَوْقَ الْمُوضِحَةِ. وَقَوْلُهُ (وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ) قَالَ فِي الْإِيضَاحِ: الْجَائِفَةُ مَا اتَّصَلَ إلَى الْجَوْفِ مِنْ الصَّدْرِ وَالْبَطْنِ وَالظَّهْرِ وَالْجَنْبَيْنِ، وَالِاسْمُ دَلِيلٌ عَلَيْهِ، وَمَا وَصَلَ مِنْ الرَّقَبَةِ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي إذَا وَصَلَ إلَيْهِ الشَّرَابُ كَانَ مُفَطِّرًا، وَمَا فَوْقَ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِجَائِفَةٍ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: فَعَلَى هَذَا ذُكِرَ الْجَائِفَةُ هُنَا فِي مَسَائِلِ الشِّجَاجِ وَقَعَ اتِّفَاقًا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الشِّجَاجَ تَخْتَصُّ بِالرَّأْسِ وَالْجَبْهَةِ وَالْوَجْهِ وَالذَّقَنِ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا اخْتِلَافُ عِبَارَةٍ لَا يَعُودُ إلَى مَعْنًى) يَعْنِي يَرْجِعُ إلَى مَأْخَذِ الِاشْتِقَاقِ، فَمُحَمَّدٌ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْمُتَلَاحِمَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْتَحَمَ الشَّيْئَانِ

وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهَا لِأَنَّهَا تَقَعُ قَتْلًا فِي الْغَالِبِ لَا جِنَايَةً مُقْتَصِرَةً مُنْفَرِدَةً بِحُكْمٍ عَلَى حِدَةٍ، ثُمَّ هَذِهِ الشِّجَاجُ تَخْتَصُّ بِالْوَجْهِ وَالرَّأْسِ لُغَةً، وَمَا كَانَ فِي غَيْرِ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ يُسَمَّى جِرَاحَةً، وَالْحُكْمُ مُرَتَّبٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ فِي الصَّحِيحِ، حَتَّى لَوْ تَحَقَّقَتْ فِي غَيْرِهِمَا نَحْوُ السَّاقِ وَالْيَدِ لَا يَكُونُ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ، وَإِنَّمَا تَجِبُ حُكُومَةُ الْعَدْلِ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِالتَّوْقِيفِ وَهُوَ إنَّمَا وَرَدَ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِمَا، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا وَرَدَ الْحُكْمُ فِيهَا لِمَعْنَى الشَّيْنِ الَّذِي يَلْحَقُهُ بِبَقَاءِ أَثَرِ الْجِرَاحَةِ، وَالشَّيْنُ يَخْتَصُّ بِمَا يَظْهَرُ مِنْهَا فِي الْغَالِبِ وَهُوَ الْعُضْوَانِ هَذَانِ لَا سِوَاهُمَا. وَأَمَّا اللَّحْيَانِ فَقَدْ قِيلَ لَيْسَا مِنْ الْوَجْهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، حَتَّى لَوْ وُجِدَ فِيهِمَا مَا فِيهِ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ لَا يَجِبُ الْمُقَدَّرُ. وَهَذَا لِأَنَّ الْوَجْهَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْمُوَاجِهَةِ، وَلَا مُوَاجِهَةَ لِلنَّاظِرِ فِيهِمَا إلَّا أَنَّ عِنْدَنَا هُمَا مِنْ الْوَجْهِ لِاتِّصَالِهِمَا بِهِ مِنْ غَيْرِ فَاصِلَةٍ، وَقَدْ يَتَحَقَّقُ فِيهِ مَعْنَى الْمُوَاجِهَةِ أَيْضًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا اتَّصَلَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، فَالْمُتَلَاحِمَةُ مَا تُظْهِرُ اللَّحْمَ وَلَا تَقْطَعُهُ، وَالْبَاضِعَةُ بَعْدَهَا لِأَنَّهَا تَقْطَعُهُ وَقَوْلُهُ (وَأَمَّا اللَّحْيَانِ) يُرِيدُ بِهِ الْعَظْمَ الَّذِي تَحْتَ الذَّقَنِ. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ تَحَقَّقَ فِيهِ مَعْنَى الْمُوَاجَهَةِ) قِيلَ عَلَيْهِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ غَسْلُهُمَا فَرْضًا فِي الطَّهَارَةِ. وَأُجِيبَ

[فصل وفي أصابع اليد نصف الدية]

وَقَالُوا: الْجَائِفَةُ تَخْتَصُّ بِالْجَوْفِ: جَوْفِ الرَّأْسِ أَوْ جَوْفِ الْبَطْنِ، وَتَفْسِيرُ حُكُومَةِ الْعَدْلِ عَلَى مَا قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ أَنْ يُقَوَّمَ مَمْلُوكًا بِدُونِ هَذَا الْأَثَرِ وَيُقَوَّمُ وَبِهِ هَذَا الْأَثَرُ، ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى تَفَاوُتِ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ نِصْفَ عُشْرِ الْقِيمَةِ يَجِبُ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَ رُبْعَ عُشْرِ فَرُبْعُ عُشْرٍ. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: يُنْظَرُ كَمْ مِقْدَارُ هَذِهِ الشَّجَّةِ مِنْ الْمُوضِحَةِ فَيَجِبُ بِقَدْرِ ذَلِكَ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ، لِأَنَّ مَا لَا نَصَّ فِيهِ يُرَدُّ إلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ. فَصْلٌ. قَالَ (وَفِي أَصَابِعِ الْيَدِ نِصْفُ الدِّيَةِ) لِأَنَّ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عُشْرُ الدِّيَةِ عَلَى مَا رَوَيْنَا، فَكَانَ فِي الْخَمْسِ نِصْفُ الدِّيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَنَّا تَرَكْنَا هَذِهِ الْحَقِيقَةَ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا إجْمَاعَ هَاهُنَا فَبَقِيَتْ الْعِبْرَةُ لِلْحَقِيقَةِ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى تَفَاوُتِ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ) مِثَالُهُ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِنْ غَيْرِ جِرَاحَةٍ تَبْلُغُ أَلْفًا وَمَعَ الْجِرَاحَةِ تَبْلُغُ تِسْعَمِائَةٍ عُلِمَ أَنَّ الْجِرَاحَةَ أَوْجَبَتْ نُقْصَانَ عُشْرِ قِيمَتِهِ فَأَوْجَبَتْ عُشْرَ الدِّيَةِ لِأَنَّ قِيمَةَ الْحُرِّ دِيَتُهُ. قَالَ قَاضِي خَانْ: وَالْفَتْوَى عَلَى هَذَا. وَقَوْلُهُ (يُنْظَرُ كَمْ مِقْدَارُ هَذِهِ الشَّجَّةِ مِنْ الْمُوضِحَةِ) بَيَانُهُ أَنَّ هَذِهِ الشَّجَّةَ لَوْ كَانَتْ بَاضِعَةً مَثَلًا فَإِنَّهُ يُنْظَرُ كَمْ مِقْدَارُ الْبَاضِعَةِ مِنْ الْمُوضِحَةِ، فَإِنْ كَانَ مِقْدَارُهَا ثُلُثَ الْمُوضِحَةِ وَجَبَ ثُلُثُ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ، وَإِنْ كَانَ رُبْعَ الْمُوضِحَةِ يَجِبُ رُبْعُ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ، وَإِنْ كَانَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْمُوضِحَةِ يَجِبُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ فَإِنَّهُ اعْتَبَرَ حُكُومَةَ الْعَدْلِ فِي الَّذِي قُطِعَ طَرَفُ لِسَانِهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَلَمْ يَعْتَبِرْ بِالْعَبِيدِ [فَصْلٌ وَفِي أَصَابِعِ الْيَدِ نِصْفُ الدِّيَةِ] (فَصْلٌ) لَمَّا كَانَتْ الْأَطْرَافُ دُونَ الرَّأْسِ وَلَهَا حُكْمٌ عَلَى حِدَةٍ ذَكَرَهَا فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ (فِي أَصَابِعِ الْيَدِ نِصْفُ الدِّيَةِ) لِأَنَّ فِي كُلِّ

وَلِأَنَّ فِي قَطْعِ الْأَصَابِعِ تَفْوِيتَ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ وَهُوَ الْمُوجِبُ عَلَى مَا مَرَّ (فَإِنْ قَطَعَهَا مَعَ الْكَفِّ فَفِيهِ أَيْضًا نِصْفُ الدِّيَةِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَفِي الْيَدَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَلِأَنَّ الْكَفَّ تَبَعٌ لِلْأَصَابِعِ لِأَنَّ الْبَطْشَ بِهَا (وَإِنْ قَطَعَهَا مَعَ نِصْفِ السَّاعِدِ فَفِي الْأَصَابِعِ وَالْكَفِّ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي الزِّيَادَةِ حُكُومَةُ عَدْلٍ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَعَنْهُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى أَصَابِعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ فَهُوَ تَبَعٌ لِلْأَصَابِعِ إلَى الْمَنْكِبِ وَإِلَى الْفَخِذِ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبُ فِي الْيَدِ الْوَاحِدَةِ نِصْفَ الدِّيَةِ، وَالْيَدُ اسْمٌ لِهَذِهِ الْجَارِحَةِ إلَى الْمَنْكِبِ فَلَا يُزَادُ عَلَى تَقْدِيرِ الشَّرْعِ وَلَهُمَا أَنَّ الْيَدَ آلَةٌ بَاطِشَةٌ وَالْبَطْشُ يَتَعَلَّقُ بِالْكَفِّ، وَالْأَصَابِعُ دُونَ الذِّرَاعِ فَلَمْ يَجْعَلْ الذِّرَاعَ تَبَعًا فِي حَقِّ التَّضْمِينِ وَلِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى أَنْ يَكُونَ تَبَعًا لِلْأَصَابِعِ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا عُضْوًا كَامِلًا وَلَا إلَى أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQأُصْبُعٍ عُشْرَ الدِّيَةِ عَلَى مَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا مَرَّ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ

يَكُونَ تَبَعًا لِلْكَفِّ لِأَنَّهُ تَابِعٌ وَلَا تَبَعَ لِلتَّبَعِ. قَالَ: (وَإِنْ قَطَعَ الْكَفَّ مِنْ الْمِفْصَلِ وَفِيهَا أُصْبُعٌ وَاحِدَةٌ فَفِيهِ عُشْرُ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَ أُصْبُعَيْنِ فَالْخُمُسُ، وَلَا شَيْءَ فِي الْكَفِّ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يُنْظَرُ إلَى أَرْشِ الْكَفِّ وَالْأُصْبُعِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَيَدْخُلُ الْقَلِيلُ فِي الْكَثِيرِ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَرْشَيْنِ لِأَنَّ الْكُلَّ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَلَا إلَى إهْدَارِ أَحَدِهِمْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْلٌ مِنْ وَجْهٍ فَرَجَّحْنَا بِالْكَثْرَةِ. وَلَهُ أَنَّ الْأَصَابِعَ أَصْلٌ وَالْكَفُّ تَابِعٌ حَقِيقَةً وَشَرْعًا، لِأَنَّ الْبَطْشَ يَقُومُ بِهَا، وَأَوْجَبَ الشَّرْعُ فِي أُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، وَالتَّرْجِيحُ مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ وَالْحُكْمُ أَوْلَى مِنْ التَّرْجِيحِ مِنْ حَيْثُ مِقْدَارُ الْوَاجِبِ (وَلَوْ كَانَ فِي الْكَفِّ ثَلَاثَةُ أَصَابِعَ يَجِبُ أَرْشُ الْأَصَابِعِ وَلَا شَيْءَ فِي الْكَفِّ بِالْإِجْمَاعِ) لِأَنَّ الْأَصَابِعَ أُصُولٌ فِي التَّقْوِيمِ، وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ فَاسْتَتْبَعَتْ الْكَفَّ، كَمَا إذَا كَانَتْ الْأَصَابِعُ قَائِمَةً بِأَسْرِهَا. قَالَ (وَفِي الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ حُكُومَةُ عَدْلٍ) تَشْرِيفًا لِلْآدَمِيِّ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ يَدِهِ، وَلَكِنْ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ وَلَا زِينَةَ (وَكَذَلِكَ السِّنُّ الشَّاغِيَةُ) لِمَا قُلْنَا. (وَفِي عَيْنِ الصَّبِيِّ وَذَكَرِهِ وَلِسَانِهِ إذَا لَمْ تُعْلَمْ صِحَّتُهُ حُكُومَةُ عَدْلٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِأَنَّ فِي قَطْعِ الْكُلِّ تَفْوِيتَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ إلَخْ. وَقَوْلُهُ (وَلَا تَبَعَ لِلتَّبَعِ) يَعْنِي وَإِذَا لَمْ يَكُنْ تَبَعًا لِلْأَصَابِعِ وَلَا لِلْكَفِّ وَجَبَ اعْتِبَارُهُ عَلَى حِدَةٍ إذْ لَا وَجْهَ لِإِهْدَارِهِ، وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ مِنْ الشَّارِعِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ فَيَجِبُ فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ. وَأُجِيبَ عَنْ قَوْلِهِ وَالْيَدُ اسْمٌ لِهَذِهِ الْجَارِحَةِ بِالْمَنْعِ، فَإِنَّ الْيَدَ إذَا ذُكِرَتْ فِي مَوْضِعِ الْقَطْعِ فَالْمُرَادُ بِهِ مِنْ مَفْصِلِ الزَّنْدِ كَمَا فِي آيَةِ السَّرِقَةِ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ قَطَعَ الْكَفَّ مِنْ الْمَفْصِلِ) وَاضِحٌ (وَقَوْلُهُ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ وَالْحُكْمُ أَوْلَى مِنْ التَّرْجِيحِ مِنْ حَيْثُ مِقْدَارُ الْوَاجِبِ) يَعْنِي أَنَّ التَّرْجِيحَ مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ وَالشَّرْعُ، أَمَّا مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ فَهُوَ أَنَّ الْبَطْشَ بِالْأَصَابِعِ، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ فَلِأَنَّ الْأُصْبُعَ لَهُ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ وَالْكَفُّ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَمَا ثَبَتَ فِيهِ التَّقْدِيرُ شَرْعًا فَهُوَ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ، وَمَا لَا تَقْدِيرَ فِيهِ شَرْعًا فَهُوَ ثَابِتٌ بِالرَّأْيِ، وَهُوَ لَا يُعَارِضُ النَّصَّ فَكَانَ مَا ثَبَتَ فِيهِ التَّقْدِيرُ نَصًّا أَوْلَى، فَإِنَّ الْمَصِيرَ إلَى الرَّأْيِ ضَرُورَةٌ وَلَا ضَرُورَةَ عِنْدَ إمْكَانِ إيجَابِ الْأَرْشِ الْمُقَدَّرِ شَرْعًا. وَلَمَّا كَانَ الِاعْتِبَارُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِتَقْدِيرِ الشَّرْعِ نَصًّا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي مِنْ الْأَصَابِعِ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّ لِلْأُصْبُعِ الْوَاحِدَةِ أَرْشًا مُقَدَّرًا فَيُجْعَلُ الْكَفُّ تَبَعًا لِلْأُصْبُعِ الْوَاحِدَةِ، وَكَذَا الْمَفْصِلُ الْوَاحِدُ مِنْ الْأُصْبُعِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ لَهُ أَرْشًا مُقَدَّرًا، وَمَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْأَصْلِ وَإِنْ قَلَّ فَلَا حُكْمَ لِلتَّبَعِ. وَقَوْلُهُ (فِي الْأُصْبُعِ الزَّائِدِ حُكُومَةُ عَدْلٍ) يَعْنِي سَوَاءٌ قُطِعَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، وَسَوَاءٌ كَانَ لِلْقَاطِعِ أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ أَوْ لَا، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فَلِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى قَطْعِ أُصْبُعٍ أُخْرَى فَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ، كَمَنْ قَطَعَ إبْهَامَ إنْسَانٍ وَلَيْسَ لَهُ إبْهَامٌ وَلِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي الْقِيمَةِ شَرْطُ جَرَيَانِ الْقِصَاصِ وَلَمْ تُوجَدْ لِأَنَّ قِيمَةَ الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَقِيمَةُ الْأُصْبُعِ الْغَيْرِ الزَّائِدَةِ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا فِي الْقِيمَةِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ لَهُ أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ فَلِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي الْقِيمَةِ يَقِينًا شَرْطُ جَرَيَانِ الْقِصَاصِ وَلَمْ يُوجَدْ لِمَا قُلْنَا إنَّ الْوَاجِبَ فِي قَطْعِ الزَّائِدِ حُكُومَة عَدْلٍ وَهِيَ تُعْرَفُ بِالْقِيمَةِ وَالْقِيمَةُ تُعْرَفُ بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ فَلَا يَقِينَ ثَمَّةَ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ يَدِهِ وَلَكِنْ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ وَلَا زِينَةَ) قِيلَ عَلَيْهِ إنَّهُ مَنْقُوضٌ بِمَا إذَا كَانَ فِي ذَقَنِ رَجُلٍ شَعِيرَاتٌ مَعْدُودَةٌ فَأَزَالَهَا رَجُلٌ وَلَمْ يَنْبُتْ مِثْلُهَا فَإِنَّهُ لَمْ يَجِبْ حُكُومَة عَدْلٌ وَإِنْ كَانَ الشَّعْرُ جُزْءًا مِنْ الْآدَمِيِّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ إزَالَةَ جُزْءِ الْآدَمِيِّ إنَّمَا تُوجِبُ حُكُومَةَ عَدْلٍ إذَا بَقِيَ مِنْ أَثَرِهِ مَا يَشِينُهُ كَمَا فِي قَطْعِ الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةَ، وَإِزَالَةُ الشَّعَرَاتِ تُزَيِّنُهُ لَا تَشِينُهُ فَلَا تُوجِبُهَا، كَمَا لَوْ قَصَّ ظُفْرَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ السِّنُّ الشَّاغِيَةُ) أَيْ الزَّائِدَةُ (لِمَا قُلْنَا) يُرِيدُ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ يَدِهِ،

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَجِبُ فِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ الصِّحَّةُ فَأَشْبَهَ قَطْعَ الْمَارِنِ وَالْأُذُنِ. وَلَنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ الْمَنْفَعَةُ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ صِحَّتُهَا لَا يَجِبُ الْأَرْشُ الْكَامِلُ بِالشَّكِّ، وَالظَّاهِرُ لَا يَصْلُحُ حَجَّةً لِلْإِلْزَامِ بِخِلَافِ الْمَارِنِ وَالْأُذُنِ الشَّاخِصَةِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْجَمَالُ وَقَدْ فَوَّتَهُ عَلَى الْكَمَالِ (وَكَذَا لَوْ اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَلَامٍ وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ صَوْتٍ وَمَعْرِفَةُ الصِّحَّةِ فِيهِ بِالْكَلَامِ وَفِي الذَّكَرِ بِالْحَرَكَةِ وَفِي الْعَيْنِ بِمَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى النَّظَرِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ بَعْدَ ذَلِكَ حُكْمَ الْبَالِغِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ. قَالَ: (وَمَنْ شَجَّ رَجُلًا فَذَهَبَ عَقْلُهُ أَوْ شَعْرُ رَأْسِهِ دَخَلَ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي الدِّيَةِ) لِأَنَّ بِفَوَاتِ الْعَقْلِ تَبْطُلُ مَنْفَعَةُ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَوْضَحَهُ فَمَاتَ، وَأَرْشُ الْمُوضِحَةِ يَجِبُ بِفَوَاتِ جُزْءٍ مِنْ الشَّعْرِ، حَتَّى لَوْ نَبَتَ يَسْقُطُ، وَالدِّيَةُ بِفَوَاتِ كُلِّ الشَّعْرِ وَقَدْ تَعَلَّقَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ فَدَخَلَ الْجُزْءُ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا إذَا قَطَعَ أُصْبُعَ رَجُلٍ فَشُلَّتْ يَدُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ السِّنَّ جُزْءٌ مِنْ فَمِهِ وَالسِّنُّ الشَّاغِيَةُ هِيَ الَّتِي يُخَالِفُ نَبْتُهَا نَبْتَ غَيْرِهَا مِنْ الْأَسْنَانِ: يُقَالُ رَجُلٌ أَشْغَى وَامْرَأَةٌ شَغْوَاءُ، فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ زَائِدَةً فَهِيَ نُقْصَانٌ مَعْنًى وَقَوْلُهُ (وَالظَّاهِرُ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلْإِلْزَامِ) إنَّمَا قَيَّدَ بِالْإِلْزَامِ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الظَّاهِرِ يَصْلُحُ حُجَّةً لِغَيْرِ الْإِلْزَامِ، حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ صَغِيرًا لَا يُعْلَمُ صِحَّةُ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ مِنْهُ يَقِينًا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ الْغَالِبَ هُوَ السَّلَامَةُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَبْلُ فِي قَوْلِهِ وَيَجْزِيهِ رَضِيعٌ قَالَ (وَمَنْ شَجَّ رَجُلًا فَذَهَبَ عَقْلُهُ أَوْ شَعْرُ رَأْسِهِ) فِي هَذَا بَيَانُ أَنَّ الْجُزْءَ قَدْ يَدْخُلُ فِي الْكُلِّ قَوْلُهُ (فَصَارَ كَمَا إذَا أَوْضَحَهُ فَمَاتَ) يَعْنِي مِنْ حَيْثُ إنَّ ذَهَابَ الْعَقْلِ فِي مَعْنَى تَبْدِيلِ النَّفْسِ وَإِلْحَاقِهِ بِالْبَهَائِمِ أَوْ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَقْلَ لَيْسَ فِي مَوْضِعٌ يُشَارُ إلَيْهِ فَصَارَ كَالرُّوحِ لِلْجَسَدِ. وَقَوْلُهُ (وَأَرْشُ الْمُوضِحَةِ يَجِبُ بِفَوَاتِ جُزْءٍ مِنْ الشَّعْرِ) لِبَيَانِ الْجُزْئِيَّةِ. وَقَوْلُهُ (حَتَّى لَوْ نَبَتَ) يَعْنِي الشَّعْرَ (يَسْقُطُ) يَعْنِي أَرْشُ الْمُوضِحَةِ لِبَيَانِ أَنَّ الْأَرْشَ يَجِبُ بِالْفَوَاتِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَلَيْسَ بِمُفْتَقَرٍ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ تَعَلَّقَا) يَعْنِي أَرْشَ الْمُوضِحَةِ وَالدِّيَةَ (بِسَبَبٍ وَاحِدٍ) وَهُوَ فَوَاتُ الشَّعْرِ لَكِنَّ سَبَبَ الدِّيَةِ الْكُلُّ فَدَخَلَ

وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَدْخُلُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جِنَايَةٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَلَا يَتَدَاخَلَانِ كَسَائِرِ الْجِنَايَاتِ. وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ. قَالَ (وَإِنْ ذَهَبَ سَمْعُهُ أَوْ بَصَرُهُ أَوْ كَلَامُهُ فَعَلَيْهِ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ مَعَ الدِّيَةِ) قَالُوا: هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الشَّجَّةَ تَدْخُلُ فِي دِيَةِ السَّمْعِ وَالْكَلَامِ وَلَا تَدْخُلُ فِي دِيَةِ الْبَصَرِ. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جِنَايَةٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَالْمَنْفَعَةُ مُخْتَصَّةٌ بِهِ فَأَشْبَهَ الْأَعْضَاءَ الْمُخْتَلِفَةَ، بِخِلَافِ الْعَقْلِ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ عَائِدَةٌ إلَى جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجُزْءُ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا إذَا قَطَعَ إصْبَعَ رَجُلٍ فَشُلَّتْ يَدُهُ. وَقَوْلُهُ (وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ) قِيلَ يَعْنِي بِهِ قَوْلَهُ لِأَنَّ بِفَوَاتِ الْعَقْلِ تَبْطُلُ مَنْفَعَةُ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ. وَقِيلَ قَوْلُهُ وَقَدْ تَعَلَّقَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَشْمَلُ مِنْ الْأَوَّلِ. وَقَوْلُهُ (قَالُوا) يَعْنِي الْمَشَايِخَ (هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: ذِكْرُ أَبِي يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَعَ سَهْوًا لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِجَمِيعِ رِوَايَاتِ الْكُتُبِ الْمُتَدَاوَلَةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ مُحَمَّدًا مَكَانَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا هُوَ فِي الْإِيضَاحِ، أَوْ لَا يَذْكُرَ أَحَدًا أَصْلًا كَمَا هُوَ رِوَايَةُ الْمَبْسُوطِ وَشُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالذَّخِيرَةِ وَالْمُغْنِي، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ إذَا كَانَ خَطَأً، وَأَمَّا إذَا كَانَ عَمْدًا يَجِبُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ وَدِيَةُ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الشَّجَّةِ وَالدِّيَةُ فِي السَّمْعِ وَالْبَصَرِ. وَقَوْلُهُ (وَجْهُ الْأَوَّلِ) هُوَ أَنَّ أَرْشَ الْمُوضِحَةِ لَا يَدْخُلُ فِي الدِّيَةِ الْوَاجِبَةِ بِذَهَابِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْكَلَامِ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا بَيَّنَّا) يَعْنِي قَوْلَهُ لِأَنَّ بِفَوَاتِ الْعَقْلِ تَبْطُلُ مَنْفَعَةُ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ

وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ السَّمْعَ وَالْكَلَامَ مُبْطَنٌ فَيُعْتَبَرُ بِالْعَقْلِ، وَالْبَصَرُ ظَاهِرٌ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ. قَالَ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَمَنْ شَجَّ رَجُلًا مُوضِحَةً فَذَهَبَتْ عَيْنَاهُ فَلَا قِصَاصَ فِي ذَلِكَ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. قَالُوا: وَيَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ الدِّيَةُ فِيهِمَا (وَقَالَا: فِي الْمُوضِحَةِ الْقِصَاصُ) قَالُوا: وَيَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ الدِّيَةُ فِي الْعَيْنَيْنِ. قَالَ (وَإِنْ قَطَعَ أُصْبُعَ رَجُلٍ مِنْ الْمِفْصَلِ الْأَعْلَى فَشُلَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْأُصْبُعِ أَوْ الْيَدِ كُلِّهَا لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ) وَيَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ الدِّيَةُ فِي الْمِفْصَلِ الْأَعْلَى وَفِيمَا بَقِيَ حُكُومَةُ عَدْلٍ (وَكَذَلِكَ لَوْ كَسَرَ سِنَّ رَجُلٍ فَاسْوَدَّ مَا بَقِيَ) وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا وَيَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ الدِّيَةُ فِي السِّنِّ كُلِّهِ (وَلَوْ قَالَ: اقْطَعْ الْمِفْصَلَ وَاتْرُكْ مَا يَبِسَ أَوْ اكْسِرْ الْقِدْرَ الْمَكْسُورَ وَاتْرُكْ الْبَاقِيَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ) لِأَنَّ الْفِعْلَ فِي نَفْسِهِ مَا وَقَعَ مُوجِبًا لِلْقَوَدِ فَصَارَ كَمَا لَوْ شَجَّهُ مُنَقِّلَةً فَقَالَ: أَشُجُّهُ مُوضِحَةً أَتْرُكُ الزِّيَادَةَ. لَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ الْفِعْلَ فِي مَحَلَّيْنِ فَيَكُونُ جِنَايَتَيْنِ مُبْتَدَأَتَيْنِ فَالشُّبْهَةُ فِي إحْدَاهُمَا لَا تَتَعَدَّى إلَى الْأُخْرَى، كَمَنْ رَمَى إلَى رَجُلٍ عَمْدًا فَأَصَابَهُ وَنَفَذَ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ فَقَتَلَهُ يَجِبُ الْقَوَدُ فِي الْأَوَّلِ وَالدِّيَةُ فِي الثَّانِي. وَلَهُ أَنَّ الْجِرَاحَةَ الْأُولَى سَارِيَةٌ وَالْجَزَاءُ بِالْمِثْلِ، وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ السَّارِي فَيَجِبُ الْمَالُ، وَلِأَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ حَقِيقَةً وَهُوَ الْحَرَكَةُ الْقَائِمَةُ، وَكَذَا الْمَحَلُّ مُتَّحِدٌ مِنْ وَجْهِ لِاتِّصَالٍ أَحَدِهِمَا بِالْآخِرِ فَأَوْرَثَتْ نِهَايَتُهُ شُبْهَةَ الْخَطَأِ فِي الْبِدَايَةِ، بِخِلَافِ النَّفْسَيْنِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ مِنْ سِرَايَةِ صَاحِبِهِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ السِّكِّينُ عَلَى الْأُصْبُعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَوَجْهُ الثَّانِي) يَعْنِي قَوْلَهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ السَّمْعَ وَالْكَلَامَ مُبْطَنٌ، قِيلَ يُرَادُ بِهِ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ بِحَيْثُ لَا تَتَرَسَّمُ فِيهَا الْمَعَانِي وَلَا يَقْدِرُ عَلَى نَظْمِ التَّكَلُّمِ، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ ذَلِكَ كَانَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَهَابِ الْعَقْلِ عَسِرًا جِدًّا، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ التَّكَلُّمَ بِالْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتِ فَفِي جَعْلِهِ مُبْطَنًا نَظَرٌ. وَقَوْلُهُ (وَقَالُوا) يَعْنِي الْمَشَايِخَ: أَيْ قَالَ الْمَشَايِخُ (يَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ الدِّيَةُ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْعَيْنَيْنِ (وَالْأَرْشُ فِي الْمُوضِحَةِ) وَقَالَا: فِي الْمُوضِحَةِ الْقِصَاصُ (قَالُوا) أَيْ الْمَشَايِخُ (وَيَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ الدِّيَةُ فِي الْعَيْنَيْنِ) وَقَوْلُهُ (لَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ) أَيْ فِيمَا إذَا شَجَّ رَجُلًا مُوضِحَةً فَذَهَبَتْ عَيْنَاهُ، قَالَا: يَجِبُ فِي الْمُوضِحَةِ الْقِصَاصُ وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ (وَلَهُ) أَيْ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ (أَنَّ الْجِرَاحَةَ الْأُولَى سَارِيَةٌ) وَالْجِرَاحَةُ الَّتِي تَعْمَلُ قِصَاصًا قَدْ لَا تَكُونُ سَارِيَةً إذْ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ فِعْلُ ذَلِكَ فَلَا يَكُون مِثْلًا لِلْأُولَى، وَلَا قِصَاصَ بِدُونِ الْمُمَاثَلَةِ (وَلِأَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ وَهُوَ الْحَرَكَةُ الْقَائِمَةُ) أَيْ الثَّابِتَةُ حَالَ الشَّجِّ (وَكَذَا الْمَحَلُّ) أَيْ مَحَلُّ الْجِنَايَتَيْنِ (وَاحِدٌ مِنْ وَجْهٍ لِاتِّصَالِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ) وَنِهَايَةُ الْجِنَايَةِ لَمْ تُوجِبْ الْقِصَاصَ بِالِاتِّفَاقِ فَيُورِثُ الشُّبْهَةَ فِي الْبِدَايَةِ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِهِمَا. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ النَّفْسَيْنِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا كَمَنْ رَمَى إلَى رَجُلٍ عَمْدًا فَأَصَابَهُ وَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ فَقَتَلَهُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّا جَعَلْنَا الْفِعْلَ وَاحِدًا مِنْ حَيْثُ إنَّ الثَّانِيَ حَصَلَ مِنْ سِرَايَةِ الْأَوَّلِ وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ السِّرَايَةَ إنَّمَا تَكُونُ بِتَعَاقُبِ الْآلَامِ وَهُوَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ. قَوْلُهُ (وَبِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ السِّكِّينُ عَلَى الْأُصْبُعِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: إذَا قَطَعَ أُصْبُعَ

لِأَنَّهُ لَيْسَ فِعْلًا مَقْصُودًا. قَالَ: (وَإِنْ قَطَعَ أُصْبُعًا فَشُلَّتْ إلَى جَنْبِهَا أُخْرَى فَلَا قِصَاصَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا هُمَا وَزُفَرُ وَالْحَسَنُ: يُقْتَصُّ مِنْ الْأُولَى وَفِي الثَّانِيَةِ أَرْشُهَا. وَالْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَدْ ذَكَرْنَاهُ. وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهُوَ مَا إذَا شُجَّ مُوضِحَةً فَذَهَبَ بَصَرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيهِمَا لِأَنَّ الْحَاصِلَ بِالسَّرَايَةِ مُبَاشَرَةً كَمَا فِي النَّفْسِ وَالْبَصَرُ يَجْرِي فِيهِ الْقِصَاصُ، بِخِلَافِ الْخِلَافِيَّةِ الْأَخِيرَةِ لِأَنَّ الشَّلَلَ لَا قِصَاصَ فِيهِ، فَصَارَ الْأَصْلُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ سِرَايَةَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ إلَى مَا يُمْكِنُ فِيهِ الْقِصَاصُ يُوجِبُ الِاقْتِصَاصَ كَمَا لَوْ آلَتْ إلَى النَّفْسِ وَقَدْ وَقَعَ الْأَوَّلُ ظُلْمًا. وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّ ذَهَابَ الْبَصَرِ بِطَرِيقِ التَّسْبِيبِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الشَّجَّةَ بَقِيَتْ مُوجِبَةً فِي نَفْسِهَا وَلَا قَوَدَ فِي التَّسْبِيبِ، بِخِلَافِ السِّرَايَةِ إلَى النَّفْسِ لِأَنَّهُ لَا تَبْقَى الْأُولَى فَانْقَلَبَتْ الثَّانِيَةُ مُبَاشَرَةً. قَالَ: (وَلَوْ كَسَرَ بَعْضَ السِّنِّ فَسَقَطَتْ فَلَا قِصَاصَ) إلَّا عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ (وَلَوْ أَوْضَحَهُ مُوضِحَتَيْنِ فَتَآكَلَتَا فَهُوَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ هَاتَيْنِ) . قَالَ: (وَلَوْ قَلَعَ سِنَّ رَجُلٍ فَنَبَتَتْ مَكَانَهَا أُخْرَى سَقَطَ الْأَرْشُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ: عَلَيْهِ الْأَرْشُ كَامِلًا) لِأَنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ تَحَقَّقَتْ وَالْحَادِثُ نِعْمَةٌ مُبْتَدَأَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى. وَلَهُ أَنَّ الْجِنَايَةَ انْعَدَمَتْ مَعْنًى فَصَارَ كَمَا إذَا قَلَعَ سِنَّ صَبِيٍّ فَنَبَتَتْ لَا يَجِبُ الْأَرْشُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَمْ يُفْتِ عَلَيْهِ مَنْفَعَةً وَلَا زِينَةً (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ) لِمَكَانِ الْأَلَمِ الْحَاصِلِ (وَلَوْ قَلَعَ سِنَّ غَيْرِهِ فَرَدَّهَا صَاحِبُهَا فِي مَكَانِهَا وَنَبَتَ عَلَيْهِ اللَّحْمُ فَعَلَى الْقَالِعِ الْأَرْشُ بِكَمَالِهِ) لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يُعْتَدُّ بِهِ إذْ الْعُرُوقُ لَا تَعُودُ (وَكَذَا إذَا قَطَعَ أُذُنَهُ فَأَلْصَقَهَا فَالْتَحَمَتْ) لِأَنَّهَا لَا تَعُودُ إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ. (وَمَنْ نَزَعَ سِنَّ رَجُلٍ فَانْتَزَعَ الْمَنْزُوعَةُ سِنُّهُ سِنَّ النَّازِعِ فَنَبَتَتْ سِنُّ الْأَوَّلِ فَعَلَى الْأَوَّلِ لِصَاحِبِهِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ) لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ اسْتَوْفَى بِغَيْرِ حَقٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــQرَجُلٍ عَمْدًا فَاضْطَرَبَ السِّكِّينُ وَوَقَعَ عَلَى أُصْبُعٍ أُخْرَى فَقَطَعَهَا يُقْتَصُّ لِلْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ، فَمَا بَالُ مَسْأَلَتِنَا لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ؟ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقَطْعَ الثَّانِي إنَّمَا لَمْ يُورِثْ الشُّبْهَةَ فِي الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مَقْصُودٌ، وَأَمَّا ذَهَابُ الْعَيْنِ بِالسِّرَايَةِ فَلَيْسَ بِفِعْلٍ مَقْصُودٍ. فَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ لَيْسَ فِعْلًا مَقْصُودًا) الضَّمِيرُ فِيهِ عَائِدٌ إلَى ذَهَابِ الْعَيْنِ بِالسِّرَايَةِ، وَبِهَذَا التَّوْجِيهِ يَنْدَفِعُ مَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ إنَّ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فَعَلَا مَقْصُودًا نَظَرًا، وَأَنَّ الصَّوَابَ مَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ مَقْصُودٌ وَلَكِنْ لَيْسَ مِنْ أَثَرِهِ، فَإِنَّهُ رَجَعَ الضَّمِيرُ إلَى الْفِعْلِ الثَّانِي فَاخْتَلَّ الْكَلَامُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فَرْقَيْنِ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ الدَّلِيلَيْنِ: الْأَوَّلُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي إلَى الثَّانِي (وَقَالَا وَزُفَرُ) تَرْكِيبٌ غَيْرُ جَائِزٍ، وَلَوْ قَالَ: وَقَالَا هُمَا وَزُفَرُ كَانَ صَوَابًا. وَقَوْلُهُ (وَالْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَدْ ذَكَرْنَاهُ آنِفًا) يُرِيدُ قَوْلَهُ وَمَنْ شَجَّ رَجُلًا مُوضِحَةً فَذَهَبَتْ عَيْنَاهُ إلَخْ. وَقَوْلُهُ (أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيهِمَا) أَيْ فِي الشَّجَّةِ وَذَهَابِ الْبَصَرِ، فَرَّقَ مُحَمَّدٌ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ ذَهَابِ الْبَصَرِ مِنْ الشَّجَّةِ وَبَيْنَ ذَهَابِ السَّمْعِ مِنْهَا فَأَوْجَبَ الْقِصَاصَ فِيهِمَا فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، لِأَنَّهُ لَوْ ذَهَبَ سَمْعُهُ بِفِعْلٍ مَقْصُودٍ بِأَنْ ضُرِبَ عَلَى رَأْسِهِ حَتَّى ذَهَبَ سَمْعُهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِتَعَذُّرِ اعْتِبَارِ الْمُسَاوَاةِ، بِخِلَافِ الْبَصَرِ فَإِنَّ ذَهَابَهُ إنْ كَانَ بِفِعْلٍ مَقْصُودٍ يَجِبُ الْقِصَاصُ فَكَذَلِكَ بِسِرَايَةِ الْمُوضِحَةِ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْخِلَافِيَّةِ الْأَخِيرَةِ) يَعْنِي قَوْلَهُ وَإِنْ قَطَعَ أُصْبُعًا فَشُلَّتْ إلَى جَنْبِهَا أُخْرَى. وَقَوْلُهُ (أَلَا يُرَى أَنَّ الشَّجَّةَ بَقِيَتْ مُوجِبَةً فِي نَفْسِهَا) حَتَّى وَجَبَ أَرْشُهَا مَعَ دِيَةِ الْعَيْنَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْقِصَاصُ فِي الْمُوضِحَةِ وَالْأَرْشُ فِي الْعَيْنَيْنِ عِنْدَهُمَا. وَقَوْلُهُ (فَتَآكَلَتَا) أَيْ صَارَتَا وَاحِدَةً بِالْأَكْلِ (فَهُوَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ) أَيْ الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ وَرِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ (عَنْ مُحَمَّدٍ) يَعْنِي لَا قِصَاصَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَفِيهِمَا الْقِصَاصُ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا قَلَعَ سِنَّ بَالِغٍ فَنَبَتَ مَكَانَهَا أُخْرَى يَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ) لِمَكَانِ الْأَلَمِ الْحَاصِلِ يُقَوَّمُ وَلَيْسَ بِهِ هَذَا الْأَلَمُ وَيُقَوَّمُ وَبِهِ هَذَا الْأَلَمُ، فَيَجِبُ مَا انْتَقَصَ مِنْهُ بِسَبَبِ الْأَلَمِ مِنْ الْقِيمَةِ. وَقَوْلُهُ (فَنَبَتَتْ سِنُّ الْأَوَّلِ) يَعْنِي بِغَيْرِ اعْوِجَاجٍ، وَإِنْ نَبَتَ مُعْوَجًّا تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ

لِأَنَّ الْمُوجِبَ فَسَادُ الْمَنْبَتِ وَلَمْ يَفْسُدْ حَيْثُ نَبَتَ مَكَانَهَا أُخْرَى فَانْعَدَمَتْ الْجِنَايَةُ، وَلِهَذَا يُسْتَأْنَى حَوْلًا بِالْإِجْمَاعِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُنْتَظَرَ الْيَأْسُ فِي ذَلِكَ لِلْقِصَاصِ، إلَّا أَنَّ فِي اعْتِبَارِ ذَلِكَ تَضْيِيعَ الْحُقُوقِ فَاكْتَفَيْنَا بِالْحَوْلِ لِأَنَّهُ تَنْبُتُ فِيهِ ظَاهِرًا، فَإِذَا مَضَى الْحَوْلُ وَلَمْ تَنْبُتْ قَضَيْنَا بِالْقِصَاصِ، وَإِذَا نَبَتَتْ تَبَيَّنَ أَنَّا أَخْطَأْنَا فِيهِ وَالِاسْتِيفَاءُ كَانَ بِغَيْرِ حَقٍّ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِلشُّبْهَةِ فَيَجِبُ الْمَالُ. قَالَ: (وَلَوْ ضَرَبَ إنْسَانٌ سِنَّ إنْسَانٍ فَتَحَرَّكَتْ يُسْتَأْنَى حَوْلًا) لِيَظْهَرَ أَثَرُ فِعْلِهِ (فَلَوْ أَجَّلَهُ الْقَاضِي سَنَةً ثُمَّ جَاءَ الْمَضْرُوبُ وَقَدْ سَقَطَتْ سِنُّهُ فَاخْتَلَفَا قَبْلَ السَّنَةِ فِيمَا سَقَطَ بِضَرْبِهِ فَالْقَوْلُ لِلْمَضْرُوبِ) لِيَكُونَ التَّأْجِيلُ مُفِيدًا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا شَجَّهُ مُوضِحَةً فَجَاءَ وَقَدْ صَارَتْ مُنَقِّلَةً فَاخْتَلَفَا حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الضَّارِبِ لِأَنَّ الْمُوضِحَةَ لَا تُورِثُ الْمُنَقِّلَةَ، أَمَّا التَّحْرِيكُ فَيُؤَثِّرُ فِي السُّقُوطِ فَافْتَرَقَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلِهَذَا يُسْتَأْنَى حَوْلًا) أَيْ يُؤَجَّلُ سَنَةً (بِالْإِجْمَاعِ) وَقَالَ فِي التَّتِمَّةِ: حَتَّى يَبْرَأُ مَوْضِعُ السِّنِّ لَا الْحَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ نَبَاتَ سِنِّ الْبَالِغِ نَادِرٌ فَلَا يُفِيدُ التَّأْجِيلُ قَبْلَهُ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ، وَإِنَّمَا الظَّاهِرُ مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ الْحَوْلَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَهَا تَأْثِيرٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِبَدَنِ الْإِنْسَانِ، فَلَعَلَّ فَصْلًا مِنْهَا يُوَافِقُ مِزَاجَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَيُؤَثِّرُ فِي إنْبَاتِهِ، وَلَكِنَّ قَوْلَهُ بِالْإِجْمَاعِ فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا: الِاسْتِينَاءُ حَوْلًا فِي فَصْلِ الْقَلْعِ فِي الْبَالِغِ وَالصَّغِيرِ جَمِيعًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي الْجِرَاحَاتِ كُلِّهَا يُسْتَأْنَى حَوْلًا» وَهُوَ كَمَا تَرَى يُنَافِي الْإِجْمَاعَ. وَقَوْلُهُ (فَاخْتَلَفَا قَبْلَ السَّنَةِ) أَيْ قَالَ الْمَضْرُوبُ إنَّمَا سَقَطَ سِنِّي بِضَرْبِك وَقَالَ الضَّارِبُ بِسَبَبٍ آخَرَ. وَقَوْلُهُ (لِيَكُونَ التَّأْجِيلُ مُفِيدًا) يَعْنِي أَنَّ التَّأْجِيلَ إنَّمَا كَانَ لِيَظْهَرَ عَاقِبَةُ الْأَمْرِ، فَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ كَانَ

(وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ بَعْدَ السَّنَةِ فَالْقَوْلُ لِلضَّارِبِ) لِأَنَّهُ يُنْكِرُ أَثَرَ فِعْلِهِ وَقَدْ مَضَى الْأَجَلُ الَّذِي وَقَّتَهُ الْقَاضِي لِظُهُورِ الْأَثَرِ فَكَانَ الْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ (وَلَوْ لَمْ تَسْقُطْ لَا شَيْءَ عَلَى الضَّارِبِ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تَجِبُ حُكُومَةُ الْأَلَمِ، وَسَنُبَيِّنُ الْوَجْهَيْنِ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلَوْ لَمْ تَسْقُطْ وَلَكِنَّهَا اسْوَدَّتْ يَجِبُ الْأَرْشُ فِي الْخَطَإِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَفِي الْعَمْدِ فِي مَالِهِ، وَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَضْرِبَهُ ضَرْبًا تَسْوَدُّ مِنْهُ (وَكَذَا إذَا كَسَرَ بَعْضَهُ وَاسْوَدَّ الْبَاقِي) لَا قِصَاصَ لِمَا ذَكَرْنَا (وَكَذَا لَوْ احْمَرَّ أَوْ اخْضَرَّ) وَلَوْ اصْفَرَّ فِيهِ رِوَايَتَانِ. قَالَ: (وَمَنْ شَجَّ رَجُلًا فَالْتَحَمَتْ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ وَنَبَتَ الشَّعْرُ سَقَطَ الْأَرْشُ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِزَوَالِ الشَّيْنِ الْمُوجِبِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجِبُ عَلَيْهِ أَرْشُ الْأَلَمِ وَهُوَ حُكُومَةُ عَدْلٍ، لِأَنَّ الشَّيْنَ إنْ زَالَ فَالْأَلَمُ الْحَاصِلُ مَا زَالَ فَيَجِبُ تَقْوِيمُهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا لَزِمَهُ الطَّبِيبُ وَثَمَنُ الدَّوَاءِ بِفِعْلِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ، إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: إنَّ الْمَنَافِعَ عَلَى أَصْلِنَا لَا تَتَقَوَّمُ إلَّا بِعَقْدٍ أَوْ بِشُبْهَةٍ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الْجَانِي فَلَا يَغْرَمُ شَيْئًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّأْجِيلُ وَعَدَمُهُ سَوَاءً. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي سُقُوطِ السِّنِّ بَعْدَ السَّنَةِ. وَقَوْلُهُ (وَسَنُبَيِّنُ الْوَجْهَيْنِ) أَيْ وَجْهَ قَوْلِهِ لَا شَيْءَ عَلَى الضَّارِبِ وَوَجْهَ حُكُومَةِ الْأَلَمِ. وَقَوْلُهُ (يَجِبُ الْأَرْشُ كَامِلًا) وَقَوْلُهُ (لِمَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي قَوْلَهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَضْرِبَهُ ضَرْبًا يَسْوَدُّ مِنْهُ، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَتْ السِّنُّ مِنْ الْأَضْرَاسِ الَّتِي لَا تُرَى أَوْ مِنْ الْأَسْنَانِ الَّتِي تُرَى. وَقَالُوا: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ عَلَى التَّفْصِيلِ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْأَضْرَاسِ فَالْمُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ كَمَالِ الْأَرْشِ فَقْدُ مَنْفَعَةِ الْمَضْغِ بِالِاسْوِدَادِ دُونَ الْجَمَالِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُرَى فَالْأَمْرُ بِالْعَكْسِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الِاصْفِرَارَ وَهُوَ كَالِاسْوِدَادِ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ يَجِبُ كَمَالُ الْأَرْشِ وَعِنْدَ آخَرِينَ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ جِنْسَ مَنْفَعَةِ السِّنِّ وَلَا فَوَّتَ الْجَمَالَ عَلَى الْكَمَالِ لِأَنَّ الصُّفْرَةَ قَدْ تَكُونُ لَوْنَ الْأَسْنَانِ فِي بَعْضِ الْإِنْسَانِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ فِيهِ نَوْعُ نَقْصٍ فَتَجِبُ الْحُكُومَةُ، بِخِلَافِ الْحُمْرَةِ وَالْخُضْرَةِ وَالسَّوَادِ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ لَوْنَ الْأَسْنَانِ بِحَالٍ فَكَانَ مُفَوِّتًا لِلْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ إذَا كَانَتْ بَادِيَةً. قَالَ (وَمَنْ شَجَّ رَجُلًا فَالْتَحَمَتْ) كَلَامُهُ ظَاهِرٌ، وَتَعْلِيلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ هُوَ الْمَوْعُودُ قُبَيْلَ هَذَا بِقَوْلِهِ وَسَنُبَيِّنُ الْوَجْهَيْنِ بَعْدَ هَذَا. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: إنَّ الْمَنَافِعَ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَالْأَلَمُ الْحَاصِلُ مَا زَالَ، وَعَنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّمَا لَزِمَهُ أَجْرُ الطَّبِيبِ وَوَجْهُهُ أَنَّ تَحَمُّلَ الْأَلَمِ مِنْ الْمَنَافِعِ وَمُعَالَجَةُ الطَّبِيبِ كَذَلِكَ، وَالْمَنَافِعُ عَلَى أَصْلِنَا لَا تَتَقَوَّمُ إلَّا بِعَقْدٍ كَالْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ وَالْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ، أَوْ بِشُبْهَتِهِ كَالْإِجَارَةِ

قَالَ: (وَمَنْ ضَرَبَ رَجُلًا مِائَةَ سَوْطٍ فَجَرَحَهُ فَبَرِئَ مِنْهَا فَعَلَيْهِ أَرْشُ الضَّرْبِ) مَعْنَاهُ: إذَا بَقِيَ أَثَرُ الضَّرْبِ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَبْقَ أَثَرُهُ فَهُوَ عَلَى اخْتِلَافٍ قَدْ مَضَى فِي الشَّجَّةِ الْمُلْتَحِمَةِ. قَالَ (وَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ خَطَأً ثُمَّ قَتَلَهُ خَطَأً قَبْلَ الْبُرْءِ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَسَقَطَ عَنْهُ أَرْشُ الْيَدِ) لِأَنَّ الْجِنَايَةَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَالْمُوجَبُ وَاحِدٌ وَهُوَ الدِّيَةُ وَإِنَّهَا بَدَلُ النَّفْسِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا فَدَخَلَ الطَّرَفُ فِي النَّفْسِ كَأَنَّهُ قَتَلَهُ ابْتِدَاءً. قَالَ: (وَمَنْ جَرَحَ رَجُلًا جِرَاحَةً لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ حَتَّى يَبْرَأَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُقْتَصُّ مِنْهُ فِي الْحَالِ اعْتِبَارًا بِالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُوجِبَ قَدْ قَدْ تَحَقَّقَ فَلَا يُعَطَّلُ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يُسْتَأْنَى فِي الْجِرَاحَاتِ سَنَةً» وَلِأَنَّ الْجِرَاحَاتِ يُعْتَبَرُ فِيهَا مَآلُهَا لَا حَالُهَا لِأَنَّ حُكْمَهَا فِي الْحَالِ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَلَعَلَّهَا تَسْرِي إلَى النَّفْسِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ قَتَلَ وَإِنَّمَا يَسْتَقِرُّ الْأَمْرُ بِالْبُرْءِ. قَالَ: (وَكُلُّ عَمْدٍ سَقَطَ الْقِصَاصُ فِيهِ بِشُبْهَةٍ فَالدِّيَةُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ، وَكُلُّ أَرْشٍ وَجَبَ بِالصُّلْحِ فَهُوَ فِي مَالِ الْقَاتِلِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَعْقِلُ الْعَوَاقِلُ عَمْدًا» الْحَدِيثُ. وَهَذَا عَمْدٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَاسِدَةِ وَالْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْجَانِي فَلَا يَغْرَمُ شَيْئًا وَقَوْلُهُ (وَمَنْ ضَرَبَ رَجُلًا إلَخْ) يَعْنِي إذَا ضَرَبَ رَجُلًا مِائَةَ سَوْطٍ فَجَرَحَهُ فَبَرِئَ مِنْهَا وَبَقِيَ أَثَرُ الضَّرْبِ فَعَلَيْهِ أَرْشُهُ، وَإِنْ لَمْ يَجْرَحْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ أَثَرُهُ فَهُوَ عَلَى اخْتِلَافٍ قَدْ مَضَى فِي الشَّجَّةِ الْمُلْتَحِمَةِ وَهُوَ سُقُوطُ الْأَرْشِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَوُجُوبُ أَرْشِ الْأَلَمِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَوُجُوبُ أُجْرَةِ الطَّبِيبِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْجِنَايَةَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ) لِكَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَطَأً، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَقْسَامُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَوْلُهُ (وَمَنْ جَرَحَ رَجُلًا جِرَاحَةً) وَاضِحٌ

غَيْرَ أَنَّ الْأَوَّلَ يَجِبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لِأَنَّهُ مَالٌ وَجَبَ بِالْقَتْلِ ابْتِدَاءً فَأَشْبَهَ شِبْهَ الْعَمْدِ. وَالثَّانِي يَجِبُ حَالًّا لِأَنَّهُ مَالٌ وَجَبَ بِالْعَقْدِ فَأَشْبَهَ الثَّمَنَ فِي الْبَيْعِ. قَالَ: (وَإِنْ قَتَلَ الْأَبُ ابْنَهُ عَمْدًا فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَجِبُ حَالَّةً لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَا يَجِبُ بِالْإِتْلَافِ يَجِبُ حَالًّا، وَالتَّأْجِيلُ لِلتَّخْفِيفِ فِي الْخَاطِئِ وَهَذَا عَامِدٌ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ، وَلِأَنَّ الْمَالَ وَجَبَ جَبْرًا لِحَقِّهِ، وَحَقُّهُ فِي نَفْسِهِ حَالٌّ فَلَا يَنْجَبِرُ بِالْمُؤَجَّلِ. وَلَنَا أَنَّهُ مَالٌ وَاجِبٌ بِالْقَتْلِ فَيَكُونُ مُؤَجَّلًا كَدِيَةِ الْخَطَإِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى تَقَوُّمَ الْآدَمِيِّ بِالْمَالِ لِعَدَمِ التَّمَاثُلِ، وَالتَّقْوِيمُ ثَبَتَ بِالشَّرْعِ وَقَدْ وَرَدَ بِهِ مُؤَجَّلًا لَا مُعَجَّلًا فَلَا يَعْدُلُ عَنْهُ لَا سِيَّمَا إلَى زِيَادَةٍ، وَلَمَّا لَمْ يَجُزْ التَّغْلِيطُ بِاعْتِبَارِ الْعَمْدِيَّةِ قَدْرًا لَا يَجُوزُ وَصْفًا (وَكُلُّ جِنَايَةٍ اعْتَرَفَ بِهَا الْجَانِي فَهِيَ فِي مَالِهِ وَلَا يَصْدُقُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) لِمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَتَعَدَّى الْمُقِرَّ لِقُصُورِ وِلَايَتِهِ عَنْ غَيْرِهِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْعَاقِلَةِ. قَالَ: (وَعَمْدُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ خَطَأٌ وَفِيهِ الدِّيَةُ) عَلَى الْعَاقِلَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ مَالٌ وَجَبَ بِالْقَتْلِ ابْتِدَاءً) يَعْنِي لَا بِعَقْدٍ يَحْدُثُ بَعْدُ. الْقَتْلُ كَالصُّلْحِ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا قَتَلَ الْأَبُ ابْنَهُ عَمْدًا) كَانَ حُكْمُهُ قَدْ عُلِمَ مِنْ الضَّابِطَةِ الْكُلِّيَّةِ لَكِنَّهُ ذَكَرَهُ لِبَيَانِ خِلَافِ الشَّافِعِيِّ. وَقَوْلُهُ (لَا سِيَّمَا إلَى زِيَادَةٍ) يَعْنِي الْمُعَجَّلَ فَإِنَّهُ زَائِدٌ عَلَى الْمُؤَجَّلِ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ فِي الْمَالِيَّةِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ، فَإِيجَابُ الْمَالِ حَالًّا بِالْقَتْلِ يَكُونُ زِيَادَةً عَلَى مَا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ، وَلَمَّا لَمْ يَجُزْ التَّغْلِيظُ بِاعْتِبَارِ الْعَمْدِيَّةِ قَدْرًا لَا يَجُوزُ وَصْفًا لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْقَدْرِ، وَقَوْلُهُ (لِمَا رَوَيْنَا) يَعْنِي قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا اعْتِرَافًا»

[فصل في الجنين]

وَكَذَلِكَ كُلُّ جِنَايَةٍ مُوجَبُهَا خَمْسُمِائَةٍ فَصَاعِدًا وَالْمَعْتُوهُ كَالْمَجْنُونِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عَمْدُهُ عَمْدٌ حَتَّى تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ حَالَّةً) لِأَنَّهُ عَمْدٌ حَقِيقَةً، إذْ الْعَمْدُ هُوَ الْقَصْدُ غَيْرَ أَنَّهُ تَخَلَّفَ عَنْهُ أَحَدُ حُكْمَيْهِ وَهُوَ الْقِصَاصُ فَيَنْسَحِبُ عَلَيْهِ حُكْمُهُ الْآخَرُ وَهُوَ الْوُجُوبُ فِي مَالِهِ، وَلِهَذَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِهِ، وَيَحْرُمُ عَنْ الْمِيرَاثِ عَلَى أَصْلِهِ لِأَنَّهُمَا يَتَعَلَّقَانِ بِالْقَتْلِ. وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ جَعَلَ عَقْلَ الْمَجْنُونِ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَقَالَ: عَمْدُهُ وَخَطَؤُهُ سَوَاءٌ، وَلِأَنَّ الصَّبِيَّ مَظِنَّةُ الْمَرْحَمَةِ، وَالْعَاقِلُ الْخَاطِئُ لَمَّا اسْتَحَقَّ التَّخْفِيفَ حَتَّى وَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَالصَّبِيُّ وَهُوَ أَعْذَرُ أَوْلَى بِهَذَا التَّخْفِيفِ. وَلَا نُسَلِّمُ تَحَقُّقَ الْعَمْدِيَّةِ فَإِنَّهَا تَتَرَتَّبُ عَلَى الْعِلْمِ وَالْعِلْمُ بِالْعَقْلِ، وَالْمَجْنُونُ عَدِيمُ الْعَقْلِ وَالصَّبِيُّ قَاصِرُ الْعَقْلِ فَأَنَّى يَتَحَقَّقُ مِنْهُمَا الْقَصْدُ وَصَارَ كَالنَّائِمِ. وَحِرْمَانُ الْمِيرَاثِ عُقُوبَةٌ، وَهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ وَالْكَفَّارَةُ كَاسْمِهَا سَتَّارَةٌ: وَلَا ذَنْبَ تَسْتُرُهُ لِأَنَّهُمَا مَرْفُوعَا الْقَلَمِ. قَالَ: (وَإِذَا ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَفِيهِ غُرَّةٌ وَهِيَ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (عَمْدُهُ) أَيْ عَمْدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَقَوْلُهُ (وَلِهَذَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِهِ) أَيْ بِالْمَالِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ التَّكْفِيرَ بِالصَّوْمِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا. وَقَوْلُهُ (وَيُحْرَمُ عَنْ الْمِيرَاثِ عَلَى أَصْلِهِ) أَيْ ثَبَتَ هَذَانِ الْحُكْمَانِ وَهُمَا وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ وَحِرْمَانُ الْمِيرَاثِ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ (لِأَنَّهُمَا يَتَعَلَّقَانِ بِالْقَتْلِ) فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّهُمَا مُطَالَبَانِ بِمُوجَبِ الْقَتْلِ، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا لَمَّا تَخَلَّفَ عَنْهُمَا أَحَدُ حُكْمَيْ الْقَتْلِ وَهُوَ الْقِصَاصُ يَنْسَحِبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ الْآخَرِ وَهُوَ وُجُوبُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ إذْ الْأَصْلُ ذَلِكَ [فَصْلٌ فِي الْجَنِينِ] عَقَّبَ أَحْكَامَ الْأَجْزَاءِ الْحَقِيقِيَّةِ أَحْكَامَ الْجُزْءِ الْحُكْمِيِّ وَهُوَ الْجَنِينُ لِكَوْنِهِ فِي حُكْمِ الْجُزْءِ مِنْ الْأُمِّ (وَإِذَا ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَفِيهِ غُرَّةٌ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ) غُرَّةُ الْمَالِ خِيَارُهُ كَالْفَرَسِ وَالْبَعِيرِ النَّجِيبِ، وَسُمِّيَ بَدَلُ الْجَنِينِ غُرَّةً لِأَنَّ

مَعْنَاهُ دِيَةُ الرَّجُلِ، وَهَذَا فِي الذَّكَرِ، وَفِي الْأُنْثَى عُشْرُ دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُتَيَقَّنْ بِحَيَاتِهِ، وَالظَّاهِرُ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «فِي الْجَنِينِ غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ قِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ» وَيُرْوَى " أَوْ خَمْسُمِائَةٍ " فَتَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِالْأَثَرِ، وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَاجِبَ عَبْدٌ وَالْعَبْدُ يُسَمَّى غُرَّةً. وَقِيلَ لِأَنَّ غُرَّةَ الشَّيْءِ أَوَّلُهُ وَغُرَّةُ الْجَنِينِ أَوَّلُ مِقْدَارٍ ظَهَرَ فِي بَابِ الدِّيَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (مَعْنَاهُ) أَيْ مَعْنَى قَوْلِهِ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ (دِيَةُ الرَّجُلِ، وَهَذَا فِي الذَّكَرِ وَفِي الْأُنْثَى عُشْرُ دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ) لِأَنَّ نِصْفَ الْعُشْرِ مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ هُوَ الْعُشْرُ مِنْ خَمْسَةِ آلَافٍ: وَالْقِيَاسُ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ بِيَقِينٍ، وَفِعْلُ الْقَتْلِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي مَحَلٍّ هُوَ حَيٌّ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ بِالشَّكِّ. فَإِنْ قِيلَ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ حَيٌّ أَوْ مُعَدٌّ لِلْحَيَاةِ. قُلْنَا: الظَّاهِرُ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ فِي جَنِينِ الْبَهِيمَةِ إلَّا نُقْصَانُ الْبَهِيمَةِ إنْ تَمَكَّنَ (وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «فِي الْجَنِينِ غُرَّةُ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ قِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ» وَيُرْوَى " أَوْ خَمْسُمِائَةٍ " فَتَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِالْأَثَرِ) رَوَى الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ أَنَّ زُفَرَ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ

حُجَّةٌ عَلَى مَنْ قَدَّرَهَا بِسِتِّمِائَةٍ نَحْوُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ (وَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ) عِنْدَنَا إذَا كَانَتْ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَالَ: فِيهِ غُرَّةُ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ فَقَالَ السَّائِلُ: وَلِمَ وَالْحَالُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنَّهُ مَاتَ بِضَرْبَةٍ أَوْ لَمْ تُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ، فَإِنْ مَاتَ بِضَرْبَةٍ تَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَإِنْ لَمْ تُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ، فَسَكَتَ زُفَرُ، فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ: أَعْتَقْتُك سَائِبَةً، فَجَاءَ زُفَرُ إلَى أَبِي يُوسُفَ فَسَأَلَهُ عَنْهُ فَأَجَابَهُ أَبُو يُوسُفَ بِمِثْلِ مَا أَجَابَ زُفَرُ. فَحَاجَّهُ بِمِثْلِ مَا حَاجَّهُ السَّائِلُ فَقَالَ: التَّعَبُّدُ التَّعَبُّدُ: أَيْ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُدْرَكَ بِالْعَقْلِ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَ زُفَرَ هُوَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَوْلُهُ وَجْهُ الْقِيَاسِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ رَجَعَ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ، وَالْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ مُقَدَّرَةٌ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ. قِيلَ وَإِنَّمَا بَيَّنَ الشَّارِعُ الْقِيمَةَ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ثُبُوتًا صَحِيحًا إلَّا مِنْ حَيْثُ اعْتِبَارُ صِفَةِ الْمَالِيَّةِ. وَقَوْلُهُ (إذَا كَانَ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ) قِيلَ قَيَّدَ بِهِ احْتِرَازًا عَنْ جَنِينِ الْأَمَةِ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ لَا تَبْلُغُ خَمْسَمِائَةٍ. وَرُدَّ بِأَنَّ مَا يَجِبُ فِي جَنِينُ الْأَمَةِ هُوَ فِي مَالِ الضَّارِبِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالْبُلُوغِ إلَى خَمْسِمِائَةٍ عَلَى مَا سَيَجِيءُ. وَقِيلَ لَعَلَّهُ وَقَعَ سَهْوًا مِنْ الْكَاتِبِ وَكَانَ فِي الْأَصْلِ إذْ كَانَ خَمْسَمِائَةٍ تَعْلِيلًا لِكَوْنِهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ.

وَقَالَ مَالِكٌ: فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْجُزْءِ. وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَضَى بِالْغُرَّةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ» ، وَلِأَنَّهُ بَدَلُ النَّفْسِ وَلِهَذَا سَمَّاهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دِيَةً حَيْثُ قَالَ " دُوهُ " وَقَالُوا: «أَنَدِي مَنْ لَا صَاحَ وَلَا اسْتَهَلَّ» الْحَدِيثُ، إلَّا أَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ مَا دُونَ خَمْسِمِائَةٍ. (وَتَجِبُ فِي سَنَةٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لِأَنَّهُ بَدَلُ النَّفْسِ وَلِهَذَا يَكُونُ مَوْرُوثًا بَيْنَ وَرَثَتِهِ. وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ: " بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَعَلَهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَةٍ " ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (فِي مَالِهِ) أَيْ فِي مَالِ الضَّارِبِ (لِأَنَّهُ بَدَلُ الْجُزْءِ) أَيْ جُزْءُ الْآدَمِيِّ فَصَارَ كَقَطْعِ أُصْبُعٍ مِنْ أَصَابِعِهِ. وَقَوْلُهُ (دُوهُ) أَيْ أَدُّوا دِيَتَهُ، أَمْرٌ لِمُخَاطَبٍ مِنْ الْوَدْيِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ حَدِيثُ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمِيمِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ قَالَ «كُنْت بَيْنَ جَارِيَتَيْنِ لِي فَضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا بَطْنَ صَاحِبَتِهَا بِعَمُودِ فُسْطَاطٍ أَوْ بِمُسَطَّحِ خَيْمَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا، فَاخْتَصَمَ أَوْلِيَاؤُهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَوْلِيَاءِ الضَّارِبَةِ: دُوهُ، فَقَالَ أَخُوهَا: أَنَدِي مَنْ لَا صَاحَ وَلَا اسْتَهَلَّ وَلَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ وَمِثْلُهُ دَمُهُ بَطَلَ؟ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَسَجْعٌ كَسَجْعِ الْكُهَّانِ وَفِي رِوَايَةٍ دَعْنِي وَأَرَاجِيزَ الْعَرَبِ قُومُوا فَدُوهُ» الْحَدِيثَ، فَفِيهِ التَّنْصِيصُ عَلَى إيجَابِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّ الْعَوَاقِلَ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْحَدِيثُ يَدُلُّ

وَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ بَدَلَ النَّفْسِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ نَفْسٌ عَلَى حِدَةٍ فَهُوَ بَدَلُ الْعُضْوِ مِنْ حَيْثُ الِاتِّصَالُ بِالْأُمِّ فَعَمِلْنَا بِالشَّبَهِ الْأَوَّلِ فِي حَقِّ التَّوْرِيثِ، وَبِالثَّانِي فِي حَقِّ التَّأْجِيلِ إلَى سَنَةٍ، لِأَنَّ بَدَلَ الْعُضْوِ إذَا كَانَ ثُلُثَ الدِّيَةِ أَوْ أَقَلَّ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الْعُشْرِ يَجِبُ فِي سَنَةٍ، بِخِلَافِ أَجْزَاءِ الدِّيَةِ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهَا عَلَى مَنْ وَجَبَ يَجِبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى أَنَّ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ قَلِيلَةً كَانَتْ أَوْ كَثِيرَةً وَأَنْتُمْ قَيَّدْتُمْ بِقَوْلِكُمْ إذَا كَانَتْ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَقَدْ عَلِمْت مَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ النَّظَرِ وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ بَدَلَ الْعُضْوِ إذَا كَانَ ثُلُثَ الدِّيَةِ أَوْ أَقَلَّ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الْعُشْرِ) هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا أَوْ أَكْثَرَ، وَفِي بَعْضِهَا وَأَكْثَرَ. قَالَ الشَّارِحُونَ: وَكِلَاهُمَا غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَكُونَ الْأَقَلُّ مِنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْعُشْرِ، وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ أَكْثَرَ صِفَةً لِأَقَلَّ أَوْ بَدَلًا مِنْهُ، وَلَعَلَّ الْعَطْفَ بِالْوَاوِ يُفِيدُ ذَلِكَ أَيْضًا. وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّ تَقْيِيدَهُ بِالْأَكْثَرِ لَيْسَ بِمُقَيَّدٍ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نِصْفَ الْعُشْرِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ أَجْزَاءِ الدِّيَةِ، لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهَا عَلَى مَنْ وَجَبَ يَجِبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) صُورَتُهُ أَنَّهُ يَشْتَرِكُ عِشْرُونَ رَجُلًا فِي قَتْلِ رَجُلٍ خَطَأً فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ

(وَيَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى) لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّ فِي الْحَيَّيْنِ إنَّمَا ظَهَرَ التَّفَاوُتُ لِتَفَاوُتِ مَعَانِي الْآدَمِيَّةِ وَلَا تَفَاوُتَ فِي الْجَنِينِ فَيُقَدَّرُ بِمِقْدَارٍ وَاحِدٍ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ. (فَإِنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ) لِأَنَّهُ أَتْلَفَ حَيًّا بِالضَّرْبِ السَّابِقِ (وَإِنْ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمُّ فَعَلَيْهِ دِيَةٌ بِقَتْلِ الْأُمِّ وَغُرَّةٌ بِإِلْقَائِهَا) وَقَدْ صَحَّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَى فِي هَذَا بِالدِّيَةِ وَالْغُرَّةِ» (وَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ مِنْ الضَّرْبَةِ ثُمَّ خَرَجَ الْجَنِينُ بَعْدَ ذَلِكَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَعَلَيْهِ دِيَةٌ فِي الْأُمِّ وَدِيَةٌ فِي الْجَنِينِ) لِأَنَّهُ قَاتِلُ شَخْصَيْنِ (وَإِنْ مَاتَتْ ثُمَّ أَلْقَتْ مَيِّتًا فَعَلَيْهِ دِيَةٌ فِي الْأُمِّ وَلَا شَيْءَ فِي الْجَنِينِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَجِبُ الْغُرَّةُ فِي الْجَنِينِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَوْتُهُ بِالضَّرْبِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَلْقَتْهُ مَيِّتًا وَهِيَ حَيَّةٌ. وَلَنَا أَنَّ مَوْتَ الْأُمِّ أَحَدُ سَبَبَيْ مَوْتِهِ لِأَنَّهُ يَخْتَنِقُ بِمَوْتِهَا إذْ تَنَفُّسُهُ بِتَنَفُّسِهَا فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ بِالشَّكِّ. قَالَ (وَمَا يَجِبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي الْمَعَاقِلِ. وَقَوْلُهُ (وَيَسْتَوِي فِيهِ) أَيْ فِي وُجُوبِ قَدْرِ الْغُرَّةِ بِأَنَّهُ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ قِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي الْجَنِينِ غُرَّةُ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ قِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ» وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ فِي الْحَيَّيْنِ) دَلِيلٌ مَعْقُولٌ عَلَى التَّسَاوِي بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِي الْوَلَدَيْنِ الْمُنْفَصِلَيْنِ فِي الدِّيَةِ لِتَفَاوُتِ مَعَانِي الْآدَمِيَّةِ فِي الْمَالِكِيَّةِ فَإِنَّ الذَّكَرَ مَالِكٌ مَالًا وَنِكَاحًا وَالْأُنْثَى مَالِكَةٌ مَالًا مَمْلُوكَةٌ نِكَاحًا فَكَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ فِيمَا هُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْآدَمِيَّةِ وَهُوَ مَعْدُومٌ فِي الْجَنِينِ فَيَتَقَدَّرُ بِمِقْدَارٍ وَاحِدٍ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ وَقَوْلُهُ (وَإِنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ) أَوَّلُ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ الْعَقْلِيَّةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ مَوْتِ أَحَدِهِمَا بَعْدَ الضَّرْبِ، وَهِيَ أَنَّ خُرُوجَ الْجَنِينِ مِنْ الْأُمِّ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ حَيَاتِهِمَا أَوْ فِي حَالِ مَمَاتِهِمَا أَوْ فِي حَالِ حَيَاةِ الْأُمِّ وَمَمَاتِ الْجَنِينِ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ، وَالْأَقْسَامُ مَعَ أَحْكَامِهَا مَذْكُورَةٌ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ بِالشَّكِّ) اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الشَّكَّ ثَابِتٌ فِيمَا إذَا أَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَوْتُ مِنْ الضَّرْبِ وَاحْتِمَالُ أَنَّهُ لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ، وَمَعَ ذَلِكَ وَجَبَ الضَّمَانُ وَهُوَ أَوَّلُ مَا ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْغُرَّةَ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ ثَبَتَتْ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَلَيْسَ مَا نَحْنُ فِيهِ فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّ فِيهِ الِاحْتِمَالَ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ وُجُوهٍ وَهِيَ احْتِمَالُ عَدَمِ نَفْخِ الرُّوحِ وَالْمَوْتُ بِسَبَبِ انْقِطَاعِ الْغِذَاءِ بِسَبَبِ مَوْتِ الْأُمِّ وَبِسَبَبِ تَخْنِيقِ الرَّحِمِ وَغَمِّ الْبَطْنِ فَلَا يَلْحَقُ بِذَلِكَ لَا قِيَاسًا وَلَا دَلَالَةً فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ وَهُوَ عَدَمُ وُجُوبِ الضَّمَانِ. قَالَ (وَمَا يَجِبُ

فِي الْجَنِينِ مَوْرُوثٌ عَنْهُ) لِأَنَّهُ بَدَلُ نَفْسِهِ فَيَرِثُهُ وَرَثَتُهُ (وَلَا يَرِثُهُ الضَّارِبُ، حَتَّى لَوْ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَتِهِ فَأَلْقَتْ ابْنَهُ مَيِّتًا فَعَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ غُرَّةٌ وَلَا يَرِثُ مِنْهَا) لِأَنَّهُ قَاتِلٌ بِغَيْرِ حَقٍّ مُبَاشَرَةً وَلَا مِيرَاثَ لِلْقَاتِلِ. قَالَ: (وَفِي جَنِينِ الْأَمَةِ إذَا كَانَ ذَكَرًا نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا وَعُشْرُ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ أُنْثَى) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِيهِ عُشْرُ قِيمَةِ الْأُمِّ، لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ وَجْهٍ، وَضَمَانُ الْأَجْزَاءِ يُؤْخَذُ مِقْدَارُهَا مِنْ الْأَصْلِ. وَلَنَا أَنَّهُ بَدَلُ نَفْسِهِ لِأَنَّ ضَمَانَ الطَّرَفِ لَا يَجِبُ إلَّا عِنْدَ ظُهُورِ النُّقْصَانِ، وَلَا مُعْتَبَرَ فِي ضَمَانِ الْجَنِينِ فَكَانَ بَدَلَ نَفْسِهِ فَيُقَدَّرُ بِهَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجِبُ ضَمَانُ النُّقْصَانِ لَوْ انْتَقَصَتْ الْأُمُّ اعْتِبَارًا بِجَنِينِ الْبَهَائِمِ، وَهَذَا لِأَنَّ الضَّمَانَ فِي قَتْلِ الرَّقِيقِ ضَمَانُ مَالٍ عِنْدَهُ عَلَى مَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَصَحَّ الِاعْتِبَارُ عَلَى أَصْلِهِ. قَالَ (فَإِنْ ضُرِبَتْ فَأَعْتَقَ الْمَوْلَى مَا فِي بَطْنِهَا ثُمَّ أَلْقَتْهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ قِيمَتُهُ حَيًّا وَلَا تَجِبُ الدِّيَةُ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْعِتْقِ) لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِالضَّرْبِ السَّابِقِ وَقَدْ كَانَ فِي حَالَةِ الرِّقِّ فَلِهَذَا تَجِبُ الْقِيمَةُ دُونَ الدِّيَةِ، وَتَجِبُ قِيمَتُهُ حَيًّا لِأَنَّهُ بِالضَّرْبِ صَارَ قَاتِلًا إيَّاهُ وَهُوَ حَيٌّ فَنَظَرْنَا إلَى حَالَتَيْ السَّبَبِ وَالتَّلَفِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْجَنِينِ مَوْرُوثٌ عَنْهُ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَفِي جَنِينِ الْأَمَةِ إلَخْ) يَعْنِي جَنِينَ الْأَمَةِ إذَا كَانَ ذَكَرًا وَلَمْ يَكُنْ الْحَمْلُ مِنْ الْمَوْلَى وَلَا مِنْ الْمَغْرُورِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا وَعُشْرُ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ أُنْثَى. وَطَرِيقُ ذَلِكَ أَنْ يُقَوَّمَ الْجَنِينُ بَعْدَ انْفِصَالِهِ مَيِّتًا عَلَى لَوْنِهِ وَهَيْئَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا فَيُنْظَرُ كَمْ قِيمَتُهُ، وَيَجِبُ نِصْفُ عُشْرِ ذَلِكَ إنْ كَانَ ذَكَرًا، وَعُشْرُهُ إنْ كَانَ أُنْثَى، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِكَوْنِ الْحَمْلِ مِنْ غَيْرِ الْمَوْلَى وَالْمَغْرُورِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُتَّهَمًا لَزِمَتْ الْغُرَّةُ لِكَوْنِهِ حُرًّا، فَلَوْ ضَاعَ الْجَنِينُ وَوَقَعَ النِّزَاعُ فِي الْقِيمَةِ فَالْقَوْلُ لِلضَّارِبِ لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ، وَإِنْ تَعَذَّرَ الْوُقُوفُ عَلَى ذُكُورَتِهِ وَأُنُوثَتِهِ نَأْخُذُ بِالْمُتَيَقَّنِ. قَوْلُهُ (لِأَنَّ ضَمَانَ الطَّرَفِ لَا يَجِبُ إلَّا عِنْدَ ظُهُورِ النُّقْصَانِ) يَعْنِي فِي الْأَصْلِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قَلَعَ السِّنَّ فَنَبَتَتْ مَكَانَهُ أُخْرَى لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ وَهَاهُنَا بَدَلُ الْجَنِينِ وَاجِبٌ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فِي الْأُمِّ نُقْصَانٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ وُجُوبَهُ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى النَّفْسِيَّةِ لَا الْجُزْئِيَّةِ (فَيُقَدَّرُ بِهَا) أَيْ بِقِيمَةِ نَفْسِ الْجَنِينِ لَا بِقِيمَةِ الْأُمِّ. قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ) هَذَا غَيْرُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: ثُمَّ وُجُوبُ الْبَدَلِ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. وَعَنْهُ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا نُقْصَانُ الْأُمِّ إنْ تَمَكَّنَ فِيهَا نَقْصٌ، وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ لَا يَجِبُ شَيْءٌ كَمَا فِي جَنِينِ الْبَهِيمَةِ. وَقَوْلُهُ (فَنَظَرْنَا إلَى حَالَتَيْ السَّبَبِ وَالتَّلَفِ) يَعْنِي أَوْجَبْنَا الْقِيمَةَ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الضَّرْبِ،

[باب ما يحدث الرجل في الطريق]

وَقِيلَ: هَذَا عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجِبُ قِيمَتُهُ مَا بَيْنَ كَوْنِهِ مَضْرُوبًا إلَى كَوْنِهِ غَيْرَ مَضْرُوبٍ، لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ قَاطِعٌ لِلسَّرَايَةِ عَلَى مَا يَأْتِيك بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ: (وَلَا كَفَّارَةَ فِي الْجَنِينِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَجِبُ لِأَنَّهُ نَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ احْتِيَاطًا. وَلَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ فِيهَا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ وَقَدْ عُرِفَتْ فِي النُّفُوسِ الْمُطْلَقَةِ فَلَا تَتَعَدَّاهَا وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ كُلُّ الْبَدَلِ. قَالُوا: إلَّا أَنْ يَشَاءَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا، فَإِذَا تَقَرَّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَانَ أَفْضَلَ لَهُ وَيَسْتَغْفِرُ مِمَّا صَنَعَ (وَالْجَنِينُ الَّذِي قَدْ اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ بِمَنْزِلَةِ الْجَنِينِ التَّامِّ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ) لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّهُ وَلَدٌ فِي حَقِّ أُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَالنِّفَاسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَكَذَا فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ، وَلِأَنَّ بِهَذَا الْقَدْرِ يَتَمَيَّزُ مِنْ الْعَلَقَةِ وَالدَّمِ فَكَانَ نَفْسَهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . (بَابٌ مَا يُحْدِثُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ) قَالَ (وَمَنْ أَخْرَجَ إلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ كَنِيفًا أَوْ مِيزَابًا أَوْ جُرْصُنًا أَوْ بَنَى دُكَّانًا فَلِرَجُلٍ مِنْ عَرَضِ النَّاسِ أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَوْجَبْنَا قِيمَتَهُ حَيًّا لَا مَشْكُوكًا فِي حَيَاتِهِ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ التَّلَفِ. لَا يُقَالُ: هَذَا اعْتِبَارٌ بِحَالَةِ الضَّرْبِ فَقَطْ، إذْ الْوَاجِبُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَيْضًا قِيمَتُهُ حَيًّا لِجَوَازِ أَنْ لَا يَكُونَ حَيًّا فَلَا تَجِبُ قِيمَتُهُ حَيًّا هُنَاكَ بَلْ تَجِبُ الْغُرَّةُ. وَقَوْلُهُ (مَا بَيْنَ كَوْنِهِ مَضْرُوبًا إلَى كَوْنِهِ غَيْرَ مَضْرُوبٍ) يَعْنِي تَفَاوُتَ مَا بَيْنَهُمَا، حَتَّى لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ غَيْرَ مَضْرُوبٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهُ مَضْرُوبًا ثَمَانَمِائَةٍ يَجِبُ عَلَى الضَّارِبِ مِائَتَا دِرْهَمٍ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا نَذْكُرُ بَيَانَهُ بَعْدَ هَذَا) يَعْنِي فِي جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ فَأَعْتَقَهُ الْمَوْلَى ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ عُرِفَتْ فِي النُّفُوسِ الْمُطْلَقَةِ) أَيْ الْكَامِلَةِ بِالنَّصِّ فَلَا يَتَعَدَّاهَا إلَى غَيْرِ الْمُطْلَقَةِ وَهُوَ الْجَنِينُ، لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَجْرِي فِي الْعُقُوبَاتِ، وَلَيْسَ غَيْرُ الْمُطْلَقَةِ نَظِيرَ الْمُطْلَقَةِ حَتَّى يَلْحَقَ بِهَا دَلَالَةً أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ كُلُّ الْبَدَلِ، وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْحٍ [بَابٌ مَا يُحْدِثُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْقَتْلِ مُبَاشَرَةً ذَكَرَ أَحْكَامَهُ تَسْبِيبًا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ، إمَّا لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِلَا وَاسِطَةٍ، وَإِمَّا لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ. قَالَ (وَمَنْ أَخْرَجَ إلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ كَنِيفًا إلَخْ) الْكَنِيفُ: الْمُسْتَرَاحُ، وَالْمِيزَابُ مَعْرُوفٌ، وَالْجُرْصُنُ قِيلَ هُوَ

يَنْزِعَهُ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ صَاحِبُ حَقٍّ بِالْمُرُورِ بِنَفْسِهِ وَبِدَوَابِّهِ فَكَانَ لَهُ حَقُّ النَّقْضِ، كَمَا فِي الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ فَإِنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَقُّ النَّقْضِ لَوْ أَحْدَثَ غَيْرُهُمْ فِيهِ شَيْئًا فَكَذَا فِي الْحَقِّ الْمُشْتَرَكِ. قَالَ: (وَيَسَعُ لِلَّذِي عَمِلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِالْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْمُرُورِ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ فَلْيُلْحَقْ مَا فِي مَعْنَاهُ بِهِ، إذْ الْمَانِعُ مُتَعَنَّتٌ، فَإِذَا أَضَرَّ بِالْمُسْلِمِينَ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» قَالَ: (وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الدَّرْبِ الَّذِي لَيْسَ بِنَافِذٍ أَنْ يَشْرَعَ كَنِيفًا أَوْ مِيزَابًا إلَّا بِإِذْنِهِمْ) لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ وَلِهَذَا وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ لَهُمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ أَضَرَّ بِهِمْ أَوْ لَمْ يَضُرَّ إلَّا بِإِذْنِهِمْ. وَفِي الطَّرِيقِ النَّافِذِ لَهُ التَّصَرُّفُ إلَّا إذَا أَضَرَّ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الْوُصُولُ إلَى إذْنِ الْكُلِّ، فَجُعِلَ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ كَأَنَّهُ هُوَ الْمَالِكُ وَحْدَهُ حُكْمًا كَيْ لَا يَتَعَطَّلَ عَلَيْهِ طَرِيقُ الِانْتِفَاعِ، وَلَا كَذَلِكَ غَيْرُ النَّافِذِ لِأَنَّ الْوُصُولَ إلَى إرْضَائِهِمْ مُمْكِنٌ فَبَقِيَ عَلَى الشَّرِكَةِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا. قَالَ: (وَإِذَا أَشْرَعَ فِي الطَّرِيقِ رَوْشَنًا أَوْ مِيزَابًا أَوْ نَحْوَهُ فَسَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ فَعَطِبَ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِتَلَفِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبُرْجُ، وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: جِذْعٌ يُخْرِجُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ الْحَائِطِ لِيُبْنَى عَلَيْهِ. وَالْعُرْضُ بِالضَّمِّ: النَّاحِيَةُ، قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا أَبْعَدُ النَّاسِ مَنْزِلَةً: أَيْ أَضْعَفُهُمْ وَأَرْذَلُهُمْ. وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: فِي إبَاحَةِ الْعَمَلِ وَفِي الْخُصُومَةِ وَفِي ضَمَانِ مَا يَتْلَفُ بِهِ. وَالْمَبْدُوءُ بِهِ فِي الْكِتَابِ الْخُصُومَةُ، وَتَعَرَّضَ لِلنَّزْعِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمَنْعِ إلَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ عُرْضِ النَّاسِ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْوَضْعِ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ إذَا أَرَادَ الْوَضْعَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ، لِأَنَّ فِيهِ الِافْتِيَاتَ عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ فِيمَا إلَيْهِ تَدْبِيرُهُ، فَلِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَيْسَ لِأَحَدٍ حَقُّ الْمَنْعِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ، لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي إحْدَاثِهِ شَرْعًا فَهُوَ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ. وَأَمَّا الْخُصُومَةُ فِي الرَّفْعِ فَالْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَيْسَ لِأَحَدٍ ذَلِكَ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ كَالْمَأْذُونِ مِنْ الْإِمَامِ فَلَا يَرْفَعُهُ أَحَدٌ، وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَإِنَّهُ يَقُولُ: كَانَ قَبْلَ الْوَضْعِ لِكُلِّ أَحَدٍ يَدٌ فِيهِ، فَاَلَّذِي يُحْدِثُ يُرِيدُ أَنْ يَجْعَلَهَا فِي يَدِ نَفْسِهِ خَاصَّةً، فَأَمَّا بَعْدَ الْوَضْعِ فَقَدْ صَارَ فِي يَدِهِ، فَاَلَّذِي يُخَاصِمُهُ يُرِيدُ إبْطَالَ يَدِهِ مِنْ غَيْرِ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ مُتَعَنِّتٌ، وَأَمَّا وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (وَيَسَعُ لِلَّذِي عَمِلَهُ) بَيَانُ الْإِبَاحَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» أَيْ لَا ابْتِدَاءً وَلَا جَزَاءً: يَعْنِي مُتَعَدِّيًا عَنْ مِقْدَارِ حَقِّهِ فِي الِاقْتِصَاصِ، لِأَنَّ الضِّرَارَ بِمَعْنَى الْمُضَارَّةِ وَهُوَ أَنْ تَضُرَّ مِنْ ضَرَّك، وَهَذَا الْكَلَامُ فِيمَا إذَا كَانَ الدَّرْبُ نَافِذًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ نَافِذٍ فَقَوْلُهُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الدَّرْبِ الَّذِي لَيْسَ بِنَافِذٍ بَيَانٌ لِذَلِكَ. وَالدَّرْبُ: الْبَابُ الْوَاسِعُ عَلَى السِّكَّةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ السِّكَّةُ هَاهُنَا. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ) يَعْنِي فِي الْغَالِبِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: الْمُرَادُ بِغَيْرِ النَّافِذَةِ الْمَمْلُوكَةُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِعِلَّةِ الْمِلْكِ فَقَدْ تَنْفُذُ وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ وَقَدْ يُسَدُّ مَنْفَذُهَا وَهِيَ لِلْعَامَّةِ، لَكِنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى الْمِلْكِ غَالِبًا فَأُقِيمَ مَقَامَهُ وَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ. وَقَوْلُهُ (عَلَى كُلِّ حَالٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانُوا مُتَلَازِقَيْنِ أَوْ لَمْ يَكُونُوا قَوْلُهُ (وَإِذَا أَشْرَعَ فِي الطَّرِيقِ رَوْشَنًا) وَهُوَ الْمَمَرُّ عَلَى الْعُلْوِ بَيَانٌ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ

مُتَعَدٍّ بِشَغْلِهِ هَوَاءَ الطَّرِيقِ، وَهَذَا مِنْ أَسْبَابِ الضَّمَانِ وَهُوَ الْأَصْلُ، وَكَذَلِكَ إذَا سَقَطَ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ (وَكَذَا إذَا تَعَثَّرَ بِنَقْضِهِ إنْسَانٌ أَوْ عَطِبَتْ بِهِ دَابَّةٌ، وَإِنْ عَثَرَ بِذَلِكَ رَجُلٌ فَوَقَعَ عَلَى آخَرَ فَمَاتَا فَالضَّمَانُ عَلَى الَّذِي أَحْدَثَهُ فِيهِمَا) لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالدَّافِعِ إيَّاهُ عَلَيْهِ (وَإِنْ سَقَطَ الْمِيزَابُ بِطَرَفَانِ أَصَابَ مَا كَانَ مِنْهُ فِي الْحَائِطِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِيهِ لِمَا أَنَّهُ وَضَعَهُ فِي مِلْكِهِ (وَإِنْ أَصَابَهُ مَا كَانَ خَارِجًا مِنْ الْحَائِطِ فَالضَّمَانُ عَلَى الَّذِي وَضَعَهُ فِيهِ) لِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا فِيهِ، وَلَا ضَرُورَةَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُرَكِّبَهُ فِي الْحَائِطِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَلَا يُحْرَمُ عَنْ الْمِيرَاثِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَاتِلٍ حَقِيقَةً (وَلَوْ أَصَابَهُ الطَّرَفَانِ جَمِيعًا وَعَلِمَ ذَلِكَ وَجَبَ نِصْفُ الدِّيَةِ وَهُدِرَ النِّصْفُ كَمَا إذَا جَرَحَهُ سَبُعٌ وَإِنْسَانٌ، وَلَوْ لَمْ يُعْلَمْ أَيُّ طَرَفٍ أَصَابَهُ يَضْمَنُ النِّصْفَ) اعْتِبَارًا لِلْأَحْوَالِ (وَلَوْ أَشْرَعَ جَنَاحًا إلَى الطَّرِيقِ ثُمَّ بَاعَ الدَّارَ فَأَصَابَ الْجَنَاحُ رَجُلًا فَقَتَلَهُ أَوْ وَضَعَ خَشَبَةً فِي الطَّرِيقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (مِمَّا ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ) يَعْنِي الْكَنِيفَ وَالْمِيزَابَ وَالْجُرْصُنَ. وَقَوْلُهُ (فَالضَّمَانُ عَلَى الَّذِي أَحْدَثَهُ فِيهِمَا) يَعْنِي ضَمَانُهُمَا عَلَى الْمُحْدِثِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الَّذِي عَثَرَ بِهِ لِأَنَّهُ مَدْفُوعٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَالْمَدْفُوعُ كَالْآلَةِ (وَقَوْلُهُ وَإِنْ سَقَطَ الْمِيزَابُ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ، لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ أَصَابَهُ الطَّرَفُ الدَّاخِلُ أَوْ الْخَارِجُ، أَوْ أَصَابَاهُ جَمِيعًا وَعَلِمَ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَيَّ الطَّرَفَيْنِ أَصَابَهُ، وَالْجُمْلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْكِتَابِ بِوُجُوهِهَا، وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَاتِلٍ حَقِيقَةً) يَعْنِي أَنَّ الْكَفَّارَةَ وَحِرْمَانَ الْإِرْثِ إنَّمَا يَجِبَانِ بِالْقَتْلِ حَقِيقَةً، وَهَذَا لَيْسَ بِقَتْلٍ حَقِيقَةً وَإِلَّا لَسَاوَى الْمِلْكُ غَيْرَهُ كَمَا فِي الرَّمْيِ. قِيلَ إنْ كَانَ قَتْلًا حَقِيقَةً فَالْقِيَاسُ شُمُولُ الْوُجُوبِ فِي الضَّمَانِ وَالْكَفَّارَةِ وَالْحِرْمَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْقِيَاسُ عَدَمُهُ فِيهَا. وَالْجَوَابُ أَنَّ الضَّمَانَ يَعْتَمِدُ الْإِتْلَافَ بِطَرِيقِ صِيَانَةِ التَّعَدِّي لِلدِّمَاءِ عَنْ الْهَدَرِ، وَقَدْ تَحَقَّقَ إحْدَاثُهُ فِي الطَّرِيقِ مَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ وَالْحِرْمَانُ فَيَعْتَمِدَانِ الْقَتْلَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْهُمَا. وَقَوْلُهُ (اعْتِبَارًا لِلْأَحْوَالِ) يَعْنِي يُعْلَمُ بِيَقِينٍ أَنَّهُ قَتِيلُ الْجِرَاحَةِ، وَلَا يُعْلَمُ أَنَّهُ بِأَيِّ الطَّرَفَيْنِ كَانَ، فَإِنْ كَانَ لِلطَّرَفِ الدَّاخِلِ فَلَا ضَمَانَ، وَإِنْ كَانَ بِالْخَارِجِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ حَصَلَ بِالطَّرَفَيْنِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ أَشْرَعَ جَنَاحًا) ظَاهِرٌ وَقِيلَ الْمُشْتَرِي مُتَعَدٍّ أَيْضًا بِتَرْكِ الرَّفْعِ مَعَ إمْكَانِهِ شَرْعًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ سَبَبَ ضَمَانِ الْقَتْلِ إمَّا الْمُبَاشَرَةُ أَوْ التَّسْبِيبُ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ ذَلِكَ فَصَارَ كَمَنْ تَمَكَّنَ مِنْ رَفْعِ حَجَرٍ عَنْ الطَّرِيقِ وَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى عَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُبَاشِرٍ وَلَا مُتَسَبِّبٍ. وَاسْتَشْكَلَ أَيْضًا بِالْحَائِطِ الْمَائِلِ إذَا تَقَدَّمَ إنْسَانٌ إلَى صَاحِبِهِ بِالنَّقْضِ فَلَمْ يَنْقُضْ حَتَّى بَاعَ الدَّارَ مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ أَصَابَ إنْسَانًا فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ جَانِيًا يُتْرَكُ النَّقْضُ بَعْدَ التَّقَدُّمِ إلَيْهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ صَيْرُورَةَ صَاحِبِ الْحَائِطِ ضَامِنًا بِالتَّقَدُّمِ إلَيْهِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ وَقَدْ زَالَ بِالْبَيْعِ.

ثُمَّ بَاعَ الْخَشَبَةَ وَبَرِئَ إلَيْهِ مِنْهَا فَتَرَكَهَا الْمُشْتَرِي حَتَّى عَطِبَ بِهَا إنْسَانٌ فَالضَّمَانُ عَلَى الْبَائِعِ) لِأَنَّ فِعْلَهُ وَهُوَ الْوَضْعُ لَمْ يَنْفَسِخْ بِزَوَالِ مِلْكِهِ وَهُوَ الْمُوجِبُ (وَلَوْ وَضَعَ فِي الطَّرِيقِ جَمْرًا فَأَحْرَقَ شَيْئًا يَضْمَنُهُ) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ (وَلَوْ حَرَّكَتْهُ الرِّيحُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ ثُمَّ أَحْرَقَ شَيْئًا لَا يَضْمَنُهُ) لِنَسْخِ الرِّيحِ فِعْلَهُ، وَقِيلَ إذَا كَانَ الْيَوْمُ رِيحًا يَضْمَنُهُ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِعَاقِبَتِهِ وَقَدْ أَفْضَى إلَيْهَا فَجُعِلَ كَمُبَاشَرَتِهِ. (وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَبُّ الدَّارِ الْفَعَلَةَ لِإِخْرَاجِ الْجَنَاحِ أَوْ الظُّلَّةِ فَوَقَعَ فَقَتَلَ إنْسَانًا قَبْلَ أَنْ يَفْرُغُوا مِنْ الْعَمَلِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمْ) لِأَنَّ التَّلَفَ بِفِعْلِهِمْ (وَمَا لَمْ يَفْرُغُوا لَمْ يَكُنْ الْعَمَلُ مُسَلَّمًا إلَى رَبِّ الدَّارِ) وَهَذَا لِأَنَّهُ انْقَلَبَ فِعْلُهُمْ قَتْلًا حَتَّى وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ الْكَفَّارَةُ، وَالْقَتْلُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي عَقْدِهِ فَلَمْ يَتَسَلَّمْ فِعْلُهُمْ إلَيْهِ فَاقْتَصَرَ عَلَيْهِمْ (وَإِنْ سَقَطَ بَعْدَ فَرَاغِهِمْ فَالضَّمَانُ عَلَى رَبِّ الدَّارِ اسْتِحْسَانًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَصَيْرُورَةُ مُخْرِجِ الْجَنَاحِ بِشَغْلِ هَوَاءِ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ تَعَدِّيًا وَلَمْ يَزُلْ بِالْبَيْعِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ حَرَّكَتْهُ) أَيْ الْجَمْرَ، قِيلَ فِيهِ تَلْوِيحٌ إلَى أَنَّ الرِّيحَ إنْ هَبَّتْ بِشَرَرِهَا فَأَحْرَقَتْ شَيْئًا وَجَبَ الضَّمَانُ لِأَنَّ التَّعَدِّي كَانَ بِوَضْعِ الْجَمْرِ وَهُوَ بَاقٍ فِي مَكَانِهِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. وَقَوْلُهُ (وَقِيلَ إذَا كَانَ الْيَوْمُ رِيحًا يَضْمَنُهُ) هُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ، وَالْأَوَّلُ: أَعْنِي الْإِطْلَاقَ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ أَفْضَى إلَيْهَا) أَيْ إلَى عَاقِبَتِهِ وَهُوَ الْحَرْقُ بِوَاسِطَةِ الرِّيحِ قَوْلُهُ (وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَبُّ الدَّارِ الْفَعَلَةَ) الْفَعَلَةَ جَمْعُ فَاعِلٍ وَهُوَ عَلَى وُجُوهٍ: إنْ قَالَ الْمُخْرِجُ لِلْفَعَلَةِ أَخْرِجُوا جَنَاحًا عَلَى فِنَاءِ دَارِي فَإِنَّ لِي حَقَّ ذَلِكَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْفَعَلَةُ غَيْرَ مَا قَالَ فَفَعَلُوا فَسَقَطَ وَأَصَابَ شَيْئًا قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَهُ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمْ وَيَرْجِعُونَ بِهِ عَلَى الْآمِرِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ وَجَبَ بِأَمْرِهِ فَلَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا بِهِ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَذْبَحَ شَاةً لَهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ بَعْدَ الذَّبْحِ فَلِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يُضَمِّنَ الذَّابِحَ وَيَرْجِعَ بِهِ الذَّابِحُ عَلَى الْآمِرِ، وَإِنْ قَالَ أَشْرِعُوا جَنَاحًا عَلَى فِنَاءِ دَارِي وَأَخْبَرَهُمْ أَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِي ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُخْبِرْهُمْ فَفَعَلُوا فَسَقَطَ وَأَتْلَفَ شَيْئًا قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ فَعَلَيْهِمْ الضَّمَانُ وَلَمْ يَرْجِعُوا بِهِ عَلَى الْآمِرِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا، وَإِنْ سَقَطَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ فَكَذَلِكَ عَلَى جَوَابِ الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِمَا لَا يَمْلِكُ مُبَاشَرَتَهُ بِنَفْسِهِ وَقَدْ عَلِمُوا بِفَسَادِ الْأَمْرِ فَلَمْ يُحْكَمْ بِالضَّمَانِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا

لِأَنَّهُ صَحَّ الِاسْتِئْجَارُ حَتَّى اسْتَحَقُّوا الْأَجْرَ وَوَقَعَ فِعْلُهُمْ عِمَارَةً وَإِصْلَاحًا فَانْتَقَلَ فِعْلُهُمْ إلَيْهِ فَكَأَنَّهُ فَعَلَ بِنَفْسِهِ فَلِهَذَا يَضْمَنُهُ (وَكَذَا إذَا صَبَّ الْمَاءَ فِي الطَّرِيقِ فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ أَوْ دَابَّةٌ، وَكَذَا إذَا رَشَّ الْمَاءَ أَوْ تَوَضَّأَ) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ بِإِلْحَاقِ الضَّرَرِ بِالْمَارَّةِ (بِخِلَافِ مَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ قَعَدَ أَوْ وَضَعَ مَتَاعَهُ) لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِيهَا لِكَوْنِهِ مِنْ ضَرُورَاتِ السُّكْنَى كَمَا فِي الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ. قَالُوا: هَذَا إذَا رَشَّ مَاءً كَثِيرًا بِحَيْثُ يُزْلَقُ بِهِ عَادَةً، أَمَّا إذَا رَشَّ مَاءً قَلِيلًا كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُزْلَقُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَوْ اسْتَأْجَرَ لِيَذْبَحَ شَاةَ جَارٍ لَهُ فَذَبَحَ ثُمَّ ضَمِنَ الذَّابِحُ لِلْجَارِ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْآمِرِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَكُونُ الضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ لِأَنَّ هَذَا الْأَمْرَ صَحِيحٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فِنَاءٌ مَمْلُوكٌ لَهُ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعَهُ، فَمِنْ حَيْثُ الصِّحَّةُ يَكُونُ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْآمِرِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ، وَمِنْ حَيْثُ الْفَسَادُ يَكُونُ الضَّمَانُ عَلَى الْعَامِلِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهُ عَمَلًا بِهِمَا، وَإِظْهَارُ جِهَةِ الصِّحَّةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ أَوْلَى مِنْ إظْهَارِهَا قَبْلَ الْفَرَاغِ، لِأَنَّ أَمْرَ الْآمِرِ إنَّمَا صَحَّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ الْمَنْفَعَةُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ. وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ (صَحَّ الِاسْتِئْجَارُ) يَعْنِي بِالنَّظَرِ إلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِفِنَاءِ دَارِهِ، فَبِالنَّظَرِ إلَى هَذَا كَانَ أَمْرُهُ مُعْتَبَرًا وَوَقَعَ فِعْلُهُمْ عِمَارَةً وَإِصْلَاحًا فَانْتَقَلَ فِعْلُهُمْ إلَيْهِ فَكَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ يُقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَمْلُوكٍ لَهُ فَكَذَا إذَا أَمَرَ بِهِ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ مَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ) يَعْنِي الصَّبَّ وَالرَّشَّ وَالْوُضُوءَ. وَقَوْلُهُ (كَمَا فِي الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ) يَعْنِي أَنَّهُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ فِيهَا مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِ السُّكْنَى

عَادَةً لَا يَضْمَنُ (وَلَوْ تَعَمَّدَ الْمُرُورَ فِي مَوْضِعِ صَبِّ الْمَاءِ فَسَقَطَ لَا يَضْمَنُ الرَّاشُّ) لِأَنَّهُ صَاحِبُ عِلَّةٍ. وَقِيلَ: هَذَا إذَا رَشَّ بَعْضَ الطَّرِيقِ لِأَنَّهُ يَجِدُ مَوْضِعًا لِلْمُرُورِ لَا أَثَرَ لِلْمَاءِ فِيهِ، فَإِذَا تَعَمَّدَ الْمُرُورَ عَلَى مَوْضِعِ صَبِّ الْمَاءِ مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَلَى الرَّاشِّ شَيْءٌ، وَإِنْ رَشَّ جَمِيعَ الطَّرِيقِ يَضْمَنُ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِي الْمُرُورِ؛ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْخَشَبَةِ الْمَوْضُوعَةِ فِي الطَّرِيقِ فِي أَخْذِهَا جَمِيعَهُ أَوْ بَعْضَهُ (وَلَوْ رَشَّ فِنَاءَ حَانُوتٍ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ فَضَمَانُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ اعْتِبَارٌ لِحَقِّ الْمِلْكِ بِحَقِيقَتِهِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ صَاحِبُ عِلَّةٍ) وَالْعِلَّةُ إذَا صَلَحَتْ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا بَطَلَ غَيْرُهَا.

مَا عَطِبَ عَلَى الْآمِرِ اسْتِحْسَانًا. وَإِذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَبْنِيَ لَهُ فِي فِنَاءِ حَانُوتِهِ فَتَعَقَّلَ بِهِ إنْسَانٌ بَعْدَ فَرَاغِهِ فَمَاتَ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ كَانَ أَمَرَهُ بِالْبِنَاءِ فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْأَجِيرِ) لِفَسَادِ الْأَمْرِ. قَالَ: (وَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ وَضَعَ حَجَرًا فَتَلِفَ بِذَلِكَ إنْسَانٌ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَإِنْ تَلِفَتْ بِهِ بَهِيمَةٌ فَضَمَانُهَا فِي مَالِهِ) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ فَيَضْمَنُ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ، غَيْرَ أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَتَحَمَّلُ النَّفْسَ دُونَ الْمَالِ فَكَانَ ضَمَانُ الْبَهِيمَةِ فِي مَالِهِ وَإِلْقَاءُ التُّرَابِ وَاِتِّخَاذُ الطِّينِ فِي الطَّرِيقِ بِمَنْزِلَةِ إلْقَاءِ الْحَجَرِ وَالْخَشَبَةِ لِمَا ذَكَرْنَا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَنَسَ الطَّرِيقَ فَعَطِبَ بِمَوْضِعِ كَنْسِهِ إنْسَانٌ حَيْثُ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ فَإِنَّهُ مَا أَحْدَثَ شَيْئًا فِيهِ إنَّمَا قَصَدَ دَفْعَ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ، حَتَّى لَوْ جَمَعَ الْكُنَاسَةَ فِي الطَّرِيقِ وَتَعَقَّلَ بِهَا إنْسَانٌ كَانَ ضَامِنًا لِتَعَدِّيهِ بِشَغْلِهِ (وَلَوْ وَضَعَ حَجَرًا فَنَحَّاهُ غَيْرُهُ عَنْ مَوْضِعِهِ فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ فَالضَّمَانُ عَلَى الَّذِي نَحَّاهُ) لِأَنَّ حُكْمَ فِعْلِهِ قَدْ انْتَسَخَ لِفَرَاغِ مَا شَغَلَهُ، وَإِنَّمَا اُشْتُغِلَ بِالْفِعْلِ الثَّانِي مَوْضِعٌ آخَرُ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي الْبَالُوعَةِ يَحْفِرُهَا الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ، فَإِنْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ بِذَلِكَ أَوْ أَجْبَرَهُ عَلَيْهِ لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ حَيْثُ فَعَلَ مَا فَعَلَ بِأَمْرِ مَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ فِي حُقُوقِ الْعَامَّةِ (وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَهُوَ مُتَعَدٍّ) إمَّا بِالتَّصَرُّفِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ أَوْ بِالِافْتِيَاتِ عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ أَوْ هُوَ مُبَاحٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (فِي فِنَاءِ حَانُوتِهِ) قِيلَ الْفِنَاءُ سَعَةُ أُمِّ الْبُيُوتِ، وَقِيلَ مَا امْتَدَّ مِنْ جَوَانِبِهَا وَقِيلَ مَا أُعِدَّ لِحَوَائِج الدَّارِ كَرَبْطِ الدَّابَّةِ وَكَسْرِ الْحَطَبِ وَقَوْلُهُ (فَتَعَقَّلَ) أَيْ تَشَبَّثَ وَتَعَلَّقَ بِالْبِنَاءِ. وَقَوْلُهُ (يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ) لَمْ يَتَعَرَّضْ بِأَنَّ ذَلِكَ إذَا عَلِمَ الْأَجِيرُ أَنَّ الْفِنَاءَ لِغَيْرِ الْآمِرِ أَوْ إذَا لَمْ يَعْلَمْ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ فِيمَا إذَا كَانَ الْأَجِيرُ يَحْسِبُ أَنَّهُ لِلْمُسْتَأْجِرِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَحْفِرَ لَهُ بِئْرًا فِي الْفِنَاءِ فَحَفَرَ وَمَاتَ فِيهِ إنْسَانٌ أَوْ دَابَّةٌ وَالْفِنَاءُ لِغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ الْأَجِيرُ عَالِمًا بِهِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْأَجِيرِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْأَجِيرُ أَنَّ الْفِنَاءَ لِلْغَيْرِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّ الْأَجِيرَ لَمْ يَعْلَمْ بِفَسَادِ الْأَمْرِ قَالَ (وَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَالْبَالُوعَةُ: ثَقْبٌ فِي وَسَطِ الْبَيْتِ، وَكَذَلِكَ الْبَلُّوعَةُ، وَذَكَرَ رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ

مُقَيِّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ، وَكَذَا الْجَوَابُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فِي جَمِيعِ مَا فُعِلَ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ (وَكَذَا إنْ حَفَرَهُ فِي مِلْكِهِ لَا يَضْمَنُ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِاشْتِمَالِهَا عَلَى بَيَانِ إذْنِ الْإِمَامِ. وَالِافْتِيَاتُ: الِاسْتِبْدَادُ بِالرَّأْيِ افْتِعَالٌ مِنْ الْفَوْتِ وَهُوَ السَّبْقُ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا الْجَوَابُ عَلَى التَّفْصِيلِ) يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ بِأَمْرِ مَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ فِي الْأَمْرِ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَلَوْ فَعَلَ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِ أَحَدٍ ضَمِنَهُ. وَقَوْلُهُ (مِمَّا ذَكَرْنَاهُ) يَعْنِي مِنْ أَوَّلِ الْبَابِ إلَى هُنَا مِنْ إخْرَاجِ الْكَنِيفِ وَالْمِيزَابِ وَالْجُرْصُنِ وَبِنَاءِ الدُّكَّانِ وَإِشْرَاعِ الرَّوْشَنِ وَحَفْرِ الْبِئْرِ. وَقَوْلُهُ (وَغَيْرَهُ) يَعْنِي مَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ كَبِنَاءِ الظُّلَّةِ وَغَرْسِ الشَّجَرِ وَرَمْيِ الثَّلْجِ وَالْجُلُوسِ لِلْبَيْعِ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إنْ حَفَرَهُ فِي مِلْكِهِ لَا يَضْمَنُ) يَعْنِي كَمَا إذَا أَمَرَهُ الْإِمَامُ فَحَفَرَ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهِ، كَذَلِكَ إذَا حَفَرَهُ فِي مِلْكِهِ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْإِمَامُ.

(وَكَذَا إذَا حَفَرَهُ فِي فِنَاءِ دَارِهِ) لِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ دَارِهِ وَالْفِنَاءُ فِي تَصَرُّفِهِ. وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَ الْفِنَاءُ مَمْلُوكًا لَهُ أَوْ كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَفْرِ فِيهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ، أَمَّا إذَا كَانَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مُشْتَرَكًا بِأَنْ كَانَ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ لِأَنَّهُ مُسَبِّبٌ مُتَعَدٍّ وَهَذَا صَحِيحٌ. (وَلَوْ حَفَرَ فِي الطَّرِيقِ وَمَاتَ الْوَاقِعُ فِيهِ جُوعًا أَوْ غَمًّا لَا ضَمَانَ عَلَى الْحَافِرِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ مَاتَ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ فَلَا يُضَافُ إلَى الْحَفْرِ، وَالضَّمَانُ إنَّمَا يَجِبُ إذَا مَاتَ مِنْ الْوُقُوعِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ مَاتَ جُوعًا فَكَذَلِكَ، وَإِنْ مَاتَ غَمًّا فَالْحَافِرُ ضَامِنٌ لَهُ لِأَنَّهُ لَا سَبَبَ لِلْغَمِّ سِوَى الْوُقُوعِ، أَمَّا الْجُوعُ فَلَا يَخْتَصُّ بِالْبِئْرِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ ضَامِنٌ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا، لِأَنَّهُ إنَّمَا حَدَثَ بِسَبَبِ الْوُقُوعِ، إذْ لَوْلَاهُ لَكَانَ الطَّعَامُ قَرِيبًا مِنْهُ. قَالَ: (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ فَحَفَرُوهَا لَهُ فِي غَيْرِ فِنَائِهِ فَذَلِكَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْأُجَرَاءِ إنْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهَا فِي غَيْرِ فِنَائِهِ) لِأَنَّ الْإِجَارَةَ صَحَّتْ ظَاهِرًا إذَا لَمْ يَعْلَمُوا فَنُقِلَ فِعْلُهُمْ إلَيْهِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مَغْرُورِينَ، فَصَارَ كَمَا إذَا أَمَرَ آخَرَ بِذَبْحِ هَذِهِ الشَّاةِ فَذَبَحَهَا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الشَّاةَ لِغَيْرِهِ، إلَّا أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إذَا حَفَرَهُ فِي فِنَاءِ دَارِهِ) يَعْنِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْفِنَاءُ مِلْكَهُ. وَقِيلَ جَازَ لَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْفِنَاءُ مَمْلُوكًا لَهُ أَوْ كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَفْرِ بِأَنْ لَا يَضُرَّ لِأَحَدٍ أَوْ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ. وَقَوْلُهُ (هَذَا) يَعْنِي هَذَا الْجَوَابَ وَهُوَ أَنْ يَضْمَنَ إذَا كَانَ الْفِنَاءُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ كَانَ مُشْتَرَكًا إذَا كَانَ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ (وَلَوْ حَفَرَ فِي الطَّرِيقِ وَمَاتَ الْوَاقِعُ فِيهِ جُوعًا أَوْ غَمًّا) أَيْ انْخِنَاقًا بِالْعُفُونَةِ. قَالَ فِي الصِّحَاحِ: يَوْمُ غَمٍّ إذَا كَانَ يَأْخُذُ النَّفْسَ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ، وَلَا يُتَوَهَّمُ مِنْ تَقْدِيمِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَرْجُوحٌ عَلَى عَادَةِ مَنْ يُؤَخِّرُ الرَّاجِحَ فَإِنَّ الْفِقْهَ مَعَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَبَسَ رَجُلًا فِي بِئْرٍ حَتَّى مَاتَ غَمًّا فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ مَاتَ فِيهِ مِنْ الْوُقُوعِ لِأَنَّ أَثَرَ فِعْلِهِ وَهُوَ الْعُمْقُ أَثَّرَ فِي نَفْسِ الْوَاقِعِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَثَرِ الْوُقُوعِ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ وَقَوْلُهُ (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ فَحَفَرُوهَا لَهُ فِي غَيْرِ فِنَائِهِ) يَعْنِي بِأَنْ كَانَ الْفِنَاءُ لِلْغَيْرِ أَوْ طَرِيقًا لِلْعَامَّةِ لَكِنَّهُ غَيْرُ مَشْهُورٍ، فَإِمَّا أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّهَا فِي غَيْرِ فِنَائِهِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْأُجَرَاءِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ صَحَّتْ ظَاهِرًا إذَا لَمْ يَعْلَمُوا ذَلِكَ، وَذَلِكَ يَكْفِي لِنَقْلِ الْفِعْلِ إلَى الْآمِرِ، لِأَنَّهُ لَوْ تَوَقَّفَ عَلَى صِحَّةِ الْأَمْرِ حَقِيقَةً تَضَرَّرَ الْأُجَرَاءُ فَامْتَنَعُوا عَنْ الْعَمَلِ مَخَافَةَ لُزُومِ الْعُهْدَةِ وَبِالنَّاسِ حَاجَةٌ إلَى ذَلِكَ فَنُقِلَ فِعْلُهُمْ إلَيْهِ، وَهَذَا دَلِيلُ كَوْنِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُمْ كَانُوا مَغْرُورِينَ) دَلِيلُ قَوْلِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْأُجَرَاءِ، وَصَارَ هَذَا الْأَمْرُ فِي صِحَّتِهِ ظَاهِرًا، وَكَوْنُ الْمَأْمُورِ مَغْرُورًا كَالْآمِرِ بِذَبْحِ

هُنَاكَ يَضْمَنُ الْمَأْمُورُ وَيَرْجِعُ عَلَى الْآمِرِ لِأَنَّ الذَّابِحَ مُبَاشِرٌ وَالْآمِرُ مُسَبِّبٌ وَالتَّرْجِيحُ لِلْمُبَاشَرَةِ فَيَضْمَنُ الْمَأْمُورُ وَيَرْجِعُ الْمَغْرُورُ، وَهُنَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ابْتِدَاءً لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسَبِّبٌ وَالْأَجِيرُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ وَالْمُسْتَأْجِرُ مُتَعَدٍّ فَيُرَجَّحُ جَانِبُهُ (وَإِنْ عَلِمُوا ذَلِكَ فَالضَّمَانُ عَلَى الْأُجَرَاءِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ أَمْرُهُ بِمَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ وَلَا غُرُورَ فَبَقِيَ الْفِعْلُ مُضَافًا إلَيْهِمْ (وَإِنْ قَالَ لَهُمْ: هَذَا فِنَائِي) وَلَيْسَ لِي فِيهِ حَقُّ الْحَفْرِ فَحَفَرُوا وَمَاتَ فِيهِ إنْسَانٌ فَالضَّمَانُ ـــــــــــــــــــــــــــــQشَاةٍ ظَهَرَ فِيهَا اسْتِحْقَاقُ الْغَيْرِ، إلَّا أَنَّ هُنَاكَ يَضْمَنُ الْمَأْمُورُ وَيَرْجِعُ عَلَى الْآمِرِ لِكَوْنِهِ مُبَاشِرًا، وَكَوْنُ الْآمِرِ مُسَبِّبًا وَالتَّرْجِيحُ لِلْمُبَاشَرَةِ فَيَضْمَنُ وَيَرْجِعُ لِلْغُرُورِ، وَهَاهُنَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ابْتِدَاءً لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسَبِّبٌ وَالْأَجِيرُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ وَالْمُسْتَأْجِرُ مُتَعَدٍّ فَيُرَجَّحُ جَانِبُهُ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَالضَّمَانُ عَلَى الْأُجَرَاءِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْأَمْرِ بِمَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ فَلَا يُنْقَلُ فِعْلُهُمْ إلَيْهِ وَلَيْسُوا بِمَغْرُورِينَ فَيَنْتَفِي الضَّمَانُ عَنْهُمْ فَبَقِيَ الْفِعْلُ مُضَافًا إلَيْهِمْ. وَفِي عِبَارَتِهِ تَسَامُحٌ لِأَنَّ صِحَّةَ الْأَمْرِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَا تَحْتَاجُ إلَى كَوْنِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي مِلْكِهِ حَتَّى يَصِحَّ التَّعْلِيلُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ أَمْرُهُ بِمَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ، بَلْ الْمُنَاسِبُ أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّ الْأَمْرَ لَمْ يَصِحَّ ظَاهِرًا حَيْثُ عَلِمُوا، وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ الْأَمْرِ بِإِشْرَاعِ الْجَنَاحِ، فَإِنَّ الْأُجَرَاءَ هُنَاكَ إذَا لَمْ يَعْلَمُوا ضَمِنُوا وَرَجَعُوا عَلَى الْآمِرِ وَهَا هُنَا لَمْ يَضْمَنُوا أَصْلًا. وَالْجَوَابُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي ذَبْحِ شَاةِ غَيْرِهِ بِأَنَّ الذَّابِحَ مُبَاشِرٌ وَالْآمِرَ مُسَبِّبٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ إشْرَاعَ الْجَنَاحِ كَذَبْحِ الشَّاةِ إذَا ظَهَرَ اسْتِحْقَاقُهَا (وَإِنْ قَالَ لَهُمْ هَذَا فِنَائِي) ظَاهِرٌ.

عَلَى الْأُجَرَاءِ قِيَاسًا (لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا بِفَسَادِ الْأَمْرِ فَمَا غَرَّهُمْ) وَفِي الِاسْتِحْسَانِ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ (لِأَنَّ كَوْنَهُ فِنَاءً لَهُ بِمَنْزِلَةِ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا لَهُ لِانْطِلَاقِ يَدِهِ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ مِنْ إلْقَاءِ الطِّينِ وَالْحَطَبِ وَرَبْطِ الدَّابَّةِ وَالرُّكُوبِ وَبِنَاءِ الدُّكَّانِ فَكَانَ الْأَمْرُ بِالْحَفْرِ فِي مِلْكِهِ ظَاهِرًا بِالنَّظَرِ إلَى مَا ذَكَرْنَا فَكَفَى ذَلِكَ لِنَقْلِ الْفِعْلِ إلَيْهِ. قَالَ) : وَمَنْ جَعَلَ قَنْطَرَةً بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَتَعَمَّدَ رَجُلٌ الْمُرُورَ عَلَيْهَا فَعَطِبَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الَّذِي عَمِلَ الْقَنْطَرَةَ، وَكَذَلِكَ (إذَا وَضَعَ خَشَبَةً فِي الطَّرِيقِ فَتَعَمَّدَ رَجُلٌ الْمُرُورَ عَلَيْهَا) لِأَنَّ الْأَوَّلَ تَعَدٍّ هُوَ تَسْبِيبٌ، وَالثَّانِي تَعَدٍّ هُوَ مُبَاشَرَةٌ فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ إلَى الْمُبَاشِرِ أَوْلَى، وَلِأَنَّ تَخَلُّلَ فِعْلِ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ يَقْطَعُ النِّسْبَةَ كَمَا فِي الْحَافِرِ مَعَ الْمُلْقِي. قَالَ (وَمَنْ حَمَلَ شَيْئًا فِي الطَّرِيقِ فَسَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَكَذَا إذَا سَقَطَ فَتَعَثَّرَ بِهِ إنْسَانٌ وَإِنْ كَانَ رِدَاءً قَدْ لَبِسَهُ فَسَقَطَ عَنْهُ فَعَطِبَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (فَكَانَ الْأَمْرُ بِالْحَفْرِ فِي مِلْكِهِ ظَاهِرًا بِالنَّظَرِ إلَى مَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي قَوْلَهُ لِانْطِلَاقِ يَدِهِ فِي التَّصَرُّفِ إلَخْ. فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ لَيْسَ لِي فِيهِ حَقُّ الْحَفْرِ يُخَالِفُ هَذَا الظَّاهِرَ وَهُوَ صَرِيحٌ فَلَا تُعْتَبَرُ الدَّلَالَةُ بِمُقَابَلَتِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ لِي فِيهِ حَقُّ الْحَفْرِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ لَيْسَ لِي ذَلِكَ فِي الْقَدِيمِ، وَهَكَذَا لَفْظُ الْمَبْسُوطِ فَيَكُونُ الصَّرِيحُ مُشْتَرَكَ الدَّلَالَةِ فَلَا يُعَارِضُ الدَّلَالَةَ. قَالَ (وَمَنْ جَعَلَ قَنْطَرَةً بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ. قَوْلُهُ (لِأَنَّ الْأَوَّلَ) يَعْنِي جَعْلَ الْقَنْطَرَةِ وَوَضْعَ الْخَشَبَةِ (تَعَدٍّ) أَمَّا وَضْعُ الْخَشَبَةِ فَكَوْنُهُ تَعَدِّيًا ظَاهِرٌ وَأَمَّا بِنَاءُ الْقَنْطَرَةِ فَلِأَنَّ الْبَانِيَ فَوَّتَ حَقًّا عَلَى غَيْرِهِ فَإِنَّ التَّدْبِيرَ فِي وَضْعِ الْقَنَاطِرِ عَلَى الْأَنْهَارِ الْعِظَامِ مِنْ حَيْثُ تَعْيِينُ الْمَكَانِ وَالضِّيقِ

بِهِ إنْسَانٌ لَمْ يَضْمَنْ) وَهَذَا اللَّفْظُ يَشْمَلُ الْوَجْهَيْنِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ حَامِلَ الشَّيْءِ قَاصِدٌ حِفْظَهُ فَلَا حَرَجَ فِي التَّقْيِيدِ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ، وَاللَّابِسُ لَا يَقْصِدُ حِفْظَ مَا يَلْبَسُهُ فَيَخْرُجُ بِالتَّقْيِيدِ بِمَا ذَكَرْنَا فَجَعَلْنَاهُ مُبَاحًا مُطْلَقًا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا لَبِسَ مَا لَا يَلْبَسُهُ عَادَةً فَهُوَ كَالْحَامِلِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَدْعُو إلَى لُبْسِهِ. قَالَ: (وَإِذَا كَانَ الْمَسْجِدُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالسَّعَةِ لِلْإِمَامِ فَكَانَ جِنَايَةً بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَالْجِنَايَةُ تَعَدٍّ لَا مَحَالَةَ قَوْلُهُ (وَهَذَا اللَّفْظُ) يَعْنِي قَوْلَهُ فَعَطِبَ بِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ (يَشْمَلُ الْوَجْهَيْنِ) وَهُمَا تَلَفُ الْإِنْسَانِ بِوُقُوعِ الشَّيْءِ الْمَحْمُولِ عَلَيْهِ، وَتَلَفُهُ بِالتَّعَثُّرِ بِهِ بَعْدَمَا وَقَعَ فِي الطَّرِيقِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَعَطِبَ بِهِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَسَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ وَذَلِكَ لَا يَشْمَلُ التَّعَثُّرَ بِهِ، نَعَمْ لَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهُوَ قَوْلُهُ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يَحْمِلُ الشَّيْءَ فِي الطَّرِيقِ فَيَسْقُطُ مِنْهُ ذَلِكَ الشَّيْءُ فَيَعْطَبُ بِهِ إنْسَانٌ فَيَمُوتُ قَالَ الْحَامِلُ ضَامِنٌ يَشْمَلُهُمَا. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ بَيِّنٌ. وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ جَعْلُ قَوْلِهِ وَهَذَا اللَّفْظُ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ لَمْ يَضْمَنْ، وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الرِّدَاءِ فَاسِدٌ لِأَنَّ مَوْتَ الْإِنْسَانِ بِسُقُوطِ الرِّدَاءِ عَلَيْهِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَظَرَ إلَى الْمَعْطُوفِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (فَيَخْرُجُ بِالتَّقْيِيدِ بِمَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي بِوَصْفِ السَّلَامَةِ. وَقَوْلُهُ (مَا لَا يَلْبَسُهُ عَادَةً) يَعْنِي مِثْلَ اللِّبَدِ وَالْجُوَالِقِ وَدُرُوعِ الْحَرْبِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْحَرْبِ، وَكَذَا إذَا لَبِسَ زِيَادَةً عَلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِعَدَمِ

لِلْعَشِيرَةِ فَعَلَّقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فِيهِ قِنْدِيلًا أَوْ جَعَلَ فِيهِ بَوَارِي أَوْ حَصَاةً فَعَطِبَ بِهِ رَجُلٌ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْعَشِيرَةِ ضَمِنَ) قَالُوا: هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا يَضْمَنُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، لِأَنَّ هَذِهِ مِنْ الْقُرَبِ وَكُلُّ أَحَدٍ مَأْذُونٌ فِي إقَامَتِهَا فَلَا يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ، كَمَا إذَا فَعَلَهُ بِإِذْنِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْفَرْقُ أَنَّ التَّدْبِيرَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْجِدِ لِأَهْلِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ كَنَصْبِ الْإِمَامِ وَاخْتِيَارِ الْمُتَوَلِّي وَفَتْحِ بَابِهِ وَإِغْلَاقِهِ وَتَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ إذَا سَبَقَهُمْ بِهَا غَيْرُ أَهْلِهِ فَكَانَ فِعْلُهُمْ مُبَاحًا مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَفِعْلُ غَيْرِهِمْ تَعَدِّيًا أَوْ مُبَاحًا مُقَيَّدًا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ، وَقَصْدُ الْقُرْبَةِ لَا يُنَافِي الْغَرَامَةَ إذَا أَخْطَأَ الطَّرِيقَ كَمَا إذَا تَفَرَّدَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَالطَّرِيقُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَهْلِهِ. قَالَ: (وَإِنْ جَلَسَ فِيهِ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَعَطِبَ بِهِ رَجُلٌ لَمْ يَضْمَنْ إنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ ضَمِنَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا يَضْمَنُ عَلَى كُلِّ حَالٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعُمُومِ الْبَلْوَى بِهِ وَقَوْلُهُ (لِلْعَشِيرَةِ) يَعْنِي أَهْلَ الْمَسْجِدِ. وَقَوْلُهُ (ضَمِنَ) يَعْنِي إذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ أَحَدٍ مِنْ الْعَشِيرَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ مِنْ بَعْدُ كَمَا إذَا فَعَلَهُ بِإِذْنِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ. وَقَوْلُهُ (كَنَصْبِ الْإِمَامِ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ الْبَانِي مَوْجُودًا، أَمَّا إذَا كَانَ فَنَصَّبَ الْإِمَامُ إلَيْهِ وَهُوَ مُخْتَارُ الْإِسْكَافِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَبِهِ نَأْخُذُ إلَّا أَنْ يُنَصِّبَ شَخْصًا وَالْقَوْمُ يُرِيدُونَ مَنْ هُوَ أَصْلَحُ مِنْهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اخْتَارَ قَوْلَ ابْنِ سَلَّامٍ إنَّ الْقَوْمَ أَوْلَى بِنَصْبِ الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ، وَالْبَانِي أَوْلَى بِالْعِمَارَةِ. وَقَوْلُهُ (وَتَكْرَارُ الْجَمَاعَةِ إذَا سَبَقَهُمْ بِهَا غَيْرُ أَهْلِهِ) فَلَهُمْ تَكْرَارُ الْجَمَاعَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا سُبِقُوا بِهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يُكَرِّرَ الْجَمَاعَةَ. وَقَوْلُهُ (وَقَصْدُ الْقُرْبَةِ لَا يُنَافِي الْغَرَامَةَ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا لِأَنَّ هَذِهِ مِنْ الْقُرَبِ. وَقَوْلُهُ (كَمَا إذَا انْفَرَدَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا) فَإِنَّهُ قَصَدَ الْقُرْبَةَ لَكِنْ أَخْطَأَ الطَّرِيقَ، فَإِنَّ شَرْطَهَا أَنْ يَكُونَ الشُّهُودُ أَرْبَعَةً مِمَّنْ تُسْمَعُ شَهَادَتُهُ، فَإِذَا انْقَضَتْ انْقَلَبَتْ قَذْفًا وَاسْتَوْجَبَ الْحَدَّ. قَالَ (وَإِنْ جَلَسَ فِيهِ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَعَطِبَ بِهِ رَجُلٌ إلَخْ) وَإِنْ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ رَجُلٌ مِنْ الْعَشِيرَةِ فَعَطِبَ بِهِ رَجُلٌ فَإِمَّا إنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَتْ الصَّلَاةُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا لِأَنَّ النَّفَلَ بِالشُّرُوعِ يَصِيرُ فَرْضًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا بَلْ كَانَ قَاعِدًا لِغَيْرِهَا ضَمِنَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَا: لَا يَضْمَنُ عَلَى كُلِّ حَالٍ

وَلَوْ كَانَ جَالِسًا لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ لِلتَّعْلِيمِ أَوْ لِلصَّلَاةِ أَوْ نَامَ فِيهِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَوْ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَوْ مَرَّ فِيهِ مَارًّا أَوْ قَعَدَ فِيهِ لِحَدِيثٍ فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ، وَأَمَّا الْمُعْتَكِفُ فَقَدْ قِيلَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ، وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ كَانَ جَالِسًا لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ لِلتَّعْلِيمِ) أَيْ لِتَعْلِيمِ الْفِقْهِ أَوْ الْحَدِيثِ (أَوْ لِلصَّلَاةِ) يَعْنِي مُنْتَظِرًا لَهَا (أَوْ نَامَ فِيهِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَوْ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَوْ مَرَّ فِيهِ مَارًّا أَوْ قَعَدَ فِيهِ لِحَدِيثٍ) قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ) وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيِّ لَيْسَ فِيهِ خِلَافٌ، بَلْ لَا ضَمَانَ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: فِي عِبَارَةِ الْكِتَابِ تَكْرَارٌ، لِأَنَّهُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ ضَمِنَ وَغَيْرُ الصَّلَاةِ يَشْمَلُ هَذَا الْمَذْكُورَ كُلَّهُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ ضِمْنَ لَفْظِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَقَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ جَالِسًا لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مِنْ لَفْظِ الْمُصَنِّفِ بَيَانٌ لِذَلِكَ لَكِنَّ قَوْلَهُ فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ يُفِيدُ اتِّفَاقَ الْمَشَايِخِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ كَمَا رَأَيْت،

بِالِاتِّفَاقِ. لَهُمَا أَنَّ الْمَسْجِدَ إنَّمَا بُنِيَ لِلصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ إلَّا بِانْتِظَارِهَا فَكَانَ الْجُلُوسُ فِيهِ مُبَاحًا لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِ الصَّلَاةِ، أَوْ لِأَنَّ الْمُنْتَظِرَ لِلصَّلَاةِ فِي الصَّلَاةِ حُكْمًا بِالْحَدِيثِ فَلَا يَضْمَنُ كَمَا إذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ. وَلَهُ أَنَّ الْمَسْجِدَ إنَّمَا بُنِيَ لِلصَّلَاةِ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مُلْحَقَةٌ بِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ إظْهَارِ التَّفَاوُتِ فَجَعَلْنَا الْجُلُوسَ لِلْأَصْلِ مُبَاحًا مُطْلَقًا وَالْجُلُوسَ لِمَا يُلْحَقُ بِهِ مُبَاحًا مُقَيَّدًا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَلَا غَرْوَ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ مُبَاحًا أَوْ مَنْدُوبًا إلَيْهِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَالرَّمْيِ إلَى الْكَافِرِ أَوْ إلَى الصَّيْدِ وَالْمَشْيِ فِي الطَّرِيقِ وَالْمَشْيِ فِي الْمَسْجِدِ إذَا وَطِئَ غَيْرَهُ وَالنَّوْمِ فِيهِ إذَا انْقَلَبَ عَلَى غَيْرِهِ (وَإِنْ جَلَسَ رَجُلٌ مِنْ غَيْرِ الْعَشِيرَةِ فِيهِ لِلصَّلَاةِ فَتَعَقَّلَ بِهِ إنْسَانٌ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ) لِأَنَّ الْمَسْجِدَ بُنِيَ لِلصَّلَاةِ وَأَمْرُ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ إنْ كَانَ مُفَوَّضًا إلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ وَحْدَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَانَ مِنْ حَقِّ الْكَلَامِ أَنْ يَقُولَ: فَقَدْ قِيلَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا قَالَ فِي الِاعْتِكَافِ. وَقَوْلُهُ (لَهُمَا أَنَّ الْمَسْجِدَ إنَّمَا بُنِيَ لِلصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} [النور: 36] وقَوْله تَعَالَى {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] وَقَوْلُهُ (وَلَهُ أَنَّ الْمَسْجِدَ إنَّمَا بُنِيَ لِلصَّلَاةِ) لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَوْضِعُ السُّجُودِ أَلَا يُرَى أَنَّ الْمَسْجِدَ إذَا ضَاقَ عَلَى الْمُصَلِّي كَانَ لَهُ إزْعَاجُ الْقَاعِدِ فِيهِ الْمُشْتَغِلِ بِالذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ وَالتَّدْرِيسِ لِأَنَّهُ يَطْلُبُ مَوْضُوعَهُ الْأَصْلِيَّ دُونَ الْعَكْسِ، وَمَا عَرَفَ النَّاسُ الْمَسْجِدَ إلَّا لِأَجْلِ الصَّلَاةِ فِيهِ، وَلَا دَلَالَةَ لِمَا ذَكَرَا مِنْ الْآيَتَيْنِ عَلَى مَا سِوَى الْإِذْنِ وَالْعُكُوفِ بِهِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ، وَكَوْنُهَا مِنْ ضَرُورَاتِ الصَّلَاةِ مُسَلَّمٌ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمَوْضُوعِ الْأَصْلِيِّ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ، وَالْبَاقِي وَاضِحٌ

[فصل في الحائط المائل]

(فَصْلٌ فِي الْحَائِطِ الْمَائِلِ) قَالَ: (وَإِذَا مَالَ الْحَائِطُ إلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَطُولِبَ صَاحِبُهُ بِنَقْضِهِ وَأُشْهِدَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَنْقُضْهُ فِي مُدَّةٍ يَقْدِرُ عَلَى نَقْضِهِ حَتَّى سَقَطَ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَضْمَنَ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ مِنْهُ مُبَاشَرَةً، وَالْمُبَاشَرَةُ شَرْطٌ هُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ، لِأَنَّ أَصْلَ الْبِنَاءِ كَانَ فِي مِلْكِهِ، وَالْمَيَلَانُ وَشَغْلُ الْهَوَاءِ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ فَصَارَ كَمَا قَبْلَ الْإِشْهَادِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْحَائِطَ لَمَّا مَالَ إلَى الطَّرِيقِ فَقَدْ اشْتَمَلَ هَوَاءَ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ بِمِلْكِهِ وَرَفْعُهُ فِي يَدِهِ، فَإِذَا تَقَدَّمَ إلَيْهِ وَطُولِبَ بِتَفْرِيغِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ فَإِذَا امْتَنَعَ صَارَ مُتَعَدِّيًا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وَقَعَ ثَوْبُ إنْسَانٍ فِي حِجْرِهِ يَصِيرُ مُتَعَدِّيًا بِالِامْتِنَاعِ عَنْ التَّسْلِيمِ إذَا طُولِبَ بِهِ كَذَا هَذَا، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْإِشْهَادِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ هَلَاكِ الثَّوْبِ قَبْلَ الطَّلَبِ، وَلِأَنَّا لَوْ لَمْ نُوجِبْ عَلَيْهِ الضَّمَانَ يَمْتَنِعُ عَنْ التَّفْرِيغِ فَيَنْقَطِعُ الْمَارَّةُ حَذَرًا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَيَتَضَرَّرُونَ بِهِ، وَدَفْعُ الضَّرَرِ الْعَامِّ مِنْ الْوَاجِبِ وَلَهُ تَعَلُّقٌ بِالْحَائِطِ فَيَتَعَيَّنُ لِدَفْعِ هَذَا الضَّرَرِ، وَكَمْ مِنْ ضَرَرٍ خَاصٍّ يُتَحَمَّلُ لِدَفْعِ الْعَامِّ مِنْهُ، ثُمَّ فِيمَا تَلِفَ بِهِ مِنْ النُّفُوسِ تَجِبُ الدِّيَةُ وَتَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ، لِأَنَّهُ فِي كَوْنِهِ جِنَايَةً دُونَ الْخَطَأِ فَيُسْتَحَقُّ فِيهِ التَّخْفِيفُ بِالطَّرِيقِ الْأُولَى كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى اسْتِئْصَالِهِ وَالْإِجْحَافِ بِهِ، وَمَا تَلِفَ بِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ كَالدَّوَابِّ وَالْعُرُوضِ يَجِبُ ضَمَانُهَا فِي مَالِهِ، لِأَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ الْمَالَ وَالشَّرْطُ التَّقَدُّمُ إلَيْهِ وَطَلَبُ النَّقْضِ مِنْهُ دُونَ الْإِشْهَادِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْإِشْهَادَ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ إثْبَاتِهِ عِنْدَ إنْكَارِهِ فَكَانَ مِنْ بَابِ الِاحْتِيَاطِ. وَصُورَةُ الْإِشْهَادِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الْحَائِطِ الْمَائِلِ] لَمَّا كَانَ الْحَائِطُ الْمَائِلُ يُنَاسَبُ الْجُرْصُنَ وَالرَّوْشَنَ وَالْجَنَاحَ وَالْكَنِيفَ وَغَيْرَهَا أَلْحَقَ مَسَائِلَهُ بِهَا فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ. قَالَ (وَإِذَا مَالَ حَائِطٌ إلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ إلَخْ) أَخَذَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِوَجْهِ الْقِيَاسِ وَلَمْ يُوجِبْ الضَّمَانَ، وَعُلَمَاؤُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - اسْتَحْسَنُوا إيجَابَ الضَّمَانِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَشُرَيْحٍ وَالنَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِنْ التَّابِعِينَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وَالْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (وَكَمْ مِنْ ضَرَرٍ خَاصٍّ يُتَحَمَّلُ لِدَفْعِ الْعَامِّ) كَالرَّامِي إلَى الْكُفَّارِ وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِالْمُسْلِمِينَ وَقَطْعِ الْعُضْوِ لِلْأَكْلَةِ عِنْدَ خَوْفِ هَلَاكِ النَّفْسِ. وَقَوْلُهُ (وَتَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ) قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ حَتَّى يَشْهَدَ الشُّهُودُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: عَلَى التَّقَدُّمِ إلَيْهِ فِي النَّقْدِ، وَعَلَى أَنَّهُ مَاتَ مِنْ سُقُوطِهِ عَلَيْهِ، وَعَلَى أَنَّ الدَّارَ لَهُ، لِأَنَّ كَوْنَ الدَّارِ فِي يَدِهِ ظَاهِرٌ وَالظَّاهِرُ لَا يُسْتَحَقُّ بِهِ حَقٌّ عَلَى الْغَيْرِ. وَقَوْلُهُ (وَالشَّرْطُ التَّقَدُّمُ إلَيْهِ) وَهُوَ أَنْ يَقُولَ صَاحِبُ الْحَقِّ لِصَاحِبِ الْحَائِطِ إنَّ حَائِطَك هَذَا مَخُوفٌ أَوْ يَقُولُ مَائِلٌ فَانْقُضْهُ أَوْ اهْدِمْهُ حَتَّى لَا يَسْقُطَ وَلَا يُتْلِفَ شَيْئًا. وَلَوْ قَالَ يَنْبَغِي أَنْ تَهْدِمَهُ فَذَاكَ مَشُورَةٌ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ التَّقَدُّمُ مِنْ صَاحِبِ حَقٍّ كَوَاحِدٍ مِنْ الْعَامَّةِ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً إنْ مَالَ إلَى طَرِيقِهِمْ وَوَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ السِّكَّةِ الْخَاصَّةِ إنْ مَالَ إلَيْهَا وَصَاحِبِ الدَّارِ أَوْ سُكَّانِهَا إنْ مَالَ إلَيْهَا، وَأَنْ يَكُونَ إلَى مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّفْرِيغِ حَتَّى لَوْ تَقَدَّمَ إلَى مَنْ يَسْكُنُ الدَّارَ بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ فَلَمْ يُنْقَضْ حَتَّى سَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ. وَقَوْلُهُ (وَالشَّرْطُ هُوَ التَّقَدُّمُ دُونَ الْإِشْهَادِ)

اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ تَقَدَّمْت إلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي هَدْمِ حَائِطِهِ هَذَا، وَلَا يَصِحُّ الْإِشْهَادُ قَبْلَ أَنْ يَهِيَ الْحَائِطُ لِانْعِدَامِ التَّعَدِّي. قَالَ: (وَلَوْ بَنَى الْحَائِطَ مَائِلًا فِي الِابْتِدَاءِ قَالُوا: يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِسُقُوطِهِ مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ) لِأَنَّ الْبِنَاءَ تَعَدٍّ ابْتِدَاءً كَمَا فِي إشْرَاعِ الْجَنَاحِ. قَالَ: (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى التَّقَدُّمِ) لِأَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِشَهَادَةٍ عَلَى الْقَتْلِ، وَشَرْطُ التَّرْكِ فِي مُدَّةٍ يَقْدِرُ عَلَى نَقْضِهِ فِيهَا لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إمْكَانِ النَّقْضِ لِيَصِيرَ بِتَرْكِهِ جَانِيًا، وَيَسْتَوِي أَنْ يُطَالِبَهُ بِنَقْضِهِ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ، لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ شُرَكَاءُ فِي الْمُرُورِ فَيَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً حُرًّا كَانَ أَوْ مُكَاتَبًا، وَيَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَيْهِ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ مُطَالَبَةٌ بِالتَّفْرِيغِ فَيَتَفَرَّدُ كُلُّ صَاحِبِ حَقٍّ بِهِ. قَالَ: (وَإِنْ مَالَ إلَى دَارِ رَجُلٍ فَالْمُطَالَبَةُ إلَى مَالِكِ الدَّارِ خَاصَّةً) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ عَلَى الْخُصُوصِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا سُكَّانٌ لَهُمْ أَنْ يُطَالِبُوهُ لِأَنَّ لَهُمْ الْمُطَالَبَةَ بِإِزَالَةِ مَا شَغَلَ الدَّارَ فَكَذَا بِإِزَالَةِ مَا شَغَلَ هَوَاءَهَا، وَلَوْ أَجَّلَهُ صَاحِبُ الدَّارِ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهَا أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ سَاكِنُوهَا فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا تَلِفَ بِالْحَائِطِ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَالَ إلَى الطَّرِيقِ فَأَجَّلَهُ الْقَاضِي أَوْ مَنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ الْحَقَّ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ إلَيْهِمَا إبْطَالُ حَقِّهِمْ. وَلَوْ بَاعَ الدَّارَ بَعْدَمَا أَشْهَدَ عَلَيْهِ وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي بَرِئَ مِنْ ضَمَانِهِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ بِتَرْكِ الْهَدْمِ مَعَ تَمَكُّنِهِ وَقَدْ زَالَ تَمَكُّنُهُ بِالْبَيْعِ، بِخِلَافِ إشْرَاعِ الْجَنَاحِ لِأَنَّهُ كَانَ جَانِيًا بِالْوَضْعِ وَلَمْ يَنْفَسِخْ بِالْبَيْعِ فَلَا يَبْرَأُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ بَعْدَ شِرَائِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِتَرْكِهِ التَّفْرِيغَ مَعَ تَمَكُّنِهِ بَعْدَمَا طُولِبَ بِهِ، وَالْأَصْلُ أَنَّهُ يَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَى كُلِّ مَنْ يَتَمَكَّنُ مِنْ نَقْضِ الْحَائِطِ وَتَفْرِيغِ الْهَوَاءِ، وَمَنْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ لَا يَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَيْهِ كَالْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُودَعِ وَسَاكِنِ الدَّارِ، وَيَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَى الرَّاهِنِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ بِوَاسِطَةِ الْفِكَاكِ وَإِلَى الْوَصِيِّ وَإِلَى أَبِي الْيَتِيمِ أَوْ أُمِّهِ فِي حَائِطِ الصَّبِيِّ لِقِيَامِ الْوِلَايَةِ، وَذَكَرَ الْأُمَّ فِي الزِّيَادَاتِ وَالضَّمَانُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ لِأَنَّ فِعْلَ هَؤُلَاءِ كَفِعْلِهِ، وَإِلَى الْمُكَاتَبِ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَهُ، وَإِلَى الْعَبْدِ التَّاجِرِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَتَّى لَوْ اعْتَرَفَ صَاحِبُهُ أَنَّهُ طُولِبَ بِنَقْضِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ فِعْلَ هَؤُلَاءِ كَفِعْلِهِ) أَيْ فِعْلُ الْوَصِيِّ وَالْأَبِ وَالْأُمِّ كَفِعْلِ الصَّبِيِّ، وَالتَّقَدُّمُ إلَيْهِمْ كَالتَّقَدُّمِ عَلَى الصَّبِيِّ بَعْدَ بُلُوغِهِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا هَدَرَ الْقَتِيلُ بِسُقُوطِ الْحَائِطِ إذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ بَعْدَ التَّقَدُّمِ إلَى الْأَبِ وَالْوَصِيِّ. أُجِيبَ بِأَنَّ التَّقَدُّمَ إلَيْهِمَا جُعِلَ كَالتَّقَدُّمِ إلَى الصَّغِيرَةِ مَا دَامَتْ وِلَايَتُهُمَا بَاقِيَةً وَقَدْ زَالَتْ بِالْبُلُوغِ فَصَارَ كَأَنَّ التَّقَدُّمَ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ، ثُمَّ إنَّهُمَا فِي تَرْكِ الْهَدْمِ يَعْمَلَانِ لِلصَّبِيِّ وَيَنْظُرَانِ لَهُ فَكَانَ الضَّمَانُ فِي مَالِهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْوَصِيُّ إذَا تَرَكَ النَّقْضَ بَعْدَ التَّقَدُّمِ إلَيْهِ أَلْحَقَ ضَرَرًا بِمَالِ الْيَتِيمِ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ.

دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّ وِلَايَةَ النَّقْضِ لَهُ، ثُمَّ التَّلَفُ بِالسُّقُوطِ إنْ كَانَ مَا لَا فَهُوَ فِي عِتْقِ الْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ نَفْسًا فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَوْلَى لِأَنَّ الْإِشْهَادَ مِنْ وَجْهٍ عَلَى الْمَوْلَى وَضَمَانُ الْمَالِ أَلْيَقُ بِالْعَبْدِ وَضَمَانُ النَّفْسِ بِالْمَوْلَى، وَيَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَى أَحَدِ الْوَرَثَةِ فِي نَصِيبِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ نَقْضِ الْحَائِطِ وَحْدَهُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إصْلَاحِ نَصِيبِهِ بِطَرِيقِهِ وَهُوَ الْمُرَافَعَةُ إلَى الْقَاضِي. (وَلَوْ سَقَطَ الْحَائِطُ الْمَائِلِ عَلَى إنْسَانٍ بَعْدَ الْإِشْهَادِ فَقَتَلَهُ فَتَعَثَّرَ بِالْقَتِيلِ غَيْرُهُ فَعَطِبَ لَا يَضْمَنُهُ) لِأَنَّ التَّفْرِيغَ عَنْهُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ لَا إلَيْهِ (وَإِنْ عَطِبَ بِالنَّقْضِ ضَمِنَهُ) لِأَنَّ التَّفْرِيغَ إلَيْهِ إذْ النَّقْضُ مِلْكُهُ وَالْإِشْهَادُ عَلَى الْحَائِطِ إشْهَادٌ عَلَى النَّقْضِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ امْتِنَاعُ الشَّغْلِ (وَلَوْ عَطِبَ بِجَرَّةِ كَانَتْ عَلَى الْحَائِطِ فَسَقَطَتْ بِسُقُوطِهِ وَهِيَ مِلْكُهُ ضَمِنَهُ) لِأَنَّ التَّفْرِيغَ إلَيْهِ (وَإِنْ كَانَ مِلْكَ غَيْرِهِ لَا يَضْمَنُهُ) لِأَنَّ التَّفْرِيغَ إلَى مَالِكِهَا قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأُجِيبَ بِأَنَّ فِي تَرْكِ النَّقْضِ دَفْعَ مَضَرَّةٍ مُتَحَقِّقَةٍ وَهِيَ مَضَرَّةُ مُؤْنَةِ النَّقْضِ وَبِنَائِهِ ثَانِيًا، وَفِي نَقْضِهِ دَفْعَ مَضَرَّةٍ مَوْهُومَةٍ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَسْقُطَ وَإِنْ سَقَطَ لَا يَهْلِكُ بِهِ شَيْءٌ فَكَانَ تَرْكُهُ أَنْظَرَ لِلصَّبِيِّ فَلَا يَلْزَمُ الْوَصِيَّ ضَمَانٌ. وَقَوْلُهُ (فِي عِتْقِ الْعَبْدِ) يَعْنِي يُبَاعُ فِيهِ كَمَا يُبَاعُ فِي دُيُونِ تِجَارَتِهِ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى الْمَوْلَى كَضَمَانِ النَّفْسِ، وَلَكِنَّا اسْتَحْسَنَّا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فَقُلْنَا: الْعَبْدُ فِي ضَمَانِ الْتِزَامِ الْمَالِ كَالْحُرِّ فَإِنَّهُ يَنْفَكُّ الْحَجْرُ عَنْهُ فِي اكْتِسَابِ سَبَبِ ذَلِكَ، وَفِي الْتِزَامِ ضَمَانِ الْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ كَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِأَنَّ فَكَّ الْحَجْرِ بِالْإِذْنِ لَمْ يَتَنَاوَلْ ذَلِكَ فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَوْلَى. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَى الْمَوْلَى مِنْ وَجْهٍ) أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الدَّارِ لِلْمَوْلَى رَقَبَةً وَتَصَرُّفًا وَالْعَبْدُ خَصْمٌ مِنْ جِهَتِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى إنْسَانٌ حَقًّا فِي دَارٍ بِيَدِ مَأْذُونٍ لَهُ يَنْتَصِبُ خَصْمًا فَكَانَ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ إشْهَادًا عَلَى الْمَوْلَى مِنْ وَجْهٍ. وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَعِنْدَهُمَا ظَاهِرٌ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَخْلِصَهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَكَانَ هَذَا تَقَدُّمًا إلَى الْمَوْلَى مِنْ وَجْهٍ وَتَقَدُّمًا إلَى الْعَبْدِ مِنْ وَجْهٍ، فَاعْتُبِرَ فِي ضَمَانِ الْأَنْفُسِ تَقَدُّمًا إلَى الْمَوْلَى لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ فَكَّ الْحَجْرِ بِالْإِذْنِ لَمْ يَتَنَاوَلْ ذَلِكَ، وَفِي ضَمَانِ الْأَمْوَالِ تَقَدُّمًا إلَى الْعَبْدِ لِأَنَّهُ كَالْحُرِّ فِيهِ كَمَا مَرَّ. وَقَوْلُهُ (وَيَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَى أَحَدِ الْوَرَثَةِ فِي نَصِيبِهِ) يَعْنِي لَوْ هَلَكَ أَحَدٌ بِسُقُوطِهِ بَعْدَ ذَلِكَ ضَمِنَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ فِيهِ، وَهَذَا جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ، وَوَجْهُهُ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ. وَأَمَّا جَوَابُ الْقِيَاسِ فَهُوَ أَنْ لَا يَضْمَنَ أَحَدٌ مِنْهُمْ شَيْئًا، أَمَّا الَّذِي تَقَدَّمَ إلَيْهِ فَلِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ النَّقْضِ فَلَمْ يَكُنْ التَّقَدُّمُ إلَيْهِ مُفِيدًا، وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْوَرَثَةِ فَلِعَدَمِ التَّقَدُّمِ إلَيْهِمْ فَلَمْ يُوجَدْ التَّعَدِّي مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي تَرْكِ التَّفْرِيغِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَى جَمَاعَتِهِمْ يَتَعَذَّرُ عَادَةً، فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ الْإِشْهَادُ عَلَى بَعْضِهِمْ فِي نَصِيبِهِ أَدَّى إلَى الضَّرَرِ وَهُوَ مَدْفُوعٌ. وَقَوْلُهُ (فَعَطِبَ لَا يَضْمَنُهُ) أَيْ لَا يَضْمَنُ صَاحِبُ الْحَائِطِ الْقَتِيلَ الثَّانِيَ (لِأَنَّ التَّفْرِيغَ عَنْهُ) أَيْ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ بِرَفْعِهِ مُفَوَّضٌ إلَى أَوْلِيَائِهِ لِأَنَّهُمْ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ دَفْنَهُ، وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَا إذَا وَقَعَ الْجَنَاحُ فِي الطَّرِيقِ فَتَعَثَّرَ إنْسَانٌ بِنَقْضِهِ وَمَاتَ ثُمَّ تَعَثَّرَ رَجُلٌ بِالْقَتِيلِ وَمَاتَ فَإِنَّ دِيَةَ الْقَتِيلَيْنِ جَمِيعًا عَلَى صَاحِبِ الْجَنَاحِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ إشْرَاعَ الْجَنَاحِ فِي نَفْسِهِ جِنَايَةٌ وَهُوَ فِعْلُهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَلْقَاهُ بِيَدِهِ عَلَيْهِ فَكَانَ حُصُولُ الْقَتِيلِ فِي الطَّرِيقِ مُضَافًا إلَى فِعْلِهِ كَحُصُولِ نَقْضِ الْجَنَاحِ فِي الطَّرِيقِ وَمَنْ أَلْقَى شَيْئًا فِي الطَّرِيقِ كَانَ ضَامِنًا لِمَا عَطِبَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ تَفْرِيغَ الطَّرِيقِ عَنْهُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْحَائِطِ فَإِنَّ نَفْسَ الْبِنَاءِ لَيْسَ بِجِنَايَةٍ وَبَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِعْلٌ يَصِيرُ بِهِ جَانِيًا لَكِنْ جُعِلَ كَالْفَاعِلِ بِتَرْكِ النَّقْضِ فِي الطَّرِيقِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّفْرِيغِ، وَالتَّرْكُ مَعَ الْقُدْرَةِ وُجِدَ فِي حَقِّ النَّقْضِ لَا فِي حَقِّ الْقَتِيلِ فَلِذَلِكَ جُعِلَ فَاعِلًا فِي حَقِّ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ لَا فِي حَقِّ الْقَتِيلِ الثَّانِي وَبِهَذَا يُعْلَمُ حُكْمُ مَا عَطِبَ بِالنَّقْضِ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَاضِحًا. وَقَوْلُهُ (فَسَقَطَتْ) يَعْنِي الْجَرَّةُ بِسُقُوطِ الْحَائِطِ، يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ وَقَعَتْ الْجَرَّةُ وَحْدَهَا فَأَصَابَتْ إنْسَانًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ وَضَعَهَا عَلَى

(وَإِنْ كَانَ الْحَائِطُ بَيْنَ خَمْسَةِ رِجَالٍ أَشْهَدَ عَلَى أَحَدِهِمْ فَقَتَلَ إنْسَانًا ضَمِنَ خُمُسَ الدِّيَةِ وَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ فَحَفَرَ أَحَدُهُمْ فِيهَا بِئْرًا وَالْحَفْرُ كَانَ بِغَيْرِ رِضَا الشَّرِيكَيْنِ الْآخَرِينَ أَوْ بَنَى حَائِطًا فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ فَعَلَيْهِ ثُلُثَا الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي الْفَصْلَيْنِ) لَهُمَا أَنَّ التَّلَفَ بِنَصِيبِ مَنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ مُعْتَبَرٌ، وَبِنَصِيبِ مَنْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ هَدَرٌ، فَكَانَا قِسْمَيْنِ فَانْقَسَمَ نِصْفَيْنِ كَمَا مَرَّ فِي عَقْرِ الْأَسَدِ وَنَهْشِ الْحَيَّةِ وَجَرْحِ الرَّجُلِ. وَلَهُ أَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ الثِّقَلُ الْمُقَدَّرُ وَالْعُمْقُ الْمُقَدَّرُ، لِأَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ لَيْسَ بِعِلَّةٍ وَهُوَ الْقَلِيلُ حَتَّى يُعْتَبَرُ كُلُّ جُزْءٍ عِلَّةً فَتَجْتَمِعُ الْعِلَلُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يُضَافُ إلَى الْعِلَّةِ الْوَاحِدَةِ ثُمَّ تُقْسَمُ عَلَى أَرْبَابِهَا بِقَدْرِ الْمِلْكِ، بِخِلَافِ الْجِرَاحَاتِ فَإِنَّ كُلَّ جِرَاحَةٍ عِلَّةٌ لِلتَّلَفِ بِنَفْسِهَا صَغُرَتْ أَوْ كَبِرَتْ عَلَى مَا عُرِفَ، إلَّا أَنَّ عِنْدَ الْمُزَاحِمَةِ أُضِيفَ إلَى الْكُلِّ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِلْكِهِ وَهُوَ لَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا فِيمَا يُحْدِثُهُ فِي مِلْكِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَائِطُ مَائِلًا أَوْ غَيْرَ مَائِلٍ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَقَوْلُهُ (فَعَلَيْهِ) أَيْ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ حَافِرِ الْبِئْرِ وَبَانِي الْحَائِطِ. وَقَوْلُهُ (وَلَهُ) أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ الثِّقَلُ الْمُقَدَّرُ: يَعْنِي فِي الْحَائِطِ، وَالْعُمْقُ الْمُقَدَّرُ: يَعْنِي فِي الْبِئْرِ (لِأَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ) أَيْ أَصْلَ الثِّقَلِ وَالْعُمْقِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [البقرة: 68] (وَهُوَ الْقَلِيلُ) أَيْ ذَلِكَ الْأَصْلُ: يَعْنِي أَنَّ الْجُزْءَ الْيَسِيرَ لَيْسَ بِمُهْلِكٍ (حَتَّى يُعْتَبَرَ كُلُّ جُزْءٍ عِلَّةً فَتَجْتَمِعُ الْعِلَلُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يُضَافُ إلَى الْعِلَّةِ الْوَاحِدَةِ ثُمَّ تُقْسَمُ عَلَى أَرْبَابِهَا بِقَدْرِ الْمِلْكِ) أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَشْهَدَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا ثُمَّ سَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ كَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خُمُسُ الدِّيَةِ فَيُتْرَكُ الْإِشْهَادُ فِي حَقِّ الْبَاقِينَ لَا يَزْدَادُ الْوَاجِبُ عَلَى مَنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا تَخْرُجُ مَسْأَلَةُ الْبِئْرِ فَيُقَالُ لَهُمَا اجْتَمَعَ فِي حَقِّهِ مَعْنَيَانِ. أَحَدُهُمَا مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ وَهُوَ التَّعَدِّي بِالْحَفْرِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، وَالْآخَرُ مَانِعٌ عَنْهُ وَهُوَ عَدَمُ التَّعَدِّي مِنْ حَيْثُ الْحَفْرُ فِي مِلْكِهِ فَيُجْعَلُ الْمُعْتَبَرُ جِنْسًا وَالْمُهْدَرُ جِنْسًا فَيَلْزَمُهُ نِصْفُ الضَّمَانِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ صِفَةَ التَّعَدِّي تَحَقَّقَتْ فِي الثُّلُثَيْنِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ الثُّلُثَيْنِ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْجِرَاحَاتِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا كَمَا مَرَّ فِي عَقْرِ الْأَسَدِ وَنَهْشِ الْحَيَّةِ وَجَرْحِ الرَّجُلِ. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّ عِنْدَ الْمُزَاحَمَةِ أُضِيفَ إلَى الْكُلِّ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ) يُضَافُ إلَيْهِ وَإِذَا أُضِيفَ إلَى الْكُلِّ وَبَعْضُهَا مُعْتَبَرٌ فِي إضَافَةِ الضَّمَانِ إلَيْهِ وَبَعْضُهَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَجُعِلَ غَيْرُ الْمُعْتَبَرِ شَيْئًا وَاحِدًا وَإِنْ تَعَدَّدَ فَلِذَلِكَ صَارَ الضَّمَانُ نِصْفَيْنِ فَاعْتُبِرَ أَحَدُهُمَا وَأُهْدِرَ الْآخِرُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (بَابُ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ)

(بَابُ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا) قَالَ (الرَّاكِبُ ضَامِنٌ لِمَا أَوْطَأَتْ الدَّابَّةُ مَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا أَوْ رَأْسِهَا أَوْ كَدَمَتْ أَوْ خَبَطَتْ، وَكَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQذَكَرَ جِنَايَةَ الْبَهِيمَةِ وَالْجِنَايَةَ عَلَيْهَا عَقِيبَ جِنَايَةِ الْإِنْسَانِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ. وَقَوْلُهُ (لَمَّا أَوْطَأَتْ الدَّابَّةُ) الصَّحِيحُ: لَمَّا وَطِئَتْ الدَّابَّةُ. وَقِيلَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولَا الْإِيطَاءِ مَحْذُوفَيْنِ، وَتَقْدِيرُهُ: أَوْطَأَتْ الدَّابَّةُ يَدَهَا أَوْ رِجْلَهَا إنْسَانًا فَيَكُونُ مِنْ بَابِ فُلَانٌ يُعْطِي. وَقَوْلُهُ (مَا أَصَابَتْ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ لَمَّا أَوْطَأَتْ الدَّابَّةُ، وَالْكَدْمُ: الْعَضُّ بِمُقْدِمِ الْأَسْنَانِ. وَالْخَبْطُ: الضَّرْبُ بِالْيَدِ. وَالصَّدْمُ: هُوَ أَنْ تَضْرِبَ الشَّيْءَ بِجَسَدِك، وَمِنْهُ اصْطَدَمَ الْفَارِسَانِ إذَا ضَرَبَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِنَفْسِهِ وَيُقَالُ نَفَحَتْ الدَّابَّةُ الشَّيْءَ إذَا ضَرَبَتْهُ بِحَدِّ حَافِرِهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ جِنَايَةَ الدَّابَّةِ لَا تَخْلُو مِنْ أَوْجُهٍ ثَلَاثَةٍ: لِأَنَّهَا إمَّا أَنْ تَكُونَ فِي مِلْكِ صَاحِبِهَا، أَوْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، أَوْ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ كَانَتْ فِي مِلْكِ صَاحِبِهَا مِلْكًا كَامِلًا أَوْ مُشْتَرَكًا مُتَسَاوِيًا أَوْ مُتَفَاضِلًا؛ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهَا مَعَهَا أَوْ لَا يَكُونُ، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي لَمْ يَضْمَنْ صَاحِبُهَا وَاقِفَةً كَانَتْ الدَّابَّةُ أَوْ سَائِرَةً وَطِئَتْ بِيَدِهَا أَوْ بِرِجْلِهَا أَوْ نَفَحَتْ أَوْ كَدَمَتْ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ سَائِقًا لَهَا أَوْ قَائِدًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ رَاكِبًا عَلَيْهَا أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَمْ يَضْمَنْ صَاحِبُهَا فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا أَتْلَفَتْ نَفْسًا أَوْ مَالًا، لِأَنَّ صَاحِبَهَا فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ مُتَسَبِّبٌ لِاتِّصَالِ أَثَرِ فِعْلِهِ بِالْمُتْلَفِ بِوَاسِطَةِ فِعْلِ مُخْتَارٍ وَهُوَ الدَّابَّةُ، وَالْمُتَسَبِّبُ إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا، وَلَا تَعَدِّيَ فِي إيقَافِ الدَّابَّةِ أَوْ تَسْيِيرِهَا فِي مِلْكِهِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي وَهُوَ يَسِيرُ فَإِنْ وَطِئَتْ بِيَدِهَا أَوْ بِرِجْلِهَا ضَمِنَ، وَإِنْ كَدَمَتْ أَوْ نَفَحَتْ بِيَدِهَا أَوْ بِرِجْلِهَا أَوْ ضَرَبَتْ بِذَنَبِهَا فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ صَاحِبُ الدَّابَّةِ مُبَاشِرٌ لِلْإِتْلَافِ لِأَنَّ ثِقَلَهُ وَثِقَلَ الدَّابَّةِ اتَّصَلَا بِالْمُتْلَفِ فَكَأَنَّهُمَا وَطِئَا جَمِيعًا، الْمُبَاشِرُ ضَامِنٌ مُتَعَدِّيًا كَانَ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَفِي الثَّانِي مُتَسَبِّبٌ غَيْرَ مُتَعَدٍّ وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي مِلْكِ غَيْرِ صَاحِبِهَا، فَإِمَّا أَنْ أَدْخَلَهَا صَاحِبُهَا فِيهِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَسَبِّبٍ وَلَا مُبَاشِرٍ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ عَلَى كُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا سَائِقُهَا أَوْ قَائِدُهَا أَوْ لَا وَاقِفَةً أَوْ سَائِرَةً، لِأَنَّ صَاحِبَهَا إمَّا مُبَاشِرٌ أَوْ مُتَسَبِّبٌ مُتَعَدٍّ، إذْ لَيْسَ لَهُ إيقَافُ الدَّابَّةِ وَتَسْيِيرُهَا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ أَوْقَفَهَا صَاحِبُهَا فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا تَلِفَ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا لِأَنَّهُ بِالْإِيقَافِ مُتَسَبِّبٌ مُتَعَدٍّ، إذْ لَيْسَ لَهُ

إذَا صَدَمَتْ وَلَا يَضْمَنُ مَا نَفَحَتْ بِرِجْلِهَا أَوْ ذَنَبِهَا) وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُرُورَ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ مُبَاحٌ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ لِأَنَّهُ يُتَصَرَّفُ فِي حَقِّهِ مِنْ وَجْهٍ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ وَجْهٍ لِكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ كُلِّ النَّاسِ فَقُلْنَا بِالْإِبَاحَةِ مُقَيَّدًا بِمَا ذَكَرْنَا لِيَعْتَدِلَ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، ثُمَّ إنَّمَا يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ فِيمَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِهَا فِيمَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَنْعِ عَنْ التَّصَرُّفِ وَسَدِّ بَابِهِ وَهُوَ مَفْتُوحٌ، وَالِاحْتِرَازُ عَنْ الْإِيطَاءِ وَمَا يُضَاهِيهِ مُمْكِنٌ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِ التَّيْسِيرِ فَقَيَّدْنَاهُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ عَنْهُ، وَالنَّفْحَةُ بِالرِّجْلِ وَالذَّنَبِ لَيْسَ يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ مَعَ السَّيْرِ عَلَى الدَّابَّةِ فَلَمْ يَتَقَيَّدْ بِهِ (فَإِنْ أَوْقَفَهَا فِي الطَّرِيقِ ضَمِنَ النَّفْحَةَ أَيْضًا) لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْ الْإِيقَافِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ عَنْ النَّفْحَةِ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا فِي الْإِيقَافِ وَشَغْلِ الطَّرِيقِ بِهِ فَيَضْمَنُهُ. قَالَ (وَإِنْ أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ بِرِجْلِهَا حَصَاةً أَوْ نَوَاةً أَوْ أَثَارَتْ غُبَارًا أَوْ حَجَرًا صَغِيرًا فَفَقَأَ عَيْنَ إنْسَانٍ أَوْ أَفْسَدَ ثَوْبَهُ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ كَانَ حَجَرًا كَبِيرًا ضَمِنَ) لِأَنَّهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، إذْ سَيْرُ الدَّوَابِّ لَا يَعْرَى عَنْهُ، وَفِي الثَّانِي مُمْكِنٌ لِأَنَّهُ يَنْفَكُّ عَنْ السَّيْرِ عَادَةً، وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِتَعْنِيفِ الرَّاكِبِ، وَالْمُرْتَدِفُ فِيمَا ذَكَرْنَا كَالرَّاكِبِ لِأَنَّ الْمَعْنَى ـــــــــــــــــــــــــــــQشَغْلُ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ بِإِيقَافِ الدَّابَّةِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَتْ سَائِرَةً، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهَا مَعَهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَأَمَّا إنْ سَارَتْ بِإِرْسَالِهِ أَوْ انْفَلَتَتْ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ ضَمِنَ مَا أَتْلَفَتْ مَا لَمْ تَتَحَوَّلْ عَنْ جِهَةِ الْإِرْسَالِ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً لِأَنَّ إرْسَالَهَا بِلَا حَافِظٍ سَبَبٌ لِلْإِتْلَافِ وَهُوَ فِيهِ مُتَعَدٍّ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا مَعَهَا ضَمِنَ مَا أَتْلَفَتْ رَاكِبًا كَانَ أَوْ سَائِقًا أَوْ قَائِدًا إلَّا النَّفْحَةَ بِالرِّجْلِ أَوْ الذَّنَبِ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ أَوْ مُتَسَبِّبٌ مُتَعَدٍّ. وَالْغَرَضُ مِنْ هَذَا الْإِسْهَابِ بَيَانُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الرَّاكِبُ ضَامِنٌ لِمَا أَوْطَأَتْ الدَّابَّةُ، إلَى قَوْلِهِ: وَكَذَا إذَا صَدَمَتْ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الرَّاكِبُ فِي مِلْكِهِ، لِأَنَّ هَذَا الْجَوَابَ إنْ اسْتَقَامَ فِي قَوْلِهِ مَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ بِرِجْلِهَا لَا يَسْتَقِيمُ فِي قَوْلِهِ أَوْ كَدَمَتْ أَوْ خَبَطَتْ أَوْ صَدَمَتْ فِيمَا إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ عَلَى مَا مَرَّ آنِفًا، وَذَكَرَ الْأَصْلَ الَّذِي يَنُبْنِي عَلَيْهِ هَذِهِ الْفُرُوعُ فَقَالَ (وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُرُورَ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ مُبَاحٌ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي حَقِّهِ مِنْ وَجْهٍ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ وَجْهٍ لِكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ كُلِّ النَّاسِ) أَمَّا أَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي حَقِّهِ فَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ طَرِيقٍ يَمْشِي فِيهِ لِتَرْتِيبِ مُهِمَّاتِهِ، فَالْحَجْرُ عَنْ ذَلِكَ حَرَجٌ وَهُوَ مَدْفُوعٌ. وَأَمَّا أَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَلِأَنَّ غَيْرَهُ فِيهِ كَهُوَ فِي الِاحْتِيَاجِ، فَبِالنَّظَرِ إلَى حَقِّهِ يَسْتَدْعِي الْإِبَاحَةَ مُطْلَقًا، وَبِالنَّظَرِ إلَى حَقِّ غَيْرِهِ يَسْتَدْعِي الْحَجْرَ مُطْلَقًا، فَقُلْنَا بِإِبَاحَةٍ مُقَيَّدَةٍ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ عَمَلًا بِالْوَجْهَيْنِ وَبَقِيَّةُ كَلَامِهِ وَاضِحَةٌ. وَقَوْلُهُ (وَالْمُرْتَدِفُ فِيمَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي فِي مُوجَبِ الْجِنَايَةِ (كَالرَّاكِبِ لِأَنَّ الْمَعْنَى)

لَا يَخْتَلِفُ. قَالَ (فَإِنْ رَاثَتْ أَوْ بَالَتْ فِي الطَّرِيقِ وَهِيَ تَسِيرُ فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِ السَّيْرِ فَلَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ (وَكَذَا إذَا أَوْقَفَهَا لِذَلِكَ) لِأَنَّ مِنْ الدَّوَابِّ مَا لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا بِالْإِيقَافِ، وَإِنْ أَوْقَفَهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ فَعَطِبَ إنْسَانٌ بِرَوْثِهَا أَوْ بَوْلِهَا ضَمِنَ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا الْإِيقَافِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِ السَّيْرِ، ثُمَّ هُوَ أَكْثَرُ ضَرَرًا بِالْمَارَّةِ مِنْ السَّيْرِ لِمَا أَنَّهُ أَدْوَمُ مِنْهُ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ (وَالسَّائِقُ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا وَالْقَائِدُ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا دُونَ رِجْلِهَا) وَالْمُرَادُ النَّفْحَةُ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَإِلَيْهِ مَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ النَّفْحَةَ بِمَرْأَى عَيْنِ السَّائِقِ فَيُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَغَائِبٌ عَنْ بَصَرِ الْقَائِدِ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ. وَقَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ: إنَّ السَّائِقَ لَا يَضْمَنُ النَّفْحَةَ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ يَرَاهَا، إذْ لَيْسَ عَلَى رِجْلِهَا مَا يَمْنَعُهَا بِهِ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ الْمَعْنَى الْمُوجِبَ وَهُوَ الْمُبَاشَرَةُ وَالتَّصَرُّفُ فِي الدَّابَّةِ بِالتَّسْيِيرِ عَلَى مَا أَرَادَ (لَا يَخْتَلِفُ) لِأَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمْ وَتَحْتَ تَصَرُّفِهِمْ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ هُوَ) يَعْنِي الْإِيقَافَ (أَكْثَرُ ضَرَرًا بِالْمَارَّةِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: سَلَّمْنَا أَنَّ الْإِيقَافَ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِ السَّيْرِ لَكِنَّهُ مِثْلُهُ فِي كَوْنِهِ تَصَرُّفًا فِي الدَّابَّةِ فَلْيَلْتَحِقْ بِهِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ أَضَرُّ مِنْهُ (لِمَا أَنَّهُ) أَيْ الْإِيقَافَ (أَدْوَمُ مِنْ السَّيْرِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ) وَقَوْلُهُ (وَالسَّائِقُ ضَامِنٌ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الرَّاكِبِ بَيَّنَ أَحْكَامَ السَّائِقِ وَالْقَائِدِ، وَقَوْلُهُ (وَالْمُرَادُ النَّفْحَةُ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ لِمَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا، وَإِنَّمَا فَسَّرَ بِذَلِكَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْوَطْءُ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى السَّائِقِ وَالْقَائِدِ بِلَا خِلَافٍ لِأَحَدٍ فِيهِ. وَقَوْلُهُ (وَإِلَيْهِ مَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) يَعْنِي الْعِرَاقِيِّينَ. وَقَوْلُهُ (فَيُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ) يَعْنِي بِإِبْعَادِ الدَّابَّةِ عَنْ الْمُتْلَفِ أَوْ بِإِبْعَادِهِ عَنْهَا. وَقَوْلُهُ (وَقَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) يُرِيدُ مَشَايِخَ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ،

بِخِلَافِ الْكَدْمِ لِإِمْكَانِهِ كَبْحَهَا بِلِجَامِهَا. وَبِهَذَا يَنْطِقُ أَكْثَرُ النُّسَخِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَضْمَنُونَ النَّفْحَةَ كُلُّهُمْ لِأَنَّ فِعْلَهَا مُضَافٌ إلَيْهِمْ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الرِّجْلُ جُبَارٌ» وَمَعْنَاهُ النَّفْحَةُ بِالرِّجْلِ، وَانْتِقَالُ الْفِعْلِ بِتَخْوِيفِ الْقَتْلِ كَمَا فِي الْمُكْرَهِ وَهَذَا تَخْوِيفٌ بِالضَّرْبِ. قَالَ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَكُلُّ شَيْءٍ ضَمِنَهُ الرَّاكِبُ ضَمِنَهُ السَّائِقُ وَالْقَائِدُ) لِأَنَّهُمَا مُسَبِّبَانِ بِمُبَاشَرَتِهِمَا شَرْطَ التَّلَفِ وَهُوَ تَقْرِيبُ الدَّابَّةِ إلَى مَكَانِ الْجِنَايَةِ فَيَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ فِيمَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ كَالرَّاكِبِ (إلَّا أَنَّ عَلَى الرَّاكِبِ الْكَفَّارَةَ) فِيمَا أَوْطَأْتُهُ الدَّابَّةُ بِيَدِهَا أَوْ بِرِجْلِهَا (وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا) وَلَا عَلَى الرَّاكِبِ فِيمَا وَرَاءَ الْإِبْطَاءِ، لِأَنَّ الرَّاكِبَ مُبَاشِرٌ فِيهِ لِأَنَّ التَّلَفَ بِثِقَلِهِ وَثِقَلِ الدَّابَّةِ تَبَعٌ لَهُ، لِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ مُضَافٌ إلَيْهِ وَهِيَ آلَةٌ لَهُ وَهُمَا مُسَبَّبَانِ لِأَنَّهُ لَا يَتَّصِلُ مِنْهُمَا إلَى الْمَحَلِّ شَيْءٌ، وَكَذَا الرَّاكِبُ فِي غَيْرِ الْإِيطَاءِ، وَالْكَفَّارَةُ حُكْمُ الْمُبَاشَرَةِ لَا حُكْمُ التَّسَبُّبِ، وَكَذَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِيطَاءِ فِي حَقِّ الرَّاكِبِ حِرْمَانُ الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ دُونَ السَّائِقِ وَالْقَائِدِ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْمُبَاشَرَةِ (وَلَوْ كَانَ رَاكِبٌ وَسَائِقٌ قِيلَ: لَا يَضْمَنُ السَّائِقُ مَا أَوْطَأَتْ الدَّابَّةُ) لِأَنَّ الرَّاكِبَ مُبَاشِرٌ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَالسَّائِقُ مُسَبِّبٌ، وَالْإِضَافَةُ إلَى الْمُبَاشِرِ أَوْلَى. وَقِيلَ: الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ سَبَبُ الضَّمَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (مَا ذَكَرْنَاهُ) يَعْنِي قَوْلَهُ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ. وَقَوْلُهُ (وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الرِّجْلُ جُبَارٌ» ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَمَعْنَى جُبَارٌ: هَدَرٌ وَمَعْنَاهُ النَّفْحَةُ بِالرِّجْلِ لِأَنَّ الْوَطْءَ مَضْمُونٌ بِالْإِجْمَاعِ. وَقَوْلُهُ (وَانْتِقَالُ الْفِعْلِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ فِعْلَهَا مُضَافٌ إلَيْهِمْ: يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْإِكْرَاهِ، وَلَا يَكَادُ يَصِحُّ لِأَنَّ هُنَاكَ الِانْتِقَالَ بِتَخْوِيفِ الْقَتْلِ وَهُنَا تَخْوِيفٌ بِالضَّرْبِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ، قِيلَ وَفِيهِ ضَعْفٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى الْإِكْرَاهِ، وَإِنَّمَا قَالَ بِنَاءً عَلَى أَصْلٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ مُضَافٌ إلَى رَاكِبِهَا وَلَا كَلَامَ فِيهِ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي النَّفْحَةِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَخْلُو عَنْ ضَعْفٍ. وَالْجَوَابُ الْقَوِيُّ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الرِّجْلُ جُبَارٌ» وَأَتَى بِرِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الضَّابِطِ الْكُلِّيِّ وَبَيَانِ الْكَفَّارَةِ. وَقَوْلُهُ (لِمَا ذَكَرْنَاهُ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ التَّلَفَ بِثِقَلِهِ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا ذَكَرْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَا يَتَّصِلُ مِنْهُمَا إلَى الْمَحَلِّ شَيْءٌ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ سَبَبُ الضَّمَانِ) يَعْنِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ عَامِلٌ فِي الْإِتْلَافِ فَإِنَّ السَّوْقَ لَوْ انْفَرَدَ عَنْ الرُّكُوبِ أَوْجَبَ ضَمَانَ مَا أَتْلَفَتْ بِالْوَطْءِ، وَكَذَلِكَ الرُّكُوبُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُضَافَ عَمَلُ السَّوْقِ فِي الْإِتْلَافِ إلَى الرُّكُوبِ، بَلْ كَانَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ، وَالْمُسَبِّبُ إنَّمَا لَا يَضْمَنُ مَعَ الْمُبَاشِرِ إذَا كَانَ سَبَبًا لَا يَعْمَلُ فِي التَّلَفِ عِنْدَ انْفِرَادِهِ، كَالْحَفْرِ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ التَّلَفَ مُنْفَرِدًا

قَالَ (وَإِذَا اصْطَدَمَ فَارِسَانِ فَمَاتَا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةُ الْآخَرِ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ الْآخَرِ لِمَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاتَ بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ صَاحِبِهِ، لِأَنَّهُ بِصَدْمَتِهِ آلَمَ نَفْسَهُ وَصَاحِبَهُ فَيُهْدَرُ نِصْفُهُ وَيُعْتَبَرُ نِصْفُهُ، كَمَا إذَا كَانَ الِاصْطِدَامُ عَمْدًا، أَوْ جَرَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَفْسَهُ وَصَاحِبَهُ جِرَاحَةً أَوْ حَفَرَا عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ بِئْرًا فَانْهَارَ عَلَيْهِمَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفُ فَكَذَا هَذَا. وَلَنَا أَنَّ الْمَوْتَ يُضَافُ إلَى فِعْلِ صَاحِبِهِ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِي نَفْسِهِ مُبَاحٌ وَهُوَ الْمَشْيُ فِي الطَّرِيقِ فَلَا يَصْلُحُ مُسْتَنَدًا لِلْإِضَافَةِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ، كَالْمَاشِي إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْبِئْرِ وَوَقَعَ فِيهَا لَا يُهْدَرُ شَيْءٌ مِنْ دَمِهِ، وَفِعْلُ صَاحِبِهِ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا، لَكِنَّ الْفِعْلَ الْمُبَاحَ فِي غَيْرِهِ سَبَبٌ لِلضَّمَانِ كَالنَّائِمِ إذَا انْقَلَبَ عَلَى غَيْرِهِ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أَوْجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلَّ الدِّيَةِ فَتَعَارَضَتْ رِوَايَتَاهُ فَرَجَّحْنَا بِمَا ذَكَرْنَا، وَفِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْمَسَائِلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ الدَّفْعِ الَّذِي هُوَ مُبَاشَرَةٌ، وَتَذَكَّرْ تَخْصِيصَ الْعِلَلِ وَمُخَلِّصَهُ فَإِنَّهُ مِنْ مَظَانِّهِ . وَقَالَ (إذَا اصْطَدَمَ فَارِسَانِ إلَخْ) أَيْ ضَرَبَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِنَفْسِهِ، وَحُكْمُ الْمَاشِيَيْنِ حُكْمُ الْفَارِسَيْنِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ مَوْتُ الْمُصْطَدِمَيْنِ غَالِبًا فِي الْفَارِسَيْنِ خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ، وَمَا ذَكَرَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَجْهُ الْقِيَاسِ، وَمَا قُلْنَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كِلَا الْوَجْهَيْنِ فَتَعَارَضَتْ رِوَايَتَاهُ فَرَجَّحْنَا قَوْلَنَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ: يَعْنِي قَوْلَهُ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِي نَفْسِهِ مُبَاحٌ وَهُوَ الْمَشْيُ فِي الطَّرِيقِ إلَخْ، وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْخَصْمَ أَيْضًا تَرَجَّحَ جَانِبُهُ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَعْنَى فَتَعَارَضَتْ جِهَتَا التَّرْجِيحِ. وَالثَّانِي أَنَّ مَا ذُكِرَ ثَمَّ قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ يَصْلُحُ حُجَّةً، وَمَا صَلَحَ حُجَّةً لَمْ يَصْلُحْ مُرَجِّحًا. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مَنْقُوضٌ بِالْوَاقِعِ فِي الْبِئْرِ بِمَشْيِهِ فَيَكُونُ فَاسِدًا، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الْقِيَاسَ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً. وَقَوْلُهُ (وَفِيمَا ذُكِرَ) جَوَابٌ عَنْ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي جِهَتِهِمَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ

الْفِعْلَانِ مَحْظُورَانِ فَوَضَحَ الْفَرْقُ. هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا كَانَا حُرَّيْنِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ، وَلَوْ كَانَا عَبْدَيْنِ يَهْدُرُ الدَّمُ فِي الْخَطَإِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَعَلَّقَتْ بِرَقَبَتِهِ دَفْعًا وَفِدَاءً، وَقَدْ فَاتَتْ لَا إلَى خُلْفٍ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ الْمَوْلَى فَهُدِرَ ضَرُورَةً، وَكَذَا فِي الْعَمْدِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَلَكَ بَعْدَمَا جَنَى وَلَمْ يَخْلُفْ بَدَلًا، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا وَالْآخَرُ عَبْدًا فَفِي الْخَطَإِ تَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ الْمَقْتُولِ قِيمَةُ الْعَبْدِ فَيَأْخُذُهَا وَرَثَةُ الْمَقْتُولِ الْحُرِّ، وَيَبْطُلُ حَقُّ الْحُرِّ الْمَقْتُولِ فِي الدِّيَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ تَجِبُ الْقِيمَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ الْآدَمِيِّ فَقَدْ أَخْلَفَ بَدَلًا بِهَذَا الْقَدْرِ فَيَأْخُذُهُ وَرَثَةُ الْحُرِّ الْمَقْتُولِ وَيَبْطُلُ مَا زَادَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْخُلْفِ، وَفِي الْعَمْدِ يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ نِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ هُوَ النِّصْفُ فِي الْعَمْدِ، وَهَذَا الْقَدْرُ يَأْخُذُهُ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ، وَمَا عَلَى الْعَبْدِ فِي رَقَبَتِهِ وَهُوَ نِصْفُ دِيَةِ الْحُرِّ يَسْقُطُ بِمَوْتِهِ إلَّا قَدْرَ مَا أَخْلَفَ مِنْ الْبَدَلِ وَهُوَ نِصْفُ الْقِيمَةِ. قَالَ (وَمَنْ سَاقَ دَابَّةً فَوَقَعَ السَّرْجُ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ ضَمِنَ، وَكَذَا عَلَى هَذَا سَائِرُ أَدَوَاتِهِ كَاللِّجَامِ وَنَحْوِهِ، وَكَذَا مَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا التَّسْبِيبِ، لِأَنَّ الْوُقُوعَ بِتَقْصِيرٍ مِنْهُ وَهُوَ تَرْكُ الشَّدِّ أَوْ الْإِحْكَامِ فِيهِ، بِخِلَافِ الرِّدَاءِ لِأَنَّهُ لَا يُشَدُّ فِي الْعَادَةِ، وَلِأَنَّهُ قَاصِدٌ لِحِفْظِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَمَا فِي الْمَحْمُولِ عَلَى عَاتِقِهِ دُونَ اللِّبَاسِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ فَيُقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ. قَالَ (وَمَنْ قَادَ قِطَارًا فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَوْطَأَ) ، فَإِنْ وَطِئَ بَعِيرٌ إنْسَانًا ضَمِنَ بِهِ الْقَائِدُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّ الْقَائِدَ عَلَيْهِ حِفْظُ الْقِطَارِ كَالسَّائِقِ وَقَدْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ وَقَدْ صَارَ مُتَعَدِّيًا بِالتَّقْصِيرِ فِيهِ، وَالتَّسَبُّبِ بِوَصْفِ التَّعَدِّي سَبَبٌ لِلضَّمَانِ، إلَّا أَنَّ ضَمَانَ النَّفْسِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِيهِ وَضَمَانُ الْمَالِ فِي مَالِهِ (وَإِنْ كَانَ مَعَهُ سَائِقٌ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفِعْلَ لَمَّا كَانَ مَحْظُورًا كَانَ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ، وَلَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فَسَقَطَ إيجَابُهُ الضَّمَانَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَاعْتُبِرَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَلِذَلِكَ وَجَبَ عَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ، وَأَمَّا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَالْمَشْيُ مُبَاحٌ مَحْضٌ فَلَمْ يَنْعَقِدْ مُوجَبًا لِلضَّمَانِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ أَصْلًا فَكَانَ صَاحِبُهُ قَاتِلًا لَهُ مِنْ غَيْرِ مُعَارَضَةِ أَحَدٍ لَهُ فِي قَتْلِهِ، فَيَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا تَمَامُ دِيَةِ الْآخَرِ، كَمَنْ مَشَى حَتَّى سَقَطَ فِي الْبِئْرِ ضَمِنَ الْحَافِرُ وَإِنْ كَانَ السُّقُوطُ بِالْحَفْرِ وَالْمَشْيِ جَمِيعًا، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمَشْيُ مُبَاحًا لَمْ يُعْتَبَرْ. وَقَوْلُهُ (هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا كَانَا حُرَّيْنِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ) أَيْ وُجُوبُ تَنْصِيفِ الدِّيَةِ فِي الْعَمْدِ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَفِي الْخَطَأِ الدِّيَةُ الْكَامِلَةُ عَلَى مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ، إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ الْخَطَأَ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ وَالْعَمْدَ فِي بَيَانِ قَوْلِ الْخَصْمِ. وَقَوْلُهُ (فَيَأْخُذُهَا) أَيْ قِيمَةَ الْعَبْدِ وَرَثَةُ الْمَقْتُولِ الْحُرِّ، قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ تَسْقُطَ عَنْ الْعَاقِلَةِ لِأَنَّ الدِّيَةَ أَوَّلًا تَثْبُتُ لِلْمَيِّتِ لَا مَحَالَةَ وَالْوَرَثَةُ يَخْلُفُونَهُ وَالْعَاقِلَةُ يَتَحَمَّلُونَ هَاهُنَا مُوجَبَ جِنَايَتِهِ، فَلَمَّا مَلَكَ الْمَيِّتُ مَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ سَقَطَ عَنْهُمْ، كَمَا قُلْنَا فِي امْرَأَةٍ قَطَعَتْ يَدَ رَجُلٍ خَطَأً فَتَزَوَّجَهَا عَلَى الْيَدِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ فَإِنَّ الدِّيَةَ تَصِيرُ مَهْرًا وَتَسْقُطُ عَنْ الْعَاقِلَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ السُّقُوطَ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّاجِعُ هُوَ الْجَانِي وَهَاهُنَا الرَّاجِعُ وَارِثُهُ فَبِالنَّظَرِ إلَى أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ أَوَّلًا هُوَ الْجَانِي يَسْقُطُ وَبِالنَّظَرِ إلَى أَنَّ الرَّاجِعَ غَيْرُهُ لَا يَسْقُطُ فَلَا يَسْقُطُ بِالشَّكِّ، وَالْبَاقِي وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ قَاصِدٌ لِحِفْظِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ) يَعْنِي السَّرْجَ وَسَائِرَ الْأَدَوَاتِ كَمَا فِي الْمَحْمُولِ عَلَى عَاتِقِهِ إذَا وَقَعَ عَلَى شَيْءٍ فَأَتْلَفَهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ، بِخِلَافِ اللِّبَاسِ فَإِنَّهُ لَا يَقْصِدُ حِفْظَهُ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ) أَيْ فِي بَابِ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ قَادَ قِطَارًا)

لِأَنَّ قَائِدَ الْوَاحِدِ قَائِدٌ لِلْكُلِّ، وَكَذَا سَائِقُهُ لِاتِّصَالِ الْأَزِمَّةِ، وَهَذَا إذَا كَانَ السَّائِقُ فِي جَانِبٍ مِنْ الْإِبِلِ، أَمَّا إذَا كَانَ تَوَسَّطَهَا وَأَخَذَ بِزِمَامٍ وَاحِدٍ يَضْمَنُ مَا عَطِبَ بِمَا هُوَ خَلْفَهُ، وَيَضْمَنَانِ مَا تَلِفَ بِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ لِأَنَّ الْقَائِدَ لَا يَقُودُ مَا خَلْفَ السَّائِقِ لِانْفِصَامِ الزِّمَامِ، وَالسَّائِقُ يَسُوقُ مَا يَكُونُ قُدَّامَهُ. قَالَ (وَإِنْ رَبَطَ رَجُلٌ بَعِيرًا إلَى الْقِطَارِ وَالْقَائِدُ لَا يَعْلَمُ فَوَطِئَ الْمَرْبُوطُ إنْسَانًا فَقَتَلَهُ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْقَائِدِ الدِّيَةُ) لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ صِيَانَةُ الْقِطَارِ عَنْ رَبْطِ غَيْرِهِ، فَإِذَا تَرَكَ الصِّيَانَةَ صَارَ مُتَعَدِّيًا، وَفِي التَّسْبِيبِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا فِي الْقَتْلِ الْخَطَإِ (ثُمَّ يَرْجِعُونَ بِهَا عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ) لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَوْقَعَهُمْ فِي هَذِهِ الْعُهْدَةِ، وَإِنَّمَا لَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا فِي الِابْتِدَاءِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُسَبِّبٌ لِأَنَّ الرَّبْطَ مِنْ الْقَوْدِ بِمَنْزِلَةِ التَّسَيُّبِ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ لِاتِّصَالِ التَّلَفِ بِالْقَوْدِ دُونَ الرَّبْطِ. قَالُوا: هَذَا إذَا رَبَطَ وَالْقِطَارُ يَسِيرُ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِالْقَوْدِ دَلَالَةً، فَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَفُّظُ مِنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الرَّابِطِ، أَمَّا إذَا رَبَطَ وَالْإِبِلُ قِيَامٌ ثُمَّ قَادَهَا ضَمِنَهَا الْقَائِدُ لِأَنَّهُ قَادَ بَعِيرَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا صَرِيحًا وَلَا دَلَالَةً فَلَا يَرْجِعُ بِمَا لَحِقَهُ عَلَيْهِ. قَالَ (وَمَنْ أَرْسَلَ بَهِيمَةً وَكَانَ لَهَا سَائِقًا فَأَصَابَتْ فِي فَوْرِهَا يَضْمَنُهُ) لِأَنَّ الْفِعْلَ انْتَقَلَ إلَيْهِ بِوَاسِطَةِ السَّوْقِ. قَالَ (وَلَوْ أَرْسَلَ طَيْرًا وَسَاقَهُ فَأَصَابَ فِي فَوْرِهِ لَمْ يَضْمَنْ) وَالْفَرْقُ أَنَّ بَدَنَ الْبَهِيمَةِ يَحْتَمِلُ السَّوْقَ فَاعْتُبِرَ سَوْقُهُ وَالطَّيْرُ لَا يَحْتَمِلُ السَّوْقَ فَصَارَ وُجُودُ السَّوْقِ وَعَدَمِهِ بِمَنْزِلَةٍ، وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ سَائِقًا لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقِطَارُ: الْإِبِلُ تُقْطَرُ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ وَالْجَمْعُ قُطُرٌ، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. قَالَ (وَإِنْ رَبَطَ رَجُلٌ بَعِيرًا إلَى الْقِطَارِ إلَخْ) رَجُلٌ رَبَطَ بَعِيرًا إلَى قِطَارٍ يَقُودُهُ رَجُلٌ. فَإِمَّا أَنْ يَعْلَمَ بِرَبْطِهِ الْقَائِدُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي وَقَدْ وَطِئَ الْمَرْبُوطُ إنْسَانًا فَقَتَلَهُ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْقَائِدِ الدِّيَةُ لِإِمْكَانِ تَحْرُزْهُ عَنْ رَبْطِ الْغَيْرِ، فَإِذَا تَرَكَ ذَلِكَ صَارَ مُتَسَبِّبًا مُتَعَدِّيًا وَالدِّيَةُ فِي مِثْلِهِ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا فِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ ثُمَّ تَرْجِعُ عَاقِلَةُ الْقَائِدِ بِمَا ضَمِنُوا مِنْ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَوْقَعَهُمْ فِي هَذِهِ الْعُهْدَةِ، كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ: ضَمِنَ الْقَائِدُ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الَّذِي رَبَطَ الْبَعِيرَ، وَوَفَّقَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ اعْتَبَرَ فِي الْمَبْسُوطِ حَقِيقَةَ الضَّمَانِ. فَإِنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى الْقَائِدِ وَالرَّابِطِ، إلَّا أَنَّ الْعَوَاقِلَ تَعْقِلُ عَنْهُمَا. وَاعْتَبَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَالَ الضَّمَانِ وَقَرَارَهُ وَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَمْ يَرْجِعُوا لِأَنَّ الْقَائِدَ حِينَ عَلِمَ بِالرَّبْطِ فَقَدْ رَضِيَ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الضَّمَانِ فَلَا يَرْجِعُونَ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ وَلَمْ يَذْكُرْهُ لِظُهُورِهِ. وَقَوْلُهُ (وَإِنَّمَا لَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا ابْتِدَاءً) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (قَالُوا) يَعْنِي أَنَّ لَفْظَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ غَيْرُ مُتَعَرِّضٍ لِلسَّيْرِ وَالْوُقُوفِ، وَالْمَشَايِخُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قَالُوا هَذَا: أَيْ رُجُوعَ عَاقِلَةِ الْقَائِدِ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ إذَا رَبَطَ وَالْقِطَارُ يَسِيرُ. أَمَّا إذَا رَبَطَ وَالْإِبِلُ قِيَامٌ ثُمَّ قَادَهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا الْقَائِدُ بِلَا رُجُوعٍ عَلَى أَحَدٍ، وَالْوَجْهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ أَرْسَلَ بَهِيمَةً) يُرِيدُ كَلْبًا لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا، وَمَعْنَى سَوْقِهِ إيَّاهُ أَنْ يَمْشِيَ خَلْفَهُ (وَلَوْ أَرْسَلَ طَيْرًا) أَيْ بَازِيًا وَسَاقَهُ فَأَصَابَ فِي فَوْرِهِ بِأَنْ قَتَلَ صَيْدًا مَمْلُوكًا لَمْ يُضَمِّنْ الْمُرْسِلُ السَّائِقَ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ

أَرْسَلَهُ إلَى صَيْدٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ سَائِقًا فَأَخَذَ الصَّيْدَ وَقَتَلَهُ حَلَّ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْبَهِيمَةَ مُخْتَارَةٌ فِي فِعْلِهَا وَلَا تَصْلُحُ نَائِبَةً عَنْ الْمُرْسِلِ فَلَا يُضَافُ فِعْلُهَا إلَى غَيْرِهَا، هَذَا هُوَ الْحَقِيقَةُ، إلَّا أَنَّ الْحَاجَةَ مَسَّتْ فِي الِاصْطِيَادِ فَأُضِيفَ إلَى الْمُرْسِلِ لِأَنَّ الِاصْطِيَادَ مَشْرُوعٌ وَلَا طَرِيقَ لَهُ سِوَاهُ وَلَا حَاجَةَ فِي حَقِّ ضَمَانِ الْعُدْوَانِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَوْجَبَ الضَّمَانَ فِي هَذَا كُلِّهِ احْتِيَاطًا صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ إذَا أَرْسَلَ دَابَّةً فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَأَصَابَتْ فِي فَوْرِهَا فَالْمُرْسِلُ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّ سَيْرَهَا مُضَافٌ إلَيْهِ مَا دَامَتْ تَسِيرُ عَلَى سَنَنِهَا، وَلَوْ انْعَطَفَتْ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً انْقَطَعَ حُكْمُ الْإِرْسَالِ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ آخَرُ سِوَاهُ وَكَذَا إذَا وَقَفَتْ ثُمَّ سَارَتْ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفَتْ بَعْدَ الْإِرْسَالِ فِي الِاصْطِيَادِ ثُمَّ سَارَتْ فَأَخَذَتْ الصَّيْدَ، لِأَنَّ تِلْكَ الْوَقْفَةَ تَحَقُّقُ مَقْصُودِ الْمُرْسِلِ لِأَنَّهُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الصَّيْدِ، وَهَذِهِ تُنَافِي مَقْصُودَ الْمُرْسِلِ وَهُوَ السَّيْرُ فَيَنْقَطِعُ حُكْمُ الْإِرْسَالِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَرْسَلَهُ إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ نَفْسًا أَوْ مَالًا فِي فَوْرِهِ لَا يَضْمَنُهُ مَنْ أَرْسَلَهُ، وَفِي الْإِرْسَالِ فِي الطَّرِيقِ يَضْمَنُهُ لِأَنَّ شَغْلَ الطَّرِيقِ تَعَدٍّ فَيَضْمَنُ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ، أَمَّا الْإِرْسَالُ لِلِاصْطِيَادِ فَمُبَاحٌ وَلَا تَسْبِيبَ إلَّا بِوَصْفِ التَّعَدِّي. قَالَ (وَلَوْ أَرْسَلَ بَهِيمَةً فَأَفْسَدَتْ زَرْعًا عَلَى فَوْرِهِ ضَمِنَ الْمُرْسِلُ، وَإِنْ مَالَتْ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا) وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ لَا يَضْمَنُ لِمَا مَرَّ، وَلَوْ انْفَلَتَتْ الدَّابَّةُ فَأَصَابَتْ مَالًا أَوْ آدَمِيًّا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا (لَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ» وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هِيَ الْمُنْفَلِتَةُ، وَلِأَنَّ الْفِعْلَ غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهِ لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ النِّسْبَةَ إلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّوْقِ وَالْإِرْسَالِ فِيهِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ، حَتَّى لَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْحَرَمِ وَقَتَلَ صَيْدَ الْحَرَمِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. وَقَوْلُهُ (انْقَطَعَ حُكْمُ الْإِرْسَالِ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ سِوَاهُ) أَيْ سِوَى طَرِيقِ الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى بِأَنْ كَانَ عَلَى الْجَادَّةِ مَاءٌ أَوْ وَحْلٌ فَحِينَئِذٍ لَا يَنْقَطِعُ حُكْمُ الْإِرْسَالِ كَمَا لَوْ لَمْ يَنْعَطِفْ يَمْنَةً وَيَسْرَةً. وَقَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إذَا وَقَفَتْ ثُمَّ سَارَتْ) أَيْ يَنْقَطِعُ حُكْمُ الْإِرْسَالِ. وَقَوْلُهُ (وَهَذِهِ) أَيْ وَقْفَةُ الدَّابَّةِ تُنَافِي مَقْصُودَ الْمُرْسِلِ وَهُوَ السَّيْرُ، فَإِنَّ مَقْصُودَهُ مِنْ الْإِرْسَالِ هُوَ السَّيْرُ لَا الْوُقُوفُ. وَقَوْلُهُ (وَبِخِلَافِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أُوقِفَتْ لِأَنَّ حُكْمَهَا مُخَالِفٌ لِحُكْمِ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَتَبَيَّنَ بِهِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِرْسَالَيْنِ كَمَا بَيَّنَ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفَتْ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَقْفَتَيْنِ. وَقَوْلُهُ (عَلَى فَوْرِهِ) أَيْ فَوْرِ الْإِرْسَالِ وَهُوَ أَنْ لَا تَمِيلَ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا. وَقَوْلُهُ (لِمَا مَرَّ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ انْقَطَعَ حُكْمُ الْإِرْسَالِ. وَقَوْلُهُ (قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هِيَ الْمُنْفَلِتَةُ) أَيْ الْعَجْمَاءُ الَّتِي أَهْدَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِعْلَهَا هِيَ

مِنْ الْإِرْسَالِ وَأَخَوَاتِهِ. قَالَ (شَاةٌ لِقَصَّابٍ فُقِئَتْ عَيْنُهَا فَفِيهَا مَا نَقَصَهَا) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا هُوَ اللَّحْمُ فَلَا يُعْتَبَرُ إلَّا النُّقْصَانُ (وَفِي عَيْنِ بَقَرَةِ الْجَزَّارِ وَجَزُورِهِ رُبْعُ الْقِيمَةِ، وَكَذَا فِي عَيْنِ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ وَالْفَرَسِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِيهِ النُّقْصَانُ أَيْضًا اعْتِبَارًا بِالشَّاةِ. وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَى فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ بِرُبْعِ الْقِيمَةِ» وَهَكَذَا قَضَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلِأَنَّ فِيهَا مَقَاصِدَ سِوَى اللَّحْمِ كَالْحَمْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُنْفَلِتَةُ لَا الَّتِي أُرْسِلَتْ، فَإِنَّ إفْسَادَهَا إذَا كَانَ فِي فَوْرِ الْإِرْسَالِ لَيْسَ بِجُبَارٍ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا فَكَانَ تَفْسِيرُهُ احْتِرَازًا عَنْ الْأُجَرَاءِ عَلَى عُمُومِهِ. وَقَوْلُهُ (مِنْ الْإِرْسَالِ وَأَخَوَاتِهِ) يَعْنِي السَّوْقَ وَالْقَوْدَ وَالرُّكُوبَ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: كَانَ مِنْ حَقِّ الْكَلَامِ أَنْ يَقُولَ مِنْ الْإِرْسَالِ وَأَمْثَالِهِ أَوْ يَقُولَ مِنْ الْإِرْسَالِ وَأَخَوَاتِهَا بِتَأْوِيلِ الْكَلِمَةِ إذْ السَّوْقُ وَالْقَوْدُ لَمَّا كَانَ أُخْتًا لَا أَخًا لِلْإِرْسَالِ كَانَ الْإِرْسَالُ أُخْتًا أَيْضًا، وَإِلَّا يَلْزَمُ جَعْلُ بَعْضِ أَسْبَابِ التَّعَدِّي أَخًا وَبَعْضِهَا أُخْتًا مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ هَاهُنَا مُؤَنَّثٌ مَعْنَوِيٌّ خُولِفَ فِيمَا يَقْتَضِيهِ حَتَّى يُنَاقِشَ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ (شَاةٌ لِقَصَّابٍ فُقِئَتْ عَيْنُهَا) الْجَزْرُ: الْقَطْعُ، وَجَزَرَ الْجَزُورَ: نَحَرَهَا، وَالْجَزُورُ مَا أُعِدَّ مِنْ الْإِبِلِ لِلنَّحْرِ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَهِيَ مُؤَنَّثٌ، وَإِنَّمَا قَالَ: وَجَزُورُهُ رُبْعُ الْقِيمَةِ وَلَمْ يَقُلْ وَبَعِيرُهُ لِيَتَبَيَّنَ أَنَّ الْبَقَرَ وَالْإِبِلَ وَإِنْ أُعِدَّ اللَّحْمُ كَالشَّاةِ لَا يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ فِيهِمَا، بَلْ سَوَاءٌ كَانَا مُعَدَّيْنِ لِلَّحْمِ أَوْ لِلْحَرْثِ وَالْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ فَفِيهِ رُبْعُ الْقِيمَةِ كَمَا فِي الَّذِي لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فِيهِ النُّقْصَانُ وَاعْتِبَارُهُ بِالشَّاةِ عَمَلٌ بِالظَّاهِرِ. وَلَنَا مَا رَوَى خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْجَبَ ذَلِكَ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَضَى بِذَلِكَ فَتَرَكْنَا الْقِيَاسَ. فَإِنْ قِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَضَاءُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي أَوْجَبَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمَأْكُولِ مِنْ الْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ وَالْجَمَالِ، وَالْعَمَلُ مَوْجُودٌ فِي مَأْكُولِ اللَّحْمِ فَيَلْحَقُ بِهِ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ فِيهَا مَقَاصِدَ سِوَى اللَّحْمِ) دَلِيلٌ مَعْقُولٌ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ وَاضِحٌ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى الْجَوَابِ عَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الشَّاةِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا

وَالرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ وَالْجَمَالِ وَالْعَمَلِ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ تُشْبِهُ الْآدَمِيَّ وَقَدْ تُمْسَكُ لِلْأَكْلِ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ تُشْبِهُ الْمَأْكُولَاتِ فَعَمِلْنَا بِالشَّبَهَيْنِ بِشَبَهِ الْآدَمِيِّ فِي إيجَابِ الرُّبْعِ وَبِالشَّبَهِ الْآخَرِ فِي نَفْيِ النِّصْفِ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْعَمَلِ بِهَا بِأَرْبَعَةِ أَعْيُنٍ عَيْنَاهَا وَعَيْنَا الْمُسْتَعْمِلِ فَكَأَنَّهَا ذَاتُ أَعْيُنٍ أَرْبَعَةٍ فَيَجِبُ الرُّبْعُ بِفَوَاتِ إحْدَاهَا. قَالَ (وَمَنْ سَارَ عَلَى دَابَّةٍ فِي الطَّرِيقِ فَضَرَبَهَا رَجُلٌ أَوْ نَخَسَهَا فَنَفَحَتْ رَجُلًا أَوْ ضَرَبَتْهُ بِيَدِهَا أَوْ نَفَرَتْ فَصَدَمَتْهُ فَقَتَلَتْهُ كَانَ ذَلِكَ عَلَى النَّاخِسِ دُونَ الرَّاكِبِ) هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَلِأَنَّ الرَّاكِبَ وَالْمَرْكَبَ مَدْفُوعَانِ بِدَفْعِ النَّاخِسِ فَأُضِيفَ فِعْلُ الدَّابَّةِ إلَيْهِ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِيَدِهِ، وَلِأَنَّ النَّاخِسَ مُتَعَدٍّ فِي تَسْبِيبِهِ وَالرَّاكِبُ فِي فِعْلِهِ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فَيَتَرَجَّحُ جَانِبُهُ فِي التَّغْرِيمِ لِلتَّعَدِّي، حَتَّى لَوْ كَانَ وَاقِفًا دَابَّتَهُ عَلَى الطَّرِيقِ يَكُونُ الضَّمَانُ عَلَى الرَّاكِبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّحْمُ وَفَقْءُ الْعَيْنِ لَا يُفَوِّتُهُ بَلْ هُوَ عَيْبٌ يَسِيرٌ فَيَلْزَمُ نُقْصَانُ الْمَالِيَّةِ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْعَمَلِ بِهَا) دَلِيلٌ آخَرُ. وَهُوَ أَيْضًا وَاضِحٌ لَكِنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى الْأَوَّلِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَيْنَيْنِ لَا يُضْمَنَانِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ، كَذَا قَالَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَعْمُولَ بِهِ فِي هَذَا الْبَابِ النَّصُّ وَهُوَ وَرَدَ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (أَوْ نَخَسَهَا) يَعْنِي بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاكِبِ وَالنَّخْسُ هُوَ الطَّعْنُ، وَمِنْهُ نَخَّاسُ الدَّوَابِّ دَلَّالُهَا. فَإِنْ قِيلَ: الْقِيَاسُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ عَلَى الرَّاكِبِ لِكَوْنِهِ مُبَاشِرًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا لِأَنَّ التَّعَدِّيَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ، فَإِنْ لَمْ يَخْتَصَّ بِهِ فَلَا أَقَلَّ مِنْ الشَّرِكَةِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْقِيَاسَ يُتْرَكُ بِالْأَثَرِ، وَفِيهِ أَثَرُ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى الْجَوَابِ بِقَوْلِهِ وَلِأَنَّ الرَّاكِبَ وَالْمُرْكَبَ مَدْفُوعَانِ بِدَفْعِ النَّاخِسِ، لِأَنَّ فِعْلَ الرَّاكِبِ قَدْ انْتَقَلَ إلَى الدَّابَّةِ لِأَنَّ الْوَثْبَةَ الْمُهْلِكَةَ إنَّمَا كَانَتْ مِنْهَا فَكَانَ مُضْطَرًّا فِي حَرَكَتِهِ، وَفِعْلُ الدَّابَّةِ قَدْ انْتَقَلَ إلَى النَّاخِسِ لِكَوْنِهِ الْحَامِلَ لَهَا عَلَى ذَلِكَ مُلْجِئًا فَكَانَ النَّاخِسُ بِمَنْزِلَةِ الدَّافِعِ لِلدَّابَّةِ وَالرَّاكِبِ مَعًا عَلَى مَا فَعَلَ فِي الدَّابَّةِ، وَالْمَدْفُوعُ إلَى الشَّيْءِ وَإِنْ كَانَ مُبَاشِرًا لَا يُعْتَبَرُ مُبَاشِرًا كَمَا فِي الْإِكْرَاهِ الْكَامِلِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ جَزَاءُ الْمُبَاشَرَةِ إنْ فُرِضَ مُبَاشِرًا وَلَا التَّسْبِيبُ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَعْتَمِدُ التَّعَدِّيَ وَهُوَ مَفْقُودٌ. فَإِنْ قِيلَ: مَا بَالُ النَّفْحَةِ أَوْجَبَتْ الضَّمَانَ عَلَى النَّاخِسِ دُونَ الرَّاكِبِ وَالسَّائِقِ أَيْضًا عِنْدَ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَهِيَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهَا لَا تُوجِبُهُ عَلَى السَّائِقِ إذَا كَانَ بِالْإِذْنِ وَهَاهُنَا بِلَا إذْنٍ، فَلَوْ نَخَسَ وَهُوَ مَأْذُونٌ كَانَ سَائِقًا، وَإِمْكَانُ التَّحَرُّزِ إنَّمَا يُمْكِنُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُتَعَدِّي وَغَيْرُ الْمَأْذُونِ بِذَلِكَ مُتَعَدٍّ فَلَا يُعْتَبَرُ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ النَّاخِسَ مُتَعَدٍّ فِي تَسْبِيبِهِ) دَلِيلٌ آخَرُ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الرَّاكِبَ إنْ كَانَ فِعْلُهُ مُعْتَبَرًا فَهُوَ مُبَاشِرٌ وَالتَّعَدِّي لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ،

وَالنَّاخِسِ نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي الْإِيقَافِ أَيْضًا. قَالَ (وَإِنْ نَفَحَتْ النَّاخِسَ كَانَ دَمُهُ هَدَرًا) لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْجَانِي عَلَى نَفْسِهِ (وَإِنْ أَلْقَتْ الرَّاكِبَ فَقَتَلَتْهُ كَانَ دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ النَّاخِسِ) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي تَسْبِيبِهِ وَفِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ. قَالَ (وَلَوْ وَثَبَتْ بِنَخْسِهِ عَلَى رَجُلٍ أَوْ وَطِئَتْهُ فَقَتَلَتْهُ كَانَ ذَلِكَ عَلَى النَّاخِسِ دُونَ الرَّاكِبِ) لِمَا بَيَّنَّاهُ، وَالْوَاقِفُ فِي مِلْكِهِ وَاَلَّذِي يَسِيرُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى النَّاخِسِ وَالرَّاكِبِ نِصْفَيْنِ، لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِثِقَلِ الرَّاكِبِ وَوَطْءِ الدَّابَّةِ، وَالثَّانِي مُضَافٌ إلَى النَّاخِسِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ نَخَسَهَا بِإِذْنِ الرَّاكِبِ كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ فِعْلِ الرَّاكِبِ لَوْ نَخَسَهَا، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي نَفْحَتِهَا لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِمَا يَمْلِكُهُ، إذْ النَّخْسُ فِي مَعْنَى السَّوْقِ فَصَحَّ أَمْرُهُ بِهِ، وَانْتَقَلَ إلَيْهِ لِمَعْنَى الْأَمْرِ. قَالَ (وَلَوْ وَطِئَتْ رَجُلًا فِي سَيْرِهَا وَقَدْ نَخَسَهَا النَّاخِسُ بِإِذْنِ الرَّاكِبِ فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ جَمِيعًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا لِكَوْنِهِ مَدْفُوعًا فَقَدْ اسْتَغْنَى عَنْ ذَكَرَهُ بِذِكْرِ الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الرَّاكِبَ مُبَاشِرٌ فِيمَا إذَا أَتْلَفَتْ بِالْوَطْءِ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ التَّلَفُ بِالثِّقَلِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ هَاهُنَا فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي النَّفْحِ بِالرِّجْلِ وَالضَّرْبِ بِالْيَدِ وَالصَّدْمَةِ فَكَانَا مُتَسَبِّبَيْنِ، وَتَرَجَّحَ النَّاخِسُ فِي التَّغْرِيمِ لِلتَّعَدِّي، وَفِي اسْتِعْمَالِ التَّرْجِيحِ هَاهُنَا تَسَامُحٌ، لِأَنَّ شَرْطَهُ إذَا كَانَ مَفْقُودًا لَا يَصْلُحُ مُعَارِضًا حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى التَّرْجِيحِ، وَلَعَلَّ مَعْنَاهُ اُعْتُبِرَ مُوجِبًا فِي التَّغْرِيمِ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ سَبَبُ الِاعْتِبَارِ فَكَانَ ذِكْرُ السَّبَبِ وَإِرَادَةُ الْمُسَبَّبِ، وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّاهُ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَلِأَنَّ الرَّاكِبَ وَالْمُرْكَبَ مَدْفُوعَانِ، وَفِي النِّهَايَةِ هُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي تَسْبِيبِهِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ فَتَأَمَّلْ. وَقَوْلُهُ (وَالْوَاقِفُ فِي مِلْكِهِ وَاَلَّذِي يَسِيرُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ) يَعْنِي يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى النَّاخِسِ فِي كُلِّ حَالٍ، وَقَيَّدَ بِمِلْكِهِ احْتِرَازًا عَمَّا تَقَدَّمَ مِنْ الْإِيقَافِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَإِنَّهُ يَتَنَصَّفُ الضَّمَانُ هُنَاكَ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا، وَقَوْلُهُ (وَالثَّانِي) أَيْ الْوَطْءُ (مُضَافٌ إلَى النَّاخِسِ) لِأَنَّهُ كَالسَّائِقِ لَهَا وَالسَّائِقُ مَعَ الرَّاكِبِ يَضْمَنَانِ مَا وَطِئَتْهُ الدَّابَّةُ، وَهَذِهِ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.

إذَا كَانَتْ فِي فَوْرِهَا الَّذِي نَخَسَهَا) لِأَنَّ سَيْرَهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مُضَافٌ إلَيْهِمَا، وَالْإِذْنُ يَتَنَاوَلُ فِعْلَهُ مِنْ حَيْثُ السَّوْقُ وَلَا يَتَنَاوَلُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إتْلَافٌ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ، وَالرُّكُوبُ وَإِنْ كَانَ عِلَّةً لِلْوَطْءِ فَالنَّخْسُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ بَلْ هُوَ شَرْطٌ أَوْ عِلَّةٌ لِلسَّيْرِ وَالسَّيْرُ عِلَّةٌ لِلْوَطْءِ وَبِهَذَا لَا يَتَرَجَّحُ صَاحِبُ الْعِلَّةِ، كَمَنْ جَرَحَ إنْسَانًا فَوَقَعَ فِي بِئْرٍ حَفَرَهَا غَيْرُهُ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَمَاتَ فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمَا لِمَا أَنَّ الْحَفْرَ شَرْطُ عِلَّةٍ أُخْرَى دُونَ عِلَّةِ الْجُرْحِ كَذَا هَذَا. ثُمَّ قِيلَ: يَرْجِعُ النَّاخِسُ عَلَى الرَّاكِبِ بِمَا ضَمِنَ فِي الْإِيطَاءِ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِأَمْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يَرْجِعُ وَهُوَ الْأَصَحُّ فِيمَا أَرَاهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِيطَاءِ وَالنَّخْسُ يَنْفَصِلُ عَنْهُ، وَصَارَ كَمَا إذَا أَمَرَ صَبِيًّا يَسْتَمْسِكُ عَلَى الدَّابَّةِ بِتَسْيِيرِهَا فَوَطِئَتْ إنْسَانًا وَمَاتَ حَتَّى ضَمَّنَ عَاقِلَةَ الصَّبِيِّ فَإِنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ عَلَى الْآمِرِ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالتَّسْيِيرِ وَالْإِيطَاءُ يَنْفَصِلُ عَنْهُ، وَكَذَا إذَا نَاوَلَهُ سِلَاحًا فَقَتَلَ بِهِ آخَرَ حَتَّى ضَمِنَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْآمِرِ، ثُمَّ النَّاخِسُ إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا كَانَ الْإِيطَاءُ فِي فَوْرِ النَّخْسِ حَتَّى يَكُونَ السَّوْقُ مُضَافًا إلَيْهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي فَوْرِ ذَلِكَ فَالضَّمَانُ عَلَى الرَّاكِبِ لِانْقِطَاعِ أَثَرِ النَّخْسِ فَبَقِيَ السَّوْقُ مُضَافًا إلَى الرَّاكِبِ عَلَى الْكَمَالِ. (وَمَنْ قَادَ دَابَّةً فَنَخَسَهَا رَجُلٌ فَانْفَلَتَتْ مِنْ يَدِ الْقَائِدِ فَأَصَابَتْ فِي فَوْرِهَا فَهُوَ عَلَى النَّاخِسِ وَكَذَا إذَا كَانَ لَهَا سَائِقٌ فَنَخَسَهَا غَيْرُهُ لِأَنَّهُ مُضَافٌ إلَيْهِ، وَالنَّاخِسُ إذَا كَانَ عَبْدًا فَالضَّمَانُ فِي رَقَبَتِهِ، وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا فَفِي مَالِهِ لِأَنَّهُمَا مُؤَاخَذَانِ بِأَفْعَالِهِمَا) وَلَوْ نَخَسَهَا شَيْءٌ مَنْصُوبٌ فِي الطَّرِيقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (مُضَافٌ إلَيْهِمَا) أَيْ إلَى الرَّاكِبِ وَالنَّاخِسِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ إلَيْهَا: أَيْ إلَى النَّخْسَةِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يَتَنَاوَلُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إتْلَافٌ) لِوُجُودِ انْفِصَالِ السَّوْقِ عَنْ الْإِتْلَافِ فَلَيْسَ عَيْنَهُ وَلَا مِنْ ضَرُورَاتِهِ. وَقَوْلُهُ (يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى النَّاخِسِ لِأَنَّ الرَّاكِبَ أَذِنَ لَهُ بِالسَّوْقِ لَا بِالْإِيطَاءِ وَالْإِتْلَافِ. وَقَوْلُهُ (وَالرُّكُوبُ وَإِنْ كَانَ عِلَّةً) جَوَابُ سُؤَالٍ تَقْرِيرُهُ الرَّاكِبُ صَاحِبُ عِلَّةٍ لِلْوَطْءِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَسْتَعْمِلُ رِجْلَ الدَّابَّةِ فِي الْوَضْعِ وَالرَّفْعِ فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ فِعْلِ رِجْلِهِ حَقِيقَةً، وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ دُونَ النَّاخِسِ، وَالنَّاخِسُ صَاحِبُ شَرْطٍ فِي حَقِّ فِعْلِ الْوَطْءِ، وَالْإِضَافَةُ إلَى الْعِلَّةِ أَوْلَى. وَوَجْهُهُ أَنَّ الرُّكُوبَ وَإِنْ كَانَ عِلَّةً لِلْوَطْءِ لَكِنَّ النَّخْسَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ لِتَأَخُّرِهِ عَنْ الرُّكُوبِ، بَلْ هُوَ شَرْطٌ أَوْ عِلَّةٌ لِلسَّيْرِ وَالسَّيْرُ عِلَّةٌ لِلْوَطْءِ، فَكَانَ الْوَطْءُ ثَابِتًا بِعِلَّتَيْنِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا، وَقَدْ مَثَّلَ لِذَلِكَ بِمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَصَارَ كَمَا إذَا أَمَرَ صَبِيًّا يَسْتَمْسِكُ) إنَّمَا قَيَّدَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْتَمْسِكْ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ، أَمَّا عَلَى الصَّبِيِّ فَلِأَنَّ مَسْكَهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَمْلِ عَلَى الدَّابَّةِ فَلَا يُضَافُ السَّيْرُ إلَيْهِ وَأَمَّا عَلَى الرَّجُلِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُسَيِّرْهَا، وَإِذَا لَمْ يُضَفْ سَيْرُهَا إلَى أَحَدٍ كَانَتْ مُنْفَلِتَةً وَفِعْلُهَا جُبَارٌ. وَقَوْلُهُ (وَالنَّاخِسُ إذَا كَانَ عَبْدًا)

[باب جناية المملوك والجناية عليه]

فَنَفَحَتْ إنْسَانًا فَقَتَلَتْهُ فَالضَّمَانُ عَلَى مَنْ نَصَبَ ذَلِكَ الشَّيْءَ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِشَغْلِ الطَّرِيقِ فَأُضِيفَ إلَيْهِ كَأَنَّهُ نَخَسَهَا بِفِعْلِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ) قَالَ (وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةَ خَطَإٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي وَنَخَسَ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاكِبِ فَالضَّمَانُ فِي رَقَبَتِهِ يَدْفَعُ بِهَا أَوْ يَفْدِي، وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ إلَى آخِرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ] (بَابُ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ جِنَايَةِ الْمَالِكِ وَهُوَ الْحُرُّ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَهُوَ الْعَبْدُ، وَأَخَّرَهُ لِانْحِطَاطِ رُتْبَتِهِ عَنْ رُتْبَتِهِ. لَا يُقَالُ: الْعَبْدُ لَا يَكُونُ أَدْنَى مَنْزِلَةً مِنْ الْبَهِيمَةِ فَكَيْفَ أَخَّرَ بَابَ جِنَايَتِهِ عَنْ بَابِ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ، لِأَنَّ جِنَايَةَ الْبَهِيمَةِ كَانَتْ بِاعْتِبَارِ الرَّاكِبِ أَوْ السَّائِقِ أَوْ الْقَائِدِ وَهْم مُلَّاكٌ. قَالَ (وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةَ خَطَإٍ) اعْلَمْ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْخَطَأِ هُنَا

قِيلَ لِمَوْلَاهُ: إمَّا أَنْ تَدْفَعَهُ بِهَا أَوْ تَفْدِيهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: جِنَايَتُهُ فِي رَقَبَتِهِ يُبَاعُ فِيهَا إلَّا أَنْ يَقْضِيَ الْمَوْلَى الْأَرْشَ، وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ فِي اتِّبَاعِ الْجَانِي بَعْدَ الْعِتْقِ. وَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ -. لَهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي مُوجِبِ الْجِنَايَةِ أَنْ يَجِبَ عَلَى الْمُتْلِفِ لِأَنَّهُ هُوَ الْجَانِي، إلَّا أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَتَحَمَّلُ عَنْهُ، وَلَا عَاقِلَةَ لِلْعَبْدِ لِأَنَّ الْعَقْلَ عِنْدِي بِالْقَرَابَةِ وَلَا قَرَابَةَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَمَوْلَاهُ فَتَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا فِي الدَّيْنِ. وَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ يُبَاعُ فِيهِ كَمَا فِي الْجِنَايَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُفِيدٌ فِي الْجِنَايَةِ فِي النَّفْسِ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَمْدًا يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَأَمَّا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَلَا يُفِيدُ لِأَنَّ خَطَأَ الْعَبْدِ وَعَمْدَهُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ سَوَاءٌ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْمَالَ فِي الْحَالَيْنِ، إذْ الْقِصَاصُ لَا يَجْرِي بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْعَبْدِ وَلَا بَيْنَ الْعَبِيدِ وَالْأَحْرَارِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ. وَقَوْلُهُ (قِيلَ لِمَوْلَاهُ إمَّا تَدْفَعُهُ بِهَا أَوْ تَفْدِيهِ) يَعْنِي بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَى الْمَوْلَى بِشَيْءٍ فِي ذَلِكَ حَتَّى يُبَرِّئَ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ اعْتِبَارًا لِجَنَابَةٍ بِجِنَايَةِ الْحُرِّ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ يُسْتَأْنَى فِي جِنَايَةِ الْحُرِّ لِأَنَّ مُوجَبَهَا يَخْتَلِفُ بِالسِّرَايَةِ وَعَدَمِهَا، وَالْقَضَاءُ قَبْلَ الِاسْتِينَاءِ قَضَاءٌ بِالْمَجْهُولِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ. وَقَوْلُهُ (وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ فِي اتِّبَاعِ الْجَانِي بَعْدَ الْعِتْقِ) فَعِنْدَهُ الْوُجُوبُ عَلَى الْعَبْدِ فَيَتْبَعُهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَعِنْدَنَا الْوُجُوبُ عَلَى الْمَوْلَى دُونَ الْعَبْدِ فَلَا يَتْبَعُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ بِالْعِتْقِ صَارَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَقَوْلُهُ (وَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِثْلُ مَذْهَبِنَا، قَالَ: إذَا جَنَى الْعَبْدُ إنْ شَاءَ دَفَعَهُ وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَغَيْرِهِمَا. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِثْلُ مَذْهَبِهِ. قَالَ: عَبِيدُ النَّاسِ أَمْوَالُهُمْ جَزَاءُ جِنَايَتِهِمْ فِي قِيمَتِهِمْ: أَيْ فِي أَثْمَانِهِمْ لِأَنَّ الثَّمَنَ قِيمَةُ الْعَبْدِ. وَقَوْلُهُ (فَتَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ) أَيْ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ كَمَا فِي الدَّيْنِ، فَإِنَّ الدَّيْنَ فِي ذِمَّتِهِ يَكُونُ شَاغِلًا لِمَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ يُبَاعُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَقْضِيَ الْمَوْلَى دَيْنَهُ كَذَلِكَ ضَمَانُ الْجِنَايَةِ وَكَذَا فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَالِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ كَمَا فِي الذِّمِّيِّ يَعْنِي إذَا قَتَلَ الذِّمِّيُّ رَجُلًا خَطَأً تَجِبُ دِيَتُهُ فِي ذِمَّتِهِ لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ كَمَا

عَلَى الْمَالِ. وَلَنَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْآدَمِيِّ حَالَةَ الْخَطَإِ أَنْ تَتَبَاعَدَ عَنْ الْجَانِي تَحَرُّزًا عَنْ اسْتِئْصَالِهِ وَالْإِجْحَافِ بِهِ، إذْ هُوَ مَعْذُورٌ فِيهِ حَيْثُ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْجِنَايَةَ، وَتَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي إذَا كَانَ لَهُ عَاقِلَةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي إتْلَافِ الْمَالِ. وَقَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذِهِ النُّسْخَةِ. وَقَوْلُهُ (وَلَنَا أَنَّ الْأَصْلَ إلَخْ) ظَاهِرٌ، وَفِيهِ بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَسْأَلَةِ مُخْتَلِفٌ، فَإِنَّ حُكْمَهَا عِنْدَنَا الْوُجُوبُ عَلَى الْمَوْلَى وَعِنْدَهُ الْوُجُوبُ عَلَى الْعَبْدِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَهُوَ بَنَاهُ عَلَى أَصْلٍ وَنَحْنُ عَلَى أَصْلٍ، فَمِنْ أَيْنَ يَقُومُ لِأَحَدِنَا حُجَّةٌ عَلَى الْآخَرِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَعَلَ مُوجَبَ جِنَايَتِهِ فِي ذِمَّتِهِ كَوُجُوبِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ وَكَوُجُوبِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَالِ، وَنَحْنُ إذْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا بَقِيَ أَصْلُهُ بِلَا أَصْلٍ فَبَطَلَ، وَقَدْ بَيَّنَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَلِكَ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُمْ لَا يَتَعَاقَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَتَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ صِيَانَةً لِلدَّمِ عَنْ الْهَدَرِ، وَبِقَوْلِهِ وَبِخِلَافِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَالِ لِأَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ الْمَالَ فَتَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ. وَأَمَّا أَصْلُنَا فَهُوَ ثَابِتٌ فِي نَفْسِهِ مُسْتَنِدٌ إلَى النَّصِّ الَّذِي لَا يُعْقَلُ إبْطَالُهُ لَيْسَ بِمَقِيسٍ عَلَى أَصْلٍ يَبْطُلُ بِإِبْدَاءِ الْفَارِقِ. عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ إنَّ الْأَصْلَ فِي مُوجَبِ الْجِنَايَةِ أَنْ يَجِبَ عَلَى الْمُتْلِفِ يَبْطُلُ أَيْضًا بِقَوْلِنَا الْأَصْلُ ذَلِكَ فِي مُوجَبِ الْجِنَايَةِ الْعَمْدِ أَوْ الْخَطَأِ وَالْأَوَّلُ مُسَلَّمٌ وَلَا يُفِيدُهُ، إذْ الْكَلَامُ فِي الْخَطَأِ وَالثَّانِي عَيْنُ النِّزَاعِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ هُوَ الْجَانِي غَيْرُ مُفِيدٍ) لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ: وَالْأَصْلُ فِي الْجَانِي أَنْ يَكُونَ مُوجَبُ جِنَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ الْمُتْلِفُ فَهُوَ مُصَادَرَةٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ.

وَالْمَوْلَى عَاقِلَتُهُ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَسْتَنْصِرُ بِهِ، وَالْأَصْلُ فِي الْعَاقِلَةِ عِنْدَنَا النُّصْرَةُ حَتَّى تَجِبَ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ. بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ لِأَنَّهُمْ لَا يَتَعَاقَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَلَا عَاقِلَةَ فَتَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ صِيَانَةً لِلدَّمِ عَنْ الْهَدَرِ، وَبِخِلَافِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ الْمَالَ، إلَّا أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ لِأَنَّهُ وَاحِدٌ، وَفِي إثْبَاتِ الْخِيرَةِ نَوْعُ تَخْفِيفٍ فِي حَقِّهِ كَيْ لَا يُسْتَأْصَلَ، غَيْرَ أَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الدَّفْعُ فِي الصَّحِيحِ، وَلِهَذَا يَسْقُطُ الْمُوجِبُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْوَاجِبِ وَإِنْ كَانَ لَهُ حَقُّ النَّقْلِ إلَى الْفِدَاءِ كَمَا فِي مَالِ الزَّكَاةِ، بِخِلَافِ مَوْتِ الْجَانِي الْحُرِّ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْحُرِّ اسْتِيفَاءً فَصَارَ كَالْعَبْدِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ. قَالَ (فَإِنْ دَفَعَهُ مَلَكَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ وَإِنْ فَدَاهُ فَدَاهُ بِأَرْشِهَا وَكُلُّ ذَلِكَ يَلْزَمُ حَالًّا) أَمَّا الدَّفْعُ فَلِأَنَّ التَّأْجِيلَ فِي الْأَعْيَانِ بَاطِلٌ وَعِنْدَ اخْتِيَارِهِ الْوَاجِبَ عُيِّنَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّهُ يُخَيَّرُ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَالْمَوْلَى عَاقِلَتُهُ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَوْ كَانَ الْمَوْلَى عَاقِلَتَهُ لَمَا كَانَ مُخَيَّرًا كَمَا فِي سَائِرِ الْعَوَاقِلِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْخَطَأَ يُوجِبُ التَّخْفِيفَ، وَلَمَّا كَانَ فِي سَائِرِ الْعَوَاقِلِ كَثْرَةً ظَهَرَ فِيهَا بِالتَّوْزِيعِ وَالْقِسْمَةِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُوجِبُ الْإِجْحَافَ، وَأَمَّا هَاهُنَا فَالْمَوْلَى وَاحِدٌ فَأَظْهَرْنَاهُ فِيهِ بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ. وَقَوْلُهُ (غَيْرَ أَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الدَّفْعُ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَوْ وَجَبَ الْجَنَابَةُ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى حَتَّى وَجَبَ التَّخْيِيرُ لِمَا سَقَطَ بِمَوْتِ الْعَبْدِ كَمَا فِي الْحُرِّ الْجَانِي إذَا مَاتَ فَإِنَّ الْعَقْلَ لَا يَسْقُطُ عَنْ عَاقِلَتِهِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الدَّفْعُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ حَقُّ النَّقْلِ إلَى الْفِدَاءِ كَمَا فِي مَالِ الزَّكَاةِ فَإِنَّ الْمُوجَبَ الْأَصْلِيَّ فِيهِ جُزْءٌ مِنْ النِّصَابِ، وَلِلْمَالِكِ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى الْقِيمَةِ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ الْوَاجِبِ الْأَصْلِيِّ هُوَ الدَّفْعُ يُسْقِطُ الْمُوجَبَ بِمَوْتِ الْعَبْدِ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ. وَقَوْلُهُ (فِي الصَّحِيحِ) احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةٍ أُخْرَى ذَكَرَهَا التُّمُرْتَاشِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الدِّيَةَ هُوَ الْأَصْلُ، وَلَكِنْ لِلْمَوْلَى أَنْ يَدْفَعَ هَذَا الْوَاجِبَ بِدَفْعِ الْجَانِي، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا لِمَا ذَكَرَ فِي الْأَسْرَارِ أَنَّ بَعْضَ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - ذَكَرَ أَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الْأَرْشُ عَلَى الْمَوْلَى وَلَهُ الْمُخَلِّصُ بِالدَّفْعِ. ثُمَّ قَالَ: وَالرِّوَايَةُ بِخِلَافِ هَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْعَبْدُ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ مَوْتِ الْحُرِّ الْجَانِي) جَوَابٌ عَمَّا يُذْكَرُ هَاهُنَا مُسْتَشْهَدًا بِهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْحُرِّ اسْتِيفَاءٌ فَصَارَ كَالْعَبْدِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ فِي أَنَّهَا تَجِبُ عَنْ الْعَبْدِ عَلَى الْمَوْلَى وَلَا تَسْقُطُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ. قَالَ (فَإِنْ دَفَعَهُ مَلَكَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ) فَإِنْ دَفَعَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ الْجَانِي مَلَكَهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ (وَإِنْ فَدَاهُ فِدَاءً بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ) وَكُلُّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ حَالًّا، أَمَّا الدَّفْعُ فَلِأَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَ اخْتِيَارِهِ عَيْنُ الْعَبْدِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، فَالتَّأْجِيلُ فِي الْأَعْيَانِ بَاطِلٌ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ شُرِعَ لِلتَّحْصِيلِ تَرَفُّهًا وَتَحْصِيلُ الْحَاصِلِ بَاطِلٌ، وَأَمَّا الْفِدَاءُ فَلِأَنَّهُ لَمَّا جُعِلَ بَدَلًا عَنْ الْعَبْدِ فِي الشَّرْعِ قَامَ مَقَامَهُ وَلِهَذَا سُمِّيَ فِدَاءً فَيَأْخُذُ حُكْمَهُ. قِيلَ كَوْنُ

وَأَمَّا الْفِدَاءُ فَلِأَنَّهُ جَعَلَ بَدَلًا عَنْ الْعَبْدِ فِي الشَّرْعِ وَإِنْ كَانَ مُقَدَّرًا بِالْمُتْلَفِ وَلِهَذَا سُمِّيَ فِدَاءً فَيَقُومُ مَقَامَهُ وَيَأْخُذُ حُكْمَهُ فَلِهَذَا وَجَبَ حَالًّا كَالْمُبْدَلِ (وَأَيُّهُمَا اخْتَارَهُ وَفَعَلَهُ لَا شَيْءَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ غَيْرَهُ) أَمَّا الدَّفْعُ فَلِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، فَإِذَا خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّقَبَةِ سَقَطَ. وَأَمَّا الْفِدَاءُ فَلِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ إلَّا الْأَرْشُ، فَإِذَا أَوْفَاهُ حَقَّهُ سَلَّمَ الْعَبْدَ لَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّيْءِ بَدَلًا عَنْ شَيْءٍ لَا يَسْتَلْزِمُ الِاتِّحَادَ فِي الْحُكْمِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَالَ قَدْ يَقَعُ بَدَلًا عَنْ الْقِصَاصِ وَلَمْ يَتَّحِدَا فِي الْحُكْمِ، فَإِنَّ الْقِصَاصَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ وَإِذَا صَارَ مَا لَا تَعَلُّقَ بِهِ، وَكَذَلِكَ التَّيَمُّمُ بَدَلٌ عَنْ الْوُضُوءِ وَالنِّيَّةُ مِنْ شَرْطِهِ دُونَ الْأَصْلِ وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْفِدَاءَ لَمَّا وَجَبَ بِمُقَابَلَةِ الْجِنَايَةِ فِي النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ أَشْبَهَ الدِّيَةَ وَالْأَرْشَ وَهُمَا يَثْبُتَانِ مُؤَجَّلًا وَذَلِكَ يَقْتَضِي كَوْنَ الْفِدَاءِ كَذَلِكَ، وَلَمَّا اخْتَارَهُ الْمَوْلَى كَانَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي كَوْنَهُ كَذَلِكَ: أَيْ كَسَائِرِ الدُّيُونِ حَالًّا، لِأَنَّ الْأَجَلَ فِي الدُّيُونِ عَارِضٌ وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالشَّرْطِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَتَعَارَضَ جَانِبُ الْحُلُولِ وَالْأَجَلِ فَتَرَجَّحَ جَانِبُ الْحُلُولِ بِكَوْنِهِ فَرْعَ

فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا حَتَّى مَاتَ الْعَبْدُ بَطَلَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ حَقِّهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَمَا اخْتَارَ الْفِدَاءَ لَمْ يَبْرَأْ لِتَحَوُّلِ الْحَقِّ مِنْ رَقَبَةِ الْعَبْدِ إلَى ذِمَّةِ الْمَوْلَى. قَالَ (فَإِنْ عَادَ فَجَنَى كَانَ حُكْمُ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ كَحُكْمِ الْجِنَايَةِ الْأُولَى) مَعْنَاهُ بَعْدَ الْفِدَاءِ لِأَنَّهُ لَمَّا طَهُرَ عَنْ الْجِنَايَةِ بِالْفِدَاءِ جُعِلَ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ، وَهَذَا ابْتِدَاءُ جِنَايَةٍ. قَالَ (وَإِنْ جَنَى جِنَايَتَيْنِ قِيلَ لِلْمَوْلَى إمَّا أَنْ تَدْفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ يَقْتَسِمَانِهِ عَلَى قَدْرِ حَقَّيْهِمَا وَإِمَّا أَنْ تَفْدِيهِ بِأَرْشِ كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْأَوَّلِ بِرَقَبَتِهِ لَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَ الثَّانِيَةِ بِهَا كَالدُّيُونِ الْمُتَلَاحِقَةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى لَمْ يَمْنَعْ تَعَلُّقَ الْجِنَايَةِ فَحَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْأَوَّلِ أَوْلَى أَنْ لَا يُمْنَعَ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَلَى قَدْرِ حَقَّيْهِمَا عَلَى قَدْرِ أَرْشِ جِنَايَتِهِمَا (وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً يَقْتَسِمُونَ الْعَبْدَ الْمَدْفُوعَ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ وَإِنْ فَدَاهُ فَدَاهُ بِجَمِيعِ أُرُوشِهِمْ) لِمَا ذَكَرْنَا (وَلَوْ قَتَلَ وَاحِدًا وَفَقَأَ عَيْنَ آخَرَ) يَقْتَسِمَانِهِ أَثْلَاثًا (لِأَنَّ أَرْشَ الْعَيْنِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ أَرْشِ النَّفْسِ) ، وَعَلَى هَذَا حُكْمُ الشَّجَّاتِ (وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَفْدِيَ مِنْ بَعْضِهِمْ وَيَدْفَعَ إلَى بَعْضِهِمْ مِقْدَارَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُ مِنْ الْعَبْدِ) لِأَنَّ الْحُقُوقَ مُخْتَلِفَةٌ بِاخْتِلَافِ أَسْبَابِهَا وَهِيَ الْجِنَايَاتُ الْمُخْتَلِفَةُ، بِخِلَافِ مَقْتُولِ الْعَبْدِ إذَا كَانَ لَهُ وَلِيَّانِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْدِيَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَيَدْفَعَ إلَى الْآخَرِ لِأَنَّ الْحَقَّ مُتَّحِدٌ لِاتِّحَادِ سَبَبِهِ وَهِيَ الْجِنَايَةُ الْمُتَّحِدَةُ، وَالْحَقُّ يَجِبُ لِلْمَقْتُولِ ثُمَّ لِلْوَارِثِ خِلَافَةً عَنْهُ فَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَصْلٍ حَالٍّ مُوَافَقَةً بَيْنَ الْأَصْلِ وَفَرْعِهِ، وَهَذَا كَلَامٌ حَسَنٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي لَفْظِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا يُشْعِرُ بِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْأَصْلُ أَنْ لَا يُفَارِقَ الْفَرْعُ الْأَصْلَ إلَّا بِأُمُورٍ ضَرُورِيَّةٍ، فَإِنَّ الْأَصْلَ عِنْدَ الْمُحَصِّلِينَ عِبَارَةٌ عَنْ حَالَةٍ مُسْتَمِرَّةٍ لَا تَتَغَيَّرُ إلَّا بِأُمُورٍ ضَرُورِيَّةٍ، وَالْمَسَائِلُ الْمَذْكُورَةُ تَغَيَّرَتْ بِذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّ الْقِصَاصَ غَيْرُ صَالِحٍ لِحَقِّ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَالِ فَلَا يَتَعَلَّقُ حَقُّهُ بِهِ وَالتُّرَابُ غَيْرُ مُطَهِّرٍ بِطَبْعِهِ فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ إلْحَاقِ النِّيَّةِ بِهِ لِيَكُونَ مُطَهِّرًا شَرْعًا بِخِلَافِ الْمَاءِ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ يَمْنَعُهُ عَنْ الْحُلُولِ الَّذِي هُوَ حُكْمُ أَصْلِهِ فَيَكُونُ مُلْحَقًا بِهِ. لَا يُقَالُ: قَدْ يَتَضَرَّرُ بِوُجُوبِهِ حَالًا فَهُوَ ضَرُورَةٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَزِمَهُ بِاخْتِيَارِهِ عَلَى الدَّفْعِ فَهُوَ ضَرَرٌ مَرْضِيٌّ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ غَيْرَ أَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الدَّفْعُ إلَخْ (وَإِنْ مَاتَ) أَيْ الْعَبْدُ الْجَانِي بَعْدَمَا اخْتَارَ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا لَمْ يَبْرَأْ بِمَوْتِ الْعَبْدِ عَنْ الْفِدَاءِ، وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ خِصَالِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنَّ الْحَانِثَ غَيْرُ مُخَيَّرٍ، وَإِنْ عَيَّنَ أَحَدُهُمَا قَوْلًا لَمْ يَتَعَيَّنْ وَهَاهُنَا قَدْ تَعَيَّنَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ حُقُوقَ الْعِبَادِ أَوْجَبُ رِعَايَةً لِاحْتِيَاجِهِمْ وَذَلِكَ فِي التَّعَيُّنِ قَوْلًا وَفِعْلًا، وَأَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى فَالْمَقْصُودُ مِنْهَا الْفِعْلُ فَتَعَيَّنَ الْوَاجِبُ بِهِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْأُولَى) أَيْ الْجِنَايَةِ الْأُولَى بِرَقَبَتِهِ لَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الرَّهْنِ فَإِنَّ تَعَلُّقَ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ يَمْنَعُ تَعَلُّقَ الثَّانِي بِهِ، حَتَّى أَنَّ الرَّاهِنَ لَوْ مَاتَ بَعْدَ الرَّهْنِ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ أُخْرَى سِوَى دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ لَحِقَتْهُ قَبْلَ الرَّهْنِ أَوْ بَعْدَهُ لَا يَتَعَلَّقُ سَائِرُ الدُّيُونِ بِالرَّهْنِ فَقَدْ مَنَعَ تَعَلُّقَ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ بِرَقَبَتِهِ غَيْرُهُ وَهَاهُنَا لَمْ يَمْنَعْ وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي الرَّهْنِ إيفَاءً أَوْ اسْتِيفَاءً حُكْمًا فَكَأَنَّ الْمُرْتَهِنَ قَدْ اسْتَوْفَاهُ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ غَيْرُهُ، وَلَيْسَ فِي الْجِنَايَةِ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (عَلَى قَدْرِ أَرْشِ جِنَايَتِهِمَا) لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ عِوَضًا عَمَّا فَاتَ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُقْسَمَ عَلَى قَدْرِ الْمُعَوَّضِ. وَقَوْلُهُ (لِمَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي قَوْلَهُ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْأُولَى بِرَقَبَتِهِ لَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَ الثَّانِيَةِ. وَقَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا حُكْمُ الشَّجَّاتِ) يَعْنِي لَوْ شَجَّ رَجُلًا مُوضِحَةً وَآخَرَ هَاشِمَةً وَآخَرَ مُنَقِّلَةً ثُمَّ اخْتَارَ الْمَوْلَى الدَّفْعَ يُدْفَعُ إلَى صَاحِبِ الْمُوضِحَةِ سُدُسُ الْعَبْدِ لِأَنَّ لَهُ خَمْسَمِائَةٍ، وَإِلَى صَاحِبِ الْهَاشِمَةِ ثُلُثُهُ لِأَنَّ لَهُ أَلْفًا، وَإِلَى صَاحِبِ الْمُنَقِّلَةِ نِصْفٌ لِأَنَّ لَهُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ فَيَقْتَسِمُونَ الرَّقَبَةَ هَكَذَا. وَقَوْلُهُ (وَهِيَ الْجِنَايَاتُ الْمُخْتَلِفَةُ) يَعْنِي فَجَازَ أَنْ يَخْتَارَ فِي أَحَدِهِمْ خِلَافَ مَا اخْتَارَهُ فِي حَقِّ الْآخَرِ كَمَا لَوْ انْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَقَوْلُهُ (وَالْحَقُّ يَجِبُ لِلْمَقْتُولِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: الْحَقُّ وَإِنْ كَانَ مُتَّحِدًا بِالنَّظَرِ إلَى السَّبَبِ فَهُوَ مُتَعَدِّدٌ بِالنَّظَرِ إلَى الْمُسْتَحِقِّينَ

يَمْلِكُ التَّفْرِيقَ فِي مُوجَبِهَا. قَالَ (فَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ ضَمِنَ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِهَا، وَإِنْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَرْشُ) لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ فَوْتُ حَقِّهِ فَيَضْمَنُهُ وَحَقُّهُ فِي أَقَلِّهِمَا، وَلَا يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ لِأَنَّهُ لَا اخْتِيَارَ بِدُونِ الْعِلْمِ، وَفِي الثَّانِي صَارَ مُخْتَارًا لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ يَمْنَعُهُ مِنْ الدَّفْعِ فَالْإِقْدَامُ عَلَيْهِ اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِلْآخَرِ، وَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَالتَّدْبِيرُ وَالِاسْتِيلَادُ، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ الدَّفْعَ لِزَوَالِ الْمِلْكِ بِهِ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِهِ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ، فَإِنَّهُ الْمُقَرُّ لَهُ يُخَاطَبُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ. وَلَيْسَ فِيهِ نَقْلُ الْمِلْكِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَهُ الْمُقِرُّ وَأَلْحَقَهُ الْكَرْخِيُّ بِالْبَيْعِ وَأَخَوَاتِهِ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ فِي الظَّاهِرِ فَيَسْتَحِقُّهُ الْمُقَرُّ لَهُ بِإِقْرَارِهِ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ. وَإِطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي الْكِتَابِ يَنْتَظِمُ النَّفْسَ وَمَا دُونَهَا، وَكَذَا الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ وَإِطْلَاقُ الْبَيْعِ يَنْتَظِمُ الْبَيْعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْمِلْكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَنَقْضِهِ، وَبِخِلَافِ الْعَرْضِ عَلَى الْبَيْعِ لِأَنَّ الْمِلْكَ مَا زَالَ، وَلَوْ بَاعَهُ بَيْعًا فَاسِدًا لَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا حَتَّى يُسَلِّمَهُ لِأَنَّ الزَّوَالَ بِهِ، بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ لِأَنَّ مُوجَبَهُ يَثْبُتُ قَبْلَ قَبْضِ الْبَدَلِ فَيَصِيرُ بِنَفْسِهِ مُخْتَارًا، وَلَوْ بَاعَهُ مَوْلَاهُ مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَهُوَ مُخْتَارٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَهَبَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لَهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهُوَ مُتَحَقِّقٌ فِي الْهِبَةِ دُونَ الْبَيْعِ، وَإِعْتَاقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِثْلَ الْأُولَى. وَوَجْهُهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ مُتَعَدِّدٌ بَلْ هُوَ وَاحِدٌ، لِأَنَّ الْحَقَّ يَجِبُ لِلْمَقْتُولِ إلَخْ. لَا يُقَالُ: الْمِلْكُ يَثْبُتُ لِلْوُرَّاثِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَلِلْمَيِّتِ حُكْمًا فَقَطْ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ حَقِيقَةً فَوَجَبَ تَرْجِيحُ جَانِبِ الْوَارِثِ، لِأَنَّ مِلْكَ الْمَيِّتِ أَصْلٌ وَمِلْكَ الْوَارِثِ مُتَفَرِّعٌ عَلَيْهِ وَاعْتِبَارُ الْأَصْلِ أَوْلَى. قَالَ (فَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ) الْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْمَوْلَى إذَا عَلِمَ بِجِنَايَةِ الْعَبْدِ وَتَصَرَّفَ فِيهِ فَإِنْ تَصَرَّفَ بِمَا يُعْجِزُهُ عَنْ الدَّفْعِ صَارَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَإِلَّا فَلَا، وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْجِنَايَةِ لَمْ يَكُنْ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ لَكِنْ يَضْمَنُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ، وَعَلَى هَذَا تَخْرُجُ الْفُرُوعُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ) يَعْنِي قَبْلَ الْعِلْمِ وَبَعْدَهُ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ) يَعْنِي إذَا جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً فَقَالَ وَلِيُّهَا هُوَ عَبْدُك فَادْفَعْهُ أَوْ افْدِهِ فَقَالَ هُوَ لِفُلَانٍ الْغَائِبِ وَدِيعَةٌ عِنْدِي أَوْ عَارِيَّةٌ أَوْ إجَارَةٌ أَوْ رَهْنٌ لَا يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ لِمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ، وَلَمْ تَنْدَفِعْ عَنْهُ الْخُصُومَةُ حَتَّى يُقِيمَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً، إنْ أَقَامَهَا أُخِّرَ الْأَمْرُ إلَى قُدُومِ الْغَائِبِ، وَإِنْ لَمْ يُقِمْهَا خُوطِبَ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ وَلَا يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلدِّيَةِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الدَّفْعِ، وَقَوْلُهُ (وَأَلْحَقَهُ الْكَرْخِيُّ بِالْبَيْعِ وَأَخَوَاتِهِ) فِي صَيْرُورَتِهِ مُخْتَارًا لِمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ، قَالَ فِي الْإِيضَاحِ: وَهُوَ رِوَايَةٌ خَارِجَةٌ عَنْ الْأُصُولِ. وَقَوْلُهُ (وَإِطْلَاقُ الْجَوَابِ) يُرِيدُ قَوْلَهُ ضَمِنَ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِهَا إلَخْ. وَقِيلَ يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً خَطَأً فَإِنَّهُ يَنْتَظِمُ النَّفْسَ وَمَا دُونَهُ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مَالٌ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْمِلْكَ) لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الدُّخُولِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَعَدَمِهِ وَلَيْسَ بِمُحْتَاجٍ إلَيْهِ هَاهُنَا، وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَنَقَصَهُ، وَبِخِلَافِ الْعَرْضِ عَلَى الْبَيْعِ) يَعْنِي لَا يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ بِهِمَا لِأَنَّ الْمِلْكَ مَا زَالَ. قِيلَ الْمُشْتَرِي بِشَرْطِ الْخِيَارِ إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِنَفْسِهِ كَانَ مُجِيزًا لِلْبَيْعِ وَالْبَائِعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِنَفْسِهِ إذَا عَرَضَ عَلَى الْبَيْعِ كَانَ فَاسِخًا لِلْبَيْعِ فَلِمَ لَا يَكُونُ الْمَوْلَى بِالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِنَفْسِهِ أَوْ بِالْعَرْضِ عَلَى الْبَيْعِ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ ثَمَّةَ ضَرُورَةً لَمْ تَتَحَقَّقْ هَاهُنَا، وَهِيَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجْعَلْ مُجِيزًا وَفَاسِخًا هُنَاكَ لَكَانَ تَصَرُّفُهُ وَاقِعًا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ عَلَى تَقْدِيرِ تَعَذُّرِ الْفَسْخِ فِي الْأُولَى وَتَقْدِيرِ الْإِجَازَةِ فِي الثَّانِيَةِ، وَأَمَّا هَاهُنَا فَلَوْ لَمْ يُجْعَلْ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ بِهَذَا التَّصَرُّفِ لَمْ يَتَبَيَّنْ بِالدَّفْعِ أَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَافْتَرَقَا، وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ) بِأَنْ كَاتَبَ الْمُسْلِمُ عَبْدَهُ الْجَانِي عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ لِأَنَّ مُوجَبَهُ يَثْبُتُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَهُوَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ فَكَانَتْ الْكِتَابَةُ نَظِيرَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بَعْدَ

الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِأَمْرِ الْمَوْلَى بِمَنْزِلَةِ إعْتَاقِ الْمَوْلَى فِيمَا ذَكَرْنَاهُ، لِأَنَّ فِعْلَ الْمَأْمُورِ مُضَافٌ إلَيْهِ، وَلَوْ ضَرَبَهُ فَنَقَصَهُ فَهُوَ مُخْتَارٌ إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ حَبَسَ جُزْءًا مِنْهُ وَكَذَا إذَا كَانَتْ بِكْرًا فَوَطِئَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَلَّقًا لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ التَّزْوِيجِ لِأَنَّهُ عَيْبٌ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمِ، وَبِخِلَافِ وَطْءِ الثَّيِّبِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ غَيْرِ إعْلَاقٍ، وَبِخِلَافِ الِاسْتِخْدَامِ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ، وَلِهَذَا لَا يَسْقُطُ بِهِ خِيَارُ الشَّرْطِ وَلَا يَصِيرُ مُخْتَارًا بِالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ فِي الْأَظْهَرِ مِنْ الرِّوَايَاتِ، وَكَذَا بِالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ وَإِنْ رَكِبَهُ دَيْنٌ، لِأَنَّ الْإِذْنَ لَا يُفَوِّتُ الدَّفْعَ وَلَا يُنْقِصُ الرَّقَبَةَ، إلَّا أَنَّ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ قَبُولِهِ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَحِقَهُ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى فَلَزِمَ الْمَوْلَى قِيمَتُهُ. قَالَ (وَمَنْ قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَبْضِ. وَقَوْلُهُ (فِيمَا ذَكَرْنَاهُ) قِيلَ يَعْنِي فِي اخْتِيَارِ الْفِدَاءِ، وَقِيلَ فِي الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ وَعَدَمِهِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ ضَرَبَهُ فَنَقَصَهُ) يَعْنِي بِأَنْ أَثَّرَ فِيهِ حَتَّى صَارَ مُهَرْوِلًا أَوْ قَلَّتْ قِيمَتُهُ بِبَقَاءِ أَثَرِ الضَّرْبِ فَهُوَ مُخْتَارٌ إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ حَبَسَ جُزْءًا مِنْهُ، وَأَمَّا إذَا ضَرَبَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْأَرْشِ إلَّا أَنْ يَرْضَى وَلِيُّ الدَّمِ أَنْ يَأْخُذَهُ نَاقِصًا، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمَوْلَى لِأَنَّهُ لَمَّا رَضِيَ بِهِ نَاقِصًا صَارَ كَأَنَّ النُّقْصَانَ حَصَلَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا إذَا كَانَتْ بِكْرًا فَوَطِئَهَا) يَعْنِي يَصِيرُ بِهِ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَطْءُ مُعَلَّقًا لِمَا قُلْنَا إنَّهُ حَبَسَ جُزْءًا مِنْهُ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ التَّزْوِيجِ) يَعْنِي لَا يَصِيرُ بِهِ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ لِأَنَّهُ لَا يُعْجِزُهُ عَنْ الدَّفْعِ كَمَا لَا يُعْجِزُهُ عَنْ الْبَيْعِ، وَعَلَّلَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ (لِأَنَّهُ عَيْبٌ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ) وَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ بِهِ اخْتِيَارُ الْفِدَاءِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ عَلَيْهَا بِالسَّرِقَةِ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ، فَإِنَّ بِهَذَا الْإِقْرَارِ يَدْخُلُهَا نَوْعُ عَيْبٍ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ حُكْمًا لَمْ يَثْبُتْ بِهِ اخْتِيَارُ الْفِدَاءِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى رَدِّ طَعْنِ عِيسَى حَيْثُ قَالَ: التَّزْوِيجُ تَعْيِيبٌ وَبِالتَّعْيِيبِ يَثْبُتُ اخْتِيَارُ الْفِدَاءِ كَمَا لَوْ ضَرَبَ عَلَى يَدَيْهَا وَعَيَّبَهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّعْيِيبَ حَقِيقَةً يَثْبُتُ بِهِ اخْتِيَارُ الْفِدَاءِ لِأَنَّ فِيهِ حَبْسَ جُزْءٍ مِنْهَا، وَأَمَّا الْحُكْمِيُّ فَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَبِخِلَافِ وَطْءِ الثَّيِّبِ) فَإِنَّ بِهِ لَا يَصِيرُ الْمَوْلَى مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ مَا لَمْ يَكُنْ مُعَلِّقًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ غَيْرِ إعْلَاقٍ. وَقَوْلُهُ (عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) احْتِرَازٌ عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مُطْلَقَ الْوَطْءِ يَكُونُ اخْتِيَارًا لِأَنَّ الْحِلَّ يَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ فَكَانَ الْوَطْءُ دَلِيلًا عَلَى إمْسَاكِ الْعَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَبَيْنَ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ؟ فَإِنَّ الْوَطْءَ هُنَاكَ فَسْخٌ لِلْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَلَّقًا، وَهَاهُنَا لَا يَكُونُ اخْتِيَارًا إلَّا إذَا كَانَ مُعَلَّقًا. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُجْعَلْ فَسْخًا لِلْبَيْعِ وَقَعَ الْوَطْءُ حَرَامًا، لِأَنَّهُ إذَا اخْتَارَ الْفِدَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ مَلَكَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ حِينِ الْعَقْدِ وَلِهَذَا يَسْتَحِقُّ زَوَائِدَهَا، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْوَطْءَ حَصَلَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَلِلتَّحَرُّزِ عَنْ ذَلِكَ جَعَلْنَاهُ فَسْخًا، وَهَاهُنَا إذَا دَفَعَهَا بِالْجِنَايَةِ يَمْلِكُهَا وَلِيُّ الْجِنَايَةِ مِنْ وَقْتِ الدَّفْعِ وَلِهَذَا لَا يُسَلَّمُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ زَوَائِدِهَا فَلَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْوَطْءَ كَانَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ. وَقَوْلُهُ (وَبِخِلَافِ الِاسْتِخْدَامِ) يَعْنِي لَوْ اسْتَخْدَمَ الْعَبْدَ الْجَانِيَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ لَا يَكُونُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ، حَتَّى لَوْ عَطِبَ فِي الْخِدْمَةِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الِاسْتِخْدَامَ لَا يَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ فَلَمْ يَدُلَّ عَلَى الِاخْتِيَارِ وَلَا يَصِيرُ مُخْتَارًا بِالْإِجَارَةِ، وَالرَّهْنِ فِي الْأَظْهَرِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْتَقِضُ بِالْأَعْذَارِ فَيَكُونُ قِيَامُ حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِيهِ عُذْرًا فِي نَقْضِ الْإِجَارَةِ وَالرَّاهِنُ يَتَمَكَّنُ مِنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَاسْتِرْدَادِ الرَّهْنِ مَتَى شَاءَ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ عَجْزُهُ عَنْ الدَّفْعِ بِهَذَيْنِ الْفِعْلَيْنِ فَلَا يُجْعَلُ ذَلِكَ اخْتِيَارًا لِلْفِدَاءِ. وَقَوْلُهُ (فِي الْأَظْهَرِ) احْتِرَازٌ عَمَّا ذُكِرَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْأَصْلِ أَنَّهُ يَكُونُ مُخْتَارًا لِلْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ عَلَيْهِ يَدًا مُسْتَحَقَّةً فَصَارَ كَالْبَيْعِ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا بِالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ) يَعْنِي لَا يَكُونُ بِهِ مُخْتَارًا لِأَنَّهُ لَا يُعْجِزُهُ عَنْ الدَّفْعِ وَلَا يُنْقِصُ الرَّقَبَةَ (إلَّا أَنَّ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ قَبُولِهِ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَحِقَهُ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى) وَوُجُوبُ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ نُقْصَانٌ لَهُ، لِأَنَّ الْغُرَمَاءَ يَتْبَعُونَ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ إذَا دُفِعَ إلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ قَبُولِهِ. قَالَ (وَمَنْ قَالَ

لِعَبْدِهِ إنْ قَتَلْت فُلَانًا أَوْ رَمَيْته أَوْ شَجَجْته فَأَنْتَ حُرٌّ) فَهُوَ مُخْتَارٌ لِلْفِدَاءِ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ (وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ لِأَنَّ وَقْتَ تَكَلُّمِهِ لَا جِنَايَةَ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِوُجُودِهِ، وَبَعْدَ الْجِنَايَةِ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِعْلٌ يَصِيرُ بِهِ مُخْتَارًا) ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ أَوْ الْعَتَاقَ بِالشَّرْطِ ثُمَّ حَلَفَ أَنْ لَا يُطَلِّقَ أَوْ لَا يُعْتِقَ وُجِدَ الشَّرْطُ وَثَبَتَ الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ تِلْكَ، كَذَا هَذَا. وَلَنَا أَنَّهُ عَلَّقَ الْإِعْتَاقَ بِالْجِنَايَةِ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ يُنَزَّلُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك يَصِيرُ ابْتِدَاءُ الْإِيلَاءِ مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ، وَكَذَا إذَا قَالَ لَهَا إذَا مَرِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَمَرِضَ حَتَّى طَلُقَتْ وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ يَصِيرُ فَارًّا لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُطَلِّقًا بَعْدَ وُجُودِ الْمَرَضِ، بِخِلَافِ مَا أَوْرَدَ لِأَنَّ غَرَضَهُ طَلَاقٌ أَوْ عِتْقٌ يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ، إذْ الْيَمِينُ لِلْمَنْعِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ مَا لَا يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ، وَلِأَنَّهُ حَرَّضَهُ عَلَى مُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ بِتَعْلِيقِ أَقْوَى الدَّوَاعِي إلَيْهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ، فَهَذَا دَلَالَةُ الِاخْتِيَارِ. قَالَ (وَإِذَا قَطَعَ الْعَبْدُ يَدَ رَجُلٍ عَمْدًا فَدُفِعَ إلَيْهِ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ مَاتَ مِنْ قَطْعِ الْيَدِ فَالْعَبْدُ صُلْحٌ بِالْجِنَايَةِ، وَإِنْ لَمْ يُعْتِقْهُ رُدَّ عَلَى الْمَوْلَى وَقِيلَ لِلْأَوْلِيَاءِ اُقْتُلُوهُ أَوْ اُعْفُوا عَنْهُ) وَوَجْهُ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْتِقْهُ وَسَرَى تَبَيَّنَ أَنَّ الصُّلْحَ وَقَعَ بَاطِلًا لِأَنَّ الصُّلْحَ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِعَبْدِهِ إنْ قَتَلْت فُلَانًا) وَمَنْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِجِنَايَةٍ تُوجِبُ الدِّيَةَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: إنْ قَتَلْت أَوْ رَمَيْته أَوْ شَجَجْته فَأَنْتَ حُرٌّ فَهُوَ مُخْتَارٌ لِلْفِدَاءِ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لِأَنَّ اخْتِيَارَ الْفِدَاءِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ وَالْعِلْمِ بِهَا، وَعِنْدَ التَّكَلُّمِ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُمَا بِمَوْجُودٍ، وَبَعْدَ الْجِنَايَةِ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِعْلٌ يَصِيرُ بِهِ مُخْتَارًا، وَاسْتَشْهَدَ بِالْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (وَلَنَا) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ حَرَّضَهُ) دَلِيلٌ آخَرُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمَوْلَى حَرَّضَ الْعَبْدَ عَلَى مُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْقَتْلُ أَوْ الرَّمْيُ أَوْ الشَّجُّ (بِتَعْلِيقِ أَقْوَى الدَّوَاعِي إلَيْهِ) أَيْ إلَى الشَّرْطِ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ (وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِفِعْلِهِ) رَغْبَةً مِنْهُ فِي الْحُرِّيَّةِ (وَهَذَا دَلَالَةُ الِاخْتِيَارِ) وَإِنَّمَا قُلْنَا بِجِنَايَةٍ لِأَنَّهُ لَوْ عَلَّقَهُ بِغَيْرِهَا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ جَنَى ثُمَّ دَخَلَ الدَّارَ فَإِنَّ الْمَوْلَى لَا يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ بِالِاتِّفَاقِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ عِنْدَ التَّعْلِيقِ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَ بِالْجِنَايَةِ فَإِنَّهُ عَلَّقَ بِهَا أَقْوَى الدَّوَاعِي إلَيْهِ، وَالظَّاهِرُ وُجُودُهَا فَكَانَ عَالِمًا بِهَا ظَاهِرًا، وَإِنَّمَا قُلْنَا بِجِنَايَةٍ تُوجِبُ الدِّيَةَ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تُوجِبُ الْقِصَاصَ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَوْلَى شَيْءٌ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الْعَبْدُ، وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ فَلَمْ يُفَوِّتْ الْمَوْلَى عَلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ بِتَعْلِيقِهِ شَيْئًا. وَقَوْلُهُ (وَوَجْهُ ذَلِكَ) يُرِيدُ بَيَانَ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا إذَا أَعْتَقَ وَبَيْنَ مَا إذَا لَمْ يُعْتِقْ (أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْتِقْهُ وَسَرَى تَبَيَّنَ أَنَّ الصُّلْحَ) أَيْ الدَّفْعَ (وَقَعَ بَاطِلًا) وَسَمَّاهُ صُلْحًا بِنَاءً عَلَى مَا اخْتَارَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -

عَنْ الْمَالِ؛ لِأَنَّ أَطْرَافَ الْعَبْدِ لَا يَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَطْرَافِ الْحُرِّ فَإِذَا سَرَى تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَالَ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ هُوَ الْقَوَدُ فَكَانَ الصُّلْحُ وَاقِعًا بِغَيْرِ بَدَلٍ فَبَطَلَ وَالْبَاطِلُ لَا يُورِثُ الشُّبْهَةَ، كَمَا إذَا وَطِئَ الْمُطَلَّقَةَ الثَّلَاثَ فِي عِدَّتِهَا مَعَ الْعِلْمِ بِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ فَوَجَبَ الْقِصَاصُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَهُ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الْإِعْتَاقِ يَدُلُّ عَلَى قَصْدِهِ تَصْحِيحَ الصُّلْحِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَنْ أَقْدَمَ عَلَى تَصَرُّفٍ يَقْصِدُ تَصْحِيحَهُ وَلَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا وَأَنْ يُجْعَلَ صُلْحًا عَنْ الْجِنَايَةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا وَلِهَذَا لَوْ نَصَّ عَلَيْهِ وَرَضِيَ الْمَوْلَى بِهِ يَصِحُّ وَقَدْ رَضِيَ الْمَوْلَى بِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا رَضِيَ بِكَوْنِ الْعَبْدِ عِوَضًا عَنْ الْقَلِيلِ يَكُونُ أَرْضَى بِكَوْنِهِ عِوَضًا عَنْ الْكَثِيرِ فَإِذَا أُعْتِقَ يَصِحُّ الصُّلْحُ فِي ضِمْنِ الْإِعْتَاقِ ابْتِدَاءً وَإِذَا لَمْ يُعْتِقْ لَمْ يُوجَدْ الصُّلْحُ ابْتِدَاءً وَالصُّلْحُ الْأَوَّلُ وَقَعَ بَاطِلًا فَيُرَدُّ الْعَبْدُ إلَى الْمَوْلَى وَالْأَوْلِيَاءُ عَلَى خِيرَتِهِمْ فِي الْعَفْوِ وَالْقَتْلِ. وَذُكِرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: رَجُلٌ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ عَمْدًا فَصَالَحَ الْقَاطِعُ الْمَقْطُوعَةَ يَدَهُ عَلَى عَبْدٍ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الْمُوجَبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الْفِدَاءُ فَكَانَ الدَّفْعُ بِمَنْزِلَةِ الصُّلْحِ لِسُقُوطِ مُوجَبِ الْجِنَايَةِ بِهِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ بَاطِلًا لِأَنَّهُ كَانَ عَنْ الْمَالِ لِعَدَمِ جَرَيَانِ الْقِصَاصِ بَيْنَ أَطْرَافِ الْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ، وَإِذَا سَرَى تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَالَ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا، وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ هُوَ الْقِصَاصُ فَكَانَ الصُّلْحُ وَاقِعًا بِغَيْرِ بَدَلٍ: يَعْنِي الْمُصَالَحَ عَنْهُ، لِأَنَّ الَّذِي كَانَ الصُّلْحُ وَقَعَ عَنْهُ وَهُوَ الْمَالُ قَدْ زَالَ، وَاَلَّذِي وُجِدَ مِنْ الْقَتْلِ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ الصُّلْحِ فَبَطَلَ، وَالْبَاطِلُ لَا يُورِثُ شُبْهَةً، كَمَا إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ مَعَ الْعِلْمِ بِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ شُبْهَةً لِدَرْءِ الْحَدِّ فَوَجَبَ الْقِصَاصُ. بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَهُ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الْإِعْتَاقِ يَدُلُّ عَلَى قَصْدِهِ تَصْحِيحَ الصُّلْحِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْعَاقِلِ أَنَّهُ إذَا أَقْدَمَ عَلَى تَصَرُّفٍ يَقْصِدُ تَصْحِيحَهُ، وَلَا صِحَّةَ لِهَذَا الصُّلْحِ إلَّا بِجَعْلِهِ صُلْحًا عَنْ الْجِنَايَةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا فَيُجْعَلُ مُصَالِحًا عَنْ ذَلِكَ مُقْتَضَى الْإِقْدَامِ عَلَى الْإِعْتَاقِ، وَيُجْعَلُ الْمَوْلَى أَيْضًا كَذَلِكَ دَلَالَةً، لِأَنَّهُ لَمَّا رَضِيَ يَكُونُ الْعَبْدُ عِوَضًا عَنْ الْقَلِيلِ كَانَ بِكَوْنِهِ عِوَضًا عَنْ الْكَثِيرِ أَرْضَى، وَشَرْطُ صِحَّةُ الِاقْتِضَاءِ وَهُوَ إمْكَانُ الْمُقْتَضِي مَوْجُودٌ، وَلِهَذَا لَوْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ وَرَضِيَ بِهِ الْمَوْلَى صَحَّ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ حَصَلَ بَيْنَهُمَا صُلْحٌ جَدِيدٌ ابْتِدَاءً، وَإِذَا لَمْ يُعْتِقْ لَمْ يُوجَدْ الصُّلْحُ ابْتِدَاءً، وَالصُّلْحُ الْأَوَّلُ وَقَعَ بَاطِلًا فَيُرَدُّ الْعَبْدُ إلَى الْمَوْلَى وَالْأَوْلِيَاءُ عَلَى خِيَرَتِهِمْ فِي الْعَفْوِ وَالْقَتْلِ. وَقَوْلُهُ (وَذَكَرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ) قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

فَأَعْتَقَهُ الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَالْعَبْدُ صُلْحٌ بِالْجِنَايَةِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الرِّوَايَةِ. وَهَذَا الْوَضْعُ يَرِدُ إشْكَالًا فِيمَا إذَا عَفَا عَنْ الْيَدِ ثُمَّ سَرَى إلَى النَّفْسِ وَمَاتَ حَيْثُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ هُنَالِكَ، وَهَاهُنَا قَالَ يَجِبُ. قِيلَ مَا ذُكِرَ هَاهُنَا جَوَابُ الْقِيَاسِ فَيَكُونُ الْوَضْعَانِ جَمِيعًا عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ. وَقِيلَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْيَدِ صَحَّ ظَاهِرًا لِأَنَّ الْحَقَّ كَانَ لَهُ فِي الْيَدِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ فَيَصِحُّ الْعَفْوُ ظَاهِرًا، فَبَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ بَطَلَ حُكْمًا يَبْقَى مَوْجُودًا حَقِيقَةً فَكَفَى ذَلِكَ لِمَنْعِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ. أَمَّا هَاهُنَا الصُّلْحُ لَا يُبْطِلُ الْجِنَايَةَ بَلْ يُقَرِّرُهَا حَيْثُ صَالَحَ عَنْهَا عَلَى مَالٍ، فَإِذَا لَمْ يُبْطِلْ الْجِنَايَةَ لَمْ تَمْتَنِعْ الْعُقُوبَةُ، هَذَا إذَا لَمْ يُعْتِقْهُ، أَمَّا إذَا أَعْتَقَهُ فَالتَّخْرِيجُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ. قَالَ (وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ جِنَايَةً وَعَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَأَعْتَقَهُ الْمَوْلَى وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْجِنَايَةِ فَعَلَيْهِ قِيمَتَانِ: قِيمَةٌ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ، وَقِيمَةٌ لِأَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ) لِأَنَّهُ أَتْلَفَ حَقَّيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَضْمُونٌ بِكُلِّ الْقِيمَةِ عَلَى الِانْفِرَادِ: الدَّفْعُ لِلْأَوْلِيَاءِ، وَالْبَيْعُ لِلْغُرَمَاءِ، فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ. وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ إيفَاءً مِنْ الرَّقَبَةِ الْوَاحِدَةِ بِأَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَذَكَرَ فِي بَعْضِ نُسَخِ هَذَا الْكِتَابِ: أَيْ كِتَابِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْوَضْعِ، وَسَاقَ الْكَلَامَ مِثْلَ مَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ، وَبَعْضُ الشَّارِحِينَ عَبَّرَ عَنْ النُّسْخَةِ الْأُولَى بِالنُّسْخَةِ الْمَعْرُوفَةِ وَعَنْ الثَّانِيَةِ بِغَيْرِ الْمَعْرُوفَةِ. وَقَوْلُهُ (إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي وَإِنْ لَمْ يُعْتِقْهُ رُدَّ إلَى مَوْلَاهُ وَيُجْعَلُ الْأَوْلِيَاءُ عَلَى خِيَرَتِهِمْ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالْعَفْوِ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا الْوَضْعُ يَرِدُ إشْكَالًا) قِيلَ أَيْ الْوَضْعُ الثَّانِي وَهُوَ النُّسْخَةُ الْغَيْرُ الْمَعْرُوفَةُ، وَإِنَّمَا خَصَّ هَذَا الْوَضْعَ بِوُرُودِ الْإِشْكَالِ لِأَنَّهُ دَفَعَ الْعَبْدَ فِي هَذَا الْوَضْعِ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ وَالصُّلْحُ مُتَضَمِّنٌ لِلْعَفْوِ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ الْحَطِيطَةِ فَيَكُونُ هَذَا نَظِيرَ الْعَفْوِ، وَلَا كَذَلِكَ الْوَضْعُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الدَّفْعَ ثَمَّةَ لَيْسَ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ بَلْ بِطَرِيقِ الدَّفْعِ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَطُّ شَيْءٍ فَلَا يَرِدُ إشْكَالًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْعَفْوِ، وَقِيلَ هَذَا الْوَضْعُ: أَيْ وَضْعُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي النُّسْخَةِ الْمَعْرُوفَةِ وَغَيْرِهَا يَرِدُ إشْكَالًا فِيمَا إذَا عَفَا عَنْ الْيَدِ وَسَرَى إلَى النَّفْسِ وَمَاتَ حَيْثُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ هُنَاكَ، وَهَاهُنَا قَالَ يَجِبُ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا ذَكَرَ هَاهُنَا مِنْ وُجُوبِ الْقِصَاصِ جَوَابُ الْقِيَاسِ فَيَكُونُ الْوَضْعَانِ جَمِيعًا عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ: يَعْنِي وُجُوبَ الْقِصَاصِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى النُّسْخَتَيْنِ جَوَابُ الْقِيَاسِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَجِبُ الدِّيَةُ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْعَفْوِ وُجُوبُ الدِّيَةِ جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ، وَفِي الْقِيَاسِ يَجِبُ الْقِصَاصُ فَكَانَ الْوَضْعُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَتِلْكَ عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ، فَانْدَفَعَ التَّدَافُعُ وَحَصَلَ التَّوَافُقُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَيْنَهُمَا فَرْقٌ، وَهُوَ أَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْيَدِ صَحَّ ظَاهِرًا، لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ كَانَ فِي الْيَدِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ (فَيَصِحُّ الْعَفْوُ ظَاهِرًا) وَتَبْطُلُ بِهِ الْجِنَايَةُ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْهَا يُبْطِلُهَا (فَبَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ بَطَلَ الْعَفْوُ بِالسِّرَايَةِ حُكْمًا يَبْقَى مَوْجُودًا حَقِيقَةً) وَذَلِكَ كَافٍ لِمَنْعِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ (أَمَّا هَاهُنَا فَالصُّلْحُ لَا يُبْطِلُ الْجِنَايَةَ بَلْ يُقَرِّرُهَا حَيْثُ صَالَحَ عَنْهَا عَلَى مَالٍ، فَإِذَا لَمْ تَمْتَنِعْ الْجِنَايَةُ لَمْ يَمْتَنِعْ الْعُقُوبَةُ، هَذَا إذَا لَمْ يُعْتِقْهُ، أَمَّا إذَا أَعْتَقَهُ فَالتَّخْرِيجُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ) وَهُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الْإِعْتَاقِ يَدُلُّ عَلَى قَصْدِهِ إلَخْ. وَقَوْلُهُ (فَعَلَيْهِ قِيمَتَانِ قِيمَةٌ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ وَقِيمَةٌ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِنْ الْأَرْشِ. وَقَوْلُهُ (أَتْلَفَ حَقَّيْنِ) وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَضْمُونًا بِكُلِّ الْقِيمَةِ عَلَى الِانْفِرَادِ كَوْنُهُ كَذَلِكَ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَا مُتَنَافِيَيْنِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ لِيَكُونَ الْإِتْلَافُ وَارِدًا عَلَيْهِمَا. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ أَيْضًا مِنْ الرَّقَبَةِ الْوَاحِدَةِ بِأَنْ يُدْفَعَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ ثُمَّ يُبَاعُ لِلْغُرَمَاءِ فَيَكُونُ الْإِتْلَافُ وَارِدًا عَلَيْهِمَا فَيَضْمَنُهُمَا بِهِ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا جَنَى وَعَلَيْهِ

يُدْفَعَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ ثُمَّ يُبَاعُ لِلْغُرَمَاءِ فَيَضْمَنُهَا بِالْإِتْلَافِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ حَيْثُ تَجِبُ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ لِلْمَوْلَى وَيَدْفَعُهَا الْمَوْلَى إلَى الْغُرَمَاءِ، لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ إنَّمَا يَضْمَنُ لِلْمَوْلَى بِحُكْمِ الْمِلْكِ فَلَا يَظْهَرُ فِي مُقَابَلَتِهِ الْحَقُّ لِأَنَّهُ دُونَهُ، وَهَاهُنَا يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِإِتْلَافِ الْحَقِّ فَلَا تَرْجِيحَ فَيَظْهَرَانِ فَيَضْمَنُهُمَا. قَالَ (وَإِذَا اسْتَدَانَتْ الْأَمَةُ الْمَأْذُونُ لَهَا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا ثُمَّ وَلَدَتْ فَإِنَّهُ يُبَاعُ الْوَلَدُ مَعَهَا فِي الدَّيْنِ، وَإِنْ جَنَتْ جِنَايَةً لَمْ يُدْفَعْ الْوَلَدُ مَعَهَا) وَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّيْنَ وَصْفٌ حُكْمِيٌّ فِيهَا وَاجِبٌ فِي ذِمَّتِهَا مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَتِهَا اسْتِيفَاءً فَيَسْرِي إلَى الْوَلَدِ كَوَلَدِ الْمَرْهُونَةِ، بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ وُجُوبَ الدَّفْعِ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى لَا فِي ذِمَّتِهَا، وَإِنَّمَا يُلَاقِيهَا أَثَرُ الْفِعْلِ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ الدَّفْعُ وَالسِّرَايَةُ فِي الْأَوْصَافِ الشَّرْعِيَّةِ دُونَ الْأَوْصَافِ الْحَقِيقِيَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQدَيْنٌ يُخَيَّرُ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ فَإِنْ دَفَعَ بِيعَ فِي دَيْنِ الْغُرَمَاءِ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ كَانَ لِأَصْحَابِ الْوَلَاءِ، وَإِنَّمَا بَدَأْنَا بِالدَّفْعِ لِأَنَّ بِهِ تَوْفِيرَ الْحَقَّيْنِ فَإِنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ يَصِيرُ مُوَفًّى بِالدَّفْعِ ثُمَّ يُبَاعُ بَعْدَهُ لِأَرْبَابِ الدُّيُونِ، وَمَتَى بَدَأْنَا بِدَفْعِهِ فِي الدَّيْنِ تَعَذَّرَ الدَّفْعُ بِالْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ تَجَدَّدَ لِلْمُشْتَرِي الْمِلْكُ وَلَمْ يُوجَدْ فِي يَدِهِ جِنَايَةٌ. فَإِنْ قِيلَ: مَا فَائِدَةُ الدَّفْعِ إذَا كَانَ الْبَيْعُ بِالدَّيْنِ بَعْدَهُ وَاجِبًا؟ أُجِيبَ بِأَنَّهَا إثْبَاتُ حَقِّ الِاسْتِخْلَاصِ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ بِالْفِدَاءِ بِالدَّيْنِ، فَإِنَّ لِلنَّاسِ فِي الْأَعْيَانِ أَغْرَاضًا، وَإِنَّمَا لَمْ يَبْطُلْ الدَّيْنُ بِحُدُوثِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ مُوجَبَهَا صَيْرُورَتُهُ حُرًّا، فَإِذَا كَانَ مَشْغُولًا وَجَبَ دَفْعُهُ مَشْغُولًا، ثُمَّ إذَا بِيعَ وَفَضَلَ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْءٌ صُرِفَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ بِيعَ عَلَى مِلْكِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَفِ بِالدَّيْنِ تَأَخَّرَ إلَى حَالِ الْحُرِّيَّةِ كَمَا لَوْ بِيعَ عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْمَسْأَلَةَ بِعَدَمِ الْعِلْمِ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتَانِ، لِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ وَهُوَ عَالِمٌ بِالْجِنَايَةِ كَانَ عَلَيْهِ الدِّيَةُ إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي النَّفْسِ لِأَوْلِيَائِهَا، وَقِيمَةُ الْعَبْدِ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ يُوجِبُ الْأَرْشَ دُونَ الْقِيمَةِ وَقَدْ مَرَّ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ مَا إذَا أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ) وَاضِحٌ وَقَوْلُهُ (فَلَا يَظْهَرُ فِي مُقَابَلَتِهِ الْحَقُّ) يَعْنِي حَقَّ الدَّفْعِ (لِأَنَّهُ دُونَهُ) أَيْ الْحَقُّ دُونَ الْمِلْكِ فَيَكُونُ الْحَقُّ مَعَ الْمِلْكِ مَرْجُوحًا. قَالَ (وَإِذَا اسْتَدَانَتْ الْأَمَةُ الْمَأْذُونُ لَهَا ثُمَّ وَلَدَتْ) فَرْقٌ بَيْنَ وِلَادَةِ الْأَمَةِ بَعْدَ اسْتِدَانَتِهَا وَبَيْنَ وِلَادَتِهَا بَعْدَ جِنَايَتِهَا فِي أَنَّ الْوَلَدَ يُبَاعُ مَعَهَا فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ، فَإِنَّ الدَّيْنَ وَصْفٌ حُكْمِيٌّ فِيهَا وَاجِبٌ فِي ذِمَّتِهَا مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَتِهَا اسْتِيفَاءً حَتَّى صَارَ الْمَوْلَى مَمْنُوعًا مِنْ التَّصَرُّفِ فِي رَقَبَتِهَا بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَكَانَتْ مِنْ الْأَوْصَافِ الشَّرْعِيَّةِ الْقَارَّةِ فِي الْأُمِّ فَتَسْرِي إلَى الْوَلَدِ كَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالرَّهْنِ. وَأَمَّا مُوجَبُ الْجِنَايَةِ فَالدَّفْعُ أَوْ الْفِدَاءُ وَذَلِكَ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى لَا فِي ذِمَّتِهَا حَتَّى لَا يَصِيرَ الْمَوْلَى مَمْنُوعًا مِنْ التَّصَرُّفِ فِي رَقَبَتِهَا بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ اسْتِخْدَامٍ (وَإِنَّمَا يُلَاقِيهَا أَثَرُ الْفِعْلِ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ الدَّفْعُ) فَلَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ لِكَوْنِهِ وَصْفًا غَيْرَ قَارٍّ حَصَلَ عِنْدَ الدَّفْعِ. وَقَوْلُهُ (وَالسِّرَايَةُ فِي الْأَوْصَافِ الشَّرْعِيَّةِ دُونَ الْأَوْصَافِ الْحَقِيقِيَّةِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَصْفَ الْحَقِيقِيَّ فِي مَحَلٍّ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى غَيْرِهِ، وَأَمَّا الْوَصْفُ الشَّرْعِيُّ فَهُوَ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ يَتَحَوَّلُ بِتَحَوُّلِهِ، وَاعْتُرِضَ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ دَيْنَ الْأَمَةِ فِي ذِمَّتِهَا، فَإِنَّ الْمَوْلَى إنْ أَعْتَقَهَا ضَمِنَ قِيمَتَهَا، وَلَوْ كَانَ فِي ذِمَّتِهَا لَمَا ضَمِنَ كَمَا لَوْ قَتَلَ مَدْيُونٌ إنْسَانًا فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ دَيْنَهُ. وَالثَّانِي أَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَمَا سَرَى أَثَرُ الدَّفْعِ إلَى أَرْشٍ اسْتَحَقَّتْهُ بِجِنَايَةٍ جَنَى بِهَا عَلَيْهَا جَانٍ وَدَفَعَهُ إلَيْهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِمَا أَنَّ وَلَدَهَا جُزْؤُهَا وَأَرْشُهَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَمَّا لَمْ يَسْرِ إلَى جُزْئِهَا لِكَوْنِهِ أَثَرَ فِعْلٍ حَقِيقِيٍّ كَانَ أَوْلَى أَنْ لَا يَسْرِيَ إلَى مَا لَيْسَ بِجُزْءٍ مِنْهَا. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ وُجُوبَ ضَمَانِ قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَدْيُونِ عَلَى الْمَوْلَى لِتَفْوِيتِهِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بَيْعًا وَاسْتِيفَاءً مِنْ ثَمَنِهِ لَا بِاعْتِبَارِ وُجُوبِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَوْلَى، وَإِلَّا لَوَجَبَ عَلَيْهِ إيفَاءُ الدُّيُونِ لَا ضَمَانُ قِيمَةِ الْعَبْدِ، وَإِنَّمَا لَا يَضْمَنُ الْقَاتِلُ دَيْنَ مَنْ قَتَلَهُ لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَ الْمُتْلَفِ

قَالَ (وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ لِرَجُلٍ زَعَمَ رَجُلٌ آخَرُ أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ فَقَتَلَ الْعَبْدُ وَلِيًّا لِذَلِكَ الرَّجُلِ الزَّاعِمِ خَطَأً فَلَا شَيْءَ لَهُ) لِأَنَّهُ لَمَّا زَعَمَ أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ فَقَدْ ادَّعَى الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَأَبْرَأَ الْعَبْدَ وَالْمَوْلَى إلَّا أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ. قَالَ (وَإِذَا أُعْتِقَ الْعَبْدُ فَقَالَ لِرَجُلٍ قَتَلْتُ أَخَاك خَطَأً وَأَنَا عَبْدٌ وَقَالَ الْآخَرُ قَتَلْته وَأَنْتَ حُرٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلضَّمَانِ لَمَّا أَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ، إذْ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا عُرِفَ رِقُّهُ، وَالْوُجُوبُ فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى الْمَوْلَى دَفْعًا أَوْ فِدَاءً، وَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ طَلَّقْت امْرَأَتِي وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ بِعْت دَارِي وَأَنَا صَبِيٌّ، أَوْ قَالَ طَلَّقْت امْرَأَتِي وَأَنَا مَجْنُونٌ أَوْ بِعْت دَارِي وَأَنَا مَجْنُونٌ وَقَدْ كَانَ جُنُونُهُ مَعْرُوفًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِمَا ذَكَرْنَا. قَالَ (وَمَنْ أَعْتَقَ جَارِيَةً ثُمَّ قَالَ لَهَا قَطَعْتُ يَدَك وَأَنْتِ أَمَتِي وَقَالَتْ قَطَعْتَهَا وَأَنَا حُرَّةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا أُخِذَ مِنْهَا إلَّا الْجِمَاعَ وَالْغَلَّةَ اسْتِحْسَانًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ الدَّيْنُ وَمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْعَيْنِ ضَمَانًا، وَضَمَانُ الْعُدْوَانِ يَعْتَمِدُ الْمُمَاثَلَةَ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمَنَافِعِ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ، لَا يُقَالُ: هَذَا الْمَانِعُ مَوْجُودٌ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ فَهَلَّا اُعْتُبِرَ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ هُنَاكَ لَاقَى مَحَلًّا يُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ ثَمَنِهِ، بِخِلَافِ صُورَةِ النَّقْضِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ. قُلْت: مُخَلِّصُهُ مَعْلُومٌ. وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الْأَرْشَ بَدَلُ جُزْءٍ مُتَّصِلٍ فَاتَ بِالْجِنَايَةِ وَوَلِيُّ الْجِنَايَةِ قَدْ اسْتَحَقَّهَا بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهَا فَمَا فَاتَ مِنْ الْأَجْزَاءِ بِعِوَضٍ قَامَ الْعِوَضُ مَقَامَهُ، كَمَا لَوْ قُتِلَتْ وَأَخَذَ الْمَوْلَى قِيمَتَهَا كَانَ عَلَيْهِ دَفْعُهَا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ، بِخِلَافِ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ بَعْدَ الِانْفِصَالِ لَيْسَ بِجُزْءٍ وَلَا بَدَلًا عَنْ جُزْءٍ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ لِرَجُلٍ) صُورَتُهُ الْمَذْكُورَةُ ظَاهِرَةٌ، وَذَكَرَ فِي الْكِتَابِ الْإِقْرَارَ بِالْحُرِّيَّةِ قَبْلَ الْجِنَايَةِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ بَعْدَهَا، وَلَا تَفَاوُتَ فِي ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَإِبْرَاءُ الْعَبْدِ) يَعْنِي مِنْ كُلِّ الدِّيَةِ لَا مِنْ قِسْطِهِ فِيهَا، وَإِبْرَاءُ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْجِنَايَةِ إعْتَاقًا حَتَّى يَصِيرَ بِهِ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ إنْ عَلِمَ بِذَلِكَ أَوْ مُسْتَهْلِكًا حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ، وَكَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبِيلٌ عَلَى أَخْذِ الْعَبْدِ بَعْدَ هَذَا الْإِقْرَارِ وَلَا عَلَى الْمَوْلَى بِشَيْءٍ وَلَا عَلَى الْعَاقِلَةِ إلَّا بِحُجَّةٍ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا أُعْتِقَ الْعَبْدُ) يَعْنِي إذَا أُعْتِقَ عَبْدٌ مَعْرُوفٌ بِالرِّقِّ (فَقَالَ لِرَجُلٍ قَتَلْت أَخَاك خَطَأً وَأَنَا عَبْدٌ وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ قَتَلْته وَأَنْتَ حُرٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلضَّمَانِ) لِأَنَّهُ أَسْنَدَ إقْرَارَهُ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ، إذْ الْكَلَامُ فِي عَبْدٍ مَعْرُوفِ الرِّقِّ وَالْوُجُوبُ فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى الْمَوْلَى دَفْعًا أَوْ فِدَاءً، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْعَبْدَ قَدْ ادَّعَى تَارِيخًا سَابِقًا فِي إقْرَارِهِ وَالْمَقَرُّ لَهُ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ التَّارِيخِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ اعْتِبَارَ التَّارِيخِ لِلتَّرْجِيحِ بَعْدَ وُجُودِ أَصْلِ الْإِقْرَارِ، وَهَاهُنَا هُوَ مُنْكِرٌ لِأَصْلِهِ فَصَارَ كَمَنْ يَقُولُ لِعَبْدِهِ أَعْتَقْتُك قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ أَوْ خُلِقَ. وَقَوْلُهُ (كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ) يَعْنِي مَعَ يَمِينِهِ. وَقَوْلُهُ (لِمَا ذَكَرْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلضَّمَانِ قَالَ (وَمَنْ أَعْتَقَ جَارِيَةً ثُمَّ قَالَ لَهَا) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَيْضًا مَبْنَاهَا عَلَى إسْنَادِ الْإِقْرَارِ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ (إلَّا الْجِمَاعَ وَالْغَلَّةَ) أَنْ يَقُولَ لَهَا جَامَعْتُك وَأَنْتِ أَمَتِي أَوْ أَخَذْت مِنْك غَلَّةَ عَمَلِك وَأَنْتِ أَمَتِي وَقَالَتْ بَلْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعِتْقِ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُقِرِّ الَّذِي هُوَ الْمَوْلَى اسْتِحْسَانًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَضْمَنُ إلَّا شَيْئًا قَائِمًا بِعَيْنِهِ، فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِرَدِّهِ عَلَيْهَا: يَعْنِي لَوْ كَانَ أَقَرَّ بِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْهَا بِعَيْنِهِ وَالْمَأْخُوذُ قَائِمٌ فِي يَدِهِ وَاخْتَلَفَا فِيهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَإِنَّ الرَّدَّ فِيهِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، بَنَاهَا مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ. وَأَجَابَ عَنْ تَخَلُّفِ

وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَضْمَنُ إلَّا شَيْئًا قَائِمًا بِعَيْنِهِ يُؤْمَرُ بِرَدِّهِ عَلَيْهَا) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وُجُوبَ الضَّمَانِ لِإِسْنَادِهِ الْفِعْلَ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لَهُ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَكَمَا فِي الْوَطْءِ وَالْغَلَّةِ. وَفِي الشَّيْءِ الْقَائِمِ أَقَرَّ بِيَدِهَا حَيْثُ اعْتَرَفَ بِالْأَخْذِ مِنْهَا ثُمَّ ادَّعَى التَّمَلُّكَ عَلَيْهَا وَهِيَ مُنْكِرَةٌ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ فَلِهَذَا يُؤْمَرُ بِالرَّدِّ إلَيْهَا، وَلَهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُبَرِّئُهُ فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ كَمَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ فَقَأْت عَيْنَكَ الْيُمْنَى وَعَيْنِي الْيُمْنَى صَحِيحَةٌ ثُمَّ فُقِئَتْ وَقَالَ الْمُقِرُّ لَهُ: لَا بَلْ فَقَأْتَهَا وَعَيْنُك الْيُمْنَى مَفْقُوءَةٌ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ مَا أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ يَدَهَا لَوْ قَطَعَهَا وَهِيَ مَدْيُونَةٌ، وَكَذَا يَضْمَنُ مَالَ الْحَرْبِيِّ إذَا أَخَذَهُ وَهُوَ مُسْتَأْمَنٌ، بِخِلَافِ الْوَطْءِ وَالْغَلَّةِ لِأَنَّ وَطْءَ الْمَوْلَى أَمَتَهُ الْمَدْيُونَةَ لَا يُوجِبُ الْعُقْرَ، وَكَذَا أَخْذُهُ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّيْءِ الْقَائِمِ بِعَيْنِهِ بِأَنَّهُ أَقَرَّ بِيَدِهِ: أَيْ بِيَدِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ (حَيْثُ اعْتَرَفَ بِالْأَخْذِ مِنْهُ ثُمَّ ادَّعَى التَّمَلُّكَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُنْكِرٌ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ فَلِهَذَا يُؤْمَرُ بِالرَّدِّ عَلَيْهَا. وَلَهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُبَرِّئُهُ فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ) وَهَذَا لِأَنَّهُ مَا أُسْنِدَ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ يَدَهَا لَوْ قَطَعَهَا وَهِيَ مَدْيُونَةٌ، بِخِلَافِ الْوَطْءِ وَالْغَلَّةِ لِأَنَّ وَطْءَ الْمَوْلَى أَمَتَهُ الْمَدْيُونَةَ لَا يُوجِبُ الْعُقْرَ، وَكَذَلِكَ إذَا أَخَذَ مِنْ غَلَّتِهَا وَإِنْ كَانَتْ مَدْيُونَةً لَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ فَحَصَلَ فِيهِمَا الْإِسْنَادُ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا (لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ فَقَأْت عَيْنَك الْيُمْنَى وَعَيْنِي الْيُمْنَى صَحِيحَةٌ ثُمَّ فُقِئَتْ) يُرِيدُ بِذَلِكَ بَرَاءَتَهُ عَنْ ضَمَانِ الْعَيْنِ قِصَاصًا وَأَرْشًا (وَقَالَ الْمَقَرُّ لَهُ بَلْ فَقَأْتهَا وَعَيْنُك الْيُمْنَى مَفْقُوءَةٌ) يُرِيدُ بِهِ وُجُوبَ نِصْفِ الدِّيَةِ عَلَيْهِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ جِنْسَ الْعُضْوِ الْمُتْلَفِ إنْ كَانَ صَحِيحًا حَالَ الْإِتْلَافِ ثُمَّ تَلِفَ سَقَطَ الْقِصَاصُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّ مُوجَبَ الْعَمْدِ الْقَوَدُ عَلَى سَبِيلِ التَّعْيِينِ، وَلَهُ الْعُدُولُ إلَى الْمَالِ فَقَبْلَ الْعُدُولِ إذَا فَاتَ الْمَحَلُّ بَطَلَ الْحَقُّ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ. كَمَا إذَا قَطَعَ يَمِينَ شَخْصٍ ثُمَّ شُلَّتْ يَمِينُهُ. وَفَقْءُ الْعَيْنِ بِالتَّعْوِيرِ لَا قِصَاصَ فِيهِ فَلَا يَسْتَقِيمُ الْأَصْلُ الْمَذْكُورُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ فَقْءٌ ذَهَبَ بِهِ نُورُهَا وَلَمْ تَنْخَسِفْ وَالْقِصَاصُ فِيهِ جَارٍ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا يَضْمَنُ مَالَ الْحَرْبِيِّ إذَا أَخَذَهُ وَهُوَ مُسْتَأْمَنٌ) لَيْسَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْقَطْعِ: لَكِنَّهُ ذَكَرَهُ بَيَانًا لِمَسْأَلَةٍ أُخْرَى صُورَتُهَا: مُسْلِمٌ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ وَأَخَذَ مَالَ حَرْبِيٍّ ثُمَّ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ ثُمَّ خَرَجَا إلَيْنَا فَقَالَ لَهُ الْمُسْلِمُ أَخَذْت مِنْك مَالًا وَأَنْتَ حَرْبِيٌّ فَقَالَ بَلْ أَخَذْت مِنِّي وَأَنَا مُسْلِمٌ فَإِنَّهَا عَلَى الْخِلَافِ، كَذَا قِيلَ، فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَوَجْهُ

غَلَّتِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مَدْيُونَةً لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَيْهِ فَحَصَلَ الْإِسْنَادُ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ. قَالَ (وَإِذَا أَمَرَ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ صَبِيًّا حُرًّا بِقَتْلِ رَجُلٍ فَقَتَلَهُ فَعَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ الدِّيَةُ) لِأَنَّهُ هُوَ الْقَاتِلُ حَقِيقَةً، وَعَمْدُهُ وَخَطَؤُهُ سَوَاءٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ (وَلَا شَيْءَ عَلَى الْآمِرِ) وَكَذَا إذَا كَانَ الْآمِرُ صَبِيًّا لِأَنَّهُمَا لَا يُؤَاخَذَانِ بِأَقْوَالِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمُؤَاخَذَةَ فِيهَا بِاعْتِبَارِ الشَّرْعِ وَمَا اُعْتُبِرَ قَوْلُهُمَا، وَلَا رُجُوعَ لِعَاقِلَةِ الصَّبِيِّ عَلَى الصَّبِيِّ الْآمِرِ أَبَدًا، وَيَرْجِعُونَ عَلَى الْعَبْدِ الْآمِرِ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّ عَدَمَ الِاعْتِبَارِ لِحَقِّ الْمَوْلَى وَقَدْ زَالَ لَا لِنُقْصَانِ أَهْلِيَّةِ الْعَبْدِ، بِخِلَافِ الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ قَاصِرُ الْأَهْلِيَّةِ. قَالَ (وَكَذَلِكَ إنْ أَمَرَ عَبْدًا) مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ عَبْدًا وَالْمَأْمُورُ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِمَا (يُخَاطَبُ مَوْلَى الْقَاتِلِ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ) وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْأَوَّلِ فِي الْحَالِ، وَيَجِبُ أَنْ يَرْجِعَ بَعْدَ الْعِتْقِ بِأَقَلَّ مِنْ الْفِدَاءِ وَقِيمَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ فِي دَفْعِ الزِّيَادَةِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً، وَكَذَا إذَا كَانَ عَمْدًا وَالْعَبْدُ الْقَاتِلُ صَغِيرًا لِأَنَّ عَمْدَهُ خَطَأٌ، أَمَّا إذَا كَانَ كَبِيرًا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِجَرَيَانِهِ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ. قَالَ (وَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ رَجُلَيْنِ عَمْدًا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُ وَلِيَّيْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنَّ الْمَوْلَى يَدْفَعُ نِصْفَهُ إلَى الْآخَرَيْنِ أَوْ يَفْدِيهِ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمَ) لِأَنَّهُ لَمَّا عَفَا أَحَدُ وَلِيِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَقَطَ الْقِصَاصُ وَانْقَلَبَ مَالًا فَصَارَ كَمَا لَوْ وَجَبَ الْمَالُ مِنْ الِابْتِدَاءِ، وَهَذَا لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي الرَّقَبَةِ أَوْ فِي عِشْرِينَ أَلْفًا وَقَدْ سَقَطَ نَصِيبُ الْعَافِيَيْنِ وَهُوَ النِّصْفُ وَبَقِيَ النِّصْفُ (فَإِنْ كَانَ قَتَلَ أَحَدَهُمَا عَمْدًا وَالْآخَرَ خَطَأً فَعَفَا أَحَدُ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ فَإِنْ فَدَاهُ الْمَوْلَى فَدَاهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا خَمْسَةُ آلَافٍ لِلَّذِي لَمْ يَعْفُ مِنْ وَلِيِّي الْعَمْدِ وَعَشَرَةُ آلَافٍ لِوَلِيَّيْ الْخَطَأِ) لِأَنَّهُ لَمَّا انْقَلَبَ الْعَمْدُ مَالًا كَانَ حَقُّ وَلِيَّيْ الْخَطَإِ فِي كُلِّ الدِّيَةِ عَشَرَةَ آلَافٍ، وَحَقُّ أَحَدِ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ فِي نِصْفِهَا خَمْسَةَ آلَافٍ، وَلَا تَضَايُقَ فِي الْفِدَاءِ فَيَجِبُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا (وَإِنْ دَفَعَهُ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ أَثْلَاثًا: ثُلُثَاهُ لِوَلِيَّيْ الْخَطَإِ، وَثُلُثُهُ لِغَيْرِ الْعَافِي مِنْ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: يَدْفَعُهُ أَرْبَاعًا: ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ لِوَلِيَّيْ الْخَطَإِ، وَرُبْعُهُ لِوَلِيِّ الْعَمْدِ) فَالْقِسْمَةُ عِنْدَهُمَا بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّهُ أَسْنَدَ إقْرَارَهُ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ. وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ مَالَ الْحَرْبِيِّ قَدْ يُضْمَنُ إذَا أَخَذَهُ دَيْنًا فَكَانَ قَدْ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُبَرِّئُهُ فَلَا يُسْمَعُ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: فِي وَجْهٍ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَوْلَى وَهُوَ مَا إذَا أَخَذَ الْغَلَّةَ أَوْ وَطِئَهَا، وَفِي وَجْهٍ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْجَارِيَةِ وَهُوَ مَا إذَا أَقَرَّ الْمَوْلَى أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهَا مَالًا وَهُوَ قَائِمٌ فِي يَدِهِ، وَفِي وَجْهٍ اخْتَلَفُوا وَهُوَ مَا إذَا اسْتَهْلَكَ مَالَهَا أَوْ قَطَعَ يَدَهَا، وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْإِسْنَادَ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ يُوجِبُ سُقُوطَ الْمَقَرِّ بِهِ، وَالْآخَرُ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُبَرِّئُهُ لَا يُسْمَعُ مِنْهُ إلَّا بِحُجَّةٍ، فَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ مُخْرَجٌ عَلَى الْأَصْلِ الْأَوَّلِ بِالِاتِّفَاقِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي مُخْرَجٌ عَلَى الْأَصْلِ الثَّانِي بِالِاتِّفَاقِ، وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ خَرَّجَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى الْأَوَّلِ وَهُمَا عَلَى الثَّانِي. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا أَمَرَ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ) عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ) إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرَهُ قُبَيْلَ فَصْلِ الْجَنِينِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ فِي دَفْعِ الزِّيَادَةِ) أَيْ لَا ضَرُورَةَ فِي إعْطَاءِ الزِّيَادَةِ لِأَنَّهُ يَتَخَلَّصُ عَنْ عُهْدَةِ الضَّمَانِ بِإِعْطَاءِ الْأَقَلِّ مِنْ الْفِدَاءِ أَوْ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَتْلَفَ بِأَمْرِهِ مَا هُوَ الْأَقَلَّ مِنْهُمَا. قَالَ (وَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ رَجُلَيْنِ عَمْدًا) كَلَامُهُ وَاضِحٌ، إلَى قَوْلِهِ: وَإِنْ دَفَعَهُ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ أَثْلَاثًا: ثُلُثَاهُ لِوَلِيَّيْ الْخَطَأِ، وَثُلُثُهُ لِغَيْرِ الْعَافِي مِنْ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَأَصْلُ هَذَا مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ أَنَّ قِسْمَةَ الْعَيْنِ إذَا وَجَبَتْ بِسَبَبِ دَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ كَالْغَرِيمَيْنِ فِي التَّرِكَةِ

فَيُسَلِّمُ النِّصْفَ لِوَلِيَّيْ الْخَطَإِ بِلَا مُنَازَعَةٍ، وَاسْتَوَتْ مُنَازَعَةُ الْفَرِيقَيْنِ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ فَيَتَنَصَّفُ، فَلِهَذَا يُقَسَّمُ أَرْبَاعًا. وَعِنْدَهُ يُقَسَّمُ بِطَرِيقِ الْعَوْلِ وَالْمُضَارَبَةِ أَثْلَاثًا، لِأَنَّ الْحَقَّ تَعَلَّقَ بِالرَّقَبَةِ أَصْلُهُ التَّرِكَةُ الْمُسْتَغْرَقَةُ بِالدُّيُونِ فَيَضْرِبُ هَذَا بِالْكُلِّ وَذَلِكَ بِالنِّصْفِ، وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُ وَأَضْدَادٌ ذَكَرْنَاهَا فِي الزِّيَادَاتِ. قَالَ (وَإِذَا كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَقَتَلَ مَوْلًى لَهُمَا) أَيْ قَرِيبًا لَهُمَا (فَعَفَا أَحَدُهُمَا بَطَلَ الْجَمِيعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَدْفَعُ الَّذِي عَفَا نِصْفَ نَصِيبِهِ إلَى الْآخَرِ أَوْ يَفْدِيهِ بِرُبْعِ الدِّيَةِ) وَذَكَرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَتَلَ وَلِيًّا لَهُمَا، وَالْمُرَادُ الْقَرِيبُ أَيْضًا، وَذَكَرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ: عَبْدٌ قَتَلَ مَوْلَاهُ وَلَهُ ابْنَانِ فَعَفَا أَحَدُ الِابْنَيْنِ بَطَلَ ذَلِكَ كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَنَحْوِهَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِطَرِيقِ الْعَوْلِ وَالْمُضَارَبَةِ لِعَدَمِ التَّضَايُقِ فِي الذِّمَّةِ، فَيَثْبُتُ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ فَيُضْرَبُ بِجَمِيعِ حَقِّهِ. وَأَمَّا إذَا وَجَبَتْ قِسْمَةُ الْعَيْنِ ابْتِدَاءً لَا بِسَبَبِ دَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ كَمَسْأَلَةِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَهِيَ أَنَّ فُضُولِيًّا لَوْ بَاعَ عَبْدَ إنْسَانٍ كُلَّهُ وَفُضُولِيًّا آخَرُ بَاعَ نِصْفَهُ وَأَجَازَ الْمَالِكُ الْبَيْعَيْنِ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ الْمُشْتَرِيَيْنِ أَرْبَاعًا فَكَانَتْ الْقِسْمَةُ بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ، لِأَنَّ الْحَقَّ الثَّابِتَ فِي الْعَيْنِ ابْتِدَاءً لَا يَثْبُتُ بِصِفَةِ الْكَمَالِ عِنْدَ الْمُزَاحَمَةِ، لِأَنَّ الْعَيْنَ الْوَاحِدَةَ تَضِيقُ عَنْ الْحَقَّيْنِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعَبْدِ الْمَدْفُوعِ لِوَلِيِّ الْخَطَأِ وَرُبْعُهُ لِلسَّاكِتِ مِنْ وَلِيِّ الْعَمْدِ، لِأَنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْعَمْدِ كَانَ فِي جَمِيعِ الرَّقَبَةِ، فَإِذَا عَفَا أَحَدُهُمَا بَطَلَ حَقُّهُ وَفَرَغَ النِّصْفُ فَيَتَعَلَّقُ حَقُّ وَلِيِّ الْخَطَأِ بِهَذَا النِّصْفِ بِلَا مُنَازَعَةٍ، بَقِيَ النِّصْفُ الْآخَرُ وَاسْتَوَتْ مُنَازَعَةُ وَلِيِّ الْخَطَأِ وَالسَّاكِتِ مِنْ وَلِيِّ الْعَمْدِ فِي هَذَا النِّصْفِ، فَصَارَ هَذَا النِّصْفُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَكَانَتْ الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمَا بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ أَرْبَاعًا كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْفُضُولِيَّيْنِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ أَصْلَ حَقِّهِمَا لَيْسَ فِي عَيْنِ الْعَبْدِ بَلْ فِي الْأَرْشِ الَّذِي هُوَ بَدَلُ الْمُتْلَفِ، وَالْقِسْمَةُ فِي غَيْرِ الْعَيْنِ تَكُونُ بِطَرِيقِ الْعَوْلِ وَالْمُضَارَبَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْخَطَأِ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ وَحَقَّ شَرِيكِ الْعَافِي فِي خَمْسَةٍ فَيُضْرَبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحِصَّتِهِ، كَرَجُلٍ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ أَلْفَانِ لِرَجُلٍ وَأَلْفٌ لِآخَرَ مَاتَ وَتَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ كَانَتْ التَّرِكَةُ بَيْنَ صَاحِبَيْ الدَّيْنِ أَثْلَاثًا بِطَرِيقِ الْعَوْلِ وَالْمُضَارَبَةُ ثُلُثَاهَا لِصَاحِبِ الْأَلْفَيْنِ وَثُلُثُهَا لِصَاحِبِ الْأَلْفِ كَذَلِكَ هَذَا بِخِلَافِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي فِي الْعَيْنِ ابْتِدَاءً. . وَقَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَقَتَلَ مَوْلًى لَهُمَا) فَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ: أَيْ قَرِيبًا لَهُمَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي} [مريم: 5] أَيْ الْأَقَارِبَ

وَلَمْ يَذْكُرْ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ. لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ حَقَّ الْقِصَاصِ ثَبَتَ فِي الْعَبْدِ عَلَى سَبِيلِ الشُّيُوعِ، لِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى لَا يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَ الْقِصَاصِ لَهُ فَإِذَا عَفَا أَحَدُهُمَا انْقَلَبَ نَصِيبُ الْآخَرِ وَهُوَ النِّصْفُ مَالًا، غَيْرَ أَنَّهُ شَائِعٌ فِي الْكُلِّ فَيَكُونُ نِصْفُهُ فِي نَصِيبِهِ وَالنِّصْفُ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ، فَمَا يَكُونُ فِي نَصِيبِهِ سَقَطَ ضَرُورَةَ أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ مَالًا، وَمَا كَانَ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ بَقِيَ وَنِصْفُ النِّصْفِ هُوَ الرُّبْعُ فَلِهَذَا يُقَالُ: ادْفَعْ نِصْفَ نَصِيبِك أَوْ افْتَدَاهُ بِرُبْعِ الدِّيَةِ. وَلَهُمَا أَنَّ مَا يَجِبُ مِنْ الْمَالِ يَكُونُ حَقَّ الْمَقْتُولِ لِأَنَّهُ بَدَلُ دَمِهِ، وَلِهَذَا تُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ وَتُنَفَّذُ بِهِ وَصَايَاهُ، ثُمَّ الْوَرَثَةُ يَخْلُفُونَهُ فِيهِ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ حَاجَتِهِ وَالْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا فَلَا تَخْلُفُهُ الْوَرَثَةُ فِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ عَبْدٌ لَهُمَا أَعْتَقَاهُ فَعَفَا أَحَدُهُمَا بَطَلَ حَقُّ الْآخَرِ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ جَمِيعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَالَا: يُقَالُ لِلْعَافِي ادْفَعْ نِصْفَ نَصِيبِك إلَى شَرِيكِك أَوْ افْدِهِ بِرُبْعِ الدِّيَةِ. وَذَكَرَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ مَعَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوْلَيَيْنِ فِي نِصْفِ الْقِصَاصِ شَائِعًا، لِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى لَا يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَ الْقِصَاصِ لَهُ، لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي حَقِّ الدَّمِ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ وَالْمَوْلَى فِي دَمِهِ كَأَجْنَبِيٍّ فَيَسْتَحِقُّ دَمَهُ بِالْقِصَاصِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا لَهُ بِالْمِلْكِ، فَإِذَا عَفَا أَحَدُهُمَا انْقَلَبَ نَصِيبُ الْآخَرِ وَهُوَ النِّصْفُ مَالًا غَيْرَ أَنَّهُ شَائِعٌ فِي الْكُلِّ فَيَكُونُ نِصْفُهُ فِي نَصِيبِهِ وَنِصْفُهُ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ، فَمَا يَكُونُ فِي نَصِيبِهِ سَقَطَ ضَرُورَةَ أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا، وَمَا كَانَ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ بَقِيَ هُوَ نِصْفُ النِّصْفِ وَهُوَ الرُّبْعُ فَلِذَلِكَ يَدْفَعُ نِصْفَ نَصِيبِهِ وَهُوَ الرُّبْعُ أَوْ يَفْدِيهِ بِرُبْعِ الدِّيَةِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ نَصِيبَ الْعَافِي قَدْ سَقَطَ وَنَصِيبَ الْآخَرِ وَهُوَ النِّصْفُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ فِي مِلْكِ شَرِيكِهِ فَيَنْقَلِبُ مَالًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فَيَبْطُلُ أَصْلًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نِصْفُهُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ وَنِصْفُهُ فِي نَصِيبِ الْعَافِي فَيَنْقَلِبُ نِصْفُ هَذَا النِّصْفِ وَهُوَ الرُّبْعُ مَالًا، فَلَمَّا اُحْتُمِلَ هَذَا وَاحْتُمِلَ ذَاكَ لَا يَنْقَلِبُ مَالًا لِأَنَّ الْمَالَ لَا يَجِبُ بِالشَّكِّ، وَوَقَعَ فِي نُسَخِ الْهِدَايَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ، وَالتَّعْوِيلُ عَلَى الْمَسْمُوعِ

[فصل قتل عبدا خطأ]

(فَصْلٌ قَتَلَ عَبْدًا خَطَأً) (وَمَنْ قَتَلَ عَبْدًا خَطَأً فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لَا تُزَادُ عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرَ قَضَى لَهُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً، وَفِي الْأَمَةِ إذَا زَادَتْ قِيمَتُهَا عَلَى الدِّيَةِ خَمْسَةُ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ: تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَلَوْ غَصَبَ عَبْدًا قِيمَتُهُ عِشْرُونَ أَلْفًا فَهَلَكَ فِي يَدِهِ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ بِالْإِجْمَاعِ. لَهُمَا أَنَّ الضَّمَانَ بَدَلُ الْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا يَجِبُ لِلْمَوْلَى وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الْعَبْدَ إلَّا مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ، وَلَوْ قَتَلَ الْعَبْدُ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَبْقَى الْعَقْدُ وَبَقَاؤُهُ بِبَقَاءِ الْمَالِيَّةِ أَصْلًا أَوْ بَدَلِهِ وَصَارَ كَقَلِيلِ الْقِيمَةِ وَكَالْغَصْبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ قَتَلَ عَبْدًا خَطَأً] (فَصْلٌ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ جِنَايَةِ الْعَبْدِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الْفَاعِلِيَّةِ (وَمَنْ قَتَلَ عَبْدًا خَطَأً فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لَا تُزَادُ عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ؛ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرَ قُضِيَ لَهُ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ إلَّا عَشَرَةً. وَفِي الْأَمَةِ إذَا زَادَتْ قِيمَتُهَا عَلَى الدِّيَةِ قُضِيَ لَهَا بِخَمْسَةِ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوَّلًا (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ) آخِرًا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَلَوْ غَصَبَ عَبْدًا قِيمَتُهُ عِشْرُونَ أَلْفًا وَهَلَكَ فِي يَدِهِ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ بِالْإِجْمَاعِ. لَهُمَا أَنَّ الضَّمَانَ بَدَلُ الْمَالِيَّةِ) وَبَدَلُ الْمَالِيَّةِ بِالْقِيمَةِ فَالضَّمَانُ بِالْقِيمَةِ، أَمَّا أَنَّهُ بَدَلُ الْمَالِيَّةِ؛ فَلِأَنَّهُ (يَجِبُ لِلْمَوْلَى وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الْعَبْدَ إلَّا مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ، وَلَوْ قُتِلَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ يَبْقَى الْعَقْدُ وَبَقَاؤُهُ بِبَقَاءِ الْمَالِيَّةِ أَصْلًا) إنْ بَقِيَ الْعَيْنُ (أَوْ بَدَلًا) إنْ هَلَكَتْ (وَصَرّ كَقَلِيلِ الْقِيمَةِ وَكَالْغَصْبِ) وَأَمَّا أَنَّهُ بَدَلُ الْمَالِيَّةِ

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ قَوْله تَعَالَى {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] أَوْجَبَهَا مُطْلَقًا، وَهِيَ اسْمٌ لِلْوَاجِبِ بِمُقَابَلَةِ الْآدَمِيَّةِ، وَلِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْآدَمِيَّةِ حَتَّى كَانَ مُكَلَّفًا، وَفِيهِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ، وَالْآدَمِيَّةُ أَعْلَاهُمَا فَيَجِبُ اعْتِبَارُهَا بِإِهْدَارِ الْأَدْنَى عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَضَمَانُ الْغَصْبِ بِمُقَابَلَةِ الْمَالِيَّةِ، إذْ الْغَصْبُ لَا يُرَدُّ إلَّا عَلَى الْمَالِ، وَبَقَاءُ الْعَقْدِ يَتْبَعُ الْفَائِدَةَ حَتَّى يَبْقَى بَعْدَ قَتْلِهِ عَمْدًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْقِصَاصُ بَدَلًا عَنْ الْمَالِيَّةِ فَكَذَلِكَ أَمْرُ الدِّيَةِ، وَفِي قَلِيلِ الْقِيمَةِ الْوَاجِبِ بِمُقَابَلَةِ الْآدَمِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَا سَمْعَ فِيهِ فَقَدَّرْنَاهُ بِقِيمَتِهِ رَأْيًا، بِخِلَافِ كَثِيرِ الْقِيمَةِ لِأَنَّ قِيمَةَ الْحُرِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْقِيمَةِ فَظَاهِرٌ، وَهَذَا كَمَا تَرَى تَرْجِيحٌ لِجَانِبِ الْمَالِيَّةِ عَلَى الْآدَمِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ وَاجِبُ الرِّعَايَةِ، وَالرِّعَايَةُ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ وَإِنْ كَثُرَ لَا يُمَاثِلُ النَّفْسَ وَيُمَاثِلُ الْمَالَ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَوْله تَعَالَى {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الدِّيَةَ مُطْلَقًا فِيمَنْ قُتِلَ خَطَأً حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا (وَالدِّيَةُ اسْمٌ لِلْوَاجِبِ بِمُقَابَلَةِ الْآدَمِيَّةِ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْآدَمِيَّةِ حَتَّى كَانَ مُكَلَّفًا) بِلَا خِلَافٍ (وَفِيهِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ) حَتَّى وَرَدَ عَلَيْهِ الْمِلْكُ بِلَا خِلَافٍ (وَالْآدَمِيَّةُ أَعْلَاهُمَا) لَا مَحَالَةَ (فَيَجِبُ اعْتِبَارُهَا بِإِهْدَارِ الْأَدْنَى عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا) إذْ الْعَكْسُ يُفْضِي إلَى إهْدَارِهِمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّةَ أَصْلٌ لِقِيَامِ الْمَالِيَّةِ بِهَا، وَفِي إهْدَارِ الْأَصْلِ إهْدَارُ التَّابِعِ، وَإِهْدَارُ أَحَدِهِمَا أَوْلَى مِنْ إهْدَارِهِمَا. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مُتَعَذِّرٌ بَلْ بِإِيجَابِ الْقِيمَةِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ يُوجَدُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْجَمْعَ إنَّمَا يُوجَدُ بِإِيجَابِ الدِّيَةِ مَعَ كَمَالِ الْقِيمَةِ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْإِجْمَاعِ. وَقَوْلُهُ (وَضَمَانُ الْغَصْبِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا وَكَانَ كَالْغَصْبِ. وَقَوْلُهُ (وَبَقَاءُ الْعَقْدِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا وَلَوْ قُتِلَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ. وَقَوْلُهُ (وَفِي قَلِيلِ الْقِيمَةِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا وَصَارَ كَقَلِيلِ الْقِيمَةِ.

مُقَدَّرَةٌ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَنَقَصْنَا مِنْهَا فِي الْعَبْدِ إظْهَارًا لِانْحِطَاطِ رُتْبَتِهِ، وَتَعْيِينُ الْعَشَرَةِ بِأَثَرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. قَالَ (وَفِي يَدِ الْعَبْدِ نِصْفُ قِيمَتِهِ لَا يُزَادُ عَلَى خَمْسَةِ آلَافٍ إلَّا خَمْسَةً) لِأَنَّ الْيَدَ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ فَتُعْتَبَرُ بِكُلِّهِ، وَيَنْقُصُ هَذَا الْمِقْدَارُ إظْهَارًا لِانْحِطَاطِ رُتْبَتِهِ، وَكُلُّ مَا يُقَدَّرُ مِنْ دِيَةِ الْحُرِّ فَهُوَ مُقَدَّرٌ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْقِيمَةَ فِي الْعَبْدِ كَالدِّيَةِ فِي الْحُرِّ إذْ هُوَ بَدَلُ الدَّمِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ، وَإِنْ غَصَبَ أَمَةً قِيمَتُهَا عِشْرُونَ أَلْفًا فَمَاتَتْ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ تَمَامُ قِيمَتِهَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ ضَمَانُ الْمَالِيَّةِ. قَالَ (وَمَنْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ فَأَعْتَقَهُ الْمَوْلَى ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ غَيْرُ الْمَوْلَى فَلَا قِصَاصَ فِيهِ وَإِلَّا اُقْتُصَّ مِنْهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا قِصَاصَ فِي ذَلِكَ، وَعَلَى الْقَاطِعِ أَرْشُ الْيَدِ، وَمَا نَقَصَهُ ذَلِكَ إلَى أَنْ يَعْتِقَهُ وَيَبْطُلُ الْفَضْلُ) وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لِاشْتِبَاهِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (بِأَثَرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْهُ: لَا يَبْلُغُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ دِيَةَ الْحُرِّ وَيُنْقَصُ مِنْهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِمُوَافَقَتِهِ لِأَكْثَرِ النُّسَخِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ أَثَرَ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُعَارَضٌ بِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا وَابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَوْجَبُوا فِي قَتْلِ الْعَبْدِ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَرْوِيَّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَرْجَحُ؛ لِأَنَّ فِيهِ ذِكْرَ الْمِقْدَارِ وَهُوَ مِمَّا لَا يَهْتَدِي إلَيْهِ الْعَقْلُ، وَلَيْسَ فِيمَا رُوِيَ عَنْ غَيْرِهِ ذَلِكَ، بَلْ فِيهِ قِيَاسُ سَائِرِ الْأَمْوَالِ مِنْ تَبْلِيغِ قِيمَتِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فَكَانَ مَحْمُولًا عَلَى أَنَّهُمْ قَالُوا بِالرَّأْيِ، وَمِثْلُهُ لَا يُعَارَضُ مَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَسْمُوعِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَوْلُهُ (لَا يُزَادُ عَلَى خَمْسَةِ آلَافٍ إلَّا خَمْسَةٌ) أَيْ لَا يُزَادُ عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ، فَأَمَّا طَرَفُ الْمَمْلُوكِ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ الْمَالِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُضْمَنُ بِالْقِصَاصِ وَلَا بِالْكَفَّارَةِ فَلِهَذَا كَانَ الْوَاجِبُ فِيهِ الْقِيمَةَ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، الْقَوْلُ بِهَذَا يُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ يَجِبُ بِقَطْعِ طَرَفِ الْعَبْدِ فَوْقَ مَا يَجِبُ بِقَتْلِهِ إلَى أَنْ قَالَ: فَلِهَذَا قَالَ: لَا يُزَادُ عَلَى نِصْفِ بَدَلِ نَفْسِهِ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ خَمْسَةَ آلَافٍ إلَّا خَمْسَةً، وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْقِيمَةَ فِي الْعَبْدِ كَالدِّيَةِ فِي الْحُرِّ) يَعْنِي يَجِبُ فِي مُوضِحَةِ الْعَبْدِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ فِي الْحُرِّ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ (إذْ هُوَ) أَيْ: الْقِيمَةُ (بَدَلُ الدَّمِ عَلَى مَا قَرَّرْنَا) إشَارَةً إلَى قَوْلِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَوْله تَعَالَى {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] وَقَوْلُهُ (وَإِنْ غَصَبَ أَمَةً) ظَاهِرٌ. قَالَ (وَمَنْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ فَأَعْتَقَهُ الْمَوْلَى) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ ظَاهِرَةٌ وَكَذَا تَحْرِيرُ الْمَذَاهِبِ. وَقَوْلُهُ (فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ) يَعْنِي فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ غَيْرُ الْمَوْلَى. وَقَوْلُهُ (لِاشْتِبَاهِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ) يَعْنِي الْمُسْتَوْفَى وَجَهَالَتُهُ تَمْنَعُ الْقِصَاصَ

لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ عِنْدَ الْمَوْتِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْجُرْحِ، فَعَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الْجُرْحِ يَكُونُ الْحَقُّ لِلْمَوْلَى، وَعَلَى اعْتِبَارِ الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ يَكُونُ لِلْوَرَثَةِ فَتَحَقَّقَ الِاشْتِبَاهُ وَتَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ فَلَا يَجِبُ عَلَى وَجْهٍ يُسْتَوْفَى وَفِيهِ الْكَلَامُ، وَاجْتِمَاعُهُمَا لَا يُزِيلُ الِاشْتِبَاهَ لِأَنَّ الْمُلْكَيْنِ فِي الْحَالَيْنِ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ لِرَجُلٍ وَبِرَقَبَتِهِ لِآخَرَ إذَا قُتِلَ، لِأَنَّ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الْحَقِّ ثَابِتٌ مِنْ وَقْتِ الْجُرْحِ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ، فَإِذَا اجْتَمَعَا زَالَ الِاشْتِبَاهُ. وَلِمُحَمَّدٍ فِي الْخِلَافِيَّةِ وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ وَرَثَةٌ سِوَى الْمَوْلَى أَنَّ سَبَبَ الْوِلَايَةِ قَدْ اخْتَلَفَ لِأَنَّهُ الْمِلْكُ عَلَى اعْتِبَارِ إحْدَى الْحَالَتَيْنِ وَالْوِرَاثَةُ بِالْوَلَاءِ عَلَى اعْتِبَارِ الْأُخْرَى، فَنُزِّلَ مَنْزِلَةَ اخْتِلَافِ الْمُسْتَحَقِّ فِيمَا يُحْتَاطُ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَفِيهِ الْكَلَامُ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ غَيْرُ الْمَوْلَى، وَقِيلَ أَيْ: فِي وُجُوبِهِ عَلَى وَجْهٍ يُسْتَوْفَى لَا عَلَى أَصْلِ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ لِإِفَادَةِ الِاسْتِيفَاءِ فَإِذَا فَاتَ الْمَقْصُودُ سَقَطَ اعْتِبَارُهُ، وَقِيلَ: أَيْ فِي تَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ، وَقِيلَ أَيْ فِي تَحَقُّقِ اشْتِبَاهِ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ تَعَذُّرَ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ لِتَحَقُّقِ اشْتِبَاهِ مَنْ لَهُ الِاسْتِيفَاءُ وَقَدْ تَحَقَّقَ الِاشْتِبَاهُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَيَتَعَذَّرُ الِاسْتِيفَاءُ، وَقَوْلُهُ (وَاجْتِمَاعُهُمَا لَا يُزِيلُ الِاشْتِبَاهَ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ سَلَّمْنَا أَنَّ مَنْ لَهُ الْحَقُّ مُشْتَبَهٌ لَكِنْ يَزُولُ الِاشْتِبَاهُ بِاجْتِمَاعِهِمَا. وَوَجْهُهُ أَنَّ اجْتِمَاعَهُمَا لَا يُزِيلُهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْحَالَيْنِ مُخْتَلِفٌ، فَإِنَّ الْمِلْكَ لِلْمَوْلَى وَقْتَ الْجَرْحِ دُونَ الْمَوْتِ وَلِلْوَرَثَةِ بِالْعَكْسِ، وَعِنْدَ الِاجْتِمَاعِ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الدَّوَامِ فِي الْحَالَيْنِ فَلَا يَكُونُ الِاجْتِمَاعُ مُفِيدًا (بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ لِرَجُلٍ، وَبِرَقَبَتِهِ لِآخَرَ) فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَنْفَرِدْ بِالْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ لَا مِلْكَ لَهُ فِي الرَّقَبَةِ، وَالْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ إذَا اسْتَوْفَى الْقِصَاصَ سَقَطَ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ فَاتَتْ لَا إلَى بَدَلٍ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حَقِّهِ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ إذَا اجْتَمَعَا فَقَدْ رَضِيَ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ بِفَوَاتِ حَقِّهِ فَيَسْتَوْفِيهِ الْآخَرُ لِزَوَالِ الِاشْتِبَاهِ. وَقَوْلُهُ (عَلَى اعْتِبَارِ إحْدَى الْحَالَتَيْنِ) وَهِيَ حَالَةُ الْجَرْحِ قَبْلَ الْعِتْقِ، وَالْحَالَةُ الْأُخْرَى هِيَ حَالَةُ الْمَوْتِ بَعْدَ الْعِتْقِ. وَقَوْلُهُ (فِيمَا يُحْتَاطُ فِيهِ)

كَمَا إذَا قَالَ لِآخَرَ بِعْتنِي هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِكَذَا فَقَالَ الْمَوْلَى زَوَّجْتهَا مِنْك لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلِأَنَّ الْإِعْتَاقَ قَاطِعٌ لِلسَّرَايَةِ، وَبِانْقِطَاعِهَا يَبْقَى الْجُرْحُ بِلَا سِرَايَةٍ، وَالسِّرَايَةُ بِلَا قَطْعٍ فَيَمْتَنِعُ الْقِصَاصُ. وَلَهُمَا أَنَّا تَيَقَّنَّا بِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ لِلْمَوْلَى فَيَسْتَوْفِيَا ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي فِي الَّذِي لَا يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ فَإِنَّهُ يُحْتَرَزُ بِهَذَا عَمَّنْ قَالَ لِآخَرَ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ قَرْضٍ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: لَا بَلْ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِالْمَالِ وَإِنْ اخْتَلَفَ السَّبَبُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْأَمْوَالِ وَالْأَمْوَالُ مِمَّا يَقَعُ الْبَدَلُ وَالْإِبَاحَةُ فِيهَا فَلَا يُبَالَى بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الِاحْتِرَازَ بِاَلَّذِي لَا يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ إنَّمَا يَكُونُ عَمَّا يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ، وَالْأَمْوَالُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُفَسَّرَ مَا يُحْتَاطُ فِيهِ بِالدِّمَاءِ وَالْفُرُوجِ فَإِنَّهُ اسْتَشْهَدَ بَعْدَهُ بِحِلِّ الْوَطْءِ وَهُوَ مِمَّا يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ، أَوْ يُفَسَّرُ بِاَلَّذِي لَا يَجْرِي فِيهِ الْبَدَلُ، وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى الْأَوَّلِ. وَقَوْلُهُ (؛ وَلِأَنَّ الْإِعْتَاقَ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ) دَلِيلٌ آخَرُ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ يُصَيِّرُ النِّهَايَةَ مُخَالِفَةً لِلْبِدَايَةِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ الْقِصَاصَ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ جَرَحَ عَبْدَ إنْسَانٍ ثُمَّ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَلَا الْقِيمَةُ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ، فَإِنْ كَانَ خَطَأً فَبِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا. فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ وَهُوَ مُخَالَفَةُ النِّهَايَةِ لِلْبِدَايَةِ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا وَبِانْقِطَاعِهِمَا يَبْقَى الْجَرْحُ بِلَا سِرَايَةٍ، وَالسِّرَايَةُ بِلَا قَطْعٍ فَيَمْتَنِعُ الْقِصَاصُ كَأَنَّهُ تَلِفَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ أَرْشُ الْيَدِ لِلْمَوْلَى لِكَوْنِهِ جَرْحًا بِلَا سِرَايَةٍ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ نَظَرًا إلَى حَقِيقَةِ الْجِنَايَةِ وَهُوَ الْقَتْلُ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَرَى تَبَيَّنَ أَنَّ الْجِنَايَةَ قَتْلٌ لَا قَطْعٌ (وَلَهُمَا أَنَّا تَيَقَّنَّا) ثُبُوتَ وِلَايَةِ الِاسْتِيفَاءِ فِي الْعَمْدِ لِلْمَوْلَى فَيَسْتَوْفِيهِ

وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ مَعْلُومٌ وَالْحُكْمُ مُتَّحِدٌ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِالِاسْتِيفَاءِ، بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ مَجْهُولٌ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ هَاهُنَا لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَخْتَلِفُ، بِخِلَافِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ يُغَايِرُ مِلْكَ النِّكَاحِ حُكْمًا، وَالْإِعْتَاقُ لَا يَقْطَعُ السِّرَايَةَ لِذَاتِهِ بَلْ لِاشْتِبَاهِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ، وَذَلِكَ فِي الْخَطَإِ دُونَ الْعَمْدِ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَصْلُحُ مَالِكًا لِلْمَالِ، فَعَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الْجُرْحِ يَكُونُ الْحَقُّ لِلْمَوْلَى، وَعَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الْمَوْتِ يَكُونُ لِلْمَيِّتِ لِحُرِّيَّتِهِ فَيُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ وَيُنَفَّذُ وَصَايَاهُ فَجَاءَ الِاشْتِبَاهُ. أَمَّا الْعَمْدُ فَمُوجِبُهُ الْقِصَاصُ وَالْعَبْدُ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ، وَعَلَى اعْتِبَارِ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ لَهُ فَالْمَوْلَى هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّاهُ إذْ لَا وَارِثَ لَهُ سِوَاهُ فَلَا اشْتِبَاهَ فِيمَنْ لَهُ الْحَقُّ، وَإِذَا امْتَنَعَ الْقِصَاصُ فِي الْفَصْلَيْنِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجِبُ أَرْشُ الْيَدِ، وَمَا نَقَصَهُ مِنْ وَقْتِ الْجُرْحِ إلَى وَقْتِ الْإِعْتَاقِ كَمَا ذَكَرْنَا لِأَنَّهُ حَصَلَ عَلَى مِلْكِهِ وَيَبْطُلُ الْفَضْلُ، وَعِنْدَهُمَا الْجَوَابُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْمُقْضَى لَهُ) وَهُوَ الْمَوْلَى (مَعْلُومٌ وَالْحُكْمَ) وَهُوَ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ (مُتَّحِدٌ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِثُبُوتِ الِاسْتِيفَاءِ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ) يَعْنِي مَا إذَا كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ غَيْرُ الْمَوْلَى حَيْثُ لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ بِالِاتِّفَاقِ (لِأَنَّ الْمُقْضَى لَهُ مَجْهُولٌ) ؛ لِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا حَالَةَ الْجَرْحِ كَانَ الْمُقْضَى لَهُ هُوَ الْمَوْلَى، وَلَوْ اعْتَبَرْنَا حَالَةَ الْمَوْتِ كَانَ الْوَرَثَةَ (وَلَا مُعْتَبَرَ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ هُنَا) أَيْ: فِي الْفَصْلِ الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ وَرَثَةٌ سِوَى الْمَوْلَى فِي الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ وَهُوَ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ لَا يَخْتَلِفُ وَهُوَ فِي الْحَالَيْنِ لِوَاحِدٍ وَهُوَ الْمَوْلَى، بِخِلَافِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ: يَعْنِي الْمُسْتَشْهَدَ بِهَا بِقَوْلِهِ كَمَا إذَا قَالَ لِآخَرَ بِعْنِي هَذِهِ الْجَارِيَةَ إلَخْ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهَا مُخْتَلِفٌ (لِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ يُغَايِرُ مِلْكَ النِّكَاحِ حُكْمًا) ؛ لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ يُثْبِتُ الْحِلَّ مَقْصُودًا وَمِلْكُ الْيَمِينِ قَدْ لَا يُثْبِتُهُ وَلَوْ أَثْبَتَهُ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا، وَاخْتَلَفَ الْحُكْمُ كَمَا اخْتَلَفَ السَّبَبُ. وَقَوْلُهُ (وَالْإِعْتَاقُ لَا يَقْطَعُ السِّرَايَةَ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ؛ وَلِأَنَّ الْإِعْتَاقَ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ، وَمَعْنَاهُ الْإِعْتَاقُ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ فِي صُورَةِ الْخَطَإِ دُونَ الْعَمْدِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْطَعُ السِّرَايَةَ (لِذَاتِهِ بَلْ لِاشْتِبَاهِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ، وَذَلِكَ فِي الْخَطَإِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَصْلُحُ مَالِكًا لِلْمَالِ) فَيَكُونُ الْحَقُّ حَالَةَ الْجَرْحِ لِلْمَوْلَى لِكَوْنِهِ قَبْلَ الْعِتْقِ (وَعَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الْمَوْتِ يَكُونُ لِلْمَيِّتِ لِحُرِّيَّتِهِ فَتُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ وَتُنَفَّذُ وَصَايَاهُ فَجَاءَ الِاشْتِبَاهُ، أَمَّا الْعَمْدُ فَمُوجِبُهُ الْقِصَاصُ وَالْعَبْدُ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ) فَالْحَقُّ لِلْعَبْدِ وَالْمَوْلَى يَسْتَوْفِيهِ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ عَنْهُ إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُ (لَا وَارِثَ سِوَاهُ فَلَا اشْتِبَاهَ فِيمَنْ لَهُ الْحَقُّ) . وَالْحَاصِلُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ صُوَرَ مَنْ قَطَعَ يَدَ عَبْدِ غَيْرِهِ فَأَعْتَقَهُ الْمَوْلَى ثُمَّ مَاتَ لَا تَزِيدُ عَلَى أَرْبَعٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ قَطَعَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِلْعَبْدِ وَارِثٌ

كَالْجَوَابِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي الثَّانِي. قَالَ (وَمَنْ قَالَ لِعَبْدَيْهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ ثُمَّ شُجَّا فَأَوْقَعَ الْعِتْقَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَأَرْشُهُمَا لِلْمَوْلَى) لِأَنَّ الْعِتْقَ غَيْرُ نَازِلٍ فِي الْمُعَيَّنِ وَالشَّجَّةُ تُصَادِفُ الْمُعَيَّنَ فَبَقِيَا مَمْلُوكَيْنِ فِي حَقِّ الشَّجَّةِ (وَلَوْ قَتَلَهُمَا رَجُلٌ تَجِبُ دِيَةُ حُرٍّ وَقِيمَةُ عَبْدٍ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيَانَ إنْشَاءٌ مِنْ وَجْهٍ وَإِظْهَارٌ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا عُرِفَ، وَبَعْدَ الشَّجَّةِ بَقِيَ مَحِلًّا لِلْبَيَانِ فَاعْتُبِرَ إنْشَاءً فِي حَقِّهِمَا، وَبَعْدَ الْمَوْتِ لَمْ يَبْقَ مَحِلًّا لِلْبَيَانِ فَاعْتَبَرْنَاهُ إظْهَارًا مَحْضًا، وَأَحَدُهُمَا حُرٌّ بِيَقِينٍ فَتَجِبُ قِيمَةُ عَبْدٍ وَدِيَةُ حُرٍّ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَجُلٌ حَيْثُ قِيمَةُ الْمَمْلُوكِينَ، لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِقَتْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQسِوَى الْمَوْلَى أَوْ لَمْ يَكُنْ، فَإِنْ كَانَ يَقْطَعُ الْإِعْتَاقُ السِّرَايَةَ بِالِاتِّفَاقِ فَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِجَهَالَةِ الْمُقْضَى لَهُ وَالْمُقْضَى بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَا يَقْطَعُهَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَالْإِعْتَاقُ يَقْطَعُهَا بِالِاتِّفَاقِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ وَارِثٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، فَلَا تَجِبُ الْقِيمَةُ أَوْ الدِّيَةُ بَلْ يَجِبُ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ بِالْقَطْعِ وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ. قَالَ (وَمَنْ قَالَ لِعَبْدَيْهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ ثُمَّ شَجَّا) إذَا قَالَ لِعَبْدَيْهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ ثُمَّ شَجَّا فَأَوْقَعَ الْعِتْقَ عَلَى أَحَدِهِمَا: أَيْ بَيَّنَ ذَلِكَ الْمُبْهَمَ بِالتَّعْيِينِ فِي أَحَدِهِمَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ بِلَفْظِ أَوْقَعَ لِيَدُلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يَنْزِلْ عَلَى أَحَدِهِمَا فِي حَقِّ الْأَرْشِ مُعَيَّنًا وَإِنْ كَانَ ظَهَرَ وُقُوعُ الْعِتْقِ عَلَى أَحَدِهِمَا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَمَا فِي الْمَوْتِ وَالْقَتْلِ، فَإِنَّهُ إذَا قَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ قُتِلَ تَعَيَّنَ الْعِتْقُ لِلْآخَرِ (فَأَرْشُهُمَا لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ غَيْرُ نَازِلٍ فِي الْمُعَيَّنِ، وَالشَّجَّةُ تُصَادِفُ الْمُعَيَّنَ فَبَقِيَا مَمْلُوكَيْنِ فِي حَقِّ الشَّجَّةِ) فَيَكُونُ أَرْشُهُمَا لِلْمَالِكِ (وَلَوْ قَتَلَهُمَا رَجُلٌ تَجِبُ دِيَةُ حُرٍّ وَقِيمَةُ عَبْدٍ) لَا قِيمَةُ عَبْدَيْنِ وَلَا دِيَةُ حُرَّيْنِ (وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيَانَ وَهُوَ تَعْيِينُ الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ فِي أَحَدِهِمَا إنْشَاءٌ مِنْ وَجْهٍ إظْهَارٌ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا عُرِفَ) فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْبَيَانَ إنْشَاءٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى يُشْتَرَطَ صَلَاحِيَةُ الْمَحَلِّ لِلْإِنْشَاءِ، فَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَبَيَّنَ الْعِتْقَ فِيهِ لَا يَصِحُّ، وَإِظْهَارٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى يُجْبَرَ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ إنْشَاءً مِنْ وَجْهٍ لَمَا أُجْبِرَ عَلَيْهِ؛ إذْ الْمَرْءُ لَا يُجْبَرُ عَلَى إنْشَاءِ الْعِتْقِ، وَالْعَبْدُ (بَعْدَ الشَّجَّةِ مَحَلٌّ لِلْبَيَانِ فَاعْتُبِرَ إنْشَاءً فِي حَقِّهِمَا وَبَعْدَ الْمَوْتِ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لَهُ فَاعْتَبَرْنَاهُ إظْهَارًا مَحْضًا، وَأَحَدُهُمَا حُرٌّ بِيَقِينٍ فَتَجِبُ قِيمَةُ عَبْدٍ وَدِيَةُ حُرٍّ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَجُلٌ) وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْقَاتِلَ إمَّا أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ، فَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَإِمَّا أَنْ قَتَلَهُمَا مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبًا؛ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَالْحُكْمُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ الْقِيمَةِ لِلْمَوْلَى وَالدِّيَةُ لِلْوَرَثَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَرَثَةٌ غَيْرُ الْمَوْلَى فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَتْ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَجِبُ دِيَتُهُ فِي حَالٍ وَقِيمَتُهُ فِي حَالٍ، وَيُقْسَمُ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ، وَهَذَا إذَا اسْتَوَتْ الْقِيمَتَانِ. وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَدِيَةُ حُرٍّ؛ لِأَنَّا نَتَيَقَّنُ أَنَّهُ قَتَلَ عَبْدًا وَحُرًّا وَقَتْلُ الْحُرِّ يُوجِبُ الدِّيَةَ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَيَلْزَمُهُ نِصْفُ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَنِصْفُ دِيَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَقَدْ تَعَيَّنَتْ الْحُرِّيَّةُ فِي الثَّانِي بِقَتْلِ الْأَوَّلِ، فَكَانَ عَلَى الْقَاتِلِ قِيمَةُ الْأَوَّلِ لِلْمَوْلَى وَدِيَةُ الثَّانِي لِلْوَرَثَةِ، وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ اثْنَيْنِ فَإِمَّا أَنْ قَتَلَا مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبًا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ كَانَ عَلَى كُلِّ

كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُرًّا وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُنْكِرُ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى ثُبُوتَ الْعِتْقِ فِي الْمَجْهُولِ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ فَائِدَةً، وَإِنَّمَا صَحَّحْنَاهُ ضَرُورَةَ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ وَأَثْبَتْنَا لَهُ وِلَايَةَ النَّقْلِ مِنْ الْمَجْهُولِ إلَى الْمَعْلُومِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ وَهِيَ فِي النَّفْسِ دُونَ الْأَطْرَافِ فَبَقِيَ مَمْلُوكًا فِي حَقِّهَا. قَالَ (وَمَنْ فَقَأَ عَيْنَيْ عَبْدٍ، فَإِنْ شَاءَ الْمَوْلَى دَفَعَ عَبْدَهُ وَأَخَذَ قِيمَتَهُ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ، وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ النُّقْصَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: إنْ شَاءَ أَمْسَكَ الْعَبْدَ وَأَخَذَ مَا نَقَصَهُ، وَإِنْ شَاءَ دَفَعَ الْعَبْدَ وَأَخَذَ قِيمَتَهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُضَمِّنُهُ كُلَّ الْقِيمَةِ وَيُمْسِكُ الْجُثَّةَ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الضَّمَانَ مُقَابِلًا بِالْفَائِتِ فَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى مِلْكِهِ، كَمَا إذَا قَطَعَ إحْدَى يَدَيْهِ أَوْ فَقَأَ إحْدَى عَيْنَيْهِ. وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ الْمَالِيَّةَ قَائِمَةٌ فِي الذَّاتِ وَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ فِي حَقِّ الْأَطْرَافِ لِسُقُوطِ اعْتِبَارِهَا فِي حَقِّ الذَّاتِ قَصْرًا عَلَيْهِ. وَإِذَا كَانَتْ مُعْتَبَرَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاحِدٍ مِنْهُمَا قِيمَةُ عَبْدٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَاتِلَيْنِ إنَّمَا قَتَلَ أَحَدَهُمَا بِعَيْنِهِ، وَالْعِتْقُ فِي حَقِّ الْعَيْنِ كَأَنَّهُ غَيْرُ نَازِلٍ وَإِنَّمَا هُوَ نَازِلٌ فِي الْمُنْكِرِ، وَلَا نَتَيَقَّنُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَاتِلٌ لِذَلِكَ الْمُنْكِرِ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْقَدْرُ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ وَهُوَ الْقِيمَةُ، وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ ذَلِكَ لِلْمَوْلَى أَوْ لِوَرَثَتِهِمَا. وَقِيلَ هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ النِّصْفُ لِلْمَوْلَى مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَالنِّصْفُ لِلْوَرَثَةِ، فَإِنَّ الْعِتْقَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى ثَابِتٌ فِي أَحَدِهِمَا فَلَا يَسْتَحِقُّ بَدَلَ نَفْسِهِ فَيُوَزَّعُ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يُدْرَ أَيُّهُمَا قُتِلَ أَوَّلًا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَعَلَى الْقَاتِلِ الْأَوَّلِ قِيمَتُهُ لِمَوْلَاهُ وَعَلَى الثَّانِي دِيَةُ الثَّانِي لِوَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ تَعَيَّنَ فِيهِ، وَقَدْ ظَهَرَ لَك مِنْ هَذَا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا إذَا كَانَ قَتْلُهُمَا مَعًا سَوَاءٌ كَانَ الْقَاتِلُ وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ) مَعْطُوفٌ عَلَى أَنَّ فِي قَوْلِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيَانَ إنْشَاءٌ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ (يَأْبَى ثُبُوتَ الْعِتْقِ فِي الْمَجْهُولِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدَ فَائِدَةَ الْعِتْقِ مِنْ أَهْلِيَّةِ الْوِلَايَةِ لِلْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ، وَمَا هُوَ كَذَلِكَ فَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ فِي الشَّرْعِ (وَإِنَّمَا صَحَّحْنَاهُ ضَرُورَةَ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ وَأَثْبَتْنَا لَهُ وِلَايَةَ النَّقْلِ مِنْ الْمَجْهُولِ إلَى الْمَعْلُومِ) بِطَرِيقِ الْبَيَانِ بِتَعْيِينِ الْمُبْهَمِ فِي أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ (فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ وَهِيَ فِي النَّفْسِ) ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْعِتْقِ (دُونَ الْأَطْرَافِ) ؛ لِأَنَّهُ إنْ حَلَّهَا حَلَّ تَبَعًا فَيَبْقَى الْعَبْدُ مَمْلُوكًا فِي حَقِّ الْأَطْرَافِ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ. قَالَ (وَمَنْ فَقَأَ عَيْنَيْ مَمْلُوكٍ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُسَمَّى مَسْأَلَةَ الْجُثَّةِ الْعَمْيَاءِ وَصُورَتُهَا ظَاهِرَةٌ، وَدَلِيلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَذَلِكَ، وَقَاسَ عَلَى مَا إذَا قَطَعَ يَدَيْ حُرٍّ أَوْ مُدَبَّرٍ، وَعَلَى مَا إذَا قَطَعَ إحْدَى يَدَيْهِ وَفَقَأَ إحْدَى عَيْنَيْهِ. وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ الْمَالِيَّةَ قَائِمَةٌ فِي الذَّاتِ وَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ فِي حَقِّ الْأَطْرَافِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَهَا فِي حَقِّ الذَّاتِ: أَيْ: جَمِيعُ الْبَدَنِ وَحْدَهُ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ سَاقِطٌ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنَّ الشَّرْعَ قَدْ أَوْجَبَ كَمَالَ الدِّيَةِ بِتَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ بِتَفْوِيتِ الْأَطْرَافِ؛ وَلِأَنَّهَا أَوْلَى بِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا يُسْلَكُ بِمَا مَسْلَكُ الْأَمْوَالِ، وَإِذَا كَانَتْ مُعْتَبَرَةً فِي الْأَطْرَافِ كَانَ قِيَامُهَا فِيهَا كَقِيَامِهَا فِي الذَّاتِ وَفَوَاتُهَا بِفَوَاتِهَا كَفَوَاتِهَا بِفَوَاتِ الذَّاتِ، فَكَانَ إتْلَافُ الْأَطْرَافِ كَإِتْلَافِ الذَّاتِ مِنْ وَجْهٍ بِتَفْوِيتِ جِنْسِ

وَقَدْ وُجِدَ إتْلَافُ النَّفْسِ مِنْ وَجْهٍ بِتَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ وَالضَّمَانُ يَتَقَدَّرُ بِقِيمَةِ الْكُلِّ فَوَجَبَ أَنْ يَتَمَلَّكَ الْجُثَّةَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ وَرِعَايَةً لِلْمُمَاثَلَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا فَقَأَ عَيْنَيْ حُرٍّ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ، وَبِخِلَافِ عَيْنَيْ الْمُدَبَّرِ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ مِنْ الْمِلْكِ إلَى مِلْكٍ، وَفِي قَطْعِ إحْدَى الْيَدَيْنِ وَفَقْءِ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ لَمْ يُوجَدْ تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ. وَلَهُمَا أَنَّ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ لَمَّا كَانَ مُعْتَبَرًا وَجَبَ أَنْ يَتَخَيَّرَ الْمَوْلَى عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَاهُ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ فَإِنَّ مَنْ خَرَقَ ثَوْبَ غَيْرِهِ خَرْقًا فَاحِشًا إنْ شَاءَ الْمَالِكُ دَفَعَ الثَّوْبَ إلَيْهِ وَضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ الثَّوْبَ وَضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ. وَلَهُ أَنَّ الْمَالِيَّةَ وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً فِي الذَّاتِ فَالْآدَمِيَّةُ غَيْرُ مُهْدَرَةٍ فِيهِ وَفِي الْأَطْرَافِ أَيْضًا، أَلَا تَرَى أَنَّ عَبْدًا لَوْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ آخَرَ يُؤْمَرُ الْمَوْلَى بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ وَهَذَا مِنْ أَحْكَامِ الْآدَمِيَّةِ، لِأَنَّ مُوجِبَ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَالِ أَنْ تُبَاعَ رَقَبَتُهُ فِيهَا ثُمَّ مِنْ أَحْكَامِ الْأُولَى أَنْ لَا يَنْقَسِمَ عَلَى الْأَجْزَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَنْفَعَةِ. (وَقَدْ وُجِدَ إتْلَافُ النَّفْسِ مِنْ وَجْهٍ بِتَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ) فَيَجِبُ الضَّمَانُ (وَالضَّمَانُ يَتَقَدَّرُ بِقِيمَةِ الْكُلِّ) وَأَدَاءُ قِيمَةِ الْكُلِّ يَقْتَضِي (تَمَلُّكَ الْجُثَّةِ؛ دَفْعًا لِلضَّرَرِ وَرِعَايَةً لِلْمُمَاثَلَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا فَقَأَ عَيْنَيْ حُرٍّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ، وَبِخِلَافِ عَيْنَيْ الْمُدَبَّرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ، وَفِي قَطْعِ إحْدَى الْيَدَيْنِ وَفَقْءِ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ لَمْ يُوجَدْ تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ) حَتَّى يَصِيرَ بِمَنْزِلَةِ إتْلَافِ النَّفْسِ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - شَرَعَ فِي الِاسْتِدْلَالِ، لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فَقَالَ (وَلَهُمَا) أَيْ لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ (أَنَّ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ لَمَّا كَانَ مُعْتَبَرًا وَجَبَ أَنْ يَتَخَيَّرَ الْمَوْلَى عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ) وَهُوَ قَوْلُهُ وَقَالَا إنْ شَاءَ أَمْسَكَ الْعَبْدَ إلَخْ وَبَيَّنَ الْمُلَازَمَةَ بِقَوْلِهِ (كَمَا فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ، فَإِنَّ مَنْ خَرَقَ ثَوْبَ غَيْرِهِ خَرْقًا فَاحِشًا إنْ شَاءَ الْمَالِكُ دَفَعَ الثَّوْبَ إلَيْهِ وَضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ الثَّوْبَ وَضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ. وَلَهُ أَنَّ الْمَالِيَّةَ وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً فِي الذَّاتِ فَالْآدَمِيَّةُ غَيْرُ مُهْدَرَةٍ فِيهِ وَفِي الْأَطْرَافِ أَيْضًا، أَلَا تَرَى أَنَّ عَبْدًا إلَخْ) وَهُوَ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ مِنْ أَحْكَامِ الْأُولَى) أَيْ: الْآدَمِيَّةِ (أَنْ لَا يَنْقَسِمَ عَلَى الْأَجْزَاءِ) لَأَنْ لَا يَتَوَزَّعَ كَمَالُ بَدَلِ النَّفْسِ عَلَى النَّفْسِ وَالْفَائِتِ مِنْ الطَّرَفِ، بَلْ يَكُونُ بِإِزَاءِ الْفَائِتِ لَا غَيْرُ كَمَا فِي فَقْءِ عَيْنَيْ

[فصل في جناية المدبر وأم الولد]

وَلَا يَتَمَلَّكَ الْجُثَّةَ، وَمِنْ أَحْكَامِ الثَّانِيَةِ أَنْ يَنْقَسِمَ وَيَتَمَلَّكَ الْجُثَّةَ فَوَفَّرْنَا عَلَى الشَّبَهَيْنِ حَظَّهُمَا مِنْ الْحُكْمِ. . (فَصْلٌ فِي جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ) قَالَ (وَإِذَا جَنَى الْمُدَبَّرُ أَوْ أُمُّ الْوَلَدِ جِنَايَةً ضَمِنَ) الْمَوْلَى الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِهَا (لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَضَى بِجِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ عَلَى مَوْلَاهُ) ، وَلِأَنَّهُ صَارَ مَانِعًا عَنْ تَسْلِيمِهِ فِي الْجِنَايَةِ بِالتَّدْبِيرِ أَوْ الِاسْتِيلَادِ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحُرِّ (وَلَا يَتَمَلَّكُ الْجُثَّةَ) . وَقَوْلُهُ (وَمِنْ أَحْكَامِ الثَّانِيَةِ) أَيْ: الْمَالِيَّةِ (أَنْ يَنْقَسِمُ) أَيْ مُوجِبُ الْجِنَايَةِ وَهُوَ الضَّمَانُ عَلَى الْأُجَرَاءِ وَالْجُثَّةِ وَتَمَلُّكِ الْجُثَّةِ كَمَا فِي تَخْرِيقِ الثَّوْبِ. (فَوَفَّرْنَا عَلَى الشَّبَهَيْنِ حَظَّهُمَا مِنْ الْحُكْمِ) يَعْنِي بِالنَّظَرِ إلَى الْآدَمِيَّةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ الضَّمَانُ مُتَوَزِّعًا بَلْ بِإِزَاءِ الْفَائِتِ لَا غَيْرُ، وَبِالنَّظَرِ إلَى الْمَالِيَّةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ كُلَّ بَدَلِ الْعَيْنِ مَعَ إمْسَاكِهِ الْجُثَّةَ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِي الْمَالِ، وَفِيمَا قَالَا إلْغَاءٌ لِجَانِبِ الْآدَمِيَّةِ حَيْثُ جَعَلَاهُ كَالثَّوْبِ الْمَخْرُوقِ، وَفِيمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلْغَاءٌ لِجَانِبِ الْمَالِيَّةِ أَصْلًا حَيْثُ جَعَلَهُ كَحُرٍّ فُقِئَ عَيْنَاهُ فَوَفَّرْنَا عَلَى الشَّبَهَيْنِ حَظَّهُمَا وَقُلْنَا: إنْ شَاءَ الْمَوْلَى دَفَعَ عَبْدَهُ وَأَخَذَ قِيمَتَهُ نَظَرًا إلَى الْمَالِيَّةِ، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ نَظَرًا إلَى الْآدَمِيَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ] (فَصْلٌ فِي جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ) لَمَّا ذَكَرْنَا بَابَ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَالْجِنَايَةَ عَلَيْهِ قَدَّمَ مَنْ هُوَ أَكْمَلُ فِي اسْتِحْقَاقِ اسْمِ الْمَمْلُوكِيَّةِ وَهُوَ الْعَبْدُ، ثُمَّ ذَكَرَ فَصْلَ مَنْ هُوَ أَحَطُّ رُتْبَةً مِنْهُ فِي اسْمِ الْمَمْلُوكِيَّةِ وَهُوَ الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ، غَيْرَ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ أَحَطُّ رُتْبَةً أَيْضًا مِنْ الْمُدَبَّرِ فِي ذَلِكَ الِاسْمِ حَتَّى أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى بِجَوَازِ بَيْعِهَا لَا يَنْفُذُ، بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَهِيَ أُنْثَى أَيْضًا فَالْأُنُوثَةُ وَالِانْحِطَاطُ فِي اسْمِ الْمَمْلُوكِيَّةِ أَوْجَبَا تَأْخِيرَ ذِكْرِهَا عَنْ ذِكْرِ الْمُدَبَّرِ. قَالَ (وَإِذَا جَنَى الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ جِنَايَةً ضَمِنَ الْمَوْلَى إلَخْ) جِنَايَةُ الْمُدَبَّرِ عَلَى سَيِّدِهِ فِي مَالِهِ دُونَ عَاقِلَتِهِ حَالَّةٌ (لِمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَضَى بِجِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ عَلَى مَوْلَاهُ) وَكَانَ أَمِيرًا بِالشَّامِ، وَقَضَايَاهُ تَظْهَرُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَكَانَ حُكْمُهُ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ (؛ وَلِأَنَّهُ صَارَ مَانِعًا مِنْ تَسْلِيمِهِ) كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ، وَيَضْمَنُ الْمَوْلَى الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْأَرْشِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِي أَكْثَرَ مِنْ الْأَرْشِ وَلَا مَنْعَ مِنْ الْمَوْلَى فِي أَكْثَرَ

غَيْرِ اخْتِيَارِهِ الْفِدَاءَ فَصَارَ كَمَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ الْجِنَايَةِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ. وَإِنَّمَا يَجِبُ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْأَرْشِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِي أَكْثَرَ مِنْ الْأَرْشِ، وَلَا مَنْعَ مِنْ الْمَوْلَى فِي أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ، وَلَا تَخْيِيرَ بَيْنَ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ لِاخْتِيَارِهِ الْأَقَلَّ لَا مَحَالَةَ، بِخِلَافِ الْقِنِّ لِأَنَّ الرَّغَبَاتِ صَادِقَةٌ فِي الْأَعْيَانِ فَيُفِيدُ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ (وَجِنَايَاتُ الْمُدَبَّرِ وَإِنْ تَوَالَتْ لَا تُوجِبُ إلَّا قِيمَةً وَاحِدَةٍ) لِأَنَّهُ لَا مَنْعَ مِنْهُ إلَّا فِي رَقَبَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلِأَنَّ دَفْعَ الْقِيمَةِ كَدَفْعِ الْعَبْدِ وَذَلِكَ لَا يَتَكَرَّرُ فَهَذَا كَذَلِكَ، وَيَتَضَارَبُونَ بِالْحِصَصِ فِيهَا، وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ فِي حَالِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمَنْعَ فِي هَذَا الْوَقْتِ يَتَحَقَّقُ. قَالَ (فَإِنْ جَنَى جِنَايَةً أُخْرَى وَقَدْ دَفَعَ الْمَوْلَى الْقِيمَةَ إلَى وَلِيِّ الْأُولَى بِقَضَاءٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَى الدَّفْعِ. قَالَ (وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى دَفَعَ الْقِيمَةَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَالْوَلِيُّ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْمَوْلَى وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا شَيْءَ عَلَى الْمَوْلَى) لِأَنَّهُ حِينَ دَفَعَ لَمْ تَكُنْ الْجِنَايَةُ الثَّانِيَةُ مَوْجُودَةً فَقَدْ دَفَعَ كُلَّ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقَّةِ وَصَارَ كَمَا إذَا دَفَعَ الْقَضَاءَ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَوْلَى جَانٍ بِدَفْعِ حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ طَوْعًا، وَوَلِيُّ الْأُولَى ضَامِنٌ بِقَبْضِ حَقِّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْقِيمَةِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يُخَيَّرُ بَيْنَ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ) وَاضِحٌ وَقَوْلُهُ (وَيَتَضَارَبُونَ بِالْحِصَصِ فِيهَا) أَيْ فِي الْقِيمَةِ (وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ فِي حَالِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَمِنْ صُورَتِهِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ قَالَ: وَإِذَا قَتَلَ الْمُدَبَّرُ رَجُلًا خَطَأً وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ زَادَتْ قِيمَتُهُ إلَى أَلْفَيْنِ ثُمَّ قَتَلَ آخَرَ خَطَأً ثُمَّ أَصَابَهُ عَيْبٌ فَرَجَعَتْ قِيمَتُهُ إلَى خَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ قَتَلَ آخَرَ خَطَأً فَعَلَى مَوْلَاهُ أَلْفَا دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُ جَنَى عَلَى الثَّانِي وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ إلَّا تِلْكَ الْجِنَايَةُ لَكَانَ الْمَوْلَى ضَامِنًا قِيمَتَهُ أَلْفَيْنِ ثُمَّ أَلْفًا مِنْ هَذَا الْوَلِيِّ الْقَتِيلِ الْأَوْسَطِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ وَلِيَّ الْأَوَّلِ إنَّمَا يَثْبُتُ حَقُّهُ فِي قِيمَتِهِ يَوْمَ جَنَى عَلَى وَلِيِّهِ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْأَلْفِ الثَّانِيَةِ فَيُسَلَّمُ ذَلِكَ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ الْأَوْسَطِ وَخَمْسُمِائَةٍ مِنْ الْأَلْفِ الْأُولَى بَيْنَ وَلِيِّ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ وَبَيْنَ الْأَوْسَطِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ فِي هَذِهِ الْخَمْسِمِائَةِ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ الثَّالِثِ، وَإِنَّمَا حَقُّهُ فِي قِيمَتِهِ يَوْمَ جَنَى عَلَى وَلِيِّهِ فَتُقْسَمُ هَذِهِ الْخَمْسُمِائَةِ بَيْنَ الْأَوْسَطِ وَالْأَوَّلُ يُضْرَبُ فِيهَا الْأَوَّلُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ وَالْأَوْسَطُ بِتِسْعَةِ آلَافٍ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ حَقِّهِ أَلْفٌ وَالْخَمْسُمِائَةِ الْبَاقِيَةُ بَيْنَهُمْ جَمِيعًا يُضْرَبُ فِيهَا الْآخَرُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ؛ لِأَنَّهُ مَا وَصَلَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ حَقِّهِ، وَيُضْرَبُ الْأَوَّلُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ إلَّا مَا أَخَذَ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ حَقِّهِ مِقْدَارُ الْمَأْخُوذِ فَلَا يُضْرَبُ بِهِ، وَكَذَلِكَ الْأَوْسَطُ لَا يُضْرَبُ بِمَا أَخَذَ فِي الْمَرَّتَيْنِ، وَإِنَّمَا يُضْرَبُ بِمَا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ فَنَقْسِمُ الْخَمْسَمِائَةِ بَيْنَهُمْ عَلَى ذَلِكَ. . وَقَوْلُهُ (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مَا لَزِمَهُ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةٍ وَاحِدَةٍ بِجِنَايَاتِهِ وَهُوَ مَجْبُورٌ عَلَى الدَّفْعِ فَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ دَفَعَ قِيمَتَهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَالْوَلِيُّ بِالْخِيَارِ) أَيْ فَوَلِيُّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ بِالْخِيَارِ (إنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْمَوْلَى) بِنِصْفِ قِيمَتِهِ فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ اسْتَوْفَى مِنْهُ زِيَادَةً عَلَى مِقْدَارِ حَقِّهِ (وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ) الْأُولَى وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: لَا شَيْءَ (عَلَى الْمَوْلَى) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجَانٍ فِي الدَّفْعِ (؛ لِأَنَّهُ حِينَ دَفَعَ لَمْ تَكُنْ الْجِنَايَةُ الثَّانِيَةُ مَوْجُودَةً، وَقَدْ دَفَعَ كُلَّ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ فَصَارَ كَمَا إذَا دَفَعَ بِالْقَضَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ بِنَفْسِهِ عَيْنَ مَا يَأْمُرُهُ الْقَاضِي لَوْ رُفِعَ إلَيْهِ فَيَكُونُ الْقَضَاءُ، وَغَيْرُ الْقَضَاءِ فِيهِ سَوَاءً كَمَا فِي الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّافِعِ وَالْقَابِضِ جَانٍ، أَمَّا الدَّافِعُ وَهُوَ الْمَوْلَى؛ فَلِأَنَّهُ دَفَعَ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ

ظُلْمًا فَيَتَخَيَّرُ، وَهَذَا لِأَنَّ الثَّانِيَةَ مُقَارِنَةٌ حُكْمًا مِنْ وَجْهٍ وَلِهَذَا يُشَارِكُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى، وَمُتَأَخِّرَةٌ حُكْمًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ فِي حَقِّهَا فَجُعِلَتْ كَالْمُقَارِنَةِ فِي حَقِّ التَّضْمِينِ لِإِبْطَالِهِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ حَقِّ وَلِيِّ الثَّانِيَةِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ. (وَإِذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى الْمُدَبَّرَ وَقَدْ جَنَى جِنَايَاتٍ لَمْ تَلْزَمْهُ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِالْمَنْعِ فَصَارَ وُجُودُ الْإِعْتَاقِ مِنْ بَعْدُ وَعَدَمُهُ بِمَنْزِلَةٍ (وَأُمُّ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَةِ الْمُدَبَّرِ فِي جَمِيعِ مَا وَصَفْنَا) لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ مَانِعٌ مِنْ الدَّفْعِ كَالتَّدْبِيرِ (وَإِذَا أَقَرَّ الْمُدَبَّرُ بِجِنَايَةِ الْخَطَإِ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ بِهِ شَيْءٌ عَتَقَ أَوْ لَمْ يُعْتَقْ) لِأَنَّ مُوجَبَ جِنَايَةِ الْخَطَإِ عَلَى سَيِّدِهِ وَإِقْرَارَهُ بِهِ لَا يَنْفُذُ عَلَى السَّيِّدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQطَوْعًا، وَأَمَّا الْقَابِضُ وَهُوَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَيَقْبِضُ حَقَّ وَلِيِّ الثَّانِيَةِ ظُلْمًا، وَالرُّجُوعُ عَلَى الْجَانِي جَائِزٌ فَيُخَيَّرُ فِي الرُّجُوعِ وَبَيْنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (وَهَذَا؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ مُقَارِنَةٌ حُكْمًا مِنْ وَجْهٍ وَلِهَذَا يُشَارِكُ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى، وَمُتَأَخِّرَةٌ حُكْمًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ فِي حَقِّهَا، فَجُعِلَتْ الثَّانِيَةُ كَالْمُقَارِنَةِ لِلْأُولَى فِي حَقِّ التَّضْمِينِ لِإِبْطَالِهِ) أَيْ: إبْطَالِ الْمَوْلَى (مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِاعْتِبَارِ مَنْعِ الرَّقَبَةِ بِالتَّدْبِيرِ السَّابِقِ، وَذَلِكَ فِي حَقِّ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَتَيْنِ سَوَاءٌ فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الدَّفْعَ كَانَ بَعْدَ وُجُودِ الْجِنَايَتَيْنِ جَمِيعًا، وَهُنَاكَ لَوْ دَفَعَ إلَى أَحَدِهِمَا جَمِيعَ الْقِيمَةِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ كَانَ لِلْآخَرِ الْخِيَارُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا. وَقَوْلُهُ (عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ) يَعْنِي لَمَّا عَلِمْنَا بِشَبَهِ التَّأْخِيرِ فِي ضَمَانِ الْجِنَايَةِ حَتَّى اعْتَبَرْنَا قِيمَتَهُ يَوْمَ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ فِي حَقِّهَا وَجَبَ أَنْ يَعْمَلَ بِشَبَهِ الْمُقَارَنَةِ فِي حَقِّ تَضْمِينِ نِصْفِ الْمَدْفُوعِ، وَقِيلَ جُعِلَتْ الثَّانِيَةُ كَالْمُقَارِنَةِ فِي حَقِّ التَّضْمِينِ إذَا دَفَعَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ؛ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الثَّانِي، وَلَمْ تُجْعَلْ كَالْمُقَارِنَةِ إذَا دَفَعَ بِقَضَاءٍ؛ لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ بِالدَّفْعِ عَمَلًا بِشُبْهَةِ الْمُقَارَنَةِ وَالتَّأَخُّرِ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى الْمُدَبَّرَ إلَخْ) وَاضِحٌ.

[باب غصب العبد والمدبر والصبي والجناية في ذلك]

(بَابُ غَصْبِ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالصَّبِيِّ وَالْجِنَايَةِ فِي ذَلِكَ) قَالَ (وَمَنْ قَطَعَ يَدَ عَبْدِهِ ثُمَّ غَصَبَهُ رَجُلٌ وَمَاتَ فِي يَدِهِ مِنْ الْقَطْعِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ أَقْطَعَ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى قَطَعَ يَدَهُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْغَصْبَ قَاطِعٌ لِلسَّرَايَةِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْمِلْكِ كَالْبَيْعِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ هَلَكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ أَقْطَعَ، وَلَمْ يُوجَدْ الْقَاطِعُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فَكَانَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ غَصْبِ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالصَّبِيِّ وَالْجِنَايَةِ فِي ذَلِكَ] (بَابُ غَصْبِ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالصَّبِيِّ وَالْجِنَايَةِ فِي ذَلِكَ) لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ الْمُدَبَّرِ فِي الْجِنَايَةِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ وَمَا يَرِدُ مِنْهُ، وَذَكَرَ حُكْمَ مَنْ يَلْحَقُ بِهِ. قَالَ (وَمَنْ قَطَعَ يَدَ عَبْدِهِ ثُمَّ غَصَبَهُ رَجُلٌ) ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ غَصْبَ الْعَبْدِ بَعْدَ أَنْ قَطَعَ الْمَوْلَى يَدَهُ يَقْطَعُ السِّرَايَةَ وَقَبْلَهُ لَا يَقْطَعُهَا، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا (بِأَنَّ الْغَصْبَ سَبَبُ الْمِلْكِ كَالْبَيْعِ، فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ هَلَكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَيَجِبُ قِيمَتُهُ أَقْطَعَ، وَلَمْ يُوجَدْ الْقَاطِعُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فَكَانَتْ

السِّرَايَةُ مُضَافَةً إلَى الْبِدَايَةِ فَصَارَ الْمَوْلَى مُتْلِفًا فَيَصِيرُ مُسْتَرِدًّا، كَيْفَ وَأَنَّهُ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ وَهُوَ اسْتِرْدَادٌ فَيَبْرَأُ الْغَاصِبُ عَنْ الضَّمَانِ. قَالَ (وَإِذَا غَصَبَ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَمَاتَ فِي يَدِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ) لِأَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ مُؤَاخَذٌ بِأَفْعَالِهِ. قَالَ (وَمَنْ غَصَبَ مُدَبَّرًا فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى الْمَوْلَى فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً أُخْرَى فَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ) لِأَنَّ الْمَوْلَى بِالتَّدْبِيرِ السَّابِقِ أَعْجَزَ نَفْسَهُ عَنْ الدَّفْعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ فَيَصِيرُ مُبْطِلًا حَقَّ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ إذْ حَقُّهُمْ فِيهِ وَلَمْ يَمْنَعْ إلَّا رَقَبَةً وَاحِدَةً فَلَا يُزَادُ عَلَى قِيمَتِهَا، وَيَكُونُ بَيْنَ وَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمُوجَبِ. قَالَ (وَيَرْجِعُ الْمَوْلَى بِنِصْفِ قِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ) لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْبَدَلِ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْعَبْدِ بِهَذَا السَّبَبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالسِّرَايَةُ مُضَافَةً إلَى الْبِدَايَةِ فَصَارَ الْمَوْلَى مُتْلِفًا فَيَصِيرُ مُسْتَرِدًّا) وَكَيْفَ لَا يَكُونُ مُسْتَرِدًّا (وَأَنَّهُ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ وَهُوَ اسْتِرْدَادٌ فَيَبْرَأُ الْغَاصِبُ عَنْ الضَّمَانِ) وَاعْتَرَضَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ بِأَنَّ هَذَا يُخَالِفُ مَذْهَبَنَا؛ فَإِنَّ الْغَصْبَ لَا يَقْطَعُ السِّرَايَةَ مَا لَمْ يَمْلِكْ الْبَدَلَ عَلَى الْغَاصِبِ بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ إنَّمَا تَنْقَطِعُ بِهِ بِاعْتِبَارِ تَبَدُّلِ الْمِلْكِ، وَإِنَّمَا يَتَبَدَّلُ الْمِلْكُ بِهِ إذَا مَلَكَ الْبَدَلَ عَلَى الْغَاصِبِ، أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا. قَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ فِي آخِرِ رَهْنِ الْجَامِعِ الثَّانِي مِنْ جِنَايَاتِهِ، إلَّا أَنَّهُ إنَّمَا ضَمَّنَ الْغَاصِبَ هُنَا قِيمَةَ الْعَبْدِ أَقْطَعَ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ وَإِنْ لَمْ تَنْقَطِعْ فَالْغَصْبُ وَرَدَ عَلَى مَالٍ مُتَقَوِّمٍ فَانْعَقَدَ سَبَبُ الضَّمَانِ فَلَا يَبْرَأُ عَنْهُ الْغَاصِبُ إلَّا إذَا ارْتَفَعَ الْغَصْبُ وَلَمْ يَرْتَفِعْ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يَرْتَفِعُ بِمَا هُوَ فَوْقَهُ أَوْ مِثْلُهُ، وَيَدُ الْغَاصِبِ ثَابِتَةٌ عَلَى الْمَغْصُوبِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَيَدُ الْمَوْلَى بِاعْتِبَارِ السِّرَايَةِ ثَبَتَتْ عَلَيْهِ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ بَعْدَ الْغَصْبِ لَمْ تَثْبُتْ يَدُهُ عَلَى الْعَبْدِ حَقِيقَةً، وَالثَّابِتُ حُكْمًا دُونَ الثَّابِتِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَلَمْ يَرْتَفِعْ الْغَصْبُ بِاتِّصَالِ السِّرَايَةِ إلَى فِعْلِ الْمَوْلَى فَتَقَرَّرَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ يَدَ الْغَاصِبِ عَلَيْهِ ثَابِتَةٌ حُكْمًا، فَإِنَّ يَدَ الْمَوْلَى ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ حُكْمًا، وَلَا تَثْبُتُ عَلَى الشَّيْءِ الْوَاحِدِ يَدَانِ حُكْمِيَّتَانِ بِكَمَالِهِمَا، وَالْيَدُ الْحَقِيقِيَّةُ وَاجِبَةُ الرَّفْعِ لِكَوْنِهَا عُدْوَانًا لَا يَصْلُحُ مُعَارِضًا وَلَا مُرَجِّحًا. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا غَصَبَ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ) وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (مُؤَاخَذٌ بِأَفْعَالِهِ) يَعْنِي فِي حَالِ رِقِّهِ، وَأَمَّا فِي أَقْوَالِهِ؛ فَإِنْ كَانَ فِيمَا يُوجِبُ الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِيمَا يَجِبُ بِهِ الْمَالُ فَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ فِي رِقِّهِ، وَإِنَّمَا يُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ غَصَبَ مُدَبَّرًا) وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ) ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَعْلَمْ وَقْتَ التَّدْبِيرِ بِجِنَايَةٍ تَحْدُثُ مِنْ الْمُدَبَّرِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَصَارَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ إعْتَاقِ الْعَبْدِ الْجَانِي مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِجِنَايَتِهِ؛ فَإِنَّ فِيهِ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْأَرْشِ فَكَذَا هَذَا. وَقَوْلُهُ (فَيَصِيرُ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْعَبْدِ بِهَذَا السَّبَبِ) أَيْ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْغَاصِبِ كَمَا إذَا غَصَبَ عَبْدًا

قَالَ (وَيَدْفَعُهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى ثُمَّ يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الْغَاصِبِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَرْجِعُ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ فَيُسَلِّمُ لَهُ) لِأَنَّ الَّذِي يَرْجِعُ بِهِ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ عِوَضُ مَا سَلَّمَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَلَا يَدْفَعُهُ إلَيْهِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى اجْتِمَاعِ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَكَيْلَا يَتَكَرَّرَ الِاسْتِحْقَاقُ. وَلَهُمَا أَنَّ حَقَّ الْأَوَّلِ فِي جَمِيعِ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ حِينَ جَنَى فِي حَقِّهِ لَا يُزَاحِمُهُ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا انْتَقَصَ بِاعْتِبَارِ مُزَاحَمَةِ الثَّانِي فَإِذَا وَجَدَ شَيْئًا مِنْ بَدَلِ الْعَبْدِ فِي يَدِ الْمَالِكِ فَارِغًا يَأْخُذُهُ لِيُتِمَّ حَقَّهُ فَإِذَا أَخَذَهُ مِنْهُ يَرْجِعُ الْمَوْلَى بِمَا أَخَذَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَجَنَى فِي يَدِهِ فَرَدَّهُ إلَى الْمَوْلَى فَجَنَى حِنَايَةً فَدُفِعَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ كَانَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْغَاصِبِ نِصْفَ قِيمَتِهِ، كَذَا هَذَا وَقَوْلُهُ (وَيَدْفَعُهُ) أَيْ النِّصْفَ الْمَأْخُوذَ مِنْ الْغَاصِبِ (إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى ثُمَّ يَرْجِعُ بِذَلِكَ) أَيْ بِالْمَدْفُوعِ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ (عَلَى الْغَاصِبِ، وَهَذَا) أَيْ هَذَا الدَّفْعُ الثَّانِي وَالرُّجُوعُ الثَّانِي (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَرْجِعُ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ فَيُسَلَّمُ لَهُ) أَيْ لَا يَدْفَعُهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى (لِأَنَّ الَّذِي يَرْجِعُ بِهِ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ عِوَضُ مَا سَلَّمَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَلَا يَدْفَعُهُ إلَيْهِ؛ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى اجْتِمَاعِ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ؛ وَلِئَلَّا يَتَكَرَّرَ الِاسْتِحْقَاقُ) . وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَوْلَى مَلَكَ مَا قَبَضَهُ مِنْ الْغَاصِبِ، وَدَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى عِوَضًا عَمَّا أَخَذَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى فَلَا يَجْتَمِعُ الْبَدَلُ، وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ (وَلَهُمَا أَنَّ حَقَّ الْأَوَّلِ فِي جَمِيعِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ جَنَى فِي حَقِّهِ لَا يُزَاحِمُهُ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا انْتَقَصَ حَقُّهُ بِمُزَاحَمَةِ الثَّانِي؛ فَإِذَا وَجَدَ شَيْئًا مِنْ بَدَلِ الْعَبْدِ فِي يَدِ الْمَالِكِ فَارِغًا أَخَذَهُ إتْمَامًا لِحَقِّهِ، وَإِذَا أَخَذَهُ مِنْهُ يَرْجِعُ الْمَوْلَى بِمَا أَخَذَهُ

عَلَى الْغَاصِبِ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ مِنْ يَدِهِ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ. قَالَ (وَإِنْ كَانَ جَنَى عِنْدَ الْمَوْلَى فَغَصَبَهُ رَجُلٌ فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً أُخْرَى فَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَيَرْجِعُ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ عَلَى الْغَاصِبِ) لِمَا بَيَّنَّا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، غَيْرَ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ النِّصْفِ حَصَلَ بِالْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ إذْ كَانَتْ هِيَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَيَدْفَعُهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ. ثُمَّ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْعَبْدِ فَقَالَ (وَمَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَجَنَى فِي يَدِهِ ثُمَّ رَدَّهُ فَجَنَى جِنَايَةً أُخْرَى فَإِنَّ الْمَوْلَى يَدْفَعُهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ فَيَدْفَعُهُ إلَى الْأَوَّلِ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَرْجِعُ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ فَيُسَلِّمُ لَهُ) ، وَإِنْ جَنَى عِنْدَ الْمَوْلَى ثُمَّ غَصَبَهُ فَجَنَى فِي يَدِهِ دَفَعَهُ الْمَوْلَى نِصْفَيْنِ وَيَرْجِعُ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ فَيَدْفَعُهُ إلَى الْأَوَّلِ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ (وَالْجَوَابُ فِي الْعَبْدِ كَالْجَوَابِ فِي الْمُدَبَّرِ) فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا، إلَّا أَنَّ فِي هَذَا الْفَصْلِ يَدْفَعُ الْمَوْلَى الْعَبْدَ وَفِي الْأَوَّلِ يَدْفَعُ الْقِيمَةَ. قَالَ (وَمَنْ غَصَبَ مُدَبَّرًا فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى الْمَوْلَى ثُمَّ غَصَبَهُ ثُمَّ جَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً فَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ) لِأَنَّهُ مَنَعَ رَقَبَةً وَاحِدَةً بِالتَّدْبِيرِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ (ثُمَّ يَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ) لِأَنَّ الْجِنَايَتَيْنِ كَانَتَا فِي يَدِ الْغَاصِبِ (فَيَدْفَعُ نِصْفَهَا إلَى الْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ كُلَّ الْقِيمَةِ، لِأَنَّ عِنْدَ وُجُودِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ لَا حَقَّ لِغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا انْتَقَصَ بِحُكْمِ الْمُزَاحِمَةِ مِنْ بُعْدٍ. قَالَ (وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ) لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِهِ وَيُسَلِّمُ لَهُ، وَلَا يَدْفَعُهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى، وَلَا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ إلَّا فِي النِّصْفِ لِسَبْقِ حَقِّ الْأَوَّلِ وَقَدْ وَصَلَ ذَلِكَ إلَيْهِ. ثُمَّ قِيلَ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الِاخْتِلَافِ كَالْأُولَى، وَقِيلَ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ مِنْ يَدِهِ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ) وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الثَّانِيَةَ مُقَارِنَةٌ لِلْأُولَى فَكَيْفَ يَكُونُ حَقُّ الْأَوَّلِ فِي جَمِيعِ الْقِيمَةِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُقَارَنَةَ جُعِلَتْ حُكْمًا فِي حَقِّ التَّضْمِينِ لَا غَيْرُ، وَالْأُولَى مُتَقَدِّمَةٌ حَقِيقَةً وَقَدْ انْعَقَدَتْ مُوجِبَةً لِكُلِّ الْقِيمَةِ مِنْ غَيْرِ مُزَاحِمٍ وَأَمْكَنَ تَوْفِيرُ مُوجِبِهَا فَلَا يَمْتَنِعُ بِلَا مَانِعٍ. قَالَ (وَإِنْ كَانَ جَنَى عِنْدَ الْمَوْلَى فَغَصَبَهُ رَجُلٌ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَكْسُ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ حَيْثُ الْوَضْعُ وَحُكْمُهُ مَا ذَكَرَهُ وَهُوَ بِالِاتِّفَاقِ وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّهُ مَتَى دَفَعَ نِصْفَ الْمَقْبُوضِ مِنْ الْغَاصِبِ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى لَمْ يُؤَدِّ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْجِنَايَةُ الْأُولَى عِنْدَ الْمَوْلَى كَانَ مَا أَخَذَهُ الْمَوْلَى مِنْ الْغَاصِبِ بَدَلًا عَمَّا دَفَعَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ هِيَ الْمَوْجُودَةُ عِنْدَ الْغَاصِبِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَدَلًا عَمَّا دَفَعَ إلَيْهِ لَا يَلْزَمُ بِالدَّفْعِ جَمْعٌ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ وَضَعَ) يَعْنِي أَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَضَعَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْعَبْدِ بَعْدَمَا وَضَعَهَا فِي الْمُدَبَّرِ وَكَلَامُهُ فِيهِ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ غَصَبَ مُدَبَّرًا فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً) كَذَلِكَ وَقَوْلُهُ (ثُمَّ قِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الِاخْتِلَافِ) يَعْنِي قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى حَتَّى يُسَلِّمَ لِلْمَوْلَى مَا رَجَعَ بِهِ مِنْ الْقِيمَةِ عَلَى الْغَاصِبِ، وَلَا يَأْخُذُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى مَا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ، وَقِيلَ

الِاتِّفَاقِ. وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ فِي الْأُولَى الَّذِي يَرْجِعُ بِهِ عِوَضٌ عَمَّا سَلَّمَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى لِأَنَّ الْجِنَايَةَ الثَّانِيَةَ كَانَتْ فِي يَدِ الْمَالِكِ، فَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ ثَانِيًا يَتَكَرَّرُ الِاسْتِحْقَاقُ، فَأَمَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ عِوَضًا عَنْ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ لِحُصُولِهَا فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. قَالَ (وَمَنْ غَصَبَ صَبِيًّا حُرًّا فَمَاتَ فِي يَدِهِ فَجْأَةً أَوْ بِحُمَّى فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَإِنْ مَاتَ مِنْ صَاعِقَةٍ أَوْ نَهْسَةِ حَيَّةٍ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْغَاصِبِ الدِّيَةُ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَضْمَنَ فِي الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ، لِأَنَّ الْغَصْبَ فِي الْحُرِّ لَا يَتَحَقَّقُ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُكَاتَبًا صَغِيرًا لَا يَضْمَنُ مَعَ أَنَّهُ حُرٌّ يَدًا، فَإِذَا كَانَ الصَّغِيرُ حُرًّا رَقَبَةً وَيَدًا أَوْلَى. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِالْغَصْبِ وَلَكِنْ يَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ، وَهَذَا إتْلَافٌ تَسَبُّبِيًّا لِأَنَّهُ نَقَلَهُ إلَى أَرْضٍ مَسْبَعَةٍ أَوْ إلَى مَكَانِ الصَّوَاعِقِ، وَهَذَا لِأَنَّ الصَّوَاعِقَ وَالْحَيَّاتِ وَالسِّبَاعَ لَا تَكُونُ فِي كُلِّ مَكَان، فَإِذَا نَقَلَهُ إلَيْهِ فَهُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ وَقَدْ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الِاتِّفَاقِ، وَيَأْخُذُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى تَمَامَ حَقِّهِ وَهُوَ نِصْفُ الْقِيمَةِ مِنْ الْمَوْلَى إذَا رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ قِيلَ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِلَا خِلَافٍ، وَكَذَا قَرَّرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَيْرُهُ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. فَعَلَى هَذَا يَحْتَاجُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ، لَكِنَّ قَوْلَهُ (فَأَمَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيُمْكِنُ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ؛ فَإِنَّ الْجِنَايَةَ الثَّانِيَةَ وَإِنْ حَصَلَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ لَكِنْ أَخَذَ الْمَوْلَى مِنْهُ حَقَّهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلَمْ يَبْقَ لِوَلِيِّهَا اسْتِحْقَاقٌ حَتَّى يُجْعَلَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْغَاصِبِ ثَانِيًا فِي مُقَابَلَةِ مَا أَخَذَهُ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ غَصَبَ صَبِيًّا حُرًّا) أَيْ ذَهَبَ بِهِ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ فَيَكُونُ

أَزَالَ حِفْظَ الْوَلِيِّ فَيُضَافُ إلَيْهِ، لِأَنَّ شَرْطَ الْعِلَّةِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعِلَّةِ إذَا كَانَ تَعَدِّيًا كَالْحَفْرِ فِي الطَّرِيقِ، بِخِلَافِ الْمَوْتِ فَجْأَةً أَوْ بِحُمَّى، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ، حَتَّى لَوْ نَقَلَهُ إلَى مَوْضِعٍ يَغْلِبُ فِيهِ الْحُمَّى وَالْأَمْرَاضُ نَقُولُ بِأَنَّهُ يَضْمَنُ فَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِكَوْنِهِ قَتْلًا تَسْبِيبًا. قَالَ (وَإِذَا أُودِعَ صَبِيٌّ عَبْدًا فَقَتَلَهُ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ، وَإِنْ أُودِعَ طَعَامًا فَأَكَلَهُ لَمْ يَضْمَنْ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ: يَضْمَنُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَعَلَى هَذَا إذَا أُودِعَ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ مَالًا فَاسْتَهْلَكَهُ لَا يُؤَاخَذُ بِالضَّمَانِ فِي الْحَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَيُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ. وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْإِقْرَاضُ وَالْإِعَارَةُ فِي الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: صَبِيٌّ قَدْ عَقَلَ، وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي صَبِيٍّ ابْنِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْعَاقِلِ يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ التَّسْلِيطَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَفِعْلُهُ مُعْتَبَرٌ لَهُمَا أَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا مُتَقَوِّمًا مَعْصُومًا حَقًّا لِمَالِكِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ كَمَا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَبْدًا وَكَمَا إذَا أَتْلَفَهُ غَيْرُ الصَّبِيِّ فِي يَدِ الصَّبِيِّ الْمُودَعِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا غَيْرَ مَعْصُومٍ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ كَمَا إذَا أَتْلَفَهُ بِإِذْنِهِ وَرِضَاهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعِصْمَةَ تَثْبُتُ حَقًّا لَهُ وَقَدْ فَوَّتَهَا عَلَى نَفْسِهِ حَيْثُ وَضَعَ الْمَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQذَكَرَ الْغَصْبَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِطَرِيقِ الْمُشَاكَلَةِ، وَهُوَ أَنْ يَذْكُرَ الشَّيْءَ بِلَفْظِ غَيْرِهِ لِوُقُوعِهِ فِي صُحْبَتِهِ، وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ خَلَا أَنَّهُ يَرِدُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ مَا إذَا غَصَبَ مُكَاتَبًا وَنَقَلَهُ إلَى هَذِهِ الْأَمَاكِنِ وَهَلَكَ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ وَالتَّعَدِّي فِي التَّسْبِيبِ فِيهِ مَوْجُودٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُكَاتَبَ فِي يَدِ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَإِنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ وِلَايَةُ تَزْوِيجِهِ فَكَانَ كَالْحُرِّ الْكَبِيرِ، وَالْحَرُّ الْكَبِيرُ فِي يَدِ نَفْسِهِ، فَكَذَا الْمُكَاتَبُ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا. فَإِنْ قِيلَ مَا حُكْمُ الْحُرِّ الْكَبِيرِ إذَا نُقِلَ إلَى هَذِهِ الْأَمَاكِنِ تَعَدِّيًا فَأَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ حُكْمَهُ أَنْ يُنْظَرَ إنْ كَانَ النَّاقِلُ قَيَّدَهُ وَلَمْ يُمْكِنْ التَّحَرُّزُ عَنْهُ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ عَجَزَ عَنْ حِفْظِ نَفْسِهِ بِمَا صَنَعَ فِيهِ، فَيَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ حِفْظِ نَفْسِهِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْبَالِغَ الْعَاقِلَ إذَا لَمْ يَحْفَظْ نَفْسَهُ بِمَا صَنَعَ فِيهِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ، وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ حِفْظِ نَفْسِهِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْبَالِغَ الْعَاقِلَ إذَا لَمْ يَحْفَظْ نَفْسَهُ مَعَ إمْكَانِهِ كَانَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَى تَقْصِيرِهِ لَا إلَى الْغَاصِبِ فَلَا يَضْمَنُ فَكَانَ حُكْمُ الْحُرِّ الصَّغِيرِ حُكْمَ الْحُرِّ الْكَبِيرِ الْمُقَيَّدِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ حِفْظُ نَفْسِهِ. . قَالَ (وَإِذَا أَوْدَعَ صَبِيٌّ عَبْدًا فَقَتَلَهُ) كَلَامُهُ ظَاهِرٌ. وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَمَنْ أَوْدَعَ عِنْدَ صَبِيٍّ مَالًا فَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ الصَّبِيُّ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ قَبِلَ الْوَدِيعَةَ بِأَمْرِ وَلِيِّهِ ضَمِنَ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ قَبِلَ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْإِدْرَاكِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَضْمَنُ فِي الْحَالِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَهْلَكَ مَالَ الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ وَدِيعَةً ضَمِنَ فِي الْحَالِ وَهُوَ تَفْسِيرٌ حَسَنٌ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْعَاقِلِ يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ) يُسَاعِدُهُ فِيهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَيْثُ ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَكَذَا، وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ مِنْ شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِصَدْرِ الْإِسْلَامِ وَقَاضِي خَانْ وَالتُّمُرْتَاشِيِّ فَالْحُكْمُ عَلَى خِلَافِ هَذَا حَيْثُ قَالُوا فِيهَا: هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ عَاقِلًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَاقِلًا فَلَا يَضْمَنُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا. وَقَوْلُهُ (وَكَمَا إذَا أَتْلَفَهُ غَيْرُ الصَّبِيِّ فِي يَدِ الصَّبِيِّ الْمُودَعِ)

[باب القسامة]

فِي يَدٍ مَانِعَةٍ فَلَا يَبْقَى مُسْتَحِقًّا لِلنَّظَرِ إلَّا إذَا أَقَامَ غَيْرَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي الْحِفْظِ، وَلَا إقَامَةَ هَاهُنَا لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ عَلَى الصَّبِيِّ وَلَا لِلصَّبِيِّ عَلَى نَفْسِهِ، بِخِلَافِ الْبَالِغِ وَالْمَأْذُونِ لَهُ لِأَنَّ لَهُمَا وِلَايَةٌ عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَبْدًا لِأَنَّ عِصْمَتَهُ لِحَقِّهِ إذْ هُوَ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الدَّمِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَتْلَفَهُ غَيْرُ الصَّبِيِّ فِي يَدِ الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ سَقَطَتْ الْعِصْمَةُ بِالْإِضَافَةِ إلَى الصَّبِيِّ الَّذِي وَضَعَ فِي يَدِهِ الْمَالَ دُونَ غَيْرِهِ. قَالَ (وَإِنْ اسْتَهْلَكَ مَالًا ضَمِنَ) يُرِيدُ بِهِ مِنْ غَيْرِ إيدَاعٍ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ يُؤَاخَذُ بِأَفْعَالِهِ، وَصِحَّةُ الْقَصْدِ لَا مُعْتَبَرَ بِهَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (بَابُ الْقَسَامَةِ) قَالَ (وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي مَحَلَّةٍ وَلَا يُعْلَمُ مَنْ قَتَلَهُ اُسْتُحْلِفَ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْهُمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي أَنَّهُ يَضْمَنُ الْمُتْلِفُ، وَلَوْ كَانَ التَّسْلِيطُ عَلَى الِاسْتِهْلَاكِ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ الْمُودَعِ لَثَبَتَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَالَ الَّذِي سُلِّطَ عَلَى اسْتِهْلَاكِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ الْمُبَاحِ فَكُلُّ مَنْ أَتْلَفَهُ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَمَعْنَى التَّسْلِيطِ تَحْوِيلُ يَدِهِ فِي الْمَالِ إلَيْهِ، وَقَوْلُهُ (فِي يَدٍ مَانِعَةٍ) أَيْ مِنْ الْإِيدَاعِ، وَالْإِعَارَةِ: يَعْنِي أَنَّ الْمُودَعَ وَضَعَ الْمَالَ فِي يَدٍ مَانِعَةٍ عَنْ الْإِيدَاعِ، وَمَنْ فَعَلَ كَذَلِكَ لَا يَسْتَحِقُّ النَّظَرَ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ مَالَهُ فِي يَدٍ تَمْنَعُ يَدَ غَيْرِهِ عَلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ، إلَّا إذَا كَانَ وَضَعَهُ فِيهَا بِإِقَامَةِ غَيْرِهِ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي الْحِفْظِ، وَلَمْ تُوجَدْ الْإِقَامَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الصَّبِيِّ وَلَا لِلصَّبِيِّ عَلَى نَفْسِهِ فَكَانَ تَضْيِيعًا مِنْ جِهَتِهِ، وَفِي قَوْلِهِ (؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الصَّبِيِّ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ غَيْرِهِ مَقَامَ نَفْسِهِ لَا يَسْتَدْعِي ثُبُوتَ وِلَايَةِ الْقَيِّمِ عَلَى الْمُقَامِ مَقَامَ نَفْسِهِ، وَإِلَّا لَانْسَدَّ بَابُ الْوَدِيعَةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ جَوَابًا عَمَّا يُقَالُ: لَوْ كَانَ الْإِيدَاعُ مِنْ الصَّبِيِّ تَسْلِيطًا لَهُ عَلَى الْإِتْلَافِ لَضَمِنَ الْأَبُ مَالَ الْوَدِيعَةِ بِتَسْلِيمِهِ ابْنَهُ الصَّغِيرَ لِيَحْفَظَهَا؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ إلَيْهِ تَضْيِيعٌ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ وَالْمُودَعُ يَضْمَنُ بِالتَّضْيِيعِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: إقَامَةُ غَيْرِهِ مَقَامَ نَفْسِهِ تَسْتَلْزِمُ إمَّا وِلَايَةَ الْمُقِيمِ عَلَى مَنْ آقَامَهُ مَقَامَهُ كَمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَوْ وِلَايَةُ الْمُقَامِ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا فِي سَائِرِ صُوَرِ الْوَدَائِعِ، وَلَوْ يُوجَدُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي إيدَاعِ الصَّبِيِّ الْأَجْنَبِيَّ. وَقَوْلُهُ (؛ لِأَنَّ عِصْمَتَهُ لِحَقِّهِ) أَيْ لِحَقِّ الْعَبْدِ يَعْنِي لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَالِكَ يَعْصِمُهُ؛ لِأَنَّ عِصْمَةَ الْمَالِكِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ فِيمَا لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِهْلَاكِ حَتَّى يُمَكِّنَ غَيْرَهُ مِنْ الِاسْتِهْلَاكِ بِالتَّسْلِيطِ، وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى وِلَايَةُ اسْتِهْلَاكِ عَبْدِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَمْكِينُ غَيْرِهِ مِنْ الِاسْتِهْلَاكِ، فَلَمَّا لَمْ يُوجَدْ التَّسْلِيطُ مِنْهُ يَضْمَنُ الْمُسْتَهْلِكُ سَوَاءٌ كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا، بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَمْوَالِ فَإِنَّ لِلْمَالِكِ أَنْ يَسْتَهْلِكَهَا فَيَجُوزُ تَمْكِينُ غَيْرِهِ مِنْ اسْتِهْلَاكِهِمَا بِالتَّسْلِيطِ. وَنُوقِضَ بِمَا إذَا أَوْدَعَ الصَّبِيُّ شَاةً فَخَنَقَهَا فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ وَرَبُّ الشَّاةِ مَا كَانَ يَمْلِكُ ذَلِكَ بِحُكْمِ مِلْكِهِ يُوجَدُ التَّسْلِيطُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ إتْلَافَهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ أَجْنَبِيًّا وَالشَّاةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَمْلِكْ خَنْقَهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَضْيِيعٌ فَكَانَ كَالتَّسْبِيبِ. وَقَوْلُهُ (؛ لِأَنَّهُ سَقَطَتْ الْعِصْمَةُ بِالْإِضَافَةِ إلَى الصَّبِيِّ الَّذِي وَقَعَ فِي يَدِهِ الْمَالُ دُونَ غَيْرِهِ) يَعْنِي أَنَّ الْمَالِكَ بِالْإِيدَاعِ عِنْدَ الصَّبِيِّ إنَّمَا أَسْقَطَ عِصْمَةَ مَالِهِ عَنْ الصَّبِيِّ لَا عَنْ غَيْرِهِ وَمَالُهُ مَعْصُومٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ كَمَا كَانَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الْقَسَامَةِ] (بَابُ الْقَسَامَةِ) لَمَّا كَانَ أَمْرُ الْقَتِيلِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ يَئُولُ إلَى الْقَسَامَةِ ذَكَرَهَا فِي آخِرِ الدِّيَاتِ فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ. وَهِيَ فِي اللُّغَةِ: اسْمٌ وُضِعَ

يَتَخَيَّرُهُمْ الْوَلِيُّ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا كَانَ هُنَاكَ لَوْثٌ اسْتَحْلَفَ الْأَوْلِيَاءُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيَقْضِي لَهُمْ بِالدِّيَةِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَمْدًا كَانَتْ الدَّعْوَى أَوْ خَطَأً. وَقَالَ مَالِكٌ: يَقْضِي بِالْقَوَدِ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَالْمَوْتُ عِنْدَهُمَا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ عَلَامَةُ الْقَتْلِ عَلَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ ظَاهِرٍ يَشْهَدُ لِلْمُدَّعِي مِنْ عَدَاوَةٍ ظَاهِرَةٍ أَوْ شَهَادَةِ عَدْلٍ أَوْ جَمَاعَةٍ غَيْرِ عُدُولٍ أَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ قَتَلُوهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمَوْضِعَ الْأَقْسَامِ. وَفِي الشَّرْعِ: أَيْمَانٌ يُقْسِمُ بِهَا أَهْلُ مَحَلَّةٍ أَوْ دَارٍ وُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ بِهِ أَثَرٌ. يَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْته وَلَا عَلِمْت لَهُ قَاتِلًا. وَسَبَبُهَا وُجُودُ الْقَتِيلِ فِيمَا ذَكَرْنَا، وَرُكْنُهَا إجْرَاءُ الْيَمِينِ الْمَذْكُورِ عَلَى لِسَانِهِ، وَشَرْطُهَا بُلُوغُ الْمُقْسِمِ وَعَقْلُهُ، وَحُرِّيَّتُهُ، وَوُجُودُ أَثَرِ الْقَتْلِ فِي الْمَيِّتِ، وَتَكْمِيلُ الْيَمِينِ خَمْسِينَ. وَحُكْمُهَا الْقَضَاءُ بِوُجُوبِ الدِّيَةِ: إنْ حَلَفُوا وَالْحَبْسُ إلَى الْحَلِفِ إنْ أَبَوْا إنْ ادَّعَى الْوَلِيُّ الْعَمْدَ، وَبِالدِّيَةِ عِنْدَ النُّكُولِ إنْ ادَّعَى الْخَطَأَ، وَمَحَاسِنُهَا تَعْظِيمُ خَطَرِ الدِّمَاءِ، وَصِيَانَتُهَا عَنْ الْإِهْدَارِ، وَخَلَاصُ الْمُتَّهَمِ بِالْقَتْلِ عَنْ الْقِصَاصِ وَدَلِيلُ شَرْعِيَّتِهَا الْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ عَلَى مَا سَيَأْتِي. وَقَوْلُهُ (يَتَخَيَّرُهُمْ الْوَلِيُّ) أَيْ: يَخْتَارُ مِنْ الْقَوْمِ مَنْ يُحَلِّفُهُمْ. وَقَوْلُهُ (بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ) عَلَى طَرِيقِ الْحِكَايَةِ عَنْ الْجَمِيعِ، وَأَمَّا عِنْدَ الْحَلِفِ فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْت وَلَا يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَا لِجَوَازِ أَنَّهُ

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ فَمَذْهَبُهُ مِثْلُ مَذْهَبِنَا، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُكَرِّرُ الْيَمِينَ بَلْ يَرُدُّهَا عَلَى الْوَلِيِّ، فَإِنْ حَلَفُوا لَا دِيَةَ عَلَيْهِمْ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْبَدَاءِ بِيَمِينِ الْوَلِيِّ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْأَوْلِيَاءِ «فَيُقْسِمُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ» وَلِأَنَّ الْيَمِينَ تَجِبُ عَلَى مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ وَلِهَذَا تَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ، فَإِذَا كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلْوَلِيِّ يَبْدَأُ بِيَمِينِهِ وَرَدُّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي أَصْلٌ لَهُ كَمَا فِي النُّكُولِ، غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ دَلَالَةٌ فِيهَا نَوْعُ شُبْهَةٍ وَالْقِصَاصُ لَا يُجَامِعُهَا وَالْمَالُ يَجِبُ مَعَهَا فَلِهَذَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَفِي رِوَايَةٍ «عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَدَأَ بِالْيَهُودِ بِالْقَسَامَةِ وَجَعَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَاشَرَ الْقَتْلَ بِنَفْسِهِ فَيَجْتَرِئُ عَلَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَا. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ فَمَذْهَبُهُ) أَيْ: مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كَمَذْهَبِنَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُكَرِّرُ الْيَمِينَ) وَقَوْلُهُ (؛ وَلِأَنَّ الْيَمِينَ تَجِبُ عَلَى مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ) يَعْنِي كَمَا فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى؛ فَإِنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ، فَأَمَّا فِي الْقَسَامَةِ فَالظَّاهِرُ يَشْهَدُ لِلْمُدَّعِي عِنْدَ قِيَامِ اللَّوَثِ فَتَكُونُ الْيَمِينُ حُجَّةً لَهُ، وَبَقِيَّةُ

الدِّيَةَ عَلَيْهِمْ لِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ» وَلِأَنَّ الْيَمِينَ حُجَّةٌ لِلدَّفْعِ دُونَ الِاسْتِحْقَاقِ وَحَاجَةُ الْوَلِيِّ إلَى الِاسْتِحْقَاقِ وَلِهَذَا لَا يَسْتَحِقُّ بِيَمِينِهِ الْمَالَ الْمُبْتَذَلَ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ بِهِ النَّفْسَ الْمُحْتَرَمَةَ. وَقَوْلُهُ يَتَخَيَّرُهُمْ الْوَلِيُّ إشَارَةً إلَى أَنَّ خِيَارَ تَعْيِينِ الْخَمْسِينَ إلَى الْوَلِيِّ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَخْتَارُ مِنْ يَتَّهِمُهُ بِالْقَتْلِ أَوْ يَخْتَارُ صَالِحِي أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لِمَا أَنَّ تَحَرُّزَهُمْ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ أَبْلَغُ التَّحَرُّزِ فَيَظْهَرُ الْقَاتِلُ، وَفَائِدَةُ الْيَمِينِ النُّكُولُ، فَإِنْ كَانُوا لَا يُبَاشِرُونَ وَيَعْلَمُونَ يُفِيدُ يَمِينَ الصَّالِحِ عَلَى الْعِلْمِ بِأَبْلَغَ مِمَّا يُفِيدُ يَمِينُ الطَّالِحِ، وَلَوْ اخْتَارُوا أَعْمَى أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ جَازَ لِأَنَّهُ يَمِينٌ وَلَيْسَ بِشَهَادَةٍ. قَالَ (وَإِذَا حَلَفُوا قَضَى عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِالدِّيَةِ وَلَا يُسْتَحْلَفُ الْوَلِيُّ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَجِبُ الدِّيَةُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «تُبَرِّئُكُمْ الْيَهُودُ بِأَيْمَانِهَا» وَلِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَلَامِهِ وَاضِحٌ، وَقَوْلُهُ (؛ لِأَنَّهُ يَمِينٌ وَلَيْسَ بِشَهَادَةٍ) يُحْتَرَزُ عَنْ اللِّعَانِ حَيْثُ لَا يَجْرِي اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا لِمَا أَنَّ اللِّعَانَ شَهَادَةٌ وَالْأَعْمَى وَالْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ أَدَائِهَا. قَوْلُهُ (وَإِذَا حَلَفُوا قُضِيَ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ) أَيْ عَلَى عَاقِلَةِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ (بِالدِّيَةِ) فِي ثَلَاثِ سِنِينَ. وَقَوْلُهُ «تُبَرِّئُكُمْ الْيَهُودُ بِأَيْمَانِهِمْ» قِصَّتُهُ «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَهْلٍ وَحُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ خَرَجُوا فِي التِّجَارَةِ إلَى خَيْبَرَ وَتَفَرَّقُوا لِحَوَائِجِهِمْ؛ فَوَجَدُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ قَتِيلًا فِي قَلِيبٍ مِنْ خَيْبَرَ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ، فَجَاءُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُخْبِرُوهُ، فَأَرَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَهُوَ أَخُو الْقَتِيلِ أَنْ يَتَكَلَّمَ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْكُبْرُ الْكُبْرُ، فَتَكَلَّمَ أَحَدُ عَمَّيْهِ

الْيَمِينَ عُهِدَ فِي الشَّرْعِ مُبَرِّئًا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا مُلْزِمًا كَمَا فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى. وَلَنَا أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَمَعَ بَيْنَ الدِّيَةِ وَالْقَسَامَةِ فِي حَدِيثِ ابْنِ سَهْلٍ وَفِي حَدِيثِ زِيَادِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَكَذَا جَمَعَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَيْنَهُمَا عَلَى وَادِعَةَ. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تُبَرِّئُكُمْ الْيَهُودُ» مَحْمُولٌ عَلَى الْإِبْرَاءِ عَنْ الْقِصَاصِ وَالْحَبْسِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQحُوَيِّصَةُ أَوْ مُحَيِّصَةُ وَهُوَ الْأَكْبَرُ مِنْهُمَا وَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، قَالَ: وَمَنْ قَتَلَهُ؟ قَالُوا: وَمَنْ يَقْتُلُهُ سِوَى الْيَهُودِ؟ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: تُبَرِّئُكُمْ الْيَهُودُ بِأَيْمَانِهَا، فَقَالُوا: لَا نَرْضَى بِأَيْمَانِ قَوْمٍ كُفَّارٍ لَا يُبَالُونَ مَا حَلَفُوا عَلَيْهِ. فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ؟ فَقَالُوا: كَيْفَ نَحْلِفُ عَلَى أَمْرٍ لَمْ نُعَايِنْ وَلَمْ نُشَاهِدْ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُبْطِلَ دَمَهُ،

وَكَذَا الْيَمِينُ مُبَرِّئَةٌ عَمَّا وَجَبَ لَهُ الْيَمِينُ وَالْقَسَامَةُ مَا شُرِعَتْ لِتَجِبَ الدِّيَةُ إذَا نَكَلُوا، بَلْ شُرِعَتْ لِيَظْهَرَ الْقِصَاصُ بِتَحَرُّزِهِمْ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ فَيُقِرُّوا بِالْقَتْلِ، فَإِذَا حَلَفُوا حَصَلَتْ الْبَرَاءَةُ عَنْ الْقِصَاصِ. ثُمَّ الدِّيَةُ تَجِبُ بِالْقَتْلِ الْمَوْجُودِ مِنْهُمْ ظَاهِرًا لِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ لَا بِنُكُولِهِمْ، أَوْ وَجَبَتْ بِتَقْصِيرِهِمْ فِي الْمُحَافَظَةِ كَمَا فِي الْقَتْلِ الْخَطَإِ (وَمَنْ أَبَى مِنْهُمْ الْيَمِينَ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ) لِأَنَّ الْيَمِينَ فِيهِ مُسْتَحَقَّةٌ لِذَاتِهَا تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الدَّمِ وَلِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدِّيَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَوَدَاهُ بِمِائَةٍ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ» وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تُبَرِّئُكُمْ الْيَهُودُ بِأَيْمَانِهَا» عَلَى أَنَّهُ لَا دِيَةَ بَعْدُ

بِخِلَافِ النُّكُولِ فِي الْأَمْوَالِ لِأَنَّ الْيَمِينَ بَدَلٌ عَنْ أَصْلِ حَقِّهِ وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِبَذْلِ الْمُدَّعِي وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَا يَسْقُطُ بِبَذْلِ الدِّيَةِ، هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا ادَّعَى الْوَلِيُّ الْقَتْلَ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ، وَكَذَا إذَا ادَّعَى عَلَى الْبَعْضِ لَا بِأَعْيَانِهِمْ وَالدَّعْوَى فِي الْعَمْدِ أَوْ الْخَطَإِ لِأَنَّهُمْ لَا يَتَمَيَّزُونَ عَنْ الْبَاقِي، وَلَوْ ادَّعَى عَلَى الْبَعْضِ بِأَعْيَانِهِمْ أَنَّهُ قَتَلَ وَلِيَّهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ، يَدُلُّ عَلَيْهِ إطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي الْكِتَابِ، وَهَكَذَا الْجَوَابُ فِي الْمَبْسُوطِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأَصْلِ أَنَّ فِي الْقِيَاسِ تَسْقُطُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَنْ الْبَاقِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ، وَيُقَالُ لِلْوَلِيِّ أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ فَإِنْ قَالَ لَا يُسْتَحْلَفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَمِينًا وَاحِدَةً. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَاهُ لِاحْتِمَالِ وُجُودِ الْقَتْلِ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا عُرِفَ بِالنَّصِّ فِيمَا إذَا كَانَ فِي مَكَان يُنْسَبُ إلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي الْقَتْلَ عَلَيْهِمْ، وَفِيمَا وَرَاءَهُ بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ وَصَارَ كَمَا إذَا ادَّعَى الْقَتْلَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِلَّا لَمَا كَانَ ثَمَّةَ بَرَاءَةٌ. وَوَادِعَةُ قَبِيلَةٌ مِنْ هَمْدَانَ. وَقَوْلُهُ (يَدُلُّ عَلَيْهِ إطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي الْكِتَابِ) أَيْ فِي كِتَابِ الْقُدُورِيِّ، أَشَارَ بِهِ إلَى مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي مَحَلَّةٍ لَا يُعْلَمُ مَنْ قَتَلَهُ اُسْتُحْلِفَ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْهُمْ إلَخْ (وَهَكَذَا الْجَوَابُ فِي الْمَبْسُوطِ)

وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لِأَنَّهُ لَا فَصْلَ فِي إطْلَاقِ النُّصُوصِ بَيْنَ دَعْوَى وَدَعْوَى فَنُوجِبُهُ بِالنَّصِّ لَا بِالْقِيَاسِ، بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِهِمْ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ، فَلَوْ أَوْجَبْنَاهُمَا لَأَوْجَبْنَاهُمَا بِالْقِيَاسِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، ثُمَّ حُكْمُ ذَلِكَ أَنْ يُثْبِتَ مَا ادَّعَاهُ إذَا كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ اسْتَحْلَفَهُ يَمِينًا وَاحِدَةً لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَسَامَةٍ لِانْعِدَامِ النَّصِّ وَامْتِنَاعِ الْقِيَاسِ. ثُمَّ إنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ وَالدَّعْوَى فِي الْمَالِ ثَبَتَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْقِصَاصِ فَهُوَ عَلَى اخْتِلَافٍ مَضَى فِي كِتَابِ الدَّعْوَى. قَالَ (وَإِنْ لَمْ يُكْمِلْ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ كُرِّرَتْ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَتِمَّ خَمْسِينَ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا قَضَى فِي الْقَسَامَةِ وَافَى إلَيْهِ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا فَكَرَّرَ الْيَمِينَ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ حَتَّى تَمَّتْ خَمْسِينَ ثُمَّ قَضَى بِالدِّيَةِ. وَعَنْ شُرَيْحٍ وَالنَّخَعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْخَمْسِينَ وَاجِبٌ بِالسُّنَّةِ فَيَجِبُ إتْمَامُهَا مَا أَمْكَنَ، وَلَا يُطْلَبُ فِيهِ الْوُقُوفُ عَلَى الْفَائِدَةِ لِثُبُوتِهَا بِالسُّنَّةِ، ثُمَّ فِيهِ اسْتِعْظَامُ أَمْرِ الدَّمِ، فَإِنْ كَانَ الْعَدَدُ كَامِلًا فَأَرَادَ الْوَلِيُّ أَنْ يُكَرِّرَ عَلَى أَحَدِهِمْ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى التَّكْرَارِ ضَرُورَةُ الْإِكْمَالِ. قَالَ (وَلَا قَسَامَةَ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ) لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْقَوْلِ الصَّحِيحِ وَالْيَمِينُ قَوْلٌ صَحِيحٌ. قَالَ (وَلَا امْرَأَةٍ وَلَا عَبْدٍ) لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ وَالْيَمِينُ عَلَى أَهْلِهَا. قَالَ (وَإِنْ وُجِدَ مَيِّتًا لَا أَثَرَ بِهِ فَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَتِيلٍ، إذْ الْقَتِيلُ فِي الْعُرْفِ مَنْ فَاتَتْ حَيَاتُهُ بِسَبَبٍ يُبَاشِرُهُ حَيٌّ وَهَذَا مَيِّتٌ حَتْفَ أَنْفِهِ، وَالْغَرَامَةُ تَتْبَعُ فِعْلَ الْعَبْدِ وَالْقَسَامَةُ تَتْبَعُ احْتِمَالَ الْقَتْلِ ثُمَّ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْقَسَمُ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِهِ أَثَرٌ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى كَوْنِهِ قَتِيلًا، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ بِهِ جِرَاحَةٌ أَوْ أَثَرُ ضَرْبٍ أَوْ خَنْقٍ، وَكَذَا إذَا كَانَ خَرَجَ الدَّمُ مِنْ عَيْنِهِ أَوْ أُذُنِهِ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا إلَّا بِفِعْلٍ مِنْ جِهَةِ الْحَيِّ عَادَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ مِنْ فِيهِ أَوْ دُبُرِهِ أَوْ ذَكَرِهِ لِأَنَّ الدَّمَ يَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الْمَخَارِجِ عَادَةً بِغَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الشَّهِيدِ. (وَلَوْ وُجِدَ بَدَنُ الْقَتِيلِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الْبَدَنِ أَوْ النِّصْفُ وَمَعَهُ الرَّأْسُ فِي مَحَلَّةٍ فَعَلَى أَهْلِهَا الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ، وَإِنْ وُجِدَ نِصْفُهُ مَشْقُوقًا ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي أَوْجَبَ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ فِيمَا إذَا كَانَ الدَّعْوَى عَلَى الْبَعْضِ بِعَيْنِهِ. وَقَوْلُهُ (عَلَى اخْتِلَافٍ مَضَى فِي كِتَابِ الدَّعْوَى) بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ حَيْثُ قَالَ: وَمَنْ ادَّعَى قِصَاصًا عَلَى غَيْرِهِ فَجَحَدَ اُسْتُحْلِفَ بِالْإِجْمَاعِ إلَخْ. قَالَ (وَإِنْ لَمْ يُكْمِلْ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ خَمْسِينَ) وَافَى إلَيْهِ: أَيْ أَتَى إلَيْهِ، وَأَهْلُ اللُّغَةِ يَقُولُونَ وَافَاهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَنْفَ وَحُكْمُهُ حُكْمُ دُبُرِهِ وَذَكَرَهُ وَذَكَرَ الْفَمَ مُطْلَقًا، وَقَدْ قِيلَ: إذَا

بِالطُّولِ أَوْ وُجِدَ أَقَلُّ مِنْ النِّصْفِ وَمَعَهُ الرَّأْسُ أَوْ وُجِدَ يَدُهُ أَوْ رِجْلُهُ أَوْ رَأْسُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ) لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ وَقَدْ وَرَدَ بِهِ فِي الْبَدَنِ، إلَّا أَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ تَعْظِيمًا لِلْآدَمِيِّ، بِخِلَافِ الْأَقَلِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَدَنٍ وَلَا مُلْحَقٍ بِهِ فَلَا تَجْرِي فِيهِ الْقَسَامَةُ، وَلِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَاهُ تَتَكَرَّرُ الْقَسَامَتَانِ وَالدِّيَتَانِ بِمُقَابَلَةِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَلَا تَتَوَالَيَانِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQصَعِدَ مِنْ جَوْفِهِ إلَى فِيهِ، وَأَمَّا إذَا نَزَلَ مِنْ رَأْسِهِ إلَى فِيهِ فَلَيْسَ يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى الْقَتْلِ، ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَاهُ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْقَسَامَتَانِ وَالدِّيَتَانِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يَتَكَرَّرُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ بِالْأَقَلِّ وَجَبَ بِالْأَكْثَرِ إذَا وُجِدَ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَجَبَ بِالنِّصْفِ لَوَجَبَ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ فَتَتَكَرَّرُ الْقَسَامَتَانِ وَالدِّيَتَانِ بِمُقَابَلَةِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ الْقَسَامَةُ إذَا وُجِدَ الرَّأْسُ؛ لِأَنَّهُ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْحَقِيقَةُ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَتْ بِهِ لَوَجَبَتْ بِالْبَدَنِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَلَزِمَ التَّكْرَارُ. وَقِيلَ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ تَتَكَرَّرُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ بِلَفْظِ الْمُفْرَدِ دُونَ التَّثْنِيَةِ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ ثُبُوتُ الْقَسَامَةِ مُكَرَّرًا وَثُبُوتُ الدِّيَةِ مُكَرَّرًا. وَعِبَارَةُ التَّثْنِيَةِ تَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُون أَكْثَرَ مِنْ الْقَسَامَتَيْنِ

وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْمَوْجُودَ الْأَوَّلَ إنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ وُجِدَ الْبَاقِي تَجْرِي فِيهِ الْقَسَامَةُ لَا تَجِبُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ وُجِدَ الْبَاقِي لَا تَجْرِي فِيهِ الْقَسَامَةُ تَجِبُ، وَالْمَعْنَى مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ، وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ فِي هَذَا تَنْسَحِبُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ لِأَنَّهَا لَا تَتَكَرَّرُ. (وَلَوْ وُجِدَ فِيهِمْ جَنِينٌ أَوْ سِقْطٌ لَيْسَ بِهِ أَثَرُ الضَّرْبِ فَلَا شَيْءَ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ) لِأَنَّهُ لَا يَفُوقُ الْكَبِيرُ حَالًّا (وَإِنْ كَانَ بِهِ أَثَرُ الضَّرْبِ وَهُوَ تَامُّ الْخَلْقِ وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ تَامَّ الْخَلْقِ يَنْفَصِلُ حَيًّا (وَإِنْ كَانَ نَاقِصَ الْخَلْقِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ) لِأَنَّهُ يَنْفَصِلُ مَيِّتًا لَا حَيًّا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالدِّيَتَيْنِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادَهُ الْقَسَامَتَانِ وَالدِّيَتَانِ عَلَى الْقِطْعَتَيْنِ يَتَكَرَّرَانِ فِي خَمْسِينَ نَفْسًا. وَقَوْلُهُ (وَالْمَعْنَى مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ) يُرِيدُ بِهِ التَّكْرَارَ الْمَذْكُورَ وَعَدَمَهُ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ تَامَّ الْخَلْقِ يَنْفَصِلُ حَيًّا) اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الظَّاهِرَ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ دُونَ الِاسْتِحْقَاقِ وَلِهَذَا قُلْنَا فِي عَيْنِ الصَّبِيِّ وَذَكَرِهِ وَلِسَانِهِ: إذَا لَمْ تُعْلَمْ صِحَّتُهُ حُكُومَةُ عَدْلٍ عِنْدَنَا وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ سَلَامَتَهَا. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ تَجِبْ فِي الْأَطْرَافِ قَبْلَ أَنْ تُعْلَمَ صِحَّتُهَا مَا يَجِبُ فِي السَّلِيمِ؛ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكُ الْأَمْوَالِ وَلَيْسَ لَهَا تَعْظِيمٌ كَتَعْظِيمِ النُّفُوسِ فَلَمْ يَجِبْ فِيهَا قَبْلَ الْعِلْمِ بِالصِّحَّةِ قِصَاصٌ أَوْ دِيَةٌ، بِخِلَافِ الْجَنِينِ فَإِنَّهُ نَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ عُضْوٌ مِنْ وَجْهٍ؛ فَإِذَا انْفَصَلَ تَامَّ الْخَلْقِ وَبِهِ أَثَرُ الضَّرْبِ وَجَبَ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ تَعْظِيمًا لِلنُّفُوسِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ قَتِيلٌ لِوُجُودِ دَلَالَةِ الْقَتْلِ وَهُوَ الْأَثَرُ إذْ الظَّاهِرُ

قَالَ (وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ عَلَى دَابَّةٍ يَسُوقُهَا رَجُلٌ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ دُونَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ) لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ فِي دَارِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ قَائِدَهَا أَوْ رَاكِبَهَا (فَإِنْ اجْتَمَعُوا فَعَلَيْهِمْ) لِأَنَّ الْقَتِيلَ فِي أَيْدِيهِمْ فَصَارَ كَمَا إذَا وُجِدَ فِي دَارِهِمْ. قَالَ (وَإِنْ مَرَّتْ دَابَّة بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ وَعَلَيْهَا قَتِيل فَهُوَ عَلَى أَقْرَبِهِمَا) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أُتِيَ بِقَتِيلٍ وُجِدَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ فَأَمَرَ أَنْ يُذْرَعَ» . وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَمَّا كُتِبَ إلَيْهِ فِي الْقَتِيلِ الَّذِي وُجِدَ بَيْنَ وَدَاعَةَ وَأَرْحَبَ كَتَبَ بِأَنْ يَقِيسَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ، فَوُجِدَ الْقَتِيلُ إلَى وَادِعَةَ أَقْرَبَ فَقَضَى عَلَيْهِمْ بِالْقَسَامَةِ. قِيلَ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَبْلُغُ أَهْلَهُ الصَّوْتُ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ فَتُمْكِنُهُمْ النُّصْرَةُ وَقَدْ قَصَّرُوا. . قَالَ (وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارِ إنْسَانٍ فَالْقَسَامَةُ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الدَّارَ فِي يَدِهِ (وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) لِأَنَّ نُصْرَتَهُ مِنْهُمْ وَقُوَّتَهُ بِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ حَالِ تَامِّ الْخَلْقِ أَنْ يَنْفَصِلَ حَيًّا، وَأَمَّا إذَا انْفَصَلَ مَيِّتًا وَلَا أَثَرَ بِهِ فَلَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ لَا يَفُوقُ حَالَ الْكَبِيرِ؛ فَإِذَا وُجِدَ الْكَبِيرُ مَيِّتًا وَلَا أَثَرَ بِهِ لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ فَكَذَا هَذَا، وَهَذَا كَمَا تَرَى مَعَ تَطْوِيلِهِ لَمْ يَرُدَّ السُّؤَالَ، وَرُبَّمَا قَوَّاهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ إذَا لَمْ يَكُنْ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ فِي الْأَمْوَالِ وَمَا يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكُهَا فَلَأَنْ لَا يَكُونَ فِيمَا هُوَ أَعْظَمُ خَطَرًا أَوْلَى. وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: الظَّاهِرُ هَاهُنَا أَيْضًا اُعْتُبِرَ دَافِعًا لِمَا عَسَى يَدَّعِي الْقَاتِلُ عَدَمَ حَيَاتِهِ. وَأَمَّا دَلِيلُ الِاسْتِحْقَاقِ فَهُوَ حَدِيثُ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَسَجْعٌ كَسَجْعِ الْكُهَّانِ، قُومُوا فَدُوهُ» قَالَ (وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ عَلَى دَابَّةٍ يَسُوقُهَا رَجُلٌ إلَخْ) إذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ عَلَى دَابَّةٍ يَسُوقُهَا رَجُلٌ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ السَّائِقِ دُونَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ سَوَاءٌ كَانَ مَالِكَهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَكَذَا إذَا كَانَ قَائِدَهَا أَوْ رَاكِبَهَا؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ فِي دَارِهِ، فَإِنْ اجْتَمَعَ الرَّاكِبُ وَالسَّائِقُ وَالْقَائِدُ فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الْقَتِيلَ فِي أَيْدِيهِمْ فَصَارَ كَمَا إذَا وُجِدَ فِي دَارِهِمْ وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَا إذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي الدَّارِ؛ فَإِنَّ الدِّيَةَ هُنَا عَلَى عَاقِلَتِهِمْ وَالْقَسَامَةُ عَلَيْهِمْ سَوَاءٌ كَانُوا مُلَّاكًا أَوْ لَمْ يَكُونُوا وَهُنَاكَ عَلَى الْمَالِكِ لَا عَلَى السُّكَّانِ. وَأُجِيبَ أَوَّلًا بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الدِّيَةَ لَا تَجِبُ عَلَى مَالِكِ الدَّابَّةِ بَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلدَّابَّةِ مَالِكٌ مَعْرُوفٌ وَإِنَّمَا يُعْرَفْ ذَلِكَ بِقَوْلِ الْقَائِدِ أَوْ السَّائِقِ أَوْ الرَّاكِبِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لَهَا مَالِكٌ مَعْرُوفٌ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ، وَثَانِيًا وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ إطْلَاقِ جَوَابِ الْكِتَابِ أَنَّ الْقَسَامَةَ تَجِبُ عَلَى الَّذِي فِي يَدِهِ الدَّابَّةُ، وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ سَوَاءٌ كَانَ لِلدَّابَّةِ مَالِكٌ مَعْرُوفٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي هَذَا الْبَابِ لِلرَّأْيِ، وَالتَّصَرُّفِ، وَالتَّدْبِيرِ، وَذَلِكَ فِي الدَّارِ لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ لَا تَنْقَطِعُ عَنْهَا بِالْإِجَارَةِ، وَأَمَّا فِي الدَّابَّةِ فَالتَّصَرُّفُ، وَالرَّأْيُ، وَالتَّدْبِيرُ إلَى مَنْ بِيَدِهِ الدَّابَّةُ لِزَوَالِ يَدِ الْمَالِكِ عَنْهَا بِالْإِجَارَةِ وَبِالِانْفِلَاتِ فَتَكُونُ الْقَسَامَةُ عَلَى الَّذِي فِي يَدِهِ الدَّابَّةُ. وَقَوْلُهُ (وَدَاعَةَ وَأَرْحَبَ) هُمَا قَبِيلَتَانِ مِنْ هَمْدَانَ وَمَا بَعْدَهُ ظَاهِرٌ.

قَالَ (وَلَا تَدْخُلُ السُّكَّانُ فِي الْقَسَامَةِ مَعَ الْمُلَّاكِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا) لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّدْبِيرِ كَمَا تَكُونُ بِالْمِلْكِ تَكُونُ بِالسُّكْنَى أَلَا تَرَى «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَعَلَ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ عَلَى الْيَهُودِ وَإِنْ كَانُوا سُكَّانًا بِخَيْبَرَ» . وَلَهُمَا أَنَّ الْمَالِكَ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِنُصْرَةِ الْبُقْعَةِ دُونَ السُّكَّانِ لِأَنَّ سُكْنَى الْمُلَّاكِ أَلْزَمُ وَقَرَارَهُمْ أَدْوَمُ فَكَانَتْ وِلَايَةُ التَّدْبِيرِ إلَيْهِمْ فَيَتَحَقَّقُ التَّقْصِيرُ مِنْهُمْ. وَأَمَّا أَهْلُ خَيْبَرَ فَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَقَرَّهُمْ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ فَكَانَ يَأْخُذُ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الْخَرَاجِ. قَالَ (وَهِيَ عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ دُونَ الْمُشْتَرِينَ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْكُلُّ مُشْتَرِكُونَ لِأَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا يَجِبُ بِتَرْكِ الْحِفْظِ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ يُجْعَلُ جَانِبًا مُقَصِّرًا، وَالْوِلَايَةُ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ وَقَدْ اسْتَوَوْا فِيهِ. وَلَهُمَا أَنَّ صَاحِبَ الْخُطَّةِ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِنُصْرَةِ الْبُقْعَةِ هُوَ الْمُتَعَارَفُ، وَلِأَنَّهُ أَصِيلٌ وَالْمُشْتَرِي دَخِيلٌ وَوِلَايَةُ التَّدْبِيرِ إلَى الْأَصِيلِ، وَقِيلَ: أَبُو حَنِيفَةَ بَنَى ذَلِكَ عَلَى مَا شَاهَدَ بِالْكُوفَةِ. قَالَ (وَإِنْ بَقِيَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَكَذَلِكَ) يَعْنِي مِنْ أَهْلِ الْخُطَّةِ لِمَا بَيَّنَّا (وَإِنْ لَمْ يَبْقَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِأَنْ بَاعُوا كُلُّهُمْ فَهُوَ عَلَى الْمُشْتَرِينَ) لِأَنَّ الْوِلَايَةَ انْتَقَلَتْ إلَيْهِمْ أَوْ خَلَصَتْ لَهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلَا تَدْخُلُ السُّكَّانُ فِي الْقَسَامَةِ مَعَ الْمُلَّاكِ) يُشِيرُ إلَى اخْتِلَاطِ السُّكَّانِ بِالْمُلَّاكِ. وَقَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ مُحَمَّدًا لَيْسَ فِي هَذَا الْقَوْلِ بِأَصِيلٍ؛ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْأَسْرَارِ بَعْدَمَا ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ هَذَا الِاخْتِلَافَ فَقَالَ: وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ. (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ) يَعْنِي آخِرًا وَكَانَ قَوْلُهُ أَوَّلًا كَقَوْلِهِمَا وَمَا بَعْدَهُ ظَاهِرٌ، وَقَوْلُهُ (وَهُوَ عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ دُونَ الْمُشْتَرِينَ) الْخُطَّةُ: الْمَكَانُ الْمُخْتَطُّ لِبِنَاءِ دَارٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْعِمَارَاتِ، وَمَعْنَاهُ عَلَى أَصْحَابِ الْأَمْلَاكِ الْقَدِيمَةِ الَّذِينَ كَانُوا يَمْلِكُونَهَا حِينَ فَتَحَ الْإِمَامُ الْبَلْدَةَ وَقَسَّمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ فَإِنَّهُ يَخْتَطُّ خُطَّةً لِتَتَمَيَّزَ أَنْصِبَاؤُهُمْ، وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الْمَذْكُورِ وَهُوَ وُجُوبُ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ: أَيْ الْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ، وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ، وَقَوْلُهُ (وَقِيلَ إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَنَى ذَلِكَ عَلَى مَا شَاهَدَ بِالْكُوفَةِ) يَعْنِي مِنْ أَصْحَابِ الْخُطَّةِ فِي كُلِّ مَحَلَّةٍ هُمْ الَّذِينَ يَقُومُونَ بِتَدْبِيرِ الْمَحَلَّةِ، وَلَا يُشَارِكُهُمْ الْمُشْتَرُونَ فِي ذَلِكَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ تَلْوِيحٌ إلَى الْجَوَابِ عَمَّا يُقَالُ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَحَلَّةِ وَالدَّارِ، فَإِنَّهُ لَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي دَارٍ بَيْنَ مُشْتَرٍ وَذِي خُطَّةٍ فَإِنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ بِالْإِجْمَاعِ، وَفِي الْمَحَلَّةِ فَرْقٌ فَأَوْجَبْنَا الْقَسَامَةَ عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ دُونَ الْمُشْتَرِينَ مَعَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَوْ انْفَرَدَ كَانَتْ الْقَسَامَةُ عَلَيْهِ، وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ فِي الْعُرْفِ أَنَّ الْمُشْتَرِينَ قَلَّمَا يُزَاحِمُونَ أَصْحَابَ الْخُطَّةِ فِي التَّدْبِيرِ وَالْقِيَامِ بِحِفْظِ الْمَحَلَّةِ، وَلَيْسَ فِي حَقِّ الدَّارِ كَذَلِكَ فَإِنَّ فِي عُمَارَةِ مَا اسْتَرَمَّ مِنْ الدَّارِ وَإِجَارَتِهَا وَإِعَارَتِهَا هُمَا مُتَسَاوِيَانِ فَكَذَلِكَ فِي الْقِيَامِ بِحِفْظِ الدَّارِ. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ إنَّ صَاحِبَ الْخُطَّةِ هُوَ الْمُخْتَصُّ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ أَصِيلٌ) وَالْمُشْتَرِي دَخِيلٌ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْوِلَايَةَ انْتَقَلَتْ إلَيْهِمْ) يَعْنِي عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَوْ خَلَصَتْ لَهُمْ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ.

لِزَوَالِ مَنْ يَتَقَدَّمُهُمْ أَوْ يُزَاحِمُهُمْ. (وَإِذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي دَارٍ فَالْقَسَامَةُ عَلَى رَبِّ الدَّارِ وَعَلَى قَوْمِهِ وَتَدْخُلُ الْعَاقِلَةُ فِي الْقَسَامَةِ إنْ كَانُوا حُضُورًا، وَإِنْ كَانُوا غُيَّبًا فَالْقَسَامَةُ عَلَى رَبِّ الدَّارِ يُكَرِّرُ عَلَيْهِ الْأَيْمَانَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا قَسَامَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الدَّارِ أَخَصُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فِيهَا كَأَهْلِ الْمَحَلَّةِ لَا يُشَارِكُهُمْ فِيهَا عَوَاقِلُهُمْ. وَلَهُمَا أَنَّ الْحُضُورَ لَزِمَتْهُمْ نُصْرَةُ الْبُقْعَةِ كَمَا تَلْزَمُ صَاحِبَ الدَّارِ فَيُشَارِكُونَهُ فِي الْقَسَامَةِ. قَالَ (وَإِنْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ نِصْفُهَا لِرَجُلٍ وَعُشْرُهَا لِرَجُلٍ وَلِآخَرَ مَا بَقِيَ فَهُوَ عَلَى رُءُوسِ الرِّجَالِ) لِأَنَّ صَاحِبَ الْقَلِيلِ يُزَاحِمُ صَاحِبَ الْكَثِيرِ فِي التَّدْبِيرِ فَكَانُوا سَوَاءً فِي الْحِفْظِ وَالتَّقْصِيرِ فَيَكُونُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ بِمَنْزِلَةِ الشُّفْعَةِ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى دَارًا وَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى وُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ فِي الْبَيْعِ خِيَارٌ لِأَحَدِهِمَا فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الَّذِي فِي يَدِهِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ خِيَارٌ فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُشْتَرِي ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (لِزَوَالِ مَنْ يَتَقَدَّمُهُمْ) يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ انْتَقَلَتْ إلَيْهِمْ، وَقَوْلُهُ (أَوْ يُزَاحِمُهُمْ) يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ أَوْ خَلَصَتْ لَهُمْ، وَقَوْلُهُ (وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارٍ) يَعْنِي إذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارٍ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبِهَا بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ. وَفِي الْقَسَامَةِ رِوَايَتَانِ: فَفِي إحْدَاهُمَا تَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ، وَفِي الْأُخْرَى عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا يُرَى مِنْ التَّدَافُعِ بَيْنَ قَوْلِهِ قَبْلَ هَذَا وَإِنْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارِ إنْسَانٍ فَالْقَسَامَةُ عَلَيْهِ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ هَاهُنَا فَالْقَسَامَةُ عَلَى رَبِّ الدَّارِ وَعَلَى قَوْمِهِ بِحَمْلِ ذَاكَ عَلَى رِوَايَةٍ وَهَذَا عَلَى أُخْرَى. وَحُكِيَ عَنْ الْكَرْخِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ كَانَ يُوَفِّقُ بَيْنَهُمَا وَيَقُولُ: الرِّوَايَةُ الَّتِي تُوجِبُهَا عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ قَوْمُهُ غُيَّبًا، وَالرِّوَايَةُ الَّتِي تُوجِبُهَا عَلَى قَوْمِهِ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا كَانُوا حُضُورًا، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا عَلَيْهِمَا جَمِيعًا إذَا كَانُوا حُضُورًا وَيُوَافِقُهُ رِوَايَةُ فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ وَمَا بَعْدَهُ ظَاهِرٌ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى دَارًا فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى وُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ إلَخْ) أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ عِنْدَ وُجُودِ الْقَتِيلِ يَتَعَلَّقُ بِوِلَايَةِ الْحِفْظِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَرْكِ الْحِفْظِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وِلَايَةُ الْحِفْظِ بِالْيَدِ وَالْمِلْكُ سَبَبُهَا، وَقَالَا: وِلَايَةُ الْحِفْظِ تُسْتَفَادُ بِالْمِلْكِ؛ فَإِذَا وُجِدَا فِي وَاحِدٍ ارْتَفَعَ الْخِلَافُ، وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا الْمِلْكُ وَلِلْآخَرِ الْيَدُ كَانَ اعْتِبَارُ الْيَدِ عِنْدَهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ الْحَقِيقِيَّةَ ثَبَتَتْ بِهَا وَعِنْدَهُمَا اعْتِبَارُ الْمِلْكِ وَعَلَى هَذَا إذَا اشْتَرَى دَارًا فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى وُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بَاتًّا أَوْ فِيهِ الْخِيَارُ؛ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَهُوَ: أَيْ الْمَذْكُورُ وَهُوَ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَعَلَى الَّذِي

وَإِنْ كَانَ فِيهِ خِيَارٌ فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الَّذِي تَصِيرُ لَهُ، لِأَنَّهُ إنَّمَا أَنْزَلَ قَاتِلًا بِاعْتِبَارِ التَّقْصِيرِ فِي الْحِفْظِ وَلَا يَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ، وَالْوِلَايَةُ تُسْتَفَادُ بِالْمِلْكِ وَلِهَذَا كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبِ الدَّارِ دُونَ الْمُودِعِ، وَالْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ الْبَاتِّ، وَفِي الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْخِيَارُ يُعْتَبَرُ قَرَارُ الْمِلْكِ كَمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ. وَلَهُ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْحِفْظِ بِالْيَدِ لَا بِالْمِلْكِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ يَقْتَدِرُ عَلَى الْحِفْظِ بِالْيَدِ دُونَ الْمِلْكِ وَلَا يَقْتَدِرُ بِالْمِلْكِ دُونَ الْيَدِ، وَفِي الْبَاتِّ الْيَدُ لِلْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَكَذَا فِيمَا فِيهِ الْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ دُونَ الْبَاتِّ، وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لَهُ فَهُوَ أَخَصُّ النَّاسِ بِهِ تَصَرُّفًا، وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَهُوَ فِي يَدِهِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ كَالْمَغْصُوبِ فَتُعْتَبَرُ يَدُهُ إذْ بِهَا يَقْدِرُ عَلَى الْحِفْظِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَصِيرُ لَهُ وَدَلِيلُهُمَا وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ وِلَايَةِ الْحِفْظِ تُسْتَفَادُ بِالْمِلْكِ (كَانَتْ الدِّيَةُ) فِي هَذَا الْمَوْضِعِ (عَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبِ الدَّارِ دُونَ الْمُودَعِ) لِعَدَمِ مِلْكِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ بُدٌّ، وَكَذَا دَلِيلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَاضِحٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَوَابَ عَنْ فَصْلِ الْوَدِيعَةِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ انْدَرَجَ فِي دَلِيلِهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ (إنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْحِفْظِ بِالْيَدِ) أَطْلَقَ الْيَدَ وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَالْكَامِلُ فِي الْيَدِ مَا كَانَ أَصَالَةً وَيَدُ الْمُودَعِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْمُسْتَعِيرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ. قِيلَ مَا الْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ الْجِنَايَةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ أَلْبَتَّةَ الْمِلْكُ فِي الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى، وَالْجَوَابُ أَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ فَكَانَتْ عَلَى الْمَالِكِ، وَالْجِنَايَةُ مُوجِبَةٌ لِلضَّمَانِ بِتَرْكِ الْحِفْظِ، وَالْحِفْظُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالْيَدِ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الدَّلِيلِ.

قَالَ (وَمَنْ كَانَ فِي يَدِهِ دَارٌ فَوُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ لَمْ تَعْقِلْهُ الْعَاقِلَةُ حَتَّى تَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّهَا لِلَّذِي فِي يَدِهِ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْمِلْكِ لِصَاحِبِ الْيَدِ حَتَّى تَعْقِلَ الْعَوَاقِلُ عَنْهُ، وَالْيَدُ وَإِنْ كَانَتْ دَلِيلًا عَلَى الْمِلْكِ لَكِنَّهَا مُحْتَمِلَةٌ فَلَا تَكْفِي لِإِيجَابِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا لَا تَكْفِي لِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ بِهِ فِي الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ. قَالَ (وَإِنْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي سَفِينَةٍ فَالْقَسَامَةُ عَلَى مَنْ فِيهَا مِنْ الرُّكَّابِ وَالْمَلَّاحِينَ) لِأَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمْ وَاللَّفْظُ يَشْمَلُ أَرْبَابَهَا حَتَّى تَجِبُ عَلَى الْأَرْبَابِ الَّذِينَ فِيهَا وَعَلَى السُّكَّانِ، وَكَذَا عَلَى مَنْ يُمِدُّهَا وَالْمَالِكُ فِي ذَلِكَ وَغَيْرُ الْمَالِكِ سَوَاءٌ، وَكَذَا الْعَجَلَةُ، وَهَذَا عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ظَاهِرٌ. وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ السَّفِينَةَ تُنْقَلُ وَتُحَوَّلُ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا الْيَدُ دُونَ الْمِلْكِ كَمَا فِي الدَّابَّةِ، بِخِلَافِ الْمَحَلَّةِ وَالدَّارِ لِأَنَّهَا لَا تُنْقَلُ. قَالَ (وَإِنْ وُجِدَ فِي مَسْجِدِ مَحَلَّةٍ فَالْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِهَا) لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِيهِ إلَيْهِمْ (وَإِنْ وُجِدَ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ أَوْ الشَّارِعِ الْأَعْظَمِ فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ وَالدِّيَةُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّهُ لِلْعَامَّةِ لَا يَخْتَصُّ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَكَذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَمَنْ كَانَ فِي يَدِهِ دَارٌ فَوُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ لَمْ تَعْقِلْهُ الْعَاقِلَةُ) يَعْنِي إذَا أَنْكَرَتْ الْعَاقِلَةُ كَوْنَ الدَّارِ لِصَاحِبِ الْيَدِ، وَقَالُوا: إنَّهَا وَدِيعَةٌ أَوْ مُسْتَعَارَةٌ أَوْ مُسْتَأْجَرَةٌ (حَتَّى تَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّهَا لِلَّذِي فِي يَدِهِ) وَلَا يَخْتَلِجَنَّ فِي وَهْمِكَ صُورَةُ تَنَاقُضٍ فِي عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِالْيَدِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْيَدِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ الْمُعْتَبَرَةَ عِنْدَهُ هِيَ الَّتِي تَكُونُ بِالْأَصَالَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْعَاقِلَةُ تُنْكِرُ ذَلِكَ، وَالْبَاقِي وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَاللَّفْظُ) أَيْ لَفْظُ الْقُدُورِيِّ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَى مَنْ فِيهَا مِنْ الرُّكَّابِ وَالْمَلَّاحِينَ يَشْمَلُ أَرْبَابَهَا: أَيْ مُلَّاكَهَا وَغَيْرَ مُلَّاكِهَا، وَقَوْلُهُ (وَهَذَا) أَيْ كَوْنُ الْمُلَّاكِ وَغَيْرِهِمْ سَوَاءً فِي الْقَسَامَةِ (عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) أَنَّ السُّكَّانَ تَدْخُلُ فِي الْقَسَامَةِ مَعَ الْمُلَّاكِ (ظَاهِرٌ) وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْفَرْقِ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. قَالَ (وَإِنْ وُجِدَ فِي مَسْجِدِ مَحَلَّةٍ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ سِوَى أَلْفَاظٍ نَذْكُرُهَا

الْجُسُورُ الْعَامَّةُ وَمَالُ بَيْتِ الْمَالِ مَالُ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ. (وَلَوْ وُجِدَ فِي السُّوقِ إنْ كَانَ مَمْلُوكًا) فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَجِبُ عَلَى السُّكَّانِ وَعِنْدَهُمَا عَلَى الْمَالِكِ، (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا كَالشَّوَارِعِ الْعَامَّةِ الَّتِي بُنِيَتْ فِيهَا فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ (وَلَوْ وُجِدَ فِي السَّجْنِ فَالدِّيَةُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِ السَّجْنِ) لِأَنَّهُمْ سُكَّانٌ وَوِلَايَةُ التَّدْبِيرِ إلَيْهِمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَتْلَ حَصَلَ مِنْهُمْ، وَهُمَا يَقُولَانِ: إنَّ أَهْلَ السَّجْنِ مَقْهُورُونَ فَلَا يَتَنَاصَرُونَ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ مَا يَجِبُ لِأَجْلِ النُّصْرَةِ، وَلِأَنَّهُ بُنِيَ لِاسْتِيفَاءِ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا كَانَ غُنْمُهُ يَعُودُ إلَيْهِمْ فَغُرْمُهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ. قَالُوا: وَهَذِهِ فُرَيْعَةُ الْمَالِكِ وَالسَّاكِنِ وَهِيَ مُخْتَلَفٌ فِيهَا بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. قَالَ (وَإِنْ وُجِدَ فِي بَرِيَّةٍ لَيْسَ بِقُرْبِهَا عِمَارَةٌ فَهُوَ هَدَرٌ) وَتَفْسِيرُ الْقُرْبِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ اسْتِمَاعِ الصَّوْتِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يُوصَفُ أَحَدٌ بِالتَّقْصِيرِ، وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَمْلُوكَةً لِأَحَدٍ. أَمَّا إذَا كَانَتْ فَالدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ (وَإِنْ وُجِدَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ كَانَ عَلَى أَقْرَبِهِمَا) وَقَدْ بَيَّنَّاهُ. (وَإِنْ وُجِدَ فِي وَسَطِ الْفُرَاتِ يَمُرُّ بِهِ الْمَاءُ فَهُوَ هَدَرٌ) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِ أَحَدٍ وَلَا فِي مِلْكِهِ (وَإِنْ كَانَ مُحْتَبَسًا بِالشَّاطِئِ فَهُوَ عَلَى أَقْرَبِ الْقُرَى مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ) عَلَى التَّفْسِيرِ الَّذِي تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ اخْتَصَّ بِنُصْرَةِ هَذَا الْمَوْضِعِ فَهُوَ كَالْمَوْضُوعِ عَلَى الشَّطِّ وَالشَّطُّ فِي يَدِ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَسْتَقُونَ مِنْهُ الْمَاءَ وَيُورِدُونَ بَهَائِمَهُمْ فِيهَا، بِخِلَافِ النَّهْرِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ الشُّفْعَةَ لِاخْتِصَاصِ أَهْلِهَا بِهِ لِقِيَامِ يَدِهِمْ عَلَيْهِ فَتَكُونُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ. قَالَ (وَإِنْ ادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِعَيْنِهِ لَمْ تَسْقُطْ الْقَسَامَةُ عَنْهُمْ) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَذَكَرْنَا فِيهِ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ. قَالَ (وَإِنْ ادَّعَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِهِمْ سَقَطَتْ عَنْهُمْ) وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ وَوَجْهُ الْفَرْقِ هُوَ أَنَّ وُجُوبَ الْقَسَامَةِ عَلَيْهِمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ مِنْهُمْ فَتَعْيِينُهُ وَاحِدًا مِنْهُمْ لَا يُنَافِي ابْتِدَاءَ الْأَمْرِ لِأَنَّهُ مِنْهُمْ بِخِلَافِ مَا إذَا عَيَّنَ مِنْ غَيْرِهِمْ لِأَنَّ ذَلِكَ بَيَانُ أَنَّ الْقَاتِلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ (فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَجِبُ عَلَى السُّكَّانِ) أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ السُّكَّانُ مُلَّاكًا أَوْ غَيْرَ مُلَّاكٍ. وَقَوْلُهُ (كَالشَّوَارِعِ الْعَامَّةِ الَّتِي بُنِيَتْ فِيهَا فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ أَنْ يَكُونَ نَائِبًا عَنْ الْمَحَالِّ، أَمَّا الْأَسْوَاقُ الَّتِي تَكُونُ فِي الْمَحَالِّ فَهِيَ مَحْفُوظَةٌ بِحِفْظِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَتَكُونُ الْقَسَامَةُ، وَالدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ، وَكَذَا فِي السُّوقِ النَّائِي إذَا كَانَ مَنْ يَسْكُنُهَا فِي اللَّيَالِي أَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمْ فِيهَا دَارٌ مَمْلُوكَةٌ تَكُونُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ صِيَانَةُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَيُوصَفُ بِالتَّقْصِيرِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ مُوجِبُ التَّقْصِيرِ وَقَوْلُهُ (وَقَدْ بَيَّنَّاهُ) يَعْنِي فِي مَسْأَلَةِ: وَإِنْ مَرَّتْ دَابَّةٌ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ وَعَلَيْهَا قَتِيلٌ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ وُجِدَ فِي وَسَطِ الْفُرَاتِ) يُرِيدُ بِهِ الْفُرَاتَ وَكُلَّ نَهْرٍ عَظِيمٍ لِعَدَمِ خُصُوصِيَّةِ الْفُرَاتِ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الْوَسَطَ لَيْسَ لِلتَّخْصِيصِ بَلْ الْمَاءُ مَا دَامَ جَارِيًا بِالْقَتِيلِ كَانَ حُكْمُ الشَّطِّ كَحُكْمِ الْوَسَطِ. قَالُوا: هَذَا إذَا كَانَ مَوْضِعُ انْبِعَاثِ الْمَاءِ فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ يَكُونُ هَذَا قَتِيلَ دَارِ الشِّرْكِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَوْضِعُ انْبِعَاثِ الْمَاءِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ انْبِعَاثِ الْمَاءِ فِي يَدِ الْمُسْلِمِينَ فَسَوَاءٌ كَانَ قَتِيلَ مَكَانِ الِانْبِعَاثِ أَوْ مَكَان آخَرَ دُونَ ذَلِكَ فَهُوَ قَتِيلُ الْمُسْلِمِينَ فَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَقَوْلُهُ (عَلَى التَّفْسِيرِ الَّذِي تَقَدَّمَ) أَرَادَ بِهِ قَوْلَهُ قِيلَ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَبْلُغُ أَهْلَهُ الصَّوْتُ. وَقَوْلُهُ (لَمْ تَسْقُطْ الْقَسَامَةُ عَنْهُمْ) يَعْنِي وَالدِّيَةُ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ وَقَوْلُهُ (وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ) يَعْنِي الْمَذْكُورَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَلَوْ ادَّعَى عَلَى الْبَعْضِ بِأَعْيَانِهِمْ أَنَّهُ قَتَلَ وَلِيَّهُ إلَخْ. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ) يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا ادَّعَى الْوَلِيُّ الْقَتْلَ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ.

لَيْسَ مِنْهُمْ، وَهُمْ إنَّمَا يَغْرَمُونَ إذَا كَانَ الْقَاتِلُ مِنْهُمْ لِكَوْنِهِمْ قَتَلَةً تَقْدِيرًا حَيْثُ لَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدِ الظَّالِمِ، وَلِأَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ لَا يَقُومُونَ بِمُجَرَّدِ ظُهُورِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ إلَّا بِدَعْوَى الْوَلِيِّ، فَإِذَا ادَّعَى الْقَتْلَ عَلَى غَيْرِهِمْ امْتَنَعَ دَعْوَاهُ عَلَيْهِمْ وَسَقَطَ لِفَقْدِ شَرْطِهِ. قَالَ (وَإِذَا الْتَقَى قَوْمٌ بِالسُّيُوفِ فَأَجْلَوْا عَنْ قَتِيلٍ فَهُوَ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ) لِأَنَّ الْقَتِيلَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَالْحِفْظُ عَلَيْهِمْ (إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْأَوْلِيَاءُ عَلَى أُولَئِكَ أَوْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ فَلَمْ يَكُنْ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ شَيْءٌ) لِأَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى تَضَمَّنَتْ بَرَاءَةَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ عَنْ الْقَسَامَةِ. قَالَ (وَلَا عَلَى أُولَئِكَ حَتَّى يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ) لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لَا يَثْبُتُ الْحَقُّ لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ، أَمَّا يَسْقُطُ بِهِ الْحَقُّ عَنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ حُجَّةٌ عَلَى نَفْسِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْله (فَأَجْلَوْا عَنْ قَتِيلٍ) أَيْ: انْكَشَفُوا عَنْهُ وَانْفَرَجُوا، وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْقَتِيلَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ) أَيْ وُجِدَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ يَعْنِي بَيْنَهُمْ وَالظَّهْرُ وَالْأَظْهُرُ يَجِيئَانِ مَقْحَمَيْنِ كَمَا فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى» أَيْ: صَادِرَةً عَنْ غِنًى. فَإِنْ قِيلَ: الظَّاهِرُ أَنَّ قَاتِلَهُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ، وَأَنَّهُ مِنْ خُصَمَائِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ تَعَذَّرَ الْوُقُوفُ عَلَى قَاتِلِهِ حَقِيقَةً فَيَتَعَلَّقُ بِالسَّبَبِ الظَّاهِرِ وَهُوَ وُجُودُهُ قَتِيلًا فِي مَحَلَّتِهِمْ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لَا يَثْبُتُ الْحَقُّ) أَيْ الِاسْتِحْقَاقُ عِنْدَ إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ: أَيْ فِي أَوَائِلِ بَابِ الْقَسَامَةِ،

(وَلَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مُعَسْكَرٍ أَقَامُوهُ بِفَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ لَا مِلْكَ لِأَحَدٍ فِيهَا، فَإِنْ وُجِدَ فِي خِبَاءٍ أَوْ فُسْطَاطٍ فَعَلَى مَنْ يَسْكُنُهَا الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ، وَإِنْ كَانَ خَارِجًا مِنْ الْفُسْطَاطِ فَعَلَى أَقْرَبِ الْأَخْبِيَةِ) اعْتِبَارًا لِلْيَدِ عِنْدَ انْعِدَامِ الْمِلْكِ (وَإِنْ كَانَ الْقَوْمُ لَقُوا قِتَالًا وَوُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْعَدُوَّ قَتَلَهُ فَكَانَ هَدَرًا، وَإِنْ لَمْ يَلْقَوْا عَدُوًّا فَعَلَى مَا بَيَّنَّاهُ (وَإِنْ كَانَ لِلْأَرْضِ مَالِكٌ فَالْعَسْكَرُ كَالسُّكَّانِ فَيَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. قَالَ (وَإِذَا قَالَ الْمُسْتَحْلَفُ قَتَلَهُ فُلَانٌ اُسْتُحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْتُ وَلَا عَرَفْت لَهُ قَاتِلًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَوَّلُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ أُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ لَكِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» لَا يُقَالُ الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ لِمَا عَلِمْت غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ الظَّاهِرَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ وُجِدَ فِي خِبَاءٍ أَوْ فُسْطَاطٍ) الْخِبَاءُ: الْخَيْمَةُ مِنْ الصُّوفِ، وَالْفُسْطَاطُ: الْخَيْمَةُ الْعَظِيمَةُ فَكَانَ أَعْظَمَ مِنْ الْخِبَاءِ. وَقَوْلُهُ (فَعَلَى أَقْرَبِ الْأَخْبِيَةِ) قِيلَ هَذَا إذَا نَزَلُوا قَبَائِلَ قَبَائِلَ مُتَفَرِّقِينَ، أَمَّا إذَا نَزَلُوا مُخْتَلِطِينَ فَالدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ عَلَيْهِمْ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الْقَوْمُ لَقُوا قِتَالًا) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا: أَيْ مُقَاتِلِينَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ لَقُوا فِي مَعْنَى الْمُقَاتَلَةِ، وَأَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا لَهُ: أَيْ لِلْقِتَالِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْعَدُوَّ قَتَلَهُ فَكَانَ هَدَرًا) يُحْوِجُ إلَى ذِكْرِ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إذَا اقْتَتَلُوا عَصَبِيَّةً فِي مَحَلَّةٍ فَأَجْلَوْا عَنْ قَتِيلٍ فَإِنَّ عَلَيْهِمْ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ كَمَا مَرَّ آنِفًا. وَقَالُوا فِي ذَلِكَ: إنَّ الْقِتَالَ إذَا كَانَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ فِي مَكَان فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَا يُدْرَى أَنَّ الْقَاتِلَ مِنْ أَيِّهِمَا يُرَجَّحُ احْتِمَالُ قَتْلِ الْمُشْرِكِينَ حَمْلًا لِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصَّلَاحِ فِي أَنَّهُمْ لَا يَتْرُكُونَ الْكَافِرِينَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْحَالِ وَيَقْتُلُونَ الْمُسْلِمِينَ. وَأَمَّا فِي الْمُسْلِمِينَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ فَلَيْسَ ثَمَّةَ جِهَةُ الْحَمْلِ عَلَى الصَّلَاحِ حَيْثُ كَانَ الْفَرِيقَانِ مُسْلِمِينَ فَبَقِيَ حَالُ الْقَتْلِ مُشْكِلًا فَأَوْجَبْنَا الْقَسَامَةَ، وَالدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ لِوُرُودِ النَّصِّ بِإِضَافَةِ الْقَتْلِ إلَيْهِمْ عِنْدَ الْإِشْكَالِ فَكَانَ الْعَمَلُ بِمَا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ أَوْلَى عِنْدَ الِاحْتِمَالِ مِنْ الْعَمَلِ بِاَلَّذِي لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَلْقَوْا عَدُوًّا فَعَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَلَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مُعَسْكَرٍ أَقَامُوا إلَخْ. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ) إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا يَدْخُلُ السُّكَّانُ مَعَ الْمُلَّاكِ فِي الْقَسَامَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هُوَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ الْمُسْتَحْلَفُ قَتَلَهُ فُلَانٌ اُسْتُحْلِفَ بِاَللَّهِ)

غَيْرَ فُلَانٍ) لِأَنَّهُ يُرِيدُ إسْقَاطَ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ فَلَا يُقْبَلُ فَيَحْلِفُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِالْقَتْلِ عَلَى وَاحِدٍ صَارَ مُسْتَثْنًى عَنْ الْيَمِينِ فَبَقِيَ حُكْمُ مَنْ سِوَاهُ فَيَحْلِفُ عَلَيْهِ. قَالَ (وَإِذَا شَهِدَ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ عَلَى رَجُلٍ مِنْ غَيْرِهِمْ أَنَّهُ قَتَلَ لَمْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا) وَهَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: تُقْبَلُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا بِعَرْضِيَّةِ أَنْ يَصِيرُوا خُصَمَاءَ وَقَدْ بَطَلَتْ الْعَرَضِيَّةُ بِدَعْوَى الْوَلِيِّ الْقَتْلَ عَلَى غَيْرِهِمْ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ كَالْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ إذَا عُزِلَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ. وَلَهُ أَنَّهُمْ خُصَمَاءُ بِإِنْزَالِهِمْ قَاتِلِينَ لِلتَّقْصِيرِ الصَّادِرِ مِنْهُمْ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَإِنْ خَرَجُوا مِنْ جُمْلَةِ الْخُصُومِ كَالْوَصِيِّ إذَا خَرَجَ مِنْ الْوِصَايَةِ بَعْدَمَا قَبِلَهَا ثُمَّ شَهِدَ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَعَلَى هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ يَتَخَرَّجُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَسَائِلِ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ، قَالَ (وَلَوْ ادَّعَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِعَيْنِهِ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ مِنْ أَهْلِهَا عَلَيْهِ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ) لِأَنَّ الْخُصُومَةَ قَائِمَةٌ مَعَ الْكُلِّ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَالشَّاهِدُ يَقْطَعُهَا عَنْ نَفْسِهِ فَكَانَ مُتَّهَمًا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الشُّهُودَ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي لَا تَسْقُطُ الْيَمِينُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ قَتَلَهُ فُلَانٌ، غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ اسْتَثْنَى عَنْ يَمِينِهِ حَيْثُ قَالَ قَتَلَهُ فُلَانٌ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ شَرِيكَهُ فِي الْقَتْلِ وَأَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ شَرِيكًا مَعَهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَحْلِفُ عَلَى أَنَّهُ مَا قَتَلَهُ وَلَا عَرَفَ لَهُ قَاتِلًا غَيْرَ فُلَانٍ. قَالَ (وَإِذَا شَهِدَ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ إلَخْ) إذَا ادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَى رَجُلٍ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَشَهِدَ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَتَلَهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا، وَقَالَا: تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا بِعَرْضِيَّةِ أَنْ يَصِيرُوا خُصَمَاءَ وَقَدْ بَطَلَتْ بِدَعْوَى الْوَلِيِّ الْقَتْلَ عَلَى غَيْرِهِمْ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ، كَالْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ إذَا عُزِلَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُمْ جُعِلُوا خُصَمَاءَ تَقْدِيرًا لِلتَّقْصِيرِ الصَّادِرِ مِنْهُمْ. وَإِنْ خَرَجُوا مِنْ جُمْلَةِ الْخُصُومِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ، كَالْوَصِيِّ إذَا خَرَجَ مِنْ الْوِصَايَةِ بَعْدَمَا قَبِلَهَا إمَّا بِبُلُوغِ الْغُلَامِ أَوْ بِعَزْلِ الْقَاضِي. وَقَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ) يَعْنِي الْأَصْلَيْنِ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِمَا أَحَدُهُمَا أَنَّ كُلَّ مَنْ انْتَصَبَ خَصْمًا فِي حَادِثَةٍ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ كَوْنِهِ خَصْمًا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ بِالْإِجْمَاعِ، كَالْوَكِيلِ إذَا خَاصَمَ ثُمَّ عُزِلَ، وَالثَّانِي إذَا كَانَتْ لِرَجُلٍ عَرْضِيَّةُ أَنْ يَصِيرَ خَصْمًا ثُمَّ بَطَلَتْ تِلْكَ الْعَرْضِيَّةُ فَشَهِدَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ بِالْإِجْمَاعِ. وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَعَلَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْأَصْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُمْ صَارُوا خُصَمَاءَ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ لِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَإِنَّهُ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ. قَالَ عُمَرُ: وَأَنَا أُغَرِّمُكُمْ الدِّيَةَ لِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، وَبِدَعْوَى الْوَلِيِّ الْقَتْلَ عَلَى غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ هَذَا السَّبَبَ لَمْ يَكُنْ وَلَكِنْ خَرَجُوا بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِمْ خُصَمَاءَ وَهُمَا جَعَلَاهُ مِنْ الْأَصْلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَكُونُونَ خُصَمَاءَ لَوْ ادَّعَى الْوَلِيُّ الْقَتْلَ عَلَيْهِمْ؛ فَإِذَا ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِمْ زَالَتْ الْعَرْضِيَّةُ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ. وَقَوْلُهُ (يَتَخَرَّجُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَسَائِلِ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ) ، أَمَّا عَلَى الْأَصْلِ الْأَوَّلِ فَمَسْأَلَةُ الْوَكِيلِ إذَا خَاصَمَ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ ثُمَّ عُزِلَ كَمَا مَرَّ وَالْوَصِيُّ فِي حُقُوقِ الْيَتِيمِ خَاصَمَ أَوْ لَمْ يُخَاصِمْ كَمَا مَرَّ. وَأَمَّا عَلَى الْأَصْلِ الثَّانِي فَمَسْأَلَةُ الشَّفِيعَيْنِ إذَا شَهِدَا عَلَى الْمُشْتَرِي بِالشِّرَاءِ وَهُمَا لَا يَطْلُبَانِ الشُّفْعَةَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا بِعَرْضِيَّةِ أَنْ يَصِيرَا خَصْمَيْنِ بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ وَقَدْ بَطَلَتْ بِتَرْكِهَا. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ ادَّعَى) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) إشَارَةٌ إلَى مَا ذُكِرَ مِنْ مَسْأَلَةِ وَإِنْ ادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ

يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا يَزْدَادُونَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ أَخْبَرُوا أَنَّهُمْ عَرَفُوا الْقَاتِلَ. قَالَ (وَمَنْ جُرِحَ فِي قَبِيلَةٍ فَنُقِلَ إلَى أَهْلِهِ فَمَاتَ مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْقَبِيلَةِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ) لِأَنَّ الَّذِي حَصَلَ فِي الْقَبِيلَةِ وَالْمَحَلَّةِ مَا دُونَ النَّفْسِ وَلَا قَسَامَةَ فِيهِ، فَصَارَ كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ فِرَاشٍ. وَلَهُ أَنَّ الْجُرْحَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ صَارَ قَتْلًا وَلِهَذَا وَجَبَ الْقِصَاصُ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبَ فِرَاشٍ أُضِيفَ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْتُ مِنْ غَيْرِ الْجُرْحِ فَلَا يَلْزَمُ بِالشَّكِّ. (وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مَعَهُ جَرِيحٌ بِهِ رَمَقٌ حَمَلَهُ إنْسَانٌ إلَى أَهْلِهِ فَمَكَثَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَضْمَنْ الَّذِي حَمَلَهُ إلَى أَهْلِهِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُ) لِأَنَّ يَدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَحَلَّةِ فَوُجُودُهُ جَرِيحًا فِي يَدِهِ كَوُجُودِهِ فِيهَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَيْ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا قَبْلَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْقَبِيلَةِ. (وَلَوْ وُجِدَ رَجُلٌ قَتِيلًا فِي دَارِ نَفْسِهِ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِوَرَثَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لَا شَيْءَ فِيهِ) لِأَنَّ الدَّارَ فِي يَدِهِ حِينَ وُجِدَ الْجَرِيحُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي بَيَانِ الْفَرْقِ بِقَوْلِهِ وَهُوَ أَنَّ وُجُوبَ الْقَسَامَةِ عَلَيْهِمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ مِنْهُمْ فَتَعْيِينُهُ وَاحِدًا مِنْهُمْ لَا يُنَافِي ابْتِدَاءَ الْأَمْرِ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ جُرِحَ فِي قَبِيلَةٍ) يَعْنِي وَلَمْ يُعْلَمْ الْجَارِحُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عُلِمَ سَقَطَ الْقَسَامَةُ، بَلْ فِيهِ الْقِصَاصُ عَلَى الْجَارِحِ إنْ كَانَ عَمْدًا وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ إذَا كَانَ خَطَأً، فَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ الْجَارِحُ فَإِمَّا أَنْ يَصِيرَ صَاحِبَ فِرَاشٍ حِينَ جُرِحَ أَوْ يَكُونَ صَحِيحًا حِينَئِذٍ بِحَيْثُ يَجِيءُ وَيَذْهَبُ. فَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَفِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْقَبِيلَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى. وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ظَاهِرٌ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْجُرْحَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ صَارَ قَتْلًا وَلِهَذَا وَجَبَ الْقِصَاصُ. وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا افْتَرَقَ الْحُكْمُ بَيْنَ صَيْرُورَتِهِ صَاحِبَ فِرَاشٍ وَعَدَمِ صَيْرُورَتِهِ كَذَلِكَ كَمَا لَا يَفْتَرِقُ فِي حَقِّ الْقِصَاصِ؛ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ وَقْتَ الْجَرْحِ صَاحِبَ فِرَاشٍ ثُمَّ سَرَى فَمَاتَ وَجَبَ الْقِصَاصُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ رُدَّتَا فِي قَتِيلٍ فِي مَحَلَّةٍ لَمْ يُعْلَمْ لَهُ قَاتِلٌ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُرَاعَى ذَلِكَ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَالْمَجْرُوحُ فِي مَحَلَّةٍ لَمْ يُعْلَمْ جَارِحُهُ إذَا صَارَ صَاحِبَ فِرَاشٍ قَتِيلٌ شَرْعًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَرِيضًا مَرَضَ الْمَوْتِ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَيِّتِ فِي التَّصَرُّفَاتِ فَجُعِلَ كَأَنَّهُ مَاتَ حِينَ جُرِحَ فَوَجَبَتْ الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ. وَأَمَّا إذَا كَانَ صَحِيحًا يَذْهَبُ وَيَجِيءُ فَهُوَ فِي حُكْمِ التَّصَرُّفَاتِ لَمْ يُجْعَلْ كَالْمَيِّتِ مِنْ حِينِ جُرِحَ، فَكَذَلِكَ فِي الدِّيَةِ وَالْقَسَامَةِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مَعَهُ جَرِيحٌ إلَخْ) حُكْمُهُ ظَاهِرٌ مِنْ مَسْأَلَةِ مَنْ جُرِحَ فِي قَبِيلَةٍ فَنُقِلَ إلَى أَهْلِهِ وَلِهَذَا قَالَ فِي آخِرِهِ: وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَيْ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا قَبْلَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْقَبِيلَةِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ وُجِدَ رَجُلٌ قَتِيلًا فِي دَارِ نَفْسِهِ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِوَرَثَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ثُمَّ قَالَ فِي دَلِيلِهِ: وَحَالُ

فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ فَيَكُونُ هَدَرًا. وَلَهُ أَنَّ الْقَسَامَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِ الْقَتْلِ، وَلِهَذَا لَا يَدْخُلُ فِي الدِّيَةِ مَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَحَالَ ظُهُورِ الْقَتْلِ الدَّارُ لِلْوَرَثَةِ فَتَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ إذَا وُجِدَ قَتِيلًا ـــــــــــــــــــــــــــــQظُهُورِ الْقَتْلِ الدَّارُ لِلْوَرَثَةِ فَتَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ، وَفِيهِ تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ وَمُخَالَفَةٌ بَيْنَ الدَّلِيلِ وَالْمَدْلُولِ، وَدُفِعَ ذَلِكَ بِأَنْ يُقَالَ عَاقِلَةُ الْمَيِّتِ إمَّا أَنْ تَكُونَ عَاقِلَةَ الْوَرَثَةِ أَوْ غَيْرِهِمْ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَيِّتِ وَهُمْ عَاقِلَةُ الْوَرَثَةِ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمْ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْوَرَثَةِ، وَلَمَّا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُمْكِنًا أَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ فِي حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ وَإِلَى الثَّانِي فِي دَلِيلِهَا، وَعَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي يُقَدَّرُ فِي قَوْلِهِ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ مُضَافٌ: أَيْ عَلَى عَاقِلَةِ وَرَثَتِهِ، وَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ وَجْهِ الْمَسْأَلَةِ لِلْجَانِبَيْنِ ظَاهِرٌ. وَاعْتُرِضَ عَلَى وَجْهِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّ الدِّيَةَ إذَا وَجَبَتْ عَلَى عَاقِلَةِ الْوَرَثَةِ فَإِنَّمَا وَجَبَتْ لِلْوَرَثَةِ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ أَنْ يَعْقِلُوا عَنْهُمْ لَهُمْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا تَجِبُ لِلْمَقْتُولِ حَتَّى تُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ وَتُنَفَّذُ وَصَايَاهُ ثُمَّ يَخْلُفُهُ الْوَارِثُ فِيهِ، وَهُوَ نَظِيرُ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ إذَا قَتَلَ أَبَاهُ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَتَكُونُ مِيرَاثًا لَهُ. ثُمَّ اعْلَمْ بِأَنَّهُ صَنَعَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي ذِكْرِهِ الدِّيَةَ فِي الْحُكْمِ وَالْقَسَامَةِ، فِي دَلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إشَارَةً إلَى أَنَّ الْقَسَامَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ وُجُوبَ الدِّيَةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، فَإِنَّ الْقَسَامَةَ لَمْ تُذْكَرْ فِي الْأَصْلِ، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي وُجُوبِهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا تَجِبُ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَصُّ بِمَنْ يَعْلَمُ بِحَالِ الْقَتِيلِ وَلَيْسَ هَاهُنَا مَنْ يَعْلَمُهُ فَلَا تَلْزَمُ الْقَسَامَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: تَجِبُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ جَمَاعَةٌ اتَّفَقُوا عَلَى قَتْلِهِ فَقَتَلُوهُ فِي دَارِهِ فَيَكُونُ ثَمَّةَ مَنْ يَعْلَمُ بِحَالِهِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَاكْتَفَى بِذِكْرِهَا فِي الدَّلِيلِ عَنْ ذِكْرِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا يَسْتَلْزِمُ وُجُوبَ الدِّيَةِ، وَمَا أَلْطَفَهُ مُخْبِرًا بَلَّ اللَّهُ ثَرَاهُ. وَلَمَّا اسْتَشْعَرَ وُرُودَ مَسْأَلَةِ الْمُكَاتَبِ إذَا وَجَدَ قَتِيلًا فِي دَارِهِ كَالنَّقْضِ عَلَى مَا ذُكِرَ أَشَارَ إلَى الْجَوَابِ بِقَوْلِهِ

فِي دَارِ نَفْسِهِ لِأَنَّ حَالَ ظُهُورِ قَتْلِهِ بَقِيَتْ الدَّارُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ فَيُهْدَرُ دَمُهُ. (وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ كَانَا فِي بَيْتٍ وَلَيْسَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ فَوُجِدَ أَحَدُهُمَا مَذْبُوحًا، قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَضْمَنُ الْآخَرُ الدِّيَةَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَضْمَنُهُ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ فَكَانَ التَّوَهُّمُ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَتَلَهُ الْآخَرُ فَلَا يَضْمَنُهُ بِالشَّكِّ. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَقْتُلُ نَفْسَهُ فَكَانَ التَّوَهُّمُ سَاقِطًا كَمَا إذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَحَلَّةٍ. (وَلَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي قَرْيَةٍ لِامْرَأَةٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهَا الْقَسَامَةُ تُكَرَّرُ عَلَيْهَا الْأَيْمَانُ، وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهَا أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ إلَيْهَا فِي النَّسَبِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: عَلَى الْعَاقِلَةِ أَيْضًا) لِأَنَّ الْقَسَامَةَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ وَالْمَرْأَةُ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِهَا فَأَشْبَهَتْ الصَّبِيَّ. وَلَهُمَا أَنَّ الْقَسَامَةَ لِنَفْيِ التُّهْمَةِ وَتُهْمَةُ الْقَتْلِ مِنْ الْمَرْأَةِ مُتَحَقِّقَةٌ. قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ: إنَّ الْمَرْأَةَ تَدْخُلُ مَعَ الْعَاقِلَةِ فِي التَّحَمُّلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّا أَنْزَلْنَاهَا قَاتِلَةً وَالْقَاتِلُ يُشَارِكُ الْعَاقِلَةُ. (وَلَوْ وُجِدَ رَجُلٌ قَتِيلًا فِي أَرْضِ رَجُلٍ إلَى جَانِبِ قَرْيَةٍ لَيْسَ صَاحِبُ الْأَرْضِ مِنْ أَهْلِهَا، قَالَ: هُوَ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ) لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِنُصْرَةِ أَرْضِهِ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ؛ لِأَنَّ حَالَ ظُهُورِهِ إلَخْ: يَعْنِي إنَّمَا صَارَ دَمُ الْمُكَاتَبِ هَدَرًا؛ لِأَنَّ حَالَ ظُهُورِ قَتْلِهِ بَقِيَتْ الدَّارُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَنْفَسِخُ إذَا مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ بَلْ يُقْضَى بِهِ مَا عَلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ الدَّارُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ نَفْسِهِ جُعِلَ قَتِيلَ نَفْسِهِ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ كَانَ دَمُهُ هَدَرًا، بِخِلَافِ الْحُرِّ فَإِنَّهُ حَالَ ظُهُورِ قَتْلِهِ لَمْ تَكُنْ الدَّارُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ لِعَدَمِ قَابِلِيَّةِ الْمَيِّتِ لِلْمِلْكِ، وَإِنَّمَا انْتَقَلَ إلَى وَرَثَتِهِ فَكَانَ كَقَتِيلٍ وُجِدَ فِي دَارِ غَيْرِهِ وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ قَاتِلٌ فَتَجِبُ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ كَانَا فِي بَيْتٍ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (كَمَا إذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَحَلَّةٍ) يَعْنِي أَنَّ تَوَهُّمَ قَتْلِ نَفْسِهِ فِيهِ مَوْجُودٌ وَلَمْ يُعْتَبَرْ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا. وَقَوْلُهُ (قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ) أَيْ مِنْ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - اللَّهُ (إنَّ الْمَرْأَةَ تَدْخُلُ مَعَ الْعَاقِلَةِ فِي التَّحَمُّلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي الْمَعَاقِلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّمَا دَخَلَتْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ قَاتِلَةً تَقْدِيرًا حَيْثُ دَخَلَتْ فِي الْقَسَامَةِ، فَكَمَا دَخَلَتْ فِيهَا دَخَلَتْ فِي الْعَقْلِ أَيْضًا، بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الصُّوَرِ فَإِنَّهَا لَا تَدْخُلُ فِيهِ فِي الْقَسَامَةِ بَلْ تَجِبُ عَلَى الرِّجَالِ فَلَا تَدْخُلُ فِي الْعَقْلِ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِنُصْرَةِ أَرْضِهِ) ؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ وَالتَّدْبِيرَ فِي الْأَرْضِ إلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ لَا إلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[كتاب المعاقل]

(كِتَابُ الْمَعَاقِلِ) الْمَعَاقِلُ جَمْعُ مَعْقُلَةٍ، وَهِيَ الدِّيَةُ، وَتُسَمَّى الدِّيَةُ عَقْلًا لِأَنَّهَا تَعْقِلُ الدِّمَاءَ مِنْ أَنْ تُسْفَكَ: أَيْ تُمْسِكُ. قَالَ (وَالدِّيَةُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ، وَكُلُّ دِيَةٍ تَجِبُ بِنَفْسِ الْقَتْلِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَالْعَاقِلَةُ الَّذِينَ يَعْقِلُونَ) يَعْنِي يُؤَدُّونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْمَعَاقِلِ] ِ لَمَّا كَانَ مُوجِبُ الْقَتْلِ الْخَطَإِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَمْ يَكُنْ مِنْ مَعْرِفَتِهَا بُدٌّ، فَذَكَرَهَا وَأَحْكَامَهَا فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَقَالَ (الْمَعَاقِلُ جَمْعُ مَعْقُلَةٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّ الْقَافِ وَبَيَّنَ مَعْنَاهَا، وَقَوْلُهُ (وَكُلُّ دِيَةٍ) مُبْتَدَأٌ. وَقَوْلُهُ (عَلَى الْعَاقِلَةِ) خَبَرُهُ. وَقَوْلُهُ (وَجَبَتْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ) يَعْنِي ابْتِدَاءً، فَإِنَّ مَا يَجِبُ مِنْهَا بِسَبَبِ الصُّلْحِ أَوْ الْأُبُوَّةِ فَهِيَ فِي مَالِ الْقَاتِلِ لَا عَلَى الْعَاقِلَةِ.

الْعَقْلَ وَهُوَ الدِّيَةُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الدِّيَاتِ. وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِلْأَوْلِيَاءِ «قُومُوا فَدُوهُ» وَلِأَنَّ النَّفْسَ مُحْتَرَمَةٌ لَا وَجْهَ إلَى الْإِهْدَارِ وَالْخَاطِئُ مَعْذُورٌ، وَكَذَا الَّذِي تَوَلَّى شِبْهَ الْعَمْدِ نَظَرًا إلَى الْآلَةِ فَلَا وَجْهَ إلَى إيجَابِ الْعُقُوبَةِ عَلَيْهِ، وَفِي إيجَابِ مَالِ عَظِيمٍ إجْحَافُهُ وَاسْتِئْصَالُهُ فَيَصِيرُ عُقُوبَةً فَضَمَّ إلَيْهِ الْعَاقِلَةَ تَحْقِيقًا لِلتَّخْفِيفِ. وَإِنَّمَا خُصُّوا بِالضَّمِّ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَرَ لِقُوَّةٍ فِيهِ وَتِلْكَ بِأَنْصَارِهِ وَهُمْ الْعَاقِلَةُ فَكَانُوا هُمْ الْمُقَصِّرِينَ فِي تَرْكِهِمْ مُرَاقَبَتِهِ فَخُصُّوا بِهِ. قَالَ (وَالْعَاقِلَةُ أَهْلُ الدِّيوَانِ إنْ كَانَ الْقَاتِلُ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ يُؤْخَذُ مِنْ عَطَايَاهُمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) وَأَهْلُ الدِّيوَانِ أَهْلُ الرَّايَاتِ وَهُمْ الْجَيْشُ الَّذِينَ كُتِبَتْ أَسَامِيهمْ فِي الدِّيوَانِ وَهَذَا عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الْعَشِيرَةِ لِأَنَّهُ كَانَ كَذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَا نَسْخَ بَعْدَهُ وَلِأَنَّهُ صِلَةٌ وَالْأَوْلَى بِهَا الْأَقَارِبُ. وَلَنَا قَضِيَّةُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ لَمَّا دَوَّنَ الدَّوَاوِينَ جَعَلَ الْعَقْلَ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْهُمْ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِنَسْخٍ بَلْ هُوَ تَقْرِيرُ مَعْنًى لِأَنَّ الْعَقْلَ كَانَ عَلَى أَهْلِ النُّصْرَةِ وَقَدْ كَانَتْ بِأَنْوَاعٍ: بِالْقَرَابَةِ وَالْحِلْفِ وَالْوَلَاءِ وَالْعَدِّ. وَفِي عَهْدِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ صَارَتْ بِالدِّيوَانِ فَجَعَلَهَا عَلَى أَهْلِهِ اتِّبَاعًا لِلْمَعْنَى وَلِهَذَا قَالُوا: لَوْ كَانَ الْيَوْمَ قَوْمٌ تَنَاصُرُهُمْ بِالْحِرَفِ فَعَاقِلَتُهُمْ أَهْلُ الْحِرْفَةِ، وَإِنْ كَانَ بِالْحِلْفِ فَأَهْلُهُ وَالدِّيَةُ صِلَةٌ كَمَا قَالَ، لَكِنَّ إيجَابَهَا فِيمَا هُوَ صِلَةٌ وَهُوَ الْعَطَاءُ أَوْلَى مِنْهُ فِي أُصُولِ أَمْوَالِهِمْ، وَالتَّقْدِيرُ بِثَلَاثِ سِنِينَ مَرْوِيٌّ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ) يَعْنِي الدِّيَةَ بِتَأْوِيلِ الْعَقْلِ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا الَّذِي تَوَلَّى شِبْهَ الْعَمْدِ) وَهُوَ الَّذِي ضَرَبَهُ بِالسَّوْطِ الصَّغِيرِ حَتَّى قَتَلَهُ. وَقَوْلُهُ (وَفِي إيجَابِ مَالٍ عَظِيمٍ إجْحَافُهُ) فَسَّرَ الْإِجْحَافَ بِقَوْلِهِ وَاسْتِئْصَالُهُ. وَقَوْلُهُ (إنَّمَا قَصَرَ) يَعْنِي: أَنَّ الْقَاتِلَ إنَّمَا قَصَرَ حَالَةَ الرَّمْيِ فِي التَّثَبُّتِ وَالتَّوَقُّفِ. وَقَوْلُهُ (وَتِلْكَ) أَيْ الْقُوَّةُ، وَقَوْلُهُ (كَتَبَ أَسَامِيهمْ فِي الدِّيوَانِ) الدِّيوَانُ: الْجَرِيدَةُ، مِنْ دَوَّنَ الْكُتُبَ إذَا جَمَعَهَا؛ لِأَنَّهَا قِطَعٌ مِنْ الْقَرَاطِيسِ مَجْمُوعَةٌ. وَيُرْوَى أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوَّلُ مَنْ دَوَّنَ الدَّوَاوِينَ: أَيْ رَتَّبَ الْجَرَائِدَ لِلْوُلَاةِ وَالْقَضَاءِ، وَيُقَالُ فُلَانٌ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ: أَيْ مِمَّنْ أَثْبَتَ اسْمَهُ فِي الْجَرِيدَةِ. وَقَوْلُهُ (مِنْ عَطَايَاهُمْ) الْعَطَاءُ اسْمُ مَا يُعْطَى وَالْجَمْعُ أَعْطِيَةٌ، وَالْعَطَايَا جَمْعُ عَطِيَّةٍ وَهُوَ بِمَعْنَى الْعَطَاءِ، وَقَوْلُهُ (وَذَلِكَ لَيْسَ بِنَسْخٍ بَلْ هُوَ تَقْرِيرُ مَعْنًى) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا نَسْخَ بَعْدَهُ. وَقَوْلُهُ (بِالْحَلِفِ) الْحَلِفُ بِكَسْرِ الْحَاءِ: الْعَهْدُ بَيْنَ الْقَوْمِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ تَحَالَفُوا عَلَى التَّنَاصُرِ، وَالْمُرَادُ بِهِ وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ وَقَوْلُهُ (وَالْوَلَاءِ) أَيْ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ. وَقَوْلُهُ (وَالْعَدِّ) هُوَ مِنْ الْعَدِيدِ وَهُوَ أَنْ يُعَدَّ فِيهِمْ يُقَالُ فُلَانٌ عَدِيدُ بَنِي فُلَانٍ إذَا عُدَّ فِيهِمْ.

وَمَحْكِيٌّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْ الْعَطَاءِ لِلتَّخْفِيفِ وَالْعَطَاءُ يَخْرُجُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً (فَإِنْ خَرَجَتْ الْعَطَايَا فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ أَوْ أَقَلَّ أُخِذَ مِنْهَا) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَتَأْوِيلُهُ إذَا كَانَتْ الْعَطَايَا لِلسِّنِينَ الْمُسْتَقْبِلَةِ بَعْدَ الْقَضَاءِ، حَتَّى لَوْ اجْتَمَعَتْ فِي السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ ثُمَّ خَرَجَتْ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِالْقَضَاءِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَوْ خَرَجَ لِلْقَاتِلِ ثَلَاثُ عَطَايَا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ مَعْنَاهُ فِي الْمُسْتَقْبِلِ يُؤْخَذُ مِنْهَا كُلُّ الدِّيَةِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِذَا كَانَ جَمِيعُ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فَكُلُّ ثُلُثٍ مِنْهَا فِي سَنَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (فَإِنْ خَرَجَتْ الْعَطَايَا فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ) أَيْ ثَلَاثِ سِنِينَ أَوْ أَقَلَّ مِثْلَ أَنْ تَخْرُجَ عَطَايَاهُمْ الثَّلَاثَ فِي سِتِّ سِنِينَ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي كُلِّ سَنَةٍ سُدُسُ الدِّيَةِ، وَإِنْ خَرَجَتْ عَطَايَاهُمْ الثَّلَاثُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ أُخِذَ مِنْهُمْ الدِّيَةُ فِيهَا. وَقَوْلُهُ (لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ) يَعْنِي: أَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُمْ مِنْ الْأَعْطِيَةِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْأَخْذِ مِنْ عَطَايَاهُمْ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ أَوْ فِي أَقَلَّ مِنْهَا. وَقَوْلُهُ (وَتَأْوِيلُهُ) أَيْ تَأْوِيلُ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَإِنَّهُ أَطْلَقَ ذِكْرَ السِّنِينَ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ بَعْدَ الْقَضَاءِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ ثَلَاثَ سِنِينَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّأْوِيلِ. وَقَوْلُهُ (لِمَا ذَكَرْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِالْقَضَاءِ وَقَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَ جَمِيعَ الدِّيَةِ) وَاضِحٌ.

وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ بِالْعَقْلِ ثُلُثَ دِيَةِ النَّفْسِ أَوْ أَقَلَّ كَانَ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إلَى تَمَامِ الثُّلُثَيْنِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إلَى تَمَامِ الدِّيَةِ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ. وَمَا وَجَبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْ الدِّيَةِ أَوْ عَلَى الْقَاتِلِ بِأَنْ قَتَلَ الْأَبُ ابْنَهُ عَمْدًا فَهُوَ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمَا وَجَبَ عَلَى الْقَاتِلِ فِي مَالِهِ فَهُوَ حَالٌّ، لِأَنَّ التَّأْجِيلَ لِلتَّخْفِيفِ لِتَحَمُّلِ الْعَاقِلَةِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ الْعَمْدُ الْمَحْضُ. وَلَنَا أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَاهُ وَالشَّرْعَ وَرَدَ بِهِ مُؤَجَّلًا فَلَا يَتَعَدَّاهُ.. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلَنَا أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَاهُ) أَيْ الْقِيَاسُ يَأْبَى إيجَابَ الْمَالِ بِمُقَابَلَةِ النَّفْسِ: يَعْنِي لَا يَقْتَضِيهِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ مِنْ حُجَجِ الشَّرْعِ وَهِيَ لَا تَتَنَاقَضُ، وَالشَّرْعُ وَرَدَ بِهِ: أَيْ بِإِيجَابِ الْمَالِ مُؤَجَّلًا فِي الْخَطَإِ فَلَا يَتَعَدَّاهُ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَى الْخَطَإِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ. قُلْنَا: هُوَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مَالًا وَجَبَ بِالْقَتْلِ ابْتِدَاءً، وَالْمُسَاوَاةُ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ غَيْرُ مُلْتَزَمَةٍ، وَكَوْنُ التَّأْجِيلِ لِلتَّخْفِيفِ حِكْمَةً لَا يَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ عَلَيْهَا.

وَلَوْ قَتَلَ عَشَرَةٌ رَجُلًا خَطَأً فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ عُشْرُ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ إذْ هُوَ بَدَلُ النَّفْسِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ مُدَّةُ ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ الْمِثْلُ وَالتَّحَوُّلَ إلَى الْقِيمَةِ بِالْقَضَاءِ فَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ وَقْتِهِ كَمَا فِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ. قَالَ (وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ فَعَاقِلَتُهُ قَبِيلَتُهُ) لِأَنَّ نُصْرَتَهُ بِهِمْ وَهِيَ الْمُعْتَبَرَةُ فِي التَّعَاقُلِ. قَالَ (وَتُقْسَمُ عَلَيْهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لَا يُزَادُ الْوَاحِدُ عَلَى أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَيَنْقُصُ مِنْهَا) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مُخْتَصَرِهِ، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُزَادُ عَلَى أَرْبَعَةٍ مِنْ جَمِيعِ الدِّيَةِ، وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى أَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ جَمِيعِ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ إلَّا دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمٌ وَثُلُثُ دِرْهَمٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ. قَالَ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَتَّسِعُ الْقَبِيلَةُ لِذَلِكَ ضُمَّ إلَيْهِمْ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ) مَعْنَاهُ: نَسَبًا كُلُّ ذَلِكَ لِمَعْنَى التَّخْفِيفِ وَيُضَمُّ الْأَقْرَبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (؛ لِأَنَّ الْوَاجِب الْأَصْلِيَّ الْمِثْلُ) ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْمُتْلَفَاتِ إنَّمَا يَكُونُ بِالْمِثْلِ بِالنَّصِّ، وَمِثْلُ النَّفْسِ النَّفْسُ، إلَّا أَنَّهُ إذَا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي وَتَحَقَّقَ الْعَجْزُ عَنْ اسْتِيفَاءِ النَّفْسِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ تَحَوَّلَ الْحَقُّ إلَى الْقِيمَةِ بِالْقَضَاءِ (فَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ وَقْتِهِ) أَيْ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ (كَمَا فِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ) فَإِنَّ قِيمَتَهُ إنَّمَا تَجِبُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَإِنْ كَانَ رَدُّ عَيْنَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ مُتَعَذِّرًا، لَكِنْ جُعِلَ الْوَاجِبُ رَدَّ الْعَيْنِ وَتَحَوَّلَ إلَى الْقِيمَةِ بِالْقَضَاءِ لَمَّا تَحَقَّقَ الْعَجْزُ عَنْ رَدِّ الْعَيْنِ؛ وَلِهَذَا لَوْ هَلَكَ الْوَلَدُ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَمْ يَضْمَنْ الْمَغْرُورُ شَيْئًا وَهَذَا هُوَ الْمَوْعُودُ مِنْ قَبْلُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِالْقَضَاءِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا) أَيْ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُزَادُ الْوَاحِدُ عَلَى أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَيُنْقَصُ مِنْهَا (إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ عَلَى أَرْبَعَةٍ مِنْ جَمِيعِ الدِّيَةِ) فَإِذَا أَخَذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي كُلِّ سَنَةٍ ثَلَاثَةً أَوْ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ كَانَ مِنْ جَمِيعِ الدِّيَةِ تِسْعَةٌ أَوْ اثْنَا عَشَرَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ جَمِيعِ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ إلَّا دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمٌ وَثُلُثُ دِرْهَمٍ. وَقَوْلُهُ (وَهُوَ الْأَصَحُّ) احْتِرَازٌ عَمَّا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مِمَّا فُهِمَ مِنْ إشَارَةِ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَقَالَ ذَلِكَ غَلَطٌ. وَقَوْلُهُ (ضُمَّ إلَيْهِمْ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ مَعْنَاهُ نَسَبًا) قَالُوا هَذَا الْجَوَابُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِي حَقِّ الْعَرَبِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ حُفِظَتْ أَنْسَابُهُمْ فَأَمْكَنَنَا

فَالْأَقْرَبُ عَلَى تَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ: الْإِخْوَةُ ثُمَّ بَنُوهُمْ، ثُمَّ الْأَعْمَامُ ثُمَّ بَنُوهُمْ. وَأَمَّا الْآبَاءُ وَالْأَبْنَاءُ فَقِيلَ يَدْخُلُونَ لِقُرْبِهِمْ، وَقِيلَ لَا يَدْخُلُونَ لِأَنَّ الضَّمَّ لِنَفْيِ الْحَرَجِ حَتَّى لَا يُصِيبَ كُلَّ وَاحِدٍ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ، وَهَذَا الْمَعْنَى إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ الْكَثْرَةِ وَالْآبَاءُ وَالْأَبْنَاءُ لَا يَكْثُرُونَ، وَعَلَى هَذَا حُكْمُ الرَّايَاتِ إذَا لَمْ يَتَّسِعْ لِذَلِكَ أَهْلُ رَايَةٍ ضُمَّ إلَيْهِمْ أَقْرَبُ الرَّايَاتِ: يَعْنِي أَقْرَبَهُمْ نُصْرَةً إذَا حَزَبَهُمْ أَمْرٌ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ، وَيُفَوَّضُ ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَالِمُ بِهِ، ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ دِينَارٍ فَيُسَوَّى بَيْنَ الْكُلِّ لِأَنَّهُ صِلَةٌ فَيُعْتَبَرُ بِالزَّكَاةِ وَأَدْنَاهَا ذَلِكَ إذْ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ عِنْدَهُمْ نِصْفُ دِينَارٍ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: هِيَ أَحَطُّ رُتْبَةً مِنْهَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تُؤْخَذُ مِنْ أَصْلِ الْمَالِ فَيُنْتَقَصُ مِنْهَا تَحْقِيقًا لِزِيَادَةِ التَّخْفِيفِ. (وَلَوْ كَانَتْ عَاقِلَةُ الرَّجُلِ أَصْحَابَ الرِّزْقِ يُقْضَى بِالدِّيَةِ فِي أَرْزَاقِهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فِي كُلِّ سَنَةٍ الثُّلُثُ) لِأَنَّ الرِّزْقَ فِي حَقِّهِمْ بِمَنْزِلَةِ الْعَطَاءِ قَائِمٌ مُقَامَهُ إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا صِلَةٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ أَرْزَاقُهُمْ تَخْرُجُ فِي كُلِّ سَنَةٍ، فَكَمَا يَخْرُجُ رِزْقٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ الثُّلُثُ بِمَنْزِلَةِ الْعَطَاءِ، وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ فِي كُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَخَرَجَ بَعْدَ الْقَضَاءِ يُؤْخَذُ مِنْهُ سُدُسُ الدِّيَةِ وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ فِي كُلِّ شَهْرٍ يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ رِزْقٍ بِحِصَّتِهِ مِنْ الشَّهْرِ حَتَّى يَكُونَ الْمُسْتَوْفِي فِي كُلِّ سَنَةٍ مِقْدَارَ ـــــــــــــــــــــــــــــQإيجَابُ الْعَقْلِ عَلَى أَقْرَبِ الْقَبَائِلِ مِنْ حَيْثُ النَّسَبُ أَمَّا فِي حَقِّ الْعَجَمِيِّ فَلَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّ الْعَجَمَ ضَيَّعُوا أَنْسَابَهُمْ فَلَا يُمْكِنُنَا إيجَابُ الْعَقْلِ عَلَى أَقْرَبِ الْقَبَائِلِ مِنْ الْقَاتِلِ نَسَبًا، فَبَعْدَ ذَلِكَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُعْتَبَرُ الْمَحَالُّ وَالْقُرَى الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجِبُ الْبَاقِي فِي مَالِ الْجَانِي. وَقَوْلُهُ (فَيُسَوَّى بَيْنَ الْكُلِّ) يَعْنِي الْآبَاءَ وَالْأَبْنَاءَ وَغَيْرَهُمْ لِأَنَّهُ صِلَةٌ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ . وَقَوْلُهُ (وَلَوْ كَانَتْ عَاقِلَةُ الرَّجُلِ أَصْحَابَ الرِّزْقِ) قِيلَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَطِيَّةِ وَالرِّزْقِ أَنَّ الْعَطِيَّةَ مَا يُفْرَضُ لِلْمُقَاتِلَةِ وَالرِّزْقُ مَا يُجْعَلُ لِلْفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ إذَا لَمْ يَكُونُوا مُقَاتِلَةً وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ.

الثُّلُثِ، وَإِنْ خَرَجَ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِيَوْمٍ أَوْ أَكْثَرَ أُخِذَ مِنْ رِزْقِ ذَلِكَ الشَّهْرِ بِحِصَّةِ الشَّهْرِ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ أَرْزَاقٌ فِي كُلِّ شَهْرٍ وَأَعْطِيَةٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ فُرِضَتْ الدِّيَةُ فِي الْأَعْطِيَةِ دُونَ الْأَرْزَاقِ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ، إمَّا لِأَنَّ الْأَعْطِيَةَ أَكْثَرُ، أَوْ لِأَنَّ الرِّزْقَ لِكِفَايَةِ الْوَقْتِ فَيَتَعَسَّرُ الْأَدَاءُ مِنْهُ وَالْأَعْطِيَاتُ لِيَكُونُوا فِي الدِّيوَانِ قَائِمِينَ بِالنُّصْرَةِ فَيَتَيَسَّرَ عَلَيْهِمْ. قَالَ (وَأُدْخِلَ الْقَاتِلُ مَعَ الْعَاقِلَةِ فَيَكُونُ فِيمَا يُؤَدِّي كَأَحَدِهِمْ) لِأَنَّهُ هُوَ الْفَاعِلُ فَلَا مَعْنَى لِإِخْرَاجِهِ وَمُؤَاخَذَةِ غَيْرِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ شَيْءٌ مِنْ الدِّيَةِ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ فِي النَّفْيِ عَنْهُ وَالْجَامِعُ كَوْنُهُ مَعْذُورًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَأُدْخِلَ الْقَاتِلُ مَعَ الْعَاقِلَةِ) يَعْنِي: إذَا كَانَ الْقَاتِلُ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ الدِّيَةِ عِنْدَنَا أَيْضًا

قُلْنَا: إيجَابُ الْكُلِّ إجْحَافٌ بِهِ وَلَا كَذَلِكَ إيجَابُ الْجُزْءِ، وَلَوْ كَانَ الْخَاطِئُ مَعْذُورًا فَالْبَرِيءُ مِنْهُ أَوْلَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] . (وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ مِمَّنْ كَانَ لَهُ حَظٌّ فِي الدِّيوَانِ عَقْلٌ) لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا يَعْقِلُ مَعَ الْعَاقِلَةِ صَبِيٌّ وَلَا امْرَأَةٌ، وَلِأَنَّ الْعَقْلَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ النُّصْرَةِ لِتَرْكِهِمْ مُرَاقَبَتَهُ، وَالنَّاسُ لَا يَتَنَاصَرُونَ بِالصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ وَلِهَذَا لَا يُوضَعُ عَلَيْهِمْ مَا هُوَ خَلَفٌ عَنْ النُّصْرَةِ وَهُوَ الْجِزْيَةُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا مِنْ الدِّيَةِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ، لِأَنَّ وُجُوبَ جُزْءٍ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى الْقَاتِلِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ أَحَدُ الْعَوَاقِلِ لِأَنَّهُ يَنْصُرُ نَفْسَهُ وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِيهِمَا، وَالْفَرْضُ لَهُمَا مِنْ الْعَطَاءِ لِلْمَعُونَةِ لَا لِلنُّصْرَةِ كَفَرْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ. (وَلَا يَعْقِلُ أَهْلُ مِصْرٍ عَنْ مِصْرٍ آخَرَ) يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا لَا تَجِبُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ (وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ مِمَّنْ كَانَ لَهُ حَظٌّ فِي الدِّيوَانِ عَقْلٌ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا مِنْ الدِّيَةِ) قِيلَ إنَّهُ يُنَاقِضُ قَوْلَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا قَبْلَ الْمَعَاقِلِ فِيمَا إذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارِ امْرَأَةٍ حَيْثُ أَدْخَلَهَا الْمُتَأَخِّرُونَ هُنَاكَ فِي تَحَمُّلِ الدِّيَةِ مَعَ الْعَاقِلَةِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَتْ قَاتِلَةً حَقِيقَةً وَهُنَاكَ تَقْدِيرُ قَاتِلَةٍ بِسَبَبٍ وُجُوبِ الْقَسَامَةِ، لَا يُقَالُ: إذَا لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمَرْأَةِ شَيْءٌ مِنْ الدِّيَةِ وَهِيَ قَاتِلَةٌ حَقِيقَةً فَلَأَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْهَا وَهِيَ قَاتِلَةٌ تَقْدِيرًا أَوْلَى؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْقَسَامَةُ تَسْتَلْزِمُ وُجُوبَ الدِّيَةِ عَلَى الْمُقْسِمِ، إمَّا بِالِاسْتِقْلَالِ أَوْ بِالدُّخُولِ فِي الْعَاقِلَةِ عِنْدَنَا بِالِاسْتِقْرَاءِ وَقَدْ تَحَقَّقَ الْمَلْزُومُ فَيَتَحَقَّقُ اللَّازِمُ بِخِلَافِ الْقَتْلِ مُبَاشَرَةً فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَسْتَلْزِمُ الدِّيَةَ. فَإِنْ قُلْت: هَذَا الْجَوَابُ يَنْبَنِي عَلَى إيجَابِ الْقَسَامَةِ عَلَيْهَا وَفِي ذَلِكَ تَنَاقُضٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ قَبْلَ هَذَا: وَلَا قَسَامَةَ عَلَى صَبِيٍّ، إلَى أَنْ قَالَ: وَلَا امْرَأَةٍ وَعَبْدٍ. وَقَالَ هَاهُنَا: وَلَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي قَرْيَةٍ لِامْرَأَةٍ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْقَسَامَةُ عَلَيْهَا تَكَرُّرُ الْأَيْمَانِ وَذَلِكَ تَنَاقُضٌ أَلْبَتَّةَ. فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي سِيَاقِ قَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ تُكْمِلْ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ خَمْسِينَ كُرِّرَتْ الْأَيْمَانُ، وَمَعْنَاهُ لَا يُكْمِلُ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ خَمْسِينَ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ وَالْيَمِينُ عَلَى أَهْلِهَا، وَأَمَّا هَاهُنَا فَالْقَتِيلُ وُجِدَ فِي قَرْيَتِهَا فَيَجِبُ عَلَيْهَا نَفْيًا لِتُهْمَةِ الْقَتْلِ فَإِنَّهَا تَتَحَقَّقُ مِنْهَا، وَيَتَبَيَّنُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْقَسَامَةَ إذَا وَجَبَتْ عَلَى جَمَاعَةٍ تَعَلَّلَ بِالنُّصْرَةِ، فَمَنْ كَانَ أَهْلًا لَهَا يَدْخُلُ وَمَنْ لَا فَلَا، فَلَا يَدْخُلُ الصَّبِيُّ وَالْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ، وَإِذَا وَجَبَتْ عَلَى وَاحِدٍ تَعَلَّلَ بِتُهْمَةِ الْقَتْلِ. فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَمَنْ لَا فَلَا فَتَدْخُلُ الْمَرْأَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ (وَالْفَرْضُ لَهُمَا مِنْ الْعَطَاءِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ فَرَضَ الْإِمَامُ لِنِسَاءِ الْغُزَاةِ وَذَرَارِيِّهِمْ مِنْ

لِأَهْلِ كُلِّ مِصْرٍ دِيوَانٌ عَلَى حِدَةٍ لِأَنَّ التَّنَاصُرَ بِالدِّيوَانِ عِنْدَ وُجُودِهِ، وَلَوْ كَانَ بِاعْتِبَارِ الْقُرْبِ فِي السُّكْنَى فَأَهْلُ مِصْرِهِ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ أَهْلِ مِصْرٍ آخَرَ (وَيَعْقِلُ أَهْلُ كُلِّ مِصْرٍ مِنْ أَهْلِ سَوَادِهِمْ) لِأَنَّهُمْ أَتْبَاعٌ لِأَهْلِ الْمِصْرِ، فَإِنَّهُمْ إذَا حَزَبَهُمْ أَمْرٌ اسْتَنْصَرُوا بِهِمْ فَيَعْقِلُهُمْ أَهْلُ الْمِصْرِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْقُرْبِ فِي النُّصْرَةِ (وَمَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ بِالْبَصْرَةِ وَدِيوَانُهُ بِالْكُوفَةِ عَقَلَ عَنْهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ) لِأَنَّهُ يَسْتَنْصِرُ بِأَهْلِ دِيوَانِهِ لَا بِجِيرَانِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاسْتِنْصَارَ بِالدِّيوَانِ أَظْهَرُ فَلَا يَظْهَرُ مَعَهُ حُكْمُ النُّصْرَةِ بِالْقَرَابَةِ وَالنَّسَبِ وَالْوَلَاءِ وَقُرْبِ السُّكْنَى وَغَيْرِهِ وَبَعْدَ الدِّيوَانِ النُّصْرَةُ بِالنَّسَبِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ كَثِيرٌ مِنْ صُوَرِ مَسَائِلِ الْمَعَاقِلِ (وَمَنْ جَنَى جِنَايَةً مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ وَلَيْسَ لَهُ فِي الدِّيوَانِ عَطَاءٌ وَأَهْلُ الْبَادِيَةِ أَقْرَبُ إلَيْهِ وَمَسْكَنُهُ الْمِصْرُ عَقَلَ عَنْهُ أَهْلُ الدِّيوَانِ مِنْ ذَلِكَ الْمِصْرِ) وَلَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ الدِّيوَانِ قَرَابَةٌ، قِيلَ هُوَ صَحِيحٌ لِأَنَّ الَّذِينَ يَذُبُّونَ عَنْ أَهْلِ الْمِصْرِ وَيَقُومُونَ بِنُصْرَتِهِمْ وَيَدْفَعُونَ عَنْهُمْ أَهْلُ الدِّيوَانِ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ وَلَا يَخُصُّونَ بِهِ أَهْلَ الْعَطَاءِ. وَقِيلَ تَأْوِيلُهُ إذَا كَانَ قَرِيبًا لَهُمْ، وَفِي الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَيْهِ حَيْثُ قَالَ: وَأَهْلُ الْبَادِيَةِ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ أَهْلِ مِصْرٍ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَيْهِمْ بِحُكْمِ الْقَرَابَةِ وَأَهْلُ الْمِصْرِ أَقْرَبُ مِنْهُمْ مَكَانًا فَكَانَتْ الْقُدْرَةُ عَلَى النُّصْرَةِ لَهُمْ وَصَارَ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْغَيْبَةِ الْمُنْقَطِعَةِ (وَلَوْ كَانَ الْبَدْوِيُّ نَازِلًا فِي الْمِصْرِ لَا مَسْكَنَ لَهُ فِيهِ لَا يَعْقِلُهُ أَهْلُ الْمِصْرِ) لِأَنَّ أَهْلَ الْعَطَاءِ لَا يَنْصُرُونَ مَنْ لَا مَسْكَنَ لَهُ فِيهِ، كَمَا أَنَّ أَهْلَ الْبَادِيَةِ لَا تَعْقِلُ عَنْ أَهْلِ الْمِصْرِ النَّازِلِ فِيهِمْ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَنْصِرُ بِهِمْ (وَإِنْ كَانَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ عَوَاقِلُ مَعْرُوفَةٌ يَتَعَاقَلُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَطَاءِ، وَالْعَطَاءُ إنَّمَا يُدْفَعُ بِنُصْرَةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي حَقِّ الْغُزَاةِ، ثُمَّ الْغُزَاةُ عَوَاقِلُ لِغَيْرِهِمْ فَكَذَا النِّسَاءُ. وَوَجْهُهُ مَا قَالَهُ أَنَّ الدَّفْعَ إلَيْهِنَّ بِاعْتِبَارِ الْمَعُونَةِ أَيْ: مَعُونَةِ الْإِمَامِ لَهُمَا لَا بِاعْتِبَارِ نُصْرَتِهِمَا غَيْرَهُمَا. وَقَوْلُهُ (وَأَهْلُ الْبَادِيَةِ أَقْرَبُ إلَيْهِ) يَعْنِي: نَسَبًا. وَقَوْلُهُ (قِيلَ هُوَ صَحِيحٌ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ لَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ الدِّيوَانِ قَرَابَةٌ. وَقَوْلُهُ (مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ أَهْلُ الدِّيوَانِ: أَيْ: أَهْلُ الدِّيوَانِ الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ. وَقَوْلُهُ (وَصَارَ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْغَيْبَةِ الْمُنْقَطِعَةِ) يَعْنِي أَنَّ لِلْوَلِيِّ الْأَبْعَدِ أَنْ

بِهَا فَقَتَلَ أَحَدُهُمْ قَتِيلًا فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْلِمِ) لِأَنَّهُمْ الْتَزَمُوا أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ فِي الْمُعَامَلَاتِ لَا سِيَّمَا فِي الْمَعَانِي الْعَاصِمَةِ عَنْ الْإِصْرَارِ، وَمَعْنَى التَّنَاصُرِ مَوْجُودٌ فِي حَقِّهِمْ (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ عَاقِلَةٌ مَعْرُوفَةٌ فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ يُقْضَى بِهَا عَلَيْهِ) كَمَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْقَاتِلِ وَإِنَّمَا يَتَحَوَّلُ عَنْهُ إلَى الْعَاقِلَةِ أَنْ لَوْ وُجِدَتْ، فَإِذَا لَمْ تُوجَدْ بَقِيَتْ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ تَاجِرَيْنِ مُسْلِمَيْنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ يُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ لِأَنَّ أَهْلَ دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَعْقِلُونَ عَنْهُ، وَتَمَكُّنُهُ مِنْ هَذَا الْقَتْلِ لَيْسَ بِنُصْرَتِهِمْ. (وَلَا يَعْقِلُ كَافِرٌ عَنْ مُسْلِمٍ وَلَا مُسْلِمٌ عَنْ كَافِرٍ) لِعَدَمِ التَّنَاصُرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُزَوِّجَ إذَا كَانَ الْأَقْرَبُ غَائِبًا. وَقَوْلُهُ (لَا سِيَّمَا فِي الْمَعَانِي الْعَاصِمَةِ) كَحَدِّ الْقَذْفِ وَالسَّرِقَةِ وَالْقِصَاصِ وَوُجُوبِ الدِّيَةِ. وَقَوْلُهُ (فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) أَيْ: لَا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ النُّصْرَةَ الْمُوجِبَةَ لِلْعَقْلِ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ بَيْنَ الذِّمِّيِّ وَالْمُسْلِمِينَ لِانْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ بَيْنَنَا، بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ فَإِنَّ دِيَتَهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ إذَا لَمْ يُوجَدْ لَهُ عَاقِلَةٌ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَسَيَجِيءُ. وَقَوْلُهُ (وَتَمَكُّنُهُ مِنْ هَذَا الْقَتْلِ لَيْسَ بِنُصْرَتِهِمْ) أَيْ لَيْسَ بِسَبَبِ نُصْرَةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ إيَّاهُ. وَقَوْلُهُ (لِعَدَمِ التَّنَاصُرِ) ؛ لِأَنَّ التَّعَاقُلَ يَبْتَنِي عَلَى الْمُوَالَاةِ وَذَلِكَ

وَالْكُفَّارُ يَتَعَاقَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَلُهُمْ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ. قَالُوا: هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْمُعَادَاةُ فِيمَا بَيْنَهُمْ ظَاهِرَةً، أَمَّا إذَا كَانَتْ ظَاهِرَةً كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَعَاقَلُونَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، وَهَكَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِانْقِطَاعِ التَّنَاصُرِ. وَلَوْ كَانَ الْقَاتِلُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَلَهُ بِهَا عَطَاءٌ فَحَوَّلَ دِيوَانَهُ إلَى الْبَصْرَةِ ثُمَّ رُفِعَ إلَى الْقَاضِي فَإِنَّهُ يُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ. وَقَالَ زُفَرُ: يُقْضَى عَلَى عَاقِلَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، لِأَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ الْجِنَايَةُ وَقَدْ تَحَقَّقَ وَعَاقِلَتُهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ، وَصَارَ كَمَا إذَا حُوِّلَ بَعْدَ الْقَضَاءِ. وَلَنَا أَنَّ الْمَالَ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ الْقَضَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْمِثْلُ وَبِالْقَضَاءِ يَنْتَقِلُ إلَى الْمَالِ، وَكَذَا الْوُجُوبُ عَلَى الْقَاتِلِ وَتَتَحَمَّلُ عَنْهُ عَاقِلَتُهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَتَحَمَّلُ عَنْهُ مَنْ يَكُونُ عَاقِلَتَهُ عِنْدَ الْقَضَاءِ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ قَدْ تَقَرَّرَ بِالْقَضَاءِ فَلَا يَنْتَقِلُ بَعْدَ ذَلِكَ، لَكِنَّ حِصَّةَ الْقَاتِلِ تُؤْخَذُ مِنْ عَطَائِهِ بِالْبَصْرَةِ لِأَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ الْعَطَاءِ وَعَطَاؤُهُ بِالْبَصْرَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQيَنْعَدِمُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمِلَّةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] وَقَوْلُهُ (وَالْكُفَّارُ يَتَعَاقَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ) ظَاهِرًا لَا أَلْفَاظًا نَذْكُرُهَا. وَقَوْلُهُ (وَعَاقِلَتُهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ) الْوَاوُ لِلْحَالِ. وَقَوْلُهُ (لَكِنَّ حِصَّةَ الْقَاتِلِ تُؤْخَذُ مِنْ عَطَائِهِ بِالْبَصْرَةِ) يَعْنِي

بِخِلَافِ مَا إذَا قُلْت الْعَاقِلَةُ بَعْدَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِمْ حَيْثُ يُضَمُّ إلَيْهِمْ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ فِي النَّسَبِ، لِأَنَّ فِي النَّقْلِ إبْطَالَ حُكْمِ الْأَوَّلِ فَلَا يَجُوزُ بِحَالٍ، وَفِي الضَّمِّ تَكْثِيرُ الْمُتَحَمِّلِينَ لِمَا قُضِيَ بِهِ عَلَيْهِمْ فَكَانَ فِيهِ تَقْرِيرُ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ لَا إبْطَالُهُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ مَسْكَنُهُ بِالْكُوفَةِ وَلَيْسَ لَهُ عَطَاءٌ فَلَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ حَتَّى اسْتَوْطَنَ الْبَصْرَةَ قُضِيَ بِالدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَلَوْ كَانَ قَضَى بِهَا عَلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْهُمْ، وَكَذَا الْبَدْوِيُّ إذَا أُلْحِقَ بِالدِّيوَانِ بَعْدَ الْقَتْلِ قَبْلَ الْقَضَاءِ يُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ، وَبَعْدَ الْقَضَاءِ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِالْبَادِيَةِ لَا يَتَحَوَّلُ عَنْهُمْ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ قُضِيَ بِالدِّيَةِ عَلَيْهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ثُمَّ جَعَلَهُمْ الْإِمَامُ فِي الْعَطَاءِ حَيْثُ تَصِيرُ الدِّيَةُ فِي أَعْطِيَاتِهِمْ وَإِنْ كَانَ قَضَى بِهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ فِي أَمْوَالِهِمْ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَقْضُ الْقَضَاءِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ قَضَى بِهَا فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَعْطِيَاتُهُمْ أَمْوَالُهُمْ، غَيْرَ أَنَّ الدِّيَةَ تُقْضَى مِنْ أَيْسَرِ الْأَمْوَالِ أَدَاءً، وَالْأَدَاءُ مِنْ الْعَطَاءِ أَيْسَرُ إذَا صَارُوا مِنْ أَهْلِ الْعَطَاءِ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَالُ الْعَطَاءِ مِنْ جِنْسِ مَا قُضِيَ بِهِ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ الْقَضَاءُ بِالْإِبِلِ وَالْعَطَاءُ دَرَاهِمَ فَحِينَئِذٍ لَا تَتَحَوَّلُ إلَى الدَّرَاهِمِ أَبَدًا لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْقَضَاءِ الْأَوَّلِ، لَكِنْ يُقْضَى ذَلِكَ مِنْ مَالِ الْعَطَاءِ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ. قَالَ (وَعَاقِلَةُ الْمُعْتَقِ قَبِيلَةُ مَوْلَاهُ) لِأَنَّ النُّصْرَةَ بِهِمْ يُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» . قَالَ (وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ يَعْقِلُ عَنْهُ مَوْلَاهُ وَقَبِيلَتُهُ) لِأَنَّهُ وَلَاءٌ يُتَنَاصَرُ بِهِ فَأَشْبَهَ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ. قَالَ (وَلَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ وَتَتَحَمَّلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَضَاءِ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ مَا إذَا قَلَّتْ الْعَاقِلَةُ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقَضَاءِ وَمَعْنَاهُ لَا يُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ إذَا كَانَ الْقَاضِي قَضَى بِدِيَتِهِ عَلَى عَاقِلَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَلَّتْ الْعَاقِلَةُ بِمَوْتِ بَعْضِهِمْ حَيْثُ يُضَمُّ إلَيْهِمْ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ فِي النَّسَبِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَضَاءِ مَعَ أَنَّ فِيهِ أَيْضًا نَقْلَ الدِّيَةِ مِنْ الْمَوْجُودِينَ وَقْتَ الْقَضَاءِ إلَى أَقْرَبِ الْقَبَائِلِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ فِي النَّقْلِ إبْطَالَ حُكْمِ الْأَوَّلِ فَلَا يَجُوزُ بِحَالٍ، وَفِي الضَّمِّ تَكْثِيرُ الْمُتَحَمِّلِينَ لِمَا قُضِيَ بِهِ عَلَيْهِمْ فَكَانَ فِيهِ تَقْرِيرُ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ لَا إبْطَالُهُ. وَقَوْلُهُ (لَكِنْ يُقْضَى ذَلِكَ) أَيْ الْإِبِلُ مِنْ مَالِ الْعَطَاءِ بِأَنْ يَشْتَرِيَ الْإِبِلَ مِنْ مَالِ الْعَطَاءِ. قَالَ (وَعَاقِلَةُ الْمُعْتَقِ قَبِيلَةُ مَوْلَاهُ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَلَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ) ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجِبُ فِي عَمْدِهِ

نِصْفَ الْعُشْرِ فَصَاعِدًا) وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَمَرْفُوعًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَعْقِلُ الْعَوَاقِلُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا وَلَا مَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ» وَأَرْشُ الْمُوضِحَةِ نِصْفُ عُشْرِ بَدَلِ النَّفْسِ، وَلِأَنَّ التَّحَمُّلَ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الْإِجْحَافِ وَلَا إجْحَافَ فِي الْقَلِيلِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْكَثِيرِ، وَالتَّقْدِيرُ الْفَاصِلُ عُرِفَ بِالسَّمْعِ. قَالَ (وَمَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ يَكُونُ فِي مَالِ الْجَانِي) وَالْقِيَاسُ فِيهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَيَجِبُ الْكُلُّ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، أَوْ التَّسْوِيَةُ فِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ شَيْءٌ، إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ بِمَا رَوَيْنَا، وَبِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْجَبَ أَرْشَ الْجَنِينِ عَلَى الْعَاقِلَةِ» وَهُوَ نِصْفُ عُشْرِ بَدَلِ الرَّجُلِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الدِّيَاتِ، فَمَا دُونَهُ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكُ الْأَمْوَالِ لِأَنَّهُ يَجِبُ بِالتَّحْكِيمِ كَمَا يَجِبُ ضَمَانُ الْمَالِ بِالتَّقْوِيمِ فَلِهَذَا كَانَ فِي مَالِ الْجَانِي أَخْذًا بِالْقِيَاسِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يَتَقَدَّرُ أَرْشُهُ فَصَارَ كَضَمَانِ الْأَمْوَالِ. قِيلَ هَذَا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، فَأَمَّا بَدَلُ النَّفْسِ فَتَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الْعُشْرِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَبِيلَةَ إذَا كَانَتْ مِائَةً كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ، وَإِنْ كَانَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِائَةَ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ النَّفْسِ، وَكَذَلِكَ مَنْ قَتَلَ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا فَإِنَّهُ تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ؛ لِأَنَّ تَحَمُّلَ بَدَلِ النَّفْسِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ وَالتَّحَمُّلُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ ثَابِتٌ بِعِلَّةِ النَّصِّ فَلَا يُعْتَبَرُ لِلتَّحَمُّلِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مِقْدَارٌ لَمْ يُوجَدْ فِي التَّحَمُّلِ لَا النَّصِّ وَلَا عِلَّتُهُ فَيَجِبُ فِي مَالِهِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا عَبْدًا) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَعْقِلُ الْعَوَاقِلُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا» فَقَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّمَا مَعْنَاهُ أَنْ يَقْتُلَ الْعَبْدُ حُرًّا فَلَيْسَ عَلَى عَاقِلَةِ مَوْلَاهُ شَيْءٌ مِنْ جِنَايَةِ عَبْدِهِ، إنَّمَا جِنَايَتُهُ فِي رَقَبَتِهِ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ يَفْدِيَهُ. ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: إنَّمَا مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مَجْنِيًّا عَلَيْهِ يَقْتُلُهُ حُرٌّ أَوْ يَجْرَحُهُ يَقُولُ: فَلَيْسَ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي شَيْءٌ إنَّمَا ثَمَنُهُ فِي مَالِهِ خَاصَّةً. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَذَاكَرْت الْأَصْمَعِيَّ فِي ذَلِكَ فَإِذَا هُوَ يَرَى الْقَوْلَ فِيهِ قَوْلَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى لِجَرْيِهِ عَلَى كَلَامِ الْعَرَبِ، وَلَا يَرَى قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ جَائِزًا، يَذْهَبُ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَعْنَى عَلَى مَا قَالَ لَكَانَ الْكَلَامُ لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَنْ عَبْدٍ وَلَمْ يَكُنْ وَلَا تَعْقِلُ عَبْدًا، وَمَعْنَى قَوْلِ الْأَصْمَعِيِّ إنَّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ يُقَالُ عَقَلْت

قَالَ (وَلَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ جِنَايَةَ الْعَبْدِ وَلَا مَا لَزِمَ بِالصُّلْحِ أَوْ بِاعْتِرَافِ الْجَانِي) لِمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّهُ لَا تَنَاصُرَ بِالْعَبْدِ وَالْإِقْرَارُ وَالصُّلْحُ لَا يَلْزَمَانِ الْعَاقِلَةَ لِقُصُورِ الْوِلَايَةِ عَنْهُمْ. قَالَ (إلَّا أَنْ يُصَدِّقُوهُ) لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِتَصَادُقِهِمْ وَالِامْتِنَاعُ كَانَ لِحَقِّهِمْ وَلَهُمْ وِلَايَةٌ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. (وَمَنْ أَقَرَّ بِقَتْلٍ خَطَإٍ وَلَمْ يَرْفَعُوا إلَى الْقَاضِي إلَّا بَعْدَ سِنِينَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالدِّيَةِ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ يُقْضَى) لِأَنَّ التَّأْجِيلَ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ فِي الثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ فَفِي الثَّابِتِ بِالْإِقْرَارِ أَوْلَى (وَلَوْ تَصَادَقَ الْقَاتِلُ وَوَلِيُّ الْجِنَايَةِ عَلَى أَنَّ قَاضِيَ بَلَدِ كَذَا قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِالْكُوفَةِ بِالْبَيِّنَةِ وَكَذَّبَهُمَا الْعَاقِلَةُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَاقِلَةِ) لِأَنَّ تَصَادُقَهُمَا لَيْسَ بِحَجَّةٍ عَلَيْهِمْ (وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي مَالِهِ) لِأَنَّ الدِّيَةَ بِتَصَادُقِهِمَا تَقَرَّرَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَتِيلَ إذَا أَعْطَيْت دِيَتَهُ، وَعَقَلْت عَنْ فُلَانٍ إذَا لَزِمَتْهُ دِيَةٌ فَأَعْطَيْتُهَا عَنْهُ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: كَلَّمْت أَبَا يُوسُفَ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الرَّشِيدِ فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ عَقَلْته وَعَقَلْت عَنْهُ حَتَّى فَهِمْته. وَأُجِيبَ بِأَنَّ عَقَلْته يُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنَى عَقَلْت عَنْهُ، وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا» وَسِيَاقُهُ وَهُوَ قَوْلُهُ «وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا» يَدُلَّانِ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ عَنْ عَمْدٍ وَعَنْ صُلْحٍ وَعَنْ اعْتِرَافٍ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا (وَلَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ جِنَايَةَ الْعَبْدِ) إضَافَةُ الْمَصْدَرِ إلَى فَاعِلِهِ. وَأَمَّا إذَا جَنَى الْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ فَقَتَلَهُ خَطَأً كَانَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ. وَقَوْلُهُ (وَالْإِقْرَارُ وَالصُّلْحُ لَا يَلْزَمَانِ الْعَاقِلَةَ لِقُصُورِ الْوِلَايَةِ عَنْهُمْ) إلَّا أَنَّ فِي الْإِقْرَارِ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَفِي الصُّلْحِ عَنْ الْعَمْدِ يَجِبُ الْمَالُ حَالًّا إلَّا إذَا شَرَطَ الْأَجَلَ فِي الصُّلْحِ فَيَكُونُ مُؤَجَّلًا. وَقَوْلُهُ (فَفِي الثَّابِتِ بِالْإِقْرَارِ أَوْلَى) يُرِيدُ أَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْلَى مِنْهُ بِالْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ مُعَايَنَةٌ. وَفِي الْقَتْلِ مُعَايَنَةً الدِّيَةُ إنَّمَا تَجِبُ

عَلَى الْعَاقِلَةِ بِالْقَضَاءِ وَتَصَادُقُهُمَا حُجَّةٌ فِي حَقِّهِمَا، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عَطَاءٌ مَعَهُمْ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ) لِأَنَّهُ فِي حَقِّ حِصَّتِهِ مُقِرٌّ عَلَى نَفْسِهِ وَفِي حَقِّ الْعَاقِلَةِ مُقِرٌّ عَلَيْهِمْ. قَالَ (وَإِذَا جَنَى الْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ فَقَتَلَهُ خَطَأً كَانَ عَلَى عَاقِلَتِهِ قِيمَتُهُ) لِأَنَّهُ بَدَلُ النَّفْسِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا. وَفِي أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ تَجِبُ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَالِ عِنْدَهُ وَلِهَذَا يُوجِبُ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَمَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ الْعَبْدِ لَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ لِأَنَّهُ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ عِنْدَنَا عَلَى مَا عُرِفَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِقَضَاءِ الْقَاضِي فَهَذَا أَوْلَى. وَقَوْلُهُ (وَتَصَادُقُهُمَا حُجَّةٌ فِي حَقِّهِمَا) ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْمُتَصَادِقَيْنِ وَلِيُّ الْقَتِيلِ، وَمِنْ زَعْمِهِ أَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ لَا عَلَى الْمُقِرِّ فَإِقْرَارُهُ حُجَّةٌ عَلَى نَفْسِهِ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْأَوَّلِ) أَرَادَ بِهِ قَوْلَهُ وَالْإِقْرَارُ وَالصُّلْحُ لَا يَلْزَمَانِ الْعَاقِلَةَ فَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَلْزَمُ مُوجِبُ الْإِقْرَارِ فِي مَالِ الْمُقِرِّ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ هُنَاكَ فِي مَالِ الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَمْ يُوجَدْ تَصَادُقُهُمَا بِقَضَاءِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَيَجِبُ فِي مَالِ الْمُقِرِّ ضَرُورَةً. فَإِنْ قِيلَ: لَمَّا كَانَ أَصْلُ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ وَقَدْ تَحَوَّلَ بِزَعْمِهِ إلَى عَاقِلَتِهِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، فَإِذَا تَوَى عَلَى الْعَاقِلَةِ بِجُحُودِهِمْ عَادَ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ، أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا يَسْتَقِيمُ فِيمَا إذَا كَانَ أَصْلُهُ دَيْنًا لِدَفْعِ التَّوَى عَنْ مَالِ الْمُسْلِمِ، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ صِلَةٌ شُرِعَتْ صِيَانَةً لِدَمِ الْمَقْتُولِ عَنْ الْهَدَرِ، فَبَعْدَمَا تَقَرَّرَ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَا يَتَحَوَّلُ إلَيْهِ بِحَالٍ

وَفِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ الْعَاقِلَةُ تَتَحَمَّلُهُ كَمَا فِي الْحُرِّ وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ. قَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّ الْقَاتِلَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ هُمْ أَهْلُ نُصْرَتِهِ وَلَيْسَ بَعْضُهُمْ أَخَصُّ مِنْ بَعْضٍ بِذَلِكَ، وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ كَانَ مِيرَاثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ فَكَذَا مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْغَرَامَةِ يَلْزَمُ بَيْتَ الْمَالِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ أَنَّ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ تَجِبَ الدِّيَةُ عَلَى الْقَاتِلِ لِأَنَّهُ بَدَلٌ مُتْلِفٌ وَالْإِتْلَافُ مِنْهُ، إلَّا أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَتَحَمَّلُهَا تَحْقِيقًا لِلتَّخْفِيفِ عَلَى مَا مَرَّ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ عَادَ الْحُكْمُ إلَى الْأَصْلِ. (وَابْنُ الْمُلَاعَنَةِ تَعْقِلُهُ عَاقِلَةُ أُمِّهِ) لِأَنَّ نَسَبَهُ ثَابِتٌ مِنْهَا دُونَ الْأَبِ (فَإِنْ عَقَلُوا عَنْهُ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْأَبُ رَجَعَتْ عَاقِلَةُ الْأُمِّ بِمَا أَدَّتْ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ يَقْضِي الْقَاضِي لِعَاقِلَةِ الْأُمِّ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ) لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الدِّيَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ عِنْدَ الْإِكْذَابِ ظَهَرَ أَنَّ النَّسَبَ لَمْ يَزَلْ كَانَ ثَابِتًا مِنْ الْأَبِ حَيْثُ بَطَلَ اللِّعَانُ بِالْإِكْذَابِ، وَمَتَى ظَهَرَ مِنْ الْأَصْلِ فَقَوْمُ الْأُمِّ تَحَمَّلُوا مَا كَانَ وَاجِبًا عَلَى قَوْمِ الْأَبِ فَيَرْجِعُونَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ مُضْطَرُّونَ فِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ عَنْ وَفَاءٍ وَلَهُ وَلَدٌ حُرٌّ فَلَمْ يُؤَدِّ كِتَابَتَهُ حَتَّى جَنَى ابْنُهُ وَعَقَلَ عَنْهُ قَوْمُ أُمِّهِ ثُمَّ أُدِّيَتْ الْكِتَابَةُ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْأَدَاءِ يَتَحَوَّلُ وَلَاؤُهُ إلَى قَوْمِ أَبِيهِ مِنْ وَقْتِ حُرِّيَّةِ الْأَبِ وَهُوَ آخِرُ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ قَوْمَ الْأُمِّ عَقَلُوا عَنْهُمْ فَيَرْجِعُونَ عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ رَجُلٌ أَمَرَ صَبِيًّا بِقَتْلِ رَجُلٍ فَقَتَلَهُ فَضَمِنَتْ عَاقِلَةُ الصَّبِيِّ الدِّيَةَ رَجَعَتْ بِهَا عَلَى عَاقِلَةِ الْآمِرِ إنْ كَانَ الْأَمْرُ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ، وَفِي مَالِ الْآمِرِ إنْ كَانَ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ يَقْضِي بِهَا الْقَاضِي عَلَى الْآمِرِ، أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِأَنَّ الدِّيَاتِ تَجِبُ مُؤَجَّلَةً بِطَرِيقِ التَّيْسِيرِ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَاهُنَا عِدَّةُ مَسَائِلَ ذَكَرَهَا مُحَمَّدٌ مُتَفَرِّقَةً، وَالْأَصْلُ الَّذِي يُخَرَّجُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ: حَالُ الْقَاتِلِ إذَا تَبَدَّلَ حُكْمًا فَانْتَقَلَ وَلَاؤُهُ إلَى وَلَاءٍ بِسَبَبِ أَمْرٍ حَادِثٍ لَمْ تَنْتَقِلْ جِنَايَتُهُ عَنْ الْأَوَّلِ قَضَى بِهَا أَوْ لَمْ يَقْضِ، وَإِنْ ظَهَرَتْ حَالَةٌ خَفِيَّةٌ مِثْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQسَوَاءٌ اسْتَوْفَى مِنْ الْعَاقِلَةِ أَوْ لَمْ يَسْتَوْفِ. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ) أَيْ فِي أَوَّلِ فَصْلٍ بَعْدَ بَابِ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ، وَقَوْلُهُ (قَالَ أَصْحَابُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: إنَّ الْقَاتِلَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْقَاتِلُ مُسْلِمًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ هُمْ أَهْلُ النُّصْرَةِ، وَالنُّصْرَةُ بِالْوِلَايَةِ وَهِيَ مُنْقَطِعَةٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ أَدَّيْت الْكِتَابَةَ) أَيْ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَرْجِعُ قَوْمُ الْأُمِّ عَلَى الْأَبِ وَقَوْلُهُ (وَالْأَصْلُ الَّذِي يَخْرُجُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ حَالُ الْقَاتِلِ إذْ تَبَدَّلَ حُكْمًا فَانْتَقَلَ وَلَاؤُهُ إلَى وَلَاءٍ بِسَبَبٍ حَادِثٍ لَمْ تَنْتَقِلْ جِنَايَةً عَنْ الْأُولَى قَضَى بِهَا الْقَاضِي أَوْ لَمْ يَقْضِ) كَالْمَوْلُودِينَ عَبْدٍ وَحُرَّةٍ إذَا جَنَى ثُمَّ أُعْتِقَ الْعَبْدُ لَا تَتَحَوَّلُ الْجِنَايَةُ عَنْ عَاقِلَةِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّ هَاهُنَا تَبَدَّلَ حَالُهُ بِأَنْ انْتَقَلَ وَلَاؤُهُ عَنْ مَوَالِي الْأُمِّ إلَى مَوَالِي الْأَبِ، وَكَالْغُلَامِ إذَا حَفَرَ بِئْرًا قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ أَبُوهُ ثُمَّ سَقَطَ فِي الْبِئْرِ رَجُلٌ بَعْدَمَا أُعْتِقَ أَبُوهُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْأُمِّ وَلَا يَجْعَلُ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْحَادِثَ بَعْدَ الْحَفْرِ وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ فَيُعْتَبَرُ بِالْمِلْكِ الْحَفْرُ لَوْ وُجِدَ فِي مِلْكٍ ثُمَّ حَدَثَ فِيهِ مِلْكٌ آخَرُ لِلْغَيْرِ قَبْلَ الْوُقُوعِ فَإِنَّ الْجِنَايَةَ لَا تَتَحَوَّلُ إلَى الْمِلْكِ الْحَادِثِ بَلْ تَبْقَى فِي الْمِلْكِ الَّذِي وُجِدَ فِيهِ الْحَفْرُ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ إذَا حَفَرَ بِئْرًا فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَقَبْلَ أَنْ يَقَعَ فِيهِ إنْسَانٌ بَاعَهُ ثُمَّ وَقَعَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي إنْسَانٌ فَمَاتَ فَالضَّمَانُ عَلَى الْبَائِعِ لَا عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي حَادِثٌ بَعْدَ الْحَفْرِ فَكَذَا الْوَلَاءُ الْحَادِثُ بَعْدَ

[كتاب الوصايا]

دَعْوَةِ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ حُوِّلَتْ الْجِنَايَةُ إلَى الْأُخْرَى وَقَعَ الْقَضَاءُ بِهَا أَوْ لَمْ يَقَعْ، وَلَوْ لَمْ يَخْتَلِفْ حَالُ الْجَانِي وَلَكِنَّ الْعَاقِلَةَ تَبَدَّلَتْ كَانَ الِاعْتِبَارُ فِي ذَلِكَ لِوَقْتِ الْقَضَاءِ، فَإِنْ كَانَ قَضَى بِهَا عَلَى الْأُولَى لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى الثَّانِيَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَضَى بِهَا عَلَى الْأُولَى فَإِنَّهُ يَقْضِي بِهَا عَلَى الثَّانِيَةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْعَاقِلَةُ وَاحِدَةً فَلَحِقَهَا زِيَادَةٌ أَوْ نُقْصَانٌ اشْتَرَكُوا فِي حُكْمِ الْجِنَايَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَبَعْدَهُ إلَّا فِيمَا سَبَقَ أَدَاؤُهُ فَمَنْ أَحْكَمَ هَذَا الْأَصْلَ مُتَأَمِّلًا يُمْكِنُهُ التَّخْرِيجُ فِيمَا وَرَدَ عَلَيْهِ مِنْ النَّظَائِرِ وَالْأَضْدَادِ. (كِتَابُ الْوَصَايَا) بَابٌ فِي صِفَةِ الْوَصِيَّةِ مَا يَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنْهُ وَمَا يَكُونُ رُجُوعًا عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَفْرِ يُعْتَبَرُ بِهِ فَلَا تَتَحَوَّلُ الْجِنَايَةُ وَإِنْ ظَهَرَتْ حَالَةٌ خَفِيفَةٌ مِثْلُ دَعْوَةِ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ حُوِّلَتْ الْجِنَايَةُ إلَى الْأُخْرَى وَقَعَ الْقَضَاءُ بِهَا أَوْ لَمْ يَقَعْ، وَقَدْ ذَكَرَ صُورَتَهُ فِي الْكِتَابِ، وَكَمَا إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ عَنْ وَلَدٍ حُرٍّ وَوَفَاءٍ فَلَمْ يُؤَدُّوا مُكَاتَبَتَهُ حَتَّى جَنَى ابْنُهُ وَهُوَ مِنْ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ مَوْلَاةٌ لِبَنِي تَمِيمٍ وَالْمُكَاتَبُ لِرَجُلٍ مِنْ هَمْدَانَ فَعَقَلَ عَنْهُ جِنَايَتَهُ قَوْمُ أُمِّهِ ثُمَّ أُدِّيَتْ الْكِتَابَةُ فَإِنَّ عَاقِلَةَ الْأُمِّ يَرْجِعُونَ بِمَا أَدَّوْا عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ؛ لِأَنَّ عِتْقَ الْمُكَاتَبِ عِنْدَ أَدَاءِ الْبَدَلِ يَسْتَنِدُ إلَى حَالِ حَيَاتِهِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ لِلْوَلَدِ وَلَاءٌ مِنْ جَانِبِ الْأَبِ حِينَ جَنَى وَأَنَّ مُوجِبَ جِنَايَتِهِ عَلَى مَوَالِي أَبِيهِ فَلِذَلِكَ يَرْجِعُونَ عَلَى مَوَالِي الْأَبِ وَلَوْ لَمْ يَخْتَلِفْ حَالُ الْجَانِي وَلَكِنَّ الْعَاقِلَةَ تَبَدَّلَتْ كَانَ الِاعْتِبَارُ فِي ذَلِكَ لِوَقْتِ الْقَضَاءِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ فِي صُورَةِ تَحْوِيلِ الدِّيوَانِ مِنْ الْكُوفَةِ إلَى الْبَصْرَةِ مِنْ قَبْلُ، وَإِنْ كَانَتْ الْعَاقِلَةُ وَاحِدَةً فَلَحِقَهَا زِيَادَةٌ أَوْ نُقْصَانٌ اشْتَرَكُوا فِي حُكْمِ الْجِنَايَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَبَعْدَهُ كَمَا إذَا قَلَّتْ الْعَاقِلَةُ بَعْدَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِمْ وَبَعْدَ أَخْذِ الْبَعْضِ مِنْهُمْ ضُمَّ إلَيْهِمْ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ نَسَبًا وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَقَوْلُهُ (إلَّا فِيمَا سَبَقَ أَدَاؤُهُ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ اشْتَرَكُوا: يَعْنِي لَا يَشْتَرِكُونَ فِيهِ بَلْ يَقَعُ ذَلِكَ مِنْ الَّذِينَ أَدَّوْا قَبْلَ ضَمِّ أَقْرَبِ الْقَبَائِلِ إلَيْهِمْ. [كِتَابُ الْوَصَايَا] [بَابٌ فِي صِفَةِ الْوَصِيَّةِ] (كِتَابُ الْوَصَايَا)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبَابٌ فِي صِفَةِ الْوَصِيَّةِ مَا يَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنْهُ وَمَا يَكُونُ رُجُوعًا عَنْهُ) إيرَادُ كِتَابِ الْوَصَايَا فِي آخِرِ الْكِتَابِ ظَاهِرُ الْمُنَاسَبَةِ؛ لِأَنَّ آخِرَ أَحْوَالِ الْآدَمِيِّ فِي الدُّنْيَا الْمَوْتُ، وَالْوَصِيَّةُ مُعَامَلَةٌ وَقْتَ الْمَوْتِ وَلَهُ زِيَادَةُ اخْتِصَاصٍ بِكِتَابِ الْجِنَايَاتِ وَالدِّيَاتِ لِمَا أَنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ تُفْضِي إلَى الْمَوْتِ الَّذِي وَقْتُهُ وَقْتُ الْوَصِيَّةِ، وَالْوَصِيَّةُ اسْمٌ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ، ثُمَّ سُمِّيَ الْمُوصَى بِهِ وَصِيَّةً، وَهِيَ فِي الشَّرِيعَةِ تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ، وَسَبَبُهَا سَبَبُ التَّبَرُّعَاتِ وَشَرَائِطُهَا كَوْنُ الْمُوصِي أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مَدْيُونًا، وَكَوْنُ الْمُوصَى لَهُ حَيًّا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يُولَدْ، وَأَجْنَبِيًّا عَنْ الْمِيرَاثِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ قَاتِلًا، وَكَوْنُ الْمُوصَى بِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي شَيْئًا قَابِلًا لِلتَّمْلِيكِ مِنْ الْغَيْرِ بِعَقْدٍ مِنْ الْعُقُودِ حَالَ حَيَاةِ الْمُوصِي سَوَاءٌ كَانَ مَوْجُودًا فِي الْحَالِ أَوْ مَعْدُومًا، وَأَنْ يَكُونَ بِمِقْدَارِ الثُّلُثِ. وَرُكْنُهَا أَنْ يَقُولَ: أَوْصَيْتُ بِكَذَا لِفُلَانٍ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِيهَا. وَأَمَّا حُكْمُ الْوَصِيَّةِ فَفِي حَقِّ الْمُوصَى لَهُ أَنْ يَمْلِكَ الْمُوصَى بِهِ مِلْكًا جَدِيدًا كَمَا فِي الْهِبَةِ وَفِي حَقِّ الْمُوصِي

قَالَ (الْوَصِيَّةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ) وَالْقِيَاسُ يَأْبَى جَوَازَهَا لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى حَالِ زَوَالِ مَالِكِيَّتِهِ، وَلَوْ أُضِيفَ إلَى حَالِ قِيَامِهَا بِأَنْ قِيلَ مَلَّكْتُك غَدًا كَانَ بَاطِلًا فَهَذَا أَوْلَى، إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّاهُ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ مَغْرُورٌ بِأَمَلِهِ مُقَصِّرٌ فِي عَمَلِهِ، فَإِذَا عَرَضَ لَهُ الْمَرَضُ وَخَافَ الْبَيَانَ يَحْتَاجُ إلَى تَلَافِي بَعْضِ مَا فَرَّطَ مِنْهُ مِنْ التَّفْرِيطِ بِمَالِهِ عَلَى وَجْهٍ لَوْ مَضَى فِيهِ يَتَحَقَّقُ مَقْصِدُهُ الْمَآلِيُّ، وَلَوْ أَنْهَضَهُ الْبُرْءُ يَصْرِفُهُ إلَى مَطْلَبِهِ الْحَالِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQإقَامَةُ الْمُوصَى لَهُ فِيمَا أَوْصَى بِهِ مَقَامَ نَفْسِهِ كَالْوَارِثِ. وَصِفَتُهَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (الْوَصِيَّةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ) فَقَوْلُهُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ رَدٌّ لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إذَا كَانُوا مِمَّنْ لَا يَرِثُونَ فَرْضٌ، وَلِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ: الْوَصِيَّةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مِمَّنْ لَهُ ثَرْوَةٌ وَيَسَارٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] وَالْمَكْتُوبُ عَلَيْنَا فَرْضٌ، وَلَمَّا لَمْ يُفْهَمْ الِاسْتِحْبَابُ مِنْ نَفْيِ الْوُجُوبِ لِجَوَازِ الْإِبَاحَةِ قَالَ: وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ وَالْقِيَاسُ يَأْبَى جَوَازَهَا؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى حَالِ زَوَالِ مَالِكِيَّتِهِ، وَلَوْ أَضَافَهُ إلَى حَالِ قِيَامِهَا بِأَنْ قَالَ مَلَّكْتُكَ غَدًا كَانَ بَاطِلًا فَهَذَا أَوْلَى، إلَّا أَنَّا

وَفِي شَرْعِ الْوَصِيَّةِ ذَلِكَ فَشَرَعْنَاهُ، وَمِثْلُهُ فِي الْإِجَارَةِ بَيَّنَّاهُ، وَقَدْ تَبْقَى الْمَالِكِيَّةُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ كَمَا فِي قَدْرِ التَّجْهِيزِ وَالدَّيْنِ، وَقَدْ نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] وَالسُّنَّةُ وَهُوَ قَوْلُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ فِي آخِرِ أَعْمَارِكُمْ زِيَادَةً لَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتَحْسَنَّاهُ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا، إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (وَمِثْلُهُ فِي الْإِجَازَةِ بَيَّنَّاهُ) فِي أَنَّهَا عَقْدٌ يَأْبَى الْقِيَاسُ جَوَازَهَا لِكَوْنِهَا مُضَافَةً إلَى زَمَانٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَكَانَ جَوَازُهُ بِالِاسْتِحْسَانِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ تَبْقَى الْمِلْكِيَّةُ بَعْدَ الْمَوْتِ) جَوَابٌ عَنْ وَجْهِ الْقِيَاسِ، وَقَوْلُهُ (وَقَدْ نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ) بَيَانٌ لِوَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى نَسْخِ قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [البقرة: 180] بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي أُصُولِهِ وَقَرَّرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَتَّبَ الْمَوَارِيثَ عَلَى وَصِيَّةٍ نَكِرَةٍ

تَضَعُونَهَا حَيْثُ شِئْتُمْ» أَوْ قَالَ «حَيْثُ أَحْبَبْتُمْ» وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ. ثُمَّ تَصِحُّ لِلْأَجْنَبِيِّ فِي الثُّلُثِ مِنْ غَيْرِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ لِمَا رَوَيْنَا، وَسَنُبَيِّنُ مَا هُوَ الْأَفْضَلُ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ (وَلَا تَجُوزُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ) لِقَوْلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» بَعْدَ مَا نَفَى وَصِيَّتَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْوَصِيَّةُ الْأُولَى كَانَتْ مَعْهُودَةً فَإِنَّهَا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ، فَلَوْ كَانَتْ تِلْكَ الْوَصِيَّةُ بَاقِيَةً مَعَ الْمِيرَاثِ لَرَتَّبَ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ عَلَيْهَا، وَبَيَّنَ بِأَنَّ هَذَا الْمِقْدَارَ بِعَدَدِ الْمِقْدَارِ الْمَفْرُوضِ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ مَحَلُّ بَيَانِ مَا فُرِضَ لِلْوَالِدَيْنِ، وَحَيْثُ رَتَّبَهَا عَلَى وَصِيَّةٍ مُنَكَّرَةٍ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ الْمَفْرُوضَةَ لَمْ تَبْقَ لَازِمَةً بَلْ بَعْدَ أَيِّ وَصِيَّةٍ كَانَتْ نَصِيبُهُمَا ذَلِكَ الْمِقْدَارَ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ الْمَفْرُوضَةِ وَإِذَا انْتَسَخَ الْوُجُوبَ انْتَسَخَ الْجَوَازُ عِنْدَنَا. وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَجْهًا آخَرَ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ وَاسْتِدْلَالُهُ بِالسُّنَّةِ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ (إجْمَاعُ الْأُمَّةِ) وَقَوْلُهُ (لِمَا رَوَيْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ» مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِإِجَازَةٍ. وَقَوْلُهُ (وَسَنُبَيِّنُ مَا هُوَ الْأَفْضَلُ فِيهِ) أَيْ: فِي فِعْلِ الْوَصِيَّةِ أَوْ فِي قَدْرِ الْوَصِيَّةِ (وَلَا تَجُوزُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ) وَهُوَ مَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ الْآثَارِ قَالَ: أَخْبَرَنَا

بِالْكُلِّ وَالنِّصْفِ، وَلِأَنَّهُ حَقُّ الْوَرَثَةِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ انْعَقَدَ سَبَبُ الزَّوَالِ إلَيْهِمْ وَهُوَ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنْ الْمَالِ فَأَوْجَبَ تَعَلُّقَ حَقِّهِمْ بِهِ، إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُظْهِرْهُ فِي حَقِّ الْأَجَانِبِ بِقَدْرِ الثُّلُثِ لِيَتَدَارَكَ مَصِيرَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَأَظْهَرَهُ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يُتَصَدَّقُ بِهِ عَلَيْهِمْ تَحَرُّزًا عَمَّا يَتَّفِقُ مِنْ الْإِيثَارِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبُو حَنِيفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ «دَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعُودُنِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَأُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ لَا، فَقُلْتُ فَبِالنِّصْفِ؟ قَالَ لَا، قُلْتُ: فَبِالثُّلُثِ؟ قَالَ: الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، لَا تَدَعُ أَهْلَك يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «إنَّكَ إنْ تَدَعْ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» . وَقَوْلُهُ (وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ) ظَاهِرٌ، وَالضَّمِيرُ الْبَارِزُ فِي قَوْلِهِ لَمْ يَظْهَرْهُ وَأَظْهَرَهُ لِلِاسْتِغْنَاءِ. وَقَوْلُهُ (تَحَرُّزًا عَمَّا يَتَّفِقُ مِنْ الْإِيثَارِ) أَيْ احْتِرَازٌ عَمَّا يُوجَدُ مِنْ تَأَذِّي الْبَعْضِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ بِسَبَبِ (إيثَارِ) الْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ عَلَى (مَا نُبَيِّنُهُ) يَعْنِي عِنْدَ قَوْلِهِ بَعْدَ هَذَا وَلَا تَجُوزُ لِوَارِثٍ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْحَيْفُ فِي الْوَصِيَّةِ، رُوِيَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْيَاءِ وَهُوَ الظُّلْمُ، وَرُوِيَ الْجَنَفُ بِالْجِيمِ وَالنُّونِ

«الْحَيْفُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ» وَفَسَّرُوهُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ وَبِالْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ. قَالَ (إلَّا أَنَّ يُجِيزَهُ الْوَرَثَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَهُمْ كِبَارٌ) لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لِحَقِّهِمْ وَهُمْ أَسْقَطُوهُ (وَلَا مُعْتَبَرَ بِإِجَازَتِهِمْ فِي حَالِ حَيَاتِهِ) لِأَنَّهَا قَبْلَ ثُبُوتِ الْحَقِّ إذْ الْحَقُّ يَثْبُتُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَقِّ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا عَنْهُ، لِأَنَّ السَّاقِطَ مُتَلَاشٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَفْتُوحَتَيْنِ وَهُوَ الْمَيْلُ. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنْ تُجِيزَ الْوَرَثَةُ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا تَجُوزُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَقَوْلُهُ (؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ مُتَلَاشٍ) دَلِيلُ قَوْلِهِ فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ. وَتَقْرِيرُهُ؛ لِأَنَّ إجَازَتَهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَتْ سَاقِطَةً لِعَدَمِ مُصَادَفَتِهَا مَحَلًّا وَالسَّاقِطُ مُتَلَاشٍ فَإِجَازَتُهُمْ مُتَلَاشِيَةٌ، فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوا بَعْدَ الْمَوْتِ مَا أَجَازُوهُ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمُوصِي. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ مُصَادَفَةِ الْمَحَلِّ فَإِنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ ثَبَتَ فِي مَالِ الْمُورَثِ مِنْ أَوَّلِ الْمَرَضِ حَتَّى مَنَعَ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي الثُّلُثَيْنِ، فَلَمَّا مَاتَ ظَهَرَ أَنَّهَا صَادَفَتْ

غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ يُسْتَنَد عِنْدَ الْإِجَازَةِ، لَكِنَّ الِاسْتِنَادَ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْقَائِمِ وَهَذَا قَدْ مَضَى وَتَلَاشَى، وَلِأَنَّ الْحَقِيقَةَ تَثْبُتُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَهُ يَثْبُتُ مُجَرَّدُ الْحَقِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمَحَلَّهَا فَصَارَتْ كَإِجَازَتِهِمْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُورَثِ بِسَبَبِ الِاسْتِنَادِ، أَجَابَ بِقَوْلِهِ (غَايَةُ الْأَمْرِ) يَعْنِي: أَنَّ حَقَّهُمْ وَإِنْ اسْتَنَدَ إلَى أَوَّلِ الْمَرَضِ لَكِنَّ الِاسْتِنَادَ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْقَائِمِ: يَعْنِي كَمَا فِي الْعُقُودِ الْمَوْقُوفَةِ إذَا لَحِقَتْهَا الْإِجَارَةُ، وَكَثُبُوتِ الْمِلْكِ فِي الْغَصْبِ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ؛ فَإِنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ فِيهِمَا مُسْتَنِدًا إلَى أَوَّلِ الْعَقْدِ وَالْغَصْبِ (وَهَذَا) يَعْنِي مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْإِجَازَةِ (قَدْ مَضَى وَتَلَاشَى) حِينَ وَقَعَ إذَا لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ فَلَا يَلْحَقُهَا الِاسْتِنَادُ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الْحَقِيقَةَ) دَلِيلٌ آخَرُ تَقْرِيرُهُ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ لِلْوَارِثِ تَثْبُتُ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ قَبْلَهُ مُجَرَّدُ حَقِّ الْمِلْكِ

فَلَوْ اسْتَنَدَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ يَنْقَلِبُ حَقِيقَةً قَبْلَهُ، وَالرِّضَا بِبُطْلَانِ الْحَقِّ لَا يَكُونُ رِضًا بِبُطْلَانِ الْحَقِيقَةِ وَكَذَا إنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ وَأَجَازَهُ الْبَقِيَّةُ فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَوْ اسْتَنَدَ) مِلْكُهُ إلَى أَوَّلِ الْمَرَضِ (مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَانْقَلَبَ الْحَقُّ حَقِيقَةً) وَذَلِكَ بَاطِلٌ لِوُقُوعِ الْحُكْمِ قَبْلَ السَّبَبِ وَهُوَ مَرَضُ الْمَوْتِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ دَفْعًا لِوَهْمِ مَنْ يَقُولُ حَقُّ الْوَارِثِ يَتَعَلَّقُ بِمَالِ الْمُورَثِ مِنْ أَوَّلِ الْمَرَضِ حَتَّى مَنَعَ ذَلِكَ التَّعَلُّقُ تَصَرُّفَ الْمُورَثِ فِي الثُّلُثَيْنِ فَيَجِبُ أَنْ يَظْهَرَ أَثَرُ ذَلِكَ التَّعَلُّقِ فِي حَقِّ إسْقَاطِهِمْ بِالْإِجَازَةِ أَيْضًا. وَوَجْهُ الدَّفْعِ أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ أَثَرُ ذَلِكَ التَّعْلِيقِ فِي ذَلِكَ أَيْضًا لَانْقَلَبَ الْحَقُّ حَقِيقَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ لِمَا مَرَّ، فَإِنْ قِيلَ: الْوَارِثُ إذَا عَفَا عَنْ جَارِحِ أَبِيهِ قَبْلَ مَوْتِ أَبِيهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ لَا يَلْزَمَ مِنْ الِاسْتِنَادِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ قَلْبُ الْحَقِّ حَقِيقَةً، وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ هَذَا الْقَلْبُ مَانِعًا. أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا الْقَلْبَ مَانِعٌ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ السَّبَبُ وَالْجُرْحُ سَبَبُ الْمَوْتِ وَقَدْ تَحَقَّقَ، بِخِلَافِ الْإِجَازَةِ فَإِنَّ السَّبَبَ لَمْ يَتَحَقَّقْ ثَمَّةَ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ مَرَضُ الْمَوْتِ وَمَرَضُ الْمَوْتِ هُوَ الْمُتَّصِلُ بِالْمَوْتِ، فَقَبْلَ الِاتِّصَالِ لَوْ انْقَلَبَ الْحَقُّ حَقِيقَةً وَقَعَ الْحُكْمُ قَبْلَ السَّبَبِ وَهُوَ بَاطِلٌ، فَنَحْنُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ نُبْطِلَ الْعَفْوَ عَنْ الْجَارِحِ نَظَرًا إلَى عَدَمِ الْحَقِيقَةِ، وَإِمَّا أَنْ نُجِيزَ الْإِجَازَةَ نَظَرًا إلَى وُجُودِ الْحَقِّ وَفِي ذَلِكَ إبْطَالٌ لِأَحَدِهِمَا، فَقُلْنَا: لَا تَجُوزُ الْإِجَازَةُ نَظَرًا إلَى انْتِفَاءِ الْحَقِيقَةِ، وَجَازَ الْعَفْوُ نَظَرًا إلَى وُجُودِ الْحَقِّ، وَلَمْ نَعْكِسْ لِكَوْنِ الْعَفْوِ مَطْلُوبَ الْحُصُولِ. وَقَوْلُهُ (وَالرِّضَا بِبُطْلَانِ الْحَقِّ لَا يَكُونُ رِضًا بِبُطْلَانِ الْحَقِيقَةِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْإِجَازَةُ إسْقَاطٌ مِنْ الْوَارِثِ لِحَقِّهِ بِرِضَاهُ فَكَانَ كَسَائِرِ الْإِسْقَاطَاتِ وَفِيهِ لَا رُجُوعَ فَكَذَا فِيهَا. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ قَدْ عُرِفَ أَنَّ ثَمَّةَ حَقًّا وَحَقِيقَةً، وَإِنَّمَا رَضِيَ بِبُطْلَانِ الْحَقِّ لَا بِبُطْلَانِ الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الرِّضَا بِبُطْلَانِهَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودَهَا وَلَا وُجُودَ لَهَا قَبْلَ السَّبَبِ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا إنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ) ظَاهِرٌ.

وَكُلُّ مَا جَازَ بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ يَتَمَلَّكُهُ الْمُجَازُ لَهُ مِنْ قِبَلِ الْمُوصِي) عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مِنْ قِبَلِ الْوَارِثِ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا لِأَنَّ السَّبَبَ صَدَرَ مِنْ الْمُوصِي، وَالْإِجَازَةُ رَفْعُ الْمَانِعِ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ الْقَبْضُ فَصَارَ كَالْمُرْتَهَنِ إذَا أَجَازَ بَيْعَ الرَّاهِنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَكُلُّ مَا جَازَ بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ يَتَمَلَّكُهُ الْمُجَازُ لَهُ مِنْ قِبَلِ الْمُوصِي) ذَكَرَهُ تَعْرِيفًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْقُدُورِيِّ. وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ بِنَفْسِ الْمَوْتِ صَارَ قَدْرُ الثُّلُثَيْنِ مِنْ الْمَالِ مَمْلُوكًا لِلْوَارِثِ،؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ بِغَيْرِ قَبُولِهِ وَلَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ، فَإِجَازَتُهُ تَكُونُ إخْرَاجًا عَنْ مِلْكِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَذَلِكَ هِبَةٌ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ. وَلَنَا أَنَّ الْمُوصِيَ صَدَرَ مِنْهُ السَّبَبُ، وَكُلُّ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ السَّبَبُ يَثْبُتُ مِنْهُ الْمِلْكُ، وَكُلُّ ذَلِكَ ظَاهِرٌ فَالْمُوصَى لَهُ يَتَمَلَّكُ مِنْ الْمُوصِي. وَقَوْلُهُ (وَالْإِجَازَةُ رَفْعُ الْمَانِعِ) جَوَابٌ عَنْ جَعْلِ الْإِجَازَةِ إخْرَاجًا عَنْ الْمِلْكِ: يَعْنِي أَنَّ الْإِجَازَةَ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِلْخُرُوجِ عَنْ الْمِلْكِ وَإِنَّمَا هُوَ رَفْعٌ لِلْمَانِعِ. وَقَوْلُهُ (وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ الْقَبْضُ) رَدٌّ لِكَوْنِهَا هِبَةً فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: لَوْ كَانَ هِبَةً لَكَانَ الْقَبْضُ شَرْطًا وَهُوَ مَمْنُوعٌ فَصَارَ مَا نَحْنُ فِيهِ كَالْمُرْتَهِنِ إذَا أَجَازَ بَيْعَ الرَّهْنِ فِي كَوْنِ السَّبَبِ صَدَرَ مِنْ الرَّاهِنِ وَالْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي يَثْبُتُ مِنْ قِبَلِهِ، فَإِجَازَةُ الْمُرْتَهِنِ رَفْعُ الْمَانِعِ. وَعُورِضَ بِأَنَّ الْوَارِثَ إنْ أَجَازَ الْوَصِيَّةَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ كَانَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ مَالِكًا فَيَكُونُ التَّمْلِيكُ مِنْ جِهَتِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوَارِثَ كَانَ لَهُ حَقٌّ أَسْقَطَهُ بِالْإِجَازَةِ، وَإِسْقَاطُ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ مُعْتَبَرٌ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَمْلِيكًا كَالْعِتْقِ، وَالْفَائِدَةُ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا أَجَازَ فِي مُشَاعٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَإِنَّ الْإِجَازَةَ صَحِيحَةٌ، وَتَصِيرُ مِلْكًا لِلْمُوصَى لَهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، وَيُجْبَرُ الْوَارِثُ عَلَى التَّسْلِيمِ بَعْدَهَا عِنْدَنَا، وَلَوْ كَانَ التَّمْلِيكُ مِنْ جِهَةِ الْوَارِثِ.

قَالَ (وَلَا يَجُوزُ لِلْقَاتِلِ عَامِدًا كَانَ أَوْ خَاطِئًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مُبَاشِرًا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا وَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ» وَلِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ مَا أَخَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَيَحْرُمُ الْوَصِيَّةُ كَمَا يَحْرُمُ الْمِيرَاثُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: ـــــــــــــــــــــــــــــQانْعَكَسَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ لِكَوْنِ الْإِجَازَةِ حِينَئِذٍ هِبَةً. قَالَ (وَلَا تَجُوزُ لِلْقَاتِلِ عَامِدًا كَانَ أَوْ خَاطِئًا إلَخْ) لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِمُبَاشِرِ الْقَتْلِ عَامِدًا كَانَ أَوْ خَاطِئًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا وَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ» (وَلِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ مَا أَخَّرَهُ اللَّهُ فَيُحْرَمُ الْوَصِيَّةَ كَمَا يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ) وَرُدَّ بِأَنَّ حِرْمَانَ الْإِرْثِ لَا يَسْتَلْزِمُ بُطْلَانَ الْوَصِيَّةِ كَمَا فِي الرِّقِّ وَاخْتِلَافِ الدِّينِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ حِرْمَانَ الْقَاتِلِ عَنْ الْمِيرَاثِ بِسَبَبِ مُغَايَظَةِ الْوَرَثَةِ مُقَاسَمَةُ قَاتِلِ أَبِيهِمْ فِي تَرِكَتِهِ وَالْمُوصَى لَهُ يُشَارِكُهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَجَازَ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ، وَالْمُشَابَهَةُ بَيْنَ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ غَيْرِ مُلْتَزَمٍ، وَلَعَلَّ التَّفَصِّي عَنْ عُهْدَةِ كَوْنِهِ قِيَاسًا عَلَى طَرِيقَتِنَا عَسِرٌ جِدًّا، وَسُلُوكُ طَرِيقِ الدَّلَالَةِ أَسْهَلُ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ

تَجُوزُ لِلْقَاتِلِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ ثُمَّ إنَّهُ قَتَلَ الْمُوصِيَ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ لَا تَبْطُلُ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ فِي الْفَصْلَيْنِ مَا بَيَّنَّاهُ (وَلَوْ أَجَازَتْهَا الْوَرَثَةُ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ- رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِلْقَاتِلِ) مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْهُ فَصَحَّتْ لَهُ كَمَا صَحَّتْ لِغَيْرِهِ (وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ) بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ (إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ ثُمَّ إنَّهُ قَتَلَ الْمُوصِي تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ لَا تَبْطُلُ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ فِي الْفَصْلَيْنِ) يَعْنِي فِيمَا إذَا كَانَ الْقَتْلُ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ أَوْ بَعْدَهَا (مَا بَيَّنَّاهُ) يَعْنِي مِنْ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ بِإِطْلَاقِهِ لَا يَفْصِلُ بَيْنَ تَقَدُّمِ الْجَرْحِ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَتَأَخُّرِهِ عَنْهَا، وَمِنْ الْمَعْقُولِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ ذَلِكَ صَحِيحٌ إذَا كَانَ الْقَتْلُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْجَرْحُ قَبْلَهَا فَلَا اسْتِعْجَالَ ثَمَّةَ. وَأُجِيبَ يُجْعَلُ الْجَارِحُ مُسْتَعْجِلًا وَإِنْ تَقَدَّمَ جَرْحُهُ عَلَى الْوَصِيَّةِ لِمَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي كَوْنِ الْمُوصَى لَهُ قَاتِلًا أَوْ غَيْرَ قَاتِلٍ لِجَوَازِ الْوَصِيَّةِ وَفَسَادِهَا يَوْمَ الْمَوْتِ لَا يَوْمَ الْوَصِيَّةِ، فَبِالنَّظَرِ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ كَانَ الْقَتْلُ مُؤَخَّرًا عَنْ الْوَصِيَّةِ، وَاعْتُرِضَ بِنَقْضِ إجْمَالِيٍّ بِأَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ لَوْ صَحَّ بِجَمِيعِ مُقَدِّمَاتِهِ لَمَا عَتَقَ الْمُدَبَّرُ إذَا قُتِلَ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ وَهِيَ لَا تَصِحُّ لِلْقَاتِلِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ عِتْقَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ مَوْتَهُ جُعِلَ شَرْطًا لِعِتْقِهِ وَقَدْ وُجِدَ، وَلَكِنْ يَسْعَى الْمُدَبَّرُ فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الرَّدُّ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ لِوُجُودِ شَرْطِ الْعِتْقِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الرَّدَّ فَيُرَدُّ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بِإِيجَابِ السِّعَايَةِ (وَلَوْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا تَجُوزُ) لِأَنَّ جِنَايَتَهُ بَاقِيَةٌ وَالِامْتِنَاعُ لِأَجْلِهَا. وَلَهُمَا أَنَّ الِامْتِنَاعَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ نَفْعَ بُطْلَانِهَا يَعُودُ إلَيْهِمْ كَنَفْعِ بُطْلَانِ الْمِيرَاثِ، وَلِأَنَّهُمْ لَا يَرْضَوْنَهَا لِلْقَاتِلِ كَمَا لَا يَرْضَوْنَهَا لِأَحَدِهِمْ. قَالَ (وَلَا تَجُوزُ لِوَارِثِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» وَلِأَنَّهُ يَتَأَذَّى الْبَعْضُ بِإِيثَارِ الْبَعْضِ فَفِي تَجْوِيزِهِ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ وَلِأَنَّهُ حَيْفٌ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ، وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ وَقْتَ الْمَوْتِ لَا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَحُكْمُهُ يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ بَاقِيَةٌ وَالِامْتِنَاعُ لِأَجْلِهَا. وَلَهُمَا أَنَّ الِامْتِنَاعَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ) إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمِيرَاثِ إذَا أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ حَيْثُ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ دُونَ الْمِيرَاثِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِجَازَةَ تَصَرُّفٌ مِنْ الْعَبْدِ فَتَعْمَلُ فِيمَا كَانَ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ وَالْوَصِيَّةُ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ فَتَعْمَلُ فِيهِ، بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ فَإِنَّهُ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ لَا صُنْعَ لِلْعَبْدِ فِيهِ فَلَا يَعْمَلُ فِيهِ تَصَرُّفُ الْعَبْدِ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُمْ لَا يَرْضَوْنَهَا) أَيْ الْوَصِيَّةَ (لِلْقَاتِلِ كَمَا لَا يَرْضَوْنَهَا لِأَحَدِهِمْ) أَيْ: لِأَحَدِ الْوَرَثَةِ، وَفِي الْوَصِيَّةِ لِأَحَدِهِمْ إنْ أَجَازَهَا الْبَقِيَّةُ نَفَذَتْ فَكَذَا الْقَاتِلُ. وَقَوْلُهُ (وَلَا تَجُوزُ لِوَارِثِهِ) أَيْ لِوَارِثِ الْمُوصِي لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» ؛ وَلِأَنَّهُ يَتَأَذَّى الْبَعْضُ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ) إشَارَةٌ إلَى مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ فِيمَنْ خَصَّصَ بَعْضَ أَوْلَادِهِ فِي الْعَطِيَّةِ. وَقَوْلُهُ (يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا غَيْرَ وَارِثٍ وَقْتَ الْمَوْتِ)

وَالْهِبَةُ مِنْ الْمَرِيضِ لِلْوَارِثِ فِي هَذَا نَظِيرُ الْوَصِيَّةِ) لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ حُكْمًا حَتَّى تَنْفُذَ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ لِلْوَارِثِ عَلَى عَكْسِهِ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْحَالِ فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ وَقْتَ الْإِقْرَارِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQذَكَرَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: وَلَوْ أَوْصَى لِإِخْوَتِهِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَفَرِّقِينَ وَلَهٌ ابْنٌ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ لَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ مَعَ الِابْنِ فَإِنَّ كَانَتْ لَهُ بِنْتٌ مَكَانَ الِابْنِ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْأَخِ لِأَبٍ وَلِلْأَخِ لِأُمٍّ، وَبَطَلَتْ لِلْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ؛ لِأَنَّهُ يَرِثُهُ مَعَ الْبِنْتِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ابْنٌ وَلَا بِنْتٌ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ كُلُّهَا لِلْأَخِ لِأَبٍ لَا يَرِثُهُ، وَبَطَلَتْ لِلْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَلِلْأَخِ لِأُمٍّ لِأَنَّهُمَا يَرِثَانِهِ. وَقَوْلُهُ (وَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ لِلْوَارِثِ عَلَى عَكْسِهِ) أَيْ: عَلَى عَكْسِ الْوَصِيَّةِ بِتَأْوِيلِ الْإِيصَاءِ أَوْ الْمَذْكُورِ: أَيْ يُعْتَبَرُ فِي الْإِقْرَارِ لِلْوَارِثِ وَقْتَ الْإِقْرَارِ لَا وَقْتَ الْمَوْتِ. ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ اعْتِبَارَ وَقْتِ الْإِقْرَارِ دُونَ وَقْتِ الْمَوْتِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، بَلْ ذَلِكَ إذَا كَانَ كَوْنُهُ وَارِثًا بِسَبَبٍ حَادِثٍ. وَأَمَّا إذَا كَانَ كَوْنُهُ وَارِثًا بِسَبَبٍ كَانَ وَقْتَ الْإِقْرَارِ فَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا وَقْتَ الْمَوْتِ أَيْضًا. ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي مَرِيضٍ أَقَرَّ لِابْنِهِ الْعَبْدِ فَأَعْتَقَ فَمَاتَ الْأَبُ حَيْثُ صَحَّ الْإِقْرَارُ؛ لِأَنَّ وِرَاثَتَهُ ثَبَتَتْ بِسَبَبٍ حَادِثٍ وَهُوَ الْإِعْتَاقُ وَقَبْلَهُ كَانَ عَبْدًا وَكَسْبُ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ فَهَذَا الْإِقْرَارُ فِي الْمَعْنَى حَصَلَ لِلْمَوْلَى وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ فَلَا يَبْطُلُ بِصَيْرُورَةِ الِابْنِ وَارِثًا بِسَبَبٍ حَادِثٍ. وَلَوْ أَقَرَّ لِأَخِيهِ وَلَهُ ابْنٌ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ قَبْلَهُ حَتَّى صَارَ الْأَخُ وَارِثًا بَطَلَ إقْرَارُهُ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ وَارِثًا بِسَبَبٍ قَائِمٍ وَقْتَ الْإِقْرَارِ تَبَيَّنَ أَنَّ إقْرَارَهُ حَصَلَ لِوَارِثِهِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ، هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ. وَأَرَى أَنَّ إطْلَاقَ الْمُصَنِّفِ يُغْنِي عَنْ ذَلِكَ التَّطْوِيلِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ يُعْتَبَرُ فِي إقْرَارِ الْمَرِيضِ لِوَارِثِهِ كَوْنُهُ وَارِثًا عِنْدَ الْإِقْرَارِ وَالْعَبْدُ لَيْسَ بِوَارِثٍ عِنْدَ الْإِقْرَارِ؛ لِكَوْنِهِ مَحْرُومًا فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا لِلْوَارِثِ وَكَلَامُنَا فِيهِ وَالْأَخُ لَيْسَ بِمَحْرُومٍ فَيَكُونُ وَارِثًا عِنْدَ الْإِقْرَارِ وَإِنْ كَانَ مَحْجُوبًا، وَالْإِقْرَارُ لِلْوَارِثِ بَاطِلٌ.

قَالَ (إلَّا أَنْ تُجِيزَهَا الْوَرَثَةُ) وَيُرْوَى هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ فِيمَا رَوَيْنَاهُ، وَلِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لِحَقِّهِمْ فَتَجُوزُ بِإِجَازَتِهِمْ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (إلَّا أَنْ تُجِيزَهَا الْوَرَثَةُ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا تَجُوزُ لِوَارِثِهِ وَيُرْوَى هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ فِيمَا رَوَيْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» . وَقَوْلُهُ (؛ وَلِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لِحَقِّهِمْ) أَيْ لِحَقِّهِمْ الَّذِي هُوَ تَأَذِّيهمْ بِإِيثَارِ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ، وَبِالتَّفْسِيرِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ لَوْ كَانَ الِامْتِنَاعُ لِحَقِّهِمْ لَجَازَ فِيمَا دُونَ الثُّلُثَيْنِ أَجَازُوا أَوْ لَمْ يُجِيزُوا؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي الثُّلُثِ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ لِلْأَجْنَبِيِّ

وَلَوْ أَجَازَ بَعْضٌ وَرَدَّ بَعْضٌ تَجُوزُ عَلَى الْمُجِيزِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ وَبَطَلَ فِي حَقِّ الرَّادِّ. قَالَ (وَيَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ الْمُسْلِمُ لِلْكَافِرِ وَالْكَافِرُ لِلْمُسْلِمِ) فَالْأُولَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 8] الْآيَةَ. وَالثَّانِي لِأَنَّهُمْ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ سَاوَوْا الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَلِهَذَا جَازَ التَّبَرُّعُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ فَكَذَا بَعْدَ الْمَمَاتِ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْوَصِيَّةُ لِأَهْلِ الْحَرْبِ بَاطِلَةٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 9] الْآيَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ (وَلَوْ أَجَازَ بَعْضٌ) ظَاهِرٌ. قَالَ (وَيَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ الْمُسْلِمُ لِلْكَافِرِ) وَصِيَّةُ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ الذِّمِّيِّ وَعَكْسُهَا جَائِزَةٌ، فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 8] الْآيَةَ، نَفْيُ النَّهْيِ عَنْ الْبَرِّ إلَيْهِمْ، وَالْوَصِيَّةُ لَهُمْ بِرٌّ إلَيْهِمْ فَكَانَتْ غَيْرَ مَنْهِيَّةٍ. وَأَمَّا الثَّانِيَ فَلِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ. وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ لِأَهْلِ الْحَرْبِ فَفِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بَاطِلَةٌ، وَقَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إنَّهُ ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لَهُمْ. وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْعَلَ، وَإِنْ فُعِلَ ثَبَتَ الْمِلْكُ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ. وَأَمَّا وَصِيَّةُ الْحَرْبِيِّ بَعْدَمَا دَخَلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ تَمْلِيكِ مَالِهِ فِي حَيَاتِهِ فَكَذَا بَعْدَ وَفَاتِهِ، خَلَا أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ وَصِيَّتِهِ بِالثُّلُثِ وَبِجَمِيعِ مَالِهِ؛ لِأَنَّ مَنْعَ الْمُسْلِمِ عَمَّا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِحَقِّ وَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ

قَالَ (وَقَبُولُ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِنْ قَبِلَهَا الْمُوصَى لَهُ حَالَ الْحَيَاةِ أَوْ رَدَّهَا فَذَلِكَ بَاطِلٌ) لِأَنَّ أَوَانَ ثُبُوتِ حُكْمِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ لِتَعَلُّقِهِ بِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ قَبْلَهُ كَمَا لَا يُعْتَبَرُ قَبْلَ الْعَقْدِ. قَالَ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُوصِيَ الْإِنْسَانُ بِدُونِ الثُّلُثِ) سَوَاءٌ كَانَتْ الْوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ أَوْ فُقَرَاءَ، لِأَنَّ فِي التَّنْقِيصِ صِلَةَ الْقَرِيبِ بِتَرْكِ مَا لَهُ عَلَيْهِمْ، بِخِلَافِ اسْتِكْمَالِ الثُّلُثِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعْصُومٌ عَنْ الْإِبْطَالِ وَوَرَثَةُ الْحَرْبِيِّ لَيْسَتْ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَقَبُولُ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ) عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ ظَاهِرٌ، وَالْقَبُولُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطُ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْمُوصَى لَهُ، وَالْوَصِيَّةُ شَبَهٌ بِالْمِيرَاثِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُمْلَكُ بِالْمَوْتِ، وَشَبَهٌ بِالْهِبَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُمْلَكُ بِتَمْلِيكِ الْغَيْرِ، فَاعْتَبَرْنَا شَبَهَ الْهِبَةِ فِي حَقِّ الْقَبُولِ مَا دَامَ مُمْكِنًا مِنْ الْمُوصَى لَهُ فَقُلْنَا: لَا تُمْلَكُ قَبْلَ الْقَبُولِ، وَاعْتَبَرْنَا شَبَهَ الْمِيرَاثِ بَعْدَ الْقَبُولِ فَقُلْنَا إنَّهُ يَمْلِكُهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. وَإِنْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ مِنْ غَيْرِ رَدٍّ وَقَبُولٍ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُلُ قِيَاسًا، وَيَلْزَمُ ذَلِكَ وَرَثَةَ الْمُوصَى لَهُ رَدُّوا أَوْ قَبِلُوا فِي الِاسْتِحْسَانِ وَقَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُوصِيَ الْإِنْسَانُ) وَاضِحٌ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّقْلِيلَ فِي الْوَصِيَّةِ أَفْضَلُ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ «إنَّك إنْ تَدَعْ عِيَالَكَ»

لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءُ تَمَامِ حَقِّهِ فَلَا صِلَةَ وَلَا مِنَّةَ، ثُمَّ الْوَصِيَّةُ بِأَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ أَوْلَى أَمْ تَرْكُهَا؟ قَالُوا: إنْ كَانَتْ الْوَرَثَةُ فُقَرَاءَ وَلَا يَسْتَغْنُونَ بِمَا يَرِثُونَ فَالتَّرْكُ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ الصَّدَقَةِ عَلَى الْقَرِيبِ. وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ» وَلِأَنَّ فِيهِ رِعَايَةَ حَقِّ الْفُقَرَاءِ وَالْقَرَابَةِ جَمِيعًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَدِيثَ، وَمَعْنَاهُ وَرَثَتُكَ أَقْرَبُ إلَيْكَ مِنْ الْأَجَانِبِ، فَتَرْكُ الْمَالِ لَهُمْ خَيْرٌ مِنْ الْوَصِيَّةِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ قَالَا: لَأَنْ يُوصِيَ بِالْخُمُسِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ أَنْ يُوصِيَ بِالرُّبُعِ، وَلَأَنْ يُوصِيَ بِالرُّبُعِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ أَنْ يُوصِيَ بِالثُّلُثِ. وَالْكَاشِحُ: الْعَدُوُّ الَّذِي وَلِيَ كَشْحَهُ، وَهُوَ مَا بَيْنَ الْخَاصِرَةِ إلَى الضِّلْعِ، وَقِيلَ الْكَاشِحُ: الَّذِي أَضْمَرَ الْعَدَاوَةَ فِي كَشْحِهِ، وَإِنَّمَا جَعَلَ هَذَا التَّصَدُّقَ أَفْضَلَ؛ لِأَنَّ فِي التَّصَدُّقِ

وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ أَوْ يَسْتَغْنُونَ بِنَصِيبِهِمْ فَالْوَصِيَّةُ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَكُونُ صَدَقَةً عَلَى الْأَجْنَبِيِّ، وَالتَّرْكُ هِبَةٌ مِنْ الْقَرِيبِ وَالْأُولَى أَوْلَى لِأَنَّهُ يَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى. وَقِيلَ فِي هَذَا الْوَجْهِ يُخَيَّرُ لِاشْتِمَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى فَضِيلَةٍ وَهُوَ الصَّدَقَةُ وَالصِّلَةُ فَيُخَيِّرُ بَيْنَ الْخَيْرَيْنِ. قَالَ (وَالْمُوصَى بِهِ يُمْلَكُ بِالْقَبُولِ) خِلَافًا لِزُفَرَ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. هُوَ يَقُولُ: الْوَصِيَّةُ أُخْتُ الْمِيرَاثِ، إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا خِلَافَةٌ لِمَا أَنَّهُ انْتِقَالٌ، ثُمَّ الْإِرْثُ يَثْبُتُ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ فَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ. وَلَنَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ إثْبَاتُ مِلْكٍ جَدِيدٍ، وَلِهَذَا لَا يُرَدُّ الْمُوصَى لَهُ بِالْعَيْبِ، وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ، وَلَا يَمْلِكُ أَحَدٌ إثْبَاتَ الْمِلْكِ لِغَيْرِهِ إلَّا بِقَبُولِهِ، أَمَّا الْوِرَاثَةُ فَخِلَافَةٌ حَتَّى يَثْبُتَ فِيهَا هَذِهِ الْأَحْكَامُ فَيَثْبُتُ جَبْرًا مِنْ الشَّرْعِ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ. قَالَ (إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ أَنْ يَمُوتَ الْمُوصِي ثُمَّ يَمُوتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ فَيَدْخُلُ الْمُوصَى بِهِ فِي مِلْكِ وَرَثَتِهِ) اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ تَبْطُلَ الْوَصِيَّةُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمِلْكَ مَوْقُوفٌ عَلَى الْقَبُولِ فَصَارَ كَمَوْتِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ قَبُولِهِ بَعْدَ إيجَابِ الْبَائِعِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ مِنْ جَانِبِ الْمُوصِي قَدْ تَمَّتْ بِمَوْتِهِ تَمَامًا لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ مِنْ جِهَتِهِ، وَإِنَّمَا تَوَقَّفَتْ لِحَقِّ الْمُوصَى لَهُ، فَإِذَا مَاتَ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْخِيَارُ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ مُخَالَفَةَ النَّفْسِ وَقَهْرَهَا. وَقَوْلُهُ (وَالْمُوصَى بِهِ يُمْلَكُ بِالْقَبُولِ) وَاضِحٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَنَا الْكَلَامُ عَلَيْهِ قُبَيْلَ هَذَا. وَقَوْلُهُ (وَلِهَذَا لَا يَرُدُّ الْمُوصَى لَهُ بِالْعَيْبِ) صُورَتُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمَرِيضُ شَيْئًا وَيُوصِيَ بِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ الْمُوصَى لَهُ يَجِدُهُ مَعِيبًا فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ (وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ) صُورَتُهُ أَنْ يُوصِيَ بِجَمِيعِ مَالِهِ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ بَاعَ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ وَوَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهِ عَيْبًا لَا يَرُدُّهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ، وَلَوْ كَانَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمُوصَى لَهُ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ لَثَبَتَ وِلَايَةُ الرَّدِّ فِي الصُّورَتَيْنِ جَمِيعًا كَمَا فِي الْوَارِثِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يَمْلِكُ أَحَدٌ إثْبَاتَ الْمِلْكِ لِغَيْرِهِ إلَّا بِقَبُولِهِ) ؛ لِئَلَّا يَعُودَ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَنْفِيذَ الْوَصِيَّةِ لِمَنْفَعَةِ الْمُوصَى لَهُ وَلَوْ أَثْبَتْنَا الْمِلْكَ لَهُ قَبْلَ قَبُولِهِ لِرُبَّمَا تَضَرَّرَ؛ فَإِنَّهُ لَوْ أَوْصَى لَهُ بِعَبْدٍ أَعْمَى وَجَبَ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ بِلَا مَنْفَعَةٍ تَعُودُ إلَيْهِ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ. وَقَوْلُهُ (إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَالْمُوصَى بِهِ يُمْلَكُ بِالْقَبُولِ: يَعْنِي إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنَّهَا تُمْلَكُ بِدُونِ الْقَبُولِ.

قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ لَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ) لِأَنَّ الدَّيْنَ يُقَدَّمُ عَلَى الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ أَهَمُّ الْحَاجَتَيْنِ فَإِنَّهُ فَرْضٌ وَالْوَصِيَّةُ تَبَرُّعٌ، وَأَبَدًا يُبْدَأْ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ. (إلَّا أَنْ يُبَرِّئَهُ الْغُرَمَاءُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ الدَّيْنُ فَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ عَلَى الْحَدِّ الْمَشْرُوعِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهَا. قَالَ (وَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الصَّبِيِّ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَصِحُّ إذَا كَانَ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَجَازَ وَصِيَّةَ يَفَاعٍ أَوْ يَافَاعٍ وَهُوَ الَّذِي رَاهَقَ الْحُلُمَ، وَلِأَنَّهُ نَظَرَ لَهُ بِصَرْفِهِ إلَى نَفْسِهِ فِي نَيْلِ الزُّلْفَى، وَلَوْ لَمْ تَنْفُذْ يَبْقَى عَلَى غَيْرِهِ. وَلَنَا أَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ غَيْرُ مَلْزُومٍ وَفِي تَصْحِيحِ وَصِيَّتِهِ قَوْلٌ بِإِلْزَامِ قَوْلِهِ وَالْأَثَرُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْحُلُمِ مَجَازًا أَوْ كَانَتْ وَصِيَّتُهُ فِي تَجْهِيزِهِ وَأَمْرِ دَفْنِهِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَنَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ؛ (لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ) يَعْنِي فِي الْحُكْمِ، فَإِنْ قِيلَ: هَذَا التَّقَدُّمُ مُخَالِفٌ لِنَظْمِ الْكِتَابِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] فَالْجَوَابُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي مُخْتَصَرِ الضَّوْءِ فِي الْفَرَائِضِ. قَالَ (وَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الصَّبِيِّ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ لَمْ تَنْفُذْ تَبْقَى عَلَى غَيْرِهِ) يَعْنِي إذَا نَفَّذْنَا الْوَصِيَّةَ كَانَ مَالُهُ بَاقِيًا عَلَى نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ بِسَبَبِهَا نَيْلُ الزُّلْفَى وَالدَّرَجَةِ الْعُلْيَا، وَلَوْ لَمْ تَنْفُذْ يَبْقَى مَالُهُ عَلَى غَيْرِهِ فَكَانَ الْوَصِيَّةُ أَوْلَى. وَقَوْلُهُ (وَالْأَثَرُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْحُلُمِ) يَعْنِي كَانَ بَالِغًا لَمْ يَمْضِ عَلَى بُلُوغِهِ زَمَانٌ كَثِيرٌ، وَمِثْلُهُ يُسَمَّى يَافِعًا مَجَازًا تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِاسْمِ مَا كَانَ عَلَيْهِ، أَوْ كَانَتْ وَصِيَّتُهُ فِي تَجْهِيزِهِ وَأَمْرِ دَفْنِهِ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ صَحَّ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ غُلَامًا لَمْ يَحْتَلِمْ، وَأَنَّهُ أَوْصَى لِابْنَةِ عَمٍّ لَهُ بِمَالٍ فَكَيْفَ يَصِحُّ التَّأْوِيلُ بِكَوْنِهِ يَافِعًا مَجَازًا أَوْ بِكَوْنِ الْوَصِيَّةِ فِي التَّجْهِيزِ وَأَمْرِ الدَّفْنِ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ كَانَ غُلَامًا لَمْ يَحْتَلِمْ مَعْنَى الْيَافِعِ حَقِيقَةً فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي نَقَلَهُ بِمَعْنَاهُ.

وَهُوَ يُحْرِزُ الثَّوَابَ بِالتَّرْكِ عَلَى وَرَثَتِهِ كَمَا بَيَّنَّاهُ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي النَّفْعِ وَالضَّرَرِ النَّظَرُ إلَى أَوْضَاعِ التَّصَرُّفَاتِ لَا إلَى مَا يَتَّفِقُ بِحُكْمِ الْحَالِ اعْتَبَرَهُ بِالطَّلَاقِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَلَا وَصِيَّهُ وَإِنْ كَانَ يَتَّفِقُ نَافِعًا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، وَكَذَا إذَا أَوْصَى ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ وَقْتَ الْمُبَاشَرَةِ وَكَذَا إذَا قَالَ إذَا أَدْرَكْت فَثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَصِيَّةً لِقُصُورِ أَهْلِيَّتِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ تَنْجِيزًا وَتَعْلِيقًا كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (أَنَّهُ أَوْصَى لِابْنَةِ عَمٍّ لَهُ بِمَالٍ) لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِتَجْهِيزِهِ وَأَمْرِ دَفْنِهِ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَالِاحْتِجَاجُ بِهَذَا الْأَثَرِ لَا يَصِحُّ مِنْ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ؛ لِأَنَّهُ رِوَايَةُ عُمَرَ وَابْنِ سُلَيْمٍ وَهُوَ لَمْ يَلْقَ عُمَرَ، وَعِنْدَنَا الْمُرْسَلُ وَإِنْ كَانَ حُجَّةً لَكِنَّ هَذَا يُخَالِفُ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَلَمِ التَّكْلِيفُ وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ مِنْهُ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: هُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6] الْآيَةَ، فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّبِيَّ مَمْنُوعٌ عَنْ مَالِهِ. وَقَوْلُهُ (وَهُوَ يُحْرِزُ الثَّوَابَ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ؛ وَلِأَنَّهُ نَظَرَ لَهُ بِصَرْفِهِ إلَى نَفْسِهِ فِي نَيْلِ الزُّلْفَى. وَقَوْلُهُ (كَمَا بَيَّنَّاهُ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ فَالتَّرْكُ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ الصَّدَقَةِ عَلَى الْقَرِيبِ إلَخْ، فَإِنَّهُ يُفِيدُ إمَّا أَفْضَلِيَّةَ التَّرْكِ فِي الثَّوَابِ أَوْ تَسَاوِيهِمَا فِيهِ، وَقَوْلُهُ (وَالْمُعْتَبَرُ فِي النَّفْعِ وَالضَّرَرِ) تَنْزِلُ فِي الْجَوَابِ كَأَنَّهُ يَقُولُ: سَلَّمْنَا أَنَّ بِالْوَصِيَّةِ يَحْصُلُ الثَّوَابُ دُونَ تَرْكِهَا، لَكِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي النَّفْعِ وَالضَّرَرِ هُوَ النَّظَرُ إلَى أَوْضَاعِ التَّصَرُّفَاتِ دُونَ الْعَوَارِضِ اللَّاحِقَةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ نَافِعًا بِأَنْ يُطَلِّقُ امْرَأَةً مُعْسِرَةً شَوْهَاءَ وَيَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا الْمُوسِرَةِ

بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ لِأَنَّ أَهْلِيَّتَهُمَا مُسْتَتِمَّةٌ وَالْمَانِعُ حَقُّ الْمَوْلَى فَتَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى حَالِ سُقُوطِهِ. قَالَ (وَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْمُكَاتَبِ وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً) لِأَنَّ مَالَهُ لَا يَقْبَلُ التَّبَرُّعَ، وَقِيلَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَصِحُّ، وَعِنْدَهُمَا تَصِحُّ رَدًّا لَهَا إلَى مُكَاتَبٍ يَقُولُ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فِيمَا أَسْتَقْبِلُ فَهُوَ حُرٌّ ثُمَّ عَتَقَ فَمَلَكَ، وَالْخِلَافُ فِيهَا مَعْرُوفٌ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. قَالَ (وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ وَبِالْحَمْلِ إذَا وُضِعَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ اسْتِخْلَافٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُ يَجْعَلُهُ خَلِيفَةً فِي بَعْضِ مَالِهِ وَالْجَنِينُ صَلَحَ خَلِيفَةً فِي الْإِرْثِ فَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ إذْ هِيَ أُخْتُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَسْنَاءِ لِكَوْنِ ذَلِكَ مِنْ الْعَوَارِضِ، وَالْوَصِيَّةُ فِي الْأَصْلِ تَبَرُّعٌ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ) يَعْنِي إذَا قَالَ الْعَبْدُ أَوْ الْمُكَاتَبُ إذَا أُعْتِقْت فَثُلُثُ مَالِي وَصِيَّةٌ يَصِحُّ (لِأَنَّ أَهْلِيَّتَهُمَا مُسْتَتَمَّةٌ) أَيْ تَامَّةٌ وَالْمَانِعُ حَقُّ الْمَوْلَى فَتَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى حَالِ سُقُوطِ الْمَانِعِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْمُكَاتَبِ) يَعْنِي تَنْجِيزَهُ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْعِتْقِ صَحِيحَةٌ كَمَا مَرَّ آنِفًا. وَقَوْلُهُ (وَالْخِلَافُ فِيهَا مَعْرُوفٌ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ) يَعْنِي فِي بَابِ الْحِنْثِ فِي مِلْكِ الْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ مِنْ أَيْمَانِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَمَا عُرِفَ ثَمَّةَ هُوَ أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فِيمَا أَسْتَقْبِلُ فَهُوَ حُرٌّ فَعَتَقَ فَمَلَكَ لَمْ يَعْتِقْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَتَقَ عِنْدَهُمَا، لَهُمَا أَنَّ ذِكْرَ الْمِلْكِ يَنْصَرِفُ إلَى مِلْكٍ كَامِلٍ قَابِلٍ لِلْإِعْتَاقِ وَهُوَ مَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لِلْمُكَاتَبِ نَوْعَيْنِ مِنْ الْمِلْكِ: أَحَدَهُمَا ظَاهِرٌ وَهُوَ مَا قَبْلَ الْإِعْتَاقِ، وَالثَّانِيَ: غَيْرُ ظَاهِرٍ وَهُوَ مَا بَعْدَ الْإِعْتَاقِ فَيَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إلَى الظَّاهِرِ دُونَ غَيْرِ الظَّاهِرِ. وَقَوْلُهُ (وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي لِمَا فِي بَطْنِ فُلَانَةَ (وَبِالْحَمْلِ) كَمَا إذَا أَوْصَى بِمَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْمَوْلَى إذَا عَلِمَ أَنَّهُ ثَابِتٌ مَوْجُودٌ فِي الْبَطْنِ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ لَهُ أَوْ بِهِ، وَمَعْرِفَةُ ذَلِكَ بِأَنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَحَّحَهُ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَمِنْ وَقْتِ مَوْتِ الْمُوصِي عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ (أَمَّا الْأَوَّلُ) وَهُوَ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ (فَلِأَنَّهَا اسْتِخْلَافٌ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُهُ خَلِيفَةً فِي بَعْضِ مَالِهِ) بَعْدَ مَوْتِهِ لَا أَنَّهُ يَمْلِكُهُ فِي الْحَالِ وَالِاسْتِخْلَافُ يَصْلُحُ لَهُ الْجَنِينُ إرْثًا فَكَذَا وَصِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُمَا أُخْتَانِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَتَا أُخْتَيْنِ لَمَا جَازَ رَدُّهَا كَمَا لَمْ يَجُزْ رَدُّهُ

إلَّا أَنْ يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ، بِخِلَافِ الْهِبَةِ، لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ مَحْضٌ وَلَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ لِيُمَلِّكَهُ شَيْئًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَجَابَ بِقَوْلِهِ (إلَّا أَنَّهُ) أَيْ فِعْلَ الْوَصِيَّةِ أَوْ الْإِيصَاءِ (يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّمْلِيكِ) دُونَ الْمِيرَاثِ لِعَدَمِ ذَلِكَ فِيهِ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْهِبَةِ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ: يَعْنِي أَنَّ الْهِبَةَ لِلْحَمْلِ لَا تَصِحُّ (؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ مَحْضٌ) وَالْجَنِينُ لَيْسَ بِصَالِحٍ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ بِالْهِبَةِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْقَبْضِ (وَلَا قُدْرَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ لِيُمَلِّكَهُ شَيْئًا) يَحْصُلُ الْمِلْكُ فِيهِ بِالْقَبْضِ.

وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ بِعَرْضِ الْوُجُودِ، إذْ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا عُلِمَ وُجُودُهُ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا الثَّانِي) وَهُوَ الْوَصِيَّةُ بِهِ (فَلِأَنَّهُ) أَيْ الْحَمْلَ (بِعَرْضِيَّةِ الْوُجُودِ) ، إذْ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا عُلِمَ وُجُودُهُ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ،

وَبَابُهَا أَوْسَعُ لِحَاجَةِ الْمَيِّتِ وَعَجْزِهِ، وَلِهَذَا تَصِحُّ فِي غَيْرِ الْمَوْجُودِ كَالثَّمَرَةِ فَلَأَنْ تَصِحَّ فِي الْمَوْجُودِ أَوْلَى. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى بِجَارِيَةٍ إلَّا حَمْلَهَا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ وَالِاسْتِثْنَاءُ) لِأَنَّ اسْمَ الْجَارِيَةِ لَا يَتَنَاوَلُ الْحَمْلَ لَفْظًا وَلَكِنَّهُ يَسْتَحِقُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا وَضَعَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ أَوْ الْمَوْتِ وَبِذَلِكَ يُعْلَمُ وُجُودُ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ لَا مَحَالَةَ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ وُجُودُ شَيْءٍ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا؛ وَإِذَا كَانَ مَوْجُودًا لَا يَكُونُ بِعَرْضِ الْوُجُودِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ بِعَرْضِ الْوُجُودِ بِعَرْضِ وُجُودٍ يَصْلُحُ لِوُرُودِ الْقَبْضِ عَلَيْهِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ إذَا عُلِمَ وُجُودُهُ تَحَقُّقُهُ وَكَوْنُهُ فِي بَطْنِ الْأُمِّ فَانْدَفَعَ التَّنَاقُضُ. وَقَوْلُهُ (وَبَابُهَا أَوْسَعُ لِحَاجَةِ إلَخْ) وَإِنْ اخْتَلَجَ فِي ذِهْنِك تَنَاقُضٌ آخَرُ بَيْنَ سَعْيِهِ لِإِثْبَاتِ الْوُجُودِ لِجَوَازِ الْوَصِيَّةِ وَتَوْضِيحِهِ لِلْجَوَازِ بِصِحَّتِهَا فِي غَيْرِ الْمَوْجُودِ، فَالْجَوَابُ سَتَسْمَعُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ أَوْصَى بِجَارِيَةٍ) يَعْنِي مَنْ قَالَ أَوْصَيْتُ بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ لِفُلَانٍ إلَّا حَمْلَهَا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ وَالِاسْتِثْنَاءُ جَمِيعًا (؛ لِأَنَّ اسْمَ الْجَارِيَةِ لَا يَتَنَاوَلُ الْحَمْلَ لَفْظًا) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْضُوعٍ لَهُ وَلَا هُوَ دَاخِلٌ فِي الْمَوْضُوعِ، وَمَا لَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْجَارِيَةِ صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الْجَارِيَةِ كَقَمِيصِهَا وَسَرَاوِيلِهَا مِمَّا يَتَلَبَّسُ بِهَا، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى مَا يُقَالُ الْحَمْلُ جُزْءٌ مِنْ الْأُمِّ قَبْلَ الِانْفِصَالِ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ، وَلَوْ اسْتَثْنَى الْيَدَ أَوْ الرِّجْلَ لَمْ يَجُزْ فَكَذَلِكَ الْحَمْلُ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْجَارِيَةِ يَتَنَاوَلُهُمَا. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَهُوَ تَصَرُّفٌ لَفْظِيٌّ لَا يَرِدُ عَلَى مَا لَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ؛ فَالْجَوَابُ أَنَّ صِحَّتَهُ بِاعْتِبَارِ تَقْرِيرِ مِلْكِ الْمُوصَى فِيهِ كَمَا كَانَ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ، كَمَا لَوْ قَالَ أَوْصَيْتُ لِفُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إلَّا فَرَسًا؛ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ فِي الْأَلْفِ صَحِيحَةٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ أَيْضًا صَحِيحٌ فِي تَقْرِيرِ مِلْكِهِ فِي الْفَرَسِ لَا بِاعْتِبَارِ خُرُوجِهِ عَنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ اسْمَ الْجَارِيَةِ لَا يَتَنَاوَلُ الْحَمْلَ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْتَثْنِ اسْتَحَقَّهُ الْمُوصَى لَهُ، وَلَوْ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ لَمَا اسْتَحَقَّهُ كَغَيْرِهِ مِنْ أَحْوَالِهِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ وَلَكِنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِالْإِطْلَاقِ تَبَعًا: يَعْنِي أَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ بِالْعُمُومِ بَلْ يَسْتَحِقُّ إذَا أَطْلَقَ الْمُوصِي عَنْ قَيْدِ الْإِفْرَادِ فَإِذَا أَفْرَدَ الْأُمَّ لَمْ يَبْقَ مُطْلَقًا بَلْ تَقَيَّدَتْ الْأُمُّ بِالْإِفْرَادِ

بِالْإِطْلَاقِ تَبَعًا، فَإِذَا أَفْرَدَ الْأُمَّ بِالْوَصِيَّةِ صَحَّ إفْرَادُهَا، وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ إفْرَادُ الْحَمْلِ بِالْوَصِيَّةِ فَجَازَ اسْتِثْنَاؤُهُ، وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ أَنَّ مَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهُ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَمَا لَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهُ، وَقَدْ مَرَّ فِي الْبُيُوعِ. قَالَ (وَيَجُوزُ لِلْمُوصِي الرُّجُوعُ عَنْ الْوَصِيَّةِ) لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ لَمْ يَتِمَّ فَجَازَ الرُّجُوعُ عَنْهُ كَالْهِبَةِ وَقَدْ حَقَقْنَاهُ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ، وَلِأَنَّ الْقَبُولَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَوْتِ وَالْإِيجَابُ يَصِحُّ إبْطَالُهُ قَبْلَ الْقَبُولِ كَمَا فِي الْبَيْعِ. قَالَ (وَإِذَا صَرَّحَ بِالرُّجُوعِ أَوْ فَعَلَ مَا يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ كَانَ رُجُوعًا) أَمَّا الصَّرِيحُ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا الدَّلَالَةُ لِأَنَّهَا تَعْمَلُ عَمَلَ الصَّرِيحِ فَقَامَ مَقَامَ قَوْلِهِ قَدْ أُبْطِلَتْ، وَصَارَ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ الْخِيَارُ فِيهِ بِالدَّلَالَةِ، ثُمَّ كُلُّ فِعْلٍ لَوْ فَعَلَهُ الْإِنْسَانُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ، فَإِذَا فَعَلَهُ الْمُوصِي كَانَ رُجُوعًا، وَقَدْ عَدَدْنَا هَذِهِ الْأَفَاعِيلَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ. وَكُلُّ فِعْلٍ يُوجِبُ زِيَادَةً فِي الْمُوصَى بِهِ وَلَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ إلَّا بِهَا فَهُوَ رُجُوعٌ إذَا فَعَلَهُ، مِثْلُ السَّوِيقِ يَلُتُّهُ بِالسَّمْنِ وَالدَّارِ يَبْنِي فِيهِ الْمُوصِي وَالْقُطْنِ يَحْشُو بِهِ وَالْبِطَانَةِ يُبَطِّنُ بِهَا وَالظِّهَارَةِ يُظَهِّرُ بِهَا، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَسْلِيمُهُ بِدُونِ الزِّيَادَةِ، وَلَا يُمْكِنُ نَقْضُهَا لِأَنَّهُ حَصَلَ فِي مِلْكِ الْمُوصِي مِنْ جِهَتِهِ، بِخِلَافِ تَخْصِيصِ الدَّارِ الْمُوصَى بِهَا وَهَدْمِ بِنَائِهَا لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي التَّابِعِ، وَكُلُّ تَصَرُّفٍ أَوْجَبَ زَوَالَ مِلْكِ الْمُوصِي فَهُوَ رُجُوعٌ، كَمَا إذَا بَاعَ الْعَيْنَ الْمُوصَى بِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ أَوْ وَهَبَهُ تَمَّ رَجَعَ فِيهِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَنْفُذُ إلَّا فِي مِلْكِهِ، فَإِذَا أَزَالَهُ كَانَ رُجُوعًا. وَذَبْحُ الشَّاةِ الْمُوصَى بِهَا رُجُوعٌ لِأَنَّهُ لِلصَّرْفِ إلَى حَاجَتِهِ عَادَةً، فَصَارَ هَذَا الْمَعْنَى أَصْلًا أَيْضًا، وَغَسْلُ الثَّوْبِ الْمُوصَى بِهِ لَا يَكُونُ رُجُوعًا لِأَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَ ثَوْبَهُ غَيْرَهُ يَغْسِلُهُ عَادَةً فَكَانَ تَقْرِيرًا. قَالَ (وَإِنْ جَحَدَ الْوَصِيَّةَ لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا) كَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِهَا مُفْرَدَةً. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ) قَدْ ذَكَرَهُ فِي الْبُيُوعِ. قَالَ (وَيَجُوزُ لِلْمُوصِي الرُّجُوعُ عَنْ الْوَصِيَّةِ) الرُّجُوعُ عَنْ الْوَصِيَّةِ جَائِزٌ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنَّهُ تَبَرُّعٌ لَمْ يَتِمَّ؛ لِأَنَّ تَمَامَهَا بِمَوْتِ الْمُوصِي وَالتَّبَرُّعُ التَّامُّ كَالْهِبَةِ جَازَ الرُّجُوعُ فِيهِ فَفِيمَا لَمْ يَتِمَّ أَوْلَى. وَالثَّانِي: أَنَّ الْقَبُولَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَوْتِ، وَالْإِيجَابُ الْمُفْرَدُ يَجُوزُ إبْطَالُهُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ كَمَا فِي الْبَيْعِ فَفِي التَّبَرُّعِ أَوْلَى، ثُمَّ الرُّجُوعُ قَدْ يَكُونُ صَرِيحًا وَهُوَ أَنْ يَقُولَ رَجَعْتُ عَمَّا أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلَانٍ، وَقَدْ يَكُونُ دَلَالَةً وَلَهُ أَنْوَاعٌ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ لَهَا فِي الْكِتَابِ ضَوَابِطَ هِيَ جَامِعَةٌ وَاضِحَةٌ. . وَقَوْلُهُ (وَإِنْ جَحَدَ الْوَصِيَّةَ لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا، كَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ) اعْلَمْ أَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ أَنَّ جُحُودَ الْوَصِيَّةِ لَيْسَ بِرُجُوعٍ، وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ رُجُوعٌ، فَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ حَمَلَ الْمَذْكُورَ فِي الْجَامِعِ عَلَى الْجُحُودِ فِي غَيْبَةِ الْمُوصَى لَهُ، وَهُوَ لَيْسَ بِرُجُوعٍ فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ الْجُحُودَ إنَّمَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ إذَا صَحَّ الْإِنْكَارُ، وَالْإِنْكَارُ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمُعَارَضَةِ الْمُقْتَضِيَةِ مُعَارِضًا، وَالْمَذْكُورُ فِي الْمَبْسُوطِ مَحْمُولٌ عَلَى الْجُحُودِ بِحَضْرَةِ الْمُوصَى لَهُ وَهُوَ رُجُوعٌ فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِصِحَّةِ الْإِنْكَارِ حِينَئِذٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ الْمَذْكُورَ فِي الْجَامِعِ عَلَى صُورَةِ الْجُحُودِ لَا عَلَى الْجُحُودِ الْحَقِيقِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: إذَا أَوْصَى الرَّجُلُ لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ ثُمَّ قَالَ لِقَوْمٍ اشْهَدُوا أَنِّي لَمْ أُوصِ لِفُلَانٍ لَا بِقَلِيلٍ وَلَا بِكَثِيرٍ لَا يَكُونُ هَذَا رُجُوعًا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ اشْهَدُوا أَنِّي لَمْ أُوصِ لِفُلَانٍ طَلَبُ شَهَادَةِ الزُّورِ مِنْهُمْ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ قَدْ أَوْصَيْتُ لِفُلَانٍ بِكَذَا، إلَّا أَنِّي سَأَلْتُكُمْ أَنْ تَشْهَدُوا لِي بِالْبَاطِلِ، وَطَلَبُ شَهَادَةٍ بِالْبَاطِلِ لَا يَكُونُ رُجُوعًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجُحُودٍ حَقِيقَةً، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ عَلَى الْجُحُودِ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ رُجُوعٌ عَلَى الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ جَوَابُ الْقِيَاسِ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْمَبْسُوطِ جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ:

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَكُونُ رُجُوعًا، لِأَنَّ الرُّجُوعَ نَفْيٌ فِي الْحَالِ وَالْجُحُودَ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ، فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ رُجُوعًا، وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْجُحُودَ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي وَالِانْتِفَاءُ فِي الْحَالِ ضَرُورَةُ ذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ ثَابِتًا فِي الْحَالِ كَانَ الْجُحُودُ لَغْوًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْمَبْسُوطِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: هُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّى قَالَ فِي نَوَادِرِهِ: قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا يُوسُفَ عَنْ رَجُلٍ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِوَصِيَّةٍ ثُمَّ جَحَدَ، قَالَ: يَكُونُ رُجُوعًا، وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا قَالَ: لَا يَكُونُ الْجُحُودُ رُجُوعًا، وَهُوَ مُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ وَاسْتَدَلَّ لِأَبِي يُوسُفَ بِأَنَّ الرُّجُوعَ نَفْيٌ فِي الْحَالِ وَالْجُحُودَ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ، وَإِذَا كَانَ نَفْيُ الْحَالِ وَحْدَهُ رُجُوعًا فَنَفْيُ الْمَاضِي وَالْحَالِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ رُجُوعًا (وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْجُحُودَ) وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَمْ أُوصِ لِفُلَانٍ أَوْ مَا أَوْصَيْت لَهُ (نَفْيٌ فِي الْمَاضِي) لِكَوْنِهِ مَوْضُوعًا لِذَلِكَ، وَالِانْتِفَاءُ فِي الْحَالِ ضَرُورَةُ ذَلِكَ لِاسْتِمْرَارِ ذَلِكَ إنْ ثَبَتَ مَا لَمْ يُغَيَّرْ، وَإِذَا كَانَ الْكَذِبُ ثَابِتًا فِي الْحَالِ لِكَوْنِهِ كَاذِبًا فِي جُحُودِهِ إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُ أَوْصَى ثُمَّ جَحَدَ كَانَ النَّفْيُ فِي الْمَاضِي بَاطِلًا فَيَبْطُلُ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَتِهِ وَهُوَ الِانْتِفَاءُ فِي الْحَالِ فَكَانَ الْجُحُودُ لَغْوًا. وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ جُعِلَ اسْمُ كَانَ فِي قَوْلِهِ وَإِذَا كَانَ ثَابِتًا فِي الْحَالِ الْوَصِيَّةَ وَفِي بَعْضِهَا الْحَقَّ وَكِلَاهُمَا

أَوْ لِأَنَّ الرُّجُوعَ إثْبَاتٌ فِي الْمَاضِي وَنَفْيٌ فِي الْحَالِ وَالْجُحُودَ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ فَلَا يَكُونُ رُجُوعًا حَقِيقَةً وَلِهَذَا لَا يَكُونُ جُحُودُ النِّكَاحِ فُرْقَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQمُصَادَرَةٌ عَنْ الْمَطْلُوبِ فَتَأَمَّلْ. وَقَوْلُهُ (أَوْ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ إثْبَاتٌ فِي الْمَاضِي وَنَفْيٌ فِي الْحَالِ، وَالْجُحُودُ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ) دَلِيلٌ آخَرُ تَحْقِيقُهُ أَنَّ أَحَدَهُمَا مُرَكَّبٌ مِنْ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ وَالْآخَرُ مُجَرَّدُ النَّفْيِ، فَلَا يَكُونُ الْجُحُودُ رُجُوعًا حَقِيقَةً وَلَا الْعَكْسُ أَيْضًا. وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنَّهُ قَالَ فِي الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ: إنَّ الْجُحُودَ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي وَالِانْتِفَاءُ فِي الْحَالِ ضَرُورَةُ ذَلِكَ، وَهَاهُنَا قَالَ: وَالْجُحُودُ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي وَالْحَالُ بَيْنَهُمَا تَنَافٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ كَوْنِ الْجُحُودِ رُجُوعًا حَقِيقَةً عَدَمُ جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ مَجَازًا صَوْنًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ عَنْ الْإِلْغَاءِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ قَوْلَهُ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي وَالْحَالُ مَعْنَاهُ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي وَضْعًا وَحَقِيقَةً، وَفِي الْحَالِ ضَرُورَةً لَا وَضْعًا وَهُوَ الْأَوَّلُ فَلَا تَنَافِيَ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الرُّجُوعَ وَالْجُحُودَ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَاضِي مُتَضَادَّانِ، وَالتَّضَادُّ لَيْسَ مِنْ مُجَوِّزَاتِ الْمَجَازِ فِي الْأَلْفَاظِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِي الْأَنْوَارِ وَالتَّقْرِيرِ، وَلِهَذَا لَا يَكُونُ جُحُودُ النِّكَاحِ فُرْقَةً: يَعْنِي مُسْتَعَارًا لِلطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْجُحُودَ يَقْتَضِي عَدَمَ النِّكَاحِ فِي الْمَاضِي وَالطَّلَاقُ يَقْتَضِي وُجُودَهُ فَكَانَا مُتَقَابِلَيْنِ فَلَا يَجُوزُ اسْتِعَارَةُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ.

[باب الوصية بثلث المال]

وَلَوْ قَالَ كُلُّ وَصِيَّةٍ أَوْصَيْت بِهَا لِفُلَانٍ فَهُوَ حَرَامٌ وَرِبًا لَا يَكُونُ رُجُوعًا) لِأَنَّ الْوَصْفَ يَسْتَدْعِي بَقَاءَ الْأَصْلِ (بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ فَهِيَ بَاطِلَةٌ) لِأَنَّهُ الذَّاهِبُ الْمُتَلَاشِي (وَلَوْ قَالَ أَخَّرْتهَا لَا يَكُونُ رُجُوعًا) لِأَنَّ التَّأْخِيرَ لَيْسَ لِلسُّقُوطِ كَتَأْخِيرِ الدَّيْنِ (بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ تَرَكْت) لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ (وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ الَّذِي أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ فَهُوَ لِفُلَانٍ كَانَ رُجُوعًا) لِأَنَّ اللَّفْظَ يَدُلُّ عَلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ (بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِآخَرَ) لِأَنَّ الْمَحِلَّ يَحْتَمِلُ الشَّرِكَةَ وَاللَّفْظَ صَالِحٌ لَهَا (وَكَذَا إذَا قَالَ فَهُوَ لِفُلَانٍ وَارِثِي يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ الْأَوَّلِ) لِمَا بَيَّنَّا وَيَكُونُ وَصِيَّةً لِلْوَارِثِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهُ (وَلَوْ كَانَ فُلَانٌ الْآخَرُ مَيِّتًا حِينَ أَوْصَى فَالْوَصِيَّةُ الْأُولَى عَلَى حَالِهَا) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ الْأُولَى إنَّمَا تَبْطُلُ ضَرُورَةَ كَوْنِهَا لِلثَّانِي وَلَمْ يَتَحَقَّقْ فَبَقِيَ لِلْأَوَّلِ (وَلَوْ كَانَ فُلَانٌ حِينَ قَالَ ذَلِكَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَهِيَ لِلْوَرَثَةِ) لِبُطْلَانِ الْوَصِيَّتَيْنِ الْأُولَى بِالرُّجُوعِ وَالثَّانِيَةِ بِالْمَوْتِ. (بَابُ الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ) قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّهُ يَضِيقُ الثُّلُثُ عَنْ حَقِّهِمَا إذْ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَقَدْ تَسَاوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَالْمَحِلُّ يَقْبَلُ الشَّرِكَةَ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا (وَإِنْ أَوْصَى لِأَحَدِهِمَا بِالثُّلُثِ وَلِلْآخَرِ بِالسُّدُسِ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا يُدْلِي بِسَبَبٍ صَحِيحٍ وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْ حَقَّيْهِمَا فَيَقْتَسِمَانِهِ عَلَى قَدْرِ حَقَّيْهِمَا كَمَا فِي أَصْحَابِ الدُّيُونِ فَيُجْعَلُ الْأَقَلُّ سَهْمًا وَالْأَكْثَرُ سَهْمَيْنِ فَصَارَ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ: سَهْمٌ لِصَاحِبِ الْأَقَلِّ وَسَهْمَانِ لِصَاحِبِ الْأَكْثَرِ (وَإِنْ أَوْصَى لِأَحَدِهِمَا بِجَمِيعِ مَالِهِ وَلِلْآخَرِ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ، فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَلَا يَضْرِبُ أَبُو حَنِيفَةَ لِلْمُوصَى لَهُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إلَّا فِي الْمُحَابَاةِ وَالسِّعَايَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْله (وَلَوْ قَالَ كُلُّ وَصِيَّةٍ أَوْصَيْتُ بِهَا) وَاضِحٌ، وَقَوْلُهُ (؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَدُلُّ عَلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ) قِيلَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ بَيْنَهُمَا حَرْفَ الِاشْتِرَاكِ، وَإِنَّمَا جَعَلَ تِلْكَ الْوَصِيَّةَ بِعَيْنِهَا لِغَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى هَذَا التَّعْلِيلِ. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهُ) يُرِيدُ بِهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّوَقُّفِ عَلَى إجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ فَإِنْ أَجَازُوا جَازَ وَإِلَّا فَلَا [بَابُ الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ] (بَابُ الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ) لَمَّا كَانَ أَقْصَى مَا يَدُورُ عَلَيْهِ مَسَائِلُ الْوَصَايَا عِنْدَ عَدَمِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ ثُلُثَ الْمَالِ ذَكَرَ تِلْكَ الْمَسَائِلَ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهِ فِي هَذَا الْبَابِ بَعْدَ ذِكْرِ مُقَدِّمَاتِ هَذَا الْكِتَابِ قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ إلَخْ) وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ ثُمَّ أَوْصَى لِآخَرَ أَيْضًا بِذَلِكَ فَالْوَرَثَةُ إمَّا أَنْ يُجِيزُوهُمَا أَوْ لَا، فَإِنْ أَجَازُوا فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ وَلَهُمْ الثُّلُثُ، وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، إذْ لَا يُزَادُ عَلَى الثُّلُثِ حِينَئِذٍ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِهِ مِنْ الْآخَرِ فَتَسَاوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَالتَّسَاوِي فِيهِ يُوجِبُ التَّسَاوِيَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، فَإِنْ كَانَ الْمَحَلُّ يَقْبَلُ الشَّرِكَةَ جُعِلَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَرَجُلَيْنِ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى نِكَاحِ امْرَأَةٍ تَبْطُلُ الْبَيِّنَتَانِ جَمِيعًا، وَقَوْلُهُ (وَإِنْ أَوْصَى لِأَحَدِهِمَا بِالثُّلُثِ وَلِلْآخَرِ بِالسُّدُسِ) وَاضِحٌ، وَقَوْلُهُ (وَلَا يَضْرِبُ أَبُو حَنِيفَةَ) أَيْ لَا يَجْعَلُ مَنْ ضَرَبَ فِي مَالِهِ سَهْمًا: أَيْ جَعَلَ

وَالدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ) لَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ الْمُوصِي قَصَدَ شَيْئَيْنِ الِاسْتِحْقَاقَ وَالتَّفْضِيلَ، وَامْتَنَعَ الِاسْتِحْقَاقُ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَلَا مَانِعَ مِنْ التَّفْضِيلِ فَيَثْبُتُ كَمَا فِي الْمُحَابَاةِ وَأُخْتَيْهَا. وَلَهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ وَقَعَتْ بِغَيْرِ الْمَشْرُوعِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ مِنْ الْوَرَثَةِ، إذْ لَا نَفَاذَ لَهَا بِحَالٍ فَيَبْطُلُ أَصْلًا، وَالتَّفْضِيلُ يَثْبُتُ فِي ضِمْنِ الِاسْتِحْقَاقِ فَبَطَلَ بِبُطْلَانِهِ كَالْمُحَابَاةِ الثَّابِتَةِ فِي ضِمْنِ الْبَيْعِ، بِخِلَافِ مَوَاضِعِ الْإِجْمَاعِ لِأَنَّ لَهَا نَفَاذًا فِي الْجُمْلَةِ بِدُونِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ بِأَنْ كَانَ فِي الْمَالِ سَعَةٌ فَتُعْتَبَرُ فِي التَّفَاضُلِ لِكَوْنِهِ مَشْرُوعًا فِي الْجُمْلَةِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ. وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِعَيْنٍ مِنْ تَرِكَتِهِ وَقِيمَتُهُ تَزِيدُ عَلَى الثُّلُثِ فَإِنَّهُ يَضْرِبُ بِالثُّلُثِ وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ يَزِيدَ الْمَالُ فَيَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمَفْعُولَ لَا يَضْرِبُ مَحْذُوفًا: أَيْ لَا يَضْرِبُ شَيْئًا وَصُورَةُ الْمُحَابَاةِ عَبْدَانِ لِرَجُلٍ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا أَلْفٌ وَمِائَةٌ وَقِيمَةُ الْآخَرِ سِتُّمِائَةٍ وَأَوْصَى بِأَنْ يُبَاعَ أَحَدُهُمَا لِفُلَانٍ بِمِائَةٍ وَالْآخَرُ لِفُلَانٍ بِمِائَةٍ فَإِنَّهُ حَصَلَتْ الْمُحَابَاةُ لِأَحَدِهِمَا بِأَلْفٍ وَلِلْآخَرِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَالْكُلُّ وَصِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ فِي حَالِ الْمَرَضِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُمَا وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ جَازَتْ الْمُحَابَاةُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا يُضْرَبُ الْمُوصَى لَهُ بِالْأَلْفِ بِحَسَبِ وَصِيَّتِهِ وَهِيَ الْأَلْفُ وَالْمُوصَى لَهُ الْآخَرُ بِحَسَبِ وَصِيَّتِهِ وَهِيَ خَمْسُمِائَةٍ، فَلَوْ كَانَ هَذَا كَسَائِرِ الْوَصَايَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَجَبَ أَنْ لَا يَضْرِبَ الْمُوصَى لَهُ بِالْأَلْفِ فِي أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ. وَصُورَةُ السِّعَايَةِ أَنْ يُوصِيَ بِعِتْقِ عَبْدَيْنِ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا أَلْفٌ وَقِيمَةُ الْآخَرِ أَلْفَانِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمَا إنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ عَتَقَا جَمِيعًا، وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا عَتَقَا مِنْ الثُّلُثِ وَثُلُثُ مَالِهِ أَلْفٌ فَالْأَلْفُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ وَصِيَّتِهِمَا ثُلُثَا الْأَلْفِ لِلَّذِي قِيمَتُهُ أَلْفَانِ وَيَسْعَى فِي الْبَاقِي وَالثُّلُثُ لِلَّذِي قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَيَسْعَى فِي الْبَاقِي. وَصُورَةُ الدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ: أَيْ الْمُطْلَقَةِ هِيَ أَنْ يُوصِيَ لِرَجُلٍ بِأَلْفَيْنِ وَلِلْآخَرِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَثُلُثُ مَالِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَإِنَّهُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَضْرِبُ بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ فِي مَخْرَجِهَا صَحِيحَةٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ آخَرُ يَخْرُجُ هَذَا الْقَدْرُ مِنْ الثُّلُثِ، وَلَا كَذَلِكَ فِيمَا إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِنِصْفِ مَالِهِ أَوْ بِجَمِيعِ مَالِهِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ فِي مَخْرَجِهِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ مَالَهُ لَوْ كَثُرَ أَوْ خَرَجَ لَهُ مَالٌ آخَرُ يَدْخُلُ فِيهِ تِلْكَ الْوَصِيَّةُ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ (لَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ) وَهِيَ مَا إذَا أَوْصَى لِأَحَدِهِمَا بِجَمِيعِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِثُلُثِهِ (أَنَّ الْمُوصِيَ قَصَدَ شَيْئَيْنِ الِاسْتِحْقَاقَ) عَلَى الْوَرَثَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَتَفْضِيلَ بَعْضِ أَهْلِ الْوَصَايَا عَلَى بَعْضٍ (وَقَدْ امْتَنَعَ الِاسْتِحْقَاقُ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَلَا مَانِعَ مِنْ التَّفْضِيلِ فَيَثْبُتُ كَمَا فِي الْمُحَابَاةِ) وَالسِّعَايَةِ وَالدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ وَقَعَتْ بِغَيْرِ الْمَشْرُوعِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّفْضِيلَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِنَاءً عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ؛ وَإِذَا بَطَلَ الِاسْتِحْقَاقُ بَطَلَ مَا ثَبَتَ فِي ضِمْنِهِ (كَالْمُحَابَاةِ الثَّابِتَةِ فِي ضِمْنِ الْبَيْعِ) تَبْطُلُ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَمَّا بَطَلَتْ بَقِيَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُوصًى لَهُ بِالثُّلُثِ وَفِي ذَلِكَ يَتَسَاوَيَانِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا (بِخِلَافِ مَوَاضِعِ الْإِجْمَاعِ) يَعْنِي الْمُحَابَاةَ وَأُخْتَيْهَا وَهُوَ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِعَيْنٍ مِنْ تَرِكَتِهِ) صُورَةُ نَقْضٍ تَرِدُ عَلَى الْمَسَائِلِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ اُحْتُمِلَ أَنْ يَزِيدَ الْمَالُ فَيَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ) يَعْنِي بِأَنْ كَانَ عَبْدًا أَوْصَى بِهِ لِرَجُلٍ وَبِثُلُثِ مَالِهِ لِآخَرَ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَى الْعَبْدِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَإِنْ اُحْتُمِلَ أَنْ يَكْتَسِبَ هَذَا الْعَبْدُ مَالًا فَتَصِيرُ رَقَبَتُهُ

لِأَنَّ هُنَاكَ الْحَقُّ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ وَاسْتَفَادَ مَالًا آخَرَ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ، وَفِي الْأَلْفِ الْمُرْسَلَةِ لَوْ هَلَكَتْ التَّرِكَةُ تَنْفُذُ فِيمَا يُسْتَفَادُ فَلَمْ يَكُنْ مُتَعَلِّقًا بِعَيْنِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ. قَالَ (وَإِذَا أَوْصَى بِنَصِيبِ ابْنِهِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ. وَلَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ جَازَ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ وَصِيَّةٌ بِمَالِ الْغَيْرِ، لِأَنَّ نَصِيبَ الِابْنِ مَا يُصِيبُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالثَّانِيَ وَصِيَّةٌ بِمِثْلِ نَصِيبِ الِابْنِ وَمِثْلُ الشَّيْءِ غَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ يَتَقَدَّرُ بِهِ فَيَجُوزُ، وَقَالَ زُفَرُ: يَجُوزُ فِي الْأَوَّلِ أَيْضًا فَيُنْظَرُ إلَى الْحَالِ وَالْكُلُّ مَالُهُ فِيهِ وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ فَلَهُ أَخَسُّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ عَنْ السُّدُسِ فَيَتِمَّ لَهُ السُّدُسُ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمُسَاوِيَةً لِثُلُثِ الْمَالِ أَوْ يَظْهَرُ لَهُ مَالٌ بِحَيْثُ يَصِيرُ الْعَبْدُ ثُلُثَ الْمَالِ. وَقَوْلُهُ (؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الْحَقَّ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ) يَعْنِي أَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ؛ وَلِهَذَا لَوْ هَلَكَتْ الْعَيْنُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ اسْتَفَادَ مَالًا آخَرَ، وَحَقُّ الْوَرَثَةِ أَيْضًا يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَيَبْطُلُ حَقُّهُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ الْحَقَّيْنِ، بِخِلَافِ الْأَلْفِ الْمُرْسَلَةِ؛ وَلِهَذَا لَوْ هَلَكَتْ يَنْفُذُ فِيمَا يُسْتَفَادُ فَلَمْ تَتَعَلَّقْ بِعَيْنِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ فَلَا يَلْزَمُ بُطْلَانُهُ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى بِنَصِيبِ ابْنِهِ) وَمَنْ أَوْصَى بِنَصِيبِ ابْنِهِ وَهُوَ مَوْجُودٌ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ابْنٌ صَحَّتْ (وَإِنْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ جَازَ) كَانَ لَهُ ابْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ (؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ وَصِيَّةٌ بِمَالِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الِابْنِ مَا يُصِيبُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ) بِنَصِّ الْكِتَابِ، وَالْوَصِيَّةُ بِمَالِ الْغَيْرِ لَا تَجُوزُ (وَالثَّانِي وَصِيَّةٌ بِمِثْلِ نَصِيبِ الِابْنِ، وَمِثْلُ الشَّيْءِ غَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ) وَقَالَ زُفَرُ: جَازَتْ الْأُولَى كَالثَّانِيَةِ نَظَرًا إلَى حَالِ الْوَصِيَّةِ؛ فَإِنَّ الْمَالَ كُلَّهُ لَهُ فِي ذَلِكَ الْحَالِ لِكَوْنِهِ حَيًّا بَعْدُ وَلِلْمَالِكِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ كَيْفَ يَشَاءُ (وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا) وَهُوَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ وَصِيَّةٌ بِمَالِ الْغَيْرِ قَوْلُهُ (وَمَنْ أَوْصَى بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ) مَعْنَاهُ فَلَهُ السُّدُسُ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ. فَإِنْ قِيلَ: أَخَسُّ الْأَنْصِبَاءِ أَقَلُّهُ وَالثَّمَنُ أَقَلُّ مِنْ السُّدُسِ فَكَيْفَ جَعَلَهُ بِمَعْنَى السُّدُسِ، قُلْت: جَعَلَهُ بِمَعْنَاهُ بِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ الْأَثَرِ وَاللُّغَةِ، أَمَّا الْأَثَرُ فَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَدْ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يُرْوَى أَنَّ «السَّهْمَ هُوَ السُّدُسُ» . وَأَمَّا اللُّغَةُ فَإِنَّ إيَاسَ بْنَ مُعَاوِيَةَ قَاضِي الْبَصْرَةِ قَالَ: السَّهْمُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ السُّدُسِ. وَاعْلَمْ أَنَّ عِبَارَةَ الْمَشَايِخِ وَالشَّارِحِينَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ اخْتَلَفَتْ اخْتِلَافًا لَا يَكَادُ يُعْلَمُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَسَبَبُ ذَلِكَ اخْتِلَافُ رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ. قَالَ فِي الْكَافِي: فَعَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ جَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ النُّقْصَانَ مِنْ السُّدُسِ وَلَمْ يُجَوِّزْ الزِّيَادَةَ عَلَى السُّدُسِ، وَعَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ جَوَّزَ الزِّيَادَةَ عَلَى السُّدُسِ وَلَمْ يُجَوِّزْ النُّقْصَانَ عَنْ السُّدُسِ، وَرِوَايَةُ الْمُصَنِّفِ تُخَالِفُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ عَنْ السُّدُسِ فَيَتِمَّ لَهُ السُّدُسُ لَيْسَ فِي رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ)

وَقَالَا: لَهُ مِثْلُ نَصِيبِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ وَلَا يُزَادُ عَلَى الثُّلُثِ إلَّا أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ) لِأَنَّ السَّهْمَ يُرَادُ بِهِ أَحَدَ سِهَامِ الْوَرَثَةِ عُرْفًا لَا سِيَّمَا فِي الْوَصِيَّةِ، وَالْأَقَلُّ مُتَيَقَّنٌ بِهِ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ، إلَّا إذَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ. وَلَهُ أَنَّ السَّهْمَ هُوَ السُّدُسُ هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَدْ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيمَا يُرْوَى، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْسَ فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، فَإِمَّا أَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِمَا، وَإِمَّا أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا (وَقَالَا: لَهُ مِثْلُ نَصِيبِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ وَلَا يُزَادُ عَلَى الثُّلُثِ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْوَرَثَةُ) وَمَفْزَعُهُمَا الْعُرْفُ (فَإِنَّ السَّهْمَ يُرَادُ بِهِ أَحَدُ سِهَامِ الْوَرَثَةِ عُرْفًا لَا سِيَّمَا فِي الْوَصِيَّةِ، وَالْأَقَلُّ مُتَيَقَّنٌ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ) إلَّا إذَا زَادَ: أَيْ الْأَقَلُّ (عَلَى الثُّلُثِ فَيُرَدُّ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ) وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا ذَكَرْنَاهُ

وَلِأَنَّهُ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ السُّدُسُ، فَإِنَّ إيَاسًا قَالَ: السَّهْمُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ السُّدُسِ، وَيُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْوَرَثَةِ فَيُعْطَى مَا ذَكَرْنَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQآنِفًا فِي جَوَابِ السُّؤَالِ مِنْ أَثَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَوْلِ إيَاسٍ. وَقَوْلُهُ (؛ وَلِأَنَّهُ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ السُّدُسُ إلَخْ) مُشْكِلٌ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ فَيُعْطَى مَا ذَكَرْنَا، وَفِي بَعْضِهَا فَيُعْطَى الْأَقَلَّ مِنْهُمَا. وَفَسَّرَ الْأُولَى بَعْضُ الشَّارِحِينَ فَقَالَ: يَعْنِي إنْ كَانَ أَخَسُّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ أَقَلَّ مِنْ السُّدُسِ يُعْطَى السُّدُسَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ السَّهْمَ عِبَارَةٌ عَنْ السُّدُسِ، وَإِنْ كَانَ أَخَسُّ السِّهَامِ أَكْثَرَ مِنْهُ يُعْطَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ السَّهْمَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْوَرَثَةِ عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ، فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ أَخَسَّ السِّهَامِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ السُّدُسِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِدَلِيلٍ لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، فَإِنَّ فِيهِ الزِّيَادَةَ عَلَى السُّدُسِ، وَقَدْ قَالَ فِي الْكِتَابِ: وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ السُّدُسَ فَمَا ثَمَّ عَمَلٌ بِالدَّلِيلَيْنِ. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ وَهُوَ قَوْلُهُ فَيُعْطَى الْأَقَلَّ مِنْهُمَا يُؤَدِّي إلَى النُّقْصَانِ عَنْ السُّدُسِ وَفِي الْكِتَابِ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ عَنْ السُّدُسِ فَيُتِمَّ لَهُ السُّدُسَ. وَأَيْضًا قَوْلُهُ (مَا ذَكَرْنَا) إنْ أَرَادَ بِهِ السُّدُسَ فَلَا تَعَلُّقَ لِقَوْلِهِ وَقَدْ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْوَرَثَةِ بِالدَّلِيلِ؛ لِأَنَّهُ يَتِمُّ بِقَوْلِ إيَاسٍ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْأَقَلَّ مِنْهُمَا عَادَ الِاعْتِرَاضُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ الْأَدَاءُ إلَى النُّقْصَانِ عَنْ السُّدُسِ، وَأَرَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ مَا ذَكَرْنَا هُوَ الْأَقَلُّ مِنْهُمَا لِيَكُونَ مَعْنَى النُّسْخَتَيْنِ وَاحِدًا، وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ وَهِيَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ جَوَازِ النُّقْصَانِ دُونَ الزِّيَادَةِ عَلَى السُّدُسِ تَنْبِيهًا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْكِتَابِ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ عَنْ السُّدُسِ فَيَتِمُّ لَهُ السُّدُسُ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ لَيْسَ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنَّمَا هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ رِوَايَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ هَذَا مُرَادَهُ فَهُوَ كَمَا تَرَى تَعْمِيَةٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ، وَجَهْدُ الْمُقِلِّ دُمُوعُهُ. وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا أَوْصَتْ الْمَرْأَةُ بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهَا ثُمَّ مَاتَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجًا وَبِنْتًا عَلَى رِوَايَةِ

قَالُوا: هَذَا كَانَ فِي عُرْفِهِمْ، وَفِي عُرْفِنَا السَّهْمُ كَالْجُزْءِ. قَالَ (وَلَوْ أَوْصَى بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ قِيلَ لِلْوَرَثَةِ أَعْطُوهُ مَا شِئْتُمْ) لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، غَيْرَ أَنَّ الْجَهَالَةَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ وَالْوَرَثَةُ قَائِمُونَ مُقَامَ الْمُوصِي فَإِلَيْهِمْ الْبَيَانُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجَامِعِ الصَّغِيرِ يُعْطَى السُّدُسَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يُعْطَى الرُّبُعَ: أَيْ مِثْلَ الرُّبُعِ فَيُعْطَى الْخُمُسَ تُجْعَلُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلِهِ عَلَى سِتَّةٍ لِحَاجَتِنَا إلَى السُّدُسِ لِلْمُوصَى لَهُ سَهْمٌ بَقِيَتْ خَمْسَةٌ لِلزَّوْجِ مِنْهُ الرُّبُعُ وَلَا يَسْتَقِيمُ عَلَيْهِ فَيُضْرَبُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ مَخْرَجُ الْكَسْرِ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ تَبْلُغُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ سَهْمٌ يُضْرَبُ فِي أَرْبَعَةٍ فَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَهُوَ سُدُسُ الْمَالِ بَقِيَ عِشْرُونَ لِلزَّوْجِ مِنْهَا الرُّبُعُ، وَهُوَ خَمْسَةٌ وَالْبَاقِي لِلْبِنْتِ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا عَلَى خَمْسَةٍ يُزَادُ مِثْلُ أَخَسِّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ، وَهُوَ وَاحِدٌ عَلَى الْفَرِيضَةِ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ فَتَصِيرُ خَمْسَةً يُعْطَى الْمُوصَى لَهُ سَهْمًا وَالزَّوْجُ سَهْمًا وَهُوَ رُبُعُ الْبَاقِي بَعْدَ نَصِيبِ الْمُوصَى لَهُ وَمَا بَقِيَ فَلِلْبِنْتِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ الزَّوْجِ وَمِثْلُ الشَّيْءِ غَيْرُهُ فَيُزَادُ مِثْلُ الرُّبُعِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ لِيَكُونَ الْمَزِيدُ مَثَلًا لِلرُّبُعِ، وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ فَتَخْرِيجُهُ كَتَخْرِيجِهِمَا، وَعَلَى هَذَا قِسْ أَمْثَالَهَا وَخَرَّجَهَا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَقَوْلُهُ (قَالُوا) أَيْ مَشَايِخُنَا كَانَ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ وَفِي عُرْفِنَا السَّهْمُ كَالْجُزْءِ (وَلَوْ أَوْصَى بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ قِيلَ لِلْوَرَثَةِ أَعْطُوهُ مَا شِئْتُمْ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ غَيْرَ أَنَّ الْجَهَالَةَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ وَالْوَرَثَةُ قَائِمُونَ مَقَامَ الْمُوصِي فَإِلَيْهِمْ الْبَيَانُ) وَلَوْ أَوْصَى بِبَعْضٍ مِنْ مَالِهِ أَوْ بِطَائِفَةٍ أَوْ بِنَصِيبٍ أَوْ بِشَيْءٍ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ

قَالَ (وَمَنْ قَالَ سُدُسُ مَالِي لِفُلَانٍ ثُمَّ قَالَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَوْ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ لَهُ ثُلُثُ مَالِي وَأَجَازَتْ الْوَرَثَةُ فَلَهُ ثُلُثُ الْمَالِ وَيَدْخُلُ السُّدُسُ فِيهِ، وَمَنْ قَالَ سُدُسُ مَالِي لِفُلَانٍ ثُمَّ قَالَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَوْ فِي غَيْرِهِ سُدُسُ مَالِي لِفُلَانٍ فَلَهُ سُدُسٌ وَاحِدٌ) لِأَنَّ السُّدُسَ ذُكِرَ مُعَرَّفًا بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمَالِ، وَالْمَعْرِفَةُ إذَا أُعِيدَتْ يُرَادُ بِالثَّانِي عَيْنَ الْأَوَّلِ هُوَ الْمَعْهُودُ فِي اللُّغَةِ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ دَرَاهِمِهِ أَوْ بِثُلُثِ غَنَمِهِ فَهَلَكَ ثُلُثَا ذَلِكَ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ فَلَهُ جَمِيعُ مَا بَقِيَ) وَقَالَ زُفَرُ: لَهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ وَالْمَالُ الْمُشْتَرَكُ يُتْوَى مَا تُوِيَ مِنْهُ عَلَى الشَّرِكَةِ وَيَبْقَى مَا بَقِيَ عَلَيْهَا وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً. وَلَنَا أَنَّ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ يُمْكِنُ جَمِيعُ حَقِّ أَحَدِهِمْ فِي الْوَاحِدِ وَلِهَذَا يَجْرِي فِيهِ الْجَبْرُ عَلَى الْقِسْمَةِ وَفِيهِ جَمْعٌ وَالْوَصِيَّةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَأَجَازَتْ الْوَرَثَةُ فَلَهُ ثُلُثُ الْمَالِ) فَإِنْ قِيلَ: إذَا أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهُ نِصْفُ الْمَالِ وَإِلَّا لَمْ يَبْقَ لِقَوْلِهِ وَأَجَازَتْ الْوَرَثَةُ فَائِدَةٌ فَالْجَوَابُ أَنَّ مَعْنَاهُ حَقُّهُ الثُّلُثُ وَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ؛ لِأَنَّ السُّدُسَ يَدْخُلُ فِي الثُّلُثِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالثَّانِيَةِ زِيَادَةَ السُّدُسِ عَلَى الْأَوَّلِ حَتَّى يَتِمَّ لَهُ الثُّلُثُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهَا إيجَابَ الثُّلُثِ عَلَى السُّدُسِ فَيُجْعَلُ السُّدُسُ دَاخِلًا فِي الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ وَحَمْلًا لِكَلَامِهِ عَلَى مَا يَمْلِكُهُ وَهُوَ الْإِيصَاءُ بِالثُّلُثِ. وَقَوْلُهُ (وَالْمَعْرِفَةُ مَتَى أُعِيدَتْ يُرَادُ بِالثَّانِي عَيْنُ الْأَوَّلِ) قَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ مُسْتَوْفًى بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ دَرَاهِمِهِ أَوْ بِثُلُثِ غَنَمِهِ) وَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ دَرَاهِمِهِ أَوْ بِثُلُثِ غَنَمِهِ (فَهَلَكَ ثُلُثَا ذَلِكَ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ فَلَهُ جَمِيعُ مَا بَقِيَ، وَقَالَ زُفَرَ: لَهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْهَالِكِ وَالْبَاقِي (مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى لَهُ وَالْمَالُ الْمُشْتَرَكُ يَتْوَى مَا تَوَى مِنْهُ عَلَى الشَّرِكَةِ وَيَبْقَى مَا بَقِيَ مِنْهُ عَلَيْهَا، وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً) وَهُوَ الْقِيَاسُ (وَلَنَا أَنَّ هَذَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَالْجِنْسُ الْوَاحِدُ يُمْكِنُ فِيهِ جَمْعُ حَقِّ أَحَدِهِمْ فِي الْوَاحِدِ) أَيْ يُمْكِنُ جَمْعُ حَقٍّ شَائِعٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ فِي (فَرْدٍ وَلِهَذَا يَجْرِي فِيهِ الْجَبْرُ عَلَى الْقِسْمَةِ) مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ، وَإِذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ جَمْعًا حَقُّ الْمُوصَى لَهُ فِيمَا بَقِيَ تَقْدِيمًا لِلْوَصِيَّةِ عَلَى الْإِرْثِ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ جَعَلَ حَاجَتَهُ فِي هَذَا الْمُعَيَّنِ مُقَدَّمَةً عَلَى حَقِّ الْوَرَثَةِ بِقَدْرِ الْمُوصَى بِهِ، فَكَانَ حَقُّ الْوَرَثَةِ كَالتَّبَعِ وَحَقُّ الْمُوصِي لَهُ كَالْأَصْلِ، وَالْأَصْلُ فِي مَالٍ اشْتَمَلَ عَلَى أَصْلٍ وَتَبَعٍ إذَا هَلَكَ شَيْءٌ مِنْهُ أَنْ يُجْعَلَ الْهَالِكُ مِنْ التَّبَعِ دُونَ الْأَصْلِ، كَمَالِ الْمُضَارَبَةِ إذَا كَانَ فِيهِ رِبْحٌ وَهَلَكَ بَعْضُهُ يُصْرَفُ الْهَالِكُ إلَى الرِّبْحِ الَّذِي هُوَ

مُقَدَّمَةٌ فَجَمَعْنَاهَا فِي الْوَاحِدِ الْبَاقِي وَصَارَتْ الدَّرَاهِمُ كَالدِّرْهَمِ، بِخِلَافِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ فِيهَا جَبْرًا فَكَذَا تَقْدِيمًا. قَالَ (وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ ثِيَابِهِ فَهَلَكَ ثُلُثَاهَا وَبَقِيَ ثُلُثُهَا وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ إلَّا ثُلُثَ مَا بَقِيَ مِنْ الثِّيَابِ، قَالُوا: هَذَا) إذَا كَانَتْ الثِّيَابُ مِنْ أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَلَوْ كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّرَاهِمِ، وَكَذَلِكَ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ بِمَنْزِلَتِهَا لِأَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ الْجَمْعُ جَبْرًا بِالْقِسْمَةِ (وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ ثَلَاثَةٍ مِنْ رَقِيقِهِ فَمَاتَ اثْنَانِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا ثُلُثُ الْبَاقِي، وَكَذَا الدُّورُ الْمُخْتَلِفَةُ) وَقِيلَ هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الْجَبْرَ عَلَى الْقِسْمَةِ فِيهَا. وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ الْكُلِّ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الْقَاضِي أَنْ يَجْتَهِدَ وَيَجْمَعَ وَبِدُونِ ذَلِكَ يَتَعَذَّرُ الْجَمْعُ، وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ لِلْفِقْهِ الْمَذْكُورِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَبَعٌ لَا إلَى رَأْسِ الْمَالِ (وَصَارَتْ الدَّرَاهِمُ) أَيْ صَارَتْ الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ الدَّرَاهِمِ كَالْوَصِيَّةِ بِالدِّرْهَمِ الْوَاحِدِ. وَلَوْ أَوْصَى بِدِرْهَمٍ وَلَهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ فَهَلَكَ دِرْهَمَانِ وَبَقِيَ دِرْهَمٌ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ كَانَ لَهُ الدِّرْهَمُ فَكَذَلِكَ هَذَا. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ زُفَرَ كَمَا إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ أَجْنَاسًا، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْجَمْعَ فِيهَا غَيْرُ مُمْكِنٍ، فَإِنَّهُ إذَا تَرَكَهَا وَطَلَبَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ الْقِسْمَةَ وَأَبَى الْبَاقُونَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يُجْبِرُهُمْ عَلَى الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الْقِسْمَةِ الِانْتِفَاعُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُعَادَلَةِ وَهِيَ فِيهَا مُتَعَذِّرَةٌ، وَإِذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ تَعَذَّرَ التَّقْدِيمُ؛ لِأَنَّ فِيهِ الْجَمْعَ فَبَقِيَ الْكُلُّ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى لَهُ أَثْلَاثًا، فَمَا هَلَكَ هَلَكَ عَلَى الشَّرِكَةِ وَمَا بَقِيَ بَقِيَ عَلَيْهَا أَثْلَاثًا، وَظَهَرَ مِنْ هَذَا قَوْلُهُ وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ ثِيَابِهِ، وَأَمَّا إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ ثَلَاثَةٍ مِنْ رَقِيقِهِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ بِثُلُثِ ثَلَاثَةٍ مِنْ الدُّورِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا الثُّلُثُ الْبَاقِي لِكَثْرَةِ التَّفَاوُتِ، هَكَذَا أَجَابَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ (فَقِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الْجَبْرَ عَلَى الْقِسْمَةِ) فِيهَا فَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَالدُّورُ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَكَذَلِكَ الرَّقِيقُ، فَيَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ الْعَبْدُ الْبَاقِي وَالدَّارُ الْبَاقِيَةُ؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْسِمَ قِسْمَةً وَاحِدَةً فَيَجْمَعَ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي عَبْدٍ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَإِلَى هَذَا مَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَالْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ. وَقِيلَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ قَوْلُ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا لَا يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي الْقِسْمَةُ بَلْ يَجُوزُ لَهُ (أَنْ يَجْتَهِدَ وَيَجْمَعَ وَبِدُونِ ذَلِكَ) أَيْ بِدُونِ اجْتِهَادِ الْقَاضِي وَجَمْعِهِ (يَتَعَذَّرُ الْجَمْعُ) وَإِذَا هَلَكَ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ فِعْلٌ مِنْ الْقَاضِي فَكَانَ الْمَالُ عَلَى الشَّرِكَةِ مَا بَقِيَ وَمَا هَلَكَ (وَالْأَوَّلُ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافٌ (أَشْبَهَ لِلْفِقْهِ الْمَذْكُورِ) وَهُوَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يَرَى الْجَبْرَ عَلَى الْقِسْمَةِ فِي الرَّقِيقِ وَالدُّورِ الْمُخْتَلِفَةِ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُهَا أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً، وَهُمَا

قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَهُ مَالٌ عَيْنٌ وَدَيْنٌ، فَإِنْ خَرَجَ الْأَلْفُ مِنْ ثُلُثِ الْعَيْنِ دُفِعَ إلَى الْمُوصَى لَهُ) لِأَنَّهُ أَمْكَنَ إيفَاءُ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ مِنْ غَيْرِ بَخْسٍ فَيُصَارُ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ دُفِعَ إلَيْهِ ثُلُثُ الْعَيْنِ، وَكُلَّمَا خَرَجَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ أَخَذَ ثُلُثَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْأَلْفَ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَارِثِ، وَفِي تَخْصِيصِهِ بِالْعَيْنِ بَخْسٌ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ لِلْعَيْنِ فَضْلًا عَنْ الدَّيْنِ، وَلِأَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ بِمَالٍ فِي مُطْلَقِ الْحَالِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ مَالًا عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ فَإِنَّمَا يَعْتَدِلُ النَّظَرُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو بِثُلُثِ مَالِهِ فَإِذَا عَمْرٌو مَيِّتٌ فَالثُّلُثُ كُلُّهُ لِزَيْدٍ) لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْوَصِيَّةِ فَلَا يُزَاحِمُ الْحَيَّ الَّذِي هُوَ مِنْ أَهْلِهَا، كَمَا إذَا أَوْصَى لِزَيْدٍ وَجِدَارٍ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQيَرَيَانِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا يَجْعَلَانِهَا جِنْسًا وَاحِدًا. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ) وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ (وَلَهُ مَالٌ عَيْنٌ وَدَيْنٌ فَإِنْ خَرَجَ الْأَلْفُ مِنْ ثُلُثِ الْعَيْنِ) بِأَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ نَقْدًا (دُفِعَ) الْأَلْفُ مِنْهُ (إلَى الْمُوصَى لَهُ) وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ فَإِنْ كَانَ النَّقْدُ أَلْفًا دُفِعَ مِنْهُ إلَيْهِ ثُلُثُهُ (وَكُلَّمَا خَرَجَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ أُخِذَ ثُلُثُهُ حَتَّى يُسْتَوْفَى الْأَلْفُ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَارِثِ) وَالْأَصْلُ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ أَنْ يُوَفِّيَ حَقَّ كُلٍّ مِنْ الشُّرَكَاءِ بِلَا بَخْسٍ، وَلَا بَخْسَ فِي حَقِّ أَحَدٍ بِتَخْصِيصِ الْمُوصَى لَهُ بِالْعَيْنِ فِي الْأَوَّلِ فَيُصَارُ إلَيْهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بَخْسٌ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ بِتَخْصِيصِ الْمُوصَى لَهُ بِأَلْفَيْنِ (؛ لِأَنَّ لِلْعَيْنِ فَضْلًا عَلَى الدَّيْنِ) عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ فَكَانَ فِيمَا ذَكَرْنَا تَعْدِيلُ النَّظَرِ لِلْجَانِبَيْنِ. قِيلَ الْمُوصَى بِهِ أَلْفٌ مِنْ الْمَالِ وَالدَّيْنُ لَيْسَ بِمَالٍ، فَإِنَّ مَنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ لَمْ يَحْنَثْ بِدُيُونٍ لَهُ عَلَى النَّاسِ. سَلَّمْنَاهُ وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَرَثَةِ مُطْلَقًا، فَإِنَّ مَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَهَلَكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَارِثِ، وَلَوْ كَانَ شَرِيكًا لَهُ لَوَجَبَ عَلَى الْوَارِثِ حِصَّةُ الْمُوصَى لَهُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُوصَى بِهِ أَلْفٌ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَالًا فِي الْحَالِ، أَوْ فِي الْمَآلِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ وَكِلَاهُمَا تَرِكَةٌ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ شَرِيكُ الْوَارِثِ إذَا كَانَتْ فِي غَيْرِ مُعَيَّنٍ. وَأَمَّا فِي الْعَيْنِ فَإِنَّ الْوَارِثَ كَالْمُودَعِ لَا يَضْمَنُ إذَا لَمْ يَتَعَدَّ . وَقَوْلُهُ (وَمَنْ أَوْصَى لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو بِثُلُثِ مَالِهِ) وَاضِحٌ، وَانْدَفَعَ بِقَوْلِهِ (فَلَا يُزَاحِمُ الْحَيَّ) مَا إذَا أَوْصَى لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَهُمَا بِالْحَيَاةِ فَمَاتَ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَإِنَّ لِلْبَاقِي نِصْفَ الثُّلُثِ؛ لِوُجُودِ الْمُزَاحَمَةِ بَيْنَهُمَا حَالَ الْمِلْكِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ مَوْتُ أَحَدِهِمَا لَا يُبْطِلُ حَقَّهُ بَلْ يَقُومُ وَارِثُهُ فِيهِ مَقَامَهُ كَمَوْتِ

أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ فَلَهُ نِصْفُ الثُّلُثِ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ عِنْدَهُ صَحِيحَةٌ لِعَمْرٍو فَلَمْ يَرْضَ لِلْحَيِّ إلَّا نِصْفَ الثُّلُثِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ بِمَوْتِهِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْمَيِّتِ لَغْوٌ فَكَانَ رَاضِيًا بِكُلِّ الثُّلُثِ لِلْحَيِّ، وَإِنْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَزَيْدٌ مَيِّتٌ كَانَ لِعَمْرٍو نِصْفُ الثُّلُثِ، لِأَنَّ قَضِيَّةَ هَذَا اللَّفْظِ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الثُّلُثِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِزَيْدٍ وَسَكَتَ كَانَ لَهُ كُلُّ الثُّلُثِ، وَلَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي بَيْنَ فُلَانٍ وَسَكَتَ لَمْ يَسْتَحِقَّ الثُّلُثَ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَا مَالَ لَهُ وَاكْتَسَبَ مَالًا اسْتَحَقَّ الْمُوصَى لَهُ ثُلُثَ مَا يَمْلِكُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ عَقْدُ اسْتِخْلَافٍ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَيَثْبُتُ حُكْمُهُ بَعْدُ فَيُشْتَرَطُ وُجُودُ الْمَالِ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا قَبْلَهُ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ فَهَلَكَ ثُمَّ اكْتَسَبَ مَالًا لِمَا بَيَّنَّا. وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ غَنَمِهِ فَهَلَكَ الْغَنَمُ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ فِي الْأَصْلِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ إيجَابٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ قِيَامُهُ حِينَئِذٍ، وَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ تَعَلَّقَتْ بِالْعَيْنِ فَتَبْطُلُ بِفَوَاتِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ فَاسْتَفَادَ ثُمَّ مَاتَ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ، لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بِلَفْظِ الْمَالِ تَصِحُّ، فَكَذَا إذَا كَانَتْ بِاسْمِ نَوْعِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ وُجُودَهُ قَبْلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَدِ الْوَرَثَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُورَثِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ عِلْمِ الْمُوصِي بِحَيَاتِهِ وَعَدَمِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْحَيِّ مِنْهُمَا لِجَمِيعِ الثُّلُثِ بِعَدَمِ الْمُزَاحَمَةِ عِنْدَ إيجَابِ الْمُوصِي، وَفِي هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ عِنْدَهُ لِلْمُوصِي وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ إنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ إلَى مَالٍ خَاصٍّ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ التَّعْيِينِ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِهَذِهِ الشَّاةِ وَلَمْ تَكُنْ فِي مِلْكِهِ ثُمَّ مَلَكَ فَإِنَّهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ. قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: هَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْوَصِيَّةَ إلَى غُنْمٍ مُرْسَلٍ بِغَيْرِ تَعْيِينٍ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ

الْمَوْتِ فَضْلٌ وَالْمُعْتَبَرُ قِيَامُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ؛ وَلَوْ قَالَ لَهُ شَاةٌ مِنْ مَالِي وَلَيْسَ لَهُ غَنَمٌ يُعْطِي قِيمَةَ شَاةٍ لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَهُ إلَى الْمَالِ عَلِمْنَا أَنَّ مُرَادَهُ الْوَصِيَّةُ بِمَالِيَّةِ الشَّاةِ إذْ مَالِيَّتُهَا تُوجَدُ فِي مُطْلَقِ الْمَالِ، وَلَوْ أَوْصَى بِشَاةٍ وَلَمْ يُضِفْهُ إلَى مَالِهِ وَلَا غَنَمَ قِيلَ لَا يَصِحّ لِأَنَّ الْمُصَحَّحَ إضَافَتُهُ إلَى الْمَالِ وَبِدُونِهَا تُعْتَبَرُ صُورَةُ الشَّاةِ وَمَعْنَاهَا، وَقِيلَ تَصِحُّ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الشَّاةَ وَلَيْسَ فِي مِلْكَهُ شَاةٌ عُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ الْمَالِيَّةُ؛ وَلَوْ قَالَ شَاةٌ مِنْ غَنَمِي وَلَا غَنَمَ لَهُ فَالْوَصِيَّة بَاطِلَةٌ، لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَهُ إلَى الْغَنَمِ عَلِمْنَا أَنَّ مُرَادَهُ عَيْنُ الشَّاةِ حَيْثُ جَعَلَهَا جُزْءًا مِنْ الْغَنَمِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَضَافَهُ إلَى الْمَالِ وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَسَائِلِ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَهُنَّ ثَلَاثٌ وَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَلَهُنَّ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ مِنْ خَمْسَةِ أَسْهُمٍ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإضَافَتِهِ إلَى ثُلُثِ الْمَالِ. وَقَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَسَائِلِ) فَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِقَوْلِهِ لَوْ قَالَ بِقَفِيزٍ مِنْ حِنْطَةٍ مِنْ مَالِي وَبِثَوْبٍ مِنْ مَالِي فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْإِيجَابُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مَنْ حِنْطَتِي أَوْ مِنْ ثِيَابِي فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ أَوْ هَلَكَ قَبْلَ مَوْتِهِ فَلَا شَيْءَ لِلْمُوصَى لَهُ، وَالْفَرْقُ مَا ذَكَرْنَاهُ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ) مَا ذَكَرَهُ وَاضِحٌ صُورَةً وَتَعْلِيلًا، خَلَا قَوْلِهِ وَأَصْلُهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ جَائِزَةٌ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى بَعْضِ بَيَانٍ، وَهُوَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهُنَّ جَائِزَةٌ اسْتِحْسَانًا. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، فَإِنَّمَا تَسْتَحِقُّ الْوَصِيَّةَ بَعْدَ مَوْتِ

وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُقْسَمُ عَلَى سَبْعَةِ أَسْهُمٍ لَهُنَّ ثَلَاثَةٌ وَلِكُلِّ فَرِيقٍ سَهْمَانِ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ جَائِزَةٌ وَالْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ جِنْسَانِ، وَفَسَّرْنَاهُمَا فِي الزَّكَاةِ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمَذْكُورَ لَفْظُ الْجَمْعِ وَأَدْنَاهُ فِي الْمِيرَاثِ اثْنَانِ نَجِد ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ فَكَانَ مِنْ كُلِّ فَرِيقِ اثْنَانِ وَأُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ ثَلَاثٌ فَلِهَذَا يُقْسَمُ عَلَى سَبْعَةٍ. وَلَهُمَا أَنَّ الْجَمْعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَوْلَاهَا وَذَلِكَ حَالَ حُلُولِ الْعِتْقِ بِهَا فَالْعِتْقُ يُحِلُّهَا وَهِيَ أَمَةٌ فَتَسْتَحِقُّ الْوَصِيَّةَ وَهِيَ أَمَةٌ، وَالْوَصِيَّةُ لِأَمَتِهِ بِشَيْءٍ غَيْرِ رَقَبَتِهَا بَاطِلَةٌ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ مُضَافَةٌ إلَى مَا بَعْدَ عِتْقِهَا لَا حَالَ حُلُولِ الْعِتْقِ بِهَا بِدَلَالَةِ حَالِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ أَنْ يَقْصِدَ وَصِيَّةً صَحِيحَةً لَا بَاطِلَةً، وَالصَّحِيحَةُ هِيَ الْمُضَافَةُ إلَى مَا بَعْدَ عِتْقِهَا. فَإِنْ قِيلَ: الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ الْمَالِ لِعَبْدِهِ جَائِزَةٌ وَلَمْ يَعْتِقْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَأُمُّ الْوَلَدِ لَيْسَتْ أَقَلَّ حَالًا مِنْهُ فَكَيْفَ لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ لَهَا قِيَاسًا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِثُلُثِ الْمَالِ لِلْعَبْدِ إنَّمَا جَازَتْ لِتَنَاوُلِهِ ثُلُثَ رَقَبَتِهِ فَكَانَ وَصِيَّةً بِرَقَبَتِهِ، وَالْوَصِيَّةُ بِرَقَبَتِهِ إعْتَاقٌ وَهُوَ يَصِحُّ مُنَجَّزًا وَمُضَافًا، بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ لَهَا بِذَلِكَ لَيْسَتْ إعْتَاقًا؛ لِأَنَّهَا تُعْتَقُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ وَصِيَّةٌ أَصْلًا. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ الْمَالِ إمَّا أَنْ صَادَفَهَا بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى وَهِيَ حُرَّةٌ أَوْ أَمَةٌ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَلَا وَجْهَ لِنَفْيِ الْقِيَاسِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا كَالْعَبْدِ الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ الْمَالِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهَا لَيْسَتْ كَالْعَبْدِ؛ لِأَنَّ عِتْقَهَا لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ بِمَوْتِ الْمَوْلَى، فَلَوْ كَانَ بِالْوَصِيَّةِ أَيْضًا تَوَارَدَ عِلَّتَانِ مُسْتَقِلَّتَانِ عَلَى مَعْلُولٍ وَاحِدٍ بِالشَّخْصِ وَهُوَ ثُلُثُ رَقَبَتِهَا وَذَلِكَ بَاطِلٌ. وَقَوْلُهُ (وَأَدْنَاهُ فِي الْمِيرَاثِ) قَيَّدَ بِذَلِكَ احْتِرَازًا عَنْ فَصْلِ الزَّكَاةِ؛ فَإِنَّ لَفْظَ الْجَمْعِ هُنَاكَ مُنْصَرِفٌ إلَى الْوَاحِدِ بِالْإِجْمَاعِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا، ثُمَّ لَمَّا كَانَ لَفْظُ الْجَمْعِ فِي الْمِيرَاثِ مَصْرُوفًا إلَى الِاثْنَيْنِ وَالْوَصِيَّةُ فِي مَعْنَاهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَمْلِيكُ الْمَالِ بَعْدَ الْمَوْتِ كَانَ الْجَمْعُ هُنَاكَ أَيْضًا مُنْصَرِفًا إلَى الِاثْنَيْنِ. وَقَوْلُهُ (نَجِدُ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ) يُرِيدُ بِهِ

الْمُحَلَّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ، وَأَنَّهُ بِتَنَاوُلِ الْأَدْنَى مَعَ احْتِمَالِ الْكُلِّ، لَا سِيَّمَا عِنْدَ تَعَذُّرِ صَرْفِهِ إلَى الْكُلِّ فَيُعْتَبَرُ مِنْ كُلِّ فَرِيقٍ وَاحِدٌ فَبَلَغَ الْحِسَابُ خَمْسَةً وَالثَّلَاثَةُ لِلثَّلَاثِ. قَالَ (وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِفُلَانٍ وَلِلْمَسَاكِينِ فَنِصْفُهُ لِفُلَانِ وَنِصْفُهُ لِلْمَسَاكِينِ عِنْدَهُمَا) وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ ثُلُثُهُ لِفُلَانٍ وَثُلُثَاهُ لِلْمَسَاكِينِ، وَلَوْ أَوْصَى لِلْمَسَاكِينِ لَهُ صَرْفُهُ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ لَا يُصْرَفُ إلَّا إلَى مِسْكِينَيْنِ بِنَاءً عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَلِآخَرَ بِمِائَةٍ ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ قَدْ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا فَلَهُ ثُلُثُ كُلِّ مِائَةٍ) لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لِلْمُسَاوَاةِ لُغَةً، وَقَدْ أَمْكَنَ إثْبَاتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْله تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] وَالْمُرَادُ بِهَا الِاثْنَانِ فَصَاعِدًا وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَكَذَا قَوْلُهُ (وَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْأَدْنَى مَعَ احْتِمَالِ الْكُلِّ) . قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ ظَاهِرَةٌ وَدَلِيلُهَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ لَهُ نِصْفُ كُلِّ مِائَةٍ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْإِشْرَاكِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] وَقَدْ أَشْرَكَ الثَّالِثَ فِيمَا أَوْصَى بِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْمِائَةِ وَذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهُ نِصْفُ كُلِّ مِائَةٍ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ أَثْبَتَ الشَّرِكَةَ وَهِيَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ وَالْمُسَاوَاةُ إنَّمَا تَثْبُتُ إذَا أَخَذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثَ الْمِائَةِ مُقْتَضَى إشْرَاكِهِ إيَّاهُمَا جُمْلَةً وَاحِدَةً، وَإِنَّمَا بِأَخْذِ نِصْفِ كُلِّ مِائَةٍ

بَيْنَ الْكُلِّ بِمَا قُلْنَاهُ لِاتِّحَادِ الْمَالِ لِأَنَّهُ يُصِيبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثَا مِائَةٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِأَرْبَعِمِائَةٍ وَلِآخَرَ بِمِائَتَيْنِ ثُمَّ كَانَ الْإِشْرَاكُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْكُلِّ لِتَفَاوُتِ الْمَالَيْنِ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى مُسَاوَاتِهِ كُلَّ وَاحِدٍ بِتَنْصِيفِ نَصِيبِهِ عَمَلًا بِاللَّفْظِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. قَالَ (وَمَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَيْنٌ فَصَدَّقُوهُ) مَعْنَاهُ قَالَ ذَلِكَ لِوَرَثَتِهِ (فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ إلَى الثُّلُثِ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَفِي الْقِيَاسِ لَا يُصَدَّقُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْمَجْهُولِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لَكِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِهِ إلَّا بِالْبَيَانِ وَقَوْلُهُ فَصَدَّقُوهُ صَدَرَ مُخَالِفًا لِلشَّرْعِ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ فَتَعَذَّرَ إثْبَاتُهُ إقْرَارًا مُطْلَقًا فَلَا يُعْتَبَرُ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ مِنْ قَصْدِهِ تَقْدِيمَهُ عَلَى الْوَرَثَةِ وَقَدْ أَمْكَنَ تَنْفِيذُ قَصْدِهِ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ وَقَدْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَنْ يَعْلَمُ بِأَصْلِ الْحَقِّ عَلَيْهِ دُونَ مِقْدَارِهِ سَعْيًا مِنْهُ فِي تَفْرِيغِ ذِمَّتِهِ فَبِجَعْلِهَا وَصِيَّةً جَعَلَ التَّقْدِيرَ فِيهَا إلَى الْمُوصَى لَهُ كَأَنَّهُ قَالَ إذَا جَاءَكُمْ فُلَانٌ وَادَّعَى شَيْئًا فَأَعْطُوهُ مِنْ مَالِي مَا شَاءَ، وَهَذِهِ مُعْتَبَرَةٌ مِنْ الثُّلُثِ فَلِهَذَا يُصَدَّقُ عَلَى الثُّلُثِ دُونَ الزِّيَادَةِ. قَالَ (وَإِنْ أَوْصَى بِوَصَايَا غَيْرِ ذَلِكَ يُعْزَلُ الثُّلُثُ لِأَصْحَابِ الْوَصَايَا وَالثُّلُثَانِ لِلْوَرَثَةِ) لِأَنَّ مِيرَاثَهُمْ مَعْلُومٌ. وَكَذَا الْوَصَايَا مَعْلُومَةٌ وَهَذَا مَجْهُولٌ فَلَا يُزَاحِمُ الْمَعْلُومَ فَيُقَدَّمُ عَزْلُ الْمَعْلُومِ، وَفِي الْإِفْرَازِ فَائِدَةٌ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّ أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ قَدْ يَكُونُ أَعْلَمَ بِمِقْدَارِ هَذَا الْحَقِّ وَأَبْصَرَ بِهِ، وَالْآخَرُ أَلَدُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَوْ كَانَ اشْتِرَاكُهُ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مُنْفَرِدًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ (بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِأَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَلِآخَرَ بِمِائَتَيْنِ ثُمَّ كَانَ الْإِشْرَاكُ) أَيْ ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ أَشْرَكْتُكَ مَعَهُمَا فَإِنَّ لَهُ نِصْفَ كُلِّ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ تَحَقُّقَ الْمُسَاوَاةِ فِيهِمْ غَيْرُ مُمْكِنٍ (لِتَفَاوُتِ الْمَالَيْنِ) فَلَا بُدَّ مِنْ الْعَمَلِ بِمَفْهُومِ لَفْظِ الْإِشْرَاكِ (فَحَمَلْنَاهُ عَلَى مُسَاوَاتِهِ لِكُلِّ) وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا هُوَ وَجْهُ الْقِيَاسِ (عَمَلًا بِاللَّفْظِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ) . وَقَوْلُهُ (وَمَنْ قَالَ) يَعْنِي لِوَرَثَتِهِ (عَلَيَّ لِفُلَانٍ دَيْنٌ فَصَدَّقُوهُ) يُصَدَّقُ إلَى الثُّلُثِ اسْتِحْسَانًا (وَفِي الْقِيَاسِ لَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَجْهُولٍ) وَالْإِقْرَارُ بِالْمَجْهُولِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لَكِنْ إذَا اقْتَرَنَ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْمُقِرِّ بَيَانٌ وَقَدْ فَاتَ بِمَوْتِهِ، وَقَوْلُهُ فَصَدَّقُوهُ: يَعْنِي فِيمَا قَالَ لَا يَصْلُحُ بَيَانًا لِكَوْنِهِ (صَدَرَ مُخَالِفًا لِلشَّرْعِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ فَتَعَذَّرَ إثْبَاتُهُ إقْرَارًا مُطْلَقًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَلَا

خِصَامًا، وَعَسَاهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي الْفَضْلِ إذَا ادَّعَاهُ الْخَصْمُ وَبَعْدَ الْإِفْرَازِ يَصِحُّ إقْرَارُ كُلِّ وَاحِدٍ فِيمَا فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ مُنَازَعَةٍ (وَإِذَا عَزَلَ يُقَالُ لِأَصْحَابِ الْوَصَايَا صَدِّقُوهُ فِيمَا شِئْتُمْ وَيُقَالُ لِلْوَرَثَةِ صَدِّقُوهُ فِيمَا شِئْتُمْ) لِأَنَّ هَذَا دَيْنٌ فِي حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ وَصِيَّةً فِي حَقِّ التَّنْفِيذِ، فَإِذَا أَقَرَّ كُلُّ فَرِيقٍ بِشَيْءٍ ظَهَرَ أَنَّ فِي التَّرِكَةِ دَيْنًا شَائِعًا فِي النَّصِيبَيْنِ (فَيُؤْخَذُ أَصْحَابُ الثُّلُثِ بِثُلُثِ مَا أَقَرُّوا وَالْوَرَثَةُ بِثُلُثَيْ مَا أَقَرُّوا) تَنْفِيذًا لِإِقْرَارِ كُلِّ فَرِيقٍ فِي قَدْرِ حَقِّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُعْتَبَرُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْمُقِرَّ قَصَدَ بِهَذَا الْكَلَامِ تَقْدِيمَهُ عَلَى الْوَرَثَةِ) وَهُوَ مَالِكٌ لِذَلِكَ فِي الثُّلُثِ وَأَمْكَنَ تَنْفِيذُهُ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ فَيَنْفُذُ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ قَصْدُهُ الْوَصِيَّةَ لَصَرَّحَ بِهَا. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَقَدْ يَحْتَاجُ) أَيْ: الْمُقِرُّ إلَى مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ (لِعِلْمِهِ بِأَصْلِ الْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ دُونَ مِقْدَارِهِ سَعْيًا مِنْهُ فِي تَفْرِيغِ ذِمَّتِهِ فَبِجَعْلِهَا) أَيْ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ (وَصِيَّةً جُعِلَ التَّقْدِيرُ فِيهَا إلَى الْمُوصَى لَهُ كَأَنَّهُ قَالَ إذَا جَاءَكُمْ فُلَانٌ وَادَّعَى شَيْئًا فَأَعْطُوهُ مِنْ مَالِي مَا شَاءَ وَهَذِهِ مُعْتَبَرَةٌ مِنْ الثُّلُثِ فَلِهَذَا يُصَدَّقُ إلَى الثُّلُثِ دُونَ الزِّيَادَةِ) وَقَوْلُهُ (فَإِنْ أَوْصَى بِوَصَايَا غَيْرِ ذَلِكَ إلَخْ) وَاضِحٌ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ تَصَرُّفٌ يُشْبِهُ الْإِقْرَارَ لَفْظًا وَيُشْبِهُ الْوَصِيَّةَ تَنْفِيذًا فَبِاعْتِبَارِ شِبْهِ الْوَصِيَّةِ لَا يُصَدَّقُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ، وَبِاعْتِبَارِ شِبْهِ الْإِقْرَارِ يُجْعَلُ شَائِعًا فِي الْأَثْلَاثِ وَلَا يُخَصَّصُ بِالثُّلُثِ الَّذِي لِأَصْحَابِ الْوَصَايَا عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ.

وَعَلَى كُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمَا الْيَمِينُ عَلَى الْعِلْمِ إنْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى مَا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِأَجْنَبِيٍّ وَلِوَارِثِهِ فَلِلْأَجْنَبِيِّ نِصْفُ الْوَصِيَّةِ وَتَبْطُلُ وَصِيَّةُ الْوَارِثِ) لِأَنَّهُ أَوْصَى بِمَا يَمْلِكُ الْإِيصَاءَ بِهِ وَبِمَا لَا يَمْلِكُ فَصَحَّ فِي الْأَوَّلِ وَبَطَلَ فِي الثَّانِي، بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْوَصِيَّةِ فَلَا يَصْلُحُ مُزَاحِمًا فَيَكُونُ الْكُلُّ لِلْحَيِّ وَالْوَارِثُ مِنْ أَهْلِهَا وَلِهَذَا تَصِحُّ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ فَافْتَرَقَا، وَعَلَى هَذَا إذَا أَوْصَى لِلْقَاتِلِ وَلِلْأَجْنَبِيِّ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ لِوَارِثِهِ وَلِلْأَجْنَبِيِّ حَيْثُ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ أَيْضًا، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إنْشَاءُ تَصَرُّفٍ وَالشَّرِكَةَ تُثْبِتُ حُكْمًا لَهُ فَتَصِحُّ فِي حَقِّ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ مِنْهُمَا وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَإِخْبَارٌ عَنْ كَائِنٍ، وَقَدْ أَخْبَرَ بِوَصْفِ الشَّرِكَةِ فِي الْمَاضِي، وَلَا وَجْهَ إلَى إثْبَاتِهِ بِدُونِ هَذَا الْوَصْفِ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا أَخْبَرَ بِهِ، وَلَهَا إلَى إثْبَاتِ الْوَصْفِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْوَارِثُ فِيهِ شَرِيكًا وَلِأَنَّهُ لَوْ قَبَضَ الْأَجْنَبِيُّ شَيْئًا كَانَ لِلْوَارِثِ أَنْ يُشَارِكَهُ فَيَبْطُلَ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ ثُمَّ لَا يَزَالُ يَقْبِضُ وَيُشَارِكُهُ الْوَارِثُ حَتَّى يَبْطُلَ الْكُلُّ فَلَا يَكُونُ مُفِيدًا وَفِي الْإِنْشَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَمَنْ أَوْصَى لِأَجْنَبِيٍّ وَلِوَارِثِهِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا) أَيْ هَذَا الْإِيصَاءُ (بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ لِوَارِثِهِ وَلِلْأَجْنَبِيِّ حَيْثُ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ) كَمَا لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْوَارِثِ (؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إنْشَاءُ تَصَرُّفٍ) أَيْ ابْتِدَاءُ تَمْلِيكٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا شَرِكَةٌ قَبْلَهَا، وَالشَّرِكَةُ إنَّمَا تُثْبِتُ حُكْمًا لَهُ عَقِيبَهُ فَحَيْثُ لَمْ يَقَعْ التَّمْلِيكُ الَّذِي هُوَ السَّبَبُ صَحِيحًا لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ وَهُوَ الشَّرِكَةُ فَكَانَ نَصِيبُ كُلٍّ مِنْهُمَا مُفْرَزًا عَنْ نَصِيبِ الْآخَرِ بِحَسَبِ صِحَّةِ السَّبَبِ وَعَدَمِهَا. وَأَمَّا فِي الْإِقْرَارِ فَسَبَبُ الشَّرِكَةِ غَيْرُهُ وَهُوَ مَا كَانَ سَبَبُهَا قَبْلَهَا؛ فَإِنَّ الْإِقْرَارَ يَقْتَضِي سَبْقَ الْمُخْبَرِ بِهِ وَهُوَ الْمَالُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا. وَفِي ذَلِكَ: أَيْ فِي الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ الْمُشْتَرَكِ إقْرَارٌ لِلْوَارِثِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ بَاطِلٌ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَا إذَا تَصَادَقَا عَلَى ذَلِكَ أَوْ جَحَدَ الْأَجْنَبِيُّ أَوْ الْوَارِثُ ذَلِكَ أَوْ أَنْكَرَاهُ جَمِيعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إذَا لَمْ يَتَصَادَقَا صَحَّ فِي حِصَّةِ الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ مُقِرٌّ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ وَبِبُطْلَانِ حَقِّ شَرِيكِهِ فَيَبْطُلُ فِي نَصِيبِهِ وَيَثْبُتُ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ، وَقَالَا: إثْبَاتُهُ مُشْتَرَكًا هُوَ الْمُبْطِلُ وَقَدْ وُجِدَ. وَلِقَائِلٍ أَنْ

حِصَّةُ أَحَدِهِمَا مُمْتَازَةٌ عَنْ حِصَّةِ الْآخَرِ بَقَاءً وَبُطْلَانًا. قَالَ (وَمَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ جَيِّدٌ وَوَسَطٌ وَرَدِيءٌ فَأَوْصَى بِكُلِّ وَاحِدٍ لِرَجُلٍ فَضَاعَ ثَوْبٌ وَلَا يَدْرِي أَيَّهَا هُوَ وَالْوَرَثَةُ تَجْحَدُ ذَلِكَ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ) وَمَعْنَى جُحُودَهُمْ أَنْ يَقُولَ الْوَارِثُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ الثَّوْبُ الَّذِي هُوَ حَقُّك قَدْ هَلَكَ فَكَانَ الْمُسْتَحَقُّ مَجْهُولًا وَجَهَالَتُهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَضَاءِ وَتَحْصِيلَ الْمَقْصُودِ فَبَطَلَ. قَالَ (إلَّا أَنْ يُسَلِّمَ الْوَرَثَةُ الثَّوْبَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ، فَإِنْ سَلَّمُوا زَالَ الْمَانِعُ وَهُوَ الْجُحُودُ فَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْجَيِّدِ ثُلُثَا الثَّوْبِ الْأَجْوَدِ، وَلِصَاحِبِ الْأَوْسَطِ ثُلُثُ الْجَيِّدِ وَثُلُثِ الْأَدْوَنِ فَثَبَتَ الْأَدْوَنُ، وَلِصَاحِبِ الْأَدْوَنِ ثُلُثَا الثَّوْبِ الْأَدْوَنِ) لِأَنَّ صَاحِبَ الْجَيِّدِ لَا حَقَّ لَهُ فِي الرَّدِيءِ بِيَقِينٍ، لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ وَسَطًا أَوْ رَدِيئًا وَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِمَا، وَصَاحِبَ الرَّدِيءِ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْجَيِّدِ الْبَاقِي بِيَقِينٍ، لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ جَيِّدًا أَوْ وَسَطًا وَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِمَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الرَّدِيءُ هُوَ الرَّدِيءُ الْأَصْلِيُّ فَيُعْطَى مِنْ مَحِلِّ الِاحْتِمَالِ، وَإِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا الْجَيِّدِ وَثُلُثَا الْأَدْوَنِ لَمْ يَبْقَ إلَّا ثُلُثُ الْجَيِّدِ وَثُلُثُ الرَّدِيءِ فَيَتَعَيَّنُ حَقُّ صَاحِبِ الْوَسَطِ فِيهِ بِعَيْنِهِ ضَرُورَةً. قَالَ (وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَوْصَى أَحَدَهُمَا بِبَيْتٍ بِعَيْنِهِ لِرَجُلٍ فَإِنَّهَا تُقْسَمُ، فَإِنْ وَقَعَ الْبَيْتُ فِي نَصِيبِ الْمُوصِي فَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقُولَ: هَذَا الْإِقْرَارُ بِالنَّظَرِ إلَى الْأَجْنَبِيِّ صَحِيحٌ، وَبِالنَّظَرِ إلَى الْوَارِثِ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَمَا وَجْهُ تَرْجِيحِ جِهَةِ الْفَسَادِ بِحَيْثُ تَعَدَّى إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ وَجْهَ ذَلِكَ هُوَ الْقَاعِدَةُ الْمُسْتَمِرَّةُ وَهِيَ أَنَّ الْيَقِينَ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ حِصَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا غَيْرُ مُمْتَازَةٍ عَنْ غَيْرِهَا، فَفِي كُلِّ جُزْءٍ فَرَضْته يَشْتَرِكَانِ فَيَثْبُتُ لِلْأَجْنَبِيِّ الْمِلْكُ فِيهِ بِالنَّظَرِ إلَى صِحَّةِ الْإِقْرَارِ لَهُ وَلَا يَثْبُتُ بِالنَّظَرِ إلَى الْوَارِثِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِلْكٌ قَبْلَ الْإِقْرَارِ فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ. وَقَوْلُهُ (بَقَاءً وَبُطْلَانًا) أَيْ: بَقَاءً فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ وَبُطْلَانًا فِي حَقِّ الْوَارِثِ يَعْنِي تَبْقَى الْوَصِيَّةُ صَحِيحَةً فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ وَتَبْطُلُ فِي حَقِّ الْوَارِثِ لِامْتِيَازِ حِصَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ حِصَّةِ الْآخَرِ. قَالَ (وَمَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ جَيِّدٍ وَوَسَطٍ وَرَدِيءٍ إلَخْ) رَجُلٌ لَهُ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ جَيِّدٍ وَوَسَطٍ وَرَدِيءٍ، تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَأَوْصَى بِكُلِّ ثَوْبٍ مِنْهَا لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ مَاتَ فَهَلَكَ أَحَدُ الْأَثْوَابِ وَلَا يَدْرِي أَيَّهَا هُوَ وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ قَدْ هَلَكَ الثَّوْبُ الَّذِي هُوَ حَقُّك كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةً لِكَوْنِ الْمُسْتَحِقِّ مَجْهُولًا وَجَهَالَتُهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَضَاءِ وَتَحْصِيلُ الْمَقْصُودِ وَهُوَ إتْمَامُ غَرَضِ الْمُوصِي (إلَّا أَنْ تُسَلِّمَ لَهُمْ الْوَرَثَةُ الثَّوْبَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ) فَإِنَّ الْمَانِعَ حِينَئِذٍ قَدْ زَالَ فَيُقْسَمُ فِيمَا بَيْنَهُمْ عَلَى مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ وَاضِحٌ إذَا ابْتَدَأَ بِتَعْلِيلِ جَانِبِ صَاحِبِ الْجَيِّدِ وَصَاحِبِ الرَّدِيءِ، وَإِنْ ابْتَدَأَ بِتَعْلِيلِ جَانِبِ صَاحِبِ الْوَسَطِ فَلَهُ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: الْهَالِكُ إنْ كَانَ أَرْفَعَ مِنْ الْبَاقِيَيْنِ فَحَقُّ صَاحِبِ الْوَسَطِ فِي الْجَيِّدِ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ الْهَالِكُ أَرْدَأَ مِنْ الْبَاقِيَيْنِ فَحَقُّ صَاحِبِ الْوَسَطِ فِي الرَّدِيءِ مِنْهُمَا، فَحَقُّهُ يَتَعَلَّقُ بِهَذَا مَرَّةً وَبِذَلِكَ أُخْرَى، وَإِنْ كَانَ الْهَالِكُ هُوَ الْوَسَطُ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْبَاقِيَيْنِ، فَإِذَا كَانَ حَقُّهُ يَتَعَلَّقُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَاقِيَيْنِ فِي حَالٍ وَلَا يَتَعَلَّقُ فِي حَالَيْنِ فَيَأْخُذُ ثُلُثَ كُلِّ وَاحِدٍ فَبَقِيَ صَاحِبُ الْجَيِّدِ وَصَاحِبُ الرَّدِيءِ فَصَاحِبُ الْجَيِّدِ يَدَّعِي الْجَيِّدَ وَلَا يَدَّعِي الرَّدِيءَ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ قَطْعًا، وَصَاحِبُ الرَّدِيءِ يَدَّعِي الرَّدِيءَ دُونَ الْجَيِّدِ فَيُسَلَّمُ ثُلُثَا الْجَيِّدِ لِصَاحِبِ الْجَيِّدِ وَثُلُثَا الرَّدِيءِ لِصَاحِبِ الرَّدِيءِ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ) ظَاهِرٌ إلَى قَوْلِهِ وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ تَابِعٌ

لِلْمُوصَى لَهُ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نِصْفُهُ لِلْمُوصَى لَهُ، وَإِنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ فَلِلْوَصِيِّ لَهُ مِثْلُ دِرْعِ الْبَيْتِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: مِثْلُ ذَرْعِ نِصْفِ الْبَيْتِ لَهُ أَنَّهُ أَوْصَى بِمِلْكِهِ وَبِمِلْكِ غَيْرِهِ، لِأَنَّ الدَّارَ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا مُشْتَرَكَةٌ فَيَنْفُذُ الْأَوَّلُ وَيُوقَفُ الثَّانِي، وَهُوَ أَنَّ مِلْكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْقِسْمَةِ الَّتِي هِيَ مُبَادَلَةٌ لَا تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ السَّالِفَةُ، كَمَا إذَا أَوْصَى بِمِلْكِ الْغَيْرِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ، ثُمَّ إذَا اقْتَسَمُوهَا وَوَقَعَ الْبَيْتُ فِي نَصِيبِ الْمُوصِي تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِي عَيْنِ الْمُوصَى بِهِ وَهُوَ نِصْفُ الْبَيْتِ، وَإِنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ لَهُ مِثْلُ ذَرْعِ نِصْفِ الْبَيْتِ تَنْفِيذًا لِلْوَصِيَّةِ فِي بَدَلِ الْمُوصَى بِهِ عِنْدَ فَوَاتِهِ كَالْجَارِيَةِ الْمُوصَى بِهَا إذَا قُتِلَتْ خَطَأً تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِي بَدَلِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا بِيعَ الْعَبْدُ الْمُوصَى بِهِ حَيْثُ لَا تَتَعَلَّقُ الْوَصِيَّةُ بِثَمَنِهِ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُلُ بِالْإِقْدَامِ عَلَى الْبَيْعِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَلَا تَبْطُلُ بِالْقِسْمَةِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ أَوْصَى بِمَا يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ فِيهِ بِالْقِسْمَةِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ بِقَصْدِ الْإِيصَاءِ بِمِلْكٍ مُنْتَفَعٍ بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْقِسْمَةِ، لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْمُشَاعِ قَاصِرٌ وَقَدْ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ فِي جَمِيعِ الْبَيْتِ إذَا وَقَعَ فِي نَصِيبِهِ فَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِيهِ، وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ تَابِعٌ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْإِفْرَازُ تَكْمِيلًا لِلْمَنْفَعَةِ وَلِهَذَا يُجْبَرُ عَلَى الْقِسْمَةِ فِيهِ، وَعَلَى اعْتِبَارِ الْإِفْرَازِ يَصِيرُ كَأَنَّ الْبَيْتَ مِلْكُهُ مِنْ الِابْتِدَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا قَوْلُهُ (هَذَا) فَفِيهِ بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ: وَالْإِفْرَازُ هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْمَكِيلَاتِ، وَالْمُوزِنَاتِ وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْحَيَوَانَاتِ وَالْعُرُوضِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْعُرُوضِ فَكَيْفَ كَانَتْ الْمُبَادَلَةُ فِيهِ تَابِعَةً؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَالَ هُنَاكَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْعُرُوضِ إلَّا أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أُجْبِرَ الْقَاضِي عَلَى الْقِسْمَةِ عِنْدَ طَلَبِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ فَكَانَ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِيهِ تَابِعًا كَمَا ذُكِرَ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْجَبْرَ لَا يَجْرِي فِي الْمُبَادَلَةِ، وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ هُنَاكَ وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْحَيَوَانَاتِ وَالْعُرُوضِ إذَا لَمْ تَكُنْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْإِفْرَازُ تَكْمِيلًا لِلْمَنْفَعَةِ؛ وَلِهَذَا يُجْبَرُ عَلَى الْقِسْمَةِ فِيهِ) وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ.

وَإِنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ تَنْفُذُ فِي قَدْرِ ذُرْعَانِ جَمِيعِهِ مِمَّا وَقَعَ فِي نَصِيبِهِ، إمَّا لِأَنَّهُ عِوَضُهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، أَوْ لِأَنَّ مُرَادَ الْمُوصِي مِنْ ذِكْرِ الْبَيْتِ التَّقْدِيرُ بِهِ تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِهِ مَا أَمْكَنَ، إلَّا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْبَيْتُ إذَا وَقَعَ فِي نَصِيبِهِ جَمْعًا بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ التَّقْدِيرِ وَالتَّمْلِيكِ، وَإِنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ عَمِلْنَا بِالتَّقْدِيرِ، أَوْ لِأَنَّهُ أَرَادَ التَّقْدِيرَ عَلَى اعْتِبَارِ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَالتَّمْلِيكَ بِعَيْنِهِ عَلَى اعْتِبَارِ الْوَجْهِ الْآخَرِ، كَمَا إذَا عَلَّقَ عِتْقَ الْوَلَدِ وَطَلَاقَ الْمَرْأَةِ بِأَوَّلِ وَلَدٍ تَلِدُهُ أَمَتُهُ، فَالْمُرَادُ فِي جَزَاءِ الطَّلَاقِ مُطْلَقُ الْوَلَدِ وَفِي الْعِتْقِ وَلَدٌ حَيٌّ ثُمَّ إذَا وَقَعَ الْبَيْتُ فِي نَصِيبِ غَيْرِ الْمُوصِي وَالدَّارُ مِائَةُ ذِرَاعٍ وَالْبَيْتُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ يُقْسَمُ نَصِيبُهُ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُ وَبَيْنَ الْوَرَثَةِ عَلَى عَشَرَةِ أَسْهُمٍ: تِسْعَةٌ مِنْهَا لِلْوَرَثَةِ وَسَهْمٌ لِلْمُوصَى لَهُ، وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَيَضْرِبُ الْمُوصَى لَهُ بِخَمْسَةِ أَذْرُعٍ نِصْفِ الْبَيْتِ وَهُمْ بِنِصْفِ الدَّارِ سِوَى الْبَيْتِ وَهُوَ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (إمَّا؛ لِأَنَّهُ عَوَّضَهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ) يَعْنِي فِي الْجَارِيَةِ الْمُوصَى بِهَا. وَقَوْلُهُ (أَوْ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ التَّقْدِيرَ عَلَى اعْتِبَارِ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) يَعْنِي فِي وُقُوعِهِ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ (وَالتَّمْلِيكُ بِعَيْنِهِ عَلَى اعْتِبَارِ الْوَجْهِ الْآخَرِ) يَعْنِي فِي وُقُوعِهِ فِي نَصِيبِهِ.

فَيُجْعَلُ كُلُّ خَمْسَةٍ سَهْمًا فَيَصِيرُ عَشَرَةً، وَعِنْدَهُمَا يُقْسَمُ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ يَضْرِبُ بِالْعَشَرَةِ وَهُمْ بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ فَتَصِيرُ السِّهَامُ أَحَدَ عَشَرَ لِلْمُوصَى لَهُ سَهْمَانِ وَلَهُمْ تِسْعَةٌ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْوَصِيَّةِ إقْرَارٌ قِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ، وَقِيلَ لَا خِلَافَ فِيهِ لِمُحَمَّدٍ. وَالْفَرْقُ لَهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِمِلْكِ الْغَيْرِ صَحِيحٌ، حَتَّى إنَّ مَنْ أَقَرَّ بِمِلْكِ الْغَيْرِ لِغَيْرِهِ ثُمَّ مَلَكَهُ يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ، وَالْوَصِيَّةُ بِمِلْكِ الْغَيْرِ لَا تَصِحُّ، حَتَّى لَوْ مَلَكَهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ ثُمَّ مَاتَ لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ وَلَا تَنْفُذُ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى مِنْ مَالِ رَجُلٍ لِآخَرَ بِأَلْفٍ بِعَيْنِهِ فَأَجَازَ صَاحِبُ الْمَالِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَإِنْ دَفَعَهُ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ) لِأَنَّ هَذَا تَبَرُّعٌ بِمَالِ الْغَيْرِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ، وَإِذَا أَجَازَ يَكُونُ تَبَرُّعًا مِنْهُ أَيْضًا فَلَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ التَّسْلِيمِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ وَأَجَازَتْ الْوَرَثَةُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ فِي مَخْرَجِهَا صَحِيحَةٌ لِمُصَادِفَتِهَا مِلْكَ نَفْسِهِ وَالِامْتِنَاعِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ، فَإِذَا أَجَازُوهَا سَقَطَ حَقُّهُمْ فَنَفَذَ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي. قَالَ (وَإِذَا اقْتَسَمَ الِابْنَانِ تَرِكَةَ الْأَبِ أَلْفًا ثُمَّ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا لِرَجُلٍ أَنَّ الْأَبَ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ فَإِنَّ الْمُقِرَّ يُعْطِيهِ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُعْطِيَهُ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالثُّلُثِ لَهُ تَضَمَّنَ إقْرَارَهُ بِمُسَاوَاتِهِ إيَّاهُ، وَالتَّسْوِيَةُ فِي إعْطَاءِ النِّصْفِ لِيَبْقَى لَهُ النِّصْفُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِثُلُثٍ شَائِعٍ فِي التَّرِكَةِ وَهِيَ فِي أَيْدِيهمَا فَيَكُونُ مُقِرًّا بِثُلُثِ مَا فِي يَدِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِدَيْنٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (فَتَصِيرُ السِّهَامُ أَحَدَ عَشَرَ لِلْمُوصَى لَهُ سَهْمَانِ وَلَهُمْ تِسْعَةٌ) فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَقْسِمَ نَصِيبَ الْمُوصِي بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى لَهُ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ سَهْمٍ لِلْمُوصَى لَهُ، وَأَرْبَعَةٍ لِلْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ عِنْدَهُمَا فِي عَشَرَةِ أَذْرُعٍ بَقِيَ حَقُّ الْوَرَثَةِ فِي أَرْبَعِينَ. قُلْنَا: زَعَمَ الْوَرَثَةُ أَنَّ حَقَّهُمْ فِي خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَحَقُّ الْمُوصَى لَهُ فِي خَمْسَةٍ تَمَسُّكًا بِمَذْهَبِ مُحَمَّدٍ وَزَعَمَ الْمُوصَى لَهُ أَنَّ حَقَّهُ فِي عَشَرَةٍ وَحَقَّ الْوَرَثَةِ فِي أَرْبَعِينَ فَيُعْتَبَرُ زَعْمُ كُلِّ فَرِيقٍ، فَجَعَلْنَا كُلَّ خَمْسَةٍ سَهْمًا فَصَارَ الْكُلُّ أَحَدَ عَشَرَ. وَقَوْلُهُ (وَقِيلَ لَا خِلَافَ فِيهِ لِمُحَمَّدٍ) بَلْ قَوْلُهُ فِي الْإِقْرَارِ كَقَوْلِهِمَا فِي الْوَصِيَّةِ وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى مِنْ مَالِ رَجُلٍ لِآخَرَ بِأَلْفٍ) وَمَنْ أَوْصَى مِنْ مَالِ رَجُلٍ لِآخَرَ بِأَلْفٍ بِعَيْنِهَا فَبَلَغَهُ فَإِمَّا أَنْ يُجِيزَ الْوَصِيَّةَ أَوْ لَا؛ فَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ بَطَلَتْ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ جَازَتْ، فَإِنْ

لِغَيْرِهِ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ فَيَكُونُ مُقِرًّا بِتَقْدِيمِهِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ، أَمَّا الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ شَرِيكُ الْوَارِثِ فَلَا يُسَلَّمُ لَهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُسَلَّمَ لِلْوَرَثَةِ مِثْلَاهُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ مِنْهُ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ فَرُبَّمَا يُقِرُّ الِابْنُ الْآخَرُ بِهِ أَيْضًا فَيَأْخُذُ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ فَيَصِيرُ نِصْفَ التَّرِكَةِ فَيُزَادُ عَلَى الثُّلُثِ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجَارِيَةٍ فَوَلَدَتْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَلَدًا وَكِلَاهُمَا يَخْرُجَانِ مِنْ الثُّلُثِ فَهُمَا لِلْمُوصَى لَهُ) لِأَنَّ الْأُمَّ دَخَلَتْ فِي الْوَصِيَّةِ أَصَالَةً وَالْوَلَدُ تَبَعًا حِينَ كَانَ مُتَّصِلًا بِالْأُمِّ، فَإِذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَالتَّرِكَةُ قَبْلَهَا مُبْقَاةٌ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ حَتَّى يُقْضَى بِهَا دُيُونُهُ دَخَلَ فِي الْوَصِيَّةِ فَيَكُونَانِ لِلْمُوصِي لَهُ (وَإِنْ لَمْ يَخْرُجَا مِنْ الثُّلُثِ ضَرَبَ بِالثُّلُثِ وَأَخَذَ مَا يَخُصُّهُ مِنْهُمَا جَمِيعًا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَأْخُذُ ذَلِكَ مِنْ الْأُمِّ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ أَخَذَهُ مِنْ الْوَلَدِ) . وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَيَّنَ صُورَةً وَقَالَ: رَجُلٌ لَهُ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ وَأَمَةٌ تُسَاوِي ثَلَاثَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَأَوْصَى بِالْجَارِيَةِ لِرَجُلٍ ثُمَّ مَاتَ فَوَلَدَتْ وَلَدًا يُسَاوِي ثَلَاثَمِائَةِ دِرْهَمٍ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَلِلْمُوصَى لَهُ الْأُمُّ وَثُلُثُ الْوَلَدِ عِنْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا لَهُ ثُلُثَا كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. لَهُمَا مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَلَدَ دَخَلَ فِي الْوَصِيَّةِ تَبَعًا حَالَةَ الِاتِّصَالِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْهَا بِالِانْفِصَالِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ فَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِيهِمَا عَلَى السَّوَاءِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيمِ الْأُمِّ. وَلَهُ أَنَّ الْأُمَّ أَصْلٌ وَالْوَلَدُ تَبَعٌ وَالتَّبَعُ لَا يُزَاحِمُ الْأَصْلَ، فَلَوْ نَفَّذْنَا الْوَصِيَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQدَفَعَهَا إلَى الْمُوصَى لَهُ تَمَّتْ، وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ وَإِنْ أَجَازَهَا؛ لِأَنَّ هَذَا تَبَرُّعٌ بِمَالِ الْغَيْرِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ إلَى قَوْلُهُ (فَيَكُونُ مُقِرًّا بِتَقَدُّمِهِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ) فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا جَمِيعَ نَصِيبِهِ دَفَعَهُ إلَيْهِ كُلَّهُ وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ (فَلَا يَخْرُجُ عَنْهَا بِالِانْفِصَالِ كَمَا فِي الْبَيْعِ) يَعْنِي تَسْرِي الْوَصِيَّةُ إلَى الْوَلَدِ الْحَادِثِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ كَمَا يَسْرِي الْبَيْعُ إلَى الْوَلَدِ الْحَادِثِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِذَا سَرَتْ الْوَصِيَّةُ إلَى الْوَلَدِ صَارَ كَأَنَّ الْوَلَدَ كَانَ مَوْجُودًا فَأَوْصَى بِهِمَا وَقِيمَتُهُمَا مِثْلُ نِصْفِ الْمَالِ تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِي ثُلُثَيْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَذَلِكَ هَاهُنَا (وَلَهُ أَنَّ الْأُمَّ أَصْلُ) يَعْنِي فِي الْوَصِيَّةِ (وَلَدٍ تَبِعَ فِيهِ) أَيْ فِي الْوَصِيَّةِ عَلَى تَأْوِيلِ الْإِيصَاءِ، وَإِنَّمَا

[فصل في اعتبار حالة الوصية]

فِيهِمَا جَمِيعًا تَنْتَقِضُ الْوَصِيَّةُ فِي بَعْضِ الْأَصْلِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ تَنْفِيذَ الْبَيْعِ فِي التَّبَعِ لَا يُؤَدِّي إلَى نَقْضِهِ فِي الْأَصْلِ بَلْ يَبْقَى تَامًّا صَحِيحًا فِيهِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُقَابِلُهُ بَعْضُ الثَّمَنِ ضَرُورَةَ مُقَابِلَتِهِ بِالْوَلَدِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ وَلَكِنَّ الثَّمَنَ تَابِعٌ فِي الْبَيْعِ حَتَّى يَنْعَقِدَ الْبَيْعُ بِدُونِ ذِكْرِهِ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا (هَذَا إذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، فَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ) لِأَنَّهُ نَمَاءُ خَالِصِ مِلْكِهِ لِتَقَرُّرِ مِلْكِهِ فِيهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ. (فَصْلٌ فِي اعْتِبَارِ حَالَةِ الْوَصِيَّةِ) قَالَ (وَإِذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِامْرَأَةٍ بِدَيْنٍ أَوْ أَوْصَى لَهَا بِشَيْءٍ أَوْ وَهَبَ لَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ مَاتَ جَازَ الْإِقْرَارُ وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَالْهِبَةُ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مُلْزِمٌ بِنَفْسِهِ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ عِنْدَ صُدُورِهِ، وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَلَا يَبْطُلُ بِالدَّيْنِ إذَا كَانَ فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ أَوْ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ، إلَّا أَنَّ الثَّانِيَ يُؤَخَّرُ عَنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَتْ الْأُمُّ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ تَنَاوَلَهَا قَصْدًا ثُمَّ سَرَى حُكْمُ الْإِيجَابِ إلَى الْوَلَدِ، وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالتَّبَعِ فَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ بِالْأُمِّ ثُمَّ يَكُونُ لَهُ مِنْ الْوَلَدِ قَدْرُ مَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ، وَتَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ فِي جَمِيعِ الْأُمِّ كَانَ مُسْتَحَقًّا قَبْلَ الْوِلَادَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ بِزِيَادَةِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى نَقْصِهَا فِي بَعْضِ الْأَصْلِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ الْأَصْلِ بِالتَّبَعِ. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّهُ لَا يُقَابِلُهُ بَعْضُ الثَّمَنِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَنْفِيذَ الْبَيْعِ فِي التَّبَعِ لَا يُؤَدِّي إلَى نَقْصِهِ فِي الْأَصْلِ فَإِنَّ بَعْضَ الثَّمَنِ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ فِي ذَلِكَ وَفِيهِ نَقْضٌ لَهُ بِحِصَّتِهِ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إنَّمَا لَا يُقَابِلُهُ بَعْضُ الثَّمَنِ ضَرُورَةَ مُقَابَلَتِهِ بِالْوَلَدِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ؛ فَإِنَّ الْعِوَضَ الْوَاحِدَ لَا يُقَابَلُ بِعِوَضَيْنِ لَكِنْ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ النَّقْضَ فِي الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ تَابِعٌ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ) إنَّمَا قَيَّدَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مُقَابَلَةَ بَعْضِ الثَّمَنِ بِالْوَلَدِ إنَّمَا يَكُونُ أَنْ لَوْ كَانَ مَقْبُوضًا بِالْأَصْلِ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بَلْ يَأْخُذُ الْأُمَّ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي اعْتِبَارِ حَالَةِ الْوَصِيَّةِ] (فَصْلٌ فِي اعْتِبَارِ حَالَةِ الْوَصِيَّةِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: لَمَّا ذَكَرَ الْحُكْمَ الْكُلِّيَّ فِي الْوَصِيَّةِ وَهُوَ الْحُكْمُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِثُلُثِ الْمَالِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَحْكَامًا تَتَعَلَّقُ بِالْأَحْوَالِ الْمُتَغَيِّرَةِ مِنْ وَصْفٍ إلَى وَصْفٍ لِمَا أَنَّ هَذِهِ الْأَحْوَالَ بِمَنْزِلَةِ الْعَوَارِضِ وَالْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِثُلُثِ الْمَالِ بِمَنْزِلَةِ الْأُصُولِ وَالْأَصْلِيُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَارِضِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِامْرَأَةِ) وَاضِحٌ مَبْنَاهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي جَوَازِ الْوَصِيَّةِ وَفَسَادُهَا كَوْنُ الْمُوصَى لَهُ وَارِثًا وَغَيْرَ وَارِثٍ يَوْمَ الْمَوْتِ لَا يَوْمَ الْوَصِيَّةِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي فَسَادِ الْإِقْرَارِ وَجَوَازِهِ كَوْنُ الْمُقَرِّ لَهُ وَارِثًا لِلْحَالِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ تَمْلِيكٌ لِلْحَالِ، فَمَتَى كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ وَارِثًا يَوْمَ الْإِقْرَارِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ إذَا كَانَ الْمُقِرُّ مَرِيضًا. وَقَوْلُهُ (؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مُلْزِمٌ) فِيهِ تَلْوِيحٌ إلَى رَدِّ قَوْلِ زُفَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْإِقْرَارَ أَيْضًا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَرِيضِ بِمَنْزِلَةِ التَّمْلِيكِ وَلِهَذَا يَصِحُّ لِلْوَارِثِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِقْرَارَ يُثْبِتُ الْحُكْمَ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى أَمْرٍ زَائِدٍ كَالْمَوْتِ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ، وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّ الثَّانِيَ يُؤَخَّرُ عَنْهُ) أَيْ تَنْفِيذُ حُكْمِ الْإِقْرَارِ

بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهَا إيجَابٌ عِنْدَ الْمَوْتِ وَهِيَ وَارِثَةٌ عِنْدَ ذَلِكَ، وَلَا وَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ، وَالْهِبَةُ وَإِنْ كَانَتْ مُنَجَّزَةً صُورَةً فَهِيَ كَالْمُضَافِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ حُكْمًا لِأَنَّ حُكْمَهَا يَتَقَرَّرُ عِنْدَ الْمَوْتِ؛ أَلَّا تَرَى أَنَّهَا تَبْطُلُ بِالدَّيْنِ الْمُسْتَغْرِقِ وَعِنْدَ عَدَمِ الدَّيْنِ تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ. قَالَ (وَإِذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِابْنِهِ بِدَيْنٍ وَابْنُهُ نَصْرَانِيٌّ أَوْ وَهَبَ لَهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ فَأَسْلَمَ الِابْنُ قَبْلَ مَوْتِهِ بَطَلَ ذَلِكَ كُلُّهُ) . أَمَّا الْهِبَةُ وَالْوَصِيَّةُ فَلِمَا قُلْنَا إنَّهُ وَارِثٌ عِنْدَ الْمَوْتِ وَهُمَا إيجَابَانِ عِنْدَهُ أَوْ بَعْدَهُ، وَالْإِقْرَارُ وَإِنْ كَانَ مُلْزِمًا بِنَفْسِهِ وَلَكِنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ وَهُوَ الْبُنُوَّةُ قَائِمٌ وَقْتَ الْإِقْرَارِ فَيُعْتَبَرُ فِي إيرَاثِ تُهْمَةِ الْإِيثَارِ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ الزَّوْجِيَّةُ وَهِيَ طَارِئَةٌ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الزَّوْجِيَّةُ قَائِمَةً وَقْتَ الْإِقْرَارِ وَهِيَ نَصْرَانِيَّةٌ ثُمَّ أَسْلَمَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لِقِيَامِ السَّبَبِ حَالَ صُدُورِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الِابْنُ عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا فَأُعْتِقَ لِمَا ذَكَرْنَا وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَصِحُّ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لِمَوْلَاهُ وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ لَهُ وَهُوَ ابْنُهُ، وَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهَا وَقْتُ الْمَوْتِ. وَأَمَّا الْهِبَةُ فَيُرْوَى أَنَّهَا تَصِحُّ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَالِ وَهُوَ رَقِيقٌ، وَفِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ هِيَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ فَلَا تَصِحُّ. قَالَ (وَالْمُقْعَدُ وَالْمَفْلُوجُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي حَالَةِ الْمَرَضِ يُؤَخَّرُ عَنْ تَنْفِيذِ حُكْمِ الْإِقْرَارِ الَّذِي فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ (بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ) يَعْنِي الْوَصِيَّةَ بِتَأْوِيلِ الْإِيصَاءِ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا لَوْ كَانَ الِابْنُ عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا فَأُعْتِقَ) يَعْنِي لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ وَالْهِبَةُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مُضَافَةٌ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ، أَمَّا إذَا أَقَرَّ لَهُ بِدَيْنٍ ثُمَّ أُعْتِقَ قَبْلَ الْمَوْتِ لَمْ يَذْكُرْ هَاهُنَا. (وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْعَبْدِ (دَيْنٌ يَصِحُّ) إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَقَوْلُهُ (وَالْمُقْعَدُ وَالْمَفْلُوجُ) الْمُقْعَدُ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ وَالْمَفْلُوجُ مَنْ ذَهَبَ نِصْفُهُ وَبَطَلَ عَنْ الْحِسِّ وَالْحَرَكَةِ

[باب العتق في مرض الموت]

وَالْأَشَلُّ وَالْمَسْلُولُ إذَا تَطَاوَلَ ذَلِكَ وَلَمْ يُخَفْ مِنْهُ الْمَوْتُ فَهِبَتُهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ) لِأَنَّهُ إذَا تَقَادَمَ الْعَهْدُ صَارَ طَبْعًا مِنْ طِبَاعِهِ وَلِهَذَا لَا يَشْتَغِلُ بِالتَّدَاوِي، وَلَوْ صَارَ صَاحِبَ فِرَاشٍ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَرَضٍ حَادِثٍ (وَإِنْ وَهَبَ عِنْدَ مَا أَصَابَهُ ذَلِكَ وَمَاتَ مِنْ أَيَّامِهِ فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ إذَا صَارَ صَاحِبَ فِرَاشٍ) لِأَنَّهُ يُخَافُ مِنْهُ الْمَوْتُ وَلِهَذَا يَتَدَاوَى فَيَكُونُ مَرَضَ الْمَوْتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ الْعِتْقِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ) قَالَ: وَمَنْ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ عَبْدًا أَوْ بَاعَ وَحَابَى أَوْ وَهَبَ فَذَلِكَ كُلُّهُ جَائِزٌ وَهُوَ مُعْتَبَرٌ مِنْ الثُّلُثِ، وَيُضْرَبُ بِهِ مَعَ أَصْحَابِ الْوَصَايَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQ (وَالْأَشَلُّ) مَنْ شُلَّتْ يَدُهُ (وَالْمَسْلُولُ) هُوَ الَّذِي بِهِ مَرَضُ السُّلِّ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ اجْتِمَاعِ الْمُرَّةِ فِي الصَّدْرِ وَنَفْثِهَا، وَقَوْلُهُ (صَارَ طَبْعًا مِنْ طِبَاعِهِ) يَعْنِي: خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا مَرَضَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ تَصَرُّفُهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ (فَلَوْ صَارَ بَعْدَ ذَلِكَ صَاحِبَ فِرَاشٍ فَهُوَ كَمَرَضٍ حَادِثٍ) فَيُعْتَبَرُ فِيهِ تَصَرُّفُهُ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا لَوْ تَصَرَّفَ عِنْدَمَا أَصَابَهُ ذَلِكَ وَصَارَ صَاحِبَ فِرَاشٍ وَمَاتَ مِنْ أَيَّامِهِ (؛ لِأَنَّهُ يُخَافُ مِنْهُ الْمَوْتُ؛ وَلِهَذَا يَتَدَاوَى فَيَكُونُ مَرَضَ الْمَوْتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) . [بَابُ الْعِتْقِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ] (بَابُ الْعِتْقِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ) الْإِعْتَاقُ فِي الْمَرَضِ مِنْ أَنْوَاعِ الْوَصِيَّةِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ لَهُ أَحْكَامٌ مَخْصُوصَةٌ أَفْرَدَهُ بِبَابٍ عَلَى حِدَةٍ، وَأَخَّرَهُ عَنْ صَرِيحِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الصَّرِيحَ هُوَ الْأَصْلُ. قَالَ (وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا فِي مَرَضِهِ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ.

وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَهُوَ وَصِيَّةٌ مَكَانَ قَوْلِهِ جَائِزٌ، وَالْمُرَادُ الِاعْتِبَارُ مِنْ الثُّلُثِ وَالضَّرْبُ مَعَ أَصْحَابِ الْوَصَايَا لَا حَقِيقَةُ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهَا إيجَابٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهَذَا مُنَجَّزٌ غَيْرُ مُضَافٍ، وَاعْتِبَارُهُ مِنْ الثُّلُثِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ، وَكَذَلِكَ مَا ابْتَدَأَ الْمَرِيضُ إيجَابَهُ عَلَى نَفْسِهِ كَالضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ فِيهِ كَمَا فِي الْهِبَةِ، وَكُلُّ مَا أَوْجَبَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ أَوْجَبَهُ فِي حَالِ صِحَّتِهِ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْإِضَافَةِ دُونَ حَالَةِ الْعَقْدِ، وَمَا نَفَّذَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ حَالَةُ الْعَقْدِ، فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَهُوَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا فَمِنْ الثُّلُثِ، وَكُلُّ مَرَضٍ صَحَّ مِنْهُ فَهُوَ كَحَالِ الصِّحَّةِ لِأَنَّ بِالْبُرْءِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا حَقَّ فِي مَالِهِ. قَالَ (وَإِنْ حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهُمَا) فَالْمُحَابَاةُ أَوْلَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَى فَهُمَا سَوَاءٌ، (وَقَالَا: الْعِتْقُ أَوْلَى فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْوَصَايَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَا جَاوَزَ الثُّلُثَ فَكُلٌّ مِنْ أَصْحَابِهَا يَضْرِبُ بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ فِي الثُّلُثِ لَا يُقَدَّمُ الْبَعْضُ عَلَى الْبَعْضِ إلَّا الْمُوقَعُ فِي الْمَرَضِ، وَالْعِتْقُ الْمُعَلَّقُ بِمَوْتِ الْمُوصِي كَالتَّدْبِيرِ الصَّحِيحِ وَالْمُحَابَاةُ فِي الْبَيْعِ إذَا وَقَعَتْ فِي الْمَرَضِ لِأَنَّ الْوَصَايَا قَدْ تَسَاوَتْ، وَالتَّسَاوِي فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ يُوجِبُ التَّسَاوِي فِي نَفْسِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْعِتْقُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَالْمُرَادُ الِاعْتِبَارُ مِنْ الثُّلُثِ) أَيْ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَهُوَ وَصِيَّةُ الِاعْتِبَارِ مِنْ الثُّلُثِ لَا حَقِيقَةُ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ عِبَارَةٌ عَمَّا أَوْجَبَهُ الْمُوصِي فِي مَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ مُتَطَوِّعًا. وَقَوْلُهُ (كَالضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ) غَايَرَ بَيْنَهُمَا بِالْعَطْفِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ أَعَمُّ مِنْ الْكَفَالَةِ، فَإِنَّ مِنْ الضَّمَانِ مَا لَا يَكُونُ كَفَالَةً بِأَنْ قَالَ لِأَجْنَبِيٍّ خَالِعْ امْرَأَتَكَ عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ بِعْ هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَك بِخَمْسِمِائَةٍ مِنْ الثَّمَنِ سِوَى الْأَلْفِ، فَإِنَّ بَدَلَ الْخُلْعِ يَكُونُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ لَا عَلَى الْمَرْأَةِ، وَالْخَمْسُمِائَةِ عَلَى الضَّامِنِ دُونَ الْمُشْتَرِي. وَقَوْلُهُ (وَمَا نَفَّذَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ) أَيْ: نَجَّزَهُ فِي الْحَالِ وَلَمْ يُضِفْهُ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ (فَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ حَالَةُ الْعَقْدِ، فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَهُوَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ، وَكُلُّ مَرَضٍ صَحَّ مِنْهُ فَهُوَ كَحَالِ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ بِالْبُرْءِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنْ مَالِهِ) . وَقَوْلُهُ (فَإِنْ حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ) صُورَتُهُ رَجُلٌ بَاعَ فِي مَرَضِهِ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفَيْنِ مِنْ رَجُلٍ بِأَلْفٍ وَأَعْتَقَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُمَا (فَالْمُحَابَاةُ أَوْلَى) وَإِنْ ابْتِدَاءً بِالْعِتْقِ تَحَاصَّا فِيهِ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) فَفِي الْأَوَّلِ يُسَلَّمُ الْعَبْدُ لِلْمُشْتَرِي بِأَلْفٍ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ إلَّا أَنَّ الْعِتْقَ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ فَيَسْعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ لِلْوَرَثَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ يَتَحَاصَّانِ فِي مِقْدَارِ الثُّلُثِ (وَقَالَا: الْعِتْقُ أَوْلَى) سَوَاءٌ قَدَّمَ الْمُحَابَاةَ أَوْ أَخَّرَهَا فَيَعْتِقُ مَجَّانًا؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ، وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ وَرَدَّ الْعَبْدَ لِمَا لَزِمَهُ مِنْ الزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ، وَإِنْ شَاءَ أَمْضَى الْعَقْدَ وَأَدَّى كَمَالَ قِيمَةِ الْعَبْدِ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَالْأَصْلُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (إلَّا الْعِتْقَ الْمُوَقَّعَ) أَيْ الْمُنَجَّزَ لَا الْمُفَوَّضَ إلَى إعْتَاقِ الْوَرَثَةِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَعْتِقُوهُ أَوْ يُوصِيَ بِعِتْقِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ لَا يُقَدَّمُ وَقَوْلُهُ (كَالتَّدْبِيرِ الصَّحِيحِ) احْتِرَازٌ عَنْ الْفَاسِدِ مِنْهُ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِيَوْمٍ كَمَا سَيَجِيءُ. وَقَوْلُهُ (وَالْمُحَابَاةُ فِي الْبَيْعِ) بِالرَّفْعِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ إلَّا الْعِتْقَ الْمُوَقَّعَ.

آنِفًا لِأَنَّهُ أَقْوَى فَإِنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي، وَغَيْرُهُ يَلْحَقُهُ. وَكَذَلِكَ الْمُحَابَاةُ لَا يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي، وَإِذَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فَمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ ذَلِكَ يَسْتَوِي فِيهِ مِنْ سِوَاهُمَا مِنْ أَهْلِ الْوَصَايَا، وَلَا يُقَدَّمُ الْبَعْضُ عَلَى الْبَعْضِ. لَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ الْعِتْقَ أَقْوَى لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ وَالْمُحَابَاةُ يَلْحَقُهَا، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّقْدِيمِ الذِّكْرِ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ التَّقَدُّمَ فِي الثُّبُوتِ. وَلَهُ أَنَّ الْمُحَابَاةَ أَقْوَى، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَغَيْرُهُ يَلْحَقُهُ) أَيْ: غَيْرُ الْعِتْقِ الْمُوَقَّعِ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ كَالْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ، وَالْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ. وَقَوْلُهُ (يَسْتَوِي فِيهِ مَنْ سِوَاهُمَا) أَيْ: سِوَى الْعِتْقِ، وَالْمُحَابَاةِ. وَقَوْلُهُ (لَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ) وَهِيَ الَّتِي قَدَّمَ فِيهَا الْمُحَابَاةَ عَلَى الْعِتْقِ وَقَوْلُهُ (لَا يُوجِبُ التَّقَدُّمَ فِي الثُّبُوتِ) أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِفُلَانٍ وَلِفُلَانٍ وَلِفُلَانٍ كَانَ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا وَصَلَ أَوْ فَصَلَ وَلَا عِبْرَةَ بِالْبُدَاءَةِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا

لِأَنَّهَا تَثْبُتُ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ فَكَانَ تَبَرُّعًا بِمَعْنَاهُ لَا بِصِيغَتِهِ، وَالْإِعْتَاقُ تَبَرُّعٌ صِيغَةً وَمَعْنًى، فَإِذَا وُجِدَتْ الْمُحَابَاةُ أَوَّلًا دُفِعَ الْأَضْعَفُ، وَإِذَا وُجِدَ الْعِتْقُ أَوَّلًا وَثَبَتَ وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ الدَّفْعَ كَانَ مِنْ ضَرُورَتِهِ الْمُزَاحَمَةُ، وَعَلَى هَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَى قُسِمَ الثُّلُثُ بَيْنَ الْمُحَابَاتَيْنِ نِصْفَيْنِ لِتَسَاوِيهِمَا، ثُمَّ مَا أَصَابَ الْمُحَابَاةَ الْأَخِيرَةَ قُسِمَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِتْقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا فَيَسْتَوِيَانِ، وَلَوْ أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ قُسِمَ الثُّلُثُ بَيْنَ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ وَالْمُحَابَاةِ نِصْفَيْنِ، وَمَا أَصَابَ الْعِتْقَ قُسِمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِتْقِ الثَّانِي، وَعِنْدَهُمَا الْعِتْقُ أَوْلَى بِكُلِّ حَالٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (؛ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ) يَعْنِي: وَبِالْمَرَضِ لَا يَلْحَقُهُ الْحَجْرُ عَنْهَا (فَكَانَ تَبَرُّعًا بِمَعْنَاهُ لَا بِصِيغَتِهِ، وَالْإِعْتَاقُ تَبَرُّعٌ صِيغَةً وَمَعْنًى) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي ضِمْنِ الْمُعَاوَضَةِ وَبِالْمَرَضِ يَلْحَقُهُ الْحَجْرُ عَنْهُ. وَقَوْلُهُ (قُسِّمَ الثُّلُثُ بَيْنَ الْمُحَابَاتَيْنِ نِصْفَيْنِ لِتَسَاوِيهِمَا، ثُمَّ مَا أَصَابَ الْمُحَابَاةَ الْأَخِيرَةَ قُسِّمَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا فَيَسْتَوِيَانِ) فِيهِ بَحْثٌ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: الْمُحَابَاةُ الْأُولَى مُسَاوِيَةٌ لِلْمُحَابَاةِ الثَّانِيَةِ، وَالْمُحَابَاةُ الثَّانِيَةُ مُسَاوِيَةٌ لِلْعِتْقِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَيْهَا، فَالْمُحَابَاةُ الْأُولَى مُسَاوِيَةٌ لِلْعِتْقِ الْمُتَأَخِّرُ عَنْهَا، وَهُوَ يُنَاقِضُ الدَّلِيلَ الْمَذْكُورَ مِنْ جَانِبِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَيْضًا لَوْ حَابَى ثُمَّ حَابَى وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ تَحَاصَّا، وَمَا ذَكَرْتُمْ مِنْ أَنَّ التَّقْدِيمَ يَقْتَضِي التَّرْجِيحَ يَسْتَدْعِي أَنْ تَنْفُذَ الْأُولَى ثُمَّ الثَّانِيَةُ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ شَرْطَ الْإِنْتَاجِ أَنْ يَلْزَمَ النَّتِيجَةَ الْقِيَاسُ لِذَاتِهِ، وَقِيَاسُ الْمُسَاوَاةِ لَيْسَ كَذَلِكَ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ إنَّمَا تَحَاصَّا؛ لِأَنَّ مَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ مِنْ تَبَرُّعَاتِ الْمَرِيضِ يَنْفُذُ ثُمَّ يَنْقُضُ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ نَفَّذْنَاهُ جَمِيعًا ثُمَّ نَقَضْنَاهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَيَثْبُتُ لَهُمَا بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ وَهُمَا نَافِذَتَانِ فَاسْتَوَيَا، كَذَا فِي النِّهَايَةِ. وَقَوْلُهُ (قُسِّمَ الثُّلُثُ بَيْنَ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ وَالْمُحَابَاةِ، وَمَا أَصَابَ الْعِتْقَ قُسِّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِتْقِ الثَّانِي) فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَمْ يُقْسَمْ بَيْنَ

قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى بِأَنْ يُعْتَقَ عَنْهُ بِهَذِهِ الْمِائَةِ عَبْدٌ فَهَلَكَ مِنْهَا دِرْهَمٌ لَمْ يُعْتَقْ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِنْ كَانَتْ وَصِيَّتُهُ بِحَجَّةٍ يَحُجُّ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ، وَإِنْ لَمْ يَهْلِكْ مِنْهَا وَبَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْحَجَّةِ يُرَدُّ عَلَى الْوَرَثَةِ. وَقَالَا: يُعْتَقُ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ) لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِنَوْعِ قُرْبَةٍ فَيَجِبُ تَنْفِيذُهَا مَا أَمْكَنَ اعْتِبَارًا بِالْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ. وَلَهُ أَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِالْعِتْقِ لِعَبْدٍ يَشْتَرِي بِمِائَةٍ وَتَنْفِيذُهَا فِيمَنْ يَشْتَرِي بِأَقَلَّ مِنْهُ تَنْفِيذٌ لِغَيْرِ الْمُوصَى لَهُ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مَحْضَةٌ وَهِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمُسْتَحَقُّ لَمْ يَتَبَدَّلْ فَصَارَ كَمَا إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِائَةٍ فَهَلَكَ بَعْضُهَا يَدْفَعُ الْبَاقِيَ إلَيْهِ، وَقِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِنَاءً عَلَى أَصْلٍ آخَرَ مُخْتَلَفٍ فِيهِ وَهُوَ أَنَّ الْعِتْقَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَهُمَا حَتَّى تُقْبَلَ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى فَلَمْ يَتَبَدَّلْ الْمُسْتَحَقُّ، وَعِنْدَهُ حَقُّ الْعَبْدِ حَتَّى لَا تُقْبَلَ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى، فَاخْتَلَفَ الْمُسْتَحَقُّ وَهَذَا أَشْبَهُ. قَالَ (وَمَنْ تَرَكَ ابْنَيْنِ وَمِائَةَ دِرْهَمٍ وَعَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَقَدْ كَانَ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِهِ فَأَجَازَ الْوَارِثَانِ ذَلِكَ لَمْ يَسْعَ فِي شَيْءٍ) لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَإِنْ كَانَ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ وَقَدْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعِتْقِ وَالْعِتْقِ ثُمَّ بَيْنَ الْعِتْقِ الثَّانِي وَالْمُحَابَاةِ؟ قُلْت: لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْعِتْقِ الثَّانِي فَلَا يَكُونُ مُسَاوِيًا لَهَا، وَالْعِتْقُ الْأَوَّلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُحَابَاةِ فَيُزَاحِمُهَا فِي الثُّلُثِ، ثُمَّ مَا أَصَابَ الْعِتْقَ الْأَوَّلَ شَارَكَهُ فِيهِ الْعِتْقُ الْآخَرُ لِلْمُجَانَسَةِ وَالْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَسْتَقِيمُ هَذَا وَلَمْ يَصِلْ إلَى صَاحِبِ الْمُحَابَاةِ كَمَالُ حَقِّهِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَرِدَّ صَاحِبُ الْمُحَابَاةِ مَا أَخَذَ صَاحِبُ الْعِتْقِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ حَقَّ صَاحِبِ الْمُحَابَاةِ مُقَدَّمٌ عَلَى صَاحِبِ الْعِتْقِ الثَّانِي كَمَا لَوْ كَانَا وَلَيْسَ مَعَهُمَا عِتْقٌ آخَرُ وَتَقَدَّمَتْ الْمُحَابَاةُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْ اسْتَرَدَّ ذَلِكَ مِنْهُ لَاسْتَرَدَّ مِنْهُ صَاحِبُ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ، وَحَقَّ الْمُحَابَاةِ سَوَاءٌ فِي الثُّلُثِ فَيُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ، وَإِنْ نَقَضَ صَاحِبُ الْمُحَابَاةِ الْبَيْعَ لِمَا لَزِمَهُ مِنْ زِيَادَةِ الثَّمَنِ كَانَ الثُّلُثُ بَيْنَ الْمُعْتَقَيْنِ نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَاءِ حَقِّهِمَا. قَالَ (وَإِنْ أَوْصَى بِأَنْ يُعْتَقَ عَنْهُ بِهَذِهِ الْمِائَةِ عَبْدٌ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَبَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْحُجَّةِ يُرَدُّ عَلَى الْوَرَثَةِ) قَالَ الْإِمَامُ الْكِنَانِيُّ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوصِي جَعَلَ الْفَضْلَ لِلَّذِي حَجَّ عَنْهُ فَيَكُونُ لَهُ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا أَشْبَهُ) يَعْنِي إلَى الصَّوَابِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ أَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ عِنْدَهُ فَيَحْلِفُ الْمُسْتَحِقُّ إذَا هَلَكَ

وَقَعَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا أَنَّهَا تَجُوزُ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لَحِقَهُمْ وَقَدْ أَسْقَطُوهُ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدِهِ ثُمَّ مَاتَ فَجَنَى جِنَايَةً وَدَفَعَ بِهَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ) لِأَنَّ الدَّفْعَ قَدْ صَحَّ لِمَا أَنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمُوصِي، فَكَذَلِكَ عَلَى حَقِّ الْمُوصَى لَهُ لِأَنَّهُ يَتَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْ جِهَتِهِ إلَّا أَنَّ مِلْكَهُ فِيهِ بَاقٍ، وَإِنَّمَا يَزُولُ بِالدَّفْعِ فَإِذَا خَرَجَ بِهِ عَنْ مِلْكِهِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ كَمَا إذَا بَاعَهُ الْمُوصِي أَوْ وَارِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَإِنْ فَدَاهُ الْوَرَثَةُ كَانَ الْفِدَاءُ فِي مَالِهِمْ لِأَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ الْتَزَمُوهُ، وَجَازَتْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ الْعَبْدَ طَهُرَ عَنْ الْجِنَايَةِ بِالْفِدَاءِ كَأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ فَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِآخَرَ فَأَقَرَّ الْمُوصَى لَهُ وَالْوَارِثُ أَنَّ الْمَيِّتَ أَعْتَقَ هَذَا الْعَبْدَ فَقَالَ الْمُوصَى لَهُ أَعْتَقَهُ فِي الصِّحَّةِ وَقَالَ الْوَارِثُ أَعْتَقَهُ فِي الْمَرَضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ، وَلَا شَيْءَ لِلْمُوصَى لَهُ إلَّا أَنْ يَفْضُلَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ أَوْ تَقُومَ لَهُ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْعِتْقَ فِي الصِّحَّةِ) لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ ثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الصِّحَّةِ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ وَلِهَذَا يَنْفُذُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَالْوَارِثُ يُنْكِرُ لِأَنَّ مُدَّعَاهُ الْعِتْقُ فِي الْمَرَضِ وَهُوَ وَصِيَّةٌ، وَالْعِتْقُ فِي الْمَرَضِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ فَكَانَ مُنْكِرًا، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ الْيَمِينِ؛ وَلِأَنَّ الْعِتْقَ حَادِثٌ وَالْحَوَادِثُ تُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ لِلتَّيَقُّنِ بِهَا فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلْوَارِثِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ الْيَمِينِ، إلَّا أَنْ يَفْضُلَ شَيْءٌ مِنْ الثُّلُثِ عَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ لَا مُزَاحِمَ لَهُ فِيهِ أَوْ تَقُومَ لَهُ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْعِتْقَ فِي الصِّحَّةِ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً وَهُوَ خَصْمٌ فِي إقَامَتِهَا لِإِثْبَاتِ حَقِّهِ. قَالَ (وَمَنْ تَرَكَ عَبْدًا فَقَالَ لِلْوَارِثِ أَعْتَقَنِي أَبُوك فِي الصِّحَّةِ وَقَالَ رَجُلٌ لِي عَلَى أَبِيكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ صَدَقْتُمَا فَإِنَّ الْعَبْدَ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) ، وَقَالَا: يَعْتِقُ وَلَا يَسْعَى فِي شَيْءٍ لِأَنَّ الدَّيْنَ وَالْعِتْقَ فِي الصِّحَّةِ ظَهَرَا مَعًا بِتَصْدِيقِ الْوَارِثِ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ فَصَارَا كَأَنَّهُمَا كَانَا مَعًا، وَالْعِتْقُ فِي الصِّحَّةِ لَا يُوجِبُ السِّعَايَةَ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمُعْتِقِ دَيْنٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهُ شَيْءٌ، وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ وَتُرَدُّ الْمِائَةُ إلَى وَرَثَتِهِ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدِهِ) أَيْ بِإِعْتَاقِ عَبْدِهِ. وَقَوْلُهُ (؛ لِأَنَّهُ يَتَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْ جِهَتِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ يَتَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي (إلَّا أَنَّ مِلْكَهُ) أَيْ: مِلْكَ الْمُوصِي (بَاقٍ) فِيهِ لِحَاجَتِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْعَبْدُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْوَرَثَةِ لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِمْ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ مِلْكَ الْمَيِّتِ فِيهِ بَاقٍ بَعْدُ لِحَاجَتِهِ (وَإِنَّمَا يَزُولُ) مِلْكُهُ (بِالدَّفْعِ فَإِذَا خَرَجَ بِهِ) أَيْ بِالدَّفْعِ عَنْ مِلْكِهِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، كَمَا إذَا بَاعَهُ الْمُوصِي أَوْ وَارِثُهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ. (فَإِنْ فِدَاهُ الْوَرَثَةُ كَانَ الْفِدَاءُ فِي أَمْوَالِهِمْ) أَيْ: كَانُوا مُتَبَرِّعِينَ فِيمَا فَدَوْهُ بِهِ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِآخَرَ) وَاضِحٌ وَقَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمُعْتِقِ دَيْنٌ) يَعْنِي أَنَّ

[فصل أوصى بوصايا من حقوق الله تعالى]

وَلَهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ أَقْوَى لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَالْإِقْرَارُ بِالْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ، وَالْأَقْوَى يَدْفَعُ الْأَدْنَى، فَقَضِيَّتُهُ أَنْ يَبْطُلَ الْعِتْقُ أَصْلًا إلَّا أَنَّهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا يَحْتَمِلُ الْبُطْلَانَ فَيُدْفَعُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بِإِيجَابِ السِّعَايَةِ، وَلِأَنَّ الدَّيْنَ أَسْبَقُ لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ لَهُ مِنْ الِاسْتِنَادِ فَيَسْتَنِدُ إلَى حَالَةِ الصِّحَّة، وَلَا يُمْكِنُ إسْنَادُ الْعِتْقِ إلَى تِلْكَ الْحَالَةِ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ الْعِتْقَ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ مَجَّانًا فَتَجِبُ السِّعَايَةُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ رَجُلٌ لِي عَلَى الْمَيِّتِ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنٌ وَقَالَ الْآخَرُ كَانَ لِي عِنْدَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً فَعِنْدَهُ الْوَدِيعَةُ أَقْوَى وَعِنْدَهُمَا سَوَاءٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَسْعَ الْعَبْدُ فِي شَيْءٍ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِهَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ إنَّمَا يَمْنَعُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ أَنْ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُتَأَخِّرًا عَنْ الْآخَرِ فَيَمْنَعُ الْمُتَقَدِّمُ الْمُتَأَخِّرَ، وَهَاهُنَا لَمَّا حَصَلَا مَعًا بِتَصْدِيقٍ وَاحِدٍ بِقَوْلِهِ صَدَقْتُمَا جُعِلَ كَأَنَّ الْأَمْرَيْنِ كَانَا وَثَبَتَا بِالْبَيِّنَةِ فَيَثْبُتَانِ مَعًا كَذَلِكَ. (وَلَهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ) أَيْ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ أَقْوَى عَلَى مَا ذُكِرَ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْعِتْقَ لَا يُمْكِنُ إسْنَادُهُ إلَى حَالَةِ الصِّحَّةِ فَكَذَلِكَ ثَبَتَ الدَّيْنُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَيَثْبُتُ الْعِتْقُ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ لَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ إعْتَاقَ الْمَرِيضِ الْمَدْيُونِ يَرُدُّ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وُجُوبَ السِّعَايَةِ، وَصَارَ تَصْدِيقُ الْوَارِثِ بِمَنْزِلَةِ تَصْدِيقِ الْمَيِّتِ. وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ لِمَوْلَاهُ الْمَرِيضِ أَعْتَقْتَنِي فِي صِحَّتِك وَقَالَ رَجُلٌ آخَرُ: لِي عَلَيْكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنٌ فَقَالَ الْمَرِيضُ صَدَقْتُمَا عَتَقَ الْعَبْدُ وَيَسْعَى فِي قِيمَتِهِ لِلْغَرِيمِ كَذَلِكَ هَاهُنَا. وَقَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إلَخْ) لَهُمَا أَنَّ الْوَدِيعَةَ لَمْ تَظْهَرْ إلَّا وَالدَّيْنُ ظَاهِرٌ مَعَهَا فَيَتَحَاصَّانِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ ثُمَّ الْوَدِيعَةِ؛ إذْ الْإِقْرَارُ مِنْ الْوَارِثِ بِالدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ يَتَنَاوَلُ التَّرِكَةَ لَا الذِّمَّةَ فَقَدْ وَقَعَا مَعًا، بِخِلَافِ الْمُورَثِ. وَلَهُ أَنَّ حَقَّهُ يَثْبُتُ فِي عَيْنِ الْأَلْفِ مُقَارِنًا لِثُبُوتِ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ وَعِنْدَ انْتِقَالِهَا مِنْهَا إلَى الْأَلْفِ كَانَ الْأَلْفُ مُسْتَحَقًّا الْوَدِيعَةِ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُورَثُ حَيًّا وَقَالَا لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ صَدَقْتُمَا، وَالِاخْتِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ذُكِرَ عَلَى عَكْسِ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ. [فَصْلٌ أَوْصَى بِوَصَايَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى] (فَصْلٌ) قَدَّمَ بَابَ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ عَلَى هَذَا الْفَصْلِ لِقُوَّةِ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ، بِخِلَافِ مَسَائِلِ هَذَا الْفَصْلِ. اعْلَمْ أَنَّ

(فَصْلٌ أَوْصَى بِوَصَايَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى) قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى بِوَصَايَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى قُدِّمَتْ الْفَرَائِضُ مِنْهَا قَدَّمَهَا الْمُوصِي أَوْ أَخَّرَهَا مِثْلَ الْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ) لِأَنَّ الْفَرِيضَةَ أَهَمُّ مِنْ النَّافِلَةِ، وَالظَّاهِرُ مِنْهُ الْبُدَاءَةُ بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ (فَإِنْ تَسَاوَتْ فِي الْقُوَّةِ بُدِئَ بِمَا قَدَّمَهُ الْمُوصِي إذَا ضَاقَ عَنْهَا الثُّلُثُ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِالْأَهَمِّ. وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِالزَّكَاةِ وَيُقَدِّمُهَا عَلَى الْحَجِّ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ يُقَدِّمُ الْحَجَّ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ صَلَاةٍ أَوْ صِيَامٍ أَوْ زَكَاةٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ صَدَقَةِ فِطْرٍ، فَإِمَّا أَنْ يُوصِيَ بِهَا أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْ تَرِكَتِهِ وَلَمْ تُجْبَرْ الْوَرَثَةُ عَلَى إخْرَاجِهَا لَكِنْ لَهُمْ أَنْ يَتَبَرَّعُوا بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ يَنْفُذُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ عِنْدَنَا. ثُمَّ الْوَصَايَا إمَّا أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا لِلَّهِ تَعَالَى، أَوْ كُلُّهَا لِلْعِبَادِ أَوْ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا، فَمَا لِلْعِبَادِ خَاصَّةً تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا، وَمَا لِلَّهِ تَعَالَى إمَّا أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ فَرَائِضَ كَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، أَوْ وَاجِبَاتٍ كَالْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ، أَوْ كُلُّهُ تَطَوُّعًا كَالْحَجِّ التَّطَوُّعُ، وَالصَّدَقَةُ عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَمَا أَشْبَهَهُمَا. أَوْ يُجْمَعُ بَيْنَ هَذِهِ الْوَصَايَا كُلِّهَا بِأَنْ جَمَعَ بَيْنَهَا وَالثُّلُثُ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ تُنَفَّذُ وَصَايَاهُ كُلُّهَا مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَحْتَمِلْ ذَلِكَ وَلَكِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ، وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوهَا فَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا لِلَّهِ وَهِيَ فَرَائِضُ كُلُّهَا أَوْ وَاجِبَاتٌ كُلُّهَا أَوْ تَطَوُّعٌ يُبْدَأُ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْمَيِّتُ، وَإِنْ اخْتَلَطَتْ يُبْدَأُ بِالْفَرَائِضِ قَدَّمَهَا الْمُوصِي أَوْ أَخَّرَهَا مِثْلَ الْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ؛ لِأَنَّ الْفَرِيضَةَ أَهَمُّ مِنْ النَّافِلَةِ، وَالظَّاهِرُ مِنْهُ الْبُدَاءَةُ بِمَا هُوَ أَهَمُّ وَإِنْ تَسَاوَتْ فِي الْقُوَّةِ: يَعْنِي أَنْ يَكُونَ الْكُلُّ فَرْضًا أَوْ وَاجِبًا أَوْ تَطَوُّعًا كَمَا ذَكَرْنَا بُدِئَ بِمَا قَدَّمَهُ الْمُوصِي؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِالْأَهَمِّ. فَإِنْ قِيلَ: أَيْنَ ذَهَبَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّقْدِيمِ فِي الذِّكْرِ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ التَّقْدِيمَ فِي الثُّبُوتِ، فَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حُجَّةٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمَا؟ أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا مُخْتَصٌّ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى لِكَوْنِ صَاحِبِ الْحَقِّ وَاحِدًا، وَأَمَّا إذَا تَعَدَّدَ الْمُسْتَحِقُّ فَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّقْدِيمِ، كَمَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ

وَجْهُ الْأُولَى أَنَّهُمَا وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْفَرِيضَةِ فَالزَّكَاةُ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْعِبَادِ فَكَانَ أَوْلَى. وَجْهُ الْأُخْرَى أَنَّ الْحَجَّ يُقَامُ بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ وَالزَّكَاةُ بِالْمَالِ قَصْرًا عَلَيْهِ فَكَانَ الْحَجُّ أَقْوَى، ثُمَّ تُقَدَّمُ الزَّكَاةُ وَالْحَجُّ عَلَى الْكَفَّارَاتِ لِمَزِيَّتِهِمَا عَلَيْهَا فِي الْقُوَّةِ، إذْ قَدْ جَاءَ فِيهِمَا مِنْ الْوَعِيدِ مَا لَمْ يَأْتِ فِي الْكَفَّارَاتِ، وَالْكَفَّارَةُ فِي الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْيَمِينُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQلِإِنْسَانٍ ثُمَّ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِآخَرَ. وَقَوْلُهُ (فَالزَّكَاةُ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْعِبَادِ) يَعْنِي بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْفَقِيرَ حَقُّهُ فِي الْقَبْضِ ثَابِتٌ فَكَانَ مُمْتَزِجًا بِحَقَّيْنِ. وَقَوْلُهُ (إذَا جَاءَ فِيهِمَا مِنْ الْوَعِيدِ مَا لَمْ يَأْتِ فِي الْكَفَّارَاتِ) أَمَّا فِي الزَّكَاةِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34] الْآيَةَ، وَأَمَّا فِي الْحَجِّ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97] مَكَانَ قَوْلِهِ وَمَنْ لَمْ يَحُجَّ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ إنْ شَاءَ مَاتَ يَهُودِيًّا» الْحَدِيثَ. وَقَوْلُهُ (وَالْكَفَّارَةُ فِي الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى

صَدَقَةِ الْفِطْرِ لِأَنَّهُ عُرِفَ وُجُوبُهَا دُونَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْأُضْحِيَّةِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى وُجُوبِهَا بِالْقُرْآنِ وَالِاخْتِلَافِ فِي الْأُضْحِيَّةِ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ يُقَدَّمُ بَعْضُ الْوَاجِبَاتِ عَلَى الْبَعْضِ. قَالَ (وَمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ قُدِّمَ مِنْهُ مَا قَدَّمَهُ الْمُوصِي) لِمَا بَيَّنَّا وَصَارَ كَمَا إذَا صَرَّحَ بِذَلِكَ. قَالُوا: إنَّ الثُّلُثَ يُقْسَمُ عَلَى جَمِيعِ الْوَصَايَا مَا كَانَ لِلَّهِ تَعَالَى وَمَا كَانَ لِلْعَبْدِ، فَمَا أَصَابَ الْقُرَبَ صُرِفَ إلَيْهَا عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَيُقْسَمُ عَلَى عَدَدِ الْقُرَبِ وَلَا يُجْعَلُ الْجَمِيعُ كَوَصِيَّةٍ وَاحِدَةٍ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَقْصُودُ بِجَمِيعِهَا رِضًا لِلَّهِ تَعَالَى فَكُلُّ وَاحِدَةٍ فِي نَفْسِهَا مَقْصُودٌ فَتَنْفَرِدُ كَمَا تَنْفَرِدُ وَصَايَا الْآدَمِيِّينَ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَحَجُّوا عَنْهُ رَجُلًا مِنْ بَلَدِهِ يَحُجُّ رَاكِبًا) لِأَنَّ الْوَاجِبَ لِلَّهِ تَعَالَى الْحَجُّ مِنْ بَلَدِهِ وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ فِيهِ مِنْ الْمَالِ مَا يَكْفِيهِ مِنْ بَلَدِهِ وَالْوَصِيَّةُ لِأَدَاءِ مَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا قَالَ رَاكِبًا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَانْصَرَفَ إلَيْهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ. قَالَ (فَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ الْوَصِيَّةُ النَّفَقَةَ أَحَجُّوا عَنْهُ مِنْ حَيْثُ تَبْلُغُ) وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَحُجُّ عَنْهُ، لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالْحَجَّةِ عَلَى صِفَةٍ عَدِمْنَاهَا فِيهِ، غَيْرَ أَنَّا جَوَّزْنَاهُ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْمُوصِيَ قَصَدَ تَنْفِيذَ الْوَصِيَّةِ فَيَجِبُ تَنْفِيذُهَا مَا أَمْكَنَ وَالْمُمْكِنُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إبْطَالِهَا رَأْسًا، وَقَدْ فَرَّقْنَا بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ مِنْ قَبْلُ. قَالَ (وَمَنْ خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ حَاجًّا فَمَاتَ ـــــــــــــــــــــــــــــQصَدَقَةِ الْفِطْرِ) تَرَكَ كَفَّارَةَ الْإِفْطَارِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُقَدَّمَةً عَلَى صَدَقَةِ الْفِطْرِ؛ لِثُبُوتِهَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَثُبُوتِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ بِآثَارٍ مُسْتَفِيضَةٍ. وَقَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ يُقَدَّمُ بَعْضُ الْوَاجِبَاتِ عَلَى الْبَعْضِ) فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ تَقَدُّمَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَلَى النَّذْرِ لِكَوْنِهَا وَاجِبَةً بِإِيجَابِ الشَّرْعِ وَالنَّذْرُ وَاجِبٌ بِإِيجَابِ الْعَبْدِ، وَالنُّذُورُ تُقَدَّمُ عَلَى الْأُضْحِيَّةِ؛ لِوُقُوعِ الِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهَا دُونَ وُجُوبِ النُّذُورِ. (وَمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ قُدِّمَ مِنْهُ مَا قَدَّمَهُ الْمُوصِي لِمَا بَيَّنَّا) يَعْنِي قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِالْأَهَمِّ وَصَارَ كَمَا إذَا صَرَّحَ بِذَلِكَ وَقَالَ «ابْدَءُوا بِمَا بَدَأْت بِهِ» ، وَلَوْ قَالَ كَذَلِكَ لَزِمَ تَقْدِيمُ مَا قَدَّمَ فَكَذَا هَذَا وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يُبْدَأُ بِالْأَفْضَلِ فَالْأَفْضَلِ يُبْدَأُ بِالصَّدَقَةِ ثُمَّ بِالْحَجِّ ثُمَّ بِالْعِتْقِ مَثَلًا سَوَاءٌ رَتَّبَ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ أَوْ لَمْ يُرَتِّبْ، وَمَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا قَالُوا: إنَّ الثُّلُثَ يُقَسَّمُ عَلَى جَمِيعِ الْوَصَايَا مَا كَانَ لِلَّهِ وَمَا كَانَ لِلْعَبْدِ، وَتُجْعَلُ كُلَّ جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الْقُرْبَةِ مُفْرَدَةً بِالضَّرْبِ وَيُقْسَمُ عَلَى عَدَدِهَا، فَإِذَا قَالَ ثُلُثُ مَالِي فِي الْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَلِزَيْدٍ يُقْسَمُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِجَمِيعِهَا وَإِنْ كَانَ مُتَّحِدًا وَهُوَ رِضَا اللَّهِ فَكُلُّ وَاحِدَةٍ فِي نَفْسِهَا مَقْصُودَةٌ فَتُفْرَدُ كَمَا تُفْرَدُ وَصَايَا الْآدَمِيِّينَ فَإِنَّ الْجَمِيعَ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْقُرْبَةَ إذَا أَوْصَى لِلْفُقَرَاءِ، وَالْمَسَاكِينِ، وَابْنِ السَّبِيلِ لَكِنْ يُجْعَلُ لِكُلِّ جِهَةٍ سَهْمٌ عَلَى حِدَةٍ فَكَذَا هَذَا. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَحَجُّوا عَنْهُ رَجُلًا مِنْ بَلَدِهِ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ فَرَّقْنَا بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ مِنْ قَبْلُ) يَعْنِي عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ قَبْلَ هَذَا الْفَصْلِ بِقَوْلِهِ: وَلَهُ أَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِعِتْقِ عَبْدٍ يُشْتَرَى بِمِائَةٍ إلَخْ. (بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِمْ) وَقَوْلُهُ (وَمَنْ خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ حَاجًّا) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا خَرَجَ لِلتِّجَارَةِ

فِي الطَّرِيقِ وَأَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ. يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ اسْتِحْسَانًا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَاتَ الْحَاجُّ عَنْ غَيْرِهِ فِي الطَّرِيقِ. لَهُمَا أَنَّ السَّفَرَ بِنِيَّةِ الْحَجِّ وَقَعَ قُرْبَةً وَسَقَطَ فَرْضُ قَطْعِ الْمَسَافَةِ بِقَدْرِهِ وَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ فَيَبْتَدِئُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ كَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ، بِخِلَافِ سَفَرِ التِّجَارَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ قُرْبَةً فَيَحُجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ. وَلَهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَنْصَرِفُ إلَى الْحَجِّ مِنْ بَلَدِهِ عَلَى مَا قَرَرْنَاهُ أَدَاءً لِلْوَاجِبِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَجَبَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيُحَجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ بِالِاتِّفَاقِ وَسَيَذْكُرُهُ بُعَيْدَ هَذَا. قِيلَ هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ وَطَنٌ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فَيُحَجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَجَهَّزَ بِنَفْسِهِ لَتَجَهَّزَ مِنْ حَيْثُ هُوَ، فَكَذَلِكَ إذَا أَوْصَى. وَقَوْلُهُ (لَهُمَا أَنَّ السَّفَرَ بِنِيَّةِ الْحَجِّ وَقَعَ قُرْبَةً إلَخْ) مَدْفُوعٌ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يَنْقَطِعُ بِمَوْتِهِ إلَّا ثَلَاثَةً» فَإِنَّ الْخُرُوجَ لِلْحَجِّ لَيْسَ مِنْهُ. وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُكَفِّرَ إذَا أَطْعَمَ بَعْضَ الْمَسَاكِينِ وَمَاتَ فَأَوْصَى وَجَبَ الْإِكْمَالُ بِمَا بَقِيَ بِالِاتِّفَاقِ وَلَمْ يَنْقَطِعْ مَا أَطْعَمَهُ بِالْمَوْتِ، ذَكَرَهُ فِي الْأَسْرَارِ، فَمَا هُوَ جَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ جَوَابُنَا عَنْ الْحَجِّ. وَأُجِيبَ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ سَفَرَ الْحَجِّ لَا يَتَجَزَّأُ فِي حَقِّ الْآمِرِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْأَوَّلَ إذَا بَدَا لَهُ فِي الطَّرِيقِ أَنْ لَا يَحُجَّ بِنَفْسِهِ بَعْدَمَا مَشَى بَعْضَ الطَّرِيقِ وَفَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى غَيْرِهِ بِرِضَا الْوَصِيِّ لَمْ يَجُزْ وَلَزِمَهُ رَدُّ مَا أَنْفَقَهُ، وَأَمَّا الْإِطْعَامُ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ التَّجْزِيءَ، حَتَّى أَنَّ الْمَأْمُورَ بِالْإِطْعَامِ إذَا أَطْعَمَ الْبَعْضَ ثُمَّ تَرَكَ الْبَعْضَ وَأَمَرَ بِهِ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ، كَذَا فِي الْأَسْرَارِ وَهَذَا لَيْسَ بِدَافِعٍ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْمُتَجَزِّئِ وَغَيْرِهِ فِي الِانْقِطَاعِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: التَّجْزِيءَ فِي الْإِطْعَامِ مُسْتَنِدٌ إلَى الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ التَّتَابُعُ أَصْلًا، حَتَّى لَوْ جَامَعَ فِي خِلَالِ الْإِطْعَامِ مَثَلًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إعَادَةُ مَا سَبَقَ، وَالْكِتَابُ أَقْوَى وَإِنْ كَانَ دَلَالَةً فَعَمِلَ بِهِ وَالْحَجُّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ أَقْوَى مِنْ الْحَدِيثِ فَعَمِلَ بِهِ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ) أَرَادَ بِهِ قَوْلَهُ قُبَيْلَ هَذَا: وَمَنْ أَوْصَى بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَحَجُّوا عَنْهُ رَجُلًا إلَخْ.

[باب الوصية للأقارب وغيرهم]

(بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِمْ) قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِجِيرَانِهِ فَهُمْ الْمُلَاصِقُونَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: هُمْ الْمُلَاصِقُونَ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ يَسْكُنُ مَحَلَّةَ الْمُوصِي وَيَجْمَعُهُمْ مَسْجِدُ الْمَحَلَّةِ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَقَوْلُهُ قِيَاسٌ لِأَنَّ الْجَارَ مِنْ الْمُجَاوَرَةِ وَهِيَ الْمُلَاصَقَةُ حَقِيقَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِمْ] (بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِمْ) إنَّمَا أَخَّرَ هَذَا الْبَابَ عَمَّا تَقَدَّمَهُ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا الْبَابِ ذِكْرَ أَحْكَامِ الْوَصِيَّةِ لِقَوْمٍ مَخْصُوصِينَ، وَفِيمَا تَقَدَّمَهُ ذِكْرُ أَحْكَامِهَا عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ، وَالْخُصُوصُ أَبَدًا يَتْلُو الْعُمُومَ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِجِيرَانِهِ فَهُمْ الْمُلَاصِقُونَ) كَانَ حَقُّ الْكَلَامِ أَنْ يُقَدِّمَ وَصِيَّةَ الْأَقَارِبِ

وَلِهَذَا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ بِهَذَا الْجِوَارِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا صَرَفَهُ إلَى الْجَمِيعِ يُصْرَفُ إلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ وَهُوَ الْمُلَاصِقُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ يُسَمُّونَ جِيرَانًا عُرْفًا، وَقَدْ تَأَيَّدَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» وَفَسَّرَهُ بِكُلِّ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ، وَلِأَنَّ الْمَقْصِدَ بِرُّ الْجِيرَانِ وَاسْتِحْبَابُهُ يَنْتَظِمُ الْمُلَاصِقَ وَغَيْرَهُ، إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الِاخْتِلَاطِ وَذَلِكَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَسْجِدِ، وَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْجِوَارُ إلَى أَرْبَعِينَ دَارًا بَعِيدٌ، وَمَا يُرْوَى فِيهِ ضَعِيفٌ. قَالُوا: وَيَسْتَوِي فِيهِ السَّاكِنُ وَالْمَالِكُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْمُسْلِمُ الذِّمِّيُّ لِأَنَّ اسْمَ الْجَارِ يَتَنَاوَلُهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQنَظَرًا إلَى تَرْجَمَةِ الْبَابِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْوَاوُ لَا تَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ، وَأَنْ يُقَالَ فَعَلَ ذَلِكَ اهْتِمَامًا بِأَمْرِ الْجَارِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ صَرْفُهُ إلَى الْجَمِيعِ) يَعْنِي لِعَدَمِ دُخُولِ جَارِ الْمَحَلَّةِ وَجَارِ الْقَرْيَةِ وَجَارِ الْأَرْضِ صُرِفَ إلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ وَهُوَ الْمُلَاصِقُ. وَقَوْلُهُ (وَذَلِكَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَسْجِدِ) قِيلَ: حَتَّى لَوْ كَانَ فِي الْمَحَلَّةِ مَسْجِدَانِ صَغِيرَانِ مُتَقَارِبَانِ فَالْجَمِيعُ جِيرَانٌ. وَقَوْلُهُ (وَمَا يُرْوَى فِيهِ ضَعِيفٌ) يَعْنِي مَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْجَارُ أَرْبَعُونَ دَارًا، هَكَذَا وَهَكَذَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ» إشَارَةً إلَى الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعَةِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا خَبَرٌ لَا يُعْرَفُ رَاوِيهِ، وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: هَذَا إنْ صَحَّ كَانَ نَصًّا فِي الْبَابِ وَقَدْ طَعَنَ فِي رَاوِيهِ (قَالُوا: وَيَسْتَوِيَ فِيهِ السَّاكِنُ، وَالْمَالِكُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ) قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ: وَيَنْبَغِي عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَدْخُلَ السُّكَّانُ

وَيَدْخُلُ فِيهِ الْعَبْدُ السَّاكِنُ عِنْدَهُ لِإِطْلَاقِهِ، وَلَا يَدْخُلُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهُ وَصِيَّةٌ لِمَوْلَاهُ وَهُوَ غَيْرُ سَاكِنٍ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِأَصْهَارِهِ فَالْوَصِيَّةُ لِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ امْرَأَتِهِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا تَزَوَّجَ صَفِيَّةَ أَعْتَقَ كُلَّ مَنْ مَلَكَ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا إكْرَامًا لَهَا» وَكَانُوا يُسَمُّونَ أَصْهَارَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَهَذَا التَّفْسِيرُ اخْتِيَارُ مُحَمَّدٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ، وَكَذَا يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ زَوْجَةِ أَبِيهِ وَزَوْجَةِ ابْنِهِ وَزَوْجَةِ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لِأَنَّ الْكُلَّ أَصْهَارٌ. وَلَوْ مَاتَ الْمُوصِي وَالْمَرْأَةُ فِي نِكَاحِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَحْتَ الْوَصِيَّةِ مِنْ الْجِيرَانِ الْمُتَلَاصِقِينَ وَإِنْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ الْمَسْكَنَ، وَمَنْ كَانَ مَالِكًا وَلَمْ يَكُنْ سَاكِنًا لَا يَدْخُلُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ شَاهْوَيْهِ: هَذِهِ كرخدانية مِنْ مُحَمَّدٍ فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ بَنَى هَذَا الْحُكْمَ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ وَهُوَ الْمُلَّاكُ. وَأَقُولُ: يَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنْ لَا يَدْخُلَ الذِّمِّيُّ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ لَا يَضُمُّهُ إلَّا إذَا أُرِيدَ بِاتِّحَادِ الْمَسْجِدِ سَمَاعُ الْأَذَانِ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ أَوْصَى لِأَصْهَارِهِ) أَيْ: لِأَقْرِبَاءِ امْرَأَتِهِ. قَالَ فِي الصِّحَاحِ: الْأَصْهَارُ أَهْلُ بَيْتِ الْمَرْأَةِ، وَإِنَّمَا قَالَ: وَهَذَا التَّفْسِيرُ اخْتِيَارُ

أَوْ فِي عِدَّتِهِ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ فَالصِّهْرُ يَسْتَحِقُّ الْوَصِيَّةَ وَإِنْ كَانَتْ فِي عِدَّةٍ مِنْ طَلَاقٍ بَائِن لَا يَسْتَحِقُّهَا لِأَنَّ بَقَاءَ الصِّهْرِيَّةِ بِبَقَاءِ النِّكَاحِ وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَ الْمَوْتِ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِأَخْتَانِهِ فَالْوَصِيَّةُ لِزَوْجِ كُلِّ ذَاتِ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ وَكَذَا مَحَارِمُ الْأَزْوَاجِ) لِأَنَّ الْكُلَّ يُسَمَّى خَتَنًا. قِيلَ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ. وَفِي عُرْفِنَا لَا يَتَنَاوَلُ الْأَزْوَاجُ الْمَحَارِمَ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ. لِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ فَهِيَ لِلْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْوَالِدَانِ وَالْوَلَدُ وَيَكُونُ ذَلِكَ لِلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ صَاحِبَاهُ: الْوَصِيَّةُ لِكُلِّ مَنْ يُنْسَبُ إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ) وَهُوَ أَوَّلُ أَبٍ أَسْلَمَ أَوْ أَوَّلُ أَبٍ أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ عَلَى حَسَبِ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ. وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي أَوْلَادِ أَبِي طَالِبٍ فَإِنَّهُ أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ وَلَمْ يُسْلِمْ. لَهُمَا أَنَّ الْقَرِيبَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْقَرَابَةِ فَيَكُونُ اسْمًا لِمَنْ قَامَتْ بِهِ فَيَنْتَظِمُ بِحَقِيقَةِ مَوَاضِعِ الْخِلَافِ. وَلَهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ، وَفِي الْمِيرَاثِ يُعْتَبَرُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، وَالْمُرَادُ بِالْجَمْعِ الْمَذْكُورِ فِيهِ اثْنَانِ فَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ، وَالْمَقْصِدُ مِنْ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ تَلَاقِي مَا فَرَطَ فِي إقَامَةِ وَاجِبِ الصِّلَةِ وَهُوَ يَخْتَصُّ بِذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِنْهُ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ قَرَابَةُ الْوِلَادِ فَإِنَّهُمْ لَا يُسَمُّونَ أَقْرِبَاءَ، وَمَنْ سَمَّى وَالِدَهُ قَرِيبًا كَانَ مِنْهُ عُقُوقًا، وَهَذَا لِأَنَّ الْقَرِيبَ فِي عُرْفِ اللِّسَانِ مَنْ يَتَقَرَّبُ إلَى غَيْرِهِ بِوَسِيلَةِ غَيْرِهِ، وَتَقَرُّبُ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ بِنَفْسِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُحَمَّدٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ؛ لِأَنَّ الصِّهْرَ فِي اللُّغَةِ يَجِيءُ بِمَعْنَى الْخَتْنِ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ فِي عِدَّةٍ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ لَا يَسْتَحِقُّهَا) يَعْنِي: وَإِنْ وَرِثَتْ مِنْهُ بِأَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ فِي الْمَرَضِ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ أَوْصَى لِأَخْتَانِهِ) يَعْنِي: أَنَّ الْأَخْتَانَ تُطْلَقُ عَلَى أَزْوَاجِ الْمَحَارِمِ كَزَوْجِ الْبِنْتِ وَالْأُخْتِ وَالْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ وَغَيْرِهَا، وَعَلَى مَحَارِمِ الْأَزْوَاجِ، فَيَكُونُ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ أَزْوَاجِ الْمَحَارِمِ مِنْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى كُلُّهُمْ فِي قِسْمَةِ الثُّلُثِ سَوَاءً. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ) يَعْنِي تَصَرَّفَ إلَى اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ مِنْ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ غَيْرِ الْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ إذَا لَمْ يَكُونُوا وَارِثِينَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَوْلُهُ (وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي آلِ أَبِي طَالِبٍ) يَعْنِي أَنَّ الْمُوصِيَ إذَا كَانَ عَلَوِيًّا فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَقْصَى الْأَبِ عَلِيٌّ فَلَا يَدْخُلُ

لَا بِغَيْرِهِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ بَعْدَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى تَرْكِهِ، فَعِنْدَهُ يُقَيَّدُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَعِنْدَهُمَا بِأَقْصَى الْأَبِ فِي الْإِسْلَامِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِالْأَبِ الْأَدْنَى. . قَالَ (وَإِذَا أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ وَلَهُ عَمَّانِ وَخَالَانِ فَالْوَصِيَّةُ لِعَمَّيْهِ) عِنْدَهُ اعْتِبَارٌ لِلْأَقْرَبِ كَمَا فِي الْإِرْثِ، وَعِنْدَهُمَا بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا إذْ هُمَا لَا يَعْتَبِرَانِ الْأَقْرَبَ (وَلَوْ تَرَكَ عَمًّا وَخَالَيْنِ فَلِلْعَمِّ نِصْفُ الْوَصِيَّةِ وَالنِّصْفُ لِلْخَالَيْنِ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ مَعْنَى الْجَمِيعِ وَهُوَ الِاثْنَانِ فِي الْوَصِيَّةِ كَمَا فِي الْمِيرَاثِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِذِي قَرَابَتِهِ حَيْثُ يَكُونُ لِلْعَمِّ كُلُّ الْوَصِيَّةِ، لِأَنَّ اللَّفْظَ لِلْفَرْدِ فَيُحْرِزُ الْوَاحِدُ كُلَّهَا إذْ هُوَ الْأَقْرَبُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَاحِدٌ فَلَهُ الثُّلُثُ لِمَا بَيَّنَّاهُ، وَلَوْ تَرَكَ عَمًّا وَعَمَّةً وَخَالًا وَخَالَةً فَالْوَصِيَّةُ لِلْعَمِّ وَالْعَمَّةِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ لِاسْتِوَاءِ قَرَابَتِهِمَا وَهِيَ أَقْوَى، وَالْعَمَّةُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَارِثَةً فَهِيَ مُسْتَحِقَّةٌ لِلْوَصِيَّةِ كَمَا لَوْ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْوَصِيَّةِ أَوْلَادُ عَقِيلٍ وَجَعْفَرٍ. وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي أَقْصَى الْأَبِ أَبُو طَالِبٍ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ فَيَدْخُلُ فِيهِ أَوْلَادُ عَقِيلٍ وَجَعْفَرٍ، وَبَقِيَّةُ كَلَامِهِ وَاضِحٌ إلَى قَوْلِهِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ بَعْدَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى تَرْكِهِ وَهُوَ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا إنَّ الْقَرِيبَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْقَرَابَةِ فَيَكُونُ اسْمًا لِمَنْ قَامَتْ بِهِ وَبَيْنَ كَوْنِهِ مَتْرُوكًا بِالْإِجْمَاعِ بِقَوْلِهِ (فَإِنَّ عِنْدَهُ) أَيْ: عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (يُقَيَّدُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ) مِنْ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ بِالْقُيُودِ السِّتَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا (وَعِنْدَهُمَا بِأَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِالْأَبِ الْأَدْنَى) وَمَا كَانَ مَتْرُوكًا بِالْإِجْمَاعِ لَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ لَا مَحَالَةَ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ وَلَهُ عَمَّانِ وَخَالَانِ) يَعْنِي: وَلَهُ وَلَدٌ يُحْرَزُ مِيرَاثُهُ فَالثُّلُثُ لِعَمَّيْهِ، وَهَذَا إلَى آخِرِهِ تَفْصِيلُ مَا أَجْمَلَهُ مِنْ الْقُيُودِ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ مَعْنَى الْجَمْعِ وَهُوَ الِاثْنَانِ فِي الْوَصِيَّةِ) يَعْنِي لَوْ كَانَ الْعَمُّ اثْنَيْنِ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفُ فَكَذَا إذَا انْفَرَدَ كَانَ لَهُ النِّصْفُ أَيْضًا. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ فِي هَذَا جَعَلَ عَدَمَ الْمُزَاحِمِ بِمَنْزِلَةِ الْمُزَاحِمِ حَيْثُ قَالَ: إذَا كَانَ مَعَهُ عَمٌّ آخَرُ كَانَ لَهُ النِّصْفُ، فَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَمٌّ آخَرُ. وَحِينَئِذٍ كَانَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إذَا كَانَ عَمٌّ وَاحِدٌ كَانَ لَهُ الثُّلُثُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَهُ عَمَّانِ كَانَ لَهُ الثُّلُثُ، فَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرُهُ، وَعَلَى هَذَا يُقَالُ: يَجِبُ لَهُ الرُّبُعُ أَوْ الْخُمُسُ عِنْدَ انْفِرَادِهِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ ثَلَاثَةُ أَعْمَامٍ، أَوْ أَرْبَعَةُ أَعْمَامٍ وَهَلُمَّ جَرًّا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْجُمُوعِ كُلِّهَا سَاقِطٌ لِتَعَذُّرِهِ، فَتَعَيَّنَ أَدْنَى مَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ وَهُوَ الِاثْنَانِ لِتَيَقُّنِهِ، وَالْعَمُّ الْوَاحِدُ نِصْفُ الِاثْنَيْنِ فَيَكُونُ لَهُ نِصْفُ مَالِهِمَا، وَإِذَا أَخَذَ الْعَمُّ النِّصْفَ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَيَكُونُ الْبَاقِي مِنْ الثُّلُثِ لِلْخَالَيْنِ وَفِي قَوْلِهِمَا الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّاهُ) أَرَادَ بِهِ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ مَعْنَى الْجَمْعِ وَهُوَ الِاثْنَانِ إلَخْ. وَقَوْلُهُ (وَهِيَ أَقْوَى) أَيْ قَرَابَةُ الْعُمُومَةِ أَقْوَى مِنْ قَرَابَةِ الْخُئُولَةِ. وَقَوْلُهُ (وَالْعَمَّةُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَارِثَةً) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْعَمَّةُ لَا تَسْتَحِقُّ الْعُصُوبَةَ وَيُقَدَّمُ الْعَمُّ عَلَى

الْقَرِيبُ رَقِيقًا أَوْ كَافِرًا، وَكَذَا إذَا أَوْصَى لِذَوِي قَرَابَتِهِ أَوْ لِأَقْرِبَائِهِ أَوْ لِأَنْسِبَائِهِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَفْظُ جَمْعٍ، وَلَوْ انْعَدَمَ الْمَحْرَمُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّهَا مُقَيَّدَةٌ بِهَذَا الْوَصْفِ. قَالَ: وَمَنْ أَوْصَى لِأَهْلِ فُلَانٍ فَهِيَ عَلَى زَوْجَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ: يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَنْ يَعُولُهُمْ وَتَضُمُّهُمْ نَفَقَتُهُ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ وَهُوَ مُؤَيَّدٌ بِالنَّصِّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} [يوسف: 93] وَلَهُ أَنَّ اسْمَ الْأَهْلِ حَقِيقَةٌ فِي الزَّوْجَةِ يَشْهَدُ بِذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَسَارَ بِأَهْلِهِ} [القصص: 29] وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ تَأَهَّلَ بِبَلْدَةِ كَذَا، وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْحَقِيقَةِ. قَالَ: وَلَوْ أَوْصَى لِآلِ فُلَانٍ فَهُوَ لِأَهْلِ بَيْتِهِ لِأَنَّ الْآلُ الْقَبِيلَةُ الَّتِي يُنْسَبُ إلَيْهَا، وَلَوْ أَوْصَى لِأَهْلِ بَيْتِ فُلَانٍ يَدْخُلُ فِيهِ أَبُوهُ وَجَدُّهُ لِأَنَّ الْأَبَ أَصْلُ الْبَيْتِ، وَلَوْ أَوْصَى لِأَهْلِ نَسَبِهِ أَوْ لِجِنْسِهِ فَالنَّسَبُ عِبَارَةٌ عَمَّنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ، وَالنَّسَبُ يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الْآبَاءِ، وَجِنْسُهُ أَهْلُ بَيْتِ أَبِيهِ دُونَ أُمِّهِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَجَنَّسُ بِأَبِيهِ، بِخِلَافِ قَرَابَتِهِ حَيْثُ تَكُونُ مِنْ جَانِبِ الْأُمِّ وَالْأَبِ، وَلَوْ أَوْصَى لِأَيْتَامِ بَنِي فُلَانٍ أَوْ لِعُمْيَانِهِمْ أَوْ لِزَمْنَاهُمْ أَوْ لِأَرَامِلِهِمْ إنْ كَانُوا قَوْمًا يُحْصَوْنَ دَخَلَ فِي الْوَصِيَّةِ فُقَرَاؤُهُمْ وَأَغْنِيَاؤُهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَخْوَالِ بِسَبَبِهَا فَلَمْ تَكُنْ قَرَابَتُهَا أَقْرَبَ. وَوَجْهُهُ أَنَّهَا مُسْتَحِقَّةٌ لِلْوَصِيَّةِ وَمُسَاوِيَةٌ لِلْعَمِّ فِي الدَّرَجَةِ، وَعَدَمُ اسْتِحْقَاقِهَا الْعُصُوبَةَ وَصْفٌ قَامَ بِهَا وَهُوَ الْأُنُوثَةُ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ مُسَاوَاتِهَا الْعَمَّ فِي اسْتِحْقَاقِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ كَالْعَمِّ الرَّقِيقِ أَوْ الْكَافِرِ لِمَا أَنَّ حِرْمَانَ الْمِيرَاثِ لِوَصْفٍ قَامَ بِهِ لَا لِضَعْفٍ فِي الْقَرَابَةِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنْسِبَائِهِ) الْأَنْسِبَاءُ جَمْعُ النَّسِيبِ وَهُوَ الْقَرِيبُ كَالْأَنْصِبَاءِ فِي جَمْعِ النَّصِيبِ. وَقَوْلُهُ (فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي مِنْ الْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِأَهْلِ فُلَانٍ فَهِيَ عَلَى زَوْجَتِهِ) الْوَصِيَّةُ لِأَهْلِ فُلَانٍ تَنْصَرِفُ إلَى الزَّوْجَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَضُمُّ نَفَقَةَ فُلَانٍ مِنْ الْأَحْرَارِ عِنْدَهُمَا اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ الْمُؤَيَّدِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} [يوسف: 93] فَإِنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الزَّوْجَ خَاصَّةً، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ} [الأعراف: 83] وَلَهُ أَنَّ الْأَهْلَ فِي الزَّوْجَةِ حَقِيقَةً يَشْهَدُ بِذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَسَارَ بِأَهْلِهِ} [القصص: 29] فَلَا يُصَارُ إلَى غَيْرِهَا مَعَ إمْكَانِ الْعَمَلِ بِهَا. قِيلَ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْآيَةِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ خَاطَبَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ بِقَوْلِهِ {امْكُثُوا} [القصص: 29] " وَالْمَرْأَةُ لَا تُخَاطَبُ بِذَلِكَ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ أَحَدٌ مِنْ أَقَارِبِهِ، أَوْ أَقَارِبِهَا مِمَّنْ ضَمَّتْهُمْ نَفَقَتُهُ؛ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ الْأَرِقَّاءِ أَحَدٌ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ. عَلَى أَنَّ الْحَقَائِقَ لَا يُسْتَدَلُّ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ طَرِيقَ مَعْرِفَتِهَا السَّمَاعُ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَإِنَّمَا اُسْتُشْهِدَ بِالْآيَةِ تَأْنِيسًا. فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ مَا فِي لَيْسَ عَلَى مَعْنَى الْحَقِيقَةِ لَا يُنَافِي مَطْلُوبَهُ كَالْآيَاتِ الَّتِي اسْتَدَلَّا بِهَا، وَقَوْلُهُ فُلَانٌ تَأَهَّلَ بِبَلْدَةِ كَذَا هُوَ الْمَسْمُوعُ الدَّالُّ عَلَى الْحَقِيقَةِ؛ لِتَبَادُرِ الْفَهْمِ إلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَجَنَّسُ بِأَبِيهِ) فَإِنَّ إبْرَاهِيمَ بْنُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مِنْ جِنْسِ قُرَيْشٍ، وَأَوْلَادُ الْخُلَفَاءِ صَلَحُوا لِلْخِلَافَةِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مِنْ الْإِمَاءِ؛ فَعُلِمَ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ فِي هَذَا اللَّفْظِ دُونَ عَشِيرَةِ الْأُمِّ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ أَوْصَى لِأَيْتَامِ فُلَانٍ) الْيَتِيمُ اسْمُ

ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ، لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَحْقِيقُ التَّمْلِيكِ فِي حَقِّهِمْ وَالْوَصِيَّةُ تَمْلِيكٌ. وَإِنْ كَانُوا لَا يُحْصَوْنَ فَالْوَصِيَّةُ فِي الْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْوَصِيَّةِ الْقُرْبَةُ وَهِيَ فِي سَدِّ الْخَلَّةِ وَرَدِّ الْجَوْعَةِ. وَهَذِهِ الْأَسَامِي تُشْعِرُ بِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ فَجَازَ حَمْلُهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِشُبَّانِ بَنِي فُلَانٍ وَهُمْ لَا يُحْصَوْنَ أَوْ لِأَيَامَى بَنِي فُلَانٍ وَهُمْ لَا يُحْصَوْنَ حَيْثُ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يُنْبِئُ عَنْ الْحَاجَةِ فَلَا يُمْكِنُ صَرْفُهُ إلَى الْفُقَرَاءِ، وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ تَمْلِيكًا فِي حَقِّ الْكُلِّ لِلْجَهَالَةِ الْمُتَفَاحِشَةِ وَتَعَذَّرَ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ، وَفِي الْوَصِيَّةِ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ يَجِبُ الصَّرْفُ إلَى اثْنَيْنِ مِنْهُمْ اعْتِبَارًا لِمَعْنَى الْجَمْعِ، وَأَقَلُّهُ اثْنَانِ فِي الْوَصَايَا عَلَى مَا مَرَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَنْ مَاتَ أَبُوهُ قَبْلَ الْحُلُمِ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ» وَالْعُمْيَانُ وَالزَّمْنَى مَعْرُوفَةٌ، وَالْأَرْمَلُ هُوَ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً، مِنْ أَرْمَلَ إذَا افْتَقَرَ مِنْ الرَّمَلِ كَأَدْقَعَ مِنْ الدَّقْعَاءِ وَهِيَ التُّرَابُ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ: الْأَرْمَلُ فِي النِّسَاءِ خَاصَّةً، وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ هُوَ الْأَوَّلُ حَيْثُ قَالَ: ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّعْبِيِّ. فَإِذَا أَوْصَى لِهَؤُلَاءِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا قَوْمًا يُحْصَوْنَ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ وُجِدَ الْإِحْصَاءُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنْ لَا يَحْتَاجَ فِي الْإِحْصَاءِ إلَى كِتَابٍ وَلَا حِسَابٍ، فَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ فَهُمْ لَا يُحْصَوْنَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إذَا كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةٍ فَإِنَّهُمْ لَا يُحْصَوْنَ وَهُوَ الْأَيْسَرُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي دَخَلَ فِي الْوَصِيَّةِ فُقَرَاؤُهُمْ وَأَغْنِيَاؤُهُمْ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ وَتَحْقِيقُ التَّمْلِيكِ فِيهِمْ مُمْكِنٌ. وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَالْوَصِيَّةُ لِلْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِشُبَّانِ بَنِي فُلَانٍ وَهْم لَا يُحْصَوْنَ، أَوْ لِأَيَامَى بَنِي فُلَانٍ وَهْم لَا يُحْصَوْنَ حَيْثُ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا يُحْصَوْنَ كَانَ الْحُكْمُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي دُخُولِ الْغَنِيِّ، وَالْفَقِيرِ وَهَلْ يَدْخُلُ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي الْأَيَامَى دُخُولَهُ فِي الْأَرَامِلِ أَوْ لَا؟ قَالَ الْكَرْخِيُّ. يَدْخُلُ؛ لِأَنَّ الْأَيِّمَ هِيَ الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا أَوْ يُقَالُ رَجُلٌ أَيِّمٌ أَيْضًا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: الْأَيِّمُ هِيَ الثَّيِّبُ خَاصَّةً، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مُحْتَمَلٌ، وَالظَّاهِرُ دُخُولُهُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَهُ اعْتِمَادًا عَلَى ذِكْرِهِ فِي الْأَرَامِلِ، وَإِنَّمَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ فِي الشُّبَّانِ وَالْأَيَامَى؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْفَقِيرِ حَتَّى يُصْرَفَ إلَى الْفُقَرَاءِ، وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ تَمْلِيكًا فِي حَقِّ الْكُلِّ لِلْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ وَتَعَذُّرِ الصَّرْفِ إلَيْهِمْ لِكَثْرَتِهِمْ فَبَطَلَتْ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْغُلَامُ مَا كَانَ لَهُ أَقَلُّ مِنْ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَالْفَتَى مَنْ بَلَغَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَفَوْقَ ذَلِكَ. وَالْكَهْلُ إذَا بَلَغَ أَرْبَعِينَ فَزَادَ عَلَيْهِ، وَمَا بَيْنَ

وَلَوْ أَوْصَى لِبَنِي فُلَانٍ يَدْخُلُ فِيهِمْ الْإِنَاثُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَوَّلُ قَوْلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّ جَمْعَ الذُّكُورِ يَتَنَاوَلُ الْإِنَاثَ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: يَتَنَاوَلُ الذُّكُورَ خَاصَّةً لِأَنَّ حَقِيقَةَ الِاسْمِ لِلذُّكُورِ وَانْتِظَامُهُ لِلْإِنَاثِ تَجَوُّزٌ وَالْكَلَامُ لِحَقِيقَتِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بَنُو فُلَانٍ اسْمَ قَبِيلَةٍ أَوْ فَخِذٍ حَيْثُ يَتَنَاوَلُ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ لِأَنَّهُ لَيْسَ يُرَادُ بِهَا أَعْيَانُهُمْ إذْ هُوَ مُجَرَّدُ الِانْتِسَابِ كَبَنِي آدَمَ وَلِهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ وَالْمُوَالَاةُ وَحُلَفَاؤُهُمْ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِوَلَدِ فُلَانٍ فَالْوَصِيَّةُ بَيْنَهُمْ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ) لِأَنَّ اسْمَ الْوَلَدِ يَنْتَظِمُ الْكُلَّ انْتِظَامًا وَاحِدًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQخَمْسِينَ إلَى سِتِّينَ إلَى أَنْ يَغْلِبَ الشَّيْبُ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ شَيْخًا. وَفِي الْوَصِيَّةِ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ يَجِبُ الصَّرْفُ إلَى اثْنَيْنِ مِنْهُمْ اعْتِبَارًا بِمَعْنَى الْجَمْعِ، وَأَقَلُّهُ اثْنَانِ فِي الْوَصَايَا عَلَى مَا مَرَّ، وَقَوْلُهُ (وَلَوْ أَوْصَى لِبَنِي فُلَانٍ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى لِبَنِي فُلَانٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُرِيدَ مَفْهُومَهُ الْإِضَافِيَّ أَوْ يَكُونَ اسْمَ قَبِيلَةٍ أَوْ فَخِذٍ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الْإِنَاثُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَجَعَ إلَيْهِ، وَكَانَ يَقُولُ أَوَّلًا يَدْخُلُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا، وَالْخِلَافُ عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ، أَمَّا إذَا كَانَتْ الْإِنَاثُ مُنْفَرِدَاتٍ فَلَا تَدْخُلُ بِالِاتِّفَاقِ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ جَمْعَ الذُّكُورِ يَتَنَاوَلُ الْإِنَاثَ وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. وَوَجْهُ قَوْلِ الْآخَرِ أَنَّ حَقِيقَةَ هَذَا الِاسْمِ وَانْتِظَامَهُ الْإِنَاثَ تَجُوزُ وَلَا يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ إمْكَانِ الْعَمَلِ بِالْحَقِيقَةِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي يَتَنَاوَلُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مُجَرَّدُ الِانْتِسَابِ لِبَنِي آدَمَ وَلِهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ وَالْمُوَالَاةِ وَحُلَفَاؤُهُمْ يَقْسِمُ الْوَصِيُّ بَيْنَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِمْ مِنْ فُقَرَائِهِمْ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِوَلَدِ فُلَانٍ) وَمَنْ أَوْصَى لِوَلَدِ فُلَانٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ أَبًا خَاصًّا أَوْ فَخِذًا؛ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَالْوَصِيَّةُ تَنَاوَلَتْ الْأَوْلَادَ دُونَ أَوْلَادِهِمْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى عِنْدَ الِانْفِرَادِ وَالِاخْتِلَاطِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْوَلَدِ يَتَنَاوَلُ الصُّلْبِيَّ كُلَّهُ انْتِظَامًا وَاحِدًا بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ، وَوَلَدُ الْوَلَدِ مَجَازًا لَا يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ إمْكَانِ الْعَمَلِ بِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ مِنْ الصُّلْبِ يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ، وَأَوْلَادُ الْأَبْنَاءِ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَفِي أَوْلَادِ الْبَنَاتِ رِوَايَتَانِ، هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِوَلَدِ فُلَانٍ تَتَنَاوَلُ الْوَلَدَ وَوَلَدَ الْوَلَدِ، فُهِمَ ذَلِكَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] قَالَ الْقُدُورِيُّ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ وَذَكَرَ فِيهِ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ كَمَا ذَكَرْنَا. وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ يَدْخُلُونَ وَإِنْ كَانَ الصُّلْبِيُّ قَائِمًا؛ لِأَنَّ فُلَانًا إذَا كَانَ فَخِذًا فَبَنُوهُ وَبَنَاتُهُ لَا تَخْلُو عَنْ الْأَوْلَادِ عَادَةً فَتَكُونُ مُرَادَةً فَتَدْخُلُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ أَبًا خَاصًّا فَإِنَّ بَنِيهِ

(وَمَنْ أَوْصَى لِوَرَثَةِ فُلَانٍ فَالْوَصِيَّةُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) لِأَنَّهُ لَمَّا نَصَّ عَلَى لَفْظِ الْوَرَثَةِ آذَنَ ذَلِكَ بِأَنَّ قَصْدَهُ التَّفْضِيلَ كَمَا فِي الْمِيرَاثِ. وَمَنْ أَوْصَى لِمَوَالِيهِ وَلَهُ مَوَالٍ أَعْتَقَهُمْ وَمَوَالٍ أَعْتَقُوهُ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ: إنَّ الْوَصِيَّةَ لَهُمْ جَمِيعًا، وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ يُوقَفُ حَتَّى يُصَالِحُوا. لَهُ أَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُهُمْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يُسَمَّى مَوْلًى فَصَارَ كَالْإِخْوَةِ. وَلَنَا أَنَّ الْجِهَةَ مُخْتَلِفَةٌ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يُسَمَّى مَوْلَى النِّعْمَةِ وَالْآخَرُ مُنْعَمٌ عَلَيْهِ فَصَارَ مُشْتَرَكًا فَلَا يَنْتَظِمُهُمَا لَفْظٌ وَاحِدٌ فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ مَوَالِيَ فُلَانٍ حَيْثُ يَتَنَاوَلُ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ لِأَنَّهُ مَقَامُ النَّفْيِ وَلَا تَنَافِي فِيهِ، وَيَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْوَصِيَّةِ مَنْ أَعْتَقَهُ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ، وَلَا يَدْخُلُ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ لِأَنَّ عِتْقَ هَؤُلَاءِ يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْوَصِيَّةُ تُضَافُ إلَى حَالَةِ الْمَوْتِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ الِاسْمِ قَبْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبَنَاتِهِ قَدْ تَخْلُو عَنْ الْأَوْلَادِ فَلَا تَكُونُ مُرَادَةً. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ أَوْصَى لِوَرَثَةِ فُلَانٍ) وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ أَوْصَى لِمَوَالِيهِ) مَبْنَاهُ عَلَى جَوَازِ عُمُومِ الْمُشْتَرَكِ وَعَدَمِ جَوَازِهِ، وَالشَّافِعِيُّ يُجِيزُ ذَلِكَ فَأَجَازَ هَذَا، وَأَصْحَابُنَا مَا جَوَّزُوهُ وَكَذَلِكَ هَذَا، وَالْمَرْوِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، لَكِنْ لَا عَلَى جَوَازِ عُمُومِ الْمُشْتَرَكِ بَلْ عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْمَوْلَى يُطْلَقُ عَلَى الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ مُتَوَاطِئٍ كَالْإِخْوَةِ عَلَى بَنِي الْأَعْيَانِ وَبَنِي الْعِلَّاتِ وَبَنِي الْأَخْيَافِ، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِخْوَةِ فِي الْجَمِيعِ وَاحِدٌ وَهُوَ اشْتِمَالُ صُلْبِ الْأَبِ أَوْ الرَّحِمِ عَلَيْهِمْ، وَمَعْنَى الْمَوْلَى لَيْسَ كَذَلِكَ؛ فَإِنَّ مَعْنَى الْأَعْلَى مُنْعِمٌ وَمَعْنَى الْأَسْفَلِ مُنْعَمٌ عَلَيْهِ، فَكَانَ فِي أَحَدِهِمَا بِمَعْنَى الْفَاعِلِ وَفِي الْآخَرِ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ إنَّ الْجِهَةَ مُخْتَلِفَةٌ. وَقَوْلُهُ (فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ) احْتِرَازٌ عَنْ صُورَةِ النَّفْيِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَعَامَّةِ أَصْحَابِنَا، عَلَى أَنْ لَا عُمُومَ لِلْمُشْتَرَكِ لَا فِي النَّفْيِ وَلَا فِي الْإِثْبَاتِ. وَأَجَابُوا عَنْ مَسْأَلَةِ الْحَلِفِ بِتَرْكِ الْكَلَامِ مَعَ الْمَوْلَى مُطْلَقًا لَيْسَ لِوُقُوعِهِ فِي النَّفْيِ بَلْ الْحَامِلُ عَلَى الْيَمِينِ بُغْضُهُ وَهُوَ غَيْرُهُ مُخْتَلِفٌ فَيَصِيرُ بِذَلِكَ الْمَعْنَى كَالشَّيْءِ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ مُسْتَوْفًى بِعَوْنِ اللَّهِ وَتَأْيِيدِهِ. فَإِنْ قِيلَ: سَلَّمْنَا أَنَّ لَفْظَ الْمَوْلَى مُشْتَرَكٌ لَكِنَّ حُكْمَهُ التَّوَقُّفُ فَكَيْفَ قَالَ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا مَاتَ الْمُوصِي قَبْلَ الْبَيَانِ وَالتَّوَقُّفُ فِي مِثْلِهِ لَا يُفِيدُ. فَإِنْ قِيلَ: التَّرْجِيحُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى مُمْكِنٌ وَهُوَ أَنْ تُصْرَفَ الْوَصِيَّةُ إلَى الْمَوْلَى الَّذِي أَعْتَقَهُ؛ لِأَنَّ شُكْرَ الْمُنْعِمِ وَاجِبٌ وَأَمَّا فَضْلُ الْإِنْعَامِ فِي حَقِّ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ فَمَنْدُوبٌ، وَالصَّرْفُ إلَى الْوَاجِبِ أَوْلَى مِنْهُ إلَى الْمَنْدُوبِ كَمَا هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ بِهَذَا الْمَعْنَى. أُجِيبَ بِأَنَّهَا مُعَارَضَةٌ بِجِهَةٍ أُخْرَى، وَهُوَ أَنَّ الْعُرْفَ

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ لِأَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ لَازِمٌ، وَيَدْخُلُ فِيهِ عَبْدٌ قَالَ لَهُ مَوْلَاهُ إنْ لَمْ أَضْرِبْك فَأَنْتَ حُرٌّ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَثْبُتُ قُبَيْلَ الْمَوْتِ عِنْدَ تَحَقُّقِ عَجْزِهِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ مَوَالٍ وَأَوْلَادُهُ مَوَالٍ وَمَوَالِي مُوَالَاةٍ يَدْخُلُ فِيهَا مُعْتَقُوهُ وَأَوْلَادُهُمْ دُونَ مَوَالِي الْمُوَالَاةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ أَيْضًا وَالْكُلُّ شُرَكَاءُ لِأَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُهُمْ عَلَى السَّوَاءِ. وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: الْجِهَةُ مُخْتَلِفَةٌ، فِي الْمُعْتَقِ الْإِنْعَامُ، وَفِي الْمَوَالِي عَقْدُ الِالْتِزَامِ وَالْإِعْتَاقُ لَازِمٌ فَكَانَ الِاسْمُ لَهُ أَحَقَّ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِمْ مَوَالِي الْمَوَالِي لِأَنَّهُمْ مَوَالِي غَيْرِهِ حَقِيقَةً، بِخِلَافِ مَوَالِيهِ وَأَوْلَادِهِمْ لِأَنَّهُمْ يُنْسَبُونَ إلَيْهِ بِإِعْتَاقٍ وُجِدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQجَارٍ بِوَصِيَّةِ ثُلُثِ الْمَالِ لِلْفُقَرَاءِ، وَالْغَالِبُ فِي الْمَوْلَى الْأَسْفَلِ الْفَقْرُ، وَفِي الْأَعْلَى الْغِنَى، وَالْمَعْرُوفُ عُرْفًا كَالْمَشْرُوطِ شَرْطًا كَمَا هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ بِهَذَا الْمَعْنَى. وَلَوْ أَوْصَى لِمَوَالِيهِ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا الْمَوْلَى الْأَعْلَى فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ. وَيَدْخُلُ فِيهَا الْمُعْتَقُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ، وَلَا يَدْخُلُ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ لَا يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْمُتَوَقِّفَ عَلَى الشَّيْءِ لَا بِالْعِلِّيَّةِ يَعْقُبُهُ وُجُودًا، وَالْوَصِيَّةُ تُضَافُ إلَى حَالَةِ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهَا أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَالْمِيرَاثُ كَذَلِكَ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَحْقِيقِ اسْمِ الْمَوْلَى قَبْلَ الْمَوْتِ وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِمَا (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ) ؛ لِأَنَّ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِ الْوَلَاءِ وَهُوَ التَّدْبِيرُ وَالِاسْتِيلَادُ (لَازِمٌ) أَيْ: ثَابِتٌ مُسْتَقِرٌّ، وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُنْسَبُونَ إلَيْهِ بِالْوَلَاءِ بِنَفْسِ الِاسْتِحْقَاقِ بَلْ بِالْإِحْيَاءِ الْحَاصِلِ بِالْعِتْقِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ (وَيَدْخُلُ فِيهِ) أَيْ: فِي هَذَا الْإِيصَاءِ: يَعْنِي بِالْإِجْمَاعِ عَبْدٌ قَالَ لَهُ مَوْلَاهُ وَهُوَ وَاضِحٌ. وَلَوْ أَوْصَى لِمَوَالِيهِ وَلَهُ مَوَالٍ وَأَوْلَادُ الْمَوَالِي وَمَوَالِي الْمُوَالَاةِ دَخَلَ مُعْتَقُوهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَأَوْلَادُهُمْ؛ لِأَنَّ نِسْبَتَهُمْ إلَيْهِ بِالْوَلَاءِ لِلْمُعْتِقِ الَّذِي بَاشَرَ فِي آبَائِهِمْ، وَالْفُرُوعُ أَجْزَاءُ الْأُصُولِ فَكَانَ الْإِطْلَاقُ حَقِيقَةً فِيهِمْ كَمَا فِي أُصُولِهِمْ؛ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ نَفْيُ اسْمِ الْمَوْلَى عَنْهُمْ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ بَنِي فُلَانٍ وَأَوْلَادِهِمْ؛ لِأَنَّ النَّفْيَ عَنْ الْفُرُوعِ صَحِيحٌ حَيْثُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَيْسُوا بَنِي فُلَانٍ وَإِنَّمَا هُمْ بَنُو بَنِيهِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمْ: يَعْنِي مَوَالِي الْمُوَالَاةِ يَدْخُلُونَ أَيْضًا لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَالْإِعْتَاقُ لَازِمٌ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: لَمَّا كَانَتْ الْجِهَةُ مُخْتَلِفَةً وَجَبَ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ كَالْمَوْلَى الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ لَا يَعْمَلُ بِهِ إلَّا إذَا لَمْ تَكُنْ قَرِينَةٌ عَلَى أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ وَهَاهُنَا قَرِينَةٌ تُعَيِّنُ أَحَدَهُمَا، وَهُوَ أَنَّ وَلَاءَ الْإِعْتَاقِ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، وَوَلَاءُ الْمُوَالَاةِ ضَعِيفٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَسَبَبُهُ عَقْدٌ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُزَاحَمَةُ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا مَوَالِي مُوَالَاةٍ كَانَ الثُّلُثُ لَهُمْ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ إذَا لَمْ تُمْكِنْ وَجَبَ الْعَمَلُ بِالْمَجَازِ

مِنْهُ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَوَالٍ وَلَا أَوْلَادُ الْمَوَالِي لِأَنَّ اللَّفْظَ لَهُمْ مَجَازٌ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ اعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ. وَلَوْ كَانَ لَهُ مُعْتَقٌ وَاحِدٌ وَمَوَالِي الْمَوَالِي فَالنِّصْفُ لِمُعْتَقٍ وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ مَوَالٍ أَعْتَقَهُمْ ابْنُهُ أَوْ أَبُوهُ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمَوَالِيهِ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا، وَإِنَّمَا يُحْرِزُ مِيرَاثُهُمْ بِالْعُصُوبَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQصَوْنًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ عَنْ الْإِلْغَاءِ (وَلَوْ كَانَ لَهُ مُعْتَقٌ وَاحِدٌ وَمَوَالِي الْمَوَالِي فَالنِّصْفُ لِمُعْتَقِهِ وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ؛ لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ) وَحُكْمُ وَلَدِ الْمُعْتَقِ حُكْمُ الْمُعْتَقِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ اسْمَ الْمَوَالِي لِأَوْلَادِ الْمَوَالِي حَقِيقَةٌ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ) أَيْ: فِيمَا إذَا أَوْصَى لِمَوَالِيهِ (مَوَالٍ أَعْتَقَهُمْ) هَكَذَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ وَلَكِنَّ الصَّوَابَ أَنْ يُقَالَ: مَوَالٍ أَعْتَقَهُمْ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ يُطَابِقُ ذَلِكَ دُونَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ هُوَ أَنْ يُبَاشِرَ إعْتَاقَ مَمْلُوكٍ فَيَصِيرَ بِهِ مَوْلًى عَنْهُ، وَالْمَجَازَ أَنْ يَتَسَبَّبَ لِذَلِكَ بِإِعْتَاقِ مَمْلُوكٍ فَيُعْتِقُ ذَلِكَ الْمُعْتِقُ مَمْلُوكًا وَلَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ مَوَالِي الْأَبِ وَالِابْنِ فِعْلُ الْإِعْتَاقِ وَلَا تَسْبِيبُهُ، فَقُلْنَا: إنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ فِي هَذِهِ الْإِضَافَةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى كَمَا تَرَى لَا يَسْتَقِيمُ عَلَى مَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ؛ لِأَنَّ الَّذِينَ أَعْتَقَهُمْ مَوَالٍ لَهُ حَقِيقَةً. وَقَوْلُهُ (وَإِنَّمَا يُحْرَزُ مِيرَاثُهُمْ بِالْعُصُوبَةِ) جَوَابٌ

[باب الوصية بالسكنى والخدمة والثمرة]

بِخِلَافِ مُعْتَقِ الْبَعْضِ لِأَنَّهُ يُنْسَبُ إلَيْهِ بِالْوَلَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالسُّكْنَى وَالْخِدْمَةِ وَالثَّمَرَةِ قَالَ (وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ وَسُكْنَى دَارِهِ سِنِينَ مَعْلُومَةً وَتَجُوزُ بِذَلِكَ أَبَدًا) لِأَنَّ الْمَنَافِعَ يَصِحُّ تَمْلِيكُهَا فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ بِبَدَلٍ وَغَيْرِ بَدَلٍ، فَكَذَا بَعْدَ الْمَمَاتِ لِحَاجَتِهِ كَمَا فِي الْأَعْيَانِ، وَيَكُونُ مَحْبُوسًا عَلَى مِلْكِهِ فِي حَقِّ الْمَنْفَعَةِ حَتَّى يَتَمَلَّكَهَا الْمُوصَى لَهُ عَلَى مِلْكِهِ كَمَا يَسْتَوْفِي الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مَنَافِعَ الْوَقْفِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْوَاقِفِ، وَتَجُوزُ مُؤَقَّتًا وَمُؤَبَّدًا كَمَا فِي الْعَارِيَّةِ فَإِنَّهَا تَمْلِيكٌ عَلَى أَصْلِنَا، بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ لِأَنَّهُ خِلَافُهُ فِيمَا يَتَمَلَّكُهُ الْمُوَرِّثُ وَذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَوَالِيَ أَبِيهِ تَدْخُلُ إذَا مَاتَ أَبُوهُ وَوَرِثَ وَلَاءَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ مَوَالِيهِ حُكْمًا وَلِهَذَا يُحْرِزُ مِيرَاثَهُمْ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ إحْرَازَهُ الْمِيرَاثَ مَا كَانَ لِكَوْنِهِمْ مَوَالٍ لَهُ، لَكِنَّ الشَّرْعَ أَقَامَ عَصَبَةَ الْمُعْتَقِ مَقَامَ الْمُعْتَقِ فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ لَا يُورَثُ، نَصَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الشَّرْعِ قَالَ «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ» وَهُوَ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ الِانْتِقَالِ فَكَانَ بِطَرِيقِ الْعُصُوبَةِ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ مُعْتَقِ الْبَعْضِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هَكَذَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ وَلَيْسَ بِصَوَابٍ. وَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ بِخِلَافِ مُعْتَقِ الْمُعْتَقِ كَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْإِيضَاحِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِهَذَا الْفَرْقِ بَيْنَ مَوَالٍ الْمَوَالِي وَبَيْنَ مَوَالٍ أَعْتَقَهُمْ أَبُوهُ، أَوْ ابْنُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ النُّسْخَةِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ أَيْضًا، وَذَلِكَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا كَانَ بِخِلَافِ مُعْتَقِ الْمُعْتَقِ، وَأَمَّا مُعْتَقُ الْبَعْضِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَمْ يُنْسَبْ إلَيْهِ بِالْوَلَاءِ بَعْدُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ، وَالْمُكَاتَبُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ اسْمِ الْمَوْلَى عِنْدَ قِيَامِ الْكِتَابَةِ. وَعِنْدَهُمَا إنْ نُسِبَ إلَيْهِ إنَّمَا يُنْسَبُ إلَيْهِ بِالْوَلَاءِ حَقِيقَةً فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ. وَذَكَرَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ أَنَّ النُّسْخَةَ فِي قَوْلِهِ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ مَوَالٍ أَعْتَقَهُمْ بِإِثْبَاتِ لَفْظَةِ ابْنِهِ، وَهَاهُنَا بِخِلَافِ مُعْتَقِ الْبَعْضِ فَجَعَلَهُ مُرْتَبِطًا بِقَوْلِهِ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ مَوَالٍ أَعْتَقَهُمْ ابْنُهُ، وَمَعْنَاهُ فَإِنَّ مُعْتَقَ الْبَعْضِ يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مَوْلَاهُ حَقِيقَةً، بِخِلَافِ مَوَالِي الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مَوَالِيَهُ أَصْلًا، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى مَذْهَبِهِمَا؛ لِأَنَّ مُعْتَقَ الْبَعْضِ كَالْمُكَاتَبِ، وَالْمُكَاتَبُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ اسْمِ الْمَوْلَى عِنْدَ تَمَامِ الْكِتَابَةِ، وَهَذَا فِيهِ تَصْحِيحُ نُسْخَةِ الْكِتَابِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ بُعْدٌ مِنْ حَيْثُ الْإِيرَادُ عَلَى مَذْهَبِهَا خَاصَّةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالسُّكْنَى وَالْخِدْمَةِ وَالثَّمَرَةِ] ِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَحْكَامِ الْوَصَايَا الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَعْيَانِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْوَصَايَا الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَنَافِعِ، وَأَخَّرَ هَذَا الْبَابَ لِمَا أَنَّ الْمَنَافِعَ بَعْدَ الْأَعْيَانِ وُجُودًا فَأَخَّرَهَا عَنْهَا وَضْعًا. قَالَ (وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ وَسُكْنَى دَارِهِ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ، وَيُفِيدُ الْمُوَافَقَةَ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالْعَارِيَّةِ فِي كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَالْمُبَايَنَةُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْإِرْثِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَعْتَمِدُ التَّمْلِيكَ وَالْمَنَافِعُ تَقْبَلُ ذَلِكَ لِلْحَاجَةِ حَالَةَ الْحَيَاةِ (فَكَذَا بَعْدَ الْمَمَاتِ) ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَا يُزِيلُهَا وَالْإِرْثُ خِلَافُهُ (فِيمَا يَمْلِكُهُ الْمُورَثُ وَذَلِكَ

فِي عَيْنٍ تَبْقَى وَالْمَنْفَعَةُ عَرْضٌ لَا يَبْقَى، وَكَذَا الْوَصِيَّةُ بِغَلَّةِ الْعَبْدِ وَالدَّارِ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ فَأَخَذَ حُكْمَهَا وَالْمَعْنَى يَشْمَلُهُمَا. قَالَ (فَإِنْ خَرَجَتْ رَقَبَةُ الْعَبْدِ مِنْ الثُّلُثِ يُسَلَّمُ إلَيْهِ لِيَخْدُمَهُ) لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ فِي الثُّلُثِ لَا يُزَاحِمُهُ الْوَرَثَةُ (وَإِنْ كَانَ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ خَدَمَ الْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ وَالْمُوصَى لَهُ يَوْمًا) لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الثُّلُثِ وَحَقَّهُمْ فِي الثُّلُثَيْنِ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ فِي الْعَيْنِ وَلَا تُمْكِنُ قِسْمَةُ الْعَبْدِ أَجْزَاءً لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ فَصِرْنَا إلَى الْمُهَايَأَةِ إيفَاءً لِلْحَقَّيْنِ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِسُكْنَى الدَّارِ إذَا كَانَتْ لَا تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ حَيْثُ تُقَسَّمُ عَيْنُ الدَّارِ ثَلَاثًا لِلِانْتِفَاعِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْقِسْمَةُ بِالْأَجْزَاءِ وَهُوَ أَعْدَلُ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا زَمَانًا وَذَاتًا، وَفِي الْمُهَايَأَةِ تَقْدِيمُ أَحَدِهِمَا زَمَانًا. وَلَوْ اقْتَسَمُوا الدَّارَ مُهَايَأَةً مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ تَجُوزُ أَيْضًا لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ، إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ وَهُوَ الْأَعْدَلُ أَوْلَى، وَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَبِيعُوا مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ ثُلُثَيْ الدَّارِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ لَهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ خَالِصُ مِلْكِهِمْ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ ثَابِتٌ فِي سُكْنَى جَمِيعِ الدَّارِ بِأَنْ ظَهَرَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ آخَرُ وَتَخْرُجُ الدَّارُ مِنْ الثُّلُثِ، وَكَذَا لَهُ حَقُّ الْمُزَاحَمَةِ فِيمَا فِي أَيْدِيهِمْ إذَا خَرِبَ مَا فِي يَدِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي عَيْنٍ تَبْقَى وَالْمَنْفَعَةُ عَرَضٌ لَا يَبْقَى) وَإِذَا جَازَتْ الْوَصِيَّةُ بِمَنْفَعَةِ الْعَبْدِ جَازَتْ بِغَلَّتِهِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُهَا فَأَخَذَتْ حُكْمَهَا (وَالْمَعْنَى) وَهُوَ الْحَاجَةُ (يَشْمَلُهَا) يَعْنِي الْمَنْفَعَةَ وَالْغَلَّةَ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ خَرَجَتْ رَقَبَةُ الْعَبْدِ) فِيهِ تَفْصِيلٌ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ لِشَخْصٍ فَإِمَّا أَنْ قَالَ أَبَدًا أَوْ جَعَلَ ذَلِكَ زَمَانًا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ، وَخَرَجَتْ رَقَبَةُ الْعَبْدِ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ لَمْ تَخْرُجْ وَلَكِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ التَّسْلِيمَ إلَيْهِ يُسَلَّمُ إلَيْهِ لِيَخْدُمَهُ وَإِنْ لَمْ تُجِزْهُ الْوَرَثَةُ خَدَمَ الْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ وَالْمُوصَى لَهُ يَوْمًا إلَى أَنْ يَمُوتَ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَإِمَّا أَنَّ عَيَّنَ سَنَةً مِثْلَ أَنْ يَقُولَ سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ أَوْ لَمْ يُعَيِّنْ، فَإِنْ عَيَّنَ وَمَضَتْ تِلْكَ الْمُدَّةُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، وَإِنْ مَاتَ الْمُوصِي بَعْدَ مُضِيِّ الْبَعْضِ مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ أَوْ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّهَا، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ الْعَبْدَ إلَى الْمُوصَى لَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ وَصِيَّتَهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَخْرُجُ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ يَخْدُمُ الْمُوصَى لَهُ يَوْمًا وَالْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ حَتَّى تَمْضِيَ السَّنَةُ الَّتِي عَيَّنَهَا ثُمَّ يُسَلِّمَهُ إلَى الْوَرَثَةِ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ أَوْ لَا يَخْرُجُ وَأَجَازَتْ الْوَرَثَةُ يُسَلَّمُ الْعَبْدُ إلَى الْمُوصَى لَهُ لِيَسْتَخْدِمَهُ سَنَةً كَامِلَةً ثُمَّ يَرُدُّهُ إلَى الْوَرَثَةِ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ يَخْدُمُ الْمُوصَى لَهُ يَوْمًا وَالْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ ثُمَّ يَرُدُّهُ إلَى الْوَرَثَةِ، وَهَذَا

وَالْبَيْعُ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ ذَلِكَ فَمَنَعُوا عَنْهُ. قَالَ (فَإِنْ كَانَ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ عَادَ إلَى الْوَرَثَةِ) لِأَنَّ الْمُوصِيَ أَوْجَبَ الْحَقَّ لِلْمُوصَى لَهُ لِيَسْتَوْفِيَ الْمَنَافِعَ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ، فَلَوْ انْتَقَلَ إلَى وَارِثِ الْمُوصَى لَهُ اسْتَحَقَّهَا ابْتِدَاءً مِنْ مِلْكِ الْمُوصِي مِنْ غَيْرِ مَرْضَاتِهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ. (وَلَوْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي بَطَلَتْ) لِأَنَّ إيجَابَهَا تَعَلَّقَ بِالْمَوْتِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ. وَلَوْ أَوْصَى بِغَلَّةِ عَبْدِهِ أَوْ دَارِهِ فَاسْتَخْدَمَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ سَكَنَهَا بِنَفْسِهِ قِيلَ يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّ قِيمَةَ الْمَنَافِعِ كَعَيْنِهَا فِي تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْغَلَّةَ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ وَقَدْ وَجَبَتْ الْوَصِيَّةُ بِهَا، وَهَذَا اسْتِيفَاءُ الْمَنَافِعِ وَهُمَا مُتَغَايِرَانِ وَمُتَفَاوِتَانِ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ، فَإِنَّهُ لَوْ ظَهَرَ دَيْنٌ يُمْكِنُهُمْ أَدَاؤُهُ مِنْ الْغَلَّةِ بِالِاسْتِرْدَادِ مِنْهُ بَعْدَ اسْتِغْلَالِهَا وَلَا يُمْكِنُهُمْ مِنْ الْمَنَافِعِ بَعْدَ اسْتِيفَائِهَا بِعَيْنِهَا، وَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى أَنْ يُؤَاجِرَ الْعَبْدَ أَوْ الدَّارَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ بِالْوَصِيَّةِ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ فَيَمْلِكُ تَمْلِيكَهَا مِنْ غَيْرِهِ بِبَدَلٍ أَوْ غَيْرِ بَدَلٍ لِأَنَّهَا كَالْأَعْيَانِ عِنْدَهُ، بِخِلَافِ الْعَارِيَّةِ لِأَنَّهَا إبَاحَةٌ عَلَى أَصْلِهِ وَلَيْسَ بِتَمْلِيكٍ وَلَنَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ بِغَيْرِ بَدَلٍ مُضَافٍ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا يَمْلِكُ تَمْلِيكَهُ بِبَدَلٍ اعْتِبَارًا بِالْإِعَارَةِ فَإِنَّهَا تَمْلِيكٌ بِغَيْرِ بَدَلٍ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ عَلَى أَصْلِنَا، وَلَا يَمْلِكُ الْمُسْتَعِيرُ الْإِجَارَةَ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ بِبَدَلٍ، كَذَا هَذَا. وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ التَّمْلِيكَ بِبَدَلٍ لَازِمٌ وَبِغَيْرِ بَدَلٍ غَيْرُ لَازِمٍ، وَلَا يَمْلِكُ الْأَقْوَى بِالْأَضْعَفِ وَالْأَكْثَرَ بِالْأَقَلِّ، وَالْوَصِيَّةُ تَبَرُّعٌ غَيْرُ لَازِمٍ إلَّا أَنَّ الرُّجُوعَ لِلْمُتَبَرِّعِ لَا لِغَيْرِهِ وَالْمُتَبَرِّعُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ فَلِهَذَا انْقَطَعَ، أَمَّا هُوَ فِي وَضْعِهِ فَغَيْرُ لَازِمٍ، وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ عَلَى أَصْلِنَا وَفِي تَمْلِيكِهَا بِالْمَالِ إحْدَاثُ صِفَةِ الْمَالِيَّةِ فِيهَا تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحُكْمُ عَلَى خِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِغَلَّةِ عَبْدِهِ سَنَةً فَإِنَّ لَهُ ثُلُثَ غَلَّةِ تِلْكَ السَّنَةِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ قَالَ (فَإِنْ كَانَ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ عَادَ إلَى الْوَرَثَةِ) إذَا مَاتَ الْمُوصَى لَهُ عَادَ الْمُوصَى بِهِ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ أَوْجَبَ الْحَقَّ لِلْمُوصَى لَهُ لِيَسْتَوْفِيَ الْمَنَافِعَ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ، فَلَوْ انْتَقَلَ الْحُكْمُ إلَى وَارِثِ الْمُوصَى لَهُ اسْتَحَقَّهَا (ابْتِدَاءً مِنْ مِلْكِ الْمُوصِي) لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمِيرَاثَ خِلَافُهُ فِيمَا يَتَمَلَّكُهُ الْمُورَثُ، وَذَلِكَ فِي عَيْنٍ تَبْقَى وَالْمَنْفَعَةُ عَرَضٌ لَا يَبْقَى، لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّهَا لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِهِ، وَاسْتِحْقَاقُ الْمِلْكِ مِنْ غَيْرِ مُرَاضَاةِ الْمَالِكِ لَا يَجُوزُ. وَلَوْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ (فِي حَيَاةِ الْمُوصِي بَطَلَتْ) الْوَصِيَّةُ (لِأَنَّ إيجَابَهَا تَعَلَّقَ بِالْمَوْتِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ) أَيْ فِي فَصْلِ اعْتِبَارِ حَالَةِ الْوَصِيَّةِ فِي بَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ جَوَازِ الْإِقْرَارِ وَبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا إيجَابٌ عِنْدَ الْمَوْتِ (وَلَوْ أَوْصَى بِغَلَّةِ عَبْدِهِ أَوْ دَارِهِ) فَاسْتَخْدَمَ الْعَبْدَ الْمُوصِي بِغَلَّتِهِ الْمُوصَى لَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ سَكَنَ الدَّارَ الْمُوصِي بِغَلَّتِهَا بِنَفْسِهِ. اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ أَنْ يُؤَجِّرَ الْعَبْدَ وَالدَّارَ) وَاضِحٌ سِوَى أَلْفَاظٍ نَذْكُرُهَا (قَوْلُهُ اعْتِبَارًا بِالْإِعَارَةِ فَإِنَّهَا تَمْلِيكٌ بِغَيْرِ بَدَلٍ) قَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ هَذَا الْمَعْنَى رَاجِعٌ إلَى الْأَصْلِ الْمُقَرَّرِ وَهُوَ أَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتَضَمَّنُ مَا فَوْقَهُ. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّ الرُّجُوعَ لِلْمُتَبَرِّعِ لَا لِغَيْرِهِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ لَازِمَةٍ ابْتِدَاءً لَكِنَّهَا تَصِيرُ لَازِمَةً بَعْدَ الْمَوْتِ لِعَدَمِ قَبُولِهَا الرُّجُوعَ حِينَئِذٍ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْمَوْضُوعَاتِ الْأَصْلِيَّةِ، وَالْوَصِيَّةُ فِي وَضْعِهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ، وَانْقِطَاعُ الرُّجُوعِ بِمَوْتِ الْمُوصِي مِنْ الْعَوَارِضِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ) دَلِيلٌ آخَرُ.

فَإِنَّمَا تَثْبُتُ هَذِهِ الْوِلَايَةُ لِمَنْ يَمْلِكُهَا تَبَعًا لَمِلْكِ الرَّقَبَةِ، أَوْ لِمَنْ يَمْلِكُهَا بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ حَتَّى يَكُونَ مُمَلَّكًا لَهَا بِالصِّفَةِ الَّتِي تَمَلَّكَهَا، أَمَّا إذَا تَمَلَّكَهَا مَقْصُودَةً بِغَيْرِ عِوَضٍ ثُمَّ مَلَكَهَا بِعِوَضٍ كَانَ مُمَلَّكًا أَكْثَرَ مِمَّا تَمَلَّكَهُ مَعْنًى وَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ أَنْ يُخْرِجَ الْعَبْدَ مِنْ الْكُوفَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى لَهُ وَأَهْلُهُ فِي غَيْرِ الْكُوفَةِ فَيُخْرِجُهُ إلَى أَهْلِهِ لِلْخِدْمَةِ هُنَالِكَ إذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إنَّمَا تَنْفُذُ عَلَى مَا يُعْرَفُ مِنْ مَقْصُودِ الْمُوصِي، فَإِذَا كَانُوا فِي مِصْرِهِ فَمَقْصُودُهُ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ خِدْمَتِهِ فِيهِ بِدُونِ أَنْ يَلْزَمَهُ مَشَقَّةُ السَّفَرِ، وَإِذَا كَانُوا فِي غَيْرِهِ فَمَقْصُودُهُ أَنْ يَحْمِلَ الْعَبْدَ إلَى أَهْلِهِ لِيَخْدُمَهُمْ. وَلَوْ أَوْصَى بِغَلَّةِ عَبْدِهِ أَوْ بِغَلَّةِ دَارِهِ يَجُوزُ أَيْضًا لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ فَأَخَذَ حُكْمَ الْمَنْفَعَةِ فِي جَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِهِ، كَيْفَ وَأَنَّهُ عَيْنٌ حَقِيقَةً لِأَنَّهُ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ فَكَانَ بِالْجَوَازِ أَوْلَى، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ كَانَ لَهُ ثُلُثُ غَلَّةِ تِلْكَ السَّنَةِ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ بِالْأَجْزَاءِ، فَلَوْ أَرَادَ الْمُوصَى لَهُ قِسْمَةَ الدَّارِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَرَثَةِ لِيَكُونَ هُوَ الَّذِي يَسْتَغِلُّ ثُلُثَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ يَقُولُ: الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَارِثِ وَلِلشَّرِيكِ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ لِلْمُوصَى لَهُ، إلَّا أَنَّا نَقُولُ: الْمُطَالَبَةُ بِالْقِسْمَةِ تُبْتَنَى عَلَى ثُبُوتِ الْحَقِّ لِلْمُوصَى لَهُ فِيمَا يُلَاقِيهِ الْقِسْمَةُ إذْ هُوَ الْمُطَالِبُ، وَلَا حَقَّ لَهُ فِي عَيْنِ الدَّارِ، وَإِنَّمَا حَقُّهُ فِي الْغَلَّةِ فَلَا يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِقِسْمَةِ الدَّارِ، وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ وَلِآخَرَ بِرَقَبَتِهِ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَالرَّقَبَةُ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ وَالْخِدْمَةُ عَلَيْهَا لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ، لِأَنَّهُ أَوْجَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْئًا مَعْلُومًا عَطْفًا مِنْهُ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَتُعْتَبَرُ هَذِهِ الْحَالَةُ بِحَالَةِ الِانْفِرَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَهَذَا لَا يَجُوزُ) يَعْنِي بِنَاءً عَلَى مَا قَالَ، وَلَا يَمْلِكُ الْأَقْوَى بِالْأَضْعَفِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِإِجَارَةِ الْحُرِّ نَفْسَهُ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَنْفَعَتَهُ تَبَعًا لِمِلْكِ رَقَبَتِهِ لَا بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْلِكَهَا بِبَدَلٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي الْوَصِيَّةِ، فَمُرَادُهُ بِالْمَنْفَعَةِ مَنْفَعَةٌ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِهَا، وَمَنْفَعَةُ الْحُرِّ لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَلَا يَكُونُ وَارِدًا عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (إذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ) احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا لَمْ يَخْرُجْ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْإِخْرَاجُ إلَى أَهْلِهِ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا كَانُوا فِي غَيْرِهِ) أَيْ فِي غَيْرِ مِصْرِ الْمُوصِي. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ أَوْصَى بِغَلَّةِ عَبْدِهِ أَوْ بِغَلَّةِ دَارِهِ) قَدْ عُلِمَ جَوَازُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ طَرِيقَيْنِ وَلَعَلَّهُ ذَكَرَهُ تَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ كَانَ لَهُ ثُلُثُ غَلَّةِ تِلْكَ السَّنَةِ) يَعْنِي إذَا لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِغَلَّةِ عَبْدِهِ سَنَةً، وَتَذْكِيرُ الضَّمَائِرِ إمَّا بِتَأْوِيلِ الْمَالِ أَوْ نَظَرًا إلَى الْخَبَرِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالٍ تَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ بِالْأَجْزَاءِ) وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ تُعَلَّقُ الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِهِ إنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْخِدْمَةِ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ لَمَّا لَمْ يَحْتَمِلْ الْقِسْمَةَ بِالْأَجْزَاءِ صِرْنَا إلَى قِسْمَةِ اسْتِيفَاءِ الْخِدْمَةِ بِطَرِيقِ الْمُهَايَأَةِ إلَى مَا يُسْتَوْفَى خِدْمَتُهُ سَنَةً كَامِلَةً كَمَا مَرَّ ذِكْرُهُ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ أَرَادَ الْمُوصَى لَهُ قِسْمَةَ الدَّارِ) ظَاهِرٌ إلَى قَوْلِهِ (عَطْفًا مِنْهُ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ) وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ عَطَفَ قَوْلَهُ، وَالْآخَرُ بِرَقَبَتِهِ عَلَى قَوْلِهِ أَوْصَى لَهُ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ (فَتُعْتَبَرُ هَذِهِ الْحَالَةُ) يُرِيدُ حَالَةَ الْعَطْفِ (بِحَالَةِ الِانْفِرَادِ) أَيْ بِحَالَةِ

ثُمَّ لَمَّا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ، فَلَوْ لَمْ يُوصِ فِي الرَّقَبَةِ مِيرَاثًا لِلْوَرَثَةِ مَعَ كَوْنِ الْخِدْمَةِ لِلْمُوصَى لَهُ، فَكَذَا إذَا أَوْصَى بِالرَّقَبَةِ لِإِنْسَانٍ آخَرَ، إذْ الْوَصِيَّةُ أُخْتُ الْمِيرَاثِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ فِيهِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ. وَلَهَا نَظَائِرُ، وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى بِأَمَةٍ لِرَجُلٍ وَبِمَا فِي بَطْنِهَا لِآخَرَ وَهِيَ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ، أَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِخَاتَمٍ وَلِآخَرَ بِفَصِّهِ، أَوْ قَالَ هَذِهِ الْقَوْصَرَةُ لِفُلَانٍ وَمَا فِيهَا مِنْ التَّمْرِ لِفُلَانٍ كَانَ كَمَا أَوْصَى، وَلَا شَيْءَ لِصَاحِبِ الظَّرْفِ فِي الْمَظْرُوفِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا، أَمَّا إذَا فَصَلَ أَحَدُ الْإِيجَابَيْنِ عَنْ الْآخَرِ فِيهَا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْأَمَةُ لِلْمُوصَى لَهُ بِهَا وَالْوَلَدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَكَذَلِكَ فِي أَخَوَاتِهَا. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ بِإِيجَابِهِ فِي الْكَلَامِ الثَّانِي تَبَيَّنَ أَنَّ مُرَادَهُ مِنْ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ إيجَابُ الْأَمَةِ لِلْمُوصَى لَهُ بِهَا دُونَ الْوَلَدِ، وَهَذَا الْبَيَانُ مِنْهُ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ مَفْصُولًا لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تُلْزِمُ شَيْئًا فِي حَالِ حَيَاةِ الْمُوصِي فَكَانَ الْبَيَانُ الْمَفْصُولُ فِيهِ وَالْمَوْصُولُ سَوَاءً ـــــــــــــــــــــــــــــQانْفِرَادِ إحْدَى الْوَصِيَّتَيْنِ عَنْ الْأُخْرَى فَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُشَارَكَةُ بَيْنَهُمَا فِيمَا أَوْجَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ لَمَّا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ) كَالْبَيَانِ وَالتَّفْسِيرِ لِمَا قَبْلَهُ مِنْ حَالَةِ الِانْفِرَادِ: يَعْنِي لَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِالْخِدْمَةِ مُنْفَرِدَةً كَانَتْ الرَّقَبَةُ مِيرَاثًا لِلْوَرَثَةِ (وَالْخِدْمَةُ لِلْمُوصَى لَهُ) مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاكٍ (فَكَذَا إذَا أَوْصَى بِالرَّقَبَةِ لِإِنْسَانٍ آخَرَ) تَكُونُ الرَّقَبَةُ لَهُ وَالْخِدْمَةُ لِلْمُوصَى لَهُ بِهَا (إذْ الْوَصِيَّةُ أُخْتُ الْمِيرَاثِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمِلْكَ فِيهِمَا يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ) ثُمَّ الْعَبْدُ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ لِشَخْصٍ وَبِرَقَبَتِهِ لِآخَرَ إمَّا أَنْ يَكُونَ أَدْرَكَ حَدَّ الْخِدْمَةِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ إلَى أَنْ يُدْرِكَ الْخِدْمَةَ؛ لِأَنَّ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ تَنْمُو الْعَيْنُ وَذَلِكَ مَنْفَعَةٌ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ، فَإِذَا أَدْرَكَ الْخِدْمَةَ صَارَ كَالْكَبِيرِ، وَالنَّفَقَةُ فِي الْكَبِيرِ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِدْمَةُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِخْدَامِهِ بِالِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ، إذْ الْعَبْدُ لَا يَقْوَى عَلَى الْخِدْمَةِ إلَّا بِهِ، وَإِنْ أَبَى الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ رَدَّهُ إلَى مَنْ لَهُ الرَّقَبَةُ كَالْمُسْتَعِيرِ مَعَ الْمُعِيرِ، وَإِنْ جَنَى جِنَايَةً فَالْفِدَاءُ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِدْمَةُ؛ لِأَنَّ التَّمَكُّنَ مِنْ الِاسْتِخْدَامِ بِالتَّطْهِيرِ عَنْ الْجِنَايَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّطْهِيرُ. وَقَوْلُهُ (وَلَهَا) أَيْ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (نَظَائِرُ) وَقَدْ ذَكَرَهَا فِي الْكِتَابِ وَاضِحَةً. وَقَوْلُهُ (وَلَا شَيْءَ لِصَاحِبِ الظَّرْفِ) وَهُوَ الْأَمَةُ وَالْخَاتَمُ وَالْقَوْصَرَّةُ (فِي الْمَظْرُوفِ) يَعْنِي الْوَلَدَ وَالْفَصَّ وَالتَّمْرَ (فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا) أَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُ الْإِيجَابَيْنِ مَوْصُولًا بِالْآخَرِ فَالِاتِّفَاقُ، وَأَمَّا إذَا

كَمَا فِي وَصِيَّةِ الرَّقَبَةِ وَالْخِدْمَةِ. وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ اسْمَ الْخَاتَمِ يَتَنَاوَلُ الْحَلْقَةَ وَالْفَصَّ. وَكَذَلِكَ اسْمُ الْجَارِيَةِ يَتَنَاوَلُهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا. وَاسْمُ الْقَوْصَرَةِ كَذَلِكَ، وَمِنْ أَصْلِنَا أَنَّ الْعَامَّ الَّذِي مُوجِبُهُ ثُبُوتُ الْحُكْمِ عَلَى سَبِيلِ الْإِحَاطَةِ بِمَنْزِلَةِ الْخَاصِّ فَقَدْ اجْتَمَعَ فِي الْفَصِّ وَصِيَّتَانِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا وَصِيَّةٌ بِإِيجَابٍ عَلَى حِدَةٍ فَيُجْعَلُ الْفَصُّ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَلَا يَكُونُ إيجَابُ الْوَصِيَّةِ فِيهِ لِلثَّانِي رُجُوعًا عَنْ الْأَوَّلِ، كَمَا إذَا أَوْصَى لِلثَّانِي بِالْخَاتَمِ، بِخِلَافِ الْخِدْمَةِ مَعَ الرَّقَبَةِ لِأَنَّ اسْمَ الرَّقَبَةِ لَا يَتَنَاوَلُ الْخِدْمَةَ وَإِنَّمَا يَسْتَخْدِمُهُ الْمُوصَى لَهُ بِحُكْمِ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِهِ، فَإِذَا أَوْجَبَ الْخِدْمَةَ لِغَيْرِهِ لَا يَبْقَى لِلْمُوصَى لَهُ فِيهِ حَقٌّ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْكَلَامُ مَوْصُولًا لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلُ التَّخْصِيصِ وَالِاسْتِثْنَاءِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَوْجَبَ لِصَاحِبِ الْخَاتَمِ الْحَلْقَةَ خَاصَّةً دُونَ الْفَصِّ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِآخَرَ بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ ثُمَّ مَاتَ وَفِيهِ ثَمَرَةٌ فَلَهُ هَذِهِ الثَّمَرَةُ وَحْدَهَا، وَإِنْ قَالَ لَهُ ثَمَرَةُ بُسْتَانِي أَبَدًا فَلَهُ هَذِهِ الثَّمَرَةُ وَثَمَرَتُهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ مَا عَاشَ، وَإِنْ أَوْصَى ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ أَحَدُهُمَا مُنْفَصِلًا عَنْ الْآخَرِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. وَقَوْلُهُ (كَمَا فِي وَصِيَّةِ الرَّقَبَةِ وَالْخِدْمَةِ) فَإِنَّ الْمَوْصُولَ وَالْمَفْصُولَ فِيهِمَا فِي الْحُكْمِ سَوَاءٌ، وَتَأْخِيرُ تَعْلِيلِ مُحَمَّدٍ وَالْجَوَابُ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو يُوسُفَ فِي الْكِتَابِ وَالْمَبْسُوطِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِآخَرَ بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ ثُمَّ مَاتَ وَفِيهِ ثَمَرَةٌ) الْمَسَائِلُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الْمَوْجُودِ مِنْ الْمُوصِي بِهِ وَالتَّعَدِّي إلَى مَا يَحْدُثُ عَلَى وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ: فِي وَجْهٍ: يَقَعُ عَلَى الْمَوْجُودِ وَالْحَادِثِ مَا عَاشَ الْمُوصَى لَهُ ذَكَرَ الْأَبَدَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ كَالْوَصِيَّةِ بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ أَوْ أَرْضِهِ أَوْ سُكْنَى دَارِهِ أَوْ خِدْمَةِ عَبْدِهِ؛ فَإِنَّ الْعُرْفَ فِيهَا جَارٍ عَلَى الْأَبَدِ، وَيُعْتَبَرُ خُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ، وَفِي وَجْهٍ: يَقَعُ عَلَى الْمَوْجُودِ دُونَ الْحَادِثِ ذَكَرَ الْأَبَدَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ، كَالْوَصِيَّةِ بِالصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ وَالْوَلَدِ فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ؛ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَا يُسْتَحَقُّ بِهِ بِوَجْهٍ مَا. وَفِي وَجْهٍ: أَنَّ ذِكْرَ الْأَبَدِ يَقَعُ عَلَى الْمَوْجُودِ وَالْحَادِثِ

لَهُ بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ فَلَهُ الْغَلَّةُ الْقَائِمَةُ وَغَلَّتُهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الثَّمَرَةَ اسْمٌ لِلْمَوْجُودِ عُرْفًا فَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَعْدُومَ إلَّا بِدَلَالَةٍ زَائِدَةٍ، مِثْلُ التَّنْصِيصِ عَلَى الْأَبَدِ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَبَّدُ إلَّا بِتَنَاوُلِ الْمَعْدُومِ وَالْمَعْدُومُ مَذْكُورٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا، أَمَّا الْغَلَّةُ فَتَنْتَظِمُ الْمَوْجُودَ وَمَا يَكُونُ بِعَرَضِ الْوُجُودِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى عُرْفًا، يُقَالُ فُلَانٌ يَأْكُلُ مِنْ غَلَّةِ بُسْتَانِهِ وَمِنْ غَلَّةِ أَرْضِهِ وَدَارِهِ، فَإِذَا أُطْلِقَتْ يَتَنَاوَلُهُمَا عُرْفًا غَيْرَ مَوْقُوفٍ عَلَى دَلَالَةٍ أُخْرَى. أَمَّا الثَّمَرَةُ إذَا أُطْلِقَتْ لَا يُرَادُ بِهَا إلَّا الْمَوْجُودُ فَلِهَذَا يَفْتَقِرُ الِانْصِرَافُ إلَى دَلِيلٍ زَائِدٍ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِصُوفِ غَنَمِهِ أَبَدًا أَوْ بِأَوْلَادِهَا أَوْ بِلَبَنِهَا ثُمَّ مَاتَ فَلَهُ مَا فِي بُطُونِهَا مِنْ الْوَلَدِ وَمَا فِي ضُرُوعِهَا مِنْ اللَّبَنِ وَمَا عَلَى ظُهُورِهَا مِنْ الصُّوفِ يَوْمَ يَمُوتُ الْمُوصِي سَوَاءٌ قَالَ أَبَدًا أَوْ لَمْ يَقُلْ) لِأَنَّهُ إيجَابٌ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ قِيَامُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَوْمَئِذٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى تَمْلِيكَ الْمَعْدُومِ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْمِلْكَ، إلَّا أَنَّ فِي الثَّمَرَةِ وَالْغَلَّةِ الْمَعْدُومَةِ جَاءَ الشَّرْعُ بِوُرُودِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا كَالْمُعَامَلَةِ وَالْإِجَارَةِ، فَاقْتَضَى ذَلِكَ جَوَازَهُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّ بَابَهَا أَوْسَعُ. أَمَّا الْوَلَدُ الْمَعْدُومُ وَأُخْتَاهُ فَلَا يَجُوزُ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهَا أَصْلًا، وَلَا تُسْتَحَقُّ بِعَقْدٍ مَا، فَكَذَلِكَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ، بِخِلَافِ الْمَوْجُودِ مِنْهَا لِأَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهَا بِعَقْدِ الْبَيْعِ تَبَعًا وَبِعَقْدِ الْخُلْعِ مَقْصُودًا، فَكَذَا بِالْوَصِيَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالْوَصِيَّةِ بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ؛ فَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ مَوْجُودَةً قَبْلَ الْمَوْتِ تَنَاوَلَهَا، وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ أَنْ تَبْطُلَ الْوَصِيَّةُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَقَعُ عَلَى الْحَادِثِ إلَى أَنْ يَمُوتَ الْمُوصَى لَهُ. وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الثَّمَرَةَ فِي الْمَوْجُودِ حَقِيقَةً وَلَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ فَتَبْطُلُ. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ حَمْلُهُ عَلَى الْمَجَازِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْحَقِيقَةِ صَوْنًا لِكَلَامِ الْمُوصِي عَنْ الْإِلْغَاءِ، وَالْمُصَنِّفُ حَمَلَ الْفَرْقَ بَيْنَ الثَّمَرَةِ وَالْغَلَّةِ عَلَى الْعُرْفِ فِيهِمَا، ثُمَّ السَّقْيُ وَالْخَرَاجُ وَمَا فِيهِ صَلَاحُ الْبُسْتَانِ عَلَى صَاحِبِ الْغَلَّةِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْتَفِعُ بِالْبُسْتَانِ فَصَارَ كَالنَّفَقَةِ فِي فَصْلِ الْخِدْمَةِ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِصُوفِ غَنَمِهِ أَبَدًا) إلَى آخِرِ الْبَابِ وَاضِحٌ، وَلِلَّهِ دَرُّ الْمُصَنِّفِ مَا أَجْزَلَ تَرْكِيبَهُ وَأَحْسَنَ تَرْتِيبَهُ لَا يَرَى مَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي يَحْتَاجُ إلَى تَقْرِيرٍ إلَّا وَتَرْكِيبُهُ أَوْفَى تَأْدِيَةً لَهُ مِنْ غَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ (وَبِعَقْدِ الْخُلْعِ) صُورَتُهُ أَنْ نَقُولَ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِي أَوْ غَنَمِي صَحَّ وَلَهُ مَا فِي بَطْنِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَطْنِ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَمَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلِلْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْبَطْنِ قَدْ يَكُونُ مُتَقَوِّمًا وَقَدْ لَا يَكُونُ فَلَمْ يَضُرَّهُ، حَتَّى لَوْ قَالَتْ عَلَى حَمْلِ جَارِيَتِي وَلَيْسَ لَهَا حَمْلٌ تَرُدُّ الْمَهْرَ.

[باب وصية الذمي]

(بَابُ وَصِيَّةِ الذِّمِّيِّ) قَالَ (وَإِذَا صَنَعَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ مَاتَ فَهُوَ مِيرَاثٌ) لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْوَقْفُ عِنْدَهُ يُورَثُ وَلَا يَلْزَمُ فَكَذَا هَذَا. وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ هَذِهِ مَعْصِيَةٌ فَلَا تَصِحُّ عِنْدَهُمَا. قَالَ (وَلَوْ أَوْصَى بِذَلِكَ لِقَوْمٍ مُسَمِّينَ فَهُوَ الثُّلُثُ) مَعْنَاهُ إذَا أَوْصَى أَنْ تُبْنَى دَارُهُ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً فَهُوَ جَائِزٌ مِنْ الثُّلُثِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ وَصِيَّةِ الذِّمِّيِّ] ِّ أَعْقَبَ وَصِيَّةَ الْمُسْلِمِ بِوَصِيَّةِ الذِّمِّيِّ لِكَوْنِ الْكُفَّارِ مُلْحَقِينَ بِالْمُسْلِمِينَ فِي أَحْكَامِ الْمُعَامَلَاتِ (وَإِذَا صَنَعَ يَهُودِيٌّ بِيعَةً أَوْ نَصْرَانِيٌّ كَنِيسَةً فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ مَاتَ فَهُوَ مِيرَاثٌ) بِالِاتِّفَاقِ فِيمَا بَيْنَ أَصْحَابِنَا عَلَى اخْتِلَافِ التَّرْجِيحِ، أَمَّا عِنْدَهُ؛ فَلِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَ لِمُسْلِمٍ، فَإِنَّ وَقْفَ الْمُسْلِمِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ مَوْرُوثٌ بَعْدَ مَوْتِهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ لَازِمٍ فَهَذَا أَوْلَى (وَأَمَّا عِنْدَهُمَا؛ فَلِأَنَّ هَذِهِ) الْوَصِيَّةَ مَعْصِيَةٌ فَلَا (تَصِحُّ وَلَوْ أَوْصَى) بِذَلِكَ أَيْ لَوْ أَوْصَى بِأَنْ تُعْمَلَ بِيعَةٌ أَوْ كَنِيسَةٌ لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ (فَهُوَ جَائِزٌ مِنْ الثُّلُثِ

لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ فِيهَا مَعْنَى الِاسْتِخْلَافِ وَمَعْنَى التَّمْلِيكِ، وَلَهُ وِلَايَةُ ذَلِكَ فَأَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَعْنَيَيْنِ. قَالَ (وَإِنْ أَوْصَى بِدَارِهِ كَنِيسَةً لِقَوْمٍ غَيْرِ مُسَمِّينَ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ) لِأَنَّ هَذِهِ مَعْصِيَةٌ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ فِي مُعْتَقَدِهِمْ قُرْبَةٌ، وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَعْصِيَةِ بَاطِلَةٌ لِمَا فِي تَنْفِيذِهَا مِنْ تَقْرِيرِ الْمَعْصِيَةِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذِهِ قُرْبَةٌ فِي مُعْتَقَدِهِمْ وَنَحْنُ أُمِرْنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ فَتَجُوزُ بِنَاءً عَلَى اعْتِقَادِهِمْ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ حَقِيقَةً مَعْصِيَةٌ فِي مُعْتَقَدِهِمْ لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ اعْتِبَارًا لِاعْتِقَادِهِمْ فَكَذَا عَكْسُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ؛ لِأَنَّ فِي الْوَصِيَّةِ مَعْنَى الِاسْتِخْلَافِ وَالتَّمْلِيكِ) وَلِلذِّمِّيِّ وِلَايَةُ التَّمْلِيكِ (فَأَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ) أَيْ: تَصْحِيحُ إيصَائِهِ (عَلَى اعْتِبَارِ الْمَعْنَيَيْنِ) يَعْنِي الِاسْتِخْلَافَ وَالتَّمْلِيكَ فَجَعَلْنَاهُ مِنْ الثُّلُثِ نَظَرًا إلَى الِاسْتِخْلَافِ فَجَوَّزْنَا ذَلِكَ نَظَرًا إلَى التَّمْلِيكِ، وَإِذَا صَارَ مِلْكًا لِلْمُسْلِمِينَ صَنَعُوا بِهِ مَا شَاءُوا (وَإِنْ أَوْصَى أَنْ تُجْعَلَ دَارُهُ كَنِيسَةً لِقَوْمٍ غَيْرِ مُسَمِّينَ) يَعْنِي قَوْمًا غَيْرَ مَحْصُورِينَ (جَازَتْ الْوَصِيَّةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: هِيَ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ) فِي الْحَقِيقَةِ (مَعْصِيَةٌ وَإِنْ كَانَ فِي مُعْتَقَدِهِمْ قُرْبَةٌ وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَعْصِيَةِ بَاطِلَةٌ؛ لِمَا فِي تَنْفِيذِهَا مِنْ تَقْرِيرِهَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ) أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِمُعْتَقَدِهِمْ، فَإِنَّهُمْ لَوْ أَوْصَوْا بِالْحَجِّ لَمْ يُعْتَبَرْ وَإِنْ كَانَ عِبَادَةً عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ، فَكَذَلِكَ إذَا أَوْصَوْا بِمَا هُوَ فِي مُعْتَقَدِهِمْ عِبَادَةٌ صَحَّ وَإِنْ كَانَ عِنْدَنَا مَعْصِيَةً؛ لِأَنَّا أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ. قَالُوا: هَذَا الْخِلَافُ إذَا أَوْصَى بِبِنَاءِ بِيعَةٍ أَوْ كَنِيسَةٍ فِي الْقُرَى، فَأَمَّا فِي الْمِصْرِ فَلَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ إحْدَاثِ ذَلِكَ فِي الْأَمْصَارِ، وَذَكَرَ الْفَرْقَ بَيْنَ بِنَاءِ

ثُمَّ الْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ بِنَاءِ الْبِيعَةِ وَالْكَنِيسَةِ وَبَيْنَ الْوَصِيَّةِ بِهِ أَنَّ الْبِنَاءَ نَفْسُهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِزَوَالِ مِلْكِ الْبَانِي. وَإِنَّمَا يَزُولُ مِلْكُهُ بِأَنْ يَصِيرَ مُحَرَّرًا خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي مَسَاجِدِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْكَنِيسَةُ لَمْ تَصِرْ مُحَرَّرَةً لِلَّهِ تَعَالَى حَقِيقَةً فَتَبْقَى مِلْكًا لِلِبَانِي فَتُورَثُ عَنْهُ، وَلِأَنَّهُمْ يَبْنُونَ فِيهَا الْحُجُرَاتِ وَيَسْكُنُونَهَا فَلَمْ يَتَحَرَّرْ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعِبَادِ بِهِ، وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُورَثُ الْمَسْجِدُ أَيْضًا لِعَدَمِ تَحَرُّرِهِ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ وُضِعَ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ إلَّا أَنَّهُ امْتَنَعَ ثُبُوتُ مُقْتَضَاهُ فِي غَيْرِ مَا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَهُمْ فَبَقِيَ فِيمَا هُوَ قُرْبَةٌ عَلَى مُقْتَضَاهُ فَيَزُولُ مِلْكُهُ فَلَا يُورَثُ. ثُمَّ الْحَاصِلُ أَنَّ وَصَايَا الذِّمِّيِّ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: مِنْهَا أَنْ تَكُونَ قُرْبَةً فِي مُعْتَقَدِهِمْ وَلَا تَكُونَ قُرْبَةً فِي حَقِّنَا وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَمَا إذَا أَوْصَى الذِّمِّيُّ بِأَنْ تُذْبَحَ خَنَازِيرُهُ وَتُطْعَمَ الْمُشْرِكِينَ، وَهَذِهِ عَلَى الْخِلَافِ إذَا كَانَ لِقَوْمٍ غَيْرِ مُسَمِّينَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ. وَمِنْهَا إذَا أَوْصَى بِمَا يَكُونُ قُرْبَةً فِي حَقِّنَا وَلَا يَكُونُ قُرْبَةً فِي مُعْتَقَدِهِمْ، كَمَا إذَا أَوْصَى بِالْحَجِّ أَوْ بِأَنْ يُبْنَى مَسْجِدٌ لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ بِأَنْ يُسْرَجَ فِي مَسَاجِدِ الْمُسْلِمِينَ، فَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ بِالْإِجْمَاعِ اعْتِبَارًا لِاعْتِقَادِهِمْ، إلَّا إذَا كَانَ لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ لِوُقُوعِهِ تَمْلِيكًا لِأَنَّهُمْ مَعْلُومُونَ وَالْجِهَةُ مَشُورَةٌ. وَمِنْهَا إذَا أَوْصَى بِمَا يَكُونُ قُرْبَةً فِي حَقِّنَا وَفِي حَقِّهِمْ، كَمَا إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُسْرَجَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ يُغْزَى التَّرْكُ وَهُوَ مِنْ الرُّومِ، وَهَذَا جَائِزٌ سَوَاءٌ كَانَتْ لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ أَوْ بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمْ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ حَقِيقَةً وَفِي مُعْتَقَدِهِمْ أَيْضًا. وَمِنْهَا إذَا أَوْصَى بِمَا لَا يَكُونُ قُرْبَةً لَا فِي حَقِّنَا وَلَا فِي حَقِّهِمْ، كَمَا إذَا أَوْصَى لِلْمُغَنِّيَاتِ وَالنَّائِحَاتِ، فَإِنَّ هَذَا غَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ فِي حَقِّنَا وَفِي حَقِّهِمْ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ فَيَصِحُّ تَمْلِيكًا وَاسْتِخْلَافًا، وَصَاحِبُ الْهَوَى إنْ كَانَ لَا يَكْفُرُ فَهُوَ فِي حَقِّ الْوَصِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْلِمِ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِبِنَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَى الظَّاهِرِ، وَإِنْ كَانَ يَكْفُرُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَدِّ فَيَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبِيعَةِ وَالْكَنِيسَةِ وَالْوَصِيَّةِ بِذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (لَمْ تَصِرْ مُحَرَّرَةً لِلَّهِ حَقِيقَةً) بَلْ تُحَرَّرُ عَلَى مُعْتَقَدِهِمْ (فَتَبْقَى مِلْكًا لِلِبَانِي فَتُورَثُ عَنْهُ) وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُمْ يَبْنُونَ) دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى عَدَمِ التَّحْرِيرِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ إنَّ الْبِنَاءَ نَفْسَهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِزَوَالِ مِلْكِ الْبَانِي، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ (لِأَنَّهُ وَضْعٌ) وَفِي قَوْلِهِ (ثُبُوتُ مُقْتَضَاهُ) وَقَوْلُهُ (فَبَقِيَ عَلَى مُقْتَضَاهُ) كُلُّهَا رَاجِعٌ إلَى الْوَصِيَّةِ بِتَأْوِيلِ الْإِيصَاءِ. وَحَاصِلُ مَعْنَاهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ وُضِعَتْ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ، إلَّا أَنَّ لَفْظَهَا تَقَاعَدَ عَنْ إفَادَةِ مَعْنَاهُ وَهُوَ زَوَالُ الْمِلْكِ فِيمَا إذَا أَوْصَى بِمَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ فِي مُعْتَقَدِهِمْ، فَأَمَّا إذَا لَاقَتْ مَا هُوَ قُرْبَةٌ فِيهِ عَمِلَتْ عَمَلَهَا. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ الْحَاصِلُ أَنَّ وَصَايَا الذِّمِّيِّ إلَخْ) وَاضِحٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ) يُرِيدُ بِهِ الْوَصِيَّةَ بِبِنَاءِ الْبِيعَةِ أَوْ الْكَنِيسَةِ. وَقَوْلُهُ (كَمَا ذَكَرْنَاهُ) يَعْنِي مِنْ الْخِلَافِ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْبِيعَةِ وَالْكَنِيسَةِ. وَقَوْلُهُ (وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ) أَيْ: مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَهُ اعْتِقَادُهُمْ، وَعِنْدَهُمَا أَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِمَعْصِيَةٍ. (قَوْلُهُ وَالْجِهَةُ مَشُورَةٌ) يَعْنِي أَنَّ كَلَامَهُ فِي صَرْفِ الْمَالِ الْمُوصِي بِهِ إلَى اسْتِضَاءَةِ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهَا خَرَجَ مِنْهُ عَلَى طَرِيقِ الْمَشُورَةِ لَا عَلَى طَرِيقِ الْإِلْزَامِ

عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ. وَفِي الْمُرْتَدَّةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ تَصِحُّ وَصَايَاهَا لِأَنَّهَا تَبْقَى عَلَى الرِّدَّةِ، بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ أَوْ يُسْلِمُ. قَالَ (وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَنَا بِأَمَانٍ فَأَوْصَى لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ بِمَالِهِ كُلِّهِ جَازَ) لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْوَصِيَّةِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَلِهَذَا تَنْفُذُ بِإِجَازَتِهِمْ، وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ حَقٌّ مَرْعِيٌّ لِكَوْنِهِمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ إذْ هُمْ أَمْوَاتٌ فِي حَقِّنَا، وَلِأَنَّ حُرْمَةَ مَالِهِ بِاعْتِبَارِ الْأَمَانِ، وَالْأَمَانُ كَانَ لِحَقِّهِ لَا لِحَقِّ وَرَثَتِهِ، وَلَوْ كَانَ أَوْصَى بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أُخِذَتْ الْوَصِيَّةُ وَيُرَدُّ الْبَاقِي عَلَى وَرَثَتِهِ وَذَلِكَ مِنْ حَقِّ الْمُسْتَأْمَنِ أَيْضًا. وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ دَبَّرَ عَبْدَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الثُّلُثِ لِمَا بَيَّنَّا، وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى لَهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ بِوَصِيَّةٍ جَازَ لِأَنَّهُ مَا دَامَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ فِي الْمُعَامَلَاتِ بِمَنْزِلَةِ الذِّمِّيِّ، وَلِهَذَا تَصِحُّ عُقُودُ التَّمْلِيكَاتِ مِنْهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، وَيَصِحُّ تَبَرُّعُهُ فِي حَيَاتِهِ فَكَذَا بَعْدَ مَمَاتِهِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مُسْتَأْمَنٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ إذْ هُوَ عَلَى قَصْدِ الرُّجُوعِ وَيُمَكَّنُ مِنْهُ، وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ زِيَادَةِ الْمُقَامِ عَلَى السَّنَةِ إلَّا بِالْجِزْيَةِ. وَلَوْ أَوْصَى الذِّمِّيُّ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِالْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ الْتَزَمُوا أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُعَامَلَاتِ. وَلَوْ أَوْصَى لِخِلَافِ مِلَّتِهِ جَازَ اعْتِبَارًا بِالْإِرْثِ إذْ الْكُفْرُ كُلُّهُ مِلَّةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ) يَعْنِي أَنَّهَا جَائِزَةٌ عِنْدَهُمَا مَوْقُوفَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ أَسْلَمَ نَفَذَ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ وَإِلَّا فَلَا. وَقَوْلُهُ (وَفِي الْمُرْتَدَّةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ تَصِحُّ وَصَايَاهَا؛ لِأَنَّهَا تَبْقَى عَلَى الرِّدَّةِ) وَصَارَتْ كَالذِّمِّيَّةِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَذَكَرَ صَاحِبُ الْكِتَابِ فِي الزِّيَادَاتِ عَلَى خِلَافِ هَذَا، وَقَالَ: قَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الذِّمِّيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ حَتَّى لَا يَصِحَّ مِنْهَا وَصِيَّةٌ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الذِّمِّيَّةِ أَنَّ الذِّمِّيَّةَ تُقَرُّ عَلَى اعْتِقَادِهَا، وَأَمَّا الْمُرْتَدَّةُ فَلَا تُقَرُّ عَلَى اعْتِقَادِهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَلَامَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ هُنَاكَ الصَّحِيحُ وَهَاهُنَا الْأَصَحُّ وَهُمَا يَصْدُقَانِ، وَقَوْلُهُ (وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَنَا بِأَمَانٍ فَأَوْصَى لِمُسْتَأْمَنٍ أَوْ ذِمِّيٍّ بِمَالِهِ كُلِّهِ جَازَ) قِيلَ هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْوَرَثَةُ مَعَهُ، أَمَّا إذَا كَانَتْ فَإِنَّهَا تَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِمْ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ حَقٌّ شَرْعِيٌّ لِكَوْنِهِمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ) وَقَوْلُهُ (وَذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُسْتَأْمَنِ أَيْضًا) جَوَابٌ عَمَّا يَرِدُ عَلَى قَوْلِهِ وَرُدَّ الْبَاقِي عَلَى الْوَرَثَةِ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ قَدْ قُلْت: لَيْسَ لِوَرَثَتِهِ حَقٌّ شَرْعِيٌّ لِكَوْنِهِمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَكَيْفَ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ الْبَاقِي. وَوَجْهُهُ أَنَّ ذَلِكَ الرَّدَّ عَلَى الْوَرَثَةِ أَيْضًا مُرَاعَاةً لَحِقَ الْمُسْتَأْمَنِ؛ لِأَنَّ مِنْ حَقِّهِ تَسْلِيمَ مَالِهِ إلَى وَرَثَتِهِ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ حَاجَتِهِ وَالزِّيَادَةُ عَلَى مِقْدَارِ مَا أَوْصَى بِهِ فَارِغٌ عَنْ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْوَصِيَّةِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ إلَخْ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ إلَخْ) ظَاهِرٌ.

[باب الوصي وما يملكه]

وَاحِدَةٌ، وَلَوْ أَوْصَى لِحَرْبِيٍّ. فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْإِرْثَ مُمْتَنَعٌ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ وَالْوَصِيَّةُ أُخْتُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (بَابُ الْوَصِيِّ وَمَا يَمْلِكُهُ) قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ فَقَبِلَ الْوَصِيُّ فِي وَجْهِ الْمُوصِي وَرَدَّهَا فِي غَيْرِ وَجْهِهِ فَلَيْسَ بِرَدٍّ) لِأَنَّ الْمَيِّتَ مَضَى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَلَوْ أَوْصَى لِحَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) دَارُ الْإِسْلَامِ ظَرْفٌ لِأَوْصَى لَا لِقَوْلِهِ حَرْبِيٍّ: أَيْ لَوْ أَوْصَى الذِّمِّيُّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِحَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَجُزْ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ؛ وَلِأَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا أَوْصَى لِحَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ جَازَ عَلَى مَا ذُكِرَ قَبْلَ هَذَا بِقَوْلِهِ وَكَذَا لَوْ أَوْصَى لَهُ: أَيْ لِلْمُسْتَأْمَنِ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ بِوَصِيَّةٍ جَازَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الْوَصِيِّ وَمَا يَمْلِكُهُ] ُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْمُوصَى لَهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْمُوصَى إلَيْهِ وَهُوَ الْوَصِيُّ لِمَا أَنَّ كِتَابَ الْوَصَايَا يَشْمَلُهُ، لَكِنْ قَدَّمَ أَحْكَامَ الْمُوصَى لَهُ لِكَثْرَتِهَا وَكَثْرَةِ وُقُوعِهِ فَكَانَتْ الْحَاجَةُ إلَى مَعْرِفَتِهَا أَمَسَّ (وَمَنْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ) أَيْ جَعَلَهُ وَصِيًّا (فَقَبِلَ الْوَصِيُّ فِي وَجْهِ الْمُوصِي) أَيْ بِعِلْمِهِ (وَرَدَّهَا فِي غَيْرِ وَجْهِهِ) أَيْ بِغَيْرِ عِلْمِ الْمُوصِي، هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ، إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ بِذَلِكَ عِلْمُ الْمُوصِي لِيَتَدَارَكَ عِنْدَ رَدِّ الْمُوصِي (فَلَيْسَ بِرِدَّةٍ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ مَضَى لِسَبِيلِهِ) أَيْ الْمُوصِي مَاتَ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِ، فَلَوْ صَحَّ رَدُّهُ بِغَيْرِهِ عَلِمَهُ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَمَاتِهِ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ إضْرَارٌ لَا يَجُوزُ فَيَرِدُ رَدُّهُ، وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُ وَالْمُوصَى إلَيْهِ فِي أَنَّ قَبُولَ الْأَوَّلِ فِي الْحَالِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ حَتَّى لَوْ قَبِلَهُ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمُوصِي ثُمَّ رَدَّهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَانَ صَحِيحًا، بِخِلَافِ الثَّانِي عَلَى مَا ذَكَرْتُمْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ نَفْعَ الْأَوَّلِ بِالْوَصِيَّةِ لِنَفْسِهِ وَنَفْعَ الثَّانِي لِلْمُوصِي فَكَانَ فِي رَدِّهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ إضْرَارٌ بِهِ فَلَا يَجُوزُ،

مُعْتَمِدًا عَلَيْهِ، فَلَوْ صَحَّ رَدُّهُ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَمَاتِهِ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ فَرَدٌّ رَدَّهُ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ أَوْ بِبَيْعِ مَالِهِ حَيْثُ يَصِحُّ رَدُّهُ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ هُنَاكَ لِأَنَّهُ حَيٌّ قَادِرٌ عَلَى التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ (فَإِنْ رَدَّهَا فِي وَجْهِهِ فَهُوَ رَدٌّ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُوصِي وِلَايَةُ إلْزَامِهِ التَّصَرُّفَ، وَلَا غُرُورَ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى بِهِ يَرْجِعُ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي وَلَا ضَرَرَ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَيُشِيرُ إلَى هَذَا الْجَوَابِ قَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ أَوْ بِبَيْعِ مَالِهِ حَيْثُ يَصِحُّ رَدُّهُ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ) أَيْ: فِي غَيْبَتِهِ وَبِغَيْرِ عِلْمِهِ (؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ هُنَاكَ؛ لِأَنَّهُ حَيٌّ قَادِرٌ عَلَى التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ) فَإِنَّهُ جَعَلَ عِلَّةَ جَوَازِهِ عَدَمَ الضَّرَرِ كَمَا فِي رَدِّ الْمُوصَى لَهُ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُخَالِفٌ

لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُنِيبَ غَيْرَهُ (وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ وَلَمْ يَرُدَّ حَتَّى مَاتَ الْمُوصِي فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَبِلَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْ) لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ فَبَقِيَ مُخَيَّرًا، فَلَوْ أَنَّهُ بَاعَ شَيْئًا مِنْ تَرِكَتِهِ فَقَدْ لَزِمَتْهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ دَلَالَةُ الِالْتِزَامِ وَالْقَبُولُ وَهُوَ مُعْتَبَرٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَيَنْفُذُ الْبَيْعُ لِصُدُورِهِ مِنْ الْوَصِيِّ، وَسَوَاءٌ عَلِمَ بِالْوِصَايَةِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّوْكِيلِ فَبَاعَ حَيْثُ لَا يَنْفُذُ لِأَنَّ الْوِصَايَةَ خِلَافَةٌ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِحَالِ انْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْمَيِّتِ فَتَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ إلَيْهِ، وَإِذَا كَانَتْ خِلَافَةً لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ كَالْوِرَاثَةِ. أَمَّا التَّوْكِيلُ إنَابَةٌ لِثُبُوتِهِ فِي حَالِ قِيَامِ وِلَايَةِ الْمُنِيبِ فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ كَإِثْبَاتِ الْمِلْكِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَقَدْ بَيَّنَّا طَرِيقَ الْعِلْمِ وَشَرْطَ الْإِخْبَارِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْكُتُبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِعَامَّةِ رِوَايَاتِ الْكُتُبِ مِنْ التَّتِمَّةِ وَالذَّخِيرَةِ وَأَدَبِ الْقَاضِي لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَنَقَلَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ حَالَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ لَا يَصِحُّ، حَتَّى لَوْ عَزَلَ نَفْسَهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ الْمُوَكِّلِ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْوَكَالَةِ، وَلَكِنْ لَيْسَ فِيمَا نَقَلَهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ، وَعَنْ هَذَا قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ: رِوَايَةُ عَامَّةِ الْكُتُبِ فِيمَا إذَا كَانَ وَكِيلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ فِي فَصْلِ الشِّرَاءِ بِقَوْلِهِ عَلَى مَا قِيلَ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْمُوَكِّلِ، وَذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ الْمَشَايِخِ عَلَى مَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ قِيلَ: وَسَبَبُهُ الْإِضْرَارُ بِتَغْرِيرِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ وَكِيلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَلَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ وَلَمْ يَرُدَّ حَتَّى مَاتَ الْمُوصِي فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَبِلَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ فَبَقِيَ مُخَيَّرًا) يَعْنِي كَمَنْ وَكَّلَ حَالَ حَيَاتِهِ، فَإِنَّهُ مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْوَكِيلِ قَبُولٌ نَصًّا وَلَا دَلَالَةً كَانَ بِالْخِيَارِ. قِيلَ كَانَ يَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ مُخَيَّرًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَلَغَهُ الْإِيصَاءُ وَلَمْ يَرُدَّهُ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ الْمُوصِي وَلَمْ يُوصِ إلَى غَيْرِهِ وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ بِهِ وَالضَّرَرُ مَرْفُوعٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُوصِيَ مُغْتَرٌّ حَيْثُ لَمْ يَسْأَلْهُ عَنْ الرَّدِّ وَالْقَبُولِ فَلَا يَبْطُلُ الِاخْتِيَارُ، بِخِلَافِ مَا إذَا قِيلَ ثُمَّ رَدَّ فِي غَيْبَتِهِ فَإِنَّهُ غَارٌّ فَيَبْطُلُ اخْتِيَارُهُ. وَقَوْلُهُ (فَلَوْ أَنَّهُ بَاعَ شَيْئًا مِنْ تَرِكَتِهِ) بَيَانُهُ أَنَّ الْقَبُولَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَلَالَةً فَإِنَّهَا تَعْمَلُ عَمَلَ الصَّرِيحِ إذَا لَمْ يُوجَدْ صَرِيحٌ يُخَالِفُهُ لَكِنَّهُ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ بَيَّنَّا طَرِيقَ الْعِلْمِ وَشَرْطَ الْإِخْبَارِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْكُتُبِ) مِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ: وَمَنْ أَعْلَمَهُ النَّاسُ بِالْوَكَالَةِ يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ، وَلَا يَكُونُ

(وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ حَتَّى مَاتَ الْمُوصِي فَقَالَ لَا أَقْبَلُ ثُمَّ قَالَ أَقْبَلُ فَلَهُ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي أَخْرَجَهُ مِنْ الْوَصِيَّةِ حِينَ قَالَ لَا أَقْبَلُ) لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ لَا أَقْبَلُ لَا يَبْطُلُ الْإِيصَاءُ، لِأَنَّ فِي إبْطَالِهِ ضَرَرًا بِالْمَيِّتِ وَضَرَرُ الْوَصِيِّ فِي الْإِبْقَاءِ مَجْبُورٌ بِالثَّوَابِ، وَدَفْعُ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَعْلَى أَوْلَى، إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَخْرَجَهُ عَنْ الْوِصَايَةِ يَصِحُّ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، إذْ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ دَفْعِ الضَّرَرِ، وَرُبَّمَا يَعْجِزُ عَنْ ذَلِكَ فَيَتَضَرَّرُ بِبَقَاءِ الْوِصَايَةِ فَيَدْفَعُ الْقَاضِي الضَّرَرَ عَنْهُ وَيُنَصِّبُ حَافِظًا لِمَالِ الْمَيِّتِ مُتَصَرِّفًا فِيهِ فَيَنْدَفِعُ الضَّرَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَلِهَذَا يَنْفُذُ إخْرَاجُهُ، فَلَوْ قَالَ بَعْدَ إخْرَاجِ الْقَاضِي إيَّاهُ أَقْبَلُ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ لِأَنَّهُ قَبِلَ بَعْدَ بُطْلَانِ الْوِصَايَةِ بِإِبْطَالِ الْقَاضِي. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى إلَى عَبْدٍ أَوْ كَافِرٍ أَوْ فَاسِقٍ أَخْرَجَهُمْ الْقَاضِي عَنْ الْوِصَايَةِ وَنَصَّبَ غَيْرَهُمْ) وَهَذَا اللَّفْظُ يُشِيرُ إلَى صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ، لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ يَكُونُ بَعْدَهَا. وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ. قِيلَ مَعْنَاهُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّهْيُ عَنْ الْوَكَالَةِ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ أَوْ رَجُلٌ عَدْلٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: هُوَ وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ: أَيْ الْوَاحِدُ فِيهِمَا يَكْفِي. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ حَتَّى مَاتَ الْمُوصِي فَقَالَ لَا أَقْبَلُ) يَعْنِي أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا سَكَتَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي ثُمَّ بَعْدَ مَمَاتِهِ قَالَ لَا أَقْبَلُ ثُمَّ قَبِلَ فَهُوَ وَصِيٌّ إنْ لَمْ يُخْرِجْهُ الْقَاضِي حِينَ قَالَ لَا أَقْبَلُ؛ لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ لَا أَقْبَلُ لَا يَبْطُلُ الْإِيصَاءُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ؛ لِأَنَّ فِي إبْطَالِهِ مَضَرَّةً بِالْمَيِّتِ وَفِي إبْقَائِهِ ضَرَرٌ لِلْوَصِيِّ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَعْلَى لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَجْبُورٍ بِشَيْءٍ وَالثَّانِي مَجْبُورٌ بِالثَّوَابِ، وَدَفْعُ الْأَعْلَى مِنْ الضَّرَرِ أَوْلَى لَا مَحَالَةَ. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَخْرَجَهُ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ فَلَهُ ذَلِكَ: يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَخْرَجَهُ عَنْهَا حِينَ قَالَ لَا أَقْبَلُ لَا يَصِحُّ قَبُولُهُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي تَعْلِيلِ صِحَّةِ هَذَا الْإِخْرَاجِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْقَاضِي حَكَمٌ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ فَيَنْفُذُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّمَا صَحَّ؛ لِأَنَّ الْوِصَايَةَ لَوْ صَحَّتْ بِقَبُولِهِ كَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يُخْرِجَهُ وَيَصِحُّ الْإِخْرَاجُ فَهُنَا أَوْلَى، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَالْبَاقِي وَاضِحٌ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى إلَى عَبْدٍ أَوْ كَافِرٍ إلَخْ) وَمَنْ أَوْصَى إلَى عَبْدِ غَيْرِهِ أَوْ كَافِرٍ ذِمِّيٍّ أَوْ مُسْتَأْمَنٍ أَوْ حَرْبِيٍّ أَوْ فَاسِقٍ أَخْرَجَهُمْ الْقَاضِي عَنْ الْوَصِيَّةِ وَنَصَّبَ غَيْرَهُمْ، وَهَذَا اللَّفْظُ وَهُوَ لَفْظُ الْقُدُورِيِّ يُشِيرُ إلَى صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ يَكُونُ بَعْدَ الصِّحَّةِ، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ. ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي أَنَّهُ بَاطِلٌ أَصْلًا أَوْ مَعْنَاهُ سَيَبْطُلُ. قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقُدُورِيُّ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ وَعَامَّةُ مَشَايِخِنَا أَنَّ مَعْنَاهُ سَيَبْطُلُ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعَبْدَ أَهْلُ التَّصَرُّفِ وَلِهَذَا جَازَ تَوْكِيلُهُ، وَلَكِنْ

سَتَبْطُلُ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ فِي الْعَبْدِ بَاطِلٌ حَقِيقَةً لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ وَاسْتِبْدَادِهِ، وَفِي غَيْرِهِ مَعْنَاهُ سَتَبْطُلُ، وَقِيلَ فِي الْكَافِرِ بَاطِلٌ أَيْضًا لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِ. وَوَجْهُ الصِّحَّةِ ثُمَّ الْإِخْرَاجُ أَنَّ الْأَصْلَ النَّظَرُ ثَابِتٌ لِقُدْرَةِ الْعَبْدِ حَقِيقَةً، وَوِلَايَةُ الْفَاسِقِ عَلَى أَصْلِنَا وَوِلَايَةُ الْكَافِرِ فِي الْجُمْلَةِ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ النَّظَرُ لِتَوَقُّفِ وِلَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى وَتَمَكُّنِهِ مِنْ الْحَجْرِ بَعْدَهَا وَالْمُعَادَاةِ الدِّينِيَّةِ الْبَاعِثَةِ لِلْكَافِرِ عَلَى تَرْكِ النَّظَرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَاتِّهَامِ الْفَاسِقِ بِالْخِيَانَةِ فَيُخْرِجُهُ الْقَاضِي مِنْ الْوِصَايَةِ وَيُقِيمُ غَيْرَهُ مُقَامَهُ إتْمَامًا لِلنَّظَرِ. وَشَرَطَ فِي الْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ الْفَاسِقُ مَخُوفًا عَلَيْهِ فِي الْمَالِ، وَهَذَا يَصْلُحُ عُذْرًا فِي إخْرَاجِهِ وَتَبْدِيلِهِ بِغَيْرِهِ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى إلَى عَبْدِ نَفْسِهِ وَفِي الْوَرَثَةِ كِبَارٌ لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ) لِأَنَّ لِلْكَبِيرِ أَنْ يَمْنَعَهُ أَوْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ فَيَمْنَعَهُ الْمُشْتَرِي فَيَعْجِزُ عَنْ الْوَفَاءِ بِحَقِّ الْوِصَايَةِ فَلَا يُفِيدُ فَائِدَتَهُ وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا كُلُّهُمْ فَالْوَصِيَّةُ إلَيْهِ جَائِزَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا تَجُوزُ عِنْدَهُمَا وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَقِيلَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ، يَرْوِي مَرَّةً مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَتَارَةً مَعَ أَبِي يُوسُفَ. وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الْوِلَايَةَ مُنْعَدِمَةٌ لِمَا أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمَّا كَانَ عَجْزُهُ عَنْ اسْتِيفَاءِ حُقُوقِ الْمَيِّتِ مَظْنُونًا لِكَوْنِ مَنَافِعِهِ لِلْمَوْلَى وَالظَّاهِرُ الْمَنْعُ عَنْ التَّبَرُّعِ بِهَا وَعَلَى تَقْدِيرِ الْإِجَازَةِ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ وَعِنْدَ ذَلِكَ يَعْجِزُ الْعَبْدُ عَنْ التَّصَرُّفِ بِالْوِصَايَةِ. قُلْنَا: إنَّهَا سَتَبْطُلُ بِإِخْرَاجِ الْقَاضِي إيَّاهُ عَنْهَا، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَقَدْ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّهُ لَوْ قَاسَمَ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهُ الْقَاضِي جَازَ، فَثَبَتَ أَنَّ الْإِيصَاءَ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ لَا يَتَوَقَّى الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةَ فَجَازَ لِلْقَاضِي أَنْ يُخْرِجَهُ عَنْ الْوَصِيَّةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ بَاطِلٌ فِي الْعَبْدِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوِصَايَةَ وِلَايَةٌ مُتَعَدِّيَةٌ، وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ فَضْلًا أَنْ يَكُونَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى غَيْرِهِ، فَقَوْلُهُ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ إشَارَةٌ إلَى مَا قَبْلَ الْإِجَازَةِ. وَقَوْلُهُ (وَاسْتِبْدَادُهُ إلَى مَا بَعْدَهَا) ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْإِعَارَةِ مِنْهُ لِلْعَبْدِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ اللُّزُومُ. وَقِيلَ مَعْنَاهُ فِي الْكَافِرِ أَيْضًا بَاطِلٌ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِ. وَوَجْهُ الصِّحَّةِ ثَمَّ الْإِخْرَاجُ ظَاهِرٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْضًا مِنْهُ آنِفًا. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا يَصْلُحُ عُذْرًا فِي إخْرَاجِهِ وَتَبْدِيلِهِ بِغَيْرِهِ) ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ إنَّمَا أَوْصَى إلَيْهِ لِيَنْظُرَ فِي مَالِهِ وَأَوْلَادِهِ بَعْدَهُ بِالْحِفْظِ وَالصِّيَانَةِ، وَبِالْخِيَانَةِ تَرْتَفِعُ الصِّيَانَةُ فَلَا يَحْصُلُ الْغَرَضُ مِنْ الْوِصَايَةِ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ أَوْصَى إلَى عَبْدِ نَفْسِهِ) وَاضِحٌ.

الرِّقَّ يُنَافِيهَا، وَلِأَنَّ فِيهِ إثْبَاتَ الْوِلَايَةِ لِلْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ، وَهَذَا قَلْبُ الْمَشْرُوعِ، وَلِأَنَّ الْوِلَايَةَ الصَّادِرَةَ مِنْ الْأَبِ لَا تَتَجَزَّأُ، وَفِي اعْتِبَارِ هَذِهِ تَجْزِئَتُهَا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ رَقَبَتِهِ وَهَذَا نَقْضُ الْمَوْضُوعِ. وَلَهُ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ مُسْتَبِدٌّ بِالتَّصَرُّفِ فَيَكُونُ أَهْلًا لِلْوِصَايَةِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ، فَإِنَّ الصِّغَارَ وَإِنْ كَانُوا مُلَّاكًا لَيْسَ لَهُمْ وِلَايَةُ الْمَنْعِ فَلَا مُنَافَاةَ، وَإِيصَاءُ الْمَوْلَى إلَيْهِ يُؤْذِنُ بِكَوْنِهِ نَاظِرًا لَهُمْ وَصَارَ كَالْمُكَاتَبِ، وَالْوِصَايَةُ قَدْ تَتَجَزَّأُ عَلَى مَا هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، أَوْ نَقُولُ: يُصَارُ إلَيْهِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى إبْطَالِ أَصْلِهِ، وَتَغْيِيرِ الْوَصْفِ لِتَصْحِيحِ الْأَصْلِ أَوْلَى. قَالَ (وَمَنْ يَعْجِزُ عَنْ الْقِيَامِ بِالْوَصِيَّةِ ضَمَّ إلَيْهِ الْقَاضِي غَيْرَهُ) رِعَايَةً لِحَقِّ الْمُوصِي وَالْوَرَثَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ تَكْمِيلَ النَّظَرِ يَحْصُلُ بِضَمِّ الْآخَرِ إلَيْهِ لِصِيَانَتِهِ وَنَقْصِ كِفَايَتِهِ فَيَتِمُّ النَّظَرُ بِإِعَانَةِ غَيْرِهِ، وَلَوْ شَكَا إلَيْهِ الْوَصِيُّ ذَلِكَ لَا يُجِيبُهُ حَتَّى يَعْرِفَ ذَلِكَ حَقِيقَةً، لِأَنَّ الشَّاكِيَ قَدْ يَكُونُ كَاذِبًا تَخْفِيفًا عَلَى نَفْسِهِ، وَإِذَا ظَهَرَ عِنْدَ الْقَاضِي عَجْزُهُ أَصْلًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَفِي اعْتِبَارِ هَذِهِ) أَيْ: هَذِهِ الْوَصِيَّةِ وَهِيَ وَصِيَّةُ عَبْدِهِ عَلَى الْوَرَثَةِ الصِّغَارِ (تَجْزِئَتُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ رَقَبَتِهِ) وَقَوْلُهُ وَهَذَا نَقْضُ الْمَوْضُوعِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ إنَّمَا يَمْلِكُ الْوِلَايَةَ مِنْ الْمُوصِي وَوِلَايَتُهُ لَا تَتَجَزَّأُ إذْ لَا يُقَالُ وِلَايَتُهُ فِي بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ، فَلَوْ ثَبَتَ التَّجْزِيءُ فِي وِلَايَةِ الْوَصِيِّ ثَبَتَ فِي وِلَايَةِ الْمُوصِي لَكِنَّهُ غَيْرُ مُتَجَزِّئٍ فَكَانَ عَائِدًا عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ. وَقَوْلُهُ (إنَّهُ مُخَاطَبٌ) احْتِرَازٌ عَنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ. وَقَوْلُهُ (مُسْتَبِدٌّ) احْتِرَازٌ عَنْ الْإِيصَاءِ إلَى عَبْدِ الْغَيْرِ وَعَمَّا إذَا كَانَ فِي الْوَرَثَةِ كِبَارٌ. وَقَوْلُهُ (لَيْسَ لَهُمْ وِلَايَةُ الْمَنْعِ فَلَا مُنَافَاةَ) قِيلَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَلِكَ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَبِيعَهُ فَيَتَحَقَّقُ الْمَنْعُ وَالْمُنَافَاةُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الْإِيصَاءُ لَمْ يَبْقَ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ الْبَيْعِ. وَقَوْلُهُ بِكَوْنِهِ نَاظِرًا لَهُمْ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَ لَا يَخْتَارُ الْمَرْقُوقَ دُونَ الْأَحْرَارِ كَافَّةً إلَّا إذَا وَثِقَ بِدِيَانَتِهِ وَأَمَانَتِهِ وَشَفَقَتِهِ عَلَى مَنْ خَلْفَهُمْ وَصَارَ كَالْمُكَاتَبِ فَإِنَّ الْإِيصَاءَ إلَيْهِ جَائِزٌ فَكَذَلِكَ هَذَا. قَوْلُهُ (وَالْوِصَايَةُ قَدْ تَتَجَزَّأُ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا وَفِي اعْتِبَارِ هَذِهِ تَجْزِئَتُهَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ زِيَادٍ رَوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى إلَى رَجُلَيْنِ إلَى أَحَدِهِمَا فِي الْعَيْنِ وَإِلَى الْآخَرِ فِي الدَّيْنِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكُونُ وَصِيًّا فِيمَا أَوْصَى إلَيْهِ خَاصَّةً، أَوْ نَقُولُ: يُصَارُ إلَيْهِ أَيْ: إلَى التَّجْزِيءِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى إبْطَالِ هَذَا التَّصَرُّفِ وَهُوَ نَصْبُ عَبْدِهِ وَصِيًّا عَلَى الصِّغَارِ. فَإِنْ قِيلَ: يُفْضِي إلَى تَغْيِيرِ وَصْفِهِ وَهُوَ جَعْلُهُ مُتَجَزِّئًا بَعْدَمَا لَمْ يَكُنْ. قُلْنَا: يُعْتَبَرُ الْوَصْفُ لِتَصْحِيحِ الْأَصْلِ أَوْلَى مِنْ إهْدَارِهِ بِالْكُلِّيَّةِ. قَالَ (وَمَنْ يَعْجِزُ عَنْ الْقِيَامِ بِالْوَصِيَّةِ) مَعْنَى قَوْلِهِ بِالْوَصِيَّةِ بِالْوِصَايَةِ. اعْلَمْ أَنَّ الْأَوْصِيَاءَ ثَلَاثَةٌ: عَدْلٌ كَافٍ، وَفَاسِقٌ. وَزَادَ الْمُصَنِّفُ

اسْتَبْدَلَ بِهِ رِعَايَةً لِلنَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى التَّصَرُّفِ أَمِينًا فِيهِ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُخْرِجَهُ، لِأَنَّهُ لَوْ اخْتَارَ غَيْرَهُ كَانَ دُونَهُ لِمَا أَنَّهُ كَانَ مُخْتَارَ الْمَيِّتِ وَمَرْضِيَّهُ فَإِبْقَاؤُهُ أَوْلَى وَلِهَذَا قُدِّمَ عَلَى أَبِي الْمَيِّتِ مَعَ وُفُورِ شَفَقَتِهِ فَأَوْلَى أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى غَيْرِهِ، وَكَذَا إذَا شَكَا الْوَرَثَةُ أَوْ بَعْضُهُمْ الْوَصِيَّ إلَى الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ حَتَّى يَبْدُوَ لَهُ مِنْهُ خِيَانَةٌ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ الْوِلَايَةَ مِنْ الْمَيِّتِ، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَتْ الْخِيَانَةُ فَالْمَيِّتُ إنَّمَا نَصَّبَهُ وَصِيًّا لِأَمَانَتِهِ وَقَدْ فَاتَتْ، وَلَوْ كَانَ فِي الْأَحْيَاءِ لَأَخْرَجَهُ مِنْهَا، فَعِنْدَ عَجْزِهِ يَنُوبُ الْقَاضِي مَنَابَهُ كَأَنَّهُ لَا وَصِيَّ لَهُ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى إلَى اثْنَيْنِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ دُونَ صَاحِبِهِ) إلَّا فِي أَشْيَاءَ مَعْدُودَةٍ نُبَيِّنُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّ الْوِصَايَةَ سَبِيلُهَا الْوِلَايَةُ وَهِيَ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ لَا تَتَجَزَّأُ فَيَثْبُتُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا كَمَلًا كَوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ لِلْأَخَوَيْنِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوِصَايَةَ خِلَافَةٌ، وَإِنَّمَا تَتَحَقَّقُ إذَا انْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ إلَيْهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ ثَابِتًا لِلْمُوصِي وَقَدْ كَانَ بِوَصْفِ الْكَمَالِ، وَلِأَنَّ اخْتِيَارَ الْأَبِ إيَّاهُمَا يُؤْذِنُ بِاخْتِصَاصِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالشَّفَقَةِ فَيَنْزِلُ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ قَرَابَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَلَهُمَا أَنَّ الْوِلَايَةَ تَثْبُتُ بِالتَّفْوِيضِ فَيُرَاعَى وَصْفُ التَّفْوِيضِ وَهُوَ وَصْفُ الِاجْتِمَاعِ إذْ هُوَ شَرْطٌ مُقَيَّدٌ، وَمَا رَضِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَاجِزَ أَصْلًا إذَا ظَهَرَ لِلْقَاضِي عَجْزُ وَصِيٍّ عَنْ الِاسْتِبْدَادِ وَهُوَ عَدْلٌ ضُمَّ إلَيْهِ غَيْرُهُ رِعَايَةً لِحَقِّ الْمُوصِي وَالْوَرَثَةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَصَّبَ نَاظِرًا، وَإِذَا عَلِمَ صِيَانَةَ الْوَصِيِّ وَنَقْصَ كِفَايَتِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ تَكْمِيلُ النَّظَرِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِضَمِّ غَيْرِهِ إلَيْهِ، وَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ عِنْدَهُ لَكِنْ شَكَا إلَيْهِ الْوَصِيُّ ذَلِكَ: أَيْ: عَدَمَ الِاسْتِبْدَادِ بِعَجْزِهِ لَا يُجِيبُهُ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَلَوْ ظَهَرَ عِنْدَهُ عَجْزٌ أَصْلًا اسْتَبْدَلَ غَيْرَهُ بِهِ رِعَايَةً لِلنَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ: أَيْ جَانِبِ الْمُوصِي وَالْوَصِيِّ، يَقُومُ الْمَنْصُوبُ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي بِالتَّصَرُّفِ فِي حَوَائِجِ الْمُوصِي وَالْعَاجِزِ الْمَعْزُولِ بِقَضَاءِ حُقُوقِ نَفْسِهِ، وَإِذَا كَانَ عَدْلًا كَافِيًا فَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَتَعَرَّضَ إلَيْهِ بِالْإِخْرَاجِ وَإِنْ شَكَاهُ الْوَرَثَةُ أَوْ بَعْضُهُمْ إلَيْهِ، إذَا ظَهَرَ مِنْهُ خِيَانَةٌ فَإِنَّهُ يَسْتَبْدِلُ بِهِ غَيْرَهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ أَوْصَى إلَى اثْنَيْنِ إلَخْ) رُوِيَ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الصَّفَّارِ أَنَّهُ قَالَ: هَذَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِيمَا إذَا أَوْصَى إلَيْهِمَا جَمِيعًا مَعًا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ، فَأَمَّا إذَا أَوْصَى إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ فَإِنَّهُ يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ بِلَا خِلَافٍ. قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: هَذَا أَصَحُّ وَبِهِ نَأْخُذُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلَيْنِ إذَا وَكَّلَ كُلًّا مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ أَنَّهُ قَالَ: الْخِلَافُ فِيهِمَا جَمِيعًا سَوَاءٌ أَوْصَى إلَيْهِمَا جَمِيعًا أَوْ مُتَفَرِّقًا. وَجَعَلَ فِي الْمَبْسُوطِ هَذَا الْأَصَحَّ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْوَصِيَّةِ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَحِينَئِذٍ ثَبَتَ الْوَصِيَّةُ لَهُمَا مَعًا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الِافْتِرَاقِ وَالِاجْتِمَاعِ، بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ، وَإِنَّمَا قَالَ إلَّا فِي أَشْيَاءَ مَعْدُودَةٍ وَلَمْ يَذْكُرْ كَمِّيَّتَهَا لِاخْتِلَافِ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا، فَذَكَرَ فِي الْأَسْرَارِ سِتَّةً، وَهُوَ مَا عَدَا تَنْفِيذَ الْوَصِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ، وَقَبُولَ الْهِبَةِ، وَجَمْعَ الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ مِنْ تَجْهِيزِ الْمَيِّتِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ بِجِنْسِ حَقِّهِ، وَشِرَاءَ مَا لَا بُدَّ لِلصَّغِيرِ مِنْهُ، وَبَيْعَ مَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ، وَرَدَّ الْغَصْبِ، الْوَدِيعَةِ وَالْخُصُومَةِ. وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ ثَمَانِيَةً وَهِيَ السِّتَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْأَسْرَارِ، وَتَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ، وَقَبُولُ الْهِبَةِ. وَذَكَرَ فِيهِ أَيْضًا جَمْعَ الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ، قِيلَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَبُولُ الْهِبَةِ مِنْ جِنْسِ جَمْعِ الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ فَيُعَدَّانِ وَاحِدًا كَيْ لَا يَزْدَادَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَانِيَةِ، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (سَبِيلُهَا الْوِلَايَةُ) يَعْنِي أَنَّهَا لَا تَثْبُتُ لِمَنْ لَا تَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ بِالتَّوْلِيَةِ كَالْكَافِرِ وَالْعَبْدِ عَلَى مَا مَرَّ.

الْمُوصِي إلَّا بِالْمُثَنَّى وَلَيْسَ الْوَاحِدُ كَالْمُثَنَّى، بِخِلَافِ الْأَخَوَيْنِ فِي الْإِنْكَاحِ لِأَنَّ السَّبَبَ هُنَالِكَ الْقَرَابَةُ وَقَدْ قَامَتْ بِكُلٍّ مِنْهُمَا كَمُلَا، وَلِأَنَّ الْإِنْكَاحَ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ لَهَا عَلَى الْوَلِيِّ، حَتَّى لَوْ طَالَبَتْهُ بِإِنْكَاحِهَا مِنْ كُفُؤٍ يَخْطُبُهَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَهَاهُنَا حَقُّ التَّصَرُّفِ لِلْوَصِيِّ، وَلِهَذَا يَبْقَى مُخَيَّرًا فِي التَّصَرُّفِ، فَفِي الْأَوَّلِ أَوْفَى حَقًّا عَلَى صَاحِبِهِ فَصَحَّ، وَفِي الثَّانِي اسْتَوْفَى حَقًّا لِصَاحِبِهِ فَلَا يَصِحُّ أَصْلُهُ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَيْهِمَا وَلَهُمَا، بِخِلَافِ الْأَشْيَاءِ الْمَعْدُودَةِ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الضَّرُورَةِ لَا مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ، وَمَوَاضِعُ الضَّرُورَةِ مُسْتَثْنَاةٌ أَبَدًا، وَهِيَ مَا اسْتَثْنَاهُ فِي الْكِتَابِ وَأَخَوَاتِهَا. فَقَالَ (إلَّا فِي شِرَاءِ كَفَنِ الْمَيِّتِ وَتَجْهِيزِهِ) لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ فَسَادَ الْمَيِّتِ وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الْجِيرَانُ عِنْدَ ذَلِكَ (وَطَعَامِ الصِّغَارِ وَكِسْوَتِهِمْ) لِأَنَّهُ يَخَافُ مَوْتَهُمْ جُوعًا وَعُرْيًا (وَرَدِّ الْوَدِيعَةِ بِعَيْنِهَا وَرَدِّ الْمَغْصُوبِ وَالْمُشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا وَحِفْظِ الْأَمْوَالِ وَقَضَاءِ الدُّيُونِ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ الْمَالِكُ، وَصَاحِبُ الدَّيْنِ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ) أَيْ: الْوِلَايَةِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ الْمُوصِي لِتَحَقُّقِهَا مِنْ غَيْرِ مَنْ أَوْصَى إلَيْهِ، وَذَكَرَ رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ

وَحِفْظُ الْمَالِ يَمْلِكُهُ مَنْ يَقَعُ فِي يَدِهِ فَكَانَ مِنْ بَابِ الْإِعَانَةِ. وَلِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ (وَتَنْفِيذِ وَصِيَّةٍ بِعَيْنِهَا وَعِتْقِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ (وَالْخُصُومَةِ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ) لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ فِيهَا مُتَعَذِّرٌ وَلِهَذَا يَنْفَرِدُ بِهَا أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ (وَقَبُولِ الْهِبَةِ) لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ خِيفَةَ الْفَوَاتِ، وَلِأَنَّهُ يُمَلِّكُهُ الْأُمَّ وَاَلَّذِي فِي حِجْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ (وَبَيْعِ مَا يَخْشَى عَلَيْهِ التَّوَى وَالتَّلَفَ) لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً لَا تُخْفَى (وَجَمْعِ الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ) لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ خَشْيَةَ الْفَوَاتِ، وَلِأَنَّهُ يُمَلِّكُهُ كُلَّ مَنْ وَقَعَ فِي يَدِهِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَلَيْسَ لِأَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ أَنْ يَبِيعَ وَيَتَقَاضَى، وَالْمُرَادُ بِالتَّقَاضِي الِاقْتِضَاءُ، كَذَا كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ فِي عُرْفِهِمْ، وَهَذَا لِأَنَّهُ رَضِيَ بِأَمَانَتِهِمَا جَمِيعًا فِي الْقَبْضِ، وَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ عَلَى مَا عُرِفَ فَكَانَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَلَوْ أَوْصَى إلَى كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى الِانْفِرَادِ قِيلَ يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلَيْنِ إذَا وَكَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى الِانْفِرَادِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا أَفْرَدَ فَقَدْ رَضِيَ بِرَأْيِ الْوَاحِدِ. وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي الْفَصْلَيْنِ وَاحِدٌ، وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِبَيَانِ أَنَّ اقْتِضَاءَ الدَّيْنِ: أَيْ قَبْضَهُ لَيْسَ كَقَضَائِهِ بَلْ هُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ أَوْصَى إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ) ذَكَرْنَاهُ فِي مَطْلَعِ الْكَلَامِ مَعَ ذِكْرِ صَاحِبِ كُلِّ قَوْلٍ مِنْهُمَا.

وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ وُجُوبَ الْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْمَوْتِ بِخِلَافِ الْوَكِيلَيْنِ، لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَتَعَاقَبُ، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا جَعَلَ الْقَاضِيَ مَكَانَهُ وَصِيًّا آخَرَ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ الْبَاقِيَ عَاجِزٌ عَنْ التَّفَرُّدِ بِالتَّصَرُّفِ فَيَضُمُّ الْقَاضِي إلَيْهِ وَصِيًّا آخَرَ نَظَرًا لِلْمَيِّتِ عِنْدَ عَجْزِهِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْحَيُّ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ فَالْمُوصِي قَصَدَ أَنْ يَخْلُفَهُ مُتَصَرِّفًا فِي حُقُوقِهِ، وَذَلِكَ مُمْكِنُ التَّحَقُّقِ بِنَصْبِ وَصِيٍّ آخَرَ مَكَانَ الْمَيِّتِ. وَلَوْ أَنَّ الْمَيِّتَ مِنْهُمَا أَوْصَى إلَى الْحَيِّ فَلِلْحَيِّ أَنْ يَتَصَرَّفَ وَحْدَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا أَوْصَى إلَى شَخْصٍ آخَرَ. وَلَا يَحْتَاجُ الْقَاضِي إلَى نَصْبِ وَصِيٍّ آخَرَ لِأَنَّ رَأْيَ الْمَيِّتِ بَاقٍ حُكْمًا بِرَأْيِ مَنْ يَخْلُفُهُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَنْفَرِدُ بِالتَّصَرُّفِ لِأَنَّ الْمُوصِيَ مَا رَضِيَ بِتَصَرُّفِهِ وَحْدَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى إلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ بِرَأْيِ الْمُثَنَّى كَمَا رَضِيَهُ الْمُتَوَفَّى. وَإِذَا مَاتَ الْوَصِيُّ وَأَوْصَى إلَى آخَرَ فَهُوَ وَصِيُّهُ فِي تَرِكَتِهِ وَتَرِكَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَكُونُ وَصِيًّا فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ اعْتِبَارًا بِالتَّوْكِيلِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ، الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِهِ لَا بِرَأْيِ غَيْرِهِ. وَلَنَا أَنَّ الْوَصِيَّ يَتَصَرَّفُ بِوِلَايَةٍ مُنْتَقِلَةٍ إلَيْهِ فَيَمْلِكُ الْإِيصَاءَ إلَى غَيْرِهِ كَالْجَدِّ؛ أَلَا يُرَى أَنَّ الْوِلَايَةَ الَّتِي كَانَتْ ثَابِتَةً لِلْمُوصِي تَنْتَقِلُ إلَى الْوَصِيِّ فِي الْمَالِ وَإِلَى الْجَدِّ فِي النَّفْسِ، ثُمَّ الْجَدُّ قَائِمٌ مُقَامَ الْأَبِ فِيمَا انْتَقَلَ إلَيْهِ فَكَذَا الْوَصِيُّ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِيصَاءَ إقَامَةُ غَيْرِهِ مُقَامَهُ فِيمَا لَهُ وِلَايَتُهُ، وَعِنْدَ الْمَوْتِ كَانَتْ لَهُ وِلَايَةٌ فِي التَّرِكَتَيْنِ فَيَنْزِلُ الثَّانِي مَنْزِلَتَهُ فِيهِمَا. وَلِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَعَانَ بِهِ فِي ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ قَدْ تَعْتَرِيهِ الْمَنِيَّةُ قَبْلَ تَتْمِيمِ مَقْصُودِهِ بِنَفْسِهِ وَهُوَ تَلَافِي مَا فَرَّطَ مِنْهُ صَارَ رَاضِيًا بِإِيصَائِهِ إلَى غَيْرِهِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ حَيٌّ يُمْكِنُهُ أَنْ يُحَصِّلَ مَقْصُودَهُ بِنَفْسِهِ فَلَا يَرْضَى بِتَوْكِيلِ غَيْرِهِ وَالْإِيصَاءُ إلَيْهِ. قَالَ (وَمُقَاسَمَةُ الْوَصِيِّ الْمُوصَى لَهُ عَنْ الْوَرَثَةِ جَائِزَةٌ وَمُقَاسَمَتُهُ الْوَرَثَةَ عَنْ الْمُوصَى لَهُ بَاطِلَةٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا) مُتَّصِلٌ بِأَوَّلِ الْكَلَامِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ أَنَّ الْمَيِّتَ مِنْهُمَا أَوْصَى إلَى الْحَيِّ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَإِلَى الْجَدِّ فِي النَّفْسِ) يَعْنِي إذَا مَاتَ الْأَبُ كَانَ وِلَايَةُ تَزْوِيجِ الصِّغَارِ وَالصَّغَائِرِ وَاسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ لِلْجَدِّ، فَكَذَا الْوَصِيُّ فِيمَا انْتَقَلَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ خَلَفٌ عَنْ الْأَوَّلِ، وَبِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْخِلَافَةِ يُجْعَلُ الْأَوَّلُ قَائِمًا حُكْمًا. وَالْخَلَفُ يَعْمَلُ عَمَلَ الْأَصْلِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَصْلِ. وَقَوْلُهُ (وَعِنْدَ الْمَوْتِ كَانَ لَهُ وِلَايَةٌ) أَيْ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي كَانَ لِلْوَصِيِّ وِلَايَةٌ فِي التَّرِكَتَيْنِ: أَيْ فِي تَرِكَةِ نَفْسِهِ سَمَّاهُ تَرِكَةً بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ، وَتَرِكَةِ مُوصِيهِ. أَمَّا فِي تَرِكَتِهِ؛ فَبِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِلْكُهُ. وَأَمَّا فِي تَرِكَةِ مُوصِيهِ؛ فَبِاعْتِبَارِ الْوِصَايَةِ إلَيْهِ فَيَنْزِلُ الثَّانِي مَنْزِلَتَهُ فِيهِمَا. وَقَوْلُهُ (فَلَا يَرْضَى بِتَوْكِيلِ غَيْرِهِ) أَيْ: لَا يَرْضَى الْمُوَكِّلُ بِأَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلَهُ غَيْرَهُ أَوْ يُوصِيَ إلَى غَيْرِهِ. قَالَ (وَمُقَاسَمَةُ الْوَصِيِّ الْمُوصَى لَهُ عَنْ الْوَرَثَةِ جَائِزَةٌ) رَجُلٌ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ وَأَوْصَى لِرَجُلٍ آخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَهُ وَرَثَةٌ صِغَارٌ أَوْ كِبَارٌ غُيَّبٌ فَقَاسَمَ الْوَصِيُّ الْمُوصَى لَهُ نَائِبًا عَنْ الْوَرَثَةِ وَأَعْطَاهُ الثُّلُثَ، وَأَمْسَكَ الثُّلُثَيْنِ لِلْوَرَثَةِ فَالْقِسْمَةُ نَافِذَةٌ عَلَى الْوَرَثَةِ فِي الْمَنْقُولِ، وَالْعَقَارِ إنْ كَانُوا صِغَارًا، وَفِي الْمَنْقُولِ إنْ كَانُوا كِبَارًا، حَتَّى لَوْ هَلَكَ حِصَّةُ الْوَرَثَةِ فِي يَدِهِ لَمْ تَرْجِعْ الْوَرَثَةُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِشَيْءٍ. وَأَمَّا إنْ كَانَ الْوَارِثُ كَبِيرًا حَاضِرًا وَصَاحِبُ الْوَصِيَّةِ غَائِبًا فَقَاسَمَ الْوَصِيُّ مَعَ الْوَارِثِ عَنْ الْمُوصَى لَهُ فَأَعْطَى الْوَرَثَةَ حَقَّهُمْ وَأَمْسَكَ الثُّلُثَ لِلْمُوصَى لَهُ لَمْ تَنْفُذْ الْقِسْمَةُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا فِي الْمَنْقُولِ وَالْعَقَارِ جَمِيعًا، حَتَّى لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْوَصِيِّ مَا أَفْرَزَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْوَرَثَةِ بِثُلُثِ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَنْقُولِ وَالْعَقَارِ أَنَّ الْوَرَثَةَ إذَا كَانُوا صِغَارًا كَانَ لِلْوَصِيِّ بَيْعُ نَصِيبِ الصِّغَارِ مِنْ الْمَنْقُولِ وَالْعَقَارِ جَمِيعًا، أَمَّا إذَا كَانُوا كِبَارًا فَلَيْسَ لَهُ بَيْعُ الْعَقَارِ عَلَيْهِمْ وَلَهُ وِلَايَةُ بَيْعِ الْمَنْقُولِ، فَكَذَا الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّهَا نَوْعُ بَيْعٍ، وَوَجْهُ الْمَسْأَلَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْوَرَثَةَ وَالْوَصِيَّ كِلَاهُمَا خَلَفٌ عَنْ الْمَيِّتِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْوَصِيُّ خَصْمًا عَنْهُمْ، وَقَائِمًا مَقَامَهُمْ. وَأَمَّا الْمُوصَى لَهُ فَلَيْسَ بِخَلِيفَةٍ عَنْ الْمَيِّتِ بِكُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَكُونُ بَيْنَهُ، وَبَيْن الْوَصِيِّ مُنَاسَبَةٌ حَتَّى يَكُونَ خَصْمًا عَنْهُ، وَقَائِمًا مَقَامَهُ فِي نُفُوذِ الْقِسْمَةِ عَلَيْهِ

لِأَنَّ الْوَارِثَ خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ حَتَّى يَرُدَّ بِالْعَيْبِ وَيَرُدَّ عَلَيْهِ بِهِ وَيَصِيرَ مَغْرُورًا بِشِرَاءِ الْمُورِثِ وَالْوَصِيُّ خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ أَيْضًا فَيَكُونُ خَصْمًا عَنْ الْوَارِثِ إذَا كَانَ غَائِبًا فَصَحَّتْ قِسْمَتُهُ عَلَيْهِ، حَتَّى لَوْ حَضَرَ وَقَدْ هَلَكَ مَا فِي يَدِ الْوَصِيِّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ الْمُوصَى لَهُ، أَمَّا الْمُوصَى لَهُ فَلَيْسَ بِخَلِيفَةٍ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ، وَلِهَذَا لَا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ، وَلَا يَصِيرُ مَغْرُورًا بِشِرَاءِ الْمُوصِي فَلَا يَكُونُ الْوَصِيُّ خَلِيفَةً عَنْهُ عِنْدَ غَيْبَتِهِ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ مَا أَفْرَزَ لَهُ عِنْدَ الْوَصِيِّ كَانَ لَهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَمْ تَنْفُذْ عَلَيْهِ، غَيْرَ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهِ، وَلَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ فِي التَّرِكَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا هَلَكَ بَعْضُ التَّرِكَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَيَكُونُ لَهُ ثُلُثُ الْبَاقِي لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَارِثِ فَيَتْوَى مَا تَوِيَ مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى الشَّرِكَةِ وَيَبْقَى مَا بَقِيَ عَلَى الشَّرِكَةِ. قَالَ (فَإِنْ قَاسَمَ الْوَرَثَةَ وَأَخَذَ نَصِيبَ الْمُوصَى لَهُ فَضَاعَ رَجَعَ الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ) لِمَا بَيَّنَّا. قَالَ (وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ أَوْصَى بِحَجَّةٍ فَقَاسَمَ فِي الْوَرَثَةِ فَهَلَكَ مَا فِي يَدِهِ حَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ، وَكَذَلِكَ إنْ دَفَعَهُ إلَى رَجُلٍ لِيَحُجَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ حَتَّى يَرُدَّ بِالْعَيْبِ) أَيْ: فِيمَا اشْتَرَاهُ الْمُورَثُ (وَيُرَدُّ عَلَيْهِ) أَيْ: فِيمَا بَاعَهُ الْمُورَثُ وَيَصِيرُ مَغْرُورًا بِشِرَاءِ الْمُورَثِ؛ فَإِنَّهُ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً فَمَاتَ ثُمَّ اسْتَوْلَدَهَا الْوَارِثُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الْجَارِيَةُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِ الْمَيِّتِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ خَلِيفَةً لَمَا رَجَعَ، كَمَا لَوْ بَاعَهَا الْمُورَثُ مِنْ آخَرَ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ دُونَ بَائِعِ بَائِعِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَلِيفَةٍ عَنْ بَائِعِهِ حَتَّى يَكُونَ غُرُورُهُ كَغُرُورِهِ (وَقَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَضْمَنُ) جَوَابُ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ غَيْرَ صَحِيحَةٍ كَانَ تَصَرُّفُهُ غَيْرَ مَشْرُوعٍ وَهَلَكَ الْمَالُ بَعْدَ ذَلِكَ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَيَجِبُ الضَّمَانُ، كَمَا لَوْ تَعَدَّى عَلَى الْمَالِ وَاسْتَهْلَكَهُ، وَوَجْهُ الْجَوَابِ مَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهِ، وَلَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ فِي التَّرِكَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا هَلَكَ بَعْضُ التَّرِكَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ إلَخْ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مَا أَفْرَزَهُ لِلْوَرَثَةِ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي ذَلِكَ. أَمَّا لَوْ سَلَّمَهُ إلَيْهِمْ فَالْمُوصَى لَهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْقَابِضَ بِالْقَبْضِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الدَّافِعَ بِالدَّفْعِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ. فَإِنْ قَاسَمَ الْوَرَثَةَ كَانَ مَعْلُومًا مِنْ سِيَاقِ كَلَامِهِ، وَلَكِنْ ذَكَرَهُ لِكَوْنِهِ لَفْظَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَقَوْلُهُ لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ؛ (لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَمْ تَنْفُذْ عَلَيْهِ) . (قَالَ وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ أَوْصَى بِحَجَّةٍ إلَخْ) رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ أَرْبَعَةَ آلَافِ

عَنْهُ فَضَاعَ فِي يَدِهِ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ كَانَ مُسْتَغْرِقًا لِلثُّلُثِ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ، وَإِلَّا يَرْجِعُ بِتَمَامِ الثُّلُثِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ حَقُّ الْمُوصِي، وَلَوْ أَفْرَزَ الْمُوصِي بِنَفْسِهِ مَالًا لِيَحُجَّ عَنْهُ فَهَلَكَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، فَكَذَا إذَا أَفْرَزَهُ وَصِيُّهُ الَّذِي قَامَ مَقَامَهُ. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَحَلَّ الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ فَيَجِبُ تَنْفِيذُهَا مَا بَقِيَ مَحَلُّهَا، وَإِذَا لَمْ يَبْقَ بَطَلَتْ لِفَوَاتِ مَحَلِّهَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقِسْمَةَ لَا تُرَادُ لِذَاتِهَا بَلْ لِمَقْصُودِهَا وَهُوَ تَأْدِيَةُ الْحَجِّ فَلَمْ تُعْتَبَرْ دُونَهُ وَصَارَ كَمَا إذَا هَلَكَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَيَحُجُّ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ، وَلِأَنَّ تَمَامَهَا بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْجِهَةِ الْمُسَمَّاةِ، إذْ لَا قَابِضَ لَهَا، فَإِذَا لَمْ يُصْرَفْ إلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ لَمْ يَتِمَّ فَصَارَ كَهَلَاكِهِ قَبْلَهَا. . قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَدَفَعَهَا الْوَرَثَةُ إلَى الْقَاضِي فَقَسَمَهَا وَالْمُوصَى لَهُ غَائِبٌ فَقِسْمَتُهُ جَائِزَةٌ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ صَحِيحَةٌ، وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ تَصِيرُ الْوَصِيَّةُ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ وَالْقَاضِي نَصَّبَ نَاظِرًا لَا سِيَّمَا فِي حَقِّ الْمَوْتَى وَالْغُيَّبِ، وَمِنْ النَّظَرِ إفْرَازُ نَصِيبِ الْغَائِبِ وَقَبْضِهِ فَنَفَذَ ذَلِكَ وَصَحَّ، حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَقَدْ هَلَكَ الْمَقْبُوضُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْوَرَثَةِ سَبِيلٌ. قَالَ (وَإِذَا بَاعَ الْوَصِيُّ عَبْدًا مِنْ التَّرِكَةِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْغُرَمَاءِ فَهُوَ جَائِزٌ) لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مُقَامَ ـــــــــــــــــــــــــــــQدِرْهَمٍ وَأَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ وَكَانَ مِقْدَارُ الْحَجِّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَخَذَ الْوَصِيُّ أَلْفًا وَدَفَعَهَا إلَى الَّذِي يَحُجُّ عَنْهُ فَسُرِقَتْ فِي الطَّرِيقِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُؤْخَذُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَإِنْ سُرِقَتْ ثَانِيًا يُؤْخَذُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ مَرَّةً أُخْرَى هَكَذَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُؤْخَذُ مَا بَقِيَ مِنْ ثُلُثِ جَمِيعِ الْمَالِ وَذَلِكَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثُ دِرْهَمٍ، فَإِنْ سُرِقَتْ ثَانِيًا لَا يُؤْخَذُ مَرَّةً أُخْرَى. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إذَا سُرِقَتْ الْأَلْفُ الْأُولَى بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ مَرَّةً أُخْرَى. وَوَجْهُ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ أَلْفِ دِرْهَمٍ) وَاضِحٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ فِيمَا إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهِ تَمْيِيزٌ لَا مُبَادَلَةٌ حَتَّى يَنْفَرِدَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا، وَيَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ مُرَابَحَةً عَلَى مَا قَامَ عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ، فَأَمَّا فِيمَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهِ مُبَادَلَةٌ كَالْبَيْعِ، وَبَيْعُ مَالِ الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ فَكَذَا قِسْمَتُهُ. قُلْت: وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي الدَّرَاهِمِ لَعَلَّهُ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ فَإِنَّهَا مِمَّا يُوزَنُ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا بَاعَ الْوَصِيُّ عَبْدًا مِنْ التَّرِكَةِ) ذَكَرَهُ لِلْفَرْقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا إذَا بَاعَ الْمَوْلَى أَوْ وَصِيُّهُ عَبْدَهُ الْمَأْذُونَ لَهُ الْمَدْيُونَ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ غُرَمَاءِ الْعَبْدِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ لِغَرِيمِ الْعَبْدِ هُنَاكَ حَقًّا فِي اسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ وَبَعْدَ الْبَيْعِ لَا يَبْقَى، فَكَانَ فِي الْبَيْعِ إبْطَالُ حَقِّ الْغُرَمَاءِ فَلَا يَنْفُذُ بِغَيْرِ إجَازَتِهِمْ. وَأَمَّا هَاهُنَا فَلَيْسَ لِغَرِيمِ الْمَوْلَى حَقٌّ فِي اسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ، إنَّمَا حَقُّهُ فِي اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ الثَّمَنِ فَلَمْ يَكُنْ الْبَيْعُ مُبْطِلًا حَقَّ الْغَرِيمِ بَلْ يَكُونُ مُحَقِّقًا لَهُ؛ لِأَنَّ

الْمُوصِي، وَلَوْ تَوَلَّى حَيًّا بِنَفْسِهِ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْغُرَمَاءِ وَإِنْ كَانَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَكَذَا إذَا تَوَلَّاهُ مَنْ قَامَ مَقَامَهُ، وَهَذَا لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَالِيَّةِ لَا بِالصُّورَةِ وَالْبَيْعُ لَا يُبْطِلُ الْمَالِيَّةَ لِفَوَاتِهَا إلَى خَلَفٍ وَهُوَ الثَّمَنُ. بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَدْيُونِ لِأَنَّ لِلْغُرَمَاءِ حَقَّ الِاسْتِسْعَاءِ وَأَمَّا هَاهُنَا فَبِخِلَافِهِ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى بِأَنْ يُبَاعَ عَبْدُهُ وَيَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَبَاعَهُ الْوَصِيُّ وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَضَاعَ فِي يَدِهِ فَاسْتَحَقَّ الْعَبْدُ ضَمِنَ الْوَصِيُّ) لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ فَتَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ عُهْدَةٌ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْهُ مَا رَضِيَ بِبَذْلِ الثَّمَنِ إلَّا لِيُسَلِّمَ لَهُ الْمَبِيعَ وَلَمْ يُسَلِّمْ فَقَدْ أَخَذَ الْوَصِيُّ الْبَائِعُ مَالَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ. قَالَ (وَيَرْجِعُ فِيمَا تَرَكَ الْمَيِّتُ) لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ كَالْوَكِيلِ. وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ أَوَّلًا: لَا يَرْجِعُ لِأَنَّهُ ضَمِنَ بِقَبْضِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذَكَرْنَا وَيَرْجِعُ فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي الثُّلُثِ لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ فَأَخَذَ حُكْمَهَا، وَمَحَلُّ الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْغُرُورِ وَذَلِكَ دَيْنٌ عَلَيْهِ وَالدَّيْنُ يُقْضَى مِنْ جَمِيعِ التَّرِكَةِ، بِخِلَافِ الْقَاضِي أَوْ أَمِينِهِ إذَا تَوَلَّى الْبَيْعَ حَيْثُ لَا عُهْدَةَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ فِي إلْزَامِهَا الْقَاضِيَ تَعْطِيلُ الْقَضَاءِ، إذْ يَتَحَامَى عَنْ تَقَلُّدِ هَذِهِ الْأَمَانَةِ حَذَرًا عَنْ لُزُومِ الْغَرَامَةِ فَتَتَعَطَّلُ مَصْلَحَةُ الْعَامَّةِ وَأَمِينُهُ سَفِيرٌ عَنْهُ كَالرَّسُولِ، وَلَا كَذَلِكَ الْوَصِيُّ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ قَدْ هَلَكَتْ أَوْ لَمْ يَكُنْ بِهَا وَفَاءٌ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ كَمَا إذَا كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ آخَرُ. قَالَ (وَإِنْ قَسَمَ الْوَصِيُّ الْمِيرَاثَ فَأَصَابَ صَغِيرًا مِنْ الْوَرَثَةِ عَبْدٌ فَبَاعَهُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَهَلَكَ وَاسْتَحَقَّ الْعَبْدَ رَجَعَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ) لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ، وَيَرْجِعُ الصَّغِيرُ عَلَى الْوَرَثَةِ بِحِصَّتِهِ لِانْتِقَاضِ الْقِسْمَةِ بِاسْتِحْقَاقِ مَا أَصَابَهُ. قَالَ (وَإِذَا احْتَالَ الْوَصِيُّ بِمَالِ الْيَتِيمِ فَإِنْ كَانَ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ جَازَ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَمْلَأَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQحَقَّهُ فِي الدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ لَا فِي عَيْنِ الْعَبْدِ وَبِالْبَيْعِ يَحْصُلُ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ تَوَلَّى حَيًّا بِنَفْسِهِ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْغُرَمَاءِ) يَعْنِي إذَا بَاعَ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ أَوْصَى بِأَنْ يُبَاعَ عَبْدُهُ وَيُتَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ ضَمِنَهُ بِقَبْضِهِ) أَيْ لَا بِعَمَلٍ آخَرَ يَكُونُ لِلْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ بِاسْتِحْقَاقِ الْعَبْدِ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ فَلَمْ يَكُنْ عَامِلًا لِلْمُوصِي وَلَا لِوَرَثَتِهِ. وَقَوْلُهُ (؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ) ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ كَانَ لِتَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْوَصِيَّةِ، وَالْوَصِيَّةُ تَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ. وَقَوْلُهُ (أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْغُرُورِ) أَيْ: بِحُكْمِ أَنَّ الْمَيِّتَ غَرَّهُ بِقَوْلِهِ هَذَا مِلْكِي فَإِنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُ بِبَيْعِهِ، وَالتَّصَدُّقِ بِثَمَنِهِ كَانَ قَائِلًا هَذَا الْعَبْدُ مِلْكِي فَكَانَ الْوَصِيُّ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ فَكَانَ ذَلِكَ الضَّمَانُ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ، وَالدَّيْنُ يُقْضَى مِنْ جَمِيعِ التَّرِكَةِ. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ) يَعْنِي فِي آخِرِ فَصْلِ الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَإِذَا بَاعَ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ عَبْدًا لِلْغُرَمَاءِ إلَخْ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ قَدْ هَلَكَتْ أَوْ لَمْ يَكُنْ بِهَا وَفَاءٌ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ) أَيْ: لَا عَلَى الْوَرَثَةِ وَلَا عَلَى الْمَسَاكِينِ إنْ كَانَ تَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَقَعْ إلَّا لِلْمَيِّتِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ آخَرُ، وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ مُحَالًا إلَى الْمُنْتَقَى أَنَّ الْوَصِيَّ يَرْجِعُ عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَالْقِيَاسُ هَكَذَا؛ لِأَنَّ غُنْمَ تَصَرُّفِ الْوَصِيِّ عَادَ إلَيْهِمْ فَالْغُرْمُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِمْ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُخَالِفُ رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَصْلٌ فِي غُنْمِ هَذَا التَّصَرُّفِ وَهُوَ الثَّوَابُ وَالْفَقِيرُ تَبَعٌ لَهُ. (وَقَوْلُهُ فَإِنْ قَسَمَ الْوَصِيُّ الْمِيرَاثَ إلَخْ) ظَاهِرٌ وَكَذَا قَوْلُهُ (وَإِذَا احْتَالَ الْوَصِيُّ بِمَالِ الْيَتِيمِ) وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا كَانَ الْمُحِيلُ، وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ سَوَاءً فِي الْمُلَاءَةِ. وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافَ

إذْ الْوِلَايَةُ نَظَرِيَّةٌ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَمْلَأَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ فِيهِ تَضْيِيعَ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْوَصِيِّ وَلَا شِرَاؤُهُ إلَّا بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ) لِأَنَّهُ لَا نَظَرَ فِي الْغَبْنِ الْفَاحِشِ، بِخِلَافِ الْيَسِيرِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، فَفِي اعْتِبَارِهِ انْسِدَادِ بَابِهِ. وَالصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ وَالْمُكَاتَبُ يَجُوزُ بَيْعُهُمْ وَشِرَاؤُهُمْ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ بِحُكْمِ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْإِذْنُ فَكُّ الْحَجْرِ، بِخِلَافِ الْوَصِيِّ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ الشَّرْعِيَّةِ نَظَرًا فَيَتَقَيَّدُ بِمَوْضِعِ النَّظَرِ. وَعِنْدَهُمَا لَا يَمْلِكُونَهُ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ بِالْفَاحِشِ مِنْهُ تَبَرُّعٌ لَا ضَرُورَةَ فِيهِ وَهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِهِ (وَإِذَا كَتَبَ كِتَابَ الشِّرَاءِ عَلَى وَصِيٍّ كَتَبَ كِتَابَ الْوَصِيَّةِ عَلَى حِدَةٍ وَكِتَابَ الشِّرَاءِ عَلَى حِدَةٍ) لِأَنَّ ذَلِكَ أَحْوَطُ، وَلَوْ كَتَبَ جُمْلَةً عَسَى أَنْ يَكْتُبَ الشَّاهِدُ شَهَادَتَهُ فِي آخِرِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ فَيَصِيرُ ذَلِكَ حَمْلًا لَهُ عَلَى الْكَذِبِ. ثُمَّ قِيلَ: يَكْتُبُ اشْتَرَى مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ وَلَا يَكْتُبُ مِنْ فُلَانٍ وَصِيِّ فُلَانٍ لِمَا بَيَّنَّا. وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْوِصَايَةَ تُعْلَمُ ظَاهِرًا. قَالَ (وَبَيْعُ الْوَصِيِّ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ جَائِزٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الْعَقَارِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَشَايِخِ، وَمَنْ لَا يُجَوِّزُهُ يَحْتَاجُ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ بَاعَ الْوَصِيُّ مَالَ الْيَتِيمِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَإِنَّهُ جَائِزٌ عَلَى مَا يَجِيءُ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْعَ مُعَاوَضَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْوَصِيُّ يَمْلِكُهَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا غَبَنٌ فَاحِشٌ. فَأَمَّا الْحَوَالَةُ فَلَيْسَتْ كَذَلِكَ لِجَوَازِهَا بِالْمُسْلَمِ فِيهِ وَبِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ، وَلَوْ كَانَتْ مُعَاوَضَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَانَ اسْتِبْدَالًا بِالْمُسْلَمِ فِيهِ وَبِرَأْسِ الْمَالِ وَهُوَ لَا يَصِحُّ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُبَادَلَةً كَانَتْ كَالْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ، وَالْوَصِيُّ لَا يَمْلِكُهَا مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْوَصِيِّ) وَاضِحٌ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا اشْتَرَى الْوَصِيُّ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ شَيْئًا لِنَفْسِهِ أَوْ بَاعَ مِنْ الْيَتِيمِ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ هَلْ يَجُوزُ أَوْ لَا. إنْ كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَتَفْسِيرُ الْمَنْفَعَةِ الظَّاهِرَةِ أَنْ يَبِيعَ مَا يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ بِعَشَرَةٍ مِنْ الصَّغِيرِ وَيَشْتَرِيَ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَصَاعِدًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ عَلَى كُلِّ حَالٍ (وَقَوْلُهُ وَالصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ لَهُ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ، وَالْمُكَاتَبُ يَجُوزُ بَيْعُهُمْ وَشِرَاؤُهُمْ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ بِحُكْمِ الْمَالِكِيَّةِ) أَيْ: يَتَصَرَّفُونَ بِأَهْلِيَّتِهِمْ لَا بِأَمْرِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فَكُّ الْحَجْرِ فَلَمْ يَكُنْ تَصَرُّفُهُمْ فِيهِ نِيَابَةٌ عَنْ أَحَدٍ، بِخِلَافِ الْوَصِيِّ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء: 34] قَالَ (وَإِذَا كَتَبَ كِتَابَ الشِّرَاءِ عَلَى وَصِيٍّ) هَذَا تَعْلِيمٌ لِكِتَابِ الْحُقُوقِ، وَالشُّهُودِ لِنَفْيِ تُهْمَةِ شَهَادَةِ الزُّورِ وَهُوَ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَحْوَطُ. وَقَوْلُهُ (وَبَيْعُ الْوَصِيِّ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ) قَيَّدَ بِالْكَبِيرِ؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ إذَا كَانُوا صِغَارًا جَازَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَبِيعَ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ الْعُرُوضَ وَالْعَقَارَ عَلَى جَوَابِ السَّلَفِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ سَوَاءٌ كَانُوا حَاضِرِينَ أَوْ غُيَّبًا

لِأَنَّ الْأَبَ يَلِي مَا سِوَاهُ وَلَا يَلِيهِ، فَكَذَا وَصِيُّهُ فِيهِ. وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْوَصِيُّ غَيْرَ الْعَقَارِ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ الْأَبُ عَلَى الْكَبِيرِ، إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَاهُ لِمَا أَنَّهُ حُفِظَ لِتَسَارُعِ الْفَسَادِ إلَيْهِ، وَحِفْظُ الثَّمَنِ أَيْسَرُ وَهُوَ يَمْلِكُ الْحِفْظَ، أَمَّا الْعَقَارُ فَمُحْصَنٌ بِنَفْسِهِ. قَالَ (وَلَا يَتْجُرُ فِي الْمَالِ) لِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهِ الْحِفْظُ دُونَ التِّجَارَةِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: وَصِيُّ الْأَخِ فِي الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ الْغَائِبِ بِمَنْزِلَةِ وَصِيِّ الْأَبِ فِي الْكَبِيرِ الْغَائِبِ، وَكَذَا وَصِيُّ الْأُمِّ وَوَصِيُّ الْعَمِّ. وَهَذَا الْجَوَابُ فِي تَرِكَةِ هَؤُلَاءِ لِأَنَّ وَصِيَّهُمْ قَائِمٌ مُقَامَهُمْ وَهُمْ يَمْلِكُونَ مَا يَكُونُ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ فَكَذَا وَصِيُّهُمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ: إنَّمَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ بَيْعُ عَقَارِ الصَّغِيرِ إذَا كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ لَا وَفَاءَ لَهُ إلَّا مِنْ ثَمَنِ الْعَقَارِ، أَوْ يَكُونُ لِلصَّغِيرِ حَاجَةٌ لِثَمَنِ الْعَقَارِ، أَوْ يَرْغَبُ الْمُشْتَرِي فِي شِرَائِهِ بِضِعْفِ الْقِيمَةِ. وَقَيَّدَ بِالْغَيْبَةِ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا كَانُوا حَضَرُوا لَيْسَ لِلْوَصِيِّ التَّصَرُّفُ فِي التَّرِكَةِ أَصْلًا، لَكِنْ يَتَقَاضَى دُيُونَ الْمَيِّتِ وَيَقْبِضُ حُقُوقَهُ وَيَدْفَعُ إلَى الْوَرَثَةِ، إلَّا إذَا كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ، وَلَمْ يَقْبِضْ الْوَرَثَةُ الدُّيُونَ وَلَمْ يُنَفِّذُوا الْوَصِيَّةَ مِنْ مَالِهِمْ فَإِنَّهُ يَبِيعُ التَّرِكَةَ كُلَّهَا إنْ كَانَ الدَّيْنُ مُحِيطًا أَوْ بِمِقْدَارِ الدَّيْنِ إنْ لَمْ يُحِطْ، وَلَهُ بَيْعُ مَا زَادَ عَلَى الدَّيْنِ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَتُنَفَّذُ الْوَصِيَّةُ بِمِقْدَارِ الثُّلُثِ، وَلَوْ بَاعَ لِتَنْفِيذِهَا شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ جَازَ بِمِقْدَارِهَا بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الزِّيَادَةِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الدَّيْنِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْأَبَ يَلِي مَا سِوَاهُ) دَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ وَاضِحٌ وَلَكِنَّ هَذَا الْمَذْكُورَ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى التَّرِكَةِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَإِنْ كَانَ وَهُوَ مُسْتَغْرِقٌ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ الْجَمِيعَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ قَضَاءُ الدُّيُونِ إلَّا بِالْبَيْعِ فَكَانَ مَأْمُورًا بِالْبَيْعِ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ يَبِيعُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ مِنْ الْمَنْقُولِ وَالْعَقَارِ وَالزِّيَادَةِ عَلَيْهِ مِنْ الْمَنْقُولِ بِالِاتِّفَاقِ، وَمِنْ الْعَقَارِ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، قَالَا فِي مَنْعِ بَيْعِ الزِّيَادَةِ: إنَّ جَوَازَهُ لِلْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ إلَى بَيْعِ الزَّائِدِ فَلَا يَجُوزُ. وَاسْتَحْسَنَ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ: الْوِلَايَةُ هَاهُنَا بِسَبَبِ الْوِصَايَةِ وَهِيَ لَا تَتَجَزَّأُ، فَمَتَى تَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ فِي بَيْعِ الْبَعْضِ تَثْبُتُ فِي الْبَاقِي؛ وَلِأَنَّ فِي بَيْعِ الْبَعْضِ إضْرَارًا لِتَعَيُّبِ الْبَاقِي فَكَانَ فِي بَيْعِ الْكُلِّ تَوْفِيرُ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِمْ، وَلِلْوَصِيِّ وِلَايَةُ ذَلِكَ فِي نَصِيبِ الْكَبِيرِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ يَمْلِكُ الْحِفْظَ وَبَيْعَ الْمَنْقُولَاتِ حَالَ غَيْبَتِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ. فَإِنْ قُلْت: قَدْ عُلِمَ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ كِبَارًا بِعِبَارَةِ الْكِتَابِ وَإِذَا كَانُوا صِغَارًا بِمَفْهُومِهِ، فَمَا حُكْمُهَا إذَا كَانُوا صِغَارًا وَكِبَارًا. قُلْت: حُكْمُهَا أَنَّ الْكِبَارَ إذَا كَانُوا غُيَّبًا وَخَلَتْ التَّرِكَةُ عَنْ دَيْنٍ، وَوَصِيَّةٍ فَلِلْوَصِيِّ بَيْعُ الْمَنْقُولِ بِالْإِجْمَاعِ وَبَيْعُ حِصَّةِ الصِّغَارِ مِنْ الْعَقَارِ، وَأَمَّا بَيْعُ حِصَّةِ الْكِبَارِ مِنْهُ فَعَلَى الْخِلَافِ الَّذِي مَرَّ، وَإِنْ اُشْتُغِلَتْ بِدَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ يَبِيعُ الْمَنْقُولَ وَالْعَقَارَ جَمِيعًا، وَبِغَيْرِ مُسْتَغْرِقٍ يَبِيعُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ مِنْ الْمَنْقُولِ وَالْعَقَارِ جَمِيعًا، وَفِي الزِّيَادَةِ الْخِلَافُ وَإِنْ كَانُوا حُضُورًا وَكَانَتْ التَّرِكَةُ خَالِيَةً عَنْ الدَّيْنِ يَبِيعُ حِصَّةَ الصِّغَارِ مِنْ الْعَقَارِ بِالْإِجْمَاعِ، وَفِي بَيْعِ حِصَّةِ الْكِبَارِ الْخِلَافُ، وَإِنْ كَانَتْ مَشْغُولَةً بِدَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ يَبِيعُ الْكُلَّ وَبِغَيْرِ مُسْتَغْرِقٍ بِقَدْرِهِ وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْخِلَافِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يَتَّجِرُ فِي الْمَالِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا الْجَوَابُ فِي تَرِكَةِ هَؤُلَاءِ) يَعْنِي: الْأَخَ وَالْأُمَّ وَالْعَمَّ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِتَرِكَةِ هَؤُلَاءِ؛ لِأَنَّ وَصِيَّ هَؤُلَاءِ فِيمَا تَرَكَ الْأَبُ لَيْسَ

[فصل في الشهادة]

قَالَ (وَالْوَصِيُّ أَحَقُّ بِمَالِ الصَّغِيرِ مِنْ الْجَدِّ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْجَدُّ أَحَقُّ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَقَامَهُ مُقَامَ الْأَبِ حَالَ عَدَمِهِ حَتَّى أَحْرَزَ الْمِيرَاثَ فَيُقَدَّمُ عَلَى وَصِيِّهِ. وَلَنَا أَنَّ بِالْإِيصَاءِ تَنْتَقِلُ وِلَايَةُ الْأَبِ إلَيْهِ فَكَانَتْ وِلَايَتُهُ قَائِمَةً مَعْنًى فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ كَالْأَبِ نَفْسِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ اخْتِيَارَهُ الْوَصِيَّ مَعَ عِلْمِهِ بِقِيَامِ الْجَدِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَصَرُّفَهُ أَنْظَرُ لِبَنِيهِ مِنْ تَصَرُّفِ أَبِيهِ (فَإِنْ لَمْ يُوصِ الْأَبُ فَالْجَدُّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ) لِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ وَأَشْفَقُهُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمْلِكَ الْإِنْكَاحَ دُونَ وَصِيٍّ، غَيْرَ أَنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ وَصِيُّ الْأَبِ فِي التَّصَرُّفِ لِمَا بَيَّنَّاهُ. (فَصْلٌ فِي الشَّهَادَةِ) قَالَ (وَإِذَا شَهِدَ الْوَصِيَّانِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى إلَى فُلَانٍ مَعَهُمَا فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ) لِأَنَّهُمَا مُتَّهَمَانِ فِيهَا لِإِثْبَاتِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQكَوَصِيِّ الْأَبِ فِي الْكَبِيرِ الْغَائِبِ؛ فَإِنَّ وَصِيَّ الْأُمِّ لَا يَمْلِكُ عَلَى الصَّغِيرِ بَيْعَ مَا وَرِثَهُ الصَّغِيرُ عَنْ أَبِيهِ، الْعَقَارُ، وَالْمَنْقُولُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْأُمِّ وَالْأُمُّ حَالَ حَيَاتِهَا لَا تَمْلِكُ بَيْعَ مَا وَرِثَهُ الصَّغِيرُ الْمَنْقُولُ وَالْعَقَارُ الْمَشْغُولُ بِالدَّيْنِ وَالْخَالِي عَنْهُ فَكَذَلِكَ وَصِيُّهَا، وَأَمَّا مَا وَرِثَهُ الصَّغِيرُ مِنْ الْأُمِّ فَلِوَصِيِّهَا فِيهِ بَيْعُ الْمَنْقُولِ دُونَ الْعَقَارِ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْحِفْظِ، وَبَيْعُ الْمَنْقُولِ مِنْ الْحِفْظِ دُونَ الْعَقَارِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى التَّرِكَةِ دَيْنٌ أَوْ وَصِيَّةٌ، أَمَّا إذَا كَانَ دَيْنٌ فَإِنْ كَانَ مُسْتَغْرِقًا فَلَهُ بَيْعُ الْكُلِّ وَدَخَلَ بَيْعُ الْعَقَارِ تَحْتَ وِلَايَتِهِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْعَقَارِ طَرِيقُ قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَقَضَاءُ الدَّيْنِ دَخَلَ تَحْتَ وِلَايَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا يَبِيعُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ، وَأَمَّا بَيْعُ الزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ فَعَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَارِّ، وَهَذَا الْجَوَابُ بِعَيْنِهِ هُوَ الْجَوَابُ عَنْ وَصِيِّ الْأَخِ وَالْعَمِّ؛ لِأَنَّهُ كَمَا لَا وِلَايَةَ لِلْأُمِّ عَلَى الصَّغِيرِ فِي الْمَالِ فَكَذَا لَا وِلَايَةَ لِلْأَخِ وَالْعَمِّ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (وَالْوَصِيُّ أَحَقُّ بِمَالِ الصَّغِيرِ مِنْ الْجَدِّ إلَخْ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَلَنَا أَنَّ بِالْإِيصَاءِ تَنْتَقِلُ وِلَايَةُ الْأَبِ إلَيْهِ إلَخْ. [فَصْلٌ فِي الشَّهَادَةِ] (فَصْلٌ فِي الشَّهَادَةِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: لَمَّا لَمْ تَكُنْ الشَّهَادَةُ فِي الْوَصِيَّةِ أَمْرًا مُخْتَصًّا بِالْوَصِيَّةِ أَخَّرَ ذِكْرَهَا لِعَدَمِ عَرَاقَتِهَا فِيهَا. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا شَهِدَ الْوَصِيَّانِ) ظَاهِرٌ.

مُعَيَّنًا لِأَنْفُسِهِمَا. قَالَ (إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهَا الْمَشْهُودُ لَهُ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَهُوَ فِي الْقِيَاسِ كَالْأَوَّلِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ التُّهْمَةِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ نَصْبِ الْوَصِيِّ ابْتِدَاءً أَوْ ضَمَّ آخَرَ إلَيْهِمَا بِرِضَاهُ بِدُونِ شَهَادَتِهِمَا فَيَسْقُطُ بِشَهَادَتِهِمَا مُؤْنَةُ التَّعْيِينِ عَنْهُ، أَمَّا الْوِصَايَةُ تَثْبُتُ بِنَصْبِ الْقَاضِي. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ إلَخْ) اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ وَصِيَّانِ فَالْقَاضِي لَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُنَصِّبَ عَنْ الْمَيِّتِ وَصِيًّا آخَرَ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ إذَا تَمَكَّنَتْ فِيهِ الشُّبْهَةُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقَاضِيَ وَإِنْ كَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَى نَصْبِ الْوَصِيِّ لَكِنَّ الْمُوصَى إلَيْهِمَا مَتَى شَهِدَا بِذَلِكَ كَانَ مِنْ زَعْمِهِمَا أَنَّهُ لَا تَدْبِيرَ لَنَا فِي هَذَا الْمَالِ إلَّا بِالثَّالِثِ، فَأَشْبَهَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ وَصِيٌّ وَهُنَاكَ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا، وَمَعْنَى قَبُولِ الشَّهَادَةِ إسْقَاطُ مُؤْنَةِ التَّعْيِينِ،

قَالَ (وَكَذَلِكَ الِابْنَانِ) مَعْنَاهُ إذَا شَهِدَا أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ وَهُوَ يُنْكِرُ لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا نَفْعًا بِنَصْبِ حَافِظٍ لِلتَّرِكَةِ. (وَلَوْ شَهِدَا) يَعْنِي الْوَصِيَّيْنِ (لِوَارِثٍ صَغِيرٍ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ أَوْ غَيْرِهِ فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ) لِأَنَّهُمَا يُظْهِرَانِ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ لِأَنْفُسِهِمَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ. قَالَ (وَإِنْ شَهِدَ لِوَارِثٍ كَبِيرٍ فِي مَالِ الْمَيِّتِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَالِ الْمَيِّتِ جَازَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: إنْ شَهِدَا لِوَارِثٍ كَبِيرٍ تَجُوزُ فِي الْوَجْهَيْنِ، لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتَ لَهُمَا وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي التَّرِكَةِ إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ كِبَارًا فَعَرِيَتْ عَنْ التُّهْمَةِ. وَلَهُ أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُمَا وِلَايَةُ الْحِفْظِ وَوِلَايَةُ بَيْعِ الْمَنْقُولِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْوَارِثِ فَتَحَقَّقَتْ التُّهْمَةُ بِخِلَافِ شَهَادَتِهَا فِي غَيْرِ التَّرِكَةِ لِانْقِطَاعِ وِلَايَةِ وَصِيِّ الْأَبِ عَنْهُ، لِأَنَّ الْمَيِّتَ أَقَامَهُ مُقَامَ نَفْسِهِ فِي تَرِكَتِهِ لَا فِي غَيْرِهَا. قَالَ (وَإِذَا شَهِدَ رَجُلَانِ لِرَجُلَيْنِ عَلَى مَيِّتٍ بِدَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْوِصَايَةُ تَثْبُتُ بِنَصْبِ الْقَاضِي. وَقَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ الِابْنَانِ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُهُ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا لَوْ شَهِدَا يَعْنِي الْوَصِيِّينَ إلَخْ) وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا شَهِدَ رَجُلَانِ لِرَجُلَيْنِ) جِنْسُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ: مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُوَ الشَّهَادَةُ بِالدَّيْنِ. وَالثَّانِي: مَا اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ وَهُوَ الشَّهَادَةُ بِالْوَصِيَّةِ بِجُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ التَّرِكَةِ كَالشَّهَادَةِ بِأَلْفٍ مُرْسَلَةٍ أَوْ بِثُلُثِ الْمَالِ. وَالثَّالِثُ: مَا اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِهِ وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَا لِرَجُلَيْنِ بِجَارِيَةٍ وَيَشْهَدَ الْمَشْهُودُ لَهُمَا لِلشَّاهِدَيْنِ بِوَصِيَّةِ عَبْدٍ. وَالرَّابِعُ: وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ آخِرًا هُوَ أَنْ يَشْهَدَا لِرَجُلَيْنِ بِعَيْنٍ وَيَشْهَدَ الْمَشْهُودُ لَهُمَا لِلشَّاهِدَيْنِ بِأَلْفٍ مُرْسَلَةٍ أَوْ بِثُلُثِ الْمَالِ، وَمَبْنَى ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى تُهْمَةِ الشَّرِكَةِ، فَمَا تَثْبُتُ فِيهِ التُّهْمَةُ لَا تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ وَهُوَ الثَّانِي وَالرَّابِعُ، وَمَا لَمْ تَثْبُتْ فِيهِ التُّهْمَةُ قُبِلَتْ كَالثَّالِثِ

[كتاب الخنثى]

أَلْفِ دِرْهَمٍ وَشَهِدَ الْآخَرَانِ لِلْأَوَّلَيْنِ بِمِثْلِ ذَلِكَ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا، فَإِنْ كَانَتْ شَهَادَةُ كُلِّ فَرِيقٍ لِلْآخَرِ بِوَصِيَّةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ لَمْ تَجُزْ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا تُقْبَلُ فِي الدَّيْنِ أَيْضًا. وَأَبُو حَنِيفَةَ فِيمَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ مَعَ أَبِي يُوسُفَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ. وَجْهُ الْقَبُولِ أَنَّ الدَّيْنَ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ وَهِيَ قَابِلَةٌ لِحُقُوقٍ شَتَّى فَلَا شَرِكَةَ، وَلِهَذَا لَوْ تَبَرَّعَ أَجْنَبِيٌّ بِقَضَاءِ دَيْنِ أَحَدِهِمَا لَيْسَ لِلْآخَرِ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ. وَجْهُ الرَّدِّ أَنَّ الدَّيْنَ بِالْمَوْتِ يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ إذْ الذِّمَّةُ خَرِبَتْ بِالْمَوْتِ، وَلِهَذَا لَوْ اسْتَوْفَى أَحَدُهُمَا حَقَّهُ مِنْ التَّرِكَةِ يُشَارِكُهُ الْآخَرُ فِيهِ فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ مُثْبِتَةً حَقَّ الشَّرِكَةِ فَتَحَقَّقَتْ التُّهْمَةُ، بِخِلَافِ حَالِ حَيَاةِ الْمَدْيُونِ لِأَنَّهُ فِي الذِّمَّةِ لِبَقَائِهَا لَا فِي الْمَالِ فَلَا تَتَحَقَّقُ الشَّرِكَةُ. قَالَ (وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَوْصَى لِهَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ بِجَارِيَتِهِ وَشَهِدَ الْمَشْهُودُ لَهُمَا أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لِلشَّاهِدَيْنِ بِعَبْدِهِ جَازَتْ الشَّهَادَةُ بِالِاتِّفَاقِ) لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ فَلَا تُهْمَةَ. (وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَوْصَى لِهَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ بِثُلُثِ مَالِهِ وَشَهِدَ الْمَشْهُودُ لَهُمَا أَنَّهُ أَوْصَى لِلشَّاهِدَيْنِ بِثُلُثِ مَالِهِ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ، وَكَذَا إذَا شَهِدَ الْأَوَّلَانِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لِهَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ بِعَبْدٍ وَشَهِدَ الْمَشْهُودُ لَهُمَا أَنَّهُ أَوْصَى لِلْأَوَّلَيْنِ بِثُلُثِ مَالِهِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُثْبِتَةٌ لِلشَّرِكَةِ. . [كِتَابُ الْخُنْثَى] [فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْخُنْثَى] . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ. وَأَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فَقَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِيهِ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا، فَوَجْهُ الْقَبُولِ وَهُوَ الَّذِي ثَبَتَ عَلَيْهِ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ وَلَمْ يَطَّرِدْ أَنَّ الدَّيْنَ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ وَهِيَ قَابِلَةٌ لِحُقُوقٍ شَتَّى فَلَا شَرِكَةَ؛ وَلِهَذَا لَوْ تَبَرَّعَ أَجْنَبِيٌّ بِقَضَاءِ دَيْنِ أَحَدِهِمَا لَيْسَ لِلْآخَرِ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ. وَوَجْهُ الرَّدِّ أَنَّ الدَّيْنَ بِالْمَوْتِ يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ لِخَرَابِ الذِّمَّةِ بِهِ؛ وَلِهَذَا لَوْ اسْتَوْفَى أَحَدُهُمَا حَقَّهُ مِنْ التَّرِكَةِ شَارَكَهُ الْآخَرُ فِيهِ فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ مُثْبِتَةً حَقَّ الشَّرِكَةِ فَتَحَقَّقَتْ التُّهْمَةُ، بِخِلَافِ حَالِ حَيَاةِ الْمَدْيُونِ؛ لِأَنَّهُ فِي الذِّمَّةِ لِبَقَائِهَا لَا فِي الْمَالِ فَلَا تَتَحَقَّقُ الشَّرِكَةُ.

(كِتَابُ الْخُنْثَى) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (كِتَابُ الْخُنْثَى)

(فَصْلٌ فِي بَيَانِهِ) قَالَ (وَإِذَا كَانَ لِلْمَوْلُودِ فَرْجٌ وَذَكَرٌ فَهُوَ خُنْثَى، فَإِنْ كَانَ يَبُولُ مِنْ الذَّكَرِ فَهُوَ غُلَامٌ، وَإِنْ كَانَ يَبُولُ مِنْ الْفَرْجِ فَهُوَ أُنْثَى) «لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سُئِلَ عَنْهُ كَيْفَ يُورَثُ؟ فَقَالَ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ» وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِثْلُهُ. وَلِأَنَّ الْبَوْلَ مِنْ أَيِّ عُضْوٍ كَانَ فَهُوَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْعُضْوُ الْأَصْلِيُّ الصَّحِيحُ وَالْآخَرُ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ (وَإِنْ بَال مِنْهُمَا فَالْحُكْمِ لِلْأَسْبَقِ) لِأَنَّ ذَلِكَ دَلَالَةً أُخْرَى عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْعُضْوُ الْأَصْلِيُّ (وَإِنْ كَانَا فِي السَّبْقِ عَلَى السَّوَاءِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِالْكَثْرَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: يُنْسَبُ إلَى أَكْثَرِهِمَا بَوْلًا) لِأَنَّهُ عَلَامَةُ قُوَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ فِي بَيَانِهِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ مَنْ غَلَبَ وُجُودُهُ ذَكَرَ أَحْكَامَ مَنْ هُوَ نَادِرُ الْوُجُودِ. وَذَكَرَ فِي الْمُغْرِبِ أَنَّ تَرْكِيبَ الْخَنْثِ يَدُلُّ عَلَى لِينٍ وَتَكَسُّرٍ وَمِنْهُ الْمُخَنَّثُ وَتَخَنَّثَ فِي كَلَامِهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْفَصْلُ إنَّمَا يُذْكَرُ لِقَطْعِ شَيْءٍ مِنْ شَيْءٍ آخَرَ بِاعْتِبَارِ نَوْعِ مُغَايَرَةٍ بَيْنَهُمَا وَهَاهُنَا لَمْ يَتَقَدَّمْ شَيْءٌ فَمَا وَجْهُ ذِكْرِ الْفَصْلِ؟ قُلْت: كَلَامُهُ فِي قُوَّةِ أَنْ يُقَالَ هَذَا الْكِتَابُ فِيهِ فَصْلَانِ: فَصْلٌ: فِي بَيَانِ الْخُنْثَى، وَفَصْلٌ: فِي أَحْكَامِهِ، وَمَا ذَكَرْت فَإِنَّمَا هُوَ فِي وُقُوعِهِ فِي التَّفْصِيلِ لَا فِي الْإِجْمَالِ (قَالَ وَإِذَا كَانَ إلَخْ) أَيْ قَالَ الْقُدُورِيُّ: إذَا كَانَ لِلْمَوْلُودِ فَرْجٌ وَذَكَرٌ فَهُوَ خُنْثَى، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاوَ الْوَاقِعَةَ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ لِلِاسْتِئْنَافِ وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (فَهُوَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْعُضْوُ الْأَصْلِيُّ الصَّحِيحُ) وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ فِي الْحَيَوَانِ كُلَّ عُضْوٍ لِمَنْفَعَةٍ، وَمَنْفَعَةُ هَاتَيْنِ الْآلَتَيْنِ عِنْدَ الِانْفِصَالِ مِنْ الْأُمِّ لَيْسَتْ إلَّا خُرُوجُ الْبَوْلِ مِنْهُمَا، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْمَنَافِعِ يَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْأَصْلِيَّةَ لِلْآلَةِ كَوْنُهَا مَبَالًا؛ فَإِذَا بَالَ مِنْ أَحَدِهِمَا عُرِفَ أَنَّ الْآلَةَ الَّتِي هِيَ لِلْفَصْلِ فِي حَقِّهِ هَذِهِ وَالْآخَرُ زِيَادَةُ خَرْقٍ فِي الْبَدَنِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ. وَحَاصِلُهُ إنْ ظَهَرَتْ عَلَامَةُ الرِّجَالِ فَهُوَ رَجُلٌ، وَإِنْ ظَهَرَتْ عَلَامَةُ النِّسَاءِ فَهُوَ امْرَأَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ أَوْ تَعَارَضَتْ الْعَلَامَاتُ فَهُوَ خُنْثَى مُشْكِلٌ، وَهَذَا يَرْفَعُ مَا يُقَالُ: لَا إشْكَالَ بَعْدَ الْبُلُوغِ إلَّا إذَا أُرِيدَ بِهِ الْغَالِبُ.

[فصل في أحكام الخنثى]

ذَلِكَ الْعُضْوِ وَكَوْنُهُ عُضْوًا أَصْلِيًّا، وَلِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ فِي أُصُولِ الشَّرْعِ فَيَتَرَجَّحُ بِالْكَثْرَةِ. وَلَهُ أَنَّ كَثْرَةَ الْخُرُوجِ لَيْسَ يَدُلُّ عَلَى الْقُوَّةِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِاتِّسَاعٍ فِي أَحَدِهِمَا وَضِيقٍ فِي الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْهُمَا عَلَى السَّوَاءِ فَهُوَ مُشْكِلٌ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ. قَالَ (وَإِذَا بَلَغَ الْخُنْثَى وَخَرَجَتْ لَهُ اللِّحْيَةُ أَوْ وَصَلَ إلَى النِّسَاءِ فَهُوَ رَجُلٌ) وَكَذَا إذَا احْتَلَمَ كَمَا يَحْتَلِمُ الرَّجُلُ أَوْ كَانَ لَهُ ثَدْيٌ مُسْتَوٍ، لِأَنَّ هَذِهِ مِنْ عَلَامَاتِ الذُّكْرَانِ (وَلَوْ ظَهَرَ لَهُ ثَدْيٌ كَثَدْيِ الْمَرْأَةِ أَوْ نَزَلَ لَهُ لَبَنٌ فِي ثَدْيِهِ أَوْ حَاضَ أَوْ حَبِلَ أَوْ أَمْكَنَ الْوُصُولُ إلَيْهِ مِنْ الْفَرْجِ فَهُوَ امْرَأَةٌ) لِأَنَّ هَذِهِ مِنْ عَلَامَاتِ النِّسَاءِ (وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ إحْدَى هَذِهِ الْعَلَامَاتِ فَهُوَ خُنْثَى مُشْكِلٌ) وَكَذَا إذَا تَعَارَضَتْ هَذِهِ الْمَعَالِمُ. (فَصْلٌ فِي أَحْكَامِهِ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْأَصْلُ فِي الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ أَنْ يُؤْخَذَ فِيهِ بِالْأَحْوَطِ وَالْأَوْثَقِ فِي أُمُورِ الدِّينِ، وَأَنْ لَا يَحْكُمَ بِثُبُوتِ حُكْمٍ وَقَعَ الشَّكُّ فِي ثُبُوتِهِ. قَالَ (وَإِذَا وَقَفَ خَلْفَ الْإِمَامِ قَامَ بَيْنَ صَفِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ فَلَا يَتَخَلَّلُ الرِّجَالَ كَيْ لَا يُفْسِدَ صَلَاتَهُمْ وَلَا النِّسَاءَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجُلٌ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ. (فَإِنْ قَامَ فِي صَفِّ النِّسَاءِ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ صَلَاتَهُ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجُلٌ (وَإِنْ قَامَ فِي صَفِّ الرِّجَالِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَيُعِيدُ الَّذِي عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْخُنْثَى] (فَصْلٌ فِي أَحْكَامِهِ) لَمَّا كَانَ الْغَرَضُ مِنْ ذِكْرِ الْخُنْثَى مَعْرِفَةَ أَحْكَامِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُشْكِلِ إمَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً وَحُكْمُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْلُومٌ، ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَحْكَامَهُ فَقَالَ (الْأَصْلُ فِي الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ) وَلَمْ يَقُلْ الْمُشْكِلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُعْلَمْ تَذْكِيرُهُ وَتَأْنِيثُهُ وَالْأَصْلُ هُوَ الذَّكَرُ؛ لِأَنَّ حَوَّاءَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعِ آدَمَ اعْتَبَرَهُ فَإِنْ قَامَ فِي صَفِّ النِّسَاءِ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ صَلَاتَهُ (لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجُلٌ) قِيلَ: وَإِنَّمَا قَالَ بِاسْتِحْبَابِ إعَادَةِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَقُلْ بِالْوُجُوبِ وَالْأَخْذُ بِالِاحْتِيَاطِ فِي بَابِ الْعِبَادَاتِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُسْقِطَ وَهُوَ الْأَدَاءُ مَعْلُومٌ، وَالْمُفْسِدَ وَهُوَ مُحَاذَاةُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ فِي صَلَاةٍ مُشْتَرَكَةٍ مَوْهُومٌ، فَلِلْوَهْمِ أُحِبُّ لَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ. فَإِنْ قِيلَ:

يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ وَاَلَّذِي خَلْفَهُ بِحِذَائِهِ صَلَاتَهُمْ احْتِيَاطًا) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ. قَالَ (وَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ يُصَلِّيَ بِقِنَاعٍ) لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ امْرَأَةٌ (وَيَجْلِسَ فِي صَلَاتِهِ جُلُوسَ الْمَرْأَةِ) لِأَنَّهُ إنْ كَانَ رَجُلًا فَقَدْ تَرَكَ سُنَّةً وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً فَقَدْ ارْتَكَبَ مَكْرُوهًا لِأَنَّ السِّتْرَ عَلَى النِّسَاءِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ (وَإِنْ صَلَّى بِغَيْرِ قِنَاعٍ أَمَرْته أَنْ يُعِيدَ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ وَهُوَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَإِنْ لَمْ يُعِدْ أَجْزَأَهُ (وَتَبْتَاعُ لَهُ أَمَةٌ تَخْتِنُهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ) لِأَنَّهُ يُبَاحُ لِمَمْلُوكَتِهِ النَّظَرُ إلَيْهِ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً. وَيُكْرَهُ أَنْ يَخْتِنَهُ رَجُلٌ لِأَنَّهُ عَسَاهُ أُنْثَى أَوْ تَخْتِنُهُ امْرَأَةٌ لِأَنَّهُ لَعَلَّهُ رَجُلٌ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِيمَا قُلْنَا (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ ابْتَاعَ لَهُ الْإِمَامُ أَمَةً مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّهُ أُعِدَّ لِنَوَائِب الْمُسْلِمِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخُنْثَى إذَا كَانَ مُرَاهِقًا فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَفْسَدَهَا؛ فَإِنْ كَانَ بَالِغًا فَالْإِعَادَةُ وَاجِبَةٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا وَجَبَ الْإِعَادَةُ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى لَا يَلْزَمُهُ فَنَجِبُ احْتِيَاطًا، فَمَا وَجْهُ قَوْلِهِ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ. أُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَهُ إذَا كَانَ مُرَاهِقًا فَالْإِعَادَةُ مُسْتَحَبَّةٌ تَخَلُّقًا وَاعْتِيَادًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ بَالِغًا فَالْإِعَادَةُ وَاجِبَةٌ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ تَكُونُ إعَادَةُ مَنْ عَلَى يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ وَخَلْفَهُ وَبِحِذَائِهِ إذَا قَامَ فِي صَفِّ الرِّجَالِ وَاجِبَةٌ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِعَادَةِ هُوَ الْإِعَادَةُ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ مُحَاذَاةَ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ فِي حَقِّهِمْ مَوْهُومٌ. وَقَوْلُهُ (وَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ يُصَلِّيَ بِقِنَاعٍ) يَعْنِي إذَا كَانَ مُرَاهِقًا، وَأَمَّا إذَا بَلَغَ بِالسِّنِّ فَذَاكَ وَاجِبٌ. وَقَوْلُهُ (وَهُوَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ) يَعْنِي إذَا كَانَ غَيْرَ بَالِغٍ، وَأَمَّا إذَا بَلَغَ بِالسِّنِّ وَلَمْ يَظْهَرْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ عَلَامَاتِ الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ فَالْإِعَادَةُ وَاجِبَةٌ. وَقَوْلُهُ (؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لِمَمْلُوكَتِهِ النَّظَرُ إلَيْهِ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً) قِيلَ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فِي حَقِّ الرَّجُلِ لَكِنَّهُ فَاسِدٌ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ لَا يُبَاحُ لَهَا النَّظَرُ إلَى مَوَاضِعِ الْعَوْرَةِ مِنْ سَيِّدَتِهَا، بَلْ لَهَا أَنْ تَنْظُرَ مِنْ مَوْلَاتِهَا إلَى مَا لَهَا أَنْ تَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ الْأَجْنَبِيَّاتِ. وَالصَّوَابُ فِي التَّعْلِيلِ وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَإِنَّهُ نَظَرُ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ وَهُوَ أَحَقُّ مِنْهُ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ؛ فَلَيْسَ لِلْمِلْكِ تَأْثِيرٌ فِي إبَاحَةِ نَظَرِ الْمَمْلُوكَةِ إلَى سَيِّدَتِهَا. فَإِنْ قِيلَ: فَلَوْ زَوَّجَهُ الْمَوْلَى امْرَأَةً بِمَهْرٍ يَسِيرٍ أَغْنَتْهُ عَنْ شِرَاءِ الْجَارِيَةِ بِثَمَنٍ كَثِيرٍ لِحُصُولِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ. أُجِيبَ بِأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ لِعَدَمِ التَّيَقُّنِ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ مَا لَمْ

(فَإِذَا خَتَنَتْهُ بَاعَهَا وَرَدَّ ثَمَنَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ) لِوُقُوعِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا. (وَيُكْرَهُ لَهُ فِي حَيَاتِهِ لُبْسُ الْحُلِيِّ وَالْحَرِيرِ، وَأَنْ يَتَكَشَّفَ قُدَّامَ الرِّجَالِ أَوْ قُدَّامَ النِّسَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَتَبَيَّنْ أَمْرُهُ، وَمَعَ هَذَا لَوْ فَعَلَ كَانَ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ الْخُنْثَى إنْ كَانَ امْرَأَةً فَهَذَا نَظَرُ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ وَالنِّكَاحُ لَغْوٌ، وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا فَهُوَ نَظَرُ الْمَنْكُوحَةِ إلَى زَوْجِهَا. (وَقَوْلُهُ وَيُكْرَهُ لَهُ فِي حَيَاتِهِ لُبْسُ الْحَرِيرِ) قِيلَ: لَا فَائِدَةَ لِقَوْلِهِ فِي حَيَاتِهِ فَإِنَّهُ لَا لُبْسَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَإِنَّمَا هُوَ إلْبَاسٌ فَكَانَ مَعْنَاهُ مَفْهُومًا مِنْ قَوْلِهِ لَبِسَ، وَهُوَ مُنَاقَشَةٌ سَهْلَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا يُذْكَرُ فِي التَّرَاكِيبِ يَكُونُ قَيْدًا لِلْإِخْرَاجِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهَا بَيَانًا لِلْوَاقِعِ، وَإِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لُبْسَ الْحَرِيرِ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ وَحَالُهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ بَعْدُ فَيُؤْخَذُ بِالِاحْتِيَاطِ؛ فَإِنَّ الِاجْتِنَابَ عَنْ الْحَرَامِ فَرْضٌ وَالْإِقْدَامُ عَلَى الْمُبَاحِ مُبَاحٌ فَيُكْرَهُ اللُّبْسُ حَذَرًا عَنْ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ. وَقَوْلُهُ (وَأَنْ يَتَكَشَّفَ قُدَّامَ الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ) يَعْنِي إذَا كَانَ مُرَاهِقًا، وَالْمُرَادُ بِالِانْكِشَافِ هُوَ أَنْ يَكُونَ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ لَا إبْدَاءَ مَوْضِعِ الْعَوْرَةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لِغَيْرِ الْأُنْثَى أَيْضًا) . وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ نَظَرَ الْمَرْأَةِ إلَى الْمَرْأَةِ كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ

وَأَنْ يَخْلُوَ بِهِ غَيْرُ مَحْرَمٍ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ، وَأَنْ يُسَافِرَ مِنْ غَيْرِ مَحْرَمٍ مِنْ الرِّجَالِ) تَوَقِّيًا عَنْ احْتِمَالِ الْمَحْرَمِ (وَإِنْ أَحْرَمَ وَقَدْ رَاهَقَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا عِلْمَ لِي فِي لِبَاسِهِ) لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا يُكْرَهُ لَهُ لُبْسُ الْمِخْيَطِ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى يُكْرَهُ لَهُ تَرْكُهُ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَلْبَسُ لِبَاسَ الْمَرْأَةِ) لِأَنَّ تَرْكَ لُبْسِ الْمِخْيَطِ وَهُوَ امْرَأَةٌ أَفْحَشُ مِنْ لُبْسِهِ وَهُوَ رَجُلٌ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ. (وَمَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَوَلَدَتْ خُنْثَى لَمْ يَقَعْ حَتَّى يَسْتَبِينَ أَمْرُ الْخُنْثَى) لِأَنَّ الْخَنَثَ لَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ (وَلَوْ قَالَ كُلُّ عَبْدٍ لِي حُرٌّ أَوْ قَالَ كُلُّ أَمَةٍ لِي حُرَّةٌ وَلَهُ مَمْلُوكٌ خُنْثَى لَمْ يُعْتَقْ حَتَّى يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ) لِمَا قُلْنَا (وَإِنْ قَالَ الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا عَتَقَ) لِلتَّيَقُّنِ بِأَحَدِ الْوَصْفَيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُهْمَلٍ (وَإِنْ قَالَ الْخُنْثَى أَنَا رَجُلٌ أَوْ أَنَا امْرَأَةٌ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إذَا كَانَ مُشْكِلًا) لِأَنَّهُ دَعْوَى يُخَالِفُ قَضِيَّةَ الدَّلِيلِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُشْكِلًا يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ) لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِهِ مِنْ غَيْرِهِ (وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ لَمْ يُغَسِّلْهُ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ) لِأَنَّ حَلَّ الْغُسْلِ غَيْرُ ثَابِتٍ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ (فَيَتَوَقَّى لِاحْتِمَالِ الْحُرْمَةِ وَيُيَمَّمُ بِالصَّعِيدِ) لِتَعَذُّرِ الْغُسْلِ (وَلَا يَحْضُرُ إنْ كَانَ مُرَاهِقًا غُسْلَ رَجُلٍ وَلَا امْرَأَةٍ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى (وَإِنْ سَجَّى قَبْرَهُ فَهُوَ أَحَبُّ) لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أُنْثَى يُقِيمُ وَاجِبًا، وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا فَالتَّسْجِيَةُ لَا تَضُرُّهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ لَجَازَ لَهُ التَّكَشُّفُ لِلنِّسَاءِ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ. وَقَوْلُهُ (وَأَنْ يَخْلُوَ بِهِ) أَيْ يُكْرَهَ أَنْ يَخْلُوَ بِهِ (غَيْرُ مَحْرَمٍ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مِنْهَا بِسَبِيلٍ فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ» وَأَمْرُهُ فِي ذَلِكَ مُحْتَمَلٌ نَظَرًا إلَى حَالَيْهِ. وَقَوْلُهُ (لَا عِلْمَ لِي فِي لِبَاسِهِ) يَعْنِي لِاشْتِبَاهِ حَالِهِ وَعَدَمِ الْمُرَجِّحِ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (لِمَا قُلْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ لَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ بِالْقَوْلَيْنِ) يَعْنِي: أَنْ يَقُولَ كُلُّ عَبْدٍ لِي وَكُلُّ أَمَةٍ لِي فَهُوَ حُرٌّ وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُهْمَلٍ) يَعْنِي أَنَّهُ فِي الْوَاقِعِ لَيْسَ بِخَالٍ عَنْ أَحَدِ الْحَالَيْنِ. وَقَوْلُهُ (؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى يُخَالِفُ قَضِيَّةَ الدَّلِيلِ) ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي بَقَاءَ الْإِشْكَالِ وَهُوَ لَا يُعْلَمُ فِي ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ خِلَافٌ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ غَيْرُهُ. وَقَوْلُهُ (يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ) إنَّمَا قَالَ بِلَفْظِ يَنْبَغِي؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ غَيْرُ مَذْكُورٍ فَلَمْ يَتَيَقَّنْ بِهِ (وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ حِلَّ الْغُسْلِ غَيْرُ ثَابِتٍ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) أَيْ غُسْلُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةِ، وَعَكْسُهُ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي الشَّرْعِ؛ فَإِنَّ النَّظَرَ إلَى الْعَوْرَةِ حَرَامٌ وَالْحُرْمَةُ لَمْ تَنْكَشِفْ بِالْمَوْتِ، إلَّا إنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ أَخَفُّ فَلِأَجْلِ الضَّرُورَةِ أُبِيحَ نَظَرُ الْجِنْسِ عِنْدَ الْغُسْلِ، وَالْمُرَاهِقُ كَالْبَالِغِ فِي وُجُوبِ سَتْرِ عَوْرَتِهِ؛ فَإِنْ كَانَ مُشْكِلًا لَمْ يُعْرَفْ لَهُ جِنْسٌ فَتَعَذَّرَ غُسْلُهُ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ تَعَذَّرَ غُسْلُهُ؛ لِعَدَمِ مَا يُغْسَلُ بِهِ فَيُيَمَّمُ بِالصَّعِيدِ، وَهُوَ نَظِيرُ امْرَأَةٍ مَاتَتْ بَيْنَ رِجَالٍ أَوْ عَكْسِهِ فَإِنَّهُ

(وَإِذَا مَاتَ فَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَعَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وُضِعَ الرَّجُلُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَالْخُنْثَى خَلْفَهُ وَالْمَرْأَةُ خَلْفَ الْخُنْثَى فَيُؤَخَّرُ عَنْ الرَّجُلِ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ (وَيُقَدَّمُ عَلَى الْمَرْأَةِ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجُلٌ. (وَلَوْ دُفِنَ مَعَ رَجُلٍ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ مِنْ عُذْرٍ جُعِلَ الْخُنْثَى خَلْفَ الرَّجُلِ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ (وَيُجْعَلُ بَيْنهمَا حَاجِزٌ مِنْ صَعِيدٍ، وَإِنْ كَانَ مَعَ امْرَأَةٍ قُدِّمَ الْخُنْثَى) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجُلٌ (وَإِنْ جُعِلَ عَلَى السَّرِيرِ نَعْشُ الْمَرْأَةِ فَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ عَوْرَةٌ، (وَيُكَفَّنُ كَمَا تُكَفَّنُ الْجَارِيَةُ وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ) يَعْنِي يُكَفَّنُ فِي خَمْسِ أَثْوَابٍ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ أُنْثَى فَقَدْ أُقِيمَتْ سُنَّةٌ، وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا فَقَدْ زَادُوا عَلَى الثَّلَاثِ وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ. (وَلَوْ مَاتَ أَبُوهُ وَخَلَفَ ابْنًا فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَثْلَاثًا لِلِابْنِ سَهْمَانِ، وَلِلْخُنْثَى سَهْمٌ وَهُوَ أُنْثَى عِنْدَهُ فِي الْمِيرَاثِ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ غَيْرَ ذَلِكَ) وَقَالَا: لِلْخُنْثَى نِصْفُ مِيرَاثِ ذَكَرٍ وَنِصْفُ مِيرَاثِ أُنْثَى وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ. وَاخْتَلَفَا فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا لِلِابْنِ سَبْعَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُيَمَّمُ بِالصَّعِيدِ مَعَ الْخِرْقَةِ إنْ يَمَّمَ الْأَجْنَبِيُّ، وَبِغَيْرِهَا إنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَيِّتِ، وَيَنْظُرُ الْمُيَمِّمُ إلَى وَجْهِهِ وَيُعْرِضُ وَجْهَهُ عَنْ ذِرَاعَيْهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً، وَلَا يَشْتَرِي جَارِيَةً لِلْغُسْلِ كَمَا كَانَ يُفْعَلُ لِلْخِتَانِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَقْبَلُ الْمَالِكِيَّةَ فَالشِّرَاءُ غَيْرُ مُفِيدٍ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ لِلْخِتَانِ فَإِنَّهُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَلَهُ أَهْلِيَّةُ الْمَالِكِيَّةِ فِيهَا. وَقَوْلُهُ (وَضْعُ الرَّجُلِ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَالْخُنْثَى خَلْفَهُ) يَعْنِي اعْتِبَارًا بِحَالِ الْحَيَاةِ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ بَيْنَ صَفِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَكَانَ فِي الْقُرْبِ مِنْ الْإِمَامِ بَعْدَ دَرَجَةٍ، فَكَذَلِكَ فِي حَالِ الْمَمَاتِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِيَلِيَنِّي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى» (وَلَوْ دُفِنَ مَعَ رَجُلٍ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ مِنْ عُذْرٍ جُعِلَ الْخُنْثَى خَلْفَ الرَّجُلِ) يَعْنِي يُقَدَّمُ الرَّجُلُ إلَى جَانِبِ الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّ جِهَتَهَا أَشْرَفُ، فَالرَّجُلُ لِلتَّقْرِيبِ إلَيْهِ أَوْلَى، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ " أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِتَقْدِيمِ أَكْثَرِهِمْ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ جَانِبَ الْقِبْلَةِ " (وَيُجْعَلُ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ مِنْ صَعِيدٍ) لِيَصِيرَ ذَلِكَ فِي حُكْمِ قَبْرَيْنِ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ جُعِلَ عَلَى السَّرِيرِ نَعْشُ الْمَرْأَةِ) النَّعْشُ شِبْهُ الْمِحَفَّةِ مُشْتَبِكٌ يُطْبَقُ عَلَى الْمَرْأَةِ إذَا وُضِعَتْ عَلَى الْجِنَازَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا فَقَدْ زَادُوا عَلَى الثَّلَاثِ) فَلَا بِذَلِكَ بَأْسَ؛ لِأَنَّ عَدَدَ الْكَفَنِ مُعْتَبَرٌ بِعَدَدِ الثِّيَابِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ، فَالزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاثَةِ فِي الْكَفَنِ لِلرَّجُلِ غَيْرُ ضَائِرَةٍ كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ؛ فَإِنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَلْبَسَ حَالَ حَيَاتِهِ أَزْيَدَ عَلَى الثَّلَاثَةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ أُنْثَى كَانَ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الثَّلَاثَةِ تَرْكُ السُّنَّةِ؛ فَإِنَّ السُّنَّةَ فِي كَفَنِهَا خَمْسَةُ أَثْوَابٍ. (قَالَ وَلَوْ مَاتَ أَبُوهُ وَخَلَّفَ ابْنًا) اعْلَمْ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا الْحَسَنِ الْقُدُورِيَّ ذَكَرَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ، وَكَذَلِكَ أَثْبَتَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكِتَابِ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْبَغْدَادِيُّ. وَفِي عَامَّةِ الْكُتُبِ ذَكَرَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَكِنْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ اخْتَلَفَا فِي تَخْرِيجِ قَوْلِ الشَّعْبِيِّ، فَمُحَمَّدٌ فَسَّرَهُ عَلَى وَجْهٍ وَلَمْ يَأْخُذْ بِهِ. وَأَبُو يُوسُفَ فَسَّرَهُ عَلَى وَجْهٍ وَلَمْ يَأْخُذْ بِهِ، وَهُوَ أَنْ تُجْعَلَ الْمَسْأَلَةُ عَلَى سَبْعَةٍ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ وَفَسَّرَهُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ تَفْسِيرُ مُحَمَّدٍ بِأَنْ تُجْعَلَ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ وَأَخَذَ بِهِ، وَكَانَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ

وَلِلْخُنْثَى خَمْسَةٌ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى سَبْعَةٍ لِلِابْنِ أَرْبَعَةٌ وَلِلْخُنْثَى ثَلَاثَةٌ، لِأَنَّ الِابْنَ يَسْتَحِقُّ كُلَّ الْمِيرَاثِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ وَالْخُنْثَى ثَلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ، فَعِنْدَ الِاجْتِمَاعِ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حَقَّيْهِمَا هَذَا يَضْرِبُ بِثَلَاثَةٍ وَذَلِكَ يَضْرِبُ بِأَرْبَعَةٍ فَيَكُونُ سَبْعَةً. وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْخُنْثَى لَوْ كَانَ ذَكَرًا يَكُونُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى يَكُونُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا احْتَجْنَا إلَى حِسَابٍ لَهُ نِصْفٌ وَثُلُثٌ، وَأَقَلُّ ذَلِكَ سِتَّةٌ، فَفِي حَالٍ يَكُونُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَلَاثَةٌ، وَفِي حَالٍ يَكُونُ أَثْلَاثًا لِلْخُنْثَى سَهْمَانِ وَلِلِابْنِ أَرْبَعَةٌ، فَسَهْمَانِ لِلْخُنْثَى ثَابِتَانِ بِيَقِينٍ. وَوَقَعَ الشَّكُّ فِي السَّهْمِ الزَّائِدِ فَيَتَنَصَّفُ فَيَكُونُ لَهُ سَهْمَانِ وَنِصْفٌ فَانْكَسَرَ فَيُضَعَّفُ لِيَزُولَ الْكَسْرُ فَصَارَ الْحِسَابُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِلْخُنْثَى خَمْسَةٌ وَلِلِابْنِ سَبْعَةٌ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحَاجَةَ هَاهُنَا إلَى إثْبَاتِ الْمَالِ ابْتِدَاءً، وَالْأَقَلُّ وَهُوَ مِيرَاثُ الْأُنْثَى مُتَيَقَّنٌ بِهِ، وَفِيمَا زَادَ عَلَيْهِ شَكٌّ، فَأَثْبَتْنَا الْمُتَيَقَّنَ قَصْرًا عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمَالَ لَا يَجِبُ بِالشَّكِّ وَصَارَ كَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفَنَقُولُ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ إذَا مَاتَ أَبُو الْخُنْثَى وَتَرَكَ ابْنًا فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلِابْنِ سَهْمَانِ وَلِلْخُنْثَى سَهْمٌ وَهُوَ أُنْثَى عِنْدَهُ فِي الْمِيرَاثِ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ غَيْرُ ذَلِكَ أَيْ: غَيْرُ كَوْنِهِ أُنْثَى لِظُهُورِ إحْدَى عَلَامَاتِ الذُّكُورِ بِلَا مُعَارِضٍ فَحِينَئِذٍ يُعْتَبَرُ ذَكَرًا. وَقَالَا: لِلْخُنْثَى نِصْفُ مِيرَاثِ ذَكَرٍ، وَنِصْفُ مِيرَاثِ أُنْثَى، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيِّ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَاخْتَلَفَا فِي قِيَاسِ قَوْلِ الشَّعْبِيِّ قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا لِلِابْنِ سَبْعَةٌ وَلِلْخُنْثَى خَمْسَةٌ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى سَبْعَةٍ لِلِابْنِ أَرْبَعَةٌ وَلِلْخُنْثَى ثَلَاثَةٌ؛ لِأَنَّ الِابْنَ يَسْتَحِقُّ كُلَّ الْمِيرَاثِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ، وَالْخُنْثَى يَسْتَحِقُّ ثَلَاثَةَ الْأَرْبَاعِ؛ لِأَنَّ الْخُنْثَى فِي حَالٍ ابْنٌ، وَفِي حَالٍ بِنْتٌ، وَلِلْبِنْتِ فِي الْمِيرَاثِ نِصْفُ الِابْنِ فَيُجْعَلُ لَهُ نِصْفُ كُلِّ حَالٍ فَيَكُونُ لَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ نَصِيبِ ابْنٍ فَيُضْرَبُ مُخْرَجُ الرُّبُعِ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ فِي سَهْمٍ، وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ سَهْمٍ يَحْصُلُ سَبْعَةٌ فَلِلْخُنْثَى ثَلَاثَةٌ وَلِلِابْنِ أَرْبَعَةٌ. وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْخُنْثَى لَوْ كَانَ ذَكَرًا كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى أَثْلَاثًا فَاحْتَجْنَا إلَى حِسَابٍ لَهُ نِصْفٌ وَثُلُثٌ صَحِيحٌ وَأَقَلُّ ذَلِكَ سِتَّةٌ، فَفِي حَالِ الْمَالِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَفِي حَالٍ أَثْلَاثًا سَهْمَانِ لِلْخُنْثَى وَأَرْبَعَةٌ لِلِابْنِ، فَسَهْمَانِ لِلْخُنْثَى ثَابِتَانِ بِيَقِينٍ، وَالسَّهْمُ الزَّائِدُ وَقَعَ فِيهِ الشَّكُّ فَيَتَنَصَّفُ فَيَكُونُ لَهُ سَهْمَانِ وَنِصْفُ سَهْمٍ، وَلَزِمَ الْكَسْرُ النِّصْفِيُّ فَيُضَعَّفُ لِيَزُولَ الْكَسْرُ فَصَارَ الْحِسَابُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِلْخُنْثَى خَمْسَةٌ وَلِلِابْنِ سَبْعَةٌ. وَفِي تَأْخِيرِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إشَارَةٌ مِنْ الْمُصَنِّفِ إلَى اخْتِيَارِهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ مُتَّفِقُونَ عَلَى تَقْلِيلِ نَصِيبِهِ، وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ أَقَلُّ مِمَّا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ بِسَهْمٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَثَمَانِينَ سَهْمًا. وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ أَنْ تُضْرَبَ السَّبْعَةُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ حَيْثُ لَا مُوَافَقَةَ بَيْنَهُمَا يَبْلُغُ الْمَجْمُوعُ أَرْبَعَةً وَثَمَانِينَ، ثُمَّ اضْرِبْ حِصَّةَ مَنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ السَّبْعَةِ فِي اثْنَيْ عَشَرَ وَحِصَّةُ الْخُنْثَى مِنْهُ ثَلَاثَةٌ فَاضْرِبْهُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ يَبْلُغُ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ، وَاضْرِبْ حِصَّةَ مَنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ فِي السَّبْعَةِ، وَلِلْخُنْثَى مِنْهُ خَمْسَةٌ فَاضْرِبْهُ فِي سَبْعَةٍ يَكُونُ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ، فَظَهَرَ أَنَّ التَّفَاوُتَ بِسَهْمٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَثَمَانِينَ، كَذَا أَفَادَهُ الْإِمَامُ حُمَيْدُ الدِّينِ. (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحَاجَةَ هَاهُنَا إلَى إثْبَاتِ الْمَالِ ابْتِدَاءً) ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ سَبَبِ اسْتِحْقَاقِهِ بِالذُّكُورَةِ أَوْ الْأُنُوثَةِ، وَلَا شَيْءَ مِنْهُمَا بِمَعْلُومٍ، وَإِثْبَاتُ الْمَالِ ابْتِدَاءً بِدُونِ سَبَبٍ مُحَقَّقٍ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى الْمُتَيَقَّنِ (وَالْأَقَلُّ وَهُوَ مِيرَاثُ الْأُنْثَى مُتَيَقَّنٌ بِهِ) فَأَوْجَبْنَاهُ كَمَا إذَا كَانَ إثْبَاتُهُ بِطَرِيقٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِالْمُتَيَقَّنِ بِهِ دُونَ الْمَشْكُوكِ إلَى أَنْ يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى الزَّائِدِ، فَإِنَّ مَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَرَاهِمُ يُحْكَمُ لَهُ بِالثَّلَاثَةِ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى الزَّائِدِ؛ لِكَوْنِ الْأَوَّلِ مُتَيَقَّنًا بِهِ دُونَ الزِّيَادَةِ. لَا يُقَالُ: سَبَبُ اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ هُوَ الْقَرَابَةُ وَهِيَ ثَابِتَةٌ بِيَقِينٍ فِي الْخُنْثَى، وَالْجَهَالَةُ وَقَعَتْ فِي الْقِسْمَةِ بَقَاءً فَلَا يَمْتَنِعُ الْوُجُوبُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَيْسَ الْكَلَامُ فِي اسْتِحْقَاقِ أَصْلِ الْمِيرَاثِ، وَإِنَّمَا

إذَا كَانَ الشَّكُّ فِي وُجُوبِ الْمَالِ بِسَبَبٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ فِيهِ بِالْمُتَيَقَّنِ، كَذَا هَذَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ نَصِيبُهُ الْأَقَلَّ لَوْ قَدَّرْنَاهُ ذَكَرًا فَحِينَئِذٍ يُعْطَى نَصِيبَ الِابْنِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ لِكَوْنِهِ مُتَيَقَّنًا بِهِ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْوَرَثَةُ زَوْجًا، وَأُمًّا وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ هِيَ خُنْثَى أَوْ امْرَأَةً وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ هِيَ خُنْثَى. فَعِنْدَنَا فِي الْأُولَى لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي لِلْخُنْثَى، وَفِي الثَّانِيَةِ لِلْمَرْأَةِ الرُّبْعُ وَلِلْأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي لِلْخُنْثَى لِأَنَّهُ أَقَلُّ النَّصِيبَيْنِ فِيهِمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQهُوَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمِقْدَارِ، وَسَبَبُهُ الذُّكُورَةُ أَوْ الْأُنُوثَةُ، وَلَا شَيْءَ مِنْهُمَا بِمُتَيَقَّنٍ بِهِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يُصِيبَهُ الْأَقَلُّ لَوْ قَدَّرْنَاهُ ذَكَرًا) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ مِيرَاثُ الْأُنْثَى مُتَيَقَّنٌ بِهِ: يَعْنِي أَوْجَبْنَا لِلْخُنْثَى مِيرَاثَ الْأُنْثَى الْمُتَيَقَّنِ، وَمَا تَجَاوَزْنَا عَنْهُ إلَى نَصِيبِ الذَّكَرِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ ابْتِدَاءً لَا يَجِبُ بِالشَّكِّ إلَّا أَنْ يُصِيبَ الْخُنْثَى أَقَلَّ مِنْ نَصِيبِ الْأُنْثَى إنْ قَدَّرْنَاهُ ذَكَرًا فَحِينَئِذٍ يُعْطَى نَصِيبَ الِابْنِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ لِكَوْنِهِ مُتَيَقَّنًا بِهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ زَوْجًا وَأُمًّا وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ هِيَ خُنْثَى؛ فَإِنْ قَدَّرْنَا الْخُنْثَى أُنْثَى كَانَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِلْخُنْثَى النِّصْفُ وَالْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ وَتَعُولُ إلَى ثَمَانِيَةٍ، وَإِنْ قَدَّرْنَاهُ ذَكَرًا كَانَ لَهُ الْبَاقِيَ بَعْدَ نَصِيبِ الزَّوْجِ وَثُلُثُ الْأُمِّ وَهُوَ السُّدُسُ وَهُوَ أَقَلُّ فَقَدَّرْنَاهُ ذَكَرًا، وَإِذَا تَرَكَ امْرَأَةً وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ هِيَ خُنْثَى، لِلْمَرْأَةِ الرُّبُعُ وَلِبَنِي الْأَخْيَافِ الثُّلُثُ، فَإِنْ قَدَّرْنَا الْخُنْثَى أُنْثَى تَرِثُ النِّصْفَ تَكُونُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ وَتَعُولُ إلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ لَهَا سِتَّةٌ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَإِنْ قَدَّرْنَاهُ ذَكَرًا كَانَ لَهُ خَمْسَةٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ وَهُوَ أَقَلُّ فَقَدَّرْنَاهُ ذَكَرًا، وَلَوْ مَاتَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجًا وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ وَخُنْثَى لِأَبٍ كَانَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ النِّصْفُ وَلَا شَيْءَ لِلْخُنْثَى، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْعُلَمَاءِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ أَقَلُّ لِنَصِيبَيْنِ أَسْوَأُ الْحَالَيْنِ وَهُوَ مَذْهَبُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ الْخُنْثَى مِمَّنْ يُتَوَهَّمُ اسْتِبَانَةُ أَمْرِهِ فِي الْمَآلِ كَيْفَ يَكُونُ حَالُهُ فِي الْمِيرَاثِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكِتَابِ. قُلْت: كَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْبَحْثِ بِقَوْلِهِ وَهُوَ أُنْثَى عِنْدَهُ فِي الْمِيرَاثِ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ غَيْرُ ذَلِكَ، يُشِيرُ إلَى أَنَّ الثُّلُثَيْنِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ تُدْفَعُ إلَى الِابْنِ وَالثُّلُثُ إلَى الْخُنْثَى، وَعَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُهُمْ؛ لِأَنَّ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِ الِابْنِ لِجَمِيعِ الْمَالِ مَعْلُومٌ وَهُوَ الْبُنُوَّةُ، وَإِنَّمَا يُنْتَقَصُ مِنْ ذَلِكَ لِمُزَاحَمَةِ حَقِّ الْغَيْرِ، وَحَيْثُ جَعَلْنَا الْخُنْثَى أُنْثَى مَا زَحَمَهُ إلَّا فِي الثُّلُثِ فَبَقِيَ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ مُسْتَحَقًّا لَهُ، وَهَلْ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْكَفِيلُ؟ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: هُوَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا دَفَعَ الْمَالَ إلَى الْوَارِثِ الْمَعْرُوفِ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ كَفِيلًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعِنْدَهُمَا يُحْتَاطُ فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ مِنْهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُحْتَاطُ فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ مِنْهُ هَاهُنَا عِنْدَهُمْ جَمِيعًا، وَإِنَّمَا لَمْ يُجَوِّزْ أَبُو حَنِيفَةَ هُنَاكَ لِلْمَجْهُولِ، وَهُنَا إنَّمَا يَأْخُذُ الْكَفِيلُ لِلْمَعْلُومِ وَهُوَ طَرِيقٌ مُسْتَقِيمٌ يَصُونُ بِهِ الْقَاضِي قَضَاءَهُ وَيَنْظُرُ لِمَنْ هُوَ عَاجِزٌ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ وَهُوَ الْخُنْثَى فَيَأْخُذُ مِنْ الِابْنِ كَفِيلًا لِذَلِكَ؛ فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْخُنْثَى ذَكَرٌ اسْتَرَدَّ ذَلِكَ مِنْ أَخِيهِ، وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أُنْثَى فَالْمَقْبُوضُ سَالِمٌ لِلِابْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ يَدْفَعُ الثُّلُثَ إلَى الْخُنْثَى وَالنِّصْفَ إلَى الِابْنِ وَيُوقَفُ السُّدُسُ إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِهَذَا السُّدُسِ مِنْهُمَا مَجْهُولٌ فَيُوقَفُ إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ الْمُسْتَحِقُّ كَمَا فِي الْحَمْلِ وَالْمَفْقُودِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسَائِلُ شَتَّى) قَالَ (وَإِذَا قُرِئَ عَلَى الْأَخْرَسِ كِتَابُ وَصِيَّتِهِ فَقِيلَ لَهُ أَنَشْهَدُ عَلَيْك بِمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ فَأَوْمَأَ بِرَأْسِهِ: أَيْ نَعَمْ أَوْ كَتَبَ، فَإِذَا جَاءَ مِنْ ذَلِكَ مَا يُعْرَفُ أَنَّهُ إقْرَارٌ فَهُوَ جَائِزٌ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الَّذِي يُعْتَقَلُ لِسَانُهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْمُجَوِّزَ إنَّمَا هُوَ الْعَجْزُ وَقَدْ شَمِلَ الْفَصْلَيْنِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَصْلِيِّ وَالْعَارِضِيِّ كَالْوَحْشِيِّ وَالْمُتَوَحِّشِ مِنْ الْأَهْلِيِّ فِي حَقِّ الذَّكَاةِ، وَالْفَرْقُ لِأَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّ الْإِشَارَةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ إذَا صَارَتْ مَعْهُودَةً مَعْلُومَةً وَذَلِكَ فِي الْأَخْرَسِ دُونَ الْمُعْتَقَلِ لِسَانُهُ. حَتَّى لَوْ امْتَدَّ ذَلِكَ وَصَارَتْ لَهُ إشَارَاتٌ مَعْلُومَةٌ قَالُوا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأَخْرَسِ، وَلِأَنَّ التَّفْرِيطَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ حَيْثُ أَخَّرَ الْوَصِيَّةَ إلَى هَذَا الْوَقْتِ، أَمَّا الْأَخْرَسُ فَلَا تَفْرِيطَ مِنْهُ، وَلِأَنَّ الْعَارِضِيَّ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ دُونَ الْأَصْلِيِّ فَلَا يَنْقَاسَانِ، وَفِي الْآبِدَةِ عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَسَائِلُ شَتَّى) قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا أَنَّ ذِكْرَ مَسَائِلَ شَتَّى أَوْ مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ أَوْ مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ دَأْبِ الْمُصَنِّفِينَ لِتَدَارُكِ مَا لَمْ يُذْكَرْ فِيمَا كَانَ يَحِقُّ ذِكْرُهُ فِيهِ. قَوْلُهُ (فَإِذَا جَاءَ مِنْ ذَلِكَ مَا يُعْرَفُ أَنَّهُ إقْرَارٌ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ مَا يَجِيءُ مِنْ الْأَخْرَسِ وَمُعْتَقَلِ اللِّسَانِ عَلَى نَوْعَيْنِ: أَحَدِهِمَا: مَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ دَلَالَةَ الْإِنْكَارِ مِثْلَ أَنْ يُحَرِّكَ رَأْسَهُ عَرْضًا. وَالثَّانِي: مَا يَكُونُ مِنْهُ دَلَالَةُ الْإِقْرَارِ بِأَنْ يُحَرِّكَ رَأْسَهُ طُولًا إذَا كَانَ مِنْهُ مَعْهُودًا فِي نَعَمْ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الَّذِي يُعْتَقَلُ لِسَانُهُ) عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ يُقَالُ اُعْتُقِلَ لِسَانُهُ بِضَمِّ التَّاءِ: إذَا حُبِسَ عَنْ الْكَلَامِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (حَتَّى لَوْ امْتَدَّ) أَرَادَ بِهِ سَنَةً كَذَا ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: إنْ دَامَتْ الْعُقْلَةُ إلَى وَقْتِ مَوْتِهِ يَجُوزُ إقْرَارُهُ بِالْإِشَارَةِ، وَيَجُوزُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ النُّطْقِ بِمَعْنَى لَا يُرْجَى زَوَالُهُ فَكَانَ كَالْأَخْرَسِ. قَالُوا: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَقَوْلُهُ (وَفِي الْآبِدَةِ عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ) وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ «أَنَّ بَعِيرًا مِنْ إبِلِ الصَّدَقَاتِ نَدَّ فَرَمَاهُ

قَالَ (وَإِذَا كَانَ الْأَخْرَسُ يَكْتُبُ كِتَابًا أَوْ يُومِئُ إيمَاءً يُعْرَفُ بِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ نِكَاحُهُ وَطَلَاقُهُ وَعَتَاقُهُ وَبَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَيُقْتَصُّ لَهُ وَمِنْهُ، وَلَا يُحَدُّ وَلَا يُحَدُّ لَهُ) أَمَّا الْكِتَابَةُ فَلِأَنَّهَا مِمَّنْ نَأَى بِمَنْزِلَةِ الْخِطَابِ مِمَّنْ دَنَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَدَّى وَاجِبَ التَّبْلِيغِ مَرَّةً بِالْعِبَارَةِ وَتَارَةً بِالْكِتَابَةِ إلَى الْغُيَّبِ، وَالْمُجَوِّزُ فِي حَقِّ الْغَائِبِ الْعَجْزُ وَهُوَ فِي حَقِّ الْأَخْرَسِ أَظْهَرُ وَأَلْزَمُ. ثُمَّ الْكِتَابُ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ: مُسْتَبِينٌ مَرْسُومٌ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ النُّطْقِ فِي الْغَائِبِ وَالْحَاضِرِ عَلَى مَا قَالُوا. وَمُسْتَبِينٌ غَيْرُ مَرْسُومٍ كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْجِدَارِ وَأَوْرَاقِ الْأَشْجَارِ، وَيَنْوِي فِيهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ صَرِيحِ الْكِتَابَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ. وَغَيْرُ مُسْتَبِينٍ كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْهَوَاءِ وَالْمَاءِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ كَلَامٍ غَيْرِ مَسْمُوعٍ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْحُكْمُ. وَأَمَّا الْإِشَارَةُ فَجُعِلَتْ حُجَّةً فِي حَقِّ الْأَخْرَسِ فِي حَقِّ هَذِهِ الْأَحْكَامِ لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَلَا تَخْتَصُّ بِلَفْظٍ دُونَ لَفْظٍ، وَقَدْ تَثْبُتُ بِدُونِ اللَّفْظِ. وَالْقِصَاصُ حَقُّ الْعَبْدِ أَيْضًا، وَلَا حَاجَةَ إلَى الْحُدُودَ لِأَنَّهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَلِأَنَّهَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَلَعَلَّهُ كَانَ مُصَدِّقًا لِلْقَاذِفِ فَلَا يُحَدُّ لِلشُّبْهَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQرَجُلٌ وَسَمَّى فَقَتَلَهُ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: إنَّ لَهَا أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَإِذَا فَعَلَتْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَافْعَلُوا بِهَا كَمَا فَعَلْتُمْ بِهَذَا ثُمَّ كُلُوهُ» وَقَوْلُهُ (وَلَا يُحَدُّ) أَيْ الْأَخْرَسُ إذَا قَذَفَ بِالْإِشَارَةِ أَوْ الْكِتَابَةِ (وَلَا يُحَدُّ لَهُ) إذَا كَانَ مَقْذُوفًا. وَقَوْلُهُ (وَهُوَ) أَيْ الْعَجْزُ (فِي حَقِّ الْأَخْرَسِ أَظْهَرُ مِنْهُ فِي حَقِّ الْغَائِبِ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْغَائِبِ الْحُضُورُ، وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْأَخْرَسِ عَدَمُ زَوَالِ خَرَسِهِ. فَلَمَّا قُبِلَ الْكِتَابُ فِي حَقِّ الْغَائِبِ فِي ثُبُوتِ الْأَحْكَامِ مَعَ رَجَاءِ الْحُضُورِ، فَلَأَنْ يُقْبَلَ فِي حَقِّ الْأَخْرَسِ مَعَ الْيَأْسِ عَنْ زَوَالِ الْخَرَسِ أَوْلَى. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ الْكِتَابُ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ: مُسْتَبِينٌ) احْتِرَازٌ عَنْ غَيْرِ الْمُسْتَبِينِ وَهُوَ الْكِتَابُ عَلَى الْهَوَاءِ، وَإِمَّا مَرْسُومٌ: أَيْ مُعَنْوَنٌ: أَيْ مُصَدَّرٌ بِالْعُنْوَانِ وَهُوَ أَنْ يَكْتُبَ فِي صَدْرِهِ مِنْ فُلَانٍ إلَى فُلَانٍ، وَبِمَا ذَكَرْنَا عُلِمَ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ وَالْحُكْمُ فِي كُلٍّ مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ. وَقَوْلُهُ (وَيُنْوَى فِيهِ) أَيْ يُطْلَبُ مِنْهُ النِّيَّةُ فِيهِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ صَرِيحِ الْكِتَابَةِ) أَيْ: الْكِتَابَةِ الْقَوْلِيَّةِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ بَائِنٌ وَأَمْثَالِهِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا تَخْتَصُّ بِلَفْظٍ دُونَ لَفْظٍ) فَإِنَّهُ كَمَا يَثْبُتُ بِالْعَرَبِيِّ يَثْبُتُ بِغَيْرِهِ (وَقَدْ تَثْبُتُ بِغَيْرِ لَفْظٍ)

وَلَا يُحَدُّ أَيْضًا بِالْإِشَارَةِ فِي الْقَذْفِ لِانْعِدَامِ الْقَذْفِ صَرِيحًا وَهُوَ الشَّرْطُ. ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ أَنَّ الْحَدَّ لَا يَثْبُتُ بِبَيَانٍ فِيهِ شُبْهَةٌ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ شَهِدُوا بِالْوَطْءِ الْحَرَامِ أَوْ أَقَرَّ بِالْوَطْءِ الْحَرَامِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ، وَلَوْ شَهِدُوا بِالْقَتْلِ الْمُطْلَقِ أَوْ أَقَرَّ بِمُطْلَقِ الْقَتْلِ يَجِبُ الْقِصَاصُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَفْظُ التَّعَمُّدِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقِصَاصَ فِيهِ مَعْنَى الْعِوَضِيَّةِ لِأَنَّهُ شُرِعَ جَابِرًا فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ مَعَ الشُّبْهَةِ كَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ الَّتِي هِيَ حَقُّ الْعَبْدِ. أَمَّا الْحُدُودُ الْخَالِصَةُ لِلَّهِ تَعَالَى فَشُرِعَتْ زَوَاجِرَ وَلَيْسَ فِيهَا مَعْنَى الْعِوَضِيَّةِ فَلَا تَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ. وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَنَّ الْكِتَابَ مِنْ الْغَائِبِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي قِصَاصٍ يَجِبُ عَلَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ هُنَا كَذَلِكَ فَيَكُونُ فِيهِمَا رِوَايَتَانِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُفَارِقًا لِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَى نُطْقِ الْغَائِبِ فِي الْجُمْلَةِ لِقِيَامِ أَهْلِيَّةِ النُّطْقِ، وَلَا كَذَلِكَ الْأَخْرَسُ لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَى النُّطْقِ لِلْآفَةِ الْمَانِعَةِ، وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْإِشَارَةَ مُعْتَبَرَةٌ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكِتَابَةِ، بِخِلَافِ مَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ الْإِشَارَةُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكِتَابَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ: بِفِعْلٍ يَدُلُّ عَلَى الْقَوْلِ كَالتَّعَاطِي. وَقَوْلُهُ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ هُنَا كَذَلِكَ) أَيْ: لَا يَكُونُ حُجَّةً (فَيَكُونُ فِيهِمَا) أَيْ: فِي الْأَخْرَسِ وَالْغَائِبِ الْغَيْرِ الْأَخْرَسِ رِوَايَتَانِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ) أَيْ: الْإِشَارَةَ عَلَى تَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ.

لِأَنَّهُ حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ، وَلَا ضَرُورَةَ لِأَنَّهُ جَمَعَ هَاهُنَا بَيْنَهُمَا فَقَالَ: أَشَارَ أَوْ كَتَبَ، وَإِنَّمَا اسْتَوَيَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ، وَفِي الْكِتَابَةِ زِيَادَةُ بَيَانٍ لَمْ يُوجَدْ فِي الْإِشَارَةِ، وَفِي الْإِشَارَةِ زِيَادَةُ أَثَرٍ لَمْ يُوجَدْ فِي الْكِتَابِ لَمَّا أَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى النُّطْقِ مِنْ آثَارِ الْأَقْلَامِ فَاسْتَوَيَا (وَكَذَلِكَ الَّذِي صَمَتَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ لِعَارِضٍ) لِمَا بَيَّنَّا فِي الْمُعْتَقَلِ لِسَانُهُ أَنَّ آلَةَ النُّطْقِ قَائِمَةٌ، وَقِيلَ هَذَا تَفْسِيرٌ لِمُعْتَقَلِ اللِّسَانِ. قَالَ (وَإِذَا كَانَتْ الْغَنَمُ مَذْبُوحَةً وَفِيهَا مَيْتَةٌ فَإِنْ كَانَتْ الْمَذْبُوحَةُ أَكْثَرَ تَحَرَّى فِيهَا وَأَكَلَ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَيْتَةُ أَكْثَرَ أَوْ كَانَا نِصْفَيْنِ لَمْ يَأْكُلْ) وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْحَالَةُ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ. أَمَّا فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ يَحِلُّ لَهُ التَّنَاوُلُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ. لِأَنَّ الْمَيْتَةَ الْمُتَيَقَّنَةَ تَحِلُّ لَهُ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ، فَاَلَّتِي تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ ذَكِيَّةً أَوْلَى، غَيْرَ أَنَّهُ يَتَحَرَّى لِأَنَّهُ طَرِيقٌ يُوَصِّلُهُ إلَى الذَّكِيَّةِ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ) أَيْ مُحَمَّدًا (جَمَعَ هُنَا) أَيْ: فِي الْكِتَابِ (بَيْنَهُمَا) بِقَوْلِهِ يَكْتُبُ كِتَابًا أَوْ يُومِئُ إيمَاءً. وَقَوْلُهُ (وَفِي الْكِتَابَةِ زِيَادَةُ بَيَانٍ لَمْ تُوجَدْ فِي الْإِشَارَةِ) ؛ لِأَنَّ فَضْلَ الْبَيَانِ فِي الْكِتَابَةِ مَعْلُومٌ حِسًّا وَعِيَانًا حَيْثُ يُفْهَمُ مِنْهُ الْمَقْصُودُ بِلَا شُبْهَةٍ، بِخِلَافِ الْإِشَارَةِ فَإِنَّ فِيهَا نَوْعَ إبْهَامٍ. (وَفِي الْإِشَارَةِ زِيَادَةُ أَثَرٍ لَمْ تُوجَدْ فِي الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ: الْإِشَارَةَ (أَقْرَبُ إلَى النُّطْقِ مِنْ آثَارِ الْأَقْلَامِ) ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْكِتَابَةِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِآثَارِ الْأَقْلَامِ وَهِيَ مُنْفَصِلَةٌ عَنْ آثَارِ الْمُتَكَلِّمِ. وَأَمَّا الْعِلْمُ الْحَاصِلُ بِالْإِشَارَةِ فَحَاصِلٌ بِمَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِالْمُتَكَلِّمِ وَهُوَ إشَارَتُهُ بِيَدِهِ أَوْ رَأْسِهِ، وَالْمُتَّصِلُ بِالْمُتَكَلِّمِ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ فَكَانَ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا الَّذِي صَمَتَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الَّذِي يُعْتَقَلُ لِسَانُهُ: أَيْ: لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ بِأَنْ أَوْمَأَ بِرَأْسِهِ أَيْ: نَعَمْ أَوْ كَتَبَ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَتْ الْغَنَمُ مَذْبُوحَةً إلَخْ) ظَاهِرٌ وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الثِّيَابِ، فَإِنَّ الْمُسَافِرَ إذَا كَانَ مَعَهُ ثَوْبَانِ: أَحَدُهُمَا نَجِسٌ، وَالْآخَرُ طَاهِرٌ وَلَا يُمَيِّزُ بَيْنَهُمَا وَلَيْسَ مَعَهُ ثَوْبٌ غَيْرُهُمَا فَإِنَّهُ يَتَحَرَّى وَيُصَلِّي فِي الَّذِي يَقَعُ تَحَرِّيهِ أَنَّهُ طَاهِرٌ، فَقَدْ جُوِّزَ التَّحَرِّي هُنَاكَ فِيمَا إذَا كَانَ الثَّوْبُ النَّجِسُ وَالثَّوْبُ الطَّاهِرُ نِصْفَيْنِ، وَفِي الذَّكِيَّةِ وَالْمَيْتَةِ لَمْ يَجُزْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ وَجْهَ الْفَرْقِ هُوَ أَنَّ حُكْمَ الثِّيَابِ أَخَفُّ مِنْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الثِّيَابَ لَوْ كَانَتْ كُلُّهَا نَجِسَةً كَانَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَعْضِهَا ثُمَّ لَا يُعِيدَ صَلَاتَهُ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى الصَّلَاةِ فِيهَا، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْغَنَمِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الرَّجُلَ

يَتْرُكُهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ وَإِنْ كَانَتْ الْمَذْبُوحَةُ أَكْثَرَ لِأَنَّ التَّحَرِّيَ دَلِيلٌ ضَرُورِيٌّ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَلَا ضَرُورَةَ لِأَنَّ الْحَالَةَ حَالَةُ الِاخْتِيَارِ. وَلَنَا أَنَّ الْغَلَبَةَ تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الضَّرُورَةِ فِي إفَادَةِ الْإِبَاحَةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ أَسْوَاقَ الْمُسْلِمِينَ لَا تَخْلُو عَنْ الْمُحَرَّمِ الْمَسْرُوقِ وَالْمَغْصُوبِ وَمَعَ ذَلِكَ يُبَاحُ التَّنَاوُلُ اعْتِمَادًا عَلَى الْغَالِبِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقَلِيلَ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَلَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ دَفْعًا لِلْحَرَجِ كَقَلِيلِ النَّجَاسَةِ وَقَلِيلِ الِانْكِشَافِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا نِصْفَيْنِ أَوْ كَانَتْ الْمَيْتَةُ أَغْلَبَ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إلَّا ثَوْبٌ نَجِسٌ فَإِنْ كَانَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ نَجِسًا وَرُبْعُهُ طَاهِرٌ يُصَلِّي فِيهِ، وَلَا يُصَلِّي عُرْيَانًا بِالْإِجْمَاعِ، فَلَمَّا جَازَتْ صَلَاتُهُ فِيهِ وَهُوَ نَجِسٌ بِيَقِينٍ فَلَأَنْ تَجُوزَ بِالتَّحَرِّي حَالَةَ الِاشْتِبَاهِ أَوْلَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

§1/1